الكتاب: السقيفة وفدك
المؤلف: الجوهري
الجزء:
الوفاة: ٣٢٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق: تقديم وجمع وتحقيق : الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة: شركة الكتبي للطباعة والنشر - بيروت - لبنان
الناشر: شركة الكتبي للطباعة والنشر - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: الطبعة الأولى ١٤٠١ ه‍ - ١٩٨٠ م / الطبعة الثانية ١٤١٣ ه‍ . ١٩٩٣ م

السقيفة وفدك
1

السقيفة وفدك
لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري البصري
البغدادي المتوفى - 323 ه‍
رواية
عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي المتوفى
656 ه‍
تقديم وجمع وتحقيق
الدكتور الشيخ
محمد هادي الأميني
شركة الكتبي
للطباعة والنشر
بيروت - لبنان
3

حقوق الطبع والصف محفوظة للناشر
الطبعة الأولى 1401 ه‍ - 1980 م
الطبعة الثانية 1413 ه‍. 1993 م
4

بسم الله الرحمن الرحيم
5

وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب
أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، في
السقيفة وفدك، وأبو بكر الجوهري هذا عالم
محدث، كثير الأدب، ثقة ورع، أثنى عليه
المحدثون، ورووا عنه مصنفاته
ابن أبي الحديد 16 - 210
7

المقدمة
على أثر الظروف القاسية العاتية والحوادث السياسية الدامية
المبيدة... والخلافات المتتالية الهادفة والطالبة للسيطرة والغلبة... التي
اجتازت الوطن العربي، وانتابت العواصم الإسلامية. وفرضت حكومتها
التوسعية على الأمم والشعوب الإسلامية، فأدبتها وشردتها وجعلتها طراق
قددا، وفرقتها وأودعتها متوزعة متفرقة كقصصات الورق... ضاع التراث
الفكري... وانهارت صروح ومعالم الحضارة ودعائمها الثقافية، بصورة
جعل التاريخ تلك الشخصية الإسلامية الزاخرة بالحيوية، واليقظة الروحية
التي غزت العالم من أقصاه إلى أقصاه بالنشاطات الفكرية، والمعالم
الثقافية، تعود إلى الوراء وتفقد خصائصها، وامتيازاتها بشكل عام، ويكتنفها
الجهل والغموض والنسيان.
أجل أن الحوادث الدامية التي انتابت الوطن الإسلامي... تركت في
التراث الفكري، رواسب قاتمة ورضوض جذرية من التقهقر والانحطاط،
وكذلك في الحضارة الإسلامية... لأنها لم تدع للمسلمين في أكثر
الأحايين فرصة التمتع بشئ يسير من الاستقرار والهدوء والراحة والسلامة
والتفرغ للتراث العلمي
لقد توالت على التراث العربي، والمكتبة العربية، نكبات وويلات
9

بسبب المنازعات العقائدية، والأطماع التوسعية التي كانت تنتهي دائما إلى
إحراق وإتلاف الكثير من الكتب النفيسة، وبسبب الغزاة الفاتحين الذين
احتلوا البلاد الإسلامية، وسلبوا ديارها وخربوا معالمها ومآثرها، وكانت
خزائن الكتب، ودور النفائس الفكرية، من جملة ما خربوا ودمروا، لذلك
فإننا في الوقت الحاضر لا نملك إلا الحزن والأسى حينما نتصفح التاريخ
ونقرأ ما جرى على الخزائن والمكتبات من إحراق وإغراق وإتلاف وتدمير،
فقد أقام الفاتحون من الكتب جسرا على نهر دجلة، ورموا الكثير منها في
مواقد المطابخ والاتلاف والحمامات.
والذي نراه اليوم بأيدينا من التراث، ومن كتب الأقدمين لم يكن غير
النزر اليسير من التراث الضخم الفخم الذي تركه السلف لنا، وإننا لنقرأ
أسماء الكثيرين من العلماء، والأدباء، والرواة، والمحدثين، ولا يوجد بين
أيدينا شئ من آثارهم، كما أننا نقرأ أسماء لكثير من المؤلفات والمصنفات
ولا أثر لها في دور الكتب العامة والخاصة.
هذا وبعد هذه المرحلة الأليمة... يأتي دور الغزو الغربي للشرق
فحين بدأ الاستعمار الغربي، يغزو الشرق بحيله ومواعيده الخلابة الفارغة،
اندفعت شرذمة من أذنابه وعيونه لنهب التراث الفكري، واستعمار الجانب
الثقافي، بعد أن تهافت الغرب على نقل العلوم التي اشتغل العرب بها منذ
أبان نهضتهم العلمية، فكان تراثنا العلمي مبعثرا في الآفاق، وموزعا في
الأقطار فمنه جانب في مكاتب الأستانة، وجانب في الاسكوريال، وقسم كبير
في مكتبات أوروبا ومتاحفها، وقد انقضت السنون وتلتها أخواتها، وما زلنا
حتى الساعة هذه نمشي على انتظار ما تجود به علينا أيدي المستشرقين من
هذا التراث الحي الذي فيه النتاج العلمي، والنتاج الأدبي، والنتاج
الروحي. لقد أخذ تراثنا الفكري طريقه إلى الغرب، وشق ركبه إليه منذ
سنين وقرون متمادية، على يد نفر زين له، حب الشهوات من النساء
والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام
والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب.

(1) سورة آل عمران: 14.
10

زين لهم وأغروهم بالأموال، فجمعوا التراث الفكري وشروه ببخس
دراهم معدودة، وأودعوه في الصناديق وحملوه إلى الغرب بشتى الطرق
والوسائل، وهذا كان ديدنهم مدى حياتهم، يبردون إليه النفائس وينقلون إليه
المخطوطات إلى يومنا هذا.
هنا يكشف التاريخ القناع عن وجه واحد من هؤلاء السماسرة، ويعرف
بتاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن بن الحسن بن زيد بن الحسن بن سعيد
الكندي البغدادي الدمشقي المصري المتوفى 613 ه‍، قال ابن خلكان عند
ترجمته له: أوحد عصره في فنون الآداب وعلو السماع، وشهرته تغني عن
الأطناب في وصفه، سافر عن بغداد في شبابه، واستوطن حلب مدة، كان
يبتاع الخليق، ويسافر به إلى بلاد الروم ويعود إليها، ثم انتقل إلى دمشق
وصحب الأمير عز الدين فروخ شاه بن شاهان شاه، وهو ابن أخي السلطان
صلاح الدين، واختص به وتقدم عنده وسافر في صحبته إلى الديار المصرية
واقتنى من كتب خزائنها كل نفيس وعاد إلى دمشق واستوطنها وقصده الناس
وأخذوا عنه.
والله أعلم كم كان لدة؟ أمثال تاج الدين هذا... وكم حملوا إلى الروم
من التراث... ويمكن القول أن العراق... وسورية... كانا أول البلاد
التي فقدت ثروتها الفكرية... لهذا لا تخلو مكتبة كبرى في الغرب من
مجموعة كبيرة تتناول البحث عن تاريخ العرب والإسلام، وما يتصل بها من
آثار وحضارة وأديان ولغات وسياسة وغير ذلك، كما أولوا البحوث الإسلامية
عناية خاصة، وحرصوا أشد الحرص على اكتناز ما يصدر من المطبوعات في
أغلب العواصم العربية والإسلامية، أما ما ينشره المستشرقون من كتب عربية
قديمة في الغرب، فإنهم يتسابقون إلى إحرازه واختزانه والانتفاع به.
ففي سنة 1943 م، أحرزت جامعة - برنستن - مجموعة كبيرة من
المخطوطات العربية يقدر عددها بستة آلاف (6) مخطوط اقتنتها من

(1) وفيات الأعيان 2: 34 نسمة السحر 1: 242 (خ).
11

الأستاذ يهودا البغدادي صفقة واحدة بمبلغ (72 ألف دولار)، ويهودا
المذكور بغدادي الأصل، طاف في بلدان الشرق الأدنى، سيما في مصر
وجمع منها هذه الآلاف من المخطوطات ونقلها إلى أميركا، حيث استقر بها
المقام في مكتبة جامعة برنستن.
ومهما يكن من أمر فالتراث الفكري العربي منذ القرن السابع
الهجري، كان موضع نهب ورق وتدمير وإبادة وتمزيق نفر من أذناب الغرب
وشياطينه.
* * *
أجل إننا نقرأ أسماء الآلاف من العلماء، والرواة، والأدباء، ولا نجد
بين أيدينا شيئا من آثارهم، كما أننا نطالع أسماء لكثير من التصانيف
والموسوعات، ولا أثر لها في خزائن الكتب، ومهم على سبيل المثال، أبي
بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري البصري البغدادي، فقد كان كثير العلم
والرواية والأدب. وصاحب مدرسة ومكتبة وحوزة في البصرة وبغداد...
يجتمع إليه الأدباء والمحدثون وينقلوا ويسجلوا ما يمليه عليهم، أو يستمع
إلى قراءة كتبه ومؤلفاته سنين طويلة...
ولا بد لعالم كهذا تصانيف وكتب ورسائل جمة... غير أن لم يحفظ
التاريخ لنا منه كتاب ولا رسالة ولا ورقة... مع العلم كما سنوقفك عليه من
أن مؤلفاته كانت متداولة وموجودة إلى القرن السابع الهجري، وموضع عناية
المحققين، والمصنفين، بحيث اتخذوها من المراجع الهامة، وحسبوها من
المصادر الإسلامية أو الأدبية الحية. قال عز الدين ابن أبي الحديد عنه: وأبو
بكر الجوهري هذا عالم محدث، كثير الأدب، ثقة، ورع، أثنى عليه
المحدثون، ورووا عنه مصنفاته.
إن هذه الجملة على اختصارها، إن دلت على شئ فإنما تدل على
وجود مصنفات لأبي بكر الجوهري... في شتى المواضيع ومختلف

(1) جولة في دور الكتب الأميركية: 46.
(2) شرح نهج البلاغة 16: 21.
12

البحوث... غير أن التاريخ لم يحتفظ لنا بشئ منها، حتى أن بعضا من
المحققين والمتتبعين رغم البحث والتتبع في كافة مظان خزائن المخطوطات
العربية أعلن أن كثيرا من الكتب التي أصبحت من عداد التراث العربي
المفقود، لا تزال عناوينها ومقتبسات منها محفوظة في سائر المؤلفات، منها
مثلا كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري.
وإذا ما تصفحنا بعض المعاجم والمراجع الأدبية والتاريخية، لوجدناها
زاخرة بروايات وأحاديث تحدث بها أبو بكر الجوهري، أو أملاها على
المؤلفين، ومنها مؤلفات أبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني، وأبي
عبيدة محمد بن عمران المرزباني، وأبي أحمد الحسن بن عبد الله
العسكري الخراساني، وأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، وعز الدين
عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي وغيرهم.
ولما كانت أحاديث وروايات الجوهري، مبثوثة في طيات الكتب
والمعاجم وتعتبر بحق نصوصا تاريخية وأدبية، أخذت على نفسي جمعها
ولمها من ثنايا الكتب وجعلها في كتب خاصة مستقلة باسمه، مع ذكر
المراجع التي نقلت وأخذت منها فكانت مؤلفاته كما يلي:
مؤلفات الجوهري:
تقع تصانيف الجوهري وتنقسم على جوانب شتى، وبحوث مختلفة
من التاريخ، والأدب، والحديث، والتفسير، وكانت على النحو التالي:
أ - أخبار الشعراء:
جمعت فيه ما رواه أبو الفرج الأصفهاني عن أبي بكر الجوهري، من
أحاديث وأخبار الشعراء في كتابيه (الأغاني) و (مقاتل الطالبيين).
ب - السقيفة وفدك:
ويحتوي على جميع النصوص التي ذكرها ابن أبي الحديد، في كتابه

(1) الغارات 1: عو - المقدمة - ط إيران سنة 1395 ه‍ تحقيق وتقديم المرحوم العلامة مير
جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث. ويقع في مجلدين 372 + 749.
13

(شرح نهج البلاغة) عن كتاب السقيفة لأبي الجوهري، حسب ما كانت
في خزانة كتبه من نسخة، وكذا نسخة أخرى منه في مكتبة بهاء الدين أبي
الحسن علي الإربلي البغدادي صاحب كتاب (كشف الغمة).
ج - مآخذ العلماء على الشعراء:
ويضم ما ذكره أبو عبيد الله محمد المرزباني، في كتابه (الموشح) عن
أبي بكر الجوهري، وهي مآخذ كتبها الجوهري، إلى المرزباني، وهي
مآخذ العلماء على الشعراء في عدة أنواع من صناعة الشعر... وأسأل الله
جل شأنه... التوفيق والصحة والعون والعمر... في إخراج الجميع وطبعه
ونشره إنه ولي التوفيق.
هذا وحدثني الفقيه آية الله العظمى السيد شهاب الدين النجفي
المرعشي... أنه شاهد في مكتبة المرحوم العلامة الشيخ محمد
السماوي النجفي كتابا لأبي بكر الجوهري، في علوم القرآن، وفي الأغاني
أحاديث وروايات قرآنية جاءت عن الجوهري، تثبت هذا الرأي، وتصحح
وجود كتابه له في القرآن.
مشايخه في الرواية:
يروي أبو بكر الجوهري، في كتابه عن رجال أجمعت أئمة الجرح
والتعديل على توثيقهم وصدقهم، كما ترجمت لهم أصحاب المعاجم وأثنوا
عليهم، وترجموا لهم وذكروهم بالتقدير والإكبار، وهم من كبار الشيوخ
وفطاحل السنة، لأن المؤلف كان يستقصي في وضع تأليفه الأحاديث من
منابعها السليمة، ويتوخى الأخبار عن مصادرها الموثوقة الشافية حسب
اعتقاده وعلمه، وإن أتى فيه ما يخالفه الحقيقة والواقع في بعض الأحايين،
فذكر أحاديث وأخبار مباينة للحق الصراح، ولذلك أشرنا إليها في الهوامش،
وترجمنا رجال السند، وأقوال أئمة الجرح والتعديل فيهم، لتمتاز الأحاديث
الصحيحة من السقيمة، والمعتمدة من المختلفة، ولينتقى التاريخ عن
14

المختلقات والموضوعات، ويصفى من الشبه والضلالات.
إن التاريخ ينبغي أن يتطهر من زلات الميول والعواطف، ويتجرد عن
الأهواء والاتجاهات الطائفية والسياسية، ويتنزه عن الهوى والأهواء، والحب
والتقليد الذي تبيد في صعيده الحقائق، وتتلاشى في ظلاله الواقع، كل ذلك
لئلا يذهب الحق جفاء، وما يفسد الناس ويصلهم ليمكث
لقد روى المؤلف... في كتابه هذا عن نفر عرفوا بالصدق، والعدل،
والثقة، وكثيرا ما نجده في نقله الحديث يبتدأه بقوله: أخبرنا، حدثني،
حدثنا، أنبأنا، وما أكثرهم مشايخه في الرواية، بيد أنه كثير النقل والرواية
عن:
أ - عمر بن شبة:
أبو زيد عمر بن شبة بن عبيدة بن زيد بن رائطة بن أبي معاذ النميري
البصري النحوي الأخباري البغدادي المتوفى 262.
روى عن أبيه، وعمر بن علي المقدمي، ومسعود بن واصل،
وعبيد بن الطفيل، وعبد الوهاب الثقفي، وحسين الجعفي، وأبي داود
الطيالسي، وأبي أسامة، وبشر بن عمر الزهراني، وابن مهدي، والقطان،
وأبي أحمد الزبيري، وأبي عامر العقدي، وسعيد بن عامر الضبعي، وأبي
بدر شجاع بن الوليد، وأبي عاصم، والأصمعي، وعبد الوهاب الخفاف
وعفان، وعلي بن عاصم، وقريش بن أنس، وغندر، وابن أبي عدي،
ومعاذ بن معاذ، ومعاوية بن هشام القصار، والوليد بن هشام القحذمي، وأبي
زيد الأنصاري، ومسلم بن إبراهيم، فمن بعدهم.

(1) الشذرات 2: 146. الغدير 1: 94. النديم: 125. تهذيب التهذيب 7: 46 وفيه مات
سنة اثنتين ومأتين وهو تصحيف. تاريخ بغداد 11: 8 2. تهذيب الأسماء 2: 16.
معجم الأدباء 16: 6. تذكرة الحفاظ 2: 9. بغية الوعاة: 361. هدية العارفين
1: 78. وفيات الأعيان 3: 44. العبر 1: 362. البداية والنهاية 11: 35.
15

وروى عنه، ابن ماجة، وأبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني،
وأحمد بن يحيى ثعلب النحوي، وأحمد بن يحيى البلاذري، وابن أبي
الدنيا، وأبو نعيم بن عدي، وابن صاعد، وابن أبي حاتم، وإسماعيل بن
العباس الوراق، وأبو الحسن علي بن عيسى الوزير، وأبو بكر محمد بن
جعفر الخرائطي، وأحمد بن إسحاق بن بهلول، وأحمد بن عبد العزيز
الجوهري، وأبو بكر بن أبي داود، وأبو العباس السراج، ومحمد بن زكريا
الدقاق، والحسين بن إسماعيل المحاملي، ومحمد بن أحمد الأثرم،
ومحمد بن مخلد الدوري
قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق صاحب عربية
وأدب، وقال الدارقطني ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مستقيم
الحديث وكان صاحب أدب وشعر وأخبار، ومعرفة بأيام الناس. وقال
الخطيب: كان ثقة عالما بالسير وأيام الناس. وله تصانيف كثيرة وكان قد نزل
في آخر عمره سر من رأى، وقال المرزباني في معجم الشعراء: أديب فقيه
واسع الرواية صدوق ثقة. وقال مسلمة: ثقة أنبأنا عنه المهرواني، وقال
محمد بن سهل: روايته، كان أكثر الناس حديثا وخبرا، وكان صدوقا ذكيا
نزل بغداد عند خراب البصرة
ب - محمد بن زكريا الغلابي:
أبو جعفر محمد بن زكريا بن دينار الغلابي البصري الجوهري
الأخباري، وقيل: أبو عبد الله مات سنة 298.
كان هذا الرجل وجها من وجوه أصحابنا بالبصرة، وكان أخباريا واسع
العلم، وصنف كتبا كثيرة، له كتب منها: الجمل الكبير، والجمل
المختصر، وكتاب صفين الكبير، وكتاب صفين المختصر، مقتل

(1) تهذيب التهذيب 7: 46.
(2) الشذرات 2: 6 2. تنقيح المقال 3: 117. النجاشي: 244. تأسيس الشيعة: 234،
252. ميزان الاعتدال 3: 55. هدية العارفين 2: 23. إيضاح المكنون 2: 286،
289، 9 3، 348، 54، 714. جامع الرواة 2: 114. النديم: 121.
16

الحسين (ع)، كتاب النهر، كتاب الأجواد، كتاب الواقدين، مقتل أمير
المؤمنين (ع)، أخبار زيد، أخبار فاطمة (ع)، كتاب الخيل، قال النديم:
كان ثقة صادقا، روى عن عبد الله بن رجاء الغداني وطبقته، قال ابن حبان:
يعتبر بحديثه، وقال السيد الصدر: أبو عبد الله محمد بن زكريا الغلابي
البصري، إمام أهل السير والآثار والتاريخ والأشعار.
وما جاء في الشذرات من تقييد وفاته 29 ه‍ بعيد عن الصحة،
والصواب ما ذكرناه.
ج - يعقوب بن شبية:
أبو يوسف يعقوب بن شيبة بن الصلت بن عصفور السدوسي البصري
المتوفى 262.
الحافظ أحد الأعلام، وصاحب المسند المعلل، سمع علي بن
عاصم، ويزيد بن هارون، وروح بن عبادة، وعفان بن مسلم، ويعلي بن
عبيد، ومعلى بن منصور، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وأبا النضر
هاشم بن القاسم، وأسور بن عامر، وأبا نعيم، وقبيصة بن عتبة، ويحيى بن
أبي بكر، وحسينا المروزي، ومسلم بن إبراهيم، وأبا الوليد الطيالسي،
ومحمد بن كثير، وأبا مسلمة التبوذكي، وأبا أحمد الزبيري، وأحوص بن
جواب، وخلقا كثيرا من أمثالهم.
روى عنه ابن ابنه محمد بن أحمد بن يعقوب، ويوسف بن يعقوب بن
إسحاق بن البهلول، وكان ثقة، سكن بغداد وحدث بها وصنف، كان في
منزله أربعون لحافا أعدها لمن كان يبيت عنده من الوراقين لتبيض المسند
ونقله، ولزمه على ما خرج من المسند عشرة آلاف دينار، وكان من فقهاء
البغداديين على قول مالك، ومن كبار أصحاب أحمد بن المعدل،

(1) تاريخ بغداد 14: 281. تذكرة الحفاظ 2: 141. البداية والنهاية 11: 35. النجوم
الزاهرة 3: 37. الشذرات 2: 149. كشف الظنون: 1678. هدية العارفين 2: 357.
إيضاح المكنون 2: 482. طبقات الحفاظ: 251.
17

والحارث بن مسكين، وأخذ عن عدة من أصحاب مالك، وكان من ذوي
السرور، كثير الرواية والتصنيف.
د - أحمد بن منصور الرمادي:
أبو بكر أحمد بن منصور بن سيار بن معارك الرمادي المتوفى
265.
حافظ ثقة سمع عبد الرزاق بن همام، وأبا النضر هاشم بن قاسم،
وزيد بن الحباب، ويزيد بن أبي حكيم، وأبا داود الطيالسي، ويزيد بن
هارون، ويحيى بن إسحاق السيلحيني، وأسود بن عامر، ومعاذ بن فضالة،
وعلي بن الجعد، وأبا سلمة التبوذكي، وأبا حذيفة النهدي، وعمرو بن
القاسم بن حكام، والقعني، ونعيم بن حماد المروزي، وسعيد بن أبي
مريم، ويحيى بن بكير، وحرملة بن يحيى، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن
أبي رواء، وعبد الملك بن إبراهيم الجدي، وأبا عاصم النبيل، وعفان بن
مسلم، وعبيد الله بن موسى، ويحيى بن الحماني، وأحمد بن حنبل،
وهناء بن السري، وهارون بن معروف، وعثمان بن عمر بن فارس،
وهشام بن عمار، ورحيما وغيرهم من أهل العراق، والحجاز، واليمن،
والشام، ومصر، وكان قد رحل وأكثر السماع والكتابة وصنف المسند.
كان أثبت من أبي بكر بن أبي شبية، قال الدارقطني: أحمد بن منصور
الرمادي ثقة، توفي سنة 265، وقد استكمل ثلاثا وثمانين سنة، وصلى عليه
إبراهيم بن أرملة الأصبهاني.
ه‍ - مغيرة بن محمد المهلبي:
أبو حاتم مغيرة بن محمد بن المهلب بن المغيرة بن حرب بن
محمد بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي الأزدي المتوفى 378.

(1) تهذيب التهذيب 1: 83. تاريخ بغداد 5: 151. ميزان الاعتدال 1: 158. معجم
البلدان 3: 66. الشذرات 2: 149. طبقات الحفاظ: 251.
(2) تاريخ بغداد 5: 151.
(3) تاريخ بغداد 13: 195. النديم: 121.
18

كان أديبا أخباريا ثقة، حدث عن محمد بن عبد الله الأنصاري،
ومسلم بن إبراهيم الأودي، وعبد الله بن رجاء الغداني، وعبد الغفار بن
محمد الكلابي، وعمر بن عبد الوهاب الرماحي، والنضر بن حماد المهلبي،
وهارون بن موسى الفروي، والنصر بن محمد الأودي، وسليمان
الشاذكوني، وإسحاق بن إبراهيم الموصلي، روى عنه هارون بن محمد بن
عبد الملك الزيات، ومحمد بن خلف بن المرزبان، ويوسف بن يعقوب بن
إسحاق بن البهلول، ومحمد بن يحيى الصولي، وغيرهم وهو من أهل
البصرة، ورد بغداد وحدث بها وقال: دخلت على المتوكل فمثلت بين يديه
قائما، قال فقال: انتسب، فقلت أنا المغيرة بن محمد فقال:
قتل المغيرة بعد طول تعرض للقتل بين أسنة وصفائح
قال: فغمزني سيف حاجبه، فقال لي أجبه، قال فقلت: والله يا أمير
المؤمنين لقد بر قسم أخي يزيد - وكان يزيد حاضرا - حين يقول:
فاحلف حلفه لا أتقيها بخبث * في اليمين ولا ارتياب
لوجهك أحسن الخلفاء وجها * وأسمحهم يدين ولا أحابي
قال: فجعل يردد الشعر حتى حفظه وأجازني بسبعة آلاف درهم.
و - أبو بكر الوزان:
أبو بكر أحمد بن إسحاق بن صالح بن عطاء الوزان البغدادي
المتوفى 281.
حدث ببغداد وسر من رأى، عن مسلم بن إبراهيم الفراهيدي،
والربيع بن يحيى الأشناني، وقرة بن حبيب القنوي، وهريم بن عثمان،
وخالد بن خداش، وعلي بن المديني، وسعد بن محمد الحرمي،
وحبذل بن والق وغيرهم، قال الدارقطني: صدوق لا بأس به. مات بسر من
رأى يوم السبت في أول يوم من المحرم سنة 281.
وله غير هؤلاء من المشايخ الثقات الذين يروي المؤلف عنهم، وقد

(1) تاريخ بغداد 13: 195.
(2) تاريخ بغداد 4: 28.
19

ترجمنا لهم حسب ما جاء في مطاوي الكتاب في الهوامش.
تلاميذه في الرواية:
كما أخذ أبو بكر الجوهري، عن مشايخ الحديث والرواية، ومن الذين
أجمعت أئمة الجرح والتعديل على توثيقهم وضبطهم، كذلك يحدثنا التاريخ
أن نفرا من المحدثين وشيوخ الأدب والشعر والتاريخ قد أخذوا عنه، وضعوا
على ضوء أحاديثه ورواياته، مؤلفاتهم وكتبهم، وهذا إن دل على شئ فإنما
يدل على تضلع الجوهري... وصدقه ووفور علمه وعبقريته، وإنه كان
من كل صوب وحدب، ويأخذون عنه ويسجلون ما يلقيه عليهم من أخبار
وحكايات شتى، وأحاديث مختلفة وقضايا متنوعة، في التاريخ والحديث
والأدب، ولم يأت في كل هذه بما ينكر عليه.
لقد تخرج من مدرسة أبي بكر الجوهري... رجال حفظوا التراث
الإسلامي بثقافتهم، وخلفوا ورائهم ثروة فكرية ضخمة، ومناعة علمية حية،
بحيث أصبحوا من كبار المؤلفين الذين عرفتهم اللغة العربية خلال القرون
المتطاولة، لأن كل واحد منهم كان ذا شخصية ثقافية متعددة الجوانب، كثيرة
المعارف، ويكفينا للتعريف بشخصيته العلمية مؤلفاته التي أصبحت ضالة
كل أديب وعالم ومؤرخ وباحث، وأقوله بصراحة: أن المؤلفين منذ القرن
الرابع الهجري إلى الآن عيال في التاريخ والأدب، على كل واحد تلاميذ
مدرسة الجوهري
وهنا يجدر الإشارة إلى بعض من تلاميذه في الرواية لنقف على مدى
حيوية الشيخ الجوهري، الثقافية ومناعته الفكرية التي أخرجت أمثال هذا
الرعيل من العلماء، فراحوا يثبتون روايتهم عن أحمد بن عبد العزيز
الجوهري في مؤلفاتهم.
1 - أبو الفرج الأصبهاني:
أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن
عبد الرحمان بن مروان بن عبد الله بن مروان المعروف بالحمار، آخر خلفاء
20

الدولة الأموية في الشام، ابن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العباس بن
أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي الأصبهاني، البغدادي
المتوفى 356.
فاضل، علمه محيط ما وجد له قاف، قد جمع الأدب له من طريق هو
نزهة الخليع ونفس ذات عفاف، فكتبه سلوة المهموم، وعلى أغانيه خوافق
القلوب تحوم، وله شعر يستعير منه النسيم اللطف، ويعلم من عكف عليه أنه
جامع الظرف، وأخذ عن كثير من العلماء يطول عددهم، وكان بحرا في
أخبار الناس وأيام العرب وأنسابهم، وأحوال الشعراء الجاهليين
والمخضرمين والمولدين.
وحكى عن الصحاب بن عباد، إنه كان في أسفاره وتنقلاته يستصحب
حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب ليطالعها، فلما وصل إليه كتاب
- الأغاني - لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه استغناء به عنها.
له تآليف مستملحة منها: الأغاني، القيان، الآماء الشواعر،
الديارات، دعوة التجار، أخبار مجظة البرمكي، مقاتل الطالبيين،
الحانات، آداب الغرباء.
أخذ أبو الفرج، عن أبي بكر الجوهري، ونقل وروى عنه الكثير
وتخرج عليه وهذا ما نجده واضحا في كتابيه الأغاني، ومقاتل الطالبيين،
فكثيرا ما يقول: حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري، أو أخبرنا الجوهري،
وهذه العبارات جاءت من المجلد الأول ص 17 من الأغاني، وتكررت في
جميع مجلداته إلى المجلد الأخير، وآخرها ص 181 من المجلد العشرين.

(1) معجم المؤلفين 7: 78. الكنى والألقاب 1: 138. ريحانة الأدب 7: 236. جامع الرواة
2: 9 4. معالم العلماء: 128. تاريخ آداب اللغة 2: 591. مجالس المؤمنين
1: 56. نسمة السحر 2 (خ). سفينة البحار 2: 353.
(2) نسمة السحر ج 2 - حرف العين (خ) -.
21

أما في مقاتل الطالبيين فقد روى عن الجوهري، ونقل عنه في أكثر
صفحات كتابه ونجده ص 171، 188، 189، 19، 191، 235،
236، 237، 238، 239، 24، 241، 244، 245، 246، 247،
248، 268، 269.
وهذا إن دل على شئ، فإنما يدل على أن أبا الفرج كان ملازما
لمجلس الجوهري، يسجل ما يمليه في شيت الجوانب التاريخية والأدبية،
ولعله استفاد من أبي بكر... أكثر مما استفاد من غيره، والغريب جدا أن
مصنف فهارس كتاب الأغاني لم يذكر اسم أحمد بن عبد العزيز
الجوهري، في فهرست أسماء الرجال والنساء والقبائل، مع كثرة ما ورد في
مجلدات الأغاني.
2 - أبو عبيد الله المرزباني:
أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى بن سعيد بين عبيد الله
المرزباني الكاتب الخراساني الأصل البغدادي المولد، والمتوفى 385.
كان صاحب أخبار ورواية للآداب، ثقة في الحديث صادق اللهجة،
واسع المعرفة كثير المساع، صنف كتبا كثيرة مستحسنة في فنون، وكان
ما بين لحاف ودواج معدة لأهل العلم الذين يبيتون عنده، وكان عضد الدولة
البويهي يجتاز على داره فيقف ببابه حتى يخرج إليه فيسلم عليه، وكان أبو
علي الفارسي يقول: هو من محسني الدنيا.
إن كافة أصحاب المعاجم والسير، ترجمت للمرزباني ونصت على

(1) طبع النجف سنة 1385 تقديم المرحوم الأستاذ كاظم المظفر.
(2) طبع ليدن عام 1318.
(3) أخبار السيد الحميري: 7 - 9.
(4) أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الفسوي النحوي المتوفى 377، فارس
ميدان العلم والأدب، والذي ينسل إلى فضله من كل حدب، وكان إمام وقته في علم
النحو.
22

صدقه وتوثيقه وصحة ما يكتبه ويرويه، وله تصانيف كثيرة في أخبار الشعراء
وشعرهم ومنها: أخبار الشعراء المشهورين والمكثرين من المحدثين،
وأنسابهم وأزمانهم، أولهم بشار بن برد وآخرهم ابن المعتز. أخبار أبي
تمام. أخبار أبي مسلم الخراساني. أخبار البرامكة من ابتداء أمرهم إلى
انتهائه. أخبار عبد الصمد بن المعدل الشاعر. أشعار النساء. أشعار الجن.
الأنوار والأثمار فيما قيل في الورد، والنرجس، وجميع الأنوار من الشعر.
الرياض في أخبار المتيمين من الشعراء الجاهليين، والمخضرمين،
والإسلاميين، والمحدثين.
كتاب الأزمنة، كتاب الأوائل في أخبار الفرس القدماء، الموشح فيما
أنكره العلماء على بعض الشعراء من كسر ولحن وعيوب الشعر. أخبار السيد
الحميري، المفيد في أخبار الشعراء وأحوالهم في الجاهلية والإسلام،
ودياناتهم ونحلهم، أخبار النحاة. معجم الشعراء. أخبار الغناء والأصوات.
أخبار المتكلمين. أخبار أبي حنيفة وأصحابه. شعر يزيد بن معاوية. كتاب
التهاني. كتاب المراثي. كتاب التعازي. المديح في الولائم والدعوات
والتراب. أخبار الأولاد والزوجات والأهل. أخبار الزهاد. مختصر أخبار
الشيعة. ملوك كندة. أخبار الأجواء.
إلى غير هذا من الكتب والرسائل، وقد استفاد في وضعه التآليف هذه
من حوزة شيخه وأستاذه أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، كما صرح
بذلك في كتابه الموشح مآخذ العلماء على الشعراء في عدة أنواع من صناعة
الشعر في عدة صفحات منها ص 28، 47، 57، 64، 8، 82، 89،
1 1، 7 1، 8 1، 163، 171، 177، 188، 192، 8 2، 214،
216، 217، 224، 226، 252، 256، 261، 263، 28، 294،
295، 298، 319، 326، 329، 338، 34، 344، 354، 375.

(1) طبع في النجف عام 1385 / 1965 ويقع في 71 صفحة.
(2) طبع في النجف سنة 1388 / 1968 ويقع في 135 صفحة.
(3) طبع بالقاهرة عام 1965 تحقيق علي محمد البجاوي.
23

ففي، هذه الصحائف نجد المرزباني، يصرح باسم الجوهري، ونقله
وروايته عنه، ويقول في بعض الأحايين: كتب إلي أحمد بن عبد العزيز
الجوهري، فبالإضافة إلى الرواية يبدو أن كانت بينهما مراسلات أدبية،
يسأله المرزباني عن قضايا تتعلق بالشعر والشعراء وأخبارهم، وهذا دليل
على علو كعب الجوهري في الأدب والنقد، واطلاعه الواسع على كتب
الأدب، واللغة، والنحو، والنقد.
3 - أبو أحمد العسكري:
أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن إسماعيل بن
زيد بن حكيم العسكري الخراساني المتوفى 382.
كان أحد الأئمة في الأدب والحفظ. وكان رواية للأخبار والنوادر
متوسعا في ذلك، وفي التصريف في أنواع العلوم، والتبحر في فنون الفهوم،
سمع ببغداد، والبصرة، وإصبهان، وغيرها من أبي القاسم البغوي، وأبي
بكر بن دريد، ونفطويه، وغيرهم وأكثر وبالغ في الكتابة واشتهر في الآفاق
بالدراية والاتقان، وانتهت إليه رياسة التحديث والإملاء للآداب والتدريس،
بقطر خوزستان، ورحل إليه الأجلاء، روى عنه أبو نعيم الأصبهاني، وأبي
سعد الماليني وغيرهما.
وكان الصاحب بن عباد، الوزير الأديب المشهور يود الاجتماع به ولا
يجد إليه سبيلا، فقال لأميره مؤيد الدولة بن بويه، إن معسكر مكرم قد
اختلت أحوالها واحتاج إلى كشفها بنفسي فأذن له في ذلك. فلما أتاها توقع
أن يزوره أبو أحمد العسكري فلم يزره، فكتب الصاحب إليه:
ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم * ضعفنا فلم نقدر على الوخدان
أتيناكم من بعد أرض نزوركم * وكم منزل بكر لنا وعوان

(1) معجم المؤلفين 3: 239. ويضاف إلى مصادره، الكنى والألقاب 1: 182.
الأنساب: 39. خزانة الأدب 1: 97. ذكر أخبار إصفهان 1: 272 ريحانة الأدب
4: 136. قاموس الأعلام 4: 3153. راهنمادي دانشوران 2: 17. دائرة المعارف
وجدي 6: 436. تاريخ آداب اللغة 2: 616. الأعلام 2: 211. نوابغ الرواة: 88.
24

نسائكم هل من قرى لنزيلكم * بملء جفون لا بملء جفان
وكتب مع هذه الأبيات شيئا من النثر، فجاد به أبو أحمد عن النثر، بنثر
مثله وعن هذه الأبيات بالبيت المشهور:
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه * وقد حيل بين العير والنزوان
فلما وقف الصاحب على الجواب، عجب من اتفاق هذا البيت له،
وقال: والله لو علمت أنه يقع له هذا البيت لما كتبت إليه على هذا الروي.
وهذا البيت لصخر بن عمرو بن الشريد، أخي الخنساء وهو من جملة
أبيات، فقد كان صخر هذا حضر محاربة بني أسد، فطعنه ربيعة بن ثور
الأسدي، وأمه وزوجته سليمى تمرضانه، فضجرت زوجته منه فمرت بها أمه
فسألتها عن حاله فقالت: ما هو حي فيرجى، ولا ميت فينسى، فسمعها
صخر فأنشد:
أرى أم صخر لا تمل عيادتي * وملت سليمى مضجعي ومكاني
وما كنت أخشى أن أكون جنازة * عليك ومن يغتر بالحدثان
لعمري لقد نبهت من كان نائما * وأسمعت من كانت له أذنان
وأي امرئ ساوى بأم حليلة * فلا عاش إلا في شقي وهوان
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه * وقد حيل بين العير والنزوان
فللموت خبر من حياة كأنها * معرس يعسوب برأس سنان
له تصانيف منها: البديعية. التصحيف، الحكم والأمثال. ديوان
شعر. الزواجر. المنطق. راحة الأرواح. المختلف والمؤتلف. وغير ذلك.
ولد أبو أحمد العسكري شوال 293 ومات من ذي الحجة 382 ه‍، وأخذ
وتتلمذ على أبي بكر الجوهري، وسمع منه وكتب عنه الكثير واعترف به في
تصانيفه وأقر على وثقاته وضبطه، فقال في كتابه شرح ما يقع فيه التصحيف
والتحريف ص 457 ما نصه:
وقرأت على أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، وكان ضابطا
صحيح العلم.
25

4 - أبو القاسم الطبراني:
أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير الطبراني اللخمي
المتوفى 36. من كبار الحفاظ، رحل في طلب الحديث من الشام إلى
العراق، والحجاز، واليمن، ومصر، وغيرها من الأمصار الإسلامية، وسمع
الكثير وعدد شيوخه ألف شيخ، ويقال له مسند الدنيا، يروي عنه أبو نعيم
الأصبهاني، وله مصنفات أشهرها المعاجم الثلاثة: الكبير، والأوسط،
والصغير، الدعاء في مجلد كبير، دلائل النبوة، الأوائل، تفسير القرآن كبير.
أخذ من طائفة كبيرة من العلماء وقرأ عليهم ومنهم الجوهري... فقد
روى عنه وأخذ منه كما صرح بذلك في المعجم الصغير 1: 59.
ولد بطبرية الشام سنة 26 ه‍ وسكن أصبهان إلى أن توفي بها سنة
36، ودفن بقرب حمة الدوسي الصحابي، وصلى عليه أبو نعيم صاحب
حلية الأولياء، وكان له سنة وعشرة أشهر، وكان ثقة صدوقا، واسع
الحفظ بصيرا بالعلل والرجال والأبواب، كثير التصانيف، وأول سماعه في
سنة 273 بطبرية المنسوب إليها، ثم رحل إلى البلدان، وقال ابن ناصر
الدين: هو مسند الآفاق ثقة له المعاجم الثلاثة المنسوبة إليه، وكان يقول عن
الأوسط هو روحي لأنه تعب عليه.
كتاب السقية وفدك:
لم يحتفظ التاريخ لأبي بكر الجوهري البغدادي البصري، كتابا غير
مؤلفه - السقيفة وفدك - وكأن التاريخ أهمل هذا العالم المحدث، مع وفور
علمه وجهاده الفكري، وألقاه في زاوية الخمول والنسيان، فلم يتوجه نحوه
أصحاب المعاجم، ولم يتقرب إلى حوزته رجال البحث والتحقيق، ولذلك

(1) الأعلام 3: 121 ط كبير. تاريخ بن عساكر 6: 24. تذكرة الحفاظ 3: 26. الغدير
1: 195. الكنى والألقاب 2: 443. النجوم الزاهرة 4: 59. وفيات الأعيان 1: 215.
روضات الجنات 4: 79. إنباه الرواة 2: 21. بغية الوعاة: 1 6. تاريخ بغداد 9: 61.
اللباب 1: 171. معجم الأدباء 4: 254. المنتظم 6: 145. الأنساب: 125. نزهة
الألباء: 241. مناقب ابن شهرآشوب 1: 27.
26

لم نجد له في ثنايا المعاجم تراجم شافية ودراسات ضافية، ولعل كتابه هذا
كان الباعث في خموله وخموده.
ومهما يكن من أمر، فقد أهمله رجال الحديث والدراية، مع علمهم
بوجوده وكونه من الرواة والمحدثين، فنجد مثلا ابن حجر العسقلاني...
عندما يترجم في كتابه تهذيب التهذيب لواحد من شيوخ الجوهري، وهو
أبو زيد عمر بن شبة المتوفى 262 ه‍ يذكر الرواة عنه فيقول: روى عنه...
وأحمد بن عبد العزيز الجوهري... ولم يترجم له في حرف الألف من
معجمه، ولا في الكنى والألقاب من كتابه.
مع العلم أن أبا بكر الجوهري... كان في الرعيل الأول من طبقة
المحدثين والرواة الذين أفرد لهم ابن حجر، وغيره في كتبهم تراجم وافية،
وعقد لهم صفحات الثناء والتقدير، وقد سارت بذكره الركبان وكانت له
حلقات حديث ودراية وأدب في الكوفة، والبصرة، وبغداد.
وكان على شاكلته الحافظ أبي أحمد بن علي الخطيب البغدادي،
المتوفى عام 463 ه‍ فلم يترجم له في تاريخه، مع ترجمته لتلميذ الجوهري
أبي الفرج الأصفهاني علي بن الحسين صاحب الأغاني، ومطالعته
لكتاب الأغاني، ومقاتل الطالبيين و... واعترافه بهذه التصانيف التي وقعت
إليه، وفيهما الكثير من عبارات: حدثني أحمد بن عبد العزيز الجوهري...
ومن هنا يحق لنا أن نطالب بالدقة والاتقان في البحث والتأليف في التأريخ،
لأنها أولى مراحل التأليف، ودراسة حياة الرجال من أهم ركائز البحث...
ولعل للخطيب البغدادي... وزميله ابن حجر... عذرا ورأيا محترما في
عدم ذكرهم الجوهري:
لعل لها عذرا وأنت تلوم وكم لائم قد لام وهو مليم
إن التاريخ لم يعهد لأبي بكر... كتابا غير - السقيفة وفدك - وكان
متداولا وموجودا وموضع المطالعة والمراجعة حتى القرن السابع الهجري،

(1) تهذيب التهذيب 7: 46.
(1) تاريخ بغداد 11: 398.
27

إلا أنه فقد بعد هذا التاريخ، ولم نجد إشارة في الفهارس إليه وهذا ما
اعترف وصرح به:
أ - عز الدين عبد الحميد بن محمد بن محمد بن الحسين بن أبي
الحديد المعتزلي المدائني، الأديب المؤرخ الحكيم الشاعر، شارح نهج
البلاغة والمتوفى 655 ه‍، فقد كانت لديه نسخة من الكتاب، وأكثر النقل
عنه فقال: وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن
عبد العزيز الجوهري، في السقيفة وفدك، وأبو بكر الجوهري هذا عالم
محدث، كثير الأدب، ثقة ورع أثنى عليه المحدثون، ورووا عنه.
مصنفاته.
وقال أيضا: وقد ذكرنا ما قاله الجوهري في هذا الباب، وهو من رجال
الحديث ومن الثقات المأمونين.
ب - بهاء الدين أبو الحسن علي بن فخر الدين عيسى بن أبي الفتح
الأربلي البغدادي المتوفى 693 العالم الفاضل المحدث الثقة الشاعر
الأديب المنشئ، جامع الفضائل والمحاسن، كان ذا ثروة وشوكة اشتغل
بالتأليف والتصنيف والعبادة والرياضة، له كتب منها - كشف الغمة في معرفة
الأئمة نقل في كتابه عن كتاب الجوهري فقال: وحيث انتهى بنا القول
إلى هنا فلنذكر خطبة فاطمة (ع) فإنها من محاسن الخطب وبدايعها، عليها
مسحة من نور النبوة، وفيها عبقة من أرج الرسالة، وقد أوردها المؤالف
والمخالف، ونقلتها من كتاب السقيفة عن عمر بن شبة، تأليف أبي بكر
أحمد بن عبد العزيز الجوهري، من نسخة قديمة مقروءة على مؤلفها

(1) شرح ابن أبي الحديد 16: 21.
(2) شرح ابن أبي الحديد 2: 6.
(3) ترجمته في: الكنى والألقاب 2: 18. فوات الوفيات 2: 66. الوافي 12: 135. كشف
الظنون: 1492، 1939. إيضاح المكنون 1: 18. الفوائد الرضوية 1: 314. هدية
العافين 1: 47. روضات الجنات 4: 341. أمل الآمل 2: 195. تأسيس
الشيعة: 13. الذريعة 18: 47. ريحانة الأدب 1: 125. الغدير 5: 446.
(4) طبع في العراق وإيران ولبنان.
28

المذكور، قرأت عليه في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة
(322 ه‍).
وقال أيضا في كتابه: هذه الخطبة نقلتها من كتاب السقيفة، وكانت
النسخة مع قدمها مغلوطة فحققتها من مواضع أخر.
إن النصوص هذه إن دلت على شئ، فإنما تدل على وجود الكتاب
إلى القرن السابع الهجري، كما حدثنا عنه ابن أبي الحديد، والإربلي...
ولما كان الكتاب هذا تراثا فكريا إسلاميا، وسندا تأريخيا كثر النقل عنه
بالواسطة لعدم وجوده، واعتمد على ما ذكره ابن أبي الحديد في شرحه.
لذلك كانت في رغبة ملحة وبواعث جمة في إخراج وإفراز هذه النصوص،
من شرح النهج، وجمعه وأخرجه في كتاب خاص.
فقد سبرت شرح النهج في طبعته الجديدة من المجلد الأول إلى
آخر مجلده ونقلت ما ذكره ابن أبي الحديد، عن كتاب السقيفة وفدك، مع
الإشارة في الهامش إلى المجلد والصفحة، وترجمت لمشايخه وللرواة،
وأدعمت أحاديثه بمصادر ومراجع أخرى، في الحديث والتاريخ، ومنحت
كل رواية إشارة (*)، مع إفراز كل رواية من أختها إلى وضع فهارس فنية
في آخره، وكان من توفيق الله وتسديده أن أخرج الكتاب بهذا النهج الذي
تراه.
ورتبت الكتاب على قسمين:
- القسم الأول: السقيفة... وأودعت فيه الأحاديث والقضايا المتعلقة
بالسقيفة، وما حدث فيها من الأحداث.
- القسم الثاني: فدك... وجعلت فيه الأمور والمسائل التي تخص
فدك، وما جرى من العوامل والبواعث، والاحتجاجات والمناشدة به...
وخطبة الصديقة الطاهرة... سلام الله وتحياته ورحمته وبركاته على روحها

(1) كشف الغمة 1: 492، 479 ط إيران.
(2) طبع القاهرة سنة 1378 تحقيق السيد محمد أبو الفضل إبراهيم.
29

وجسدها واسمها وقبرها...
وحين وقف على عملي هذا بعض العاملين في حقل التاريخ
والتحقيق، قابلوني بالتشجيع والتقدير، وحفزوني على إنهائه وإتمامه لافتقار
المكتبة العربية إليه.
إن الكتاب هذا وإن لم يكن بكامل كتاب - السقيفة وفدك - وبتمامه،
إلا أنه جزء منه، والذي حفظه لنا ابن أبي الحديد، وسجله على صفحاته
كتابه القيم - شرح نهج البلاغة - ولعل التاريخ يكشف القناع في المستقبل
عن وجود نسخة منه، وليس ذلك على الله بعزيز.
فالشكر لله سبحانه على منحه التوفيق... وله الحمد والمنة على ما
أسداه من العناية، ولله شأنه الحمد أولا وآخرا.
مصادر ترجمة الجوهري:
لم تكن لأبي بكر الجوهري... في المعاجم ترجمة ضافية، ولا
لمحة عن حياته، ولا إشارة إلى تاريخه، لذلك كانت حياته غامضة، وأحواله
مبهمة لم يكشف التاريخ عنها القناع بصورة باتة، بيد أننا نجد في بعض
المعاجم، إشارة عابرة إليه والاكتفاء بذكر اسمه وتأليفه، مع اليقين أنه كان
في الرعيل الأول من الذين احترمتهم الخاصة والعامة، وأذعنت لحيويته
العلمية الشيعة والسنة، ونقل الرواة عنه الكثير من القضايا، بحيث ابتنوا على
ثقافته، مؤلفاتهم في الحديث والأدب.
وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن الغموض اكتنف حياة هذا
العيلم منذ بداية حياته، ولم يبق لنا غير كلمات عن حياته، كما أشار إليها
ابن أبي الحديد من أنه عالم محدث كثير الأدب، ثقة ورع، أثنى عليه
المحدثون، ورووا عنه مصنفاته.
ومهما يكن من أمر، فالثبت الفهرسي التالي يضم بعض المراجع التي
اقتصرت على ذكر اسمه، ونقلت عن مؤلفاته الأحاديث والأخبار، وهو مرتب
حسب الحروف:

(1) شرح النهج 16: 21.
30

أعيان الشيعة السيد محسن الأمين العاملي 9: 3 ط
صيدا
الأغاني أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني
1: 17 ط بولاق
الأوراق أبو بكر محمد بن يحيى الصولي: 64 ط
لبنان 1979
تنقيح المقال الشيخ عبد الله المامقاني 1: 64
تهذيب التهذيب ابن حجر العسقلاني 7: 46 ط حيدر آباد
جامع الرواة الميرزا محمد علي الأردبيلي 1: 52
جلاء العيون السيد عبد الله شبر 1: 2 2 ط النجف
جنة العاصمة السيد حسن مير جهاني الأصفهاني: 266
ط إيران
حقيقة جاويدان الشيخ محمد باقر ملبوني: 53
دستور معالم الحكم القاضي محمد بن سلامة: 199
راهنماي دانشوران السيد علي أكبر البرقعي 1: 179 ط قم
روضات الجنات السيد محمد باقر الخوانساري
الذريعة الشيخ آغا بزرك الطهراني 12: 6 2
شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد المعتزلي 16: 21 ط
القاهرة
شرح ما يقع فيه التصحيف أبو أحمد الحسن بن عبد الله
العسكري: 457
الصراط المستقيم البياضي الشيخ زين الدين 3: 7
طبقات أعلام الشيعة الشيخ آغا بزرك: 28 نوابغ الرواة
الغدير الشيخ عبد الحسين الأميني 8: 1 3
فدك السيد محمد حسين القزويني: 146
الفهرست الشيخ الطوسي: 3
31

قاموس الرجال الشيخ محمد تقي التستري 1: 355 ط
إيران
كشف الغمة أبو الفتح الإربلي 1: 479 - 492 ط
النجف
الكنى والألقاب الشيخ عباس القمي 2 / 163
المجالس السنية السيد الأمين 2: 94
معالم العلماء رشد الدين ابن شهرآشوب: 18 ط إيران
معجم رجال الحديث السيد أبو القاسم الخوئي 2 / 134
المعجم الصغير أبو القاسم الطبراني 1: 59
مقاتل الطالبيين أبو الفرج الأصفهاني: 171، 188،
189، 19، 191
ملكه إسلام الشيخ خليل كمره أي: لغته فارسية
الموشح أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني:
641 ط مصر الفهرست
النص والاجتهاد السيد عبد الحسين شرف الدين: 6 1 ط 1386
هدية الأحباب الشيخ عباس القمي: 35 ط النجف
عقيدة الجوهري:
ما يتركه العالم والأديب، على صفحة الوجود من أثر فكري وجهود
علمي نثرا أو شعرا، فإنه ترجمان عن اتجاهاته الدينية، والاجتماعية،
والسياسية، لأن العالم أو الأديب أو الناثر والشاعر، يعكس معتقداته
وأحاسيسه في أثره، والتأليف مرآة صافية تعبر عما نحن بصدد التحدث
فيه، وبالكتاب نقف على ما في أعماق قلب مؤلفه من خواطر، وعقائد
ومبادئ، وما هو عليه منها، وعلى ضوء هذا المعيار الفكري، نتوصل
إلى عقيدة الجوهري... المبثوثة في خلال سطور كتابه - السقيفة وفدك -
والمشعشعة على صفحات تأليفه.
32

إن أبا بكر الجوهري... جمع في كتابه أحاديث وروايات مخالفة
للشيعة الإمامية... ومتباينة لمعتقداتها الإسلامية الصريحة
الواضحة... ومتضادة لسيرتها النبوية المركزة... دون أن يتناول
الحديث أو الرواية بالنقاش والرد، كما ستطالعها في الكتاب، فهو إذن
من علماء السنة ولا شك في ذلك، بالإضافة ومع العلم إلى أن ذكر
حديث أو أخبار موافقة لمفاهيم الشيعة، لم يكن دليلا على تشيع الرجل.
هذا ولدينا مصادر تثبت عدم تشيعه ومخالفته له، كما أن مشايخه
الذين تلقف عنهم الحديث والعلم والأدب ليس فيهم من عرف بالتشيع،
أو كان شيعيا حتى يظهر أثره في نفس الجوهري بوضوح، على أني
تصفحت جميع المواضيع الخاصة به، من جميع وجوهها فلم أجد
للتشيع أي أثر فيه أو مجال ضيق يمكن به نسبته إليه... ولذلك يمكن
القول أن لا شك ولا تردد من كونه مخالفا للشيعة كما صرحت به
النصوص التاريخية. ومنها:
أ - ابن أبي الحديد، فقد جعل كتاب الجوهري - السقيفة وفدك -
من أمهات مصادر كتابه - شرح نهج البلاغة - ونقل الكثير الكثير من
تأليفه، مع أنه قال في مقدمة شرحه في الفصل الأول من - فدك -:
الفصل الأول، فيما ورد من الأخبار والسير المنقولة من أفواه أهل الحديث
وكتبهم، لا من كتب الشيعة ورجالهم، لأنا مشترطون على أنفسنا ألا
نحفل بذلك، وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر
أحمد بن عبد العزيز الجوهري، في السقيفة وفدك، وما وقع من
الاختلاف والاضطراب، عقب وفاة النبي صلى الله علية وآله، وأبو بكر
الجوهري هذا عالم محدث كثير الأدب، ثقة ورع، أثنى عليه المحدثون
ورووا عنه مصنفاته.
ب - أبو الحسن علي بن عيسى الأربلي البغدادي المتوفى
693 ه‍، فهو أيضا نقل خطبة فاطمة الزهراء (ع) من كتاب

(1) شرح ابن أبي الحديد 16: 21.
33

الجوهري... وقال قبل ذكره الخطبة: وقد أوردها المؤالف والمخالف
ونقلتها من كتاب السقيفة عن عمر بن شبة، تأليف أبي بكر أحمد بن
عبد العزيز الجوهري من نسخة قديمة مقروءة على مؤلفها المذكور،
وقرأت عليه في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة روى عن رجاله
من عدة طرق.
ج - السيد عبد الله بن محمد رضا بن محمد بن أحمد بن علي
الشبر الحسيني المتوفى 1242 هجري، قال في كتابه: وروى عن العامة
والخاصة بأسانيد عديدة عنها (ع) أنها خطبت هذه الخطبة العظيمة في
ملأ منن المهاجرين والأنصار وغيرهم، رواها من العامة أحمد بن
عبد العزيز الجوهري، وابن أبي الحديد وغيرهما.
د - الشيخ عبد الله بن الشيخ حسن بن المولى عبد الله المامقاني
المتوفى 1351 ه‍، قال: بل ظاهر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة
كون الرجل عاميا، وكون كتابه في السقيفة نافعا لهم، قال في الكلام على
فدك في الفصل الأول فيما ورد من الأخبار والسير المنقولة من أفواه أهل
الحديث وكتبهم، لا من كتب الشيعة ورجالهم لأنا مشترطون على أنفسنا
أن لا نحفل بذلك وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر
أحمد بن عبد العزيز الجوهري، وهو عالم محدث كثير الأدب ثقة ورع
أثنى عليه المحدثون ورووا عنه مصنفاته، انتهى، فإنه صريح في أنه من
ثقات المخالفين وعلمائهم.
فهذه الكلمات صريحة على أن الجوهري، من علماء العامة
وثقاتهم وفي المعاجم الكثير من أمثال هذه العبارات، بيد أن بعضا من
أصحاب التراجم والتاريخ نسبه إلى التشيع وذلك لعدم وقوفه على كتاب
- السقيفة - وأول من التبس عليه الأمر وظنه من الشيعة ورجالهم، شيخ

(1) كشف الغمة 1: 48.
(2) جلاء العيون 1: 2 2.
(3) تنقيح المقال 1: 64.
34

الطائفة الطوسي محمد بن الحسن بن علي المتوفى 46 ه‍ رضي الله
تعالى عنه... فقد ذكر في فهرسته الذي جمع فيه جماعة من شيوخ
الشيعة من أصحاب الحديث، وما صنفوه من التصانيف ورووه من
الأصول فقال: أحمد بن عبد العزيز الجوهري له كتاب السقيفة.
ثم تبعه رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب السروي
البغدادي الحلبي المتوفى 588 ه‍ فذكره في فهرست كتب الشيعة
وأسماء المصنفين منهم قديما وحديثا، فقال: أحمد بن عبد العزيز
الجوهري له السقيفة.
واعتمد الآخرون على ما جاء في المصدرين السالفين
- الفهرست، ومعالم العلماء - وحسبوه شيعيا من دون الوقوف على كتابه
ومطالعته
والغريب أن بعضا من المؤلفين مع تردده وشكه في عقيدته، يفرد له
ترجمة خاصة في كتابه ويجعله من أعيان الشيعة، أو من طبقات أعلام
الشيعة في القرن الرابع الهجري، وأنا لا أستطيع اتخاذ ما ذكره الشيخ
الطوسي رحمة الله وبركاته عليه... وتفرده به نصا ودليلا على تشيعه، مع
وجود كتابه الناطق على عكس ما ذهب إليه الشيخ الطوسي.
هذا ما توخيت بيانه للحق، وتبيانه للحقيقة وما انتهى إليه علمي
القاصر الضعيف... باختصار ولو قصدنا التفصيل لطال المقام والمقال...
وفاة الجوهري:
أسلفنا القول أن لم تكن في المعاجم ترجمة لأبي بكر الجوهري.
فحياته مجهولة تكتنفها الغموض والجهل، حتى عام وفاته إلا أنه يعتبر من
الذين عاشوا في القرني الثالث، والرابع الهجريين، غير أن أبا بكر
محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول تكين الطولي

(1) فهرست الشيخ: 3.
(2) معالم العلماء: 18.
35

الشطرنجي الكاتب المعروف والمتوفى بالبصرة سنة 335 / 336 قال: وفيها
- أي سنة 323 - توفي أحمد بن عبد العزيز الجوهري، صاحب عمر بن شبة
بالبصرة، لخمس بقين من شهر ربيع الآخر.
هذا والذي ينبغي الإشارة إليه في نهاية الحديث أن أبا بكر
الجوهري... دخل ميدان الأدب والحديث والتفسير عناية وحرصا منه على
صيانة التراث الفكري الإسلامي... منذ شبابه ومنذ الوقت الذي كان يتدرج
على طريق العلم بين البصرة، وبغداد، ونجد هذه العناية والاهتمامات منه
وضاحة أشد الوضوح في تصانيفه التي أشير إليها، وظلت ماثلة على
صفحات المراجع العلمية والأدبية.
والله أسأل أن يرزقني التوفيق والإخلاص، والسداد في القول والعمل
والفكر... وأن يتقبل هذا الجهد لوجهه خالصا... فمنه ألتمس
الجزاء فيما قصدت... وسبحانه الهادي... والموفق... وعليه توكلت وإليه
أنيب...
شوال سنة 141
أبو علي
محمد هادي الأميني
عفى الله عنه وعن والديه

(1) الأوراق - أخبار الراضي -: 64.
36

القسم الأول:
السقيفة
37

* عن عمر بن شبة، عن محمد بن منصور، عن جعفر بن
سليمان، عن مالك بن دينار، قال: كان النبي (ص)، قد بعث أبا سفيان
ساعيا، فرجع من سعايته، وقد مات رسول الله (ص)، فلقيه قوم فسألهم،
فقالوا: مات رسول الله (ص)، فقال: من ولي بعده؟ قيل: أبو بكر، قال:
أبو فضيل؟ قالوا: نعم، قال: فما فعل المستضعفان: علي، والعباس، أما
والذي نفسي بيده لأرفعن لهما من أعضادهما.
قال أبو بكر، وذكر الراوي وهو جعفر بن سليمان: أن أبا سفيان قال:
شيئا آخر لم تحفظه الرواة، فلما قدم المدينة قال: إني لأي عجاجة لا
يطفئها إلا الدم، فقال: فكلم عمر، أبا بكر فقال: إن أبا سفيان قد قدم وإنا
لا نأمن شره، فدفع له ما في يده فتركته ورضى.
وروى أن أبا سفيان قال: لما بويع عثمان، كان هذا الأمر في تيم،
وأنى لتيم هذا الأمر، ثم صار إلى عدي فأبعد وأبعد، ثم رجعت إلى منازلها
واستقر الأمر قراره، فتلقفوها تلقف الكرة.

(1) الصحيح أحمد بن منصور الرمادي، ومرت ترجمته.
(2) ابن أبي الحديد 2: 44. تاريخ الطبري 3: 2 2 عن هشام عن عوانه. الكامل 2: 325.
(3) أبو سفيان هو ابن الحارث بن عبد المطلب بن هشام الهاشمي ابن عم النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) وأخوه من الرضاعة. أرضعتها الحليمة السعدية. أمه المغيرة وقيل
اسمه كنيته والمغيرة أخوه، وكان ممن يؤذي الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)
ويهجوه ويؤذي المسلمين - الإصابة 4: 9.
39

* وحدثني المغيرة محمد المهلبي قال: ذاكرت إسماعيل بن
إسحاق القاضي، عند الحديث وأن أبا سفيان قال لعثمان: بأبي أنت أنفق
ولا تكن كأبي حجر، وتداولوها يا بني أمية تداول الولدان الكرة، فوالله ما من
جنة، ولا نار، وكان الزبير حاضرا فقال عثمان لأبي سفيان: أعزب، فقال:
يا بني أهاهنا أحد؟ قال الزبير: نعم والله لأكتمها عليك، قال فقال
إسماعيل: هذا باطل، قلت: وكيف ذلك؟ قال: ما أنكر هذا من أبي سفيان،
ولكن أنكر أن يكون سمعه عثمان ولم يضرب عنقه.
* وجاء أبو سفيان إلى علي (عليه السلام)، فقال: وليتم على هذا
الأمر أذل بيت قريش، أما والله لئن شئت لأملأنها على أبي فضيل خيلا
ورجلا، فقال علي (عليه السلام): طالما غششت الإسلام وأهله، فما
ضررتهم شيئا، لا حاجة لنا إلى خيلك ورجلك، لولا إنا رأينا أبا بكر لها أهلا
لما تركناه.
* ولما بويع لأبي بكر، كان الزبير، والمقداد، يختلفان في جماعة من
الناس إلى علي، وهو في بيت فاطمة، فيتشاورون ويتراجعون أمورهم،
فخرج عمر حتى دخل على فاطمة (عليها السلام)، وقال: يا بنت رسول الله
تأمني أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا منك بعد
أبيك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق
البيت عليهم، فلما خرج عمر جاءوها فقالت: تعلمون أن عمر جاءني
وحلف لي بالله إن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف
له، فانصرفوا عنا راشدين، فلم يرجعوا إلى بيتها وذهبوا فبايعوا لأبي
بكر.

(1) ابن أبي الحديد 3: 44.
(2) ابن أبي الحديد 2: 45. تاريخ الطبري 3: 2 2 عن محمد بن عثمان بن صفوان
الثقفي، عن ابن قتيبة، عن مالك بن مغول، عن ابن الحجر. والحديث ليس بصحيح
سنده محمد بن عثمان بن صفوان، ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 3: 641، وقال:
قال أبو حاتم، منكر الحديث.
(3) ابن أبي الحديد 2: 45. تاريخ الطبري 3: 198 عن زياد بن كليب أبو معشر التميمي
الكوفي مات سنة 12، قال حاتم: ليس بالمتين في حفظه، تهذيب التهذيب
3: 382. ميزان الاعتدال 2: 92.
لم يبايع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) طول حياته، ولم يتمكن أحد من إرغامه على
البيعة لأنه (عليه السلام) كان بنص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى من غيره،
ولأن الإمامة والخلافة كانت ثابتة فيه، وكيف يبايع وهو على يقين صادق، واعتقاد راسخ
من أن الصحابة، وعلى يقين من أن محل علي (عليه السلام) منها محل القطب من
الرحى، ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير، فسدل دونها ثوبا، وطوى عنها كشحا،
وطفق يرتأي بين أن يصول بيد جذاء، أو يصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير،
ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأى أن الصبر على هاتا
أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى كيف يبايع أبو الحسن
(عليه السلام) وهو يقول بصراحة وشهامة لأبي بكر: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا
أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي.
ولو فرضنا بيعته لأبي بكر فمعناها أنه (عليه السلام) صادق ووافق على إمامة أبي بكر،
فما معنى هذه الخطب والمناشدات والاحتجاجات التي صدرت منه (عليه السلام)
خلال حكومة أبي بكر، وعمر، وعثمان في عدة مناسبات ومشاهدات، ومن يشاقق
الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم
وساءت مصيرا - النساء: 115.
ولشيخ الطائفة الشيخ المفيد محمد البغدادي، حديث في الدلالة على أن أمير المؤمنين
(عليه السلام) لم يبايع أبا بكر، فقد قال رضي الله عنه: قد أجمعت الأمة على أن أمير
المؤمنين (عليه السلام) تأخر عن بيعة أبي بكر فالمقلل يقول تأخره ثلاثة أيام، ومنهم من
يقول: تأخر حتى ماتت فاطمة (عليها السلام)، ثم بايع بعد موتها، ومنهم من يقول تأخر
أربعين يوما، ومنهم من يقول: تأخر ستة أشهر، والمحققون من أهل الإمامة يقولون لم
يبايع ساعة قط فقد حصل الإجماع على تأخره عن البيعة، ثم اختلفوا في بيعته بعد ذلك
على ما قدمناه به الشرح.
فمما يدل على أنه لم يبايع البتة أنه ليس يخلو تأخره من أن يكون هدى، وتركه ضلالا،
أو يكون ضلالا وتركه هدى وصوابا، أو يكون صوابا وتركه صوابا، أو يكون خطأ وتركه
خطأ، فلو كان التأخر ضلالا وباطلا لكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد ضل بعد النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) بترك الهدى الذي كان يجب المصير إليه وقد أجمعت الأمة
على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقع منه ضلال بعد النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) ولا في طول زمان أبي بكر، وأيام عمر، وعثمان وصدرا من أيامه، حتى خالفت
الخوارج عند التحكيم وفارقت الأمة، وبطل أن يكون تأخره عن بيعة أبي بكر ضلالا،
وإن كان تأخره هدى وصوابا وتركه خطأ وضلالا، فليس يجوز أن يعدل عن الصواب إلى
الخطأ ولا عن الهدى إلى الضلال، سيما والإجماع واع على أنه لم يظهر منه ضلال في
أيام الثلاثة الذين تقدموا عليه، ومحال أن يكون التأخر خطأ وتركه خطأ للإجماع على
بطلان ذلك أيضا ولما يوجبه القياس من فساد هذا المقال.
وليس يصح أن يكون صوابا، لأن الحق لا يكون في جهتين مختلفتين، ولا
على وصفين متضادين ولأن القوم المخالفين لنا في هذه المسألة مجمعون على أنه لم
يك إشكال في جواز الاختيار، وصحة إمامة أبي بكر، وإنما الناس بين قائلين، قائل
من الشيعة يقول: إن إمامة أبا بكر كانت فاسدة فلا يصح القول بها أبدا، وقائل من
الناصبة يقول إنها كان صحيحة، ولم يكن على أحد ريب في صوابها إذ جهة استحقاق
الإمامة هو ظاهر العدالة والنسب والعلم والقدرة على القيام بالأمور، ولم تكن هذه
الأمور تلتبس على أحد في أبي بكر عندهم وعلى ما يذهبون إليه فلا يصح مع ذلك أن
يكون المتأخر عن بيعته مصيبا أبدا، لأنه لا يكون متأخرا لفقد الدليل بل لا يكون متأخرا
لشبهة، وإنما يتأخر إذا ثبت أنه تأخر للعناد فثبت بما بيناه أن أمير المؤمنين (عليه السلام)
لم يبايع أبا بكر على شئ من الوجوه كما ذكرناه وقدمناه، وقد كانت الناصبة غافلة عن
هذا الاستخراج في موافقتها على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تأخر عن البيعة وقتا
ما، ولو فطنت له لسبقت بالخلاف فيه عن الإجماع وما أبعد أنهم سيرتكبون ذلك إذا
وقفوا على هذا الكلام غير أن الإجماع السابق لمرتكب ذلك بحجه ويسقط قوله فيهون
قصته ولا يحتاجه معه إلى الإكثار - الفصول المختارة: 31 -.
40

* عن عبد الرحمن بن عوف، قال: دخلت على أبي بكر، أعوده في
مرضه الذي مات فيه فسلمت عليه وسألته كيف به فاستوى جالسا، فقلت:
41

لقد أصبح بحمد الله بارئا، فقال: أما إني على ما ترى لوجع، وجعلتم لي
معشر المهاجرين شغلا على وجعي، وجعلت لكم عهدا مني من بعدي،
واخترت لكم خيركم في نفسي، فكلكم ورم لذلك أنفه، رجاء أن يكون
الأمر له، ورأيتم الدنيا قد أقبلت، والله لتتخذن ستور الحرير، ونضائد
الديباج، وقائلون ضجائع الصوف الأذربي كأن أحدكم على حسك
السعدان، والله لئن يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد لخير له من أن
يسبح في غمرة الدنيا، وأنكم غدا لأولى ضال بالناس يجورون عن الطريق
يمينا وشمالا، يا هاوي الطريق جرت، إنما هو البجر أو الفجر، فقال له
عبد الرحمن: لا تكثر على ما بك فيهيضك، والله ما أردت إلا خيرا، وأن
صاحبك لذو خير، وما الناس إلا رجلان، رجل رأى ما رأيت، فلا خلاف
عليك منه، ورجل رأى غير ذلك وأنما يشير عليك برأيه، فسكن وسكت
هنيهة، فقال عبد الرحمن: ما أرى بك بأسا والحمد لله، فلا بأس على

(1) هاضه: نكسه، هيجه، قتره.
42

الدنيا، فوالله ما علمناك إلا صالحا مصلحا، فقال: أما إني لا آسي إلا على
ثلاث فعلتهن، وددت أني لم أفعلهن، وثلاث لم أفعلهن وددت أني
فعلتهم، وثلاث وددت أني سألت رسوله الله (صلى الله عليه وآله) عنهن.
فأما الثلاث التي فعلتهن، ووددت أني لم أكن فعلتها، فوددت أني لم
أكن كشفت عن بيت فاطمة، وتركته ولو أغلق على حرب، ووددت أني يوم
سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين، عمر، أو أبو
عبيدة، فكان أميرا، وكنت وزيرا، ووددت أني إذا أثبت بالفجاءة لم أكن
أحرقته، وكنت قتلته بالحديد أو أطلقته.
وأما الثلاث التي تركتها، ووددت أني فعلتها، فوددت أني يوم أتيت
بالأشعث، كنت ضربت عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه،
ووددت أني حيث وجهت خالدا إلى أهل الردة، أقمت بذي القصة، فإن ظفر
المسلمون وإلا كتن ردءا لهم، ووددت حيث وجهت خالدا إلى الشام، كنت
وجهت عمر إلى العراق، فأكون قد بسطت كلتا يدي، اليمين، والشمال،
في سبيل الله.
وأما الثلاث اللواتي وددت أني كنت سألت رسول الله (صلى الله عليه
وآله) عنهن، فوددت أني سألته هذا الأمر فكنا لا ننازعه أهله، وددت أني
كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب، وددت أني سألته عن ميراث
العمة، وابنة الأخت، فإن في نفسي منهما حاجة.
* * *
* عن أبي المنذر، هشام بن محمد بن السائب عن أبيه، عن أبي

(1) ابن أبي الحديد 2: 45 - 47.
الأموال: 131. تاريخ الطبري 4: 52. الإمامة والسياسة 1: 23. مروج الذهب
1: 414. العقد الفريد 2: 254. الغدير 7: 17. مثالب النواصب 1: خ.
(2) أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب بن بشر الكلبي مات 4 2 / 6 2 محدث، نسابة،
مؤرخ من أهل الكوفة، قد بغداد وحدث بها حفظ القرآن في ثلاثة أيام، وروى عنه ابنه
العباس، وخليفة بن الخياط، وشباب العصفري، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي،
ومحمد بن أبي السرى، وأبو الأشعث أحمد بن محمد المقدام وغيرهم، له مؤلفات عدة
مطبوعة. تاريخ بغداد 14: 45. معجم الأدباء 19: 287. لسان الميزان 6: 196.
النجاشي: 5 3. مرآة الجنان 2: 29. مصفى المقال: 493. منهج المقال: 367.
43

صالح، عن ابن عباس قال: كان بين العباس، وعلي مباعدة، فلقي ابن
عباس، عليا فقال: إن كان لك في النظر إلى عمك حاجة فأته، وما أراك
تلقاه بعدها فوجم لها، وقال: تقدمني واستأذن، فتقدمته واستأذنت له، فأذن
فدخل، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه، وأقبل علي (عليه السلام) على يده
ورجله يقبلهما ويقول يا عم: ارض عني رضي الله عنك. قال: قد رضيت
عنك.
ثم قال: يا ابن أخي قد أشرت عليك بأشياء ثلاثة، فلن تقبل، ورأيت
في عاقبتهما ما كرهت، وهأنذا أشير عليك برأي رابع فإن قبلته، وإلا نالك ما
نالك مما كان قبله، قال: وما ذاك يا عم، قال: أشرت عليك في مرض
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أن تسأله فإن كان الأمر فينا أعطاناه، وإن
كان في غيرنا أوصى بنا، فقلت: أخشى إن منعناه لا يعطينا أحد بعده.
فمضت تلك، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أتانا أبو
سفيان بن حرب تلك الساعة فدعوناك إلى أن نبايعك، وقلت لك: أبسط
يدك أبايعك، ويبايعك هذا الشيخ، فإنا إن بايعناك لم يختلف عليك أحد من
بني عبد مناف، وإذا بايعك بنو عبد مناف لم يختلف عليك أحد من قريش،
وإذا بايعتك قريش لم يختلف عليك أحد من العرب، فقلت: لنا بجهاز
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، شغل وهذا الأمر، فليس نخشى عليه فلم
نلبث أن سمعنا التكبير من سقيفة بني ساعدة. فقلت: يا عم ما هذا قلت:
وما دعوناك إليه فأبيت، قلت: سبحان الله أو يكون هذا؟ قلت: نعم، قلت:
أفلا يرد، قلت لك وهل رد مثل هذا قط. ثم أشرت عليك حين طعن عمر،
فقلت، لا تدخل نفسك في الشورى، فإنك إن اعتزلتهم قدموك، وإن
ساويتهم تقدموك فدخلت معهم فكان ما رأيت.
ثم الآن أشير عيك برأي رابع، فإن قبلته وإلا نالك ما نالك مما كان
قبله، إني أرى هذا الرجل - عثمان - قد أخذ في أمور، والله لكأني بالعرب
44

قد سارت إليه حتى ينحر في بيته كما ينحر الجمل، والله إن كان ذلك وأنت
بالمدينة ألزمك الناس به، وإذ كان ذلك لم تنل من الأمر شيئا إلا من بعد شر
لا خير معه.
عن حباب بن يزيد، عن جرير بن المغيرة، أن سلمان، والزبير،
والأنصار، كان هواهم أن يبايعوا عليا (عليه السلام)، بعد النبي (صلى الله
عليه وآله). فلما بويع أبو بكر، قال سلمان: أصبتم الخبرة وأخطأتم
المعدن.
* وأخبرنا أبو زيد بن شبة قال: حدثنا علي بن أبي هاشم، قال:
حدثنا عمر بن ثابت، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: قال سلمان يومئذ:

ابن أبي الحديد 2: 48. والحديث لا يعتد عليه لأن في سنده أبو النضر محمد بن السائب بن
بشر بن عمرو بن عبد الحارث بن عبد العزى الكلبي المتوفى 146، فقد قال عنه معتمر بن
سليمان عن أبيه كان بالكوفة كذا بأن أحدهما الكلبي، وقال الدوري: ليس بشئ، وقال
معاوية بن صالح، عن يحيى: ضعيف، وقال أبو عاصم زعم لي سفيان الثوري، قال: قال
الكلبي: ما حدثت عن أبي صالح عن ابن عباس فهو كذب فلا ترووه، وقال الأصمعي:
عن قرة بن خالد، كانوا يرون أن الكلبي يزرف يعني يكذب، وقال يزيد بن هارون: كبر
الكلبي وغلب عليه النسيان، وقال أبو حاتم: الناس مجمعون على ترك حديثه، هو ذاهب
الحديث لا يشتغل به، وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال علي بن الجنيد،
والحاكم أبو أحمد، والدارقطني: متروك. وقال الجوزجاني: كذاب ساقط، وقال ابن
حبان: وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، روى عن أبي صالح
التفسير، وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس لا يحل الاحتجاج به، وقال الساجي: متروك
الحديث، وقال الحاكم أبو عبد الله: روي عن أبي صالح أحاديث موضوعة. تهذيب
التهذيب 9: 178. ميزان الاعتدال 3: 556.
(2) ابن أبي الحديد 2: 49.
45

أصبتم ذا السن منكم، وأخطأتم أهل بيت نبيكم، لو جعلتموها فيهم ما
اختلف عليكم اثنان، ولأكلتموها رغدا.
* وأخبرنا عمر بن شبة قال: حدثني محمد بن يحيى، قال: حدثنا
غسان بن عبد الحميد، قال: لما أكثر الناس في تخلف علي (عليه السلام)،
عن بيعة أبي بكر، واشتد أبو بكر، وعمر عليه في ذلك، خرجت أم
مسطح بن أثاثة، فوقفت عند القبر وقالت:
كانت أمور وأبناء وهنبئة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
* أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، عن ابن
وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، غضب رجال من المهاجرين
في بيعة أبي بكر بغير مشورة، وغضب علي، والزبير، فدخلا بيت فاطمة
(عليها السلام) معهما السلاح، فجاء عمر في عصابة، منهم أسيد بن
خصير، وسلمة بن سلامة بن وقش، وهما من بني عبد الأشهل، فصاحت
فاطمة (عليها السلام) وناشدتهم الله، فأخذوا سيفي علي، والزبير، فضربوا
بهما الجدار حتى كسروهما، ثم أخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا، ثم قام
أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم، وقال: إن بيعتي كانت فلتة وقى الله

(1) ابن أبي الحديد 2: 49.
(2) أم مسطح، واسمه عوف بن أثاثة بن عباد بن المطلب، وهي بنت أبي دهم بن المطلب بن
عبد مناف. وأمها رائطة بنت صخر بن عامر بن كعب. خالة أبي بكر. أسد الغابة 4: 355.
(3) ابن أبي الحديد 3: 49.
طبقات ابن سعد 8: 228. الغدير 7: 79، وقد يعزى البيتان مع أبيات أخرى إلى الصديقة
فاطمة سلام الله عليها، وتمامها هكذا:
وكل أصل له قربى ومنزلة * عند الإله على الأذنين مقترب
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم * لما مضيت وحالت دونك الترب
تجهمتنا رجال واستخف بنا لما * فقدت وكل الأرض مغتصب
وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك ينزل من ذي العزة الكتب
وكان جبريل بالآيات يؤنسنا * فقد فقدت وكل الخير محتجب
فليت قبلك كان الموت صادفنا * لما مضيت وحالت دونك الكتب
قال الراوي: فما رأينا يوما أكثر باكية من ذلك اليوم.
46

شرها، وخشيت الفتنة، وأيم الله ما حرصت عليها يوما قط، ولقد قلدت أمرا
عظيما ما لي به طاقة ولا يدان، ولوددت أن أقوى الناس عليه مكاني، وجعل
يعتذر إليهم، فقبل المهاجرون عذره... وقال علي، والزبير: ما غضبنا إلا
في المشورة، وإنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا
لنعرف له سنة، ولقد أمره رسول الله (صلى الله عليه آله)، بالصلاة بالناس
وهو حي.
وروي أن ثابت بن قيس بن شماس، كان مع الجماعة الذين حضروا
مع عمر، في بيت فاطمة (عليها السلام)، وثابت هذا أخو بني الحارث بن
الخزرج.

(1) إذا كانت الصلاة بالناس في حياة النبي الأقدس (صلى الله عليه وآله وسلم) دليلا على إمامة
الرجل ونصا على خلافته، وتفضيلا له على سائر الصحابة، فإن بين الصحابة الكثير من
الذين أمرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلاة بالناس مع ما كان عليه الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) من الصحة والاستقامة والحيوية، وتلزمهم دعوى الإمامة
والخلافة، غير أنهم لم يحسبوها دليلا وطريقا إليهم ومنهم على سبيل المثال:
عبد الرحمن بن عوف المتوفى 31 / 32 فقد صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
خلفه في سفرة سافرها. الإصابة 2: 416. أسد الغابة 3: 316. تهذيب التهذيب
6: 245، وفيه: صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وراءه في غزوة. الإستيعاب
2: 395.
عمرو بن أم مكتوم القرشي، ويقال اسمه عبد الله وعمرو وهو ابن قيس بن رائدة بن الأصم
قتل في معركة القادسية، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستخلفه على المدينة في
عامة غزواته يصلي بالناس. الإصابة 2: 523. أسد الغابة 4: 126. الإستيعاب 2: 2 5
وفيه: استخلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على المدينة ثلاث عشر مرة.
أبو رهم كلثوم بن حصين بن خالد بن العسعس الغفاري... استخلفه النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) على المدينة في غزوة الفتح. الإصابة 4: 71. تهذيب التهذيب 8: 443. أسد
الغابة 4: 25. الإستيعاب 3: 316.
ومنهم أيضا ابن عبد المنذر فقد خلفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على المدينة في
غزوة بدر ليصلي بالناس، واستخلف (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة خيبر للصلاة
بالناس أبي ذر الغفاري، وكذلك في غزوة الحديبية أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) ابن عرفطة، وفي غزوة ذات السلاسل استخلف (صلى الله عليه وآله وسلم) سعد بن
عبادة إلى غيرهم من الصحابة.
47

* وروي أن محمد بن سلمة كان معهم، وإن محمدا هو الذي كسر
سيف الزبير.
* حدثني يعقوب بن شبة، عن أحمد بن أيوب، عن إبراهيم بن
سعد، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبد الله بن عباس، قال: خرج
علي (عليه السلام) على الناس من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في
مرضه فقال له الناس: كيف أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يا أبا
الحسن؟ قال: أصبح بحمد الله بارئا، قال: فأخذ العباس بيد علي ثم قال:
يا علي أنت عبد العصا بعد ثلاث أحلف لقد رأيت الموت في وجهه، وأني
لأعرف الموت في وجوه بني عبد المطلب، فانطلق إلى رسول الله (صلى الله
عليه وآله)، فاذكر له هذا الأمر إن كان فينا أعلمنا، وإن كان في غيرنا أوصى
بنا، فقال: لا أفعل والله إن منعناه اليوم لا يؤتيناه الناس بعده، قال: فتوفي
رسول الله ذلك اليوم.
* وحدثني المغيرة بن محمد المهلبي من حفظه، وعمر بن شبة من
كتابه بإسناد رفعه إلى أبي سعيد الخدري، قال: سمعت البراء بن عازب،
يقول: لم أزل لبني هاشم محبا، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، خفت أن تتملأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم، فأخذني ما يأخذ
الوالهة العجول، مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، فكنت أتردد إلى بني هاشم وهم عند النبي (صلى الله عليه وآله) في
الحجرة، وأتفقد وجوه قريش، فإني كذلك إذ فقدت أبا بكر، وعمر، وعثمان،
وإذ قائل يقول: القوم في سقيفة بني ساعدة، وإذا قائل آخر يقول: قد بويع
أبا بكر، فلم ألبث، وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة
من أصحاب السقيفة، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا
خبطوه، وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه، شاء ذلك أو

(1) ابن أبي الحديد 2: 5.
الإمامة والسياسة 1: 11. تاريخ الطبري 3: 199. الرياض النضرة 1: 167.
(2) ابن أبي الحديد 2: 51. تاريخ الطبري: 3 عن ابن حميد عن سلمة قال: حدثنا محمد بن
إسحاق. الكامل 2: 321. سيرة ابن هشام 4: 332.
48

أبى، فأنكرت عقلي وخرجت اشتد حتى انتهيت إلى بني هاشم والباب
مغلق، فضربت عليهم الباب ضربا عنيفا وقلت: قد بايع الناس لأبي بكر بن
أبي قحافة، فقال العباس: تربت أيديكم إلى آخر الدهر، أما إني قد
أمرتكم فعصيتموني. فمكثت أكابد ما في نفسي، ورأيت في الليل المقداد،
وسلمان، وأبا ذر، وعبادة بن الصامت، وأبا الهيثم بن التيهان، وحذيفة،
وعمارا، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين.
فلما كان بليل خرجت إلى المسجد، فلما صرت فيه تذكرت أني كنت
أسمع همهمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بالقرآن فامتنعت من مكاني
فخرجت إلى الفضاء، فضاء بني قضاعة، وأجد نفرا يتناجون فلما دنوت
منهم سكتوا، فانصرفت عنهم، فعرفوني وما أعرفهم إليهم فأتيتهم
فأجد المقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، وسلمان الفارسي، وأبا ذر،
وحذيفة، وأبا الهيثم بن التيهان، وإذا حذيفة يقول لهم: والله ليكونن ما
أخبرتكم به، والله ما كذبت ولا كذبت، وإذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر
شورى بين المهاجرين.
ثم قال ائتوا أبي بن كعب، فقد علم ما كان علمت، قال: فانطلقنا إلى
أبي، فضربنا عليه بابه حتى صار خلف الباب، فقال: من أنتم فكلمه
المقداد، فقال: ما حاجتكم؟ فقال له: ما أنا بفاتح بابي، وقد عرفت ما جئتم
له كأنكم أردتم النظر في هذا العقد؟ فقلنا: نعم، فقال: أفيكم حذيفة؟
فقلنا: نعم، قال: فالقول ما قال: وبالله ما أفتح عني بابي حتى تجري على
ما هي جارية، ولما يكون بعدها شر منها وإلى الله المشتكى.
وبلغ الخبر أبا بكر، وعمر، فأرسلا إلى أبي عبيدة، والمغيرة بن
شعبة، فسألاهما عن الرأي، فقال المغيرة: إن تلقوا العباس فتجعلوا له هذا
الأمر نصيبا فيكون له ولعقبه، فتقطعوا به من ناحية علي، ويكون لكم حجة

(1) من الكلمات التي جاءت عن العرب: أي لا أصبت خيرا.
49

عند الناس على علي، إذا مال معكم العباس.
فانطلق أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، والمغيرة، حتى دخلوا على
العباس، وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه، وقال:
إن الله ابتعث لكم محمدا (صلى الله عليه وآله) نبيا، وللمؤمنين وليا،
فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم، حتى اختار له ما عنده، فخلى على
الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم، متفقين غير مختلفين فاختاروني عليهم
واليا، ولأمورهم راعيا، فتوليت ذلك، وما أخاف بعون الله وتسديده وهنا،
ولا حيرة ولا جبنا، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وما أنفك
يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين، يتخذ لكم لجأ فتكونوا
حصنه المنيع، وخطبه البديع، فإما دخلتم فيما دخل فيه الناس، أو
صرفتموهم عما مالوا إليه، فقد جئناك، ونحن نريد أن نجعل لك في هذا
الأمر نصيبا ولمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، ومكان أهلك، ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم، وعلى رسلكم بني هاشم،
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) منا ومنكم.
فاعترض كلامه عمر، وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان
الأمر من أصعب جهاته، فقال: إي والله، وأخرى إنا لم نأتكم حاجة إليكم،
ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم، فيتفاقم
الخطب بكم وبهم فانظروا لأنفسكم وعامتهم، ثم سكت.
فتكلم العباس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله ابتعث محمدا
نبيا، كما وصفت، ووليا للمؤمنين، فمن الله به على أمته حتى اختار له ما
عنده، فخلى الناس على أمرهم ليختاروا لأنفسهم، مصيبين للحق ماثلين
عن زيغ الهوى، فإن كنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت، وإن كنت
بالمؤمنين فنحن منهم، وما تقدمنا في أمركم فرطا، ولا حللنا وسطا، ولا
نزحنا شحطا، فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين، فما وجب إذ كنا
50

كارهين وما أبعد قولك إنهم طعنوا من قولك إنهم مالوا إليك، وما ما بذلت
لنا فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك، وأن يكن حق المؤمنين فليس لك
أن تحكم فيه، وأن يكن حقنا لم نرض لك ببعضه دون بعض، وما أقول هذا
أروم صرفك عما دخلت فيه، ولكن للحجة نصيبها من البيان، وأما قولك،
أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) منا ومنكم، فإن رسول الله (صلى الله
عليه وآله)، ومن شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها وأما قولك يا عمر، أنك
تخاف الناس علينا، فهذا الذي قدمتموه أول ذلك، وبالله المستعان.
* أخبرنا أحمد بن إسحاق بن صالح قال: حدثنا عبد الله بن عمر،
عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، قال: لما
توفي النبي (صلى الله عليه وآله) اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة،
فأتاهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، فقال الحباب بن المنذر: منا أمير ومنكم
أمير، إنا والله ما ننفس هذا الأمر عليكم أيها الرهط، ولكنا نخاف أن يليه
بعدكم من قتلنا أبناءهم، وآباءهم، وإخوانهم، فقال عمر بن الخطاب، إذا
كان ذلك قمت إن استطعت. فتكلم أبو بكر فقال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء،
والأمر بيننا نصفان كشق الأبلمة فبويع، وكان أول من بايعه
بشير بن سعد، والد النعمان بن بشير.
فلما اجتمع الناس على أبي بكر، قسم قسما بين نساء المهاجرين
والأنصار، فبعث إلى امرأة من بني عدي بن النجار، قسمها مع زيد بن
ثابت، فقالت: ما هذا؟ قال: قسم قسمة أبو بكر للنساء، قالت: أتراشونني
عن ديني، والله لا أقبل منه شيئا، فردته عليه.

(1) ابن أبي الحديد 1: 219.
الإمامة والسياسة 1: 15. تاريخ اليعقوبي 2: 3 1. الغدير 7: 93. سيرة ابن هشام
4: 34.
(2) الأبلمة: بضم الهمزة واللام وفتحهما وكسرهما: خوصة المقل. يقول: نحن وإياكم في
الحكم سواء، لا فضل لأمير على مأمور، كالخوصة إذا شقت اثنتين متساويتين.
(3) القسم: العطاء.
(4) ابن أبي الحديد 2: 52.
51

* حدثني يعقوب بن شيبة، بإسناد رفعه إلى طلحة بن مصرف
قال: قلت لهذيل بن شرحبيل، إن الناس يقولون: إن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أوصى إلى علي (عليه السلام)، فقال: أبو بكر، يتأمر على
وصى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ود أبو بكر أنه وجد من رسول الله
(صلى الله عليه وآله) عهدا فخزم أنفه.
وحدثني أحمد بن إسحاق بن صالح، قال: حدثني عبد الله بن
عمر بن معاذ، عن ابن عون، قال: حدثني رجل من زريق، أن عمر كان
يومئذ، قال: يعني يوم بويع أبو بكر - محتجزا - يهرول بين يدي أبي بكر
ويقول: ألا إن الناس قد بايعوا أبا بكر، قال: فجاء أبو بكر حتى جلس على
منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد فإني وليتكم ولست بخيركم، ولكنه نزل القرآن، وسنت
السنن، وعلمنا فتعلمنا إن أكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور،
وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بالحق، وأضعفكم عندي القوي
حتى آخذ منه الحق، أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع، إذا أحسنت
فأعينوني، وإذا زغت فقوموني.
* وحدثني أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا أحمد بن معاوية، قال:
حدثني النضر بن شميل، قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن مسلمة بن
عبد الرحمن، قال: لما جلس أبو بكر على المنبر. كان علي، والزبير،

(1) أبو محمد طلحة بن معروف بن عمرو بن كعب بن جحدب بن معاوية بن سعد بن الحارث
الهمداني اليامي المتوفى 112، كان عثمانيا، وأما هزيل بن شرحبيل الأزدي
الكوفي فإنه لم يدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكره ابن سعد في الطبقة ا لأولى من
التابعين. تهذيب التهذيب 5: 25. الإصابة 3: 619. الطبقات الكبرى 2: 26.
(2) ابن أبي الحديد 2: 53. الطبقات الكبرى 2: 26 وفيه عن وكيع بن الجراح، وشعيب بن
الحرب عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف. ووكيع بن الجراح مجروح جدا وقد قدح
فيه أحمد بن حنبل بثلاث جرحات.
(3) يقال: احتجز بالإزار إذا شده على وسطه.
(4) ابن أبي الحديد 2: 56. تاريخ الطبري 3: 3 2 بصورة مفصلة. العقد الفريد 2: 13.
عيون الأخبار 2: 234. سيرة ابن هشام 2: 43. جمهرة خطب العرب 1: 18.
52

وناس من بني هاشم في بيت فاطمة، فجاء عمر إليهم، فقال: والذي نفسي
بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم. فخرج الزبير مصلتا سيفه،
فاعتنقه رجل من الأنصار، وزياد بن لبيد، فدق به فبدر السيف، فصاح به أبو
بكر وهو على المنبر، اضرب به الحجر، قال أبو عمرو بن حماس: فلقد
رأيت الحجر فيه تلك الضربة، ويقال: هذه ضربة سيف الزبير.
ثم قال أبو بكر: دعوهم فسيأتي الله بهم، قال: فخرجوا إليه بعد ذلك
فبايعوه. وقد روى في رواية أخرى أن سعد بن أبي وقاص، كان معهم في
بيت فاطمة (عليها السلام)، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت، فخرج إليه
الزبير بالسيف، وخرجت فاطمة (عليها السلام)، تبكي وتصيح فنهنهت من
الناس، وقالوا: ليس عندنا معصية ولا خلاف في خير اجتمع عليه الناس،
وإنما اجتمعنا لنولف القرآن في مصحف واحد، ثم بايعوا أبا بكر، فاستمر
الأمر واطمأن الناس.
* وحدثني أبو زيد عمر بن شبة، قال: أخبرنا أبو بكر الباهلي. قال:
حدثنا إسماعيل بن مجالد، عن الشعبي قال: سأل أبو بكر فقال: أين الزبير؟
فقيل عند علي وقد تقلد سيفه، فقال: قم يا عمر، فقم يا خالد بن الوليد،
انطلقا حتى تأتياني بهما، فانطلقا، فدخل عمر وقام خالد على باب البيت
من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ فقال: نبايع عليا فاخترطه عمر
فضرب به حجرا فكسره، ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه، وقال: يا خالد
دونكه فأمسكه ثم قال لعلي: قم فبايع لأبي بكر، فتلكأ واحتبس فأخذ بيده،
وقال: قم فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير، فأخرجه، ورأت
فاطمة ما صنع بهما، فقامت على باب الحجرة، وقالت: يا أبا بكر أسرع
ما أغرتم على أهل البيت رسول الله، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله، قال:

(1) ابن أبي الحديد 2: 56. تاريخ الطبري 3: 199.
(2) ابن أبي الحديد 2: 56.
53

فمشى إليها أبو بكر بعد ذلك وشفع لعمر وطلب إليها فرضيت عنه.
* وحدثنا أبو زيد: حدثنا محمد بن حاتم قال: حدثنا الحرامي
قال: حدثنا الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن ابن عباس،
قال: مر بعلي وعنده ابن عباس بفناء داره فسلم، فسألاه: أين تريد؟ فقال:
مالي بينبع. قال علي: أفلا نصل جناحك ونقوم معك؟ فقال: بلى، فقال
لابن عباس: قم معه، قال فشبك أصابعه في أصابعي، ومضى حتى إذا
خلفنا البقيع، قال: يا ابن عباس، أما والله إن كان صاحبك هذا أولى الناس
بالأمر بعد وفاة رسول الله، إلا أنا خفناه على اثنتين، قال ابن عباس: فجاء
بمنطق لم أجد بدا معه في مسألته عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين: ماهما؟
قال: خشيناه على حداثة سنه، وحبه بني عبد المطلب.
* وحدثني أبو زيد، قال: حدثنا هارون بن عمر، بإسناد رفعه إلى ابن
عباس رحمه الله تعالى، قال: تفرق الناس ليلة الجابية عن عمر فسار كل
واحد مع إلفه، ثم صادفت عمر تلك الليلة في مسيرنا، فحادثته فشكى إلي
تخلف علي عنه، فقلت: ألم يعتذر إليك؟ قال: بلى، فقلت: هو ما اعتذر
به، قال: يا ابن عباس، إن أول من ريثكم عن هذا الأمر أبو بكر، إن قومكم
كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة، والنبوة، قلت: لم ذاك يا أمير المؤمنين ألم
تنلهم خيرا؟ قال بلى ولكنهم لو فعلوا لكنتم عليهم جحفا.
* وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا عبد العزيز بن الخطاب قال: حدثنا
علي بن هشام، مرفوعا إلى عاصم بن عمرو بن قتادة، قال: لقي علي

(1) ابن أبي الحديد 2: 57. كفاية الطالب: 37. صحيح البخاري فرض الخمس. صحيح
مسلم 2: 72. مسند أحمد 1: 6. تاريخ الطبري 3: 2 2. سنن البيهقي 6: 3. ابن
كثير 5: 285. تاريخ الخميس 2: 193. الغدير 7: 226. النص والاجتهاد: 82. مثالب
النواصب 1: خ.
(2) ابن أبي الحديد 2: 57.
(3) الجابية: قرية من أعمال دمشق، ذكر ياقوت أن عمر خطب فيه خطبته المشهورة. معجم
البلدان 2: 91.
(4) ابن أبي الحديد 2: 57. وجحفا جحفا: أي فخرا فخرا وشرفا شرفا.
54

(عليه السلام) عمر، فقال له علي (عليه السلام): أنشدك الله هل استخلفك
رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: لا، قال: فكيف تصنع أنت
إلى عنقك، فقال: جدع الله أنف من ينقذك منها، لا ولكن جعلني الله
علما، فإذا قمت فمن خالفني ضل.
وأخبرنا أبو زيد، عن هارون بن عمر، عن محمد بن سعيد بن الفضيل
عن أبيه، عن الحارث بن كعب، عن عبد الله أبي أوفى الخزاعي، قال:
كان خالد بن سعيد بن العاص، من عمال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
باليمن، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، جاء المدينة وقد بايع
الناس أبا بكر، فاحتبس عن أبي بكر فلم يبايعه أياما، وقد بايع الناس، وأتى
بني هاشم، فقال: أنتم الظهر والبطن والشعار دون الدثار. والعصا دون
اللحا. فإذا رضيتم رضينا وإذا سخطتم سخطنا، حدثوني، وإن كنتم قد
بايعتم هذا الرجل؟ قالوا: نعم، قال: على برد ورضا من جماعتكم؟ قالوا:
نعم، قال: فأنا أرضى وأبايع إذا بايعتم أما والله يا بني هاشم إنكم الطوال
الشجر الطيب الثمر.
ثم إنه بايع أبا بكر، وبلغت أبا بكر فلم يحفل بها واضطغنها عليه
عمر، فلما ولاه أبو بكر الجند الذي استنفر إلى الشام، قال له عمر: أتولي
خالدا وقد حبس عليك بيعته، وقال لبني هاشم قال؟ وقد جاء بورق من
اليمن، وعبيد، وحبشان، ودروع، ورماح، ما أرى أن توليه وما آمن خلافه،
فانصرف عنه أبو بكر، وولى أبا عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان،
وشرحبيل بن حسنة.
* حدثني أبو جعفر بن الجنيد، قال: حدثني إبراهيم بن الجنيد،

(1) ابن أبي الحديد 2: 58.
(2) الشعار: ما يلي شعر الحب. وهو تحت الدثار.
(3) اللحاء: ما على العصا من قشرها.
(4) ابن أبي الحديد 582.
55

قال: حدثني محفوظ بن المفضل بن عمر، قال: حدثني أبو البهلول
يوسف بن يعقوب، قال: حدثنا حمزة بن حسان، وكان مولى لبني أمية،
وكان مؤذنا عشرين سنة، وحج غير حجة، وأثنى أبو البهلول عليه خيرا،
قال: حضرت حريز بن عثمان وذكر علي ابن أبي طالب فقال: ذاك الذي
أحل حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى كاد يقع.
قال محفوظ: قلت ليحيى بن صالح الوحاظي: قد رويت عن مشايخ
من نظراء حريز، فما بالك لم تحمل عن حريز قال: إني أتيته فناولني كتابا
فإذا فيه: حدثني فلان عن فلان، أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما حضرته
الوفاة أوصي أن تقطع يد علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، فرددت الكتاب
ولم استحل أن أكتب عنه شيئا.
وحدثني أبو جعفر قال: حدثني إبراهيم، قال: حدثني محمد بن
عاصم صاحب الخانات قال: قال لنا حريز بن عثمان، ونحن نبغضه، قالوا:
لم؟ قال: لأنه قتل أجدادي.
قال محمد بن عاصم: وكان حريز بن عثمان نازلا علينا.
* أخبرني أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أحمد بن سيار، قال: حدثنا
سعيد بن كثير عفير الأنصاري، أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما قبض
اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: إن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قد قبض، فقال سعد بن عبادة، لابنه قيس، أو لبعض: أنني لا
أستطيع أن أسمع الناس كلامي لمرضي، ولكن تلق مني قولي فأسمعهم،

(1) الحديث هذا مختلق وموضوع ففي سنده حريز بن عثمان بن جبر بن أبي أحمر بن أسعد
الرجي المشرقي المتوفى 163، قال ابن حجر في التهذيب 2: 239: قال عبد الوهاب بن
الضحاك، عنه حريز بن عثمان متروك منهم، وحكاه الأزدي في الضعفاء ولا ينبغي الرواية
عنه، وقيل ليحيى بن صالح لم لم تكتب عن حريز؟ فقال: كيف أكتب عن رجل صليت معه
الفجر سبع سنين فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليا سبعين مرة. فتح الملك
العلي: 11.
أما يحيى بن صالح الوحاظي أبو زكريا المتوفى 222، فقد قال عنه عبد الله بن أحمد، قال:
أبي لم أكتب عنه لأني رأيته في مسجد الجامع يسئ الصلاة. تهذيب التهذيب 11: 23.
(2) ابن أبي الحديد 4: 7.
56

فكان سعد يتكلم، ويستمع ابنه ويرفع به صوته ليسمع قومه فكان من قوله،
بعد حمد الله والثناء عليه، أن قال:
إن لكم سابقة إلى الدين، وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من
العرب، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لبث في قومه بضع
عشرة سنة، يدعوهم إلى عبادة الرحمن، وخلع الأوثان، فما آمن به من قومه
إلا قليل، والله ما كانوا يقدرون أن يمنعوا رسول الله ولا يغروا دينه، ولا
يدفعوا عنه عداه، حتى أراد الله بكم خير الفضيلة، وساق إليكم الكرامة،
وخصكم بدينه، ورزقكم الإيمان به وبرسوله، والإعزاز لدينه، والجهاد
لأعدائه، فكنتم أشد الناس على من تخلف عنه منكم، وأثقله على عدوه من
غيركم، حتى استقاموا لأمر الله طوعا وكرها، وأعطى البعيد المقادة صاغرا
داحضا حتى أنجز الله لنبيكم الوعد، ودانت لأسيافكم العرب، ثم توفاه الله
تعالى، وهو عنكم راض، وبكم قرير عين، فشدوا يديكم بهذا الأمر، فإنكم
أحق الناس وأولاهم به.
فأجابوا جميعا: أن وفقت في الرأي، وأصبت في القول، ولن نعدو ما
أمرت، نوليك هذا الأمر، فأنت لنا مقنع، ولصالح المؤمنين رضا.
ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم، فقالوا: إن إئت مهاجرة قريش، فقالوا:
نحن المهاجرون، وأصحاب رسول الله (ص) الأولون، ونحن عشيرته
وأولياؤه، فعلام تنازعوننا هذا الأمر من بعده؟ فقالت طائفة منهم: إذا نقول:
منا أمير ومنكم أمير، لن نرضى بدون هذا منهم أبدا إن لنا في الإيواء
والنصرة، ما لهم في الهجرة، ولنا في كتاب الله ما لهم، فليسوا يعدون شيئا
إلا ونعد مثله، وليس من رأينا الاستئثار عليهم، فمنا أمير، ومنهم أمير.
فقال سعد بن عبادة: هذا أول الوهن.
وأتى الخبر عمر، فأتى منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوجد
أبا بكر في الدار، وعليا في جهاز رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان
الذي أتاه بالخبر معن بن عدي، فأخذ بيد عمر وقال: قم فقال عمر: إني

(1) جمهرة خطب العرب 1: 173، مع تغيير بسيط في الألفاظ.
57

عنك مشغول، فقال: أنه لا بد من قيام، فقام معه، فقال له: أن هذا الحي
من الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، معهم سعد بن عبادة،
يدورون حوله ويقولون: أنت المرجى، ونجلك المرجى، وثم أناس من
أشرافهم وقد خشيت الفتنة، فانظر يا عمر ماذا ترى، واذكر لإخوتك من
المهاجرين واختاروا لأنفسكم، فإني أنظر إلى باب فتنة قد فتح الساعة إلا أن
يغلقه الله، ففزع عمر أشد الفزع، حتى أتى أبا بكر فأخذه بيده فقال: قم
فقال أبو بكر: أين نبرح حتى نواري رسول الله، إني عنك مشغول، فقال
عمر: لا بد من قيام، وسنرجع إن شاء الله.
فقام أبو بكر مع عمر، فحدثه الحديث. ففزع أبو بكر أشد الفزع
وخرجا مسرعين إلى سقيفة بني ساعدة، وفيها رجال من أشراف الأنصار،
ومعهم سعد بن عبادة، وهو مريض بين أظهرهم، فأراد عمر أن يتكلم ويمهد
لأبي بكر. وقال: خشيت أن يقصر أبو بكر عن بعض الكلام. فما نسي عمر
كفه أبو بكر، قال: على رسلك، فتلق الكلام ثم تكلم بعد كلامي بما بدا
لك فتشهد أبو بكر ثم قال:
إن الله جل ثناؤه بعث محمدا بالهدى والدين الحق، فدعا إلى
الإسلام، فأخذ الله بقلوبنا ونواصينا إلى ما دعانا إليه، وكنا معاشر المسلمين
المهاجرين أول الناس إسلاما، والناس لنا في ذلك تبع، ونحن عشيرة
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأوسط العرب أنسابا، ليس من قبائل
العرب إلا ولقريش فيها ولادة، وأنتم أنصار الله، وأنتم نصرتم رسول الله
(صلى الله عليه وآله)، ثم أنتم وزراء رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم)، وإخواننا في كتاب الله وشركاؤنا في الدين، وفيما كنا فيه من خير،
فأنتم أحب أناس إلينا، وأكرمهم علينا، وأحق الناس بالرضا بقضاء الله،
والتسليم لما ساق الله إلى إخوانكم من المهاجرين، وأحق الناس ألا
تحسدوهم، فأنتم المؤثرون على أنفسكم حين الخصاصة، وأحق الناس ألا
يكون انتقاض هذا الدين واختلاطه على أيديكم، وأنا أدعوكم إلى أبي
58

عبيدة، وعمر، فكلاهما قد رضيتها لهذا الأمر، وكلاهما أراه له أهلا.
فقال عمر، وأبو عبيدة: ما ينبغي لأحد من الناس أن يكون فوقك،
أنت صاحب الغار، ثاني اثنين، وأمرك رسول الله بالصلاة، فأنت أحق الناس
بهذا الأمر.
فقال الأنصار:
والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم، ولا أحد أحب إلينا ولا
أرضى عندنا منكم، ولكننا نشفق فيما بعد هذا اليوم، ونحذر أن يغلب على
هذا الأمر من ليس منا ولا منكم، فلو جعلتم اليوم، رجلا منكم بايعنا
ورضينا، على أنه إذا هلك اخترنا واحدا من الأنصار، فإذا كان آخر من
المهاجرين أبدا ما بقيت هذه الأمة، كان ذلك أجدر أن يعدل في أمة محمد
(صلى الله عليه وآله وسلم)، فيشفق الأنصاري أن يزيغ فيقبض عليه
القرشي، ويشفق القرشي أن يزيغ عليه الأنصاري.
فقال أبو بكر: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما بعث
عظم على العرب أن يتركوا دين، فخالفوه وشاقوه، وخص الله المهاجرين
الأولين من قومه بتصديقه والإيمان به، والمواساة له، والصبر معه على شدة
أذى قومه، ولم يستوحشوا لكثرة عددهم، فهم أول من عبد الله في الأرض،
وهم أول من آمن برسول الله، وهم أولياؤه وعترته، وأحق الناس بالأمر بعده،
لا ينازعهم فيه إلا ظالم، وليس أحد بعد المهاجرين فضلا وقدما في الإسلام
مثلكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا نمتاز دونكم بمشورة، ولا تقضى
دونكم الأمور.
فقام الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال:
يا معشر الأنصار: املكوا عليكم أيديكم، إنما الناس في فيئكم
وظلكم، ولن يجتزئ على فلانكم، ولا يصدر الناس إلا عن أمركم، أنتم

(1) العقد الفريد 2: 13. عيون الأخبار 2: 233. البيان والتبيين 3: 147. الإمامة والسياسة
1: 7. جمهرة خطب العرب 1: 175.
(2) جمهرة خطب العرب 1: 174 نقلا عن الطبري.
59

أهل الإيواء والنصرة، وإليكم كانت الهجرة، وأنتم أصحاب الدار والإيمان،
والله ما عبد الله علانية إلا عندكم وفي بلادكم، ولا جمعت الصلاة إلا في
مساجدكم، ولا عرف الإيمان إلا من أسيافكم، فاملكوا عليكم أمركم، فإن
أبى هؤلاء فمنا أمير ومنهم أمير.
فقال عمر: هيهات لا يجتمع سيفان في غمد، إن العرب لا ترضى أن
تؤمركم ونبيها من غيركم، وليس تمتنع العرب أن تولي أمرها من كان النبوة
فيهم، وأولوا الأمر منهم، لنا بذلك الحجة الظاهرة على من خالفنا،
والسلطان المبني على من نازعنا، من ذا يخاصمنا في سلطان محمد
وميراثه، ونحن أولياؤه وعشيرته، إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم، أو متورط
في هلكه.
فقام الحباب وقال: يا معشر الأنصار، لا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه
فيذهبوا بنصيبكم من الأمر، فإن أبوا عليكم ما أعطيتموهم فأجلوهم عن
بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم، فأنتم والله أولى الناس بهذا الأمر منهم،
أنه وإن لهذا الأمر بأسيافكم من لم يكن يدين له، أنا جذيلها المحكك
وعذيقها المرجب إن شئتم لنعيد عنا جزعه، والله لا يرد أحد على ما
أقول إلا حطمت أنفه بالسيف.
قال: فلما رأى بشر بن سعد الخزرجي، ما اجتمعت عليه الأنصار من
تأمير سعد بن عبادة، وكان حاسدا له وكان من سادة الخزرج، قام فقال:

(1) جمهرة خطب العرب 1: 176.
(2) نفس المصدر.
(3) في عبارة: فأجلوهم عن هذه البلاد.
(4) الجذيل: تصغير الجذل - بالكسر - وهو أصل الشجرة، وعود ينصب للإبل الجربى لتحتك به
وتتمرس، والمحك الذي تتحكك به. والعذيق تصغير العذق - بالفتح - وهو النخلة.
والمرجب: الذي جعل له وجبة، وهي دعامة تبنى حولها من الحجارة، وذلك إذا كانت
النخلة كريمة وطالت تخوفوا عليها أن تنقعر من الرياح العواصف، والتصغير هنا يراد به
التكبير والتعظيم، وهو مثل، والمراد أنه رجل يستشفى برأيه وعقله.
(5) الجذعة: الشابة الفتية، يريد الحروب والغارات.
60

أيها الأنصار، إنا وإن كنا ذوي سابقة، فإنا لم نرد بجهادنا وإسلامنا إلا
رضى ربنا وطاعة نبينا، ولا ينبغي لنا أن نستطيل بذلك على الناس، ولا
نبتغي به عوضا من الدنيا، إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل من
قريش، وقومه أحق بميراثه، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر، فاتقوا
الله ولا تنازعوهم، ولا تخالفوهم.
فقام أبو بكر، وقال: هذا عمر، وأبو عبيدة، بايعوا أيهما شئتم، فقالا:
والله لا نتولى هذا الأمر عليك، وأنت أفضل المهاجرين، وثاني اثنين،
وخليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، على الصلاة، والصلاة أفضل
الدين، أبسط يدك نبايعك.
فلما بسط يده وذهبا يبايعانه، سبقهما بشير بن سعد، فبايعه، فناداه
الحباب بن المنذر: با بشير عقك عاق: والله ما اضطرك إلى هذا الأمر إلا
الحسد لابن عمك.
ولما رأت الأوس أن رئيسا من رؤساء الخزرج قد بايع، قام أسيد بن
حضير - وهو رئيس الأوس - فبايع حسدا لسعد أيضا، ومنافسة له أن يلي
الأمر، فبايعت الأوس كلها لما بايع أسيد، وحمل سعد بن عبادة وهو
مريض، فأدخل إلى منزله، فامتنع من البيعة في ذلك اليوم وفيما بعده، وأراد
عمر أن يكرهه عليها، فأشير عليه ألا يفعل، وأنه لا يبايع حتى يقتل وأنه لا
يقتل حتى يقتل أهله، ولا يقتل أهله حتى يقتل الخزرج، وإن حوربت
الخزرج كان الأوس معها.
وفسد الأمر فتركوه فكان لا يصلي بصلاتهم، ولا يجمع بجماعتهم،
ولا يقضي بقضائهم، ولو وجد أعوانا لضاربهم، فلم يزل كذلك حتى مات
أبو بكر، ثم لقي عمر في خلافته وهو على فرس، وعمر على بعير، فقال له
عمر: هيهات يا سعد، فقال سعد: هيهات يا عمر، فقال: أنت صاحب من
أنت صاحبه، قال: نعم أنا ذاك، ثم قال لعمر: والله ما جاورني أحد هو
أبغض إلي جوارا منك، قال عمر: فإنه من كره جوار رجل انتقل عنه. قال

(1) الطبري 3: 7 2. الكامل لابن الأثير 2: 158. جمهرة خطب العرب 1: 177.
61

سعد: إني لأرجو أن أخلها لك عاجلا إلى جوار من أحب إلي جوارا منك
ومن أصحابك، فلم يلبث سعد بعد ذلك إلا قليلا حتى خرج إلى الشام
فمات بحوران ولم يبايع لأحد، لا لأبي بكر، ولا لعمر، ولا لغيرهما.
وكثر الناس على أبي بكر، فبايعه معظم المسلمين في ذلك اليوم،
واجتمعت بنو هاشم إلى بيت علي بن أبي طالب، ومعهم الزبير، وكان يعد
نفسه رجلا من بني هاشم، وكان علي يقول: ما زال الزبير منا أهل البيت
حتى نشأ بنوه فصرفوه عنا.
واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان، واجتمعت بنو زهرة إلى
سعد، وعبد الرحمن فأقبل عمر إليهم وأبو عبيدة، فقال: ما لي أراكم
ملتائين. قوموا فبايعوا أبا بكر، فقد بايع له الناس، وبايعه الأنصار. فقام
عثمان ومن معه، وقام سعد، وعبد الرحمن ومن معهما فبايعوا أبا بكر.
وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة، منهم أسيد بن حضير،
وسلمة بن أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا، فأبوا عليه، وخرج إليهم الزبير
بسيفه، فقال عمر: عليكم الكلب، فوثب عليه سلمة بن أسلم. فأخذ
السيف من يده فضرب به الجدار، ثم انطلقوا به وبعلي ومعها بنو هاشم،
وعلي يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى
انتهوا به إلى أبي بكر، فقيل له: بايع فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا
أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم
عليهم بالقرابة من رسول الله، فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، وأنا
أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فانصفونا إن كنتم تخافون
الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبوؤا
بالظلم وأنتم تعلمون.
فقال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع، فقال له علي: احلب يا عمر
حلبا لك شطره، أشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا، ألا والله لا أقبل قولك

(1) حروان: كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة، ذات قرى كثيرة ومزارع وحرار، وما
زالت منازل العبر. معجم البلدان 2: 317. الإمامة والسياسة 1: 17.
62

ولا أبايعه، فقال له أبو بكر: فإن لم تبايعني لم أكرهك، فقال له عبيدة:
يا أبا الحسن، إنك حديث السن، وهؤلاء مشيخة قريش قومك، ليس لك
مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر
منك، وأشد احتمالا له، واضطلاعا به، فسلم له الأمر وارض به، فإنك إن
تعش ويطل عمرك فأنت لهذا الأمر خليق، وبه حقيق في فضلك وقرابتك
وسابقتك وجهادك.
فقال علي: يا معشر المهاجرين، الله الله، لا تخرجوا سلطان محمد
عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس
وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن - أهل البيت - أحق بهذا الأمر منكم،
أما كان منا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بالسنة،
المضطلع بأمر الرعية، والله إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى، فتزدادوا من الحق
بعدا.
فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي
قبل بيعتهم لأبي بكر، ما اختلف عليك اثنان، ولكنهم قد بايعوا.
وانصرف علي إلى منزله، ولم يبايع، ولزم بيته حتى ماتت فاطمة
فبايع.
* * *
* حدثنا أحمد وقال: حدثنا ابن عفير، قال: حدثنا أبو عوف
عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهما،
أن عليا حمل فاطمة على حمار، وسار بها ليلا إلى بيوت الأنصار، يسألهم
النصرة، وتسألهم فاطمة الانتصار له فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد
مضت بيعتنا لهذا الرجل، لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به،

(1) ابن أبي الحديد 6: 5 - 12. تاريخ الطبري 3: 7 2 عن هشام بن محمد عن أبي مخنف
قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، أن النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) لما قبض. الإمامة والسياسة 1: 12. الغدير 7: 8 الكامل 3: 326.
63

فقال علي: أكنت أترك رسول الله ميتا في بيته لا أجهزة، وأخرج إلى الناس
أنازعهم في سلطانه.
وقالت فاطمة: ما صنع أبو حسن إلا ما كان ينبغي له، وصنعوا هم ما
الله حسبهم عليه.
* وحدثنا أحمد، قال: حدثني سعيد بن كثير قال: حدثني ابن لهيعة،
أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لما مات وأبو ذر غائب، وقدم وقد ولي
أبو بكر، فقال: أصبتم قناعه، وتركتم قرابه، لو جعلتم هذا الأمر في أهل
بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان.
* وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا أبو قبيعة محمد بن
حرب، قال: لما توفي النبي (صلى الله عليه وآله)، وجرى في السقيفة ما
جرى تمثل علي:
وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا * ويطغون لما غال زيدا غوائله
* حدثني أبو يوسف يعقوب بن شيبة، عن بحر بن آدم عن رجاله،
عن سالم بن عبيد قال: لما توفي رسول الله، وقالت الأنصار: منا أمير ومنكم
أمير، أخذ عمر بيد أبي بكر وقال: سيفان في غمد واحد، إذا لا يصلحان،
ثم قال: من له هذه الثلاث: ثاني اثنين إذ هما في الغار. من هما؟ إذ يقول
لصاحبه لا تحزن، من صاحبه، إن الله معنا، مع من، ثم بسط يده إلى أبي
بكر فبايعه الناس أحسن بيعة وأجملها.
* حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي، عن أبي بكر بن عياش، عن
زيد بن عبد الله، قال: إن تعالى نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد
عليه الصلاة والسلام، خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم

(1) ابن أبي الحديد 6: 13. الإمامة والسياسة 1: 19 وفيه: ولقد صنعوا ما الله حسيبهم
وطالبهم. الغدير 7: 81.
(2) ابن أبي الحديد 6: 13. مثالب النواصب 1: خ.
(3) ابن أبي الحديد 6: 14. النص والاجتهاد: 81.
(4) ابن أبي الحديد 6: 38.
64

نظر في قلوب الأمم بعد قلبه، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد،
فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون عن دينه، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله
حسن، وما رأى المسلمون سيئا فهو عند الله سئ.
قال أبو بكر بن عياش: وقد رأى المسلمون أن يولوا أبا بكر بعد النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) فكانت ولايته حسنة.
* وحدثنا يعقوب بن شيبة، قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه
وسلم). وقال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير قال عمر: أيها الناس أيكم
يطيب نفسا أن يتقدم قدمين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في
الصلاة، رضيك الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا.
وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثني زيد بن يحيى الأنماطي،
قال: حدثنا صخر بن جويرية، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه قال:
أخذ أبو بكر بيد عمر، ويد رجل من المهاجرين - ويرونه أبا عبيدة - حتى
انطلقوا إلى الأنصار، وقد اجتمعوا عند سعد في سقيفة بني ساعدة، فقال
عمر: قلت لأبي بكر، دعني أتكلم وخشيت جد أبي بكر، وكان ذا جد،
فقال أبو بكر: لا بل أنا أتكلم، فما هو والله إلا أن انتهينا إليهم، فما كان في
نفسي شئ أريد أن أقوله، إلا أتى أبو بكر عليه، فقال لهم:
يا معشر الأنصار ما ينكر حقكم مسلم، إنا والله ما أصبنا خيرا قط إلا
شركتمونا فيه لقد أديتم ونصرتم، وآزرتم وواسيتم، ولكن قد علمتم أن
العرب لا تقر ولا تطيع إلا لأمري من قريش، هم رهط النبي (صلى الله

(1) ابن أبي الحديد 6: 39.
ذهب الفيروزآبادي في خاتمة كتابه - سفر السعادة - والعجلوني في كتابه كشف الخفا
- والسيوطي في كتابه - اللئالئ المصنوعة، من أن الأحاديث الواردة عن النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) في فضائل أبي بكر الصديق، من الموضوعات لم يصح منه حديث، أو
أوليس
فيه حديث صحيح.
وذكر السيوطي في اللئالئ ج 1: 286 - 2 3 ثلاثين حديثا من أشهر فضائل أبي بكر زيفها
وحكم فيها بالوضع.
(3) ابن أبي الحديد 6: 39.
65

عليه وسلم)، أوسط العرب وشيجة رحم، وأوسط الناس دارا، وأعرب
الناس ألسنا، وأصبح الناس أوجها، وقد عرفتم بلاء ابن الخطاب في
الإسلام وقدمه، هلم فلنبايعه.
قال عمر: بل إياك نبايع، قال عمر: فكنت أول الناس مد يده إلى أبي
بكر فبايعه، إلا رجلا من الأنصار أدخل بيده بين يدي، ويد أبي بكر فبايعه
قبلي، ووطئ الناس فراش سعد، فقيل: قتلتم سعدا، فقال عمر: قتل الله
سعدا، فوثب رجل من الأنصار، فقال: أنا جذيلها المحكك وعذيقها
المرجب، فأخذ ووطئ في بطنه ودسوا في التراب.
* * *
* وحدثني يعقوب، عن محمد بن جعفر، عن محمد بن إسماعيل،
عن مختار اليمان، عن عيسى بن زيد، قال: لما بويع أبو بكر جاء أبو سفيان
إلى علي فقال: أغلبكم على هذا الأمر أذل بيت من قريش وأقلها، أما والله
لو شئت لأملأنها على أبي فضيل خيلا ورجلا، ولأسدنها عليه من أقطارها،
فقال علي: يا أبا سفيان، طالما كدت إلى الإسلام وأهله، فما ضرهم شيئا
أمسك عليك فإنا رأينا أبا بكر لها أهلا.
* وحدثنا يعقوب، عن رجاله قال: لما بويع أبا بكر تخلف علي، فلم
يبايع، فقيل لأبي بكر: إنه كره إمارتك فبعث إليه، وقال: أكرهت إمارتي؟
قال: لا، ولكن القرآن خشيت أن يزاد فيه، فحلفت ألا أرتدي رداء حتى
أجمعه، اللهم إلى صلاة الجمعة.
فقال أبو بكر: لقد أحسنت، قال: فكتبه عليه الصلاة والسلام، كما
أنزل بناسخه ومنسوخه.
* حدثنا يعقوب، عن أبي النصر عن محمد بن راشد، عن مكحول،
أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، استعمل خالد بن سعيد بن العاص،

ابن أبي الحديد 6: 4.
(2) ابن أبي الحديد 6: 4.
(3) ابن أبي الحديد 6: 4.
66

على عمل، فقدم بعد ما قبض رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد بايع
الناس أبا بكر، فدعاه إلى البيعة، فأبى فقال عمر: دعني وإياه فمنعه أبو
بكر، حتى مضت عليه سنة، ثم مر به أبو بكر وهو جالس على بابه فناداه
خالد، يا أبا بكر هل لك في البيعة؟ قال: نعم، قال: فادن فدنا منه فبايعه
خالد وهو قاعد على بابه.
* وحدثنا أبو يوسف يعقوب بن شيبة، عن خالد بن مخلد، عن
يحيى بن عمر، قال: حدثني أبو جعفر الباقي، قال: جاء أعرابي إلى أبي
بكر على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقال له: أوصني، فقال:
لا تأمر على اثنين، ثم إن الأعرابي شخص إلى الربذة فبلغه بعد ذلك وفاة
رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فسأل عن أمر الناس: من وليه، فقيل:
أبو بكر، فقدم الأعرابي المدينة فقال لأبي بكر: ألست أمرتني ألا أتأمر على
اثنين؟ قال: بلى، قال: فما بالك؟ فقال أبو بكر: لم أجد لها أحدا غيري
أحق مني.
قال: ثم دفع أبو جعفر الباقر، يديه وخفضهما فقال: صدق، صدق.
* وقد روي هذا الخبر برواية أتم من هذه الرواية: حدثنا يعقوب بن
شيبة، قال: حدثنا يحيى بن حماد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن سليمان
الأعشى، عن سليمان بن مسيرة، عن طارق بن شهاب، عن رافع بن أبي
رافع الطائي، قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جيشا، فأمر
عليهم عمرو بن العاص، وفيهم أبو بكر، وعمر. وأمرهم أن يستنفروا من
مروا به، فمروا علينا فاستنفرونا، فنفرنا معهم في غزاة - ذات السلاسل -
وهي التي تفخر بها أهل الشام فيقولون: استعمل رسول الله (صلى الله عليه

(1) ابن أبي الحديد 6: 41.
أبو سعيد خالد بن سعيد العاصي بن أمية بن عبد شمس الأموي وأمه أم خالد بنت حباب
الثقفية من السابقين الأولين، أمره أبو بكر على مشارق الشام في الردة، واستشهد يوم حرج
الصفر. الإصابة 1: 6 4.
67

وسلم)، عمرو بن العاص، على جيش فيه أبو بكر وعمر، قال: فقلت: والله
لأختارن في هذه الغزاة لنفسي رجلا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه
وسلم)، استمد به فإني لست أستطيع إتيان المدينة، فاخترت أبا بكر، ولم
آل وكان له كساء فدكي يخله عليه إذا ركب، ويلبسه إذا نزل، وهو الذي
عيرته به هوازن بعد النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقالوا: لا نبايع ذا
الخلال، قال: فلما قضينا غزاتنا قلت له: يا أبا بكر، إني قد صحبتك وإني
لي عليك حقا، فعلمني شيئا انتفع به، فقال: قد كنت أريد ذلك لو لم تقل
لي: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة
المفروضة، وتحج البيت، وتصوم شهر رمضان، ولا تتأمر على رجلين،
فقلت: أما العبادات فقد عرفتها، أرأيت نهيك لي عن الإمارة، وهل يصيب
الناس الخير والشر إلا بالإمارة، فقال: إنك مستجهد في فجهدت لك، إن
الناس دخلوا في الإسلام طوعا وكرها فأجارهم الله من الظلم، فهم جيران
الله، وعواد الله، وفي ذمة الله، فمن يظلم منكم إنما يحقر ربه، والله إن
أحدكم ليأخذ شويهة جاره أو بعيره، فيظل عمله بأسا بجاره، والله من وراء
جاره. قال: فلم يلبث إلا قليلا حتى أتتنا وفاة رسول الله (صلى الله عليه
وسلم)، فسألت: من استخلف بعده، قيل: أبو بكر، قلت: أصاحبي الذي
كان ينهاني عن الإمارة؟ فشددت على راحلتي: فأتيت المدينة، فجعلت
أطلب خلوته، حتى قدرت عليها، فقلت: أتعرفني، أنا فلان بن فلان،
أتعرف وصية أوصيتني بها؟ قال: نعم إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
قبض، والناس حديثو عهد بالجاهلية، فخشيت أن يفتنوا، وأن أصحابي
حملونيها، فما زال يعتذر إلي حتى عذرته، وصار من أمري بعد أن صرت
عريفا.
* وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة، عن رجاله، عن الشعبي، قال: قام
الحسن بن علي (عليه السلام)، إلى أبي بكر وهو يخطب على المنبر، فقال

يخله عليه: أي يجمع بين طرفي الكساء بخلال وعود أو حديد.
(2) ابن أبي الحديد 6: 41.
68

له: أنزل عن منبر أبي، فقال أبو بكر: صدقت، والله إنه لمنبر أبيك لا منبر
أبي، فبعث علي إلى أبي بكر، إنه غلام حدث، وإنا لم نأمره، فقال أبو
بكر: صدقت إنا لم نتهمك.
* وروى أبو زيد. عن حباب بن يزيد، عن جرير، عن المغيرة، أن
سلمان، والزبير، وبعض الأنصار كان هواهم أن يبايعوا عليا بعد النبي
(صلى الله عليه وآله)، فلما بويع أبو بكر، قال سلمان للصحابة: أصبتم
الخير، ولكن أخطأتم المعدن، وفي رواية أخرى: أصبتم ذا السن
منكم، ولكنكم أخطأتم أهل بيت نبيكم، أما لو جعلتموها فيهم ما اختلفت
منكم اثنان ولأكلتموها رغدا.
* * *
* وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا
غسان بن عبد الحميد، قال: لما أكثر في تخلف علي عن البيعة، واشتد أبو
بكر، وعمر في ذلك، خرجت أم مسطح بن أثاثة، فوقفت عند قبر النبي
(صلى الله عليه وآله)، ونادته: يا رسول الله:
قد كان بعدك أنباك وهينمة لو * كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * فاختل قومك فاشهدهم ولا تغب
* سمعت أبا زيد عمر بن شبة، يحدث رجلا بحديث لم أحفظ

(1) ابن أبي الحديد 6: 42. والحديث مختلق لأن في سنده عامر الشعبي وهو مقدوح بقوادح
عديدة، وأعظم مطاعنة إنه كان صبيا بغيضا منحرفا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يدا خل
الولاة، ويصانعهم ويماشيهم ويلعب بالشطرنج لأجل التحبب إلى طغاة بني أمية ومردتهم.
نجد تفصيل مخازيه في كتاب - إفحام الأعداء والخصوم - 3: خ. العقد الفريد
1: 44، 66.
(2) ابن أبي الحديد 6: 43.
(3) أم مسطح بنت أبي دهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها رائطة بنت صخر بن عامر بن
كعب، خالة أبي بكر. أسد الغابة 4: 355.
(4) الهينمة: الصوت الخفي، وفي بعض المصادر نسب البيتين إلى الصديقة فاطمة
(عليها السلام).
(5) ابن أبي الحديد 6: 43.
69

إسناده، قال: مر المغيرة بن شعبة، بأبي بكر، وعمر، وهما جالسان على
باب النبي حين قبض، فقال: وما يقعدكما؟ قالا: ننتظر هذا الرجل يخرج
فنبايعه، يعنيان عليا، فقال: أتريدون أن تنظروا حبل الحيلة من أهل هذا
البيت، وسموها في قريش تتسع.
قال: فقاما إلى سقيفة بني ساعدة، أو كلاما هذا معناه.
* * *
* أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الملك الواسطي، عن يزيد بن
هارون، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن أنس بن مالك، قال: لما
مرض رسول الله مرضه الذي مات فيه، أتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فقال بعد
مرتين: يا بلال لقد أبلغت، فمن شاء فليصل بالناس، ومن شاء فليدع.
قال: ورفعت الستور عن رسول الله، فنظرنا إليه كأنه ورقة بيضاء،
وعليه خميصة له فرجع إليه بلال فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، قال:
فما رأيناه بعد ذلك عليه السلام.
* حدثني أبو الحسن علي بن سليمان النوفلي، قال: سمعت أبيا
يقول: ذكر سعد بن عبادة يوما عليا بعد يوم السقيفة، فذكر أمرا من أمره نسيه
أبو الحسن، ليوجب ولايته، فقال له ابنه قيس بن سعد: أنت سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب؟
ثم تطلب الخلافة، ويقول أصحابك: منا أمير ومنكم أمير، لا كلمتك والله
من رأسي بعد هذا كلمة أبدا.
* * *

(1) ابن أبي الحديد 5: 43.
(2) محمد عبد الملك بن زنجويه المتوفى 257 / 258. تاريخ بغداد 2: 345.
(3) الخميصة: كساء أسود مربع، له علمان.
(4) ابن أبي الحديد 6: 44. الطبقات الكبرى 2: 217، والحديث مقدوح لوجود سفيان بن
حسين بن الحسن المتوفى بالري مع المهدي في سنده فقد قال عنه يعقوب بن شيبة:
صدوق ثقة وفي حديثه ضعف. وقال ابن سعد: ثقة يخطي في حديثه كثيرا، وقال ابن
عدي: هو في غير الزهري صالح وفي الزهري يروي أشياء خالف الناس، وذكره ابن حبان،
في الثقات وقال: أما روايته عن الزهري.
(5) ابن أبي الحديد 6: 44.
70

* وحدثني أبو الحسن علي بن سليمان النوفلي، قال: حدثني أبي،
قال: حدثني شريك بن عبد الله، عن إسماعيل بن خالد، عن زيد بن
علي بن الحسين، عن أبيه عن جده، قال: قال علي: كنت مع الأنصار
لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) على السمع والطاعة له في المحبوب
والمكروه، فلما عز الإسلام وكثر أهله قال: يا علي زد فيها: - على أن
تمنعوا رسول الله وأهل بيته ما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم - قال:
فحملها على ظهور القوم، فوفى بها من وفى، وهلك منن هلك.
* وحدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد قال: حدثنا أحمد بن
الحكيم، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، عن ليث بن سعد، قال: تخلف
علي عن بيعة أبي بكر، فأخرج ملببا يمضي به ركضا، وهو يقول: معاشر
المسلمين علام تضرب عنق رجل من المسلمين، لم يتخلف لخلاف وإنما
تخلف لحاجة، فما مر بمجلس من المجالس إلا يقال له: انطلق فبايع.
* وحدثنا علي بن حرب الطائي، قال: حدثنا ابن فضل، عن
الأجلح، عن حبيب بن ثعلبة ابن زيد، قال: سمعت عليا يقول: أما ورب
السماء والأرض، ثلاثا إنه لعهدي النبي الأمي إلي: لتغدرن بك الأمة من
بعدي.

(1) ابن أبي الحديد 6: 44.
(2) أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن حبيب الحارثي البصري المتوفى 271، من
شيوخ المؤلف في الرواية يلقب كريزان سكن سر من رأى وحدث بها وببغداد، ولما مات
دفن في مقابر الكوفة. تاريخ بغداد 1: 273.
(3) يقال: لبب فلان فلانا، أخذ بتلبيبه، أي جمع ثيابه عند صدره ونحره ثم جره.
(4) ابن أبي الحديد 6: 45.
(5) أبو الحسن علي بن حرب بن محمد بن علي بن حبان بن مازن بن الغضوية الطائي الموصلي
مات 265 ه‍ أحد من رحل في الحديث إلى الحجاز وبغداد والكوفة والبصرة وقدم بغداد
وحدث بها، وكان عالما بأخبار العرب وأنسابها وأيامها أديبا شاعرا، وفد على المعتز بسر من
رأى فأكرمه وأحسن إليه وأوعز له ضياع حرب كلها فلم يزل ذلك جاريا له إلى أيام المعتضد
تاريخ بغداد 11: 418. الشذرات 2: 15.
(6) ابن أبي الحديد 6: 45.
71

* وحدثنا أبو زيد عمر بن شبة، بإسناد رفعه إلى ابن عباس قال: أني
لأماشي عمر في سكة من سكك المدينة، يده في يدي، فقال: يا ابن
عباس، ما أظن صاحبك إلا مظلوما، فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها،
فقلت: يا أمير المؤمنين، فاردد عليه ظلامته، فانتزع يده من يدي، ثم مر
يهمهم ساعة ثم وقف، فلحقته فقال لي: يا ابن عباس، ما أظن القوم منعهم
من صاحبك إلا أنهم استصغروه، فقلت في نفسي: هذه شر من الأولى،
فقلت: والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر.
* حدثني أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثني إبراهيم بن المنذر،
قال: حدثنا ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، قال: غضب رجال
من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة، وغضب علي، والزبير، فدخلا
بيت فاطمة، معهما السلاح، فجاء عمر في عصابة، فيهم أسيد بن حضير،
وسلمة بن سلامة بن قريش، وهما من بني عبد الأشمل، فاقتحما الدار،
فصاحت فاطمة وناشدتهما الله، فأخذوا سيفيهما فضربوا بهما الحجر حتى
كسروهما فأخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا، ثم قام أبو بكر، فخطب
الناس، فاعتذر إليهم وقال: أن بيعتي كانت فلتة، وقى الله شرها، وخشيت
الفتنة، وأيم الله ما حرصت عليها يوما قط، ولا سألتها الله في سر ولا علانية
قط، ولقد قلدت أمرا عظيما ما لي به طاقة ولا يدان، ولقد وددت أن أقوى
الناس عليه مكاني
وذكر ابن شهاب ثابت، إن قيس بن شماص أخا بني الحارث من
الخزرج، كان مع الجماعة الذين دخلوا بيت فاطمة.
* وروى سعد بن إبراهيم، أن عبد الرحمن بن عوف، كان مع عمر

(1) ابن أبي الحديد 6: 45. كنز العمال 6: 391. الغدير 1: 389، و 7: 8.
(2) ابن أبي الحديد 6: 47. سيرة ابن هشام 4: 335 بتغيير في الألفاظ. الغدير 7: 118.
الإمامة والسياسة 1 ك 16. كنز العمال 3: 126، الرياض النضرة 1: 167.
72

ذلك اليوم، وأن محمد بن مسلمة كان معهم، وأنه هو الذي كسر سيف
الزبير.
* حدثني أبو زيد عمر بن شبة، عن رجاله قال: جاء عمر إلى بيت
فاطمة في رجال من الأنصار، ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذي
نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم، فخرج إليه الزبير
مصلتا بالسيف، فاعتنقه زياد بن لبيد الأنصاري، ورجل آخر فندر السيف
من يده فضرب به عمر الحجر فكسره، ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقا
عنيفا حتى بايعوا أبا بكر.
قال أبو زيد: وروى النضر بن شميل، قال: حمل سيف الزبير لما
ندر من يده إلى أبي بكر، وهو على المنبر يخطب، فقال: اضربوا به
الحجر، قال أبو عمر وبن حماس: ولقد رأيت الحجر وفيه تلك الضربة،
والناس يقولون: هذا أثر ضربة سيف الزبير.
* أخبرني أبو بكر الباهلي، عن إسماعيل بن مجالد، عن الشعبي،
قال: قال أبو بكر: يا عمر، أين خالد بن الوليد؟ قال: هو هذا، فقال:
انطلقا إليهما - يعني عليا - والزبير فأتياني بهما، فانطلقا فدخل عمر ووقف
خالد على الباب من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: أعددته

(1) ابن أبي الحديد 6: 48 ومحمد بن مسلمة بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حادثة
ابن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي الحارثي المتوفى 43
بالمدينة، من أنصار عمر بن الخطاب ومن ملازميه واعتزل الخروج مع الإمام علي
(عليه السلام) فلم يشهد الجمل ولا صفين ولاه عمر على صدقات جهينة، وكان عند عمر
معدا لكشف الأمور المعضلة في البلاد، وهو كان رسوله في الكشف عن سعد بن أبي
وقاص حين بنى القصر بالكوفة. الإصابة 3: 383.
(2) ندر: سقط.
(3) أبو الحسن النضر بن شميل النحوي البصري نزيل مرو، مات 4 2، كان إماما في العربية
والحديث وهو أول من أظهر السنة بمرو وجميع خراسان وكان أروى الناس عن شعبة وأخرج
كتبا كثيرة لم يسبقه إليها أحد ولي قضاء مرو. تهذيب التهذيب 1: 437. الشذرات 2: 7.
بغية الوعاة: 4 4.
(4) ابن أبي الحديد 6: 48.
73

لأبايع عليا، قال: وكان في البيت ناس كثير، منهم المقداد بن الأسود
وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت
فكسره، ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه فأخرجه، وقال: يا خالد، دونك
هذا، فأمسكه خالد وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس أرسلهم
أبو بكر رداءا لهما، ثم دخل عمر فقال لعلي: قم فبايع فتلكأ واحتبس
فأخذ بيده وقال: قم فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير ثم أمسكهما
خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت
شوارع المدينة بالرجال، ورأت فاطمة ما صنع عمر. فصرخت وولولت،
واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب
حجرتها، ونادت، يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله،
والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله.
* * *
قال: فلما بايع علي، والزبير، وهدأت تلك الفورة، مشى إليها أبو
بكر بعد ذلك فشفع لعمر، وطلب إليها فرضيت عنه.
* حدثني المؤمل بن جعفر، قال: حدثني محمد بن ميمون، قال:
حدثني داود بن المبارك، قال: أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن

(1) احتبس: توقف.
(2) ابن أبي الحديد 6: 48. لقد تواترت الأحاديث أن فاطمة ماتت وهي وجداء على أ بي بكر،
أخرج البخاري في باب فرض الخمس عن عائشة: أن فاطمة (عليها السلام) ابنة رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) سألت أبا بكر الصديق (رض) بعد وفاة رسول الله (صلى ا لله
عليه وآله وسلم) أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مما أفاء
الله عليه، فقال أبو بكر: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث ما تركناه
صدقة، فغضبت فاطمة بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهجرت أبا بكر فلم تزل
مهاجرة حتى توفيت. الغدير 7: 226.
(3) مات في عهد المتوكل العباسي وكان قد توارى في أيام المأمون فكتب إليه بعد وفاة الإمام
الرضا (عليه السلام) يدعوه إلى الظهور ليجعله مكانه ويبايع له واعتد عليه بعفوه عمن عفا
من أهله وما أشبه هذا من القول، فأجابه عبد الله برسالة طويلة يقول فيها: فبأي شئ
تغرني، وما فعلته بأبي الحسن (صلوات الله عليه) بالسم الذي أطعمته إياه فقتلته.
مقاتل الطالبيين: 415. تنقيح المقال 2: 219. جامع الرواة 1: 513. فهرست
الشيخ: 197.
74

حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ونحن راجعون من
الحج في جماعة، فسألناه عن مسائل، وكنت أحد من سأله، فسألته عن أبي
بكر، وعمر، فقال: أجيبك بما أجاب به جدي عبد الله بن الحسن، فإنه
سئل عنهما، فقال: كانت أمنا صديقة ابنه نبي مرسل، وماتت وهي غضبى
على قوم، فنحن غضاب لغضبها.
* أخبرنا أبو زيد عمر بن شبه، قال: حدثنا محمد بن حاتم، عن
رجاله، عن ابن عباس، قال: مر عمر بعلي، وأنا معه فناء دار سلمة فسلم
عليه. قال له علي: أين تريد؟ قال البقيع، قال: أفلا تصل صاحبك ويقوم
معك؟ قال: بلى، فقال لي علي: قم معه، فقمت فمشيت إلى جانبه فشبك
أصابعه في أصابعي، ومشينا قليلا، حتى إذا خلفنا البقيع قال لي: يا ابن
العباس، أما والله أن صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) إلا أنا خفنا، على اثنين، قال ابن العباس: فجاء
بكلام لم أجد بدا من مسألته عنه، فقلت: ماهما يا أمير المؤمنين؟ قال:
خفناه على حداثة سنه، وحبه بني عبد المطلب.
* وحدثني أبو زيد قال: حدثني محمد بن عباد، قال: حدثني أخي
سعيد بن عباد، عن الليث بن سعد عن رجاله، عن أبي بكر الصديق، أنه
قال: ليتني لم أكشف بيت فاطمة، ولو أعلن علي الحرب.
* وحدثنا الحسن بن الربيع، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن
الزهري، عن علي بن عبد الله بن العباس، عن أبيه قال: لما حضرت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة، وفي البيت رجال فيهم عمر بن
الخطاب، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتوني بدواة وصحيفة،

(1) ابن أبي الحديد 6: 49.
(2) ابن أبي الحديد 6: 5.
(3) ابن أبي الحديد 6: 51.
(4) أبو علي الحسن بن الربيع البجلي البوراني المتوفى 22، محدث من أهل الكوفة قدم بغداد
وحدث بها، تاريخ بغداد 7: 7 3.
75

أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي، فقال عمر كلمة معناها، أن الوجع قد
غلب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قاله: عندنا القرآن حسبنا
كتاب الله، فاختلف من في البيت واختصموا، فمن قائل يقول: القول ما قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن قائل قال: القول ما قال عمر، فلما
أكثروا اللغظ واللغو والاختلاف، غضب رسول الله فقال: قوموا. إنه لا ينبغي
لنبي أن يختلف عنده هكذا... فقاموا، فمات رسول الله (صلى الله عليه
وآله) في ذلك اليوم، فكان ابن عباس يقول: أن الرزية ما حال بيننا وبين
كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله).
* حدثنا أبو زيد. عن رجاله، عن جابر بن عبد الله، قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إن تولوها أبا بكر تجدوه ضعيفا في بدنه،
قويا في أمر الله، وإن تولوها عمر تجدوه قويا في بدنه، قويا في أمر الله، وإن
تولوها عليا - وما أراكم فاعلين - تجدوه هاديا مهديا، يحملكم على المحجة
البيضاء، والصراط المستقيم.
* وحدثنا أحمد بن إسحاق بن صال، عن أحمد بن سيار، عن
سعيد بن كثير الأنصاري عن رجاله، عن عبد الله بن عبد الرحمن، أن
رسول الله (صلى عليه وآله)، في مرض موته أمر أسامة بن زيد بن حارثة
على جيش فيه جلة المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن
الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وأمره أن يغير على
مؤتة حيث قتل أبوه زيد، وأن يغزو داري فلسطين، فتثاقل أسامة وتثاقل

(1) ابن أبي الحديد 6: 51، وقال بعد ذكره الحديث، قلت: هذا الحديث قد خرجه الشيخان
محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج القشيري في صحيحهما، واتفق
المحدثون كافة على روايته.
صحيح البخاري 3: 91. النص والاجتهاد: 155. صحيح مسلم 3: 1259.
(2) ابن أبي الحديد 6: 52. حلية الأولياء 1: 94، 64. مجمع الزوائد 8: 314. كفاية
الطالب: 164، وفي هذه المصادر هكذا: إن تولوها عليا وما أراكم فاعلين تجدوه هاديا،
مهديا، يحملكم على الحجة البيضاء، والصراط المستقيم.
(3) من شيوخ المؤلف مرت ترجمته في المقدمة.
(4) غزوة مؤتة، كانت في جمادى الأولى سنة 8، وسرية أسامة بن زيد وقعت في اليوم الثامن والعشرين من صفر بدأ به (صلى الله عليه وآله وسلم) مرض الموت.
76

الجيش بتثاقله، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه بثقل
ويخف، ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث، حتى قال له أسامة: بأبي أنت
وأمي، أيأذن لي أن أمكث أياما حتى يشفيك الله تعالى؟ فقال: أخرج وسر
على بركة الله، فقال: يا رسول الله، إن أنا خرجت وأنت على هذه الحال
رجت وفي قلبي قرحة منك، فقال: سر على النصر والعافية، فقال: يا
رسول الله إني أكره أن أسأل عنك الركبان، فقال: انفذ لما أمرتك به، ثم
أغمي على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقام أسامة فتجهز للخروج،
فلما أفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، سأل عن أسامة والبعث، فأخبر
أنهم يتجهزون، فجعل يقول: انفذوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عنه،
وكرر ذلك، فخرج أسامة واللواء على رأسه، والصحابة بين يديه حتى إذا
كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر، وعمر، وأكثر المهاجرين، ومن الأنصار
أسيد بن حضير، وبشير بن سعد، وغيرهم من الوجوه، فجاءه رسول أم أيمن
يقول له: ادخل فإن رسول الله يموت، فقام من فوره فدخل المدينة واللواء
معه، فجاء به حتى ركزه بباب رسول الله، ورسول الله قد مات في تلك
الساعة.
قال: فما كان أبي بكر وعمر يخاطبان أسامة إلى أن ماتا إلا بالأمير.
* حدثنا أبو زيد عمر بن شبة، عن عبد الله بن محمد بن حكيم
الطائي، عن السعدي عن أبيه، أن سعيد بن العاص، حيث كان أمير
الكوفة، بعث مع ابن أبي عائشة مولاه إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)
بصلة، فقال علي (عليه السلام): والله لا يزال غلام من غلمان بني أمية
يبعث إلينا مما أفاء الله على رسوله بمثل قوت الأرملة، والله لئن بقيت
لأنفضنها نفض القصاب الوذام التربة.

(1) الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام: معجم البلدان 2: 128.
(2) ابن أبي الحديد 5: 52. النص والاجتهاد: 94.
(3) ابن أبي الحديد 6: 175.
قال ابن أبي الحديد بعد نقله الحديث: إعلم أن أصل هذا الخبر قد رواه أبو الفرج علي بن
الحسين الأصفهاني في كتاب الأغاني، بإسناده إلى الحارث بن حبيش قال: بعثني
سعيد بن العاص - وهو يومئذ أمير الكوفة من قبل عثمان - بهدايا إلى المدينة وبعث معي
هدية إلى علي (عليه السلام) وكتب إليه: أني لم أبعث إلى أحد أكثر مما بعثت به إليك إلا
إلى أمير المؤمنين، فلما أتيت عليا (عليه السلام) وقرأ كتابه قال: لشد ما يخطر علي بنو أمية
تراث محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أما والله لئن وليتها لأنفضنها نفض القصاب التراب
الوذمة.
الوذام التربة: وهي الحزة من الكرش أو الكبد تقع في التراب فتنفض.
77

* عن عبد الرزاق، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما
أخرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس إلا أحد أبا ذر
ولا يشيعه، وأمر مروان بن الحكم أن يخرج به، فخرج به، وتحاماه الناس
إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وعقيلا أخاه، وحسنا، وحسينا
(عليهما السلام)، وعمارا فإنهم خرجوا معه يشيعونه، فجعل الحسن
(عليه السلام) يكلم أبا ذر، فقال له مروان: إيها يا حسن ألا تعلم أن أمير
المؤمنين قد نهى عن كلام هذا الرجل، فإن كنت لا تعلم فاعلم ذلك،
فحمل علي (عليه السلام) على مروان فضرب بالسوط بين أذني راحلته
وقال: تنح نحاك الله إلى النار.
فرجع مروان مغضبا إلى عثمان، فأخبره الخبر، فتلظى على علي
(عليه السلام): يا أبا ذر إنك غضبت لله، أن القوم خافوك على دنياهم،
وخفتهم على دينك، فامتحنوك بالقلى، ونفوك إلى الفلا، والله لو كانت
السماوات والأرض، على عبد رتقا، ثم اتقى الله لجعل له منها مخرجا. يا أبا
ذر لا يؤنسنك إلا الحق، ولا يوحشنك إلا الباطل، ثم قال لأصحابه: ودعوا
عمكم، وقال لعقيل: ودع أخاك.

(1) الربذة: قرية من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز. معجم
البلدان 3: 24.
78

فتكلم عقيل، فقال: ما عسى أن نقول يا أبا ذر، وأنت تعلم أنا
نحبك، وأنت تحبنا فاتق الله، فإن التقوى نجاة، واصبر فإن الصبر كرم،
واعلم أن استثقالك الصبر من الجزع واستبطاءك العافية من اليأس، فدع
اليأس والجزع.
ثم تكلم الحسن، فقال: يا عماه، لولا أنه لا ينبغي للمودع أن
يسكت، وللمشيع أن ينصرف، لقصر الكلم وإن طال الأسف، وقد أتى القوم
إليك ما ترى، فضع عنك الدنيا بتذكر فراغها، وشدة ما اشتد منها برجاء ما
بعدها، واصبر حتى تلقى نبيك (صلى الله عليه وآله) وهو عنك راض.
ثم تكلم الحسين (عليه السلام)، فقال: يا عماه، إن الله تعالى قادر
أن يغير ما قد ترى، والله كل يوم هو في شأن، وقد منعك القوم دنياهم،
ومنعتهم دينك، فما أغناك عما منعوك، وأحوجهم إلى ما منعتهم، فأسأل الله
الصبر والنصر، واستعذ به من الجشع والجزع، فإن الصبر من الدين
والكرم، وأن الجشع لا يقدم رزقا، والجزع لا يؤخر أجلا.
ثم تكلم عمار رحمه الله مغضبا، فقال: لا آنس الله من أوحشك، ولا
آمن من أخافك، أما والله لو أردت دنياهم لأمنوك، ولو رضيت أعمالهم
لأحبوك، وما منع الناس أن يقولوا بقولك إلا الرضا بالدنيا، والجزع من
الموت، ومالوا إلى سلطان جماعتهم عليه، والملك لمن غلب، فوهبوا لهم
دينهم، ومنحهم القوم دنياهم، فخسروا الدنيا والآخرة، ألا ذلك هو
الخسران المبين.
فبكى أبو ذر رحمه الله، وكان شيخا كبيرا وقال: رحمكم الله يا أهل
بيت الرحمة، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ما لي
بالمدينة سكن ولا شجن غيركم، أني ثقلت على عثمان بالحجاز، كما ثقلت
على معاوية بالشام، وكره أن أجاور أخاه وابن خاله بالمصرين، فأفسد

يعني معصر والبصرة، كان والي مصر عبد الله بن سعيد بن أبي سرح أخا عثمان من الرضاعة،
وكان على البصرة عبد الله بن عامر ابن خاله لأن أم عثمان أروى بنت كريز، وعبد الله بن
عامر ابن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس.
79

الناس عليهما، فسيرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلا الله، والله ما
أريد إلا الله صاحبا، وما أخشى مع الله وحشة.
ورجع القوم إلى المدينة، فجاء علي (عليه السلام) إلى عثمان، فقال
له: ما حملك على رد رسولي، وتصغير أمري، فقال علي (عليه السلام): أما
رسولك، فأراد أن يرد وجهي فرددته، وأما أمرك فلم أصغره.
قال: أما بلغك نهي عن كلام أبي ذر، قال: أو كلما أمرت بأمر معصية
أطعناك فيه، قال عثمان: أقد مروان من نفسك، قال: مم ذا؟ قال: من شتمه
وجذب راحلته، قال: أما راحلته فراحلتي بها، وأما شتمه إياي، فوالله لا
يشتمني شتمة إلا شتمتك مثلها، لا أكذب عليك.
فغضب عثمان، وقال: لم لا يشتمك، كأنك خير منه، قال علي: أي
والله ومنك ثم قام فخرج.
فأرسل عثمان إلى وجوه المهاجرين والأنصار وإلى بني أمية، يشكوا
إليهم عليا (عليهم السلام)، فقال القوم: أنت الوالي عليه، وإصلاحه
أجمل، قال: وددت ذاك، فأتوا عليا (عليه السلام)، فقالوا: لو اعتذرت إلى
مروان وأتيته، فقال: كلا، أما مروان فلا آتيه، ولا أعتذر منه، ولكن إن أحب
عثمان أتيته.
فرجعوا إلى عثمان، فأخبروه، فأرسل عثمان إليه، فأتاه ومعه بنو
هاشم، فتكلم علي (عليه السلام)، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما ما
وجدت علي فيه من كلام أبي ذر ووداعه، فوالله ما أردت مساءتك ولا الخلاف
عليك، ولكن أردت به قضاء حقه، وأما مروان فإنه اعترض، يريد ردي عن
قضاء حق الله عز وجل، فرددته رد مثلي مثله، وأما ما كان مني إليك، فإنك
أغضبتني، فأخرج الغضب مني ما لم أوده.
فتكلم عثمان، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما ما كان منك إلي فقد
وهبته لك، وأما ما كان منك إلى مروان، فقد عفا الله عنك، وأما ما حلفت
عليه فأنت البر الصادق، فأدن يدك، فأخذ يده فضمها إلى صدره.
فلما نهض قالت قريش وبنو أمية لمروان: أأنت رجل، جبهك علي،
80

وضرب راحلتك، وقد تفانت وائل في ضرع ناقة، وذبيان وعبس في لطمة
فرس، والأوس والخزرج في نسعة، أفتحمل لعلي (عليه السلام) ما أتاه
إليك.
فقال مروان: والله لو أردت ذلك لما قدرت عليه.
* حدثني محمد بن منصور الرمادي، عن عبد الرزاق، عن معمر
عن زياد بن جبل، عن أبي كعب الحارثي، وهو ذو الإداوة وإنما سمي ذا
الإداوة لأنه قال: خرجت في طلب إبل ضوال، فتزودت لبنا في إداوة، ثم
قلت في نفسي: ما أنصفت ربي فأين الوضوء، فأرقت اللبن وملأتها ماء،
فقلت: هذا وضوء وشراب، وطفقت أبغي إبلي، فلما أردت الوضوء
اصطبيت من الإداوة ماء فتوضأت، ثم أردت الشراب، فلما اصطبيتها إذا لبن
فشربت، فمكثت بذلك ثلاثا. فقالت له أسماء النحرانية، يا أبا كعب،
أحقينا كان أم حليبا، قال: إنك لبطالة، كان يعصم من الجوع ويروي من
الظمأ، أما إني حدثت بهذا نفرا من قومي، منهم علي بن الحارث سيد بني
قتان، فلم يصدقني وقال: ما أظن الذي تقول كما قلت، فقلت: والله أعلم
بذلك، ورجعت إلى منزلي، فبت ليلتي تلك، فإذا به صلاة الصبح على
بابي فخرجت إليه، فقلت: رحمك الله لم تعنيت، ألا أرسلت إلي فأتيك
فإني لأحق بذلك منك، قال: ما نمت الليلة إلا أتاني آت، فقال: أنت الذي
تكذب من يحدث بما أنعم الله عليه قال أبو كعب: ثم خرجت حتى أتيت
المدينة، فأتيت عثمان بن عفان وهو الخليفة يومئذ فسألته عن شئ من أمر
ديني، وقلت: يا أمير المؤمنين، إني رجل من أهل اليمن من بني
الحارث بن كعب، وإني أريد أن أسألك فأمر حاجبك ألا يحجبني، فقال: يا
وتاب إذا جاءك هذا الحارثي فأذن له، قال: فكنت إذا جئت، فقرعت الباب

(1) النسعة: بكسر النون، حبل عريض طويل يشد به الرحال.
(2) ابن أبي الحديد 8: 252. الغدير 8: 1 3. الدرجات الرفيعة: 248.
(3) الصحيح أحمد بن منصور الرمادي، وقد ذكرنا ترجمته في المقدمة.
(4) الإداوة: بالكسر إناء صغير من جلد.
81

قال: من ذا؟ فقلت: الحارثي فيقول: ادخل، فدخلت يوما فإذا عثمان
جالس وحوله نفر سكوت لا يتكلمون، كأن على رؤوسهم الطير، فسلمت ثم
جلست، فلم أسأله عن شئ لما رأيت من حالهم وحاله، فبينما أنا كذلك إذ
جاء نفر فقالوا: أنه أبى أن يجئ قال: فغضب وقال: أبى أن يجئ، اذهبوا
فجيئوا به، فإن أبى فجروه جرا.
قال: فمكثت قليلا فجاءوا ومعهم رجل آدم طوال أصلع، في مقدم
رأسه شعرات، وفي قفاه شعرات، فقلت: من هذا، قالوا: عمار بن ياسر،
فقال له عثمان: أنت الذي تأتيك رسلنا فتأبى أن تجئ، قال: فكلمه بشئ
لم أدر ما هو، ثم خرج، فما زالوا ينفضون من عنده حتى ما بقي غيري
فقام، فقلت: والله لا أسأل عن هذا الأمر أحدا أقول حدثني فلا حتى أدري
ما يصنع، فتبعته حتى دخل المسجد، فإذا عمار جالس إلى سارية وحوله نفر
من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبكون، فقال عثمان: يا
وتاب علي بالشرط، فجاءوا فقال: فرقوا بين هؤلاء، ففرقوا بينهم.
ثم أقيمت الصلاة، فتقدم عثمان فصلى بهم، فلما كبر قالت امرأة من
حجرتها: يا أيها الناس، ثم تكلمت، وذكر رسول الله (صلى الله عليه
وسلم)، وما بعثه الله به، ثم قالت: تركتم أمر الله. وخالفتم عهده ونحو
هذا، ثم صمتت، وتكلمت امرأة أخرى بمثل ذلك، فإذا هما عائشة،
وحفصة.
قال: فسلم عثمان، ثم أقبل على الناس وقال: إن هاتين لفتانتان،
يحل لي سبهما، وأنا بأصلهما عالم.
فقال له سعد بن أبي وقاص: أتقول هذا الحبائب رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم)، فقال: وفيم أنت، وما هاهنا، ثم أقبل نحو سعد عامدا
ليضربه به فانسل سعد.
فخرج من المسجد فأتبعه عثمان، فلقي عليا (عليه السلام) بباب
المسجد، فقال له (عليه السلام): أين تريد؟ قال: أريد هذا الذي كذا وكذا
- يعني سعدا يشتمه - فقال له علي (عليه السلام): أيها الرجل دع عنك
82

هذا، قال: فلم يزل بينهما كلام حتى غضبا، فقال عثمان: ألست الذي
خلفك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم تبوك، فقال علي: ألست
الغر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يوم أحد.
قال: ثم حجز الناس بينهما، قالك ثم خرجت من المدينة حتى
انتهيت إلى الكوفة فوجدت أهلها أيضا وقع بينهم شر، ونشبوا في الفتنة،
وردوا سعيد بن العاص، فلم يدعوه يدخل إليهم، فلما رأيت ذلك رجعت
حتى أتيت بلاد قومي.
* محمد بن قيس الأسدي، عن المعروف بن سويد، قال: كنت
بالمدينة أيام بويع عثمان، فرأيت رجلا في المسجد جالسا وهو يصفن
بإحدى يديه على الأخرى، والناس حوله. ويقول: واعجبا من قريش
واستئثارهم بهذا الأمر على أهل هذا البيت، معدن الفضل، ونجوم الأرض،
ونور البلاد، والله أن فيهم لرجلا ما رأيت رجلا بعد رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) أولى منه بالحق، ولا أقضى بالعدل، ولا آمر بالمعروف، ولا
أنهى عن المنكر، فسألت عنه فقيل: هذا المقداد، فتقدمت إليه، وقلت:
أصلحك الله من الرجل الذي تذكره، فقال: ابن عم نبيك رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم)، علي بن أبي طالب.
قال: فلبثت ما شاء الله، ثم إني لقت أبا ذر رحمه الله، فحدثته ما قال
المقداد، فقال: صدق، قلت: فما يمنعكم أن تجعلوا هذا الأمر فيهم،
قال: أبى ذلك قومهم، قلت: فما يمنعكم أن تعينوهم قال: مه لا تقل هذا،
إياكم والفرقة والاختلاف.
قال: فسكت عنه ثم كان من الأمر بعد ما كان.

(1) ابن أبي الحديد 9: 3.
(2) أبو نصر محمد بن قيس الأسدي الوالي الكوفي... كان من الثقاة روى عنه حفيده وهب ابن
إسماعيل بن محمد بن قيس، والثوري وشعبة وعلي بن مسهر، وحفص بن غياث،
ويحيى بن سعيد الأموي، ووكي، وأبو نعيم وآخرون. تهذيب التهذيب 9: 412.
(3) يصفن: يضرب.
(4) ابن أبي الحديد) 9: 21. الغدير 9: 114 بلفظ آخر. تاريخ اليعقوبي 2: 14.
83

* لما طعن عمر جعل الأمر شورى بين ستة نفر: علي بن أبي طالب،
وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن
عبيد الله، وسعد بن مالك، وكان طلحة يومئذ بالشام، وقال عمر: أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قبض وهو عن هؤلاء راض، فهم
أحق بهذا الأمر من غيرهم، وأوصى صهيب بن سنان، مولى عبد الله بن
جدعان ويقال: أن أصله من حي من ربيعة بن نزار، يقال لهم عنزة - فأزره
أن يصلي بالناس حتى يرضى هؤلاء القوم رجلا منهم، وكان عمر لا يشك
أن هذا الأمر صائر إلى أحد الرجلين: علي، وعثمان، وقال: إن قدم طلحة
فهو معهم، وإلا فلتختر الخمسة واحدا منهم. وروي أن عمر قبل موته أخرج
سعد بن مالك من أهل الشورى، وقال: الأمر في هؤلاء الأربعة، ودعوا
سعدا على حاله أميرا بين يدي الإمام، ثم قال: ولو كان أبو عبيدة بن الجراح
حيا لما تخالجني فيه الشكوك، فإن اجتمع ثلاثة على واحد، فكونوا مع
الثلاثة، وإن اختلفوا فكونوا مع الجانب الذي فيه عبد الرحمن.
وقال لأبي طلحة الأنصاري: يا أبا طلحة، فوالله لطالما أعز الله بكم
الذين، ونصر بكم الإسلام، اختر من الإسلام خمسين رجلا، فأت بهم
هؤلاء القوم في كل يوم مرة، فاستحثوهم حتى يختاروا لأنفسهم وللأمة رجلا
منهم.
ثم جمع قوما من المهاجرين والأنصار، فأعلمهم ما أوصى به، وكتب
في وصيته أن يولي الإمام سعد بن مالك الكوفة، وأبا موسى الأشعري، لأنه
كان عزل سعدا عن سخطه فأحب أن يطلب ذلك إلى من يقوم بالأمر من بعده
استرضاء لسعد.
قال الشعبي: فحدثني من لا أتهمه من الأنصار - هو سهل بن سعد
الأنصاري - قال: مشيت وراء علي بن أبي طالب، حيث انصرف من عند
عمر، والعباس بن عبد المطلب يمشي في جانبه، فسمعته يقول للعباس:
ذهبت منا والله، فقال: كيف علمت، قال: ألا تسمعه يقول: كونوا في
الجانب الذي فيه عبد الرحمن لأنه ابن عمه، وعبد الرحمن نظير عثمان وهو
صهره، فإذا اجتمع هؤلاء فلو أن الرجلين الباقيين كانا معي لم يغنيا عني
84

شيئا، مع أني لست أرجو إلا أحدهما، ومع ذلك فقد أحب عمر أن يعلمنا
أن لعبد الرحمن عنده فضلا علينا، لعمر الله ما جعل الله ذلك لهم علينا،
كما لم يجعله لأولادهم على أولادنا، أما والله لئن عمر لم يمت لأذكرنه ما
أتى إلينا قديما، ولأعلمته سوء رأيه فينا، وما أتى إلينا حديثا، ولئن مات
- وليموتن - ليجتمعن هؤلاء القوم على أن يصرفوا هذا الأمر عنا، ولئن
فعلوها - وليفعلن - ليرونني حيث يكرهون، والله ما بي رغبة في السلطان،
ولا حب الدنيا، ولكن لإظهار العدل والقيام بالكتاب والسنة.
قال: ثم التفت فرآني وراءه فعرفت أنه قد ساءه ذلك، فقلت: لا ترع
أبا حسن، لا والله يستمع أحد الذي سمعت منك في الدنيا ما اصطحبنا
فيها، فوالله ما سمعه مني مخلوق حتى قبض الله عليا إلى رحمته.
قال عوانة: فحدثنا إسماعيل، قال: حدثني الشعبي، قال: فلما مات
عمر، وأدرج في أكفانه، ثم وضع ليصلي عليه، تقدم علي بن أبي طالب
فقام عند رأسه، وتقدم عثمان فقام عند رجليه، فقال علي (عليه السلام):
هكذا ينبغي أن تكون الصلاة، فقال عثمان: بل هكذا، فقال عبد الرحمن:
ما أسرع ما اختلفتم، يا صهيب: صل على عمر كما رضي أن تصلي بهم
المكتوبة، فتقدم صهيب فصلى على عمر.
قال الشعبي: وأدخل أهل الشورى دارا، فأقبلوا يتجادلون عليها،
وكلهم بها ضنين، وعليها حريص، إما لدنيا وإما لآخرة، فلما طال ذلك قال
عبد الرحمن: من رجل منكم يخرج نفسه عن هذا الأمر، ويختار لهذه الأمة
رجلا منكم، فإن طيبة نفسي أن أخرج منها، واختار لكم قالوا: قد رضينا إلا
علي بن أبي طالب فإنه اتهمه، وقال: أنظر وأرى، فأقبل أبو طلحة عليه،
وقال: يا أبا الحسن، ارض برأي عبد الرحمن، كان الأمر لك أو لغيرك،
فقال علي: أعطني يا عبد الرحمن موثقا من الله لتؤثرن الحق ولا تتبع
الهوى، ولا تمل إلى صهر ولا ذي قرابة، ولا تعمل إلا لله، ولا تألو هذه
الأمة أن تختار لها خيرها.
قال: فحلف له عبد الرحمن بالله الذي لا إله إلا هو، لأجتهدن لنفسي
85

ولكم وللأمة، ولا أميل إلى هوى ولا إلى صهر، ولا ذي قرابة.
قال: فخرج عبد الرحمن، فمكث ثلاثة أيام يشاور الناس، ثم رجع
واجتمع الناس، وكثروا على الباب لا يشكون أنه يبايع علي بن أبي طالب،
وكان هوى قريش كافة ما عدا بني هاشم في عثمان، وهوى طائفة من
الأنصار مع علي، وهوى طائفة أخرى مع عثمان، وهي أقل الطائفتين،
وطائفة لا يبالون: أيهما بويع.
قال: فأقبل المقداد بن عمرو، والناس مجتمعون فقال: أيها الناس
اسمعوا ما أقول: أنا المقداد بن عمرو، إنكم إن بايعتم عليا سمعنا وأطعنا،
وإن بايعتم عثمان سمعنا وعصينا، فقام عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة
المخزومي، فنادى: أيها الناس إنكم إن بايعتم عثمان سمعنا وأطعنا، وإن
بايعتم عليا سمعنا وعصينا، فقال له المقداد: يا عدو الله وعدو رسوله وعدو
كتابه، ومتى كان مثلك يسمع له الصالحون، فقال له عبد الله: يا ابن
الحليف العسيف ومتى كان مثلك يجترئ على الدخول في أمر قريش.
فقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح: أيها الملأ، إن أردتم ألا تختلف
قريش بينها، فبايعوا عثمان، فقال عمار بن ياسر: إن أردتم ألا يختلف
المسلمون فيما بينهم فبايعوا عليا، ثم أقبل على عبد الله بن سعد بن أبي
سرح فقال: يا فاسق يا ابن الفاسق، أأنت ممن يستنصحه المسلمون أو
يستشيرونه في أمورهم، وارتفعت الأصوات، ونادى مناد لا يدري من هو،
فقريش تزعم أنه رجل من بني مخزوم، والأنصار تزعم أنه رجل طوال آدم
مشرف على الناس، لا يعرفه أحد منهم، يا عبد الرحمن، افرغ من أمرك،
وامض على ما في نفسك فإنه الصواب.
قال الشعبي: فأقبل عبد الرحمن على علي بن أبي طالب، فقال:
عليك عهد الله وميثاقه، وأشد ما أخذ الله على النبيين من عهد وميثاق: إن
بايعتك لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر، وعمر، فقال علي

(1): المستهان به.
86

(عليه السلام): طاقتي ومبلغ علمي وجهدي رأيي، والناس يسمعون.
فأقبل على عثمان، فقال له مثل ذلك فقال: نعم لا أزول عنه ولا أدع
شيئا منه.
ثم أقبل على علي فقال له ذلك ثلاث مرات، ولعثمان ثلاث مرات،
في كل ذلك يجيب علي مثل ما كان أجاب به، ويجيب عثمان بمثل ما كان
أجاب به.
فقال: أبسط يدك يا عثمان، فبسط يده فبايعه، وقام القوم فخرجوا،
وقد بايعوا إلا علي بن أبي طالب، فإنه لم يبايع.
قال: فخرج عثمان على الناس ووجهه متهلل، وخرج علي وهو
كاسف البال مظلم، وهو يقول: يا ابن عوف، ليس هذا بأول يوم تظاهرتم
علينا، من دفعنا عن حقنا والاستئثار علينا، وإنها لسنة علينا، وطريقة
تركتموها.
فقال المغيرة بن شعبة، لعثمان: أما والله لو بويع غيرك لما بايعناه،
فقال عبد الرحمن بن عوف: كذبت، والله لو بويع غيره لبايعته، وما أنت
وذاك يا ابن الدباغة، والله لو وليها غيره لقلت له مثل ما قلت الآن، تقربا إليه
وطمعا في الدنيا، فاذهب لا أبا لك.
قال المغيرة: لولا مكان أمير المؤمنين لأسمعتك ما تكره، ومضيا.
قال الشعبي: فلما دخل عثمان رحله دخل إليه بنو أمية حتى امتلأت
بهم الدار، ثم أغلقوها عليهم، فقال أبو سفيان بن حرب: أعندكم أحد من
غيركم، قالوا: لا، قال: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به
أبو سفيان، ما من عذاب ولا حساب، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة.
قال: فانتهره عثمان، وساءه بما قال، وأمر بإخراجه.
قال الشعبي: فدخل عبد الرحمن بن عوف، على عثمان، فقال له: ما
صنعت فوالله ما وقفت حيث تدخل رحلك قبل أن تصعد المنبر، فتحمد الله
وتثني عليه، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتعد الناس خيرا.
قال: فخرج عثمان، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
هذا مقام لم نكن نقومه، ولم نعد له من الكلام الذي يقام به في مثله،
87

وسأهيئ، ذلك إن شاء الله، ولن آلوا أمة محمدا خيرا، والله المستعان.
قال عوانة: فحدثني يزيد بن جرير، عن الشعبي، عن شقيق بن
مسلمة، أن علي بن أبي طالب، لما انصرف إلى رحله، قال لبني أبيه: يا
بني عبد المطلب، إن قومكم عادوكم بعد وفاة النبي كعداوتهم النبي في
حياته، وأن يطع قومكم لا تؤمروا أبدا، ووالله لا ينيب هؤلاء إلى الحق إلا
بالسيف.
قال: وعبد الله بن عمر بن الخطاب، داخل إليهم، قد سمع الكلام
كله، فدخل وقال: يا أبا الحسن، أتريد أن تضرب بعضهم ببعض فقال:
اسكت ويحك، فوالله لولا أبوك وما ركب مني قديما وحديثا، ما نازعني ابن
عفان، ولا ابن عوف، فقام عبد الله فخرج.
قال: وأكثر الناس في أمر الهرمزان، وعبيد الله بن عمر، وقتله إياه،
وبلغ ما قال فيه علي بن أبي طالب، فقام عثمان فصعد المنبر، فحمد الله
وأثنى عليه. ثم قال: أيها الناس أنه كان من قضاء الله أن عبيد الله بن
عمر بن الخطاب أصاب الهرمزان، وهو رجل من المسلمين، وليس له وارث
إلا الله والمسلمون، وأنا إمامكم وقد عفوت، أفتعفون عن عبيد الله ابن
خليفتكم بالأمس، قالوا: نعم، فعفا عنه، فلما بلغ ذلك عليا تضاحك،
وقال: سبحان الله، لقد بدأ بها عثمان، أيعفو عن حق امرئ ليس يواليه،
تالله أن هذا لهو العجب، قالوا: فكان ذلك أول ما بدا من عثمان مما نقم
عليه.
قال الشعبي: وخرج المقداد من الغد، فلقى عبد الرحمن بن عوف،
فأخذ بيده، وقال: إن أردت بما صنعت وجه الله، فأثابك الله ثواب
الدنيا والآخرة، وإن كنت إنما أردت الدنيا فأكثر الله مالك. فقال
عبد الرحمن: اسمع، رحمك الله، اسمع، قال: لا أسمع والله، وجذب يده
من يده، ومضى حتى دخل على علي (عليه السلام)، فقال: قم فقاتل حتى
نقاتل معك، قال علي: فبمن أقاتل رحمك الله، وأقبل عمار بن ياسر ينادي:
يا ناعي الإسلام قم فانعه قد مات عرف وبدا نكر
88

أما والله لو أن لي أعوانا لقاتلتهم، والله لئن قاتلتهم واحدا لأكونن له
ثانيا، قال علي: يا أبا اليقظان، والله لا أجد عليهم أعوانا، ولا أحب أن
أعرضكم لما لا تطيقون، وبقي (عليه السلام) في داره، وعنده نفر من أهل
بيته، وليس يدخل إليه أحد مخافة عثمان.
قال الشعبي: واجتمع أهل الشورى على أن تكون كلمتهم واحدة على
من لم يبايع، فقاموا إلى علي، فقالوا: قم فبايع عثمان، قال: فإن لم أفعل،
قالوا: نجاهدك قال: فمشى إلى عثمان حتى بايعه، وهو يقول: صدق الله
ورسوله، فلما بايع أتاه عبد الرحمن بن عوف فاعتذر إليه، وقال: إن عثمان
أعطانا يده ويمينه، ولم تفعل أنت، فأحببت أن أتوثق للمسلمين فجعلتها
فيه، فقال: أيها عنك، إنما آثرته بها لتنالها بعده، دق الله بينكما عطر
منشم.
قال الشعبي: وقدم طلحة من الشام بعد ما بويع عثمان، فقيل له: رد
هذا الأمر حتى ترى فيه رأيك، فقال: والله لو بايعتم شركم لرضيت، فكيف
وقد بايعتم خيركم، قال: ثعدا؟ عليه بعد ذلك وصاحبه حتى قتلاه، ثم
زعما أنهما يطلبان بدمه.
قال الشعبي: فأما ما يذكره الناس من المناشدة، وقول علي
(عليه السلام)، الشورى: أفيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) كذا، فإنه لم يكن يوم البيعة، وإنما كان بعد ذلك بقليل، دخل علي
(عليه السلام) على عثمان وعنده جماعة من الناس، منهم أهل الشورى،
وقد كان بلغه عنهم هنات وقوارص، فقال لهم: أفيكم أفيكم، كل ذلك
يقولون لا قال: لكني أخبركم عن أنفسكم، أما أنت يا عثمان ففررت يوم
حنين، وتوليت يوم التقى الجمعان، وأما أنت يا طلحة فقلت: إن مات
محمد لتركضن بين خلا خيل نسائه كما ركض بين خلا خيل نسائنا، وأما
أنت يا عبد الرحمن، فصاحب قراريط، وأما أنت يا سعد فتدق عن أن تذكر.

(1) منشم: امرأة عطارة من فزاعة، فتحالف قوم فأدخلوا أيديهم في عطرها على أن يقاتلوا حتى
يموتوا، فضرب ذلك مثلا لشدة الأمر.
89

قال: ثم خرج فقال عثمان: أما كان فيكم أحد يرد عليه، قالوا: وما
منعك من ذلك وأنت أمير المؤمنين، وتفرقوا.
قال عوانة: قال إسماعيل: قال الشعبي: فحدثني عبد الرحمن بن
جندب، عن أبيه جندب بن عبد الله الأزدي، قال: كنت جالسا بالمدينة
حيث بويع عثمان، فجئت فجلست إلى المقداد بن عمرو، فسمعته يقول:
والله ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت، وكان عبد الرحمن بن عوف
جالسا فقال: وما أنت وذاك يا مقداد، قال المقداد: إني والله أحبهم لحب
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإني لأعجب من قريش وتطاولهم على
الناس بفضل رسول الله، ثم انتزاعهم سلطانه من أهله، قال عبد الرحمن:
أما والله لقد أجهدت نفسي لكم، قال المقداد: أما والله لقد تركت رجلا من
الذين يأمرون بالحق وبه يعدلون، أما والله لو أن لي على قريش أعوانا
لقاتلتهم قتالي إياهم ببدر، وأحد، فقال عبد الرحمن، ثكلتك أمك، لا
يسمعن هذا الكلام الناس، فإني أخاف أن تكون صاحب فتنة وفرقة.
قال المقداد: إن من دعا إلى الحق وأهله وولاة الأمر لا يكون صاحب
فتنة، ولكن من أقحم الناس في الباطل، وآثر الهوى على الحق، فذلك
صاحب الفتنة والفرقة.
قال: فتريد وجه عبد الرحمن، ثم قال: لو أعلم أنك إياي تعني لكان
لي ولك شأن.
قال المقداد: إياي تهدد يا ابن أم عبد الرحمن، ثم قام عن
عبد الرحمن فانصرف.
قال جندب بن عبد الله: فاتبعته وقلت له: يا عبد الله، أنا من
أعوانك، فقال: رحمك الله، إن هذا الأمر لا يغني فيه الرجلان ولا الثلاثة،
قال: فدخلت من فوري ذلك على علي (عليه السلام)، فلما جلست إليه

(1) أبو الحكم عوانة بن الحكم بن عوانة بن عياض من بني كلب مات 147 مؤرخ من أهل
الكوفة ضرير كان عالما بالأنساب والشعر فصيحا واتهم بوضع الأخبار لبني أمية له كتاب في
التاريخ، وسيرة معاوية، نكت الهميان: 222. الشذرات 1: 243 وفيه وفاته 158 الأعلام
5: 272. النديم: 91. إرشاد الأديب 6: 93.
90

قلت: يا أبا الحسن، والله ما أصاب قومك بصرف هذا الأمر عنك، فقال:
صبر جميل والله المستعان.
فقلت: والله إنك لصبور، قال: فإن لم أصبر فماذا أصنع، قلت: إني
جلست إلى المقداد بن عمرو آنفا، وعبد الرحمن بن عوف، فقالا كذا
وكذا، ثم قام المقداد فاتبعته، فقلت له كذا، فقال لي كذا، فقال علي
(عليه السلام)، لقد صدق المقداد فما أصنع، فقلت: تقوم في الناس
فتدعوهم إلى نفسك، وتخبرهم أنك أولى بالنبي (صلى الله عليه وآله
وسلم)، وتسألهم النصر على هؤلاء المتظاهرين عليك، فإن أجابك عشرة
من مائة شددت بهم على الباقين، فإن دانوا لك فذاك، وإلا قاتلتهم وكنت
أولى بالعذر، قتلت أو بقيت، وكنت أعلى عند الله حجة.
فقال: أترجوا يا جندب أن يبايعني من كل عشرة واحد، قلت: أرجو
ذلك، قال: لكني لا أرجو ذلك، لا والله ولا من المائة واحد، وسأخبرك أن
الناس إنما ينظرون إلى قريش فيقولون: هم قوم محمد وقبيله، وأما قريش
بينها فتقول: إن آل محمد يرون لهم على الناس بنبوته فضلا، ويرون أنهم
أولياء هذا الأمر دون قريش، ودون غيرهم من الناس، وهم إن ولوه لم يخرج
السلطان منهم إلى أحد أبدا، ومتى كان في غيرهم تداولته قريش بينها، لا
والله لا يدفع الناس إلينا هذا الأمر طائعين أبدا.
قلت: جعلت فداك يا ابن عم رسول الله، لقد صدعت قلبي بهذا
القول، أفلا أرجع إلى المصر، فؤذن الناس بمقالتك، وأدعو الناس إليك،
فقال: يا جندب ليس هذا زمان ذاك.
قال: فانصرفت إلى العراق فكنت أذكر فضل علي على الناس، فلا
أعدم رجلا يقول لي ما أكره، وأحسن ما أسمعه قول من يقول: دع عنك هذا
وخذ فيما ينفعك، فأقول: إن هذا مما ينفعني وينفعك، فيقوم عني ويدعني.
حتى رفع ذلك من قولي إلى الوليد بن عقبة، أيام ولينا، فبعث إلي فحبسني
حتى كلم في، فخلى سبيلي.
ونادى عمار بن ياسر ذلك اليوم: يا معشر المسلمين، إنا قد كنا وما كنا
91

نستطيع الكلام، قلة وذلة، فأعزنا الله بدينه، وأكرمنا برسوله، فالحمد لله رب
العالمين، يا معشر قريش، إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم،
تحولونه هنا هنا مرة، وها هنا مرة، وما أنا آمن أن ينزعه الله منكم، ويضعه في
غيركم، كما نزعتموه من أهله، ووضعتموه في غير أهله.
فقال له هاشم بن الوليد بن المغيرة: يا ابن سمية، لقد عدوت طورك
وما عرفت قدرك، ما أنت وما رأت قريش لأنفسها، إنك لست في شئ من
أمرها وإمارتها فتنح عنها.
وتكلمت قريش بأجمعها، فصاحوا بعمار وانتهروه، فقال: الحمد لله
رب العالمين، ما زال أعوان الحق أذلاء، ثم قام فانصرف.
* حدثني عمر بن شبه، عن علي بن محمد، عن قتادة، قال: كان
المغيرة بن شعبة - وهو أمير البصرة - يختلف إلى امرأة من ثقيف، يقال لها:
الرقطاء، فلقيه أبو بكرة يوما فقال له: أين تريد قال: أذكروا آل فلان، فأخذ
بتلابيبه وقال: إن الأمير يزار ولا يزور.
وكانت المرأة التي يأتيها جارة لأبي بكرة فقال: فبينا أبو بكرة في غرفة
له مع أخيه، نافع، وزياد ورجل آخر يقال له: شبل بن معبد، وكانت غرفة
جارته تلك محاذية غرفة أبي بكرة فضربت الريح باب غرفة المرأة، ففتحته،
فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينكحها، فقال أبو بكرة: هذه بلية قد ابتليتم بها،
فانظروا، فنظروا حتى أثبتوا، فنزل أبو بكرة، فجلس حتى خرج عليه
المغيرة، من بيت المرأة، فقال له أبو بكرة: إنه قد كان من أمرك ما قد
علمت، فاعتزلنا، فذهب المغيرة وجاء ليصلي بالناس الظهر، فمنعه أبو بكرة
وقال: لا والله لا تصلي بنا، وقد فعلت ما فعلت، فقال الناس: دعوه
فليصل، إنه الأمير واكتبوا إلى عمر، فكتبوا إليه، فورد كتابه أن يقدموا عليه
جميعا، المغيرة والشهود.
فبعث عمر بأبي موسى، وعزم عليه ألا يضع كتابه من يده حتى يرحل

(1) ابن أبي الحديد 9: 49 - 58.
92

المغيرة، فخرج أبو موسى حتى صلى صلاة الغداة بظهر المربد وأقبل
إنسان فدخل على المغيرة، فقال: إني رأيت أبا موسى قد دخل المسجد
الغداة، وعليه برنس، وها هو في جانب المسجد، فقال المغيرة: إنه لم يأت
زائرا ولا تاجرا.
وجاء أبو موسى حتى دخل على المغيرة ومعه صحيفة ملء يده فلما رآه
قال: أمير فأعطاه أبو موسى الكتاب، فلما ذهب يتحرك عن سريره قال له:
مكانك تجهز ثلاثا. وقال آخرون: إن أبا موسى أمره أن يرحل من وقته، فقال:
المغيرة: قد علمت ما وجهت له، فألا تقدمت وصليت، فقال: ما أنا وأنت
في هذا الأمر إلا سواء، فقال المغيرة: إني أحب أن أقيم ثلاثا لأتجهز. فقال
أبو موسى: قد عزم أمير المؤمنين ألا أضع عهدي من يدي، إذ قرأته حتى
أرحلك إليه، قال: إن شئت شفعتني، وأبررت قسم أمير المؤمنين بأن
تؤجلني إلى الظهر، وتمسك الكتاب في يدك.
فلقد رئي أبو موسى مقبلا ومدبرا، وإن الكتاب في يده معل بخيط،
فتجهز المغيرة، وبعث إلى أبي موسى بعقيلة، جارية عربية من سبي
اليمامة، من بني حنفية، ويقال: إنها مولدة الطائف، ومعها خادم، وسار
المغيرة حين صلى الظهر، حتى قدم على عمر.
قال أبو زيد عمر بن شبه: فجلس له عمر ودعا به وبالشهود، فتقدم أبو
بكرة فقال: أرأيته بين فخذيها؟ قال: نعم، والله، لكأني أنظر إلى تشريم
جدري بفخذيها، قال المغيرة: لقد ألطفت النظر، قال أبو بكرة: لم آل أن
أثبت ما يخزيك الله به، فقال عمر: لا والله حتى تشهد. لقد رأيته يلج فيها
كما يلج المرود في المكحلة، قال: نعم أشهد على ذلك، فقال عمر:
اذهب عنك مغيرة، ذهب ربعك.
ثم دعا نافعا فقال: علام تشهد؟ قال: على مثل شهادة أبي بكرة،
فقال عمر: لا حتى تشهد إنك رأيته يلج فيها ولوج المرود في المكحلة، قال

(1) المربد: من أشهر محال البصرة، وكان يكون فيه سوق الإبل قديما، ثم صار محلة عظيمة
سكنها الناس، وبه كانت مغافرات الشعراء ومجالس الخطباء. معجم البلدان 5: 98.
93

نعم: حتى بلغ قذذه فقال: اذهب عنك مغيرة، ذهب نصفك، ثم دعا
الثالث، وهو شبل بن معبد فقال، علام تشهد؟ قال: على مثل شهادتي
صاحبي، فقال: اذهب عنك مغيرة، ذهب ثلاثة أرباعك. قال: فجعل
المغيرة يبكي إلى المهاجرين، وبكى إلى أمهات المؤمنين حتى بكين معه،
قالك ولم يكن زياد حضر ذلك المجلس، فأمر عمر أن ينحي الشهود
الثلاثة وألا يجالسهم أحد من أهل المدينة، وانتظر قدوم زياد، فلما قدم
جلس في المسجد، واجتمع رؤوس المهاجرين والأنصار. قال المغيرة:
وكنت قد أعددت كلمة أقولها، فلما رأى عمر زيادا مقبلا، قال: إني لأرى
رجلا لن يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين.
وفي حديث أبي زيد عمر بن شبه، عن السري، عن عبد الكريم بن
رشيد، عن أبي عثمان الهندي، أنه لما شهد الشاهد الأول عند عمر تغير
الثالث لذلك لون عمر، ثم جاء الثاني فشهد، فانكسر لذلك انكسارا
شديدا، ثم جاء فشهد، فكأن الرماد نثر على وجه عمر فلما جاء زياد، جاء
شاب يخطر بيديه، فرفع عمر رأسه إليه، وقال: ما عندك أنت يا سلح
العقاب، وصاح أبو عثمان الهندي، صيحة تحكي صيحة عمر، قال
عبد الكريم بن رشيد: لقد كدت أن يغشى علي لصيحته.
فكان المغيرة يحدث، قال: فقمت إلى الزياد فقلت لا مخبأ لعطر بعد
عروس يا زياد، أذكرك الله، وأذكرك موقف القيامة وكتابه ورسوله، أن تتجاوز
إلى ما لم تر، ثم صمت، يا أمير المؤمنين إن هؤلاء قد احتقروا دمي فالله الله
في دمي، قال: فتدفقت عينا زياد، واحمر وجهه وقال: يا أمير المؤمنين، أما
أن أحق ما حق القوم، فليس عندي ولكني رأيت مجلسا قبيحا، وسمعت
نفسا حثيثا، وانتهارا، ورأيته متبطنها، فقال عمر: أرأيته يدخل ويخرج
كالميل في المكحلة؟ قال: لا.
وروي أنه قال: رأيته رافعا برجليها، ورأيت خصيتيه مترددتين بين

(1) قذذه: جمع قذة، وهي جانب الخباء.
94

فخذيها، وسمعت حفزا شديدا، وسمعت نفسا عاليا، فقال عمر: أرأيته
يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟ قال: لا. فقال عمر: الله أكبر. قم
يا مغيرة إليهم فاضربهم، فجاء المغيرة إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب
الباقين.
وروى قوم أن الضارب لهم الحد لم يكن المغيرة، وأعجب عمر قول
زياد، ودرأ الحد عن المغيرة، فقال أبو بكرة بعد أن ضرب: أشهد أن المغيرة
فعل كذا وكذا، فهم عمر بضربه فقال له علي (عليه السلام): إن ضربته
رجمت صاحبك، ونهاه عن ذلك.
فاستتاب عمر، أبا بكرة فقال: إنما تستتيبني لتقبل شهادتي، قال:
أجل، قال: فإني لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا، قال: فلما ضربوا
الحد قال المغيرة: الله أكبر، الحمد لله الذي أخزاكم، فقال عمر: اسكت
أخزى الله مكانا رأوك فيه.
وأقام أبو بكرة على قوله، وكان يقول: والله ما أنسى قط فخذيها،
وتاب الاثنان فقبل شهادتهما، وكان أبو بكرة بعد ذلك إذا طلب إلى شهادة
قال: اطلبوا غيري، فإن زيادا أفسد علي شهادتي.
وكانت الرقطاء التي رمي المغيرة تختلف إليه في أيام إمارته
الكوفة، في خلافة معاوية في حوائجها فيقضيها لها.

(1) ابن أبي الحديد 12: 234. وروى القصة أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني 14: 145
وفيه: حدثني أحمد بن عبد العزيز الجوهري. تاريخ الطبري 4: 7 2. فتوح
البلدان: 352. الكامل 2: 228. البداية والنهاية 7: 81. عمدة القارئ 6: 34. الغدير
6: 137. وفيات الأعيان 6: 364. إفحام الأعداء والخصوم 1: خ. سنن البيهقي
8: 235.
وكانت الرقطاء هذه مغنية من أضرب الناس على آلات اللهو والطرب، وقال حسان بن ثابت
يهجو المغيرة بن شعبة في هذه القصة:
لو أن اللوم ينسب كان عبدا * قبيح الوجه أعود من ثقيف
تركت الدين والإسلام لما * بدت لك غدوة ذات النصيف
وراجعت الصبا وذكرت لهوا * من القينات والعمر اللطيف
مات المغيرة بن شعبة بالكوفة سنة خمسين في خلافة معاوية وهو ابن سبعين سنة وكان رجلا
طوالا أصيبت عينه يوم اليرموك.
95

القسم الثاني:
فدك
97

* حدثني أبو زيد عمر بن شبه، قال: حدثنا حيان بن بشر، قال:
حدثنا يحيى بن آدم، قال: أخبرنا ابن أبي زائدة، عن محمد بن إسحاق،
عن الزهري قال: بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا، فسألوا رسول الله (صلى
الله عليه وآله) أن يحقن دماءهم ويسيرهم، ففعل، فسمع ذلك أهل فدك،
فنزلوا على مثل ذلك، وكانت للنبي (صلى الله عليه وآله) خاصة لأنه لم
يوجف عليها بخيل ولا ركاب.
وروى أحمد بن إسحاق أيضا، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك، فبعثوا إلى رسول الله
(صلى الله عليه وآله)، فصالحوه على النصف من فدك، فقدمت عليه
رسلهم بخيبر أو بالطريق، أو بعد ما أقام بالمدينة، فقبل ذلك منهم، وكانت
فدك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خالصة له، لم يوجف عليها بخيل
ولا ركاب.
وقد روي أنه صالحهم عليها كلها، الله أعلم أي الأمرين كان.
قال: وكان مالك بن أنس، يحدث عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو
ابن حزم، أنه صالحهم على النصف فلم يزل الأمر كذلك حتى أخرجهم

(1) ابن أبي الحديد 6: 21. الأموال: 9 عن يحيى بن سعيد. فدك: 3. فتوح البلدان: 36.
99

عمر بن الخطاب وأجلاهم، بعد أن عوضهم على النصف الذي كان لهم
عوضا من إبل وغيرها.
وقال غير مالك بن أنس: لما أجلاهم عمر بعث إليهم من يقوم
الأموال، بعث أبا الهيثم بن التيهان، وفروة بن عمرو، وحباب بن صخر،
وزيد بن ثابت، فقوموا أرض فدك ونخلها، فأخذها عمر ودفع إليهم قيمة
النصف الذي لهم، وكان مبلغ ذلك خمسين ألف درهم، أعطاهم إياها من
مال أتاه من العراق، وأجلاهم إلى الشام.
حدثني محمد بن زكريا قال: حدثني جعفر بن محمد بن عمارة
الكندي، قال: حدثني أبي، عن الحسين بن صالح بن حي، قال: حدثني
رجلان من بني هاشم، عن زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام)،
قال: وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه، وحدثني عثمان بن
عمران العجيفي، عن نائل بن نجيح بن عمير بن شمر، عن جابر الجعفي،
عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام).
* وحدثني أحمد بن محمد بن يزيد، عن عبد الله بن محمد بن
سليمان، عن أبيه، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن، قالوا جميعا: لما
بلغ فاطمة (عليها السلام)، إجماع أبي بكر على منعها فدك، لاثت
خمارها، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها، تطأ في ذيولها، ما تخرم
مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حتى دخلت على أبي بكر وقد
حشد الناس من المهاجرين والأنصار، فضرب بينها وبينهم ربطة بيضاء،
وقال بعضهم: قبطية، وقالوا: قبطية بالكسر والضم، ثم أنت أنة أجهش لها
القوم بالبكاء، ثم مهلت وطويلا حتى سكنوا من فورتهم، ثم قالت:
ابتدئ بحمد من هو أولى بالحمد والطول والمجد، الحمد لله على ما
أنعم، وله الشكر بما ألهم، وذكر خطبة طويلة جيدة قالت في آخرها:
فاتقوا الله حق تقاته، وأطيعوه فيما أمركم به، فإنما يخشى الله من
عباده العلماء، واحمدوا الله الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السماوات

(1) ابن أبي الحديد 6: 21. معجم البلدان 4: 238. فدك: 31 فتوح البلدان: 36.
100

والأرض إليه الوسيلة، ونحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته، ومحل
قدسه، ونحن محبته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه.
ثم قالت: أنا فاطمة ابنة محمد، أقول عودا على بدء، وما أقول ذلك
سرفا ولا شططا، فاسمعوا بأسماع واعية، وقلوب راعية، ثم قالت: (لقد
جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين
رؤوف رحيم) فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم، وآخا ابن عمي دون
رجالكم، ثم ذكرت كلاما طويلا سنذكره فيما بعد في الفصل الثاني، تقول
في آخره: ثم أنتم الآن تزعمون أني لا أرث أبي، (أفحكم الجاهلية يبغون
ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) أيها معاشر المسلمين، أبتز إرث
أبي أبى الله أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك ولا أرث أبي، لقد جئت شيئا
فريا، دونكما مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم
محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، (ولكل نبأ مستقر
وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب قيم)، ثم
التفتت إلى قبر أبيها، فتمثلت بقول هند بنت أثاثة:
قد كان بعدك أنباء وهيمنة لو * كنت شاهدها لم تكثر الخطب
أبدت رجال نجوى صدورهم لما * قضيت وحالت دونك الكتب
تجهمتنا رجال واستخف بنا إذ * غبت عنا فنحن اليوم نغتصب
قال: ولم ير الناس أكثر باك ولا باكية منهم يومئذ، ثم عدلت إلى
مسجد الأنصار، فقالت: يا معشر البقية، وأعضاد الملة، وحضنة الإسلام،

(1) سورة التوبة: 128، 129.
(2) سورة المائدة: 5.
(3) سورة هود: 39.
(4) هند بنت أثاثة بن عبد المطلب. شاعرة من شواعر العرب أسلمت وبايعت النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) لها شعر في المعاجم. أعلام النساء 5: 216. الطبقات الكبرى 2: 331.
الدر المنثور: 536. سيرة ابن هشام 3: 43، 97. نهاية الأرب 17: 1 1. معجم ما
استعجم: 836. الأعلام 9: 2 1.
101

ما هذه الفترة عن نصرتي، والونية عن معونتي، والغمزة في حقي، والسنة
في ظلامتي، أما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول: المرء يحفظ
في ولده، سرعان ما أحدثتم، وعجلان ما أتيتم، الآن مات رسول الله (صلى
الله عليه وآله) أمتم دينه، ها إن موته لعمري خطب جليل استوسع وهنه،
واستبهم فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض له، وخشعت الجبال، وأكدت
الآمال، أضيع بعده الحريم، وهتكت الحرمة، واذيلت المصونة، وتلك نازلة
أعلن بها كتاب الله قبل موته، وأنبأكم بها قبل وفاته، فقال: (وما محمد إلا
رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن
ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا، وسيجزي الله الشاكرين).
أيها بني قيلة، اهتضم تراثي أبي، وأنتم بمرأى ومسمع، تبلغكم
الدعوة، ويشملكم الصوت، وفيكم العدة والعدد، ولكم الدار والجنن،
وأنتم نخبة الله التي انتخب، وخيرته التي اختار، باديتم العرب وبادتهم
الأمور، وكافحتهم البهم؟ حتى دارت بكم رحى الإسلام، ودر حلبه، وخبت
نيران الحرب، وسكنت فورة الشرك، وهدأت دعوة الهرج، واستوثق نظام
الدين، أفتأخرتم بعد الإقدام، ونكصتم بعد الشدة، وجبنتم بعد الشجاعة،
عن قوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم، (فقاتلوا أئمة
الكفر أنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون).
ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدعة،
فجحدتم الذي وعيتم، وسغتم الذي سوغتم، (وإن تكفروا أنتم ومن في
الأرض جميعا فإن الله لغني حميد) ألا وقد قلت لكم ما قلت على معرفة
مني بالخذلة التي خامرتكم، وهور القناة، وضعف اليقين، فدونكموها
فاحتووها مدبرة الظهر، ناقبة الخف، باقية العار، موسومة الشعار، موصولة

(1) سورة آل عمران: 144.
(2) سورة التوبة: 12.
(3) سورة إبراهيم: 8.
102

ب‍ (نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة) فبعين الله ما تعملون،
(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
* حدثني محمد بن زكريا، قال: حدثنا محمد بن الضحاك، قال:
حدثنا هشام بن محمد، عن عوانة بن الحكم، قال: لما كلمت فاطمة
(عليها السلام) أبا بكر بما كلمته به، حمد أبو بكر الله وأثنى عليه وصلى
على رسوله ثم قال:
يا خيرة النساء، وابنة خير الآباء، والله ما عدوت رأي رسول الله (صلى
الله عليه وآله)، وما عملت إلا بأمره، وإن الرائد لا يكذب أهله، وقد قلت
فأبلغت، وأغلظت فأهجرت، فغفر الله لنا ولك، أما بعد فقد فعت؟ آلة
رسول الله ودابته وحذاءه إلى علي (عليه السلام)، وأما سوى ذلك فإني
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنا معاشر الأنبياء لا نورث
ذهبا ولا فضة ولا أرضا ولا عقارا ولا دارا، ولكنا نورث الإيمان والحكمة
والعلم والسنة، فقد عملت بما أمرني، ونصحت له وما توفيقي إلا بالله عليه
توكلت وإليه أنيب.

(1) سورة الهمزة: 7.
(2) ابن أبي الحديد 16: 211. وقد اختصر الخطبة وتأتي بمجموعها في الملحقات كما جاءت
في كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري.
(3) ابن أبي الحديد 13: 213.
لقد أجاب المحققون والمحدثون على كلام أبي بكر، وأن قوله هذا مفتعل على النبي
الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ومختلق على لسانه (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن
جميع مفاهيم الإسلام والسنة المحمدية ظهرت واضحة على عهد النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) فكيف لم يظهر هذا القول إلا بعد وفاته والناقل له هو وحده... وهل أن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) لا سمح الله أتى خلاف ما جاء به القرآن كما قالت واستشهدت
بها فاطمة (عليها السلام) من الآيات، وكيف أخرج أبو بكر وبأي ديل وسنة، آلة الرسول
ودابته وحذاءه من ضمن الإرث ودفعها إلى علي (عليه السلام).
وعلى حد قول أبي بكر فإن فاطمة الزهراء (عليها السلام) ورثت إيمان النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) وحكمته وعلمه وسنته، وإنها وارثة في جميع ذلك، هل يمكن أن تدعي ما ليس
لها بحق... كلا وألف كلا... وهل يجوز لأبي بكر أن يقول في حق الصديقة الطاهرة:
أغلظت فأهجرت، فغفر الله لنا ولك... اللهم إليك المشتكى وإليك المصير.
103

وروى هشام بن محمد، عن أبيه قال: قالت فاطمة، لأبي بكر: إن أم
أيمن تشهد لي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أعطاني فدك، فقال
لها: يا ابنة رسول الله، والله ما خلق الله خلقا أحب إلي من رسول الله (صلى
الله عليه وآله) أبيك، ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك،
والله لأن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري، أتراني أعطي الأحمر
والأبيض حقه وأظلمك حقك، وأنت بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم)، إن هذا المال لم يكن للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما كان
مالا من أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال، وينفقه في سبيل الله،
فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليته كما كان يليه، قالت:
والله لا كلمتك أبدا، قال: والله لا هجرتك أبدا، قالت: والله لأدعون الله
عليك، قال: والله لأدعون الله لك، فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلي
عليها، فدفنت ليلا، وصلى عليها عباس بن عبد المطلب، وكان بين وفاتها
ووفاة أبيها اثنتان وسبعون ليلة.
* حدثني محمد بن زكريا. قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة،
بالإسناد الأول، قال: فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد
المنبر، وقال: أيها الناس ما هذه الرعة إلى كل قالة، أين كانت هذه الأماني
في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ألا من سمع فليقل، ومن
شهد فليتكلم، إنما هو ثعالة شهيده ذنبه، مرب لكل فتنة، هو الذي يقول:
كروها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفه، ويستنصرون بالنساء، كأم
طحال أحب أهلها إليها البغي، ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت: ولو قلت
لبحت، إني ساكت ما تركت. ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا

(1) اتفقت كلمة المحدثين على أن - فدك - كانت خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
فقط، وأنه منحها في السنة السابعة من الهجرة إلى الصديقة الطاهرة، فتصبح فدك خارجة
من الإرث، فضلا عن أن الزهراء (عليها السلام) تصرفت بها إلى حين وفاة النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم).
وهذه الجملة من أبي بكر إن دلت على شئ فإنما تدل على كذبه الصريح، وإنه كسائر
كلماته لم تكن منبعثة عن صدق وإيمان.
(2) ابن أبي الحديد 16: 214 تفسير الرازي 8: 125. فدك: 46.
104

معشر الأنصار مقالة سفهائكم، وأحق من لزم عهد رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم)، أنتم، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم، ألا إني لست باسطا يدا ولا
لسانا على من لم يستحق ذلك منا.
ثم نزل، فانصرفت فاطمة (عليها السلام) إلى منزلها.
* حدثني محمد بن زكريا، قال: حدثني ابن عائشة، قال: حدثني
أبي، عن عمه قال: لما كلمت فاطمة أبا بكر بكى ثم قال: يا ابنة
رسول الله، والله ما ورث أبوك دينارا ولا درهما، وأنه قال: إن الأنبياء لا
يورثون، فقالت، أن فدك وهبها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال:
فمن يشهد بذلك، فجاء علي بن أبي طالب (عليه السلام) فشهد، وجاءت
أم أيمن فشهدت أيضا، فجاء عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف،
فشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان يقسمها، قال أبو بكر،
صدقت يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصدق علي، وصدقت
أم أيمن، وصدق عمر، وصدق عبد الرحمن بن عوف، وذلك أن مالك
لأبيك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأخذ من فدك قوتكم،
ويقسم الباقي، ويحمل منه في سبيل الله، فما تصنعين بها، قالت: أصنع
بها كما يصنع بها أبي، قال فلك علي الله أن أصنع فيها كما كان يصنع فيها
أبوك، قال: الله لتفعلن قال: الله لأفعلن، قالت اللهم اشهد، وكان أبو بكر
يأخذ غلتها فيدفع إليهم منها ما يكفيهم، ويقسم الباقي، وكان عمر كذلك،
ثم كان عثمان كذلك ثم كان علي كذلك فلما ولي الأمر معاوية بن أبي

(3) ابن أبي الحديد 16: 214.
(1) لما ولي عثمان أقطع فدكا إلى مروان بن الحكم. سنن البيهقي 6: 1 3، الغدير 7: 195.
وأما في عهد عمر بن الخطاب فقد رد فدكا إلى ورثة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
فكان علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب يتنازعان فيها، فكان علي يقول: إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلها في حياته لفاطمة، وكان العباس يأبى ذلك
ويقول: هي ملك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا وارثه، فكانا يتخاصمان إلى
عمر فيأبى أن يحكم بينهما. الغدير 7: 194. تاج العروس 7: 166. الأموال لأبي
عبيد: 11 البداية 5: 288. معجم البلدان 4: 238.
(2) لم يتسلم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في خلافته فدكا، ولم يشتغل بها ولم يكن لدينا ما يثبت ذلك، وقد أجاب الإمام الصادق (عليه السلام) عن عدم استرجاع علي
(عليه السلام)، فدكا، فقال: لأن الظالم والمظلومة قد كانا قدما على الله وأثاب الله
المظلومة، وعاقب الظالم، فكره أن يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه غاصبه وأثاب عليه
المغصوب منه.
وأجاب الإمام الكاظم (عليه السلام) فقال: لأنا أهل البيت لا يأخذ لنا حقوقنا ممن ظلمنا إلا
هو - يعني الله عز وجل - ونحن أولياء المؤمنين، إنما نحكم لهم ونأخذ حقوقهم ممن
ظلمهم ولا نأخذ لأنفسنا، فدك: 193.
105

سفيان أقطع مروان بن الحكم ثلثها، وأقطع عمرو بن عثمان بن عفان ثلثها،
وذلك بعد موت الحسن بن علي (عليه السلام)، فلم يزالوا يتداولونها حتى
خلصت كلها لمروان بن الحكم أيام خلافته، فوهبها لعبد العزيز ابنه، فوهبها
ابنه عبد العزيز، لابنه عمر بن عبد العزيز، فلما ولي عمر بن عبد العزيز
الخلافة، كانت أول ظلامة ردها دعا حسن بن الحسن بن علي بن أبي
طالب (عليه السلام)، وقيل: بل دعا علي بن الحسين (عليه السلام) فردها
عليه.
وكانت بيد أولاد فاطمة (عليها السلام)، مدة ولاية عمر بن
عبد العزيز، فلما ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم، فصارت في أيدي بني
مروان كما كانت يتداولونها، حتى انتقلت الخلافة عنهم، فلما ولي أبو
العباس السفاح، ردها على عبد الله بن الحسن بن الحسن، ثم قبضها أبو
جعفر لما حدث من بني حسن ما حدث، ثم ردها المهدي ابنه، على ولد
فاطمة (عليها السلام)، ثم قبضها موسى بن المهدي، وهارون أخوه، فلم
تزل في أيديهم حتى ولي المأمون، فردها على الفاطميين.
* حدثني محمد بن زكريا قال: حدثني مهدي بن سابق، قال: جلس
المأمون للمظالم، فأول وقعة وقعت في يده نظر فيها وبكى وقال للذي على
رأسه: ناد أين وكيل فاطمة، فقام شيخ وعليه دراعة وعمامة وخف تعزى،
فتقدم فجعل يناظره في فدك، والمأمون يحتج عليه وهو يحتج على
المأمون، ثم أمر أن يسجل لهم بها فكتب التسجيل وقرئ عليه، فأنفذه،

(1) ابن أبي الحديد 16: 216. چ
106

فقام دعبل إلى المأمون فأنشده الأبيات التي أولها:
أصبح وجه الزمان قد ضحكا برد مأمون هاشم فدكا
فلم تزل في أيديهم حتى كان في أيام المتوكل، فأقطعها عبد الله بن
عمر البازيار، وإن فيها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول الله (صلى الله عليه
وآله) بيده، فكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها، فإذا أقدم الحجاج أهدوا لهم من
ذلك التمر فيصلونهم، فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل، فصرم
عبد الله بن عمر البازيار ذلك التمر، ووجه رجلا يقال له بشران بن أبي أمية
الثقفي إلى المدينة فصرمه، ثم عاد إلى البصرة ففلج.
* أخبرنا أبو زيد عر بن شبه، قال: حدثنا سويد بن سعيد،
والحسن بن عثمان، قالا: حدثنا الوليد بن محمد، عن الزهري، عن عروة،
عن عائشة، أن فاطمة (عليها السلام)، أرسلت إلى أبي بكر تسأله عن
ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي حينئذ تطلب ما كان
لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة، وفدك، وما بقي من خمس خيبر،
فقال أبو بكر: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث ما
تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال، وإني والله لا أغير شيئا من
صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حالها التي كانت عليها
في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولأعلمن فيها بما عمل فيها
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها
شيئا، فوجدت من ذلك على أبي بكر وهجرته فلم تكلمه حتى توفيت،
وعاشت بعد أبيها ستة أشهر، فلما توفيت دفنها علي (عليه السلام) ليلا ولم
ويؤذن بها أبا بكر.

(1) صرم النخل: جذه وقطعه.
(2) ابن أبي الحديد 16: 217. فدك 58.
(3) ابن أبي الحديد 16: 217. كشف الغمة 1: 374.
107

* وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا عمر بن عاصم، وموسى بن
إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن الكلبي. عن أبي صالح، عن
أم هاني، أن فاطمة قالت لأبي بكر: من يرثك إذا مت؟ قال: ولدي وأهلي،
قال: فما لك ترث رسول الله (صلى الله عليه وآله) دوننا؟ قال: يا ابنة
رسول الله، ما ورث أبوك دارا ولا مالا ولا ذهبا ولا فضة، قالت: بلى سهم
الله الذي جعله لنا، وصار فيئنا الذي بيدك، فقال لها: سمعت رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنما هي طعمه أطعمناها الله، فإذا مت
كانت بين المسلمين.
* وأخبرنا أبو زيد قال: حدثنا إسحاق بن إدريس، قال: حدثنا
محمد بن أحمد، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن
فاطمة، والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، وهما حينئذ يطلبان أرضه بفدك، وسهمه بخيبر، فقال لهما أبو بكر:
إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا نورث، ما
تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد (صلى الله عليه وآله) من هذا المال،
وإني والله لا أغير أمرا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصنعه إلا
صنعته قال: فهجرته فاطمة فل تكلمه حتى ماتت.

(1) ابن أبي الحديد 16: 217. فتوح البلدان: 38. فدك: 34. كنز العمال 3: 13. كشف
الغمة 1: 477.
(2) كذب صريح، وادعاء فارغ والدليل على هذا سيرته مع فاطمة الزهراء (عليها السلام) فإن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في العام السابع من الهجرة منح بضعته الصديقة، فدك،
فلماذا سلبه منها واغضب الصديقة.
ولأي الأمور تدفن ليلا بضعة المصطفى ويعفى ثراها
ألم يسمع قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا فاطمة، إن الله عز وجل يغضب
لغضبك، ويرضى لرضاك، مستدرك الصحيحين 3: 153. كنز العمال 7: 111. ذخائر
العقبى: 39. كفاية الطالب: 364.
(3) ابن أبي الحديد 16: 217. صحيح البخاري 5: 5. صحيح مسلم 2: 72. مسند أحمد
1: 6. تاريخ الطبري 3: 2 2. كفاية الطالب: 37. سنن البيهقي 6: 3 1. الغدير
7: 266. كشف الغمة 1: 374.
108

* وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا
محمد بن الفضل، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل، قال: أرسلت
فاطمة إلى أبي بكر: أن ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أم أهله؟
قال: بل أهله، قالت: فما بال سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال:
إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن الله أطعم نبيه
طعمة، ثم قبضه، وجعله للذي يقوم بعده، فوليت أنا بعده، أن أرده على
المسلمين، قالت: أنت وما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
أعلم.
قلت: في هذا الحديث عجب، لأنها قالت له: أنت ورثت رسول الله
(صلى الله عليه وآله) أم أهله، قال: بل أهله، وهذا تصريح بأنه (صلى الله
عليه وآله) موروث يرثه أهله، وهو خلاف قوله: لا نورث، وأيضا فإنه يدل
على أن أبا بكر استنبط من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أن الله
أطعم نبيا طعمة أن يجري رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند وفاته مجرى
ذلك النبي (صلى الله عليه وآله)، أو يكون قد فهم أنه عني بذلك النبي
المنكر لفظا نفسه، كما فهم من قوله في خطبته، أن عبدا خيره الله بين الدنيا
وما عند ربه، فاختار ما عند ربه، فقال أبو بكر: بل نفديك بأنفسنا.
* وأخبرنا أبو زيد، قال: أخبرنا القعنبي، قال: حدثنا عبد العزيز
محمد، عن محمد بن عمر، عن أبي سلمة، أن فاطمة طلبت فدك من أبي
بكر، فقال: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول: إن
النبي لا يورث، من كان النبي يعوله فأنا أعوله. ومن كان النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) ينفق عليه فأنا أنفق عليه، فقالت: يا أبا بكر، أيرثك بناتك
ولا يرث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بناته؟ قال: هو ذاك.

(1) ابن أبي الحديد 16: 218.
(2) ابن أبي الحديد 16: 219.
109

* أخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير، قال:
حدثنا فضيل بن مرزوق، قال حدثنا البحتري بن حسان، قال: قلت لزيد بن
علي (عليه السلام)، وأنا أريد أن أهجن أمر أبي بكر: إن أبا بكر انتزع فدك
من فاطمة (عليها السلام) فقال: إن أبا بكر كان رجلا رحيما، وكان يكره أن
يغير شيئا فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأتته فاطمة فقالت: أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطاني فدك، فقال لها: هل لك على هذا
بينة؟ فجاءت بعلي (عليه السلام) فشهد لها، ثم جاءت أم أيمن فقالت:
ألستما تشهدان أني من أهل الجنة، قالا: بلى: قال أبو زيد: يعني أنها قالت
لأبي بكر، وعمر، قالت: فأنا أشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أعطاها فدك، فقال أبو بكر: فرجل آخر وامرأة أخرى لتستحقي بها القضية،
ثم قال أبو زيد: وأيم الله لو رجع الأمر إلي لقضيت فيها بقضاء أبي بكر.
* وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا محمد بن الصباح، قال: حدثنا
يحيى بن المتوكل أبو عقيل، عن كثير النوار، قال: قلت لأبي جعفر
محمد بن علي (عليه السلام): جعلني الله فداك، أرأيت أبا بكر، وعمر،
هل ظلماكم من حقكم شيئا، أو قال: ذهبا من حقكم بشئ، فقال: لا،
والذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا، ما ظلمنا من حقنا مثقال
حبة من خردل، قلت: جعلت فداك أفأتولاهما، قال: نعم ويحك، تولهما
في الدنيا والآخرة، وما أصابك ففي عنقي، ثم قال: فعل الله بالمغيرة
وبنان، فأنهما كذبا علينا أهل البيت.
أخبرنا أبو زيد قال: حدثنا عبد الله بن نافع، والقعنبي، عن مالك عن
الزهري، عن عروة، عن عائشة أن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) أردن

(1) ابن أبي الحديد 16: 219. معجم البلدان 4: 239. الصواعق المحرقة الباب الثاني: 32.
فدك: 51.
الحديث مقدوح لوجود فضيل بن مرزوق الرقاشي فيه، قال النسائي: ضعيف. وقال ابن
حبان في الثقات يخطئ، وقال في الضعفاء: كان يخطئ على الثقات، ويروي عن عطية
العوفي الموضوعات. تهذيب التهذيب 7: 299. ميزان الاعتدال 3: 362.
110

لما توفي أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن، أو قال
ثمنهن، قالت: فقلت لهن، أليس قد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
لا نورث ما تركناه صدقة.
* وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا عبد الله بن نافع، والقعنبي، وبشر بن
عمر، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي
(صلى الله عليه وآله) قال: لا يقسم ورثتي دينارا ولا درهما، ما تركت بعد
نفقة نسائي ومؤنة عيالي فهو صدقة.
قلت: وهذا حديث غريب، لأن المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء
الإرث إلا أبو بكر وحده.
* حدثنا أبو زيد، عن الخرامي، عن ابن وهب، عن يونس عن ابن
شهاب، عن عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: والذي نفسي بيده لا يقسم
ورثتي شيئا، ما تركت صدقة قال: وكانت هذه الصدقة بيد علي
(عليه السلام)، غلب عليها العباس، وكانت فيها خصومتها، فأبى عمر أن
يقسمها بينها حتى أعرض عنها العباس، وغلب عليها علي (عليه السلام)،
ثم كانت بيد حسن، وحسين ابني علي (عليه السلام)، ثم كانت بيد علي بن
الحسين (عليه السلام)، والحسن بن الحسن كلاهما يتداولانها، ثم بيد
زيد بن علي (عليه السلام).
* أخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا عثمان بن عمر بن فارس، قال: حدثنا
يونس، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، أن عمر بن الخطاب

(1) ابن أبي الحديد 16: 22.
(2) ابن أبي الحديد 16: 22.
(3) اختلق أبو هريرة على النبي الأقدس (صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث كثيرة وكثيرة، كان
الباعث له على هذا الدس الرخيص أموال معاوية بن أبي سفيان، وعلى أثر نجاحه في
الكذب والاختلاق ولاه معاوية إمارة المدينة.
(4) ابن أبي الحديد 16: 221.
111

دعاه يوما بعد ما ارتفع النهار، قال: فدخلت عليه وهو جالس على سرير رمال
أوليس
بينه وبين الرمال فراش، على وسادة أدم فقال: يا مالك، إنه قد قدم
من قومك أهل أبيات حضروا المدينة، وقد أمرت لهم برضخ فاقسمه
بينهم، فقلت: يا أمير المؤمنين، مر بذلك غيري، قال: أقسم أيها المرء.
قال: فبينما نحن على ذلك إذ دخل يرفأ. فقال: هل لك في عثمان،
وسعد، وعبد الرحمن، والزبير، يستأذنون عليك؟ قال: نعم، فأذن لهم،
قال: ثم لبث قليلا ثم جاء فقال: هل لك في علي، والعباس، يستأذنان
عليكم؟ قال: ائذن لهما، فلما دخلا قال عباس: يا أمير المؤمنين اقضي
بيني وبين هذا - يعني عليا - وهما يختصمان في الصوافي التي أفاء الله
على رسوله من أموال بني النضير، قال: فاستب علي، والعباس، عند عمر،
فقال عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين، أقضي بينهما وأرح أحدهما من الآخر،
فقال عمر: أنشدكم الله الذي تقوم بإذنه السماوات والأرض، هل تعلمون أن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا نورث ما تركناه صدقة، يعني نفسه،
قالوا: قد قال ذلك، فأقبل على العباس، وعلي فقال: أنشدكما الله هل
تعلمان ذلك؟ قال: نعم، قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله
تبارك وتعالى خص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، في هذا الفئ
بشئ لم يعطه غيره، قال تعالى: (ما أفاه الله على رسوله منهم فما أوجفتم
عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل
شئ قدير) وكانت هذه خاصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
فما اختارها دونكم، ولا أستأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وثبتها فيكم حتى
بقي منها هذا المال، وكان ينفق منه على أهله سنتهم، ثم يأخذ ما بقي
فيجعله فيما يجعل مال الله عز وجل، فعل ذلك في حياته ثم توفي. فقال أبو
بكر: أنا ولي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقبضه الله وقد عمل

(1) الرضخ هنا: المال.
(2) الصوافي: الأملاك الواسعة.
(3) سورة الحشر: 6.
112

فيها بما عمل به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنتما حينئذ،
والتفت إلى علي، والعباس تزعمان أن أبا بكر فيها ظالم فاجر فاجر، والله
يعلم أنه فيها لصادق باد راشد، تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فقلت: أنا
أولى الناس بأبي بكر وبرسوله الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقبضتهما
سنتين، أو قال سنين من إمارتي، أعمل فيها مثل ما عمل به رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم)، وأبو بكر: ثم قال: وأنتما، وأقبل على العباس،
وعلي، تزعمان أني فيها ظالم فاجر، والله يعلم أني فيها باد راشد، تابع
للحق ثم جئتما في وكلمتكما واحدة وأمركما جميع فجئتني - يعني العباس -
تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني في هذا - يعني عليا - يسألني نصيب
امرأته من أبيها، فقلت لكما: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
قال: لا نورث مما تركناه صدقة، فلما بدا لي أن أدفعها إليكما قلت:
أدفعها على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبو بكر، وبما عملت به فيها، وإلا فلا
تكلماني، فقلتما: ادفعاه إلينا بذلك، فدفعتهما إليكما بذلك، أفتلتمسان
مني قضاء غير ذلك، والله الذي تقوم بإذنه السماوات والأرض لا أقضي
بينكما بقضاء غير هذا حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فأنا
أكفيكماها.
* وحدثنا أبو زيد، قال: حدثنا إسحاق بن إدريس، قال:
حدثنا عبد الله بن المبارك، قال، حدثني يونس، عن الزهري، قال: حدثني
مالك بن أوس بن الحدثان بنحوه قال: فذكرت ذلك لعروة فقال: صدق
مالك بن أوس، أنا سمعت عائشة تقول: أرسل أزواج النبي (صلى الله عليه

(1) من أين جاءت هذه الأولوية إلى عمر بن الخطاب دون غيره من الصحابة؟
(2) بناء على قول عمر فإنه خالف سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسنته في دفعه فدك إلى
علي والعباس مع تصريحه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث ما تركناه
صدقة. (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من
أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) سورة الأحزاب: 36.
(3) ابن أبي الحديد 15: 221. وفاء الوفا: 158.
113

وآله وسلم) عثمان بن عفان، إلى أبي بكر يسألن لهن ميراثهن من رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) مما أفاء الله عليه حتى كنت أردهن عن ذلك،
فقلت: ألا تتقين الله، ألم تعلمن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
كان يقول: لا نورث ما تركناه صدقة، يريد بذلك نفسه، إنما يأكل آل محمد
من هذا المال، فانتهى أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ما
أمرتهن به.
* وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن عليه،
عن أيوب، عن عكرمة، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: جاء العباس،
وعلي إلى عمر، فقال العباس: إقض بيني وبين هذا الكذا وكذا، أي
يشتمه، فقال الناس: أفصل بينهما، فقال: لا أفصل بينهما قد علما أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا نورث، ما تركناه صدقة.
* وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثني يحيى بن كثير أبو غسان، قال:
حدثنا شعبة عن عمر بن مرة، عن أبي البختري، قال: جاء العباس، وعلي
إلى عمر وهما يختصمان، فقال عمر لطلحة، والزبير، وعبد الرحمن،
وسعد: أنشدكم الله، أسمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:
كل مال نبي فهو صدقة، إلا ما أطعمه أهله، إنا لا نورث، فقالوا: نعم،
قال: وكان رسول الله يتصدق به، ويقسم فضله ثم توفي فوليه أبو بكر سنتين
يصنع فيه ما كان يصنع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنتما

(1) ابن أبي الحديد 16: 223. وقال بعد ذكره الحديث، قلت: هذا مشكل، لأن الحديث
الأول يتضمن أن عمر أقسم جماعة فيهم عثمان فقال: نشدتكم الله، ألستم تعلمون أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث ما تركناه صدقة، يعني نفسه فقالوا:
نعم ومن جملتهم عثمان، فكيف يعلم بذلك فيكون مترسلا لأزواج النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) يسأله أن يعطهن الميراث.
وها هنا إشكال آخر، وهو أن عمر ناشد عليا والعباس، هل تعلمان ذلك، فقالا: نعم، فإذا
كانا يعلمانه فكيف جاء العباس وفاطمة إلى أبي بكر يطلبان الميراث على ما ذكره في خبر
سابق على هذا الخبر.
(2) ابن أبي الحديد 16: 226.
114

تقولان: أنه كان بذلك خاطئا، وكان بذلك ظالما، وما كان بذلك إلا راشدا.
ثم وليته بعد أبي بكر فقلت لكما، إن شئتما قبلتماه على عمل رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعهده الذي عهد فيه، فقلتما: نعم، وجئتما
في الآن تختصمان، يقول هذا: أريد نصيبي من ابن أخي، ويقول هذا:
أريد نصيبي من امرأتي، والله لا أقضي بينكما إلا بذلك.
* وأخبرنا أبو زبيد عمر بن شبه، قال: حدثنا محمد بن يحيى، عن
إبراهيم بن أبي يحيى، عن الزهري، وعن عروة، عن عائشة أن أزواج النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) أرسلن عثمان إلى أبي بكر، فذكر الحديث، قال
عروة: وكانت فاطمة قد سألت ميراثها من أبي بكر. مما تركه النبي (صلى
الله عليه وآله). فقال لها: بأبي أنت وأمي. وبأبي أبوك. وأمي ونفسي، إن
كنت سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا، أو أمرك بشئ
لم أتبع غير ما تقولين، وأعطيتك ما تبتغين، وإلا فإني أتبع ما أمرت به.
* وحدثنا أبو زيد، قال: حدثنا عمرو بن مرزوق، عن شعبة عن
عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: قال لها أبو بكر لما طلبت فدك:
بأبي أنت وأمي، أنت عندي الصادقة الأمينة، إن رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) عهد إليك في ذلك عهدا، أو وعدك به وعدا، صدقتك
وسلمت إليك، فقالت: لم يعهد إلي في ذلك بشئ، ولكن الله تعالى
يقول: (يوصيكم الله في أولادكم) فقال: أشهد لقد سمعت رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنا معاشر الأنبياء لا نورث.

(1) ابن أبي الحديد 16: 227. معجم البلدان 4: 239 بلفظ آخر.
(2) ابن أبي الحديد 16: 228.
(3) سورة النساء: 11.
(4) ابن أبي الحديد 16: 228.
لم تفتقر فاطمة الزهراء (عليها السلام) في دعواها إلى بينة وشهود وعهد ووعد بعد أن صرح
الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) على صدقها، وكان على أبي بكر الإتيان بالبينة
والشهود، فقد روى أبو سعيد في شرف النبوة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال
لعلي: أوتيت ثلاثا لم يؤتهم أحد ولا أنا، صهرا مثلي ولم أوت أنا مثلي، وأوتيت زوجة
صديقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من
صلبي مثلهما، ولكنكم مني وأنا منكم. الرياض النضرة 2: 2 2. فضائل الخمسة
3: 148.
عن عائشة آها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت: ما رأيت
أحدا كان أصدق لهجة منها إلا أن يكون الذي ولدها.
وفي رواية بسنده عن عمرو بن دينار قال: قالت عائشة: ما رأيت أحد قط أصدق من فاطمة
غير أبيها. مستدرك الصحيحين 3: 16. الإستيعاب 2: 751. حلية الأولياء 2: 41.
115

* وحدثنا أبو زيد، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا
عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عبد الله الأنصاري، عن ابن شهاب،
عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: سمعت عمر وهو يقول للعباس،
وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وطلحة، أنشدكم الله هل تعلمون
أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إنا لا نورث، معاشر الأنبياء،
ما تركنا صدقة؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدخل في فيئه أهله السنة من
صدقاته، ثم يجعل ما بقي في بيت المال؟ قالوا: اللهم نعم، فلما توفي
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبضها أبو بكر، فجئت يا عباس تطلب
ميراثك من ابن أخيك، وجئت يا علي، تطلب ميراث زوجتك من أبيها،
وزعمتما أن أبا بكر كان فيها خائنا فاجرا، والله لقد كان امرءا مطيعا، تابعا
للحق، ثم توفي أبو بكر فقبضتها، فجئتماني تطلبان ميراثكما، أما أنت يا
عباس فتطلب ميراثك من ابن أخيك، وأما علي فيطلب ميراث زوجته من
أبيها، وزعمتما أني فيها خائن فاجر، والله يعلم أني فيها مطيع تابع للحق
فأصلحا أمركما، وإلا لم ترجع إليكما، فقاما وتركا الخصومة وأمضيت
صدقة.
قال أبو زيد: قال أبو غسان: فحدثنا عبد الرزاق الصنعاني، عن
معمر بن شهاب، عن مالك بنحوه، وقال في آخره: فغلب علي، عباسا
عليها، فكانت بيد علي، ثم كانت بيد الحسن، ثم كانت بيد الحسين، ثم
116

علي بن الحسين ثم الحسن بن الحسن، ثم زيد بن الحسن.
* أخبرني أبو زيد عمر بن شبه، قال: حدثني هارون بن عمير، قال:
حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثني صدقة بن أبي معاوية، عن محمد بن
عبد الله، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن يزيد الرقاشي، عن
أنس بن مالك، أن فاطمة (عليها السلام) أتت أبا بكر، فقالت: لقد علمت
الذي ظلمتنا عنه أهل البيت من الصدقات، وما أفاء الله علينا من الغنائم في
القرآن من سهم ذوي القربى، ثم قرأت عليه قوله تعالى: (واعلموا إنما
غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) الآية، فقال لها
أبو بكر: بأبي أنت وأمي ووالد ولدك، وأنا أقرأ من كتاب الله الذي تقرئين
منه، ولم يبلغ علمي منه أن هذا السهم من الخمس يسلم إليكم كاملا،
قالت: أفلك هو ولأقربائك؟ ثم قال: لا، بل أنفق عليكم منه، وأصرف
الباقي في مصالح المسلمين. قالت: ليس هذا حكم الله تعالى، قال: هذا
حكم الله، فإن كان رسول الله عهد إليك في هذا عهدا أو أوجبه لكم حقا
صدقتك وسلمته كله إليك وإلى أهلك، قالت: إن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) لم يعهد إلي في ذلك بشئ، إلا أني سمعته يقول لما أنزلت هذه الآية:
أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى.
قال أبو بكر: لم يبلغ علمي من هذه الآية أن أسلم إليكم هذا السهم
كله كاملا، ولكن لكم الغنى الذي يغنيكم، ويفضل عنكم، وهذا عمر بن
الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، فاسأليهم عن ذلك، وانظري هل يوافقك
على ما طلبت أحد منهم، فانصرفت إلى عمر، فقالت له مثل ما قالت لأبي
بكر، فقال لها مثل ما قاله لها أبو بكر، فعجبت فاطمة (عليها السلام) من
ذلك، وظنت أنهما كانا قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه.

(1) ابن أبي الحديد 16: 229.
(2) سورة الأنفال: 41.
(3) ابن أبي الحديد 16: 23.
117

* أخبرنا أبو زيد قال: حدثنا هارون بن عمير، قال: حدثنا الوليد،
عن ابن أبي لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: أرادت فاطمة أبا بكر
على فدك، وسهم ذوي القربى، فأبى عليها، وجعلها في مال الله تعالى.
* وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا أحمد بن معاوية، عن هيثم، عن
جويبر، عن أبي الضحاك، عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب
(عليه السلام)، أن أبا بكر منع فاطمة وبني هاشم سهم ذوي القربى، وجعله
في سبيل الله في السلاح والكراع.
* أخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا مروان بن هلال، عن محمد بن
يزيد بن ذريع، عن محمد بن إسحاق، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي
(عليهما السلام)، قلت: أرأيت عليا حين ولي العراق وما ولي من أمر الناس
كيف صنع في سهم ذوي القربى، قال: سلك بهم طريق أبي بكر، وعمر،
قلت: وكيف، ولم، وأنتم تقولون ما تقولون قال: أما والله ما كان أهله
يصدون إلا عن رأيه، فقلت: فما منعه؟ قال: كان يكره أن يدعى عليه
مخالفة أبي بكر، وعمر.
* وحدثني المؤمل بن جعفر، قال: حدثني محمد بن ميمون، عن
داود بن المبارك، قال: أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن
الحسين، ونحن راجعون من الحج في جماعة، فسألناه عن مسائل. وكنت
أحد من سأله، فسألته عن أبي بكر، وعمر فقال: سأل جدي عبد الله بن
الحسن بن الحسن عن هذه المسألة، فقال: كانت أمي صديقة بنت نبي
مرسل، فماتت وهي غضبى على إنسان، فنحن غضاب لغضبها، وإذا
رضيت رضينا.

(1) ابن أبي الحديد 16: 23.
(2) ابن أبي الحديد 16: 231.
(3) ابن أبي الحديد 16: 231.
(4) ابن أبي الحديد 16: 231.
لقد ثبتت عصمة فاطمة (عليها السلام) بإجماع الأمة على ذلك بصورة مطلقة والدليل على
هذا قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). ولا
خلاف بين نقلة الآثار أن فاطمة (عليها السلام) كان من أهل هذه الآية، وذهاب الرجس
عن أهل البيت الذين عنوا بالخطاب يوجب عصمتهم ولإجماع الأمة أيضا على قول النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) من آذى فاطمة فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل.
الفصول المختارة: 56. فضائل الخمسة 3: 151.
118

* وحدثني أبو جعفر محمد بن القاسم، قال: حدثني علي بن
الصباح، قال: أنشدنا أبو الحسن رواية المفضل للكميت:
أهوى عليا أمير المؤمنين ولا * أرضى بشتم أبي بكر ولا عمرا
ولا أقول وإن لم يعطيا فدكا * بنت النبي ولا ميراثها كفرا
الله يعلم ماذا يحضران به يوم * القيامة من عذر إذا اعتذرا
قال ابن الصباح: فقال لي أبو الحسن: أتقول إنه قد كفرهما في هذا
الشعر، قلت: نعم، قال: كذاك هو.
* حدثنا أبو زيد: عن هارون بن عمير، عن الوليد بن مسلم، عن
إسماعيل بن عباس، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن مولى ابن
هاني، قال: دخلت فاطمة على أبي بكر بعد ما استخلف، فسألته عن ميراثها
من أبيها، فمنعها، فقالت له: لئن مت اليوم من كان يرثك؟ قال: ولدي
وأهلي، قالت: فلم ورثت أنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، دون ولده
وأهله؟ قال: فما فعلت يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
قالت: بلى، إنك عهدت إلى فدك، وكانت صافية لرسول الله (صلى الله
عليه وآله)، فأخذتها وعهدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا، فقال:
يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لم أفعل حدثني رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم)، أن الله تعالى يطعم النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) الطعمة ما كان حيا، فإذا قبضه الله إليه رفعت، فقالت: أنت ورسوله

(1) الهاشميات: 83.
(2) ابن أبي الحديد 16: 232.
119

أعلم، ما أنا بسائلتك بعد مجلسي، ثم انصرفت.
* وحدثنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا محمد عبد الرحمن المهلبي،
عن عبد الله بن حماد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد الله بن حسن بن
حسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين (عليها السلام)، قالت: لما اشتد
بفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوجع وثقلت في علتها، اجتمع
عندها نساء من نساء المهاجرين والأنصار، فقلن لها: كيف أصبحت يا ابنة
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قالت: والله أصبحت عائفة
لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم بعد أن عجمتهم وشنئتهم بعد أن
سبرتهم فقبحا لفلول الحد وخور القناة، وخطل الرأي، وبئسما قدمت
لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون لا جرم قد
قلدتهم ربقتها، وشنت عليهم غارتها، فجدعا وعقرا، وسحقا للقوم
الظالمين، ويحهم أين زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط
الروح الأمين، والطيبين بأمر الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما
الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال
وقعته، وتنمره في ذات الله، وتالله لو تكافؤا عن زمام نبذه إليه رسول الله
(صلى الله عليه وآله) لاعتلقه، ولسار إليهم سيرا سمجا، لا تكلم حشاشته،
ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا فضفاضا يطفح ضفتاه، ولأصدرهم
بطانا قد تحير بهم الرأي، غير متحل بطائل، إلا بغمر الناهل، وروعة سورة
الساغب، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، وسيأخذهم الله بما
كانوا يكسبون، ألا هلم فاستمع وما عشت أراك الدهر عجبه، وإن تعجب
فقد أعجبك الحادث، إلى أي لجأ استندوا، وبأي عروة تمسكوا، لبئس

(1) ابن أبي الحديد 16: 232.
(2) عائفة لدنياكم: أي قالية لها كارهة.
(3) عجمتهم: بلوتهم وخبرتهم.
(4) شنئتهم: أبغضتهم.
(5) سبرتهم: علمت أمورهم.
(6) سورة المائدة: 8.
120

المولى ولبئس العشير، ولبئس للظالمين بدلا، استبدوا والله الذنايي
بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس قوم يحبسون أنهم يحسنون
صنعا، (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) ويحهم (أفمن
يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف
تحكمون).
* أما لعمري الله لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلموها طلاع
العقب دما عبيطا وذعاقا ممقرا هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب
ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم نفسا، واطمئنوا للفتنة جأشا،
وأبشروا بسيف صارم، وخرج شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيكم
زهيدا، وجمعكم حصيدا، فيا حسرة عليكم، وأنى لكم وقد عميت عليكم
أنلزمكموها وأنتم لها كارهون، والحمد لله رب العالمين، وصلاته على
محمد خاتم النبيين، وسيد المرسلين.
* حدثنا عمر بن شبه، قال: حدثني عبد العزيز بن محمد بن حكيم،
عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبيه. قال: لم يكن يجلس مع
عثمان على سريره إلا العباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن حرب،
والحكم بن أبي العاص، والوليد بن عقبة، ولم يكن سريره يسع إلا عثمان
وواحدا منهم، فأقبل الوليد يوما فجلس، فجاء الجم بن العاص فأومأ
عثمان إلى الوليد، فرحل له عن مجلسه، فلما قام الحكم قال الوليد: والله يا
أمير المؤمنين لقد تلجلج في صدري بيتان قلتهما حين رأيتك آثرت ابن
عمك على ابن أمك، وكان الحكم عم عثمان، والوليد أخاه لأمه، فقال
عثمان: إن الحكم شيخ قريش، فما البيتان، فقال:
رأيت لعم المرء زلفى قرابة دوين أخيه حادثا لم يكن قدما
فأملت عمرا أن يشب وخالدا لكي يدعواني يوم نائبة عما

(1) سورة البقرة: 12.
(2) سورة يونس: 35.
(3) سورة الحديد 16: 233. كشف الغمة 1: 492.
121

يعني عمرا وخالدا ابني عثمان، قال: فرق له عثمان، وقال: لقد
وليتك الكوفة فأخرجه إليها.
* حدثني عمر بن شبه، قال: حدثني بعض أصحابنا عن ابن دأب،
قال: لما ولي عثمان، الوليد بن عقبة الكوفة قدمها وعليها سعد بن أبي
وقاص، فأخبر بقدومه ولم يعلم أنه قد أمر، فقال: وما صنع قالوا: وقف في
السوق فهو يحدث الناس هناك، ولسنا ننكر شيئا من أمره، فلم يلبث أن جاءه
نصف النهار فاستأذن على سعد، فأذن له فسلم عليه بالأمرة، وجلس معه
فقال له سع: ما أقدمك يا أبا وهب، قال: أأبيت زيارتك، قال: وعلى ذلك
أجئت بريدا، قال: أنا أرزن من ذلك، ولكن القوم احتاجوا إلى عملهم
فسرحوني إليه، وقد استعملني أمير المؤمنين على الكوفة، فسكت سعد
طويلا ثم قال: لا والله ما أدري أصلحت بعدنا أم فسدنا بعدك، ثم قال:
كليني وجريني ضباع وأبشري بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره
فقال الوليد: أما والله لأنا أقول للشعر منك، وأروى له، ولو شئت
لأجبتك، ولكني أدع ذلك لما تعلم، نعم والله لقد أمرت بمحاسبتك، والنظر
إلى أمر عمالك، ثم بعث إلى عمال سعد فحبسهم وضيق عليهم، فكتبوا
إلى سعد يستغيثون به، فكلمه فيهم، فقال له: أو للمعروف عندك موضع؟
قال: نعم فخلى سبيلهم.
* وحدثني عمر بن شبه، عن أبي بكر الباهلي، عن هشيم، عن
العوام بن حوشب، قال: لما قدم الوليد على سعد قال له سعد: والله ما
أدري كست بعدنا أم جمعتنا بعدك، وقال: لا تجزعن يا أبا إسحاق، فإنه
الملك يتغداه قوم، ويتعشاه آخرون، فقال سعد: أراكم والله ستجعلونه
ملكا.

(1) ابن أبي الحديد 17: 227.
(2) ابن أبي الحديد 17: 228.
(3) ابن أبي الحديد 17: 229.
122

* وحدثني عمر بن شبه، قال: حدثني هارون بن معروف، عن
ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب قال: صلى الوليد بأهل الكوفة الغداة
أربع ركعات، ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم، فقال عبد الله بن مسعود: ما
زلنا معك في زيادة منذ اليوم.
* حدثنا عمر بن شبه، قال: حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا
جرير، عن الأجلح، عن الشعبي قال: قال الحطيئة يذكر الوليد:
شهد الحطيئة يوم يلقى * ربه أن الوليد أحق بالغدر
نادى وقد تمت صلاتهم * أأزيدكم سكران ولم يدر
فأبوا أبا وهب ولو أذنوا * لقرنت بين الشفع والوتر
كفوا عنانك إذ جريت ولو * تركوا عنانك لم تزل تجري
وقال الخطيئة أيضا:
تلكم في الصلاة وزاد فيها * علانية وأعلن بالنفاق
ومج الخمر في سنن المصلي * ونادى والجميع إلى افتراق
أزيدكم على أن تحمدوني * فما لكم وما لي من خلاق
* حدثنا عمر بن شبه، عن المدائني، عن مبارك بن سلام، عن
فطر بن خليفة، عن أبي الضحى، قال: كان ناس من أهل الكوفة يتطلبون
عثرة الوليد بن عقبة، منهم أبو زينب الأزدي، وأبو مورع، فجاءا يوما ولم
يحضر الوليد الصلاة، فسألا عنه، فتلطفا حتى علما أنه يشرب، فاقتحما
الدار فوجداه يقئ، فاحتملاه وهو سكران حتى وضعاه على سريره، وأخذا
خاتمه من يده، فأفاق فافتقد خاتمه، فسأل عنه أهله، فقالوا: لا ندري، وقد

(1) أبو عبد الرحمن عبد الله بن شوذب الخراساني البلخي سكن البصرة ثم بيت المقدس مات
سنة أربع وأربعين ومائة 144 ه‍ تهذيب التهذيب 5: 255.
(2) ابن أبي الحديد 17: 229. العقد الفريد 8: 55. الإمامة والسياسة 1: 35. الكامل
4: 7 1.
(3) أبو مليكة جرول ابن أوس العنسي المتوفى 59 شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام له
ديوان شعر مطبوع.
(4) ابن أبي الحديد 17: 229 - 23.
123

رأينا رجلين دخلا عليك فاحتملاك فوضعاك على سريرك، فقال: صفوهما
لي، فقالوا: أحدهما آدم طوال حسن الوجه، والآخر عريض مربوع،
عليه خميصة فقال: هذا أبو زينب، وهذا أبو مورع.
قال: ولقي أبو زينب وصاحبه عبد الله بن حبيش الأسدي، وعلقمة بن
يزيد البكري وغيرهما فأخبروهم فقالوا: اشخصوا إلى أمير المؤمنين
فأعلموه، وقال بعضهم: إنه لا يقبل قولكم في أخيه، فشخصوا إليه، فقالوا:
إنا جئناك في أمر، ونحن مرجوه إليك من أعناقنا، وقد قيل: أنك لا تقبله
قال: وما هو؟ قالوا: رأينا الوليد وهو سكران من خمر شربها، وهذا خاتمه
أخذناه من يده وهو لا يعقل: فأرسل عثمان إلى علي (عليه السلام) فأخبره،
فقال: أرى أن تشخصه، فإذا شهدوا عليه بمحضر منه حددته، فكتب عثمان
إلى الوليد، فقدم عليه، فشهد عليه أبو زينب، وأبو مورع، وجندب الأزدي،
وسعد بن مالك الأشعري، فقال عثمان، لعلي (عليه السلام): قم يا أبا
الحسن فاجلده، فقال علي (عليه السلام) للحسن ابنه، قم فاضربه، فقال
الحسن: ما لك ولهذا، يكفيك غيرك، فقال علي لعبد الله بن جعفر: قم
فاضربه، فضربه بمخصرة فيما سير له رأسان، فلما بلغ أربعين قال:
حسبك.
* حدثنا عمر بن شبه، قال: حدثني المدائني، عن الوقاصي، عن
الزهري، قال: خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد، فقال:
أكلما غضب رجل على أميره رماه بالباطل، لئن أصبحت لكم لأنكلن بكم،
فاستجاروا بعائشة، وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض
الغلظة فقال: أما يجد فساق العراق ومراقها ملجأ إلا بيت عائشة، فسمعت
فرفعت نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقالت: تركت سنة صاحب

(1) الأدم: الأسمر.
(2) الخميصة: كساء أسود مربع له علمان.
(3) المخصرة: ما اختصره الإنسان بيده فأمسكه من عصا مقرعة أو عكازة.
(4) ابن أبي الحديد 17: 232. الكامل 3: 6 1.
124

هذا النعل. وتسامع الناس فجاءوا حتى ملئوا المسجد، فمن قائل: قد
أحسنت، ومن قائل: ما للنساء ولهذا، حتى تخاصموا، وتضاربوا بالنعال،
ودخل رهط من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على عثمان
فقالوا له: إتق الله ولا تعطل الحدود، واعزل أخاك عنهم ففعل.
* حدثني عمر بن شبه، عن المدائني، عن أبي محمد الناجي، عن
مطر الوراق، قال: قدم رجل من أهل الكوفة إلى المدينة فقال لعثمان: إني
صليت صلاة الغداة خلف الوليد، فالتفت في الصلاة إلى الناس، فقال:
أأزيدكم، فإني أجد اليوم نشاطا، وشممنا منه رائحة الخمر، فضرب عثمان
الرجل، فقال الناس: عطلت الحدود وضربت الشهود
* حدثنا أبو زيد عمر بن شبه، حدثنا أبو بكر الباهلي، عن بعض من
حدثه قال: لما شهد على الوليد عن عثمان يشرب الخمر كتب إليه يأمره
بالشخوص، فخرج وخرج معه قوم يعذرونه، منهم عدي بن حاتم الطائي،
فنزل الوليد يوما يسوق بهم، فارتجز وقال:
لا تحسبنا قد نسينا الأحقاف * والنشوات من معتق صاف
وعزف قنيات علينا غراف
فقال عدي: فأين تذهب بنا إذن، فأقم.
* وروى أبو زيد عمر بن شبه، عن رجاله، عن الشعبي، عن جندب
الأزدي، قال: كنت فيمن شهد على الوليد عند عثمان، فلما استتممنا عليه
الشهادة حبسه عثمان، ثم ذكر باقي الخبر وضرب علي (عليه السلام) إياه،
وقول الحسن ابنه: ما لك ولهذا، وزاد فيه، وقال علي (عليه السلام): لست
أزن مسلما وقال: من المسلمين.

(1) ابن أبي الحديد 17: 232.
(2) ابن أبي الحديد 17: 233
(3) ابن أبي الحديد 17: 233.
(4) ابن أبي الحديد 17: 233.
125

* أخبرني أبو زيد عمر بن شبه، عن رجاله: أن الشهادة لما تمت قال
عثمان، لعلي (عليه السلام): دونك ابن عمك فأقم عليه الحد، فأمر علي
(عليه السلام) ابنه الحسن (عليه السلام)، فلم يفعل، فقال: يكفيك غيرك،
فقال علي (عليه السلام): بل ضعفت ووهنت وعجزت، قم يا عبد الله بن
جعفر فاجلده، فقام فجلده، وعلي (عليه السلام) يعد حتى بلغ أربعين،
فقال له علي (عليه السلام): أمسك حسبك، جلد رسول الله (صلى الله عليه
وآله) أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وكملها عمر ثمانين، وكل سنة.
* وحدثني عمر بن شبه، عن عبد الله بن محمد بن حكيم، عن
خالد بن سعيد، قال: وأخبرني بذلك أيضا إبراهيم بن محمد بن أيوب، عن
عبد الله بن مسلم، قالوا جميعا: لما ضرب عثمان الوليد الحد، قال: إنك
لتضربني اليوم بشهادة قوم ليقتلنك عاما قابلا.
* حدثني عمر بن شبه، عن عبد الله بن محمد بن حكيم، عن
خالد بن سعيد، وأخبرني أيضا إبراهيم بن محمد بن أيوب، عن عبد الله،
قالوا جميعا: كان أبو زيد الطائي نديما للوليد بن عقبة أيام ولايته الكوفة،
فلما شهدوا عليه بالسكر من الخمر خرج عن الكوفة معزولا، فقال أبو زبيد
يتذكر أيامه وندامته:
من يرى العير لابن أروى * على ظهر المروي حداتهن عجال
ناعجات والبيت بيت أبي * وهب خلاء تحن فيه الشمال
يعرف الجاهل المضلل أن * الدهر فيه النكراء والزلزال
ليت شعري كذاكم العهد أم * كانوا أناسا كمن يزول فزالوا
بعد ما تعلمين يا أم عمرو * كان فيه عز لنا وجمال
ووجوه تودنا مشرقات * ونوال إذا أريد النوال

(1) ابن أبي الحديد 17: 234. الأغاني 4: 179. الإمامة والسياسة 1: 37. الكامل 3: 6 1
(2) ابن أبي الحديد 17: 234. الأغاني 4: 179.
(3) ابن أروى: الوليد بن عقبة، وأروى هي أم عثمان بن عفان
126

أصبح البيت قد تبدل * بالحي وجوها كأنها الأقيال
كل شئ يحتال فيه الرجال * غير أن ليس للمنايا احتيال
ولعمر الإله لو كان * للسيف معناه وللسان مقال
ما تناسيتك الصفاء ولا الود * ولا حال دونك الأشغال
ولحرمت لحمك المتعضى * ضله ضل حلمهم ما اغتالوا
قولهم شربك الحرام وقد * كان إلا مقال ما لا يقال
من رجال تقارضوا منكرات * لينالوا الذي أرادوا فنالوا
غير ما طالبين ذحلا ولكن * مال دهر على أناس فمالوا
من يخنك الصفاء أو يتبدل أو * يزل مثل ما يزول الظلال
فاعلمن أنني أخوك الود * حياتي حتى تزول الجبال
أوليس
بخلي عليك يوما بمال * أبدا ما أقل نعلا قبال
ولك النصر باللسان وبالكف * إذا كان لليدين مصال
* حدثني عمر بن شبه، قال: لما قدم الوليد بن عقبة الكوفة، قدم
عليه أبو زبيد فأنزله دار عقيل بن أبي طالب على باب المسجد، وهي
التي تعرف بدار القبطي، فكان ما احتج به عليه أهل الكوفة أن أبا زبيد كان
يخرج إلى من داره وهو نصراني يخترق المسجد فيجعله طريقا.
* حدثنا عمر بن شبه، عن رجاله عن الوليد، قال: لما فتح رسول الله
(صلى الله عليه وآله) مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم، فيدعوا لهم

(1) الأقيال: الملوك الحميريون.
(2) المتعضي: المتقطع، المتفرق.
(3) قبال النعل: زمام بني الأصبع والتي تليها.
(4) ابن أبي الحديد 17: 234. الأغاني 4: 18.
(5) أبو زبيد حرملة بن منذر ويقال: المنذر بن حرملة بن معد يكرب بن حنظلة الطائي الشاعر،
لم يسلم مات على النصرانية وعاش مائة وخمسين سنة واستعمله عمر على صدقات قومه،
له شعر. الإصابة 4: 8.
(6) ابن أبي الحديد 17: 235. الأغاني 4: 18.
127

بالبركة، ويمسح يده على رؤوسهم، فجئ بي إليه وأنا مخلق، فلم يمسني
وما منعه إلا أن أمي خلقتني بخلوق، فلم يمسني من أجل الخلوق.
* وحدثني عمر بن شبه، عن محمد بن حاتم، عن يونس بن عمر،
عن شيبان، عن يونس، عن قتادة، في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن
جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) قال: هو الوليد بن عقبة بعثه النبي (صلى الله
عليه وآله) مصدقا إلى بني المصطلق، فلا رأوه أقبلوا نحوه فهابهم، فرجع
إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له: أنهم ارتدوا عن الإسلام، فبعث
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد، فعلم علمهم وأمره أن
يثبت، وقال له: انطلق ولا تعجل، فانطلق حتى أتاهم ليلا، وأنفذ عيونه
نحوهم، فلما جاؤه أخبروه أنهم متمسكون بالإسلام، وسمعوا آذانهم،
وصلاتهم، فلما أصبح أتاهم فرأى ما يعجبه، فرجع إلى الرسول (صلى الله
عليه وآله وسلم) فأخبره، فنزلت هذه الآية.
* أخبرني عمر بن شبه، عن عبد الله بن موسى، عن نعيم بن حكيم،
عن أبي مريم، عن علي (عليه السلام)، أن امرأة الوليد بن عقبة جاءت إلى
النبي (صلى الله عليه وآله)، تشتكي إليه الوليد، وقالت: إنه يضربها، فقال
لها: ارجعي إليه وقولي له: أن رسول الله قد أجارني، فانطلقت، فمكثت
ساعة، ثم رجعت فقال: إنه ما أقلع عني، فقطع رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) هدبة من ثوبه وقال: إذهبي بها إليه وقولي له: أن رسول الله قد
أجارني، فانطلقت فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت: ما زادني إلا ضربا،
فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده ثم قال: اللهم عليك بالوليد مرتين
أو ثلاثا.

(1) ابن أبي الحديد 17: 238. الأغاني 4: 182.
(2) سورة الحجرات: 6.
(3) ابن أبي الحديد 17: 238. الأغاني 4: 182. أسباب النزول: 261. أسد الغابة 5: 9.
لباب النقول: 28. الإستيعاب 4: 62. الدر المنثور 6: 87.
(3) ابن أبي الحديد 17: 24. الأغاني 4: 183.
128

* وروى عمر بن شبه، عن رجاله، أن جنديا لما قتل الساحر حبسه
الوليد، فقال له دينار بن دينار: فيم حبست هذا، وقد قتل من أعلن بالسحر
في دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم مضى إليه فأخرجه من
الحبس، فأرسل الوليد إلى دينار بن دينار فقتله.
* روى حجاج بن نصير، عن قوة، عن محمد بن سيرين، قال:
انطلق بجندب بن كعب الأزدي قاتل الساحر بالكوفة إلى السجن، وعلى
السجن رجل نصراني من قبل الوليد، وكان يرى جندب بن كعب يقوم بالليل
ويصبح صائما، فوكل بالسجن رجلا، ثم خرج فسأل الناس عن أفضل أهل
الكوفة، فقالوا: الأشعث بن قيس، فاستضافه، فجعل يراه ينام الليل ثم
يصبح فيدعو بغدائه، فخرج من عنده وسأل: أي أهل الكوفة أفضل؟ فقالوا:
جرير بن عبد الله، فذهب إليه فوجده ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه،
فاستقبل القبلة وقال: ربي رب جندب، وديني دين جندب، ثم أسلم.
* وحدثنا عمر بن شبه، عن المدائني، قال: قدم الوليد بن عقبة
الكوفة في أيام معاوية زائرا للمغيرة بن شعبة، فأتاه أشراف الكوفة فسلموا
عليه، وقالوا: والله ما رأينا بعدك مثلك. فقال: أخيرا أم شرا، فقالوا: بل
خيرا. قال: ولكني ما رأيت بعدكم شرا منكم، فأعادوا الثناء عليه، فقال:
بعض ما تأتون به، فوالله إن بغضكم لتلف، وإن حبكم لصلف.
* وروى عمر بن شبه، أن قبيصة بن جابر كان ممن كثر على الوليد،

(1) الأغاني 4: 183. ابن أبي الحديد 17: 24.
(2) أبو محمد حجاج بن نصير البصري القيسي مات 144 كان شيخا صدوقا روى عن فطر بن
خليفة والمسعودي وقرة بن خالد وورقاء وعدة. تهذيب التهذيب 2: 8 2. ميزان الاعتدال
1: 465.
(3) أبو محمد قرة بن خالد السدوسي البصري المتوفى 154 حافظ ثقة كان متقنا ضابطا. تهذيب
التهذيب 8: 371. الشذرات 1: 337.
(4) ابن أبي الحديد 17: 241. الأغاني 4: 184.
(5) ابن أبي الحديد 17: 243. الأغاني 4: 184.
129

فقال معاوية يوما والوليد وقبيصة عنده: يا قبيصة ما كان شأنك وشأن الوليد؟
قال: خير يا أمير المؤمنين، إنه في أول الأمر وصل الرحم، وأحسن الكلام،
فلا تسأل عن شكر وحسن ثناء، ثم غضب على الناس وغضبوا عليه، وكنا
معهم، فإما ظالمون فنستغفر الله، وإما مظلومون فيغفر الله له، فخذ في غير
هذا يا أمير المؤمنين، فإن الحديث ينسي القديم، قال معاوية: ما أعلمه ألا
قد أحسن السيرة، وبسط الخير، وقبض الشر، قال: فأنت يا أمير المؤمنين
اليوم أقدر على ذلك فافعله، فقال: اسكت لأسكت، فسكت وسكت القوم،
فقال معاوية بعد يسير: ما لك لا تتكلم يا قبيصة؟ قال: نهيتني عما كنت
أحب، نسكت عما لا أحب.
* حدثني محمد بن زكريا الغلابي، عن عبد الله بن الضحاك، عن
هشام بن محمد، عن أبيه قال: وفد الوليد بن عقبة، وكان جوادا، إلى
معاوية فقيل له: هذا الوليد بن عقبة بالباب، فقال: والله ليرجعن مغيظا غير
معطى، فإنه الآن قد أتانا يقول: علي دين وعلي كذا، إئذن له، فأذن له،
فسأله وتحدث معه، ثم قال له معاوية: أما والله إن كما لنحب إتيان مالك
بالوادي، ولقد كان يعجب أمير المؤمنين، فإن رأيت أن تهبه ليزيد فافعل،
قال هو ليزيد، ثم خرج وجعل يختلف إلى معاوية، فقال له يوما أنظر يا أمير
المؤمنين في شأني، فإن علي مؤونة، وقد أرهقني دين، فقال له: ألا تستحي
لنفسك وحسبك، تأخذ ما تأخذه فتبذره، ثم لا تنفك تشكو دينا، فقال
الوليد: إفعل ثم انطلق من مكانه فسار إلى الجزيرة وقال: يخاطب معاوية:
فإذا سألت تقول: لا * وإذا سألت تقول: هات
تأبى فعال الخير لا تروي * وأنت على الفرات
أفلا تميل إلى نعم أو ترك * - لا - حتى الممات
وبلغ معاوية شخوصه إلى الجزيرة فخافه، وكتب إليه أقبل، فكتب:

(1) ابن أبي الحديد 17: 243.
130

أعف واستعفي كما قد أمرتني * فاعط سواي ما بدا لك وأبخل
سأحدو ركابي عنك إن عزيمتي * إذا نابني أمر كمله منصل
وإني امرؤ للنأي مني تطرب * وليس شبا قفل علي بمقفل
ثم رحل إلى الحجاز، فبعث إليه معاوية بجائزة.
* حدثني عمر بن شبه، عن هارون بن عمر، عن أيوب بن سويد،
عن يحيى بن زياد، عن عمر بن عبد الله الليثي، قال: قال عمر بن الخطاب
ليلة في مسيره إلى الجابية: أين عبد الله بن عباس، فأتى به، فشكا إليه
تخلف علي بن أبي طالب (عليه السلام) عنه، قال ابن عباس: فقلت له:
أولم يعتذر إليك؟ قال: بلى، قلت: فهو ما اعتذر به، قال: ثم أنشأ يحدثني
فقال: إن أول من راثكم؟ عن الأمر أبو بكر، إن قومكم كرهوا أن يجمعوا
لكم الخلافة والنبوة، فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا، فاختارت قريش
لأنفسها فأصابت ووقفت، فقلت: يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام
وتمط عني الغضب تكلمت، فقال: تكلم يا ابن عباس، فقلت: أما قولك يا
أمير المؤمنين اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووقفت، فلو أن قريشا اختارت
لأنفسها حيث اختار الله عز وجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا
محسود، وأما قولك إنهم كرهوا أن تكون لنا النبوة والخلافة فإن الله عز وجل
وصف قوما بالكراهية فقال: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم
فقال عمر: هيهات والله يا ابن عباس، فقد كانت تبلغني عنك أشياء كنت
أكره أن أفرك عنها فتزيل منزلتك مني، فقلت: وما هي يا أمير المؤمنين، فإن
كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كانت باطلا فمثلي أماط
الباطل عن نفسه.
فقال عمر: بلغني أنك تقول، إنما صرفوها حسدا وظلما، فقلت: أما
قولك يا أمير المؤمنين ظلما فقد تبين للجاهل والحليم، وأما قولك حسدا فإن

(1) ابن أبي الحديد 17: 243. الأغاني 4: 187.
(2) سورة محمد: 9.
131

إبليس حسد آدم، فنحن ولده المحسودون، فقال عمر: هيهات أبت والله
قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا ما يحول، وضغنا وغشا ما يزول، فقلت: مهلا
يا أمير المؤمنين لا تصب قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا بالحسد والغش فإن قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من
قلوب بني هاشم، فقال عمر: إليك عني يا ابن عباس، فقلت: أفعل، فلما
ذهبت لأقوم استحياء مني، فقال يا ابن عباس، مكانك فوالله إني لراع لحقك
محب لما سرك، فقلت يا أمير المؤمنين، إن لي عليك حقا وعلى كل مسلم
فمن حفظه فحظه أصاب، ومن أضاعه فحظه أخطأ ثم قام فمضى.
* حدثنا عمر بن شبه، قال: حدثنا عبد الله بن عمرو القيسي، قال:
حدثنا خارجة بن عبد الله بن أبي سفيان، عن أبيه، عن ابن عباس، قال:
خرجت مع عمر في أول غزوة غزاها، فقال لي ليلة: يا ابن عباس، أنشدني
لشاعر الشعراء، قلت من هو؟ قال: ابن أبي سلمى، قلت: ولم صار
كذلك، قال: لأنه لا يتبع حواشي الكلام، ولا يعاظل في منطقه، ولا يقول
إلا ما يعرف، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه، أليس هو الذي يقول:
إذا ابتدرت قيس بن عيلان غاية * إلى المجد من يسبق إليها يسود
سبقت إليها كل طلق مبرز * سبوا إلى الغايات غير مزند
قال: أي لا يحتاج إلى أن بجلد الفرس بالسوط.
كفعل جواد يسبق الخيل عفوه * السراع وإن يجهد ويجهدن يبعد
فلو كان حمدا يخلد الناس لم تمت * ولكن حمد الناس ليس بمخلد
أنشدني له، فأنشدته حتى برق الفجر، فقال: حسبك الآن، اقرأ
القرآن، قلت: ما أقرأ؟ قال: الواقعة، فقرأتها ونزل فأذن وصلى.
* حدثنا عمر بن شبه، قال: حدثني أبو نعيم، قال شريك، عن
مجالد عن الشعبي، عن ربعي بن حراش، قال: قال لنا عمر: يا معشر
غطفان، من الذي يقول:

(1) ابن أبي الحديد 2: 16.
(2) المصدر السابق 2: 16.
132

أتيتك عاريا خلقا ثيابي * على خوف تظن بن الظنون
قلنا: النابغة، قال: ذاك أشعر شعرائكم.
* حدثني عمر بن شبه، قال: حدثنا عبيد بن جناد، قال: حدثنا
معن بن عبد الرحمن، عن عيسى بن عبد الرحمن السلمي، عن جده، عن
الشعبي، قال: قال عمر يوما: من أشعر الشعراء؟ فقيل له: أنت أعلم يا أمير
المؤمنين، قال: من الذي يقول:
إلا سليمان إذ قال المليك له * قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيس الجن إني قد أذنت * لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد
قالوا: النابغة، قال: فمن ذا الذي يقول:
أتيتك عاريا خلقا ثيابي * على خوف تظن بي الظنون
قالوا: النابغة، قال: فمن ذا الذي يقول:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وليس وراء الله للمرء مذهب
لئن كنت قد بلغت عني خيانة * لمبلغك الواشي أغش وأكذب
قالوا: النابغة، قال: فهو أشعر العرب.
* حدثنا عمر بن شبه، قال: حدثني علي بن محمد المدائني، قال:
قام رجل إلى ابن عباس، فقال له: أي الناس أشعر؟ قال: أخبره يا أبا
الأسود، فقال أبو الأسود الذي يقول:
فإنك كالليل الذي هو مدركي * وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
يعني النابغة.
* أخبرني عمر بن شبه، عن أبي بكر العليمي، عن الأصمعي، قال:

(1) ابن أبي الحديد 2: 161.
(2) ابن أبي الحديد 2: 161.
(3) المصدر السابق.
(4) نفس المصدر.
(5) ابن أبي الحديد 2: 16.
133

كان يضرب للنابغة قبة أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض عليه
أشعارها، فأنشده مرة الأعشى، ثم حسان بن ثابت، ثم قوم من الشعراء، ثم
جاءت الخنساء فأنشدته:
وإن صخرا لتأتم الهداة به * كأنه علم في رأسه نار
فقال: لولا أن أبا بصير - يعني الأعشى - أنشدني آنفا لقلت: إنك
أشعر الأنس والجن، فقام حسان بن ثابت، فقال: أنا والله أشعر منها ومنك
ومن أبيك، فقال له النابغة: يا ابن أخي، أنت لا تحسن أن تقول:
فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن * خلت أن المنتأى عنك واسع
خطاطيف حجن في جلال * متينة تمد بها أيد إليك نوازع
قال: فخنس حسان لقوله.
* أخبرني عمر، عن الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء، قال:
حدثني رجل سماه أبو عمرو، وأنسيته، قال: بينما نحن نسير بين إنقاء من
الأرض، فتذاكرنا الشعر، فإذا راكب أطيلس بقول: أشعر الناس زياد بن
معاوية ثم تملس فلم نره.
* أخبرني عمر بن شبه، عن الأصمعي، قال: سمعت أبا عمرو بن
العلاء يقول: ما ينبغي لزهير إلا أن يكون أجيرا للنابغة.
* أخبرنا عمر بن شبه، قال: قال عمرو بن المنتشر المرادي: وفدنا
على عبد الملك بن مروان، فدخلنا عليه، فقام رجل فاعتذر من أمر وحلف
عليه، فقال له عبد الملك: ما كنت حريا أن تفعل ولا تعتذر، ثم أقبل على
أهل الشام فقال: أيكم يروي اعتذار النابغة إلى النعمان في قوله:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وليس وراء الله للمرء مذهب

(1) الخطاطيف: جمع خطاف، حديدة تستخرج بها الدلاء، نوازع: جواذب.
(2) ابن أبي الحديد 2: 16. وخنس: انقبض.
(3) الانقاء: القطعة من الرمل. وأطيلس تصغير أطلس، وهو ما في لونه غيره إلى السواد.
(4) ابن أبي الحديد 2: 161.
(5) ابن أبي الحديد 2: 161.
134

فلم يجد فيهم من يرويه، فأقبل علي وقال: أترويه؟ قلت: نعم
فأنشدته القصيدة كلها، فقال: هذا أشعر العرب.
* وأخبرني عمر، عن معاوية بن بكر الباهلي، قال: قلت لحماد
الرواية: لم قدمت النابغة؟ قال: لاكتفائك بالبيت الواحد من شعره، لا بل
بنصف البيت، لا بل بربع البيت، مثل قوله:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وليس وراء الله للمرء مذهب
ولست بمستبق أخا لا تلمه * على شعث أي الرجال المهذب
ربع البيت يغنيك عن غيره، فلو تمثلت به لم يحتج إلى غيره.
* أخبرني عمر بن شبه، عن هارون بن عبد الله الزبيري، قال:
حدثني شيخ يكنى أبا داود عن الشعبي، قال: دخلت على عبد الملك وعنده
الأخطل وأنا لا أعرفه، وذلك أول يوم وفدت في من العراق على عبد
الملك، فقلت حين دخلت: عامر بن شراحيل الشعبي يا أمير المؤمنين،
فقال: على علم ما أذنا لك، فقلت: هذه واحدة على وافد أهل العراق،
- يعني أنه أخطأ - قال: ثم أن عبد الملك سأل الأخطل: من أشعر الناس؟
فقال: أنا، فجعلت وقلت لعبد الملك، من هذا يا أمير المؤمنين؟ فتبسم،
وقال: الأخطل، فقلت في نفسي: اثنتان على وافد أهل العراق، فقلت له:
أشعر منك الذي يقول:
هذا غلام حسن وجهه * مستقبل الخير سريع التمام
للحارث الأكبر والحارث * الأصغر فالأعرج خير الأنام
ثم لعمرو ولعمرو وقد * أسرع في الخيرات منه أمام
قال: هي إمامة أم عمرو الأصغر بن المنذر بن امرئ القيس بن
النعمان بن الشقيقة:
خمسة آباء هم ما هم أفضل * من يشرب صوب الغمام

(1) ابن أبي الحديد 2: 161.
(2) ابن أبي الحديد 2: 161.
135

والشعر للنابغة، فالتفت إلي الأخطل، فقال: إن أمير المؤمنين إنما
سألني عن أشعر أهل زمانه، ولو سألني عن أشعر أهل الجاهلية كنت حريا أن
أقول كما قلت: أو شبيها به، فقلت في نفسي: ثلاث على وافد أهل
العراق.
* * *

(1) ابن أبي الحديد 2: 162.
136

الملحقات
137

ذكر ابن أبي الحديد في المجلد 16: 221 خطبة الصديقة الطاهرة
الزهراء (عليها السلام) باختصار نقلا عن كتاب - السقيفة وفدك - غير أن أبا
الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي، ذكر الخطبة برمتها من
المرجع نفسه في كتابه - كشف الغمة - 1: 48 وإتماما للفائدة فقد نقلتها
هنا مع ما تقدم بعض نصوص الخطبة.
قال أبو الحسن الأربلي قبل ذكره الخطبة ما نصه:
وحيث انتهى بنا القول إلى هنا. فلنذكر خطبة فاطمة (عليها السلام)،
فإنها من محاسن الخطب وبدايعها، عليها مسحة من نور النبوة، وفيها عبقة
من أرج الرسالة، وقد أوردها المؤالف والمخالف، ونقلتها من كتاب السقيفة
عن عمر بن شبة، تأليف أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، من نسخة
قديمة مقروءة على مؤلفها المذكور، قرأت عليه في ربيع الآخر سنة اثنتين
وعشرين وثلاثمائة (322)، روي عن رجاله من عدة طرق، أن فاطمة
(عليها السلام) لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها - فدكا - لاثت خمارها
وأقبلت في لميمة من حدفتها ونساء قومها، تجر أدراعها تطأ في ذيولها، ما
تخرم من مشية رسول الله (ص) حتى دخلت على أبي بكر، وقد حشد
المهاجرين والأنصار، فضرب بينهم بريطه بيضاد - وقيل قبطية - فأنت أنت
أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم.
ثم قالت (عليها السلام):
139

ابتدئ بحمد من هو أولى بالحمد، والطول والمجد، الحمد لله على
ما أنعم، وله الشكر بما ألهم، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ
آلاء أسداها، وإحسان منن أولاها جم عن الإحصاء عددها، ونأى
عن المجازاة مزيدها، وتفاوت عن الادراك أبدها واستتب الشكر
بفضائلها واسحذى الخلق بإنزالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها،
وأمر بالندب إلى أمثالها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة
جعل الاخلاص تأويلها وضمن القلوب موصولها وأبان في الفكر معقولها،
الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام الإحاطة به
أبدع الأشياء لا من شئ كان قبله، وأنشأها بلا احتذاء مثله وسماها بغير
فائدة زادته إلا إظهارا لقدرته، وتعبدا لبريته وإعزازا لأهل دعوته، ثم جعل
الثواب لأهل طاعته ووضع العذاب على أهل معصيته، زيادة لعباده عن
نقمته وحياشة لهم إلى جنته، وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل
أن يجتباه، واصطفاه قبل أن يبتعثه، وسماه قبل أن يستجيبه إذ الخلائق
بالغيب مكنونة، وبستر الأهايل مضمونة وبنهايا العدم مقرونة علما منه
بمايل الأمور وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة منه بمواقع المقدور،
وابتعثه إتماما لعلمه وعزيمته على إمضاء حكمه، وإنفاذ المقادير حقه

(1) السبوغ: الكمال. والألاى: النعماء، أسدي إليه: أحسن. أولاها: أي تابعها بإعطاء نعمة بعد أخرى بلا فصل.
(2) جم: كثير.
(3) نأي: بعد، وفي بعض النسخ: ونأى عن الجزاء أمدها.
(4) في نسخة: أمدها.
(5) استتب الأمر: اطرد واستقام واستمر.
(6) استخذى: خضع وذل. واستحمد: أي يطلب منه الحمد.
(7) جعل الأعمال كلها خالصة لله تعالى.
(8) في البحار: بلا احتذاء أمثلة امتثلها، واحتذى مثاله: أي اقتدى به.
(9) في نسخة: وإعزازا لدعوته ثم جعل الثواب على طاعته.
(1) في نسخة: مصونة.
(11) أي عواقبها، وفي نسخة: مآل الأمور، بصيغة المفرد.
(12) في عبادة: لأمره.
(13) في نسخة البحار: ختمه.
140

فرأى (صلى الله عليه وآله) الأمم فرقا في أديانها، وعابدة لأوثانها، عكفا
على نيرانها منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بأبي (صلى الله عليه وآله)
ظلمها، وفرج عن القلوب بهمها، وجلا عن الأبصار عممها، ثم قبضه الله
إليه قبض رأفة واختيار رغبة محمد (صلى الله عليه وآله) عن تعب هذه
الدار، موضوعا عنه أعباء الأوزار، محفوفا بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب
الغفار، وجوار الملك الجبار، فصلى الله عليه، أمينه على الوحي وخيرته من
الخلق، ورضيه (عليه السلام) ورحمة الله وبركاته.
ثم قالت (عليها السلام):
وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة كتاب الله ووحيه، أمناء الله
على أنفسكم وبلغاءه إلى الأمم حولكم. لله فيكم عهد قدمه إليكم، وبقية
استخلفها عليكم كتاب الله بينة بصائره، وآي منكشفة سرائره. وبرهان فينا
متجلية ظواهره، مديما للبرية استماعه، قائدا إلى الرضوان أتباعه، ومؤديا
إلى النجاة أشياعه فيه تبيان حجج الله المنيرة، ومواعظه المكرورة،
ومحارمه المحذورة، وأحكامه الكافية، وبيناته الجالية، وجمله الكافية،
وشرائعه المكتوبة، ورخصه الموهوبة، ففرض الله الإيمان تطهيرا لكم من
الشرك، والصلاة تنزيها لكم من الكبر، والزكاة تزييدا لكم في الرزق،
والصيام تبيينا إمامتنا، والحج تسنية للدين والعدل تنسكا للقلوب
وطاعنا نظاما للملة، وإمامتنا لما للفرقة، والجهاد عن الإسلام، والصبر مؤنة
للاستجاب، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، والبر بالوالدين وقاية من
السخطة، وصلة الأرحام منسأة للعمر ومنماة للعدد، والقصاص حقنا للدماء.
والوفاء بالنذور تعريضا للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين تغييرا للبخسة،

(1) في نسخة: ومؤد إلى النجاة استماعه.
(2) في نسخة: تثبيتا أي تشييد الاخلاص وإبقائه.
(3) أي سببا لرفعة الدين وعلوه. وفي بعض الروايات - تشييدا - وفي أخرى - تسلية -.
(4) في نسخة: على الاستيجاب أي استيجاب الأجر كما في ساير الروايات إذ به يتم فعل
الطاعات وترك السيئات.
141

واجتناب قذف المحصنات حجابا من اللعنة، والاجتناب عن شرب الخمور
تنزيها من الرجس، ومجانبة السرقة إيجابا للعفة، والتنزه عن أكل أموال
الأيتام والاستيثار بفيئهم إجارة من الظلم، والعدل في الأحكام إيناسا
للرعية، والتبري من الشرك إخلاصا للربوبية، فاتقوا الله حق تقاته، وأطيعوه
فيما أمركم به فإنما يخشى الله من عباده العلماء.
ثم قالت (عليها السلام):
أنا فاطمة بنت محمد أقول عودا على بدء، وما أقول ذلك سرفا ولا
شططا فاسمعوا إلي بأسماع واعية وقلوب راعية، (ولقد جائكم رسول من
أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) فإن
تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم وآخا ابن عمي دون رجالكم، فبلغ الرسالة
صادعا بالرسالة ناكبا عن سنن مدرجة المشركين، ضاربا لثجهم آخذا
بأكظامهم، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. يجز
الأصنام، وينكت المهام حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، وحتى تفرى
الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محصنه، ونطق زعيم الدين وخرست
شقاشق الشياطين، وفهتم بكلمة الاخلاص مع النفر البيض الخماص
(الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) وكنتم على شفا حفرة

(1) سورة فاطر: 28.
(2) في نسخة: أنا فاطمة وأبي محمد.
(3) السرف: الجهل - الشطط: البعد عن الحق ومجاوزة الحد في كل شئ.
(4) سورة التوبة: 28.
(5) في عبارة: دون آبائكم.
(6) في رواية: النذارة.
(7) جذذت الشئ: كسرته وقطعته.
(8) الهام: رأس كل شئ، وفي نسخة: ويغلق الهام.
(9) الخماص: بالكسر، تطلق على دقة البطن خلقة وعلى خلوه من الطعام.
(1) سورة الأحزاب: 32 وأجمعت كلمة أئمة التفسير والحديث أن الآية نزلت في علي أمير
المؤمنين وفاطمة الصديقة والحسن السبط والحسين الشهيد (عليهم السلام) وهم المراد من
أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كفاية الطالب: 54. صحيح مسلم 4: 1883.
142

من النار فأنقذكم منها مقذفة الشارب ولهزة الطامع، دقبة العجلان، وموطأة
الأقدام، تشربون الطراق وتقتاتون القد، أذلة خاشعين تخافون أن
يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله بنبيه (صلى الله عليه وآله) بعد
اللتيا والتي، وبعد أن منى بهم الرجال وذؤبان العرب كلما حشوا نارا
للحرب أطفأها الله، ونجم قرن الضلالة ونفر فاغر من المشركين قذف أخاه
في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه،
مكدودا دؤبا في ذات الله، وأنتم في رفهينة ورفغينة وادعون آمنون تتوكفون
الأخبار وتنكصون عن النزال، فلما اختار الله لنبيه (صلى الله عليه وآله) دار
أنبيائه وأتم عليه ما وعده، ظهرت حسيكة النفاق، وسمل جلباب
الإسلام فنطق كاظم، ونبغ خامل، وهدر فينق الكفر، يخطر في
عرصاتكم، فأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم فوجدكم لدعائه
مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين، واستنهضكم فوجدكم خفافا، واحمثكم
فوجدكم غضابا، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل
فوسمتم غير إبلكم، وأوردتموها شربا ليس لكم، والرسول لما يقبر بدار،
أزعمتم خوف الفتنة (ألا في الفتنة سقطوا، وإن جنهم لمحيطة بالكافرين)
فهيهات منم وكيف بكم وأنى تؤفكون وكتاب الله جل وعز بين
أظهركم قائمة فرائضه واضحة دلائله، نيرة شرايعه، زواجره واضحة، وأوامره

عن عائشة. أسباب النزول: 239. ذخائر العقبى: 21. تفسير الطبري 22: 8. المستدرك
3: 8 2 شواهد التنزيل 2: 1. فضائل الخمسة 1: 224.
(1) الطرق: ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر.
(2) في نسخة: حتى أنقذكم برسوله.
(3) ذؤبان العرب: صعاليكها الذي يتلصصون.
(4) حسيكة وحساكة: العداوة والظعن.
(5) السمل: خلق.
(6) لم تمض على وفاة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أو يومان حتى حلت الرزية
وكانت فاجعة السقيفة وجريمة - فدك - النكراء.
(7) سورة التوبة: 49.
(8) وفي نسخة: وإني بكم.
143

لايحة، أرغبة عنه تريدون، أم بغيره تحكمون (بئس للظالمين بدلا، ومن
يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
هذا ثم لم تبرحوا رثيا - وقال بعضهم: هذا ولم يرشوا أختها الأريث -
أن تسكن نفرتها وميلس قيادها، ثم أخذتم توردن وقدتها، تتهيجون جمرتها،
تشربون حسوا في ارتغاء وتمشون لأهله وولده في الخمر والضراء، ونصبر
منكم على مثل جزى المدى - ووخز السنان في الحشاء ثم أنتم أولاء
تزعمون أن لا أرث لي، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء
ظهوركم، يقول الله جل ثناؤه: (وورث سليمان داود) اختص من خبر
يحيى وزكريا إذ قال (رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب
واجعله ربي رضيا) وقال تبارك وتعالى: (يوصيكم الله في أولادكم
للذكر مثل حظ الأنثيين) فزعمتم أن لاحظ لي ولا إرث لي من أبيه.
أفحكم الله بآية أخرج أبي منها، أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ أم أنتم
أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
(أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون).
أيها معاشر المسلمة أو أبتز ارثيه، أألله أن ترث أباك ولا أرث أبيه،
(لقد جئتم شيئا فريا) فدونكها مرحولة محظومة مزمومة تلقاك يوم

(1) سورة آل عمران: 85.
(2) مثل يضرب لمن يفعل في الباطن شيئا ويظهره غيره.
(3) الوخز: الطعن لا يكون نافذا.
(4) سورة النحل: 16.
(5) سورة مريم: 6.
(6) سورة النساء: 11.
(7) الهاء للسكت وكذا في ما يأتي في قولها: أرثيه.
(8) سورة المائدة: 5.
(9) في نسخة: يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا.
(1) الرحل للناقة كالسرج للفرس، والخطام كل ما يوضع في أنفت البعير ليقاد به، والضمير راجع
إلى - فدك -.
144

حشرك فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة
يخسر المبطلون وما توعدون، (ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه
عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم).
ثم التفتت إلى قبر أبيها (صلى الله عليه وآله) متمثلة بقول هند ابنة
أثاثة:
قد كان بعدك أنباء وهنبئة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وإبلها واختل قومك لما غبت وانقلبوا
أبدت رجال لنا فحوى صدورهم لما قضيت وحالت دونك الترب
وزاد في بعض الروايات هنا:
ضاقت علي بلادي بعد ما رحبت وسيم سبطاك خسفا فيه لي نصب
فليت قبلك كان الموت صادفنا قوم تمنوا فأعطوا كلما طلبوا
تجهمتنا رجال واستخف بنا مذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب
قال: فما رأيت باكية وباك منه يومئذ، ثم عدلت إلى مسجد
الأنصار فقالت:
يا معشر البقية، ويا عماد الملة، وحصنة الإسلام، ما هذه الفترة في
حقي والسنة عن ظلماتي؟ أما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أن
يحفظني ولده، سرعان ما أحدثتم عجلان ذا أهالة، أتزعمون مات رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فخطب جليل استوسع وهنه، واستهتر فتقه، وفقد
راتقه، وأظلمت الأرض له، واتأبت لخيرة لله، وخشعت الجبال، وأكدت
الآمال وأضيع الحريم، وارملت الحرمة، فتلك نازلة أعلن بها في كتاب
الله في قبلتكم - أفنيتكم - ممساكم ومصبحكم هتافا هتافا، ولقلبه ما حلت
بأنبياء الله ورسله، (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات

(1) سورة الزمر: 4.
(2) في بعض النسخ: مذ غبت عنا وكل الإرث قد غصبوا.
(3) أكدت: بخلت.
145

أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا
وسيجزي الله الشاكرين).
أيها بني قبلة أهضم تراث أبيه، وأنتم بمرأى وبمسمع، تكبسكم
الدعوة، ويشملكم الخبرة وفيكم العدة والعدد، ولكم الدار والجنن،
وأنتم الأولى نخبة الله التي انتخبت، وخيرته التي اختارت لنا أهل البيت،
فباديتم العرب وبادهتم الأمور، وكافحتم إليهم، لا نبرح وتبرحون، نأمركم
فتأتمرون حتى دارت لكم بنا رحى الإسلام، ودر حلب البلاد، وخبت نيران
الحرب، وسكنت فورة الشرك، وهدت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين،
فأنى جرتم بعد البيان، ونكصتم بعد الإقدام عن قوم نكثوا إيمانهم من بعد
عهدهم. وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر أنهم لا إيمان لهم لعلهم
ينتهون (ألا تقاتلوا قوما نكثوا إيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤكم
أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين).
ألا وقد أرى والله قد أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدعة
فمحجتم الذي أوعيتم ولفظتم الذي سوغتم، (فإن تكفروا أنتم ومن في
الأرض جميعا فإن الله لغني حميد).
ألا وقد قلت الذي قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم وخور
القناة وضعف اليقين، ولكنه فيضه النفس، ونفئة الغيظ، وبثة الصدر،
ومعذرة الحجة، فدونكموها فاحتبقوها مدبرة الظهر، ناقبة الخف باقية العار،
موسومة بشنار الأبد، موصولة ب‍ (نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، إنها

(1) سورة آل عمران: 144.
(2) بنو قيلة: الأوس والخزرج، لأن اسم أمهم قيلة بنت كاهل.
(3) قال المجلسي: المراد بالدعوة: نداء المظلوم للنصرة، والخبرة علمهم بمظلوميتها
(عليها السلام).
(4) سورة التوبة: 13.
(5) سورة إبراهيم: 8.
(6) خامرتكم: أي خالطتكم. والخور: الضعف. قال المجلسي: لعل المراد بخور القنا ضعف
النفس عن الشرة وكتمان الضر.
146

عليهم موصدة) فبعين الله ما تفعلون، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب
ينقلبون) وأنا بنت نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعلموا إنا عاملون
وانظروا إنا منتظرون.
وروي أنه لما حضرت فاطمة صلى الله عليها الوفاة، دعت عليا
(عليه السلام) فقالت: أمنفذ أنت وصيتي وعهدي، أو والله لأعهدن إلى
غيرك، فقال (عليه السلام): بلى أنفذها، فقالت (عليها السلام): إذا أنا مت
فادفني ليلا ولا تؤذنن بي أبا بكر وعمر، قال: فلما اشتدت عليها اجتمع إليها
نساء من المهاجرين والأنصار فقلن: كيف أصبحت يا ابنة رسول الله (صلى
الله عليه وآله) فقالت: أصبحت والله عائفة لدنياكم.
وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقد سأله أبو نصير فقال: لم لم
يأخذ أمير المؤمنين فدكا لما ولي الناس، ولأي علة تركها؟ فقال: لأن الظالم
والمظلومة قدما على الله وجازى كلا على قدر استحقاقه، فكره أن يسترجع
شيئا قد عاقب الله عليه الغاصب وأثاب المغصوبة.
وقد روي أنه كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) في ترك فدك أسوة
برسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنه لما خرج من مكة باع عقيل داره فلما
فتح مكة قيل له: يا رسول الله ألا ترجع إلى دارك؟ فقال (عليه السلام):
وهل ترك لنا عقيل دارا وأبى أن يرجع إليها، وقال: إنا أهل بيت لا نسترجع
ما أخذ منا في الله عز وجل.
وروي مرفوعا، أن عمر بن عبد العزيز لما استخلف قال: أيها الناس

(1) سورة الهمزة: 6.
(2) سورة الشعراء: 227.
(3) كشف الغمة 1: 481 وقال بعد نقله الخطبة: هذه الخطبة نقلتها من كتاب السقيفة وكانت
النسخة مع قدمها مغلوطة فحققها من مواضع أخر.
(4) صاحب السقيفة، حسبما نقل عن الإربلي ولم يذكره ابن أبي الحديد في نقله عن السقيفة.
(5) كشف الغمة 1: 494.
(6) المصدر السابق.
(7) كشف الغمة 1: 494.
147

إني قد رددت عليكم مظالمكم وأول ما أردنها ما كان في يدي من فدك على
ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وولد علي بن أبي طالب، فكان
أول من ردها.
وروي أنه ردها بغلاتها منذ ولي، فقيل له: نقمت على أبي بكر، وعمر
فعلهما، فطعنت عليهما ونسبتهما إلى الظلم والغصب، وقد اجتمع عنده في
ذلك قريش ومشايخ أهل الشام من علماء السوء فقال عمر بن عبد العزيز: قد
صح عندي وعندكم أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ادعت
فدك وكانت في يدها، وما كانت لتكذب على رسول الله (صلى الله عليه
وآله) مع شهادة علي، وأم اليمن، وأم سلمة وفاطمة عندي صادقة فيما
تدعي، وإن لم تقم البينة، وهي سيدة نساء أهل الجنة، فأنا اليوم أردها على
ورثتها أتقرب بذلك إلى رسول الله، وأرجو أن تكون فاطمة، والحسن،
والحسين، يشفعون لي في يوم القيامة، ولو كنت بدل أبي بكر، وادعت فاطمة
كنت أصدقها على دعواتها، فسلمها إلى محمد بن علي الباقر
(عليهم السلام)، وعبد الله بن الحسن، فلم تزل في أيديهم إلى أن مات
عمر بن عبد العزيز.
وروي أنه لما صارت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز، رد عليهم سهام
الخمس، سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسهم ذي القربى،
وهما من أربعة أسهم رد على جميع بني هاشم، وسلم ذلك إلى محمد بن
علي الباقر (عليهما السلام)، وعبد الله بن الحسن.

(1) كشف الغمة 1: 495.
(2) المصدر السابق.
148