الكتاب: فتح الباري
المؤلف: ابن حجر
الجزء: ٤
الوفاة: ٨٥٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع:
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

فتح الباري
شرح
صحيح البخاري
للامام الحافظ
شهاب الدين ابن حجر العسقلاني
رحمه الله تعالى
الجزء الرابع
دار المعرفة
للطباعة والنشر
بيروت - لبنان
1

(بسم الله الرحمن الرحيم)
* (أبواب المحصر وجزاء الصيد) *
ثبتت البسملة للجميع وذكر أبو ذر أبواب بلفظ الجمع وللباقين باب بالافراد (قوله وقول الله تعالى
فان أحصرتم) أي وتفسير المراد من قوله فان أحصرتم وأما قوله ولا تحلقوا رؤسكم فسيأتي في
الباب الذي يليه وفى اقتصاره على تفسير عطاء إشارة إلى أنه اختار القول بتعميم الاحصار وهى
مسئلة اختلاف بين الصحابة وغيرهم فقال كثير منهم الاحصار من كل حابس حبس الحاج من
عدو ومرض وغير ذلك حتى أفتى ابن مسعود رجلا لدغ بأنه محصر أخرجه ابن جرير باسناد صحيح
عنه وقال النخعي والكوفيون الحصر الكسر والمرض والخوف واحتجوا بحديث حجاج بن عمرو
الذي سنذكره في آخر الباب وأثر عطاء المشار إليه وصله عبد بن حميد عن أبي نعيم عن الثوري
عن ابن جريج عنه قال في قوله تعالى فان أحصرتم فما استيسر من الهدى قال الاحصار من كل
شئ يحبسه وكذا رويناه في تفسير الثوري رواية أبى حذيفة عنه وروى ابن المنذر من طريق على
ابن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه ولفظه فان أحصرتم قال من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن
البيت بمرض يجهده أو عدو يحبسه فعليه ذبح ما استيسر من الهدى فإن كانت حجة الاسلام
فعليه قضاؤها وإن كانت حجة بعد الفريضة فلا قضاء عليه وقال آخرون لا حصر الا بالعدو وصح
ذلك عن ابن عباس أخرجه عبد الرزاق عن معمر وأخرجه الشافعي عن ابن عيينة كلاهما عن
ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال لا حصر الا من حبسه عدو فيحل بعمرة وليس عليه حج ولا
2

عمرة وروى مالك في الموطأ والشافعي عنه عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال من حبس دون
البيت بالمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وروى مالك عن أيوب عن رجل من أهل البصرة
قال خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن
عباس وعبد الله بن عمر والناس فلم يرخص لي أحد في أن أحل فأقمت على ذلك الماء تسعة أشهر ثم
حللت بعمرة وأخرجه ابن جرير من طرق وسمى الرجل يزيد بن عبد الله بن الشخير وبه قال مالك
والشافعي وأحمد قال الشافعي جعل الله على الناس اتمام الحج والعمرة وجعل التحلل للمحصر
رخصة وكانت الآية في شأن منع العدو فلم نعد بالرخصة موضعها وفى المسئلة قول ثالث حكاه
ابن جرير وغيره وهو أنه لا حصر بعد النبي صلى الله عليه وسلم وروى مالك في الموطأ عن ابن
شهاب عن سالم عن أبيه المحرم لا يحل حتى يطوف أخرجه في باب ما يفعل من أحصر بغير عدو
وأخرج ابن جرير عن عائشة باسناد صحيح قالت لا أعلم المحرم يحل بشئ دون البيت وعن ابن
عباس باسناد ضعيف قال لا احصار اليوم وروى ذلك عن عبد الله بن الزبير والسبب في
اختلافهم في ذلك اختلافهم في تفسير الاحصار فالمشهور عن أكثر أهل اللغة منهم الأخفش
والكسائي والفراء وأبو عبيدة وأبو عبيد وابن السكيت وثعلب وابن قتيبة وغيرهم ان الاحصار
انما يكون بالمرض وأما بالعدو فهو الحصر وبهذا قطع النحاس وأثبت بعضهم أن أحصر وحصر
بمعنى واحد يقال في جميع ما يمنع الانسان من التصرف قال تعالى للفقراء الذين أحصروا
في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض وانما كانوا لا يستطيعون من منع العدو إياهم وأما
الشافعي ومن تابعه فحجتهم في أن لا احصار الا بالعدو اتفاق أهل النقل على أن الآيات نزلت في
قصة الحديبية حين صد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت فسمى الله صد العدو احصارا وحجة
الآخرين التمسك بعموم قوله تعالى فان أحصرتم (قوله قال أبو عبد الله حصورا لا يأتي النساء)
هكذا ثبت هذا التفسير هنا في رواية المستملى خاصة ونقله الطبري عن سعيد بن جبير وعطاء
ومجاهد وقد حكاه أبو عبيدة في المجاز وقال إن له معاني أخرى فذكرها وهو بمعنى محصور لأنه
منع مما يكون من الرجال وقد ورد فعول بمعنى مفعول كثيرا وكأن البخاري أراد بذكر هذه الآية
الإشارة إلى أن المادة واحدة والجامع بين معانيها المنع والله أعلم * (قوله باب إذا أحصر
المعتمر) قيل غرض المصنف بهذه الترجمة الرد على من قال التحلل بالاحصار خاص بالحاج بخلاف
المعتمر فلا يتحلل بذلك بل يستمر على احرامه حتى يطوف بالبيت لان السنة كلها وقت للعمرة فلا
يخشى فواتها بخلاف الحج وهو محكى عن مالك واحتج له إسماعيل القاضي بما أخرجه باسناد صحيح
عن أبي قلابة قال خرجت معتمرا فوقعت عن راحلتي فانكسرت فأرسلت إلى ابن عباس وابن عمر
فقالا ليس لها وقت كالحج يكون على احرامه حتى يصل إلى البيت (قوله إن عبد الله بن عمر حين
خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة) هذا السياق يشعر بأنه عن نافع عن ابن عمر بغير واسطة لكن
رواية جويرية التي بعده تقتضى ان نافعا حمل ذلك عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر عن
أبيهما حيث قال فيها عن جويرية عن نافع ان عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه انهما
كلما عبد الله بن عمر فذكر القصة والحديث هكذا قال البخاري عن عبد الله بن محمد بن أسماء
ووافقه الحسن بن سفيان وأبو يعلى كلاهما عن عبد الله أخرجه الإسماعيلي عنهما وتابعهم
3

معاذ بن المثنى عن عبد الله بن محمد بن أسماء أخرجه البيهقي لكن في رواية موسى بن إسماعيل عن
جويرية عن نافع ان بعض بنى عبد الله بن عمر قال له فذكر الحديث وظاهره انه لنافع عن ابن عمر
بغير واسطة وقد عقب البخاري رواية عبد الله برواية موسى لينبه على الاختلاف في ذلك
واقتصر في رواية موسى هنا على الاسناد وساقه في المغازي بتمامه وقد رواه يحيى القطان عن
عبيد الله بن عمر عن نافع كذلك ولفظه ان عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلما عبد الله
فذكر الحديث أخرجه مسلم وقد أخرجه البخاري في المغازي عن مسدد عن يحيى مختصرا قال
فيه عن نافع عن ابن عمر انه أهل فذكر بعض الحديث وفى قوله عن نافع عن ابن عمر دلالة على أنه
لا واسطة بين نافع وابن عمر فيه كما هو ظاهر سياق مسلم و أخرجه البخاري كما سيأتي بعد باب من
طريق عمر بن محمد عن نافع مثل سياق يحيى عن عبيد الله سواء وأخرجه في المغازي من طريق فليح
وفيما مضى من الحج من طريق أيوب والليث كلهم عن نافع واعرض مسلم عن تخريج طريق
جويرية ووافق على تخريج طريق الليث وأيوب عن عبيد الله بن عمر وكذا أخرجه النسائي من
طريق أيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية كلهم عن نافع عن ابن عمر بغير واسطة والذي يترجح في
نقدي ان ابني عبد الله أخبرا نافعا بما كلما به أباهما وأشارا عليه به من التأخير ذلك العام وأما بقية
القصة فشاهدها نافع وسمعها من ابن عمر لملازمته إياه فالمقصود من الحديث موصول وعلى تقدير
ان يكون نافع لم يسمع شيا من ذلك من ابن عمر فقد عرف الواسطة بينهما وهى ولدا عبد الله ابن عمر
سالم وعبد الله هما ثقتان لا مطعن فيهما ولم أر من نبه على ذلك من شراح البخاري ووقع في رواية
جويرية المذكورة عبيد الله بن عبد الله بالتصغير وفى رواية يحيى القطان المذكورة عبد الله
بالتكبير وكذا في رواية عمر بن محمد عن نافع قال البيهقي عبد الله يعنى مكبرا أصح قلت وليس
بمستبعد أن يكون كل منهما كلم أباه في ذلك ولعل نافعا حضر كلام عبد الله المكبر مع أخيه
سالم ولم يحضر كلام عبيد الله المصغر مع أخيه سالم أيضا بل أخبراه بذلك فقص عن كل ما انتهى
إليه علمه (قوله معتمرا) في الموطأ من هذا الوجه خرج إلى مكة يريد الحج فقال إن صددت فذكره
ولا اختلاف فإنه خرج أو لا يريد الحج فلما ذكروا له أمر الفتنة أحرم بالعمرة ثم قال ما شأنهما الا
واحدا فأضاف إليها الحج فصار قارنا (قوله في الفتنة) بينه في رواية جويرية فقال ليالي نزل
الجيش بابن الزبير وقد مضى في باب طواف القارن من طريق الليث عن نافع بلفظ حين نزل الحجاج
بابن الزبير ولمسلم في رواية يحيى القطان المذكورة حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير وقد تقدم في
باب من اشترى هدية من الطريق من رواية موسى بن عقبة عن نافع أراد ابن عمر الحج عام حج
الحرورية وتقدم طريق الجمع بينه وبين رواية الباب (قوله إن صددت عن البيت) هذا الكلام
قاله جوابا لقول من قال له انا نخاف أن يحال بينك وبين البيت كما أوضحته الرواية التي بعد هذه
(قوله كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية موسى بن عقبة فقال لقد كان لكم في
رسول الله أسوة حسنة اذن اصنع كما صنع زاد في رواية الليث عن نافع في باب طواف القارن كما
صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوه في رواية أيوب عن نافع في باب طواف القارن (قوله
فأهل) يعنى ابن عمر والمراد انه رفع صوته بالاهلال والتلبية زاد في رواية جويرية التي بعد هذه
فقال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فحال كفار قريش دون البيت فنحر النبي صلى الله عليه
4

وسلم هديه وحلق رأسه (قوله من أجل ان النبي صلى الله عليه وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية)
قال النووي معناه انه أراد ان صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي صلى
الله عليه وسلم من العمرة وقال عياض يحتمل أن المراد أهل بعمرة كما أهل النبي صلى الله عليه
وسلم بعمرة ويحتمل انه أراد الامرين أي من الاهلال والاحلال وهو الاظهر وتعقبه النووي
وليس هو بمردود (قوله بعمرة) زاد في رواية جويرية من ذي الحليفة وفى رواية أيوب الماضية
فأهل بالعمرة من الدار والمراد بالدار المنزل الذي نزله بذى الحليفة ويحتمل أن يحمل على الدار
التي بالمدينة ويجمع بأنه أهل بالعمرة من داخل بيته ثم أعلن بها وأظهرها بعد أن استقر بذى
الحليفة (قوله عام الحديبية) سيأتي بيان ذلك وشرحه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى وأورده
المصنف بعد بابين عن إسماعيل وهو ابن أبي أويس عن مالك فزاد فيه ثم إن عبد الله بن عمر نظر في
أمره فقال ما أمرهما الا واحد أي الحج والعمرة فيما يتعلق بالاحصار والاحلال فالتفت إلى
أصحابه فذكر القصة وبين في رواية جويرية ان ذلك وقع بعد أن سار ساعة وهو يؤيد الاحتمال
الأول الماضي في أن المراد بالدار المنزل الذي نزله بذى الحليفة ووقع في رواية الليث أشهدكم أنى قد
أوجبت عمرة ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال ما شأن الحج والعمرة الا واحد ولو كان
ايجابه العمرة من داره التي بالمدينة لكان ما بينها وبين ظاهر البيداء أكثر من ساعة (قوله في
رواية جويرية فلم يحل منهما حتى دخل يوم النحر) زاد في رواية الليث فنحر وحلق ورأى أن قد
قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول وهذا ظاهره انه اكتفى بطواف القدوم عن طواف
الإفاضة وهو مشكل ووقع في رواية إسماعيل المذكورة ثم طاف لهما طوافا واحدا ورأى أن ذلك
مجزئ عنه وقد تقدم البحث في ذلك في آخر باب طواف القارن (قوله في رواية جويرية أشهدكم
أنى قد أوجبت) أي الزمت نفسي ذلك وكأنه أراد تعليم من يريد الاقتداء به والا فالتلفظ ليس
بشرط (قوله وان حيل بيني وبينه) أي البيت أي منعت من الوصول إليه لأطوف تحللت بعمل
العمرة وهذا يبين ان المراد بقوله وما أمرهما الا واحد يعنى الحج والعمرة في جواز التحلل منهما
بالاحصار أو في امكان الاحصار عن كل منهما ويؤيد الثاني قوله في رواية يحيى القطان المذكورة
بعد قوله ما أمرهما الا واحد ان حيل بيني وبين العمرة حيل بيني وبين الحج فكأنه رأى أولا
ان الاحصار عن الحج أشد من الاحصار عن العمرة لطول زمن الحج وكثرة أعماله فاختار الاهلال
بالعمرة ثم رأى أن الاحصار بالحج يفيد التحلل عنه بعمل العمرة فقال ما أمرهما الا واحد وفيه
ان الصحابة كانوا يستعملون القياس ويحتجون به وفى هذا الحديث من الفوائد ان من احصر
بالعدو بان منعه عن المضي في نسكه حجا كان أو عمرة جاز له التحلل بان ينوى ذلك وينحر هديه ويحلق
رأسه أو يقصر منه وفيه جواز ادخال الحج على العمرة وهو قول الجمهور لكن شرطه عند الأكثر
أن يكون قبل الشروع في طواف العمرة وقيل إن كان قبل مضى أربعة أشواط صح وهو قول
الحنفية وقيل بعد تمام الطواف وهو قول المالكية ونقل ابن عبد البر ان أبا ثور شذ فمنع ادخال
الحج على العمرة قياسا على منع ادخال العمرة على الحج وفيه أن القارن يقتصر على طواف
واحد وقد تقدم البحث فيه في بابه وفيه ان القارن يهدى وشذ ابن حزم فقال لا هدى على القارن
وفيه جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجى السلامة قاله ابن عبد البر
5

(قوله في رواية موسى بن إسماعيل ان بعض بنى عبد الله) قد تقدم اسمه في الرواية التي قبلها وأنه
سالم بن عبد الله أو أخوه عبيد الله أو عبد الله ولم يظهر لي من الذي تولى مخاطبته منهم * (تنبيه) *
وقع في رواية القعنبي عن مالك في أول أحاديث الباب في آخر قصة ابن عمر زيادة وهى واهدى
شاة قال ابن عبد البر هي زيادة غير محفوظة لان ابن عمر كان يفسر ما استيسر من الهدى بأنه بدنة
دون بدنة أو بقرة دون بقرة فكيف يهدى شاة (قوله في حديث ابن عباس في آخر الباب حدثنا
محمد) كذا في جميع الروايات غير منسوب فجزم الحاكم بأنه محمد بن يحيى الذهلي وأبو مسعود بأنه محمد
ابن مسلم بن وأره وذكر الكلاباذي عن ابن أبي سعيد انه أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي وذكر انه
رآه في أصل عتيق ويؤيده ان الحديث وجد من حديثه عن يحيى بن صالح المذكور كذلك
أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق أبى حاتم ورواية البخاري عنه في باب
الذبح فإنه روى عنه البخاري (قلت) ويحتمل أن يكون هو محمد بن إسحاق الصغاني فقد وجدت
الحديث من روايته عن يحيى بن صالح كما سأذكره (قوله عن عكرمة قال فقال ابن عباس) هكذا
رأيته في جميع النسخ وهو يقتضى سبق كلام يعقبه قوله فقال ابن عباس ولم ينبه عليه أحد من
شراح هذا الكتاب ولا بينه الإسماعيلي ولا أبو نعيم لأنهما اقتصرا من الحديث على ما أخرجه
البخاري وقد بحثت عنه إلى أن يسر الله بالوقوف عليه فقرأت في كتاب الصحابة لابن السكن قال
حدثني هارون بن عيسى حدثنا الصغاني هو محمد بن إسحاق أحد شيوخ مسلم حدثنا يحيى بن صالح
حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير قال سالت عكرمة فقال قال عبد الله بن رافع مولى
أم سلمة انها سالت الحجاج بن عمرو الأنصاري عمن حبس وهو محرم فقال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم من عرج أو كسر أو حبس فليجزئ مثلها وهو في حل قال فحدثت به أبا هريرة فقال
صدق وحدثته ابن عباس فقال قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق ونحر هديه وجامع
نساءه حتى اعتمر عاما قابلا فعرف بهذا السياق القدر الذي حذفه البخاري من هذا الحديث
والسبب في حذفه ان الزائد ليس على شرطه لأنه قد اختلف في حديث الحجاج بن عمرو على يحيى
بن أبي كثير عن عكرمة مع كون عبد الله بن رافع ليس من شرط البخاري فأخرجه أصحاب
السنن وابن خزيمة والدارقطني والحاكم من طرق عن الحجاج الصواف عن يحيى عن عكرمة عن
الحجاج به وقال في آخره قال عكرمة فسألت أبا هريرة وابن عباس فقالا صدق ووقع في رواية يحيى
القطان وغيره في سياقه سمعت الحجاج وأخرجه أبو داود والترمذي من طريق معمر عن يحيى
عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج قال الترمذي وتابع معمرا على زيادة عبد الله بن
رافع معاوية بن سلام وسمعت محمدا يعنى البخاري يقول رواية معمر ومعاوية أصح انتهى
فاقتصر البخاري على ما هو من شرط كتابه مع أن الذي حذفه ليس بعيدا من الصحة فإنه إن كان
عكرمة سمعه من الحجاج بن عمرو فذاك والا فالواسطة بينهما وهو عبد الله بن رافع ثقة وإن كان
البخاري لم يخرج له وبهذا الحديث احتج من قال لا فرق بين الاحصار بالعدو وبغيره كما تقدمت
الإشارة إليه واستدل به على أن من تحلل بالاحصار وجب عليه قضاء ما تحلل منه وهو ظاهر
الحديث وقال الجمهور لا يجب وبه قال الحنفية وعن أحمد روايتان وسيأتي البحث فيه بعد
بابين إن شاء الله تعالى (قوله باب الاحصار في الحج) قال ابن المنير في الحاشية أشار
6

البخاري إلى أن الاحصار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم انما وقع في العمرة فقاس العلماء الحج
على ذلك وهو من الالحاق بنفي الفارق وهو من أقوى الأقيسة (قلت) وهذا ينبنى على أن مراد
ابن عمر بقوله سنة نبيكم قياس من يحصل له الاحصار وهو حاج على من يحصل له في الاعتمار لان
الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم هو الاحصار عن العمرة ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد بقوله
سنة نبيكم وبما بينه بعد ذلك شيئا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في حق من لم يحصل له ذلك
وهو حاج والله أعلم (قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد وقد عقب
المصنف هذا الحديث بان قال وعن عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري نحوه وهو معطوف على
الاسناد الأول فكأن ابن المبارك كان يحدث به تارة عن يونس وتارة عن معمر وليس هو بمعلق
كما ادعاه بعضهم وقد أخرجه الترمذي عن أبي كريب عن ابن المبارك عن معمر ولفظه انه كان
ينكر الاشتراط ويقول أليس حسبكم سنة نبيكم وهكذا أخرجه الدارقطني من طريق
الحسن بن عرفة والإسماعيلي من طريقه ومن طريق أحمد بن منيع وغيره كلهم عن ابن المبارك
وكذا أخرجه عبد الرزاق وأحمد عنه عن معمر مقتصرا على هذا القدر وأخرجه الإسماعيلي
من وجه آخر عن عبد الرزاق بتمامه وكذا أخرجه النسائي وأما انكار ابن عمر الاشتراط فثابت
في رواية يونس أيضا الا أنه حذف في رواية البخاري هذه فأخرجه البيهقي من طريق السراج عن أبي
كريب عن ابن المبارك عن يونس وأخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق ابن وهب
عن يونس وأشار ابن عمر بانكار الاشتراط إلى ما كان يفتى به ابن عباس قال البيهقي لو بلغ ابن
عمر حديث ضباعة في الاشتراط لقال به وقد وأخرجه الشافعي عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن
أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بضباعة بنت الزبير فقال أما تريدين الحج فقالت انى
شاكية فقال لها حجى واشترطى ان محلى حيث حبستني قال الشافعي لو ثبت حديث عروة لم
أعده إلى غيره لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البيهقي
قد ثبت هذا الحديث من أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ساقه من طريق عبد الجبار بن
العلاء عن ابن عيينة موصولا بذكر عائشة فيه وقال وقد وصله عبد الجبار وهو ثقة قال وقد
وصله أبو أسامة ومغمر كلاهما عن هشام ثم ساقه من طريق أبى أسامة وقال أخرجه الشيخان
من طريق أبى أسامة (قلت) وطريق أبى أسامة أخرجها البخاري في كتاب النكاح ولم يخرجها
في الحج بل حذف منه ذكر الاشتراط أصلا اثباتا كما في حديث عائشة ونفيا كما في حديث ابن عمر
وأما رواية معمر التي أشار إليها البيهقي فاخرجها أحمد عن عبد الرزاق ومسلم من طريق
عبد الرزاق عن معمر عن هشام والزهري فرقهما كلاهما عن عروة عن عائشة ولقصة ضباعة
شواهد منها حديث ابن عباس ان ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقالت انى امرأة ثقيلة أي في الضعف وانى أريد الحج فما تأمرني قال أهلي بالحج
واشترطى ان محلى حيث تحبسني قال فأدركت أخرجه مسلم وأصحاب السنن والبيهقي من
طرق عن ابن عباس قال الترمذي وفى الباب عن جابر وأسماء بنت أبي بكر (قلت وعن
ضباعة نفسها وعن سعدى بنت عوف وأسانيدها كلها قوية وصح القول بالاشتراط عن عمر
وعثمان وعلى وعمار وابن مسعود وعائشة وأم سلمة وغيرهم من الصحابة ولم يصح انكاره عن
7

أحد من الصحابة الا عن ابن عمر ووافقه جماعة من التابعين ومن بعدهم من الحنفية والمالكية
وحكى عياض عن الأصيلي قال لا يثبت في الاشتراط اسناد صحيح قال عياض وقد قال النسائي
لا أعلم أسنده عن الزهري غير معمر وتعقبة النووي بان الذي قاله غلط فاحش لان الحديث
مشهور صحيح من طرق متعددة انتهى وقول النسائي لا يلزم منه تضعيف طريق الزهري التي
تفرد بها معمر فضلا عن بقية الطرق لان معمرا ثقة حافظ فلا يضره التفرد كيف وقد وجد لما
رواه شواهد كثيرة (قوله أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان حبس أحدكم عن
الحج طاف) قال عياض ضبطناه سنة بالنصب على الاختصاص أو على اضمار فعل أي تمسكوا
وشبهه وخبر حسبكم في قوله طاف بالبيت ويصح الرفع على أن سنة خبر حسبكم أو الفاعل بمعنى
الفعل فيه ويكون ما بعدها تفسيرا للسنة وقال السهيلي من نصب سنة فإنه باضمار الامر كأنه قال
الزموا سنة نبيكم وقد قدمت البحث فيه (قوله طاف بالبيت) أي إذا أمكنه ذلك وقد وقع في
رواية عبد الرازق ان حبس أحدا منكم حابس عن البيت فإذا وصل إليه طاف به الحديث
والذي تحصل من الاشتراط في الحج والعمرة أقوال أحدها مشروعيته ثم اختلف من قال به
فقيل واجب لظاهر الامر وهو قول الظاهرية وقيل مستحب وهو قول أحمد وغلط من حكى عنه
انكاره وقيل جائز وهو المشهور عند الشافعية وقطع به الشيخ أبو حامد والحق ان الشافعي نص
عليه في القديم وعلق القول بصحته في الجديد فصار الصحيح عنه القول به وبذلك جزم الترمذي
عنه وهو أحد المواضع التي علق القول بها على صحة الحديث وقد جمعتها في كتاب مفرد مع الكلام
على تلك الأحاديث والذين أنكروا مشروعية الاشتراط أجابوا عن حديث ضباعة بأجوبة منها
انه خاص بضباعة حكاه الخطابي ثم الروياني من الشافعية قال النووي وهو تأويل باطل وقيل
معناه محلى حيث حبسني الموت إذا أدركتني الوفاة انقطع احرامى حكاه امام الحرمين وأنكره
النووي وقال إنه ظاهر الفساد وقيل إن الشرط خاص بالتحلل من العمرة لا من الحج حكاه المحب
الطبري وقصة ضباعة ترده كما تقدم من سياق مسلم وقد أطنب ابن حزم في التعقب على من أنكر
الاشتراط بما لا مزيد عليه وسيأتي الكلام على بقية حديث ضباعة في الاشتراط حيث
ذكره المصنف في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى * (قوله باب النحر قبل الحلق في
الحصر) ذكر فيه حديث المسور ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق وأمر
أصحابه بذلك وهذا طرف من الحديث الطويل الذي أخرجه المصنف في الشروط من الوجه
المذكور هنا ولفظه في أواخر الحديث فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا فذكر بقية الحديث وفيه قول أم سلمة للنبي صلى الله عليه
وسلم اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك فخرج فنحر بدنه ودعا حالقه فحلقه وعرف
بهذا ان المصنف أورد القدر المذكور هنا بالمعنى وأشار بقوله في الترجمة في الحصر إلى أن
هذا الترتيب يختص بحال من أحصر وقد تقدم انه لا يجب في حال الاختيار في باب إذا رمى بعد
ما أمسى أو حلق قبل ان يذبح ولم يتعرض المصنف لما يجب على من حلق قبل أن ينحر وقد روى
ابن أبي شيبة من طريق الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال عليه دم قال إبراهيم وحدثني سعيد بن
جبير عن ابن عباس مثله ثم أورد المصنف حديث ابن عمر الماضي قبل بباب مختصرا وفيه فنحر
8

بدنه وحلق رأسه وقد أورده البيهقي من طريق أبى بدر شجاع بن الوليد وهو الذي أخرجه البخاري
من طريقه باسناده المذكور ولفظه ان عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلما عبد الله بن عمر
ليالي نزل الحجاج بابن الزبير وقالا لا يضرك أن لا تحج العام انا نخاف أن يحال بينك وبين البيت
فقال خرجنا فذكر مثل سياق البخاري وزاد في آخره ثم رجع وكذا ساقه الإسماعيلي من طريق
أبى بدر الا أنه لم يذكر القصة التي في أوله وساقه من طريق أخرى عن أبي بدر أيضا فقال فيها عن ابن
عمر أنه قال إن حيل بيني وبين البيت فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه فأهل
بالعمرة الحديث قال ابن التيمي ذهب مالك إلى أنه لا هدى على المحصر والحجة عليه هذا الحديث
لأنه نقل فيه حكم وسبب فالسبب الحصر والحكم النحر فاقتضى الظاهر تعلق الحكم بذلك
السبب والله أعلم * (قوله باب من قال ليس على المحصر بدل) بفتح الموحدة والمهملة
أي قضاء لما أحصر فيه من حج أو عمرة وهذا هو قول الجمهور كما تقدم قريبا (قوله وقال روح)
يعنى ابن عبادة وهذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في تفسيره عن روح بهذا الاسناد وهو
موقوف على ابن عباس ومراده بالتلذذ وهو بمعجمتين الجماع وقوله حبسه عبذر كذا للأكثر
بضم المهملة وسكون المعجمة بعدها راء ولابى ذر حبسه عدو بفتح أوله وفى آخره واو وقوله أو غير
ذلك أي من مرض أو نفاد نفقة وقد ورد عن ابن عباس نحو هذا باسناد آخر أخرجه ابن جرير
من طريق علي بن أبي طلحة عنه وفيه فإن كانت حجة الاسلام فعليه قضاؤها وإن كانت غير الفريضة
فلا قضاء عليه وقوله وان استطاع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدى محله هذه مسئلة اختلاف
بين الصحابة ومن بعدهم فقال الجمهور يذبح المحصر الهدى حيث يحل سواء كان في الحل أو في
الحرم وقال أبو حنيفة لا يذبحه الا في الحرم وفصل آخرون كما قاله ابن عباس هنا وهو المعتمد
وسبب اختلافهم في ذلك هل نحر النبي صلى الله عليه وسلم الهدى بالحديبية في الحل أو في الحرم
وكان عطاء يقول لم ينحر يوم الحديبية الا في الحرم ووافقه ابن إسحاق وقال غيره من أهل المغازي
انما نحر في الحل وروى يعقوب بن سفيان من طريق مجمع بن يعقوب عن أبيه قال لما حبس رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا بالحديبية وحلقوا وبعث الله ريحا فحملت شعورهم فألقتها
في الحرم قال ابن عبد البر في الاستذكار فهذا يدل على أنهم حلقوا في الحل (قلت) ولا يخفى ما فيه
فإنه لا يلزم من كونهم ما حلقوا في الحرم لمنعهم من دخوله أن لا يكونوا أرسلوا الهدى مع
من نحره في الحرم وقد ورد ذلك في حديث ناجية بن جندب الأسلمي قلت يا رسول الله ابعث معي
بالهدى حتى أنحره في الحرم ففعل أخرجه النسائي من طريق إسرائيل عن مجزأة بن زاهر عن
ناجية أخرجه الطحاوي من وجه آخر عن إسرائيل لكن قال عن ناجية عن أبيه لكن
لا يلزم من وقوع هذا وجوبه بل ظاهر القصة أن أكثرهم نحر في مكانه وكانوا في الحل وذلك دال
على الجواز والله أعلم (قوله وقال مالك وغيره) هو مذكور في الموطأ ولفظه أنه بلغه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدى وحلقوا رؤسهم وحلوا من كل
شئ قبل أن يطوفوا بالبيت وقبل أن يصل إليه الهدى ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا ولا أن يعودوا لشئ وسئل مالك عمن
أحصر بعد وفقال يحل من كل شئ وينحر هديه ويحلق رأسه حيث حبس وليس عليه قضاء وأما
9

قول البخاري وغيره فالذي يظهر لي أنه عنى به الشافعي لان قوله في آخره والحديبية خارج الحرم
هو من كلام الشافعي في الأم وعنه أن بعضها في الحل وبعضها في الحرم لكن انما نحر رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الحل استدلالا بقوله تعالى وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا
أن يبلغ محله قال ومحل الهدى عند أهل العلم الحرم وقد أخبر الله تعالى أنهم صدوهم عن ذلك قال
فحيث ما أحصر ذبح وحل ولا قضاء عليه من قبل أن الله تعالى لم يذكر قضاء والذي أعقله في أخبار
أهل المغازي شبيه بما ذكرت لأنا علمنا من متواطئ أحاديثهم أنه كان معه عام الحديبية رجال
معروفون ثم اعتمر عمرة القضية فتخلف بعضهم بالمدينة من غير ضرورة في نفس ولا مال ولو لزمهم
القضاء لأمرهم بان لا يتخلفوا عنه وقال في موضع آخر انما سميت عمرة القضاء والقضية للمقاضاة
التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش لا على أنهم وجب عليهم قضاء تلك العمرة
انتهى وقد روى الواقدي في المغازي من طريق الزهري ومن طريق أبى معشر وغيرهما قالوا أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا فلم يتخلف منهم الا من قتل بخيبر أو مات وخرج
معه جماعة معتمرين ممن لم يشهد الحديبية وكانت عدتهم ألفين ويمكن الجمع بين هذا ان صح
وبين الذي قبله بان الامر كان على طريق الاستحباب لان الشافعي جازم بان جماعة تخلفوا بغير
عذر وقد روى الواقدي أيضا من حديث ابن عمر قال لم تكن هذه العمرة قضاء ولكن كان شرطا
على قريش أن يعتمر المسلمون من قابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه (قوله ثم طاف
لهما) أي للحج والعمرة وهذا يخالف قول الكوفيين انه يجب لهما طوافان (قوله ورأى أن ذلك
مجزئ عنه) كذا لأبي ذر وغيره بالرفع على أنه خبر ان ووقع في رواية كريمة مجزيا فقيل هو على لغة
من ينصب بان المبتدأ والخبر أو هي خبر كان المحذوفة والذي عندي أنه من خطا الكاتب فان
أصحاب الموطأ اتفقوا على روايته بالرفع على الصواب * (قوله باب قول الله تعالى فمن
كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك وهو مخير فاما الصوم
فثلاثة أيام) أي باب تفسير قوله تعالى كذا وقوله مخير من كلام المصنف استفاده من أو المكررة
وقد أشار إلى ذلك في أول باب كفارات الأيمان فقال وقد خير النبي صلى الله عليه وسلم كعبا في
الفدية ويذكر عن ابن عباس وعطاء وعكرمة ما كان في القرآن أو فصاحبه بالخيار وسيأتي ذكر
من وصل هذه الآثار هناك وأقرب ما وقفت عليه من طرق حديث الباب إلى التصريح
ما أخرجه أبو داود من طريق الشعبي عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال له ان شئت فانسك نسيكة وان شئت فصم ثلاثة أيام وان شئت فأطعم الحديث وفى رواية
مالك في الموطأ عن عبد الكريم باسناده في آخر الحديث أي ذلك فعلت أجزأ وسيأتي البحث في
ذلك إن شاء الله تعالى وقوله فاما الصوم في رواية الكشميهني الصيام والصيام المطلق في الآية
مقيد بما ثبت في الحديث بالثلاث قال ابن التين وغيره جعل الشارع هنا صوم يوم معاد لا بصاع
وفى الفطر من رمضان عدل مد وكذا في الظهار والجماع في رمضان وفى كفارة اليمين بثلاثة أمداد
وثلث وفى ذلك أقوى دليل على أن القياس لا يدخل في الحدود والتقديرات وقسيم قوله فأما
الصوم فمحذوف تقديره وأما الصدقة فهي اطعام ستة مساكين وقد أفرد ذلك بترجمة (قوله
عن حميد بن قيس) في رواية أشهب عن مالك أن حميد بن قيس حدثه أخرجها الدارقطني في
10

الموطآت (قوله مجاهد عن عبد الرحمن) صرح سيف عن مجاهد بسماعه من عبد الرحمن وبان
كعبا حدث عبد الرحمن كما في الباب الذي يليه قال ابن عبد البر في رواية حميد بن قيس هذه كذا
رواه الأكثر عن مالك ورواه ابن وهب وابن القاسم وابن عفير عن مالك باسقاط عبد الرحمن بين
مجاهد وكعب بن عجرة (قلت) ولمالك فيه اسنادان آخران في الموطأ أحدهما عن عبد الكريم
الجزري عن مجاهد وفى سياقه ما ليس في سياق حميد بن قيس وقد اختلف فيه على مالك أيضا على
العكس مما اختلف فيه على طريق حميد بن قيس قال الدارقطني رواه أصحاب الموطأ عن مالك
عن عبد الكريم عن عبد الرحمن لم يذكروا مجاهدا حتى قال الشافعي ان مالكا وهم فيه وأجاب
ابن عبد البر بان ابن القاسم وابن وهب في الموطأ وتابعهما جماعة عن مالك خارج الموطأ منهم
بشر بن عمر الزهراني وعبد الرحمن بن مهدي وإبراهيم بن طهمان والوليد بن مسلم أثبتوا مجاهدا
بينهما وهذا الجواب لا يرد على الشافعي وطريق ابن القاسم المشار إليها عند النسائي وطريق ابن
وهب عند الطبري وطريق عبد الرحمن بن مهدي عند أحمد وسائرها عند الدارقطني في الغرائب
والاسناد الثالث لمالك فيه عن عطاء الخراساني عن رجل من أهل الكوفة عن كعب بن عجرة
قال ابن عبد البر يحتمل أن يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى أو عبد الله بن معقل ونقل ابن عبد البر عن
أحمد بن صالح المصري قال حديث كعب بن عجرة في الفدية سنة معمول بها لم يروها من الصحابة
غيره ولا رواها عنه الا ابن أبي ليلى وابن معقل قال وهى سنة أخذها أهل المدينة عن أهل
الكوفة قال الزهري سالت عنها علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يبينوا كم عدد المساكين
(قلت) فيما أطلقه ابن صالح نظر فقد جاءت هذه السنة من رواية جماعة من الصحابة غير كعب
منهم عبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبري والطبراني وأبو هريرة عند سعيد بن منصور وابن عمر
عند الطبري وفضالة الأنصاري عن من لا يتهم من قومه عند الطبري أيضا ورواه عن كعب بن عجرة
غير المذكورين أبو وائل عند النسائي ومحمد بن كعب القرظي عند ابن ماجة ويحيى بن جعدة عند
أحمد وعطاء عند الطبري وجاء عن أبي قلابة والشعبي أيضا عن كعب وروايتهما عند أحمد لكن
الصواب أن بينهما واسطة وهو ابن أبي ليلى على الصحيح وقد أورد البخاري حديث كعب هذا في
أربعة أبواب متوالية وأورده أيضا في المغازي والطب وكفارات الأيمان من طرق أخرى مدار
الجميع على ابن أبي ليلى وابن معقل فيقيد اطلاق أحمد بن صالح بالصحة فان بقية الطرق التي
ذكرتها لا تخلو عن مقال الا طريق أبى وائل وسأذكر ما في هذه الطرق من فائدة زائدة إن شاء الله
تعالى (قوله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلك) في رواية أشهب المقدم ذكرها أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في رواية عبد الكريم أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو محرم فاذاه القمل وفى رواية سيف في الباب الذي يليه وقف على رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالحديبية ورأسي يتهافت قملا فقال أيؤذيك هوامك قلت نعم قال فاحلق رأسك الحديث
وفيه قال في نزلت هذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه زاد في رواية أبى الزبير عن
مجاهد عند الطبراني أنه أهل في ذي القعدة وفى رواية مغبرة عن مجاهد عند الطبري أنه لقيه وهو
عند الشجرة وهو محرم وفى رواية أيوب عن مجاهد في المغازي أتى على النبي صلى الله عليه وسلم
وأنا أوقد تحت برمة والقمل يتناثر على رأسي زاد في رواية ابن عون عن مجاهد في الكفارات
11

فقال ادن فدنوت فقال أيؤذيك وفى رواية ابن بشر عن مجاهد فيه قال كنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون وقد حصرنا المشركون وكانت لي وفرة فجعلت الهوام تتساقط
على وجهي فقال أيؤذيك هوام رأسك قلت نعم فأنزلت هذه الآية وفى رواية أبى وائل عن كعب
أحرمت فكثر قمل رأسي فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فاتانى وأنا أطبخ قدرا لأصحابي وفى
رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد بعد بابين رآه وانه ليسقط القمل على وجهه فقال أيؤذيك هوامك
قال نعم فامره أن يحلق وهم بالحديبية ولم يبين لهم أنهم يحلون وهم على طمع أن يدخلوا مكة فأنزل
الله الفدية وأخرجه الطبراني من طريق عبد الله بن كثير عن مجاهد بهذه الزيادة ولأحمد وسعيد
ابن منصور في رواية أبى قلابة قملت حتى ظننت أن كل شعرة من رأسي فيها القمل من أصلها إلى
فرعها زاد سعيد وكنت حسن الشعر وأول رواية عبد الله بن معقل بعد باب جلست إلى كعب بن
عجرة فسألته عن الفدية فقال نزلت في خاصة وهى لكم عامة حملت إلى رسول الله صلى الله عليه
عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى زاد مسلم من هذا
الوجه فسألته عن هذه الآية ففدية من صيام الآية ولأحمد من وجه آخر في هذه الطريق وقع
القمل في رأسي ولحيتي حتى حاجبي وشاربي فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى فدعاني
فلما رآني قال لقد أصابك بلاء ونحن لا نشعر ادع إلى الحجام فحلقني ولابى داود من طريق الحكم بن
عيينة عن ابن أبي ليلى عن كعب أصابتني هوام حتى تخوفت على بصرى وفى رواية أبى وائل عن
كعب عند الطبري فحك رأسي بإصبعه فانتثر منه القمل زاد الطبري من طريق الحكم ان هذا
لأذى قلت شديد يا رسول الله والجمع بين هذا الاختلاف في قول ابن أبي ليلى عن كعب ان النبي
صلى الله عليه وسلم مر به فرآه وفى قول عبد الله بن معقل ان النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه
فرآه أن يقال مر به أولا فرآه على تلك الصورة فاستدعى به إليه فخاطبه وحلق رأسه بحضرته فنقل
كل واحد منهما ما لم ينقله الآخر ويوضحه قوله في رواية ابن عون السابقة حيث قال فيها
فقال ادن فدنوت فالظاهر أن هذا الاستدناء كان عقب رؤيته إياه إذ مر به وهو يوقد تحت القدر
(قوله لعلك أذاك هوامك) قال القرطبي هذا سؤال عن تحقيق العلة التي يترتب عليها الحكم
فلما أخبره بالمشقة التي نالته خفف عنه والهوام بتشديد الميم جمع هامة وهى ما يدب من
الاخشاش والمراد بها ما يلازم جسد الانسان غالبا إذا طال عهده بالتنظيف وقد عين في كثير من
الروايات أنها القمل واستدل به على أن الفدية مرتبة على قتل القمل وتعقب بذكر الحلق
فالظاهر أن الفدية مرتبة عليه وهما وجهان عند الشافعية يظهر أثر الخلاف فيما لو حلق ولم
يقتل قملا (قوله احلق رأسك وصم) قال ابن قدامة لا نعلم خلافا في الحاق الإزالة بالحلق سواء
كان بموسى أو مقص أو نورة أو غير ذلك وأغرب ابن حزم فأخرج النتف عن ذلك فقال يلحق
جميع الازالات بالحلق الا النتف (قوله أو أطعم) ليس في هذه الرواية بيان قدر الاطعام
وسيأتي البحث فيه بعد باب وهو ظاهر في التخيير بين الصوم والاطعام وكذا قوله أو انسك بشاة
ووقع في رواية الكشميهني شاة بغير موحدة والأول تقديره تقرب بشاة ولذلك عداه بالباء والثاني
تقديره اذبح شاة والنسك يطلق على العبادة وعلى الذبح المخصوص وسياق رواية الباب موافق
للآية وقد تقدم أن كعبا قال إنها نزلت بهذا السبب وقد قدمت في أول الباب أن رواية
12

عبد الكريم صريحة في التخيير حيث قال أي ذلك فعلت أجزأ وكذا رواية أبى داود التي فيها
ان شئت وان شئت ووافقتها رواية عبد الوارث عن ابن أبي نجيح أخرجها مسدد في مسنده ومن
طريقه الطبراني لكن رواية عبد الله بن معقل الآتية بعد باب تقتضى أن التخيير انما هو بين
الاطعام والصيام لمن لم يجد النسك ولفظه قال أتجد شاة قال لا قال فصم أو أطعم ولابى داود
في رواية أخرى أمعك دم قال لا قال فان شئت فصم ونحوه للطبراني من طريق عطاء عن كعب
ووافقهم أبو الزبير عن مجاهد عند الطبراني وزاد بعد قوله ما أجد هديا قال فأطعم قال ما أجد قال
صم ولهذا قال أبو عوانة في صحيحه فيه دليل على أن من وجد نسكا لا يصوم يعنى ولا يطعم لكن
لا أعرف من قال بذلك من العلماء الا ما رواه الطبري وغيره عن سعيد بن جبير قال النسك شاة فإن لم
يجد قومت الشاة دراهم والدراهم طعاما فتصدق به أو صام لكل نصف صاع يوما أخرجه من
طريق الأعمش عنه قال فذكرته لإبراهيم فقال سمعت علقمة مثله فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين
الروايتين وقد جمع بينهما بأوجه منها ما قال ابن عبد البر ان فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب
لا لإيجابه ومنها ما قال النووي ليس المراد أن الصيام أو الاطعام لا يجزئ الا لفاقد الهدى بل المراد
أنه استخبره هل معه هدى أو لا فإن كان واجده أعلمه أنه مخير بينه وبين الصيام والاطعام وان لم
يجده أعلمه أنه مخير بينهما ومحصله أنه لا يلزم من سؤاله عن وجدان الذبح تعيينه لاحتمال أنه لو
أعلمه أنه يجده لأخبره بالتخيير بينه وبين الاطعام والصوم ومنها ما قال غيرهما يحتمل أن يكون
النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن له في حلق رأسه بسبب الأذى أفتاه بان يكفر بالذبح على سبيل
الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم أو بوحي غير متلو فلما أعلمه أنه لا يجد نزلت الآية بالتخيير بين
الذبح والاطعام والصيام فخيره حينئذ بين الصيام والاطعام لعلمه بأنه لا ذبح معه فصام لكونه لم
يكن معه ما يطعمه ويوضح ذلك رواية مسلم في حديث عبد الله بن معقل المذكور حيث قال
أتجد شاة قلت لا فنزلت هذه الآية ففدية من صيام أو صدقه أو نسك فقال صم ثلاثة أيام أو
أطعم وفى رواية عطاء الخراساني قال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين قال وكان قد علم أنه ليس
عندي ما أنسك به ونحوه في رواية محمد بن كعب القرظي عن كعب وسياق الآية يشعر بتقديم
الصيام على غيره وليس ذلك لكونه أفضل في هذا المقام من غيره بل السر فيه أن الصحابة الذين
خوطبوا شفاها بذلك كان أكثرهم يقدر على الصيام أكثر مما يقدر على الذبح والاطعام وعرف
من رواية أبى الزبير أن كعبا افتدى بالصيام ووقع في رواية ابن إسحاق ما يشعر بأنه افتدى بالذبح لان
لفظه صم أو أطعم أو انسك شاة قال فحلقت رأسي ونسكت وروى الطبراني من طريق ضعيفة عن
عطاء عن كعب في آخر هذا الحديث فقلت يا رسول الله خر لي قال أطعم ستة مساكين وسيأتى
البحث فيه في الباب الأخير وفيه بقية مباحث هذا الحديث إن شاء الله تعالى * (قوله
باب قول الله عز وجل أو صدقة وهى اطعام ستة مساكين) يشير بها إلى أن الصدقة في
الآية مبهمة فسرتها السنة وبهذا قال جمهور العلماء وروى سعيد بن منصور باسناد صحيح عن
الحسن قال الصوم عشرة أيام والصدقة على عشرة مساكين وروى الطبري عن عكرمة ونافع
نحوه قال ابن عبد البر لم يقل بذلك أحد من فقهاء الأمصار (قوله حدثنا سيف) هو ابن سليمان أو
ابن أبي سليمان (قوله يتهافت) بالفاء أي يتساقط شيئا فشيئا (قوله فاحلق رأسك أو احلق) بحذف
13

المفعول وهو شك من الراوي (قوله بفرق) بفتح الفاء والراء وقد تسكن قاله ابن فارس وقال
الأزهري كلام العرب بالفتح والمحدثون قد يسكنونه وآخره قاف مكيال معروف بالمدينة وهو ستة
عشر رطلا ووقع في رواية ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عند أحمد وغيره والفرق ثلاثة آصع ولمسلم
من طريق أبى قلابة عن ابن أبي ليلى أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين وإذا ثبت أن
الفرق ثلاثة آصع اقتضى أن الصاع خمسة أرطال وثلث خلافا لمن قال إن الصاع ثمانية أرطال
(قوله أو نسك مما تيسر) كذا لأبي ذر والأكثر وفى رواية كريمة أو انسك بما تيسر بصيغة الامر
وبالموحدة وهى المناسبة لما قبلها وتقدير الأول أو انسك بنسك والمراد به الذبح * (قوله
باب الاطعام في الفدية نصف صاع) أي لكل مسكين من كل شئ يشير بذلك إلى الرد
على من فرق في ذلك بين القمح وغيره قال ابن عبد البر قال أبو حنيفة والكوفيون نصف صاع من
قمح وصاع من تمر وغيره وعن أحمد رواية تضاهى قولهم قال عياض وهذا الحديث يرد عليهم (قوله
عن عبد الرحمن بن الأصبهاني) هو ابن عبد الله مر في الجنائز وأنه كوفي ثقة ولشعبة في هذا
الحديث اسناد آخر أخرجه الطبراني من طريق حفص بن عمر عنه عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن أبي
ليلى عن كعب (قوله عن عبد الله بن معقل) في رواية أحمد سمعت عبد الله بن معقل أخرجه
عن عفان وعن بهز فرقهما عن شعبة حدثنا عبد الرحمن وهو بفتح الميم وسكون المهلة وكسر
القاف هو ابن مقرن بالقاف وزن محمد ولكن بكسر الراء لأبيه صحبة وهو من ثقات التابعين
بالكوفة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر عن عدى بن حاتم مات سنة ثمان وثمانين
من الهجرة يلتبس بعبد الله ابن مغفل بالغين المعجمة وزن محمد ويجتمعان في أن كلا منهما مزنى
لكن يفترقان بان الراوي عن كعب تابعي والآخر صحابي وفى التابعين من اتفق مع الراوي
عن كعب في اسمه واسم أبيه ثلاثة أحدهم يروى عن عائشة وهو محاربي والآخر يروى عن
أنس في المسح على العمامة وحديثه عند أبي داود والثالث أصغر منهما أخرج له ابن ماجة
(قوله جلست إلى كعب بن عجرة) زاد مسلم في روايته من طريق غندر عن شعبة وهو في المسجد
ولأحمد عن بهز قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد وزاد في رواية سليمان بن قزم عن ابن
الأصبهاني يعنى مسجد الكوفة وفيه الجلوس في المسجد ومذاكرة العلم والاعتناء بسبب النزول
لما يترتب عليه من معرفة الحكم وتفسير القرآن (قوله ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى) في
رواية المستملى والحموي يبلغ بك وأرى الأولى بضم الهمزة أي أظن وأرى الثانية بفتح الهمزة من
الرؤية وكذا في قوله أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك وهو شك من الراوي هل قال الوجع أو
الجهد والجهد بالفتح المشقة قال النووي والضم لغة في المشقة أيضا وكذا حكاه عياض عن ابن
دريد وقال صاحب العين بالضم الطاقة وبالفتح المشقة فيتعين الفتح هنا بخلاف لفظ الجهد
الماضي في حديث بدء الوحي حيث قال حتى بلغ منى الجهد فإنه محتمل للمعنيين (قوله فقلت لا)
زاد مسلم وأحمد فنزلت هذه الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال صوم ثلاثة أيام الحديث
(قوله لكل مسكين نصف صاع) كررها مرتين 2 وللطبراني عن أحمد بن محمد الخزاعي عن أبي الوليد
شيخ البخاري فيه لكل مسكين نصف صاع تمر ولأحمد عن بهز عن شعبة نصف صاع طعام ولبشر بن
عمر عن شعبة نصف صاع حنطة ورواية الحكم عن ابن أبي ليلى تقتضى أنه نصف صاع من زبيب
14

فإنه قال يطعم فرقا من زبيب بين ستة مساكين قال ابن حزم لا بد من ترجيح إحدى هذه الروايات
لأنها قصة واحدة في مقام واحد في حق رجل واحد (قلت) المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث
نصف صاع من طعام والاختلاف عليه في كونه تمرا أو حنطة لعله من تصرف الرواة وأما الزبيب
فلم أره الا في رواية الحكم وقد أخرجها أبو داود وفى اسنادها ابن إسحاق وهو حجة في المغازي لا في
الاحكام إذا خالف والمحفوظ رواية التمر فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق أبى قلابة كما تقدم
ولم يختلف فيه على أبى قلابة وكذا أخرجه الطبري من طريق الشعبي عن كعب وأحمد من طريق
سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني ومن طريق أشعث وداود عن الشعبي عن كعب وكذا في حديث
عبد الله بن عمرو عند الطبراني وعرف بذلك قوة قول من قال لا فرق في ذلك بين التمر والحنطة
وأن الواجب ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع ولمسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن
ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد في هذا الحديث وأطعم فرقا بين ستة مساكين والفرق ثلاثة آصع
وأخرجه الطبري من طريق يحيى بن آدم عن ابن عيينة فقال فيه قال سفيان والفرق ثلاثة آصع
فاشعر بان تفسير الفرق مدرج لكنه مقتضى الروايات الأخر ففي رواية سليمان بن قرم عن ابن
الأصبهاني عند أحمد لكل مسكين نصف صاع وفى رواية يحيى بن جعدة عند أحمد أيضا أو أطعم ستة
مساكين مدين مدين وأما ما وقع في بعض النسخ عند مسلم من رواية زكريا عن ابن الأصبهاني
أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين صاع فهو تحريف ممن دون مسلم والصواب ما في النسخ
الصحيحة لكل مسكينين بالتثنية وكذا أخرجه مسدد في مسنده عن أبي عوانة عن ابن الأصبهاني
على الصواب * (قوله باب النسك شاة) أي النسك المذكور في الآية حيث قال أو
نسك وروى الطبري من طريق مغيرة عن مجاهد في آخر هذا الحديث فأنزل الله ففدية من صيام
أو صدقة أو نسك والنسك شاة ومن طريق محمد بن كعب القرظي عن كعب أمرني أن أحلق
وأفتدي بشاة قال عياض ومن تبعه تبعا لأبي عمر كل من ذكر النسك في هذا الحديث مفسرا
فإنما ذكروا شاة وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء (قلت) يعكر عليه ما أخرجه أبو داود من طريق
نافع عن رجل من الأنصار عن كعب بن عجرة أنه أصابه أذى فحلق فامره النبي صلى الله عليه وسلم
أن يهدى بقرة وللطبراني من طريق عبد الوهاب بن بخت عن نافع عن ابن عمر قال حلق كعب بن
عجرة رأسه فامره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتدى فافتدى ببقرة ولعبد بن حميد من
طريق أبى معشر عن نافع عن ابن عمر قال افتدى كعب من أذى كان برأسه فحلقه ببقرة قلدها
وأشعرها ولسعيد بن منصور من طريق ابن أبي ليلى عن نافع عن سليمان بن يسار قيل لابن كعب بن
عجرة ما صنع أبوك حين أصابه الأذى في رأسه قال ذبح بقرة فهذه الطرق كلها تدور على نافع وقد
اختلف عليه في الواسطة الذي بينه وبين كعب وقد عارضها ما هو أصح منها من أن الذي أمر به
كعب وفعله في النسك انما هو شاة وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق المقبري عن أبي
هريرة أن كعب بن عجرة ذبح شاة لأذى كان أصابه وهذا أصوب من الذي قبله واعتمد ابن بطال
على رواية نافع عن سليمان بن يسار فقال أخذ كعب بأرفع الكفارات ولم يخالف النبي صلى الله
عليه وسلم فيما أمره به من ذبح الشاة بل وافق وزاد ففيه أن من أفتى بأيسر الأشياء فله أن يأخذ
بأرفعها كما فعل كعب (قلت) هو فرع ثبوت الحديث ولم يثبت لما قدمته والله أعلم (قوله حدثنا
15

اسحق) هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه كما جزم به أبو نعيم وروح هو ابن عبادة وشبل هو
ابن عباد المكي (قوله رآه وأنه يسقط) كذا للأكثر ولابن السكن وأبي ذر ليسقط بزيادة لام والفاعل
محذوف والمراد القمل وثبت كذلك في بعض الروايات ورواه ابن خزيمة عن محمد بن معمر عن روح
بلفظ رآه وقمله يسقط على وجهه وللإسماعيلي من طريق أبى حذيفة عن شبل رأى قمله يتساقط
على وجهه (قوله فامره أن يحلق وهو بالحديبية ولم يتبين لهم أنهم يحلون الخ) هذه الزيادة ذكرها
الراوي لبيان أن الحلق كان استباحة محظور بسبب الأذى لا لقصد التحلل بالحصر وهو واضح
قال ابن المنذر يؤخذ منه أن من كان على رجاء من الوصول إلى البيت أن عليه أن يقيم حتى ييأس
من الوصول فيحل واتفقوا على أن من يئس من الوصول وجاز له أن يحل فتمادى على احرامه
ثم أمكنه أن يصل أن عليه أن يمضى إلى البيت ليتم نسكه وقال المهلب وغيره ما معناه يستفاد من
قوله ولم يتبين لهم أنهم يحلون أن المرأة التي تعرف أوان حيضها والمريض الذي يعرف أوان حماه
بالعادة فيهما إذا أفطرا في رمضان مثلا في أول النهار ثم ينكشف الامر بالحيض والحمى في ذلك
النهار أن عليهما قضاء ذلك اليوم لان الذي كان في علم الله أنهم يحلون بالحديبية لم يسقط عن كعب
الكفارة التي وجبت عليه بالحلق قبل أن ينكشف الامر لهم وذلك لأنه يجوز أن يتخلف ما عرفاه
بالعادة فيجب القضاء عليهما لذلك (قوله فأنزل الله الفدية) قال عياض ظاهره أن نزول بعد
الحكم وفى رواية عبد الله بن معقل أن النزول قبل الحكم قال فيحتمل أن يكون حكم عليه
بالكفارة بوحي لا يتلى ثم نزل القرآن ببيان ذلك (قلت) وهو يؤيد الجمع المتقدم (قوله وعن محمد بن
يوسف) الظاهر أنه عطف على حدثنا روح فيكون اسحق قد رواه عن روح باسناده وعن محمد بن
يوسف وهو الفريابي باسناده وكذا هو في تفسير اسحق ويحتمل أن تكون العنعنة للبخاري فيكون
أورده عن شيخه الفريابي بالعنعنة كما يروى تارة بالحديث وبلفظ قال وغير ذلك وعلى هذا فيكون
شبيها بالتعليق وقد أورده الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق هاشم بن سعيد عن محمد بن يوسف
الفريابي ولفظه مثل سياق روح في أكثره وكذا هو في تفسير الفريابي بهذا الاسناد وفى حديث
كعب بن عجرة من الفوائد وغير ما تقدم أن السنة مبينة لمجمل الكتاب لاطلاق الفدية في القرآن
وتقييدها بالسنة وتحريم حلق الرأس على المحرم والرخصة له في حلقها إذا أذاه القمل أو غيره من
الأوجاع وفيه تلطف الكبير بأصحابه وعنايته بأحوالهم وتفقده لهم وإذا رأى ببعض أتباعه
ضررا سال عنه وأرشده إلى المخرج منه واستنبط منه بعض المالكية ايجاب الفدية على من
تعمد حلق رأسه بغير عذر فان ايجابها على المعذور من التنبيه بالأدنى على الاعلى لكن لا يلزم من
ذلك التسوية بين المعذور وغيره ومن ثم قال الشافعي والجمهور لا يتخير العامد بل يلزمه الدم
وخالف في ذلك أكثر المالكية واحتج لهم القرطبي بقوله في حديث كعب أو اذبح نسكا قال فهذا
يدل على أنه ليس بهدى قال فعلى هذا يجوز أن يذبحها حيث شاء (قلت) لا دلالة فيه إذ لا يلزم من
تسميتها نسكا أو نسيكة أن لا تسمى هديا أو لا تعطى حكم الهدى وقد وقع تسميتها هديا في الباب
الأخير حيث قال أو تهدى شاة وفى رواية مسلم واهد هديا وفى رواية للطبري هل لك هدى قلت
لا أجد فظهر أن ذلك من تصرف الرواة ويؤيده قوله في رواية مسلم أو اذبح شاة واستدل به على أن
الفدية لا يتعين لها مكان وبه قال أكثر التابعين وقال الحسن تتعين مكة وقال مجاهد النسك بمكة
16

ومنى والاطعام بمكة والصيام حيث شاء وقريب منه قول الشافعي وأبي حنيفة الدم والاطعام
لأهل الحرم والصيام حيث شاء إذ لا منفعة فيه لأهل الحرم وألحق بعض أصحاب أبي حنيفة وأبو
بكر ابن الجهم من المالكية والاطعام بالصيام واستدل به على أن الحج على التراخي لان حديث
كعب دل على أن نزول قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله كان بالحديبية وهى في سنة ست وفيه
بحث والله أعلم * (قوله باب قول الله عز وجل فلا رفث) ذكر فيه حديث أبي هريرة من
حج البيت فلم يرفث أورده من طريق شعبة عن منصور عن أبي حازم عنه ثم قال باب قول الله عز وجل
ولا فسوق ولا جدال في الحج وذكر الحديث بعينه لكن من طريق سفيان وهو الثوري عن
منصور بهذا السند وليس بين السياقين اختلاف الا في قوله في رواية شعبة كما ولدته أمه وفى رواية
سفيان كيوم ولدته أمه وأبو حازم المذكور في الموضعين هو سلمان مولى عزة الأشجعية وصرح
منصور بسماعه له من أبى حازم في رواية شعبة فانتفى بذلك تعليل من أعله بالاختلاف على منصور
لان البيهقي أورده من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي حازم زاد
فيه رجلا فإن كان إبراهيم حفظه فلعله حمله منصور عن هلال ثم لقى أبا حازم فسمعه منه فحدث
به على الوجهين وصرح أبو حازم بسماعه له من أبي هريرة كما تقدم في أوائل الحج من طريق شعبة
أيضا عن يسار عن أبي حازم وقوله كما ولدته أمه أي عاريا من الذنوب وللترمذي من طريق ابن
عيينة عن منصور غفر له ما تقدم من ذنبه ولمسلم من رواية جرير عن منصور من أتى هذا البيت
وهو أعم من قوله في بقية الروايات من حج ويجوز حمل لفظ حج على ما هو أعم من الحج والعمرة
فتساوى رواية من أتى من حيث إن الغالب ان اتيانه انما هو للحج أو للعمرة وقد تقدمت بقية
مباحثه في باب فضل الحج المبرور في أوائل كتاب الحج وتقدم تفسير الرفث وما ذكر معه في آخر
حديث ابن عباس المذكور في باب قول الله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام
* (قوله باب جزاء الصيد ونحوه وقول الله تعالى ولا تقتلوا الصيد) كذا في رواية أبي ذر
وأثبت قبل ذلك البسملة ولغيره باب قول الله تعالى إلى آخره بحذف ما قبله قيل السبب في نزول هذه
الآية ان أبا اليسر بفتح التحتانية والمهملة قتل حمار وحش وهو محرم في عمرة الحديبية فنزلت
حكاه مقاتل في تفسيره ولم يذكر المصنف في رواية أبي ذر في هذه الترجمة حديثا ولعله أشار إلى أنه لم
يثبت على شرطه في جزاء الصيد حديث مرفوع قال ابن بطال اتفق أئمة الفتوى من أهل
الحجاز والعراق وغيرهم على أن المحرم إذا قتل الصيد عمدا أو خطأ فعليه الجزاء وخالف أهل الظاهر
وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية في الخطا وتمسكوا بقوله تعالى متعمدا فان مفهومه ان المخطئ
بخلافه وهو إحدى الروايتين عن أحمد وعكس الحسن ومجاهد فقالا يجب الجزاء في الخطا دون
العمد فيختص الجزاء بالخطا والنقمة بالعمد وعنهما يجب الجزاء على العامد أول مرة فان عاد
كان أعظم لاثمه وعليه النقمة لا الجزاء قال الموفق في المغنى لا نعلم أحدا خالف في وجوب الجزاء
على العامد غيرهما واختلفوا في الكفارة فقال الأكثر هو مخير كما هو ظاهر الآية وقال الثوري
يقدم المثل فإن لم يجد أطعم فإن لم يجد صام وقال سعيد بن جبير انما الطعام والصيام فيما لا يبلغ ثمن
الصيد واتفق الأكثر على تحريم أكل ما صاده المحرم وقال الحسن والثوري وأبو ثور وطائفة
يجوز أكله وهو كذبيحة السارق وهو وجه للشافعية وقال الأكثر أيضا ان الحكم في ذلك
17

ما حكم به السلف لا يتجاوز ذلك وما لم يحكموا فيه يستأنف فيه الحكم وما اختلفوا فيه يجتهد فيه
وقال الثوري الاختيار في ذلك للحكمين في كل زمن وقال مالك يستأنف الحكم والخيار إلى
المحكوم عليه وله أن يقول للحكمين لا تحكما على الا بالاطعام وقال الأكثر الواجب في الجزاء
نظير الصيد من النعم وقال أبو حنيفة الواجب القيمة ويجوز صرفها في المثل وقال الأكثر في
الكبير كبير وفى الصغير صغير وفى الصحيح صحيح وفى الكسير كسير وخالف مالك فقال في الكبير
والصغير كبير وفى الصحيح والمعيب صحيح واتفقوا على أن المراد بالصيد ما يجوز أكله للحلال من
الحيوان الوحشي وان لا شئ فيما يجوز قتله واختلفوا في المتولد فالحقه الأكثر بالمأكول ومسائل
هذا الباب وفروعه كثيرة جدا فلنقتصر على هذا القدر هنا * (قوله باب إذا صاد
الحلال فاهدى للمحرم الصيد أكله) كذا ثبت لأبي ذر وسقط للباقين فجعلوه من جملة الباب الذي
قبله (قوله ولم ير ابن عباس وأنس بالذبح بأسا وهو في غير الصيد نحو الإبل والغنم والبقر والدجاج
والخيل) المراد بالذبح ما يذبحه المحرم والامر ظاهره العموم لكن المصنف خصصه بما ذكر تفقها
فان الصحيح ان حكم ما ذبحه المحرم من الصيد حكم الميتة وقيل يصح مع الحرمة حتى يجوز لغير
المحرم أكله وبه قال الحسن البصري واثر ابن عباس وصله عبد الرزاق من طريق عكرمة ان ابن
عباس أمره أن يذبح جزورا وهو محرم وأما أثر أنس فوصله ابن أبي شيبة من طريق الصباح
البجلي سألت أنس بن مالك عن المحرم يذبح قال نعم وقوله وهو أي المذبوح الخ من كلام المصنف
قاله تفقها وهو متفق عليه فيما عدا الخيل فإنه مخصوص بمن يبيح أكلها (قوله يقال عدل مثل
فإذا كسرت عدل فهو زنة ذلك) أما تفسير العدل بالفتح بالمثل والكسر بالزنة فهو قول أبى عبيدة
في المجاز وغيره وقال الطبري العدل في كلام العرب بالفتح هو قدر الشئ من غير جنسه والعدل
بالكسر قدره من جنسه قال وذهب بعض أهل العلم بكلام العرب إلى أن العدل مصدر من قول
القائل عدلت هذا بهذا وقال بعضهم العدل هو القسط في الحق والعدل بالكسر المثل انتهى وقد
تقدم شئ من هذا في الزكاة (قوله قياما قواما) هو قول أبى عبيدة أيضا وقال الطبري أصله الواو
فحولت عين الفعل ياء كما قالوا في الصوم صمت صياما وأصله صواما قال الشاعر
* قيام دنيا وقوام دين * فرده إلى أصله قال الطبري فالمعنى جعل الله الكعبة بمنزلة الرئيس الذي
يقوم به أمر أتباعه يقال فلان قيام البيت وقوامه الذي يقيم شأنهم (قوله يعدلون يجعلون له
عدلا) هو متفق عليه بين أهل التفسير ومناسبة ايراده هنا ذكر لفظ العدل في قوله أو عدل ذلك
صياما وفى قوله يعدلون فأشار إلى أنهما من مادة واحدة وقوله يجعلون له عدلا أي مثلا تعالى الله
عن قولهم (قوله حدثنا هشام) هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير (قوله عن عبد الله بن أبي
قتادة) في رواية معاوية بن سلام عن يحيى عند مسلم أخبرني عبد الله بن أبي قتادة (قوله انطلق أبى
عام الحديبية) هكذا ساقه مرسلا وكذا أخرجه مسلم من طريق معاذ بن هشام عن أبيه وأخرجه
أحمد عن ابن علية عن هشام لكن أخرجه أبو داود الطيالسي عن هشام عن يحيى فقال عن
عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه انه انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم وفى رواية علي بن المبارك عن
يحيى المذكورة في الباب الذي يليه ان أباه حدثه وقوله بالحديبية أصح من رواية الواقدي من
وجه آخر عن عبد الله بن أبي قتادة ان ذلك كان في عمرة القضية (قوله فاحرم أصحابه ولم يحرم)
18

الضمير لأبي قتادة بينه مسلم أحرم أصحابي ولم أحرم وفى رواية علي بن المبارك وأنبأنا بعدو بغيقة
فتوجهنا نحوهم وفى هذا السياق حذف بينته رواية عثمان بن موهب عن عبد الله بن أبي قتادة
وهى بعد بابين بلفظ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا فخرجوا معه فصرف طائفة منهم
فيهم أبو قتادة فقال خذوا ساحل البحر حتى نلتقى فاخذوا ساحل البحر فلما انصرفوا أحرموا
كلهم الا أبا قتادة وسيأتى الجمع هناك بين قوله في هذه الرواية خرج حاجا وبين قوله في حديث
الباب عام الحديبية إن شاء الله تعالى وبين المطلب عن أبي قتادة عن سعيد بن منصور مكان
صرفهم ولفظه خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغنا الروحاء (قوله وحدث)
بضم أوله على البناء للمجهول وقوله بغيقة أي في غيقة وهو بفتح الغين المعجمة بعدها ياء ساكنة ثم
قاف مفتوحة ثم هاء قال السكوني هو ماء لبنى غفار بين مكة والمدينة وقال يعقوب هو قليب لبنى
ثعلبة يصب فيه ماء رضوى ويصب هو في البحر وحاصل القصة ان النبي صلى الله عليه وسلم لما
خرج في عمرة الحديبية فبلغ الروحاء وهى من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلا أخبروه بان
عدوا من المشركين بوادي غيقة يخشى منهم ان يقصدوا غرته فجهز طائفة من أصحابه فيهم أبو
قتادة إلى جهتهم ليأمن شرهم فلما أمنوا ذلك لحق أبو قتادة وأصحابه بالنبي صلى الله عليه وسلم
فأحرموا الا هو فاستمر هو حلالا لأنه اما لم يجاوز الميقات واما لم يقصد العمرة وبهذا يرتفع
الاشكال الذي ذكره أبو بكر الأثرم قال كنت أسمع أصحابنا يتعجبون من هذا الحديث ويقولون
كيف جاز لأبي قتادة ان يجاوز الميقات وهو غير محرم ولا يدرون ما وجهه قال حتى وجدته في رواية
من حديث أبي سعيد فيها خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحرمنا فلما كنا بمكان كذا إذا
نحن بابى قتادة وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في وجه الحديث قال فإذا أبو قتادة انما جاز له
ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة (قلت) وهذه الرواية التي أشار إليها تقتضى أن أبا قتادة لم يخرج مع
النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وليس كذلك لما بيناه ثم وجدت في صحيح ابن حبان والبزار
من طريق عياض بن عبد الله عن أبي سعيد قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة
على الصدقة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم محرمون حتى نزلوا بعسفان فهذا
سبب آخر ويحتمل جمعهما والذي يظهر أن أبا قتادة انما أخر الاحرام لأنه لم يتحقق انه يدخل مكة
فساغ له التأخير وقد استدل بقصة أبى قتادة على جواز دخول الحرم بغير احرام لمن لم يرد حجا ولا
عمرة وقيل كانت هذه القصة قبل ان يؤقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت وأما قول عياض
ومن تبعه ان أبا قتادة لم يكن خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وانما بعثه أهل
المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمونه ان بعض العرب قصدوا الاغارة على المدينة
فهو ضعيف مخالف لما ثبت في هذه الطريق الصحيحة طريق عثمان بن موهب الآتية بعد
بابين كما أشرت إليها قبل (قوله فبينا أبى مع أصحابه يضحك بعضهم إلى بعض) في رواية علي بن
المبارك فبصر أصحابي بحمار وحش فجعل بعضهم يضحك إلى بعض زاد في رواية أبى حازم
وأحبوا لو أنى أبصرته هكذا في جميع الطرق والروايات ووقع في رواية العذرى في مسلم فجعل
بعضهم يضحك إلى فشددت الياء من إلى قال عياض وهو خطا وتصحيف وانما سقط عليه لفظة
بعض ثم احتج لضعفها بأنهم لو ضحكوا إليه لكانت أكبر إشارة وقد قال لهم النبي صلى الله عليه
19

وسلم هل منكم أحد أمره أو أشار إليه قالوا لا وإذا دل المحرم الحلال على الصيد لم يأكل منه اتفاقا
وانما اختلفوا في وجوب الجزاء انتهى وتعقبه النووي بأنه لا يمكن رد هذه الرواية لصحتها وصحة
الرواية الأخرى وليس في واحدة منهما دلالة ولا إشارة فان مجرد الضحك ليس فيه إشارة قال
بعض العلماء وانما ضحكوا تعجبا من عروض الصيد لهم ولا قدرة لهم عليه (قلت) قوله فان مجرد
الضحك ليس فيه إشارة صحيح ولكن لا يكفي رد دعوى القاضي فان قوله يضحك بعضهم إلى
بعض هو مجرد ضحك وقوله يضحك بعضهم إلى فيه مزيد أمر على مجرد الضحك والفرق بين
الموضعين انهم اشتركوا في رؤيته فاستووا في ضحك بعضهم إلى بعض وأبو قتادة لم يكن رآه
فيكون ضحك بعضهم إليه بغير سبب باعثا له على التفطن إلى رؤيته ويؤيد ما قال القاضي ما وقع
في رواية أبى النضر عن مولى أبى قتادة كما سيأتي في الصيد بلفظ إذ رأيت الناس متشوقين لشئ
فذهبت أنظر فإذا هو حمار وحش فقلت ما هذا فقالوا لا ندري فقلت هو حمار وحش فقالوا هو
ما رأيت ووقع في حديث أبي سعيد عند البزار والطحاوي وابن حبان في هذه القصة وجاء أبو
قتادة وهو حل فنكسوا رؤسهم كراهية أن يحدوا أبصارهم له فيفطن فيراه اه‍ فكيف يظن بهم
مع ذلك انهم ضحكوا إليه فتبين ان الصواب ما قال القاضي وفى قول الشيخ قد صحت الرواية نظر
لان الاختلاف في اثبات هذه اللفظة وحذفها لم يقع في طريقين مختلفين وانما وقع في سياق اسناد
واحد مما عند مسلم فكان مع من أثبت لفظ بعض زيادة علم سالمة من الاشكال فهي مقدمة وبين
محمد بن جعفر في روايته عن أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة كما سيأتي في الهبة ان قصة صيده
للحمار كانت بعد ان اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونزلوا في بعض المنازل ولفظه
كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة ورسول الله
صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا والقوم محرمون وانا غير محرم وبين في هذه الرواية السبب الموجب
لرؤيتهم إياه دون أبى قتادة بقوله فابصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذنوني به
وأحبوا لو أنى أبصرته والتفت فأبصرته ووقع في حديث أبي سعيد المذكور ان ذلك وقع وهم
بعسفان وفيه نظر والصحيح ما سيأتي بعد باب من طريق صالح بن كيسان عن أبي محمد مولى أبى قتادة
عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة ومنا المحرم وغير محرم فرأيت أصحابي يتراءون
شيئا فنظرت فإذا حمار وحش الحديث والقاحة بقاف ومهملة خفيفة بعد الألف موضع
قريب من السقيا كما سيأتي (قوله فنظرت) هذا فيه التفات فان السياق الماضي يقتضى أن يقول
فنظر لقوله فبينا أبى مع أصحابه فالتقدير قال أبى فنظرت وهذا يؤيد الرواية الموصولة
(قوله فإذا أنا بحمار وحش) قد تقدم أن رؤيته له كانت متأخرة عن رؤية أصحابه وصرح بذلك
فضيل بن سليمان في روايته عن أبي حازم كما سيأتي في الجهاد ولفظه فرأوا حمارا وحشيا قبل ان يراه
أبو قتادة فلما رأوه تركوه حتى رآه فركب (قوله فحملت عليه) في رواية محمد بن جعفر فقمت إلى
الفرس فأسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم ناولوني السوط والرمح فقالوا لا
والله لا نعينك عليه بشئ فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت وفى رواية فضيل بن سليمان فركب
فرسا له يقال له الجرادة فسألهم ان يناولوه سوطه فأبوا فتناوله وفى رواية أبى النضر وكنت نسيت
سوطي فقلت لهم ناولوني سوطي فقالوا لا نعينك عليه فنزلت فأخذته ووقع عند النسائي من
20

طريق شعبة عن عثمان بن موهب وعند ابن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع وأخرج
مسلم اسنادهما كلاهما عن أبي قتادة فاختلس من بعضهم سوطا والرواية الأولى أقوى ويمكن
أن يجمع بينهما بأنه رأى في سوط نفسه تقصيرا فاخذ سوط غيره واحتاج إلى اختلاسه لأنه لو طلبه
منه اختيارا لامتنع (قوله فطعنته فأثبته) بالمثلثة ثم الموحدة ثم المثناة أي جعلته ثابتا في مكانه
لا حراك به وفى رواية أبى حازم فشددت على الحمار فعقرته ثم جئت به وقد مات وفى رواية أبى
النضر حتى عقرته فاتيت إليهم فقلت لهم قوموا فاحتملوا فقالوا لا نمسه فحملته حتى جئتهم به
(قوله فأكلنا من لحمه) في رواية فضيل عن أبي حازم فأكلوا فندموا وفى رواية محمد بن جعفر
عن أبي حازم فوقعوا يأكلون منه ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم فرحنا وخبأت العضد
معي وفى رواية مالك عن أبي النضر فاكل منه بعضهم وأبى بعضهم وفى حديث أبي سعيد فجعلوا
يشوون منه وفى رواية المطلب عن أبي قتادة عن سعيد بن منصور فظللنا نأكل منه ما شئنا طبيخا
وشواء ثم تزودنا منه (قوله وخشينا ان نقتطع) أي نصير مقطوعين عن النبي صلى الله عليه وسلم
منفصلين عنه لكونه سبقهم وكذا قوله بعد هذا وخشوا ان يقتطعوا دونك وبين ذلك رواية على
ابن المبارك عن يحيى عند أبي عوانة بلفظ وخشينا ان يقتطعنا العدو وفيها عند المصنف وانهم
خشوا ان يقتطعهم العدو دونك وهذا يشعر بان سبب اسراع أبى قتادة لادراك النبي صلى الله
عليه وسلم خشية على أصحابه ان ينالهم بعض أعدائهم وفى رواية أبى النضر الآتية في الصيد
فأبى بعضهم ان يأكل فقلت أنا أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم فأدركته فحدثته الحديث
ففي هذا سبب ان سبب ادراكه ان يستفتيه عن قصة أكل الحمار ويمكن الجمع بان يكون ذلك بسبب
الامرين (قوله أرفع) بالتخفيف والتشديد أي أكلفه السير وشأوا بالشين المعجمة بعدها همزة
ساكنة أي تارة والمراد انه يركضه تارة ويسير بسهولة أخرى (قوله فلقيت رجلا من بنى غفار)
لم أقف على اسمه (قوله تركته بتعهن وهو قائل السقيا) السقيا بضم المهملة واسكان القاف
بعدها تحتانية مقصورة قرية جامعة بين مكة والمدينة وتعهن بكسر المثناة وبفتحها بعدها عين
مهملة ساكنة ثم هاء مكسورة ثم نون ورواية الأكثر بالكسر وبه قيدها البكري في معجم
البلاد ووقع عند الكشميهني بكسر أوله وثالثه ولغيره بفتحهما وحكى أبو ذر الهروي انه سمعها
من العرب بذلك المكان بفتح الهاء ومنهم من يضم التاء ويفتح العين ويكسر الهاء قيل وهو من
تغييراتهم والصواب الأول وأغرب أبو موسى المديني فضبطه بضم أوله وثانيه وبتشديد الهاء قال
ومنهم من يكسر التاء وأصحاب الحديث يسكنون العين ووقع في رواية الإسماعيلي بدعهن
بالدال المهملة بدل المثناة وقوله قائل قال النووي روى بوجهين أصحهما وأشهرهما بهمزة بين
الألف واللام من القيلولة أي تركته في الليل بتعهن وعزمه ان يقيل بالسقيا فمعنى قوله وهو قائل
أي سيقيل والوجه الثاني انه قابل بالباء الموحدة وهو غريب وكانه تصحيف فان صح فمعناه ان
تعهن موضع مقابل للسقيا فعلى الأول الضمير في قوله وهو للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني
الضمير للموضع وهو تعهن ولا شك ان الأول أصوب وأكثر فائدة وأغرب القرطبي فقال قوله
وهو قائل اسم فاعل من القول أو من القائلة والأول هو المراد هنا والسقيا مفعول بفعل مضمر
وكانه كان بتعهن وهو يقول لأصحابه اقصدوا السقيا ووقع عند الإسماعيلي من طريق ابن
21

علية عن هشام وهو قائم بالسقيا فأبدل اللام في قائل ميما وزاد الباء في السقيا قال الإسماعيلي
الصحيح قائل باللام (قلت) وزيادة الباء توهي الاحتمال الأخير المذكور (قوله فقلت) في السياق
حذف تقديره فسرت فأدركته فقلت ويوضحه رواية علي بن المبارك في الباب الذي يليه بلفظ
فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيته فقلت يا رسول الله (قوله إن أهلك يقرؤن عليك
السلام) المراد بالأهل هنا الأصحاب بدليل رواية مسلم واحمد وغيرهما من هذا الوجه بلفظ ان
أصحابك (قوله فانتظرهم) بصيغة فعل الامر من الانتظار زاد مسلم من هذا الوجه فانتظرهم
بصيغة الفعل الماضي منه ومثله لأحمد عن ابن علية وفى رواية على ابن المبارك فانتظرهم ففعل
(قوله أصبت حمار وحش وعندي منه فاضلة) كذا للأكثر بضاد معجمة أي فضلة قال الخطابي
قطعة فضلت منه فهي فاضلة أي باقية (قوله فقال للقوم كلوا) سيأتي الكلام عليه وعلى ما في
الحديث من الفوائد بعد بابين * (قوله باب إذا رأى المحرمون صيدا فضحكوا ففطن
الحلال) أي لا يكون ذلك منهم إشارة له إلى الصيد فيحل لهم أكل الصيد ويجوز كسر الطاء من
فطن وفتحها (قوله عن يحيى) هو ابن أبي كثير (قوله وأنبأنا) بضم أوله أي أخبرنا (قوله فبصر)
بفتح الموحدة وضم المهملة و في رواية الكشميهني فنظر بنون وظاء مشالة وعلى هذا فدخول
الباء في قوله بحمار وحش مشكل الا ان يقال ضمن نظر معنى بصر أو الباء بمعنى إلى علي مذهب
من يقول إنها تتناوب (قوله انا اصدنا) بتشديد المهملة والدال للأكثر بالادغام وأصله اصطدنا
فأبدلت الطاء مثناة ثم أدغمت ولبعضهم بتخفيف الصاد وسكون الدال أي أثرنا من الأصاد وهو
الإثارة ولبعضهم صدنا بغير الف * (قوله باب لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد)
أي بفعل ولا قول قيل أراد بهذه الترجمة الرد على من فرق من أهل الرأي بين الإعانة التي لا يتم
الصيد الا بها فتحرم وبين الإعانة التي يتم الصيد بدونها فلا تحرم (قوله حدثنا عبد الله) هو ابن
محمد الجعفي المسندي وسفيان هو ابن عيينة (قوله عن صالح) في رواية كريمة وغيرها حدثنا
صالح (قوله بالقاحة) بالقاف والمهملة واد على نحو ميل من السقيا إلى جهة المدينة ويقال لواديها
وادى العباديد وقد بين المصنف في الطريق الأولى انها من المدينة على ثلاث أي ثلاث مراحل
قال عياض رواه الناس بالقاف الا القابسي فضبطوه عنه بالفاء وهو تصحيف (قلت) ووقع
عند الجوزقي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن سفيان بالصفاح بدل القاحة والصفاح بكسر
المهملة بعدها فاء وآخره مهملة وهو تصحيف فان الصفاح موضع بالروحاء وبين الروحاء وبين
السقيا مسافة طويلة وقد تقدم ان الروحاء هو المكان الذي ذهب أبو قتادة وأصحابه منه إلى جهة
البحر ثم التقوا بالقاحة وبها وقع له الصيد المذكور وكأنه تأخر هو ورفقته للراحة أو غيرها
وتقدمهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى السقيا حتى لحقوه (قوله وحدثنا علي بن عبد الله)
هو ابن المديني هكذا حول المصنف الاسناد إلى رواية على للتصريح فيه عن سفيان بقوله حدثنا
صالح بن كيسان وقد اعتبرته فوجدته ساق المتن على لفظ على خاصة وهذه عادة المصنف غالبا
22

إذا تحول إلى اسناد ساق المتن على لفظ الثاني (قوله عن أبي محمد) هو نافع مولى أبى قتادة الذي
روى عنه أبو النضر وسيأتى في كتاب الصيد من طريق مالك وغيره عنه ووقع عند مسلم عن ابن
عمر عن سفيان عن صالح سمعت أبا محمد مولى أبى قتادة وكذا وقع هنا في رواية كريمة ولأحمد من
طريق سعد بن إبراهيم سمعت رجلا كان يقال له مولى أبى قتادة ولم يكن مولى أي لأبي قتادة وفى
رواية ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة ان نافعا مولى بنى غفار فتحصل من ذلك أنه لم يكن مولى
لأبي قتادة حقيقة وقد صرح بذلك ابن حبان فقال هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية وكان يقال
له مولى أبى قتادة نسب إليه ولم يكن مولاه (قلت) فيحتمل أنه نسب إليه لكونه كان زوج مولاته
أو للزومه إياه أو نحو ذلك كما وقع لمقسم مولى ابن عباس وغيره والله أعلم (قوله يتراءون يتفاعلون
من الرؤية (قوله فإذا حمار وحش يعنى وقع سوطه فقالوا لا نعينك) كذا وقع هنا والشك
فيه من البخاري فقد رواه أبو عوانة عن أبي داود الحراني عن علي بن المديني بلفظ فإذا حمار وحش
فركبت فرسى وأخذت الرمح والسوط فسقط منى السوط فقلت ناولوني فقالوا ليس نعينك
عليه بشئ انا محرمون وفى قولهم انا محرمون دلالة على أنهم كانوا قد علموا أنه يحرم على المحرم
الإعانة على قتل الصيد (قوله فتناولته) (3) زاد أبو عوانة بشئ وبهذا يندفع اشكال من قال ذكر
التناول بعد الاخذ تكرار أو معناه تكلفت الاخذ فأخذته (قوله من وراء أكمة) بفتحات
هن التل من حجر واحد وقد تقدم ذكرها في الاستسقاء (قوله فقال بعضهم كلوا) قد تقدم من عدة
أوجه انهم أكلوا والظاهر أنهم أكلوا أول ما أتاهم به ثم طرأ عليهم الشك كما في لفظ عثمان بن
موهب في الباب الذي يليه فأكلنا من لحمها ثم قلنا أنأكل من لحم صيد ونحن محرمون وأصرح من
ذلك رواية أبى حازم في الهبة بلفظ ثم جئت به فوقعوا فيه يأكلون ثم إنهم شكوا في اكلهم إياه
وهم حرم وفى حديث أبي سعيد فجعلوا يشوون منه ثم قالوا رسول الله بين أظهرنا وكان تقدمهم
فلحقوه فسألوه (قوله وهو أمامنا) بفتح أوله (قوله فقال كلوه حلال) كذا وقع بحذف المبتدا
وبين ذلك أبو عوانة فقال كلوه فهو حلال وفى رواية مسلم فقال هو حلال فكلوه (قوله قال لنا
عمرو) أي ابن دينار وصرح به أبو عوانة في روايته والقائل سفيان والغرض بذلك تأكيد ضبطه له
وسماعه له من صالح وهو ابن كيسان وقوله ههنا يعنى مكة * والحاصل ان صالح بن كيسان كان
مدنيا فقدم مكة فدل عمرو بن دينار أصحابه عليه ليسمعوا منه وقرأت بخط بعض من تكلم على
هذا الحديث ما نصه في قول سفيان قال لنا عمرو إلى آخره اشكال فان سفيان روى ذلك عن صالح
فكيف يقول له عمرو ولمن معه اذهبوا إلى صالح فيحتمل أنه قال ذلك تأكيدا في تجديد سماع
سفيان ذلك منه مرة بعد أخرى ويؤخذ منه ان سفيان حدث بذلك عن صالح في حال حياته انتهى
وهو احتمال بعيد جدا وزعم أن عمرو بن دينار قال لهم ذلك حين قدم عليهم الكوفة قال وكانه
سمع سفيان يحدث به عن صالح فصدقه وأكده بما قال وقوله اذهبوا إليه أي إلى صالح بالمدينة
اه‍ وهذا أبعد من الأول وما سمعه سفيان من صالح الا بمكة ولم يقدم عمرو الكوفة وانما قال
ذلك لسفيان وهما بمكة وما حدث به سفيان لعلى الا بعد موت صالح وعمرو بمدة طويلة وأراد
بقوله قال لنا عمرو اذهبوا إلى آخره كيفية تحمله له من صالح وانه بدلالة عمرو والله أعلم * (قوله
باب لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال) أشار المصنف إلى تحريم ذلك ولم
23

يتعرض لوجوب الجزاء في ذلك وهى مسئلة خلاف فاتفقوا كما تقدم على تحريم الإشارة إلى
الصيد ليصطاد وعلى سائر وجوه الدلالات على المحرم لكن قيده أبو حنيفة بما إذا لم يمكن الاصطياد
بدونها واختلفوا في وجوب الجزاء على المحرم إذا دل الحلال على الصيد بإشارة أو غيرها أو أعان
عليه فقال الكوفيون واحمد واسحق يضمن المحرم ذلك وقال مالك والشافعي لا ضمان عليه كما لو
دل الحلال حلالا على قتل صيد في الحرم قالوا ولا حجة في حديث الباب لان السؤال عن الإعانة
والإشارة انما وقع ليبين لهم هل يحل لهم اكله أولا ولم يتعرض لذكر الجزاء واحتج الموفق بأنه قول
على وابن عباس ولا نعلم لهما مخالفا من الصحابة وأجيب بأنه اختلف فيه على ابن عباس وفى
ثبوته عن علي نظر ولان القاتل انفرد بقتله باختياره مع انفصال الدال عنه فصار كمن دل محرما
أو صائما على امرأة فوطئها فإنه يأثم بالدلالة ولا يلزمه كفارة ولا يفطر بذلك (قوله حدثنا عثمان
هو ابن موهب) بفتح الهاء وموهب جده وهو عثمان بن عبد الله التيمي مدني تابعي ثقة روى هنا
عن تابعي أكبر منه قليلا (قوله خرج حاجا) قال الإسماعيلي هذا غلط فان القصة كانت في عمرة
وأما الخروج إلى الحج فكان في خلق كثير وكان كلهم على الجادة لا على ساحل البحر ولعل الراوي
أراد خرج محرما فعبر عن الاحرام بالحج غلطا (قلت) لا غلط في ذلك بل هو من المجاز السائغ
وأيضا فالحج في الأصل قصد البيت فكانه قال خرج قاصدا للبيت ولهذا يقال للعمرة الحج الأصغر
ثم وجدت الحديث من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن أبي عوانة بلفظ خرج حاجا أو معتمرا
أخرجه البيهقي فتبين ان الشك فيه من أبى عوانة وقد جزم يحيى بن أبي كثير بان ذلك كان في عمرة
الحديبية وهذا هو المعتمد (قوله الا أبا قتادة) كذا الكشميهني ولغيره الا أبو قتادة بالرفع ووقع
بالنصب عند مسلم وغيره من هذا الوجه قال ابن مالك في التوضيح حق المستثنى بالأمن كلام تام
موجب ان ينصب مفردا كان أو مكملا معناه بما بعده فالمفرد نحو قوله تعالى الأخلاء يومئذ
بعضهم لبعض عدو الا المتقين والمكمل نحو انا لمنجوهم أجمعين الا امرأته قدرنا انها لمن
الغابرين ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين في هذا النوع الا النصب وقد أغفلوا وروده
مرفوعا بالابتداء مع ثبوت الخبر ومع حذفه فمن أمثلة الثابت الخبر قول أبى قتادة أحرموا
كلهم الا أبو قتادة لم يحرم فالا بمعنى لكن وأبو قتادة مبتدأ ولم يحرم خبره ونظيره من كتاب الله
تعالى ولا يلتفت منكم أحد الا امرأتك انه مصيبها ما أصابهم فإنه لا يصح ان يجعل امرأتك
بدلا من أحد لأنها لم تسر معهم فيتضمنها ضمير المخاطبين وتكلف بعضهم بأنه وان لم يسر بها
لكنها شعرت بالعذاب فتبعتهم ثم التفتت فهلكت قال وهذا على تقدير صحته لا يوجب دخولها
في المخاطبين ومن أمثلة المحذوف الخبر قوله صلى الله عليه وسلم كل أمتي معافى الا المجاهرون
أي لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون ومنه من كتاب الله تعالى قوله تعالى فشربوا منه الا
قليل منهم أي لكن قليل منهم لم يشربوا قال وللكوفيين في هذا الثاني مذهب آخر وهو أن
يجعلوا الا حرف عطف وما بعدها معطوف على ما قبلها اه‍ وفى نسبة الكلام المذكور لابن أبي
قتادة دون أبى قتادة نظر فان سياق الحديث ظاهر في أن قوله قول أبى قتادة حيث قال إن أباه
أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا فخرجوا معه فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة
إلى أن قال أحرموا كلهم الا أبو قتادة وقول أبى قتادة فيهم أبو قتادة من باب التجريد وكذا قوله
24

الا أبو قتادة ولا حاجة إلى جعله من قول ابنه لأنه يستلزم أن يكون الحديث مرسلا ومن توجيه
الرواية المذكورة وهى قوله الا أبو قتادة أن يكون على مذهب من يقول علي بن أبو طالب (قوله
فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا) في هذا السياق زيادة على جميع الروايات لأنها متفقة على
افراد الحمار بالرؤية وأفادت هذه الرواية انه من جملة الحمر وأن المقتول كان أتانا أي أنثى فعلى
هذا في اطلاق الحمار عليها تجوز (قوله فحملنا ما بقى من لحم الأتان) في رواية أبى حازم الآتية
للمصنف في الهبة فرحنا وخبأت العضد معي وفيه معكم منه شئ فناولته العضد فاكلها حتى
تعرقها وله في الجهاد قال معنا رجله فاخذها فاكلها وفى رواية المطلب قد رفعنا لك الذراع فاكل
منها (قوله قال أمنكم أحد أمره ان يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا) وفى رواية مسلم هل منكم
أحد أمره أو أشار إليه بشئ وله من طريق شعبة عن عثمان هل أشرتم أو أعنتم أو اصطدتم ولابى
عوانة من هذا الوجه أشرتم أو اصطدتم أو قتلتم (قوله قال فكلوا ما بقى من لحمها) صيغة الامر
هنا للإباحة لا للوجوب لأنها وقعت جوابا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب فوقعت
الصيغة على مقتضى السؤال ولم يذكر في هذه الرواية انه صلى الله عليه وسلم أكل من لحمها وذكره
في روايتي أبى حازم عن عبد الله بن أبي قتادة كما تراه ولم يذكر ذلك أحد من الرواة عن عبد الله بن أبي
قتادة غيره ووافقه صالح بن حسان عند أحمد وأبى داود الطيالسي وأبى عوانة ولفظه فقال
كلوا وأطعموني وكذا لم يذكرها أحد من الرواة عن أبي قتادة نفسه الا المطلب عن سعيد بن
منصور ووقع لنا من رواية أبى محمد وعطاء بن يسار وأبى صالح كما سيأتي في الصيد ومن رواية أبى
سلمة بن عبد الرحمن عن إسحاق ومن رواية عبادة بن تميم وسعد بن إبراهيم عند أحمد وتفرد معمر
عن يحيى بن أبي كثير بزيادة مضادة لروايتي أبى حازم كما أخرجه اسحق وابن خزيمة والدارقطني من
طريقه وقال في آخره فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت انما اصطدته لك فامر
أصحابه فاكلوه ولم يأكل منه حين أخبرته انى اصطدته له قال ابن خزيمة وأبو بكر النيسابوري
والدارقطني والجوزقي تفرد بهذه الزيادة معمر قال ابن خزيمة إن كانت هذه الزيادة محفوظة
احتمل ان يكون صلى الله عليه وسلم أكل من لحم ذلك الحمار قبل ان يعلمه أبو قتادة انه اصطاده من
أجله فلما أعلمه امتنع اه‍ وفيه نظر لأنه لو كان حراما ما أقر النبي صلى الله عليه وسلم على الاكل
منه إلى أن أعلمه أبو قتادة بأنه صاده لأجله ويحتمل ان يكون ذلك لبيان الجواز فان الذي يحرم على
المحرم انما هو الذي يعلم أنه صيد من أجله وأما إذا أتى بلحم لا يدرى ألحم صيد أو لا فحمله على
أصل الإباحة فاكل منه لم يكن ذلك حراما على الآكل وعندي بعد ذلك فيه وقفة فان الروايات
المتقدمة ظاهرة في أن الذي تأخر هو العضد وأنه صلى الله عليه وسلم أكلها حتى تعرقها أي لم يبق
منها الا العظم ووقع عند البخاري في الهبة حتى نفدها أي فرغها فأي شئ يبقى منها حينئذ حتى
يأمر أصحابه باكله لكن رواية أبى محمد الآتية في الصيد أبقى معكم شئ منه قلت نعم قال كلوا
فهو طعمة أطعمكموها الله فاشعر بأنه بقى منها غير العضد والله أعلم وسيأتى البحث في حكم
ما يصيده الحلال بالنسبة إلى المحرم في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى وفى حديث أبي قتادة من
الفوائد أن تمنى المحرم ان يقع من الحلال الصيد ليأكل المحرم منه لا يقدح في احرامه وان
الحلال إذا صاد لنفسه جاز للمحرم الاكل من صيده وهذا يقوى من حمل الصيد في قوله تعالى
25

وحرم عليكم صيد البر على الاصطياد وفيه الاستيهاب من الأصدقاء وقبول الهدية من الصديق
وقال عياض عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أبى قتادة ذلك تطييبا لقلب من أكل
منه بيانا للجواز بالقول والفعل لإزالة الشبهة التي حصلت لهم وفيه تسمية الفرس وألحق المصنف
به الحمار فترجم له في الجهاد وقال ابن العربي قالوا تجوز التسمية لما لا يعقل وإن كان لا يتفطن له ولا
يجيب إذا نودي مع أن بعض الحيوانات ربما أدمن على ذلك بحيث يصير يميز اسمه إذا دعى به وفيه
امساك نصيب الرفيق الغائب ممن يتعين احترامه أو ترجى بركته أو يتوقع منه ظهور حكم تلك
المسئلة بخصوصها وفيه تفريق الامام أصحابه للمصلحة واستعمال الطليعة في الغزو وتبليغ
السلام عن قرب وعن بعد وليس فيه دلالة على جواز ترك رد السلام ممن بلغه لأنه يحتمل ان يكون
وقع وليس في الخبر ما ينفيه وفيه ان عقر الصيد ذكاته وجواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله
عليه وسلم قال ابن العربي هو اجتهاد بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم لا في حضرته وفيه العمل
بما أدى إليه الاجتهاد ولو تضاد المجتهدان ولا يعاب واحد منهما على ذلك لقوله فلم يعب ذلك علينا
وكان الآكل تمسك بأصل الإباحة والممتنع نظر إلى الامر الطارئ وفيه الرجوع إلى النص عند
تعارض الأدلة وركض الفرس في الاصطياد والتصيد في الأماكن الوعرة والاستعانة بالفارس
وحمل الزاد في السفر والرفق بالأصحاب والرفقاء في السير واستعمال الكناية في الفعل كما تستعمل
في القول لانهم استعملوا الضحك في موضع الإشارة لما اعتقدوه من أن الإشارة لا تحل وفيه جواز
سوق الفرس للحاجة والرفق به مع ذلك لقوله وأسير شأوا ونزول المسافر وقت القائلة وفيه ذكر
الحكم مع الحكمة في قوله انما هي طعمة أطعمكموها الله (تكملة) لا يجوز للمحرم قتل الصيد الا
ان صال عليه فقتله دفعا فيجوز ولا ضمان عليه والله أعلم * (قوله باب إذا أهدى) أي
الحلال للمحرم (حمارا وحشيا حيا لم يقبل) كذا قيده في الترجمة بكونه حيا وفيه إشارة إلى أن
الرواية التي تدل على أنه كان مذبوحا موهمة وسأبين ما في ذلك إن شاء الله تعالى (قوله عن ابن شهاب
الخ) لم يختلف على مالك في سياقه معنعنا وانه من مسند الصعب الا ما وقع في موطأ ابن وهب
فإنه قال في روايته عن ابن عباس ان الصعب بن جثامة أهدى فجعله من مسند ابن عباس نبه
على ذلك الدارقطني في الموطآت وكذا أخرجه مسلم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال أهدى الصعب والمحفوظ في حديث مالك الأول وسيأتي للصنف في الهبة من طريق
شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيد الله ان ابن عباس أخبره انه سمع الصعب وكان من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أنه أهدى والصعب بفتح الصاد وسكون العين المهملتين بعدها
موحدة وأبو جثامة بفتح الجيم وتثقيل المثلثة وهو من بنى ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وكان
ابن أخت أبي سفيان بن حرب أمه زينب بنت حرب بن أمية وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخى
بينه وبين عوف بن مالك (قوله حمارا وحشيا) لم تختلف الرواة عن مالك في ذلك وتابعه عامة
الرواة عن الزهري وخالفهم ابن عيينة عن الزهري فقال لحم حمار وحش أخرجه مسلم لكن بين
الحميدي صاحب سفيان انه كان يقول في هذا الحديث حمار وحش ثم صار يقول لحم حمار
وحش فدل على اضطرابه فيه وقد توبع على قوله لحم حمار وحش من أوجه فيها مقال منها
ما أخرجه الطبراني من طريق عمرو بن دينار عن الزهري لكن اسناده ضعيف وقال اسحق في
26

مسنده أخبرنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن الزهري فقال لحم حمار وقد خالفه
خالد الواسطي عن محمد بن عمرو فقال حمار وحش كالأكثر أخرجه الطبراني من طريق ابن إسحاق
عن الزهري فقال رجل حمار وحش وابن اسحق حسن الحديث الا انه لا يحتج به إذا خولف
ويدل على وهم من قال فيه عن الزهري ذلك ابن جريج قال قلت للزهري الحمار عقير قال لا أدرى
أخرجه ابن خزيمة وابن عوانة في صحيحيهما وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر ان الذي أهداه
الصعب لحم حمار فأخرجه مسلم من طريق الحاكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أهدى
الصعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل حمار وفى رواية عنده عجز حمار وحش يقطر دما
وأخرجه أيضا من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد قال تارة حمار وحش وتارة شق حمار
ويقوى ذلك ما أخرجه مسلم أيضا من طريق طاوس عن ابن عباس قال قدم زيد بن أرقم فقال له
عبد الله بن عباس يستذكره كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو حرام قال أهدى له عضو من لحم صيد فرده وقال انا لا نأكله انا حرم وأخرجه أبو داود وابن
حبان من طريق عطاء عن ابن عباس أنه قال يا زيد بن أرقم هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذكره واتفقت الروايات كلها على أنه رده عليه الا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه
باسناد حسن من طريق عمرو بن أمية ان الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش
وهو بالجحفة فاكل منه وأكل القوم قال البيهقي إن كان هذا محفوظا فلعله رد الحي وقبل اللحم
قلت وفى هذا الجمع نظر لما بينته فإن كانت الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيا لكونه صيد
لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقبله تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله وقد قال الشافعي في الام
إن كان الصعب أهدى له حمارا حيا فليس للمحرم ان يذبح حمار وحش حي وإن كان أهدى له لحما
فقد يحتمل ان يكون علم أنه صيد له ونقل الترمذي عن الشافعي انه رده لظنه انه صيد من أجله
فتركه على وجه التنزه ويحتمل ان يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقت آخر
وهو حال رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك بالجحفة وفى غيرها
من الروايات بالابواء أو بودان وقال القرطبي يحتمل ان يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحا ثم
قطع منه عضوا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقدمه له فمن قال أهدى حمارا أراد بتمامه
مذبوحا لا حيا ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم قال ويحتمل ان يكون من
قال حمارا أطلق وأراد بعضه مجازا قال ويحتمل انه أهداه له حيا فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو
منه ظانا انه انما رده عليه لمعنى يختص بجملته فأعلمه بامتناعه ان حكم الجزء من الصديق حكم
الكل قال والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات وقال النووي ترجم البخاري بكون
الحمار حيا وليس في سياق الحديث تصريح بذلك وكذا نقلوا هذا التأويل عن مالك وهو باطل
لان الروايات التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح انتهى وإذا تأملت ما تقدم لم يحسن اطلاقه
بطلان التأويل المذكور ولا سيما في رواية الزهري التي هي عمدة هذا الباب وقد قال الشافعي
في الام حديث مالك ان الصعب أهدى حمارا أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار
وقال الترمذي روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب لحم حمار وحش وهو غير محفوظ
(قوله بالابواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد جبل من عمل الفرع بضم الفاء والراء بعدها
27

مهملة قيل سمى الأبواء لوبائه على القلب وقيل لان السيول تتبوؤه أي تحله (قوله أو بودان)
شك من الراوي وهو بفتح الواو وتشديد الدال وآخرها نون موضع بقرب الجحفة وقد سبق في
حديث عمرو بن أمية انه كان بالجحفة وودان أقرب إلى الجحفة من الأبواء فان من الأبواء إلى الجحفة
للآتي من المدينة ثلاثة وعشرين ميلا ومن ودان إلى الجحفة ثمانية أميال وبالشك جزم أكثر
الرواة وجزم ابن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودان وجزم معمر وعبد الرحمن بن إسحاق
ومحمد بن عمرو بالابواء والذي يظهر لي ان الشك فيه من ابن عباس لان الطبراني أخرج الحديث
من طريق عطاء عنه على الشك أيضا (قوله فلما رأى ما في وجهه) في رواية شعيب فلما عرف في
وجهي رده هديتي وفى رواية الليث عن الزهري عند الترمذي فلما رأى ما في وجهه من
الكراهية وكذا لابن خزيمة من طريق ابن جريج المذكورة (قوله انا لم نرده) عليك في رواية
شعيب وابن جريج ليس بنا رد عليك وفى رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند الطبراني
انا لم نرده عليك كراهية له ولكنا حرم قال عياض ضبطناه في الروايات لم نرده بفتح الدال وأبى ذلك
المحققون من أهل العربية وقالوا الصواب انه بضم الدال لان المضاعف من المجزوم يراعى فيه
الواو التي توجبها له ضمة الهاء بعدها قال وليس الفتح بغلط بل ذكره ثعلب في الفصيح نعم تعقبوه
عليه بأنه ضعيف وأوهم صنيعه انه فصيح وأجازوا أيضا الكسر وهو أضعف الأوجه (قلت) ووقع
في رواية الكشميهني بفك الادغام لم نردده بضم الأولى وسكون الثانية ولا اشكال فيه (قوله
الا انا حرم) زاد صالح بن كيسان عند النسائي لا نأكل الصيد وفى رواية سعيد عن ابن عباس لولا
أنا محرمون لقبلناه منك واستدل بهذا الحديث على تحريم الاكل من لحم الصيد على المحرم
مطلقا لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرما فدل على أنه سبب الامتناع خاصة وهو قول على
وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق لحديث الصعب هذا ولما أخرجه أبو داود وغيره
من حديث على أنه قال لناس من أشجع أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل
حمار وحش وهو محرم فأبى ان يأكله قالوا نعم لكن يعارض هذا الظاهر ما أخرجه مسلم أيضا من
حديث طلحة انه أهدى له لحم طير وهو محرم فوقف من أكله وقال أكلناه مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم وحديث أبي قتادة المذكور في الباب قبله وحديث عمير بن سلمة ان البهزي أهدى
للنبي صلى الله عليه وسلم ظبيا وهو محرم فامر أبا بكر ان يقسمه بين الرفاق أخرجه مالك وأصحاب
السنن وصححه ابن خزيمة وغيره وبالجواز مطلقا قال الكوفيون وطائفة من السلف وجمع
الجمهور بين ما اختلف من ذلك بان أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدى
منه للمحرم وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم قالوا والسبب في الاقتصار
على الاحرام عند الاعتذار للصعب ان الصيد لا يحرم على المرء إذا صيد له الا إذا كان محرما فبين
الشرط الأصلي وسكت عما عداه فلم يدل على نفيه وقد بينه في الأحاديث الاخر ويؤيد هذا الجمع
حديث جابر مرفوعا صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم أخرجه الترمذي والنسائي
وابن خزيمة (قلت) وقد تقدم ان عند النسائي من رواية صالح بن كيسان انا حرم لا نأكل الصيد
فبين العلتين جميعا وجاء عن مالك تفصيل آخر بين ما صيد للمحرم قبل احرامه يجوز له الاكل منه
أو بعد احرامه فلا وعن عثمان التفصيل بين ما يصاد لأجله من المحرمين فيمتنع عليه ولا يمتنع على
28

محرم آخر وقال ابن المنير في الحاشية حديث الصعب يشكل على مالك لأنه يقول ما صيد من أجل
المحرم يحرم على المحرم وعلى غير المحرم فيمكن ان يقال قوله فرده عليه لا يستلزم انه أباح له اكله بل
يجوز ان يكون امره بارساله إن كان حيا وطرحه إن كان مذبوحا فان السكوت عن الحكم لا يدل
على الحكم بضده وتعقب بأنه وقت البيان فلو لم يجز له الانتفاع به لم يرده عليه أصلا إذ لا اختصاص
له به وفى حديث الصعب الحكم بالعلامة لقوله فلما رأى ما في وجهي وفيه جواز رد الهدية لعلة
وترجم له المصنف من رد الهدية لعلة وفيه الاعتذار عن رد الهدية تطييبا لقلب المهدى وان
الهبة لا تدخل في الملك الا بالقبول وان قدرته على تملكها لا تصيره مالكا لها وان على المحرم أن
يرسل ما في يده من الصيد الممتنع عليه اصطياده * (قوله باب ما يقتل المحرم من الدواب)
أي مما لا يجب عليه فيه الجزاء وذكر المصنف فيه ثلاثة أحاديث الأول منها اختلف فيه على ابن عمر
فساقه المصنف على الاختلاف كما سأبينه (قوله خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن
جناح) كذا أورده مختصرا وأحال به على طريق سالم وهو في الموطأ وتمامه الغراب والحدأة
والعقرب والفأرة والكلب العقور (قوله وعن عبد الله بن دينار) هو معطوف على الطريق
الأولى وهو في الموطأ كذلك عن نافع عن ابن عمر وعن عبد الله بن دينار عن ابن عمر وقد أورده
المصنف في بدء الخلق عن القعنبي عن مالك وساق لفظه مثله سواء وكذا أخرجه مسلم من طريق
إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار وأخرجه أحمد من طريق شعبة عن عبد الله بن دينار
فقال الحية بدل العقرب (قوله عن زيد بن جبير) هو الطائي الكوفي ليس له في الصحيح رواية عن
غير ابن عمر ولا له فيه الا هذا الحديث وآخر تقدم في المواقيت وقد خالف نافعا وعبد الله بن دينار
في ادخال الواسطة بين ابن عمر وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ووافق سالما الا ان
زيدا أبهمها وسالما سماها (قوله حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال يقتل المحرم) كذا ساق منه هذا القدر وأحال به على الطريق التي بعده وفيه
إشارة منه إلى تفسير المبهمة فيه بأنها المسماة في الرواية الأخرى فقد وصله أبو نعيم
في المستخرج من طريق أبى خليفة عن مسدد باسناد البخاري وبقيته كرواية حفصة الا ان فيه
تقديما وتأخيرا في بعض الأسماء وأخرجه مسلم عن شيبان عن أبي عوانة فزاد فيه أشياء ولفظه
سأل رجل ابن عمر ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم فقال حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله
عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفارة والعقرب والحدأة والغراب والحية قال وفى
الصلاة أيضا فلم يقل في أوله خمسا وزاد الحية وزاد في آخره ذكر الصلاة لينبه بذلك على جواز قتل
المذكورات في جميع الأحوال وسأذكر البحث في ذلك ولم أر هذه الزيادة في غير هذه الطريق فقد
أخرجه مسلم من طريق زهير بن معاوية والإسماعيلي من طريق إسرائيل كلاهما عن زيد بن
جبير بدونها (قوله عن يونس) هو ابن يزيد (قوله عن سالم) في رواية مسلم أخبرني سالم أخرجه عن
حرملة عن ابن وهب (قوله قال عبد الله) في رواية مسلم قال لي عبد الله
وفى رواية الإسماعيلي
عن سالم عن أبيه أخرجه من طريق إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب (قوله قالت حفصة) في رواية
الإسماعيلي عن حفصة وهذا والذي قبله قد يوهم ان عبد الله بن عمر ما سمع هذا الحديث من
النبي صلى الله عليه وسلم ولكن وقع في بعض طرق نافع عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
29

أخرجه مسلم من طريق ابن جريج قال أخبرني نافع وقال مسلم بعده لم يقل أحد عن نافع عن ابن
عمر سمعت الا ابن جريج وتابعه محمد بن إسحاق ثم ساقه من طريق ابن إسحاق عن نافع كذلك
فالظاهر أن ابن عمر سمعه من أخته حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه أيضا من النبي صلى
الله عليه وسلم يحدث به حين سئل عنه فقد وقع عند أحمد من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال
نادى رجل ولابى عوانة في المستخرج من هذا الوجه ان أعرابيا نادى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما نقتل من الدواب إذا أحرمنا والظاهر أن المبهمة في رواية زيد بن جبير هي حفصة ويحتمل
أن تكون عائشة وقد رواه ابن عيينة عن ابن شهاب فاسقط حفصة من الاسناد والصواب اثباتها
في رواية سالم والله أعلم الحديث الثاني حديث عائشة في المعنى (قوله أخبرني يونس) هو ابن يزيد
أيضا وظهر بهذا أن لابن وهب عنه عن الزهري فيه اسنادين سالم عن أبيه عن حفصة وعروة عن
عائشة وقد كان ابن عيينة ينكر طريق الزهري عن عروة قال الحميدي عن سفيان حدثنا والله
الزهري عن سالم عن أبيه فقيل له ان معمرا يرويه عن الزهري عن عروة عن عائشة فقال حدثنا
والله الزهري لم يذكر عروة (قلت) وطريق معمر المشار إليها أوردها المصنف في بدء الخلق من طريق
يزيد بن زريع عنه ورواها النسائي من طريق عبد الرزاق قال عبد الرزاق ذكر بعض أصحابنا ان
معمرا كان يذكره عن الزهري عن سالم عن أبيه وعن عروة عن عائشة وطريق الزهري عن عروة
رواها أيضا سعيد بن أبي حمزة عند أحمد وأبان بن صالح عند النسائي ومن حفظ حجة على من لم يحفظ
وقد تابع الزهري عن عروة هشام بن عروة أخرجه مسلم أيضا (قوله خمس) التقييد بالخمس وإن كان
مفهومه اختصاص المذكورات بذلك لكنه مفهوم عدد وليس بحجة عند الأكثر وعلى
تقدير اعتباره فيحتمل ان يكون قاله صلى الله عليه وسلم أولا ثم بين بعد ذلك ان غير الخمس يشترك
معها في الحكم فقد ورد في بعض طرق عائشة بلفظ أربع وفى بعض طرقها بلفظ ست فاما
طريق أربع فاخرجها مسلم من طريق القاسم عنها فاسقط العقرب وأما طريق ست فاخرجها
أبو عوانة في المستخرج من طريق المحاربي عن هشام عن أبيه عنها فاثبتها وزاد الحية ويشهد لها
طريق شيبان التي تقدمت من عند مسلم وإن كانت خالية عن العدد وأغرب عياض فقال وفى غير
كتاب مسلم ذكر الأفعى فصارت سبعا وتعقب بان الأفعى داخلة في مسمى الحية والحديث الذي
ذكرت فيه أخرجه أبو عوانة في المستخرج من طريق ابن عون عن نافع في آخر حديث الباب
قال قلت لنافع فالإفعى قال ومن يشك في الأفعى اه‍ وقد وقع في حديث أبي سعيد عند أبي
داود نحو رواية شيبان وزاد السبع العادي فصارت سبعا وفى حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة
وابن المنذر زيادة ذكر الذئب والنمر على الخمس المشهورة فتصير بهذا الاعتبار تسعا لكن أفاد ابن
خزيمة عن الذهلي ان ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي الكلب العقور ووقع ذكر الذئب في
حديث مرسل أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن المنصور وأبو داود من طريق سعيد بن المسيب عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال يقتل المحرم الحية والذئب ورجاله ثقات وأخرج أحمد من طريق
حجاج بن أرطاة عن وبرة عن ابن عمر قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب للمحرم
وحجاج ضعيف وخالفه مسعر عن وبرة فرواه موقوفا أخرجه ابن أبي شيبة فهذا جميع ما وقفت
عليه في الأحاديث المرفوعة زيادة على الخمس المشهورة ولا يخلو شئ من ذلك من مقال والله أعلم
30

(قوله من الدواب) بتشديد الموحدة جمع دابة وهو ما دب من الحيوان وقد أخرج بعضهم منها
الطير لقوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الآية وهذا الحديث يرد عليه
فإنه ذكر في الدواب الخمس الغراب والحدأة ويدل على دخول الطير أيضا عموم قوله تعالى وما من
دابة في الأرض الا على الله رزقها وقوله تعالى وكأين من دابة لا تحمل رزقها الآية وفى حديث أبي
هريرة عند مسلم في صفة بدء الخلق وخلق الدواب يوم الخميس ولم يفرد الطير بذكر وقد تصرف
أهل العرف في الدابة فمنهم من يخصها بالحمار ومنهم من يخصها بالفرس وفائدة ذلك تظهر في الحلف
(قوله كلهن فاسق يقتلن) قيل فاسق صفة لكل وفى يقتلن ضمير راجع إلى معنى كل ووقع في
رواية مسلم من هذا الوجه كلها فواسق وفى رواية معمر التي في بدء الخلق خمس فواسق قال
النووي هو بإضافة خمس لا بتنوينه وجوز ابن دقيق العيد الوجهين وأشار إلى ترجيح الثاني فإنه
قال رواية الإضافة تشعر بالتخصيص فيخالفها غيرها في الحكم من طريق المفهوم ورواية
التنوين تقتضى وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى فيشعر بان الحكم المرتب على ذلك وهو
القتل معلل بما جعل وصفا وهو الفسق فيدخل فيه كل فاسق من الدواب ويؤيده رواية يونس
التي في حديث الباب قال النووي وغيره تسمية هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية على
وفق اللغة فان أصل الفسق لغة الخروج ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها وقوله
تعالى ففسق عن أمر ربه أي خرج وسمى الرجل فاسقا لخروجه عن طاعة ربه فهو خروج
مخصوص وزعم ابن الاعرابى انه لا يعرف في كلام الجاهلية ولا شعرهم فاسق يعنى بالمعنى الشرعي
وأما المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق فقيل لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في
تحريم قتله وقيل في حل أكله لقوله تعالى أو فسقا أهل لغير الله به وقوله ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم
الله عليه وانه لفسق وقيل لخروجها عن حكم غيرها بالايذاء والافساد وعدم الانتفاع ومن ثم
اختلف أهل الفتوى فمن قال بالأول ألحق بالخمس كل ما جاز قتله للحلال في الحرم وفى الحل ومن
قال بالثاني ألحق ما لا يؤكل الا ما نهى عن قتله وهذا قد يجامع الأول ومن قال بالثالث يخص
الالحاق بما يحصل منه الافساد ووقع في حديث أبي سعيد عند ابن ماجة قيل له لم قيل للفأرة
فويسقة فقال لان النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ لها وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت
فهذا يومئ إلى أن سبب تسمية الخمس بذلك لكون فعلها يشبه فعل الفساق وهو يرجح القول
الأخير والله أعلم (قوله يقتلن في الحرم) تقدم في رواية نافع بلفظ ليس على المحرم في قتلهن جناح
وعرف بذلك ان لا اثم في قتلها على المحرم ولا في الحرم ويؤخذ منه جواز ذلك للحلال وفى الحل
من باب الأولى وقد وقع ذكر الحل صريحا عند مسلم من طريق معمر عن الزهري عن عروة بلفظ
يقتلن في الحل والحرم ويعرف حكم الحلال بكونه لم يقم به مانع وهو الاحرام فهو بالجواز أولى
ثم إنه ليس في نفى الجناح وكذا الحرج في طريق سالم دلالة على أرجحية الفعل على الترك لكن
ورد في طريق زيد بن جبير عند مسلم بلفظ أمر وكذا في طريق معمر ولابى عوانة من طريق ابن
نمير عن هشام عن أبيه بلفظ ليقتل المحرم وظاهر الامر الوجوب ويحتمل الندب والإباحة وروى
البزار من طريق أبى رافع قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته إذ ضرب شيئا فإذا هي
عقرب فقتلها وأمر بقتل العقرب والحية والفأرة والحدأة للمحرم لكن هذا الامر ورد بعد
31

الحظر لعموم نهى المحرم عن القتل فلا يكون للوجوب ولا للندب ويؤيد ذلك رواية الليث عن
نافع بلفظ أذن أخرجه مسلم والنسائي عن قتيبة عنه لكن لم يسق مسلم لفظه وفى حديث أبي
هريرة عند أبي داود وغيره خمس قتلهن حلال للمحرم (قوله الغراب) زاد في رواية سعيد بن
المسيب عن عائشة عند مسلم الأبقع وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض وأخذ بهذا القيد بعض
أصحاب الحديث كما حكاه ابن المنذر وغيره ثم وجدت ابن خزيمة قد صرح باختياره وهو قضية حمل
المطلق على المقيد وأجاب ابن بطال بان هذه الزيادة لا تصح لأنها من رواية قتادة عن سعيد وهو
مدلس وقد شذ بذلك وقال ابن عبد البر لا تثبت هذه الزيادة وقال ابن قدامة الروايات المطلقة أصح
وفى جميع هذا التعليل نظر أما دعوى التدليس فمردودة بان شعبة لا يروى عن شيوخه المدلسين
الا ما هو مسموع لهم وهذا من رواية شعبة بل صرح النسائي في روايته من طريق النضر بن
شميل عن شعبة بسماع قتادة وأما نفى الثبوت فمردود باخراج مسلم وأما الترجيح فليس من شرط
قبول الزيادة بل الزيادة مقبولة من الثقة الحافظ وهو كذلك هنا نعم قال ابن قدامة يلتحق بالأبقع
ما شاركه في الايذاء وتحريم الاكل وقد اتفق العلماء على اخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب
من ذلك ويقال له غراب الزرع ويقال له الزاغ وأفتوا بجواز أكله فبقى ما عداه من الغربان
ملتحقا بالأبقع ومنها الغداف على الصحيح في الروضة بخلاف تصحيح الرافعي وسمى ابن قدامة
الغداف غراب البين والمعروف عند أهل اللغة انه الأبقع قيل سمى غراب البين لأنه بان عن نوح
لما أرسله من السفينة ليكشف خبر الأرض فلقى جيفة فوقع عليها ولم يرجع إلى نوح وكان أهل
الجاهلية يتشاءمون به فكانوا إذا نعب مرتين قالوا آذن بشر وإذا نعب ثلاثا قالوا آذن بخير
فأبطل الاسلام ذلك وكان ابن عباس إذا سمع الغراب قال اللهم لا طير الا طيرك ولا خير الا خيرك
ولا اله غيرك وقال صاحب الهداية المراد بالغراب في الحديث الغداف والأبقع لأنهما يأكلان
الجيف وأما غراب الزرع فلا وكذا استثناه ابن قدامة وما أظن فيه خلافا وعليه يحمل ما جاء
في حديث أبي سعيد عند أبي داود ان صح حيث قال فيه ويرمى الغراب ولا يقتله وروى ابن المنذر
وغيره نحوه عن علي ومجاهد قال ابن المنذر أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الاحرام
الا ما جاء عن عطاء قال في محرم كسر قرن غراب فقال إن أدماه فعليه الجزاء وقال الخطابي لم يتابع
أحد عطاء على هذا انتهى ويحتمل أن يكون مراده غراب الزرع وعند المالكية اختلاف آخر
في الغراب والحدأة هل يتقيد جواز قتلهما بأن يبتدئا بالأذى وهل يختص ذلك بكبارها والمشهور
عنهم كما قال ابن شاس لا فرق وفاقا للجمهور ومن أنواع الغربان الأعصم وهو الذي في رجليه أو في
جناحيه أو بطنه بياض أو حمرة وله ذكر في قصة حفر عبد المطلب لزمزم وحكمه حكم الأبقع
ومنها العقعق وهو قدر الحمامة على شكل الغراب قيل سمى بذلك لأنه يعق فراخه فيتركها بلا
طعم وبهذا يظهر أنه نوع من الغربان والعرب تتشاءم به أيضا ووقع في فتاوى قاضيخان الحنفي
من خرج لسفر فسمع صوت العقعق فرجع كفر وحكمه حكم الأبقع على الصحيح وقيل حكم
غراب الزرع وقال أحمد ان أكل الجيف والا فلا بأس به (قوله والحدا) بكسر أوله وفتح ثانيه
بعدها همزة بغير مد وحكى صاحب المحكم المد فيه ندورا ووقع في رواية الكشميهني في حديث
عائشة الحدأة بزيادة هاء بلفظ الواحدة وليست للتأنيث بل هي كالهاء في التمرة وحكى الأزهري
32

فيها حدوة بواو بدل الهمزة وسيأتي في بدء الخلق من حديثها بلفظ الحديا بضم أوله وتشديد
التحتانية مقصور ومثله لمسلم في رواية هشام بن عروة عن أبيه قال قال قاسم بن ثابت الوجه فيه
الهمزة وكأنه سهل ثم أدغم وقيل هي لغة حجازية وغيرهم يقول حدية وقد تقدم ذكرها
في الكلام على الغراب ومن خواص الحدأة انها تقف في الطيران ويقال انها لا تختطف الا من
جهة اليمن وقد مضى لها ذكر في الصلاة في قصة صاحبة الوشاح * (تنبيه) * يلتبس بالحدأة الحدأة
بفتح أوله فاس له رأسان (قوله والعقرب) هذا اللفظ للذكر والأنثى وقد يقال عقربة وعقرباء
وليس منها العقربان بل هي دويبة طويلة كثيرة القوائم قال صاحب المحكم ويقال ان عينها
في ظهرها وانها لا تضر ميتا ولا نائما حتى يتحرك ويقال لدغته العقرب بالغين المعجمة ولسعته
بالمهملتين وقد تقدم اختلاف الرواة في ذكر الحية بدلها في حديث الباب ومن جمعهما والذي
يظهر لي أنه صلى الله عليه وسلم نبه بإحداهما على الأخرى عند الاقتصار وبين حكمهما
معا حيث جمع قال ابن المنذر لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب وقال نافع لما قيل له
فالحية قال لا يختلف فيها وفى رواية ومن يشك فيها وتعقبه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي شيبة
من طريق شعبة انه سأل الحكم وحمادا فقالا لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب قال ومن حجتهما
انهما من هوام الأرض فيلزم من أباح قتلهما مثل ذلك في سائر الهوام وهذا اعتلال لا معنى
له نعم عند المالكية خلاف في قتل صغير الحية والعقرب التي لا تتمكن من الأذى (قوله والفأر)
بهمزة ساكنة ويجوز فيها التسهيل ولم يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم الا ما حكى عن إبراهيم
النخعي فإنه قال فيها جزاء إذا قتلها المحرم أخرجه ابن المنذر وقال هذا خلاف السنة وخلاف
قول جميع أهل العلم وروى البيهقي باسناد صحيح عن حماد بن زيد قال لما ذكروا له هذا القول
ما كان بالكوفة أفحش ردا للآثار من إبراهيم النخعي لقلة ما سمع منها ولا أحسن اتباعا لها من
الشعبي لكثرة ما سمع ونقل ابن شاس عن المالكية خلافا في جواز قتل الصغير منها الذي لا يتمكن
من الأذى والفار أنواع منها الجرذ بالجيم بوزن عمر والخلد بضم المعجمة وسكون اللام وفأرة الإبل
وفأرة المسك وفأرة الغيط وحكمها في تحريم الاكل وجواز القتل سواء وسيأتى في الأدب اطلاق
الفويسقة عليها من حديث جابر وتقدم سبب تسميتها بذلك من حديث أبي سعيد وقيل انما
سميت بذلك لأنها قطعت حبال سفينة نوح والله أعلم (قوله والكلب العقور) الكلب معروف
والأنثى كلبة والجمع أكلب وكلاب وكليب بالفتح كأعبد وعباد وعبيد وفى الكلب بهيمية وسبعية
كأنه مركب وفيه منافع للحراسة والصيد كما سيأتي في بابه وفيه من اقتفاء الأثر وشم الرائحة
والحراسة وخفة النوم والتودد وقبول التعليم ما ليس لغيره وقيل إن أول من اتخذه للحراسة
نوح عليه السلام وقد سبق البحث في نجاسته في كتاب الطهارة ويأتي في بدء الخلق جملة من خصاله
واختلف العلماء في المراد به هنا وهل لوصفه بكونه عقورا مفهوم أو لا فروى سعيد بن منصور
باسناد حسن عن أبي هريرة قال الكلب العقور الأسد وعن سفيان عن زيد بن أسلم أنهم سألوه
عن الكلب العقور فقال وأي كلب أعقر من الحية وقال زفر المراد بالكلب العقور هنا الذئب
خاصة وقال مالك في الموطأ كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد
والذئب هو العقور وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان وهو قول الجمهور وقال أبو حنيفة المراد
33

بالكلب هنا الكلب خاصة ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب واحتج أبو عبيد للجمهور
بقوله صلى الله عليه وسلم اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فقتله الأسد وهو حديث حسن أخرجه
الحاكم من طريق أبى نوفل بن أبي عقرب عن أبيه واحتج بقوله تعالى وما علمتم من الجوارح مكلبين
فاشتقها من اسم الكلب فلهذا قيل لكل جارح عقور واحتج الطحاوي للحنفية بان العلماء
اتفقوا على تحريم قتل البازي والصقر وهما من سباع الطير فدل ذلك على اختصاص التحريم
بالغراب والحدأة وكذلك يختص التحريم بالكلب وما شاركه في صفته وهو الذئب وتعقب برد
الاتفاق فان مخالفيهم أجازوا قتل كل ما عدا وافترس فيدخل فيه الصقر وغيره بل معظمهم قال
يلتحق بالخمس كل ما نهى عن أكله الا ما نهى عن قتله واختلف العلماء في غير العقور مما لم يؤمر
باقتنائه فصرح بتحريم قتله القاضيان حسين والماوردي وغيرهما ووقع في الام للشافعي الجواز
واختلف كلام النووي فقال في البيع من شرح المهذب لا خلاف بين أصحابنا في أنه محترم
لا يجوز قتله وقال في التيمم والغصب انه غير محترم وقال في الحج يكره قتله كراهة تنزيه وهذا
اختلاف شديد وعلى كراهة قتله اقتصر الرافعي وتبعه في الروضة وزاد أنها كراهة تنزيه والله
أعلم وذهب الجمهور كما تقدم إلى الحاق غير الخمس بها في هذا الحكم الا انهم اختلفوا في المعنى
فقيل لكونها مؤذية فيجوز قتل كل مؤذ وهذا قضية مذهب مالك وقيل لكونها مما لا يؤكل
فعلى هذا كل ما يجوز قتله لا فدية على المحرم فيه وهذا قضية مذهب الشافعي وقد قسم هو وأصحابه
الحيوان بالنسبة للمحرم إلى ثلاثة أقسام قسم يستحب كالخمس وما في معناها مما يؤذى وقسم
يجوز كسائر ما لا يؤكل لحمه وهو قسمان ما يحصل منه نفع وضرر فيباح لما فيه من منفعة
الاصطياد ولا يكره لما فيه من العدوان وقسم ليس فيه نفع ولا ضرر فيكره قتله ولا يحرم
والقسم الثالث ما أبيح أكله أو نهى عن قتله فلا يجوز ففيه الجزاء إذا قتله المحرم وخالف الحنفية
فاقتصروا على الخمس الا أنهم ألحقوا بها الحية لثبوت الخبر والذئب لمشاركته للكلب في الكلبية
وألحقوا بذلك من ابتدأ بالعدوان والأذى من غيرها وتعقب بظهور المعنى في الخمس وهو الأذى
الطبيعي والعدوان المركب والمعنى إذا ظهر في المنصوص عليه تعدى الحكم إلى كل ما وجد فيه
ذلك المعنى كما وافقوا عليه في مسائل الربا قال ابن دقيق العيد والتعدية بمعنى الأذى إلى كل
مؤذ قوى بالإضافة إلى تصرف أهل القياس فإنه ظاهر من جهة الايماء بالتعليل بالفسق وهو
الخروج عن الحد وأما التعليل بحرمة الاكل ففيه ابطال لما دل عليه ايماء النص من التعليل
بالفسق انتهى وقال غيره هو راجع إلى تفسير الفسق فمن فسره بأنه الخروج عن بقية الحيوان
بالأذى علل به ومن قال بجواز القتل وتحريم الاكل علل به وقال من علل بالأذى يجرى الأذى
مختلفة وكأنه نبه بالعقرب على ما يشاركها في الأذى باللسع ونحوه من ذوات السموم كالحية
والزنبور وبالفأرة على ما يشاركها في الأذى بالنقب والقرض كابن عرس وبالغراب والحدأة على
ما يشاركهما بالاختطاف كالصقر وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذى بالعدوان والعقر
كالأسد والفهد وقال من علل بتحريم الاكل وجواز القتل انما اقتصر على الخمس لكثرة
ملابستها للناس بحيث يعم أذاها والتخصيص بالغلبة لا مفهوم له * (تكملة) * نقل الرافعي عن
الامام ان هذه الفواسق لا ملك فيها لأحد ولا اختصاص ولا يجب ردها على صاحبها ولم يذكر
34

مثل ذلك في غير الخمس مما يلتحق بها في المعنى فليتأمل واستدل به على جواز قتل من لجأ إلى الحرم
ممن وجب عليه القتل لان إباحة قتل هذه الأشياء معلل بالفسق والقاتل فاسق فيقتل بل هو أولى
لان فسق المذكورات طبيعي والمكلف إذا ارتكب الفسق هاتك لحرمة نفسه فهو أولى بإقامة
مقتضى الفسق عليه وأشار ابن دقيق العيد إلى أنه بحث قابل للنزاع وسيأتى بسط القول فيه في
الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى (الحديث الثالث) حديث ابن مسعود (قوله حدثني إبراهيم)
هو ابن يزيد النخعي والأسود هو النخعي خاله وعبد الله هو ابن مسعود وقد اختلف على الأعمش في
اسناد هذا الحديث كما سيأتي بيانه في بدء الخلق (قوله في غار بمنى) وقع عند الإسماعيلي من طريق
ابن نمير عن حفص بن غياث ان ذلك كان ليلة عرفة وبذلك يتم الاحتجاج به على مقصود الباب من
جواز قتل الحية للمحرم كما دل قوله بمنى على أن ذلك كان في الحرم وعرف بذلك الرد على ما قال
ليس في حديث عبد الله ما يدل على أنه أمر بقتل الحية في حال الاحرام لاحتمال أن يكون ذلك بعد
طواف الإفاضة وقد رواه مسلم وابن خزيمة واللفظ له عن أبي كريب عن حفص بن غياث مختصرا
ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر محرما بقتل حية في الحرم بمنى ووقع في رواية أبى الوقت
عقب حديث الباب قال أبو عبد الله وهو المصنف انما أردنا بهذا أن منى من الحرم وأنهم لم يروا
بقتل الحية يعنى فيه بأسا ووقع هذا الكلام عند أبي ذر في آخر الباب ومحله عقب حديث ابن
مسعود (قوله رطبة) أي لم يجف ريقه بها (قوله كما وقيتم شرها) بالنصب لأنه مفعول ثان وكذلك
قوله وقيت شركم أي ان الله سلمها منكم كما سلمكم منها وهو مجاز المقابلة قال ابن المنذر أجمع من
يحفظ عنه من أهل العلم على أن للمحرم قتل الحية وتعقب بما تقدم عن الحكم وحماد وبما عند
المالكية من استثناء ما صغر منها بحيث لا يتمكن من الأذى * الحديث الرابع (قوله حدثنا
إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله قال للوزغ فويسق) اللام بمعنى عن والمعنى انه سماه فويسقا
وهو تصغير تحقير مبالغة في الذم (قوله ولم أسمعه أمر بقتله) وهو مقول عائشة والضمير للنبي صلى
الله عليه وسلم وقضية تسميته إياه فويسقا أن يكون قتله مباحا وكونها لم تسمعه لا يدل على منع
ذلك فقد سمعه غيرها كما سيأتي في بدء الخلق عن سعد بن أبي وقاص وغيره ونقل ابن عبد البر
الاتفاق على جواز قتله في الحل والحرم لكن نقل ابن عبد الحكم وغيره عن مالك لا يقتل المحرم
الوزغ زاد ابن القاسم وان قتله يتصدق لأنه ليس من الخمس المأمور بقتلها وروى ابن أبي شيبة ان
عطاء سئل عن قتل الوزغ في الحرم فقال إذا آذاك فلا بأس بقتله وهذا يفهم توقف قتله على أذاه
* (قوله باب لا يعضد شجر الحرم) بضم أوله وفتح الضاد المعجمة أي لا يقطع (قوله وقال
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعضد شوكه) سيأتي موصولا بعد باب ويأتي البحث فيه
هناك (قوله عن سعيد) في رواية عبد الله بن يوسف عن الليث حدثني سعيد كما تقدم في العلم (قوله
عن أبي شريح العدوي) كذا وقع هنا وفيه نظر لأنه خزاعي من بنى كعب بن ربيعة بن لحى
بطن من خزاعة ولهذا يقال له الكعبي أيضا وليس هو من بنى عدى لا عدى قريش ولا عدى
مضر فلعله كان حليفا لبنى عدى بن كعب من قريش وقيل في خزاعة بطن يقال لهم بنو عدى
وقد وقع في رواية ابن أبي ذئب عن سعيد سمعت أبا شريح أخرجه أحمد واختلف في اسمه فالمشهور
انه خويلد بن عمرو وقيل ابن صخر وقيل هانئ بن عمرو وقيل عبد الرحمن وقيل كعب وقيل عمرو بن
35

خويلد وقيل مطر أسلم قبل الفتح وحمل بعض ألوية قومه وسكن المدينة ومات بها سنة ثمان
وستين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديثين آخرين (قوله لعمرو بن سعيد) أي
ابن أبي العاص بن سعيد بن العاص بن أمية المعروف بالأشدق وقد تقدم ذلك مع شرح بعض
الحديث في باب تبليغ العلم من كتاب العلم ووقع عند أحمد من طريق ابن إسحاق عن سعيد المقبري
زيادة في أوله توضح المقصود وهى لما بعث عمرو بن سعيد إلى مكة بعثه لغزو بن الزبير أتاه أبو شريح
فكلمه وأخبره بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلى نادى قومه فجلس فيه
فقمت إليه فجلست معه فحدث قومه قال قلت له يا هذا انا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين افتتح مكة فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك
فقام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فذكر الحديث وأخرج أحمد أيضا من طريق
الزهري عن مسلم بن يزيد الليثي عن أبي شريح الخزاعي انه سمعه يقول أذن لنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم الفتح في قتال بنى بكر حتى أصبنا منهم ثأرنا وهو بمكة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بوضع السيف فلقى الغد رهط منا رجلا من هذيل في الحرم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد كان وترهم في الجاهلية وكانوا يطلبونه فقتلوه فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب
غضبا وعطاء ما رأيته غضب غضبا أشد منه فلما صلى قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد
فان الله حرم مكة انتهى وقد ذكر أبو هريرة في حديثه هذه القصة مختصرة وتقدم الكلام
عليها في باب كتابة العلم من كتاب العلم وذكرنا أن عمرو بن سعيد كان أميرا على المدينة من قبل يزيد بن
معاوية وانه جهز إلى مكة جيشا لغزو عبد الله بن الزبير بمكة وقد ذكر الطبري القصة عن مشايخه
فقالوا كان قدوم عمرو بن سعيد واليا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية في ذي القعدة سنة ستين
وقيل قدمها في رمضان منها وهى السنة التي ولى فيها يزيد الخلافة فامتنع ابن الزبير من بيعته
وأقام بمكة فجهز إليه عمرو بن سعيد جيشا وأمر عليهم عمرو بن الزبير وكان معاديا لأخيه عبد الله
وكان عمرو بن سعيد قد ولاه شرطته ثم أرسله إلى قتال أخيه فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد فنهاه
فامتنع وجاء أبو شريح فذكر القصة فلما نزل الجيش ذا طوى خرج إليهم جماعة من أهل مكة
فهزموهم وأسر عمرو بن الزبير فسجنه أخوه بسجن عارم وكان عمرو بن الزبير قد ضرب جماعة
من أهل المدينة ممن اتهم بالميل إلى أخيه فأقادهم عبد الله منه حتى مات عمرو من ذلك الضرب
* (تنبيه) * وقع في السيرة لابن اسحق ومغازي الواقدي ان المراجعة المذكورة وقعت بين أبى
شريح وبين عمرو بن الزبير فإن كان محفوظا احتمل ان يكون أبو شريح راجع الباعث والمبعوث
والله أعلم (قوله وهو يبعث البعوث) هي جمع بعث بمعنى مبعوث وهو من تسمية المفعول بالمصدر
والمراد به الجيش المجهز للقتال (قوله ائذن) أصله ائذن بهمزتين فقلبت الثانية ياء لسكونها
وانكسار ما قبلها (قوله أيها الأمير) الأصل فيه يا أيها الأمير فحذف حرف النداء ويستفاد
منه حسن التلطف في مخاطبة السلطان ليكون ادعى لقبولهم النصيحة وان السلطان لا يخاطب
الا بعد استئذانه ولا سيما إذا كان في أمر يعترض به عليه فترك ذلك والغلظة له قد يكون
سببا لاثارة نفسه ومعاندة من يخاطبه وسيأتى في الحدود قول والد العسيف وائذن لي (قوله قام
به) صفة للقول والمقول هو حمد الله تعالى إلى آخره وقوله الغد بالنصب أي ثاني يوم الفتح وقد
36

تقدم بيانه (قوله سمعته أذناي الخ) فيه إشارة إلى بيان حفظه له من جميع الوجوه فقوله
سمعته أي حملته عنه بغير واسطة وذكر الاذنين للتأكيد وقوله ووعاه قلبي تحقيق لفهمه وتثبته
وقوله وأبصرته عيناي زيادة في تحقيق ذلك وان سماعه منه ليس اعتمادا على الصوت فقط بل
مع المشاهدة وقوله حين تكلم به أي بالقول المذكور ويؤخذ من قوله ووعاه قلبي ان العقل محله
القلب (قوله أنه حمد الله) هو بيان لقوله تكلم ويؤخذ منه استحباب الثناء بين يدي تعليم العلم
وتبيين الاحكام والخطبة في الأمور المهمة وقد تقدم من رواية ابن إسحاق أنه قال فيها أما بعد
(قوله إن الله حرم مكة) أي حكم بتحريمها وقضاه وظاهره ان حكم الله تعالى في مكة ان لا يقاتل
أهلها ويؤمن من استجار بها ولا يتعرض له وهو أحد أقوال المفسرين في قوله تعالى ومن دخله
كان آمنا وقوله أو لم يروا انا جعلنا حرما آمنا وسيأتى بعد باب في حديث ابن عباس بلفظ هذا بلد
حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ولا معارضة بين هذا وبين قوله الآتي في الجهاد وغيره من
حديث أنس ان إبراهيم حرم مكة لان المعنى ان إبراهيم حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده أو أن
الله قضى يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة أو المعنى ان إبراهيم أول من
أظهر تحريمها بين الناس وكانت قبل ذلك عند الله حراما أو أول من أظهره بعد الطوفان وقال
القرطبي معناه ان الله حرم مكة ابتداء من غير سبب ينسب لاحد ولا لأحد فيه مدخل قال
ولأجل هذا أكد المعنى بقوله ولم يحرمها الناس والمراد بقوله ولم يحرمها الناس ان تحريمها ثابت
بالشرع لا مدخل للعقل فيه أو المراد انها من محرمات الله فيجب امتثال ذلك وليس من محرمات
الناس يعنى في الجاهلية كما حرموا أشياء من عند أنفسهم فلا يسوغ الاجتهاد في تركه وقيل معناه
ان حرمتها مستمرة من أول الخلق وليس مما اختصت به شريعة النبي صلى الله عليه وسلم (قوله فلا
يحل الخ) فيه تنبيه على الامتثال لان من آمن بالله لزمته طاعته ومن آمن باليوم الآخر لزمه
امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه خوف الحساب عليه وقد تعلق به من قال إن الكفار غير
مخاطبين بفروع خالف والصحيح عند الأكثر خلافه وجوابهم بان المؤمن هو الذي ينقاد
للأحكام وينزجر عن المحرمات فجعل الكلام معه وليس فيه نفى ذلك عن غيره وقال ابن دقيق
العيد الذي أراه انه من خطاب التهييج نحو قوله تعالى وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين فالمعنى
ان استحلال هذا المنهى عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر بل ينافيه فهذا هو المقتضى
لذكر هذا الوصف ولو قيل لا يحل لاحد مطلقا لم يحصل منه هذا الغرض وان أفاد التحريم (قوله إن
يسفك بها دما) تقدم ضبطه في العلم واستدل به على تحريم القتل والقتال بمكة وسيأتى البحث فيه
بعد باب في الكلام على حديث ابن عباس (قوله ولا يعضد بها شجرة) أي لا يقطع قال ابن
الجوزي أصحاب الحديث يقولون يعضد بضم الضاد وقال لنا ابن الخشاب هو بكسرها والمعضد
بكسر أوله الآلة التي يقطع بها قال الخليل المعضد الممتهن من السيوف في قطع الشجر وقال
الطبري أصله من عضد الرجل إذا أصابه بسوء في عضده ووقع في رواية لعمر بن شبة بلفظ
لا يخضد بالخاء المعجمة بدل العين المهملة وهو راجع إلى معناه فان أصل الخضد الكسر
ويستعمل في القطع قال القرطبي خص الفقهاء الشجر المنهى عن قطعه بما ينبته الله تعالى
من غير صنع آدمي فاما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه والجمهور على الجواز وقال الشافعي
37

في الجميع الجزاء ورجحه ابن قدامة واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول فقال مالك لا جزاء
فيه بل يأثم وقال عطاء يستغفر وقال أبو حنيفة يؤخذ بقيمته هدى وقال الشافعي في العظيمة
بقرة وفيما دونها شاة واحتج الطبري بالقياس على جزاء الصيد وتعقبه ابن القصار بأنه كان يلزمه
ان يجعل الجزاء على المحرم إذا قطع شيئا من شجر الحل ولا قائل به وقال ابن العربي اتفقوا على
تحريم قطع شجر الحرم الا أن الشافعي أجاز قطع السواك من فروع الشجرة كذا نقله أبو ثور عنه
وأجاز أيضا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها وبهذا قال عطاء ومجاهد وغيرهما
وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذى بطبعه فأشبه الفواسق ومنعه الجمهور كما سيأتي في حديث
ابن عباس بعد باب بلفظ ولا يعضد شوكه وصححه المتولى من الشافعية وأجابوا بان القياس
المذكور في مقابلة النص فلا يعتبر به حتى ولو لم يرد النص على تحريم الشوك لكان في تحريم
قطع الشجر دليل على تحريم قطع الشوك لان غالب شجر الحرم كذلك ولقيام الفارق أيضا فان
الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر قال ابن قدامة ولا باس بالانتفاع بما انكسر
من الأغصان وانقطع من الشجر بغير صنع آدمي ولا بما يسقط من الورق نص عليه أحمد ولا
نعلم فيه خلافا (قوله فان أحد) هو فاعل بفعل مضمر يفسره ما بعده وقوله ترخص مشتق من
الرخصة وفى رواية ابن أبي ذئب عند أحمد فان ترخص مترخص فقال أحلت لرسول الله صلى
الله عليه وسلم فان الله أحلها لي ولم يحلها للناس وفى مرسل عطاء بن يزيد عند سعيد بن منصور فلا
يستن بي أحد فيقول قتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله وانما أذن لي) بفتح أوله
والفاعل الله ويروى بضمه على البناء للمفعول (قوله ساعة من نهار) تقدم في العلم ان مقدارها
ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر ولفظ الحديث عند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده لما فتحت مكة قال كفو السلاح الا خزاعة عن بنى بكر فاذن لهم حتى صلى العصر ثم
قال كفوا السلاح فلقى رجل من خزاعة رجلا من بنى بكر من غد بالمزدلفة فقتله فبلغ ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام خطيبا فقال ورأيته مسندا ظهره إلى الكعبة فذكر الحديث
ويستفاد منه ان قتل من أذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتلهم كابن خطل وقع في الوقت الذي
أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم فيه القتال خلافا لمن حمل قوله ساعة من النهار على ظاهره فاحتاج
إلى الجواب عن قصة ابن خطل (قوله وقد عادت حرمتها) أي الحكم الذي في مقابلة إباحة
القتال المستفاد من لفظ الاذن وقوله اليوم المراد به الزمن الحاضر وقد بين غايته في رواية
ابن أبي ذئب المذكورة بقوله ثم هي حرام إلى يوم القيامة وكذا في حديث ابن عباس الا آتي
بعد باب بقوله فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة (قوله فليبلغ الشاهد الغائب) قال ابن جرير
فيه دليل على جواز قبول خبر الواحد لأنه معلوم ان كل من شهد الخطبة قد لزمه الابلاغ وانه
لم يأمرهم بالابلاغ الغائب عنهم الا وهو لازم له فرض العمل بما أبلغه كالذي لزم السامع سواء
والا لم يكن للامر بالتبليغ فائدة (قوله فقيل لابن شريح) لم أعرف اسم القائل وظاهر رواية
ابن إسحاق انه بعض قومه من خزاعة (قوله لا يعيذ) بالذال المعجمة أي لا يجير ولا يعصم (قوله
ولا فارا) بالفاء وتثقيل الراء أي هاربا والمراد من وجب عليه حد القتل فهرب إلى مكة مستجيرا
بالحرم وهى مسئلة خلاف بين العلماء وأغرب عمرو بن سعيد في سياقه الحكم مساق الدليل
38

وفى تخصيصه العموم بلا مستند (قوله بخربة) تقدم تفسيره في العلم وأشار ابن العربي إلى
ضبطه بكسر أوله وبالزاي بدل الراء والتحتانية بدل الموحدة جعله من الخزي والمعنى صحيح لكن
لا تساعد عليه الرواية وأغرب الكرماني لما حكى هذا الوجه فأبدل الخاء المعجمة جيما جعله من
الجزية وذكر الجزية وكذا الدم بعد ذكر العصيان من الخاص بعد العام (قوله خربة بلية)
هو تفسير من الراوي والظاهر أنه المصنف فقد وقع في المغازي في آخره قال أبو عبد الله الخربة
البلية وسبق في العلم في آخره يعنى السرقة وهى أحد ما قيل في تأويلها وأصلها سرقة الإبل ثم
استعملت في كل سرقة وعن الخليل الخربة الفساد في الإبل وقيل العيب وقيل بضم أوله
العورة وقيل الفساد وبفتحه الفعلة الواحدة من الخرابة وهى السرقة وقد وهم من عد كلام
عمرو بن سعيد هذا حديثا واحتج بما تضمنه كلامه قال ابن حزم لا كرامة للطيم الشيطان ان
يكون اعلم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغرب ابن بطال فزعم أن سكوت ابن
شريح عن جواب عمرو بن سعيد دال على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور ويعكر عليه ما وقع
في رواية أحمد أنه قال في آخره قال أبو شريح فقلت لعمرو قد كنت شاهدا وكنت غائبا وقد أمرنا
ان يبلغ شاهدنا غائبنا وقد بلغتك فهذا يشعر بأنه لم يوافقه وانما ترك مشاققته لعجزه عنه لما
كان فيه من قوة الشوكة وقال ابن بطال أيضا ليس قول عمرو جوابا لأبي شريح لأنه لم يختلف
معه في أن من أصاب حدا في غير الحرم ثم لجأ إليه انه يجوز إقامة الحد عليه في الحرم فان
أبا شريح أنكر بعث عمرو الجيش إلى مكة ونصب الحرب عليها فاحسن في استدلاله بالحديث
وحاد عمرو عن جوابه وأجابه عن غير سؤاله وتعقبه الطيبى بأنه لم يحد في جوابه وانما أجاب بما
يقتضى القول بالموجب كأنه قال له صح سماعك وحفظك لكن المعنى المراد من الحديث الذي
ذكرته خلاف ما فهمته منه فان ذلك الترخص كان بسبب الفتح وليس بسبب قتل من استحق
القتل خارج الحرم ثم استجار بالحرم والذي أنا فيه من القبيل الثاني (قلت) لكنها دعوى من
عمرو بغير دليل لان ابن الزبير لم يجب عليه حد فعاذ بالحرم فرارا منه حتى يصح جواب عمرو نعم
كان عمرو يرى وجوب طاعة يزيد الذي استنابه وكان يزيد أمر ابن الزبير أن يبايع له بالخلافة
ويحضر إليه في جامعة يعنى مغلولا فامتنع ابن الزبير وعاذ بالحرم فكان يقال له بذلك عائذ الله وكان
عمرو يعتقد أنه عاص بامتناعه من امتثال أمر يزيد ولهذا صدر كلامه بقوله ان الحرم لا يعيذ
عاصيا ثم ذكر بقية ما ذكر استطرادا فهذه شبهة عمرو وهى واهية وهذه المسئلة التي وقع
فيها الاختلاف بين أبى شريح وعمرو فيها اختلاف بين العلماء أيضا كما سيأتي بعد باب في الكلام
على حديث ابن عباس وفى حديث أبي شريح من الفوائد غير ما تقدم جواز اخبار المرء عن
نفسه بما يقتضى ثقته وضبطه لما سمعه ونحو ذلك وانكار العالم على الحاكم ما يغيره من أمر
الدين والموعظة بلطف وتدريج والاقتصار في الانكار على اللسان إذا لم يستطع باليد ووقوع
التأكيد في الكلام البليغ وجواز المجادلة في الأمور الدينية وجواز النسخ وأن مسائل
الاجتهاد لا يكون فيها مجتهد حجة على مجتهد وفيه الخروج عن عهدة التبليغ والصبر على المكاره
لمن لا يستطيع بدا من ذلك وتمسك به من قال إن مكة فتحت عنوة قال النووي تأول من قال
فتحت صلحا بان القتال كان جائزا له لو فعله لكن لم يحتج إليه وتعقب بأنه خلاف الواقع وسيأتى
39

البحث فيه في المغازي وقد تقدمت تسمية القاتل والمقتول في قصة أبى شريح في الكلام على
حديث أبي هريرة * (قوله باب لا ينفر صيد الحرم) بضم أوله وتشديد الفاء المفتوحة
قيل هو كناية عن الاصطياد وقيل هو على ظاهره كما سيأتي قال النووي يحرم التنفير وهو الازعاج
عن موضعه فان نفره عصى سواء تلف أولا فان تلف في نفاره قبل سكونه ضمن والا فلا قال العلماء
يستفاد من النهى عن التنفير تحريم الاتلاف بالأولى (قوله حدثنا عبد الوهاب) هو الثقفي
وخالد هو الحذاء (قوله إن الله حرم مكة فلم تحل لاحد بعدي) في رواية الكشميهني فلا تحل
وهو أليق بقصد الامر الآتي وقد ذكره في الباب الذي بعده بلفظ وانه لم يحل القتال فيه لاحد
قبلي وهو عند المصنف في أوائل البيع من طريق خالد الطحان عن خالد الحذاء بلفظ فلم تحل لاحد
قبلي ولا تحل لاحد بعدي ومثله لأحمد من طريق وهيب عن خالد قال ابن بطال المراد بقوله ولا
تحل لاحد بعدي الاخبار عن الحكم في ذلك لا الاخبار بما سيقع لوقوع خلاف ذلك في الشاهد
كما وقع من الحجاج وغيره انتهى ومحصله انه خبر بمعنى النهى بخلاف قوله فلم تحل لاحد قبلي فإنه
خبر محض أو معنى قوله ولا تحل لاحد بعدي أي لا يحلها الله بعدي لان النسخ ينقطع بعده
لكونه خاتم النبيين (قوله وعن خالد) هو بالاسناد المذكور وسيأتى في أوائل البيوع بأوضح مما
هنا (قوله هل تدرى ما لا ينفر صيدها الخ) قيل نبه عكرمة بذلك على المنع من الاتلاف وسائر
أنواع الأذى تنبيها بالأدنى على الاعلى وقد خالف عكرمة عطاء ومجاهد فقالا لا بأس بطرده ما لم
يفض إلى قتله أخرجه ابن أبي شيبة وروى ابن أبي شيبة أيضا من طريق الحكم عن شيخ من أهل
مكة ان حماما كان على البيت فذرق على يد عمر فأشار عمر بيده فطار فوقع على بعض بيوت مكة
فجاءت حية فأكلته فحكم عمر على نفسه بشاة وروى من طريق أخرى عن عثمان نحوه * (قوله
باب لا يحل القتال بمكة) هكذا ترجم بلفظ القتال وهو الواقع في حديث الباب ووقع
عند مسلم في رواية كذلك وفى أخرى بلفظ القتل بدل القتال وللعلماء في كل منهما اختلاف
سنذكره (قوله وقال أبو شريح إلى آخره) تقدم موصولا قبل باب ووجه الاستدلال به لتحريم
القتال من جهة أن القتال يفضى إلى القتل فقد ورد تحريم سفك الدم بها بلفظ النكرة في سياق
النفي فيعم (قوله عن مجاهد عن طاوس) كذا رواه منصور موصولا وخالفه الأعمش فرواه عن
مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أخرجه سعيد بن منصور عن أبي معاوية عنه
وأخرجه أيضا عن سفيان عن داود بن شابور عن مجاهد مرسلا ومنصور ثقة حافظ فالحكم
لوصله (قوله يوم افتتح مكة) هو ظرف للقول المذكور (قوله لا هجرة) أي بعد الفتح وأفصح بذلك
في رواية علي بن المديني عن جرير في كتاب الجهاد (قوله ولكن جهاد ونية) المعنى أن وجوب
الهجرة من مكة انقطع بفتحها إذ صارت دار اسلام ولكن بقى وجوب الجهاد على حاله عند
الاحتياج إليه وفسره بقوله فإذا استنفرتم فانفروا أي إذا دعيتم إلى الغزو فأجيبوا قال الطيبى
قوله ولكن جهاد عطف على مدخول لا هجرة أي الهجرة اما فرارا من الكفار واما إلى الجهاد
واما إلى نحو طلب العلم وقد انقطعت الأولى فاغتنموا الأخيرتين وتضمن الحديث بشارة من النبي
صلى الله عليه وسلم بان مكة تستمر دار اسلام وسيأتى البحث في ذلك مستوفى في كتاب الجهاد إن شاء الله
تعالى (قوله فان هذا بلد حرم) الفاء جواب شرط محذوف تقديره إذا علمتم ذلك فاعلموا أن
40

هذا بلد حرام وكأن وجه المناسبة انه لما نصب القتال عليه حراما كان التنفير يقع منه لا إليه
ولما روى مسلم هذا الحديث عن إسحاق عن جرير فصل الكلام الأول من الثاني بقوله وقال يوم
الفتح ان الله حرم إلى آخره فجعله حديثا آخر مستقلا وهو مقتضى صنيع من اقتصر على الكلام
الأول كعلى بن المديني عن جرير كما سيأتي في الجهاد (قوله حرمه الله) سبق مشروحا في حديث أبي
شريح ووقع في رواية غير الكشميهني حرم الله بحذف الهاء (قوله وهو حرام بحرمة الله) أي
بتحريمه وقيل الحرمة الحق أي حرام بالحق المانع من تحليله واستدل به على تحريم القتل
والقتال بالحرم فأما القتل فنقل بعضهم الاتفاق على جواز إقامة حد القتل فيها على من أوقعه فيها
وخص الخلاف بمن قتل في الحل ثم لجأ إلى الحرم وممن نقل الاجماع على ذلك ابن الجوزي واحتج
بعضهم بقتل ابن خطل بها ولا حجة فيه لان ذلك كان في الوقت الذي أحلت فيه للنبي صلى الله عليه
وسلم كما تقدم وزعم ابن حزم أن مقتضى قول ابن عمر وابن عباس وغيرهما أنه لا يجوز القتل فيها
مطلقا ونقل التفصيل عن مجاهد وعطاء وقال أبو حنيفة لا يقتل في الحرم حتى يخرج إلى الحل
باختياره لكن لا يجالس ولا يكلم ويوعظ ويذكر حتى يخرج وقال أبو يوسف يخرج مضطرا إلى
الحل وفعله ابن الزبير وروى ابن أبي شيبة من طريق طاوس عن ابن عباس من أصاب حدا ثم
دخل الحرم لم يجالس ولم يبايع وعن مالك والشافعي يجوز إقامة الحد مطلقا فيها لان العاصي
هتك حرمة نفسه فأبطل ما جعل الله له من الامن وأما القتال فقال الماوردي من خصائص
مكة أن لا يحارب أهلها فلو بغوا على أهل العدل فان أمكن ردهم بغير قتال لم يجز وان لم يمكن الا
بالقتال فقال الجمهور يقاتلون لان قتال البغاة من حقوق الله تعالى فلا يجوز اضاعتها وقال
آخرون لا يجوز قتالهم بل يضيق عليهم إلى أن يرجعوا إلى الطاعة قال النووي والأول نص
عليه الشافعي وأجاب أصحابه عن الحديث بحمله على تحريم نصب القتال بما يعم أذاه كالمنجنيق
بخلاف ما لو تحصن الكفار في بلد فإنه يجوز قتالهم على كل وجه وعن الشافعي قول آخر بالتحريم
اختاره القفال وجزم به في شرح التلخيص وقال به جماعة من علماء الشافعية والمالكية قال
الطبري من أتى حدا في الحل واستجار بالحرم فللامام الجاؤه إلى الخروج منه وليس للامام أن
ينصب عليه الحرب بل يحاصره ويضيق عليه حتى يذعن للطاعة لقوله صلى الله عليه وسلم وانما
أحلت لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فعلم أنها لا تحل لاحد بعده بالمعنى
الذي حلت له به وهو محاربة أهلها والقتل فيها ومال ابن العربي إلى هذا وقال ابن المنير قد أكد
النبي التحريم بقوله حرمه الله ثم قال فهو حرام بحرمة الله ثم قال ولم تحل لي الا ساعة من نهار
وكان إذا أراد التأكيد ذكر الشئ ثلاثا قال فهذا نص لا يحتمل التأويل وقال القرطبي ظاهر
الحديث يقتضى تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالقتال لاعتذاره عما أبيح له من ذلك مع أن أهل
مكة كانوا إذ ذاك مستحقين للقتال والقتل لصدهم عن المسجد الحرام واخراجهم أهله منه
وكفرهم وهذا الذي فهمه أبو شريح كما تقدم وقال به غير واحد من أهل العلم وقال ابن دقيق العيد
يتأكد القول بالتحريم بأن الحديث دال على أن المأذون للنبي صلى الله عليه وسلم فيه لم يؤذن لغيره
فيه والذي وقع له انما هو مطلق القتال لا القتال الخاص بما يعم كالمنجنيق فكيف يسوغ التأويل
المذكور وأيضا فسياق الحديث يدل على أن التحريم لاظهار حرمة البقعة بتحريم سفك الدماء
41

فيها وذلك لا يختص بما يستأصل واستدل به على اشتراط الاحرام على من دخل الحرم قال
القرطبي معنى قوله حرمه الله أي يحرم على غير المحرم دخوله حتى يحرم ويجرى هذا مجرى قوله
تعالى حرمت عليكم أمهاتكم أي وطؤهن وحرمت عليكم الميتة أي أكلها فعرف الاستعمال
يدل على تعيين المحذوف قال وقد دل على صحة هذا المعنى اعتذاره عن دخوله مكة غير محرم
مقاتلا بقوله لم تحل لي الا ساعة من نهار الحديث قال وبهذا أخذ مالك والشافعي في أحد
قوليهما ومن تبعهما في ذلك فقالوا لا يجوز لاحد أن يدخل مكة الا محرما الا إذا كان ممن يكثر
التكرار (قلت) وسيأتى بسط القول في ذلك بعد سبعة أبواب (قوله وانه لا يحل القتال)
الهاء في أنه ضمير الشأن ووقع في رواية الكشميهني لم يحل بلفظ لم بدل لا وهى أشبه لقوله قبلي
(قوله لا يعضد شوكه) تقدم البحث فيه في حديث أبي شريح (قوله ولا يلتقط لقطته الا من
عرفها) سيأتي البحث فيه في كتاب اللقطة إن شاء الله تعالى (قوله ولا يختلى خلاها) بالخاء المعجمة
والخلا مقصور وذكر ابن التين أنه وقع في رواية العابسي بالمد وهو الرطب من النبات واختلاؤه
قطعه واحتشاشه واستدل به على تحريم رعيه لكونه أشد من الاحتشاش وبه قال مالك
والكوفيون واختاره الطبري وقال الشافعي لا بأس بالرعي لمصلحة البهائم وهو عمل الناس
بخلاف الاحتشاش فإنه المنهى عنه فلا يتعدى ذلك إلى غيره وفى تخصيص التحريم بالرطب
إشارة إلى جواز رعى اليابس واختلائه وهو أصح الوجهين للشافعية لان النبت اليابس
كالصيد الميت قال ابن قدامة لكن في استثناء الإذخر إشارة إلى تحريم اليابس من الحشيش
ويدل عليه ان في بعض طرق حديث أبي هريرة ولا يحتش حشيشها قال وأجمعوا على إباحة
أخذ ما استنبته الناس في الحرم من بقل وزرع ومشموم فلا بأس برعيه واختلائه (قوله فقال
العباس) أي ابن عبد المطلب كما وقع مبينا في المغازي من وجه آخر (قوله الا الإذخر) يجوز فيه
الرفع والنصب أما الرفع فعلى البدل مما قبله وأما النصب فلكونه استثناء واقعا بعد النفي
وقال ابن مالك المختار النصب لكون الاستثناء وقع متراخيا عن المستثنى منه فبعدت المشاكلة
بالبدلية ولكون الاستثناء أيضا عرض في آخر الكلام ولم يكن مقصودا والإذخر نبت معروف
عند أهل مكة طيب الريح له أصل مندفن وقضبان دقاق ينبت في السهل والحزن وبالمغرب
صنف منه فيما قاله ابن البيطار قال والذي بمكة أجوده وأهل مكة يسقفون به البيوت بين
الخشب ويسدون به الخلل بين اللبنات في القبور ويستعملونه بدلا من الحلفاء في الوقود ولهذا
قال العباس فإنه لقينهم وهو بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون أي الحداد وقال الطبري
القين عند العرب كل ذي صناعة يعالجها بنفسه ووقع في رواية المغازي فإنه لا بد منه للقين
والبيوت وفى الرواية التي في الباب قبله فإنه لصاغتنا وقبورنا ووقع في مرسل مجاهد عند عمر بن
شبة الجمع بين الثلاثة ووقع عنده أيضا فقال العباس يا رسول الله ان أهل مكة لا صبر لهم عن
الإذخر لقينهم وبيوتهم وهذا يدل على أن الاستثناء في حديث الباب لم يرد به أن يستثنى هو وانما
أراد به أن يلقن النبي صلى الله عليه وسلم الاستثناء وقوله صلى الله عليه وسلم في جوابه الا الإذخر
هو استثناء بعض من كل لدخول الإذخر في عموم ما يختلى واستدل به على جواز النسخ قبل الفعل
وليس بواضح وعلى جواز الفصل بين المستثنى والمستثنى منه ومذهب الجمهور اشتراط الاتصال
42

اما لفظا واما حكما لجواز الفصل بالتنفس مثلا وقد اشتهر عن ابن عباس الجواز مطلقا ويمكن أن
يحتج له بظاهر هذه القصة وأجابوا عن ذلك بان هذا الاستثناء في حكم المتصل لاحتمال أن يكون
صلى الله عليه وسلم أراد أن يقول الا الإذخر فشغله العباس بكلامه فوصل كلامه بكلام
نفسه فقال الا الإذخر وقد قال ابن مالك يجوز الفضل مع اضمار الاستثناء متصلا بالمستثنى منه
واختلفوا هل كان قوله صلى الله عليه وسلم الا الإذخر باجتهاد أو وحى وقيل كان الله فوض له
الحكم في هذه المسئلة مطلقا وقيل أوحى إليه قبل ذلك أنه ان طلب أحد استثناء شئ من ذلك
فأجب سؤاله وقال الطبري ساغ للعباس أن يستثنى الإذخر لأنه احتمل عنده أن يكون المراد
بتحريم مكة تحريم القتال دون ما ذكر من تحريم الاختلاء فإنه من تحريم الرسول باجتهاده فساغ
له أن يسأله استثناء الإذخر وهذا مبنى على أن الرسول كان له أن يجتهد في الاحكام وليس ما قاله
بلازم بل في تقريره صلى الله عليه وسلم للعباس على ذلك دليل على جواز تخصيص العام وحكى ابن
بطال عن المهلب ان الاستثناء هنا للضرورة كتحليل أكل الميتة عند الضرورة وقد بين العباس
ذلك بأن الإذخر لا غنى لأهل مكة عنه وتعقبه ابن المنير بأن الذي يباح للضرورة يشترط حصولها
فيه فلو كان الإذخر مثل الميتة لامتنع استعماله الا فيمن تحققت ضرورته إليه والاجماع على أنه
مباح مطلقا بغير قيد الضرورة انتهى ويحتمل أن يكون مراد المهلب بأن أصل اباحته كانت
للضرورة وسببها لا أنه يريد أنه مقيد بها قال ابن المنير والحق أن سؤال العباس كان على معنى
الضراعة وترخيص النبي صلى الله عليه وسلم تبليغا عن الله اما بطريق الالهام أو بطريق
الوحي ومن ادعى ان نزول الوحي يحتاج إلى أمد متسع فقد وهم وفى الحديث بيان خصوصية
النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكر في الحديث وجواز مراجعة العالم في المصالح الشرعية
والمبادرة إلى ذلك في المجامع والمشاهد وعظيم منزلة العباس عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته
بأمر مكة لكونه كان بها أصله ومنشؤه وفيه رفع وجوب الهجرة عن مكة إلى المدينة وابقاء
حكمها من بلاد الكفر إلى يوم القيامة وأن الجهاد يشترط أن يقصد به الاخلاص ووجوب
النفير مع الأئمة * (قوله باب الحجامة للمحرم) أي هل يمنع منها أو تباح له مطلقا أو
للضرورة والمراد في ذلك كله المحجوم لا الحاجم (قوله وكوى ابن عمر ابنه وهو محرم) هذا الابن
اسمه واقد وصل ذلك سعيد بن منصور من طريق مجاهد قال أصاب واقد بن عبد الله بن عمر برسام
في الطريق وهو متوجه إلى مكة فكواه ابن عمر فأبان أن ذلك كان للضرورة (قوله ويتداوى ما لم
يكن فيه طيب) هذا من تتمة الترجمة وليس في أثر ابن عمر كما ترى وأما قول الكرماني فاعل يتداوى
اما المحرم واما ابن عمر فكلام من لم يقف على أثر ابن عمر وقد سبق في أوائل الحج في باب الطيب عند
الاحرام قول ابن عباس ويتداوى بما يأكل وهو موافق لهذا والجامع بين هذا وبين الحجامة
عموم التداري وروى الطبري من طريق الحسن قال إن أصاب المحرم شجة فلا بأس بأن يأخذ
ما حولها من الشعر ثم يداويها بما ليس فيه طيب (قوله قال لنا عمرو أول شئ) أي أول مرة في
رواية حميدي عن سفيان حدثنا عمرو وهو ابن دينار أخرجه أبو نعيم وأبو عوانة من طريقه (قوله
ثم سمعته) هو مقول سفيان والضمير لعمرو وكذا قوله فقلت لعله سمعه وقد بين ذلك الحميدي عن
سفيان فقال حدثنا بهذا الحديث عمرو مرتين فذكره لكن قال فلا أدرى أسمعه منهما أو كانت
43

إحدى الروايتين وهما زاد أبو عوانة قال سفيان ذكر لي أنه سمعه منهما جميعا وأخرجه ابن خزيمة
عن عبد الجبار بن العلاء عن ابن عيينة نحو رواية علي بن عبد الله وقال في آخره فظننت انه رواه
عنهما جميعا وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق سليمان بن أيوب عن سفيان قال عن عمرو عن عطاء
فذكره قال ثم حدثنا عمرو عن طاوس به فقلت لعمرو انما كنت حدثتنا عن عطاء قال اسكت يا صبي
لم أغلط كلاهما حدثني (قلت) فإن كان هذا محفوظا فلعل سفيان تردد في كون عمرو سمعه منهما
لما خشى من كون ذلك صدر منه حالة الغضب على أنه قد حدث به فجمعهما قال أحمد في مسنده
حدثنا سفيان قال قال عمرو أولا فحفظناه قال طاوس عن ابن عباس فذكره فقال أحمد وقد حدثنا
به سفيان فقال قال عمرو عن عطاء وطاوس عن ابن عباس (قلت) وكذا جمعهما عن سفيان
مسدد عند المصنف في الطب وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو خيثمة وإسحاق بن راهويه عند مسلم وقتيبة
عند الترمذي والنسائي وتابع سفيان على روايته له عن عمرو لكن عن طاوس وحده زكريا ابن إسحاق
أخرجه أحمد وأبو عوانة وابن خزيمة والحاكم وله أصل عن عطاء أيضا أخرجه أحمد والنسائي
من طريق الليث عن أبي الزبير ومن طريق ابن جريج كلاهما عنه * (تنبيه) * زعم الكرماني أن
مراد البخاري بالسياق المذكور ان عمرا حدث به سفيان أولا عن عطاء عن ابن عباس بغير واسطة
ثم حدثه به ثانيا عن عطاء بواسطة طاوس (قلت) وهو كلام من لم يقف على طريق مسدد التي في
الكتاب الذي شرح فيه فضلا عن بقية الطرق التي ذكرناها ولا تعرف مع ذلك لعطاء عن طاوس
رواية أصلا والله المستعان (قوله وهو محرم) زاد ابن جريج عن عطاء صائم (بلحى جمل) وزاد زكريا
على رأسه وستأتى رواية عكرمة في الصوم وهذه الزيادات موافقة لحديث ابن بحينة ثاني حديثي
الباب دون ذكر الصيام (قوله عن علقمة بن أبي علقمة) في رواية النسائي من طريق محمد بن خالد
عن سليمان أخبرني علقمة واسم أبى علقمة بلال وهو مدني تابعي صغير سمع أنسا وهو علقمة بن أم
علقمة واسمها مرجانة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث (قوله عن عبد الرحمن الأعرج
عن ابن بحينة) في رواية المصنف في الطب عن إسماعيل وهو ابن أبي أويس عن سليمان عن
علقمة أنه سمع عبد الرحمن الأعرج انه سمع عبد الله بن بحينة (قوله بلحى جمل) بفتح اللام وحكى
كسرها وسكون المهملة وبفتح الجيم والميم موضع بطريق مكة وقد وقع مبينا في رواية إسماعيل
المذكورة بلحى جمل من طريق مكة ذكر البكري في معجمه في رسم العقيق قال هي بئر جمل التي ورد
ذكرها في حديث أبي جهم يعنى الماضي في التيمم وقال غيره هي عقبة الجحفة على سبعة أميال من
السقيا ووقع في رواية أبي ذر بلحيى جمل بصيغة التثنية ولغيره بالافراد وهم من ظنه فكى الجمل
الحيوان المعروف وانه كان آلة الحجم وجزم الحازمي وغيره بأن ذلك كان في حجة الوداع وسيأتى
البحث في أنه هل كان صائما في كتاب الصيام (قوله في وسط) بفتح المهملة أي متوسطة وهو ما فوق
اليافوخ فيما بين أعلى القرنين قال الليث كانت هذه الحجامة في فاس الرأس وأما التي في أعلاه
فلا لأنها ربما أعمت وسيأتى تحقيق ذلك في كتاب الطب إن شاء الله تعالى قال النووي إذا أراد
المحرم الحجامة لغير حاجة فان تضمنت قطع شعر فهي حرام لقطع الشعر وان لم تتضمنه جازت عند
الجمهور وكرهها مالك وعن الحسن فيها الفدية وان لم يقطع شعرا وإن كان لضرورة جاز قطع الشعر
وتجب الفدية وخص أهل الظاهر الفدية بشعر الرأس وقال الداودي إذا أمكن مسك المحاجم
44

بغير حلق لم يجز الحلق واستدل بهذا الحديث على جواز الفصد وبط الجرح والدمل وقطع العرق
وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهى عنه المحرم من
تناول الطيب وقطع الشعر ولا فدية عليه في شئ من ذلك والله أعلم * (قوله باب
تزويج المحرم) أورد فيه حديث ابن عباس في تزويج ميمونة وظاهر صنيعه أنه لم يثبت عنده النهى
عن ذلك ولا أن ذلك من الخصائص وقد ترجم في النكاح باب نكاح المحرم ولم يزد على ايراد هذا
الحديث ومراده بالنكاح التزويج للاجماع على افساد الحج والعمرة بالجماع وقد اختلف في
تزويج ميمونة فالمشهور عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم وصح نحوه
عن عائشة وأبي هريرة وجاء عن ميمونة نفسها انه كان حلالا وعن أبي رافع مثله وانه كان الرسول
إليها وسيأتى الكلام على ذلك مستوفى في باب عمرة القضاء من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى
واختلف العلماء في هذه المسئلة فالجمهور على المنع لحديث عثمان لا ينكح المحرم ولا ينكح أخرجه
مسلم وأجابوا عن حديث ميمونة بأنه اختلف في الواقعة كيف كانت ولا تقوم بها الحجة ولأنها
تحتمل الخصوصية فكان الحديث في النهى عن ذلك أولى بأن يؤخذ به وقال عطاء وعكرمة
وأهل الكوفة يجوز للمحرم أن يتزوج كما يجوز له أن يشترى الجارية للوطء وتعقب بأنه قياس في
معارضة السنة فلا يعتبر به وأما تأويلهم حديث عثمان بأن المراد به الوطء فمتعقب بالتصريح
فيه بقوله ولا ينكح بضم أوله وبقوله فيه ولا يخطب * (قوله باب ما ينهى) أي عنه
(من الطيب للمحرم والمحرمة) أي أنهما في ذلك سواء ولم يختلف العلماء في ذلك وانما اختلفوا
في أشياء هل تعد طيبا أو لا والحكمة في منع المحرم من الطيب أنه من دواعي الجماع ومقدماته
التي تفسد الاحرام وبأنه ينافي حال المحرم فان المحرم أشعث أغبر (قوله وقالت عائشة لا تلبس
المحرمة ثوبا بورس أو زعفران) وصله البيهقي من طريق معاذة عن عائشة قالت المحرمة تلبس من
الثياب ما شاءت الا ثوبا مسه ورس أو زعفران ولا تبرقع ولا تلثم وتسدل الثوب على وجهها ان
شاءت وقد تقدم في أوائل الباب أن المرأة كالرجل في منع الطيب اجماعا وروى أحمد وأبو داود
والحاكم أصل حديث الباب من طريق ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر بلفظ أنه سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ينهى النساء في احرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران
من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب ثم أورد المصنف حديث ابن عمر قام رجل
فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس الحديث وقد تقدم في أوائل الحج مع سائر مباحثه في
باب ما يلبس المحرم من الثياب وزاد فيه هنا ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين وذكر
الاختلاف في رفع هذه الزيادة ووقفها وسأبين ما في ذلك إن شاء الله تعالى (قوله تابعه موسى بن
عقبة) وصله النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عنه عن نافع في آخر الزيادة المذكورة قبل
(قوله وإسماعيل بن إبراهيم) أي ابن عقبة وهو ابن أخي موسى المذكور قبله وقد رويناه من
طريقه موصولا في فوائد علي بن محمد المصري من رواية السلفي عن الثقفي عن ابن بشران عنه
عن يوسف بن يزيد عن يعقوب بن أبي عباد عن إسماعيل عن نافع به (قوله وجويرية) أي ابن أسماء
وصله أبو يعلى عن عبد الله بن محمد بن أسماء عنه عن نافع وفيه الزيادة (قوله وابن اسحق) وصله
أحمد وغيره كما تقدم في أول الباب (قوله في النقاب والقفازين) أي في ذكرهما في الحديث
45

المرفوع والقفاز بضم القاف وتشديد الفاء وبعد الألف زاي ما تلبسه المرأة في يدها فيغطى
أصابعها وكفيها عند معاناة الشئ كغزل ونحوه وهو لليد كالخف للرجل والنقاب الخمار الذي
يشد على الانف أو تحت المحاجر وظاهره اختصاص ذلك بالمرأة ولكن الرجل في القفاز مثلها
لكونه في معنى الخف فان كلا منهما محيط بجزء من البدن وأما النقاب فلا يحرم على الرجل من
جهة الاحرام لأنه لا يحرم عليه تغطية وجهه على الراجح كما سيأتي الكلام عليه في حديث ابن
عباس في هذا الباب (قوله وقال عبيد الله) يعنى ابن عمر العمرى (ولا ورس) وكان يقول لا تتنقب
المحرمة ولا تلبس القفازين يعنى ان عبيد الله المذكور خالف المذكورين قبل في رواية هذا
الحديث عن نافع فوافقهم على رفعه إلى قوله زعفران ولا ورس وفصل بقية الحديث فجعله من
قول ابن عمر وهذا التعليق عن عبيد الله وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن محمد بن بشر
وحماد بن مسعدة وابن خزيمة من طريق بشر بن المفضل ثلاثتهم عن عبيد الله بن عمر عن نافع
فساق الحديث إلى قوله ولا ورس قال وكان عبد الله يعنى ابن عمر يقول ولا تنتقب المحرمة ولا
تلبس القفازين ورواه يحيى القطان عند النسائي وحفص بن غياث عند الدارقطني كلاهما
عن عبيد الله فاقتصر على المتفق على رفعه (قوله وقال مالك الخ) هو في الموطأ كما قال
والغرض ان مالكا اقتصر على الموقوف فقط وفى ذلك تقوية لرواية عبيد الله وظهر الادراج في
رواية غيره وقد استشكل ابن دقيق العيد الحكم بالادراج في هذا الحديث لورود النهى عن
النقاب والقفاز مفردا مرفوعا وللابتداء بالنهى عنهما في رواية ابن إسحاق المرفوعة المقدم
ذكرها وقال في الاقتراح دعوى الادراج في أول المتن ضعيفة وأجيب بان الثقات إذا اختلفوا
وكان مع أحدهم زيادة قدمت ولا سيما إن كان حافظا ولا سيما إن كان أحفظ والامر هنا كذلك
فان عبيد الله بن عمر في نافع أحفظ من جميع من خالفه وقد فصل المرفوع من الموقوف وأما
الذي اقتصر على الموقوف فرفعه فقد شذ بذلك وهو ضعيف وأما الذي ابتدأ في المرفوع
بالموقوف فإنه من التصرف في الرواية بالمعنى وكانه رأى أشياء متعاطفة فقدم وأخر لجواز ذلك
عنده ومع الذي فصل زيادة علم فهو أولى أشار إلى ذلك شيخنا في شرح الترمذي وقال الكرماني
فان قلت فلم قال بلفظ قال وثانيا بلفظ كان يقول قلت لعله قال ذلك مرة وهذا كان يقوله دائما
مكررا والفرق بين المرويين اما من جهة حذف المرأة واما من جهة ان الأول بلفظ لا تتنقب من
التفعل والثاني من الافتعال واما من جهة ان الثاني بضم الباء على سبيل النفي لا غير والأول
بالضم والكسر نفيا ونهيا انتهى كلامه ولا يخفى تكلفه (قوله وتابعه ليث بن أبي سليم) أي
تابع مالكا في وقفه وكذا أخرجه ابن أبي شيبة من طريق فضيل بن غزوان عن نافع موقوفا على
ابن عمر ومعنى قوله ولا تنتقب أي لا تستر وجهها كما تقدم واختلف العلماء في ذلك فمنعه الجمهور
واجازه الحنفية وهو رواية عند الشافعية والمالكية ولم يختلفوا في منعها من ستر وجهها
وكفيها بما سوى النقاب والقفازين (قوله مسه ورس الخ) مفهومه جواز ما ليس فيه
ورس ولا زعفران لكن ألحق العلماء بذلك أنواع الطيب للاشتراك في الحكم واختلفوا في
المصبوغ بغير الزعفران والورس وقد تقدم ذلك والورس نبات باليمن قاله جماعة وجزم بذلك ابن
العربي وغيره وقال ابن البيطار في مفرداته الورس يؤتى به من اليمن والهند والصين وليس
46

بنبات بل يشبه زهر العصفر ونبته شئ يشبه البنفسج ويقال ان الكركم عروقه (قوله عن
منصور) هو ابن المعتمر والحكم هو ابن عتيبة (قوله وقصت) بفتح القاف والصاد المهملة تقدم
تفسيره في باب كفن المحرم ويأتي في باب المحرم يموت بعرفة بيان اختلاف في هذه اللفظة والمراد
هنا قوله ولا تقربوه طيبا وهى بتشديد الراء وسيأتى قريبا بلفظ ولا تحنطوه وهو من الحنوط
بالمهملة والنون وهو الطيب الذي يصنع للميت وقوله يبعث ملبيا أي على هيئته التي مات عليها
واستدل بذلك على بقاء احرامه خلافا للمالكية والحنفية وقد تمسكوا من هذا الحديث بلفظة
اختلف في ثبوتها وهى قوله ولا تخمروا وجهه فقالوا لا يجوز للمحرم تغطية وجهه مع أنهم
لا يقولون بظاهر هذا الحديث فيمن مات محرما وأما الجمهور فاخذوا بظاهر الحديث وقالوا ان في
ثبوت ذكر الوجه مقالا وتردد ابن المنذر في صحته وقال البيهقي ذكر الوجه غريب وهو وهم من
بعض رواته وفى كل ذلك نظر فان الحديث ظاهره الصحة ولفظه عند مسلم من طريق إسرائيل عن
منصور وأبى الزبير كلاهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر الحديث قال منصور ولا
تغطوا وجهه وقال أبو الزبير ولا تكشفوا وجهه وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن دينار عن
سعيد بن جبير بلفظ ولا تخمروا وجهه ولا رأسه أخرجه مسلم أيضا من حديث شعبة عن أبي
بشر عن سعيد بن جبير بلفظ ولا يمس طيبا خارج رأسه قال شعبة ثم حدثني به بعد ذلك فقال خارج
رأسه ووجهه انتهى وهذه الرواية تتعلق بالتطيب لا بالكشف والتغطية وشعبة أحفظ من كل
من روى هذا الحديث فلعل بعض رواته انتقل ذهنه من التطيب إلى التغطية وقال أهل الظاهر
يجوز للمحرم الحي تغطية وجهه ولا يجوز للمحرم الذي يموت عملا بالظاهر في الموضعين وقال
آخرون هي واقعة عين لا عموم فيها لأنه علل ذلك بقوله لأنه يبعث يوم القيامة ملبيا وهذا الامر
لا يتحقق وجوده في غيره فيكون خاصا بذلك الرجل ولو استمر بقاؤه على احرامه لأمر بقضاء
مناسكه وسيأتى ترجمة المصنف بنفي ذلك وقال أبو الحسن بن القصار لو أريد تعميم هذا الحكم
في كل محرم لقال فان المحرم كما جاء ان الشهيد يبعث وجرحه يثعب دما وأجيب بان الحديث ظاهر
في أن العلة في الامر المذكور كونه كان في النسك وهو عامة في كل محرم والأصل ان كل ما ثبت
لواحد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت لغيره حتى يتضح التخصيص واختلف في الصائم يموت
هل يبطل صومه بالموت حتى يجب قضاء صوم ذلك اليوم عنه أو لا يبطل وقال النووي يتأول
هذا الحديث على أن النهى عن تغطية وجهه ليس لكون المحرم لا تجوز تغطية وجهه بل هو
صيانة للرأس فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطى رأسه اه‍ وروى سعيد بن منصور من طريق
عطاء قال يغطى المحرم من وجهه ما دون الحاجبين أي من أعلى وفى رواية ما دون عينيه وكأنه
أراد مزيد الاحتياط لكشف الرأس والله أعلم * (تكملة) * كان وقوع المحرم المذكور عند
الصخرات من عرفة وفى الحديث اطلاق الواقف على الراكب واستحباب دوام التلبية في الاحرام
وانها لا تنقطع بالتوجه لعرفة وجواز غسل المحرم بالسدر ونحوه مما لا يعد طيبا وحكى المزنى
عن الشافعي انه استدل على جواز قطع سدر الحرم بهذا الحديث لقوله فيه واغسلوه بماء وسدر
والله أعلم * (تنبيه) * لم أقف في شئ من طرق هذا الحديث على تسمية المحرم المذكور وقد وهم
بعض المتأخرين فزعم أن اسمه واقد بن عبد الله وعزاه لابن قتيبة في ترجمة عمر من كتاب المغازي
47

وسبب الوهم ان ابن قتيبة لما ذكر ترجمة عمر ذكر أولاده ومنهم عبد الله بن عمر ثم ذكر أولاد عبد الله
ابن عمر فذكر فيهم واقد بن عبد الله بن عمر فقال وقع عن بعيره وهو محرم فهلك فظن هذا المتأخر أن
لواقد بن عبد الله بن عمر صحبة وانه صاحب القصة التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
وليس كما ظن فان واقدا المذكور لا صحبة له فان أمه صفية بنت أبي عبيد انما تزوجها أبوه في خلافة
أبيه عمر واختلف في صحبتها وذكرها العجلي وغيره في التابعين ووجدت في الصحابة واقد بن عبد الله
آخر لكن لم أر في شئ من الاخبار انه وقع عن بعيره فهلك بل ذكر غير واحد منهم ابن سعد أنه مات في
خلافة عمر فبطل تفسير المبهم بأنه واقد بن عبد الله من كل وجه * (قوله باب الاغتسال للمحرم) أي ترفها وتنظفا وتطهرا من الجنابة قال ابن المنذر اجمعوا على أن للمحرم ان يغتسل
من الجنابة واختلفوا فيما عدا ذلك وكأن المصنف أشار إلى ما روى عن مالك انه كره للمحرم ان
يغطى رأسه في الماء وروى في الموطأ عن نافع ان ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم الا من
احتلام (قوله وقال ابن عباس يدخل المحرم الحمام) وصله الدارقطني والبيهقي من طريق أيوب
عن عكرمة عنه قال المحرم يدخل الحمام وينزع ضرسه وإذا انكسر ظفره طرحه ويقول
أميطوا عنكم الأذى فان الله لا يصنع بأذاكم شيئا وروى البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس انه
دخل حماما بالجحفة وهو محرم وقال إن الله لا يعبأ بأوساخكم شيئا وروى ابن أبي شيبة كراهة ذلك
عن الحسن وعطاء (قوله ولم ير ابن عمر وعائشة بالحك بأسا) أما أثر ابن عمر فوصله البيهقي من
طريق أبى مجلز قال رأيت ابن عمر يحك رأسه وهو محرم ففطنت له فإذا هو يحك بأطراف أنامله
وأما اثر عائشة فوصله مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه واسمها مرجانة سمعت عائشة
تسأل عن المحرم أيحك جسده قال نعم وليشدد (3) وقالت عائشة لو ربطت يداي ولم أجد الا أن
أحك برجلي لحككت اه‍ ومناسبة اثر ابن عمر وعائشة للترجمة بجامع ما بين الغسل والحك من إزالة الأذى (قوله عن زيد بن أسلم عن إبراهيم) كذا في جميع الموطآت واغرب يحيى
ابن يحيى الأندلسي فادخل بين زيد وإبراهيم نافعا قال ابن عبد البر وذلك معدود من خطئه
(قوله عن إبراهيم) في رواية ابن عيينة عن زيد أخبرني إبراهيم أخرجه أحمد واسحق والحميدي
في مسانيدهم عنه وفى رواية ابن جريج عند أحمد عن زيد بن أسلم أن إبراهيم بن عبد الله بن حنين
مولى ابن عباس أخبره كذا قال مولى ابن عباس وقد اختلف في ذلك والمشهور ان حنينا كان
مولى للعباس وهبه له النبي صلى الله عليه وسلم فأولاده موال له (قوله إن ابن عباس) في رواية ابن
جريج عند أبي عوانة كنت مع ابن عباس والمسور (قوله بالابواء) أي وهما نازلان بها وفى
رواية ابن عيينة بالعرج وهو بفتح أوله واسكان ثانيه قرية جامعة قريبة من الأبواء (قوله إلى
أبى أيوب) زاد ابن جريج فقال قل له يقرأ عليك السلام ابن أخيك عبد الله بن عباس ويسألك
(قوله بين القرنين) أي قرني البئر وكذا هو لبعض رواة الموطأ وكذا في رواية ابن عيينة وهما
العودان أي العمودان المنتصبان لأجل عود البكرة (قوله أرسلني إليك عبد الله ابن عباس يسألك
كيف كان الخ) قال ابن عبد البر الظاهر أن ابن عباس كان عنده في ذلك نص عن النبي صلى
الله عليه وسلم أخذه عن أبي أيوب أو غيره ولهذا قال عبد الله بن حنين لأبي أيوب يسألك كيف
كان يغسل رأسه ولم يقل هل كان يغسل رأسه أو لا على حسب ما وقع فيه اختلاف بين المسور
48

وابن عباس (قلت) ويحتمل ان يكون عبد الله بن حنين تصرف في السؤال لفطنته كأنه لما قال
له سله هل يغتسل المحرم أو لا فجاء فوجده يغتسل فهم من ذلك أنه يغتسل فأحب أن لا يرجع الا
بفائدة فسأله عن كيفية الغسل وكانه خص الرأس بالسؤال لأنها موضع الاشكال في هذه
المسئلة لأنها محل الشعر الذي يخشى انتتافه بخلاف بقية البدن غالبا (قوله فطأطأه) أي ازاله
عن رأسه وفى رواية ابن عيينة جمع ثيابه إلى صدره حتى نظرت إليه وفى رواية ابن جريج حتى رأيت
رأسه ووجهه (قوله لانسان) لم أقف على اسمه ثم قال أي أبو أيوب هكذا رأيته أي النبي صلى الله
عليه وسلم يفعل زاد ابن عيينة فرجعت إليهما فأخبرتهما فقال المسور لابن عباس لا أماريك أبدا
أي لا أجادلك وأصل المراء استخراج ما عند الانسان يقال أمرا فلان فلانا إذا استخرج ما عنده
قاله ابن الأنباري وأطلق ذلك في المجادلة لان كلا المتجادلين يستخرج ما عند الآخر من الحجة
وفى هذا الحديث من الفوائد مناظرة الصحابة في الاحكام ورجوعهم إلى النصوص وقبولهم لخبر
الواحد ولو كان تابعيا وان قول بعضهم ليس بحجة على بعض قال ابن عبد البر لو كان معنى الاقتداء
في قوله صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم يراد به الفتوى لما احتاج ابن عباس إلى إقامة البينة
على دعواه بل كان يقول للمسور أنا نجم وأنت نجم فبأينا اقتدى من بعدنا كفاه ولكن معناه كما
قال المزنى وغيره من أهل النظر انه في النقل لان جميعهم عدول وفيه اعتراف للفاضل بفضله
وانصاف الصحابة بعضهم بعضا وفيه استتار الغاسل عند الغسل والاستعانة في الطهارة وجواز
الكلام والسلام حالة الطهارة وجواز غسل المحرم وتشريبه شعره بالماء ودلكه بيده إذا أمن
تناثره واستدل به القرطبي على وجوب الدلك في الغسل قال لان الغسل لو كان يتم بدونه لكان
المحرم أحق بأن يجوز له تركه ولا يخفى ما فيه واستدل به على أن تخليل شعر اللحية في الوضوء باق على
استحبابه خلافا لمن قال يكره كالمتولى من الشافعية خشية انتتاف الشعر لان في الحديث
ثم حرك رأسه بيده ولا فرق بين شعر الرأس واللحية الا أن يقال إن شعر الرأس أصلب والتحقيق
انه خلاف الأولى في حق بعض دون بعض قاله السبكي الكبير والله أعلم * (قوله باب
لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين) أي هل يشترط قطعهما أو لا وأورد فيه حديث ابن عمر في
ذلك وحديث ابن عباس وقد تقدم الكلام عليه في باب ما لا يلبس المحرم من الثياب ووقع في
رواية أبى زيد المروزي عن سالم بن عبد الله بن عمر سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
الجياني الصواب ما رواه ابن السكن وغيره فقالوا عن سالم عن ابن عمر قلت تصحفت عن فصارت
ابن وقوله في حديث ابن عباس ومن لم يجد ازارا فليلبس السراويل للمحرم أي هذا الحكم
للمحرم لا الحلال فلا يتوقف جواز لبسه السراويل على فقد الازار قال القرطبي أخذ بظاهر هذا
الحديث أحمد فأجاز لبس الخف والسراويل للمحرم الذي لا يجد النعلين والإزار على حالهما
واشترط الجمهور قطع الخف وفتق السراويل فلو لبس شيئا منهما على حاله لزمته الفدية والدليل
لهم قوله في حديث ابن عمر وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين فيحمل المطلق على المقيد
ويلحق النظير بالنظير لاستوائهما في الحكم وقال ابن قدامة الأولى قطعهما عملا بالحديث
الصحيح وخروجا من الخلاف انتهى والأصح عند الشافعية والأكثر جواز ليس السراويل بغير
فتق كقول أحمد واشترط الفتق محمد بن الحسن وامام الحرمين وطائفة وعن أبي حنيفة منع
49

السراويل للمحرم مطلقا ومثله عن مالك وكأن حديث ابن عباس لم يبلغه ففي الموطأ انه سئل
عنه فقال لم أسمع بهذا الحديث وقال الرازي من الحنفية يجوز لبسه وعليه الفدية كما قاله
أصحابهم في الخفين ومن أجاز لبس السراويل على حاله قيده بأن لا يكون في حالة لو فتقه لكان
أزارا لأنه في تلك الحالة يكون واجد الازار * (قوله باب إذا لم يجد الازار فليلبس
السراويل) أورد فيه حديث ابن عباس وقد تقدم البحث فيه في الباب الذي قبله وجزم المصنف
بالحكم في هذه المسئلة دون التي قبلها لقوة دليلها وتصريح المخالف بأن الحديث لم يبلغه فيتعين
على من بلغه العمل به * (قوله باب لبس السلاح للمحرم) أي إذا احتاج إلى
ذلك (قوله وقال عكرمة إذا خشى العدو لبس السلاح وافتدى) أي وجبت عليه الفدية ولم
أقف على أثر عكرمة هذا موصولا وقوله ولم يتابع عليه في الفدية يقتضى أنه توبع على جواز
لبس السلاح عند الخشية وخولف في وجوب الفدية وقد نقل ابن المنذر عن الحسن انه كره ان
يتقلد المحرم السيف وقد تقدم في العيدين قول ابن عمر للحجاج أنت أمرت بحمل السلاح في
الحرم وقوله له وأدخلت السلاح في الحرم ولم يكن السلاح يدخل فيه وفى رواية أمرت بحمل
السلاح في يوم لا يحل فيه حمله وتقدم الكلام على ذلك مستوفى في باب من كره حمل السلاح في
العيد وذكر من روى ذلك مرفوعا ثم اورد المصنف في الباب حديث البراء في عمرة القضاء مختصرا
وسيأتى بتمامه في كتاب الصلح عن عبيد الله بن موسى باسناده هذا ووهم المزي في الأطراف فزعم أن
البخاري أخرجه في الحج بطوله وليس كذلك * (قوله باب دخول الحرم ومكة
بغير احرام) هو من عطف الخاص على العام لان المراد بمكة هنا البلد فيكون الحرم أعم (قوله
ودخل ابن عمر) وصله مالك في الموطأ عن نافع قال أقبل عبد الله بن عمر من مكة حتى إذا كان
بقديد يعنى بضم القاف جاءه خبر عن الفتنة فرجع فدخل مكة بغير احرام (قوله وانما أمر النبي
صلى الله عليه وسلم بالاهلال لمن أراد الحج والعمرة ولم يذكر الحطابين وغيرهم) هو من كلام
المصنف وحاصله انه خص الاحرام بمن أراد الحج والعمرة واستدل بمفهوم قوله في حديث ابن
عباس ممن أراد الحج والعمرة فمفهومه ان المتردد إلى مكة لغير قصد الحج والعمرة لا يلزمه الاحرام
وقد اختلف العلماء في هذا فالمشهور من مذهب الشافعي عدم الوجوب مطلقا وفى قول يجب
مطلقا وفيمن يتكرر دخوله خلاف مرتب وأولى بعدم الوجوب والمشهور عن الأئمة الثلاثة
الوجوب وفى رواية عن كل منهم لا يجب وهو قول ابن عمر والزهري والحسن وأهل الظاهر وجزم
الحنابلة باستثناء ذوي الحاجات المتكررة واستثنى الحنفية من كان داخل الميقات وزعم ابن
عبد البر أن أكثر الصحابة والتابعين على القول بالوجوب ثم أورد المصنف في الباب حديثين
أحدهما حديث ابن عباس وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت الثاني حديث أنس في المغفر
وقد اشتهر عن الزهري عنه ووقع لي من رواية يزيد الرقاشي عن أنس في فوائد أبى الحسن الفراء
الموصلي وفى الاسناد إلى يزيد مع ضعفه ضعف وقيل إن مالكا تفرد به عن الزهري وممن جزم بذلك
ابن الصلاح في علوم الحديث له في الكلام عن الشاذ وتعقبه شيخنا الحافظ أبو الفضل العراقي بأنه
ورد من طريق ابن أخي الزهري وأبى أويس ومعمر والأوزاعي وقال إن رواية ابن أخي الزهري
عند البزار ورواية أبى أويس عند ابن سعد وابن عدي وان رواية معمر ذكرها ابن عدي وان
50

رواية الأوزاعي ذكرها المزنى ولم يذكر شيخنا من أخرج روايتهما وقد وجدت رواية معمر في فوائد
ابن المقرى ورواية الأوزاعي في فوائد تمام ثم نقل شيخنا عن ابن مسدى أن ابن العربي قال حين
قيل له لم يروه الا مالك قد رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك وانه وعد باخراج ذلك ولم
يخرج شيئا وأطال ابن مسدى في هذه القصة وأنشد فيها شعرا وحاصلها أنهم اتهموا ابن العربي
في ذلك ونسبوه إلى المجازفة ثم شرع ابن مسدى يقدح في أصل القصة ولم يصب في ذلك فروى
القصة عدل متقن والذين اتهموا ابن العربي في ذلك هم الذين أخطئوا لقلة اطلاعهم وكأنه بخل
عليهم باخراج ذلك لما ظهر له من انكارهم وتعنتهم وقد تتبعت طرقه حتى وقفت على أكثر من
العدد الذي ذكره ابن العربي ولله الحمد فوجدته من رواية اثنى عشر نفسا غير الأربعة التي ذكرها
شيخنا وهم عقيل في معجم ابن جميع ويونس بن يزيد في الارشاد للخليلي وابن أبي حفص في الرواة
عن مالك للخطيب وابن عيينة في مسند أبى يعلى وأسامة بن زيد في تاريخ نيسابور وابن أبي ذئب في
الحلية ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالى في افراد الدارقطني وعبد الرحمن ومحمد ابنا عبد العزيز
الأنصاريان في فوائد عبد الله بن إسحاق الخراساني وابن اسحق في مسند مالك لابن عدى وبحر
السقاء ذكره جعفر الأندلسي في تخريجه للجيزي بالجيم والزاي وصالح بن أبي الأخضر ذكره أبو ذر
الهروي عقب حديث يحيى بن قزعة عن مالك والمخرج عند البخاري في المغازي فتبين بذلك أن
اطلاق ابن الصلاح متغقب وان قول ابن العربي صحيح وان كلام من اتهمه مردود ولكن ليس في
طرقه شئ على شرط الصحيح الا طريق مالك وأقربها رواية ابن أخي الزهري فقد أخرجها النسائي
في مسند مالك وأبو عوانة في صحيحه وتليها رواية أبى أويس أخرجها أبو عوانة أيضا وقالوا انه
كان رفيق مالك في السماع عن الزهري فيحمل قول من قال انفرد به مالك أي بشرط الصحة وقول
من قال توبع أي في الجملة بحال عن الترمذي سالمة من الاعتراض فإنه قال بعد تخريجه حسن
صحيح غريب لا يعرف كثير أحد رواه غير مالك عن الزهري فقوله كثير يشير إلى أنه توبع في الجملة
(قوله عن أنس) في رواية أبى أويس عند ابن سعد ان أنس بن مالك حدثه (قوله غام الفتح وعلى
رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس وقيل
هو رفرف البيضة قاله في المحكم وفى المشارق هو ما يجعل من فضل دروع الحديد على الرأس مثل
القلنسوة وفى رواية زيد بن الحباب عن مالك يوم الفتح وعليه مغفر من حديد أخرجه الدارقطني
في الغرائب والحاكم في الإكليل وكذا هو في رواية أبى أويس (قوله فلما نزعه جاءه رجل) لم أقف
على اسمه الا انه يحتمل أن يكون هو الذي باشر قتله وقد جزم الفاكهي في شرح العمدة بأن الذي
جاء بذلك هو أبو برزة الأسلمي وكأنه لما رجح عنده أنه هو الذي قتله رأى أنه هو الذي جاء مخبرا
بقصته ويوشحه قوله في رواية يحيى بن قزعة في المغازي فقال اقتله بصيغة الافراد على أنه اختلف
في اسم قاتله ففي حديث سعيد بن يربوع عند الدارقطني والحاكم انه صلى الله عليه وسلم قال أربعة
لا أومنهم لا في حل ولا حرم الحويرث بن نقيد بالنون والقاف مصغر وهلال بن خطل ومقيس
ابن صبابة وعبد الله بن أبي سرح قال فأما هلال بن خطل فقتله الزبير الحديث وفى حديث سعد
ابن أبي وقاص عند البزار والحاكم والبيهقي في الدلائل نحوه لكن قال أربعة نفر وامرأتين فقال
اقتلوهم وان وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة فذكرهم لكن قال عبد الله بن خطل بدل هلال
51

وقال عكرمة بدل الحويرث ولم يسم المرأتين وقال فاما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق
بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيدا عمارا وكان أشب الرجلين
فقتله الحديث وفى زيادات يونس بن بكير في المغازي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
نحوه وروى ابن أبي شيبة والبيهقي في الدلائل من طريق الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس
أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم فتح مكة الا أربعة من الناس عبد العزى بن خطل
ومقيس بن صبابة الكناني وعبد الله بن أبي سرح وأم سارة فاما عبد العزى بن خطل فقتل وهو
متعلق بأستار الكعبة وروى ابن أبي شيبة من طريق أبى عثمان النهدي ان أبا برزة الأسلمي قتل
ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة واسناده صحيح مع ارساله وله شاهد عند ابن المبارك في
البر والصلة من حديث أبي برزة نفسه ورواه أحمد من وجه آخر وهو أصح ما ورد في تعيين قاتله
وبه جزم البلاذري وغيره من أهل العلم بالاخبار وتحمل بقية الروايات على أنهم ابتدروا
قتله فكان المباشر له منهم أبو برزة ويحتمل أن يكون غيره شاركه فيه فقد جزم ابن هشام في السيرة
بأن سعيد بن حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله ومنهم من سمى قاتله سعيد بن ذؤيب وحكى
المحب الطبري أن الزبير بن العوام هو الذي قتل ابن خطل وروى الحاكم من طريق أبى معشر
عن يوسف بن يعقوب عن السائب بن يزيد قال فأخذ عبد الله بن خطل من تحت أستار الكعبة
فقتل بين المقام وزمزم وقد جمع الواقدي عن شيوخه أسماء من لم يؤمن يوم الفتح وأمر بقتله
عشرة أنفس ستة رجال وأربع نسوة والسبب في قتل ابن خطل وعدم دخوله في قوله من
دخل المسجد فهو آمن ما روى ابن إسحاق في المغازي حدثني عبد الله بن أبي بكر وغيره أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة قال لا يقتل أحد الا من قاتل الا نفرا سماهم فقال
اقتلوهم ان وجدتموهم تحت أستار الكعبة منهم عبد الله بن خطل وعبد الله بن سعد وانما أمر
بقتل ابن خطل لأنه كان مسلما فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا وبعث معه رجلا من
الأنصار وكان معه مولى يخدمه وكان مسلما فنزل منزلا فأمر المولى أن يذبح تيسا ويصنع له طعاما
فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا وكانت له قينتان تغنيان بهجاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الفاكهي من طريق ابن جريج قال قال مولى ابن عباس
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار ورجلا من مزينة وابن خطل وقال أطيعا
الأنصاري حتى ترجعا فقتل ابن خطل الأنصاري وهرب المزنى وكان ممن أهدر النبي صلى الله عليه
وسلم دمه يوم الفتح ومن النفر الذين كان أهدر دمهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح غير من
تقدم ذكره هبار بن الأسود وعكرمة بن أبي جهل وكعب بن زهير ووحشي بن حرب وأسيد بن اياس
ابن أبي زنيم وقينتا ابن خطل وهند بنت عتبة والجمع بين ما اختلف فيه من اسمه انه كان يسمى
عبد العزى فلما أسلم سمى عبد الله وأما من قال هلال فالتبس عليه بأخ له اسمه هلال بين ذلك
الكلبي في النسب وقيل هو عبد الله بن هلال بن خطل وقيل غالب بن عبد الله بن خطل واسم
خطل عبد مناف من بنى تيم بن فهر بن غالب وهذا الحديث ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل
مكة يوم الفتح لم يكن محرما وقد صرح بذلك مالك راوي الحديث كما ذكره المصنف في المغازي عن
يحيى بن قزعة عن مالك عقب هذا الحديث قال مالك ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نرى
52

والله أعلم يومئذ محرما اه‍ وقول مالك هذا رواه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك جازما به
أخرجه الدارقطني في الغرائب ووقع في الموطأ من رواية أبى مصعب وغيره قال مالك قال ابن
شهاب ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ محرما وهذا مرسل ويشهد له ما رواه مسلم من
حديث جابر بلفظ دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير احرام وروى ابن أبي شيبة باسناد
صحيح عن طاوس قال لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة الا محرما الا يوم فتح مكة وزعم
الحاكم في الإكليل ان بين حديث أنس في المغفر وبين حديث جابر في العمامة السوداء معارضة
وتعقبوه باحتمال ان يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزالة ولبس العمامة بعد ذلك
فحكى كل منهما ما رآه ويؤيده ان في حديث عمرو بن حريث انه خطب الناس وعليه عمامة
سوداء أخرجه مسلم أيضا وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول وهذا الجمع
لعياض وقال غيره يجمع بان العمامة السوداء كانت ملفوفة فوق المغفر أو كانت تحت المغفر
وقاية لرأسه من صدا الحديد فأراد أنس بذكر المغفر كونه دخل متهيئا للحرب وأراد جابر بذكر
العمامة كونه دخل غير محرم وبهذا يندفع اشكال من قال لا دلالة في الحديث على جواز دخول
مكة بغير احرام لاحتمال ان يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كان محرما ولكنه غطى رأسه لعذر فقد
ندفع ذلك بتصريح جابر بأنه لم يكن محرما لكن فيه اشكال من وجه آخر لأنه صلى الله عليه وسلم
كان متأهبا للقتال ومن كان كذلك جاز له الدخول بغير احرام عند الشافعية وإن كان عياض نقل
الاتفاق على مقابله وأما من قال من الشافعية كابن القاص دخول مكة بغير احرام من خصائص
النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر لان الخصوصية لا تثبت الا بدليل لكن زعم الطحاوي ان دليل
ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي شريح وغيره انها لم تحل له الا ساعة من نهار وأن المراد
بذلك جواز دخولها له بغير احرام لا تحريم القتل والقتال فيها لانهم أجمعوا على أن المشركين لو
غلبوا والعياذ بالله تعالى على مكة حل للمسلمين قتالهم وقتلهم فيها وقد عكس استدلاله النووي
فقال في الحديث دلالة على أن مكة تبقى دار اسلام إلى يوم القيامة فبطل ما صوره الطحاوي وفى
دعواه الاجماع نظر فان الخلاف ثابت كما تقدم وقد حكاه القفال والماوردي وغيرهما واستدل
بحديث الباب على أنه صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة وأجاب النووي بأنه صلى الله عليه وسلم
كان صالحهم لكن لما لم يأمن غدرهم دخل متأهبا وهذا جواب قوى الا ان الشأن في ثبوت كونه
صالحهم فإنه لا يعرف في شئ من الاخبار صريحا كما سيأتي وايضاحه في الكلام على فتح مكة من
المغازي إن شاء الله تعالى واستدل بقصة ابن خطل على جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم
مكة قال ابن عبد البر كان قتل ابن خطل قودا من قتله المسلم وقال السهيلي فيه ان الكعبة لا تعيذ
عاصيا ولا تمنع من إقامة حد واجب وقال النووي تأول من قال لا يقتل فيها على أنه صلى الله
عليه وسلم قتله في الساعة التي أبيحت له وأجاب عنه أصحابنا بأنها انما أبيحت له ساعة الدخول حتى
استولى عليها وأذعن أهلها وانما قتل ابن خطل بعد ذلك انتهى وتعقب بما تقدم في الكلام على
حديث أبي شريح ان المراد بالساعة التي أحلت له ما بين أول النهار ودخول وقت العصر وقتل
ابن خطل كان قبل ذلك قطعا لأنه قيد في الحديث بأنه كان عند نزعه المغفر وذلك عند استقراره
بمكة وقد قال ابن خزيمة المراد بقوله في حديث ابن عباس ما أحل الله لاحد فيه القتل غيري أي
53

قتل النفر الذين قتلوا يومئذ ابن خطل ومن ذكر معه قال وكان الله قد أباح له القتال والقتل معا في
تلك الساعة وقتل ابن خطل وغيره بعد تقضى القتال واستدل به على جواز قتل الذمي إذا سب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه نظر كما قاله ابن عبد البر لان ابن خطل كان حربيا ولم يدخله
رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمانه لأهل مكة بل استثناه مع من استثنى وخرج أمره بقتله مع
أمانه لغيره مخرجا واحدا فلا دلالة فيه لما ذكر انتهى ويمكن ان يتمسك به في جواز قتل من فعل
ذلك بغير استتابة من غير تقييد بكونه ذميا لكن ابن خطل عمل بموجبات القتل فلم يتحتم ان سبب
قتله السب واستدل به على جواز قتل الأسير صبرا لان القدرة على ابن خطل صيرته كالأسير في يد
الامام وهو مخير فيه بين القتل وغيره لكن قال الخطابي انه صلى الله عليه وسلم قتله بما جناه في
الاسلام وقال ابن عبد البر قتله قودا من دم المسلم الذي غدر به وقتله ثم ارتد كما تقدم واستدل به
على جواز قتل الأسير من غير أن يعرض عليه الاسلام ترجم بذلك أبو داود وفيه مشروعية لبس
المغفر وغيره من آلات السلاح حال الخوف من العدو وانه لا ينافي التوكل وقد تقدم في باب
متى يحل للمعتمر من أبواب العمرة من حديث عبد الله بن أبي أوفى اعتمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلما دخل مكة طاف وطفنا معه ومعه من يستره من أهل مكة ان يرميه أحد الحديث وانما
احتاج إلى ذلك لأنه كان حينئذ محرما فخشى الصحابة ان يرميه بعض سفهاء المشركين بشئ يؤذيه
فكانوا حوله يسترون رأسه ويحفظونه من ذلك وفيه جواز رفع أخبار أهل الفساد إلى ولاة
الامر ولا يكون ذلك من الغيبة المحرمة ولا النميمة * (قوله باب إذا أحرم جاهلا
وعليه قميص) أي هل يلزمه فدية أو لا وانما لم يجزم بالحكم لان حديث الباب لا تصريح فيه
باسقاط الفدية ومن ثم استظهر المصنف للراجح بقول عطاء راوي الحديث كأنه يشير إلى أنه
لو كانت الفدية واجبة لما خفيت عن عطاء وهو راوي الحديث قال ابن بطال وغيره وجه الدلالة
منه انه لو لزمته الفدية لبينها صلى الله عليه وسلم لان تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وفرق
مالك فيمن تطيب أو لبس ناسيا بين من بادر فنزع وغسل وبين من تمادى والشافعي أشد موافقة
للحديث لان السائل في حديث الباب كان غير عارف بالحكم وقد تمادى ومع ذلك لم يؤمر
بالفدية وقول مالك فيه احتياط وأما قول الكوفيين والمزني مخالف هذا الحديث وأجاب ابن
المنير في الحاشية بان الوقت الذي أحرم فيه الرجل في الجبة كان قبل نزول الحكم ولهذا انتظر
النبي صلى الله عليه وسلم الوحي قال ولا خلاف ان التكليف لا يتوجه على المكلف قبل نزول
الحكم فلهذا لم يؤمر الرجل بفدية عما مضى بخلاف من لبس الآن جاهلا فإنه جهل حكما استقر
وقصر في علم ما كان عليه ان يتعلمه لكونه مكلفا به وقد تمكن من تعلمه (قوله وقال عطاء الخ) ذكره
ابن المنذر في الأوسط ووصله الطبراني في الكبير وأما حديث يعلى فقد تقدم الكلام عليه مستوفى
في باب غسل الخلوف في أوائل الحج (قوله في الاسناد صفوان بن يعلى بن أمية قال كنت مع النبي
صلى الله عليه وسلم) هكذا وقع في رواية أبي ذر وهو تصحيف والصواب ما ثبت في رواية غيره صفوان
ابن يعلى عن أبيه فتصحفت عن فصارت ابن وأبيه فصارت أمية أو سقط من السند عن أبيه
وليست لصفوان صحبة ولا رواية (قوله وعض رجل يد رجل) هذا حديث آخر وسيأتى مبسوطا
مع الكلام عليه في أبواب الدية إن شاء الله تعالى * (قوله باب المحرم يموت بعرفة
54

ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم ان يؤدى عنه بقية الحج) يعنى لم ينقل ذلك وذكر
فيه حديث ابن عباس في الرجل المحرم الذي وقع عن بعيره بعرفة فمات وقد تقدم التنبيه عليه في
باب ما ينهى عن الطيب للمحرم وأورده المصنف من حديث حماد بن زيد عن عمرو بن دينار وعن
أيوب فرقهما كلاهما عن سعيد بن جبير ووقع في رواية عمرو فوقصته أو قال فأقعصته وفى رواية
أيوب فوقصته أو قال فأوقصته وكلها بمعنى وزاد في رواية أيوب ولا تمسوه طيبا والباقي سواء وقد
وقع عند مسلم من رواية إسماعيل بن علية في هذا الحديث عن أيوب قال نبئت عن سعيد بن جبير
فالله أعلم * (قوله باب سنة المحرم إذا مات) ذكر فيه حديث ابن عباس المذكور من وجه
آخر عن سعيد بن جبير وقد سبق * (قوله باب الحج والنذور عن الميت) كذا ثبت للأكثر
بلفظ الجمع وفى رواية النسفي النذر بالافراد (قوله والرجل يحج عن المرأة) يعنى ان حديث الباب
يستدل به على الحكمين وفيه على الحكم الثاني نظر لان لفظ الحديث ان امرأة سألت عن نذر
كان على أبيها فكان حق الترجمة أن يقول والمرأة تحج عن الرجل وأجاب ابن بطال بان النبي صلى
الله عليه وسلم خاطب المرأة بخطاب دخل فيه الرجال والنساء وهو قوله اقضوا الله قال ولا خلاف
في جواز حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل ولم يخالف في جواز حج الرجل عن المرأة والمرأة عن
الرجل الا الحسن بن صالح انتهى والذي يظهر لي ان البخاري أشار بالترجمة إلى رواية شعبة
عن أبي بشر في هذا الحديث فإنه قال فيها أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أختي نذرت
أن تحج الحديث وفيه فاقض الله فهو أحق بالقضاء أخرجه المصنف في كتاب النذور وكذا
أخرجه أحمد والنسائي من طريق شعبة (قوله إن امرأة من جهينة) لم أقف على اسمها ولا على
اسم أبيها لكن روى ابن وهب عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه ان غايثة أو غاثية
أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي ماتت وعليها نذر ان تمشى إلى الكعبة فقال اقض
عنها أخرجه ابن منده في حرف الغين المعجمة من الصحابيات وتردد هل هي بتقديم المثناة التحتانية
على المثلثة أو بالعكس وجزم ابن طاهر في المبهمات بأنه اسم الجهينية المذكورة في حديث
الباب وقد روى النسائي وابن خزيمة وأحمد من طريق موسى بن سلمة الهذلي عن ابن عباس قال
أمرت امرأة سنان بن عبد الله الجهني أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمها توفيت
ولم تحج الحديث لفظ أحمد ووقع عند النسائي سنان بن سلمة والأول أصح وهذا لا يفسر به المبهم
في حديث الباب ان المرأة سألت بنفسها وفى هذا ان زوجها سأل لها ويمكن الجمع بان يكون
نسبة السؤال إليها مجازية وانما الذي تولى لها السؤال زوجها وغايته انه في هذه الرواية لم
يصرح بان الحجة المسؤول عنها كانت نذرا وأما ما روى ابن ماجة من طريق محمد بن كريب عن أبيه
عن ابن عباس عن سنان بن عبد الله الجهني ان عمته حدثته انها أتت النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت إن أمي توفيت وعليها مشى إلى الكعبة نذرا الحديث فإن كان محفوظا حمل على واقعتين
بان تكون امرأته سألت على لسانه عن حجة أمها المفروضة وبان تكون عمته سألت بنفسها عن
حجة أمها المنذورة ويفسر من في حديث الباب بأنها عمة سنان واسمها غايثة كما تقدم ولم تسم
المرأة ولا العمة ولا أم واحدة منهما (قوله إن أمي نذرت ان تحج) كذا رواه أبو بشر عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس من رواية أبى عوانة عنه وسيأتى في النذور من طريق شعبة عن أبي بشر
55

بلفظ أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ان أختي نذرت ان تحج وانها ماتت فإن كان
محفوظا احتمل ان يكون كل من الأخ سأل عن أخته والبنت سألت عن أمها وسيأتى في الصيام
من طريق أخرى عن سعيد بن جبير بلفظ قالت امرأة ان أمي ماتت وعليها صوم شهر وسيأتى
بسط القول فيه هناك وزعم بعض المخالفين انه اضطراب يعل به الحديث وليس كما قال فإنه
محمول على أن المرأة سألت عن كل من الصوم والحج ويدل عليه ما رواه مسلم عن بريدة ان امرأة
قالت يا رسول الله انى تصدقت على أمي بجارية وانها ماتت قال وجب أجرك وردها عليك
الميراث قالت إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها قال صومي عنها قالت انها لم تحج أفأحج عنها قال
حجى عنها وللسؤال عن قصة الحج من حديث ابن عباس أصل آخر أخرجه النسائي من طريق
سليمان بن يسار عنه وله شاهد من حديث أنس عند البزار والطبراني والدارقطني واستدل به
على صحة نذر الحج ممن لم يحج فإذا حج أجزأه عن حجة الاسلام عند الجمهور وعليه الحج عن النذر
وقيل يجزئ عن النذر ثم يحج حجة الاسلام وقيل يجزئ عنهما (قوله قال نعم حجى عنها) في رواية
موسى بن سلمة أفيجزئ عنها أن أحج عنها قال نعم (قوله أرأيت الخ) فيه مشروعية القياس
وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه وفيه تشبيه ما اختلف
فيه وأشكل بما اتفق عليه وفيه انه يستحب للمفتى التنبيه على وجه الدليل إذا ترتبت على ذلك
مصلحة وهو أطيب لنفس المستفتى وأدعى لاذعانه وفيه ان وفاء الدين المالي عن الميت كان
معلوما عندهم مقررا ولهذا حسن الالحاق به وفيه اجزاء الحج عن الميت وفيه اختلاف فروى
سعيد بن منصور وغيره عن ابن عمر باسناد صحيح لا يحج أحد عن أحد ونحوه عن مالك والليث
وعن مالك أيضا ان أوصى بذلك فليحج عنه والا فلا وسيأتى البحث في ذلك في الباب الذي يليه
(قوله أكنت قاضيته) كذا للأكثر بضمير يعود على الدين وللكشميهني قاضية بوزن فاعلة على
حذف المفعول وفيه ان من مات وعليه حج وجب على وليه ان يجهز من يحج عنه من رأس ماله كما
أن عليه قضاء ديونه فقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس المال فكذلك ما شبه به في القضاء
ويلتحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من كفارة أو نذر أو زكاة أو غير ذلك وفى قوله فالله أحق بالوفاء
دليل على أنه مقدم على دين الآدمي وهو أحد أقوال الشافعي وقيل بالعكس وقيل هما سواء قال
الطيبى في الحديث اشعار بان المسؤول عنه خلف مالا فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن حق الله
مقدم على حق العباد وأوجب عليه الحج عنه والجامع علة المالية (قلت) ولم يتحتم في الجواب
المذكور ان يكون خلف مالا كما زعم لان قوله أكنت قاضيته أعم من أن يكون المراد مما خلفه
أو تبرعا * (قوله باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة) أي من الاحياء
خلافا لمالك في ذلك ولمن قال لا يحج أحد عن أحد مطلقا كابن عمر ونقل ابن المنذر وغيره
الاجماع على أنه لا يجوز ان يستنيب من يقدر على الحج بنفسه في الحج الواجب وأما النفل فيجوز
عند أبي حنيفة خلافا للشافعي وعن أحمد روايتان (قوله عن ابن شهاب عن سليمان) في رواية
الترمذي من طريق روح عن ابن جريج أخبرني ابن شهاب حدثني سليمان بن يسار (قوله عن
ابن عباس) في رواية شعيب الآتية في الاستئذان عن ابن شهاب أخبرني سليمان أخبرني عبد الله
ابن عباس (قوله عن الفضل بن عباس) كذا قال ابن جريج وتابعه معمر وخالفهما مالك وأكثر
56

الرواة عن الزهري فلم يقولوا فيه عن الفضل وروى ابن ماجة من طريق محمد بن كريب عن أبيه
عن ابن عباس أخبرني حصين بن عوف الخثعمي قال قلت يا رسول الله ان أبى أدركه الحج ولا
يستطيع أن يحج الحديث قال الترمذي سألت محمدا يعنى البخاري عن هذا فقال أصح شئ فيه
ما روى ابن عباس عن الفضل قال فيحتمل ان يكون ابن عباس سمعه من الفضل ومن غيره ثم رواه
بغير واسطة اه‍ وانما رجح البخاري الرواية عن الفضل لأنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم
حينئذ وكان ابن عباس قد تقدم من مزدلفة إلى منى مع الضعفة كما سيأتي بعد باب وقد سبق
في باب التلبية والتكبير من طريق عطاء عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل
فأخبر الفضل انه لم يزل يلبى حتى رمى الجمرة فكان الفضل حدث أخاه بما شاهده في تلك الحالة
ويحتمل ان يكون سؤال الخثعمية وقع بعد رمى جمرة العقبة فحضره ابن عباس فنقله تارة عن
أخيه لكونه صاحب القصة وتارة عما شاهده ويؤيد ذلك ما وقع عند الترمذي وأحمد وابنه
عبد الله والطبري من حديث على مما يدل على أن السؤال المذكور وقع عند المنحر بعد الفراغ
من الرمي وان العباس كان شاهدا ولفظ أحمد عندهم من طريق عبيد الله بن أبي رافع عن علي
قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال هذه عرفة وهو الموقف فذكر الحديث وفيه ثم
أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال هذا المنحر وكل منى منحر واستفتته وفى رواية عبد الله ثم
جاءته جارية شابة من خثعم فقالت إن أبى شيخ كبير قد أدركته فريضة الله في الحج أفيجزئ ان أحج
عنه قال حجى عن أبيك قال ولوى عنق الفضل فقال العباس يا رسول الله لويت عنق بن عمك قال
رأيت شابا وشابة فلم آمن عليها الشيطان وظاهر هذا ان العباس كان حاضرا لذلك فلا مانع ان
يكون ابنه عبد الله أيضا كان معه * (تنبيه) * لم يسق المصنف لفظ رواية ابن جريج بل تحول
إلى اسناد عبد العزيز بن أبي سلمة وساق الحديث على لفظه كعادته وبقية حديث ابن جريج ان
امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أبى أدركه الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع ان
يركب البعير أفأحج عنه قال حجى عنه أخرجه أبو مسلم الكجي عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه
والطبراني عن أبي مسلم كذلك وأخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن جريج فقال إن امرأة من
خثعم قالت يا رسول الله ان أبى شيخ كبير عليه فريضة الله في الحج الحديث (قوله عام حجة الوداع)
في رواية شعيب الآتية في الاستئذان يوم النحر وللنسائي من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب
غداة جمع وسيأتى بقية الكلام عليه في الباب الذي بعده * (قوله باب حج المرأة عن
الرجل) تقدم نقل الخلاف فيه قبل باب (قوله كان الفضل) يعنى ابن عباس وهو أخو عبد الله
وكان أكبر ولد العباس وبه كان يكنى (قوله رديف) زاد شعيب على عجز راحلته (قوله فجاءته
امرأة من خثعم) بفتح المعجمة وسكون المثلثة قبيلة مشهورة (قوله فجعل الفضل ينظر إليها) في
رواية شعيب وكان الفضل رجلا وضيأ أي جميلا وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة فطفق الفضل
ينظر إليها وأعجبه حسنها (قوله يصرف وجه الفضل) في رواية شعيب فالتفت النبي صلى الله
عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فدفع وجهه عن النظر إليها وهذا
هو المراد بقوله في حديث على فلوى عنق الفضل ووقع في رواية الطبري في حديث على وكان
الفضل غلاما جميلا فإذا جاءت الجارية من هذا الشق صرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه
57

الفضل إلى الشق الآخر فإذا جاءت إلى الشق الآخر صرف وجهه عنه وقال في آخره رأيت غلاما
حدثا وجارية حدثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان (قوله إن فريضة الله أدركت أبى شيخا
كبيرا) في رواية عبد العزيز وشعيب ان فريضة الله على عباده في الحج وفى رواية النسائي من
طريق يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار ان أبى أدركه الحج واتفقت الروايات كلها عن ابن
شهاب على أن السائلة كانت امرأة وانها سألت عن أبيها وخالفه يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان
فاتفق الرواة عنه على أن السائل رجل ثم اختلفوا عليه في اسناده ومتنه أما اسناده فقال هشيم
عنه عن سليمان عن عبد الله بن عباس وقال محمد بن سيرين عنه عن سليمان عن الفضل أخرجهما
النسائي وقال ابن علية عنه عن سليمان حدثني أحد ابني العباس اما الفضل واما عبد الله أخرجه
أحمد وأما المتن فقال هشيم ان رجلا سأل فقال إن أبى مات وقال ابن سيرين فجاء رجل فقال إن
أمي عجوز كبيرة وقال ابن علية فجاء رجل فقال إن أبى أو أمي وخالف الجميع معمر عن يحيى بن أبي إسحاق
فقال في روايته ان امرأة سألت عن أمها وهذا الاختلاف كله عن سليمان بن يسار
فأجبنا ان ننظر في سياق غيره فإذا كريب قد رواه عن ابن عباس عن حصين بن عوف الخثعمي
قال قلت يا رسول الله ان أبى أدركه الحج وإذا عطاء الخراساني قد روى عن أبي الغوث بن حصين
الخثعمي انه استفتى النبي صلى الله عليه وسلم عن حجة كانت على أبيه أخرجهما ابن ماجة
والرواية الأولى أقوى اسنادا وهذا يوافق رواية هشيم في أن السائل عن ذلك رجل سأل عن أبيه
ويوافقه ما روى الطبراني من طريق عبد الله بن شداد عن الفضل بن عباس ان رجلا قال
يا رسول الله ان أبى شيخ كبير ويوافقهما مرسل الحسن عند ابن خزيمة فإنه أخرجه من طريق
عوف عن الحسن قال بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال إن أبى شيخ كبير
أدرك الاسلام لم يحج الحديث ثم ساقه من طريق عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال مثله
الا أنه قال إن السائل سأل عن أمه (قلت) وهذا يوافق رواية ابن سيرين أيضا عن يحيى بن أبي إسحاق
كما تقدم والذي يظهر لي من مجموع هذه الطرق ان السائل رجل وكانت ابنته معه فسألت
أيضا والمسؤول عنه أبو الرجل وأمه جميعا ويقرب ذلك ما رواه أبو يعلى باسناد قوى من طريق
سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم
واعرابى معه بنت له حسناء فجعل الغلام يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء ان
يتزوجها وجعلت ألتفت إليها ويأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسي فيلويه فكان يلبى حتى
رمى جمرة العقبة فعلى هذا فقول الشابة ان أبى لعلها أرادت به جدها لان أباها كان معها وكانه
امرها ان تسأل النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع كلامها ويراها رجاء ان يتزوجها لما لم يرضها
سأل أبوها عن أبيه ولا مانع ان يسأل أيضا عن أمه وتحصل من هذه الروايات ان اسم الرجل
حصين بن عوف الخثعمي وأما ما وقع في الرواية الأخرى انه أبو الغوث بن حصين فان اسنادها
ضعيف ولعله كان فيه عن أبي الغوث حصين فزيد في الرواية ابن أو أن أبا الغوث أيضا كان مع
أبيه حصين فسأل كما سأل أبوه وأخته والله أعلم ووقع السؤال عن هذه المسئلة من شخص آخر
وهو أبو رزين بفتح الراء وكسر الزاي العقيلي بالتصغير واسمه لقيط بن عامر ففي السنن وصحيح ابن
خزيمة وغيرهما من حديثه أنه قال يا رسول الله ان أبى شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة قال حج
58

عن أبيك واعتمر وهذه قصة أخرى ومن وحد بينهما وبين حديث الخثعمي فقد أبعد وتكلف
(قوله شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة) قال الطيبى شيخا حال ولا يثبت صفة له ويحتمل ان يكون
حالا أيضا ويكون من الأحوال المتداخلة والمعنى أنه وجب عليه الحج بأن أسلم وهو بهذه الصفة
وقوله لا يثبت وقع في رواية عبد العزيز وشعيب لا يستطيع ان يستوى وفى رواية ابن عيينة
لا يستمسك على الرحل وفى رواية يحيى بن أبي إسحاق من الزيادة وان شددته خشيت أن يموت
وكذا في مرسل الحسن وحديث أبي هريرة عند ابن خزيمة بلفظ وان شددته بالحبل على الراحلة
خشيت ان أقتله وهذا يفهم منه ان من قدر على غير هذين الامرين من الثبوت على الراحلة
أو الأمن عليه من الأذى لو ربط لم يرخص له في الحج عنه كمن يقدر على محمل موطأ كالمحفة (قوله
أفأحج عنه) أي أيجوز لي أن أنوب عنه فأحج عنه لان ما بعد الفاء الداخلة عليها الهمزة معطوف
على مقدر وفى رواية عبد العزيز وشعيب فهل يقضى عنه وفى حديث على هل يجزئ عنه
(قوله قال نعم) في حديث أبي هريرة فقال احجج عن أبيك وفى هذا الحديث من الفوائد جواز
الحج عن الغير واستدل الكوفيون بعمومه على جواز صحة حج من لم يحج نيابة عن غيره وخالفهم
الجمهور فحصوه بمن حج عن نفسه واستدلوا بما في السنن وصحيح ابن خزيمة وغيره من حديث ابن
عباس أيضا ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يلبى عن شبرمة فقال أحججت عن نفسك
فقال لا قال هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة واستدل به على أن الاستطاعة تكون بالغير
كما تكون بالنفس وعكس بعض المالكية فقال من لم يستطع بنفسه لم يلاقه الوجوب وأجابوا
عن حديث الباب بأن ذلك وقع من السائل على جهة التبرع وليس في شئ من طرقه تصريح
بالوجوب وبأنها عبادة بدنية فلا تصح النيابة فيها كالصلاة وقد نقل الطبري وغيره الاجماع على
أن النيابة لا تدخل في الصلاة قالوا ولان العبادات فرضت على جهة الابتلاء وهو لا يوجد في
العبادات البدنية الا باتعاب البدن فبه يظهر الانقياد أو النفور بخلاف الزكاة فان الابتلاء
فيها بنقص المال وهو حاصل بالنفس وبالغير وأجيب بان قياس الحج على الصلاة لا يصح لان
عبادة الحج مالية بدنية معا فلا يترجح الحاقها بالصلاة على الحاقها بالزكاة ولهذا قال المازري من
غلب حكم البدن في الحج ألحقه بالصلاة ومن غلب حكم المال ألحقه بالصدقة وقد
أجاز المالكية الحج عن الغير إذا أوصى به ولم يجيزوا ذلك في الصلاة وبان حصر الابتلاء في
المباشرة ممنوع لأنه يوجد في الآمر من بذله المال في الأجرة وقال عياض لا حجة للمخالف
في حديث الباب لان قوله إن فريضة الله على عباده الخ معناه ان الزام الله عباده بالحج الذي
وقع بشرط الاستطاعة صادف أبى بصفة من لا يستطيع فهل أحج عنه أي هل يجوز لي ذلك
أو هل فيه أجر ومنفعة فقال نعم وتعقب بان في بعض طرقه التصريح بالسؤال عن الاجزاء فيتم
الاستدلال وتقدم في بعض طرق مسلم ان أبى عليه فريضة الله في الحج ولأحمد في رواية والحج
مكتوب عليه وادعى بعضهم ان هذه القصة مختصة بالخثعمية كما اختص سالم مولى أبى حذيفة
بجواز ارضاع الكبير حكاه ابن عبد البر وتعقب بأن الأصل عدم الخصوصية واحتج بعضهم
لذلك بما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب الواضحة باسنادين مرسلين فزاد في الحديث حج عنه
وليس لأحد بعده ولا حجة فيه لضعف الاسنادين مع ارسالهما وقد عارضه قوله في حديث
59

الجهنية الماضي في الباب اقضوا الله فالله أحق بالوفاء وادعى آخرون منهم ان ذلك خاص بالابن
يحج عن أبيه ولا يخفى انه جمود وقال القرطبي رأى مالك ان ظاهر حديث الخثعمية مخالف
لظاهر القرآن فرجع ظاهر القرآن ولا شك في ترجيحه من جهة تواتره ومن جهة ان القول
المذكور قول امرأة ظنت ظنا قال ولا يقال قد أجابها النبي صلى الله عليه وسلم على سؤالها ولو
كان ظنها غلطا لبينه لها لأنا نقول انما أجابها عن قولها أفأحج عنه قال حجى عنه لما رأى من
حرصها على ايصال الخير والثواب لأبيها اه‍ وتعقب بان في تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لها على
ذلك حجة ظاهرة وأما ما رواه عبد الرزاق من حديث ابن عباس فزاد في الحديث حج عن أبيك فإن لم
يزده خيرا لم يزده شرا فقد جزم الحفاظ بأنها رواية شاذة وعلى تقدير صحتها فلا حجة فيها للمخالف
ومن فروع المسئلة ان لا فرق بين من استقر الوجوب في ذمته قبل العضب أو طرأ خلافا
للحنفية وللجمهور ظاهر قصة الخثعمية وان من حج عن غيره وقع الحج عن المستنيب خلافا لمحمد
ابن الحسن فقال يقع عن المباشر وللمحجوج عنه أجر النفقة واختلفوا فيما إذا عنوا في المعضوب
فقال الجمهور لا يجزئه لأنه تبين انه لم يكن ميؤسا منه وقال أحمد واسحق لا تلزمه الإعادة لئلا
يفضى إلى ايجاب حجتين واتفق من أجاز النيابة في الحج على انها لا تجزئ في الفرض الا عن موت
أو عضب فلا يدخل المريض لأنه يرجى برؤه ولا المجنون لأنه ترجى افاقته ولا المحبوس لأنه يرجى
خلاصه ولا الفقير لأنه يمكن استغناؤه والله أعلم وفى الحديث من الفوائد أيضا جواز الارتداف
وسيأتى مبسوطا قبيل كتاب الأدب وارتداف المرأة مع الرجل وتواضع النبي صلى الله عليه وسلم
ومنزلة الفضل بن عباس منه وبيان ما ركب في الآدمي من الشهوة وجبلت طباعه عليه من النظر
إلى الصور الحسنة وفيه منع النظر إلى الأجنبيات وغض البصر قال عياض وزعم بعضهم انه
غير واجب الا عند خشية الفتنة قال وعندي ان فعله صلى الله عليه وسلم إذ غطى وجه الفضل
أبلغ من القول ثم قال لعل الفضل لم ينظر نظرا ينكر بل خشى عليه ان يئول إلى ذلك أو كان قبل نزول
الامر بادناء الجلابيب ويؤخذ منه التفريق بن الرجال والنساء خشية الفتنة وجواز كلام المرأة
وسماع صوتها للأجانب عند الضرورة كالاستفتاء عن العلم والترافع في الحكم والمعاملة وفيه ان
احرام المرأة في وجهها فيجوز لها كشفه في الاحرام وروى أحمد وابن خزيمة من وجه آخر عن
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للفضل حين غطى وجهه يوم عرفة هذا يوم من ملك
فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له وفى هذا الحديث أيضا النيابة في السؤال عن العلم حتى من المرأة
عن الرجل وان المرأة تحج بغير محرم وان المحرم ليس من السبيل المشترط في الحج لكن الذي تقدم
من أنها كانت مع أبيها قد يرد على ذلك وفيه بر الوالدين والاعتناء بامرهما والقيام بمصالحهما من
قضاء دين وخدمة ونفقة وغير ذلك من أمور الدين والدنيا واستدل به على أن العمرة غير واجبة
لكون الخثعمية لم تذكرها ولا حجة فيه لان مجرد ترك السؤال لا يدل على عدم الوجوب لاستفادة
ذلك من حكم الحج ولاحتمال ان يكون أبوها قد اعتمر قبل الحج على أن السؤال عن الحج والعمرة
قد وقع في حديث أبي رزين كما تقدم وقال ابن العربي حديث الخثعمية أصل متفق على صحته في
الحج خارج عن القاعدة المستقرة في الشريعة من أن ليس للانسان الا ما سعى رفقا من الله في
استدراك ما فرط فيه المرء بولده وماله وتعقب بأنه يمكن ان يدخل في عموم السعي وبان عموم السعي
60

في الآية مخصوص اتفاقا * (قوله باب حج الصبيان) أي مشروعيته وكان الحديث
الصريح فيه ليس على شرط المصنف وهو ما رواه مسلم من طريق كريب عن ابن عباس قال رفعت
امرأة صبيا لها فقالت يا رسول الله ألهذا حج قال نعم ولك أجر قال ابن بطال أجمع أئمة الفتوى على
سقوط الفرض عن الصبى حتى يبلغ الا أنه إذا حج به كان له تطوعا عند الجمهور وقال أبو حنيفة
لا يصح احرامه ولا يلزمه شئ بفعل شئ من محظورات الاحرام وانما يحج به على جهة التدريب
وشذ بعضهم فقال إذا حج الصبى أجزأ ذلك عن حجة الاسلام لظاهر قوله نعم في جواب ألهذا حج
وقال الطحاوي لا حجة فيه لذلك بل فيه حجة على من زعم أنه لا حج له لان ابن عباس راوي الحديث
قال أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى ثم ساقه باسناد صحيح ثم أورد المصنف في الباب
ثلاثة أحاديث (أحدها) حديث ابن عباس قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في الثقل بفتح
المثلثة والقاف ويجوز اسكانها أي الأمتعة وقد تقدم الكلام عليه في باب من قدم ضعفة أهله
ووجه الدلالة منه هنا أن ابن عباس كان دون البلوغ ولهذه النكتة أردفه المصنف بحديثه
الآخر المصرح فيه بأنه كان حينئذ قد قارب الاحتلام ثم بين بالطريق المعلقة أن ذلك وقع في حجة
الوداع وقد تقدم الكلام عليه في باب متى يصح سماع الصغير من كتاب العلم وفى باب سترة المصلى من
كتاب الصلاة وقوله فيه حدثنا إسحاق نسبه الأصيلي وابن السكن ابن منصور وقد أخرجه اسحق
ابن راهويه في مسنده عن يعقوب أيضا ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج لكن يرجح كونه ابن
منصور أن ابن راهويه لا يعبر عن مشايخه الا بصيغة أخبرنا ورواية يونس المعلقة وصلها مسلم من
طريق ابن وهب عنه ولفظه انه أقبل يسير على حمار ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بمنى
في حجة الوداع الحديث وهو الثاني * الحديث الثالث (قوله عن محمد بن يوسف) في رواية
الإسماعيلي حدثنا محمد بن يوسف وهو الكندي حفيد شيخه السائب وقيل سبطه وقيل ابن أخيه
عبد الله بن يزيد والسائب بن يزيد أي ابن سعيد بن ثمامة بن الأسود الكندي حليف بنى عبد
شمس ويعرف بابن أخت النمر والنمر رجل حضرمي (قوله حج بي) كذا للأكثر بضم أوله على البناء
لما لم يسم فاعله وقال ابن سعد عن الواقدي عن حاتم حجت بي أمي وللفاكهي من وجه آخر عن محمد
ابن يوسف عن السائب حج بي أبى ويجمع بينهما بأنه كان مع أبويه زاد الترمذي عن قتيبة عن حاتم
في حجة الوداع (قوله عن الجعيد) بالجيم مصغرا والقاسم بن مالك هو المزنى (قوله سمعت عمر بن
عبد العزيز يقول للسائب بن يزيد وكان السائب قد حج به في ثقل النبي صلى الله عليه وسلم) لم يذكر
مقول عمر ولا جواب السائب وكانه كان قد سأله عن قدر المد فسيأتي في الكفارات عن عثمان
بن أبي شيبة عن القاسم بن مالك بهذا الاسناد كان الصاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
مدا وثلثا فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز زاد الإسماعيلي من هذا الوجه قال السائب وقد حج
بي في ثقل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلام وقال الكرماني اللام في قوله للسائب للتعليل أي
سمعت عمر يقول لأجل السائب والمقول وكان السائب الخ كذا قال ولا يخفى بعده وسيأتى
للسائب ترجمة في الكلام على خاتم النبوة إن شاء الله تعالى * (قوله باب حج النساء)
أي هل يشترط فيه قدر زائد على حج الرجال أو لا ثم أورد المصنف فيه عدة أحاديث * الأول
(قوله وقال لي أحمد بن محمد حدثنا إبراهيم عن أبيه عن جده قال اذن عمر) أي ابن الحطاب
61

(لازواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن)
كذا أورده مختصرا ولم يستخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم ونقل الحميدي عن البرقاني ان إبراهيم
هو ابن عبد الرحمن بن عوف قال الحميدي وفيه نظر ولم يذكره أبو مسعود انتهى والحديث معروف
وقد ساقه ابن سعد والبيهقي مطولا وجعل مغلطاي تنظير الحميدي راجعا إلى نسبة إبراهيم فقال
مراد البرقاني بإبراهيم جد إبراهيم المبهم في رواية البخاري فظن الحميدي انه عين إبراهيم الأول
وليس كذلك بل هو جده لأنه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وقوله وقال لي
أحمد بن محمد أي ابن الوليد الأزرقي وقوله اذن عمر ظاهره انه من رواية إبراهيم بن عبد الرحمن بن
عوف عن عمر ومن ذكر معه وادراكه لذلك ممكن لان عمره إذ ذاك كان أكثر من عشر سنين وقد
أثبت سماعه من عمر يعقوب بن أبي شيبة وغيره لكن روى ابن سعد هذا الحديث عن الواقدي عن
إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده عن عبد الرحمن بن عوف قال أرسلني عمر لكن الواقدي لا يحتج
به فقد رواه البيهقي من طريق عبدان وابن سعد أيضا عن الوليد بن عطاء بن الأغر المكي كلاهما عن
إبراهيم بن سعد مثل ما قال الأزرقي ويحتمل ان يكون إبراهيم حفظ أصل القصة وحمل تفاصيلها
عن أبيه فلا تتخالف الروايتان ولعل هذا هو النكتة في اقتصار البخاري على أصل القصة دون
بقيتها (قوله وعبد الرحمن) زاد عبدان عبد الرحمن بن عوف وكان عثمان ينادى ألا لا يدنو
أحد منهن ولا ينظر إليهن وهن في الهوادج على الإبل فإذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب فلم يصعد
إليهن أحد ونزل عبد الرحمن وعثمان بذنب الشعب وفى رواية لابن سعد فكان عثمان يسير أمامهن
وعبد الرحمن خلفهن وفى رواية له وعلى هوادجهن الطيالسة الخضر في اسناده الواقدي وروى
ابن سعد أيضا باسناد صحيح من طريق أبى اسحق السبيعي قال رأيت نساء النبي صلى الله عليه وسلم
حججن في هوادج عليها الطيالسة زمن المغيرة أي ابن شعبة والظاهر أنه أراد بذلك زمن ولاية
المغيرة على الكوفة لمعاوية وكان ذلك سنة خمسين أو قبلها ولابن سعد أيضا من حديث أم معبد
الخزاعية قالت رأيت عثمان وعبد الرحمن في خلافة عمر حجا بنساء النبي صلى الله عليه وسلم فنزلن
بقديد فدخلت عليهن وهن ثمان وله من حديث عائشة انهن استأذن عثمان في الحج فقال أنا أحج
بكن فحج بنا جميعا الا زينب كانت ماتت والا سودة فإنها لم تخرج من بيتها بعد النبي صلى الله عليه
وسلم وروى أبو داود وأحمد من طريق واقد بن أبي واقد الليثي عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال لنسائه في حجة الوداع هذه ثم ظهور الحصر زاد ابن سعد من حديث أبي هريرة فكن نساء
النبي صلى الله عليه وسلم يحججن الا سودة وزينب فقالا لا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم واسناد حديث أبي واقد صحيح وأغرب المهلب فزعم أنه من وضع الرافضة لقصد ذم أم
المؤمنين عائشة في خروجها إلى العراق للاصلاح بين الناس في قصة وقعة الجمل وهو اقدام منه
على رد الأحاديث الصحيحة بغير دليل والعذر عن عائشة انها تأولت الحديث المذكور كما تأوله
غيرها من صواحباتها على أن المراد بذلك انه لا يجب عليهن غير تلك الحجة وتأيد ذلك عندها بقوله
صلى الله عليه وسلم لكن أفضل الجهاد الحج والعمرة ومن ثم عقبه المصنف بهذا الحديث في هذا
الباب وكأن عمر رضي الله عنه كان متوقفا في ذلك ثم ظهر له الجواز فاذن لهن وتبعه على ذلك من
ذكر من الصحابة ومن في عصره من غير نكير وروى ابن سعد من مرسل أبى جعفر الباقر قال منع
62

عمر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الحج والعمرة ومن طريق أم درة عن عائشة قالت منعنا عمر
الحج والعمرة حتى إذا كان آخر عام فاذن لنا وهو موافق لحديث الباب وفيه زيادة على ما في مرسل
أبى جعفر وهو محمول على ما ذكرناه واستدل به على جواز حج المرأة بغير محرم وسيأتى البحث فيه في
الكلام على الحديث الثالث * (تكملة) * روى عمر بن شبة هذا الحديث عن سليمان بن داود
الهاشمي عن إبراهيم بن سعد باسناد آخر فقال عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي
ربيعة عن أم كلثوم بنت أبي بكر عن عائشة ان عمر أذن لازواج النبي صلى الله عليه وسلم فحججن
في آخر حجة حجها عمر فلما ارتحل عمر من الحصبة من آخر الليل أقبل رجل فسلم وقال أين كان أمير
المؤمنين ينزل فقال له قائل وأنا أسمع هذا كان منزله فأناخ في منزل عمر ثم رفع عقيرته يتغنى
- عليك سلام من أمير وباركت * يد الله في ذاك الأديم الممزق -
الأبيات قالت عائشة فقلت لهم اعلموا لي علم هذا الرجل فذهبوا فلم يروا أحدا فكانت عائشة
تقول انى لأحسبه من الجن * الحديث الثاني (قوله حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد (قوله
عن عائشة) في رواية زائدة عن حبيب عند الإسماعيلي حدثتني عائشة (قوله ألا نغزو أو
نجاهد) هذا شك من الراوي وهو مسدد شيخ البخاري وقد رواه أبو كامل عن أبي عوانة شيخ
مسدد بلفظ ألا نغزو معكم أخرجه الإسماعيلي وأغرب الكرماني فقال ليس الغزو والجهاد
بمعنى واحد فان الغزو القصد إلى القتال والجهاد بذل النفس في القتال قال أو ذكر الثاني
تأكيدا للأول اه‍ وكأنه ظن أن الألف تتعلق بنغزو فشرح على أن الجهاد معطوف على
الغزو بالواو أو جعل أو بمعنى الواو وقد أخرجه النسائي من طريق جرير عن حبيب بلفظ ألا
نخرج فنجاهد معك ولابن خزيمة من طريق زائدة عن حبيب مثله وزاد فانا نجد الجهاد أفضل الأعمال
وللإسماعيلي من طريق أبى بكر بن عياش عن حبيب لو جاهدنا معك قال لا جهاد
ولكن حج مبرور وقد تقدم في أوائل الحج من طريق خالد عن حبيب بلفظ نرى الجهاد أفضل
العمل فظهر أن التغاير بين اللفظين من الرواة فيقوى ان أو للشك (قوله لكن أحسن الجهاد)
تقدم نقل الخلاف في توجيهه في أوائل الحج وهل هو بلفظ الاستثناء أو بلفظ خطاب النسوة
(قوله الحج حج مبرور) في رواية جرير حج البيت حج مبرور وسيأتى في الجهاد من وجه آخر عن عائشة
بنت طلحة بلفظ استأذنه نساؤه في الجهاد فقال يكفيكن الحج ولابن ماجة من طريق محمد بن فضيل
عن حبيب قلت يا رسول الله على النساء جهاد قال نعم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة قال ابن بطال
زعم بعض من ينقص عائشة في قصة الجمل ان قوله تعالى وقرن في بيوتكن يقتضى تحريم السفر
عليهن قال وهذا الحديث يرد عليهم لأنه قال لكن أفضل الجهاد فدل على أن لهن جهادا غير الحج
والحج أفضل منه اه‍ ويحتمل ان يكون المراد بقوله لا في جواب قولهن ألا نخرج فنجاهد معك
أي ليس ذلك واجبا عليكن كما وجب على الرجال ولم يرد بذلك تحريمه عليهن فقد ثبت في حديث أم
عطية انهن كن يخرجن فيداوين الجرحى وفهمت عائشة ومن وافقها من هذا الترغيب في الحج
إباحة تكريره لهن كما أبيح للرجال تكرير الجهاد وخص به عموم قوله هذه ثم ظهور الحصر وقوله
تعالى وقرن في بيوتكن وكان عمر كان متوقفا في ذلك ثم ظهر له قوة دليلها فاذن لهن في آخر
خلافته ثم كان عثمان بعده يحج بهن في خلافته أيضا وقد وقف بعضهن عند ظاهر النهى كما تقدم
وقال البيهقي في حديث عائشة هذا دليل على أن المراد بحديث أبى واقد وجوب الحج مرة واحدة
63

كالرجال لا المنع من الزيادة وفيه دليل على أن الامر بالقرار في البيوت ليس على سبيل الوجوب
واستدل بحديث عائشة هذا على جواز حج المرأة مع من تثق به ولو لم يكن زوجا ولا محرما كما سيأتي
البحث فيه في الذي يليه * الحديث الثالث (قوله عن عمرو) هو ابن دينار (قوله عن أبي معبد)
كذا رواه عبد الرزاق عن ابن جريج وابن عيينة كلاهما عن عمرو عن أبي معبد به ولعمرو بهذا
الاسناد حديث آخر أخرجه عبد الرزاق وغيره عن ابن عيينة عنه عن عكرمة قال جاء رجل إلى
المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أين نزلت قال على فلانة قال أغلقت عليها بابك
مرتين ولا تحجن امرأة الا ومعها ذو محرم ورواه عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن عمرو
أخبرني عكرمة أو أبو معبد عن ابن عباس (قلت) والمحفوظ في هذا مرسل عكرمة وفى
الآخر رواية أبى معبد عن ابن عباس (قوله لا تسافر المرأة) كذا اطلق السفر وقيده
في حديث أبي سعيد الآتي في الباب فقال مسيرة يومين ومضى في الصلاة حديث أبي هريرة
مقيدا بمسيرة يوم وليلة وعند روايات أخرى وحديث ابن عمر فيه مقيدا بثلاثة أيام وعنه روايات
أخرى أيضا وقد عمل أكثر الغلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات وقال
النووي ليس المراد من التحديد ظاهره بل كل ما يسمى سفر فالمرأة منهية عنه الا بالمحرم وانما وقع
التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه وقال ابن المنير وقع الاختلاف في مواطن بحسب
السائلين وقال المنذري يحتمل أن يقال إن اليوم المفرد والليلة المفردة بمعنى اليوم والليلة يعنى فمن
أطلق يوما أراد بليلته أو ليلة أراد بيومها وأن يكون عند جمعهما أشار إلى مدة الذهاب والرجوع
وعند افرادها أشار إلى قدر ما تقضى فيه الحاجة قال ويحتمل أن يكون هذا كله تمثيلا لأوائل
الاعداد فاليوم أول العدد والاثنان أول التكثير والثلاث أول الجمع وكانه أشار إلى أن مثل هذا
في قلة الزمن لا يحل فيه السفر فكيف بما زاد ويحتمل أن يكون ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها
فيؤخذ بأقل ما ورد في ذلك وأقله الرواية التي فيها ذكر البريد فعلى هذا يتناول السفر طويل السير
وقصيره ولا يتوقف امتناع سير المرأة على مسافة القصر خلافا للحنفية وحجتهم ان المنع المقيد
بالثلاث متحقق وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقن ونوقض بان الرواية المطلقة شاملة لكل
سفر فينبغي الاخذ بها وطرح ما عداها فإنه مشكوك فيه ومن قواعد الحنفية تقديم الخبر العام
على الخاص وترك حمل المطلق على المقيد وقد خالفوا ذلك هنا والاختلاف انما وقع في الأحاديث
التي وقع فيها التقييد بخلاف حديث الباب فإنه لم يختلف على ابن عباس فيه وفرق سفيان
الثوري بين المسافة البعيدة فمنعها دون القريبة وتمسك أحمد بعموم الحديث فقال إذا لم تجد
زوجا أو محرما لا يجب عليها الحج هذا هو المشهور عنه وعنه رواية أخرى كقول مالك وهو
تخصيص الحديث بغير سفر الفريضة قالوا وهو مخصوص بالاجماع قال البغوي لم يختلفوا في أنه
ليس للمرأة السفر في غير الفرض الا مع زوج أو محرم الا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة
تخلصت وزاد غيره أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له ان يصحبها
حتى يبلغها الرفقة قالوا وإذا كان عمومه مخصوصا بالاتفاق فليخص منه حجة الفريضة وأجاب
صاحب المغنى بأنه سفر الضرورة فلا يقاس عليه حالة الاختيار ولأنها تدفع ضررا متيقنا بتحمل
ضرر متوهم ولا كذلك السفر للحج وقد روى الدارقطني وصححه أبو عوانة حديث الباب من
64

طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار بلفظ لا تحجن امرأة الا ومعها ذو محرم فنص في نفس الحديث
على منع الحج فكيف يخص من بقية الاسفار والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم
أو النسوة الثقات وفى قول تكفى امرأة واحدة ثقة وفى قول نقله الكرابيسي وصححه في المهذب
تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنا وهذا كله في الواجب من حج أو عمرة وأغرب القفال فطرده في
الاسفار كلها واستحسنه الروياني قال الا أنه خلاف النص قلت وهو يعكر على نفى الاختلاف
الذي نقله البغوي آنفا واختلفوا هل المحرم وما ذكر معه شرط في وجوب الحج عليها أو شرط في
التمكن فلا يمنع الوجوب والاستقرار في الذمة بحال أبى الطيب الطبري منهم الشرائط التي
يجب بها الحج على الرجل يجب بها على المرأة فإذا أرادت ان تؤديه فلا يجوز لهم الا مع محرم
أو زوج أو نسوة ثقات ومن الأدلة على جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات إذا أمن الطريق أول
أحاديث الباب لاتفاق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي صلى الله عليه وسلم على
ذلك وعدم نكير غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك ومن أبى ذلك من أمهات المؤمنين فإنما أباه من
جهة خاصة كما تقدم لا من جهة توقف السفر على المحرم ولعل هذا هو النكتة في ايراد البخاري
الحديثين أحدهما عقب الآخر ولم يختلفوا ان النساء كلهن في ذلك سواء الا ما نقل عن أبي
الوليد الباجي انه خصه بغير العجوز التي لا تشتهى وكانه نقله من الخلاف المشهور في شهود المرأة
صلاة الجماعة قال ابن دقيق العيد الذي قاله الباجي تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى يعنى مع
مراعاة الامر الأغلب وتعقبوه بان لكل ساقطة لاقطة والمتعقب راعى الامر النادر وهو
الاحتياط قال والمتعقب على الباجي يرى جواز سفر المرأة في الامن وحدها فقد نظر أيضا إلى
المعنى يعنى فليس له ان ينكر على الباجي وأشار بذلك إلى الوجه المتقدم والأصح خلافه وقد
احتج له بحديث عدى بن حاتم مرفوعا يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا زوج
معها الحديث وهو في البخاري وتعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه وأجيب بأنه خبر في
سياق المدح ورفع منار الاسلام فيحمل على الجواز ومن المستظرف ان المشهور من مذهب من لم
يشترط المحرم أن الحج على التراخي ومن مذهب من يشترطه انه حج على الفور وكان المناسب لهذا
قول هذا وبالعكس وأما ما قال النووي في شرح حديث جبريل في بيان الايمان والاسلام عند
قوله إن تلد الأمة ربتها فليس فيه دلالة على إباحة بيع أمهات الأولاد ولا منع بيعهن خلافا لمن
استدل به في كل منهما لأنه ليس في كل شئ أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع يكون محرما
ولا جائزا انتهى وهو كما قال لكن القرينة المذكورة تقوى الاستدلال به على الجواز قال ابن
دقيق العيد هذه المسئلة تتعلق بالعامين إذا تعارضا فان قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من
استطاع إليه سبيلا عام في الرجال والنساء فمقتضاه ان الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب
الحج على الجميع وقوله صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة الا مع محرم عام في كل سفر فيدخل فيه
الحج فمن أخرجه عنه خص الحديث بعموم الآية ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث
فيحتاج إلى الترجيح من خارج وقد رجح المذهب الثاني بعموم قوله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا
إماء الله مساجد الله وليس ذلك بجيد لكونه عاما في المساجد فيخرج عنه المسجد الذي يحتاج
إلى السفر بحديث النهى (قوله الا مع ذي محرم) أي فيحل ولم يصرح بذكر الزوج وسيأتى في
65

حديث أبي سعيد في هذا الباب بلفظ ليس معها زوجها أو ذو محرم منها وضابط المحرم عند
العلماء من حرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها فخرج بالتأبيد أخت الزوجة
وعمتها وبالمباح أم الموطوءة بشبهة وبنتها وبحرمتها الملاعنة واستثنى أحمد من حرمت على
التأبيد مسلمة لها أب كتابي فقال لا يكون محرما لها لأنه لا يؤمن ان يفتنها عن دينها إذا خلا بها
ومن قال إن عبد المرأة محرم لها يحتاج ان يزيد في هذا الضابط ما يدخله وقد روى سعيد بن منصور
من حديث ابن عمر مرفوعا سفر المرأة مع عبدها ضيعة لكن في اسناده ضعف وقد احتج به
أحمد وغيره وينبغي لمن أجاز ذلك أن يقيده بما إذا كانا في قافلة بخلاف ما إذا كانا وحدهما
فلا لهذا الحديث وفى آخر حديث ابن عباس هذا ما يشعر بان الزوج يدخل في مسمى المحرم
فإنه لما استثنى المحرم فقال القائل ان امرأتي حاجة فكأنه فهم حال الزوج في المحرم ولم يرد عليه
ما فهمه بل قيل له اخرج معها واستثنى بعض العلماء ابن الزوج فكره السفر معه لغلبة الفساد
في الناس قال ابن دقيق العيد هذه الكراهية عن مالك فإن كانت للتحريم ففيه بعد لمخالفة
الحديث وإن كانت للتنزيه فيتوقف على أن لفظ لا يحل هل يتناول المكروه الكراهة التنزيهية
(قوله ولا يدخل عليها رجل الا ومعها محرم) فيه منع الخلوة بالأجنبية وهو اجماع اختلفوا
هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات والصحيح الجواز لضعف التهمة به وقال القفال
لا بد من المحرم وكذا في النسوة الثقات في سفر الحج لا بد من أن يكون مع إحداهن محرم ويؤيده
نص الشافعي انه لا يجوز للرجل أن يصلى بنساء مفردات الا أن تكون إحداهن محرما له (قوله
فقال رجل يا رسول الله انى أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا) لم أقف على اسم الرجل ولا
امرأته ولا على تعيين الغزوة المذكورة وسيأتى في الجهاد بلفظ انى اكتتبت في غزوة كذا أي
كتبت نفسي في أسماء من عين لتلك الغزاة قال ابن المنير الظاهر أن ذلك كان في حجة الوداع
فيؤخذ منه ان الحج على التراخي إذ لو كان على الفور لما تأخر الرجل مع رفقته الذين عينوا في
تلك الغزاة كذا قال وليس ما ذكره بلازم لاحتمال أن الريح قد حجوا قبل ذلك مع من حج في سنة
تسع مع أبي بكر الصديق أو أن الجهاد قد تعين على المذكورين بتعيين الامام كما لو نزل عدو بقوم
فإنه يتعين عليهم الجهاد ويتأخر الحج اتفاقا (قوله اخرج معها) أخذ بظاهره بعض أهل العلم
فأوجب على الزوج السفر مع امرأته إذا لم يكن لها غيره وبه قال احمد وهو وجه للشافعية
والمشهور انه لا يلزمه كالولي في الحج عن المريض فلو امتنع الا بأجرة لزمها لأنه من سبيلها فصار
في حقها كالمؤنة واستدل به على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض وبه قال أحمد
وهو وجه للشافعية والأصح عندهم ان له منعها لكون الحج على التراخي واما ما رواه
الدارقطني من طريق إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر مرفوعا في امرأة لها زوج لها مال
ولا يأذن لها في الحج فليس لها ان تنطلق الا بإذن زوجها فأجيب عنه بأنه محمول على حج التطوع
عملا بالحديثين ونقل ابن المنذر الاجماع على أن للرجل منع زوجته من الخروج في الاسفار
كلها وانما اختلفوا فيما كان واجبا واستنبط منه ابن حزم جواز سفر المرأة بغير زوج
ولا محرم لكونه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بردها ولا عاب سفرها وتعقب بأنه لو لم يكن ذلك شرطا
لما أمر زوجها بالسفر معها وتركه الغزو الذي كتب فيه ولا سيما وقد رواه سعيد بن منصور عن
66

حماد بن زيد بلفظ فقال رجل يا رسول الله انى نذرت ان أخرج في جيش كذا وكذا فلو لم يكن شرطا
ما رخص له في ترك النذر قال النووي وفى الحديث تقديم الأهم فالأهم من الأمور المتعارضة فإنه
لما عرض له الغزو والحج رجح الحج لان امرأته لا يقوم غيره مقامه في السفر معها بخلاف الغزو
والله أعلم * الحديث الرابع وله طريقان موصول ومعلق وآخر معلق (قوله حدثنا حبيب المعلم)
هو ابن أبي قريبة بقاف وموحدة واسم أبى قريبة زيد وقيل زائدة وهو غير حبيب ابن أبي عمرة
المذكور في ثاني أحاديث الباب (قوله قالت أبو فلان تعنى زوجها) وقد تقدم انه أبو سنان
وتقدم الحديث مشروحا في باب عمرة في رمضان (قوله رواه ابن جريج عن عطاء الخ) أراد تقوية
طريق حبيب بمتابعة ابن جريج له عن عطاء واستفيد منه تصريح عطاء بسماعه له من ابن
عباس وقد تقدمت طريق ابن جريج موصولة في الباب المشار إليه (قوله وقال عبيد الله)
بالتصغير وهو ابن عمرو الرقي عن عبد الكريم وهو ابن مالك الجزري عن عطاء عن جابر وأراد
البخاري بهذا بيان الاختلاف فيه على عطاء وقد تقدم في باب عمرة في رمضان ان ابن أبي ليلى
ويعقوب بن عطاء وافقا حبيبا وابن جريج فتبين شذوذ رواية عبد الكريم وشذ معقل الجزري
أيضا فقال عن عطاء عن أم سليم وصنيع البخاري يقتضى ترجيح رواية ابن جريج ويومئ إلى
أن رواية عبد الكريم ليست مطرحة لاحتمال أن يكون لعطاء فيه شيخان ويؤيد ذلك ان
رواية عبد الكريم خالية عن القصة مقتصرة على المتن وهو قوله عمرة في رمضان تعدل حجة
كذلك وصله أحمد وابن ماجة من طريق عبيد الله بن عمرو والله أعلم * الحديث الخامس حديث أبي
سعيد تقدم الكلام عليه في باب الصلاة في مسجد مكة والمدينة وانه مشتمل على أربعة أحكام
أحدها سفر المرأة وقد تقدم البحث فيه في هذا الباب ثانيها منع صوم الفطر والأضحى وسيأتى
في الصيام ثالثها منع الصلاة بعد الصبح والعصر وقد تقدم في أواخر الصلاة رابعها منع شد
الرحل إلى غير المساجد الثلاثة وقد تقدم في أواخر الصلاة أيضا (قوله أو قال يحدثهن) وقع
عند الكشميهني بلفظ أو قال أخذتهن بالخاء والذال المعجمتين أي حملتهن عنه (قوله وآنقننى)
بفتح النونين وسكون القاف بوزن أعجبنني ومعناه أي الكلمات يقال آنقنى الشئ بالمد أي أعجبني
وذكر الاعجاب بعده من التأكيد (قوله أو ذو محرم) كذا للأكثر وفى بعض النسخ عن أبي ذر
أو ذو محرم محرم الأول بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه والثاني بوزن محمد أي عليها * (قوله
باب من نذر المشي إلى الكعبة) أي وغيرها من الأماكن المعظمة هل يجب عليه الوفاء
بذلك أو لا وإذا وجب فتركه قادرا أو عاجزا ماذا يلزمه وفى كل ذلك اختلاف بين أهل العلم سيأتي
ايضاحه في كتاب النذر إن شاء الله تعالى (قوله أخبرنا الفرازي) هو مروان بن معاوية كما جزم
به أصحاب الأطراف والمستخرجات وقد أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر عن مروان هذا بهذا
الاسناد وقال ابن حزم هو أبو إسحاق الفرازي أو مروان (قوله حدثني ثابت) هكذا قال
أكثر الرواة عن حميد وهذا الحديث مما صرح حميد فيه بالواسطة بينه وبين أنس وقد حذفه
في وقت آخر فأخرجه النسائي من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري والترمذي من طريق ابن أبي
عدى وكلاهما عن حميد عن أنس وكذا أخرجه أحمد عن ابن أبي عدى ويزيد بن هارون جميعا
عن حميد بلا واسطة ويقال ان غالب رواية حميد عن أنس بواسطة لكن قد أخرج البخاري من
67

حديث حميد عن أنس أشياء كثيرة بغير واسطة مع الاعتناء ببيان سماعه لها من أنس وقد وافق
عمران القطان عن حميد الجماعة على ادخال ثابت بينه وبين أنس لكن خالفهم في المتن أخرجه
الترمذي من طريقه بلفظ ونذرت امرأة أن تمشى إلى بيت الله فسئل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن
ذلك فقال إن الله لغنى عن مشيها مروها فلتركب (قوله رأى شيخا يهادى) بضم أوله من المهاداة
وهو أن يمشى معتمدا على غيره وللترمذي من طريق خالد بن الحرث عن حميد يتهادى بفتح أوله ثم
مثناة (قوله بين ابنيه) لم أقف على اسم هذا الشيخ ولا على اسم ابنيه وقرأت بخط مغلطاي الرجل
الذي هادي قال الخطيب هو أبو إسرائيل كذا قال وتبعه ابن الملقن وليس ذلك في كتاب
الخطيب وانما أورده من حديث مالك عن حميد بن قيس وثور أنهما أخبراه ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقال ما بال هذا قالوا نذر أن لا يستظل ولا يتكلم ويصوم
الحديث قال الخطيب هذا الرجل هو أبو إسرائيل ثم ساق حديث عكرمة عن ابن عباس ان النبي
صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة فرأى رجلا يقال له أبو إسرائيل فقال ما باله قالوا نذر أن
يصوم ويقوم في الشمس ولا يتكلم الحديث وهذا الحديث سيأتي في الايمان والنذور من
حديث ابن عباس والمغايرة بينه وبين حديث أنس ظاهرة من عدة أوجه فيحتاج من وحد بين
القصتين إلى مستند والله المستعان (قوله قال ما بال هذا قالوا نذر أن يمشى) في حديث أبي هريرة
عند مسلم ان الذي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله ولدا الرجل ولفظه فقال ما شأن هذا
الرجل قال ابناه يا رسول الله كان عليه نذر (قوله أمره) في رواية الكشميهني وأمره بزيادة واو
(قوله إن يركب) زاد أحمد عن الأنصاري عن حميد فركب وانما لم يأمره بالوفاء بالنذر اما لان الحج
راكبا أفضل من الحج ماشيا فنذر المشي يقتضى التزام ترك الأفضل فلا يجب الوفاء به أو لكونه عجز
عن الوفاء بنذره وهذا هو الاظهر (قوله عن عقبة بن عامر) هو الجهني كذا وقع عند أحمد ومسلم
وغيرهما في هذا الحديث من هذا الوجه (قوله نذرت أختي) قال المنذري وابن القسطلاني
والقطب الحلبي ومن تبعهم هي أم حبان بنت عامر وهى بكسر المهملة وتشديد الموحدة ونسبوا
ذلك لابن ماكولا فوهموا فان ابن ماكولا انما نقله عن ابن سعد وابن سعد انما ذكر في طبقات
النساء أم حبان بنت عامر بن نابى بنون وموحدة ابن زيد بن حرام بمهملتين الأنصارية قال وهى
أخت عقبة بن عامر بن نابى شهد بدرا وهى زوج حرام بن محيصة وكان ذكر قبل عقبة بن عامر بن
نابى الأنصاري وانه شهد بدرا ولا رواية له وهذا كله مغاير للجهني فان له رواية كثيرة ولم يشهد بدرا
وليس أنصاريا فعلى هذا لم يعرف اسم أخت عقبة بن عامر الجهني وقد كنت تبعت في المقدمة
من ذكرت ثم رجعت الآن عن ذلك وبالله التوفيق (قوله إن تمشى إلى بيت الله) زاد مسلم من
طريق عبد الله بن عياش بالياء التحتانية والمعجمة عن يزيد حافية ولأحمد وأصحاب السنن من
طريق عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر الجهني ان أخته نذرت ان تمشى حافية غير مختمرة
وزاد الطبري من طريق إسحاق بن سالم عن عقبة بن عامر وهى امرأة ثقيلة والمشي يشق عليها
ولابى داود من طريق قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ان عقبة بن عامر سأل النبي صلى الله عليه
وسلم فقال إن أخته نذرت ان تمشى إلى البيت وشكا إليه ضعفها (قوله فقال صلى الله عليه وسلم
لتمش ولتركب) في رواية عبد الله بن مالك مرها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام وروى مسلم
68

عقب هذا الحديث حديث عبد الرحمن بن شماسة وهو بكسر المعجمة وتخفيف الميم بعدها مهملة
عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رفعه كفارة النذر كفارة اليمين ولعله مختصر من هذا الحديث فان
الامر بصيام ثلاثة أيام هو أحد أوجه كفارة اليمين لكن وقع في رواية عكرمة المذكورة قال
فلتركب ولتهد بدنة وسيأتى البحث في ذلك في كتاب النذر إن شاء الله تعالى (قوله قال وكان أبو الخير
لا يفارق عقبة) هو مقول يزيد بن أبي حبيب الراوي عن أبي الخير والمراد بذلك بيان سماع أبى
الخير له من عقبة (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف (قوله عن ابن جريج عن يحيى بن أيوب)
كذا رواه أبو عاصم ووافقه روح بن عبادة بن مسلم والإسماعيلي جعلا شيخ ابن جريج في هذا
الحديث هو يحيى بن أيوب وخالفهما هشام بن يوسف فجعل شيخ ابن جريج فيه سعيد بن أبي أيوب
ورجح الأول الإسماعيلي لاتفاق أبى عاصم وروح على خلاف ما قال هشام لكن يعكر عليه ان
عبد الرزاق وافق هشاما وهو عند أحمد ومسلم ووافقهما محمد بن بكر عن ابن جريج وحجاج بن
محمد عند النسائي فهؤلاء أربعة حفاظ رووه عن ابن جريج عن سعيد بن أبي أيوب فإن كان
الترجيح هنا بالأكثرية فروايتهم أولى والذي ظهر لي من صنيع صاحبي الصحيح ان لابن جريج
فيه شيخين وقد عبر مغلطاي وتبعه الشيخ سراج الدين عن كلام الإسماعيلي مالا يفهم منه المراد
والله أعلم * (خاتمة) * اشتملت أبواب المحصر وجزاء الصيد وما مع ذلك إلى هنا على أحد وستين
حديثا المعلق منها ثلاثة عشر حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية
وثلاثون حديثا والخالص ثلاثة وعشرون وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن عمر في
النقاب والقفاز موقوفا ومرفوعا وحديث ابن عباس اجتجم وهو محرم وحديثه في التي نذرت ان
تحج عن أمها وحديث السائب بن يزيد أنه حج به وحديث جابر عمرة في رمضان وفيه من الآثار عن
الصحابة والتابعين اثنا عشر أثرا والله المستعان * (قوله بسم الله الرحمن الرحيم فضائل المدينة
* باب حرم المدينة) كذا لأبي ذر عن الحموي وسقط للباقين سوى قوله باب حرم المدينة
وفى واية أبى على الشبوي باب ما جاء في حرم المدينة والمدينة علم على البلدة المعروفة التي هاجر
إليها النبي صلى الله عليه وسلم ودفن بها قال الله تعالى يقولون لئن رجعنا إلى المدينة فإذا أطلقت
تبادر إلى الفهم أنها المراد وإذا أريد غيرها بلفظ المدينة فلا بد من قيد فهي كالنجم للثريا وكان
اسمها قبل ذلك يثرب قال الله تعالى وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب ويثرب اسم لموضع منها
سميت كلها به قيل سميت بيثرب بن قانية من ولد ارم بن سام بن نوح لأنه أول من نزلها حكاه
أبو عبيد البكري وقيل غير ذلك ثم سماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة كما سيأتي في باب
مفرد وكان سكانها العماليق ثم نزلها طائفة من بني إسرائيل قيل أرسلهم موسى عليه السلام
كما أخرجه الزبير بن بكار في أخبار المدينة بسند ضعيف ثم نزلها الأوس والخزرج لما تفرق
أهل سبا بسبب سيل العرم وسيأتى ايضاح ذلك في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى ثم ذكر المصنف
هنا أربعة أحاديث * الأول حديث انس (قوله عن أنس) في رواية عبد الواحد عن عاصم قلت
لأنس وسيأتى في الاعتصام وليزيد بن هارون عن عاصم سألت أنسا أخرجه مسلم (قوله المدينة
حرم من كذا إلى كذا) هكذا جاء مبهما وسيأتى في حديث على رابع أحاديث الباب ما بين عائر إلى
كذا فعين الأول وهو بمهملة وزن فاعل وذكره في الجزية وغيرها بلفظ عير بسكون التحتانية
69

وهو جبل بالمدينة كما سنوضحه واتفقت روايات البخاري كلها على ابهام الثاني ووقع عند مسلم
إلى ثور فقيل إن البخاري أبهمه عمدا لما وقع عنده أنه وهم وقال صاحب المشارق والمطالع
أكثر رواة البخاري ذكروا عيرا وأما ثور فمنهم من كنى عنه بكذا ومنهم من ترك مكانه بياضا والأصل في
هذا التوقف قول مصعب الزبيري ليس بالمدينة عير ولا ثور وأثبت غيره عيرا ووافقه على انكار
ثور قال أبو عبيد قوله ما بين عير إلى ثور هذه رواية أهل العراق وأما أهل المدينة فلا يعرفون
جبلا عندهم يقال له ثور وانما ثور بمكة ونرى أن أصل الحديث ما بين عير إلى أحد (قلت) وقد وقع
ذلك في حديث عبد الله بن سلام عند أحمد والطبراني وقال عياض لا معنى لانكار عير بالمدينة
فإنه معروف وقد جاء ذكره في اشعارهم وأنشد أبو عبيد البكري في ذلك عدة شواهد منها قول
الأحوص المدني الشاعر المشهور
- فقلت لعمرو تلك يا عمرو ناره * تشب قفا عير فهل أنت ناظر -
وقال ابن السيد في المثلث عير اسم جبل بقرب المدينة معروف وروى الزبير في أخبار المدينة
عن عيسى بن موسى قال قال سعيد بن عمرو لبشر بن السائب أتدرى لم سكنا العقبة قال لا قال
لأنا قتلنا منكم قتيلا في الجاهلية فأخرجنا إليها فقال وددت لو أنكم قتلتم منا آخر وسكنتم وراء عير
يعنى جبلا كذا في نفس الخبر وقد سلك العلماء في انكار مصعب الزبيري لعير وثور مسالك منها
ما تقدم ومنها قول ابن قدامة يحتمل أن يكون المراد مقدار ما بين عير وثور لا انهما يعينهما في
المدينة أو سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجبلين اللذين بطرفي المدينة عيرا وثورا ارتجالا وحكى
ابن الأثير كلام أبى عبيد مختصرا ثم قال وقيل إن عيرا جبل بمكة فيكون المراد أحرم من المدينة
مقدار ما بين عير وثور بمكة على حذف المضاف ووصف المصدر المحذوف وقال النووي يحتمل
أن يكون ثور كان اسم جبل هناك اما أحد واما غيره وقال المحب الطبري في الاحكام بعد حكاية
كلام أبى عبيد ومن تبعه قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري ان حذاء أحد عن
يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب
العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور وتواردوا على ذلك
قال فعلمنا ان ذكر ثور في الحديث صحيح وان عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه
قال وهذه فائدة جليلة انتهى وقرأت بخط شيخ شيوخنا القطب الحلبي في شرحه حكى لنا شيخنا
الإمام أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصري انه خرج رسولا إلى العراق فلما رجع إلى
المدينة كان معه دليل وكان يذكر له الأماكن والجبال قال فلما وصلنا إلى أحد إذا بقربه جبل صغير
فسألته عنه فقال هذا يسمى ثورا قال فعلمت صحة الرواية (قلت) وكان هذا كان مبدأ سؤاله عن
ذلك وذكر شيخنا أبو بكر بن حسين المراغي نزيل المدينة في مختصره لاخبار المدينة ان خلف أهل
المدينة ينقلون عن سلفهم أن خلف أحد من جهة الشمال جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير يسمى
ثورا قال وقد تحققته بالمشاهدة وأما قول ابن التين ان البخاري أبهم اسم الجبل عمدا لأنه غلط
فهو غلط منه بل ابهامه من بعض رواته فقد أخرجه في الجزية فسماه والله أعلم ومما يدل على أن
المراد بقوله في حديث انس من كذا إلى كذا جبلان ما وقع عند مسلم من طريق إسماعيل بن
جعفر عن عمرو بن أبي عمرو عن انس مرفوعا اللهم إني أحرم ما بين جبليها لكن عند المصنف في
70

الجهاد وغيره من طريق محمد بن جعفر ويعقوب بن عبد الرحمن ومالك كلهم عن عمرو بلفظ
ما بين لابتيها وكذا في حديث أبي هريرة ثالث أحاديث الباب وسيأتى بعد أبواب من وجه اخر
وكذا في حديث رافع بن خديج وأبى سعيد وسعد وجابر وكلها عند مسلم وكذا رواه أحمد من
حديث عبادة الزرقي والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف والطبراني من حديث أبي اليسر
وأبى حسين وكعب بن مالك كلهم بلفظ ما بين لابتيها واللابتان جمع لابة بتخفيف الموحدة وهى
الحرة وهى الحجارة السود وقد تكرر ذكرها في الحديث ووقع في حديث جابر عند أحمد وأنا أحرم
المدينة ما بين حريتها فادعى بعض الحنفية ان الحديث مضطرب لأنه وقع في رواية ما بين جبليها
وفى رواية ما بين لابتيها وفى رواية مأزميها وتعقب بان الجمع بينهما واضح وبمثل هذا لا ترد
الأحاديث الصحيحة فان الجمع لو تعذر أمكن الترجيح ولا شك ان رواية ما بين لابتيها أرجح لتوارد
الرواة عليها ورواية جبليها لا تنافيها فيكون عند كل لابة جبل أو لابتيها من جهة الجنوب
والشمال وجبليها من جهة الشرق والغرب وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر وأما رواية
مأزميها فهي في بعض طرق حديث أبي سعيد والمازم بكسر الزاي المضيق بين الجبلين وقد يطلق
على الجبل نفسه واحتج الطحاوي بحديث انس في قصة أبى عمير ما فعل النغير قال لو كان صيدها
حراما ما جاز حبس الطير وأجيب باحتمال أن يكون من صيد الحل قال احمد من صاد من الحل
ثم ادخله المدينة لم يلزمه ارساله لحديث أبى عمير وهذا قول الجمهور لكن لا يرد ذلك على الحنفية
لان صيد الحل عندهم إذا دخل الحرم كان له حكم الحرم ويحتمل أن تكون قصة أبى عمير كانت
قبل التحريم واحتج بعضهم بحديث أنس في قصة قطع النخل لبناء المسجد ولو كان قطع شجرها
حراما ما فعله صلى الله عليه وسلم وتعقب بان ذلك كان في أول الهجرة كما سيأتي واضحا في أول
المغازي وحديث تحريم الدينة كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من خيبر كما سيأتي في
حديث عمرو بن أبي عمرو عن انس في الجهاد وفى غزوة أحد من المغازي واضحا وقال الطحاوي
يحتمل أن يكون سبب النهى عن صيد المدينة وقطع شجرها كون الهجرة كانت إليها فكان بقاء
الصيد والشجر مما يزيد في زينتها ويدعو إلى ألفتها كما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عن هدم آطام المدينة فإنها من زينة المدينة فلما انقطعت الهجرة زال ذلك وما قاله ليس بواضح
لان النسخ لا يثبت الا بدليل وقد ثبت على الفتوى بتحريمها سعد وزيد بن ثابت و أبو سعيد
وغيرهم كما أخرجه مسلم وقال ابن قدامة يحرم صيد المدينة وقطع شجرها وبه قال مالك
والشافعي وأكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة لا يحرم ثم من فعل مما حرم عليه فيه شيئا اثم ولا جزاء
عليه في رواية لأحمد وهو قول مالك والشافعي في الجديد وأكثر أهل العلم وفى رواية لأحمد وهو
قول الشافعي في القديم وابن أبي ذئب واختاره ابن المنذر وابن نافع من أصحاب مالك وقال
القاضي عبد الوهاب انه الأقيس واختاره جماعة بعدهم فيه الجزاء وهو كما في حرم مكة وقيل
الجزاء في حرم المدينة أخذ السلب لحديث صححه مسلم عن سعد بن أبي وقاص وفى رواية لأبي
داود من وجد أحدا يصيد في حرم المدينة فليسلبه قال القاضي عياض لم يقل بهذا بعد الصحابة
الا الشافعي في القديم (قلت) واختاره جماعة معه وبعده لصحة الخبر فيه ولمن قال به اختلاف
في كيفيته ومصرفه والذي دل عليه صنيع سعد عند مسلم وغيره انه كسلب القتيل وانه
71

للسالب لكنه لا يخمس وأغرب بعض الحنفية فادعى الاجماع على ترك الاخذ بحديث السلب
ثم استدل بذلك على نسخ أحاديث تحريم المدينة ودعوى الاجماع مردودة فبطل ما ترتب عليها
قال ابن عبد البر لو صح حديث سعد لم يكن في نسخ أخذ السلب ما يسقط الأحاديث الصحيحة
ويجوز أخذ العلف لحديث أبي سعيد في مسلم ولا يخبط فيها شجرة الا لعلف ولابى داود من طريق
أبى حسان عن علي نحوه وقال المهلب في حديث أنس دلالة على أن المنهى عنه في الحديث
الماضي مقصور على القطع الذي يحصل به الافساد فأما من يقصد الاصلاح كمن يغرس بستانا
مثلا فلا يمتنع عليه قطع ما كان بتلك الأرض من شجر يضر بقاؤه قال وقيل بل فيه دلالة على أن
النهى انما يتوجه إلى ما أنبته الله من الشجر مما لا صنع للآدمي فيه كما حمل عليه النهى عن قطع
شجر مكة وعلى هذا يحمل قطعه صلى الله عليه وسلم النخل وجعله قبلة المسجد ولا يلزم منه النسخ
المذكور (قوله لا يقطع شجرها) في رواية يزيد بن هارون لا يختلى خلاها وفى حديث جابر عند
مسلم لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها ونحوه عنده عن سعد (قوله من أحدث فيها حدثا)
زاد شعبة وحماد بن سلمة عن عاصم عند أبي عوانة أو آوى محدثا وهذه الزيادة صحيحة الا أن عاصما
لم يسمعها من أنس كما سيأتي بيان ذلك في كتاب الاعتصام (قوله فعليه لعنة الله) فيه جواز لعن
أهل المعاصي والفساد لكن لا دلالة فيه على لعن الفاسق المعين وفيه ان المحدث والمؤوي
للمحدث في الاثم سواء والمراد بالحدث والمحدث الظلم والظالم على ما قيل أو ما هو أعم من ذلك قال
عياض واستدل بهذا على أن الحدث في المدينة من الكبائر والمراد بلعنة الملائكة والناس
المبالغة في الابعاد عن رحمة الله قال والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه في أول الأمر
وليس هو كلعن الكافر * الحديث الثاني حديث أنس في بناء المسجد أورد منه طرفا وقد
مضى في الصلاة وسيأتى بتمامه في أول المغازي إن شاء الله تعالى وقد بينت المراد بايراده هنا في
الكلام على الحديث الأول وهو أن ذلك كان قبل التحريم والله أعلم * الحديث الثالث * (قوله
حدثنا إسماعيل بن عبد الله) هو ابن أبي أويس واخوه اسمه عبد الحميد وسليمان وهو ابن بلال وقد
سمع إسماعيل منه وروى كثيرا عن أخيه عنه والاسناد كله مدنيون (قوله عن سعيد المقبري عن أبي
هريرة) قال الإسماعيلي رواه جماعة عن عبيد الله هكذا وقال عبدة بن سليمان عن عبيد الله
عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة زاد فيه عن أبيه (قوله حرم ما بين لابتى المدينة) كذا للأكثر
بضم أول حرم على البناء لما لم يسم فاعله وفى رواية المستملى حرم بفتحتين على أنه خبر مقدم وما
بين لابتى المدينة المبتدا ويؤيد الأول ما رواه أحمد عن محمد بن عبيد عن عبيد الله بن عمر في هذا
الحديث بلفظ ان الله عز وجل حرم على لساني ما بين لابتى المدينة ونحوه للإسماعيلي من طريق
أنس بن عياض عن عبيد الله وقد تقدم القول في اللابتين في الحديث الأول وزاد مسلم في
بعض طرقه وجعل اثنى عشر ميلا حول المدينة حمى وروى أبو داود من حديث عدى بن زيد
قال حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريدا بريدا لا يخبط شجره ولا
يعضد الا ما يساق به الجمل (قوله وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بنى حارثة) في رواية الإسماعيلي
ثم جاء بنى حارثة وهم في سند الحرة أي في الجانب المرتفع منها وبنو حارثة بمهملة ومثلثة بطن
مشهور من الأوس وهو حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس وكان
72

بنو حارثة في الجاهلية وبنو عبد الأشهل في دار واحدة ثم وقعت بينهم الحرب فانهزمت بنو حارثة
إلى خيبر فسكنوها ثم اصطلحوا فرجع بنو حارثة فلم ينزلوا في دار بنى عبد الأشهل وسكنوا في
دارهم هذه وهى غربي مشهد حمزة (قوله بل أنتم فيه) زاد الإسماعيلي بل أنتم فيه أعادها
تأكيدا وفى هذا الحديث جواز الجزم بما يغلب على الظن وإذا تبين أن اليقين على خلافه رجع
عنه * الحديث الرابع (قوله حدثنا عبد الرحمن) هو ابن مهدي وسفيان هو الثوري
(قوله عن أبيه) هو يزيد بن شريك بن طارق التيمي وفى الاسناد ثلاثة من التابعين كوفيون
في نسق وهذه رواية أكثر أصحاب الأعمش عنه وخالفهم شعبة فرواه عن الأعمش عن إبراهيم
التيمي عن الحارث بن سويد عن علي أخرجه أحمد والنسائي قال الدارقطني في العلل والصواب
رواية الثوري ومن تبعه (قوله ما عندنا شئ) أي مكتوب والا فكان عندهم أشياء من السنة
سوى الكتاب أو المنفى شئ اختصوا به عن الناس وسبب قول على هذا يظهر مما أخرجه أحمد
من طريق قتادة عن أبي حسان الأعرج ان عليا كان يأمر بالامر فيقال له قد فعلناه فيقول
صدق الله ورسوله فقال له الأشتر ان هذا الذي تقول أهو شئ عهده إليك رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال ما عهد إلى شيئا خاصة دون الناس الا شيئا سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي
فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة فإذا فيها فذكر الحديث وزاد فيه المؤمنون تتكافأ دماؤهم
ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده
وقال فيه ان إبراهيم حرم مكة وانى أحرم ما بين حرتيها وحماها كله لا يختلى خلاها ولا ينفر
صيدها ولا تلتقط لقطتها ولا يقطع منها شجرة الا ان يعلف رجل بعيره ولا يحمل فيها السلاح
لقتال والباقي نحوه وأخرجه الدارقطني من وجه اخر عن قتادة عن أبي حسان عن الأشتر عن علي
ولأحمد وأبى داود والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن قيس
ابن عباد قال انطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا
لم يعهده إلى الناس عامة قال لا الا ما في كتابي هذا قال وكتاب في قراب سيفه فإذا فيه المؤمنون
تتكافأ دماؤهم فذكر مثل ما تقدم إلى قوله في عهده من أحدث حدثا إلى قوله أجمعين ولم يذكر
بقية الحديث ولمسلم من طريق أبى الطفيل كنت عند على فأتاه رجل فقال ما كان النبي
صلى الله عليه وسلم يسر إليك فغضب ثم قال ما كان يسر إلى شيئا يكتمه عن الناس غير أنه حدثني
بكلمات أربع وفى رواية له ما خصنا بشئ لم يعم به الناس كافة الا ما كان في قراب سيفي هذا
فأخرج صحيفة مكتوبا فيها لعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من سرق منار الأرض ولعن الله
من لعن والده ولعن الله من آوى محدثا وقد تقدم في كتاب العلم من طريق أبى جحيفة قلت لعلى
هل عندكم كتاب قال لا الا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة قال قلت
وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر والجمع بين هذه الأخبار أن
الصحيفة المذكورة كانت مشتملة على مجموع ما ذكر فنقل كل راو بعضها وأتمها سياقا طريق أبى
حسان كما ترى والله أعلم (قوله المدينة حرم) كذا أورده مختصرا وسيأتى في الجزية بزيادة
في أوله قال فيها الجراحات وأسنان الإبل (قوله من أحدث فيها حدثا) يقيد به مطلق ما تقدم
في رواية قيس بن عباد وان ذلك يختص بالمدينة لفضلها وشرفها (قوله لا يقبل منه صرف
73

ولا عدل) بفتح أولهما واختلف في تفسيرهما فعند الجمهور الصرف الفريضة والعدل النافلة
ورواه ابن خزيمة باسناد صحيح عن الثوري وعن الحسن البصري بالعكس وعن الأصمعي
الصرف التوبة والعدل الفدية وعن يونس مثله لكن قال الصرف الاكتساب وعن أبي عبيدة
مثله لكن قال العدل الحيلة وقيل المثل وقيل الصرف الدية والعدل الزيادة عليها وقيل
بالعكس وحكى صاحب المحكم الصرف الوزن والعدل الكيل وقيل الصرف القيمة والعدل
الاستقامة وقيل الصرف الدية والعدل البديل وقيل الصرف الشفاعة والعدل الفدية
لأنها تعادل الدية وبهذا الأخير جزم البيضاوي وقيل الصرف الرشوة والعدل الكفيل قاله
أبان بن ثعلب وأنشد * لا تقبل الصرف وهاتوا عدلا * فحصلنا على أكثر من عشرة أقوال وقد
وقع في آخر الحديث في رواية المستملى قال أبو عبد الله عدل فداء وهذا موافق لتفسير الأصمعي
والله أعلم قال عياض معناه لا يقبل قبول رضا وان قبل قبول جزاء وقيل يكون القبول هنا بمعنى
تكفير الذنب بهما وقد يكون معنى الفدية انه لا يجد يوم القيمة فدى يفتدى به بخلاف غيره من
المذنبين بان يفديه من النار بيهودي أو نصراني كما رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري
وفى الحديث رد لما تدعيه الشيعة بأنه كان عند على وآل بيته من النبي صلى الله عليه وسلم أمور
كثيرة أعلمه بها سرا تشتمل على كثير من قواعد الدين وأمور الامارة وفيه جواز كتابة العلم (قوله
ذمة المسلمين واحدة) أي أمانهم صحيح فإذا أمن الكافر واحد منهم حرم على غيره التعرض له
وللأمان شروط معروفة وقال البيضاوي الذمة العهد سمى بها لأنه يذم متعاطيها على اضاعتها
وقوله يسعى بها أي يتولاها ويذهب ويجئ والمعنى ان ذمة المسلمين سواء صدرت من واحد
أو أكثر شريف أو وضيع فإذا أمن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمة لم يكن لاحد نقضه
فيستوى في ذلك الرجل والمرأة والحر والعبد لان المسلمين كنفس واحدة وسيأتى البحث في ذلك
في كتاب الجزية والموادعة وقوله فمن أخفر بالخاء المعجمة والفاء أي نقض العهد يقال خفرته بغير
ألف أمتنته وأخفرته نقضت عهده (قوله ومن تولى قوما بغير اذن مواليه) لم يجعل الاذن شرطا
لجواز الادعاء وانما هو لتأكيد التحريم لأنه إذا استأذنهم في ذلك منعوه وحالوا بينه وبين ذلك
قاله الخطابي وغيره ويحتمل أن يكون كنى بذلك عن بيعه فإذا وقع بيعه جاز له الانتماء إلى مولاه
الثاني وهو غير مولاه الأول أو المراد موالاة الحلف فإذا أراد الانتقال عنه لا ينتقل الا بإذن وقال
البيضاوي الظاهر أنه أراد به ولاء العتق لعطفه على قوله من ادعى إلى غير أبيه والجمع بينهما
بالوعيد فان العتق من حيث إنه لحمة كلحمة النسب فإذا نسب إلى غير من هو له كان كالدعى الذي
تبرأ عمن هو منه وألحق نفسه بغيره فيستحق به الدعاء عليه بالطرد والابعاد عن الرحمة ثم أجاب عن
الاذن بنحو ما تقدم وقال ليس هو للتقييد وانما هو للتنبيه على ما هو المانع وهو ابطال حق
مواليه فاورد الكلام على ما هو الغالب وسيأتى البحث في ذلك في كتاب الفرائض إن شاء الله
تعالى * (تنبيه) * رتب المصنف أحاديث الباب ترتيبا حسنا ففي حديث أنس التصريح بكون
المدينة حرما وفى حديثه الثاني تخصيص النهى عن قطع الشجر بما لا ينبته الآدميون وفى
حديث أبي هريرة بيان ما أجمل من حد حرمها في حديث أنس حيث قال كذا وكذا فبين في
هذا انه ما بين الحرتين وفى حديث على زيادة تأكيد التحريم وبيان حد الحرم أيضا * (قوله
74

باب فضل المدينة وانها تنفى الناس) أي الشرار منهم وراعى في الترجمة لفظ الحديث
وقرينة إرادة الشرار من الناس ظاهرة من التشبيه الواقع في الحديث والمراد بالنفي الاخراج
ولو كانت الرواية تنقى بالقاف لحمل لفظ الناس على عمومه وقد ترجم المصنف بعد أبواب المدينة
تنفى الخبث (قوله عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري وشيخه أبو الحباب بضم المهملة
وبالموحدتين الأولى خفيفة والاسناد كله مدنيون الا شيخ البخاري قال ابن عبد البر اتفق
الرواة عن مالك على اسناده الا إسحاق بن عيسى الطباع فقال عن مالك عن يحيى عن سعيد بن
المسيب بدل سعيد بن يسار وهو خطا (قلت) وتابعه أحمد بن عمر عن خالد السلمي عن مالك وأخرجه
الدارقطني في غرائب مالك وقال هذا وهم والصواب عن يحيى عن سعيد بن يسار (قوله
أمرت بقرية) أي أمرني بالهجرة إليها أو سكناها فالأول محمول على أنه قاله بمكة والثاني على أنه
قاله بالمدينة (قوله تأكل القرى) أي تغلبهم وكنى بالاكل عن الغلبة لان الآكل غالب على
المأكول ووقع في موطأ ابن وهب قلت لمالك ما تأكل القرى قال تفتح القرى وبسطه ابن
بطال فقال معناه يفتح أهلها القرى فيأكلون أموالهم ويسبون ذراريهم قال وهذا من فصيح
الكلام تقول العرب أكلنا بلد كذا إذا ظهروا عليها وسبقه الخطابي إلى معنى ذلك أيضا
وقال النووي ذكروا في معناه وجهين أحدهما هذا والآخر ان أكلها وميرتها من القرى
المفتتحة واليها تساق غنائمها وقال ابن المنير في الحاشية يحتمل أن يكون المراد بأكلها القرى
غلبة فضلها على فضل غيرها ومعناه أن الفضائل تضمحل في جنب عظيم فضلها حتى تكاد تكون
عدما (قلت) والذي ذكره احتمالا ذكره القاضي عبد الوهاب فقال لا معنى لقوله تأكل القرى
الأرجوح فضلها عليها وزيادتها على غيرها كذا قال ودعوى الحصر مردودة لما مضى ثم قال
ابن المنير وقد سميت مكة أم القرى قال والمذكور للمدينة أبلغ منه لان الأمومة لا تنمحي إذا
وجدت ما هي له أم لكن يكون حق الام أظهر وفضلها أكثر (قوله يقولون يثرب وهى المدينة)
أي ان بعض المنافقين يسميها يثرب واسمها الذي يليق بها المدينة وفهم بعض العلماء من هذا
كراهة تسمية المدينة يثرب وقالوا ما وقع في القرآن انما هو حكاية عن قول غير المؤمنين وروى
أحمد من حديث البراء بن عازب رفعه من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة هي طابة
وروى عمر بن شبة من حديث أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقال للمدينة
يثرب ولهذا قال عيسى بن دينار من المالكية من سمى المدينة يثرب كتبت عليه خطيئة قال
وسبب هذه الكراهية لان يثرب اما من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة أو من الثرب وهو
الفساد وكلاهما مستقبح وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح
وذكر أبو إسحاق الزجاج في مختصره وأبو عبيد البكري في معجم ما استعجم أنها سميت يثرب باسم
يثرب بن قانية بن مهلايل بن عيل بن عيص بن ارم بن سام بن نوح لأنه أول من سكنها بعد العرب
ونزل أخوه خيبور خيبر فسميت به وسقط بعض الأسماء من كلام البكري (قوله تنفى الناس)
قال عياض وكأن هذا مختص بزمنه لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه بها الا من ثبت
ايمانه وقال النووي ليس هذا بظاهر لان عند مسلم لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما
ينفى الكير خبث الحديد وهذا والله أعلم زمن الدجال انتهى ويحتمل أن يكون المراد كلا من
75

الزمنين وكان الامر في حياته صلى الله عليه وسلم كذلك للسبب المذكور ويؤيده قصة الاعرابى
الآتية بعد أبواب فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث معللا به خروج الاعرابى وسؤاله
الإقالة عن البيعة ثم يكون ذلك أيضا في آخر الزمان عندما ينزل بها الدجال فترجف بأهلها فلا
يبقى منافق ولا كافر الا خرج إليه كما سيأتي بعد أبواب أيضا وأما ما بين ذلك فلا (قوله كما ينفى
الكير) بكسر الكاف وسكون التحتانية وفيه لغة أخرى كور بضم الكاف والمشهور بين
الناس انه الزق الذي ينفخ فيه لكن أكثر أهل اللغة على أن المراد بالكير حانوت الحداد
والصائغ قال ابن التين وقيل الكير هو الزق والحانوت هو الكور وقال صاحب المحكم الكير
الزق الذي ينفخ فيه الحداد ويؤيد الأول ما رواه عمر بن شبة في أخبار المدينة باسناد له إلى أبى
مودود قال رأى عمر بن الخطاب كير حداد في السوق فضربه برجله حتى هدمه والخبث بفتح
المعجمة والموحدة بعدها مثلثة أي وسخه الذي تخرجه النار والمراد انها لا تترك فيها من في قلبه
دغل بل تميزه عن القلوب الصادقة وتخرجه كما يميز الحداد ردئ الحديد من جيده ونسبة التمييز
للكير لكونه السبب الأكبر في اشتعال النار التي يقع التمييز بها واستدل بهذا الحديث على أن
المدينة أفضل البلاد قال المهلب لان المدينة هي التي أدخلت مكة وغيرها من القرى في
الاسلام فصار الجميع في صحائف أهلها ولأنها تنفى الخبث وأجيب عن الأول بان أهل المدينة
الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة فالفضل ثابت للفريقين ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى
البقعتين وعن الثاني بأن ذلك انما هو في خاص من الناس ومن الزمان بدليل قوله تعالى ومن
أهل المدينة مردوا على النفاق والمنافق خبيث بلا شك وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله
عليه وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة ثم على وطلحة والزبير وعمار وآخرون وهم من
أطيب الخلق فدل على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت قال ابن حزم
لو فتحت بلد من بلد فثبت بذلك الفضل للأولى للزم أن تكون البصرة أفضل من خراسان
وسجستان وغيرهما مما فتح من جهة البصرة وليس كذلك وسيأتى مزيد لهذا في كتاب الاعتصام
* (قوله باب المدينة طابة) أي من أسمائها إذ ليس في الحديث انها لا تسمى بغير ذلك
وذكر فيه طرفا من حديث أبي حميد الساعدي وقد مضى مطولا في أواخر الزكاة ووقع في بعض
طرقه طابة وفى بعضها طيبة وروى مسلم من حديث جابر بن سمرة مرفوعا ان الله سمى المدينة
طابة ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن سماك بلفظ كانوا يسمون المدينة
يثرب فسماها النبي صلى الله عليه وسلم طابة وأخرجه أبو عوانة والطاب والطيب لغتان بمعنى
واشتقاقهما من الشئ الطيب وقيل لطهارة تربتها وقيل لطيبها لساكنها وقيل من طيب العيش
بها وقال بعض أهل العلم وفى طيب ترابها وهوائها دليل شاهد على صحة هذه التسمية لان من أقام
بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها وقرأت بخط أبى على الصدفي في
هامش نسخته من صحيح البخاري بخطه قال الحافظ أمر المدينة في طيب ترابها وهوائها يجده
من أقام بها ويجد لطيبها أقوى رائحة ويتضاعف طيبها فيها عن غيرها من البلاد وكذلك العود
وسائر أنواع الطيب وللمدينة أسماء غير ما ذكر منها ما رواه عمر بن شبة في أخبار المدينة من
رواية زيد بن أسلم قال قال النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة عشرة أسماء هي المدينة وطابة
76

وطيبة والمطيبة والمسكينة والدار وجابرة ومجبورة ومنيرة ويثرب ومن طريق محمد بن أبي يحيى
قال لم أزل أسمع ان للمدينة عشرة أسماء هي المدينة وطيبة وطابة والمطيبة والمسكينة والمدرى
والجابرة والمجبورة والمحببة والمحبوبة ورواه الزبير في أخبار المدينة من طريق ابن أبي يحيى مثله
وزاد والقاصمة ومن طريق أبى سهل بن مالك عن كعب الأحبار قال نجد في كتاب الله الذي أنزل
على موسى ان الله قال للمدينة يا طيبة ويا طابة ويا مسكينة لا تقبلي لكنوز أرفع أجاجيرك على
القرى وروى الزبير في أخبار المدينة من حديث عبد الله بن جعفر قال سمى الله المدينة الدار
والايمان ومن طريق عبد العزيز الدراوردي قال بلغني ان لها أربعين اسما * (قوله
باب لابتى المدينة) ذكر فيه حديث أبي هريرة لو رأيت الظباء ترتع أي تسعى أو ترعى
بالمدينة ما ذعرتها أي ما قصدت أخذها فأخفتها بذلك وكنى بذلك عن عدم صيدها واستدل
أبو هريرة بقوله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها أي المدينة حرام لان المراد بذلك المدينة لأنها
بين لابتين شرقية وغربية ولها لابتان أيضا من الجانبين الآخرين الا انهما يرجعان إلى الأولين
لاتصالهما بهما والحاصل ان جميع دورها كلها داخل ذلك وقد تقدم شرح الحديث في الباب
الأول وقوله ترتع أي ترعى وقيل تنبسط وفى قول أبي هريرة هذا إشارة إلى قوله في الحديث
الماضي لا ينفر صيدها ونقل ابن خزيمة على أن الاجزاء في صيد المدينة بخلاف صيد
مكة * (قوله باب من رغب عن المدينة) أي فهو مذموم أو باب حكم من رغب
عنها (قوله تتركون المدينة) كذا للأكثر بتاء الخطاب والمراد بذلك غير المخاطبين لكنهم من
أهل البلد أو من نسل المخاطبين أو من نوعهم وروى يتركون بتحتانية ورجحه القرطبي
(قوله على خير ما كانت) أي على أحسن حال كانت عليه من قبل قال القرطبي تبعا لعياض وقد
وجد ذلك حيث صارت معدن الخلافة ومقصد الناس وملجأهم وحملت إليها خيرات الأرض
وصارت من أعمر البلاد فلما انتقلت الخلافة عنها إلى الشأم ثم إلى العراق وتغلبت عليها الاعراب
تعاورتها الفتن وخلت من أهلها فقصدتها عوافي الطير والسباع والعوافي جمع عافية وهى التي
تطلب أقواتها ويقال للذكر عاف قال ابن الجوزي اجتمع في العوافي شيئان أحدهما أنها طالبة
لأقواتها من قولك عفوت فلانا أعفوه فأنا عاف والجمع عفاة أي أتيت أطلب معروفه والثاني من
العفاء وهو الموضع الخالي الذي لا أنيس به فان الطير والوحش تقصده لأمنها على نفسها فيه
وقال النووي المختار ان هذا الترك يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة ويؤيده قصة الراعيين
فقد وقع عند مسلم بلفظ ثم يحشر راعيان وفى البخاري أنهما آخر من يحشر (قلت) ويؤيده
ما روى مالك عن ابن حماس بمهملتين وتخفيف عن عمه عن أبي هريرة رفعه لتتركن المدينة على
أحسن ما كانت حتى يدخل الذئب فيعوى على بعض سواري المسجد أو على المنبر قالوا فلمن
تكون ثمارها قال للعوافي الطير والسباع أخرجه معن بن عيسى في الموطأ عن مالك ورواه
جماعة من الثقات خارج الموطأ ويشهد له أيضا مار روى أحمد والحاكم وغيرهما من حديث
محجن بن الأدرع الأسلمي قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة ثم لقيني وأنا خارج من بعض
طرق المدينة فأخذ بيدي حتى أتينا أحدا ثم أقبل على المدينة فقال ويل أمها قرية يوم يدعها
أهلها كأينع ما يكون قلت يا رسول الله من يأكل ثمرها قال عافية الطير والسباع وروى عمر بن
77

شبة باسناد صحيح عن عوف بن مالك قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ثم نظر إلينا
فقال أما والله ليد عنها أهلها مذللة أربعين عاما للعوافي أتدرون ما العوافي الطير والسباع (قلت)
وهذا لم يقع قطعا وقال المهلب في هذا الحديث ان المدينة تسكن إلى يوم القيامة وان خلت في
بعض الأوقات لقصد الراعيين بغنمهما إلى المدينة (قوله وآخر من يحشر راعيان من مزينة)
هذا يحتمل ان يكون حديثا آخر مستقلا لا تعلق له بالذي قبله ويحتمل أن يكون من تتمة الحديث
الذي قبله وعلى هذين الاحتمالين يترتب الاختلاف الذي حكيته عن القرطبي والنووي والثاني
أظهر كما قال النووي (قوله ينعقان) بكسر المهملة بعدها قاف النعيق زجر الغنم يقال نعق
ينعق بكسر العين وفتحها نعيقا ونعاقا ونعقا ونعقانا إذا صاح بالغنم وأغرب الداودي فقال معناه
يطلب الكلأ وكأنه فسره بالمقصود من الزجر لأنه يزجرها عن المرعى الوبيل إلى المرعى الوسيم
(قوله فيجدانها وحوشا) أو يجدانها ذات وحش أو يجدان أهلها قد صاروا وحوشا وهذا على أن
الرواية بفتح الواو أي يجدانها خالية وفى رواية مسلم فيجدانها وحشا أي خالية ليس بها أحد
والوحش من الأرض الخلاء أو كثرة الوحش لما خلت من سكانها قال النووي الصحيح ان معناه
يجدانها ذات وحوش قال وقد يكون وحشا بمعنى وحوش وأصل الوحش كل شئ توحش من
الحيوان وجمعه وحوش وقد يعبر بواحده عن جمعه وحكى عن ابن المرابط ان معناه ان غنم
الراعيين المذكورين تصير وحوشا اما بأن تنقلب ذاتها واما أن تتوحش وتنفر منها وعلى هذا
فالضمير في يجدانها يعود على الغنم والظاهر خلافه قال النووي الصواب الأول وقال القرطبي
القدرة صالحة لذلك انتهى ويؤيده أن في بقية الحديث أنهما يخران على وجوههما إذا وصلا
إلى ثنية الوداع وذلك قبل دخولهما المدينة بلا شك فيدل على أنهما وجدا التوحش المذكور
قبل دخول المدينة فيقوى ان الضمير يعود على غنمهما وكان ذلك من علامات قيام الساعة
ويوضح هذا رواية عمر بن شبة في اخبار المدينة من طريق عطاء بن السائب عن رجل من أشجع
عن أبي هريرة موقوفا قال آخر من يحشر رجلان رجل من مزينة وآخر من جهينة فيقولان
أين الناس فيأتيان المدينة فلا يريان الا الثعالب فينزل إليهما ملكان؟؟؟ على
وجوههما حتى يلحقاهما بالناس (قوله وآخر من يحشر) في رواية مسلم من طريق عقيل عن
الزهري ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة لم يذكر في الحديث حشرهما وانما ذكر
مقدمته لان الحشر انما يقع بعد الموت فذكر سبب موتهما والحشر يعقبه وقوله على هذا خرا على
وجوههما أي سقطا ميتين أو المراد بقوله خرا على وجوههما أي سقطا بمن أسقطهما وهو الملك
كما تقدم في رواية عمر بن شبة وفى رواية للعقيلي انهما كانا ينزلان بجبل ورقان وله من حديث
حذيفة بن أسيد أنهما يفقدان الناس فيقولان ننطلق إلى بنى فلان فيأتيانهم فلا يجدان أحدا
فيقولان ننطلق إلى المدينة فينطلقان فلا يجدان بها أحدا فينطلقان إلى البقيع فلا يريان الا
السباع والثعالب وهذا يوضح أحد الاحتمالات المتقدمة وقد روى ابن حبان من طريق عروة
عن أبي هريرة رفعه آخر قرية في الاسلام خرابا المدينة وهو يناسب كون آخر من يحشر يكون
منها * (تنبيه) * أنكر ابن عمر على أبي هريرة تعبيره في هذا الحديث بقوله خير ما كانت وقال إن
الصواب أعمر ما كانت أخرج ذلك عمر بن شبة في أخبار المدينة من طريق مساحق بن عمرو أنه
78

كان جالسا عند ابن عمر فجاء أبو هريرة فقال له لم ترد على حديثي فوالله لقد كنت انا وأنت في بيت
حين قال النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منها أهلها خير ما كنت فقال ابن عمر أجل ولكن لم يقل
خير ما كانت انما قال أعمر ما كانت ولو قال خير ما كانت لكان ذلك وهو حي وأصحابه فقال أبو
هريرة صدقت والذي نفسي بيده وروى مسلم من حديث حذيفة انه لما سأل النبي صلى الله
عليه وسلم عمن يخرج أهل المدينة من المدينة ولعمر بن شبة من حديث أبي هريرة قيل يا أبا هريرة
من يخرجهم قال أمراء السوء * الحديث الثاني (قوله عن أبيه) هو عروة بن الزبير وعبد الله بن
الزبير أخوه وفى الاسناد صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي لان هشاما قد لقى بعض الصحابة
(قوله عن سفيان بن أبي زهير) كذا للأكثر ورواه حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه كذلك وقال في
آخره قال عروة ثم لقيت سفيان بن أبي زهير عند موته فأخبرني بهذا الحديث وذكر علي بن المديني انه
اختلف فيه على هشام اختلافا آخر فقال وهيب وجماعة كما قال مالك وقال ابن عيينة عن هشام
بسنده عن سفيان بن الغوث وقال أبو معاوية عن هشام بسنده عن سفيان بن عبد الله الثقفي
قلت قد رواه الحميدي عن سفيان على الصواب ورواه أبو خيثمة عن جرير فقال سفيان بن أبي
قلابة كأنه عرف خطا جرير فكنى عنه واسم أبى زهير القرد بفتح القاف وكسر الراء بعدها مهملة
وقيل نمير وهو الشنوئي من أزد شنوءة بفتح المعجمة وضم النون وبعد الواو همزة مفتوحة وفى النسب
كذلك وقيل بفتح النون بعدها همزة مكسورة بلا واو وشنوءة هو عبد الله بن كعب بن مالك بن
نضر بن الأزد وسمى شنوءة لشنآن كان بينه وبين قومه (قوله تفتح اليمن) قال ابن عبد البر وغيره
افتتحت اليمن في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وفى أيام أبى بكر وافتتحت الشام بعدها والعراق
بعدها وفى هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد وقع على وفق ما أخبر به النبي صلى الله عليه
وسلم وعلى ترتيبه ووقع تفرق الناس في البلاد لما فيها من السعة والرخاء ولو صبروا على الإقامة
بالمدينة لكان خيرا لهم وفى هذا الحديث فضل المدينة على البلاد المذكورة وهو أمر مجمع عليه
وفيه دليل على أن بعض البقاع أفضل من بعض ولم يختلف العلماء في أن للمدينة فضلا على
غيرها وانما اختلفوا في الأفضلية بينها وبين مكة (قوله يبسون) بفتح أوله وضم الموحدة
وبكسرها من بس يبس قال ابن عبد البر في رواية يحيى بن يحيى بكسر الموحدة وقيل إن ابن
القاسم رواه بضمها قال أبو عبيد معناه يسوقون دوابهم والبس سوق الإبل تقول بس بس عند
السوق وإرادة السرعة وقال الداودي معناه يزجرون دوابهم فيبسون ما يطأونه من الأرض
من شدة السير فيصير غبارا قال تعالى وبست الجبال بسا أي سالت سيلا وقيل معناه سارت سيرا
وقال ابن القاسم البس المبالغة في الفت ومنه قيل للدقيق المصنوع بالدهن بسيس وأنكر ذلك
النووي وقال إنه ضعيف أو باطل قال ابن عبد البر وقيل معنى يبسون يسألون عن البلاد
ويستقرأون أخبارها ليسيروا إليها قال وهذا لا يكاد يعرفه أهل اللغة وقيل معناه يزينون لأهلهم
البلاد التي تفتح ويدعونهم إلى سكناها فيتحملون بسبب ذلك من المدينة راحلين إليها ويشهد
لهذا حديث أبي هريرة عند مسلم يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء
والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وعلى هذا فالذين يتحملون غير الذين يبسون كأن الذي حضر
الفتح أعجبه حسن البلد ورخاؤها فدعا قريبه إلى المجئ إليها لذلك فيتحمل المدعو باهله وأتباعه
79

قال ابن عبد البر وروى يبسون بضم أوله وكسر ثانيه من الرباعي من أبس ابساسا ومعناه يزينون
لأهلهم البلد التي يقصدونها وأصل الابساس للتي تحلب حتى تدر باللبن وهو أن يجرى يده على
وجهها وصفحة عنقها كأنه يزين لها ذلك ويحسنه لها والى هذا ذهب ابن وهب وكذا رواه ابن
حبيب عن مطرف عن مالك يبسون من الرباعي وفسره بنحو ما ذكرنا وأنكر الأول غاية الانكار
وقال النووي الصواب ان معناه الاخبار عمن خرج من المدينة متحملا باهله بأسا في سيره مسرعا
إلى الرخاء والامصار المفتتحة (قلت) ويؤيده رواية ابن خزيمة من طريق أبى معاوية عن هشام
عن عروة في هذا الحديث بلفظ تفتح الشام فيخرج الناس من المدينة إليها يبسون والمدينة خير
لهم لو كانوا يعلمون ويوضح ذلك ما روى أحمد من حديث جابر انه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول ليأتين على أهل المدينة زمان ينطلق الناس منها إلى الأرياف يلتمسون الرخاء فيجدون
رخاء ثم يأتون فيتحملون بأهليهم إلى الرخاء والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وفى اسناده ابن لهيعة
ولا باس به في المتابعات وهو يوضح ما قلناه والله أعلم وروى أحمد في أول حديث سفيان هذا قصة
أخرجها من طريق بشر بن سعيد انه سمع في مجلس الليثيين يذكرون ان سفيان بن أبي زهير
أخبرهم ان فرسه أعيت بالعقيق وهو في بعث بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليه
يستحمله فخرج معه يبتغى له بعيرا فلم يجده الا عند أبي جهم به حذيفة العدوي فسامه له فقال
له أبو جهم لا أبيعكها يا رسول الله ولكن خذه فاحمل عليه من شئت ثم خرج حتى إذا بلغ بئر اهاب
قال يوشك البنيان ان يأتي هذا المكان ويوشك الشام ان يفتح فيأتيه رجال من أهل هذا البلد
فيعجبهم ريعه ورخاؤه والمدينة خير لهم الحديث (قوله لو كانوا يعلمون) أي بفضلها من الصلاة
في المسجد النبوي وثواب اشتراط فيها وغير ذلك ويحتمل أن تكون لو بمعنى ليت فلا يحتاج إلى
تقدير وعلى الوجهين ففيه تجهيل لمن فارقها وآثر غيرها قالوا والمراد به الخارجون من المدينة
رغبة عنها كارهين لها وأما من خرج لحاجة أو تجارة أو جهاد أو نحو ذلك فليس بداخل في معنى
الحديث قال الطيبى الذي يقتضيه هذا المقام أن ينزل ما لا يعلمون منزلة اللازم لتنتفى عنهم المعرفة
بالكلية ولو ذهب مع ذلك إلى التمني لكان أبلغ لان التمني طلب ما لا يمكن حصوله أي ليتهم كانوا من
أهل العلم تغليظا وتشديدا وقال البيضاوي المعنى انه يفتح اليمن فيعجب قوما بلادها وعيش أهلها
فيحملهم ذلك على المهاجرة إليها بأنفسهم وأهاليهم حتى يخرجوا من المدينة والحال ان الإقامة في
المدينة خير لهم لأنها حرم الرسول وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات لو كانوا يعلمون ما في
الإقامة بها من الفوائد الدينية بالعوائد الأخروية التي يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ
الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها وقواه الطيبى لتنكير قوم ووصفهم بكونهم يبسون ثم
توكيده بقوله لو كانوا يعلمون لأنه يشعر بأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيمية والحطام الفاني
وأعرضوا عن الإقامة في جوار الرسول ولذلك كرر قوما ووصفه في كل قرينه بقوله يبسون
استحضارا لتلك الهيئة القبيحة والله أعلم * (قوله باب الايمان يأرز) بفتح أوله
وسكون الهمزة وكسر الراء وقد تضم بعدها زاي وحكى ابن التين عن بعضهم فتح الراء وقال إن
الكسر هو الصواب وحكى أبو الحسن بن سراج ضم الراء وحكى القابسي الفتح ومعناه ينضم
ويجتمع (قوله حدثني عبيد الله) هو ابن عمر العمرى (قوله عن خبيب) بالمعجمة مصغرا كذا
80

رواه أكثر أصحاب عبيد الله وخبيب هو خال عبيد الله المذكور وقد روى عنه بهذا الاسناد
عدة أحاديث وفى رواية يحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أخرجه ابن حبان
والبزار وقال البزار ان يحيى بن سليم أخطأ فيه وهو كما قال وهو ضعيف في عبيد الله بن عمر
(قوله عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (قوله كما تأرز الحية إلى جحرها) أي انها
كما تنتشر من جحرها في طلب ما تعيش به فإذا راعها شئ رجعت إلى جحرها كذلك الايمان انتشر
في المدينة وكل مؤمن له من نفسه سائق إلى المدينة لمحبته في النبي صلى الله عليه وسلم فيشمل ذلك
جميع الأزمنة لأنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للتعلم منه وفى زمن الصحابة والتابعين
وتابعيهم للاقتداء بهديهم ومن بعد ذلك لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده
والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه وقال الداودي كان هذا في حياة النبي صلى الله عليه
وسلم والقرن الذي كان منهم والذين يلونهم والذين يلونهم خاصة وقال القرطبي فيه تنبيه على صحة
مذهب أهل المدينة وسلامتهم من البدع وان عملهم حجة كما رواه مالك اه‍ وهذا ان سلم اختص
بعصر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وأما بعد ظهور الفتن وانتشار الصحابة في
البلاد ولا سيما في أواخر المائة الثانية وهلم جرا فهو بالمشاهدة بخلاف ذلك * (قوله باب
اثم من كاد أهل المدينة) أي أراد بأهلها سوأ والكيد المكر والحيلة في المساءة (قوله
أخبرنا الفضل) هو ابن موسى والجعيد هو ابن عبد الرحمن وعائشة بنت سعد أي ابن أبي وقاص
(قالت سمعت سعدا) تعنى أباها (قوله الا انماع) أي ذاب وفى رواية مسلم من طريق أبى عبد الله
القراظ عن أبي هريرة وسعد جميعا فذكر حديثا فيه من أراد أهلها بسوء أذابه الله كما يذوب
الملح في الماء وفى هذه الطريق تعقب على القطب الحلبي حيث زعم أن هذا الحديث من افراد
البخاري نعم في افراد مسلم من طريق عامر بن سعد عن أبيه في أثناء حديث ولا يريد أحد أهل
المدينة بسوء الا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء قال عياض هذه الزيادة
تدفع اشكال الأحاديث الأخر وتوضح أن هذا حكمه في الآخرة ويحتمل أن يكون المراد من
أرادها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بسوء اضمحل أمره كما يضمحل الرصاص في النار فيكون
في اللفظ تقديم وتأخير ويؤيده قوله أو ذوب الملح في الماء ويحتمل أن يكون المراد لمن أرادها في
الدنيا بسوء وانه لا يمهل بل يذهب سلطانه عن قرب كما وقع لمسلم بن عقبة وغيره فإنه عوجل عن قرب
وكذلك الذي أرسله قال ويحتمل أن يكون المراد من كادها اغتيالا وطلبا لغرتها في غفلة فلا يتم
له أمر بخلاف من أتى ذلك جهارا كما استباحها مسلم بن عقبة وغيره وروى النسائي من حديث
السائب بن خلاد رفعه من أخاف أهل المدينة ظالما لهم أخافه الله وكانت عليه لعنة الله
الحديث ولابن حبان نحوه من حديث جابر * (قوله باب آطام المدينة) بالمد جمع
أطم بضمتين وهى الحصون التي تبنى بالحجارة وقيل هو كل بيت مربع مسطح والآطام جمع قلة
وجمع الكثرة أطوم والواحدة أطمة كاكمة وقد ذكر الزبير بن بكار في أخبار المدينة ما كان بها
من الآطام قبل حلول الأوس والخزرج بها ثم ما كان بها بعد حلولهم وأطال في ذلك (قوله
أشرف) أي نظر من مكان مرتفع (قوله مواقع) أي مواضع السقوط وخلال أي نواحيها شبه
سقوط الفتن وكثرتها بالمدينة بسقوط القطر في الكثرة والعموم وهذا من علامات النبوة
81

لاخباره بما سيكون وقد ظهر مصداق ذلك من قتل عثمان وهلم جرا ولا سيما يوم الحرة والرؤية
المذكورة يحتمل أن تكون بمعنى العلم أو رؤية العين بان تكون الفتن مثلت له حتى رآها كما مثلت
له الجنة والنار في القبلة حتى رآهما وهو يصلى (قوله تابعه معمر وسليمان بن كثير) أما رواية
معمر فوصلها المؤلف في الفتن وأما متابعة سليمان بن كثير فوصلها المؤلف في بر الوالدين له
خارج الصحيح وسيأتى بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب الفتن * (قوله باب
لا يدخل الدجال المدينة) أورد فيه أربعة أحاديث * الأول حديث أبي بكرة وسيأتى الكلام
عليه مستوفى في كتاب الفتن (قوله عن جده) هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (قوله على
كل باب) في رواية الكشميهني لكل باب * الثاني حديث أبي هريرة (قوله على أنقاب المدينة)
جمع نقب بفتح النون والقاف بعدها موحدة ووقع في حديث أنس وأبى سعيد اللذين بعده على
نقابها جمع نقب بالسكون وهما بمعنى قال ابن وهب المراد بها المداخل وقيل الأبواب وأصل
النقب الطريق بين الجبلين وقيل الانقاب الطرق التي يسلكها الناس ومنه قوله تعالى فنقبوا
في البلاد (قوله لا يدخلها الطاعون ولا الدجال) سيأتي في الطب بيان من زاد في هذا الحديث
مكة * الثالث حديث أنس (قوله حدثنا أبو عمرو) هو الأوزاعي واسحق هو ابن عبد الله بن أبي
طلحة (قوله ليس من بلد الا سيطؤه الدجال) هو على ظاهره وعمومه عند الجمهور وشذ
ابن حزم فقال المراد لا يدخله بعثه وجنوده وكأنه استبعد امكان دخول الدجال جميع البلاد
لقصر مدته وغفل عما ثبت في صحيح مسلم ان بعض أيامه يكون قدر السنة (قوله ثم ترجف
المدينة) أي يحصل لها زلزلة بعد أخرى ثم ثالثة حتى يخرج منها من ليس مخلصا في ايمانه ويبقى
بها المؤمن الخالص فلا يسلط عليه الدجال ولا يعارض هذا ما في حديث أبي بكرة الماضي انه
لا يدخل المدينة رعب الدجال لان المراد بالرعب ما يحدث من الفزع من ذكره والخوف من عتوه
لا الرجفة التي تقع بالزلزلة لاخراج من ليس بمخلص وحمل بعض العلماء الحديث الذي فيه انها
تنفى الخبث على هذه الحالة دون غيرها وقد تقدم ان الصحيح في معناه انه خاص بناس وبزمان فلا
مانع ان يكون هذا الزمان هو المراد ولا يلزم من كونه مرادا نفى غيره * الحديث الرابع حديث أبي
سعيد (قوله بعض السباخ) بكسر المهملة وبالموحدة الخفيفة وآخره معجمة وسيأتى الكلام
عليه أيضا في الفتن وحاصل ما في هذه الأحاديث اعلامه صلى الله عليه وسلم أن الدجال لا يدخل
المدينة ولا الرعب منه كما مضى * (قوله باب) بالتنوين (المدينة تنفى الخبث)
أي باخراجه واظهاره (قوله حدثنا عمرو بن عباس) بالموحدة والمهملة وعبد الرحمن هو ابن مهدي
وسفيان هو الثوري (قوله عن جابر) وقع في الاحكام من وجه آخر عن ابن المنكدر
82

قال سمعت جابرا (قوله جاء اعرابى) لم أقف على اسمه الا أن الزمخشري ذكر في ربيع الأبرار انه
قيس بن أبي حازم وهو مشكل لأنه تابعي كبير مشهور صرحوا بأنه هاجر فوجد النبي صلى الله
عليه وسلم قد مات فإن كان محفوظا فلعله آخر وافق اسمه واسم أبيه وفى الذيل لأبي موسى
في الصحابة قيس بن أبي حازم المنقري فيحتمل أن يكون هو هذا (قوله فبايعه على الاسلام
فجاء من الغد محموما فقال أقلني) ظاهره أنه سأل الإقامة من الاسلام وبه جزم عياض وقال غيره
انما استقاله من الهجرة والا لكان قتله على الردة وسيأتى الكلام على هذا الحديث مستوفى في
كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى (قوله ثلاث مرار) يتعلق باقلنى وبقال معا 3 (قوله تنفى خبثها)
تقدم الكلام عليه في أول فضل المدينة (قوله وتنصع) بفتح أوله وسكون النون وبالمهملتين من
النصوع وهو الخلوص والمعنى انها إذا نفت الخبث تميز الطيب واستقر فيها وأما قوله طيبها فضبطه
الأكثر بالنصب على المفعولية وفى رواية الكشميهني بالتحتانية أوله ورفع طيبها على الفاعلية
وطيبها للجميع بالتشديد وضبطه القزاز بكسر أوله والتخفيف ثم استشكله فقال لم أر للنصوع
في الطيب ذكرا وانما الكلام يتضوع بالضاد المعجمة وزيادة الواو الثقيلة قال ويروى وتنضخ بمعجمتين
واغرب الزمخشري في الفايق فضبطه بموحدة وضاد معجمة وعين وقال هو من أبضعه بضاعة إذا
دفعها إليه يعنى ان المدينة تعطى طيبها لمن سكنها وتعقبه الصغاني بأنه خالف جميع الرواة في ذلك
وقال ابن الأثير المشهور بالنون والصاد المهملة (قوله عن عبد الله بن يزيد) هو الخطمي وفى
الاسناد صحابيان انصاريان في نسق واحد (قوله رجع ناس من أصحابه) هم عبد الله بن أبي ومن
تبعه وسيأتى الكلام عليه في تفسير سورة النساء والغرض منه هنا بيان ابتداء قوله تنفى الرجال
وانه كان في أحد (قوله الرجال) كذا للأكثر وللكشميهني الدجال بالدال وتشديد الجيم وهو
تصحيف ووقع في غزوة أحد تنفى الذنوب وفى تفسير النساء تنفى الخبث وأخرجه في هذه المواضع
كلها من طريق شعبة وقد أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طريق غندر عن شعبة باللفظ
الذي أخرجه في التفسير من طريق غندر وغندر أثبت الناس في شعبة وروايته توافق رواية
حديث جابر الذي قبله حيث قال فيه تنفى خبثها وكذا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ
تخرج الخبث ومضى في أول فضائل المدينة من وجه آخر عن أبي هريرة تنفى الناس والرواية
التي هنا بلفظ تنفى الرجال لا تنافى الرواية بلفظ الخبث بل هي مفسرة للرواية المشهورة بخلاف
تنفى الذنوب ويحتمل أن يكون فيه حذف تقديره أهل الذنوب فيلتئم مع باقي الروايات * (قوله
باب) كذا للأكثر بلا ترجمة وسقط من رواية أبي ذر فاشكل وعلى تقدير ثبوته فلا بد له
من تعلق بالذي قبله لأنه بمنزلة الفصل من الباب وقد أورد فيه حديثين لأنس ووجه تعلق الأول
منهما بترجمة نفى الخبث ان قضية الدعاء بتضعيف البركة وتكثيرها تقليل ما يضادها فيناسب
ذلك نفى الخبث ووجه تعلق الثاني ان قضية حب الرسول للمدينة أن تكون بالغة في طيب
ذاتها وأهلها فيناسب ذلك أيضا وقد تقدم الكلام على الثاني في أواخر أبواب العمرة وأما الأول
فقوله فيه حدثنا أبي هو جرير بن حازم ويونس هو ابن يزيد (قوله اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت
بمكة من البركة) أي من بركة الدنيا بقرينة قوله في الحديث الآخر اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا
ويحتمل ان يريد ما هو أعلم من ذلك لكن يستثنى من ذلك ما خرج بدليل كتضعيف الصلاة بمكة
83

على المدينة واستدل به عن تفضيل المدينة على مكة وهو ظاهر من هذه الجهة لكن لا يلزم من
حصول أفضلية المفضول في شئ من الأشياء ثبوت الأفضلية له على الاطلاق وأما من ناقض ذلك
بأنه يلزم أن يكون الشام واليمن أفضل من مكة لقوله في الحديث الآخر اللهم بارك لنا في شامنا
وأعادها ثلاثا فقد تعقب بان التأكيد لا يستلزم التكثير المصرح به في حديث الباب وقال ابن
حزم لا حجة في حديث الباب لهم لان تكثير البركة بها لا يستلزم الفضل في أمور الآخرة ورده
عياض بان البركة أعم من أن تكون في أمور الدين أو الدنيا لأنها بمعنى النماء والزيادة فاما من
الأمور الدينية فلما يتعلق بها من حق الله تعالى من الزكاة والكفارات ولا سيما في وقوع البركة
في الصاع والمد وقال النووي الظاهر أن البركة حصلت في نفس المكيل بحيث يكفي المد فيها من
لا يكفيه في غيرها وهذا أمر محسوس عند من سكنها وقال القرطبي إذا وجدت البركة فيها في
وقت حصلت إجابة الدعوة ولا يستلزم دوامها في كل حين ولكل شخص والله أعلم (قوله تابعه
عثمان بن عمر عن يونس) أي تابع جرير بن حازم في روايته لهذا الحديث عن يونس بن يزيد عن
الزهري عثمان بن عمر بن فارس فرواه عن يونس بن يزيد ورواية عثمان بن عمر موصولة في كتاب
علل حديث الزهري جمع محمد بن يحيى الذهلي كذا وجدته بخط بعض المصنفين ولم أقف عليه
في كتاب الذهلي وقد ضاق مخرجه على الإسماعيلي فأخرجه من طريق عبد الله بن وهب ومن
طريق شبيب بن سعيد وعلقمة من طريق عنبسة بن خالد كلهم عن يونس بن يزيد وساق رواية
وهب بن جرير فقال حدثنا أبو يعلى حدثنا زهير أبو خيثمة وقاسم بن أبي شيبة كلاهما عن وهب
ابن جرير وصرح في رواية زهير عن وهب بسماع جرير له من يونس ثم قال قاسم بن أبي شيبة
ليس من شرط هذا الكتاب ونقل مغلطاي كلام الإسماعيلي هذا وتبعه شيخنا ابن الملقن وقال في
آخره قال الإسماعيلي أبو شيبة ليس من شرط هذا الكتاب وهو سهو كأنه أراد أن يكتب قاسم
ابن أبي شيبة فقال وأبو شيبة ثم قال مغلطاي وقال الإسماعيلي قال الحسن عن أنس ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره وقال يعنى المدينة اه‍ وهذا نظر من لم يطلع على حقيقة
الحال فيه إذ الإسماعيلي ذكر رواية الحسن عن أنس لهذا الحديث متابعة لرواية يونس
عن الزهري عن أنس كما ذكر رواية ابن وهب وشبيب بن سعيد متابعة لجرير بن حازم عن يونس
وليس كذلك وانما أورد الإسماعيلي طريق شبيب بن سعيد فقال أخبرني الحسن يعنى ابن
سفيان حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد حدثنا أبي عن يونس عن الزهري ثم
تحول الإسماعيلي إلى طريق ابن وهب قال ابن وهب حدثنا يونس عن ابن شهاب حدثني أنس
وساق الحديث على لفظه ثم قال بعد فراغه وقال الحسن عن أنس ومراده ان رواية ابن وهب
فيها تصريح ابن شهاب وهو الزهري أن انسا حدثه بخلاف رواية شبيب بن سعيد التي أخرجها
من طريق الحسن بن سفيان فإنه قال فيها عن أنس * (قوله باب كراهية النبي
صلى الله عليه وسلم ان تعرى المدينة) ذكر فيه حديث أنس في قصة بنى سلمة وقد تقدم الكلام
عليه في باب احتساب الآثار في أوائل صلاة الجماعة * (تنبيه) * ترجم البخاري بالتعليلين فترجم
في الصلاة باحتساب الآثار لقوله صلى الله عليه وسلم مكانكم تكتب لكم آثاركم وترجم هنا
بما ترى لقول الراوي فكره النبي صلى الله عليه وسلم ان تعرى المدينة وكأنه صلى الله عليه
84

وسلم اقتصر في مخاطبتهم على التعليل المتعلق بهم لكونه أدعى لهم إلى الموافقة (قوله فيه
ألا تحتسبون) كذا للأكثر وفى رواية ألا تحتسبوا وحذف نون الرفع في مثل هذا لغة مشهورة
* (قوله باب) كذا في جميع النسخ بلا ترجمة وهو مشتمل على حديثين وأثر ولكل منهما
تعلق بالترجمة التي قبله فحديث ما بين بيتي ومنبرى روضة من رياض الجنة فيه إشارة إلى الترغيب
في سكنى المدينة وحديث عائشة في قصة وعك أبى بكر وبلال فيه دعاؤه صلى الله عليه وسلم
للمدينة بقوله اللهم صححها وفى ذلك إشارة إلى الترغيب في سكناها أيضا وأثر عمر في دعائه بأن
تكون وفاته بها ظاهر في ذلك وفى كل ذلك مناسبة لكراهته صلى الله عليه وسلم ان تعرى المدينة
أي تصير خالية فأما الحديث الأول في المنبر فقوله ما بين بيتي ومنبرى كذا للأكثر ووقع في رواية
ابن عساكر وحده قبري بدل بيتي وهو خطأ فقد تقدم هذا الحديث في كتاب الصلاة قبيل الجنائز
بهذا الاسناد بلفظ بيتي وكذلك هو في مسند مسدد شيخ البخاري فيه نعم وقع حديث سعد بن أبي
وقاص عند البزار بسند رجاله ثقات وعند الطبراني من حديث ابن عمر بلفظ القبر فعلى هذا
المراد بالبيت في قوله بيتي أحد بيوته لا كلها وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره وقد ورد الحديث
بلفظ ما بين المنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة أخرجه الطبراني في الأوسط (قوله روضة
من رياض الجنة) أي كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل في
ملازمة حلق الذكر لا سيما في عهده صلى الله عليه وسلم فيكون تشبيها بغير أداة أو المعنى ان
العبادة فيها تؤدى إلى الجنة فيكون مجازا أو هو على ظاهره وأن المراد انه روضة حقيقية بأن
ينتقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنة هذا محصل ما أوله العلماء في هذا الحديث وهى
على ترتيبها هذا في القوة وأما قوله ومنبرى على حوضي أي ينقل يوم القيامة فينصب على
الحوض وقال الأكثر المراد منبره بعينه الذي قال هذه المقالة وهو فوقه وقيل المراد المنبر الذي
يوضع له يوم القيامة والأول أظهر ويؤيده حديث أبي سعيد المتقدم وقد رواه الطبراني في
الكبير من حديث أبي واقد الليثي رفعه ان قوائم منبري رواتب في الجنة وقيل معناه ان قصد
منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد صاحبه إلى الحوض ويقتضي شربه منه
والله أعلم ونقل ابن زبالة ان ذرع ما بين المنبر والبيت الذي فيه القبر الآن ثلاث وخمسون ذراعا
وقيل أربع وخمسون وسدس وقيل خمسون الا ثلثي ذراع وهو الآن كذلك فكأنه نقص لما
أدخل من الحجرة في الجدار واستدل به على أن المدينة أفضل من مكة لأنه أثبت ان الأرض التي
بين البيت والمنبر من الجنة وقد قال في الحديث الآخر لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا
وما فيها وتعقبه ابن حزم بأن قوله إنها من الجنة مجازا ذلو كانت حقيقة لكانت كما وصف الله
الجنة ان لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وانما المراد أن الصلاة فيها تؤدى إلى الجنة كما يقال في
اليوم الطيب هذا من أيام الجنة وكما قال صلى الله عليه وسلم الجنة تحت ظلال السيوف قال ثم
لو ثبت انه على الحقيقة لما كان الفضل الا لتلك البقعة خاصة فان قيل إن ما قرب منها أفضل مما
بعد لزمهم أن يقولوا ان الجحفة أفضل من مكة ولا قائل به وأما حديث عائشة فقوله وعك بضم
أوله أي أصابه الوعك وهو الحمى وقيل مغث الحمى وسيأتى شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب
المغازي أول الهجرة إن شاء الله تعالى (قوله قالت) يعنى عائشة والقائل عروة فهو متصل (قوله
85

وهى أوبأ) بالهمز بوزن أفعل من الوباء والوباء مقصور بهمز وبغير همز هو المرض العام ولا
تعارض قدومهم عليها وهى بهذه الصفة نهيه صلى الله عليه وسلم عن القدوم على الطاعون لان
ذلك كان قبل النهى أو أن النهى يختص بالطاعون ونحوه من الموت الذريع لا المروض ولو عم
(قوله قالت فكان بطحان) يعنى وادى المدينة وقولها (يجرى نجلا تعنى ماء آجنا) هو من تفسير
الراوي عنها وغرضها بذلك بيان السبب في كثرة الوباء بالمدينة لأن الماء الذي هذه صفته يحدث
عنده المرض وقيل النجل النزبنون وزاي يقال استنجل الوادي إذا ظهر نزوزه ونجلا بفتح النون
وسكون الجيم وقد تفتح حكاه ابن التين وقال ابن فارس النجل بفتحتين سعة العين وليس هو المراد
هنا وقال ابن السكيت النجل العين جين تظهر وينبع عين الماء وقال الحربي نجلا أي واسعا
ومنه عين نجلاء أي واسعة وقيل هو الغدير الذي لا يزال فيه الماء (قوله تعنى ماء آجنا) بفتح الهمزة
وكسر الجيم بعدها نون أي متغيرا قال عياض هو خطا ممن فسره فليس المراد هنا الماء المتغير
(قلت) وليس كما قال فان عائشة قالت ذلك في مقام التعليل لكون المدينة كانت وبيئة ولا شك
ان النجل إذا فسر بكونه الماء الحاصل من النز فهو بصدد أن يتغير وإذا تغير كان استعماله مما
يحدث الوباء في العادة وأما أثر عمر فذكر ابن سعد سبب دعائه بذلك وهو ما أخرجه باسناد صحيح
عن عوف بن مالك انه رأى رؤيا فيها ان عمر شهيد مستشهد فقال لما قصها عليه أنى لي بالشهادة وأنا
بين ظهراني جزيرة العرب لست أغزو والناس حولي ثم قال بلى يأتي بها الله ان شاء (قوله وقال ابن
زريع عن روح بن القاسم) وصله الإسماعيلي عن إبراهيم بن هاشم عن أمية بن بسطام عن يزيد بن
زريع به ولفظه عن حفصة قالت سمعت عمر يقول اللهم قتلا في سبيلك ووفاة ببلد نبيك قالت
فقلت وأنى يكون هذا قال يأتي به الله إذا شاء (قوله وقال هشام) بن سعد (عن زيد عن أبيه) أسلم
وصله ابن سعد عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عنه ولفظه عن حفصة انها سمعت أباها يقول
فذكر مثله وفى آخره ان الله يأتي بأمره إن شاء الله وأراد البخاري بهذين التعليقين بيان الاختلاف
فيه على زيد بن أسلم فاتفق هشام بن سعد وسعيد بن أبي هلال على أنه عن زيد عن أبيه أسلم عن عمر
وقد تابعهما حفص بن ميسرة عن زيد عند عمر بن شبة وانفرد روح بن القاسم عن زيد بقوله عن
أمه وقد رواه ابن سعد عن معن بن عيسى عن مالك عن زيد بن أسلم ان عمر فذكره مرسلا وللحديث
طريق أخرى أخرجها البخاري في تاريخه من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن
عبد الله القارئ عن جده عن أبيه محمد عن أبيه عبد الله انه سمع عمر يقول ذلك وطريق أخرى
أخرجها عمر بن شبة من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر اسنادها صحيح ومن وجه آخر
منقطع وزاد فكان الناس يتعجبون من ذلك ولا يدرون ما وجهه حتى طعن أبو لؤلؤة عمر رضي الله عنه
* (تنبيه) * تقدم ما يتعلق بفضل الصلاة في المسجد النبوي ومسجد قباء والمسجد
الأقصى في أبواب في أواخر كتاب الصلاة * (خاتمة) * اشتمل ذكر المدينة على ستة وعشرين حديثا
المعلق منها أربعة والمكرر منها فيه وفيما مضى تسعة والخالص سبعة عشر وافقه مسلم على
تخريجها سوى حديث أبي هريرة في ذكر بنى حارثة وحديث أبي بكرة في ذكر الدجال وفيه من
الآثار أثر واحد وهو أثر عمر الذي ختم به فأخرجه موصولا ومعلقا وفيه إشارة إلى حسن الختام
فنسأل الله تعالى أن يختم لنا بالحسنى وأن يعين على ختم هذا الشرح ويرفعنا به إلى المحل الأسنى
86

انه على كل شئ قدير * (قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
* (كتاب الصوم) *
كذا للأكثر وفى رواية النسفي كتاب الصيام وثبتت البسملة للجميع والصوم والصيام في اللغة
الامساك وفى الشرع امساك مخصوص في زمن مخصوص عن شئ مخصوص بشرائط مخصوصة
وقال صاحب المحكم الصوم ترك الطعام والشراب والنكاح والكلام يقال صام صوما وصياما
ورجل صائم وصوم وقال الراغب الصوم في الأصل الامساك عن الفعل ولذلك قيل للفرس
الممسك عن السير صائم وفى الشرع امساك المكلف بالنية عن تناول المطعم والمشرب والاستمناء
والاستقاء من الفجر إلى المغرب * (قوله باب وجوب صوم رمضان) كذا للأكثر وللنسفي
باب وجوب رمضان وفضله وقد ذكر أبو الخير الطالقاني في كتابه حظائر القدس لرمضان ستين
اسما وذكر بعض الصوفية ان آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة ثم تاب تأخر قبول توبته
مما بقى في جسده من تلك الأكلة ثلاثين يوما فلما صفا جسده منها تيب عليه ففرض على ذريته صيام
ثلاثين يوما وهذا يحتاج إلى ثبوت السند فيه إلى من يقبل قوله في ذلك وهيهات وجدان ذلك
(قوله وقول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام الآية) أشار بذلك إلى مبدأ فرض
الصيام وكأنه لم يثبت عنده على شرطه فيه شئ فأورد ما يشير إلى المراد فإنه ذكر فيه ثلاثة أحاديث
حديث طلحة الدال على أنه لا فرض الا رمضان وحديث ابن عمر وعائشة المتضمن الامر بصيام
عاشوراء وكان المصنف أشار إلى أن الامر في روايتهما محمول على الندب بدليل حصر الفرض
في رمضان وهو ظاهر الآية لأنه تعالى قال كتب عليكم الصيام ثم بينه فقال شهر رمضان وقد
اختلف السلف هل فرض على الناس صيام قبل رمضان أو لا فالجمهور وهو المشهور عند الشافعية
انه لم يجب قط صوم قبل صوم رمضان وفى وجه وهو قول الحنفية أول ما فرض صيام عاشوراء فلما
نزل رمضان نسخ فمن أدلة الشافعية حديث معاوية مرفوعا لم يكتب الله عليكم صيامه وسيأتى
في أواخر الصيام ومن أدلة الحنفية ظاهر حديثي ابن عمر وعائشة المذكورين في هذا الباب
بلفظ الامر وحديث الربيع بنت معوذ الآتي وهو أيضا عند مسلم من أصبح صائما فليتم صومه
قالت فلم نزل نصومه ونصوم صبياننا وهم صغار الحديث وحديث مسلمة مرفوعا من اكل فليصم
بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم الحديث وبنوا على هذا الخلاف هل يشترط في صحة الصوم
الواجب نية من الليل أو لا وسيأتى البحث فيه بعد عشرين بابا وقد تقدم الكلام على حديث طلحة
في كتاب الايمان وقوله فيه عن أبيه هو مالك بن أبي عامر جد مالك بن أنس الامام وقوله عن طلحة
قال الدمياطي في سماعه من طلحة نظر وتعقب بأنه ثبت سماعه من عمر فكيف يكون في سماعه
من طلحة نظر وقد تقدم في كتاب الايمان في هذا الحديث ما يدل على أنه سمع منهما جميعا وسيأتى
الكلام على حديثي ابن عمر وعائشة في أواخر الصيام إن شاء الله تعالى * (قوله باب
فضل الصوم) ذكر فيه حديث أبي هريرة من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عنه وهو
87

مشتمل على حديثين أفردهما مالك في الموطأ فمن أوله إلى قوله الصيام جنة حديث ومن ثم
إلى آخره حديث وجمعهما عنه هكذا القعنبي وعنه رواه البخاري هنا ووقع عن غير القعنبي من
رواة الموطأ زيادة في آخر الثاني وهى بعد قوله وأنا أجزى به والحسنة بعشر أمثالها زادوا إلى
سبعمائة ضعف الا الصيام فهو لي وأنا أجزى به وقد أخرج البخاري هذا الحديث بعد أبواب من
طريق أبى صالح عن أبي هريرة وبين في أوله انه من قول الله عز وجل كما سأبينه (قوله الصيام
جنة) زاد سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد جنة من النار وللنسائي من
حديث عائشة مثله وله من حديث عثمان بن أبي العاص الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال
ولأحمد من طريق أبى يونس عن أبي هريرة جنة وحصن حصين من النار وله من حديث أبي
عبيدة بن الجراح الصيام جنة ما لم يخرقها زاد الدارمي بالغيبة وبذلك ترجم له هو وأبو داود والجنة
بضم الجيم الوقاية والستر وقد تبين بهذه الروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار وبهذا جزم
ابن عبد البر وأما صاحب النهاية فقال معنى كونه جنة أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات
وقال القرطبي جنة أي سترة يعنى بحسب مشروعيته فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص
ثوابه واليه الإشارة بقوله فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث إلى آخره ويصح أن يراد أنه سترة
بحسب فائدته وهو اضعاف شهوات النفس واليه الإشارة بقوله يدع شهوته إلى آخره ويصح أن
يراد أنه سترة بحسب ما يحصل من الثواب وتضعيف الحسنات وقال عياض في الاكمال معناه سترة
من الآثام أو من النار أو من جميع ذلك وبالأخير جزم النووي وقال ابن العربي انما كان الصوم
جنة من النار لأنه امساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات فالحاصل أنه إذا كف نفسه
عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترا له من النار في الآخرة وفى زيادة أبى عبيدة بن الجراح
إشارة إلى أن الغيبة تضر بالصيام وقد حكى عن عائشة وبه قال الأوزاعي أن الغيبة تفطر
الصائم وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم وأفرط ابن حزم فقال يبطله كل معصية من متعمد لها
ذاكر لصومه سواء كانت فعلا أو قولا لعموم قوله فلا يرفث ولا يجهل ولقوله في الحديث الآتي
بعد أبواب من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه والجمهور
وان حملوا النهى عن التحريم الا أنهم خصوا الفطر بالاكل والشرب والجماع وأشار ابن عبد البر
إلى ترجيح الصيام على غيره من العبادات فقال حسبك بكون الصيام جنة من النار فضلا وروى
النسائي بسند صحيح عن أبي أمامة قال قلت يا رسول الله مرني بأمر آخذه عنك قال عليك
بالصوم فإنه لا مثل له وفى رواية لا عدل له والمشهور عند الجمهور ترجيح الصلاة (قوله فلا
يرفث) أي الصائم كذا وقع مختصرا وفى الموطأ الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائما
فلا يرفث الخ ويرفث بالضم والكسر ويجوز في ماضيه التثليث والمراد بالرفث هنا وهو بفتح
الراء والفاء ثم المثلثة الكلام الفاحش وهو يطلق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره
مع النساء أو مطلقا ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها (قوله ولا يجهل) أي لا يفعل شيئا من أفعال
أهل الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك ولسعيد بن منصور من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه
فلا يرفث ولا يجادل قال القرطبي لا يفهم من هذا ان غير يوم الصوم يباح فيه ما ذكر وانما المراد
أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم (قوله وان امرؤ) بتخفيف النون (قاتله أو شاتمه) وفى رواية
88

صالح فان سابه أحد أو قاتله ولأبى قرة من طريق سهيل عن أبيه وان شتمه انسان فلا يكلمه
ونحوه في رواية هشام عن أبي هريرة عند أحمد ولسعيد بن منصور من طريق سهيل فان سابه
أحد أو ماراه أي جادله ولابن خزيمة من طريق عجلان مولى المشمعل عن أبي هريرة فان سابك أحد
فقل انى صائم وان كنت قائما فاجلس ولأحمد والترمذي من طريق ابن المسيب عن أبي هريرة
فان جهل على أحدكم جاهل وهو صائم وللنسائي من حديث عائشة وان امرؤ جهل عليه فلا
يشتمه ولا يسبه واتفق الروايات كلها على أنه يقول انى صائم فمنهم من ذكرها مرتين ومنهم من
اقتصر على واحدة وقد استشكل ظاهره بان المفاعلة تقتضى وقوع الفعل من الجانبين
والصائم لا تصدر منه الافعال التي رتب عليها الجواب خصوصا المقاتلة والجواب عن ذلك ان
المراد بالمفاعلة التهيؤ لها أي ان تهيأ أحد لمقاتلته أو مشاتمته فليقل انى صائم فإنه إذا قال ذلك
أمكن ان يكف عنه فان أصر دفعه بالأخف فالأخف كالصائل هذا فيمن يروم مقاتلته حقيقة
فإن كان المراد بقوله قاتله شاتمة لان القتل يطلق على اللعن واللعن من جملة السب ويؤيده
ما ذكرت من الألفاظ المختلفة فان حاصلها يرجع إلى الشتم فالمراد من الحديث انه لا يعامله بمثل
عمله بل يقتصر على قوله انى صائم واختلف في المراد بقوله فليقل انى صائم هل يخاطب بها الذي
يكلمه بذلك أو يقولها في نفسه وبالثاني جزم المتولى ونقله الرافعي عن الأئمة ورجع النووي الأول
في الاذكار وقال في شرح المهذب كل منهما حسن والقول باللسان أقوى ولو جمعهما لكان
حسنا ولهذا التردد أتى البخاري في ترجمته كما سيأتي بعد أبواب بالاستفهام فقال باب هل يقول انى
صائم إذا شتم وقال الروياني إن كان رمضان فليقل بلسانه وإن كان غيره فليقله في نفسه وادعى
ابن العربي أن موضع الخلاف في التطوع وأما في الفرض فيقوله بلسانه قطعا وأما تكرير
قوله انى صائم فليتأكد الانزجار منه أو ممن يحاطبه بذلك ونقل الزركشي أن المراد بقوله فليقل
انى صائم مرتين يقوله مرة بقلبه ومرة بلسانه فيستفيد بقوله بقلبه كف لسانه عن خصمه
وبقوله بلسانه كف خصمه عنه وتعقب بان القول حقيقة باللسان وأجيب بأنه لا يمنع المجاز
وقوله قاتله يمكن حمله على ظاهره ويمكن أن يراد بالقتل لعن يرجع إلى معنى الشتم ولا يمكن حمل
قاتله وشاتمه على المفاعلة لان الصائم مأمور بان يكف نفسه عن ذلك فكيف يقع ذلك منه وانما
المعنى إذا جاءه متعرضا لمقاتلته أو مشاتمته كأن يبدأه بقتل أو شتم اقتضت العادة أن يكافئه عليه
فالمراد بالمفاعلة إرادة غير الصائم ذلك من الصائم وقد تطلق المفاعلة على التهيئ لها ولو وقع الفعل
من واحد وقد تقع المفاعلة بفعل الواحد كما يقال لواحد عالج الامر وعافاه الله وأبعد من حمله
على ظاهره فقال المراد إذا بدرت من الصائم مقابلة الشتم بشتم على مقتضى الطبع فلينزجر عن
ذلك ويقول انى صائم ومما يبعده قوله في الرواية الماضية فان شتمه والله أعلم وفائدة قوله انى صائم
أنه يمكن ان يكف عنه بذلك فان أصر دفعه بالأخف فالأخف كالصائل هذا فيمن يروم مقاتلته
حقيقة فإن كان المراد بقوله قاتله شاتمه فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله بل يقتصر على
قوله انى صائم (قوله والذي نفسي بيده) أقسم على ذلك تأكيدا (قوله لخلوف) بضم المعجمة
واللام وسكون الواو بعدها فاء قال عياض هذه الرواية الصحيحة وبعض الشيوخ يقوله بفتح
الخاء قال الخطابي وهو خطأ وحكى القابسي الوجهين وبالغ النووي في شرح المهذب فقال
89

لا يجوز فتح الخاء واحتج غيره لذلك بان المصادر التي جاءت على فعول بفتح أوله قليلة ذكرها سيبويه
وغيره وليس هذا منها واتفقوا على أن المراد به تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام (قوله فم
الصائم) فيه رد على من قال لا تثبت الميم في الفم عند الإضافة الا في ضرورة الشعر لثبوته في هذا
الحديث الصحيح وغيره (قوله أطيب عند الله من ريح المسك) اختلف في كون الخلوف أطيب
عند الله من ريح المسك مع أنه سبحانه وتعالى منزه عن استطابة الروائح إذ ذاك من صفات
الحيوان ومع أنه يعلم الشئ على ما هو عليه على أوجه قال المازري هو مجاز لأنه جرت العادة
بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من الله فالمعنى أنه أطيب عند الله من
ريح المسك عندكم أي يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم والى ذلك أشار ابن عبد البر وقيل
المراد أن ذلك في حق الملائكة وانهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر ما تستطيبون ريح المسك
وقيل المعنى أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ضد ما هو عندكم وهو قريب من الأول وقيل
المراد ان الله تعالى يجزيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي المكلوم وريح
جرحه تفوح مسكا وقيل المراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك لا سيما
بالإضافة إلى الخلوف حكاهما عياض وقال الداودي وجماعة المعنى أن الخلوف أكثر ثوابا من
المسك المندوب إليه في الجمع ومجالس الذكر ورجح النووي هذا الأخير وحاصله حمل معنى
الطيب على القبول والرضا فحصلنا على ستة أوجه وقد نقل القاضي حسين في تعليقه أن
للطاعات يوم القيامة ريحا تفوح قال فرائحة الصيام فيها بين العبادات كالمسك ويؤيد الثلاثة
الأخيرة قوله في رواية مسلم وأحمد والنسائي من طريق عطاء عن أبي صالح أطيب عند الله يوم
القيامة وأخرج أحمد هذه الزيادة من حديث بشير بن الخصاصية وقد ترجم ابن حبان بذلك في
صحيحه ثم قال ذكر البيان بان ذلك قد يكون في الدنيا ثم أخرج الرواية التي فيها فم الصائم حين
يخلف من الطعام وهى عنده وعند أحمد من طريق الأعمش عن أبي صالح ويمكن أن يحمل قوله
حين يخلف على أنه ظرف لوجود الخلوف المشهود له بالطيب فيكون سببا للطيب في الحال الثاني
فيوافق الرواية الأولى وهى قوله يوم القيامة لكن يؤيد ظاهره وان المراد به في الدنيا ما روى
الحسن بن سفيان في مسنده والبيهقي في الشعب من حديث جابر في أثناء حديث مرفوع في فضل
هذه الأمة في رمضان وأما الثانية فان خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح
المسك قال المنذري اسناده مقارب وهذه المسئلة إحدى المسائل التي تنازع فيها ابن عبد
السلام وابن الصلاح فذهب ابن عبد السلام إلى أن ذلك في الآخرة كما في دم الشهيد واستدل
بالرواية التي فيها يوم القيامة وذهب ابن الصلاح إلى أن ذلك في الدنيا واستدل بما تقدم وان
جمهور العلماء ذهبوا إلى ذلك فقال الخطابي طيبه عند الله رضاه به وثناؤه عليه وقال ابن عبد البر
أزكى عند الله وأقرب إليه وقال البغوي معناه الثناء على الصائم والرضا بفعله وبنحو ذلك قال
القدوري من الحنفية والداودي وابن العربي من المالكية وأبو عثمان الصابوني وأبو بكر بن
السمعاني وغيرهم من الشافعية جزموا كلهم بأنه عبارة عن الرضا والقبول وأما ذكر يوم القيامة
في تلك الرواية فلانه يوم الجزاء وفيه يظهر رجحان الخلوف في الميزان على المسك المستعمل لدفع
الرائحة الكريهة طلبا لرضا الله تعالى حيث يؤمر باجتنابها فقيده بيوم القيامة في رواية وأطلق
90

في باقي الروايات نظرا إلى أن أصل أفضليته ثابت في الدارين وهو كقوله ان ربهم بهم يومئذ
لخبير وهو خبير بهم في كل يوم انتهى ويترتب على هذا الخلاف المشهور في كراهة إزالة هذا
الخلوف بالسواك وسيأتى البحث فيه بعد بضعة وعشرين بابا حيث ترجم له المصنف إن شاء الله
تعالى ويؤخذ من قوله أطيب من ريح المسك أن الخلوف أعظم من دم الشهادة لان دم الشهيد
شبه ريحه بريح المسك والخلوف وصف بأنه أطيب ولا يلزم من ذلك ان يكون الصيام أفضل
من الشهادة لما لا يخفى ولعل سبب ذلك النظر إلى أصل كل منهما فان أصل الخلوف طاهر وأصل
الدم بخلافه فكان ما أصله طاهر أطيب ريحا (قوله يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلى)
هكذا وقع هنا ووقع في الموطأ وانما يذر شهوته إلى آخره ولم يصرح بنسبته إلى الله للعلم به وعدم
الاشكال فيه وقد روى أحمد هذا الحديث عن إسحاق بن الطباع عن مالك فقال بعد قوله من
ريح المسك يقول الله عز وجل انما يذر شهوته إلى آخره وكذلك رواه سعيد بن منصور عن مغيرة
ابن عبد الرحمن عن أبي الزناد فقال في أول الحديث يقول الله عز وجل كل عمل ابن آدم هو له الا
الصيام فهو لي وانا أجزى به وانما يذر ابن آدم شهوته وطعامه من أجلى لحديث وسيأتى قريبا
من طريق عطاء عن أبي صالح بلفظ قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له الحديث ويأتي في
التوحيد من طريق الأعمش عن أبي صالح بلفظ يقول الله عز وجل الصوم لي وأنا أجزى به
الحديث وقد يفهم من الاتيان بصيغة الحصر في قوله انما يذر الخ التنبيه على الجهة التي بها
يستحق الصائم ذلك وهو الاخلاص الخاص به حتى لو كان ترك المذكورات لغرض آخر كالتخمة
لا يحصل للصائم الفضل المذكور لكن المدار في هذه الأشياء على الداعي القوى الذي يدور معه
الفعل وجودا وعدما ولا شك أن من لم يعرض في خاطره شهوة شئ من الأشياء طول نهاره إلى أن
أفطر ليس هو في الفضل كمن عرض له ذلك فجاهد نفسه في تركه والمراد بالشهوة في الحديث شهوة
الجماع لعطفها على الطعام والشراب ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص ووقع في رواية
الموطأ بتقديم الشهوة عليها فيكون من الخاص بعد العام ومثله حديث أبي صالح في التوحيد
وكذا جمهور الرواة عن أبي هريرة وفى رواية ابن خزيمة من طريق سهيل عن أبي صالح عن أبيه
يدع الطعام والشراب من أجلى ويدع لذته من أجلى وفى رواية أبى قرة من هذا الوجه يدع
امرأته وشهوته وطعامه وشرابه من أجلي وأصرح من ذلك ما وقع عند الحافظ سمويه في
فوائده من طريق المسيب بن رافع عن أبي صالح يترك شهوته من الطعام والشراب والجماع من
أجلى (قوله الصيام لي وانا أجزى به) كذا وقع بغير أداة عطف ولا غيرها وفى الموطأ فالصيام
بزيادة الفاء وهى للسببية أي سبب كونه لي أنه يترك شهوته لأجلي ووقع في رواية مغيرة عن أبي
الزناد عند سعيد بن منصور كل عمل ابن آدم له الا الصيام فإنه لي وانا أجزى به ومثله في رواية عطاء
عن أبي صالح الآتية وقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى الصيام لي وانا أجزى به مع أن
الأعمال كلها له وهو الذي يجزى بها على أقوال أحدها ان الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره
حكاه المازري ونقله عياض عن أبي عبيد ولفظ أبى عبيد في غريبه قد علمنا أن أعمال البر كلها لله
وهو الذي يجزى بها فنرى والله أعلم انه انما خص الصيام لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وانما
هو شئ في القلب ويؤيد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم ليس في الصيام رياء حدثنيه شبابة
91

عن عقيل عن الزهري فذكره يعنى مرسلا قال وذلك لان الأعمال لا تكون الا بالحركات
الا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى عن الناس هذا وجه الحديث عندي انتهى وقد روى الحديث
المذكور البيهقي في الشعب من طريق عقيل وأورده من وجه آخر عن الزهري موصولا عن أبي
سلمة عن أبي هريرة واسناده ضعيف ولفظه الصيام لا رياء فيه قال الله عز وجل هو لي وأنا
أجزى به وهذا لو صح لكان قاطعا للنزاع وقال القرطبي لما كانت الأعمال يدخلها الرياء والصوم
لا يطلع عليه بمجرد فعله الا الله فأضافه الله إلى نفسه ولهذا قال في الحديث يدع شهوته من أجلى
وقال ابن الجوزي جميع العبادات تظهر بفعلها وقل أن يسلم ما يظهر من شوب بخلاف الصوم
وارتضى هذا الجواب المازري وقرره القرطبي بأن أعمال بني آدم لما كانت يمكن دخول الرياء
فيها أضيفت إليهم بخلاف الصوم فان حال الممسك شبعا مثل حال الممسك تقربا يعنى في الصورة
الظاهرة قلت معنى النفي في قوله لا رياء في الصوم أنه لا يدخله الرياء بفعله وإن كان قد يدخله الرياء
بالقول كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم فقد يدخله الرياء من هذه الحيثية فدخول الرياء في الصوم
انما يقع من جهة الاخبار بخلاف بقية الأعمال فان الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها وقد حاول بعض
الأئمة الحاق شئ من العبادات البدنية بالصوم فقال إن الذكر بلا إله إلا الله يمكن أن لا يدخله
الرياء لأنه بحركة اللسان خاصة دون غيره من أعضاء الفم فيمكن الذاكر أن يقولها بحضرة الناس
ولا يشعرون منه بذلك ثانيها أن المراد بقوله وأنا أجزى به انى أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف
حسناته وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس قال القرطبي معناه أن الأعمال
قد كشفت مقادير ثوابها للناس وانها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله الا الصيام
فان الله يثيب عليه بغير تقدير ويشهد لهذا السياق الرواية الأخرى يعنى رواية الموطأ وكذلك
رواية الأعمش عن أبي صالح حيث قال كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى
سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله قال الله الا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به أي أجازى عليه جزاء كثيرا
من غير تعيين لمقداره وهذا كقوله تعالى انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب انتهى
والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال (قلت) وسبق إلى هذا أبو عبيد في غريبه فقال بلغني عن
ابن عيينة أنه قال ذلك واستدل له بان الصوم هو الصبر لان الصائم يصبر نفسه عن الشهوات وقد
قال الله تعالى انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب انتهى ويشهد رواية المسيب بن رافع عن أبي
صالح عند سمويه إلى سبعمائة ضعف الا الصوم فإنه لا يدرى أحد ما فيه ويشهد له أيضا ما رواه
ابن وهب في جامعه عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده زيد مرسلا ووصله الطبراني
والبيهقي في الشعب من طريق أخرى عن عمر بن محمد عن عبد الله بن مينار عن ابن عمر مرفوعا
الأعمال عند الله سبع الحديث وفيه وعمل لا يعلم ثواب عامله الا الله ثم قال وأما العمل الذي لا يعلم
ثواب عامله الا الله فالصيام ثم قال القرطبي هذا القول ظاهر الحسن قال غير أنه تقدم ويأتي في
غير ما حديث أن صوم اليوم بعشرة أيام وهى نص في اظهار التضعيف فبعد هذا الجواب بل بطل
(قلت) لا يلزم من الذي ذكر بطلانه بل المراد بما أورده أن صيام اليوم الواحد يكتب بعشرة أيام
واما مقدار ثواب ذلك فلا يعلمه الا الله تعالى ويؤيده أيضا العرف المستفاد من قوله أنا أجزى به
لان الكريم إذا قال أنا أتولى الاعطاء بنفسي كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه
92

* ثالثها معنى قوله الصوم لي أي أنه أحب العبادات إلى والمقدم عندي وقد تقدم قول ابن
عبد البر كفى بقوله الصوم لي فضلا للصيام على سائر العبادات وروى النسائي وغيره من حديث أبي أمامة
مرفوعا عليك بالصوم فإنه لا مثل له لكن يعكر على هذا الحديث الصحيح واعلموا أن خير
أعمالكم الصلاة * رابعها الإضافة إضافة تشريف وتعظيم كما يقال بيت الله وإن كانت البيوت
كلها لله قال الزين بن المنير التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه الا
التعظيم والتشريف * خامسها ان الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب
جل جلاله فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه وقال القرطبي معناه ان أعمال
العباد مناسبة لأحوالهم الا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق كأنه يقول إن الصائم
يتقرب إلى بأمر هو متعلق بصفة من صفاتي * سادسها ان المعنى كذلك لكن بالنسبة إلى
الملائكة لان ذلك من صفاتهم * سابعها انه خالص لله وليس للعبد فيه حظ قاله الخطابي هكذا نقله
عياض وغيره فان أراد بالحظ ما يحصل من الثناء عليه لأجل العبادة رجع إلى المعنى الأول وقد
أفصح بذلك ابن الجوزي فقال المعنى ليس لنفس الصائم فيه حظ بخلاف غيره فان له فيه حظا لثناء
الناس عليه لعبادته * ثامنها سبب الإضافة إلى الله ان الصيام لم يعبد به غير الله بخلاف الصلاة
والصدقة والطواف ونحو ذلك واعترض على هذا بما يقع من عباد النجوم وأصحاب الهياكل
والاستخدامات فإنهم يتعبدون لها بالصيام وأجيب بأنهم لا يعتقدون الهية الكواكب وانما
يعتقدون انها فعالة بأنفسها وهذا الجواب عندي ليس بطائل لانهم طائفتان إحداهما كانت
تعتقد الهية الكواكب وهم من كان قبل ظهور الاسلام واستمر منهم من استمر على كفره
والاخرى من دخل منهم في الاسلام واستمر على تعظيم الكواكب وهو الذين أشير إليهم
* تاسعها ان جميع العبادات توفى منها مظالم العباد الا الصيام روى ذلك البيهقي من طريق
إسحاق بن أيوب بن حسان الواسطي عن أبيه عن ابن عيينة قال إذا كان يوم القيامة يحاسب
الله عبده ويؤدى ما عليه من المظالم من عمله حتى لا يبقى له الا الصوم فيتحمل الله ما بقي عليه من
المظالم ويدخله بالصوم الجنة قال القرطبي قد كنت استحسنت هذا الجواب إلى أن فكرت في
حديث المقاصة فوجدت فيه ذكر الصوم في جملة الأعمال حيث قال المفلس الذي يأتي يوم
القيامة بصلاة وصدقة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا الحديث وفيه
فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه أخذ من
سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار فظاهره أن الصيام مشترك مع بقية الأعمال في ذلك
(قلت) ان ثبت قول ابن عيينة أمكن تخصيص الصيام من ذلك فقد يستدل له بما رواه أحمد من
طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رفعه كل العمل كفارة الا الصوم الصوم لي وأنا
أجزى به وكذا رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن محمد بن زياد ولفظه قال ربكم
تبارك وتعالى كل العمل كفارة الا الصوم ورواه قاسم بن أصبغ من طريق أخرى عن شعبة
بلفظ كل ما يعمله ابن آدم كفارة له الا الصوم وقد أخرجه المصنف في التوحيد عن آدم عن شعبة
بلفظ يرويه عن ربكم قال لكل عمل كفارة والصوم لي وأنا أجزى به فحذف الاستثناء وكذا رواه
أحمد عن غندر عن شعبة لكن قال كل العمل كفارة وهذا يخالف رواية آدم لان معناها ان لكل
93

عمل من المعاصي كفارة من الطاعات ومعنى رواية غندر كل عمل من الطاعات كفارة للمعاصي
وقد بين الإسماعيلي الاختلاف فيه في ذلك على شعبة وأخرجه من طريق غندر بذكر الاستثناء
فاختلف فيه أيضا على غندر والاستثناء المذكور يشهد لما ذهب إليه ابن عيينة لكنه وإن كان
صحيح السند فإنه يعارضه حديث حذيفة فتنة الرجل في أهله وماله وولده يكفرها الصلاة
والصيام والصدقة ولعل هذا هو السر في تعقيب البخاري لحديث الباب بباب الصوم كفارة
وأورد فيه حديث حذيفة وسأذكر وجه الجمع بينهما في الكلام على الباب الذي يليه إن شاء الله
تعالى * عاشرها ان الصوم لا يظهر فتكتبه الحفظة كما تكتب سائر الأعمال واستند قائله
إلى حديث واه جدا أورده ابن العربي في المسلسلات ولفظه قال الله الاخلاص سر من سرى
استودعته قلب من أحب لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ويكفى في رد هذا القول
الحديث الصحيح في كتابة الحسنة لمن هم بها وان لم يعملها فهذا ما وقفت عليه من الأجوبة وقد
بلغني ان بعض العلماء بلغها إلى أكثر من هذا وهو الطالقاني في حظائر القدس له ولم أقف عليه
واتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا ونقل ابن العربي
عن بعض الزهاد انه مخصوص بصيام خواص الخواص فقال إن الصوم على أربعة أنواع صيام
العوام وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع وصيام خواص العوام وهو هذا مع اجتناب
المحرمات من قول أو فعل وصيام الخواص وهو الصوم عن غير ذكر الله وعبادته وصيام خواص
الخواص وهو الصوم عن غير الله فلا فطر لهم إلى يوم القيامة وهذا مقام عال لكن في حصر المراد
من الحديث في هذا النوع نظر لا يخفى وأقرب الأجوبة التي ذكرتها إلى الصواب الأول والثاني
ويقرب منهما الثامن والتاسع وقال البيضاوي في الكلام على رواية الأعمش عن أبي صالح التي
بينتها قبل لما أراد بالعمل الحسنات وضع الحسنة في الخبر موضع الضمير الراجع إلى المبتدا وقوله
الا الصيام مستثنى من كلام غير محكى دل عليه ما قبله والمعنى ان الحسنات يضاعف جزاؤها من
عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف الا الصوم فلا يضاعف إلى هذا القدر بل ثوابه لا يقدر قدره ولا
يحصيه الا الله تعالى ولذلك يتولى الله جزاءه بنفسه ولا يكله إلى غيره قال والسبب في اختصاص
الصوم بهذه المزية أمران أحدهما ان سائر العبادات مما يطلع العباد عليه والصوم سر بين
العبد وبين الله تعالى يفعله خالصا له ويعامله به طالبا لرضاه والى ذلك الإشارة بقوله فإنه لي
والآخر أن سائر الحسنات راجعة إلى صرف المال أو استعمال البدن والصوم يتضمن كسر
النفس وتعريض البدن للنقصان وفيه الصبر على مضض الجوع والعطش وترك الشهوات
والى ذلك أشار بقوله يدع شهوته من أجلى قال الطيبى وبيان هذا ان قوله يدع شهوته إلى آخره
جملة مستأنفة وقعت موقع البيان لموجب الحكم المذكور وأما قول البيضاوي ان الاستثناء
من كلام غير محكى ففيه نظر فقد يقال هو مستثنى من كل عمل وهو مروى عن الله لقوله في أثناء
الحديث قال الله تعالى ولما لم يذكره في صدر الكلام أورده في أثنائه بيانا وفائدته تفخيم شأن
الكلام وانه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى (قوله والحسنة بعشرة أمثالها) كذا وقع
مختصرا عند البخاري وقد تقدمت البيان بأنه وقع في الموطأ تاما وقد رواه أبو نعيم في المستخرج من
طريق القعنبي شيخ البخاري فيه فقال بعد قوله وأنا أجزى به كل حسنة يعملها ابن آدم بعشر
94

أمثالها إلى سبعمائة ضعف الا الصيام فإنه لي وأنا أجزى به فأعاد قوله وأنا أجزى به في آخر الكلام
تأكيدا وفيه إشارة إلى الوجه الثاني ووقع في رواية أبى صالح عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث
للصائم فرحتان يفرحهما الحديث وسيأتى الكلام عليه بعد ستة أبواب إن شاء الله تعالى
* (قوله باب الصوم كفارة) كذا لأبي ذر والجمهور بتنوين باب أي الصوم يقع كفارة
للذنوب ورأيته هنا بخط القطب في شرحه باب كفارة الصوم أي باب تكفير الصوم للذنوب وقد
تقدم في أثناء الصلاة باب الصلاة كفارة وللمستملى باب تكفير الصلاة وأورد فيه حديث الباب
بعينه من وجه آخر عن أبي وائل وقد تقدم طرف من الكلام على الحديث ويأتي شرحه مستوفى
في علامات النبوة إن شاء الله تعالى وفيه ما ترجم له لكن أطلق في الترجمة والخبر مقيد بفتنة المال
وما ذكر معه فقد يقال لا يعارض الحديث السابق في الباب قبله وهو كون الأعمال كفارة الا
الصوم لأنه يحمل في الاثبات على كفارة شئ مخصوص وفى النفي على كفارة شئ آخر وقد حمله
المصنف في موضع آخر على تكفير مطلق الخطيئة فقال في الزكاة باب الصدقة تكفر الخطيئة ثم
أورد هذا الحديث بعينه ويؤيد الاطلاق ما ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة أيضا مرفوعا
الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر وقد تقدم البحث
فيه في الصلاة ولابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا من صام رمضان وعرف
حدوده كفر ما قبله ولمسلم من حديث أبي قتادة ان صيام عرفة يكفر سنتين وصيام عاشوراء يكفر
سنة وعلى هذا فقوله كل العمل كفارة الا الصيام يحتمل ان يكون المراد الا الصيام فإنه كفارة وزيادة
ثواب على الكفارة ويكون المراد بالصيام الذي هذا شأنه ما وقع خالصا سالما من الرياء والشوائب
كما تقدم شرحه والله أعلم * (قوله باب) بالتنوين (الريان) بفتح الراء وتشديد التحتانية
وزن فعلان من الري اسم علم على باب من أبواب الجنة يختص بدخول الصائمين منه وهو مما
وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه لأنه مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائمين وسيأتى ان
من دخله لم يظمأ قال القرطبي اكتفى بذكر الري عن الشبع لأنه يدل عليه من حيث إنه يستلزمه
(قلت) أو لكونه أشق على الصائم من الجوع (قوله حدثني أبو حازم) هو ابن دينار وسهل هو ابن
سعد الساعدي (قوله إن في الجنة بابا) قال الزين بن المنير انما قال في الجنة ولم يقل للجنة ليشعر
بان في الباب المذكور من النعيم والراحة في الجنة فيكون أبلغ في التشوق إليه (قلت) وقد جاء
الحديث من وجه آخر بلفظ ان للجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخله الا الصائمون
أخرجه هكذا الجوزقي من طريق أبى غسان عن أبي حازم وهو للبخاري من هذا الوجه في بدء
الخلق لكن قال في الجنة ثمانية أبواب (قوله فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد) كرر نفى
دخول غيرهم منه تأكيدا وأما قوله فلم يدخل فهو معطوف على أغلق أي لم يدخل منه غير من
دخل ووقع عند مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد شيخ البخاري فيه فإذا دخل آخرهم
أغلق هكذا في بعض النسخ من مسلم وفى الكثير منها فإذا دخل أولهم أغلق قال عياض وغيره
هو وهم والصواب آخرهم (قلت) وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده وأبو نعيم في مستخرجيه
معا من طريقه وكذا أخرجه الإسماعيلي والجوزقي من طرق عن خالد بن مخلد وكذا أخرجه
النسائي وابن خزيمة من طريق سعيد بن عبد الرحمن وغيره وزاد فيه من دخل شرب ومن شرب
95

لا يظمأ ابدا وللترمذي من طريق هشام بن سعد عن أبي حازم نحوه وزاد ومن دخله لم يظمأ ابدا
ونحوه للنسائي والإسماعيلي من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه لكنه وقفه وهو
مرفوع قطعا لان مثله لا مجال للرأي فيه (قوله عن حميد بن عبد الرحمن) في رواية شعيب
عن الزهري الآتية في فضل أبى بكر أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف (قوله عن أبي هريرة)
قال ابن عبد البر اتفق الرواة عن مالك على وصله الا يحيى بن بكير وعبد الله بن يوسف فإنهما
أرسلاه ولم يقع عند القعنبي أصلا (قلت) هذا أخرجه الدارقطني في الموطآت من طريق يحيى
ابن بكير موصولا فلعله اختلف عليه فيه وأخرجه أيضا من طريق القعنبي فلعله حدث به خارج
الموطأ (قوله من أنفق زوجين في سبيل الله) زاد إسماعيل القاضي عن أبي مصعب عن مالك من
ماله واختلف في المراد بقوله في سبيل الله فقيل أراد الجهاد وقيل ما هو أعم منه والمراد بالزوجين
انفاق شيئين من أي صنف من أصناف المال من نوع واحد كما سيأتي ايضاحه وقوله هذا خير
ليس اسم التفضيل بل المعنى هذا خير من الخيرات والتنوين فيه للتعظيم وبه تظهر الفائدة
(قوله ومن كان من أهل الصيام دعى من باب الريان) في رواية محمد بن عمرو عن الزهري عند أحمد
لكل أهل عمل باب يدعون منه بذلك العمل فلاهل الصيام باب يدعون منه يقال له الريان وهذا
صريح في مقصود الترجمة وسيأتى الكلام على هذا الحديث مستوفى في فضائل أبى بكر إن شاء الله
تعالى * (قوله باب هل يقال) كذا للأكثر على البناء للمجهول وللسرخسي
والمستملى هل يقول أي الانسان (قوله 3 ومن رأى كله واسعا) أي جائرا بالإضافة وبغير الإضافة
وللكشميهني ومن رآه بزيادة الضمير وأشار البخاري بهذه الترجمة إلى حديث ضعيف رواه أبو
معشر نجيح المدني عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا لا تقولوا رمضان فان رمضان اسم من
أسماء الله ولكن قولوا شهر رمضان أخرجه ابن عدي في الكامل وضعفه بأبي معشر قال البيهقي
قد روى عن أبي معشر عن محمد بن كعب وهو أشبه وروى عن مجاهد والحسن من طريقين
ضعيفين وقد احتج البخاري لجواز ذلك بعدة أحاديث انتهى وقد ترجم النسائي لذلك أيضا فقال
باب الرخصة في أن يقال لشهر رمضان رمضان ثم أورد حديث أبي بكرة مرفوعا لا يقولن أحدكم
صمت رمضان ولأقمته كله وحديث ابن عباس عمرة في رمضان تعدل حجة وقد يتمسك للتقييد
بالشهر بورود القرآن به حيث قال شهر رمضان مع احتمال ان يكون حذف لفظ شهر من
الأحاديث من تصرف الرواة وكان هذا هو السر في عدم جزم المصنف بالحكم ونقل عن أصحاب
مالك الكراهية وعن ابن الباقلاني منهم وكثير من الشافعية إن كان هناك قرينة تصرفه إلى
الشهر فلا يكره والجمهور على الجواز واختلف في تسمية هذا الشهر رمضان فقيل لأنه ترمض
فيه الذنوب أي تحرق لان الرمضاء شدة الحر وقيل وافق ابتداء الصوم فيه زمنا حارا والله أعلم
(قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم من صام رمضان وقال لا تقدموا رمضان) أما الحديث
الأول فوصله في الباب الذي يليه وفيه تمامه وأما الثاني فوصله بعد ذلك من طريق هشام عن
يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ لا يتقدمن أحدكم وأخرجه مسلم من طريق علي بن المبارك
عن يحيى بلفظ لا تقدموا رمضان (قوله عن أبي سهيل) هو نافع بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن
الحارث بن أبي غيمان بالغين المعجمة والتحتانية الأصبحي عم مالك بن أنس بن مالك وأبوه تابعي كبير
96

أدرك عمر (قوله إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة) كذا أخرجه مختصرا وقد أخرجه مسلم
والنسائي من هذا الوجه بتمامه مثل رواية الزهري الثانية والظاهر أن البخاري جمع المتن باسنادين
وذكر موضع المغايرة وهو أبواب الجنة في رواية إسماعيل بن جعفر وأبواب السماء في رواية
الزهري (قوله حدثني بن أبي أنس) هو أبو سهيل نافع بن أبي أنس مالك بن أبي عامر شيخ إسماعيل بن
جعفر وهو من صغار شيوخ الزهري بحيث أدركه تلامذة الزهري وهو أصغر منهم كإسماعيل
ابن جعفر وهذا الاسناد يعد من رواية الاقران وقد تأخر أبو سهيل في الوفاة عن الزهري وقد بين
النسائي ان مراد الزهري بابن أبى أنس نافع هذا فاخرج من وجه آخر عن عقيل عن ابن شهاب
أخبرني أبو سهيل عن أبيه وأخرجه من طريق صالح عن ابن شهاب فقال أخبرني نافع بن أبي أنس
وروى هذا الحديث معمر عن الزهري فأرسله وحذف من بينه وبين أبي هريرة ورواه ابن إسحاق
عن الزهري عن أويس بن أبي أويس عديل بنى تيم عن أنس قال النسائي وهو خطأ (قوله مولى
التيميين) أي مولى بنى تيم والمراد منهم آل طلحة بن عبيد الله أحد العشرة وكان أبو عامر والد مالك
قد قدم مكة فقطنها وحالف عثمان بن عبيد الله أخا طلحة فنسب إليه وكان مالك الفقيه يقول
لسنا موالى آل تيم انما نحن عرب من أصبح ولكن جدي حالفهم (قوله وسلسلت الشياطين)
قال الحليمي يحتمل ان يكون المراد أن الشياطين مسترقوا السمع منهم وان تسلسلهم يقع في ليالي
رمضان دون أيامه لانهم كانوا منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيدوا التسلسل
مبالغة في الحفظ ويحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى
ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر وقال
غيره المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة منهم وترجم لذلك ابن خزيمة في صحيحه وأورد ما أخرجه هو
وللترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ إذا
كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وأخرجه النسائي من طريق أبى
قلابة عن أبي هريرة بلفظ وتغل فيه مردة الشياطين زاد أبو صالح في روايته وغلقت أبواب النار
فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ونادى مناد يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر
أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة لفظ ابن خزيمة وقوله صفدت بالمهملة المضمومة بعدها
فاء ثقيلة مكسورة أي شدت بالأصفاد وهى الأغلال وهو بمعنى سلسلت ونحوه للبيهقي من
حديث ابن مسعود وقال فيه فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب الشهر كله قال عياض يحتمل
أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع
الشياطين من أذى المؤمنين ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين
يقل اغواؤهم فيصيرون كالمصفدين قال ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن
ابن شهاب عند مسلم فتحت أبواب الرحمة قال ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه
الله لعباده من الطاعات وذلك أسباب لدخول الجنة وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم
عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الاغواء وتزيين
الشهوات قال الزين بن المنير والأول أوجه ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره وأما
الرواية التي فيها أبواب الرحمة وأبواب السماء فمن تصرف الرواة والأصل أبواب الجنة بدليل
97

ما يقابله وهو غلق أبواب النار واستدل به على أن الجنة في السماء لإقامة هذا مقام هذه في
الرواية وفيه نظر وجزم التوربشتي شارح المصابيح بالاحتمال الأخير وعبارته فتح أبواب السماء
كناية عن تنزل الرحمة وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد تارة ببذل التوفيق وأخرى بحسن
القبول وغلق أبواب جهنم كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الفواحش والتخلص من
البواعث عن المعاصي بقمع الشهوات وقال الطيبى فائدة فتح أبواب السماء توقيف الملائكة
على استحماد فعل الصائمين وانه من الله بمنزلة عظيمة وفيه إذا علم المكلف ذلك باخبار الصادق
ما يزيد في نشاطه ويتلقاه بأريحية وقال القرطبي بعد ان رجح حمله على ظاهره فان قيل كيف نرى
الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرا فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك فالجواب أنها انما
تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه أو المصفد بعض الشياطين
وهم المردة لاكلهم كما تقدم في بعض الروايات أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس
فان وقوع ذلك فيه أقل من غيره إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم ان لا يقع شر ولا معصية لان لذلك
أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الانسية وقال غيره في
تصفيد الشياطين في رمضان إشارة إلى رفع عذر المكلف كأنه يقال له قد كفت الشياطين عنك
فلا تعتل بهم في ترك الطاعة ولا فعل المعصية (قوله إذا رأيتموه) أي الهلال وسيأتى التصريح
بذلك بعد خمسة أبواب مع الكلام على الحكم وكذا هو مصرح بذكر الهلال فيه في الرواية
المعلقة وانما أراد المصنف بايراده في هذا الباب ثبوت ذكر رمضان بغير لفظ شهر ولم يقع ذلك في
الرواية الموصولة وانما وقع في الرواية المعلقة (قوله وقال غيره عن الليث الخ) المراد بالغير
المذكور أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث كذا أخرجه الإسماعيلي من طريقه قال
حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب فذكره بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لهلال رمضان إذا رأيتموه فصوموا الحديث ووقع مثله في غير رواية الزهري قال عبد
الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهلال
رمضان إذا رأيتموه فصوموا الحديث وسيأتى بيان اختلاف ألفاظ هذا الحديث حيث ذكرته
إن شاء الله تعالى * (قوله باب من صام رمضان ايمانا واحتسابا ونية) قال الزين بن المنير
حذف الجواب ايجازا واعتمادا على ما في الحديث وعطف قوله نية على قوله احتسابا لأن الصوم
انما يكون لأجل التقرب إلى الله والنية شرط في وقوعه قربة قال والأولى أن يكون منصوبا على
الحال وقال غيره انتصب على أنه مفعول له أو تمييز أو حال بان يكون المصدر في معنى اسم الفاعل
أي مؤمنا محتسبا والمراد بالايمان الاعتقاد بحق فرضية صومه وبالاحتساب طلب الثواب من
الله تعالى وقال الخطابي احتسابا أي عزيمة وهو ان يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه
بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه (قوله وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه
وسلم يبعثون على نياتهم) هذا طرف من حديث وصله المصنف في أوائل البيوع من طريق نافع
ابن جبير عنها وأوله يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم ثم يبعثون
على نياتهم يعنى يوم القيامة ووجه الاستدلال منه هنا ان للنية تأثيرا في العمل لاقتضاء الخبر أن
في الجيش المذكور المكره والمختار فإنهم إذا بعثوا على نياتهم وقعت المؤاخذة على المختار دون
98

المكره (قوله حدثنا يحيى) هو ابن أبي كنير (قوله عن أبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن ووقع في رواية
معاذ بن هشام عن أبيه عند مسلم حدثني أبو سلمة ونحوه في رواية شيبان عن يحيى عند أحمد (قوله
من قام ليلة القدر) يأتي الكلام عليه في الباب المعقود لها في أواخر الصيام (قوله ومن صام
رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو
عن أبي سلمة وما تأخر وقد رواه أحمد أيضا عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو بدون هذه الزيادة
ومن طريق يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بدونها أيضا ووقعت هذه الزيادة أيضا في رواية الزهري
عن أبي سلمة أخرجها النسائي عن قتيبة عن سفيان عنه وتابعه حامد بن يحيى عن سفيان أخرجه
ابن عبد البر في التمهيد واستنكره وليس بمنكر فقد تابعه قتيبة كما ترى وهشام بن عمار وهو في
الجزء الثاني عشر من فوائده والحسين بن الحسن المروزي أخرجه في كتاب الصيام له ويوسف
ابن يعقوب النجاحي أخرجه أبو بكر بن المقرى في فوائده كلهم عن سفيان والمشهور عن الزهري
بدونها وقد وقعت هذه الزيادة أيضا في حديث عبادة بن الصامت عند الإمام أحمد من وجهين
واسناده حسن وقد استوعبت الكلام على طرقه في كتاب الخصال المكفرة للذنوب المقدمة
والمؤخرة وهذا محصله وقوله من ذنبه اسم جنس مضاف فيتناول جميع الذنوب الا أنه مخصوص
عند الجمهور وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الوضوء وفى أوائل كتاب المواقيت قال الكرماني
وكلمة من اما متعلقة بقوله غفر أي غفر من ذنبه ما تقدم فهو منصوب المحل أو هي مبنية لما تقدم
وهو مفعول لما لم يسم فاعله فيكون مرفوع المحل * (قوله باب أجود ما كان النبي
صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان) أورد فيه حديث ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم
أجود الناس بالخير وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في بدء الوحي قال الزين بن المنير وجه التشبيه
بين أجوديته صلى الله عليه وسلم بالخير وبين أجودية الزيح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة
التي يرسلها الله تعالى لانزال الغيث العام الذي يكون سببا لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة أي
فيعم خيره وبزه من هو بصفة الفقر والحاجة ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث
الناشئة عن الريح المرسلة صلى الله عليه وسلم * (قوله باب من لم يدع) أي يترك (قول
الزور والعمل به) زاد في نسخة الصغاني في الصوم قال الزين بن المنير حذف الجواب لأنه لو نص
على ما في الخبر لطالت الترجمة أو لو عبر عنه بحكم معين لوقع في عهدته فكان الايجاز ما صنع (قوله
حدثنا المقبري عن أبيه) كذا في أكثر الروايات عن ابن أبي ذئب وقد رواه ابن وهب عن ابن أبي
ذئب فاختلف عليه رواه الربيع عنه مثل الجماعة ورواه ابن السراج عنه فلم يقل عن أبيه
أخرجها النسائي وأخرجه الإسماعيلي من طريق حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب باسقاطه أيضا
واختلف فيه على ابن المبارك فأخرجه ابن حبان من طريقه بالاسقاط وأخرجه النسائي وابن
ماجة وابن خزيمة باثباته وذكر الدارقطني ان يزيد بن هارون ويونس بن يحيى روياه عن ابن أبي ذئب
بالاسقاط أيضا وقد أخرجه أحمد عن يزيد فقال فيه عن أبيه والذي يظهر ان ابن أبي ذئب كان
تارة لا يقول عن أبيه وفى أكثر الأحوال يقولها وقد رواه أبو قتادة الحراني عن ابن أبي ذئب
باسناد آخر فقال عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة عن أبي هريرة وهو شاذ والمحفوظ الأول
(قوله قول الزور والعمل به) زاد المصنف في الأدب عن أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب والجهل
99

وكذا لأحمد عن حجاج ويزيد بن هارون كلاهما عن ابن أبي ذئب وفى رواية ابن وهب والجهل في
الصوم ولابن ماجة من طريق ابن المبارك من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به جعل الضمير في
به يعود على الجهل والأول جعله يعود على قول الزور والمعنى متقارب ولما روى الترمذي
حديث أبي هريرة هذا قال وفى الباب عن أنس (قلت) وحديث أنس أخرجه الطبراني في الأوسط
بلفظ من لم يدع الخنا والكذب ورجاله ثقات والمراد بقول الزور الكذب والجهل السفه
والعمل به أي بمقتضاه كما تقدم (قوله فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) قال ابن بطال
ليس معناه ان يؤمر بان يدع صيامه وانما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه وهو مثل
قوله من باع الخمر فليشقص الخنازير أي يذبحها ولم يأمره بذبحها ولكنه على التحذير والتعظيم
لاثم بائع الخمر وأما قوله فليس لله حاجة فلا مفهوم له فان الله لا يحتاج إلى شئ وانما معناه فليس
لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة وقد سبق أبو عمر بن عبد البر إلى شئ من ذلك قال
ابن المنير في الحاشية بل هو كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئا طلبه منه فلم
يقم به لا حاجة لي بكذا فالمراد رد الصوم المتلبس بالزور وقبول الصوم السالم منه وقريب من هذا
قوله تعالى لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم فان معناه لن يصيب رضاه
الذي ينشأ عنه القبول وقال ابن العربي مقتضى هذا الحديث ان من فعل ما ذكر لا يثاب على
صيامه ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة باثم الزور وما ذكر معه وقال البيضاوي ليس
المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع
النفس الامارة للنفس المطمئنة فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول فقوله ليس لله
حاجة مجاز عن عدم القبول فنفى السبب وأراد المسبب والله أعلم واستدل به على أن هذه الأفعال
تنقص الصوم وتعقب بأنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر وأجاب السبكي الكبير بان في
حديث الباب والذي مضى في أول الصوم دلالة قوية للأول لان الرفث والصخب وقول الزور
والعمل به مما علم النهى عنه مطلقا والصوم مأمور به مطلقا فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت
فيه لم يتأثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة فيه معنى يفهمه فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا
على أمرين أحدهما زيادة قبحها في الصوم على غيرها والثاني البحث على سلامة الصوم عنها
وان سلامته منها صفة كمال فيه وقوة الكلام تقتضى ان يقبح ذلك لأجل الصوم فمقتضى ذلك
ان الصوم يكمل بالسلامة عنها قال فإذا لم يسلم عنها نقص ثم قال ولا شك ان التكاليف قد ترد
بأشياء وينبه بها على أخرى بطريق الإشارة وليس المقصود من الصوم العدم المحض كما في المنهيات
لأنه يشترط له النية بالاجماع ولعل القصد به في الأصل بالامساك عن جميع المخالفات لكن لما كان
ذلك يشق خفف الله وأمر بالامساك عن المفطرات ونبه الغافل بذلك على الامساك عن المخالفات
وأرشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده فيكون اجتناب المفطرات واجبا
واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات والله أعلم وقال شيخنا في شرح الترمذي لما أخرج
الترمذي هذا الحديث ترجم ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم وهو مشكل لان الغيبة ليست
قول الزور ولا العمل به لأنها أن يذكر غيره بما يكره وقول الزور هو الكذب وقد وافق الترمذي
بقية أصحاب السنن فترجموا بالغيبة وذكروا هذا الحديث وكأنهم فهموا من ذكر قول الزور
100

والعمل به الامر بحفظ النطق ويمكن ان يكون فيه إشارة إلى الزيادة التي وردت في بعض طرقه
وهى الجهل فإنه يصح اطلاقه على جميع المعاصي وأما قوله والعمل به فيعود على الزور ويحتمل
ان يعود أيضا على الجهل أي والعمل بكل منهما * (تنبيه) * قوله فليس لله وقع عند البيهقي
في الشعب من طريق يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب فليس به بموحدة وهاء ضمير فإن لم يكن
تحريفا فالضمير للصائم * (قوله باب هل يقول انى صائم إذا شتم) أورد فيه حديث أبي
هريرة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى قبل ستة أبواب (قوله فيه ولا يصخب) كذا للأكثر بالمهملة
الساكنة بعدها خاء معجمة ولبعضهم بالسين بدل الصاد وهو بمعناه والصخب الخصام والصياح
وقد تقدم ان المراد بالنهى عن ذلك تأكيده حالة الصوم والا فغير الصائم منهى عن ذلك أيضا
(قوله لخلوف) كذا للأكثر وللكشميهني لخلف بحذف الواو كأنها صيغة جمع ويروى في غير
البخاري بلفظ لخلفة على الوحدة كتمر وتمرة (قوله للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح)
زاد مسلم بفطره وقوله يفرحهما أصله يفرح بهما فحذف الجار ووصل الضمير كقوله صام
رمضان أي فيه قال القرطبي معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر وهذا
الفرح طبيعي وهو السابق للفهم وقيل إن فرحه بفطره انما هو من حيث إنه تمام صومه وخاتمة
عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه (قلت) ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما
ذكر ففرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك فمنهم من يكون فرحه مباحا وهو
الطبيعي ومنهم من يكون مستحبا وهو من يكون سببه شئ مما ذكره (قوله وإذا لقى ربه فرح
بصومه) أي بجزائه وثوابه وقيل الفرح الذي عند لقاء ربه أما لسروره بربه أو بثواب ربه على
الاحتمالين (قلت) والثاني أظهر إذ لا ينحصر الأول في الصوم بل يفرح حينئذ بقبول صومه
وترتب الجزاء الوافر عليه * (قوله باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة) بضم
المهملة وسكون الزاي بعدها موحدة كذا لأبي ذر ولغيره العزوبة بزيادة واو والمراد بالخوف من
العزوبة ما ينشأ عنها من إرادة الوقوع في العنت ثم أورد المصنف فيه حديث ابن مسعود
المشهور وسيأتى الكلام عليه مستوفى في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى والمراد منه هنا قوله
فيه ومن لم يستطع أي لم يجد أهبة النكاح (قوله فعليه بالصوم فإنه له وجاء) بكسر الواو وبجيم
ومد وهو رض الخصيتين وقيل رض عروقهما ومن يفعل به ذلك تنقطع شهوته ومقتضاه ان
الصوم قامع لشهوة النكاح واستشكل بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة وذلك مما يثير الشهوة
لكن ذلك انما يقع في مبدأ الامر فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك والله أعلم * (قوله
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الهلال فصوموا) هذه الترجمة لفظ مسلم
من رواية إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة وقد سبق للمصنف في أول
الصيام من طريق ابن شهاب عن سالم عن أبيه بلفظ إذا رأيتموه وذكر البخاري في الباب أحاديث
تدل على نفى صوم يوم الشك رتبها ترتيبا حسنا فصدرها بحديث عمار المصرح بعصيان من صامه
ثم بحديث ابن عمر من وجهين أحدهما بلفظ فان غم عليكم فاقدروا له والآخر بلفظ فأكملوا
العدة ثلاثين وقصد بذلك بيان المراد من قوله فاقدروا له ثم استظهر بحديث ابن عمر أيضا الشهر
هكذا وهكذا وحبس الابهام في الثالثة ثم ذكر شاهدا من حديث أبي هريرة لحديث ابن عمر
101

مصرحا بأن عدة الثلاثين المأمور بها تكون من شعبان ثم ذكر شاهدا لحديث ابن عمر في كون
الشهر تسعا وعشرين من حديث أم سلمة مصرحا فيه بأن الشهر تسع وعشرون ومن حديث
أنس كذلك وسأتكلم عليها حديثا حديثا إن شاء الله تعالى (قوله وقال صلة عن عمار إلى آخره)
أما صلة فهو بكسر المهملة وتخفيف اللام المفتوحة بن زفر بزاي وفاء وزن عمر كوفي عبسي
بموحدة ومهملة من كبار التابعين وفضلائهم ووهم ابن حزم فزعم أنه صلة بن أشيم والمعروف انه
ابن زفر وكذا وقع مصرحا به عند جمع ممن وصل هذا الحديث وقد وصله أبو داود والترمذي
والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق عمرو بن قيس عن أبي إسحاق عنه ولفظه
عندهم كنا عند عمار بن ياسر فأتى بشاة مصلية فقال كلوا فتنحى بعض القوم فقال انى صائم فقال
عمار من صام يوم الشك وفى رواية ابن خزيمة وغيره من صام اليوم الذي يشك فيه وله متابع
باسناد حسن أخرجه ابن أبي شيبه من طريق منصور عن ربعي ان عمارا وناسا معه أتوهم
يسألونهم في اليوم الذي يشك فيه فاعتزلهم رجل فقال له عمار تعال فكل فقال انى صائم فقال له
عمار ان كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فتعال وكل ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن
منصور عن ربعي عن رجل عن عمار وله شاهد من وجه آخر أخرجه إسحاق بن راهويه من رواية
سماك عن عكرمة ومنهم من وصله بذكر ابن عباس فيه (قوله فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه
وسلم) استدل به على تحرم صوم يوم الشك لان الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه فيكون من
قبيل المرفوع قال ابن عبد البر هو مسند عندهم لا يختلفون في ذلك وخالفهم الجوهري المالكي
فقال هو موقوف والجواب انه موقوف لفظا مرفوع حكما قال الطيبى انما أتى بالموصول ولم يقل
يوم الشك مبالغة في أن صوم يوم فيه أدنى شك سبب لعصيان صاحب الشرع فكيف بمن صام
يوما الشك فيه قائم ثابت ونحوه قوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا أي الذين أونس منهم أدنى
ظلم فكيف بالظلم المستمر عليه (قلت) وقد علمت أنه وقع في كثير من الطرق بلفظ يوم الشك وقوله أبا
القاسم قيل فائدة تخصيص ذكر هذه الكنية الإشارة إلى أنه هو الذي يقسم بين عباد الله أحكامه
زمانا ومكانا وغير ذلك وأما حديث ابن عمر فاتفق الرواة عن مالك عن نافع فيه على قوله فاقدروا له
وجاء من وجه آخر عن نافع بلفظ فاقدروا ثلاثين كذلك أخرجه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن
نافع وهكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع قال عبد الرزاق وأخبرنا عبد العزيز
ابن أبي رواد عن نافع به وقال فعدوا ثلاثين واتفق الرواة عن مالك عن عبد الله بن دينار أيضا فيه
على قوله فاقدروا له وكذلك رواه الزعفراني وغيره عن الشافعي وكذا رواه اسحق الجربى وغيره في
الموطأ عن القعنبي وأخرجه الربيع بن سليمان والمزني عن الشافعي فقال فيه كما قال البخاري هنا
عن القعنبي فان غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين قال البيهقي في المعرفة إن كانت رواية الشافعي
والقعنبي من هذين الوجهين محفوظة فيكون مالك قد رواه على الوجهين (قلت) ومع غرابة
هذا اللفظ من هذا الوجه فله متابعات منها ما رواه الشافعي أيضا من طريق سالم عن ابن عمر
بتعيين الثلاثين ومنها ما رواه ابن خزيمة من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر بلفظ
فان غم عليكم فكملوا ثلاثين وله شواهد من حديث حذيفة عند ابن خزيمة وأبي هريرة وابن
عباس عند أبي داود والنسائي وغيرهما وعن أبي بكرة وطلق بن علي عند البيهقي وأخرجه من
102

طرق أخرى عنهم وعن غيرهم (قوله لا تصوموا حتى تروا الهلال) ظاهره ايجاب الصوم حين
الرؤية متى وجدت ليلا أو نهارا لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل وبعض العلماء فرق بين
ما قبل الزوال أو بعده وخالف الشيعة الاجماع فأوجبوه مطلقا وهو ظاهر في النهى عن ابتداء
صوم رمضان قبل رؤية الهلال فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها ولو وقع الاقتصار على هذه الجملة
لكفى ذلك لمن تمسك به لكن اللفظ الذي رواه أكثر الرواة أوقع للمخالف شبهة وهو قوله فان غم
عليكم فاقدروا له فاحتمل ان يكون المراد التفرقة بين حكم الصحو والغيم فيكون التعليق على
الرؤية متعلقا بالصحو وأما الغيم فله حكم آخر ويحتمل أن لا تفرقة ويكون الثاني مؤكدا للأول
والى الأول ذهب أكثر الحنابلة والى الثاني ذهب الجمهور فقالوا المراد بقوله فاقدروا له أي انظروا
في أول الشهر واحسبوا تمام الثلاثين ويرجح هذا التأويل الروايات الأخر المصرحة بالمراد
وهى ما تقدم من قوله فأكملوا العدة ثلاثين ونحوها وأولى ما فسر الحديث بالحديث وقد وقع
الاختلاف في حديث أبي هريرة في هذه الزيادة أيضا فرواها البخاري كما ترى بلفظ فأكملوا عدة
شعبان ثلاثين وهذا أصرح ما ورد في ذلك وقد قيل إن آدم شيخه انفرد بذلك فان أكثر الرواة عن
شعبة قالوا فيه فعدوا ثلاثين أشار إلى ذلك الإسماعيلي وهو عند مسلم وغيره قال فيجوز أن
يكون آدم أورده على ما وقع عنده من تفسير الخبر (قلت) الذي ظنه الإسماعيلي صحيح فقد رواه
البيهقي من طريق إبراهيم بن يزيد عن آدم بلفظ فان غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما يعنى عدوا
شعبان ثلاثين فوقع للبخاري ادراج التفسير في نفس الخبر ويؤيد رواية أبى سلمة عن أبي هريرة
بلفظ لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين فإنه يشعر بان المأمور بعدده هو شعبان وقد رواه
مسلم من طريق الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد بلفظ فأكملوا العدد وهو يتناول كل شهر فدحل
فيه شعبان وروى الدارقطني وصححه وابن خزيمة في صحيحه من حديث عائشة كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فان غم عليه
عد ثلاثين يوما ثم صام وأخرجه أبو داود وغيره أيضا وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة من
طريق ربعي عن حذيفة مرفوعا لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا
حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة وقيل الصواب فيه عن ربعي عن رجل من الصحابة مبهم ولا
يقدح ذلك في صحته قال ابن الجوزي في التحقيق لأحمد في هذه المسئلة وهى ما إذا حال دون مطلع
الهلال غيم أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثة أقوال أحدها يجب صومه على أنه من رمضان
ثانيها لا يجوز فرضا ولا نفلا مطلقا بل قضاء وكفارة ونذرا ونفلا يوافق عادة وبه قال الشافعي
وقال مالك وأبو حنيفة لا يجوز عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك ثالثها المرجع إلى
رأى الامام في الصوم والفطر واحتج الأول بأنه موافق لرأى الصحابي راوي الحديث قال أحمد
حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر فذكر الحديث بلفظ فاقدروا له قال نافع فكان
ابن عمر إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر فان رأى فذاك وان لم ير ولم يحل دون
منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا وان حال أصبح صائما وأما ما روى الثوري في جامعه عن
عبد العزيز بن حكيم سمعت ابن عمر يقول لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه
فالجمع بينهما انه في الصورة التي أوجب فيها لصوم لا يسمى يوم شك وهذا هو المشهور عن أحمد
103

انه خص يوم الشك بما إذا تقاعد الناس عن رؤية الهلال أو شهد برؤيته من لا يقبل الحاكم
شهادته فاما إذا حال دون منظره شئ فلا يسمى شكا واختار كثير من المحققين من أصحابه الثاني
قال ابن عبد الهادي في تنقيحه الذي دلت عليه الأحاديث وهو مقتضى القواعد أنه أي شهر غم
أكمل ثلاثين سواء في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما فعلى هذا فقوله فأكملوا العدة يرجع إلى
الجملتين وهو قوله صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان غم عليكم فأكملوا العدة أي غم عليكم في
صومكم أو فطركم وبقية الأحاديث تدل عليه فاللام في قوله فأكملوا العدة للشهر أي عدة الشهر
ولم يخص صلى الله عليه وسلم شهرا دون شهر بالاكمال إذا غم فلا فرق بين شعبان وغيره في ذلك
إذ لو كان شعبان غير مراد بهذا الاكمال لبينه فلا تكون رواية من روى فأكملوا عدة شعبان
مخالفة لمن قال فأكملوا العدة بل مبينة لها ويؤيد ذلك قوله في الرواية الأخرى فان حال بينكم
وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا أخرجه أحمد وأصحاب السنن
وابن خزيمة وأبو يعلى من حديث ابن عباس هكذا ورواه الطيالسي من هذا الوجه بلفظ ولا
تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان وروى النسائي من طريق محمد بن حنين عن ابن عباس
بلفظ فان غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين (قوله فاقدروا له) تقدم ان للعلماء فيه تأويلين وذهب
آخرون إلى تأويل ثالث قالوا معناه فاقدروه بحساب المنازل قاله أبو العباس بن سريج من
الشافعية ومطرف بن عبد الله من التابعين وابن قتيبة من المحدثين قال ابن عبد البر لا يصح عن
مطرف وأما ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا قال ونقل ابن خويز منداد عن
الشافعي مسئلة ابن سريج والمعروف عن الشافعي ما عليه الجمهور ونقل ابن العربي عن ابن
سريج ان قوله فاقدروا له خطاب لمن خصه الله بهذا العلم وان قوله فأكملوا العدة خطاب للعامة
قال ابن العربي فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحساب الشمس والقمر
وعلى آخرين بحساب العدد قال وهذا بعيد عن النبلاء وقال ابن الصلاح معرفة منازل القمر هي
معرفة سير الأهلة وأما معرفة الحساب فامر دقيق يختص بمعرفته الآحاد قال فمعرفة منازل القمر
تدرك بأمر محسوس يدركه من يراقب النجوم وهذا هو الذي اراده ابن سريج وقال به في حق
العارف بها في خاصة نفسه ونقل الروياني عنه انه لم يقل بوجوب ذلك عليه وانما قال بجوازه
وهو اختيار الففال وأبى الطيب وأما أبو إسحاق في المهذب فنقل عن ابن سريج لزوم الصوم في
هذه الصورة فتعددت الآراء في هذه المسئلة بالنسبة إلى خصوص النظر في الحساب والمنازل
أحدها الجواز ولا يجزئ عن الفرض ثانيها يجوز ويجزئ ثالثها يجوز للحاسب ويجزئه لا للمنجم
رابعها يجوز لهما ولغيرهما تقليد الحاسب دون المنجم خامسها يجوز لهما ولغيرهما مطلقا وقال
ابن الصباغ أما بالحساب فلا يلزمه بلا خلاف بين أصحابنا (قلت) ونقل ابن المنذر قبله الاجماع
على ذلك فقال في الاشراف صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب باجماع
الأمة وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهته هكذا أطلق ولم يفصل بين حاسب وغيره فمن فرق
بينهم كان محجوجا بالاجماع قبله وسيأتي بقية البحث في ذلك بعد باب (قوله الشهر تسع وعشرون)
ظاهره حصر الشهر في تسع وعشرين مع أنه لا ينحصر فيه بل قد يكون ثلاثين والجواب ان المعنى
ان الشهر يكون تسعة وعشرين أو اللام للعهد والمراد شهر بعينه أو هو محمول على الأكثر
104

الأغلب لقول ابن مسعود ما صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا
ثلاثين أخرجه أبو داود والترمذي ومثله عن عائشة عند أحمد باسناد جيد ويؤيد الأول قوله في
حديث أم سلمة في الباب ان الشهر يكون تسعة وعشرين يوما وقال ابن العربي قوله الشهر تسع
وعشرون فلا تصوموا الخ معناه حصره من جهة أحد طرفيه أي انه لا يكون تسعا وعشرين وهو
أقله ويكون ثلاثين وهو أكثره فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطا ولا تقتصروا على
الأقل تخفيفا ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداء وانتهاء باستهلاله (قوله فلا تصوموا حتى
تروه) ليس المراد تعليق الصوم بالرؤية في حق كل أحد بل المراد بذلك رؤية بعضهم وهو من يثبت
به ذلك اما واحد على رأى الجمهور أو اثنان على رأى آخرين ووافق الحنفية على الأول الا أنهم
خصوا ذلك بما إذا كان في السماء علة من غيم وغيره والا متى كان صحو لم يقبل الا من جمع كثير يقع
العلم بخبرهم وقد تمسك بتعليق الصوم بالرؤية من ذهب إلى الزام أهل البلد برؤية أهل بلد غيرها
ومن لم يذهب إلى ذلك قال لان قوله حتى تروه خطاب لأناس مخصوصين فلا يلزم غيرهم ولكنه
مصروف عن ظاهره فلا يتوقف الحال على رؤية كل واحد فلا يتقيد بالبلد وقد اختلف العلماء
في ذلك على مذاهب أحدها لأهل كل بلد رؤيتهم وفى صحيح مسلم من حديث ابن عباس ما يشهد له
وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم واسحق وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه
وحكاه الماوردي وجها للشافعية ثانيها مقابله إذا رؤى ببلدة لزم أهل البلاد كلها وهو المشهور
عند المالكية لكن حكى ابن عبد البر الاجماع على خلافه وقال أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية
فيما بعد من البلاد كخراسان والأندلس قال القرطبي قد قال شيوخنا إذا كانت رؤية الهلال
ظاهرة قاطعة بموضع ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم وقال ابن الماجشون لا يلزمهم
بالشهادة الا لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة الا أن يثبت عند الامام الأعظم فيلزم الناس
كلهم لان البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع وقال بعض الشافعية ان
تقاربت البلاد كان الحكم واحدا وان تباعدت فوجهان لا يجب عند الأكثر واختار أبو
الطيب وطائفة الوجوب وحكاه البغوي عن الشافعي وفى ضبط البعد أوجه أحدهما اختلاف
المطالع قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النووي في الروضة وشرح المهذب ثانيها
مسافة القصر قطع به الامام والبغوي وصححه الرافعي في الصغير والنووي في شرح مسلم
ثالثها اختلاف الأقاليم رابعها حكاه السرخسي فقال يلزم كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا
عارض دون غيرهم خامسها قول ابن الماجشون المتقدم واستدل به على وجوب الصوم
والفطر على من رأى الهلال وحده وان لم يثبت بقوله وهو قول الأئمة الأربعة في الصوم
واختلفوا في الفطر فقال الشافعي يفطر ويخفيه وقال الأكثر يستمر صائما احتياطا (قوله فان
غم عليكم) بضم المعجمة وتشديد الميم أي حال بينكم وبينه غيم يقال غممت الشئ إذا غطيته
ووقع في حديث أبي هريرة من طريق المستملى فان غم ومن طريق الكشميهني أغمي ومن رواية
السرخسي غبي بفتح الغين المعجمة وتخفيف الموحدة وأغمى وغم وغمى بتشديد الميم وتخفيفها فهو
مغموم الكل بمعنى وأما غبي فمأخوذ من الغباوة وهى عدم الفطنة وهى استعارة لخفاء الهلال
ونقل ابن العربي انه روى عمى بالعين المهملة من العمى قال وهو بمعناه لأنه ذهاب البصر عن
105

المشاهدات أو ذهاب البصيرة عن المعقولات * قوله في طريق ابن عمر الثالثة (الشهر هكذا
وهكذا وخنس الابهام في الثالثة) كذا للأكثر بالمعجمة والنون أي قبض والانخناس الانقباض
قاله الخطابي وفى رواية الكشميهني وحبس بالحاء المهملة ثم الموحدة أي منع (قوله عن يحيى بن
عبد الله بن صيفي) بمهملة وفاء وزن زيدي وهو اسم بلفظ النسبة ووقع في رواية حجاج عن ابن
جريج أخبرني يحيى أخرجه مسلم وكذا صرح بالاخبار في بقية الاسناد وسيأتي الكلام على
حديث أم سلمة هذا مستوفى في كتاب الطلاق (قوله عن حميد عن أنس) سيأتي في الطلاق من وجه
آخر عن سليمان عن حميد أنه سمع أنسا (قوله تسعا وعشرين) كذا للأكثر وللحموي والمستملى
تسعة وعشرين وسيأتى بقية الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى * (قوله باب
شهرا عيد لا ينقصان) هكذا ترجم ببعض لفظ الحديث وهذا القدر لفظ طريق لحديث الباب
عند الترمذي من رواية بشر بن المفضل عن خالد الحذاء (قوله حدثنا مسدد حدثنا معتمر) فساق
الاسناد ثم قال وحدثني مسدد قال حدثنا معتمر فساقه باسناد آخر لمسدد وساق المتن على لفظ
الرواية الثانية وكأن النكتة في كونه لم يجمع الاسنادين معا مع أنهما لم يتغايرا الا في شيخ معتمر أن
مسددا حدثه به مرة ومعه غيره عن معتمر عن إسحاق وحدثه به مرة أخرى اما وهو وحده واما
بقراءته عليه عن معتمر عن خالد ولمسدد فيه شيخ آخر أخرجه أبو داود عنه عن يزيد بن زريع عن خالد
وهو محفوظ عن خالد الحذاء من طرق وأما قول قاسم في الدلائل سمعت موسى بن هارون يحدث
بهذا الحديث عن العباس بن الوليد عن يزيد بن زريع مرفوعا قال موسى وانا أهاب رفعه فإن لم
يحمل على أن يزيد بن زريع كان ربما وقفه والا فليست لمهابة رفعه معنى وأما لفظ اسحق العدوي
فأخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبى خليفة وأبى مسلم الكجي جميعا عن مسدد بهذا
الاسناد بلفظ لا ينقص رمضان ولا ينقص ذو الحجة وأشار الإسماعيلي أيضا إلى أن هذا اللفظ
لإسحاق العدوي لكن أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن محمد بن يحيى عن مسدد بلفظ شهرا عيد
لا ينقصان كما هو لفظ الترجمة وكأن هذا هو السر في اقتصار البخاري على سياق المتن على لفظ خالد
دون اسحق لكونه لم يختلف في سياقه عليه وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث فمنهم من
حمله على ظاهره فقال لا يكون رمضان ولا ذو الحجة أبدا الا ثلاثين وهذا قول مردود معاند
للموجود المشاهد ويكفى في رده قوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان غم
عليكم فأكملوا العدة فإنه لو كان رمضان أبدا ثلاثين لم يحتج إلى هذا ومنهم من تأول له معنى
لائقا وقال أبو الحسن كان إسحاق بن راهويه يقول لا ينقصان في الفضيلة ان كانا تسعة وعشرين
أو ثلاثين انتهى وقيل لا ينقصان معا ان جاء أحدهما تسعا وعشرين جاء الآخر ثلاثين ولا بد
وقيل لا ينقصان في ثواب العمل فيهما وهذان القولان مشهوران عن السلف وقد ثبتا منقولين
في أكثر الروايات في البخاري وسقط ذلك في رواية أبي ذر وفى رواية النسفي وغيره عقب الترجمة
قبل سياق الحديث قال اسحق وإن كان ناقصا فهو تمام وقال محمد لا يجتمعان كلاهما ناقص
واسحق هذا هو ابن راهويه ومحمد هو البخاري المصنف ووقع عند الترمذي نقل القولين عن
106

إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وكأن البخاري أختار مقالة أحمد فجزم بها أو تواردا عليها قال
الترمذي قال أحمد معناه لا ينقصان معا في سنة واحدة انتهى ثم وجدت في نسخة الصغاني
ما نصه عقب الحديث قال أبو عبد الله قال اسحق تسعة وعشرون يوما تام وقال أحمد بن حنبل
ان نقص رمضان تم ذو الحجة وان نقص ذو الحجة تم رمضان وقال اسحق معناه وإن كان تسعا
وعشرين فهو تمام غير نقصان قال وعلى مذهب اسحق يجوز أن ينقصا معا في سنة واحدة وروى
الحاكم في تاريخه باسناد صحيح ان إسحاق بن إبراهيم سئل عن ذلك فقال إنكم ترون العدد ثلاثين
فإذا كان تسعا وعشرين ترونه نقصانا وليس ذلك بنقصان ووافق أحمد على اختياره أبو بكر أحمد
ابن عمرو البزار فأوهم مغلطاي انه مراد الترمذي بقوله وقال أحمد وليس كذلك وانما ذكره قاسم
في الدلائل عن البزار فقال سمعت البزار يقول معناه لا ينقصان جميعا في سنة واحدة قال ويدل
عليه رواية زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب مرفوعا شهرا عيد لا يكونان ثمانية وخمسين يوما
وادعى مغلطاي أيضا ان المراد بإسحاق إسحاق بن سويد العدوي راوي الحديث ولم يأت على ذلك
بحجة وذكر ابن حبان لهذا الحديث معنيين أحدهما ما قاله اسحق والآخر ان المراد انهما في
الفضل سواء لقوله في الحديث الآخر ما من أيام العمل فيها أفضل من عشر ذي الحجة وذكر
القرطبي ان فيه خمسة أقوال فذكر نحو ما تقدم وزاد أن معناه لا ينقصان في عام بعينه وهو
العام الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم تلك المقالة وهذا حكاه ابن بزيزة ومن قبله أبو الوليد بن رشد
ونقله المحب الطبري عن أبي بكر بن فورك وقيل المعنى لا ينقصان في الاحكام وبهذا جزم البيهقي
وقبله الطحاوي فقال معنى لا ينقصان أن الاحكام فيهما وان كانا تسعة وعشرين متكاملة غير
ناقصة عن حكمهما إذا كانا ثلاثين وقيل معناه لا ينقصان في نفس الامر لكن ربما حال دون
رؤية الهلال مانع وهذا أشار إليه ابن حبان أيضا ولا يخفى بعده وقيل معناه لا ينقصان معافى
سنة واحدة على طريق الأكثر الأغلب وان ندر وقوع ذلك وهذا أعدل مما تقدم لأنه ربما وجد
وقوعهما ووقوع كل منهما تسعة وعشرين قال الطحاوي الاخذ بظاهره أو حمله على نقص
أحدهما يدفعه العيان لأنا قد وجدناهما ينقصان معا في أعوام وقال الزين بن المنير لا يخلو شئ
من هذه الأقوال عن الاعتراض وأقربها ان المراد ان النقص الحسى باعتبار العدد ينجبر بأن كلا
منهما شهر عيد عظيم فلا ينبغي وصفهما بالنقصان بخلاف غيرهما من الشهور وحاصله يرجع إلى
تأييد قول اسحق وقال البيهقي في المعرفة انما خصهما بالذكر لتعلق حكم الصوم والحج بهما وبه جزم
النووي وقال إنه الصواب المعتمد والمعنى ان كل ما ورد عنهما من الفضائل والاحكام حاصل سواء
كان رمضان ثلاثين أو تسعا وعشرين سواء صادف الوقوف اليوم التاسع أو غيره ولا يخفى ان
محل ذلك ما إذا لم يحصل تقصير في ابتغاء الهلال وفائدة الحديث رفع ما يقع في القلوب من شك لمن
صام تسعا وعشرين أو وقف في غير يوم عرفة وقد استشكل بعض العلماء امكان الوقوف في
الثامن اجتهادا وليس مشكلا لأنه ربما ثبتت الرؤية بشاهدين ان أول ذي الحجة الخميس مثلا
فوقفوا يوم الجمعة ثم تبين انهما شهدا زورا وقال الطيبى ظاهر سياق الحديث بيان اختصاص
الشهرين بمزية ليست في غيرهما من الشهور وليس المراد ان ثواب الطاعة في غيرهما ينقص وانما
المراد رفع الحرج عما عسى ان يقع فيه خطأ في الحكم لاختصاصهما بالعيد وجواز احتمال
107

وقوع الخطا فيهما ومن ثم قال شهرا عيد بعد قوله شهران لا ينقصان ولم يقتصر على قوله رمضان
وذي الحجة انتهى وفى الحديث حجة لمن قال إن الثواب ليس مرتبا على وجود المشقة دائما بل لله
ان يتفضل بالحاق الناقص بالتام في الثواب واستدل به بعضهم لمالك في اكتفائه لرمضان بنية
واحدة قال لأنه جعل الشهر بجملته عبادة واحدة فاكتفى له بالنية وهذا الحديث يقتضى ان
التسوية في الثواب بين الشهر الذي يكون تسعا وعشرين وبين الشهر الذي يكون ثلاثين انما
هو بالنظر إلى جعل الثواب متعلقا بالشهر من حيث الجملة لا من حيث تفضيل الأيام وأما ما ذكره
البزار من رواية زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب فإسناده ضعيف وقد أخرجه الدارقطني
في الافراد والطبراني من هذا الوجه بلفظ لا يتم شهران ستين يوما وقال أبو الوليد بن رشد ان ثبت
فمعناه لا يكونان ثمانية وخمسين في الأجر والثواب وروى الطبراني حديث الباب من طريق
هشيم عن خالد الحذاء بسنده هذا بلفظ كل شهر حرام لا ينقص ثلاثون يوما وثلاثون ليلة وهذا
بهذا اللفظ شاذ والمحفوظ عن خالد ما تقدم وهو الذي توارد عليه الحفاظ من أصحابه كشعبة وحماد
ابن زيد ويزيد بن زريع وبشر بن المفضل وغيرهم وقد ذكر الطحاوي ان عبد الرحمن بن إسحاق
روى هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة بهذا اللفظ قال الطحاوي وعبد الرحمن بن إسحاق
لا يقاوم خالدا الحذاء في الحفظ (قلت) فعلى هذا فقد دخل لهشيم حديث في حديث لان اللفظ
الذي أورده عن خالد هو لفظ عبد الرحمن وقال ابن رشد ان صح فمعناه أيضا في الأجر والثواب
(قوله رمضان وذو الحجة) أطلق على رمضان انه شهر عيد لقربه من العيد أو لكون هلال العيد
ربما رأى في اليوم الأخير من رمضان قاله الأثرم والأول أولى ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم
المغرب وتر النهار أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر وصلاة المغرب ليلية جهرية وأطلق كونها
وتر النهار لقربها منه وفيه إشارة إلى أن وقتها يقع أول ما تغرب الشمس * (تنبيه) * ليس لإسحاق بن
سويد وهو ابن هبيرة البصري العدوي عدى مضر وهو تابعي صغير روى هنا عن تابعي كبير
في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد أخرجه مقرونا بخالد الحذاء وقد رمى بالنصب وذكره
ابن العربي في الضعفاء بهذا السبب * (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نكتب
ولا نحسب) بالنون فيهما والمراد أهل الاسلام الذين بحضرته عند تلك المقالة وهو محمول على
أكثرهم أو المراد نفسه صلى الله عليه وسلم (قوله الأسود بن قيس) هو الكوفي تابعي صغير وشيخه
سعيد بن عمرو أي ابن سعيد بن العاص مدني سكن دمشق ثم الكوفة تابعي شهير سمع عائشة
وأبا هريرة وجماعة من الصحابة ففي الاسناد تابعي كالذي قبله (قوله انا) أي العرب وقيل
أراد نفسه وقوله أمية بلفظ النسب إلى الام فقيل أراد أمة العرب لأنها لا تكتب أو منسوب
إلى الأمهات أي انهم على أصل ولادة أمهم أو منسوب إلى الام لأن المرأة هذه صفتها غالبا وقيل
منسوبون إلى أم القرى وقوله لا نكتب ولا نحسب تفسير لكونهم كذلك وقيل للعرب أميون
لان الكتابة كانت فيهم عزيزة قال الله تعالى هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ولا يرد على ذلك أنه
كان فيهم من يكتب ويحسب لان الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة والمراد بالحساب هنا حساب
النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضا الا النزر اليسير فعلق الحكم بالصوم وغيره
بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من
108

يعرف ذلك بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلا ويوضحه قوله في الحديث
الماضي فان غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ولم يقل فسلوا أهل الحساب والحكمة فيه كون
العدد عند الاغماء يستوى فيه المكلفون فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم وقد ذهب قوم إلى
الرجوع إلى أهل التسيير في ذلك وهم الروافض ونقل عن بعض الفقهاء موافقتهم قال الباجي
واجماع السلف الصالح حجة عليهم وقال ابن بزيزة وهو مذهب باطل فقد نهت الشريعة عن
الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع ولا ظن غالب مع أنه لو ارتبط الامر بها
لضاق إذ لا يعرفها الا القليل (قوله الشهر هكذا وهكذا يعنى مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين)
هكذا ذكره آدم شيخ البخاري مختصرا وفيه اختصار عما رواه غندر عن شعبة أخرجه مسلم عن
ابن المثنى وغيره عنه بلفظ الشهر هكذا وهكذا وعقد الابهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا
وهكذا يعنى تمام الثلاثين أي أشار أولا بأصابع يديه العشر جميعا مرتين وقبض الابهام في المرة
الثالثة وهذا المعبر عنه بقوله تسع وعشرون وأشار مرة أخرى بهما ثلاث مرات وهو المعبر
عنه بقوله ثلاثون وفى رواية جبلة بن سحيم عن ابن عمر في الباب الماضي الشهر هكذا وهكذا
وخنس الابهام في الثالثة ووقع من هذا الوجه عند مسلم بلفظ الشهر هكذا وهكذا وصفق بيديه
مرتين بكل أصابعه وقبض في الصفقة الثالثة ابهام اليمنى أو اليسرى وروى أحمد وابن أبي
شيبة واللفظ له من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن ابن عمر رفعه الشهر تسع وعشرون
ثم طبق بين كفيه مرتين وطبق الثالثة فقبض الابهام قال فقالت عائشة يغفر الله لأبي
عبد الرحمن انما هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا فنزل لتسع وعشرين فقيل له فقال إن
الشهر يكون تسعا وعشرين وشهر ثلاثون قال ابن بطال في الحديث رفع لمراعاة النجوم
بقوانين التعديل وانما المعول رؤية الأهلة وقد نهينا عن التكلف ولا شك ان في مراعاة
ما غمض حتى لا يدرك الا بالظنون غاية التكلف وفى الحديث مستند لمن رأى الحكم بالإشارة قلت
وسيأتى في كتاب الطلاق * (قوله باب لا يتقدم) بضم أوله وفتح ثانيه ويجوز فتحهما
أي المكلف (قوله لا يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين) أي لا يتقدم رمضان بصوم يوم يعد منه
بقصد الاحتياط له فان صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلى التكلف واكتفى في الترجمة عن ذلك
لتصريح الخبر به (قوله هشام) هو الدستوائي (قوله عن أبي سلمة عن أبي هريرة) في رواية خالد بن
الحرث عن هشام عند الإسماعيلي حدثني أبو سلمة حدثني أبو هريرة ونحوه لأبي عوانة من طريق
معاوية بن سلام عن يحيى (قوله لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم) في رواية أبى داود عن مسلم بن
إبراهيم شيخ البخاري فيه لا تقدموا صوم رمضان بصوم وفى رواية خالد بن الحرث المذكورة
لا تقدموا بين يدي رمضان بصوم ولأحمد عن روح عن هشام ولا تقدموا قبل رمضان بصوم
وللترمذي من طريق علي بن المبارك عن يحيى لا تقدموا شهر رمضان بصيام قبله (قوله الا أن
يكون رجل) كان تامة أي الا ان يوجد رجل (قوله يصوم صوما) وفى رواية الكشميهني صومه
فليصم ذلك اليوم وفى رواية معمر عن يحيى عند أحمد الا رجل كان يصوم صياما فيأتي ذلك على
صيامه ونحوه لأبي عوانة من طريق أيوب عن يحيى وفى رواية أحمد عن روح الا رجل كان يصوم
صياما فليصله به وللترمذي وأحمد من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة الا أن يوافق ذلك صوما
109

كان يصومه أحدكم قال العلماء معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط
لرمضان قال الترمذي لما أخرجه العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا ان يتعجل الرجل بصيام
قبل دخول رمضان لمعنى رمضان الله اه‍ والحكمة فيه التقوى بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوة
ونشاط وهذا فيه نظر لان مقتضى الحديث انه لو تقدمه بصيام ثلاثة أيام أو أربعة جاز وسنذكر
ما فيه قريبا وقيل الحكمة فيه خشية اختلاط النفل بالفرض وفيه نظر أيضا لأنه يجوز لمن له
عادة كما في الحديث وقيل لان الحكم علق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في
ذلك الحكم وهذا هو المعتمد ومعنى الاستثناء ان من كان له ورد فقد أذن له فيه لأنه اعتاده وألفه
وترك المألوف شديد وليس ذلك من استقبال رمضان في شئ ويلتحق بذلك القضاء والنذر
لوجوبهما قال بعض العلماء يستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا
يبطل القطعي بالظن وفى الحديث رد على من يرى بتقديم الصوم على الرؤية كالرافضة ورد على
من قال بجواز صوم النفل المطلق وأبعد من قال المراد بالنهى التقدم بنية رمضان واستدل بلفظ
التقدم لان التقدم على الشئ بالشئ انما يتحقق إذا كان من جنسه فعلى هذا يجوز الصيام بنية
النفل المطلق لكن السياق يأبى هذا التأويل ويدفعه وفيه بيان لمعنى قوله في الحديث الماضي
صوموا لرؤيته فان اللام فيه للتأقيت لا للتعليل قال ابن دقيق العيد ومع كونها محمولة على
التأقيت فلا بد من ارتكاب مجاز لان وقت الرؤية وهو الليل لا يكون محل الصوم وتعقبه
الفاكهي بان المراد بقوله صوموا انووا الصيام والليل كله ظرف للنية (قلت) فوقع في المجاز الذي
فر منه لان الناوي ليس صائما حقيقة بدليل انه يجوز له الأكل والشرب بعد النية إلى أن يطلع
الفجر وفيه منع انشاء الصوم قبل رمضان إذا كان لأجل الاحتياط فان زاد على ذلك فمفهومه
الجواز وقيل يمتد المنع لما قبل ذلك وبه قطع كثير من الشافعية وأجابوا عن الحديث بان المراد منه
التقديم بالصوم فحيث وجد منع وانما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب ممن يقصد ذلك وقالوا
أمد المنع من أول السادس عشر من شعبان لحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة
مرفوعا إذا انتصف شعبان فلا تصوموا أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره وقال
الروياني من الشافعية يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث الباب ويكره التقدم من نصف
شعبان للحديث الآخر وقال جمهور العلماء يجوز الصوم تطوعا بعد النصف من شعبان
وضعفوا الحديث الوارد فيه وقال أحمد وابن معين انه منكر وقد استدل البيهقي بحديث
الباب على ضعفه فقال الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء وكذا صنع قبله الطحاوي
واستظهر بحديث ثابت عن أنس مرفوعا أفضل الصيام بعد رمضان شعبان لكن اسناده
ضعيف واستظهر أيضا بحديث عمران بن حصين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل
هل صمت من سرر شعبان شيئا قال لا قال فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين ثم جمع بين الحديثين
بان حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم وحديث الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه
لرمضان وهو جمع حسن والله أعلم * (قوله باب قول الله عز وجل أحل لكم ليلة
الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله ما كتب الله لكم) كذا في رواية أبي ذر وساق غيره
الآية كلها والمراد بهذه الترجمة بيان ما كان الحال عليه قبل نزول هذه الآية ولما كانت هذه
110

الآية منزلة على أسباب تتعلق بالصيام عجل بها المصنف وقد تعرض لها في التفسير أيضا كما سيأتي
ويؤخذ من حاصل ما استقر عليه الحال من سبب نزولها ابتداء مشروعية السحور وهو
المقصود في هذا المكان لأنه جعل هذه الترجمة مقدمة لأبواب السحور (قوله عن أبي إسحاق)
هو السبيعي وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق المذكور وقد رواه الإسماعيلي من طريق
يوسف بن موسى وغيره عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه عن إسرائيل وزهير هو ابن
معاوية كلاهما عن أبي إسحاق عن البراء زاد فيه ذكر زهير وساقه على لفظ إسرائيل وقد رواه
الدارمي عبيد بن حميد في مسنديهما عن عبيد الله بن موسى فلم يذكرا زهيرا وقد أخرجه
النسائي من وجه آخر عن زهير به (قوله كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم) أي في أول
افتراض الصيام وبين ذلك ابن جرير في روايته من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا (قوله
فنام قبل ان يفطر الخ) في رواية زهير كان إذا نام قبل ان يتعشى لم يحل له ان يأكل شيا ولا
يشرب ليله ويومه حتى تغرب الشمس ولابى الشيخ من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق
كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا لم يفعلوا
شيئا من ذلك إلى مثلها فاتفقت الروايات في حديث البراء على أن المنع من ذلك كان مقيدا
بالنوم وهذا هو المشهور في حديث غيره وقيد المنع من ذلك في حديث ابن عباس بصلاة
العتمة أخرجه أبو داود بلفظ كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة
حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة ونحوه في حديث أبي هريرة كما سأذكره
قريبا وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر ويحتمل ان يكون ذكر صلاة العشاء لكون
ما بعدها مظنة النوم غالبا والتقييد في الحقيقة انما هو بالنوم كما في سائر الأحاديث وبين السدى
وغيره ان ذلك الحكم كان على وفق ما كتب على أهل الكتاب كما أخرجه ابن جرير من طريق
السدى ولفظه كتب على النصارى الصيام وكتب عليهم ان لا يأكلوا ولا يشربوا ولا ينكحوا
بعد النوم وكتب على المسلمين أولا مثل ذلك حتى أقبل رجل من الأنصار فذكر القصة ومن طريق
إبراهيم التيمي كان المسلمون في أول الاسلام يفعلون كما يفعل أهل الكتاب إذا نام أحدهم لم يطعم
حتى القابلة ويؤيد هذا ما أخرجه مسلم من حديث عمرو بن العاص مرفوعا فصل ما بين صيامنا
وصيام أهل الكتاب أكلة السحر (قوله وان قيس بن صرمة) بكسر الصاد المهملة وسكون الراء
هكذا سمى في هذه الرواية ولم يختلف على إسرائيل فيه الا في رواية أبى أحمد الزبيري عنه فإنه قال
صرمه بن قيس أخرجه أبو داود ولابى نعيم في المعرفة من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن
عباس مثله قال وكذا رواه أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس ووقع عند أحمد والنسائي
من طريق زهير عن أبي إسحاق أنه أبو قيس بن عمرو وفى حديث السدى المذكور حتى أقبل رجل
من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة ولابن جرير من طريق ابن إسحاق عن محمد بن يحيى بن
حبان بفتح المهملة وبالموحدة الثقيلة مرسلا صرمة بن أبي أنس ولغير ابن جرير من هذا الوجه
صرمة بن قيس كما قال أبو أحمد الزبيري وللذهلي في الزهريات من مرسل القاسم بن محمد صرمة
ابن أنس ولابن جرير من مرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى صرمة بن مالك والجمع بين هذه الروايات
انه أبو قيس صرمة بن أبي أنس قيس بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار كذا نسبه
111

ابن عبد البر وغيره فمن قال قيس بن صرمة قلبه كما جزم الداودي والسهيلي وغيرهما بأنه وقع
مقلوبا في رواية حديث الباب ومن قال صرمة بن مالك نسبه إلى جده ومن قال صرمة بن أنس
حذف أداة الكنية من أبيه ومن قال أبو قيس بن عمرو أصاب كنيته وأخطأ في اسم أبيه وكذا من
قال أبو قيس بن صرمة وكانه أراد أن يقول أبو قيس صرمة فزاد فيه ابن وقد صحفه بعضهم فرويناه
في جزء إبراهيم ابن أبي ثابت من طريق عطاء عن أبي هريرة قال كان المسلمون إذا صلوا العشاء حرم
عليهم الطعام والشراب والنساء وان ضمرة بن أنس الأنصاري غلبته عينه الحديث وقد استدرك
ابن الأثير في الصحابة ضمرة بن أنس في حرف الضاد المعجمة على من تقدمه وهو تصحيف وتحريف
ولم يتنبه له والصواب صرمة بن أبي أنس كما تقدم والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وصرمة بن أبي
أنس مشهور في الصحابة يكنى أبا قيس قال ابن إسحاق فيما أخرجه السراج في تاريخه من
طريقه باسناده إلى عويم بن ساعدة قال قال صرمة بن أبي أنس وهو يذكر النبي صلى الله
عليه وسلم
- ثوى في قريش بضع عشرة حجة * يذكر لو يلقى صديقا مؤاتيا -
الأبيات قال ابن إسحاق وصرمة هذا هو الذي نزل فيه وكلوا واشربوا الآية قال وحدثني محمد
ابن جعفر بن الزبير قال كان أبو قيس ممن فارق الأوثان في الجاهلية فلما قدم النبي صلى الله عليه
وسلم المدينة أسلم وهو شيخ كبير وهو القائل
- يقول أبو قيس وأصبح غاديا * ألا ما استطعتم من وصاتي فافعلوه -
الأبيات (قوله فقال لها أعندك) بكسر الكاف (طعام قالت لا ولكن انطلق أطلب لك) ظاهره
انه لم يجئ معه بشئ لكن في مرسل السدى انه أتاها بتمر فقال استبدلي به طحينا واجعليه سخينا
فان التمر أحرق جوفي وفيه لعلى آكله سخنا وانها استبدلته له وصنعته وفى مرسل ابن أبي ليلى
فقال لأهله أطعموني فقالت حتى أجعل لك شيئا سخينا ووصله أبو داود من طريق ابن أبي ليلى فقال
حدثنا أصحاب محمد فذكره مختصرا (قوله وكان يومه) بالنصب (يعمل) أي في أرضه وصرح بها أبو
داود في روايته وفى مرسل السدى كان يعمل في حيطان المدينة بالاجرة فعلى هذا فقوله في أرضه
إضافة اختصاص (قوله فغلبته عيناه) أي نام وللكشميهني عينه بالافراد (قوله فقالت خيبة
لك) بالنصب وهو مفعول مطلق محذوف العامل وقيل إذا كان بغير لام يجب نصبه والاجاز
والخيبة الحرمان يقال خاب يخيب إذا لم ينل ما طلب (قوله فلما انتصف النهار غشى عليه) في
رواية أحمد فأصبح صائما فلما انتصف النهار وفى رواية أبى داود فلم ينتصف النهار حتى غشى عليه
فيحمل الأول على أن الغشي وقع في آخر النصف الأول من النهار وفى رواية زهير عن أبي إسحاق فلم
يطعم شيئا وبات حتى أصبح صائما حتى انتصف النهار فغشى عليه وفى مرسل السدى فأيقظته
فكره ان يعصى الله وأبى ان يأكل وفى مرسل محمد بن يحيى فقالت له كل فقال انى قد نمت فقالت
لم تنم فأبى فأصبح جائعا مجهودا (قوله فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية زكريا عند أبي
الشيخ وأتى عمر امرأته وقد نامت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم (قوله فنزلت هذه الآية
أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ففرحوا بها فرحا شديدا ونزلت وكلوا واشربوا) كذا
في هذه الرواية وشرح الكرماني على ظاهرها فقال لما صار الرفث وهو الجماع هنا حلالا بعد إن كان
112

حراما كان الأكل والشرب بطريق الأولى فلذلك فرحوا بنزولها وفهموا منها الرخصة هذا وجه
مطابقة ذلك لقصة أبى قيس قال ثم لما كان حلهما بطريق المفهوم نزل بعد ذلك وكلوا واشربوا
ليعلم بالمنطوق تسهيل الامر عليهم صريحا ثم قال أو المراد من الآية هي بتمامها (قلت) وهذا هو
المعتمد وبه جزم السهيلي وقال إن الآية بتمامها نزلت في الامرين معا وقدم ما يتعلق بعمر لفضله
(قلت) وقد وقع في رواية أبى داود فنزلت أحل لكم ليلة الصيام إلى قوله من الفجر فهذا يبين ان
محل قوله ففرحوا بها بعد قوله الخيط الأسود ووقع ذلك صريحا في رواية زكريا بن أبي زائدة
ولفظه فنزلت أحل لكم إلى قوله من الفجر ففرح المسلمون بذلك وسيأتى بيان قصة عمر في تفسير
سورة البقرة مع بقية تفسير الآية المذكورة إن شاء الله تعالى * (قوله باب قول الله
عز وجل وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم) ساق إلى قوله إلى الليل وهذه الترجمة سيقت لبيان
انتهاء وقت الاكل وغيره الذي أبيح بعد إن كان ممنوعا واستفيد من حديث سهل الذي في هذا
الباب أن ذكر نزول الآية في حديث البراء أريد به معظمها وهو ان قوله من الفجر تأخر نزوله عن
بقية الآية مع أنه ليس في حديث البراء التصريح بأن قوله من الفجر نزل أو لا فان رواية حديث
الباب فيها إلى قوله الخيط الأسود ورواية أبى داود وأبى الشيخ فيها إلى قوله من الفجر فيحمل
الثاني على أن قوله من الفجر لم يدخل في الغاية (قوله فيه البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم) يريد
الحديث الذي مضى قبله وهو موصول كما تقدم ثم أورد المصنف في الباب حديثين الأول (قوله
أخبرني حصين) روى الطحاوي من طريق إسماعيل بن سالم عن هشيم أنبأنا حصين ومجالد وكذا
أخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع عن هشيم الا انه فرقهما (قوله عن عدى بن حاتم) في رواية
الترمذي أخبرني عدى بن حاتم وكذا أخرجه ابن خزيمة عن أحمد بن منيع وهكذا أورده أبو
عوانة من طريق أبو عبيد عن هشيم عن حصين (قوله لما نزلت حتى يتبين لكم الخيط الأبيض
من الخيط الأسود عمدت الخ) ظاهره ان عديا كان حاضرا لما نزلت هذه الآية وهو يقتضى
تقدم اسلامه وليس كذلك لان نزول فرض الصوم كان متقدما في أوائل الهجرة واسلام
عدى كان في التاسعة أو العاشرة كما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي فاما ان يقال إن الآية
التي في حديث الباب تأخر نزولها عن نزول فرض الصوم وهو بعيد جدا واما أن يؤول قول
عدى هذا على أن المراد بقوله لما نزلت أي لما تليت على عند اسلامي أو لما بلغني نزول الآية
أو في السياق حذف تقديره لما نزلت الآية ثم قدمت فأسلمت وتعلمت الشرائع عمدت وقد روى
أحمد حديثه من طريق مجالد بلفظ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والصيام فقال
صل كذا وصم كذا فإذا غابت الشمس فكل حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود
قال فأخذت خيطين الحديث (قوله إلى عقال) بكسر المهملة أي حبل وفى رواية مجالد فأخذت
خيطين من شعر (قوله فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي) في رواية مجالد فلا أستبين الأبيض
من الأسود (قوله فقال انما ذلك) زاد أبو عبيد ان وسادك إذا لعريض وكذا لأحمد عن هشيم
وللإسمعيلي عن يوسف القاضي عن محمد بن الصباح عن هشيم قال فضحك وقال إن كان وسادك
إذا لعريضا وهذه الزيادة أوردها المصنف في تفسير البقرة من طريق أبى عوانة عن حصين
وزاد إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك وفى رواية ابن إدريس عن حصين عند
113

مسلم ان وسادك لعريض طويل وللمصنف في التفسير من طريق جرير عن مطرف عن
الشعبي انك لعريض القفا ولابى عوانة من طريق إبراهيم بن طهمان عن مطرف فضحك وقال
لا يا عريض القفا قال الخطابي في المعالم في قوله إن وسادك لعريض قولان أحدهما يريد أن
نومك لكثير وكنى بالوسادة عن النوم لان النائم يتوسد أو أراد ان ليلك لطويل إذا كنت
لا تمسك عن الاكل حتى يتبين لك العقال والقول الآخر انه كنى بالوسادة عن الموضع الذي
يضعه من رأسه وعنقه على الوسادة إذا نام والعرب تقول فلان عريض القفا إذا كان فيه
غباوة وغفلة وقد روى في هذا الحديث من طريق أخرى انك عريض القفا وجزم الزمخشري
بالتأويل الثاني فقال انما عرض النبي صلى الله عليه وسلم قفا عدى لأنه غفل عن البيان وعرض
القفا مما يستدل به على قلة الفطنة وانشد في ذلك شعرا وقد أنكر ذلك كثير منهم القرطبي فقال
حمله بعض الناس على الذم له على ذلك الفهم وكأنهم فهموا انه نسبه إلى الجهل والجفاء وعدم
الفقه وعضدوا ذلك بقوله انك عريض القفا وليس الامر على ما قالوه لان من حمل اللفظ على
حقيقته اللسانية التي هي الأصل ان لم يتبين له دليل التجوز لم يستحق ذما ولا ينسب إلى جهل وانما
عنى والله أعلم ان وسادك إن كان يغطى على الخيطين اللذين أراد الله فهو إذا عريض واسع ولهذا
قال في اثر ذلك انما ذلك سواد الليل وبياض النهار فكأنه قال فكيف يدخلان تحت وسادتك
وقوله انك لعريض القفا أي ان الوساد الذي يغطى الليل والنهار لا يرقد عليه الا قفا عريض
للمناسبة (قلت) وترجم عليه ابن حبان ذكر البيان بان العرب تتفاوت لغاتها وأشار بذلك إلى أن
عديا لم يكن يعرف في لغته ان سواد الليل وبياض النهار يعبر عنهما بالخيط الأسود والخيط
الأبيض وساق هذا الحديث قال ابن المنير في الحاشية في حديث عدى جواز التوبيخ بالكلام
النادر الذي يسير فيصير مثلا بشرط صحة القصد ووجود الشرط عند أمن الغلو في ذلك فإنه مزلة
القدم الا لمن عصمه الله تعالى * الحديث الثاني (قوله (3) حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا عبد
العزيز بن أبي حازم عن أبيه وحدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان حدثني أبو حازم) كذا
أخرجه البخاري عن سعيد عن شيخين له واعاده في التفسير عن سعيد عن أبي غسان وحده وظهر
من سياقه ان اللفظ هنا لأبي غسان وقد أخرجه ابن خزيمة عن الذهلي عن سعيد عن شيخيه وبين
أبو نعيم في المستخرج ان لفظهما واحد وقد أخرجه مسلم وابن أبي حاتم وأبو عوانة والطحاوي في
آخرين من طريق سعيد عن أبي غسان وحده (قوله فكان رجال) لم أقف على تسمية أحد منهم
ولا يحسن ان يفسر بعضهم بعدي بن حاتم لان قصة عدى متأخرة عن ذلك كما سبق ويأتي (قوله
ربط أحدهم في رجليه) في رواية فضيل بن سليمان عن أبي حازم عند مسلم لما نزلت هذه الآية
جعل الرجل يأخذ خيطا أبيض وخيطا أسود فيضعهما تحت وسادته فينظر متى يستبينهما ولا
منافاة بينهما لاحتمال أن يكون بعضهم فعل هذا وبعضهم فعل هذا أو يكونوا يجعلونهما تحت
الوسادة إلى السحر فيربطونهما حينئذ في أرجلهم ليشاهدوهما (قوله حتى يتبين) كذا للأكثر
بالتشديد وللكشميهني حتى يستبين بفتح أوله وسكون المهملة والتخفيف (قوله رؤيتهما) كذا
لأبي ذر وفى رواية النسفي رأيهما بكسر أوله وسكون الهمزة وضم التحتانية ولمسلم من هذا الوجه
زيهما بكسر الزاي وتشديد التحتانية قال صاحب المطالع ضبطت هذه اللفظة على ثلاثة
114

أوجه ثالثها بفتح الراء وقد تكسر بعدها همزة مكسورة ثم تحتانية مشددة قال عياض ولاوجه
له الا بضرب من التأويل وكأنه رئي بمعنى مرئي والمعروف ان الرأي التابع من الجن فيحتمل
أن يكون من هذا الأصل لترائيه لمن معه من الانس (قوله فأنزل الله بعد من الفجر) قال القرطبي
حديث عدى يقتضى ان قوله من الفجر نزل متصلا بقوله من الخيط الأسود بخلاف حديث سهل
فإنه ظاهر في أن قوله من الفجر نزل بعد ذلك لرفع ما وقع لهم من الاشكال قال وقد قيل إنه كان بين
نزولهما عام كامل قال فاما عدى فحمل الخيط على حقيقته وفهم من قوله من الفجر من أجل
الفجر ففعل ما فعل قال والجمع بينهما أن حديث عدى متأخر عن حديث سهل فكأن عديا لم يبلغه
ما جرى في حديث سهل وانما سمع الآية مجردة ففهمها على ما وقع له فبين له النبي صلى الله عليه
وسلم ان المراد بقوله من الفجر أن ينفصل أحد الخيطين عن الآخر وان قوله من الفجر متعلق
بقوله يتبين قال ويحتمل أن تكون القصتان في حالة واحدة وان بعض الرواة يعنى في قصة عدى
تلا الآية تامة كما ثبت في القرآن وإن كان حال النزول انما نزلت مفرقة كما ثبت في حديث سهل
(قلت) وهذا الثاني ضعيف لان قصة عدى متأخرة لتأخر اسلامه كما قدمته وقد روى ابن أبي حاتم
من طريق أبى أسامة عن مجالد في حديث عدى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما أخبره بما
صنع يا ابن حاتم ألم أقل لك من الفجر وللطبراني من وجه آخر عن مجالد وغيره فقال عدى يا رسول
الله كل شئ أوصيتني قد حفظته غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود انى بت البارحة معي
خيطان أنظر إلى هذا والى هذا قال انما هو الذي في السماء فتبين ان قصة عدى مغايرة لقصة
سهل فاما من ذكر في حديث سهل فحملوا الخيط على ظاهره فلما نزل من الفجر علموا المراد فلذلك
قال سهل في حديثه فعلموا انما يعنى الليل والنهار وأما عدى فكأنه لم يكن في لغة قومه استعارة
الخيط للصبح وحمل قوله من الفجر على السببية فظن أن الغاية تنتهى إلى أن يظهر تمييز أحد
الخيطين من الآخر بضياء الفجر أو نسى قوله من الفجر حتى ذكره بها النبي صلى الله عليه وسلم
وهذه الاستعارة معروفة عند بعض العرب قال الشاعر
- ولما تبدت لنا سدفة * ولاح من الصبح خيط أنارا -
(قوله فعلموا أنه انما يعنى الليل والنهار) في رواية الكشميهني فعلموا انه يعنى وقد وقع في حديث
عدى سواد الليل وبياض النهار معنى الآية حتى يظهر بياض النهار من سواد الليل وهذا
البيان يحصل بطلوع الفجر الصادق ففيه دلالة على أن ما بعد الفجر من النهار وقال أبو عبيد المراد
بالخيط الأسود الليل وبالخيط الأبيض الفجر الصادق والخيط اللون وقيل المراد بالأبيض أول
ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود وبالأسود ما يمتد معه من غبش الليل شبيها
بالخيط قاله الزمخشري قال وقوله من الفجر بيان للخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط
الأسود لان بيان أحدهما بيان للآخر قال ويجوز أن تكون من للتبعيض لأنه بعض الفجر
وقد أخرجه قوله من الفجر من الاستعارة إلى التشبيه كما أن قولهم رأيت أسدا مجاز فإذا زدت فيه
من فلان رجع تشبيها ثم قال كيف جاز تأخير البيان وهو يشبه العبث لأنه قبل نزول من الفجر
لا يفهم منه الا الحقيقة وهى غير مرادة ثم أجاب بان من لا يجوزه وهم أكثر الفقهاء والمتكلمين لم
يصح عندهم حديث سهل وأما من يجوزه فيقول ليس بعبث لان المخاطب يستفيد منه وجوب
115

الخطاب ويعزم على فعله إذا استوضح المراد به انتهى ونقله نفى التجويز عن الأكثر فيه كما
سيأتي وجوابه عنهم بعدم صحة الحديث مردود ولم يقل به أحد من الفريقين لأنه مما اتفق
الشيخان على صحته وتلقته الأمة بالقبول ومسئلة تأخير البيان مشهورة في كتب الأصول وفيها
خلاف بين العلماء من المتكلمين وغيرهم وقد حكى ابن السمعاني في أصل المسئلة عن الشافعية
أربعة أوجه الجواز مطلقا عن ابن سريج والاصطخري وابن أبي هريرة وابن خيران والمنع مطلقا
عن أبي إسحاق المروزي والقاضي أبى حامد والصيرفي ثالثها جواز تأخير بيان المجمل دون العام
رابعها عكسه وكلاهما عن بعض الشافعية وقال ابن الحاجب تأخير البيان عن وقت الحاجة
ممتنع الا عند مجوز تكليف ما لا يطاق يعنى وهم الأشاعرة فيجوزونه وأكثرهم يقولون لم يقع قال
شارحه والخطاب المحتاج إلى البيان ضربان أحدهما ماله ظاهر وقد استعمل في خلافه والثاني
ما لا ظاهر له فقال طائفة من الحنفية والمالكية وأكثر الشافعية يجوز تأخيره عن وقت
الخطاب واختاره الفخر الرازي وابن الحاجب وغيرهم ومال بعض الحنفية والحنابلة كلهم إلى
امتناعه وقال الكرخي يمتنع في غير المجمل وإذا تقرر ذلك فقد قال النووي تبعا لعياض وانما حمل
الخيط الأبيض والأسود على ظاهرهما بعض من لا فقه عنده من الاعراب كالرجال الذين حكى
عنهم سهل وبعض من لم يكن في لغته استعمال الخيط في الصبح كعدى وادعى الطحاوي
والداودي انه من باب النسخ وان الحكم كان أولا على ظاهره المفهوم من الخيطين واستدل
على ذلك بما نقل عن حذيفة وغيره من جواز الأكل إلى الاسفار قال ثم نسخ بعد ذلك بقوله تعالى
من الفجر (قلت) ويؤيد ما قاله ما رواه عبد الرزاق باسناد رجاله ثقات ان بلالا أتى النبي صلى الله
عليه وسلم وهو يتسحر فقال الصلاة يا رسول الله قد والله أصبحت فقال يرحم الله بلالا لولا بلال
لرجونا أن يرخص لنا حتى تطلع الشمس ويستفاد من هذا الحديث كما قال عياض وجوب
التوقف عن الألفاظ المشتركة وطلب بيان المراد منها وأنها لا تحمل على أظهر وجوهها وأكثر
استعمالاتها الا عند عدم البيان وقال ابن بزيزة في شرح الاحكام ليس هذا من باب تأخير
بيان المجملات لان الصحابة عملوا أولا على ما سبق إلى أفهامهم بمقتضى اللسان فعلى هذا فهو من
باب تأخير ماله ظاهر أريد به خلاف ظاهره (قلت) وكلامه يقتضى ان جميع الصحابة فعلوا ما نقله
سهل بن سعد وفيه نظر واستدل بالآية والحديث على أن غاية الأكل والشرب طلوع الفجر فلو
طلع الفجر وهو يأكل أو يشرب فنزع تم صومه وفيه اختلاف بين العلماء ولو أكل ظانا ان
الفجر لم يطلع لم يفسد صومه عند الجمهور لان الآية دلت على الإباحة إلى أن يحصل التبيين وقد
روى عبد الرزاق باسناد صحيح عن ابن عباس قال أحل الله لك الأكل والشرب ما شككت
ولابن أبى شيبة عن أبي بكر وعمر نحوه وروى ابن أبي شيبة من طريق أبى الضحى قال سأل رجل ابن
عباس عن السحور فقال له رجل من جلسائه كل حتى لا تشك فقال ابن عباس ان هذا لا يقول
شيئا كل ما شككت حتى لا تشك قال ابن المنذر والى هذا القول صار أكثر العلماء وقال مالك
يقضى وقال ابن بزيزة في شرح الاحكام اختلفوا هل يحرم الاكل بطلوع الفجر أو بتبينه عند
الناظر تمسكا بظاهر الآية واختلفوا هل يجب امساك جزء قبل طلوع الفجر أم لا بناء على
الاختلاف المشهور في مقدمة الواجب وسنذكر بقية هذا البحث في الباب الذي يليه إن شاء الله
116

تعالى * (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنعنكم) كذا للأكثر
وللكشميهني لا يمنعكم بسكون العين بغير تأكيد قال ابن بطال لم يصح عند البخاري لفظ الترجمة
فاستخرج معناه من حديث عائشة وقد روى لفظ الترجمة وكيع من حديث سمرة مرفوعا
لا يمنعنكم من سحوركم اذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق وقال
الترمذي هو حديث حسن اه‍ وحديث سمرة عند مسلم أيضا لكن لم يتعين في مراد البخاري
فإنه قد صح أيضا على شرطه حديث ابن مسعود بلفظ لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه
يؤذن بليل ليرجع قائمكم الحديث وقد تقدم في أبواب الاذان في باب الاذان قبل الفجر
وأخرج عنه حديث عبيد الله بن عمر عن شيخيه القاسم ونافع كما أخرجه هنا فالظاهر أنه مراده
بما ذكره في هذه الترجمة وقد تقدم الكلام على حديث عبيد الله بن عمر هناك وفى حديث سمرة
الذي أخرجه مسلم بيان لما أبهم في حديث ابن مسعود وذلك أن في حديث ابن مسعود وليس
الفجر أن يقول ورفع بأصابعه إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا وفى حديث سمرة عند
مسلم لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا
يعنى معترضا وفى رواية ولا هذا البياض حتى يستطير وقد تقدم لفظ رواية الترمذي وله
من حديث طلق بن علي كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعترض
لكم الأحمر وقوله يهيدنكم بكسر الهاء أي يزعجنكم فتمتنعوا به عن السحور فإنه الفجر الكاذب
يقال هدته أهيده إذا أزعجته وأصل الهيد بالكسر الحركة ولابن أبى شيبة عن ثوبان مرفوعا
الفجر فجران فاما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئا ولا يحرمه ولكن المستطير أي هو الذي
يحرم الطعام ويحل الصلاة وهذا موافق للآية الماضية في الباب قبله وذهب جماعة من الصحابة
وقال به الأعمش من التابعين وصاحبه أبو بكر بن عياش إلى جواز السحور إلى أن يتضح الفجر
فروى سعيد بن منصور عن أبي الأحوص عن عاصم عن زر عن حذيفة قال تسحرنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم هو والله النهار غير أن الشمس لم تطلع وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن
عاصم نحوه وروى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ذلك عن حذيفة من طرق صحيحة وروى سعيد بن
منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر من طرق عن أبي بكر أنه أمر بغلق الباب حتى لا يرى الفجر
وروى ابن المنذر باسناد صحيح عن علي انه صلى الصبح ثم قال الآن حين تبين الخيط الأبيض من
الخيط الأسود قال ابن المنذر وذهب بعضهم إلى أن المراد يتبين بياض النهار من سواد الليل أن
ينتشر البياض في الطرق والسكك والبيوت ثم حكى ما تقدم عن أبي بكر وغيره وروى باسناد
صحيح عن سالم بن عبيد الأشجعي وله صحبة ان أبا بكر قال له اخرج فانظر هل طلع الفجر قال فنظرت
ثم أتيته فقلت قد أبيض وسطع ثم قال اخرج فانظر هل طلع فنظرت فقلت قد اعترض فقال
الآن أبلغني شرابي وروى من طريق وكيع عن الأعمش أنه قال لولا الشهوة لصليت الغداة ثم
تسحرت قال اسحق هؤلاء رأوا جواز الأكل والصلاة بعد طلوع الفجر المعترض حتى يتبين بياض
النهار من سواد الليل قال اسحق وبالقول الأول أقول لكن لا أطعن على من تأول الرخصة
كالقول الثاني ولا أرى عليه قضاء ولا كفارة (قلت) وفى هذا تعقب على الموفق وغيره حيث نقلوا
الاجماع على خلاف ما ذهب إليه الأعمش والله أعلم (قوله عن بن عمر والقاسم ابن محمد) بالجر عطفا
117

على نافع لا على ابن عمر لان عبيد الله بن عمر رواه عن نافع عن ابن عمر وعن القاسم عن عائشة وقد
تقدم الكلام عليه في المواقيت * (قوله باب تعجيل السحور) أي الاسراع بالاكل
إشارة إلى أن السحور كان يقع قرب طلوع الفجر وروى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه كنا
ننصرف أي من صلاة الليل فنستعجل بالطعام مخافة الفجر قال ابن بطال ولو ترجم له بباب تأخير
السحور لكان حسنا وتعقبه مغلطاي بأنه وجد في نسخة أخرى من البخاري باب تأخير السحور
ولم أر ذلك في شئ من نسخ البخاري التي وقعت لنا وقال الزين بن المنير التعجيل من الأمور النسبية
فان نسب إلى أول الوقت كان معناه التقديم وان نسب إلى آخره كان معناه التأخير وانما سماه
البخاري تعجيلا إشارة منه إلى أن الصحابي كان يسابق بسحوره الفجر عند خوف طلوعه وخوف
فوات الصلاة بمقدار ذهابه إلى المسجد (قوله عن أبيه أبى حازم) أشار الإسماعيلي إلى أن
عبد العزيز ابن أبي حازم لم يسمعه من أبيه فأخرج من طريق مصعب الزبيري عن أبي حازم عن
عبد الله بن عامر الأسلمي عن أبي حازم عن سهل ثم رواه من طريق أخرى عن عبد الله بن عامر عن أبي
حازم وعبد الله بن عامر هو الأسلمي فيه ضعف وأشار الإسماعيلي إلى تعليل الحديث بذلك
ومصعب بن عبد الله الزبيري لا يقاوم الحفاظ الذين رووه عن عبد العزيز عن أبيه بغير واسطة
فزيادته شاذة ويحتمل أن يكون عبد العزيز سمع من عبد الله بن عامر فيه عن أبيه زيادة لم تكن
فيما سمعه من أبيه فلذلك حدث به تارة عن أبيه بلا واسطة وتارة بالواسطة وقد وأخرجه البخاري
في المواقيت من وجه آخر عن أبي حازم فبطل التعليل برواية عبد العزيز بن أبي حازم والله أعلم
(قوله ثم تكون سرعتي) في رواية سليمان بن بلال ثم تكون سرعة بي وسرعة بالضم على إن كان
تامة ولفظ بي متعلق بسرعة أو ليست تامة وبي الخبر أو قوله إن أدرك ويجوز النصب على انها خبر
كان والاسم ضمير يرجع إلى ما يدل عليه لفظ السرعة (قوله إن أدرك السحور) كذا في رواية
الكشميهني وللنسفي والجمهور ان أدرك السجود وهو الصواب ويؤيده ان في الرواية المتقدمة في
المواقيت ان أدرك صلاة الفجر وفى رواية الإسماعيلي صلاة الصبح وفى رواية أخرى صلاة الغداة
قال عياض مراد سهل بن سعد أن غاية اسراعه ان سحوره لقربه من طلوع الفجر كان بحيث
لا يكاد أن يدرك صلاة الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولشدة تغليس رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالصبح وقال ابن المنير في الحاشية المراد انهم كانوا يزاحمون بالسحور الفجر فيختصرون
فيه ويستعجلون خوف الفوات * (تنبيه) * قال المزي ذكر خلف ان البخاري أخرج هذا الحديث
في الصوم عن محمد بن عبيد الله وقتيبة كلاهما عن عبد العزيز قال ولم نجده في الصحيح ولا ذكره أبو
مسعود (قلت) ورأيت هنا بخط القطب ومغلطاي محمد بن عبيد بغير إضافة وهو غلط والصواب
محمد بن عبيد الله وهو أبو ثابت المدني مشهور من كبار شيوخ البخاري * (قوله باب قدركم
بين السحور وصلاة الفجر) أي انتهاء السحور وابتداء الصلاة لان المراد تقدير الزمان الذي ترك
فيه الاكل والمراد بفعل الصلاة أول الشروع فيها قاله الزين بن المنير (قوله حدثنا هشام) هو
الدستوائي (قوله عن أنس) سبق في المواقيت من طريق سعيد عن قتادة قال قلت لأنس (قوله
قلت كم) هو مقول أنس والمقول له زيد بن ثابت وقد تقدم بيان ذلك في المواقيت وان قتادة أيضا
سأل أنسا عن ذلك ورواه أحمد أيضا عن يزيد بن هارون عن همام وفيه ان أنسا قال قلت لزيد (قوله
118

قال قدر خمسين آية) أي متوسطة لا طويلة ولا قصيرة لا سريعة ولا بطيئة وقدر بالرفع على أنه خبر
المبتدا ويجوز النصب على أنه خبر كان المقدرة في جواب زيد لا في سؤال أنس لئلا تصير كان واسمها
من قائل والخبر من آخر قال المهلب وغيره فيه تقدير الأوقات باعمال البدن وكانت العرب تقدر
الأوقات بالأعمال كقولهم قدر حلب شاة وقدر نحر جزور فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التقدير
بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة ولو كانوا يقدرون بغير العمل لقال
مثلا قدر درجة أو ثلث خمس ساعة وقال ابن أبي جمرة فيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة
بالعبادة وفيه تأخير السحور لكونه أبلغ في المقصود قال ابن أبي جمرة كان صلى الله عليه وسلم ينظر
ما هو الأرفق بأمته فيفعله لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم ولو تسحر في جوف الليل لشق
أيضا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم فقد يفضى إلى ترك الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر
وقال فيه أيضا تقوية على الصيام لعموم الاحتياج إلى الطعام ولو ترك لشق على بعضهم ولا سيما من
كان صفراويا فقد يغشى عليه فيفضى إلى الافطار في رمضان قال وفى الحديث تأنيس الفاضل
أصحابه بالمؤاكلة وجواز المشي صارت للحاجة لان زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي صلى الله عليه
وسلم وفيه الاجتماع على السحور وفيه حسن الأدب في العبارة لقوله تسحرنا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولم يقل نحن ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما يشعر لفظ المعية بالتبعية وقال
القرطبي فيه دلالة على أن الفراغ من السحور كان قبل طلوع الفجر فهو معارض لقول حذيفة
هو النهار الا أن الشمس لم تطلع انتهى والجواب أن لا معارضة بل تحمل على اختلاف الحال
فليس في رواية واحد منهما ما يشعر بالمواظبة فتكون قصة حذيفة سابقة وقد تقدم الكلام على
ما يتعلق باسناد هذا الحديث في المواقيت وكونه من مسند زيد بن ثابت أو من مسند أنس
* (قوله باب بركة السحور من غير ايجاب لان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واصلوا
ولم يذكر السحور) بضم يذكر على البناء للمجهول وللكشميهني والنسفي ولم يذكر سحور قال الزين
ابن المنير الاستدلال على الحكم انما يفتقر إليه إذا ثبت الاختلاف أو كان متوقعا والسحور
انما هو أكل للشهوة وحفظ القوة لكن لما جاء الامر به احتاج أن يبين انه ليس على ظاهره من
الايجاب وكذا النهى عن الوصال يستلزم الامر بالاكل قبل طلوع الفجر انتهى وتعقب بأن
النهى عن الوصال انما هو أمر بالفصل بين الصوم والفطر فهو أعم من الاكل آخر الليل فلا
يتعين السحور وقد نقل ابن المنذر الاجماع على ندبية السحور وقال ابن بطال في هذه الترجمة غفلة
من البخاري لأنه قد أخرج بعد هذا حديث أبي سعيد أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر
فجعل غاية الوصال السحر وهو وقت السحور قال والمفسر يقضى على المجمل انتهى وقد تلقاه
جماعة بعده بالتسليم وتعقبه ابن المنير في الحاشية بأن البخاري لم يترجم على عدم مشروعية
السحور وانما ترجم على عدم ايجابه وأخذ من الوصال أن السحور ليس بواجب وحيث نهاهم
النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال لم يكن على سبيل تحريم الوصال وانما هو نهى ارشاد
لتعليله إياه بالاشفاق عليهم وليس في ذلك ايجاب للسحور ولما ثبت أن النهى عن الوصال للكراهة
فضد نهى الكراهة الاستحباب فثبت استحباب السحور كذا قال ومسئلة الوصال مختلف فيها
والراجح عند الشافعية التحريم والذي يظهر لي أن البخاري أراد بقوله لان النبي صلى الله عليه
119

وسلم وأصحابه واصلوا الخ الإشارة إلى حديث أبي هريرة الآتي بعد خمسة وعشرين بابا ففيه
بعد النهى عن الوصال انه واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال لو تأخر لزدتكم فدل ذلك
على أن السحور ليس بحتم إذ لو كان حتما ما واصل بهم فان الوصال يستلزم ترك السحور سواء
قلنا الوصال حرام أولا وسيأتى الكلام على اختلاف العلماء في حكم الوصال وعلى حديث ابن
عمر أيضا في الباب المشار إليه إن شاء الله تعالى وقوله أظل بفتح الهمزة والظاء القائمة المعجمة مضارع
ظللت إذا عملت بالنهار وسيأتى هناك بلفظ أبيت وهو دال على أن استعمال أظل هنا ليس مقيدا
بالنهار * قوله في حديث أنس (تسحروا فان في السحور بركة) هو بفتح السين وبضمها لان المراد
بالبركة الأجر والثواب فيناسب الضم لأنه مصدر بمعنى التسحر أو البركة لكونه يقوى على
الصوم وينشط له ويخفف المشقة فيه فيناسب الفتح لأنه ما يتسحر به وقيل البركة ما يتضمن من
الاستيقاظ والدعاء في السحر والأولى ان البركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهى اتباع
السنة ومخالفة أهل الكتاب والتقوى به على العبادة والزيادة في النشاط ومدافعة سوء الخلق
الذي يثيره الجوع والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الاكل والتسبب
للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام قال ابن دقيق العيد
هذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية فان إقامة السنة يوجب الاجر وزيادته ويحتمل أن
تعود إلى الأمور الدنيوية كقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير اضرار بالصائم قال ومما يعلل
به استحباب السحور المخالفة لأهل الكتاب لأنه ممتنع عندهم وهذا أحد الوجوه المقتضية للزيادة
في الأجور الأخروية وقال أيضا وقع للمتصوفة في مسئلة السحور كلام من جهة اعتبار حكمة
الصوم وهى كسر شهوة البطن والفرج والسحور قد يباين ذلك قال والصواب أن يقال ما زاد في
المقدار حتى تنعدم هذه الحكمة بالكلية فليس بمستحب كالذي يصنعه المترفون من التأنق في
المآكل وكثرة الاستعداد لها وما عدا ذلك تختلف مراتبه * (تكميل) * يحصل السحور بأقل
ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب وقد أخرج هذا الحديث أحمد من حديث أبي سعيد
الخدري بلفظ السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فان الله وملائكته
يصلون على المتسحرين ولسعيد بن منصور من طريق أخرى مرسلة تسحروا ولو بلقمة * (قوله
باب إذا نوى بالنهار صوما) أي هل يصح مطلقا أو لا وللعلماء في ذلك اختلاف فمنهم من
فرق بين الفرض والنفل ومنهم من خص جواز النفل بما قبل الزوال وسيأتى بيان ذلك (قوله
وقالت أم الدرداء كان أبو الدرداء يقول عندكم طعام فان قلنا لا قال فانى صائم يومى هذا) وصله ابن أبي
شيبة من طريق أبى قلابة عن أم الدرداء قالت كان أبو الدرداء يغدونا أحيانا ضحى فيسأل
الغداء فربما لم يوافقه عندنا فيقول إذا أنا صائم وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي
إدريس وعن أيوب عن أبي قلابة عن أم الدرداء وعن معمر عن قتادة أن أبا الدرداء كان إذا
أصبح سأل أهله الغداء فإن لم يكن قال أنا صائم وعن ابن جريج عن عطاء عن أم الدرداء عن أبي
الدرداء أنه كان يأتي أهله حين ينتصف النهار فذكر نحوه ومن طريق شهر بن حوشب عن أم
الدرداء عن أبي الدرداء انه كان ربما دعا بالغداء فلا يجده فيفرض عليه الصوم ذلك اليوم (قوله
وفعله أبو طلحة وأبو هريرة وابن عباس وحذيفة) أما اثر أبى طلحة فوصله عبد الرزاق من طريق
120

قتادة وابن أبي شيبة من طريق حميد كلاهما عن أنس ولفظ قتادة ان أبا طلحة كان يأتي أهله
فيقول هل من غداء فان قالوا لا صام يومه ذلك قال قتادة وكان معاذ بن جبل يفعله ولفظ حميد
نحوه وزاد وإن كان عندهم أفطر ولم يذكر قصة معاذ وأما أثر أبي هريرة فوصله البيهقي من طريق
ابن أبي ذئب (3) عن حمزة عن يحيى عن سعيد بن المسيب قال رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق ثم
يأتي أهله فيقول عندكم شئ فان قالوا لا قال فانا صائم ورواه عبد الرزاق بسند آخر فيه انقطاع
ان أبا هريرة وأبا طلحة فذكر معناه وأما أثر ابن عباس فوصله الطحاوي من طريق عمرو بن أبي عمرو
عن عكرمة عن ابن عباس انه كان يصبح حتى يظهر ثم يقول والله لقد أصبحت وما أريد الصوم وما
اكلت من طعام ولا شراب منذ اليوم ولأصومن يومى هذا وأما أثر حذيفة فوصله عبد الرزاق
وابن أبي شيبة من طريق سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي قال قال حذيفة من بدا له
الصيام بعد ما تزول الشمس فليصم وفى رواية ابن أبي شيبة ان حذيفة بدا له في الصوم بعد
ما زالت الشمس فصام وقد جاء نحو ما ذكرنا عن أبي الدرداء مرفوعا من حديث عائشة أخرجه
مسلم وأصحاب السنن من طريق طلحة بن يحيى بن طلحة عن عمته عائشة بنت طلحة وفى رواية له
حدثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذات يوم فقال هل عندكم شئ قلنا لا قال فانى إذا صائم الحديث ورواه النسائي والطيالسي من
طريق سماك عن عكرمة عن عائشة نحوه ولم يسم النسائي عكرمة قال النووي في هذا الحديث
دليل للجمهور في أن صوم النافلة يجوز بنية في النهار قبل زوال الشمس وتأوله الآخرون على
أن سؤاله هل عندكم شئ لكونه كان نوى الصوم من الليل ثم ضعف عنه وأراد الفطر لذلك قال
وهو تأويل فاسد وتكلف بعيد وقال ابن المنذر اختلفوا فيمن أصبح يريد الافطار ثم بدا له أن
يصوم تطوعا فقالت طائفة له أن يصوم متى بدا له فذكر عمن تقدم وزاد ابن مسعود وأبا أيوب
وغيرهما وساق ذلك بأسانيده إليهم قال وبه قال الشافعي وأحمد قال وقال ابن عمر لا يصوم تطوعا
حتى يجمع من الليل أو يتسحر وقال مالك في النافلة لا يصوم الا أن يبيت الا إن كان يسرد
الصوم فلا يحتاج إلى التبييت وقال أهل الرأي من أصبح مفطرا ثم بدا له أن يصوم قبل منتصف
النهار أجزأه وان بدا له ذلك بعد الزوال لم يجزه (قلت) وهذا هو الأصح عند الشافعية والذي نقله
ابن المنذر عن الشافعي من الجواز مطلقا سواء كان قبل الزوال أو بعده هو أحد القولين
للشافعي والذي نص عليه في معظم كتبه التفرقة والمعروف عن مالك والليث وابن أبي ذئب انه
لا يصح صيام التطوع الا بنية من الليل (قوله عن سلمة بن الأكوع) في رواية يحيى وهو القطان
عن يزيد بن أبي عبيد حدثنا سلمة بن الأكوع كما سيأتي في خبر الواحد (قوله أن النبي صلى الله
عليه وسلم بعث رجلا ينادى في الناس) في رواية يحيى قال لرجل من أسلم أذن في قومك واسم هذا
الرجل هند بن أسماء بن حارثة الأسلمي له ولأبيه ولعمه هند بن حارثة صحبة أخرج حديثه أحمد
وابن أبي خيثمة من طريق ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن حبيب بن هند بن أسماء
الأسلمي عن أبيه قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومي من أسلم فقال مر قومك أن
يصوموا هذا اليوم يوم عاشوراء فمن وجدته منهم قد أكل في أول يومه فليصم آخره وروى أحمد
أيضا من طريق عبد الرحمن بن حرملة عن يحيى بن هند قال وكان هند من أصحاب الحديبية
121

وأخوه الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر قومه بالصيام يوم عاشوراء قال فحدثني
يحيى بن هند عن أسماء بن حارثة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه فقال مر قومك بصيام
هذا اليوم قال أرأيت ان وجدتهم قد طعموا قال فليتموا آخر يومهم (قلت) فيحتمل أن يكون
كل من أسماء وولده هند أرسلا بذلك ويحتمل أن يكون أطلق في الرواية الأولى على الجد اسم
الأب فيكون الحديث من رواية حبيب بن هند عن جده أسماء فتتحد الروايتان والله أعلم
واستدل بحديث سلمة هذا على صحة الصيام لمن لم ينوه من الليل سواء كان رمضان أو غيره لأنه
صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم في أثناء النهار فدل على أن النية لا تشترط من الليل وأجيب بان
ذلك يتوقف على أن صيام عاشوراء كان واجبا والذي يترجح من أقوال العلماء انه لم يكن فرضا
وعلى تقدير أنه كان فرضا فقد نسخ بلا ريب فنسخ حكمه وشرائطه بدليل قوله ومن أكل فليتم
ومن لا يشترط النية من الليل لا يجيز صيام من أكل من النهار وصرح ابن حبيب من المالكية
بان ترك التبييت لصوم عاشوراء من خصائص عاشوراء وعلى تقدير ان حكمه باق فالامر
بالامساك لا يستلزم الاجزاء فيحتمل أن يكون أمر بالامساك لحرمة الوقت كما يؤمر من قدم من
سفر في رمضان نهارا وكما يؤمر من أفطر يوم الشك ثم رأى الهلال وكل ذلك لا ينافي أمرهم
بالقضاء بل ورد ذلك صريحا في حديث أخرجه أبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عبد الرحمن
ابن سلمة عن عمه ان أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال صمتم يومكم هذا قالوا لا قال فأتموا
بقية يومكم واقضوه وعلى تقدير أن لا يثبت هذا الحديث في الامر بالقضاء فلا يتعين ترك القضاء
لان من لم يدرك اليوم بكماله لا يلزمه القضاء كمن بلغ أو أسلم في أثناء النهار واحتج الجمهور لاشتراط
النية في الصوم من الليل بما أخرجه أصحاب السنن من حديث عبد الله بن عمر عن أخته حفصة
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له لفظ النسائي ولابى داود
والترمذي من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له واختلف في رفعه ووقفه ورجح الترمذي
والنسائي الموقوف بعد ان أطنب النسائي في تخريج طرقه وحكى الترمذي في العلل عن البخاري
ترجيح وقفه وعمل بظاهر الاسناد جماعة من الأئمة فصححوا الحديث المذكور منهم ابن خزيمة وابن
حبان والحاكم وابن حزم وروى له الدارقطني طريقا آخر وقال رجالها ثقات وأبعد من خصه من
الحنفية بصيام القضاء والنذر وأبعد من ذلك تفرقة الطحاوي بين صوم الفرض إذا كان في يوم
بعينه كعاشوراء فتجزئ النية في النهار أو لا في يوم بعينه كرمضان فلا يجزئ الا بنية من الليل وبين
صوم التطوع فيجزئ في الليل وفى النهار وقد تعقبه امام الحرمين بأنه كلام غث لا أصل له وقال
ابن قدامة تعتبر النية في رمضان لكل يوم في قول الجمهور وعن أحمد انه يجزئه نية واحدة لجميع
الشهر وهو كقول مالك واسحق (3) وقال زفر يصح صوم رمضان في حق المقيم الصحيح بغير نية وبه
قال عطاء ومجاهد واحتج زفر بأنه لا يصح فيه غير صوم رمضان لتعينه فلا يفتقر إلى نية لان الزمن
معيار له فلا يتصور في يوم واحد الا صوم واحد وقال أبو بكر الرازي يلزم قائل هذا أن يصحح صوم
المغمى عليه في رمضان إذا لم يأكل ولم يشرب لوجود الامساك بغير نية قال فان التزمه كان
مستشنعا وقال غيره يلزمه أن من أخر الصلاة حتى لم يبق من وقتها الا قدرها فصلى حينئذ تطوعا
أنه يجزئه عن الفرض واستدل ابن حزم بحديث سلمة على أن من ثبت له هلال رمضان بالنهار
122

جاز له استدراك النية حينئذ ويجزئه وبناه على أن عاشوراء كان فرضا أولا وقد أمروا أن يمسكوا
في أثناء النهار قال وحكم الفرض لا يتغير ولا يخفى ما يرد عليه مما قدمناه وألحق بذلك من نسى
أن ينوى من الليل لاستواء حكم الجاهل والناسي * (قوله باب الصائم يصبح جنبا)
أي هل يصح صومه أو لا وهل يفرق بين العامد والناسي أو بين الفرض والتطوع وفى كل ذلك
خلاف للسلف والجمهور على الجواز مطلقا والله أعلم (قوله كنت أنا وأبى حتى دخلنا على عائشة
وأم سلمة) كذا أورده البخاري من رواية مالك مختصرا وعقبه بطريق الزهري عن أبي بكر بن
عبد الرحمن فأوهم أن سياقهما واحد لكنه ساق لفظ مالك بعد بابين وليس فيه ذكر مروان ولا
قصة أبي هريرة نعم قد أخرجه مالك في الموطأ عن سمى مطولا ولمالك فيه شيخ آخر أخرجه في الموطأ
عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن مختصرا وأخرجه مسلم من هذا الوجه أيضا
وأخرجه مسلم أيضا من رواية ابن جريج عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه أتم
منه وله طرق أخرى كثيرة أطنب النسائي في تخريجها وفى بيان اختلاف نقلتها وسأذكر
محصل فوائدها إن شاء الله تعالى (قوله في رواية شعيب ان أباه عبد الرحمن أخبر مروان) أي
ابن الحكم واخبار عبد الرحمن بما ذكر لمروان كان بعد أن أرسله مروان إلى عائشة وأم سلمة بين
ذلك في الموطأ وهو عند مسلم أيضا من طريقه ولفظه كنت أنا وأبى عند مروان بن الحكم
فقال مروان أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنهما
عن ذلك قال أبو بكر فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فساق القصة وبين
النسائي في رواية له ان عبد الرحمن بن الحارث انما سمعه من ذكوان مولى عائشة عنها ومن
نافع مولى أم سلمة عنها فأخرج من طريق عبد ربه بن سعيد عن أبي عياض عن عبد الرحمن بن
الحارث قال أرسلني مروان إلى عائشة فاتيتها فلقيت غلامها ذكوان فأرسلته إليها فسألها عن
ذلك فقالت فذكر الحديث مرفوعا قال فأتيت مروان فحدثته بذلك فأرسلني إلى أم سلمة فاتيتها
فلقيت غلامها نافعا فأرسلته إليها فسألها عن ذلك فذكر مثله وفى اسناده نظر لان أبا عياض
مجهول فإن كان محفوظا فيجمع بان كلا من الغلامين كان واسطة بين عبد الرحمن وبين كل
منهما في السؤال كما في هذه الرواية وسمع عبد الرحمن وابنه أبو بكر كلاهما من وراء الحجاب
كما في رواية المصنف وغيره وسأذكره من رواية أبى حازم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن
عن أبيه عند النسائي ففيه ان عبد الرحمن جاء إلى عائشة فسلم على الباب فقالت عائشة
يا عبد الرحمن الحديث (قوله كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم) في رواية
مالك المشار إليها كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام وفى رواية يونس عن ابن شهاب عن عروة
وأبى بكر بن عبد الرحمن عن عائشة كان يدركه الفجر في رمضان جنبا من غير حلم وستأتى بعد بابين
وللنسائي من طريق عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عنهما كان يصبح جنبا من غير
احتلام ثم يصوم ذلك اليوم وله من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قال مروان لعبد
الرحمن بن الحارث اذهب إلى أم سلمة فسلها فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا
منى فيصوم ويأمرني بالصيام قال القرطبي في هذا فائدتان إحداهما أنه كان يجامع في رمضان
ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر بيانا للجواز والثاني ان ذلك كان من جماع لا من احتلام
123

لأنه كان لا يحتلم إذ الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه وقال غيره في قولها من غير احتلام
إشارة إلى جواز الاحتلام عليه والا لما كان للاستثناء معنى ورد بان الاحتلام من الشيطان وهو
معصوم منه وأجيب بان الاحتلام يطلق على الانزال وقد وقع الانزال بغير رؤية شئ في المنام
وأرادت بالتقييد بالجماع المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدا يفطر وإذا كان فاعل ذلك
عمدا لا يفطر فالذي ينسى الاغتسال أو ينام عنه أولى بذلك قال ابن دقيق العيد لما كان الاحتلام
يأتي للمرء على غير اختياره فقد يتمسك به من يرخص لغير المتعمد الجماع فبين في هذا الحديث
ان ذلك كان من جماع لإزالة هذا الاحتمال (قوله وقال مروان لعبد الرحمن بن الحارث أقسم
بالله) في رواية النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن أبي بكر بن عبد الرحمن فقال مروان
لعبد الرحمن الق أبا هريرة فحدثه بهذا فقال إنه لجاري وانه لأكره ان أستقبله بما يكره فقال أعزم
عليك لتلقينه ومن طريق عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه فقال عبد الرحمن لمروان غفر
الله لك انه لي صديق ولا أحب ان أرد عليه قوله وبين ابن جريج في روايته عن عبد الملك بن أبي بكر
ابن عبد الرحمن عن أبيه سبب ذلك ففيه عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال سمعت أبا هريرة يقول في
قصصه ومن أدركه الفجر جنبا فلا يصم قال فذكرته لعبد الرحمن فانطلق وانطلقت معه حتى
دخلنا على مروان فذكر القصة أخرجه عبد الرزاق عنه ومن طريقه مسلم والنسائي وغيرهما
وفى رواية مالك عن سمى عن أبي بكر ان أبا هريرة قال من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم وللنسائي
من طريق المقبري كان أبو هريرة يفتى الناس انه من أصبح جنبا فلا يصوم ذلك اليوم وله من
طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أنه سمع أبا هريرة يقول من احتلم من الليل أو واقع أهله ثم
أدركه الفجر ولم يغتسل فلا يصم ومن طريق أبى قلابة عن عبد الرحمن بن الحارث ان أبا هريرة
كان يقول من أصبح جنبا فليفطر فاتفقت هذه الروايات على أنه كان يفتى بذلك وسيأتى بيان من
روى ذلك عنه مرفوعا في آخر الكلام على هذا الحديث (قوله لتفزعن) كذا للأكثر بالفاء
والزاي من الفزع وهو الخوف أي لتخيفنه بهذه القصة التي تخالف فتواه وللكشميهني لتقرعن
بفتح فقاف وراء مفتوحة أي تقرع بهذه القصة سمعه يقال قرعت بكذا سمع فلان إذا أعلمته به
اعلاما صريحا (قوله في مروان يومئذ على المدينة) أي أمير من جهة معاوية (قوله فكره ذلك
عبد الرحمن) قد بينا سبب كراهته قيل ويحتمل أن يكون كره أيضا أن يخالف مروان لكونه كان
أميرا واجب الطاعة في المعروف وبين أبو حازم عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه سبب تشديد
مروان في ذلك فعند النسائي من هذا الوجه قال كنت عند مروان مع عبد الرحمن فذكروا
قول أبي هريرة فقال اذهب فاسأل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال فذهبنا إلى عائشة فقالت
يا عبد الرحمن أما لكم في رسول الله أسوة حسنة فذكرت الحديث ثم أتينا أم سلمة كذلك ثم أتينا
مروان فاشتد عليه اختلافهم تخوفا أن يكون أبو هريرة يحدث بذلك عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال مروان لعبد الرحمن عزمت عليك لما أتيته فحدثته (قوله ثم قدر لنا أن نجتمع
بذى الحليفة) أي المكان المعروف وهو ميقات أهل المدينة وقوله وكان لأبي هريرة هناك
أرض فيه رفع توهم من يظن أنهما اجتمعا في سفر وظاهره انهما اجتمعا من غير قصد لكن في رواية
مالك المذكورة فقال مروان لعبد الرحمن أقسمت عليك لتركبن دابتي فإنها بالباب فلتذهبن إلى
124

أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنه قال فركب عبد الرحمن وركبت معه فهذا ظاهر في أنه قصد
أبا هريرة لذلك فيحمل قوله ثم قدر لنا أن نجتمع معه على المعنى الأعم من التقدير لا على معنى
الاتفاق ولا تخالف بين قوله بذى الحليفة وبين قوله بأرضه بالعقيق لاحتمال أن يكون قصداه إلى
العقيق فلم يجداه ثم وجداه بذى الحليفة وكان له أيضا بها أرض ووقع في رواية معمر عن الزهري
عن أبي بكر فقال مروان عزمت عليكما لما ذهبتما إلى أبي هريرة قال فلقينا أبا هريرة عند
باب المسجد والظاهر أن المراد بالمسجد هنا مسجد أبي هريرة بالعقيق لا المسجد النبوي جمعا بين
الروايتين أو يجمع بأنهما التقيا بالعقيق فذكر له عبد الرحمن القصة مجملة أو لم يذكرها بل شرع
فيها ثم لم يتهيأ له ذكر تفصيلها وسماع جواب أبي هريرة الا بعد أن رجعا إلى المدينة وأراد دخول
المسجد النبوي (قوله انى ذاكر لك) في رواية الكشميهني انى أذكر بصيغة المضارعة (قوله لم
أذكره لك) في رواية الكشميهني لم أذكر ذلك وفيه حسن الأدب مع الأكابر وتقديم الاعتذار قبل
تبليغ ما يظن المبلغ أن المبلغ يكرهه (قوله فذكر قول عائشة وأم سلمة فقال كذلك حدثني
الفضل) ظاهره أن الذي حدثه به الفضل مثل الذي ذكره له عبد الرحمن عن عائشة وأم سلمة
وليس كذلك لما قدمناه من مخالفة قول أبي هريرة لقول عائشة وأم سلمة والسبب في هذا الابهام
ان رواية شعيب في حديث الباب لم يذكر في أولها كلام أبي هريرة كما قدمناه فلذلك أشكل أمر
الإشارة بقوله كذلك ووقع كلام أبي هريرة في رواية معمر وفى رواية ابن جريج كما قدمناه
فلذلك قال في آخره سمعت ذلك أي القول الذي كنت أقوله من الفضل وفى رواية مالك عن سمى
فقال أبو هريرة لا علم لي بذلك وفى رواية معمر عن ابن شهاب فتلون وجه أبي هريرة ثم قال هكذا
حدثني الفضل (قوله وهو أعلم) أي بما روى والعهدة عليه في ذلك لاعلى ووقع في رواية النسفي
عن البخاري وهن أعلم أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكذا في رواية معمر وفى رواية ابن
جريج فقال أبو هريرة أهما قالتاه قال نعم قال هما أعلم وهذا يرجح رواية النسفي وللنسائي من
طريق عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه هي أي عائشة أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم
منا وزاد ابن جريج في روايته فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك وكذلك وقع في رواية محمد
ابن عبد الرحمن بن ثوبان عند النسائي انه رجع وروى ابن أبي شيبة من طريق قتادة عن سعيد
ابن المسيب ان أبا هريرة رجع عن فتياه من أصبح جنبا فلا صوم له وللنسائي من طريق عكرمة
ابن خالد ويعلى بن عقبة وعراك بن مالك كلهم عن أبي بكر بن عبد الرحمن ان أبا هريرة أحال بذلك
على الفضل بن عباس لكن عنده من طريق عمر بن أبي بكر عن أبيه أن أبا هريرة قال في هذه القصة
انما كان أسامة بن زيد حدثني فيحمل على أنه كان عنده عن كل منهما ويؤيده رواية أخرى
عند النسائي من طريق أخرى عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه قال فيها انما حدثني فلان
وفلان وفى رواية مالك المذكورة أخبرنيه مخبر والظاهر أن هذا من تصرف الرواة منهم من
أبهم الرجلين ومنهم من اقتصر على أحدهما تارة مبهما وتارة مفسرا ومنهم من لم يذكر عن أبي
هريرة أحبدا وهو عند النسائي أيضا من طريق أبى قلابة عن عبد الرحمن بن الحرث ففي آخره
فقال أبو هريرة هكذا كنت أحسب (قوله وقال همام وابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة كان
النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالفطر والأول أسند) اما رواية همام فوصلها أحمد وابن حبان
125

من طريق معمر عنه بلفظ قال صلى الله عليه وسلم إذا نودي للصلاة صلاة الصبح وأحدكم
جنب فلا يصم حينئذ وأما رواية ابن عبد الله بن عمر فوصلها عبد الرزاق عن معمر عن ابن
شهاب عن ابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة به وقد اختلف على الزهري في اسمه فقال شعيب
عنه أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال لي أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يأمرنا بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا أخرجه النسائي والطبراني في مسند الشاميين وقال عقيل
عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر به فاختلف على الزهري هل هو عبد الله مكبرا أو عبيد الله
مصغرا وأما قول المصنف والأول أسند فاستشكله ابن التين قال لان اسناد الخبر رفعه فكانه
قال إن الطريق الأولى أوضح رفعا قال لكن الشيخ أبو الحسن قال معناه ان الأول أظهر اتصالا
(قلت) والذي يظهر لي ان مراد البخاري ان الرواية الأولى أقوى اسنادا وهى من حيث الرجحان
كذلك لان حديث عائشة وأم سلمة في ذلك جاآ عنهما من طرق كثيرة جدا بمعنى واحد حتى قال
ابن عبد البر انه صح وتواتر وأما أبو هريرة فأكثر الروايات عنه انه كان يفتى به وجاء عنه من طريق
هذين انه كان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك وقع في رواية معمر عن الزهري عن أبي
بكر بن عبد الرحمن سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره أخرجه
عبد الرزاق وللنسائي من طرق عكرمة بن خالد عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال بلغ مروان ان أبا
هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وله من طريق المقبري قال بعثت عائشة
إلى أبي هريرة لاتحدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأحمد من طريق عبد الله بن عمرو
القارى سمعت أبا هريرة يقول ورب هذا البيت ما أنا قلت من أدرك الصبح وهو جنب فلا يصم
محمد ورب الكعبة قاله لكن بين أبو هريرة كما مضى انه لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم
وانما سمعه بواسطة الفضل وأسامة وكانه كان لشدة وثوقه بخبرهما يحلف على ذلك وأما
ما أخرجه ابن عبد البر من رواية عطاء بن مينا عن أبي هريرة أنه قال كنت حدثتكم من أصبح
جنبا فقد أفطر وان ذلك من كيس أبي هريرة فلا يصح ذلك عن أبي هريرة لأنه من رواية عمر بن
قيس وهو متروك نعم قد رجع أبو هريرة عن الفتوى بذلك اما لرجحان رواية أم المؤمنين في جواز
ذلك صريحا على رواية غيرهما مع ما في رواية غيرهما من الاحتمال إذ يمكن أن يحمل الامر بذلك
على الاستحباب في غير الفرض وكذا النهى عن صوم ذلك اليوم واما لاعتقاده أن يكون خبر أم
المؤمنين ناسخا لخبر غيرهما وقد بقى على مقالة أبي هريرة هذه بعض التابعين كما نقله الترمذي ثم
ارتفع ذلك الخلاف واستقر الاجماع على أن خلافه كما جزم به النووي وأما ابن دقيق العيد فقال
صار ذلك اجماعا أو كالاجماع لكن من الآخذين بحديث أبي هريرة من فرق بين تعمد الجنابة
وبين من احتلم كما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه وكذا حكاه ابن
المنذر عن طاوس أيضا قال ابن بطال وهو أحد قولي أبي هريرة (قلت) ولم يصح عنه فقد أخرج
ذلك ابن المنذر من طريق أبى المهزم وهو ضعيف عن أبي هريرة ومنهم من قال يتم صومه ذلك
اليوم ويقضيه حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وسالم بن عبد الله بن عمر (قلت) وأخرج
عبد الرزاق عن ابن جريج انه سأل عطاء عن ذلك فقال اختلف أبو هريرة وعائشة فأرى ان يتم
صومه ويقضى اه‍ وكأنه لم يثبت عنده رجوع أبي هريرة عن ذلك وليس ما ذكره صريحا في
126

ايجاب القضاء ونقل بعض المتأخرين عن الحسن بن صالح بن حيى ايجاب القضاء أيضا والذي نقله
الطحاوي عنه استحبابه ونقل ابن عبد البر عنه وعن النخعي ايجاب القضاء في الفرض والاجزاء
في التطوع ووقع لابن بطال وابن التين والنووي والفاكهي وغير واحد في نقل هذه المذاهب
مغايرات في نسبتها لقائلها والمعتمد ما حررته ونقل الماوردي ان هذا الاختلاف كله انما هو في
حق الجنب وأما المحتلم فأجمعوا على أنه يجزئه وهذا النقل معترض بما رواه النسائي باسناد صحيح
عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر انه احتلم ليلا في رمضان فاستيقظ قبل ان يطلع الفجر ثم نام قبل
أن يغتسل فلم يستيقظ حتى أصبح قال فاستفتيت أبا هريرة فقال أفطر وله من طريق محمد بن
عبد الرحمن بن ثوبان انه سمع أبا هريرة يقول من احتلم من الليل أو واقع أهله ثم أدركه الفجر ولم
يغتسل فلا يصم وهذا صريح في عدم التفرقة وحمل القائلون بفساد صيام الجنب حديث
عائشة على أنه من الخصائص النبوية أشار إلى ذلك الطحاوي بقوله وقال آخرون يكون حكم
النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكرت عائشة وحكم الناس على ما حكى أبو هريرة وأجاب الجمهور
بان الخصائص لا تثبت الا بدليل وبأنه قد ورد صريحا ما يدل على عدمها وترجم بذلك ابن حبان
في صحيحه حيث قال ذكر البيان بان هذا الفعل لم يكن المصطفى مخصوصا به ثم أورد ما أخرجه هو
ومسلم والنسائي وابن خزيمة وغيرهم من طريق أبى يونس مولى عائشة عن عائشة ان رجلا جاء
إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه وهى تسمع من وراء الباب فقال يا رسول الله تدركني الصلاة
أي صلاة الصبح وأنا جنب أفأصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب
فأصوم فقال لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال والله انى
لأرجو ان أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما اتقى وذكر ابن خزيمة ان بعض العلماء توهم ان أبا
هريرة غلط في هذا الحديث ثم رد عليه بأنه لم يغلط بل أحال على رواية صادق الا أن الخبر منسوخ
لان الله تعالى عند ابتداء فرض الصيام كان منع في ليل الصوم من الأكل والشرب والجماع بعد
النوم قال فيحتمل ان يكون خبر الفضل كان حينئذ ثم أباح الله ذلك كله إلى طلوع الفجر فكان
للمجامع أن يستمر إلى طلوعه فيلزم أن يقع اغتساله بعد طلوع الفجر فدل على أن حديث عائشة
ناسخ لحديث الفضل ولم يبلغ الفضل ولا أبا هريرة الناسخ فاستمر أبو هريرة على الفتيا به ثم رجع
عنه بعد ذلك لما بلغه (قلت) ويقويه ان في حديث عائشة هذا الأخير ما يشعر بان ذلك كان بعد
الحديبية لقوله فيها قد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر وأشار إلى آية الفتح وهى انما نزلت عام
الحديبية سنة ست وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية والى دعوى النسخ فيه ذهب ابن
المنذر والخطابي وغير واحد وقرره ابن دقيق العيد بان قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث
إلى نسائكم يقتضى إباحة الوطء في ليلة الصوم ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر فيلزم
إباحة الجماع فيه ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنبا ولا يفسد صومه فان إباحة التسبب
للشئ إباحة لذلك الشئ (قلت) وهذا أولى من سلوك الترجيح بين الخبرين كما تقدم من قول
البخاري والأول أسند وكذا قال بعضهم ان حديث عائشة أرجح لموافقة أم سلمة لها على ذلك
ورواية اثنين تقدم على رواية واحد ولا سيما وهما زوجتان وهما أعلم بذلك من الرجال ولان
روايتهما توافق المنقول وهو ما تقدم من مدلول الآية والمعقول وهو ان الغسل شئ وجب
127

بالانزال وليس في فعله شئ يحرم على صائم فقد يحتلم بالنهار فيجب عليه الغسل ولا يحرم عليه بل
يتم صومه اجماعا فكذلك إذا احتلم ليلا بل هو من باب الأولى وانما يمنع الصائم من تعمد الجماع
نهارا وهو شبيه بمن يمنع من التطيب وهو محرم لكن لو تطيب وهو حلال ثم أحرم فبقى عليه لونه
أو ريحه لم يحرم ذلك عليه وجمع بعضهم بين الحديثين بأن الامر في حديث أبي هريرة أمر ارشاد
إلى الأفضل فان الأفضل ان يغتسل قبل الفجر فلو خالف جاز ويحمل حديث عائشة على بيان
الجواز ونقل النووي هذا عن أصحاب الشافعي وفيه نظر فان الذي نقله البيهقي وغيره عن نص
الشافعي سلوك الترجيح وعن ابن المنذر وغيره سلوك النسخ ويعكر على حمله على الارشاد
التصريح في كثير من طرق حديث أبي هريرة بالامر بالفطر وبالنهي عن الصيام فكيف يصح
الحمل المذكور إذا وقع ذلك في رمضان وقيل هو محمول على من أدركه الفجر مجامعا فاستدام بعد
طلوعه عالما بذلك ويعكر عليه ما رواه النسائي من طريق أبى حازم عن عبد الملك بن أبي بكر بن
عبد الرحمن عن أبيه ان أبا هريرة كان يقول من احتلم وعلم باحتلامه ولم يغتسل حتى أصبح فلا
يصوم وحكى ابن التين عن بعضهم انه سقط لا من حديث الفضل وكان في الأصل من أصبح جنبا
في رمضان فلا يفطر فلما سقط لا صار فليفطر وهذا بعيد بل باطل لأنه يستلزم عدم الوثوق بكثير
من الأحاديث وانها يطرقها مثل هذا الاحتمال وكان قائله ما وقف على شئ من طرق هذا
الحديث الا على اللفظ المذكور * وفى هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم دخول العلماء على
الامراء ومذاكراتهم إياهم بالعلم وفيه فضيلة لمروان بن الحكم لما يدل عليه الحديث من
اهتمامه بالعلم ومسائل الدين وفيه الاستثبات في النقل والرجوع في المعاني إلى الأعلم فان الشئ
إذا نوزع فيه رد إلى من عنده علمه وترجيح مروى النساء فيما لهن عليه الاطلاع دون الرجال على
مروى الرجال كعكسه وان المباشر للامر أعلم به من المخبر عنه والائتساء بالنبي صلى الله عليه
وسلم في أفعاله ما لم يقم دليل الخصوصية وان للمفضول إذا سمع من الأفضل خلاف ما عنده من
العلم أن يبحث عنه حتى يقف على وجهه وان الحجة عند الاختلاف في المصير إلى الكتاب والسنة
وفيه الحجة بخبر الواحد وان المرأة فيه كالرجل وفيه فضيلة لأبي هريرة لاعترافه بالحق ورجوعه
إليه وفيه استعمال السلف من الصحابة والتابعين الارسال عن العدول من غير نكير بينهم لان
أبا هريرة اعترف بأنه لم يسمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه كان يمكنه ان يرويه
عنه بلا واسطة وانما بينها لما وقع من الاختلاف وفيه الأدب مع العلماء والمبادرة لامتثال أمر
ذي الامر إذا كان طاعة ولو كان فيه مشقة على المأمور * (تكميل) * في معنى الجنب الحائض
والنفساء إذا انقطع دمها ليلا ثم طلع الفجر قبل اغتسالها قال النووي في شرح مسلم مذهب
العلماء كافة صحة صومها الا ما حكى عن بعض السلف مما لا يعلم صح عنه أو لا وكانه أشار بذلك إلى
ما حكاه في شرح المهذب عن الأوزاعي لكن حكاه ابن عبد البر عن الحسن بن صالح أيضا وحكى ابن
دقيق العيد ان في المسئلة في مذهب مالك قولين وحكاه القرطبي عن محمد بن مسلمة من أصحابهم
ووصف قوله بالشذوذ وحكى ابن عبد البر عن عبد الملك بن الماجشون انها إذا أخرت غسلها حتى
طلع الفجر فيومها يوم فطر لأنها في بعضه غير طاهرة قال وليس كالذي يصبح جنبا لان الاحتلام
لا ينقض الصوم والحيض ينقضه * (قوله باب المباشرة للصائم) أي بيان حكمها
128

وأصل المباشرة التقاء البشرتين ويستعمل في الجماع سواء أولج أو لم يولج وليس الجماع مرادا
بهذه الترجمة (قوله وقالت عائشة رضي الله عنها يحرم عليه فرجها) وصله الطحاوي من طريق
أبى مرة مولى عقيل عن حكيم بن عقال قال سألت عائشة ما يحرم على من امرأتي وأنا صائم قالت
فرجها اسناده إلى حكيم صحيح ويؤدى معناه أيضا ما رواه عبد الرزاق باسناد صحيح عن مسروق
سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته صائما قالت كل شئ الا الجماع (قوله حدثنا سليمان بن
حرب عن شعبة) كذا للأكثر ووقع للكشميهني عن سعيد بمهملة وآخره دال وهو غلط فاحش
فليس في شيوخ سليمان بن حرب أحد اسمه سعيد حدثه عن الحكم والحكم المذكور هو ابن
عتيبة وإبراهيم هو النخعي وقد وقع عند الإسماعيلي عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب عن
شعبة على الصواب لكن وقع عنده عن إبراهيم ان علقمة وشريح بن أرطاة رجلان من النخع كانا
عند عائشة فقال أحدهما لصاحبه سلها عن القبلة للصائم قال ما كنت لأرفث عند أم المؤمنين
فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم وكان أملككم لاربه
قال الإسماعيلي رواه غندر وابن أبي عدى وغير واحد عن شعبة فقالوا عن علقمة وحدث به
البخاري عن سليمان بن حرب عن شعبة فقال عن الأسود وفيه نظر وصرح أبو إسحاق بن حمزة
فيما ذكره أبو نعيم في المستخرج عنه بأنه خطأ (قلت) وليس ذلك من البخاري فقد أخرجه البيهقي
من طريق محمد بن عبد الله بن معبد عن سليمان بن حرب كما قال البخاري وكأن سليمان بن حرب
حدث به على الوجهين فإن كان حفظه عن شعبة فلعل شعبة حدث به على الوجهين والا فأكثر
أصحاب شعبة لم يقولوا فيه من هذا الوجه عن الأسود وانما اختلفوا فمنهم من قال كرواية يوسف
المتقدمة وصورتها الارسال وكذا أخرجه النسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة
ومنهم من قال عن إبراهيم عن علقمة وشريح وقد ترجم النسائي في سننه الاختلاف فيه على
إبراهيم والاختلاف على الحكم وعلى الأعمش وعلى منصور وعلى عبد الله بن عون كلهم عن
إبراهيم وأورده من طريق إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال خرج نفر من النخع
فيهم رجل يدعى شريحا فحدث ان عائشة قالت فذكر الحديث قال فقال له رجل لقد هممت
أن أضرب رأسك بالقوس فقال قولوا له فليكف عنى حتى نأتى أم المؤمنين فلما أتوها قالوا لعلقمة
سلها فقال ما كنت لأرفث عندها اليوم فسمعته فقالت فذكر الحديث ثم ساقه من طريق عبيدة
عن منصور فجعل شريحا هو المنكر وأبهم الذي حدث بذلك عن عائشة ثم استوعب النسائي
طرقه وعرف منها أن الحديث كان عند إبراهيم عن علقمة والأسود ومسروق جميعا فلعله كان
يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وتارة يجمع وتارة يفرق وقد قال الدارقطني بعد ذكر
الاختلاف فيه على إبراهيم كلها صحاح وعرف من طريق إسرائيل سبب تحديث عائشة بذلك
واستدراكها على من حدث عنها به على الاطلاق بقولها ولكنه كان أملككم لاربه فأشارت
بذلك إلى أن الإباحة لمن يكون مالكا لنفسه دون من لا يأمن من الوقوع فيما يحرم وفى رواية حماد
عند النسائي قال الأسود قلت لعائشة أيباشر الصائم قالت لا قلت أليس كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يباشر وهو صائم قالت إنه كان أملككم لاربه وظاهر هذا انها اعتقدت خصوصية
النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قاله القرطبي قال وهو اجتهاد منها وقول أم سلمة يعنى الآتي ذكره
129

أولى أن يؤخذ به لأنه نص في الواقعة (قلت) قد ثبت عن عائشة صريحا إباحة ذلك كما تقدم
فيجمع بين هذا وبين قولها المتقدم انه يحل له كل شئ الا الجماع بحمل النهى هنا على كراهة
التنزيه فإنها لا تنافى الإباحة وقد رويناه في كتاب الصيام ليوسف القاضي من طريق حماد بن سلمة
عن حماد بلفظ سألت عائشة عن المباشرة للصائم فكرهتها وكأن هذا هو السر في تصدير البخاري
بالأثر الأول عنها لأنه يفسر مرادها بالنفي المذكور في طريق حماد وغيره والله أعلم ويدل على انها
لا ترى بتحريمها ولا بكونها من الخصائص ما رواه مالك في الموطأ عن أبي النضر ان عائشة بنت
طلحة أخبرته انها كانت عند عائشة فدخل عليها زوجها وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر
فقالت له عائشة ما يمنعك ان تدنو من أهلك فتلاعبها وتقبلها قال أقبلها وانا صائم قالت نعم (قوله
كان يقبل ويباشر وهو صائم) التقبيل أخص من المباشرة فهو من ذكر العام بعد الخاص وقد
رواه عمرو بن ميمون عن عائشة بلفظ كان يقبل في شهر الصوم أخرجه مسلم والنسائي وفى رواية
لمسلم يقبل في رمضان وهو صائم فأشارت بذلك إلى عدم التفرقة بين صوم الفرض والنفل وقد
اختلف في القبلة والمباشرة للصائم فكرهها قوم مطلقا وهو مشهور عند المالكية وروى ابن أبي
شيبة باسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكره القبلة والمباشرة ونقل ابن المنذر وغيره عن قوم
تحريمها واحتجوا بقوله تعالى فالآن باشروهن الآية فمنع المباشرة في هذه الآية نهارا
والجواب عن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله تعالى وقد أباح المباشرة نهارا
فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها والله أعلم وممن أفتى بافطار
من قبل وهو صائم عبد الله بن شبرمة أحد فقهاء الكوفة ونقله الطحاوي عن قوم لم يسمهم والزم
ابن حزم أهل القياس ان يلحقوا الصيام بالحج في منع المباشرة ومقدمات النكاح للاتفاق على
ابطالهما بالجماع وأباح القبلة قوم مطلقا وهو المنقول صحيحا عن أبي هريرة وبه قال سعيد وسعد
ابن أبي وقاص وطائفة بل بالغ بعض أهل الظاهر فاستحبها وفرق آخرون بين الشاب والشيخ
فكرهها للشاب وأباحها للشيخ وهو مشهور عن ابن عباس أخرجه مالك وسعيد بن منصور
وغيرهما وجاء فيه حديثان مرفوعان فيهما ضعف أخرج أحدهما أبو داود من حديث أبي
هريرة والآخر أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفرق آخرون بين من يملك
نفسه ومن لا يملك كما أشارت إليه عائشة وكما تقدم ذلك في مباشرة الحائض في كتاب الحيض وقال
الترمذي ورأى بعض أهل العلم ان للصائم إذا ملك نفسه ان يقبل والا فلا ليسلم له صومه وهو
قول سفيان والشافعي ويدل على ذلك ما رواه مسلم من طريق عمر بن أبي سلمة وهو ربيب النبي صلى
الله عليه وسلم أنه سال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم فقال سل هذه لام سلمة فأخبرته
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك
وما تأخر فقال أما والله انى لأتقاكم لله وأخشاكم له فدل ذلك على أن الشاب والشيخ سواء لان
عمر حينئذ كان شابا ولعله كان أول ما بلغ وفيه دلالة على أنه ليس من الخصائص وروى
عبد الرزاق باسناد صحيح عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار انه قبل امرأته وهو صائم فامر
امرأته ان تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسألته فقال انى أفعل ذلك فقال زوجها
يرخص الله لنبيه فيما يشاء فرجعت فقال انا أعلمكم بحدود الله وأتقاكم وأخرجه مالك لكنه
130

أرسله قال عن عطاء ان رجلا فذكر نحوه مطولا واختلف فيما إذا باشر أو قبل أو نظر فأنزل أو
أمذى فقال الكوفيون والشافعي يقضى إذا أنزل في غير النظر ولا قضاء في الامذاء وقال مالك
واسحق يقضى في كل ذلك ويكفر الا في الامذاء فيقضى فقط واحتج له بان الانزال أقصى ما يطلب
بالجماع من الالتذاذ في كل ذلك وتعقب بان الاحكام علقت بالجماع ولو لم يكن انزال فافترقا وروى
عيسى بن دينار عن ابن القاسم عن مالك وجوب القضاء فيمن باشر أو قبل فانعظ ولم يمذ ولا أنزل
وأنكره غيره عن مالك وأبلغ من ذلك ما روى عبد الرزاق عن حذيفة من تأمل خلق امرأته وهو
صائم بطل صومه لكن اسناده ضعيف وقال ابن قدامة ان قبل فأنزل أفطر بلا خلاف كذا قال
وفيه نظر فقد حكى ابن حزم انه لا يفطر ولو أنزل وقوى ذلك وذهب إليه وسأذكر في الباب الذي
يليه زيادة في هذه المسئلة إن شاء الله تعالى (قوله لاربه) بفتح الهمزة والراء وبالموحدة أي حاجته
ويروى بكسر الهمزة وسكون الراء أي عضوه والأول أشهر والى ترجيحه أشار البخاري بما
أورده من التفسير (قوله وقال ابن عباس مأرب حاجة) مأرب بسكون الهمزة وفتح الراء وهذا
وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ولى فيها مآرب أخرى قال
حاجة أخرى كذا فيه وهو تفسير الجمع بالواحد فلعله كان فيها حاجات أو حوائج فقد أخرجه أيضا
من طريق عكرمة عنه بلفظ مآرب أخرى قال حوائج أخرى (قوله وقال طاوس غير أولى
الإربة الأحمق لا حاجة له في النساء) وصله عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن ابن طاوس عن
أبيه في قوله غير أولى الإربة قال هو الأحمق الذي ليس له في النساء حاجة وقد وقع لنا هذا الأثر بعلو
في جزء محمد بن يحيى الذهلي المروى من طريق السلفي وقد تقدم في الحيض بيان الاختلاف في
قوله لاربه ورأيت بخط مغلطاي في شرحه هنا قال وقال ابن عباس أي في تفسير أولى الإربة
المقعد وقال ابن جبير المعتوه وقال عكرمة العنين ولم أر ذلك في شئ من نسخ البخاري وانما أوقعه
في ذلك ان القطب لما أخرج أثر طاوس قال بعده وعن ابن عباس المقعد إلى آخره ولم يرد
القطب ان البخاري ذكر ذلك وانما أورده القطب من قبل نفسه من كلام أهل التفسير (قوله
وقال جابر بن زيدان نظر فامنى يتم صومه) وصله ابن أبي شيبة من طريق عمرو بن هرم سئل جابر
ابن زيد عن رجل نظر إلى امرأته في رمضان فامنى من شهوتها هل يفطر قال لا ويتم صومه وقد
تقدم نقل الخلاف فيه قريبا * (تنبيه) * وقع هذا الأثر في رواية أبي ذر وحده هنا ووقع في رواية
الباقين في أول الباب الذي بعده وذكره ابن بطال في البابين معا ومناسبته للبابين من جهة التفرقة
بين من يقع منه الانزال باختياره وتين من يقع منه بغير اختياره كما سيأتي بسط القول فيه إن شاء الله
تعالى * (قوله باب القبلة للصائم) أي بيان حكمها (قوله حدثني يحيى) هو
القطان وهشام هو ابن عروة وقد أحال المصنف بالمتن على طريق مالك عن هشام وليس بين
لفظهما مخالفة فقد أخرجه النسائي من طريق يحيى القطان بلفظ كان يقبل بعض أزواجه
وهو صائم وزاد الإسماعيلي من طريق عمرو بن علي بن يحيى قال هشام قال انى لم أر القبلة تدعو
إلى خير ورواه سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحمن عن هشام بلفظ كان يقبل بعض
أزواجه وهو صائم ثم ضحكت فقال عروة لم أر القبلة تدعو إلى خير وكذا ذكره مالك في الموطأ
عن هشام عقب الحديث لكن لم يقل فيه ثم ضحكت وقوله ثم ضحكت يحتمل ضحكها التعجب ممن
131

خالف في هذا وقيل تعجبت من نفسها إذ تحدث بمثل هذا مما يستحيى من ذكر النساء مثله للرجال
ولكنها ألجأتها الضرورة في تبليغ العلم إلى ذكر ذلك وقد يكون الضحك خجلا لاخبارها عن
نفسها بذلك أو تنبيها على انها صاحبة القصة ليكون أبلغ في الثقة بها أو سرورا بمكانها من النبي
صلى الله عليه وسلم وبمنزلتها منه ومحبته لها وقد روى ابن أبي شيبة عن شريك عن هشام في هذا
الحديث فضحكت فظننا انها هي وروى النسائي من طريق طلحة بن عبد الله التيمي عن عائشة
قالت أهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني فقلت انى صائمة فقال وأنا صائم فقبلني وهذا
يؤيد ما قدمناه ان النظر في ذلك لمن لا يتأثر بالمباشرة والتقبيل لا للتفرقة بين الشاب والشيخ
لان عائشة كانت شابة نعم لما كان الشاب مظنة لهيجان الشهوة فرق من فرق وقال المازري
ينبغي ان يعتبر حال المقبل فان أثارت منه القبلة الانزال حرمت عليه لان الانزال يمنع منه الصائم
فكذلك ما أدى إليه وإن كان عنها المذي فمن رأى القضاء منه قال يحرم في حقه ومن رأى أن
لا قضاء قال يكره وان لم تؤد القبلة إلى شئ فلا معنى للمنع منها الا على القول بسد الذريعة قال ومن
بديع ما روى في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للسائل عنها أرأيت لو تمضمضت فأشار إلى فقه بديع
وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم وهى أول الشرب ومفتاحه كما أن القبلة من دواعي الجماع
ومفتاحه والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع وكما ثبت عندهم ان أوائل الشرب لا يفسد
الصيام فكذلك أوائل الجماع اه‍ والحديث الذي أشار إليه أخرجه أبو داود والنسائي من
حديث عمر قال النسائي منكر وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقد سبق الكلام على
حديث أم سلمة في كتاب الحيض والغرض منه هنا قولها وكان يقبلها وهو صائم وقد ذكرنا شاهده
من رواية عمر بن أبي سلمة في الباب الذي قبله وقال النووي القبلة في الصوم ليست محرمة على من
لم تحرك شهوته لكن الأولى له تركها وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح وقيل
مكروهة وروى ابن وهب عن مالك اباحتها في النفل دون الفرض قال النووي ولا خلاف انها
لا تبطل الصوم الا ان أنزل بها * (تنبيه) * روى أبو داود وحده من طريق مصدع بن يحيى عن
عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها ويمص لسانها واسناده ضعيف ولو صح فهو محمول
على من لم يبتلع ريقه الذي خالط ريقها والله أعلم * (قوله باب اغتسال الصائم)
أي بيان جوازه قال الزين بن المنير أطلق الاغتسال ليشمل الأغسال المسنونة والواجبة والمباحة
وكأنه يشير إلى ضعف ما روى عن علي من النهى عن دخول الصائم الحمام أخرجه عبد الرزاق وفى
اسناده ضعف واعتمده الحنفية فكرهوا الاغتسال للصائم (قوله وبل ابن عمر ثوبا فالقى عليه وهو
صائم) في رواية الكشميهني فألقاه وهذا وصله المصنف في التاريخ وابن أبي شيبة من طريق
عبد الله بن أبي عثمان انه رأى ابن عمر يفعل ذلك ومناسبته للترجمة من جهة ان بلل الثوب إذا
طالت اقامته على الجسد حتى جف ينزل ذلك منزلة الدلك بالماء وأراد البخاري باثر ابن عمر هذا
معارضة ما جاء عن إبراهيم النخعي بأقوى منه فان وكيعا روى عن الحسن بن صالح عن مغيرة عنه
أنه كان يكره للصائم بل الثياب (قوله ودخل الشعبي الحمام وهو صائم) وصله ابن أبي شيبة عن أبي
الأحوص عن أبي إسحاق قال رأيت الشعبي يدخل الحمام وهو صائم ومناسبته للترجمة ظاهرة
(قوله وقال ابن عباس لا بأس ان يتطعم القدر) بكسر القاف أي طعام القدر أو الشئ وصله ابن
132

أبى شيبة من طريق عكرمة عنه بلفظ لا بأس أن يتطاعم القدر ورويناه في الجعديات من هذا
الوجه بلفظ لا بأس ان يتطاعم الصائم بالشئ يعنى المرقة ونحوها ومناسبته للترجمة من طريق
الفحوى لأنه إذا لم يناف الصوم ادخال الطعام في الفم وتطعمه وتقريبه من الازدراد لم ينافه
ايصاله الماء إلى بشرة الجسد من باب الأولى (قوله وقال الحسن لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم)
وصله عبد الرزاق بمعناه ووقع بعضه في حديث مرفوع أخرجه مالك وأبو داود من طريق أبى بكر
بان عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
بالعرج يصب الماء على رأسه وهو صائم من العطش أو من الحر ومناسبته للترجمة ظاهرة وسيأتى
الكلام على ما يتعلق بالمضمضة في الباب الذي بعده (قوله وقال ابن مسعود إذا كان يوم صوم
أحدكم فليصبح دهينا مترجلا) قال الزين بن المنير مناسبته للترجمة من جهة أن الادهان من الليل
يقتضى استصحاب أثره في النهار وهو مما يرطب الدماغ ويقوى النفس فهو أبلغ من الاستعانة
ببرد الاغتسال لحظة من النهار ثم يذهب أثره (قلت) وله مناسبة أخرى وذلك أن المانع من
الاغتسال لعله سلك به مسلك استحباب التقشف في الصيام كما ورد مثله في الحج والادهان
والترجل في مخالفة التقشف كالاغتسال وقال ابن المنير الكبير أراد البخاري الرد على من كره
الاغتسال للصائم لأنه ان كرهه خشية وصول الماء حلقه فالعلة باطلة بالمضمضة والسواك ويذوق
القدر ونحو ذلك وان كرهه للرفاهية فقد استحب السلف للصائم الترفه والتجمل بالترجل
والادهان والكحل ونحو ذلك فلذلك ساق هذه الآثار في هذه الترجمة (قوله وقال أنس ان لي
أبزن أتقحم فيه وأنا صائم) الأبزن بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الزاي بعدها نون حجر
منقور شبه الحوض وهى كلمة فارسية ولذلك لم يصرفه وأتقحم فيه أي أدخل وهذا الأثر وصله
قاسم بن ثابت في غريب الحديث له من طريق عيسى بن طهمان سمعت أنس بن مالك يقول إن
لي أبزن إذا وجدت الحر تقحمت فيه وأنا صائم وكأن الأبزن كان ملآن ماء فكان أنس إذا
وجد الحر دخل فيه يتبرد بذلك (قوله وقال ابن عمر يستاك أول النهار وآخره) وصله ابن أبي شيبة
عنه بمعناه ولفظه كان ابن عمر يستاك إذا أراد ان يروح إلى الظهر وهو صائم ومناسبته للترجمة
قريبة مما تقدم في أثر ابن عباس في تطعم القدر ووقع في نسخة الصغاني بعد قوله وآخره ولا يبلع
ريقه (قوله وقال ابن سيرين لا بأس بالسواك الرطب قيل له طعم قال والماء له طعم وأنت تمضمض
به) وصله ابن أبي شيبة من طريق أبى حمزة المازني قال أتى ابن سيرين رجل فقال ما ترى في السواك
للصائم قال لا بأس به قال إنه جريد وله طعم قال فذكر مثله (قوله ولم ير أنس والحسن وإبراهيم
بالكحل للصائم بأسا) أما أنس فروى أبو داود في السنن من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن
أنس انه كان يكتحل وهو صائم ورواه الترمذي من طريق أبى عاتكة عن أنس مرفوعا وضعفه
وأما الحسن فوصله عبد الرزاق باسناد صحيح عنه قال لا بأس بالكحل للصائم وأما إبراهيم فاختلف
عنه فروى سعيد بن منصور عن جرير عن القعقاع بن يزيد سالت إبراهيم أيكتحل الصائم قال نعم
قلت أجد طعم الصبر في حلقى قال ليس بشئ وروى أبو داود من طريق يحيى بن عيسى عن الأعمش
قال ما رأيت أحدا من أصحابنا يكره الكحل للصائم وكان إبراهيم يرخص ان يكتحل الصائم بالصبر
وروى ابن أبي شيبة عن حفص عن الأعمش عن إبراهيم قال لا بأس بالكحل للصائم ما لم يجد
133

طعمه ثم أورد المصنف حديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بعد الفجر ويصوم
وأورده أيضا من حديثها وحديث أم سلمة وهو مطابق لما ترجم له وقد تقدم الكلام عليه
مستوفى قبل بابين بحمد الله تعالى * (قوله باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا) أي
هل يجب عليه القضاء أو لا وهى مسئلة خلاف مشهورة فذهب الجمهور إلى عدم الوجوب وعن
مالك يبطل صومه ويجب عليه القضاء قال عياض هذا هو المشهور عنه وهو قول شيخه ربيع
وجميع أصحاب مالك لكن فرقوا بين الفرض والنفل وقال الداودي لعل مالكا لم يبلغه الحديث
أو أوله على رفع الاثم (قوله وقال عطاء ان استنثر فدخل الماء في حلقه لا بأس ان لم يملك) أي دفع
الماء بان غلبه فان ملك دفع الماء فلم يدفعه حتى دخل حلقه أفطر ووقع في رواية أبي ذر والنسفي
لا بأس لم يملك باسقاط ان وهى على هذا جملة مستأنفة كالتعليل لقوله لا بأس وهذا الأثر وصله
عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء انسان يستنثر فدخل الماء في حلقه قال لا بأس بذلك قال
عبد الرزاق وقاله معمر عن قتادة وقال ابن أبي شيبة حدثنا مخلد عن ابن جريج ان انسانا قال
لعطاء أمضمض فيدخل الماء في حلقى قال لا بأس لم يملك وهذا يقوى رواية أبي ذر والنسفي (قوله
وقال الحسن ان دخل الذباب في حلقه فلا شئ عليه) وصله ابن أبي شيبة من طريق ابن أبي
نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في الرجل يدخل في حلقه الذباب وهو صائم قال لا يفطر وعن
وكيع عن الربيع عن الحسن قال لا يفطر ومناسبة هذين الاثرين للترجمة من جهة ان المغلوب
بدخول الماء حلقه أو الذباب لا اختيار له في ذلك كالناسي قال ابن المنير في الحاشية ادخل
المغلوب في ترجمة الناسي لاجتماعهما في ترك العمد وسلب الاختيار ونقل ابن المنذر الاتفاق
على أن من دخل في حلقه الذباب وهو صائم ان لا شئ عليه لكن نقل غيره عن أشهب أنه قال
أحب إلى أن يقضى حكاه ابن التين وقال الزين بن المنير دخول الذباب أقعد بالغلبة وعدم
الاختيار من دخول الماء لان الذباب يدخل بنفسه بخلاف الاستنشاق والمضمضة فإنما تنشأ عن
تسببه وفرق إبراهيم بين من كان ذاكرا لصومه حال المضمضة فأوجب عليه القضاء دون الناسي
وعن الشعبي إن كان لصلاة فلا قضاء والا قضى (قوله وقال الحسن ومجاهد ان جامع ناسيا فلا
شئ عليه) هذان الاثران وصلهما عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
قال لو وطئ رجل امرأته وهو صائم ناسيا في رمضان لم يكن عليه فيه شئ وعن الثوري عن رجل
عن الحسن قال هو بمنزلة من أكل أو شرب ناسيا وظهر باثر الحسن هذا مناسبة ذكر هذا الأثر
للترجمة وروى أيضا عن ابن جريج انه سأل عطاء عن رجل أصاب امرأته ناسيا في رمضان قال
لا ينسى هذا كله عليه القضاء وتابع عطاء على ذلك الأوزاعي والليث ومالك وأحمد وهو أحد
الوجهين للشافعية وفرق هؤلاء كلهم بين الاكل والجماع وعن أحمد في المشهور عنه تجب عليه
الكفارة أيضا وحجتهم قصور حالة المجامع ناسيا عن حالة الآكل وألحق به بعض الشافعية من
أكل كثيرا لندور نسيان ذلك قال ابن دقيق العيد ذهب مالك إلى ايجاب القضاء على من أكل
أو شرب ناسيا وهو القياس فان الصوم قد فات ركنه وهو من باب المأمورات والقاعدة ان
النسيان لا يؤثر في المأمورات قال وعمدة من لم يوجب القضاء حديث أبي هريرة لأنه أمر بالاتمام
وسمى الذي يتم صوما وظاهره حمله على الحقيقة الشرعية فيتمسك به حتى يدل دليل على أن
134

المراد بالصوم هنا حقيقته اللغوية وكأنه يشير بهذا إلى قول ابن القصار أن معنى قوله فليتم صومه
أي الذي كان دخل فيه وليس فيه نفى القضاء قال وقوله فإنما أطعمه الله وسقاه مما يستدل به
على صحة الصوم لاشعاره بان الفعل الصادر منه مسلوب الإضافة إليه فلو كان أفطر لا ضيف
الحكم إليه قال وتعليق الحكم بالاكل والشرب للغالب لان نسيان الجماع نادر بالنسبة إليهما
وذكر الغالب لا يقتضى مفهوما وقد اختلف فيه القائلون بان أكل الناسي لا يوجب قضاء
واختلف القائلون بالافساد هل يوجب مع القضاء الكفارة أو لا مع اتفاقهم على أن أكل الناسي
لا يوجبها ومدار كل ذلك على قصور حالة المجامع ناسيا عن حالة الآكل ومن أراد الحاق الجماع
بالمنصوص عليه فإنما طريقه القياس والقياس مع وجود الفارق متعذر الا ان بين القائس ان
الوصف الفارق ملغى اه‍ وأجاب بعض الشافعية بان عدم وجوب القضاء عن المجامع مأخوذ
من عموم قوله في بعض طرق الحديث من أفطر في شهر رمضان لان الفطر أعم من أن يكون بأكل
أو شرب أو جماع وانما خص الأكل والشرب بالذكر في الطريق الأخرى لكونهما أغلب وقوعا
ولعدم الاستغناء عنهما غالبا (قوله هشام) هو الدستوائي (قوله إذا نسى فأكل في رواية مسلم
من طريق إسماعيل عن هشام من نسى وهو صائم فأكل وللمصنف في النذر من طريق عوف عن
ابن سيرين من أكل ناسيا وهو صائم ولابى داود من طريق حبيب بن الشهيد وأيوب عن ابن
سيرين عن أبي هريرة جاء رجل فقال يا رسول الله انى أكلت وشربت ناسيا وأنا صائم وهذا
الرجل هو أبو هريرة راوي الحديث أخرجه الدارقطني باسناد ضعيف (قوله فليتم صومه) في
رواية الترمذي من طريق قتادة عن ابن سيرين فلا يفطر (قوله فإنما أطعمه الله وسقاه) في
رواية الترمذي فإنما هو رزق رزقه الله وللدارقطني من طريق ابن علية عن هشام فإنما هو رزق
ساقه الله تعالى إليه قال ابن العربي تمسك جميع فقهاء الأمصار بظاهر هذا الحديث وتطلع مالك
إلى المسئلة من طريقها فأشرف عليه لان الفطر ضد الصوم والامساك ركن الصوم فأشبه ما لو
نسى ركعة من الصلاة قال وقد روى الدارقطني فيه لا قضاء عليك فتأوله علماؤنا على أن معناه
لا قضاء عليك الآن وهذا تعسف وانما أقول ليته صح فنتبعه ونقول به الا على أصل مالك في أن
خبر الواحد إذا جاء بخلاف القواعد لم يعمل به فلما جاء الحديث الأول الموافق للقاعدة في رفع
الاثم عملنا به وأما الثاني فلا يوافقها فلم نعمل به وقال القرطبي احتج به من أسقط القضاء وأجيب
بأنه لم يتعرض فيه للقضاء فيحمل على سقوط المؤاخذة لان المطلوب صيام يوم لا خرم فيه لكن
روى الدارقطني فيه سقوط القضاء وهو نص لا يقبل الاحتمال لكن الشأن في صحته فان صح
وجب الاخذ به وسقط القضاء اه‍ وأجاب بعض المالكية بحمل الحديث على صوم التطوع
كما حكاه ابن التين عن ابن شعبان وكذا قال ابن القصار واعتل بأنه لم يقع في الحديث تعيين
رمضان فيحمل على التطوع وقال المهلب وغيره لم يذكر في الحديث اثبات القضاء فيحمل على
سقوط الكفارة عنه واثبات عذره ورفع الاثم عنه وبقاء نيته التي بيتها اه‍ والجواب عن ذلك
كله بما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري
عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا
كفارة فعين رمضان وصرح باسقاط القضاء قال الدارقطني تفرد به محمد بن مرزوق عن
135

الأنصاري وتعقب بان ابن خزيمة أخرجه أيضا عن إبراهيم بن محمد الباهلي وبان الحاكم أخرجه
من طريق أبى حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري فهو المنفرد به كما قال البيهقي وهو ثقة والمراد انه
انفرد بذكر اسقاط القضاء فقط لا بتعيين رمضان فان النسائي أخرج الحديث من طريق علي بن
بكار عن محمد بن عمرو ولفظه في الرجل يأكل في شهر رمضان ناسيا فقال الله أطعمه وسقاه وقد ورد
اسقاط القضاء من وجه آخر عن أبي هريرة أخرجه الدارقطني من رواية محمد بن عيسى بن الطباع
عن ابن علية عن هشام عن ابن سيرين ولفظه فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه وقال بعد
تخريجه هذا اسناد صحيح وكلهم ثقات (قلت) لكن الحديث عند مسلم وغيره من طريق ابن علية
وليس فيه هذه الزيادة وروى الدارقطني أيضا اسقاط القضاء من رواية أبى رافع وأبى سعيد
المقبري والوليد بن عبد الرحمن وعطاء بن يسار كلهم عن أبي هريرة وأخرج أيضا من حديث أبي
سعيد رفعه من أكل في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه واسناده وإن كان ضعيفا لكنه صالح
للمتابعة فأقل درجات الحديث بهذه الزيادة أن يكون حسنا فيصلح للاحتجاج به وقد وقع
الاحتجاج في كثير من المسائل بما هو دونه في القوة ويعتضد أيضا بأنه قد أفتى به جماعة من
الصحابة من غير مخالفة لهم منهم كما قاله ابن المنذر وابن حزم وغيرهما علي بن أبي طالب وزيد بن
ثابت وأبو هريرة وابن عمر ثم هو موافق لقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم
فالنسيان ليس من كسب القلب وموافق للقياس في ابطال الصلاة بعمد الاكل لا بنسيانه
فكذلك الصيام وأما القياس الذي ذكره ابن العربي فهو في مقابلة النص فلا يقبل ورده للحديث
مع صحته بكونه خبر واحد خالف القاعدة ليس بمسلم لأنه قاعدة مستقلة بالصيام فمن عارضه
بالقياس على الصلاة أدخل قاعدة في قاعدة ولو فتح باب رد الأحاديث الصحيحة بمثل هذا لما بقى من
الحديث الا القليل وفى الحديث لطف الله بعباده والتيسير عليهم ورفع المشقة والحرج عنهم وقد
روى أحمد لهذا الحديث سببا فأخرج من طريق أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم اسحق انها
كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم فاتى بقصعة من ثريد فكلت معه ثم تذكرت انها كانت صائمة
فقال لها ذو اليدين الآن بعدما شبعت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أتمي صومك فإنما هو
رزق ساقه الله إليك وفى هذا رد على من فرق بين قليل الاكل وكثيره ومن المستظرفات ما رواه
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار ان انسانا جاء إلى أبي هريرة فقال أصبحت صائما
فنسيت فطعمت قال لا بأس قال ثم دخلت على انسان فنسيت وطعمت وشربت قال لا بأس الله
أطعمك وسقاك ثم قال دخلت على آخر فنسيت فطعمت فقال أبو هريرة أنت انسان لم تتعود
الصيام * (قوله باب سواك الرطب واليابس للصائم) كذا للأكثر وهو كقولهم
مسجد الجامع ووقع في رواية الكشميهني باب السواك الرطب واليابس وأشار بهذه الترجمة إلى
الرد على من كره للصائم الاستياك بالسواك الرطب كالمالكية والشعبي وقد تقدم قبل بباب قياس
ابن سيرين السواك الرطب على الماء الذي يتمضمض به ومنه تظهر النكتة في ايراد حديث عثمان
في صفة الوضوء في هذا الباب فان فيه انه تمضمض واستنشق وقال فيه من توضأ وضوئي هذا ولم
يفرق بين صائم ومفطر ويتأيد ذلك بما ذكر في حديث أبي هريرة في الباب (قوله ويذكر عن عامر
ابن ربيعة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصى أو أعد) وصله أحمد
136

وأبو داود والترمذي من طريق عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه وأخرجه
ابن خزيمة في صحيحه وقال كنت لا أخرج حديث عاصم ثم نظرت فإذا شعبة والثوري قد رويا عنه
وروى يحيى وعبد الرحمن عن الثوري عنه وروى مالك عنه خبرا في غير الموطأ (قلت) وضعفه ابن
معين والذهلي والبخاري وغير واحد ومناسبته للترجمة اشعاره بملازمة السواك ولم يخص رطبا من
يابس وهذا على طريقة المصنف في أن المطلق يسلك به مسلك العموم أو ان العام في الاشخاص
عام في الأحوال وقد أشار إلى ذلك بقوله في أواخر الترجمة المذكورة ولم يخص صائما من غيره أي
ولم يخص أيضا رطبا من يابس وبهذا التقرير تظهر مناسبة جميع ما أورده في هذا الباب للترجمة
والجامع لذلك كله قوله في حديث أبي هريرة لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء فإنه يقتضى اباحته
في كل وقت وعلى كل حال قال ابن المنير في الحاشية أخذ البخاري شرعية السواك للصائم بالدليل
الخاص ثم انتزعه من الأدلة العامة التي تناولت أحوال متناول السواك وأحوال ما يستاك
به ثم انتزع ذلك من أعم من السواك وهو المضمضة إذ هي أبلغ من السواك الرطب (قوله وقالت
عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) وصله أحمد والنسائي
وابن خزيمة وابن حبان من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي
بكر الصديق عن أبيه عنها رواه عن عبد الرحمن هذا يزيد بن زريع والدراوردي وسليمان
ابن بلال وغير واحد وخالفهم حماد بن سلمة فرواه عن عبد الرحمن بن أبي عتيق عن أبيه عن أبي
بكر الصديق أخرجه أبو يعلى والسراج في مسنديهما عن عبد الاعلى بن حماد عن حماد بن سلمة
قال أبو يعلى في روايته قال عبد الاعلى هذا خطأ انما هو عن عائشة قوله وقال عطاء وقتادة
يبتلع ريقه) كذا للأكثر وللمستملى يبلع بغير مثناة وللحموي يتبلع بتقديم المثناة بعدها موحدة
ثم مشددة فاما قول عطاء فوصله سعيد بن منصور وسيأتى في الباب الذي بعده وأما أثر قتادة
فوصله عبد بن حميد في التفسير عن عبد الرزاق عن معمر عنه نحوه ومناسبته للترجمة من جهة
ان أقصى ما يخشى من السواك الرطب أن يتحلل منه في الفم شئ وذلك الشئ كماء المضمضة فإذا
قذفه من فيه لا يضره بعد ذلك ان يبتلع ريقه (قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل وضوء) وصله النسائي من طريق بشر بن عمر عن
مالك عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة بهذا اللفظ ووقع لنا بعلو في جزء الذهلي وأخرجه ابن
خزيمة من طريق روح بن عبادة عن مالك بلفظ لامرتهم بالسواك مع كل وضوء والحديث في
الصحيحين بغير هذا اللفظ من غير هذا الوجه وقد أخرجه النسائي أيضا من طريق عبد الرحمن
السراج عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع
كل وضوء (قوله ويروى نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم) أما حديث
جابر فوصله أبو نعيم في كتاب السواك من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عنه بلفظ مع كل صلاة
سواك وعبد الله مختلف فيه ووصله ابن عدي من وجه آخر عن جابر بلفظ لجعلت السواك عليهم
عزيمة واسناده ضعيف وأما حديث زيد بن خالد فوصله أصحاب السنن وأحمد من طريق محمد بن إسحاق
عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عنه بلفظ عند كل صلاة وحكى الترمذي عن البخاري
انه سأله عن رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ورواية محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن
137

زيد بن خالد فقال رواية محمد بن إبراهيم أصح قال الترمذي كلا الحديثين صحيح عندي (قلت) رجح
البخاري طريق محمد بن إبراهيم لامرين أحدهما ان فيه قصة وهى قول أبى
سلمة فكان زيد بن
خالد يضع السواك منه موضع القلم من أذن الكاتب فكلما قام إلى الصلاة استاك ثانيهما انه
توبع فأخرج الإمام أحمد من طريق يحيى بن أبي كثير حدثنا أبو سلمة عن زيد بن خالد فذكر نحوه
* (تنبيه) * وقع في رواية غير أبي ذر في سياق هذه الآثار والأحاديث تقديم وتأخير والخطب
فيه يسير ثم أورد المصنف في الباب حديث عثمان في صفة الوضوء وقد تقدم الكلام عليه
مستوفى في كتاب الوضوء وفى أوائل الصلاة وذكرت ما يتعلق بمناسبته للترجمة قبل * (قوله
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء) هذا الحديث بهذا
اللفظ من الأصول التي لم يوصلها البخاري وقد أخرجه مسلم من طريق همام عن أبي هريرة
ورويناه في مصنف عبد الرزاق وفى نسخة همام من طريق الطبراني عن إسحاق عنه عن معمر
عن همام ولفظه إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخره الماء ثم ليستنثر وقول المصنف ولم يميز
الصائم من غيره قاله تفقها وهو كذلك في أصل الاستنشاق لكن ورد تمييز الصائم من غيره في
المبالغة في ذلك كما رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من طريق عاصم بن لقيط بن صبرة
عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له بالغ في الاستنشاق الا أن تكون صائما وكأن المصنف
أشار بايراد أثر الحسن عقبه إلى هذا التفصيل (قوله وقال الحسن لا بأس بالسعوط للصائم ان لم
يصل الماء إلى حلقه) وصله ابن أبي شيبة نحوه وقال الكوفيون والأوزاعي واسحق يجب القضاء
على من استعط وقال مالك والشافعي لا يجب الا ان وصل الماء إلى حلقه وقوله ويكتحل هو من
قول الحسن أيضا وقد تقدم ذكره قبل بابين (قوله وقال عطاء الخ) وصله سعيد بن منصور عن
ابن المبارك عن ابن جريج قلت لعطاء الصائم يمضمض ثم يزدرد ريقه وهو صائم قال لا يضره
وماذا بقى في فيه وكذا أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج ووقع في أصل البخاري وما بقى في فيه
قال ابن بطال ظاهره إباحة الازدراد لما بقى في الفم من ماء المضمضة وليس كذلك لان
عبد الرزاق رواه بلفظ وماذا بقى في فيه وكأن ذا سقطت من رواية البخاري انتهى وما على ظاهر
ما أورده البخاري موصولة وعلى ما وقع من رواية ابن جريج استفهامية وكأنه قال وأي شئ يبقى
في فيه بعد ان يمج الماء الا أثر الماء فإذا بلع ريقه لا يضره وقوله في الأصل لا يضره وقع في رواية
المستملى لا يضيره بزيادة تحتانية والمعنى واحد (قوله ولا يمضغ العلك الخ) في رواية المستملى
ويمضغ العلك والأول أولى فكذلك أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء يمضغ الصائم
العلك قال لا قلت إنه يمج ريق العلك ولا يزدرده ولا يمصه قال وقلت له أيتسوك الصائم قال نعم
قلت له أيزدرد ريقه قال لا فقلت ففعل أيضره قال لا ولكن ينهى عن ذلك وقد تقدم
الخلاف في المضمضة في باب من أكل ناسيا قال ابن المنذر أجمعوا على أنه لا شئ على الصائم فيما
يبتلعه مما يجرى مع الريق مما بين أسنانه مما لا يقدر على اخراجه وكان أبو حنيفة يقول إذا كان
بين أسنانه لحم فاكله متعمدا فلا قضاء عليه وخالفه الجمهور لأنه معدود من الاكل ورخص في
مضغ العلك أكثر العلماء إن كان لا يتحلب منه شئ فان تحلب منه شئ فازدرده فالجمهور على أنه
يفطر انتهى والعلك بكسر المهملة وسكون اللام بعدها كاف كل ما يمضغ ويبقى في الفم
138

كالمصطكي واللبان فإن كان يتحلب منه شئ في الفم فيدخل الجوف فهو مفطر والا فهو مجفف
ومعطش فيكره من هذه الحيثية * (قوله باب إذا جامع في رمضان) أي عامدا عالما
وجبت عليه الكفارة (قوله ويذكر عن أبي هريرة رفعه من أفطر يوما من رمضان من غير عذر
ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وان صامه) وصله أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن خزيمة من
طريق سفيان الثوري وشعبة وكلاهما عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس
عن أبيه عن أبي هريرة نحوه وفى رواية شعبة في غير رخصة رخصها الله تعالى له لم يقض عنه وان
صام الدهر كله قال الترمذي سألت محمدا يعنى البخاري عن هذا الحديث فقال أبو المطوس اسمه
يزيد بن المطوس لا أعرف له غير هذا الحديث وقال البخاري في التاريخ أيضا تفرد أبو المطوس
بهذا الحديث ولا أدرى سمع أبوه من أبي هريرة أم لا (قلت) واختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت
اختلافا كثيرا فحصلت فيه ثلاث علل الاضطراب والجهل بحال أبى المطوس والشك في سماع
أبيه من أبي هريرة وهذه الثالثة تختص بطريقة البخاري في اشتراط اللقاء وذكر ابن حزم من
طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مثله موقوفا قال ابن بطال أشار بهذا الحديث
إلى ايجاب الكفارة على من أفطر بأكل أو شرب قياسا على الجماع والجامع بينهما انتهاك حرمة
الشهر بما يفسد الصوم عمدا وقرر ذلك الزين بن المنير بأنه ترجم بالجماع لأنه الذي ورد فيه
الحديث المسند وانما ذكر آثار الافطار ليفهم ان الافطار بالاكل والجماع بمعنى واحد انتهى
والذي يظهر لي ان البخاري أشار بالآثار التي ذكرها إلى أن ايجاب القضاء مختلف فيه بين السلف
وان الفطر بالجماع لا بد فيه من الكفارة وأشار بحديث أبي هريرة إلى أنه لا يصح لكونه لم يجزم به
عنه وعلى تقدير صحته فظاهره يقوى قول من ذهب إلى عدم القضاء في الفطر بالاكل بل يبقى
ذلك في ذمته زيادة في عقوبته لان مشروعية القضاء تقتضى رفع الاثم لكن لا يلزم من عدم
القضاء عدم الكفارة فيما ورد فيه الامر بها وهو الجماع والفرق بين الانتهاك بالجماع والاكل
ظاهر فلا يصح القياس المذكور قال ابن المنير في الحاشية ما محصله ان معنى قوله في الحديث لم
يقض عنه صيام الدهر أي لا سبيل إلى استدراك كمال فضيلة الأداء بالقضاء أي في وصفه الخاص
وإن كان يقضى عنه في وصفه العام فلا يلزم من ذلك اهدار القضاء بالكلية انتهى ولا يخفى
تكلفه وسياق أثر ابن مسعود الآتي يرد هذا التأويل وقد سوى بينهما البخاري (قوله وبه قال
ابن مسعود) أي بما دل عليه حديث أبي هريرة وأثر ابن مسعود وصله البيهقي ورويناه عاليا في
جزء هلال الحفار من طريق منصور عن واصل عن المغيرة بن عبد الله اليشكري قال حدثت ان
عبد الله بن مسعود قال من أفطر يوما من رمضان من غير علة لم يجزه صيام الدهر حتى يلقى الله
فان شاء غفر له وان شاء عذبه ووصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة من وجه آخر عن واصل عن المغيرة
عن فلان بن الحرث عن ابن مسعود ووصله الطبراني والبيهقي أيضا من وجه آخر عن عرفجة قال
قال عبد الله بن مسعود من أفطر يوما في رمضان متعمدا من غير علة ثم قضى طول الدهر لم يقبل
منه وبهذا الاسناد عن علي مثله وذكر ابن حزم من طريق ابن المبارك باسناد له فيه انقطاع ان أبا
بكر الصديق قال لعمر بن الخطاب فيما أوصاه به من صام شهر رمضان في غيره لم يقبل منه ولو صام
الدهر أجمع (قوله وقال سعيد بن المسيب والشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وقتادة وحماد
139

يقضى يوما مكانه) أما سعيد بن المسيب فوصله مسدد وغيره عنه في قصة المجامع قال يقضى يوما
مكانه ويستغفر الله ولم أر عنه التصريح بذلك في الفطر بالاكل بل روى ابن أبي شيبة من طريق
عاصم قال كتب أبو قلابة إلى سعيد بن المسيب يسأله عن رجل أفطر يوما من رمضان متعمدا قال
يصوم شهرا قلت فيومين قال صيام شهر قال فعددت أياما قال صيام شهر قال ابن عبد البر كأنه
ذهب إلى وجوب التتابع في رمضان فإذا تخلله فطر يوم عمدا بطل التتابع ووجب استئناف
صيام شهر كمن لزمه صوم شهر متتابع بنذر أو غيره وقال غيره يحتمل انه أراد عن كل يوم شهر فقوله
فيومين قال صيام شهر أي عن كل يوم والأول أظهر وروى البزار والدارقطني مقتضى هذا
الاحتمال مرفوعا عن أنس واسناده ضعيف وأما الشعبي فقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم
حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي في رجل أفطر يوما في رمضان عامدا قال يصوم يوما مكانه
ويستغفر الله عز وجل وأما سعيد بن جبير فوصله ابن أبي شيبة من طريق يعلى بن حكيم عنه
فذكر مثله وأما إبراهيم النخعي فقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم وقال ابن أبي شيبة حدثنا
شريك كلاهما عن مغيرة عن إبراهيم فذكر مثله وأما قتادة فذكره عبد الرزاق عن معمر عن
الحسن وقتادة في قصة المجامع في رمضان وأما حماد وهو ابن أبي سليمان فذكره عبد الرزاق عن أبي
حنيفة عنه (قوله حدثنا يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري وفى اسناده هذا أربعة من التابعين في
نسق كلهم من أهل المدينة يحيى وعبد الرحمن تابعيان صغيرا من طبقة واحدة وفوقهما
قليلا محمد بن جعفر وأما ابن عمه عباد فمن أوساط التابعين (قوله أن رجلا) قيل هو سلمة بن صخر
البياضي ولا يصح ذلك كما سيأتي (قوله إنه احترق) سيأتي في حديث أبي هريرة أنه عبر بقوله
هلكت ورواية الاحتراق تفسر رواية الهلاك وكانه لما اعتقد ان مرتكب الاثم يعذب بالنار
أطلق على نفسه انه احترق لذلك وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم له هذا الوصف فقال أين
المحترق إشارة إلى أنه لو أصر على ذلك لاستحق ذلك وفيه دلالة على أنه كان عامدا كما سيأتي (قوله
تصدق بهذا) هكذا وقع مختصرا وأورده مسلم وأبو داود من طريق عمرو بن الحرث عن
عبد الرحمن بن القاسم وفيه قال أصبت أهلي قال تصدق قال والله ما لي شئ قال اجلس فجلس
فاقبل رجل يسوق حمارا عليه طعام فقال أين المحترق آنفا فقام الرجل فقال تصدق بهذا فقال
أعلى غيرنا فوالله انا لجياع قال كلوه وقد استدل به لمالك حيث جزم في كفارة الجماع في رمضان
بالاطعام دون غيره من الصيام والعتق ولا حجة فيه لان القصة واحدة وقد حفظها أبو هريرة
وقصها على وجهها وأوردتها عائشة مختصرة أشار إلى هذا الجواب الطحاوي والظاهر أن
الاختصار من بعض الرواة فقد رواه عبد الرحمن بن الحرث عن محمد بن جعفر بن الزبير بهذا
الاسناد مفسرا ولفظه كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل فارع يعنى بالفاء والمهملة فجاءه
رجل من بنى بياضة فقال احترقت وقعت بامرأتي في رمضان قال أعتق رقبة قال لا أجدها قال
أطعم ستين مسكينا قال ليس عندي فذكر الحديث أخرجه أبو داود ولم يسق لفظه وساقه ابن
خزيمة في صحيحه والبخاري في تاريخه ومن طريقه البيهقي ولم يقع في هذه الرواية أيضا ذكر صيام
شهرين ومن حفظ حجة على من لم يحفظ * (تنبيه) * اختلفت الرواية عن مالك في ذلك فالمشهور
ما تقدم وعنه يكفر في الاكل بالتخيير وفى الجماع بالاطعام فقط وعنه التخيير مطلقا وقيل يراعى
140

زمان الخصب والجدب وقيل يعتبر حالة المكفر وقيل غير ذلك * (قوله باب إذا جامع
في رمضان) أي عامدا عالما (ولم يكن له شئ) يعتق أو يطعم ولا يستطيع الصيام (فتصدق عليه)
أي بقدر ما يجزيه (فليكفر) أي به لأنه صار واجدا وفيه إشارة إلى أن الاعسار لا يسقط الكفارة
عن الذمة (وقوله أخبرني حميد بن عبد الرحمن) أي ابن عوف هكذا توارد عليه أصحاب الزهري
وقد جمعت منهم في جزء مفرد لطرق هذا الحديث أكثر من أربعين نفسا منهم ابن عيينة والليث
ومعمر ومنصور عند الشيخين والأوزاعي وشعيب وإبراهيم بن سعد عند البخاري ومالك وابن
جريج عند مسلم ويحيى بن سعيد وعراك بن مالك عند النسائي وعبد الجبار بن عمر عند أبي عوانة
والجوزقي وعبد الرحمن بن مسافر عند الطحاوي وعقيل عند ابن خزيمة وابن أبي حفصة عند
أحمد ويونس وحجاج بن أرطاة وصالح بن أبي الأخضر عند الدارقطني ومحمد بن إسحاق عند البزار
وسأذكر ما عند كل منهم من زيادة فائدة إن شاء الله تعالى وخالفهم هشام بن سعد فرواه عن
الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أخرجه أبو داود وغيره قال البزار وابن خزيمة وأبو عوانة
أخطأ فيه هشام بن سعد (قلت) وقد تابعه عبد الوهاب بن عطاء عن محمد بن أبي حفصة فرواه عن
الزهري أخرجه الدارقطني في العلل والمحفوظ عن ابن أبي حفصة كالجماعة كذلك أخرجه أحمد
وغيره من طريق روح بن عبادة عنه ويحتمل ان يكون الحديث عند الزهري عنهما فقد جمعهما
عنه صالح بن أبي الأخضر أخرجه الدارقطني في العلل من طريقه وسيأتى في الباب الذي بعده
حكاية خلاف آخر فيه على منصور وكذلك في الكفارات حكاية خلاف فيه على سفيان بن عيينة
إن شاء الله تعالى (قوله إن أبا هريرة) قال في رواية ابن جريج عند مسلم وعقيل عند ابن خزيمة
وابن أبي أويس عند الدارقطني التصريح بالتحديث بين حميد وأبي هريرة (قوله بينما نحن جلوس)
أصلها بين وقد ترد بغير ما فتشبع الفتحة ومن خاصة بينما انها تتلقى باذ وباذا حيث تجئ للمفاجأة
بخلاف بينا فلا تتلقى بواحدة منهما وقد وردا في هذا الحديث كذلك (قوله عند النبي صلى الله
عليه وسلم) فيه حسن الأدب في التعبير لما تشعر العندية بالتعظيم بخلاف ما لو قال مع لكن في
رواية الكشميهني مع النبي صلى الله عليه وسلم (قوله إذ جاءه رجل) لم أقف على تسميته الا ان
عبد الغنى في المبهمات وتبعه بن بشكوال جزما بأنه سلمان أو سلمة بن صخر البياضي واستند إلى
ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طريق سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر أنه ظاهر من امرأته في
رمضان وانه وطئها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم حرر رقبة قلت ما أملك رقبة غيرها وضرب
صفحة رقبته قال فصم شهرين متتابعين قال وهل أصبت الذي أصبت الا من الصيام قال فأطعم
ستين مسكينا قال والذي بعثك بالحق ما لنا طعام قال فانطلق إلى صاحب صدقة بنى زريق
فليدفعها إليك والظاهر أنهما واقعتان فان في قصة المجامع في حديث الباب انه كان صائما كما
سيأتي وفى قصة سلمة بن صخر أن ذلك كان ليلا فافترقا ولا يلزم من اجتماعهما في كونهما من بنى
بياضة وفى صفة الكفارة وكونها مرتبة وفى كون كل منهما كان لا يقدر على شئ من خصالها
اتحاد القصتين وسنذكر أيضا ما يؤيد المغايرة بينهما وأخرج ابن عبد البر في ترجمة عطاء الخراساني
من التمهيد من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن الرجل الذي وقع على
امرأته في رمضان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو سلمان بن صخر قال ابن عبد البر أظن هذا
141

وهما لان المحفوظ انه ظاهر من امرأته ووقع عليها في الليل لا ان ذلك كان منه بالنهار اه‍ ويحتمل
أن يكون قوله في الرواية المذكورة وقع على امرأته في رمضان أي ليلا بعد أن ظاهر فلا يكون
وهما ولا يلزم الاتحاد ووقع في مباحث العام من شرح ابن الحاجب ما يوهم ان هذا الرجل هو أبو
بردة بن يسار وهو وهم يظهر من تأمل بقية كلامه (قوله فقال يا رسول الله) زاد عبد الجبار بن عمر
عن الزهري جاء رجل وهو ينتف شعره ويدق صدره ويقول هلك الأبعد ولمحمد بن أبي حفصة يلطم
وجهه ولحجاج بن أرطاة يدعو ويله وفى مرسل ابن المسيب عند الدارقطني ويحثى على رأسه التراب
واستدل بهذا على جواز هذا الفعل والقول ممن وقعت له معصية ويفرق بذلك بين مصيبة الدين
والدنيا فيجوز في مصيبة الدين لما يشعر به الحال من شدة الندم وصحة الاقلاع ويحتمل أن تكون
هذه الواقعة قبل النهى عن لطم الخدود وحلق الشعر عند المصيبة (قوله فقال هلكت) في رواية
منصور في الباب الذي يليه فقال إن الأخر هلك والأخر بهمزة مفتوحة وخاء معجمة مكسورة
بغير مد هو الأبعد وقيل الغائب وقيل الأرذل (قوله هلكت) في حديث عائشة كما تقدم
احترقت وفى رواية ابن أبي حفصة ما أراني الا قد هلكت واستدل به على أنه كان عامدا لان
الهلاك والاحتراق مجاز عن العصيان المؤدى إلى ذلك فكأنه جعل المتوقع كالواقع وبالغ فعبر
عنه بلفظ الماضي وإذا تقرر ذلك فليس فيه حجة على وجوب الكفارة على الناسي وهو مشهور
قول مالك والجمهور وعن أحمد وبعض المالكية يجب على الناسي وتمسكوا بترك استفساره عن
جماعة هل كان عن عمد أو نسيان وترك الاستفصال في الفعل ينزل منزلة العموم في القول كما اشتهر
والجواب أنه قد تبين حاله بقوله هلكت واحترقت فدل على أنه كان عامدا عارفا بالتحريم وأيضا
فدخول النسيان في الجماع في نهار رمضان في غاية البعد واستدل بهذا على أن من ارتكب معصية
لا حد فيها وجاء مستفتيا أنه لا يعزر لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقبه مع اعترافه بالمعصية
وقد ترجم لذلك البخاري في الحدود وأشار إلى هذه القصة وتوجيهه أن مجيئه مستفتيا يقتضى
الندم والتوبة والتعزير انما جعل للاستصلاح ولا استصلاح مع الصلاح وأيضا فلو عوقب
المستفتى لكان سببا لترك الاستفتاء وهى مفسدة فاقتضى ذلك ان لا يعاقب هكذا قرره الشيخ
تقى الدين لكن وقع في شرح السنة للبغوي أن من جامع متعمدا في رمضان فسد صومه وعليه
القضاء والكفارة ويعزر على سوء صنيعه وهو محمول على من لم يقع منه ما وقع من صاحب هذه
القصة من الندم والتوبة وبناه بعض المالكية على الخلاف في تعزير شاهد الزور (قوله قال
مالك) بفتح اللام استفهام عن حاله وفى رواية عقيل ويحك ما شأنك ولابن أبى حفصة وما الذي
أهلكك ولعمرو ما ذاك وفى رواية الأوزاعي ويحك ما صنعت أخرجه المصنف في الأدب وترجم باب
ما جاء في قول الرجل ويلك ويحك ثم قال عقبه تابعه يونس عن الزهري يعنى في قوله ويحك وقال
عبد الرحمن بن خالد عن الزهري ويلك (قلت) وسأذكر من وصلهما هناك إن شاء الله تعالى وقد تابع
ابن خالد في قوله ويلك صالح بن أبي الأخضر وتابع الأوزاعي في قوله ويحك عقيل وابن اسحق
وحجاج بن أرطاة فهو أرجح وهو اللائق بالمقام فان ويح كلمة رحمة وويل كلمة عذاب والمقام
يقتضى الأول (قوله وقعت على امرأتي) وفى رواية ابن إسحاق أصبت أهلي وفى حديث عائشة
وطئت امرأتي ووقع في رواية مالك وابن جريج وغيرهما كما سيأتي بيانه بعد قليل في الكلام على
الترتيب والتخيير في أول الحديث أن رجلا أفطر في رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم
142

الحديث واستدل به على ايجاب الكفارة على من أفسد صيامه مطلقا بأي شئ كان وهو قول
المالكية وقد تقدم نقل الخلاف فيه والجمهور حملوا قوله أفطر هنا على المقيد في الرواية
الأخرى وهو قوله وقعت على أهلي وكأنه قال أفطر بجماع وهو أولى من دعوى القرطبي وغيره
تعدد القصة واحتج من أوجب الكفارة مطلقا بقياس الآكل على المجامع بجامع ما بينهما من
انتهاك حرمة الصوم وبان من أكره على الأكل فسد صومه كما يفسد صوم من أكره على الجماع
بجامع ما بينهما وسيأتى بيان الترجيح بين الروايتين في الكلام على الترتيب وقد وقع في حديث
عائشة وكما ما وقع في حديث أبي هريرة فمعظم الروايات فيها وطئت ونحو ذلك وفى رواية ساق مسلم
اسنادها وساق أبو عوانة في مستخرجه متنها أنه قال أفطرت في رمضان والقصة واحدة ومخرجها
متحد فيحمل على أنه أراد أفطرت في رمضان بجماع وقد وقع في مرسل ابن المسيب عند سعيد بن
منصور أصبت امرأتي ظهرا في رمضان وتعيين رمضان معمول بمفهومه وللفرق في وجوب كفارة
المجامع في الصوم بين رمضان وغيره من الواجبات كالنذر وفى كلام أبى عوانة في صحيحه إشارة
إلى وجوب ذلك على من وقع منه في رمضان نهارا سواء كان الصوم واجبا عليه أو غير واجب
(قوله وأنا صائم) جملة حالية من قوله وقعت فيؤخذ منه أنه لا يشترط في اطلاق اسم المشتق بقاء
المعنى المشتق منه حقيقة لاستحالة كونه صائما مجامعا في حالة واحدة فعلى هذا قوله وطئت أي
شرعت في الوطء أو أراد جامعت بعد إذ أنا صائم ووقع في رواية عبد الجبار بن عمر وقعت على أهلي
اليوم وذلك في رمضان (قوله هل تجد رقبة تعتقها) في رواية منصور أتجد ما تحرر رقبة وفى
رواية ابن أبي حفصة أتستطيع ان تعتق رقبة وفى رواية إبراهيم بن سعد والأوزاعي فقال
أعتق رقبة وزاد في رواية مجاهد عن أبي هريرة فقال بئسما صنعت أعتق رقبة (قوله قال لا) في
رواية ابن مسافر فقال لا والله يا رسول الله وفى رواية ابن إسحاق ليس عندي
وفى حديث ابن عمر
فقال والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط واستدل باطلاق الرقبة على جواز اخراج الرقبة
الكافرة كقول الحنفية وهو ينبنى على أن السبب إذا اختلف واتحد الحكم هل يقيد المطلق
أولا وهل تقييده بالقياس أو لا والأقرب انه بالقياس ويؤيده التقييد في مواضع أخرى (قوله
قال فهل تستطيع ان تصوم شهرين متتابعين قال لا) وفى رواية إبراهيم بن سعد قال فصم شهرين
متتابعين وفى حديث سعد قال لا أقدر وفى رواية ابن إسحاق وهل لقيت ما لقيت الا من الصيام
قال ابن دقيق العيد لا اشكال في الانتقال عن الصوم إلى الاطعام لكن رواية ابن إسحاق هذه
اقتضت أن عدم استطاعته لشدة شبقه وعدم صبره عن الوقاع فنشأ للشافعية نظر هل يكون ذلك
عذرا أي شدة الشبق حتى يعد صاحبه غير مستطيع الصوم أو لا والصحيح عندهم اعتبار ذلك
ويلتحق به من يجد رقبة لا غنى به عنها فإنه يسوغ له الانتقال إلى الصوم مع وجودها لكونه في حكم
غير الواجد وأما ما رواه الدارقطني من طريق شريك عن إبراهيم بن عامر عن سعيد بن المسيب في
هذه القصة مرسلا أنه قال في جواب قوله هل تستطيع أن تصوم انى لأدع الطعام ساعة فما
أطيق ذلك ففي اسناده مقال وعلى تقدير صحته فلعله اعتل بالامرين (قوله فهل تجد اطعام ستين
مسكينا قال لا) زاد ابن مسافر يا رسول الله ووقع في رواية سفيان فهل تستطيع اطعام وفى
رواية إبراهيم بن سعد وعراك بن مالك فتطعم ستين مسكينا قال لا أجد وفى رواية ابن أبي حفصة
143

أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا وذكر الحاجة وفى حديث ابن عمر قال والذي بعثك بالحق
ما أشبع أهلي قال ابن دقيق العيد أضاف الاطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين فلا يكون
ذلك موجودا في حق من أطعم ستة مساكين عشرة أيام مثلا ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من
النص معنى يعود عليه بالابطال والمشهور عن الحنفية الاجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكينا
واحدا في ستين يوما كفى والمراد بالاطعام الاعطاء لا اشتراط حقيقة الاطعام من وضع المطعوم
في الفم بل يكفي الوضع بين يديه بلا خلاف وفى اطلاق الاطعام ما يدل على الاكتفاء بوجود
الاطعام من غير اشتراط مناولة بخلاف زكاة الفرض فان فيها النص على الايتاء وصدقة الفطر
فان فيها النص على الأداء وفى ذكر الاطعام ما يدل على وجود طاعمين فيخرج الطفل الذي لم يطعم
كقول الحنفية ونظر الشافعي إلى النوع فقال يسلم لوليه وذكر الستين ليفهم أنه لا يجب ما زاد
عليها ومن لم يقل بالمفهوم تمسك بالاجماع على ذلك وذكر في حكمة هذه الخصال من المناسبة ان
من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية فناسب أن يعتق رقبة فيفدى نفسه
وقد صح ان من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار وأما الصيام فمناسبته
ظاهرة لأنه كالمقاصة بجنس الجناية واما كونه شهرين فلانه لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل
يوم من شهر رمضان على الولاء فلما أفسد منه يوما كان كمن أفسد الشهر كله من حيث إنه عبادة
واحدة بالنوع فكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده وأما الاطعام
فمناسبته ظاهرة لأنه مقابلة كل يوم باطعام مسكين ثم إن هذه الخصال جامعة لاشتمالها على حق
الله وهو الصوم وحق الأحرار بالاطعام وحق الأرقاء بالاعتاق وحق الجاني بثواب الامتثال
وفيه دليل على ايجاب الكفارة بالجماع خلافا لمن شذ فقال تجب مستندا إلى أنه لو كان واجبا
لما سقط بالاعسار وتعقب بمنع الاسقاط كما سيأتي البحث فيه وقد تقدم في آخر باب الصائم يصبح
جنبا نقل الخلاف في ايجاب الكفارة بالقبلة والنظر والمباشرة والانعاظ واختلفوا أيضا هل
يلحق الوطء في الدبر بالوطء في القبل وهل يشترط في ايجاب الكفارة كل وطء في أي فرج كان وفيه
دليل على جريان الخصال الثلاث المذكورة في الكفارة ووقع في المدونة ولا يعرف مالك غير
الاطعام ولا يأخذ بعتق ولا صيام قال ابن دقيق العيد وهى معضلة لا يهتدى إلى توجيهها مع
مصادمة الحديث الثابت غير أن بعض المحققين من أصحابه حمل هذا اللفظ وتأوله على الاستحباب
في تقديم الطعام على غيره من الخصال ووجهوا ترجيح الطعام على غيره بأن الله ذكره في القرآن
رخصة للقادر ثم نسخ هذا الحكم ولا يلزم منه نسخ الفضيلة فيترجح الاطعام أيضا لاختيار الله له
في حق المفطر بالعذر وكذا أخبر بأنه في حق من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان اخر ولمناسبة
ايجاب الاطعام لجبر فوات الصيام الذي هو امساك عن الطعام ولشمول نفعه للمساكين وكل
هذه الوجوه لا تقاوم ما ورد في الحديث من تقديم العتق على الصيام ثم الاطعام سواء قلنا
الكفارة على الترتيب أو التخيير فان هذه البداءة ان لم تقتض وجوب الترتيب فلا أقل من أن
تقتضى استحبابه واحتجوا أيضا بأن حديث عائشة لم يقع فيه سوى الاطعام وقد تقدم الجواب
عن ذلك قبل وأنه ورد فيه من وجه آخر ذكر العتق أيضا ومن المالكية من وافق على هذا
الاستحباب ومنهم من قال إن الكفارة تختلف باختلاف الأوقات ففي وقت الشدة يكون
144

بالاطعام وفى غيرها يكون بالعتق أو الصوم ونقلوه عن محققي المتأخرين ومنهم من قال الافطار
بالجماع يكفر بالخصال الثلاث وبغيره لا يكفر الا بالاطعام وهو قول أبى مصعب وقال ابن جرير
الطبري هو مخير بين العتق والصوم ولا يطعم الا عند العجز عنهما وفى الحديث انه لا مدخل لغير
هذه الخصال الثلاث في الكفارة وجاء عن بعض المتقدمين اهداء البدنة عند تعذر الرقبة وربما
أيده بعضهم بالحاق افساد الصيام بافساد الحج وورد ذكر البدنة في مرسل سعيد بن المسيب عند
مالك في الموطأ عن عطاء الخراساني عنه وهو مع ارساله قد رده سعيد بن المسيب وكذب من نقله
عنه كما روى سعيد بن منصور عن ابن علية عن خالد الحذاء عن القاسم بن عاصم قلت لسعيد بن
المسيب ما حديث حدثناه عطاء الخراساني عنك في الذي وقع على امرأته في رمضان انه يعتق
رقبة أو يهدى بدنة فقال كذب فذكر الحديث وهكذا رواه الليث عن عمرو بن الحرث عن
أيوب عن القاسم بن عاصم وتابعه همام عن قتادة عن سعيد وذكر ابن عبد البر أن عطاء لم ينفرد
بذلك فقد ورد عن طريق مجاهد عن أبي هريرة موصولا ثم ساقه باسناده لكنه من رواية ليث بن أبي
سليم عن مجاهد وليث ضعيف وقد اضطرب في روايته سندا ومتنا فلا حجة فيه وفى الحديث
أيضا ان الكفارة بالخصال الثلاث على الترتيب المذكور قال ابن العربي لان النبي صلى الله عليه
وسلم نقله من أمر بعد عدمه لأمر آخر وليس هذا شأن التخيير ونازع عياض في ظهور دلالة
الترتيب في السؤال عن ذلك فقال إن مثل هذا السؤال قد يستعمل فيما هو على التخيير وقرره
ابن المنير في الحاشية بأن شخصا لو حنث فاستفتى فقال له المفتى أعتق رقبة فقال لا أجد فقال صم
ثلاثة أيام إلى آخره لم يكن مخالفا لحقيقة التخيير بل يحمل على أن ارشاده إلى العتق لكونه أقرب
لتنجيز الكفارة وقال البيضاوي ترتيب الثاني بالتاء على فقد الأول ثم الثالث بالفاء على فقد
الثاني يدل على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فينزل منزلة الشرط
للحكم وسلك الجمهور في ذلك مسلك الترجيح بان الذين رووا الترتيب عن الزهري أكثر ممن روى
التخيير وتعقبه ابن التين بأن الذين رووا الترتيب ابن عيينة ومعمر والأوزاعي والذين رووا التخيير
مالك وابن جريج وفليح بن سليمان وعمرو بن عثمان المخزومي وهو كما قال في الثاني دون الأول فالذين
رووا الترتيب في البخاري الذي نحن في شرحه أيضا إبراهيم بن سعد والليث بن سعد وشعيب بن أبي
حمزة ومنصور ورواية هذين في هذا الباب الذي نشرحه وفى الذي يليه فكيف غفل ابن التين عن
ذلك وهو ينظر فيه بل روى الترتيب عن الزهري كذلك تمام ثلاثين نفسا أو أزيد ورجح الترتيب
أيضا بان راويه حكى لفظ القصة على وجهها فمعه زيادة علم من صورة الواقعة وراوي التخيير حكى
لفظ راوي الحديث فدل على أنه من تصرف بعض الرواة اما لقصد الاختصار أو لغير ذلك
ويترجح الترتيب أيضا بأنه أحوط لان الاخذ به مجزئ سواء قلنا بالتخيير أو لا بخلاف العكس
وجمع بعضهم بين الروايتين كالمهلب والقرطبي بالحمل على التعدد وهو بعيد لان القصة واحدة
والمخرج متحد والأصل عدم التعدد وبعضهم حمل الترتيب على الأولوية والتخيير على الجواز
وعكسه بعضهم فقال أو في الرواية الأخرى ليست للتخيير وانما هي للتفسير والتقدير أمر رجلا
أن يعتق رقبة أو يصوم ان عجز عن العتق أو يطعم ان عجز عنهما وذكر الطحاوي أن سبب اتيان
بعض الرواة بالتخيير أن الزهري راوي الحديث قال في آخر حديثه فصارت الكفارة إلى عتق
145

رقبة أو صيام شهرين أو الاطعام قال فرواه بعضهم مختصرا مقتصرا على ما ذكر الزهري انه آل
إليه الامر قال وقد قص عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري القصة على وجهها ثم ساقه من
طريقه مثل حديث الباب إلى قوله أطعمه أهلك قال فصارت الكفارة إلى عتق رقبة أو صيام
شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا (قلت) وكذلك رواه الدارقطني في العلل من طريق
صالح بن أبي الأخضر عن الزهري وقال في آخره فصارت سنة عنق رقبة أو صيام شهرين أو اطعام
ستين مسكينا (قوله فمكث عند النبي صلى الله عليه وسلم) كذا هنا بالميم والكاف المفتوحة
ويجوز ضمها والثاء المثلثة وفى رواية أبى نعيم في المستخرج من وجهين عن أبي اليمان فسكت
بالمهملة والكاف المفتوحة والمثناة وكذا في رواية ابن مسافر وابن أبي الأخضر وفى رواية ابن
عيينة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اجلس فجلس (قوله فبينا نحن على ذلك في رواية ابن
عيينة فبينما هو جالس كذلك قال بعضهم يحتمل أن يكون سبب أمره له بالجلوس انتظار ما يوحى
إليه في حقه ويحتمل انه كان عرف أنه سيؤتى بشئ بعينه به ويحتمل أن يكون أسقط عنه الكفارة
بالعجز وهذا الثالث ليس بقوى لأنها لو سقطت ما عادت عليه حيث أمره بها بعد اعطائه إياه
المكتل (قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم) كذا للأكثر بضم أوله على البناء للمجهول وهو جواب
بينا في هذه الرواية وأما رواية ابن عيينة المشار إليها فقال فيها إذ أتى لأنه قال فيها فبينما هو جالس
وقد تقدم تقرير ذلك والآتي المذكور لم يسم لكن وقع في رواية معمر كما سيأتي في الكفارات
فجاء رجل من الأنصار وعند الدارقطني من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب مرسلا
فأتى رجل من ثقيف فإن لم يحمل على أنه كان حليفا للأنصار أو اطلاق الأنصار بالمعنى الأعم
والا فرواية الصحيح أصح ووقع في رواية ابن إسحاق فجاء رجل بصدقته يحملها وفى مرسل الحسن
عند سعيد بن منصور بتمر من تمر الصدقة (قوله بعرق) بفتح المهملة والراء بعدها قاف قال ابن
التين كذا لأكثر الرواة وفى رواية أبى الحسن يعنى القابسي باسكان الراء قال عياض والصواب
الفتح وقال ابن التين أنكر بعضهم الاسكان لان الذي بالاسكان هو العظم الذي عليه اللحم (قلت)
إن كان الانكار من جهة الاشتراك مع العظم فلينكر الفتح لأنه يشترك مع الماء الذي يتحلب من
الجسد نعم الراجح من حيث الرواية الفتح ومن حيث اللغة أيضا الا أن الاسكان ليس بمنكر بل
أثبته بعض أهل اللغة كالقزاز (قوله والعرق المكتل) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح المثناة
بعدها لام زاد ابن عيينة عند الإسماعيلي وابن خزيمة المكتل الضخم قال الأخفش سمى المكتل
عرقا لأنه يضفر عرقة عرقة فالعرق جمع عرقة كعلق وعلقة والعرفة الضفيرة من الخوص وقوله
والعرق المكتل تفسير من أحد رواته وظاهر هذه الرواية انه الصحابي لكن في رواية ابن عيينة
ما يشعر بأنه الزهري وفى رواية منصور في الباب الذي يلي هذا فأتى بعرق فيه تمر وهو الزبيل وفى
رواية بن أبي حفصة فأتى بزبيل وهو المكتل والزبيل بفتح الزاي وتخفيف الموحدة بعدها
تحتانية ساكنة ثم لام بوزن رغيف هو المكتل قال ابن دريد يسمى زبيلا لحمل الزبل فيه وفيه
لغة أخرى زنبيل بكسر الزاي أوله وزيادة نون ساكنة وقد تدغم النون فتشدد الباء مع بقاء
وزنه وجمعه على اللغات الثلاث زنابيل ووقع في بعض طرق عائشة عند مسلم فجاءه عرقان
والمشهور في غيرها عرق ورجحه البيهقي وجمع غيره بينهما بتعدد الواقعة وهو جمع لا نرضاه لاتحاد
146

مخرج الحديث والأصل عدم التعدد والذي يظهر أن التمر كان قدر عرق لكنه كان في عرقين في
حال التحميل على الدابة ليكون أسهل في الحمل فيحتمل أن الآتي به لما وصل أفرغ أحدهما في
الآخر فمن قال عرقان أراد ابتداء الحال ومن قال عرق أراد ما آل إليه والله أعلم (قوله أين
السائل) زاد ابن مسافر آنفا أطلق عليه ذلك لان كلامه متضمن للسؤال فان مراده هلكت فما
ينجيني وما يخلصني مثلا وفى حديث عائشة أين المحترق آنفا وقد تقدم توجيهه ولم يعين في هذه
الرواية مقدار ما في المكتل من التمر بل ولا في شئ من طرق الصحيحين في حديث أبي هريرة ووقع
في رواية ابن أبي حفصة فيه خمسة عشر صاعا وفى رواية مؤمل عن سفيان فيه خمسة عشر أو نحو
ذلك وفى رواية مهران بن أبي عمر عن الثوري عن ابن خزيمة فيه خمسة عشر أو عشرون وكذا
هو عند مالك وعبد الرزاق في مرسل سعيد بن المسيب وفى مرسله عند الدارقطني الجزم بعشرين
صاعا ووقع في حديث عائشة عند ابن خزيمة فأتى بعرق فيه عشرون صاعا قال البيهقي قوله
عشرون صاعا بلاغ بلغ محمد بن جعفر يعنى بعض رواته وقد بين ذلك محمد بن إسحاق عنه فذكر
الحديث وقال في آخره قال محمد بن جعفر فحدثت بعد أنه كان عشرين صاعا من تمر (قلت) ووقع
في مرسل عطاء بن أبي رباح وغيره عند مسدد فأمر له ببعضه وهذا يجمع الروايات فمن قال إنه
كان عشرين أراد أصل ما كان فيه ومن قال خمسة عشر أراد قدر ما تقع به الكفارة ويبين ذلك
حديث على عند الدارقطني تطعم ستين مسكينا لكل مسكين مد وفيه فأتى بخمسة عشر صاعا
فقال أطعمه ستين مسكينا وكذا في رواية حجاج عن الزهري عند الدارقطني في حديث أبي هريرة
وفيه رد على الكوفيين في قولهم إن واجبه من القمح ثلاثون صاعا ومن غيره ستون صاعا ولقول
عطاء ان أفطر بالاكل أطعم عشرين صاعا وعلى أشهب في قوله لو غداهم أو عشاهم كفى تصدق
الاطعام ولقول الحسن يطعم أربعين مسكينا عشرين صاعا أو بالجماع أطعم خمسة عشر وفيه رد
على الجوهري حيث قال في الصحاح المكتل يشبه الزبيل يسع خمسة عشر صاعا لأنه لا حصر في
ذلك وروى عن مالك أنه قال يسع خمسة عشر أو عشرين ولعله قال ذلك في هذه القصة الخاصة
فيوافق رواية مهران والا فالظاهر أنه لا حصر في ذلك والله أعلم وأما ما وقع في رواية عطاء
ومجاهد عن أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط انه أتى بمكتل فيه عشرون صاعا فقال نصدق بهذا
وقال قبل ذلك تصدق بعشرين صاعا أو بتسع عشرة أو بإحدى وعشرين فلا حجة فيه لما فيه من
الشك ولأنه من رواية ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وقد اضطرب فيه وفى الاسناد إليه مع ذلك من
لا يحتج به ووقع في بعض طرق حديث عائشة عند مسلم فجاءه عرقان فيهما طعام ووجهه إن كان
محفوظا ما تقدم قريبا والله أعلم (قوله خذ هذا فتصدق به) كذا للأكثر ومنهم من ذكره
بمعناه وزاد ابن إسحاق فتصدق به عن نفسك ويؤيده رواية منصور في الباب الذي يليه بلفظ أطعم
هذا عنك ونحوه في مرسل سعيد بن المسيب من رواية داود بن أبي هند عنه عند الدارقطني وعنده
من طريق ليث عن مجاهد عن أبي هريرة نحن نتصدق به عنك واستدل بافراده بذلك على أن
الكفارة عليه وحده دون الموطوءة وكذا قوله في المراجعة هل تستطيع وهل تجد وغير ذلك
وهو الأصح من قولي الشافعية وبه قال الأوزاعي وقال الجمهور وأبو ثور وابن المنذر تجب الكفارة
على المرأة أيضا على اختلاف وتفاصيل لهم في الحرة والأمة والمطاوعة والمكرهة وهل هي عليها
147

أو على الرجل عنها واستدل الشافعية بسكوته عليه الصلاة والسلام عن اعلام المرأة بوجوب
الكفارة مع الحاجة وأجيب بمنع وجود الحاجة إذ ذاك لأنها لم تعترف ولم تسأل واعتراف الزوج
عليها لا يوجب عليها حكما ما لم تعترف وبأنها قضية حال فالسكوت عنها لا يدل على الحكم لاحتمال
أن تكون المرأة لم تكن صائمة لعذر من الاعذار ثم إن بيان الحكم للرجل بيان في حقها
لاشتراكهما في تحريم الفطر وانتهاك حرمة الصوم كما لم يأمره بالغسل والتنصيص على الحكم في
حق بعض المكلفين كاف عن ذكره في حق الباقين ويحتمل أن يكون سبب السكوت عن حكم
المرأة ما عرفه من كلام زوجها بأنها لا قدرة لها على شئ وقال القرطبي اختلفوا في الكفارة هل هي
على الرجل وحده على نفسه فقط أو عليه وعليها أو عليه كفارتان عنه وعنها أو عليه عن نفسه
وعليها عنها وليس في الحديث ما يدل على شئ من ذلك لأنه ساكت عن المرأة فيؤخذ حكمها من
دليل آخر مع احتمال أن يكون سبب السكوت انها كانت غير صائمة واستدل بعضهم بقوله في
بعض طرق هذا الحديث هلكت وأهلكت وهى زيادة فيها مقال فقال ابن الجوزي في قوله
وأهلكت تنبيه على أنه أكرهها ولولا ذلك لم يكن مهلكا لها (قلت) ولا يلزم من ذلك تعدد الكفارة
بل لا يلزم من قوله وأهلكت ايجاب الكفارة عليها بل يحتمل ان يريد بقوله هلكت أثمت وأهلكت
أي كنت سببا في تأثيم من طاوعتني فواقعتها إذ لا ريب في حصول الاثم على المطاوعة ولا يلزم من
ذلك اثبات الكفارة ولا نفيها أو المعنى هلكت أي حيث وقعت في شئ لا أقدر على كفارته
وأهلكت أي نفسي بفعلي الذي جر على الاثم وهذا كله بعد ثبوت الزيادة المذكورة وقد ذكر
البيهقي أن للحاكم في بطلانها ثلاثة أجزاء ومحصل القول فيها انها وردت من طريق الأوزاعي ومن
طريق ابن عيينة أما الأوزاعي فتفرد بها محمد بن المسيب عن عبد السلام بن عبد الحميد عن عمر بن
عبد الواحد والوليد بن مسلم وعن محمد بن عقبة عن علقمة عن أبيه ثلاثتهم عن الأوزاعي قال
البيهقي رواه جميع أصحاب الأوزاعي بدونها وكذلك جميع الرواة عن الوليد وعقبة وعمر ومحمد
ابن المسيب كان حافظا مكثرا الا أنه كان في آخر أمره عمى فلعل هذه اللفظة أدخلت عليه وقد رواه
أبو علي النيسابوري عنه بدونها ويدل على بطلانها ما رواه العباس بن الوليد عن أبيه قال سئل
الأوزاعي عن رجل جامع امرأته في رمضان قال عليهما كفارة واحدة الا الصيام قيل له فان
استكرهها قال عليه الصيام وحده وأما ابن عيينة فتفرد بها أبو ثور عن معلى بن منصور عنه قال
الخطابي المعلى ليس بذاك الحافظ وتعقبه ابن الجوزي بأنه لا يعرف أحدا طعن في المعلى وغفل عن
قول الإمام أحمد انه كان يخطئ كل يوم في حديثين أو ثلاثة فلعله حدث من حفظه بهذا فوهم
وقد قال الحاكم وقفت على كتاب الصيام للمعلى بخط موثوق به وليست هذه اللفظة فيه وزعم ابن
الجوزي ان الدارقطني أخرجه من طريق عقيل أيضا وهو غلط منه فان الدارقطني لم يخرج
طريق عقيل في السنن وقد ساقه في العلل بالاسناد الذي ذكره عنه ابن الجوزي بدونها * (تنبيه) *
القائل بوجوب كفارة واحدة على الزوج عنه وعن موطوأته يقول يعتبر حالهما فان كانا من أهل
العتق أجزأت رقبة وان كانا من أهل الاطعام أطعم ما سبق وان كانا من أهل الصيام صاما جميعا
فان اختلف حالهما ففيه تفريع محله كتب الفروع (قوله فقال الرجل على أفقر منى) أي أتصدق
به على شخص أفقر منى وهذا يشعر بأنه فهم الاذن في التصدق على من يتصف بالفقر وقد بين ابن
148

عمر في حديثه ذلك فزاد فيه إلى من أدفعه قال إلى أفقر من تعلم أخرجه البزار والطبراني في الأوسط
وفى رواية إبراهيم بن سعد أعلى أفقر من أهلي ولابن مسافر أعلى أهل بيت أفقر منى وللأوزاعي
أعلى غير أهلي ولمنصور أعلى أحوج منا ولابن اسحق وهل الصدقة الا لي وعلى (قوله فوالله ما بين
لابتيها) تثنية لابة وقد تقدم شرحها في أواخر كتاب الحج والضمير للمدينة وقوله يريد الحرتين
من كلام بعض رواته زاد في رواية ابن عيينة ومعمر والذي بعثك بالحق ووقع في حديث ابن عمر
المذكور ما بين حرتيها وفى رواية والأوزاعي الآتية في الأدب والذي نفسي بيده ما بين طنبي
المدينة تثنية طنب وهو بضم الطاء المهملة بعدها نون والطنب أحد أطناب الخيمة فاستعاره
للطرف (قوله أهل بيت أفقر من أهل بيتي) زاد يونس منى ومن أهل بيتي وفى رواية إبراهيم بن
سعد أفقر منا وأفقر بالنصب على انها خبر ما النافية ويجوز الرفع على لغة تميم وفى رواية عقيل
ما أحد أحق به من أهلي ما أحد أحوج إليه منى وفى أحق وأحوج ما في أفقر وفى مرسل سعيد
من رواية داود عنه والله ما لعيالي من طعام وفى حديث عائشة عند ابن خزيمة ما لنا عشاء ليلة
(قوله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه) في رواية ابن إسحاق حتى بدت نواجذه
ولابى قرة في السنن عن ابن جريج حتى بدت ثناياه ولعلها تصحيف من أنيابه فان الثنايا تبين بالتبسم
غالبا وظاهر السياق إرادة الزيادة على التبسم ويحمل ما ورد في صفته صلى الله عليه وسلم ان ضحكه
كان تبسما على غالب أحواله وقيل كان لا يضحك الا في أمر يتعلق بالآخرة فإن كان في أمر الدنيا لم
يزد على التبسم قيل وهذه القضية تعكر عليه وليس كذلك فقد قيل إن سبب ضحكه صلى الله عليه
وسلم كان من تباين حال الرجل حيث جاء خائفا على نفسه راغبا في فدائها مهما أمكنه فلما وجد
الرخصة طمع في أن يأكل ما أعطيه من الكفارة وقيل ضحك من حال الرجل في مقاطع كلامه
وحسن تأتيه وتلطفه في الخطاب وحسن توسله في توصله إلى مقصوده (قوله ثم قال أطعمه أهلك)
تابعه معمر وابن أبي حفصة وفى رواية لابن عيينة في الكفارات أطعمه عيالك ولإبراهيم بن سعد
فأنتم إذا وقدم على ذلك ذكر الضحك ولابى قرة عن ابن جريج ثم قال كله ونحوه ليحيى بن سعيد
وعراك وجمع بينهما ابن إسحاق ولفظه خذها وكلها وأنفقها على عيالك ونحوه في رواية
عبد الجبار وحجاج وهشام بن سعد كلهم عن الزهري ولابن خزيمة في حديث عائشة عد به عليك
وعلى أهلك وقال ابن دقيق العيد تباينت في هذه القصة المذاهب فقيل إنه دل على سقوط
الكفارة بالاعسار المقارن لوجوبها لان الكفارة لا تصرف إلى النفس ولا إلى العيال ولم يبين النبي
صلى الله عليه وسلم استقرارها في ذمته إلى حين يساره وهو أحد قولي الشافعية وجزم به عيسى
ابن دينار من المالكية وقال الأوزاعي يستغفر الله ولا يعود ويتأيد بذلك بصدقة الفطر حيث
تسقط بالاعسار المقارن لسبب وجوبها وهو هلال الفطر لكن الفرق بينهما ان صدقة الفطر
لها أمد تنتهى إليه وكفارة الجماع لا أمد لها فتستقر في الذمة وليس في الخبر ما يدل على اسقاطها
بل فيه ما يدل على استمرارها على العاجز وقال الجمهور لا تسقط الكفارة بالاعسار والذي
أذن له في التصرف فيه ليس على سبيل الكفارة ثم اختلفوا فقال الزهري هو خاص بهذا
الرجل والى هذا نحا امام الحرمين ورد بان الأصل عدم الخصوصية وقال بعضهم هو منسوخ
ولم يبين قائله ناسخه وقيل المراد بالأهل الذين أمر بصرفها إليهم من لا تلزمه نفقته من أقاربه وهو
149

قول بعض الشافعية وضعف بالرواية الأخرى التي فيها عيالك وبالرواية المصرحة بالاذن له
في الاكل من ذلك وقيل لما كان عاجزا عن نفقة أهله جاز له أن يصرف الكفارة لهم وهذا
هو ظاهر الحديث وهو الذي حمل أصحاب الأقوال الماضية على ما قالوه لان المرء لا يأكل من
كفارة نفسه قال الشيخ تقى الدين وأقوى من ذلك أن يجعل الاعطاء لا على جهة الكفارة بل
على جهة التصدق عليه وعلى أهله بتلك الصدقة لما ظهر من حاجتهم وأما الكفارة فلم تسقط بذلك
ولكن ليس استقرارها في ذمته مأخوذا من هذا الحديث وأما ما اعتلوا به من تأخير البيان
فلا دلالة فيه لان العلم بالوجوب قد تقدم ولم يرد في الحديث ما يدل على الاسقاط لأنه لما أخبره
بعجزه ثم أمره باخراج العرق دل على أن لا سقوط عن العاجز ولعله أخر البيان إلى وقت الحاجة
وهو القدرة اه‍ وقد ورد ما يدل على اسقاط الكفارة أو على اجزائها عنه بانفاقه إياها على
عياله وهو قوله في حديث على وكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك ولكنه حديث ضعيف
لا يحتج بما انفرد به والحق انه لما قال له صلى الله عليه وسلم خذ هذا فتصدق به لم يقبضه بل اعتذر
بأنه أحوج إليه من غيره فاذن له حينئذ في أكله فلو كان قبضه لملكه ملكا مشروطا بصفة وهو
اخراجه عنه في كفارته فيبنى على الخلاف المشهور في التمليك المقيد بشرط لكنه لما لم يقبضه
لم يملكه فلما أذن له صلى الله عليه وسلم في اطعامه لأهله وأكله منه كان تمليكا مطلقا بالنسبة إليه
والى أهله وأخذهم إياه بصفة الفقر المشروحة وقد تقدم انه كان من مال الصدقة وتصرف النبي
صلى الله عليه وسلم فيه تصرف الامام في اخراج مال الصدقة واحتمل انه كان تمليكا بالشرط الأول
ومن ثم نشا الاشكال والأول أظهر فلا يكون فيه اسقاط ولا أكل المرء من كفارة نفسه ولا
انفاقه على من تلزمه نفقتهم من كفارة نفسه وأما ترجمة البخاري الباب الذي يليه باب المجامع في
رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج فليس فيه تصريح بما تضمنه حكم الترجمة
وانما أشار إلى الاحتمالين المذكورين باتيانه بصيغة الاستفهام والله أعلم واستدل به على جواز
اعطاء الصدقة جميعها في صنف واحد وفيه نظر لأنه لم يتعين ان ذلك القدر هو جميع ما يجب على
ذلك الرجل الذي أحضر التمر وعلى سقوط قضاء اليوم الذي أفسده المجامع اكتفاء بالكفارة إذ لم
يقع التصريح في الصحيحين بقضائه وهو محكى في مذهب الشافعي وعن الأوزاعي يقضى ان كفر
بغير الصوم وهو وجه للشافعية أيضا قال ابن العربي اسقاط القضاء لا يشبه منصب الشافعي إذ لا
كلام في القضاء لكونه أفسد العبادة وأما الكفارة فإنما هي لما اقترف من الاثم قال وأما كلام
الأوزاعي فليس بشئ (قلت) وقد ورد الامر بالقضاء في هذا الحديث في رواية أبى أويس
وعبد الجبار وهشام بن سعد كلهم عن الزهري وأخرجه البيهقي من طريق إبراهيم بن سعد عن
الليث عن الزهري وحديث إبراهيم بن سعد في الصحيح عن الزهري نفسه بغير هذه الزيادة وحديث
الليث عن الزهري في الصحيحين بدونها ووقعت الزيادة أيضا في مرسل سعيد بن المسيب ونافع بن
جبير والحسن ومحمد بن كعب وبمجموع هذه الطرق تعرف ان لهذه الزيادة أصلا ويؤخذ من
قوله صم يوما عدم اشتراط الفورية للتنكير في قوله يوما وفى الحديث من الفوائد غير ما تقدم
السؤال عن حكم ما يفعله المرء مخالفا للشرع والتحدث بذلك لمصلحة معرفة الحكم واستعمال
الكناية فيما يستقبح ظهوره بصريح لفظه لقوله واقعت أو أصبت على أنه قد ورد في بعض طرقه كما
150

تقدم وطئت والذي يظهر انه من تصرف الرواة وفيه الرفق بالمتعلم والتلطف في التعليم والتالف
على الدين والندم على المعصية واستشعار الخوف وفيه الجلوس في المسجد لغير الصلاة من المصالح
الدينية كنشر العلم وفيه جواز الضحك عن وجود سببه واخبار الرجل بما يقع منه مع أهله
للحاجة وفيه الحلف لتأكيد الكلام وقبول قول المكلف مما لا يطلع عليه الا من قبله لقوله في
جواب قوله أفقر منا أطعمه أهلك ويحتمل أن يكون هناك قرينة لصدقه وفيه التعاون على
العبادة والسعي في اخلاص المسلم واعطاء الواحد فوق حاجته الراهنة واعطاء الكفارة أهل بيت
واحد وان المضطر إلى ما بيده لا يجب عليه أن يعطيه أو بعضه لمضطر آخر * (قوله باب
المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج) يعنى أم لا ولا منافاة بين هذه
الترجمة والتي قبلها لان التي قبلها آذنت بان الاعسار بالكفارة لا يسقطها عن الذمة لقوله فيها
إذا جامع ولم يكن له شئ فتصدق عليه فليكفر والثانية ترددت هل المأذون له بالتصرف فيه نفس
الكفارة أم لا وعلى هذا يتنزل لفظ الترجمة (قوله عن منصور) هو ابن المعتمر (قوله عن الزهري
عن حميد) كذا للأكثر من أصحاب منصور عنه وكذا رواه مؤمل بن إسماعيل عن الثوري عن
منضور وخالفه مهران بن أبي عمر فرواه عن الثوري بهذا الاسناد فقال عن سعيد بن المسيب بدل
حميد بن عبد الرحمن أخرجه ابن خزيمة وهو قول شاذ والمحفوظ الأول (قوله إن الأخر) بهمزة
غير ممدودة بعدها خاء معجمة مكسورة تقدم في أوائل الباب الذي قبله وحكى ابن القوطية فيه
مد الهمزة (قوله أتجد ما تحرر رقبة) بالنصب على البدل من لفظ ما وهى مفعول بتجد ومثله قوله
أفتجد ما تطعم ستين مسكينا وقد تقدم باقي الكلام عليه مستوفى في الذي قبله وقد اعتنى به بعض
المتأخرين ممن أدركه شيوخنا فتكلم عليه في مجلدين جمع فيهما ألف فائدة وفائدة ومحصله إن شاء الله
تعالى فيما لخصته مع زيادات كثيرة عليه فلله الحمد على ما أنعم * (قوله باب
الحجامة والقى للصائم) أي هل يفسدان هما أو أحدهما الصوم أو لا قال الزين بن المنير جمع بين
القئ والحجامة مع تغايرهما وعادته تفريق التراجم إذا نظمها خبر واحد فضلا عن خبرين وانما
صنع ذلك لاتحاد مأخذهما لأنهما اخراج والاخراج لا يقتضى الافطار وقد أومأ ابن عباس إلى
ذلك كما سيأتي البحث فيه ولم يذكر المصنف حكم ذلك لكن ايراده للآثار المذكورة يشعر بأنه
يرى عدم الافطار بهما ولذلك عقب حديث أفطر الحاجم والمحجوم بحديث انه صلى الله عليه
وسلم احتجم وهو صائم وقد اختلف السلف في المسألتين أما القئ فذهب الجمهور إلى التفرقة بين
من سبقه فلا يفطر وبين من تعمده فيفطر ونقل بن المنذر الاجماع على بطلان الصوم بتعمد القئ
لكن نقل ابن بطال عن ابن عباس وابن مسعود لا يفطر مطلقا وهى إحدى الروايتين عن مالك
واستدل الأبهري باسقاط القضاء عمن تقيأ عمدا بأنه لا كفارة عليه على الأصح عندهم قال فلو
وجب القضاء لوجبت الكفارة وعكس بعضهم فقال هذا يدل على اختصاص الكفارة بالجماع
دون غيره من المفطرات وارتكب عطاء والأوزاعي وأبو ثور فقالوا يقضى ويكفر ونقل ابن
المنذر أيضا الاجماع على ترك القضاء على من ذرعه القئ ولم يتعمده الا في إحدى الروايتين عن
الحسن وأما الحجامة فالجمهور أيضا على عدم الفطر بها مطلقا وعن علي وعطاء والأوزاعي واحمد
واسحق وأبى ثور يفطر الحاجم والمحجوم وأوجبوا عليهما القضاء وشذ عطاء فأوجب الكفارة
151

أيضا وقال بقول أحمد من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وأبو الوليد النيسابوري وابن حبان
ونقل الترمذي عن الزعفراني ان الشافعي علق القول على صحة الحديث وبذلك قال الداودي
من المالكية وحجة الفريقين قد ذكرها المصنف في هذا الباب وسنذكر البحث في ذلك في آخر
الباب إن شاء الله تعالى (قوله وقال لي يحيى بن صالح) هكذا وقع في جميع النسخ من الصحيح وعادة
البخاري الاتيان بهذه الصيغة في الموقوفات إذا أسندها وقوله في الاسناد حدثنا يحيى هو ابن أبي
كثير (قوله إذا قاء فلا يفطر انما يخرج ولا يولج) كذا للأكثر وللكشميهني انه يخرج
ولا يولج قال ابن المنير في الحاشية يؤخذ من هذا الحديث ان الصحابة كانوا يؤولون الظاهر
بالأقيسة من حيث الجملة ونقض غيره هذا الحصر بالمنى فإنه انما يخرج وهو موجب للقضاء
والكفارة (قوله ويذكر عن أبي هريرة انه يفطر والأول أصح) كأنه يشير بذلك إلى ما رواه
هو في التاريخ الكبير قال قال لي مسدد عن عيسى بن يونس حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن
سيرين عن أبي هريرة رفعه قال من ذرعه القئ وهو صائم فليس عليه القضاء وان استقاء فليقض
قال البخاري لم يصح وانما يروى عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة وعبد الله
ضعيف جدا ورواه الدارمي من طريق عيسى بن يونس ونقل عن عيسى أنه قال زعم أهل البصرة
ان هشاما وهم فيه وقال أبو داود سمعت أحمد يقول ليس من ذا شئ ورواه أصحاب السنن
الأربعة والحاكم من طريق عيسى بن يونس به وقال الترمذي غريب لا نعرفه الا من رواية
عيسى بن يونس عن هشام وسألت محمدا عنه فقال لا أراه محفوظا انتهى وقد أخرجه ابن ماجة
والحاكم من طريق حفص بن غياث أيضا عن هشام قال وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة ولا
يصح اسناده ولكن العمل عليه عند أهل العلم (قلت) ويمكن الجمع بين قول أبي هريرة وإذا قاء
لا يفطر وبين قوله إنه يفطر مما فصل في حديثه هذا المرفوع فيحتمل قوله قاء انه تعمد القئ
واستدعى به وبهذا أيضا يتأول قوله في حديث أبي الدرداء الذي أخرجه أصحاب السنن مصححا ان
النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر أي استقاء عمدا وهو أولى من تأويل من أوله بان المعنى قاء
فضعف فأفطر والله أعلم حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم وقال الطحاوي ليس في
الحديث ان
القئ فطره وانما فيه انه قاء فأفطر بعد ذلك وتعقبه ابن المنير بان الحكم إذا عقب بالفاء دل على أنه
العلة كقولهم سها فسجد (قوله وقال ابن عباس وعكرمة الصوم مما دخل وليس مما خرج)
أما قول ابن عباس فوصله ابن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس في
الحجامة للصائم قال الفطر مما دخل وليس مما خرج والوضوء مما خرج وليس مما دخل وروى
من طريق إبراهيم النخعي انه سئل عن ذلك فقال قال عبد الله يعنى ابن مسعود فذكر مثله
وإبراهيم لم يلق ابن مسعود وانما أخذ عن كبار أصحابه وأما قول عكرمة فوصله ابن أبي شيبة عن
هشيم عن حصين عن عكرمة مثله (قوله وكان ابن عمر يحتجم وهو صائم ثم تركه فكان يحتجم بالليل)
وصله مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه احتجم وهو صائم ثم ترك ذلك وكان إذا صام لم يحتجم
حتى يفطر ورويناه في نسخة أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس عن الزهري كان ابن عمر يحتجم
وهو صائم في رمضان وغيره ثم تركه لأجل الضعف هكذا وجدته منقطعا ووصله عبد الرزاق عن
معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه وكان ابن عمر كثير الاحتياط فكانه ترك الحجامة نهارا لذلك
152

(قوله واحتجم أبو موسى ليلا) وصله ابن أبي شيبة من طريق حميد الطويل عن بكر بن عبد الله
المزنى عن أبي العالية قال دخلت على أبى موسى وهو أمير البصرة ممسيا فوجدته يأكل تمرا
وكامخا وقد احتجم فقلت له الا تحتجم نهارا قال أتأمرني ان أهريق دمى وانا صائم ورواه النسائي
والحاكم من طريق مطر الوراق عن بكر ان أبا رافع قال دخلت على أبى موسى وهو يحتجم ليلا
فقلت ألا كان هذا نهارا فقال أتأمرني ان أهريق دمى وأنا صائم وقد سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول أفطر الحاجم والمحجوم قال الحاكم سمعت أبا على النيسابوري يقول قلت
لعبدان الأهوازي يصح في أفطر الحاجم والمحجوم شئ قال سمعت عباسا العنبري يقول سمعت
علي بن المديني يقول قد صح حديث أبي رافع عن أبي موسى (قلت) الا ان مطرا خولف في رفعه
فالله أعلم (قوله ويذكر عن سعد وزيد بن أرقم وأم سلمة) انهم احتجموا صياما) هكذا أخرجه
بصيغة التمريض والسبب في ذلك يظهر بالتخريج فأما أثر سعد وهو ابن أبي وقاص فوصله مالك
في الموطأ عن ابن شهاب ان سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان وهذا
منقطع عن سعد لكن ذكره ابن عبد البر من وجه آخر عن عامر بن سعد عن أبيه وأما أثر زيد بن
أرقم فوصله عبد الرزاق عن الثوري عن يونس بن عبد الله الجرمي عن دينار قال حجمت زيد بن
أرقم وهو صائم ودينار هو الحجام مولى جرم بفتح الجيم لا يعرف الا في هذا الأثر وقال أبو الفتح
الأزدي لا يصح حديثه وأما أثر أم سلمة فوصله ابن أبي شيبة من طريق الثوري أيضا عن فرات
عن مولى أم سلمة انه رأى أم سلمة تحتجم وهى صائمة وفرات هو ابن عبد الرحمن ثقة لكن مولى
أم سلمة مجهول الحال قال ابن المنذر وممن رخص في الحجامة للصائم انس وأبو سعيد والحسين بن علي
وغيرهم من الصحابة والتابعين ثم ساق ذلك بأسانيده (قوله وقال بكير عن أم علقمة كنا نحتجم
عند عائشة فلا ننهى) أما بكير فهو ابن عبد الله بن الأشج وأما أم علقمة فاسمها مرجانة وقد
وصله البخاري في تاريخه من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن أم علقمة قالت كنا نحتجم عند
عائشة ونحن صيام وبنو أخي عائشة فلا تنهاهم (قوله ويروى عن الحسن عن غير واحد مرفوعا
أفطر الحاجم والمحجوم) وصله النسائي من طرق عن أبي حرة عن الحسن به وقال علي بن المديني
روى يونس عن الحسن حديث أفطر الحاجم والمحجوم عن أبي هريرة ورواه قتادة عن الحسن
عن ثوبان ورواه عطاء بن السائب عن الحسن عن معقل بن يسار ورواه مطر عن الحسن عن علي
ورواه أشعث عن الحسن عن أسامة زاد الدارقطني في العلل انه اختلف على عطاء بن السائب في
الصحابي فقيل معقل بن يسار المزنى وقيل معقل بن سنان الأشجعي وروى عن عاصم عن الحسن
عن معقل بن يسار أيضا وقيل عن مطر عن الحسن عن معاذ واختلف على قتادة عن الحسن في
الصحابي فقيل أيضا على وقيل أبو هريرة (قلت) واختلف على يونس أيضا كما سأذكره قال وقال أبو
حرة عن الحسن عن غير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فإن كان حفظه صحت الأقوال
كلها (قلت) لم ينفرد به أبو حرة كما سأبينه (قوله وقال لي عياش) بتحتانية ومعجمة وعبد الاعلى هو
ابن عبد الاعلى (قوله حدثنا يونس) هو ابن عبيد (عن الحسن) مثله أي أفطر الحاجم والمحجوم
(قوله قيل له عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم ثم قال الله أعلم) وهذا متابع لأبي حرة عن الحسن
وقد أخرجه البخاري في تاريخه والبيهقي أيضا من طريقه قال حدثني عياش فذكره رواه عن ابن
153

المديني في العلل والبيهقي أيضا من طريقه قال حدثنا المعتمر هو ابن سليمان التيمي عن أبيه عن
الحسن عن غير واحد به ورواية يونس عن الحسن عن أبي هريرة عند النسائي من طريق
عبد الوهاب الثقفي عن يونس وأخرجه من طريق بشر بن المفضل عن يونس عن الحسن قوله
وذكره الدارقطني من طريق عبيد الله بن تمام عن يونس عن الحسن عن أسامة والاختلاف على
الحسن في هذا الحديث واضح لكن نقل الترمذي في العلل الكبير عن البخاري أنه قال يحتمل
أن يكون سمعه عن غير واحد وكذا قال الدارقطني في العلل إن كان قول الحسن عن غير واحد
من الصحابة محفوظا صحت الأقوال كلها (قلت) يريد بذلك انتفاء الاضطراب والا فالحسن
لم يسمع من أكثر المذكورين ثم الظاهر من السياق ان الحسن كان يشك في رفعه وكأنه حصل له
بعد الجزم تردد وحمل الكرماني جزمه على وثوقه بخبر من أخبره به وتردده لكونه خبر واحد فلا
يفيد اليقين وهو حمل في غاية البعد ونقل الترمذي أيضا عن البخاري أنه قال ليس في هذا الباب
أصح من حديث شداد وثوبان قلت فكيف بما فيهما من الاختلاف يعنى عن أبي قلابة قال
كلاهما عندي صحيح لان يحيى بن أبي كثير روى عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان وعن أبي
قلابة عن أبي الأشعث عن شداد روى الحديثين جميعا يعنى فانتفى الاضطراب وتعين الجمع بذلك
وكذا قال عثمان الدارمي صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم من طريق ثوبان وشداد قال
وسمعت أحمد يذكر ذلك وقال المروزي قلت لأحمد ان يحيى بن معين قال ليس فيه شئ يثبت فقال
هذا مجازفة وقال ابن خزيمة صح الحديثان جميعا وكذا قال ابن حبان والحاكم وأطنب النسائي في
تخريج طرق هذا المتن وبيان الاختلاف فيه فأجاد وأفاد وقال أحمد أصح شئ في باب أفطر الحاجم
والمحجوم حديث رافع بن خديج (قلت) يريد ما أخرجه هو والترمذي والنسائي وابن حبان
والحاكم من طريق معمر عن يحيى ابن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن
يزيد عن رافع لكن عارض أحمد يحيى بن معين في هذا فقال حديث رافع أضعفها وقال البخاري
هو غير محفوظ وقال ابن أبي حاتم عن أبيه هو عندي باطل وقال الترمذي سألت إسحاق بن منصور
عنه فأبى ان يحدثني به عن عبد الرزاق وقال هو غلط قلت ما علته قال روى هشام الدستوائي عن
يحيى بن أبي كثير بهذا الاسناد حديث مهر البغى خبيث وروى عن يحيى عن أبي قلابة ان أبا أسماء
حدثه ان ثوبان أخبره به فهذا هو المحفوظ عن يحيى فكأنه دخل لمعمر حديث في حديث والله أعلم
وقال الشافعي في اختلاف الحديث بعد أن اخرج حديث شداد ولفظه كنا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في زمان الفتح فرأى رجلا يحتجم لثمان عشرة خلت من رمضان فقال وهو آخذ
بيدي أفطر الحاجم والمحجوم ثم ساق حديث ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم
قال وحديث ابن عباس أمثلهما اسنادا فان توقى أحد الحجامة كان أحب إلى احتياطا والقياس
مع حديث ابن عباس والذي أحفظ عن الصحابة والتابعين وعامة أهل العلم انه لا يفطر أحد
بالحجامة (قلت) وكأن هذا هو السر في ايراد البخاري لحديث ابن عباس عقب حديث أفطر
الحاجم والمحجوم وحكى الترمذي عن الزعفراني ان الشافعي علق القول بان الحجامة تفطر على
صحة الحديث قال الترمذي كان الشافعي يقول ذلك ببغداد وأما بمصر فمال إلى الرخصة والله
أعلم وأول بعضهم حديث أفطر الحاجم والمحجوم ان المراد به انهما سيفطران كقوله تعالى انى
154

أراني أعصر خمرا أي ما يؤل إليه ولا يخفى تكلف هذا التأويل ويقربه ما قال البغوي في شرح
السنة معنى قوله أفطر الحاجم والمحجوم أي تعرضا للافطار أما الحاجم فلانه لا يأمن وصول شئ
من الدم إلى جوفه عند المص وأما المحجوم فلانه لا يأمن ضعف قوته بخروج الدم فيؤل أمره إلى أن
يفطر وقيل معنى أفطرا فعلا مكروها وهو الحجامة فصارا كأنهما غير متلبسين بالعبادة وسأذكر
بقية كلامهم في الحديث الذي يليه (قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم
وهو صائم) هكذا أخرجه من طريق وهيب عن عكرمة عن ابن عباس وتابعه عبد الوارث
عن أيوب موصولا كما سيأتي في الطب ورواه ابن علية ومعمر عن أيوب عن عكرمة مرسلا
واختلف على حماد بن زيد في وصله وارساله وقد بين ذلك النسائي وقال مهنأ سألت أحمد عن هذا
الحديث فقال ليس فيه صائم انما هو وهو محرم ثم ساقه من طريق عن ابن عباس لكن ليس فيها
طريق أيوب هذه والحديث صحيح لامرية فيه قال ابن عبد البر وغيره فيه دليل على أن حديث
أفطر الحاجم والمحجوم منسوخ لأنه جاء في بعض طرقه ان ذلك كان في حجة الوداع وسبق إلى ذلك
الشافعي واعترض ابن خزيمة بان في هذا الحديث أنه كان صائما محرما قال ولم يكن قط محرما
مقيما ببلده انما كان محرما وهو مسافر والمسافر إن كان ناويا للصوم فمضى عليه بعض النهار وهو
صائم أبيح له الأكل والشرب على الصحيح فإذا جاز له ذلك جاز له أن يحتجم وهو مسافر قال فليس
في خبر ابن عباس ما يدل على افطار المحجوم فضلا عن الحاجم اه‍ وتعقب بان الحديث ما ورد
هكذا الا لفائدة فالظاهر أنه وجدت منه الحجامة وهو صائم لم يتحلل من صومه واستمر وقال ابن
خزيمة أيضا جاء بعضهم بأعجوبة فزعم أنه صلى الله عليه وسلم انما قال أفطر الحاجم والمحجوم
لأنهما كانا يغتابان قال فإذا قيل له فالغيبة تفطر الصائم قال لا قال فعلى هذا لا يخرج من مخالفة
الحديث بلا شبهة انتهى وقد أخرج الحديث المشار إليه الطحاوي وعثمان الدارمي والبيهقي في
المعرفة وغيرهم من طريق يزيد بن أبي ربيعة عن أبي الأشعث عن ثوبان ومنهم من أرسله ويزيد بن
ربيعة متروك وحكم علي بن المديني بأنه حديث باطل وقال ابن حزم صح حديث أفطر الحاجم
والمحجوم بلا ريب لكن وجدنا من حديث أبي سعيد أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في
الحجامة للصائم واسناده صحيح فوجب الاخذ به لان الرخصة انما تكون بعد العزيمة فدل على
نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجما أو محجوما انتهى والحديث المذكور أخرجه النسائي
وابن خزيمة والدارقطني ورجاله ثقات ولكن اختلف في رفعه ووقفه وله شاهد من حديث أنس
أخرجه الدارقطني ولفظه أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم
فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أفطر هذان ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد
في الحجامة للصائم وكان انس يحتجم وهو صائم ورواته كلهم من رجال البخاري الا ان في المتن
ما ينكر لان فيه ان ذلك كان في الفتح وجعفر كان قتل قبل ذلك ومن أحسن ما ورد في ذلك ما رواه
عبد الرزاق وأبو داود من طريق عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نهى النبي عن الحجامة للصائم
وعن المواصلة ولم يحرمهما ابقاء على أصحابه اسناده صحيح والجهالة بالصحابي لا تضر وقوله
ابقاء على أصحابه يتعلق بقوله نهى وقد رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري باسناده هذا
155

ولفظه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا انما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة
للصائم وكرهها للضعيف أي لئلا يضعف (قوله سمعت ثابتا البناني قال سئل أنس بن مالك) كذا
في أكثر أصول البخاري سئل بضم أوله على البناء للمجهول وفى رواية أبى الوقت سال أنسا
وهذا غلط فان شعبة ما حضر سؤال ثابت لأنس وقد سقط منه رجل بين شعبة وثابت فرواه
الإسماعيلي وأبو نعيم والبيهقي من طريق جعفر بن محمد القلانسي وأبى قرصافة محمد بن عبد
الوهاب وإبراهيم بن الحسين بن دريد كلهم عن آدم بن أبي اياس شيخ البخاري فيه فقال عن شعبة
عن حميد قال سمعت ثابتا وهو يسأل أنس بن مالك فذكر الحديث وأشار الإسماعيلي والبيهقي
إلى أن الرواية التي وقعت للبخاري حطا وانه سقط منه حميد قال الإسماعيلي وكذلك رواه على
ابن سهل عن أبي النضر عن شعبة عن حميد (قوله وزاد شبابة حدثنا شعبة على عهد النبي صلى الله
عليه وسلم) هذا يشعر بان رواية شبابة موافقة لرواية آدم في الاسناد والمتن الا أن شبابة زاد فيه
ما يؤكد رفعه وقد أخرج ابن منده في غرائب شعبة طريق شبابة فقال حدثنا محمد بن أحمد بن حاتم
حدثنا عبد الله بن روح حدثنا شبابة حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد وبه عن
شبابة عن شعبة عن حميد عن أنس نحوه وهذا يؤكد صحة ما اعترض به الإسماعيلي ومن تبعه
ويشعر بان الخلل فيه من غير البخاري إذ لو كان اسناد شبابة عنده مخالفا لاسناد آدم لبينه وهو
واضح لاخفاء به والله أعلم بالصواب (قوله باب الصوم في السفر والافطار) أي إباحة
ذلك وتخيير المكلف فيه سواء كان رمضان أو غيره وسأذكر بيان الاختلاف في ذلك بعد باب وذكر
المؤلف في الباب حديث عبد الله بن أبي أوفى وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب وموضع الدلالة منه
ما يشعر به سياقه من مراجعة الرجل له بكون الشمس لم تغرب في جواب طلبه لما يشير به فهو
ظاهر في أنه كان صلى الله عليه وسلم صائما وقد ذكره في باب متى يحل فطر الصائم وفى غيره بلفظ
صريح في ذلك حيث قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم (قوله الشمس يا رسول
الله) بالرفع ويجوز النصب وتوجيهها ظاهر (قوله تابعه جرير وأبو بكر بن عياش عن الشيباني)
يعنى تابعا سفيان وهو ابن عيينة والشيباني هو أبو إسحاق شيخهم فيه ومتابعة جرير وصلها المؤلف
في الطلاق ومتابعة أبى بكر ستأتي موصولة بعد قليل في باب تعجيل الافطار وتابعهم غير من ذكر كما
سيأتي ولفظهم متقارب والمراد المتابعة في أصل الحديث (قوله حدثنا يحيى) هو القطان وهشام
هو ابن عروة (قوله أن حمزة بن عمرو الأسلمي) هكذا رواه الحفاظ عن هشام وقال عبد الرحيم بن
سليمان عند النسائي والدراوردي عند الطبراني ويحيى بن عبد الله بن سالم عند الدارقطني ثلاثتهم
عن هشام عن أبيه عن عائشة عن حمزة بن عمرو وجعلوه من مسند حمزة والمحفوظ انه من مسند
عائشة ويحتمل ان يكون هؤلاء لم يقصدوا بقولهم عن حمزة الرواية عنه وانما أرادوا الاخبار عن
حكايته فالتقدير عن عائشة عن قصة حمزة انه سأل لكن قد صح مجئ الحديث من رواية حمزة
فأخرجه مسلم من طريق أبى الأسود عن عروة عن أبي مراوح عن حمزة وكذلك رواه محمد بن
إبراهيم التيمي عن عروة لكنه أسقط أبا مراوح والصواب اثباته وهو محمول على أن لعروة فيه
طريقين سمعه من عائشة وسمعه من أبى مراوح عن حمزة (قوله أسرد الصوم) أي أتابعه واستدل
به على أن لا كراهية في صيام الدهر ولا دلالة فيه لان التتابع يصدق بدون صوم الدهر فان ثبت
156

النهى عن صوم الدهر لم يعارضه هذا الاذن بالسرد بل الجمع بينهما واضح (قوله أأصوم في السفر
إلى آخره) قال ابن دقيق العيد ليس فيه تصريح بأنه صوم رمضان فلا يكون فيه حجة على من منع
صيام رمضان في السفر (قلت) وهو كما قال بالنسبة إلى سياق حديث الباب لكن في رواية أبى
مراوح التي ذكرتها عند مسلم أنه قال يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل على
جناح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب ان
يصوم فلا جناح عليه وهذا يشعر بأنه سأل عن صيام الفريضة وذلك أن الرخصة انما تطلق في
مقابلة ما هو واجب وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود والحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو
عن أبيه أنه قال يا رسول الله انى صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه وانه ربما صادفني هذا
الشهر يعنى رمضان وانا أجد القوة وأجدني ان أصوم أهون على من أن أؤخره فيكون دينا
على فقال أي ذلك شئت يا حمزة * (قوله باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر أي
هل يباح له الفطر في السفر أو لا وكانه أشار إلى تضعيف ما روى عن علي والى رد ما روى عن غيره في
ذلك قال ابن المنذر روى على باسناد ضعيف وقال به عبيدة بن عمرو وأبو مجلز وغيرهما ونقله
النووي عن أبي مجلز وحده ووقع في بعض الشروح أبو عبيدة وهو وهم قالوا إن من استهل عليه
رمضان في الحضر ثم سافر بعد ذلك فليس له أن يفطر لقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه
قال وقال أكثر أهل العلم لا فرق بينه وبين من استهل رمضان في السفر ثم ساق ابن المنذر باسناد
صحيح عن ابن عمر قال قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه نسخها قوله تعالى ومن كان مريضا أو
على سفر الآية ثم احتج للجمهور بحديث ابن عباس المذكور في هذا الباب (قوله خرج إلى مكة)
كان ذلك في غزوة الفتح كما سيأتي (قوله فلما بلغ الكديد) بفتح الكاف وكسر الدال المهملة مكان
معروف وقع تفسيره في نفس الحديث بأنه بين عسفان وقديد يعنى بضم القاف على التصغير ووقع
في رواية المستملى وحده نسبة هذا التفسير للبخاري لكن سيأتي في المغازي موصولا من وجه آخر
في نفس الحديث وسيأتى قريبا عن ابن عباس من وجه آخر حتى بلغ عسفان بدل الكديد وفيه
مجاز القرب لان الكديد أقرب إلى المدينة من عسفان وبين الكديد ومكة مرحلتان قال
البكري هو بين أمج بفتحتين وجيم وعسفان وهو ماء عليه نخل كثير ووقع عند مسلم في حديث جابر
فلما بلغ كراع الغميم هو بضم الكاف والغميم بفتح المعجمة وهو اسم واد أمام عسفان قال عياض
اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر صلى الله عليه وسلم فيه والكل في قصة واحدة وكلها
متقاربة والجميع من عمل عسفان اه‍ وسيأتى في المغازي من طريق معمر عن الزهري سياق
هذا الحديث أوضح من رواية مالك ولفظ رواية معمر خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان
من المدينة ومعه عشرة آلاف من المسلمين وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة
فسار ومن معه من المسلمين يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد فأفطر وأفطروا قال الزهري وانما
يؤخذ بالآخرة فالآخرة من أمره صلى الله عليه وسلم وهذه الزيادة التي في آخره من قول الزهري
وقعت مدرجة عند مسلم من طريق الليث عن الزهري ولفظه حتى بلغ الكديد أفطر قال وكان
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره وأخرجه من طريق
سفيان عن الزهري قال مثله قال سفيان لا أدرى من قول من هو ثم أخرجه من طريق معمر ومن
157

طريق يونس كلاهما عن الزهري وبينا انه من قول الزهري وبذلك جزم البخاري في الجهاد
وظاهره ان الزهري ذهب إلى أن الصوم في السفر منسوخ ولم يوافق على ذلك كما سيأتي قريبا
وأخرج البخاري في المغازي أيضا من طريق خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال خرج
النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان والناس صائم ومفطر فلما استوى على راحلته دعا باناء من لبن
أو ماء فوضعه على راحلته ثم نظر الناس زاد في رواية أخرى من طريق طاوس عن ابن عباس
ثم دعا بماء فشرب نهارا ليراه الناس وأخرجه الطحاوي من طريق أبى الأسود عن عكرمة أوضح
من سياق خالد ولفظه فلما بلغ الكديد بلغه ان الناس يشق عليهم الصيام فدعا بقدح من لبن
فأمسكه بيده حتى رآه الناس وهو على راحلته ثم شرب فأفطر فناوله رجل إلى جنبه فشرب
ولمسلم من طريق الدراوردي عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر في هذا الحديث فقيل له
ان الناس قد شق عليهم الصيام وانما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر وله من
وجه آخر عن جعفر ثم شرب فقيل له بعد ذلك ان بعض الناس قد صام فقال أولئك العصاة
واستدل بهذا الحديث على تحتم الفطر في السفر ولا دلالة فيه كما سيأتي واستدل به على أن للمسافر
أن يفطر في أثناء النهار ولو استهل رمضان في الحضر والحديث نص في الجواز إذ لا خلاف انه صلى
الله عليه وسلم استهل رمضان في عام غزوة الفتح وهو بالمدينة ثم سافر في أثنائه ووقع في رواية ابن إسحاق
في المغازي عن الزهري في حديث الباب انه خرج لعشر مضين من رمضان ووقع في مسلم من
حديث أبي سعيد اختلاف من الرواة في ضبط ذلك والذي اتفق عليه أهل السير انه خرج في عاشر
رمضان ودخل مكة لتسع عشرة ليلة خلت منه واستدل به على أن للمرء أن يفطر ولو نوى الصيام
من الليل وأصبح صائما فله ان يفطر في أثناء النهار وهو قول الجمهور وقطع به أكثر الشافعية وفى
وجه ليس له أن يفطر وكأن مستند قائله ما وقع في البويطي من تعليق القول به على صحة حديث
ابن عباس هذا وهذا كله فيما لو نوى الصوم في السفر فأما لو نوى الصوم وهو مقيم ثم سافر في أثناء
النهار فهل له أن يفطر في ذلك النهار منعه الجمهور وقال أحمد واسحق بالجواز واختاره المزنى
محتجا بهذا الحديث فقيل له قال كذلك ظنا منه انه صلى الله عليه وسلم أفطر في اليوم الذي خرج
فيه من المدينة وليس كذلك فان بين المدينة والكديد عدة أيام وقد وقع في البويطي مثل ما وقع
عند المزنى فسلم المزنى وأبلغ من ذلك ما رواه ابن أبي شيبة والبيهقي عن أنس انه كان إذا أراد السفر
يفطر في الحضر قبل أن يركب ثم لا فرق عند المجيزين في الفطر بكل مفطر وفرق أحمد في المشهور
عنه بين الفطر بالجماع وغيره فمنعه من الجماع قال فلو جامع فعليه الكفارة الا ان أفطر بغير الجماع
قبل الجماع واعترض بعض المانعين في أصل المسئلة فقال ليس في الحديث دلالة على أنه صلى الله
عليه وسلم نوى الصيام في ليلة اليوم الذي أفطر فيه فيحتمل أن يكون نوى أن يصبح مفطرا ثم أظهر
الافطار ليفطر الناس لكن سياق الأحاديث ظاهر في أنه كان أصبح صائما ثم أفطر وقد روى ابن
خزيمة وغيره من طريق أبى سلمة عن أبي هريرة قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران
فأتى بطعام فقال لأبي بكر وعمر ادنو فكلا فقالا انا صائمان فقال اعملوا لصاحبيكم أرحلوا
لصاحبيكم ادنو فكلا قال ابن خزيمة فيه دليل على أن للصائم في السفر الفطر بعد مضى بعض
النهار * (تنبيه) * قال القابسي هذا الحديث من مرسلات الصحابة لان ابن عباس كان في هذه
158

السفرة مقيما مع أبويه بمكة فلم يشاهد هذه القصة فكأنه سمعها من غيره من الصحابة * (قوله
باب) كذا للأكثر بغير ترجمة وسقط من رواية النسفي وعلى الحالين لا بد أن يكون
لحديث أبى الدرداء المذكور فيه تعلق بالترجمة ووجهه ما وقع من افطار أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم في رمضان في السفر بمحضر منه ولم ينكر عليهم فدل على الجواز وعلى رد قول من قال
من سافر في شهر رمضان امتنع عليه الفطر (قوله عن أم الدرداء) في رواية أبى داود من طريق
سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله وهو ابن أبي المهاجر الدمشقي حدثتني أم الدرداء
والاسناد كله شاميون سوى شيخ البخاري وقد دخل الشأم وأم الدرداء هي الصغرى التابعية
(قوله خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره) في رواية مسلم من طريق سعيد بن
عبد العزيز أيضا خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد الحديث
وبهذه الزيادة يتم المراد من الاستدلال ويتوجه الرد بها على أبى محمد بن حزم في زعمه ان حديث أبي
الدرداء هذا لا حجة فيه لاحتمال أن يكون ذلك الصوم تطوعا وقد كنت ظننت ان هذه السفرة
غزوة الفتح لما رأيت في الموطأ من طريق أبى بكر بن عبد الرحمن عن رجل من الصحابة قال رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج في الحر وهو يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش
ومن الحر فلما بلغ الكديد أفطر فإنه يدل على أن غزاة الفتح كانت في أيام شدة الحر وقد اتفقت
الروايتان على أن كلا من السفرتين كان في رمضان لكنني رجعت عن ذلك وعرفت انه ليس
بصواب لان عبد الله بن رواحة استشهد بمؤتة قبل غزوة الفتح بلا خلاف وان كانتا جميعا في سنة
واحدة وقد استثناه أبو الدرداء في هذه السفرة مع النبي صلى الله عليه وسلم فصح انها كانت سفرة
أخرى وأيضا فان في سياق أحاديث غزوة الفتح ان الذين استمروا من الصحابة صياما كانوا جماعة
وفى هذا انه عبد الله بن رواحة وحده وأخرج الترمذي من حديث عمر غزونا مع النبي صلى الله
عليه وسلم في رمضان يوم بدر ويوم الفتح الحديث ولا يصح حمله أيضا على بدر لان أبا الدرداء لم يكن
حينئذ أسلم وفى الحديث دليل على أن لا كراهية في الصوم في السفر لمن قوى عليه ولم يصبه منه
مشقة شديدة * (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر ليس
من البر الصيام في السفر) أشار بهذه الترجمة إلى أن سبب قوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر
الصيام في السفر ما ذكر من المشقة وان من روى الحديث مجردا فقد اختصر القصة وبما أشار إليه
من اعتبار شدة المشقة يجمع بين حديث الباب والذي قبله فالحاصل أن الصوم لمن قوى عليه
أفضل من الفطر والفطر لمن شق عليه الصوم أو أعرض عن قبول الرخصة أفضل من الصوم وان
من لم يتحقق المشقة يخير بين الصوم والفطر وقد اختلف السلف في هذه المسئلة فقالت طائفة
لا يجزئ الصوم في السفر عن الفرض بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر لظاهر
قوله تعالى فعدة من أيام أخر ولقوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر ومقابلة البر
الاثم وإذا كان آثما بصومه لم يجزئه وهذا قول بعض أهل الظاهر وحكى عن عمر وابن عمر وأبي هريرة
والزهري وإبراهيم النخعي وغيرهم واحتجوا بقوله تعالى فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من
أيام أخر قالوا ظاهره فعليه عدة أو فالواجب عدة وتأوله الجمهور بان التقدير فأفطر فعدة ومقابل
هذا القول من قال إن الصوم في السفر لا يجوز الا لمن خاف على نفسه الهلاك أو المشقة
159

الشديدة حكاه الطبري عن قوم وذهب أكثر العلماء ومنهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن
الصوم أفضل لمن قوى عليه ولم يشق عليه وقال كثير منهم الفطر أفضل عملا بالرخصة وهو قول
الأوزاعي وأحمد واسحق وقال آخرون هو مخير مطلقا وقال آخرون أفضلهما أيسرهما لقوله تعالى
يريد الله بكم اليسر فإن كان الفطر أيسر عليه فهو أفضل في حقه وإن كان الصيام أيسر كمن يسهل
عليه حينئذ ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل وهو قول عمر بن عبد العزيز
واختاره ابن المنذر والذي يترجح قول الجمهور ولكن قد يكون الفطر أفضل لمن اشتد عليه الصوم
وتضرر به وكذلك من ظن به الاعراض عن قبول الرخصة كما تقدم نظيره في المسح على الخفين
وسيأتى نظيره في تعجيل الافطار وقد روى أحمد من طريق أبى طعمة قال قال رجل لابن عمر انى
أقوى على الصوم في السفر فقال له ابن عمر من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الاثم مثل جبال
عرفة وهذا محمول على من رغب عن الرخصة لقوله صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس
منى وكذلك من خاف على نفسه العجب أو الرياء إذا صام في السفر فقد يكون الفطر أفضل له وقد
أشار إلى ذلك ابن عمر فروى الطبري من طريق مجاهد قال إذا سافرت فلا تصم فإنك ان تصم قال
أصحابك اكفوا الصائم ارفعوا للصائم وقاموا بامرك وقالوا فلان صائم فلا تزال كذلك حتى
يذهب أجرك ومن طريق مجاهد أيضا عن جنادة بن أمية عن أبي ذر نحو ذلك وسيأتى في الجهاد من
طريق مورق عن أنس نحو هذا مرفوعا حيث قال صلى الله عليه وسلم للمفطرين حيث خدموا
الصيام ذهب المفطرون اليوم بالاجر واحتج من منع الصوم أيضا بما وقع في الحديث الماضي ان
ذلك كان آخر الامرين وان الصحابة كانوا يأخذون بالآخر فالآخر من فعله وزعموا أن صومه
صلى الله عليه وسلم في السفر منسوخ وتعقب أولا بما تقدم من أن هذه الزيادة مدرجة من قول
الزهري وبأنه استند إلى ظاهر الخبر من أنه صلى الله عليه وسلم أفطر بعد ان صام ونسب من صام
إلى العصيان ولا حجة في شئ من ذلك لان مسلما أخرج من حديث أبي سعيد انه صلى الله عليه وسلم
صام بعد هذه القصة في السفر ولفظه سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام
فنزلنا منزلا فقال النبي صلى الله عليه وسلم انكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا
فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم
مصبحوا عدوكم فالفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزيمة فأفطرنا ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر وهذا الحديث نص في المسئلة ومنه يؤخذ الجواب عن
نسبته صلى الله عليه وسلم الصائمين إلى العصيان لأنه عزم عليهم فخالفوا وهو شاهد لما قلناه من أن
الفطر أفضل لمن شق عليه الصوم ويتأكد ذلك إذا كان يحتاج إلى الفطر للتقوى به على لقاء
العدو وروى الطبري في تهذيبه من طريق خيثمة سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر فقال
لقد أمرت غلامي أن يصوم قال فقلت له فأين هذه الآية فعدة من أيام أخر فقال إنها نزلت ونحن
نرتحل جياعا وننزل على غير شبع وأما اليوم فنرتحل شباعا وننزل على شبع فأشار أنس إلى الصفة
التي يكون فيها الفطر أفضل من الصوم وأما الحديث المشهور الصائم في السفر كالمفطر في الحضر
فقد أخرجه ابن ماجة مرفوعا من حديث ابن عمر بسند ضعيف وأخرجه الطبري من طريق أبى
سلمة عن عائشة مرفوعا أيضا وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف ورواه الأثرم من طريق أبى سلمة عن
160

أبيه مرفوعا والمحفوظ عن أبي سلمة عن أبيه موقوفا كذلك أخرجه النسائي وابن المنذر مع
وقفه فهو منقطع لان أبا سلمة لم يسمع من أبيه وعلى تقدير صحته فهو محمول على ما تقدم أولا حيث
يكون الفطر أولى من الصوم والله أعلم وأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر
الصيام في السفر فسلك المجيزون فيه طرقا فقال بعضهم قد خرج على سبب فيقصر عليه وعلى من
كان في مثل حاله والى هذا جنح البخاري في ترجمته ولذا قال الطبري بعد أن ساق نحو حديث
الباب من رواية كعب بن عاصم الأشعري ولفظه سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن
في حر شديد فإذا رجل من القوم قد دخل تحت ظل شجرة وهو مضطجع كضجعة الوجع فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لصاحبكم أي وجع به فقالوا ليس به وجع ولكنه صائم وقد اشتد
عليه الحر فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ليس البر أن تصوموا في السفر عليكم برخصة
الله التي رخص لكم فكان قوله صلى الله عليه وسلم ذلك لمن كان في مثل ذلك الحال وقال ابن
دقيق العيد أخذ من هذه القصة ان كراهة الصوم في السفر مختصة بمن هو في مثل هذه الحالة ممن
يجهده الصوم ويشق عليه أو يؤدى به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب فينزل
قوله ليس من البر الصوم في السفر على مثل هذه الحالة قال والمانعون في السفر يقولون إن
اللفظ عام والعبرة بعمومه لا بخصوص السبب قال وينبغي أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب
والسياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم وبين مجرد ورود العام على سبب فان
بين العامين فرقا واضحا ومن أجراهما مجرى واحد لم يصب فان مجرد ورود
العام على سبب
لا يقتضى التخصيص به كنزول آية السرقة في قصة سرقة رداء صفوان وأما السياق والقرائن
الدالة على مراد المتكلم فهي المرشدة لبيان المجملات وتعيين المحتملات كما في حديث الباب
وقال ابن المنير في الحاشية هذه القصة تشعر بأن من اتفق له مثل ما اتفق لذلك الرجل انه يساويه
في الحكم وأما من سلم من ذلك ونحوه فهو في جواز الصوم على أصله والله أعلم وحمل الشافعي نفى
البر المذكور في الحديث على من أبى قبول الرخصة فقال معنى قوله ليس من البر أن يبلغ رجل
هذا بنفسه في فريضة صوم ولا نافلة وقد أرخص الله تعالى له أن يفطر وهو صحيح قال ويحتمل أن
يكون معنان ليس من البر المفروض الذي من خالفه أثم وجزم ابن خزيمة وغيره بالمعنى الأول وقال
الطحاوي المراد بالبر هنا البر الكامل الذي هو أعلى مراتب البر وليس المراد به اخراج الصوم في
السفر عن أن يكون برا لان الافطار قد يكون أبر من الصوم إذا كان للتقوى على لقاء العدو
مثلا قال وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم ليس المسكين بالطواف الحديث فإنه لم يرد اخراجه من
أسباب المسكنة كلها وانما أراد أن المسكين الكامل المسكنة الذي لا يجد غنى يغنيه ويستحى أن
يسأل ولا يفطن له (قوله حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأنصاري) عند مسلم من طريق غندر عن
شعبة عن محمد بن عبد الرحمن يعنى بن سعد ولابى داود عن أبي الوليد عن شعبة عن محمد بن عبد
الرحمن يعنى ابن سعد بن زرارة (قوله سمعت محمد بن عمرو الخ) أدخل محمد بن عبد الرحمن بن
سعد بينه وبين جابر محمد بن عمرو بن الحسن في رواية شعبة عنه واختلف في حديثه على يحيى بن أبي
كثير فأخرجه النسائي من طريق شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى عن محمد بن
عبد الرحمن حدثني جابر بن عبد الله فذكره قال النسائي هذا خطأ ثم ساقه من طريق الفريابي عن
161

الأوزاعي عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن حدثني من سمع جابرا ومن طريق علي بن المبارك عن
يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن رجل عن جابر ثم قال ذكر تسمية هذا الرجل المبهم فساق طريق
شعبة ثم قال هذا هو الصحيح يعنى ادخال رجل بين محمد بن عبد الرحمن وجابر وتعقبه المزي فقال
ظن النسائي ان محمد بن عبد الرحمن شيخ شعبة في هذا الحديث هو محمد بن عبد الرحمن شيخ يحيى بن أبي
كثير فيه وليس كذلك لان شيخ يحيى هو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وشيخ شعبة هو ابن عبد
الرحمن بن سعد بن زرارة انتهى والذي يترجح في نظري أن الصواب مع النسائي لان مسلما لما روى
الحديث من طريق أبى داود عن شعبة قال في آخره قال شعبة كان بلغني هذا الحديث عن يحيى
ابن أبي كثير انه كان يزيد في هذا الاسناد في هذا الحديث عليكم برخصة الله التي رخص لكم فلما
سألته لم يحفظه انتهى والضمير في سألت يرجع إلى محمد بن عبد الرحمن شيخ يحيى لان شعبة لم يلق
يحيى فدل على أن شعبة أخبر انه كان يبلغه عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو عن
جابر في هذا الحديث زيادة ولأنه لما لقى محمد بن عبد الرحمن شيخ يحيى سأله عنها فلم يحفظها وأما
ما وقع في رواية الأوزاعي عن يحيى أنه نسب محمد بن عبد الرحمن فقال فيه ابن ثوبان فهو الذي
اعتمده المزي لكن جزم أبو حاتم كما نقله عنه ابنه في العلل بأن من قال فيه عن محمد بن عبد الرحمن
ابن ثوبان فقد وهم وانما هو ابن عبد الرحمن بن سعد انتهى وقد اختلف فيه مع ذلك على الأوزاعي
وجل الرواة عن يحيى بن أبي كثير لم يزيدوا على محمد بن عبد الرحمن لا يذكرون جده ولا جد جده
والله أعلم (قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر) تبين من رواية جعفر بن محمد عن أبيه
عن جابر انها عزوة الفتح ولابن خزيمة من طريق حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر سافرنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم في رمضان فذكر نحوه (قوله ورجلا قل ظلل عليه) في رواية حماد المذكورة
فشق على رجل الصوم فجعلت راحلته تهيم به تحت الشجرة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
فأمره أن يفطر الحديث ولم أقف على اسم هذا الرجل ولولا ما قدمته من أن عبد الله بن رواحة
استشهد قبل غزوة الفتح لأمكن أن يفسر به لقول أبى الدرداء انه لم يكن من الصحابة في تلك
السفرة صائما غيره وزعم مغلطاي انه أبو إسرائيل وعزا ذلك لمبهمات الخطيب ولم يقل الخطيب
ذلك في هذه القصة وانما أورد حديث مالك عن حميد بن قيس وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم
رأى رجلا قائما في الشمس فقالوا نذر أن لا يستظل ولا يتكلم ولا يجلس ويصوم الحديث ثم قال
هذا الرجل هو أبو إسرائيل القرشي العامري ثم ساق باسناده إلى أيوب عن عكرمة عن ابن
عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فنظر إلى رجل من قريش يقال له أبو
إسرائيل فقالوا نذر أن يصوم ويقوم في الشمس الحديث فلم يزد الخطيب على هذا وبين القصتين
مغايرات ظاهرة أظهرها أنه كان في الحضر في المسجد وصاحب القصة في حديث جابر كان في
السفر تحت ظلال الشجر والله أعلم وفى الحديث استحباب التمسك بالرخصة عند الحاجة إليها
وكراهة تركها على وجه التشديد والتنطع * (تنبيه) * أوهم كلام صاحب العمدة ان قوله صلى
الله عليه وسلم عليكم برخصة الله التي رخص لكم مما أخرجه مسلم بشرطه وليس كذلك وانما
هي بقية في الحديث لم يوصل اسنادها كما تقدم بيانه نعم وقعت عند النسائي موصولة في حديث
يحيى بن أبي كثير بسنده وعند الطبراني من حديث كعب بن عاصم الأشعري كما تقدم
162

* (قوله باب لم يعب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم بعضا في الصوم والافطار)
أي في الاسفار وأشار بهذا إلى تأكيد ما اعتمده من تأويل الحديث الذي قبله وانه محمول على من
بلغ حالة يجهد بها وان من لم يبلغ ذلك لا يعاب عليه الصيام ولا الفطر (قوله عن أنس) في رواية أبى
خالد عند مسلم عن حميد التصريح بالاخبار بين حميد وأنس ولفظه عن حميد خرجت فصمت فقالوا
لي أعد فقلت ان أنسا أخبرني ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون فلا يعيب
الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم قال حميد فلقيت ابن أبي مليكة فأخبرني عن عائشة مثله
(قوله كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم) في حديث أبي سعيد عند مسلم كنا نغزو مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون ان من وجد قوة
فصام فان ذلك حسن ومن وجد ضعفا فأفطر ان ذلك حسن وهذا التفصيل هو المعتمد وهو نص
رافع للنزاع كما تقدم والله أعلم * (تنبيه) * نقل ابن عبد البر عن محمد بن وضاح ان مالكا تفرد
بسياق هذا الحديث على هذا اللفظ وتعقبه بأن أبا إسحاق الفزاري وأبا ضمرة وعبد الوهاب الثقفي
وغيرهم رووه عن حميد مثل مالك * (قوله باب من أفطر في السفر ليراه الناس) أي إذا
كان ممن يقتدى به وأشار بذلك إلى أن أفضلية الفطر لا تختص بمن أجهده الصوم أو خشى
العجب والرياء أو ظن به الرغبة عن الرخصة بل يلحق بذلك من يقتدى به ليتابعه من وقع له شئ من
الأمور الثلاثة ويكون الفطر في حقه في تلك الحالة أفضل لفضيلة البيان (قوله عن مجاهد عن
طاوس عن ابن عباس) كذا عنده من طريق أبى عوانة عن منصور عن مجاهد وكذا أخرجه من
طريق جرير عن منصور في المغازي وأخرجه النسائي من طريق شعبة عن منصور فلم يذكر طاوسا
في الاسناد وكذا أخرجه من طريق الحكم عن مجاهد عن ابن عباس فيحتمل أن يكون مجاهد
أخذه عن طاوس عن ابن عباس ثم لقى ابن عباس فحمله عنه أو سمعه من ابن عباس وثبته فيه
طاوس وقد تقدم نظير ذلك في حديث ابن عباس في قصة الجريدتين على القبرين في الطهارة
(قوله فرفعه إلى يده) كذا في الأصول التي وقفت عليها من البخاري وهو مشكل لان الرفع انما
يكون باليد وأجاب الكرماني بأن المعنى يحتمل أن يكون رفعه إلى أقصى طول يده أي انتهى الرفع
إلى أقصى غايتها (قلت) وقد وقع عند أبي داود عن مسدد عن أبي عوانة بالاسناد المذكور في
البخاري فرفعه إلى فيه وهذا أوضح ولعل الكلمة تصحفت وقد تقدم ما يؤيد ذلك في سياق ألفاظ
الرواة لهذا الحديث عن ابن عباس وغيره مع بقية مباحث المتن (قوله ليراه الناس) كذا للأكثر
والناس بالرفع على الفاعلية وفى رواية المستملى ليريه بضم أوله وكسر الراء وفتح التحتانية والناس
بالنصب على المفعولية ويحتمل أن يكون الناسخ كتب ليراه الناس بالياء فلا يكون بين الروايتين
اختلاف (قوله فكان ابن عباس يقول الخ) فهم ابن عباس من فعله صلى الله عليه وسلم ذلك أنه
لبيان الجواز لا للأولوية وقد تقدم في حديث أبي سعيد وجابر عند مسلم ما يوضح المراد والله أعلم
* (قوله باب قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال ابن عمر
وسلمة بن الأكوع نسختها شهر رمضان الذي أنزل فيه إلى قوله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)
أما حديث بن عمر فوصله في آخر الباب عن عياش وهو بتحتانية ومعجمة وقد أخرجه عنه أيضا في
التفسير وزاد أنه ابن الوليد وهو الرقام وشيخه عبد الاعلى هو ابن عبد الاعلى البصري السامي
163

بالمهملة ولكن لم يعين الناسخ وقد أخرجه الطبري من طريق عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله
ابن عمر بلفظ نسخت هذه الآية وعلى الذين يطيقونه التي بعدها فمن شهد منكم الشهر فليصمه
وعلى هذا فقوله في الترجمة وفى حديث سلمة نسختها شهر رمضان أي الآية التي أولها شهر رمضان
لاشتمالها على موضع النسخ وقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وأما حديث سلمة
فوصله في تفسير البقرة بلفظ لما نزلت وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان من أراد أن
يفطر أفطر وافتدى حتى نزلت الآية بعدها فنسختها (قوله وقال ابن نمير الخ) وصله أبو نعيم
في المستخرج والبيهقي من طريقه ولفظ البيهقي قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولا عهد لهم
بالصيام فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل شهر رمضان فاستكثروا ذلك وشق عليهم
فكان من أطعم مسكينا كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك ثم نسخه وأن
تصوموا خير لكم فأمروا بالصيام وهذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق شعبة والمسعودي
عن الأعمش مطولا في الاذان والقبلة والصيام واختلف في اسناده اختلافا كثيرا وطريق ابن
نمير هذه أرجحها وإذا تقرر أن الافطار والاطعام كان رخصة ثم نسخ لزم أن يصير الصيام حتما واجبا
فكيف يلتئم مع قوله تعالى وأن تصوموا خير لكم والخيرية لا تدل على الوجوب بل المشاركة في
أصل الخير أجاب الكرماني بأن المعنى فالصوم خير من التطوع بالفدية والتطوع بها كان سنة
والخير من السنة لا يكون الا واجبا أي لا يكون شئ خيرا من السنة الا الواجب كذا قال ولا
يخفى بعده وتكلفه ودعوى الوجوب في خصوص الصيام في هذه الآية ليست بظاهرة بل هو
واجب مخير من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم فنصت الآية على أن الصوم أفضل وكون بعض
الواجب المخير أفضل من بعض لا اشكال فيه واتفقت هذه الأخبار على أن قوله وعلى الذين
يطيقونه فدية منسوخ وخالف في ذلك ابن عباس فذهب إلى أنها محكمة لكنها مخصوصة بالشيخ
الكبير ونحوه وسيأتى بيان ذلك والبحث فيه في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى حيث ذكره
المصنف من تفسير البقرة * (قوله باب متى يقضى قضاء رمضان) أي متى تصام الأيام
التي تقضى عن فوات رمضان وليس المراد قضاء القضاء على ما هو ظاهر اللفظ ومراد الاستفهام
هل يتعين قضاؤه متتابعا أو يجوز متفرقا وهل يتعين على الفور أو يجوز على التراخي قال الزين بن
المنير جعل المصنف الترجمة استفهاما لتعارض الأدلة لان ظاهر قوله تعالى فعدة من أيام أخر
يقتضى التفريق لصدق أيام أخر سواء كانت متتابعة أو متفرقة والقياس يقتضى التتابع الحاقا
لصفة القضاء بصفة الأداء وظاهر صنيع عائشة يقتضى ايثار المبادرة إلى القضاء لولا ما منعها من
الشغل فيشعر بأن من كان بغير عذر لا ينبغي له التأخير (قلت) ظاهر صنيع البخاري يقتضى
جواز التراخي والتفريق لما أودعه في الترجمة من الآثار كعادته وهو قول الجمهور ونقل ابن
المنذر وغيره عن علي وعائشة وجوب التتابع وهو قول بعض أهل الظاهر وروى عبد الرزاق
بسنده عن ابن عمر قال يقضيه تباعا وعن عائشة نزلت فعدة من أيام أخر متتابعات فسقطت
متتابعات وفى الموطأ انها قراءة أبي بن كعب وهذا ان صح يشعر بعدم وجوب التتابع
فكأنه كان أولا واجبا ثم نسخ ولا يختلف المجيزون للتفريق أن التتابع أولى (قوله وقال ابن
عباس لا باس ان يفرق لقول الله تعالى فعدة من أيام أخر) وصله مالك عن الزهري ان ابن عباس
164

وأبا هريرة اختلفا في قضاء رمضان فقال أحدهما يفرق وقال الآخر لا يفرق هكذا أخرجه
منقطعا مبهما ووصله عبد الرزاق معينا عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن
عباس فيمن عليه قضاء من رمضان قال يقضيه مفرقا قال الله تعالى فعدة من أيام أخر وأخرجه
الدارقطني من وجه آخر عن معمر بسنده قال صمه كيف شئت ورويناه في فوائد أحمد بن شبيب
من روايته عن أبيه عن يونس عن الزهري بلفظ لا يضرك كيف قضيتها انما هي عدة من أيام أخر
فأحصه وقال عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ان ابن عباس وأبا هريرة قالا فرقه إذا أحصيته
وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي هريرة نحو قول ابن عمر وكأنه اختلف فيه عن أبي
هريرة وروى ابن أبي شيبة أيضا من طريق معاذ بن جبل إذا أحصى العدة فليصم كيف شاء
ومن طريق أبى عبيدة بن الجراح ورافع بن خديج نحوه وروى سعيد بن منصور عن أنس نحوه
(قوله وقال سعيد بن المسيب في صوم العشر لا يصلح حتى يبدأ برمضان) وصله ابن أبي شيبة عنه
نحوه ولفظه لا باس ان يقضى رمضان في العشر وظاهر قوله جواز التطوع بالصوم لمن عليه دين
من رمضان الا ان الأولى له ان يصوم الدين أولا لقوله لا يصلح فإنه ظاهر في الارشاد إلى البداءة
بالأهم والآكد وقد روى عبد الرزاق عن أبي هريرة ان رجلا قال له ان على أياما من رمضان
أفأصوم العشر تطوعا قال لا ابدأ بحق الله ثم تطوع ما شئت وعن عائشة نحوه وروى ابن المنذر
عن علي أنه نهى عن قضاء رمضان في عشر ذي الحجة واسناده ضعيف قال وروى باسناد صحيح نحوه
عن الحسن والزهري وليس مع أحد منهم حجة على ذلك وروى ابن أبي شيبة باسناد صحيح عن عمر
أنه كان يستحب ذلك (قوله وقال إبراهيم) أي النخعي (إذا فرط حتى جاء رمضان آخر يصومهما
ولم ير عليه اطعاما) ووقع في رواية الكشميهني حتى جاز بزاي بدل الهمزة من الجواز وفى نسخة حان
بمهملة ونون من الحين وصله سعيد بن منصور من طريق يونس عن الحسن ومن طريق الحرث
العكلي عن إبراهيم قال إذا تتابع عليه رمضانان صامهما فان صح بينهما فلم يقض الأول فبئسما
صنع فليستغفر الله وليصم (قوله ويذكر عن أبي هريرة مرسلا وعن ابن عباس انه) يطعم أما
أثر أبي هريرة فوجدته عنه من طرق موصولا فأخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عطاء
عن أبي هريرة قال أي انسان مرض في رمضان ثم صح فلم يقضه حتى أدركه رمضان آخر فليصم
الذي حدث ثم يقض الآخر ويطعم مع كل يوم مسكينا قلت لعطاء كم بلغك يطعم قال مدا زعموا
وأخرجه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن أبي إسحاق عن مجاهد عن أبي هريرة نحوه وقال فيه
وأطعم عن كل يوم نصف صاع من قمح وأخرجه الدارقطني من طريق مطرف عن أبي إسحاق نحوه
ومن طريق رقبة وهو ابن مصقلة قال زعم عطاء انه سمع أبا هريرة يقول في المريض يمرض ولا
يصوم رمضان ثم يترك حتى يدركه رمضان آخر قال يصوم الذي حضره ثم يصوم الآخر ويطعم
لكل يوم مسكينا ومن طريق ابن جريج وقيس بن سعد عن عطاء نحوه وأما قول ابن عباس
فوصله سعيد بن منصور عن هشيم والدارقطني من طريق ابن عيينة كلاهما عن يونس عن أبي إسحاق
عن مجاهد عن ابن عباس قال من فرط في صيام رمضان حتى أدركه رمضان آخر فليصم هذا
الذي أدركه ثم ليصم ما فاته ويطعم مع كل يوم مسكينا وأخرجه عبد الرزاق من طريق جعفر بن
برقان وسعيد بن منصور من طريق حجاج والبيهقي من طريق شعبة عن الحكم كلهم عن ميمون بن
165

مهران عن ابن عباس نحوه (قوله ولم يذكر الله تعالى الاطعام انما قال فعدة من أيام أخر) هذا
من كلام المصنف قاله تفقها وظن الزين بن المنير انه بقية كلام إبراهيم النخعي وليس كما ظن فإنه
مفصول من كلامه باثر أبي هريرة وابن عباس لكن انما يقوى ما احتج به إذا لم يصح في السنة
دليل الاطعام إذ لا يلزم من عدم ذكره في الكتاب أن لا يثبت بالسنة ولم يثبت فيه شئ مرفوع وانما
جاء فيه عن جماعة من الصحابة منهم من ذكر ومنهم عمر عند عبد الرزاق ونقل الطحاوي عن يحيى
ابن أكثم قال وجدته عن ستة من الصحابة لا أعلم لهم فيه مخالفا انتهى وهو قول الجمهور وخالف
في ذلك إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأصحابه ومال الطحاوي إلى قول الجمهور في ذلك وممن قال
بالاطعام ابن عمر لكنه بالغ في ذلك فقال يطعم ولا يصوم فروى عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما
من طرق صحيحة عن نافع عن ابن عمر قال من تابعه رمضانان وهو مريض لم يصح بينهما قضى
الآخر منهما بصيام وقضى الأول منهما باطعام مد من حنطة كل يوم ولم يصم لفظ عبد الرزاق
عن معمر عن أيوب عن نافع قال الطحاوي تفرد ابن عمر بذلك (قلت) لكن عند عبد الرزاق
عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد قال بلغني مثل ذلك عن عمر لكن المشهور عن عمر خلافه فروى
عبد الرزاق أيضا من طريق عوف بن مالك سمعت عمر يقول من صام يوما من غير رمضان وأطعم
مسكينا فإنهما يعدلان يوما من رمضان ونقله ابن المنذر عن ابن عباس وعن قتادة وانفرد ابن
وهب بقوله من أفطر يوما في قضاء رمضان وجب عليه لكل يوم صوم يومين (قوله حدثنا زهير)
هو ابن معاوية الجعفي أبو خيثمة (قوله عن يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري ووهم الكرماني
تبعا لابن التين فقال هو يحيى بن أبي كثير وغفل عما أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس شيخ البخاري
فيه فقال في نفس السند عن يحيى بن سعيد ويحيى بن سعيد هذا هو الأنصاري وذهل مغلطاي
فنقل عن الحافظ الضياء أنه القطان وليس كما قال فان الضياء حكى قول من قال إنه يحيى بن أبي
كثير ثم رده وجزم بأنه يحيى بن سعيد ولم يقل القطان ولا جائز ان يكون القطان لأنه لم يدرك أبا سلمة
وليست لزهير بن معاوية عنه رواية وانما هو يروى عن زهير (قوله عن أبي سلمة) في رواية
الإسماعيلي من طريق أبى خالد عن يحيى بن سعيد سمعت أبا سلمة (قوله فما أستطيع ان أقضيه
الا في شعبان) استدل به على أن عائشة كانت لا تتطوع بشئ من الصيام لا في عشر ذي الحجة ولا
في عاشوراء ولا غير ذلك وهو مبنى على أنها كانت لا ترى جواز صيام التطوع لمن عليه دين من
رمضان ومن أين لقائله ذلك (قوله قال يحيى) أي الراوي المذكور بالسند المذكور إليه فهو
موصول (قوله الشغل من النبي أو بالنبي صلى الله عليه وسلم) هو خبر مبتدأ محذوف تقديره
المانع لها الشغل أو هو مبتدأ محذوف الخبر تقديره الشغل هو المانع لها وفى قوله قال يحيى هذا
تفصيل لكلام عائشة من كلام غيرها ووقع في رواية مسلم المذكورة مدرجا لم يقل فيه قال يحيى
فصار كأنه من كلام عائشة أو من روى عنها وكذا أخرجه أبو عوانة من وجه آخر عن زهير
وأخرجه مسلم من طريق سليمان بن بلال عن يحيى مدرجا أيضا ولفظه وذلك لمكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأخرجه من طريق ابن جريج عن يحيى فبين ادراجه ولفظه فظننت ان ذلك
لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيى يقوله وأخرجه أبو داود من طريق مالك والنسائي
من طريق يحيى القطان وسعيد بن منصور عن ابن شهاب وسفيان والإسماعيلي من طريق أبى
166

خالد كلهم عن يحيى بدون الزيادة وأخرجه مسلم من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بدون
الزيادة لكن فيه ما يشعر بها فإنه قال فيه ما معناه فما أستطيع قضاءها مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم ويحتمل ان يكون المراد بالمعية الزمان أي ان ذلك كان خاصا بزمانه وللترمذي وابن
خزيمة من طريق عبد الله البهى عن عائشة ما قضيت شيئا مما يكون على من رمضان الا في
شعبان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما يدل على ضعف الزيادة انه صلى الله عليه وسلم
كان يقسم لنسائه فيعدل وكان يدنو من المرأة في غير نوبتها فيقبل ويلمس من غير جماع فليس في
شغلها بشئ من ذلك ما يمنع الصوم اللهم الا أن يقال إنها كانت لا تصوم الا باذنه ولم يكن يأذن
لاحتمال احتياجه إليها فإذا ضاق الوقت اذن لها وكان هو صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم في
شعبان كما سيأتي بعد أبواب فلذلك كانت لا يتهيأ لها القضاء الا في شعبان وفى الحديث دلالة على
جواز تأخير قضاء رمضان مطلقا سواء كان لعذر أو لغير عذر لان الزيادة كما بيناه مدرجة فلو لم
تكن مرفوعة لكان الجواز مقيدا بالضرورة لان للحديث حكم الرفع لأن الظاهر اطلاع
النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع توفر دواعي أزواجه على السؤال منه عن أمر الشرع فلولا
ان ذلك كان جائزا لم تواظب عائشة عليه ويؤخذ من حرصها على ذلك في شعبان أنه لا يجوز
تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر وأما الاطعام فليس فيه ما يثبته ولا ينفيه وقد تقدم البحث
فيه * (قوله باب الحائض تترك الصوم والصلاة) قال الزين بن المنير ما محصله ان
الترجمة لم تتضمن حكم القضاء لتطابق حديث الباب فإنه ليس فيه تعرض لذلك قال وأما تعبيره
بالترك فللإشارة إلى أنه ممكن حسا وانما تتركه اختيارا لمنع الشرع لها من مباشرته (قوله وقال
أبو الزناد الخ) قال الزين بن المنير نظر أبو الزناد إلى الحيض فوجده مانعا من هاتين العبادتين
وما سلب الأهلية استحال ان يتوجه به خطاب الاقتضاء وما يمنع صحة الفعل يمنع الوجوب فلذلك
استبعد الفرق بين الصلاة والصوم فأحال بذلك على اتباع السنة والتعبد المحض وقد تقدم في
كتاب الحيض سؤال معاذة من عائشة عن الفرق المذكور وأنكرت عليها عائشة السؤال
وخشيت عليها أن تكون تلقنته من الخوارج الذين جرت عادتهم باعتراض السنن بآرائهم ولم
تزدها على الحوالة على النص وكأنها قالت لها دعى السؤال عن العلة إلى ما هو أهم من معرفتها
وهو الانقياد إلى الشارع وقد تكلم بعض الفقهاء في الفرق المذكور واعتمد كثير منهم على أن
الحكمة فيه ان الصلاة تتكرر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم الذي لا يقع في السنة الا مرة
واختار امام الحرمين ان المتبع في ذلك هو النص وان كل شئ ذكروه من الفرق ضعيف والله أعلم
وزعم المهلب ان السبب في منع الحائض من الصوم ان خروج الدم يحدث ضعفا في النفس غالبا
فاستعمل هذا الغالب في جميع الأحوال فلما كان الضعف يبيح الفطر ويوجب القضاء كان كذلك
الحيض ولا يخفى ضعف هذا المأخذ فان المريض لو تحامل فصام صح صومه بخلاف الحائض
وان المستحاضة في نزف الدم أشد من الحائض وقد أبيح لها الصوم وقول أبى الزناد ان السنن لتأتي
كثيرا على خلاف الرأي كأنه يشير إلى قول على لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أحق
بالمسح من أعلاه أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني ورجال اسناده ثقات ونظائر ذلك في
الشرعيات كثير ومما يفرق فيه بين الصوم والصلاة في حق الحائض أنها لو طهرت قبل الفجر
167

ونوت صح صومها في قول الجمهور ولا يتوقف على الغسل بخلاف الصلاة ثم أورد المصنف طرفا
من حديث أبي سعيد الماضي في كتاب الحيض مقتصرا على قوله أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم
وقد أخرجه مسلم من حديث ابن عمر بلفظ تمكث الليالي ما تصلى وتفطر في رمضان فهذا نقصان
الدين الحديث * (قوله باب من مات وعليه صوم أي هل يشرع قضاؤه عنه أم لا
وإذا شرع هل يختص بصيام دون صيام أو يعم كل صيام وهل يتعين الصوم أو يجزئ الاطعام وهل
يختص الولي بذلك أو يصح منه ومن غيره والخلاف في ذلك مشهور للعلماء كما سنبينه (قوله وقال
الحسن ان صام عنه ثلاثون رجلا يوما واحدا جاز) في رواية الكشميهني في يوم واحد والمراد من
مات وعليه صيام شهر وهذا الأثر وصله الدارقطني في كتاب الذبح من طريق عبد الله بن المبارك
عن سعيد بن عامر وهو الضبعي عن أشعث عن الحسن فيمن مات وعليه صوم ثلاثين يوما فجمع له
ثلاثون رجلا فصاموا عنه يوما واحدا أجزأ عنه قال النووي في شرح المهذب هذه المسئلة لم أر
فيها نقلا في المذهب وقياس المذهب الاجزاء (قلت) لكن الجواز مقيد بصوم لم يجب فيه التتابع
لفقد التتابع في الصورة المذكورة (قوله حدثنا محمد بن خالد) أي ابن خلى بمعجمة وزن على كما جزم
به أبو نعيم في المستخرج وجزم الجوزقي بأنه الذهلي فإنه أخرجه عن أبي حامد بن الشرقي عنه وقال
أخرجه البخاري عن محمد بن يحيى وبذلك جزم الكلاباذي وصنيع المزي يوافقه وهو الراجح وعلى
هذا فقد نسبه البخاري هنا إلى جد أبيه لأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد وشيخه محمد بن موسى
ابن أعين أدركه البخاري لكنه لم يرو عنه الا بواسطة وكأنه لم يلقه وعمرو بن الحرث هو المصري
(قوله من مات) عام في المكلفين لقرينة وعليه صيام وقوله صام عنه وليه خبر بمعنى الامر تقديره
فليصم عنه وليه وليس هذا الامر للوجوب عند الجمهور وبالغ امام الحرمين ومن تبعه فادعوا
الاجماع على ذلك وفيه نظر لان بعض أهل الظاهر أوجبه فلعله لم يعتد بخلافهم على قاعدته
وقد اختلف السلف في هذه المسئلة فأجاز الصيام عن الميت أصحاب الحديث وعلق الشافعي في
القديم القول به على صحة الحديث كما نقله البيهقي في المعرفة وهو قول أبي ثور وجماعة من محدثي
الشافعية وقال البيهقي في الخلافيات هذه المسئلة ثابتة لا أعلم خلافا بين أهل الحديث في صحتها
فوجب العمل بها ثم ساق بسنده إلى الشافعي قال كل ما قلت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم
خلافه فخذوا بالحديث ولا تقلدوني وقال الشافعي في الجديد ومالك وأبو حنيفة لا يصام عن
الميت وقال الليث وأحمد واسحق وأبو عبيد لا يصام عنه الا النذر حملا للعموم الذي في حديث
عائشة على المقيد في حديث ابن عباس وليس بينهما تعارض حتى يجمع بينهما فحديث ابن عباس
صورة مستقلة سأل عنها من وقعت له وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة وقد وقعت
الإشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم حيث قيل في آخره فدين الله أحق ان يقضى
وأما رمضان فيطعم عنه فأما المالكية فأجابوا عن حديث الباب بدعوى عمل أهل المدينة
كعادتهم وادعى القرطبي تبعا لعياض ان الحديث مضطرب وهذا لا يتأتى إلى في حديث ابن
عباس ثاني حديثي الباب وليس الاضطراب فيه مسلما كما سيأتي وأما حديث عائشة فلا
اضطراب فيه واحتج القرطبي بزيادة ابن لهيعة المذكورة لأنها تدل على عدم الوجوب وتعقب
بان معظم المجيزين لم يوجبوه كما تقدم وانما قالوا يتخير الولي بين الصيام والاطعام وأجاب
168

الماوردي عن الجديد بان المراد بقوله صام عنه وليه أي فعل عنه وليه ما يقوم مقام الصوم وهو
الاطعام قال وهو نظير قوله التراب وضوء المسلم إذا لم يجد الماء قال فسمى البدل باسم المبدل
فكذلك هنا وتعقب بأنه للفظ عن ظاهر بغير دليل وأما الحنفية فاعتلوا لعدم القول
بهذين الحديثين بما روى عن عائشة انها سئلت عن امرأة ماتت وعليها صوم قالت يطعم عنها
وعن عائشة قالت لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم أخرجه البيهقي وبما روى عن ابن عباس
قال في رجل مات وعليه رمضان قال يطعم عنه ثلاثون مسكينا أخرجه عبد الرزاق وروى النسائي
عن ابن عباس قال لا يصوم أحد عن أحد قالوا فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه
دل ذلك على أن العمل خلاف ما روياه وهذه قاعدة لهم معروفة الا أن الآثار المذكورة عن
عائشة وعن ابن عباس فيها مقال وليس فيها ما يمنع الصيام الا الأثر الذي عن عائشة وهو ضعيف
جدا والراجح أن المعتبر ما رواه لا ما رآه لاحتمال أن يخالف ذلك لاجتهاد ومستنده فيه لم يتحقق
ولا يلزم من ذلك ضعف الحديث عنده وإذا تحققت صحة الحديث لم يترك المحقق للمظنون
والمسئلة مشهورة في الأصول واختلف المجيزون في المراد بقوله وليه فقيل كل قريب وقيل
الوارث خاصة وقيل عصبته والأول أرجح والثاني قريب ويرد الثالث قصة المرأة التي سالت عن
نذر أمها واختلفوا أيضا هل يختص ذلك بالولي لان الأصل عدم النيابة في العبادة البدنية ولأنها
عبادة لا تدخلها النيابة في الحياة فكذلك في الموت الا ما ورد فيه الدليل فيقتصر على ما ورد فيه
ويبقى الباقي على الأصل وهذا هو الراجح وقيل يختص بالولي فلو أمر أجنبيا بأن يصوم عنه أجزأ
كما في الحج وقيل يصح استقلال الأجنبي بذلك وذكر الولي لكونه الغالب وظاهر صنيع البخاري
اختيار هذا الأخير وبه جزم أبو الطيب الطبري وقواه بتشبيهه صلى الله عليه وسلم ذلك بالدين
والدين لا يختص بالقريب (قوله تابعه ابن وهب عن عمرو) يعنى ابن الحرث المذكور بسنده
وهذه المتابعة وصلها مسلم وأبو داود وغيرهما بلفظه (قوله ورواه يحيى بن أيوب) يعنى المصري
عن عبيد الله بن أبي جعفر بسنده المذكور وروايته هذه عند أبي عوانة والدارقطني من طريق
عمرو بن الربيع وابن خزيمة من طريق سعيد بن أبي مريم كلاهما عن يحيى بن أيوب وألفاظهم
متوافقة ورواه البزار من طريق ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر فزاد في آخر المتن ان شاء
(قوله حدثنا محمد بن عبد الرحيم) هو الحافظ المعروف بصاعقة ومعاوية بن عمرو هو الأزدي
ويعرف بابن الكرماني من قدماء شيوخ البخاري حدث عنه بغير واسطة في أواخر كتاب الجمعة
وحدث عنه هنا وفى الجهاد وفى الصلاة بواسطة وكان طلب معاوية المذكور للحديث وهو كبير
والا فلو كان طلبه وهو على قدر سنه لكان من أعلى شيوخ البخاري وزائدة شيخه هو ابن قدامة
الثقفي مشهور قد لقى البخاري جماعة من أصحابه (قوله عن مسلم البطين) بفتح الموحدة وكسر
المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم نون وسيأتى أن الحديث جاء من رواية شعبة عن الأعمش عن مسلم
المذكور وشعبة لا يحدث عن شيوخه الذين ربما دلسوا الا بما تحقق انهم سمعوه (قوله جاء
رجل) في رواية غير زائدة جاءت امرأة وقد تقدم القول في تسميتها في كتاب الحج (قوله جاء رجل)
لم أقف على اسمه واتفق من عدا زائدة وعثير بن القاسم على أن السائل امرأة وزاد أبو حريز في
روايته انها خثعمية (قوله إن أمي) خالف أبو حامد جميع من رواه فقال إن أختي واختلف على
169

أبى بشر عن سعيد بن جبير فقال هشيم عنه ذات قرابة لها وقال شعبة عنه ان أختها أخرجهما
أحمد وقال حماد عنه ذات قرابة لها اما أختها واما ابنتها وهذا يشعر بان التردد فيه من سعيد بن
جبير (قوله وعليها صوم شهر) هكذا في أكثر الروايات وفى رواية أبى حريز خمسة عشر يوما
وفى رواية أبى خالد شهرين متتابعين وروايته تقتضى أن لا يكون الذي عليها صوم شهر رمضان
بخلاف رواية غيره فإنها محتملة الا رواية زيد بن أبي أنيسة فقال إن عليها صوم نذر وهذا واضح
في أنه غير رمضان وبين أبو بشر في روايته سبب النذر فروى أحمد من طريق شعبة عن أبي بشر
أن امرأة ركبت البحر فنذرت أن تصوم شهرا فماتت قبل أن تصوم فأتت أختها النبي صلى الله
عليه وسلم الحديث ورواه أيضا عن هشيم عن أبي بشر نحوه وأخرجه البيهقي من حديث حماد
ابن سلمة وقد ادعى بعضهم ان هذا الحديث اضطرب فيه الرواة عن سعيد بن جبير فمنهم من قال إن
السائل امرأة ومنهم من قال رجل ومنهم من قال إن السؤال وقع عن نذر فمنهم من فسره
بالصوم ومنهم من فسره بالحج لما تقدم في أواخر الحج والذي يظهر انهما قصتان ويؤيده ان
السائلة في نذر الصوم خثعمية كما في رواية أبى حريز المعلقة والسائلة عن نذر الحج جهينة كما تقدم
في موضعه وقد قدمنا في أواخر الحج ان مسلما روى من حديث بريدة ان امرأة سألت عن الحج
وعن الصوم معا وأما الاختلاف في كون السائل رجلا أو امرأة والمسؤول عنه أختا أو أما فلا
يقدح في موضع الاستدلال من الحديث لان الغرض منه مشروعية الصوم أو الحج عن الميت
ولا اضطراب في ذلك وقد تقدمت الإشارة إلى كيفية الجمع بين مختلف الروايات فيه عن الأعمش
وغيره والله أعلم (قوله فدين الله أحق أن يقضى) تقدمت مباحثه في أواخر الحج قبيل فضل
المدينة مستوفى (قوله قال سليمان) هو الأعمش يعنى بالاسناد المذكور أولا إليه قوله فقال
الحكم) أي ابن عتيبة وسلمة أي ابن كهيل والحاصل ان الأعمش سمع هذا الحديث من ثلاثة
أنفس في مجلس واحد من مسلم البطين أولا عن سعيد بن جبير ثم من الحكم وسلمة عن مجاهد
وقد خالف زائدة في ذلك أبو خالد الأحمر كما سيأتي (قوله ويذكر عن أبي خالد حدثنا الأعمش الخ)
محصله ان أبا خالد جمع بين شيوخ الأعمش الثلاثة فحدث به عنه عنهم عن شيوخ ثلاثة وظاهره
انه عند كل منهم عن كل منهم ويحتمل ان يكون أراد به اللف والنشر بغير ترتيب فيكون شيخ
الحكم عطاء وشيخ البطين سعيد بن جبير وشيخ سلمة مجاهدا ويؤيده ان النسائي أخرجه من
طريق عبد الرحمن بن مغراء عن الأعمش مفصلا هكذا وهو مما يقوى رواية أبى خالد وقد وصلها
مسلم لكن لم يسق المنن بل أحال به على رواية زائدة وهو معترض لان بينهما مخالفة سيأتي بيانها
ووصلها أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والدارقطني من طريق أبى خالد (قوله
وقال يحيى) أي ابن سعيد (وأبو معاوية عن الأعمش الخ) وافقا زائدة على أن شيخ مسلم البطين
فيه سعيد بن جبير وكذلك رواه شعبة وعبد الله بن نمير وعبثر بن القاسم وعبيدة بن حميد
وآخرون عن الأعمش وطرقهم عند النسائي وأحمد وغيرهما (قوله وقال عبيد الله بن عمرو) أي
الرقي (عن زيد بن أبي أنيسة الخ) هذا يخالف رواية عبد الرحمن بن مغراء من حيث إن شيخ
الحكم فيها عطاء وفى هذه شيخه سعيد ويحتمل أن يكون سمعه من كل منهما وطريق عبيد الله هذه
وصلها مسلم أيضا (قوله وقال أبو حريز) بالمهملة والراء والزاي وهو عبد الله بن الحسين قاضى
170

سجستان وطريقه هذه وصلها ابن خزيمة والحسن بن سفيان ومن جهته البيهقي * (قوله
باب متى يحل فطر الصائم) غرض هذه الترجمة الإشارة إلى أنه هل يجب امساك جزء من
الليل لتحقق مضى النهار أم لا وظاهر صنيعه يقتضى ترجيح الثاني لذكره لاثر أبي سعيد في الترجمة
لكن محله إذا ما حصل تحقق غروب الشمس (قوله وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص
الشمس) وصله سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال
دخلنا على أبي سعيد فأفطر ونحن نرى ان الشمس لم تغرب ووجه الدلالة منه ان أبا سعيد لما تحقق
غروب الشمس لم يطلب مزيدا على ذلك ولا التفت إلى موافقة من عنده على ذلك فلو كان يجب
عنده امساك جزء من الليل لا اشترك الجميع في معرفة ذلك الله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب
حديثين * أحدهما حديث عمر (قوله حدثنا سفيان) هو ابن عيينة والاسناد كله حجازيون
الحميدي وسفيان مكيان والباقون مدنيون وفيه رواية الأبناء عن الآباء ورواية تابعي صغير عن
تابعي كبير هشام عن أبيه وصحابي صغير عن صحابي كبير عاصم عن أبيه وكان مولد عاصم في عهد
النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم يسمع منه شيئا (قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية
ابن خزيمة من طريق أبى معاوية عن هشام قال لي (قوله إذا أقبل الليل من ههنا) أي من جهة
المشرق كما في الحديث الذي يليه والمراد به وجود الظلمة حسا وذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور
لأنها وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في الظاهر غير متلازمة فقد يظن اقبال الليل
من جهة المشرق ولا يكون اقباله حقيقة بل لوجود أمر يغطى ضوء الشمس وكذلك ادبار النهار
فمن ثم قيد بقوله وغربت الشمس إشارة إلى اشتراط تحقق الاقبال والادبار وانهما بواسطة غروب
الشمس لا بسبب آخر ولم يذكر ذلك في الحديث الثاني فيحتمل أن ينزل على حالين أما حيث ذكرها
ففي حال الغيم مثلا وأما حيث لم يذكرها ففي حال الصحو ويحتمل أن يكونا في حالة واحدة وحفظ
أحد الراويين ما لم يحفظ الآخر وانما ذكر الاقبال والادبار معا لامكان وجود أحدهما مع عدم
تحقق الغروب قاله القاضي عياض وقال شيخنا في شرح الترمذي الظاهر الاكتفاء بأحد
الثلاثة لأنه يعرف انقضاء النهار بأحدهما ويؤيده الاقتصار في رواية ابن أبي أوفى على اقبال الليل
(قوله فقد أفطر الصائم) أي دخل في وقت الفطر كما يقال أنجد إذا أقام بنجد وأتهم إذا أقام بتهامة
ويحتمل ان يكون معناه فقد صار مفطرا في الحكم لكون الليل ليس ظرفا للصيام الشرعي وقد رد
ابن خزيمة هذا الاحتمال وأومأ إلى ترجيح الأول فقال قوله فقد أفطر الصائم لفظ خبر ومعناه
الامر أي فليفطر الصائم ولو كان المراد فقد صار مفطرا كان فطر جميع الصوام واحدا ولم يكن
للترغيب في تعجيل الافطار معنى اه‍ وقد يجاب بان المراد فعل الافطار حسا ليوافق الامر
الشرعي ولا شك ان الأول أرجح ولو كان الثاني معتمدا لكان من حلف أن لا يفطر فصام فدخل
الليل حنث بمجرد دخوله ولو لم يتناول شيئا ويمكن الانفصال عن ذلك بان الأيمان مبنية على
العرف وبذلك أفتى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في مثل هذه الواقعة بعينها ومثل هذا لو قال آن
أفطرت فأنت طالق فصادف يوم العيد لم تطلق حتى يتناول ما يفطر به وقد ارتكب بعضهم
الشطط فقال يحنث ويرجح الأول أيضا رواية شعبة أيضا بلفظ فقد حل الافطار وكذا أخرجه أبو
عوانة من طريق الثوري عن الشيباني وسيأتى لذلك مزيد بيان في باب الوصال بعد ثلاثة أبواب
171

* الحديث الثاني حديث ابن أبي اوفى (قوله حدثنا خالد) هو ابن عبد الله الواسطي والشيباني
هو أبو إسحاق (قوله عن عبد الله بن أبي اوفى) سيأتي في الباب الذي يليه من وجه آخر عن أبي إسحاق
سمعت ابن أبي اوفى (قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر) هذا السفر يشبه ان
يكون سفر غزوة الفتح ويؤيده رواية هشيم عن الشيباني عند مسلم بلفظ كنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في سفر في شهر رمضان وقد تقدم ان سفره في رمضان منحصر في غزوة بدر وغزوة الفتح
فان ثبت فلم يشهد ابن أبي اوفى بدرا فتعينت غزوة الفتح (قوله فلما غابت الشمس) في رواية الباب
الذي يليه فلما غربت الشمس وهى تفيد معنى أزيد من معنى غابت (قوله قال لبعض القوم
يا فلان) في رواية شعبة عن الشيباني عند احمد فدعا صاحب شرابه بشراب فقال لو أمسيت
وسأذكر من سماه في الباب الذي يليه (قوله فاجدح) بالجيم ثم الحاء المهملة والجدح تحريك
السويق ونحوه بالماء بعود يقال له المجدح مجنح الرأس وزعم الداودي ان معنى قوله اجدح لي أي
احلب وغلطوه في ذلك (قوله إن عليك نهارا) يحتمل ان يكون المذكور كان يرى كثرة الضوء من
شدة الصحو فيظن ان الشمس لم تغرب ويقول لعلها غطاها شئ من جبل ونحوه أو كان هناك غيم
فلم يتحقق غروب الشمس واما قول الراوي وغربت الشمس فاخبار منه بما في نفس الامر والا
فلو تحقق الصحابي ان الشمس غربت ما توقف لأنه حينئذ يكون معاندا وانما توقف احتياطا
واستكشافا عن حكم المسئلة قال الزين بن المنير يؤخذ من هذا جواز الاستفسار عن الظواهر
لاحتمال ان لا يكون المراد امرارها على ظاهرها وكأنه اخذ ذلك من تقريره صلى الله عليه
وسلم الصحابي على ترك المبادرة إلى الامتثال وفى الحديث أيضا استحباب تعجيل الفطر وانه
لا يجب امساك جزء من الليل مطلقا بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر وفيه تذكر العالم
بما يخشى أن يكون نسيه وترك المراجعة له بعد ثلاث وقد اختلفت الروايات عن الشيباني في
ذلك فأكثر ما وقع فيها ان المراجعة وقعت ثلاثا وفى بعضها مرتين وفى بعضها مرة واحدة وهو
محمول على أن بعض الرواة اختصر القصة ورواية خالد المذكورة في هذا الباب أتمهم سياقا وهو
حافظ فزيادته مقبولة وقد جاء انه صلى الله عليه وسلم كان لا يراجع بعد ثلاث وهو عند احمد من
حديث عبد الله بن أبي حدرد في حديث أوله كان ليهودي عليه دين وفى حديثي الباب من
الفوائد بيان وقت الصوم وان الغروب متى تحقق كفى وفيه ايماء إلى الزجر عن متابعة أهل الكتاب
فإنهم يؤخرون الفطر عن الغروب وفيه ان الامر الشرعي أبلغ من الحسى وان العقل
لا يقضى على الشرع وفيه البيان بذكر اللازم والملزوم جميعا لزيادة الايضاح * (قوله
باب يفطر بما تيسر من الماء أو غيره) أي سواء كان وحده أو مخلوطا وفى رواية أبي ذر عن
غير الكشميهني بالماء وذكر فيه حديث ابن أبي اوفى وهو ظاهر فيما ترجم له ولعله أشار إلى أن الامر
في قوله من وجد تمرا فليفطر عليه ومن لا فليفطر على الماء ليس الوجوب وهو حديث أخرجه
الحاكم من طريق عبد العزيز بن صهيب عن انس مرفوعا وصححه الترمذي وابن حبان من
حديث سلمان بن عامر وقد شذ ابن حزم فأوجب الفطر على التمر والا فعلى الماء (قوله سرنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فلما غربت الشمس قال انزل فاجدح لنا) لم يسم
المأمور بذلك وقد أخرجه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه فسماه ولفظه فقال يا بلال
172

أنزل الخ وأخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طرق عن عبد الواحد وهو ابن زياد شيخ مسدد فيه
فاتفقت رواياتهم على قوله يا فلان فلعلها تصحفت ولعل هذا هو السر في حذف البخاري لها وقد
سبق الحديث في الباب الذي قبله من رواية خالد عن الشيباني بلفظ يا فلان وذكرنا أن في حديث
عمر عند ابن خزيمة قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل الخ فيحتمل أن يكون
المخاطب بذلك عمر فان الحديث واحد فلما كان عمر هو المقول له إذا أقبل الليل الخ احتمل أن
يكون هو المقول له أولا اجدح لكن يؤيد كونه بلالا قوله في رواية شعبة المذكورة قبل فدعا
صاحب شرابه فان بلالا هو المعروف بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم * (قوله باب
تعجيل الافطار) قال ابن عبد البر أحاديث تعجيل الافطار وتأخير السحور صحاح متواترة وعند
عبد الرزاق وغيره باسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه
وسلم أسرع الناس افطارا وأبطأهم سحورا (قوله عن أبي حازم) هو ابن دينار (قوله لا يزال
الناس بخير) في حديث أبي هريرة لا يزال الدين ظاهرا وظهور الدين مستلزم لدوام الخير (قوله
ما عجلوا الفطر) زاد أبو ذر في حديثه وأخروا السحور أخرجه أحمد وما ظرفية أي مدة فعلهم
ذلك امتثالا للسنة واقفين عند حدها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها زاد أبو هريرة
في حديثه لان اليهود والنصارى يؤخرون أخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما وتأخير أهل
الكتاب له أمد وهو ظهور النجم وقد روى ابن حبان والحاكم من حديث سهل أيضا بلفظ
لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم وفيه بيان العلة في ذلك قال المهلب والحكمة
في ذلك ان لا يزاد في النهار من الليل ولأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة واتفق العلماء
على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو باخبار عدلين وكذا عدل واحد في
الأرجح قال ابن دقيق العيد في هذا الحديث رد على الشيعة في تأخيرهم الفطر إلى ظهور
النجوم ولعل هذا هو السبب في وجود الخير بتعجيل الفطر لان الذي يؤخره يدخل في فعل خلاف
السنة اه‍ وما تقدم من الزيادة عند أبي داود أولى بان يكون سبب هذا الحديث فان الشيعة
لم يكونوا موجودين عند تحديثه صلى الله عليه وسلم بذلك قال الشافعي في الام تعجيل الفطر
مستحب ولا يكره تأخيره الا لمن تعمده ورأى الفضل فيه ومقتضاه أن التأخير لا يكره مطلقا
وهو كذلك إذ لا يلزم من كون الشئ مستحبا أن يكون نقيضه مكروها مطلقا واستدل به بعض
المالكية على عدم استحباب ستة شوال لئلا يظن الجاهل انها ملتحقة برمضان وهو ضعيف
ولا يخفى الفرق * (تنبيه) * من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من ايقاع الاذان
الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان وأطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل
والشرب على من يريد الصيام زعما ممن أحدثه انه للاحتياط في العبادة ولا يعلم بذلك الا آحاد
الناس وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون الا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا
فاخروا الفطر وعجلوا السحور وخالفوا السنة فلذلك قل عنهم الخير وكثير فيهم الشر والله
المستعان (قوله حدثنا أبو بكر) هو ابن عباس عن سليمان هو أبو إسحاق الشيباني وقد تقدم
الكلام على حديث ابن أبي أوفى قريبا * (قوله باب إذا أفطر في رمضان) أي ظانا
غروب الشمس (ثم طلعت الشمس) أي هل يجب عليه قضاء ذلك اليوم أو لا وهى مسئلة خلافية
173

واختلف قول عمر فيها كما سيأتي والمراد بالطلوع الظهور وكأنه راعى لفظ الخبر في ذلك وأيضا فإنه
يشعر بأن قرص الشمس كله ظهر مرتفعا ولو عبر بظهرت لم يفد ذلك (قوله عن هشام بن عروة)
في رواية أبى داود من وجه آخر عن أبي أسامة حدثنا هشام بن عروة (قوله عن فاطمة) زاد
أبو داود بنت المنذر وهى ابنة عم هشام وزوجته وأسماء جدتهما جميعا (قوله يوم غيم) كذا
للأكثر فيه بنصب يوم على الظرفية وفى رواية أبى دواد وابن خزيمة في يوم غيم (قوله قيل لهشام)
في رواية أبى داود قال أبو أسامة قلت لهشام وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه وأحمد في
مسنده عن أبي أسامة (قوله بد من قضاء) هو استفهام انكار محذوف الأداة والمعنى لابد من قضاء
ووقع في رواية أبي ذر لا بد من القضاء (قوله وقال معمر سمعت هشاما يقول لا أدرى أقضوا أم لا)
هذا التعليق وصله عبد بن حميد قال أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر سمعت هشام بن عروة فذكر
الحديث وفى آخره فقال انسان لهشام أقضوا أم لا فقال لا أدرى وظاهر هذه الرواية تعارض
التي قبلها لكن يجمع بان جزمه بالقضاء محمول على أنه استند فيه إلى دليل آخر وأما حديث أسماء
فلا يحفظ فيه اثبات القضاء ولا نفيه وقد اختلف في هذا المسئلة فذهب الجمهور إلى ايجاب
القضاء واختلف عن عمر فروى ابن أبي شيبة وغيره من طريق زيد بن وهب عنه ترك القضاء ولفظ
معمر عن الأعمش عن زيد فقال عمر لم نقض والله ما يجانفنا الاثم وروى مالك من وجه آخر عن عمر
أنه قال لما أفطر ثم طلعت الشمس الخطب يسير وقد اجتهدنا وزاد عبد الرزاق في روايته من هذا
الوجه نقضي يوما وله من طريق علي بن حنظلة عن أبيه نحوه ورواه سعيد بن منصور وفيه فقال
من أفطر منكم فليصم يوما مكانه وروى سعيد بن منصور من طريق أخرى عن عمر نحوه وجاء
ترك القضاء عن مجاهد والحسن وبه قال اسحق وأحمد في رواية واختاره ابن خزيمة فقال قول
هشام لا بد من القضاء لم يسنده ولم يتبين عندي ان عليهم قضاء ويرجح الأول أنه لو غم هلال رمضان
فأصبحوا مفطرين ثم تبين أن ذلك اليوم من رمضان فالقضاء واجب بالاتفاق فكذلك هذا وقال
ابن التين لم يوجب مالك القضاء إذا كان في صوم نذر قال ابن المنير في الحاشية في هذا الحديث أن
المكلفين انما خوطبوا بالظاهر فإذا اجتهدوا فأخطأوا فلا حرج عليهم في ذلك * (قوله
باب صوم الصبيان) أي هل يشرع أم لا والجمهور على أنه لا يجب على من دون البلوغ
واستحب جماعة من السلف منهم ابن سيرين والزهري وقال به الشافعي انهم يؤمرون به للتمرين
عليه إذا أطاقوه وحده أصحابه بالسبع والعشر كالصلاة وحده اسحق باثنتي عشرة سنة وأحمد
في رواية بعشر سنين وقال الأوزاعي إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعا لا يضعف فيهن حمل على
الصوم والأول قول الجمهور والمشهور عن المالكية انه لا يشرع في حق الصبيان ولقد تلطف
المصنف في التعقب عليهم بايراد أثر عمر في صدر الترجمة لان أقصى ما يعتمدونه في معارضة
الأحاديث دعوى عمل أهل المدينة على خلافها ولا عمل يستند إليه أقوى من العمل في عهد عمر
مع شدة تحريه ووفور الصحابة في زمانه وقد قال للذي أفطر في رمضان موبخا له كيف تفطر
وصبياننا صيام وأغرب ابن الماجشون من المالكية فقال إذا أطاق الصبيان الصيام ألزموه فان
افطروا لغير عذر فعليهم القضاء (قوله وقال عمر لنشوان الخ) أي لانسان نشوان وهو بفتح
النون وسكون المعجمة كسكران وزنا ومعنى وجمعه نشاوى كسكارى قال ابن خالويه سكر الرجل
174

وانتشى وثمل ونزف بمعنى وقال صاحب المحكم نشى الرجل وانتشى وتنشى كله سكر ووقع عند
ابن التين النشوان السكران سكرا خفيفا وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور والبغوي في
الجعديات من طريق عبد الله بن أبي الهذيل ان عمر بن الخطاب أتى برجل شرب الخمر في رمضان
فلما دنا منه جعل يقول للمنخرين والفم وفى رواية البغوي فلما رفع إليه عثر فقال عمر على وجهك
ويحك وصبياننا صيام ثم أمر به فضرب ثمانين سوطا ثم سيره إلى الشأم وفى رواية البغوي فضربه
الحد وكان إذا غضب على انسان سيره إلى الشأم فسيره إلى الشأم (قوله عن خالد بن ذكوان) هو
أبو الحسين المدني نزيل البصرة وهو تابعي صغير وليس له من الصحابة سماع من سوى الربيع بنت
معوذ وهى من صغار الصحابة ولم يخرج البخاري من حديثه عن غيرها (قوله عن الربيع) في
رواية مسلم من وجه آخر عن خالد سألت الربيع وهى بتشديد الياء مصغرا وأبوها بكسر الواو
والتشديد بوزن معلم وهو ابن عوف ويعرف بابن عفراء يأتي ذكره في وقعة بدر من المغازي إن شاء الله
تعالى (قوله أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار) زاد مسلم التي
حول المدينة وقد تقدم تسمية الرسول بذلك في باب إذا نوى بالنهار صوما (قوله صبياننا) زاد مسلم
الصغار ونذهب بهم إلى المسجد (قوله من العهن) أي الصوف وقد فسره المصنف في رواية
المستملى في آخر الحديث وقيل العهن الصوف المصبوغ (قوله أعطيناه ذلك حتى يكون عند
الافطار) هكذا رواه ابن خزيمة وابن حبان ووقع في رواية مسلم أعطيناه إياه عند الافطار وهو
مشكل ورواية البخاري توضح أنه سقط منه شئ وقد رواه مسلم من وجه آخر عن خالد بن ذكوان
فقال فيه فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم وهو يوضح صحة رواية
البخاري ووقع لمسلم شك في تقييده الصبيان بالصغار وهو ثابت في صحيح ابن خزيمة وغيره وتقييده
بالصغار لا يخرج الكبار بل يدخلهم من باب الأولى وأبلغ من ذلك ما جاء في حديث رزينة
بفتح الراء وكسر الزاي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر مرضعاته في عاشوراء
ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم ويأمر أمهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل أخرجه ابن خزيمة
وتوقف في صحته واسناده لا بأس به واستدل بهذا الحديث على أن عاشوراء كان فرضا قبل أن
يفرض رمضان وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أول كتاب الصيام وسيأتى الكلام على صيام
عاشوراء بعد عشرين بابا وفى الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام كما تقدم لان
من كان في مثل السن الذي ذكر في هذا الحديث فهو غير مكلف وانما صنع لهم ذلك للتمرين وأغرب
القرطبي فقال لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بذلك ويبعد أن يكون أمر بذلك لأنه تعذيب
صغير بعبادة شاقة غير متكررة في السنة وما قدمناه من حديث رزينة يرد عليه مع أن الصحيح عند
أهل الحديث وأهل الأصول أن الصحابي إذا قال فعلنا كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان حكمه الرفع لأن الظاهر اطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريرهم عليه مع توفر
دواعيهم على سؤالهم إياه عن الاحكام مع أن هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه فما فعلوه الا بتوقيف
والله أعلم * (قوله باب الوصال) هو الترك في ليالي الصيام لما يفطر بالنهار بالقصد
فيخرج من أمسك اتفاقا ويدخل من أمسك جميع الليل أو بعضه ولم يجزم المصنف بحكمه
لشهرة الاختلاف فيه (قوله ومن قال ليس في الليل صيام لقوله عز وجل ثم أتموا الصيام إلى الليل
175

كأنه يشير إلى حديث أبي سعيد الخير وهو حديث ذكره الترمذي في الجامع ووصله في العلل
المفرد وأخرجه ابن السكن وغيره في الصحابة والدولابي وغيره في الكنى كلهم من طريق أبى فروة
الرهاوي عن معقل الكندي عن عبادة بن نسى عنه ولفظ المتن مرفوعا ان الله لم يكتب الصيام
بالليل فمن صام فقد تعنى ولا أجر له قال ابن منده غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه وقال الترمذي
سالت البخاري عنه فقال ما أرى عبادة سمع من أبي سعيد الخير وفى المعنى حديث بشير بن
الخصاصية وقد أخرجه أحمد والطبراني وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم في
تفسيرهما باسناد صحيح إلى ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت أردت أن أصوم يومين مواصلة
فمنعني بشير وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا وقال يفعل ذلك النصارى ولكن
صوموا كما أمركم الله تعالى أتموا الصيام إلى الليل فإذا كان الليل فافطروا لفظ ابن أبي حاتم
وروى هو وابن أبي شيبة من طريق أبى العالية التابعي انه سئل عن الوصال في الصيام فقال قال
الله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل فإذا جاء الليل فهو مفطر وروى الطبراني في الأوسط من طريق
علي بن أبي طلحة عن عبد الملك عن أبي ذر رفعه قال لا صيام بعد الليل أي بعد دخول الليل ذكره
في أثناء حديث وعبد الملك ما عرفته فلا يصح وإن كان بقية رجاله ثقات ومعارضه أصح منه كما
سأذكره ولو صحت هذه الأحاديث لم يكن للوصال معنى أصلا ولا كان في فعله قربة وهذا خلاف
ما تقتضيه الأحاديث الصحيحة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان الراجح انه من خصائصه
(قوله ونهى النبي صلى الله عليه وسلم) أي أصحابه (عنه) أي عن الوصال (رحمة لهم وابقاء عليهم)
وهذا الحديث قد وصله المصنف في آخر الباب من حديث عائشة بلفظ نهى النبي صلى الله عليه
وسلم عن الوصال رحمة لهم وأما قوله وابقاء عليهم فكأنه أشار إلى ما أخرجه أبو داود وغيره من
طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
الحجامة والمواصلة ولم يحرمها ابقاء على أصحابه واسناده صحيح كما تقدم التنبيه عليه في باب
الحجامة للصائم وهو يعارض حديث أبي ذر المذكور قبل (قوله وما يكره من التعمق) هذا من
كلام المصنف معطوف على قوله الوصال أي باب ذكر الوصال وذكر ما يكره من التعمق والتعمق
المبالغة في تكلف ما لم يكلف به وعمق الوادي قعره كأنه يشير إلى ما أخرجه في كتاب التمني من
طريق ثابت عن أنس في قصة الوصال فقال صلى الله عليه وسلم لو مد بي الشهر لواصلت وصالا
يدع المتعمقون تعمقهم وسيأتى في الباب الذي بعده في آخر حديث أبي هريرة اكلفوا من العمل
ما تطيقون ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث أحدها حديث أنس من طريق قتادة عنه
ويحيى المذكور في الاسناد هو القطان (قوله لا تواصلوا) في رواية ابن خزيمة من طريق أبي سعيد
مولى بني هاشم عن شعبة بهذا الاسناد إياكم والوصال ولأحمد من طريق همام عن قتادة نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال (قوله قالوا انك تواصل) كذا في أكثر الأحاديث وفى رواية
أبي هريرة الآتية في أول الباب الذي يليه فقال رجل من المسلمين وكأن القائل واحد ونسب
القول إلى الجميع لرضاهم به ولم أقف على تسمية القائل في شئ من الطرق (قوله لست كأحد
منكم) في رواية الكشميهني كأحدكم وفى حديث ابن عمر لست مثلكم وفى حديث أبي سعيد
لست كهيئتكم وفى حديث أبي زرعة عن أبي هريرة عند مسلم لستم في ذلك مثلي ونحوه
176

في مرسل الحسن عند سعيد بن منصور وفى حديث أبي هريرة في الباب بعده وأيكم مثلي وهذا
الاستفهام يفيد التوبيخ المشعر بالاستبعاد وقوله مثلي أي على صفتي أو منزلتي من ربى (قوله
انى أطعم وأسقى أو انى أبيت أطعم وأسقى) هذا الشك من شعبة وقد رواه أحمد عن بهز عنه بلفظ
انى أظل أو قال انى أبيت وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ ان ربى يطعمني ويسقيني
أخرجه الترمذي وقد رواه ثابت عن أنس كما سيأتي في باب التمني بلفظ انى أظل يطعمني ربى
ويسقيني وبين في روايته سبب الحديث وهو انه صلى الله عليه وسلم واصل في آخر الشهر
فواصل ناس من أصحابه فبلغه ذلك وسيأتى نحوه في الكلام على حديث ابن عمر * ثاني الأحاديث
حديث ابن عمر أخرجه من طريق مالك عن نافع عنه (قوله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الوصال) تقدم في باب بركة السحور من غير ايجاب من طريق جويرية عن نافع ذكر السبب
أيضا ولفظه ان النبي صلى الله عليه وسلم واصل فواصل الناس فشق عليهم فنهاهم وكذا رواه
أبو قرة عن موسى بن عقبة عن نافع وأخرجه مسلم من طريق ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن
نافع مثله وزاد في رمضان لكن لم يقل فشق عليهم (قوله انى أطعم وأسقى) في رواية جويرية
المذكورة انى أظل أطعم وأسقى * ثالثها حديث أبي سعيد وسيأتى بعد باب وفيه فأيكم أراد أن
يواصل فليواصل حتى السحر * رابعها حديث عائشة (قوله فيه عبدة) هو ابن سليمان (قوله
رحمة لهم) فيه إشارة إلى بيان السبب أيضا ويؤيد ذلك ذكر المشقة في الرواية التي قبلها (قوله
قال أبو عبد الله) هو المصنف (لم يذكر عثمان) أي ابن أبي شيبة شيخه في الحديث المذكور قوله
(رحمة لهم) فدل على انها من رواية محمد بن سلام وحده وقد أخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه
وعثمان بن أبي شيبة جميعا وفيه رحمة لهم ولم يبين أنها ليست في رواية عثمان وقد أخرجه أبو يعلى
والحسن بن سفيان في مسنديهما عن عثمان وليس فيه رحمة لهم وأخرجه الإسماعيلي عنهما
كذلك وأخرجه الجوزقي من طريق محمد بن حاتم عن عثمان وفيه رحمة لهم فيحتمل أن يكون
عثمان كان تارة يذكرها وتارة يحذفها وقد رواها الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن عثمان
فجعل ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه قالوا انك تواصل قال انما هي رحمة رحمكم
الله بها انى لست كهيئتكم الحديث واستدل بمجموع هذه الأحاديث على أن الوصال من
خصائصه صلى الله عليه وسلم وعلى أن غيره ممنوع منه الا ما وقع فيه الترخيص من الاذن فيه إلى
السحر ثم اختلف في المنع المذكور فقيل على سبيل التحريم وقيل على سبيل الكراهة وقيل يحرم
على من شق عليه ويباح لمن لم يشق عليه وقد اختلف السلف في ذلك فنقل التفصيل عن عبد الله
ابن الزبير وروى ابن أبي شيبة باسناد صحيح عنه انه كان يواصل خمسة عشر يوما وذهب إليه من
الصحابة أيضا أخت أبي سعيد ومن التابعين عبد الرحمن بن أبي نعم وعامر بن عبد الله بن الزبير
وإبراهيم بن يزيد التيمي وأبو الجوزاء كما نقله أبو نعيم في ترجمته في الحلية وغيرهم رواه الطبري وغيره
ومن حجتهم ما سيأتي في الباب الذي بعده انه صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه بعد النهى فلو كان
النهى للتحريم لما أقرهم على فعله فعلم أنه أراد بالنهى الرحمة لهم والتخفيف عنهم كما صرحت به
عائشة في حديثها وهذا مثل ما نهاهم عن قيام الليل خشية أن يفرض عليهم ولم ينكر على من
بلغه انه فعله ممن لم يشق عليه وسيأتى نظير ذلك في صيام الدهر فمن لم يشق عليه ولم يقصد موافقة
177

أهل الكتاب ولا رغب عن السنة في تعجيل الفطر لم يمنع من الوصال وذهب الأكثرون إلى تحريم
الوصال وعن الشافعية في ذلك وجهان التحريم والكراهة هكذا اقتصر عليه النووي وقد نص
الشافعي في الام على أنه محظور وأغرب القرطبي فنقل التحريم عن بعض أهل الظاهر على شك
منه في ذلك ولا معنى لشكه فقد صرح ابن حزم بتحريمه وصححه ابن العربي من المالكية
وذهب أحمد واسحق وابن المنذر وابن خزيمة وجماعة من المالكية إلى جواز الوصال إلى السحر
لحديث أبي سعيد المذكور وهذا الوصال لا يترتب عليه شئ مما يترتب على غيره الا انه في الحقيقة
بمنزلة عشائه الا أنه يؤخره لان الصائم له في اليوم والليلة أكلة فإذا أكلها السحر كان قد نقلها
من أول الليل إلى آخره وكان أخف لجسمه في قيام الليل ولا يخفى أن محل ذلك ما لم يشق على
الصائم والا فلا يكون قربة وانفصل أكثر الشافعية عن ذلك بأن الامساك إلى السحر ليس
وصالا بل الوصال أن يمسك في الليل جميعه كما يمسك في النهار وانما أطلق على الامساك
إلى السحر وصالا لمشابهته الوصال في الصورة ويحتاج إلى ثبوت الدعوى بأن الوصال انما هو
حقيقة في امساك جميع الليل وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل من سحر إلى سحر
أخرجه أحمد وعبد الرزاق من حديث على والطبراني من حديث جابر وأخرجه سعيد بن منصور
مرسلا من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه ومن طريق أبى قلابة وأخرجه عبد الرزاق من طريق
عطاء واحتجوا للتحريم بقوله في الحديث المتقدم إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا
فقد أفطر الصائم إذ لم يجعل الليل محلا لسوى الفطر فالصوم فيه مخالفة لوضعه كيوم الفطر
وأجابوا أيضا بأن قوله رحمة لهم لا يمنع التحريم فان من رحمته لهم أن حرمه عليهم وأما مواصلته
بهم بعد نهيه فلم يكن تقريرا بل تقريعا وتنكيلا فاحتمل منهم ذلك لأجل مصلحة النهى في تأكيد
زجرهم لانهم إذا باشروه ظهرت لهم حكمة النهى وكان ذلك أدعى إلى قلوبهم لما يترتب عليهم
من الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم منه وأرجح من وظائف الصلاة والقراءة وغير ذلك
والجوع الشديد ينافي ذلك وقد صرح بأن الوصال يختص به لقوله لست في ذلك مثلكم
وقوله لست كهيئتكم هذا مع ما انضم إلى ذلك من استحباب تعجيل الفطر كما تقدم في بابه (قلت)
ويدل على أنه ليس بمحرم حديث أبي داود الذي قدمت التنبيه عليه في أوائل الباب فان الصحابي
صرح فيه بأنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم الوصال وروى البزار والطبراني من حديث سمرة نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال وليس بالعزيمة وأما ما رواه الطبراني في الأوسط من
حديث أبي ذر ان جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم ان الله قد قبل وصالك ولا يحل لاحد
بعدك فليس اسناده بصحيح فلا حجة فيه ومن أدلة الجواز اقدام الصحابة على الوصال بعد النهى
فدل على أنهم فهموا أن النهى للتنزيه لا للتحريم والا لما أقدموا عليه ويؤيد أنه ليس بمحرم
أيضا انه صلى الله عليه وسلم في حديث بشير بن الخصاصية الذي ذكرته في أول الباب سوى في علة
النهى بين الوصال وبين تأخير الفطر حيث قال في كل منهما انه فعل أهل الكتاب ولم يقل أحد
بتحريم تأخير الفطر سوى بعض من لا يعتد به من أهل الظاهر ومن حيث المعنى ما فيه من فطم
النفس وشهواتها وقمعها عن ملذوذاتها فلهذا استمر على القول بجوازه مطلقا أو مقيدا من تقدم
ذكره والله أعلم وفى أحاديث الباب من الفوائد استواء المكلفين في الاحكام وان كل حكم ثبت في
178

حق النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق أمته الا ما استثنى بدليل وفيه جواز معارضة المفتى فيما
أفتى به إذا كان بخلاف حاله ولم يعلم المستفتى بسر المخالفة وفيه الاستكشاف عن حكمة النهى
وفيه ثبوت خصائصه صلى الله عليه وسلم وان عموم قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة
حسنة مخصوص وفيه أن الصحابة كانوا يرجعون إلى فعله المعلوم صفته ويبادرون إلى الائتساء
به الا فيما نهاهم عنه وفيه ان خصائصه لا يتأسى به في جميعها وقد توقف في ذلك امام الحرمين
وقال أبو شامة ليس لأحد التشبه به في المباح كالزيادة على أربع نسوة ويستحب التنزه عن المحرم
عليه والتشبه به في الواجب عليه كالضحى واما المستحب فلم يتعرض له والوصال منه فيحتمل ان
يقال إن لم ينه عنه لم يمنع الائتساء به فيه والله أعلم وفيه بيان قدرة الله تعالى على ايجاد المسببات
العاديات من غير سبب ظاهر كما سيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده * (قوله باب
التنكيل لمن أكثر الوصال) التقييد بالأكثر قد يفهم منه ان من قلل منه لا نكال عليه
لان التقليل منه مظنة لعدم المشقة لكن لا يلزم من عدم التنكيل ثبوت الجواز (قوله رواه
أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) وصله في كتاب التمني من طريق حميد عن ثابت عنه كما
تقدمت الإشارة إليه في الباب الذي قبله (قوله أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن هكذا رواه
شعيب عن الزهري وتابعه عقيل عن الزهري كما سيأتي في باب التعزير ومعمر كما سيأتي في كتاب
التمني ويونس عند مسلم وآخرون وخالفهم عبد الرحمن بن خالد بن مسافر فرواه عن الزهري عن
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة علقه المصنف في المحاربين وفى التمني وليس اختلافا ضارا
فقد أخرجه الدارقطني في العلل من طريق عبد الرحمن بن خالد هذا عن الزهري عنهما جميعها
وكذلك رواه عبد الرحمن بن نمر عن الزهري عن سعيد وأبى سلمة جميعا عن أبي هريرة وأخرجه
الإسماعيلي وكذا ذكر الدارقطني ان الزبيدي تابع بن نمير على الجمع بينهما (قوله فقال له رجل)
كذا للأكثر وفى رواية عقيل المذكورة فقال له رجال (قوله عن الوصال) في رواية الكشميهني
من الوصال (قوله واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال) ظاهره ان قدر المواصلة بهم كانت
يومين وقد صرح بذلك في رواية معمر المشار إليها (قوله لو تأخر) أي الشهر (لزودتكم)
استدل به على جواز قول لو وحمل النهى الوارد في ذلك على ما لا يتعلق بالأمور الشرعية كما
سيأتي بيانه في كتاب التمني في أواخر الكتاب إن شاء الله تعالى والمراد بقوله لو تأخر لزدتكم أي
في الوصال إلى أن تعجزوا عنه فتسألوا التخفيف عنكم بتركه وهذا كما أشار عليهم ان يرجعوا
من حصار الطائف فلم يعجبهم فأمرهم بمباكرة القتال من الغد فأصابتهم جراح وشدة وأحبوا
الرجوع فأصبح راجعا بهم فأعجبهم ذلك وسيأتى ذكره موضحا في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى
(قوله كالتنكيل لهم) في رواية معمر كالمنكل لهم ووقع فيها عند المستملى كالمنكر بالراء وسكون
النون من الانكار وللحموي كالمنكى بتحتانية ساكنة قبلها كاف مكسورة خفيفة من النكاية
والأول هو الذي تظافرت به الروايات خارج هذا الكتاب والتنكيل المعاقبة (قوله حدثنا
يحيى) كذا للأكثر غير منسوب ولابى ذر حدثنا يحيى بن موسى (قوله إياكم والوصال مرتين)
في رواية أحمد عن عبد الرزاق بهذا الاسناد إياكم والوصال إياكم والوصال فدل على أن
قوله مرتين اختصار من البخاري أو شيخه وأخرجه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
179

هريرة كما قال أحمد ورواه ابن أبي شيبة من طريق أبى زرعة عن أبي هريرة بلفظ إياكم والوصال
ثلاث مرات واسناده صحيح وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه بدون قوله ثلاث مرات
(قوله انى أبيت يطعمني ربى ويسقين) كذا في الطريقين عن أبي هريرة في هذا الباب وقد
تقدم في الباب الذي قبله من رواية في حديث أنس بلفظ أظل وكذا في حديث عائشة
عند الإسماعيلي وهى محمولة على مطلق الكون لا على حقيقة اللفظ لان المتحدث عنه هو
الامساك ليلا لا نهارا وأكثر الروايات انما هي أبيت وكأن بعض الرواة عبر عنها باظل نظرا إلى
اشتراكهما في مطلق الكون يقولون كثيرا أضحى فلان كذا مثلا ولا يريدون تخصيص ذلك
بوقت الضحى ومنه قوله تعالى وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا فان المراد به مطلق
الوقت ولا اختصاص لذلك بنهار دون ليل وقد رواه أحمد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة كلهم
عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ انى أظل عند ربى فيطعمني
ويسقيني وكذلك رواه أحمد أيضا عن ابن نمير وأبو نعيم في المستخرج من طريق إبراهيم بن سعيد
عن ابن نمير عن الأعمش وأخرجه أبو عوانة عن علي بن حرب عن أبي معاوية كذلك وأخرجه
هو وابن خزيمة من طريق عبيدة بن حميد عن الأعمش كذلك ووقع لمسلم فيه شئ غريب فإنه
أخرجه عن ابن نمير عن أبيه فقال بمثل حديث عمارة عن أبي زرعة ولفظ عمارة المذكور
عنده انى أبيت يطعمني ربى ويسقيني وقد عرفت ان رواية ابن نمير عند احمد فيها عند ربى وليس في
ذلك في شئ من الطرق عن أبي هريرة الا في رواية أبى صالح ولم ينفرد بها الأعمش فقد أخرجها
احمد أيضا من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح ووقعت في حديث غير أبي هريرة
وأخرجها الإسماعيلي في حديث عائشة أيضا عن الحسن بن سفيان عن عثمان بن أبي شيبة
بسنده الماضي في الباب الذي قبل هذا بلفظ أظل عند الله يطعمني ويسقيني وعن عمران بن
موسى عن عثمان بلفظ عند ربى ووقعت أيضا كذلك عند سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من
مرسل الحسن بلفظ انى أبيت عند ربى واختلف في معنى قوله يطعمني ويسقيني فقيل هو على
حقيقته وانه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامة له في ليالي صيامه
وتعقبه ابن بطال ومن تبعه بأنه لو كان كذلك لم يكن مواصلا وبأن قوله يظل يدل على وقوع
ذلك بالنهار فلو كان الأكل والشرب حقيقة لم يكن صائما وأجيب بان الراجح من الروايات لفظ
أبيت دون أظل وعلى تقدير الثبوت فليس حمل الطعام والشراب على المجاز بأولى له من حمل
لفظ أظل على المجاز وعلى التنزل فلا يضر شئ من ذلك لان ما يؤتى به الرسول على سبيل الكرامة
من طعام الجنة وشرابها لا تجرى عليه احكام المكلفين فيه كما غسل صدره صلى الله عليه وسلم
في طست الذهب مع أن استعمال أواني الذهب الدنيوية حرام وقال ابن المنير في الحاشية
الذي يفطر شرعا انما هو الطعام المعتاد واما الخارق للعادة كالمحضر من الجنة فعلى غير هذا
المعنى وليس تعاطيه من جنس الأعمال وانما هو من جنس الثواب كأكل أهل الجنة في الجنة
والكرامة لا تبطل العبادة وقال غيره لا مانع من حمل الطعام والشراب على حقيقتهما ولا يلزم
شئ مما تقدم ذكره بل الرواية الصحيحة أبيت وأكله وشربه في الليل مما يؤتى به من الجنة لا يقطع
وصاله خصوصية له بذلك فكأنه قال لما قيل له انك تواصل فقال انى لست في ذلك كهيئتكم
180

أي على صفتكم في أن من أكل منكم أو شرب انقطع وصاله بل انما يطعمني ربى ويسقيني
ولا تنقطع بذلك مواصلتي فطعامي وشرابي على غير طعامكم وشرابكم صورة ومعنى وقال الرين
ابن المنير هو محمول على أن أكله وشربه في تلك الحالة كحال النائم الذي يحصل له الشبع والري
بالاكل والشرب ويستمر له ذلك حتى يستيقظ ولا يبطل بذلك صومه ولا ينقطع وصاله ولا ينقص
أجره وحاصله انه يحمل ذلك على حالة استغراقه صلى الله عليه وسلم في أحواله الشريفة حتى
لا يؤثر فيه حينئذ شئ من الأحوال البشرية وقال الجمهور قوله يطعمني ويسقيني مجاز عن
لازم الطعام والشراب وهو القوة فكأنه قال يعطيني قوة الآكل والشارب ويفيض على
ما يسد مسد الطعام والشراب ويقوى على أنواع الطاعة من غير ضعف في القوة ولا كلال
في الاحساس أو المعنى ان الله يخلق فيه من الشبع والري ما يغنيه عن الطعام والشراب فلا
يحس بجوع ولا عطش والفرق بينه وبين الأول انه على الأول يعطى القوة من غير شبع ولا رى
مع الجوع والظما وعلى الثاني يعطى القوة مع الشبع والري ورجح الأول بان الثاني ينافي حال
الصائم ويفوت المقصود من الصيام والوصال لان الجوع هو روح هذه العبادة بخصوصها قال
القرطبي ويبعده أيضا النظر إلى حاله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع ويربط
على بطنه الحجارة من الجوع (قلت) وتمسك ابن حبان بظاهر الحال فاستدل بهذا الحديث على
تضعيف الأحاديث الواردة بأنه صلى الله عليه وسلم كان يجوع ويشد الحجر على بطنه من الجوع
قال لان الله تعالى كان يطعم رسوله ويسقيه إذا واصل فكيف يتركه جائعا حتى يحتاج إلى شد الحجر
على بطنه ثم قال وماذا يغنى الحجر من الجوع ثم ادعى ان ذلك تصحيف ممن رواه وانما هي الحجز
بالزاي جمع حجزة وقد أكثر الناس من الرد عليه في جميع ذلك وأبلغ ما يرد عليه به أنه أخرج في
صحيحه من حديث ابن عباس قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فرأى أبا بكر وعمر
فقال ما أخرجكما قالا ما أخرجنا الا الجوع فقال وانا والذي نفسي بيده ما أخرجني الا الجوع
الحديث فهذا الحديث يرد ما تمسك به وأما قوله وما يغنى الحجر من الجوع فجوابه انه يقيم الصلب
لان البطن إذا خلا ربما ضعف صاحبه عن القيام لانثناء بطنه عليه فإذا ربط عليه الحجر اشتد
وقوى صاحبه على القيام حتى قال بعض من وقع له ذلك كنت أظن الرجلين يحملان البطن فإذا
البطن يحمل الرجلين ويحتمل ان يكون المراد بقوله يطعمني ويسقيني أي يشغلني بالتفكر في
عظمته والتملي بمشاهدته والتغذي بمعارفه وقرة العين بمحبته والاستغراق في مناجاته والاقبال
عليه عن الطعام والشراب والى هذا جنح ابن القيم وقال قد يكون هذا الغذاء أعظم من غذاء
الأجساد ومن له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء
الجسماني ولا سيما الفرح المسرور بمطلوبه الذي قرت عينه بمحبوبه (قوله اكلفوا) بسكون
الكاف وضم اللام أي احملوا المشقة في ذلك يقال كلفت بكذا إذا ولعت به وحكى عياض ان
بعضهم قال بهمزة قطع وكسر اللام قال ولا يصح لغة (قوله بما تطيقون) في رواية أحمد بما لكم
به طاقة وكذا لمسلم من طريق أبى الزناد عن الأعرج * (قوله باب الوصال إلى السحر)
أي جوازه وقد تقدم انه قول أحمد وطائفة من أصحاب الحديث وتقدم توجيهه وان من
الشافعية من قال إنه ليس بوصال حقيقة (قوله حدثني ابن أبي حازم) هو عبد العزيز وشيخه يزيد
181

هو ابن عبد الله بن الهاد شيخ الليث في الباب الذي قبله في هذا الحديث بعينه وعبد الله بن خباب
بمعجمة وموحدتين الأولى مثقلة مدني من موالى الأنصار لم أر له رواية الا عن أبي سعيد الخدري
وقد أخرج له الصنف سبعة أحاديث هذا ثانيها وتوقف الجوزقي في معرفة حاله ووثقه أبو
حاتم الرازي وغيره وقد وافقه على رواية حديث الوصال عن أبي سعيد بشر بن حرب أخرجه
عبد الرزاق من طريقه * (تنبيه) * وقع عند ابن خزيمة في حديث أبي صالح عن أبي هريرة من
طريق عبيدة بن حميد عن الأعمش عنه تقييد وصال النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إلى السحر ولفظه
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل إلى السحر ففعل بعض أصحابه ذلك فنهاه فقال يا رسول
الله انك تفعل ذلك الحديث وظاهره يعارض حديث أبي سعيد هذا فان مقتضى حديث أبي
صالح النهى عن الوصال إلى السحر وصريح حديث أبي سعيد الاذن بالوصال إلى السحر
والمحفوظ في حديث أبي صالح اطلاق النهى عن الوصال بغير تقييد بالسحر ولذلك اتفق عليه
جميع الرواة عن أبي هريرة فرواية عبيدة بن حميد هذه شاذة وقد خالفه أبو معاوية وهو أضبط
أصحاب الأعمش فلم يذكر ذلك أخرجه أحمد وغيره عن أبي معاوية وتابعه عبد الله بن نمير عن
الأعمش كما تقدم وعلى تقدير أن تكون رواية عبيدة بن حميد محفوظة فقد أشار ابن خزيمة إلى
الجمع بينهما بأنه يحتمل أن يكون نهى صلى الله عليه وسلم عن الوصال أولا مطلقا سواء جميع الليل
أو بعضه وعلى هذا يحمل حديث أبي صالح ثم خص النهى بجميع الليل فأباح الوصال إلى السحر
وعلى هذا يحمل حديث أبي سعيد أو يحمل النهى في حديث أبي صالح على كراهة التنزيه والنهى
في حديث أبي سعيد على ما فوق السحر على كراهة التحريم والله أعلم * (قوله باب
من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له) ذكر فيه حديث ابن أبي
جحيفة في قصة أبى الدرداء وسلمان فاما ذكر القسم فلم يقع في الطريق التي ساقها كما سأبينه وأما
القضاء فلم اقف عليه في شئ من طرقه الا ان الأصل عدمه وقد أقره الشارع ولو كان القضاء واجبا
لبينه له مع حاجته إلى البيان وكأنه يشير إلى حديث أبي سعيد قال صنعت للنبي صلى الله عليه
وسلم طعاما فلما وضع قال رجل أنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك أخوك وتكلف
لك أفطر وصم مكانه ان شئت رواه إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن ابن المنكدر عنه واسناده
حسن أخرجه البيهقي وهو دال على عدم الايجاب وقوله إذا كان أوفق له قد يفهم انه يرى أن
الجواز وعدم القضاء لمن كان معذورا بفطره لا من تعمده بغير سبب * (تنبيه) * قوله أوفق له
يروى بالواو الساكنة وبالراء بدل الواو والمعنى صحيح فيهما (قوله حدثنا أبو العميس) بمهملتين
مصغر اسمه عتبة ولم أر هذا الحديث الا من روايته عن عون بن أبي جحيفة ولا رأيت له راويا عنه
الا جعفر بن عون والى تفردهما بذلك أشار البزار (قوله آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان
وأبى الدرداء) ذكر أصحاب المغازي ان المؤاخاة بين الصحابة وقعت مرتين الأولى قبل الهجرة بين
المهاجرين خاصة على المواساة والمناصرة فكان من ذلك أخوة زيد بن حارثة وحمزة بن عبد المطلب
ثم آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار بعد ان هاجر وذلك بعد قدومه المدينة
وسيأتى في أول كتاب البيع حديث عبد الرحمن بن عوف لما قدمنا المدينة آخى النبي صلى الله
عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع وذكر الواقدي ان ذلك كان بعد قدومه صلى الله عليه وسلم
182

بخمسة أشهر والمسجد يبنى وقد سمى ابن إسحاق منهم جماعة منهم أبو ذر والمنذر بن عمرو فأبو ذر
مهاجري والمنذر أنصاري وانكره الواقدي لان أبا ذر ما كان قدم المدينة بعد وانما قدمها بعد
سنة ثلاث وذكر ابن إسحاق أيضا الاخوة بين سلمان وأبى الدرداء كالذي هنا وتعقبه الواقدي أيضا
فيما حكاه ابن سعد ان سلمان انما أسلم بعد وقعة أحد وأول مشاهده الخندق والجواب عن ذلك
كله ان التاريخ المذكور للهجرة الثانية هو ابتداء الاخوة ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم
يؤاخي بين من يأتي بعد ذلك وهلم جرا وليس باللازم أن تكون المؤاخاة وقعت دفعة واحدة
حتى يرد هذا التعقب فصح ما قاله ابن إسحاق وأيده هذا الخبر الذي في الصحيح وارتفع الاشكال
بهذا التقرير ولله الحمد واعترض الواقدي من جهة أخرى فروى عن الزهري انه كان ينكر كل
مؤاخاة وقعت بعد بدر يقول قطعت بدر المواريث (قلت) وهذا لا يدفع المؤاخاة من أصلها وانما
يدفع المؤاخاة المخصوصة التي كانت عقدت بينهم ليتوارثوا بها فلا يلزم من نسخ التوارث المذكور
أن لا تقع المؤاخاة بعد ذلك على المواساة ونحو ذلك وقد جاء ذكر المؤاخاة بين سلمان وأبى الدرداء
من طرق صحيحة غير هذه وذكر البغوي في معجم الصحابة من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن
أنس قال آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبى الدرداء وسلمان فذكر القصة لهما غير المذكورة
هنا وروى ابن سعد من طريق حميد بن هلال قال آخى بين سلمان وأبى الدرداء فنزل سلمان
الكوفة ونزل أبو الدرداء الشام ورجاله ثقات (قوله فزار سلمان أبا الدرداء) يعنى في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم فوجد أبا الدرداء غائبا (قوله متبذلة) بفتح المثناة والموحدة وتشديد الذال
المعجمة المكسورة أي لابسة ثياب البذلة بكسر الموحدة وسكون الذال وهى المهنة وزنا ومعنى
والمراد انها تاركة للبس ثياب الزينة وللكشميهني مبتذلة بتقديم الموحدة والتخفيف وزن
مفتعلة والمعنى واحد وفى ترجمة سلمان من الحلية لأبي نعيم باسناد آخر إلى أم الدرداء عن أبي
الدرداء ان سلمان دخل عليه فرأى امرأته رثة الهيئة فذكر القصة مختصرة وأم الدرداء هذه هي
خيرة بفتح المعجمة وسكون التحتانية بنت أبي حدود الأسلمية صحابية بنت صحابي وحديثها عن النبي
صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد وغيره وماتت أم الدرداء هذه قبل أبى الدرداء ولابى الدرداء
أيضا امرأة أخرى يقال لها أم الدرداء تابعية اسمها هجيمة عاشت بعده دهرا وروت عنه وقد
تقدم ذكرها في كتاب الصلاة (قوله فقال لها ما شأنك) زاد الترمذي في روايته عن محمد بن بشار
شيخ البخاري فيه يا أم الدرداء أمتبذلة (قوله ليس له حاجة في الدنيا) في رواية الدارقطني من
وجه آخر عن جعفر بن عون في نساء الدنيا وزاد فيه ابن خزيمة عن يوسف بن موسى عن جعفر بن
عون يصوم النهار ويقوم الليل (قوله فجاء أبو الدرداء فصنع له) زاد الترمذي فرحب بسلمان
وقرب إليه طعاما (قوله فقال له كل قال فانى صائم) كذا في رواية أبي ذر والقائل كل هو سلمان
والمقول له أبو الدرداء وهو المجيب باني صائم وفى رواية الترمذي فقال كل فانى صائم وعلى هذا
فالقائل أبو الدرداء والمقول له سلمان وكلاهما يحتمل والحاصل ان سلمان وهو الضعيف أبى ان
يأكل من طعام أبى الدرداء حتى يأكل معه وغرضه ان يصرفه عن رأيه فيما يصنعه من جهد
نفسه في العبادة وغير ذلك مما شكته إليه امرأته (قوله قال ما أنا بآكل حتى تأكل) في رواية
البزار عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه فقال أقسمت عليك لتفطرن وكذا رواه ابن خزيمة عن
183

يوسف بن موسى والدارقطني من طريق علي بن مسلم وغيره والطبراني من طريق أبى بكر وعثمان
ابني أبى شيبة والعباس بن عبد العظيم وابن حبان من طريق أبى خيثمة كلهم عن جعفر بن عون
به فكأن محمد بن بشار لم يذكر هذه الجملة لما حدث به البخاري وبلغ البخاري ذلك من غيره فاستعمل
هذه الزيادة في الترجمة مشيرا إلى صحتها وان لم تقع في روايته وقد اعاده البخاري في كتاب الأدب
عن محمد بن بشار بهذا الاسناد ولم يذكرها أيضا وأغنى بذلك عن قول بعض الشراح كابن المنير
ان القسم في هذا السياق مقدر قبل لفظ ما أنا بآكل كما قدر في قوله تعالى وان منكم الا واردها
وترجم المصنف في الأدب باب صنع الطعام والتكلف للضيف وأشار بذلك إلى حديث يروى
عن سلمان في النهى عن التكلف للضيف أخرجه أحمد وغيره بسند لين والجمع بينهما انه يقرب
لضيفه ما عنده ولا يتكلف ما ليس عنده فإن لم يكن عنده شئ فيسوغ حينئذ التكلف بالطبخ
ونحوه (قوله فلما كان الليل) أي في أوله وفى رواية ابن خزيمة وغيره ثم بات عنده (قوله يقوم
فقال نم) في رواية الترمذي وغيره فقال له سلمان نم زاد ابن سعد من وجه آخر مرسل فقال له أبو
الدرداء أتمنعني ان أصوم لربى وأصلي لربى (قوله فلما كان في آخر الليل) أي عند السحر وكذا
هو في رواية ابن خزيمة وعند الترمذي فلما كان عند الصبح وللدارقطني فلما كان في وجه الصبح
(قوله فصليا) في رواية الطبراني فقاما فتوضأ ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة (قوله ولأهلك عليك
حقا) زاد الترمذي وابن حزيمة ولضيفك عليك حقا زاد الدارقطني فصم وأفطر وصل ونم وائت
أهلك (قوله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية الترمذي فأتيا بالتثنية وفى رواية الدارقطني
ثم خرجا إلى الصلاة فدنا أبو الدرداء ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالذي قال له سلمان فقال له يا أبا
الدرداء ان لجسدك عليك حقا مثل ما قال سلمان ففي هذه الرواية ان النبي صلى الله عليه وسلم
أشار إليهما بأنه علم بطريق الوحي ما دار بينهما وليس ذلك في رواية محمد بن بشار فيحتمل الجمع بين
الامرين انه كاشفهما بذلك أولا ثم أطلعه أبو الدرداء على صورة الحال فقال له صدق سلمان
وروى هذا الحديث الطبراني من وجه آخر عن محمد بن سيرين مرسلا فعين الليلة التي بات سلمان
فيها عند أبي الدرداء ولفظه قال كان أبو الدرداء يحيى ليلة الجمعة ويصوم يومها فاتاه سلمان
فذكر القصة مختصرة وزاد في آخرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم عويمر سلمان أفقه منك
انتهى وعويمر اسم أبى الدرداء وفى رواية أبى نعيم المذكورة آنفا فقال النبي صلى الله عليه وسلم
لقد أوتى سلمان من العلم وفى رواية ابن سعد المذكورة لقد أشبع سلمان علما وفى هذا الحديث
من الفوائد مشروعية المؤاخاة في الله وزيارة الاخوان والمبيت عندهم وجواز مخاطبة الأجنبية
وللحاجة والسؤال عما يترتب عليه المصلحة وإن كان في الظاهر لا يتعلق بالسائل وفيه النصح للمسلم
وتنبيه من أغفل وفيه فضل قيام آخر الليل وفيه مشروعية تزين المرأة لزوجها وثبوت حق
المرأة على الزوج في حسن العشرة وقد يؤخذ منه ثبوت حقها في الوطء لقوله ولأهلك عليك حقا
ثم قال وائت أهلك وقرره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وفيه جواز النهى عن المستحبات إذا
خشى ان ذلك يفضى إلى السآمة والملل وتفويت الحقوق المطلوبة الواجبة أو المندوبة الراجح
فعلها على فعل المستحب المذكور وان الوعيد الوارد على من نهى مصليا عن الصلاة مخصوص
بمن نهاه ظلما وعدوانا وفيه كراهية الحمل على النفس في العبادة وسيأتى مزيد بيان لذلك في
184

الكلام على حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفيه جواز الفطر من صوم التطوع كما ترجم له
المصنف وهو قول الجمهور ولم يجعلوا عليه قضاء الا انه يستحب له ذلك وروى عبد الرزاق عن ابن
عباس انه ضرب لذلك مثلا كمن ذهب بمال ليتصدق به ثم رجع ولم يتصدق به أو تصدق ببعضه
وأمسك بعضه ومن حجتهم حديث أم هانئ انها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهى صائمة
فدعا بشراب فشرب ثم ناولها فشربت ثم سألته عن ذلك فقال أكنت تقضين يوما من رمضان
قالت لا قال فلا بأس وفى رواية إن كان من قضاء فصومي مكانه وإن كان تطوعا فان شئت فاقضه
وان شئت فلا تقضه أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وله شاهد من حديث أبي سعيد تقدم ذكره
في أول الباب وعن مالك الجواز وعدم القضاء بعذر والمنع واثبات القضاء بغير عذر وعن أبي
حنيفة يلزمه القضاء مطلقا ذكره الطحاوي وغيره وشبهه بمن أفسد حج التطوع فان عليه قضاءه
اتفاقا وتعقب بان الحج امتاز بأحكام لا يقاس غيره عليه فيها فمن ذلك ان الحج يؤمر مفسده
بالمضي في فاسده والصيام لا يؤمر مفسده بالمضي فيه فافترقا ولأنه قياس في مقابله النص فلا يعتبر
به وأغرب ابن عبد البر فنقل الاجماع على عدم وجوب القضاء عمن أفسد صومه بعذر واحتج من
أوجب القضاء بما روى الترمذي والنسائي من طريق جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن
عائشة قالت كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه فجاء رسول الله صلى
الله عليه وسلم فبدرتني إليه حفصة وكانت ببيت أبيها فقالت يا رسول الله فذكرت ذلك فقال
اقضيا يوما آخر مكانه قال الترمذي رواه ابن أبي حفصة وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري مثل
هذا ورواه مالك ومعمر وزياد بن سعد وابن عيينة وغيرهم من الحفاظ عن الزهري عن عائشة
مرسلا وهو أصح لان ابن جريج ذكر انه سأل الزهري عنه فقال لم أسمع من عروة في هذا شيئا ولكن
سمعت من ناس عن بعض من سأل عائشة فذكره ثم أسنده كذلك وقال النسائي هذا خطا وقال
ابن عيينة في روايته سئل الزهري عنه أهو عن عروة فقال لا وقال الخلال اتفق الثقات على ارساله
وشذ من وصله وتوارد الحفاظ على الحكم بضعف حديث عائشة هذا وقد رواه من لا يوثق به عن
مالك موصولا ذكره الدارقطني في غرائب مالك وبين مالك في روايته فقال إن صيامهما كان
تطوعا وله من طريق أخرى عند أبي داود من طريق زميل عن عروة عن عائشة وضعفه أحمد
والبخاري والنسائي بجهالة حال زميل وعلى تقدير ان يكون محفوظا فقد صح عن عائشة انه صلى
الله عليه وسلم كان يفطر من صوم التطوع كما تقدمت الإشارة إليه في باب من نوى بالنهار صوما
وزاد فيه بعضهم فأكل ثم قال لكن أصوم يوما مكانه وقد ضعف النسائي هذه الزيادة وحكم
بخطئها وعلى تقدير الصحة فيجمع بينهما بحمل الامر بالقضاء على الندب وأما قول القرطبي يجاب
عن حديث أبي جحيفة بان افطار أبى الدرداء كان لقسم سلمان ولعذر الضيافة فيتوقف على أن
هذا العذر من الاعذار التي تبيح الافطار وقد نقل ابن التين عن مذهب مالك انه لا يفطر لضيف
نزل به ولا لمن حلف عليه بالطلاق والعتاق وكذا لو حلف هو بالله ليفطرن كفر ولا يفطر وسيأتى
بعد أبواب من حديث أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم لما زار أم سلم لم يفطر وكان صائما
تطوعا وقد أنصف ابن المنير في الحاشية فقال ليس في تحريم الاكل في صورة النفل من غير عذر
الا الأدلة العامة كقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم الا أن الخاص يقدم على العام كحديث سلمان
185

وقول المهلب ان أبا الدرداء أفطر متأولا ومجتهدا فيكون معذورا فلا قضاء عليه لا ينطبق على
مذهب مالك فلو أفطر أحد بمثل عذر أبى الدرداء عنده لوجب عليه القضاء ثم إن النبي صلى الله
عليه وسلم صوب فعل أبى الدرداء فترقى عن مذهب الصحابي إلى نص الرسول صلى الله عليه وسلم
وقد قال ابن عبد البر ومن احتج في هذا بقوله ولا تبطلوا أعمالكم فهو جاهل بأقوال أهل
العلم فان الأكثر على أن المراد بذلك النهى عن الرياء كأنه قال لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل
أخلصوها لله وقال آخرون لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر ولو كان المراد بذلك النهى عن
ابطال ما لم يفرضه الله عليه ولا أوجب على نفسه بنذر وغيره لامتنع عليه الافطار الا بما يبيح
الفطر من الصوم الواجب وهم لا يقولون بذلك والله أعلم * (تنبيه) * هذه الترجمة التي فرغنا
منها الآن أول أبواب التطوع بدأ المصنف منها بحكم صوم التطوع هل يلزم تمامه بالدخول فيه
أم لا ثم أورد بقية أبوابه على ما اختاره من الترتيب * (قوله باب صوم شعبان) أي
استحبابه وكانه لم يصرح بذلك لما في عمومه من التخصيص وفى مطلقه من التقييد كما سيأتي بيانه
وسمى شعبان لتشعبهم في طلب المياه أو في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام وهذا أولى من
الذي قبله وقيل فيه غير ذلك (قوله عن أبي النضر) هو سالم المدني زاد مسلم مولى عمر بن عبيد الله
وفى رواية ابن وهب عند النسائي والدارقطني في الغرائب عن مالك عن أبي النضر انه حدثهم
(قوله عن عائشة) في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن عائشة حدثته وهو في ثاني حديثي
الباب وقوله فيه عن يحيى عن أبي سلمة في رواية مسلم عن يحيى بن أبي كثير واتفق أبو النصر
ويحيى ووافقهما محمد بن إبراهيم وزيد بن أبي عتاب عند النسائي ومحمد بن عمرو عند الترمذي
على روايتهم إياه عن أبي سلمة عن عائشة وخالفهم يحيى بن سعيد وسالم بن أبي الجعد فروياه عن أبي
سلمة عن أم سلمة أخرجهما النسائي وقال الترمذي عقب طريق سالم بن أبي الجعد هذا اسناد صحيح
ويحتمل ان يكون أبو سلمة رواه عن كل من عائشة وأم سلمة (قلت) ويؤيده ان محمد بن إبراهيم
التيمي رواه عن أبي سلمة عن عائشة تارة وعن أم سلمة تارة أخرى أخرجهما النسائي (قوله أكثر
صياما) كذا لأكثر الرواة بالنصب وحكى السهيلي انه روى بالخفض وهو وهم ولعل بعضهم كتب
صياما بغير الف على رأى من يقف على المنصوب بغير ألف فتوهم مخفوضا أو ان بعض الرواة ظن
أنه مضاف لان صيغة أفعل تضاف كثيرا فتوهمها مضافة وذلك لا يصح هنا قطعا وقوله أكثر
بالنصب وهو ثاني مفعولي رأيت وقوله في شعبان يتعلق بصياما والمعنى كان يصوم في شعبان
وغيره وكان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه (قوله من شعبان) زاد في حديث
يحيى بن أبي كثير فإنه كان يصوم شعبان كله زاد ابن أبي لبيد عن أبي سلمة عن عائشة عند مسلم كان
يصوم شعبان الا قليلا ورواه الشافعي من هذا الوجه بلفظ بل كان يصوم إلى آخره وهذا يبين ان
المراد بقوله في حديث أم سلمة عند أبي داود وغيره أنه كان لا يصوم من السنة شهرا تاما الا شعبان
يصله برمضان أي كان يصوم معظمه ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال جائز في كلام العرب
إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله ويقال قام فلان ليلته أجمع ولعله قد تعشى واشتغل
ببعض أمره قال الترمذي كأن ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك وحاصله ان الرواية الأولى
مفسرة للثانية مخصصة لها وان المراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال واستبعده الطيبى
186

قال لان الكل تأكيد لإرادة الشمول ودفع التجوز فتفسيره بالبعض مناف له قال فيحمل على أنه
كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم انه واجب كله كرمضان وقيل المراد
بقولها كله انه كان يصوم من أوله تارة ومن آخره أخرى ومن أثنائه طورا فلا يخلى شيئا منه من
صيام ولا يخص بعضه بصيام دون بعض وقال الزين بن المنير اما ان يحمل قول عائشة على
المبالغة والمراد الأكثر واما ان يجمع بان قولها الثاني متأخر عن قولها الأول فأخبرت عن أول
أمره انه كان يصوم أكثر شعبان وأخبرت ثانيا عن آخر أمره انه كان يصومه كله اه‍ ولا يخفى
تكلفه والأول هو الصواب ويؤيده رواية عبد الله بن شقيق عن عائشة عند مسلم وسعد بن هشام
عنها عند النسائي ولفظه ولا صام شهرا كاملا قط منذ قدم المدينة غير رمضان وهو مثل حديث
ابن عباس المذكور في الباب الذي بعد هذا واختلف في الحكمة في اكثاره صلى الله عليه وسلم
من صوم شعبان فقيل كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها
في شعبان أشار إلى ذلك ابن بطال وفيه حديث ضعيف أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق
ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة
أيام من كل شهر فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة فيصوم شعبان وابن أبي ليلى ضعيف
وحديث الباب والذي بعده دال على ضعف ما رواه وقيل كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان وورد
فيه حديث آخر أخرجه الترمذي من طريق صدقة بن موسى عن ثابت عن أنس قال سئل النبي
صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان قال شعبان لتعظيم رمضان قال الترمذي
حديث غريب وصدقة عندهم ليس بذاك القوى (قلت) ويعارضه ما رواه مسلم من حديث أبي
هريرة مرفوعا أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم وقيل الحكمة في اكثاره من الصيام في
شعبان دون غيره ان نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان وهذا عكس ما تقدم في
الحكمة في كونهن كن يؤخرن قضاء رمضان إلى شعبان لأنه ورد فيه ان ذلك لكونهن كن يشتغلن
معه صلى الله عليه وسلم عن الصوم وقيل الحكمة في ذلك أنه يعقبه رمضان وصومه مفترض وكان
يكثر من الصوم في شعبان قدر ما يصوم في شهرين غيره لما يفوته من التطوع بذلك في أيام رمضان
والأولى في ذلك ما جاء في حديث أصح مما مضى أخرجه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة عن
أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال
ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين
فأحب ان يرفع عملي وأنا صائم ونحوه من حديث عائشة عند أبي يعلى لكن قال فيه ان الله يكتب
كل نفس ميتة تلك السنة فأحب ان يأتيني أجلى وأنا صائم ولا تعارض بين هذا وبين ما تقدم من
الأحاديث في النهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وكذا ما جاء من النهى عن صوم نصف
شعبان الثاني فان الجمع بينهما ظاهر بان يحمل النهى على من لم يدخل تلك الأيام في صيام اعتاده
وفى الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان وأجاب النووي عن كونه لم يكثر من الصوم في المحرم
مع قوله إن أفضل الصيام ما يقع فيه بأنه يحتمل أن يكون ما علم ذلك الا في آخر عمرة فلم يتمكن من
كثرة الصوم في المحرم أو اتفق له فيه من الاعذار بالسفر والمرض مثلا ما منعه من كثرة الصوم
فيه وقد تقدم الكلام على قوله لا يمل الله حتى تملوا وعلى بقية الحديث في باب أحب الدين إلى
187

الله أدومه وهو في آخر كتاب الايمان ومناسبة ذلك للحديث الإشارة إلى أن صيامه صلى الله عليه
وسلم لا ينبغي ان يتأسى به فيه الا من أطاق ما كان يطيق وان من أجهد نفسه في شئ من العبادة
خشى عليه ان يمل فيفضى إلى تركه والمداومة على العبادة وان قلت أولى من جهد النفس في
كثرتها إذا انقطعت فالقليل الدائم أفضل من الكثير المنقطع غالبا وقد تقدم الكلام على
مداومته صلى الله عليه وسلم على صلاة التطوع في بابها * (قوله باب ما يذكر من
صوم النبي صلى الله عليه وسلم) أي التطوع (وافطاره) أي في خلل صيامه قال الزين بن المنير لم
يضف المصنف الترجمة التي قبل هذه للنبي صلى الله عليه وسلم وأطلقها ليفهم الترغيب للأمة في
الاقتداء به في اكثار الصوم في شعبان وقصد بهذه شرح حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك
ثم ذكر البخاري في الباب حديثين * الأول حديث ابن عباس (قوله عن أبي بشر) هو جعفر بن أبي
وحشية (قوله عن سعيد بن جبير) في رواية شعبة عن أبي بشر حدثني سعيد بن جبير أخرجه
أبو داود الطيالسي في مسنده عنه ولمسلم من طريق عثمان بن حكيم سألت سعيد بن جبير عن
صيام رجب فقال سمعت ابن عباس (قوله ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا قط غير
رمضان) في رواية شعبة عند مسلم ما صام شهرا متتابعا وفى رواية أبى داود الطيالسي شهرا تاما
منذ قدم المدينة غير رمضان (قوله ويصوم) في رواية مسلم من الطريق التي أخرجها البخاري
وكان يصوم (قوله حتى يقول القائل لا والله لا يفطر) في رواية شعبة حتى يقولوا ما يريد ان يفطر
* الحديث الثاني حديث أنس (قوله حدثني محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني وحميد
هو الطويل (قوله حتى نظن) بنون الجمع وبالتحتانية على البناء للمجهول ويجوز بالمثناه على
المخاطبة ويؤيده قوله بعد ذلك الا رأيته فإنه روى بالضم والفتح معا (قوله أن لا يصوم) بفتح
الهمزة ويجوز في يصوم النصب والرفع (قوله حدثني محمد) كذا للأكثر ولابى ذر هو ابن سلام
(قوله وقال سليمان عن حميد أنه سأل أنسا في الصوم) كنت أظن أن سليمان هذا هو ابن بلال
لكن لم أره بعد التتبع التام من حديثه فظهر لي انه سليمان بن حبان أبو خالد الأحمر وقد وصل
المصنف حديثه عقب هذا وفيه سألت أنسا عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم فذكر
الحديث أتم من طريق محمد بن جعفر لكن تقدم بعض هذا الحديث في الصلاة وقال فيه تابعه
سليمان وأبو خالد الأحمر فهذا يدل على التعدد ويحتمل أن تكون الواو مزيدة كما تقدمت
الإشارة إليه (قوله ما كنت أحب ان أراه من الشهر صائما الا رأيته) يعنى أن حاله في التطوع
بالصيام والقيام كان يختلف فكان تارة يقوم من أول الليل وتارة في وسطه وتارة من آخره
كما كان يصوم تارة من أول الشهر وتارة من وسطه وتارة من آخره فكان من أراد ان يراه في وقت
من أوقات الليل قائما أو في وقت من أوقات الشهر صائما فراقبه المرة بعد المرة فلا بد أن يصادفه
قام أو صام على وفق ما أراد أن يراه هذا معنى الخبر وليس المراد انه كان يسرد الصوم ولا انه
كان يستوعب الليل قياما ولا يشكل على هذا قول عائشة في الباب قبله وكان إذا صلى
صلاة داوم عليها وقوله في الرواية الأخرى الآتية بعد أبواب كان عمله ديمة لان المراد بذلك
ما اتخذه راتبا لا مطلق النافلة فهذا وجه الجمع بين الحديثين والا فظاهرهما التعارض والله
أعلم (قوله ولا مسست) بكسر المهملة الأولى على الأفصح وكذا شممت بكسر الميم الأولى
وفتحها لغة حكاها الفراء ويقال في مضارعه أشمه وأمسه بالفتح فيهما على الأفصح وبالضم على
188

اللغة المذكورة (قوله من رائحة) كذا للأكثر وللكشميهني من ريح رسول الله صلى الله
عليه وسلم وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان على أكمل الصفات خلقا وخلقا فهو كل الكمال وجل
الجلال وجملة الجمال عليه أفضل الصلاة والسلام وسيأتى شرح ما تضمنه هذا الحديث في باب
صفة النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل السيرة النبوية إن شاء الله تعالى مستوفى وفى
حديثي الباب استحباب التنفل بالصوم في كل شهر وان صوم النفل المطلق لا يختص بزمان الا
ما نهى عنه وانه صلى الله عليه وسلم لم يصم الدهر ولا قام الليل كله وكانه ترك ذلك لئلا يقتدى به
فيشق على الأمة وإن كان قد اعطى من القوة ما لو التزم ذلك لا اقتدر عليه لكنه سلك من العبادة
الطريقة الوسطى فصام وأفطر وقام ونام أشار إلى ذلك المهلب وفى حديث ابن عباس الحلف على
الشئ وان لم يكن هناك من ينكره مبالغة في تأكيده في نفس السامع * (قوله باب
حق الضيف في الصوم) قال الزين بن المنير لو قال حق الضيف في الفطر لكان أوضح لكنه
كان لا يفهم منه تعيين الصوم فيحتاج أن يقول من الصوم وكأن ما ترجم به أخصر وأوجز
(قوله حدثنا إسحاق) قال أبو علي الجياني لم ينسب اسحق هذا عند أحد منهم (قلت) لكن جزم
أبو نعيم في المستخرج بأنه ابن راهويه لأنه أخرجه من مسنده ثم قال أخرجه البخاري عن إسحاق
ويؤيده ان ابن راهويه لا يقول في الرواية عن شيوخه الا صيغة الاخبار وكذلك هو هنا وهرون
ابن إسماعيل شيخه هو الخزاز كان تاجرا صدوقا ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث
آخر في الاعتكاف كلاهما من روايته عن علي بن المبارك وقد أخرج كلا من الحديثين من
غير طريقه ويحيى هو ابن أبي كثير (قوله دحل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر
الحديث) هكذا أورده مختصرا وفسر البخاري المراد منه بقوله يعنى ان لزورك عليك حقا
إلى آخر ما ذكر من الحديث وهو على طريقة البخاري في جواز اختصار الحديث وقد أورده
في الباب الذي يليه من طريق الأوزاعي وأورده في الأدب من طريق حسين المعلم كلاهما عن
يحيى بن أبي كثير وأورده قريبا من طريق الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب ومن طريق
أبى العباس الأعمى من وجهين ومن طريق مجاهد وأبى المليح كلهم عن عبد الله بن عمرو بن
العاص بالحديث مطولا ومختصرا ورواه جماعة من الكوفيين والبصريين والشاميين عن
عبد الله بن عمرو مطولا ومختصرا فمنهم من اقتصر على قصة الصلاة ومنهم من اقتصر على قصة
الصيام ومنهم من ساق القصة كلها ولم أره من رواية أحد من المصريين عنه مع كثرة روايتهم عنه
وسأذكر الكلام عليه في الباب الذي يليه وأنبه على ما في رواية كل منهم من فائدة زائدة سوى
ما تقدم شرحه في أبواب التهجد وسيأتى ما يتعلق بحق الضيف في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى
وهو المستعان * (قوله باب حق الجسم في الصوم) أي على المتطوع والمراد بالحق
هنا المطلوب أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا فاما الواجب فيختص بما إذا خاف التلف وليس
مرادا هنا (قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك (قوله ألم أخبر انك تصوم النهار وتقوم
الليل) زاد مسلم من رواية عكرمة بن عمار عن يحيى فقلت بلى يا نبي الله ولم أرد بذلك الا الخير وفى
الباب الذي يليه أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى أقول والله لأصومن من النهار ولأقومن
الليل ما عشت وللنسائي من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة قال قال لي عبد الله بن عمرو يا ابن
189

أخي انى قد كنت أجمعت على أن أجتهد اجتهادا شديدا حتى قلت لأصومن الدهر ولاقرأن القرآن
في كل ليلة ويأتي في فضائل القرآن من طريق مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال أنكحني أبى امرأة
ذات حسب وكان يتعاهدها فسألها عن بعلها فقالت نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا ولم يفتش
لنا كنفا منذ أتيناه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لي القنى فلقيته بعد فذكر الحديث
زاد النسائي وابن خزيمة وسعيد بن منصور من طريق أخرى عن مجاهد فوقع على أبى فقال
زوجتك امرأة فعضلتها وفعلت وفعلت وفعلت قال فلم ألتفت إلى ذلك لما كانت لي من القوة
فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال القنى به فأتيته معه ولأحمد من هذا الوجه ثم انطلق إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني وسيأتى بعد أبواب من طريق أبى المليح عن عبد الله بن عمرو قال
ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم صومي فدخل على فألقيت له وسادة ويأتي بعد باب من طريق أبى
العباس عن عبد الله بن عمرو بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أنى أسرد الصوم وأصلي الليل فاما أرسل
لي واما لقيته ويجمع بينهما بان يكون عمرو توجه بابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه من غير أن
يستوعب ما يريد من ذلك ثم أتاه إلى بيته زيادة في التأكيد (قوله فلا تفعل) زاد بعد بابين فإنك
إذا فعلت ذلك هجمت له العين الحديث وقد تقدم تفسيره في كتاب التهجد وزاد في رواية ابن
خزيمة من طريق حصين عن مجاهد ان لكل عامل شرة وهو بكسر المعجمة وتشديد الراء ولكل
شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك (قوله وان
لعينيك عليك حقا) في رواية الكشميهني لعينك بالافراد (قوله وان لزورك) بفتح الزاي وسكون
الواو أي لضيفك والزور الحدود وضع موضع الاسم كصوم
في موضع صائم ونوم في موضع نائم
ويقال للواحد والجمع والذكر والأنثى زور قال ابن التين ويحتمل ان يكون زور جمع زائر كركب
جمع راكب وتجر جمع تاجر زاد مسلم من طريق حسين المعلم عن يحيى وان لولدك عليك حقا وزاد
النسائي من طريق أبى إسماعيل عن يحيى وانه عسى ان يطول بك عمر وفيه إشارة إلى ما وقع
لعبد الله بن عمرو بعد ذلك من الكبر والضعف كما سيأتي (قوله وان بحسبك) باسكان السين
المهملة أي كافيك والباء زائدة ويأتي في الأدب من طريق حسين المعلم عن يحيى بلفظ وان من
حسبك (قوله إن تصوم من كل شهر) في رواية الكشميهني في كل شهر (قوله فاذن ذلك) هو
بتنوين اذن وهى التي يجاب بها ان وكذا لو صريحا أو تقديرا وان هنا مقدرة كأنه قال إن صمتها
فاذن ذلك صوم الدهر وروى بغير تنوين وهى للمفاجأة وفى توجيهها هنا تكلف (قوله انى أجد
قوة قال فصم صيام نبي الله داود) في هذه الرواية اختصار فان في رواية حسين المذكورة فصم من
كل جمعة ثلاثة أيام ويأتي في الباب بعده فصم يوما وأفطر يومين وفى رواية أبى المليح يكفيك من
كل شهر ثلاثة أيام قلت يا رسول الله قال خمسا قلت يا رسول الله قال سبعا قلت يا رسول الله قال
تسعا قلت يا رسول الله قال إحدى عشرة واستدل به عياض على تقديم الوتر على جميع الأمور
وفيه نظر لما في رواية مسلم من طريق أبى عياض عن عبد الله بن عمرو صم يوما يعنى من كل عشرة
أيام ولك أجر ما بقى قال انى أطيق أكثر من ذلك قال صم يومين ولك أجر ما بقى قال انى أطيق
أكثر من ذلك قال صم ثلاثة أيام ولك أجر ما بقى قال انى أطيق أكثر من ذلك قال صم أربعة أيام
ولك أجر ما بقى قال انى أطيق أكثر من ذلك قال صم صوم داود وهذا يقتضى انه امره بصيام
190

ثلاثة أيام من كل شهر ثم بستة ثم بتسعة ثم باثني عشر ثم بخمسة عشر فالظاهر أنه امره بالاقتصار
على ثلاثة أيام من كل شهر فلما قال إنه يطيق أكثر من ذلك زاده بالتدريج إلى أن وصله إلى خمسة
عشر يوما فذكر بعض الرواة عنه ما لم يذكره الآخر ويدل على ذلك رواية عطاء بن السائب عن
أبيه عن عبد الله بن عمرو عن أبي داود فلم يزل يناقصني واناقصه ووقع للنسائي في رواية محمد بن
إبراهيم عن أبي سلمة صم الاثنين والخميس من كل جمعة وهو فرد من افراد ما تقدم ذكره وقد
استشكل قوله صم من كل عشرة أيام يوما ولك أجر ما بقى مع قوله صم من كل عشرة أيام
يومين ولك أجر ما بقى الخ لأنه يقتضى الزيادة في العمل والنقص من الاجر وبذلك ترجم له النسائي
وأجيب بان المراد لك أجر ما بقى بالنسبة إلى التضعيف قال عياض قال بعضهم معنى صم يوما ولك
أجر ما بقى أي من العشرة وقوله صم يومين ولك أجر ما بقى أي من العشرين وفى الثلاثة ما بقى
من الشهر وحمله على ذلك استبعاد كثرة العمل وقلة الاجر وتعقبه عياض بان الاجر انما اتحد في
كل ذلك لأنه كان نيته ان يصوم جميع الشهر فلما منعه صلى الله عليه وسلم من ذلك ابقاء
عليه لما ذكر بقى أجر نيته على حاله سواء صام منه قليلا أو كثيرا كما تأولوه في حديث نية المؤمن
خير من عمله أي ان أجره في نيته أكثر من أجر عمله لامتداد نيته بما لا يقدر على عمله انتهى
والحديث المذكور ضعيف وهو في مسند الشهاب والتأويل المذكور لا بأس به ويحتمل أيضا
اجراء الحديث على ظاهره السبب فيه انه كلما ازداد من الصوم ازداد من المشقة الحاصلة بسببه
المقتضبة لتفويت بعض الاجر الحاصل من العبادات التي قد يفوتها مشقة الصوم فينقص
الاجر باعتبار ذلك على أن قوله في نفس الخبر صم أربعة أيام ولك أجر ما بقى يرد الحمل الأول فإنه
يلزم منه على سياق التأويل المذكور أن يكون التقدير ولك أجر أربعين وقد قيده في نفس
الحديث بالشهر والشهر لا يكون أربعين وكذلك قوله في رواية أخرى للنسائي من طريق ابن أبي
ربيعة عن عبد الله بن عمرو بلفظ صم من كل عشرة أيام يوما ولك أجر تلك التسعة ثم قال فيه
من كل تسعة أيام يوما ولك أجر تلك الثمانية ثم قال من كل ثمانية أيام يوما ولك أجر السبعة قال
فلم يزل حتى قال صم يوما وأفطر يوما وله من طريق شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو عن جده
بلفظ صم يوما ولك أجر عشرة قلت زدني قال صم يومين ولك أجر تسعة قلت زدني قال صم ثلاثة
ولك أجر ثمانية فهذا يدفع في صدر ذلك التأويل الأول والله أعلم (قوله ولا تزد عليه) أي على
صوم داود زاد أحمد وغيره من رواية مجاهد قلت قد قبلت (قوله وكان عبد الله بن عمرو) يقول
بعد ما كبر يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال النووي معناه انه كبر وعجز
عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق عليه فعله
لعجزه ولم يعجبه أن يتركه لالتزامه له فتمنى ان لو قبل الرخصة فاخذ بالأخف قلت ومع عجزه وتمنيه
الاخذ بالرخصة لم يترك العمل بما التزمه بل صار يتعاطى فيه نوع تخفيف كما في رواية حصين
المذكورة وكان عبد الله حين ضعف وكبر يصوم تلك الأيام كذلك يصل بعضها إلى بعض ثم يفطر
بعدد تلك الأيام فيقوى بذلك وكان يقول لان أكون قبلت الرخصة أحب إلى مما عدل به
لكنني فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره (قوله باب صوم الدهر) أي هل
يشرع أو لا قال الزين بن المنير لم ينص على الحكم لتعارض الأدلة واحتمال أن يكون عبد الله
191

ابن عمرو خص بالمنع لما اطلع النبي صلى الله عليه وسلم عليه من مستقبل حاله فيلتحق به من في
معناه ممن يتضرر بسرد الصوم ويبقى غيره على حكم الجواز لعموم الترغيب في مطلق الصوم
كما سيأتي في الجهاد من حديث أبي سعيد مرفوعا من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه
عن النار (قوله فإنك لا تستطيع ذلك) يحتمل أن يريد به الحالة الراهنة لما علمه النبي صلى الله
عليه وسلم من أنه يتكلف ذلك ويدخل به على نفسه المشقة ويفوت به ما هو أهم من ذلك
ويحتمل ان يريد به ما سيأتي بعد إذا كبر وعجز كما اتفق له سواء وكره أن يوظف على نفسه شيئا من
العبادة ثم يعجز عنه فيتركه لما تقرر من ذم من فعل ذلك (قوله وصم من الشهر ثلاثة أيام) بعد
قوله فصم وأفطر بيان لما أجمل من ذلك وتقرير له على ظاهره إذ الاطلاق يقتضى المساواة
(قوله مثل صيام الدهر) يقتضى ان المثلية لا تستلزم التساوي من كل جهة لان المراد به هنا
أصل التضعيف دون التضعيف الحاصل من الفعل ولكن يصدق على فاعل ذلك أنه صام الدهر
مجازا (قوله بعد ذكر صيام داود لا أفضل من ذلك) ليس فيه نفى المساواة صريحا لكن قوله
في الرواية الماضية في قيام الليل من طريق عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو أحب الصيام
إلى الله صيام داود يقتضى ثبوت الأفضلية مطلقا ورواه الترمذي من وجه آخر عن أبي العباس
عن عبد الله بن عمرو بلفظ أفضل الصيام صيام داود وكذلك رواه مسلم من طريق أبى عياض
عن عبد الله ومقتضاه أن تكون الزيادة على ذلك من الصوم مفضولة وسأذكر بسط ذلك
في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى * (قوله باب حق الأهل في الصوم رواه
أبو جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعنى حديث أبي جحيفة في قصة سلمان وأبى الدرداء التي
تقدمت قبل خمسة أبواب وفيها قول سلمان لأبي الدرداء وان لأهلك عليك حقا وأقره النبي صلى
الله عليه وسلم على ذلك وقد تقدم الكلام عليه قبل (قوله حدثنا عمرو بن علي) هو الفلاس
وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل وهو من شيوخ البخاري الذين أكثر عنهم وربما روى
عنه بواسطة ما فاته منه كما في هذا الموضع وكأنه اختار النزول من طريقه هذه لوقوع
التصريح فيها بسماع ابن جريج له من عطاء وهو ابن أبي رباح وأبو العباس يأتي القول فيه بعد
باب (قوله بلغ النبي صلى الله عليه وسلم انى اسرد الصوم) سبقت تسمية الذي بلغ النبي صلى الله
عليه وسلم ذلك وانه عمرو بن العاص والد عبد الله (قوله وتصلى) في رواية مسلم من وجه آخر عن
ابن جريج وتصلى الليل فلا تفعل (قوله فان لعينيك) في رواية السرخسي والكشميهني لعينك
بالافراد (قوله عليك حظا) كذا فيه في الموضعين بالظاء المعجمة وكذا لمسلم وعند الإسماعيلي حقا
بالقاف وعنده وعند مسلم من الزيادة وصم من كل عشرة أيام يوما ولك أجر التسعة (قوله انى
لأقوى لذلك) أي لسرد الصيام دائما وفى رواية مسلم انى أجدني أقوى من ذلك يا نبي الله (قوله
قال وكيف) في رواية مسلم وكيف كان داود يصوم يا نبي الله (قوله ولا يفر إذا لاقي) زاد
النسائي من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة وإذا وعد لم يخلف ولم أرها من غير هذا الوجه ولها
مناسبة بالمقام وإشارة إلى أن سبب النهى خشية ان يعجز عن الذي يلزمه فيكون كمن وعد فاخلف
كما أن في قوله ولا يفر إذا لاقي إشارة إلى حكمة صوم يوم وافطار يوم قال الخطابي محصل قصة
عبد الله بن عمرو أن الله تعالى لم يتعبد عبده بالصوم خاصة بل تعبده بأنواع من العبادات فلو
192

استفرغ جهده لقصر في غيره فالأولى الاقتصاد فيه ليستبقى بعض القوة لغيره وقد أشير إلى ذلك
بقوله عليه الصلاة والسلام في داود عليه السلام وكان لا يفر إذا لاقي لأنه كان يتقوى بالفطر
لأجل الجهاد (قوله قال عطاء) أي بالاسناد المذكور (قوله لا أدرى كيف ذكر صيام الأبد
الخ) أي ان عطاء لم يحفظ كيف جاء ذكر صيام الأبد في هذه القصة الا انه حفظ ان فيها أنه صلى الله
عليه وسلم قال لا صام من صام الأبد وقد روى أحمد والنسائي هذه الجملة وحدها من طريق عطاء
وسيأتى بعد باب بلفظ لا صام من صام الدهر (قوله لا صام من صام الأبد مرتين) في رواية مسلم
قال عطاء فلا أدرى كيف ذكر صيام الأبد فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا صام من صام الأبد
لا صام من صام الأبد واستدل بهذا على كراهية صوم الدهر قال ابن التين استدل على كراهته
من هذه القصة من أوجه نهيه صلى الله عليه وسلم عن الزيادة وأمره بان يصوم ويفطر وقوله
لا أفضل من ذلك ودعاؤه على من صام الأبد وقيل معنى قوله لا صام النفي أي ما صام كقوله تعالى
فلا صدق ولا صلى وقوله في حديث أبي قتادة عند مسلم وقد سئل عن صوم الدهر لا صام ولا أفطر
أو ما صام وما أفطر وفى رواية الترمذي لم يصم ولم يفطر وهو شك من أحد رواته ومقتضاه أنهما
بمعنى واحد والمعنى بالنفي أنه لم يحصل أجر الصوم لمخالفته ولم يفطر لأنه أمسك والى كراهة صوم
الدهر مطلقا ذهب اسحق وأهل الظاهر وهى رواية عن أحمد وشذ ابن حزم فقال يحرم وروى ابن أبي
شيبة باسناد صحيح عن ابن عمرو الشيباني قال بلغ عمر أن رجلا يصوم الدهر فاتاه فعلاه بالدرة
وجعل يقول كل يا دهري ومن طريق أبى اسحق ان عبد الرحمن بن أبي نعيم كان يصوم الدهر
فقال عمرو بن ميمون لو رأى هذا أصحاب محمد لرجموه واحتجوا أيضا بحديث أبى موسى رفعه من
صام الدهر ضيقت عليه جهنم وعقد بيده أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وظاهره
انها تضيق عليه حصرا له فيها لتشديده على نفسه وحمله عليها ورغبه عن سنة نبيه صلى الله عليه
وسلم واعتقاده ان غير سنته أفضل منها وهذا يقتضى الوعيد الشديد فيكون حراما والى الكراهة
مطلقا ذهب ابن العربي من المالكية فقال قوله لا صام من صام الأبد إن كان معناه الدعاء
فيا ويح من أصابه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه الخبر فيا ويح من أخبر عنه النبي
صلى الله عليه وسلم انه لم يصم وإذا لم يصم شرعا لم يكتب له الثواب لوجوب صدق قوله صلى الله
عليه وسلم لأنه نفى عنه الصوم وقد نفى عنه الفضل كما تقدم فكيف يطلب الفضل فما نفاه النبي
صلى الله عليه وسلم وذهب آخرون إلى جواز صيام الدهر وحملوا أخبار النهى على من صامه
حقيقة فإنه يدخل فيه ما حرم صومه كالعيدين وهذا اختيار ابن المنذر وطائفة وروى عن عائشة
نحوه وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم قد قال جوابا لمن سأله عن صوم الدهر لا صام ولا أفطر وهو
يؤذن بأنه ما أجر ولا أثم ومن صام الأيام المحرمة لا يقال فيه ذلك لأنه عند من أجاز صوم الدهر
الا الأيام المحرمة يكون قد فعل مستحبا وحراما وأيضا فان أيام التحريم مستثناة بالشرع غير قابلة
للصوم شرعا فهي بمنزلة الليل وأيام الحيض فلم تدخل في السؤال عند من علم تحريمها ولا يصلح
الجواب بقوله لا صام ولا أفطر لمن لم يعلم تحريمها وذهب آخرون إلى استحباب صيام الدهر لمن
قوى عليه ولم يفوت فيه حقا والى ذلك ذهب الجمهور قال السبكي أطلق أصحابنا كراهة صوم
الدهر لمن فوت حقا ولم يوضحوا هل المراد الحق الواجب أو المندوب ويتجه أن يقال إن علم أنه
193

يفوت حقا واجبا حرم وان علم أنه يفوت حقا مندوبا أولى من الصيام كره وإن كان يقوم مقامه
فلا والى ذلك أشار ابن خزيمة فترجم ذكر العلة التي بها زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم
الدهر وساق الحديث الذي فيه إذا فعلت ذلك هجمت عينك ونفهت نفسك ومن حجتهم حديث
حمزة بن عمرو الذي مضى فان في بعض طرقه عند مسلم أنه قال يا رسول الله انى أسرد الصوم فحملوا
قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو لا أفضل من ذلك أي في حقك فيلتحق به من في معناه
ممن يدخل فيه على نفسه مشقة أو يفوت حقا ولذلك لم ينه حمزة بن عمرو عن السرد فلو كان السرد
ممتنعا لبينه له لان تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز قاله النووي وتعقب بأن سؤال حمزة
انما كان عن الصوم في السفر لا عن صوم الدهر ولا يلزم من سرد الصيام صوم الدهر فقد قال
أسامة بن زيد ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرد الصوم فيقال لا يفطر أخرجه أحمد ومن
المعلوم ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم الدهر فلا يلزم من ذكر السرد صيام الدهر
وأجابوا عن حديث أبي موسى المقدم ذكره بأن معناه ضيقت عليه فلا يدخلها فعلى هذا تكون
على بمعنى عن أي ضيقت عنه وهذا التأويل حكاه الأثرم عن مسدد وحكى رده عن أحمد وقال
ابن خزيمة سألت المزنى عن هذا الحديث فقال يشبه أن يكون معناه ضيقت عنه فلا يدخلها ولا
يشبه أن يكون على ظاهره لان من ازداد لله وأشار وطاعة ازداد عند الله رفعة وعلته كرامة ورجح
هذا التأويل جماعة منهم الغزالي فقالوا له مناسبة من جهة ان الصائم لما ضيق على نفسه مسالك
الشهوات بالصوم ضيق الله عليه النار فلا يبقى له فيها مكان لأنه ضيق طرقها بالعبادة وتعقب بأنه
ليس كل عمل صالح إذا ازداد العبد منه ازداد من الله تقربا بل رب عمل صالح إذا ازداد منه ازداد
بعدا كالصلاة في الأوقات المكروهة والأولى اجراء الحديث على ظاهره وحمله على من فوت حقا
واجبا بذلك فإنه يتوجه إليه الوعيد ولا يخالف القاعدة التي أشار إليها المزنى ومن حجتهم أيضا
قوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق حديث الباب كما تقدم في الطريقين الماضيين فان الحسنة
بعشرة أمثالها وذلك مثل صيام الدهر وقوله فيما رواه مسلم من صام رمضان وأتبعه ستا من
شوال فكأنما صام الدهر قالوا فدل ذلك على أن صوم الدهر أفضل مما العطار به وانه أمر مطلوب
وتعقب بأن التشبيه في الامر المقدر لا يقتضى جوازه فضلا عن استحبابه وانما المراد حصول
الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوما ومن المعلوم ان المكلف لا يجوز له صيام
جميع السنة فلا يدل التشبيه على أفضلية المشبه به من كل وجه واختلف المجيزون لصوم الدهر
بالشرط المتقدم هل هو أفضل أو صيام يوم وافطار يوم أفضل فصرح جماعة من العلماء بأن صوم
الدهر أفضل لأنه أكثر عملا فيكون أكثر أجرا وما كان أكثر أجرا كان أكثر ثوابا وبذلك جزم
الغزالي أولا وقيده بشرط أن لا يصوم الأيام المنهى عنها وان لا يرغب عن السنة بأن يجعل الصوم
حجرا على نفسه فإذا أمن من ذلك فالصوم من أفضل الأعمال فالاستكثار منه زيادة في الفضل
وتعقبه ابن دقيق العيد بأن الأعمال متعارضة المصالح والمفاسد ومقدار كل منها في الحث
والمنع غير متحقق فزيادة الاجر بزيادة العمل في شئ يعارضه اقتضاء العادة التقصير في حقوق
أخرى يعارضها العمل المذكور ومقدار الفائت من ذلك مع مقدار الحاصل غير متحقق فالأولى
التفويض إلى حكم الشارع ولما دل عليه ظاهر قوله لا أفضل من ذلك وقوله إنه أحب الصيام
194

إلى الله تعالى وذهب جماعة منهم المتولى من الشافعية إلى أن صيام داود أفضل وهو ظاهر
الحديث بل صريحه ويترجح من حيث المعنى أيضا بأن صيام الدهر قد يفوت بعض الحقوق كما
تقدم وبأن من اعتاده فإنه لا يكاد يشق عليه بل تضعف شهوته عن الاكل وتقل حاجته إلى
الطعام والشراب نهارا ويألف تناوله في الليل بحيث يتجدد له طبع زائد بخلاف من يصوم يوما
ويفطر يوما فإنه ينتقل من فطر إلى صوم ومن صوم إلى فطر وقد نقل الترمذي عن بعض أهل
العلم انه أشق الصيام ويأمن من ذلك غالبا من تفويت الحقوق كما تقدمت الإشارة إليه فيما تقدم
قريبا في حق داود عليه السلام ولا يفر إذا لاقي لان من أسباب الفرار ضعف الجسد ولا شك ان
سرد الصوم ينهكه وعلى ذلك يحمل قول ابن مسعود فيما رواه سعيد بن منصور باسناد صحيح
عنه أنه قيل له انك لتقل الصيام فقال انى أخاف أن يضعفني عن القراءة والقراءة أحب إلى من
الصيام نعم ان فرض ان شخصا لا يفوته شئ من الأعمال الصالحة بالصيام أصلا ولا يفوت حقا من
الحقوق التي خوطب بها لم يبعد أن يكون في حقه أرجح والى ذلك أشار ابن خزيمة فترجم الدليل
على أن صيام داود انما كان أعدل الصيام وأحبه إلى الله لان فاعله يؤدى حق نفسه وأهله
وزائره أيام فطره بخلاف من يتابع الصوم وهذا يشعر بأن من لا يتضرر في نفسه ولا يفوت حقا
أن يكون أرجح وعلى هذا فيختلف ذلك باختلاف الاشخاص والأحوال فمن يقتضى حاله
الاكثار من الصوم أكثر منه ومن يقتضى حاله الاكثار من الافطار أكثر منه ومن يقتضى حاله
المزج فعله حتى أن الشخص الواحد قد تختلف عليه الأحوال في ذلك والى ذلك أشار الغزالي
أخيرا والله أعلم بالصواب * (قوله باب صوم يوم وافطار يوم) ذكر فيه حديث عبد الله
ابن عمرو من طريق شعبة عن مغيرة عن مجاهد عنه مختصرا وقد أخرجه في فضائل القرآن من
طريق أبى عوانة عن مغيرة مطولا وسيأتى الكلام عليه فيما يتعلق بقراءة القرآن هناك وقد
تقدم الكلام على فوائد الزيادة المتعلقة بالصيام قريبا * (قوله باب صوم داود عليه
السلام) أورد فيه حديث عبد الله بن عمرو من وجهين وقد قدمت محصل فوائدهما المتعلقة
بالصيام قال الزين بن المنير أفرد ترجمة صوم يوم وافطار يوم بالذكر للتنبيه على أفضليته وأفرد
صيام داود عليه السلام بالذكر للإشارة إلى الاقتداء به في ذلك (قوله في الطريق الأولى وكان
شاعرا وكان لا يتهم في حديثه) فيه إشارة إلى أن الشاعر بصدد أن يتهم في حديثه لما تقتضيه
صناعته من سلوك المبالغة في الطراء وغيره فأخبر الراوي عنه أنه مع كونه شاعرا كان غير متهم
في حديثه وقوله في حديثه يحتمل مرويه من الحديث النبوي ويحتمل فيما هو أعم من ذلك
والثاني أليق والا لكان مرغوبا عنه والواقع انه حجة عند كل من أخرج الصحيح وأفصح
بتوثيقه احمد وابن معين وآخرون وليس له مع ذلك في البخاري سوى هذا الحديث وحديثين
أحدهما في الجهاد والآخر في المغازي وأعادهما معا في الأدب وقد تقدم حديث الباب في
التهجد من وجه آخر (قوله ونفهت) بكسر الفاء أي تعبت وكلت ووقع في رواية النسفي نثهت
بالمثلثة بدل الفاء وقد استغربها ابن التين فقال لا اعرف معناها (قلت) وكأنها أبدلت من الفاء
فإنها تبدل منها كثيرا وفى رواية الكشميهني بدلها ونهكت أي هزلت وضعفت (قوله صوم ثلاثة
أيام) أي من كل شهر (صوم الدهر كله) أي بالتضعيف كما تقدم صريح (قوله في الطريق
195

الثانية أخبرني أبو المليح) هو عامر وقيل زيد وقيل زياد بن أسامة بن عمير الهذلي لأبيه صحبة وليس
لأبي المليح في البخاري سوى هذا الحديث واعاده في الاستئذان وآخر تقدم في المواقيت في
موضعين من روايته عن بريدة (قوله دخلت مع أبيك) وقع في الاستئذان مع أبيك زيد وهو والد
أبى قلابة عبد الله بن زيد بن عمرو وقيل عامر الجرمي (قوله فاما أرسل إلى واما لقيته) شك من
بعض رواته وغلط من قال إنه شك من عبد الله بن عمرو لما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم قصده
إلى بيته فدل على أن لقاءه إياه كان عن قصد منه إليه (قوله فجلس على الأرض وصارت الوسادة
بيني وبينه) فيه بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع وترك الاستئثار على
جليسه وفى كون الوسادة من أدم حشوها ليف بيان ما كان عليه الصحابة في غالب أحوالهم في
عهده صلى الله عليه وسلم من الضيق إذ لو كان عنده أشرف منها لأكرم بها نبيه صلى الله عليه وسلم
(قوله خمسا) في رواية الكشميهني خمسة وكذا في البواقي فمن قال خمسة أراد الأيام ومن قال خمسا
أراد الليالي وفيه تجوز (قوله قال إحدى عشرة) زاد في رواية عمرو بن عون قلت يا رسول الله
(قوله شطر الدهر) بالرفع على القطع ويجوز النصب على اضمار فعل والجر على البدل من صوم
داود (قوله صم يوما وأفطر يوما) في رواية عمرو بن عون صيام يوم وافطار يوم ويجوز فيه
الحركات أيضا وفى قصة عبد الله بن عمرو هذه من الفوائد غير ما تقدم هنا وفى أبواب التهجد بيان
رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليهم وارشاده إياهم إلى ما يصلحهم وحثه إياهم
على ما يطيقون الدوام عليه ونهيهم عن التعمق في العبادة لما يخشى من افضائه إلى الملل المفضى
إلى الترك أو ترك البعض وقد ذم الله تعالى قوما لازموا العبادة ثم فرطوا فيها وفيه الندب إلى
الدوام على ما وظفه الانسان على نفسه من العبادة وفيه جواز الاخبار عن الأعمال الصالحة
والأوراد ومحاسن الأعمال ولا يخفى ان محل ذلك عند أمن الرياء وفيه جواز القسم على التزام
العبادة وفائدته الاستعانة باليمين على النشاط لها وان ذلك لا يخل بصحة النية والاخلاص فيها وان
اليمين على ذلك لا يلحقها بالنذر الذي يجب الوفاء به وفيه جواز الحلف من غير استحلاف وان
النفل المطلق لا ينبغي تحديده بل يختلف الحال باختلاف الاشخاص والأوقات والأحوال وفيه
جواز التفدية بالأب والام وفيه الإشارة إلى الاقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أنواع
العبادات وفيه ان طاعة الوالد لا تجب في ترك العبادة ولهذا احتاج عمرو إلى شكوى ولده
عبد الله ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ترك طاعته لأبيه وفيه زيارة الفاضل للمفضول
في بيته واكرام الضيف بالقاء الفرش ونحوها تحته وتواضع الزائر بجلوسه دون ما يفرش له وان
لا حرج عليه في ذلك إذا كان على سبيل التواضع والاكرام للمزور * (قوله باب صيام
البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) كذا للأكثر وللكشميهني صيام أيام البيض
ثلاث عشرة الخ قيل المراد بالبيض الليالي وهى التي يكون فيها القمر من أول الليل إلى آخره حتى
قال الجواليقي من قال الأيام البيض فجعل البيض صفة الأيام فقد أخطأ وفيه نطر لان اليوم
الكامل هو النهار بليلته وليس في الشهر يوم أبيض كله الا هذه الأيام لان ليلها أبيض ونهارها أبيض فصح قول الأيام البيض على الوصف وحكى ابن بزيزة في تسميتها بيضا أقوالا أخر مستندة
إلى أقوال واهية قال الإسماعيلي وابن بطال وغيرهما ليس في الحديث الذي أورده البخاري في
هذا الباب ما يطابق الترجمة لان الحديث مطلق في ثلاثة أيام من كل شهر والبيض مقيدة بما ذكر
196

وأجيب بأن البخاري جرى على عادته في الايماء إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وهو ما رواه
أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة قال جاء اعرابى إلى النبي
صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها فأمرهم أن يأكلوا وأمسك الاعرابى فقال ما منعك أن
تأكل فقال انى أصوم ثلاثة أيام من كل شهر قال إن كنت صائما فصم الغر أي البيض وهذا
الحديث اختلف فيه على موسى بن طلحة اختلافا كثيرا بينه الدارقطني وفى بعض طرقه عند
النسائي ان كنت صائما فصم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وجاء تقييدها
أيضا في حديث قتادة بن ملحان ويقال ابن منهال عند أصحاب السنن بلفظ كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وقال هي
كهيئة الدهر وللنسائي من حديث جرير مرفوعا صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر أيام
البيض صبيحة ثلاث عشرة الحديث واسناده صحيح وكأن البخاري أشار بالترجمة إلى أن وصية
أبي هريرة بذلك لا تختص به وأماما رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة من حديث ابن مسعود
ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر وما روى أبو داود والنسائي
من حديث حفصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام الاثنين
والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى فقد جمع بينهما وما قبلهما البيهقي بما أخرجه مسلم من
حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ما يبالي من
أي الشهر صام قال فكل من رآه فعل نوعا ذكره وعائشة رأت جميع ذلك وغيره فأطلقت والذي
يظهر أن الذي أمر به وحث عليه ووصى به أولى من غيره وأما هو فلعله كان يعرض له ما يشغله عن
مراعاة ذلك أو كان يفعل ذلك لبيان الجواز وكل ذلك في حقه أفضل وتترجح البيض بكونها
وسط الشهر ووسط الشئ أعدله ولان الكسوف غالبا يقع فيها وقد ورد الامر بمزيد العبادة إذا
وقع فإذا اتفق الكسوف صادف الذي يعتاد صيام البيض صائما فيتهيأ له أن يجمع بين أنواع
العبادات من الصيام والصلاة والصدقة بخلاف من لم يصمها فإنه لا يتأتى له استدراك صيامها
ولا عند من يجوز صيام التطوع بغير نية من الليل الا ان صادف الكسوف من أول النهار ورجح
بعضهم صيام الثلاثة في أول الشهر لان المرء لا يدرى ما يعرض له من الموانع وقال بعضهم يصوم
من أول كل عشرة أيام يوما وله وجه في النظر ونقل ذلك عن أبي الدرداء وهو يوافق ما تقدم في
رواية النسائي في حديث عبد الله بن عمرو صم من كل عشرة أيام يوما وروى الترمذي من طريق
خيثمة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم من الشهر السبت والاحد والاثنين ومن
الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس وروى موقوفا وهو أشبه وكان الغرض به ان يستوعب
غالب أيام الأسبوع بالصيام واختار إبراهيم النخعي ان يصومها آخر الشهر ليكون كفارة لما
مضى وسيأتى ما يؤيده في الكلام على حديث عمران بن حصين في الامر بصيام سرار الشهر
وقال الروياني صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب فان اتفقت أيام البيض كان أحب وفى
كلام غير واحد من العلماء أيضا ان استحباب صيام البيض غير استحباب صيام ثلاثة أيام من
كل شهر (قوله حدثنا أبو معمر) هو عبد الله بن عمرو والاسناد كله بصريون وأبو عثمان
هو النهدي وقد روى عن أبي هريرة جماعة كل منهم أبو عثمان لكن لم يقع في البخاري حديث
197

موصول من رواية أبى عثمان عن أبي هريرة الا من رواية النهدي وليس له عند البخاري سوى
هذا وآخر في الأطعمة ووقع عند مسلم عن شيبان عن عبد الوارث بهذا الاسناد فقال حدثني
أبو عثمان النهدي وتقدم هذا الحديث في أبواب التطوع من طريق أخرى عن أبي عثمان
النهدي وقد تقدم الكلام هناك على بقية فوائده ومما لم يتقدم منها ما نبه عليه أبو محمد بن أبي
جمرة في قول أبي هريرة أوصاني خليلي قال في افراده بهذه الوصية إشارة إلى أن القدر الموصى به
هو اللائق بحاله وفى قوله خليلي إشارة إلى موافقته له في ايثار الاشتغال بالعبادة على الاشتغال
بالدنيا لان أبا هريرة صبر على الجوع في ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في أوائل
البيوع من حديثه حيث قال أما اخوانى فكان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول
الله صلى الله عليه وسلم فشابه حال النبي صلى الله عليه وسلم في ايثاره الفقر على الغنى والعبودية
على الملك قال ويؤخذ منه الافتخار بصحبة الأكابر إذا كان ذلك على معنى التحدث بالنعمة
والشكر لله لا على وجه المباهاة والله أعلم وقال شيخنا في شرح الترمذي حاصل الخلاف
في تعيين البيض تسعة أقوال أحدها لا تتعين بل يكره تعيينها وهذا عن مالك والثاني أول
ثلاثة من الشهر قاله الحسن البصري الثالث أولها الثاني عشر الرابع أولها الثالث عشر
الخامس أولها أول سبت من أول الشهر ثم من أول الثلاثاء من الشهر الذي يليه وهكذا وهو
عن عائشة السادس أول خميس ثم اثنين ثم خميس السابع أول اثنين ثم خميس ثم اثنين
الثامن أول يوم والعاشر والعشرون عن أبي الدرداء التاسع أول كل عشر عن ابن شعبان
المالكي (قلت) بقى قول آخر وهو آخر ثلاثة من الشهر عن النخعي فتمت عشرة * (قوله
باب من زار قوما فلم يفطر عندهم) أي في التطوع هذه الترجمة تقابل الترجمة الماضية
وهى من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع وموقعها أن لا يظن أن فطر المرء من صيام التطوع
لتطييب خاطر أخيه حتم عليه بل المرجع في ذلك إلى من علم من حاله من كل منهما انه يشق عليه
الصيام فمتى عرف ان ذلك لا يشق عليه كان الأولى ان يستمر على صومه (قوله حدثني خالد هو ابن
الحرث) كذا في الأصل وبيان اسم أبيه من المصنف كأن شيخه قال حدثنا خالد فقط فأراد
بالبيان رفع الابهام لاشتراك من يسمى خالدا في الرواية عن حميد ممن يمكن محمد بن المثنى ان يروى
عنه ولم يطرد للمصنف هذا فإنه كثيرا ما يقع له ولمشايخه مثل هذا الابهام ولا يعتنى ببيانه ورجال
اسناد هذا الحديث كلهم بصريون (قوله دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم) هي والدة
أنس المذكور ووقع لأحمد من طريق حماد عن ثابت عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم
دخل على أم حرام وهى خالة أنس لكن في بقبة الحديث ما يدل على أنهما معا كانتا مجتمعتين
(قوله فأتته بتمر وسمن) أي على سبيل الضيافة وفى قوله أعيدوا سمنكم في سقائه ما يشعر
بأنه كان ذائبا وليس بلازم (قوله ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة) في رواية أحمد
عن ابن أبي عدى عن حميد فصلى ركعتين وصلينا معه وكان هذه القصة غير القصة الماضية في
أبواب الصلاة التي صلى فيها على الحصير وأقام أنسا خلفه وأم سليم من ورائه لكن وقع عند أحمد
في رواية ثابت المذكورة وهو لمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت نحوه ثم صلى ركعتين
تطوعا فأقام أم حرام وأم سليم خلفنا وأقامني عن يمينه ويحتمل التعدد لان القصة الماضية لا ذكر
198

فيها لأم حرام ويدل على التعدد أيضا انه هنا لم يأكل وهناك أكل (قوله إن لي خويصة)
بتشديد الصاد وبتخفيفها وتصغير خاصة وهو مما اغتفر فيه التقاء الساكنين وقوله خادمك
أنس هو عطف بيان أو بدل والخبر محذوف تقديره أطلب منك الدعاء له ووقع في رواية ثابت
المذكورة عند أحمد ان لي خويصة خويدمك أنس ادع الله له (قوله خير آخرة) أي
خيرا من خيرات الآخرة (قوله الا دعا لي به اللهم ارزقه مالا) كذا في الأصل وعند أحمد من
رواية عبيدة بن حميد عن حميد الا دعا لي به وكان من قوله اللهم إلى آخره (قوله وبارك له) وفى
رواية الكشميهني وبارك له فيه وقوله فيه بالافراد نظرا إلى اللفظ ولأحمد فيهم نظرا إلى المعنى
ويأتي في الدعوات من طريق قتادة عن أنس وبارك له فيما أعطيته وفى رواية ثابت عند مسلم
فدعا لي بكل خير وكان آخر ما دعا لي ان قال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه ولم يقع في هذه
الرواية التصريح بما دعا له من خير الآخرة لان المال والولد من خير الدنيا وكأن بعض الرواة
اختصره ووقع لمسلم في رواية الجعد عن أنس فدعا لي بثلاث دعوات قد رأيت منها اثنتين في الدنيا
وأنا أرجو الثالثة في الآخرة ولم يبينها وهى المغفرة كما بينها سنان بن ربيعة بزيادة وذلك فيما رواه
ابن سعد باسناد صحيح عنه عن أنس قال اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه (قوله فانى
لمن أكثر الأنصار مالا) زاد أحمد في رواية ابن أبي عدى وذكر أنه لا يملك ذهبا ولا فضة غير خاتمه
يعنى ان ماله كان من غير النقدين وفى رواية ثابت عند أحمد قال أنس وما أصبح رجل من الأنصار
أكثر منى مالا قال يا ثابت وما أملك صفراء ولا بيضاء الا خاتمي وللترمذي من طريق أبى خلدة قال
أبو العالية كان لأنس بستان يحمل في السنة مرتين وكان فيه ريحان يجئ منه ريح المسك
ولابى نعيم في الحلية من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس قال وان أرضى لتثمر في السنة مرتين
وما في البلد شئ يثمر مرتين غيرها (قوله وحدثتني ابنتي أمينة) بالنون تصغير آمنة (أنه دفن
لصلبي أي من ولده دون أسباطه وأحفاده (قوله مقدم الحجاج البصرة) بالنصب على نزع
الخافض أي من أول ما مات لي من الأولاد إلى أن قدمها الحجاج ووقع ذلك صريحا في رواية ابن أبي
عدى المذكورة ولفظه وذكر أن ابنته الكبرى أمينة أخبرته انه دفن لصلبه إلى مقدم الحجاج
وكان قدوم الحجاج البصرة سنة خمس وسبعين وعمر أنس حينئذ نيف وثمانون سنة وقد عاش أنس
بعد ذلك إلى سنة ثلاث ويقال اثنتين ويقال إحدى وتسعين وقد قارب المائة (قوله بضع
وعشرون ومائة) في رواية ابن أبي عدى نيف على عشرين ومائة وفى رواية الأنصاري عن حميد
عند البيهقي في الدلائل تسع وعشرون ومائة وهو عند الخطيب في رواية الآباء عن الأبناء من هذا
الوجه بلفظ ثلاث وعشرون ومائة وفى رواية حفصة بنت سيرين ولقد دفنت من صلبي سوى ولد
ولدى خمسة وعشرين ومائة وفى الحلية أيضا من طريق عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال دفنت
مائة لا سقطا ولا ولد ولد ولعل هذا الاختلاف سبب العدول إلى البضع والنيف وفى ذكر هذا
دلالة على كثرة ما جاءه من الولد فان هذا القدر هو الذي مات منهم وأما الذين بقوا ففي رواية اسحق
ابن أبي طلحة عن أنس عند مسلم وان ولدى وولد ولدى ليتعادون على نحو المائة وفى هذا الحديث
من الفوائد غير ما تقدم جواز التصغير على معنى التلطف لا التحقير وتحفة الزائر بما حضر بغير
تكلف وجواز رد الهدية إذا لم يشق ذلك على المهدى وان أخذ من رد عليه ذلك له ليس من العود
199

في الهبة وفيه حفظ الطعام وترك التفريط فيه وجبر خاطر المزور إذا لم يؤكل عنده بالدعاء له
ومشروعية الدعاء عقب الصلاة وتقديم الصلاة امام طلب الحاجة والدعاء بخير الدنيا والآخرة
والدعاء بكثرة المال والولد وان ذلك لا ينافي الخير الأخروي وان فضل التقلل من الدنيا يختلف
باختلاف الاشخاص وفيه زيارة الامام بعض رعيته ودخول بيت الرجل في غيبته لأنه لم يقل في
طرق هذه القصة ان أبا طلحة كان حاضرا وفيه ايثار الولد على النفس وحسن التلطف في السؤال
وان كثرة الموت في الأولاد لا ينافي إجابة الدعاء بطلب كثرتهم ولا طلب البركة فيهم لما يحصل من
المصيبة بموتهم والصبر على ذلك من الثواب وفيه التحدث بنعم الله تعالى وبمعجزات النبي صلى الله
عليه وسلم لما في إجابة دعوته من الامر النادر وهو اجتماع كثرة المال مع كثرة الولد وكون بستان
المدعو له صار يثمر مرتين في السنة دون غيره وفيه التاريخ بالامر الشهير ولا يتوقف ذلك على
صلاح المؤرخ به وفيه جواز ذكر البضع فيما زاد على عقد العشر خلافا لمن قصره على ما قبل
العشرين (قوله قال ابن أبي مريم) هو سعيد وفائدة ذكر هذه الطريق بيان سماع حميد لهذا
الحديث من أنس لما اشتهر من أن حميدا كان ربما دلس عن أنس ووقع في رواية كريمة
والأصيلي في هذا الموضع حدثنا ابن أبي مريم فيكون موصولا * (قوله باب الصوم
من آخر الشهر) قال الزين بن المنير أطلق الشهر وإن كان الذي يتحرر من الحديث ان المراد به
شهر مقيد وهو شعبان إشارة منه إلى أن ذلك لا يختص بشعبان بل يؤخذ من الحديث الندب
إلى صيام أواخر كل شهر ليكون عادة للمكلف فلا يعارضه النهى عن تقدم رمضان بيوم
أو يومين لقوله فيه الا رجل كان يصوم صوما فليصمه (قوله حدثنا الصلت بن محمد) بفتح الصاد
المهملة وسكون اللام بعدها مثناة بصرى مشهور وأضاف إليه رواية أبى النعمان وهو عارم
لما وقع فيها من تصريح مهدى بالتحديث من غيلان والاسناد كله بصريون (قوله عن مطرف)
هو ابن عبد الله بن الشخير (قوله إنه سأله أو سأل رجل وعمران يسمع) هذا شك من مطرف فان
ثابتا رواه عنه بنحوه على الشك أيضا أخرجه مسلم وأخرجه من وجهين آخرين عن مطرف بدون
شك على الابهام أنه قال لرجل زاد أبو عوانة في مستخرجه من أصحابه ورواه أحمد من طريق
سليمان التيمي به قال لعمران بغير شك (قوله يا فلان) كذا للأكثر وفى نسخة من رواية أبي ذر
يا أبا فلان بأداة الكنية (قوله أما صمت سرر) هذا الشهر في رواية مسلم عن شيبان عن مهدى
سره بضم المهملة وتشديد الراء بعدها هاء قال النووي تبعا لابن قرقول كذا هو في جميع النسخ
انتهى والذي رأيته في رواية أبى بكر بن ياسر الجياني ومن خطه نقلت سرر هذا الشهر كباقي
الروايات وفى رواية ثابت المذكورة أصمت من سرر شعبان شيئا قال لا (قوله قال أظنه قال
يعنى رمضان) هذا الظن من أبى النعمان لتصريح البخاري في آخره بان ذلك لم يقع في رواية أبى
الصلت وكأن ذلك وقع من أبى النعمان لما حدث به البخاري والا فقد رواه الجوزقي من طريق
أحمد بن يوسف السلمي عن أبي النعمان بدون ذلك وهو الصواب ونقل الحميدي عن البخاري أنه قال
إن شعبان أصح وقيل إن ذلك ثابت في بعض الروايات في الصحيح وقال الخطابي ذكر رمضان
هنا وهم لان رمضان يتعين صوم جميعه وكذا قال الداودي وابن الجوزي ورواه مسلم أيضا من
طريق ابن أخي مطرف عن مطرف بلفظ هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا يعنى شعبان ولم يقع
200

ذلك في رواية هدبة ابن عبد الله بن محمد بن أسماء ولا قطر بن حماد ولا عفان ولا عبد الصمد ولا غيرهم
عند أحمد ومسلم والإسماعيلي وغيرهم ولا في باقي الروايات عند مسلم ويحتمل ان يكون قوله رمضان
في قوله يعنى رمضان ظرفا للقول الصادر منه صلى الله عليه وسلم لا لصيام المخاطب بذلك فيوافق
رواية الجريري عن مطرف فان فيها عند مسلم فقال له فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه
(قوله وقال ثابت الخ) وصله أحمد ومسلم من طريق حماد بن سلمة عنه كذلك ووقع في نسخة
الصغاني من الزيادة هنا قال أبو عبد الله وشعبان أصح والسرر بفتح السين المهملة ويجوز كسرها
وضمها جمع سره ويقال أيضا سرار بفتح أوله وكسره ورجح الفراء الفتح وهو من الاستسرار قال
أبو عبيد والجمهور المراد بالسرر هنا آخر الشهر سميت بذلك لاستسرار القمر فيها وهى ليلة ثمان
وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين ونقل أبو داود عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز ان سرره
أوله ونقل الخطابي عن الأوزاعي كالجمهور وقيل السرر وسط الشهر حكاه أبو داود أيضا ورجحه
بعضهم ووجهه بان السرر جمع سرة وسرة الشئ وسطه ويؤيده الندب إلى صيام البيض وهى
وسط الشهر وانه لم يرد في صيام آخر الشهر ندب بل ورد فيه نهى خاص وهو آخر شعبان لمن
صامه لأجل رمضان ورجحه النووي بان مسلما أفرد الرواية التي فيها سرة هذا الشهر عن بقية
الروايات وأردف بها الروايات التي فيها الحض على صيام البيض وهى وسط الشهر كما تقدم
لكن لم أره في جميع طرق الحديث باللفظ الذي ذكره وهو سرة بل هو عند أحمد من وجهين بلفظ
سرار وأخرجه من طرق عن سليمان التيمي في بعضها سرر وفى بعضها سرار وهذا يدل على أن
المراد آخر الشهر قال الخطابي قال بعض أهل العلم سؤاله صلى الله عليه وسلم عن ذلك سؤال زجر
وانكار لأنه قد نهى أن يستقبل الشهر بيوم أو يومين وتعقب بأنه لو أنكر ذلك لم يأمره بقضاء
ذلك وأجاب الخطابي باحتمال أن يكون الرجل أوجبها على نفسه فلذلك أمره بالوفاء وأن يقضى
ذلك في شوال انتهى وقال ابن المنير في الحاشية قوله سؤال انكار فيه تكلف ويدفع في صدره
قول المسؤول لا يا رسول الله فلو كان السؤال انكار لكان صلى الله عليه وسلم قد أنكر عليه أنه
صام والفرض أن الرجل لم يصم فكيف ينكر عليه فعل ما لم يفعله ويحتمل أن يكون الرجل
كانت له عادة بصيام آخر الشهر فلما سمع نهيه صلى الله عليه وسلم أن يتقدم أحد رمضان بصوم
يوم أو يومين ولم يبلغه الاستثناء ترك صيام ما كان اعتاده من ذلك فأمره بقضائها لتستمر محافظته
على ما وظف على نفسه من العبادة لان أحب العمل إلى الله تعالى ما داوم عليه صاحبه كما تقدم
وقال ابن التين يحتمل أن يكون هذا كلاما جرى من النبي صلى الله عليه وسلم جوابا لكلام لم ينقل
إلينا اه‍ ولا يخفى ضعف هذا المأخذ وقال آخرون فيه دليل على أن النهى عن تقدم رمضان
بيوم أو يومين انما هو لمن يقصد به التحرى لأجل رمضان وأما من لم يقصد ذلك فلا يتناوله النهى
ولو لم يكن اعتاده وهو خلاف ظاهر حديث النهى لأنه لم يستثن منه الا من كانت له عادة وأشار
القرطبي إلى أن الحامل لمن حمل سرار الشهر على غير ظاهره وهو آخر الشهر الفرار من المعارضة
لنهيه صلى الله عليه وسلم عن تقدم رمضان بيوم أو يومين وقال الجمع بين الحديثين ممكن بحمل
النهى على من ليست له عادة بذلك وحمل الامر على من له عادة حملا للمخاطب بذلك على ملازمة
عادة الخير حتى لا يقطع قال وفيه إشارة إلى فضيلة الصوم في شعبان وان صوم يوم منه يعدل صوم
201

يومين في غيره أخذا من قوله في الحديث فصم يومين مكانه يعنى مكان اليوم الذي فوته من صيام
شعبان (قلت) وهذا لا يتم الا إن كانت عادت المخاطب بذلك أن يصوم من شعبان يوما واحدا
والا فقوله هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا أعم من أن يكون عادته صيام يوم منه أو أكثر نعم
وقع في سنن أبي مسلم الكجي فصم مكان ذلك اليوم يومين وفى الحديث مشروعية قضاء
التطوع وقد يؤخذ منه قضاء الفرض بطرق الأولى خلافا لمن منع ذلك * (قوله
باب صوم يوم الجمعة وإذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يفطر) كذا في أكثر
الروايات ووقع في رواية أبي ذر وأبى الوقت زيادة هنا وهى يعنى إذا لم يصم قبله ولا يريد أن
يصوم بعده وهذا لزيادة تشبه أن تكون من الفربري أو من دونه فإنها لم تقع في رواية النسفي
عن البخاري ويبعد ان يعبر البخاري عما يقوله بلفظ يعنى ولو كان ذلك من كلامه لقال أعنى بل
كان يستغنى عنها أصلا ورأسا وهذا التفسير لا بد من حمل اطلاق الترجمة عليه لأنه مستفاد من
حديث جويرية آخر أحاديث الباب إذ في الباب ثلاثة أحاديث * أولها حديث جابر وهو مطلق
والتقييد فيه تفسير من أحد رواته كما سنبينه * وثانيها حديث أبي هريرة وهو ظاهر في التقييد
* وثالثها حديث جويرية وهو أظهرها في ذلك (قوله عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن
شيبة) أي ابن عثمان بن أبي طلحة الحجبي في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد الحميد
أخرجه أحمد عنه ومسلم من طريقه وكذا أخرجه أبو قرة في السنن عن ابن جريج والنسائي من
طريق حجاج بن محمد عنه وكأن ابن جريج ربما رواه عن محمد بن عباد نفسه ولم يذكر عبد الحميد
كذلك رواه يحيى بن سعيد القطان وحفص بن غياث أخرجه النسائي من طريقهما وكذا
الإسماعيلي وزاد فضيل بن سليمان وأخرجه النسائي أيضا من طريق النضر بن شميل كلهم عن ابن
جريج وأومأ الإسماعيلي إلى أن في رواية البخاري عن أبي عاصم نظرا فإنه قال رواه البخاري عن أبي
عاصم فذكر اسناده قال وقد رويناه من طريق أبى عاصم كما قال يحيى ثم ساقه كذلك قال وقد
رواه أبو سعد الصغاني عن ابن جريج كما ساقه البخاري عن أبي عاصم وأبو سعد ليس كهؤلاء يعنى
القطان ومن تابعه (قلت) ولم يصب الإسماعيلي في ذلك فان رواية البخاري مستقيمة وقد وافقه
على الزيادة الدارمي في مسنده وأبو مسلم الكجي في سننه فأخرجاه عن أبي عاصم كما قال البخاري
وكذلك رواه أبو موسى كما أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الصيام له عنه عن أبي عاصم وكذلك
أخرجه الجوزقي من طريق محمد بن عقيل بن خويلد عن أبي عاصم كذلك وابن جريج كان ربما
دلس ولهذا قال البيهقي ان يحيى بن سعيد قصر في اسناده لكن وقع عند النسائي من طريق يحيى
ابن سعيد عن ابن جريج اخبرنى محمد بن عباد فيحمل على أنه سمعه من عبد الحميد عن محمد ثم لقى
محمدا فسمعه منه أو سمع من محمد واستثبت فيه من عبد الحميد فكان يحدث به تارة عن هذا وتارة
عن هذا ولعل السر في ذلك أنه كان عند أحدهما في المتن ما ليس عند الآخر كما سنوضحه إن شاء الله
تعالى ولم ينفرد أبو سعد بمتابعة أبى عاصم على ذكر عبد الحميد كما يوهمه كلام الإسماعيلي بل
تابعهما عبد الرزاق وأبو قرة وحجاج بن محمد كما قدمت ذكره وعبد الحميد أكثر عددا ممن رواه عنه
باسقاطه وعبد الحميد المذكور تابعي صغير روى عن عمته صفية بنت شيبة وهى من صغار
الصحابة ووثقه ابن معين وغيره وليس له في البخاري سوى ثلاثة أحاديث هذا وآخر في بدء الخلق
202

وآخر في الأدب (قوله عن محمد بن عباد) في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الحميد
ان محمد بن عباد أخبره ورجال هذا الاسناد مكيون الا شيخ البخاري فهو بصرى والصحابي فهو
مدني وقد أقاما بمكة زمانا (قوله سألت جابرا) في رواية عبد الرزاق المذكورة وكذا في رواية
ابن عيينة عن عبد الحميد عند مسلم وأحمد وغيرهما سألت جابر بن عبد الله وهو يطوف بالبيت
وزادوا أيضا في آخره قال نعم ورب هذا البيت وفى رواية النسائي ورب الكعبة وعزاها صاحب
العمدة لمسلم فوهم وفيه جواز الحلف من غير استحلاف لتأكيد الامر وإضافة الربوبية إلى
المخلوقات المعظمة تنويها بتعظيمها وفيه الاكتفاء في الجواب بنعم من غير ذكر الامر المفسر بها
(قوله زاد غير أبى عاصم يعنى ان ينفرد بصومه) وفى رواية الكشميهني ان ينفرد بصوم والغير
المشار إليه جزم البيهقي بأنه يحيى بن سعيد القطان وهو كما قال لكن لم يتعين فقد أخرجه النسائي
بالزيادة من طريقه ومن طريق النضر بن شميل وحفص بن غياث ولفظ يحيى أسمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ينهى ان يفرد يوم الجمعة بصوم قال أي ورب الكعبة ولفظ حفص نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة مفردا ولفظ النضر أن جابرا سئل عن صوم يوم
الجمعة فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرد (قوله في حديث أبي هريرة لا يصوم
أحدكم) كذا للأكثر وهو بلفظ النفي والمراد به النهى وفى رواية الكشميهني لا يصومن بلفظ
النهى المؤكد (قوله الا يوما قبله أو بعده) تقديره الا أن يصوم يوما قبله لان يوما لا يصح استثناؤه
من يوم الجمعة وقال الكرماني يجوز أن يكون منصوبا بنزع الخافض تقديره الا بيوم قبله
وتكون الباء للمصاحبة وفى رواية الإسماعيلي من طريق محمد بن اشكاب عن عمر بن حفص
شيخ البخاري فيه الا أن تصوموا قبله أو بعده ولمسلم من طريق أبى معاوية عن الأعمش لا يصم
أحدكم يوم الجمعة الا أن يصوم يوما قبله أو يصوم بعده وللنسائي من هذا الوجه الا أن يصوم
قبله يوما أو يصوم بعده يوما ولمسلم من طريق هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة لا تخصوا ليلة
الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام
الا أن يكون في صوم
يصومه أحدكم ورواه أحمد من طريق عوف عن ابن سيرين بلفظ نهى ان يفرد يوم الجمعة بصوم
وله من طريق أبى الأوبر زياد الحارثي ان رجلا قال لأبي هريرة أنت الذي تنهى الناس عن
صوم يوم الجمعة قال ها ورب الكعبة ثلاثا لقد سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يقول لا يصوم
أحدكم يوم الجمعة وحده الا في أيام معه وله من طريق ليلى امرأة بشير بن الخصاصية انه سأل النبي
صلى الله عليه وسلم فقال لا تصم يوم الجمعة الا في أيام هو أحدها وهذه الأحاديث تقيد النهى
المطلق في حديث جابر وتؤيد الزيادة التي تقدمت من تقييد الاطلاق بالافراد ويؤخذ من
الاستثناء جوازه لمن صام قبله أو بعده أو اتفق وقوعه في أيام له عادة بصومها كمن يصوم أيام
البيض أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة ويؤخذ منه جواز صومه لمن
نذر يوم قدوم زيد مثلا أو يوم شفاء فلان * الحديث الثالث (قوله وحدثني محمد حدثنا غندر)
لم ينسب محمد المذكور في شئ من الطرق والذي يظهر أنه بندار محمد بن بشار وبذلك جزم
أبو نعيم في المستخرج بعد ان أخرجه من طريقه ومن طريق محمد بن المثنى جميعا عن غندر (قوله
عن أبي أيوب) في رواية يوسف القاضي في الصيام له من طريق خالد بن الحرث عن شعبة عن
203

قتادة سمعت أبا أيوب ووافقه همام عن قتادة أخرجه أبو داود وقال في روايته عن أبي أيوب
العتكي وهو بفتح المهملة والمثناة نسبة إلى بطن من الأزد ويقال له أيضا المراغي بفتح الميم والراء
ثم بالغين المعجمة ورواه الطحاوي من طريق شعبة وهمام وحماد بن سلمة جميعا عن قتادة وليس
لجويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري من روايتها سوى هذا الحديث وله شاهد
من حديث جنادة بن أبي أمية عند النسائي باسناد صحيح بمعنى حديث جويرية واتفق شعبة
وهمام عن قتادة على هذا الاسناد وخالفهما سعيد بن أبي عروبة فقال عن قتادة عن سعيد بن
المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية
فذكره أخرجه النسائي وصححه ابن حبان والراجح طريق شعبة لمتابعة همام وحماد بن سلمة له
وكذا حماد بن الجعد كما سيأتي ويحتمل أن يكون طريق سعيد محفوظة أيضا فان معمرا رواه عن
قتادة عن سعيد بن المسيب أيضا لكن أرسله (قوله فافطري) زاد أبو نعيم في روايته إذا (قوله
وقال حماد بن الجعد الخ) وصله أبو القاسم البغوي في جمع حديث هدبة بن خالد قال حدثنا هدبة
حدثنا حماد بن الجعد سئل قتادة عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم فقال حدثني أبو أيوب فذكره
وقال في آخره فأمرها فأفطرت وحماد بن الجعد فيه لين وليس له في البخاري سوى هذا الموضع
واستدل بأحاديث الباب على منع افراد يوم الجمعة بالصيام ونقله أبو الطيب الطبري عن أحمد وابن
المنذر وبعض الشافعية وكأنه أخذه من قول ابن المنذر ثبت النهى عن صوم يوم الجمعة كما ثبت
عن صوم يوم العيد وزاد يوم الجمعة الامر بفطر من أراد افراده بالصوم فهذا قد يشعر بأنه يرى
بتحريمه وقال أبو جعفر الطبري يفرق بين العيد والجمعة بأن الاجماع منعقد على تحريم صوم يوم
العيد ولو صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة فالاجماع منعقد على جواز صومه لمن صام قبله
أو بعده ونقل ابن المنذر وابن حزم منع صومه عن علي وأبي هريرة وسلمان وأبي ذر قال ابن حزم
لا نعلم لهم مخالفا من الصحابة وذهب الجمهور إلى أن النهى فيه للتنزيه وعن مالك وأبي حنيفة
لا يكره قال مالك لم أسمع أحدا ممن يقتدى به ينهى عنه قال الداودي لعل النهى ما بلغ مالكا
وزعم عياض ان كلام مالك يؤخذ منه النهى عن افراده لأنه كره ان يخص يوم من الأيام
بالعبادة فيكون له في المسئلة روايتان وعاب ابن العربي قول عبد الوهاب منهم يوم لا يكره صومه
مع غيره فلا يكره وحده لكونه قياسا مع وجود النص واستدل الحنفية بحديث ابن مسعود
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وقلما كان يفطر يوم الجمعة
حسنة الترمذي وليس فيه حجة لأنه يحتمل أن يريد كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان
يصومها ولا يضاد ذلك كراهة افراده بالصوم جمعا بين الحديثين ومنهم من عده من الخصائص
وليس بجيد لأنها لا تثبت بالاحتمال والمشهور عند الشافعية وجهان أحدهما ونقله المزنى عن
الشافعي أنه لا يكره الا لمن أضعفه صومه عن العبادة التي تقع فيه من الصلاة والدعاء والذكر
والثاني وهو الذي صححه المتأخرون كقول الجمهور واختلف في سبب النهى عن افراده على
أقوال أحدها لكونه يوم عيد والعيد لا يصام واستشكل ذلك مع الاذن بصيامه مع غيره
وأجاب ابن القيم وغيره بأن شبهه بالعيد لا يستلزم استواءه معه من كل جهة ومن صام مع غيره
انتفت عنه صورة التحرى بالصوم ثانيها لئلا يضعف عن العبادة وهذا اختاره النووي وتعقب
204

ببقاء المعنى المذكور مع صوم غيره معه وأجاب بأنه يحصل بفضيلة اليوم الذي قبله أو بعده
جبر ما يحصل يوم صومه من فتور أو تقصير وفيه نظر فان الجبران لا ينحصر في الصوم بل يحصل
بجميع أفعال الخير فيلزم منه جواز افراده لمن عمل فيه خيرا كثيرا يقوم مقام صيام يوم قبله
أو بعده كمن أعتق فيه رقبة مثلا ولا قائل بذلك وأيضا فكأن النهى يختصر بمن يخشى عليه
الضعف لامن يتحقق القوة ويمكن الجواب عن هذا بان المظنة أقيمت مقام المئنة كما في جواز
الفطر في السفر لمن لم يشق عليه ثالثها خوف المبالغة في تعظيمه فيفتتن به كما أفتتن اليهود بالسبت
وهو منتقض بثبوت تعظيمه بغير الصيام وأيضا فاليهود لا يعظمون السبت بالصيام فلو كان
الملحوظ ترك موافقتهم لتحتم صومه لانهم لا يصومونه وقد روى أبو داود والنسائي وصححه ابن
حبان من حديث أم سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من الأيام السبت والأحد
وكان يقول إنهما يوما عيد للمشركين فأحب أن أخالفهم رابعها خوف اعتقاد وجوبه وهو
منتقض بصوم الاثنين والخميس وسيأتى ذكر ما ورد فيهما في الباب الذي يليه خامسها خشية ان
يفرض عليهم كما خشى صلى الله عليه وسلم من قيامهم الليل ذلك قال المهلب وهو منتقض بإجازة
صومه مع غيره وبأنه لو كان كذلك لجاز بعده صلى الله عليه وسلم لارتفاع السبب لكن المهلب
حمله على ذلك اعتقاده عدم الكراهة على ظاهر مذهبه سادسها مخالفة النصارى لأنه يجب
عليهم صومه ونحن مأمورون بمخالفتهم نقله القمولي وهو ضعيف وأقوى الأقوال وأولاها
بالصواب أولها وورد فيه صريحا حديثان * أحدهما رواه الحاكم وغيره من طريق عامر بن
لدين عن أبي هريرة مرفوعا يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم الا ان تصوموا
قبله أو بعده والثاني رواه ابن أبي شيبة باسناد حسن عن علي وقال من كان منكم
متطوعا من الشهر فليصم يوم الخميس ولا يصم يوم الجمعة فإنه يوم طعام وشراب وذكر * (قوله
باب هل يخص) بفتح أوله أي المكلف (شيئا من الأيام) وفى رواية النسفي يخص
شئ بضم أول يخص على البناء للمجهول شئ من الأيام قال الزين بن المنير وغيره لم يجزم بالحكم
لان ظاهر الحديث ادامته صلى الله عليه وسلم العبادة ومواظبته على وظائفها ويعارضه
ما صح عن عائشة نفسها مما يقتضى نفى المداومة وهو ما أخرجه مسلم من طريق أبى سلمة ومن
طريق عبد الله بن شقيق جميعا عن عائشة انها سئلت عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت كان يصوم حتى نقول قد صام ويفطر حتى نقول قد أفطر وتقدم نحوه قريبا في
البخاري من حديث ابن عباس وغيره فابقى الترجمة على الاستفهام ليترجح أحد الخبرين أو يتبين
الجمع بينهما ويمكن الجمع بينهما بان قولها كان عمله ديمة معناه ان اختلاف حاله في الاكثار
من الصوم ثم من الفطر كان مستداما مستمرا وبأنه صلى الله عليه وسلم كان يوظف على نفسه
العبادة فربما شغله عن بعضها شاغل فيقضيها على التوالي فيشتبه الحال على من يرى ذلك فقول
عائشة كان عمله ديمة منزل على التوظيف وقولها كان لا تشاء ان تراه صائما الا رايته منزل على
الحال الثاني وقد تقدم نحو هذا في باب ما يذكر من صوم النبي صلى الله عليه وسلم وقيل معناه انه
كان لا يقصد نفلا ابتداء في يوم بعينه فيصومه بل إذا صام يوما بعينه كالخميس مثلا داوم
على صومه (قوله حدثنا يحيى) هو القطان وسفيان هو الثور ومنصور هو ابن المعتمر
205

وإبراهيم هو النخعي وعلقمة خاله وهذا الاسناد مما يعد من أصح الأسانيد (قوله هل كان يختص
من الأيام شيئا قالت لا) قال ابن التين استدل به بعضهم على كراهة تحرى صيام يوم من الأسبوع
وأجاب الزين بن المنير بان السائل في حديث عائشة انما سأل عن تخصيص يوم من الأيام من
حيث كونها أياما وأما ما ورد تخصيصه من الأيام بالصيام فإنما خصص لأمر لا يشاركه فيه بقيه
الأيام كيوم عرفة ويوم عاشوراء وأيام البيض وجميع ما عين لمعنى خاص وانما سأل عن
تخصيص يوم لكونه مثلا يوم السبت ويشكل على هذا الجواب صوم الاثنين والخميس فقد
وردت فيهما أحاديث وكأنها لم تصح على شرط البخاري فلهذا أبقى الترجمة على الاستفهام فان
ثبت فيهما ما يقتضى تخصيصهما استثنى من عموم قول عائشة لا (قلت) ورد في صيام يوم الاثنين
والخميس عدة أحاديث صحيحة منها حديث عائشة أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه
ابن حبان من طريق ربيعة الجرشى عنها ولفظه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام
الاثنين والخميس وحديث أسامة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الاثنين والخميس
فسألته فقال إن الأعمال تعرض يوم الاثنين والخميس فأحب ان يرفع عملي وأنا صائم أخرجه
النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة فعلى هذا فالجواب عن الاشكال أن يقال لعل المراد بالأيام
المسؤول عنها الأيام الثلاثة من كل شهر فكأن السائل لما سمع انه صلى الله عليه وسلم كان يصوم
ثلاثة أيام ورغب في أنها تكون أيام البيض سأل عائشة هل كان يخصها بالبيض فقالت لا كان
عمله ديمة تعنى لو جعلها البيض لتعينت وداوم عليها لأنه كان يحب ان يكون عمله دائما لكن أراد
التوسعة بعدم تعينها فكان لا يبالي من أي الشهر صامها كما تقدمت الإشارة إليه في باب صيام
البيض وان مسلما روى من حديث عائشة انه صلى الله عليه وسلم كان يصوم من كل شهر ثلاثة
أيام وما يبالي من أي الشهر صام وقد أورد ابن حبان حديث الباب وحديث عائشة في صيام
الاثنين والخميس وحديثها كان يصوم حتى نقول لا يفطر وأشار إلى أن بينهما تعارضا ولم يفصح عن
كيفية الجمع بينهما وقد فتح الله بذلك فضله (قوله يختص) في رواية جرير عن منصور في الرقاق
يخص بغير مثناة (قوله ديمة) بكسر أوله وسكون التحتانية أي دائما قال أهل اللغة الديمة مطر
يدوم أياما ثم أطلقت على كل شئ يستمر (قوله وأيكم يطيق) في رواية جرير يستطيع في
الموضعين والمعنى متقارب * (قوله باب صوم يوم عرفة) أي ما حكمه وكأنه لم تثبت
الأحاديث الواردة في الترغيب في صومه على شرطه وأصحها حديث أبي قتادة انه يكفر سنة آتية
وسنة ماضية أخرجه مسلم وغيره والجمع بينه وبين حديثي الباب ان يحمل على غير الحاج أو على
من لم يضعفه صيامه عن الذكر والدعاء المطلوب للحاج كما سيأتي تفصيل ذلك (قوله حدثني سالم)
هو أبو النضر المذكور في طريق الثانية وهو بكنيته أشهر وربما جاء باسمه وكنيته معا فيقال
حدثنا سالم أبو النضر وانما ساق البخاري الطريق الأولى مع نزولها لما فيها من التصريح
بالتحديث في المواضيع التي وقعت بالعنعنة في الطريق الثانية مع علوها وما أكثر ما يحرص
البخاري على ذلك في هذا الكتاب (قوله عمير مولى أم الفضل) هو عمير مولى ابن عباس فمن قال
مولى أم الفضل فباعتبار أصله ومن قال مولى ابن عباس فباعتبار ما آل إليه حاله لان أم الفضل
هي والدة ابن عباس وقد انتقل إلى ابن عباس ولاء موالى أمه وليس لعمير في البخاري سوى هذا
206

الحديث وقد أخرجه أيضا في الحج في موضعين وفى الأشربة في ثلاثة مواضع وحديث آخر تقدم
في التيم (قوله أن ناسا تماروا) أي اختلفوا ووقع عند الدارقطني في الموطات من طريق أبى
نوح عن مالك اختلف ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله في صوم النبي صلى
الله عليه وسلم) هذا يشعر بأن صوم يوم عرفة كان معروفا عندهم معتادا لهم في الحضر وكأن
من جزم بأنه صائم استند إلى ما ألفه من العبادة ومن جزم بأنه غير صائم قامت عنده قرينة كونه
مسافرا وقد عرف نهيه عن صوم الفرض في السفر فضلا عن النفل (قوله فأرسلت) سيأتي في
الحديث الذي يليه ان ميمونة بنت الحرث هي التي أرسلت فيحتمل التعدد ويحتمل انهما معا
أرسلتا فنسب ذلك إلى كل منهما لأنهما كانتا أختين فتكون ميمونة أرسلت بسؤال أم الفضل
لها في ذلك لكشف الحال فذلك ويحتمل العكس وستأتى الإشارة إلى تعيين كون ميمونة هي
التي باشرت الارسال ولم يسم الرسول في طرق حديث أم الفضل لكن روى النسائي من طريق
سعيد بن جبير عن ابن عباس ما يدل على أنه كان الرسول بذلك ويقوى ذلك أنه كان ممن جاء عنه
أنه أرسل اما أمه واما خالته (قوله وهو واقف على بعيره) زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق
يحيى بن سعيد عن مالك وهو يخطب الناس بعرفة وللمصنف في الأشربة من طريق عبد العزيز
ابن أبي سلمة عن أبي النضر وهو واقف عشية عرفة ولأحمد والنسائي من طريق عبد الله بن
عباس عن أمه أم الفضل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة (قوله فشربه) زاد في
حديث ميمونة والناس ينظرون (قوله في حديث ميمونة أخبرني عمرو) هو ابن الحرث وبكير هو
ابن عبد الله بن الأشج ونصف اسناده الأول مصريون والآخر مدنيون وقوله بحلاب بكسر
المهملة هو الاناء الذي يجعل فيه اللبن وقيل الحلاب اللبن المحلوب وقد يطلق على الاناء ولو لم يكن
فيه لبن * (تنبيه) * روى الإسماعيلي حديث ابن وهب بثلاثة أسانيد أحدها عنه عن مالك
باسناده والثاني عنه عن عمرو بن الحرث عن سالم أبى النضر شيخ مالك فيه به والثالث عن عمرو
عن بكير به واقتصر البخاري على أحد أسانيده اكتفاء برواية غيره كما سبق واستدل بهذين
الحديثين على الاستحباب الفطر يوم عرفة بعرفة وفيه نظر لان فعله المجرد لا يدل على نفى الاستحباب
إذ قد يترك الشئ المستحب لبيان الجواز ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ نعم روى أبو داود
والنسائي وصححه ابن خزيمة والحاكم من طريق عكرمة ان أبا هريرة حدثهم ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة وأخذ بظاهره بعض السلف فجاء عن يحيى بن سعيد
الأنصاري قال يجب فطر يوم عرفة للحاج وعن ابن الزبير وأسامة بن زيد وعائشة انهم كانوا
يصومونه وكان ذلك يعجب الحسن ويحكيه عن عثمان وعن قتادة مذهب آخر قال لا بأس به إذا
لم يضعف عن الدعاء ونقله البيهقي في المعرفة عن الشافعي في القديم واختاره الخطابي والمتولى من
الشافعية وقال الجمهور يستحب فطره حتى قال عطاء من أفطره ليتقوى به على الذكر كان له مثل
اجر الصائم وقال الطبري انما أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ليدل على الاختيار للحاج
بمكة لكي لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة وقيل انما أفطر لموافقته يوم الجمعة وقد
نهى عن افراده بالصوم ويبعده سياق أول الحديث وقيل انما كره صوم يوم عرفة لأنه يوم عيد
لأهل الموقف لاجتماعهم فيه ويؤيده ما رواه أصحاب السنن عن عقبة بن عامر مرفوعا يوم عرفة
207

ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الاسلام وفى الحديث من الفوائد ان العيان أقطع للحجة وانه
فوق الخبر وان الأكل والشرب في المحافل مباح ولا كراهة فيه للضرورة وفيه قبول الهدية من
المرأة من غير استفصال منها هل هو من مال زوجها أو لا ولعل ذلك من القدر الذي لا يقع فيه
المشاححة قال المهلب وفيه نظر لما تقدم من احتمال أنه من بيت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه
وسلم وفيه تأسى الناس بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وفيه البحث والاجتهاد في حياته صلى الله
عليه وسلم والمناظرة في العلم بين الرجال والنساء والتحيل على الاطلاع على الحكم بغير سؤال
وفيه فطنة أم الفضل لاستكشافها عن الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال
لان ذلك كان في يوم حر بعد الظهيرة قال ابن المنير في الحاشية لم ينقل انه صلى الله عليه وسلم ناول
فضله أحدا فلعله علم أنها خصته به فيؤخذ منه مسئلة التمليك المقيد انتهى ولا يخفى بعده اه‍
وقد وقع في حديث ميمونة فشرب منه وهو مشعر بأنه لم يستوف شربه منه وقال الزين بن المنير لعل
استبقاءه لما في القدح كان قصدا لإطالة زمن الشرب حتى يعم نظر الناس إليه ليكون أبلغ في
البيان وفيه الركوب في حال الوقوف وقد تقدمت مباحثه في كتاب الحج وترجم له في كتاب
الأشربة في الشرب في القدح وشرب الواقف على البعير * (قوله باب صوم يوم
الفطر) أي ما حكمه قال الزين بن المنير لعله أشار إلى الخلاف فيمن نذر صوم يوم فوافق يوم العيد
هل ينعقد نذره أم لا وسأذكر ما قيل في ذلك إن شاء الله تعالى (قوله مولى ابن أزهر) في رواية
الكشميهني مولى بنى أزهر وكذا في رواية مسلم وسيأتى ذكره في آخر الكلام على الحديث (قوله
شهدت العيد) زاد يونس عن الزهري في روايته الآتية في الأضاحي يوم الأضحى (قوله هذان)
فيه التغليب وذلك أن الحاضر يشار إليه بهذا والغائب يشار إليه بذاك فلما ان جمعهما اللفظ
قال هذان تغليبا للحاضر على الغائب (قوله يوم فطركم) برفع يوم اما على أنه خبر مبتدأ محذوف
تقديره أحدهما أو على البدل من قوله يومان وفى رواية يونس المذكورة أما أحدهما فيوم
فطركم قيل وفائدة وصف اليومين الإشارة إلى العلة في وجوب فطرهما وهو الفصل من الصوم
واظهار تمامه وحده بفطر ما بعده والآخر لأجل النسك المتقرب بذبحه ليؤكل منه ولو شرع
صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى فعبر عن علة التحريم بالاكل من النسك لأنه يستلزم
النحر ويزيد فائدة التنبيه على التعليل والمراد بالنسك هنا الذبيحة المتقرب بها قطعا قيل ويستنبط
من هذه العلة تعين السلام للفصل من الصلاة وفى الحديث تحريم صوم يومى العيد سواء
النذر والكفارة والتطوع والقضاء والتمتع وهو بالاجماع واختلفوا فيمن قدم فصام يوم عيد
فعن أبي حنيفة ينعقد وخالفه الجمهور فلو نذر صوم يوم قدوم زيد فقدم يوم العيد فالأكثر
لا ينعقد النذر وعن الحنفية ينعقد ويلزمه القضاء وفى رواية يلزمه الاطعام وعن الأوزاعي
يقضى الا ان نوى استثناء العيد وعن مالك في رواية يقضى ان نوى القضاء والا فلا وسيأتى في
الباب الذي يليه عن ابن عمر انه توقف في الجواب عن هذه المسئلة وأصل الخلاف في هذه المسئلة
ان النهى هل يقتضى صحة المنهى عنه قال الأكثر لا وعن محمد بن الحسن نعم واحتج بأنه لا يقال
للأعمى لا يبصر لأنه تحصيل الحاصل فدل على أن صوم يوم العيد ممكن وإذا أمكن ثبت الصحة
وأجيب ان الامكان المذكور عقلي والنزاع في الشرعي والمنهى عنه شرعا غير ممكن فعله شرعا
208

ومن حجج المانعين ان النفل المطلق إذا نهى عن فعله لم ينعقد لان المنهى مطلوب الترك سواء كان
للتحريم أو للتنزيه والنفل مطلوب الفعل فلا يجتمع الضدان والفرق بينه وبين الامر ذي الوجهين
كالصلاة في الدار المغصوبة أن النهى عن الإقامة في المغصوب ليست لذات الصلاة بل للإقامة
وطلب الفعل لذات العبادة بخلاف صوم يوم النحر مثلا فان النهى فيه لذات الصوم فافترقا والله
أعلم (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف (قال ابن عيينة من قال مولى ابن أزهر فقد أصاب ومن
قال مولى عبد الرحمن بن عوف فقد أصاب) انتهى وكلام ابن عيينة هذا حكاه عنه علي بن المديني
في العلل وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده عن ابن عيينة عن الزهري فقال عن أبي عبيد مولى
ابن أزهر وأخرجه الحميدي في مسنده عن ابن عيينة حدثني الزهري سمعت أبا عبيد فذكر
الحديث ولم يصفه بشئ ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري فقال عن أبي عبيد
مولى عبد الرحمن بن عوف وكذا قال جويرية وسعيد الزبيري ومكي بن إبراهيم عن مالك حكاه
أبو عمر وذكر أن ابن عيينة أيضا كان يقول فيه كذلك وقال ابن التين وجه كون القولين صوابا
ما روى أنهما اشتركا في ولائه وقيل يحمل أحدهما على الحقيقة والآخر على المجاز وسبب المجاز
اما بأنه كان يكثر ملازمة أحدهما اما لخدمته أو للاخذ عنه أو لانتقاله من ملك أحدهما إلى ملك
الآخر وجزم الزبير بن بكار بأنه كان مولى عبد الرحمن بن عوف فعلى هذا فنسبته إلى ابن أزهر هي
المجازية ولعلها بسبب انقطاعه إليه بعد موت عبد الرحمن بن عوف واسم ابن أزهر أيضا
عبد الرحمن وهو ابن عم عبد الرحمن بن عوف وقيل ابن أخيه وقد تقدم له ذكر في الصلاة في
حديث كريب عن أم سلمة ويأتي في أواخر المغازي (قوله عن عمرو بن يحيى) هو المازني (قوله وعن
الصماء) بفتح المهملة وتشديد الميم والمد (قوله وان يحتبى الرجل في الثوب الواحد) زاد الإسماعيلي
من طريق خالد الطحان عن عمرو بن يحيى لا يوارى فرجه بشئ ومن طريق عبد العزيز بن المختار
عن عمرو لبس بين فرجه وبين السماء شئ وقد سبق الكلام عليه في باب ما يستر من العورة في أوائل
الصلاة وسبق الكلام على بقية الحديث في المواقيت * (قوله باب صوم يوم النحر) في
رواية الكشميهني باب الصوم والقول فيه كالقول في الذي قبله (قوله أخبرنا هشام) هو ابن يوسف
(قوله ينهى) كذا هنا بضم أوله على البناء للمجهول ووقع هذا الحديث هنا مختصرا وسيأتى
الكلام على تفسير الملامسة والمنابذة في البيوع إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا معاذ) هو ابن
معاذ العنبري وابن عون هو عبد الله والاسناد بصريون وزياد بن جبير بالجيم والموحدة مصغرا
أي ابن حية بالمهملة والتحتانية الثقيلة (قوله جاء رجل إلى ابن عمر) لم أقف على اسمه ووقع عند
أحمد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن زياد بن جبير رأيت رجلا جاء إلى ابن عمر فذكره وأخرج ابن حبان
من طريق كريمة بنت سيرين انها سألت ابن عمر فقالت جعلت على نفسي ان أصوم كل يوم
أربعاء واليوم يوم الأربعاء وهو يوم النحر فقال أمر الله بوفاء النذر الحديث وله عن إسماعيل عن
يونس بسنده سأل رجل ابن عمر وهو يمشى بمنى (قوله أظنه قال الاثنين) ولمسلم من طريق وكيع
عن ابن عون نذرت ان أصوم يوما ولم يعينه وعند الإسماعيلي من طريق النضر بن شميل عن ابن
عون نذر أن يصوم كل اثنين أو خميس ومثله لأبى عوانة من طريق شعبة عن يونس بن عبيد عن
زياد لكن لم يقل أو خميس وفى رواية يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عند المصنف في النذر أن
209

أصوم كل ثلاثاء وأربعاء ومثله للدارقطني من رواية هشيم المذكورة لكن لم يذكر الثلاثاء وللجوزقي
من طريق أبى قتيبة عن شعبة عن يونس انه نذر أن يصوم كل جمعة ونحوه لأبي داود الطيالسي في
مسنده عن شعبة (قوله فوافق ذلك يوم عيد) لم يفسر العيد في هذه الرواية ومقتضى ادخاله هذا
الحديث في ترجمة صوم يوم النحر أن يكون المسؤول عنه يوم النحر وهو مصرح به في رواية يزيد بن
زريع المذكورة ولفظه فوافق يوم النحر ومثله في رواية أحمد عن إسماعيل بن علية عن يونس
وفى رواية وكيع فوافق يوم أضحى أو فطر وللمصنف في النذور من طريق حكيم عن أبي حرة عن
ابن عمر مثله وهو محتمل أن يكون للشك أو للتقسيم (قوله أمر الله بوفاء النذر إلى آخره) قال
الخطابي تورع ابن عمر عن قطع الفتيا فيه وأما فقهاء الأمصار فاختلفوا (قلت) وقد تقدم شرح
اختلافهم قبل وتقدم عن ابن عمر قريب من هذا في كتاب الحج في باب متى يحل المعتمر وأمره في
التورع عن بت الحكم ولا سيما عند تعارض الأدلة مشهور وقال الزين بن المنير يحتمل أن يكون
ابن عمر أراد أن كلا من الدليلين يعمل به فيصوم يوما مكان يوم النذر ويترك الصوم يوم العيد
فيكون فيه سلف لمن قال بوجوب القضاء وزعم أخوه ابن المنير في الحاشية ان ابن عمر نبه على أن
الوفاء بالنذر عام والمنع من صوم العيد خاص فكأنه أفهمه انه يقضى بالخاص على العام
وتعقبه أخوه بان النهى عن صوم يوم العيد أيضا عموم للمخاطبين ولكل عيد فلا يكون من حمل
الخاص على العام ويحتمل ان يكون ابن عمر أشار إلى قاعدة أخرى وهى ان الامر والنهى إذا
التقيا في محل واحد أيهما يقدم والراجح يقدم النهى فكأنه قال لا تصم وقال أبو عبد الملك توقف
ابن عمر يشعر بأن النهى عن صيامه ليس لعينه وقال الداودي المفهوم من كلام ابن عمر تقديم
النهى لأنه قد روى أمر من نذر ان يمشى في الحج بالركوب فلو كان يجب الوفاء به لم يأمره بالركوب
(قوله سمعت قزعة) بفتح القاف والزاي هو ابن يحيى وقد تقدم الكلام على حديث أبي سعيد
مفرقا أما سفر المرأة ففي الحج وأما الصلاة بعد الصبح والعصر ففي المواقيت وأما شد الرحال ففي
أواخر الصلاة وأما الصوم وهو الغرض من ايراد هذا الحديث هنا فقد تقدم حكمه واستدل به
على جواز صيام أيام التشريق للاقتصار فيه على ذكر يومى الفطر والنحر خاصة وسيأتى البحث
في ذلك في الباب الذي يليه * (قوله باب صيام أيام التشريق) أي الأيام التي بعد يوم
النحر وقد اختلف في كونها يومين أو ثلاثة وسميت أيام التشريق لان لحوم الأضاحي تشرق فيها
أي تنشر في الشمس وقيل لان الهدى لا ينحر حتى تشرق الشمس وقيل لان صلاة العيد تقع
عند شروق الشمس وقيل التشريق التكبير دبر كل صلاة وهل تلتحق بيوم النحر في ترك الصيام
كما تلتحق به في النحر وغيره من أعمال الحج أو يجوز صيامها مطلقا أو للمتمتع خاصة أوله ولمن هو في
معناه وفى كل ذلك اختلاف للعلماء والراجح عند البخاري جوازها للمتمتع فإنه ذكر في الباب
حديثي عائشة وابن عمر في جواز ذلك ولم يورد غيره وقد روى ابن المنذر وغيره عن الزبير بن العوام
وأبى طلحة من الصحابة الجواز مطلقا وعن علي وعبد الله بن عمرو بن العاص المنع مطلقا وهو
المشهور عن الشافعي وعن ابن عمر وعائشة وعبيد بن عمير في آخرين منعه الا للمتمتع الذي لا يجد
الهدى وهو قول مالك والشافعي في القديم وعن الأوزاعي وغيره يصومها أيضا المحصر والقارن
وحجة من منع حديث نبيشة الهذلي عند مسلم مرفوعا أيام التشريق أيام أكل وشرب وله من
210

حديث كعب بن مالك أيام منى أيام أكل وشرب ومنها حديث عمرو بن العاص أنه قال لابنه
عبد الله في أيام التشريق انها الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومهن
وأمر بفطرهن أخرجه أبو داود وابن المنذر وصححه ابن خزيمة والحاكم (قوله قال لي محمد بن
المثنى) كأنه لم يصرح فيه بالتحديث لكونه موقوفا على عائشة كما عرف من عادته بالاستقراء
ويحيى المذكور في الاسناد هو القطان وهشام هو ابن عروة (قوله أيام منى) في رواية
المستملى أيام التشريق بمنى (قوله وكان أبوه يصومها) هو كلام القطان والضمير لهشام بن
عروة وفاعل يصومها هو عروة والضمير فيه لأيام التشريق ووقع في رواية كريمة وكان أبوها
وعلى هذا فالضمير لعائشة وفاعل يصومها هو أبو بكر الصديق (قوله سمعت عبد الله بن عيسى)
زاد في رواية الكشميهني ابن أبي ليلى وأبو ليلى جد أبيه فهو عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى وهو ابن أخي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه المشهور وكان عبد الله
أسن من عمه محمد وكان يقال إنه أفضل من عمه وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في
أحاديث الأنبياء من روايته عن جده عبد الرحمن عن كعب بن عجرة (قوله عن الزهري) في رواية
الدارقطني من طريق النضر بن شميل عن شعبة عن عبد الله بن عيسى سمعت الزهري (قوله
وعن سالم) هو من رواية الزهري عن سالم فهو موصول (قوله قالا لم يرخص) كذا رواه الحفاظ
من أصحاب شعبة بضم أوله على البناء لغير معين ووقع في رواية يحيى بن سلام عن شعبة عند
الدارقطني واللفظ له والطحاوي رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدى
أن يصوم أيام التشريق وقال إن يحيى بن سلام ليس بالقوى ولم يذكر طريق عائشة وأخرجه
من وجه آخر ضعيف عن الزهري عن عروة عن عائشة وإذا لم تصح هذه الطرق المصرحة
بالرفع بقى الامر على الاحتمال وقد اختلف علماء الحديث في قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن
كذا هل له حكم الرفع على أقوال ثالثها ان أضافه إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم فله حكم
الرفع والا فلا واختلف الترجيح فيما إذا لم يضفه ويلتحق به رخص لنا في كذا وعزم علينا أن
لا نفعل كذا كل في الحكم سواء فمن يقول إن له حكم الرفع فغاية ما وقع في رواية يحيى بن سلام
انه روى بالمعنى لكن قال الطحاوي ان قول ابن عمر وعائشة لم يرخص أخذاه من عموم قوله تعالى
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج لان قوله في الحج يعم ما قبل يوم النحر وما بعده فيدخل أيام
التشريق فعلى هذا فليس بمرفوع بل هو بطريق الاستنباط منهما عما فهمناه من عموم الآية وقد
ثبت نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق وهو عام في حق المتمتع وغيره وعلى هذا فقد
تعارض عموم الآية المشعر بالاذن وعموم الحديث المشعر بالنهى وفى تخصيص عموم المتواتر
بعموم الآحاد نظر لو كان الحديث مرفوعا فكيف وفى كونه مرفوعا نظر فعلى هذا يترجح القول
بالجواز والى هذا جنح البخاري والله أعلم (قوله في طريق عبد الله بن عيسى الا لمن لم يجد الهدى)
في رواية أبى عوانة عن عبد الله بن عيسى عند الطحاوي الا لمتمتع أو محصر (قوله في رواية مالك
فإن لم يجد) في رواية الحموي فمن لم يجد وكذا هو في الموطأ (قوله وتابعه إبراهيم بن سعد عن
ابن شهاب) وصله الشافعي قال أخبرني إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة في
المتمتع إذا لم يجد هديا لم يصم قبل عرفة فليصم أيام منى وعن سالم عن أبيه مثله ووصله الطحاوي
من وجه آخر عن ابن شهاب بالاسنادين بلفظ انهما كانا يرخصان للمتمتع فذكر مثله
211

لكن قال أيام التشريق وهذا يرجح كونه موقوفا لنسبة الترخيص إليهما فإنه يقوى أحد
الاحتمالين في رواية عبد الله بن عيسى حيث قال فيها لم يرخص وأبهم الفاعل فاحتمل أن يكون
مرادهما من له الشرع فيكون مرفوعا أو من له مقام الفتوى في الجملة فيحتمل الوقف وقد
صرح يحيى بن سلام بنسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإبراهيم بن سعد بنسبة ذلك إلى ابن
عمر وعائشة ويحيى ضعيف وإبراهيم من الحفاظ فكانت روايته أرجح ويقويه رواية مالك وهو من
حفاظ أصحاب الزهري فإنه مجزوم عنه بكونه موقوفا والله أعلم واستدل بهذا الحديث على أن
أيام التشريق ثلاثة غير يوم عيد الأضحى لان يوم العيد لا يصام بالاتفاق وصيام أيام التشريق هي
المختلف في جوازها والمستدل بالجواز أخذه من عموم الآية كما تقدم فاقتضى ذلك أنها ثلاثة
لأنه القدر الذي تضمنته الآية والله أعلم * (قوله باب صيام يوم عاشوراء) أي ما حكمه
وعاشوراء بالمد على المشهور وحكى فيه القصر وزعم ابن دريد انه اسم اسلامي وانه لا يعرف في
الجاهلية ورد ذلك عليه ابن دحية بان ابن الاعرابى حكى انه سمع في كلامهم خابوراء وبقول
عائشة ان أهل الجاهلية كانوا يصومونه انتهى وهذا الأخير لا دلالة فيه على رد ما قال ابن دريد
واختلف أهل الشرع في تعيينه فقال الأكثر هو اليوم العاشر قال القرطبي عاشوراء معدول عن
عاشرة للمبالغة والتعظيم وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم
العقد واليوم مضاف إليها فإذا قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة الا انهم لما عدلوا به
عن الصفة غلبت عليه الاسمية فاستغنوا عن الموصوف فحذفوا الليلة فصار هذا اللفظ علما على
اليوم العاشر وذكر أبو منصور الجواليقي انه لم يسمع فاعولاء إلى هذا وضاروراء وساروراء ودالولاء
من الضار والسار والدال وعلى هذا فيوم عاشوراء هو العاشر وهذا قول الخليل وغيره وقال
الزين بن المنير الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق
والتسمية وقيل هو اليوم التاسع فعلى الأول فاليوم مضاف لليلته الماضية وعلى الثاني هو
مضاف لليلته الآتية وقيل انما سمى يوم التاسع عاشوراء أخذا من أوراد الإبل كانوا إذا رعوا
الإبل ثمانية أيام ثم أوردوها في التاسع قالوا وردنا عشرا بكسر العين وكذلك إلى الثلاثة وروى
مسلم من طريق الحكم بن الأعرج انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه فقلت أخبرني عن
يوم عاشوراء قال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما قلت أهكذا كان النبي
صلى الله عليه وسلم يصومه قال نعم وهذا ظاهره ان يوم عاشوراء هو اليوم التاسع لكن قال الزين بن
المنير قوله إذا أصبحت من تاسعه فأصبح يشعر بأنه أراد العاشر لأنه لا يصبح صائما بعد أن أصبح من
تاسعه الا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة وهو الليلة العاشرة (قلت) ويقوى هذا الاحتمال
ما رواه مسلم أيضا من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لئن بقيت إلى قابل
لأصومن التاسع فمات قبل ذلك فإنه ظاهر في أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم العاشر وهم بصوم
التاسع فمات قبل ذلك ثم ما هم به من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى
اليوم العاشر اما احتياطا له واما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح وبه يشعر بعض روايات
مسلم ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود صوموا
يوما قبله أو يوما بعده وهذا كان في آخر الامر وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة
212

أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشئ ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان فلما فتحت مكة
واشتهر أمر الاسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح فهذا من ذلك فوافقهم
أولا وقال نحن أحق بموسى منكم ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده
خلافا لهم ويؤيده رواية الترمذي من طريق أخرى بلفظ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بصيام عاشوراء يوم العاشر وقال بعض أهل العلم قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم لئن
عشت إلى قابل لأصومن التاسع يحتمل أمرين أحدهما انه أراد نقل العاشر إلى التاسع والثاني
أراد أن يضيفه إليه في الصوم فلما توفى صلى الله عليه وسلم قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم
اليومين وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب أدناها أن يصام وحده وفوقه أن
يصام التاسع معه وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر والله أعلم ثم بدأ المصنف بالأخبار
الدالة على أنه ليس بواجب ثم بالأخبار الدالة على الترغيب في صيامه * الحديث الأول حديث
ابن عمر أورده من رواية عمر بن محمد أي ابن زيد بن عبد الله بن عمر عن عم أبيه سالم بن عبد الله بن عمر
عن أبيه وقد أخرجه مسلم عن أحمد بن عثمان النوفلي عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه وصرح
بالتحديث في جميع اسناده (قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء ان شاء صام)
كذا وقع في جميع النسخ من البخاري مختصرا وعند ابن خزيمة في صحيحه عن أبي موسى عن أبي
عاصم بلفظ ان اليوم يوم عاشوراء فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطره وعند الإسماعيلي قال
يوم عاشوراء من شاء صامه ومن شاء أفطره وفى رواية مسلم ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم عاشوراء فقال كان يوم يصومه أهل الجاهلية فمن شاء صامه ومن شاء تركه وقد تقدم في أول
كتاب الصيام من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر بلفظ صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء
وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك فيحمل حديث سالم على ثاني الحال التي أشار إليها نافع
في روايته ويجمع بين الحديثين بذلك * الحديث الثاني حديث عائشة من طريقين الأولى
طريق الزهري قال أخبرني عروة وهو موافق لرواية نافع المذكورة والثانية من رواية هشام
عن أبيه مثله وفيها زيادة ان أهل الجاهلية كانوا يصومونه وان النبي صلى الله عليه وسلم كان
يصومه في الجاهلية أي قبل ان يهاجر إلى المدينة وأفادت تعيين الوقت الذي وقع فيه الامر بصيام
عاشوراء وقد كان أول قدومه المدينة ولا شك ان قدومه كان في ربيع الأول فحينئذ كان
الامر بذلك في أول السنة الثانية وفى السنة الثانية فرض شهر رمضان فعلى هذا لم يقع الامر
بصيام عاشوراء الا في سنة واحدة ثم فوض الامر في صومه إلى رأى المتطوع فعلى تقدير صحة
قول من يدعى انه كان قد فرض فقد نسخ فرضه بهذه الأحاديث الصحيحة ونقل عياض ان بعض
السلف كان يرى بقاء فريضة عاشوراء لكن انقرض القائلون بذلك ونقل ابن عبد البر الاجماع
على أنه الآن ليس بفرض والاجماع على أنه مستحب وكان ابن عمر يكره قصده بالصوم ثم انقرض
القول بذلك وأما صيام قريش لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف ولهذا كانوا
يعظمونه بكسوة الكعبة فيه وغير ذلك ثم رأيت في المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير
عن عكرمة انه سئل عن ذلك فقال أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم
صوموا عاشوراء يكفر ذلك هذا أو معناه * الحديث الثالث حديث معاوية من طريق ابن شهاب
213

عن حميد بن عبد الرحمن أي ابن عوف عنه هكذا رواه مالك وتابعه يونس وصالح بن كيسان وابن
عيينة وغيرهم وقال الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وقال النعمان بن راشد
عن الزهري عن السائب بن يزيد كلاهما عن معاوية والمحفوظ رواية الزهري عن حميد بن
عبد الرحمن قاله النسائي وغيره ووقع عند مسلم في رواية يونس عن الزهري أخبرني حميد بن
عبد الرحمن أنه سمع معاوية (قوله عام حج على المنبر) زاد يونس بالمدينة وقال في روايته في
قدمة قدمها وكأنه تأخر بمكة أو المدينة في حجته إلى يوم عاشوراء وذكر أبو جعفر الطبري
ان أول حجة حجها معاوية بعد أن استخلف كانت في سنة أربع وأربعين وآخر حجة حجها سنة
سبع وخمسين والذي يظهر أن المراد بها في هذا الحديث الحجة الأخيرة (قوله أين علماؤكم) في
سياق هذه القصة اشعار بان معاوية لم ير لهم اهتماما بصيام عاشوراء فلذلك سأل عن علمائهم
أو بلغه عمن يكره صيامه أو يوجبه (قوله ولم يكتب الله عليكم صيامه إلى آخره) هو كله من
كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما بينه النسائي في روايته وقد استدل به على أنه لم يكن فرضا قط
ولا دلالة فيه لاحتمال أن يريد ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان وغايته انه
عام خص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه أو المراد أنه لم يدخل في قوله تعالى كتب عليكم الصيام
كما كتب على الذين من قبلكم ثم فسره بأنه شهر رمضان ولا يناقض هذا الامر السابق بصيامه
الذي صار منسوخا ويؤيد ذلك أن معاوية انما صحب النبي صلى الله عليه وسلم من سنة الفتح
والذين شهدوا أمره بصيام عاشوراء والنداء بذلك شهدوه في السنة الأولى أوائل العام الثاني
ويؤخذ من مجموع الأحاديث انه كان واجبا لثبوت الامر بصومه ثم تأكد الامر بذلك ثم زيادة
التأكيد بالنداء العام ثم زيادته بأمر من أكل بالامساك ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن
فيه الأطفال وبقول ابن مسعود الثابت في مسلم لما فرض رمضان ترك عاشوراء مع العلم بأنه
ما ترك استحبابه بل هو باق فدل على أن المتروك وجوبه وأما قول بعضهم المتروك تأكد
استحبابه والباقي مطلق استحبابه فلا يخفى ضعفه بل تأكد استحبابه باق ولا سيما مع استمرار
الاهتمام به حتى في عام وفاته صلى الله عليه وسلم حيث يقول لئن عشت لأصومن التاسع
والعاشر ولترغيبه في صومه وأنه يكفر سنة وأي تأكيد أبلغ من هذا * الحديث الرابع حديث
ابن عباس في سبب صيام عاشوراء (قوله عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه) وقع
في رواية ابن ماجة من وجه آخر عن أيوب عن سعيد بن جبير والمحفوظ أنه عند أيوب بواسطة
وكذلك أخرجه مسلم (قوله قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم) في رواية
مسلم فوجد اليهود صياما (قوله فقال ما هذا) في رواية مسلم فقال لهم ما هذا وللمصنف في
تفسير طه من طريق أبى بشر عن سعيد بن جبير فسألهم (قوله هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله
بني إسرائيل من عدوهم) في رواية مسلم هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون
وقومه (قوله فصامه موسى) زاد مسلم في روايته شكر الله تعالى فنحن نصومه وللمصنف في
الهجرة في رواية أبى بشر ونحن نصومه تعظيما له ولأحمد من طريق شبيل بن عوف عن أبي هريرة
نحوه وزاد فيه وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكرا وقد
استشكل ظاهر الخبر لاقتضائه انه صلى الله عليه وسلم حين قدومه المدينة وجد اليهود صياما يوم
214

عاشوراء وانما قدم المدينة في ربيع الأول والجواب عن ذلك أن المراد أن أول علمه بذلك وسؤاله
عنه كان بعد أن قدم المدينة لا أنه قبل أن يقدمها علم ذلك وغايته أن في الكلام حذفا تقديره
قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأقام إلى يوم عاشوراء فوجد اليهود فيه صياما ويحتمل ان
يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية فصادف يوم عاشوراء
بحسابهم اليوم الذي قدم فيه صلى الله عليه وسلم المدينة وهذا التأويل مما يترجح به أولوية المسلمين
وأحقيتهم بموسى عليه الصلاة والسلام لاضلالهم اليوم المذكور وهداية الله للمسلمين له
ولكن سياق الأحاديث تدفع هذا التأويل والاعتماد على التأويل الأول ثم وجدت في المعجم
الكبير للطبراني مما يؤيد الاحتمال المذكور أولا وهو ما أخرجه في ترجمة زيد بن ثابت من طريق
أبى الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقوله
الناس انما كان يوم تستر فيه الكعبة وكان يدور في السنة وكانوا يأتون فلانا اليهودي يعنى ليحسب
لهم فلما مات أتوا زيد بن ثابت فسألوه وسنده حسن قال شيخنا الهيتمي في زوائد المسانيد لا أدرى
ما معنى هذا (قلت) ظفرت بمعناه في كتاب الآثار القديمة لأبى الريحان البيروني فذكر ما حاصله
ان جهلة اليهود يعتمدون في صيامهم وأعيادهم حساب النجوم فالسنة عندهم شمسية لا هلالية
(قلت) فمن ثم احتاجوا إلى من يعرف الحساب ليعتمدوا عليه في ذلك (قوله وأمر بصيامه)
للمصنف في تفسير يونس من طريق أبى بشر أيضا فقال لأصحابه أنتم أحق بموسى منهم فصوموا
واستشكل رجوعه إليهم في ذلك وأجاب المازري باحتمال أن يكون أوحى إليه بصدقهم أو تواتر
عنده الخبر بذلك زاد عياض أو أخبره به من أسلم منهم كابن سلام ثم قال ليس في الخبر أنه ابتدأ
الامر بصيامه بل في حديث عائشة التصريح بأنه كان يصومه قبل ذلك فغاية ما في القصة انه لم
يحدث له بقول اليهود تجديد حكم وانما هي صفة حال وجواب سؤال ولم تختلف الروايات عن
ابن عباس في ذلك ولا مخالفة بينه وبين حديث عائشة ان أهل الجاهلية كانوا يصومونه كما تقدم
إذ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك قال القرطبي لعل قريشا
كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم
يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير فلما هاجر
ووجد اليهود يصومونه وسألهم وصامه وأمر بصيامه احتمل ذلك ان يكون ذلك استئلافا
لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم ويحتمل غير ذلك وعلى كل حال فلم يصمه اقتداء بهم فإنه كان
يصومه قبل ذلك وكان ذلك في الوقت الذي يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه وقد
أخرج مسلم من طريق أبى غطفان بفتح المعجمة ثم المهملة بعدها فاء ابن طريف بمهملة وزن عظيم
سمعت ابن عباس يقوم صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا إنه يوم
تعظمه اليهود والنصارى الحديث واستشكل بان التعليل بنجاة موسى وغرق فرعون يختص
بموسى واليهود وأجيب باحتمال ان يكون عيسى كان يصومه وهو مما لم ينسخ من شريعة موسى
لان كثيرا منها ما نسخ بشريعة عيسى لقوله تعالى ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ويقال
ان أكثر الاحكام الفرعية انما تتلقاها النصارى من التوراة وقد أخرج أحمد من وجه آخر عن
ابن عباس زيادة في سبب صيام اليهود له وحاصلها أن السفينة استوت على الجودي فيه فصامه
215

نوح وموسى شكرا وقد تقدمت الإشارة لذلك قريبا وكأن ذكر موسى دون غيره هنا لمشاركته لنوح
في النجاة وغرق أعدائهما * الحديث الخامس حديث أبي موسى وهو الأشعري قال كان يوم
عاشوراء تعده اليهود عيدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم فصوموه أنتم وفى رواية مسلم كان يوم
عاشوراء تعظمه اليهود تتخذه عيدا فظاهره ان الباعث على الامر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى
يصام ما يفطرون فيه لان يوم العيد لا يصام وحديث ابن عباس يدل على أن الباعث على صيامه
موافقتهم على السبب وهو شكر الله تعالى على نجاة موسى لكن لا يلزم من تعظيمهم له واعتقادهم
بأنه عيد أنهم كانوا لا يصومونه فلعلهم كان من جملة تعظيمهم في شرعهم أن يصوموه وقد ورد ذلك
صريحا في حديث أبي موسى هذا فيما أخرجه المصنف في الهجرة بلفظ وإذا أناس من اليهود
يعظمون عاشوراء ويصومونه ولمسلم من وجه آخر عن قيس بن مسلم باسناده قال كان أهل خيبر
يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم وهو بالشين المعجمة
أي هيئتهم الحسنة وقوله هذا يوم الإشارة إلى نوع اليوم لا إلى شخصه ومثله قوله تعالى ولا تقربا
هذه الشجرة فيما ذكره الفخر الرازي في تفسيره * الحديث السادس حديث ابن عباس أيضا من
طريق ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد وقد رواه أحمد عن ابن عيينة قال أخبرني عبيد الله بن أبي
يزيد منذ سبعين سنة (قوله ما رأيت الخ) هذا يقتضى أن يوم عاشوراء أفضل الأيام للصائم
بعد رمضان لكن ابن عباس أسند ذلك إلى علمه فليس فيه ما يرد علم غيره وقد روى مسلم من
حديث أبي قتادة مرفوعا ان صوم عاشوراء يكفر سنة وان صيام يوم عرفة يكفر سنتين وظاهره ان
صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء وقد قيل في الحكمة في ذلك ان يوم عاشوراء منسوب
إلى موسى عليه السلام ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك كان أفضل (قوله
يتحرى) أي يقصد (قوله وهذا الشهر يعنى شهر رمضان) كذا ثبت في جميع الروايات وكذا هو
عند مسلم وغيره وكأن ابن عباس اقتصر على قوله وهذا الشهر وأشار بذلك إلى شئ مذكور كأنه
تقدم ذكر رمضان وذكر عاشوراء أو كانت المقالة في أحد الزمانين وذكر الآخر فلهذا قال الراوي
عنه يعنى رمضان أو أخذه الراوي من جهة الحصر في أن لا شهر يصام الا رمضان لما تقدم له عن
ابن عباس أنه كان يقول لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهرا كاملا الا رمضان وانما جمع
ابن عباس بين عاشوراء ورمضان وإن كان أحدهما واجبا والآخر مندوبا لاشتراكهما في
حصول الثواب لان معنى يتحرى أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه * الحديث السابع
حديث سلمة بن الأكوع في الامر بصوم عاشوراء وقد تقدم في أثناء الصيام في باب إذا نوى بالنهار
صوما وأخرجه عاليا أيضا ثلاثيا وقد تقدم الكلام عليه هناك واستدل به على اجزاء الصوم بغير
نية لمن طرأ عليه العلم بوجوب صوم ذلك اليوم كمن ثبت عنده في أثناء النهار أنه من رمضان فإنه
يتم صومه ويجزئه وقد تقدم البحث في ذلك والرد على من ذهب إليه وأن عند أبي داود وغيره أمر
من كان أكل بقضاء ذلك اليوم مع الامر بامساكه والله أعلم * (خاتمة) * اشتمل كتاب الصيام من
أوله إلى هنا على مائة وسبعة وخمسين حديثا المعلق منها ستة وثلاثون حديثا والبقية موصولة
والمكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية وستون حديثا والخالص تسعة وثمانون حديثا وافقه
مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة من لم يدع قول الزور وحديث عمار في صوم يوم الشك
216

وحديث أنس آلى من نسائه وحديث أبي هريرة في الامر بفطر الجنب وحديث عامر بن ربيعة
في السواك وحديث عائشة السواك مطهرة للفم وحديث أبي هريرة لولا أن أشق على أمتي
لامرتهم بالسواك عند كل وضوء فالذي خرجه مسلم بلفظ عند كل صلاة وحديث جابر فيه
وحديث زيد بن خالد فيه وحديث أبي هريرة من أفطر في رمضان وحديث الحسن عن غير واحد
أفطر الحاجم والمحجوم وجميع ذلك سوى الأول معلقات وحديث ابن عباس احتجم وهو صائم
وحديث أنس في كراهة الحجامة للصائم وحديث ابن عمر في نسخ وعلى الذين يطيقونه وحديث
سلمة بن الأكوع في ذلك وحديث ابن أبي ليلى عن الصحابي في تحويل الصيام وحديث أبي
هريرة في التفريط وحديث النهى عن الوصال ابقاء عليهم وهذه الثلاثة معلقات وحديث أبي
سعيد في النهى عن الوصال وحديث أبي جحيفة في قصة سلمان وأبى الدرداء وحديث أنس في
الدخول على أم سليم وحديث جويرية في صوم يوم الجمعة وحديث ابن عمر في نذر صوم يوم العيد
وحديثه في صيام أيام التشريق وحديث عائشة في ذلك على شك في رفعهما وفيه من الآثار
عن الصحابة والتابعين ستون أثرا أكثرها معلق واليسير منها موصول والله أعلم
* (بسم الله الرحمن الرحيم * (كتاب صلاة التراويح) *
كذا في رواية المستملى وحده وسقط هو والبسملة من رواية غيره والتراويح جمع ترويحة وهى
المرة الواحدة من الراحة كتسليمة من السلام وسميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح
لانهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين وقد عقد محمد بن نصر في قيام الليل
بابين لمن استحب التطوع لنفسه بين كل ترويحتين ولمن كره ذلك وحكى فيه عن يحيى بن بكير عن
الليث انهم كانوا يستريحون قدر ما يصلى الرجل كذا كذا ركعة * (قوله باب فضل
من قام رمضان) أي قام لياليه مصليا والمراد من قيام الليل ما يحصل به مطلق القيام كما قدمناه في
التهجد سواء وذكر النووي أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح يعنى أنه يحصل بها المطلوب
من القيام لا ان قيام رمضان لا يكون الا بها وأغرب الكرماني فقال اتفقوا على أن المراد بقيام
رمضان صلاة التراويح (قوله عن ابن شهاب) في رواية ابن القاسم عند النسائي عن مالك
حدثني ابن شهاب (قوله أخبرني أبو سلمة) كذا رواه عقيل وتابعه يونس وشعيب وابن أبي ذئب
ومعمر وغيرهم وخالفه مالك فقال عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بدل أبى سلمة وقد صح
الطريقان عند البخاري فأخرجهما على الولاء وقد أخرجه النسائي من طريق جويرية بن أسماء
عن مالك عن الزهري عنهما جميعا وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه وصحح الطريقين وحكى
أن أبا همام رواه عن ابن عيينة عن الزهري فخالف الجماعة فقال عن سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة وخالفه أصحاب سفيان فقالوا عن أبي سلمة وقد رواه النسائي من طريق سعيد بن أبي هلال
عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب مرسلا (قوله يقول لرمضان) أي لفضل رمضان أو لأجل
رمضان ويحتمل أن تكون اللام بمعنى عن أي يقول عن رمضان (قوله ايمانا) أي تصديقا
بوعد الله بالثواب عليه واحتسابا أي طلبا للاجر لا لقصد آخر من رياء أو نحوه (قوله غفر له)
ظاهره يتناول الصغائر والكبائر وبه جزم ابن المنذر وقال النووي المعروف أنه يختص بالصغائر
217

وبه جزم امام الحرمين وعزاه عياض لأهل السنة قال بعضهم ويجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم
يصادف صغيرة (قوله ما تقدم من ذنبه) زاد قتيبة عن سفيان عند النسائي وما تأخر وكذا زادها
حامد بن يحيى عند قاسم بن أصبغ والحسين بن الحسن المروزي في كتاب الصيام له وهشام بن عمار
في الجزء الثاني عشر من فوائده ويوسف بن يعقوب النجاحي في فوائده كلهم عن ابن عيينة
ووردت هذه الزيادة من طريق أبى سلمة من وجه آخر أخرجها أحمد من طريق حماد بن سلمة عن
محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعن ثابت عن الحسن كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم
ووقعت هذه الزيادة من رواية مالك نفسه أخرجها أبو عبد الله الجرجاني في أماليه من طريق بحر
ابن نصر عن ابن وهب عن مالك ويونس عن الزهري ولم يتابع بحر بن نصر على ذلك أحد من
أصحاب ابن وهب ولا من أصحاب مالك ولا يونس سوى ما قدمناه وقد ورد في غفران ما تقدم وما
تأخر من الذنوب عدة أحاديث جمعتها في كتاب مفرد وقد استشكلت هذه الزيادة من حيث إن
المغفرة تستدعى سبق شئ يغفر والمتأخر من الذنوب لم يأت فكيف يغفر والجواب عن ذلك يأتي
في قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله عز وجل أنه قال في أهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
ومحصل الجواب أنه قيل إنه كناية عن حفظهم من الكبائر فلا تقع منهم كبيرة بعد ذلك وقيل إن
معناه ان ذنوبهم أنكر مغفورة وبهذا أجاب جماعة منهم الماوردي في الكلام على حديث صيام
عرفة وأنه يكفر سنتين سنة ماضية وسنة آتية (قوله قال ابن شهاب فتوفى رسول الله صلى الله
عليه وسلم والناس) في رواية الكشميهني والامر على ذلك أي على ترك الجماعة في التراويح ولأحمد
من رواية ابن أبي ذئب عن الزهري في هذا الحديث ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع
الناس على القيام وقد أدرج بعضهم قول ابن شهاب في نفس الخبر أخرجه الترمذي من طريق
معمر عن ابن شهاب وأما ما رواه ابن وهب عن أبي هريرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا
الناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد فقال ما هذا فقيل ناس يصلى بهم أبي بن كعب فقال
أصابوا ونعم ما صنعوا ذكره ابن عبد البر وفيه مسلم بن خالد وهو ضعيف والمحفوظ أن عمر هو الذي
جمع الناس على أبي بن كعب (قوله وعن ابن شهاب) هو موصول بالاسناد المذكور أيضا وهو في
الموطأ بالاسنادين لكن فرقهما حديثين وقد أدرج بعض الرواة قصة عمر في الاسناد الأول
أخرجه اسحق في مسنده عن عبد الله بن الحرث المخزومي عن يونس عن الزهري فزاد بعد قوله
وصدرا من خلافة عمر حتى جمعهم عمر على أبي بن كعب فقام بهم في رمضان فكان ذلك أول
اجتماع الناس على قارئ واحد في رمضان وجزم الذهلي في علل حديث الزهري بأنه وهم من
عبد الله بن الحرث والمحفوظ رواية مالك ومن تابعه وان قصة عمر عند ابن شهاب عن عروة عن
عبد الرحمن بن عبد وهو بغير إضافة لا عن أبي سلمة (قوله أوزاع) بسكون الواو بعدها زاي أي
جماعة متفرقون وقوله في الرواية متفرقون تأكيد لفظي وقوله يصلى الرجل لنفسه بيان لما
أجمل أولا وحاصله أن بعضهم كان يصلى منفردا وبعضهم يصلى جماعة قيل يؤخذ منه جواز
الائتمام بالمصلى وان لم ينو الإمامة (قوله أمثل) قال ابن التين وغيره استنبط عمر ذلك من تقرير
النبي صلى الله عليه وسلم من صلى معه في تلك الليالي وإن كان كره ذلك لهم فإنما كرهه خشية ان
يفرض عليهم وكأن هذا هو السر في ايراد البخاري لحديث عائشة عقب حديث عمر فلما مات
218

النبي صلى الله عليه وسلم حصل الامن من ذلك ورجح عند عمر ذلك لما في الاختلاف من افتراق
الكلمة ولان الاجتماع على واحد أنشط لكثير من المصلين والى قول عمر جنح الجمهور وعن مالك
في إحدى الروايتين وأبى يوسف وبعض الشافعية الصلاة في البيوت أفضل عملا بعموم قوله
صلى الله عليه وسلم أفضل صلاة المرء في بيته الا المكتوبة وهو حديث صحيح أخرجه مسلم من
حديث أبي هريرة وبالغ الطحاوي فقال إن صلاة التراويح في الجماعة واجبة على الكفاية وقال
ابن بطال قيام رمضان سنة لان عمر انما أخذه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وانما تركه النبي
صلى الله عليه وسلم خشية الافتراض وعند الشافعية في أصل المسئلة ثلاثة أوجه ثالثها من
كان يحفظ القرآن ولا يخاف من الكسل ولا تختل الجماعة في المسجد بتخلفه
فصلاته في الجماعة
والبيت سواء فمن فقد بعض ذلك فصلاته في الجماعة أفضل (قوله فجمعهم على أبي بن كعب) أي
جعله لهم إماما وكأنه اختاره عملا بقوله صلى الله عليه وسلم يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله وسيأتى
في تفسير البقرة قول عمر أقرؤنا أبى وروى سعيد بن منصور من طريق عروة ان عمر جمع الناس
على أبي بن كعب فكان يصلى بالرجال وكان تميم الداري يصلى بالنساء ورواه محمد بن نصر في كتاب
قيام الليل له من هذا الوجه فقال سليمان بن أبي حثمة بدل تميم الداري ولعل ذلك كان في وقتين (قوله
فخرج ليلة والناس يصلون بصلاة قارئهم) (3) أي امامهم المذكور وفيه اشعار بان عمر كان
لا يواظب على الصلاة معهم وكأنه كان يرى أن الصلاة في بيته ولا سيما في آخر الليل أفضل وقد روى
محمد بن نصر في قيام الليل من طريق طاوس عن ابن عباس قال كنت عند عمر في المسجد فسمع هيعة
الناس فقال ما هذا قيل خرجوا من المسجد وذلك في رمضان فقال ما بقى من الليل أحب إلى مما
مضى ومن طريق عكرمة عن ابن عباس نحوه من قوله (قوله قال عمر نعم البدعة) في بعض
الروايات نعمت البدعة بزيادة تاء والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق وتطلق في الشرع
في مقابل السنة فتكون مذمومة والتحقيق انها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في
الشرع فهي حسنة وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة والا
فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة (قوله والتي ينامون عنها أفضل) هذا
تصريح منه بان الصلاة في آخر الليل أفضل من أوله لكن ليس فيه ان الصلاة في قيام الليل
فرادى أفضل من التجميع * (تكميل) * لم يقع في هذه الرواية عدد الركعات التي كان يصلى بها
أبي بن كعب وقد اختلف في ذلك ففي الموطأ عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد انها إحدى
عشرة ورواه سعيد بن منصور من وجه آخر وزاد فيه وكانوا يقرؤن بالمائتين ويقومون على
العصى من طول القيام ورواه محمد بن نصر المروزي من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن يوسف
فقال ثلاث عشرة ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن محمد بن يوسف فقال إحدى وعشرين
وروى مالك من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد عشرين ركعة وهذا محمول على غير
الوتر وعن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون في زمان عمر بثلاث وعشرين وروى محمد
ابن نصر من طريق عطاء قال أدركتهم في رمضان يصلون عشرين ركعة وثلاث ركعات
الوتر والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال ويحتمل ان ذلك الاختلاف بحسب
تطويل القراءة وتخفيفها صلاية يطيل القراءة تقل الركعات وبالعكس وبذلك جزم الداودي
219

وغيره والعدد الأول موافق لحديث عائشة المذكور بعد هذا الحديث في الباب والثاني
قريب منه والاختلاف فيما زاد عن العشرين راجح إلى الاختلاف في الوتر وكأنه كان تارة
يوتر بواحدة وتارة بثلاث وروى محمد بن نصر من طريق داود بن قيس قال أدركت الناس في امارة
أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز يعنى بالمدينة يقومون بست وثلاثين ركعة ويوترون
بثلاث وقال مالك هو الامر القديم عندنا وعن الزعفراني عن الشافعي رأيت الناس يقومون
بالمدينة بتسع وثلاثين وبمكة بثلاث وعشرين وليس في شئ من ذلك ضيق وعنه قال إن أطالوا
القيام وأقلوا السجود فحسن وان أكثروا السجود وأخفوا القراءة فحسن والأول أحب إلى
وقال الترمذي أكثر ما قيل فيه انها تصلى إحدى وأربعين ركعة يعنى بالوتر كذا قال وقد نقل
ابن عبد البر عن الأسود بن يزيد تصلى أربعين ويوتر بسبع وقيل ثمان وثلاثين ذكره محمد بن
نصر عن ابن أيمن عن مالك وهذا يمكن رده إلى الأول بانضمام ثلاث الوتر لكن صرح في روايته
بأنه يوتر بواحدة فتكون أربعين الا واحدة قال مالك وعلى هذا العمل منذ بضع ومائة سنة وعن
مالك ست وأربعين وثلاث الوتر وهذا هو المشهور عنه وقد رواه ابن وهب عن العمرى عن نافع
قال لم أدرك الناس الا وهم يصلون تسعا وثلاثين يوترون منها بثلاث وعن زرارة بن أوفى انه كان
يصلى بهم بالبصرة أربعا وثلاثين ويوتر وعن سعيد بن جبير أربعا وعشرين وقيل ست عشرة
غير الوتر روى عن أبي مجلز عند محمد بن نصر وأخرج من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن
يوسف عن جده السائب بن يزيد قال كنا نصلى زمن عمر في رمضان ثلاث عشرة قال ابن إسحاق
وهذا أثبت ما سمعت في ذلك وهو موافق لحديث عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من
الليل والله أعلم (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم صلى وذلك في رمضان) هكذا اورده مقتصرا على شئ من أوله وشئ من آخره وقد اورده تاما
في أبواب التهجد بلفظ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته
ناس فذكر الحديث إلى قوله خشيت ان تفرض عليكم وذلك في رمضان وقد تقدم شرحه
مستوفى هناك (قوله خشيت ان تفرض عليكم) قال ابن المنير في الحاشية يؤخذ منه ان
الشروع ملزم إذ لا تظهر مناسبة بين كونهم يفعلون ذلك ويفرض عليهم الا ذلك انتهى وفيه
نظر لأنه يحتمل ان يكون السبب في ذلك الظهور اقتدارهم على ذلك من غير تكلف فيفرض عليهم
(قوله في آخر طريق عقيل فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والامر على ذلك) هذه الزيادة
من قول الزهري كما بينته في الكلام على الحديث الأول (قوله ما كان يزيد في رمضان الخ) تقدم
الكلام عليه مستوفى في أبواب التهجد وأما ما رواه ابن أبي شيبة من حديث ابن عباس كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى في رمضان عشرين ركعة والوتر فإسناده ضعيف وقد
عارضه حديث عائشة هذا الذي في الصحيحين مع كونها اعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم ليلا من
غيرها والله أعلم * (قوله باب فضل ليلة القدر وقال الله تعالى انا أنزلناه في ليلة القدر
وما أدراك ما ليلة القدر إلى آخر السورة) ثبت في رواية أبي ذر قبل الباب بسملة وفى رواية غيره
220

وقول الله عز وجل أي وتفسير قول الله وساق في رواية كريمة السورة كلها ومناسبة ذلك للترجمة
من جهة ان نزول القرآن في زمان بعينه يقتضى فضل ذلك الزمان والضمير في قوله انا أنزلناه
للقرآن لقوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القران ومما تضمنته السورة من فضل ليلة القدر
تنزل الملائكة فيها وسيأتى في التفسير ذكر الاختلاف في سبب نزولها وغير ذلك من تفسيرها
واختلف في المراد بالقدر الذي أضيفت إليه الليلة فقيل المراد به التعظيم كقوله تعالى وما قدروا
الله حق قدره والمعنى انها ذات قدر لنزول القرآن فيها أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة أو لما ينزل
فيها من البركة والرحمة والمغفرة أو ان الذي يحييها يصير ذا قدر وقيل القدر هنا التضييق كقوله تعالى
ومن قدر عليه رزقه ومعنى التضييق فيها اخفاؤها عن العلم بتعيينها أو لان الأرض تضيق فيها عن
الملائكة وقيل القدر هنا بمعنى القدر بفتح الدال الذي هو مؤاخي القضاء والمعنى انه يقدر فيها
أحكام تلك السنة لقوله تعالى فيها يفرق كل أمر حكيم وبه صدر النووي كلامه فقال قال العلماء
سميت ليلة القدر لما تكتب فيها الملائكة من الاقدار لقوله تعالى فيها يفرق كل أمر حكيم ورواه
عبد الرزاق وغيره من المفسرين بأسانيد صحيحة عن مجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم وقال
التوربشتي انما جاء القدر بسكون الدال وإن كان الشائع في القدر الذي هو مؤاخى القضاء فتح
الدال ليعلم انه لم يرد به ذلك وانما أريد به تفصيل ما جرى به القضاء واظهاره وتحديده في تلك السنة
لتحصيل ما يلقى إليهم فيها مقدارا بمقدار (قوله قال ابن عيينة الخ) وصله محمد بن يحيى بن أبي عمر في
كتاب الايمان له من رواية أبى حاتم الرازي عنه قال حدثنا سفيان بن عيينة فذكره بلفظ كل شئ
في القرآن وما ادراك فقد أخبره به وكل شئ فيه وما يدرك فلم يخبره به انتهى وعزاه مغلطاي
فيما قرأت بخطه لتفسير ابن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن عنه وقد راجعت منه نسخة بخط
الحافظ الضياء فلم أجده فيه ومقصود ابن عيينة انه صلى الله عليه وسلم كان يعرف تعيين ليلة القدر
وقد تعقب هذا الحصر بقوله تعالى لعله يزكى فإنها نزلت في ابن أم مكتوم وقد علم صلى الله عليه
وسلم بحاله وانه ممن تزكى ونفعته الذكرى (قوله حفظناه من الزهري أيما حفظ) (3) برفع أي وما
زائدة وهو مبتدأ وخبره محذوف تقديره حفظ ومن الزهري متعلق بحفظناه وروى بنصب ايماء
على أنه مفعول مطلق لحفظ المقدر (قوله من صام رمضان) تقدم في الباب قبله من رواية مالك
عن الزهري بسنده بلفظ قام بدل صام وتقدم الكلام عليه وزاد ابن عيينة في روايته هنا ومن
قام ليلة القدر الخ (قوله تابعه سليمان بن كثير عن الزهري) وصله الذهلي في الزهريات وقد تقدم
شرحه في الباب قبله وسنذكر بقية الكلام على ليلة القدر قريبا * (قوله باب
التماس ليلة القدر في السبع الأواخر) في رواية الكشميهني التمسوا بصيغة الامر وهذه الترجمة
والتي بعدها وهى تحرى ليلة القدر معقودتان لبيان ليلة القدر وقد اختلف الناس فيها على
مذاهب كثيرة سأذكرها مفصلة بعد الفراغ من شرح أحاديث البابين (قوله أن رجالا من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم) لم أقف على تسمية أحد من هؤلاء (قوله أروا ليلة القدر) أروا بضم
أوله على البناء للمجهول أي قيل لهم في المنام انها في السبع الأواخر والظاهر أن المراد به أواخر
الشهر وقيل المراد به السبع إلى أولها ليلة الثاني والعشرين وآخرها ليلة الثامن والعشرين
فعلى الأول لا تدخل ليلة إحدى وعشرين ولا ثلاث وعشرين وعلى الثاني تدخل الثانية فقط
221

ولا تدخل ليلة التاسع والعشرين وقد رواه المصنف في التعبير من طريق الزهري عن سالم عن أبيه
ان ناسا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر وان ناسا أروا انها في العشر الأواخر فقال النبي صلى
الله عليه وسلم التمسوها في السبع الأواخر وكأنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى المتفق عليه من
الروايتين فامر به وقد رواه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري بلفظ رأى رجل ان ليلة القدر ليلة
سبع وعشرين أو كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم التمسوها في العشر البواقي في الوتر منها
ورواه أحمد من حديث على مرفوعا ان غلبتم فلا تغلبوا في السبع البواقي ولمسلم عن جبلة بن
سحيم عن ابن عمر بلفظ من كان يلتمسها فيلتمسها في العشر الأواخر ولمسلم من طريق عقبة بن
حريث عن ابن عمر التمسوها في العشر الأواخر فان ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع
البواقي وهذا السياق يرجح الاحتمال الأول من تفسير السبع (قوله أرى) بفتحتين أي أعلم
والمراد أبصر مجازا (قوله رؤياكم) قال عياض كذا جاء بافراد الرؤيا والمراد مرائيكم لأنها لم
تكن رؤيا واحدة وانما أراد الجنس وقال ابن التين كذا روى بتوحيد الرؤيا وهو جائز لأنها
مصدر قال وأفصح منه رؤاكم جمع رؤيا ليكون جمعا في مقابلة جمع (قوله تواطأت) بالهمزة
أي توافقت وزنا ومعنى وقال ابن التين روى بغير همز والصواب بالهمز وأصله أن يطأ الرجل
برجله مكان وطء صاحبه وفى هذا الحديث دلالة على عظم قدر الرؤيا وجواز الاستناد إليها في
الاستدلال على الأمور الوجودية بشرط ان لا يخالف القواعد الشرعية وسنذكر بسط القول
في أحكام الرؤيا في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا هشام) هو الدستوائي ويحيى
هو ابن أبي كثير ويأتي في الاعتكاف من طريق علي بن المبارك عن يحيى سمعت أبا سلمة (قوله
سألت أبا سعيد وكان لي صديقا فقال اعتكفنا) لم يذكر المسؤول عنه في هذه الطريق وفى رواية
على المذكورة سألت أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ليلة القدر فقال نعم
فذكر الحديث ولمسلم من طريق معمر عن يحيى تذاكرنا ليلة القدر في نفر من قريش فاتيت
أبا سعيد فذكره وفى رواية همام عن يحيى في باب السجود في الماء والطين من صفة الصلاة
انطلقت إلى أبي سعيد فقلت ألا تخرج بنا إلى النخل فنتحدث فخرج فقلت حدثني ما سمعت من
النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر فأفاد بيان سبب السؤال وفيه تانيس الطالب للشيخ في
طلب الاختلاء به ليتمكن مما يريد من مسألته (قوله اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
العشر الأوسط) هكذا وقع في أكثر الروايات والمراد بالعشر الليالي وكان من حقها ان توصف
بلفظ التأنيث لكن وصفت بالمذكر على إرادة الوقت أو الزمان أو التقدير الثلث كأنه قال الليالي
العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر ووقع في الموطأ العشر الوسط بضم الواو والسين جمع
وسطى ويروى بفتح السين مثل كبر وكبرى ورواه الباجي في الموطأ باسكانها على أنه جمع واسط
كبازل وبزل وهذا يوافق رواية الأوسط ووقع في رواية محمد بن إبراهيم في الباب الذي يليه كان
يجاور العشر التي في وسط الشهر وفى وراية مالك الآتية في أول الاعتكاف كان يعتكف
والاعتكاف مجاورة مخصوصة ولمسلم من طريق أبى نضرة عن أبي سعيد اعتكف العشر
الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل ان تبان له فلما انقضين أمر بالبناء فقوض ثم أبينت
له انها في العشر الأواخر فامر بالبناء فأعيد وزاد في رواية عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم انه
222

اعتكف العشر الأول ثم اعتكف العشر الأوسط ثم اعتكف العشر الأواخر ومثله في رواية
همام المذكورة وزاد فيها ان جبريل أتاه في المرتين فقال له ان الذي تطلب أمامك وهو بفتح
الهمزة والميم أي قدامك قال الطيبى وصف الأول والأوسط بالمفرد والأخير بالجمع إشارة إلى تصوير
ليلة القدر في كل ليلة من ليالي العشر الأخير دون الأولين (قوله فخرج صبيحة عشرين فخطبنا)
في رواية مالك المذكورة حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهى الليلة التي يخرج من
صبيحتها من اعتكافه وظاهره يخالف رواية الباب ومقتضاه ان خطبته وقعت في أول اليوم
الحادي والعشرين وعلى هذا يكون أول ليالي اعتكافه الأخير ليلة اثنتين وعشرين وهو مغاير
لقوله في آخر الحديث فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين
من صبح إحدى وعشرين فإنه ظاهر في أن الخطبة كانت في صبح اليوم العشرين ووقوع المطر
كان في ليلة إحدى وعشرين وهو الموافق لبقية الطرق وعلى هذا فكأن قوله في رواية مالك
المذكورة وهى الليلة التي يخرج من صبيحتها أي من الصبح الذي قبلها ويكون في إضافة الصبح
إليها تجوز وقد أطال ابن دحية في تقرير أن الليلة تضاف لليوم الذي قبلها ورد على من منع ذلك
ولكن لم يوافق على ذلك فقال ابن حزم رواية ابن أبي حازم والدراوردي يعنى رواية حديث الباب
مستقيمة ورواية مالك مشكلة وأشار إلى تأويلها بنحو مما ذكرته ويؤيده ان في رواية الباب
الذي يليه فإذا كان حين يمسى من عشرين ليلة تمضى ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى
مسكنه وهذا في غاية الايضاح وأفاد ابن عبد البر في الاستذكار أن الرواة عن مالك اختلفوا
عليه في لفظ الحديث فقال بعد ذكر الحديث هكذا رواه يحيى بن يحيى ويحيى بن بكير والشافعي
عن مالك يخرج في صبيحتها من اعتكافه ورواه ابن القاسم وابن وهب والقعنبي وجماعة عن
مالك فقالوا وهى الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه قال وقد روى ابن وهب وابن عبد الحكم
عن مالك فقال من اعتكف أول الشهر أو وسطه فإنه يخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من
اعتكافه ومن اعتكف في آخر الشهر فلا ينصرف إلى بيته حتى يشهد العيد قال ابن عبد البر
ولا خلاف في الأول وانما الخلاف فيمن اعتكف العشر الأخير هل يخرج إذا غابت الشمس
أولا يخرج حتى يصبح قال وأظن الوهم دخل من وقت خروج المعتكف (قلت) وهو بعيد لما
قرره هو من بيان محل الاختلاف وقد وجه شيخنا الامام البلقيني رواية الباب بان معنى قوله
حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين أي حتى إذا كان المستقبل من الليالي ليلة إحدى
وعشرين وقوله وهى الليلة التي يخرج الضمير يعود على الليلة الماضية ويؤيد هذا قوله من
كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر لأنه لا يتم ذلك الا بادخال الليلة الأولى
(قوله أريت) بضم أوله على البناء لغير معين وهى من الرؤيا أي أعلمت بها أو من الرؤية أي
أبصرتها وانما أرى علامتها وهو السجود في الماء والطين كما وقع في رواية همام المشار إليها
بلفظ حتى رأيت أثر الماء والطين على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق رؤياه (قوله
ثم أنسيتها أو نسيتها) شك من الراوي هل أنساه غيره إياها أو نسيها هو من غير واسطة ومنهم من
ضبط نسيتها بضم أوله والتشديد فهو بمعنى أنسيتها والمراد أنه انسى علم تعيينها في تلك السنة
وسيأتى سبب النسيان في هذه القصة في حديث عبادة بن الصامت بعد باب (قوله أنى اسجد) في
223

رواية الكشميهني أن اسجد (قوله فمن كان اعتكف معي فليرجع) في رواية همام المذكورة من
اعتكف مع النبي وفيه التفات (قوله قزعة) بفتح القاف والزاي أي قطعة من سحاب رقيقة
(قوله فمطرت) بفتحتين في الباب الذي يليه من وجه آخر فاستهلت السماء فأمطرت (قوله حتى
سال سقف المسجد) في رواية مالك فوكف المسجد أي قطر الماء من سقفه وكان على عريش أي
مثل العريش والا فالعريش هو نفس سقفه والمراد أنه كان مظللا بالجريد والخوص ولم يكن محكم
البناء بحيث يكن من المطر الكثير (قوله يسجد في الماء والطين حتى رأيت أثر الطين في جبهته)
وفى رواية مالك على جبهته أثر الماء والطين وفى رواية ابن أبي حازم في الباب الذي يليه انصرف
من الصبح ووجهه ممتلئ طينا وماء وهذا يشعر بان قوله أثر الماء والطين لم يرد به محض الأثر
وهو ما يبقى بعد إزالة العين وقد مضى البحث في ذلك في صفة الصلاة وفى حديث أبي سعيد من
الفوائد ترك مسح جبهة المصلى والسجود على الحائل وحمله الجمهور على الأثر الخفيف لكن
يعكر عليه قوله في بعض طرقه ووجهه ممتلئ طينا وماء وأجاب النووي بان الامتلاء المذكور
لا يستلزم ستر جميع الجبهة وفيه جواز السجود في الطين وقد تقدم أكثر ذلك في أبواب
الصلاة وفيه الامر بطلب الأولى والارشاد إلى تحصيل الأفضل وان النسيان جائز على
النبي صلى الله عليه وسلم ولا نقص عليه في ذلك لا سيما فيما لم يؤذن له في تبليغه وقد يكون في ذلك
مصلحة تتعلق بالتشريع كما في السهو في الصلاة أو بالاجتهاد في العبادة كما في هذه القصة لان
ليلة القدر لو عينت في ليلة بعينها حصل الاقتصار عليها ففاتت العبادة في غيرها وكأن هذا
هو المراد بقوله عسى أن يكون خيرا لكم كما سيأتي في حديث عبادة وفيه استعمال رمضان بدون
شهر واستحباب الاعتكاف فيه وترجيح اعتكاف العشر الأخير وان من الرؤيا ما يقع تعبيره
مطابقا وترتب الاحكام على رؤيا الأنبياء وفى أول قصة أبى سلمة مع أبي سعيد المشي في طلب
العلم وايثار المواضع الخالية للسؤال وإجابة السائل لذلك واجتناب المشقة في الاستفادة
وابتداء الطالب بالسؤال وتقديم الخطبة على التعليم وتقريب البعيد في الطاعة وتسهيل
المشقة فيها بحسن التلطف والتدريج إليها قيل ويستنبط منه جواز تغيير مادة البناء من
الأوقاف بما هو أقوى منها وانفع * (قوله باب تحرى ليلة القدر في الوتر من العشر
الأواخر) في هذه الترجمة إشارة إلى رجحان كون ليلة القدر منحصرة في رمضان ثم في
العشر الأخير منه ثم في أوتاره لا في ليلة منه بعينها وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة
فيها وقد ورد لليلة القدر علامات أكثرها لا تظهر الا بعد ان تمضى منها في صحيح مسلم عن أبي بن
كعب ان الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها وفى رواية لأحمد من حديثه مثل الطست ونحوه
لأحمد من طريق أبى عون عن ابن مسعود وزاد صافية ومن حديث ابن عباس نحوه ولابن
خزيمة من حديثه مرفوعا ليلة القدر طلقة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة
ولأحمد من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا انها صافية بلجة كأن فيها قمرا ساطعا ساكنة
صاحية لا حر فيها ولا برد ولا يحل لكوكب يرمى به فيها ومن اماراتها ان الشمس في صبيحتها تخرج
مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل الشيطان أن يخرج معها يومئذ ولابن أبى
شيبة من حديث ابن مسعود أيضا ان الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان الا صبيحة ليلة القدر
224

وله من حديث جابر بن سمرة مرفوعا ليلة القدر ليلة مطر وريح ولابن خزيمة من حديث جابر
مرفوعا في ليلة القدر وهى ليلة طلقة بلجة لا حارة ولا باردة تتضح كواكبها ولا يخرج شيطانها
حتى يضئ فجرها ومن طريق قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة مرفوعا وان الملائكة تلك الليلة
أكثر في الأرض من عدد الحصى وروى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد لا يرسل فيها شيطان ولا
يحدث فيها داء ومن طريق الضحاك يقبل الله التوبة فيها من كل تائب وتفتح فيها أبواب السماء
وهى من غروب الشمس إلى طلوعها وذكر الطبري عن قوم ان الأشجار في تلك الليلة تسقط إلى
الأرض ثم تعود إلى منابتها وان كل شئ يسجد فيها وروى البيهقي في فضائل الأوقات من طريق
الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة أنه سمعه يقول إن المياه المالحة تعذب تلك الليلة وروى ابن
عبد البر من طريق زهرة بن معبد نحوه (قوله فيه عبادة) أي يدخل في هذا الباب حديث عبادة
ابن الصامت وأشار إلى ما أخرجه في الباب الذي يليه بلفظ التمسوها في التاسعة والسابعة
والخامسة ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث * الأول حديث عائشة أورده من وجهين
وفصل بينهما بحديث أبي سعيد فالوجه الأول (قوله أبو سهيل عن أبيه) هو نافع بن مالك بن أبي
عامر الأصبحي وليس لأبيه في الصحيح عن عائشة غير هذا الحديث (والوجه الثاني) قوله حدثنا
يحيى هو القطان عن هشام هو ابن عروة ووقع في رواية يوسف القاضي في كتاب الصيام حدثنا
محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام أخرجه أبو نعيم من طريقه ومن
طريق مسند أحمد عن يحيى أيضا وأخرجه الإسماعيلي من طريق ابن زنجويه عن أحمد فادخل
بين يحيى وهشام شعبة وهو غريب وقد أخرجه الإسماعيلي من وجهين عن يحيى عن هشام بغير
واسطة مصرحا فيه بالتحديث بينهما (قوله كان يجاور) أي يعتكف وقوله العشر التي في وسط
الشهر حذف الظرف في رواية الكشميهني وقوله يمضين في رواية الكشميهني تمضى بالمثناة
وحذف النون (قوله فليثبت) كذا للأكثر من الثبات وفى رواية فليلبث من اللبث ومعناهما
متقارب (قوله فابتغوها) بالغين المعجمة وتقديم الموحدة * الحديث الثالث حديث ابن عباس
أورده من أوجه (قوله فبصرت) بفتح الموحدة وضم المهملة وذكر العين بعد البصر تأكيد
كقوله أخذت بيدي وانما يقال ذلك في أمر مستغرب اظهارا للتعجب من حصوله (قوله
التمسوا) كذا اقتصر على هذه اللفظة من الخبر وكأنه أحال ببقيته على الطريق التي بعدها وهى
طريق عبدة عن هشام ولفظه تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان وهو مشعر بأنهما
متفقان الا في هذه اللفظة فقال يحيى التمسوا وقال عبدة تحروا وعلى ذلك اعتمد المزي وغيره من
أصحاب الأطراف فترجموا لرواية يحيى كذلك ولكن لفظ يحيى عند أحمد وسائر من ذكرت قبل
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر ويقول التمسوها في العشر الأواخر
يعنى ليلة القدر وبين اللفظين من التغاير ما لا يخفى (قوله حدثني محمد أخبرنا عبدة) محمد هو ابن
سلام كما جزم به أبو نعيم في المستخرج ويحتمل أن يكون هو محمد بن المثنى فيكون الحديث عنده عن
يحيى وعبدة معا فساقه البخاري عنه على لفظ أحدهما ولم يقع في شئ من طرق هشام في هذا
الحديث التقيد بالوتر وكان البخاري أشار بادخاله في الترجمة إلى أن مطلقه يحمل على المقيد في
رواية أبى سهيل * الحديث الثاني حديث أبي سعيد وقد سبق الكلام عليه في الباب الذي قبله
225

(قوله التمسوها) كذا فيه باضمار المفعول والمراد به ليلة القدر وهو مفسر بما بعده
وسيأتي أنه تقدم قبل ذلك كلام يحسن معه عود الضمير وانما وقع في هذه الرواية اختصار
(قوله ليلة القدر) بالنصب على البدل من الضمير في قوله التمسوها ويجوز الرفع (قوله في)
الطريق الثانية عبد الواحد) هو ابن زياد وعاصم هو الأحول (قوله عن أبي مجلز وعكرمة قالا
قال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا أخرجه مختصرا وقد أخرجه
أحمد عن عفان والإسماعيلي من طريق محمد بن عقبة كلاهما عن عبد الواحد فزاد في أوله
قصة وهى قال عمر من يعلم ليلة القدر فقال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكره وبهذا يظهر عود الضمير المبهم في رواية الباب وقد توقف الإسماعيلي في اتصال هذا
الحديث لان عكرمة وأبا مجلز ما أدركا عمر فما حضرا القصة المذكورة والجواب ان الغرض منه
انهما أخذا ذلك عن ابن عباس فقد رواه معمر عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس وسياقه
أبسط من هذا كما سنذكره وإن كان موصولا عن ابن عباس فهو المقصود بالأصالة فلا يضر
الارسال في قصة عمر فإنها مذكورة على طريق التبع ان لو سلمنا انها مرسلة (قوله في تسع يمضين
أو في سبع يبقين) كذا للأكثر بتقديم السين في الثاني وتأخيرها في الأول وبلفظ المضي في
الأول والبقاء في الثاني وللكشميهني بلفظ المضي فيهما وفى رواية الإسماعيلي بتقديم السين
في الموضعين وقد اعترض على تخريجه هذا الحديث من وجه آخر فان المرفوع منه قد رواه
عبد الرزاق موقوفا فروى عن معمر عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول قال ابن عباس
دعا عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا على انها في العشر
الأواخر قال ابن عباس فقلت لعمر انى لأعلم أو أظن أي ليلة هي قال عمر أي ليلة هي فقلت
سابعة تمضى أو سابعة تبقى من العشر الأواخر فقال من أين علمت ذلك قلت خلق الله سبع سماوات
وسبع أرضين وسبعة أيام والدهر يدور في سبع والانسان خلق من سبع ويأكل من سبع
ويسجد على سبع والطواف والجمار وأشياء ذكرها فقال عمر لقد فطنت لأمر ما فطنا له فعلى
هذا فقد اختلف في رفع هذه الجملة ووقفها فرجح عند البخاري المرفوع فأخرجه وأعرض عن
الموقوف وللموقوف عن عمر طريق أخرى أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده والحاكم من
طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس وأوله ان عمر كان إذا دعا الأشياخ من الصحابة قال
لابن عباس لا تتكلم حتى يتكلموا فقال ذات يوم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال التمسوا
ليلة القدر في العشر الأواخر وترا أي الوتر هي فقال رجل برأيه تاسعة سابعة خامسة ثالثة فقال لي
مالك لا تتكلم يا ابن عباس قلت أتكلم برأي قال عن رأيك أسألك قلت فذكر نحوه وفى آخره
فقال عمر أعجزتم أن تكونوا مثل هذا الغلام الذي ما استوت شؤون رأسه ورواه محمد بن نصر
في قيام الليل من هذا الوجه وزاد فيه وان الله جعل النسب في سبع والصهر في سبع ثم تلا
حرمت عليكم أمهاتكم وفى رواية الحاكم انى لأرى القول كما قلت (قوله تابعه عبد الوهاب عن
أيوب) هكذا وقعت هذه المتابعة عند الأكثر من رواية الفربري هنا وعند النسفي عقب طريق
وهيب عن أيوب وهو الصواب وأصلحها ابن عساكر في نسخته كذلك وقد وصله أحمد وابن أبي
عمر في مسنديهما عن عبد الوهاب وهو ابن عبد المجيد الثقفي عن أيوب متابعا لوهيب في اسناده
226

ولفظه وأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل عن إسحاق بن راهويه عن عبد الوهاب مثله وزاد في
آخره أو آخر ليلة (قوله وعن خالد عن عكرمة عن ابن عباس التمسوا في أربع وعشرين) ظاهره
أنه من رواية عبد الوهاب عن خالد أيضا لكن جزم المزي بأن طرق خالد هذه معلقة والذي أظن
أنها موصولة بالاسناد الأول وانما حذفها أصحاب المسندات لكونها موقوفة وقد روى أحمد
من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال أتيت وأنا نائم فقيل لي الليلة ليلة القدر
فقمت وأنا ناعس فتعلقت ببعض أطناب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يصلى قال
فنظرت في تلك الليلة فإذا هي ليلة أربع وعشرين وقد استشكل هذا مع قوله في الطريق
الأخرى انها في وتر وأجيب بأن الجمع ممكن بين الروايتين أن يحمل ما ورد مما ظاهره الشفع أن
يكون باعتبار الابتداء بالعدد من آخر الشهر فتكون ليلة الرابع والعشرين هي السابعة ويحتمل
أن يكون مراد ابن عباس بقوله في أربع وعشرين أي أول ما يرجى من السبع البواقي فيوافق
ما تقدم من التماسها في السبع البواقي وزعم بعض الشراح أن قوله تاسعة تبقى يلزم منه أن
تكون ليلة اثنين وعشرين إن كان الشهر ثلاثين ولا تكون ليلة إحدى وعشرين الا إن كان
ذلك الشهر تسعا وعشرين وما ادعاه من الحصر مردود لأنه ينبنى على أن المراد بقوله تبقى هل
هو تبقى بالليلة المذكورة أو خارجا عنها فبناه على الأول ويجوز بناؤه على الثاني فيكون على
عكس ما ذكر والذي يظهر أن في التعبير بذلك الاارة إلى الاجتمالين فإن كان الشهر مثلا
ثلاثين فالتسع معناها غير الليلة وإن كان تسعا وعشرين فالتسع بانضمامهما والله أعلم وقد
اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافا كثيرا وتحصل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولا
كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة وقد اشتركتا في اخفاء كل منهما ليقع الجد في طلبهما القول
الأول انها رفعت أصلا ورأسا حكاه المتولى في التتمة عن الروافض والفاكهاني في شرح
العمدة عن الحنفية وكأنه خطأ منه والذي حكاه السروجي أنه قول الشيعة وقد روى
عبد الرزاق من طريق داود بن أبي عاصم عن عبد الله بن يخنس قلت لأبي هريرة زعموا أن ليلة
القدر رفعت قال كذب من قال ذلك ومن طريق عبد الله بن شريك قال ذكر الحجاج ليلة القدر
فكأنه أنكرها فأراد زر بن حبيش أن يحصبه فمنعه قومه * الثاني أنها خاصة بسنة واحدة
وقعت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاه الفاكهاني أيضا * الثالث انها خاصة بهذه الأمة
ولم تكن في الأمم قبلهم جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله عن الجمهور وحكاه صاحب
العدة من الشافعية ورجحه وهو معترض بحديث أبي ذر عند النسائي حيث قال فيه قلت يا رسول
الله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال لا بل هي باقية وعمدتهم قول مالك في الموطأ بلغني
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تقاصر أعمار أمته عن أعمار الأمم الماضية فأعطاه الله ليلة
القدر وهذا يحتمل التأويل فلا يدفع التصريح في حديث أبي ذر * الرابع أنها ممكنة في جميع
السنة وهو قول مشهور عن الحنفية حكاه قاضيخان وأبو بكر الرازي منهم وروى مثله عن ابن
مسعود وابن عباس وعكرمة وغيرهم وزيف المهلب هذا القول وقال لعل صاحبه بناه على
دوران الزمان لنقصان الأهلة وهو فاسد لان ذلك لم يعتبر في صيام رمضان فلا يعتبر في غيره حتى
تنقل ليلة القدر عن رمضان اه‍ ومأخذ ابن مسعود كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي بن كعب أنه
227

أراد أن لا يتكل الناس * الخامس انها مختصة برمضان ممكنة في جميع لياليه وهو قول ابن عمر
رواه ابن أبي شيبة باسناد صحيح عنه وروى مرفوعا عنه أخرجه أبو داود وفى شرح الهداية
الجزم به عن أبي حنيفة وقال به ابن المنذر والمحاملي وبعض الشافعية ورجحه السبكي في شرح
المنهاج وحكاه ابن الحاجب رواية وقال السروجي في شرح الهداية قول أبي حنيفة انها تنتقل
في جميع رمضان وقال صاحباه انها في ليلة معينة منه مبهمة وكذا قال النسفي في المنظومة
وليلة القدر بكل الشهر * دائرة وعيناها فادر اه‍
وهذا القول حكاه ابن العربي عن قوم وهو السادس * السابع أنها أول ليلة من رمضان حكى
عن أبي رزين العقيلي الصحابي وروى ابن أبي عاصم من حديث أنس قال ليلة القدر أول ليلة من
رمضان قال ابن أبي عاصم لا نعلم أحدا قال ذلك غيره * الثامن انها ليلة النصف من رمضان حكاه
شيخنا سراج الدين بن الملقن في شرح العمدة والذي رأيت في المفهم للقرطبي حكاية انها
ليلة النصف من شعبان وكذا نقله السروجي عن صاحب الطراز فان كانا محفوظين فهو القول
التاسع ثم رأيت في شرح السروجي عن المحيط انها في النصف الأخير * العاشر انها ليلة سبع
عشرة من رمضان روى ابن أبي شيبة والطبراني من حديث زيد بن أرقم قال ما أشك ولا أمتري انها
ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة أنزل القرآن وأخرجه أبو داود عن ابن مسعود أيضا * القول
الحادي عشر انها مبهمة في العشر الأوسط حكاه النووي وعزاه الطبري لعثمان بن أبي العاص
والحسن البصري وقال به بعض الشافعية * القول الثاني عشر انها ليلة ثمان عشرة قرأته بخط
القطب الحلبي في شرحه وذكره ابن الجوزي في مشكلة * القول الثالث عشر انها ليلة تسع عشرة
رواه عبد الرزاق عن علي وعزاه الطبري لزيد بن ثابت وابن مسعود ووصله الطحاوي عن ابن
مسعود * القول الرابع عشر انها أول ليلة من العشر الأخير واليه مال الشافعي وجزم به جماعة
من الشافعية ولكن قال السبكي انه ليس مجزوما به عندهم لانفاقهم على عدم حنث من علق
يوم العشرين عتق عبده في ليلة القدر انه لا يعتق تلك الليلة بل بانقضاء الشهر على الصحيح بناء على
انها في العشر الأخير وقيل بانقضاء السنة بناء على انها لا تختص بالعشر الأخير بل هي في رمضان
* القول الخامس عشر مثل الذي قبله الا انه إن كان الشهر تاما فهي ليلة العشرين وإن كان
ناقصا فهي ليلة إحدى وعشرين وهكذا في جميع الشهر وهو قول ابن حزم وزعم أنه يجمع
بين الاخبار بذلك ويدل له ما رواه أحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن أنيس قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول التمسوها الليلة قال وكانت تلك الليلة ليلة ثلاث وعشرين
فقال رجل هذه أولى بثمان بقين قال بل أولى بسبع بقين فان هذا الشهر لا يتم * القول السادس
عشر انها ليلة اثنين وعشرين وستأتى حكايته بعد وروى أحمد من حديث عبد الله بن أنيس انه سال
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر وذلك صبيحة إحدى وعشرين فقال كم الليلة قلت
ليلة اثنين وعشرين فقال هي الليلة أو القابلة * القول السابع عشر انها ليلة ثلاث وعشرين
رواه مسلم عن عبد الله بن أنيس مرفوعا أريت ليلة القدر ثم نسيتها فذكر مثل حديث أبي
سعيد لكنه قال فيه ليلة ثلاث وعشرين بدل إحدى وعشرين وعنه قال قلت يا رسول
الله ان لي بادية أكون فيها فمرني بليلة القدر قال انزل ليلة ثلاث وعشرين وروى ابن أبي شيبة
228

باسناد صحيح عن معاوية قال ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين ورواه اسحق في مسنده من طريق
أبى حازم عن رجل من بنى بياضة له صحبة مرفوعا وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن
نافع عن ابن عمر مرفوعا من كان متحريها فليتحرها ليلة سابعة قال وكان أيوب يغتسل ليلة
ثلاث وعشرين ويمس الطيب وعن ابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس انه كان
يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين وروى عبد الرزاق من طريق يونس بن سيف سمع سعد بن
المسيب يقول استقام قول القوم على انها ليلة ثلاث وعشرين ومن طريق إبراهيم عن الأسود
عن عائشة ومن طريق مكحول انه كان يراها ليلة ثلاث وعشرين * القول الثامن عشر انها ليلة
أربع وعشرين كما تقدم من حديث ابن عباس في هذا الباب وروى الطيالسي من طريق أبى
نضرة عن أبي سعيد مرفوعا ليلة القدر ليلة أربع وعشرين وروى ذلك عن ابن مسعود
والشعبي والحسن وقتادة وحجتهم حديث واثلة ان القرآن نزل لأربع وعشرين من رمضان
وروى أحمد من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير الصنابحي عن بلال
مرفوعا التمسوا ليلة القدر ليلة أربع وعشرين وقد أخطأ ابن لهيعة في رفعه فقد رواه عمرو
ابن الحرث عن يزيد بهذا الاسناد موقوفا بغير لفظه كما سيأتي في أواخر المغازي بلفظ ليلة القدر
أول السبع من العشر الأواخر * القول التاسع عشر انها ليلة خمس وعشرين حكاه ابن العربي
في العارضة وعزاه ابن الجوزي في المشكل لأبي بكرة * القول العشرون انها ليلة ست وعشرين
وهو قول لم أره صريحا الا ان عياضا قال ما من ليلة من ليالي العشر الأخير الا وقد قيل إنها فيه
* القول الحادي والعشرون انها ليلة سبع وعشرين وهو الجادة من مذهب أحمد ورواية عن أبي
حنيفة وبه جزم أبي بن كعب وحلف عليه كما أخرجه مسلم وروى مسلم أيضا من طريق أبى
حازم عن أبي هريرة قال تذاكرنا ليلة القدر فقال صلى الله عليه وسلم أيكم يذكر حين
طلع القمر كأنه شق جفنة قال أبو الحسن الفارسي أي ليلة سبع وعشرين فان القمر يطلع
فيها بتلك الصفة وروى الطبراني من حديث ابن مسعود سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
ليلة القدر فقال أيكم يذكر ليلة الصهباوات قلت انا وذلك ليلة سبع وعشرين ورواه ابن أبي
شيبة عن عمر وحذيفة وناس من الصحابة وفى الباب عن ابن عمر عند مسلم رأى رجل ليلة القدر ليلة
سبع وعشرين ولأحمد من حديثه مرفوعا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين ولابن المنذر من كان
متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين وعن جابر بن سمرة نحوه أخرجه الطبراني في أوسطه وعن
معاوية نحوه أخرجه أبو داود وحكاه صاحب الحلية من الشافعية عن أكثر العلماء وقد تقدم
استنباط ابن عباس عند عمر فيه وموافقته له وزعم ابن قدامة ان ابن عباس استنبط ذلك من
عدد كلمات السورة وقد وافق قوله فيها هي سابع كلمة بعد العشرين وهذا نقله ابن حزم عن بعض
المالكية وبالغ في انكاره نقله ابن عطية في تفسيره وقال إنه من ملح التفاسير وليس من متين العلم
واستنبط بعضهم ذلك من جهة أخرى فقال ليلة القدر تسعة أحرف وقد أعيدت في السورة
ثلاث مرات فذلك سبع وعشرين وقال صاحب الكافي من الحنفية وكذا المحيط من قال
لزوجته أنت طالق ليلة القدر طلقت ليلة سبع وعشرين لان العامة تعتقد انها ليلة القدر
* القول الثاني والعشرون انها ليلة ثمان وعشرين وقد تقدم توجيهه قبل بقول * القول الثالث
229

والعشرون انها ليلة تسع وعشرين حكاه ابن العربي * القول الرابع والعشرون انها ليلة
ثلاثين حكاه عياض والسروجي في شرح الهداية ورواه محمد بن نصر والطبري عن معاوية وأحمد
من طريق أبى سلمة عن أبي هريرة * القول الخامس والعشرون انها في أوتار العشر الأخير وعليه
يدل حديث عائشة وغيرها في هذا الباب وهو أرجح الأقوال وصار إليه أبو ثور والمزني وابن
خزيمة وجماعة من علماء المذاهب * القول السادس والعشرون مثله بزيادة الليلة الأخيرة
رواه الترمذي من حديث أبي بكرة وأحمد من حديث عبادة بن الصامت * القول السابع
والعشرون تنتقل في العشر الأخير كله قاله أبو قلابة ونص عليه مالك والثوري وأحمد
واسحق وزعم الماوردي انه متفق عليه وكأنه أخذه من حديث ابن عباس ان الصحابة اتفقوا
على انها في العشر الأخير ثم اختلفوا في تعيينها منه كما تقدم ويؤيد كونها في العشر الأخير
حديث أبي سعيد الصحيح ان جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما اعتكف العشر الأوسط
ان الذي تطلب أمامك وقد تقدم ذكره قريبا وتقدم ذكر اعتكافه صلى الله عليه وسلم العشر
الأخير في طلب ليلة القدر واعتكاف أزواجه بعده والاجتهاد فيه كما في الباب الذي بعده
واختلف القائلون به فمنهم من قال هي فيه محتملة على حد سواء نقله الرافعي عن مالك وضعفه ابن
الحاجب ومنهم من قال بعض لياليه أرجى من بعض فقال الشافعي أرجاه ليلة إحدى وعشرين
وهو القول الثامن والعشرون وقيل أرجاه ليلة ثلاث وعشرين وهو القول التاسع والعشرون
وقيل أرجاه ليلة سبع وعشرين وهو * القول الثلاثون * القول الحادي والثلاثون
انها تنتقل في السبع الأواخر وقد تقدم بيان المراد منه في حديث ابن عمر هل المراد ليالي
السبع من آخر الشهر أو آخر سبعة تعد من الشهر ويخرج من ذلك القول الثاني والثلاثون
* القول الثالث والثلاثون انها تنتقل في النصف الأخير ذكره صاحب المحيط عن أبي يوسف
ومحمد وحكاه امام الحرمين عن صاحب التقريب * القول الرابع والثلاثون انها ليلة ست
عشرة أو سبع عشرة رواه الحرث بن أبي أسامة من حديث عبد الله بن الزبير * القول الخامس
والثلاثون انها ليلة سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين رواه سعيد بن منصور من
حديث أنس باسناد ضعيف * القول السادس والثلاثون انها في أول ليلة من رمضان أو آخر
ليلة رواه ابن أبي عاصم من حديث أنس باسناد ضعيف * القول السابع والثلاثون انها أول
ليلة أو تاسع ليلة أو سابع عشرة أو إحدى وعشرين أو آخر ليلة رواه ابن مردويه في تفسيره
عن أنس باسناد ضعيف * القول الثامن والثلاثون انها ليلة تسع عشرة أو إحدى عشرة
أو ثلاث وعشرين رواه أبو داود من حديث ابن مسعود باسناد فيه مقال وعبد الرزاق من
حديث على باسناد منقطع وسعيد بن منصور من حديث عائشة باسناد منقطع أيضا * القول
التاسع والثلاثون ليلة ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين وهو مأخوذ من حديث ابن عباس
في الباب حيث قال سبع يبقين أو سبع يمضين ولأحمد من حديث النعمان بن بشير سابعة تمضى
أو سابعة تبقى قال النعمان فنحن نقول ليلة سبع وعشرين وأنتم تقولون ليلة ثلاث وعشرين
* القول الأربعون ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين كما سيأتي في
الباب الذي بعده من حديث عبادة بن الصامت ولابى داود من حديثه بلفظ تاسعة تبقى سابعة
230

تبقى خامسة تبقى قال مالك في المدونة قوله تاسعة تبقى ليلة إحدى وعشرين إلى آخره * القول
الحادي والأربعون انها منحصرة في السبع الأواخر من رمضان لحديث ابن عمر في الباب الذي
قبله * القول الثاني والأربعون أنها ليلة اثنتين وعشرين أو ثلاث وعشرين لحديث عبد الله بن
أنيس عند أحمد * القول الثالث والأربعون انها في أشفاع العشر الوسط والعشر الأخير قرأته
بخط مغلطاي * القول الرابع والأربعون انها ليلة الثالثة من العشر الأخير أو الخامسة منه
رواه أحمد من حديث معاذ بن جبل والفرق بينه وبين ما تقدم ان الثالثة تحتمل ليلة ثلاث
وعشرين وتحتمل ليلة سبع وعشرين فتنحل إلى أنها ليلة ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين
أو سبع وعشرين وبهذا يتغاير هذا القول مما مضى * القول الخامس والأربعون أنها في
سبع أو ثمان من أول النصف الثاني روى الطحاوي من طريق عطية بن عبد الله بن أنيس عن
أبيه انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال تحرها في النصف الأخير ثم عاد فسأله
فقال إلى ثلاث وعشرين قال وكان عبد الله يحيى ليلة ست عشرة إلى ليلة ثلاث وعشرين ثم
يقصر * القول السادس والأربعون انها في أول ليلة أو آخر ليلة أو الوتر من الليل أخرجه أبو
داود في كتاب المراسيل عن مسلم بن إبراهيم عن أبي خلدة عن أبي العالية أن أعرابيا أتى النبي صلى
الله عليه وسلم وهو يصلى فقال له متى ليلة القدر فقال اطلبوها في أول ليلة وأخر ليلة والوتر من
الليل وهذا مرسل رجاله ثقات وجميع هذه الأقوال التي حكيناها بعد الثالث فهلم جرا متفقة
على امكان حصولها والحث على التماسها وقال ابن العربي الصحيح انها لا تعلم وهذا يصلح ان
يكون قولا آخر وأنكر هذا القول النووي وقال قد تظاهرت الأحاديث بامكان العلم بها وأخبر
به جماعة من الصالحين فلا معنى لانكار ذلك ونقل الطحاوي عن أبي يوسف قولا جوز فيه أنه
يرى أنها ليلة أربع وعشرين أو سبع وعشرين فان ثبت ذلك عنه فهو قول آخر هذا آخر
ما وقفت عليه من الأقوال وبعضها يمكن رده إلى بعض وإن كان ظاهرها التغاير وأرجحها كلها
انها في وتر من العشر الأخير وانها تنتقل كما يفهم من أحاديث هذا الباب وأرجاها أوتار العشر
وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين على ما في حديثي
أبي سعيد وعبد الله بن أنيس وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين وقد تقدمت أدلة ذلك
قال العلماء الحكمة في اخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها بخلاف ما لو عينت لها
ليلة لاقتصر عليها كما تقدم نحوه في ساعة الجمعة وهذه الحكمة مطردة عند من يقول إنها في
جميع السنة أوفى جميع رمضان أو في جميع العشر الأخير أو في أوتاره خاصة الا أن الأول ثم الثاني
أليق به واختلفوا هل لها علامة تظهر لمن وفقت له أم لا فقيل يرى كل شئ ساجدا وقيل الأنوار في
كل مكان ساطعة حتى في المواضع المظلمة وقيل يسمع سلاما أو خطابا من الملائكة وقيل علامتها
استجابة دعاء من وفقت له واختار الطبري أن جميع ذلك غير لازم وأنه لا يشترط لحصولها
رؤية شئ ولا سماعه واختلفوا أيضا هل يحصل الثواب المرتب عليها لمن اتفق له أنه قامها
وان لم يظهر له شئ أو يتوقف ذلك على كشفها له والى الأول ذهب الطبري والمهلب وابن
العربي وجماعة والى الثاني ذهب الأكثر ويدل له ما وقع عند مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ من
231

يقم ليلة القدر فيوافقها وفى حديث عبادة عند أحمد من قامها ايمانا واحتسابا ثم وفقت له قال
النووي معنى يوافقها أي يعلم أنها ليلة القدر فيوافقها ويحتمل أن يكون المراد يوافقها في نفس
الامر وان لم يعلم هو ذلك وفى حديث زر بن حبيش عن ابن مسعود قال من يقم الحول يصب ليلة
القدر وهو محتمل للقولين أيضا وقال النووي أيضا في حديث من قام رمضان وفى حديث من قام
ليلة القدر معناه من قامه ولو لم يوافق ليلة القدر حصل له ذلك ومن قام ليلة القدر فوافقها حصل
له وهو جار على ما اختاره من تفسير الموافقة بالعلم بها وهو الذي يترجح في نظري ولا أنكر حصول
الثواب الجزيل لمن قام لابتغاء ليلة القدر وان لم يعلم بها ولو لم توفق له وانما الكلام على حصول
الثواب المعين الموعود به وفرعوا على القول باشتراط العلم بها أنه يختص بها شخص دون شخص
فيكشف لواحد ولا يكشف لآخر ولو كانا معا في بيت واحد وقال الطبري في اخفاء ليلة القدر
دليل على كذب من زعم أنه يظهر في تلك الليلة للعيون ما لا يظهر في سائر السنة إذ لو كان ذلك حقا
لم يخف على كل من قام ليالي السنة فضلا عن ليالي رمضان وتعقبه ابن المنير في الحاشية بأنه
لا ينبغي اطلاق القول بالتكذيب لذلك بل يجوز أن يكون ذلك على سبيل الكرامة لمن شاء الله من
عباده فيختص بها قوم دون قوم والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحصر العلامة ولم ينف الكرامة وقد
كانت العلامة في السنة التي حكاها أبو سعيد نزول المطر ونحن نرى كثيرا من السنين ينقضى
رمضان دون مطر مع اعتقادنا أنه لا يخلو رمضان من ليلة القدر قال ومع ذلك فلا نعتقد أن ليلة
القدر لا ينالها الا من رأى الخوارق بل فضل الله واسع ورب قائم تلك الليلة لم يحصل منها الا على
العبادة من غير رؤية خارق وآخر رأى الخارق من غير عبادة والذي حصل على العبادة أفضل
والعبرة انما هي بالاستقامة فإنها تستحيل أن تكون الا كرامة بخلاف الخارق فقد يقع كرامة
وقد يقع فتنة والله أعلم وفى هذه الأحاديث رد لقول أبى الحسن الحولي المغربي أنه اعتبر ليلة
القدر فلم تفته طول عمره وأنها تكون دائما ليلة الأحد فإن كان أول الشهر ليلة الأحد كانت ليلة
تسع وعشرين وهلم جرا ولزم من ذلك أن تكون في ليلتين من العشر الوسط لضرورة أن أوتار
العشر خمسة وعارضه بعض من تأخر عنه فقال إنها تكون دائما ليلة الجمعة وذكر نحو قول أبى
الحسن وكلاهما لا أصل له بل هو مخالف لاجماع الصحابة في عهد عمر كما تقدم وهذا كاف في الرد
وبالله التوفيق * (تنبيه) * وقعت هنا في نسخة الصغاني زيادة سأذكرها في آخر الباب الذي يلي هذا
بعد باب آخر إن شاء الله تعالى * (قوله باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس
أي بسبب تلاحي الناس وقيد الرفع بمعرفة إشارة إلى أنها لم ترفع أصلا ورأسا قال الزين بن المنير
يستفاد هذا التقييد من قوله التمسوها بعد اخبارهم بأنها رفعت ومن كون أن وقوع التلاحي في
تلك الليلة لا يستلزم وقوعه فيما بعد ذلك ومن قوله فعسى أن يكون خيرا فان وجه الخيرية من
جهة أن خفاءها يستدعى قيام كل الشهر أو العشر بخلاف ما لو بقيت معرفة تعيينها (قوله عن
أنس عن عبادة بن الصامت) كذا رواه أكثر أصحاب حميد عن أنس ورواه مالك فقال عن حميد
عن أنس قال خرج علينا ولم يقل عن عبادة قال ابن عبد البر والصواب اثبات عبادة وأن الحديث
من مسنده (قوله فتلاحى) بالمهملة أي وقعت بينهما ملاحاة وهى المخاصمة والمنازعة والمشاتمة
والاسم اللحاء بالكسر والمد وفى رواية أبى نضرة عن أبي سعيد عند مسلم فجاء رجلان يختصمان
232

معهما الشيطان ونحوه في حديث القلتان عند ابن إسحاق وزاد أنه لقيهما عند سدة المسجد فحجز
بينهما فاتفقت هذه الأحاديث على سبب النسيان وروى مسلم أيضا من طريق أبى سلمة عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أريت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها وهذا
سبب آخر فاما أن يحمل على التعدد بأن تكون الرؤيا في حديث أبي هريرة مناما فيكون سبب
النسيان الايقاظ وأن تكون الرؤية في حديث غيره في اليقظة فيكون سبب النسيان ما ذكر من
المخاصمة أو يحمل على اتحاد القصة ويكون النسيان وقع مرتين عن سببين ويحتمل أن يكون
المعنى أيقظني بعض أهلي فسمعت تلاحي الرجلين فقمت لأحجز بينهما فنسيتها للاشتغال بهما
وقد روى عبد الرزاق من مرسل سعيد بن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم بليلة
القدر قالوا بلى فسكت ساعة ثم قال لقد قلت لكم وأنا أعلمها ثم أنسيتها فلم يذكر سبب النسيان
وهو مما يقوى الحمل على التعدد (قوله رجلان) قيل هما عبد الله بن أبي حدرد وكعب بن مالك
ذكره ابن دحية ولم يذكر له مستندا (قوله لأخبركم بليلة القدر) أي بتعيين ليلة القدر (قوله
فرفعت) أي من قلبي فنسيت تعيينها للاشتغال بالمتخاصمين وقيل المعنى فرفعت بركتها في تلك
السنة وقيل التاء في رفعت للملائكة لا لليلة وقال الطيبى قال بعضهم رفعت أي معرفتها
والحامل له على ذلك أن رفعها مسبوق بوقوعها فإذا وقعت لم يكن لرفعها معنى قال ويمكن أن
يقال المراد برفعها انها شرعت أن تقع فلما تخاصما رفعت بعد فنزل الشروع منزلة الوقوع
وإذا تقرر أن الذي ارتفع علم تعيينها تلك السنة فهل أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك
بتعيينها فيه احتمال وقد تقدم قول ابن عيينة في أول الكلام على ليلة القدر انه أعلم وروى
محمد بن نصر من طريق واهب المغافري أنه سأل زينب بنت أم سلمة هل كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يعلم ليلة القدر فقالت لا لو علمها لما أقام الناس غيرها الله اه‍ وهذا قالته احتمالا وليس
بلازم لاحتمال أن يكون التعبد وقع بذلك أيضا فيحصل الاجتهاد في جميع العشر كما تقدم
واستنبط السبكي الكبير في الحلبيات من هذه القصة استحباب كتمان ليلة القدر لمن
رأها قال ووجه الدلالة ان الله قدر لنبيه انه لم يخبر بها والخير كله فيما قدره له فيستحب اتباعه في
ذلك وذكر في شرح المنهاج ذلك عن الحاوي قال والحكمة فيه أنها كرامة والكرامة نبغي
كتمانها بلا خلاف بين أهل الطريق من جهة رؤية النفس فلا يامن السلب ومن جهة أن
لا يامن الرياء ومن جهة الأدب فلا يتشاغل عن الشكر لله بالنظر إليها وذكرها للناس ومن جهة
أنه لا يامن الحسد فيوقع غيره في المحذور ويستأنس له بقول يعقوب عليه السلام يا بنى لا تقصص
رؤياك على أخوتك الآية (قوله فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة) يحتمل أن
يريد بالتاسعة تاسع ليلة من العشر الأخير فتكون ليلة تسع وعشرين ويحتمل أن يريد بها تاسع
ليلة تبقى من الشهر فتكون ليلة إحدى أو اثنين بحسب تمام الشهر ونقصانه ويرجح الأول قوله
في رواية إسماعيل بن جعفر عن حميد الماضية في كتاب الايمان بلفظ التمسوها في التسع والسبع
والخمس أي في تسع وعشرين وسبع وعشرين وخمس وعشرين وفى رواية لأحمد في تاسعة تبقى
والله أعلم * (قوله باب العمل في العشر الأواخر من رمضان وفى رواية المستملى في
رمضان (قوله عن أبي يعفور) بفتح التحتانية وسكون المهملة وضم الفاء ولأحمد عن سفيان
233

عن أبي عبيد بن نسطاس وهو أبو يعفور المذكور واسمه عبد الرحمن وهو كوفي تابعي صغير ولهم
أبو يعفور آخر تابعي كبير اسمه وقدان (قوله إذا دخل العشر) أي الأخير وصرح به في حديث
على عند ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق عاصم بن ضمرة عنه (قوله شد مئزره) أي اعتزال
النساء وبذلك جزم عبد الرزاق عن الثوري واستشهد بقول الشاعر
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم * عن النساء ولو باتت باطهار
وذكر ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش نحوه وقال الخطابي يحتمل أن يريد به الجد في العبادة كما
يقال شددت لهذا الامر مئزرى أي تشمرت له ويحتمل أن يراد التشمير والاعتزال معا ويحتمل أن
يراد الحقيقة والمجاز كمن يقول طويل النجاد لطويل القامة وهو طويل النجاد حقيقة
فيكون المراد شد مئزره حقيقة فلم يحله واعتزل النساء وشمر للعبادة (قلت) وقد وقع في رواية
عاصم بن ضمرة المذكورة شد مئزره واعتزل النساء فعطفه بالواو فيتقوى الاحتمال الأول
(قوله وأحيى ليله) أي سهره فأحياه بالطاعة وأحيى نفسه بسهره فيه لان النوم أخو الموت
وأضافه إلى الليل اتساعا لان القائم إذا حيى باليقظة أحيى ليله بحياته وهو نحو قوله لا تجعلوا
بيوتكم قبورا أي لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور (قوله وأيقظ
أهله) أي للصلاء وروى الترمذي ومحمد بن نصر من حديث زينب بنت أم سلمة لم يكن النبي صلى
الله عليه وسلم إذا بقى من رمضان عشرة أيام يدع أحدا من أهله يطيق القيام الا أقامه قال
القرطبي ذهب بعضهم إلى أن اعتزاله النساء كان بالاعتكاف وفيه نظر لقوله فيه وأيقظ أهله فإنه
يشعر بأنه كان معهم في البيت فلو كان معتكفا لكان في المسجد ولم يكن معه أحد وفيه نظر
فقد تقدم حديث اعتكفت مع النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه وعلى تقدير انه لم
يعتكف أحد منهم فيحتمل أن يوقظهن من موضعه وأن يوقظهن عندما يدخل البيت لحاجته
* (تنبيه) * وقع في نسخة الصغائي قبل هذا الباب في آخر باب تحرى ليلة القدر ما نصه قال أبو
عبد الله قال أبو نعيم كان هبيرة مع المختار يجهز على القتلى قال أبو عبد الله فلم أخرج حديث هبيرة
عن علي لهذا ولم أخرج حديث الحسن بن عبيد الله لان عامة حديثه مضطرب انتهى وأراد
بحديث هبيرة ما أخرجه أحمد والترمذي من طريق أبى اسحق السبيعي عن هبيرة بن يريم وهو
بفتح الياء المثناة من تحت بوزن عظيم عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في
العشر الأخير من رمضان وأخرجه أحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى من طرق متعددة عن أبي إسحاق
وقال الترمذي حسن صحيح وأراد بحديث الحسن بن عبيد الله ما أخرجه مسلم والترمذي
أيضا والنسائي وابن ماجة من رواية عبد الواحد بن زياد عنه عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن
يزيد عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في
غيرها قال الترمذي بعد تخريجه حسن غريب وأما قول أبى نعيم في هبيرة فمعناه انه كان ممن
أعان المختار وهو ابن أبي عبيد الثقفي لما غلب على الكوفة في خلافة عبد الله بن الزبير ودعا إلى
الطلب بدم الحسين بن علي فأطاعه أهل الكوفة ممن كان يوالي أهل البيت فقتل المختار في الحرب
وغيرها ممن اتهم بقتل الحسين خلائق كثيرة وكان من وثق هبيرة لم يؤثر ذلك فيه عنده قدحا لأنه
كان متأولا ولذلك صحح الترمذي حديثه وممن وثق هبيرة ومعنى قوله يجهز وهو بضم أوله
234

وجيم وزاي يكمل القتل وأما الحسن بن عبيد الله فهو كوفي نخعي قدم يحيى القطان عليه الحسن
ابن عمرو وقال ابن معين ثقة صالح ووثقه أبو حاتم والنسائي وغيرهما وقال الدارقطني ليس بقوى
ولا يقاس بالأعمش انتهى وقد تفرد بهذا الحديث عن إبراهيم وتفرد به عبد الواحد بن زياد عن
الحسن ولذلك استغربه الترمذي واما مسلم فصحح حديثه لشواهده على عادته وتجنب حديث
على للمعنى الذي ذكره البخاري أو لغيره واستغنى البخاري عن الحديثين بما أخرجه في هذا
الباب من طريق مسروق عن عائشة وعلى هذا فمحل الكلام المذكور أن يكون عقب حديث
مسروق في هذا الباب لا قبله وكأن ذلك من بعض النساخ والله أعلم وفى الحديث الحرص على
مداومة القيام في العشر الأخير إشارة إلى الحث على تجويد الخاتمة ختم الله لنا بخير * آمين (قوله
أبواب الاعتكاف) كذا للمستملى وسقط لغيره الا النسفي فإنه قال كتاب وثبتت له البسملة
مقدمة وللمستملى مؤخرة والاعتكاف لغة لزوم الشئ وحبس النفس عليه وشرعا المقام في
المسجد من شخص مخصوص على صفة مخصوصة وليس بواجب اجماعا الا على من نذره وكذا
من شرع فيه فقطعه عامدا عند قوم واختلف في اشتراط الصوم له كما سيأتي في باب مفرد
وانفرد سويد بن غفلة باشتراط الطهارة له * (قوله باب الاعتكاف في العشر الأواخر
والاعتكاف في المساجد كلها) أي مشروطية المسجد له من غير تخصيص بمسجد دون مسجد
(قوله لقوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد الآية) ووجه الدلالة من الآية
انه لو صح في غير المسجد لم يختص تحريم المباشرة به لان الجماع مناف للاعتكاف بالاجماع فعلم
من ذكر المساجد أن المراد ان الاعتكاف لا يكون الا فيها ونقل ابن المنذر الاجماع على أن المراد
بالمباشرة في الآية الجماع وروى الطبري وغيره من طريق قتادة في سبب نزول الآية كانوا
إذا اعتكفوا فخرج رجل لحاجته فلقى امرأته جامعها ان شاء فنزلت واتفق العلماء على
مشروطية المسجد للاعتكاف الا محمد بن عمر بن لبابة المالكي فاجازه في كل مكان وأجاز
الحنفية للمرأة ان تعتكف في مسجد بيتها وهو المكان المعد للصلاة فيه وفيه قول للشافعي قديم
وفى وجه لأصحابه وللمالكية يجوز للرجال والنساء لان التطوع في البيوت أفضل وذهب أبو
حنيفة وأحمد إلى اختصاصه بالمساجد التي تقام فيها الصلوات وخصه أبو يوسف بالواجب منه
وأما النفل ففي كل مسجد وقال الجمهور بعمومه في كل مسجد الا لمن تلزمه الجمعة فاستحب له
الشافعي في الجامع وشرطه مالك لان الاعتكاف عندهما ينقطع بالجمعة ويجب بالشروع
عند مالك وخصه طائفة من السلف كالزهري بالجامع مطلقا وأومأ إليه الشافعي في القديم
وخصه حذيفة بن اليمان بالمساجد الثلاثة وعطاء بمسجد مكة والمدينة وابن المسيب بمسجد
المدينة واتفقوا على أنه لا حد لأكثره واختلفوا في أقله فمن شرط فيه الصيام قال أقله يوم ومنهم
من قال يصح مع شرط الصيام في دون اليوم حكاه ابن قدامة وعن مالك يشترط عشرة أيام وعنه
يوم أو يومان ومن لم يشترط الصوم قالوا أقله ما يطلق عليه اسم لبث ولا يشترط القعود وقيل يكفي
المرور مع النية كوقوف عرفة وروى عبد الرازق عن يعلى بن أمية الصحابي أنى لأمكث في
المسجد الساعة وما أمكث الا لأعتكف واتفقوا على فساده بالجماع حتى قال الحسن والزهري من
جامع فيه لزمته الكفارة وعن مجاهد يتصدق بدينارين واختلفوا في غير الجماع ففي المباشرة أقوال
ثالثها ان أنزل بطل والا فلا ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث * أحدها حديث ابن عمر كان
235

رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان وقد أخرجه مسلم من هذا
الوجه وزاد قال نافع وقد أراني عبد الله بن عمر المكان الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعتكف فيه من المسجد وزاد ابن ماجة من وجه آخر عن نافع ان ابن عمر كان إذا اعتكف طرح له
فراشه وراء أسطوانة التوبة * ثانيها حديث عائشة مثل حديث ابن عمر وزاد حتى توفاه الله ثم
اعتكف أزواجه من بعده فيؤخذ من الأول اشتراط المسجد له ومن الثاني انه لم ينسخ وليس من
الخصائص وأما قول ابن نافع عن مالك فكرت في الاعتكاف وترك الصحابة له مع شدة اتباعهم
للأثر فوقع في نفسي أنه كالوصال وأراهم تركوه لشدته ولم يبلغني عن أحد من السلف انه
اعتكف الا عن أبي بكر بن عبد الرحمن اه‍ وكأنه أراد صفة مخصوصة والا فقد حكيناه عن
غير واحد من الصحابة ومن كلام مالك أخذ بعض أصحابه أن الاعتكاف جائز وأنكر ذلك
عليهم ابن العربي وقال إنه سنة مؤكدة وكذا قال ابن بطال في مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم
ما يدل على تأكده وقال أبو داود عن أحمد لا أعلم عن أحد من العلماء خلافا أنه مسنون (قوله
عن ابن شهاب) زاد معمر فيه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وخالفه الليث
عن الزهري فقال عن عروة عن عائشة موصولا وعن سعيد مرسلا * ثالثها حديث أبي سعيد وقد
تقدمت مباحثه في الباب الذي قبله * (قوله باب الحائض ترجل رأس المعتكف) أي
تمشطه وتدهنه (قوله يصغى إلى) بضم أوله أي يميل (قوله وهو مجاور) في رواية أحمد والنسائي
كان يأتيني وهو معتكف في المسجد فيتكئ على باب حجرتي فاغسل رأسه وسائره في المسجد وقد
تقدمت فوائده في كتاب الحيض ويؤخذ منه ان المجاورة والاعتكاف واحد وفرق بينهما مالك
وفى الحديث جواز التنظف والتطيب والغسل والحلق والتزين الحاقا بالترجل والجمهور على أنه
لا يكره فيه الا ما يكره في المسجد وعن مالك تكره فيه الصنائع والحرف حتى طلب العلم
وفى الحديث استخدام الرجل امرأته برضاها وفى اخراجه رأسه دلالة على اشتراط المسجد
للاعتكاف وعلى ان من أخرج بعض بدنه من مكان حلف ان لا يخرج منه لم يحنث حتى يخرج
رجليه ويعتمد عليهما * (قوله باب لا يدخل) أي المعتكف (البيت الا لحاجة) كأنه
أطلق على وفق الحديث (قوله عن عروة) أي ابن الزبير (وعمرة) كذا في رواية الليث جمع بينهما
ورواه يونس عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة وحده ورواه مالك عنه عن عروة عن عمرة قال
أبو داود وغيره لم يتابع عليه وذكر البخاري ان عبيد الله بن عمر تابع مالكا وذكر الدارقطني ان أبا
أويس رواه كذلك عن الزهري واتفقوا على أن الصواب قول الليث وان الباقين اختصروا
منه ذكر عمرة وان ذكر عمرة في رواية مالك من المزيد في متصل الأسانيد وقد رواه بعضهم عن مالك
فوافق الليث أخرجه النسائي أيضا وله أصل من حديث عروة عن عائشة كما سيأتي من طريق
هشام عن أبيه وهو عند النسائي من طريق تميم بن سلمة عن عروة (قوله وكان لا يدخل البيت
الا لحاجة) زاد مسلم الا لحاجة الانسان وفسرها الزهري بالبول والغائط وقد اتفقوا على
236

استثنائهما واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالاكل والشرب ولو خرج لهما فتوضأ خارج
المسجد لم يبطل ويلتحق بهما القئ والفصد لمن احتاج إليه ووقع عند أبي داود من طريق
عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت السنة على المعتكف ان لا يعود
مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة الا لما لا بد منه قال أبو داود
غير عبد الرحمن لا يقول فيه البتة وجزم الدارقطني بان القدر الذي من حديث عائشة قولها
لا يخرج الا لحاجة وما عداه ممن دونها وروينا عن علي والنخعي والحسن البصري ان شهد
المعتكف جنازة أو عاد مريضا أو خرج للجمعة بطل اعتكافه وبه قال الكوفيون وابن المنذر
في الجمعة وقال الثوري والشافعي واسحق ان شرط شيئا من ذلك في ابتداء اعتكافه لم يبطل
اعتكافه بفعله وهو رواية عن أحمد * (قوله باب غسل المعتكف) ذكر فيه حديث
عائشة أيضا وقد تقدمت مباحثه في كتاب الحيض (قوله فيه فأغسله) زاد النسائي من رواية
حماد عن إبراهيم فاغسله بخطمي (قوله باب الاعتكاف ليلا) أي بغير نهار (قوله
حدثنا مسدد حدثني يحيى بن سعيد) وهو القطان كذا رواه مسدد من مسند ابن عمر ووافقه
المقدمي وغيره عند مسلم وغيره وخالفهم يعقوب بن إبراهيم عن يحيى فقال عن ابن عمر عن عمر
أخرجه النسائي وكذا أخرجه أبو داود عن أحمد لكنه في المسند كما قال مسدد فالله أعلم فاختلف
فيه على عبيد الله بن عمر عن نافع وعلى أيوب عن نافع وسيأتى لذلك مزيد بيان في فرض الخمس وفى
غزوة حنين (قوله أن عمر سأل) لم يذكر مكان السؤال وسيأتى في النذر من وجه آخر ان ذلك كان
بالجعرانة لما رجعوا من حنين ويستفاد منه الرد على من زعم أن اعتكاف عمر كان قبل المنع من
الصيام في الليل لان غزوة حنين متأخرة عن ذلك (قوله كنت نذرت في الجاهلية) زاد حفص
ابن غياث عن عبيد الله عند مسلم فلما أسلمت سألت وفيه رد على من زعم أن المراد بالجاهلية ما قبل
فتح مكة وانه انما نذر في الاسلام وأصرح من ذلك ما أخرجه الدارقطني من طريق سعيد بن بشير
عن عبيد الله بلفظ نذر عمر ان يعتكف في الشرك (قوله أن اعتكف ليلة) استدل به على جواز
الاعتكاف بغير صوم لان الليل ليس ظرفا للصوم فلو كان شرطا لامره النبي صلى الله عليه وسلم
به وتعقب بأن في رواية شعبة عن عبيد الله عند مسلم يوما بدل ليلة فجمع ابن حبان وغيره بين
الروايتين بأنه نذر اعتكاف يوم وليلة فمن أطلق ليلة أراد بيومها ومن أطلق يوما أراد بليلته وقد
ورد الامر بالصوم في رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر صريحا لكن اسنادها ضعيف وقد زاد فيها
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له اعتكف وصم أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله
ابن بديل وهو ضعيف وذكر ابن عدي والدار قطني انه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار ورواية
من روى يوما شاذة وقد وقع في رواية سليمان بن بلال الآتية بعد أبواب فاعتكف ليلة فدل
على أنه لم يزد على نذره شيئا وان الاعتكاف لا صوم فيه وانه لا يشترط له حد معين
(قوله في المسجد الحرام) زاد عمرو بن دينار في روايته عند الكعبة وقد ترجم البخاري لهذا
الحديث بعد أبواب من لم ير عليه إذا اعتكف صوما وترجمة هذا الباب مستلزمة للثانية لان
الاعتكاف إذا ساغ ليلا بغير نهار استلزم صحته بغير صيام من غير عكس وباشتراط الصيام قال
ابن عمر وابن عباس أخرجه عبد الرزاق عنهما باسناد صحيح وعن عائشة نحوه وبه قال مالك
237

والأوزاعي والحنفية واختلف عن أحمد واسحق واحتج عياض بأنه صلى الله عليه وسلم لم يعتكف
الا بصوم وفيه نظر لما في الباب الذي بعده انه اعتكف في شوال كما سنذكره واحتج بعض
المالكية بان الله تعالى ذكر الاعتكاف اثر الصوم فقال ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن
وأنتم عاكفون وتعقب بأنه ليس فيها ما يدل على تلازمهما والا لكان لا صوم الا باعتكاف ولا
قائل به وسنذكر بقية فوائد حديث عمر في كتاب النذور إن شاء الله تعالى وفى الحديث أيضا رد على
من قال أقل الاعتكاف عشرة أيام أو أكثر من يوم وقد تقدم نقله في أول الاعتكاف وتظهر
فائدة الخلاف فيمن نذر اعتكافا مبهما والله أعلم * (قوله باب اعتكاف النساء)
أي ما حكمه وقد أطلق الشافعي كراهته لهن في المسجد الذي تصلى فيه الجماعة واحتج بحديث
الباب فإنه دال على كراهة الاعتكاف للمرأة الا في مسجد بيتها لأنها تتعرض لكثرة من يراها
وقال ابن عبد البر لولا أن ابن عيينة زاد في الحديث أي حديث الباب انهن استأذن النبي صلى الله
عليه وسلم في الاعتكاف لقطعت بان اعتكاف المرأة في مسجد الجماعة غير جائز انتهى وشرط
الحنفية لصحة اعتكاف المرأة أن تكون في مسجد بيتها وفى رواية لهم ان لها الاعتكاف في
المسجد مع زوجها وبه قال أحمد (قوله حدثنا يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري ونسبه خلف بن
هشام في روايته عن حماد بن زيد عند الإسماعيلي (قوله عن عمرة) في رواية الأوزاعي الآتية
في أواخر الاعتكاف عن يحيى بن سعيد حدثتني عمرة بنت عبد الرحمن (قوله عن عائشة) في
رواية أبى عوانة من طريق عمرو بن الحرث عن يحيى بن سعيد عن عمرة حدثتني عائشة (قوله
كالنبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فكنت اضرب له
خباء) أي بكسر المعجمة ثم موحدة وقوله فيصلى الصبح ثم يدخله وفى رواية ابن فضيل عن يحيى بن
سعيد الآتية في باب الاعتكاف في شوال كان يعتكف في كل من رمضان فإذا صلى الغداة دخل
واستدل بهذا على أن مبدأ الاعتكاف من أول النهار وسيأتى نقل الخلاف فيه (قوله فاستأذنت
حفصة عائشة ان تضرب خباء) في رواية الأوزاعي المذكورة فاستأذنته عائشة فاذن لها وسألت
حفصة عائشة ان تستأذن لها ففعلت وفى رواية ابن فضيل المذكورة فاستاذنت عائشة ان
تعتكف فاذن لها فضربت قبة فسمعت بها حفصة فضربت قبة زاد في رواية عمرو بن الحرث
لتعتكف معه وهذا يشعر بأنها فعلت ذلك بغير اذن لكن رواية ابن عيينة عند النسائي ثم
استأذنته حفصة فاذن لها وقد ظهر من رواية حماد والأوزاعي ان ذلك كان على لسان عائشة
(قوله فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر) وفى رواية ابن فضيل وسمعت بها زينب
فضربت قبة أخرى وفى رواية عمرو بن الحرث فلما رأته زينب ضربت معهن وكانت امرأة
غيورا ولم أقف في شئ من الطرق ان زينب استأذنت وكان هذا هو أحد ما بعث على الانكار
الآتي (قوله فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية) في رواية مالك التي بعد هذه
فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه إذا أخبية وفى رواية ابن فضيل فلما انصرف
من الغداة أبصر أربع قباب يعنى قبة له وثلاثا للثلاثة وفى رواية الأوزاعي وكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه الذي بنى له ليعتكف فيه ووقع في رواية أبى معاوية عند
مسلم وأبى داود فامرت زينب بخبائها فضرب وأمر غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
238

بخبائها فضرب وهذا يقتضى تعميم الأزواج بذلك وليس كذلك وقد فسرت الأزواج في
الروايات الأخرى بعائشة وحفصة وزينب فقط وبين ذلك قوله في هذه الرواية أربع قباب وفى
واية ابن عيينة عند النسائي فلما صلى الصبح إذا هو بأربعة أبنية قال لمن هذه قالوا لعائشة
وحفصة وزينب (قوله آلبر) بهمزة استفهام ممدودة وبغير مد وآلبر بالنصب وقوله ترون بهن
بضم أوله أي تظنون وفى رواية مالك آلبر تقولون بهن أي تظنون والقول يطلق على الظن قال
الأعشى
أما الرحيل فدون بعد غد * * فمتى تقول الدار تجمعنا
أي تظن ووقع في رواية الأوزاعي آلبر اردن بهذا وفى رواية ابن عيينة آلبر تقولون يردن بهذا
والخطاب للحاضرين من الرجال وغيرهم وفى رواية ابن فضيل ما حملهن على هذا آلبر أنزعوها
فلا أراها فنزعت وما استفهامية وآلبر في هذه الرواية مرفوع وقوله فلا أراها زعم ابن التين أن
الصواب حذف الألف من أراها قال لأنه مجزوم بالنهى وليس كما قال (قوله فترك الاعتكاف)
في رواية أبى معاوية فامر بخبائة فقوض وهو بضم القاف وتشديد الواو المكسورة بعدها
ضاد غدا أي نقض وكأنه صلى الله عليه وسلم خشى أن يكون الحامل لهن على ذلك المباهاة
والتنافس الناشئ عن الغيرة حرصا على القرب منه خاصة فيخرج الاعتكاف عن موضوعه أو لما
اذن لعائشة وحفصة أو لا كان ذلك خفيفا بالنسبة إلى ما يفضى إليه الامر من توارد بقية
النسوة على ذلك فيضيق المسجد على المصلين أو بالنسبة إلى أن اجتماع النسوة عنده يصيره
كالجالس في بيته وربما شغلنه عن التخلي لما قصد من العبادة فيفوت مقصود الاعتكاف
(قوله فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرا من شوال) في رواية الأوزاعي فرجع
فلما ان اعتكف وفى رواية ابن فضيل فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من
شوال وفى رواية أبى معاوية فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في العشر الأول من شوال
ويجمع بينه وبين رواية ابن فضيل بان المراد بقوله آخر العشر من شوال انتهاء اعتكافه قال
الإسماعيلي فيه دليل على جواز الاعتكاف بغير صوم لان أول شوال هو يوم الفطر وصومه
حرام وقال غيره في اعتكافه في شوال دليل على أن النوافل المعتادة إذا فاتت تقضى استحبابا
واستدل به المالكية على وجوب قضاء العمل لمن شرع فيه ثم أبطله ولا دلالة فيه لما سيأتي وقال
ابن المنذر وغيره في الحديث ان المرأة لا تعتكف حتى تستأذن زوجها وانها إذا اعتكفت بغير
اذنه كان له أن يخرجها وإن كان باذنه فله أن يرجع فيمنعها وعن أهل الرأي إذا أذن لها الزوج ثم
منعها أثم بذلك وامتنعت وعن مالك ليس له ذلك وهذا الحديث حجة عليهم وفيه جواز ضرب
الأخبية في المسجد وان الأفضل للنساء ان لا يعتكفن في المسجد وفيه جواز الخروج من
الاعتكاف بعد الدخول فيه وانه لا يلزم بالنية ولا بالشروع فيه ويستنبط منه سائر التطوعات
خلافا لمن قال باللزوم وفيه ان أول الوقت الذي يدخل فيه المعتكف بعد صلاة الصبح وهو قول
الأوزاعي والليث والثوري وقال الأئمة الأربعة وطائفة يدخل قبيل غروب الشمس وأولوا
الحديث على أنه دخل من أول الليل ولكن انما تخلى بنفسه في المكان الذي أعده لنفسه بعد
صلاة الصبح وهذا الجواب يشكل على من منع الخروج من العبادة بعد الدخول فيها وأجاب
239

عن هذا الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل المعتكف ولا شرع في الاعتكاف وانما هم
به ثم عرض له المانع المذكور فتركه فعلى هذا فاللازم أحد الامرين اما ان يكون شرع في
الاعتكاف فيدخل على جواز الخروج منه واما ان لا يكون شرع فيدل على أن أول وقته بعد
صلاة الصبح وفيه ان المسجد شرط للاعتكاف لأن النساء شرع لهن الاحتجاب في البيوت فلو لم
يكن المسجد شرطا ما وقع ما ذكر من الاذن والمنع ولاكتفى لهن بالاعتكاف في مساجد
بيوتهن وقال إبراهيم بن علية في قوله آلبر تردن دلالة على أنه ليس لهن الاعتكاف في المسجد
إذ مفهومه أنه ليس ببر لهن وما قاله ليس بواضح وفيه شؤم الغيرة لأنها ناشئة عن الحسد
المفضى إلى ترك الأفضل لأجله وفيه ترك الأفضل إذا كان فيه مصلحة وان من خشى على عمله
الرياء جاز له تركه وقطعه وفيه ان الاعتكاف لا يجب بالنية وأما قضاؤه صلى الله عليه وسلم
له فعلى طريق الاستحباب لأنه كان إذا عمل عملا أثبته ولهذا لم ينقل ان نساءه لم أعتكفن معه
في شوال وفيه ان المرأة إذا اعتكفت في المسجد استحب لها ان تجعل لها ما يسترها ويشترط
أن تكون اقامتها في موضع لا يضيق على المصلين وفى الحديث بيان مرتبة عائشة في كون
حفصة لم تستأذن الا بواسطتها ويحتمل أن يكون سبب ذلك كونه كان تلك الليلة في بيت عائشة
* (قوله باب الأخبية في المسجد) ذكر فيه الحديث الماضي في الباب قبله مختصرا
من طريق مالك عن يحيى بن سعيد فوقع في أكثر الروايات عن عمرة عن عائشة وسقط قوله عن
عائشة في رواية النسفي والكشميهني وكذا هو في الموطآت كلها وأخرجه أبو نعيم في المستخرج
من طريق عبد الله بن يوسف شيخ البخاري فيه مرسلا أيضا وجزم بان البخاري أخرجه
عن عبد الله بن يوسف موصولا قال الترمذي رواه مالك وغير واحد عن يحيى مرسلا وقال
الدارقطني تابع مالكا على ارساله عبد الوهاب الثقفي ورواه الياس عن يحيى موصولا وقال
الإسماعيلي تابع مالكا أنس بن عياض وحماد بن زيد على اختلاف عنه انتهى وأخرجه أبو
نعيم في المستخرج من طريق عبد الله بن نافع عن مالك موصولا فحصلنا على جماعة وصلوه وقد
تقدمت مباحثه في الباب الذي قبله * (قوله باب هل يخرج المعتكف لحوائجه
إلى باب المسجد) أورد هذه الترجمة على الاستفهام لاحتمال القضية ما ترجم له لكن تقييده
ذلك بباب المسجد مما لا يتأتى فيه الخلاف حتى يتوقف عن بت الحكم فيه وانما الخلاف في
الاشتغال في المسجد بغير العبادة (قوله إن صفيه زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عند ابن
حبان في رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن علي بن الحسين حدثتني صفية وهى صفية
بنت حي بمهملة وتحتانية مصغرا ابن أخطب كان أبوها رئيس خيبر وكانت تكنى أم يحيى وسيأتى
شرح تزويجها في المغازي إن شاء الله تعالى وفى تصريح علي بن الحسين بأنها حدثته رد على من
زعم أنها ماتت سنة ست وثلاثين أو قبل ذلك لان عليا انما ولد بعد ذلك سنة أربعين أو نحوها
والصحيح انها ماتت سنة خمسين وقيل بعدها وكان علي بن الحسين حين سمع منها صغيرا وقد
اختلفت الرواة عن الزهري في وصل هذا الحديث وسيأتي تفصيل ذلك في كتاب الأحكام إن شاء الله
تعالى واعتمد المصنف الطريق الموصولة وحمل الطريق المرسلة على انها عند على عن صفية
240

فلم يجعلها علة للموصول كما صنع في طريق مالك في الباب قبله (قوله إنها جاءت إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه) وفى رواية معمر الآتية في صفة إبليس فاتيته أزوره ليلا وفى
رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعنده
أزواجه فرحن وقال لصفية لا تعجلي حتى انصرف معك والذي يظهر ان اختصاص صفية بذلك
لكون مجيئها تأخر عن رفقتها فأمرها بتأخير التوجه ليحصل لها التساوي في مدة جلوسهن
عنده أو أن بيوت رفقتها كانت أقرب من منزلها فخشى النبي صلى الله عليه وسلم عليها أو كان
مشغولا فأمرها بالتأخر ليفرغ من شغله ويشيعها وروى عبد الرزاق من طريق مروان بن
سعيد بن المعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معتكفا في المسجد فاجتمع إليه نساؤه ثم تفرقن
فقال لصفية أقلبك إلى بيتك فذهب معها حتى أدخلها بيتها وفى رواية هشام المذكورة وكان
بيتها في دار أسامة زاد في رواية عبد الرزاق عن معمر وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد أي الدار
التي صارت بعد ذلك لأسامة بن زيد لان أسامة إذ ذاك لم يكن له دار مستقلة بحيث تسكن فيها
صفية وكانت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حوالي أبواب المسجد وبهذا يتبين صحة
ترجمة المصنف قوله فتحدثت عنده ساعة زاد بن أبي عتيق عن الزهري كما سيأتي في الأدب ساعة
من العشاء قوله ثم قامت تنقلب أي ترد إلى بيتها فقام معها يقلبها بفتح أوله وسكون القاف أي
يردها إلى منزلها قوله حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة في رواية بن أبي عتيق الذي
عند مسكن أم سلمة والمراد بهذا بيان المكان الذي لقيه الرجلان فيه لاتيان مكان بيت صفية
قوله مر رجلان من الأنصار لم اقف على تسميتهما في شئ من كتب الحديث الا ان بن
العطار في شرح العمدة زعم انهما أسيد ابن حضير وعباد ابن بشر ولم يذكر لذلك مستندا ووقع في
رواية سفيان الآتية بعد ثلاثة أبواب فأبصره رجل من الأنصار بالافراد وقال بن التين انه
وهم ثم قال يحتمل تعدد القصة قلت والأصل عدمه بل هو امرهم على أن أحدهما كان تبعا
للاخر أو خص أحدهما بخطاب المشافهة دون الآخر ويحتمل ان يكون الزهري كان يشك فيه
فيقول تارة رجل وتارة رجلان فقد رواه سعيد ابن منصور عن هشيم عن الزهري لقيه رجل
أو رجلان بالشك وليس لقوله رجل مفهوم نعم رواه مسلم من وجه آخر من حديث انس بالافراد
ووجهه ما قدمته من أن أحدهما كان تبعا للاخر فحيث أفرد ذكر الأصل وحيث ثنى ذكر
الصورة قوله فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية معمر فنظرا إلى النبي صلى الله
عليه وسلم ثم أجازا أي مضيا يقال جاز وأجاز بمعنى ويقال جاز الموضع إذا سار فيه وأجازه إذا قطعه
وخلفه وفى رواية بن أبي عتيق ثم نفذا وهو بالفاء والمعجمة أي خلفاه وفى رواية معمر فلما رأيا
النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا أي في المشي وفى رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند
ابن حبان فلما رأيه استحييا فرجعا فأفاد سبب رجوعهما وكأنهما لو استمرا ذاهبين إلى مقصدهما
ما ردهما بل لما رأى انهما تركا مقصدهما ورجعا ردهما قوله على رسلكما بكسر الراء ويجوز
فتحها أي على هينتكما في المشي فليس هنا وفيه شئ محذوف تقديره امشيا على
هيئتكما وفى رواية معمر فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم تعاليا وهو بفتح اللام قال الداودي
أي قفا وأنكره بن التين وقد أخرجه عن معناه بغير دليل وفى رواية سفيان فلما ابصره دعاه
241

فقال تعالى قوله انما هي صفية بنت حي في رواية سفيان هذه صفية قوله فقالا سبحان الله
يا رسول الله وكبر عليهما زاد النسائي من طريق بشر بن شعيب عن أبيه ذلك ومثله في رواية بن
مسافر الآتية في الخمس وكذا للإسماعيلي من وجه آخر عن أبي وابنه شيخ البخاري فيه وفى
رواية ابن أبي عتيق عند المصنف في الأدب وكبر عليهما ما قال وله من طريق عبد الأعلى عن
معمر فكبر ذلك عليهما وفى رواية هشيم فقال يا رسول الله هل نظن بك الا خيرا قوله إن
الشيطان يبلغ من بن آدم مبلغ القدم كذا في رواية بن مسافر وابن أبي عتيق وفى رواية
معمر يجرى من الانسان مجرى الدم وكذا لابن ماجة من طريق عثمان بن عمر التيمي عن الزهري
زاد عبد الأعلى فقال انى خفت ان
تظنا ظنا ان الشيطان يجرى الخ وفى رواية عبد الرحمن
ابن إسحاق ما أقول لكما هذا ان تكونا تظنان شرا ولكن قد علمت أن الشيطان يجرى من ابن
آدم مجرى الدم قوله بن آدم المراد جنس أولاد آدم فيدخل فيه الرجال والنساء كقوله يا بني آدم
وقوله يا بني إسرائيل بلفظ المذكر الا ان العرف عممه فأدخل فيه النساء قوله وانى خشيت ان
يقذف في قلوبكما شيئا كذا في رواية ابن مسافر وفى رواية معمر سوءا أو قال شيئا وعند مسلم وأبى
داود وأحمد من حديث معمر شرا بمعجمة وراء بدل سوءا وفى رواية هشيم أنى خفت ان يدخل عليكما
شيئا والمحصل من هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينسبهما إلى أنهما يظنان به سوءا لما
تقرر عنده من صدق ايمانهما ولكن خشى عليهما ان يوسوس لهما الشيطان ذلك لأنهما غير
معصومين فقد يفضى بهما ذلك إلى الهلاك فبادر إلى اعلامهما حسما للمادة وتعليما لمن بعدهما
إذا وقع له مثل ذلك كما قاله الشافعي رحمه الله تعالى فقد روى الحاكم ان الشافعي كان في مجلس
ابن عيينة فسأله عن هذا الحديث فقال الشافعي انما قال لهما ذلك لأنه خاف عليهما الكفر ان
ظنا به التهمة فبادر إلى اعلامهما نصيحة لهما قبل ان يقذف الشيطان في نفوسهما شيئا يهلكان
به قلت وهو بين من الطرق التي أسلفتها وغفل البزار فطعن في حديث صفية هذا واستبعد
وقوعه ولم يأت بطائل والله الموفق وقوله يبلغ أو يجرى قيل هو على ظاهره وأن الله تعالى اقدره
على ذلك وقيل هو على سبيل الاستعارة من كثرة اغوائه وكأنه لا يفارق كالدم فاشتركا في شدة
الاتصال وعدم المفارقة وفى الحديث من الفوائد جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من
تشييع زائره والقيام معه والحديث مع غيره وإباحة خلوة المعتكف بالزوجة وزيارة المرأة
للمعتكف وبيان شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته وارشادهم إلى ما يدفع عنهم الاثم وفيه التحرز
من التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتذار قال ابن دقيق العيد وهذا
متأكد في حق العلماء ومن يفتدى به فلا يجوز لهم ان يفعلوا فعلا يوجب سوء الظن بهم وإن كان
لهم فيه مخلص لان ذلك سبب إلى ابطال الانتفاع بعلمهم ومن ثم قال بعض العلماء ينبغي للحاكم أن
يبين للمحكوم عليه وجه الحكم إذا كان خافيا نفيا للتهمة ومن هنا يظهر خطا من يتظاهر بمظاهر
السوء ويتعذر بأنه يجرب بذلك على نفسه وقد عظم البلاء بهذا الصنف والله أعلم وفيه إضافة
بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليهن وفيه جواز خروج المرأة ليلا وفيه قول سبحان الله
عند التعجب وقد وقعت في الحديث لتعظيم الامر وتهويله وللحياء من ذكره كما في حديث أم سليم
واستدل به لأبى يوسف ومحمد في جواز تمادى المعتكف إذا خرج من مكان اعتكافه لحاجته
242

وأقام زمنا يسيرا زائدا عن الحاجة ما لم يستغرق أكثر اليوم ولا دلالة فيه لأنه لم يثبت ان منزل
صفية كان بينه وبين المسجد فاصل زائد وقد حد بعضهم اليسير بنصف يوم وليس في الخبر ما يدل
عليه قوله باب الاعتكاف وخروج النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة عشرين
اورد فيه حديث أبي سعيد وقد تقدم الكلام عليه قريبا وكأنه أراد بالترجمة تأويل ما وقع
في حديث مالك من قوله فلما كانت ليلة إحدى وعشرين وهى الليلة التي يخرج من اعتكافه
صبيحتها وقد تقدم توجيه ذلك وأن المراد بقوله صبيحتها التي قبلها قال ابن بطال هو مثل
قوله تعالى لم يلبثوا الا عشية أو ضحاها فأضاف الضحى إلى العشية وهو قبلها وكل شئ متصل بشئ
فهو مضاف إليه سواء كان قبله أو بعده قوله أريت بضم أوله وكسر الراء وفى رواية
الكشميهني رأيت بتقديم الراء وفتحها قوله نسيتها بفتح النون وللكشميهني بضمها وتثقيل
السين قوله رأيت انى اسجد في رواية الكشميهني رأيت أن اسجد قال القفال معناه أنه رأى
من يقول له في النوم ليلة القدر ليلة كذا وكذا وعلامتها كذا وكذا وليس معناه انه رأى ليلة
القدر نفسها ثم نسيها لأن مثل ذلك لا ينسى قلت وقد تقدم للمصنف ان جبريل هو المخبر له بذلك
قوله باب اعتكاف المستحاضة اورد فيه حديث عائشة اعتكف مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم امرأة مستحاضة من أزواجه وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الحيض وفى وهذا
اللفظ رد لقول من قال يحمل على أن قوله امرأة من نسائه أي من النساء اللواتي لهن به تعلق لأنه
لم ينقل ان امرأة من أزواجه صلى الله عليه وسلم استحاضت وتقدم ذكر المستحاضة في عهده
والخلاف فيهن ويستدرك هنا ان تسمية هذه الزوجة وقع في رواية سعيد ابن منصور عن إسماعيل
وهو ابن علية حدثنا خالد وهو الحذاء الذي أخرجه المصنف من طريقه فذكر الحديث وزاد فيه
قال وحدثنا به خالد مرة أخرى عن عكرمة ان أم سلمة كانت عاكفة وهى مستحاضة فأفاد بذلك
معرفة عينها وازداد بذلك عدد المستحاضات والله أعلم قوله باب زيارة المرأة زوجها
في اعتكافه ذكر في حديث صفية من وجهين عن الزهري أحدهما من طريق عبد الرحمن
ابن خالد بن مسافر وهى موصولة والأخرى طريق هشام بن يوسف عن معمر وهى مرسلة وساقه
هنا على لفظ معمر واعاده بالاسناد المذكور هنا من طريق بن مسافر في فرض الخمس على يسير
وقد بينت ما فيه من الفوائد قريبا قوله في أنفسكما هو مثل قوله في الرواية الأخرى في قلوبكما
وإضافة لفظ الجمع إلى المثنى كثير مسموع كقوله تعالى فقد صغت قلوبكما قوله باب
هل يدرا بفتح أوله وسكون الدال بعدها راء ثم همزة مضمومة أي يدفع وقوله عن نفسه أي
243

بالقول والفعل وقد دل الحديث على الدفع بالقول فيلحق به الفعل وليس المعتكف بأشد في ذلك
من المصلى ثم اورد المصنف فيه حديث صفية أيضا من وجهين عن الزهري أحدهما طريق بن أبي
عتيق وهى موصولة وإسماعيل بن عبد الله شيخه هو بن أبي أويس وأخوه أبو بكر وسليمان
هو بن بلال والاسناد كله مدنيون والأخرى طريق سفيان وهى مرسلة وساقه على لفظ
سفيان واعاده بالاسناد المذكور هنا من طريق بن أبي عتيق في الأدب على يسير وقد بينت
ما فيه أيضا قوله قلت لسفيان وهو ابن عيينة القائل هو علي بن عبد الله بن المديني شيخ
البخاري وقوله وهل هو الا ليلا أي وهل ومع الاتيان الا في الليل وليس المراد نفى امكانه بل نفى
وقوعه وقد وقع عند النسائي من طريق عبد الله ابن المبارك عن سفيان ابن عيينة في نفس الحديث
ان صفية أتت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة قوله باب من خرج من
اعتكافه عند الصبح ذكر فيه حديث أبي سعيد أيضا وقد تقدم الكلام عليه مستوفى وهو
محمول على أنه أراد اعتكاف الليالي دون الأيام وسبيل من أراد ذلك ان يدخل معي غروب
الشمس ويخرج بعد طلوع الفجر فان أراد اعتكاف الأيام خاصة فيدخل مع طلوع الفجر ويخرج
بعد غروب الشمس فان أراد اعتكاف الأيام والليالي معا فيدخل قبل غروب الشمس ويخرج
بعد غروب الشمس أيضا وقد وقع في حديث الباب فلما كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا وهو
مشعر بأنهم اعتكفوا الليالي دون الأيام وحمله المهلب على نقل اثقالهم وما يحتاجون إليه من
آلة الأكل والشرب والنوم إذ لا حاجة لهم بها في ذلك اليوم فإذا كان المساء خرجوا خفافا
ولذلك قال نقلنا متاعنا ولم يقل خرجنا وقد تقدم في باب تحرى ليلة القدر من وجه آخر فإذا كان حين
يمسى من عشرين ليلة ويستقبل إحدى وعشرين رجع وبذلك يجمع بين الطريقين فان القصة
واحدة والحديث واحد وهو حديث أبي سعيد (قوله حدثنا عبد الرحمن بن بشر) كذا للأكثر
وليس في رواية الأصيلي وكريمة قوله ابن بشر وذكره النسفي وحده تعليقا فقال وعبد الرحمن
حدثنا سفيان وهو ابن عيينة (قوله عن ابن جريج) في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا
ابن جريج (قوله عن سليمان) زاد الحميدي ابن أبي مسلم (قوله وحدثنا محمد بن عمرو) القائل هو
سفيان وهو ابن عيينة وهو القائل أيضا وأظن أن ابن أبي لبيد حدثنا والحاصل أن لسفيان فيه
ثلاثة أشياخ حدثوه به عن أبي سلمة وقد أخرجه أحمد عن سفيان قال حدثنا محمد بن عمرو عن أبي
سلمة وابن أبي لبيد عن أبي سلمة سمعت أبا سعيد ولم يقل وأظن ومحمد بن عمرو هو ابن علقمة الليثي
ولم يخرج له البخاري الا مقرونا * (قوله باب الاعتكاف في شوال) ذكر فيه حديث عمرة
عن عائشة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب اعتكاف النساء (قوله حدثنا محمد) في رواية
كريمة هو ابن سلام (قوله فإذا صلى الغداة دخل مكانه) في رواية الكشميهني حل بمهملة وتشديد
244

* (قوله باب من لم ير عليه إذا اعتكف صوما) ذكر فيه قصة عمر في نذره اعتكاف
ليلة وقد تقدمت مباحثه في باب الاعتكاف ليلا * (قوله باب إذا نذر في الجاهلية أن
يعتكف ثم أسلم) أي هل يلزمه الوفاء بذلك أم لا ذكر فيه قصة عمر أيضا وترجم له في أبواب النذر
إذا نذر أو حلف لا يكلم انسانا في الجاهلية ثم أسلم وكأنه ألحق اليمين بالنذر لاشتراكهما في التعليق
وفيه إشارة إلى أن النذر واليمين ينعقد في الكفر حتى يجب الوفاء بهما على من أسلم وستأتي مباحثه
في كتاب النذر إن شاء الله تعالى (قوله قال أراه ليلة) بضم أوله أي أظنه والقائل ذلك هو عبيد
شيخ البخاري أو البخاري نفسه فقد رواه الإسماعيلي وغيره من طريق أخرى عن أبي أسامة بغير
شك * (قوله باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان) كأنه أشار بذلك إلى أن
الاعتكاف لا يختص بالعشر الأخير وإن كان الاعتكاف فيه أفضل (قوله حدثنا أبو بكر) هو
ابن عياش وأبو حصين بفتح أوله هو عثمان ابن عاصم والاسناد إلى أبى صالح كوفيون (قوله
يعتكف في كل رمضان عشرة أيام) في رواية يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عند النسائي
يعتكف العشر الأواخر من رمضان قال ابن بطال مواظبته صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف
تدل على أنه من السنن المؤكدة وقد روى ابن المنذر عن ابن شهاب انه كان يقول عجبا للمسلمين
تركوا الاعتكاف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه منذ دخل المدينة حتى قبضه الله اه‍ وقد
تقدم قول مالك أنه لم يعلم أن أحدا من السلف اعتكف الا أبا بكر بن عبد الرحمن وأن تركهم
لذلك لما فيه من الشدة (قوله فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين) قيل السبب في
ذلك أنه صلى الله عليه وسلم علم بانقضاء اجله فأراد أن يستكثر من أعمال الخير ليبين لامته الاجتهاد
في العمل إذا بلغوا أقصى العمر ليلقوا الله على خير أحوالهم وقيل السبب فيه أن جبريل كان
يعارضه بالقرآن في كل رمضان مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين فلذلك اعتكف
قدر ما كان يعتكف مرتين ويؤيده أن عند ابن ماجة عن هناد عن أبي بكر بن عياش في آخر
حديث الباب متصلا به وكان يعرض عليه القرآن في كل عام مرة فلما كان العام الذي قبض فيه
عرضه عليه مرتين وقال ابن العربي يحتمل أن يكون سبب ذلك أنه لما ترك الاعتكاف في العشر
الأخير بسبب ما وقع من أزواجه واعتكف بدله عشرا من شوال اعتكف في العام الذي يليه
عشرين لأنه كان العام الذي قبله مسافرا ويدل لذلك ما أخرجه النسائي واللفظ له وأبو داود
وصححه ابن حبان وغيره من حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف
العشر الأواخر من رمضان فسافر عاما فلم يعتكف فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين
ويحتمل تعدد هذه القصة بتعدد السبب فيكون مرة بسبب ترك الاعتكاف لعذر السفر ومرة
بسبب عرض القرآن مرتين وأما مطابقة الحديث للترجمة فان الظاهر باطلاق العشرين انها
متوالية فيتعين لذلك العشر الأوسط أو انه حمل المطلق في هذه الرواية على المقيد في الروايات
الأخرى * (قوله باب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج) أورد فيه حديث عمرة
245

عن عائشة وقد تقدمت مباحثه وفيه إشارة إلى الجزم بأنه لم يدخل في الاعتكاف ثم خرج
منه بل تركه قبل الدخول فيه وهو ظاهر السياق خلافا لمن خالف فيه * (قوله باب
المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل) أورد فيه حديث عائشة من طريق معمر عن الزهري عن
عروة عنها وقد تقدم الكلام عليه في أوائل الاعتكاف * (تنبيه) * الرأس مذكر اتفاقا ووهم
من أنثه من الفقهاء وغيرهم * (خاتمة) * اشتملت أحاديث التراويح وليلة القدر والاعتكاف من
الأحاديث المرفوعة على تسعة وثلاثين حديثا المعلق منها حديثان المكرر منها فيه وفيما
مضى ثلاثون حديثا والخالص منها تسعة أحاديث وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن
عباس في ليلة القدر وحديث أبي هريرة في اعتكاف عشرين ليلة وفيه من الآثار عن
الصحابة فمن بعدهم أثر عمر في جمع الناس على أبي بن كعب في التراويح وهو موصول وأثر الزهري
في ذلك وأثر ابن عيينة في ليلة القدر وأثر ابن عباس في التماس ليلة القدر ليلة أربع وعشرين
والله أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب البيوع
وقول الله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربا وقوله الا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم)
كذا للأكثر ولم يذكر النسفي ولا أبو ذر الآيتين والبيوع جمع بيع وجمع لاختلاف أنواعه
والبيع نقل ملك إلى الغير بثمن والشراء قبوله ويطلق كل منهما على الآخر وأجمع المسلمون على
جواز البيع والحكمة تقتضيه لان حاجة الانسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبا وصاحبه قد
لا يبذله له ففي تشريع البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج والآية الأولى أصل في جواز
البيع وللعلماء فيها أقوال أصحها انه عام مخصوص فان اللفظ لفظ عموم يتناول كل بيع فيقتضى
إباحة الجميع لكن قد منع الشارع بيوعا أخرى وحرمها فهو عام في الإباحة مخصوص بما لا يدل
الدليل على منعه وقيل عام أريد به الخصوص وقيل مجمل بينته السنة وكل هذه الأقوال تقتضى
ان المفرد المحلى بالألف واللام يعم والقول الرابع ان اللام في البيع للعهد وانها نزلت بعد ان أباح
الشرع بيوعا وحرم بيوعا فأريد بقوله وأحل الله البيع أي الذي أحله الشرع من قبل ومباحث
الشافعي وغيره تدل على أن البيوع الفاسدة تسمى بيعا وإن كانت لا يقع بها الحنث لبناء الايمان
على العرف والآية الأخرى تدل على إباحة التجارة في البيوع الحالة وأولها في البيوع المؤجلة
* (قوله باب ما جاء في قول الله عز وجل فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض
وابتغوا من فضل الله إلى آخر السورة) كذا لأبي ذر وللنسفي الآيتين أي إلى آخر الآيتين وساق في
رواية كريمة الآيتين بتمامها (قوله وقوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون
تجارة عن تراض منكم) والآية الأولى يؤخذ منها مشروعية البيع من طريق عموم ابتغاء الفضل
لأنه يشمل التجارة وأنواع التكسب واختلف في الامر المذكور فالأكثر على أنه للإباحة ونكتتها
مخالفة أهل الكتاب في منع ذلك يوم السبت فلم يحظر ذلك على المسلمين وقال الداودي الشارح
هو على الإباحة لمن له كفاف ولمن لا يطيق التكسب وعلى الوجوب للقادر الذي لا شئ عنده لئلا
يحتاج إلى السؤال وهو محرم عليه مع القدرة على التكسب وسيأتي بقية تفسير الآيتين في
246

تفسير الجمعة وأغرب بعض الشراح فقال إن الآيات المذكورة ظاهرة في إباحة التجارة الا
الأخيرة فهي إلى النهى عنها أقرب يعنى قوله وإذا رأوا تجارة أو لهوا إلى آخره ثم أجاب بان التجارة
المذكورة مقيدة بالصفة المذكورة فمن ثم أشير إلى ذمها فلو خلت عن المعارض لم تذم والذي يظهر
ان مراد البخاري بهذه الترجمة قوله وابتغوا من فضل الله وأما ذكر التجارة فيها فقد أفرده بترجمة
تأتى بعد ثمانية أبواب والآية الثانية فيها تقييد التجارة المباحة بالتراضي وقوله أموالكم أي
مال كل انسان لا يصرفه في محرم أو المعنى لا يأخذ بعضكم مال بعض وقوله الا أن تكون
الاستثناء منقطع اتفاقا والتقدير لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل لكن ان حصلت بينكم
تجارة وتراضيتم بها فليس بباطل وروى أبو داود من حديث أبي سعيد مرفوعا انما البيع عن
تراض وهو طرف من حديث طويل وروى الطبري من مرسل أبى قلابة ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال لا يتفرق بيعان الا عن رضا ورجاله ثقات ومن طريق أبى زرعة بن عمرو انه كان إذا بايع
رجلا يقول له خيرني ثم يقول قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفترق اثنان يعنى
في البيع الا عن رضا وأخرجه أبو داود أيضا وسيأتى الكلام في الخيار قريبا إن شاء الله تعالى ومن
طريق سعيد عن قتادة انه تلا هذه الآية فقال التجارة رزق من رزق الله لمن طلبها بصدقها ثم
ذكر البخاري في الباب أربعة أحاديث * الأول حديث أبي هريرة (قوله أخبرني سعيد بن
المسيب وأبو سلمة) كذا في رواية شعيب وقد تقدم في أواخر كتاب العلم من طريق مالك عن
الزهري فقال عن الأعرج وهو صحيح عن الزهري عن كل منهم وطريقه عن الأعرج مختصرة
وسيأتى في الاعتصام من طريق سفيان عن الزهري أتم منه وقد تقدمت مباحث الحديث هناك
والمقصود منه قول أبي هريرة ان إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق والصفق
بفتح المهملة ووقع في رواية القابسي بالسين وسكون الفاء بعدها قاف والمراد به التبايع وسميت
البيعة صفقة لانهم اعتادوا عند لزوم البيع ضرب كف أحدهما بكف الآخر إشارة إلى أن
الاملاك تضاف إلى الأيدي فكان يد كل واحد استقرت على ما صار له ووجه الدلالة منه وقوع
ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم واطلاعه عليه وتقريره له (قوله على ملء بطني) أي مقتنعا
بالقوت أي فلم تكن له غيبة عنه (قوله نمرة) بفتح النون وكسر الميم أي كساء ملونا وقال ثعلب
هي ثوب مخطط وقال القزاز دراعة تلبس فيها سواد وبياض وقد تقدمت بقية مباحثه في أواخر
كتاب العلم لأنه ساق هذا الكلام الأخير هناك من وجه آخر عن أبي هريرة ويأتي شئ من ذلك في
كتاب الاعتصام * الحديث الثاني حديث عبد الرحمن بن عوف (قوله عن جده) هو إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف (قوله قال قال عبد الرحمن بن عوف) في رواية أبى نعيم في المستخرج من
طريق يحيى الحمائي عن إبراهيم بن سعد بسنده عن عبد الرحمن بن عوف فهو من مسند
عبد الرحمن وقد أخرجه المصنف في فضائل الأنصار عن إسماعيل بن عبد الله وهو ابن أبي أويس
عن إبراهيم ابن سعد فقال عن أبيه عن جده قال لما قدموا المدينة أخي الخ فهو من هذه الطريق
مرسل وقد تبين لي بالطريق التي في هذا الباب أنه موصول (قوله آخى) تقدم في الصيام بيان
وقت المؤاخاة في قصة سلمان وأبى الدرداء (قوله سعد بن الربيع) سأذكر ترجمته في فضائل الأنصار
247

(قوله نزلت لك عنها) أي طلقتها لأجلك وحلت أي انقضت عدتها وسيأتى الكلام على هذا
الحديث مستوفى في الوليمة من كتاب النكاح إن شاء الله تعالى قال ابن التين كان هذا القول
من سعد قبل أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار أن يكفوا المهاجرين العمل ويعطوهم
نصف الثمرة (قوله قينقاع) بفتح القاف وسكون التحتانية وضم النون بعدها قاف قبيلة من
اليهود نسب السوق إليهم وذكر ابن التين أنه ضبط قينقاع بكسر النون في أكثر نسخ القابسي
وهو صواب أيضا وقد حكى فتحها أيضا ويجوز صرف قينقاع على إرادة الحي وتركه على إرادة
القبيلة (قوله تابع الغدو) أي داوم الذهاب إلى السوق للتجارة * الحديث الثالث حديث أنس
في قصة عبد الرحمن بن عوف المذكورة وقد أورده المصنف من طرق عن حميد عن ثابت وعن
عبد العزيز بن صهيب كلهم عن أنس وليس في شئ منها ان أنسا حمله عن عبد الرحمن الا ما وقع في
رواية لمسلم والنسائي عن طريق عبد العزيز عن أنس فقال عن عبد الرحمن بن عوف قال رآني
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فذكر الحديث ووقع عند الدارقطني من طريق مالك عن
حميد عن أنس عن عبد الرحمن بن عوف أيضا وذكر أن روح بن عبادة تفرد به عن مالك والمحفوظ
عنه كما رواه الجماعة وسيأتى الكلام على حديث أنس وبيان فوائد طرقه واختلافها في الوليمة
إن شاء الله تعالى والغرض من ايراد هذين الحديثين اشتغال بعض الصحابة بالتجارة في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم وتقريره على ذلك وفيه ان الكسب من التجارة ونحوها أولى من الكسب
من الهبة ونحوها * الحديث الرابع حديث ابن عباس في ذكر أسواق الجاهلية وتقريرها في
الاسلام وقد تقدم الكلام عليه في أثناء كتاب الحج وقوله فيه وكان الاسلام أي وجاء الاسلام
فكان هنا تامة وتأثموا أي طرحوا الاثم والمعنى تركوا التجارة في الحج حذرا من الاثم وقراءة ابن
عباس في مواسم الحج معدودة من الشاذ الذي صح اسناده وهو حجة وليس بقرآن (قوله
باب الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات) ذكر فيه حديث النعمان بن بشير بلفظ
الترجمة وزيادة فأورده من طريقتين عن الشعبي عنه والثانية من طريقين عن أبي فروة عن
الشعبي فأورده أولا من طريق عبد الله بن عون عن الشعبي ثم من طريق ابن عيينة عن أبي
فروة عن الشعبي صرح تارة بالتحديث لابن عيينة عن أبي فروة وثانيا بالتصريح بسماع أبى
فروة من الشعبي وقد أخرجه الحميدي في مسنده عن ابن عيينة فصرح فيه بتحديث أبى فروة له
وبسماع أبى فروة من الشعبي وبسماع من النعمان على المنبر وبسماع النعمان من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ساقه المصنف من طريق سفيان وهو الثوري عن أبي فروة
وساقه على لفظه كما صرح بذلك أبو نعيم في المستخرج وأما لفظ ابن عيينة فقد أخرجه ابن خزيمة
248

في صحيحه والإسماعيلي من طريقه ولفظ حلال بين وحرام بين ومشتبهات بين ذلك فذكره
وفى آخره ولكل ملك حمى وحمى الله في الأرض معاصيه وأما لفظ ابن عون فأخرجه أبو داود
والنسائي وغيرهما بلفظ ان الحلال بين وان الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات وأحيانا يقول
مشتبهة وسأضرب لكم في ذلك مثلا ان الله حمى حمى وان حمى الله ما حرم وانه من يرع حول
الحمى يوشك أن يخالطه وانه من يخالط الريبة يوشك ان يجسر وأبو فروة المذكور هو الأكبر
واسمه عروة بن الحرث الهمداني الكوفي ولهم أبو فروة الأصغر الجهني واسمه مسلم بن
سالم ما له في البخاري سوى حديث واحد في أحاديث الأنبياء (قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم)
في الرواية الأولى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وقد قدمت في الايمان الرد على من نفى سماعه من
النبي صلى الله عليه وسلم (قوله الحلال بين والحرام بين الخ) فيه تقسيم الاحكام إلى ثلاثة أشياء
وهو صحيح لان الشئ اما أن ينص على طلبه من الوعيد على تكره أو ينص على تركه مع الوعيد على
فعله أولا ينص على واحد منهما فالأول الحلال البين والثاني الحرام البين فمعنى قوله الحلال بين أي
لا يحتاج إلى بيانه أو يشترك في معرفته كل أحد والثالث مشتبه لخفائه فلا يدرى هل هو حلال
أو حرام وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه لأنه إن كان في نفس الامر حراما فقد برئ من تبعتها
وإن كان حلالا فقد أجر على تكرها بهذا القصد لان الأصل في الأشياء مختلف فيه حظرا وإباحة
والأولان قد يردان جميعا فان علم المتأخر منهما والا فهو من حيز القسم الثالث وسأذكر ما فسرت
به الشبهة بعد هذا الباب والمراد انها مشتبهة على بعض الناس بدليل قوله عليه السلام لا يعلمها
كثير من الناس وقد تقدم الكلام على ذلك وعلى هذا الحديث مستوفى في باب فضل من استبرأ
لدينه وعرضه من كتاب الايمان وقد توارد أكثر الأئمة المخرجين له على ايراده في كتاب البيوع
لان الشبهة في المعاملات تقع فيها كثيرا وله تعلق أيضا بالنكاح وبالصيد والذبائح والأطعمة
والأشربة وغير ذلك مما لا يخفى والله المستعان وفيه دليل على جواز الجرح والتعديل قاله
البغوي في شرح السنة واستنبط منه بعضهم منع اطلاق الحلال والحرام على ما لا نص فيه لأنه
من جملة ما لم يستبن لكن قوله صلى الله عليه وسلم لا يعلمها كثير من الناس يشعر بأن منهم من يعلمها
وقوله في هذه الطريق استبان أي ظهر تحريمه وقوله أوشك أي قرب لان متعاطي الشبهات
قد يصادف الحرام وان لم يتعمده أو يقع فيه لاعتياده التساهل * (قوله باب تفسير
المشبهات) بتشديد الموحدة وللنسفي بضمتين مخففا بغير ميم ولابن عساكر بضم الميم وزيادة تاء لما
تقدم في حديث النعمان بن بشير أن الشبهات لا يعلمها كثير من الناس واقتضى ذلك ان بعض
الناس يعلمها أراد المصنف أن يعرف الطريق إلى معرفتها لتجتنب فذكر أولا ما يضبطها ثم أورد
أحاديث يؤخذ منها مراتب ما يجب اجتنابه منها ثم ثنى بباب فيه بيان ما يستحب منها ثم ثلث بباب
فيه بيان ما يكره وشرح ذلك أن الشئ اما أن يكون أصله التحريم أو الإباحة أو يشك فيه
فالأول كالصيد فإنه يحرم أكله قبل ذكاته فإذا شك فيها لم يزل عن التحريم الا بيقين واليه الإشارة
بحديث عدى بن حاتم والثاني كالطهارة إذا حصلت لا ترفع الا بيقين الحدث واليه الإشارة
بحديث عبد الله بن زيد في الباب الثالث ومن أمثلته من له زوجة وعبد وشك هل طلق أو أعتق
فلا عبرة بذلك وهما على ملكه والثالث ما لا يتحقق أصله ويتردد بين الحظر والإباحة فالأولى تركه
249

واليه الإشارة بحديث التمرة الساقطة في الباب الثاني (قوله وقال حسان بن أبي سنان) هو
البصري أحد العبد في زمن التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وقد وصله أحمد في
الزهد وأبو نعيم في الحلية عنه بلفظ إذا شككت في شئ فاتركه ولابى نعيم من وجه آخر اجتمع
يونس بن عبيد وحسان بن أبي سنان فقال يونس ما عالجت شيئا أشد على من الورع فقال حسان
ما عالجت شيئا أهون على منه قال كيف قال حسان تركت ما يريبني إلى ما لا يريبني فاسترحت
قال بعض العلماء تكلم حسان على قدر مقامه والترك الذي أشار إليه أشد على كثير من الناس
من تحمل كثير من المشاق الفعلية وقد ورد قوله دع ما يريبك إلى ما لا يريبك مرفوعا أخرجه
الترمذي والنسائي وأحمد وابن حبان والحاكم من حديث الحسن بن علي وفى الباب عن أنس
عند أحمد من حديث ابن عمر عند الطبراني في الصغير ومن حديث أبي هريرة وواثلة بن الأسقع
ومن قول ابن عمر أيضا وابن مسعود وغيرهما (قوله يريبك) بفتح أوله ويجوز الضم يقال
رابه يريبه بالفتح وأرابه يريبه بالضم ريبة وهى الشك والتردد والمعنى إذا شككت في شئ
فدعه وترك ما يشك فيه أصل عظيم في الورع وقد روى الترمذي من حديث عطية السعدي
مرفوعا لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس وقد تقدمت
الإشارة إليه في كتاب الايمان قال الخطابي كل ما شككت فيه فالورع اجتنابه ثم هو على ثلاثة
أقسام واجب ومستحب ومكروه فالواجب اجتناب ما يستلزمه ارتكاب المحرم والمندوب
اجتناب معاملة من أكثر ماله حرام والمكروه اجتناب الرخص المشروعة على سبيل التنطع
* الحديث الأول حديث عقبة بن الحرث في الرضاع ووجه الدلالة منه قوله كيف وقد
قيل فإنه يشعر بأن أمره بفراق امرأته انما كان لأجل قول المرأة انها أرضعتهما فاحتمل ان
يكون صحيحا فيرتكب الحرام فأمره بفراقها احتياطا على قول الأكثر وقيل بل قبل شهادة المرأة
وحدها على ذلك وستأتي مباحثه في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى * الحديث الثاني حديث
عائشة في قصة ابن وليدة زمعة وسيأتي مباحثه في كتاب الفرائض ووجه الدلالة منه قوله صلى
الله عليه وسلم احتجي منه يا سودة مع حكمة بأنه أخوها لأبيها لكن لما رأى الشبه البين فيه
من غير زمعة أمر سودة بالاحتجاب منه احتياطا في قول الأكثر واعترض الداودي فقال
ليس هذا الحديث من هذا الباب في شئ وأجاب ابن التين بان وجهه ان المشبهات ما أشبهت
الحلال من وجه والحرام من وجه وبيانه من هذه القصة ان الحاقه بزمعة يقتضى ان لا تحتجب
منه سودة والشبه بعتبة يقتضى ان تحتجب وقال ابن القصار انما حجب سودة منه لان للزوج
ان يمنع زوجته من أخيها وغيره من أقاربها وقال غيره بل وجب ذلك لغلظ أمر الحجاب في حق
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولو اتفق مثل ذلك لغيره لم يجب الاحتجاب كما وقع في حق
الاعرابى الذي قال له لعله نزعه عرق * الحديث الثالث حديث عدى بن حاتم في الصيد ووجه
250

الدلالة منه قوله انما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر فبين له وجه المنع وهو ترك التسمية
وأبعد من استدل به على سد الذرائع * (قوله باب ما يتنزه) بضم أوله أي يجتنب (من
الشبهات) وللكشميهني يكره بدل يتنزه (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري ومنصور هو ابن المعتمر
وطلحة هو ابن مطرف والاسناد كله كوفيون الا الصحابي فإنه سكن البصرة وقد دخل الكوفة
مرارا وصرح يحيى القطان بالتحديث بين منصور وسفيان كما سيأتي في اللقطة (قوله
مسقوطة) كذا للأكثر وفى رواية كريمة مسقطة بضم أوله وفتح القاف قال ابن التيمي (قوله
مسقوطة كلمة غريبة لان المشهور ان سقط السرى والعرب قد تذكر الفاعل بلفظ المفعول
واستشهد له الخطابي بقوله تعالى كان وعده ماتيا أي آتيا وقال ابن التين مسقوطة بمعنى ساقطة
كقوله حجابا مستورا أي ساترا وقال ابن مالك في الشواهد قوله مسقوطة بمعنى مسقطة ولا فعل
له ونظيره مرقوق بمعنى مرق أي مسترق عن ابن جنى قال وكما جاء مفعول ولا فعل له جاء فعل
ولا مفعول له كقراءة النخعي عموا وصموا بضم أولهما ولم يجئ مصموم اكتفاء بأصم (قلت) وقد
أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة شيخ البخاري فيه فقال مطروحة وأخرجه أبو نعيم
من وجهين آخرين عن قبيصة شيخ البخاري فيه فقال بتمرة ولم يقل مسقوطة ولا مسقطة (قوله
وقال همام الخ) وصله في اللقطة بتمامه ولفظه انى لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على
فراشي فارفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فالقيها (قلت) ولم يستحضر الكرماني لفظ
رواية همام فقال تمام الحديث غير مذكور وهو لولا أن تكون صدقة لأكلتها (قلت)
والنكتة في ذكره هنا ما فيه من تعيين المحل الذي رأى فيه التمرة وهو فراشه صلى الله عليه وسلم
ومع ذلك لم يأكلها وذلك أبلغ في الورع قال المهلب لعله صلى الله عليه وسلم كان يقسم الصدقة ثم
يرجع إلى أهله فيعلق بثوبه من تمر الصدقة شئ فيقع في فراشه والا فما الفرق بين هذا وبين أكله
من اللحم الذي تصدق به على بريرة (قلت) ولم ينحصر وجود شئ من تمر الصدقة في غير بيته حتى
يحتاج إلى هذا التأويل بل يحتمل أن يكون ذلك التمر حمل إلى بعض من يستحق الصدقة ممن هو
في بيته تأخر تسليم ذلك له أو حمل إلى بيته فقسمه فبقيت منه بقية وقد روى أحمد من طريق عمرو
ابن شعيب عن أبيه عن جده قال تضور النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقيل له ما أسهرك قال
انى وجدت تمرة ساقطة فأكلتها ثم ذكرت تمرا كان عندنا من تمر الصدقة فما أدرى أمن ذلك كانت
التمرة أو من تمر أهلي فذلك أسهرني وهو محمول على التعدد وانه لما اتفق له أكل التمرة كما في هذا
الحديث وأقلقه ذلك صار بعد ذلك إذا وجد مثلها مما يدخل التردد تركه احتياطا ويحتمل أن
يكون في حالة أكله إياها كان في مقام التشريع وفى حال تركه كان في خاصة نفسه وقال
المهلب انما تركها صلى الله عليه وسلم تورعا وليس بواجب لان الأصل ان كل شئ في بيت الانسان
على الإباحة حتى يقوم دليل على التحريم وفيه تحريم قليل الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم
ويؤخذ منه تحريم كثيرها من باب أولى * (قوله باب من لم ير الوساوس ونحوها من
الشبهات) في رواية الكشميهني من المشبهات بميم وتثقيل وفى نسخة بمثناة بدل التثقيل والكل
بمعنى مشكلات وهذه الترجمة معقودة لبيان ما يكره من التنطع في الورع قال الغزالي الورع
أقسام ورع الصديقين وهو ترك ما لا يتناول بغير نية القوة على العبادة وورع المتقين وهو ترك
251

ما لا شبهة فيه ولكن يخشى أن يجر إلى الحرام وورع الصالحين وهو ترك ما يتطرق إليه احتمال
التحريم بشرط ان يكون لذلك الاحتمال موقع فإن لم يكن فهو ورع الموسوسين قال ووراء ذلك
ورع الشهود وهو ترك ما يسقط الشهادة أي أعم من أن يكون ذلك المتروك حراما أم لا انتهى
وغرض المصنف هنا بيان ورع الموسوسين كمن يمتنع من أكل الصيد خشية ان يكون الصيد
كان لانسان ثم أفلت منه وكمن يترك شراء ما يحتاج إليه من مجهول لا يدرى أماله حلال أم حرام
وليست هناك علامة تدل على الثاني وكمن يترك تناول الشئ لخبر ورد فيه متفق على ضعفه
وعدم الاحتجاج به ويكون دليل اباحته قويا وتأويله ممتنع أو مستبعد ثم ذكر فيه حديثين
* الأول (قوله عن الزهري) في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا الزهري (قوله عن عباد بن تميم
عن عمه) هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني وفى رواية الحميدي لمذكورة أخبرني سعيد هو ابن
المسيب وعباد بن تميم عن عبد الله بن زيد وقد تقدم في الطهارة عن أبي نعيم عن سفيان وسياقه
يشعر بان طريق سعيد مرسلة وطريق عباد موصولة ولم يتعرض المزي لتمييز ذلك في الأطراف
(قوله وقال ابن أبي) حفصة وهو محمد وكنيته أبو سلمة واسم والد أبى حفصة ميسرة وهو بصرى
نزل الجزيرة وظن الكرماني ان محمدا هذا وسالما بن أبي حفصة وعمارة بن أبي حفصة اخوة فجزم
بذلك هنا فوهم فيه وهما فاحشا فان والد سالم لا يعرف اسمه وهو كوفي ووالد عمارة اسمه نابت
بالنون ثم موحدة ثم مثناة وهو بصرى أيضا لكن ميسرة مولى نابت عربي وسالم بن أبي حفصة
من طبقة أعلى من طبقة الاثنين (قوله لا وضوء الخ) وصل أحمد أثر ابن أبي حفصة المذكور من
طرق ووقع لنا بعلو في مسند أبى العباس السراج ولفظه عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه
مرفوعا باللفظ المعلق ومشى بعض الشراح على ظاهر قول البخاري عن الزهري لا وضوء الخ
فجزم بان هذا المتن من كلام الزهري وليس كما ظن لما ذكرته عن مسندي أحمد والسراج وقد
جرت عادة البخاري بهذا الاختصاص كثيرا والتقدير عن الزهري بهذا السند إلى النبي صلى الله
عليه وسلم قال لا وضوء الحديث وأقرب أمثلة ذلك ما مضى في الصوم في باب إذا أفطر رمضان
ثم طلعت الشمس فإنه أورد حديث الباب من رواية أبى أسامة عن هشام بن عروة عن فاطمة
عن أسماء قالت أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس قيل لهشام أمروا
بالقضاء قال وبد من قضاء قال البخاري وقال معمر سمعت هشاما لا أدرى أقضوا أم لا فهذا
أيضا فيه حذف تقديره سمعت هشاما عن معمر عن هشام بالسند والمتن وقال في آخره فقال
انسان لهشام أقضوا أم لا قال لا أدرى وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر كذلك وأوردته من
مسند عبد بن حميد عاليا عن عبد الرزاق عم معمر سمعت هشاما عن فاطمة عن أسماء فذكرت
الحديث قال فقال انسان لهشام أقضوا أم لا قال لا أدرى * (تنبيه) * اختصر ابن أبي حفصة
هذا المتن اختصارا مجحفا فان لفظه يعم ما إذا وقع الشك داخل الصلاة وخارجها ورواية غيره من
أثبات أصحاب الزهري تقتضى تخصيص ذلك بمن كان داخل الصلاة ووجهه ان خروج الريح
من المصلى هو الذي يقع له غالبا بخلاف غيره من النواقض فإنه لا يهجم عليه الا نادرا وليس المراد
حصر نقض الوضوء بوجود الريح * الثاني حديث عائشة في التسمية على الذبيحة وقد استدل
به على أن التسمية ليست شرطا لصحة الذبح وقد استدل به على أن التسمية ليست شرطا في
252

جواز الأكل من الذبيحة وسيأتى تقريره والجواب عما أورد عليه وسائر مباحثه في كتاب الذبائح
مستوفى إن شاء الله تعالى وهو أصل في تحسين الظن بالمسلم وان أموره محمولة على الكمال ولا سيما
أهل ذلك العصر * (قوله باب قول الله عز وجل وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها)
كأنه أشار بهذه الترجمة إلى أن التجارة وإن كانت ممدوحة باعتبار كونها من المكاسب
الحلال فإنها قد تذم إذا قدمت على ما يجب تقديمه عليها وقد أورد في الباب حديث جابر
في قصة انفضاض الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ومضى الكلام عليه
مبسوطا في كتاب الجمعة ويأتي بعضه في تفسير سورة الجمعة إن شاء الله تعالى * (قوله
باب من لم يبال من حيث كسب المال) في هذه الترجمة إشارة إلى ذم ترك التحرى في
المكاسب (قوله يأتي على الناس زمان) في رواية أحمد عن يزيد عن ابن أبي ذئب بسنده ليأتين
على الناس زمان وللنسائي من وجه آخر يأتي على الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصاب المال
من حل أو حرام وهذا ما أورده النسائي من طريق محمد بن عبد الرحمن عن الشعبي عن أبي هريرة
ووهم المزي في الأطراف فظن أن محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ذئب فترجم به للنسائي مع طريق
البخاري هذه عن ابن أبي ذئب وليس كما ظن فانى لم أقف عليه في جميع النسخ التي وقفت عليها من
النسائي الا عن الشعبي لا عن سعيد ومحمد بن عبد الرحمن المذكور عنه أظنه ابن أبي ليلى لا ابن أبي
ذئب لانى لا أعرف لابن أبي ذئب رواية عن الشعبي وقال ابن التين أخبر النبي صلى الله عليه
وسلم بهذا تحذيرا من فتنة المال وهو من بعض دلائل نبوته لاخباره بالأمور التي لم تكن في زمنه
ووجه الذم من جهة التسوية بين الامرين والا فاخذ المال من الحلال ليس مذموما من حيث
هو والله أعلم * (قوله باب التجارة في البر وغيره) لم يقع في رواية الأكثر قوله وغيره
وثبتت عند الإسماعيلي وكريمة واختلف في ضبط البز فالأكثر على أنه بالزاي وليس في الحديث
ما يدل عليه بخصوصه بل بطريق عموم المكاسب المباحة وصوب ابن عساكر انه بالراء وهو أليق
بمؤاخاة الترجمة التي بعد هذه بباب وهو التجارة في البحر وكذا ضبطها الدمياطي وقرأت بخط
القطب الحلبي ما يدل على انها مضبوطة عند ابن بطال وغيره بضم الموحدة بالراء قال وليس في
الباب ما يقتضى تعيينه من بين أنواع التجارات انتهى وقد أخطأ من زعم أنه بالراء تصحيف إذ
ليس في الآية ولا الحديث ولا الأثر اللاتي أوردها في الباب ما يرجح أحد اللفظين (قوله وقوله
عز وجل رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) أي وتفسير ذلك وقد روى علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس ان المعنى لا تلهيهم عن الصلاة المكتوبة وتمسك به قوم في مدح ترك التجارة وليس
بواضح (قوله وقال قتادة كان القوم يتبايعون الخ) لم أقف عليه موصولا عنه وقد وقع لي من
كلام ابن عمر أخرجه عبد الرزاق عنه أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فاغلقوا حوانيتهم
ودخلوا المسجد فقال ابن عمر فيهم نزلت فذكر الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود
نحوه وفى الحلية عن سفيان الثوري كانوا يتبايعون ولا يدعون الصلوات المكتوبات في الجماعة
ثم أورد المصنف حديث زيد بن أرقم والبراء بن عازب في الصرف وسيأتى الكلام عليه في باب
253

بيع الورق بالذهب نسيئة بعد نيف وستين بابا وموضع الترجمة منه قوله فيه وكانا تاجرين على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خفى ذلك على القطب فقرأت بخطه لم يذكر أحد من الشراح
مناسبة الترجمة لهذا الحديث فينظر * (تنبيه) * أبو المنهال المذكور في هذا الاسناد غير أبى
المنهال صاحب أبى برزة الأسلمي في حديث المواقيت واسم هذا عبد الرحمن بن مطعم واسم
صاحب أبى برزة سيار بن سلامة وأخرج البخاري الطريق الثانية بنزول رجل لأجل زيارة
عامر بن مصعب مع عمرو بن دينار في رواية ابن جريج عنهما عن أبي المنهال المذكور وعامر بن
مصعب ليس له في البخاري سوى هذا الموضع الواحد (قوله نسيا) بكسر المهملة وسكون
التحتانية بعدها همزة وللكشميهني نساء بفتح النون والمهملة ومدة * (قوله باب الخروج
في التجارة وقول الله عز وجل فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) قال ابن بطال هو إباحة
بعد حظر كقوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا وقال ابن المنير في الحاشية غرض البخاري اجازة
الحركات في التجارة ولو كانت بعيدة خلافا لمن يتنطع ولا يحضر السوق كما سيأتي في مكانه إن شاء الله
تعالى (قوله إن أبا موسى استأذن على عمر فلم يؤذن له) زاد بشر بن سعيد عن أبي سعيد كما سيأتي في
الاستئذان انه استأذن ثلاثا (قوله فقال كنا نؤمر بذلك) في الرواية المذكورة أنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع (قوله فذهب بأبي سعيد)
في الرواية المذكورة فأخبرت عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وفيه الدلالة على أن قول
الصحابي كنا نؤمر بكذا محمول على الرفع ويقوى ذلك إذا ساقه مساق الاستدلال وفيه أن الصحابي
الكبير القدر الشديد اللزوم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أمره ويسمعه من
هو دونه وادعى بعضهم أنه يستفاد منه أن عمر كان لا يقبل الخبر من شخص واحد وليس كذلك
لان في بعض طرقه ان عمر قال انى أحببت أن أتثبت وستأتى فوائده مستوفاة في كتاب
الاستئذان إن شاء الله تعالى وقد قبل عمر خبر الضحاك بن سفيان وحده في الدية وغير ذلك (قوله
فقال عمر أخفى على هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني الصفق بالأسواق يعنى
الخروج إلى التجارة) كذا في الأصل وأطلق عمر على الاشتغال بالتجارة لهوا لأنها ألهته عن طول
ملازمته النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع غيره منه ما لم يسمعه ولم يقصد عمر ترك الأصل الملازمة
وهى أمر نسبى وكان احتياج عمر إلى الخروج للسوق من أجل الكسب لعياله والتعفف عن
الناس وأما أبو هريرة فكان وحده فلذلك أكثر ملازمته وملازمة عمر للنبي صلى الله عليه وسلم
لا تخفى كما سيأتي في ترجمته في المناقب واللهو مطلقا ما يلهى سواء كان حراما أو حلالا وفى الشرع
ما يحرم فقط * (قوله باب التجارة في البحر) أي إباحة ركوب البحر للتجارة وفى بعض
النسخ وغيره فان ثبت قوى قول من قرأ البر فيما سبق بباب بضم أوله أو بالزاي (قوله وقال مطر
الخ) هو مطر الوراق البصري مشهور في التابعين ووقع في رواية الحموي وحده وقال مطرف
وهو تصحيف وبأنه الوراق وصفه المزي والقطب وآخرون وقال الكرماني الظاهر أنه ابن الفضل
المروزي شيخ البخاري وكأن ظهور ذلك له من حيث إن الذين أفردوا رجال البخاري كالكلأ بأذى
لم يذكروا فيهم الوراق المذكور لانهم لم يستو عبوا من علق لهم وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق
عبد الله بن شوذب عن مطر الوراق انه كان لا يرى بركوب البحر بأسا ويقول ما ذكره الله تعالى
254

في القرآن الا بحق ووجه حمل مطر ذلك على الإباحة انها سيقت في مقام الامتنان وتضمن ذلك
الرد على من منع ركوب البحر وسيأتى بسط ذلك في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى (قوله الفلك
السفن الواحد والجمع سواء) هو قول أكثر أهل اللغة ويدل عليه قوله تعالى في الفلك المشحون
وقوله حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم فذكره في الافراد والجمع بلفظ واحد وقيل إن الفلك
بالضم والاسكان جمع فلك بفتحتين مثل أسد وأسد وقال صاحب المحكم السفينة فعلية بمعنى
فاعلة سميت سفينة لأنها تسفن وجه الماء أي تفسره والجمع سفن وسفائن وسفين (قوله وقال
مجاهد الخ) وصله الفريابي في تفسيره وكذلك عبد بن حميد من وجه آخر قال عياض ضبطه
الأكثر بنصب السفن وعكسه الأصيلي والصواب الأول عند بعضهم بناء على أن الريح الفاعل
وهى التي تصرف السفينة في الاقبال والادبار وضبط الأصيلي صواب وهو ظاهر القرآن إذ
جعل الفعل للسفينة فقال مواخر فيه وقوله تمخر بفتح المعجمة أي تشق يقال مخرت السفينة إذا
شقت الماء بصوت وقيل المخر الصوت نفسه وكأن مجاهدا أراد ان شق السفينة للبحر بصوت
انما هو بواسطة الريح ومعنى قوله ولا تمخر الخ ان الصوت لا يحصل الا من كبار السفن أو لا يحصل
من الصغار غالبا (قوله وقال الليث الخ) هو طرف من حديث ساقه بتمامه في كتاب الكفالة كما
سيأتي وسنذكر الكلام عليه ثم ووجه تعلقه بالترجمة ظاهر من جهة ان شرع من قبلنا شرع لنا إذا
لم يرد في شرعنا ما ينسخه ولا سيما إذا ذكره صلى الله عليه وسلم مقررا له أو في سياق الثناء على فاعله
أو ما أشبه ذلك ويحتمل أن يكون مراد المصنف بايراد هذا ان ركوب البحر لم يزل متعارفا مألوفا
من قديم الزمان فيحمل على أصل الإباحة حتى يرد دليل على المنع (قوله في آخره حدثني عبد الله
ابن صالح حدثنا الليث به) فيه التصريح بوصل المعلق المذكور ولم يقع ذلك في أكثر الروايات في
الصحيح ولا ذكره أبو ذر الا في هذا الموضع وكذا وقع في رواية أبى الوقت * (قوله باب
وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وقوله لا تليهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وقال قتادة كان
القوم يتجرون إلى آخره) كذا وقع جميع ذلك معادا في رواية المستملى وسقط لغيره الا النسفي فإنه
ذكرها ههنا وحذفها مما مضى وكذا وقع مكررا في نسخة الصغائي وهذا يؤيد ما تقدم من النقل
عن أبي ذر الهروي أن أصل البخاري كان عند الفربري وكانت فيه الحاقات في الهوامش
وغيرها وكان من ينسخ الكتاب يضع الملحق في الموضع الذي يظنه لائقا به فمن ثم وقع الاختلاف في
التقديم والتأخير ويزداد هنا ان بعضهم احتاط فكتب الملحق في الموضعين فنشأ عنه التكرار
وقد تكلف بعض الشراح في توجيهه بان قال ذكر الآية هنا لمنطوقها وهو الذم وذكرها
هناك لمفهومها وهو تخصيص وقتها بحالة غير المتلبسين بالصلاة وسماع الخطبة وقد تقدم الكلام
على ذلك مستوفى * (قوله باب قوله أنفقوا من طيبات ما كسبتم) أي تفسيره وحكى
ابن بطال انه وقع في الأصل كلوا بدل أنفقوا وقال أنه غلط اه‍ وكذا رأيته في رواية النسفي وقد
ساق الآية في كتاب الزكاة على الصواب وقد تقدم النقل عن مجاهد أنه قال في تفسيرها ان المراد
255

بها التجارة ثم ذكر البخاري حديث عائشة مرفوعا إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها الحديث وقد
تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الزكاة ثم أورد حديث أبي هريرة في ذلك بلفظ إذا أنفقت
المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فلها نصف أجره وفيه رد على من عينه فيما أذن لها في ذلك
والأولى أن يحمل على ما إذا أنفقت من الذي يخصها به إذا تصدقت به بغير استئذانه فإنه يصدق
كونه من كسبه فيؤجر عليه وكونه بغير أمره ويحتمل أن يكون أذن لها بطريق الاجمال لكن
المنفى ما كان بطريق التفصيل ولا بد من الحمل على أحد هذين المعنيين والا فحيث كان من ماله
بغير اذنه لا اجمالا ولا تفصيلا فهي مأزورة بذلك لا مأجورة وقد ورد فيه حديث عن ابن عمر عند
الطيالسي وغيره وأما قوله في حديث أبي هريرة فلها نصف أجره فهو محمول على ما إذا لم يكن هناك
من يعينها على تنفيذ الصدقة بخلاف حديث عائشة ففيه ان للخادم مثل ذلك أو المعنى بالنصف
في حديث أبي هريرة ان أجره وأجرها إذا جمعا كان لها النصف من ذلك فللكل منهما أجر كامل
وهما اثنان فكأنهما نصفان * (قوله باب من أحب البسط) أي التوسع) في الرزق
وجواب من محذوف تقديره ما في الحديث وهو فليصل رحمه ويستفاد منه جواز هذه المحبة
خلافا لمن كرهها مطلقا (قوله حدثنا محمد بن أبي يعقوب) اسم أبيه إسحاق بن منصور وقيل إن
منصور اسم أبيه وقيل إن أبا يعقوب جده الكرماني بكسر الكاف وذكر الكرماني الشارح ان
النووي ضبطها بفتح الكاف وتعقبه وسلف النووي في ذلك أبو سعيد بن السمعاني وهو أعلم
الناس بذلك فلعل الصواب فيها في الأصل الفتح ثم كثر استعمالها بالكسر تغييرا من العامة وقد
نزل محمد المذكور البصرة ووثقه ابن معين وغيره ولم يعرف أبو حاتم الرازي حاله وليس له في
البخاري سوى هذا الحديث وآخر في تفسير المائدة وآخر في أوائل الاحكام والثلاثة اسنادها
واحد إلى الزهري وشيخه حسان هو ابن إبراهيم الكرماني ويونس هو ابن يزيد (قوله قال محمد
هو الزهري) كذا في الأصل وفى رواية أبى نعيم من وجه آخر عن حسان عن يونس بن يزيد عن
الزهري (قوله عن أنس) يأتي في الأدب من وجه آخر عن الزهري أخبرني أنس (قوله وينسأ)
بضم أوله وسكون النون بعدها مهملة ثم همزة أي يؤخر له والأثر هنا بقية العمر قال زهير
- والمرء ما عاش ممدود له أمل * لا ينتهى الطرف حتى ينتهى الأثر -
وسيأتى الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى قال العلماء معنى البسط في الرزق البركة فيه وفى العمر
حصول القوة في الجسد لان صلة أقاربه صدقة والصدقة تربى المال وتزيد فيه فينمو بها ويزكو
لان رزق الانسان يكتب وهو في بطن أمه فلذلك احتيج إلى هذا التأويل أو المعنى انه يكتب مقيدا
بشرط كأن يقال إن وصل رحمه فله كذا والا فكذا أو المعنى بقاء ذكره الجميل بعد الموت وأغرب
الحكيم الترمذي فقال المراد بذلك قلة البقاء في البرزخ وقال ابن قتيبة يحتمل ان يكتب أجل
العبد مائة سنة وتزكيته عشرين فان وصل رحمه زاد التزكية وقال غيره المكتوب عند الملك
الموكل به غير المعلوم عند الله عز وجل فالأول يدخل فيه التغيير وتوجيهه ان المعاملات على
الظواهر والمعلوم الباطن خفى لا يعلق عليه الحكم فذلك الظاهر الذي اطلع عليه الملك هو الذي
يدخله الزيادة والنقص والمحو والاثبات والحكمة فيه ابلاغ ذلك إلى المكلف ليعلم فضل البر
وشؤم القطيعة وسيأتى ذكر هذه المسئلة مبسوطة في كتاب القدر ويأتي الكلام على ايثار الغنى
256

على الفقر في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى * (قوله باب شراء النبي صلى الله عليه
وسلم بالنسيئة) بكسر المهملة والمد أي بالأجل قال ابن بطال الشراء بالنسيئة جائز بالاجماع
(قلت) لعل المصنف تخيل ان أحدا يتخيل انه صلى الله عليه وسلم لا يشترى بالنسيئة لأنها دين
فأراد دفع ذلك التخيل وأورد المصنف فيه حديثي عائشة وأنس في أنه صلى الله عليه وسلم اشترى
شعيرا إلى أجل ورهن عليه درعه وسيأتى الكلام عليهما مستوفى في أول الرهن إن شاء الله تعالى
(قوله في طريق عائشة ذكرنا عند إبراهيم) هو النخعي وقوله الرهن في السلم أي السلف ولم يرد
به السلم العرفي وقوله في حديث أنس حدثنا مسلم هو ابن إبراهيم وقوله في الطريق الثانية أسباط
هو بفتح الهمزة وسكون المهملة بعدها موحدة وقوله أبو اليسع بفتح التحتانية والمهملة وهو
بصرى وكذا بقية رجال الاسناد وليس لأسباط في البخاري سواء هذا الموضع وقد قيل إن
اسم أبيه عبد الواحد وقد ساقه المصنف هنا على لفظ أبى اليسع وساقه في الرهن على لفظ مسلم بن
إبراهيم والنكتة في جمعهما هنا مع أن طريق مسلم أعلى مراعاة للغالب من عادته ان لا يذكر
الحديث الواحد في موضعين باسناد واحد ولان أبا اليسع المذكور فيه مقال فاحتاج ان يقرنه
بمن يعضده وقوله فيه ولقد سمعته يقول هو كلام أنس والضمير في سمعته النبي صلى الله عليه وسلم
أي قال ذلك لما رهن الدرع عند اليهودي مظهرا للسبب في شرائه إلى أجل وذهل من زعم أنه
كلام قتادة وجعل الضمير في سمعته لأنس لأنه اخراج للسياق عن ظاهره بغير دليل والله أعلم
* (قوله باب كسب الرجل وعمله بيده) عطف العمل باليد على الكسب من عطف
الخاص على العام لان الكسب أعم من أن يكون عملا باليد أو بغيرها وقد اختلف العلماء في
أفضل المكاسب قال الماوردي أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصنعة والأشبه بمذهب
الشافعي أن أطيبها التجارة قال والأرجح عندي ان أطيبها الزراعة لأنها أقرب إلى التوكل
وتعقبه النووي بحديث المقدام الذي في هذا الباب وان الصواب أن أطيب الكسب ما كان
بعمل اليد قال فإن كان زراعا فهو أطيب المكاسب لما يشتمل عليه من كونه عمل اليد ولما فيه
من التوكل ولما فيه من النفع العام الآدمي وللدواب ولأنه لا بد فيه في العادة ان يوكل منه بغير
عوض (قلت) وفوق ذلك من عمل اليد ما يكتسب من أموال الكفار بالجهاد وهو مكسب النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو أشرف المكاسب لما فيه من اعلاء كلمة الله تعالى وخذلان كلمة
أعدائه والنفع الأخروي قال ومن لم يعمل بيده فالزراعة في حقه أفضل لما ذكرنا (قلت) وهو
مبنى على ما بحث فيه من النفع المتعدى ولم ينحصر النفع المتعدى في الزراعة بل كل ما يعمل
باليد فنفعه متعد لما فيه من تهيئة أسباب ما يحتاج الناس إليه والحق ان ذلك مختلف
المراتب وقد يختلف باختلاف الأحوال والاشخاص والعلم عند الله تعالى قال ابن المنذر انما
يفضل عمل اليد سائر المكاسب إذا نصح العامل كما جاء مصرحا به في حديث أبي هريرة (قلت)
ومن شرطه ان لا يعتقد ان الرزق من الكسب بل من الله تعالى بهذه الواسطة ومن فضل العمل
باليد الشغل بالامر المباح عن البطالة واللهو وكسر النفس بذلك والتعفف عن ذلة السؤال
والحاجة إلى الغير ثم أورد المصنف في الباب أحاديث أولها في التجارة والثاني في الزراعة والثالث
وما بعده في الصنعة * الحديث الأول (قوله حدثني إسماعيل بن عبد الله) هو ابن أبي أويس (قوله
257

لقد علم قومي) أي قريش أو المسلمون (قوله حرفتي) بكسر المهملة وسكون الراء بعدها فاء أي
جهة اكتسابي والحرفة جهة الاكتساب والتصرف في المعاش وأشار بذلك إلى أنه كان كسوبا
لمؤنته ومؤنة عياله بالتجارة من غير عجز تمهيدا على سبيل الاعتذار عما يأخذه من مال المسلمين إذا
احتاج إليه (قوله وشغلت) جملة حالية أي ان القيام بأمور الخلافة شغله عن الاحتراف وقد
روى ابن سعد وابن المنذر باسناد صحيح عن مسروق عن عائشة قالت لما مرض أبو بكر مرضه
الذي مات فيه قال انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت الامارة فابعثوا به إلى الخليفة بعدي قالت
فلما مات نظرنا فإذا عبد نوبى كان يحمل صبيانه وناضح كان يسقى بستانا له فبعثنا بهما إلى عمر
فقال رحمة الله على أبى بكر لقد أتعب من بعده وأخرج ابن سعد من طريق القاسم بن محمد عن
عائشة نحوه وزاد ان الخادم كان صيقلا يعمل سيوف المسلمين ويخدم آل أبي بكر ومن طريق
ثابت عن أنس نحوه وفيه قد كنت حريصا على أن أوفر مال المسلمين وقد كنت أصبت من اللحم
واللبن وفيه وما كان عنده دينار ولا درهم ما كان الا خادم ولقحة ومحلب (قوله آل أبي بكر) أي
هو نفسه ومن تلزمه نفقته وقيل أراد نفسه بدليل قوله احترف حكاه الطيبى قال ويدل عليه
نسق الكلام لأنه أسند الاحتراف إلى ضمير المتكلم عاطفا له على فسيأكل فلو كان المراد الأهل
لتنافر انتهى وجزم البيضاوي بان قوله آل أبي بكر عدول عن المتكلم إلى الغيبة على طريق
الالتفات قال وقيل أراد نفسه والأول مقحم لقوله واحترف وليس بشئ بل المعنى أنى كنت
أكتسب لهم ما يأكلونه والآن أكتسب للمسلمين قال الطيبى فائدة الالتفات انه جرد من نفسه
شخصا كسوبا لمؤنة الأهل بالتجارة فامتنع لشغله بأمر المسلمين عن الاكتساب وفيه اشعار بالعلة
وان من اتصف بالشغل المذكور حقيق ان يأكل هو وعياله من بيت المال وخص الاكل من
بين الاحتياجات لكونه أهمها ومعظمها قال ابن التين وفيه دليل على أن للعامل أن يأخذ من
عرض المال الذي يعمل فيه قدر حاجته إذا لم يكن فوقه امام يقطع له أجرة معلومة وسبقه إلى
ذلك الخطابي (قلت) لكن في قصة أبى بكر ان القدر الذي كان يتناوله فرض له باتفاق من الصحابة
فروى ابن سعد باسناد مرسل رجاله ثقات قال لما استخلف أبو بكر أصبح غاديا إلى السوق على رأسه
أثواب يتجر بها فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقال كيف تصنع هذا وقد وليت
أمر المسلمين قال فمن أين أطعم عيالي قالوا نفرض لك ففرضوا له كل يوم شطر شاة (قوله وأحترف)
في رواية الكشميهني ويحترف قال ابن الأثير أراد باحترافه للمسلمين نظره في أمورهم وتمييز
مكاسبهم وارزاقهم وكذا قال البيضاوي المعنى أكتسب للمسلمين في أموالهم بالسعي في
مصالحهم ونظم أحوالهم وقال غيره يقال احترف الرجل إذا جازى على خير أو شر وقال المهلب
قوله أحترف لهم أي أتجر لهم في مالهم حتى يعود عليهم من ربحه بقدر ما آكل أو أكثر وليس
بواجب على الامام أن يتجر في مال المسلمين بقدر مؤنته الا ان يطوع بذلك كما تطوع أبو بكر
(قلت) والتوجيه الذي ذكره ابن الأثير أوجه لان أبا بكر بين السبب في ترك الاحتراف وهو
الاشتغال بالامارة فمتى يتفرغ للاحتراف لغيره إذ لو كان يمكنه الاحتراف لأحترف لنفسه كما
كان الا ان يحمل على أنه كان يعطى المال لمن يتجر فيه ويجعل ربحه للمسلمين وقد روى
الإسماعيلي في حديث الباب من طرق معمر عن الزهري فلما استخلف عمر أكل هو وأهله من
258

المال أي مال المسلمين واحترف في مال نفسه * (تنبيه) * حديث أبي بكر هذا وإن كان ظاهره
الوقف لكنه بما اقتضاه من أنه قبل أن يستخلف كان يحترف لتحصيل مؤنة أهله يصير مرفوعا
لأنه يصير كقول الصحابي كنا نفعل كذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن ماجة وغيره
من حديث أم سلمة ان أبا بكر خرج تاجرا إلى بصرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم
في حديث أبي هريرة في أول البيوع ان اخوانى من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق
ويأتي حديث عائشة ان الصحابة كانوا عمال أنفسهم وهذا هو السر في ايراد البخاري له عقب
حديثها عن أبي بكر * الحديث الثاني (قوله حدثنا محمد حدثنا عبد الله بن يزيد) كذا ثبت في جميع
الروايات الا رواية أبى علي بن شبويه عن الفربري عن البخاري حدثنا عبد الله بن يزيد فمحمد
على هذا هو المصنف وعبد الله بن يزيد هو المقرى وقد أكثر عنه البخاري وربما روى عنه
بواسطة وسعيد هو ابن أبي أيوب وأبو الأسود هو النوفلي المعروف بيتيم عروة وجزم الحاكم بان
محمدا هنا هو الذهلي (قوله رواه همام) يعنى ابن يحيى (عن هشام) يعنى ابن عروة وهذا التعليق
وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق هدبة عنه بلفظ كان القوم خدام أنفسهم وكانوا
يروحون إلى الجمعة فأمروا أن يغتسلوا وبهذا اللفظ رواه قريش بن أنس عن هشام
عند ابن خزيمة والبزار وقد تقدم هذا الحديث من وجه عن عروة ومن وجه آخر عن عمرة وتقدم
شرحه مستوفى والغرض منه هنا قوله كانوا عمال أنفسهم وقوله يكون لهم أرواح جمع ريح
لان أصل ريح 2 روح بفتح الراء وسكون الواو ويقال في جمعه أيضا أرياح بقلة * الحديث الثالث
والرابع (قوله عن ثور) هو ابن يزيد الشامي لا ابن زيد المدني (قوله عن المقدام) هو ابن معدى كرب
الكندي من صغار الصحابة مات سنة بضع وثمانين بحمص وليس له في البخاري سوى هذا
الحديث وآخر في الأطعمة (قوله ما أكل أحد) زاد الإسماعيلي من بني آدم (قوله طعاما قط
خيرا من أن يأكل من عمل يده) في رواية الإسماعيلي خير بالرفع وهو جائز وفى رواية له من كد
يديه والمراد بالخيرية ما يستلزم العمل باليد من الغنى عن الناس ولابن ماجة من طريق عمر بن
سعد عن خالد بن معدان عنه ما كسب الرجل أطيب من عمل يديه ولابن المنذر من هذا الوجه
ما أكل رجل طعاما قط أحل من عمل يديه وفى فوائد هشام بن عمار عن بقية حدثني عمر بن
سعد بهذا الاسناد مثل حديث الباب وزاد من بات كالامن عمله بات مغفورا له وللنسائي من
حديث عائشة ان أطيب ما أكل الرجل من كسبه وفى الباب من حديث سعيد بن عمير عن عمه
عند الحاكم ومن حديث رافع بن خديج عنه أحمد ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عند أبي داود (قوله وان داود الخ) في رواية الإسماعيلي بحذف الواو وفى روايته من كسب يده
قوله لا يأكل الا من عمل يده) وهو صريح في الحصر بخلاف الذي قبله وحديث أبي هريرة هذا
طرف من حديث سيأتي في ترجمة داود من أحاديث الأنبياء ووقع في المستدرك عن ابن عباس
بسند واه كان داود زرادا وكان آدم حراثا وكان نوح نجارا وكان إدريس خياطا وكان موسى
راعيا وفى الحديث فضل العمل باليد وتقديم ما يباشره الشخص بنفسه على ما يباشره بغيره
والحكمة في تخصيص داود بالذكر ان اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة لأنه
كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى وانما ابتغى الاكل من طريق الأفضل ولهذا أورد النبي
259

صلى الله عليه وسلم قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد وهذا
بعد تقرير ان شرع من قبلنا شرع لنا ولا سيما إذا ورد في شرعنا مدحه وتحسينه مع عموم قوله
تعالى فبهداهم اقتده وفى الحديث أن التكسب لا يقدح في التوكل وان ذكر الشئ بدليله أوقع في
نفس سامعه * الحديث الخامس والسادس (قوله لان يحتطب أحدكم) تقدم الكلام عليه في
باب الاستعفاف عن المسئلة وأخرجه هناك من طريق الأعرج عن أبي هريرة وبعد أبواب من
طريق أبى صالح عنه وهنا من طريق أبى عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف وهو مولى ابن أزهر
وقد تقدم الكلام على ترجمته في أواخر الصيام وحديث الزبير بن العوام في ذلك أورده هنا
مختصرا وساقه في باب الاستعفاف من الزكاة بتمامه وتقدم الكلام عليه هناك وقوله أحبله بفتح
أوله وضم الموحدة جمع حبل مثل فلس وأفلس * (قوله باب السهولة والسماحة
في الشراء والبيع) يحتمل أن يكون من باب اللف والنشر مرتبا أو غير مرتب ويحتمل كل منهما
لكل منهما إذ السهولة والسماحة متقاربان في المعنى فعطف أحدهما على الآخر من التأكيد
اللفظي وهو ظاهر حديث الباب والمراد بالسماحة ترك المضاجرة ونحوها لا المكايسة في ذلك
(قوله ومن طلب حقا فليطلبه في عفاف) أي عما لا يحل أشار بهذا القدر إلى ما أخرجه الترمذي
وابن ماجة وابن حبان من حديث نافع عن ابن عمر وعائشة مرفوعا من طلب حقا فليطلبه في
عفاف واف أو غير واف (قوله حدثنا علي بن عياش) بالتحتانية والمعجمة (قوله رحم الله رجلا)
يحتمل الدعاء ويحتمل الخير وبالأول جزم ابن حبيب المالكي وابن بطال ورجحه الداودي ويؤيد
الثاني ما رواه الترمذي من طريق زيد بن عطاء بن السائب عن ابن المنكدر في هذا الحديث بلفظ
غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلا إذا باع الحديث وهذا يشعر بأنه قصد رجلا بعينه في
حديث الباب قال الكرماني ظاهره الاخبار لكن قرينة الاستقبال المستفاد من إذا تجعله
دعاء وتقديره رحم الله رجلا يكون كذلك وقد يستفاد العموم من تقييده بالشرط (قوله سمحنا)
بسكون الميم والمهملتين أي سهلا وهى صفة مشبهة تدل على الثبوت فلذلك كرر أحوال البيع
والشراء والتقاضي والسمح الجواد يقال سمح بكذا إذا جاد والمراد هنا المساهلة (قوله وإذا
اقتضى) أي طلب قضاء حقه بسهولة وعدم الحاف في رواية حكاها ابن التين وإذا قضى أي
أعطى الذي عليه بسهولة بغير مطل وللترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعا ان الله
يحب سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء وللنسائي من حديث عثمان رفعه أخل الله الجنة
رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا وقاضيا ومقتضيا ولأحمد من حديث عبد الله بن عمرو نحوه
وفيه الحض على السماحة في المعاملة واستعمال معالى الأخلاق وترك المشاحة والحض على
ترك التضييق على الناس في المطالبة وأخذ العفو منهم * (قوله باب من أنظر موسرا)
أي فضل من فعل ذلك وحكمه وقد اختلف العلماء في حد الموسر فقيل من عنده مؤنته ومؤنة
من تلزمه نفقته وقال الثوري وابن المبارك وأحمد واسحق من عنده خمسون درهما أو قيمتها من
الذهب فهو موسر وقال الشافعي قد يكون الشخص بالدرهم غنيا مع كسبه وقد يكون بالألف
فقيرا مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله وقيل الموسر والمعسر يرجعان إلى العرف فمن كان حاله
بالنسبة إلى مثله يعد يسارا فهو موسر وعكسه وهذا هو المعتمد وما قبله انما هو في حد من تجوز له
260

المسئلة والاخذ من الصدقة (قوله منصور) هو ابن المعتمر (قوله إن حذيفة حدثه) زاد مسلم في
روايته من طريق نعيم بن أبي هند عن ربعي اجتمع حذيفة وأبو مسعود فقال حذيفة رجل لقى ربه
فذكر الحديث وفى آخره فقال أبو مسعود هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثله رواية
أبى عوانة عن عبد الملك عن ربعي كما سيأتي في هذا الباب (قوله تلقت الملائكة) أي استقبلت
روحه عند الموت وفى رواية عبد الملك بن عمير عن ربعي في ذكر بني إسرائيل أن رجلا كان فيمن
كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه (قوله أعملت من الخير شيئا) وفى رواية بحذف همزة
الاستفهام وهى مقدرة زاد في رواية عبد الملك المذكورة فقال ما أعلم قيل انظر قال ما أعلم شيئا
غير أنى فذكره ولمسلم من طريق شقيق عن أبي مسعود رفعه حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم
يوجد له من الخير شئ الا أنه كان يخالط الناس وكان موسرا وفى رواية أبى مالك المعلقة هنا
ووصلها عند مسلم أتى الله بعبد من عباده آتاه الله ما لا فقال له ما عملت في الدنيا قال ولا يكتمون
الله حديثا قال يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس وكان خلقي الجواز الحديث وفى رواية
ابن أبي عمر في هذا الحديث فيقول يا رب ما عملت لك شيئا أرجو به كثيرا الا انك كنت أعطيتني
فضلا من مال فذكره (قوله فتياني) بكسر أوله جمع فتى وهو الخادم حرا كان أو مملوكا (قوله أن
ينظروا ويتجاوزوا عن الموسر) كذا وقع في رواية أبي ذر والنسفي وهو لا يخالف الترجمة
وللباقين ان ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر وكذا أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس شيخ
البخاري فيه وظاهره غير مطابق للترجمة ولعل هذا هو السر في ايراد التعاليق الآتية لان فيها
ما يطابق الترجمة (قوله وقال أبو مالك عن ربعي كنت أيسر على الموسر وانظر المعسر)
وهذه الطريق عن حذيفة في هذا الحديث وصلها مسلم من طريق أبى خالد الأحمر عن أبي
مالك كما تقدم أولا وقال في آخره فقال أبو مسعود الأنصاري وعقبة بن عامر الجهني هكذا
سمعناه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله وتابعه شعبة عن عبد الملك) يعنى ابن
عمير (عن ربعي) أي عن حذيفة يعنى في قوله وأنظر المعسر وقد وصله ابن ماجة من طريق أبى
عامر عن شعبة بهذا اللفظ ووصله المؤلف في الاستقراض عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة
بلفظ فأتجوز عن الموسر وأخفف عن المعسر وفى آخره قول أبى مسعود هكذا سمعت (قوله
وقال أبو عوانة عن عبد الملك الخ) وصله المؤلف في ذكر بني إسرائيل مطولا وهو كما قال أنظر
الموسر وأتجاوز عن المعسر وفى آخره قول أبى مسعود هكذا سمعت (قوله وقال نعيم
ابن أبي هند الخ) وصله مسلم من طريق مغيرة بن مقسم عنه وقد تقدم لفظه وفيه قول أبى مسعود
أيضا قال ابن التين رواية من روى وأنظر الموسر أولى من رواية من روى وأنظر المعسر لان
انظار المعسر واجب (قلت) ولا يلزم من كونه واجبا أن لا يؤجر صاحبه عليه أو يكفر عنه
بذلك من سيآته وسأذكر الاختلاف في الوجوب في الباب الذي يليه * (قوله باب
من أنظر معسرا) روى مسلم من حديث أبي اليسر بفتح التحتانية والمهملة ثم الراء رفعه من أنظر
معسرا أو وضع له أظله الله في ظل عرشه وله من حديث أبي قتادة مرفوعا من سره أن ينجيه الله
من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه ولأحمد عن ابن عباس نحوه وقال وقاه الله
من فيح جهنم واختلف السلف في تفسير قوله تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة فروى
261

الطبري وغيره من طريق إبراهيم النخعي ومجاهد وغيرهما ان الآية نزلت في دين الربا خاصة وعن
عطاء انها عامة في دين الربا وغيره واختار الطبري انها نزلت نصا في دين الربا ويلتحق به سائر
الديون لحصول المعنى الجامع بينهما فإذا أعسر المديون وجب انظاره ولا سبيل إلى ضربه ولا إلى
حبسه (قوله حدثنا الزبيدي) بالضم (قوله عن عبيد الله بن عبد الله) أي ابن عتبة بن مسعود
في رواية يونس عند مسلم عن الزهري أن عبيد الله بن عبد الله حدثه (قوله كان تاجرا يداين
الناس) في رواية أبى صالح عن أبي هريرة عند النسائي أن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين
الناس (قوله تجاوزوا عنه) زاد النسائي فيقول لرسوله خذ ما يسر واترك ما عسر وتجاوز
ويدخل في لفظ التجاوز الانظار والوضيعة وحسن التقاضي وفى حديث الباب والذي قبله ان
اليسير من الحسنات إذا كان خالصا لله كفر كثيرا من السيئات وفيه ان الاجر يحصل لمن يأمر به
وان لم يتول ذلك بنفسه وهذا كله بعد تقرير ان شرع من قبلنا إذا جاء في شرعنا في سياق المدح
كان حسنا عندنا * (قوله باب إذا بين البيعان) بفتح الموحدة وتشديد التحتانية
أي البائع والمشترى (قوله ولم يكتما) أي ما فيه من عيب وقوله ونصحا من العام بعد الخاص
وحذف جواب الشرط للعلم به وتقديره بورك لهما في بيعهما كما في حديث الباب وقال ابن بطال
أصل هذا الباب ان نصيحة المسلم واجبة (قوله ويذكر عن العداء) بالتثقيل وآخره همزة بوزن
الفعال ابن خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة صحابي قليل الحديث أسلم بعد
حنين (قوله هذا ما اشترى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العداء بن خالد) هكذا وقع هذا
التعليق وقد وصل الحديث الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن الجارود وابن منده كلهم من
طريق عبد المجيد بن أبي يزيد عن العداء بن خالد فاتفقوا على أن البائع النبي صلى الله عليه وسلم
والمشترى العداء عكس ما هنا فقيل إن الذي وقع هنا مقلوب وقيل هو صواب وهو من الرواية
بالمعنى لان اشترى وباع بمعنى واحد ولزم من ذلك تقديم اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم على اسم
العداء وشرحه ابن العربي على ما وقع في الترمذي فقال فيه البداءة باسم المفضول في الشروط إذا
كان هو المشترى قال وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم له ذلك وهو ممن لا يجوز عليه نقض
عهده لتعليم الخلق قال ثم إن ذلك على سبيل الاستحباب لأنه قد يتعاطى صفقات كثيرة بغير عهدة
وفيه كتابة الاسم واسم الأب والجد في العهدة الا إذا كان مشهورا بصفة تخصه ولذلك قال محمد
رسول الله فاستغنى بصفته عن نسبه ونسب العداء بن خالد قال وفى قوله هذا ما اشترى ثم قال
بيع المسلم المسلم إشارة إلى أن لا فرق بين الشراء والبيع (قوله بيع المسلم المسلم) فيه انه ليس من
شأن المسلم الخديعة وان تصدير الوثائق بقول الكاتب هذا ما اشترى أو أصدق لا باس به ولا عبرة
بوسوسة من منع من ذلك وزعم أنها تلتبس بما النافية (قوله لأداء) أي لا عيب والمراد به الباطن
سواء ظهر منه شئ أم لا كوجع الكبد والسعال قاله المطرزي وقال ابن المنير في الحاشية قوله
لأداء أي يكتمه البائع والا فلو كان بالعبد داء وبينه البائع لكان من بيع المسلم للمسلم ومحصله انه لم
يرد بقوله لأداء نفى الداء مطلقا بل نفى داء مخصوص وهو ما لم يطلع عليه (قوله ولا خبثة) بكسر
المعجمة وبضمها وسكون الموحدة بعدها مثلثة أي مسبيا من قوم لهم عهد قاله المطرزي وقيل
المراد الأخلاق الخبيثة كالاباق وقال صاحب العين الريبة وقيل المراد الحرام كما عبر عن الحلال
262

بالطيب وقال ابن العربي الداء ما كان في الخلق بالفتح والخبثة ما كان في الخلق بالضم والغائلة
سكوت البائع على ما يعلم من مكروه في المبيع (قوله ولا عائلة) بالمعجمة أي ولا فجور وقيل المراد
الاباق وقال ابن بطال هو من قولهم اغتالني فلان إذا احتال بحيلة يتلف بها مالي (قوله قال
قتادة الخ) وصله ابن منده من طريق الأصمعي عن سعيد بن أبي عروبة عنه قال ابن قرقول
الظاهر أن تفسير قتادة يرجع إلى الخبثة والغائلة معا (قوله وقيل لإبراهيم) أي النخعي (ان
بعض النخاسين) بالنون والخاء المعجمة أي الدلالين (قوله يسمى آرى) بفتح الهمزة الممدودة
وكسر الراء وتشديد التحتانية هو مربط الدابة وقيل معلفها ورده ابن الأنباري وقيل هو حبل
يدفن في الأرض ويبرز طرفه تشد به الدابة أصله من الحبس والإقامة من قولهم تأرى الرجل
بالمكان أي أقام به والمعنى ان النخاسين كانوا يسمون مرابط دوابهم بأسماء البلاد ليدلسوا على
المشترى بقولهم ذلك ليوهموا أنه مجلوب من خراسان وسجستان فيحرص عليها المشترى ويظن
انها قريبة العهد بالجلب قال عياض وأظن أنه سقط من الأصل لفظة دوابهم قلت أو سقطت
الألف واللام التي للجنس كأنه كان فيه يسمى الآرى أي الاصطبل أو سقط الضمير كأنه كان فيه
يسمى آريه وقد تصحفت هذه الكلمة في رواية أبى زيد المروزي فذكرها أرى بفتحتين بغير مد
وقصر آخره وزن دعا وفى رواية أبي ذر الهروي مثله لكن بضم الهمزة أي أظن واضطرب فيها
غيرهما فحكى ابن التين انها رويت بفتح الهمزة وسكون الراء قال وفى رواية ابن تطيف قرى بضم
القاف وفتح الراء والأول هو المعتمد قال الراعي
- فقد فخروا بخيلهم علينا * لنا آريهن على معد -
وقد بين الصواب في ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال قيل له ان ناسا
من النخاسين وأصحاب الدواب يسمى أحدهم اصطبل دوابه خراسان وسجستان ثم يأتي السوق
فيقول جاءت من خراسان وسجستان قال فكره ذلك إبراهيم ورواه سعيد بن منصور عن هشيم
ولفظه ان بعض النخاسين يسمى آريه خراسان الخ والسبب في كراهة إبراهيم ذلك ما يتضمنه من
الغش والخداع والتدليس (قوله وقال عقبة بن عامر لا يحل لامرئ يبيع سلعة يعلم أن بها داء
الا أخبره) في رواية الكشميهني أخبر به وهذا الحديث وصله أحمد وابن ماجة والحاكم من طريق
عبد الرحمن بن شماسة بكسر المعجمة وتخفيف الميم وبعد الألف مهملة عن عقبة مرفوعا
بلفظ المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه غش الا بينه له وفى رواية أحمد يعمل
فيه عيبا واسناده حسن (قوله عن صالح أبى الخليل) في الرواية التي بعد بابين سمعت أبا الخليل
(قوله رفعه إلى حكيم بن حزام) في الرواية المذكورة عن حكيم وسيأتي الكلام عليه مستوفى
في باب كم يجوز الخيار بعد عشرين حديثا والغرض منه قوله فان صدقا وبينا بورك لهما في
بيعهما الخ وقوله صدقا أي من جانب البائع في السوم ومن جانب المشترى في الوفاء وقوله
وبينا أي لما في الثمن والمثمن من عيب فهو من جانبيهما وكذا نقصه وفى الحديث حصول البركة
لهما ان حصل منهما الشرط وهو الصدق والتبيين ومحقها ان وجد ضدهما وهو الكذب
والكتم وهل تحصل البركة لأحدهما إذا وجد منه المشروط دون الآخر ظاهر الحديث
يقتضيه ويحتمل ان يعود شؤم أحدهما على الآخر بان تنزع البركة من المبيع إذا وجد الكذب
263

أو الكتم من كل واحد منهما وإن كان الاجر ثابتا للصادق المبين والوزر حاصل للكاذب الكاتم
وفى الحديث أن الدنيا لا يتم حصولها الا بالعمل الصالح وان شؤم المعاصي يذهب بخير الدنيا
والآخرة * (قوله باب بيع الخلط من التمر) الخلط بكسر المعجمة التمر المجمع من أنواع
متفرقة وقوله في الحديث كنا نرزق بضم النون أوله أي نعطاه وكان هذا العطاء مما كان صلى
الله عليه وسلم يقسمه فيهم مما أفاء الله عليهم من خيبر وتمر الجمع بفتح الجيم وسكون الميم فسر بالخلط
وقيل هو كل لون من النخيل لا يعرف اسمه والغالب في مثل ذلك أن يكون رديئة أكثر من جيده
وفائدة هذه الترجمة رفع توهم من يتوهم ان مثل هذا لا يجوز بيعه لاختلاط جيده برديئه لان
هذا الخلط لا يقدح في البيع لأنه متميز ظاهر فلا يعد ذلك عيبا بخلاف ما لو خلط في أوعية موجهة
يرى جيدها ويخفى رديئها وفى الحديث النهى عن بيع التمر بالتمر متفاضلا وكذا الدراهم وسيأتي
الكلام على ذلك مستوفى في باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه في أواخر البيوع إن شاء الله تعالى
* (قوله باب اللحام والجزار) كذا وقعت هذه الترجمة هنا وفى رواية ابن السكن بعد
خمسة أبواب وهو أليق لتتوالى تراجم الصناعات (قوله فقال لغلام له قصاب) بفتح القاف
وتشديد المهملة وآخره موحدة وهو الجزار وسيأتى في المظالم من وجه آخر عن الأعمش بلفظ
كان له غلام لحام واتفقت الطرق على أنه من مسند أبى مسعود الا ما رواه أحمد عن ابن نمير
عن الأعمش بسنده فقال فيه عن رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب قال أتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فعرفت في وجهه الجوع فأتيت غلاما لي فذكر الحديث وكذا رويناه في الجزء التاسع
من أمالي المحاملي من طريق ابن نمير زاد مسلم في بعض طرقه وعن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر
وسيأتى الكلام على فوائد هذا الحديث مستوفى في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى * (قوله
باب ما يمحق الكذب والكتمان) أي من البركة (في البيع) ذكر فيه حديث حكيم بن
حزام المذكور قبل بابين وهو واضح فيما ترجم له * (قوله باب قول الله عز وجل
يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة الآية) هكذا للنسفي ليس في الباب سوى
الآية وساق غيره فيه حديث أبي هريرة الماضي في باب من لم يبال من حيث كسب المال
باسناده ومتنه وهو بعيد من عادة البخاري ولا سيما مع قرب العهد ولعله أشار بالترجمة إلى
ما أخرجه النسائي من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا يأتي على الناس زمان يأكلون الربا فمن
لم يأكله أصابه من غباره وروى مالك عن زيد بن أسلم في تفسير الآية قال كان الربا في الجاهلية ان
يكون للرجل على الرجل حق إلى أجل فإذا حل قال أتقضى أم تربى فان قضاه أخذ والا زاده في
حقه وزاده الآخر في الاجل وروى الطبري من طريق عطاء ومن طريق مجاهد نحوه ومن
طريق قتادة ان ربا أهل الجاهلية يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى فإذا حل الاجل ولم يكن عند
صاحبه قضاء زاد وأخر عنه والربا مقصور وحكى مده وهو شاذ وهو من ربا يربو فيكتب بالألف
ولكن قد وقع في خط المصحف بالواو وأصل الربا الزيادة اما في نفس الشئ كقوله تعالى اهتزت
وربت واما في مقابلة كدرهم بدرهمين فقيل هو حقيقة فيهما وقيل حقيقة في الأول مجاز في
الثاني زاد ابن سريج أنه في الثاني حقيقة شرعية ويطلق الربا على كل بيع محرم * (قوله
264

باب آكل الربا وشاهده وكاتبه) أي بيان حكمهم والتقدير باب اثم أو ذم في رواية
الإسماعيلي وشاهديه بالتثنية (قوله قول الله تعالى الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم
إلى آخر الآية) وهو قوله هم فيها خالدون روى الطبري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في
قوله لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس قال ذاك حين يبعث من قبره ومن
طريق سعيد عن قتادة قال تلك علامة أهل الربا يوم القيامة يبعثون وبهم خبل وأخرجه الطبري
من حديث أنس نحوه مرفوعا وقيل معناه ان الناس يخرجون من الأجداث سراعا لكن آكل
الربا يربو الربا في بطنه فيريد الاسراع فيسقط فيصير بمنزلة المتخبط من الجنون وذكر الطبري في
قوله تعالى ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا انهم لما قيل لهم هذا ربا لا يحل قالوا لا فرق ان زدنا
الثمن في أول البيع أو عند محله فأكذبهم الله تعالى قال الطبري انما خص الآكل بالذكر لان
الذين نزلت فيهم الآيات المذكورة كانت طعمتهم من الربا والا فالوعيد حاصل لكل من عمل به
سواء أكل منه أم لا ثم ساق البخاري في الباب حديثين * أحدهما حديث عائشة لما نزلت آخر
البقرة قرأهن النبي صلى الله عليه وسلم ثم حرم التجارة في الخمر وقد تقدم الكلام عليه في أبواب
المساجد من كتاب الصلاة ويأتي الكلام على تحريم التجارة في الخمر في أواخر البيوع * ثانيهما
حديث سمرة في المنام الطويل وقد تقدم بطوله في كتاب الجنائز واقتصر منه هنا على قصة آكل
الربا وقال ابن التين ليس في حديثي الباب ذكر لكاتب الربا وشاهده وأجيب بأنه ذكرهما على
سبيل الالحاق لاعانتهما للآكل على ذلك وهذا انما يقع على من واطأ صاحب الربا عليه فاما من
كتبه أو شهد القصة ليشد بها على ما هي عليه ليعمل فيها بالحق فهذا جميل القصد لا يدخل في
الوعيد المذكور وانما يدخل فيه من أعان صاحب الربا بكتابته وشهادته فينزل منزلة من قال انما
البيع مثل الربا وأيضا فقد تضمن حديث عائشة نزول آخر البقرة ومن جملة ما فيه قوله تعالى
وأحل الله البيع وحرم الربا وفيه إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وفيه واشهدوا إذا
تبايعتم فامر بالكتابة والاشهاد في البيع الذي أحله فافهم النهى عن الكتابة والاشهاد في الربا
الذي حرمه ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في الكاتب والشاهد صريحا فعند مسلم وغيره من
حديث جابر لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم في
الاثم سواء ولأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن
أبيه لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه وفى رواية الترمذي
بالتثنية وفى رواية النسائي من وجه آخر عن ابن مسعود آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتبه
ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم * (قوله باب موكل الربا) أي مطعمه
والتقدير فيه كالذي قبله (قوله لقول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من
الربا ان كنتم مؤمنين إلى قوله وهم لا يظلمون) هكذا في جميع الروايات ووقع عند الداودي إلى
قوله لا تظلمون ولا تظلمون وفسره أي لا تظلمون بأخذ الزيادة ولا تظلمون بان تحبس عنكم رؤس
أموالكم ثم اعترض بما سيأتي (قوله وقال ابن عباس هذه آخر آية نزلت) وصله المصنف في
التفسير من طريق الشعبي عنه واعترضه الداودي فقال هذا اما ان يكون وهما واما ان يكون
اختلافا عن ابن عباس لان الذي أخرجه المصنف في التفسير عنه فيه التنصيص على أن آخر آية
265

نزلت قوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله الآية قال فلعل الناقل وهم لقربها منها انتهى
وتعقبه ابن التين بأنه هو الواهم لان من جملة الآيات التي أشار إليها البخاري في الترجمة قوله تعالى
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله الآية وهى آخر آية ذكرها لقوله إلى قوله وهم لا يظلمون واليها
أشار بقوله هذه آخر آية أنزلت انتهى وكان البخاري أراد بذكر هذا الأثر عن ابن عباس تفسير
قول عائشة لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة (قوله عن عون بن أبي جحيفة) في رواية آدم
عن شعبة حدثنا عون وسيأتى في أواخر أبواب الطلاق (قوله رأيت أبى اشترى عبدا حجاما
فسألته) كذا وقع هنا وظاهره أن السؤال وقع عن سبب مشتراه وذلك لا يناسب جوابه بحديث
النهى ولكن وقع في هذا السياق اختصار بينه ما أخرجه المصنف بعد هذا في آخر البيوع من
وجه آخر عن شعبة بلفظ اشترى حجاما فامر بمحاجمه فكسرت فسألته على ذلك ففيه البيان بان
السؤال انما وقع عن كسر المحاجم وهو المناسب للجواب وفى كسر أبى جحيفة المحاجم ما يشعر
بأنه فهم أن النهى عن ذلك على سبيل التحريم فأراد حسم المادة وكانه فهم منه أنه لا يطيع
النهى ولا يترك التكسب بذلك فلذلك كسر محاجمه وسيأتي الكلام على كسب الحاجم بعد
أبواب ونذكر هناك بقية فوائده إن شاء الله تعالى (قوله ونهى عن الواشمة والموشومة) أي نهى
عن فعلهما لان الواشم والموشوم لا ينهى عنهما وانما ينهى عن فعلهما (قوله وآكل الربا
وموكله) هكذا وقع في هذه الرواية معطوفا على النهى عن الواشمة والجواب عنه كالذي قبله ثم
ظهر لي أنه وقع في هذه الرواية تغيير فأبدل اللعن بالنهى فسيأتي في أواخر البيوع وفى أواخر الطلاق
بلفظ ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله والله أعلم * (قوله باب يمحق
الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم) روى ابن أبي حاتم من طريق الحسن قال
ذاك يوم القيامة يمحق الله الربا يومئذ وأهله وقال غيره المعنى ان أمره يئول إلى قلة وأخرج
ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان قال ما كان من ربا وان زاد حتى يغبط صاحبه فان الله
يمحقه وأصله من حديث ابن مسعود عند ابن ماجة وأحمد باسناد حسن مرفوعا ان الربا وان كثر
عاقبته إلى قل وروى عبد الرزاق عن معمر قال سمعنا انه لا يأتي على صاحب الربا أربعون سنة حتى
يمحق (قوله عن يونس) هو ابن يزيد (قوله الحلف) بفتح المهملة وكسر اللام أي اليمين الكاذبة
(قوله منفقة) بفتح الميم والفاء بينهما نون ساكنة مفعلة من النفاق بفتح النون وهو الرواج ضد
الكساد والسلعة بكسر السين المتاع وقوله ممحقة بالمهملة والقاف وزن الأول وحكى عياض
ضم أوله وكسر الحاء والمحقق النقص والابطال وقال القرطبي المحدثون يشددونها والأول
أصوب والهاء للمبالغة ولذلك صح خبرا عن الحلف وفى مسلم اليمين ولأحمد اليمين الكاذبة وهى
أوضح وهما في الأصل مصدران مزيدان محدودان بمعنى النفاق والمحق (قوله للبركة) تابعه
عنبسة بن خالد عن يونس عند أبي داود وفى رواية ابن وهب وأبى صفوان عند مسلم للربح
وتابعهما أنس بن عياض عند الإسماعيلي ورواه الليث عند الإسماعيلي بلفظ ممحقة للكسب
وتابعه ابن وهب عند النسائي ومال الإسماعيلي إلى ترجيح هذه الرواية وان من رواه بلفظ
للبركة أورده بالمعنى لان الكسب إذا محق محقت البركة وقد اختلف في هذه اللفظة على الليث كما
اختلف على يونس ووقع للمزي في الأطراف في نسبة هذه اللفظة لمن خرجها وهم يعرف مما
266

حررته قال ابن المنير مناسبة حديث الباب للترجمة انه كالتفسير للآية لان الربا الزيادة والمحق
النقص فقال كيف تجتمع الزيادة والنقص فأوضح الحديث أن الحلف الكاذب وان زاد في
المال فإنه يمحق البركة فكذلك قوله تعالى يمحق الله الربا أي يمحق البركة من البيع الذي فيه
الربا وإن كان العدد زائدا لكن محق البركة يفضى إلى اضمحلال العدد في الدنيا كما مر
في حديث ابن مسعود أو إلى اضمحلال الاجر في الآخرة على التأويل الثاني * (قوله
باب ما يكره من الحلف في البيع) أي مطلقا فإن كان كذبا فهي كراهة تحريم وإن كان
صدقا فتنزيه وفى السنن من حديث قيس بن أبي غرزة بفتح المعجمة والراء والزاي مرفوعا
يا معشر التجار ان البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة (قوله عن عبد الله بن أبي أوفى)
في رواية يزيد عن العوام سمعت عبد الله بن أبي أوفى وسيأتى في التفسير مع بقية الكلام عليه وقد
تعقب بأن السبب المذكور في الحديث خاص والترجمة عامة لكن العموم مستفاد من قوله في
الآية وايمانهم وسيأتي في الشهادات في سبب نزولها من حديث ابن مسعود ما يقوى حمله على
العموم (قوله باب ما قيل في الصواغ) بفتح أوله على الافراد وبضمه على الجمع
يقال صائغ وصواغ وصياغ بالتحتانية وأصله عمل الصياغة قال ابن المنير فائدة الترجمة لهذه
الصياغة وما بعدها التنبيه على أن ذلك كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وأقره مع العلم به فيكون
كالنص على جوازه وما عداه يؤخذ بالقياس (قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك ويونس هو
ابن يزيد ورواية ابن شهاب بالاسناد المذكور مما قيل فيه انه أصح الأسانيد (قوله كانت لي
شارف) بمعجمة وآخره فاء وزن فاعل الناقة المسنة (قوله أبتنى بفاطمة) أي أدخل بها وسيأتي
الكلام على هذا الحديث في فرض الخمس والغرض منه قوله واعدت رجلا صواغا من بنى قينقاع
وقد قدمنا انهم رهط من اليهود فيؤخذ منه جواز معاملة الصائغ ولو كان غير مسلم ويؤخذ منه
انه لا يلزم من دخول الفساد في صنعة أن تترك معاملة صاحبها ولو تعاطاها أراذل الناس مثلا
ولعل المصنف أشار إلى حديث اكذب الناس الصباغون والصواغون وهو حديث مضطرب
الاسناد أخرجه أحمد وغيره (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن شاهين وخالد هو الطحان وشيخه خالد
هو الحذاء وقوله في أول الباب وقال طاوس وقوله في آخره وقال عبد الوهاب الخ تقدم وصل
هذين التعليقين في كتاب الحج وكذلك شرح الحديث المذكور وغرض الترجمة منه ذكر
الصياغة وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك * (قوله باب ذكر القين) بفتح
القاف (والحداد) قال ابن دريد أصل القين الحداد ثم صار كل صائغ عند العرب قينا وقال الزجاج
267

القين الذي يصلح الأسنة والقين أيضا الحداد وكأن البخاري اعتمد القول الصائر إلى التغاير
بينهما وليس في الحديث الذي أورده في الباب الا ذكر القين وكأنه ألحق الحداد به في الترجمة
لاشتراكهما في الحكم وسيأتى الكلام على الحديث في تفسير سورة مريم إن شاء الله تعالى
وأما قول أم أيمن أنا قينت عائشة فمعناه زينتها قال الخليل التقيين التزيين ومنه سميت المغنية
قينه لان من شانها الزينة (قوله باب الخياط) بالمعجمة والتحتانية قال الخطابي في
أحاديث هذه الأبواب دلالة على جواز الإجارة وفى الخياطة معنى زائد لان الغالب أن يكون
الخيط من عند الخياط فيجتمع فيها إلى الصنعة الآلة وكان القياس أنه لا تصح إذ لا تتميز إحداهما
عن الأخرى غالبا لكن الشارع أقره لما فيه من الارفاق واستقر عمل الناس عليه وسيأتي الكلام
على حديث الباب في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى وفيه دلالة على أن الخياطة لا تنافى
المروأة * (قوله باب النساج) بالنون والمهملة وآخره جيم أورد فيه حديث سهل
في البردة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب من استعد الكفن في كتاب الجنائز وقوله
فاخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاج إليها أي وهو محتاج إليها فحذف المبتدا وللكشميهني
محتاجا إليها بالنصب على الحال * (قوله باب النجار) بالنون والجيم وللكشميهني
بكسر النون وتخفيف الجيم وزيادة هاء في آخره وبه ترجم أبو نعيم في المستخرج والأول أشبه
بسياق بقية التراجم وأورد فيه حديث سهل أيضا في قصة المنبر وحديث جابر في ذكر المنبر وحنين
الجذع وقد تقدم الكلام على فوائدهما في كتاب الجمعة وقوله في آخر الحديث الذي يسكت بضم
أوله وتشديد الكاف وقوله قال بكت على ما كانت تسمع من الذكر يحتمل أن يكون فاعل قال
راوي الحديث لكن صرح وكيع في روايته عن عبد الواحد بن أيمن بأنه النبي صلى الله عليه وسلم
أخرجه أحمد وابن أبي شيبة عنه * (قوله باب شراء الامام الحوائج بنفسه) كذا
لأبي ذر عن غير الكشميهني وسقطت الترجمة للباقين ولبعضهم شراء الحوائج بنفسه أي الرجل
وفائدة الترجمة رفع توهم من يتوهم أن تعاطى ذلك يقدح في المروأة (قوله وقال ابن عمر اشترى
النبي صلى الله عليه وسلم جملا من عمر) هو طرف من حديث سيأتي موصولا في كتاب الهبة
(قوله واشترى ابن عمر بنفسه) هذا التعليق ثبت في رواية الكشميهني وحده وسيأتي موصولا
268

بعد باب (قوله وقال عبد الرحمن بن أبي بكر) أي الصديق (جاء مشرك بغنم) الحديث هو طرف
من حديث يأتي موصولا في آخر البيوع في باب الشراء والبيع مع المشركين (قوله واشترى)
أي النبي صلى الله عليه وسلم (من جابر بعيرا) هو طرف من حديث موصول في الباب الذي يليه
وفى هذه الأحاديث مباشرة الكبير والشريف شراء الحوائج وإن كان له من يكفيه إذا فعل ذلك
على سبيل التواضع والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فلا شك أحد أنه كان له من يكفيه ما يريد
من ذلك ولكنه كان بالصلاة تعليما وتشريعا ثم أورد حديث عائشة في شراء الطعام من اليهودي
وسيأتي شرحه في أول الرهن إن شاء الله تعالى * (قوله باب شراء الدواب والحمير) في
رواية أبي ذر الحمر بضمتين وليس في حديثي الباب ذكر للحمر وكانه أشار إلى الحاقها في الحكم
بالإبل لان حديثي الباب انما فيهما ذكر بعير وجمل ولا اختصاص في الحكم المذكور بدابة دون
دابة فهذا وجه الترجمة (قوله وإذا اشترى دابة أو جملا وهو) أي البائع (عليه هل يكون ذلك
قبضا) يعنى أو يشترط في القبض قدر زائد على مجرد التخلية وهى مسئلة خلافية سيأتي شرحها
قريبا في باب إذا اشترى شيا فوهب من ساعته (قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بعنيه
يعنى جملا صعبا) هذا طرف من حديث سيأتي في الباب المذكور ثم أورد حديث جابر في قصة بيع
جمله وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الشروط إن شاء الله تعالى ويقال ان الغزوة التي كان
فيها هي غزوة ذات الرقاع وقوله فيه يحجنه بفتح أوله وسكون المهملة وضم الجيم أي يطعنه
وقوله أبكرا أم ثيبا بالنصب فيهما بتقدير أتزوجت ويجوز الرفع بتقدير أهي * (قوله
باب الأسواق التي كانت في الجاهلية فتبايع بها الناس في الاسلام) قال ابن بطال فقه
هذه الترجمة ان مواضع المعاصي وأفعال الجاهلية لا تمنع من فعل الطاعة فيها ثم أورد المصنف
فيه حديث ابن عباس وقد تقدم التنبيه عليه في أول البيوع وان شرحه مضى في كتاب الحج
* (قوله باب شراء الإبل الهيم) بكسر الهاء جمع اهيم للذكر ويقال للأنثى هيمى
(قوله أو الأجرب) في رواية النسفي والأجرب وهو من عطف المفرد على الجمع في الصفة لان
الموصوف هنا هو الإبل وهو اسم جنس صالح للجمع والمفرد فكانه قال شراء الإبل الهيم وشراء
الإبل الجرب (قوله الهائم المخالف للقصد في كل شئ) قال ابن التين ليس الهائم واحد الهيم
وما أدرى لم ذكر البخاري الهائم هنا انتهى وقد أثبت غيره ما نفاه قال الطبري في تفسيره الهيم
جمع أهيم ومن العرب من يقول هائم ثم يجمعونه على هيم كما قالوا غائط وغيط قال والإبل الهيم
269

التي أصابها الهيام بضم الهاء وبكسرها داء تصير منه عطشى وتشرب فلا تروى وقيل الإبل
الهيم المطلية بالقطران من الجرب فتصير عطشى من حرارة الجرب وقيل هو داء ينشأ عنه الجرب
ثم أسند من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من قوله فشاربون شرب الهيم قال الإبل
العطاش ومن طريق عكرمة هي الإبل يأخذها العطش فتشرب حتى تهلك (قوله قال عمرو) هو
ابن دينار وقول البخاري في آخر الحديث سمع سفيان عمرا هو مقول شيخه علي بن عبد الله وقد رواه
الحميدي في مسنده عن سفيان قال حدثنا عمرو به (قوله كان ههنا) أي بمكة وفى رواية ابن أبي
عمر عن سفيان عند الإسماعيلي من أهل مكة (قوله اسمه نواس) بفتح النون والتشديد للأكثر
وللقابسي بالكسر والتخفيف وللكشميهني كالأول لكن بزيادة ياء النسب (قوله من شريك له)
لم أقف على اسمه (قوله إبلا هيما) في رواية ابن أبي عمر هياما بكسر أوله (قوله ولم يعرفك)
بسكون العين من المعرفة للأكثر وللمستملى بضم أوله وفتح العين والتشديد من التعريف
(قوله فاستقها) بالمهملة فعل أمر من الاستياق والقائل هو ابن عمر والمقول له نواس وفى رواية
ابن أبي عمر قال فاستقها إذا أي إن كان الامر كما تقول فارتجعها (قوله فقال دعها) القائل هو
ابن عمر وكأن نواسا أراد أن يرتجعها فاستدرك ابن عمر فقال دعها (قوله رضينا بقضاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي رضيت بحكمه حيث حكم ألا عدوى ولا طيرة وعلى التأويل
الذي اختاره ابن التين يصير الحديث موقوفا من كلام ابن عمرو على الذي اخترته جرى الحميدي في
جمعه فأورد هذه الطريق عقب حديث الزهري عن سالم وحمزة بنى عبد الله بن عمر عن أبيهما
مرفوعا لا عدوى ولا طيرة كأنه اعتمد على أنه حديث واحد وفى الحديث جواز بيع الشئ
المعيب إذا بينه البائع ورضى به المشترى سواء بينه البائع قبل العقد أو بعده لكن إذا أخر بيانه
عن العقد ثبت الخيار للمشترى وفيه اشتراء الكبير حاجته بنفسه وتوقى ظلم الرجل الصالح
وذكر الحميدي في آخر الحديث قصة قال وكان نواس يجالس ابن عمر وكان يضحكه فقال يوما
وددت ان لي أبا قبيس ذهبا فقال له ابن عمر ما تصنع به قال أموت عليه (قوله لا عدوى) قال
الخطابي لا أعرف للعدوى هنا معنى الا أن يكون الهيام داء من شأنه ان من وقع به إذا رعى مع
الإبل حصل لها مثله وقال غيره لها معنى ظاهر أي رضيت بهذا البيع على ما فيه من العيب
ولا أعدى على البائع حكما واختار هذا التأويل ابن التين ومن تبعه وقال الداودي معنى قوله
لا عدوى النهى عن الاعتداء والظلم وقال أبو علي الهجري في النوادر الهيام داء من أدواء
الإبل يحدث عن شرب الماء النجل إذا كثر طحلبه ومن علامة حدوثه اقبال البير على الشمس
حيث دارت واستمراره على أكله وشربه وبدنه ينقص كالذائب فإذا أراد صاحبه استبانة أمره
استبان له فان وجد ريحه مثل ريح الخميرة فهو أهيم فمن شم من بوله أو بعره أصابه الهيام انتهى
وبهذا يتضح المعنى الذي خفى على الخطابي وأبداه احتمالا وبه يتضح صحة عطف البخاري
الأجرب على الهيم لاشتراكهما في دعوى العدوي ومما يقويه ان الحديث على هذا التأويل يصير
في حكم المرفوع ويكون قول ابن عمر لا عدوى تفسيرا للقضاء الذي تضمنه * (قوله باب
بيع السلاح في الفتنة وغيرها) أي هل يمنع أم لا (قوله وكره عمران بن حصين بيعه في الفتنة)
أي في أيام الفتنة وهذا وصله ابن عدي في الكامل من طريق أبى الأشهب عن أبي رجاء عن عمران
270

ورواه الطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبي رجاء عن عمران مرفوعا واسناده ضعيف
وكأن المراد بالفتنة ما يقع من الحروب بين المسلمين لان في بيعه إذ ذاك اعانة لمن اشتراه وهذا
محله إذا اشتبه الحال فاما إذا تحقق الباغي فالبيع للطائفة التي في جانبها الحق لا باس به قال ابن
بطال انما كره بيع السلاح في الفتنة لأنه من باب التعاون على الاثم ومن ثم كره ما لك والشافعي
وأحمد واسحق بيع العنب ممن يتخذه خمرا وذهب مالك إلى فسخ البيع وكأن المصنف أشار إلى
خلاف الثوري في ذلك حيث قال بع حلالك ممن شئت (قوله عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري
وعمر بن كثير هو ابن أفلح وقع في رواية يحيى بن يحيى الأندلسي عمرو بفتح العين وهو تصحيف
والاسناد كله مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق أولهم يحيى (قوله خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم عام حنين فبعت الدرع) كذا وقع مختصرا فقال الخطابي سقط شئ من
الحديث لا يتم الكلام الا به وهو أنه قتل رجلا من الكفار فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم
سلبه وكان الدرع من سلبه وتعقبه ابن التين بأنه تعسف في الرد على البخاري لأنه انما أراد
جواز بيع الدرع فذكر موضعه من الحديث وحذف سائره وكذا يفعل كثيرا (قلت)
وهو كما قال وليس ما قاله الخطابي بمدفوع وسيأتى الحديث مستوفى مع الكلام عليه في غزوة
حنين من كتاب المغازي وقد استشكل مطابقته للترجمة قال الإسماعيلي ليس في هذا الحديث
من ترجمة الباب شئ وأجيب بان الترجمة مشتملة على بيع السلاح في الفتنة وغيرها فحديث أبي
قتادة منزل على الشق الثاني وهو بيعه في غير الفتنة وقرأت بخط القطب في شرحه يحتمل
أن يكون الرجل لما قال فارضه منه فأراد أن يأخذ الدرع ويعوضه عنه النبي صلى الله عليه
وسلم وكأنه بمنزلة البيع وكان ذلك وقت الفتنة انتهى ولا يخفى تعسف هذا التأويل والحق
أن الاستدلال بالبيع انما هو في بيع أبى قتادة الدرع بعد ذلك لأنه باع الدرع فاشترى بثمنه
البستان وكان ذلك في غير زمن الفتنة ويحتمل أن المراد بايراد هذا الحديث جواز بيع
السلاح في الفتنة لمن لا يخشى منه الضرر لان أبا قتادة باع درعه في الوقت الذي كان القتال
فيه قائما بين المسلمين والمشركين وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك والظن به انه لم يبعه ممن
يعين على قتال المسلمين فيستفاد منه جواز بيعه في زمن القتال لمن لا يخشى منه (قوله مخرفا)
بالمعجمة الساكنة والفاء مفتوح الأول هو البستان وبكسر الميم الوعاء الذي يجمع فيه الثمار
(قوله بنى سلمة) بكسر اللام (قوله تاثلته) بالمثلثة قبل اللام أي جمعته قال ابن فارس وقال
القزاز جعلته أصل مالي وأثلة كل شئ أصله (قوله باب في العطار وبيع
المسك) ليس في حديث الباب سوى ذكر المسك وكأنه الحق العطار به لاشتراكهما
في الرائحة الطيبة (قوله حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد وأبو بردة بن عبد الله هو زيد بن
عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى (قوله كمثل صاحب المسك) في رواية أبى أسامة عن
بريد كما سيأتي في الذبائح كحامل المسك وهو أعم من أن يكون صاحبه أولا (قوله وكير الحداد)
بكسر الكاف بعدها تحتانية ساكنة معروف وفى رواية أبى أسامة كحامل المسك ونافخ الكير
وحقيقته البناء الذي يركب عليه الزق والزق هو الذي ينفخ فيه فاطلق على الزق اسم الكير مجازا
لمجاورته له وقيل الكير هو الزق نفسه وأما البناء فاسمه الكور (قوله لا يعدمك) بفتح أوله
271

وكذلك الدال من العدم أي لا يعدمك أحد الخصلتين أي لا يعدوك تقول ليس يعدمني هذا
الامر أي ليس يعدوني وفى رواية أبي ذر بضم أوله وكسر الدال من الاعدام أي لا يعدمك
صاحب المسك أحد الخصلتين (قوله اما تشتريه أو تجد ريحه) في رواية أبى أسامة اما أن يحذيك
واما أن تبتاع منه ورواية عبد الواحد أرجح لان الاحذاء وهو الاعطاء لا يتعين بخلاف الرائحة
فإنها لازمة سواء وجد البيع أو لم يوجد (قوله وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك) في رواية أبى
أسامة ونافخ الكير اما ان يحرق ثيابك ولم يتعرض لذكر البيت وهو أوضح وفى الحديث النهى
عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما
وفيه جواز بيع المسك والحكم بطهارته لأنه صلى الله عليه وسلم مدحه ورغب فيه ففيه الرد على
من كرهه وهو منقول عن الحسن البصري وعطاء وغيرهما ثم انقرض هذا الخلاف واستقر
الاجماع على طهارة المسك وجواز بيعه وسيأتي لذلك مزيد بيان في كتاب الذبائح ولم يترجم المصنف
للحداد لأنه تقدم ذكره وفيه ضرب المثل والعمل في الحكم بالاشباه والنظائر * (قوله
باب ذكر الحجام) قال ابن المنير ليست هذه الترجمة تصويبا لصنعة الحجامة فإنه قد ورد
فيها حديث يخصها وإن كان الحجام لا يظلم أجره فالنهي على الصانع لا على المستعمل والفرق
بينهما ضرورة المحتجم إلى الحجامة وعدم ضرورة الحجام لكثرة الصنائع سواها (قلت) ان أراد
بالتصويب التحسين والندب إليها فهو كما قال وان أراد التجويز فلا فإنه يسوغ للمستعمل
تعاطيها للضرورة ومن لازم تعاطيها للمستعمل تعاطى الصانع لها فلا فرق الا بما أشرت إليه
إذ لا يلزم من كونها من المكاسب الدنيئة ان لا تشرع فالكساح أسوأ حالا من الحجام ولو
تواطا الناس على تركه لأضر ذلك بهم وسيأتي الكلام على كسب الحجام في كتاب الإجارة ويأتي
الكلام هناك عن حديثي الباب عن أنس وابن عباس إن شاء الله تعالى * (قوله باب
التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء) أي إذا كان مما ينتفع به غير من كره له لبسه اما ما لا منفعة
فيه شرعية فلا يجوز بيعه أصلا على الراجح من أقوال العلماء وذكر فيه حديثين * أحدهما
حديث ابن عمر في قصة عمر في حلة عطارد وفيه قوله صلى الله عليه وسلم انما بعثت بها إليك
لتستمتع بها يعنى تبيعها وسيأتي في اللباس من وجه اخر بلفظ انما بعثت بها إليك لتبيعها
أو لتكسوها وهو واضح فيما ترجم له هنا من جواز بيع ما يكره لبسه للرجال والتجارة وإن كانت
أخص من البيع لكنها جزؤه المستلزمة له واما ما يكره لبسه للنساء فبالقياس عليه
أو المراد بالكراهة في الترجمة ما هو أعم من التحريم والتنزيه فيدخل فيه الرجال والنساء فعرف
بهذا جواب ما اعترض به الإسماعيلي من أن حديث ابن عمر لا يطابق الترجمة حيث ذكر فيها
النساء * الثاني حديث عائشة في قصة النمرقة المصورة وسيأتى الكلام عليه وعلى الذي قبله
مستوفى في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى ووجه الدلالة منه انه صلى الله عليه وسلم لم يفسخ البيع
في النمرقة وسيأتي ان في بعض طرق الحديث المذكور انه صلى الله عليه وسلم توكأ
272

عليها بعد ذلك والثوب الذي فيه الصورة يشترك في المنع منه الرجال والنساء فهو مطابق للترجمة
من هذه الحيثية بخلاف ما اعترض به الإسماعيلي وقال ابن المنير في الترجمة اشعار بحمل قوله انما
يلبس هذه من لا خلاف له على العموم حتى يشترك في ذلك الرجال والنساء لكن الحق أن ذلك
خاص بالرجال وانما الذي يشترك فيه الرجال والنساء المنع من التمرقة وحاصله ان حديث ابن عمر
يدل على بعض الترجمة وحديث عائشة يدل على جميعها * (قوله باب صاحب السلعة
أحق بالسوم) بفتح المهملة وسكون الواو أي ذكر قدر معين للثمن وقال ابن بطال لا خلاف بين
العلماء في هذه المسئلة وان متولى السلعة من مالك أو وكيل أولى بالسوم من طالب شرائها
(قلت) لكن ذلك ليس بواجب فسيأتي في قصة جمل جابر أنه صلى الله عليه وسلم بدأه بقوله بعنيه
بأوقية الحديث (قوله حدثنا عبد الوارث) هو ابن سعيد والاسناد كله بصريون (قوله ثامنوني)
بمثلثة على وزن فاعلونى وهو أمر لهم بذكر الثمن معين باختيارهم على سبيل السوم ليذكر هو لهم
ثمنا معينا يختاره ثم يقع التراضي بعد ذلك وبهذا يطابق الترجمة وقال المازري معنى قوله ثامنوني
أي بايعوني بالثمن أي ولا آخذه هبة قال فليس فيه الا أن المشترى يبدأ بذكر الثمن وتعقبه عياض
بان الترجمة انما هي لذكر الثمن معينا وأما مطلق ذكر الثمن فلا فرق فيه في الأولوية بين البائع
والمشترى (قلت) وقد سبق هذا الحديث في أبواب المساجد ويأتي الكلام عليه مستوفى في أول
الهجرة إن شاء الله تعالى * (قوله باب) بالتنوين (كم يجوز الخيار) والخيار بكسر
الخاء اسم من الاختيار أو التخيير وهو طلب خير الامرين من امضاء البيع أو فسخه وهو خياران
خيار المجلس وخيار الشرط وزاد بعضهم خيار النقيصة وهو مندرج في الشرط فلا يزاد
والكلام هنا على خيار الشرط والترجمة معقودة لبيان مقداره وليس في حديثي الباب بيان لذلك
قال ابن المنير لعله أخذ من عدم تحديده في الحديث انه لا يتقيد بل يفوض الامر فيه إلى الحاجة
لتفاوت السلع في ذلك (قلت) وقد روى البيهقي من طريق أبى علقمة الغروي عن نافع عن ابن عمر
مرفوعا الخيار ثلاثة أيام وهذا كأنه مختصر من الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن من طريق
محمد بن إسحاق عن نافع في قصة حبان بن منقذ وسأذكره بعد خمسة أبواب وبه احتج للحنفية
والشافعية في أن أمد الخيار ثلاثة أيام وأنكر مالك التوقيت في خيار الشرط ثلاثة أيام بغير زيادة
وإن كانت في الغالب يمكن الاختيار فيها لكن لكل شئ أمد بحسبه يتخير فيه فللدابة مثلا
والثوب يوم أو يومان وللجارية جمعة وللدار شهر وقال الأوزاعي يمتد الخيار شهرا وأكثر بحسب
الحاجة إليه وقال الثوري يختص الخيار بالمشترى ويمتد له إلى عشرة أيام وأكثر ويقال انه انفرد
بذلك وقد صح القول بامتداد الخيار عن عمر وغيره وسيأتي شئ منه في أبواب الملازمة ويحتمل أن
يكون مراد البخاري بقوله كم يجوز الخيار أي كم يخير أحد المتابعين الآخر مرة وأشار إلى ما في
الطريق الآتية بعد ثلاثة أبواب من زيادة همام ويختار ثلاث مرار لكن لما لم تكن الزيادة
ثابتة أبقى الترجمة على الاستفهام كعادته (قوله حدثنا صدقة) هو ابن الفضل المروزي
وعبد الوهاب هو الثقفي ويحيى بن سعيد هو الأنصاري (قوله إن المتبايعين بالخيار) كذا للأكثر
وحكى ابن التين في رواية القابسي ان المتبايعان قال وهى لغة وفى رواية أيوب عن نافع في الباب
الذي يليه البيعان بتشديد التحتانية والبيع بمعنى البائع كضيق وضائق وصين وصائن وليس كبين
273

وبائن فإنهما متغايران كقيم وقائم واستعمال البيع في المشترى اما على سبيل التغلب أو لان
كلا منهما بائع (قوله ما لم يتفرقا) في رواية النسائي يفترقا بتقديم الفاء ونقل ثعلب عن
الفضل بن سلمة افترقا بالكلام وتفرقا بالأبدان ورده ابن العربي بقوله تعالى وما تفرق الذين
أوتوا الكتاب فإنه ظاهر في التفرق بالكلام لا أنه بالاعتقاد وأجيب بأنه من لازمه في الغالب لان
من خالف آخر في عقيدته كأنه مستدعيا لمفارقته إياه ببدنه ولا يخفى ضعف هذا الجواب
والحق حمل كلام المفضل على الاستعمال بالحقيقة وانما استعمل أحدهما في موضع
الآخر اتساعا (قوله أو يكون البيع خيارا) سيأتي شرحه بعد باب (قوله قال نافع وكان ابن
عمر إلى آخره) هو موصول بالاسناد المذكور وقد ذكره مسلم أيضا من طريق ابن جريج عن نافع
وهو ظاهر في أن ابن عمر كان يذهب إلى أن التفرق المذكور بالأبدان كما سيأتي وفى الحديث ثبوت
الخيار لكل من المتبايعين ما داما في المجلس وسيأتي بعد باب (قوله عن أبي الخليل) في رواية
شعبة الآتية بعد باب عن قتادة عن صالح أبى الخليل وفى رواية أحمد عن غندر عن
شعبة عن قتادة سمعت أبا الخليل (قوله عن عبد الله بن الحرث) هو ابن نوفل بن الحرث
ابن عبد المطلب ولم ينسب في شئ من طرق حديثه في الصحيحين لكن وقع لأحمد من طريق
سعيد عن قتادة عبد الله بن الحرث الهاشمي ورواه ابن خزيمة والإسماعيلي عنه من وجه
آخر عن شعبة فقال عن قتادة سمعت أبا الخليل يحدث عن عبد الله بن الحرث بن نوفل
وعبد الله هذا مذكور في الصحابة لأنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فاتى به فحنكه وهو
معدود من حيث الرواية في كبار التابعين وقتادة وشيخه تابعيان أيضا وليس له في البخاري
سوى هذا الحديث وحديث آخر عن العباس في قصة أبى طالب (قوله وزاد أحمد حدثنا بهز)
أي ابن أسد وهذه الطريق وصلها أبو عوانة في صحيحه عن أبي جعفر الدارمي واسمه أحمد بن سعيد
عن بهز به ولم أرها في مسند أحمد بن حنبل وزعم بعضهم انه أحمد المذكور وستأتي هذه
الزيادة من وجه آخر عن همام بعد ثلاثة أبواب بأوضح من سياقه وفى صنيع همام فائدة طلب
علو الاسناد لان بينه وبين أبى الخليل في اسناده الأول رجلين وفى الثاني رجل واحد * (قوله
باب إذا لم يوقت الخيار) أي إذا لم يعين البائع أو المشترى وقتا للخيار وأطلقاه (هل يجوز
البيع) وكأنه أشار بذلك إلى الخلاف الماضي في حد خيار الشرط والذي ذهب إليه الشافعية
والحنفية انه لا يزاد فيه على ثلاثة أيام وذهب ابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد واحمد واسحق
وأبو ثور وآخرون إلى أنه لا أمد لمدة خيار الشرط بل البيع جائز والشرط لازم إلى الوقت الذي
يشترطانه وهو اختيار ابن المنذر فان شرطا أو أحدهما الخيار مطلقا فقال الأوزاعي وابن أبي
ليلى هو شرط باطل والبيع جائز وقال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي يبطل البيع أيضا
وقال احمد واسحق للذي شرط الخيار ابدا * (تنبيه) * قوله أو يقول أحدهما كذا هو في جميع
الطرق باثبات الواو في يقول وفى اثباتها نظر لأنه مجزوم عطفا على قوله ما لم يتفرقا فلعل الضمة
أشبعت كما أشبعت الياء في قراءة من قرأ انه من يتقى ويصبر ويحتمل أن تكون بمعنى الا أن فيقرأ
حينئذ بنصب اللام وبه جزم النووي وغيره ثم ذكر المصنف في الباب حديث ابن عمر من وجه
آخر عن نافع وفيه أو يكون بيع خيار والمعنى ان المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه اختر
امضاء البيع أو فسخه فاختار امضاء البيع مثلا أن البيع يتم وان لم يتفرقا وبهذا قال الثوري
274

والأوزاعي والشافعي واسحق وآخرون وقال أحمد لا يتم البيع حتى يتفرقا وقيل إنه تفرد بذلك
وقيل المعنى بقوله أو يكون بيع خيار أي ان يشترطا الخيار مطلقا فلا يبطل بالتفرق وسيأتي
البحث فيه بعد بابين مستوفى إن شاء الله تعالى * (قوله باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا
وبه قال ابن عمر) أي بخيار المجلس وهو بين من صنيعه الذي مضى قبل باب وانه كان إذا اشترى
شيا يعجبه فارق صاحبه وللترمذي من طريق ابن فضيل عن يحيى بن سعيد وكان ابن عمر إذا ابتاع
بيعا وهو قاعد قام ليجب له ولابن أبى شيبة من طريق محمد بن إسحاق عن نافع كان ابن عمر إذا باع
انصرف ليجب له البيع ولمسلم من طريق ابن جريج قال أملى على نافع فذكر الحديث وفيه قال
نافع وكان إذا بايع رجلا فأراد أن لا يقيله قام فمشى هنيهة ثم رجع إليه وسيأتى صنيع ابن عمر ذلك
من وجه آخر بعد بابين وروى سعيد بن منصور عن خالد بن عبد الله عن عبد العزيز بن حكيم
رأيت ابن عمر اشترى من رجل بعيرا فاخرج العجلي ثمنه فوضعه بين يديه فخيره بين بعيره وبين الثمن (قوله
وشريح والشعبي) أي قالا بخيار المجلس وهذا وصله سعيد بن منصور عن هشيم عن محمد بن علي
سمعت أبا الضحى يحدث أنه شهد شريحا واختصم إليه رجلان اشترى أحدهما من الآخر دارا
بأربعة آلاف فأوجبها له ثم بدا له في بيعها قبل أن يفارق صاحبها فقال لي لا حاجة لي فيها فقال
البائع قد بعتك فأوجبت لك فاختصما إلى شريح فقال هو بالخيار ما لم يتفرقا قال محمد وشهدت
الشعبي قضى بذلك وروى ابن أبي شيبة عن وكيع عن شعبة عن الحكم عن شريح قال البيعان
بالخيار ما لم يتفرقا وعن جرير عن مغيرة عن وكيع عن الشعبي انه أتى في رجل اشترى من رجل
برذونا فأراد أن يرده قبل أن يتفرقا فقضى الشعبي انه قد وجب البيع فشهد عنده أبو الضحى ان
شريحا أتى في مثل ذلك فرده على البائع فرجع الشعبي إلى قول شريح (قوله وطاوس) قال
الشافعي في الام أخبرنا ابن عيينة عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال خير رسول الله صلى الله
عليه وسلم رجلا بعد البيع قال وكان أبى يحلف ما الخيار الا بعد البيع (قوله وعطاء وابن أبي
مليكة) وصلها ابن أبي شيبة عن جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة وعطاء قالا
البيعان بالخيار حتى يتفرقا عن رضا ونقل ابن المنذر القول به أيضا عن سعيد بن المسيب
والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة وعن الحسن البصري والأوزاعي وابن جريج وغيرهم
وبالغ ابن حزم فقال لا نعلم لهم مخالفا من التابعين الا النخعي وحده ورواية مكذوبة عن شريح
والصحيح عنه القول به وأشار إلى ما رواه سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن حجاج عن الحكم
عن شريح قال إذا تكلم الرجل بالبيع فقد وجب البيع واسناده ضعيف لأجل حجاج وهو
ابن أرطاة (قوله حدثنا إسحاق) قال أبو علي الجياني لم أره منسوبا في شئ من الروايات ولعله
إسحاق بن منصور فان مسلما روى عن إسحاق بن منصور عن حبان بن هلال (قلت) قد رأيته
منسوبا في رواية أبى علي بن شبويه عن الفربري في هذا الحديث إسحاق بن منصور ولم أره في
مسند إسحاق بن راهويه من روايته عن حبان فقوى ما قال أبو علي رحمه الله ثم رأيت أبا نعيم
استخرجه من طريق إسحاق بن راهويه عن حبان وقال أخرجه البخاري عن إسحاق فالله أعلم
(قوله حبان بن هلال) هو بفتح الحاء بعدها موحدة ثقيلة (قوله حدثنا شعبة) سيأتي بعد باب
من هذا الوجه عن همام بدل شعبة وهو محمول على أنه كان عند حبان عن شيخين حدثاه به عن
275

شيخ واحد (قوله ما لم يتفرقا) في رواية همام الماضية قبل باب ما لم يفترقا وفى رواية سليمان بن
موسى عن نافع عن ابن عمر وعن عطاء عن ابن عباس مرفوعا ما لم يفارقه صاحبه فان فارقه
فلا خيار له وقد اختلف القائلون بان المراد ان يتفرقا بالأبدان هل للتفرق المذكور حد ينتهى
إليه والمشهور الراجح من مذهب العلماء في ذلك أنه موكول إلى العرف فكل ما عد في العرف
تفرقا حكم به ومالا فلا والله أعلم (قوله فان صدقا وبينا) أي صدق البائع في اخبار المشترى
مثلا وبين العيب إن كان في السلعة وصدق المشترى في قدر الثمن مثلا وبين العيب إن كان في
الثمن ويحتمل أن يكون الصدق والبيان بمعنى واحد وذكر أحدهما تأكيد للآخر (قوله
محقت بركة بيعهما) يحتمل أن يكون على ظاهره وأن شؤم التدليس والكذب وقع في ذلك العقد
فمحق بركته وإن كان الصادق مأجورا والكاذب مأزورا ويحتمل أن يكون ذلك مختصا بمن وقع
منه التدليس والعيب دون الآخر ورجحه ابن أبي جمرة وفى الحديث فضل الصدق والحث عليه
وذم الكذب والحث على منعه وانه سبب لذهاب البركة وان عمل الآخرة يحصل خيري الدنيا
والآخرة (قوله الا بيع الخيار) أي فلا يحتاج إلى التفرق كما سيأتي شرحه في الباب الذي يليه
وفى رواية أيوب عن نافع في الباب الذي قبله ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر وهو
ظاهر في حصر لزوم البيع بهذين الامرين وفيه دليل على اثبات خيار المجلس وقد مضى قبل
بباب ان ابن عمر حمله على التفرق بالأبدان وكذلك أبو برزة الأسلمي ولا يعرف لهما مخالف من
الصحابة وخالف في ذلك إبراهيم النخعي فروى ابن أبي شيبة باسناد صحيح عنه قال البيع جائز وان
لم يتفرقا ورواه سعيد بن منصور عنه بلفظ إذا وجبت الصفقة فلا خيار وبذلك قال المالكية
الا ابن حبيب والحنفية كلهم قال ابن حزم لا نعلم لهم سلفا الا إبراهيم وحده وقد ذهبوا
في الجواب عن حديثي الباب فرقا فمنهم من رده لكونه معارضا لما هو أقوى منه ومنهم
من صححه ولكن أوله على غير ظاهره فقالت طائفة منهم هو منسوخ بحديث المسلمون على
شروطهم والخيار بعد لزوم العقد يفسد الشرط وبحديث التحالف عند اختلاف المتبايعين
لأنه يقتضى الحاجة إلى اليمين وذلك يستلزم لزوم العقد ولو ثبت الخيار لكان كافيا في رفع العقد
وبقوله تعالى واشهدوا إذا تبايعتم والاشهاد ان وقع بعد التفرق لم يطابق الامر وان وقع قبل
التفرق لم يصادف محلا ولا حجة في شئ من ذلك لان النسخ لا يثبت بالاحتمال والجمع بين الدليلين
مهما أمكن لا يصار معه إلى الترجيح والجمع هنا ممكن بين الأدلة المذكورة بغير تعسف ولا تكلف
وقال بعضهم هو من رواية مالك وقد عمل بخلافه فدل على أنه عارضه ما هو أقوى منه والراوي
إذا عمل عمل بخلاف ما روى دل على وهن المروى عنده وتعقب بان مالكا لم يتفرد به فقد رواه غيره
وعمل به وهم أكثر عددا رواية وعملا وقد خص كثير من محققي أهل الأصول الخلاف المشهور
فيما إذا عمل الراوي بخلاف ما روى بالصحابة دون من جاء بعدهم ومن قاعدتهم ان الراوي أعلم
بما روى وابن عمر هو راوي الخبر وكان يفارق إذا باع ببدنه فاتباعه أولى من غيره وقالت طائفة
هو معارض بعمل أهل المدينة ونقل ابن التين عن أشهب بأنه مخالف لعمل أهل مكة أيضا
وتعقب بأنه قال به ابن عمر ثم سعيد بن المسيب ثم الزهري ثم ابن أبي ذئب كما مضى وهؤلاء
276

من أكابر علماء أهل المدينة في اعصارهم ولا يحفظ عن أحد من علماء المدينة القول بخلافه
سوى عن ربيعة وأما أهل مكة فلا يعرف أحد منهم القول بخلافه فقد سبق عن عطاء
وطاوس وغيرهما من أهل مكة وقد اشتد انكار ابن عبد البر وابن العربي على من زعم من
المالكية ان مالكا ترك العمل به لكون عمل أهل المدينة على خلافه قال ابن العربي انما لم يأخذ به
مالك لان وقت التفرق غير معلوم فأشبه بيوع الغرر كالملامسة وتعقب بأنه يقول بخيار الشرط
ولا يحده بوقت معين وما ادعاه من الغرر موجود فيه وبان الغرر في خيار المجلس معدوم لان
كلا منهما متمكن من امضاء البيع أو فسخه بالقول أو بالفعل فلا غرر وقالت طائفة هو خبر
واحد فلا يعمل به الا فيما تعم به البلوى ورد بأنه مشهور فيعمل به كما ادعوا نظير ذلك في خبر
القهقهة في الصلاة وايجاب الوتر وقال آخرون هو مخالف للقياس الجلي في الحاق ما قبل التفرق
بما بعده وتعقب بان القياس مع النص فاسد الاعتبار وقال آخرون التفرق بالأبدان محمول
على الاستحباب تحسينا للمعاملة مع المسلم لا على الوجوب وقال آخرون هو محمول على الاحتياط
للخروج من الخلاف وكلاهما على خلاف الظاهر وقالت طائفة المراد بالتفرق في الحديث
التفرق بالكلام كما في عقد النكاح والإجارة والعتق وتعقب بأنه قياس مع ظهور الفارق لان
البيع ينقل فيه ملك رقبة المبيع ومنفعته بخلاف ما ذكر وقال ابن حزم سواء قلنا التفرق
بالكلام أو بالأبدان فان خيار المجلس بهذا الحديث ثابت أما حيث قلنا التفرق بالأبدان فواضح
وحيث قلنا بالكلام فواضح أيضا لان قول أحد المتبايعين مثلا بعتكه بعشرة وقول الآخر بل
بعشرين مثلا افتراق في الكلام بلا شك بخلاف ما لو قال اشتريته بعشرة فإنهما حينئذ متوافقان
فيتعين ثبوت الخيار لهما حين يتفقان لا حين يتفرقان وهو المدعى وقيل المراد بالمتبايعين
المتساومان ورد بأنه مجاز والحمل على الحقيقة أو ما يقارب منها أولى واحتج الطحاوي بآيات
وأحاديث استعمل فيها مجاز وقال من أنكر استعمال لفظ البائع في السائم فقد غفل عن
اتساع اللغة وتعقب بأنه لا يلزم من استعمال المجاز في موضع طرده في كل موضع فالأصل من
الاطلاق الحقيقة حتى يقوم الدليل على خلافه وقالوا أيضا وقت التفرق في الحديث هو ما بين
قول البائع بعتك هذا بكذا وبين قول المشترى اشتريت قالوا فالمشترى بالخيار في قوله اشتريت
أو تركه والبائع بالخيار إلى أن يوجب المشترى وهكذا حكاه الطحاوي عن عيسى بن أبان منهم
وحكاه ابن خويز منداد عن مالك قال عيسى بن أبان وفائدته تظهر فيما لو تفرقا قبل القبول فان
القبول يتعذر وتعقب بان تسميتهما متبايعين قبل تمام العقد مجاز أيضا فأجيب بان تسميتهما
متبايعين بعد تمام العقد مجاز أيضا لان اسم الفاعل في الحال حقيقة وفيما عداه مجاز فلو كان
الخيار بعد انعقاد البيع لكان لغير البيعين والحديث يرده فتعين حمل التفرق على الكلام
وأجيب بأنه إذا تعذر الحمل على الحقيقة تعين المجاز وإذا تعارض المجازان فالأقرب إلى الحقيقة
أولى وأيضا فالمتبايعان لا يكونان متبايعين حقيقة الا في حين تعاقدهما لكن عقدهما لا يتم
الا بأحد أمرين اما بابرام العقد أو التفرق على ظاهر الخبر فصح أنهما متعاقدان ما داما في مجلس
العقد فعلى هذا تسميتهما متبايعين حقيقة بخلاف حمل المتبايعين على المتساومين فإنه مجاز
باتفاق وقالت طائفة التفرق يقع بالأقوال كقوله تعالى وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته
277

وأجيب بأنه سمى بذلك لكونه يفضى إلى التفرق بالأبدان قال البيضاوي ومن نفى خيار المجلس
ارتكب مجازين بحمله التفرق على الأقوال وحمله المتبايعين على المتساومين وأيضا فكلام
الشارع يصان عن الحمل عليه لأنه يصير تقديره ان المتساومين ان شاءا عقد البيع وان شاءا لم
يعقداه وهو تحصيل الحاصل لان كل أحد يعرف ذلك ويقال لمن زعم أن التفرق بالكلام ما هو
الكلام الذي يقع به التفرق أهو الكلام الذي وقع به العقد أم غيره فإن كان غيره فما هو فليس
بين المتعاقدين كلام غيره وإن كان هو ذلك الكلام بعينه لزم أن يكون الكلام الذي اتفقا عليه
وتم بيعهما به هو الكلام الذي افترقا به وانفسخ بيعهما به وهذا في غاية الفساد وقال آخرون
العمل بظاهر الحديث متعذر فيتعين تأويله وبيان تعذره ان المتبايعين ان اتفقا في الفسخ
أو الامضاء لم يثبت لواحد منهما على الآخر خيار وان اختلفا فالجمع بين الفسخ والامضاء جمع بين
النقيضين وهو مستحيل وأجيب بان المراد أن لكل منهما الخيار في الفسخ وأما الامضاء فلا
احتياج إلى اختياره فإنه مقتضى العقد والحال يفضى إليه مع السكوت بخلاف الفسخ وقال
آخرون حديث ابن عمر هذا وحكيم بن حزام معارض بحديث عبد الله بن عمرو وذلك فيما أخرجه
أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا البيعان بالخيار ما لم يتفرقا
الا أن تكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية ان يستقيله قال ابن العربي
ظاهر هذه الزيادة مخالف لأول الحديث في الظاهر فان تأولوا الاستقالة فيه على الفسخ تأولنا
الخيار فيه على الاستقالة وإذا تعارض التأويلان فزع إلى الترجيح والقياس في جانبنا فيرجح
وتعقب بان حمل الاستقالة على الفسخ أوضح من حمل الخيار على الاستقالة لأنه لو كان المراد
حقيقة الاستقالة لم تمنعه من المفارقة لأنها لا تختص بمجلس العقد وقد أثبت في أول الحديث
الخيار ومده إلى غاية التفرق ومن المعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاستقالة فتعين حملها
على الفسخ وعلى ذلك حمله الترمذي وغيره من العلماء فقالوا معناه لا يحل له أن يفارقه بعد البيع
خشية ان يختار فسخ البيع لان العرب تقول استقلت ما فات عنى إذا استدركه فالمراد بالاستقالة
فسخ النادم منهما للبيع وحملوا نفى الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمروأة وحسن معاشرة المسلم
الا ان اختيار الفسخ حرام قال ابن حزم احتجاجهم بحديث عمرو بن شعيب على التفرق بالكلام
لقوله فيه خشية ان يستقيله لكون الاستقالة لا تكون الا بعد تمام البيع وصحة انتقال الملك
تستلزم ان يكون الخبر المذكور لا فائدة له لأنه يلزم من حمل التفرق على القول إباحة المفارقة
خشى ان يستقيله أو لم يخش وقال بعضهم التفرق بالأبدان في الصرف قبل القبض يبطل العقد
فكيف يثبت العقد ما يبطله وتعقب باختلاف الجهة وبالمعارضة بنظيره وذلك أن النقد وترك
الاجل شرط لصحة الصرف وهو يفسد السلم عندهم واحتج بعضهم بحديث ابن عمر الآتي بعد
بابين في قصة البكر الصعب وسيأتي توجيهه وجوابه واحتج الطحاوي بقول ابن عمر ما أدركت
الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع وتعقب بأنهم يخالفونه أما الحنفية فقالوا هو من مال
البائع ما لم يره المبتاع أو ينقله والمالكية قالوا إن كان غائبا غيبة بعيدة فهو من البائع وانه لا حجة
فيه لان الصفقة فيه محمولة على البيع الذي انبرم لا على ما لم ينبرم جمعا بين كلاميه وقال بعضهم
معنى قوله حتى يتفرقا أي حتى يتوافقا يقال للقوم على ماذا تفارقتم أي على ماذا اتفقتم وتعقب
278

بما ورد في بقية حديث ابن عمر في جميع طرقه ولا سيما في طريق الليث الآتية في الباب الذي بعد
هذا وقال بعضهم حديث البيعان بالخيار جاء بألفاظ مختلفة فهو مضطرب لا يحتج به وتعقب
بأن الجمع بين ما اختلف من ألفاظه ممكن بغير تكلف ولا تعسف فلا يضره الاختلاف وشرط
المضطرب ان يتعذر الجمع بين مختلف ألفاظه وليس هذا الحديث من ذلك وقال بعضهم لا يتعين
حمل الخيار في هذا الحديث على خيار الفسخ فلعله أريد به خيار الشراء أو خيار الزيادة في الثمن
أو المثمن وأجيب بأن المعهود في كلامه صلى الله عليه وسلم حيث يطلق الخيار إرادة خيار الفسخ
كما في حديث المصراة وكما في حديث الذي يخدع في البيوع وأيضا فإذا ثبت ان المراد بالمتبايعين
المتعاقدان فبعد صدور العقد لا خيار في الشراء ولا في الثمن وقال ابن عبد البر قد أكثر
المالكية والحنفية من الاحتجاج لرد هذا الحديث بما يطول ذكره وأكثره لا يحصل منه شئ
وحكى ابن السمعاني في الاصطلام عن بعض الحنفية قال البيع عقد مشروع بوصف وحكم
فوصفه اللزوم وحكمه الملك وقد تم البيع بالعقد فوجب ان يتم بوصفه وحكمه فاما تأخير
ذلك إلى أن يفترقا فليس عليه دليل لان السبب إذا تم يفيد حكمه ولا ينتفى الا بعارض ومن ادعاه
فعليه البيان وأجاب بان البيع سبب للايقاع في الندم والندم يحوج إلى النظر فأثبت الشارع
خيار المجلس نظرا للمتعاقدين ليسلما من الندم ودليله خيار الرؤية عندهم وخيار الشرط
عندنا قال ولو لزم العقد بوصفه وحكمه لما شرعت الإقالة لكنها شرعت نظرا للمتعاقدين
الا انها شرعت لاستدراك ندم ينفرد به أحدهما فلم تجب وخيار المجلس شرع لاستدراك ندم
يشتركان فيه فوجب * (قوله باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع) أي وقبل
التفرق (فقد وجب البيع) أي وان لم يتفرقا أورد فيه حديث ابن عمر من طريق الليث عن نافع
بلفظ إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا أي فينقطع الخيار وقوله وكانا
جميعا تأكيدا لذلك وقوله أو يخير أحدهما الآخر أي فينقطع الخيار وقوله فتبايعا على ذلك
فقد وجب البيع أي وبطل الخيار وقوله وان تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحد منهما البيع
أي لم يفسخه فقد وجب البيع أي بعد التفرق وهذا ظاهر جدا في انفساخ البيع بفسخ أحدهما
قال الخطابي هذا أوضح شئ في ثبوت خيار المجلس وهو مبطل لكل تأويل مخالف لظاهر
الحديث وكذلك قوله في آخره وان تفرقا بعد أن تبايعا فيه البيان الواضح ان التفرق بالبدن
هو القاطع للخيار ولو كان معناه التفرق بالقول لخلا الحديث عن فائدة انتهى وقد أقدم
الداودي على رد هذا الحديث المتفق على صحته بما لا يقبل منه فقال قول الليث في هذا الحديث
وكانا جميعا الخ ليس بمحفوظ لان مقام الليث في نافع ليس كمقام مالك ونظرائه انتهى وهو رد لما
اتفق الأئمة على ثبوته بغير مستند وأي لوم على من روى الحديث مفسرا لأحد محتملاته
حافظا من ذلك ما لم يحفظه غيره مع وقوع تعدد المجلس فهو محمول على أن شيخهم حدثهم به تارة
مفسرا وتارة مختصرا وقد اختلف العلماء في المراد بقوله في حديث مالك الا بيع الخيار فقال
الجمهور وبه جزم الشافعي هو استثناء من امتداد الخيار إلى التفرق والمراد أنهما ان اختارا امضاء
البيع قبل التفرق لزم البيع حينئذ وبطل اعتبار التفرق فالتقدير الا البيع الذي جرى فيه
التخاير قال النووي اتفق أصحابنا على ترجيح هذا التأويل وأبطل كثير منهم ما سواه وغلطوا
279

قائله انتهى ورواية الليث ظاهرة جدا في ترجيحه وقيل هو استثناء من انقطاع الخيار بالتفرق
وقيل المراد بقوله أو يفرق أحدهما الآخر أي فيشترط الخيار مدة معينة فلا ينقضى الخيار
بالتفرق بل يبقى حتى تمضى المدة حكاه ابن عبد البر عن أبي ثور ورجح الأول بأنه أقل في الاضمار
وتعينه رواية النسائي من طريق إسماعيل قيل هو ابن أمية وقيل غيره عن نافع بلفظ الا أن يكون
البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار وجب البيع وقيل هو استثناء من اثبات
خيار المجلس والمعنى أو يخير أحدهما الآخر فيختار في خيار المجلس فينتفى الخيار وهذا
أضعف هذه الاحتمالات وقيل قوله الا أن يكون بيع خيار أي هما بالخيار ما لم يتفرقا الا أن
يتخايرا ولو قبل التفرق والا أن يكون البيع بشرط الخيار ولو بعد التفرق وهو قول يجمع
التأويلين الأولين ويؤيده رواية عبد الرزاق عن سفيان في حديث الباب في الذي يليه حيث قال
فيه الا بيع الخيار أو يقول لصاحبه اختر ان حملنا أو على التقسيم لا على الشك * (تنبيه) * قوله
أو يخير أحدهما الآخر باسكان الراء من يخير عطفا على قوله ما لم يتفرقا ويحتمل نصب الراء على أن
أو بمعنى الا أن كما تقدم قريبا مثله في قوله أو يقول أحدهما لصاحبه اختر * (قوله
باب إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع) كأنه أراد الرد على من حصر الخيار
في المشترى دون البائع فان الحديث قد سوى بينهما في ذلك (قوله كل بيعين) بتشديد التحتانية
(قوله لا بيع بينهما) أي لازم (قوله حتى يتفرقا) أي فيلزم البيع حينئذ بالتفرق (قوله الا بيع
الخيار) أي فيلزم اشتراطه كما تقدم البحث فيه وظاهره حصر لزوم البيع في التفرق أو في شرط
الخيار والمعنى ان البيع عقد جائز فإذا وجد أحد هذين الامرين كان لازما (قوله حدثني
اسحق) هو ابن منصور وحبان هو ابن هلال (قوله حتى يتفرقا) في رواية الكشميهني ما لم يتفرقا
(قوله قال همام وجدت في كتابي يختار ثلاث مرار) أشار أبو داود إلى أن هماما تفرد بذلك عن
أصحاب قتادة ووقع عند أحمد عن عفان عن همام قال وجدت في كتابي الخيار ثلاث مرار ولم
يصرح همام بمن حدثه بهذه الزيادة فان ثبتت فهي على سبيل الاختيار وقد أخرجه الإسماعيلي
من وجه آخر عن حبان بن هلال فذكر هذه الزيادة في آخر الحديث (قوله وحدثنا همام) القائل
هو حبان بن هلال المذكور وقد تقدم قبل بابين من وجه آخر عن همام قال الكرماني القائل
هو حبان فان قيل لم قال حدثنا وقال قبل ذلك قال همام فالجواب أنه حيث قال قال كان سمع
ذلك في المذاكرة وحيث قال حدثنا سمع منه في مقام التحديث اه‍ وفى جزمه بذلك نظر والذي
يظهر انه حيث ساقه بالاسناد عبر بقوله حدثنا وحيث ذكر كلام همام عبر عنه بقوله قال
* (قوله باب إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته قبل ان يتفرقا ولم ينكر البائع على
المشترى) أي هل ينقطع خياره بذلك قال ابن المنير أراد البخاري اثبات خيار المجلس بحديث ابن
عمر ثاني حديثي الباب وفيه قصته مع عثمان وهو بين في ذلك ثم خشى أن يعترض عليه بحديث
ابن عمر في قصة البعير الصعب لان النبي صلى الله عليه وسلم تصرف في البكر بنفس تمام العقد
فاسلف الجواب عن ذلك في الترجمة بقوله ولم ينكر البائع يعنى ان الهبة المذكورة انما تمت
بامضاء البائع وهو سكوته المنزل منزلة قوله وقال ابن التين هذا تعسف من البخاري ولا يظن
بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه وهب ما فيه لاحد خيار ولا انكار لأنه انما بعث مبينا اه‍ وجوابه
280

أنه صلى الله عليه وسلم قد بين ذلك بالأحاديث السابقة المصرحة بخيار المجلس والجمع بين
الحديثين ممكن بان يكون بعد العقد فارق عمر بان تقدمه أو تأخر عنه مثلا ثم وهب وليس في
الحديث ما يثبت ذلك ولا ما ينفيه فلا معنى للاحتجاج بهذه الواقعة العينية في ابطال ما دلت
عليه الأحاديث الصريحة من اثبات خيار المجلس فإنها إن كانت متقدمة على حديث البيعان
بالخيار فحديث البيعان قاض عليها وإن كانت متأخرة عنه حمل على أنه صلى الله عليه وسلم
اكتفى بالبيان السابق واستفيد منه أن المشترى إذا تصرف في المبيع ولم ينكر البائع كان
ذلك قاطعا لخيار البائع كما فهمه البخاري والله أعلم وقال ابن بطال أجمعوا على أن البائع إذا لم
ينكر على المشترى ما أحدثه من الهبة والعتق أنه بيع جائز واختلفوا فيما إذا أنكر ولم يرض
فالذين يرون أن البيع يتم بالكلام دون اشتراط التفرق بالأبدان يجيزون ذلك ومن يرى التفرق
بالأبدان لا يجيزونه والحديث حجة عليهم اه‍ وليس الامر على ما ذكره من الاطلاق بل فرقوا
بين المبيعات فاتفقوا على منع بيع الطعام قبل قبضه كما سيأتي واختلفوا فيما عدا الطعام على
مذاهب أحدها لا يجوز بيع شئ قبل قبضه مطلقا وهو قول الشافعي ومحمد بن الحسن ثانيها
يجوز مطلقا الا الدور والأرض وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ثالثها يجوز مطلقا الا المكيل
والموزون وهو قول الأوزاعي وأحمد واسحق رابعها يجوز مطلقا الا المأكول والمشروب وهو
قول مالك وأبى ثور واختيار ابن المنذر واختلفوا في الاعتاق فالجمهور على أنه يصح الاعتاق
ويصير قبضا سواء كان للبائع حق الحبس بان كان الثمن حالا ولم يدفع أم لا والأصح في الوقف أيضا
صحته وفى الهبة والرهن خلاف والأصح عند الشافعية فيهما انهما لا يصحان وحديث ابن عمر
في قصة البعير الصعب حجة لمقابله ويمكن الجواب عنه بأنه يحتمل أن يكون ابن عمر كان وكيلا في
القبض قبل الهبة وهو اختيار البغوي قال إذا أذن المشترى للموهوب له في قبض المبيع كفى
وتم البيع وحصلت الهبة بعده لكن لا يلزم من هذا اتحاد القابض والمقبض لان ابن عمر كان
راكب البعير حينئذ وقد احتج به للمالكية والحنفية في أن القبض في جميع الأشياء بالتخلية
واليه مال البخاري كما تقدم له في باب شراء الدواب والحمر إذا اشترى دابة وهو عليها هل يكون ذلك
قبضا وعند الشافعية والحنابلة تكفى التخلية في الدور والأراضي وما أشبهها دون المنقولات
ولذلك لم يجزم البخاري بالحكم بل أورد الترجمة مورد الاستفهام وقال ابن قدامة ليس في الحديث
تصريح بالبيع فيحتمل أن يكون قول عمر هو لك أي هبة وهو الظاهر فإنه لم يذكر ثمنا (قلت)
وفيه غفلة عن قوله في حديث الباب فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وقع في بعض
طرق هذا الحديث عند البخاري فاشتراه وسيأتي في الهبة فعلى هذا فهو بيع وكون الثمن
لم يذكر لا يلزم أن يكون هبة مع التصريح بالشراء وكما لم يذكر الثمن يحتمل أن يكون القبض
المشترط وقع وان لم ينقل قال المحب الطبري يحتمل ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم ساقه
بعد العقد كما ساقه أولا وسوقه قبض له لان قبض كل شئ بحسبه (قوله أو اشترى عبدا فاعتقه)
جعل المصنف مسئلة الهبة أصلا ألحق بها مسئلة العتق لوجود النص في مسئلة الهبة
دون العتق والشافعية نظروا إلى المعنى في أن للعتق قوة وسراية ليست لغيره ومن ألحق به
منهم الهبة قال إن العتق اتلاف للمالية والاتلاف قبض فكذلك الهبة والله أعلم
281

(قوله وقال طاوس فيمن يشترى السلعة على الرضا ثم باعها وجبت له والربح له) وصله سعيد بن
منصور وعبد الرزاق من طريق ابن طاوس عن أبيه نحوه وزاد عبد الرزاق وعن معمر عن أيوب
عن ابن سيرين إذا بعت شيا على الرضا فان الخيار لهما حتى يتفرقا عن رضا (قوله وقال الحميدي)
في رواية ابن عساكر باسناد البخاري قال لنا الحميدي وجزم الإسماعيلي وأبو نعيم بأنه علقه وقد
رويناه أيضا موصولا في مسند الحميدي وفى مستخرج الإسماعيلي وسيأتي من وجه آخر عن
سفيان في الهبة موصولا (قوله في سفر) لم أقف على تعيينه (قوله على بكر) بفتح الموحدة وسكون
الكاف ولد الناقة أول ما يركب (قوله صعب) أي نفور (قوله فباعه) زاد في الهبة فاشتراه النبي
صلى الله عليه وسلم ثم قال هو لك يا عبد الله بن عمر تصنع به ما شئت وفى هذا الحديث ما كان الصحابة
عليه من توقيرهم للنبي صلى الله عليه وسلم وان لا يتقدموه في المشي وفيه جواز زجر الدواب وانه
لا يشترط في البيع عرض صاحب السلعة بسلعته بل يجوز أن يسئل في بيعها وجواز التصرف
في المبيع قبل بدل الثمن ومراعاة النبي صلى الله عليه وسلم أحوال الصحابة وحرصه على ما يدخل
عليهم السرور (قوله وقال الليث) وصله الإسماعيلي من طريق ابن زنجويه والرمادي وغيرهما
وأبو نعيم من طريق يعقوب ابن سفيان كلهم عن أبي صالح كاتب الليث عن الليث به وذكر البيهقي
أن يحيى بن بكير رواه عن الليث عن يونس عن الزهري نحوه وليس ذلك بعلة فقد ذكر الإسماعيلي
أيضا ان أبا صالح رواه عن الليث كذلك فوضح أن لليث فيه شيخين وقد أخرجه الإسماعيلي أيضا
من طريق أيوب عن سويد عن يونس عن الزهري (قوله بعت من أمير المؤمنين عثمان بن عفان
مالا) أي أرضا أو عقارا (قوله بالوادي) يعنى وادى القرى (قوله فلما تبايعنا رجعت على
عقبى) في رواية أيوب بن سويد فطفقت أنكص على عقبى القهقرى (قوله يرادني) بتشديد الدال
أصله يراددني أي يطلب منى استرداده (قوله وكان السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا)
يعنى أن هذا هو السبب في خروجه من بيت عثمان وأنه فعل ذلك ليجب له البيع ولا يبقى لعثمان
خيار في فسخه واستدل ابن بطال بقوله وكانت السنة على أن ذلك كان في أول الأمر فاما
في الزمن الذي فعل ابن عمر ذلك فكان التفرق بالأبدان متروكا فلذلك فعله ابن عمر لأنه كان شديد
الاتباع هكذا قال وليس في قوله وكانت السنة ما ينفى استمرارها وقد وقع في رواية أيوب بن سويد
كنا إذا تبايعنا كان كل واحد منا بالخيار ما لم يفترق المتبايعان فتبايعت أنا وعثمان فذكر القصة
وفيها اشعار باستمرار ذلك وأغرب ابن رشد في المقدمات له فزعم أن عثمان قال لابن عمر ليست
السنة بافتراق الأبدان قد انتسخ ذلك وهذه الزيادة لم أر لها اسنادا ولو صحت لم تخرج المسئلة على
الخلاف لان أكثر الصحابة قد نقل عنهم القول بان الافتراق بالأبدان (قوله سقته إلى أرض ثمود
بثلاث ليال) أي زدت المسافة التي بينه وبين أرضه التي صارت إليه على المسافة التي كانت بينه
وبين أرضه التي باعها بثلاث ليال (قوله وساقني إلى المدينة بثلاث ليال) يعنى انه نقص المسافة
التي بيني وبين أرضى التي أخذ بها عن المسافة التي كانت بيني وبين أرضى التي بعتها بثلاث ليال
وانما قال إلى المدينة لأنهما جميعا كانا بها فرأى ابن عمر الغبطة في القرب من المدينة فلذلك قال
رأيت أنى قد غبنته وفى هذه القصة جواز بيع العين الغائبة على الصفة وسيأتي نقل الخلاف
فيها في باب بيع الملامسة وجواز التحيل في ابطال الخيار وتقديم المرء مصلحة نفسه على مصلحة
282

غيره وفيه جواز بيع الأرض بالأرض وفيه ان الغبن لا يرد به البيع * (قوله باب
ما يكره من الخداع في البيع) كأنه أشار بهذه الترجمة إلى أن الخداع في البيع مكروه ولكنه لا
يفسخ البيع الا ان شرط المشترى الخيار على ما تشعر به القصة المذكورة في الحديث (قوله إن
رجلا) في رواية أحمد من طريق محمد بن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر كان رجل من الأنصار
زاد ابن الجارود في المنتقى من طريق سفيان عن نافع انه حبان بن منقذ وهو بفتح المهملة
والموحدة الثقيلة ورواه الدارقطني من طريق عبد الاعلى والبيهقي من طريق يونس بن بكير
كلاهما عن ابن إسحاق به وزاد فيه قال ابن إسحاق فحدثني محمد بن يحيى بن حبان قال هو جدي
منقذ بن عمرو وكذلك رواه ابن منده من وجه آخر عن ابن إسحاق (قوله ذكر النبي صلى الله عليه
وسلم) في رواية ابن إسحاق فشكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يلقى من الغبن (قوله أنه يخدع في
البيوع) بين ابن إسحاق في روايته المذكورة سبب شكواه وهو ما يلقى من الغبن وقد أخرجه
أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم من حديث أنس بلفظ ان رجلا كان يبايع وكان في
2 عقدته ضعف (قوله لا خلابة) بكسر المعجمة وتخفيف اللام أي لا خديعة ولا لنفى الجنس أي
لا خديعة في الدين لان الدين النصيحة زاد ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير وعبد الاعلى عنه
ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال فان رضيت فامسك وان سخطت فاردد فبقى حتى
أدرك زمان عثمان وهو ابن مائة وثلاثين سنة فكثر الناس في زمن عثمان وكان إذا اشترى شيا
فقيل له انك غبنت فيه رجع به فيشهد له الرجل من الصحابة بان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعله
بالخيار ثلاثا فيرد له دراهمه قال العلماء لقنه النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول ليتلفظ به عند
البيع فيطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة فيرى له كما
يرى لنفسه لما تقرر من حض المتبايعين على أداء النصيحة كما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم في
حديث حكيم بن حزام فان صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما الحديث واستدل بهذا الحديث لأحمد
وأحد قولي مالك انه يرد بالغبن الفاحش لمن لم يعرف قيمة السلعة وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم
انما جعل له الخيار لضعف عقله ولو كان الغبن يملك به الفسخ لما احتاج إلى شرط الخيار وقال
ابن العربي يحتمل أن الخديعة في قصة هذا الرجل كانت في عيب أو في الكذب أو في الثمن أو في
الغبن فلا يحتج بها في مسئلة الغبن بخصوصها وليست قصة عامة وانما هي خاصة في واقعة عين
فيحتج بها في حق من كان بصفة الرجل قال واما ما روى عن عمر انه كلم في البيع فقال ما أجد لكم
شيا أوسع مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ ثلاثة أيام فمداره على ابن لهيعة
وهو ضعيف انتهى وهو كما قال أخرجه الطبراني والدارقطني وغيرهما من طريقه لكن
الاحتمالات التي ذكرها قد تعينت بالرواية التي صرح بها بأنه كان يغبن في البيوع واستدل به
على أن أمد الخيار المشترط ثلاثة أيام من غير زيادة لأنه حكم ورد على خلاف الأصل فيقتصر به
على أقصى ما ورد فيه ويؤيده جعل الخيار في المصراة ثلاثة أيام واعتبار الثلاث في غير موضع
وأغرب بعض المالكية فقال انما قصره على ثلاث لان معظم بيعه كان في الرقيق وهذا يحتاج
إلى دليل ولا يكفي فيه مجرد الاحتمال واستدل به على أن من قال عند العقد لا خلابة انه يصير في
تلك الصفقة بالخيار سواء وجد فيه عيبا أو غبنا أم لا وبالغ ابن حزم في جموده فقال لو قال
283

لا خديعة أو لا غش أو ما أشبه ذلك لم يكن له الخيار حتى يقول لا خلابة ومن أسهل ما يرد به عليه
أنه ثبت في صحيح مسلم انه كان يقول لا خيابة بالتحتانية بدل اللام وبالذال المعجمة بدل اللام أيضا
وكأنه كان لا يفصح باللام للثغة لسانه ومع ذلك لم يتغير الحكم في حقه عند أحد من الصحابة الذين
كانوا يشهدون له بان النبي صلى الله عليه وسلم جعله بالخيار فدل على أنهم اكتفوا في ذلك
بالمعنى واستدل به على أن الكبير لا يحجر عليه ولو تبين سفهه لما في بعض طرق حديث أنس أن
أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله احجر عليه فدعاه فنهاه عن البيع فقال لا أصبر
عنه فقال إذا بايعت فقل لا خلابة وتعقب بأنه لو كان الحجر على الكبير لا يصح لأنكر عليهم وأما
كونه لم يحجر عليه فلا يدل على منع الحجر على السفيه واستدل به على جواز البيع بشرط الخيار
وعلى جواز شرط الخيار للمشترى وحده وفيه ما كان أهل ذلك العصر عليه من الرجوع إلى
الحق وقبول خبر الواحد في الحقوق وغيرها * (قوله باب ما ذكر في الأسواق) قال
ابن بطال أراد بذكر الأسواق إباحة المتاجر ودخول الأسواق للاشراف والفضلاء وكأنه أشار
إلى ما لم يثبت على شرطه من أنها شر البقاع وهو حديث أخرجه أحمد والبزار وصححه الحاكم
من حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحب البقا ع إلى الله المساجد وأبغض
البقاع إلى الله الأسواق واسناده حسن وأخرجه ابن حبان والحاكم أيضا من حديث ابن عمر
نحوه قال ابن بطال وهذا خرج على الغالب والأقرب سوق يذكر فيها الله أكثر من كثير
من المساجد (قوله وقال عبد الرحمن بن عوف الخ) تقدم موصولا في أوائل البيوع والغرض
منه هنا ذكر السوق فقط وكونه كان موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان يتعاهده
الفضلاء من الصحابة لتحصيل المعاش للكفاف والتعفف عن الناس (قوله وقال أنس قال
عبد الرحمن بن عوف) تقدم أيضا موصولا هناك (قوله وقال عمر ألهاني الصفق بالأسواق)
تقدم موصولا أيضا هناك في أثناء حديث أبي موسى الأشعري ثم أورد المصنف في الباب خمسة
أحاديث * الأول حديث عائشة (قوله عن محمد بن سوقه) بضم المهملة وسكون الواو بعدها
قاف كوفي ثقة عابد يكنى أبا بكر من صغار التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث
وآخر تقدم في العيدين (قوله عن نافع بن جبير) أي ابن مطعم النوفلي وليس له في البخاري عن
عائشة سوى هذا الحديث ووقع في رواية محمد بن بكار عن إسماعيل بن زكريا عن محمد بو سوقة
سمعت نافع ابن جبير أخرجه الإسماعيلي (قوله حدثتني عائشة) هكذا قال إسماعيل بن زكريا
عن محمد بن سوقة وخالفه سفيان بن عيينة فقال عن محمد بن سوقة عن نافع بن جبير عن أم
سلمة أخرجه الترمذي ويحتمل أن يكون نافع بن جبير سمعه منهما فان روايته عن عائشة أتم من
روايته عن أم سلمة وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن عائشة وروى من حديث حفصة شيئا
منه وروى الترمذي من حديث صفية نحوه (قوله يغزو جيش الكعبة) في رواية مسلم
عبث النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فقلنا له صنعت شيا لم تكن تفعله قال العجب ان ناسا
من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش وزاد في رواية أخرى ان أم سلمة قالت ذلك زمن ابن
الزبير وفى أخرى ان عبد الله بن صفوان أحد رواة الحديث عن أم سلمة قال والله ما هو هذا الجيش
(قوله ببيداء من الأرض) في رواية مسلم بالبيداء وفى حديث صفية على الشك وفى رواية لمسلم عن
284

أبى جعفر الباقر قال هي بيداء المدينة انتهى والبيداء مكان معروف بين مكة والمدينة تقدم
شرحه في كتاب الحج (قوله يخسف بأولهم وآخرهم) زاد الترمذي في حديث صفية ولم ينج
أوسطهم وزاد مسلم في حديث حفصة فلا يبقى الا الشريد الذي يخبر عنهم واستغنى بهذا عن تكلف
الجواب عن حكم الأوسط وأن العرف يقضى بدخوله فيمن هلك أو لكونه آخر بالنسبة للأول
وأولا بالنسبة للآخر فيدخل (قوله وفيهم أسواقهم) كذا عند البخاري بالمهملة والقاف جمع
سوق وعليه ترجم والمعنى أهل أسواقهم أو السوقة منهم وقوله ومن ليس منهم أي من رافقهم
ولم يقصد موافقتهم ولابى نعيم من طريق سعيد بن سليمان عن إسماعيل بن زكريا وفيهم أشرافهم
بالمعجمة والراء والفاء وفى رواية محمد بن بكار عند الإسماعيلي وفيهم سواهم وقال وقع في رواية
البخاري أسواقهم فأظنه تصحيفا فان الكلام في الخسف بالناس لا بالأسواق (قلت) بل لفظ
سواهم تصحيف فإنه بمعنى قوله ومن ليس منهم فيلزم منه التكرار بخلاف رواية البخاري نعم
أقرب الروايات إلى الصواب رواية أبى نعيم وليس في لفظ أسواقهم ما يمنع أن يكون الخسف
بالناس فالمراد بالأسواق أهلها أي يخسف بالمقاتلة منهم ومن ليس من أهل القتال كالباعة وفى
رواية مسلم فقلنا إن الطريق يجمع الناس قال نعم فيهم المستبصر أي المستبين لذلك القاصد
للمقاتلة والمجبور بالجيم والموحدة أي المكره وابن السبيل أي سالك الطريق معهم وليس منهم
والغرض كله أنها استشكلت وقوع العذاب على من لا إرادة له في القتال الذي هو سبب
العقوبة فوقع الجواب بان العذاب يقع عاما لحضور آجالهم ويبعثون بعد ذلك على نياتهم وفى
رواية مسلم يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى وفى حديث أم سلمة عند مسلم فقلت
يا رسول الله فكيف بمن كان كارها قال يخسف به ولكن يبعث يوم القيامة على نيته أي يخسف
بالجميع لشؤم الأشرار ثم يعامل كل أحد عند الحساب بحسب قصده قال المهلب في هذا
الحديث ان من كثر سواد قوم في المعصية مختارا أن العقوبة تلزمه معهم قال واستنبط منه مالك
عقوبة من يجالس شربة الخمر وان لم يشرب وتعقبه ابن المنير بان العقوبة التي في الحديث هي
الهجمة السماوية فلا يقاس عليها العقوبات الشرعية ويؤيده آخر الحديث حيث قال
ويبعثون على نياتهم وفى هذا الحديث أن الأعمال تعتبر بنية العامل والتحذير من مصاحبة أهل
الظلم مجالستهم وتكثير سوادهم الا لمن اضطر إلى ذلك ويتردد النظر في مصاحبة التاجر لأهل
الفتنة هل هي اعانة لهم على ظلمهم أو هي من ضرورة البشرية ثم يعتبر عمل كل أحد بنيته وعلى
الثاني يدل ظاهر الحديث وقال ابن التين يحتمل أن يكون هذا الجيش الذي يخسف بهم هم الذين
يهدمون الكعبة فينتقم منهم فيخسف بهم وتعقب بأن في بعض طرقه عند مسلم أن ناسا من
أمتي والذين يهدمونها من كفار الحبشة وأيضا فمقتضى كلامه أنهم يخسف بهم بعد أن يهدموها
ويرجعوا وظاهر الخبر انه يخسف بهم قبل أن يصلوا إليها * الحديث الثاني حديث أبي هريرة وقد
تقدم مستوفى في أبواب الجماعة والغرض منه ذكر السوق وجواز الصلاة فيه وقوله لا ينهزه بضم
أوله وسكون النون وكسر الهاء بعدها زاي ينهضه وزنا ومعنى والمراد لا يزعجه والجملة بيان للجملة
التي قبلها وهى لا يريد الا الصلاة وقوله اللهم صل عليه بيان لقوله يصلى عليه أي يقول اللهم
صل عليه وقوله ما لم يؤذ فيه أي يحصل منه أذى للملائكة أو لمسلم بالفعل أو بالقول * الحديث
285

الثالث حديث أنس في سبب قوله صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي أورده من
طريقين عن حميد عنه وسيأتى في كتاب الاستئذان والغرض منه هنا قوله في أول الطريق
الأولى كان النبي صلى الله عليه وسلم في السوق وفائدة ايراد الطريق الثانية قوله فيها انه كان
بالبقيع فأشار إلى أن المراد بالسوق في الرواية الأولى السوق الذي كان بالبقيع وقد قال سبحانه
وتعالى وما أرسلنا قبلك من المرسلين الا انهم لأكلون الطعام ويمشون في الأسواق * الحديث
الرابع حديث أبي هريرة (قوله عن عبيد الله) بالتصغير في رواية مسلم عن أحمد بن حنبل عن
سفيان حدثني عبيد الله ولكنه أورده مختصرا جدا (قوله عن نافع بن جبير) هو المذكور في
الحديث الأول وليس له أيضا عن أبي هريرة في البخاري سوى هذا الحديث (قوله في طائفة من
النهار) أي في قطعة منه وحكى الكرماني ان في بعض الروايات صائفة بالصاد المهملة بدل طائفة
أي في حر النهار يقال يوم صائف أي حار (قوله لا يكلمني ولا أكلمه) أما من جانب النبي صلى الله
عليه وسلم فلعله كان مشغول الفكر بوحي أو غيره وأما من جانب أبي هريرة فللتوقير وكان ذلك
من شان الصحابة إذا لم يروا منه نشاطا (قوله حتى أتى سوق بنى قينقاع فجلس بفناء بيت فاطمة
فقال) هكذا في نسخ البخاري قال الداودي سقط بعض الحديث عن الناقل أو أدخل حديثا في
حديث لان بيت فاطمة ليس في سوق بنى قينقاع انتهى وما ذكره أولا احتمالا هو الواقع ولم
يدخل للراوي حديث في حديث وقد أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان فأثبت ما سقط منه
ولفظه حتى جاء سوق بنى قينقاع ثم انصرف حتى أتى فناء فاطمة وكذلك أخرجه الإسماعيلي
من طرق عن سفيان وأخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان فقال فيه حتى أتى فناء عائشة فجلس
فيه والأول أرجح والفناء بكسر الفاء بعدها نون ممدودة أي الموضع المتسع أمام البيت (قوله أثم
لكع) بهمزة الاستفهام بعدها مثلثة مفتوحة ولكع بضم اللام وفتح الكاف قال الخطابي
اللكع على معنيين أحدهما الصغير والآخر اللئيم والمراد هنا الأول والمراد بالثاني ما ورد في
حديث أبي هريرة أيضا يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع وقال ابن التين زاد ابن فارس أن
العبد أيضا يقال له لكع انتهى ولعل من أطلقه على العبد أراد أحد الامرين المذكورين وقال
بلال بن جرير التميمي اللكع في لغتنا الصغير وأصله في المهر ونحوه وعن الأصمعي اللكع الذي
لا يهتدى لمنطق ولا غيره مأخوذ من الملاكيع وهى التي تخرج من السلا قال الأزهري وهذا
القول أرجح الأقوال هنا لأنه أراد أن الحسن صغير لا يهتدى لمنطق ولم يرد انه لئيم ولا عبد (قوله
فحبسته شيا) أي منعته من المبادرة إلى الخروج إليه قليلا والفاعل فاطمة (قوله فظننت أنها
تلبسه سخابا) بكسر المهملة بعدها معجمة خفيفة وبموحدة قال الخطابي هي قلادة تتخذ من طيب
ليس فيها ذهب ولا فضة وقال الداودي من قرنفل وقال الهروي هو خيط من خرز يلبسه
الصبيان والجواري وروى الإسماعيلي عن ابن أبي عمر أحد رواة هذا الحديث قال السخاب
شئ يعمل من الحنظل كالقميص والوشاح (قوله أو تغسله) في رواية الحميدي وتغسله بالواو
(قوله فجاء يشتد) أي يسرع في المشي في رواية عمر بن موسى عند الإسماعيلي فجاء الحسن وفى
رواية ابن أبي عمر عند الإسماعيلي فجاء الحسن أو الحسين وقد أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر فقال في
روايته أثم لكع يعنى حسنا وكذا قال الحميدي في مسنده وسيأتى في اللباس من طريق ورقاء
286

عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ فقال أين لكع ادع الحسن بن علي فقام الحسن بن علي يمشى (قوله
فجاء يشتد حتى عانقه وقبله) وفى رواية ورقاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم بيده هكذا أي مدها
فقال الحسن بيده هكذا فالتزمه (قوله فقال اللهم أحبه) بفتح أوله بلفظ الدعاء وفى رواية
الكشميهني أحببه بفك الادغام زاد مسلم عن ابن أبي عمر فقال اللهم إني أحبه فأحبه وفى
الحديث بيان ما كان الصحابة عليه من توفير النبي صلى الله عليه وسلم والمشي معه وما كان عليه
من التواضع من الدخول في السوق والجلوس بفناء الدار ورحمة الصغير والمزاح معه ومعانقته
وتقبيله ومنقبة للحسن بن علي وسيأتي الكلام عليها في مناقبه إن شاء الله تعالى (قوله قال
سفيان) هو ابن عيينة وهو موصول بالاسناد المذكور (قوله عبيد الله أخبرني) فيه تقديم
اسم الراوي على الصيغة وهو جائز وعبيد الله هو شيخ سفيان في الحديث المذكور وأراد
البخاري بايراد هذا الزيادة بيان لقى عبيد الله لنافع بن جبير فلا تضر العنعنة في الطريق
الموصولة لان من ليس بمدلس إذا ثبت لقاؤه لمن حدث عنه حملت عنعنته على السماع اتفاقا
وانما الخلاف في المدلس أو فيمن لم يثبت لقيه لمن روى عنه وأبعد الكرماني فقال انما ذكر الوتر
هنا لأنه لما روى الحديث الموصول عن نافع بن جبير انتهز الفرصة لبيان ما ثبت في الوتر مما اختلف
في جوازه والله أعلم * الحديث الخامس حديث ابن عمر في نقل الطعام من المكان الذي يشترى
منه إلى حيث يباع الطعام وفيه حديثه في النهى عن بيع الطعام حتى يستوفيه وسيأتي
الكلام عليهما بعد أربعة أبواب وقد استشكل ادخال هذا الحديث في باب الأسواق وأجيب
بان السوق اسم لكل مكان وقع فيه التبايع بين من يتعاطى البيع فلا يختص الحكم المذكور
بالمكان المعروف بالسوق بل يعم كل مكان يقع فيه التبايع فالعموم في قوله في الحديث حيث
يباع الطعام * (قوله باب كراهية السخب في الأسواق) بفتح المهملة والخاء المعجمة
بعدها موحدة ويقال فيه الصخب بالصاد المهملة بدل السين وهو رفع الصوت بالخصام وقد تقدم
ذكره في الكلام على حديث أبي سفيان في قصة هرقل في أول الكتاب وأخذت الكراهة من نفى
الصفة المذكورة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما نفيت عنه صفة الفظاظة والغلطة وأورد
المصنف فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة النبي صلى الله عليه وسلم والغرض منه
قوله فيه ولا سخاب في الأسواق وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في تفسير سورة الفتح
ويستفاد منه أن دخول الامام الأعظم السوق لا يحط من مرتبته لأن النفي انما ورد في ذم
السخب فيها لا عن أصل الدخول وهلال المذكور في اسناده هو ابن علي ويقال له هلال بن أبي
هلال وليس لشيخه عطاء بن سيار عن عبد الله بن عمرو في الصحيح غير هذا الحديث وقوله فيه
وحرزا بكسر المهملة أي حافظا وأصل الحرز الموضع الحصين وهو استعارة وقوله حتى يقيم به
الملة العوجاء أي ملة العرب ووصفها بالعوج لما دخل فيها من عبادة الأصنام والمراد بإقامتها أن
يخرج أهلها من الكفر إلى الايمان وقوله وقلوب غلف وقع في رواية النسفي والمستملى قال
أبو عبد الله يعنى المصنف الغلف كل شئ في غلاف يقال سيف أغلف وقوس غلفاء ورجل أغلف
إذا لم يكن مختونا انتهى وهو كلام أبى عبيدة في كتاب المجاز (قوله تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة عن
هلال) ستأتي هذه المتابعة موصولة في تفسير سورة الفتح (قوله وقال سعيد عن هلال عن عطاء
287

عن ابن سلام) سعيد هو ابن أبي هلال وقد خالف عبد العزيز وفليحا في تعيين الصحابي وطريقه
هذه وصلها الدارمي في مسنده ويعقوب بن سفيان في تاريخه والطبراني جميعا باسناد واحد عنه
ولا مانع أن يكون عطاء بن يسار حمله عن كل منهما فقد أخرجه ابن سعد من طريق زيد بن أسلم
قال بلغنا ان عبد الله بن سلام كان يقول فذكره وأظن المبلغ لزيد هو عطاء بن يسار فإنه معروف
بالرواية عنه فيكون هذا شاهدا لرواية سعيد بن أبي هلال والله أعلم وسأذكر لرواية عبد الله بن
سلام متابعات في تفسير سورة الفتح ومما جاء عنه في ذلك مجملا ما أخرجه الترمذي من طريق
محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده قال مكتوب في التوراة صفة محمد صلى الله
عليه وسلم وعيسى بن مريم يدفن معه * (قوله باب الكيل على البائع والمعطى) أي
مؤنة الكيل على المعطى بائعا كان أو موفى دين أو غير ذلك ويلتحق بالكيل في ذلك الوزن فيما يؤزن
من السلع وهو قول فقهاء الأمصار وكذلك مؤنة وزن الثمن على المشترى الا نقد الثمن فهو على
البائع على الأصح عند الشافعية (قوله وقول الله عز وجل وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون
يعنى كالوا لهم أو وزنوا لهم) هو تفسير أبى عبيدة في المجاز وبه جزم الفراء وغيره وخالفهم عيسى
ابن عمر فكان يقف على كالوا وعلى وزنوا ثم يقول هم وزيفه الطبري والجمهور أعربوه على حذف
الجار ووصل الفعل وقال بعضهم يحتمل أن يكون على حذف المضاف وهو المكيل مثلا أي
كالوا مكيلهم وقوله كقوله يسمعونكم أي يسمعون لكم ومعنى الترجمة ان المرء يكيل له غيره إذا
اشترى ويكيل هو إذا باع (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتالوا حتى تستوفوا) هذا
طرف من حديث وصله النسائي وابن حبان من حديث طارق بن عبد الله المحاربي قال رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين فذكر الحديث وفيه فلما أظهر الله الاسلام خرجنا إلى
المدينة فبينا نحن قعود إذ أتى رجل عليه ثوبان ومعنا جمل أحمر فقال أتبيعون الجمل قلنا نعم
فقال بكم قلنا بكذا وكذا صاعا من تمر قال قد أخذت فاخذ بخطام الجمل ثم ذهب حتى توارى فلما
كان العشاء أتانا رجل فقال أنا رسول رسول الله إليكم وهو يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر حتى
تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا ففعلنا ثم قدمنا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب
فذكر الحديث ومطابقته للترجمة ان الاكتيال يستعمل لما يأخذه المرء لنفسه كما يقال اشتوى
إذا اتخذ الشواء واكتسب إذا حصل الكسب ويفسر ذلك حديث عثمان المذكور بعده
(قوله ويذكر عن عثمان ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل)
وصله الدارقطني من طريق عبيد الله بن المغيرة المصري عن منقذ مولى ابن سراقة عن عثمان
بهذا ومنقذ مجهول الحال لكن له طريق أخرى أخرجها أحمد وابن ماجة والبزار من طريق
موسى بن وردان عن سعيد بن المسيب عن عثمان به وفيه ابن لهيعة ولكنه من قديم حديثه
لان ابن عبد الحكم أورده في فتوح مصر من طريق الليث عنه وأشار ابن التين إلى أنه لا يطابق
الترجمة قال لان معنى قوله إذا بعت فكل أي فاوف وإذا ابتعت فاكتل أي فاستوف قال والمعنى
انه إذا أعطى أو أخذ لا يزيد ولا ينقص أي لا لك ولا عليك انتهى لكن في طريق الليث زيادة
تساعد ما أشار إليه البخاري ولفظه أن عثمان قال كنت أشترى التمر من سوق بنى قينقاع ثم أجلبه
إلى المدينة ثم أفرغه لهم وأخبرهم بما فيه من المكيلة فيعطوني ما رضيت به من الربح
288

فيأخذونه ويأخذونه بخبري فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال فظهر ان المراد بذلك تعاطى الكيل
حقيقة لا خصوص طلب عدم الزيادة والنقصان وله شاهد مرسل أخرجه ابن أبي شيبة من
طريق الحكم قال قدم لعثمان طعام فذكر نحوه بمعناه ثم أورد المصنف حديث ابن عمر من باع
طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب وحديث جابر في قصة دين أبيه
وسيأتي الكلام عليه وعلى ما اختلف من ألفاظه وطرقه في علامات النبوة إن شاء الله تعالى
والغرض منه قوله فيه ثم قال كل للقوم فإنه مطابق لقوله في الترجمة الكيل على المعطى وقوله فيه
صنف تمرك أصنافا أي اعزل كل صنف منه وحده وقوله فيه وعذق ابن زيد العذق بفتح العين
النخلة وبكسرها العرجون والذال فيهما معجمة وابن زيد شخص نسب إليه النوع المذكور من
التمر وأصناف تمر المدينة كثيرة جدا فقد ذكر الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق أنه كان بالمدينة
فبلغه أنهم عدوا عند أميرها صنوف التمر الأسود خاصة فزادت على الستين قال والتمر الأحمر
أكثر من الأسود عندهم (قوله وقال فراس عن الشعبي الخ) هو طرف من الحديث المذكور
وصله المؤلف في آخر أبواب الوصايا بتمامه وفيه اللفظ المذكور (قوله وقال هشام عن وهب عن
جابر قال النبي صلى الله عليه وسلم جذله فاوف له) وهذا أيضا طرف من حديثه المذكور وقد
وصله المؤلف في الاستقراض بتمامه وهشام المذكور هو ابن عروة ووهب هو ابن كيسان وقوله
جذ بلفظ الامر من الجذاذ بالجيم والذال المعجمة وهو قطع العراجين وبين في هذه الطريق قدر
الدين وقدر الذي فضل بعد وفائه وقد تضمن قوله فاوف له معنى قوله كل للقوم * (قوله
باب ما يستحب من الكيل) أي في المبايعات (قوله الوليد) هو ابن مسلم (قوله عن ثور
هو ابن يزيد الدمشقي في رواية الإسماعيلي من طريق دحيم عن الوليد حدثنا ثور (قوله عن خالد بن
معدان عن المقدام بن معد يكرب) هكذا رواه الوليد وتابعه يحيى بن حمزة عن ثور وهكذا رواه
عبد الرحمن بن مهدي عن ابن المبارك عن ثور أخرجه أحمد عنه وتابعه يحيى بن سعد عن خالد بن
معدان وخالفهم أبو الربيع الزهراني عن ابن المبارك فأدخل بين خالد والمقدام جبير بن نفير
أخرجه الإسماعيلي أيضا وروايته من المزيد في متصل الأسانيد ووقع في رواية إسماعيل بن
عياش عند الطبراني ونفيه عنده وعند ابن ماجة كلاهما عن يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان
عن المقدام عن أبي أيوب الأنصاري زاد فيه أبا أيوب وأشار الدارقطني إلى رجحان هذه الزيادة
(قوله يبارك لكم) كذا في جميع روايات البخاري ورواه أكثر من تقدم ذكره فزادوا في آخره فيه
قال ابن بطال الكيل مندوب إليه فيما ينفقه المرء على عياله ومعنى الحديث أخرجوا بكيل
معلوم يبلغكم إلى المدة التي قدرتم مع ما وضع الله من البركة في مد أهل المدينة بدعوته صلى الله
عليه وسلم وقال ابن الجوزي يشبه أن تكون هذه البركة للتسمية عليه عند الكيل وقال المهلب
ليس بين هذا الحديث وحديث عائشة كان عندي شطر شعير آكل منه حتى طال على فكلته
ففنى يعنى الحديث الآتي ذكره في الرقاق معارضة لان معنى حديث عائشة أنها كانت تخرج
قوتها وهو شئ يسير بغير كيل فبورك لها فيه مع بركة النبي صلى الله عليه وسلم فلما كالته علمت المدة
التي يبلغ إليها عند انقضائها اه‍ وهو صرف لما يتبادر إلى الذهن من معنى البركة وقد وقع في
حديث عائشة المذكور عند ابن حبان فما زلنا نأكل منه حتى كالته الجارية فلم نلبث أن فنى
289

ولو لم تكله لرجوت أن يبقى أكثر وقال المحب الطبري لما أمرت عائشة بكيل الطعام ناظرة
إلى مقتضى العادة غافلة عن طلب البركة في تلك الحالة ردت إلى مقتضى العادة اه‍ والذي
يظهر لي أن حديث المقدام محمول على الطعام الذي يشترى فالبركة تحصل فيه بالكيل لامتثال
أمر الشارع وإذا لم يمتثل الامر فيه بالإكتيال نزعت منه لشؤم العصيان وحديث عائشة
محمول على انها كالته للاختبار فلذلك دخله النقص وهو شبيه بقول أبى رافع لما قال له النبي
صلى الله عليه وسلم في الثالثة ناولني الذراع قال وهل للشاة الا ذراعان فقال لو لم تقل هذا لناولتني
ما دمت أطلب منك فخرج من شؤم المعارضة انتزاع البركة ويشهد لما قلته حديث لا تحصى
فيحصى الله عليك الآتي والحاصل أن الكيل بمجرده لا تحصل به البركة ما لم ينضم إليه أمر آخر
وهو امتثال الامر فيما يشرع فيه الكيل ولا تنزع البركة من المكيل بمجرد الكيل ما لم ينضم
إليه أمر آخر كالمعارضة والاختبار والله أعلم ويحتمل أن يكون معنى قوله كيلوا طعامكم أي إذا
ادخرتموه طالبين من الله البركة واثقين بالإجابة فكان من كاله بعد ذلك انما يكيله ليتعرف
مقداره فيكون ذلك شكا في الإجابة فيعاقب بسرعة نفاده قاله المحب الطبري ويحتمل أن تكون
البركة التي تحصل بالكيل بسبب السلامة من سوء الظن بالخادم لأنه إذا أخرج بغير حساب قد
يفرغ ما يخرجه وهو لا يشعر فيتهم من يتولى أمره بالأخذ منه وقد يكون بريأ وإذا كاله أمن من
ذلك والله أعلم وقد قيل إن في مسند البزار أن المراد بكيل الطعام تصغير الارعفة ولم أتحقق ذلك
ولا خلافه * (قوله باب بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم ومده) في رواية النسفي
ومدهم بصيغة الجمع وكذا لأبي ذر عن غير الكشميهني وبه جزم الإسماعيلي وأبو نعيم والضمير يعود
للمحذوف في صاع النبي أي صاع أهل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ومدهم ويحتمل ان يكون
الجمع لإرادة التعظيم وشرح ابن بطال على الأول (قوله فيه عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم)
يشير إلى ما أخرجه موصولا من حديثها في آخر الحج عنها قالت وعك أبو بكر وبلال الحديث
وفيه اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا (قوله حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل وقد تقدم الكلام على
ما تضمنه حديث عبد الله بن زيد وهو ابن عاصم المذكور هنا في أواخر الحج وكذا حديث أنس
وسيعاد في كتاب الاعتصام * (تنبيه) * ايراد المصنف هذه الترجمة عقب التي قبلها يشعر بان
البركة المذكورة في حديث المقدام مقيدة بما إذا وقع الكيل بمد النبي صلى الله عليه وسلم وصاعه
ويحتمل أن يتعدى ذلك إلى ما كان موافقا لهما لا إلى ما يخالفهما والله أعلم * (قوله
باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة) أي بضم المهملة وسكون الكاف حبس السلع
عن البيع هذا مقتضى اللغة وليس في أحاديث الباب للحكرة ذكر كما قال الإسماعيلي وكأن
المصنف استنبط ذلك من الامر بنقل الطعام إلى الرحال ومنع بيع الطعام قبل استيفائه فلو كان
الاحتكار حراما لم يأمر بما يئول إليه وكأنه لم يثبت عنده حديث معمر بن عبد الله مرفوعا
لا يحتكر الا خاطئ أخرجه مسلم لكن مجرد ايواء الطعام إلى الرحال لا يستلزم الاحتكار الشرعي
لان الاحتكار الشرعي امساك الطعام عن البيع وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة
الناس إليه وبهذا فسره مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب وقال مالك فيمن رفع طعاما
من ضيعته إلى بيته ليست هذه بحكرة وعن أحمد انما يحرم احتكار الطعام المقتات دون غيره من
290

الأشياء ويحتمل أن يكون البخاري أراد بالترجمة بيان تعريف الحكرة التي نهى عنها في غير هذا
الحديث وأن المراد بها قدر زائد على ما يفسره أهل اللغة فساق الأحاديث التي فيها تمكين الناس
من شراء الطعام ونقله ولو كان الاحتكار ممنوعا لمنعوا من نقله أو لبين لهم عند نقله الأمد الذي
ينتهون إليه أو لأخذ على أيديهم من شراء الشئ الكثير الذي هو مظنة الاحتكار وكل ذلك
مشعر بان الاحتكار انما يمنع في حالة مخصوصة بشروط مخصوصة وقد ورد في ذم الاحتكار
أحاديث منها حديث معمر المذكور أولا وحديث عمر مرفوعا من احتكر على المسلمين
طعامهم ضربه الله بالجذام والافلاس رواه ابن ماجة واسناده حسن وعنه مرفوعا قال
الجالب مرزوق والمحتكر ملعون أخرجه ابن ماجة والحاكم واسناده ضعيف وعن ابن عمر
مرفوعا من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ منه أخرجه أحمد والحاكم وفى
اسناده مقال وعن أبي هريرة مرفوعا من احتكر حكرة يريد أن يغالي بها على المسلمين فهو خاطئ
أخرجه الحاكم ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث الأول حديث ابن عمر في تأديب من يبيع
الطعام قبل أن يؤويه إلى رحله وسيأتي الكلام عليه بعد باب الثاني والثالث حديث ابن عباس
وابن عمر في النهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفى وسيأتي الكلام عليهما في الباب الذي يليه
الرابع حديث عمر الذهب بالورق ربا ومطابقته للترجمة لما فيه من اشتراط قبض الشعير وغيره
من الربويات في المجلس فإنه داخل في قبض الطعام بغير شرط آخر وقد استشعر ابن بطال مباينته
للترجمة فادخله في ترجمة باب بيع ما ليس عندك وهو مغاير للنسخ المروية عن البخاري وقوله في
حديث عمر حدثنا على هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وقوله كان عمرو بن دينار يحدث
عن الزهري عن مالك بن أوس أنه قال من عنده صرف فقال طلحة أي ابن عبيد الله أنا حتى يجئ
خازننا من الغابة تأتى بقيته في رواية مالك عن الزهري بعد نيف وعشرين بابا (قوله قال
سفيان) هو ابن عيينة بالاسناد المذكور وقوله هذا الذي حفظناه من الزهري ليس فيه زيادة
أشار إلى القصة المذكورة وأنه حفظه من الزهري المتن بغير زيادة وقد حفظها مالك وغيره عن
الزهري وأبعد الكرماني فقال غرض سفيان تصديق عمرو وأنه حفظ نظير ما روى (قوله الذهب
بالورق) هكذا رواه أكثر أصحاب ابن عيينة عنه هي رواية أكثر أصحاب الزهري وقال بعضهم
فيه الذهب بالذهب كما سيأتي شرحه في المكان المذكور إن شاء الله تعالى (قوله في آخر حديث
ابن عباس قال أبو عبد الله) أي المصنف (مرجؤن) أي مؤخرون وهذا في رواية المستملى وحده
وهو موافق لتفسير أبى عبيدة حيث قال في قوله وآخرون مرجؤن لأمر الله أي مؤخرون لأمر
الله يقال أرجأتك أي أخرتك وأراد به البخاري شرح قول ابن عباس والطعام مرجا أي مؤخر
ويجوز همز مرجا وترك همزة ووقع في كتاب الخطابي بتشديد الجيم بغير همز وهو
للمبالغة * (قوله باب بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك) لم يذكر في
حديثي الباب بيع ما ليس عندك وكأنه لم يثبت على شرطه فاستنبطه من النهى عن البيع قبل
القبض ووجه الاستدلال منه بطريق الأولى وحديث النهى عن بيع ما ليس عندك أخرجه
أصحاب السنن من حديث حكيم بن حزام بلفظ قلت يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني البيع
ليس عندي أبيعه منه ثم أبتاعه له من السوق فقال لا تبع ما ليس عندك وأخرجه الترمذي
291

مختصرا ولفظه نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندي قال ابن المنذر وبيع
ما ليس عندك يحتمل معنيين أحدهما أن يقول أبيعك عبدا أو دارا معينة وهى غائبة فيشبه
بيع الغرر لاحتمال ان تتلف أو لا يرضاها ثانيها أن يقول هذه الدار بكذا على أن أشتريها لك من
صاحبها أو على أن يسلمها لك صاحبها اه‍ وقصة حكيم موافقة للاحتمال الثاني (قوله حدثنا
سفيان) هو ابن عيينة وقوله الذي حفظناه من عمرو كأن سفيان يشير إلى أن في رواية غير
عمرو بن دينار عن طاوس زيادة على ما حدثهم به عمرو بن دينار عنه كسؤال طاوس من ابن
عباس عن سبب النهى وجوابه وغير ذلك (قوله عن ابن عباس أما الذي نهى عنه الخ) أي وأما
الذي لم أحفظ نهيه فما سوى ذلك (قوله فهو الطعام أن يباع حتى يقبض) في رواية مسعر
عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه قال
مسعر وأظنه قال أو علفا وهو بفتح المهملة واللام والفاء (قوله قال ابن عباس لا أحسب كل
شئ الا مثله) ولمسلم من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه وأحسب كل شئ بمنزلة الطعام وهذا
من تفقه ابن عباس ومال ابن المنذر إلى اختصاص ذلك بالطعام واحتج باتفاقهم على أن من
اشترى عبد فاعتقه قبل قبضه ان عتقه جائز قال فالبيع كذلك وتعقب بالفارق وهو تشوف
الشارع إلى العتق وقول طاوس في الباب قبله قلت لابن عباس كيف ذاك قال ذاك دراهم
بدراهم والطعام مرجا معناه انه استفهم عن سبب هذا النهى فاجابه ابن عباس بأنه إذا باعه
المشترى قبل القبض وتأخر المبيع في يد البائع فكأنه باعه دراهم بدراهم ويبين ذلك ما وقع في
رواية سفيان عن ابن طاوس عند مسلم قال طاوس قلت لابن عباس لم قال ألا تراهم يتبايعون
بالذهب والطعام مرجا أي فإذا اشترى طعاما بمائة دينار مثلا ودفعها للبائع ولم يقبض منه
الطعام ثم باع الطعام لآخر بمائة وعشرين دينارا وقبضها والطعام في يد البائع فكأنه باعه مائة
دينار بمائة وعشرين دينارا وعلى هذا التفسير لا يختص النهى بالطعام ولذلك قال ابن عباس
لا أحسب كل شئ الا مثله ويؤيده حديث زيد بن ثابت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان قال
القرطبي هذه الأحاديث حجة على عثمان الليثي حيث أجاز بيع كل شئ قبل قبضه وقد أخذ
بظاهرها مالك فحمل الطعام على عمومه وألحق بالشراء جميع المعاوضات وألحق الشافعي وابن
حبيب وسحنون بالطعام كل ما فيه حق توفية وزاد أبو حنيفة والشافعي فعدياه إلى كل مشترى
الا أن أبا حنيفة استثنى العقار ومالا ينقل واحتج الشافعي بحديث عبد الله بن عمر وقال نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن أخرجه الترمذي (قلت) وفى معناه حديث حكيم بن
حزام المذكور في صدر الترجمة وفى صفة القبض عن الشافعي تفصيل فما يتناول باليد كالدراهم
والدنانير والثوب فقبضه بالتناول ومالا ينقل كالعقار والثمر على الشجر فقبضه بالتخلية وما
ينقل في العادة كالأخشاب والحبوب والحيوان فقبضه بالنقل إلى مكان لا اختصاص للبائع به
وفيه قول أنه يكتفى فيه التخلية (قوله عقب حديث ابن عمر زاد إسماعيل فلا يبعه حتى يقبضه) يعنى
أن إسماعيل بن أبي أويس روى الحديث المذكور عن مالك بسنده بلفظ حتى يقبضه بدل قوله
حتى يستوفيه وقد وصله البيهقي من طريق إسماعيل كذلك وقال الإسماعيلي وافق إسماعيل
292

على هذا اللفظ ابن وهب وابن مهدى والشافعي وقتيبة (قلت) وقول البخاري زاد إسماعيل يريد
الزيادة في المعنى لان في قوله حتى يقبضه زيادة في المعنى على قوله حتى يستوفيه لأنه قد يستوفيه
بالكيل بان يكيله البائع ولا يقبضه للمشترى بل يحبسه عنده لينقده الثمن مثلا وعرف بهذا
جواب من اعترضه من الشراح فقال ليس في هذه الرواية زيادة وجواب من حمل الزيادة على
مجرد اللفظ فقال معناه زاد لفظا آخر وهو يقبضه وإن كان هو بمعنى يستوفيه ويعرف من
ذلك أن اختيار البخاري أن استيفاء المبيع المنقول من البائع وتبقيته في منزل البائع لا يكون
قبضا شرعيا حتى ينقله المشترى إلى مكان لا اختصاص للبائع به كما تقدم نقله عن الشافعي وهذا
هو النكتة في تعقيب المصنف له بالترجمة الآتية * (قوله باب من رأى إذا اشترى
طعاما جزافا أن لا يبيعه حتى يؤويه إلى رحله والأدب في ذلك) أي تعزير من يبيعه قبل أن
يؤويه إلى رحله ذكر فيه حديث ابن عمر في ذلك وهو ظاهر فيما ترجم له وبه قال الجمهور لكنهم
لم يخصوه بالجزاف ولا قيدوه بالإيواء إلى الرحال أما الأول فلما ثبت من النهى عن بيع الطعام
قبل قبضه فدحل فيه المكيل وورد التنصيص على المكيل من وجه آخر عن ابن عمر مرفوعا
أخرجه أبو داود وأما الثاني فلأن الايواء إلى الرحال خرج مخرج الغالب وفى بعض طرق مسلم عن
ابن عمر كنا نبتاع الطعام فيبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأمرنا بانتقاله من المكان
الذي ابتغاه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه وفرق مالك في المشهور عنه بين الجزاف
والمكيل فأجاز بيع الجزاف قبل قبضه وبه قال الأوزاعي واسحق واحتج لهم بان الجزاف
مرئي فتكفى فيه التخلية والاستيفاء انما يكون في مكيل أو موزون وقد روى أحمد من حديث
ابن عمر مرفوعا من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبيعه حتى يقبضه ورواه أبو داود والنسائي
بلفظ نهى أن يبيع أحدا طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه والدارقطني من حديث جابر نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان صاع البائع وصاع
المشترى ونحوه للبزار من حديث أبي هريرة باسناد حسن وفى ذلك دلالة على اشتراط القبض
في المكيل بالكيل وفى الموزون بالوزن فمن اشترى شيا مكايلة أو موازنة فقبضه جزافا فقبضه
فاسد وكذا لو اشترى مكايلة فقبضه موازنة وبالعكس ومن اشترى مكايلة وقبضه ثم باعه لغيره
لم يجز تسليمه بالكيل الأول حتى يكيله على من اشتراه ثانيا وبذلك كله قال الجمهور وقال عطاء يجوز
بيعه بالكيل الأول مطلقا وقيل إن باعه بنقد جاز بالكيل الأول وان باعه بنسيئة لم يجز بالأول
والأحاديث المذكورة ترد عليه وفى الحديث مشروعية تأديب من يتعاطى العقود الفاسدة
وإقامة الامام على الناس من يراعى أحوالهم في ذلك والله أعلم وقوله جزافا مثلثة الجيم والكسر
أفصح وفى هذا الحديث جواز بيع الصبرة جزافا سواء علم البائع قدرها أم لم يعلم وعن مالك
التفرقة فلو علم لم يصح وقال ابن قدامة يجوز بيع الصبرة جزافا لا نعلم فيه خلافا إذا جهل البائع
والمشترى قدرها فان اشتراها جزافا ففي بيعها قبل نقلها روايتان عن أحمد ونقلها قبضها * (قوله
باب إذا اشترى متاعا أو دابة فوضعها عند البائع أو مات قبل أن يقبض) أورد فيه
حديث عائشة في قصة الهجرة وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر عن الناقة أخذتها بالثمن
قال المهلب وجه الاستدلال به ان قوله أخذتها لم يكن أخذ باليد ولا بحيازة شخصها وانما
293

كان التزاما منه لابتياعها بالثمن واخراجها عن ملك أبى بكر اه‍ وليس ما قاله بواضح لان
القصة ما سيقت لبيان ذلك فلذلك اختصر فيها قدر الثمن وصفة العقد فيحمل كل ذلك على أن
الراوي اختصره لأنه ليس من غرضه في سياقه وكذلك اختصر صفة القبض فلا يكون
فيه حجة في عدم اشتراط القبض وقال ابن المنير مطابقة الحديث للترجمة من جهة أن
البخاري أراد أن يحقق انتقال الضمان في الدابة ونحوها إلى المشترى بنفس العقد فاستدل لذلك
بقوله صلى الله عليه وسلم قد أخذتها بالثمن وقد علم أنه لم يقبضها بل أبقاها عند أبي بكر ومن
المعلوم أنه ما كان ليبقيها في ضمان أبى بكر لما يقتضيه مكارم أخلاقه حتى يكون الملك له والضمان
على أبى بكر من غير قبض ثمن ولا سيما وفى القصة ما يدل على ايثاره لمنفعة أبى بكر حيث أبى أن
يأخذها الا بالثمن (قلت) ولقد تعسف في هذا كما تعسف من قبله وليس في الترجمة ما يلجئ إلى ذلك
فان دلالة الحديث على قوله فوضعه عند البائع ظاهرة جدا وقد قدمت أنه لا يستلزم صحة
المبيع بغير قبض وأما دلالته على قوله أو مات قبل أن يقبض فهو وارد على سبيل الاستفهام
ولم يجزم بالحكم في ذلك بل هو على الاحتمال فلا حاجة لتحميله ما لم يتحمل نعم ذكره لأثر
ابن عمر في صدر الترجمة مشعر باختيار ما دل عليه فلذلك احتيج إلى ابداء المناسبة والله الموفق
(قوله وقال ابن عمر ما أدركت الصفقة) أي العقد (حيا) أي بمهملة وتحتانية مثقلة (مجموعا) أي
لم يتغير عن حالته (فهو من المبتاع) أي من المشترى وهذا التعليق وصله الطحاوي والدارقطني
من طريق الأوزاعي عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه وقال في روايته فهو من
مال المبتاع ورواه الطحاوي أيضا من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري مثله لكن ليس
فيه مجموعا واسنادا الادراك إلى العقد مجاز أي ما كان عند العقد موجودا وغير منفصل قال
الطحاوي ذهب ابن عمر إلى أن الصفقة إذا أدركت شيئا حيا فهلك بعد ذلك عند البائع فهو من
ضمان المشترى فدل على أنه كان يرى أن البيع يتم بالأقوال قبل الفرقة بالأبدان اه‍ وما قاله
ليس بلازم وكيف يحتج بأمر محتمل في معارضة أمر مصرح به فابن عمر قد تقدم عنه التصريح
بأنه كان يرى الفرقة بالأبدان والمنقول عنه عنه هنا يحتمل أن يكون قبل التفرق بالأبدان ويحتمل أن
يكون بعده فحمله على ما بعده أولى جمعا بين حديثيه وقال ابن حبيب اختلف العلماء فيمن باع
عبدا واحتبسه بالثمن فهلك في يديه قبل أن يأتي المشترى بالثمن فقال سعيد بن المسيب وربيعة
هو على البائع وقال سليمان بن يسار هو على المشترى ورجع إليه مالك بعد أن كان أخذ بالأول
وتابعه أحمد واسحق وأبو ثور وقال بالأول الحنفية والشافعية والأصل في ذلك اشتراط القبض
في صحة البيع فمن اشترطه في كل شئ جعله من ضمان البائع ومن لم يشترطه جعله من ضمان
المشترى والله أعلم وروى عبد الرزاق باسناد صحيح عن طاوس في ذلك تفصيلا قال إن قال البائع
لا أعطيكه حتى تنقدني الثمن فهلك فهو من ضمان البائع والا فهو من ضمان المشترى وقد فسر
بعض الشراح المبتاع في أثر ابن عمر بالعين المبيعة وهو جيد وقد سئل الإمام أحمد عمن اشترى
طعاما فطلب من يحمله فرجع فوجده قد احترق فقال هو من ضمان المشترى وأورد أثر ابن عمر
المذكور بلفظ فهو من مال المشترى وفرع بعضهم على ذلك أن المبيع إذا كان معينا دخل في
ضمان المشترى بمجرد العقد ولو لم يقبض بخلاف ما يكون في الذمة فإنه لا يكون من ضمان المشترى
294

الا بعد القبض كما لو اشترى قفيزا من صبرة والله أعلم وسيأتي الكلام على حديث عائشة في أول
الهجرة إن شاء الله تعالى فقد أورد هناك من وجه آخر عن عروة أتم من السياق الذي هنا وبالله
التوفيق * (قوله باب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه حتى يأذن له
أو يترك) أورد فيه حديثي ابن عمر وأبي هريرة في ذلك وأشار بالتقييد إلى ما ورد في بعض طرقه
وهو ما أخرجه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع في هذا الحديث بلفظ لا يبع الرجل على
بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه الا أن يأذن له وقوله الا أن يأذن له يحتمل أن يكون استثناء
من الحكمين كما هو قاعدة الشافعي ويحتمل ان يختص بالأخير ويؤيد الثاني رواية المصنف
في النكاح من طريق ابن جريج عن نافع بلفظ نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب
الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب ومن ثم نشا خلاف للشافعية
هل يختص ذلك بالنكاح أو يلتحق به البيع في ذلك والصحيح عدم الفرق وقد أخرجه النسائي من
وجه آخر عن عبيد الله بن عمر بلفظ لا يبيع الرجل على بيع أخيه حتى يبتاع أو يذر وترجم
البخاري أيضا بالسوم ولم يقع له ذكر في حديثي الباب وكأنه أشار بذلك إلى ما وقع في بعص طرقه
أيضا وهو ما أخرجه في الشروط من حديث أبي هريرة بلفظ وان يستام الرجل على سوم أخيه
وأخرجه مسلم في حديث نافع عن ابن عمر أيضا وذكر المسلم لكونه أقرب إلى امتثال الامر من
غيره وفى ذكره ايذان بأنه لا يليق به أن يستأثر على مسلم مثله (قوله لا يبيع) كذا للأكثر باثبات
الياء في يبيع على أن لا نافية ويحتمل أن تكون ناهية وأشبعت الكسرة كقراءة من قرأ انه من
يتقى ويصبر ويؤيده رواية الكشميهني بلفظ لا يبع بصيغة النهى (قوله بعضكم على بيع
أخيه) كذا أخرجه عن إسماعيل عن مالك وسيأتى في باب النهى عن تلقى الركبان عن عبد الله بن
يوسف عن مالك بلفظ على بيع بعض وظاهر التقييد بأخيه أن يختص ذلك بالمسلم وبه قال
الأوزاعي وأبو عبيد بن حربويه من الشافعية وأصرح من ذلك رواية مسلم من طريق العلاء
عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ لا يسوم المسلم على سوم المسلم وقال الجمهور لا فرق في ذلك بين المسلم
والذمي وذكر الأخ خرج للغالب فلا مفهوم له (قوله في حديث أبي هريرة نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا الخ) عطف صيغة النهى على معناها فتقدير قوله
نهى ان يبيع حاضر لباد أي قال لا يبيع حاضر لباد فعطف عليه ولا تناجشوا وسيأتى الكلام على
بيع الحاضر للبادي بعد في باب مفرد وكذا على النجش في الباب الذي يليه وقوله هنا ولا تناجشوا
ذكره بصيغة التفاعل لان التاجر إذا فعل لصاحبه ذلك كان بصدد أن يفعل له مثله ويأتي الكلام
على الخطبة في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى قال العلماء البيع على البيع حرام وكذلك الشراء
على الشراء وهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لأبيعك بأنقص أو يقول للبائع
افسخ لأشتري منك بأزيد وهو مجمع عليه وأما السوم فصورته ان يأخذ شيا ليشتريه فيقول له رده
لأبيعك خيرا منه بثمنه أو مثله بأرخص أو يقول للمالك استرده لأشتريه منك بأكثر ومحله بعد
استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر فإن كان ذلك صريحا فلا خلاف في التحريم وإن كان
ظاهرا ففيه وجهان للشافعية ونقل ابن حزم اشتراط الركون عن مالك وقال إن لفظ
الحديث لا يدل عليه وتعقب بأنه لا بد من أمر مبين لموضع التحريم في السوم لان السوم في
295

السلعة التي تباع فيمن يزيد لا يحرم اتفاقا كما نقله ابن عبد البر فتعين أن السوم المحرم ما وقع فيه
قدر زائد على ذلك وقد استثنى بعض الشافعية من تحريم البيع والسوم على الآخر ما إذا لم يكن
المشترى مغبونا غبنا فاحشا وبه قال ابن حزم واحتج بحديث الدين النصيحة لكن لم تنحصر
النصيحة في البيع والسوم فله ان يعرفه أن قيمتها كذا وانك ان بعتها بكذا مغبون من غير أن يزيد
فيها فيجمع بذلك بين المصلحتين وذهب الجمهور إلى صحة البيع المذكور مع تأثيم فاعله وعند
المالكية والحنابلة في فساده روايتان وبه جزم أهل الظاهر والله أعلم * (قوله باب
بيع المزايدة) لما أن تقدم في الباب قبله النهى عن السوم أراد أن يبين موضع التحريم منه وقد
أوضحته في الباب الذي قبله وورد في البيع فيمن يزيد حديث أنس انه صلى الله عليه وسلم باع حلسا
وقدحا وقال من يشترى هذا الحلس والقدح فقال رجل أخذتهما بدرهم فقال من يزيد على
درهم فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه أخرجه أحمد وأصحاب السنن مطولا ومختصرا واللفظ
للترمذي وقال حسن وكأن المصنف أشار بالترجمة إلى تضعيف ما أخرجه البزار من حديث
سفيان بن وهب سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع المزايدة فان في اسناده ابن لهيعة
وهو ضعيف (قوله وقال عطاء أدركت الناس لا يرون بأسا ببيع المغانم فيمن يزيد) وصله ابن أبي
شيبة ونحوه عن عطاء ومجاهد وروى هو وسعيد بن منصور عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح
عن مجاهد قال لا باس ببيع من يزيد وكذلك كانت تباع الأخماس وقال الترمذي عقب حديث
أنس المذكور والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم
والمواريث قال ابن العربي لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث فان الباب واحد
والمعنى مشترك اه‍ وكأن الترمذي يقيد بما ورد في حديث ابن عمر الذي أخرجه ابن خزيمة
وابن الجارود والدارقطني من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ان يبيع أحدكم على بيع أحد حتى يذر الا الغنائم والمواريث اه‍ وكأنه خرج على الغالب
فيما يعتاد فيه البيع مزايدة وهى الغنائم والمواريث ويلتحق بهما غيرهما للاشتراك في الحكم
وقد اخذ بظاهره الأوزاعي واسحق فخصا الجواز ببيع المغانم والمواريث وعن إبراهيم النخعي
انه كره بيع من يزيد ثم أورد المصنف حديث جابر في بيع المدبر وفيه قوله صلى الله عليه وسلم
من يشتريه منى فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا وكذا فدفعه إليه وسيأتى شرحه مستوفى في
باب بيع المدبر في أواخر البيوع وقوله بكذا وكذا يأتي انه ثمانمائة درهم ويأتي أيضا تسمية الرجل
المذكور إن شاء الله تعالى وقد اعترضه الإسماعيلي فقال ليس في قصة المدبر بيع المزايدة فان
بيع المزايدة أن يعطى به واحد ثمنا ثم يعطى به غيره زيادة عليها اه‍ وأجاب ابن بطال بان شاهد
الترجمة منه قوله في الحديث من يشتريه منى قال فعرضه للزيادة ليستقضي فيه للمفلس
الذي باعه عليه وسيأتي بيان كونه كان مفلسا في أواخر كتاب الاستقراض * (قوله
باب النجش) بفتح النون وسكون الجيم بعدها معجمة وهو في اللغة تنفير الصيد واستثارته
من مكانه ليصاد يقال نجشت الصيد أنجشه بالضم نجشا وفى الشرع الزيادة في ثمن السلعة ممن
لا يريد شراءها ليقع غيره فيها سمى بذلك لان الناجش يثير الرغبة في السلعة ويقع ذلك بمواطاة
البائع فيشتركان في الاثم ويقع ذلك بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش وقد يختص به البائع
296

كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشترها به ليغر غيره بذلك كما سيأتي من كلام الصحابي في هذا
الباب وقال ابن قتيبة النجش الختل والخديعة ومنه قيل للصائد ناجش لأنه يختل الصيد
ويحتال له (قوله ومن قال لا يجوز ذلك البيع) كأنه يشير إلى ما أخرجه عبد الرزاق من طريق
عمر بن عبد العزيز أن عاملا له باع سبيا فقال له لولا انى كنت أزيد فانفقه لكان كاسدا فقال له
عمر هذا نجش لا يحل فبعث مناديا ينادى ان البيع مردود وان البيع لا يحل قال ابن بطال أجمع
العلماء على أن الناجش عاص بفعله واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك ونقل ابن المنذر عن
طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك وهو المشهور
عند الحنابلة إذا كان ذلك بمواطاة البائع أو صنعه والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت
الخيار وهو وجه للشافعية قياسا على المصراة والأصح عندهم صحة البيع مع الاثم وهو قول
الحنفية وقال الرافعي أطلق الشافعي في المختصر تعصية الناجش وشرط في تعصية من باع على
بيع أخيه أن يكون عالما بالنهى وأجاب الشارحون بان النجش خديعة وتحريم الخديعة
واضح لكل أحد وان لم يعلم هذا الحديث بخصوصه بخلاف البيع على بيع أخيه فقد لا يشترك
فيه كل أحد واستشكل الرافعي الفرق بان البيع على بيع أخيه اضرار والاضرار يشترك في
علم تحريمه كل أحد قال فالوجه تخصيص المعصية في الموضعين بمن علم التحريم اه‍ وقد حكى
البيهقي في المعرفة والسنن عن الشافعي تخصيص التعصية في النجش أيضا بمن علم النهى فظهر أن
ما قاله الرافعي بحثا منصوص ولفظ الشافعي النجش ان يحضر الرجل السلعة تباع فيعطى بها
الشئ وهو لا يريد شراءها ليقتدى به السوام فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا
سومه فمن نجش فهو عاص بالنجش إن كان عالما بالنهى والبيع جائز لا يفسده معصية رجل نجش
عليه (قوله وقال ابن أبي أوفى الناجش آكل ربا خائن) هذا طرف من حديث أورده المصنف
في الشهادات في باب قول الله تعالى ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ثم ساق فيه من
طريق السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى قال أقام رجل سلعته فحلف بالله لقد أعطى فيها ما لم
يعط فنزلت قال ابن أبي أوفى الناجش آكل ربا خائن أورده من طريق يزيد بن هارون عن
السكسكي وقد أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور عن يزيد مقتصرين على الموقوف
وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن ابن أبي أوفى مرفوعا لكن قال ملعون بدل خائن اه‍ وأطلق
ابن أبي أوفى على من أخبر بأكثر مما اشترى به انه ناجش لمشاركته لمن يزيد في السلعة وهو
لا يريد أن يشتريها في غرور الغير فاشتركا في الحكم لذلك وكونه آكل ربا بهذا التفسير وكذلك
يصح على التفسير الأول ان واطاه البائع على ذلك وجعل له عليه جعلا فيشتركان جميعا في الخيانة
وقد اتفق أكثر العلماء على تفسير النجش في الشرع بما تقدم وقيد ابن عبد البر وابن العربي
وابن حزم التحريم بان تكون الزيادة المذكورة فوق ثمن المثل قال ابن العربي فلو أن رجلا رأى
سلعة رجل تباع بدون قيمتها فزاد فيها لتنتهي إلى قيمتها لم يكن ناجشا عاصيا بل يؤجر على ذلك
بنيته وقد وافقه على ذلك بعض المتأخرين من الشافعية وفيه نظر إذ لم تتعين النصيحة في أن يوهم
أنه يريد الشراء وليس من غرضه بل غرضه أن يزيد على من يريد الشراء أكثر مما يريد أن يشترى به
فللذي يريد النصيحة مندوحة عن ذلك أن يعلم البائع بان قيمة سلعتك أكثر من ذلك ثم هو
297

باختياره بعد ذلك ويحتمل أن لا يتعين عليه اعلامه بذلك حتى يسأله للحديث الآتي دعوا
الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه والله أعلم (قوله وهو
خداع باطل لا يحل) هو من تفقه المصنف وليس من تتمة كلام ابن أبي أوفى وقد ذكرنا توجيه
ما قاله المصنف قبل (قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم الخديعة في النار ومن عمل عملا ليس عليه
أمرنا فهو رد) اما الحديث الثاني فسيأتي موصولا من حديث عائشة في كتاب الصلح
وأما حديث الخديعة في النار فرويناه في الكامل لابن عدى من حديث قيس بن سعد بن عبادة
قال لولا انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المكر والخديعة في النار لكنت من أمكر
الناس واسناده لا باس به وأخرجه الطبراني في الصغير من حديث ابن مسعود والحاكم في
المستدرك من حديث أنس وإسحاق بن راهويه في مسنده من حديث أبي هريرة وفى اسناد كل
منهما مقال لكن مجموعهما يدل على أن للمتن أصلا وقد رواه ابن المبارك في البر والصلة عن عوف
عن الحسن قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره (قوله عن النجش) تقدم
ان المشهور أنه بفتح الجيم وحكى المطرزي فيه السكون * (قوله باب بيع الغرر) بفتح
المعجمة وبراءين (و) بيع (حبل الحبلة) بفتح المهملة والموحدة وقيل في الأول بسكون الموحدة
وغلطه عياض وهو مصدر حبلت تحبل حبلا والحبلة جمع حابل مثل ظلمة وظالم وكتبة وكاتب
والهاء فيه للمبالغة وقيل للاشعار بالأنوثة وقد ندر فيه امرأة حابلة فالهاء فيه للتأنيث وقيل
حبلة مصدر يسمى به المحبول قال أبو عبيد لا يقال لشئ من الحيوان حبلت الا الآدميات
الا ما ورد في هذا الحديث وأثبته صاحب المحكم قولا فقال اختلف أهي للإناث عامة أم
للآدميات خاصة وانشد في التعميم قول الشاعر * أو ذيخة حبلى مجح مقرب * وفى ذلك
تعقب على نقل النووي اتفاق أهل اللغة على التخصيص ثم إن عطف بيع حبل الحبلة على بيع
الغرر من عطف الخاص على العام ولم يذكر في الباب بيع الغرر صريحا وكانه أشار إلى ما أخرجه
أحمد من طريق ابن إسحاق حدثني نافع وابن حبان من طريق سليمان التيمي عن نافع عن ابن عمر
قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وقد أخرج مسلم النهى عن بيع الغرر من
حديث أبي هريرة وابن ماجة من حديث ابن عباس والطبراني من حديث سهل بن سعد
ولأحمد من حديث ابن مسعود رفعه لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر وشراء السمك في الماء نوع
من أنواع الغرر ويلتحق به الطير في الهواء والمعدوم والمجهول والآبق ونحو ذلك قال النووي
النهى عن بيع الغرر أصل من أصول البيع فيدخل تحته مسائل كثيرة جدا ويستثنى من بيع
الغرر أمران أحدهما ما يدخل في المبيع تبعا فلو أفرد لم يصح بيعه والثاني ما يتسامح بمثله اما
لحقارته أو للمشقة في تمييزه وتعيينه فمن الأول بيع أساس الدار والدابة التي في ضرعها اللبن
والحامل ومن الثاني الجبة المحشوة والشرب من السقاء قال وما اختلف العلماء فيه مبنى على
اختلافهم في كونه حقيرا أو يشق تمييزه أو تعيينه فيكون الغرر فيه كالمعدوم فيصح البيع
وبالعكس وقال ومن بيوع الغرر ما اعتاده الناس من الاستجرار من الأسواق بالأوراق مثلا
فإنه لا يصح لان الثمن ليس حاضرا فيكون من المعاطاة ولم توجد صيغة يصح بها العقد وروى
الطبري عن ابن سيرين باسناد صحيح قال لا أعلم ببيع الغرر بأسا قال ابن بطال لعله لم يبلغه النهى
298

والا فكل ما يمكن أن يوجد وأن لا يوجد لم يصح وكذلك إذا كان لا يصح غالبا فإن كان يصح
غالبا كالثمرة في أول بدو صلاحها أو كان مستترا تبعا كالحمل مع الحامل جاز لقلة الغرر ولعل هذا
هو الذي أراده ابن سيرين لكن منع من ذلك ما رواه ابن المنذر عنه أنه قال لا باس ببيع العبد
الآبق إذا كان علمهما فيه واحدا فهذا يدل على أنه يرى بيع الغرر ان سلم في المآل والله أعلم
(قوله وكان) أي بيع حبل الحبلة (بيعا يتبايعه أهل الجاهلية الخ) كذا وقع هذا التفسير
في الموطأ متصلا بالحديث قال الإسماعيلي وهو مدرج يعنى ان التفسير من كلام نافع وكذا
ذكر الخطيب في المدرج وسيأتى في آخر السلم عن موسى بن إسماعيل التبوذكي عن جويرية
التصريح بأن نافعا هو الذي فسره لكن لا يلزم من كون نافع فسره لجويرية أن لا يكون ذلك
التفسير مما حمله عن مولاه ابن عمر فسيأتي في أيام الجاهلية من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع
عن ابن عمر قال كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة وحبل الحبلة ان تنتج
الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فظاهر هذا
السياق ان هذا التفسير من كلام ابن عمر ولهذا جزم ابن عبد البر بأنه من تفسير ابن عمر وقد
أخرجه مسلم من رواية الليث والترمذي والنسائي من رواية أيوب كلاهما عن نافع بدون
التفسير وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق سعيد بن جبير عن ابن عمر بدون التفسير
أيضا (قوله الجزور) بفتح الجيم وضم الزاي هو البعير ذكرا كان أو أنثى الا أن لفظه مؤنث تقول
هذه الجزور وان أرت ذكرا فيحتمل أن يكون ذكره في الحديث قيدا فيما كان أهل الجاهلية
يفعلونه فلا يتبايعون هذا البيع الا في الجزور أو لحم الجزور ويحتمل أن يكون ذكر على سبيل
المثال وأما في الحكم فلا فرق بين الجزور وغيرها في ذلك (قوله إلى أن تنتج) بضم أوله وفتح ثالثه
أي تلد ولدا والناقة فاعل وهذا الفعل وقع في لغة العرب على صيغة الفعل المسند إلى المفعول
وهو حرف نادر وقوله ثم تنتج التي في بطنها أي ثم تعيش المولودة حتى تكبر ثم تلد وهذا القدر زائد
على رواية عبيد الله بن عمر فإنه اقتصر على قوله ثم تحمل التي في بطنها ورواية جويرية أخصر
منهما ولفظه ان تنتج الناقة ما في بطنها وبظاهر هذه الرواية قال سعيد بن المسيب فما رواه عنه
مالك وقال به مالك والشافعي وجماعة وهو أن يبيع بثمن إلى أن يلد ولد الناقة وقال بعضهم ان
يبيع بثمن إلى أن تحمل الدابة وتلد ويحمل ولدها وبه جزم أبو إسحاق في التنبيه فلم يشترط وضع
حمل الولد كرواية مالك ولم أر من صرح بما اقتضته رواية جويرية وهو الوضع فقط وهو في الحكم
مثل الذي قبله والمنع في الصور الثلاث للجهالة في الاجل ومن حقه على هذا التفسير أن يذكر
في السلم وقال أبو عبيدة وأبو عبيد وأحمد واسحق وابن حبيب المالكي وأكثر أهل اللغة وبه
جزم الترمذي هو بيع ولد نتاج الدابة والمنع في هذا من جهة انه بيع معدوم ومجهول وغير
مقدور على تسليمه فيدخل في بيوع الغرر ولذلك صدر البخاري بذكر الغرر في الترجمة لكنه أشار
إلى التفسير الأول بايراد الحديث في كتاب السلم أيضا ورجح الأول لكونه موافقا للحديث وإن كان
كلام أهل اللغة موافقا للثاني لكن قد روى الإمام أحمد من طريق ابن إسحاق عن نافع عن
ابن عمر ما يوافق الثاني ولفظه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر قال إن أهل
الجاهلية كانوا يتبايعون ذلك البيع يبتاع الرجل بالشارف حبل الحبلة فنهوا عن ذلك وقال
299

ابن التين محصل الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الجنين وعلى الأول هل المراد بالأجل
ولادة الأم أو ولادة ولدها وعلى الثاني هل المراد ببيع الجنين الأول أو بيع جنين الجنين فصارت
أربعة أقوال انتهى وحكى صاحب المحكم قولا آخر انه بيع ما في بطون الانعام وهو أيضا من
بيوع الغرر لكن هذا انما فسر به سعيد بن المسيب كما رواه مالك في الموطأ بيع المضامين
وفسر به غيره بيع الملاقيح واتفقت هذه الأقوال على اختلافها على أن المراد بالحبلة جمع
حابل أو حابلة من الحيوان الا ما حكاه صاحب المحكم وغيره عن ابن كيسان ان المراد بالحبلة
الكرمة وان النهى عن بيع حبلها أي حملها قبل ان تبلغ كما نهى عن بيع ثمر النخلة قبل ان تزهى
وعلى هذا فالحبلة باسكان الموحدة وهو خلاف ما ثبت به الروايات لكن حكى في الكرمة فتح
الباء وادعى السهيلي تفرد ابن كيسان به وليس كذلك فقد حكاه ابن السكيت في كتاب الألفاظ
ونقله القرطبي في المفهم عن ابن العباس المبرد والهاء على هذا للمبالغة وجها واحدا * (قوله
باب بيع الملامسة قال أنس نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه) ثم قال باب بيع
المنابذة وعلق عن أنس مثله وأورد في البابين حديث أبي سعيد من وجهين وحديث أبي هريرة
من وجهين فاما حديث أنس فسيأتي موصولا بعد ثلاثين بابا في باب بيع المخاضرة (قوله
في حديث أبي سعيد نهى عن المنابذة وهى طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى رجل قبل ان يقلبه
أو ينظر إليه ونهى عن الملامسة والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه) وسيأتى في اللباس من
طريق يونس عن الزهري بلفظ والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار
ولا يقلبه الا بذلك والمنابذة ان ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الآخر بثوبه ويكون
بيعهما عن غير نظر ولا تراض ولأبى عوانة من طريق أخرى عن يونس وذلك أن يتبايع القوم
السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها أو يتنابذ القوم السلع كذلك فهذا من أبواب
القمار وفى رواية ابن ماجة من طريق سفيان عن الزهري والمنابذة أن يقول الق إلى ما معك
وألقى إليك ما معي والنسائي من حديث أبي هريرة الملامسة أن يقول الرجل للرجل أبيعك
ثوبي بثوبك ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب الآخر ولكن يلمسه لمسا والمنابذة أن يقول
أنبذ ما معي وتنبذ ما معك يشترى كل واحد منهما من الآخر ولا يدرى كل واحد منهما كم مع
الآخر ونحو ذلك ولم يذكر التفسير في طريق أبي سعيد الثانية هنا ولا في طريقي أبي هريرة وقد
وقع التفسير أيضا عند أحمد من طريق معمر هذه أخرجه عن عبد الرزاق عنه وفى آخره والمنابذة
أن يقول إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع والملامسة أن يلمس بيده ولا ينشره ولا يقلبه
إذا مسه وجب البيع ولمسلم من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة أما الملامسة فأن يلمس كل
واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر لم ينظر
واحد منهما إلى ثوب صاحبه وقد تقدم في الصيام من هذا الوجه وليس فيه التفسير وهذا
التفسير الذي في حديث أبي هريرة أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة لأنها مفاعلة فتستدعى وجود
الفعل من الجانبين واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور وهى أوجه للشافعية
أصحها ان يأتي بثوب مطوى أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول له صاحب الثوب بعتكه بكذا
بشرط ان يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته وهذا موافق للتفسيرين اللذين في
300

الحديث الثاني ان يجعلا نفس اللمس بيعا بغير صيغة زائدة الثالث ان يجعلا اللمس شرطا في
قطع خيار المجلس وغيره والبيع على التأويلات كلها باطل ومأخذ الأول عدم شرط رؤية المبيع
واشتراط نفى الخيار ومأخذ الثاني اشتراط نفى الصيغة في عقد البيع فيؤخذ منه بطلان بيع
المعاطاة مطلقا لكن من أجاز المعاطاة قيدها بالمحقرات أو بما جرت فيه العادة بالمعاطاة وأما
الملامسة والمنابذة عند من يستعملها فلا يخصهما بذلك فعلى هذا يجتمع بيع المعاطاة مع
الملامسة والمنابذة في بعض صور المعاطاة فلمن يجيز بيع المعاطاة ان يخص النهى في بعض صور
الملامسة والمنابذة عما جرت العادة فيه بالمعاطاة وعلى هذا يحمل قول الرافعي ان الأئمة أجروا
في بيع الملامسة والمنابذة الخلاف الذي في المعاطاة والله أعلم ومأخذ الثالث شرط نفى خيار
المجلس وهذه الأقوال هي التي اقتصر عليها الفقهاء ونخرج مما ذكرناه من طرق الحديث زيادة
على ذلك وأما المنابذة فاختلفوا فيها أيضا على ثلاثة أقوال وهى أوجه للشافعية أصحها ان يجعلا
نفس النبذ بيعا كما تقدم في الملامسة وهو الموافق للتفسير في الحديث المذكور والثاني أن
يجعلا النبذ بيعا بغير صيغة والثالث ان يجعلا النبذ قاطعا للخيار واختلفوا في تفسير النبذ
فقيل هو طرح الثوب كما وقع تفسيره في الحديث المذكور وقيل هو نبذ الحصاة والصحيح انه
غيره وقد روى مسلم النهى عن بيع الحصاة من حديث أبي هريرة واختلف في تفسير بيع
الحصاة فقيل هو أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه هذه الحصاة ويرمى حصاة
أو من هذه الأرض ما انتهت إليه في الرمي وقيل هو أن يشترط الخيار إلى أن يرمى الحصاة
والثالث ان يجعلا نفس الرمي بيعا وقوله في الحديث لمس الثوب لا ينظر إليه استدل به على
بطلان بيع الغائب وهو قول الشافعي في الجديد وعن أبي حنيفة يصح مطلقا ويثبت الخيار
إذا رآه وحكى عن مالك والشافعي أيضا وعن مالك يصح ان وصفه والا فلا وهو قول الشافعي في
القديم واحمد واسحق وأبى ثور وأهل الظاهر واختاره البغوي والروياني من الشافعية وان
اختلفوا في تفاصيله ويؤيده قوله في رواية أبى عوانة التي قدمتها لا ينظرون إليها ولا يخبرون
عنها وفى الاستدلال لذلك وفاقا وخلافا طول واستدل به على بطلان بيع الأعمى مطلقا وهو قول
معظم الشافعية حتى من أجاز منهم بيع الغائب لكون الأعمى لا يراه بعد ذلك فيكون كبيع
الغائب مع اشتراط نفى الخيار وقيل يصح إذا وصفه له غيره وبه قال مالك وأحمد وعن أبي حنيفة
يصح مطلقا على تفاصيل عندهم أيضا * (تنبيهات) * والأول وقع عند ابن ماجة ان التفسير من
قول سفيان ابن عيينة وهو خطأ من قائله بل الظاهر أنه قول الصحابي كما سأبينه بعد * الثاني حديث أبي
سعيد اختلف فيه على الزهري فرواه معمر وسفيان وابن أبي حفصة وعبد الله ابن بديل
وغيرهم عنه عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد ورواه عقيل ويونس وصالح بن كيسان وابن جريج
عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبي سعيد وروى ابن جريج بعضه عن الزهري عن عبيد الله بن
عبد الله عن أبي سعيد وهو محمول عند البخاري على انها كلها عند الزهري واقتصر مسلم على
طريق عامر بن سعد وحده وأعرض عما سواها وقد خالفهم كلهم الزبيدي فرواه عن الزهري
عن سعيد عن أبي هريرة وخالفهم أيضا جعفر بن برقان فرواه عن الزهري عن سالم عن أبيه وزاد
في آخره وهى بيوع كانوا يتبايعون بها في الجاهلية أخرجها النسائي وخطا رواية جعفر
301

الثالث حديث أبي هريرة أخرجه البخاري عنه من طرق ثالثها طريق حفص بن عاصم عنه وهو
في مواقيت الصلاة ولم يذكر في شئ من طرقه عنه تفسير المنابذة والملامسة وقد وقع تفسيرهما
في رواية مسلم والنسائي كما تقدم وظاهر الطرق كلها ان التفسير من الحديث المرفوع لكن وقع في
رواية النسائي ما يشعر بأنه من كلام من دون النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه وزعم أن الملامسة
أن يقول الخ فالأقرب ان يكون ذلك من كلام الصحابي لبعد أن يعبر الصحابي عن النبي صلى الله
عليه وسلم بلفظ زعم ولوقوع التفسير في حديث أبي سعيد الخدري من قوله أيضا كما تقدم الرابع
وقع في حديث أبي هريرة في الطريق الأولى هنا نهى عن لبستين واقتصر على لبسة واحدة ولم
يذكره في موضع آخر وقد وقع بيان الثانية عند أحمد من طريق هشام عن محمد بن سيرين ولفظه
ان يحتبى الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شئ وان يرتدى في ثوب يرفع طرفيه على عاتقه
* (قوله باب النهى للبائع ان لا يحفل الإبل والبقر والغنم) كذا في معظم الروايات
ولا زائدة وقد ذكره أبو نعيم بدون لا ويحتمل أن تكون ان مفسرة ولا يحفل بيان للنهي وفى
رواية النسفي نهى البائع ان يحفل الإبل والغنم وقيد النهى بالبائع إشارة إلى أن المالك لو حفل
فجمع اللبن للولد أو لعياله أو لضيفه لم يحرم وهذا هو الراجح كما سيأتي وذكر البقر في الترجمة وان لم
يذكر في الحديث إشارة إلى أنها في معنى الإبل والغنم في الحكم خلافا لداود وانما اقتصر عليهما
لغلبتهما عندهم والتحفيل بالمهملة والفاء التجميع قال أبو عبيد سميت بذلك لان اللبن يكثر في
ضرعها وكل شئ كثرته فقد حفلته تقول ضرع حافل أي عظيم واحتفل القوم إذا كثر جمعهم
ومنه سمى المحفل (قوله وكل محفلة) بالنصب عطفا على المفعول وهو من عطف العام على
الخاص إشارة إلى أن الحاق غير النعم من مأكول اللحم بالنعم للجامع بينهما وهو تغرير المشترى
وقال الحنابلة وبعض الشافعية يختص ذلك بالنعم واختلفوا في غير المأكول كالاتان
والجارية فالأصح لا يرد للبن عوضا وبه قال الحنابلة في الأتان دون الجارية (قوله والمصراة)
بفتح المهملة وتشديد الراء (التي صرى لبنها وحقن فيه) أي في الثدي (وجمع فلم يحلب) وعطف
الحقن على التصرية عطف تفسيري لأنه بمعناه (قوله وأصل التصرية حبس الماء يقال منه
صريت الماء إذا حبسته) وهذا التفسير قول أبى عبيد وأكثر أهل اللغة وقال الشافعي هو ربط
اخلاف الناقة أو الشاة وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر فيظن المشترى ان ذلك عادتها فيزيد
في ثمنها لما يرى من كثرة لبنها (قوله لا تصروا) بضم أوله وفتح ثانيه بوزن تزكوا يقال صرى
يصرى تصرية كزكى يزكى تزكية والإبل بالنصب على المفعولية وقيده بعضهم بفتح أوله وضم
ثانيه والأول أصح لأنه من صريت اللبن في الضرع إذا جمعته وليس من صررت الشئ إذا ربطته
إذ لو كان منه لقيل مصرورة أو مصررة ولم يقل مصراة على أنه قد سمع الأاران في كلام العرب
قال الأغلب
- رأت غلاما قد صرى في فقرته * ماء الشباب عنفوان سيرته -
وقال مالك بن نويرة
- فقلت لقومي هذه صدقاتكم * مصررة أخلافها لم تحرر -
وضبطه بعضهم ضم أوله وفتح ثانيه لكن بغير واو على البناء للمجهول والمشهور الأول (قوله
302

الإبل والغنم) لم يذكر البقر وقد تقدم بيانه في الترجمة وظاهر النهى تحريم التصرية سواء قصد
التدليس أم لا وسيأتى في الشروط من طريق أبى حازم عن أبي هريرة نهى عن التصرية
وبهذا جزم بعض الشافعية وعلله بما فيه من ايذاء الحيوان لكن أخرج النسائي حديث الباب
من طريق سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج بلفظ لا تصروا الإبل والغنم للبيع وله من طريق
أبى كثير السحيمي عن أبي هريرة إذا باع أحدكم الشاة أو اللقحة فلا يحفلها وهذا هو الراجح
وعليه يدل تعليل الأكثر بالتدليس ويجاب عن التعليل بالايذاء بأنه ضرر يسير لا يستمر فيغتفر
لتحصيل المنفعة (قوله فمن ابتاعها بعد) أي من اشتراها بعل التحفيل زاد عبيد الله بن عمر عن أبي
الزناد فهو بالخيار ثلاثة أيام أخرجه الطحاوي وسيأتى ذكر من وافقه على ذلك وابتداء هذه المدة
من وقت بيان التصرية وهو قول الحنابلة وعند الشافعية أنها من حين العقد وقيل من التفرق
ويلزم عليه أن يكون الغرر أوسع من الثلاث في بعض الصور وهو ما إذا تأخر ظهور التصرية
إلى آخر الثلاث ويلزم عليه أيضا ان تحسب المدة قبل التمكن من الفسخ وذلك يفوت مقصود
التوسع بالمدة (قوله بخير النظرين) أي الرأيين (قوله إن يحتلبها) كذا في الأصل وهو بكسر ان
على أنها شرطية وجزم يحتلبها ولابن خزيمة والإسماعيلي من طريق أسيد بن موسى عن الليث
بعد أن يحتلبها بفتح ان ونصب يحتلبها وظاهر الحديث ان الخيار لا يثبت الا بعد الحلب والجمهور
على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار ولو لم يحلب لكن لما كانت التصرية لا تعرف غالبا الا بعد
الحلب ذكر قيدا في ثبوت الخيار فلو ظهرت التصرية بغير الحلب فالخيار ثابت (قوله إن شاء
أمسك) في رواية مالك عن أبي الزناد في آخر الباب ان رضيها أمسكها أي أبقاها على ملكه وهو
يقتضى صحة بيع المصراة واثبات الخيار للمشترى فلو اطلع على عيب بعد الرضا بالتصرية فردها
هل يلزم الصاع فيه خلاف والأصح عند الشافعية وجوب الرد ونقلوا نص الشافعي على أنه لا يرد
وعند المالكية قولان (قوله وان شاء ردها) في رواية مالك وان سخطها ردها وظاهره اشتراط
الفور وقياسا على سائر العيوب لكن الرواية التي فيها ان له الخيار ثلاثة أيام مقدمة على هذا
الاطلاق ونقل أبو حامد والروياني فيه نص الشافعي وهو قول الأكثر وأجاب من صحح الأول بأن
هذه الرواية محمولة على ما إذا لم يعلم أنها مصراة الا في الثلاث لكون الغالب أنها لا تعلم فيما دون ذلك
قال ابن دقيق العيد والثاني أرجح لان حكم التصرية قد خالف القياس في أصل الحكم لأجل
النص فيطرد ذلك ويتبع في جميع موارده (قلت) ويؤيده أن في بعض الروايات أحمد والطحاوي
من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة فهو بأحد النظرين بالخيار إلى أن يحوزها أو يردها وسيأتى
(قوله وصاع تمر) في رواية مالك وصاعا من تمر والواو عاطفة للصاع على الضمير في ردها ويجوز
أن تكون الواو بمعنى مع ويستفاد منه فورية الصاع مع الرد ويجوز أن يكون مفعولا معه
ويعكر عليه قول جمهور النحاة ان شرط المفعول معه أن يكون فاعلا فان قيل التعبير بالرد في
المصراة واضح فما معنى التعبير بالرد في الصاع فالجواب أنه مثل قول الشاعر
* علفتها تبنا وماء باردا * أي علفتها تبنا وسقيتها ماء بارد أو يجعل علفتها مجازا عن فعل شامل
للامرين أي ناولتها فيحمل الرد في الحديث على نحو هذا التأويل واستدل به على وجوب رد
الصاع مع الشاة إذا اختار فسخ البيع فلو كان اللبن باقيا ولم يتغير فأراد رده هل يلزم البائع قبوله
303

فيه وجهان أصحهما لا لذهاب طراوته ولاختلاطه بما تجدد عند المبتاع والتنصيص على التمر
يقتضى تعيينه كما سيأتي (قوله ويذكر عن أبي صالح ومجاهد والوليد بن رباح وموسى بن يسار الخ)
يعنى ان أبا صالح ومن بعده وقع في رواياتهم تعيين التمر فاما رواية أبى صالح فوصلها أحمد ومسلم من
طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه بلفظ من ابتاع شاة مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام فان شاء
أمسكها وان شاء ردها ورد معها صاعا من تمر وأما رواية مجاهد فوصلها البزار قال مغلطاي
لم أرها الا عنده (قلت) قد وصلها أيضا الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن مسلم الطائفي
عن ابن أبي نجيح والدارقطني من طريق الليث بن أبي سليم كلاهما عن مجاهد وأول رواية ليث
لا تبيعوا المصراة من الإبل والغنم الحديث وليث ضعيف وفى محمد بن مسلم أيضا لين وأما رواية
الوليد بن رباح وهو بفتح الراء وبالموحدة فوصلها أحمد بن منيع في مسنده بلفظ من اشترى
مصراة فليرد معها صاعا من تمر وأما رواية موسى بن يسار وهو بالتحتانية والمهملة فوصلها
مسلم بلفظ من اشترى شاة مصراة فلينقلب بها فليحلبها فان رضى بها أمسكها والا ردها ومعها
صاع من تمر وسياقه يقتضى الفورية (قوله وقال بعضهم عن ابن سيرين صاعا من طعام وهو
بالخيار ثلاثا وقال بعضهم عن ابن سيرين صاعا من تمر ولم يذكر ثلاثا) أما رواية من رواه بلفظ
الطعام والثلاث فوصلها مسلم والترمذي من طريق قرة بن خالد عنه بلفظ من اشترى مصراة فهو
بالخيار ثلاثة أيام فان ردها رد معها صاعا من طعام لا سمراء وأخرجه أبو داود من طريق حماد بن
سلمة عن هشام وحبيب وأيوب عن ابن سيرين نحوه واما رواية من رواه بلفظ التمر دون ذكر
الثلاث فوصلها احمد من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين بلفظ من اشترى شاة مصراة فإنه
يحلبها فان رضيها أخذها والا ردها ورد معها صاعا من تمر وقد رواه سفيان عن أيوب فذكر الثلاث
أخرجه مسلم من طريقه بلفظ من اشترى شاة مصراه فهو بخير النظرين ثلاثة أيام ان شاء أمسكها
وان شاء ردها وصاعا من تمر لا سمراء ورواه بعضهم عن ابن سيرين بذكر الطعام ولم يقل ثلاثا أخرجه
أحمد والطحاوي من طريق عون عن ابن سيرين وخلاس بن عمرو كلاهما عن أبي هريرة بلفظ
من اشترى لقحة مصراة أو شاة مصراة فحلبها فهو بأحد النظرين بالخيار إلى أن يحوزها أو
يردها واناء من طعام فحصلنا عن ابن سيرين على أربع روايات ذكر التمر والثلاث وذكر التمر
بدون الثلاث والطعام بدل التمر كذلك والذي يظهر في الجمع بينها أن من زاد الثلاث معه زيادة علم
وهو حافظ ويحمل الامر فيمن لم يذكرها على أنه لم يحفظها أو اختصرها وتحمل الرواية التي فيها
الطعام على التمر وقد روى الطحاوي من طريق أيوب عن ابن سيرين ان المراد بالسمراء الحنطة
الشامية وروى ابن أبي شيبة وأبو عوانة من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين لا سمراء يعنى
الحنطة وروى ابن المنذر من طريق ابن عون عن ابن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول لا سمراء
تمر ليس ببر فهذه الروايات تبين ان المراد بالطعام التمر ولما كان المتبادر إلى الذهن أن المراد بالطعام
القمح نفاه بقوله لا سمراء لكن يعكر على هذا الجمع ما رواه البزار من طريق أشعث بن عبد الملك
عن ابن سيرين بلفظ ان ردها ردها ومعها صاع من بر لا سمراء وهذا يقتضى أن المنفى في قوله
لا سمراء حنطة مخصوصة وهى الحنطة الشامية فيكون المثبت قوله من طعام أي من قمح ويحتمل
أن يكون رواية رواه بالمعنى الذي ظنه مساويا وذلك أن المتبادر من الطعام البر فظن الراوي أنه البر
304

فعبر به وانما أطلق لفظ الطعام على التمر لأنه كان غالب قوت أهل المدينة فهذا طريق الجمع بين
مختلف الروايات عن ابن سيرين في ذلك يعكر على هذا ما رواه أحمد باسناد صحيح عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة نحو حديث الباب وفيه فان ردها رد معها صاعا من
طعام أو صاعا من تمر فان ظاهره يقتضى التخيير بين التمر والطعام وأن الطعام غير التمر ويحتمل أن
تكون أو شكا من الراوي لا تخييرا وإذا وقع الاحتمال في هذه الروايات لم يصح الاستدلال بشئ
منها فيرجع إلى الروايات التي لم يختلف فيها وهى التمر فهي الراجحة كما أشار إليه البخاري وأما
ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر بلفظ ان ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا ففي اسناده
ضعف وقد قال ابن قدامة انه متروك الظاهر بالاتفاق (قوله والتمر أكثر) أي ان الروايات الناصة
على التمر أكثر عددا من الروايات التي لم تنص عليه أو أبدلته بذكر الطعام فقد رواه بذكر التمر غير
من تقدم ذكره ثابت بن عياض كما يأتي في الباب الذي يليه وهمام بن منبه عند مسلم وعكرمة
وأبو اسحق عند الطحاوي ومحمد بن زياد عند الترمذي والشعبي عند أحمد وابن خزيمة كلهم عن أبي
هريرة وأما رواية من رواه بذكر الاناء فيفسرها رواية من رواه بذكر الصاع وقد تقدم
ضبطه في الزكاة وقد أخذ بظاهر هذا الحديث جمهور أهل العلم وأفتى به ابن مسعود وأبو هريرة
ولا مخالف لهم من الصحابة وقال به من التابعين ومن بعدهم من لا يحصى عدده ولم يفرقوا بين أن
يكون اللبن الذي احتلب قليلا أو كثيرا ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا وخالف في أصل
المسئلة أكثر الحنفية وفى فروعها آخرون أما الحنفية فقالوا لا يرد بعيب التصرية ولا يجب
رد صاع من التمر وخالفهم زفر فقال بقول الجمهور الا أنه قال يتخير بين صاع تمر أو نصف صاع بر
وكذا قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف في رواية الا أنهما قالا لا يتعين صاع التمر بل قيمته وفى رواية
عن مالك وبعض الشافعية كذلك لكن قالوا يتعين قوت البلد قياسا على زكاة الفطر وحكى
البغوي أن لا خلاف في المذهب أنهما لو تراضيا بغير التمر من قوت أو غيره كفى وأثبت ابن كج
الخلاف في ذلك وحكى الماوردي وجهين فيما إذا عجز عن التمر هل تلزمه قيمته ببلده أو بأقرب
البلاد التي فيها التمر إليه وبالثاني قال الحنابلة واعتذر الحنفية عن الاخذ بحديث المصراة
باعذار شتى فمنهم من طعن في الحديث لكونه من رواية أبي هريرة ولم يكن كابن مسعود وغيره
من فقهاء الصحابة فلا يؤخذ بما رواه مخالفا للقياس الجلي وهو كلام آذى قائله به نفسه
وفى حكايته غنى عن تكلف الرد عليه وقد ترك أبو حنيفة القياس الجلي لرواية أبي هريرة وأمثاله
كما في الوضوء بنبيذ التمر ومن القهقهة في الصلاة وغير ذلك وأظن أن لهذه النكتة أورد البخاري
حديث ابن مسعود عقب حديث أبي هريرة إشارة منه إلى أن ابن مسعود قد أفتى بوفق حديث أبي
هريرة فلولا ان خبر أبي هريرة في ذلك ثابت لما خالف ابن مسعود القياس الجلي في ذلك وقال
ابن السمعاني في الاصطلام التعرض إلى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله بل هو بدعة
وضلالة وقد اختص أبو هريرة بمزيد من الحفظ لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له يعنى المتقدم
في كتاب العلم وفى أول البيوع أيضا وفيه قوله إن اخوانى من المهاجرين كان يشغلهم الصفق
بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا الحديث ثم
مع ذلك لم ينفرد أبو هريرة برواية هذا الأصل فقد أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر وأخرجه
305

الطبراني من وجه آخر عنه وأبو يعلى من حديث أنس وأخرجه البيهقي في الخلافيات من
حديث عمرو بن عوف المزنى وأخرجه أحمد من رواية رجل من الصحابة لم يسم وقال ابن عبد البر
هذا الحديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل واعتل من لم يأخذ به بأشياء لا حقيقة لها
ومنهم من قال هو حديث مضطرب لذكر التمر فيه تارة والقمح أخرى واللبن أخرى واعتباره بالصاع
تارة وبالمثل أو المثلين تارة وبالاناء أخرى والجواب ان الطرق الصحيحة لا اختلاف فيها كما
تقدم والضعيف لا يعل به الصحيح ومنهم من قال هو معارض لعموم القرآن كقوله تعالى وان
عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به وأجيب بأنه من ضمان المتلفات لا العقوبات والمتلفات تضمن
بالمثل وبغير المثل ومنهم من قال هو منسوخ وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال ولا دلالة على
النسخ مع مدعيه لانهم اختلفوا في الناسخ فقيل حديث النهى عن بيع الدين بالدين وهو حديث
أخرجه ابن ماجة وغيره من حديث ابن عمر ووجه الدلالة منه أن لبن المصراة يصير دينا في
ذمة المشتري فإذا ألزم بصاع من تمر نسيئة صار دينا بدين وهذا جواب الطحاوي وتعقب بأن
الحديث ضعيف باتفاق المحدثين وعلى التنزل فالتمر انما شرع في مقابل الحلب سواء كان اللبن
موجودا أو غير موجود فلم يتعين في كونه من الدين بالدين وقيل ناسخه حديث الخراج بالضمان
وهو حديث أخرجه أصحاب السنن عن عائشة ووجهه الدلالة منه أن اللبن فضلة من فضلات
الشاة ولو هلكت لكان من ضمان المشترى فكذلك فضلاتها تكون له فكيف يغرم بدلها للبائع
حكاه الطحاوي أيضا وتعقب بان حديث المصراة أصح منه باتفاق فكيف يقدم المرجوح
على الراجح ودعوى كونه بعده لا دليل عليها وعلى التنزل فالمشترى لم يؤمر بغرامة ما حدث في
ملكه بل بغرامة اللبن الذي ورد عليه العقد ولم يدخل في العقد فليس بين الحديثين على هذا
تعارض وقيل ناسخه الأحاديث الواردة في رفع العقوبة بالمال وقد كانت مشروعة قبل ذلك
كما في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده في مانع الزكاة فانا آخذوها وشطر ماله
وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في الذي يسرق من الجرين يغرم مثليه وكلاهما
في السنن وهذا جواب عيسى بن أبان فحديث المصراة من هذا القبيل وهى كلها منسوخة
وتعقبه الطحاوي بأن التصرية انما وجدت من البائع فلو كان من ذلك الباب للزمه التغريم
والفرض أن حديث المصراة يقتضى تغريم المشترى فافترقا ومنهم من قال ناسخه حديث
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وهذا جواب محمد بن شجاع ووجه الدلالة منه أن الفرقة تقطع
الخيار فثبت أن لا خيار بعدها الا لمن استثناه الفاء بقوله الا بيع الخيار وتعقبه الطحاوي
بأن الخيار الذي في المصراة من خيار الرد بالعيب وخيار الرد بالعيب لا تقطعه الفرقة ومن الغريب
أنهم لا يقولون بخيار المجلس ثم يحتجون به فيما لم يرد فيه ومنهم من قال هو خبر واحد لا يفيد
الا الظن وهو مخالف لقياس الأصول المقطوع به فلا يلزم العمل به وتعقب بأن التوقف في خبر
الواحد انما هو في مخالفة الأصول لا في مخالفة قياس الأصول وهذا الخبر انما خالف قياس
الأصول بدليل أن الأصول الكتاب والسنة والاجماع والقياس والكتاب والسنة في الحقيقة
هما الأصل والآخران مردودان إليهما فالسنة أصل والقياس فرع فكيف يرد الأصل
بالفرع بل الحديث الصحيح أصل بنفسه فكيف يقال إن الأصل يخالف نفسه وعلى
306

تقدير التسليم يكون قياس الأصول يفيد القطع وخبر الواحد لا يفيد الا الظن فتناول الأصل
لا يخالف هذا الخبر الواحد غير مقطوع به لجواز استثناء محله عن ذلك الأصل قال ابن دقيق العيد
وهذا أقوى متمسك به في الرد على هذا المقام وقال ابن السمعاني متى ثبت الخبر صار أصلا من
الأصول ولا يحتاج إلى عرضه على أصل آخر لأنه ان وافقه فذاك وان خالفه فلا يجوز رد أحدهما
لأنه رد للخبر بالقياس وهو مردود باتفاق فان السنة مقدمة على القياس بلا خلاف إلى أن قال
والأولى عندي في هذه المسئلة تسليم الأقيسة لكنها ليست لازمة لان السنة الثابتة مقدمة عليها
والله تعالى أعلم وعلى تقدير التنزل فلا نسلم أنه مخالف لقياس الأصول لان الذي ادعوه عليه من
المخالفة بينوها بأوجه أحدها أن المعلوم من الأصول أن ضمان المثليات بالمثل والمتقومات بالقيمة
وههنا إن كان اللبن مثليا فليضمن باللبن وإن كان متقوما فليضمن بأحد النقدين وقد وقع هنا
مضمونا بالتمر فخالف الأصل والجواب منع الحصر فان الحر يضمن في ديته بالإبل وليست مثلا له
ولا قيمة وأيضا فضمان المثل بالمثل ليس مطردا فقد يضمن المثل بالقيمة إذا تعذرت المماثلة كمن
أتلف شاة لبونا كان عليه قيمتها ولا يجعل بإزاء لبنها لبنا آخر لتعذر المماثلة ثانيها أن القواعد
تقتضى أن يكون المضمون مقدر الضمان بقدر التالف وذلك مختلف وقد قدر هنا بمقدار واحد
وهو الصاع فخرج عن القياس والجواب منع التعميم في المضمونات كالموضحة فأرشها مقدر مع
اختلافها بالكبر والصغر والغرة مقدرة في الجنين مع اختلافه والحكمة في ذلك ان كل ما يقع فيه
التنازع فليقدر بشئ معين لقطع التشاجر وتقدم هذه المصلحة على تلك القاعدة فان اللبن الحادث
بعد العقد اختلط باللبن الموجود وقت العقد فلم يعرف مقداره حتى يوجب نظيره على المشترى ولو
عرف مقداره فوكل إلى تقديرهما أو تقدير أحدهما لأفضى إلى النزاع والخصام فقطع الشارع
النزاع والخصام وقدره بحد لا يتعديانه فصلا للخصومة وكان تقديره بالتمر أقرب الأشياء إلى اللبن
فإنه كان قوتهم إذ ذاك كاللبن وهو مكيل كاللبن ومقتات فاشتركا في كون كل واحد منهما
مطعوما مقتاتا مكيلا واشتركا أيضا في أن كلا منهما يقتات به بغير صنعة ولا علاج ثالثها أن
اللبن التالف إن كان موجودا عند العقد فقد ذهب جزء من المعقود عليه من أصل الخلقة وذلك
مانع من الرد فقد حدث على ملك المشتري فلا يضمنه وإن كان مختلطا فما كان منه موجودا عند
العقد وما كان حادثا لم يجب ضمانه والجواب أن يقال انما يمتنع الرد بالنقص إذا لم يكن
لاستعلام عقب والا فلا يمتنع وهنا كذلك رابعها أنه خالف الأصول في جعل الخيار فيه
ثلاثا مع أن خيار عقب لا يقدر بالثلاث وكذا خيار المجلس عند من يقول به وخيار الرؤية عند
من يثبته والجواب بأن حكم المصراة انفرد بأصله عن مماثلة فلا يستغرب أن ينفرد بوصف زائد
على غيره والحكمة فيه أن هذه المدة هي التي يتبين بها لبن الخلقة من اللبن المجتمع بالتدليس غالبا
فشرعت لاستعلام العيب بخلاف خيار الرؤية والعيب فلا يتوقف على مدة وأما خيار المجلس
فليس لاستعلام العيب فظهر الفرق بين الخيار في المصراة وغيرها خامسها أنه يلزم من الاخذ به
الجمع بين العوض والمعوض فيما إذا كانت قيمة الشاة صاعا من تمر فإنها ترجع إليه من الصاع
الذي هو مقدار ثمنها والجواب أن التمر عوض عن اللبن لا عن الشاة فلا يلزم ما ذكروه سادسها
أنه مخالف لقاعدة الربا فيما إذا اشترى شاة بصاع فإذا استرد معها صاعا فقد استرجع الصاع الذي
307

هو الثمن فيكون قد باع شاة وصاعا بصاع والجواب أن الربا انما يعتبر في العقود لا الفسوخ
بدليل أنهما لو تبايعا ذهبا بفضة لم يجز أن يتفرقا قبل القبض فلو تقايلا في هذا العقد بعينه جاز
التفرق قبل القبض سابعها أنه يلزم منه ضمان الأعيان مع بقائها فيما إذا كان اللبن موجودا
والأعيان لا تضمن بالبدل الا مع فواتها كالمغصوب والجواب ان اللبن وإن كان موجودا لكنه
تعذر رده لاختلاطه باللبن الحادث بعد العقد وتعذر تمييزه فأشبه الآبق بعد الغصب فإنه يضمن
قيمته مع بقاء عينه لتعذر الرد ثامنها أنه يلزم منه اثبات الرد بغير عيب ولا شرط أما الشرط فلم
يوجد وأما العيب فنقصان اللبن لو كان عيبا لثبت به الرد من غير تصرية والجواب أن
الخيار يثبت بالتدليس كمن باع رحى دائرة بما جمعه لها بغير علم المشترى فإذا اطلع عليه المشترى
كان له الرد وأيضا فالمشترى لما رأى ضرعا مملوءا لبنا ظن أنه عادة لها فكان البائع شرط له ذلك
فتبين الامر بخلافه فثبت له الرد لفقد الشرط المعنوي لان البائع يظهر صفة المبيع تارة بقوله
وتارة بفعله فإذا أظهر المشترى على صفة فبأن الامر بخلافها كان قد دلس عليه فشرع له
الخيار وهذا هو محض القياس ومقتضى العدل فان المشترى انما بدل ماله بناء على الصفة التي
أظهرها له البائع وقد أثبت الشارع خيار للركبان إذا تلقوا واشترى منهم قبل أن يهبطوا إلى
السوق ويعلموا السعر وليس هناك عيب ولا خلف في شرط ولكن لما فيه من الغش والتدليس
ومنهم من قال الحديث صحيح لا اضطراب فيه ولا علة ولا نسخ وانما هو محمول على صورة
مخصوصة وهو ما إذا اشترى شاة بشرط أنها تحلب مثلا خمسة أرطال وشرط فيها الخيار فالشرط
فاسد فان اتفقا على اسقاطه في مدة الخيار صح العقد وان لم يتفقا بطل العقد ووجب رد الصاع
من التمر لأنه كان قيمة اللبن يومئذ وتعقب بأن الحديث ظاهر في تعليق الحكم بالتصرية
وما ذكره هذا القائل يقتضى تعليقه بفساد الشرط سواء وجدت التصرية أم لا فهو تأويل
متعسف وأيضا فلفظ الحديث لفظ عموم وما ادعوه على تقدير تسليمه فرد من افراد ذلك العموم
فيحتاج من ادعى قصر العموم عليه الدليل على ذلك ولا وجود له قال ابن عبد البر هذا الحديث
أصل في النهى عن الغش وأصل في ثبوت الخيار لمن دلس عليه بعيب وأصل في أنه لا يفسد أصل
البيع وأصل في أن مدة الخيار ثلاثة أيام وأصل في تحريم التصرية وثبوت الخيار بها وقد روى
أحمد وابن ماجة عن ابن مسعود مرفوعا بيع المحفلات خلابة ولا تحل الخلابة لمسلم وفى اسناده
ضعف وقد رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق موقوفا باسناد صحيح وروى ابن أبي شيبة من طريق
قيس بن أبي حازم قال كان يقال التصرية خلابة واسناده صحيح واختلف القائلون به في أشياء
منها لو كان عالما بالتصرية هل يثبت له الخيار فيه وجه للشافعية ويرجح أنه لا يثبت رواية
عكرمة عن أبي هريرة في هذا الحديث عند الطحاوي فان لفظه من اشترى مصراة ولم يعلم أنها
مصراة الحديث ولو صار لبن المصراة عادة واستمر على كثرته هل له الرد فيه وجه لهم أيضا خلافا
للحنابلة في المسئلتين ومنها لو تحفلت بنفسها أو صرها المالك لنفسه ثم بدا له فباعها فهل
يثبت ذلك الحكم فيه خلاف فمن نظر إلى المعنى أثبته لان العيب مثبت للخيار ولا يشترط فيه
تدليس للبائع ومن نظر إلى أن حكم التصرية خارج عن القياس خصه بمورده وهو حالة العمد
فان النهى انما تناولها فقط ومنها لو كان الضرع مملوءا لحما وظنه المشترى لبنا فاشتراها على ذلك
308

ثم ظهر له أنه لحم هل يثبت له الخيار فيه وجهان حكاهما بعض المالكية ومنها لو اشترى غير
مصراة ثم اطلع على عيب بها بعد حلبها فقد نص الشافعي على جواز الرد مجانا لأنه قليل غير معتنى
بجمعه وقيل يرد بدل اللبن كالمصراة وقال البغوي يرد صاعا من تمر (قوله حدثنا مسدد حدثنا
معتمر) سيأتي في باب النهى عن تلقى الركبان بعد سبعة أبواب عن مسدد عن يزيد بن زريع
وكأن الحديث عند مسدد عن شيخين فذكره المصنف عنه في موضعين وسياقه عن معتمر أتم
(قوله سمعت أبي) هو سليمان التيمي وأبو عثمان هو النهدي ورجال الاسناد بصريون سوى
الصحابي (قوله قال من اشترى شاة محفلة فردها فليرد معها صاعا من تمر ونهى النبي صلى الله عليه
وسلم أن تلقى البيوع) هكذا رواه الأكثر عن معتمر بن سليمان موقوفا وأخرجه الإسماعيلي
من طريق عبيد الله بن معاذ عن معتمر مرفوعا وذكر أن رفعه غلط ورواه أكثر أصحاب سليمان
عنه كما هنا حديث المحفلة موقوف من كلام ابن مسعود وحديث النهى عن التلقي مرفوع
وخالفهم أبو خالد الأحمر عن سليمان التيمي فرواه بهذا الاسناد مرفوعا أخرجه الإسماعيلي
وأشار إلى وهمه أيضا (قوله فردها) أي أراد ردها بقرينة قوله فليرد معها عملا بحقيقة المعية
أو تحمل المعية على البعدية فلا يحتاج الرد إلى تأويل وقد وردت مع بمعنى البعدية كقوله تعالى
وأسلمت مع سليمان الآية (قوله في رواية مالك لا تلقوا الركبان) يأتي الكلام عليه بعد أبواب
وعلى بيع الحاضر للبادي قريبا ومضى الكلام على البيع وعلى النجش ومضى الكلام على
التصرية بما يغنى عن اعادته * (قوله باب ان شاء رد المصراة وفى حلبتها) بسكون
اللام على أنه اسم الفعل ويجوز الفتح على إرادة المحلوب وظاهره أن التمر مقابل للحلبة وزعم
ابن حزم أن التمر في مقابلة الحلب لا في مقابلة اللبن لان الحلبة حقيقة في الحلب مجاز في اللبن
والحمل على الحقيقة أولى فلذلك قال يجب رد التمر واللبن معا وشذ بذلك عن الجمهور (قوله
حدثنا محمد بن عمرو) كذا للأكثر غير منسوب ووقع في رواية عبد الرحمن الهمداني عن
المستملى محمد بن عمرو بن جبلة وكذا قال أبو أحمد الجرجاني في روايته عن الفربري وفى رواية
أبى علي بن شبويه عن الفربري حدثنا محمد بن عمرو يعنى ابن جبلة وأهمله الباقون وجزم
الدارقطني بأنه محمد بن عمرو أبو غسان الرازي المعروف بزنيج وجزم الحاكم والكلا بأذى بأنه محمد بن
عمرو السواق البلخي والأول أولى والله أعلم (قوله حدثنا المكي) هو ابن إبراهيم وهو من مشايخ
البخاري وستأتى روايته عنه بلا واسطة في باب لا يشترى حاضر لباد (قوله أخبرني زياد) هو
ابن سعد الخراساني (قوله أن ثابتا) هو ابن عياض وعبد الرحمن بن زيد مولاه من فوق أي ابن
الخطاب (قوله من اشترى غنما مصراة فاحتلبها) ظاهره أن صاع التمر متوقف على الحلب كما
تقدم (قوله ففي حلبتها صاع من تمر) ظاهره أن صاع التمر في مقابل
المصراة سواء كانت واحدة
أو أكثر لقوله من اشترى غنما ثم قال ففي حلبتها صاع من تمر ونقله ابن عبد البر عمن استعمل
الحديث وابن بطال عن أكثر العلماء وابن قدامة عن الشافعية والحنابلة وعن أكثر المالكية
يرد عن كل واحدة صاعا حتى قال المازري من المستبشع أن يغرم متلف لبن ألف شاة كما يغرم
متلف لبن شاة واحدة وأجيب بان ذلك مغتفر بالنسبة إلى ما تقدم من أن الحكمة في اعتبار
الصاع قطع النزاع فجعل حدا يرجع إليه عند التخاصم فاستوى القليل والكثير ومن المعلوم
309

أن لبن الشاة الواحدة أو الناقة الواحدة يختلف اختلافا متباينا ومع ذلك فالمعتبر الصاع سواء
قل اللبن أم كثر فكذلك هو معتبر سواء قلت المصراة أو كثرت والله تعالى أعلم * (قوله باب
بيع العبد الزاني) أي جوازه مع بيان عيبه (قوله وقال شريح ان شاء رد من الزنا) وصله
سعيد بن منصور ومن طريق ابن سيرين أن رجلا اشترى من رجل جارية كانت فجرت ولم يعلم بذلك
المشترى فخاصمه إلى شريح فقال إن شاء رد من الزنا واسناده صحيح ثم أورد المصنف في الباب
حديث إذا زنت الأمة فليجلدها الحديث أورده من الوجهين وشاهد الترجمة منه قوله في آخره
فليبعها ولو بحبل من شعر فإنه يدل على جواز بيع الزاني ويشعر بان الزنا عيب في المبيع لقوله
ولو بحبل من شعر وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى قال ابن
بطال فائدة الامر ببيع الأمة الزانية المبالغة في تقبيح فعلها والاعلام بان الأمة الزانية لا جزاء
لها الا البيع ابدا وأنها لا تبقى عند سيد زجرا لها عن معاودة الزنا ولعل ذلك يكون سببا
لاعفافها اما أن يتزوجها المشترى أو يعفها بنفسه أو يصونها بهيبته * (قوله باب
الشراء والبيع مع النساء) أورد في حديث عائشة وابن عمر في قصة شراء بريرة وسيأتى الكلام
عليه مستوفى في الشروط إن شاء الله تعالى وشاهد الترجمة منه قوله ما بال رجال يشترطون
شروطا ليست في كتاب الله لاشعاره بان قصة المبايعة كانت مع رجال وكان الكلام في هذا
مع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقوله في آخر حديث ابن عمر قلت لنافع الخ هو قول
همام الراوي عنه وسيأتى ذكر الاختلاف في زوج بريرة هل كان حرا أو عبدا في كتاب النكاح
إن شاء الله تعالى وحسان أول السند وقع عند المستملى ابن أبي عباد وعند غيره حسان بن
حسان وهما واحد * (قوله باب هل يبيع حاضر لباد بغير أجر وهل يعينه
أو ينصحه) قال ابن المنير وغيره حمل المصنف النهى عن بيع الحاضر للبادي على معنى خاص وهو
البيع بالاجر أخذا من تفسير ابن عباس وقوى ذلك بعموم أحاديث الدين النصيحة لان الذي
يبيع بالاجرة لا يكون غرضه نصح البائع غالبا وانما غرضه تحصيل الأجرة فاقتضى ذلك اجازة
بيع الحاضر للبادي بغير اجرة من باب النصيحة (قلت) ويؤيده ما سيأتي في بعض طرق الحديث
المعلق أول أحاديث الباب وكذلك ما أخرجه أبو داود من طريق سالم المكي أن أعرابيا حدثه
أنه قدم بحلوبة له على طلحة بن عبيد الله فقال له ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع
حاضر لباد ولكن اذهب إلى السوق فانظر من يبايعك فشاورني حتى آمرك وأنهاك (قوله
وقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له) هو طرف من حديث وصله
أحمد من حديث عطاء بن السائب عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه حدثني أبي قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإذا استنصح الرجل الرجل فلينصح
له ورواه البيهقي من طريق عبد الملك بن عمير عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا مثله وقد أخرجه
310

مسلم من طريق أبى خيثمة عن أبي الزبير بلفظ لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم
من بعض (قوله ورخص فيه عطاء) أي في بيع الحاضر للبادي وصله عبد الرزاق عن الثوري
عن عبد الله بن عثمان أي ابن خثيم عن عطاء بن أبي رباح قال سألته عن أعرابي أبيع له فرخص
لي وأما ما رواه سعيد بن منصور من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال انما نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد لأنه أراد أن يصيب المسلمون غرتهم فأما اليوم فلا بأس فقال
عطاء لا يصلح اليوم فقال مجاهد ما أرى أبا محمد الا لو أتاه ظئر له من أهل البادية الا سيبيع له
فالجمع بين الروايتين عن عطاء أن يحمل قوله هذا على كراهة التنزيه ولهذا نسب إليه مجاهد
ما نسب وأخذ بقول مجاهد في ذلك أبو حنيفة وتمسكوا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم
الدين النصيحة وزعموا أنه ناسخ لحديث النهى وحمل الجمهور حديث الدين النصيحة على عمومه
الا في بيع الحاضر للبادئ فهو خاص فيقضى على العام والنسخ لا يثبت بالاحتمال وجمع البخاري
بينهما بتخصيص النهى بمن يبيع له بالاجرة كالسمسار وأما من ينصحه فيعلمه بأن السعر كذا
مثلا فلا يدخل في النهى عنده والله أعلم ثم أورد المصنف في الباب حديثين * أحدهما حديث
جرير في النصح لكل مسلم وقد تقدم في الكلام عليه في آخر كتاب الايمان * والثاني حديث ابن عباس
(قوله حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد (قوله لا تلقوا الركبان) زاد الكشميهني في روايته
للبيع وسيأتى الكلام عليه قريبا (قوله لا يكون له سمسارا) بمهملتين هو في الأصل القيم بالامر
والحافظ له ثم استعمل في متولى البيع والشراء لغيره وفى هذا التفسير تعقب على من فسر الحاضر
بالبادى بأن المراد نهى الحاضر أن يبيع للبادي في زمن الغلاء شيئا يحتاج إليه أهل البلد فهذا
مذكور في كتب الحنفية وقال غيرهم صورته أن يجئ البلد غريب بسلعته يريد بيعها بسعر
الوقت في الحال فيأتيه بلدي فيقول له ضعه عندي لأبيعه لك على التدريج باغلى من هذا السعر
فجعلوا الحكم منوطا بالبادى ومن شاركه في معناه قال وانما ذكر البادئ في الحديث لكونه
الغالب فألحق به من يشاركه في عدم معرفة السعر الحاضر واضرار أهل البلد بالإشارة عليه بان
لا يبادر بالبيع وهذا تفسير الشافعية والحنابلة وجعل المالكية البداوة قيدا وعن مالك
لا يلتحق بالدوى في ذلك الا من كان يشبهه قال فاما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع
والأسواق فليسوا داخلين في ذلك قال ابن المنذر اختلفوا في هذا النهى فالجمهور أنه على التحريم
بشرط العلم بالنهى وأن يكون المتاع المجلوب مما يحتاج إليه وان يعرض الحضري ذلك على
البدوي فلو عرضه البدوي على الحضري لم يمنع وزاد بعض الشافعية عمود الحاجة وان يظهر
يبيع ذلك السماع السعة في تلك البلد قال ابن دقيق العيد أكثر هذه الشروط تدور بين اتباع
المعنى أو اللفظ والذي ينبغي ان ينظر في المعنى إلى الظهور والخفاء فحيث يظهر يخصص النص
أو يعمم وحيث يخفى فاتباع اللفظ أولى فاما اشتراط أن يلتمس البلدي ذلك فلا يقوى لعدم دلالة
اللفظ عليه وعدم ظهور المعنى فيه فان الضرر الذي علل به النهى لا يفترق الحال فيه بين سؤال
البلدي وعدمه وأما اشتراط أن يكون الطعام مما تدعو الحاجة إليه فمتوسط بين الظهور وعدمه
وأما اشتراط ظهور السعة فكذلك أيضا لاحتمال أن يكون المقصود مجرد تفويت الربح والرزق
على أهل البلد وأما اشتراط العلم بالنهى فلا اشكال فيه وقال السبكي شرط حاجة الناس إليه
311

معتبر ولم يذكر جماعة عمومها وانما ذكره الرافعي تبعا للبغوي ويحتاج إلى دليل واختلفوا أيضا
فيما إذا وقع البيع مع وجود الشروط المذكورة هل يصح مع التحريم أو لا يصح على القاعدة
المشهورة * (قوله باب من كره أن يبيع حاضر لباد بأجر) وبه قال ابن عباس أي
حيث فسر ذلك بالسمسار كما في الحديث الذي قبله (قوله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يبيع حاضر لباد) كذا أورده من حديث ابن عمر ليس فيه التقييد بالاجر كما في الترجمة قال ابن
بطال أراد المصنف أن بيع الحاضر للبادي لا يجوز بأجر ويجوز بغير أجر واستدل على ذلك
بقول ابن عباس وكأنه قيد به مطلق حديث ابن عمر قال وقد أجاز الأوزاعي أن يشير الحاضر على
البادئ وقال ليست الإشارة بيعا وعن الليث وأبي حنيفة لا يشير عليه لأنه إذا أشار عليه فقد
باعه وعند الشافعية في ذلك وجهان والراجح منهما الجواز لأنه انما نهى عن البيع له وليست
الإشارة بيعا وقد ورد الامر بنصحه فدل على جواز الإشارة * (تنبيه) * حديث ابن عمر فرد غريب
لم أره الا من رواية أبى على الحنفي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وقد ضاق مخرجه على
الإسماعيلي وعلى أبى نعيم فلم يخرجاه الا من طريق البخاري وله أصل من حديث ابن عمر أخرجه
الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر وليس هو في الموطأ قال البيهقي عدوه في أفراد الشافعي
وقد تابعه القعنبي عن مالك ثم ساقه باسنادين إلى القعنبي * (قوله باب لا يشترى حاضر
لباد بالسمسرة) أي قياسا على البيع له أو استعمالا للفظ البيع في البيع والشراء قال ابن حبيب
المالكي الشراء للبادي مثل البيع ولقوله عليه الصلاة والسلام لا يبيع بعضكم على بعض فان
معناه الشراء وعن مالك في ذلك روايتان (قوله وكرهه ابن سيرين وإبراهيم للبائع والمشترى)
أما قول ابن سيرين فوصله أبو عوانة في صحيحه من طريق سلمة بن علقمة عن ابن سيرين قال لقيت
أنس بن مالك فقلت لا يبيع حاضر لباد أنهيتم ان تبيعوا أو تبتاعوا لهم قال نعم قال محمد وصدق
انها كلمة جامعة وقد أخرجه أبو داود من طريق أبى بلال عن ابن سيرين عن أنس بلفظ كان يقال
لا يبيع حاضر لباد وهى كلمة جامعة لا يبيع له شيئا ولا يبتاع له شيئا وأما إبراهيم فهو النخعي فلم أقف
عنه كذلك صريحا (قوله قال إبراهيم ان العرب تقول بع لي ثوبا وهى تعنى الشراء هذا قاله
إبراهيم استدلالا لما ذهب إليه من التسوية بين البيع والشراء في الكراهة ثم ذكر المصنف في
الباب حديثين * أحدهما حديث أبي هريرة (قوله عن ابن شهاب) في رواية الإسماعيلي من
طريق أبى عاصم عن أبي جريج أخبرني ابن شهاب (قوله لا يبتع المرء) كذا للأكثر وللكشميهني
لا يبتاع وهو خبر بمعنى النهى وقد تقدم البحث فيه قبل بأبواب وكذا على قوله لا تناجشوا * ثانيهما
حديث أنس (قوله عن محمد) هو ابن سيرين (قوله نهينا أن يبيع حاضر لباد) زاد مسلم والنسائي
من طريق يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن أنس وإن كان أخاه أو أباه ورواه أبو داود والنسائي
من وجه آخر عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وعرف
بهذه الرواية أن الناهي المبهم في الرواية الأولى هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقوى المذهب
الصحيح ان لقول الصحابي نهينا عن كذا حكم الرفع وانه في قوة قوله قال النبي صلى الله عليه
وسلم * (قوله باب النهى عن تلقى الركبان وأن بيعه مردود لان صاحبه عاص آثم إذا
كان به عالما وهو خداع في البيع والخداع لا يجوز) جزم المصنف بان البيع مردود بناء على أن
312

النهى يقتضى الفساد لكن محل ذلك عند المحققين فيما يرجع إلى ذات المنهى عنه لا ما إذا كان
يرجع إلى أمر خارج عنه فيصح البيع ويثبت الخيار بشرطه الآتي ذكره وأما كون صاحبه
عاصيا آثما والاستدلال عليه بكونه خداعا فصحيح ولكن لا يلزم من ذلك ان يكون البيع
مردود لان النهى لا يرجع إلى نفس العقد ولا يخل بشئ من أركانه وشرائطه وانما هو لدفع
الاضرار بالركبان والقول ببطلان البيع صار إليه بعض المالكية وبعض الحنابلة ويمكن أن
يحمل قول البخاري ان البيع مردود على ما إذا اختار البائع رده فلا يخالف الراجح وقد تعقبه
الإسماعيلي وألزمه التناقض ببيع المصراة فان فيه خداعا ومع ذلك لم يبطل البيع وبكونه
فصل في بيع الحاضر للبادي بين أن يبيع له باجر أو بغير أجر واستدل عليه أيضا بحديث حكيم
ابن حزام الماضي في بيع الخيار ففيه فان كذبا وكتما محقت بركة بيعهما قال فلم يبطل بيعهما
بالكذب والكتمان للعيب وقد ورد باسناد صحيح ان صاحب السلعة إذا باعها لمن تلقاه يصير
بالخيار إذا دخل السوق ثم ساقه من حديث أبي هريرة قال ابن المنذر أجاز أبو حنيفة التلقي
وكرهه الجمهور (قلت) الذي في كتب الحنفية يكره التلقي في حالتين أن يضر بأهل البلد وان
يلتبس السعر على الواردين ثم اختلفوا فقال الشافعي من تلقاء فقد أساء وصاحب السلعة
بالخيار وحجته حديث أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
تلقى الجلب فان تلقاه فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق (قلت) وهو حديث أخرجه أبو
داود والترمذي وصححه ابن خزيمة من طريق أيوب أخرجه مسلم من طريق هشام عن ابن
سيرين بلفظ لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار وقوله فهو
بالخيار أي إذا قدم السوق بعدم السعر وهل يثبت له مطلقا أو بشرط أن يقع له في البيع غبن
وجهان أصحهما الأول وبه قال الحنابلة وظاهره أيضا أن النهى لأجل منفعة البائع وإزالة
الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه قال ابن المنذر وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب
السلعة والى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي قال والحديث حجة للشافعي لأنه أثبت الخيار
للبائع لا لأهل السوق انتهى واحتج مالك بحديث ابن عمر المذكور في آخر الباب وسيأتى الكلام
على ذلك وقد ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث * أولها حديث أبي هريرة (قوله حدثنا
عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد الثقفي (قوله عن سعيد بن أبي سعيد) هو المقبري (قوله عن
التلقي) ظاهره منع التلقي مطلقا سواء كان قريبا أم بعيدا سواء كان لأجل الشراء منهم أم لا
وسيأتي البحث فيه * ثانيها حديث ابن عباس (قوله حدثنا عبد الاعلى) هو ابن عبد الاعلى
(قوله سألت ابن عباس) كذا رواه مختصرا وليس فيه للتلقي ذكر وكأنه أشار على عادته إلى أصل
الحديث فقد سبق قبل بابين من وجه آخر عن معمر وفى أوله لا تلقوا الركبان وكذا أخرجه مسلم
من وجه آخر عن معمر والقول في حديث ابن عباس كالقول في حديث أبي هريرة وقوله
لا تلقوا الركبان خرج مخرج الغالب في أن من يجلب الطعام يكونون عددا ركبانا ولا مفهوم له
بل لو كان الجالب عددا مشاة أو واحدا راكبا أو ماشيا لم يختلف الحكم وقوله للبيع يشمل
البيع لهم والبيع منهم ويفهم منه اشتراط قصد ذلك بالتلقي فلو تلقى الركبان أحد للسلام
أو الفرجة أو خرج لحاجة له فوجدهم فبايعهم هل يتناوله النهى فيه احتمال فمن نظر إلى المعنى
لم يفترق عنده الحكم بذلك وهو الأصح عند الشافعية وشرط بعض الشافعية في النهى أن يبتدئ
313

المتلقى فيطلب من الجالب البيع فلو ابتدأ الجالب بطلب البيع فاشترى منه المتلقى لم يدخل في
النهى وذكر امام الحرمين في صورة التلقي المحرم أن يكذب في سعر البلد ويشترى منهم بأقل من
ثمن المثل وذكر المتولى فيها أن يخبرهم بكثرة المؤنة عليهم في الدخول وذكر أبو إسحاق الشيرازي
أن يخبرهم بكساد ما معهم ليغبنهم وقد يؤخذ من هذه التقييدات اثبات الخيار لمن وقعت له ولو لم
يكن هناك تلقى لكن صرح الشافعية أن كون اخباره كذبا ليس شرطا لثبوت الخيار وانما
يثبت له الخيار إذا ظهر الغبن فهو المعتبر وجودا وعدما * ثالثها حديث ابن مسعود وقد مضى
الكلام عليه في المصراة والغرض منه هنا قوله ونهى عن تلقى البيوع فإنه يقتضى تقييد النهى
المطلق في التلقي بما إذا كان لأجل المبايعة * رابعها حديث ابن عمر وسيأتى الكلام عليه في الباب
الذي بعده فدلت الطريقة الثالثة وهى في الباب الذي يليه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع
ان الوصول إلى أول السوق لا يلقى حتى يدخل السوق والى هذا ذهب أحمد واسحق وابن المنذر
وغيرهم وصرح جماعة من الشافعية بان منتهى النهى عن التلقي لا يدخل البلد سواء وصل
إلى السوق أم لا وعند المالكية في ذلك اختلاف كثير في حد التلقي (قوله ولا تلقوا السلع)
بفتح أوله واللام وتشديد القاف المفتوحة وضم الواو أي تتلقوا فحذفت إحدى التاءين ثم إن
مطلق النهى عن التلقي يتناول المريض المسافة وقصرها وهو ظاهر اطلاق الشافعية وقيد
المالكية محل النهى بحد مخصوص ثم اختلفوا فيه فقيل ميل وقيل فرسخان وقيل يومان وقيل
مسافة القصر وهو قول الثوري وأما ابتداؤها فسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده
* (قوله باب منتهى التلقي) أي وابتدائه وقد ذكرنا أن الظاهر أنه لا حد لانتهائه
من جهة الجالب وأما من جهة المتلقى فقد أشار المصنف بهذه الترجمة إلى أن ابتداءه الخروج
من السوق أخذا من قول الصحابي انهم كانوا يتبايعون بالطعام في أعلى السوق فيبيعونه في
مكانه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه ولم ينههم عن التبايع
في أعلى السوق فدل على أن التلقي إلى أعلى السوق جائز فان خرج عن السوق ولم يخرج من
البلد فقد صرح الشافعية بأنه لا يدخل في النهى وحد ابتداء التلقي عندهم الخروج من البلد
والمعنى فيه أنهم إذا قدموا البلد أمكنهم معرفة السعر وطلب الحظ لأنفسهم فإن لم يفعلوا ذلك
فهو من تقصيرهم وأما امكان معرفتهم ذلك قبل دخول البلد فنادر والمعروف عند المالكية
اعتبار السوق مطلقا كما هو ظاهر الحديث وهو قول أحمد واسحق وعن الليث كراهة التلقي ولو
في الطريق ولو على باب البيت حتى الخطبة السلعة السوق (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف
(قوله هذا في أعلى السوق) أي حديث جويرية عن نافع بلفظ كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم
الطعام الحديث قال البخاري وبينه حديث عبيد الله بن عمر يعنى عن نافع أي حيث قال كانوا
يتبايعون الطعام في أعلى السوق الحديث مثله وأراد البخاري بذلك الرد على من استدل به على
جواز تلقى الركبان لاطلاق قول ابن عمر كنا نتلقى الركبان ولا دلالة فيه لان معناه انهم كانوا
يتلقونهم في أعلى السوق كما في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع وقد صرح مالك في روايته عن نافع
بقوله ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها السوق فدل على أن التلقي الذي لم ينه عنه انما هو ما بلغ
السوق والحديث يفسر بعضه بعضا وادعى الطحاوي التعارض في هاتين الروايتين وجمع بينهما
بوقوع الضرر لأصحاب السلع وعدمه قال فيحمل حديث النهى على ما إذا حصل الضرر
314

وحديث الإباحة على ما إذا لم يحصل ولا يخفى رجحان الجمع الذي جمع به البخاري والله أعلم
* (تنبيه) * وقع قول البخاري هذا في أعلى السوق عقب رواية عبيد الله بن عمر في رواية أبي ذر
ووقع في رواية غيره عقب حديث جويرية وهو الصواب * (قوله باب إذا اشترط
في البيع شروطا لا تحل) أي هل يفسد البيع بذلك أم لا أورد فيه حديثي عائشة وابن عمر في قصة
بريرة وكأن غرضه بذلك أن النهى يقتضى الفساد فيصح ما ذهب إليه من أن النهى عن تلقى
الركبان يرد به البيع وسيأتى الكلام عليه في كتاب الشروط إن شاء الله تعالى * (قوله
باب بيع التمر بالتمر) أورد فيه حديث عمر مختصرا وسيأتى الكلام عليه بعد باب
* (قوله باب بيع الزبيب بالزبيب والطعام بالطعام) ذكر فيه حديث ابن عمر في
النهى عن المزابنة من طريقين وسيأتى الكلام عليه بعد خمسة أبواب وفى الطريق الثانية
حديث ابن عمر عن زيد بن ثابت في العرايا وسيأتى الكلام عليه بعد سبعة أبواب وذكر في الترجمة
الطعام بالطعام وليس في الحديث الذي ذكره للطعام ذكر وكذلك ذكر فيها الزبيب بالزبيب والذي
في الحديث الزبيب بالكرم قال الإسماعيلي لعله أخذ ذلك من جهة المعنى قال ولو ترجم للحديث
ببيع التمر في رؤس الشجر بمثله من جنسه يابسا لكان أولى انتهى ولم يخل البخاري بذلك كما سيأتي
بعد ستة أبواب وأما هنا فكأنه أشار إلى ما وقع في بعض طرقه من ذكر الطعام وهو في رواية الليث
عن نافع كما سيأتي إن شاء الله تعالى وروى مسلم من حديث معمر بن عبد الله مرفوعا الطعام
بالطعام مثلا بمثل * (قوله باب بيع الشعير بالشعير) أي ما حكمه (قوله أنه التمس
صرفا) بفتح الصاد المهملة أي من الدراهم بذهب كان معه وبين ذلك الليث في روايته عن ابن
شهاب ولفظه عن مالك بن أوس بن الحدثان قال أقبلت أقول من يصطرف الدراهم (قوله
فتراوضنا) بضاد معجمة أي تجارينا الكلام في قدر العوض بالزيادة والنقص كأن كلا منهما
كان يروض صاحبه ويسهل خلقه وقيل المراوضة هنا المواصفة بالسلعة وهو أن يصف كل
منهما سلعته لرفيقه (قوله فأخذ الذهب يقلبها) أي الذهبة والذهب يذكر ويؤنث فيقال ذهب
وذهبة أو يحمل على أنه ضمن الذهب معنى العدد المذكور وهو المائة فأنثه لذلك وفى رواية
الليث فقال طلحة إذا جاء خادمنا نعطيك ورقك ولم أقف على تسمية الخازن الذي أشار إليه طلحة
(قوله من الغابة) بالغين المعجمة وبعد الألف موحدة يأتي شرح أمرها في أواخر الجهاد في قصة
315

تركة الزبير بن العوام وكأن طلحة كان له بها مال من نخل وغيره وأشار إلى ذلك ابن عبد البر (قوله
حتى تأخذ منه) أي عوض الذهب في رواية الليث والله لتعطينه ورقه أو لتردن إليه ذهبه فان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره (قوله الذهب بالورق ربا) قال ابن عبد البر لم يختلف على
مالك فيه وحمله عنه الحفاظ حتى رواه يحيى بن أبي كثير عن الأوزاعي عن مالك وتابعه معمر والليث
وغيرهما كذلك رواه الحفاظ عن ابن عيينة وشذ أبو نعيم عنه فقال الذهب بالذهب وكذلك رواه
ابن إسحاق عن الزهري ويجوز في قوله الذهب بالورق الرفع أي بيع الذهب بالورق فحذف المضاف
للعلم به أو المعنى الذهب يباع بالذهب ويجوز النصب أي بيعوا الذهب والذهب يطلق على جميع
أنواعه المضروبة وغيرها والورق الفضة وهو بفتح الواو وكسر الراء وباسكانها على المشهور
ويجوز فتحهما وقيل بكسر الواو المضروبة وبفتحها المال والمراد هنا جميع أنواع الفضة مضروبة
وغير مضروبة (قوله الا هاء وهاء) بالمد فيهما وفتح الهمزة وقيل بالكسر وقيل بالسكون وحكى
القصر بغير همز وخطاها الخطابي ورد عليه النووي وقال هي صحيحة لكن قليلة والمعنى خذ وهات
وحكى هاك بزيادة كاف مكسورة ويقال هاء بكسر الهمزة بمعنى هات وبفتحها بمعنى خذ بغير
تنوين وقال ابن الأثير هاء وهاء هو أن يقول كل واحد من البيعين هاء فيعطيه ما في يده كالحديث
الآخر الا يدا بيد يعنى مقابضة في المجلس وقيل معناه خذ وأعط قال وغير الخطابي يجيز فيها
السكون على حذف العوض ويتنزل منزلة ها التي للتنبيه وقال ابن مالك ها اسم فعل بمعنى خذ
وان وقعت بعد الا فيجب تقدير قول قبله يكون به محكيا فكأنه قيل ولا الذهب بالذهب الا مقولا
عنده من المتبايعين هاء وهاء وقال الخليل كلمة تستعمل عند المناولة والمقصود من قوله هاء وهاء أن
يقول كل واحد من المتعاقدين لصاحبه هاء فيتقابضان في المجلس قال ابن مالك حقها أن لا تقع
بعد الا كما لا يقع بعدها خذ قال فالقدير لا تبيعوا الذهب بالورق الا مقولا بين المتعاقدين هاء وهاء
واستدل به على اشتراط التقابض في الصرف في المجلس وهو قول أبي حنيفة والشافعي وعن مالك
لا يجوز الصرف الا عند الايجاب بالكلام ولو انتقلا من ذلك الموضع إلى آخر لم يصح تقابضهما
ومذهبه أنه لا يجوز عنده تراخى القبض في الصرف سواء كانا في المجلس أو تفرقا وحمل قول
عمر لا يفارقه على الفور حتى لو أخر الصير في القبض حتى يقوم إلى قعود كأنه ثم يفتح صندوقه لما
جاز (قوله البر بالبر) بضم الموحدة ثم راء من أسماء الحنطة والشعير بفتح أوله معروف وحكى جواز
كسره واستدل به على أن البر والشعير صنفان وهو قول الجمهور وخالف في ذلك مالك والليث
والأوزاعي فقالوا هما صنف واحد قال ابن عبد البر في هذا الحديث ان الكبير يلي البيع
والشراء لنفسه وإن كان له وكلاء وأعوان يكفونه وفيه المماكسة في البيع والمراوضة وتقليب
السلعة وفائدته الامن من الغبن وأن من العلم ما يخفى على الرجل الكبير القدر حتى يذكره غيره
وأن الامام إذا سمع أو رأى شيئا لا يجوز ينهى عنه ويرشد إلى الحق وأن من أفتى بحكم حسن أن
يذكر دليله وأن يتفقد أحوال رعيته ويهتم بمصالحهم وفيه اليمين لتأكيد الخبر وفيه الحجة بخبر
الواحد وان الحجة على من خالف في حكم من الاحكام التي في كتاب الله أو حديث رسوله وفيه أن
النسيئة لا تجوز في بيع الذهب بالورق وإذا لم يجز فيهما مع تفاضلهما بالنسيئة فأحرى أن لا يجوز
في الذهب بالذهب وهو جنس واحد وكذا الورق بالورق يعنى إذا لم تكن رواية ابن إسحاق ومن
تابعه محفوظة فيؤخذ الحكم من دليل الخطاب وقد نقل ابن عبد البر وغيره الاجماع على هذا
316

الحكم أي التسوية في المنع بين الذهب بالذهب وبين الذهب بالورق فيستغنى حينئذ بذلك عن
القياس * (قوله باب بيع الذهب بالذهب) تقدم حكمه في الباب الذي قبله وذكر
المصنف فيه حديث أبي بكرة ثم أورده بعد ثلاثة أبواب من وجه آخر عن يحيى بن أبي إسحاق
ورجال الاسنادين بصريون كلهم وأخذ حكم بيع الذهب بالورق من قوله وبيعوا الذهب
بالفضة والفضة بالذهب كيف شئتم وفى الرواية الأخرى وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف
شئنا الحديث وسيأتى الكلام عليه * (قوله باب بيع الفضة بالفضة) تقدم حكمه
أيضا (قوله حدثني عبيد الله بن سعد) زاد في رواية المستملى وهو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم
ابن عبد الرحمن بن عوف وابن أخي الزهري هو محمد بن عبد الله بن مسلم (قوله عن عبد الله بن
عمر رضي الله عنهما أن أبا سعيد الخدري حدثه مثل ذلك حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلقيه عبد الله بن عمر يا أبا سعيد ما هذا الذي تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
أبو سعيد في الصرف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) فذكر الحديث هكذا ساقه وفيه
اختصار وتقديم وتأخير وقد أخرجه الإسماعيلي من وجهين عن يعقوب بن إبراهيم شيخ شيخ
البخاري فيه بلفظ ان أبا سعيد حدثه حديثا مثل حديث عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الصرف فقال أبو سعيد فذكره فظهر بهذه الرواية معنى قوله مثل ذلك أي مثل حديث عمر
أي حديث عمر الماضي قريبا في قصة طلحة بن عبيد الله وتكلف الكرماني هنا فقال قوله مثل
ذلك أي مثل حديث أبي بكرة في وجوب المساواة ولو وقف على رواية الإسماعيلي لما عدل عنها
وقوله فلقيه عبد الله أي بعد أن كان سمع منهم الحديث فأراد ان يستثبته فيه وقد وقع لأبي سعيد
مع ابن عمر في هذا الحديث قصة وهى هذه ووقعت له فيه مع ابن عباس قصة أخرى كما في الباب
الذي بعده فأما قصته مع ابن عمر فانفرد بها البخاري من طريق سالم وأخرجها مسلم من طريق
الليث عن نافع ولفظه ان ابن عمر قال له رجل من بنى ليث ان أبا سعيد الخدري يأثر هذا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نافع فذهب عبد الله وأنا معه والليث حتى دخل على أبي سعيد
الخدري فقال إن هذا أخبرني أنك تخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الورق
بالورق الا مثلا بمثل الحديث فأشار أبو سعيد بأصبعيه إلى عينيه وأذنيه فقال أبصرت عيناي
وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تبيعوا الورق بالورق الا مثلا بمثل الحديث
ولمسلم من طريق أبى نضرة في هذه القصة لابن عمر مع أبي سعيد أن ابن عمر نهى عن ذلك بعد أن
كان أفتى به لما حدثه أبو سعيد بنهى النبي صلى الله عليه وسلم وأما قصة أبي سعيد مع ابن عباس
فسأذكرها في الباب الذي يليه (قوله في الرواية الأولى الذهب بالذهب) يجوز في الذهب الرفع
والنصب وقد تقدم توجيهه ويدخل في الذهب جميع أصنافه من مضروب ومنقوش وجيد
وردئ وصحيح ومكسر وحلى وتبر وخالص ومغشوش ونقل النووي تبعا لغيره في ذلك الاجماع
(قوله مثل بمثل) كذا في رواية أبي ذر بالرفع ولغير أبي ذر مثلا بمثل وهو مصدر في موضع الحال
أي الذهب يباع بالذهب موزونا بموزون أو مصدر مؤكد أي يوزن وزنا بوزن وزاد مسلم في
رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه الا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء (قوله ولا تشفوا) بضم أوله
وكسر الشين المعجمة وتشديد الفاء أي تفضلوا وهو رباعي من أشف والشف بالكسر الزيادة
317

وتطلق على النقص (قوله ولا تبيعوا منها غائبا بناجز) بنون وجيم وزاي مؤجلا بحال أي المراد
بالغائب أعم من المؤجل كالغائب عن المجلس مطلقا مؤجلا كان أو حالا والناجز الحاضر قال
ابن بطال فيه حجة للشافعي في قوله من كان له على رجل دراهم ولآخر عليه دنانير لم يجز أن يقاص
أحدهما الآخر بما له لأنه يدخل في معنى بيع الذهب بالورق دينا لأنه إذا لم يجز غائب بناجز
فأحرى أن لا يجوز غائب بغائب وأما الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن عن ابن عمر قال كنت
أبيع الإبل بالبقيع أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير فسألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا بأس به إذا كان بسعر يومه ولم تفترقا وبينكما شئ فلا يدخل في
بيع الذهب بالورق دينا لان النهى بقبض الدراهم عن الدنانير لم يقصد إلى التأخير في الصرف قاله
ابن بطال واستدل بقوله مثلا بمثل على بطلان البيع بقاعدة مد عجوة وهو أن يبيع مد عجوة
ودينارا بدينارين مثلا وأصرح من ذلك في الاستدلال على المنع حديث فضالة بن عبيد عند
مسلم في رد البيع في القلادة التي فيها خرز وذهب حتى تفصل أخرجه مسلم وفى رواية أبى داود
فقلت انما أردت الحجارة فقال لا حتى تميز بينهما * (قوله باب بيع الدينار بالدينار
نساء) بفتح النون وبالمهملة والمد والتنوين منصوبا أي مؤجلا مؤخرا يقال انسأه نسا ونسيئة
(قوله الضحاك بن مخلد) هو أبو عاصم شيخ البخاري وقد حدث في مواضع عنه بواسطة كهذا
الموضع (قوله سمع أبا سعيد الخدري يقول الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم) كذا وقع في هذه
الطريق وقد أخرجه مسلم من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار فزاد فيه مثلا بمثل من زاد
أو ازداد فقد أربى (قوله إن ابن عباس لا يقوله) في رواية مسلم يقول غير هذا (قوله فقال أبو
سعيد سألته) في رواية مسلم لقد لقيت ابن عباس فقلت له (قوله فقال كل ذلك لا أقول) بنصب
كل على أنه مفعول مقدم وهو في المعنى نظير قوله عليه الصلاة والسلام في حديث ذي اليدين
كل ذلك لم يكن فالمنفى هو المجموع وفى رواية مسلم فقال لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا وجدته في كتاب الله عز وجل ولمسلم من طريق عطاء أن أبا سعيد لقى ابن عباس فذكر نحوه وفيه
فقال كل ذلك لا أقول أما رسول الله فأنتم أعلم به وأما كتاب الله فلا أعلمه أي لا أعلم هذا الحكم
فيه وانما قال لأبي سعيد أنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منى لكون أبي سعيد وأنظاره
كانوا أسن منه وأكثر ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفى السياق دليل على أن أبا سعيد
وابن عباس متفقان على أن الأحكام الشرعية لا تطلب الا من الكتاب أو السنة (قوله لا ربا الا في
النسيئة) في رواية مسلم الربا في النسيئة وله من طريق عبيد الله بن أبي يزيد وعطاء جميعا عن ابن
عباس انما الربا في النسيئة زاد في رواية عطاء ألا انما الربا وزاد في رواية طاوس عن ابن عباس
لا ربا فيما كان يدا بيد وروى مسلم من طريق أبى نضرة قال سألت ابن عباس عن الصرف فقال
أيدا بيد قلت نعم قال فلا بأس فأخبرت أبا سعيد فقال أو قال ذلك انا سنكتب إليه فلا يفتيكموه
وله من وجه آخر عن أبي نضرة سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأسا فانى لقاعد
عند أبي سعيد فسألته عن الصرف فقال ما زاد فهو الربا فأنكرت ذلك لقولهما فذكر الحديث
قال فحدثني أبو الصهباء أنه سأل ابن عباس عنه بمكة فكرهه والصرف بفتح المهملة دفع ذهب
وأخذ فضة وعكسه وله شرطان مع النسيئة مع اتفاق النوع واختلافه وهو المجمع عليه
318

ومنع التفاضل في النوع الواحد منهما وهو قول الجمهور وخالف فيه ابن عمر ثم رجع وابن
عباس واختلف في رجوعه وقد روى الحاكم من طريق حيان العدوي وهو بالمهملة والتحتانية
سألت أبا مجلز عن الصرف فقال كان ابن عباس لا يرى به بأسا زمانا من عمره ما كان منه عينا
بعين يدا بيد وكان يقول انما الربا في النسيئة فلقيه أبو سعيد فذكر القصة والحديث وفيه التمر
بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يدا بيد مثلا بمثل فمن زاد
فهو ربا فقال ابن عباس أستغفر الله وأتوب إليه فكان ينهى عنه أشد النهى واتفق العلماء على
صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد فقيل منسوخ لكن النسخ
لا يثبت بالاحتمال وقيل المعنى في قوله لا ربا الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب
الشديد كما تقول العرب لا عالم في البلد الا زيد مع أن فيها علماء غيره وانما القصد نفى الأكمل لا نفى
الأصل وأيضا فنفى تحريم ربا الفضل من حديث أسامة انما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي
سعيد لان دلالته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر كما تقدم والله أعلم وقال
الطبري معنى حديث أسامة لا ربا الا في النسيئة إذا اختلفت يجرى البيع والفضل فيه يدا بيد
ربا جمعا بينه وبين حديث أبي سعيد * (تنبيه) * وقع في نسخة الصغاني هنا (قال أبو عبد الله) يعنى
البخاري سمعت سليمان بن حرب يقول لا ربا الا في النسيئة هذا عندنا في الذهب بالورق والحنطة
بالشعير متفاضلا ولا بأس به يدا بيد ولا خير فيه نسيئة (قلت) وهذا موافق 2 وفى قصة
أبي سعيد مع ابن عمر ومع ابن عباس أن العالم يناظر العالم ويوقفه على معنى قوله ويرده من
الاختلاف إلى الاجتماع ويحتج عليه بالأدلة وفيه اقرار الصغير للكبير بفضل التقدم * (قوله
باب بيع الورق بالذهب نسيئة) البيع كله اما بالنقد أو بالعرض حالا أو مؤجلا فهي
أربعة أقسام فبيع النقد اما بمثله وهو المراطلة أو بنقد غيره وهو الصرف وبيع العرض بنقد
يسمى النقد ثمنا والعرض عوضا وبيع العرض بالعرض يسمى مقابضة والحلول في جميع ذلك
جائز وأما التأجيل فإن كان النقد بالنقد مؤخرا فلا يجوز وإن كان العرض جاز وإن كان العرض
مؤخرا فهو السلم وإن كان مؤخرين فهو بيع الدين بالدين وليس بجائز الا في الحوالة عند من يقول إنها
بيع والله أعلم (قوله عن الصرف) أي بيع الدراهم بالذهب أو عكسه وسمى به لصرفه عن
مقتضى البياعات من جواز التفاضل فيه وقيل من التصريف وهو تصويتهما في الميزان وسيأتى
في أوائل الهجرة من طريق سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال قال باع شريك لي دراهم أي
بذهب في السوق نسيئة فقلت سبحان الله أيصلح هذا فقال لقد بعتها في السوق فما عابه على أحد
فسألت البراء بن عازب فذكره (قوله هذا خير منى) في رواية سفيان المذكورة قال فالق زيد بن
أرقم فاسأله فإنه كان أعظمنا تجارة فسألته فذكره وفى رواية الحميدي في مسنده من هذا الوجه
عن سفيان فقال صدق البراء وقد تقدم في باب التجارة في البر من وجه آخر عن أبي المنهال بلفظ
إن كان يدا بيد فلا بأس وإن كان نسياء فلا يصلح وفى الحديث ما كان عليه الصحابة من التواضع
وانصاف بعضهم بعضا ومعرفة أحدهم حق الآخر واستظهار العالم في الفتيا بنظيره في العلم وسيأتى
بعد الكلام على هذا الحديث في الشركة إن شاء الله تعالى * (قوله باب بيع الذهب
بالورق يدا بيد) ذكر فيه حديث أبي بكرة الماضي قبل بثلاثة أبواب وليس فيه التقييد بالحلول
319

وكأنه أشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه فقد أخرجه مسلم عن أبي الربيع عن عباد الذي
أخرجه البخاري من طريقه وفيه فسأله رجل فقال يدا بيد فقال هكذا سمعت وأخرجه مسلم من
طريق يحيى بن أبي كثير عن يحيى بن أبي إسحاق فلم يسق لفظه فساقه أبو عوانة في مستخرجه فقال
في آخره والفضة بالذهب كيف شئتم يدا بيد واشتراط القبض في الصرف متفق عليه وانما وقع
الاختلاف في التفاضل بين الجنس الواحد واستدل به على بيع الربويات بعضها ببعض إذا كان
يدا بيد وأصرح منه حديث عبادة بن الصامت عند مسلم بلفظ فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا
كيف شئتم * (قوله باب بيع المزابنة) بالزاي والموحدة والنون مفاعلة من الزبن
بفتح الزاي وسكون الموحدة وهو الدفع الشديد ومنه سميت الحرب الزبون لشدة الدفع فيها وقيل
للبيع المخصوص المزابنة لان كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه أو لان أحدهما إذا
وقف على ما فيه من الغبن أراد دفع البيع بفسخه وأراد الآخر دفعه عن هذه الإرادة بامضاء
البيع (قوله وهى بيع التمر) بالمثناة والسكون (بالثمر) بالمثلثة وفتح الميم والمراد به الرطب خاصة
وقوله بيع الزبيب بالكرم أي بالعنب وهذا أصل المزابنة وألحق الشافعي بذلك كل بيع مجهول
بمجهول أو بمعلوم من جنس يجرى الربا في نقده قال وأما من قال أضمن لك صبرتك هذه بعشرين
صاعا مثلا فما زاد فلي وما نقص فعلى فهو من القمار وليس من المزابنة (قلت) لكن تقدم في
باب بيع الزبيب بالزبيب من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر والمزابنة أن يبيع التمر بكيل ان
زاد فلي وان نقص فعلى فثبت أن من صور المزابنة أيضا هذه الصورة من القمار ولا يلزم من
كونها قمارا أن لا تسمى مزابنة ومن صور المزابنة أيضا بيع الزرع بالحنطة كيلا وقد رواه
مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ والمزابنة بيع تمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب
بالزبيب كيلا وبيع الزرع بالحنطة كيلا وستأتى هذه الزيادة للمصنف من طريق الليث عن
نافع بعد أبواب وقال مالك المزابنة كل شئ من الجزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده إذا بيع
بشئ مسمى من الكيل وغيره سواء كان من جنس يجرى الربا في نقده أم لا وسبب النهى عنه
ما يدخله من القمار والغرر قال ابن عبد البر نظر مالك إلى معنى المزابنة لغة وهى المدافعة
ويدخل فيها القمار والمخاطرة وفسر بعضهم المزابنة بأنها بيع التمر قبل بدو صلاحه وهو خطأ
فالمغايرة بينهما ظاهرة من أول حديث في هذا الباب وقيل هي المزارعة على الجزء وقيل غير ذلك
والذي تدل عليه الأحاديث في تفسيرها أولى (قوله قال أنس الخ) يأتي موصولا في باب بيع
المخاضرة وفيه تفسير المحاقلة ثم أورد المصنف حديث ابن عمر من رواية ابنه سالم ومن رواية
نافع كلاهما عنه ثم حديث أبي سعيد في ذلك وفى طريق نافع تفسير المزابنة وظاهره انها من
المرفوع ومثله في حديث أبي سعيد في الباب وأخرجه مسلم من حديث جابر كذلك ويؤيد كونه
مرفوعا رواية سالم وان لم يتعرض فيها لذكر المزابنة وعلى تقدير أن يكون التفسير من
هؤلاء الصحابة فهم أعرف بتفسيره من غيرهم وقال ابن عبد البر لا مخالف لهم في أن مثل هذا
مزابنة وانما اختلفوا هل يلتحق بذلك كل ما لا يجوز الا مثلا بمثل فلا يجوز فيه كيل بجزاف
ولا جزاف بجزاف فالجمهور على الالحاق وقيل يختص ذلك بالنخل والكرم والله أعلم (قوله قال
سالم) هو موصول بالاسناد المذكور وقد أفرد حديث زيد بن ثابت في آخر الباب من طريق نافع
320

عن ابن عمر عنه وقد تقدم قبل أبواب من وجه آخر عن نافع مضموما في سياق واحد وأخرجه
الترمذي من طريق محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت ولم يفصل حديث ابن
عمر من حديث زيد بن ثابت وأشار الترمذي إلى أنه وهم فيه والصواب والتفصيل ولفظ الترمذي
عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمرابنة الا أنه قد أذن لأهل العرايا
أن يبيعوها بمثل خرصها ومراد الترمذي أن التصريح بالنهى عن المزابنة لم يرد في حديث زيد بن
ثابت وانما رواه ابن عمر بغير واسطة وروى ابن عمر استثناء العرايا بواسطة زيد بن ثابت فإن كانت
رواية ابن إسحاق محفوظة احتمل أن يكون ابن عمر حمل الحديث كله عن زيد بن ثابت
وكان عنده بعضه بغير واسطة واستدل بأحاديث الباب على تحريم بيع الرطب باليابس منه ولو
تساويا في الكيل والوزن لأن الاعتبار بالتساوي انما يصح حالة الكمال والرطب قد ينقص إذا
جف عن اليابس نقصا لا يتقدر وهو قول الجمهور وعن أبي حنيفة الاكتفاء بالمساواة حالة
الرطوبة وخالفه صاحباه في ذلك لصحة الأحاديث الواردة في النهى عن ذلك وأصرح من ذلك
حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال أينقص
الرطب إذا جف قالوا نعم قال فلا إذا أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة
وابن حبان والحاكم (قوله رخص بعد ذلك) أي بعد النهى عن بيع الثمر بالتمر (في بيع العرايا)
وهذا من أصرح ما ورد في الرد على حمل من الحنفية النهى عن بيع الثمر بالتمر على عمومه
ومنع أن يكون بيع العرايا مستثنى منه وزعم أنهما حكمان مختلفان وردا في سياق واحد وكذلك
من زعم منهم كما حكاه ابن المنذر عنهم ان بيع العرايا منسوخ بالنهى عن بيع الثمر بالتمر لان
المنسوخ لا يكون بعد الناسخ (قوله بالرطب أو بالتمر) كذا عند البخاري ومسلم من راية عقيل
عن الزهري بلفظ أو وهى محتملة أن تكون للتخيير وأن تكون للشك وأخرجه النسائي والطبراني
من طريق صالح بن كيسان والبيهقي من طريق الأوزاعي كلاهما عن الزهري بلفظ بالرطب
وبالتمر ولم يرخص في غير ذلك هكذا ذكره بالواو وهذا يؤيد كون أو بمعنى التخيير لا الشك
بخلاف ما جزم به النووي وكذلك أخرجه أبو داود من طريق الزهري أيضا عن خارجة بن زيد
ابن ثابت عن أبيه واسناده صحيح وليس هو اختلافا على الزهري فان ابن وهب رواه عن يونس
عن الزهري بالاسنادين أخرجهما النسائي وفرقهما وإذا ثبتت هذه الرواية كانت فيها حجة للوجه
الصائر إلى جواز بيع الرطب المخروص على رؤس النخل بالرطب المخروص أيضا على الأرض
وهو رأى ابن خيران من الشافعية وقيل لا يجوز وهو رأى الإصطخري وصححه جماعة وقيل إن
كانا نوعا واحدا لم يجز إذ لا حاجة إليه وان كانا نوعين جاز وهو رأى أبى اسحق وصححه ابن أبي
عصرون وهذا كله فما إذا كان أحدهما على النخل والآخر على الأرض وقيل ومثله ما إذا كانا
معا على النخل وقيل إن محله فيما إذا كانا نوعين وفى ذلك فروع أخر يطول ذكرها وصرح
الماوردي بالحاق البسر في ذلك بالرطب (قوله بيع الثمر) بالمثلثة وتحريك الميم وفى رواية مسلم
ثمر النخل وهو المراد هنا وليس المراد التمر من غير النخل فإنه يجوز بيعه بالتمر المثناة والسكون
وانما وقع النهى عن الرطب بالتمر لكونه متفاضلا من جنسه (قوله كيلا) يأتي الكلام عليه في
الحديث الذي بعده (قوله وبيع الكرم بالزبيب كيلا) في رواية مسلم وبيع العنب بالزبيب
321

كيلا والكرم بفتح الكاف وسكون الراء هو شجر العنب والمراد منه هنا نفس العنب كما أوضحته
رواية مسلم وفيه جواز تسمية العنب كرما وقد ورد النهى عنه كما سيأتي الكلام عليه في الأدب
ويجمع بينهما بحمل النهى على التنزيه ويكون ذكره هنا لبيان الجواز وهذا كله بناء على أن
تفسير المزابنة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وعلى تقدير كونه موقوفا فلا حجة على الجواز
فيحمل النهى على حقيقته واختلف السلف هل يلحق العنب أو غيره بالرطب في العرايا فقيل لا
وهو قول أهل الظاهر واختاره بعض الشافعية منهم المحب الطبري وقيل يلحق العنب خاصة
وهو مشهور مذهب الشافعي وقيل يلحق كل ما يدخر وهو قول المالكية وقيل يلحق كل ثمرة وهو
منقول عن الشافعي أيضا (قوله عن داود بن الحصين) هو المدني وكلهم مدنيون الا شيخ
البخاري وليس لداود ولا لشيخه في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الباب الذي يليه وشيخه
هو أبو سفيان مولى بن أبي أحمد ووقع في رواية مسلم ان أبا سفيان أخبره انه سمع أبا سعيد وأبو
سفيان مشهور بكنيته حتى قال النووي تبعا لغيره لا يعرف اسمه وسبقهم إلى ذلك أبو أحمد
الحاكم في الكنى لكن حكى أبو داود في السنن في روايته لهذا الحديث عن القعنبي شيخه فيه ان
اسمه قزمان وابن أبي أحمد هو عبد الله بن أبي أحمد بن جحش الأسدي ابن أخي زينب بنت جحش
أم المؤمنين وحكى الواقدي ان أبا سفيان كان مولى لبنى عبد الأشهل وكان يجالس عبد الله بن أبي
أحمد فنسب إليه (قوله والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر على رؤس النخل) زاد ابن مهدي عن مالك
عند الإسماعيلي كيلا وهو موافق لحديث ابن عمر الذي قبله وذكر الكيل ليس بقيد في
هذه الصورة بل لأنه صورة المبايعة التي وقعت إذ ذاك فلا مفهوم له لخروجه على سبب أوله
مفهوم لكنه مفهوم الموافقة لان المسكوت عنه أولى بالمنع من المنطوق ويستفاد منه أن
معيار التمر والزبيب الكيل وزاد مسلم في آخر حديث أبي سعيد والمحاقلة كراء الأرض وكذا هو
في الموطأ (قوله عن الشيباني) هو أبو إسحاق ووقع في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي
معاوية حدثنا الشيباني وسيأتى الكلام عن المحاملة في باب المخاضرة ووقع في رواية محمد بن
عمرو عن أبي سلمة عن أبي سعيد عقب هذا الحديث مثله والمزابنة في النخل والمحاقلة في الزرع
(قوله أرخص لصاحب العرية) بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد التحتانية الجمع عرايا وقد ذكرنا
تفسيرها لغة (قوله أن يبيعها بخرصها) زاد الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن القعنبي شيخ
البخاري فيه كيلا ومثله للمصنف من رواية موسى بن عقبة عن نافع وسيأتى بعد باب ورواه
مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك فقال بخرصها من التمر ونحوه للمصنف من رواية يحيى بن سعيد
عن نافع في كتاب الشرب ولمسلم من رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد بلفظ رخص في
العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا ومن طريق الليث عن يحيى بن سعيد بلفظ
رخص في بيع العرية بخرصها تمرا قال يحيى العرية أن يشترى الرجل تمر النخلات بطعام أهله رطبا
بخرصها تمرا وهذه الرواية تبين أن في رواية سليمان ادراجا وأخرجه الطبراني من طريق حماد بن
سلمة عن أيوب وعبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ رخص في العرايا النخلة والنخلتان يوهبان للرجل
فيبيعهما بخرصهما تمرا زاد فيه يوهبان للرجل وليس بقيد عند الجمهور كما سيأتي شرحه بعد باب
* (قوله باب بيع الثمر) بفتح المثلثة والميم (على رؤس النخل) أي بعد أن يطيب
322

وقوله بالذهب أو الفضة اتبع فيه ظاهر الحديث وسيأتى البحث فيه (قوله عن عطاء) هو ابن أبي
رباح وأبو الزبير هو محمد بن مسلم كذا جمع بينهما ابن وهب وتابعه أبو عاصم عند مسلم ويحيى بن
أيوب عند الطحاوي وكلاهما عن ابن جريج ورواه ابن عيينة عند مسلم عن ابن جريج عن عطاء
وحده ووقع في روايته عن ابن جريج أخبرني عطاء (قوله عن جابر) في رواية أبى عاصم المذكورة
انهما سمعا جابر بن عبد الله (قوله عن بيع الثمر) بفتح المثلثة أي الرطب (قوله حتى يطيب) في
رواية ابن عيينة حتى يبدو صلاحه وسيأتى تفسيره بعد باب (قوله ولا يباع شئ منه الا بالدينار
والدرهم) قال ابن بطال انما اقتصر على الذهب والفضة لأنهما جل ما يتعامل به الناس والا فلا
خلاف بين الأمة في جواز بيعه بالعروض يعنى بشرطه (قوله الا العرايا) زاد يحيى بن أيوب في
روايته فان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها أي فيجوز بيع الرطب فيها بعد أن يخرص
ويعرف قدره بقدر ذلك من الثمر كما سيأتي البحث فيه قال ابن المنذر ادعى الكوفيون أن بيع
العرايا منسوخ بنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر بالتمر وهذا مردود لان الذي روى النهى
عن بيع الثمر بالتمر هو الذي روى الرخصة في العرايا فأثبت النهى والرخصة معا (قلت) ورواية
سالم الماضية في الباب الذي قبله تدل على أن الرخصة في بيع العرايا وقع بعد النهى عن بيع
الثمر بالتمر ولفظه عن ابن عمر مرفوعا ولا تبيعوا الثمر بالتمر قال وعن زيد بن ثابت أنه صلى الله عليه
وسلم رخص بعد ذلك في بيع العرية وهذا هو الذي يقتضيه لفظ الرخصة فإنها تكون بعد منع
وكذلك بقية الأحاديث التي وقع فيها استثناء العرايا بعد ذكر بيع الثمر بالتمر وقد قدمت ايضاح
ذلك (قوله حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب) هو الحجبي بفتح المهملة والجيم ثم موحدة بصرى
مشهور (قوله سمعت مالكا الخ) فيه اطلاق السماع على ما قرئ على الشيخ فأقر به وقد استقر
الاصطلاح على أن السماع بخصوص بما حدث به الشيخ لفظا (قوله وسأله عبيد الله) هو
بالتصغير والربيع أبوه هو حاجب المنصور وهو والد الفضل وزير الرشيد (قوله رخص) كذا
للأكثر بالتشديد وللكشميهني أرخص (قوله في بيع العرايا) أي في بيع تمر العرايا لان العرية
هي النخلة والعرايا جمع عرية كما تقدم فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه (قوله في خمسة
أوسق أو دون خمسة أو سق) شك من الراوي بين مسلم في روايته ان الشك فيه من داود بن الحصين
وللمصنف في آخر الشرب من وجه آخر عن مالك مثله وذكر ابن التين تبعا لغيره ان داود تفرد
بهذا الاسناد قال وما رواه عنه الا مالك بن أنس والوسق ستون صاعا وقد تقدم بيانه في كتاب
الزكاة وقد اعتبر من قال بجواز بيع العرايا بمفهوم هذا العدد ومنعوا ما زاد عليه واختلفوا
في جواز الخمسة لأجل الشكل المذكور والخلاف عند المالكية والشافعية والراجح عند
المالكية الجواز في الخمسة فما دونها وعند الشافعية الجواز فيما دون الخمسة ولا يجوز في الخمسة
وهو قول الحنابلة وأهل الظاهر فمأخذ المنع أن الأصل التحريم وبيع العرايا رخصة فيؤخذ منه
بما يتحقق منه الجواز ويلغى ما وقع فيه الشك وسبب الخلاف ان النهى عن بيع المزابنة هل ورد
متقدما ثم وقعت الرخصة في العرايا أو النهى عن بيع المزابنة وقع مقرونا بالرخصة في بيع العرايا
فعلى الأول لا يجوز في الخمسة للشك في رفع التحريم وعلى الثاني يجوز للشك في قدر التحريم ويرجح
الأول رواية سالم المذكورة في الباب قبله واحتج بعض المالكية بأن لفظه دون صالحة لجميع
323

ما تحت الخمسة فلو عملنا بها للزم رفع هذه الرخصة وتعقب بان العمل بها ممكن بأن يحمل على
أقل ما تصدق عليه وهو المفتى به في مذهب الشافعي وقد روى الترمذي حديث الباب من
طريق زيد بن الحباب عن مالك بلفظ أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق ولم يتردد في
ذلك وزعم المازري أن ابن المنذر ذهب إلى تحديد ذلك بأربعة أوسق لوروده في حديث جابر من
غير شك فيه فتعين طرح الرواية التي وقع فيها الشك والاخذ بالرواية المتيقنة قال وألزم المزنى
الشافعي القول به اه‍ وفيما نقله نظر أما ابن المنذر فليس في شئ من كتبه ما نقله عنه وانما فيه
ترجيح القول الصائر إلى أن الخمسة لا تجوز وانما يجوز ما دونها وهو الذي ألزم المزنى أن يقول به
الشافعي كما هو بين من كلامه وقد حكى ابن عبد البر هذا القول عن قوم قال واحتجوا بحديث
جابر ثم قال ولا خلاف بين الشافعي ومالك ومن اتبعهما في جواز العرايا في أكثر من أربعة أوسق
مما لم يبلغ خمسة أوسق ولم يثبت عندهم حديث جابر (قلت) حديث جابر الذي أشار إليه أخرجه
الشافعي وأحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم أخرجوه كلهم من طريق ابن إسحاق
حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول حين أذن لأصحاب العرايا أن يبيعوها بخرصها يقول الوسق والوسقين والثلاثة والأربع
لفظ أحمد وترجم عليه ابن حبان الاحتياط أن لا يزيد على أربعة أوسق وهذا الذي قاله يتعين
المصير إليه وأما جعله حدا لا يجوز تجاوزه فليس بالواضح واحتج بعضهم لمالك بقول سهل بن أبي
حثمة أن العرية تكون ثلاثة أوسق أو أربعة أو خمسة وسيأتى ذكره في الباب الذي يليه ولا حجة
فيه لأنه موقوف ومن فروع هذه المسئلة ما لو زاد في صفقة على خمسة أوسق فان البيع يبطل
في الجميع وخرج بعض الشافعية من جواز تفريق الصفقة أنه يجوز وهو بعيد لوضوح الفرق
ولو باع ما دون خمسة أوسق في صفقة ثم باع مثلها البائع بعينه للمشترى بعينه في صفقة أخرى
جاز عند الشافعية على الأصح ومنعه أحمد وأهل الظاهر والله أعلم (قوله قال نعم) القائل هو مالك
وكذلك أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى قال قلت لمالك أحدثك داود فذكره وقال في آخره نعم
وهذا التحمل يسمى عرض السماع وكان مالك يختاره على التحديث من لفظه واختلف أهل
الحديث هل يشترط أن يقول الشيخ نعم أم لا والصحيح أن سكوته ينزل منزلة اقراره إذا كان عارفا
ولم يمنعه مانع وإذا قال نعم فهو أولى بلا نزاع (قوله سفيان) هو ابن عيينة (قوله قال يحيى بن
سعيد) هو الأنصاري وسيأتى في آخر الباب ما يدل على أن سفيان صرح بتحديث يحيى بن سعيد
له به وهو السر في ايراد الحكاية المذكورة (قوله سمعت بشيرا) بالموحدة والمعجمة مصغرا وهو ابن
يسار بالتحتانية ثم المهملة مخففا الأنصاري (قوله سمعت سهل بن أبي حثمة) زاد الوليد بن كثير
عند مسلم عن بشير بن يسار أن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة حدثاه ولمسلم من طريق سليمان
ابن بلال عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
منهم سهل بن أبي حثمة (قوله إن تباع بخرصها) هو بفتح الخاء المعجمة وأشار ابن التين إلى جواز
كسرها وجزم ابن العربي بالكسر وأنكر الفتح وجوزهما النووي وقال الفتح أشهر قال ومعناه
تقدير ما فيها إذا صار تمرا فمن فتح قال هو اسم الفعل ومن كسر قال هو اسم للشئ المخروص
اه‍ والخرص هو التخمين والحدس وسيأتى الكلام عليه في الباب الذي يليه في تفسير العرايا
324

(قوله وقال سفيان مرة أخرى الخ) هو كلام علي بن عبد الله والغرض أن ابن عيينة حدثهم
به مرتين على لفظين والمعنى واحد واليه الإشارة بقوله هو سواء أي المعنى واحد (قوله قال
سفيان) أي بالاسناد المذكور (فقلت ليحيى) أي ابن سعيد لما حدثه به (قوله وأنا غلام) جملة
حالية والغرض الإشارة إلى قدم طلبه وتقدم فطنته وأنه كان في سن الصبا يناظر شيوخه
ويباحثهم (قوله رخص لهم في بيع العرايا) محل الخلاف بين رواية يحيى بن سعيد ورواية أهل
مكة أن يحيى بن سعيد قيد الرخصة في بيع العرايا بالخرص وأن يأكلها أهلها رطبا وأما ابن
عيينة في روايته عن أهل مكة فأطلق الرخصة في بيع العرايا ولم يقيدها بشئ مما ذكر (قوله
قلت إنهم يروونه عن جابر) في رواية أحمد في مسنده عن سفيان قلت أخبرهم عطاء أنه سمع من
جابر (قلت) ورواية ابن عيينة كذلك عن ابن جريج عن عطاء عن جابر تقدمت الإشارة إليها
وأنها تأتي في كتاب الشرب وهى على الاطلاق كما في روايته التي في أول الباب (قوله قال
سفيان) أي بالاسناد المذكور (انما أردت) أي الحامل لي على قولي ليحيى بن سعيد أنهم يروونه
عن جابر (ان جابرا من أهل المدينة) فيرجع الحديث إلى أهل المدينة وكان ليحيى بن سعيد
أن يقول له وأهل المدينة رووا أيضا فيه التقييد فيحمل المطلق على المقيد حتى يقوم الدليل على
العمل بالاطلاق والتقييد بالخرص زيادة حافظ فتعين المصير إليها وأما التقييد بالاكل فالذي
يظهر أنه لبيان الواقع لا أنه قيد وسيأتى عن أبي عبيد أنه شرطه والله أعلم (قوله قيل لسفيان)
لم أقف على تسمية القائل (قوله أليس فيه) أي في الحديث المذكور (نهى عن بيع الثمر
حتى يبدو صلاحه قال لا) أي ليس هو في حديث سهل بن أبي حثمة وإن كان هو صحيحا من
رواية غيره وسيأتى بعد باب وقد حدث به عبد الجبار بن العلاء عن سفيان في حديث الباب
بهذا اللفظ الذي نفاه سفيان وحكى الإسماعيلي عن ابن صاعد أنه أشار إلى أنه وهم فيه (قلت)
قد أخرجه النسائي عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري عن سفيان كذلك فظهر أن
عبد الجبار لم ينفرد بذلك * (قوله باب تفسير العرايا) هي جمع عرية وهى عطية ثمر
النخل دون الرقبة كان العرب في الجدب يتطوع أهل النخل بذلك على من لا ثمر له كما يتطوع
صاحب الشاة أو الإبل بالمنيحة وهى عطية اللبن دون الرقبة قال حسان بن ثابت فيما ذكر ابن
التين وقال غيره هي لسويد بن الصلت
- ليست بسنهاء ولا رحبية * ولكن عرايا في السنين الجوائح -
ومعنى سنهاء ان تحمل سنة دون سنة والرحبية التي تدعم حين تميل من الضعف والعرية فعيلة
بمعنى مفعولة أو فاعلة يقال عرى النخل بفتح العين والراء بالتعدية يعروها إذا أفردها عن غيرها
بان أعطاها لآخر على سبيل المنحة ليأكل ثمرها وتبقى رقبتها لمعطيها ويقال عريت النخل بفتح
العين وكسر الراء تعرى على أنه قاصر فكأنها عريت عن حكم أخواتها واستثبتت بالعطية
واختلف في المراد بها شرعا (قوله وقال مالك العرية أن يعرى الرجل الرجل النخلة) أي يهبها له
أو يهب له ثمرها (ثم يتأذى بدخوله عليه فرخص له) أي للواهب (ان يشتريها) أي يشترى رطبها
(منه) أي من الموهوبة له (بتمر) أي يابس وهذا التعليق وصله ابن عبد البر من طريق ابن وهب
عن مالك وروى الطحاوي من طريق ابن نافع عن مالك ان العرية النخلة للرجل في حائط غيره
325

وكانت العادة انهم يخرجون بأهليهم في وقت الثمار إلى البساتين فيكره صاحب النخل الكثير
دخول الآخر عليه فيقول له أنا أعطيك بخرص نخلتك تمرا فرخص له في ذلك ومن شرط العرية
عند مالك أنها لا تكون بهذه المعاملة الا مع المعرى خاصة لما يدخل على المالك من الضرر
بدخول حائطه أو ليدفع الضرر عن الآخر بقيام صاحب النخل بالسقي والكلف ومن شرطها
أن يكون البيع بعد بدو الصلاح وأن يكون بثمر مؤجل وخالفه الشافعي في الشرط الأخير فقال
يشترط التقابض (قوله وقال ابن إدريس العرية لا تكون الا بالكيل من التمر يدا بيد ولا
تكون بالجراف) ابن إدريس هذا رجح ابن التين انه عبد الله الأودي الكوفي وتردد ابن بطال
ثم السبكي في شرح المهذب وجزم المزي في التهذيب بأنه الشافعي والذي في الام للشافعي وذكره
عنه البيهقي في المعرفة من طريق الربيع عنه قال العرايا ان يشترى الرجل ثمر النخلة فأكثر
بخرصه من التمر بأن يخرص الرطب ثم يقدر كم ينقص إذا يبس ثم يشترى بخرصة تمرا فان تفرقا
قبل أن يتقابضا فسد البيع انتهى وهذا وان غاير ما علقه البخاري لفظا فهو يوافقه في المعنى لان
محصلهما أن لا يكون جزافا ولا نسيئة وقد جاء عن الشافعي بلفظ آخر قرأته بخط أبى على
الصدفي بهامش نسخته قال لفظ الشافعي ولا تبتاع العرية بالتمر الا ان تخرص العرية كما
يخرص المعشر فيقال فيها الآن كذا وكذا من الرطب فإذا يبس كان كذا وكذا فيدفع من
التمر بكيله خرصا ويقبض النخلة بثمرها قبل أن يتفرقا فان تفرقا قبل قبضها فسد (قوله ومما
يقويه) أي قول الشافعي بأن لا يكون جزافا (قول سهل بن أبي حثمة بالأوسق الموسقة) وقول
سهل هذا أخرجه الطبري من طريق الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن سهل موقوفا
ولفظه لا يباع الثمر في رؤس النخل بالأوساق الموسقة الا أوسقا ثلاثة أو أربعة أو خمسة يأكلها
الناس وما ذكره المصنف عن الشافعي هو شرط العرية عند أصحابه وضابط العرية عندهم أنها
بيع رطب في نخل يكون خرصه إذا صار تمرا أقل من خمسة أوسق بنظيره في الكيل من التمر
مع التقابض في المجلس وقال ابن التين احتجاج البخاري لابن إدريس بقول سهل بالأوسق
الموسقة لا دليل فيه لأنها لا تكون مؤجلة وانما يشهد له قول سفيان بن حسين يعنى الآتي
(قلت) لعله أراد أن مجموع ما اورده بعد قول ابن إدريس يقوى قول ابن إدريس ثم إن صور
العرية كثيرة منها أن يقول الرجل لصاحب حائط بعني ثمر نخلات بأعيانها بخرصها من التمر
فيخرصها ويبيعه ويقبض منه التمر ويسلم إليه النخلات بالتخلية فينتفع برطبها ومنها أن يهب
صاحب الحائط لرجل نخلات أو ثمر نخلات معلومة من حائطه ثم يتضرر بدخوله عليه فيخرصها
ويشترى منه رطبها بقدر خرصه بتمر يعجله له ومنها أن يهبه إياها فيتضرر الموهوب له بانتظار
صيرورة الرطب تمرا ولا يحب أكلها رطبا لاحتياجه إلى التمر فيبيع ذلك الرطب بخرصه من
الواهب أو من غيره بتمر يأخذه معجلا ومنها أن يبيع الرجل ثمر حائطه بعد بدو صلاحه ويستثنى
منه نخلات معلومة يبقيها لنفسه أو لعياله وهى التي عفى له عن خرصها في الصدقة وسميت
عرايا لأنها أعريت من أن تخرص في الصدقة فرخص لأهل الحاجة الذين لا نقد لهم وعندهم
فضول من تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمر من رطب تلك النخلات بخرصها ومما يطلق عليه
اسم عرية ان يعرى رجلا تمر نخلات يبيح له أكلها والتصرف فيها وهذه هبة مخصوصة ومنها أن
326

يعرى عامل الصدقة لصاحب الحائط من حائطه نخلات معلومة لا يخرصها في الصدقة وهاتان
الصورتان من العرايا لا يبيع فيها وجميع هذه الصور صحيحة عند الشافعي والجمهور وقصر
مالك العرية في البيع على الصورة الثانية وقصرها أبو عبيد على الصورة الأخيرة من صور
البيع وزاد أنه رخص لهم أن يأكلوا الرطب ولا يشتروه لتجارة ولا ادخار ومنع أبو حنيفة
صور البيع كلها وقصر العرية على الهبة وهو أن يعرى الرجل تمر نخلة من نخله ولا يسلم ذلك له
ثم يبدو له في ارتجاع تلك الهبة فرخص له ان يحتبس ذلك ويعطيه بقدر ما وهبه له من الرطب
بخرصه تمرا وحمله على ذلك أخذه بعموم النهى عن بيع الثمر بالتمر وتعقب بالتصريح باستثناء
العرايا في حديث ابن عمر كما تقدم وفى حديث غيره وحكى الطحاوي عن عيسى بن أبان من أصحابهم
أن معنى الرخصة ان الذي وهبت له العرية لم يملكها لان الهبة لا تملك الا بالقبض فلما جاز له ان
يعطى بدلها تمرا وهو لم يملك المبدل منه حتى يستحق البدل كان ذلك مستثنى وكان رخصة وقال
الطحاوي بل معنى الرخصة فيه ان المرء مأمور بامضاء ما وعد به ويعطى بدله ولو لم يكن واجبا
عليه فلما أذن له ان يحبس ما وعد به ويعطى بدلا ولا يكون في حكم من أخلف وعده ظهر بذلك
معنى الخرصة واحتج لمذهبه بأشياء تدل على أن العرية العطية ولا حجة في شئ منها لأنه لا يلزم من
كون أصل العرية العطية ان لا تطلق العرية شرعا على صور أخرى قال ابن المنذر الذي رخص
في العرية هو الذي نهى عن بيع الثمر بالتمر في لفظ واحد من رواية جماعة من الصحابة قال
ونظير ذلك الاذن في السلم مع قوله صلى الله عليه وسلم لا تبع ما ليس عندك قال فمن أجاز السلم مع
كونه مستثنى من بيع ما ليس عندك ومنع العرية مع كونها مستثناة من بيع الثمر بالتمر فقد
تناقض وأما حملهم الرخصة على الهبة فبعيد مع تصريح الحديث بالبيع واستثناء العرايا منه
فلو كان المراد الهبة لما استثنيت العرية من البيع ولأنه عبر بالرخصة والرخصة لا تكون الا بعد
ممنوع والمنع انما كان في البيع لا الهبة وبان الرخصة قيدت بخمسة أوسق أو ما دونها والهبة
لا تتقيد لانهم لم يفرقوا في الرجوع في الهبة بين ذي رحم وغيره وبأنه لو كان الرجوع جائزا
فليس اعطاؤه بالتمر بدل الرطب بل هو تجديد هبة أخرى فان الرجوع لا يجوز فلا يصح تأويلهم
(قوله وقال ابن إسحاق في حديثه عن نافع عن ابن عمر كانت العرايا أن يعرى الرجل الرجل في ماله
النخلة والنخلتين) أما حديث ابن إسحاق عن نافع فوصله الترمذي دون تفسير ابن إسحاق وأما
تفسيره فوصله أبو داود عنه بلفظ النخلات وزاد فيه فيشق عليه فيبيعها بمثل خرصها وهذا قريب
من الصورة التي قصر مالك العرية عليها (قوله وقال يزيد) يعنى ابن هارون (عن سفيان بن حسين
العرايا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها فرخص لهم ان يبيعوها بما
شاؤوا من التمر) وهذا وصله الإمام أحمد في حديث سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه
عن زيد بن ثابت مرفوعا في العرايا قال سفيان بن حسين فذكره وهذه إحدى الصور المتقدمة
واحتج لمالك في قصر العرية على ما ذكره بحديث سهل بن أبي حثمة المذكور في الباب الذي قبله
بلفظ يأكلها أهلها رطبا فتمسك بقوله أهلها والظاهر أنه الذي أعراها ويحتمل أن يراد بالأهل من
تصير إليه بالشراء والأحسن في الجواب أن حديث سهل دل على صورة من صور العرية وليس
فيه التعرض لكون غيرها ليس عرية وحكى عن الشافعي تقييدها بالمساكين على ما في حديث
327

سفيان بن حسين وهو اختيار المزنى وأنكر الشيخ أبو حامد نقله عن الشافعي ولعل مستند من
أثبته ما ذكره الشافعي في اختلاف الحديث عن محمود بن لبيد قال قلت لزيد بن ثابت ما عراياكم
هذه قال فلان وأصحابه شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الرطب يحضر وليس عندهم
ذهب ولا فضة يشترون بها منه وعندهم فضل تمر من قوت سنتهم فرخص لهم أن يشتروا العرايا
بخرصها من التمر يأكلونها رطبا قال الشافعي وحديث سفيان يدل لهذا فان قوله يأكله أهلها
رطبا يشعر بان مشترى العرية يشتريها ليأكلها وانه ليس له رطب يأكله غيرها ولو كان المرخص
له في ذلك صاحب الحائط يعنى كما قال مالك لكان لصاحب الحائط من حائطه من الرطب ما يأكله
غيرها ولم يفتقر إلى بيع العرية وقال ابن المنذر هذا الكلام لا أعرف أحدا ذكره غير الشافعي
وقال السبكي هذا الحديث لم يذكر الشافعي اسناده وكل من ذكره انما حكاه عن الشافعي ولم يجد
البيهقي في المعرفة له اسنادا قال ولعل الشافعي أخذه من السير يعنى سير الواقدي قال وعلى تقدير
صحته فليس فيه حجة للتقييد بالفقير لأنه لم يقع في كلام الشارع وانما ذكره في القصة فيحتمل أن تكون
الرخصة وقعت لأجل الحاجة المذكورة ويحتمل ان يكون للسؤال فلا يتم الاستدلال مع
اطلاق الأحاديث المنصوصة من الفاء وقد اعتبر هذا القيد الحنابلة مضموما إلى ما اعتبره
مالك فعندهم لا تجوز العرية الا لحاجة صاحب الحائط إلى البيع أو لحاجة المشترى إلى الرطب
والله أعلم (قوله حدثنا محمد) كذا للأكثر غير منسوب ووقع في رواية أبي ذر هو ابن مقاتل
وعبد الله هو ابن المبارك (قوله قال موسى بن عقبة) أي بالاسناد المذكور إليه (قوله والعرايا
نخلات معلومات تأتيها فتشتريها أي تشترى ثمرتها بتمر معلوم وكانه اختصره للعلم به ولم أجده في شئ
من الطرق عنه الا هكذا ولعله أراد ان يبين أنها مشتقة من عروت إذا أتيت وترددت إليه لا من
العرى بمعنى التجرد قاله الكرماني وقد تقدم قول يحيى بن سعيد العرية أن يشترى الرجل ثمر
النخلات لطعام أهله رطبا بخرصها تمرا وفى لفظ عنه ان العرية النخلة تجعل للقوم فيبيعونها
بخرصها تمرا وقال القرطبي كأن الشافعي اعتمد في تفسيره العرية على قول يحيى بن سعيد
وليس يحيى صحابيا حتى يعتمد عليه مع معارضة رأى غيره له ثم قال وتفسير يحيى مرجوح بأنه عين
المزابنة المنهى عنها في قصة لا ترهق إليها حاجة أكيدة ولا تندفع بها مفسدة فان المشترى لها بالتمر
متمكن من بيع ثمره بعين وشرائه بالعين ما يريد من الرطب فان قال يتعذر هذا قيل له فأجز بيع
الرطب بالتمر ولو لم يكن الرطب على النخل وهو لا يقول بذلك انتهى والشافعي أقعد باتباع أحاديث
هذا الباب من غيره فإنها ناطقة باستثناء العرايا من بيع المزابنة وأما الزامه الأخير فليس بلازم
لأنها رخصة وقعت مقيدة بقيد فيتبع القيد وهو كون الرطب على رؤس النخل مع أن كثيرا من
الشافعية ذهبوا إلى الحاق الرطب بعد القطع بالرطب على رؤس النخل بالمعنى كما تقدم والله أعلم
وكل ما ورد من تفسير العرايا في الأحاديث لا يخالفه الشافعي فقد روى أبو داود من طريق عمرو
بن الحرث عن عبد ربه بن سعيد وهو أخو يحيى بن سعيد قال العرية الرجل يعرى الرجل النخلة أو
الرجل يستثنى من ماله النخلة يأكلها رطبا فيبيعها تمرا وقال أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه حدثنا
وكيع قال سمعنا في تفسير العرية انها النخلة يرثها الرجل أو يشتريها في بستان الرجل وانما يتجه
الاعتراض على من تمسك بصورة من الصور الواردة في تفسير العرية ومنع غيرها وأما من عمل
328

بها كلها ونظمها في ضابط يجمعها فلا اعتراض عليه والله أعلم * (قوله باب بيع الثمار
قبل أن يبدو صلاحها) يبدو بغير همز أي يظهر والثمار بالمثلثة جمع ثمرة بالتحريك وهى أعم من
الرطب وغيره ولم يجزم بحكم في المسئلة لقوة الخلاف فيها وقد اختلف في ذلك على أقوال فقيل
يبطل مطلقا وهو قول ابن أبي ليلى والثوري ووهم من نقل الاجماع على البطلان وقيل يجوز
مطلقا ولو شرط التبقية وهو قول يزيد بن أبي حبيب ووهم من نقل الاجماع فيه أيضا وقيل إن شرط
القطع لم يبطل والا بطل وهو قول الشافعي وأحمد والجمهور ورواية عن مالك وقيل يصح ان لم
يشترط التبقية والنهى فيه محمول على بيع الثمار قبل ان توجد أصلا وهو قول أكثر الحنفية وقيل
هو على ظاهره لكن النهى فيه للتنزيه وحديث زيد بن ثابت المصدر به الباب يدل للأخير وقد يحمل
على الثاني وذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث * الأول حديث زيد بن ثابت (قوله وقال
الليث عن أبي الزناد الخ) لم أره موصولا من طريق الليث وقد رواه سعيد بن منصور عن أبي الزناد
عن أبيه نحو حديث الليث ولكن بالاسناد الثاني دون الأول وأخرجه أبو داود والطحاوي
من طريق يونس بن يزيد عن أبي الزناد بالاسناد الأول دون الثاني وأخرجه البيهقي من طريق
يونس بالاسنادين معا (قوله من بنى حارثة) بالمهملة والمثلثة وفى هذا الاسناد رواية تابعي عن
مثله عن صحابي عن مثله والأربعة مدنيون (قوله فإذا جذ الناس) بالجيم والذال المعجمة الثقيلة
أي قطعوا ثمر النخل أي استحق الثمر القطع وفى رواية أبي ذر عن المستملى والسرخسي أجذ بزيادة
ألف ومثله للنسفي قال ابن التين معناه دخلوا في زمن الجذاذ كأظلم إذا دخل في الظلام والجذاذ
صرام النخل وهو قطع ثمرتها وأخذها من الشجر (قوله وحضر تقاضيهم) بالضاد المعجمة (قوله
قال المبتاع) أي المشترى (قوله الدمان) بفتح المهملة وتخفيف الميم ضبطه أبو عبيد وضبطه
الخطابي بضم أوله قال عياض هما صحيحان والضم رواية القابسي والتفح رواية السرخسي قال
ورواها بعضهم بالكسر وذكره أبو عبيد عن أبي الزناد بلفظ الادمان زاد في أوله الألف وفتحها
وفتح الدال وفسره أبو عبيد بأنه فساد الطلع وتعفنه وسواده وقال الأصمعي الدمال باللام العفن
وقال القزاز الدمان فساد النخل قبل ادراكه وانما يقع ذلك في الطلع يخرج قلب النخلة أسود
معفونا ووقع في رواية يونس الدمار بالراء بدل النون وهو تصحيف كما قاله عياض ووجهه غيره
بأنه أراد الهلاك كأنه قرأه بفتح أوله (قوله أصابه مرض) في رواية الكشميهني والنسفي مراض
بكسر أوله للأكثر وقال الخطابي بضمه وهو اسم لجميع الأمراض بوزن لصداع والسعال
وهو داء يقع في الثمرة فتهلك يقال أمرض إذا وقع في ماله عاهة وزاد الطحاوي في رواية أصابه
عفن وهو بالمهملة والفاء المفتوحتين (قوله قشام) بضم القاف بعدها معجمة خفيفة زاد
الطحاوي في روايته والقشام شئ يصيبه حتى لا يرطب وقال الأصمعي هو أن ينتقص ثمر النخل
قبل أن يصير بلحا وقيل هو اكال يقع في الثمر (قوله عاهات) جمع عاهة وهو بدل من المذكورات
أولا والعاهة العيب والآفة والمراد بها هنا ما يصيب الثمر مما ذكر (قوله فاما لا) أصلها ان
الشرطية وما زائدة فأدغمت قال ابن الأنباري هي مثل قوله فاما ترين من البشر أحدا فاكتفى
بلفظه عن الفعل وهو نظير قولهم من أكرمني أكرمته ومن لا أي ومن لم يكرمني لم أكرمه والمعنى
ان لا تفعل كذا فافعل كذا وقد نطقت العرب بإمالة لا إمالة خفيفة والعامة تشبع امالتها
329

وهو خطا (قوله كالمشورة) بضم المعجمة وسكون الواو وسكون المعجمة وفتح الواو لغتان فعلى الأول
فهي فعولة وعلى الثاني مفعلة وزعم الحريري ان الاسكان من لحن فضالة وليس كذلك فقد
أثبتها الجامع والصحاح والمحكم وغيرهم (قوله وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت) القائل هو أبو
الزناد (قوله حتى تطلع الثريا) أي مع الفجر وقد روى أبو داود من طريق عطاء عن أبي هريرة
مرفوعا قال إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهة عن كل بلد وفى رواية أبي حنيفة عن عطاء رفعت
العاهة عن الثمار والنجم هو الثريا وطلوعها صباحا يقع في أول فصل الصيف وذلك عند اشتداد
الحر في بلاد الحجاز وابتداء نضج الثمار فالمعتبر في الحقيقة النضج وطلوع النجم علامة له وقد بينه
في الحديث بقوله ويتبين الأصفر من الأحمر وروى أحمد من طريق عثمان بن عبد الله ابن سراقة
سألت ابن عمر عن بيع الثمار فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى تذهب
العاهة قلت ومتى ذلك قال حتى تطلع الثريا ووقع في رواية ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة عن
أبيه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونحن نتبايع الثمار قبل أن يبدو صلاحها فسمع
خصومة فقال ما هذا فذكر الحديث فأفاد مع ذكر السبب وقت صدور النهى المذكور (قوله
ورواه علي بن بحر (هو القطان الرازي أحد شيوخ البخاري وحكام هو ابن سلم بفتح المهملة
وسكون اللام رازي أيضا وعنبسة بسكون النون وفتح الموحدة بعدها مهملة هو ابن سعيد بن
الضريس بالضاد المعجمة مصغر ضرس كوفي ولى قضاء الري فعرف بالرازي وقد روى أبو داود
حديث الباب من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بن يزيد وهو غير هذا وقد خفى هذا على أبى
على الصدفي فرأيت بخطه في هامش نسخته ما نصه حديث عنبسة الذي أخرجه البخاري عن
حكام أخرجه الباجي من طريق أبى داود عن أحمد بن صالح عن عنبسة انتهى فظن أنهما
واحد وليس كذلك بل هما اثنان وشيخهما مختلف وليس لعنبسة بن سعيد هذا في البخاري سوى
هذا الموضع الموقوف بخلاف عنبسة بن خالد وكذا زكريا شيخه وهو ابن خالد الرازي ولا أعرف
عنه راويا غير عنبسة بن سعيد المذكور وقوله عن سهل أي ابن أبي حثمة المتقدم ذكره وزيد هو ابن
ثابت والغرض أن الطريق الأولى عن أبي الزناد ليست غريبة فرده * الحديث الثاني حديث
نافع عن ابن عمر بلفظ نهى عن بيع الثمار حتى يبدوا صلاحها نهى البائع والمشترى أما البائع
فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل وأما المشترى فلئلا يضيع ماله ويساعد البائع على الباطل وفيه
أيضا قطع النزاع والتخاصم ومقتضاه جواز بيعها بعد بدو الصلاح مطلقا سواء اشترط الابقاء أم لم
يشترط لان ما بعد الغاية مخالف لما قبلها وقد جعل النهى ممتدا إلى غاية بدو الصلاة والمعنى
فيه أن تؤمن فيها العاهة وتغلب السلامة فيثق المشترى بحصولها بخلاف ما قبل بدو الصلاح
فإنه بصدد الغرر وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أيوب عن نافع فزاد في الحديث حتى يأمن
العاهة وفى رواية يحيى بن سعيد عن نافع بلفظ وتذهب عنه الآفة يبدو صلاحه حمرته وصفرته
وهذا التفسير من قول ابن عمر بينه مسلم في روايته من طريق شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن
عمر فقيل لابن عمر ما صلاحه قال تذهب عاهته والى الفرق بين ما قبل ظهور الصلاح وبعده ذهب
الجمهور وعن أبي حنيفة انما يصح بيعها في هذه الحالة حيث لا يشترط الابقاء فان شرطه لم يصح
البيع وحكى النووي في شرح مسلم عنه أنه أوجب شرط القطع في هذه الصورة وتعقب بان الذي
330

صرح به أصحاب أبي حنيفة انه صحح البيع حالة الاطلاق قبل بدو الصلاح وبعده وأبطله بشرط
الابقاء قبله وبعده وأهل مذهبه أعرف به من غيرهم واختلف السلف في قوله حتى يبدو
صلاحها هل المراد به جنس الثمار حتى لو بدا الصلاح في بستان من البلد مثلا جاز بيع ثمرة
جميع البساتين وان لم يبد الصلاح فيها أو لا بد من بدو الصلاح في كل بستان على حدة أو لا بد
من بدو الصلاح في كل جنس على حدة أو في كل شجرة على حدة على أقوال والأول قول الليث
وهو عند المالكية بشرط ان يكون الصلاح متلاحقا والثاني قول أحمد وعنه رواية كالرابع
والثالث قول الشافعية ويمكن أن يؤخذ ذلك من التعبير ببدو الصلاح لأنه دال على الاكتفاء
بمسمى الأزهار من غير اشتراط تكامله فيؤخذ منه الاكتفاء بزهو بعض الثمرة وبزهو بعض
الشجرة مع حصول المعنى وهو الامن من العاهة ولولا حصول المعنى لكان تسميتها مزهية بازهاء
بعضها قد لا يكتفى به لكونه على خلاف الحقيقة وأيضا فلو قيل بازهاء الجميع لأدى إلى فساد
الحائط أو أكثره وقد من الله تعالى بكون الثمار لا تطيب دفعة واحدة ليطول زمن التفكه بها
الحديث الثالث حديث أنس (قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك (قوله عن أنس) سيأتي في
الباب الذي يليه من وجه آخر عن حميد قال حدثنا أنس (قوله نهى أن تباع ثمرة النخل) كذا وقع
التقييد بالنخل في هذه الطريق وأطلق في غيرها ولا فرق في الحكم بين النخل وغيره وانما ذكر
النخل لكونه كان الغالب عندهم (قوله قال أبو عبد الله يعنى حتى تحمر) كذا وقع هنا وأبو
عبد الله هو المنصف ورواية الإسماعيلي تشعر بان قائل ذلك هو عبد الله بن المبارك فلعل أداة
الكنية في روايتنا مزيدة وسيأتى هذا التفسير في الباب إلى يليه في نفس الحديث ونذكر فيه من
حكى أنه مدرج * الحديث الرابع حديث جابر (قوله حتى تشقح) بضم أوله من الرباعي يقال
اشقح ثمر النخل اشقاحا إذا احمر أو اصفر والاسم الشقح بضم المعجمة وسكون القاف بعدها مهملة
وذكره مسلم من وجه آخر عن جابر بلفظ حتى تشقه فأبدل من الحاء هاء لقربها منها (قوله فقيل
وما تشقح) هذا التفسير من قول سعيد بن ميناء راوي الحديث بين ذلك أحمد في روايته لهذا
الحديث عن بهز بن أسد عن سليم بن حيان أنه هو الذي سأل سعيد بن ميناء عن ذلك فاجابه بذلك
وكذلك أخرجه مسلم من طريق بهز وأخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن
سليم بن حيان فقال في روايته قلت لجابر ما تشقح الخ فظهر ان السائل عن ذلك هو سعيد والذي
فسره هو جابر وقد أخرج مسلم الحديث من طريق زيد بن أبي أنيسة عن أبي الوليد عن جابر مطولا
وفيه وأن يشترى النخل حتى يشقه والاشقاه أن يحمر أو يصفر أو يؤكل منه شئ وفى آخره فقال
زيد فقلت لعطاء أسمعت جابرا يذكر هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم وهو يحتمل أن يكون
مراده بقوله هذا جميع الحديث فيدخل فيه التفسير ويحتمل أن يكون مراده أصل الحديث
لا التفسير فيكون التفسير من كلام الراوي وقد ظهر من رواية ابن مهدي أنه جابر والله أعلم
ومما يقوى كونه مرفوعا وقوع ذلك في حديث أنس أيضا وفيه دليل على أن المراد ببدو الصلاح
قدر زائد على ظهور الثمرة وسبب النهى عن ذلك خوف الغرر لكثرة الجوائح فيها وقد بين ذلك في
حديث أنس الآتي في الباب بعده فإذا احمرت وأكل منها أمنت العاهة عليها أي غالبا (قوله
تحمار وتصفار) قال الخطابي لم يرد بذلك اللون الخالص من الصفرة والحمرة وانما أراد حمرة أو
331

صفرة بكمودة فلذلك قال تحمار وتصفار قال ولو أراد اللون الخالص لقال تحمر وتصفر وقال
ابن التين التشقيح تغير لونها إلى الصفرة والحمرة فأراد بقوله تحمار وتصفار ظهور أوائل الحمرة
والصفرة قبل ان تشبع قال وانما يقال تفعال في اللون الغير المتمكن إذا كان يتلون وأنكر هذا
بعض أهل اللغة وقال لا فرق بين تحمر وتصفر وتحمار وتصفار ويحتمل أن يكون المراد المبالغة في
احمرارها واصفرارها كما تقرر أن الزيادة تدل على التكثير والمبالغة * (تكميل) * قال الداودي
الشارح قول زيد بن ثابت كالمشورة يشير بها عليهم تأويل من بعض نقلة الحديث وعلى تقدير
أن يكون من قول زيد بن ثابت فلعل ذلك كان في أول الأمر ثم ورد الجزم بالنهى كما بينه حديث ابن
عمر وغيره (قلت) وكأن البخاري استشعر ذلك فرتب أحاديث الباب بحسب ذلك فأفاد حديث
زيد ابن ثابت سبب النهى وحديث ابن عمر التصريح بالنهى وحديث أنس وجابر بيان الغاية التي
ينتهى إليها النهى * (قوله باب بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها) هذه الترجمة
معقودة لبيان حكم بيع الأصول والتي قبلها لحكم بيع الثمار (قوله معلى بن منصور) هو من
كبار شيوخ البخاري وانما روى عنه في الجامع بواسطة ووقع في نسخة الصغاني في آخر الباب
قال أبو عبد الله كتبت أنا عن معلى بن منصور الا أنى لم أكتب عنه هذا الحديث (قوله حتى
يزهو) يقال زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته وسيأتى في الباب الذي بعده بلفظ حتى تزهى وهو
من أزهى إذا احمر أو اصفر (قوله قيل وما يزهو) لم يسم السائل عن ذلك في هذه الرواية
ولا المسؤول وقد رواه إسماعيل بن جعفر كما سيأتي بعد خمسة أبواب عن حميد وفيه قلنا لأنس
ما زهوها قال تحمر وفى رواية مسلم من هذا الوجه فقلت لأنس وكذلك رواه أحمد عن يحيى
القطان عن حميد لكن قال قيل لأنس ما تزهو * (قوله باب إذا باع الثمار قبل ان
يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة فهو من البائع) جنح البخاري في هذه الترجمة إلى صحة البيع وان لم
يبد صلاحه لكنه جعله قبل الصلاح من ضمان البائع ومقتضاه انه إذا لم يفسد فالبيع صحيح
وهو في ذلك متابع للزهري كما أورده عنه في آخر الباب (قوله حتى تزهى) قال الخطابي هذه
الرواية هي الصواب فلا يقال في النخل تزهو انما يقال تزهى لا غير وأثبت غيره ما نفاه فقال زها
إذا طال واكتمل وأزهى إذا احمر واصفر (قوله فقيل وما تزهى) لم يسم السائل في هذه الرواية
ولا المسؤول أيضا وقد رواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بلفظ قيل يا رسول
الله وما تزهى قال تحمر وهكذا أخرجه الطحاوي من طريق يحيى بن أيوب وأبو عوانة من طريق
سليمان بن بلال كلاهما عن حميد وظاهره الرفع ورواه إسماعيل بن جعفر وغيره عن حميد موقوفا
على انس كما تقدم في الباب الذي قبله (قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إذا منع الله
الثمرة الحديث) هكذا صرح مالك برفع هذه الجملة وتابعه محمد بن عباد عن الدراوردي عن حميد
مقتصرا على هذه الجملة الأخيرة وجزم الدارقطني وغير واحد من الحفاظ بأنه أخطأ فيه وبذلك
جزم ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه وأبى زرعة والخطأ في رواية عبد العزيز من محمد بن عباد فقد
رواه إبراهيم بن حمزة عن الدراوردي كرواية إسماعيل بن جعفر الآتي ذكرها ورواه معتمر بن
سليمان وبشر بن المفضل عن حميد فقال فيه قال أفرأيت الخ قال فلا أدرى أنس قال بم يستحل
أو حدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الخطيب في المدرج ورواه إسماعيل بن جعفر
332

عن حميد فعطفه على كلام أنس في تفسير قوله تزهى وظاهره الوقف وأخرجه الجوزقي من طريق
يزيد بن هارون والخطيب من طريق أبى خالد الأحمر كلاهما عن حميد بلفظ قال أنس أرأيت ان
منع الله الثمرة الحديث ورواه ابن المبارك وهشيم كما تقدم آنفا عن حميد فلم يذكرا هذا القدر
المختلف فيه وتابعهما جماعة من أصحاب حميد عنه على ذلك (قلت) وليس في جميع ما تقدم ما يمنع
أن يكون التفسير مرفوعا لان مع الذي رفعه زيادة على ما عند الذي وقفه وليس في رواية الذي
وقفه ما ينفى قوله من رفعه وقد روى مسلم من طريق أبى الزبير عن جابر ما يقوى رواية الرفع في
حديث أنس ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو بعت من أخيك ثمرا فاصابته عاهة فلا
يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق واستدل بهذا على وضع الجوائح في الثمر
يشترى بعد بدو صلاحه ثم تصيبه جائحة فقال مالك يضع عنه الثلث وقال أحمد وأبو عبيد يضع
الجميع وقال الشافعي والليث والكوفيون لا يرجع على البائع بشئ وقالوا انما ورد وضع الجائحة
فيما إذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع فيحمل مطلق الحديث في رواية جابر
على ما قيد به في حديث انس والله أعلم واستدل الطحاوي بحديث أبي سعيد أصيب رجل في ثمار
ابتاعها فكثر دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدقوا عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال خذوا
ما وجدتم وليس لكم الا ذلك أخرجه مسلم وأصحاب السنن قال فلما لم يبطل دين الغرماء بذهاب
الثمار وفيهم باعتها ولم يؤخذ الثمن منهم دل على أن الامر بوضع الجوائح ليس على عمومه والله
أعلم وقوله بم يستحل أحدكم مال أخيه أي لو أسيد الثمر لا تنفى في مقابلته العوض فكيف
يأكله بغير عوض وفيه اجراء الحكم على الغالب لان تطرق التلف إلى ما بد اصلاحه ممكن وعدم
التطرق إلى ما لم يبد صلاحه ممكن فأنيط الحكم بالغالب في الحالتين (قوله وقال الليث حدثني
يونس الخ) هذا التعليق وصله الذهلي في الزهريات وقد تقدم الحديث عن يحيى بن بكير عن
الليث عن عقيل بهذا وأتم منه والغرض منه هنا ذكر استنباط الزهري للحكم المترجم به من
الحديث (قوله باب شراء الطعام إلى أجل) ذكر فيه حديث عائشة في شرائه صلى
الله عليه وسلم طعاما إلى أجل وسيأتى الكلام عليه مستوفى في الرهن إن شاء الله تعالى * (قوله
باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه) أي ما يصنع ليسلم من الربا (قوله عن عبد المجيد)
بميم مفتوحة بعدها جيم ومن قاله بالمهملة ثم الميم فقد صحف وسيأتى ذكر ذلك في الوكالة (قوله
عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن) زاد في الوكالة من هذا الوجه ابن عوف (قوله عن
سعيد بن المسيب) في رواية سليمان بن بلال عن عبد المجيد أنه سمع سعيد بن المسيب أخرجه
المصنف في الاعتصام (قوله عن أبي سعيد وعن أبي هريرة) في رواية سليمان ان أبا سعيد وأبا
هريرة حدثاه قال ابن عبد البر ذكر أبي هريرة لا يوجد في هذا الحديث الا لعبد المجيد وقد رواه
قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد وحده وكذلك رواه جماعة من أصحاب أبي سعيد عنه
(قلت) رواية قتادة أخرجها النسائي وابن حبان من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه ولكن
سياقه مغاير لسياق قصة عبد المجيد وسياق قتادة يشبه سياق عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد
كما ستأتي الإشارة إليه في الوكالة (قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على
خيبر) في رواية سليمان المذكورة بعث أخا بنى عدى من الأنصار إلى خيبر فامره عليها
333

وأخرجه أبو عوانة والدارقطني من طريق الدراوردي عن عبد المجيد فسماه سواد بن غزية وهو
بفتح السين المهملة وتخفيف الواو وفى آخره دال مهملة وغزية بغين معجمة وزاي وتحتانية ثقيلة
بوزن عطية وسيأتى ذكر ذلك في المغازي في غزوة خيبر (قوله بتمر جنيب) بجيم ونون وتحتانية
وموحدة وزن عظيم قال مالك هو الكبيس وقال الطحاوي هو الطيب وقيل الصلب وقيل الذي
أخرج منه حشفه ورديئه وقال غيرهم هو الذي لا يخلط بغيره بخلاف الجمع (قوله بالصاعين)
زاد في رواية سليمان من الجمع وهو بفتح الجيم وسكون الميم التمر المختلط (قوله بالثلاث) كذا
للأكثر وللقابسي بالثلاثة وكلاهما جائز لان الصاع يذكر ويؤنث (قوله لا تفعل) زاد سليمان
ولكن مثلا بمثل أي بع بالمثل بالمثل وزاد في آخره وكذلك الميزان وكذا وقع ذكر الميزان في
الطريق التي في الوكالة أي في بيع ما يوزن من المقتات بمثله قال ابن عبد البر كل من روى عن
عبد المجيد هذا الحديث ذكر فيه الميزان سوى مالك (قلت) وفى هذا الحصر نظر لما في الوكالة
وهو أمر مجمع عليه لا خلاف بين أهل العلم فيه كل يقول على أصله ان كل ما دخله الربا من جهة
التفاضل فالكيل والوزن فيه واحد ولكن ما كان أصله الكيل لا يباع الا كيلا وكذا الوزن ثم
ما كان أصله الوزن لا يصح أن يباع بالكيل بخلاف ما كان أصله الكيل فان بعضهم يجيز فيه
الوزن ويقول إن المماثلة تدرك بالوزن في كل شئ قال وأجمعوا على أن التمر بالتمر لا يجوز بيع
بعضه ببعض الا مثل بمثل وساء فيه الطيب والدون وانه كله على اختلاف أنواعه جنس واحد
قال وأما سكوت من سكت من الرواة عن فسخ البيع المذكور فلا يدل على عدم الوقوع اما
ذهولا واما اكتفاء بان ذلك معلوم وقد ورد الفسخ من طريق أخرى كأنه يشير إلى ما أخرجه مسلم
من طريق أبى نضرة عن أبي سعيد نحو هذه القصة وفيه فقال هذا الربا فردوه قال ويحتمل تعدد
القصة وأن القصة التي لم يقع فيها الرد كانت قبل تحريم ربا الفضل والله أعلم * وفى الحديث قيام
عذر من لا يعلم التحريم حتى يعمله وفيه جواز الرفق بالنفس وترك الحمل على النفس لاختيار أكل
الطيب على الردئ خلافا لمن منع ذلك من المتزهدين واستدل به على جواز بيع العينة وهو
أن يبيع السلعة من رجل بنقد ثم يشتريها منه بأقل من الثمن لأنه لم يخص بقوله ثم اشتر بالدراهم
جنيبا غير الذي باع له الجمع وتعقب بأنه مطلق والمطلق لا يشمل ولكن يشيع فإذا عمل به في صورة
سقط الاحتجاج به فيما عداها ولا يصح الاستدلال به على جواز الشراء ممن باعه تلك السلعة
بعينها وقيل إن وجه الاستدلال به لذلك من جهة ترك الاستفصال ولا يخفى ما فيه وقال القرطبي
استدل بهذا الحديث من لم يقل بسد الذرائع لان بعض صور هذا البيع يؤدى إلى بيع التمر بالتمر
متفاضلا ويكون الثمن لغوا قال ولا حجة في هذا الحديث لأنه لم ينص على جواز شراء التمر الثاني
ممن باعه التمر الأول ولا يتناوله ظاهر السياق بعمومه بل باطلاقه والمطلق يحتمل التقييد اجمالا
فوجب الاستفسار وإذا كان كذلك فتقييده بأدنى دليل كاف وقد دل الدليل على سد الذرائع
فلتكن هذه الصورة ممنوعة واستدل بعضهم على الجواز بما أخرجه سعيد بن منصور من طريق
ابن سيرين أن عمر خطب فقال إن الدرهم بالدرهم سواء بسواء يدا بيد فقال له ابن عوف فنعطي
الجنيب ونأخذ غيره قال لا ولكن ابتع بهذا عرضا فإذا قبضته وكان له فيه نية فاهضم ما شئت وخذ
أي نقد شئت واستدل أيضا بالاتفاق على أن من باع السلعة التي اشتراها ممن اشتراها منه بعد
334

مدة فالبيع صحيح فلا فرق بين التعجيل في ذلك والتأجيل فدل على أن المعتبر في ذلك وجود الشرط
في أصل العقد وعدمه فان تشارطا على ذلك في نفس العقد فهو باطل أو قبله ثم وقع العقد بغير
شرط فهو صحيح ولا يخفى الورع وقال بعضهم ولا يضر إرادة الشراء إذا كان بغير شرط وهو كمن
أراد أن يزنى بامرأة ثم عدل عن ذلك فخطبها وتزوجها فإنه عدل عن الحرام إلى الحلال بكلمة
الله التي أباحها وكذلك البيع والله أعلم وفى الحديث جواز اختيار طيب الطعام وجواز الوكالة
في البيع وغيره وفيه أن البيوع الفاسدة ترد وفيه حجة على من قال إن بيع الربا جائز بأصله من
حيث إنه بيع ممنوع بوصفه من حيث إنه ربا فعلى هذا يسقط الربا ويصح البيع قاله القرطبي
قال ووجه لرد أنه لو كان كذلك لما رد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصفقة ولأمره برد الزيادة
على الصاع * (قوله باب من باع نخلا قد أبرت أو أرضا مزروعة أو بإجارة) أي اخذ
شيئا مما ذكر بإجارة والنخل اسم جنس يذكر ويؤنث والجمع نخيل وقوله أبرت بضم الهمزة
وكسر الموحدة مخففا على المشهور ومشددا والراء مفتوحة فقال أبرت النخل آبره أبرا بوزن
أكلت الشئ آكله أكلا ويقال أبرته بالتشديد أؤبره تأبيرا بوزن علمته اعلمه تعليما والتأبير
التشقيق والتلقيح ومعناه شق طلع النخلة الأنثى ليذر فيه شئ من طلع النخلة الذكر والحكم
مستمر بمجرد التشقيق ولو لم يضع فيه شيئا وروى مسلم من حديث طلحة قال مررت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم بقوم على رؤس النخل فقال ما يصنع هؤلاء قالوا يلقحونه يجعلون الذكر في
الأنثى فيلقح الحديث (قوله وقال لي إبراهيم) يعنى ابن موسى الرازي وهشام شيخه هو ابن
يوسف الصنعاني (قوله أيما نخل) هكذا رواه ابن جريج عن نافع موقوفا قال البيهقي ونافع
يروى حديث النخل عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث العبد عن ابن عمر عن عمر
موقوفا (قلت) وقد أسند المؤلف حديث العبد مرفوعا كما سيأتي التنبيه عليه في كتاب الشرب
ونذكر هناك إن شاء الله تعالى ما وقع لصاحب العمدة وشارحيها من الوهم فيه وحديث
الحرث لم يروه غير ابن جريج والرواية الموصولة ذكرها مالك والليث كما تراه في هذا الباب وفى
الباب الذي يلي الباب الذي بعده ووصل مالك والليث وغيرهما عن نافع عن ابن عمر قصة النخل
دون غيرها واختلف على نافع وسالم في رفع ما عدا النخل فرواه الزهري عن سالم عن أبيه مرفوعا
في قصة النخل والعبد معا هكذا أخرجه الحفاظ عن الزهري وخالفهم سفيان بن حسين فزاد فيه
ابن عمر عن عمر مرفوعا لجميع الأحاديث أخرجه النسائي وروى مالك والليث وأيوب وعبيد الله
ابن عمر وغيرهم عن نافع عن ابن عمر قصة النخل وعن ابن عمر عن عمر قصة العبد موقوفة كذلك
أخرجه أبو داود من طريق مالك بالاسنادين معا وسيأتى في الشرب من طريق مالك في قصة
العبد موقوفة وجزم مسلم والنسائي والدارقطني بترجيح رواية نافع المفصلة على رواية سالم
ومال علي بن المديني والبخاري وابن عبد البر إلى ترجيح رواية سالم وروى عن نافع رفع القصتين
أخرجه النسائي من طريق عبد ربه بن سعيد عنه وهو وهم وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن
أيوب عن نافع قال ما هو الا عن عمر شأن العبد وهذا لا يدفع قول من صحح الطريقين وجوز أن
يكون الحديث عند نافع عن ابن عمر على الوجهين (قوله وكذلك العبد والحرث) يشير بالعبد
إلى حديث من باع عبدا وله مال فماله للبائع الا أن يشترط المبتاع وصورة تشبيهه بالنخل من جهة
335

الزوائد في كل منهما وأما الحرث فقال القرطبي ابار كل شئ بحسب ما جرت العادة أنه إذا فعل فيه
نبتت ثمرته وانعقدت فيه ثم قد يعبر به عن ظهور الثمرة وعن انعقادها وان لم يفعل فيها شئ (قوله
من باع نخلا قد أبرت) في رواية نافع الآتية بعد يسير أيما رجل أبر نخلا ثم باع أصلها الخ وقد
استدل بمنطوقه على أن من باع نخلا وعليها ثمرة مؤبرة لم تدخل الثمرة في البيع بل تستمر على ملك
البائع وبمفهومه على أنها إذا كانت غير مؤبرة أنها تدخل في البيع وتكون للمشترى
وبذلك قال جمهور العلماء وخالفهم الأوزاعي وأبو حنيفة فقالا تكون للبائع قبل التأبير
وبعده وعكس ابن أبي ليلى فقال تكون للمشترى مطلقا وهذا كله عند اطلاق بيع النخل
من غير تعرض للثمرة فان شرطها المشترى بأن قال اشتريت النخل بثمرتها كانت للمشترى وان
شرطها البائع لنفسه قبل التأبير كانت له وخالف مالك فقال لا يجوز شرطها للبائع فالحاصل
أنه يستفاد من منطوقه حكمان ومن مفهومه حكمان أحدهما بمفهوم الشرط والآخر بمفهوم
الاستثناء قال القرطبي القول بدليل الخطاب يعنى بالمفهوم في هذا ظاهر لأنه لو كان حكم غير
المؤبرة حكم المؤبرة لكان تقييده بالشرط لغوا لا فائدة فيه * (تنبيه) * لا يشترط في التأبير أن
يؤبره أحد بل لو تأبر بنفسه لم يختلف الحكم عند جميع القائلين به (قوله الا أن يشترط المبتاع)
المراد بالمبتاع المشترى بقرينة الإشارة إلى البائع بقوله من باع وقد استدل بهذا الاطلاق
على أنه يصح اشتراط بعض الثمرة كما يصح اشتراط جميعها وكأنه قال الا أن يشترط المبتاع شيئا
من ذلك وهذه هي النكتة في حذف المفعول وانفرد ابن القاسم فقال لا يجوز له شرط بعضها
واستدل به على أن المؤبر يخالف في الحكم غير المؤبر وقال الشافعية لو باع نخلة بعضها مؤبر
وبعضها غير مؤبر فالجميع للبائع وان باع نخلتين فكذلك يشترط اتحاد الصفقة فان أفرد فلكل
حكمه ويشترط كونهما في بستان واحد فان تعدد فلكل حكمه ونص أحمد على أن الذي يؤبر
للبائع والذي لا يؤبر للمشترى وجعل المالكية الحكم للأغلب وفى الحديث جواز التأبير
وأن الحكم المذكور مختص باناث النخل دون ذكروه وأما ذكوره فللبائع نظرا إلى المعنى ومن
الشافعية من أخذ بظاهر التأبير فلم يفرق بن أنثى وذكر واختلفوا فيما لو باع نخلة وبقيت ثمرتها
له ثم خرج طلع آخر من تلك النخلة فقال ابن أبي هريرة هو للمشترى لأنه ليس للبائع الا ما وجد
دون ما لم يوجد وقال الجمهور هو للبائع لكونه من ثمرة المؤبرة دون غيرها ويستفاد من
الحديث أن الشرط الذي لا ينافي مقتضى العقد لا يفسد البيع فلا يدخل في النهى عن بيع
وشرط واستدل الطحاوي بحديث الباب على جواز بيع التمرة قبل بدو صلاحها واحتج به لمذهبه
الذي حكيناه في ذلك وقد تعقبه البيهقي وغيره بأنه يستدل بالشئ في غير ما ورد فيه حتى إذا جاء
ما ورد فيه استدل بغيره عليه كذلك فيستدل لجواز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بحديث التأبير
ولا يعمل بحديث التأبير بل لا فرق عنده كما تقدم في البيع قبل التأبير وبعده فان الثمرة في ذلك
للمشترى سواء شرطها البائع لنفسه أو لم يشترطها والجمع بين حديث التابير وحديث النهى عن
بيع الثمرة قبل بدو الصلاح سهل بأن الثمرة في بيع النخل تابعة للنخل وفى حديث النهى مستقلة
وهذا واضح جدا والله أعلم بالصواب * (قوله باب بيع الزرع بالطعام كيلا) ذكر فيه
حديث ابن عمر في النهى عن المزابنة وفيه وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام قال ابن بطال أجمع
336

العلماء على أنه لا يجوز بيع الزرع قبل أن يقطع بالطعام لأنه بيع مجهول بمعلوم وأما بيع رطب
ذلك بيابسه بعد القطع وامكان المماثلة فالجمهور لا يجيزون بيع شئ من ذلك بجنسه لا متفاضلا
ولا متماثلا انتهى وقد تقدم البحث في ذلك قبل أبواب واحتج الطحاوي لأبي حنيفة في جواز
بيع الزرع الرطب بالحب اليابس بأنهم أجمعوا على جواز بيع الرطب بالرطب مثلا بمثل مع أن
رطوبة أحدهما ليست كرطوبة الآخر بل تختلف اختلافا متباينا وتعقب بأنه قياس في مقابلة
النص فهو فاسد وبأن الرطب بالرطب وان تفاوت لكنه نقصان يسير فعفى عنه لقلته بخلاف
الرطب بالتمر فان تفاوته تفاوت كثير والله أعلم * (قوله باب بيع النخل بأصله) ذكر فيه
حديث ابن عمر في التأبير وقد تقدم البحث فيه قبل بباب وأورده هنا من رواية الليث عن نافع
بلفظ أيما امرئ أبر نخلا ثم باع أصلها قال ابن بطال ذهب الجمهور إلى منع من اشترى النخل وحده
أن يشترى ثمره قبل بدو صلاحه في صفقة أخرى بخلاف ما لو اشتراه تبعا للنخل فيجوز وروى ابن
القاسم عن مالك الجواز مطلقا قال والأول أولى لعموم النهى عن ذلك * (قوله باب
بيع المخاضرة) بالخاء والضاد المعجمتين وهى مفاعلة من الخضرة والمراد بيع الثمار والحبوب
قبل أن يبدو صلاحها (قوله حدثنا إسحاق بن وهب) أي العلاف الواسطي وهو ثقة ليس له
ولا لشيخه ولا لشيخ شيخه في البخاري غير هذا الموضع (قوله حدثنا عمرو بن يونس حدثنا أبي
) هو يونس بن القاسم اليمامي من بنى حنيفة وثقه يحيى بن معين وغيره وهو قليل
الحديث (قوله عن المحاقلة) قال أبو عبيد هو بيع الطعام في سنبله بالبر مأخوذ من الحقل
وقال الليث الحقل الزرع إذا تشعب من قبل أن يغلظ سوقة والمنهى عنه بيع الزرع قبل
ادراكه وقيل بيع الثمرة قبل بدو صلاحها وقيل بيع ما في رؤس النخل بالتمر وعن مالك هو كراء
الأرض بالحنطة أو بكيل طعام أو أدام والمشهور أن المحاقلة كراء الأرض ببعض ما تنبت
وسيأتى البحث فيه في كتاب المزارعة إن شاء الله تعالى وقد تقدم الكلام على الملامسة والمنابذة
في بابه وكذلك المزابنة زاد الإسماعيلي في روايته قال يونس بن القاسم والخاضرة بيع الثمار
قبل أن تطعم وبيع الزرع قبل أن يشتد ويفرك منه وللطحاوي قال عمر بن يونس فسر لي أبى في
المخاضرة قال لا يشترى من ثمر النخل حتى يونع يحمر أو يصفر وبيع الزرع الأخضر مما يحصد
بطنا بعد بطن مما يهتم بمعرفة الحكم فيه وقد أجازه الحنفية مطلقا ويثبت الخيار إذا اختلف
وعند مالك يجوز إذا بدا صلاحه وللمشتري ما يتجدد منه بعد ذلك حتى ينقطع ويغتفر الغرر في
ذلك للحاجة وشبه بجواز كراء خدمة العبد مع أنها تتجدد وتختلف وبكراء المرضعة مع أن
لبنها يتجدد ولا يدرى كم يشرب منه الطفل وعند الشافعية يصح بعد بدو الصلاح مطلقا وقبله
يصح بشرط القطع ولا يصح بيع الحب في سنبله كالجوز واللوز ثم ذكر في الباب حديث أنس في
النهى عن بيع ثمر النخل حتى يزهو وقد تقدم البحث فيه قريبا * (قوله باب
بيع الجمار وأكله) بضم الجيم وتشديد الميم هو قلب النخلة وهو معروف ذكر فيه حديث ابن
عمر من الشجر شجرة كالرجل المؤمن وقد تقدمت مباحثه في كتاب العلم وليس فيه ذكر البيع
لكن الاكل منه يقتضى جواز بيعه قاله ابن المنير ويحتمل أن يكون أشار إلى أنه لم يجد حديثا
على شرطه يدل بمطابقته على بيع الجمار وقال ابن بطال بيع الجمار وأكله من المباحات بلا
337

خلاف وكل ما انتفع به للاكل فبيعه جائز (قلت) فائدة الترجمة رفع توهم المنع من ذلك لأنه
قد يظن افسادا وإضاعة وليس كذلك وفى الحديث أكل النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة القوم
فيرد بذلك على من كره اظهار الاكل واستحب اخفاءه قياسا على اخفاء مخرجه * (قوله
باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والكيل
والوزن وسننهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة) قال ابن المنير وغيره مقصوده بهذه الترجمة اثبات
الاعتماد على العرف وأنه يقضى به على ظواهر الألفاظ ولو أن رجلا وكل رجلا في بيع سلعة
فباعها بغير النقد الذي عرف الناس لم يجز وكذا لو باع موزونا أو مكيلا بغير الكيل أو الوزن المعتاد
وذكر القاضي الحسين من الشافعية أن الرجوع إلى العرف أحد القواعد الخمس التي يبنى عليها
الفقه فمنها الرجوع إلى العرف في معرفة أسباب الاحكام من الصفات الإضافية كصغر ضبة
الفضة وكبرها وغالب الكثافة في اللحية ونادرها وقرب منزله وبعده وكثرة فعل أو كلام وقتله في
الصلاة 3 ومقابلا بعوض في البيع وعينا وثمن مثل ومهر مثل وكفء نكاح ومؤنة ونفقة وكسوة
وسكنى وما يليق بحال الشخص من ذلك ومنها الرجوع إليه في المقادير كالحيض والطهر وأكثر
مدة الحمل وسن اليأس ومنها الرجوع إليه في فعل غير منضبط يترتب عليه الاحكام كاحياء
الموات والاذن في الضيافة ودخول بيت قريب وتبسط مع صديق وما يعد قبضا وايداعا وهدية
وغصبا وحفظ وديعة وانتفاعا بعارية ومنها الرجوع إليه في أمر مخصص كألفاظ الايمان
وفى الوقف والوصية والتفويض ومقادير المكاييل والموازين والنقود وغير ذلك (قوله وقال
شريح للغزالين) بالمعجمة وتشديد الزاي (قوله سنتكم بينكم) أي جائزة وهذا على أن يقرأ
سنتكم بالرفع ويحتمل أن يقرأ بالنصب على حذف فعل أي الزموا وهذا وصله سعيد بن منصور
من طريق ابن سيرين أن ناسا من الغزالين اختصموا إلى شريح في شئ كان بينهم فقالوا ان سنتنا
بيننا كذا وكذا فقال سنتكم بينكم * (تنبيه) * وقع في بعض نسخ الصحيح سنتكم بينكم
ربحا وقوله ربحا لفظة زائدة لا معنى لها هنا وانما هي في آخر الأثر الذي بعده (قوله وقال
عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد (عن أيوب عن محمد) هو ابن سيرين وهذا وصله أبو بكر بن أبي
شيبة عن عبد الوهاب هذا (قوله لا بأس العشرة بأحد عشر) أي لا بأس أن يبيع ما اشتراه
بمائة دينار مثلا كل عشرة منه بأحد عشر فيكون رأس المال عشرة والربح دينارا قال
ابن بطال أصل هذا الباب بيع الصبرة كل قفيز بدرهم من غير أن يعلم مقدار الصبرة فاجازه قوم
ومنعه آخرون (قلت) وفى كون هذا الفرع هو المراد من أثر ابن سيرين نظر لا يخفى وأما قوله
ويأخذ للنفقة ربحا فاختلفوا فيه فقال مالك لا يأخذ الا فيما له تأثير في السلعة كالصبغ
والخياطة وأما أجرة السمسار والطي والشد فلا قال فان أربحه المشترى على ما لا تأثير له جاز إذا
رضى بذلك وقال الجمهور للبائع أن يحسب في المرابحة جميع ما صرفه ويقول قام على بكذا
ووجه دخول هذا الأثر في الترجمة الإشارة إلى أنه إذا كان في عرف البلد أن المشترى بعشرة
دراهم يباع بأحد عشر فباعه المشترى على ذلك العرف لم يكن به بأس (قوله وقال النبي صلى الله
عليه وسلم لهند) أي بنت عتبة زوج أبي سفيان وقد ذكر قصتها موصولة في الباب (قوله
واكترى الحسن) أي البصري (من عبد الله بن مرداس حمارا الخ) وصله سعيد بن منصور عن
338

هشيم عن يونس فذكر مثله وقوله الحمار الحمار بالنصب فيهما بفعل مضمر أي أحضر أو أطلب
ويجوز الرفع أي المطلوب والدانق بالمهملة ونون خفيفة مكسورة بعدها قاف وزن سدس
درهم ووجه دخوله في الترجمة ظاهر من جهة أنه لم يشارطه اعتمادا على الأجرة المتقدمة وزاده
بعد ذلك على الأجرة المذكورة على طريق الفضل ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث
* أحدها حديث أنس في قصة أبى طيبة وقد تقدم ذكره في أوائل البيوع وساقه فيه بهذا
الاسناد ووجه دخوله في الترجمة كونه صلى الله عليه وسلم لم يشارطه على أجرته اعتمادا على
العرف في مثله * ثانيها حديث عائشة في قصة هند وسيأتى الكلام عليه في كتاب النفقات والمراد
منها قوله خذي من ماله ما يكفيك بالمعروف فأحالها على العرف فيما ليس فيه تحديد شرعي
* ثالثها حديث عائشة في قوله تعالى ومن كان غنيا فليستعفف وسيأتى الكلام عليه في تفسير
سورة النساء إن شاء الله تعالى فإنه ساقه عن إسحاق هذا بهذا الاسناد فظهر من سياقه انه هنا
بلفظ عثمان بن فرقد وهناك بلفظ عبد الله بن نمير وقد ذكره هنا بلفظ والى اليتيم الذي يقيم عليه
وقال ابن التين الصواب يقوم لأنه من القيام لا من الإقامة (قلت) وكذا أخرجه أبو نعيم من وجه
آخر عن هشام ولم يقع في رواية ابن نمير شئ من ذلك ولا في رواية أبى أسامة في الصوايا ورواية
يقيم مواجهة أي يلازمه أو يقيم نفسه عليه واسحق شيخ البخاري فيه هو ابن منصور كما جزم به
خلف وغيره في الأطراف وقد استخرجه أبو نعيم من مسنده إسحاق بن راهويه عن ابن نمير وقال
أخرجه البخاري عن إسحاق وقال في التفسير أخرجه البخاري عن إسحاق بن منصور وهشام هو
ابن عروة وعثمان بن فرقد بفاء وقاف وزن جعفر هذا هو العطار البصري فيه مقال لكن لم يخرج
له البخاري موصولا سوى هذا الحديث وقد قرنه بابن نمير وذكر له آخر تعليقا في المغازي والمراد منه
في الترجمة حوالة والى اليتيم في أكله من مال على العرف * (قوله باب بيع الشريك من
شريكه) قال ابن بطال هو جائز في كل شئ مشاع وهو كبيعه من الأجنبي فان باعه من الأجنبي
فللشريك الشفعة وان باعه من الشريك ارتفعت الشفعة وذكر فيه حديث جابر في الشفعة
وسيأتى الكلام عليه في بابه وحاصل كلام ابن بطال مناسبة الحديث للترجمة وقال غيره معنى
الترجمة حكم بيع الشريك من شريكه والمراد منه حض الشريك أن لا يبيع ما فيه الشفعة
الا من شريكه لأنه ان باعه لغيره كان للشريك أخذه بالشفعة قهرا وقيل وجه المناسبة أن الدار إذا
كانت بين ثلاثة فباع أحدهم للآخر كان للثالث أن يأخذ بالشفعة ولو كان المشترى شريكا
وقيل ينبنى على الخلاف هل الاخذ بالشفعة أخذ من المشترى أو من البائع فإن كان من المشترى
فيكون شريكا وإن كان من البائع فهو شريك شريكه وقيل مراده أن الشفيع إن كان له الاخذ
قهرا فللبائع إذا كان شريكه أن يبيع له ذلك بطريق الاختيار بل أولى والله أعلم * (قوله
باب بيع الأرض والدور والعروض مشاعا غير مقسوم) ذكر فيه حديث جابر في
الشفعة أيضا وسيأتي في مكانه وذكر هنا اختلاف الرواية في قوله كل مال لم يقسم أو كل مال لم يقسم
فقال عبد الواحد بن زياد وهشام بن يوسف عن معمر كل ما لم يقسم وقال عبد الرزاق عن معمر
كل مال وكذا قال عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري وطريق هشام وصلها المؤلف في ترك الحيل
وطريق عبد الرزاق وصلها في الباب الذي قبله وطريق عبد الرحمن بن إسحاق وصلها مسدد في
339

مسنده عن بشر بن المفضل عنه ووقع عند السرخسي في رواية عبد الرزاق وفى رواية عبد الواحد
في الموضعين كل مال وللباقين كل ما في رواية عبد الواحد وكل مال في رواية عبد الرزاق
وقد رواه اسحق عن عبد الرزاق بلفظ قضى بالشفعة في الأموال ما لم تقسم وهو يرجح رواية غير
السرخسي والله أعلم قال الكرماني الفرق بين هذه الثلاث يعنى قوله تابعه وقال ورواه أن
المتابعة أن يروى الراوي الآخر الحديث بعينه والرواية انما تستعمل عند المذاكرة والقول أعم
وما ادعاه من الاتحاد في المتابعة مردود فإنها أعم من أن تكون باللفظ أو بالمعنى وحصره الرواية
في المذاكرة مردود أيضا فان في هذا الكتاب ما عبر عنه بقوله رواه فلان ثم أسنده هو في موضع
آخر بصيغة حدثنا وأما الذي هنا بخصوصه فعبد الرحمن بن إسحاق ليس على شرطه ولذلك حذفه مع
كونه أخرج الحديث عن مسدد الذي وصله عن عبد الرحمن * (قوله باب إذا اشترى
شيئا لغيره بغير اذنه فرضى) هذه الترجمة معقودة لبيع الفضولي وقد مال البخاري فيها إلى الجواز
وأورد فيه حديث ابن عمر في قصة الثلاثة الذين انحطت عليهم الصخرة في الغار وسيأتى في شرحه في
أواخر أحاديث الأنبياء وموضع الترجمة منه قول أحدهم انى استأجرت أجيرا بفرق من ذرة
فأعطيته فأبى فعمدت إلى الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها فان فيه تصرف الرجل
في مال الأجير بغير اذنه ولكنه لما ثمره له ونماه وأعطاه أخذه ورضى وطريق الاستدلال به ينبنى على
أن شرع من قبلنا شرع لنا والجمهور على خلافه والخلاف فيه شهير لكن يتقرر بأن النبي صلى الله
عليه وسلم ساقه مساق المدح والثناء على فاعله وأقره على ذلك ولو كان لا يجوز لبينه فبهذا الطريق
يصح الاستدلال به لا بمجرد كونه شرع من قبلنا وفى اقتصار البخاري على الاستنباط لهذا الحكم
بهذه الطريق دلالة على أن الذي أخرجه في فضل الخيل من حديث عروة البارقي في قصة بيعه
الشاة لم يقصد به الاستدلال لهذا الحكم وقد أجيب عن حديث الباب بأنه يحتمل أنه استأجره
بفرق في الذمة ولما عرض عليه الفرق فلم يقبضه استمر في ذمة المستأجر لان الذي في الذمة لا يتعين
الا بالقبض فلما تصرف فيه المالك صح تصرفه سواء اعتقده لنفسه أو لأجيره ثم إنه تبرع بما اجتمع
منه على الأجير برضا منه والله أعلم قال ابن بطال وفيه دليل على صحة قول ابن القاسم إذا أودع
رجل رجلا طعاما فباعه المودع بثمن فرضى المودع فله الخيار ان شاء أخذ الثمن الذي باعه به وان
شاء أخذ مثل طعامه ومنع أشهب قال لأنه طعام بطعام فيه خيار واستدل به لأبي ثور في قوله إن
من غصب قمحا فزرعه ان كل ما أخرجت الأرض من القمح فهو لصاحب الحنطة وسيأتى بقية
الكلام على هذا الفرع وما يتعلق به مع الكلام على بقية فوائد حديث أهل الغار في أواخر
أحاديث الأنبياء وقوله في هذه الطريق أخبرنا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع فيه
ادخال الواسطة بين ابن جريج ونافع وابن جريح قد سمع الكثير من نافع ففيه دلالة على قلة
تدليس ابن جريج وروايته عن موسى من نوع رواية الاقران وفى الاسناد ثلاثة من التابعين
340

في نسق وقوله في المتن الحلاب بكسر المهملة وتخفيف اللام آخره موحدة الاناء الذي يحلب فيه
أو المراد اللبن وقوله يتضاغون بمعجمتين أي يتباكون من الضعفاء وهو البكاء بصوت وقوله فرجة
بضم الفاء ويجوز الفتح والفرق تقدم في الزكاة والذرة بضم المعجمة وتخفيف الراء معروف
* (قوله باب الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب) قال ابن بطال معاملة الكفار
جائزة الا بيع ما يستعين به أهل الحرب على المسلمين واختلف العلماء في مبايعة من غالب ماله الحرام
وحجة من رخص فيه قوله صلى الله عليه وسلم للمشرك أبيعا أم هبة وفيه جواز بيع الكافر
واثبات ملكه على ما في يده وجواز قبول الهدية منه وسيأتى حكم هدية المشركين في كتاب الهبة
(قلت) وأورد المصنف فيه حديث الباب باسناده هذا أتم سياقا منه ويأتي الكلام عليه هناك
إن شاء الله تعالى وقوله فيه مشعان بضم الميم وسكون المعجمة بعدها مهملة وآخره نون ثقيلة أي
طويل شعث الشعر وسيأتى تفسيره للمصنف في الهبة وقوله أبيعا أم عطية منصوب بفعل مضمر
أي أتجعله ونحو ذلك ويجوز الرفع أي أهذا وقد تقدم قريبا في باب بيع السلاح في الفتنة ما يتعلق
بمبايعة أهل الشرك * (قوله باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه) قال ابن
بطال غرض البخاري بهذه الترجمة اثبات ملك الحربي وجواز تصرفه في ملكه بالبيع والهبة
والعتق وغيرها إذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم سلمان عند مالكه من الكفار وأمره أن يكاتب
وقبل الخليل هبة الجبار وغير ذلك مما تضمنه حديث الباب (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم
لسلمان) أي الفارسي (كاتب وكان حرا فظلموه وباعوه) هذا طرف من حديث وصله أحمد
والطبراني من طريق ابن إسحاق عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد عن سلمان قال كنت رجلا
فارسيا فذكر الحديث بطوله وفيه ثم مر بي نفر من كلب تجار فحملوني معهم حتى إذا قدموا بي
وادى القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي الحديث وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم كاتب يا سلمان قال فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة ودية وأخرجه ابن حبان والحاكم في
صحيحيهما من وجه آخر عن زيد بن صوحان عن سلمان نحوه وأخرجه أبو أحمد وأبو يعلى والحاكم
من حديث بريدة بمعناه * (تنبيه) * قوله كان حرا فظلموه وباعوه من كلام البخاري لخصه من قصته
في الحديث الذي علقه وظن الكرماني أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله لسلمان
كاتب يا سلمان فقال قوله وكان حرا حال من قال النبي لا من قوله كاتب ثم قال كيف أمره
بالكتابة وهو حر وأجيب بأنه أراد بالكتابة صورتها لا حقيقتها وكأنه أراد افد نفسك وتخلص
من الظلم كذا قال وعلى تسليم أن قوله وكان حرا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعين
منه حمل الكتابة على المجاز لاحتمال أن يكون أراد بقوله وكان حرا أي قبل أن يخرج من بلده
فيقع في أسر الذين ظلموه وباعوه ويستفاد من هذا كله تقرير أحكام المشركين على ما كانوا عليه
قبل الاسلام وقد قال الطبري انما أقر اليهودي على تصرفه في سلمان بالبيع ونحوه لأنه لما ملكه لم
يكن سلمان على هذه الشريعة وانما كان قد تنصر وحكم هذه الشريعة أن من غلب من
الكفار على نفس غيره أو ماله ولم يكن المغلوب فيمن دخل في الاسلام أنه يدخل في ملك الغالب
(قوله وسبى عمار وصهيب وبلال) أما قصة سبى عمار فما ظهر لي المراد منها لان عمارا كان عربيا
عنسيا بالنون والمهملة ما وقع عليه سبى وانما سكن أبوه ياسر مكة وحالف بنى مخزوم فزوجوه
سمية وهى من مواليهم فولدت له عمارا فيحتمل أن يكون المشركون عاملوا عمارا معاملة السبى
341

لكون أمه من مواليهم داخلا في رقهم وأما صهيب فذكر ابن سعد أن أباه من النمر بن قاسط وكان
عاملا لكسرى فسبت الروم صهيبا لما غزت أهل فارس فابتاعه منهم عبد الله بن جدعان وقيل
بل هرب من الروم إلى مكة فخالف ابن جدعان وستأتى الإشارة إلى قصته في الكلام على الحديث
الثالث واما بلال فقال مسدد في مسنده حدثنا معتمر عن أبيه عن نعيم بن أبي هند قال كان بلال
لأيتام أبى جهل فعذبه عروبة أبو بكر رجلا فقال اشتر لي بلالا فأعتقه وروى عبد الرزاق من
طريق سعيد بن المسيب قال قال أبو بكر للعباس اشتر لي بلالا فاشتراه فأعتقه أبو بكر وفى المغازي
لابن اسحق حدثني هشام بن عروة عن أبيه قال مر أبو بكر بأمية بن خلف وهو يعذب بلالا
فقال ألا تتقى الله في هذا المسكين قال أنقذه أنت مما ترى فأعطاه أبو بكر غلاما أجلد منه وأخذ
بلالا فأعتقه ويجمع بين القصتين بأن كلا من أمية وأبى جهل كان يعذب بلالا ولهما شوب
فيه (قوله وقال الله تعالى والله فضل بعضكم على بعض في الرزق الآية) موضع الترجمة منه قوله
تعالى على ما ملكت ايمانهم فأثبت لهم ملك اليمين مع كون ملكهم غالبا كان على غير الأوضاع
الشرعية وقال ابن المنير مقصوده صحة ملك الحربي وملك المسلم عنه والمخاطب في الآية
المشركون والتوبيخ الذي وقع لهم بالنسبة إلى ما عاملوا به أصنامهم من التعظيم ولم يعاملوا ربهم
بذلك وليس هذا من غرض هذا الباب ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث أحدها حديث أبي
هريرة في قصة إبراهيم عليه السلام وسارة مع الجبار وفيه أنه أعطاها هاجر ووقع هنا آجر
بهمزة بدل الهاء وقوله كبت بفتح الكاف والموحدة بعدها مثناة أي أخزاه وقيل رده خائبا وقيل
أحزنه وقيل صرعه وقيل صرفه وقيل أذله حكاها كلها ابن التين وقال إنها متقاربة وقيل أصل
كبت كبد أي بلغ الهم كبده فأبدلت الدال مثناة وقوله أخدم أي مكن من الخدمة وسيأتى
الكلام عليه مستوى في أحاديث الأنبياء وموضع الترجمة منه قول الكافر أعطوها هاجر
وقبول سارة منه وامضاء إبراهيم عليه السلام ذلك ففيه صحة هبة الكافر * ثانيها حديث عائشة
في قصة ابن وليدة زمعة وقد تقدم قريبا ويأتي الكلام عليه في الباب المحال عليه ثم وموضع
الترجمة منه تقرير النبي صلى الله عليه وسلم ملك زمعة للوليدة واجراء أحكام الرق عليها * ثالثها
حديث صهيب (قوله عن سعد) أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (قوله قال عبد الرحمن
ابن عوف لصهيب اتق الله ولا تدع إلى غير أبيك) كأن صهيب يقول إنه ابن سنان بن مالك
342

ابن عبد عمرو بن عقيل ويسوق نسبا ينتهى إلى النمر بن قاسط وان أمه من بنى تميم وكان لسانه
أعجميا لأنه ربى بين الروم فغلب عليه لسانهم وقد روى الحاكم من طريق محمد بن عمرو بن علقمة
عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال قال عمر لصهيب ما وجدت عليك في الاسلام
الا ثلاثة أشياء اكتنيت أبا يحيى وأنك لا تمسك شيئا وتدعى إلى النمر بن قاسط فقال أما الكنية فان
رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني وأما النفقة فان الله يقول وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وأما
النسب فلو كنت من روثة لانتسبت إليها ولكن كان العرب تسبى بعضهم بعضا فسباني ناس بعد
أن عرفت مولدي وأهلي فباعوني فأخذت بلسانهم يعنى لسان الروم ورواه الحاكم أيضا وأحمد
وأبو يعلى وابن سعد والطبراني من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن حمزة بن صهيب عن أبيه
انه كان يكنى أبا يحيى ويقول إنه من العرب ويطعم الكثير فقال له عمر فقال إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كناني وانى رجل من النمر بن قاسط من أهل الموصل ولكن سبتنى الروم غلاما صغيرا بعد
أن عقلت قومي وعرفت نسبى وأما الطعام فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خياركم من
أطعم الطعام ورواه الطبراني من طريق زيد بن أسلم عن أبيه قال خرجت مع عمر حتى دخلنا على
صهيب فلما رآه صهيب قال يا ناس يا ناس فقال عمر ماله يدعو الناس فقيل انما يدعو غلامه
يحنس فقال يا صهيب ما فيك شئ أعيبه الا ثلاث خصال فذكر نحوه وقال فيه وأما انتسابي إلى
العرب فان الروم سبتنى وأنا صغير وانى لاذكر أهل بيتي ولو أنى انفلقت عن روثة لانتسبت إليها
فهذه طرق تقوى بعضها ببعض فلعله اتفقت له هذه المراجعة بينه وبين عمر مرة بينه وبين
عبد الرحمن بن عوف أخرى ويدل عليه اختلاف السياق رابعها حديث حكيم بن حزام أنه قال
يا رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها الحديث وقد تقدم الكلام عليه في الزكاة وموضع
الترجمة منه ما تضمنه الحديث من وقوع الصدقة والعتاقة من المشرك فإنه يتضمن صحة ملك
المشرك إذ صحة العتق متوقفة على صحة الملك وسيأتى الكلام على قوله أتحنث هل هو بالمثلثة
أو المثناة في كتاب الأدب وذكر الكرماني أنه روى هنا أتحبب بموحدتين وكان الأولى ان ينسبها
لقائلها * (قوله باب جلود الميتة قبل أن تدبغ) أي هل يصح بيعها أم لا أورد فيه
حديث ابن عباس في شاة ميمونة وكأنه أخذ جواز البيع من جواز الاستمتاع لان كل ما ينتفع به
يصح بيعه ومالا فلا وبهذا يجاب عن اعتراض الإسماعيلي بأنه ليس في الخبر الذي أورده تعرض
للبيع والانتفاع بجلود الميتة مطلقا قبل الدباغ وبعده مشهور من مذهب الزهري وكأنه
اختيار البخاري وحجته مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم انما حرم أكلها
فإنه يدل على أن كل ما
عدا أكلها مباح وسيأتى الكلام عليه مستوفى في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى * (قوله
باب قتل الخنزير) أي هل يشرع كما شرع تحريم أكله ووجه دخوله في أبواب البيع
الإشارة إلى أن ما أمر بقتله لا يجوز بيعه قال ابن التين شذ بعض الشافعية فقال لا يقتل الخنزير
إذا لم يكن فيه ضراوة قال والجمهور على جواز قتله مطلقا والخنزير بوزن غربيب ونونه أصلية
وقيل زائدة وهو مختار الجوهري (قوله وقال جابر حرم النبي صلى الله عليه وسلم بيع الخنزير)
هذا طرف من حديث وصله المؤلف كما سيأتي بعد تسعة أبواب ثم ذكر المصنف في الباب حديث أبي
هريرة في نزول عيسى بن مريم فيكسر الصليب ويقتل الخنزير وسيأتى الكلام عليه
343

مستوفى في أحاديث الأنبياء وموضع الترجمة منه قوله ويقتل الخنزير أي يأمر باعدامه مبالغة
في تحريم أكله وفيه توبيخ عظيم للنصارى الذي يدعون انهم على طريقة عيسى ثم يستحلون
أكل الخنزير ويبالغون في محبته * (قوله باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه
رواه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي روى معناه وسيأتى شرح ذلك في باب بيع الميتة
والأصنام (قوله بلغ عمر بن الخطاب أن فلانا باع خمرا) في رواية مسلم وابن ماجة عن أبي بكر بن أبي
شيبة عن سفيان بن عيينة بهذا الاسناد أن سمرة باع خمرا فقال قاتل الله سمرة زاد البيهقي من
طريق الزعفراني عن سفيان عن سمرة بن جندب قال ابن الجوزي والقرطبي وغيرهما اختلف
في كيفية بيع سمرة للخمر على ثلاثة أقوال أحدها أنه أخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية
فباعها منهم معتقدا جواز ذلك وهذا حكاه ابن الجوزي عن ابن ناصر ورجحه وقال كان ينبغي
له أن يوليهم بيعها فلا يدخل في محظور وان أخذ أثمانها منهم بعد ذلك لأنه لم يتعاط محرما ويكون
شبيها بقصة بريرة حيث قال هو عليها صدقة ولنا هدية والثاني قال الخطابي يجوز ان يكون باع
العصير ممن يتخذه خمرا والعصير يسمى خمرا كما قد يسمى العنب به لأنه يئول إليه قاله الخطابي قال
ولا يظن بسمرة انه باع عين الخمر بعد ان شاع تحريمها وانما باع العصير والثالث ان يكون خلل
الخمر وباعها وكان عمر يعتقد أن ذلك لا يحلها كما هو قول أكثر العلماء وأعتقد سمرة الجواز
كما تأوله غيره انه يحل التخليل ولا ينحصر الحل في تخليلها بنفسها قال القرطبي تبعا لابن الجوزي
والأشبه الأول (قلت) ولا يتعين على الوجه الأول أخذها عن الجزية بل يحتمل أن تكون حصلت
له عن غنيمة أو غيرها وقد أبدى الإسماعيلي في المدخل فيه احتمالا آخر وهو ان سمرة علم تحريم الخمر
الخمر ولم يعلم تحريم بيعها ولذلك اقتصر عمر على ذمه دون عقوبته وهذا هو الظن به ولم أر في شئ
من الاخبار أن سمرة كان واليا لعمر على شئ من أعماله الا أن ابن الجوزي أطلق انه كان واليا
على البصرة لعمر بن الخطاب وهو وهم فإنما ولى سمرة على البصرة لزياد وابنه عبيد الله بن زياد بعد
عمر بدهر وولاة البصرة لعمر قد ضبطوا وليس منهم سمرة ويحتمل أن يكون بعض أمرائها استعمل
سمرة على قبض الجزية (قوله حرمت عليهم الشحوم) أي أكلها والا فلو حرم عليهم بيعها لم يكن
لهم حيلة فيما صنعوه من اذابتها (قوله فجملوها) بفتح الجيم والميم أي أذابوها يقال جملة إذا أذابه
والجميل الشحم المذاب ووجه تشبيه عمر بيع المسلمين الخمر ببيع اليهود المذاب من الشحم
الاشتراك في النهى عن تناول كل منهما لكن ليس كل ما حرم تناوله حرم بيعه كالحمر الأهلية وسباع
الطير فالظاهر أن اشتراكهما في كون كل منهما صار بالنهى عن تناوله نجسا هكذا حكاه ابن بطال
عن الطبري وأقره وليس بواضح بل كل ما حرم تناوله حرم بيعه وتناول الحمر والسباع وغيرهما مما
حرم أكله انما يتأتى بعد ذبحه وهو بالذبح يصير ميتة لأنه لا ذكاة له وإذا صار ميتة صار نجسا ولم
يجز بيعه فالايراد في الأصل غير وارد هذا قول الجمهور وان خالف في بعضه بعض الناس وأما
قول بعضهم الابن إذا ورث جارية أبيه حرم عليه وطؤها وجاز له بيعها وأكل ثمنها فأجاب عياض
عنه بأنه تمويه لأنه لم يحرم عليه الانتفاع بها مطلقا وانما حرم عليه الاستمتاع بها لأمر خارجي
والانتفاع بها لغيره في الاستمتاع وغيره حلال إذا ملكها بخلاف الشحوم فان المقصود منها وهو
الاكل كان محرما على اليهود في كل حال وعلى كل شخص فافترقا وفى الحديث لعن العاصي المعين
344

ولكن يحتمل ان يقال إن قول عمر قاتل الله سمرة لم يرد به ظاهره بل هي كلمة تقولها العرب عند
إرادة الزجر فقالها في حقه تغليظا عليه وفيه إقالة ذوي الهيأت زلاتهم لان عمر اكتفى بتلك
الكلمة عن مزيد عقوبة ونحوها وفيه ابطال الحيل والوسائل إلى المحرم وفيه تحريم بيع الخمر
وقد نقل ابن المنذر وغيره في ذلك الاجماع وشذ من قال يجوز بيعها ويجوز بيع العنقود
المستحيل باطنه خمرا واختلف في علة ذلك فقيل لنجاستها وقيل لأنه ليس فيها منفعة مباحة
مقصودة وقيل للمبالغة في التنفير عنها وفيه ان الشئ إذا حرم عينه حرم ثمنه وفيه دليل على أن
بيع المسلم الخمر من الذمي لا يجوز وكذا توكيل المسلم الذمي في بيع الخمر وأما تحريم بيعها على
أهل الذمة فمبنى على الخلاف في خطاب الكافر بالفروع وفيه استعمال القياس في الأشباه والنظائر
واستدل به على تحريم بيع جثة الكافر إذا قتلناه وأراد الكافر شراءه وعلى منع بيع
كل محرم نجس ولو كان فيه منفعة كالسرقين وأجاز ذلك الكوفيون وذهب بعض المالكية إلى
جواز ذلك للمشترى دون البائع لاحتياج المشترى دونه وسيأتى في باب بيع الميتة من حديث
جابر بيان الوقت الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة وفيه البحث عن الانتفاع بشحم
الميتة وان حرم بيعها وما يستثنى من تحريم بيع الميحة إن شاء الله تعالى (قوله أخبرنا عبد الله) هو
ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد (قوله قاتل الله يهودا) كذا بالتنوين على إرادة البطن وفى
رواية بغير تنوين على إرادة القبيلة وقد ذكر المصنف في رواية المستملى في آخر الباب أن معنا
لعنهم واستشهد بأن قوله تعالى قتل الخراصون معناه لعن وهو تفسير ابن عباس في قتل وقوله
الخراصون الكذابون هو تفسير مجاهد رواهما الطبري في تفسيره عنهما وقال الهروي معنى
قاتلهم قتلهم قال وفاعل أصلها أن يقع الفعل بين اثنين وربما جاء من واحد كسافرت
وطارقت النعل وقال غيره معنى قاتلهم عادهم وقال الداودي من صار عدو الله وجب قتله
وقال البيضاوي قاتل أي عادى أو قتل وأخرج في صورة المبالغة أو عبر عنه بما هو مسبب عنهم
فإنهم بما اخترعوا من الحيلة انتصبوا لمحاربة الله ومن حاربه حرب ومن قاتله قتل * (قوله
باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح وما يكره من ذلك) أي من الاتخاذ أو البيع
أو الصنعة أو ما هو أعم من ذلك والمراد بالتصاوير الأشياء التي تصور ثم ذكر المؤلف رحمه الله
حديث ابن عباس مرفوعا من صور صورة فان الله معذبه الحديث ووجه الاستدلال به على
كراهية البيع وغيره واضح وسعيد بن أبي الحسن راويه عن ابن عباس هو أخو الحسن
البصري وهو أسن منه ومات قبله وليس له في البخاري موصولا سوى هذا الحديث وسيأتى
الكلام عليه مستوفى في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى (قوله فربا الرجل) بالراء والموحدة أي
انتفخ قال الخليل ربا الرجل أصابه نفس في جوفه وهو الربو والربوة وقيل معناه ذعر وامتلأ
خوفا وقوله ربوة بضم الراء وبفتحها (قوله فعليك بهذا الشجر كل شئ ليس فيه روح) كذا
في الأصل بخفض كل على أنه بدل كل من بعض وقد جوزه بعض النحاة ويحتمل أن يكون على
حذف مضاف أي عليك بمثل الشجر أو على حذق واو العطف أي وكل شئ ومثله قولهم في
التحيات الصلوات إذ المعنى والصلوات وبهذا الأخير جزم الحميدي في جمعه وكذا ثبت في رواية
مسلم والإسماعيلي بلفظ فاصنع الشجر ومالا نفس له ولابى نعيم من طريق هوذة عن عوف
345

فعليك بهذا الشجر وكل شئ ليس فيه روح باثبات واو العطف وقال الطيبى قوله كل شئ
هو بيان لشجر لأنه لما منعه عن التصوير وأرشده إلى الشجر كان غير واف بمقصوده ولأنه
قصد كل ما لا روح فيه ولم يقصد خصوص الشجر وقوله كل بالخفض ويجوز النصب (قوله
قال أبو عبد الله) هو المصنف (قوله سمع سعيد بن أبي عروبة من النضر بن أنس هذا الواحد
أي الحديث سقطت هذه الزيادة من رواية النسفي هنا وأشار بذلك إلى ما أخرجه في اللباس
من طريق عبد الاعلى عن سعيد عن النضر عن ابن عباس بمعناه وسأذكر ما بين الروايتين من
التغاير هناك إن شاء الله تعالى ثم وجدت في نسخة الصغاني قبل قوله سمع سعيد ما نصه قال أبو
عبد الله وعن محمد عن عبدة عن سعيد بن أبي عروبة سمعت النضر بن أنس قال كنت عند ابن
عباس بهذا الحديث وبعده قال أبو عبد الله سمع سعيد الخ فزال الاشكال بهذا ولم أجد هذا
في شئ من نسخ البخاري الا في نسخة الصغاني ومحمد المذكور هو ابن سلام وعبدة هو ابن سليمان
* (قوله باب تحريم التجارة في الخمر) تقدم نظير هذه الترجمة في أبواب المساجد لكن
بقيد المسجد وهذه أعم من تلك (قوله وقال جابر حرم النبي صلى الله عليه وسلم بيع الخمر)
سيأتي موصولا بعد ستة أبواب ونذكر تحرير المسئلة هناك إن شاء الله تعالى ثم أورد حديث
عائشة بلفظ حرمت التجارة في الخمر وقد تقدم في باب أكل الربا من هذا الوجه أتم سياقا
ولأحمد والطبراني من حديث تميم الداري مرفوعا ان الخمر حرام شراؤها وثمنها * (قوله
باب اثم من باع حرا) أي عالما متعمدا والحر الظاهر أن المراد به من بني آدم ويحتمل أن
يكون أعم من ذلك فيدخل مثل الموقوف (قوله حدثنا بشر بن مرحوم) هو بشر بن
عبيس بمهملة ثم موحدة مصغرا ابن مرحوم بن عبد العزيز بن مهران العطار فنسب إلى جده
وهو شيخ بصرى ما أخرج عنه من الستة الا البخاري وقد أخرج حديثه هذا في الإجارة عن شيخ
آخر وافق بشرا في روايته له عن شيخهما (قوله حدثنا يحيى بن سليم) بالتصغير هو الطائفي
نزيل مكة مختلف في توثيقه وليس له في البخاري موصولا سوى هذا الحديث وذكره في الإجارة
من وجه آخر عنه والتحقيق أن الكلام فيه انما وقع في روايته عن عبيد الله بن عمر خاصة وهذا
الحديث من غير روايته واتفق الرواة عن يحيى بن سليم على أن الحديث من رواية سعيد المقبري
عن أبي هريرة وخالفهم أبو جعفر النفيلي فقال عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قاله البيهقي
والمحفوظ قول الجماعة (قوله ثلاثة أنا خصمهم) زاد ابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي
في هذا الحديث ومن كنت خصمه خصمته قال ابن التين هو سبحانه وتعالى خصم لجميع الظالمين
الا انه أراد التشديد على هؤلاء بالتصريح والخصم يطلق على الواحد وعلى الاثنين وعلى أكثر
من ذلك وقال الهروي الواحد بكسر أوله وقال الفراء الأول قول الفصحاء ويجوز في الاثنين
خصمان والثلاثة خصوم (قوله أعطى بي ثم غدر) كذا للجميع على حذف المفعول والتقدير
أعطى يمينه بي أي عاهد عهدا وحلف عليه بالله ثم نقضه (قوله باع حرا فأكل ثمنه) خص الاكل
بالذكر لأنه أعظم مقصود ووقع عند أبي داود من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا ثلاثة لا تقبل
منهم صلاة فذكر فيهم ورجل اعتبد محررا وهذا أعم من الأول في الفعل وأخص منه في المفعول
به قال الخطابي اعتباد الحر يقع بأمرين أن يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحد والثاني أن يستخدمه
346

كرها بعد العتق والأول أشدهما (قلت) وحديث الباب أشد لان فيه مع كتم العتق أو جحده العمل
بمقتضى ذلك من البيع وأكل الثمن فمن ثم كان الوعيد عليه أشد قال المهلب وانما كان إثمه شديدا
لان المسلمين أكفاء في الحرية فمن باع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له وألزمه الذل الذي
أنقذه الله منه وقال ابن الجوزي الحر عبد الله فمن جنى عليه فخصمه سيده وقال ابن المنذر لم
أيختلفوا في أن من باع حرا أنه لا قطع عليه يعنى إذا لم يسرقه من حرز مثله الا ما يروى عن علي
تقطع يد من باع حرا قال وكان في جواز بيع الحر خلاف قديم ثم ارتفع فروى عن علي قال من أقر
على نفسه بأنه عبد فهو عبد (قلت) يحتمل أن يكون محله فيمن لم تعلم حريته لكن روى ابن أبي شيبة
من طريق قتادة أن رجلا باع نفسه فقضى عمر بأنه عبد وجعل ثمنه في سبيل الله ومن طريق
زرارة بن أوفى أحد التابعين أنه باع حرا في دين ونقل ابن حزم ان الحر كان يباع في الدين حتى
نزلت وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ونقل عن الشافعي مثل رواية زرارة ولا يثبت ذلك
أكثر الأصحاب واستقر الاجماع على المنع (قوله ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره)
هو في معنى من باع حرا وأكل ثمنه لأنه استوفى منفعته بغير عوض وكأنه أكلها ولأنه استخدمه
بغير أجرة وكأنه استبعده * (قوله باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود ببيع
أرضيهم) كذا في رواية أبي ذر فتح الراء وكسر الضاد المعجمة جمع أرض وهو جمع شاذ لأنه جمع جمع
السلامة ولم يبق مفرده سالما لان الراء في المفرد ساكنة وفى الجمع محركة (قوله حين أجلاهم)
أي من المدينة (قوله فيه المقبري عن أبي هريرة) يشير إلى ما أخرجه في الجهاد في باب اخراج
اليهود من جزيرة العرب من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة قال بينا نحن في المسجد إذ خرج
علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال انطلقوا إلى اليهود وفيه فقال انى أريد ان أجليكم فمن وجد
منكم بماله شيئا فليبعه وهذه القصة وقعت لبنى النضير كما سيأتي بيان ذلك في موضعه وكأن
المصنف أخذ بيع الأرض من عموم بيع المال وقد تقدم في أبواب الخيار في قصة عثمان وابن
عمر اطلاق المال على الأرض وغفل الكرماني عن الإشارة إلى هذا الحديث فقال انما ذكر
البخاري هذا الحديث بهذه الصيغة مقتضيا لكونه لم يثبت الحديث المذكور على شرطه
والصواب أنه اكتفى هنا بالإشارة إليه لاتحاد مخرجه عنده ففر من تكرار الحديث على صورته
بغير فائدة زائدة كما هو الغالب من عادته * (قوله باب بيع العبد والحيوان
بالحيوان نسيئة) التقدير بيع العبد بالعبد نسيئة والحيوان بالحيوان نسيئة وهو من عطف
العام على الخاص وكأنه أراد بالعبد جنس من يستعبد فيدخل فيه الذكر والأنثى ولذلك ذكر قصة
صفية أو أشار إلى الحاق حكم الذكر بحكم الأنثى في ذلك لعدم الفرق قال ابن بطال اختلفوا في
ذلك فذهب الجمهور إلى الجواز لكن شرط مالك ان يختلف الجنس ومنع الكوفيون وأحمد
مطلقا لحديث سمرة المخرج في السنن ورجاله ثقات الا أنه اختلف في سماع الحسن من سمرة وفى
الباب عن ابن عباس عند البزار والطحاوي ورجاله ثقات أيضا الا انه اختلف في وصله وارساله
فرجح البخاري وغير واحد ارساله وعن جابر عند الترمذي وغيره واسناده لين وعن جابر بن سمرة
عند عبد الله في زيادات المسند وعن ابن عمر عند الطحاوي والطبراني واحتج للجمهور بحديث
عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا وفيه فابتاع البعير بالبعيرين
347

بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الدارقطني وغيره واسناده قوى واحتج البخاري هنا
بقصة صفية واستشهد بآثار الصحابة (قوله واشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة الحديث) وصله
مالك والشافعي عنه عن نافع عن ابن عمر بهذا ورواه ابن أبي شيبة من طريق أبى بشر عن نافع ان
ابن عمر اشترى ناقة بأربعة أبعرة بالربذة فقال لصاحب الناقة اذهب فانظر فان رضيت فقد وجب
البيع وقوله راحلة أي ما أمكن ركوبه من الإبل ذكرا أو أنثى وقوله مضمونة صفة راحلة أي
تكون في ضمان البائع حتى يوفيها أي يسلمها للمشترى والربذة بفتح الراء والموحدة والمعجمة مكان
معروف بين مكة والمدينة (قوله وقال ابن عباس قد يكون البعير خيرا من البعيرين) وصله
الشافعي من طريق طاوس ان ابن عباس سئل عن بعير ببعيرين فقاله (قوله واشترى رافع بن
خديج بعيرا ببعيرين فأعطاه أحدهما وقال آتيك بالآخر غدا رهوا إن شاء الله) وصله عبد الرزاق
من طريق مطرف بن عبد الله عنه وقوله رهوا بفتح الراء وسكون الهاء أي سهلا والرهو السير
السهل والمراد به هنا ان يأتيه به سريعا من غير مطل (قوله وقال ابن المسيب لا ربا في الحيوان
البعير بالبعيرين والشاة بالشاتين إلى أجل) أما قول سعيد فوصله مالك عن ابن شهاب عنه لا ربا
في الحيوان ووصله ابن أبي شيبة من طريق أخرى عن الزهري عنه لا بأس بالبعير بالبعيرين نسيئة
(قوله وقال ابن سيرين لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم بدرهم نسيئة) كذا في معظم الروايات ووقع في
بعضها ودرهم بدرهمين نسيئة وهو خطأ والصواب درهم بدرهم وقد وصله عبد الرزاق من طريق
أيوب عنه بلفظ لا بأس بعير ببعيرين ودرهم بدرهم نسيئة فإن كان أحد البعيرين نسيئة فهو
مكروه وروى سعيد بن منصور من طريق يونس عنه أنه كان لا يرى بأسا بالحيوان بالحيوان يدا
بيد أو الدراهم نسيئة ويكره أن تكون الدراهم نقدا والحيوان نسيئة (قوله كان في السبى
صفية فصارت إلى دحية ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم) كذا أورده مختصرا وأشار بذلك
إلى ما وقع في بعض طرقه مما يناسب ترجمته انه صلى الله عليه وسلم عوض دحية عنها بسبعة
أرؤس وهو عند مسلم من طريق حماد بن ثابت وللمصنف من وجه آخر كما سيأتي فقال لدحية
خذ جارية من السبى غيرها قال ابن بطال ينزل تبديلها بجارية غير معينة يختارها منزلة بيع
جارية بجارية نسيئة وسيأتى الكلام على قصة صفية هذه مستوفى في غزوة خيبر إن شاء الله تعالى
* (قوله باب بيع الرقيق) أورد فيه حديث أبي سعيد أنه قال يا رسول الله انا نصيب
سبايا فنحب الأثمان الحديث ودلالته على الترجمة واضحة وسيأتى الكلام عليه في كتاب النكاح
إن شاء الله تعالى وقوله في هذا السياق انه بينما هو جالس عند النبي فقال
يا رسول الله انا نصيب سبيا يوهم انه السائل وليس كذلك بل وقع في السياق حذف ظهر بيانه مما
ساقه النسائي عن عمرو بن منصور عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه بلفظ بينما هو جالس عند النبي
صلى الله عليه وسلم جاء رجل من الأنصار فقال فذكره وسيأتى البحث في ذلك * (قوله
باب بيع المدبر) أي الذي علق مالكه عتقه بموت مالكه سمى بذلك لان الموت دبر الحياة
أو لان فاعله دبر أمر دنياه وآخرته أما دنياه فباستمراره على الانتفاع بخدمة عبدة وأما آخرته
فبتحصيل ثواب العتق وهو راجع إلى الأول لان تدبير الامر مأخوذ من النظر في العاقبة فيرجع
إلى دبر الامر وهو آخره وقد أعاد المصنف هذه الترجمة في كتاب العتق وضرب عليها في نسخة
348

الصغاني وصارت أحاديثها داخلة في بيع الرقيق وتوجيهها واضح وكذا هو في رواية النسفي
وأورد المصنف فيه حديثين كل منهما من طريقين الأول حديث جابر في بيع المدبر (قوله
حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي خالد وعطاء هو ابن أبي رباح وفى الاسناد ثلاثة من التابعين في نسق
إسماعيل وسلمة وعطاء فإسماعيل وسلمة قرينان من صغار التابعين وعطاء من أوساطهم (قوله
باع النبي صلى الله عليه وسلم المدبر) هكذا أورده مختصرا وأخرجه ابن ماجة من طريق وكيع
كذلك وأخرجه أحمد عن وكيع كذلك لكن زاد عن سفيان وإسماعيل جميعا عن سلمة وأخرجه
الإسماعيلي من طريق أبى بكر بن خلاد عن وكيع ولفظه في رجل أعتق غلاما له عن دبر وعليه
دين فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم وقد أخرجه المصنف في الاحكام عن
ابن نمير شيخه فيه هنا لكن قال عن محمد بن بشر بدل وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد ولفظه بلغ
النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا من أصحابه أعتق غلاما له عن دبر لم يكن له مال غيره فباعه
بثمانمائة درهم ثم أرسل بثمنه إليه وترجم عليه بيع الامام على الناس أموالهم وقال في الترجمة وقد
باع النبي صلى الله عليه وسلم مدبرا من نعيم بن النحام وأشار بذلك إلى ما أخرجه مسلم وأبو داود
والنسائي من طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر ان رجلا من الأنصار يقال له أبو مذكور
أعتق غلاما له يقال له يعقوب عن دبر لم يكن له مال غيره فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال من يشتريه فاشتراه نعيم بن عبد الله النحام بثمانمائة درهم فدفعها إليه الحديث وقد
تقدم في باب بيع المزايدة من وجه آخر عن عطاء بلفظ ان رجلا أعتق غلاما له عن دبر فاحتاج
فاخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يشتريه منى فاشتراه نعيم بن عبد الله فأفاد في هذه الرواية
سبب بيعه وهو الاحتياج إلى ثمنه وفى رواية ابن خلاد زيادة في تفسير الحاجة وهو الدين فقد
ترجم له في الاستقراض من باع مال المفلس فقسمه بين الغرماء أو أعطاه حتى ينفق على نفسه
وكأنه أشار بالأول إلى ما تقدم من رواية وكيع عند الإسماعيلي في قوله وعليه دين والى
ما أخرجه النسائي من طريق الأعمش عن سلمة بن كهيل بلفظ ان رجلا من الأنصار أعتق غلاما
له عن دبر وكان محتاجا وكان عليه دين فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم
فأعطاه وقال اقض دينك وبالثاني إلى ما أخرجه مسلم والنسائي من طريق الليث عن أبي الزبير
عن جابر قال أعتق رجل من بنى عذرة عبدا له عن دبر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألك
مال غيره فقال لا الحديث وفيه فدفعها إليه ثم قال ابدأ بنفسك فتصدق عليها الحديث وفى رواية
أيوب المذكورة نحوه ولفظه إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن كان فضل فعلى عياله
الحديث فاتفقت هذه الروايات على أن بيع المدبر كان في حياة الذي دبره الا ما رواه شريك عن
سلمة بن كهيل بهذا الاسناد أن رجلا مات وترك مدبرا ودينا فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم
فباعه في دينه بثمانمائة درهم أخرجه الدارقطني ونقل عن شيخه أبى بكر النيسابوري ان
شريكا أخطأ فيه والصحيح ما رواه الأعمش وغيره عن سلمة وفيه ودفع ثمنه إليه وفى رواية النسائي
من وجه آخر عن إسماعيل بن أبي خالد ودفع ثمنه إلى مولاه (قلت) وقد رواه أحمد عن سود بن عامر
عن شريك بلفظ ان رجلا دبر عبدا له وعليه دين فباعه النبي صلى الله عليه وسلم في دين مولاه
وهذا شبيه برواية الأعمش وليس فيه للموت ذكر وشريك كان تغير حفظه لما ولى القضاء وسماع
349

من حمله عنه قبل ذلك أصح ومنهم اسود المذكور * (تنبيهات)) الأول اتفقت الطرق على أن
ثمنه ثمانمائة درهم الا ما أخرجه أبو داود من طريق هشيم عن إسماعيل قال سبعمائة أو تسعمائة
(الثاني) وجدت لوكيع في حديث الباب اسنادا آخر أخرجه ابن ماجة من طريق أبى
عبد الرحمن الأدرمي عنه عن أبي عمرو بن العلاء عن عطاء مثل لفظ حديث الباب مختصرا
(الثالث) وقع في رواية الأوزاعي عن عطاء عند أبي داود زيادة في آخر الحديث وهو أنت أحق
بثمنه والله أغنى عنه * الطريق الثاني (قوله عن عمرو) هو ابن دينار وفى رواية الحميدي في مسنده
حدثنا عمرو بن دينار (قوله باعه رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا أخرجه أيضا مختصرا ولم
يذكر من يعود الضمير عليه وقد أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن سفيان فزاد في آخره
يعنى المدبر وأخرجه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم وأبى بكر بن أبي شيبة جميعا عن سفيان بلفظ دبر
رجل من الأنصار غلاما له لم يكن له مال غيره فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراه ابن
النحام عبدا قبطيا مات عام أول في امارة ابن الزبير وهكذا أخرجه أحمد عن سفيان بتمامه نحوه
وقد أخرجه المصنف في كفارات الايمان من طريق حماد بن زيد عن عمرو نحوه ولم يقل في امارة ابن
الزبير ولا عين الثمن قال القرطبي وغيره اتفقوا على مشروعية التدبير واتفقوا على أنه من الثلث
غير الليث وزفر فإنهما قالا من رأس المال واختلفوا هل هو عقد جائز أو لازم فمن قال لازم منع
التصرف فيه الا بالعتق ومن قال جائز أجاز وبالأول قال مالك والأوزاعي والكوفيون وبالثاني
قال الشافعي وأهل الحديث وحجتهم حديث الباب ولأنه تعليق للعتق بصفة انفرد السيد بها
فيتمكن من بيعه كمن علق عتقه بدخول الدار مثلا ولان من أوصى بعتق شخص جاز له بيعه
باتفاق فيلحق به جواز بيع المدبر لأنه في معنى الوصية وقيد الليث الجواز بالحاجة والا فيكره
وأجاب الأول بأنها قضية عين لا عموم لها فيحمل على بعض الصور وهو اختصاص الجواز بما
إذا كان عليه دين وهو مشهور مذهب أحمد والخلاف في مذهب مالك أيضا وأجاب بعض
المالكية عن الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم رد تصرف هذا الرجل لكونه لم يكن له مال غيره
فيستدل به على رد تصرف من تصدق بجميع ماله وادعى بعضهم انه صلى الله عليه وسلم انما باع
خدمة المدبر لا رقبته واحتج بما رواه ابن فضيل عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر أنه
صلى الله عليه وسلم قال لا بأس ببيع خدمة المدبر أخرجه الدارقطني ورجال اسناده ثقات الا أنه
اختلف في وصله وارساله ولو صح لم يكن فيه حجة إذ لا دليل فيه على أن البيع الذي وقع في قصة
المدبر الذي اشتراه نعيم بن النحام كان في منفعته دون رقبته * الحديث الثاني حديث أبي هريرة
وزيد بن خالد في بيع الأمة إذا زنت وقد تقدمت الإشارة إليه في باب العبد الزاني وأورده هنا
من وجه آخر عن أبي هريرة ووجه دخوله في هذا الباب عموم الامر ببيع الأمة إذا زنت فيشمل
ما إذا كانت مدبرة أو غير مدبرة فيؤخذ منه جواز بيع المدبر في الجملة وأما ما وقع في رواية النسفي
وفى نسخة الصغاني فلا يحتاج إلى اعتذار * (قوله باب هل يسافر بالجارية قبل أن
يستبرئها) هكذا قيد بالسفر وكأن ذلك لكونه مظنة الملامسة والمباشرة غالبا (قوله ولم ير
الحسن بأسا أن يقبلها أو يباشرها) وصله ابن أبي شيبة من طريق يونس بن عبيد عنه قال وكان
ابن سيرين يكره ذلك وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن الحسن قال يصيب ما دون الفرج قال
350

الداودي قول الحسن إن كان في المسبية صواب وتعقبه ابن التين بأنه لا فرق في الاستبراء بين
المسبية وغيرها (قوله وقال ابن عمر إذا وهبت الوليدة التي توطأ أو بيعت أو عتقت فليستبرأ رحمها
بحيضة ولا تستبرأ العذراء) أما قوله الأول فوصله ابن أبي شيبة من طريق عبد الله عن نافع
عنه وأما قوله ولا تستبرأ العذراء فوصله عبد الرزاق من طريق أيوب عن نافع عنه وكأنه يرى أن
البكارة تمنع الحمل أو تدل على عدمه أو عدم الوطء وفيه نظر وعلى تقديره ففي الاستبراء شائبة
تعبد ولهذا تستبرأ التي أيست من الحيض (قوله وقال عطاء لا بأس أن يصيب من جاريته
الحامل ما دون الفرج قال الله تعالى الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) قال ابن التين ان
أراد عطاء بالحامل من حملت من سيدها فهو فاسد لأنه لا يرتاب في حله وان أراد من غيره ففيه
خلاف (قلت) والثاني أشبه بمراده ولذلك قيده بما دون الفرج ووجه استدلاله بالآية أنها دلت
على جواز الاستمتاع بجميع وجهه فخرج الوطء بدليل فبقى الباقي على الأصل ثم ذكر المصنف
في الباب حديث أنس في قصة صفية وسيأتى مبسوطا في المغازي والغرض منه هنا قوله حتى
بلغنا سد الروحاء حلت فبنى بها فان المراد بقوله حلت أي طهرت من حيضها وقد روى البيهقي
باسناد لين انه صلى الله عليه وسلم استبرأ صفية بحيضة وأما ما رواه مسلم من طريق ثابت عن أنس
انه صلى الله عليه وسلم ترك صفية عند أم سليم حتى انقضت عدتها فقد شك حماد راويه عن ثابت
في رفعه وفى ظاهره نظر لأنه صلى الله عليه وسلم دخل بها منصرفه من خيبر بعد قتل زوجها
بيسير فلم يمض زمن يسع انقضاء العدة ولا نقلوا انها كانت حاملا فتحمل العدة على طهرها من
المحيض وهو المطلوب والصريح في هذا الباب حديث أبي سعيد مرفوعا لا توطأ حامل حتى تضع
ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة قاله في سبايا أوطاس أخرجه أبو داود وغيره وليس على شرط
الصحيح * (قوله باب بيع الميتة والأصنام) أي تحريم ذلك والميتة بفتح الميم ما زالت
عنه الحياة لا بذكاة شرعية والميتة بالكسر الهيئة وليست مرادا هنا ونقل ابن المنذر وغيره
الاجماع على تحريم بيع الميتة ويستثنى من ذلك السمك والجراد والأصنام جمع صنم قال
الجوهري هو الوثن وقال غيره الوثن ماله جثة والصنم ما كان مصورا فبينهما عموم وخصوص
وجهي فإن كان مصورا فهو وثن وصنم (قوله عن عطاء) بين في الرواية المعلقة تلو هذه الرواية
المتصلة ان يزيد بن أبي حبيب لم يسمعه من عطاء وانما كتب به إليه وليزيد فيه اسناد آخر ذكره
أبو حاتم في العلل من طريق حاتم بن إسماعيل عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن
عمرو بن الوليد بن عبدة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ابن أبي حاتم سألت أبى عنه فقال قد
رواه محمد بن إسحاق عن يزيد عن عطاء ويزيد لم يسمع من عطاء ولا أعلم أحدا من المصريين رواه
عن يزيد متابعا لعبد الحميد بن جعفر فإن كان حفظه فهو صحيح لان محله الصدق قلت قد اختلف
فيه على عبد الحميد ورواية أبى عاصم عنه الموافقة لرواية غيره عن يزيد أرجح فتكون رواية
حاتم بن إسماعيل شاذة (قوله عن جابر) في رواية أحمد عن حجاج بن محمد عن الليث بسنده سمعت
جابر بن عبد الله بمكة (قوله وهو بمكة عام الفتح) فيه بيان تاريخ ذلك وكان ذلك في رمضان سنة
ثمان من الهجرة ويحتمل أن يكون التحريم وقع قبل ذلك ثم أعاده صلى الله عليه وسلم ليسمعه من
لم يكن سمعه (قوله إن الله ورسوله حرم) هكذا وقع في الصحيحين باسناد الفعل إلى ضمير الواحد
351

وكان الأصل حرما فقال القرطبي انه صلى الله عليه وسلم تأدب فلم يجمع بينه وبين اسم الله في
ضمير الاثنين لأنه من نوع ما رد به على الخطيب الذي قال ومن يعصهما كذا قال ولم تتفق الرواة
في هذا الحديث على ذلك فان في بعض طرقه في الصحيح ان الله حرم ليس فيه ورسوله وفى رواية
لابن مردويه من وجه آخر عن الليث ان الله ورسوله حرما وقد صح حديث أنس في النهى
عن أكل الحمر الأهلية ان الله ورسوله ينهيانكم ووقع في رواية النسائي في هذا الحديث ينهاكم
والتحقيق جواز الافراد في مثل هذا ووجهه الإشارة إلى أن أمر النبي صلى ناشئ عن أمر الله وهو
نحو قوله والله ورسوله أحق أن يرضوه والمختار في هذا ان الجملة الأولى حذفت لدلالة الثانية
عليها والتقدير عند سيبويه والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه وهو كقول الشاعر
- نحن بما عندنا وأنت بما عندك * راض والرأي مختلف -
وقيل أحق أن يرضوه خبر عن الاسمين لان الرسول تابع لأمر الله (قوله فقيل يا رسول الله) لم
أقف على تسمية القائل وفى رواية عبد الحميد الآتية فقال رجل (قوله أرأيت شحوم الميتة فإنه
يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس) أي فهل يحل بيعها لما ذكر من المنافع
فإنها مقتضية لصحة البيع (قوله فقال لا هو حرام) أي البيع هكذا فسره بعض العلماء كالشافعي
ومن اتبعه ومنهم من حمل قوله وهو حرام على الانتفاع فقال يحرم الانتفاع بها وهو قول أكثر
العلماء فلا ينتفع من الميتة أصلا عندهم الا ما خص بالدليل وهو الجلد المدبوغ واختلفوا فيما
يتنجس من الأشياء الطاهرة فالجمهور على الجواز وقال أحمد وابن الماجشون لا ينتفع بشئ
من ذلك واستدل الخطابي على جواز الانتفاع باجماعهم على أن من ماتت له دابة ساغ له اطعامها
لكلاب الصيد فكذلك يسوغ دهن السفينة بشحم الميتة ولا فرق (قوله ثم قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم عند ذلك قاتل الله اليهود الخ) وسياقه مشعر بقوة ما أوله الأكثر أن المراد بقوله
هو حرام البيع لا الانتفاع وروى أحمد والطبراني من حديث ابن عمر مرفوعا الويل لبنى إسرائيل
انه لما حرمت عليهم الشحوم باعوها فأكلوا ثمنها وكذلك ثمن الخمر عليكم حرام وقد مضى في باب
تحريم تجارة الخمر حديث تميم الداري في ذلك (قوله وقال أبو عاصم حدثنا عبد الحميد) هو ابن
جعفر وهذه الطريق وصلها أحمد عن أبي عاصم وأخرجها مسلم عن أبي موسى عن أبي عاصم ولم
يسق لفظه بل قال مثل حديث الليث والظاهر أنه أراد أصل الحديث والا ففي سياقه بعض
مخالفة قال أحمد حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن عبد الحميد بن جعفر أخبرني يزيد بن أبي
حبيب ولفظه يقول عام الفتح ان الله حرم بيع الخنازير وبيع الميتة وبيع الخمر وبيع الأصنام
قال رجل يا رسول الله فما ترى في بيع شحوم الميتة فإنها تدهن بها السفن والجلود ويستصبح بها
فقال قاتل الله يهود الحديث فظهر بهذه الرواية ان السؤال وقع عن بيع الشحوم وهو يؤيد
ما قررناه ويؤيده أيضا ما أخرجه أبو داود من وجه آخر عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم
قال وهو عند الركن قاتل الله اليهود ان الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وان الله
إذا حرم على قوم أكل شئ حرم عليهم ثمنه قال جمهور العلماء العلة في منع بيع الميتة والخمر
والخنزير النجاسة فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة ولكن المشهور عند مالك طهارة الخنزير والعلة في
منع بيع الأصنام عدم المنفعة المباحة فعلى هذا إن كانت بحيث إذا كسرت ينتفع برضاضها جاز
352

بيعها عند بعض العلماء من الشافعية وغيرهم والأكثر على المنع حملا للنهي على ظاهره والظاهر أن
النهى عن بيعها للمبالغة في التنفير عنها ويلتحق بها في الحكم الصلبان التي تعظمها
النصارى ويحرم نحت جميع ذلك وصنعته وأجمعوا على تحريم بيع الميتة والخمر والخنزير
الا ما تقدمت الإشارة إليه في باب تحريم الخمر ولذلك رخص بعض العلماء في القليل من شعر
الخنزير للخرز حكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وأبى يوسف وبعض المالكية فعلى هذا فيجوز
بيعه ويستثنى من الميتة عند بعض العلماء ما لا تحله الحياة كالشعر والصوف والوبر فإنه طاهر
فيجوز بيعه وهو قول أكثر المالكية والحنفية وزاد بعضهم العظم والسن والقرن والظلف
وقال بنجاسة الشعور الحسن والليث والأوزاعي ولكنها تطهر عندهم بالغسل وكأنها متنجسة
عندهم بما يتعلق بها من رطوبات الميتة لا نجسة العين ونحوه قول ابن القاسم في عظم الفيل انه
يطهر إذا سلق بالماء وقد تقدم كثير من مباحث هذا الحديث في باب لا يذاب شحم الميتة * (قوله
باب ثمن الكلب) أورد فيه حديثين * أحدهما عن أبي مسعود انه صلى الله عليه
وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغى وحلوان الكاهن * ثانيهما حديث أبي جحيفة نهى عن
ثمن الدم وثمن الكلب وكسب الأمة الحديث وقد تقدم في باب موكل الربا في أوائل البيع واشتمل
هذان الحديثان على أربعة أحكام أو خمسة ان غايرنا بين كسب الأمة ومهر البغى * الأول ثمن
الكلب وظاهر النهى تحريم بيعه وهو عام في كل كلب معلما كان أو غيره مما يجوز اقتناؤه أو
لا يجوز ومن لازم ذلك ان لا قيمة على متلفه وبذلك قال الجمهور وقال مالك لا يجوز بيعه وتجب
القيمة على متلفه وعنه كالجمهور وعنه كقول أبي حنيفة يجوز وتجب القيمة وقال عطاء والنخعي
يجوز بيع كلب الصيد دون غيره وروى أبو داود من حديث ابن عباس مرفوعا نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وقال إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا واسناده
صحيح وروى أيضا باسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا لا يحل ثمن الكلب ولا حلوان الكاهن
ولا مهر البغى والعلة في تحريم بيعه عند الشافعي نجاسته مطلقا وهى قائمة في المعلم وغيره وعلة
المنع عند من لا يرى نجاسته النهى عن اتخاذه والامر بقتله ولذلك خص منه ما أذن في اتخاذه
ويدل عليه حديث جابر قال نهى رسول اله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب الا كلب صيد
أخرجه النسائي باسناد رجاله ثقات الا انه طعن في صحته وقد وقع في حديث ابن عمر عند ابن أبي
حاتم بلفظ نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضاريا يعنى مما يصيد وسنده ضعيف قال أبو حاتم هو
منكر وفى رواية لأحمد نهى عن ثمن الكلب وقال طعمة جاهلية ونحوه للطبراني من حديث
ميمونة بنت سعد وقال القرطبي مشهور مذهب مالك جواز اتخاذ الكلب وكراهية بيعه ولا يفسخ
ان وقع وكأنه لما لم يكن عنده نجسا وأذن في اتخاذه لمنافعه الجائزة كان حكمه حكم جميع
المبيعات لكن الشرع نهى عن بيعه تنزيها لأنه ليس من مكارم الأخلاق قال وأما تسويته في
النهى بينه وبين مهر البغى وحلوان الكاهن فمحمول على الكلب الذي لم يؤذن في اتخاذه وعلى
تقدير العموم في كل كلب فالنهي في هذه الثلاثة في القدر المشترك من الكراهة أعم من التنزيه
والتحريم إذ كل واحد منهما منهى عنه ثم تؤخذ خصوصية كل واحد منهما من دليل آخر فانا
عرفنا تحريم مهر البغى وحلوان الكاهن من الاجماع لا من مجرد النهى ولا يلزم من الاشتراك في
353

العطف الاشتراك في جميع الوجوه إذ قد يعطف الامر على النهى والايجاب على النفي * الحكم
الثاني مهر البغى وهو ما تأخذه الزانية على الزنا سماه مهرا مجازا والبغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة
وتشديد التحتانية وهو فعيل بمعنى فاعلة وجمع البغى بغايا والبغاء بكسر أوله الزنا والفجور وأصل
البغاء الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد واستدل به على أن الأمة إذا أكرهت على الزنا
فلا مهر لها وفى وجه للشافعية يجب للسيد * الحكم الثالث كسب الأمة وسيأتى في الإجارة باب
كسب البغى والإماء وفيه حديث أبي هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب
الإماء زاد أبو داود من حديث رافع بن خديج نهى عن كسب الأمة حتى يعلم من أين هو فعرف
بذلك النهى والمراد به كسبها بالزنا لا بالعمل المباح وقد روى أبو داود أيضا من حديث رفاعة بن
رافع مرفوعا نهى عن كسب الأمة الا ما عملت بيدها وقال هكذا بيده نحو الغزل والنفش وهو
بالفاء أي نتف الصوف وقيل المراد بكسب الأمة جميع كسبها وهو من باب سد الذرائع لأنها
لا تؤمن إذا ألزمت بالكسب ان تكسب بفرجها فالمعنى ان لا يجعل عليها خراج معلوم تؤديه
كل يوم * الحكم الرابع حلوان الكاهن وهو حرام بالاجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر
باطل وفى معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاناه العرافون من استطلاع الغيب
والحلوان مصدر حلوته حلوانا إذا أعطيته وأصله من الحلاوة العطار بالشئ الحلو من حيث إنه
يأخذه سهلا بلا كلفة ولا مشقة يقال حلوته إذا أطعمته الحلو والحلوان أيضا الرشوة والحلوان
أيضا أخذ الرجل مهر ابنته لنفسه وسيأتى الكلام على الكهانة وأصلها وحكمها في أواخر كتاب
الطب من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى * الحكم الخامس ثمن الدم واختلف في المراد به فقيل
أجرة الحجامة وقيل هو على ظاهره والمراد تحريم بيع الدم كما حرم بيع الميتة والخنزير وهو حرام
اجماعا أعنى بيع الدم وأخذ ثمنه وسيأتى الكلام على حكم أجرة الحجام في الإجارة إن شاء الله تعالى
* (خاتمة) * اشتمل كتاب البيوع من المرفوع (2) على مائتي حديث وسبعة وأربعين حديثا المعلق
منها ستة وأربعون وما عداها موصول المكرر منه فيه وفيما مضى مائة وتسعة وثلاثون حديثا
والخالص مائة وثمانية أحاديث وافقه مسلم على تخريجها سوى تسعة وعشرين حديثا وهى
حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة تزويجه وحديث أبي هريرة في التمرة الساقطة وحديث
عائشة في التسمية على الذبيحة وحديث أبي هريرة يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال
وحديث أبي بكر قد علم قومي أن حرفتي وحديث المقدام أطيب ما أكل من كسبه وحديث أبي
هريرة ان داود كان يأكل من كسبه وحديث جابر رحم الله عبدا سمحا وحديث العداء في العهدة
وحديث أبي جحيفة في الحجام وحديث ابن عباس آخر آية أنزلت وحديث ابن أبي أوفى أن رجلا
أقام سلعة وحديث ابن عمر كان على جمل صعب وحديثه في الإبل الهيم وحديث اكتالوا حتى
تستوفوا وحديث إذا بعت فكل وحديث جابر في دين أبيه وحديث المقدام كيلوا طعامكم
وحديث عائشة في شأن الهجرة وحديث المكر والخديعة في النار وحديث أنس في الملامسة
والمنابذة وحديث إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه وحديث ابن عمر لا يبيع حاضر لباد وحديث
ابن عباس في المزابنة وحديث زيد بن ثابت في بيع الثمار وحديث سلمان في مكاتبته وحديث
عبد الرحمن بن عوف مع صهيب وحديث أبي هريرة ثلاثة انا خصمهم وحديثه في أجلاء اليهود
354

وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين اثنان وخمسون أثرا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم
* (كتاب السلم) *
باب السلم في كيل معلوم)
كذا في رواية المستملى والبسملة متقدمة عنده ومتوسطة في رواية الكشميهني بين كتاب
وباب وحذف النسفي كتاب السلم وأثبت الباب وأخر البسملة عنه والسلم بفتحتين السلف وزنا
ومعنى وذكر الماوردي ان السلف لغة أهل العراق والسلم لغة أهل الحجاز وقيل السلف تقديم
رأس المال والسلم تسليمه في المجلس فالسلف أعم والسلم شرعا بيع موصوف في الذمة ومن قيده
بلفظ السلم زاده في الحد ومن زاد فيه ببدل يعطى عاجلا فيه نظر لأنه ليس داخلا في حقيقته
واتفق العلماء على مشروعيته الا ما حكى عن ابن المسيب واختلفوا في بعض شروطه واتفقوا
على أنه يشترط له ما يشترط للبيع وعلى تسليم رأس المال في المجلس واختلفوا هل هو عقد غرر
جوز للحاجة أم لا وقول المصنف باب السلم في كيل معلوم أي فيما يكال واشتراط تعيين الكيل
فيما يسلم فيه من المكيل متفق عليه من أجل اختلاف المكاييل الا أن لا يكون في البلد سوى
كيل واحد فإنه ينصرف إليه عند الاطلاق ثم أورد حديث ابن عباس مرفوعا من أسلف في شئ
الحديث من طريق ابن علية وفى الباب الذي بعده من طريق ابن عيينة كلاهما عن ابن أبي نجيح
وذكره بعد من طرق أخرى عنه ومداره على عبد الله بن كثير وقد اختلف فيه فجزم القابسي
وعبد الغنى والمزي بأنه المكي القارى المشهور وجزم الكلاباذي وابن طاهر والدمياطي
بأنه ابن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي وكلاهما ثقة والأول أرجح فإنه مقتضى
صنيع المصنف في تاريخه وأبو المنهال شيخه هو عبد الرحمن بن مطعم الذي تقدمت روايته
قريبا عن البراء وزيد بن أرقم (قوله عامين أو ثلاثة شك إسماعيل) يعنى ابن علية ولم يشك سفيان
فقال وهم يسلفون في التمر السنتين والثلاث وقوله عامين وقوله السنتين منصوب اما على نزع
الخافض أو على المصدر (قوله من سلف في تمر) كذا لابن علية بالتشديد وفى رواية ابن عيينة
من أسلف في شئ وهى أشمل وقوله وزن معلوم الواو بمعنى أو والمراد اعتبار الكيل فيما يكال
والوزن فيما يوزن (قوله حدثنا محمد أخبرنا إسماعيل) هو ابن علية واختلف في محمد فقال
الجياني لم أره منسوبا وعندي انه ابن سلام وبه جزم الكلاباذي زاد السفيانان إلى أجل معلوم
وسيأتى البحث فيه في بابه * (قوله باب السلم في وزن معلوم) أي فيما يوزن وكانه يذهب
إلى أن ما يوزن لا يسلم فيه مكيلا وبالعكس وهو أحد الوجهين والأصح عند الشافعية الجواز
وحمله امام الحرمين على ما يعد الكيل في مثله ضابطا واتفقوا على اشتراط تعيين الكيل فيما يسلم
فيه من المكيل كصاع الحجاز وقفيز العراق وأردب مصر بل مكاييل هذه البلاد في نفسها مختلفة
فإذا أطلق صرف إلى الأغلب وأورد فيه حديثين * أحدهما حديث ابن عباس الماضي في
الباب قبله ذكره عن ثلاثة من مشايخه حدثوه به عن ابن عيينة قال في الأولى من أسلف في شئ
ففي كيل معلوم الحديث وقال في الثانية من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم
355

ولم يذكر الوزن وذكره في الثالثة وصرح في الطريق الأولى بالاخبار بين ابن عيينة وابن أبي نجيح
وقوله في شئ أخذ منه جواز السلم في الحيوان الحاقا للعدد بالكيل والمخالف فيه الحنفية وسيأتى
القول بصحته عن الحسن بعد ثلاثة أبواب * ثانيهما حديث ابن أبي أوفى (قوله عن أبي أبى
المجالد) كذا أبهمه أبو الوليد عن شعبة وسماه غيره عنه محمد بن أبي المجالد ومنهم من أورده على
الشك محمدا وعبد الله وذكر البخاري الروايات الثلاث وأورده النسائي من طريق أبى داود
الطيالسي عن شعبة عن عبد الله وقال مرة محمد وقد أخرجه البخاري في الباب الذي يليه من
رواية عبد الواحد بن زياد وجماعة عن أبي إسحاق الشيباني فقال عن محمد بن أبي المجالد ولم يشك
في اسمه وكذلك ذكره البخاري في تاريخه في المحمدين وجزم أبو داود بأن اسمه عبد الله وكذا قال
ابن حبان ووصفه بأنه كان صهر مجاهد وبأنه كوفي ثقة وكان مولى عبد الله بن أبي أوفى ووثقه
أيضا يحيى بن معين وغيره وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد (قوله اختلف عبد الله
ابن شداد) أي ابن الهاد الليثي وهو من صغار الصحابة وأبو بردة أي ابن أبي موسى الأشعري
(قوله في السلف) أي هل يجوز السلم إلى من ليس عنده المسلم فيه في تلك الحالة أم لا وقد ترجم له
كذلك في الباب الذي يليه (قوله وسألت ابن أبزى) هو عبد الرحمن الخزاعي أحد صغار الصحابة
ولأبيه أبزى صحبة على الراجح وهو بالموحدة والزاي وزن أعلا ووجه ايراد هذا الحديث في
باب السلم في وزن معلوم الإشارة إلى ما في بعض طرقه وهو في الباب الذي يليه بلفظ فنسلفهم في
الحنطة والشعير والزيت لان الزيت من جنس ما يوزن قال ابن بطال أجمعوا على أنه إن كان في
السلم ما يكال أو يوزن فلا بد فيه من ذكر الكيل المعلوم والوزن المعلوم فإن كان فيما لا يكال ولا
يوزن فلا بد فيه من عدد معلوم (قلت) أو ذرع معلوم والعدد والذرع ملحق بالكيل والوزن
للجامع بينهما وهو عدم الجهالة بالمقدار ويجرى في الذرع ما تقدم شرطه في الكيل والوزن من
تعيين الذراع لأجل اختلافه في الأماكن وأجمعوا على أنه لا بد من معرفة صفة الشئ المسلم فيه
صفة تميزه عن غيره وكانه لم يذكر في الحديث لانهم كانوا يعملون به وانما تعرض لذكر ما كانوا
يهملونه * (قوله باب السلم إلى من ليس عنده أصل) أي مما أسلم فيه وقيل المراد
بالأصل أصل الشئ الذي يسلم فيه فاصل الحب مثلا الزرع وأصل الثمر مثلا الشجر والغرض
من الترجمة ان ذلك لا يشترط وأورد المصنف حديث ابن أبي أوفى من طريق الشيباني فأورده أولا
من طريق عبد الواحد وهو ابن زياد عنه فذكر الحنطة والشعير والزيت ومن طريق خالد عن
الشيباني ولم يذكر الزيت ومن طريق جرير عن الشيباني فقال الزبيب بدل الزيت ومن طريق
سفيان عن الشيباني فقال وذكره بعد ثلاثة أبواب من وجه آخر عن سفيان كذلك (قوله نبيط
أهل الشام) في رواية سفيان أنباط من أنباط الشام وهم قوم من العرب دخلوا في العجم والروم
واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم وكان الذين اختلطوا بالعجم منهم ينزلون البطائح بين
العراقين والذين اختلطوا بالروم ينزلون في بوادي الشام ويقال لهم النبط بفتحتين والنبيط بفتح
أوله وكسر ثانيه وزيادة تحتانية والأنباط قيل سموا بذلك لمعرفتهم بانباط الماء أي استخراجه
لكثرة معالجتهم الفلاحة (قوله قلت إلى من كان أصله عنده) أي المسلم فيه وسيأتى من طريق
سفيان بلفظ قلت أكان لهم زرع أو لم يكن لهم (قوله ما كنا نسألهم عن ذلك) كأنه استفاد
356

الحكم من عدم الاستفصال وتقرير النبي صلى لله عليه وسلم على ذلك (قوله وقال عبد الله بن
الوليد) هو العدني وسفيان هو الثوري وطريقه موصولة في جامع سفيان من طريق علي بن
الحسن الهلالي عن عبد الله بن الوليد المذكور واستدل بهذا الحديث على صحة السلم إذا لم
يذكر مكان القبض وهو قول أحمد واسحق وأبى ثور وبه قال مالك وزاد ويقبضه في مكان السلم
فان اختلفا فالقول قول البائع وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي لا يجوز السلم فيما له حمل
ومؤنة الا أن يشترط في تسليمه مكانا معلوما واستدل به على جواز السلم فيما ليس موجودا في وقت
السلم إذا أمكن وجوده في وقت حلول السلم وهو قول الجمهور ولا يضر انقطاعه قبل المحل وبعده
عندهم وقال أبو حنيفة لا يصح فيما ينقطع قبله ولو أسلم فيما يعم فانقطع في محله لم ينفسخ البيع
عند الجمهور وفى وجه للشافعية ينفسخ واستدل به على جواز التفرق في السلم قبل القبض لكونه
لم يذكر في الحديث وهو قول مالك إن كان بغير شرط وقال الشافعي والكوفيون يفسد بالافتراق
قبل القبض لأنه يصير من باب بيع الدين بالدين وفى حديث ابن أبي أوفى جواز مبايعة أهل الذمة
والسلم إليهم ورجوع المختلفين عند التنازع إلى السنة والاحتجاج بتقرير النبي صلى الله عليه
وسلم وان السنة إذا وردت بتقرير حكم كان أصلا برأسه لا يضره مخالفة أصل آخر ثم أورد المصنف
في الباب حديث ابن عباس الآتي في الباب الذي يليه وزعم ابن بطال انه غلط من الناسخ وانه
لا مدخل له في هذا الباب إذ لا ذكر للسلم فيه وغفل عما وقع في السياق من قول الراوي انه
سأل ابن عباس عن السلم في النخل وأجاب ابن المنير أن الحكم مأخوذ بطريق المفهوم
وذلك أن ابن عباس لما سئل عن السلم مع من له نخل في ذلك النخل رأى أن ذلك من قبيل بيع
الثمار قبل بدو الصلاح فإذا كان السلم في النخل المعين لا يجوز تعين جوازه في غير المعين للأمن
فيه من غائلة الاعتماد على ذلك النخل بعينه لئلا يدخل في باب بيع الثمار قبل بدو الصلاح ويحتمل
أن يريد بالسلم معناه اللغوي أي السلف لما كانت الثمرة قبل بدو صلاحها فكأنها موصوفة في
الذمة (قوله أخبرنا عمرو) في رواية مسلم عمرو بن مرة وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طرق عن
شعبة (قوله فقال رجل ما يوزن) لم أقف على اسمه وزعم الكرماني انه أبو البختري نفسه لقوله في
بعض طرقه فقال له الرجل بالتعريف (قوله فقال له رجل إلى جانبه) لم أقف على اسمه وقوله حتى
يحرز بتقديم الراء على الزاي أي يحفظ ويصان وفى رواية الكشميهني بتقديم الزاي على الراء
أي يوزن أو يخرص وفائدة ذلك معرفة كمية حقوق الفقراء قبل أن يتصرف فيه المالك وصوب
عياض الأول ولكن الثاني أليق بذكر الوزن ورأيته في رواية النسفي حتى يحرر براءين الأولى
ثقيلة ولكنه رواه بالشك (قوله وقال معاذ حدثنا شعبة) وصله الإسماعيلي عن يحيى بن محمد
عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه به * (قوله باب السلم في النخل) أي في ثمر النخل
(قوله فقال) أي ابن عمر (نهى عن بيع النخل حتى يصلح) أي نهى عن بيع ثمر النخل واتفقت
الروايات في هذا الموضع على أنه نهى على البناء للمجهول واختلف في الرواية الثانية وهى رواية
غندر فعند أبي ذر وأبى الوقت فقال نهى عمر عن بيع الثمر الحديث وفى رواية غيرهما نهى النبي
صلى الله عليه وسلم واقتصر مسلم على حديث ابن عباس (قوله وعن بيع الورق) أي بالذهب
كما في الرواية الثانية (قوله نساء) بفتح النون والمهملة والمد أي تأخيرا تقول نسأت الدين أي
357

اخرته نساء أي تأخيرا وسيأتي البحث في اشتراط الاجل في السلم في الباب الذي يليه وحديث ابن
عمر ان صح فمحمول على السلم الحال عند من يقول به أو ما قرب أجله واستدل به على جواز السلم في
النخل المعين من البستان المعين لكن بعد بدو صلاحه وهو قول المالكية وقد روى أبو داود وابن
ماجة من طريق النجراني عن ابن عمر قال لا يسلم في نخل قبل أن يطلع فان رجلا أسلم في حديقة
نخل قبل أن تطلع فلم تطلع ذلك العام شيئا فقال المشترى هو لي حتى تطلع وقال البائع انما بعتك
هذه السنة فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أردد عليه ما أخذت منه ولا تسلموا في
نخل حتى يبدو صلاحه وهذا الحديث فيه ضعف ونقل ابن المنذر اتفاق الأكثر على منع السلم في
بستان معين لأنه غرر وقد حمل الأكثر الحديث المذكور على السلم الحال وقد روى ابن حبان
والحاكم والبيهقي من حديث عبد الله بن سلام في قصة اسلام زيد بن سعنة بفتح السين المهملة
وسكون العين المهملة بعدها نون أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل لك أن تبيعني تمرا
معلوما إلى أجل معلوم من حائط بنى فلان قال لا أبعك من حائط مسمى بل أبيعك أو سقا مسماة
إلى أجل مسمى * (قوله باب الكفيل في السلم) أورد فيه حديث عائشة اشترى النبي
صلى الله عليه وسلم طعاما من يهودي نسيئة ورهنه درعا من حديث ثم ترجم له باب الرهن في السلم
وهو ظاهر فيه وأما الكفيل فقال الإسماعيلي ليس في هذا الحديث ما ترجم به ولعله أراد الحاق
الكفيل بالرهن لأنه حق ثبت الرهن به فيجوز أخذ الكفيل فيه (قلت) هذا الاستنباط بعينه
سبق إليه إبراهيم النخعي راوي الحديث والى ذلك أشار البخاري في الترجمة فسيأتي في الرهن عن
مسدد عن عبد الواحد عن الأعمش قال تذاكرنا عند إبراهيم الرهن والكفيل في السلف فذكر
إبراهيم هذا الحديث فوضح انه هو المستنبط لذلك وأن البخاري أشار بالترجمة إلى ما ورد في بعض
طرق الحديث على عادته وفى الحديث الرد على من قال إن الرهن في السلم لا يجوز وقد أخرج
الإسماعيلي من طريق ابن نمير عن الأعمش ان رجلا قال لإبراهيم النخعي ان سعيد بن جبير
يقول إن الرهن في السلم هو الربا المضمون فرد عليه إبراهيم بهذا الحديث وسيأتى بقية الكلام
على هذا الحديث في كتاب الرهن إن شاء الله تعالى قال الموفق رويت كراهة ذلك عن ابن عمر
والحسن والأوزاعي واحدى الروايتين عن أحمد ورخص فيه الباقون والحجة فيه قوله تعالى إذا
تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه إلى أن قال فرهن مقبوضة واللفظ عام فيدخل السلم في
عمومه لأنه أحد نوعي البيع واستدل لأحمد بما رواه أبو داود من حديث أبي سعيد من أسلم
في شئ فلا يصرفه إلى غيره وجه الدلالة منه أنه لا يأمن هلاك الرهن في يده بعد وان فيصير
مستوفيا لحقه من غير المسلم فيه وروى الدارقطني من حديث ابن عمر رفعه من أسلف في شئ
فلا يشترط على صاحبه غير قضائه واسناده ضعيف ولو صح فهو محمول على شرط ينافي مقتضى
العقد والله أعلم * (قوله باب السلم إلى أجل معلوم) يشير إلى الرد على من أجاز
السلم الحال وهو قول الشافعية وذهب الأكثر إلى المنع وحمل من أجاز الامر في قوله إلى أجل
معلوم على العلم بالأجل فقط فالتقدير عندهم من أسلم إلى أجل فليسلم إلى أجل معلوم لا مجهول
وأما السلم لا إلى أجل فجوازه بطريق الأولى لأنه إذا جاز مع الاجل وفيه الغرر فمع الحال أولى
لكونه أبعد عن الغرر وتعقب بالكتابة وأجيب بالفرق لان الاجل في الكتابة شرع لعدم
358

قدرة العبد غالبا (قوله وبه قال ابن عباس) أي باختصاص السلم بالأجل وقوله وأبو سعيد
هو الخدري والحسن أي البصري والأسود أي ابن يزيد النخعي فاما قول ابن عباس فوصله
الشافعي من طريق أبى حسان الأعرج عن ابن عباس قال أشهد ان السلف المضمون إلى أجل
مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه ثم قرأ يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى
فاكتبوه وأخرجه الحاكم من هذا الوجه وصححه وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن
عكرمة عن ابن عباس قال لا يسلف إلى العطاء ولا إلى الحصاد واضرب أجلا ومن طريق سالم
ابن أبي الجعد عن ابن عباس بلفظ آخر سيأتي وأما قول أبي سعيد فوصله عبد الرزاق من طريق
نبيح بنون وموحدة ومهملة مصغر وهو العنزي بفتح المهملة والنون ثم الزاي الكوفي عن أبي
سعيد الخدري قال السلم بما يقوم به السعر ربا ولكن أسلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم وأما
قول الحسن فوصله سعيد بن منصور من طريق يونس بن عبيد عنه انه كان لا يرى بأسا بالسلف
في الحيوان إذا كان شيئا معلوما إلى أجل معلوم وأما قول الأسود فوصله ابن أبي شيبة من طريق
الثوري عن أبي إسحاق عنه قال سألته عن السلم في الطعام فقال لا بأس به كيل معلوم
إلى أجل معلوم ومن طريق سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس قال إذا سميت في السلم قفيزا
وأجلا فلا بأس وعن شريك عن أبي إسحاق عن الأسود مثله واستدل بقول ابن عباس الماضي
لا تسلف إلى العطاء لاشتراط تعيين وقت الاجل بشئ لا يختلف فان زمن الحصاد يختلف ولو
بيوم وكذلك خروج العطاء ومثله قدوم الحاج وأجاز ذلك مالك ووافقه أبو ثور واختار ابن خزيمة
من الشافعية تأقيته إلى الميسرة واحتج بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى
يهودي ابعث لي ثوبين إلى الميسرة أخرجه النسائي وطعن ابن المنذر في صحته بما وهم فيه الحق
أنه لا دلالة فيه على المطلوب لأنه ليس في الحديث الا مجرد الاستدعاء فلا يمتنع انه إذا وقع العقد
قيد بشروطه ولذلك لم يصف الثوبين (قوله وقال ابن عمر لا بأس في الطعام الموصوف بسعر
معلوم إلى أجل معلوم ما لم يكن ذلك في زرع لم يبد صلاحه) وصله مالك في الموطأ عن نافع عنه قال
لا بأس أن يسلف الرجل في الطعام الموصوف فذكر مثله وزاد أو ثمرة لم يبد صلاحها وأخرجه
ابن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع نحوه وقد مضى حديث ابن عمر في ذلك مرفوعا
في الباب الذي قبله ثم أورد المصنف حديث ابن عباس المذكور في أول أبواب السلم (قوله
وقال عبد الله بن الوليد حدثنا سفيان حدثنا ابن أبي نجيح) هو موصول في جامع سفيان من
طريق عبد الله بن الوليد المذكور وهو العدني عنه وأراد المصنف بهذا التعليق بيان التحديث
لان الذي قبله مذكور بالعنعنة ثم أورد حديث ابن أبي أوفى وابن أبزى وقد تقدم الكلام عليه
مستوفى عن قريب * (قوله باب السلم إلى أن تنتج الناقة) أورد فيه حديث ابن
عمر في النهى عن بيع حبل الحبلة وقد تقدمت مباحثه في كتاب البيوع ويؤخذ منه ترك
جواز السلم إلى أجل غير معلوم ولو أسند إلى شئ يعرف بالعادة خلافا لمالك ورواية عن أحمد
* (خاتمة) * اشتمل كتاب السلم على أحد وثلاثين حديثا المعلق منها أربعة والبقية موصولة
الخالص منها خمسة أحاديث والبقية مكررة وافقه مسلم على تخريج حديثي ابن عباس خاصة
وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين ستة آثار
359

* (قوله كتاب الشفعة) *
بسم الله الرحمن الرحيم * السلم في الشفعة) كذا للمستملى وسقط ما سوى البسملة للباقين وثبت
للجميع باب الشفعة فيما لم يقسم والشفعة بضم المعجمة وسكون الفاء وغلط من حركها وهى
مأخوذة لغة من الشفع وهو الزوج وقيل من الزيادة وقيل من الإعانة وفى الشرع انتقال حصة
شريك إلى شريك كانت انتقلت إلى أجنبي بمثل العوض المسمى ولم يختلف العلماء في
مشروعيتها الا ما نقل عن أبي بكر الأصم من انكارها (قوله حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد وقد
تقدمت الإشارة إلى روايته في باب بيع الأرض من كتاب البيوع والاختلاف في قوله كل ما لم
يقسم أو كل مال لم يقسم واللفظ الأول يشعر باختصاص الشفعة بما يكون قابلا للقسمة بخلاف
الثاني (قوله فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) أي بينت مصارف الطرق
وشوارعها كأنه من التصرف أو من التصريف وقال ابن مالك معناه خلصت وبانت وهو
مشتق من الصرف بكسر المهملة الخالص من كل شئ وهذا الحديث أصل في ثبوت الشفعة
وقد أخرجه مسلم من طريق أبى الزبير عن جابر بلفظ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فان شاء أخذ
وان شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به وقد تضمن هذا الحديث ثبوت الشفعة في المشاع
وصدره يشعر بثبوتها في المنقولات وسياقه يشعر باختصاصها بالعقار وبما فيه العقار وقد
أخذ بعمومها في كل شئ مالك في رواية وهو قول عطاء وعن أحمد تثبت في الحيوانات دون
غيرها من المنقولات وروى البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا الشفعة في كل شئ ورجاله
ثقات الا انه أعل بالارسال وأخرج الطحاوي له شاهدا من حديث جابر باسناد لا بأس برواته
قال عياض لو اقتصر في الحديث على القطعة لكانت فيه دلالة على سقوط شفعة الجوار
ولكن أضاف إليها صرف الطرق والمترتب على أمرين لا يلزم منه ترتبه على أحدهما واستدل
به على عدم دخول الشفعة فيما لا يقبل القسمة وعلى ثوبتها لكل شريك وعن أحمد لا شفعة
لذمي وعن الشعبي لا شفعة لمن لم يسكن المصر * (تنبيهان) * الأول اختلف على الزهري في
هذا الاسناد فقال مالك عنه عن أبي سلمة وابن المسيب مرسلا كذا رواه الشافعي وغيره
ورواه أبو عاصم والماجشون عنه فوصله بذكر أبي هريرة أخرجه البيهقي ورواه ابن جريج
عن الزهري كذلك لكن قال عنهما أو عن أحدهما أخرجه أبو داود والمحفوظ روايته عن أبي
سلمة عن جابر موصولا وعن ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وما سوى
ذلك شذوذ ممن رواه ويقوى طريقه عن أبي سلمة عن جابر متابعة يحيى بن أبي كثير له عن أبي
سلمة عن جابر ثم ساقه كذلك (الثاني) حكى ابن أبي حاتم عن أبيه ان قوله فإذا وقعت الحدود الخ
مدرج من كلام جابر وفيه نظر لان الأصل ان كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الادراج
بدليل وقد نقل صالح بن أحمد عن أبيه انه رجح رفعها * (قوله باب عرض الشفعة
على صاحبها قبل البيع) أي هل تبطل بذلك شفعته أم لا وسيأتى في كتاب ترك الحيل مزيد
بيان لذلك (قوله وقال الحكم إذا أذن له قبل البيع فلا شفعة له وقال الشعبي من بيعت شفعته
وهو شاهد لا يغيرها فلا شفعة له) أما قول الحكم فوصله ابن أبي شيبة بلفظ إذا أذن المشترى
360

في الشراء فلا شفعة له وأما قول الشعبي فوصله ابن أبي شيبة أيضا بنحوه (قوله عن عمرو بن
الشريد) في رواية سفيان الآتية في ترك الحيل عن إبراهيم بن ميسرة سمعت عمرو بن الشريد
والشريد بفتح المعجمة وزن طويل صحابي شهير وولده من أوساط التابعين ووهم من ذكره في
الصحابة وما له في البخاري سوى هذا الحديث وقد أخرج الترمذي معلقا والنسائي وابن ماجة
هذا الحديث من وجه آخر عنه عن أبيه ولم يذكر القصة فيحتمل أن يكون سمعه من أبيه ومن
أبى رافع قال الترمذي سمعت محمدا يعنى البخاري يقول كلا الحديثين عندي صحيح (قوله
وقفت عن سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي) في رواية
سفيان المذكورة مخالفة لهذا يأتي بيانها إن شاء الله تعالى (قوله ابتع منى بيتي في دارك) أي
الكائنين في دارك (قوله فقال المسور والله لتبتاعنهما) بين سفيان في روايته ان أبا رافع سأل
المسور أن يساعده على ذلك (قوله أربعة آلاف) في رواية سفيان أربعمائة وفى رواية الثوري
في ترك الحيل أربعمائة مثقال وهو يدل على أن المثقال إذ ذاك كان بعشرة دراهم (قوله منجمة
أو مقطعة) شك من الراوي والمراد مؤجلة على أقساط معلومة (قوله الجار أحق بسقبه)
بفتح المهملة والقاف بعدها موحدة السقب بالسين المهملة وبالصاد أيضا ويجوز فتح القاف
واسكانها القرب والملاصقة ووقع في حديث جابر عند الترمذي الجار أحق بسقبه ينتظر به إذا
كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا قال ابن بطال استدل به أبو حنيفة وأصحابه على اثبات
الشفعة للجار وأوله غيرهم على أن المراد به الشريك بناء على أن أبا رافع كان شريك سعد في البيتين
ولذلك دعاه إلى الشراء منه قال وأما قولهم إنه ليس في اللغة ما يقتضى تسمية الشريك جارا
فمردود فان كل شئ قارب شيئا قيل له جار وقد قالوا لا مرأة الرجل جارة لما بينهما من المخالطة انتهى
وتعقبه ابن المنير بأن ظاهر الحديث ان أبا رافع كان يملك بيتين من جملة دار سعد لا شقصا شائعا
من منزل سعد وذكر عمر بن شبة ان سعدا كان اتخذ دارين بالبلاط متقابلتين بينهما عشرة أذرع
وكانت التي عن يمين المسجد منهما لأبي رافع فاشتراها سعد منه ثم ساق حديث الباب فاقتضى
كلامه أن سعدا كان جارا لأبي رافع قبل أن عمى منه داره لا شريكا وقال بعض الحنفية يلزم
الشافعية القائلين بحمل اللفظ على حقيقته ومجازه أن يقولا بشفعة الجار لان الجار حقيقة
في المجاور مجاز في الشريك وأجيب بأن محل ذلك عند التجرد وقد قامت القرينة هنا على المجاز
فاعتبر للجمع بين حديثي جابر وأبى رافع فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك
وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقا لأنه يقتضى أن يكون الجار أحق من كل أحد
حتى من الشريك والذين قالوا بشفعة الجار قدموا الشريك مطلقا ثم المشارك في الطريق ثم الجار
على من ليس بمجاور فعلى هذا فيتعين تأويل قوله أحق بالحمل على الفضل أو التعهد ونحو ذلك
واحتج من لم يقل بشفعة الجوار أيضا بان الشفعة ثبتت على خلاف الأصل لمعنى معدوم في الجار
وهو أن الشريك ربما دخل عليه شريكه فتأذى به فدعت الحاجة إلى مقاسمته فيدخل عليه
الضرر بنقص قيمة ملكه وهذا لا يوجد في المقسوم والله أعلم * (قوله باب أي
الجوار أقرب) كأنه أشار بهذه الترجمة إلى أن لفظ الجار في الحديث الذي قبله ليس على مرتبة
واحدة (قوله حدثنا حجاج) هو ابن منهال وقد روى البخاري لحجاج بن محمد بواسطة واشتركا في
361

الرواية عن شعبة لكنه سمع من ابن منهال دون ابن محمد (قوله وحدثنا على) كذا للأكثر غير
منسوب وفى رواية ابن السكن وكريمة علي بن عبد الله ولابن شبويه علي بن المديني ورجح أبو علي
الحياني انه علي بن سلمة اللبقي بفتح اللام والموحدة بعدها قاف وبه جزم الكلاباذي وابن طاهر
وهو الذي ثبت في رواية المستملى وهذا يشعر بأن البخاري لم ينسبه وانما نسبه من نسبه من الرواة
بحسب ما ظهر له فإن كان كذلك فالأرجح انه ابن المدني لان العادة ان الاطلاق انما ينصرف لمن
يكون أشهر وابن المديني أشهر من اللبقي ومن عادة البخاري إذا أطلق الرواية عن علي انما يقصد به
علي بن المديني * (تنبيه) * ساق المتن هنا على لفظ على المذكور وقد أخرجه المصنف في كتاب الأدب
عن حجاج بن منهال وحده وساقه هناك على لفظه (قوله حدثنا أبو عمران) هو الجوني (قوله
سمعت طلحة بن عبد الله) جزم المزي بأنه ابن عثمان بن عبيد الله بن معمر التيمي وقال بعضهم
هو طلحة بن عبد الله الخزاعي لان عبد الرحمن بن مهدي روى عن الثوري عن سعد بن إبراهيم عن
طلحة بن عبد الله عن عائشة حديثا غير هذا ويترجح ما قال المزي بأن المصنف أخرج حديث
الباب في الهبة من طريق غندر عن شعبة فقال طلحة بن عبد الله رجل من بنى تيم بن مرة وليس
لطلحة بن عبد الله في البخاري سوى هذا الحديث وسيأتى الكلام عليه مستوفى في كتاب الأدب
إن شاء الله تعالى والجوار بضم الجيم وبكسرها وقوله قال إلى أقربهما يروى قال أقربهما
بحذف حرف الجر وهو بالرفع ويجوز الجر على ابقاء عمل حرف الجر بعد حذفه أي أقرب الجارين
قال ابن بطال لا حجة في هذا الحديث لمن أوجب الشفعة بالجوار لان عائشة انما سألت عمن تبدأ به
من جيرانها بالهدية فأخبرها بأن الأقرب أولى وأجيب بأن وجه دخوله في الشفعة أن حديث أبي
رافع يثبت شفعة الجوار فاستنبط من حديث عائشة تقديم الأقرب على الابعد للعلة في
مشروعية الشفعة لما يحصل من الضرر بمشاركة الغير الأجنبي بخلاف الشريك في نفس الدار
واللصيق للدار * (خاتمة) * جميع ما في الشفعة ثلاثة أحاديث موصولة الأول منها مكرر
والآخران انفرد بهما المصنف عن مسلم وفيه من الآثار اثنان غير قصة المسور وأبى رافع مع
سعد وهى موصولة والله أعلم
* (قوله كتاب الإجارة) *
(بسم الله الرحمن الرحيم * في الاجارات) كذا في رواية المستملى وسقط للنسفي قوله في الاجارات
وسقط للباقين كتاب الإجارة والإجارة بكسر أوله على المشهور وحكى ضمها وهى لغة الإثابة يقال
اجرته بالمد وغير المد إذا أثبته واصطلاحا تمليك منفعة رقبة بعوض (قوله باب
استئجار الرجل الصالح وقول الله تعالى ان خير من استأجرت القوى الأمين) في رواية أبي ذر
وقال الله وأشار بذلك إلى قصة موسى عليه السلام مع ابنة شعيب وقد روى ابن جرير من طريق
شعيب الجبئى بفتح الجيم والموحدة بعدها همزة مقصورا أنه قال اسم المرأة التي تزوجها موسى
صفورة واسم أختها ليا وكذا روى من طريق ابن إسحاق الا أنه قال اسم أختها شرقا وقيل ليا
وقال غيره ان اسمهما صفورا وعبرا وأنهما كانتا توأما وذكر ابن جرير اختلافا في أن أباهما هل
هو شعيب النبي أو ابن أخيه أو آخر اسمه بثرون أو يثرى أقوال لم يرجح منها شيئا وروى من
362

طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله إن خير من استأجرت القوى الأمين قال قوى
فيما ولى أمين فيما استودع وروى من طريق ابن عباس ومجاهد في آخرين ان أباها سألها عما
رأت من قوته وأمانته فذكرت قوته في حال السقى وأمانته في غض طرفه عنها وقوله لها امشي
خلفي ودليني على الطريق وهذا أخرجه البيهقي باسناد صحيح عن عمر بن الخطاب وزاد فيه
فزوجه وأقام موسى معه يكفيه (2) ويعمل له في رعاية غنمه (قوله والخازن الأمين ومن لم يستعمل
من أراده) ثم أورد في الباب من طريق أبى موسى الأشعري حديث الخازن الأمين أحد
المتصدقين وحديثه الآخر في قصة الرجلين اللذين جاءا يطلبان من النبي صلى الله عليه وسلم أن
يستعملهما والأول قد مضى الكلام عليه في الزكاة والثاني سيأتي شرحه مستوفى في كتاب الأحكام
قال الإسماعيلي ليس في الحديثين جميعا معنى الإجارة وقال الداودي ليس حديث
الخازن الأمين من هذا الباب لأنه لا ذكر للإجارة فيه وقال ابن التين وانما أراد البخاري ان الخازن
لا شئ له في المال وانما هو أجير وقال ابن بطال انما أدخله في هذا الباب لان من استؤجر على شئ
فهو أمين فيه وليس عليه في شئ منه ضمان ان فسد أو تلف الا إن كان ذلك بتضييعه اه‍ وقال
الكرماني دخول هذا الحديث في باب الإجارة للإشارة إلى أن خازن مال الغير كالأجير لصاحب
المال وأما دخول الحديث الثاني في الإجارة فظاهر من جهة ان الذي يطلب العمل انما يطلبه
غالبا لتحصيل الأجرة التي شرعت للعامل والعمل المطلوب يشمل العمل على الصدقة في جمعها
وتفرقتها في وجهها وله سهم منها كما قال الله تعالى والعاملين عليها فدخوله في الترجمة من جهة
طلب الرجلين أن يستعملهما النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة أو غيرها ويكون لهما على
ذلك أجرة معلومة (قوله في الحديث الثاني ومعي رجلان من الأشعريين قال فقلت ما علمت
انهما يطلبان العمل) كذا وقع مختصرا وسيأتى في استتابة المرتدين بهذا الاسناد بعينه تاما
وفيه ومعي رجلان من الأشعريين وكلاهما سأل أي للعمل فقلت والذي بعثك ما اطلعت على
ما في أنفسهما ولا علمت أنهما يطلبان العمل الحديث (قوله قال لن أولا نستعمل على عملنا من
أراده) هكذا ثبت في جميع الروايات التي وقفت عليها وهو شك من الراوي هل قال لن أو قال لا
وحكى ابن التين أنه ضبط في بعض النسخ أولى بضم الهمزة وفتح الواو وتشديد اللام مع كسرها
فعل مستقبل من الولاية قال القطب الحلبي فعلى هذه الرواية يكون لفظ نستعمل زائدا
ويكون تقدير الكلام لن أولى على عملنا وقد وقع هذا الحديث في الاحكام من طريق بريد بن
عبد الله عن أبي بردة بلفظ انا لا نولى على عملنا وهو يعضد هذا التقرير والله أعلم قال المهلب
لما كان طلب العمالة دليلا على الحرص ابتغى أن يحترص من الحريص فلذلك قال صلى الله عليه
وسلم لا نستعمل على عملنا من أراده وظاهر الحديث منع تولية من يحرص على الولاية اما على
سبيل التحريم أو الكراهة والى التحريم جنح القرطبي ولكن يستثنى من ذلك من تعين عليه
* (قوله باب رعى الغنم على قراريط) على بمعنى الباء وهى للسببية أو المعاوضة
وقيل إنها هنا للظرفية كما سنبين) قوله عمرو بن يحيى عن جده) وهو سعيد بن عمرو بن سعيد بن
العاص الأموي (قوله الا رعى الغنم) في رواية الكشميهني الا راعى الغنم (قوله على قراريط
لأهل مكة) في رواية ابن ماجة عن سويد بن سعيد عن عمرو بن يحيى كنت أرعاها لأهل مكة
363

بالقراريط وكذا رواه الإسماعيلي عن المنيعي عن محمد بن حسان عن عمرو بن يحيى قال سويد أحد
رواته يعنى كل شاة بقيراط يعنى القيراط الذي هو جزء من الدينار أو الدرهم قال إبراهيم الحربي
قراريط اسم موضع بمكة ولم يرد القراريط من الفضة وصوبه ابن الجوزي تبعا لابن ناصر وخطأ
سويدا في تفسيره لكن رجح الأول لان أهل مكة لا يعرفون بها مكانا يقال له قراريط وأما ما رواه
النسائي من حديث نصر بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون قال افتخر أهل الإبل
وأهل الغنم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث موسى وهو راعى غنم وبعث داود وهو راعى
غنم وبعثت وأنا أرعى غنم أهلي بجياد فزعم بعضهم ان فيه ردا لتأويل سويد بن سعيد لأنه ما كان
يرعى بالاجرة لأهله فيتعين انه أراد المكان فعبر تارة بجياد وتارة بقراريط وليس الرد بجيد إذ لا مانع
من الجمع بين أن يرعى لأهله بغير أجرة ولغيرهم بأجرة أو المراد بقوله أهلي أهل مكة فيتحد الخبران
ويكون في أحد الحديثين بين الأجرة وفى الآخر بين المكان فلا ينافي ذلك والله أعلم وقال بعضهم
لم تكن العرب تعرف القيراط الذي هو من النقد ولذلك جاء في الصحيح يستفتحون أرضا يذكر فيها
القيراط وليس الاستدلال لما ذكر من نفى المعرفة بواضح قال العلماء الحكمة في الهام الأنبياء من
رعى الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم ولان في
مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة لانهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى ونقلها
من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وشدة
تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وعرفوا اختلاف
طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون
تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة لما يحصل لهم من التدريج على
ذلك برعي الغنم وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولان تفرقها أكثر من تفرق الإبل
والبقر لامكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع
انقيادا من غيرها وفى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بعد أن علم كونه أكرم الخلق على الله
ما كان عليه من عظيم التواضع لربه والتصريح بمنته عليه وعلى اخوانه من الأنبياء صلوات الله
وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء * (قوله باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم
يوجد أهل الاسلام وعامل النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر) هذه الترجمة مشعرة بأن المصنف
يرى بامتناع استئجار المشرك حربيا كان أو ذميا الا عند الاحتياج إلى ذلك كتعذر وجود مسلم
يكفي في ذلك وقد روى عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب قال لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم
عمال يعملون بها نخل خيبر وزرعها فدعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر فدفعها إليهم الحديث
وفى استشهاده بقصة معاملة النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر على أن يزرعوها وباستئجاره
الدليل المشرك لما هاجر على ذلك نظر لأنه ليس فيهما تصريح بالمقصود من منع استئجارهم
وكأنه أخذ ذلك من هذين الحديثين مضموما إلى قوله صلى الله عليه وسلم انا لا نستعين بمشرك
أخرجه مسلم وأصحاب السنن فأراد الجمع بين الاخبار بما ترجم به قال ابن بطال عامة الفقهاء
يجيزون استئجارهم عند الضرورة وغيرها لما في ذلك من المذلة لهم وانما الممتنع أن يؤجرا المسلم
نفسه من المشرك لما فيه من اذلال المسلم اه‍ وحديث معاملة أهل خيبر يأتي في أواخر كتاب
364

الإجارة موصولا وأشار في الترجمة بقوله إذا لم يوجد أهل الاسلام إلى ما أخرجه أبو داود من طريق
حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر أحسبه عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل
أهل خيبر فذكر الحديث وقال فيه وأراد أن يجليهم فقالوا يا محمد دعنا نعمل في هذه الأرض ولنا
الشطر ولكم الشطر الحديث وانما أجابهم إلى ذلك لمعرفتهم بما يصلح أرضهم دون غيرهم فنزل
المصنف من لا يعرف منزلة من لم يوجد وحديث الدليل يأتي الكلام عليه مستوفى في أول
الهجرة إن شاء الله تعالى وقوله في أول الحديث استأجر وقع في رواية الأصيلي وأبى الوقت
واستأجر بزيادة واو وهى ثابتة في الأصل في نفس الحديث الطويل لان القصة معطوفة على
قصة قبلها وقد ساقه المصنف في الترجمة بعدها بسنده الآتي مطولا ووقع هنا فاستأجر بالفاء
ووهم من زعم أن المصنف زاد الواو للتنبيه على أنه اقتطع هذا القدر من الحديث (قوله هاديا)
زاد الكشميهني في روايته خريتا وهو بكسر المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة
وقوله الماهر بالهداية كذا وقع في نفس الحديث وهو مدرج من قول الزهري كما سنبينه هناك
ونحكي الخلاف في تسمية الهادي المذكور وفى الحديث استئجار المسلم الكافر على هداية
الطريق إذا أمن إليه واستئجار الاثنين واحدا على عمل واحد * (قوله باب إذا
استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام أو بعد شهر أو بعد سنة جاز وهما على شرطهما الذي
اشترطاه إذا جاء الاجل) أورد فيه طرفا من حديث عائشة المذكور وفيه أنهما واعدا الدليل
براحلتيهما بعد ثلاث وتعقبه الإسماعيلي بأنه ليس في الخبر على أنهما استأجراه على أن لا يعمل
الا بعد ثلاث بل الذي في الخبر أنهما استأجراه وابتدأ في العمل من وقته بتسليمه راحلتيهما
منهما يرعاهما ويحفظهما إلى أن يتهيأ لهما الخروج قلت ليس في ترجمة البخاري ما ألزمه به
والذي ترجم به هو ظاهر القصة ومن قال ببطلان الإجارة إذا لم يشرع في العمل من حين الإجارة
هو المحتاج إلى دليل والله أعلم وقد قال ابن المنير متعقبا على من اعترض على البخاري بذلك أن
الخدمة المقصودة بالإجارة المذكورة كانت على الدلالة على الطريق من غير زيادة على ذلك
ولا شك أنها تأخرت قلت ويؤيده أن الذي كان يرعى رواحلهما عامر بن فهيرة لا الدليل وقال
ابن المنير ليس في هذا الحديث تصريح بهذا الحكم لا اثباتا ولا نفيا وقد يحتمل في المدة القصيرة
لندور الغرر فيها ما لا يحتمل في المدة الطويلة وهذا مذهب مالك حيث حد الجواز في البيع بما
لا تتغير السلعة في مثله واستنبط من هذه القصة جواز اجارة الدار مدة معلومة قبل مجئ أول
المدة وهو مبنى على صحة الأصل فيلحق به الفرع والله أعلم * (قوله باب الأجير في
الغزو) قال ابن بطال استئجار الأجير للخدمة وكفاية مؤنة العمل في الغزو وغيره سواء اه‍
ويحتمل أن يكون أشار إلى أن الجهاد وإن كان القصد به تحصيل الاجر فلا ينافي ذلك الاستعانة
بمن يخدم المجاهد ويكفيه كثيرا من الأمور التي لا يتعاطاها بنفسه (قوله عن صفوان بن يعلى)
في رواية همام الماضية في الحج حدثني صفوان بن يعلى (قوله العسرة) بضم العين وسكون
السين المهملتين هي غزوة تبوك وسيأتى الكلام على الحديث في الديات ورواية همام المذكورة
مختصرة (قوله فانذر) أي أسقط (قوله فاهدر) أي لم يجعل له دية ولا قصاصا (قوله تقضمها) بفتح
365

الضاد المعجمة وماضيه بكسرها والاسم القضم بفتح القاف وسكون الضاد المعجمة وهو الاكل
بأطراف الأسنان والفحل الذكر من الإبل ونحوه (قوله قال ابن جريج الخ) هو بالاسناد المذكور
إليه وهذه الزيادة التي عن أبي بكر الصديق وقعت هنا فقط (قوله عن جده) كذا للجميع وكذلك
أخرجه أبو داود من طريق يحيى بن سعيد عن ابن جريج وقال أبو عاصم عن ابن جريج عن أبيه
عن جده عن أبي بكر زاد فيه عن أبيه أخرجه الحاكم أبو أحمد في الكنى وابن شاهين في الصحابة
وعبد الله بن أبي ملكية منسوب إلى جده وقيل إلى جد أبيه فإنه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة
واسمه زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي وله صحبة ومنهم من زاد في نسبه عبد الله بين عبيد الله
ابن زهير وقال إن الذي يكنى أبا ملكية هو عبد الله بن زهير فعلى الأول فالحديث من وراية زهير بن
عبد الله عن أبي بكر وعلى الثاني هو من رواية عبد الله بن زهير ويتردد عود الضمير في قوله عن جده
على من يعود على الخلاف المذكور وزعم مغلطاي أن الطريق التي أخرجها البخاري منقطعة
في موضعين وليس كما زعم والله أعلم * (قوله باب إذا استأجر أجيرا) في رواية غير أبي ذر
من استأجر (قوله فبين له الاجل) في رواية الأصيلي الاجر بسكون الجيم وبالراء والأولى أوجه
(قوله ولم يبين العمل) أي هل يصح ذلك أم لا وقد مال البخاري إلى الجواز لأنه احتج لذلك فقال
لقوله تعالى أنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين الآية ولم يفصح مع ذلك بالجواز لأجل
الاحتمال ووجه الدلالة منه أنه لم يقع في سياق القصة المذكورة بيان العمل وانما فيه أن موسى
أجر نفسه من والد المرأتين ثم انما تتم الدلالة بذلك إذا قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد
شرعنا بتقريره وقد احتج الشافعي بهذه الآية على مشروعية الإجارة فقال ذكر الله سبحانه
وتعالى ان نبيا من أنبيائه أجر نفسه حججا مسماة ملك بها بضع امرأة وقيل استأجره على أن يرعى
له قال المهلب ليس في الآية دليل على جهالة العمل في الإجارة لان ذلك كان معلوما بينهم وانما
حذف ذكره للعلم به وتعقبه ابن المنير بأن البخاري لم يرد جواز أن يكون العمل مجهولا وانما أراد
أن التنصيص على العمل باللفظ ليس مشروطا وان المتبع المقاصد لا الألفاظ ويحتمل أن يكون
المصنف أشار إلى حديث عتبة بن الندر بضم النون وتشديد المهملة قال كنا عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال إن موسى أجر نفسه ثمان سنين أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه أخرجه
ابن ماجة وفى اسناده ضعف فإنه ليس فيه بيان العمل من قبل موسى وقد أبعد من جوز أن يكون
المهر شيئا آخر غير الرعى وانما أراد شعيب أن يكون يرعى غنمه هذه المدة ويزوجه ابنته فذكر له
الامرين وعلق التزويج على الرعية على وجه المعاهدة لا على وجه المعاقدة فاستأجره لرعى غنمه
بشئ معلوم بينهما ثم أنكحه ابنته بمهر معلوم بينهما (قوله يأجر) بضم الجيم (فلانا) أي (يعطيه
أجرا) هذا ذكره المصنف تفسيرا لقوله تعالى على أن تأجرني وبذلك جزم أبو عبيدة في المجاز
وتعقبه الإسماعيلي بأن معنى الآية في قوله على أن تأجرني أي تكون لي أجيرا والتقدير على أن
تأجرني نفسك قوله ومنه في التعزية آجرك الله هو من قول ابن عبيدة أيضا وزاد يأجرك أي
يثيبك وكأنه نظر إلى أصل المادة وإن كان المعنى في الأجر والأجرة مختلفا * (قوله باب
إذا استأجر أجيرا على أن يقيم حائطا يريد أن ينقض جاز) أورد فيه طرفا من حديث أبي بن كعب
في قصة موسى والخضر وقد أورده مستوفى في التفسير بهذا الاسناد ويأتي الكلام عليه مبينا
366

هناك إن شاء الله تعالى وانما يتم الاستدلال بهذه القصة إذا قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا لقول
موسى لو شئت لاتخذت عليه أجرا أي لو تشارطت على عمله بأجرة معينة لنفعنا ذلك قال ابن المنير
وقصد البخاري أن الإجارة تضبط بتعين العمل كما تضبط بتعين الاجل * (قوله باب
الإجارة إلى نصف النهار) أي من أول النهار وترجم في الذي بعده الإجارة إلى صلاة العصر
والتقدير أيضا أن الابتداء من أول النهار ثم ترجم بعد ذلك باب الإجارة من العصر إلى الليل أي إلى
أول دخول الليل قيل أراد البخاري اثبات صحة الإجارة باجر معلوم إلى أجل معلوم من جهة ان
الشارع ضرب المثل بذلك ولولا الجواز ما أقره ويحتمل أن يكون الغرض من كل ذلك اثبات
جواز الاستئجار لقطعة من النهار إذا كانت معينة دفعا لتوهم من يتوهم ان أقل المعلوم أن
يكون يوما كاملا (قوله مثلكم ومثل أهل الكتابين) كذا في رواية أيوب والمراد باهل
الكتابين اليهود والنصارى (قوله كمثل رجل) في السياق حذف تقديره مثلكم مع نبيكم ومثل
أهل الكتابين مع أنبيائهم كمثل رجل استأجر فالمثل مضروب للأمة مع نبيهم والمثل به الاجراء
مع من استأجرهم (قوله على قيراط) زاد في رواية عبد الله بن دينار على قيراط قيراط وهو المراد
(قوله فعملت اليهود) زاد بن دينار على قيراط قيراط وزاد الزهري عن سالم عن أبيه كما تقدم في
الصلاة حتى إذا انتصف النهار عجزوا فاعطوا قيراطا قيراطا وكذا وقع في بقية الأمم والمراد
بالقيراط النصيب وهو في الأصل نصف دانق والدانق سدس درهم (قوله إلى صلاة العصر) يحتمل
أن يريد به أول وقت دخولها ويحتمل أن يريد أول حين الشروع فيها والثاني يرفع الاشكال
السابق في المواقيت على تقدير تسليم ان الوقتين متساويان أي ما بين الظهر والعصر وما بين
العصر والمغرب فكيف يصح قول النصارى انهم أكثر عملا من هذه الأمة وقد قدمت هناك عدة
أجوبة عن ذلك فلتراجع من ثم ومن الأجوبة التي لم تتقدم أن قائل مالنا أكثر عملا اليهود خاصة
ويؤيده ما وقع في التوحيد بلفظ فقال أهل التوراة ويحتمل أن يكون كل من الفريقين قال ذلك
أما اليهود فلأنهم أطول زمانا فيستلزم أن يكونوا أكثر عملا وأما النصارى فلأنهم وازنوا كثرة
اتباعهم بكثرة زمن اليهود لان النصارى آمنوا بموسى وعيسى جميعا أشار إلى ذلك الإسماعيلي
ويحتمل أن تكون أكثرية النصارى باعتبار أنهم عملوا إلى آخر صلاة العصر وذلك بعد دخول
وقتها أشار إلى ذلك ابن القصار وابن العربي وقد قدمنا انه لا يحتاج إليه لان المدة التي بين الظهر
والعصر أكثر من المدة التي بين العصر والمغرب ويحتمل أن تكون نسبة ذلك إليهم على سبيل
التوزيع فالقائل نحن أكثر عملا اليهود والقائل نحن أقل أجرا النصارى وفيه بعد وحكى ابن التين
أن معناه أن عمل الفريقين جميعا أكثر وزمانهم أطول وهو خلاف ظاهر السياق قوله فغضبت
اليهود والنصارى أي الكفار منهم (قوله ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء) بنصب أكثر وأقل
على الحال كقوله تعالى فما لهم عن التذكرة معرضين وقد تقدمت مباحث هذه الجملة في كتاب
المواقيت (قوله من حقكم) أطلق لفظ الحق لقصد المماثلة والا فالكل من فضل الله تعالى (قوله
فذلك فضلى أوتيه من أشاء) فيه حجة لأهل السنة على أن الثواب من الله على سبيل الاحسان
منه جل جلاله * (قوله باب الإجارة إلى صلاة العصر) ذكر فيه حديث ابن عمر من
طريق مالك عن عبد الله بن دينار وليس في سياقه التصريح بالعمل إلى صلاة العصر وانما يؤخذ
367

ذلك من قوله ثم أنتم الذين تعملون من صلاة العصر فان ابتداء عمل الطائفة عند انتهاء عمل
الطائفة التي قبلها نعم في رواية أيوب في الباب قبله التصريح بذلك حيث قال من يعمل من نصف
النهار إلى صلاة العصر (قوله في رواية عبد الله بن دينار انما مثلكم واليهود والنصارى)
هو بخفض اليهود عطفا على الضمير المجرور بغير إعادة الجار قاله ابن التين وانما يأتي على رأى
الكوفيين وقال ابن مالك يجوز الرفع على تقدير ومثل اليهود والنصارى على حذف المضاف
واعطاء المضاف إليه اعرابه (قلت) ووجدته مضبوطا في أصل أبي ذر بالنصب وهو موجه على
إرادة المعية ويرجح توجيه ابن مالك ما سيأتي في أحاديث الأنبياء من طريق الليث عن نافع بلفظ
وانما مثلكم ومثل اليهود والنصارى (قوله إلى مغارب الشمس) كذا ثبت في رواية لمالك بلفظ
الجمع وكأنه باعتبار الأزمنة المتعددة باعتبار الطوائف ووقع في رواية سفيان الآتية في فضائل
القرآن إلى مغرب الشمس على الافراد وهو الوجه ومثله في رواية الليث عن نافع الآتية في
أحاديث الأنبياء ونحوه في رواية أيوب في الباب الذي بعده بلفظ إلى أن تغيب الشمس (قوله
هل ظلمتكم) أي نقصتكم كما في رواية نافع في الباب الذي قبله وسأذكر بقية فوائده بعد بابين
* قوله باب اثم من منع أجر الأجير) أورد فيه حديث أبي هريرة وقد تقدم الكلام
عليه مستوفى في باب اثم من باع حرا في أواخر البيوع * (تنبيه) * أخر ابن بطال هذا الباب عن الذي
بعده وكأنه صنع ذلك للمناسبة * (قوله باب الإجارة من العصر إلى الليل) أي من أول
وقت العصر إلى أول دخول الليل أورد فيه حديث أبي موسى وقد مضى سنده ومتنه في المواقيت
وشيخه أبو كريب المذكور هناك هو محمد بن العلاء المذكور هناك وبريد بالموحدة والتصغير هو
ابن عبد الله بن أبي بردة (قوله كمثل رجل استأجر قوما) هو من باب القلب والتقدير كمثل
قوم استأجرهم رجل أو هو من باب التشبيه بالمركب (قوله يعملون له عملا يوما إلى الليل) هذا
مغاير لحديث ابن عمر لان فيه انه استأجرهم على أن يعملوا إلى نصف النهار وقد تقدم ذكر
التوفيق بينهما في المواقيت وانهما حديثان سيقا في قصتين نعم وقع في رواية سالم بن عبد الله بن
عمر عن أبيه الماضية في المواقيت الآتية في التوحيد ما يوافق رواية أبى موسى فرجحها الخطابي
على رواية نافع وعبد الله بن دينار لكن يحتمل أن تكون القصتان جميعا كانتا عند ابن عمر
فحدث بهما في وقتين وجمع بينهما ابن التين باحتمال أن يكونوا غضبوا أولا فقالوا ما قالوا إشارة
إلى طلب الزيادة فلما لم يعطوا قدرا زائدا تركوا فقالوا لك ما عملنا باطل انتهى وفيه مع بعده
مخالفة لصريح ما وقع في رواية الزهري في المواقيت وفى التوحيد ففيها قالوا ربنا أعطيت
هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطا قيراطا ونحن كنا أكثر عملا ففيه التصريح بأنهم
أعطوا ذلك الا أن يحمل قولهم أعطيتنا أي أمرت لنا أو وعدتنا ولا يستلزم ذلك انهم أخذوه
ولا يخفى أن الجمع بكونهما قصتين أوضح وظاهر المثل الذي في حديث أبي موسى ان الله تعالى
قال لليهود آمنوا بي وبرسلي إلى يوم القيامة فآمنوا بموسى إلى أن بعث عيسى فكفروا به وذلك في
368

قدر نصف المدة التي من مبعث موسى إلى قيام الساعة فقولهم لا حاجة لنا إلى أجرك إشارة إلى
أنهم كفروا وتولوا واستغنى الله عنهم وهذا من اطلاق القول وإرادة لازمه لان لازمه ترك
العمل المعبر به عن ترك الايمان وقولهم وما عملنا باطل إشارة إلى احباط عملهم بكفرهم
بعيسى إذا لا ينفعهم الايمان بموسى وحده بعد بعثة عيسى وكذلك القول في النصارى الا أن
فيه إشارة إلى أن مدتهم كانت قدر نصف المدة فاقتصروا على نحو الربع من جميع النهار وقولهم
ولكم الذي شرطت زاد في رواية الإسماعيلي الذي شرطت لهؤلاء من الاجر يعنى الذين قبلهم
وقوله فإنما بقى من النهار شئ يسير أي بالنسبة لما مضى منه والمراد ما بقى من الدنيا وقوله واستكملوا
أجر الفريقين أي بايمانهم بالأنبياء الثلاثة وتضمن الحديث الإشارة إلى قصر المدة التي بقيت
من الدنيا وسيأتى الكلام عليه في قوله بعثت أنا والساعة كهاتين (قوله حتى إذا كان حين صلاة
العصر) هو بنصب حين ويجوز فيه الرفع (قوله واستكملوا أجر الفريقين كليهما) كذا لأبي ذر
وغيره وحكى ابن التين ان في روايته كلاهما بالرفع وخطاه وليس كما زعم بل له وجه (قوله فذلك
مثلهم) أي المسلمين (ومثل ما قبلوا من هذا النور) في رواية الإسماعيلي فذلك مثل المسلمين الذين
قبلوا هدى الله وما جاء به رسوله ومثل اليهود والنصارى تركوا ما أمرهم الله واستدل به على
أن بقاء هذه الأمة يزيد على الألف لأنه يقتضى ان مدة اليهود نظير مدتي النصارى والمسلمين وقد
اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكثر من ألفى سنة
ومدة النصارى من ذلك ستمائة وقيل أقل فتكون مدة المسلمين أكثر من ألف قطعا وتضمن
الحديث ان أجر النصارى كان أكثر من أجر اليهود لان اليهود عملوا نصف النهار بقيراط
والنصارى نحو ربع النهار بقيراط ولعل ذلك باعتبار ما حصل لمن آمن من النصارى بموسى
وعيسى فحصل لهم تضعيف الاجر مرتين بخلاف اليهود فإنهم لما بعث عيسى كفروا به وفى
الحديث تفضيل هذه الأمة وتوفير أجرها مع قلة عملها وفيه جواز استدامة صلاة العصر إلى أن
تغيب الشمس وفى قوله فإنما بقى من النهار شئ يسير إشارة إلى قصر مدة المسلمين بالنسبة إلى مدة
غيرهم وفيه إشارة إلى أن العمل من الطوائف كان مساويا في المقدار وقد تقدم البحث في ذلك
في المواقيت مشروحا * (قوله باب من استأجر أجيرا فترك أجره) في رواية الكشميهني
فترك الأجير أجره (قوله فعمل فيه المستأجر) أي أتجر فيه أو زرع (فزاد) أي ربح (قوله ومن
عمل في مال غيره فاستفضل) هو من عطف العام على الخاص لان العامل في مال غيره أعم من أن
369

يكون مستأجرا أو غير مستأجر ولم يذكر المصنف الجواب إشارة إلى الاحتمال كعادته ثم ذكر فيه
حديث ابن عمر في قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار وقد تقدم من وجه آخر قريبا وقد تعقب
المهلب ترجمة البخاري بأنه ليس في القصة دليل لما ترجم له وانما أتجر الرجل في أجر أجيره ثم أعطاه
له على سبيل التبرع وانما الذي كان يلزمه قدر العمل خاصة وقد تقدم ذلك في أثناء كتاب البيوع
وسيأتى شرحه (2) مستوفى في أواخر أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى وقوله في هذه الرواية
لا أغبق هو من الغبوق بالغين المعجمة والموحدة وآخره قاف شرب العشيى وضبطوه بفتح الهمزة
أغبق من الثلاثي الا الأصيلي فبضمها من الرباعي وخطئوه وقوله أهلا ولا ما لا المراد بالأهل ماله
من زوج وولد وبالمال ماله من رقيق وخدم وزعم الداودي أن المراد بالمال الدواب وتعقبوه وله
وجه وقوله فنأى بفتح النون والهمزة مقصورا بوزن سعى أي بعد وفى رواية كريمة والأصيلي فناء
بمد بعد النون بوزن جاء وهو بمعنى الأول وقوله فلم أرح بضم الهمزة وكسر الراء وقوله برق الفجر
بفتح الراء أي أضاء وقوله فأفرج بالوصل وضم الراء وبهمزة قطع وكسرا الراء من الفرج أو من
الافراج وقوله كل ما ترى من أجلك كذا للكشميهني ولابى زيد المروزي وللباقين من أجرك ولكل
وجه * (قوله باب من آجر نفسه ليحمل على ظهره ثم تصدق به) في رواية الكشميهني
ثم تصدق منه وقوله وأجر الحمال أي وباب أجر الحمال (قوله حدثنا أبي) هو الأموي صاحب
المغازي وقوله عن شقيق هو أبو وائل وقوله فيحامل أي يطلب أن يحمل بالاجرة وقوله بالمد أي
يحمل المتاع بالاجرة وهى مد من طعام والمحاملة مفاعلة وهى تكون بين اثنين والمراد هنا ان
الحمل من أحدهما والأجرة من الآخر كالمساقاة والمزارعة ووقع للنسائي من طريق منصور
عن أبي وائل ينطلق أحدنا إلى السوق فيحمل على ظهره (قوله وان لبعضهم لمائة ألف) هذه
اللام للتأكيد وهى ابتدائية لدخولها على اسم ان وتقدم الخبر وهى كقوله تعالى ان في ذلك
لعبرة ومراده ان ذلك في الوقت الذي حدث به وقد تقدم في الزكاة بلفظ وان لبعضهم اليوم مائة
ألف زاد النسائي وما كان له يومئذ درهم أي في الوقت الذي كان يحمل فيه (قوله قال ما نراه
الا نفسه) بين ابن ماجة من طريق زائدة عن الأعمش ان قائل ذلك هو أبو وائل الراوي للحديث
عن أبي مسعود وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الزكاة * (قوله باب أجر
السمسرة أي حكمه وهى بمهملتين (قوله ولم ير ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السمسار
بأسا) أما قول ابن سيرين وإبراهيم فوصله ابن أبي شيبة عنهما بلفظ لا بأس بأجر السمسار إذا اشترى
يدا بيد وأما قول عطاء فوصله ابن أبي شيبة أيضا بلفظ سئل عطاء عن السمسرة فقال لا بأس
بها وكأن المصنف أشار إلى الرد على من كرهها وقد نقله ابن المنذر عن الكوفيين (قوله وقال
ابن عباس لا بأس أن يقول بع هذا الثوب فما زاد على كذا وكذا فهو لك) وصله ابن أبي شيبة
من طريق عطاء نحوه وهذه أجر سمسرة أيضا لكنها مجهولة ولذلك لم يجزها الجمهور وقالوا ان باع
له على ذلك فله أجر مثله وحمل بعضهم اجازة ابن عباس على أنه أجراه مجرى المقارض وبذلك
أجاب أحمد واسحق ونقل ابن التين ان بعضهم شرط في جوازه أن يعلم الناس ذلك الوقت ان ثمن
السلعة يساوى أكثر مما سمى له وتعقبه بأن الجهل بمقدار الأجرة باق (قوله وقال ابن سيرين إذا
قال بعه بكذا فما كان من ربح فلك أو بيني وبينك فلا بأس به) وصله ابن أبي شيبة أيضا من طريق
370

يونس عنه وهذا أشبه بصورة المقارض من السمسار (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم
المسلمون عند شروطهم) هذا أحد الأحاديث التي لم يوصلها المصنف في مكان آخر وقد جاء من
حديث عمرو بن عوف المزنى وأبي هريرة وغيرهما أما حديث عمرو بن عوف فأخرجه اسحق في
مسنده من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظه وزاد الا
شرطا حرم حلالا أو أحل حراما وكثير بن عبد الله ضعيف عند الأكثر لكن البخاري ومن تبعه
كالترمذي وابن خزيمة يقوون أمره وأما حديث أبي هريرة فوصله أحمد وأبو داود والحاكم من
طريق كثير بن زيد عن الوليد بن رباح وهو بموحدة عن أبي هريرة بلفظه أيضا دون زيادة كثير
فزاد بدلها والصلح جائز بين المسلمين وهذه الزيادة أخرجها الدارقطني والحاكم من طريق أبى رافع
عن أبي هريرة ولابن أبى شيبة من طريق عطاء بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمنون
عند شروطهم وللدارقطني والحاكم من حديث عائشة مثله وزاد ما وافق الحق * (تنبيه) *
ظن ابن التين ان قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم بقية كلام ابن سيرين
فشرح على ذلك فوهم وقد تعقبه القطب الحلبي ومن تبعه من علمائنا ثم أورد المصنف حديث
ابن عباس الماضي في البيوع والمراد منه قوله في تفسير المنع لبيع الحاضر للبادي أن لا يكون له
سمسارا فان مفهومه انه يجوز أن يكون سمسارا في بيع الحاضر للحاضر ولكن شرط الجمهور أن
تكون الأجرة معلومة وعن أبي حنيفة أن دفع له ألفا على أن يشترى بها بزا بأجرة عشرة فهو
فاسد فان اشترى فله أجرة المثل ولا يجوز ما سمى من الأجرة وعن أبي ثور إذا جعل له في كل ألف
شيئا معلوما لم يجز لان ذلك غير معلوم فان عمل فله أجر مثله وحجة من منع انها اجارة في أمر لأمد
غير معلوم وحجة من اجازه انه إذا عين له الأجرة كفى ويكون من باب الجعالة والله أعلم * (قوله
باب هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب) أورد فيه حديث خباب
وهو إذ ذاك مسلم في عمله للعاص بن وائل وهو مشرك وكان ذلك بمكة وهى إذ ذاك دار حرب
واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وأقره ولم يجزم المصنف بالحكم لاحتمال ان يكون
الجواز مقيدا بالضرورة أو أن جواز ذلك كان قبل الاذن في قتال المشركين ومنابذتهم وقبل
الامر بعدم اذلال المؤمن نفسه وقال المهلب كره أهل العلم ذلك الا لضرروة بشرطين أحدهما
أن يكون عمله فيما يحل للمسلم فعله والآخر ان لا يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين وقال
ابن المنير استقرت المذاهب على أن الصناع في حوانيتهم يجوز لهم العمل لأهل الذمة ولا يعد
ذلك من الذلة بخلاف ان يخدمه في منزله وبطريق التبعية له والله أعلم وقد تقدم حديث خباب
في البيوع ويأتي بقية شرحه في تفسير سورة مريم * (قوله باب ما يعطى في الرقية على
أحياء العرب بفاتحة الكتاب) كذا ثبتت هذه الترجمة للجميع والاحياء بالفتح جمع حي والمراد
به طائفة من العرب مخصوصة قال الهمداني في الأنساب الشعب والحي بمعنى وسمى الشعب
لان القبيلة تتشعب منه وقد اعترض على المصنف بأن الحكم لا يختلف باختلاف الأمكنة
ولا باختلاف الأجناس وتقييده في الترجمة بأحياء العرب يشعر بحصره فيه ويمكن الجواب بأنه
ترجم بالواقع ولم يتعرض لنفى غيره وقد ترجم عليه في الطب الشروط في الرقية بقطيع من الغنم
ولم يقيده بشئ وترجم فيه أيضا الرقيا بفاتحة الكتاب والرقية كلام يستشفى به من كل عارض
371

أشار إلى ذلك ابن درستويه وسيأتى تحقيق ذلك في كتاب الطب إن شاء الله تعالى قوله وقال ابن
عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) هذا طرف من حديث
وصله المؤلف رحمه الله في الطب واستدل به للجمهور في جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن
وخالف الحنفية فمنعوه في التعليم وأجازوه في الرقي كالدواء قالوا لان تعليم القرآن عبادة والاجر
فيه على الله وهو القياس في الرقي الا أنهم أجازوه فيها لهذا الخبر وحمل بعضهم الاجر في هذا
الحديث على الثواب وسياق القصة التي في الحديث يأبى هذا التأويل وادعى بعضهم نسخه
بالأحاديث الواردة في الوعيد على أخذ الأجرة على تعليم القرآن وقد رواها أبو داود وغيره وتعقب
بأنه اثبات للنسخ بالاحتمال وهو مردود وبأن الأحاديث ليس فيها تصريح بالمنع على الاطلاق
بل هي وقائع أحوال محتملة للتأويل لتوافق الأحاديث الصحيحة كحديثي الباب وبأن الأحاديث
المذكورة أيضا ليس فيها ما تقوم به الحجة فلا تعارض الأحاديث الصحيحة وسيكون لنا عودة
إلى البحث في ذلك في كتاب النكاح في باب التزويج على تعليم القرآن (قوله وقال الشعبي لا يشترط
المعلم الا ان يعطى شيئا فليقبله وقال الحكم لم أسمع أحدا كره أجر المعلم وأعطى الحسن دراهم
عشرة) أما قول الشعبي فوصله ابن أبي شيبة بلفظ وان أعطى شيئا فليقبله وأما قول الحكم
فوصله البغوي في الجعديات حدثنا علي بن الجعد عن شعبة سألت معاوية بن قرة عن أجر المعلم
فقال أرى له أجرا وسألت الحكم فقال ما سمعت فقيها يكرهه وأما قول الحسن فوصله ابن سعد في
الطبقات من طريق يحيى بن سعيد بن أبي الحسن قال لما حذقت قلت لعمى يا عماه ان المعلم يريد شيئا
قال ما كانوا يأخذون شيئا ثم قال أعطه خمسة دراهم فلم أزل به حتى قال أعطه عشرة دراهم وروى
ابن أبي شيبة من طريق أخرى عن الحسن قال لا بأس ان يأخذ على الكتابة أجرا وكره الشرط
(قوله ولم ير ابن سيرين بأجر القسام بأسا وقال كان يقال السحت الرشوة في الحكم) أما قوله في
أجرة القسام فاختلفت الروايات عنه فروى عبد بن حميد في تفسيره من طريق يحيى بن عتيق عن
محمد وهو ابن سيرين انه كان يكره أجور القسام ويقول كان يقال السحت الرشوة على الحكم
وأرى هذا حكما يؤخذ عليه الأجرة وروى ابن أبي شيبة من طريق قتادة قال قلت لابن المسيب
ما ترى في كسب القسام فكرهه وكان الحسن يكره كسبه وقال ابن سيرين ان لم يكن حسنا فلا
أدرى ما هو وجاءت عنه رواية يجمع بها بين هذا الاختلاف قال ابن سعد حدثنا عارم حدثنا حماد
عن يحيى عن محمد هو ابن سيرين انه كان يكره ان يشارط القسام وكأنه يكره له أخذ الأجرة على
سبيل المشارطة ولا يكرهها إذا كانت بغير اشتراط كما تقدم عن الشعبي وظهر بما أخرجه ابن أبي
شيبة ان قول البخاري وكان يقال السحت الرشوة بقية كلام ابن سيرين وأشار ابن سيرين بذلك
إلى ما جاء عن عمر وعلى وابن مسعود وزيد بن ثابت من قولهم في تفسير السحت انه الرشوة في
الحكم أخرجه ابن جرير بأسانيده عنهم ورواه من وجه آخر مرفوعا ورجاله ثقات ولكنه مرسل
ولفظه كل لحم انبته السحت فالنار أولى به قيل يا رسول الله وما السحت قال الرشوة في الحكم
* (تنبيه) * القسام بفتح القاف فعال من القسم بفتح القاف وهو القاسم وشرحه الكرماني على أنه
بضم القاف جمع قاسم والسحت بضم السين وسكون الحاء المهملتين وحكى ضم الحاء وهو شاذ
وضبطه بعضهم بما يلزم من أكله العار فهو أعم من الحرام والرشوة بفتح الراء وقد تكسر
372

وتضم وقيل بالفتح المصدر وبالكسر الاسم (قوله وكانوا يعطون على الخرص) هو بفتح المعجمة
وسكون الراء ثم صاد مهملة هو الحزر وزنا ومعنى وقد تقدم تفسيره في البيوع أي كانوا
يعطون أجرة الخارص وفى ذلك دلالة على جواز أجرة القسام لاشتراكهما في أن كلا منهما
يفصل التنازع بين المتخاصمين ولأن الخرص يقصد للقسمة ومناسبة ذكر القسام والخارص
للترجمة الاشتراك في أن جنسهما وجنس تعليم القرآن والرقية واحد ومن ثم كره مالك أخذ الأجرة
على عقد الوثائق لكونها من فروض الكفايات وكره أيضا أجرة القسام وقيل انما
كرهها لأنه كان يرزق من بيت المال فكره له ان يأخذ أجرة أخرى وأشار سحنون إلى الجواز
عند فساد أمور بيت المال وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة أحدث الناس ثلاثة
أشياء لم يكن يؤخذ عليهن أجر ضراب الفحل وقسمة الأموال والتعليم اه‍ وهذا مرسل
وهو يشعر بأنهم كانوا قبل ذلك يتبرعون بها فلما فشا الشح طلبوا الأجرة فعد ذلك من غير مكارم الأخلاق
فتحمل كراهة من كرهها على التنزيه والله أعلم (قوله عن أبي بشر) هو جعفر بن أبي
وحشية مشهور بكنيته أكثر من اسمه كأبيه اسمه اياس وهو مشهور بكنيته (قوله عن أبي
المتوكل) هو الناجي وقد ذكر المصنف في آخر الباب تصريح أبى بشر بالسماع منه وتابع أبا عوانة
على هذا الاسناد شعبة كما في آخر الباب وهشيم كما أخرجه مسلم والنسائي وخالفهم الأعمش فرواه
عن جعفر بن أبي وحشية عن أبي نضرة عن أبي سعيد جعل بدل أبى المتوكل أبا نضرة أخرجه
الترمذي والنسائي وابن ماجة من طريقه فاما الترمذي فقال طريق شعبة أصح من طريق
الأعمش وقال ابن ماجة انها الصواب ورجحها الدارقطني في العلل ولم يرجح في السنن شيئا وكذا
النسائي والذي يترجح في نقدي ان الطريقين محفوظان لاشتمال طريق الأعمش على زيادات في
المتن ليست في رواية شعبة ومن تابعه فكأنه كان عند أبي بشر عن شيخين فحدث به تارة عن هذا
وتارة عن هذا ولم يصب ابن العربي في دعواه ان هذا الحديث مضطرب فقد رواه عن أبي سعيد
أيضا معبد بن سيرين كما سيأتي في فضائل القرآن وسليمان بن قتة وهو بفتح القاف وتشديد المثناة
كما أخرجه أحمد والدارقطني وسأذكر ما في رواياتهم من الفوائد (قوله انطلق نفر) لم أقف على اسم
أحد منهم سوى أبي سعيد وليس في سياق هذه الطريق ما يشعر بان السفر كان في جهاد لكن في
رواية الأعمش ان النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم وفى رواية سليمان بن قتة عند أحمد بعثنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعثا زاد الدارقطني فيه بعث سرية عليها أبو سعيد ولم أقف على تعيين هذه
السرية في شئ من كتب المغازي بل لم يتعرض لذكرها أحد منهم وهى واردة عليهم ولم أقف
على تعيين الحي الذين نزلوا بهم من أي القبائل هم (قوله فاستضافوهم) أي طلبوا منهم الضيافة
وفى رواية الأعمش عند غير الترمذي بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين رجلا فنزلنا بقوم
ليلا فسألناهم القرى فافادت عدد السرية ووقت النزول كما أفادت رواية الدارقطني تعيين أمير
السرية والقرى بكسر القاف مقصور الضيافة (قوله فأبوا ان يضيفوهم) بالتشديد للأكثر
وبكسر الضاد المعجمة مخففا (قوله فلدغ) بضم اللام على البناء للمجهول واللدغ بالدال المهملة
والغين المعجمة وهو اللسع وزنا ومعنى وأما اللذع بالذال المعجمة والعين المهملة فهو الاحراق
الخفيف واللدغ المذكور في الحديث هو ضرب ذات الحمة من حية أو عقرب وغيرهما وأكثر
373

ما يستعمل في العقرب وقد أفادت رواية الأعمش تعيين العقرب وأما ما وقع في رواية هشيم عند
النسائي انه مصاب في عقله أو لديغ فشك من هشيم وقد رواه الباقون فلم يشكوا في أنه لديغ ولا
سيما تصريح الأعمش بالعقرب وكذلك ما سيأتي في فضائل القرآن من طريق معبد بن سيرين
عن أبي سعيد بلفظ ان سيد الحي سليم وكذا في الطب من حديث ابن عباس ان سيد الحي سليم
والسليم هو اللديغ نعم وقعت للصحابة قصة أخرى في رجل مصاب بعقله فقرأ عليه بعضهم فاتحة
الكتاب فبرأ أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من طريق خارجة بن الصلت عن عمه انه مر
بقوم وعندهم رجل مجنون موثق في الحديد فقالوا انك جئت من عند هذا الرجل بخير فارق لنا
هذا الرجل الحديث فالذي يظهر أنهما قصتان لكن الواقع في قصة أبي سعيد انه لديغ (قوله
فسعوا له بكل شئ) أي مما جرت به العادة أن يتداوى به من لدغة العقرب كذا للأكثر من السعي
أي طلبوا له ما يداويه وللكشميهني فشفوا بالمعجمة والفاء وعليه شرح الخطابي فقال معناه طلبوا
الشفاء تقول شفى الله مريضي أي أبرأه وشفى له الطبيب أي عالجه بما يشفيه أو وصف له ما فيه
الشفاء لكن ادعى ابن التين انها تصحيف (قوله لو أتيتم هؤلاء الرهط) قال ابن التين قال تارة نفرا
وتارة رهطا والنفر ما بين العشرة والثلاثة والرهط ما دون العشرة وقيل يصل إلى الأربعين
(قلت) وهذا الحديث يدل له (قوله فاتوهم) في رواية معبد بن سيرين ان الذي جاء في هذه الرسالة
جارية منهم فيحمل على أنه كان معها غيرها زاد البزار في حديث جابر فقالوا لهم قد بلغنا أن
صاحبكم جاء بالنور والشفاء قالوا نعم (قوله وسعينا) في رواية الكشميهني وشفينا بالمعجمة والفاء
وقد تقدم ما فيها (قوله فهل عند أحد منكم من شئ) زاد أبو داود في روايته من هذا الوجه ينفع
صاحبنا (قوله فقال بعضهم) في رواية أبى داود فقال رجل من القوم نعم والله انى لأرقى بكسر
القاف وبين الأعمش أن الذي قال ذلك هو أبو سعيد راوي الخبر ولفظه قلت نعم أنا ولكن لا أرقيه
حتى تعطونا غنما فأفاد بيان جنس الجعل وهو بضم الجيم وسكون المهملة ما يعطى على عمل وقد
استشكل كون الراقي هو أبو سعيد راوي الخبر مع ما وقع في رواية معبد بن سيرين فقام معها رجل
ما كنا نظنه يحسن رقية وأخرجه مسلم وسيأتى للمصنف في فضائل القرآن بلفظ آخر وفيه فلما رجع
قلنا له أكنت تحسن رقية ففي ذلك اشعار بأنه غيره والجواب انه لا مانع من أن يكنى الرجل عن
نفسه فلعل أبا سعيد صرح تارة وكنى أخرى ولم ينفرد الأعمش بتعيينه وقد وقع أيضا في رواية
سليمان بن قتة بلفظ فاتيته فرقيته بفاتحة الكتاب وفى حديث جابر عند البزار فقال رجل من
الأنصار أنا أرقيه وهو مما يقوى رواية الأعمش فان أبا سعيد أنصاري وأما حمل بعض الشارحين
ذلك على تعدد القصة وان أبا سعيد روى قصتين كان في إحداهما راقيا وفى الأخرى كان الراقي
غيره فبعيد جدا ولا سيما مع اتحاد المخرج والسياق والسبب ويكفى في رد ذلك ان الأصل
عدم التعدد ولا حامل عليه فان الجمع بين الكلب ممكن بدونه وهذا يخالف ما قدمته من
حديث خارجة بن الصلت عن عمه فان السياقين مختلفان وكذا السبب فكان الحمل على التعدد
فيه قريبا (قوله فصالحوهم) أي وافقوهم (قوله على قطيع من الغنم) قال ابن التين القطيع
هو الطائفة من الغنم وتعقب بان القطيع هو الشئ المتقطع من غنم كان أو غيرها وقد صرح
بذلك ابن قرقول وغيره وزاد بعضهم ان الغالب استعماله فيما بين العشرة والأربعين ووقع
374

في رواية الأعمش فقالوا انا نعطيكم ثلاثين شاة وكذا ثبت ذكر عدد الشياه في رواية معبد بن
سيرين وهو مناسب لعدد السرية كما تقدم في أول الحديث وكأنهم اعتبروا عددهم
فجعلوا لجعل بازائه (قوله فانطلق يتفل) بضم الفاء وبكسرها وهو نفخ معه قليل بزاق وقد
تقدم البحث فيه في أوائل كتاب الصلاة قال ابن أبي حمزة محل التفل في الرقية يكون بعد
القراءة لتحصيل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها الريق فتحصل البركة في الريق الذي يتفله
(قوله ويقرأ الحمد لله رب العالمين) في رواية شعبة فجعل يقرأ عليها بفاتحة الكتاب وكذا في
حديث جابر وفى رواية الأعمش فقرأت عليه الحمد لله ويستفاد منه تسمية الفاتحة الحمد والحمد
لله رب العالمين ولم يذكر في هذه الطريق عدد ما قرأ الفاتحة لكنه بينه في رواية الأعمش وانه
سبع مرات ووقع في حديث جابر ثلاث مرات والحكم للزائد (قوله فكأنما نشط) كذا
للجميع بضم النون وكسر المعجمة من الثلاثي قال الخطابي وهو لغة والمشهور نشط إذا عقد
وأنشط إذا حل وأصله الانشوطة بضم الهمزة والمعجمة بينهما نون ساكنة وهى الحبل وقال ابن
التين حكى بعضهم ان معنى أنشط حل ومعنى نشط أقيم بسرعة ومنه قولهم رجل نشيط ويحتمل
أن يكون معنى نشط فزع ولو قرئ بالتشديد لكان له وجه أي حل شيئا فشيئا (قوله من عقال)
بكسر المهملة بعدها قاف هو الحبل الذي يشد به ذراع البهيمة (قوله وما به قلبة) بحركات أي
علة وقيل للعلة قلبة لان الذي تصيبه يقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء قاله ابن
الاعرابى ومنه قول الشاعر * وقد برئت فما في الصدر من قلبه * وفى نسخة الدمياطي بخطه
قال ابن الاعرابى القلبة داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيألم قلبه فيموت من يومه (قوله فقال
بعضهم اقسموا) لم أقف على اسمه (قوله فقال الذي رقى) بفتح القاف وفى رواية الأعمش فلما
قبضنا الغنم عرض في أنفسنا منها شئ وفى رواية معبد بن سيرين فامر لنا بثلاثين شاة وسقانا
لبنا وفى رواية سليمان بن قتة عروبة إلينا بالشياه والنزل فأكلنا الطعام وأبو ان يأكلوا الغنم
حتى أتينا المدينة وبين في هذه الرواية ان الذي منعهم من تناولها هو الراقي وأما في باقي الروايات
فأبهمه (قوله فينظر ما يأمرنا) أي فنتبعه ولم يريدوا أنهم يخيرون في ذلك (قوله وما يدريك انها
رقية) قال الداودي معناه وما أدراك وقد روى كذلك ولعله هو المحفوظ لان ابن عيينة قال إذا
قال وما يدريك فلم يعلم وإذا قال وما أدراك فقد أعلم وتعقبه ابن التين بان ابن عيينة انما قال ذلك
فيما وقع في القرآن كما تقدم في أواخر الصيام والا فلا فرق بينهما في اللغة أي في نفى الدراية وقد
وقع في رواية هشيم وما أدراك ونحوه في رواية الأعمش وفى رواية معبد بن سيرين وما كان يدريه
وهى كلمة تقال عند التعجب من الشئ وتستعمل في تعظيم الشئ أيضا وهو لائق هنا زاد شعبة في
روايته ولم يذكر منه نهيا أي من النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وزاد سليمان بن قتة في روايته
بعد قوله وما يدريك انها رقية قلت ألقى في روعي وللدارقطني من هذا الوجه فقلت يا رسول الله
شئ ألقى في روعي وهو ظاهر في أنه لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقي بالفاتحة ولهذا قال له
أصحابه لما رجع ما كنت تحسن رقية كما وقع في رواية معبد بن سيرين (قوله ثم قال قد أصبتم)
يحتمل أن يكون صوب فعلهم في الرقية ويحتمل أن ذلك في توقفهم عن التصرف في الجعل حتى
استأذنوه ويحتمل أعم من ذلك (قوله واضربوا إلى معكم سهما) أي اجعلوا لي منه نصيبا وكأنه
375

أراد المبالغة في تأنيسهم كما وقع له في قصة الحمار الوحشي وغير ذلك (قوله وقال شعبة حدثنا أبو
بشر سمعت أبا المتوكل) هذه الطريق بهذه الصيغة وصلها الترمذي وقد أخرجه المصنف في الطب
من طريق شعبة لكن بالعنعنة وهذا هو السر في عزوه إلى الترمذي مع كونه في البخاري وغفل
بعض الشراح عن ذلك فعاب على ما نسبه إلى الترمذي وفى الحديث جواز الرقية بكتاب الله
ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور وأما الرقي
بما سوى ذلك فليس في الحديث ما يثبته ولا ما ينفيه وسيأتى حكم ذلك مبسوطا في كتاب الطب
وفيه مشروعية الضيافة على أهل البوادي والنزول على مياه العرب وطلب ما عندهم على سبيل
القرى أو الشراء وفيه مقابلة من امتنع من المكرمة بنظير صنيعه لما صنعه الصحابي من الامتناع
من الرقية في مقابلة امتناع أولئك من ضيافتهم وهذه طريق موسى عليه السلام في قوله تعالى لو
شئت لاتخذت عليه أجرا ولم يعتذر الخضر عن ذلك الا بأمر خارجي وفيه امضاء ما يلتزمه المرء على
نفسه لان أبا سعيد التزم ان يرقى وأن يكون الجعل له ولأصحابه وأمر النبي صلى الله عليه وسلم
بالوفاء بذلك وفيه الاشتراك في الموهوب إذا كان أصله معلوما وجواز طلب الهدية ممن يعلم رغبته
في ذلك وأجابته إليه وفيه جواز قبض الشئ الذي ظاهره الحل وترك التصرف فيه إذا عرضت فيه
شبهة وفيه الاجتهاد عند فقد النص وعظمة القرآن في صدور الصحابة خصوصا الفاتحة وفيه
ان الرزق المقسوم لا يستطيع من هو في يده منعه ممن قسم له لان أولئك منعوا الضيافة وكان الله
قسم للصحابة في مالهم نصيبا فمنعوهم فسبب لهم لدغ العقرب حتى سيق لهم ما قسم لهم وفيه
الحكمة البالغة حيث اختص بالعقاب من كان رأسا في المنع لان من عادة الناس الايتمار بأمر
كبيرهم فلما كان رأسهم في المنع اختص بالعقوبة دونهم جزاء وفاقا وكان الحكمة فيه أيضا
إرادة الإجابة إلى ما يلتمسه المطلوب منه الشفاء ولو كثر لان الملدوغ لو كان من آحاد الناس لعله لم
يكن يقدر على القدر المطلوب منهم * (قوله باب ضريبة العبد وتعاهد ضرائب
الإماء) الضريبة بفتح المعجمة فعلية بمعنى مفعولة ما يقدره السيد على عبده في كل يوم وضرائب
جمعها ويقال لها خراج وغلة بالغين المعجمة وأجر وقد وقع جميع ذلك في الحديث ثم أورد المصنف
فيه حديث أنس أن أبا طيبة حجم النبي صلى الله عليه وسلم وكلم مواليه فخففوا عنه من ضريبته
ودلالته على الترجمة ظاهرة فان المراد بها بيان حكم ذلك وفى تقرير النبي صلى الله عليه وسلم له
دلالة على الجواز وسأذكر كم كان قدر الضريبة بعد باب وأما ضرائب الإماء فيؤخذ منه بطريق
الالحاق واختصاصها بالتعاهد لكونها مظنة تطرق الفساد في الأغلب والا فكما يخشى من
اكتساب الأمة بفرجها يخشى من اكتساب العبد بالسرقة مثلا ولعله أشار بالترجمة إلى
ما أخرجه هو في تاريخه من طريق أبى داود الأحمري قال خطبنا حذيفة حين قدم المدائن فقال
تعاهدوا ضرائب إمائكم وهو عند أبي نعيم في الحلية بلفظ ضرائب غلمانكم واسم الأحمري
هذا مالك وأورده سعيد بن منصور في السنن مطولا من طريق شداد بن الفرات قال حدثنا
أبو داود شيخ من أهل المدائن قال كنت تحت منبر حذيفة وهو يخطب ولابى داود من حديث
رافع بن خديج مرفوعا نهى عن كسب الأمة حتى يعلم من أين هو وقد تقدم ذكر ذلك
في أواخر البيوع وقال ابن المنير في الحاشية كأنه أراد بالتعاهد التفقد لمقدار ضريبة الأمة
376

لاحتمال أن تكون ثقيلة فتحتاج إلى التكسب بالفجور ودلالته من الحديث أمره عليه الصلاة
والسلام بتخفيف ضريبة الحجام فلزوم ذلك في حق الأمة أقعد وأولى لأجل الغائلة الخاصة بها
* (قوله باب خراج الحجام) أورد فيه حديث ابن عباس احتجم النبي صلى الله عليه
وسلم وأعطى الحجام أجره وزاد من وجه آخر ولو علم كراهية لم يعطه وهو ظاهر في الجواز وتقدم
في البيوع بلفظ ولو كان حراما لم يعطه وعرف به ان المراد بالكراهة هنا كراهة التحريم وكأن
ابن عباس أشار بذلك إلى الرد على من قال إن كسب الحجام حرام واختلف العلماء بعد ذلك في
هذه المسئلة فذهب الجمهور إلى أنه حلال واحتجوا بهذا الحديث وقالوا هو كسب فيه دناءة
وليس بمحرم فحملوا الزجر عنه على التنزيه ومنهم من ادعى النسخ وأنه كان حراما ثم أبيح وجنح
إلى ذلك الطحاوي والنسخ لا يثبت بالاحتمال وذهب أحمد وجماعة إلى الفرق بين الحر والعبد
فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة ويحرم عليه الانفاق على نفسه منها ويجوز له الانفاق على
الرقيق والدواب منها وأباحوها للعبد مطلقا وعمدتهم حديث محيصة أنه سأل النبي صلى الله
عليه وسلم عن كسب الحجام فنهاه فذكر له الحاجة فقال اعلفه نواضحك أخرجه مالك وأحمد
وأصحاب السنن ورجاله ثقات وذكر ابن الجوزي ان أجر الحجام انما كره لأنه من الأشياء التي تجب
للمسلم على المسلم اعانة له عند الاحتياج له فما كان ينبغي له أن يأخذ على ذلك أجرا وجمع ابن
العربي بين قوله صلى الله عليه وسلم كسب الحجام خبيث وبين اعطائه الحجام أجرته بأن محل
الجواز ما إذا كانت الأجرة على عمل معلوم ويحمل الزجر على ما إذا كان على عمل مجهول وفى
الحديث إباحة الحجامة ويلتحق به ما يتداوى من اخراج الدم وغيره وسيأتى مزيد لذلك في كتاب
الطب وفيه الأجرة على المعالجة بالطب والشفاعة إلى أصحاب الحقوق أن يخففوا منها وجواز
مخارجة السيد لعبده كأن يقول له أذنت لك أن تكتسب على أن تعطيني كل يوم كذا وما زاد
فهو لك وفيه استعمال العبد بغير اذن سيده الخاص إذا كان قد تضمن تمكينه من العمل اذنه
العام (قوله عن عمرو بن عامر) هو الأنصاري وليست له رواية في البخاري الا عن أنس وقد
تقدم له حديث في الطهارة وآخر في الصلاة وهذا وهو جميع ماله عنده (قوله كان النبي صلى
الله عليه وسلم يحتجم) فيه اشعار بالمواظبة بخلاف الأول وقوله ولم يكن يظلم أحدا أجره فيه
اثبات اعطائه أجرة الحجام بطريق الاستنباط بخلاف الرواية التي قبلها ففيها الجزم بذلك على
طريق التنصيص * (قوله باب من كلم موالى العبد أن يخففوا عنه من خراجه)
أي على سبيل التفضل منهم لا على سبيل الالزام لهم ويحتمل أن يكون على الالزام إذا كان
لا يطيق ذلك (قوله عن حميد الطويل عن أنس) في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه عن حميد
سمعت أنسا (قوله دعا النبي صلى الله عليه وسلم غلاما) هو أبو طيبة كما تقدم قبل باب واسم أبى
طيبة نافع على الصحيح فقد روى أحمد وابن السكن والطبراني من حديث محيصة بن مسعود أنه
كان له غلام حجام يقال له نافع أبو طيبة فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن خراجه
الحديث وحكى ابن عبد البر في اسم أبى طيبة أنه دينار ووهموه في ذلك لان دينارا الحجام تابعي
روى عن أبي طيبة لا أنه اسم أبى طيبة أخرج حديثه ابن منده من طريق بسام الحجام عن دينار
الحجام عن أبي طيبة الحجام قال حجمت النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وبذلك جزم أبو أحمد
377

الحاكم في الكنى أن دينارا الحجام يروى عن أبي طيبة لا أنه أبى طيبة نفسه وذكر البغوي في
الصحابة باسناد ضعيف أن اسم أبى طيبة ميسرة واما العسكري فقال الصحيح أنه لا يعرف اسمه
وذكر ابن الحذاء في رجال الموطأ أنه عاش مائة وثلاثا وأربعين سنة (قوله بصاع أو صاعين
أو مد أو مدين) شك من شعبة وقد تقدم في رواية سفيان صاعا أو صاعين على الشك أيضا ولم
يتعرض لذكر المد وقد تقدم في البيوع من رواية مالك عن حميد فأمر له بصاع من تمر ولم يشك
وأفاد تعيين ما في الصاع وأخرج الترمذي وابن ماجة من حديث على قال أمرني النبي صلى الله
عليه وسلم فأعطيت الحجام اجره فأفاد تعيين من باشر العطية ولابن أبى شيبة من هذا الوجه
أنه صلى الله عليه وسلم قال للحجام كم خراجك قال صاعان قال فوضع عنه صاعا وكأن هذا هو
السبب في الشك الماضي وهذه الرواية تجمع الخلاف وفى حديث ابن عمر عند ابن أبي شيبة أن
خراجه كان ثلاثة آصع وكذا لأبي يعلى عن جابر فان صح جمع بينهما بأنه كان صاعين وزيادة فمن
قال صاعين ألغى الكسر ومن قال ثلاثة جبره (قوله وكلم فيه) لم يذكر المفعول وقد ذكره قبل
بباب من وجه آخر عن حميد فقال كلم مواليه ومواليه هم بنوا حارثة على الصحيح ومولاه منهم
محيصة بن مسعود كما تراه هنا وانما جمع الموالى مجازا كما يقال بنو فلان قتلوا رجلا ويكون
القاتل منهم واحدا وأما ما وقع في حديث جابر أنه مولى بنى بياضة فهو وهم فان مولى بنى بياضة
آخر يقال له أبو هند * (قوله باب كسب البغى والإماء) بين البغى والإماء خصوص
وعموم وجهي فقد تكون البغى أمة وقد تكون حرة والبغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة
وتشديد الياء بوزن فعيل بمعنى فاعلة أو مفعولة وهى الزانية ولم يصرح المصنف بالحكم كأنه
نبه على أن الممنوع كسب الأمة بالفجور لا بالصنائع الجائزة (قوله وكره إبراهيم) أي النخعي
(أجر النائحة والمغنية) وصله ابن أبي شيبة من طريق أبى هاشم عنه وزاد والكاهن وكأن
البخاري أشار بهذا الأثر إلى أن النهى في حديث أبي هريرة محمول على ما كانت الحرفة فيه
ممنوعة أو تجر إلى أمر ممنوع شرعا لجامع ما بينهما من ارتكاب المعصية (قوله وقول الله عز
وجل ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إلى آخر الآية قال مجاهد فتياتكم إماءكم) وقع هذا في
رواية المستملى وقد روى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله ولا
تكرهوا فتياتكم على البغاء قال لا تكرهوا إماءكم على الزنا وأخرجه هو وعبد بن حميد
والطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال في قوله ولا تكرهوا فتياتكم قال إماءكم على
الزنا وزاد أن عبد الله بن أبي أمر أمة له بالزنا فزنت فجاءت ببرد فقال ارجعي فازني على آخر فقالت
والله ما أنا براجعة فنزلت وهذا أخرجه مسلم من طريق أبي سفيان عن جابر مرفوعا وسماها
الزهري عن عمرو بن ثابت معاذة وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلا في قصة
طويلة وكذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عكرمة مرسلا واتفقوا على تسميتها معاذة وروى
أبو داود والنسائي من طريق أبى الزبير أنه سمع جابرا قال جاءت مسيكة أمة لبعض الأنصار
فقالت إن سيدي يكرهني على البغاء فنزلت فالظاهر أنها نزلت فيهما وزعم مقاتل أنهما معا
كانتا أمتين لعبد الله بن أبي وزاد معهن غيرهن وقوله تعالى ان أردن تحصنا لا مفهوم له بل خرج
مخرج الغالب ويحتمل أن يقال لا يتصور الاكراه إذا لم يردن التعفف لأنهن حينئذ في مقام
378

الاختيار وقوله وقال مجاهد فتياتكم إماءكم وقع هذا في رواية المستملى وذكره النسفي لكن لم
ينسبه لمجاهد ولفظه قال فتياتكم الإماء وهو في تفسير الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن
مجاهد في قوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم يقول إماءكم على البغاء على الزنا ثم أورد المصنف
حديث أبي مسعود في النهى عن مهر البغى وغيره وحديث أبي هريرة في النهى عن كسب
الإماء وقد تقدم في أواخر البيوع وفى الباب الذي قبله من شرحهما ما فيه مزيد كفاية * (قوله
باب عسب الفحل) أورد فيه حديث ابن عمر في النهى عنه والعسب بفتح العين
واسكان السين المهملتين وفى آخره موحدة ويقال له العسيب أيضا والفحل الذكر من كان
حيوان فرسا كان أو جملا أو تيسا أو غير ذلك وقد روى النسائي من حديث أبي هريرة نهى عن
عسب التيس واختلف فيه فقيل هو ثمن ماء الفحل وقيل أجرة الجماع وعلى الأخير جرى المصنف
ويؤيد الأول حديث جابر عند مسلم نهى عن بيع ضراب الجمل وليس بصريح في عدم الحمل على
الإجارة لان الإجارة بيع منفعة ويؤيد الحمل على الإجارة لا الثمن ما تقدم عن قتادة قبل أربعة
أبواب أنهم كانوا يكرهون أجر ضراب الجمل وقال صاحب الافعال أعسب الرجل عسيبا اكترى
منه فحلا ينزيه وعلى كل تقدير فبيعه واجارته حرام لأنه غر متقوم ولا معلوم ولا مقدور على
تسليمه وفى وجه للشافعية والحنابلة تجوز الإجارة مدة معلومة وهو قول الحسن وابن سيرين
ورواية عن مالك قواها الأبهري وغيره وحمل النهى على ما إذا وقع لأمد مجهول وأما إذا استأجره
مدة معلومة فلا بأس كما يجوز الاستئجار لتلقيح النخل وتعقب بالفرق لان المقصود هنا ماء الفحل
وصاحبه عاجز عن تسلميه بخلاف التلقيح ثم النهى عن الشراء والكراء انما صدر لما فيه من
الغرر واما عارية ذلك فلا خلاف في جوازه فان اهدى للمعير هدية من المستعير بغير شرط جاز
وللترمذي من حديث أنس ان رجلا من كلاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل
فنهاه فقال يا رسول الله انا نطرق الفحل فنكرم فرخص له في الكرامة ولابن حبان في صحيحه من
حديث أبي كبشة مرفوعا من أطرق فرسا فاعقب كان له كاجر سبعين فرسا (قوله عن علي بن
الحكم) هو البناني بضم الموحدة بعدها نون خفيفة بصرى ثقة عند الجميع ولينه أبو الفتح
الأزدي بلا مستند وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وقد أخرج الحاكم في المستدرك هذا
الحديث عن مسدد شيخ البخاري فيه وقال علي بن الحكم ثقة من أعز البصريين حديثا انتهى
وقد وهم في استدراكه وهو في البخاري كما ترى وكأنه لما لم يره في كتاب البيوع توهم أن البخاري لم
يخرجه * (قوله باب إذا استأجر أرضا فمات أحدهما) أي هل تفسخ الإجارة أم لا
والجمهور على عدم الفسخ وذهب الكوفيون والليث إلى الفسخ واحتجوا بان الوارث ملك
الرقبة والمنفعة تبع لها فارتفعت يد المستأجر عنها بموت الذي آجره وتعقب بان المنفعة قد تنفك
عن الرقبة كما يجور بيع مسلوب المنفعة فحينئذ ملك المنفعة باق للمستأجر بمقتضى العقد وقد
اتفقوا على أن الإجارة لا تنفسخ بموت ناظر الوقف فكذلك هنا (قوله وقال ابن سيرين ليس
لأهله) أي أهل الميت (ان يخرجوه) أي يخرجوا المستأجر (إلى تمام الاجل وقال الحسن
والحكم وأياس بن معاوية تمضى الإجارة إلى أجلها) وصله ابن أبي شيبة من طريق حميد عن
الحسن وأياس بن معاوية ومن طريق أيوب عن ابن سيرين نحوه ثم أورد المصنف حديث ابن عمر
379

أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر اليهود على أن يعملوها وسيأتى الكلام عليه مستوفى في
المزارعة وكذلك الطريق المعلقة آخر الباب وهى قوله وقال عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر
حتى أجلاهم عمر يريد أن عبيد الله حدث بهذا الحديث عن نافع كما حدث به جويرية عن نافع
وزاد في آخره حتى أجلاهم عمر قال الكرماني القائل وقال عبيد الله هو موسى بن إسماعيل الراوي
عن جويرية وهو من تتمة حديثه وبه تحصل الترجمة فاما قوله إنه موسى فغلط واضح لان موسى
لا رواية له عن عبيد الله بن عمر أصلا والقائل وقال عبيد الله هو البخاري وهو تعليق سيأتي بيانه
وقد وصله مسلم من طرق عن نافع وقال في آخرها حتى أجلاهم إلى تيماء وأريحاء وأما قوله وهو
من تتمة حديثه إن كان أراد به انه حدث به فقد بينت انه غلط وان أراد أنه من تتمته لكن من
رواية غيره فصحيح وكذا قوله وبه تحصل الترجمة والغرض منه هنا الاستدلال على عدم فسخ
الإجارة بموت أحد المتأجرين وهو ظاهر في ذلك وقد أشار إليه بقوله ولم يذكر ان أبا بكر جدد
الإجارة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه حديث ابن عمر في كراء المزارع وحديث رافع بن
خديج في النهى عنه وسيأتى شرحهما في المزارعة أيضا إن شاء الله تعالى (خاتمة) اشتمل كتاب
الإجارة من الأحاديث المرفوعة على ثلاثين حديثا المعلق منها خمسة والبقية موصولة المكرر
منها فيه وفيما مضى ستة عشر حديثا والبقية خالصة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي
هريرة في رعى الغنم وحديث المسلمون عند شروطهم وحديث ابن عباس أحق ما أخذتم
عليه أجرا كتاب الله وحديث ابن عمر في النهى عن عسب الفحل وفيه من الآثار عن الصحابة
والتابعين ثمانية عشر اثرا والله سبحانه وتعالى أعلم * (قوله بسم الله الرحمن الرحيم
باب الحوالة) كذا للأكثر وزاد النسفي والمستملى بعد البسملة كتاب الحوالة
والحوالة بفتح الحاء وقد تكسر مشتقة من التحويل أو من الحئول تقول حال عن العهد إذا
انتقل عنه حئولا وهى عند الفقهاء نقل دين من ذمة إلى ذمة واختلفوا هل هي بيع دين بدين
رخص فيه فاستثنى من النهى عن بيع الدين بالدين أو هي استيفاء وقيل هي عقد ارفاق مستقل
ويشترط في صحتها رضا المحيل بلا خلاف والمحتال عند الأكثر والمحال عليه عند بعض شذ
ويشترط أيضا تماثل الحقين في الصفات وأن يكون في شئ معلوم ومنهم من خصها بالنقدين
ومنعها في الطعام لأنه بيع طعام قبل أن يستوفى قوله وهل يرجع في الحوالة هذا إشارة إلى
خلاف فيها هل هي عقد السرى أو جائز قوله وقال الحسن وقتادة إذا كان أي المحال عليه
يوم أحال عليه مليا جاز أي بلا رجوع ومفهومه أنه إذا كان مفلسا فله يرجع وهذا الأثر
أخرجه بن أبي شيبة والأثرم واللفظ له من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة والحسن أنهما
سئلا عن رجل احتال على رجل فأفلس قالا إن كان مليا يوم احتال عليه فليس له أن يرجع وقيده
أحمد بما إذا لم يعلم المحتال بافلاس المحال عليه وعن الحكم لا يرجع الا إذا مات المحال عليه وعن
الثوري يرجع بالموت وأما بالفلس فلا يرجع الا بمحضر المحيل والمحال عليه وقال أبو حنيفة يرجع
بالفلس مطلقا سواء عاش أو مات ولا يرجع بغير الفلس وقال مالك لا يرجع الا ان غره كان علم فلس
المحال عليه ولم يعلمه بذلك وقال الحسن وشريح وزفر الحوالة كالكفالة فيرجع على أيهما شاء وبه
يشعر ادخال البخاري أبواب الكفالة في كتاب الحوالة وذهب الجمهور إلى عدم الرجوع مطلقا
380

واحتج الشافعي بان معنى قول الرجل أحلته وابرأني حولت حقه عنى وأثبته على غيري وذكر أن
محمد بن الحسن احتج لقوله بحديث عثمان أنه قال في الحوالة أو الكفالة يرجع صاحبها لا توى أي
لا هلاك على مسلم قال فسألته عن اسناده فذكره عن رجل مجهول عن آخر معروف لكنه منقطع
بينه وبين عثمان فبطل الاحتجاج به من أوجه قال البيهقي أشار الشافعي بذلك إلى ما رواه شعبة
عن خليد بن جعفر عن معاوية بن قرة عن عثمان فالمجهول خليد والانقطاع بين معاوية بن قرة
وعثمان وليس الحديث مع ذلك مرفوعا وقد شك راويه هل هو في الحوالة أو الكفالة (قول وقال
ابن عباس يتخارج الشريكان الخ) وصله ابن أبي شيبة بمعناه قال ابن التين محله ما إذا وقع ذلك
بالتراضي مع استواء الدين وقوله توى بفتح المثناة وكسر الواو أي هلك والمراد أن يفلس من عليه
الدين أو يموت أو يجحد فيحلف حيث لا بينة ففي كل ذلك لا رجوع لمن رضى بالدين قال ابن المنير
ووجهه أن من رضى بذلك فهلك فهو في ضمانه كما لو اشترى عينا فتلفت في يده وألحق البخاري
الحوالة بذلك وقال أبو عبيد إذا كان بين ورثة أو شركاء مال وهو في يد بعضهم دون بعض فلا بأس
أن يتبايعوه بينهم (قوله عن الأعرج عن أبي هريرة) قد رواه همام عن أبي هريرة ورواه ابن عمر
وجابر مع أبي هريرة (قوله مطل الغنى ظلم) في رواية ابن عيينة عن أبي الزناد عند النسائي وابن
ماجة المطل ظلم الغنى والمعنى أنه من الظلم وأطلق ذلك للمبالغة في التنفير عن المطل وقد رواه
الحوزقي من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ ان من الظلم مطل الغنى وهو يفسر الذي قبله وأصل
المطل المد قال ابن فارس مطلت الحديدة أمطلها مطلا إذا مددتها لتطول وقال الأزهري المطل
المدافعة والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر والغنى مختلف في تفريعه ولكن المراد به هنا
من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيرا كما سيأتي البحث فيه وهل يتصف بالمطل من ليس القدر
الذي استحق عليه حاضرا عنده لكنه قادر على تحصيله بالتكسب مثلا أطلق أكثر الشافعية
عدم الوجوب وصرح بعضهم بالوجوب مطلقا وفصل آخرون بين أن يكون أصل الدين وجب
بسبب يعصى به فيجب والا فلا وقوله مطل الغنى هو من إضافة المصدر للفاعل عند الجمهور والمعنى
أنه يحرم على الغنى القادر أن يمطل بالدين بعد استحقاقه بخلاف العاجز وقيل هو من إضافة
المصدر للمفعول والمعنى انه يجب وفاء الدين ولو كان مستحقه غنيا ولا يكون غناه سببا لتأخير حقه
عنه وإذا كان كذلك في حق الغنى فهو في حق الفقير أولى ولا يخفى بعد هذا التأويل (قوله فإذا
أتبع أحدكم على ملئ فليتبع) المشهور في الرواية واللغة كما قال النووي اسكان المثناة في أتبع
وفى فليتبع وهو على البناء للمجهول مثل إذا أعلم فليعلم تقول تبعت الرجل بحقي أتبعه تباعة بالفتح
إذا طلبته وقال القرطبي أما أتبع فبضم الهمزة وسكون التاء مبنيا لما لم يسم فاعله عند الجميع
وأما فليتبع فالأكثر على التخفيف وقيده بعضهم بالتشديد والأول أجود انتهى وما ادعاه من
الاتفاق على اتبع يرده قول الخطابي ان أكثر المحدثين يقولونه بتشديد التاء والصواب التخفيف
ومعنى قوله اتبع فليتبع أي أحيل فليحتل وقد رواه بهذا اللفظ أحمد عن وكيع عن سفيان
الثوري عن أبي الزناد وأخرج البيهقي مثله من طريق يعلى بن منصور عن أبي الزناد عن أبيه
وأشار إلى تفرد يعلى بذلك ولم يتفرد به كما تراه ورواه ابن ماجة من حديث ابن عمر بلفظ فإذا
أحلت على ملئ فاتبعه وهذا بتشديد التاء بلا خلاف والملئ بالهمز مأخوذ من الملاء يقال
381

ملؤ الرجل بضم اللام أي صار مليا وقال الكرماني الملي كالغنى لفظا ومعنى فاقتضى انه بغير
همز وليس كذلك فقد قال الخطابي انه في الأصل بالهمز ومن رواه بتركها فقد سهله والامر في
قوله فليتبع للاستحباب عند الجمهور ووهم من نقل فيه الاجماع وقيل هو أمر إباحة وارشاد
وهو شاذ وحمله أكثر الحنابلة وأبو ثور وابن جرير وأهل الظاهر على ظاهره وعبارة الخرقي ومن
أحيل بحقه على ملئ فواجب عليه أن يحتال * (تنبيه) * ادعى الرافعي أن الأشهر في الروايات
وإذا أتبع وانهما جملتان لا تعلق لاحداهما بالأخرى وزعم بعض المتأخرين أنه لم يرد الا بالواو
وغفل عما في صحيح البخاري فإنه بالفاء في جميع الروايات وهو كالتوطئة والعلة لقبول
الحوالة أي إذا كان المطل ظلما فليقبل من يحتال بدينه عليه فان المؤمن من شأنه أن يحترز عن
الظلم فلا يمطل نعم رواه مسلم بالواو وكذا البخاري في الباب الذي بعده لكن قال ومن أتبع
ومناسبة الجملة للتي قبلها أنه لما دل على أن مطل الغنى ظلم عقبة بأنه ينبغي قبول الحوالة على الملئ
لما في قبولها من دفع الظلم الحاصل بالمطل فإنه قد تكون مطالبة المحال عليه سهلة على المحتال
دون المحيل ففي قبول الحوالة اعانة على كفه عن الظلم وفى الحديث الزجر عن المطل واختلف هل
يعد فعله عمدا كبيرة أم لا فالجمهور على أن فاعله يفسق لكن هل يثبت فسقه بمطله مرة واحدة
أم لا قال النووي مقتضى مذهبنا اشتراطا التكرار ورده السبكي في شرح المنهاج بان مقتضى
مذهبنا عدمه واستدل بان منع الحق بعد طلبه وابتغاء العذر عن أدائه كالغصب والغصب كبيرة
وتسميته ظلما يشعر بكونه كبيرة والكبيرة لا يشترط فيها التكرر نعم لا يحكم عليه بذلك الا بعد
ان يظهر عدم عذره انتهى واختلفوا هل يفسق بالتأخير مع القدرة قبل الطلب أم لا فالذي
يشعر به حديث الباب التوقف على الطلب لان المطل يشعر به ويدخل في المطل كل ما لزمه حق
كالزوج لزوجته والسيد لعبده والحاكم لرعيته وبالعكس واستدل به على أن العاجز عن الأداء
لا يدخل في الظلم وهو بطريق المفهوم لان تعليق الحكم بصفة من صفات الذات يدل على نفى
الحكم عن الذات عن انتفاء تلك الصفة ومن لم يقل بالمفهوم أجاب بان العاجز لا يسمى ماطلا
وعلى ان الغنى الذي ماله غائب عنه لا يدخل في الظلم وهل هو مخصوص من عموم الغنى أوليس هو
في الحكم بغنى الاظهر الثاني لأنه في تلك الحالة يجوز اعطاؤه من سهم الفقراء من الزكاة فلو كان
في الحكم غنيا لم يجز ذلك واستنبط منه أن المعسر لا يحبس ولا يطالب حتى يوسر قال الشافعي
لو جازت مؤاخذته لكان ظالما والفرض أنه ليس بظالم لعجزه وقال بعض العلماء له ان يحبسه وقال
آخرون له ان يلازمه واستدل به على أن الحوالة إذا صحت ثم تعذر القبض بحدوث حادث كموت
أو فلس لم يكن للمحتال الرجوع على المحيل لأنه لو كان له الرجوع لم يكن لاشتراط الغنى فائدة فلما
شرطت علم أنه انتقل انتقالا لا رجوع له كما لو عوضه عن دينه بعوض ثم أسيد العوض في يد
صاحب الدين فليس له رجوع وقال الحنفية يرجع عند التعذر وشبهوه بالضمان واستدل به على
ملازمة المماطل والزامه بدفع الدين والتوصل إليه بكل طريق وأخذه منه قهرا واستدل به على
اعتبار رضى المحيل والمحتال دون المحال عليه لكونه لم يذكر في الحديث وبه قال الجمهور وعن
الحنفية يشترط أيضا وبه قال الإصطخري من الشافعية وفيه الارشاد إلى ترك الأسباب
القاطعة لاجتماع القلوب لأنه زجر عن المماطلة وهى تؤدى إلى ذلك * (قوله باب
382

ان أحال دين الميت على رجل جاز وإذا أحال على ملئ فليس له رد) كذا ثبت عند أبي ذر والترجمة
الثانية مقدمة عند غيره على الباب في باب مفرد وفيه حديث أبي هريرة مطل الغنى ظلم عن محمد بن
يوسف عن سفيان وهو الثوري عن أبي الزناد ومناسبته للترجمة واضحة وهو يشعر بأنه في ذلك
موافق للجمهور على عدم الرجوع وقد تقدمت مباحث ذلك في الذي قبله وقد ذكر أبو مسعود
أن هذه الطريق ثبتت في رواية النعيمي عن الفربري وانها لم تقع عند الحموي قال وقد رواها
حماد بن شاكر عن البخاري (قلت) وثبتت أيضا عند أبي زيد المروزي عن الفربري ورواه أيضا
إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري ويؤيد صنيع النسفي ومن تبعه أنه ترجم بعد أبواب
لحديث سلمة باب من تكفل عن ميت دينا فليس له أن يرجع فلو كان ما صنعه أبو ذر محفوظا
لكان قد كرر الترجمة لحديث واحد (تنبيهان) الأول محمد بن يوسف لا قرابة بينه وبين عبد الله بن
يوسف فمحمد هو ابن يوسف بن واقد بن عثمان الفريابي صاحب سفيان الثوري وعبد الله
هو ابن يوسف بن عبد الله التنيسي صاحب مالك ولم يلق الفريابي مالكا ولا التنيسي سفيان والله
أعلم (الثاني) قال ابن بطال انما ترجم بالحوالة فقال إن أحال دين الميت ثم أدخل حديث سلمة
وهو في الضمان لان الحوالة والضمان عند بعض العلماء متقاربان واليه ذهب أبو ثور لأنهما
ينتظمان في كون كل منهما نقل ذمة رجل إلى ذمة رجل آخر والضمان في هذا الحديث نقل
ما في ذمة الميت إلى ذمة الضامن فصار كالحوالة سواء (قلت) وقد ترجم له بعد ذلك بالكفالة على
ظاهر الخبر (قوله إذ أتى بجنازة) لم أقف على اسم صاحب هذه الجنازة ولا على الذي بعده وللحاكم
من حديث جابر مات رجل فغسلناه وكفناه وحفظناه ووضعناه حيث توضع الجنائز عند مقام
جبريل ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم به (قوله فقال هل عليه دين) سيأتي بعد أربعة
أبواب سبب هذا السؤال من حديث أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى
بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه قضاء فان حدث انه ترك لدينه وفاء صلى عليه والا
قال للمسلمين صلوا على صاحبكم الحديث وبين فيه أنه ترك ذلك بعد أن فتح الله عليه الفتوح
(قوله ثم أتى بجنازة أخرى) ذكر في هذا الحديث أحوال ثلاثة وترك حال رابع الأول لم يترك ما لا
وليس عليه دين والثاني عليه دين وله وفاء والثالث عليه دين ولا وفاء له والرابع من لا دين عليه
وله مال وهذا حكمه أن يصلى عليه أيضا وكانه لم يذكر لا لكونه لم يقع بل لكونه كان كثيرا (قوله
ثلاثة دنانير) في حديث جابر عند الحاكم ديناران وأخرجه أبو داود من وجه آخر عن جابر نحوه
وكذلك أخرجه الطبراني من حديث أسماء بنت يزيد ويجمع بينهما بأنهما كانا دينارين وشطرا
فمن قال ثلاثة جبر الكسر ومن قال ديناران ألغاه أو كان أصلهما ثلاثة فوفى قبل موته دينارا
وبقى عليه ديناران فمن قال ثلاثة فباعتبار الأصل ومن قال ديناران فباعتبار ما بقى من الدين
والأول أليق ووقع عند ابن ماجة من حديث أبي قتادة ثمانية عشر درهما وهذا دون دينارين
وفى مختصر المزنى من حديث أبي سعيد الخدري درهمين ويجمع ان ثبت بالتعدد (قوله فقال
أبو قتادة صل عليه يا رسول الله وعلى دينه فصلى عليه) وفى رواية ابن ماجة من حديث أبي قتادة
نفسه فقال أبو قتادة وأنا أتكفل به زاد الحاكم في حديث جابر فقال هما عليك وفى مالك والميت
منهما برئ قال نعم فصلى عليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقى أبا قتادة يقول ما صنعت
383

الديناران حتى كان آخر ذلك أن قال قد قضيتهما يا رسول الله قال الآن حين بردت عليه جلده
وقد وقعت هذه القصة مرة أخرى فروى الدارقطني من حديث على كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا أتى بجنازة لم يسأل عن شئ من عمل الرجل ويسأل عن دينه فان قيل عليه دين كف
وان قيل ليس عليه دين صلى فأتى بجنازة فلما قام ليكبر سأل هل عليه دين فقالوا ديناران فعدل
عنه فقال على هما على يا رسول الله وهو برئ منهما فصلى عليه ثم قال لعلي جزاك الله خيرا وفك
الله وهانك الحديث قال ابن بطال ذهب الجمهور إلى صحة هذه الكفالة ولا رجوع له في مال
الميت وعن مالك له ان يرجع ان قال انما ضمنت لأرجع فإذا لم يكن للميت مال وعلم الضامن
بذلك فلا رجوع له وعن أبي حنيفة ان ترك الميت وفاء جاز الضمان بقدر ما ترك وان لم يترك وفاء
لم يصح ذلك وهذا الحديث حجة للجمهور وفى هذا الحديث اشعار بصعوبة أمر الدين وأنه
لا ينبغي تحمله الا من ضرورة وسيأتى الكلام على الحكمة في تركه صلى الله عليه وسلم الصلاة على
من عليه دين في أول الأمر عند الكلام على حديث أبي هريرة بعد أربعة أبواب إن شاء الله
تعالى وفى الحديث وجوب الصلاة على الجنازة وقد تقدم البحث في ذلك في موضعه * (قوله
باب الكفالة في القرض والديون بالأبدان وغيرها) ذكر الديون بعد القرض من عطف
العام على الخاص والمراد بغير الأبدان الأموال (قوله وقال أبو الزناد الخ) هو مختصر من قصة
أخرجها الطحاوي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد حدثني أبي حدثني محمد بن حمزة بن عمرو
الأسلمي عن أبيه أن عمر بن الخطاب بعثه للصدقة فإذا رجل يقول لامرأة صدقي مال مولاك وإذا
المرأة تقول بل أنت صدق مال ابنك فسأل حمزة عن أمرهما فأخبر أن ذلك الرجل زوج تلك
المرأة وانه وقع على جارية لها فولدت ولدا فأعتقته امرأته ثم ورث من أمه ما لا فقال حمزة للرجل
لأرجمنك فقال له أهل الماء ان أمره رفع إلى عمر فجلده مائة ولم ير عليه رجما قال فأخذ حمزة
بالرجل كفيلا حتى قدم على عمر فسأله فصدقهم عمر بذلك مع قولهم وانما درأ عمر عنه الرجم لأنه
عذره بالجهالة واستفيد من هذه القصة مشروعية الكفالة بالأبدان فان حمزة بن عمرو الأسلمي
صحابي وقد فعله ولم ينكر عليه عمر مع كثرة الصحابة حينئذ وأما جلد عمر للرجل فالظاهر
أنه عزره بذلك قاله ابن التين قال وفيه شاهد لمذهب مالك في مجاوزة الامام في التعزير قدر الحد
وتعقب بأنه فعل صحابي عارضه مرفوع صحيح فلا حجة فيه وأيضا فليس فيه التصريح بأنه جلده
ذلك تعزيرا فلعل مذهب عمر أن الزاني المحصن إن كان عالما رجم وإن كان جاهلا جلد (قوله
وقال جرير) أي ابن عبد الله البجلي (والأشعث) أي ابن قيس الكندي (لعبد الله بن مسعود في
المرتدين استتبهم وكفلهم فتابوا وكفلهم عشائرهم) وهذا أيضا مختصر من قصة أخرجها البيهقي
بطولها من طريق أبى اسحق عن حارثة بن مضرب قال صليت الغداة مع عبد الله بن مسعود فلما
سلم قام رجل فأخبره انه انتهى إلى مسجد بنى حنيفة فسمع مؤذن عبد الله ابن النواحة يشهد أن
مسيلمة رسول الله فقال عبد الله على بابن النواحة وأصحابه فجئ بهم فأمر قرظة بن كعب
فضرب عنق ابن النواحة ثم استشار الناس في أولئك النفر فأشار عليه عدى بن حاتم بقتلهم
فقام جرير والأشعث فقالا بل استتبهم وكفلهم عشائرهم فتابوا وكفلهم عشائرهم وروى
ابن أبي شيبة من طريق قيس بن أبي حازم أن عدة المذكورين كانت مائة وسبعين رجلا قال
384

ابن المنير أخذ البخاري الكفالة بالأبدان في الديون من الكفالة بالأبدان في الحدود بطريق الأولى
والكفالة بالنفس قال بها الجمهور ولم يختلف من قال بها ان المكفول بحد أو قصاص إذا غاب
أو مات ان لا حد على الكفيل بخلاف الدين والفرق بينهما أن الكفيل إذا أدى المال وجب
له على صاحب المال مثله * (تنبيه) * وقع في أكثر الروايات في هذا الأثر فتابوا من التوبة
ووقع في رواية الأصيلي والقابسي وعبدوس فأبوا بغير مثناة قبل الألف قال عياض وهو وهم
مفسد للمعنى (قلت) والذي يظهر لي أنه فآبوا بهمزة ممدودة وهى بمعنى فرجعوا فلا يفسد
المعنى (قوله وقال حماد) أي ابن أبي سليمان (إذا تكفل بنفس فمات فلا شئ عليه وقال الحكم
يضمن) وصله الأثرم من طريق شعبة عن حماد والحكم وبذلك قال الجمهور وعن ابن القاسم
صاحب مالك يفصل بين الدين والحال والمؤجل فيغرم في الحال ويفصل في المؤجل بين ما إذا كان
لو قدم لأدركه أم لا (قوله وقال الليث حدثني جعفر بن ربيعة الخ) وقع هنا في نسخة الصغاني
حدثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث وقد تقدم في باب التجارة في البحر ان أبا ذر وأبا الوقت وصلاة
في آخره قال البخاري حدثني عبد الله بن صالح حدثني الليث به ووصله أبو ذر هنا من روايته عن
شيخه علي بن وصيف حدثنا محمد بن غسان حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني حدثنا عبد الله بن
صالح به وكذلك وصله بهذا الاسناد في باب ما يستخرج من البحر من كتاب الزكاة ولم ينفرد عبد الله
ابن صالح فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي وآدم بن أبي اياس والنسائي من طريق
داود بن منصور كلهم عن الليث وأخرجه الإمام أحمد عن يونس بن محمد عن الليث أيضا وله طريق
أخرى عن أبي هريرة علقها المصنف في كتاب الاستئذان من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي
هريرة ووصلها في الأدب المفرد وابن حبان في صحيحه من هذا الوجه (قوله أنه ذكر رجلا من
بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار) في رواية أبى سلمة أن رجلا من بني إسرائيل
كان يسلف الناس إذا أتاه الرجل بكفيل ولم أقف على اسم هذا الرجل لكن رأيت في
مسند الصحابة الذين نزلوا مصر لمحمد بن الربيع الجيزي باسناد له فيه مجهول عن عبد الله بن عمرو
ابن العاص يرفعه أن رجلا جاء إلى النجاشي فقال له اسلفني ألف دينار إلى أجل فقال من الحميل
بك قال الله فأعطاه الألف فضرب بها الرجل أي سافر بها في تجارة فلما بلغ الاجل أراد الخروج
إليه فحبسته الريح فعمل تابوتا فذكر الحديث نحو حديث أبي هريرة واستفدنا منه ان الذي
أقرض هو النجاشي فيجوز أن تكون نسبته إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع لهم لا أنه من
نسلهم (قوله قال فائتني بالكفيل قال كفى بالله كفيلا قال صدقت) في رواية أبى سلمة فقال
سبحان الله نعم (قوله فدفعها إليه) أي الألف دينار في رواية أبى سلمة فعد له ستمائة دينار والأول
أرجح لموافقة حديث عبد الله بن عمرو ويمكن الجمع بينهما باختلاف العدد والوزن فيكون الوزن
مثلا ألفا والعدد ستمائة أو بالعكس (قوله فخرج في البحر فقضى حاجته) في رواية أبى سلمة فركب
الرجل البحر بالمال يتجر فيه فقدر الله ان حل الاجل وارتج البحر بينهما (قوله فلم يجد مركبا) زاد
في رواية أبى سلمة وغدا رب المال إلى الساحل يسأل عنه ويقول اللهم أخلفني وانما أعطيت لك
(قوله فأخذ خشبة فنقرها) أي حفرها وفى رواية أبى سلمة فنجر خشبة وفى حديث عبد الله
ابن عمرو فعمل تابوتا وجعل فيه الألف (قوله وصحيفة منه إلى صاحبه) في رواية أبى سلمة وكتب
385

إليه صحيفة من فلان إلى فلان انى دفعت مالك إلى وكيلي الذي توكل بي (قوله ثم زجج موضعها)
كذا للجميع بزاي وجيمين قال الخطابي أي سوى موضع النقر وأصلحه وهو من تزجيج
الحواجب وهو حذف زوائد الشعر ويحتمل أن يكون مأخوذا من الزج وهو النصل كأن يكون
النقر في طرف الخشبة فشد عليه زجا ليمسكه ويحفظ ما فيه وقال عياض معناه سمرها بمسامير
كالزج أو حشي شقوق لصاقها بشئ ورقعه بالزج وقال ابن التين معناه أصلح موضع النقر (قوله
تسلفت فلانا) كذا وقع فيه والمعروف تعديته بحرف الجر كما وقع في رواية الإسماعيلي
استسلفت من فلان (قوله فرضى بذلك) كذا للكشميهني ولغيره فرضى به وفى رواية الإسماعيلي
فرضى بك (قوله وانى جهدت) بفتح الجيم والهاء وزاد في حديث عبد الله بن عمرو فقال اللهم
أد حمالتك (قوله حتى ولجت فيه) بتخفيف اللام أي دخلت في البحر (قوله فاخذها لأهله حطبا
فلما نشرها) أي قطعها بالمنشار (وجد المال) في رواية النسائي فلما كسرها وفى رواية أبى سلمة
وغدا رب المال يسأل عن صاحبه كما كان يسأل فيجد الخشبة فيحملها إلى أهله فقال أوقدوا هذه
فكسروها فانتثرت الدنانير منها والصحيفة فقرأها وعرف) قوله ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى
بالألف دينار) وفى رواية أبى سلمة ثم قدم بعد ذلك فأتاه رب المال فقال يا فلان مالي قد طالت
النظرة فقال أما مالك فقد دفعته إلى وكيلي وأما أنت فهذا مالك وفى حديث عبد الله بن عمرو
أنه قال له هذه ألفك فقال النجاشي لا أقبلها منك حتى تخبرني ما صنعت فأخبره فقال لقد أدى الله
عنك (قوله وانصرف بالألف الدينار راشدا) في حديث عبد الله بن عمرو قد أدي الله عنك وقد
بلغتنا الألف في التابوت فأمسك عليك ألفك زاد أبو سلمة في آخره قال أبو هريرة ولقد رأيتنا عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر مراؤنا ولغطنا أيهما آمن وفى الحديث جواز الاجل في القرض
ووجوب الوفاء به وقيل لا يجب بل هو من باب المعروف وفيه التحدث عما كان في بني إسرائيل
وغيرهم من العجائب للاتعاظ والائتساء وفيه التجارة في البحر وجواز ركوبه وفيه بداءة الكاتب
بنفسه وفيه طلب تقديم في الدين وطلب الكفيل به وفيه فضل التوكل على الله وان من صح
توكله تكفل الله بنصره وعونه وسيأتى حكم أخذ ما لقطه البحر في كتاب اللقطة إن شاء الله تعالى
ووجه الدلالة منه على الكفالة تحدث النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وتقريره له وانما ذكر ذلك
ليتأسى به فيه والا لم يكن لذكره فائدة * (قوله باب قول الله عز وجل والذين عاقدت
أيمانكم فآتوهم نصيبهم) أورد ورد فيه حديث ابن عباس الآتي في تفسير سورة النساء بسنده
ومتنه وسيأتى الكلام عليه هناك والمقصود منه هنا الإشارة إلى أن الكفالة التزام مال بغير
عوض تطوعا فيلزم كما لزم استحقاق يفرق بالحلف الذي عقد على وجه التطوع وروى أبو داود
في الناسخ من طريق يزيد النحوي عن عكرمة في هذه الآية كان الرجل يحالف الرجل ليس
بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر فنسخ ذلك قوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في
386

كتاب الله ثم أورد المصنف حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين عبد الرحمن بن
عوف وسعد بن الربيع وهو مختصر من حديث طويل تقدم في البيوع وغرضه اثبات الحلف في
الاسلام ثم أورد حديث أنس أيضا في اثبات الحلف في الاسلام (قوله حدثنا عاصم) هو ابن
سليمان المعروف الأحول (قوله قلت لأنس بن مالك أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لا حلف في الاسلام) الحلف بكسر المهملة وسكون اللام بعدها فاء العهد والمعنى انهم
لا يتعاهدون في الاسلام على الأشياء التي كانوا يتعاهدون عليها في الجاهلية كما سأذكره وكان
عاصما يشير بذلك إلى ما رواه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جبير بن مطعم
مرفوعا لا حلف في الاسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الاسلام الا شدة أخرجه مسلم
ولهذا الحديث طرق منها عن أم سلمة مثله أخرجه عمر بن شبة في كتاب مكة عن أبيه وعن عمرو بن
شعيب عن جده قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على درج الكعبة فقال أيها الناس
فذكر نحوه أخرجه عمر بن شبة وأصله في السنن وعن قيس بن عاصم انه سأل رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن الحلف فقال لا حلف في الاسلام ولكن تمسكوا بحلف الجاهلية أخرجه أحمد وعمر
ابن شبة واللفظ له ومنها عن ابن عباس رفعه ما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الاسلام
الا شدة وحدة أخرجه عمر بن شبة واللفظ له وأحمد وصححه ابن حبان ومن مرسل عدى بن ثابت
قال أرادت الأوس ان تحالف سلمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حديث قيس
ابن عاصم أخرجه عمر بن شبة ومن مرسل الشعبي رفعه لا حلف في الاسلام وحلف الجاهلية
مشذوذ وذكر عمر بن شبة ان أول حلف كان بمكة حلف الأحابيش ان امرأة من بنى مخزوم
شكت لرجل من بنى الحرث بن عبد مناة بن كنانة تسلط بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة عليهم فأتى
قومه فقال لهم ذلت قريش لبنى بكر فانصروا اخوانكم فركبوا إلى بنى المصطلق من خزاعة
فسمعت بهم بنو الهون بن خزيمة بن مدركة فاجتمعوا بذنب حبش بفتح المهملة وسكون الموحدة
بعدها معجمة وهو جبل بأسفل مكة فتحالفوا أنا ليد على غيرنا ما رسى حبش مكانه وكان هذا
مبدأ الأحابيش وعند عمر بن شبة من مرسل عروة بن الزبير مثله ثم دخلت فيهم القارة قال
عبد العزيز بن عمر انما سموا الأحابيش لتحالفهم عند حبش ثم أسند عن عائشة انه على عشرة
أميال من مكة ومن طريق حماد الرواية سموا لتحبشهم أي تجمعهم قال عمر بن شبة ثم كان حلف
قريش وثقيف ودوس وذلك أن قريشا رغبت في و ج وهو من الطائف لما فيه من الشجر والزرع
فخافتهم ثقيف فحالفتهم وأدخلت معهم بنى دوس وكانوا اخوانهم وجيرانهم ثم كان حلف
المطيبين وأزد وأسند من طريق أبى سلمة رفعه ما شهدت من حلف الا حلف المطيبين وما أحب ان
أنكثه وان لي حمر النعم ومن مرسل طلحة بن عوف نحوه وزاد ولو دعيت به اليوم في الاسلام
لأجبت ومن حديث عبد الرحمن بن عوف رفعه شهدت وأنا غلام حلفا مع عمومتي المطيبين
فما أحب ان لي حمر النعم وانى نكثته قال وحلف الفضول وهم فضل وفضالة ومفضل تحالفوا فلما
وقع حلف المطيبين بين هاشم والمطلب وأسد وزهرة قالوا حلف كحلف الفضول وكان حلفهم ان
لا يعين ظالم مظلوما بمكة وذكروا في سبب ذلك أشياء مختلفة محصلها ان القادم من أهل البلاد
كان يقدم مكة فربما ظلمه بعض أهلها فيشكوه إلى من بها من القبائل فلا يفيد فاجتمع بعض
387

من كان يكره الظلم ويستقبحه إلى أن عقدوا الحلف وظهر الاسلام وهم على ذلك وسيأتى بيان
ما وقع في الاسلام من ذلك في أوائل مناقب الأنصار وفى أوائل الهجرة (قوله قد حالف رسول الله
صلى الله عليه وسلم) قال الطبري ما استدل به أنس على اثبات الحلف لا ينافي حديث جبير بن مطعم
في نفيه فان الاخاء المذكور كان في أول الهجرة وكانوا يتوارثون به ثم نسخ من ذلك الميراث وبقى
ما لم يبطله القرآن وهو التعاون على الحق والنصر والاخذ على يد الظالم كما قال ابن عباس الا النصر
والنصيحة والرفادة ويوصى له وقد ذهب الميراث (قلت) وعرف بذلك وجه ايراد حديثي أنس مع
حديث ابن عباس والله أعلم وقال الخطابي قال ابن عيينة حالف بينهم أي آخى بينهم يريد أن معي
الحلف في الجاهلية معنى الاخوة في الاسلام لكنه في الاسلام جار على أحكام الدين وحدوده
وحلف الجاهلية جرى على ما كانوا يتواضعونه بينهم بآرائهم فبطل منه ما خالف حكم الاسلام
وبقى ما عدا ذلك على حاله واختلف الصحابة في الحد الفاصل بين الحلف الواقع في الجاهلية
والاسلام فقال ابن عباس ما كان قبل نزول الآية المذكورة جاهلي وما بعدها اسلامي وعن علي
ما كان قبل نزول لايلاف قريش جاهلي وعن عثمان كل حلف كان قبل الهجرة جاهلي وما بعدها
اسلامي وعن عمر كل حلف كان قبل الحديبية فهو مشدود وكل حلف بعدها منقوض أخرج كل
ذلك عمر بن شبة عن أبي غسان محمد بن يحيى بأسانيده إليهم وأظن قول عمر أقواها ويمكن الجمع بان
المذكورات في رواية غيره مما يدل على تأكد حلف الجاهلية والذي في حديث عمر ما يدل
على نسخ ذلك * (قوله باب من تكفل عن ميت دينا فليس له أن يرجع وبه قال
الحسن) يحتمل قوله فليس له ان يرجع أي عن الكفالة بل هي لازمة له وقد استقر الحق في ذمته
ويحتمل ان يريد فليس له أن يرجع في التركة بالقدر الذي تكفل به والأول أليق بمقصوده ثم اورد
فيه حديث سلمة بن الأكوع المتقدم قبل بابين وقد سبق القول فيه ووجه الاخذ منه انه لو كان
لأبي قتادة ان يرجع لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على المديان حتى يوفى أبو قتادة الدين لاحتمال
ان يرجع فيكون قد صلى على مديان دينه باق عليه فدل على أنه ليس له ان يرجع * (تنبيه) *
اقتصر في هذه الطرق على ذكر اثنين من الأموات الثلاثة وقد تقدم في تلك الطريق تاما وقد ساقه
الإسماعيلي هنا تاما وساق في قصته المحذوف انه عليه الصلاة والسلام قال ثلاث كيات وكأنه
ذكر ذلك لكونه كان من أهل الصفة فلم يعجبه ان يدخر شيئا واستدل به على جواز ضمان ما على
الميت من دين ولم يترك وفاء وهو قول الجمهور خلافا لأبي حنيفة وقد بالغ الطحاوي في نصره قول
الجمهور ثم اورد فيه حديث جابر (قوله حدثنا عمرو) هو ابن دينار (قوله سمع محمد بن علي) أي
ابن الحسين بن علي وقد سمع عمرو بن دينار بن جابر الكثير وربما أدخل بينه وبينه واسطة
ولسفيان في هذا الحديث اسناد آخر سيأتي بيانه في فرض الخمس (قوله لو قد جاء مال البحرين)
هو مال الجزية كما سيأتي بيانه في المغازي وكان عامل النبي صلى الله عليه وسلم على البحرين العلاء
ابن الحضرمي كما سيأتي في باب انجاز الوعد من كتاب الشهادات في حديث جابر هذا (قوله
قد أعطيتك هكذا وهكذا) في الطريق التي في الشهادات هكذا وهكذا وهكذا فبسط يديه ثلاث
مرات وبهذا تظهر مناسبة قوله في آخر حديث الباب فعددتها فإذا هي خمسمائة فقال خذ
مثليها وعرف بقوله فيه فحثى لي حثية تفسير قوله خذ هكذا كأنه أشار بيديه جميعا وسيأتى بسط
388

شرحه في كتاب فرض الخمس إن شاء الله تعالى ووجه دخوله في الترجمة ان أبا بكر لما قام مقام النبي
صلى الله عليه وسلم تكفل بما كان عليه من واجب أو تطوع فلما التزم ذلك لزمه أن يوفى جميع
ما عليه من دين أو عدة وكان صلى الله عليه وسلم يحب الوفاء بالوعد فنفذ أبو بكر ذلك وقد عد
بعض الشافعية من خصائصه صلى الله عليه وسلم وجوب الوفاء بالوعد أخذا من هذا الحديث ولا
دلالة في سياقه على الخصوصية ولا على الوجوب وفيه قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو
جر ذلك نفعا لنفسه لان أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهدا على صحة دعواه ويحتمل أن يكون أبو بكر
علم بذلك فقضى له بعلمه فيستدل به على جواز مثل ذلك للحاكم * (قوله باب جوار أبى
بكر) الصديق تكسر الجيم وتضم والمراد به الذمام والأمان (قوله في عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعقده) أورد فيه حديث عائشة في شأن الهجرة مطولا (قوله فأخبرني عروة) فيه
محذوف تقديره أخبرني فلان بكذا وأخبرني عروة بكذا والغرض من هذا الحديث هنا رضا
أبى بكر بجوار ابن الدغنة وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم له على ذلك ووجه دخوله في
الكفالة انه لائق بكفالة الأبدان لان الذي أجاره كأنه تكفل بنفس المجار أن لا يضام قاله ابن
المنير * (تنبيه) * ساق البخاري الحديث هنا (2) على لفظ يونس عن الزهري وساقه في الهجرة
على لفظ عقيل وسأبين ما بينهما من التفاوت هناك وذكر فيه الاختلاف في اسم ابن الدغنة
وضبطه وضبط برك الغماد إن شاء الله تعالى (قوله وقال أبو صالح حدثني عبد الله عن يونس)
هذا التعليق سقط من رواية أبي ذر وساق الحديث عن عقيل وحده وأبو صالح هذا اتفق أبو نعيم
389

والأصيلي والجياني وغيرهم انه سليمان بن صالح المروزي ولقبه سلموية وشيخه عبد الله ابن
المبارك وبذلك جزم الأصيلي وجزم الإسماعيلي بأنه أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث
وشيخه عبد الله على هذا هو ابن وهب وزعم الدمياطي انه أبو صالح محبوب بن موسى الفراء
الأنطاكي ولم يذكر لذلك مستندا ولم يسبقه أحد إلى عد محبوب بن موسى في شيوخ
البخاري والمعتمد هو الأول فقد وقع في رواية ابن السكن عن الفربري عن البخاري قال قال
أبو صالح سلمويه حدثنا عبد الله بن المبارك * (قوله باب الدين) كذا للأصيلي
وكريمة وسقط الباب وترجمته من رواية أبي ذر وأبى الوقت وسقط الحديث أيضا من رواية
المستملى ووقع للنسفي وابن شبويه باب بغير ترجمة وبه جزم الإسماعيلي وأما ابن بطال فذكر هذا
الحديث في آخر باب من تكفل عن ميت بدين وصنيعه أليق لان الحديث لا تعلق له بترجمة جوار
أبى بكر حتى يكون منها أو ثبتت باب بلا ترجمة فيكون كالفصل منها وأما من ترجم له باب الدين
فبعيد إذ اللائق بذلك أن يكون في كتاب القرض (قوله عن أبي سلمة عن أبي هريرة) هكذا رواه
عقيل وتابعه يونس وابن أخي ابن شهاب وابن أبي ذئب كما أخرجه مسلم وخالفهم معمر فرواه عن
الزهري عن أبي سلمة عن جابر أخرجه أبو داود والترمذي (قوله هل ترك لدينه فضلا) أي قدرا
زائدا على مؤنة تجهيزه وفى رواية الكشميهني قضاء بدل فضلا وكذا هو عند مسلم وأصحاب السنن
وهو أولى بدليل قوله فان حدث انه ترك لدينه وفاء (قوله فترك دينا) في رواية همام عن أبي هريرة
عند مسلم فترك دينا أو ضيعة وسيأتى في تفسير سورة الأحزاب من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة
عن أبي هريرة بلفظ ما من مؤمن الا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة فأيما مؤمن مات
فذكره وفيه ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني وسيأتى الكلام على هذه الزيادة التي في أوله هناك إن شاء الله
تعالى والضياع بفتح المعجمة بعدها تحتانية قال الخطابي هو وصف لمن خلفه الميت بلفظ
المصدر أي ترك ذوي ضياع أي لا شئ لهم وقوله كلا (3) بفتح أوله أصله الثقل والمراد به هنا
العيال (قوله فلورثته) في رواية مسلم فهو لورثته وفى رواية عبد الرحمن بن أبي عمرة فليرثه عصبته
ولمسلم من طريق الأعرج عن أبي هريرة فإلى العصبة من كان وسيأتى البحث فيه في كتاب
الفرائض إن شاء الله تعالى قال العلماء كأن الذي فعله صلى الله عليه وسلم من ترك الصلاة على من
عليه دين ليحرض الناس على قضاء الديون في حياتهم التوصل إلى البراءة منها لئلا تفوتهم صلاة
النبي صلى الله عليه وسلم وهل كانت صلاته على من عليه دين محرمة عليه أو جائزة وجهان قال
النووي الصواب الجزم بجوازه مع وجود الضامن كما في حديث مسلم وحكى القرطبي أنه ربما كان
يمتنع من الصلاة على من أدان دينا غير جائز وأما من استدان لأمر هو جائز فما كان يمتنع وفيه
نظر لان في حديث الباب ما يدل على التعميم حيث قال من توفى وعليه دين ولو كان الحال مختلفا
لبينه نعم جاء من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما امتنع من الصلاة على من
عليه دين جاءه جبريل فقال انما الظالم في الديون التي حملت في البغى والاسراف فأما المتعفف
ذو العيال فأنا ضامن له أؤدى عنه فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعد ذلك من ترك
ضياعا الحديث وهو ضعيف وقال الحازمي بعد أن أخرجه لا بأس به في المتابعات وليس فيه أن
التفصيل المذكور كان مستمرا وانما فيه انه طرأ بعد ذلك وانه السبب في قوله صلى الله عليه وسلم
390

من ترك دينا فعلى وفى صلاته صلى الله عليه وسلم على من عليه دين بعد أن فتح الله عليه الفتوح
اشعار بأنه كان يقضيه من مال المصالح وقيل بل كان يقضيه من خالص نفسه وهل كان
القضاء واجبا عليه أم لا وجهان وقال ابن بطال قوله من ترك دينا فعلى ناسخ لترك الصلاة على من
مات وعليه دين وقوله فعلى قضاؤه أي مما يفئ الله عليه من الغنائم والصدقات قال وهكذا يلزم
المتولى لأمر المسلمين أن بالصلاة بمن مات وعليه دين فإن لم يفعل فالاثم عليه إن كان حق الميت في
بيت المال يفي بقدر ما عليه من الدين والا فبقسطه * (خاتمة) * اشتمل كتاب الحوالة وما معه من
الكفالة على أثنى عشر حديثا المعلق منها طريقان والبقية موصولة المكرر منه فيه وفيما مضى
ستة أحاديث والستة الأخرى خالصة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث سلمة بن الأكوع
في الصلاة على من عليه دين وحديث ابن عباس في الميراث وفيه من الآثار عن الصحابة فمن
بعدهم ثمانية آثار والله المستعان
* (قوله كتاب الوكالة *
* بسم الله الرحمن الرحيم * وكالة الشريك الشريك في القسمة وغيرها) كذا لأبي ذر وقدم غيره
البسملة وزاد واوا وللنسفي كتاب الوكالة ووكالة الشريك ولغيره باب بدل الواو والوكالة بفتح الواو
وقد تكسر التفويض والحفظ تقول وكلت فلانا إذا استحفظته ووكلت الامر إليه بالتخفيف إذا
فوضته إليه وهى في الشرع إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقا أو مقيدا (قوله وقد أشرك
النبي صلى الله عليه وسلم عليا في هديه ثم أمره بقسمتها) هذا الكلام ملفق من حديثين عند المصنف
* أحدهما حديث جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا أن يقيم على احرامه وأشركه في
الهدى وسيأتى موصولا في الشركة ووهم من زعم من الشراح أنه مضى في الحج * ثانيهما حديث
على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقوم على بدنه وأن يقسم بدنه كلها وقد تقدم موصولا
في الحج من طريق مجاهد عن ابن أبي ليلى عنه وقد ذكر هنا طرفا من الحديث موصولا في الامر
بالتصديق بجلال البدن وقد تقدم في الحج بهذا السند والمتن مع الكلام عليه ومقصوده منه هنا
ظاهر فيما ترجم له في القسمة وأما قوله في الترجمة وغيرها أي وفى غير القسمة فيؤخذ بطريق الالحاق
والجلال بكسر الجيم وقد تقدم شرحها ثم أورد المصنف حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله
عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها الحديث وسيأتى شرحه في كتاب الأضاحي وشاهد الترجمة منه
قوله ضح به أنت فإنه علم به انه كان من جملة من كان له حظ في تلك القسمة فكأنه كان شريكا لهم
وهو الذي تولى القسمة بينهم وأبدى ابن المنير احتمالا أن يكون صلى الله عليه وسلم وهب لكل
واحد من المقسوم فيهم ما صار إليه فلا تتجه الدوري وأجاب بأنه ساق الحديث في الأضاحي من
طريق أخرى بلفظ انه قسم بينهم ضحايا قال فدل على أنه عين تلك الغنم للضحايا فوهب لهم جملتها
ثم أمر عقبة بقسمتها فيصح الاستدلال به لما ترجم له قال ابن بطال وكالة الشريك جائزة كما
تجوز شركة الوكيل لا أعلم فيه خلافا واستدل الداودي بحديث على على جواز تفويض
الامر إلى رأى الشريك وتعقبه ابن التين باحتمال ان يكون عين له من يعطيه كما عين له ما يعطيه
فلا يكون فيه تفويض (قوله عتود) بفتح المهملة وضم المثناة وسكون الواو الصغير من المعز إذا
391

قوى وقيل إذا أتى عليه حول وقيل إذا قدر على السفاد * (قوله باب إذا وكل المسلم
حربيا في دار الحرب أو في دار الاسلام جاز) أي إذا كان الحربي في دار الاسلام بأمان (قوله عن
صالح ابن إبراهيم) يأتي تصريحه بالسماع منه آخر الباب (قوله كاتبت أمية بن خلف) أي كتبت
بيني وبينه كتابا وفى رواية الإسماعيلي عاهدت أمية بن خلف وكاتبته (قوله بان يحفظني
في صاغيتي) الصاغية بصاد مهملة وغين معجمة خاصة الرجل مأخوذ من صغى إليه إذا مال قال
الأصمعي صاغية الرجل كل من يميل إليه ويطلق على الأهل والمال وقال ابن التين رواه الداوى
ظاعنتي بالظاء المشالة المعجمة والعين المهملة بعدها نون ثم فسره بأنه الشئ الذي يسفر إليه قال
ولم أر هذا لغيره (قوله لا أعرف الرحمن) أي لا أعترف بتوحيده وزاد ابن إسحاق في حديثه ان
أمية بن خلف كان يسميه عبد الاله (قوله حين نام الناس) أي رقدوا وأراد بذلك اغتنام غفلتهم
ليصون دمه (قوله فقال أمية بن خلف) بالنصب على الاغراء أي عليكم أمية وفى رواية أبي ذر
بالرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر أي هذا أمية (قوله خلفت لهم ابنه) هو علي بن أمية سماه ابن إسحاق
في روايته في هذه القصة من وجه آخر وسيأتى مزيد بسط لهذه القصة في شرح غزوة بدر
ونذكر تسمية من باشر قتل أمية ومن باشر قتل ابنه علي بن أمية ومن أصاب رجل عبد الرحمن
بالسيف إن شاء الله تعالى ووجه أخذ الترجمة من هذا الحديث ان عبد الرحمن بن عوف وهو
مسلم في دار الاسلام فوض إلى أمية بن خلف وهو كافر في دار الحرب ما يتعلق بأموره والظاهر
اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم عليه ولم ينكره قال ابن المنذر توكيل المسلم حربيا مستأمنا
وتوكيل الحربي المستأمن مسلما لا خلاف في جوازه (قوله وكان رجلا ثقيلا) أي ضخم الجثة
(قوله فتجللوه بالسيوف) بالجيم أي غشوه كذا للأصيلي ولابى ذر ولغيرهما بالخاء المعجمة أي
أدخلوا أسيافهم خلاله حتى وصلوا إليه وطعنوه بها من تحتي من قولهم خللته بالرمح واختللته
إذا طعنته به وهذا أشبه بسياق الخبر ووقع في رواية المستملى فتخلوه بلام واحدة ثقيلة (قوله سمع
يوسف صالحا وإبراهيم أباه) كذا ثبت لأبي ذر عن المستملى وقد وقع في آخر القصة ما يدل على
سماع إبراهيم من أبيه حيث قال في آخر الحديث فكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في
ظهر قدمه * (قوله باب الوكالة في الصرف والميزان) قال ابن المنذر أجمعوا على
أن الوكالة في الصرف جائزة حتى لو وكل رجلا يصرف له دراهم ووكل آخر بصرف له دنانير
فتلاقيا وتصارفا صرفا معتبرا بشرطه جاز ذلك (قوله وقد وكل عمر وابن عمر في الصرف) أما أثر
عمر فوصله سعيد بن منصور من طريق موسى بن أنس عن أبيه ان عمر أعطاه آنية مموهة بالذهب
فقال له اذهب فبعها فباعها من يهودي بضعف وزنه فقال له عمر اردده فقال له اليهودي أزيدك
فقال له عمر لا الا بوزنه وأما أثر ابن عمر فوصله سعيد بن منصور أيضا من طريق الحسن بن سعد
قال كانت لي عند ابن عمر دراهم فأصبت عنده دنانير فأرسل معي رسولا إلى السوق فقال إذا
قامت على سعر فأعرضها عليه فان أخذها والا فاشتر له حقه ثم اقضه إياه واسناد كل منهما صحيح
(قوله عن عبد المجيد بن سهيل) كذا للأكثر بتقديم الميم على الجيم وهو الصواب وحكى ابن
392

عبد البر أنه وقع في رواية عبد الله بن يوسف عبد الحميد بحاء مهملة قبل الميم ولم أر ذلك في شئ من
نسخ البخاري عن عبد الله بن يوسف فلعله وقع كذلك في رواية غير البخاري قال وكذلك وقع ليحيى
ابن يحيى الليثي عن مالك وهو خطا (قوله استعمل رجلا على خيبر) تقدم في البيوع أنه أنصاري
وان اسمه سواد بن غزية وتقدم الكلام عليه هناك وقوله في آخره وقال في الميزان مثل ذلك أي
والموزون مثل ذلك لا يباع رطل برطلين وقال الداودي أي لا يجوز التمر بالتمر الا كيلا بكيل أو وزنا
بوزن وتعقبه ابن التين بأن التمر لا يوزن وهو عجيب فلعله الثمر بالمثلثة وفتح الميم ومناسبة الحديث
للترجمة ظاهرة لتفويضه صلى الله عليه وسلم أمر ما يكال ويوزن إلى غيره فهو في معنى الوكيل عنه
ويلتحق به الصرف قال ابن بطال بيع الطعام يدا بيد مثل الصرف سواء أي في اشتراط ذلك
قال ووجه أخذ الوكالة منه قوله صلى الله عليه وسلم لعامل خيبر بع الجمع بالدراهم بعد أن كان
باع على غير السنة فنهاه عن بيع الربا وأذن له في البيع بطريق السنة * (قوله باب إذا
أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت أو شيا يفسد ذبح أو أصلح ما يخاف عليه الفساد) كذا لأبي ذر
والنسفي وعليه جرى الإسماعيلي ولابن شبويه فأصلح بدل أو أصلح وجواب الشرط محذوف
أي جاز ونحو ذلك وفى شرح ابن التين بحذف أو فصار الجواب أصلح ما يخاف عليه الفساد
وأما الأصيلي فعنده أو شيئا يفسد ذبح وأصلح وقد أورد فيه حديث ابن كعب بن مالك عن أبيه
أنه كانت له غنم ترعى بسلع الحديث قال ابن المنير ليس غرض البخاري بحديث الباب
الكلام في تحليل الذبيحة أو تحريمها وانما غرضه اسقاط الضمان عن الراعي وكذا الوكيل وقد
اعترض ابن التين بأن التي ذبحت كانت ملكا لصاحب الشاة وليس في الخبر انه أراد تضمينها
والذي يظهر أنه أراد رفع الحرج عمن فعل ذلك وهو أعم من التضمين (قوله إنه سمع ابن كعب بن
مالك) جزم المزي في الأطراف بأنه عبد الله لكن روى ابن وهب عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب
عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه طرفا من هذا الحديث فالظاهر أنه عبد الرحمن (قوله
قال عبيد الله) هو ابن عمر العمرى راوي الحديث وهو موصول بالاسناد المذكور إليه (قوله
تابعه عبدة) أي ابن سليمان (عن عبيد الله) هو العمرى المذكور بالاسناد المذكور وسيأتى
موصولا في كتاب الذبائح ويأتي الكلام عليه هناك ونذكر الاختلاف فيه على نافع وعلى غيره
واستدل به على تصديق المؤتمن على ما اؤتمن عليه ما لم يظهر دليل الخيانة وعلى أن الوكيل إذا
أنزى على إناث الماشية فحلا بغير اذن المالك حيث يحتاج إلى ذلك فهلكت أنه لا ضمان عليه
* (قوله باب) بالتنوين (وكالة الشاهد) أي الحاضر (والغائب جائزة) قال ابن
بطال أخذ الجمهور بجواز توكيل الحاضر بالبلد بغير عذر ومنعه أبو حنيفة الا بعذر مرض
أو سفر أو برضا الخصم واستثنى مالك من بينه وبين الخصم عداوة وقد بالغ الطحاوي في نصرة
قول الجمهور واعتمد في الجواز حديث الباب قال وقد اتفق الصحابة على جواز توكيل الحاضر
بغير شرط قال ووكالة الغائب مفتقرة إلى قبول الوكيل الوكالة باتفاق وإذا كانت مفتقرة إلى
قبول فحكم الغائب والحاضر سواء (قوله وكتب عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص
(إلى قهرمانه) أي خازنه القيم بأمره وهو الوكيل واللفظة فارسية (قوله أن يزكى عن أهله)
أي زكاة الفطر ولم أقف على اسم هذا القهرمان وقد أورد فيه حديث أبي هريرة كان لرجل على
393

النبي صلى الله عليه وسلم جمل سن من الإبل فجاءه يتقاضاه فقال أعطوه الحديث وسيأتي
شرحه في كتاب القرض وموضع الترجمة منها لوكالة الحاضر واضح وأما الغائب فيستفاد منه
بطريق الأولى لان الحاضر إذا جاز له التوكيل مع اقتداره على المباشرة بنفسه فجوازه للغائب عنه
أولى لاحتياجه إليه وقال الكرماني لفظ أعطوه يتناول وكلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
حضورا وغيبا * (قوله باب الوكالة في قضاء الديون) أورد فيه حديث أبي هريرة
المذكور في الباب قبله من وجه آخر وهو ظاهر فيما ترجم به وقوله قال أعطوه سنا مثل
سنه قالوا يا رسول الله الا أمثل من سنه كذا لجميع الرواة وفيه حذف يظهر من سياق الذي قبله
والتقدير فقالوا لم نجد الا أمثل الخ قال ابن المنير فقه هذه الترجمة أنه ربما توهم متوهم أن قضاء
الدين لما كان واجبا على الفور امتنعت الوكالة فيه لأنها تأخير من الموكل إلى الوكيل فبين أن
ذلك جائز ولا يعد ذلك مطلا * (قوله باب إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز)
يجوز في وكيل التنوين ويجوز تركه على حد قوله بين ذراعي وجبهة الأسد ووقع عند
الإسماعيلي لوكيل قوم أو شفيع قوم (قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن حين
سألوه المغانم فقال النبي صلى الله عليه وسلم نصيبي لكم) وهو طرف من حديث أخرجه ابن إسحاق
في المغازي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وسيأتى بيانه في كتاب الخمس إن شاء الله
تعالى وقد أورد المصنف هنا حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في قصة وفد هوازن
أيضا وسيأتى شرحه في غزوة حنين من كتاب المغازي وشاهد الترجمة منه قوله فيه وانى قد
رأيت أن أرد إليهم سبيهم الحديث قال ابن بطال كان الوفد رسلا من هوازن وكانوا وكلاء
وشفعاء في رد سبيهم فشفعهم النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فإذا طلب الوكيل أو الشفيع لنفسه
ولغيره فأعطى ذلك فحكمه حكمهم وقال الخطابي فيه أن اقرار الوكيل على موكله مقبول
لان العرفاء بمنزلة الوكلاء فيما أقيموا له من أمرهم وبهذا قال أبو يوسف وقيده أبو حنيفة ومحمد
بالحاكم وقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى لا يصح اقرار الوكيل على الموكل وليس في الحديث
حجة للجواز لأن العرفاء ليسوا وكلاء وانما هم كالأمراء عليهم فقبول قولهم في حقهم بمنزلة قبول
قول الحاكم في حق من هو حاكم عليه والله أعلم واستدل به على القرض إلى أجل مجهول
لقوله حتى نعطيه إياه من أول ما يفئ الله علينا وسيأتى البحث فيه في بابه وقال ابن المنير قوله
صلى الله عليه وسلم للوفد وهم الذين جاؤوا شفعاء في قومهم نصيبي لكم قد يوهم أن الموهبة وقعت
394

للوسائط وليس كذلك بل المقصود هم وجميع من تكلموا بسببه فيستفاد منه أن الأمور تنزل
على المقاصد لا على الصور وأن من شفع لغيره في هبة فقال المشفوع عنده للشفيع قد وهبتك
ذلك فليس للشفيع أن يتعلق بظاهر اللفظ ويخص بذلك نفسه بل الهبة للمشفوع له ويلتحق
به من وكل على شراء شئ بعينه فاشتراه الوكيل ثم ادعى أنه انما نوى نفسه فإنه لا يقبل منه ويكون
المبيع للموكل انتهى وهذا قاله على مقتضى مذهبه وفى المسألة خلاف مشهور * (قوله
باب إذا وكل رجل رجلا أن يعطى شيئا ولم يبين كم يعطى فأعطى على ما يتعارفه الناس)
أي فهو جائز فيه حديث جابر في قصة بيعه الجمل وسيأتى شرحه في كتاب الشروط وشاهد الترجمة
منه قوله فيه يا بلال اقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا فإنه لم يذكر قدر ما يعطيه عند
أمره باعطاء الزيادة فاعتمد بلال على العرف في ذلك فزاده قيراطا (قوله عن عطاء بن أبي رباح وغيره
يزيد بعضهم على بعض ولم يبلغه كله رجل منهم) كذا للأكثر وكذا وقع عند الإسماعيلي أي ليس
جميع الحديث عند واحد منهم بعينه وانما عند بعضهم منه ما ليس عند الآخر ووقع لبعضهم
لم يبلغه كلهم رجل واحد منهم وعليه شرح ابن التين وزعم أن معناه أن بين بعضهم وبين جابر فيه
واسطة وعند أبى نعيم في المستخرج لم يبلغه كلهم الا رجل واحد عن جابر ومثله للحميدي في جمعه
وبخط الدمياطي في نسخته من البخاري لم يبلغه بالتشديد وقال الكرماني قوله يزيد بعضهم
الضمير فيه يرجع إلى الغير وفى لم يبلغه إلى الحديث أو الرسول ورجل بدل من كل (قلت) الضمير
للحديث جزما لا للرسول لان السند متصل ثم قال الكرماني وفى أكثر الروايات لفظة وغيره بالجر
وأما رفعه فعلى الابتداء يزيد خبره ويحتمل أن يكون رجل فاعل فعل مقدر ليبلغه وعلى
التقادير لا يخفى ما في هذا التركيب من التعجرف (قلت) انما جاء التعجرف من عدم فهم المراد
والا فمعنى الكلام ان ابن جريج روى هذا الحديث عن عطاء وعن غير عطاء كلهم عن جابر لكنه
عنده عنهم بالتوزيع روى عن كل واحد قطعة من الحديث وقوله لم يبلغه كله رجل أي لم يسقه
بتمامه فهو بيان منه لصورة تحمله وهو كقول الزهري في حديث الإفك وكل حدثني طائفة من
حديثها لكنه زاد عليه نفى أن يكون كل واحد منهم ساقه بتمامه فأي تعجرف في هذا والعجب من
شارح ترك الرواية المشهورة التي لا قلق في تركيبها وتشاغل بتجويز شئ لم يثبت في الرواية ثم
يطلق على الجميع التعجرف أفهذا شارح أو جارح ووقفت من تسمية من روى ابن جريج عنه
هذا الحديث عن جابر على أبى الزبير وقد تقدم في الحج شئ من ذلك (قوله على جمل ثفال) بفتح
المثلثة بعدها فاء خفيفة هو البعير البطئ السير يقال ثفال وثفيل وأما الثفال بكسر أوله فهو
ما يوضع تحت الرحى لينزل عليه الدقيق وقال ابن التين من ضبط الثفال الذي هو البعير بكسر
أوله فقد أخطأ وقوله أربعة دنانير كذا للجميع وذكره الداودي الشارح بلفظ أربع الدنانير
وقال سقطت الهاء لما دخلت الألف واللام وذلك جائز فيما دون العشرة وتعقبه ابن التين بأنه
قول مخترع لم يقله أحد غيره وقوله فلم يكن القيراط يفارق قراب جابر كذا لأبي ذر والنسفي بقاف
قال الداودي الشارح يعنى خريطته وتعقبه ابن التين بان المراد قراب سيفه وأن الخريطة
لا يقال لها قراب انتهى وقد وقع في رواية الأكثر جراب فهو الذي حمل الداودي على تأويله
المذكور وقد زاد مسلم في آخر هذا الحديث من وجه آخر فأخذه أهل الشام يوم الحرة قال ابن
بطال فيه الاعتماد على العرف لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين قدر الزيادة في قوله وزده
395

فاعتمد بلال على العرف فاقتصر على قيراط فلو زاده مثلا دينارا لتناوله مطلق الزيادة لكن
العرف يأباه كذا قال وقد ينازع في ذلك باحتمال أن يكون هذا القدر كان النبي صلى الله عليه
وسلم اذن في زيادته وذلك القدر الذي زيد عليه كأن يكون أمره أن يزيد من يأمر له بالزيادة على
كل دينار ربع قيراط فيكون عمله في ذلك بالنص لا بالعرف * (قوله باب وكالة المرأة
الامام في النكاح) أي توكيل المرأة والامام بالنصب على المفعولية وأورد فيه حديث سهل بن
سعد في قصة الواهبة نفسها وسيأتى الكلام عليه مستوفى في كتاب النكاح وقد تعقبه
الداودي بأنه ليس فيه انه صلى الله عليه وسلم استأذنها ولا أنها وكلته وانما زوجها الرجل بقول
الله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم انتهى وكأن المصنف أخذ ذلك من قولها قد وهبت
لك نفسي ففوضت أمرها إليه وقال الذي خطبها زوجنيها فلم تنكر هي ذلك بل استمرت على
الرضا فكأنها فوضت أمرها إليه ليتزوجها أو يزوجها لمن رأى ووقع في هذه الرواية انى
وهبت لك من نفسي وخلت أكثر الروايات عن لفظ من فقال النووي قول الفقهاء وهبت
من فلان كذا مما فقلنا عليهم وتعقب بأن الانكار مردود لاحتمال أن تكون زائدة
على مذهب من يرى زيادتها في الاثبات من النحاة ويحتمل أن تكون ابتدائية وهناك حذف
تقديره طيبة مثلا * (قوله باب إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيا فأجازه الموكل
فهو جائز وان أقرضه إلى أجل مسمى جاز) أورد فيه حديث أبي هريرة في حفظه زكاة رمضان
قال المهلب مفهوم الترجمة ان الموكل إذا لم يجز ما فعله الوكيل مما لم يأذن له فيه فهو غير جائز قال
وأما قوله وان أقرضه إلى أجل مسمى جاز أي ان أجازه الموكل أيضا قال ولا أعلم خلافا ان المؤتمن
إذا أقرض شيئا من مال الوديعة وغيرها لم يجز له ذلك وكان رب المال بالخيار قال وأخذ ذلك من
حديث الباب بطريق ان الطعام كان مجموعا للصدقة وكانوا يجمعونه قبل اخراجه واخراجه
كان ليلة الفطر فلما شكى السارق لأبى هريرة الحاجة تركه فكأنه أسلفه له إلى أجل وهو وقت
الاخراج وقال الكرماني تؤخذ المناسبة من حيث إنه أمهله إلى أن رفعه إلى النبي صلى الله عليه
وسلم كذا قال (قوله وقال عثمان بن الهيثم) هكذا أورد البخاري هذا الحديث هنا ولم يصرح
فيه بالتحديث وزعم ابن العربي أنه منقطع وأعاده كذلك في صفة إبليس وفى فضائل القرآن لكن
باختصار وقد وصله النسائي والإسماعيلي وأبو نعيم من طرق إلى عثمان المذكور وذكرته
في تعليق التعليق من طريق عبد العزيز بن منيب وعبد العزيز بن سلام وإبراهيم بن يعقوب
الجوزجاني وهلال بن بشر الصواف ومحمد ابن غالب الذي يقال له تمتام وأقربهم لان يكون
البخاري اخذه عنه إن كان ما سمعه من ابن الهيثم هلال بن بشر فإنه من شيوخه أخرج عنه في
جزء القراءة خلف الإمام وله طريق أخرى عند النسائي أخرجها من رواية أبى المتوكل الناجي
عن أبي هريرة ووقع مثل ذلك لمعاذ بن جبل أخرجه الطبراني وأبو بكر الروياني (قوله وكلني
رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فاتانى آت فجعل يحثو) باسكان الحاء المهملة
بعدها مثلثة يقال حثا يحثوا وحثى يحثى وفى رواية أبى المتوكل عن أبي هريرة انه كان على تمر
الصدقة فوجد أثر كف كأنه قد أخذ منه ولابن الضريس من هذا الوجه فإذا التمر قد أخذ منه
ملء كف (قوله فأخذته) زاد في رواية أبى المتوكل ان أبا هريرة شكى ذلك إلى النبي صلى الله
396

عليه وسلم أولا فقال له ان أردت أن تأخذه فقل سبحان من سخرك لمحمد قال فقلتها فإذا أنا به قائم
بين يدي فأخذته (قوله لأرفعنك) أي لأذهبن بك أشكوك يقال رفعه إلى الحاكم إذا أحضره
للشكوى (قوله انى محتاج وعلى عيال) أي نفقة عيال أو على بمعنى لي وفى رواية أبى المتوكل
فقال انما أخذته لأهل بيت فقراء من الجن وفى رواية الإسماعيلي ولا أعود (قوله ولى حاجة)
في رواية الكشميهني وبي حاجة (قوله فرصدته) أي رقبته (قوله فجعل) في رواية الكشميهني
والمستملى فجاء في الموضعين (قوله قال دعني أعلمك) في رواية أبى المتوكل خل عنى (قوله ينفعك
الله بها) في رواية أبى المتوكل إذا قلتهن لم يقربك ذكر ولا اثنى من الجن وفى رواية ابن الضريس
من هذا الوجه لا يقربك من الجن ذكر ولا أنثى صغير ولا كبير (قوله قلت ما هن) في رواية
الكشميهني ما هو أي الكلام وفى رواية أبى المتوكل قلت وما هؤلاء الكلمات (قوله إذا أويت
إلى فراشك) في رواية أبى المتوكل عند كل صباح ومساء (قوله آية الكرسي الله لا اله الا هو الحي
القيوم حتى تختم الآية) في رواية النسائي والإسماعيلي الله لا اله الا هو الحي القيوم من أولها
حتى تختمها وفى رواية ابن الضريس من طريق أبى المتوكل الله لا اله الا هو الحي القيوم وفى
حديث معاذ بن جبل من الزيادة وخاتمة سورة البقرة آمن الرسول إلى آخرها وقال في أول
الحديث ضم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تمر الصدقة فكنت أجد فيه كل يوم نقصانا
فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي هو عمل الشيطان فارصده فرصدته
فأقبل في صورة فيل فلما انتهى إلى الباب دخل من خلل الباب في غير صورته فدنا من التمر فجعل
يلتقمه فشددت على ثيابي فتوسطته وفى رواية الروياني فأخذته فالتفت يدي على وسطه
فقلت يا عدو الله وثبت إلى تمر الصدقة فأخذته وكانوا أحق به منك لأرفعنك إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيضحك وفى رواية الروياني ما أدخلك بيتي تأكل التمر قال أنا شيخ كبير فقير
ذو عيال وما أتيتك الا من نصيبين ولو أصبت شيئا دونه ما أتيتك ولقد كنا في مدينتكم هذه حتى
بعث صاحبكم فلما نزلت عليه آيتان تفرقنا منها فان خليت سبيلي علمتكهما قلت نعم قال آية
الكرسي وأخر سورة البقرة من قوله آمن الرسول إلى آخرها (قوله لن يزال عليك) في رواية
الكشميهني لم يزل ووقع عكس ذلك في فضائل القرآن والأول هو الذي وقع في صفة إبليس وهو
رواية النسائي والإسماعيلي (قوله من الله حافظ) أي من عند الله أو من جهة أمر الله أو من
بأس الله ونقمته (قوله ولا يقربك) بفتح الراء وضم الموحدة (قوله وكانوا) أي الصحابة (أحرص
شئ على الخير) فيه التفات إذ السياق يقتضى أن يقول وكنا أحرص شئ على الخير ويحتمل أن
يكون هذا الكلام مدرجا من كلام بعض رواته وعلى كل حال فهو مسوق للاعتذار عن
تخليه سبيله بعد المرة الثالثة حرصا على تعليم ما ينفع (قوله صدقك وهو كذوب) في حديث
معاذ بن جبل صدق الخبيث وهو كذوب وفى رواية أبى المتوكل أو ما علمت أنه كذلك (قوله
397

مذ ثلاث) في رواية الكشميهني منذ ثلاث (قوله ذاك شيطان) كذا للجميع أي شيطان من
الشياطين ووقع في فضائل القرآن ذاك الشيطان واللام فيه للعهد الذهني وقد وقع أيضا لأبي بن
كعب عند النسائي وأبى أيوب الأنصاري عند الترمذي وأبى أسيد الأنصاري عند الطبراني
وزيد بن ثابت عند ابن أبي الدنيا قصص في ذلك الا أنه ليس فيه ما يشبه قصة أبي هريرة الا قصة
معاذ بن جبل التي ذكرتها وهو محمول على التعدد ففي حديث أبي بن كعب انه كان له جرن فيه تمر
وأنه كان يتعاهده فوجده ينقص فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم فقلت له أجنى أم انسى قال بل
جنى وفيه أنه قال له بلغنا انك تحب الصدقة وأحببنا أن نصيب من طعامك قال فما الذي يجيرنا
منكم قال هذه الآية آية الكرسي فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال صدق الخبيث وفى
حديث أبي أيوب انه كانت له سهوة أي بفتح المهملة وسكون الهاء وهى الصفة فيها تمر وكانت
الغول تجئ فتأخذ منه فشكى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا رأيتها فقل بسم الله
أجيبي رسول الله فأخذها فحلفت ان لا تعود فذكر ذلك ثلاثا فقالت انى ذاكرة لك شيئا آية
الكرسي اقرأها في بيتك فلا يقربك شيطان ولا غيره الحديث وفى حديث أبي أسيد الساعدي
انه لما قطع تمر حائطه جعلها في غرفة وكانت الغول تخالفه فتسرق تمره وتفسده عليه فذكر
نحو حديث أبي أيوب سواء وقال في آخره وأدلك على آية تقرؤها في بيتك فلا يخالف إلى أهلك
وتقرؤها على انائك فلا يكشف غطاؤه وهى آية الكرسي ثم حلت استها فضرط الحديث وفى
حديث زيد بن ثابت انه خرج إلى حائطه فسمع جلبة فقال ما هذا قال رجل من الجن أصابتنا
السنة فأردت ان أصيب من ثماركم قال له فما الذي يعيذنا منكم قال آية الكرسي (قوله وهو
كذوب) من التتميم البليغ الغاية في الحسن لأنه أثبت له الصدق فأوهم له صفة المدح ثم استدرك
ذلك بصفة المبالغة في الذم بقوله وهو كذوب وفى الحديث من الفوائد غير ما تقدم ان الشيطان قد
يعلم ما ينتفع به المؤمن وأن الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها وتؤخذ عنه فينتفع بها وأن
الشخص قد يعلم الشئ ولا يعمل به وان الكافر قد يصدق ببعض ما يصدق به المؤمن ولا يكون
بذلك مؤمنا وبان الكذاب قد يصدق وبان الشيطان من شأنه أن يكذب وأنه قد يتصور ببعض
الصور فتمكن رؤيته وأن قوله تعالى انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم مخصوص بما إذا
كان على صورته التي خلق عليها وأن من أقيم في حفظ شئ سمى وكيلا وأن الجن يأكلون من
طعام الانس وأنهم يظهرون للانس لكن بالشرط المذكور وانهم يتكلمون بكلام الانس
وانهم يسرقون ويخدعون وفيه فضل آية الكرسي وفضل آخر صورة البقرة وأن الجن يصيبون
من الطعام الذي لا يذكر اسم الله عليه وفيه ان السارق لا يقطع في المجاعة ويحتمل أن يكون
القدر المسروق لم يبلغ النصاب ولذلك جاز للصحابي العفو عنه قبل تبليغه إلى الشارع وفيه قبول
العذر والستر على من يظن به الصدق وفيه اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على المغيبات ووقع
في حديث معاذ ابن جبل أن جبرئيل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعلمه بذلك وفيه
جواز جمع زكاة الفطر قبل ليلة الفطر وتوكيل البعض لحفظها وتفرقتها * (قوله باب
إذا باع الوكيل شيا فاسدا فبيعه مردود) أورد فيه حديث أبي سعيد جاء بلال إلى النبي صلى الله
عليه وسلم بتمر برني الحديث وليس فيه تصريح بالرد بل فيه اشعار به ولعله أشار بذلك إلى
ما ورد في بعض طرقه فعند مسلم من طريق أبى نضرة عن أبي سعيد في نحو هذه القصة فقال هذا
398

الربا فرده وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب من أراد شراء تمر بتمر خير منه من كتاب البيوع
وفيه قول ابن عبد البر ان القصة وقعت مرتين مرة لم يقع فيه الامر بالرد وكان ذلك قبل العلم
بتحريم الربا ومرة وقع فيها الامر بالرد وذلك بعد تحريم الربا والعلم به ويدل على التعدد أن الذي
تولى ذلك في إحدى القصتين سواد بن غزية عامل خيبر وفى الأخرى بلال وعند الطبري من
طريق سعيد ابن المسيب عن بلال قال كان عندي تمر دون فابتعت منه تمرا أجود منه الحديث
وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الربا بعينه انطلق فرده على صاحبه وخذ تمرك وبعه
بحنطة أو شعيرا ثم اشتر به من هذا التمر ثم جئني به (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به أبو
نعيم وجزم أبو علي الجياني بأنه ابن منصور واحتج بأن مسلما اخرج هذا الحديث بعينه عن إسحاق
ابن منصور عن يحيى بن صالح بهذا الاسناد ولكن ليس ذلك بلازم ويؤيد كونه ابن راهويه تغاير
السياقين متنا واسنادا فهنا قال اسحق أخبرنا يحيى بن صالح وعند مسلم حدثنا يحيى ومن عادة
إسحاق بن راهويه التعبير عن مشايخه بالاخبار لا التحديث ووقع هنا عن يحيى وعند مسلم أنبأنا
يحيى وهو ابن أبي كثير وكذلك وقعت المغايرة في سياق المتن في عدة أماكن ويحتمل ان يكون
أحدهما ذكره عن إسحاق بن منصور بالمعنى (قوله جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر
برني) بفتح الموحدة وسكون الراء بعدها نون ثم تحتانية مشددة ضرب من التمر معروف قيل له
ذلك لأن كل تمرة تشبه البرنية وقد وقع عند أحمد مرفوعا خير تمراتكم البرنى يذهب الداء ولا داء
فيه (قوله كان عندي) في رواية الكشميهني عندنا (قوله ردئ) بالهمزة وزن عظيم (قوله
لنطعم النبي صلى الله عليه وسلم) بالنون المضمومة ولغير أبي ذر بالتحتانية المفتوحة والعين
مفتوحة أيضا وفى رواية مسلم لمطعم النبي صلى الله عليه وسلم بالميم (قوله أوه أوه عين الربا عين
الربا) كذا فيه بالتكرار مرتين ووقع في مسلم مرة واحدة ومراده بعين الربا نفسه وقوله
أوه كلمة تقال عند التوجع وهى مشددة الواو مفتوحة وقد تكسر والهاء ساكنة وربما
حذفوها ويقال بسكون الواو وكسر الهاء وحكى بعضهم مد الهمزة بدل التشديد قال
ابن التين انما تأوه ليكون أبلغ في الزجر وقاله اما للتألم من هذا الفعل واما من سوء الفهم (قوله
فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به) في رواية مسلم ولكن إذا أردت ان تشترى التمر فبعه ببيع آخر
ثم اشتره وبينهما مغايرة لأن التمر في رواية الباب المراد به التمر الردئ والضمير في به يعود إلى التمر
أي بالتمر الردئ والمفعول محذوف أي اشتر به تمرا جيد وأما رواية مسلم فالمراد بالتمر الجيد والضمير
في قوله ثم اشتره للجيد وفى الحديث البحث عما يستريب به الشخص حتى ينكشف حاله وفيه
النص على تحريم ربا الفضل واهتمام الامام بأمر الدين وتعليمه لمن لا يعلمه وارشاده إلى التوصل
إلى المباحات وغيرها واهتمام التابع بأمر متبوعه وانتقاء الجيد له من أنواع المطعومات
وغيرها وفيه ان صفقة الربا لا تصح وقد تقدم ذلك مبسوطا في موضعه * (قوله باب
الوكالة في الوقف ونفقته وأن يطعم صديقا له ويأكل بالمعروف) ذكر فيه قصة عمر في وقفه
مختصرة غير موصولة (قوله عن عمرو) هو ابن دينار المكي (قوله في صدقة عمر) أي في 0 روايته
لها عن ابن عمر كما جزم بذلك المزي في الأطراف ويوضحه رواية الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر
عن سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عمر (قوله غير متأثل) بمثناة ثم مثلثة أي غير جامع وانما
399

كان ابن عمر يهدى منه أخذا بالشرط المذكور وهو أن يطعم صديقه ويحتمل أن يكون انما
يطعمهم من نصيبه الذي جعل له أن يأكل منه بالمعروف فكان يوفره ليهدى لأصحابه منه (قوله
فكان ابن عمر) هو موصول بالاسناد المذكور كما هو بين في رواية الإسماعيلي قال الكرماني
قوله في صدقة عمر صدقة بالتنوين وعمر فاعل قال وهو بصورة الارسال لأنه يعنى عمرو بن دينار لم
يذكر عمر قال وفى بعض الروايات بالإضافة أي قال عمرو بن دينار في وقف عمر ذلك قال وفى بعض
الروايات عمرو بالواو (قلت) هذه الأخيرة غلط وقوله صدقة بالتنوين غلط محض وصدقة عمر
بالإضافة هي التي عند جميع رواة هذا الحديث في البخاري ومعنى هذا الكلام ان سفيان بن
عيينة روى عن عمرو بن دينار أنه حكى عن صدقة عمر ما ذكره واستند في ذلك إلى صنيع ابن عمر
فكأنه حمل ما ذكره مما فهمه من فعل ابن عمر فيكون الخبر موصولا بهذا التقرير وبهذا ترجم
المزي في مسند ابن عمر عمرو بن دينار عن ابن عمر ثم ساق هذا الحديث بهذا السند (قوله لناس) بين
الإسماعيلي انهم آل عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العاص قال المهلب أخذ عمر شرط وقفه
من كتاب الله حيث قال في ولى اليتيم ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف والمعروف ما يتعارفه
الناس بينهم * (قوله باب الوكالة في الحدود) أورد فيه طرفا من حديث أبي هريرة
وزيد بن خالد في قصة العسيف مقتصرا منها على قوله واغد يا أنيس إلى امرأء هذا فان اعترفت
فارجمها وهذا القدر هو المحتاج إليه في هذه الترجمة وسيأتى هذا الحديث بتمامه والكلام عليه في
كتاب الحدود إن شاء الله تعالى (قوله جئ بالنعيمان) بالتصغير (قوله أو ابن النعيمان) هو شك
من الراوي ووقع عند الإسماعيلي في رواية جئ بنعمان أو نعيمان فشك هل هو بالتكبير
أو التصغير ويأتي مثلها للكشميهني في كتاب الحدود وفى رواية للإسماعيلي جئت بالنعيمان بغير
شك ويستفاد منه تسمية الذي أحضر النعيمان وانه النعيمان بغير شك وقد وقع عند الزبير بن
بكار في النسب من طريق أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال كان بالمدينة رجل يقال
له النعيمان يصيب الشراب فذكر الحديث نحوه وروى ابن منده من حديث مروان بن قيس
السلمي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل سكران
يقال له نعيمان فامر به فضرب الحديث وهو النعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن
مالك بن غنم بن مالك بن النجاري الأنصاري ممن شهد بدرا وكان مزاحا (قوله شاربا) سيأتي
في الحدود من وجه آخر وهو سكران وزاد فيه فشق عليه وسيأتى بقية الكلام عليه هناك وشاهد
الترجمة منه قوله فيه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان في البيت أن يضربوه فان الامام
لما لم يتول إقامة الحد بنفسه وولاه غيره كان ذلك بمنزلة توكيله لهم في اقامته ويؤخذ منه ان حد
الخمر لا يستأنى به الإفاقة كحد الحامل لتضع الحمل * (قوله باب الوكالة في البدن
وتعاهدها) أورد فيه حديث عائشة في فتلها القلائد وتقليد النبي صلى الله عليه وسلم لها
بيديه وبعثه إياها مع أبي بكر وهو ظاهر فيما ترجم له من الوكالة في البدن وأما تعاهدها فلعله
يشير به إلى ما تضمنه الحديث من مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم إياها بنفسه حتى قلدها بيديه
فمن شأن أبى بكر أن يعتنى بما اعتنى به وقد سبق الكلام عليه في الحج * (قوله باب
إذا قال الرجل لوكيله ضعه حيث أراك الله وقال الوكيل قد سمعت ما قلت) أي فوضعه
400

حيث أراد جاز أورد فيه حديث أنس في قصة صدقة أبى طلحة عند نزول قوله تعالى لن تنالوا البر
حتى تنفقوا مما تحبون وشاهد الترجمة منه قول أبى طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم انها صدقة لله
أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت فان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر
عليه ذلك وإن كان ما وضعها بنفسه بل أمره أن يضعها في الأقربين لكن الحجة فيه تقريره صلى
الله عليه وسلم على ذلك ويؤخذ منه أن الوكالة لا تتم الا بالقبول لان أبا طلحة قال ضعها حيث
أراك الله فرد عليه ذلك وقال أرى أن تجعلها في الأقربين (قوله افعل يا رسول الله) مضبوط في
الطرق كلها بهمزة قطع على أنه فعل مستقبل وحكى الداودي فيه صيغة الامر أي افعل ذلك أنت
يا رسول الله وتعقبه ابن التين بأنه لم تثبت به الرواية وان السياق يأباه (قوله تابعه إسماعيل عن
مالك) يأتي موصولا في تفسير آل عمران (قوله وقال روح عن مالك رابح) يعنى ان روح بن
عبادة وافق في الرواية عن مالك في الاسناد والمتن الا في هذه اللفظة وروايته المذكورة أخرجها
الإمام أحمد عنه وقد تقدم بيان الاختلاف في هذه اللفظة في باب الزكاة على الأقارب من كتاب
الزكاة وتقدم هناك ضبط بيرحاء ويأتي شرح الحديث في كتاب الوقف إن شاء الله تعالى * (قوله
باب وكالة الأمين في الخزانة ونحوها) أورد فيه حديث أبي موسى في الخازن الأمين
وقد سبق مبسوطا في كتاب الزكاة وذكر له طريقا أخرى في أول الإجارة كما تقدم * (خاتمة) *
اشتمل كتاب الوكالة على ستة وعشرين حديثا المعلق منها ستة والبقية موصولة المكرر منها
فيه وفيما مضى اثنا عشر حديثا والبقية خالصة وافقه مسلم على تخريجها
سوى حديث عبد الرحمن بن عوف في قتل أمية بن خلف وحديث
كعب بن مالك في الشاة المذبوحة وحديث وفد هوازن من
طريقيه وحديث أبي هريرة في حفظ زكاة رمضان
وحديث عقبة بن الحارث في قصة
النعيمان وفيه من الآثار عن
الصحابة وغيرهم ستة
آثار والله
أعلم
401