الكتاب: فتح الباري
المؤلف: ابن حجر
الجزء: ٧
الوفاة: ٨٥٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع:
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

فتح الباري
الطبعة الثانية
أعيد طبعه بالأوفست
فتح الباري
شرح صحيح البخاري
للأمم الحافظ
شهاب الدين ابن حجر العسقلاني
رحمه الله تعالى
الجزء السابع
دار المعرفة
للطباعة والنشر
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(قوله باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بطريق الاجمال ثم
التفصيل اما الاجمال فيشمل جميعهم لكنه اقتصر فيه على شئ مما يوافق شرطه واما التفصيل
فلمن ورد فيه شئ بخصوصه على شرطه وسقط لفظ باب من رواية أبي ذر وحده (قوله ومن صحب
النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه) يعني ان اسم صحبة النبي صلى الله
عليه وسلم مستحق لمن صحبه أقل ما يطلق عليه اسم صحبة لغة وإن كان العرف يخص ذلك ببعض
الملازمة ويطلق أيضا على من رآه رؤية ولو على بعد وهذا الذي ذكره البخاري هو الراجح الا انه
هل يشترط في الرائي ان يكون بحيث يميز ما رآه أو يكتفى بمجرد حصول الرؤية محل نظر وعمل من
صنف في الصحابة يدل على الثاني فإنهم ذكروا مثل محمد بن أبي بكر الصديق وانما ولد قبل وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر وأيام كما ثبت في الصحيح ان أمه أسماء بنت عميس ولدته في حجة
الوداع قبل ان يدخلوا مكة وذلك في أواخر ذي القعدة سنة عشر من الهجرة ومع ذلك فأحاديث
هذا الضرب مراسيل والخلاف الجاري بين الجمهور وبين أبي إسحاق الأسفرايني ومن وافقه
على رد المراسيل مطلقا حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء لان أحاديثهم لامن
قبيل مراسيل كبار التابعين ولا من قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه
وسلم وهذا مما يلغز به فيقال صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة ومنهم من
بالغ فكان لا يعد في الصحابة الا من صحب الصحبة العرفية كما جاء عن عاصم الأحول قال رأى
2

عبد الله بن سرجس رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن له صحبة أخرجه أحمد هذا مع
كون عاصم قد روى عن عبد الله بن سرجس هذا عدة أحاديث وهي عند مسلم وأصحاب السنن
وأكثرها من رواية عاصم عنه ومن جملتها قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر له فهذا رأي
عاصم ان الصحابي من يكون صحب الصحبة العرفية وكذا روي عن سعيد بن المسيب انه كان
لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي صلى الله عليه وسلم سنة فصاعدا أو غزا معه غزوة فصاعدا
والعمل على خلاف هذا القول لانهم اتفقوا على عد جمع جم في الصحابة لم يجتمعوا بالنبي صلى الله
عليه وسلم الا في حجة الوداع ومن اشترط الصحبة العرفية اخرج من له رؤية أو من اجتمع به لكن
فارقه عن قرب كما جاء عن أنس انه قيل له هل بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غيرك قال
لا مع أنه كان في ذلك الوقت عدد كثير ممن لقيه من الاعراب ومنهم من اشترط في ذلك أن يكون
حين اجتماعه به بالغا وهو مردود أيضا لأنه يخرج مثل الحسن بن علي ونحوه من احداث الصحابة
والذي جزم به البخاري هو قول أحمد والجمهور من المحدثين وقول البخاري من المسلمين قيد يخرج
به من صحبه أو من رآه من الكفار فاما من أسلم بعد موته منهم فإن كان قوله من المسلمين حالا خرج
من هذه صفته وهو المعتمد ويرد على التعريف من صحبه أو رآه مؤمنا به ثم ارتد بعد ذلك ولم يعد
إلى الاسلام فإنه ليس صحابيا اتفاقا فينبغي ان يزاد فيه ومات على ذلك وقد وقع في مسند أحمد
حديث ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي وهو ممن أسلم في الفتح وشهد مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم حجة الوداع وحدث عنه بعد موته ثم لحقه الخذلان فلحق في خلافة عمر بالروم وتنصر
بسبب شئ أغضبه واخراج حديث مثل هذا مشكل ولعل من أخرجه لم يقف على قصة ارتداده
والله أعلم فلو ارتد ثم عاد إلى الاسلام لكن لم يره ثانيا بعد عوده فالصحيح انه معدود في الصحابة
لاطباق المحدثين على عد الأشعث بن قيس ونحوه ممن وقع له ذلك واخراجهم أحاديثهم في المسانيد
وهل يختص جميع ذلك ببني آدم أو يعم غيرهم من العقلاء محل النظر اما الجن فالراجح دخولهم لان
النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم قطعا وهم مكلفون فيهم العصاة والطائعون فمن عرف اسمه
منهم لا ينبغي التردد في ذكره في الصحابة وإن كان ابن الأثير عاب ذلك على أبي موسى فلم يستند في
ذلك إلى حجة واما الملائكة فيتوقف عدهم فيهم على ثبوت بعثته إليهم فان فيه خلافا بين
الأصوليين حتى نقل بعضهم الاجماع على ثبوته وعكس بعضهم وهذا كله فيمن رآه وهو في قيد
الحياة الدنيوية اما من رآه بعد موته وقبل دفنه فالراجح انه ليس بصحابي والا لعد من اتفق ان
يرى جسده المكرم وهو في قبره المعظم ولو في هذه الاعصار وكذلك من كشف له عنه من الأولياء
فرآه كذلك على طريق الكرامة إذ حجة من أثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه انه مستمر الحياة وهذه
الحياة ليست دنيوية وانما هي أخروية لا تتعلق بها احكام الدنيا فان الشهداء احياء ومع ذلك
فان الأحكام المتعلقة بهم بعد القتل جارية على احكام غيرهم من الموتى والله أعلم وكذلك المراد
بهذه الرؤية من اتفقت له ممن تقدم شرحه وهو يقظان اما من رآه في المنام وإن كان قد رآه
حقا فذلك مما يرجع إلى الأمور المعنوية لا الاحكام الدنيوية فلذلك لا يعد صحابيا ولا يجب
عليه ان يعمل بما امره به في تلك الحالة والله أعلم وقد وجدت ما جزم به البخاري من تعريف
الصحابي في كلام شيخه علي بن المديني فقرأت في المستخرج لأبي القاسم بن منده بسنده إلى أحمد
3

ابن سيار الحافظ المروزي قال سمعت أحمد بن عتيك يقول قال علي بن المديني من صحب النبي
صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد بسطت
هذه المسألة فيما جمعته من علوم الحديث وهذا القدر في هذا المكان كاف ثم ذكر المصنف في
الباب ثلاثة أحاديث * أحدها حديث جابر بن عبد الله عن أبي سعيد وهو من رواية صحابي عن
صحابي (قوله يأتي على الناس زمان فيغزو فئام) بكسر الفاء ثم تحتانية بهمزة وحكي فيه
ترك الهمزة أي جماعة وقد تقدم ضبطه في باب من استعان بالضعفاء في أوائل الجهاد ويستفاد
منه بطلان قول من ادعى في هذه الأعصار المتأخرة الصحبة لان الخبر يتضمن استمرار الجهاد
والبعوث إلى بلاد الكفار وانهم يسألون هل فيكم أحد من أصحابه فيقولون لا وكذلك في التابعين
وفي اتباع التابعين وقد وقع كل ذلك فيما مضى وانقطعت البعوث عن بلاد الكفار في هذه
الاعصار بل انعكس الحال في ذلك على ما هو معلوم مشاهد من مدة متطاولة ولا سيما في بلاد
الأندلس وضبط أهل الحديث اخر من مات من الصحابة وهو على الاطلاق أبو الطفيل عامر
ابن واثلة الليثي كما جزم به مسلم في صحيحه وكان موته سنة مائة وقيل سنة سبع ومائة وقيل
سنة عشر ومائة وهو مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر على رأس مائة سنة لا يبقى
على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد ووقع في رواية أبي الزبير عن جابر عند مسلم ذكر
طبقة رابعة ولفظه يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث فيقولون انظروا هل تجدون فيكم
أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيوجد الرجل فيفتح لهم ثم يبعث البعث الثاني
فيقولون انظروا إلى أن قال ثم يكون البعث الرابع وهذه الرواية شاذة وأكثر الروايات
مقتصر على الثلاثة كما سأوضح ذلك في الحديث الذي بعده ومثله حديث واثلة رفعه لا تزالون
بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحبني
الحديث أخرجه ابن أبي شيبة وإسناده حسن * الحديث الثاني (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن
راهويه وبذلك جزم ابن السكن وأبو نعيم في المستخرج والنضر هو ابن شميل وأبو جمرة بالجيم
والراء صاحب ابن عباس وحدث هنا عن تابعي مثله (قوله خير أمتي قرني) أي أهل قرني والقرن
أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة ويقال ان ذلك مخصوص
بما إذا اجتمعوا في زمن نبي أو رئيس يجمعهم على ملة أو مذهب أو عمل ويطلق القرن على مدة
من الزمان واختلفوا في تحديدها من عشرة أعوام إلى مائة وعشرين لكن لم أر من صرح
بالسبعين ولا بمائة وعشرة وما عدا ذلك فقد قال به قائل وذكر الجوهري بين الثلاثين والثمانين
وقد وقع في حديث عبد الله بن بسر عند مسلم ما يدل على أن القرن مائة وهو المشهور وقال
صاحب المطالع القرن أمة هلكت فلم يبق منهم أحد وثبتت المائة في حديث عبد الله بن
بسر وهي ما عند أكثر أهل العراق ولم يذكر صاحب المحكم الخمسين وذكر من عشر إلى
سبعين ثم قال هذا هو القدر المتوسط من أعمار أهل كل زمن وهذا اعدل الأقوال وبه صرح
ابن الأعرابي وقال إنه مأخوذ من الاقران ويمكن ان يحمل عليه المختلف من الأقوال المتقدمة
ممن قال إن القرن أربعون فصاعدا اما من قال إنه دون ذلك فلا يلتئم على هذا القول والله أعلم
والمراد بقرن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحابة وقد سبق في صفة
4

النبي صلى الله عليه وسلم قوله وبعثت في خير قرون بني ادم وفي رواية بريدة عند أحمد خير
هذه الأمة القرن الذين بعثت فيهم وقد ظهر ان الذي بين البعثة وآخر من مات من الصحابة مائة
سنة وعشرون سنة أو دونها أو فوقها بقليل على الاختلاف في وفاة أبي الطفيل وان اعتبر ذلك
من بعد وفاته صلى الله على وسلم فيكون مائة سنة أو تسعين أو سبعا وتسعين واما قرن التابعين
فان اعتبر من سنة مائة كان نحو سبعين أو ثمانين واما الذين بعدهم فان اعتبر منها كان نحوا
من خمسين فظهر بذلك ان مدة القرن تختلف باختلاف أعمار أهل كل زمان والله أعلم واتفقوا
ان آخر من كان من اتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين ومائتين
وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا واطلقت المعتزلة ألسنتها ورفعت الفلاسفة رؤوسها
وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا ولم يزل الامر في نقص
إلى الان وظهر قوله صلى الله عليه وسلم ثم يفشو الكذب ظهورا بينا حتى يشمل الأقوال
والافعال والمعتقدات والله المستعان (قوله ثم الذين يلونهم) أي القرن الذي بعدهم وهم
التابعون (ثم الذين يلونهم) وهم اتباع التابعين واقتضى هذا الحديث أن تكون الصحابة أفضل
من التابعين والتابعون أفضل من اتباع التابعين لكن هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع
أو الافراد محل بحث والى الثاني نحا الجمهور والأول قول ابن عبد البر والذي يظهر ان من
قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بأمره أو أنفق شيئا من ماله بسببه لا يعدله في الفضل
أحد بعده كائنا من كان واما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث والأصل في ذلك قوله تعالى
لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد
وقاتلوا الآية واحتج ابن عبد البر بحديث مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم اخره وهو
حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة وأغرب النووي فعزاه في فتاويه إلى مسند أبي
يعلى من حديث أنس بإسناد ضعيف مع أنه عند الترمذي بإسناد أقوى منه في حديث أنس
وصححه بن حبان من حديث عمار وأجاب عنه النووي بما حاصله ان المراد من يشتبه عليه
الحال في ذلك من أهل الزمان الذين يدركون عيسى بن مريم عليه السلام ويرون في زمانه
من الخير والبركة وانتظام كلمة الاسلام ودحض كلمة الكفر فيشتبه الحال على من شاهد
ذلك أي الزمانين خير وهذا الاشتباه مندفع بصريح قوله صلى الله عليه وسلم خير القرون
قرني والله أعلم وقد روى بن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير أحد التابعين
بإسناد حسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدركن المسيح أقواما انهم لمثلكم أو خير
ثلاثا ولن يخزي الله أمة انا أولها والمسيح اخرها وروى أبو داود والترمذي من حديث أبي
ثعلبة رفعه تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين قيل منهم أو منا يا رسول الله قال بل منكم وهو
شاهد لحديث مثل أمتي مثل المطر واحتج ابن عبد البر أيضا بحديث عمر رفعه أفضل الخلق
ايمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني الحديث أخرجه الطيالسي وغيره لكن
إسناده ضعيف فلا حجة فيه وروى أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال قال
أبو عبيدة يا رسول الله أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك قال قوم يكونون من بعدكم يؤمنون
بي ولم يروني وإسناده حسن وقد صححه الحاكم واحتج أيضا بان السبب في كون القرن الأول خير
5

القرون انهم كانوا غرباء في ايمانهم لكثرة الكفار حينئذ وصبرهم على اذاهم وتمسكهم بدينهم قال
فكذلك أواخرهم إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن
كانوا أيضا عند ذلك غرباء وزكت أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك ويشهد له
ما رواه مسلم عن أبي هريرة رفعه بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء وقد
تعقب كلام بن عبد البر بأن مقتضى كلامه ان يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من يكون أفضل من
بعض الصحابة وبذلك صرح القرطبي لكن كلام ابن عبد البر ليس على الاطلاق في حق جميع
الصحابة فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية نعم والذي ذهب إليه الجمهور ان فضيلة
الصحبة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم واما من اتفق له الذب عنه والسبق
إليه بالهجرة أو النصرة وضبط الشرع المتلقي عنه وتبليغه لمن بعده فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي
بعد لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة الا والذي سبق بها مثل أجر من عمل بها من بعده
فظهر فضلهم ومحصل النزاع يتمحض فيمن لم يحصل له الا مجرد المشاهدة كما تقدم فان جمع
بين مختلف الأحاديث المذكورة كان متجها على أن حديث للعامل منهم أجر خمسين منكم لا يدل
على أفضلية غير الصحابة على الصحابة لان مجرد زيادة الاجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة
وأيضا فالاجر انما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل فاما ما فاز به من شاهد النبي صلى
الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فيعدله فيها أحد فبهذه الطريق يمكن تأويل الأحاديث
المتقدمة واما حديث أبي جمعة فلم تتفق الرواة على لفظه فقد رواه بعضهم بلفظ الخيرية كما تقدم
ورواه بعضهم بلفظ قلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم منا اجرا الحديث أخرجه الطبراني وإسناد
هذه الرواية أقوى من الرواية المتقدمة وهي توافق حديث أبي ثعلبة وقد تقدم الجواب
عنه والله أعلم (قوله فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة) وقع مثل هذا الشك في حديث
ابن مسعود وأبي هريرة عند مسلم وفي حديث بريدة عند أحمد وجاء في أكثر الطرق بغير شك
منها عن النعمان بن بشير عند أحمد وعن مالك عند مسلم عن عائشة قال رجل يا رسول الله أي
الناس خير قال القرن الذي انا فيه ثم الثاني ثم الثالث ووقع في رواية الطبراني وسمويه ما
يفسر به هذا السؤال وهو ما أخرجاه من طريق بلال بن سعد بن تميم عن أبيه قال قلت يا رسول
الله أي الناس خير فقال انا وقرني فذكر مثله وللطيالسي من حديث عمر رفعه خير أمتي القرن
الذي انا منهم ثم الثاني ثم الثالث ووقع في حديث جعدة بن هبيرة عند ابن أبي شيبة والطبراني
اثبات القرن الرابع ولفظه خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم
الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الآخرون أردأ ورجاله ثقات الا ان جعدة مختلف في صحبته والله أعلم (قوله ثم إن بعدهم قوما)
كذا للأكثر ولبعضهم قوم فيحتمل ان يكون من الناسخ على طريقة من لا يكتب الألف في
المنصوب ويحتمل أن تكون ان تقريرية بمعنى نعم وفيه بعد وتكلف واستدل بهذا
الحديث
على تعديل أهل القرون الثلاثة وان تفاوتت منازلهم في الفضل وهذا محمول على الغالب
والأكثرية فقد وجد فيمن بعد الصحابة من القرنين من وجدت فيه الصفات المذكورة المذمومة
لكن بقلة بخلاف من بعد القرون الثلاثة فان ذلك كثر فيهم واشتهر وفيه بيان من ترد شهادتهم
وهم من اتصف بالصفات المذكورة والى ذلك الإشارة بقوله ثم يفشو الكذب أي يكثر واستدل
6

به على جواز المفاضلة بين الصحابة قاله المازري وقد تقدم باقي شرحه في * الشهادات الحديث
الثالث حديث ابن مسعود في المعنى وقد تقدم في الشهادات سندا ومتنا وتقدم من شرحه
هناك ما يتعلق بالشهادات والله أعلم (قوله باب مناقب المهاجرين وفضلهم)
سقط لفظ باب من رواية أبي ذر والمراد بالمهاجرين من عدا الأنصار ومن أسلم يوم الفتح وهلم
جرا فالصحابة من هذه الحيثية ثلاثة أصناف والأنصار هم الأوس والخزرج وحلفاؤهم
ومواليهم (قوله منهم أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة التيمي) هكذا جزم بأن اسم أبي بكر عبد الله
وهو المشهور ويقال كان اسمه قبل الاسلام عبد الكعبة وكان يسمى أيضا عتيقا واختلف هل
هو اسم له أصلي أو قيل له ذلك لأنه ليس في نسبه ما يعاب به أو لقدمه في الخير وسبقه إلى الاسلام
أو قيل له ذلك لحسنه أو لان أمه كان لا يعيش لها ولد فلما ولد استقبلت به البيت فقالت اللهم هذا
عتيقك من الموت أو لان النبي صلى الله عليه وسلم بشره بان الله أعتقه من النار وقد ورد في هذا
الأخير حديث عن عائشة عند الترمذي وآخر عن عبد الله بن الزبير عند البزار وصححه ابن
حبان وزاد فيه وكان اسمه قبل ذلك عبد الله بن عثمان وعثمان اسم أبي قحافة لم يختلف في ذلك
كما لم يختلف في كنيته الصديق ولقب الصديق لسبقه إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم وقيل كان
ابتداء تسميته بذلك صبيحة الاسراء وروى الطبراني من حديث على أنه كان يحلف ان الله انزل
اسم أبي بكر من السماء الصديق رجاله ثقات واما نسبه فهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن
كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن
كعب وعدد آبائهما إلى مرة سواء وأم أبي بكر سلمى وتكنى أم الخير بنت صخر بن مالك بن عامر بن
عمرو المذكور أسلمت وهاجرت وذلك معدود من مناقبه لأنه انتظم إسلام أبويه وجميع أولاده
(قوله وقول الله عز وجل للفقراء المهاجرين الآية) ساقها الأصيلي وكريمة إلى قوله هم
الصادقون وأشار المصنف بهذه الآية إلى ثبوت فضل المهاجرين لما اشتملت عليه من أوصافهم
الجميلة وشهادة الله تعالى لهم بالصدق (قوله وقال الله تعالى الا تنصروه فقد نصره الله الآية
ساق في رواية الأصيلي وكريمة إلى قوله إن الله معنا وأشار المصنف بها إلى ثبوت فضل الأنصار
فإنهم امتثلوا الامر في نصره وكان نصر الله له في حال التوجه إلى المدينة بحفظه من أذى
المشركين الذين اتبعوه ليردوه عن مقصده وفي الآية أيضا فضل أبي بكر الصديق لأنه انفرد
بهذه المنقبة حيث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السفرة ووقاه بنفسه كما سيأتي
وشهد الله له فيها بأنه صاحب نبيه قوله وقالت عائشة وأبو سعيد وابن عباس كان أبو بكر
مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار) أي لما خرجا من مكة إلى المدينة حديث عائشة سيأتي مطولا
في باب الهجرة إلى المدينة وفيه ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور
الحديث وحديث أبي سعيد أخرجه ابن حبان من طريق أبي عوانة عن الأعمش عن أبي صالح
عنه في قصة بعث أبي بكر إلى الحج وفيه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أخي
وصاحبي في الغار الحديث وحديث ابن عباس في تفسير براءة في قصة ابن عباس مع ابن الزبير
وفيها قول ابن عباس واما جده فصاحب الغار يريد أبا بكر ولابن عباس حديث آخر لعله أمس
بالمراد أخرجه أحمد والحاكم من طريق عمرو بن ميمون عنه قال كان المشركون يرمون عليا
7

وهم يظنون أنه النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر فقال يا رسول الله فقال له علي انه انطلق نحو
بئر ميمون فأدركه قال فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار الحديث وأصله في الترمذي والنسائي
دون المقصود منه هنا وروى الحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى
فأنزل الله سكينته عليه قال على أبي بكر وروى عبد الله بن أحمد في زيادات المسند من وجه
آخر عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار
الحديث ورجاله ثقات (قوله حدثنا عبد الله بن رجاء) هو الغذاني بضم المعجمة وتخفيف الدال
المهملة وبعد الألف نون بصري ثقة وكذا بقية رجال الاسناد (قوله فقال عازب لا حتى
تحدثنا) كذا وقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق وقد تقدم في علامات النبوة من رواية زهير
عن أبي إسحاق بلفظ فقال لعازب ابعث ابنك يحمله معي قال فحملته معه وخرج أبي ينتقد ثمنه
فقال له أبي يا أبا بكر حدثني وظاهرهما التخالف فان مقتضى رواية إسرائيل ان عازبا امتنع
من إرسال ولده مع أبي بكر حتى يحدثهم ومقتضى رواية زهير انه لم يعلق التحديث على شرط ويمكن
الجمع بين الروايتين بان عازبا اشترط أولا وأجابه أبو بكر إلى سؤاله فلما شرعوا في التوجه استنجز
عازب منه ما وعده به من التحديث ففعل قال الخطابي تمسك بهذا الحديث من استجاز اخذ
الأجرة على التحديث وهو تمسك باطل لان هؤلاء اتخذوا التحديث بضاعة واما الذي وقع بين
عازب وأبي بكر فإنما هو على مقتضى العادة الجارية بين التجار بأن اتباعهم يحملون السلعة مع
المشتري سواء أعطاهم اجرة أم لا كذا قال ولا ريب ان في الاستدلال للجواز بذلك بعدا لتوقفه
على أن عازبا لو استمر على الامتناع من إرسال ابنه لاستمر أبو بكر على الامتناع من التحديث والله
أعلم (قوله فإذا انا براع) لم اقف على تسميته ولا على تسمية صاحب الغنم الا انه جاء في حديث
عبد الله بن مسعود شئ تمسك به من زعم أنه الراعي وذلك فيما أخرجه أحمد وابن حبان من طريق
عاصم عن زر عن ابن مسعود قال كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأبو بكر فقال يا غلام هل من لبن قلت نعم ولكني مؤتمن الحديث وهذا لا يصلح ان يفسر
به الراعي في حديث البراء لان ذاك قيل له هل أنت حالب فقال نعم وهذا أشار بأنه غير حالب وذاك
حلب من شاة حافل وهذا من شاة لم تطرق ولم تحمل ثم إن في بقية هذا الحديث ما يدل على أن
قصته كانت قبل الهجرة لقوله فيه ثم أتيته بعد هذا فقلت يا رسول الله علمني من هذا القول فان
هذا يشعر بأنها كانت قبل إسلام ابن مسعود واسلام ابن مسعود كان قديما قبل الهجرة بزمان
فبطل ان يكون هو صاحب القصة في الهجرة والله أعلم (قوله فشرب حتى رضيت) وقع في رواية
أوس عن خديج عن أبي إسحاق قال أبو إسحاق فتكلم بكلمة والله ما سمعتها من غيره كأنه يعني
قوله حتى رضيت فإنها مشعرة بأنه أمعن في الشرب وعادته المألوفة كانت عدم الامعان (قوله
قد آن الرحيل يا رسول الله) أي دخل وقته وتقدم في علامات النبوة فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ألم يأن للرحيل قلت بلى فيجمع بينهما بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بدأ فسأل
8

فقال له أبو بكر بلى ثم أعاد عليه بقوله قد آن الرحيل قال المهلب بن أبي صفرة انما شرب
النبي صلى الله عليه وسلم من لبن تلك الغنم لأنه كان حينئذ في زمن المكارمة ولا يعارضه حديثه
لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه لان ذلك وقع في زمن التشاح أو الثاني محمول على التسور
والاختلاس والأول لم يقع فيه ذلك بل قدم أبو بكر سؤال الراعي هل أنت حالب فقال نعم كأنه سأله
هل اذن لك صاحب الغنم في حلبها لمن يرد عليك فقال نعم أو جرى على العادة المألوفة للعرب في
إباحة ذلك والاذن في الحلب على المار ولابن السبيل فكان كل راع مأذونا له في ذلك وقال
الداودي انما شرب من ذلك على أنه ابن سبيل وله شرب ذلك إذا احتاج ولا سيما النبي صلى الله
عليه وسلم وأبعد من قال انما استجازه لأنه مال حربي لان القتال لم يكن فرض بعد ولا أبيحت
الغنائم وقد تقدم شئ من هذه المباحث في هذه المسألة في آخر اللقطة وفيها الكلام على إباحة
ذلك للمسافر مطلقا وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم خدمة التابع الحر للمتبوع في
يقظته والذب عنه عند نومه وشدة محبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وأدبه معه وايثاره
له على نفسه وفيه أدب الأكل والشرب واستحباب التنظيف لما يؤكل ويشرب وفيه
استصحاب آلة السفر كالإداوة والسفرة ولا يقدح ذلك في التوكل وستأتي قصة سراقة في الهجرة
مستوفاة إن شاء الله تعالى وأوردها هنا مختصرة جدا وفي علامات النبوة أتم منه * (تنبيه) * أورد
الإسماعيلي هذا الحديث عن أبي خليفة عن عبد الله بن رجاء شيخ البخاري فيه فزاد في آخره ومضى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا معه حتى أتينا المدينة ليلا فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه فذكر
القصة مطولة وسأذكر ما فيها من الفوائد في باب الهجرة إن شاء الله تعالى (قوله تريحون بالعشي
تسرحون بالغداة) هو تفسير قوله تعالى ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وهو
تفسير أبي عبيدة في المجاز وثبت هذا في رواية الكشميهني وحده والصواب ان يثبت في حديث
عائشة في قصة الهجرة فان فيه ويرعى عليها عامر بن فهيرة ويريحهما عليهما فهذا هو محل شرح
هذه اللفظة بخلاف حديث البراء فلم يجر فيه لهذه اللفظة ذكر والله تعالى اعلم (قوله عن ثابت)
في رواية حبان بن هلال في التفسير عن همام حدثنا ثابت (قوله عن أنس عن أبي بكر في رواية
حبان المذكورة حدثنا أنس حدثني أبو بكر (قوله قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وانا في الغار)
زاد في رواية حبان المذكورة فرأيت آثار المشركين وفي رواية موسى بن إسماعيل عن همام في
الهجرة فرفعت رأسي فإذا انا بأقدام القوم (قوله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه) فيه مجئ
لو الشرطية للاستقبال خلافا للأكثر واستدل من جوزه بمجئ الفعل المضارع بعدها كقوله
تعالى لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم وعلى هذا فيكون قاله حالة وقوفهم على الغار وعلى
قول الأكثر يكون قاله بعد مضيهم شكرا لله تعالى على صيانتهما منهم (قوله لو أن أحدهم نظر تحت
قدميه) في رواية موسى لو أن بعضهم طأطأ بصره وفي رواية حبان رفع قدميه ووقع مثله في حديث
حبشي بن جنادة أخرجه ابن عساكر وهي مشكلة فان ظاهرها ان باب الغار استتر بأقدامهم
وليس كذلك الا ان يحمل على أن المراد انه استتر بثيابهم وقد أخرجه مسلم من رواية حبان
المذكورة بلفظ لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه وكذا أخرجه أحمد عن عفان
عن همام ووقع في مغازي عروة بن الزبير في قصة الهجرة قال واتى المشركون على الجبل الذي فيه
9

الغار الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه وسمع أبو بكر أصواتهم فاقبل عليه الهم
والخوف فعند ذلك يقول له النبي صلى الله عليه وسلم لا تحزن ان الله معنا ودعا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فنزلت عليه السكينة وفي ذلك يقول الله عز وجل إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا
الآية وهذا يقوي أنه قال ما في حديث الباب حينئذ ولذلك اجابه بقوله لا تحزن (قوله ما ظنك يا أبا
بكر باثنين الله ثالثهما) في رواية موسى فقال اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما وقوله اثنان خبر
مبتدأ محذوف تقديره نحن اثنان ومعنى ثالثهما ناصرهما ومعينهما والا فالله ثالث كل اثنين
بعلمه وستأتي الإشارة إلى ذلك في تفسير براءة وفي الحديث منقبة ظاهرة لأبي بكر وفيه ان باب الغار
كان منخفضا الا انه كان ضيقا فقد جاء في السير للواقدي ان رجلا كشف عن فرجه وجلس
يبول فقال أبو بكر قد رآنا يا رسول الله قال لو رآنا لم يكشف عن فرجه وسيأتي مزيد لذلك في قصة
الهجرة إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * اشتهر ان حديث الباب تفرد به همام عن ثابت وممن
صرح بذلك الترمذي والبزار وقد أخرجه ابن شاهين في الافراد من طريق جعفر بن سليمان عن
ثابت بمتابعة همام وقد قدمت له شاهدا من حديث حبشي بن جنادة ووجدت له آخر عن ابن
عباس أخرجه الحاكم في الإكليل (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سدوا
الأبواب الا باب أبي بكر قاله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم) وصله المصنف في الصلاة بلفظ
سدوا عني كل خوخة فكأنه ذكره بالمعنى (قوله حدثنا أبو عامر) هو العقدي و (فليح) هو ابن
سليمان وهو ومن فوقه مدنيون (قوله عن عبيد بن حنين 3) تقدم بيان الاختلاف في إسناده
في باب الخوخة في المسجد في أوائل الصلاة (قوله خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية
مالك عن أبي النضر الآتية في الهجرة إلى المدينة جلس على المنبر فقال وفي حديث ابن عباس
الماضي تلو حديث أبي سعيد في باب الخوخة من أوائل الصلاة في مرضه الذي مات فيه ولمسلم من
حديث جندب سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل ان يموت بخمس ليال وفي حديث أبي بن
كعب الذي سأنبه عليه قريبا ان أحدث عهدي بنبيكم قبل وفاته بثلاث فذكر الحديث في خطبة
أبي بكر وهو طرف من هذا وكأن أبا بكر رضي الله عنه فهم الرمز الذي أشار به النبي صلى الله عليه
وسلم من قرينة ذكره ذلك في مرض موته فاستشعر منه انه أراد نفسه فلذلك بكى (قوله بين الدنيا
وبين ما عنده) في رواية مالك المذكورة بين ان يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده قوله
فعجبنا لبكائه) وقع في رواية محمد بن سنان في باب الخوخة المذكورة فقلت في نفسي وفي رواية
مالك فقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد وهو يقول
فديناك ويجمع بان أبا سعيد حدث نفسه بذلك فوافق تحديث غيره بذلك فنقل جميع ذلك
(قوله وكان أبو بكر أعلمنا) في رواية مالك وكان أبو بكر هو اعلمنا به أي بالنبي صلى الله عليه وسلم أو
بالمراد من الكلام المذكور زاد في رواية محمد بن سنان فقال يا أبا بكر لا تبك (قوله إن أمن الناس
علي في صحبته وماله أبو بكر) في رواية مالك كذلك وفي رواية محمد بن سنان ان من امن الناس علي
بزيادة من وقال فيها أبا بكر بالنصب للأكثر ولبعضهم أبو بكر بالرفع وقد قيل إن الرفع خطأ
والصواب النصب لأنه اسم ان ووجه الرفع بتقدير ضمير الشأن أي انه والجار والمجرور بعده خبر
مقدم وأبو بكر مبتدأ مؤخر أو على أن مجموع الكنية اسم فلا يعرب ما وقع فيها من الأداة أو ان
بمعنى نعم أو ان من زائدة على رأي الكسائي وقال ابن بري يجوز الرفع إذا جعلت من صفة لشئ
10

محذوف تقديره ان رجلا أو انسانا من امن الناس فيكون اسم ان محذوفا والجار والمجرور في
موضع الصفة وقوله أبو بكر الخبر وقوله امن افعل تفضيل من المن بمعنى العطاء والبذل بمعنى ان
ابذل الناس لنفسه وماله لا من المنة التي تفسد الصنيعة وقد تقدم تقرير ذلك في باب الخوخة
وأغرب الداودي فشرحه على أنه من المنة وقال تقديره لو كان يتوجه لاحد الامتنان على نبي الله
صلى الله عليه وسلم لتوجه له والأول أولى وقوله امن الناس في رواية الباب ما يوافق حديث ابن
عباس بلفظ ليس أحد من الناس امن علي في نفسه وماله من أبي بكر واما الرواية التي فيها من
فان قلنا زائدة فلا تخالف والا فتحمل على أن المراد ان لغيره مشاركة ما في الأفضلية الا انه مقدم في
ذلك بدليل ما تقدم من السياق وما تأخر ويؤيده ما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ
ما لاحد عندنا يد الا كافأناه عليها ما خلا أبا بكر فان له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة فان
ذلك يدل على ثبوت يد لغيره الا ان لأبي بكر رجحانا فالحاصل انه حيث اطلق أراد انه أرجحهم في ذلك
وحيث لم يطلق أراد الإشارة إلى من شاركه في شئ من ذلك ووقع بيان ذلك في حديث آخر لابن
عباس رفعه نحو حديث الترمذي وزاد منه أعتق بلالا ومنة هاجر بنبيه أخرجه الطبراني وعنه
في طريق أخرى ما أحد أعظم عندي يدا من أبي بكر واساني بنفسه وماله وأنكحني ابنته أخرجه
الطبراني وفي حديث مالك بن دينار عن أنس رفعه ان أعظم الناس علينا منا أبو بكر زوجني ابنته
وواساني بنفسه وان خير المسلمين مالا أبو بكر أعتق بلالا وحملني إلى دار الهجرة أخرجه
بن عساكر واخرج من رواية بن حبان التيمي عن أبيه عن علي نحوه وجاء عن عائشة مقدار
المال الذي أنفقه أبو بكر فروى ابن حبان من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة انها قالت
أنفق أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألف درهم وروى الزبير بن بكار عن عروة
عن عائشة انه لما مات ما ترك دينارا ولا درهما (قوله ولو كنت متخذا خليلا) يأتي الكلام
عليه بعد باب قال الداودي لا ينافي هذا قول أبي هريرة وأبي ذر وغيرهما أخبرني خليلي صلى الله
عليه وسلم لان ذلك جائز لهم ولا يجوز للواحد منهم أن يقول انا خليل النبي صلى الله عليه
وسلم ولهذا يقال إبراهيم خليل الله ولا يقال الله خليل إبراهيم (قلت) ولا يخفى ما فيه (قوله
ولكن اخوة الاسلام ومودته) أي حاصلة ووقع في حديث ابن عباس الآتي بعد باب أفضل وكذا
أخرجه الطبراني من طريق عبيد الله بن تمام عن خالد الحذاء بلفظ ولكن اخوة الايمان
والاسلام أفضل وأخرجه أبو يعلى من طريق يعلى بن حكيم عن عكرمة بلفظ ولكن خلة
الاسلام أفضل وفيه اشكال فإن الخلة أفضل من اخوة الاسلام لأنها تستلزم ذلك وزيادة فقيل
المراد ان مودة الاسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من مودته مع غيره وقيل أفضل بمعنى
فاضل ولا يعكر على ذلك اشتراك جميع الصحابة في هذه الفضيلة لان رجحان أبي بكر عرف من غير
ذلك وأخوة الاسلام ومودته متفاوتة بين المسلمين في نصر الدين واعلاء كلمة الحق وتحصيل كثرة
الثواب ولأبي بكر من ذلك أعظمه وأكثره والله أعلم ووقع في بعض الروايات ولكن خوة
الاسلام بغير الف فقال ابن بطال لا اعرف معنى هذه الكلمة ولم أجد خوة بمعنى خلة في كلام
العرب وقد وجدت في بعض الروايات ولكن خلة الاسلام وهو الصواب وقال بن التين لعل
الألف سقطت من الرواية فإنها ثابتة في سائر الروايات ووجهه ابن مالك بأنه نقلت حركة الهمزة
11

إلى النون فحذف الألف وجوز مع حذفها ضم نون لكن وسكونها قال ولا يجوز مع اثبات الهمزة
الا سكون النون فقط وفي قوله ولو كنت متخذا خليلا الخ منقبة عظيمة لأبي بكر لم يشاركه
فيها أحد ونقل ابن التين عن بعضهم ان معنى قوله ولو كنت متخذا خليلا لو كنت أخص أحدا
بشئ من أمر الدين لخصصت أبا بكر قال وفيه دلالة على كذب الشيعة في دعواهم ان النبي صلى
الله عليه وسلم كان خص عليا بأشياء من القران وأمور الدين لم يخص بها غيره (قلت) والاستدلال
بذلك متوقف على صحة التأويل المذكور وما ابعدها (قوله لا يبقين) بفتح أوله وبنون التأكيد
وفي إضافة النهي إلى الباب تجوز لأن عدم بقائه لازم النهي عن ابقائه فكأنه قال لا تبقوه حتى
لا يبقى وقد رواه بعضهم بضم أوله وهو واضح (قوله الأسد) بضم المهملة وفي رواية مالك خوخة
بدل باب والخوخة طاقة في الجدار تفتح لأجل الضوء ولا يشترط علوها وحيث تكون سفلى يمكن
الاستطراق منها لاستقراب الوصول إلى مكان مطلوب وهو المقصود هنا ولهذا اطلق عليها باب
وقيل لا يطلق عليها باب الا إذا كانت تغلق (قوله الا باب أبي بكر) هو استثناء مفرغ والمعنى
لا تبقوا بابا غير مسدود الا باب أبي بكر فاتركوه بغير سد قال الخطابي وابن بطال وغيرهما في هذا
الحديث اختصاص ظاهر لأبي بكر وفيه إشارة قوية إلى استحقاقه للخلافة ولا سيما وقد ثبت ان
ذلك كان في اخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي أمرهم فيه ان لا يؤمهم الا أبو بكر
وقد ادعى بعضهم ان الباب كناية عن الخلافة والامر بالسد كناية عن طلبها كأنه قال لا يطلبن أحد
الخلافة الا أبا بكر فإنه لا حرج عليه في طلبها والى هذا جنح ابن حبان فقال بعد أن اخرج هذا
الحديث في هذا الحديث دليل على أنه الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حسم بقوله سدوا
عني كل خوخة في المسجد أطماع الناس كلهم عن أن يكونوا خلفاء بعده وقوى بعضهم ذلك بأن
منزل أبي بكر كان بالسنح من عوالي المدينة كما سيأتي قريبا بعد باب فلا يكون له خوخة إلى
المسجد وهذا الاسناد ضعيف لأنه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح ان لا يكون له دار مجاورة
للمسجد ومنزله الذي كان بالسنح هو منزل أصهاره من الأنصار وقد كان له إذ ذاك زوجة أخرى
وهي أسماء بنت عميس بالاتفاق وأم رومان على القول بأنها كانت باقية يومئذ وقد تعقب المحب
الطبري كلام ابن حبان فقال وقد ذكر عمر ابن شبة في أخبار المدينة ان دار أبي بكر التي اذن له
في ابقاء الخوخة منها إلى المسجد كانت ملاصقة للمسجد ولم تزل بيد أبي بكر حتى احتاج إلى شئ
يعطيه لبعض من وفد عليه فباعها فاشترتها منه حفصة أم المؤمنين بأربعة آلاف درهم فلم تزل
بيدها إلى أن أرادوا توسيع المسجد في خلافة عثمان فطلبوها منها ليوسعوا بها المسجد
فامتنعت وقالت كيف بطريقي إلى المسجد فقيل لها نعطيك دارا أوسع منها ونجعل لك طريقا
مثلها فسلمت ورضيت (قوله الا باب أبي بكر) زاد الطبراني من حديث معاوية في آخر هذا
الحديث بمعناه فاني رأيت عليه نورا * (تنبيه) * جاء في سد الأبواب التي حول المسجد أحاديث
يخالف ظاهرها حديث الباب منها حديث سعد بن أبي وقاص قال أمرنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي أخرجه أحمد والنسائي وإسناده قوي
وفي رواية للطبراني في الأوسط رجالها ثقات من الزيادة فقالوا يا رسول الله سددت أبوابنا فقال
ما انا سددتها ولكن الله سدها وعن زيد بن أرقم قال كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة
12

في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سدوا هذه الأبواب الا باب علي فتكلم ناس في ذلك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن أمرت بشئ فاتبعته
أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات وعن ابن عباس قال أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم بأبواب المسجد فسدت الا باب علي وفي رواية وأمر بسد الأبواب غير باب علي
فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره أخرجهما أحمد والنسائي ورجالهما ثقات
وعن جابر بن سمرة قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب كلها غير باب علي فربما
مر فيه وهو جنب أخرجه الطبراني وعن ابن عمر قال كنا نقول في زمن رسول الله صلى الله عليه
وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر ولقد أعطى علي بن أبي طالب
ثلاث خصال لان يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم زوجه رسول الله صلى الله
عليه وسلم ابنته وولدت له وسد الأبواب الا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر أخرجه أحمد
وإسناده حسن واخرج النسائي من طريق العلاء بن عرار بمهملات قال فقلت لابن عمر
أخبرني عن علي وعثمان فذكر الحديث وفيه وأما علي فلا تسأل عنه أحدا وانظر إلى منزلته
من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه ورجاله رجال الصحيح الا العلاء
وقد وثقه يحيى بن معين وغيره وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا وكل طريق منها صالح
للاحتجاج فضلا عن مجموعها وقد اورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات وأخرجه
من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصرا على بعض طرقه عنهم وأعله ببعض
من تكلم فيه من رواته وليس ذلك بقادح لما ذكرت من كثرة الطرق وأعله أيضا بأنه مخالف
للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر وزعم أنه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح
في باب أبي بكر انتهى وأخطأ في ذلك خطأ شنيعا فإنه سلك في ذلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه
المعارضة مع أن الجمع بين القصتين ممكن وقد أشار إلى ذلك البزار في مسنده فقال ورد من روايات
أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي وورد من روايات أهل المدينة في قصة أبي بكر فان ثبتت
روايات أهل الكوفة فالجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري يعني الذي أخرجه
الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لاحد ان يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك
والمعنى ان باب علي كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره فلذلك لم يؤمر بسده ويؤيد
ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في احكام القران من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب ان
النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لاحد ان يمر في المسجد وهو جنب الا لعلي بن أبي طالب لان بيته
كان في المسجد ومحصل الجمع ان الامر بسد الأبواب وقع مرتين ففي الأولى استثنى علي لما ذكره
وفي الأخرى استثنى أبو بكر ولكن لا يتم ذلك الا بان يحمل ما في قصة علي على الباب الحقيقي وما
في قصة أبي بكر على الباب المجازي والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه وكأنهم لما أمروا
بسد الأبواب سدوها وأحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلى المسجد منها فأمروا بعد ذلك بسدها
فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين وبها جمع بين الحديثين المذكورين أبو جعفر
الطحاوي في مشكل الآثار وهو في أوائل الثلث الثالث منه وأبو بكر الكلاباذي في معاني الأخبار
وصرح بان بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد وخوخة إلى داخل المسجد وبيت
13

علي لم يكن له باب الا من داخل المسجد والله أعلم وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم
فضيلة ظاهرة لأبي بكر الصديق وانه كان متأهلا لان يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم خليلا لولا
المانع المتقدم ذكره ويؤخذ منه ان للخليل صفة خاصة تقتضي عدم المشاركة فيها وان المساجد
تصان عن التطرق إليها لغير ضرورة مهمة والإشارة بالعلم الخاص دون التصريح لاثارة
افهام السامعين وتفاوت العلماء في الفهم وان من كان ارفع في الفهم استحق ان يطلق عليه اعلم
وفيه الترغيب في اختيار ما في الآخرة على ما في الدنيا وفيه شكر المحسن والتنويه بفضله والثناء عليه
وقال ابن بطال فيه ان المرشح للامامة يخص بكرامة تدل عليه كما وقع في حق الصديق في هذه
القصة (قوله باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم) أي في رتبة الفضل
وليس المراد البعدية الزمانية فان فضل أبي بكر كان ثابتا في حياته صلى الله عليه وسلم كما دل عليه
حديث الباب (قوله حدثنا سليمان) هو ابن بلال ويحي بن سعيد هو الأنصاري والاسناد
كله مدنيون (قوله كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي نقول فلان
خير من فلان إلى آخره وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع الآتية في مناقب عثمان كنا لا نعدل
بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم
وقوله لا نعدل بابي بكر أي لا نجعل له مثلا وقوله ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يأتي الكلام فيه ولأبي داود من طريق سالم عن ابن عمر كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم
بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان زاد الطبراني في رواية
فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره وروى خيثمة بن سليمان في فضائل الصحابة
من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن ابن عمر كنا نقول إذا ذهب أبو بكر وعمر وعثمان استوى
الناس فيسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق ابن
أبي أويس عن سليمان بن بلال في حديث الباب دون اخره وفي الحديث تقديم عثمان بعد أبي بكر
وعمر كما هو المشهور عند جمهور أهل السنة وذهب بعض السلف إلى تقديم علي على عثمان وممن
قال به سفيان الثوري ويقال انه رجع عنه وقال به ابن خزيمة وطائفة قبله وبعده وقيل لا يفضل
أحدهما على الاخر قاله مالك في المدونة وتبعه جماعة منهم يحيى القطان ومن المتأخرين ابن
حزم وحديث الباب حجة للجمهور وقد طعن فيه بن عبد البر واستند إلى ما حكاه عن هارون بن
إسحاق قال سمعت ابن معين يقول من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقيته
فهو صاحب سنة قال فذكرت له من يقول أبو بكر وعمر وعثمان ويسكتون فتكلم فيهم بكلام
غليظ وتعقب بان ابن معين أنكر رأي قوم وهم العثمانية الذين يغالون في حب عثمان وينتقصون
عليا ولا شك في أن من اقتصر على ذلك ولم يعرف لعلي بن أبي طالب فضله فهو مذموم وادعى ابن
عبد البر أيضا ان هذا الحديث خلاف قول أهل السنة ان عليا أفضل الناس بعد الثلاثة فإنهم
اجمعوا على أن عليا أفضل الخلق بعد الثلاثة ودل هذا الاجماع على أن حديث ابن عمر غلط وإن كان
السند إليه صحيحا وتعقب أيضا بأنه لا يلزم من سكوتهم إذ ذاك عن تفضيله عدم تفضيله
على الدوام وبان الاجماع المذكور انما حدث بعد الزمن الذي قيده ابن عمر فيخرج حديثه عن
أن يكون غلطا والذي أظن أن ابن عبد البر انما أنكر الزيادة التي وقعت في رواية عبيد الله بن عمر
14

وهي قول ابن عمر ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخرها لكن لم ينفرد بها نافع فقد
تابعه بن الماجشون أخرجه خيثمة من طريق يوسف بن الماجشون عن أبيه عن ابن عمر كنا نقول
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان ثم ندع أصحاب رسول صلى الله
عليه وسلم فلا نفاضل بينهم ومع ذلك فلا يلزم من تركهم التفاضل إذ ذاك ان لا يكونوا اعتقدوا
بعد ذلك تفضيل علي على من سواه والله أعلم وقد اعترف ابن عمر بتقديم علي على غيره كما تقدم في
حديثه الذي اوردته في الباب الذي قبله وقد جاء في بعض الطرق في حديث ابن عمر تقييد الخيرية
المذكورة والأفضلية بما يتعلق بالخلافة وذلك فيما أخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن يسار عن
سالم عن ابن عمر قال إنكم لتعلمون انا كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر
وعثمان يعين في الخلافة كذا في أصل الحديث ومن طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر كنا نقول
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يكون أولى الناس بهذا الامر فنقول أبو بكر ثم عمر
وذهب قوم إلى أن أفضل الصحابة من استشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعين بعضهم منهم
جعفر بن أبي طالب ومنهم من ذهب إلى العباس وهو قول مرغوب عنه ليس قائله من أهل السنة
بل ولا من أهل الايمان ومنهم من قال أفضلهم مطلقا عمر متمسكا بالحديث الآتي في ترجمته في المنام
الذي فيه في حق أبي بكر وفي نزعه ضعف وهو تمسك واه ونقل البيهقي في الاعتقاد بسنده إلى أبي
ثور عن الشافعي أنه قال أجمع الصحابة واتباعهم على أفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي (قوله
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا قاله أبو سعيد) يشير إلى حديثه
السابق قبل بباب ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث الحديث الأول حديث أبي سعيد المذكور
الحديث الثاني حديث ابن عباس أخرجه من طرق ثلاثة الأولى (قوله لو كنت متخذا خليلا)
زاد في حديث أبي سعيد غير ربي وفي حديث ابن مسعود عند مسلم وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا
وقد تواردت هذه الأحاديث على نفي الخلة من النبي صلى الله عليه وسلم لاحد من الناس واما
ما روي عن أبي بن كعب قال إن أحدث عهدي بنبيكم قبل موته بخمس دخلت عليه وهو يقول إنه
لم يكن نبي الا وقد اتخذ من أمته خليلا وان خليلي أبو بكر الا وان الله اتخذني خليلا كما اتخذ
إبراهيم خليلا أخرجه أبو الحسن الحربي في فوائده وهذا يعارضه ما في رواية جندب عند مسلم
كما قدمته انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل ان يموت بخمس اني أبرأ إلى الله ان يكون لي
منكم خليل فان ثبت حديث أبي أمكن ان يجمع بينهما بأنه لما برئ من ذلك تواضعا لربه وإعظاما
له اذن الله تعالى له فيه من ذلك اليوم لما رأى من تشوفه إليه واكراما لأبي بكر بذلك فلا يتنافى
الخبران أشار إلى ذلك المحب الطبري وقد روى من حديث أبي أمامة نحو حديث أبي بن كعب
دون التقييد بالخمس أخرجه الواحدي في تفسيره والخبران واهيان والله أعلم (قوله ولكن أخي
وصاحبي) في رواية خيثمة في فضائل الصحابة عن أحمد بن الأسود عن مسلم بن إبراهيم وهو شيخ
البخاري فيه ولكنه أخي وصاحبي في الله تعالى وفي الرواية التي بعدها ولكن اخوة الاسلام
أفضل وقد تقدم توجيهها قبل باب وقوله في الرواية الثانية حدثنا معلى بن أسد وموسى بن
إسماعيل التبوذكي كذا للأكثر وهو الصواب ووقع في رواية أبي ذر وحده التنوخي وهو تصحيف
وقد تقدم تفسير الخليل في ترجمة إبراهيم عليه السلام من أحاديث الأنبياء واختلف في المودة
15

والخلة والمحبة والصداقة هل هي مترادفة أو مختلفة قال أهل اللغة الخلة الصداقة والمودة
ويقال الخلة أرفع رتبة وهو الذي يشعر به حديث الباب وكذا قوله عليه السلام لو كنت متخذا
خليلا غير ربي فإنه يشعر بأنه لم يكن له خليل من بني آدم وقد ثبتت محبته لجماعة من أصحابه كأبي
بكر وفاطمة وعائشة والحسنين وغيرهم ولا يعكر على هذا اتصاف إبراهيم عليه السلام بالخلة
ومحمد صلى الله عليه وسلم بالمحبة فتكون المحبة ارفع رتبة من الخلة لأنه يجاب عن ذلك بان محمدا
صلى الله عليه وسلم قد ثبت له الأمران معا فيكون رجحانه من الجهتين والله أعلم وقال الزمخشري
الخليل هو الذي يوافقك في خلالك ويسايرك في طريقك أو الذي يسد خلك وتسد خلله أو
يداخلك خلال منزلك انتهى وكأنه جوز ان يكون اشتقاقه مما ذكر وقيل أصل الخلة انقطاع الخليل
إلى خليله وقيل الخليل من يتخلله سرك وقيل من لا يسع قلبه غيرك وقيل أصل الخلة الاستصفاء
وقيل المختص بالمودة وقيل اشتقاق الخليل من الخلة بفتح الخاء وهي الحاجة فعلى هذا فهو المحتاج
إلى من يخاله وهذا كله بالنسبة إلى الانسان اما خلة الله للعبد فبمعنى نصره له ومعاونته الحديث الثالث حديث
ابن الزبير في المعنى وسيأتي الكلام على ما يتعلق منه بالجد في كتاب الفرائض إن شاء الله
تعالى والمراد بقوله كتب أهل الكوفة بعض أهلها وهو عبد الله بن عتبة بن مسعود
وكان بن الزبير جعله على قضاء الكوفة أخرجه أحمد من طريق سعيد بن جبير قال كنت عند
عبد الله بن عتبة وكان بن الزبير جعله على القضاء فجاءه كتابه كتبت تسألني عن الجد فذكر نحوه
وزاد بعد قوله لاتخذت أبا بكر ولكنه أخي في الدين وصاحبي في الغار ووقع في رواية أحمد من
طريق بن جريج عن ابن أبي مليكة في هذا الحديث لو كنت متخذا خليلا سوى الله حتى ألقاه
* الحديث الرابع حديث محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه (قوله أتت امرأة) لم اقف على اسمها
(قوله أرأيت) أي أخبرني (قوله إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت) في رواية يزيد بن
هارون عن إبراهيم بن سعد البلاذري قالت فان رجعت فلم أجدك تعرض بالموت وكذا عند
الإسماعيلي من طريق ابن معمر عن إبراهيم وهو يقوي جزم القاضي عياض انه كلام جيد
وفي رواية الحميدي الآتي ذكرها في الاحكام كأنها تعني الموت ومرادها ان جئت فوجدتك
قدمت ماذا اعمل واختلف في تعيين قائل كأنها فجزم عياض بأنه جبير بن مطعم راوي الحديث
وهو الظاهر ويحتمل من دونه وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال قلنا يا رسول
الله إلى من ندفع صدقات أموالنا بعدك قال إلى أبي بكر الصديق وهذا لو ثبت كان أصرح في
حديث الباب من الإشارة إلى أنه الخليفة بعده لكن إسناده ضعيف وروى الإسماعيلي في
معجمه من حديث سهل بن أبي خيثمة قال بايع النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا فسأله ان اتى عليه
أجله من يقضيه فقال أبو بكر ثم سأله من يقضيه بعده قال عمر الحديث وأخرجه الطبراني في
الأوسط من هذا الوجه مختصرا وفي الحديث ان مواعيد النبي صلى الله عليه وسلم كانت على من
يتولى الخلافة بعده تنجيزها وفيه رد على الشيعة في زعمهم انه نص على استخلاف علي والعباس
وسيأتي شيء من ذلك في باب الاستخلاف من كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى * الحديث الخامس
(قوله حدثنا أحمد بن أبي الطيب) هو المروزي بغدادي الأصل يكنى أبا سلمان واسم أبيه
سليمان وصفه أبو زرعة بالحفظ وضعفه أبو حاتم وليس له في البخاري غير هذا الحديث وقد
16

أخرجه من رواية غيره كما سيأتي في باب إسلام أبي بكر (قوله حدثنا إسماعيل بن مجالد) بالجيم هو
الكوفي قواه يحيى بن معين وجماعة ولينه بعضهم وليس له عند البخاري أيضا غير هذا الحديث
ووبرة بفتح الواو والموحدة تابعي صغير (قوله عن همام) هو ابن الحرث وعند الإسماعيلي من
طريق جهور بن منصور عن إسماعيل سمعت همام بن الحرث وهو من كبار التابعين وعمار هو
ابن ياسر والاسناد من إسماعيل فصاعدا كوفيون (قوله وما معه) أي ممن أسلم (قوله الأخمسة
أعبد وامرأتان وأبو بكر) اما الأعبد فهم بلال وزيد بن حارثة وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر فإنه
أسلم قديما مع أبي بكر وروى الطبراني من طريق عروة انه كان ممن كان يعذب في الله فاشتراه
أبو بكر واعتقه وأبو فكيهة مولى صفوان بن أمية بن خلف ذكر بن إسحاق انه أسلم حين أسلم بلال
فعذبه أمية فاشتراه أبو بكر فأعتقه واما الخامس فيحتمل ان يفسر بشقران فقد ذكر بن
السكن في كتاب الصحابة عن عبد الله بن داود ان النبي صلى الله عليه وسلم ورثه من أبيه هو وأم
أيمن وذكر بعض شيوخنا بدل أبي فكيهة عمار بن ياسر وهو محتمل وكان ينبغي ان يكون منهم
أبوه وأمه فان الثلاثة كانوا ممن يعذب في الله وأمه أول من استشهدت في الاسلام طعنها أبو جهل
في قبلها بحربة فماتت واما المراتان فخديجة والاخرى أم أيمن أو سمية وذكر بعض شيوخنا تبعا
الدمياطي انها أم الفضل زوج العباس وليس بواضح لأنها وإن كانت قديمة الاسلام الا انها لم
تذكر في السابقين ولو كان كما قال لعد أبو رافع مولى العباس لأنه أسلم حين أسلمت أم الفضل كذا
عند ابن إسحاق وفي هذا الحديث ان أبا بكر أول من أسلم من الأحرار مطلقا ولكن مراد عمار
بذلك ممن أظهر إسلامه والا فقد كان حينئذ جماعة ممن أسلم لكنهم كانوا يخفونه من أقاربهم
وسيأتي قول سعد انه كان ثلث الاسلام وذلك بالنسبة إلى من اطلع على إسلامه ممن سبق إسلامه
* الحديث السادس (قوله حدثنا زيد بن واقد) هو الدمشقي ثقة قليل الحديث وليس له في
البخاري غير هذا الحديث الواحد وكلهم دمشقيون وبسر بضم الموحدة وبالمهملة (قوله
عن بسر بن عبيد الله) في رواية عبد الله بن العلاء بن زيد عند المصنف في التفسير حدثني بسر بن
عبيد الله حدثني أبو إدريس سألت أبا الدرداء (قوله اما صاحبكم) في رواية الكشميهني اما
صاحبك بالافراد (قوله فقد غامر) بالغين المعجمة أي خاصم والمعنى دخل في غمرة الخصومة
والغامر الذي يرمي بنفسه في الامر العظيم كالحرب وغيره وقيل هو من الغمر بكسر المعجمة وهو
الحقد أي صنع أمرا اقتضى له ان يحقد على من صنعه معه ويحقد الاخر عليه ووقع في تفسير
الأعراف في رواية أبي ذر وحده قال أبو عبد الله هو المصنف غامر أي سبق بالخير وذكر عياض
انه في رواية المستملي وحده عن أبي ذر وهو تفسير مستغرب والأول أظهر وقد عزاه المحب الطبري
لأبي عبيدة بن المثنى أيضا فهو سلف البخاري فيه وقسيم قوله اما صاحبكم محذوف أي وأما غيره
فلا (قوله فسلم) بتشديد اللام من السلام ووقع في رواية محمد بن المبارك عن صدقة بن خالد عند
أبي نعيم في الحلية حتى سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقع في الحديث ذكر الرد وهو مما يحذف
للعلم به (قوله كان بيني وبين ابن الخطاب شئ) في الرواية التي في التفسير محاورة وهو بالحاء المهملة
أي مراجعة وفي حديث أبي أمامة عند أبي يعلى معاتبة وفي لفظ مقاولة (قوله فأسرعت إليه)
في التفسير فاغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه مغضبا فاتبعه أبو بكر (قوله ثم ندمت) زاد محمد
17

ابن المبارك على ما كان (قوله فسألته ان يغفر لي) في الرواية التي في التفسير ان يستغفر لي فلم
يفعل حتى أغلق بابه في وجهه (قوله فأبى علي) زاد محمد بن المبارك فتبعته إلى البقيع حتى خرج
من داره وللإسماعيلي عن الهسنجاني عن هشام بن عمار وتحرز مني بداره وفي حديث أبي أمامة
فاعتذر أبو بكر إلى عمر فلم يقبل منه (قوله يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا) أي أعاد هذه الكلمة ثلاث
مرات (قوله يتمعر) بالعين المهملة المشددة أي تذهب نضارته من الغضب واصله من العر وهو
الجرب يقال أمعر المكان إذا أجرب وفي بعض النسخ يتمغر بالغين المعجمة أي يحمر من الغضب
فصار كالذي صبغ بالمغرة وللمؤلف في التفسير وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي
حديث أبي أمامة عند أبي يعلى في نحو هذه القصة فجلس عمر فاعرض عنه أي النبي صلى الله عليه
وسلم ثم تحول فجلس إلى الجانب الآخر فاعرض عنه ثم قام فجلس بين يديه فاعرض عنه فقال
يا رسول الله ما أرى اعراضك الا لشئ بلغك عني فما خير حياتي وأنت معرض عني فقال أنت الذي
اعتذر إليك أبو بكر فلم تقبل منه ووقع في حديث بن عمر عند الطبراني في نحو هذه القصة
يسألك أخوك ان تستغفر له فلا تفعل فقال والذي بعثك بالحق ما من مرة يسألني الا وانا استغفر
له وما خلق الله من أحد أحب إلي منه بعدك فقال أبو بكر وانا والذي بعثك بالحق كذلك (قوله
حتى أشفق أبو بكر) زاد محمد بن المبارك ان يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر ما يكره
(قوله فجثا) بالجيم والمثلثة أي برك (قوله والله انا كنت أظلم) في القصة المذكورة
وانما قال ذلك لأنه الذي بدا كما تقدم في أول القصة (قوله مرتين) أي قال ذلك القول مرتين
ويحتمل انه من قول أبي بكر فيكون معلقا بقوله كنت أظلم (قوله وواساني) في رواية الكشميهني
وحده واساني والأول أوجه وهو من المواساة وهي بلفظ المفاعلة من الجانبين والمراد به
ان صاحب المال يجعل يده ويد صاحبه في ماله سواء (قوله تاركو لي) صاحبي في التفسير
تاركون لي صاحبي وهي الموجهة حتى قال أبو البقاء ان حذف النون من خطا الرواة لان
الكلمة ليست مضافة ولا فيها الف ولام وانما يجوز الحذف في هذين الموضعين ووجهها
غيره بوجهين أحدهما ان يكون صاحبي مضافا وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار
والمجرور عناية بتقديم لفظ الإضافة وفي ذلك جمع بين إضافتين إلى نفسه تعظيما للصديق
ونظيره قراءة ابن عامر وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم بنصب أولادهم
وخفض شركائهم وفصل بين المتضافين بالمفعول والثاني ان يكون استطال الكلام
فحذف النون كما يحذف من الموصول المطول ومنه ما ذكروه في قوله تعالى وخضتم كالذي
خاضوا (قوله مرتين) أي قال ذلك القول مرتين وفي رواية محمد بن المبارك ثلاث مرات
(قوله فما اوذي بعدها) أي لما أظهره النبي صلى الله عليه وسلم لهم من تعظيمه ولم أرى هذه
الزيادة من غير رواية هشام بن عمار ووقع لأبي بكر مع ربيعة بن جعفر قصة نحو هذه
فاخرج أحمد من حديث ربيعة ان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه أرضا وأعطى أبا بكر أرضا قال
فاختلفا في عذق نخلة فقلت انا هي في حدي وقال أبو بكر هي في حدي فكان بيننا كلام فقال
له أبو بكر كلمة ثم ندم فقال رد علي مثلها حتى يكون قصاصا فأبيت فاتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال مالك وللصديق فذكر القصة فقال أجل فلا ترد عليه ولكن قل غفر الله لك يا أبا بكر فقلت
18

فولى أبو بكر وهو يبكي وفي الحديث من الفوائد فضل أبي بكر على جميع الصحابة وان الفاضل
لا ينبغي له ان يغاضب من هو أفضل منه وفيه جواز مدح المرء في وجهه ومحله إذا امن عليه
الافتتان والاغترار وفيه ما طبع عليه الانسان من البشرية حتى يحمله الغضب على ارتكاب
خلاف الأولى لكن الفاضل في الدين يسرع الرجوع إلى الأولى كقوله تعالى ان الذين اتقوا إذا
مسهم طيف من الشيطان تذكروا وفيه ان غير النبي ولو بلغ من الفضل الغاية ليس بمعصوم
وفيه استحباب سؤال الاستغفار والتحلل من المظلوم وفيه ان من غضب على صاحبه نسبه إلى
أبيه أو جده ولم يسمه باسمه وذلك من قول أبي بكر لما جاء وهو غضبان من عمر كان بيني وبين ابن
الخطاب فلم يذكره باسمه ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم الا إذا كان بن أبي طالب يريد ان ينكح
ابنتهم وفيه ان الركبة ليست عورة * الحديث السابع (قوله خالد الحذاء حدثنا) هو من تقديم
الاسم على الصفة وقد استعملوه كثيرا والاسناد كله بصريون الا الصحابي وأبو عثمان هو النهدي
(قوله بعثه على جيش ذات السلاسل) بالمهملتين والمشهور انها بفتح الأولى على لفظ جمع
السلسلة وضبطه كذلك أبو عبيد البكري قيل سمي المكان بذلك لأنه كان به رمل بعضه على بعض
كالسلسلة وضبطها ابن الأثير بالضم وقال هو بمعنى السلسال أي السهل وسيأتي شرحها
وتسميتها في المغازي إن شاء الله تعالى (قوله أي الناس أحب إليك) زاد في رواية قيس بن أبي
حازم عن عمرو بن العاص يا رسول الله فأحبه أخرجه ابن عساكر من طريق علي بن مسهر
عن
إسماعيل عن قيس وقع عند ابن سعد سبب هذا السؤال وانه وقع في نفس عمر لما أمره النبي صلى الله
عليه وسلم على الجيش وفيهم أبو بكر وعمر انه مقدم عنده في المنزلة عليهم فسأله لذلك (قوله فقلت
من الرجال في رواية قيس بن أبي حازم عن عمرو عند ابن خزيمة وابن حبان قلت اني لست أعني
النساء اني أعني الرجال وفي حديث أنس عند ابن حبان أيضا سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
من أحب الناس إليك قال عائشة قيل له ليس عن أهلك نسالك وعرف بحديث عمر اسم السائل في
حديث أنس (قوله فقلت ثم من قال ثم عمر بن الخطاب فعد رجالا) زاد في المغازي من وجه آخر
فسكت مخافة ان يجعلني في آخرهم ووقع في حديث عبد الله بن شقيق قال قلت لعائشة أي
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه قالت أبو بكر قلت ثم من قالت عمر قلت ثم
من قالت أبو عبيدة بن الجراح قلت ثم من فسكتت أخرجه الترمذي وصححه فيمكن ان يفسر
بعض الرجال الذين أبهموا في حديث الباب بابي عبيدة وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي بسند
صحيح عن النعمان بن بشير قال استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة
عاليا وهي تقول والله لقد علمت أن عليا أحب إليك من أبي الحديث فيكون عليا ممن أبهمه
عمرو بن العاص أيضا وهو وإن كان في الظاهر يعارض حديث عمر ولكن يرجح حديث عمرو انه
من قول النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من تقريره ويمكن الجمع باختلاف جهة المحبة فيكون في
حق أبي بكر على عمومه بخلاف علي ويصح حينئذ دخوله فيمن أبهمه عمرو ومعاذ الله ان تقول
كما تقول الرافضة من إبهام عمرو فيما روى لما كان بينه وبين علي رضي الله عنهما فقد كان
النعمان مع معاوية على علي ولم يمنعه ذلك من التحديث بمنقبة علي ولا ارتياب في أن عمرا أفضل
من النعمان والله أعلم * الحديث الثامن حديث أبي هريرة في قصة الذئب الذي كلم الراعي وفي
19

قصة البقرة التي كلمت من حملها وقد تقدم الكلام على ما في إسناده في ذكر بني إسرائيل (قوله
بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب) * الحديث لم اقف على اسم هذا الراعي وقد اورد المصنف
الحديث في ذكر بني إسرائيل وهو مشعر بأنه عنده ممن كان قبل الاسلام وقد وقع كلام الذئب
لبعض الصحابة في نحو هذه القصة فروى أبو نعيم في الدلائل من طريق ربيعة بن أوس عن أنيس
ابن عمرو عن أهبان بن أوس قال كنت في غنم لي فشد الذئب على شاة منها فصحت عليه فأقعى الذئب
على ذنبه يخاطبني وقال من لها يوم تشتغل عنها تمنعني رزقا رزقنيه الله تعالى فصفقت بيدي
وقلت والله ما رأيت شيئا أعجب من هذا فقال أعجب من هذا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
هذه النخلات يدعو إلى الله قال فأتى أهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره واسلم فيحتمل ان
يكون أهبان لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان أبو بكر وعمر حاضرين ثم أخبر النبي
صلى الله عليه وسلم بذلك وأبو بكر وعمر غائبين فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فاني أومن
بذلك وأبو بكر وعمر وقد تقدمت هذه الزيادة في هذه القصة من وجه آخر عن أبي سلمة في المزارعة
وفيه قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ويحتمل
ان يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق ايمانهما وقوة يقينهما وهذا
أليق بدخوله في مناقبهما (قوله يوم السبع) قال عياض يجوز ضم الموحدة وسكونها
الا ان الرواية بالضم وقال الحربي هو بالضم والسكون وجزم بان المراد به الحيوان المعروف
وقال بن العربي هو بالاسكان والضم تصحيف كذا قال وقال ابن الجوزي هو بالسكون
والمحدثون يروونه بالضم وعلى هذا أي الضم فالمعنى إذا أخذها السبع لم يقدر على خلاصها منه
فلا يرعاها حينئذ غيري أي انك تهرب منه وأكون انا قريبا منه ارعى ما يفضل لي منها وقال
الداودي معناه من لها يوم يطرقها السبع أي الأسد فتفر أنت منه فيأخذ منها حاجته وأتخلف
انا لا راعي لها حينئذ غيري وقيل انما يكون ذلك عند الاشتغال بالفتن فتصير الغنم هملا فتنهبها
السباع فيصير الذئب كالراعي لها لانفراده بها واما بالسكون فاختلف في المراد به فقيل هو اسم
الموضع الذي يقع فيه الحشر يوم القيامة وهذا نقله الأزهري في تهذيب اللغة عن ابن الأعرابي
ويؤيده انه وقع في بعض طرقه عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة يوم
القيامة وقد تعقب هذا بان الذئب حينئذ لا يكون راعيا للغنم ولا تعلق له بها وقيل هو اسم يوم
عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه باللهو واللعب فيغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب
من الغنم وانما قال ليس لها راع غيري مبالغة في تمكنه منها وهذا نقله الإسماعيلي عن أبي
عبيدة وقيل هو من سبعت الرجل إذا ذعرته أي من لها يوم الفزع أو من أسبعته إذا أهملته أي
من لها يوم الاهمال قال الأصمعي السبع الهمل وأسبع الرجل اغنامه إذا تركها تصنع
ما تشاء ورجح هذا القول النووي وقيل يوم الاكل يقال سبع الذئب الشاة إذا اكلها وحكى
صاحب المطالع انه روي بسكون التحتانية آخر الحروف وفسره بيوم الضياع يقال أسبعت
وأضيعت بمعنى وهذا نقله ابن دحية عن إسماعيل القاضي عن علي بن المديني عن معمر بن المثنى
وقيل المراد بيوم السبع يوم الشدة كما روي عن ابن عباس انه سئل عن مسألة فقال أجرأ من
سبع يريد انها من المسائل الشداد التي يشتد فيها الخطب على المفتي والله أعلم (قوله وبينما رجل
20

يسوق بقرة) تقدم الكلام عليه في المزارعة ووقع عند ابن حبان من طريق محمد بن عمر وعن أبي
سلمة عن أبي هريرة في آخره في القصتين فقال الناس آمنا بما آمن به رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث جواز التعجب من خوارق العادات وتفاوت الناس في المعارف * الحديث التاسع
حديث أبي هريرة في رؤيا النزع من القليب وسيأتي شرحه في التعبير إن شاء الله تعالى * الحديث
العاشر حديث ابن عمر في الزجر عن جر الثوب خيلاء وسيأتي شرحه في كتاب اللباس وفيه فضيلة
ظاهرة لأبي بكر لشحه على دينه ولشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بما ينافي ما يكره (قوله فقلت
لسالم هو مقول موسى بن عقبة وسيأتي هناك الإشارة إلى تسوية ابن عمر بين الثوب والإزار
في الحكم * الحديث الحادي عشر حديث أبي هريرة فيمن أنفق زوجين أي شيئين (قوله من شئ
من الأشياء أي من أصناف المال (وقوله في سبيل الله) أي في طلب ثواب الله وهو أعم من الجهاد
وغيره من العبادات (قوله دعي من أبواب يعني الجنة) كذا وقع هنا وكأن لفظة الجنة سقطت
من بعض الرواة فلأجل مراعاة المحافظة على اللفظ زاد يعني وقد تقدم في الصيام من وجه آخر
عن الزهري بلفظ من أبواب الجنة بغير تردد ومعنى الحديث ان كل عامل يدعى من باب ذلك
العمل وقد جاء ذلك صريحا من وجه آخر عن أبي هريرة لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى
منه بذلك العمل أخرجه أحمد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح (قوله يا عبد الله هذا خير) لفظ خير
بمعنى فاضل لا بمعنى أفضل وإن كان اللفظ قد يوهم ذلك ففائدته زيادة ترغيب السامع في طلب
الدخول من ذلك الباب وتقدم في أوائل الجهاد بيان الداعي من وجه آخر عن أبي هريرة
ولفظه دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب أي خزنة كل باب أي فل هلم ولفظة فل لغة في فلان وهي
بالضم وكذا ثبت في الرواية وقيل إنها ترخيمها فعلى هذا فتفتح اللام (قوله فمن كان من أهل
الصلاة دعي من باب الصلاة) وقع في الحديث ذكر أربعة أبواب من أبواب الجنة وتقدم في
أوائل الجهاد وان أبواب الجنة ثمانية وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك واما الثلاثة
الأخرى فمنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس رواه أحمد بن حنبل عن روح بن عبادة عن
أشعث عن الحسن مرسلا ان لله بابا في الجنة لا يدخله الا من عفا عن مظلمة ومنها الباب الأيمن وهو
باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب واما الثالث فلعله باب الذكر فان
عند الترمذي ما يومئ إليه ويحتمل ان يكون باب العلم والله أعلم ويحتمل ان يكون المراد بالأبواب
التي يدعى منها أبواب من داخل أبواب الجنة الأصلية لان الأعمال الصالحة أكثر عددا من ثمانية
والله أعلم (قوله فقال أبو بكر ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة) زاد في الصيام
فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها وفي الحديث اشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب كلها
وفيه إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة لا واجباتها لكثرة من يجتمع له العمل
بالواجبات كلها بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوعات ثم من يجتمع
21

له ذلك انما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له والا فدخوله انما يكون من باب واحد
ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه والله أعلم واما ما أخرجه مسلم عن عمر من توضأ ثم قال
اشهد ان لا إله إلا الله الحديث وفيه فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء فلا ينافي ما تقدم
وإن كان ظاهره انه يعارضه لأنه يحمل على انها تفتح له على سبيل التكريم ثم عند دخوله لا يدخل
الا من باب العمل الذي يكون أغلب عليه كما تقدم والله أعلم * (تنبيه) * الانفاق في الصلاة
والجهاد والعلم والحج ظاهر واما الانفاق في غيرها فمشكل ويمكن ان يكون المراد بالانفاق في
الصلاة فيما يتعلق بوسائلها من تحصيل آلاتها من طهارة وتطهير ثوب وبدن ومكان والانفاق
في الصيام بما يقويه على فعله وخلوص القصد فيه والانفاق في العفو عن الناس يمكن ان
يقع بترك ما يجب له من حق والانفاق في التوكل بما ينفقه على نفسه في مرضه المانع له من
التصرف في طلب المعاش مع الصبر على المصيبة أو ينفق على من أصابه مثل ذلك طلبا للثواب
والانفاق في الذكر على نحو من ذلك والله أعلم وقيل المراد بالانفاق في الصلاة والصيام بذل
النفس والبدن فيهما فان العرب تسمي ما يبذله المرء من نفسه نفقة كما يقال أنفقت في طلب العلم
عمري وبذلت فيه نفسي وهذا معنى حسن وأبعد من قال المراد بقوله زوجين النفس والمال
لان المال في الصلاة والصيام ونحوهما ليس بظاهر الا بالتأويل المتقدم وكذلك من قال النفقة
في الصيام تقع بتفطير الصائم والانفاق عليه لان ذلك يرجع إلى باب الصدقة (قوله وأرجو أن تكون
منهم) قال العلماء الرجاء من الله ومن نبيه واقع وبهذا التقرير يدخل الحديث في
فضائل أبي بكر ووقع في حديث ابن عباس عند ابن حبان في نحو هذا الحديث التصريح
بالوقوع لأبي بكر ولفظه قال أجل وأنت هو يا أبا بكر وفي الحديث من الفوائد ان من أكثر من شئ
عرف به وان أعمال البر قل ان تجتمع جميعها لشخص واحد على السواء وان الملائكة يحبون
صالحي بني آدم ويفرحون بهم فان الانفاق كل ما كان أكثر كان أفضل وان تمني الخير في الدنيا
والآخرة مطلوب * الحديث الثاني عشر حديث عائشة في الوفاة وقصة السقيفة وسيأتي
ما يتعلق بالوفاة في مكانها في أواخر المغازي واما السقيفة فتتضمن بيعة أبي بكر بالخلافة وقد
أوردها المصنف أيضا من طريق ابن عباس عن عمر في الحدود وذكر شيئا منها في الاحكام من
طريق أنس عن عمر أيضا وأتمها رواية ابن عباس وسأذكر هنا ما فيها من فائدة زائدة (قوله مات
النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بالسنح) تقدم ضبطه في أول الجنائز وانه بسكون النون
وضبطه أبو عبيد البكري بضمها وقال إنه منازل بني الحارث من الخزرج بالعوالي وبينه وبين
المسجد النبوي ميل (قوله قال إسماعيل) هو شيخ المصنف فيه وهو ابن أبي أويس وقوله
يعني بالعالية أراد تفسير قول عائشة بالسنح (قوله ما كان يقع في نفسي الا ذاك) يعني عدم
موته صلى الله عليه وسلم حينئذ وقد ذكر عمر مستنده في ذلك كما سأبينه في موضعه (قوله
لا يذيقك الله الموتتين تقدم شرحه في أوائل الجنائز وقد تمسك به من أنكر الحياة في القبر
وأجيب عن أهل السنة المثبتين لذلك بان المراد نفي الموت اللازم من الذي أثبته عمر بقوله
وليبعثه الله في الدنيا ليقطع أيدي القائلين بموته وليس فيه تعرض لما يقع في البرزخ وأحسن
من هذا الجواب ان يقال إن حياته صلى الله عليه وسلم في القبر لا يعقبها موت بل يستمر حيا
22

والأنبياء احياء في قبورهم ولعل هذا هو الحكمة في تعريف الموتتين حيث قال لا يذيقك الله
الموتتين أي المعروفتين المشهورتين الواقعتين لكل أحد غير الأنبياء واما وقوع الحلف من
عمر على ما ذكره فبناه على ظنه الذي أداه إليه اجتهاده وفيه بيان رجحان علم أبي بكر على عمر فمن
دونه وكذلك رجحانه عليهم لثباته في مثل ذلك الامر العظيم (قوله أيها الحالف على رسلك) بكسر
الراء أي هينتك ولا تستعجل وتقدم في الطريق الذي بالجنائز ان أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس
فقال اجلس فأبي فتشهد أبو بكر فمال الناس إليه وتركوا عمر وقد اعتذر عمر عن ذلك كما سيأتي
في باب الاستخلاف من كتاب الأحكام (قوله فنشج الناس) بفتح النون وكسر المعجمة بعدها جيم
أي بكوا بغير انتحاب والنشج ما يعرض في حلق الباكي من الغصة وقيل هو صوت معه ترجع كما
يردد الصبي بكاءه في صدره (قوله واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة) هو
سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي ثم الساعدي وكان كبير الخزرج في ذلك الوقت وذكر ابن
إسحاق في آخر السيرة ان أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل انحازوا إلى أبي بكر ومن معه وهؤلاء
من الأوس وفي حديث ابن عباس عن عمر تخلفت عنا الأنصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة
فيجمع بأنهم اجتمعوا أولا ثم افترقوا وذلك أن الخزرج والأوس كانوا فريقين وكان بينهم في
الجاهلية من الحروب ما هو مشهور فزال ذلك بالاسلام وبقي من ذلك شئ في النفوس فكأنهم
اجتمعوا أولا فلما رأى أسيد ومن معه من الأوس أبا بكر ومن معه افترقوا من الخزرج ايثارا
لتأمير المهاجرين عليهم دون الخزرج وفيه ان عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر (قوله فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر
ابن الخطاب وأبو عبيدة) في رواية ابن عباس المذكورة فقلت له يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من
الأنصار وزاد أبو يعلى من رواية مالك عن الزهري فيه فبينما نحن في منزل رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا رجل ينادي من وراء الجدار ان اخرج إلي يا ابن الخطاب فقلت إليك عني فانا عنك
مشاغيل يعني بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له انه قد حدث أمر فان الأنصار اجتمعوا
في سقيفة بني ساعدة فأدركوهم قبل ان يحدثوا أمرا يكون فيه حرب فقلت لأبي بكر انطلق فذكره
قال فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فقالا لا عليكم الا تقربوهم واقضوا امركم قال
فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة
وذكر في آخر الحديث عن عروة ان الرجلين اللذين لقياهم هما عويمر بن ساعدة بن عابس بن قيس
ابن النعمان من بني مالك بن عوف ومعن بن عدي بن الجعد بن العجلان حليفهم وهما من الأوس
أيضا وكذا وقعت تسميتهما في رواية ابن عيينة عن الزهري أخرجه الزبير بن بكار (قوله فذهب
عمر يتكلم فاسكته أبو بكر إلى آخره) وفي رواية ابن عباس قال عمر أردت ان أتكلم وقد كنت
زورت أي هيأت وحسنت مقالة أعجبتني أريد ان اقدمها بين يدي أبي بكر وكنت إداري منه
بعض الحد أي الحدة فقال على رسلك فكرهت ان أغضبه (قوله ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ
الناس) بنصب أبلغ على الحال ويجوز الرفع على الفاعلية أي تكلم رجل هذه صفته وقال
السهيلي النصب أوجه ليكون تأكيدا لمدحه وصرف الوهم عن أن يكون أحد موصوفا بذلك
غيره وفي رواية ابن عباس قال قال عمر والله ما ترك كلمة أعجبتني في تزويري الا قالها في بديهته
23

وأفضل حتى سكت (قوله فقال في كلامه) وقع في رواية حميد بن عبد الرحمن بيان ما قاله في
روايته فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئا أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من
شانهم الا ذكره ووقع في رواية ابن عباس بيان بعض ذلك الكلام وهو اما بعد فما ذكرتم من خير
فأنتم أهله ولن تعرف العرب هذا الامر الا لهذا الحي من قريش وهم أوسط العرب نسبا ودارا
وعرف المراد بقوله بعد في هذه الرواية هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا والمراد بالدار
مكة وقال الخطابي أراد بالدار أهل الدار ومنه قوله خير دور الأنصار بنو النجار وقوله أحسابا
الحسب الفعال الحسان مأخوذ من الحساب إذا عدوا مناقبهم فمن كان أكثر كان أعظم حسبا
ويقال النسب للآباء والحسب للأفعال (قوله فقال حباب) بضم المهملة وموحدتين الأولى
خفيفة (ابن المنذر) أي ابن عمرو بن الجموح الخزرجي ثم السلمي بفتحتين وكان يقال له ذو الرأي
(قوله لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير) زاد في رواية ابن عباس أنه قال انا جديلها المحكك
وعذيقها المرجب وشرح هاتين الكلمتين ان العذيق بالذال المعجمة تصغير عذق وهو النخلة
والمرجب بالجيم والموحدة أي يدعم النخلة إذا كثر حملها والجديل بالتصغير أيضا وبالجيم
والجدل عود ينصب للإبل الجرباء لتحتك فيه والمحكك بكافين الأولى مفتوحة فأراد انه يستشفي
برايه ووقع عند ابن سعد من رواية يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد فقام حباب بن المنذر وكان
بدريا فقال منا أمير ومنكم أمير فانا والله ما ننفس عليكم هذا الامر ولكنا نخاف ان يليه أقوام
قتلنا اباءهم واخوتهم قال فقال له عمر إذا كان ذلك فمت ان استطعت قال فتكلم أبو بكر فقال نحن
الامراء وأنتم الوزراء وهذا الامر بيننا وبينكم قال فبايع الناس وأولهم بشر بن سعد والد
النعمان وعند أحمد من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد فقام خطيب الأنصار فقال إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرنه برجل منا فتبايعوا على ذلك فقام زيد
ابن ثابت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وانما الامام من المهاجرين
فنحن أنصار الله كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر جزاكم الله خيرا فبايعوه
ووقع في آخر المغازي لموسى بن عقبة عن ابن شهاب ان أبا بكر قال في خطبته وكنا معشر المهاجرين
أول الناس اسلاما ونحن عشيرته وأقاربه وذوو رحمه ولن تصلح العرب الا برجل من قريش
فالناس لقريش تبع وأنتم إخواننا في كتاب الله وشركاؤنا في دين الله وأحب الناس إلينا وأنتم
أحق الناس بالرضا بقضاء الله والتسليم لفضيلة إخوانكم وان لا تحسدوهم على خير وقال فيه
ان الأنصار قالوا أولا نختار رجلا من المهاجرين وإذا مات اخترنا رجلا من الأنصار فإذا مات
اخترنا رجلا من المهاجرين كذلك ابدا فيكون أجدر ان يشفق القرشي إذا زاغ ان ينقض عليه
الأنصاري وكذلك الأنصاري قال فقال عمر لا والله لا يخالفنا أحد الا قتلناه فقام حباب بن المنذر
فقال كما تقدم وزاد وان شئتم كررناها خدعة أي أعدنا الحرب قال فكثر القول حتى كاد ان
يكون بينهم حرب فوثب عمر فأخذ بيد أبي بكر وعند أحمد من طريق حميد بن عبد الرحمن بن
عوف قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في طائفة من المدينة فذكر الحديث قال
فتكلم أبو بكر فقال والله لقد علمت يا سعد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد قريش
ولاة هذا الامر فقال له سعد صدقت (قوله هم أوسط العرب) أي قريش (قوله فبايعوا عمر بن
24

الخطاب أو أبا عبيدة) في رواية ابن عباس عن عمر وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين وأخذ
بيدي ويد أبي عبيدة فلم أكره مما قال غيرها وقد استشكل قول أبي بكر هذا مع معرفته بأنه الأحق
بالخلافة بقرينة تقديمه في الصلاة وغير ذلك والجواب انه استحي ان يزكي نفسه فيقول مثلا
رضيت لكم نفسي وانضم إلى ذلك أنه علم أن كلا منهما لا يقبل ذلك وقد أفصح عمر بذلك في القصة
وأبو عبيدة بطريق الأولى لأنه دون عمر في الفضل باتفاق أهل السنة ويكفي أبا بكر كونه جعل
الاختيار في ذلك لنفسه فلم ينكر ذلك عليه أحد ففيه إيماء إلى أنه الأحق فظهر انه ليس في كلامه
تصريح بتخليه من الامر (قوله فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم) قد أفرد بعض الرواة هذا القدر من هذا الحديث فأخرجه الترمذي عن
إبراهيم بن سعيد الجوهري عن إسماعيل بن أبي أويس شيخ المصنف فيه بهذا الاسناد ان عمر قال
لأبي بكر أنت سيدنا إلى آخره وأخرجه ابن حبان من هذا الوجه وهو أوضح ما يدخل في هذا
الباب من هذا الحديث (قوله فأخذ عمر بيده فبايعه) في رواية ابن عباس عن عمر قال فكثر اللغط
وارتفعت الأصوات حتى خشينا الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه
المهاجرون ثم الأنصار وفي مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال فقام أسيد بن الحضير
وبشير بن سعيد (3) وغيرهما من الأنصار فبايعوا أبا بكر ثم وثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة
ووقع في حديث سالم بن عبيد عند البزار وغيره في قصة الوفاة فقالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير
فقال عمر وأخذ بيد أبي بكر أسيفان في غمد واحد لا يصطلحان وأخذ بيد أبي بكر فقال من له هذه
الثلاثة إذ هما في الغار من هما إذ يقول لصاحبه من صاحبه ان الله معنا مع من ثم بسط
يده فبايعه ثم قال بايعوه فبايعه الناس (قوله فقال قائل قتلتم سعد بن عبادة) أي كدتم تقتلونه
وقيل هو كناية عن الاعراض والخذلان ويرده ما وقع في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب فقال
قائل من الأنصار ابقوا سعد بن عبادة لا تطؤه فقال عمر اقتلوه قتله الله نعم لم يرد عمر الامر بقتله
حقيقة واما قوله قتله الله فهو دعاء عليه وعلى الأول هو أخبار عن إهماله والاعراض عنه وفي
حديث مالك فقلت وانا مغضب قتل الله سعدا فإنه صاحب شر وفتنة قال ابن التين انما قالت
الأنصار منا أمير ومنكم أمير على ما عرفوه من عادة العرب ان لا يتأمر على القبيلة الا من يكون
منها فلما سمعوا حديث الأئمة من قريش رجعوا عن ذلك وأذعنوا (قلت) حديث الأئمة من قريش
سيأتي ذكر من أخرجه بهذا اللفظ في كتاب الأحكام (3) ولم يقع في هذه القصة الا بمعناه وقد جمعت
طرقه عن نحو أربعين صحابيا لما بلغني ان بعض فضلاء العصر ذكر انه لم يرو الا عن أبي بكر
الصديق واستدل به الداودي على أن إقامة الخليفة سنة مؤكدة لانهم أقاموا مدة لم يكن لهم
امام حتى بويع أبو بكر وتعقب بالاتفاق على فرضيتها وبأنهم تركوا لأجل اقامتها أعظم
المهمات وهو التشاغل بدفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى فرغوا منها والمدة المذكورة زمن
يسير في بعض يوم يغتفر مثله لاجتماع الكلمة واستدل بقول الأنصار منا أمير ومنكم أمير على أن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف وبذلك صرح عمر كما سيأتي ووجه الدلالة انهم قالوا ذلك
في مقام من لا يخاف شيئا ولا يتقيه وكذلك ما أخرجه مسلم عن بن أبي مليكة سئلت عائشة من كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفا قالت أبو بكر قيل ثم من قالت عمر قيل ثم من قالت أبو
25

عبيدة بن الجراح ووجدت في الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق ما يدل على أنه هو الذي
سأل عائشة عن ذلك قال القرطبي في المفهم لو كان عند أحد من المهاجرين والأنصار نص من
النبي صلى الله عليه وسلم على تعيين أحد بعينه للخلافة لما اختلفوا في ذلك ولا تفاوضوا فيه قال
وهذا قول جمهور أهل السنة واستند من قال إنه نص على خلافة أبي بكر بأصول كلية وقرائن
حالية تقتضي انه أحق بالإمامة واولى بالخلافة (قلت) وقد تقدم بعضها في ترجمته وسيأتي
بعضها في الوفاة النبوية آخر المغازي إن شاء الله تعالى * الحديث الثالث
عشر (قوله قال
عبد الله بن سالم هو الحمصي الأشعري تقدم ذكره في المزارعة والزبيدي هو محمد بن الوليد
صاحب الزهري وعبد الرحمن بن القاسم أي ابن أبي بكر الصديق وهذه الطريق لم يوردها
البخاري الا معلقة ولم يسقها بتمامها وقد وصلها الطبراني في مسند الشاميين وقوله شخص
بفتح المعجمتين ثم مهملة أي ارتفع وقوله وقص الحديث يعني فيما يتعلق بالوفاة وقول عمر انه لم
يمت ولن يموت حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وأرجلهم وقول أبي بكر انه مات وتلاوته
الآيتين كما تقدم (قوله قالت عائشة فما كانت من خطبتهما من خطبة الا نفع الله بها) أي من
خطبتي أبي بكر وعمر ومن الأولى تبعيضية أو بيانية والثانية زائدة ثم شرحت ذلك فقالت لقد
خوف عمر الناس أي بقوله المذكور ووقع في رواية الأصيلي لقد خوف أبو بكر الناس وهو غلط
وقولها وان فيهم لنفاقا أي ان في بعضهم منافقين وهم الذين عرض بهم عمر في قوله المتقدم ووقع
في رواية الحميدي في الجمع بين الصحيحين وان فيهم لتقي فقيل إنه من اصلاحه وانه ظن أن قوله وان
فيهم لنفاقا تصحيف فصيره لتقي كأنه استعظم ان يكون في المذكورين نفاق وقال عياض
لا أدري هو إصلاح منه أو رواية وعلى الأول فلا استعظام فقد ظهر في أهل الردة ذلك ولا سيما
عند الحادث العظيم الذي أذهل عقول الأكابر فكيف بضعفاء الايمان فالصواب ما في
النسخ انتهى وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق البخاري وقال فيه ان فيهم لنفاقا * الحديث
الرابع عشر (قوله حدثنا أبو يعلى) هو منذر بن يعلى الكوفي الثوري وهو ممن وافقت
كنيته اسم أبيه والاسناد كله كوفيون ومحمد بن الحنفية هو ابن علي بن أبي طالب واسم
الحنفية خولة بنت جعفر كما تقدم (قوله قلت لأبي أي الناس خير) في رواية محمد بن سوقة عن
منذر عن محمد بن علي قلت لأبي يا أبتي من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أو ما
تعلم يا بني قلت لا قال أبو بكر أخرجه الدارقطني وفي رواية الحسن بن محمد بن الحنفية عن أبيه قال
سبحان الله يا بني أبو بكر وفي رواية ابن جحيفة عند أحمد قال لي علي يا أبا جحيفة الا أخبرك بأفضل
هذه الأمة بعد نبيها قلت بلى قال ولم أكن أرى ان أحدا أفضل منه وقال في آخره وبعدهما آخر
ثالث لم يسمه وفي رواية للدارقطني في الفضائل من طريق أبي الضحى عن أبي جحيفة وان
شئتم أخبرتكم بخير الناس بعد عمر فلا أدري استحي ان يذكر نفسه أو شغله الحديث (قوله
وخشيت أن يقول عثمان قلت ثم أنت قال ما انا الا رجل من المسلمين في رواية محمد بن سوقة
26

ثم عجلت للحداثة فقلت ثم أنت يا أبتي فقال أبوك رجل من المسلمين زاد في رواية الحسن بن محمد
إلى ما لهم وعلى ما عليهم وهذا قاله علي تواضعا مع معرفته حين المسألة المذكورة انه خير
الناس يومئذ لان ذلك كان بعد قتل عثمان واما خشية محمد بن الحنفية أن يقول عثمان فلان
محمدا كان يعتقد ان أباه أفضل فخشي ان عليا يقول عثمان على سبيل التواضع منه والهضم
لنفسه فيضطرب حال اعتقاده ولا سيما وهو في سن الحداثة كما أشار إليه في الرواية المذكورة
وروى خيثمة في فضائل الصحابة من طريق عبيد بن أبي الجعد عن أبيه ان عليا قال فذكر
هذا الحديث وزاد ثم قال الا أخبركم بخير أمتكم بعد عمر ثم سكت فظننا انه يعني نفسه وفي
رواية عبيد خبر عن علي أنه قال ذلك بعد وقعة النهروان وكانت في سنة ثمان وثلاثين وزاد في
آخر حديثه أحدثنا أمورا يفعل الله فيها ما يشاء وأخرج ابن عساكر في ترجمة عثمان من طريق
ضعيفة في هذا الحديث ان عليا قال إن الثالث عثمان ومن طريق أخرى ان أبا جحيفة قال
فرجعت الموالي يقولون كنى عن عثمان والعرب تقول كنى عن نفسه وهذا يبين انه لم يصرح
بأحد وقد سبق بيان الاختلاف في أي الرجلين أفضل بعد أبي بكر وعمر عثمان أو علي وان
الاجماع انعقد بآخرة بين أهل السنة ان ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة رضي الله عنهم
أجمعين قال القرطبي في المفهم ما ملخصه الفضائل جمع فضيلة وهي الخصلة الجميلة التي يحصل
لصاحبها بسببها شرف وعلو منزلة اما عند الحق واما عند الخلق والثاني لا عبرة به الا ان
أوصل إلى الأول فإذا قلنا فلان فاضل فمعناه ان له منزلة عند الله وهذا لا توصل إليه الا
بالنقل عن الرسول فإذا جاء ذلك عنه إن كان قطعيا قطعنا به أو ظنيا عملنا به وإذا لم نجد الخبر
فلا خفاء انا إذا رأينا من اعانه الله على الخير ويسر له أسبابه انا نرجو حصول تلك المنزلة له لما
جاء في الشريعة من ذلك قال وإذا تقرر ذلك فالمقطوع به بين أهل السنة بأفضلية أبي بكر ثم عمر
ثم اختلفوا فيمن بعدهما فالجمهور على تقديم عثمان وعن مالك التوقف والمسألة اجتهادية
ومستندها ان هؤلاء الأربعة اختارهم الله تعالى لخلافة نبيه وإقامة دينه فمنزلتهم عنده
بحسب ترتيبهم في الخلافة والله أعلم * الحديث الخامس عشر حديث عائشة في نزول آية التيمم
وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب التيمم والغرض منه قول أسيد بن الحضير في آخره ما هي بأول
بركتكم يا آل أبي بكر وقد تقدم هناك ذكر ألفاظ أخرى تدل على فضلهم * الحديث السادس
عشر حديث أبي سعيد (قوله سمعت ذكوان) هو أبو صالح السمان (قوله عن أبي سعيد) في
رواية أخرى سأبينها عن أبي هريرة والأول أولى كما سيأتي (قوله لا تسبوا أصحابي) وقع في رواية
جرير ومحاضر عن الأعمش وكذا في رواية عاصم عن أبي صالح ذكر سبب لهذا الحديث وهو
ما وقع في أوله قال كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شئ فسبه خالد فذكر الحديث
وسيأتي بيان من أخرجه (قوله فلو ان أحدكم) فيه اشعار بان المراد بقوله أولا أصحابي أصحاب مخصوصون والا فالخطاب كان للصحابة وقد قال لو أن أحدكم أنفق وهذا كقوله تعالى لا يستوي
منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل الآية ومع ذلك فنهى بعض من أدرك النبي صلى الله عليه
وسلم وخاطبه بذلك عن سب من سبقه يقتضي زجر من لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخاطبه
عن سب من سبقه من باب الأولى وغفل من قال إن الخطاب بذلك لغير الصحابة وانما المراد من
27

سيوجد من المسلمين المفروضين في العقل تنزيلا لمن سيوجد منزلة الموجود للقطع بوقوعه
ووجه التعقب عليه وقوع التصريح في نفس الخبر بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد وهو من
الصحابة الموجودين إذ ذاك بالاتفاق (قوله أنفق مثل أحد ذهبا) زاد البرقاني في المصافحة من
طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش كل يوم قال وهي زيادة حسنة (قوله مد أحدهم ولا
نصيفه) أي المد من كل شئ والنصيف بوزن رغيف هو النصف كما يقال عشر وعشير وثمن وثمين
وقيل النصيف مكيال دون المد والمد بضم الميم مكيال معروف ضبط قدره في كتاب الطهارة
وحكى الخطابي انه روي بفتح الميم قال والمراد به الفضل والطول وقد تقدم في أول باب فضائل
الصحابة تقرير أفضلية أصحابه عمن بعدهم وهذا الحديث دال لما وقع الاختيار له مما تقدم
من الاختلاف والله أعلم قال البيضاوي معنى الحديث لا ينال أحدكم بانفاق مثل أحد ذهبا من
الفضل والاجر ما ينال أحدهم بانفاق مد طعام أو نصيفه وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من
مزيد الاخلاص وصدق النية (قلت) وأعظم من ذلك في سبب الأفضلية عظم موقع ذلك لشدة
الاحتياج إليه وأشار بالأفضلية بسبب الانفاق إلى الأفضلية بسبب القتال كما وقع في الآية
من أنفق من قبل الفتح وقاتل فان فيها إشارة إلى موقع السبب الذي ذكرته وذلك أن الانفاق
والقتال كان قبل فتح مكة عظيما لشدة الحاجة إليه وقلة المعتني به بخلاف ما وقع بعد ذلك لان
المسلمين كثروا بعد الفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا فإنه لا يقع ذلك الموقع المتقدم والله أعلم
(قوله تابعه جرير) هو ابن عبد الحميد وعبد الله بن داود هو الخريبي بالمعجمة والموحدة مصغر
وأبو معاوية هو الضرير ومحاضر بمهملة ثم معجمة بوزن مجاهد عن الأعمش أي عن أبي صالح
عن أبي سعيد فاما رواية جرير فوصلها مسلم وابن ماجة وأبو يعلى وغيرهم واما رواية محاضر
فرويناها موصولة في فوائد أبي الفتح الحداد من طريق أحمد بن يونس الضبي عن محاضر المذكور
فذكره مثل رواية جرير لكن قال بين خالد بن الوليد وبين أبي بكر بدل عبد الرحمن بن عوف
وقول جرير أصح وقد وقع كذلك في رواية عاصم عن أبي صالح الآتي ذكرها واما رواية عبد الله
ابن داود فوصلها مسدد في مسنده عنه وليس فيه القصة وكذا أخرجها أبو داود عن مسدد
واما رواية أبي معاوية فوصلها أحمد عنه هكذا وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي
كريب ويحيى بن يحيى ثلاثتهم عن أبي معاوية لكن قال فيه عن أبي هريرة بدل أبي سعيد وهو
وهم كما جزم به خلف وأبو مسعود وأبو علي الجياني وغيرهم قال المزي كان مسلما وهم في حال
كتابته فإنه بدا بطريق أبي معاوية ثم ثنى بحديث جرير فساقه بإسناده ومتنه ثم ثلث بحديث
وكيع ثم ربع بحديث شعبة ولم يسق اسنادهما بل قال بإسناد جرير وأبي معاوية فلولا ان
إسناد جرير وأبي معاوية عنده واحد لما أحال عليهما معا فان طريق وكيع وشعبة جميعا
تنتهي إلى أبي سعيد دون أبي هريرة اتفاقا انتهى كلامه وقد أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة
أحد شيوخ مسلم فيه في مسنده ومصنفه عن أبي معاوية فقال عن أبي سعيد كما قال أحمد
وكذا رويناه من طريق أبي نعيم في المستخرج من رواية عبيد بن غنام عن أبي بكر بن أبي
شيبة وأخرجه أبو نعيم أيضا من رواية أحمد ويحيى بن عبد الحميد وأبي خيثمة وأحمد بن
جواس كلهم عن أبي معاوية فقال عن أبي سعيد وقال بعده أخرجه مسلم عن أبي بكر وأبي كريب
28

ويحيى بن يحيى فدل على أن الوهم وقع فيه ممن دون مسلم إذ لو كان عنده عن أبي هريرة لبينه أبو
نعيم ويقوي ذلك أيضا ان الدارقطني مع جزمه في العلل بان الصواب انه من حديث أبي سعيد لم
يتعرض في تتبعه أوهام الشيخين إلى رواية أبي معاوية هذه وقد أخرجه أبو عبيدة في غريب
الحديث والجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم وخيثمة من طريق سعيد بن يحيى والإسماعيلي
وابن حبان من طريق علي بن الجعد كلهم عن أبي معاوية فقالوا عن أبي سعيد وأخرجه ابن ماجة
عن أبي كريب أحد شيوخ مسلم فيه أيضا عن أبي معاوية فقال عن أبي سعيد كما قال الجماعة
الا انه وقع في بعض النسخ عن ابن ماجة اختلاف ففي بعضها عن أبي هريرة وفي بعضها عن أبي
سعيد والصواب عن أبي سعيد لان ابن ماجة جمع في سياقه بين جرير ووكيع وأبي معاوية ولم يقل
أحد في رواية وكيع وجرير انها عن أبي هريرة وكل من أخرجها من المصنفين والمخرجين
أورده عنهما من حديث أبي سعيد وقد وجدته في نسخة قديمة جدا من ابن ماجة قرئت في سنة
بضع وسبعين وثلثمائة وهي في غاية الاتقان وفيها عن أبي سعيد واحتمال كون الحديث عند أبي
معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة جميعا مستبعد إذ لو كان كذلك
لجمعهما ولو مرة فلما كان غالب ما وجد عنه ذكر أبي سعيد دون ذكر أبي هريرة دل على أن في قول
من قال عنه عن أبي هريرة شذوذا والله أعلم وقد جمعهما أبو عوانة عن الأعمش ذكره الدارقطني
وقال في العلل رواه مسدد وأبو كامل وشيبان عن أبي عوانة كذلك ورواه عفان ويحيى
ابن حماد عن أبي عوانة فلم يذكرا فيه أبا سعيد قال ورواه زيد بن أبي أنيسة عن الأعمش عن أبي
صالح عن أبي هريرة وكذلك قال نصر بن علي عن عبد الله بن داود قال والصواب من روايات
الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد لا عن أبي هريرة قال وقد رواه عاصم عن أبي صالح فقال عن
أبي هريرة والصحيح عن أبي صالح عن أبي سعيد انتهى وقد سبق إلى ذلك علي بن المديني فقال في
العلل رواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد ورواه عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال
والأعمش أثبت في أبي صالح من عاصم فعرف من كلامه ان من قال فيه عن أبي صالح عن أبي
هريرة فقد شذ وكان سبب ذلك شهرة أبي صالح بالرواية عن أبي هريرة فيسبق إليه الوهم ممن ليس
بحافظ واما الحفاظ فيميزون ذلك ورواية زيد بن أبي أنيسة التي أشار إليها الدارقطني أخرجها
الطبراني في الأوسط قال ولم يروه عن الأعمش الا زيد بن أبي أنيسة ورواه شعبة وغيره عن
الأعمش فقالوا عن أبي سعيد انتهى واما رواية عاصم فاخرجها النسائي في الكبرى والبزار في
مسنده وقال ولم يروه عن عاصم الا زائدة وممن رواه عن الأعمش فقال عن أبي سعيد أبو بكر بن
عياش عند عبد بن حميد ويحيى بن عيسى الرملي عند أبي عوانة وأبو الأحوص عند ابن أبي خيثمة
وإسرائيل عند تمام الرازي واما ما حكاه الدارقطني عن رواية أبي عوانة فقد وقع لي من رواية
مسدد وأبي كامل وشيبان عنه على الشك قال في روايته عن أبي سعيد أو أبي هريرة وأبو عوانة كان
يحدث من حفظه فربما وهم وحديثه من كتابه أثبت ومن لم يشك أحق أبا لتقديم ممن شك والله أعلم
وقد أمليت على هذا الموضع جزءا مفردا لخصت مقاصده هنا بعون الله تعالى * (تكملة) * اختلف
في ساب الصحابي فقال عياض ذهب الجمهور إلى أنه يعزر وعن بعض المالكية يقتل وخص
بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين فحكى القاضي حسين في ذلك وجهين وقواه السبكي في
29

حق من كفر الشيخين وكذا من كفر من صرح النبي صلى الله عليه وسلم بايمانه أو تبشيره بالجنة إذا
تواتر الخبر بذلك عنه لما تضمن من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم * الحديث السابع
عشر حديث أبي موسى (قوله عن شريك بن أبي نمر) هو بن عبد الله وأبو نمر جده (قوله حرج
ووجهه ههنا) كذا للأكثر بفتح الواو وتشديد الجيم أي توجه أو وجه نفسه وفي رواية الكشميهني
بسكون الجيم بلفظ الاسم مضافا إلى الظرف أي جهة كذا (قوله حتى دخل بئر اريس) بفتح
الألف وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة بستان بالمدينة معروف يجوز فيه الصرف
وعدمه وهو بالقرب من قباء وفي بئرها سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من أصبع عثمان رضي
الله عنه (قوله وتوسط قفها) بضم القاف وتشديد الفاء هو الداكة التي تجعل حول البئر واصله
ما غلظ من الأرض وارتفع والجمع قفاف ووقع في رواية عثمان بن غياث عن أبي عثمان عند
مسلم بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة وهو متكئ ينكت بعود معه
بين الماء والطين (قوله فقلت لأكونن بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم اليوم) ظاهره انه اختار ذلك
وفعله من تلقاء نفسه وقد صرح بذلك في رواية محمد بن جعفر عن شريك في الأدب فزاد فيه ولم
يأمرني قال بن التين فيه ان المرء يكون بوابا للامام وان لم يأمره كذا قال وقد وقع في رواية أبي
عثمان الآتية في مناقب عثمان عن أبي موسى ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأمره
بحفظ باب الحائط ووقع في رواية عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب في هذا الحديث
فقال يا أبا موسى أملك علي الباب فانطلق فقضى حاجته وتوضأ ثم جاء فقعد على قف البئر أخرجه
أبو عوانة في صحيحه والروياني في مسنده وفي رواية الترمذي من طريق أبي عثمان عن أبي موسى
فقال لي يا أبا موسى أملك علي الباب فلا يدخلن علي أحد فيجمع بينهما بأنه لما حدث نفسه بذلك
صادف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بان يحفظ عليه الباب واما قوله ولم يأمرني فيريد انه لم يأمره
ان يستمر بوابا وانما امره بذلك قدر ما يقضي حاجته ويتوضأ ثم استمر هو من قبل نفسه وسيأتي
له توجيه آخر في خبر الواحد فبطل ان يستدل به لما قاله بن التين والعجب أنه نقل ذلك بعد عن
الداودي وهذا من مختلف الحديث وكأنه خفي عليه وجه الجمع الذي قررته ثم إن قول أبي موسى
هذا لا يعارض قول أنس انه صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب كما سبق في كتاب الجنائز لان مراد
أنس انه لم يكن له بواب مرتب لذلك على الدوام (قوله فدفع الباب) في رواية أبي بكر فجاء رجل
يستأذن (قوله يبشرك بالجنة) زاد أبو عثمان في روايته فحمد الله وكذا قال في عمر (قوله وقد
تركت أخي يتوضأ ويلحقني) كان لأبي موسى اخوان أبو رهم وأبو بردة وقيل إن له أخا آخر اسمه
محمد وأشهرهم أبو بردة واسمه عامر وقد خرج عنه أحمد في مسنده حديثا (قوله فإذا انسان يحرك
الباب) فيه حسن الأدب في الاستئذان قال ابن التين ويحتمل ان يكون هذا قبل نزول قوله
لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا (قلت) وما أبعد ما قال فقد وقع في رواية عبد الرحمن
30

ابن حرملة فجاء رجل فاستأذن وسيأتي في آخر مناقب عمر من طريق أبي عثمان النهدي عن أبي
موسى بلفظ فجاء رجل فاستفتح فعرف ان قوله يحرك الباب انما حركه مستأذنا لا دافعا له ليدخل
بغير اذن (قوله فقال عثمان فقلت على رسلك فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال
ائذن له) في رواية أبي عثمان ثم جاء اخر يستأذن فسكت هنية ثم قال ائذن له (قوله وبشرك رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك) في رواية أبي عثمان فحمد الله ثم قال الله المستعان
وفي رواية عند أحمد فجعل يقول اللهم صبرا حتى جلس وفي رواية عبد الرحمن بن حرملة فدخل
وهو يحمد الله ويقول اللهم صبرا ووقع في حديث زيد بن أرقم عند البيهقي في الدلائل قال بعثني
النبي صلى الله عليه وسلم فقال انطلق حتى تأتي أبا بكر فقل له ان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ
عليك السلام ويقول لك أبشر بالجنة ثم انطلق إلى عمر كذلك ثم انطلق إلى عثمان كذلك وزاد بعد
بلاء شديد قال فانطلق فذكر انه وجدهم على الصفة التي قال له وقال أين نبي الله قلت في مكان
كذا وكذا فانطلق إليه وقال في عثمان فأخذ بيدي حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
يا رسول الله ان زيدا قال لي كذا والذي بعثك بالحق ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني
منذ بايعتك فأي بلاء يصيبني قال هو ذاك قال البيهقي إسناده ضعيف فإن كان محفوظا احتمل ان
يكون النبي صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن أرقم قبل ان يجئ أبو موسى
فلما جاؤوا كان أبو موسى قد قعد على الباب فراسلهم على لسانه بنحو ما أرسل به إليهم زيد بن أرقم والله أعلم (قلت) ووقع
نحو قصة أبي موسى لبلال وذلك فيما أخرجه أبو داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو
عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من
حوائط المدينة فقال لبلال أمسك علي الباب فجاء أبو بكر يستأذن فذكر نحوه وأخرجه
الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد نحوه وهذا ان صح حمل على التعدد ثم ظهر لي ان فيه
وهما من بعض رواته فقد أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو وفي حديثه ان
نافع بن عبد الحارث هو الذي كان يستأذن وهو وهم أيضا فقد رواه أحمد من طريق موسى بن
عقبة عن أبي سلمة عن نافع فذكره وفيه فجاء أبو بكر فاستأذن فقال لأبي موسى فيما اعلم ائذن له
وأخرجه النسائي من طريق أبي الزناد عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث عن أبي موسى وهو
الصواب فرجع الحديث إلى أبي موسى واتحدت القصة والله أعلم وأشار صلى الله عليه وسلم
بالبلوى المذكورة إلى ما أصاب عثمان في آخر خلافته من الشهادة يوم الدار وقد ورد عنه صلى
الله عليه وسلم أصرح من هذا فروى أحمد من طريق كليب بن وائل عن بن عمر قال ذكر رسول
الله صلى الله عليه وسلم فتنة فمر رجل فقال يقتل فيها هذا يومئذ ظلما قال فنظرت فإذا هو عثمان
إسناده صحيح (قوله فجلس وجاهه) بضم الواو وبكسرها أي مقابله (قوله قال شريك) هو
موصول بالاسناد الماضي (قوله قال سعيد بن المسيب فأولتها قبورهم) فيه وقو التأويل في
اليقظة وهو الذي يسمى الفراسة والمراد اجتماع الصاحبين مع النبي صلى الله عليه وسلم في الدفن
وانفراد عثمان عنهم في البقيع وليس المراد خصوص صورة الجلوس الواقعة وقد وقع في رواية
عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال سعيد فأولت ذلك انتباذ قبره من قبورهم وسيأتي
في الفتن بلفظ اجتمعت ههنا وانفرد عثمان ولو ثبت الخبر الذي أخرجه أبو نعيم عن عائشة في
31

صفة القبور الثلاثة أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره لكان فيه تمام التشبيه ولكن سنده
ضعيف وعارضه ما هو أصح منه واخرج أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد قال قلت
لعائشة يا أماه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فكشفت لي
الحديث وفيه فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أبو بكر رأسه بين كتفيه وعمر رأسه
عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم * الحديث الثامن عشر (قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد
القطان وسعيد هو بن أبي عروبة (قوله صعد أحدا) هو الجبل المعروف بالمدينة ووقع في
رواية لمسلم ولأبي يعلى من وجه آخر عن سعيد حراء والأول أصح ولولا اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة ثم ظهر لي ان الاختلاف فيه من سعيد فاني وجدته في مسند الحرث بن أبي أسامة عن
روح بن عبادة عن سعيد فقال فيه أحدا أو حراء بالشك وقد أخرجه أحمد من حديث بريدة
بلفظ حراء وإسناده صحيح وأخرجه أبو يعلى من حديث سهل بن سعد بلفظ أحد وإسناده
صحيح فقوي احتمال تعدد القصة وتقدم في أواخر الوقف من حديث عثمان أيضا نحوه وفيه
حراء واخرج مسلم من حديث أبي هريرة ما يؤيد تعدد القصة فذكر انه كان على حراء ومعه
المذكورون هنا وزاد معهم غيرهم والله أعلم (قوله وأبو بكر وعمر) قال بن التين انما رفع
أبو بكر عطفا على الضمير المرفوع الذي في صعد وهو جائز اتفاقا لوجود الحائل وهو قوله أحدا
وهو بخلاف قوله الآتي في آخر الباب كنت وأبو بكر وعمر وقوله أثبت وقع في مناقب عمر فضربه
برجله وقال أثبت بلفظ الامر من الثبات وهو الاستقرار واحد منادى ونداؤه وخطابه يحتمل
المجاز وحمله على الحقيقة أولى وقد تقدم شئ منه في قوله أحد جبل يحبنا ونحبه ويؤيده
ما وقع في مناقب عمر انه ضربه برجله وقال أثبت (قوله فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) في
رواية يزيد بن زريع عن سعيد الآتية في مناقب عمر فما عليك الا نبي أو صديق أو شهيد وأو فيها
للتنويع وشهيد للجنس * الحديث التاسع عشر (قوله حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله)
هو الرباطي واسم جده إبراهيم واما السرخسي فكنيته أبو جعفر واسم جده صخر (قوله حدثنا صخر) هو ابن جويرية (قوله بينا انا على بئر) أي في المنام كما تقدم التصريح به في هذا
الباب من حديث أبي هريرة بينا انا نائم وسبق من وجه اخر عن ابن عمر قبل مناقب الصحابة
بباب رأيت الناس مجتمعين في صعيد واحد ويأتي في مناقب عمر بلفظ رأيت في المنام (قوله
انزع منها) أي املا الماء بالدلو (قوله فنزع ذنوبا أو ذنوبين) بفتح المعجمة وبالنون وآخره
موحدة الدلو الكبيرة إذا كان فيها الماء واتفق من شرح هذا الحديث على أن ذكر الذنوب
إشارة إلى مدة خلافته وفيه نظر لأنه ولي سنتين وبعض سنة فلو كان ذلك المراد لقال ذنوبين أو ثلاثة والذي يظهر لي ان ذلك إشارة إلى ما فتح في زمانه من الفتوح الكبار وهي ثلاثة ولذلك لم
يتعرض في ذكر عمر إلى عدد ما نزعه من الدلاء وانما وصف نزعه بالعظمة إشارة إلى كثرة ما وقع
في خلافته من الفتوحات والله أعلم وقد ذكر الشافعي تفسير هذا الحديث في الام فقال
بعد أن ساقه ومعنى قوله وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الردة عن
الافتتاح والازدياد الذي بلغه عمر في طول مدته انتهى فجمع في كلامه ما تفرق في كلام غيره
ويؤيد ذلك ما وقع في حديث ابن مسعود في نحو هذه القصة فقال قال النبي صلى الله عليه وسلم
32

فاعبرها يا أبا بكر فقال إلي الامر من بعدك ثم يليه عمر قال كذلك عبرها الملك أخرجه
الطبراني لكن في إسناده أيوب بن جابر وهو ضعيف (قوله وفي نزعه ضعف) أي انه على مهل
ورفق (قوله والله يغفر له) قال النووي هذا دعاء من المتكلم أي انه لا مفهوم له وقال غيره فيه
إشارة إلى قرب وفاة أبي بكر وهو نظير قوله تعالى لنبيه عليه السلام فسبح بحمد ربك واستغفره
انه كان توابا فإنها إشارة إلى قرب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) ويحتمل ان يكون فيه إشارة
إلى قلة الفتوح في زمانه لا صنع له فيه لان سببه قصر مدته فمعنى المغفرة له رفع الملامة عنه (قوله
فاستحالت في يده غربا) بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة أي دلوا عظيمة (قوله فلم أر عبقريا)
بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها قاف مفتوحة وراء مكسورة وتحتانية ثقيلة والمراد به
كل شئ بلغ النهاية واصله ارض يسكنها الجن ضرب بها العرب المثل في كل شئ عظيم وقيل قرية
يعمل فيها الثياب البالغة في الحسن وسيأتي بقية ما فيه في مناقب عمر (قوله يفري) بفتح أوله
وسكون الفاء وكسر الراء وسكون التحتانية وقوله فرية بفتح الفاء وكسر الراء وتشديد التحتانية
المفتوحة وروي بسكون الراء وخطأه الخليل ومعناه يعمل عمله البالغ ووقع في حديث أبي
عمر ينزع نزع عمرا (قوله حتى ضرب الناس بعطن) بفتح المهملتين وآخره نون هو مناخ الإبل إذا
شربت ثم صدرت وسيأتي في مناقب عمر بلفظ حتى روي الناس وضربوا بعطن ووقع في حديث
أبي الطفيل بإسناد حسن عند البزار والطبراني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا انا انزع
الليلة إذ وردت علي غنم سود وعفر فجاء أبو بكر فنزع فذكره وقال في عمر فملأ الحياض وأروى
الواردة وقال فيه فأولت السود العرب والعفر العجم (قوله قال وهب) هو ابن جرير شيخ شيخه
في هذا الحديث وكلامه هذا موصول بالسند المذكور وقوله يقول حتى رويت الإبل فأناخت
هو مقول وهب المذكور وسيأتي شئ من مباحثه في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى قال
البيضاوي أشار بالبئر إلى الدين الذي هو منبع مائه حياة النفوس وتمام أمر المعاش والمعاد
والنزع منه إخراج الماء وفيه إشارة إلى إشاعة امره واجراء احكامه وقوله يغفر الله له إشارة إلى أن
ضعفه المراد به الرفق غير قادح فيه أو المراد بالضعف ما وقع في أيامه من أمر الردة واختلاف
الكلمة إلى أن اجتمع ذلك في آخر أيامه وتكمل في زمان عمر واليه الإشارة بالقوة وقد وقع عند
أحمد من حديث سمرة ان رجلا قال يا رسول الله رأيت كأن دلوا من السماء دليت فجاء أبو بكر
فشرب شربا ضعيفا ثم جاء عمر فشرب حتى تضلع الحديث ففي هذا إشارة إلى بيان المراد بالنزع
الضعيف والنزع القوي والله أعلم * الحديث العشرون (قوله حدثنا الوليد بن صالح) هو أبو
محمد الضبي الجزري النخاس بالنون والخاء المعجمة وثقه أبو حاتم وغيره ولم يكتب عنه أحمد لأنه
كان من أصحاب الرأي فرآه يصلي فلم تعجبه صلاته وليس له في البخاري الا هذا الحديث الواحد
وسيأتي من وجه آخر في مناقب عمر عن بن أبي حسين فظهر أن البخاري لم يحتج به (قوله كنت
وأبو بكر وعمر) قال ابن التين الأحسن عند النحاة ان لا يعطف على الضمير المرفوع الا بعد
تأكيده حتى قال بعضهم انه قبيح لكن يرد عليهم قوله تعالى ما أشركنا ولا آباؤنا وأجيب بأنه قد وقع
الحائل وهو قوله لا وتعقب بان العطف قد حصل قبل لا قال ويرد عليهم أيضا هذا الحديث
انتهى والتعقيب مردود فإنه وجد فاصل في الجملة واما هذا الحديث فلم تتفق الرواة على لفظه
33

وسيأتي في مناقب عمر من وجه آخر بلفظ ذهبت انا وأبو بكر وعمر فعطف مع التأكيد مع اتحاد
المخرج فدل على أنه من تصرف الرواة وسيأتي شرح هذا الحديث قريبا في مناقب عمر إن شاء الله
تعالى * الحديث الحادي والعشرون (قوله حدثنا محمد بن يزيد الكوفي) قيل هو أبو هشام الرفاعي
وهو مشهور بكنيته وقال الحاكم والكلاباذي هو غيره ووقع في رواية ابن السكن عن الفربري
محمد بن كثير وهو وهم نبه عليه أبو علي الجياني لان محمد بن كثير لا تعرف له رواية عن الوليد
والوليد هو ابن مسلم وسيأتي الحديث في باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين
بمكة من وجه آخر عن الوليد وفيه تصريحه وتصريح الأوزاعي بالتحديث ويأتي شرحه هناك
إن شاء الله تعالى * (فائدة) * مات أبو بكر رضي الله عنه بمرض السل على ما قاله الزبير بن بكار
وعن الواقدي انه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما وقيل بل سمته اليهود في حريرة أو غيرها
وذلك على الصحيح لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة فكانت مدة
خلافته سنتين وثلاثة أشهر وأياما وقيل غير ذلك ولم يختلفوا انه استكمل سن النبي صلى الله
عليه وسلم فمات وهو ابن ثلاث وستين والله أعلم (قوله باب مناقب عمر بن الخطاب)
أي ابن نفيل بنون وفاء مصغر ابن عبد العزى بن رياح بكسر الراء بعدها تحتانية وآخره مهملة
ابن عبد الله بن قرط بن رزاح بفتح الراء بعدها زاي وآخره مهملة ابن عدي بن كعب بن لؤي بن
غالب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب وعدد ما بينهما من الاباء إلى كعب متفاوت
بواحد بخلاف أبي بكر فبين النبي صلى الله عليه وسلم وكعب سبعة اباء وبين عمر وبين كعب ثمانية
وأم عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ابنة عم أبي جهل والحارث ابني هشام بن المغيرة ووقع عند
ابن منده انها بنت هشام أخت أبي جهل وهو تصحيف نبه عليه ابن عبد البر (قوله أبي
حفص القرشي العدوي) أما كنيته فجاء في السيرة لابن إسحاق ان النبي صلى الله عليه وسلم كناه بها
وكانت حفصة أكبر أولاده واما لقبه فهو الفاروق باتفاق فقيل أول من لقبه به النبي صلى الله
عليه وسلم رواه أبو جعفر بن أبي شيبة في تاريخه من طريق ابن عباس عن عمر ورواه ابن سعد
من حديث عائشة وقيل أهل الكتاب أخرجه بن سعد من الزهري وقيل جبريل رواه البغوي ثم
ذكر المصنف في هذه الترجمة ستة عشر حديثا * الحديث الأول حديث جابر وهو مشتمل على
ثلاثة أحاديث (قوله حدثنا عبد العزيز بن الماجشون) كذا لأبي ذر وسقط لفظ ابن من رواية
غيره وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة المدني والماجشون لقب جده وتلقب به أولاده
(قوله حدثنا محمد بن المنكدر) هكذا رواه الأكثر عن ابن الماجشون ورواه صالح بن مالك عنه
عن حميد عن أنس أخرجه البغوي في فوائده فلعل لعبد العزيز فيه شيخين ويؤيده اقتصاره
في حديث حميد على قصة القصر فقط وقد أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان من وجه
آخر عن حميد كذلك (قوله رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة) هي أم سليم
والرميصاء بالتصغير صفة لها لرمص كان بعينها واسمها سهلة وقيل رميلة وقيل غير ذلك وقيل
هو اسمها ويقال فيه بالغين المعجمة بدل الراء وقيل هو اسم أختها أم حرام وقال أبو داود هو اسم
أخت أم سليم من الرضاعة وجوز ابن التين ان يكون المراد امرأة أخرى لأبي طلحة وقوله
رأيتني بضم المثناة والضمير من المتكلم وهو من خصائص أفعال القلوب (قوله وسمعت خشفة)
34

بفتح المعجمتين والفاء أي حركة وزنا ومعنى ووقع لأحمد سمعت خشفا يعني صوتا قال أبو عبيد
الخشفة الصوت ليس بالشديد قيل واصله صوت دبيب الحية ومعنى الحديث هنا ما يسمع من
حس وقع القدم (قوله فقلت من هذا فقال هذا بلال) وهذا قد تقدم في صلاة الليل من حديث
أبي هريرة مطولا وتقدم من شرحه هناك ما يتعلق به وتقدم بعض الكلام عليه في صفة
الجنة حيث اورد هناك من حديث أبي هريرة (قوله ورأيت قصرا بفنائه جارية) في حديث
أبي هريرة الذي بعده تتوضأ إلى جانب قصر وفي حديث أنس عند الترمذي قصر من ذهب
والفناء بكسر الفاء وتخفيف النون مع المد جانب الدار (قوله فقلت لمن هذا فقال) في رواية
الكشميهني فقالوا والظاهر أن المخاطب له بذلك جبريل أو غيره من الملائكة وقد أفرد هذه
القصة في النكاح وفي التعبير من وجه اخر عن ابن المنكدر (قوله فذكرت غيرتك) في الرواية
التي في النكاح فأردت ان أدخله فلم يمنعني الا علمي بغيرتك ووقع في رواية ابن عيينة عن ابن
المنكدر وعمرو بن دينار جميعا عن جابر في هذه القصة الأخيرة دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا
يسمع فيه ضوضاء فقلت لمن هذا فقيل لعمر والضوضاء بمعجمتين مفتوحتين بينهما واو وبالمد
ووقع في حديث أبي هريرة ان عمر بكى ويأتي في النكاح بلفظ فبكى عمر وهو في المجلس وقوله
بابي وأمي أي أفديك بهما وقوله أعليك أغار معدود من القلب والأصل أعليها أغار منك قال
ابن بطال فيه الحكم لكل رجل بما يعلم من خلقه قال وبكاء عمر يحتمل ان يكون سرورا
ويحتمل ان يكون تشوقا أو خشوعا ووقع في رواية أبي بكر بن عياش عن حميد من الزيادة
فقال عمر وهل رفعني الله الا بك وهل هداني الله الا بك رويناه في فوائد عبد العزيز الحربي
من هذا الوجه وهي زيادة غريبة * الحديث الثاني حديث أبي هريرة في المعنى ذكره مقتصرا
على قصة رؤيا المرأة إلى جانب القصر وزاد فيه قالوا لعمر فذكرت غيرته فوليت مدبرا وفيه
ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مراعاة الصحبة وفيه فضيلة ظاهرة لعمر وقوله فيه
تتوضأ يحتمل ان يكون على ظاهره ولا ينكر كونها تتوضأ حقيقة لان الرؤيا وقعت في
زمن التكليف والجنة وإن كان لا تكليف فيها فذاك في زمن الاستقرار بل ظاهر قوله تتوضأ
إلى جانب قصر انها تتوضأ خارجة منه أو هو على غير الحقيقة ورؤيا المنام لا تحمل دائما على
الحقيقة بل تحتمل التأويل فيكون معنى كونها تتوضأ انها تحافظ في الدنيا على العبادة أو
المراد بقوله تتوضأ أي تستعمل الماء لأجل الوضاءة على مدلوله اللغوي وفيه بعد وأغرب ابن
قتيبة وتبعه الخطابي فزعم أن قوله تتوضأ تصحيف وتغيير من الناسخ وانما الصواب امرأة
شوهاء ولم يستند في هذه الدعوى الا إلى استبعاد ان يقع في الجنة وضوء لأنه لا عمل فيها وعدم
الاطلاع على المراد من الخبر لا يقتضي تغليط الحفاظ ثم اخذ الخطابي في نقل كلام أهل اللغة
في تفسير الشوهاء فقيل هي الحسناء ونقله عن أبي عبيدة وانما تكون حسناء إذا وصفت بها
الفرس قال الجوهري فرس شوهاء صفة محمودة والشوهاء الواسعة الفم وهو مستحسن في الخيل
والشوهاء من النساء القبيحة كما جزم به بن الأعرابي وغيره وقد تعقب القرطبي كلام الخطابي
لكن نسبه إلى ابن قتيبة فقط فقال ابن قتيبة بدل تتوضأ شوهاء ثم نقل ان الشوهاء تطلق
على القبيحة والحسناء قال القرطبي والوضوء هنا لطلب زيادة الحسن لا للنظافة لان الجنة
35

منزهة عن الأوساخ والأقذار وقد ترجم عليه البخاري في كتاب التعبير باب الوضوء في المنام فبطل
ما تخيله الخطابي وفي الحديث فضيلة الرميصاء وانها كانت مواظبة على العبادة كذا نقله ابن التين
عن غيره وفيه نظر * الحديث الثالث (قوله حدثنا محمد بن الصلت أبو جعفر) هو الأسيدي وليس
له في البخاري سوى هذا الحديث وله شيخ اخر يقال له محمد بن الصلت يكنى أبا يعلى وهو بصري وأبو
جعفر أكبر من أبي يعلى وأقدم سماعا (قوله شربت يعني اللبن) كذا أورده مختصرا وسيأتي في
التعبير عن عبدان عن ابن المبارك بلفظ بينا انا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه أي من ذلك اللبن
(قوله حتى انظر إلى الري) في رواية عبدان حتى اني ويجوز فتح همزة اني وكسرها ورؤية الري
على سبيل الاستعارة كأنه لما جعل الري جسما أضاف إليه ما هو من خواص الجسم وهو كونه
مرئيا واما قوله انظر فإنما اتي به بصيغة المضارعة والأصل انه ماض استحضار الصورة الحال
وقوله انظر يؤيد ان قوله أرى في الرواية التي في العلم من رؤية البصر لا من العلم والري بكسر الراء
ويجوز فتحها (قوله يجري) أي اللبن أو الري وهو حال (قوله في ظفري أو أظفاري) شك من
الراوي وفي رواية عبدان من أظفاري ولم يشك وكذا في رواية عقيل في العلم لكن قال في أظفاري
(قوله ثم ناولت عمر) في رواية عبدان ثم ناولت فضلي يعني عمر وفي رواية عقيل في العلم ثم أعطيت
فضلي عمر بن الخطاب (قوله قالوا فما أولته) أي عبرته (قال العلم) بالنصب أي أولته العلم وبالرفع
أي المؤول به هو العلم ووقع في جزء الحسين بن عرفة من وجه آخر عن ابن عمر قال فقالوا هذا العلم
الذي آتاكه الله حتى إذا امتلأت فضلت منه فضلة فاخذها عمر قال أصبتم وإسناده ضعيف فإن
كان محفوظا احتمل ان يكون بعضهم أول وبعضهم سأل ووجه التعبير بذلك من جهة اشتراك
اللبن والعلم في كثرة النفع وكونهما سببا للصلاح فاللبن للغذاء البدني والعلم للغذاء المعنوي وفي
الحديث فضيلة عمر وان الرؤيا من شأنها ان لا تحمل على ظاهرها وإن كانت رؤيا الأنبياء من
الوحي لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما يحمل على ظاهره وسيأتي تقرير ذلك في كتاب التعبير
إن شاء الله تعالى والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر وباتفاق الناس على طاعته
بالنسبة إلى عثمان فان مدة أبي بكر كانت قصيرة فلم يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في
الاختلاف ومع ذلك فساس عمر فيها مع طول مدته الناس بحيث لم يخالفه أحد ثم ازدادت
اتساعا في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء ولم يتفق له ما اتفق لعمر من
طواعية الخلق له فنشأت من ثم الفتن إلى أن افضى الامر إلى قتله واستخلف علي فما ازداد الامر
الا اختلافا والفتن الا انتشارا * الحديث الرابع حديث ابن عمر في رؤية النزع من البئر وقد
تقدم قريبا في مناقب أبي بكر (قوله حدثنا عبيد الله) هو ابن عمر العمري (قوله حدثني أبو بكر
ابن سالم) أي ابن عبد الله بن عمر وهو من اقران الراوي عنه وهما مدنيان من صغار التابعين واما
أبو سالم فمعدود من كبارهم وهو أحد الفقهاء السبعة وليس لأبي بكر بن سالم في البخاري غير هذا
الموضع ووثقه العجلي ولا يعرف له راو الا عبيد الله بن عمر المذكور وانما اخرج له البخاري
في المتابعات وقد مضى الحديث من طريق الزهري عن سالم (قوله بدلو بكرة) بفتح الموحدة
والكاف على المشهور وحكى بعضهم تثليث أوله ويجوز اسكانها على أن المراد نسبة الدلو إلى
36

الأنثى من الإبل وهي الشابة أي الدلو التي يسقي بها واما بالتحريك فالمراد الخشبة المستديرة التي
يعلق فيها الدلو (قوله قال ابن جبير العبقري عتاق الزرابي) وصله عبد بن حميد من طريقه وكذا
رويناه في صفة الجنة لأبي نعيم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير قال في قوله تعالى متكئين
على رفرف خضر وعبقري حسان قال الرفرف رياض الجنة والعبقري الزرابي ووقع في رواية
الأصيلي وكريمة وبعض النسخ عن أبي ذر هنا قال ابن نمير وقيل المراد محمد بن عبد الله بن نمير شيخ
المصنف فيه وسيأتي بسط القول في كتاب التعبير والمراد بالعتاق الحسان والزرابي جمع زربية
وهي البساط العريض الفاخر قال في المشارق العبقري النافذ الماضي الذي لا شئ يفوقه قال
أبو عمر وعبقري القوم سيدهم وقيمهم وكبيرهم وقال الفراء العبقري السيد والفاخر من الحيوان
والجوهر والبساط المنقوش وقيل هو منسوب إلى عبقر موضع بالبادية وقيل قرية يعمل
فيها الثياب البالغة في الحسن والبسط وقيل نسبة إلى ارض تسكنها الجن تضرب بها العرب المثل
في كل شئ عظيم قاله أبو عبيدة قال ابن الأثير فصاروا كلما رأوا شيئا غريبا مما يصعب عمله ويدق
أو شيئا عظيما في نفسه نسبوه إليها فقالوا عبقري ثم اتسع فيه حتى سمي به السيد الكبير ثم استطرد
المصنف كعادته فذكر معنى صفة الزرابي الواردة في القرآن في قوله تعالى وزرابي مبثوثة (قوله
وقال يحيى) هو ابن زياد الفراء ذكر ذلك في كتاب معاني القران له وظن الكرماني انه يحيى بن سعيد
القطان فجزم بذلك واستند إلى كون الحديث ورد من روايته كما تقدم في مناقب أبي بكر (قوله
الطنافس) هي جمع طنفسة وهي البساط (قوله لها خمل) بفتح المعجمة والميم بعدها لام أي أهداب
وقوله رقيق أي غير غليظة (قوله مبثوثة كثيرة) هو بقية كلام يحيى بن زياد المذكور * الحديث
الخامس (قوله عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد) أي ابن الخطاب وفي الاسناد أربعة
من التابعين على نسق قرينان وهما صالح وهو ابن كيسان وابن شهاب وقريبان وهما عبد الحميد
ومحمد بن سعد وكلهم مدنيون (قوله استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة
من قريش) هن من أزواجه ويحتمل ان يكون معهن من غيرهن لكن قرينة قوله يستكثرنه يؤيد
الأول والمراد انهن يطلبن منه أكثر مما يعطيهن وزعم الداودي ان المراد انهن يكثرن الكلام عنده
وهو مردود بما وقع التصريح به في حديث جابر عند مسلم انهن يطلبن النفقة (قوله عالية) بالرفع
على الصفة وبالنصب على الحال وقوله أصواتهن على صوته قال ابن التين يحتمل ان يكون ذلك
قبل نزول النهي عن رفع الصوت على صوته أو كان ذلك طبعهن انتهى وقال غيره يحتمل ان
يكون الرفع حصل من مجموعهن لا ان كل واحدة منهن كان صوتها ارفع من صوته وفيه نظر قيل
ويحتمل ان يكون فيهن جهيرة أو النهي خاص بالرجال وقيل في حقهن للتنزيه أو كن في حال
المخاصمة فلم يتعمدن أو وثقن بعفوه ويحتمل في الخلوة ما لا يحتمل في غيرها (قوله اضحك الله سنك)
لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك بل لازمه وهو السرور أو نفي ضد لازمه وهو الحزن (قوله اتهبنني)
من الهيبة أي توقرنني (قوله أنت أفظ وأغلظ) بالمعجمتين بصيغة افعل التفضيل من الفظاظة
والغلظة وهو يقتضي الشركة في أصل الفعل ويعارضه قوله تعالى ولو كنت فظا غليظ القلب
لانفضوا من حولك فإنه يقتضي انه لم يكن فظا ولا غليظا والجواب ان الذي في الآية يقتضي نفي
وجود ذلك له صفة لازمة فلا يستلزم ما في الحديث ذلك بل مجرد وجود الصفة له في بعض الأحوال
37

وهو عند إنكار المنكر مثلا والله أعلم وجوز بعضهم ان الأفظ هنا بمعنى الفظ وفيه نظر للتصريح
بالترجيح المقتضي لحمل افعل على بابه وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدا بما يكره الا في
حق من حقوق الله وكان عمر يبالغ في الزجر عن المكروهات مطلقا وطلب المندوبات فلهذا قال
النسوة له ذلك (قوله أيها يا بن الخطاب) قال أهل اللغة أيها بالفتح والتنوين معناها لا تبتدئنا
بحديث وبغير تنوين كف من حديث عهدناه وايه بالكسر والتنوين معناها حدثنا ما شئت وبغير التنوين زدنا مما حدثتنا ووقع في روايتنا بالنصب والتنوين وحكى ابن التين انه وقع له بغير تنوين
وقال معناه كف عن لومهن وقال الطيبي الامر بتوقيع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلوب
لذاته تحمد الزيادة منه فكان قوله صلى الله عليه وسلم ايه استزادة منه في طلب توقيره وتعظيم جانبه
ولذلك عقبه بقوله والذي نفسي بيده إلى آخره فإنه يشعر بأنه رضي مقالته وحمد فعاله والله أعلم
(قوله فجا) أي طريقا واسعا وقوله قط تأكيد للنفي (قوله الا سلك فجا غير فجك) فيه فضيلة عظيمة
لعمر تقتضي ان الشيطان لا سبيل له عليه لا ان ذلك يقتضي وجود العصمة إذ ليس فيه الا فرار
الشيطان منه ان يشاركه في طريق يسلكها ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته
فان قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لأنه إذا منع من السلوك في
طريق فأولى ان لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن ان يكون حفظ من الشيطان ولا
يلزم من ذلك ثبوت العصمة له لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره ممكنة ووقع في حديث
حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ ان الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم الا خر لوجهه وهذا دال على
صلابته في الدين واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحض وقال النووي هذا الحديث
محمول على ظاهره وان الشيطان يهرب إذا رآه وقال عياض يحتمل ان يكون ذاك على سبيل ضرب
المثل وان عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان والأول أولى
انتهى * الحديث السادس (قوله حدثنا يحيى) بن سعيد القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس
هو ابن أبي حازم وعبد الله هو ابن مسعود ووقع في رواية ابن عيينة عن إسماعيل كما سيأتي في باب
إسلام عمر التصريح بذلك (قوله ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر) أي لما كان فيه من الجلد والقوة في أمر
الله وروى بن أبي شيبة والطبراني من طريق القاسم بن عبد الرحمن قال قال عبد الله بن مسعود
كان إسلام عمر عزا وهجرته نصرا وامارته رحمة والله ما استطعنا ان نصلي حول البيت ظاهرين
حتى أسلم عمر وقد ورد سبب إسلامه مطولا فيما أخرجه الدارقطني من طريق القاسم بن عثمان
عن أنس قال خرج عمر متقلدا السيف فلقيه رجل من بني زهرة فذكر قصة دخول عمر على
أخته وانكاره اسلامها واسلام زوجها سعيد بن زيد وقراءته سورة طه ورغبته في الاسلام
فخرج خباب فقال أبشر يا عمر فاني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك
قال اللهم أعز الاسلام بعمر أو بعمرو بن هشام وروى أبو جعفر بن أبي شيبة نحوه في تاريخه من
حديث ابن عباس وفي آخره فقلت يا رسول الله ففيم الاختفاء فخرجنا في صفين انا في أحدهما
وحمزة في الاخر فنظرت قريش إلينا فاصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها وأخرجه البزار من طريق
أسلم مولى عمر عن عمر مطولا وروى ابن أبي خيثمة من حديث عمر نفسه قال لقد رأيتني وما أسلم
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تسعة وثلاثون رجلا فكملتهم أربعين فأظهر الله دينه وأعز
38

الاسلام وروى البزار نحوه من حديث ابن عباس وقال فيه فنزل جبريل فقال يا أيها النبي حسبك
الله ومن اتبعك من المؤمنين وفي فضائل الصحابة لخيثمة من طريق أبي وائل عن ابن مسعود قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أيد الاسلام بعمر ومن حديث علي مثله بلفظ أعز وفي
حديث عائشة مثله أخرجه الحاكم بإسناد صحيح وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر بلفظ اللهم
أعز الاسلام بأحب الرجلين إليك بابي جهل أو بعمر قال فكان أحبهما إليه عمر قال الترمذي
حسن صحيح (قلت) وصححه ابن حبان أيضا وفي إسناده خارجة بن عبد الله صدوق فيه مقال
لكن له شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الترمذي أيضا ومن حديث أنس كما قدمته في القصة
المطولة ومن طريق أسلم مولى عمر عن عمر عن خباب وله شاهد مرسل أخرجه بن سعد من طريق
سعيد بن المسيب والاسناد صحيح إليه وروى ابن سعد أيضا من حديث صهيب قال لما أسلم عمر
قال المشركون انتصف القوم منا وروى البزار والطبراني من حديث ابن عباس نحوه (قوله
في السند أخبرنا عمر بن سعيد) أي ابن أبي حسين ووقع في رواية القابسي سعد بسكون العين وهو
وهم * الحديث السابع حديث ابن عباس قال وضع عمر على سريره فتكنفه الناس بنون وفاء
أي أحاطوا به من جميع جوانبه والأكناف النواحي (قوله وضع عمر على سريره) تقدم في اخر
مناقب أبي بكر بلفظ اني لواقف مع قوم وقد وضع عمر على سريره أي لما مات وهي جملة حالية من
عمر (قوله فلم يرعني) أي لم يفزعني والمراد انه رآه بغتة (قوله الا رجل آخذ) بوزن فاعل وفي رواية
الكشميهني اخذ بلفظ الفعل الماضي (قوله فترحم على عمر) تقدم في مناقب أبي بكر بلفظ فقال
يرحمك الله قوله أحب يجوز نصبه ورفعه واني يجوز فيه الفتح والكسر وفي هذا الكلام ان
عليا كان لا يعتقد ان لاحد عملا في ذلك الوقت أفضل من عمل عمر وقد اخرج ابن أبي شيبة
ومسدد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحو هذا الكلام وسنده صحيح وهو شاهد
جيد لحديث ابن عباس لكون مخرجه عن آل علي رضي الله عنهم (قوله مع صاحبيك) يحتمل
ان يريد ما وقع وهو دفنه عندهما ويحتمل ان يريد بالمعية ما يئول إليه الامر بعد الموت من دخول
الجنة ونحو ذلك والمراد بصاحبيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقوله وحسبت اني يجوز
فتح الهمزة وكسرها وتقدم في مناقب أبي بكر بلفظ لأني كثيرا ما كنت اسمع واللام للتعليل وما
إبهامية مؤكدة وكثيرا ظرف زمان وعامله كان قدم عليه وهو كقوله تعالى قليلا ما تشكرون
ووقع للأكثر كثيرا مما كنت اسمع بزيادة من ووجهت بان التقدير اني أجد كثيرا مما كنت اسمع
الحديث الثامن حديث أثبت أحد تقدم شرحه في مناقب أبي بكر (قوله وقال لي خليفة) هو
ابن خياط ومحمد بن سواء بمهملة وتخفيف ومد هو السدوسي البصري اخرج له هنا وفي الأدب
وكهمس بمهملة وزن جعفر هو ابن المنهال سدوسي أيضا بصري ما له في البخاري غير هذا الموضع
وسعيد هو ابن أبي عروبة وسقط جميع ذلك من رواية أبي ذر في بعض النسخ واقتصر على طريق
يزيد بن زريع (قوله فما عليك الا نبي أو صديق أو شهيد) تقدم في مناقب أبي بكر بلفظ فإنما
عليك نبي وصديق وشهيدان فتكون أو في حديث الباب بمعنى الواو ويكون لفظ شهيد للجنس
ووقع لبعضهم بلفظ نبي وصديق أو شهيد فقيل أو بمعنى الواو وقيل تغيير الأسلوب للاشعار بمغايرة
الحال لان صفتي النبوة والصديقية كانتا حاصلتين حينئذ بخلاف صفة الشهادة فإنها لم تكن
39

وقعت حينئذ * الحديث التاسع (قوله حدثني عمر هو ابن محمد) ووقع في رواية حرملة عن ابن
وهب حدثني عمر بن محمد بن زيد أي ابن عبد الله بن عمر (قوله سألني) ابن عمر عن بعض شانه يعني
عمر يريد ان ابن عمر سأل أسلم مولى عمر عن بعض شان عمر (قوله فقال ما رأيت) هو مقول ابن عمر
(قوله أجد) بفتح الجيم والتشديد افعل من جد إذا اجتهد وأجود افعل من الجود (قوله بعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل ان يكون المراد بالبعدية في الصفات ولا يتعرض فيه للزمان
فيتناول زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعده فيشكل بابي بكر الصديق وبغيره من الصحابة
ممن كان يتصف بالجود المفرط أو بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشكل بابي بكر
الصديق أيضا ويمكن تأويله بزمان خلافته وأجود افعل من الجود أي لم يكن أحد أجد منه
في الأمور ولا أجود بالأموال وهو محمول على وقت مخصوص وهو مدة خلافته ليخرج النبي صلى
الله عليه وسلم وأبو بكر من ذلك (قوله حتى انتهى) أي إلى آخر عمره وهذا بناء على أن فاعل
انتهى عمر وقائل ذلك ابن عمر ويحتمل ان يكون فاعل انتهى ابن عمر أي انتهى في الاتصاف
بعد أجد وأجود حتى فرغ مما عنده وقائل ذلك نافع والله أعلم * الحديث العاشر حديث أنس
ان رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة هو ذو الخويصرة اليماني وزعم بن بشكوال
انه أبو موسى الأشعري أو أبو ذر ثم ساق من حديث أبي موسى قلت يا رسول الله المرء يحب
القوم ولما يلحق بهم ومن حديث أبي ذر فقلت يا رسول الله المرء يحب القوم ولا يستطيع ان
يعمل بعملهم وسؤال هذين انما وقع عن العمل والسؤال في حديث الباب انما وقع عن
الساعة فدل على التعدد وسيأتي في الأدب من طريق آخر عن أنس ان السائل عن الساعة
أعرابي وكذا وقع عند الدارقطني من حديث أبن مسعود ان الأعرابي الذي بال في المسجد
قال يا محمد متى الساعة قال وما أعددت لها فدل على أن السائل في حديث أنس هو الأعرابي
الذي بال في المسجد وتقدم في الطهارة انه ذو الخويصرة اليماني كما أخرجه أبو موسى المديني في
دلائل معرفة الصحابة وسيأتي شرح هذا الحديث في كتاب الأدب والمراد منه ذكر أبي بكر وعمر
في حديث أنس هذا وانه قرنهما في العمل بالنبي صلى الله عليه وسلم والله * أعلم الحديث الحادي
عشر حديث أبي هريرة أورده من وجهين (قوله عن أبي هريرة) كذا قال أصحاب إبراهيم بن
سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة وخالفهم ابن وهب فقال عن إبراهيم
ابن سعد بهذا الاسناد عن أبي سلمة عن عائشة قال أبو مسعود لا اعلم أحدا تابع ابن وهب على هذا
والمعروف عن إبراهيم بن سعد انه عن أبي هريرة لا عن عائشة وتابعه زكريا بن أبي زائدة عن إبراهيم
ابن سعد يعني كما ذكره المصنف معلقا هنا وقال محمد بن عجلان عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة
عن عائشة أخرجه مسلم والترمذي والنسائي قال أبو مسعود وهو مشهور عن ابن عجلان
فكان أبا سلمة سمعه من عائشة ومن أبي هريرة جميعا (قلت) وله أصل من حديث عائشة أخرجه
ابن سعد من طريق بن أبي عتيق عنها وأخرجه من حديث خفاف بن إيماء انه كان يصلي مع
عبد الرحمن بن عوف فإذا خطب عمر سمعه يقول اشهد انك مكلم (قوله محدثون) بفتح الدال جمع
محدث واختلف في تأويله فقيل ملهم قاله الأكثر قالوا المحدث بالفتح هو الرجل الصادق الظن
وهو من ألقى في روعه شئ من قبل الملا الاعلى فيكون كالذي حدثه غيره به وبهذا جزم أبو أحمد
40

العسكري وقيل من يجري الصواب على لسانه من غير قصد وقيل مكلم أي تكلمه الملائكة
بغير نبوة وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ولفظه قيل يا رسول الله وكيف
يحدث قال تتكلم الملائكة على لسانه رويناه في فوائد الجوهري وحكاه القابسي وآخرون
ويؤيده ما ثبت في الرواية المعلقة ويحتمل رده إلى المعنى الأول أي تكلمه في نفسه وان لم ير مكلما
في الحقيقة فيرجع إلى الالهام وفسره ابن التين بالتفرس ووقع في مسند الحميدي عقب
حديث عائشة المحدث الملهم بالصواب الذي يلقي على فيه وعند مسلم من رواية ابن وهب
ملهمون وهي الإصابة بغير نبوة وفي رواية الترمذي عن بعض أصحاب بن عيينة محدثون يعني
مفهمون وفي رواية الإسماعيلي قال إبراهيم يعني ابن سعد راويه قوله محدث أي يلقي في
روعه انتهى ويؤيده حديث ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه أخرجه الترمذي من
حديث ابن عمر وأحمد من حديث أبي هريرة والطبراني من حديث بلال وأخرجه في الأوسط
من حديث معاوية وفي حديث أبي ذر عند أحمد وأبي داود يقول به بدل قوله وقلبه وصححه
الحاكم وكذا أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عمر نفسه (قوله زاد زكريا بن أبي زائدة
عن سعد) هو ابن إبراهيم المذكور وفي روايته زيادتان إحداهما بيان كونهم من بني إسرائيل
والثانية تفسير المراد بالمحدث في رواية غيره فإنه قال بدلها يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء (قوله
منهم أحد) في رواية الكشميهني من أحد ورواية زكريا وصلها الإسماعيلي وأبو نعيم في
مستخرجيهما وقوله وان يك في أمتي قيل لم يورد هذا القول مورد الترديد فان أمته أفضل الأمم
وإذا ثبت ان ذلك وجد في غيرهم فإمكان وجوده فيهم أولى وانما أورده مورد التأكيد كما يقول
الرجل ان يكن لي صديق فإنه فلان يريد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء ونحوه قول
الأجير ان كنت عملت لك فوفني حقي وكلاهما عالم بالعمل لكن مراد القائل ان تأخيرك حقي عمل
من عنده شك في كوني عملت وقيل الحكمة فيه ان وجودهم في بني إسرائيل كان قد تحقق
وقوعه وسبب ذلك احتياجهم حيث لا يكون حينئذ فيهم نبي واحتمل عنده صلى الله عليه وسلم ان
لا تحتاج هذه الأمة إلى ذلك لاستغنائها بالقران عن حدوث نبي وقد وقع الامر كذلك حتى أن
المحدث منهم إذا تحقق وجوده لا يحكم بما وقع له بل لابد له من عرضه على القرآن فان وافقه
أو وافق السنة عمل به والا تركه وهذا وان جاز ان يقع لكنه نادر ممن يكون امره منهم مبنيا على
اتباع الكتاب والسنة وتمحضت الحكمة في وجودهم وكثرتهم بعد العصر الأول في زيادة شرف
هذه الأمة بوجود أمثالهم فيه وقد تكون الحكمة في تكثيرهم مضاهاة بني إسرائيل في كثرة
الأنبياء فيهم فلما فات هذه الأمة كثرة الأنبياء فيها لكون نبيها خاتم الأنبياء عوضوا بكثرة
الملهمين وقال الطيبي المراد بالمحدث الملهم البالغ في ذلك مبلغ النبي صلى الله عليه وسلم في الصدق
والمعنى لقد كان فيما قبلكم من الأمم أنبياء ملهمون فان يك في أمتي أحد هذا شانه فهو عمر فكأنه
جعله (3) في انقطاع قرينه في ذلك هل نبي أم لا فلذلك اتى بلفظ ان ويؤيده حديث لو كان بعدي
نبي لكان عمر فلو فيه بمنزلة ان في الاخر على سبيل الفرض والتقدير انتهى والحديث المشار إليه
أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم من حديث عقبة بن عامر وأخرجه
الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد ولكن في تقرير الطيبي نظر لأنه وقع في نفس الحديث
41

من غير أن يكونوا أنبياء ولا يتم مراده الا بفرض انهم كانوا أنبياء (قوله قال ابن عباس من نبي
ولا محدث) أي في قوله تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا إذا تمنى الآية كان ابن
عباس زاد فيها ولا محدث أخرجه سفيان بن عيينة في أواخر جامعه وأخرجه عبد بن حميد من
طريقه وإسناده إلى ابن عباس صحيح ولفظه عن عمرو بن دينار قال كان ابن عباس يقرأ وما
أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث والسبب في تخصيص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في
زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الموافقات التي نزل القرآن مطابقا لها ووقع له بعد النبي صلى
الله عليه وسلم عدة اصابات * الحديث الثاني عشر حديث أبي هريرة في الذي كلمه الذئب أورده
مختصرا بدون قصة البقرة وقد تقدم شرحه في مناقب أبي بكر * الحديث الثالث عشر حديث
أبي أمامة عن أبي سعيد (قوله عن أبي سعيد الخدري) كذا رواه أكثر أصحاب الزهري ورواه
معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأبهمه
أخرجه أحمد وقد تقدم في الايمان من رواية صالح بن كيسان عن الزهري فصرح بذكر أبي سعيد
ووقع في التعبير من هذا الوجه عن أبي أمامة بن سهل انه سمع أبا سعيد (قوله رأيت الناس عرضوا
علي الحديث) وفيه عرض على عمر وعليه قميص اجتره أي لطوله وقد تقدم من رواية صالح بلفظ
يجره (قوله قالوا فما أولت ذلك) سيأتي في التعبير ان السائل عن ذلك أبو بكر ويأتي بقية شرحه
هناك إن شاء الله تعالى وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه ان عمر أفضل من أبي بكر
الصديق والجواب عنه تخصيص أبي بكر من عموم قوله عرض علي الناس فلعل الذين عرضوا
إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر وان كون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم ان لا يكون على أبي بكر قميص
أطول منه واسبغ فلعله كان كذلك الا ان المراد كان حينئذ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها والله أعلم *
الحديث الرابع عشر (قوله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) هو الذي يقال له ابن علية (قوله
عن المسور بن مخرمة) كذا رواه ابن علية ورواه حماد بن زيد كما علقه المصنف بعد فقال عن
ابن عباس وأخرجه الإسماعيلي من رواية القواريري عن حماد بن زيد موصولا ويحتمل ان
يكون محفوظا عن الاثنين (قوله لما طعن عمر) سيأتي بيان ذلك بعد في أواخر مناقب عثمان
(قوله وكأنه يجزعه) بالجيم والزاي الثقيلة أي ينسبه إلى الجزع ويلومه عليه أو معنى يجزعه
يزيل عنه الجزع وهو كقوله تعالى حتى إذا فزع عن قلوبهم أي أزيل عنهم الفزع ومثله مرضه
إذا عانى إزالة مرضه ووقع في رواية الجرجاني وكأنه جزع هذا يرجع الضمير فيه إلى عمر
بخلاف رواية الجماعة فان الضمير فيها لابن عباس ووقع في رواية حماد بن زيد وقال ابن عباس
مسست جلد عمر فقلت جلد لا تمسه النار ابدا قال فنظر إلي نظرة كنت أرثى له من تلك النظرة
(قوله ولئن كان ذاك) كذا في رواية الأكثر وفي رواية الكشميهني ولا كل ذلك أي لا تبالغ
في الجزع فيما أنت فيه ولبعضهم ولا كان ذلك وكأنه دعاء أي لا يكون ما تخافه أو لا يكون الموت
بتلك الطعنة (قوله ثم فارقت) كذا بحذف المفعول وللكشميهني ثم فارقته (قوله ثم صحبتهم
فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم) يعني المسلمين وفي رواية بعضهم ثم صحبت صحبتهم بفتح الصاد
والحاء والموحدة أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وفيه نظر للاتيان بصيغة الجمع
موضع التثنية قال عياض يحتمل ان يكون صحبت زائدة وانما هو ثم صحبتهم أي المسلمين قال
42

والرواية الأولى هي الوجه ورويناها في أمالي أبي الحسن بن رزقويه من حديث ابن عمر قال لما
طعن عمر قال له ابن عباس فذكر حديثا قال فيه ولما أسلمت كان اسلامك عزا (قوله فان ذلك
من) أي عطاء وفي رواية الكشميهني فإنما ذلك (قوله فهو من اجلك ومن أجل أصحابك في
رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي أصيحابك بالتصغير أي من جهة فكرته فيمن يستخلف عليهم أو
من أجل فكرته في سيرته التي سارها فيهم وكأنه غلب عليه الخوف في تلك الحالة مع هضم نفسه
وتواضعه لربه (قوله طلاع الأرض) بكسر الطاء المهملة والتخفيف أي ملأها واصل الطلاع
ما طلعت عليه الشمس والمراد هنا ما يطلع عليها ويشرف فوقها من المال (قوله قبل ان أراه) أي
العذاب وانما قال ذلك لغلبة الخوف الذي وقع له في ذلك الوقت من خشية التقصير فيما يجب عليه
من حقوق الرعية أو من الفتنة بمدحهم (قوله قال حماد بن زيد) وصله الإسماعيلي كما تقدم
والله أعلم وسيأتي مزيد في الكلام على هذا الحديث في قصة قتل عمر اخر مناقب عثمان واخرج
ابن سعد من طريق أبي عبيد مولى ابن عباس عن ابن عباس فذكر شيئا من قصة قتل عمر * الحديث
الخامس عشر حديث أبي موسى تقدم مبسوطا مع شرحه في مناقب أبي بكر بما يغني عن الإعادة
* الحديث السادس عشر (قوله أخبرني حياة) بفتح المهملة والواو بينهما تحتانية ساكنة هو ابن
شريح المصري (قوله عبد الله بن هشام) أي ابن زهرة بن عثمان التيمي ابن عم طلحة بن عبيد الله
(قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب) هو طرف من حديث يأتي
تمامه في الايمان والنذور وبقيته فقال له عمر يا رسول الله لانت أحب إلي من كل شئ الحديث
وقد ذكرت شيئا من مباحثه في كتاب الايمان وسيأتي بيان الوقت الذي قتل فيه عمر في اخر ترجمة
عثمان إن شاء الله تعالى (قوله باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي) هو عثمان
ابن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في
عبد مناف وعدد ما بينهما من الاباء متفاوت فالنبي صلى الله عليه وسلم من حيث العدد في درجة
عفان كما وقع لعمر سواء واما كنيته فهو الذي استقر عليه الامر وقد نقل يعقوب بن سفيان عن
الزهري انه كان يكنى أبا عبد الله بابنه عبد الله الذي رزقه من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومات عبد الله المذكور صغيرا وله ست سنين وحكى ابن سعد ان موته كان سنة أربع من
الهجرة وماتت أمه رقية قبل ذلك سنة اثنتين والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وكان بعض
من ينتقصه يكنيه أبا ليلى يشير إلى لين جانبه حكاه ابن قتيبة وقد اشتهر ان لقبه ذو النورين
وروى خيثمة في الفضائل والدارقطني في الافراد من حديث على أنه ذكر عثمان فقال ذاك امرؤ
يدعى في السماء ذا النورين وسأذكر اسم أمه ونسبها في الكلام على الحديث الثاني من ترجمته
(قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم من يحفر بئر رومة فله الجنة فحفرها عثمان وقال النبي
صلى الله عليه وسلم من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزه عثمان) هذا التعليق تقدم ذكر من
وصله في أواخر كتاب الوقف وبسطت هناك الكلام عليه وفيه من مناقب عثمان أشياء
كثيرة استوعبتها هناك فأغني عن اعادتها والمراد بجيش العسرة تبوك كما سيأتي في المغازي
43

وأخرج أحمد والترمذي من حديث عبد الرحمن بن حباب السلمي ان عثمان أعان فيها بثلاثمائة
بعير ومن حديث عبد الرحمن بن سمرة ان عثمان اتى فيها بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى
الله عليه وسلم وقد مضى في الوقف بقية طرقه وفي حديث حذيفة عند ابن عدي فجاء عثمان
بعشرة آلاف دينار وسنده واه ولعلها كانت بعشرة آلاف درهم فتوافق رواية ألف دينار
ثم ذكر المصنف في هذا الباب خمسة أحاديث * الأول حديث أبي موسى في قصة القف أوردها
مختصرة من طريق أبي عثمان عن أبي موسى وقد تقدم شرحها في مناقب أبي بكر الصديق
(قوله فسكت هنيهة) بالتصغير أي قليلا (قوله قال حماد وحدثنا عاصم) كذا للأكثر وهو بقية
الاسناد المتقدم وحماد هو ابن زيد ووقع في رواية أبي ذر وحده وقال حماد بن سلمة حدثنا عاصم
الخ والأول أصوب فقد أخرجه الطبراني عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب حدثنا
حماد بن زيد عن أيوب فذكر الحديث وفي آخره قال حماد فحدثني علي بن الحكم وعاصم انهما
سمعا أبا عثمان يحدث عن أبي موسى نحوا من هذا غير أن عاصما زاد فذكر الزيادة وقد وقع لي من
حديث حماد بن سلمة لكن عن علي بن الحكم وحده أخرجه بن أبي خيثمة في تاريخه عن موسى
ابن إسماعيل والطبراني من طريق حجاج بن منهال وهدبة بن خالد كلهم عن حماد بن سلمة عن علي
ابن الحكم وحده به وليست فيه الزيادة ثم وجدته في نسخة الصغاني مثل رواية أبي ذر والله أعلم
(قوله وزاد فيه عاصم ان النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن
ركبته فلما دخل عثمان غطاها) قال ابن التين أنكر الداودي هذه الرواية وقال هذه الزيادة
ليست من هذا الحديث بل دخل لرواتها حديث في حديث وانما ذلك الحديث ان أبا بكر اتى
النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته قد انكشف فخذه فجلس أبو بكر ثم دخل عمر ثم دخل عثمان
فغطاها الحديث (قلت) يشير إلى حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا
في بيته كاشفا عن فخذيه أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحالة الحديث وفيه
ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال الا استحي من رجل تستحي منه الملائكة وفي
رواية لمسلم انه صلى الله عليه وسلم قال في جواب عائشة ان عثمان رجل حي واني خشيت ان
أذنت له على تلك الحالة لا يبلغ إلي في حاجته انتهى وهذا لا يلزم منه تغليط رواية عاصم إذ
لا مانع ان يتفق النبي صلى الله عليه وسلم ان يغطي ذلك مرتين حين دخل عثمان وان يقع ذلك
في موطنين ولا سيما مع اختلاف مخرج الحديثين وانما يقال ما قاله الداودي حيث تتفق
المخارج فيمكن ان يدخل حديث في حديث لا مع افتراق المخارج كما في هذا والله أعلم * الحديث
الثاني حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار في قصة الوليد بن المغيرة (قوله ما يمنعك ان تكلم عثمان)
في رواية معمر عن الزهري الآتية في هجرة الحبشة ان تكلم خالك ووجه كون عثمان خاله
ان أم عبيد الله هذا هي أم قتال بنت أسيد بن أبي العاص بن أمية وهي بنت عم عثمان وأقارب
الام يطلق عليهم أخوال واما أم عثمان فهي أروى بنت كريز بالتصغير ابن ربيعة بن
حبيب بن عبد شمس وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب وهي شقيقة عبد الله والد النبي
صلى الله عليه وسلم ويقال انهما ولدا توأما حكاه الزبير بن بكار فكان ابن بنت عمة النبي صلى الله
عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم ابن خال والدته وقد أسلمت أم عثمان كما بينت ذلك في
44

كتاب الصحابة ورى محمد بن الحسن المخزومي في كتاب المدينة انها ماتت في خلافة ابنها
عثمان وانه كان ممن حملها إلى قبرها واما أبوه فهلك في الجاهلية (قوله لأخيه) اللام للتعليل أي
لأجل أخيه ويحتمل أن تكون بمعنى عن ووقع في رواية الكشميهني في أخيه (قوله الوليد)
أي ابن عقبة وصرح بذلك في رواية معمر وعقبة هو ابن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن
عبد شمس وكان أخا عثمان لامه وكان عثمان ولاه الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص فان
عثمان كان ولاه الكوفة لما ولي الخلافة بوصية من عمر كما سيأتي في آخر ترجمة عثمان في قصة مقتل
عمر ثم عزله بالوليد وذلك سنة خمس وعشرين وكان سبب ذلك أن سعدا كان أميرها وكان عبد الله
ابن مسعود على بيت المال فاقترض سعد منه مالا فجاءه يتقاضاه فاختصما فبلغ عثمان فغضب
عليهما وعزل سعدا واستحضر الوليد وكان عاملا بالجزيرة على عسر بها فولاه الكوفة وذكر
ذلك الطبري في تاريخه (قوله فقد أكثر الناس فيه) أي في شأن الوليد أي من القول ووقع في
رواية معمر وكان أكثر الناس فيما فعل به أي من تركه إقامة الحد عليه وانكارهم عليه
عزل سعد بن أبي وقاص به مع كون سعد أحد العشرة ومن أهل الشورى واجتمع له من
الفضل والسنن والعلم والدين والسبق إلى الاسلام ما لم يتفق شئ منه للوليد بن عقبة والعذر
لعثمان في ذلك أن عمر كان عزل سعدا كما تقدم بيانه في الصلاة وأوصى عمر من يلي الخلافة بعده
ان يولي سعدا قال لأني لم اعزله عن خيانة ولا عجز كما سيأتي ذلك في حديث مقتل عمر قريبا فولاه
عثمان امتثالا لوصية عمر ثم عزله للسبب الذي تقدم ذكره وولى الوليد لما ظهر له من كفايته
لذلك وليصل رحمه فلما ظهر له سوء سيرته عزله وانما اخر إقامة الحد عليه ليكشف عن حال من
شهد عليه بذلك فلما وضح له الامر أمر بإقامة الحد عليه وروى المدائني من طريق الشعبي ان
عثمان لما شهدوا عنده على الوليد حبسه (قوله فقصدت لعثمان حتى خرج) أي انه جعل غاية
القصد خروج عثمان وفي رواية الكشميهني حين خرج وهي تشعر بأن القصد صادف وقت
خروجه بخلاف الرواية الأخرى فإنها تشعر بأنه قصد إليه ثم انتظره حتى خرج ويؤيد الأول
رواية معمر فانتصبت لعثمان حين خرج (قوله إن لي إليك حاجة وهي نصيحة لك فقال يا أيها
المرء منك) كذا في رواية يونس (قوله قال معمر أعوذ بالله منك) هذا تعليق أراد به المصنف بيان
الخلاف بين الروايتين ورواية معمر قد وصلها في هجرة الحبشة كما قدمته ولفظه هناك فقال
يا أيها المرء أعوذ بالله منك قال بن التين انما استعاذ منه خشية ان يكلمه بشئ يقتضي الانكار
عليه وهو في ذلك معذور فيضيق بذلك صدره (قوله فانصرفت فرجعت إليهما) زاد في رواية معمر
فحدثتهما بالذي قلت لعثمان وقال لي فقالا قد قضيت الذي كان عليك (قوله إذ جاء رسول عثمان)
في رواية معمر فبينما انا جالس معهما إذ جاءني رسول عثمان فقالا لي قد ابتلاك الله فانطلقت
ولم اقف في شئ من الطرق على اسم هذا الرسول (قوله وكنت ممن استجاب) هو بفتح كنت على
المخاطبة وكذا هاجرت وصحبت وأراد بالهجرتين الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة وسيأتي
ذكرهما قريبا وزاد في رواية معمر ورأيت هديه أي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بفتح الهاء
وسكون الدال الطريقة وفي رواية شعيب عن الزهري الآتية في هجرة الحبشة وكنت صهر
رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله وقد أكثر الناس في شأن الوليد) زاد معمر بن عقبة فحق
45

عليك ان تقيم عليه الحد (قوله قال أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لا) في رواية
معمر فقال لي يا ابن أختي وفي رواية صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عمر بن شبة قال هل
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ومراده بالادراك إدراك السماع منه والاخذ عنه
وبالرؤية رؤية المميز له ولم يرد هنا الادراك بالسن فإنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فسيأتي
في المغازي في قصة مقتل حمزة من حديث وحشي بن حرب ما يدل على ذلك ولم يثبت ان أباه عدي
ابن الخيار قتل كافرا وان ذكر ذلك ابن مأكولا وغيره فان ابن سعد ذكره في طبقة الفتحيين وذكر
المدائني وعمر بن شبة في أخبار المدينة ان هذه القصة المحكية هنا وقعت لعدي بن الخيار نفسه
مع عثمان فالله اعلم قال ابن التين انما استثبت عثمان في ذلك لينبهه على أن الذي ظنه من
مخالفة عثمان ليس كما ظنه (قلت) ويفسر المراد من ذلك ما رواه أحمد من طريق سماك بن حرب
عن عبادة بن زاهر سمعت عثمان خطب فقال انا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
في السفر والحضر وان ناسا يعلموني سنته عسى ان لا يكون أحدهم رآه قط (قوله خلص) بفتح
المعجمة وضم اللام ويجوز فتحها بعدها مهملة أي وصل وأراد ابن عدي بذلك ان علم النبي صلى
الله عليه وسلم لم يكن مكتوما ولا خاصا بل كان شائعا ذائعا حتى وصل إلى العذراء المستترة
فوصوله إليه مع حرصه عليه أولى (قوله ثم أبو بكر مثله ثم عمر مثله) يعني قال في كل منهما فما
عصيته ولا غششته وصرح بذلك في رواية معمر (قوله ثم استخلفت) بضم التاء الأولى والثانية
(قوله أفليس لي من الحق مثل الذي لهم) في رواية معمر أفليس لي عليكم من الحق مثل الذي كان
لهم علي ووقع في رواية الأصيلي وهم يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى (قوله فما هذه الأحاديث
التي تبلغني عنكم) كأنهم كانوا يتكلمون في سبب تأخيره إقامة الحد على الوليد وقد ذكرنا عذره
في ذلك (قوله فأمره ان يجلد) في رواية الكشميهني ان يجلده (قوله فجلده ثمانين) في رواية
معمر فجلد الوليد أربعين جلدة وهذه الرواية أصح من رواية يونس والوهم فيه من الراوي
عنه شبيب بن سعيد ويرجح رواية معمر ما أخرجه مسلم من طريق أبي ساسان قال شهدت عثمان
اتى بالوليد وقد صلى الصبح ركعتين ثم قال أزيدكم فشهد عليه رجلان أحدهما حمران يعني
مولى عثمان انه قد شرب الخمر فقال عثمان يا علي قم فاجلده فقال علي قم يا حسن فاجلده فقال
الحسن ول حارها من تولى قارها فكأنه وجد عليه فقال يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده فجلده
وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال أمسك ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين
وعمر ثمانين وكل ذلك سنة وهذا أحب إلي انتهى والشاهد الاخر الذي لم يسم في هذه الرواية قيل
هو الصعب ابن جثامة الصحابي المشهور رواه يعقوب بن سفيان في تاريخه وعند الطبري من
طريق سيف في الفتوح ان الذي شهد عليه ولد الصعب واسمه جثامة كاسم جده وفي رواية
أخرى ان ممن شهد عليه أبا زينب بن عوف الأسدي وأبا مورع الأسدي وكذلك روى عمر بن
شبة في أخبار المدينة بإسناد حسن إلى أبي الضحى قال لما بلغ عثمان قصة الوليد استشار عليا فقال
أرى ان تستحضره فان شهدوا عليه بمحضر منه حددته ففعل فشهد عليه أبو زينب وأبو مورع
وجندب بن زهير الأزدي وسعد بن مالك الأشعري فذكر نحو رواية أبي ساسان وفيه فضربه
بمخصرة لها رأسان فلما بلغ أربعين قال له أمسك واخرج من طريق الشعبي قال قال
46

الحطيئة في ذلك
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه * ان الوليد أحق بالعدر
نادى وقد تمت صلاتهم * أأزيدكم سفها وما يدري
فاتوا أبا وهب ولو أذنوا * لقرنت بين الشفع والوتر
كفوا عنانك إذ جريت ولو * تركوا عنانك لم تزل تجري
وذكر المسعودي في المروج ان عثمان قال للذين شهدوا وما يدريكم انه شرب الخمر قالوا هي التي
كنا نشربها في الجاهلية وذكر الطبري ان الوليد ولي الكوفة خمس سنين قالوا وكان جوادا فولى
عثمان بعده سعيد بن العاص فسار فيهم سيرة عادلة فكان بعض الموالي يقول
يا ويلنا قد عزل الوليد * وجاءنا مجوعا سعيد * ينقص في الصاع ولا يزيد
الحديث الثالث حديث أنس أسكن أحد بضم الدال على أنه منادى مفرد وحذف منه حرف
النداء وقد تقدم الكلام عليه في مناقب أبي بكر ومن رواه بلفظ حراء وانه يمكن الجمع بالحمل على
التعدد ثم وجدت ما يؤيده فعند مسلم من حديث أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكره وفي رواية له وسعد وله شاهد من حديث سعيد بن زيد عند الترمذي
واخر عن علي عند الدارقطني * الحديث الرابع (قوله حدثنا شاذان) هو الأسود بن عامر وعبيد
الله هو ابن عمر (قوله ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم) تقدم الكلام
عليه في مناقب أبي بكر قال الخطابي انما لم يذكر ابن عمر عليا لأنه أراد الشيوخ وذوي الأسنان
الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزنه أمر شاورهم وكان علي في زمانه صلى الله عليه
وسلم حديث السن قال ولم يرد ابن عمر الازدراء به ولا تأخيره عن الفضيلة بعد عثمان انتهى وما
اعتذر به من جهة السن بعيد لا اثر له في التفضيل المذكور وقد اتفق العلماء على تأويل كلام
ابن عمر هذا لما تقرر عند أهل السنة قاطبة من تقديم علي بعد عثمان ومن تقديم بقية العشرة
المبشرة على غيرهم ومن تقديم أهل بدر على من لم يشهدها وغير ذلك فالظاهر أن ابن عمر انما أراد
بهذا النفي انهم كانوا يجتهدون في التفضيل فيظهر لهم فضائل الثلاثة ظهورا بينا فيجزمون به ولم
يكونوا حينئذ اطلعوا على التنصيص ويؤيده ما روى البزاز عن ابن مسعود قال كنا نتحدث ان
أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب رجاله موثقون وهو محمول على أن ذلك قاله ابن مسعود
بعد قتل عمر وقد حمل أحمد حديث ابن عمر على ما يتعلق بالترتيب في التفضيل واحتج في التربيع
بعلي بحديث سفينة مرفوعا الخلافة ثلاثون سنة ثم تصير ملكا أخرجه أصحاب السنن وصححه
ابن حبان وغيره وقال الكرماني لا حجة في قوله كنا نترك لان الأصوليين اختلفوا في صيغة كنا نفعل لا في صيغة كنا
لا نفعل لتصور تقرير الرسول في الأول دون الثاني وعلى تقدير ان يكون حجة
فما هو من العمليات حتى يكفي فيه الظن ولو سلمنا فقد عارضه ما هو أقوى منه ثم قال ويحتمل ان يكون
ابن عمر أراد ان ذلك كان وقع لهم في بعض أزمنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمنع ذلك أن
يظهر بعد ذلك لهم وقد مضت تتمة هذا في مناقب أبي بكر والله أعلم (قوله تابعه عبد الله بن صالح
عن عبد العزيز) أي بن أبي سلمة بإسناده المذكور وابن صالح هذا هو الجهني كاتب الليث وقيل هو
47

العجلي والد أحمد صاحب كتاب الثقات والله أعلم وكأن البخاري أراد بهذه المتابعة اثبات الطريق
إلى عبد العزيز بن أبي سلمة لان عباسا الدوري روى هذا الحديث عن شاذان فقال عن الفرج بن
فضالة عن يحيى بن سعيد عن نافع فكأن لشاذان فيه شيخين والله أعلم وقد أخرجه الإسماعيلي
من طريق أبي عمار والرمادي وعثمان بن أبي شيبة وغير واحد عن اسود بن عامر المذكور
وكذلك رواه عن عبد العزيز عبدة أبو سلمة الخزاعي وحجين بن المثنى * الحديث الخامس (قوله
حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل (قوله عثمان هو ابن موهب) نسبة إلى جده وهو عثمان بن عبد الله
ابن موهب بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء بعدها موحدة مولى بني تيم بصري تابعي وسط
من طبقة الحسن البصري وهو ثقة باتفاقهم وفي الرواة اخر يقال له عثمان بن موهب بصري
أيضا لكنه أصغر من هذا روى عن أنس روى عنه زيد بن الحباب وحده اخرج له النسائي
(قوله جاء رجل من أهل مصر وحج البيت) لم اقف على اسمه ولا على اسم من اجابه من القوم
ولا على أسماء القوم وسيأتي في تفسير قوله تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة من سورة البقرة
ما قد يقترب انه العلاء بن عرار وهو بمهملات وكذا في مناقب على بعد هذا ويأتي في سورة الأنفال
ان الذي باشر السؤال اسمه حكيم وعليه اقتصر شيخنا ابن الملقن وهذا كله بناء على أن الحديثين
في قصة واحدة (قوله قال فمن الشيخ) أي الكبير (فيهم) الذي يرجعون إلى قوله (قوله هل تعلم أن
عثمان فر يوم أحد الخ) الذي يظهر من سياقه ان السائل كان ممن يتعصب على عثمان فأراد
بالمسائل الثلاث ان يقرر معتقده فيه ولذلك كبر مستحسنا لما اجابه به ابن عمر (قوله قال ابن
عمر تعال أبين لك) كأن ابن عمر فهم منه مراده لما كبر والا لو فهم ذلك من أول سؤاله لقرن العذر
بالجواب وحاصله انه عابه بثلاثة أشياء فاظهر له ابن عمر العذر عن جميعها اما الفرار فبالعفو واما
التخلف فبالأمر وقد حصل له مقصود من شهد من ترتب الامرين الدنيوي وهو الهم
والأخروي وهو الاجر واما البيعة فكان مأذونا له في ذلك أيضا ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم
خير لعثمان من يده كما ثبت ذلك أيضا عن عثمان نفسه فيما رواه البزار بإسناد جيد انه عاتب
عبد الرحمن بن عوف فقال له لم ترفع صوتك علي فذكر الأمور الثلاثة فأجابه عثمان بمثل ما أجاب
به ابن عمر قال في هذه فشمال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لي من يميني (قوله فأشهد ان الله
عفا عنه وغفر له) يريد قوله تعالى ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان
ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ان الله غفور حليم (قوله واما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) هي رقية فروى الحاكم في المستدرك من طريق حماد بن سلمة
عن هشام بن عروة عن أبيه قال خلف النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وأسامة بن زيد على رقية في
مرضها لما خرج إلى بدر فماتت رقية حين وصل زيد بن حارثة بالبشارة وكان عمر رقية لما ماتت
عشرين سنة قال ابن إسحاق ويقال ان ابنها عبد الله بن عثمان مات بعدها سنة أربع من الهجرة
وله ست سنين (قوله فلو كان أحد ببطن مكة أعز من عثمان) أي على من بها (لبعثه) أي النبي صلى
الله عليه وسلم (مكانه) أي بدل عثمان (قوله فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة
الرضوان) أي بعد أن بعثه والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عثمان ليعلم قريشا
انه انما جاء معتمرا لا محاربا ففي غيبة عثمان شاع عندهم ان المشركين تعرضوا لحرب المسلمين فاستعد
48

المسلمون للقتال وبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ تحت الشجرة على أن لا يفروا وذلك في غيبة
عثمان وقيل بل جاء الخبر بان عثمان قتل فكان ذلك سبب البيعة وسيأتي إيضاح ذلك في عمرة
الحديبية من المغازي (قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى) أي أشار بها (قوله
هذه يد عثمان) أي بدلها فضرب بها على يده اليسرى فقال هذه أي البيعة لعثمان أي عن عثمان
(قوله فقال له ابن عمر اذهب بها الان معك) أي اقرن هذا العذر بالجواب حتى لا يبقى لك فيما
أجبتك به حجة على ما كنت تعتقده من غيبة عثمان وقال الطيبي قال له ابن عمر تهكما به أي توجه
بما تمسكت به فإنه لا ينفعك بعد ما بينت لك وسيأتي بقيته لما دار بينهما في ذلك في مناقب علي
إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * وقع هنا عند الأكثر حديث أنس المذكور قبل بحديثين والذي
أوردناه هو ترتيب ما وقع في رواية أبي ذر والخطب في ذلك سهل (قوله باب قصة
البيعة) أي بعد عمر (قوله والاتفاق على عثمان) زاد السرخسي في روايته ومقتل عمر بن
الخطاب (قوله عن عمرو بن ميمون) هو الأزدي وهذا الحديث بطوله قد رواه عن عمرو بن ميمون
أيضا أبو إسحاق السبيعي وروايته عند ابن أبي شيبة والحرث وابن سعد وفي روايته زوائد ليست
في رواية حصين وروى بعض قصة مقتل عمر أيضا أبو رافع وروايته عند أبي يعلى وابن حبان وجابر
وروايته عند ابن أبي عمر وعبد الله بن عمر وروايته في الأوسط للطبراني ومعد ان بن أبي طلحة
وروايته عند مسلم وعند كل منهم ما ليس عند الاخر وسأذكر ما فيها وفي غيرها من فائدة زائدة إن شاء
الله تعالى (قوله رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل ان يصاب) أي قبل ان يقتل (بأيام) أي
أربعة كما سيأتي (قوله بالمدينة) أي بعد أن صدر من الحج وقد تقدم في الجنائز من حديث ابن
عباس ان ذلك كان لما رجع من الحج وفيه قصة صهيب ويأتي في الاحكام بنحو ذلك وكان ذلك
سنة ثلاث وعشرين بالاتفاق (قوله ووقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال كيف
فعلتما أتخافان ان تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق) الأرض المشار إليها هي ارض السواد
وكان عمر بعثهما يضربان عليها الخراج وعلى أهلها الجزية بين ذلك أبو عبيد في كتاب الأموال
من رواية عمرو بن ميمون المذكور وقوله انظرا أي في التحميل أو هو كناية عن الحذر لأنه
يستلزم النظر (قوله قالا حملناها أمرا هي له مطيقة) في رواية ابن أبي شيبة عن محمد بن
فضيل عن حصين بهذا الاسناد فقال حذيفة لو شئت لأضعفت أرضي أي جعلت خراجها
ضعفين وقال عثمان بن حنيف لقد حملت أرضي أمرا هي له مطيقة وله من طريق الحكم عن
عمرو بن ميمون ان عمر قال لعثمان بن حنيف لئن زدت على كل رأس درهمين وعلى كل جريب
درهما وقفيزا من طعام لأطاقوا ذلك قال نعم (قوله اني القائم) أي في الصف ننتظر صلاة الصبح
(قوله ما بيني وبينه) أي عمر (الا عبد الله بن عباس) في رواية أبي إسحاق الا رجلان (قوله وكان
إذا مر بين الصفين قال استووا حتى إذا لم ير فيهن) أي في الصفوف وفي رواية الكشميهني
فيهم أي في أهلها خللا تقدم فكبر وفي رواية الإسماعيلي من طريق جرير عن حصين
وكان إذا دخل المسجد وأقيمت الصلاة تأخر بين كل صفين فقال استووا حتى لا يرى خللا ثم يتقدم
ويكبر وفي رواية أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون شهدت عمر يوم طعن فما منعني ان أكون في
الصف الأول الا هيبته وكان رجلا مهيبا وكنت في الصف الذي يليه وكان عمر لا يكبر حتى
يستقبل الصف المقدم بوجهه فإن رأى رجلا متقدما من الصف أو متأخرا ضربه بالدرة فذلك
49

الذي منعني منه (قوله قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه) في رواية جرير فتقدم فما هو الا ان كبر
فطعنه أبو لؤلؤة فقال قتلني الكلب في رواية أبي إسحاق المذكورة فعرض له أبو لؤلؤة غلام
المغيرة بن شعبة فتأخر عمر غير بعيد ثم طعنه ثلاث طعنات فرأيت عمر قائلا بيده هكذا يقول
دونكم الكلب فقد قتلني واسم أبي لؤلؤة فيروز كما سيأتي فروى ابن سعد بإسناد صحيح إلى الزهري
قال كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة
يذكر له غلاما عنده صانعا ويستأذنه ان يدخله المدينة ويقول إن عنده أعمالا تنفع الناس انه
حداد نقاش نجار فأذن له فضرب عليه المغيرة كل شهر مائة فشكى إلى عمر شدة الخراج فقال له
ما خراجك بكثير في جنب ما تعمل فانصرف ساخطا فلبث عمر ليالي فمر به العبد فقال ألم أحدث
انك تقول لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح فالتفت إليه عابسا فقال لاصنعن لك رحى يتحدث
الناس بها فاقبل عمر على من معه فقال توعدني العبد فلبث ليالي ثم اشتمل على خنجر ذي رأسين
نصابه وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس حتى خرج عمر يوقظ الناس الصلاة
الصلاة وكان عمر يفعل ذلك فلما دنا منه عمر وثب إليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت
السرة قد خرقت الصفاق وهي التي قتلته وفي حديث أبي رافع كان أبو لؤلؤة عبدا للمغيرة وكان
يستغله أربعة دراهم أي كل يوم فلقي عمر فقال إن المغيرة أثقل علي فقال اتق الله وأحسن
إليه ومن نية عمر ان يلقى المغيرة فيكلمه فيخفف عنه فقال العبد وسع الناس عدله غيري وأضمر
على قتله فاصطنع له خنجرا له رأسان وسمه فتحرى صلاة الغداة حتى قام عمر فقال أقيموا
صفوفكم فلما كبر طعنه في كتفه وفي خاصرته فسقط وعند مسلم من طريق معدان بن أبي طلحة
ان عمر خطب فقال رأيت ديكا نقرني ثلاث نقرات ولا أراه الا حضور أجلي وفي رواية جويرية بن
قدامة عن عمر نحوه وزاد فما مر الا تلك الجمعة حتى طعن وعند ابن سعد من رواية سعيد بن أبي
هلال قال بلغني ان عمر ذكر نحوه وزاد فحدثتها أسماء بنت عميس فحدثتني انه يقتلني رجل من
الأعاجم وروى عمر بن شبة في كتاب المدينة من حديث ابن عمر بإسناد حسن ان عمر دخل بأبي
لؤلؤة البيت ليصلح له ضبة له فقال له مر المغيرة ان يضع عني من خراجي قال إنك لتكسب كسبا
كثيرا فاصبر الحديث وللطبراني في الأوسط بسند صحيح عن المبارك بن فضالة عن عبيد الله عن
نافع عن ابن عمر طعن أبو لؤلؤة عمر طعنتين ويحمل على أنه لم يذكر الثالثة التي قتلته (قوله حتى
طعن ثلاثة عشر رجلا) في رواية أبي إسحاق اثني عشر رجلا معه وهو ثالث عشر زاد ابن سعد من
رواية إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون وعلى عمر ازار اصفر قد رفعه على صدره فلما طعن قال وكان
أمر الله قدرا مقدورا (قوله مات منهم سبعة) أي وعاش الباقون ووقفت من أسمائهم على
كليب بن البكير الليثي وله ولإخوته عاقل وعامر وإياس صحبة فروينا في جزء أبي الجهم بالاسناد
الصحيح إلى ابن عمر انه كان مع عمر صادرا من الحج فمر بامرأة فدفنها كليب الليثي فشكر له ذلك عمر
وقال أرجو ان يدخله الله الجنة قال فطعنه أبو لؤلؤة لما طعن عمر فمات وروى عبد الرزاق من
طريق نافع نحوه ومن طريق الزهري طعن أبو لؤلؤة اثني عشر رجلا فمات منهم عمر وكليب
وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن في قصة قتل عمر فطعن أبو لؤلؤة
كليب بن البكير فاجهز عليه (قوله فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا) وقع في ذيل
50

الاستيعاب لابن فتحون من طريق سعيد بن يحيى الأموي قال حدثنا أبي حدثني من سمع حصين
ابن عبد الرحمن في هذه القصة قال فلما رأى ذلك رجل من المهاجرين يقال له حطان التميمي
اليربوعي طرح عليه برنسا وهذا أصح مما رواه ابن سعد بإسناد ضعيف منقطع قال طعن أبو لؤلؤة
نفرا فأخذ أبا لؤلؤة رهط من قريش منهم عبد الله بن عوف وهاشم بن عتبة الزهريان ورجل من
بني سهم وطرح عليه عبد الله بن عوف خميصة كانت عليه فان ثبت هذا حمل على أن الكل
اشتركوا في ذلك وروى ابن سعد عن الواقدي بإسناد اخر ان عبد الله بن عوف المذكور احتز
رأس أبي لؤلؤة (قوله وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه) أي للصلاة بالناس (قوله
فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة) في رواية أبي إسحاق بأقصر سورتين في القرآن انا أعطيناك
الكوثر وإذا جاء نصر الله والفتح وزاد في رواية ابن شهاب المذكورة ثم غلب عمر النزف حتى غشي
عليه فاحتملته في رهط حتى أدخلته بيته فلم يزل في غشيته حتى أسفر فنظر في وجوهنا فقال أصلي
الناس فقلت نعم قال لا إسلام لمن ترك الصلاة ثم توضأ وصلى وفي رواية ابن سعد من طريق ابن عمر
قال فتوضأ وصلى الصبح فقرأ في الأولى والعصر وفي الثانية قل يا أيها الكافرون قال وتساند
إلي وجرحه يثغب دما اني لا ضع إصبعي الوسطى فما تسد الفتق (قوله فلما انصرفوا قال يا ابن
عباس انظر من قتلني) في رواية أبي إسحاق فقال عمر يا عبد الله بن عباس اخرج فناد في الناس اعن
ملا منكم كان هذا فقالوا معاذ الله ما علمنا ولا اطلعنا وزاد مبارك بن فضالة فظن عمر ان له ذنبا إلى
الناس لا يعلمه فدعا ابن عباس وكان يحبه ويدنيه فقال أحب ان تعلم عن ملا من الناس كان هذا
فخرج لا يمر بملا من الناس الا وهم يبكون فكأنما فقدوا ابكار أولادهم قال ابن عباس فرأيت
البشر في وجهه (قوله الصنع) بفتح المهملة والنون وفي رواية ابن فضيل عن حصين عند ابن أبي
شيبة وابن سعد الصناع بتخفيف النون قال أهل اللغة رجل صنع اليد واللسان وامرأة صناع اليد
وحكى أبو زيد الصناع والصنع يقعان معا على الرجل والمرأة (قوله لم يجعل ميتتي) بكسر الميم
وسكون التحتانية بعدها مثناة أي قتلتي وفي رواية الكشميهني منيتي بفتح الميم وكسر النون
وتشديد التحتانية (قوله رجل يدعي الاسلام) في رواية ابن شهاب فقال الحمد لله الذي لم يجعل
قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط وفي رواية مبارك بن فضالة يحاجني يقول لا إله
إلا الله ويستفاد من هذا ان المسلم إذا قتل متعمدا ترجى له المغفرة خلافا لمن قال إنه لا يغفر له ابدا
وسيأتي بسط ذلك في تفسير سورة النساء وفي رواية بن أبي شيبة قاتله الله لقد أمرت به معروفا أي
انه لم يحف عليه فيما امره به وفي حديث جابر فقال عمر لا تعجلوا على الذي قتلني فقيل إنه قتل
نفسه فاسترجع عمر فقيل له انه أبو لؤلؤة فقال الله أكبر (قوله قد كنت أنت وأبوك تحبان ان
تكثر العلوج بالمدينة) في رواية ابن سعد من طريق محمد بن سيرين عن ابن عباس فقال عمر هذا
من عمل أصحابك كنت أريد ان لا يدخلها علج من السبي فغلبتموني وله من طريق أسلم مولى عمر
قال قال عمر من أصابني قالوا أبو لؤلؤة واسمه فيروز قال قد نهيتكم ان تجلبوا عليها من علوجهم
أحدا فعصيتموني ونحوه في رواية مبارك بن فضالة وروى عمر بن شبة من طريق ابن سيرين قال
بلغني ان العباس قال لعمر لما قال لا تدخلوا علينا من السبي الا الوصفاء ان عمل المدينة شديد
لا يستقيم الا بالعلوج (قوله إن شئت فعلت) قال ابن التين انما قال له ذلك لعلمه بان عمر لا يأمر
51

بقتلهم (قوله كذبت) هو على ما ألف من شدة عمر في الدين لأنه فهم من ابن عباس من قوله إن
شئت فعلنا أي قتلناهم فأجابه بذلك وأهل الحجاز يقولون كذبت في موضع أخطأت وانما قال له
بعد أن صلوا لعلمه ان المسلم لا يحل قتله ولعل ابن عباس انما أراد قتل من لم يسلم منهم (قوله فأتي
بنبيذ فشربه) زاد في حديث أبي رافع لينظر ما قدر جرحه وفي رواية أبي إسحاق فلما أصبح دخل
عليه الطبيب فقال أي الشراب أحب إليك قال النبيذ فدعا بنبيذ فشرب فخرج من جرحه فقال
هذا صديد ائتوني بلبن فأتي بلبن فشربه فخرج من جرحه فقال الطبيب أوص فاني لا أظنك الا
ميتا من يومك أو من غد (قوله فخرج من جوفه) في رواية الكشميهني من جرحه وهي أصوب وفي
رواية أبي رافع فخرج النبيذ فلم يدر أهو نبيذ أم دم وفي روايته فقالوا لا بأس عليك يا أمير المؤمنين
فقال إن يكن القتل بأسا فقد قتلت وفي رواية ابن شهاب قال فأخبرني سالم قال سمعت ابن عمر
يقول فقال عمر أرسلوا إلي طبيب ينظر إلى جرحي قال فأرسلوا إلى طبيب من العرب فسقاه نبيذا
فشبه النبيذ بالدم حين خرج من الطعنة التي تحت السرة قال فدعوت طبيبا اخر من الأنصار
فسقاه لبنا فخرج اللبن من الطعنة أبيض فقال أعهد يا أمير المؤمنين فقال عمر صدقني ولو قال غير
ذلك لكذبته وفي رواية مبارك بن فضالة ثم دعا بشربة من لبن فشربها فخرج مشاش اللبن من
الجرحين فعرف انه الموت فقال الان لو أن لي الدنيا كلها لافتديت به من هول المطلع وما ذاك
والحمد لله ان أكون رأيت الا خيرا * (تنبيه) * المراد بالنبيذ المذكور تمرات نبذت في ماء أي
نقعت فيه كانوا يصنعون ذلك لاستعذاب الماء وسيأتي بسط القول فيه في الأشربة (قوله وجاء
الناس يثنون عليه) في رواية الكشميهني فجعلوا يثنون عليه ووقع في حديث جابر عند ابن سعد
من تسمية من أثنى عليه عبد الرحمن بن عوف وانه اجابه بما أجاب به غيره وروى عمر بن شبة من
طريق سليمان بن يسار ان المغيرة اثنى عليه وقال له هنيئا لك الجنة واجابه بنحو ذلك وروى ابن أبي
شيبة من طريق المسور بن مخرمة انه ممن دخل على عمر حين طعن وعند ابن سعد من طريق جويرية
ابن قدامة فدخل عليه الصحابة ثم أهل المدينة ثم أهل الشام ثم أهل العراق فكلما دخل عليه قوم
بكوا واثنوا عليه وقد تقدم طرف منه من هذا الوجه في الجزية ووقع في رواية أبي إسحاق عند
ابن سعد واتاه كعب أي كعب الأحبار فقال ألم أقل لك انك لا تموت الا شهيدا وانك تقول من أين
واني في جزيرة العرب (قوله وجاء رجل شاب) في رواية جرير عن حصين السابقة في الجنائز وولج
عليه شاب من الأنصار وقد وقع في رواية سماك الحنفي عن ابن عباس عند ابن سعد انه اثنى على عمر
فقال له نحوا مما قال هنا للشاب فلو قال في هذه الرواية انه من الأنصار لساغ ان يفسر المبهم بابن
عباس لكن لا مانع من تعدد المثنين مع اتحاد جوابه كما تقدم ويؤيده أيضا ان في قصة هذا الشاب
انه لما ذهب رأى عمر إزاره يصل إلى الأرض فأنكر عليه ولم يقع ذلك في قصة ابن عباس وفي إنكاره
علي ابن عباس ما كان عليه من الصلابة في الدين وانه لم يشغله ما هو فيه من الموت عن الامر
بالمعروف وقوله ما قد علمت مبتدأ وخبره لك وقد أشار إلى ذاك ابن مسعود فروى عمر بن شبة من
حديثه نحو هذه القصة وزاد قال عبد الله يرحم الله عمر لم يمنعه ما كان فيه من قول الحق (قوله
وقدم) بفتح القاف وكسرها فالأول بمعنى الفضل والثاني بمعنى السبق (قوله ثم شهادة) بالرفع
عطفا على ما قد علمت وبالجر عطفا على صحبة ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف
52

والأول أقوى وقد وقع في رواية ابن جرير ثم الشهادة بعد هذا كله (قوله لا علي ولا لي) أي سواء
بسواء (قوله أنقى لثوبك) بالنون ثم القاف للأكثر وبالموحدة بدل النون للكشميهني ووقع في
رواية المبارك بن فضالة قال ابن عباس وان قلت ذلك فجزاك الله خيرا أليس قد دعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ان يعز الله بك الدين والمسلمين إذ يخافون بمكة فلما أسلمت كان اسلامك عزا
وظهر بك الاسلام وهاجرت فكانت هجرتك فتحا ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله صلى الله
عليه وسلم من قتال المشركين ثم قبض وهو عنك راض ووازرت الخليفة بعده على منهاج النبي
صلى الله عليه وسلم فضربت من أدبر بمن أقبل ثم قبض الخليفة وهو عنك راض ثم وليت بخير
ما ولي الناس مصر الله بك الأمصار وجبا بك الأموال ونفى بك العدو وادخل بك على أهل بيت
من سيوسعهم في دينهم وارزاقهم ثم ختم لك بالشهادة فهنيئا لك فقال والله ان المغرور من تغرونه
ثم قال أتشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة فقال نعم فقال اللهم لك الحمد وفي رواية مبارك بن
فضالة أيضا قال الحسن البصري وذكر له فعل عمر عند موته وخشيته من ربه فقال هكذا المؤمن
جمع احسانا وشفقة والمنافق جمع إساءة وعزة والله ما وجدت انسانا ازداد احسانا الا وجدته ازداد
مخافة وشفقة ولا ازداد إساءة الا ازداد عزة (قوله يا عبد الله بن عمر انظر ماذا علي من الدين فحسبوه
فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه) في حديث جابر ثم قال يا عبد الله أقسمت عليك بحق الله وحق
عمر إذا مت فدفنتني ان لا تغسل رأسك حتى تبيع من رباع آل عمر بثمانين ألفا فتضعها في بيت مال
المسلمين فسأله عبد الرحمن بن عوف فقال أنفقتها في حجج حججتها وفي نوائب كانت تنوبني وعرف
بهذا جهة دين عمر قال ابن التين قد علم عمرانه لا يلزمه غرامة ذلك الا انه أراد ان لا يتعجل من عمله
شئ في الدنيا ووقع في أخبار المدينة لمحمد بن الحسن بن زباله ان دين عمر كان ستة وعشرين ألفا وبه
جزم عياض والأول هو المعتمد (قوله إن وفي له مال آل عمر) كأنه يريد نفسه ومثله يقع في فكلامهم
كثيرا ويحتمل ان يريد رهطه وقوله والا فسل في بني عدي بن كعب هم البطن الذي هو منهم
وقريش قبيلته وقوله لا تعدهم بسكون العين أي لا تتجاوزهم وقد أنكر نافع مولى ابن عمر ان
يكون على عمر دين فروى عمر بن شبة في كتاب المدينة بإسناد صحيح ان نافعا قال من أين يكون على
عمر دين وقد باع رجل من ورثته ميراثه بمائة الف انتهى وهذا لا ينفي ان يكون عند موته عليه
دين فقد يكون الشخص كثير المال ولا يستلزم نفي الدين عنه فلعل نافعا أنكر ان يكون دينه لم
يقض (قوله فاني لست اليوم للمؤمنين أميرا) قال ابن التين انما قال ذلك عندما أيقن بالموت
إشارة بذلك إلى عائشة حتى لا تحابيه لكونه أمير المؤمنين وسيأتي في كتاب الأحكام ما يخالف
ظاهره ذلك فيحمل هذا النفي على ما أشار إليه ابن التين انه أراد ان يعلم أن سؤاله لها بطريق الطلب
لا بطريق الامر (قوله ولأوثرنه به اليوم على نفسي) استدل به وباستئذان عمر لها على ذلك على
انها كانت تملك البيت وفيه نظر بل الواقع انها كانت تملك منفعته بالسكنى فيه والاسكان
ولا يورث عنها وحكم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كالمعتدات لأنهن لا يتزوجن بعده صلى
الله عليه وسلم وقد تقدم شئ من هذا في أواخر الجنائز وتقدم فيه وجه الجمع بين قول عائشة لأوثرنه
على نفسي وبين قولها لابن الزبير لا تدفني عندهم باحتمال أن تكون ظنت انه لم يبق هناك وسع
ثم تبين لها إمكان ذلك بعد دفن عمر ويحتمل ان يكون مرادها بقولها لأوثرنه على نفسي
53

الإشارة إلى انها لو أذنت في ذلك لامتنع عليها الدفن هناك لمكان عمر لكونه أجنبيا منها بخلاف
أبيها وزوجها ولا يستلزم ذلك أن لا يكون في المكان سعة أم لا ولهذا كانت تقول بعد أن دفن عمر
لم أضع ثيابي عني منذ دفن عمر في بيتي أخرجه ابن سعد وغيره وروي عنها في حديث لا يثبت انها
استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم ان عاشت بعده ان تدفن إلى جانبه فقال لها وانى لك بذلك
وليس في ذلك الموضع الا قبري وقبر أبي بكر وعمر وعيسى بن مريم وفي أخبار المدينة من وجه
ضعيف عن سعيد بن المسيب قال إن قبور الثلاثة في صفة بيت عائشة وهناك موضع قبر يدفن فيه
عيسى عليه السلام (قوله ارفعوني) أي من الأرض كأنه كان مضطجعا فأمرهم ان يقعدوه
(قوله فأسنده رجل إليه) لم اقف على اسمه ويحتمل انه ابن عباس ويؤيده ما في رواية المبارك ان
ابن عباس لما فرغ من الثناء عليه قال فقال له عمر ألصق خدي بالأرض يا عبد الله بن عمر قال ابن
عباس فوضعته من فخذي على ساقي فقال الصق خدي بالأرض فوضعته حتى وضع لحيته وخده
بالأرض فقال ويلك عمر ان لم يغفر الله لك (قوله ما كان شئ أهم إلي من ذلك وقوله (3) إذا مت
فاستأذن) ذكر ابن سعد عن معن بن عيسى عن مالك ان عمر كان يخشى أن تكون أذنت في حياته
حياء منه وان ترجع عن ذلك بعد موته فأراد ان لا يكرهها على ذلك وقد تقدم ما فيه في أواخر
الجنائز (قوله وجاءت أم المؤمنين حفصة) أي بنت عمر (قوله فولجت عليه) أي دخلت على عمر
فمكثت وفي رواية الكشميهني فبكت وذكر ابن سعد بإسناد صحيح عن المقدام بن معد يكرب انها
قالت يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا صهر رسول الله يا أمير المؤمنين فقال عمر لا صبر لي
على ما اسمع احرج عليك بمالي عليك من الحق ان تندبينني بعد مجلسك هذا فأما عينيك فلن
أملكهما (قوله فولجت داخلا لهم) أي مدخلا كان في الدار (قوله فقالوا أوص يا أمير المؤمنين
استخلف) سيأتي في الاحكام ما يدل على أن الذي قال له ذلك هو عبدا لله بن عمر وروى بن شبة
بإسناد فيه انقطاع ان أسلم مولى عمر قال لعمر حين وقف لم يول أحدا بعده يا أمير المؤمنين ما يمنعك
ان تصنع كما صنع أبو بكر ويحتمل ان يكون ذلك قبل ان يطعنه أبو لؤلؤة فقد روى مسلم من طريق
معدان بن أبي طلحة ان عمر قال في خطبته قبل أن يطعن ان أقواما يأمرونني ان أستخلف (قوله
من هؤلاء النفر أو الرهط) شك من الراوي (قوله فسمى عليا وعثمان إلى آخره) وقع عند ابن سعد
من رواية ابن عمر انه ذكر عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعليا وفيه قلت لسالم أبدأ بعبد الرحمن بن
عوف قبلهما قال نعم فدل هذا على أن الرواة تصرفوا لان الواو لا ترتب واقتصار عمر على الستة
من العشرة لا اشكال فيه لأنه منهم وكذلك أبو بكر ومنهم أبو عبيدة وقد مات قبل ذلك واما
سعيد بن زيد فهو ابن عم عمر فلم يسمه عمر فيهم مبالغة في التبري من الامر وقد صرح في رواية
المدايني بأسانيده ان عمر عد سعيد بن زيد فيمن توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض الا انه
استثناه من أهل الشورى لقرابته منه وقد صرح بذلك المدايني بأسانيده قال فقال عمر لا أرب لي
في أموركم فأرغب فيها لاحد من أهلي (قوله وقال يشهدكم عبد الله بن عمر) ووقع في رواية الطبري
من طريق المدايني بأسانيده قال فقال له رجل استخلف عبد الله بن عمر قال والله ما أردت الله
بهذا وأخرج ابن سعد بسند صحيح من مرسل إبراهيم النخعي نحوه قال فقال عمر قاتلك الله والله
ما أردت بالله بهذا استخلف من لم يحسن ان يطلق امرأته (قوله كهيئة التعزية له) أي لابن عمر
54

لأنه لما أخرجه من أهل الشورى في الخلافة أراد جبر خاطره بأن جعله من أهل المشاورة في ذلك
وزعم الكرماني ان قوله كهيئة التعزية له من كلام الراوي لا من كلام عمر فلم أعرف من أين تهيأ له
الجزم بذلك مع الاحتمال وذكر المدايني ان عمر قال لهم إذا اجتمع ثلاثة على رأي وثلاثة على رأي
فحكموا عبد الله بن عمر فإن لم ترضوا بحكمه فقدموا من معه عبد الرحمن بن عوف (قوله فان
أصابت الا مرة) بكسر الهمزة وللكشميهني الامارة (سعدا) يعني ابن أبي وقاص وزاد المدايني
وما أظن أن يلي هذا الامر الا علي أو عثمان فان ولي عثمان فرجل فيه لين وان ولي علي فستختلف
عليه الناس وان ولي سعد والا فليستعن به الوالي ثم قال لأبي طلحة ان الله قد نصر بكم الاسلام
فاختر خمسين رجلا من الأنصار واستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم (قوله وقال
أوصي الخليفة من بعدي) في رواية أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون فقال ادعوا لي عليا وعثمان
وعبد الرحمن وسعدا والزبير وكان طلحة غائبا قال فلم يكلم أحدا منهم غير عثمان وعلي فقال يا علي
لعل هؤلاء القوم يعلمون لك حقك وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهرك وما اتاك
الله من الفقه والعلم فان وليت هذا الامر فاتق الله فيه ثم دعا عثمان فقال يا عثمان فذكر له نحو ذلك
ووقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق في قصة عثمان فان ولوك هذا الامر فاتق الله فيه
ولا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس ثم قال ادعوا لي صهيبا فدعي له فقال صل بالناس
ثلاثا وليحل هؤلاء القوم في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالف فاضربوا عنقه فلما خرجوا
من عنده قال إن تولوها الأجلح يسلك بهم الطريق فقال له ابنه ما يمنعك يا أمير المؤمنين منه قال
أكره ان أتحملها حيا وميتا وقد اشتمل هذا الفصل على فوائد عديدة وله شاهد من حديث ابن
عمر أخرجه ابن سعد بإسناد صحيح قال دخل الرهط على عمر فنظر إليهم فقال اني قد نظرت في أمر
الناس فلم أجد عند الناس شقاقا فإن كان فهو فيكم وانما الامر إليكم وكان طلحة يومئذ غائبا في
أمواله قال فإن كان قومكم لا يؤمرون الا لاحد الثلاثة عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعلي فمن
ولي منكم فلا يحمل قرابته على رقاب الناس قوموا فتشاوروا ثم قال عمر أمهلوا فان حدث لي
حدث فليصل لكم صهيب ثلاثا فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه (قوله
بالمهاجرين الأولين) هم من صلى إلى القبلتين وقيل من شهد بيعة الرضوان والأنصار سيأتي ذكرهم
في باب مفرد وقوله الذين تبوؤا الدار أي سكنوا المدينة قبل الهجرة وقوله والايمان ادعى بعضهم
انه من أسماء المدينة وهو بعيد والراجح انه ضمن تبوؤا معنى لزم أو عامل نصبه محذوف تقديره
واعتقدوا أو ان الايمان لشدة ثبوته في قلوبهم كأنه أحاط بهم وكأنهم نزلوه والله أعلم (قوله فإنهم
ردء الاسلام) أي عون الاسلام الذي يدفع عنه وغيظ العدو أي يغيظون العدو بكثرتهم وقوتهم
(قوله وان لا يؤخذ منهم الا فضلهم عن رضاهم) أي الا ما فضل عنهم في رواية الكشميهني
ويؤخذ منهم والأول هو الصواب (قوله من حواشي أموالهم) أي التي ليست بخيار والمراد بذمة الله أهل الذمة والمراد
بالقتال من ورائهم أي إذا قصدهم عدو لهم وقد استوفى عمر في وصيته
جميع الطرائق لان الناس اما مسلم واما كافر فالكافر اما حربي ولا يوصى به واما ذمي وقد ذكره
والمسلم اما مهاجري واما أنصاري أو غيرهما وكلهم اما بدوي واما حضري وقد بين الجميع ووقع
55

في رواية المدايني من الزيادة وأحسنوا مؤازرة من يلي امركم وأعينوه وأدوا إليه الأمانة وقوله
ولا يكلفوا الا طاقتهم أي من الجزية (قوله فانطلقنا) في رواية الكشميهني فانقلبنا أي رجعنا
(قوله فوضع هنالك مع صاحبيه) اختلف في صفة القبور المكرمة الثلاثة فالأكثر على أن قبر
أبي بكر وراء قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر عمر وراء قبر أبي بكر وقيل إن قبره صلى الله عليه
وسلم مقدم إلى القبلة وقبر أبي بكر حذاء منكبيه وقبر عمر حذاء منكبي أبي بكر وقيل قبر أبي بكر عند
رأس النبي صلى الله عليه وسلم وقبر عمر عند رجليه وقيل قبر أبي بكر عند رجلي النبي صلى الله عليه
وسلم وقبر عمر عند رجلي أبي بكر وقيل غير ذلك كما تقدم بيانه وذكر أدلته في أواخر كتاب الجنائز
(قوله فقال عبد الرحمن هو بن عوف (قوله اجعلوا امركم إلى ثلاثة) أي في الاختيار ليقل
الاختلاف كذا قال ابن التين وفيه نظر وصرح المدايني في روايته بخلاف ما قاله (قوله فقال
طلحة قد جعلت أمري) فيه دلالة على أنه حضر وقد تقدم انه كان غائبا عند وصية عمر ويحتمل انه
حضر بعد أن مات وقبل ان يتم أمر الشورى وهذا أصح مما رواه المدايني انه لم يحضر الا بعد أن بويع
عثمان (قوله والله عليه والاسلام 3) بالرفع فيهما والخبر محذوف أي عليه رقيب أو نحو ذلك
(قوله لينظرن أفضلهم في نفسه) أي معتقده زاد المدايني في رواية فقال عثمان أنا أول من رضي
وقال علي اعطني موثقا لتوثرن الحق ولا تخصن ذا رحم فقال نعم ثم قال اعطوني مواثيقكم ان
تكونوا معي على من خالف (قوله فأسكت) بضم الهمزة وكسر الكاف كأن مسكتا أسكتهما
ويجوز فتح الهمزة والكاف وهو بمعنى سكت والمراد بالشيخين علي وعثمان (قوله فأخذ
بيد أحدهما) هو علي وبقية الكلام يدل عليه ووقع مصرحا به في رواية ابن فضيل عن حصين
(قوله والقدم) بكسر القاف وفتحها وقد تقدم زاد المدايني أنه قال له أرأيت لو صرف هذا الامر
عنك فلم تحضر من كنت ترى أحق بها من هؤلاء الرهط قال عثمان (قوله ما قد علمت) صفة أو
بدل عن القدم (قوله ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك) زاد المدايني أنه قال له كما قال لعلي فقال
علي وزاد فيه ان سعدا أشار عليه بعثمان وانه دار تلك الليالي على الصحابة ومن وافي المدينة
من اشراف الناس لا يخلو برجل منهم الا امره بعثمان وقد اورد المصنف قصة الشورى في كتاب الأحكام
من رواية حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن المسور بن مخرمة وساقها نحو هذا وأتم مما
هنا وسأذكر شرح ما فيها هناك إن شاء الله تعالى وفي قصة عمر هذه من الفوائد شفقته على المسلمين
ونصيحته لهم وإقامته السنة فيهم وشدة خوفه من ربه واهتمامه بأمر الدين أكثر من اهتمامه
بأمر نفسه وان النهي عن المدح في الوجه مخصوص بما إذا كان غلو مفرط أو كذب ظاهر ومن ثم
لم ينه عمر الشاب عن مدحه له مع كونه أمره بتشمير إزاره والوصية بأداء الدين والاعتناء بالدفن عند
أهل الخير والمشورة في نصب الإمام وتقديم الأفضل وان الإمامة تنعقد بالبيعة وغير ذلك مما هو
ظاهر بالتأمل والله الموفق وقال ابن بطال فيه دليل على جواز تولية المفضول على الأفضل منه
لان ذلك لو لم يجز لم يجعل الامر شورى إلى ستة أنفس مع علمه ان بعضهم أفضل من بعض قال
ويدل على ذلك أيضا قول أبي بكر قد رضيت لكم أحد الرجلين عمر وأبي عبيدة مع علمه بأنه أفضل
منهما وقد استشكل جعل عمر الخلافة في ستة ووكل ذلك إلى اجتهادهم ولم يصنع ما صنع أبو بكر
في اجتهاده فيه لأنه إن كان لا يرى جواز ولاية المفضول على الفاضل فصنيعه يدل على أن من
56

عدا الستة كان عنه مفضولا بالنسبة إليهم وإذا عرف ذلك فلم يخف عليه أفضلية بعض الستة
على بعض وإن كان يرى جواز ولاية المفضول على الفاضل فمن ولاه منهم أو من غيرهم كان ممكنا
والجواب عن الأول يدخل فيه الجواب عن الثاني وهو انه تعارض عنده صنيع النبي صلى الله
عليه وسلم حيث لم يصرح باستخلاف شخص بعينه وصنيع أبي بكر حيث صرح فتلك طريق
تجمع التنصيص وعدم التعيين وان شئت قل تجمع الاستخلاف وترك تعيين الخليفة وقد أشار
بذلك إلى قوله لا أتقلدها حيا وميتا لان الذي يقع ممن يستخلف بهذه الكيفية انما ينسب إليه
بطريق الاجمال لا بطريق التفصيل فعينهم ومكنهم من المشاورة في ذلك والمناظرة فيه لتقع
ولاية من يتولى بعده عن اتفاق من معظم الموجودين حينئذ ببلده التي هي دار الهجرة وبها
معظم الصحابة وكل من كان ساكنا غيرهم في بلد غيرها كان تبعا لهم فيما يتفقون عليه (قوله
باب مناقب علي بن أبي طالب) أي ابن عبد المطلب (القرشي الهاشمي أبي الحسن) وهو
ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم شقيق أبيه واسمه عبد مناف على الصحيح ولد قبل البعثة
بعشر سنين على الراجح وكان قد رباه النبي صلى الله عليه وسلم من صغره لقصة مذكورة في السيرة
النبوية فلازمه من صغره فلم يفارقه إلى أن مات وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم وكانت ابنة عمة
أبيه وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي وقد أسلمت وصحبت وماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
قال أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري لم يرد في حق أحد من الصحابة
بالأسانيد الجياد أكثر ما جاء في علي وكان السبب في ذلك أنه تأخر ووقع الاختلاف في زمانه
وخروج من خرج عليه فكان ذلك سببا لانتشار مناقبه من كثرة من كان بينهما من الصحابة ردا
على من خالفه فكان الناس طائفتين لكن المبتدعة قليلة جدا ثم كان من أمر علي ما كان
فنجمت طائفة أخرى حاربوه ثم اشتد الخطب فتنقصوه واتخذوا لعنه على المنابر سنة ووافقهم
الخوارج على بغضه وزادوا حتى كفروه مضموما ذلك منهم إلى عثمان فصار الناس في حق علي
ثلاثة أهل السنة والمبتدعة من الخوارج والمحاربين له من بني أمية واتباعهم فاحتاج أهل
السنة إلى بث فضائله فكثر الناقل لذلك لكثرة من يخالف ذلك والا فالذي في نفس الامر ان
لكل من الأربعة من الفضائل إذا حرر بميزان العدل لا يخرج عن قول أهل السنة والجماعة
أصلا وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح عن عروة قال أسلم علي وهو ابن ثمان سنين وقال
ابن إسحاق عشر سنين وهذا أرجحها وقيل غير ذلك (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم أنت
مني وانا منك) هو طرف من حديث البراء بن عازب في قصة بنت حمزة وقد وصل المصنف في الصلح
وفي عمرة القضاء مطولا ويأتي شرحه في المغازي مستوفى إن شاء الله تعالى ثم ذكر المصنف في
الباب سبعة أحاديث * أولها حديث سهل بن سعد فقصة فتح خيبر وسيأتي شرحه في المغازي
* ثانيها حديث سلمة بن الأكوع في المعنى ويأتي هناك أيضا مشروحا وقوله في الحديثين ان عليا
يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله أراد بذلك وجود حقيقة المحبة والا فكل مسلم يشترك مع علي
في مطلق هذه الصفة وفي الحديث تلميح بقوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله
فكأنه أشار إلى أن عليا تام الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اتصف بصفة محبة الله له
ولهذا كانت محبته علامة الايمان وبغضه علامة النفاق كما أحرجه مسلم من حديث علي نفسه
57

قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحبك الا مؤمن ولا
يبغضك الا منافق وله شاهد من حديث أم سلمة عند أحمد ثالثها حديث سهل بن سعد أيضا (قوله
وقال عمر توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض) تقدم ذلك في الحديث الذي قبله
موصولا وكانت بيعة علي بالخلافة عقب قتل عثمان في أوائل ذي الحجة سنة خمس وثلاثين فبايعه
المهاجرون والأنصار وكل من حضر وكتب بيعته إلى الآفاق فأذعنوا كلهم الا معاوية في أهل
الشام فكان بينهم بعدما كان (قوله عن أبيه) هو أبو حازم سلمة بن دينار (قوله إن رجلا جاء
إلى سهل بن سعد) لم اقف على اسمه (قوله هذا فلان لأمير المدينة) أي عني أمير المدينة وفلان
المذكور لم اقف على اسمه صريحا ووقع عند الإسماعيلي هذا فكان فلان بن فلان (قوله يدعو
عليا عند المنبر قال فيقول ماذا) في رواية الطبراني من وجه اخر عن عبد العزيز بن أبي حازم
يدعوك لتسب عليا (قوله والله ما سماه الا النبي صلى الله عليه وسلم) يعني أبا تراب (قوله
فاستطعمت الحديث سهلا) أي سألته ان يحدثني واستعار الاستطعام للكلام لجامع ما بينهما
من الذوق للطعام الذوق الحسي وللكلام الذوق المعنوي وفي رواية الإسماعيلي فقلت
يا أبا عباس كيف كان امره (قوله أين ابن عمك قالت في المسجد) في رواية الطبراني كان بيني وبينه
شئ فغاضبني (قوله وخلص التراب إلى ظهره) أي وصل في رواية الإسماعيلي حتى تخلص ظهره
إلى التراب وكان نام أولا على مكان لا تراب فيه ثم تقلب فصار ظهره على التراب أو سفى عليه التراب
(قوله اجلس يا أبا تراب مرتين) ظاهره ان ذلك أول ما قال له ذلك وروى ابن إسحاق من طريقه
وأحمد من حديث عمار بن ياسر قال نمت انا وعلي في غزوة العسيرة في نخل فما أفقنا الا بالنبي صلى
الله عليه وسلم يحركنا برجله يقول لعلي قم يا أبا تراب لما يرى عليه من التراب وهذا ان ثبت
حمل على أنه خاطبه بذلك في هذه الكائنة الأخرى ويروى من حديث ابن عباس ان سبب
غضب علي كان لما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ولم يؤاخ بينه وبين أحد فذهب
إلى المسجد فذكر القصة وقال في آخرها قم فأنت أخي أخرجه الطبراني وعند ابن عساكر نحوه
من حديث جابر بن سمرة وحديث الباب أصح ويمتنع الجمع بينهما لان قصة المؤاخاة كانت
أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وتزويج علي بفاطمة ودخوله عليها كان بعد ذلك
بمدة والله أعلم * رابعها حديث ابن عمر (قوله حدثنا حسين) هو ابن علي الجعفي وأبو حصين
بفتح أوله والمهملتين وسعد بن عبيدة بضم العين (قوله جاء رجل إلى ابن عمر) تقدم في مناقب
58

عثمان (قوله فذكر عن محاسن عمله) كأنه ضمن ذكر معنى أخبر فعداها بعن وفي رواية
الإسماعيلي فذكر أحسن عمله وكأنه ذكر له انفاقه في جيش العسرة وتسبيله بئر رومة ونحو ذلك
(قوله ثم سأله عن علي فذكر محاسن عمله) كأنه ذكر له شهوده بدرا وغيرها وفتح خيبر على يديه
وقتله مرحب ونحو ذلك (قوله هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم) أي أحسنها
بناء وقال الداودي معناه انه في وسطها وهو أصح ووقع عند النسائي من طريق عطاء بن
السائب عن سعد بن عبيدة في هذا الحديث فقال لا تسأل عن علي ولكن انظر إلى بيته من بيوت
النبي صلى الله عليه وسلم وله من رواية العلاء بن عيزار قال سألت ابن عمر عن علي فقال انظر إلى
منزله من نبي الله صلى الله عليه وسلم ليس في المسجد غير بيته وقد تقدم ما يتعلق بترك بابه غير
مسدود في مناقب أبي بكر رضي الله عنهما (قوله فأرغم الله بأنفك) الباء زائدة معناه أوقع الله
بك السوء واشتقاقه من السقوط على الأرض فيلصق الوجه بالرغام وهو التراب (قوله فاجهد
على جهدك) أي أبلغ على غايتك في حقي فان الذي قلته لك الحق وقائل الحق لا يبالي بما قيل في
حقه من الباطل ووقع في رواية عطاء المذكورة قال فقال الرجل فاني أبغضه فقال له ابن عمر
أبغضك الله تعالى * خامسها حديث علي ان فاطمة شكت ما تلقى من الرحى الحديث وفيه
ما يقال عند النوم وسيأتي شرحه مستوفى في الدعوات إن شاء الله تعالى ووجه دخوله في مناقب
علي من جهة منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم ودخول النبي صلى الله عليه وسلم معه في فراشه
بينه وبين امرأته وهي ابنته صلى الله عليه وسلم ومن جهة اختيار النبي صلى الله عليه وسلم له
ما اختار لابنته من إيثار أمر الآخرة على أمر الدنيا ورضاهما بذلك وقد تقدم في كتاب الخمس
بيان السبب في ذلك فان النبي صلى الله عليه وسلم اختار ان يوسع على فقراء الصفة بما قدم عليه
ورأى لأهله الصبر بما لهم في ذلك من مزيد الثواب * سادسها حديث عبيدة بفتح أوله هو ابن
عمرو السلماني (قوله عن علي قال اقضوا كما) في رواية الكشميهني على ما كنتم تقضون قبل وفي
رواية حماد بن زيد عن أيوب ان ذلك بسبب قول علي في بيع أم الولد وانه كان يرى هو وعمر انهن
لا يبعن وانه رجع عن ذلك فرأى أن يبعن قال عبيدة فقلت له رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب
إلي من رأيك وحدك في الفرقة فقال علي ما قال (قلت) وقد وقعت في رواية حماد بن زيد أخرجها
ابن المنذر عن علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم عنه وعنده قال لي عبيدة بعث إلى علي والى شريح
فقال اني أبغض الاختلاف فاقضوا كما كنتم تقضون فذكره إلى قوله أصحابي قال فقبل على قبل
ان يكون جماعة (قوله فاني أكره الاختلاف) أي الذي يؤدي إلى النزاع قال ابن التين يعني
مخالفة أبي بكر وعمر وقال غيره المراد المخالفة التي تؤدي إلى النزاع والفتنة ويؤيده قوله بعد ذلك
حتى يكون الناس جماعة وفي رواية الكشميهني حتى يكون للناس جماعة (قوله أو أموت)
بالنصب ويجوز الرفع (قوله كما مات أصحابي) أي لا أزال على ذلك حتى أموت (قوله فكان ابن
سيرين) هو موصول بالاسناد المذكور إليه وقد وقع بيان ذلك في رواية حماد بن زيد ولفظه عن
أيوب سمعت محمدا يعني ابن سيرين يقول لأبي معشر اني أتهمكم في كثير مما تقولون عن علي (قلت)
وأبو معشر المذكور هو زياد بن كليب الكوفي وهو ثقة مخرج له في صحيح مسلم وانما أراد ابن سيرين
تهمة من يروي عنه زيادة فإنه يروي عن مثل الحرث الأعور (قوله يرى) بفتح أوله أي يعتقد (ان
59

عامة) أي أكثر (ما يروى) بضم أوله (عن علي الكذب) والمراد بذلك ما ترويه الرافضة عن علي
من الأقوال المشتملة على مخالفة الشيخين ولم يرد ما يتعلق بالأحكام الشرعية فقد روى ابن سعد
بإسناد صحيح عن ابن عباس قال إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا لم نتجاوزها * سابعها حديث سعد
(قوله عن سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (قوله سمعت إبراهيم بن سعد) أي بن
أبي وقاص (قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بين سعد سبب ذلك من وجه آخر أخرجه
المصنف في غزوة تبوك من اخر المغازي وسيأتي بيان ذلك هناك إن شاء الله تعالى (قوله اما
ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) أي نازلا مني منزلة هارون من موسى والباء زائدة
وفي رواية سعيد بن المسيب عن سعد فقال علي رضيت رضيت أخرجه أحمد ولابن سعد من
حديث البراء وزيد بن أرقم في نحو هذه القصة قال بلى يا رسول الله قال فإنه كذلك وفي أول
حديثهما انه عليه الصلاة والسلام قال لعلي لابد ان أقيم أو تقيم فأقام علي فسمع ناسا يقولون
انما خلفه لشئ كرهه منه فاتبعه فذكر له ذلك فقال له الحديث وإسناده قوي ووقع في رواية
عامر بن سعد بن أبي وقاص عند مسلم والترمذي قال قال معاوية لسعد ما منعك ان تسب أبا
تراب قال اما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه فذكر هذا الحديث
وقوله لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله وقوله لما نزلت فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم دعا
عليا وفاطمة والحسن والحسين فقال اللهم هؤلاء أهلي وعند أبي يعلى عن سعد من وجه اخر
لا بأس به قال لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسب عليا ما سببته ابدا وهذا الحديث أعني
حديث الباب دون الزيادة روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن غير سعد من حديث عمر وعلي
نفسه وأبي هريرة وابن عباس وجابر بن عبد الله والبراء وزيد بن أرقم وأبي سعيد وأنس وجابر بن
سمرة وحبشي بن جنادة ومعاوية وأسماء بنت عميس وغيرهم وقد استوعب طرقه ابن عساكر في
ترجمة علي وقريب من هذا الحديث في المعنى حديث جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لعلي من أشقى الأولين قال عاقر الناقة قال فمن أشقى الآخرين قال الله ورسوله اعلم
قال قاتلك أخرجه الطبراني وله شاهد من حديث عمار بن ياسر عند أحمد ومن حديث صهيب
عند الطبراني وعن علي نفسه عند أبي يعلى بإسناد لين وعند البزار بإسناد جيد واستدل بحديث
الباب على استحقاق علي للخلافة دون غيره من الصحابة فان هارون كان خليفة موسى وأجيب
بان هارون لم يكن خليفة موسى الا في حياته لا بعد موته لأنه مات قبل موسى باتفاق أشار إلى
ذلك الخطابي وقال الطيبي معنى الحديث انه متصل بي نازل مني منزلة هارون من موسى وفيه
تشبيه مبهم بينه بقوله الا انه لا نبي بعدي فعرف ان الاتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوة
بل من جهة ما دونها وهو الخلافة ولما كان هارون المشبه به انما كان خليفة في حياة موسى دل
ذلك على تخصيص خلافة علي للنبي صلى الله عليه وسلم بحياته والله أعلم وقد اخرج المصنف من
مناقب علي أشياء في غير هذا الموضع منها حديث عمر علي أقضانا وسيأتي في تفسير البقرة وله
شاهد صحيح من حديث ابن مسعود عند الحاكم ومنها حديث قتاله البغاة وهو في حديث أبي سعيد
تقتل عمارا الفئة الباغية وكان عمار مع علي وقد تقدمت الإشارة إلى الحديث المذكور في الصلاة
ومنها حديث قتاله الخوارج وقد تقدم من حديث أبي سعيد في علامات النبوة وغير ذلك مما
60

يعرف بالتتبع وأوعب من جمع مناقبه من الأحاديث الجياد النسائي في كتاب الخصائص واما
حديث من كنت مولاه فعلي مولاه فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جدا وقد
استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد وكثير من أسانيدها صحاح وحسان وقد روينا عن الإمام أحمد
قال ما بلغنا عن أحد من الصحابة ما بلغنا عن علي بن أبي طالب * (تنبيه) * وقع حديث سعد
مؤخرا عن حديث علي في رواية أبي ذر ومقدما عليه في رواية الباقين والخطب في ذلك قريب والله
أعلم (قوله باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي) سقطت الأبواب كلها
من رواية أبي ذر وابقى التراجم بغير لفظ باب وثبت ذلك في رواية الباقين وجعفر هو أخو علي شقيقه
وكان أسن منه بعشر سنين واستشهد بمؤتة كما سيأتي بيان ذلك في المغازي وقد جاوز الأربعين
(قوله وقال له النبي صلى الله عليه وسلم اشبهت خلقي وخلقي) هو من حديث البراء الذي ذكره
في أول مناقب علي وسيأتي بتمامه مع الكلام عليه في عمرة الحديبية (قوله حدثنا أحمد بن أبي
بكر) هو أبو مصعب الزهري والاسناد كله مدنيون وقد تقدم في كتاب العلم بهذا الاسناد
حديث آخر غير هذا فيما يتعلق بسبب كثرة حديث أبي هريرة أيضا (قوله إن الناس كانوا يقولون
أكثر أبو هريرة) أي من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم مثله في العلم عن أبي هريرة
من طريق أخرى لكنه أجاب بأنه لولا آية من كتاب الله ما حدثت وأشار بذلك إلى مثل قول ابن
عمر لما ذكر له انه يروي في حديث من صلى على جنازة فله قيراط أكثر أبو هريرة وقد تقدم بيان
ذلك في كتاب الجنائز واعتراف ابن عمر بعد ذلك له بالحفظ وروى البخاري في التاريخ وأبو يعلى
بإسناد حسن من طريق مالك بن أبي عامر قال كنت عند طلحة بن عبيد الله فقيل له ما ندري هذا
اليماني اعلم برسول الله منكم أو هو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل قال فقال
والله ما نشك انه سمع ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم انا كنا أقواما لنا بيوتات وأهلون وكنا نأتي النبي صلى
الله عليه وسلم طرفي النهار ثم نرجع وكان أبو هريرة مسكينا لا مال له ولا أهل انما كانت يده مع يد
النبي صلى الله عليه وسلم فكان يدور معه حيثما دار فما نشك انه قد سمع ما لم نسمع وروى البيهقي
في مدخله من طريق أشعث عن مولى لطلحة قال كان أبو هريرة جالسا فمر رجل بطلحة فقال له لقد
أكثر أبو هريرة فقال طلحة قد سمعنا كما سمع ولكنه حفظ ونسينا واخرج ابن سعد في باب أهل
العلم والفتوى من الصحابة في طبقاته بإسناد صحيح عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال
قالت عائشة لأبي هريرة انك لتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ما سمعته منه قال شغلك
عنه يا أمه المرآة والمكحلة وما كان يشغلني عنه شئ (قوله بشبع بطني) في رواية الكشميهني
شبع أي لأجل الشبع (قوله حين لآكل) في رواية الكشميهني حتى والأول أوجه (قوله ولا
البس الحبير) بالموحدة قبلها مهملة مفتوحة وللكشميهني الحرير والأول أرجح والحبير من
البرد ما كان موشى مخططا يقال برد حبير وبرد حبرة بوزن عنبة على الوصف والإضافة (قوله
لأستقري الرجل) أي اطلب منه القرى فيظن اني اطلب منه القراءة ووقع بيان ذلك في رواية
لأبي نعيم في الحلية عن أبي هريرة انه وجد عمر فقال أقريني فظن أنه من القراءة فأخذ يقريه
القرآن ولم يطعمه قال وانما أردت منه الطعام (قوله كي ينقلب بي) أي يرجع بي إلى منزله
وللترمذي من طريق ضعيفة عن أبي هريرة ان كنت لأسأل الرجل عن الآية انا اعلم بها منه
61

ما أسأله الا ليطعمني شيئا وفي رواية الترمذي وكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني حتى
يذهب بي إلى منزله (قوله وكان أخير) بوزن أفضل ومعناه وللكشميهني خير (قوله للمساكين)
في رواية الكشميهني بالافراد والمراد الجنس وهذا التقييد يحمل عليه المطلق الذي جاء عن عكرمة
عن أبي هريرة وقال ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل
من جعفر بن أبي طالب أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد صحيح (قوله العكة) بضم المهملة
وتشديد الكاف ظرف السمن وقوله ليس فيها شئ مع قوله فنلعق ما فيها لا تنافي بينهما لأنه
أراد بالنفي أي لا شئ فيها يمكن إخراجه منها بغير قطعها وبالاثبات ما يبقى في جوانبها وفي رواية
الترمذي ليقول لامرأته أسماء بنت عميس أطعمينا فإذا أطعمتنا أجابني وكان جعفر يحب
المساكين ويسكن إليهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكنيه بأبي المساكين انتهى وانما
كان يجيبه عن سؤاله مع معرفته بأنه انما سأله ليطعمه ليجمع بين المصلحتين ولاحتمال ان يكون
السؤال الذي وقع حينئذ وقع منه على الحقيقة (قوله إن ابن عمر كان إذا سلم علي ابن جعفر) يعني
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وقع في رواية الإسماعيلي من طريق هشيم عن إسماعيل بن أبي
خالد قال قلنا للشعبي كان ابن جعفر يقال له ابن ذي الجناحين قال نعم رأيت ابن عمر أتاه يوما
أو لقيه فقال السلام عليك يا ابن ذي الجناحين (قوله السلام عليك يا ابن ذي الجناحين) كأنه
يشير إلى حديث عبد الله بن جعفر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيئا لك أبوك
يطير مع الملائكة في السماء أخرجه الطبراني بإسناد حسن وعن أبي هريرة ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال رأيت جعفر بن أبي طالب يطير مع الملائكة أخرجه الترمذي والحاكم وفي
إسناده ضعف لكن له شاهد من حديث علي عند ابن سعد وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال مر بي جعفر الليلة في ملا من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم أخرجه
الترمذي والحاكم بإسناد على شرط مسلم واخرج أيضا هو والطبراني عن ابن عباس مرفوعا
دخلت البارحة الجنة فرأيت فيها جعفرا يطير مع الملائكة وفي طريق أخرى عنه ان جعفرا يطير
مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله من يديه وإسناد هذه جيد وطريق أبي هريرة في
الثانية قوى إسناده على شرط مسلم وقد ادعى السهيلي ان الذي يتبادر من ذكر الجناحين
والطيران انهما كجناحي الطائر لهما ريش وليس كذلك وسيأتي بقية القول في ذلك في غزوة مؤتة
إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * وقع في رواية النسفي وحده في هذا الموضع قال أبو عبد الله
يعني المصنف يقال لكل ذي ناحيتين جناحان ولعله أراد بهذا حمل الجناحين في قول ابن
عمر يا ابن ذي الجناحين على المعنوي دون الحسي والله أعلم (قوله باب ذكر
العباس بن عبد المطلب) ذكر فيه حديث أنس ان عمر كانوا إذا قحطوا استسقى بالعباس وهذه
الترجمة وحديثها سقطا من رواية أبي ذر النسفي وقد تقدم الحديث المذكور مع شرحه
في الاستسقاء وكان العباس أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو بثلاث وكان إسلامه
على المشهور قبل فتح مكة وقيل قبل ذلك وليس ببعيد فان في حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط
ما يؤيد ذلك واما قول أبي رافع في قصة بدر كأن الاسلام دخل علينا أهل البيت فلا يدل على
إسلام العباس حينئذ فإنه كان ممن أسر يوم بدر وفدى نفسه وعقيلا بن أخيه أبي طالب كما سيأتي
62

ولأجل انه لم يهاجر قبل الفتح لم يدخله عمر في أهل الشورى مع معرفته بفضله واستسقائه به
وسيأتي حديث عائشة في اجلال النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس في آخر المغازي في
الوفاة النبوية وكنية العباس أبو الفضل ومات العباس في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين وله
بضع وثمانون سنة (قوله باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد
غير أبي ذر في هذا الموضع ومنقبة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وقال النبي صلى الله عليه
وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وهذا الحديث سيأتي موصولا في باب مفرد ترجمته منقبة
فاطمة وهو يقتضي ان يكون ما اعتمده أبو ذر أولى وقوله قرابة النبي صلى الله عليه وسلم يريد
بذلك من ينسب إلى جده الأقرب وهو عبد المطلب ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أو من
رآه من ذكر وأنثى وهم علي وأولاده والحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم من فاطمة عليها
السلام وجعفر وأولاده عبد الله وعون ومحمد ويقال انه كان لجعفر بن أبي طالب بن اسمه أحمد
وعقيل بن أبي طالب وولده مسلم بن عقيل وحمزة بن عبد المطلب وأولاده يعلى وعمارة وامامة
والعباس بن عبد المطلب وأولاده الذكور عشرة وهم الفضل وعبد الله
وقثم وعبيد الله والحارث ومعبد وعبد الرحمن وكثير وعون وتمام وفيه يقول العباس
تموا بتمام فصاروا عشره * يا رب فاجعلهم كراما بررة
ويقال ان لكل منهم رواية وكان له من الإناث أم حبيب وآمنة وصفية وأكثرهم من لبابة أم
الفضل ومعتب بن أبي لهب والعباس بن عتبة بن أبي لهب وكان زوج آمنة بنت العباس
وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وأخته ضباعة وكانت زوج المقداد بن الأسود وأبو سفيان بن
الحرث بن عبد المطلب وابنه جعفر ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وابناه المغيرة والحرث ولعبد
الله بن الحرث هذا رواية وكان يلقب به بموحدتين الثانية ثقيلة وأميمة وأروى وعاتكة وصفية
بنات عبد المطلب أسلمت صفية وصحبت وفي الباقيات خلاف والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث
عائشة ان فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها الحديث وقد تقدم بأتم من هذا مع شرحه في
كتاب الخمس ويأتي بقيته في اخر غزوة خيبر ويأتي هناك بيان ما وقع في هذه الرواية من
الاختصار إن شاء الله تعالى والمراد منه هنا قول أبي بكر لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحب إلي ان أصل من قرابتي وهذا قاله على سبيل الاعتذار عن منعه إياها ما طلبته من تركة
النبي صلى الله عليه وسلم (قوله حدثنا خالد) هو ابن الحرث (قوله عن واقد) هو ابن محمد بن زيد بن
عبد الله بن عمر (قوله ارقبوا محمدا في أهل بيته) يخاطب بذلك الناس ويوصيهم به والمراقبة
للشئ المحافظة عليه يقول احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم ثم ذكر حديث المسور
فاطمة بضعة مني فمن أغضبها اغضبني وهو طرف من قصة خطبة علي ابنت أبي جهل وسيأتي
مطولا في ترجمة أبي العاص بن الربيع قريبا وحديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم سارها
بشئ فبكت الحديث وسيأتي شرحه في الوفاة النبوية اخر المغازي وهذان الحديثان لم يقعا في
رواية أبذر وثبتا لغيره ولم يذكرها النسفي أيضا والسبب في ذلك أن حديث المسور يأتي بإسناده
63

ومتنه في مناقب فاطمة وحديث عائشة مضى بإسناده ومتنه في علامات النبوة (قوله عن أبيه)
في رواية أبي نعيم في المستخرج سمعت أبي (قوله باب مناقب الزبير بن العوام) أي
ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وعدد ما بينهما
من الاباء سواء وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكنى أبا عبد الله
وروى الحاكم بإسناد صحيح عن عروة قال أسلم الزبير وهو ابن ثمان سنين (قوله وقال ابن عباس
هو حواري النبي صلى الله عليه وسلم) هو طرف من حديث سيأتي في تفسير براءة من طريق ابن أبي
مليكة عن ابن عباس ولهذا الحديث طرق من أغربها ما أخرجه الزبير بن بكار من مرسل أبي
الخير مرثد بن اليزني بلفظ حواري من الرجال الزبير ومن النساء عائشة ورجاله موثقون لكنه
مرسل (قوله وسمي الحواريون لبياض ثيابهم) وصله ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن
ابن عباس به وزاد انهم كانوا صيادين وإسناده صحيح إليه واخرج عن الضحاك ان الحواري هو
الغسال بالنبطية لكنهم يجعلون الحاء هاء وعن قتادة الحواري هو الذي يصلح للخلافة وعنه هو
الوزير وعن ابن عيينة هو الناصر أخرجه الترمذي وغيره عنه وعند الزبير بن بكار من طريق
مسلمة بن عبد الله بن عروة مثله وهذه الثلاثة الأخيرة متقاربة وقال الزبير عن محمد بن سلام
سألت يونس بن حبيب عن الحواري قال الخالص وعن ابن الكلبي الحواري الخليل (قوله
سنة الرعاف) كان ذلك سنة إحدى وثلاثين أشار إلى ذلك عمر بن شبة في كتاب المدينة وأفاد ان
عثمان كتب العهد بعده لعبد الرحمن بن عوف واستكتم ذلك حمران كاتبه فوشى حمران بذلك إلى
عبد الرحمن فعاتب عثمان على ذلك فغضب عثمان على حمران فنفاه من المدينة إلى البصرة ومات
عبد الرحمن بعد ستة أشهر وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين (قوله فدخل عليه رجل من قريش)
لم اقف على اسمه (قوله فدخل عليه رجل اخر أحسبه الحرث) أي ابن الحكم وهو أخو مروان
راوي الخبر ووقع منسوبا كذلك في مشيخة يوسف بن خليل الحافظ من طريق سويد بن سعيد
عن علي بن مسهر بسند حديث الباب وقد شهد الحرث بن الحكم المذكور حصار عثمان وعاش
بعد ذلك إلى خلافة معاوية وفي نسب قريش للزبير انه تحاكم مع خصم له إلى أبي هريرة (قوله
فلعلهم قالوا إنه الزبير) لم اقف على اسم من قال ذلك (قوله إنه ما علمت) سيأتي ما فيه (قوله إن كان
لخيرهم ما علمت) ما مصدرية أي في علمي ويحتمل أن تكون موصولة وهو خبر مبتدأ محذوف قال
الداودي يحتمل ان يكون المراد الخيرية في شئ مخصوص كحسن الخلق وان حمل على ظاهره ففيه
ما يبين ان قول ابن عمر ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفاضل بينهم لم يرد به جميع
الصحابة فان بعضهم قد وقع منه تفضيل بعضهم على بعض وهو عثمان في حق الزبير (قلت) قول
ابن عمر قيده بحياة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعارض ما وقع منهم بعد ذلك (قوله وان حواري
الزبير) بتشديد الياء وفتحها كقوله ما أنتم بمصرخي ويجوز كسرها وقد مضى تفسير الحواري
وتقدم سبب هذا الحديث في باب الطليعة في أوائل الجهاد (قوله أنبأنا عبد الله) هو ابن المبارك
64

(قوله كنت يوم الأحزاب) أي لما حاصرت قريش ومن معها المسلمين بالمدينة وحفر الخندق
بسبب ذلك وسيأتي شرح ذلك في المغازي (قوله وعمر بن أبي سلمة) أي ابن عبد الأسد ربيب النبي
صلى الله عليه وسلم وأمه أم سلمة (قوله في النساء في رواية علي بن مسهر عن هشام بن عروة عند
مسلم في اطم حسان وله في رواية أبي أسامة عن هشام في الأطم الذي فيه النسوة يعني نسوة النبي
صلى الله عليه وسلم وعنده في رواية علي بن مسهر المذكورة وكان يطأطئ
لي مرة فأنظر وأطأطئ له مرة فينظر فكنت اعرف أبي إذا مر على فرسه في السلاح (قوله يختلف إلى بني قريظة)
أي يذهب ويجئ وفي رواية أبي أسامة عند الإسماعيلي مرتين أو ثلاثا (قوله فلما رجعت
قلت يا أبت رأيتك) بين مسلم ان في هذه الرواية ادراجا فإنه ساقه من رواية علي بن مسهر عن
هشام إلى قوله إلى بني قريظة قال هشام وأخبرني عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير قال
فذكرت ذلك لأبي إلى اخر الحديث ثم ساقه من طريق أبي أسامة عن هشام قال فساق الحديث
نحوه ولم يذكر عبد الله بن عروة ولكن ادرج القصة في حديث هشام عن أبيه انتهى ويؤيده
ان النسائي اخرج القصة الأخيرة من طريق عبدة عن هشام عن أخيه عبد الله بن عروة عن
عبد الله بن الزبير عن أبيه والله أعلم (قوله قال أو هل رأيتني يا بني قلت نعم) فيه صحة سماع
الصغير وانه لا يتوقف على أربع أو خمس لان ابن الزبير كان يومئذ ابن سنتين وأشهر أو ثلاث
وأشهر بحسب الاختلاف في وقت مولده وفي تاريخ الخندق فان قلنا إنه ولد في أول سنة من
الهجرة وكانت الخندق سنة خمس فيكون ابن أربع وأشهر وان قلنا ولد سنة اثنتين وكانت
الخندق سنة أربع فيكون ابن سنتين وأشهر وان عجلنا إحداهما واخرنا الأخرى فيكون ابن
ثلاث سنين وأشهر وسأبين الأصح من ذلك في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى وعلى كل حال فقد
حفظ من ذلك ما يستغرب حفظ مثله وقد تقدم البحث في ذلك في باب متى يصح سماع الصغير من
كتاب العلم (قوله جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه فقال فداك أبي وأمي) وسيأتي
ما يعارضه في ترجمة سعد قريبا ووجه الجمع بينهما (قوله حدثنا علي بن حفص) هو المروزي وقد
تقدم ذكره في الجهاد (قوله إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أي) الذين شهدوا وقعة اليرموك
(قالوا للزبير) لم اقف على تسمية أحد منهم (قوله يوم وقعة اليرموك) هو بفتح التحتانية وسكون
الراء وضم الميم واخره كاف موضع بالشام وكانت فيه وقعة في أول خلافة عمر وكان النصر
للمسلمين على الروم واستشهد من المسلمين جماعة (قوله الا تشد) بضم المعجمة أي على المشركين
(قوله إن شددت كذبتم) (3) أي تتأخرون عما أقدم عليه فيختلف موعدكم هذا وأهل
الحجاز يطلقون الكذب على ما يذكر خلاف الواقع (قوله فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما
ضربة ضربها يوم بدر) كذا في هذه الرواية وسيأتي في غزوة بدر في المغازي ما يغاير
ذلك ويأتي شرحه ووجه الجمع بين الروايتين هناك إن شاء الله تعالى وكان قتل الزبير في شهر رجب
سنة ست وثلاثين انصرف من وقعة الجمل تاركا للقتال فقتله عمرو بن جرموز بضم الجيم والميم
بينهما راء ساكنة واخره زاي التميمي غيلة وجاء إلى علي متقربا إليه بذلك فبشره بالنار أخرجه
أحمد والترمذي وغيرهما وصححه الحاكم من طرق بعضها مرفوع * (تنبيه) * تقدم الكلام
على تركة الزبير وما وقع فيها من البركة بعده في كتاب الخمس (قوله ذكر طلحة بن عبيد الله) أي ابن
65

عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة
ابن كعب ومع أبي بكر الصديق في تيم بن مرة وعدد ما بينهم من الاباء سواء يكنى أبا محمد وأمه
الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء أسلمت وهاجرت وعاشت بعد أبيها قليلا وروى الطبراني
من حديث ابن عباس قال أسلمت أم أبي بكر وأم عثمان وأم طلحة وأم عبد الرحمن بن عوف وقتل
طلحة يوم الجمل سنة ست وثلاثين رمي بسهم جاء من طرق كثيرة ان مروان بن الحكم رماه فأصاب
ركبته فلم يزل ينزف الدم منها حتى مات وكان يومئذ أول قتيل واختلف في سنه على أقوال أكثرها
انه خمس وسبعون وأقلها ثمان وخمسون (قوله معتمر عن أبيه) هو سليمان التيمي وأبو عثمان هو
النهدي (قوله في بعض تلك الأيام) يريد يوم أحد وقوله عن حديثهما يعني انهما حدثا بذلك ووقع
في فوائد أبي بكر بن المقرى من وجه اخر عن معتمر بن سليمان عن أبيه فقلت لأبي عثمان وما علمك
بذلك قال هما أخبراني بذلك (قوله حدثنا خالد) هو ابن عبد الله الواسطي وابن أبي خالد هو إسماعيل
(قوله التي وقى بها) أي يوم أحد وصرح بذلك علي بن مسهر عن إسماعيل عند الإسماعيلي
وعند الطبراني من طريق موسى بن طلحة عن أبيه انه اصابه في يده سهم ومن حديث أنس
وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد بعض المشركين ان يضربه وفي مسند الطيالسي
من حديث عائشة عن أبي بكر الصديق قال ثم أتينا طلحة يعني يوم أحد فوجدنا به بضعا وسبعين
جراحة وإذا قد قطعت أصبعه وفي الجهاد لابن المبارك من طريق موسى بن طلحة ان أصبعه التي
أصيبت هي التي تلي الابهام وجاء عن يعقوب بن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن أبيه قال أصيبت
أصبع طلحة البنصر من اليسرى من مفصلها الأسفل فشلت ترس بها على النبي صلى الله عليه
وسلم (قوله قد شلت) بفتح المعجمة ويجوز ضمها في لغة ذكرها اللحياني وقال بن درستويه هي خطأ
والشلل نقص في الكف وبطلان لعملها وليس معناه القطع كما زعم بعضهم زاد الإسماعيلي
في روايته من طريق علي بن مسهر وغيره عن إسماعيل قال قيس كان يقال إن طلحة من حكماء
قريش وروى الحميدي في الفوائد من وجه أخرجه عن قيس بن أبي حازم قال صحبت طلحة بن
عبيد الله فما رأيت رجلا أعطى لجزيل مال عن غير مسألة منه (قوله مناقب سعد بن
أبي وقاص الزهري) أي أحد العشرة يكنى أبا إسحاق (قوله وبنو زهرة أخوال النبي
صلى الله عليه وسلم) أي لان أمه آمنة منهم وأقارب الام أخوال (قوله وهو سعد بن مالك) أي
اسم أبي وقاص مالك بن وهيب ويقال أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة يجتمع مع
النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة وعدد ما بينهما من الاباء متقارب وأمه حمنة بنت
سفيان بن أمية بن عبد شمس لم تسلم مات بالعقيق سنة خمس وخمسين وقيل بعد ذلك إلى ثمانية
وخمسين وعاش نحوا من ثمانين سنة (قوله جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد) أي
في التفدية وهي قوله فداك أبي وأمي وبينه حديث علي ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبويه لاحد غير سعد بن مالك فإنه جعل يقول له يوم أحد ارم فداك أبي وأمي وقد تقدم في الجهاد
وفي هذا الحصر نظر لما تقدم في ترجمة الزبير انه صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم الخندق ويجمع
بينهما بان عليا رضي الله عنه لم يطلع على ذلك أو مراده بذلك بقيد يوم أحد والله أعلم (قوله ما أسلم
أحد الا في اليوم الذي أسلمت فيه) ظاهره انه لم يسلم أحد قبله لكن اختلف في هذه اللفظة كما
66

سأذكره قوله ولقد مكثت سبعة أيام واني لثلث الاسلام سيأتي القول فيه (قوله واني لثلث
الاسلام) قال ذلك بحسب اطلاعه والسبب فيه ان من كان أسلم في ابتداء الامر كان يخفي
إسلامه ولعله أراد بالاثنين الآخرين خديجة وأبا بكر أو النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وقد
كانت خديجة أسلمت قطعا فلعله خص الرجال وقد تقدم في ترجمة الصديق حديث عمار رأيت النبي
صلى الله عليه وسلم وما معه الا خمسة أعبد وأبو بكر وهو يعارض حديث سعد والجمع بينهما
ما أشرت إليه أو يحمل قول سعد على الأحرار البالغين ليخرج الأعبد المذكورون وعلي رضي الله
عنه أو لم يكن اطلع على أولئك ويدل على هذا الأخير انه وقع عند الإسماعيلي من رواية يحيى
ابن سعيد الأموي عن هاشم بلفظ ما أسلم أحد قبلي ومثله عند ابن سعد من وجه اخر عن عامر
ابن سعد عن أبيه وهذا مقتضى رواية الأصيلي وهي مشكلة لأنه قد أسلم قبله جماعة لكن يحمل
ذلك على مقتضى ما كان اتصل بعلمه حينئذ وقد رأيت في المعرفة لابن منده من طريق أبي بدر عن
هاشم بلفظ ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه وهذا لا اشكال فيه إذ لا مانع ان لا يشاركه أحد
في الاسلام يوم أسلم لكن أخرجه الخطيب من الوجه الذي أخرجه ابن منده فأثبت فيه الا كبقية
الروايات فتعين الحمل على ما قلته (قوله تابعه أبو أسامة حدثنا هاشم) وصله المؤلف في باب إسلام
سعد من السيرة النبوية وهو مثل رواية ابن أبي زائدة هذه (قوله اني لأول العرب رمى) كان
ذلك في سرية عبيدة بن الحرث بن المطلب وكان القتال فيها أول حرب وقعت بين المشركين
والمسلمين وهي أول سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة بعث
ناسا من المسلمين إلى رابغ ليلقوا عيرا لقريش فتراموا بالسهام ولم يكن بينهم مسايفة فكان سعد
أول من رمى ذكر ذلك الزبير بن بكار بسند له وقال فيه عن سعد انه أنشد يومئذ
الا هل اتى رسول الله اني * حميت صحابتي بصدور نبلي
وذكرها يونس بن بكير في زيادة المغازي من طريق الزهري نحوه وابن سعد من وجه آخر عن
سعد انا أول من رمى بسهم ثم خرجنا مع عبيدة بن الحرث ستين راكبا (قوله ماله خلط) بكسر
المعجمة أي لا يختلط بعضه ببعض من شدة جفافه وتفتته (قوله ثم أصبحت بنو أسد) أي ابن خزيمة
ابن مدركة وكانوا ممن شكاه لعمر في القصة التي تقدم بيانها في صفة الصلاة ووقع عند ابن بطال
انه عرض في ذلك بعمر بن الخطاب وليس بصواب فان عمر من بني عدي بن كعب بن لؤي ليس من
بني أسد ووقع عند النووي أسد بن عبد العزى يعني رهط الزبير بن العوام وهو وهم أيضا
(قوله تعزرني على الاسلام) أي تأدبني والمعنى تعلمني الصلاة أو تعيرني باني لا أحسنها (قوله
خبت) أي ان كنت محتاجا إلى تعليمهم وقد تقدمت قصته مع الذين زعموا انه لا يحسن يصلي في
صفة الصلاة (قوله وضل عملي) في رواية ابن سعد عن يعلى بن عبيد عن إسماعيل وضل عمليه
بزيادة هاء السكت (قوله ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم) أي الذين تزوجوا إليه
والصهر يطلق على جميع أقارب المرأة والرجل ومنهم من يخصه بأقارب المرأة (قوله منهم أبو
العاص بن الربيع) أي ابن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف ويقال بإسقاط
ربيعة وهو مشهور بكنيته واختلف في اسمه على أقوال أثبتها عند الزبير مقسم وأمه هالة بنت
خويلد أخت خديجة فكان ابن أختها واصل المصاهرة المقاربة وقال الراغب الصهر الختن
67

وأهل بيت المرأة يقال لهم الاصهار قاله الخليل وقال ابن الأعرابي الاصهار ما يتحرم بجوار أو
نسب أو تزوج وكأنه لمح بالترجمة إلى ما جاء عن عبد الله بن أبي أوفى رفعه سألت ربي ان لا أتزوج
أحدا من أمتي ولا أتزوج إليه الا كان معي في الجنة فأعطاني أخرجه الحاكم في مناقب علي وله
شاهد عن عبد الله بن عمر وعند الطبراني في الأوسط بسند واه وقال النووي الصهر يطلق على
أقارب الزوجين والمصاهرة مقاربة بين المتباعدين وعلى هذا عمل البخاري فان أبا العاص بن
الربيع ليس من أقارب نساء النبي صلى الله عليه وسلم الا من جهة كونه ابن أخت خديجة وليس
المراد هنا نسبته إليها بل إلى تزوجه بابنتها وتزوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبل البعثة وهي أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وقد أسر أبو العاص ببدر مع المشركين
وفدته زينب فشرط عليه النبي صلى الله عليه وسلم ان يرسلها إليه فوفى له بذلك فهذا معنى قوله
في اخر الحديث ووعدني فوفى لي ثم أسر أبو العاص مرة أخرى فأجارته زينب فأسلم فردها النبي
صلى الله عليه وسلم إلى نكاحه وولدت امامة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها وهو يصلي
كما تقدم في الصلاة وولدت له أيضا ابنا اسمه علي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مراهقا
فيقال انه مات قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واما أبو العاص فمات سنة اثنتي عشرة وأشار
المصنف بقوله منهم إلى من لم يذكره ممن تزوج إلى النبي صلى الله عليه وسلم كعثمان وعلي وقد
تقدمت ترجمة كل منهما ولم يتزوج أحد من بنات النبي صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء الثلاثة
الا ابن أبي لهب كان تزوج رقية قبل عثمان ولم يدخل بها فأمره أبوه بمفارقتها ففارقها فتزوجها
عثمان واما من تزوج النبي صلى الله عليه وسلم إليه فلم يقصده البخاري بالذكر هنا والله أعلم (قوله إن
عليا خطب بنت أبي جهل) اسمها جويرية كما سيأتي ويقال العوراء ويقال جميلة وكان علي قد
اخذ بعموم الجواز فلما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم أعرض علي عن الخطبة فيقال تزوجها
عتاب بن أسيد وانما خطب النبي صلى الله عليه وسلم ليشيع الحكم المذكور بين الناس
ويأخذوا به اما على سبيل الايجاب واما على سبيل الأولوية وغفل الشريف المرتضى عن هذه
النكتة فزعم أن هذا الحديث موضوع لأنه من رواية المسور وكان فيه انحراف عن علي وجاء
من رواية ابن الزبير وهو أشد في ذلك ورد كلامه باطباق أصحاب الصحيح على تخريجه وسيأتي
بسط ما يتعلق بذلك في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى (قوله وهذا علي ناكح بنت أبي جهل) في
رواية الطبراني عن أبي زرعة عن أبي اليمان وهذا علي ناكحا بالنصب وكذا عند مسلم من هذا
الوجه أطلقت عليه اسم ناكح مجازا باعتبار ما كان قصد يفعل واختلف في اسم ابنة أبي جهل
فروى الحاكم في الإكليل جويرية وهو الأشهر وفي بعض الطرق اسمها العوراء أخرجه ابن
طاهر في المبهمات وقيل اسمها الحنفاء ذكره ابن جرير الطبري وقيل جرهمة حكاه السهيلي وقيل
اسمها جميلة ذكره شيخنا بن الملقن في شرحه وكان لأبي جهل بنت تسمى صفية تزوجها سهل بن
عمرو سماها ابن السكيت وغيره وقال هي الحيفاء المذكورة (قوله حدثني فصدقني) لعله كان
شرط على نفسه ان لا يتزوج على زينب وكذلك علي فإن لم يكن كذلك فهو محمول على أن عليا نسي
ذلك الشرط فلذلك أقدم على الخطبة أو لم يقع عليه شرط إذ لم يصرح بالشرط لكن كان ينبغي له
ان يراعي هذا القدر فلذلك وقعت المعاتبة وكان النبي صلى الله عليه وسلم قل ان يواجه أحدا بما
68

يعاب به ولعله انما جهر بمعاتبة علي مبالغة في رضا فاطمة عليها السلام وكانت هذه الواقعة
بعد فتح مكة ولم يكن حينئذ تأخر من بنات النبي صلى الله عليه وسلم غيرها وكانت أصيبت بعد
أمها بإخوتها فكان إدخال الغيرة عليها مما يزيد حزنها وزاد محمد بن عمرو بن حلحلة بمهملتين
مفتوحتين ولامين الأولى ساكنة وقد تقدم هذا الحديث من روايته موصولا في أوائل فرض
الخمس مطولا وفيه ذكر بعض ما يتعلق به (قوله مناقب زيد بن حارثة مولى النبي
صلى الله عليه وسلم) وهو من بني كلب أسر في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة
فاستوهبه النبي صلى الله عليه وسلم منها ذكر قصته محمد بن إسحاق في السيرة وان أباه وعمه
أتيا مكة فوجداه فطلبا ان يفدياه فحيره النبي صلى الله عليه وسلم بين ان يدفعه إليهما أو يثبت
عنده فاختار ان يبقى عنده وقد اخرج بن منده في معرفة الصحابة وتمام فوائده بإسناد مستغرب
عن آل بيت زيد بن حارثة ان حارثة أسلم يومئذ وهو حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزى
الكلبي وأخرج الترمذي من طريق جبلة بن حارثة قال قلت يا رسول الله ابعث معي أخي زيدا
قال إن انطلق معك لم امنعه فقال زيد يا رسول الله والله لا اختار عليك أحدا واستشهد زيد بن
حارثة في غزوة مؤتة ومات أسامة بن زيد بالمدينة أو بوادي القرى سنة أربع وخمسين وقيل قبل
ذلك وكان قد سكن المزة من عمل دمشق مدة (قوله وقال البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنت
أخونا ومولانا) هو طرف من الحديث المشار إليه في ترجمة جعفر بن أبي طالب (قوله حدثنا
سليمان) هو ابن بلال (قوله بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا) هو البعث الذي أمر بتجهيزه في
مرض وفاته وقال أنفذوا بعث أسامة فأنفذه أبو بكر رضي الله عنه بعده وسيأتي بيانه في أواخر
الوفاة النبوية إن شاء الله تعالى (قوله فطعن بعض الناس في امارته) سمى ممن طعن في ذلك عياش
بن أبي ربيعة المخزومي كما سيأتي بسط ذلك في اخر المغازي (قوله تطعنون) بفتح العين يقال طعن
يطعن بالفتح في العرض والنسب وبالضم بالرمح واليد ويقال هما لغتان فيهما (قوله فقد كنتم
تطعنون في امارة أبيه من قبل) يشير إلى امارة زيد بن حارثة في غزوة مؤتة وعند النسائي عن
عائشة قالت ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط الا امره عليهم وفيه
جواز امارة المولى وتولية الصغار على الكبار والمفضول على الفاضل لأنه كان في الجيش الذي كان
عليهم أسامة أبو بكر وعمر ثم ذكر حديث عائشة في قصة القائف وسيأتي شرحه مستوفى
في كتاب الفرائض وفيه تسمية القائف المذكور (قوله ذكر أسامة بن زيد) ذكر فيه
حديث المخزومية التي سرقت وسيأتي شرحه مستوفى في الحدود والغرض منه قوله في بعض
طرقه ومن يجترئ ان يكلمه الا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يسمون
أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر المهملة أي محبوبه لما يعرفون من منزلته عنده
69

لأنه كان يحب أباه قبله حتى تبناه فكان يقال له زيد بن محمد وأمه أم أيمن حاضنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هي أمي بعد أمي وكان يجلسه على فخذه
بعد أن كبر كما سيأتي في مناقب الحسن عن قريب (قوله حدثنا الحسن بن محمد) هو الزعفراني
وأبو عباد هو يحيى بن عباد الضبعي البصري والمراد بالماجشون عبد العزيز بن عبد الله بن أبي
سلمة (قوله ليت هذا عندي) أي قريبا مني حتى أنصحه وأعظه وقد روي بالباء الموحدة من
العبودية وكأنه على ما قيل كان اسود اللون (قوله قال له انسان) لم اقف على اسمه (قوله لو رآه
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبه) انما جزم ابن عمر بذلك لما رأى من محبة النبي صلى الله عليه
وسلم لزيد بن حارثة وأم أيمن وذريتهما فقاس ابن أسامة على ذلك (قوله اللهم أحبهما فاني
أحبهما) هذا يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم ما كان يحب الا لله وفي الله ولذلك رتب محبة الله على
محبته وفي ذلك أعظم منقبة لأسامة والحسن (قوله وقال نعيم) هو ابن حماد (قوله أخبرني مولى
لأسامة) في رواية ابن أبي الدنيا أخبرني ابن حرملة مولى أسامة وابن حرملة هو إياس ويقال انه
حرملة بن إياس في الرواية التي بعده (قوله وهو رجل من الأنصار) أي أيمن بن أم أيمن وأبوه هو
عبيد بن عمرو بن هلال من بني الحبلي من الخزرج ويقال انه كان حبشيا من موالي الخزرج
وتزوج أم أيمن قبل زيد بن حارثة فولدت له أيمن واستشهد أيمن يوم حنين مع النبي صلى الله عليه
وسلم ونسب أيمن إلى أمه لشرفها على أبيه وشهرتها عند أهل البيت النبوي وتزوج زيد بن حارثة
أم أيمن وكانت حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم ورثها من أبيه فولدت له أسامة بن زيد وعاشت أم
أيمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم قليلا (قوله فرآه ابن عمر) هو معطوف على شئ مقدر تقديره ان
الحجاج بن أيمن دخل المسجد فصلى فرآه ابن عمر يوضح ذلك الرواية التي بعد هذه (قوله فقال
أعد) أي أعد صلاتك وفي رواية الإسماعيلي فقال أين ابن أخي أتحسب انك قد صليت انك
لم تصل فأعد صلاتك (قوله بينما هو) فيه تجريد كأن حرملة قال بينما انا فجرد من نفسه شخصا
فقال بينما هو (قوله فذكر حبه وما ولدته أم أيمن) كذا ثبت بواو العطف في رواية أبي ذر والضمير
على هذا لأسامة في قوله فذكر حبه أي ميله وفي رواية غير أبي ذر فذكر حبه ما ولدته أم أيمن فعلى
هذا فالضمير للنبي صلى الله عليه وسلم وما ولدته إلى آخره هو المفعول والمراد بما ولدته أم أيمن
ما ولدته من ذكر وأنثى (قوله وزادني بعض أصحابي) هو اما يعقوب بن سفيان فإنه رواه في تاريخه
عن سليمان بن عبد الرحمن بالاسناد المذكور وزاد فيه وكانت أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه
وسلم واما الذهلي فإنه أخرجه في الزهريات عن سليمان أيضا وأخرجه الطبراني في مسند
الشاميين عن أبي عامر محمد بن إبراهيم الصوري عن سليمان كذلك وأخرجه الإسماعيلي وأبو
نعيم من طريق إبراهيم الزهري عن سليمان كذلك وكأن هذا القدر لم يسمعه البخاري من سليمان
70

فحمله عن بعض أصحابه فبين ما سمعه مما لم يسمعه (قوله مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب
وهو أحد العبادلة وفقهاء الصحابة والمكثرين منهم وأمه زينب ويقال رائطة بنت مظعون أخت
عثمان وقدامة ابني مظعون للجميع صحبة وكان مولده في السنة الثانية أو الثالثة من المبعث لأنه
ثبت انه كان يوم بدر ابن ثلاث عشرة سنة وكانت بدر بعد البعثة بخمس عشرة سنة وقد تقدم
تاريخ وفاته في الصلاة وانها كانت بسبب من دسه عليه الحجاج فمس رجله بحربة مسمومة
فمرض بها إلى أن مات أوائل سنة أربع وسبعين ثم ذكر المصنف حديث ابن عمر في رؤياه وفيه نعم
الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل وقد تقدم توجيهه في باب قيام الليل وقوله في أوله حدثنا
محمد حدثنا إسحاق بن نصر كذا لأبي ذر وحده وبين ان محمدا هو المصنف ووقع عند ابن السكن
وحده حدثنا إسحاق بن منصور وقوله لن ترع كذا للقابسي قال ابن التين هي لغة قليلة يعني الجزم
بلن قال القزاز ولا احفظ لها شاهدا وروى الأكثر بلفظ لن تراع وهو الوجه ثم اورد المصنف
من طريق يونس عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن أخته حفصة ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال لها ان عبد الله رجل صالح وهو طرف من الحديث الذي قبله وهذا القدر هو الذي يتعلق منه
بمسند حفصة وسيأتي في التعبير من طريق نافع عن ابن عمر عن حفصة مثله وزاد لو كان يصلي
من الليل وتقدمت الإشارة إلى ذلك أيضا في قيام الليل ويأتي بقية ذلك في التعبير إن شاء الله تعالى
(قوله باب مناقب عمار وحذيفة) اما عمار فهو ابن ياسر يكنى أبا اليقظان
العنسي بالنون وأمه سمية بالمهملة مصغر أسلم هو وأبوه قديما وعذبوا لأجل الاسلام وقتل
أبو جهل أمه فكانت أول شهيد في الاسلام ومات أبوه قديما وعاش هو إلى أن قتل بصفين مع
علي رضي الله عنهم وكان قد ولي شيئا من أمور الكوفة لعمر فلهذا نسبه أبو الدرداء إليها واما
حذيفة فهو ابن اليمان بن جابر بن عمرو العبسي بالموحدة حليف بني عبد الأشهل من الأنصار
واسلم هو وأبوه اليمان كما سيأتي وولي حذيفة بعض أمور الكوفة لعمر وولي امرة المداين
ومات بعد قتل عثمان بيسير بها وكان عمار من السابقين الأولين وحذيفة من القدماء في
الاسلام أيضا الا انه متأخر فيه عن عمار وانما جمع المصنف بينهما في الترجمة لوقوع الثناء عليهما
من أبي الدرداء في حديث واحد وقد أفرد ذكر ابن مسعود وإن كان ذكر معهما لوجوده ما يوافق
شرطه غير ذلك من مناقبه وقد أفرد ذكر حذيفة في أواخر المناقب وهو مما يؤيد ما سنذكره انه لم
يهذب ترتيب من ذكره من أصحاب هذه المناقب ويحتمل ان يكون افراده بالذكر لأنه أراد ذكر
ترجمة والده اليمان (قوله عن إبراهيم عن علقمة قال قدمت الشام) في رواية شعبة التي بعد هذه
عن إبراهيم قال ذهب علقمة إلى الشام وهذا الثاني صورته مرسل لكن قال في أثنائه قال قلت
بلى فاقتضى انه موصول ووقع في التفسير من وجه اخر عن إبراهيم عن علقمة قال قدمت
الشام في نفر من أصحاب ابن مسعود فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا (قوله حتى يجلس إلى جنبي)
أي يجعل غاية مجيئه جلوسه وعبر بلفظ المضارع مبالغة زاد الإسماعيلي في روايته فقلت
71

الحمد لله اني لأرجو ان يكون الله استجاب دعوتي (قوله قالوا أبو الدرداء) لم اقف على اسم القائل
(قوله قال أوليس عندكم ابن أم عبد) يعني عبد الله بن مسعود ومراد أبي الدرداء بذلك انه فهم
منهم انهم قدموا في طلب العلم فبين لهم ان عندهم من العلماء من لا يحتاجون معهم إلى غيرهم
ويستفاد منه ان المحدث لا يرحل عن بلده حتى يستوعب ما عند مشايخها (قوله صاحب
النعلين) أي نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابن مسعود يحملهما ويتعاهدهما (قوله
والوساد) في رواية شعبة صاحب السواك بالكاف أو السواد بالدال ووقع في رواية الكشميهني
هنا الوساد ورواية غيره أوجه والسواد السرار براءين يقال ساودته سوادا أي ساررته سرارا
واصله أدنى السواد وهو الشخص من السواد (قوله والمطهرة) في رواية السرخسي والمطهر
بغير هاء وأغرب الداودي فقال معناه انه لم يكن يملك من الجهاز غير هذه الأشياء الثلاثة
كذا قال وتعقب ابن التين كلامه فأصاب وقد روى مسلم عن ابن مسعود ان النبي صلى الله
عليه وسلم قال له اذنك علي ان ترفع الحجاب وتسمع سوادي أي سراري وهي خصوصية لابن
مسعود وسيأتي في مناقبه قريبا حديث أبي موسى قدمت انا وأختي من اليمن فمكثنا حينا لا نرى
الا ان عبد الله بن مسعود رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لما نرى من دخوله ودخول
أمه والصواب ما قال غير الداودي ان المراد الثناء عليه بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم وانه
لشدة ملازمته له لأجل هذه الأمور ينبغي ان يكون عنده من العلم ما يستغني طالبه به عن غيره
(قوله أفيكم) بهمزة الاستفهام وفي رواية الكشميهني وفيكم بواو العطف وفي رواية شعبة
أليس فيكم أو منكم بالشك في الموضعين (قوله الذي أجاره الله من الشيطان يعني على لسان
نبيه) في رواية شعبة أجاره الله على لسانه نبيه يعني من الشيطان وزاد في رواية شعبة يعني عمارا
وزعم ابن التين ان المراد بقوله على لسان نبيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ويح عمار يدعوهم
إلى الجنة ويدعونه إلى النار وهو محتمل ويحتمل ان يكون المراد بذلك حديث عائشة مرفوعا
ما خير عمار بين أمرين الا اختار أرشدهما أخرجه الترمذي ولأحمد من حديث ابن مسعود مثله
أخرجهما الحاكم فكونه يختار ارشد الامرين دائما يقتضي انه قد أجير من الشيطان الذي من
شأنه الامر بالغي وروى البزار من حديث عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ملئ
ايمانا إلى مشاشه يعني عمارا وإسناده صحيح ولابن سعد في الطبقات من طريق الحسن قال قال
عمار نزلنا منزلا فأخذت قربتي ودلوي لأستقي فقال النبي صلى الله عليه وسلم سيأتيك من يمنعك
من الماء فلما كنت على رأس الماء إذا رجل اسود كأنه مرس فصرعته فذكر الحديث وفيه
قول النبي صلى الله عليه وسلم ذاك الشيطان فلعل ابن مسعود أشار إلى هذه القصة ويحتمل أن تكون
الإشارة بالإجارة المذكورة إلى ثباته على الايمان لما أكرهه المشركون على النطق بكلمة
الكفر فنزلت فيه الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان وقد جاء في حديث اخر ان عمارا ملئ ايمانا
إلى مشاشه أخرجه النسائي بسند صحيح والمشاش بضم الميم ومعجمتين الأولى خفيفة وهذه الصفة
لا تقع الا ممن أجاره الله من الشيطان وقد تقدم شرح الحديث الذي أشار إليه ابن التين في باب
72

التعاون في بناء المسجد مستوفى ولله الحمد (قوله أوليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه
وسلم الذي لا يعلم أحد غيره) كذا فيه بحذف المفعول وفي رواية الكشميهني الذي لا يعلمه والمراد بالسر
ما أعلمه به النبي صلى الله عليه وسلم من أحوال المنافقين (قوله ثم قال كيف يقرأ عبد الله) يعني
ابن مسعود وسيأتي الكلام على ما يتعلق بهذا القدر من القراءة في تفسير والليل إذا يغشى إن
شاء الله تعالى حيث أورده المصنف وفيه زيادة فيما يتعلق به على ما هنا * (تنبيه) * توارد أبو هريرة
في وصف المذكورين مع أبي الدرداء بما وصفهم به وزاد عليه فروى الترمذي من طريق خيثمة
ابن عبد الرحمن قال أتيت المدينة فسألت الله ان ييسر لي جليسا صالحا فيسر لي أبا هريرة فقال
ممن أنت قلت من الكوفة جئت التمس الخير قال أليس منكم سعد بن مالك مجاب الدعوة وابن
مسعود صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه وحذيفة صاحب سره وعمار الذي
أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه وسلمان صاحب الكتابين (قوله باب مناقب
أبي عبيدة بن الجراح) كذا اخر ذكره عن إخوانه من العشرة ولم اقف في شئ من نسخ البخاري
على ترجمة لمناقب عبد الرحمن بن عوف ولا لسعيد بن زيد وهما من العشرة وإن كان قد أفرد ذكر
إسلام سعيد بن زيد بترجمة في أوائل السيرة النبوية وأظن ذلك من تصرف الناقلين لكتاب
البخاري كما تقدم مرارا انه ترك الكتاب مسودة فان أسماء من ذكرهم هنا لم يقع فيهم مراعاة
الأفضلية ولا السابقية ولا الأسنية وهذه جهات التقديم في الترتيب فلما لم يراع واحدا منها دل
على أنه كتب كل ترجمة على حدة فضم بعض النقلة بعضها إلى بعض حسبما اتفق وأبو عبيدة اسمه
عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر يجتمع مع النبي صلى الله
عليه وسلم في فهر بن مالك وعدد ما بينهما من الاباء متفاوت جدا بخمسة اباء فيكون أبو عبيدة من
حيث العدد في درجة عبد مناف ومنهم من ادخل في نسبه بين الجراح وهلال ربيعة فيكون على
هذا في درجة هاشم وبذلك جزم أبو الحسن بن سميع ولم يذكره غيره وأم أبي عبيدة هي من بنات عم
أبيه ذكر أبو أحمد الحاكم انها أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر ويقال انه هو الذي قتله ورواه
الطبراني وغيره من طريق عبد الله بن شوذب مرسلا ومات أبو عبيدة وهو أمير على الشام من قبل
عمر بالطاعون سنة ثمان عشرة باتفاق (قوله حدثنا عبد الاعلى) هو ابن عبد الاعلى البصري
السامي بالمهملة من بني سامة بن لؤي وخالد شيخه هو الحذاء (قوله إن لكل أمة أمينا وان أميننا
أيتها الأمة) صورته صورة النداء لكن المراد فيه الاختصاص أي أمتنا مخصوصون من بين الأمم
وعلى هذا فهو بالنصب على الاختصاص ويجوز الرفع والأمين هو الثقة الرضي وهذه الصفة
وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره لكن السياق يشعر بأن له مزيدا في ذلك لكن خص النبي صلى
الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة ووصفه بها فأشعر بقدر زائد فيها على غيره كالحياء
لعثمان والقضاء لعلي ونحو ذلك * (تنبيه) * اورد الترمذي وابن حبان هذا الحديث من طريق
عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء بهذا الاسناد مطولا وأوله ارحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم
في أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقرأهم لكتاب الله أبي وأفرضهم زيد وأعلمهم بالحلال
والحرام معاذ الا وان لكل أمة أمينا الحديث وإسناده صحيح الا ان الحفاظ قالوا إن الصواب
في أوله الارسال والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري والله أعلم (قوله عن صلة) بكسر
73

المهملة وتخفيف اللام هو ابن زفر وذكر الجياني انه وقع هنا في رواية القابسي صلة بن حذيفة وهو
تحريف (قوله عن حذيفة) وقع في رواية النسائي عن صلة عن ابن مسعود وسيأتي بيان ذلك
في المغازي (قوله لأهل نجران) هم أهل بلد قريب من اليمن وهم العاقب واسمه عبد المسيح
والسيد ومن معهما ذكر ابن سعد انهم وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع وسماهم
وسيأتي شرح ذلك مطولا في أواخر المغازي حيث ذكره المصنف إن شاء الله تعالى ووقع في حديث
أنس عند مسلم ان أهل اليمن قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ابعث معنا رجلا يعلمنا
السنة والاسلام فأخذ بيد أبي عبيدة وقال هذا امين هذه الأمة فإن كان الراوي تجوز عن أهل
نجران بقوله أهل اليمن لقرب نجران من اليمن والا فهما واقعتان والأول أرجح والله أعلم (قوله
لأبعثن حق امين) في رواية غير أبي ذر لأبعثن يعني عليكم أمينا حق امين ولمسلم لأبعثن إليكم
رجلا أمينا حق امين (قوله فأشرف أصحابه) في رواية مسلم والإسماعيلي فاستشرف لها أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تطلعوا للولاية ورغبوا فيها حرصا على تحصيل الصفة المذكورة
وهي الأمانة لا على الولاية من حيث هي والله أعلم (قوله فبعث أبا عبيدة) في رواية أبي يعلى قم
يا أبا عبيدة فأرسله معهم ووقع في رواية لأبي يعلى من طريق سالم عن أبيه سمعت عمر يقول
ما أحببت الامارة قط الا مرة واحدة فذكر القصة وقال في الحديث فتعرضت ان تصيبني فقال
قم يا أبا عبيدة (قوله ذكر مصعب بن عمير) أي ابن هاشم بن عبد الدار بن عبد مناف وقع كذلك في غير
رواية أبي ذر الهروي وكأنه بيض له وقد تقدم من فضائله في كتاب الجنائز انه لما استشهد لم يوجد
له ما يكفن فيه (قوله باب مناقب الحسن والحسين) كأنه جمعهما لما وقع لهما من
الاشتراك في كثير من المناقب وكان مولد الحسن في رمضان سنة ثلاث من الهجرة عند الأكثر
وقيل بعد ذلك ومات بالمدينة مسموما سنة خمسين ويقال قبلها ويقال بعدها وكان مولد الحسين
في شعبان سنة أربع في قول الأكثر وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض
العراق وكان أهل الكوفة لما مات معاوية واستخلف يزيد كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته فخرج
الحسين إليهم فسبقه عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فخذل غالب الناس عنه فتأخروا رغبة ورهبة
وقتل ابن عمه مسلم بن عقيل وكان الحسين قد قدمه قبله ليبايع له الناس ثم جهز إليه عسكرا فقاتلوه
إلى أن قتل هو وجماعة من أهل بيته والقصة مشهورة فلا نطيل بشرحها وعسى ان يقع لنا المام
بها في كتاب الفتن (قوله وقال نافع بن جبير) أي ابن مطعم وحديثه المذكور طرف من حديث
تقدم موصولا في البيوع ثم ذكر فيه ثمانية أحاديث * الأول حديث أبي بكرة ان ابني هذا سيد
وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الفتن وزاد أبو ذر هنا أبو موسى اسمه إسرائيل بن موسى من أهل
البصرة نزل الهند لم يروه عن الحسن غيره * الثاني حديث أسامة بن زيد تقدم في ترجمة أسامة
(قوله سمعت أبي) هو سليمان التيمي (قوله حدثنا أبو عثمان) وقع في رواية في الأدب من وجه اخر
عن معتمر عن أبيه سمعت أبا تميمة يحدث عن أبي عثمان قال الإسماعيلي كان سليمان سمعه من أبي
تميمة عن أبي عثمان ثم لقي أبا عثمان فسمعه منه (قلت) بل هما حديثان فان لفظ سليمان عن أبي
عثمان اللهم إني أحبهما ولفظ سليمان عن أبي تميمة إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذني
فيضعني على فخذه ويضع على الفخذ الاخر الحسن بن علي ثم يضمهما ثم يقول اللهم ارحمهما فاني
74

ارحمهما * الثالث حديث أنس (قوله حدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم) هو ابن أشكاب أخو
علي (قوله حدثنا جرير) هو ابن أبي حازم (عن محمد) هو ابن سيرين (قوله اتى عبيد الله بن زياد) هو بالتصغير وزياد هو الذي يقال له ابن أبي سفيان وكان أمير الكوفة عن يزيد بن معاوية وقتل
الحسين في امارته كما تقدم فأتى برأسه (قوله فجعل ينكت) في رواية الترمذي وابن حبان من
طريق حفصة بنت سيرين عن أنس فجعل يقول بقضيب له في انفه وللطبراني من حديث زيد بن
أرقم فجعل قضيبا في يده في عينه وانفه فقلت ارفع قضيبك فقد رأيت فم رسول الله صلى الله
عليه وسلم في موضعه وله من وجه اخر عن أنس نحوه وسيأتي (قوله وقال في حسنه شيئا) في رواية
الترمذي وقال ما رأيت مثل هذا حسنا (قوله كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم) أي
أشبه أهل البيت وزاد البزار من وجه اخر عن أنس قال فقلت له اني رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يلثم حيث تضع قضيبك قال فانقبض (قوله وكان مخضوبا أي الحسين (بالوسمة) بفتح
الواو وأخطأ من ضمها وبسكون المهملة ويجوز فتحها نبت يختضب به يميل إلى سواد وسيأتي
البحث في ذلك في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى * الحديث الرابع حديث البراء (قوله والحسن بن
علي) وقع عند الإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة الحسن أو الحسين بالشك ثم ذكر ان
أكثر أصحاب شعبة رووه فقالوا الحسن بغير شك ثم عد منهم ثمانية * الحديث الخامس حديث عقبة
ابن الحرث هو النوفلي (قوله عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحرث) هذا هو الصحيح وقال زمعة
ابن صالح عن ابن أبي مليكة كانت فاطمة تنقز بالقاف والزاي أي ترقص الحسن بن علي فذكر هذا
الحديث وأخرجه أحمد ويحتمل إن كان حفظه ان يكون كل من أبي بكر وفاطمة توافقا على ذلك
أو يكون أبو بكر عرف ان فاطمة كانت تقول ذلك فتابعها على تلك المقالة (قوله بأبي شبيه
بالنبي) تقدم في أول صفة النبي صلى الله عليه وسلم ووقع عند أحمد من وجه اخر عن ابن أبي مليكة
قال وكانت فاطمة عليها السلام ترقص الحسن وتقول ابني شبيه بالنبي ليس شبيها بعلي وفيه
إرسال فإن كان محفوظا فلعلها تواردت في ذلك مع أبي بكر أو تلقى ذلك أحدهما من الاخر قوله
ليس شبيه بعلي) قال ابن مالك كذا وقع برفع شبيه على أن ليس حرف عطف وهو مذهب كوفي
قال ويجوز ان يكون شبيه اسم ليس ويكون خبرها ضميرا متصلا حذف استغناء عن لفظه بنيته
ونحوه قوله في خطبة يوم النحر أليس ذو الحجة وقال الطيبي في قوله بأبي شبيه بالنبي يحتمل ان يكون
التقدير هو مفدي بابي شبيه فيكون خبرا بعد خبر أو أفديه بابي وشبيه بالنبي خبر مبتدأ
محذوف وفيه اشعار بعلية الشبه للتفدية وفي قوله شبيه بالنبي ما قد يعارض قول علي في صفة
النبي صلى الله عليه وسلم لم أر قبله ولا بعده مثله أخرجه الترمذي في الشمائل والجواب ان يحمل
المنفي على عموم الشبه والمثبت على معظمه والله أعلم * الحديث السادس حديث ابن عمر عن أبي
بكر تقدم متنا وسندا وشرحا قريبا في مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم * الحديث
السابع (قوله وقال عبد الرزاق الخ) وصله أحمد وعبد بن حميد جميعا عن عبد الرزاق
وأخرجه الترمذي من روايته وقصد البخاري بهذا التعليق بيان سماع الزهري له من أنس
الحديث الثامن حديث ابن عمر (قوله لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن
علي) هذا يعارض رواية ابن سيرين الماضية في الحديث الثالث فإنه قال في حق الحسين بن علي
75

كان أشبههم بالنبي صلى الله عليه وسلم ويمكن الجمع بان يكون أنس قال ما وقع في رواية الزهري في
حياة الحسن لأنه يومئذ كان أشد شبها بالنبي صلى الله عليه وسلم من أخيه الحسين واما ما وقع
في رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه أو المراد بمن فضل الحسين عليه في الشبه
من عدا الحسن ويحتمل ان يكون كل منهما كان أشد شبها به في بعض أعضائه فقد روى الترمذي
وابن حبان من طريق هانئ بن هانئ عن علي قال الحسن أشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين
الرأس إلى الصدر والحسين أشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك ووقع في رواية
عبد الاعلى عن معمر عند الإسماعيلي في رواية الزهري هذه وكان أشبههم وجها بالنبي صلى الله
عليه وسلم وهو يؤيد حديث علي هذا والله أعلم والذين كانوا يشبهون بالنبي صلى الله عليه وسلم
غير الحسن والحسين جعفر بن أبي طالب وابنه عبد الله بن جعفر وقثم بالقاف ابن العباس بن
عبد المطلب وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب ومسلم بن عقيل بن أبي طالب ومن غير بني
هاشم السائب بن يزيد المطلبي الجد الاعلى للامام الشافعي وعبد الله بن عامر بن كريز العبشمي
وكابس بن ربيعة بن عدي فهؤلاء عشرة نظم منهم أبو الفتح بن سيد الناس خمسة أنشدنا محمد بن
الحسن المقري عنه
بخمسة أشبهوا المختار من مضر * يا حسن ما خولوا من شبهه الحسن
بجعفر وابن عم المصطفى قثم * وسائب وأبي سفيان والحسن
وزادهم شيخنا أبو الفضل بن الحسين الحافظ اثنين وهما الحسين وعبد الله بن عامر بن كريز ونظم
ذلك في بيتين وأنشدناهما وهما
وسبعة شبهوا بالمصطفى فما * لهم بذلك قدر قد زكا ونما
سبطا النبي أبو سفيان سائبهم * وجعفر وابنه ذو الجود مع قثما
وزاد فيهم بعض أصحابنا ثامنا وهو عبد الله بن جعفر ونظم ذلك في بيتين أيضا وقد زدت فيهما مسلم
ابن عقيل وكابس بن ربيعة فصاروا عشرة ونظمت ذلك في بيتين وهما
شبه النبي لعشر سائب وأبي * سفيان والحسنين الطاهرين هما
وجعفر وابنه ثم ابن عامر هم * ومسلم كابس يتلوه مع قثما
وقد وجدت بعد ذلك أن فاطمة ابنته عليها السلام كانت تشبهه فيمكن ان يغير من البيت الأول
قوله لعشر فيجعل لياء وهو بالحساب أحد عشر ويغير الطاهرين هما فيجعل ثم أمهما ثم وجدت ان
إبراهيم ولده عليه السلام كان يشبهه فيغير قوله لياء فيجعل ليب وبدل الطاهرين هما الخال أمهما
ثم وجدت في قصة جعفر بن أبي طالب ان ولديه عبد الله وعوفا كانا يشبهانه فيجعل أول البيت شبه
النبي ليج والبيت الثاني وجعفر ولداه وابن عامرهم الخ ووجدت من نظم الامام أبي الوليد بن
الشحنة قاضي حلب ولم أسمعه منه
وخمس عشر لهم بالمصطفى شبه * سبطاه وابنا عقيل سائب قثم
وجعفر وابنه عبدان مسلم أبو * سفيان كابس عثم ابن النجادهم
فزاد ابن عقيل الثاني وعثمان وابن النجاد وأخل ممن ذكرته بابن جعفر الثاني وأراد هو بقوله
عبدان تثنية عبد وهما عبد الله بن جعفر وعبد الله بن الحرث ولو كان أراد اسما مفردا لم يتم له خمسة
76

عشر وقد تعقب قوله ابنا عقيل بالتثنية مع قوله ومسلم لان مسلما هو ابن عقيل ثم وجدت الجواب
عنه يؤخذ مما ذكره أبو جعفر بن حبيب ان مسلم بن معتب بن أبي لهب ممن كان يشبه ومسلم بن
عقيل ذكره ابن حبان في ثقاته ومحمد بن عقيل ذكره المزي في تهذيبه وذكر في المحبر ان عبد الله بن
الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الملقب به كان يشبه وذكر ذلك بن عبد البر في
الاستيعاب أيضا وأراد ابن الشحنة بقوله عثم ترخيم عثمان واعتمد على ما جاء في حديث عائشة ان
النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته أم كلثوم لما زوجها عثمان انه أشبه الناس بجدك إبراهيم
وأبيك محمد وهو حديث موضوع كما قاله الذهبي في ترجمة عمرو بن الأزهر أحد رواته وهو وشيخه
خالد بن عمرو كذبهما الأئمة وانفرد بهذا الحديث والمعروف في صفة عثمان خلاف ذلك وأراد بابن
النجاد علي بن علي بن النجاد بن رفاعة واعتمد على ما ذكره ابن سعد عن عثمان انه كان يشبه وهذا
تابعي صغير متأخر عن الذين تقدم ذكرهم لذلك لم أعول عليه وعلى تقدير اعتباره يكون قد فاته
ممن وصف بذلك القاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل وإبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن
علي ويحيى بن القاسم بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي فكل من هؤلاء مذكور في كتب
الأنساب انه كان يشبه حتى أن يحيى المذكور كان يقال له الشبيه لأجل ذلك والمهدي الذي يخرج
في اخر الزمان جاء انه يشبه ويواطئ اسمه واسم أبيه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه وذكر
ابن حبيب أيضا محمد بن جعفر بن أبي طالب وهو غلط لأنه وقع في الخبر الذي تقدم في جعفر أنه قال
في حق محمد بن جعفر شبيه عمه أبي طالب وقد سلم ابن الشحنة منه وقد غيرت بيتي هكذا
شبه النبي ليه سائب وأبي * سفيان والحسنين الخال أمهما
وجعفر ولديه وابن عامركا * بس ونجلي عقيل بيه قثما
فاقتصرت على ثلاثة عشر ممن ذكرهم ابن الشحنة وأبدلتهما باثنين فوفيت عدته مع السلامة مما
تعقب عليه والله الموفق وذكر ابن يونس في تاريخ مصر عبد الله بن أبي طلحة الخولاني وانه شهد
فتح مصر وأمره عمر بان لا يمشي الا مقنعا لأنه كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم قال وكان له عبادة
وفضل وفي قصة الكاهنة مع أويس انها قالت لهم أشبه الناس بصاحب المقام أي إبراهيم الخليل
هذا تشير إلى محمد صلى الله عليه وسلم (قوله عن محمد بن أبي يعقوب) هو محمد بن عبد الله البصري
الضبي ويقال انه تميمي وقال شعبة مرة حدثني محمد بن أبي يعقوب وكان سيد بني تميم وهو ثقة باتفاق
(قوله سمعت ابن أبي نعم) بضم النون وسكون المهملة وهو عبد الرحمن يكنى أبا الحكم البجلي
(قوله وسأله عن المحرم) في رواية مهدي بن ميمون عن ابن أبي يعقوب كما سيأتي في الأدب وسأله
رجل ورأيت في بعض النسخ من رواية أبي ذر الهروي وسألته فإن كانت محفوظة فقد عرف اسم
السائل لكن يبعده ان في رواية جرير بن حازم عن محمد بن أبي يعقوب عند الترمذي ان رجلا من
أهل العراق سأل وفي رواية لأحمد وانا جالس عنده ونحوها في رواية مهدي المذكورة في الأدب
(قوله قال شعبة أحسبه يقتل الذباب) وقع عند أبي داود الطيالسي عن شعبة بغير شك وفي رواية
جرير بن حازم المذكورة سئل بن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب وكذا هو في رواية مهدي بن
ميمون المذكورة ويحتمل ان يكون السؤال وقع عن الامرين والله أعلم (قوله فقال أهل العراق
يسألون عن الذباب) في رواية أبي داود فقال يا أهل العراق تسألونني عن الذباب اورد ابن عمر هذا
77

متعجبا من حرص أهل العراق على السؤال عن الشئ اليسير وتفريطهم في الشئ الجليل (قوله
ريحانتاي) كذا للأكثر بالتثنية ولأبي ذر ريحاني بالافراد والتذكير شبههما بذلك لان الولد يشم
ويقبل ووقع في رواية جرير بن حازم ان الحسن والحسين هما ريحانتي وعند الترمذي من حديث
أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الحسن والحسين فيشمهما ويضمهما إليه وفي رواية
الطبراني في الأوسط من طريق أبي أيوب قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن
والحسين يلعبان بين يديه فقلت أتحبهما يا رسول الله قال وكيف لا وهما ريحانتاي من الدنيا
أشمهما (قوله مناقب بلال بن رباح) بفتح الراء والموحدة واخره مهملة وقد تقدم في باب البيع
والشراء مع المشركين من البيوع بيان الاختلاف في كيفية شرائه وذكر ابن سعد
انه كان من مولدي السراة واسم أمه حمامة وكانت لبعض بني جمح وجاء عن أنس عند الطبراني
وغيره انه حبشي وهو المشهور وقيل نوبي (قوله مولى أبي بكر) روى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد
صحيح عن قيس بن أبي حازم قال اشترى أبو بكر بلالا بخمس أواق وهو مدفون بالحجارة (قوله
وقال النبي صلى الله عليه وسلم سمعت دف نعليك في الجنة) هو طرف من حديث أورده في صلاة
الليل وقد تقدم شرحه (قوله كان عمر يقول أبو بكر سيدنا واعتق سيدنا يعني بلالا) قال ابن
التين يعني ان بلالا من السادة ولم يرد انه أفضل من عمر وقال غيره السيد الأول حقيقة والثاني قاله
تواضعا على سبيل المجاز أو ان السيادة لا تثبت الأفضلية فقد قال ابن عمر ما رأيت اسود من معاوية
مع أنه رأى أبا بكر وعمر (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (قوله إن
بلالا قال لأبي بكر) كان قوله ذلك لأبي بكر في خلافة أبي بكر وقد وقع ذلك صريحا في رواية
أحمد عن أبي أسامة عن إسماعيل بلفظ قال بلال لأبي بكر حين توفي رسول الله الله صلى
الله عليه وسلم (قوله فدعني وعمل الله) في رواية الكشميهني وعملي لله وفي رواية أبي أسامة فذرني
اعمل لله وذكر ابن سعد في الطبقات في هذه القصة من الزيادة أنه قال رأيت أفضل عمل المؤمن
الجهاد فأردت ان أرابط في سبيل الله وان أبا بكر قال لبلال أنشدك الله وحقي فأقام معه بلال حتى
توفي فلما مات أذن له عمر فتوجه إلى الشام مجاهدا فمات بها في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة
وقيل سنة عشرين والله أعلم وكانت وفاته بدمشق ودفن بباب الصغير وبهذا جزم النووي وقيل
دفن بباب كيسان وقيل بداريا وقيل بحلب ورده المنذري وقال الذي مات بحلب اخوه خالد
وزعم ابن السمعاني ان بلالا مات بالمدينة وغلطوه (قوله ذكر ابن عباس) أي عبد الله بن العباس
ابن عبد المطلب بن هاشم ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم يكنى أبا العباس ولد قبل الهجرة بثلاث
سنين ومات بالطائف سنة ثمان وستين وكان من علماء الصحابة حتى كان عمر يقدمه مع الأشياخ وهو
شاب أورده فيه حديثه قال ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إليه وقال اللهم علمه الحكمة وفي لفظ
علمه الكتاب وهو يؤيد من فسر الحكمة هنا بالقران وقد استوعبت ما قيل في تفسيرها في أوائل
كتاب العلم وقد تقدم هذا الحديث في كتاب العلم وفي الطهارة مع بيان سببه وبيان من زاد فيه وعلمه
التأويل وهذه اللفظة اشتهرت على الألسنة اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل حتى نسبها بعضهم
للصحيحين ولم يصب والحديث عند أحمد بهذا اللفظ من طريق ابن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس وعند الطبراني من وجهين آخرين وأوله في هذا الصحيح من طريق عبيد الله بن أبي يزيد عن
78

ابن عباس دون قوله وعلمه التأويل وأخرجها البزار من طريق شعيب بن بشر عن عكرمة بلفظ
اللهم علمه تأويل القران وعند أحمد من وجه اخر عن عكرمة اللهم اعط ابن عباس الحكمة
وعلمه التأويل واختلف في المراد بالحكمة هنا فقيل الإصابة في القول وقيل الفهم عن الله وقيل
ما يشهد العقل بصحته وقيل نور يفرق به بين الالهام والوسواس وقيل سرعة الجواب بالصواب
وقيل غير ذلك وكان ابن عباس من اعلم الصحابة بتفسير القران وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه
بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عاشره منا رجل وكان يقول نعم
ترجمان القران ابن عباس وروى هذه الزيادة ابن سعد من وجه اخر عن عبد الله بن مسعود وروى
أبو زرعة الدمشقي في تاريخه عن ابن عمر قال هو اعلم بما انزل الله على محمد واخرج ابن أبي
خيثمة نحوه بإسناد حسن وروى يعقوب أيضا بإسناد صحيح عن أبي وائل قال قرأ ابن عباس سورة
النور ثم جعل يفسرها فقال رجل لو سمعت هذا الديلم لاسلمت ورواه أبو نعيم في الحلية من وجه اخر
بلفظ سورة البقرة وزاد انه كان على الموسم يعني سنة خمس وثلاثين كان عثمان أرسله لما حصر
(قوله مناقب خالد بن الوليد) أي ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن خزوم بن يقظة بفتح التحتانية
والقاف والمشالة بن مرة بن كعب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر جميعا في مرة بن
كعب يكنى أبا سليمان وكان من فرسان الصحابة أسلم بين الحديبية والفتح ويقال قبل غزوة
مؤتة بشهرين وكانت في جمادى سنة ثمان ومن ثم جزم مغلطاي بأنها كانت في صفر وكان الفتح بعد
ذلك في رمضان وحكى ابن أبي خيثمة انه أسلم سنة خمس وهو غلط فإنه كان بالحديبية طليعة
للمشركين وهي في ذي القعدة سنة ست وقال الحاكم أسلم سنة سبع زاد غيره وقبل عمرة القضاء
والراجح الأول وما وافقه وقد اخرج سعيد بن منصور عن هشيم عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه
ان خالد بن الوليد فقد قلنسوة فقال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه فابتدر الناس
شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة فلم اشهد قتالا وهي معي الا رزقت النصر
وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم عدة مشاهد ظهرت فيها نجابته ثم كان قتل أهل الردة على يديه ثم
فتوح البلاد الكبار ومات على فراشه سنة إحدى وعشرين وبذلك جزم ابن نمير وذلك في خلافة
عمر بحمص ونقل عن دحيم انه مات بالمدينة وغلطوه ووقع في كلام ابن التين وتبعه بعض الشراح
شئ يدل على أنه مات في خلافة أبي بكر وهو غلط قبيح أشد من غلط دحيم وذلك أنه قال قال الصديق
لما احتضر خالد والنسوة تبكين عليه دعهن يهرقن دموعهن على أبي سليمان فهل تايمت النساء عن
مثله انتهى (قلت) وبعض هذا الكلام منقول عن عمر في حق خالد كما مضى في كتاب الجنائز وفيه
ذكر اللقلقة ثم اورد حديث أنس في أهل مؤتة والغرض منه قوله حتى اخذها يعني الراية سيف من
سيوف الله فان المراد به خالد ومن يومئذ تسمى سيف الله وقد اخرج ابن حبان والحاكم من حديث
عبد الله بن أبي أوفى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله
صبه الله على الكفار وسيأتي شرح هذه الغزوة في المغازي إن شاء الله تعالى (قوله باب
مناقب سالم مولى أبي حذيفة) أي ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان مولاه أبو حذيفة بن عتبة
من أكابر الصحابة وشهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقتل أبوه يومئذ كافرا فساءه ذلك فقال
كنت أرجو ان يسلم لما كنت أرى من عقله واستشهد أبو حذيفة باليمامة واما سالم فكان من
79

السابقين الأولين وقد أشير في هذا الحديث إلى أنه كان عارفا بالقران وسبق في كتاب الصلاة انه
كان يؤم المهاجرين بقباء لما قدموا من مكة وشهد سالم بدرا وما بعدها ويقال ان اسم أبيه معقل
وكان مولى لامرأة من الأنصار فتبناه أبو حذيفة لما تزوجها فنسب إليه وسيأتي بيان ذلك في
الرضاع واستشهد سالم باليمامة أيضا (قوله ذكر) بالضم ولم اعرف اسم فاعله (قوله عبد الله أي
ابن مسعود وعبد الله بن عمرو أي ابن العاص (قوله فبدأ به) فيه ان التقديم يفيد الاهتمام وقوله
لا أدري بدا بابي أو بمعاذ فيه ان الواو تقتضي الترتيب ظاهرا وتخصيص هؤلاء الأربعة بأخذ
القرآن عنهم اما لانهم كانوا أكثر ضبطا له وأتقن لأدائه أو لانهم تفرغوا لاخذه منه مشافهة
وتصدوا لأدائه من بعده فلذلك ندب إلى الاخذ عنهم لا انه لم يجمعه غيرهم (قوله باب
مناقب عبد الله بن مسعود) وهو ابن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن هذيل بن مدركة
ابن الياس بن مضر مات أبوه في الجاهلية وأسلمت أمه وصحبت فلذلك نسب إليها أحيانا وكان هو
من السابقين وقد روى ابن حبان من طريقه انه كان سادس ستة في الاسلام وهاجر الهجرتين
وسيأتي في غزوة بدر شهوده إياها وولى بيت المال بالكوفة لعمر وعثمان وقدم في أواخر عمره
المدينة ومات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين وقد جاوز الستين وكان من علماء الصحابة وممن
انتشر علمه بكثرة أصحابه والاخذين عنه ثم اورد المصنف فيه حديث عبد الله بن عمرو المذكور قبله
وزاد في أوله حديثا تقدم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وكان بعض الرواة سمعه مجموعا فأورده
كذلك ثم اورد حديث أبي الدرداء المذكور في مناقب عمار وحذيفة آنفا ثم حديث حذيفة ما اعلم
أحدا أقرب سمتا أي خشوعا وهديا أي طريقة ودلا بفتح المهملة والتشديد أي سيرة وحالة وهيئة
وكأنه مأخوذ مما يدل ظاهر حاله على حسن فعاله (قوله من ابن أم عبد) هو عبد الله بن مسعود
وكانت أمه تكنى أم عبد وقد ذكرت في الحديث الذي بعده حديث أبي موسى وتقدم التنبيه
عليه في مناقب عمار وقد روى الحاكم وغيره من طريق أبي وائل عن حذيفة قال لقد علم
المحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ان ابن أم عبد من اقربهم إلى الله وسيلة يوم
القيامة (قوله في حديث أبي موسى قدمت انا وأخي) تقدم بيان اسمه في مناقب أبي بكر الصديق
وقوله ما نرى حال من فاعل مكثنا أو صفة لقوله حينا والحديث دال على ملازمته للنبي صلى الله
عليه وسلم وهو يستلزم ثبوت فضله (قوله باب ذكر معاوية أي ابن أبي سفيان واسمه
صخر ويكنى أيضا أبا حنظلة بن حرب بن أمية بن عبد شمس أسلم قبل الفتح واسلم أبواه بعده وصحب
النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له وولي امرة دمشق عن عمر بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان سنة
80

تسع عشرة واستمر عليها بعد ذلك إلى خلافة عثمان ثم زمان محاربته لعلي وللحسن ثم اجتمع عليه
الناس في سنة إحدى وأربعين إلى أن مات سنة ستين فكانت ولايته بين امارة ومحاربة ومملكة
أكثر من أربعين سنة متوالية (قوله حدثنا المعافى) هو ابن عمران الأزدي الموصلي يكنى أبا
مسعود وكان من الثقات النبلاء وقد لقي بعض التابعين وتلمذ لسفيان الثوري كان يلقب ياقوتة
العلماء وكان الثوري شديد التعظيم له مات سنة خمس أو ست وثمانين ومائة وليس له في البخاري
سوى هذا الموضع وموضع اخر تقدم في الاستسقاء وفي الرواة اخر يقال له المعافى بن سليمان أصغر
من هذا ووهم من عكس ذلك على ما يظهر من كلام ابن التين ومات المعافى بن سلمان سنة مائتين
وأربع وثلاثين اخرج له النسائي وحده واخرج للمعافى بن عمران مع البخاري أبو داود والنسائي
(قوله وعنده مولى لابن عباس) هو كريب روى ذلك محمد بن نصر المروزي في كتاب الوتر له من طريق
ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن كريب واخرج من طريق علي بن عبد الله بن عباس قال
بت مع أبي عند معاوية فرأيته اوتر بركعة فذكرت ذلك لأبي فقال يا بني هو اعلم (قوله فقال دعه)
فيه حذف يدل عليه السياق تقديره فاتى ابن عباس فحكى له ذلك فقال له دعه وقوله دعه أي اترك
القول فيه والانكار عليه فإنه قد صحب أي فلم يفعل شيئا الا بمستند وفي قوله في الرواية الأخرى
أصاب انه فقيه ما يؤيد ذلك ولا التفات إلى قول ابن التين ان الوتر بركعة لم يقل به الفقهاء لان
الذي نفاه قول الأكثر وثبت فيه عدة أحاديث نعم الأفضل ان يتقدمها شفع وأقله ركعتان
واختلف أيما الأفضل وصلهما بها أو فصلهما وذهب الكوفيون إلى شرطية وصلهما وان الوتر
بركعة لا يجزئ وشهرة ذلك تغني عن الإطالة فيه ثم اورد حديث معاوية في النهي عن الصلاة بعد
العصر والغرض منه قوله لقد صحبنا النبي صلى الله عليه وسلم والكلام على الصلاة بعد صلاة
العصر تقدم في مكانه في كتاب الصلاة * (تنبيه) * عبر البخاري في هذه الترجمة بقوله ذكر ولم يقل
فضيلة ولا منقبة لكون الفضيلة لا تؤخذ من حديث الباب لان ظاهر شهادة ابن عباس له بالفقه
والصحبة دالة على الفضل الكثير وقد صنف ابن أبي عاصم جزءا في مناقبه وكذلك أبو عمر غلام
ثعلب وأبو بكر النقاش وأورد ابن الجوزي في الموضوعات بعض الأحاديث التي ذكروها ثم ساق
عن إسحاق بن راهويه أنه قال لم يصح في فضائل معاوية شئ فهذه النكتة في عدول البخاري عن
التصريح بلفظ منقبة اعتمادا على قول شيخه لكن بدقيق نظره استنبط ما يدفع به رؤوس
الروافض وقصة النسائي في ذلك مشهورة وكأنه اعتمد أيضا على قول شيخه إسحاق وكذلك في قصة
الحاكم واخرج ابن الجوزي أيضا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي ما تقول في علي
ومعاوية فأطرق ثم قال اعلم أن عليا كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيبا فلم يجدوا فعمدوا إلى
رجل قد حاربه فأطروه كيادا منهم لعلي فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل
له وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الاسناد وبذلك جزم
إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما والله أعلم (قوله باب مناقب فاطمة) أي بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها وأمها خديجة عليها السلام ولدت فاطمة في
الاسلام وقيل قبل البعثة وتزوجها علي رضي الله عنه بعد بدر في السنة الثانية وولدت له وماتت
سنة إحدى عشرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وقد ثبت في الصحيح من حديث عائشة
81

وقيل بل عاشت بعده ثمانية وقيل ثلاثة وقيل شهرين وقيل شهرا واحدا ولها أربع وعشرون
سنة وقيل غير ذلك فقيل إحدى وقيل خمس وقيل تسع وقيل عاشت ثلاثين سنة وسيأتي من
مناقب فاطمة في ذكر أمها خديجة في أول السيرة النبوية وأقوى ما يستدل به على تقديم فاطمة
على غيرها من نساء عصرها ومن بعدهن ما ذكر من قوله صلى الله عليه وسلم انها سيدة نساء العالمين
الا مريم وانها رزئت بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها من بناته فإنهن متن في حياته فكن في
صحيفته ومات هو في حياتها فكان في صحيفتها وكنت أقول ذلك استنباطا إلى أن وجدته منصوصا
قال أبو جعفر الطبري في تفسير آل عمران من التفسير الكبير من طريق فاطمة بنت الحسين بن
علي ان جدتها فاطمة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وانا عند عائشة فناجاني
فبكيت ثم ناجاني فضحكت فسألتني عائشة عن ذلك فقلت لقد علمت أأخبرك بسر رسول الله صلى
الله عليه وسلم فتركتني فلما توفي سألت فقلت ناجاني فذكر الحديث في معارضة جبريل له بالقران
مرتين وانه قال احسب اني ميت في عامي هذا وانه لم ترزأ امرأة من نساء العالمين مثل ما رزئت فلا
تكوني دون امرأة منهن صبرا فبكيت فقال أنت سيدة نساء أهل الجنة الا مريم فضحكت (قلت)
واصل الحديث في الصحيح دون هذه الزيادة (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة سيدة نساء
أهل الجنة) هو طرف من حديث وصله المؤلف في علامات النبوة وعند الحاكم من حديث
حذيفة بسند جيد اتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك وقال إن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وقد
تقدم في اخر أحاديث الأنبياء ما ورد في بعض طرقه من ذكر مريم عليها السلام وغيرها مشاركة لها
في ذلك (قوله عن بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة) كذا رواه عنه عمرو بن دينار وتابعه الليث
وابن لهيعة وغيرهما رواه أيوب عن ابن أبي مليكة فقال عن عبد الله بن الزبير أخرجه الترمذي
وصححه وقال يحتمل ان يكون ابن أبي مليكة سمعه منهما جميعا ورجح الدارقطني وغيره طريق المسور
والأول أثبت بلا ريب لان المسور قد روى في هذا الحديث قصة مطولة قد تقدمت في باب أصهار
النبي صلى الله عليه وسلم نعم يحتمل ان يكون ابن الزبير سمع هذه القطعة فقط أو سمعها من المسور
فارسلها (قوله بضعة) بفتح الموحدة وحكي ضمها وكسرها أيضا وسكون المعجمة أي قطعة لحم
(قوله فمن أغضبها اغضبني) استدل به السهيلي على أن من سبها فإنه يكفر وتوجيهه انها تغضب ممن
سبها وقد سوى بين غضبها وغضبه ومن أغضبه صلى الله عليه وسلم يكفر وفي هذا التوجيه نظر لا يخفى
وسيأتي بقية ما يتعلق بفضلها في ترجمة والدتها خديجة إن شاء الله تعالى وفيه انها أفضل بنات النبي
صلى الله عليه وسلم واما ما أخرجه الطحاوي وغيره من حديث عائشة في قصة مجئ زيد بن حارثة
بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وفي اخره قال النبي صلى الله عليه وسلم هي أفضل
بناتي أصيبت في فقد أجاب عنه بعض الأئمة بتقدير ثبوته بان ذلك كان متقدما ثم وهب الله
لفاطمة من الأحوال السنية والكمال ما لم يشاركها أحد من نساء هذه الأمة مطلقا والله أعلم وقد
مضى تقرير أفضليتها في ترجمة مريم من حديث الأنبياء ويأتي أيضا في ترجمة خديجة إن شاء الله
تعالى (قوله باب فضل عائشة رضي الله عنها) هي الصديقة بنت الصديق وأمها أم
رومان تقدم ذكرها في علامات النبوة وكان مولدها في الاسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوها
ومات النبي صلى الله عليه وسلم ولها نحو ثمانية عشر عاما وقد حفظت عنه شيئا كثيرا وعاشت بعده
82

قريبا من خمسين سنة فأكثر الناس الاخذ عنها ونقلوا عنها من الاحكام والآداب شيئا كثيرا حتى
قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها رضي الله عنها وكان موتها في خلافة معاوية سنة ثمان
وخمسين وقيل في التي بعدها ولم تلد للنبي صلى الله عليه وسلم شيئا على الصواب وسألته ان تكتني
فقال اكتني بابن أختك فاكتنت أم عبد الله وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة انه
كناها بذلك لما أحضر إليه ابن الزبير ليحنكه فقال هو عبد الله وأنت أم عبد الله قالت فلم أزل
أكنى بها ثم ذكر فيه المصنف ثمانية أحاديث الأول (قوله يا عائش) بضم الشين ويجوز فتحها
وكذلك يجوز ذلك في كل اسم مرخم (قوله ترى ما لا أرى تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو
من قول عائشة وقد استنبط بعضهم من هذا الحديث فضل خديجة على عائشة لان الذي ورد في
حق خديجة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ان جبريل يقرئك السلام من ربك وأطلق هنا
السلام من جبريل نفسه وسيأتي تقرير ذلك في مناقب خديجة * الحديث الثاني حديث أبي
موسى كمل بتثليث الميم من الرجال كثير وتقدم الكلام عليه في قصة موسى عليه السلام عند
الكلام على هذا الحديث في ذكر آسية امرأة فرعون وتقرير ان قوله وفضل عائشة الخ لا يستلزم
ثبوت الأفضلية المطلقة وقد أشار ابن حبان إلى أن أفضليتها التي يدل عليها هذا الحديث وغيره
مقيدة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يدخل فيها مثل فاطمة عليها السلام جمعا بين هذا
الحديث وبين حديث أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة الحديث وقد أخرجه الحاكم
بهذا اللفظ من حديث ابن عباس وسيأتي في مناقب خديجة من حديث علي مرفوعا خير نسائها
خديجة ويأتي بقية الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى وقوله كفضل الثريد زاد معمر من وجه
اخر مرثد باللحم وهو اسم الثريد الكامل وعليه قول الشاعر
إذا ما الخبز تأدمه بلحم * فذاك أمانة الله الثريد
* الحديث الثالث حديث أنس فضل عائشة على النساء كفضل الثريد وهو طرف من الحديث
الذي قبله وكأن المصنف اخذ منه لفظ الترجمة فقال فضل عائشة ولم يقل مناقب ولا ذكر كما قال
في غيرها * الحديث الرابع حديث ابن عباس (قوله إن عائشة اشتكت) أي ضعفت (قوله
تقدمين) بفتح الدال (على فرط) بفتح الفاء والراء بعدها مهملة وهو المتقدم من كل شئ قال ابن
التين فيه انه قطع لها بدخول الجنة إذ لا يقول ذلك الا بتوقيف وقوله على رسول الله بدل بتكرير
العامل وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في تفسير سورة النور الحديث الخامس حديث
عمار اني لاعلم انها زوجته أي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وعند ابن
حبان من طريق سعيد بن كثير عن أبيه حدثتنا عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها اما
ترضين ان تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة فلعل عمارا كان سمع هذا الحديث من النبي صلى الله
عليه وسلم وقوله في الحديث لتتبعوه أو إياها قيل الضمير لعلي لأنه الذي كان عمارا يدعو إليه والذي
يظهر انه لله والمراد باتباع الله اتباع حكمه الشرعي في طاعة الامام وعدم الخروج عليه ولعله
أشار إلى قوله تعالى وقرن في بيوتكن فإنه أمر حقيقي خوطب به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
ولهذا كانت أم سلمة تقول لا يحركني ظهر بعير حتى ألقى النبي صلى الله عليه وسلم والعذر في ذلك
83

عن عائشة انها كانت متأولة هي وطلحة والزبير وكان مرادهم إيقاع الاصلاح بين الناس وأخذ
القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنهم أجمعين وكان رأي علي على الاجتماع على الطاعة وطلب
أولياء المقتول القصاص ممن يثبت عليه القتل بشروطه * الحديث السادس حديث عائشة
في قصة القلادة وقد تقدم شرحه مستوفى في أول كتاب التيمم قال ابن التين ليست هذه اللفظة
محفوظة يعني انهم اتوا بالعقد أي ان المحفوظ قولها فأثرنا البعير فوجدنا العقد تحته * الحديث
السابع (قوله عن هشام عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور
الحديث) وهذا صورته مرسل ولكن تبين انه موصول عن عائشة في اخر الحديث حيث قال
فقالت عائشة فلما كان يومي سكن وسيأتي في الوفاة من وجه اخر موصولا كله ويأتي سائر شرحه
هناك إن شاء الله تعالى قال الكرماني قولها سكن أي مات أو سكت عن ذلك القول (قلت) الثاني
هو الصحيح والأول خطأ صريح قال ابن التين في الرواية الأخرى انهن اذن له ان يقيم عند عائشة
فظاهره يخالف هذا ويجمع باحتمال ان يكن اذن له بعد أن صار إلى يومها يعني فيتعلق الاذن
بالمستقبل وهو جمع حسن * الحديث الثامن حديثها في أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم
عائشة وفيه والله ما نزل علي الوحي وانا في لحاف امرأة منكن غيرها وقد تقدم الكلام عليه
مستوفى في كتاب الهبة وقوله في أوله حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب كذا للأكثر ووقع في رواية
القابسي وعبدوس عن أبي زيد المروزي عبيد الله بالتصغير والصواب بالتكبير وقوله في هذه
الرواية فقال يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وانا في لحاف امرأة منكن
غيرها وقع في الهبة فان الوحي لم يأتني وانا في ثوب امرأة الا عائشة فقلت أتوب إلى الله تعالى وفي
هذا الحديث منقبة عظيمة لعائشة وقد استدل به على فضل عائشة على خديجة وليس ذلك بلازم
لامرين أحدهما احتمال ان لا يكون أراد إدخال خديجة في هذا وان المراد بقوله منكن المخاطبة
وهي أم سلمة ومن أرسلها أو من كان موجودا حينئذ من النساء والثاني على تقدير إرادة الدخول
فلا يلزم من ثبوت خصوصية شئ من الفضائل ثبوت الفضل المطلق كحديث أقرؤكم أبي وأفرضكم
زيد ونحو ذلك ومما يسأل عنه الحكمة في اختصاص عائشة بذلك فقيل لمكان أبيها وانه لم يكن
يفارق النبي صلى الله عليه وسلم في أغلب أحواله فسرى سره لابنته مع ما كان لها من مزيد حبه
صلى الله عليه وسلم وقيل إنها كانت تبالغ في تنظيف ثيابها التي تنام فيها مع النبي صلى الله عليه
وسلم والعلم عند الله تعالى وسيأتي مزيد لهذا في ترجمة خديجة إن شاء الله تعالى قال السبكي الكبير
الذي لدين الله به ان فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة والخلاف شهير ولكن الحق أحق ان يتبع
وقال ابن تيمية جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة وكأنه رأى التوقف وقال بن القيم ان
أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذاك أمر لا يطلع عليه فان عمل القلوب أفضل من عمل
الجوارح وان أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة وان أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة وهي فضيلة
لا يشاركها فيها غير أخواتها وان أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها (قلت)
امتازت فاطمة عن أخواتها بأنهن متن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم واما ما امتازت به
عائشة من فضل العلم فان لخديجة ما يقابله وهي انها أول من أجاب إلى الاسلام ودعا إليه وأعان
على ثبوته بالنفس والمال والتوجه التام فلها مثل أجر من جاء بعدها ولا يقدر قدر ذلك الا الله
84

وقيل انعقد الاجماع على أفضلية فاطمة وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة (فرع) ذكر الرافعي
ان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أفضل نساء هذه الأمة فان استثنيت فاطمة لكونها بضعة
فأخواتها شاركنها وقد اخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال في حق زينب ابنته لما أوذيت عند خروجها من مكة هي أفضل بناتي أصيبت في وقد وقع في
حديث خطبة عثمان حفصة زيادة في مسند أبي يعلى تزوج عثمان خيرا من حفصة وتزوج حفصة
خير من عثمان والجواب عن قصة زينب تقدم ويحتمل ان يقدر من وان يقال كان ذلك قبل ان
يحصل لفاطمة جهة التفضيل التي امتازت بها عن غيرها من أخواتها كما تقدم قال ابن التين فيه ان
الزوج لا يلزمه التسوية في النفقة بل يفضل من شاء بعد أن يقوم للأخرى بما يلزمه لها قال
ويمكن ان لا يكون فيها دليل لاحتمال ان يكون من خصائصه كما قيل إن القسم لم يكن واجبا عليه
وانما كان يتبرع به (قوله باب مناقب الأنصار) هو اسم إسلامي سمى به النبي صلى
الله عليه وسلم الأوس والخزرج كما في حديث أنس والأوس ينسبون إلى أوس بن حارثة
والخزرج ينسبون إلى الخزرج بن حارثة وهما ابنا قيلة وهو اسم أمهم وأبوهم هو حارثة بن عمرو بن
عامر الذي يجتمع إليه انساب الأزد وقوله والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم الآية تقدم
شرحه في أول مناقب عثمان وزعم محمد بن الحسن بن زبالة ان الايمان اسم من أسماء المدينة واحتج
بالآية ولا حجة له فيها (قوله حدثنا مهدي) هو ابن ميمون (قوله غيلان بن جرير هو المعولي بكسر
الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو وبعدها لام ومعول بطن من الأزد ونسبه ابن حبان حبيا
وهو وهم وهو تابعي ثقة قليل الحديث ليس له عن أنس شئ الا في البخاري وتقدم له حديث في
الصلاة ويأتي له في اخر الرقاق (قوله قلت لأنس أرأيت اسم الأنصار) يعني أخبرني عن تسمية
الأوس والخزرج الأنصار (قوله كنا ندخل) كذا في هذه الرواية بغير أداة العطف وهو من كلام
غيلان لا من كلام أنس وسيأتي بعد قليل قبل باب القسامة في الجاهلية من وجه اخر عن مهدي
ابن ميمون عن غيلان قال كنا نأتي أنس بن مالك الحديث ولم يذكر ما قبله (قوله كنا ندخل على أنس)
أي بالبصرة (قوله ويقبل علي) أي مخاطبا لي (قوله (2) فعل قومك كذا) أي يحكي ما كان
من مأثرهم في المغازي ونصر الاسلام (قوله كان يوم بعاث) بضم الموحدة وتخفيف المهملة
واخره مثله وحكى العسكري ان بعضهم رواه عن الخليل بن أحمد وصحفه بالغين المعجمة وذكر
الأزهري ان الذي صحفه الليث الراوي عن الخليل وحكى القزاز في الجامع انه يقال بفتح أوله أيضا
وذكر عياض ان الأصيلي رواه بالوجهين أي بالعين المهملة والمعجمة وان الذي وقع في رواية أبي ذر
بالغين المعجمة وجها واحدا ويقال ان أبا عبيدة ذكره بالمعجمة أيضا وهو مكان ويقال حصن وقيل
مزرعة عند بني قريظة على ميلين من المدينة كانت به وقعة بين الأوس والخزرج فقتل منها كثير
منهم وكان رئيس الأوس فيه حضير والد أسيد بن حضير وكان يقال له حضير الكتائب وبه قتل وكان
رئيس الخزرج يومئذ عمرو بن النعمان البياضي فقتل فيها أيضا وكان النصر فيها أولا للخزرج ثم
ثبتهم حضير فرجعوا وانتصرت الأوس وجرح حضير يومئذ فمات فيها وذلك قبل الهجرة بخمس سنين
وقيل بأربع وقيل بأكثر والأول أصح وذكر أبو الفرج الأصبهاني ان سبب ذلك أنه كان من
قاعدتهم ان الأصيل لا يقتل بالحليف فقتل رجل من الأوس حليفا للخزرج فأرادوا ان يقيدوه
85

فامتنعوا فوقعت عليهم الحرب لأجل ذلك فقتل فيها من أكابرهم من كان لا يؤمن أي يتكبر
ويأنف ان يدخل في الاسلام حتى لا يكون تحت غيره وقد كان بقي منهم من هذا النحو عبد الله
ابن أبي ابن سلول وقصته في ذلك مشهورة مذكورة في هذا الكتاب وغيره (قوله سرواتهم) بفتح
المهملة والراء والواو أي خيارهم والسراوات جمع سراة بفتح المهملة وتخفيف الراء والسراة جمع
سري وهو الشريف (قوله وجرحوا) كذا للأكثر بضم الجيم والراء المكسورة مثقلا ومخففا ثم
مهملة وللأصيلي بجيمين مخففا أي اضطرب قولهم من قولهم جرج الخاتم إذا جال في الكف
وعند ابن أبي صفرة بفتح المهملة ثم جيم من الحرج وهو ضيق الصدر وللمستملي وعبدوس
والقابسي وخرجوا بفتح الخاء والراء من الخروج وصوب ابن الأثير الأول وصوب غيره الثالث
والله أعلم (قوله يوم فتح) مكة أي عام فتح مكة لان الغنائم المشار إليها كانت غنائم حنين
وكان ذلك بعد الفتح بشهرين (قوله وأعطى قريشا) هي جملة حالية وقوله وسيوفنا تقطر من دمائهم
هو من القلب والأصل ودماؤهم تقطر من سيوفنا ويحتمل ان يكون من بمعنى الباء الموحدة وبالغ
في جعل الدم قطر السيوف وسيأتي شرح هذا الحديث في غزوة حنين (قوله باب
قول النبي صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار قاله عبد الله بن زيد) هو طرف
من حديث سيأتي شرحه في غزوة حنين قال الخطابي أراد صلى الله عليه وسلم بذلك استطابة
قلوب الأنصار حيث رضى ان يكون واحدا منهم لولا ما منعه من سمة الهجرة وأطال بذلك بما لا طائل
فيه (قوله فقال أبو هريرة ما ظلم) أي ما تعدى في القول المذكور ولا أعطاهم فوق حقهم ثم بين
ذلك بقوله آووه ونصروه (قوله (2) و كلمة أخرى) لعل المراد وواسوه وواسوا أصحابه بأموالهم
وقوله لسلكت في وادي الأنصار أراد بذلك حسن موافقتهم له لما شاهده من حسن الجوار
والوفاء بالعهد وليس المراد انه يصير تابعا لهم بل هو المتبوع المطاع المفترض الطاعة على كل مؤمن
(قوله باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار) سيأتي بسط
القول فيه في أبواب الهجرة قبيل المغازي (قوله عن جده) هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
وهذا صورته مرسل وقد تقدم في أوائل البيع من طريق ظاهرة الاتصال (قوله لما قدموا
المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع) أي ابن عمرو
86

ابن أبي زهير الأنصاري الخزرجي أحد النقباء استشهد بأحد وسيأتي بيان ذلك في المغازي وسيأتي
شرح قصة تزويج عبد الرحمن بن عوف في الوليمة من كتاب النكاح وكذا حديث أنس الذي بعده
في المعنى إن شاء الله تعالى (قوله قالت الأنصار أقسم بيننا وبينهم النخل) أي المهاجرين وقد
سبق الكلام عليه في المزارعة وفيه فضيلة ظاهرة للأنصار (قوله ويشركوننا في التمر) في رواية
الكشميهني في الامر أي الحاصل من ذلك وهو من قولهم أمر ماله بكسر الميم أي كثر (قوله
باب حب الأنصار) أي فضله ذكر فيه حديث البراء لا يحبهم الا مؤمن وحديث أنس آية
الايمان حب الأنصار قال ابن التين المراد حب جميعهم وبغض جميعهم لان ذلك انما يكون للدين
ومن أبغض بعضهم لمعنى يسوغ البعض له فليس داخلا في ذلك وهو تقرير حسن وقد سبق الكلام
على شرح الحديث في كتاب الايمان (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار
أنتم أحب الناس إلي) هو على طريق الاجمال أي مجموعكم أحب إلي من مجموع غيركم فلا يعارض
قوله في الحديث الماضي في جواب من أحب الناس إليك قال أبو بكر الحديث (قوله حسبت أنه قال
من عرس) الشك فيه من الراوي (قوله فقام النبي صلى الله عليه وسلم ممثلا) بضم أوله
وسكون ثانيه وكسر المثلثة قال ابن التين كذا وقع رباعيا والذي ذكره أهل اللغة مثل الرجل
بفتح الميم وضم المثلثة مثولا إذا انتصب قائما ثلاثي انتهى وفي رواية تأتي في النكاح ممثلا بالتشديد
أي مكلفا نفسه ذلك فلذلك عدي فعله قاله عياض ووقع في النكاح بلفظ ممتنا بضم أوله وسكون
ثانيه وكسر المثناة بعدها نون أي طويلا أو هو من المنة أي عليهم فيكون بالتشديد (قوله في
الطريق الأخرى جاءت امرأة ومعها صبي لها) لم اقف على اسمها (قوله فكلمها رسول الله صلى
الله عليه وسلم) أي أجابها عما سألته أو ابتدأها بالكلام تأنيسا (قوله باب اتباع
الأنصار) أي من الحلفاء والموالي (قوله عن عمرو) هو ابن مرة كما في الرواية التي تليها (قوله سمعت
أبا حمزة) بالمهملة والزاي اسمه طلحة بن يزيد مولى قرظة بن كعب الأنصاري وقرظة بفتح القاف
والراء والظاء المعجمة صحابي معروف وهو ابن كعب بن ثعلبة بن عمرو بن كعب أو عامر بن زيد مناة
أنصاري خزرجي مات في ولاية المغيرة على الكوفة لمعاوية وذلك في حدود سنة خمسين (قوله إن
يجعل اتباعنا منا) أي يقال لهم الأنصار حتى تتناولهم الوصية بهم بالاحسان إليهم ونحو ذلك
(قوله فدعا به) أي بما سألوا وبين ذلك في الرواية التي تليها بلفظ فقال اللهم اجعل اتباعهم منهم
(قوله فنميت ذلك) أي نقلته وهو بالتخفيف واما بتشديد الميم فمعناه أبلغته على جهة الافساد
87

وقائل ذلك هو عمرو بن مرة كما في الرواية التي تليها وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن (قوله قد زعم ذلك
زيد) زاد في الرواية التي تليها قال شعبة أظنه زيد بن أرقم وكأنه احتمل عنده ان يكون ابن أبي ليلى
أراد بقوله قد زعم ذلك زيد أي زيد اخر غير ابن أرقم كزيد بن ثابت لكن الذي ظنه شعبة صحيح فقد رواه
أبو نعيم في المستخرج من طريق علي بن الجعد جازما به وقوله زعم أي قال كما قدمنا مرارا ان لغة
أهل الحجاز تطلق الزعم على القول (قوله باب فضل دور الأنصار) أي منازلهم (قوله
عن أنس) في رواية عبد الصمد المعلقة هنا سمعت أنسا وسأذكر من وصلها (قوله عن أبي أسيد)
بالتصغير وهو الساعدي وهو مشهور بكنيته ويقال اسمه مالك (قوله خير دور الأنصار بنو
النجار) هم من الخزرج والنجار هم تيم الله وسمي بذلك لأنه ضرب رجلا فنجره فقيل له النجار وهو ابن
ثعلبة بن عمرو من الخزرج (قوله ثم بنو عبد الأشهل) هم من الأوس وهو عبد الأشهل بن جشم
ابن الحرث بن الخزرج الأصغر بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة كذا وقع في هذه الطريق
ولكن وقع في رواية معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبي سلمة عن أبي هريرة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أخبركم بخير دور الأنصار قالوا بلى قال بنو عبد الأشهل وهم
رهط سعد بن معاذ قالوا ثم من يا رسول الله قال ثم بنو النجار فذكر الحديث وفي اخره قال معمر
وأخبرني ثابت وقتادة انهما سمعا أنس بن مالك يذكر هذا الحديث الا أنه قال بنو النجار ثم بنو عبد
الأشهل أخرجه أحمد وأخرجه مسلم من طريق صالح بن كيسان عن الزهري دون ما بعده من
رواية معمر عن ثابت وقتادة واخرج مسلم أيضا من طريق أبي الزناد عن أبي سلمة عن أبي أسيد
مثل رواية أنس عن أبي أسيد فقد اختلف على أبي سلمة في إسناده هل شيخه فيه أبو أسيد أو أبو
هريرة ومتنه هل قدم عبد الأشهل على بني النجار أو بالعكس واما رواية أنس في تقديم بني النجار فلم
يختلف عليه فيها ويؤيدها رواية إبراهيم بن محمد بن طلحة عن أبي أسيد وهي عند مسلم أيضا وفيها
تقديم بني النجار على بني عبد الأشهل وبنو النجار هم أخوال جد رسول الله صلى الله عليه وسلم
لان والدة عبد المطلب منهم وعليهم نزل لما قدم المدينة فلهم مزية على غيرهم وكان أنس منهم فله
مزيد عناية بحفظ فضائلهم (قوله ثم بنو الحرث بن الخزرج) أي الأكبر أي ابن عمرو بن مالك بن
الأوس المذكور ابن حارثة (قوله ثم بنو ساعدة) هم الخزرج أيضا وساعدة هو ابن كعب بن
الخزرج الأكبر (قوله خير دور الأنصار (1) وفي كل دور الأنصار خير) خير الأولى بمعنى أفضل
والثانية اسم أي الفضل حاصل في جميع الأنصار وان تفاوتت مراتبه (قوله فقال سعد أي ابن
عبادة كما في الرواية المعلقة التي بعد هذا وهو من بني ساعدة أيضا وكان كبيرهم يومئذ (قوله
ما أرى) بفتح الهمزة من الرؤية وهي من اطلاقها على المسموع ويحتمل ان يكون من الاعتقاد
ويجوز ضمها بمعنى الظن ووقع في رواية أبي الزناد المذكورة فوجد سعد بن عبادة في نفسه فقال
خلفنا فكنا اخر الأربعة وأراد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال له ابن أخيه سهيل
أتذهب لترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم امره ورسول الله اعلم أوليس حسبك أن تكون
رابع أربعة فرجع (قوله فقيل قد فضلكم) لم اقف على اسم الذي قال له ذلك ويحتمل ان يكون
هو ابن أخيه المذكور قبل (قوله وقال عبد الصمد الخ) يأتي موصولا في مناقب سعد بن عبادة
88

(قوله في رواية أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف بنو النجار وبنو عبد الأشهل) كذا ذكره
بالواو ورواية أنس بثم وكذا رواية ابن حميد المذكورة بعدها وفيه اشعار بان الواو قد يفهم منها
الترتيب وانما فهم الترتيب من جهة التقديم لا بمجرد الواو (قوله حدثنا سليمان) هو ابن بلال
وعمرو بن يحيى أي ابن عمارة وعباس بن سهل أي ابن سعد (قوله عن أبي حميد) هو الساعدي
وهو مشهور بكنيته ويقال ان اسمه عبد الرحمن ووقع في رواية الأصيلي عن أبي أسيد أو أبي حميد
بالشك والصواب عن أبي حميد وحده وسيأتي في اخر غزوة تبوك (قوله فلحقنا سعد بن عبادة)
قائل ذلك هو أبو حميد (قوله فقال أبا أسيد) هو منادى حذف منه حرف النداء (قوله ألم تر
ان الله) في رواية الكشميهني ألم تر ان رسول الله وهو أوجه (قوله خير الأنصار) أي فضل بين
الأنصار بعضها على بعض (قوله خير) بضم أوله وكذا قوله فجلعنا (قوله أوليس بحسبكم) بإسكان
السين المهملة أي كافيكم وهذا يعارض ظاهر رواية مسلم المتقدمة فان فيها ان سعدا رجع عن
إرادة مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لما قال له ابن أخيه ويمكن الجمع بأنه رجع حينئذ عن
قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك خاصة ثم إنه لما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت
اخر ذكر له ذلك أو الذي رجع عنه انه أراد ان يورده مورد الانكار والذي صدر منه ورد مورد
المعاتبة المتلطفة ولهذا قال له ابن أخيه في الأول أترد على رسول الله امره (قوله من الخيار) أي
الأفاضل لانهم بالنسبة إلى من دونهم أفضل وكأن المفاضلة بينهم وقعت بحسب السبق إلى
الاسلام وبحسب مساعيهم في اعلاء كلمة الله ونحو ذلك (قوله باب قول النبي صلى
الله عليه وسلم اصبروا حتى تلقوني على الحوض) أي مخاطبا للأنصار بذلك (قوله قاله عبد الله) بن
زيد) أي ابن عاصم المازني وحديثه هذا وصله المؤلف بأتم من هذا في غزوة حنين كما سيأتي إن شاء الله
تعالى (قوله عن أنس عن أسيد) مصغر (ابن حضير) بمهملة ثم معجمة مصغر أيضا وهو من
رواية صحابي عن صحابي زاد مسلم وقد رواه يحيى بن سعيد وهشام بن زيد عن أنس بدون ذكر أسيد بن
حضير لكن باختصار القصة التي هنا وذكر كل منهما قصة أخرى غير هذه فحديث يحيى بن سعيد
تقدم في الجزية وحديث هشام يأتي في المغازي ووقع لهذا الحديث قصة أخرى من وجه اخر
فاخرج الشافعي من رواية محمد بن إبراهيم التيمي إلى أسيد بن حضير طلب من النبي صلى الله عليه
وسلم لأهل بيتين من الأنصار فأمر لكل بيت بوسق من تمر وشطر من شعير فقال أسيد يا رسول الله
جزاك الله عنا خيرا فقال وأنتم فجزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار وانكم لأعفة صبر وانكم ستلقون
بعدي اثرة الحديث وقوله انكم لأعفة صبر أخرجه الترمذي والحاكم من وجه اخر عن أنس عن
أبي طلحة وسنده ضعيف (قوله إن رجلا من الأنصار) لم اقف على اسمه زاد مسلم في روايته فخلا
برسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله الا تستعملني) أي تجعلني عاملا على الصدقة أو على بلد (قوله
كما استعملت فلانا) لم اقف على اسمه لكن ذكرت في المقدمة ان السائل أسيد بن حضير والمستعمل
عمرو بن العاص ولا أدري الان من أين نقلته (قوله ستلقون بعدي اثرة) بفتح الهمزة والمثلثة
ولغير الكشميهني بضم الهمزة وسكون المثلثة وأشار بذلك إلى أن الامر يصير في غيرهم فيختصون
دونهم بالأموال وكان الامر كما وصف صلى الله عليه وسلم وهو معدود فيما أخبر به من الأمور الآتية
89

فوقع كما قال وسيأتي مزيد في الكلام عليه في الفتن (قوله عن هشام) هو ابن زيد بن أنس بن مالك
(قوله وموعدكم الحوض) أي حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة (قوله حدثنا سفيان)
هو ابن عيينة ويحيى بن سعيد هو الأنصاري (قوله حين خرج معه) أي سافر (قوله إلى الوليد) أي
ابن عبد الملك بن مروان وكان أنس قد توجه من البصرة حين اذاه الحجاج إلى دمشق يشكوه إلى
الوليد بن عبد الملك فأنصفه منه (قوله امالا) أصله ان مكسورة الهمزة مخففة النون وهي
الشرطية وما زائدة ولا نافية فأدغمت النون في الميم وحذف فعل الشرط وتقديره تقبلوا أو تفعلوا
ورواه بعضهم بفتح همزة اما وهو خطأ الا على لغة لبعض بني تميم فإنهم يفتحون الهمزة من اما حيث
وردت قال عياض واللام من قوله اما لا مفتوحة عند الجمهور ووقع عند الأصيلي في البيوع
من الموطأ وعند الطبري في مسلم بكسر اللام والمعروف فتحها وقد منع من كسرها أبو حاتم
وغيره ونسبوه إلى تغيير العامة لكن هو جاء على مذهبهم في الإمالة وان يجعل الكلام كأنه
كلمة واحدة (قوله فإنه) الهاء ضمير الشأن وأبعد من قال يعود على الاقطاع (قوله
باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أصلح الأنصار والمهاجرة) أي قائلا ذلك ذكر
فيه حديث أنس من رواية شعبة عن ثلاثة من شيوخه عنه وفي الأول بلفظ فأصلح وفي الثاني
فاغفر وفي الثالث فأكرم وبين في الثالث ان ذلك كان يوم الخندق ثم اورد حديث سهل وهو ابن
سعد بلفظ ونحن نحفر الخندق وفيه فاغفر وقوله على أكتادنا بالمثناة جمع كتد وهو ما بين الكاهل
إلى الظهر وللكشميهني بالموحدة ووجه بان المراد نحمله على جنوبنا مما يلي الكبد وقوله فيه
وعن قتادة عن أنس هو معطوف على الاسناد الأول وقد أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من
رواية غندر عن شعبة بالاسنادين معا (قوله باب قول الله عز وجل ويؤثرون على
أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) هو مصير منه إلى أن الآية نزلت في الأنصار وهو ظاهر سياقها
وحديث الباب ظاهر في أنها نزلت في قصة الأنصاري فيطابق الترجمة وقد قيل إنها نزلت في قصة
أخرى ويمكن الجمع (قوله إن رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم) لم اقف على اسمه وسيأتي انه
أنصاري زاد في رواية أبي أسامة عن فضيل بن غزوان في التفسير فقال يا رسول الله أصابني الجهد
أي المشقة من الجوع وفي رواية جرير عن فضيل بن غزوان عند مسلم اني مجهود (قوله فبعث إلى
نسائه) أي يطلب منهن ما يضيفه به (قوله فقلن ما معنا) أي ما عندنا (الا الماء) وفي رواية جرير
ما عندي وفيه ما يشعر بان ذلك كان في أول الحال قبل ان يفتح الله لهم خيبر وغيرها (قوله من
يضم أو يضيف) أي من يؤوي هذا فيضيفه وكأن أو للشك وفي رواية أبي أسامة الا رجل يضيفه
هذه الليلة يرحمه الله (قوله فقال رجل من الأنصار) زعم ابن التين انه ثابت بن قيس بن شماس وقد
90

اورد ذلك ابن بشكوال من طريق أبي جعفر بن النحاس بسند له عن أبي المتوكل الناجي مرسلا
ورواه إسماعيل القاضي في احكام القران ولكن سياقه يشعر بأنها قصة أخرى لان لفظه ان رجلا
من الأنصار عبر عليه ثلاثة أيام لا يجد ما يفطر عليه ويصبح صائما حتى فطن له رجل من الأنصار يقال
له ثابت بن قيس فقص القصة وهذا لا يمنع التعدد في الصنيع مع الضيف وفي نزول الآية قال ابن
بشكوال وقيل هو عبد الله بن رواحة ولم يذكر لذلك مستندا وروى أبو البختري القاضي أحد
الضعفاء المتروكين في كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم له انه أبو هريرة راوي الحديث والصواب
الذي يتعين الجزم به في حديث أبي هريرة ما وقع عند مسلم من طريق محمد بن فضيل بن غزوان عن
أبيه بإسناد البخاري فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة وبذلك جزم الخطيب لكنه قال
أظنه غير أبي طلحة زيد بن سهل المشهور وكأنه استبعد ذلك من وجهين أحدهما ان أبا طلحة زيد بن
سهل مشهور لا يحسن ان يقال فيه فقام رجل يقال له أبو طلحة والثاني ان سياق القصة يشعر بأنه
لم يكن عنده ما يتعشى به هو وأهله حتى احتاج إلى اطفاء المصباح وأبو طلحة زيد بن سهل كان أكثر
أنصاري بالمدينة مالا فيبعد ان يكون بتلك الصفة من التقلل ويمكن الجواب عن الاستبعادين
والله أعلم (قوله الا قوت صبياني) يحتمل ان يكون هو وامرأته تعشيا وكان صبيانهم حينئذ في
شغلهم أو نياما فأخروا لهم ما يكفيهم أو نسبوا العشاء إلى الصبية لانهم إليه أشد طلبا وهذا هو
المعتمد لقوله في رواية أبي أسامة ونطوي بطوننا الليلة وفي اخر هذه الرواية أيضا فأصبحا طاويين
وقد وقع في رواية وكيع عند مسلم فلم يكن عنده الا قوته وقوت صبيانه (قوله وأصبحي سراجك)
بهمزة قطع أي أوقديه (قوله نومي صبيانك) في رواية لمسلم علليهم بشئ (قوله فجعلا يريانه
كأنهما) في رواية الكشميهني بحذف الكاف من كأنهما وقوله طاويين أي بغير عشاء (قوله
ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما) في رواية جرير من صنيعك وفي رواية التفسير من فلان
وفلانة ونسبة الضحك والتعجب إلى الله مجازية والمراد بهما الرضا بصنيعهما وقوله فعالكما في
رواية فعلكما بالافراد قال في البارع الفعال بالفتح اسم الفعل الحسن مثل الجود والكرم وفي
التهذيب الفعال بالفتح فعل الواحد في الخير خاصة يقال هو كريم الفعال بفتح الفاء وقد يستعمل في
الشر والفعال بالكسر إذا كان الفعل بين اثنين يعني انه مصدر فاعل مثل قاتل قتالا (قوله فأنزل
الله ويؤثرون على أنفسهم الخ) هذا هو الأصح في سبب نزول هذه الآية وعند ابن مردويه
من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر أهدي لرجل رأس شاة فقال إن أخي وعياله أحوج منا إلى
هذا فبعث به إليه فلم يزل يبعث به واحد إلى اخر حتى رجعت إلى الأول بعد سبعة فنزلت ويحتمل
أن تكون نزلت بسبب ذلك كله قيل في الحديث دليل على نفوذ فعل الأب في الابن الصغير وإن كان
مطويا على ضرر خفيف إذا كان في ذلك مصلحة دينية أو دنيوية وهو محمول على ما إذا عرف
بالعادة من الصغير الصبر على مثل ذلك والعلم عند الله تعالى (قوله باب قول النبي
صلى الله عليه وسلم اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم) يعني الأنصار (قوله حدثني محمد بن
يحيى أبو علي) هو اليشكري المروزي الصائغ كان أحد الحفاظ مات قبل البخاري بأربع سنين
(قوله حدثنا شاذان أخو عبدان) هو عبد العزيز بن عثمان بن جبلة وهو أصغر من أخيه عبدان
وقد أكثر البخاري عن عبدان وأدرك شاذان لكنه روى هنا عنه بواسطة (قوله مر أبو بكر) أي
91

الصديق (والعباس) أي ابن عبد المطلب وكان ذلك في مرض النبي صلى الله عليه وسلم * وهم
يبكون (قوله فقال ما يبكيكم) لم اقف على اسم الذي خاطبهم بذلك هل هو أبو بكر أو العباس
ويظهر لي انه العباس (قوله ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم) أي الذي كانوا يجلسونه معه
وكان ذلك في مرض النبي صلى الله عليه وسلم فخشوا ان يموت من مرضه فيفقدوا مجلسه فبكوا
حزنا على فوات ذلك (قوله فدخل) كذا أفرد بعد أن ثني والمراد به من خاطبهم وقد قدمت رجحان
انه العباس لكون الحديث من رواية ابنه وكأنه انما سمع ذلك منه (قوله حاشية برد) في رواية
المستملي حاشية بردة بزيادة هاء التأنيث (قوله أوصيكم بالأنصار) استنبط منه بعض الأئمة ان
الخلافة لا تكون في الأنصار لان من فيهم الخلافة يوصون ولا يوصى بهم ولا دلالة فيه إذ لا مانع من
ذلك (قوله كرشي وعيبتي) أي بطانتي وخاصتي قال القزاز ضرب المثل بالكرش لأنه مستقر غذاء
الحيوان الذي يكون فيه نماؤه ويقال لفلان كرش منثورة أي عيال كثيرة والعيبة بفتح المهملة
وسكون المثناة بعدها موحدة ما يحرز فيه الرجل نفيس ما عنده يريد انهم موضع سره وأمانته قال
ابن دريد هذا من كلامه صلى الله عليه وسلم الموجز الذي لم يسبق إليه وقال غيره الكرش بمنزلة
المعدة للانسان والعيبة مستودع الثياب والأول أمر باطن والثاني أمر ظاهر فكأنه ضرب المثل
بهما في إرادة اختصاصهم بأموره الباطنة والظاهرة والأول أولى وكل من الامرين مستودع لما
يخفى فيه (قوله وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم) يشير إلى ما وقع لهم ليلة العقبة من المبايعة
فإنهم بايعوا على أن يؤوا النبي صلى الله عليه وسلم وينصروه على أن لهم الجنة فوفوا بذلك (قوله
حدثنا ابن الغسيل) عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة الأنصاري وحنظلة هو غسيل
الملائكة وعبد الرحمن المذكور يكنى أبا سليمان (قوله ملحفة) بكسر أوله (قوله متعطفا بها) أي
متوشحا مرتديا والعطاف الرداء سمي بذلك لوضعه على العطفين وهما ناحيتا العنق ويطلق على
الأردية معاطف (قوله وعليه عصابة) بكسر أوله وهي ما يشد به الرأس وغيرها وقيل في الرأس
بالتاء وفي غير الرأس يقال عصاب فقط وهذا يرده قوله في الحديث الذي أخرجه مسلم عصب بطنه
بعصابة (قوله دسماء) أي لونها كلون الدسم وهو الدهن وقيل المراد انها سوداء لكن ليست خالصة
السواد ويحتمل أن تكون اسودت من العرق أو من الطيب كالغالية ووقع في الجمعة دسمة بكسر
السين وقد تبين من حديث أنس الذي قبله انها كانت حاشية البرد والحاشية غالبا تكون من لون
غير لون الأصل وقيل المراد بالعصابة العمامة ومنه حديث مسح على العصائب (قوله حتى جلس
على المنبر) تبين من حديث أنس الذي قبله سبب ذلك وعرف ان ذلك كان في مرض موته صلى الله
عليه وسلم وصرح به في علامات النبوة وتقدم في الجمعة من هذا الوجه وزاد وكان اخر مجلس جلسه
(قوله في حديث أنس وان الناس سيكثرون ويقلون) أي ان الأنصار يقلون وفيه إشارة إلى دخول
قبائل العرب والعجم في الاسلام وهم اضعاف اضعاف قبيلة الأنصار فمهما فرض في الأنصار من
الكثرة كالتناسل فرض في كل طائفة من أولئك فهم ابدا بالنسبة إلى غيرهم قليل ويحتمل ان
يكون صلى الله عليه وسلم اطلع على أنهم يقلون مطلقا فأخبر بذلك فكان كما أخبر لان الموجودين
الان من ذرية علي بن أبي طالب ممن يتحقق نسبه إليه اضعاف من يوجد من قبيلتي الأوس
والخزرج ممن يتحقق نسبه وقس على ذلك ولا التفات إلى كثرة من يدعي انه منهم بغير برهان وقوله
92

حتى يكونوا كالملح في الطعام في علامات النبوة بمنزلة الملح في الطعام أي في القلة لأنه جعل غاية قلتهم
الانتهاء إلى ذلك والملح بالنسبة إلى جملة الطعام جزء يسير منه والمراد بذلك المعتدل (قوله فمن ولي
منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه) قيل فيه إشارة إلى أن الخلافة لا تكون في الأنصار (قلت)
وليس صريحا في ذلك إذ لا يمتنع التوصية على تقدير ان يقع الجور ولا التوصية للمتبوع سواء كان
منهم أو من غيرهم (قوله ويتجاوز عن مسيئهم) أي في غير الحدود وحقوق الناس * قوله
باب مناقب سعد بن معاذ) أي ابن النعمان بن امرئ القيس بن عبد الأشهل وهو كبير
الأوس كما أن سعد بن عبادة كبير الخزرج وإياهما أراد الشاعر بقوله
فان يسلم السعدان يصبح محمد * بمكة لا يخشى خلاف المخالف
(قوله أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم حلة حرير) الذي أهداها له أكيدر دومة كما بينه أنس في
حديثه المتقدم في كتاب الهبة (قوله رواه قتادة والزهري سمعا أنسا عن النبي صلى الله عليه وسلم)
اما رواية قتادة فوصلها المؤلف في الهبة واما رواية الزهري فوصلها في اللباس ويأتي ما يتعلق بها
هناك إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا فضل بن مساور) بضم الميم وتخفيف المهملة هو بصري يكنى
أبا المساور وكان ختن أبي عوانة وليس له في البخاري الا هذا الموضع (قوله ختن أبي عوانة) بفتح
المعجمة والمثناة أي صهره زوج ابنته والختن يطلق على كل من كان من أقارب المرأة (قوله وعن
الأعمش) هو معطوف على الاسناد الذي قبله وهذا من شأن البخاري في حديث أبي سفيان طلحة
ابن نافع صاحب جابر لا يخرج له الا مقرونا بغيره أو استشهادا (قوله فقال رجل لجابر) لم اقف على
اسمه (قوله فإن البراء يقول اهتز السرير) أي الذي حمل عليه (قوله إنه كان بين هذين الحيين) أي
الأوس والخزرج (قوله ضغائن) بالضاد والغين المعجمتين جمع ضغينة وهي الحقد قال الخطابي انما
قال جابر ذلك لان سعدا كان من الأوس والبراء خزرجي والخزرج لا تقر للأوس بفضل كذا قال
وهو خطأ فاحش فان البراء أيضا أوسي لأنه بن عازب ابن الحرث بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن
الحرث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس يجتمع مع سعد بن معاذ في الحرث بن الخزرج والخزرج
والد الحارث بن الخزرج وليس هو الخزرج الذي يقابل الأوس وانما سمي على اسمه نعم الذي من
الخزرج الذين هم مقابلو الأوس جابر وانما قال جابر ذلك إظهارا للحق واعترافا بالفضل لأهله فكأنه
تعجب من البراء كيف قال ذلك مع أنه أوسي ثم قال انا وان كنت خزرجيا وكان بين الأوس
والخزرج ما كان لا يمنعني ذلك أن أقول الحق فذكر الحديث والعذر للبراء انه لم يقصد تغطية فضل
سعد بن معاذ وانما فهم ذلك فجزم به هذا الذي يليق ان يظن به وهو دال على عدم تعصبه ولما جزم
الخطابي بما تقدم احتاج هو ومن تبعه إلى الاعتذار عما صدر من جابر في حق البراء وقالوا في ذلك
ما محصله ان البراء معذور لأنه لم يقل ذلك على سبيل العداوة لسعد وانما فهم شيئا محتملا فحمل
الحديث عليه والعذر لجابر انه ظن أن البراء أراد الغض من سعد فساغ له ان ينتصر له والله أعلم وقد
أنكر ابن عمر ما أنكره البراء فقال إن العرش لا يهتز لاحد ثم رجع عن ذلك وجزم بأنه اهتز له عرش
الرحمن اخرج ذلك ابن حبان من طريق مجاهد عنه والمراد باهتزاز العرش استبشاره وسروره
بقدوم روحه يقال لكل من فرح بقدوم قادم عليه اهتز له ومنه اهتزت الأرض بالنبات إذا
93

اخضرت وحسنت ووقع ذلك من حديث ابن عمر عند الحاكم بلفظ اهتز العرش فرحا به لكنه تأوله
كما تأوله البراء بن عازب فقال اهتز العرش فرحا بلقاء الله سعدا حتى تفسخت أعواده على عواتقنا
قال ابن عمر يعني عرش سعد الذي حمل عليه وهذا من رواية عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر
وفي حديث عطاء مقال لأنه ممن اختلط في آخر عمره ويعارض روايته أيضا ما صححه الترمذي من
حديث أنس قال لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون ما أخف جنازته فقال النبي صلى
الله عليه وسلم ان الملائكة كانت تحمله قال الحاكم الأحاديث التي تصرح باهتزاز عرش الرحمن
مخرجة في الصحيحين وليس لمعارضها في الصحيح ذكر انتهى وقيل المراد باهتزاز العرش اهتزاز حملة
العرش ويؤيده حديث ان جبريل قال من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واستبشر به
أهلها أخرجه الحاكم وقيل هي علامة نصبها الله لموت من يموت من أوليائه ليشعر ملائكته
بفضله وقال الحربي إذا عظموا الامر نسبوه إلى عظيم كما يقولون قامت لموت فلان القيامة
وأظلمت الدنيا ونحو ذلك وفي هذه منقبة عظيمة لسعد واما تأويل البراء على أنه أراد بالعرش السرير
الذي حمل عليه فلا يستلزم ذلك فضلا له لأنه يشركه في ذلك كل ميت الا انه يريد اهتز حملة السرير فرحا
بقدومه على ربه فيتجه ووقع لمالك نحو ما وقع لابن عمر أولا فذكر صاحب العتبية فيها ان مالكا
سئل عن هذا الحديث فقال أنهاك ان تقوله وما يدعو المرء ان يتكلم بهذا وما يدري ما فيه من
الغرور قال أبو الوليد بن رشد في شرح العتبية انما نهى مالك ليلا يسبق إلى وهم الجاهل ان العرش
إذا تحرك يتحرك الله بحركته كما يقع للجالس منا على كرسيه وليس العرش بموضع استقرار الله
تبارك الله وتنزه عن مشابهة خلقه انتهى ملخصا والذي يظهر ان مالكا ما نهى عنه لهذا إذ لو خشي
من هذا لما أسند في الموطأ حديث ينزل الله إلى سماء الدنيا لأنه أصرح في الحركة من اهتزاز العرش
ومع ذلك فمعتقد سلف الأئمة وعلماء السنة من الخلف ان الله منزه عن الحركة والتحول والحلول
ليس كمثله شئ ويحتمل الفرق بأن حديث سعد ما ثبت عنده فأمر بالكف عن التحدث به بخلاف
حديث النزول فإنه ثابت فرواه ووكل امره إلى فهم أولى العلم الذين يسمعون في القران استوى
على العرش ونحو ذلك وقد جاء حديث اهتزاز العرش لسعد بن معاذ عن عشرة من الصحابة أو
أكثر وثبت في الصحيحين فلا معنى لانكاره (قوله إن أناسا نزلوا على حكم سعد) هم بنو قريظة
وسيأتي شرح ذلك في المغازي وقوله في هذه الرواية فلما بلغ قريبا من المسجد أي الذي أعده النبي
صلى الله عليه وسلم أيام محاصرته لبني قريظة للصلاة فيه وأخطأ من زعم أنه غلط من الراوي لظنه
انه أراد بالمسجد المسجد النبوي بالمدينة وقال إن الصواب ما وقع عند أبي داود من طريق شعبة
أيضا بهذا الاسناد بلفظ فلما دنا من النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وإذا حمل على ما قررته لم يكن
بين اللفظين تناف وقد أخرجه مسلم كما أخرجه البخاري كذلك * (قوله باب منقبة
أسيد بن حضير وعباد بن بشر) هو أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن
زيد بن عبد الأشهل الأنصاري الأوسي الأشهلي يكنى أبا يحيى وقيل غير ذلك ومات في سنة عشرين
في خلافة عمر على الأصح وعباد بن بشر هو ابن وقش كما سأبينه وفي تاريخ البخاري ومسند أبي يعلى
وصححه الحاكم من طريق ابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عن عائشة قالت ثلاثة من الأنصار
لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا كلهم من بني عبد الأشهل سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر
94

(قوله إن رجلين) ظهر من رواية معمر ان أسيد بن حضير أحدهما ومن رواية حماد ان الثاني
عباد بن بشر ولذلك جزم به المؤلف في الترجمة وأشار إلى حديثهما فأما رواية معمر فوصلها عبد
الرزاق في مصنفه عنه ومن طريقه الإسماعيلي بلفظ ان أسيد بن حضير ورجلا من الأنصار تحدثا
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة ثم خرجا وبيد
كل منهما عصية فأضاءت عصا أحدهما حتى مشيا في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق
أضاءت عصا الاخر فمشي كل منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله واما رواية حماد بن سلمة فوصلها
أحمد والحاكم في المستدرك بلفظ ان أسيد بن حضير وعباد بن بشر كانا عند النبي صلى الله عليه
وسلم في ليلة ظلماء حندس فلما خرجا أضاءت عصا أحدهما فمشيا في ضوئها فلما افترقت بهما
الطريق أضاءت عصا الاخر (قوله عباد بن بشر) كذا للأكثر بكسر الموحدة وسكون المعجمة
وفي رواية أبي الحسن القابسي بشير بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة تحتانية وهو غلط وفي الصحابة
عباد بن بشر بن قيظي وعباد بن بشر بن نهيك وعباد بن بشر بن وقش وصاحب هذه القصة هو هذا
الثالث ووهم من زعم خلاف ذلك * (قوله مناقب معاذ بن جبل) أي بن عمرو بن أوس من بني
أسد بن شاردة بن يزيد بفتح المثناة الفوقانية بن جشم بن الخزرج الخزرجي يكنى أبا عبد الرحمن
شهد بدرا والعقبة وكان أميرا للنبي صلى الله عليه وسلم على اليمن ورجع بعده إلى المدينة ثم خرج
إلى الشام مجاهدا فمات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة ذكر فيه حديث عبد الله بن عمرو
استقرؤا القران وقد تقدم شرحه قريبا وقد اخرج ابن حبان والترمذي من حديث أبي هريرة
رفعه نعم الرجل معاذ بن جبل كان عقبيا بدريا من فقهاء الصحابة وقد اخرج الترمذي وابن ماجة
عن أنس رفعه ارحم أمتي أبو بكر وفيه وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ورجاله ثقات وصح عن عمر
أنه قال من أراد الفقه فليأت معاذا وسيأتي له ذكر في تفسير سورة النحل وعاش معاذ ثلاثا وثلاثين
سنة على الصحيح * (قوله منقبة سعد بن عبادة) أي ابن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف
ابن الخزرج بن ساعدة يكنى أبا ثابت وهو والد قيس بن سعد أحد مشاهير الصحابة وكان سعد كبير
الخزرج واحد المشهورين بالجود ومات بحوران من ارض الشام سنة أربع عشرة أو خمس عشرة
في خلافة عمر ثم ذكر فيه حديث أبي أسيد في دور الأنصار وقد تقدم قريبا وأورده هنا لقوله في هذه
الطريق وكان ذا قدم في الاسلام (قوله وقالت عائشة وكان قبل ذلك رجلا صالحا) هذا طرف
من حديث الإفك الطويل وسيأتي بتمامه في تفسير سورة النور إن شاء الله تعالى وذكرت عائشة
فيه ما دار بين سعد بن عبادة وأسيد بن حضير حيث قال وإن كان من إخواننا من الخزرج فمرنا
بأمرك فقال له سعد بن عبادة لا تستطيع قتله فثار بينهم الكلام إلى أن أسكتهم النبي صلى الله عليه
وسلم فأشارت عائشة إلى أن سعد بن عبادة كان قبل أن يقول تلك المقالة رجلا صالحا ولا يلزم من
ذلك أن يكون خرج عن هذه الصفة إذ ليس في الخبر تعرض لما بعد تلك المقالة والظاهر استمرار
ثبوت تلك الصفة له لأنه معذور في تلك المقالة لأنه كان فيها متأولا فلذلك أوردها المصنف في مناقبه
ولم يبد منه ما يعاب به قبل هذه المقالة وعذر سعد فيها ظاهر لأنه تخيل ان الأوسي أراد الغض من
قبيلة الخزرج لما كان بين الطائفتين فرد عليه ثم لم يقع من سعد بعد ذلك شئ يعاب به الا انه امتنع
من بيعة أبي بكر فيما يقال وتوجه إلى الشام فما ت بها والعذر له في ذلك أنه تأول ان للأنصار
95

في الخلافة استحقاقا فبنى على ذلك وهو معذور وإن كان ما اعتقده من ذلك خطأ * (قوله
باب مناقب أبي بن كعب) أي ابن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن
النجار الأنصاري الخزرجي النجاري يكنى أبا المنذر وأبا الطفيل كان من السابقين من الأنصار
شهد العقبة وبدرا وما بعدهما مات سنة ثلاثين وقيل غير ذلك ذكر فيه حديث عبد الله بن عمرو
المتقدم قريبا في مناقب عبد الله بن مسعود (قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب
ان الله أمرني ان اقرأ عليك لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) زاد الحاكم من وجه اخر عن زر
ابن حبيش عن أبي بن كعب ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه لم يكن وقرأ فيها ان ذات الدين
عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية من يفعل خيرا فلم يكفره (قوله قال
وسماني) أي هل نص علي باسمي أو قال اقرأ على واحد من أصحابك فاخترتني أنت فلما قال له نعم
بكى اما فرحا وسرورا بذلك واما خشوعا وخوفا من التقصير في شكر تلك النعمة وفي رواية للطبراني
من وجه آخر عن أبي بن كعب قال نعم باسمك ونسبك في الملا الاعلى قال القرطبي تعجب أبي من
ذلك لان تسمية الله له ونصه عليه ليقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم تشريف عظيم فلذلك بكى اما
فرحا واما خشوعا قال أبو عبيد المراد بالعرض على أبي ليتعلم أبي منه القراءة ويتثبت فيها وليكون
عرض القران سنة وللتنبيه على فضيلة أبي بن كعب وتقدمه في حفظ القران وليس المراد ان
يستذكر منه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا بذلك العرض ويؤخذ من هذا الحديث مشروعية
التواضع في اخذ الانسان العلم من أهله وإن كان دونه وقال القرطبي خص هذه السورة بالذكر لما
اشتملت عليه من التوحيد والرسالة والاخلاص والصحف والكتب المنزلة على الأنبياء وذكر
الصلاة والزكاة والمعاد وبيان أهل الجنة والنار مع وجازتها * (قوله باب مناقب زيد بن
ثابت) أي ابن الضحاك بن زيد بن لوذان من بني مالك بن النجار كاتب الوحي واحد فقهاء الصحابة
مات سنة خمس وأربعين (قوله جمع القران) أي استظهره حفظا (قوله وأبو زيد ثم قال
أنس هو أحد عمومتي) ذكر علي بن المديني ان اسمه أوس وعن يحيى بن معين هو ثابت بن زيد وقيل
هو سعد بن عبيد بن النعمان وبذلك جزم الطبراني عن شيخه أبي بكر بن صدقة قال وهو الذي
كان يقال له القارئ وكان على القادسية واستشهد بها وهو والد عمير بن سعد وعن الواقدي هو
قيس بن السكن بن قيس بن زعور بن حرام الأنصاري النجاري ويرجحه قول أنس أحد عمومتي فإنه
من قبيلة بني حرام وليس في هذا ما يعارض حديث عبد الله بن عمر واستقرؤا القرآن من أربعة
فذكر اثنين من الأربعة ولم يذكر اثنين لأنه اما ان يقال لا يلزم من الامر بأخذ القراءة عنهم ان
يكونوا كلهم استظهروه جميعه واما ان لا يؤخذ بمفهوم حديث أنس لأنه لا يلزم من قوله جمعه
أربعة ان لا يكون جمعه غيرهم فلعله أراد انه لم يقع جمعه لأربعة من قبيلة واحدة الا لهذه القبيلة
وهي الأنصار وسيأتي الكلام على جمع القران في كتاب فضائل القران * (قوله باب
مناقب أبي طلحة) هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري الخزرجي النجاري هو زوج أم سليم
والدة أنس وقد تقدم بيان وفاته وتاريخها في الجهاد (قوله مجوب) بفتح الجيم وكسر الواو
المشددة أي مترس عليه يقيه بها ويقال للترس جوبة والجحفة بمهملة ثم جيم مفتوحتين الترس
96

(قوله شديدا لقد يكسر) كذا للأكثر بنصب شديدا وبعدها لقد بلام ثم قد ولبعضهم بالإضافة
شديد القد بسكون اللام وكسر القاف والقد سير من جلد غير مدبوغ يريد انه شديد وتر القوس
وبهذا جزم الخطابي وتبعه ابن التين وقد روى بالميم المفتوحة بدل القاف وسيأتي بقية ما يتعلق
بهذا الحديث في المغازي إن شاء الله تعالى * (قوله باب مناقب عبد الله بن سلام)
بتخفيف اللام أي ابن الحارث من بني قينقاع وهم من ذرية يوسف الصديق وكان اسم عبد الله بن
سلام في الجاهلية الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله أخرجه ابن ماجة وكان من
حلفاء الخزرج من الأنصار أسلم أول ما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وسيأتي شرح
ذلك في أوائل الهجرة وزعم الداودي انه كان من أهل بدر وسبقه إلى ذلك أبو عروبة وتفرد بذلك
ولا يثبت وغلط من قال إنه أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين ومات عبد الله بن سلام
سنة ثلاث وأربعين (قوله عن أبي النضر) في رواية أبي يعلى عن يحيى بن معين عن أبي مسهر عن
مالك حدثني أبو النضر (قوله عن عامر) في رواية عاصم بن مهجع عن مالك عند الدارقطني قال
سمعت عامر بن سعد (قوله عن أبيه) في رواية إسحاق بن الطباع عن مالك عند الدارقطني قال
سمعت أبي (قوله ما سمعت الخ) استشكل بأنه صلى الله عليه وسلم قد قال لجماعة انهم من أهل
الجنة غير عبد الله بن سلام ويبعد ان لا يطلع سعد على ذلك وأجيب بأنه كره تزكية نفسه لأنه أحد
العشرة المبشرة بذلك وتعقب بأنه لا يستلزم ذلك أن ينفي سماعه مثل ذلك في حق غيره ويظهر لي
في الجواب أنه قال ذلك بعد موت المبشرين لان عبد الله بن سلام عاش بعدهم ولم يتأخر معه من
العشرة غير سعد وسعيد ويؤخذ هذا من قوله يمشي على الأرض ووقع في رواية إسحاق بن الطباع
عن مالك عند الدارقطني ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي انه من أهل الجنة
الحديث وفي رواية عاصم بن مهجع عن مالك عنه يقول لرجل حي وهو يؤيد ما قلته لكن وقع عند
الدارقطني من طريق سعيد بن داود عن مالك ما يعكر على هذا التأويل فإنه أورده بلفظ سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا أقول لاحد من الاحياء انه من أهل الجنة الا لعبد الله بن سلام
وبلغني أنه قال وسلمان الفارسي لكن هذا السياق منكر فإن كان محفوظا حمل على أنه صلى الله
عليه وسلم قال ذلك قديما قبل ان يبشر غيره بالجنة وقد اخرج ابن حبان من طريق مصعب بن سعد
عن أبيه سبب هذا الحديث بلفظ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يدخل عليكم رجل من
أهل الجنة فدخل عبد الله بن سلام وهذا يؤيد صحة رواية الجماعة ويضعف رواية سعيد بن داود
(قوله قال لا أدري قال مالك الآية أو في الحديث) أي لا أدري هل قال مالك ان نزول هذه الآية
في هذه القصة من قبل نفسه أو هو بهذا الاسناد وهذا الشك في ذلك من عبد الله بن يوسف شيخ
البخاري ووهم من قال إنه من القعنبي إذ لا ذكر للقعنبي هنا ولم أر هذا عن عبد الله بن يوسف الا
عند البخاري وقد رواه عن عبد الله بن يوسف أيضا إسماعيل بن عبد الله الملقب سمويه في فوائده ولم
يذكر هذا الكلام عن عبد الله بن يوسف وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه اخر عن عبد الله بن
يوسف وكذا أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من وجهين آخرين عن عبد الله بن يوسف وأخرجه
من طريق ثالث عنه بلفظ اخر مقتصرا على الزيادة دون الحديث وقال إنه وهم وروى بن منده في
الايمان من طريق إسحاق بن سيار عن عبد الله بن يوسف الحديث والزيادة وقال فيه قال إسحاق
97

فقلت لعبد الله بن يوسف ان أبا مسهر حدثنا بهذا عن مالك ولم يذكر هذه الزيادة قال فقال عبد الله
ابن يوسف ان مالكا تكلم به عقب الحديث وكانت معي الواحي فكتبت انتهى وظهر بهذا سبب
قوله للبخاري ما أدري الخ وقد أخرجه الإسماعيلي والدارقطني في غرائب مالك من طريق أبي
مسهر وعاصم بن مهجع وعبد الله بن وهب وإسحاق بن عيسى زاد الدارقطني وسعيد بن داود
وإسحاق الفروي كلهم عن مالك بدون هذه الزيادة قال فالظاهر أنها مدرجة من هذا الوجه ووقع في
رواية ابن وهب عند الدارقطني التصريح بأنها من قول مالك الا انها قد جاءت من حديث ابن
عباس عند بن مردويه ومن حديث عبد الله بن سلام نفسه عند الترمذي وأخرجه ابن مردويه
أيضا من طرق عنه وعند ابن حبان من حديث عوف بن مالك أيضا انها نزلت في عبد الله بن
سلام نفسه وقد استنكر الشعبي فيما رواه عبد بن حميد عن النضر بن شميل عن ابن عون عنه
نزولها في عبد الله بن سلام لأنه انما أسلم بالمدينة والسورة مكية فأجاب ابن سيرين بأنه لا يمتنع أن تكون
السورة مكية وبعضها مدني وبالعكس وبهذا جزم أبو العباس في مقامات التنزيل فقال
الأحقاف مكية الا قوله وشهد شاهد إلى اخر الآيتين انتهى ولامانع أن تكون جميعها مكية
وتقع الإشارة فيها إلى ما سيقع بعد الهجرة من شهادة عبد الله بن سلام وروى عبد بن حميد في تفسيره
من طريق سعيد بن جبير ان الآية نزلت في ميمون بن يامين وفي تفسير الطبري عن ابن عباس انها
نزلت في ابن سلام وعمير بن وهب بن يامين النضري وفي تفسير مقاتل اسمه يامين بن يامين ولا مانع
أن تكون نزلت في الجميع (قوله عن محمد) هو ابن سيرين وقيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف
الموحدة (قوله ما ينبغي) هو إنكار من ابن سلام على من قطع له بالجنة فكأنه ما سمع حديث سعد
وكأنهم هم سمعوه ويحتمل ان يكون هو أيضا سمعه لكنه كره الثناء عليه بذلك تواضعا ويحتمل ان
يكون إنكارا منه على من سأله عن ذلك لكونه فهم منه التعجب من خبرهم فأخبره بأن ذلك لاعجب
فيه بما ذكره له من قصة المنام وأشار بذلك القول إلى أنه لا ينبغي لاحد إنكار ما لا علم له به إذا كان
الذي أخبره به من أهل الصدق (قوله فقيل لي ارق) في رواية الكشميهني ارقه بزيادة هاء وهي
هاء السكت (قوله فأتاني منصف) بكسر الميم وسكون النون وفتح الصاد المهملة بعدها فاء وفي
رواية الكشميهني بفتح الميم والأول أشهر وهو الخادم (قوله فرقيت) بكسر القاف وحكي فتحها
قوله في الرواية الثانية وصيف مكان منصف يريد ان معاذا وهو ابن معاذ روى الحديث عن
عبد الله بن عون كما رواه أزهر السمان فأبدل هذه اللفظة بهذه اللفظة وهي بمعناها والوصيف الخادم
الصغير غلاما كان أو جارية (قوله فاستيقظت وانها لفي يدي) أي ان الاستيقاظ كان حال الاخذ
من غير فاصلة ولم يرد انها بقيت في يده في حال يقظته ولو حمل على ظاهره لم يمتنع في قدرة الله لكن
الذي يظهر خلاف ذلك ويحتمل أن يريد ان اثرها بقي في يده بعد الاستيقاظ كأن يصبح فيرى يده
مقبوضة (قوله وذلك الرجل عبد الله بن سلام) هو قول عبد الله بن سلام ولا مانع من أن يخبر بذلك
ويريد نفسه ويحتمل ان يكون من كلام الراوي (قوله عن أبيه) هو أبو بردة بن أبي موسى
الأشعري (قوله في بيت) التنوين للتعظيم ووجه تعظيمه ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل فيه
وكان هذا القدر المقتضي لادخال هذا الحديث في مناقب ابن سلام أو لما دل عليه امره بترك قبوله
98

هدية المستقرض من الورع (قوله انك بأرض يعني) ارض العراق (الربا بها فاش) أي شائع (قوله
حمل) بكسر المهملة (تبن) بكسر المثناة وسكون الموحدة معروف (قوله حمل قت) بفتح القاف
وتشديد المثناة وهو علف الدواب (قوله فإنه ربا) يحتمل ان يكون ذلك رأي عبد الله بن سلام والا
فالفقهاء على أنه انما يكون ربا إذا شرطه نعم الورع تركه (قوله ولم يذكر النضر) أي ابن شميل (وأبو
داود) أي الطيالسي (ووهب) أي ابن جرير (عن شعبة البيت) أي قول سليمان بن حرب عن شعبة
في روايته ويدخل في بيت وقد وقع في رواية أبي أسامة عن بزيد بن عبد الله أي ابن أبي بردة عن جده
أبي بردة في كتاب الاعتصام بلفظ انطلق إلى المنزل فأسقيك من قدح شرب منه رسول الله صلى الله
عليه وسلم الحديث * (قوله باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي) أي ابن جابر بن مالك
من بني أنمار بن أراش نسبوا إلى أمهم بجيلة يكنى أبا عمرو على المشهور واختلف في وقت إسلامه
والصحيح انه في سنة الوفود سنة تسع ووهم من قال إنه أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم
بأربعين يوما لما ثبت في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له استنصت الناس في حجة الوداع
وذلك قبل موته صلى الله عليه وسلم بأكثر من ثمانين يوما وكان موت جرير سنة خمسين وقيل بعدها
(قوله ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ما منعني من الدخول إليه إذا كان في بيته
فاستأذنت عليه وليس كما حمله بعضهم على إطلاقه فقال كيف جاز له ان يدخل على محرم بغير حجاب
ثم تكلف في الجواب ان المراد مجلسه المختص بالرجال أو ان المراد بالحجاب منع ما يطلبه منه (قلت)
وقوله ما حجبني يتناول الجميع مع بعد إرادة الأخير (قوله ولا رآني الا ضحك) في رواية الحميدي
عن إسماعيل الا تبسم في وجهي وروى أحمد وابن حبان من طريق المغيرة بن شبيل عن جرير قال لما
دنوت من المدينة أنخت ثم لبست حلتي فدخلت فرماني الناس بالحدق فقلت هل ذكرني رسول الله
صلى الله عليه وسلم قالوا نعم ذكرك بأحسن ذكر فقال يدخل عليكم رجل من خير ذي يمن على وجهه
مسحة ملك (قوله وعن قيس) هو موصول بالاسناد المذكور (قوله ذو الخلصة) بفتح المعجمة واللام
والصاد المهملة وحكي اسكان اللام وقوله اليمانية بتخفيف الياء وحكي تشديدها وقوله أو الكعبة
الشامية استشكل الجمع بين هذين الوصفين وسيأتي جوابه مع شرح هذه القصة في أواخر
المغازي مع الكلام على قوله الكعبة اليمانية أو الكعبة الشامية إن شاء الله تعالى * (قوله
باب ذكر حذيفة بن اليمان العبسي) بالموحدة واسم اليمان حصل بمهملتين وكسر أوله
وسكون ثانيه ثم لام ابن جابر له ولأبيه صحبة (قوله لما هزم) (1) بضم أوله وقوله وأخراكم أي اقبلوا
أخراكم أو حذروا أخراكم أو انصروا أخراكم وقوله احتجزوا أي انفصلوا من القتال وامتنع
بعضهم من بعض وسيأتي بقية شرح هذه القصة في كتاب المغازي (قوله قال أبي) القائل هو هشام
ابن عروة نقله عن أبيه عروة وفصله من حديث عائشة فصار مرسلا وقوله ما زالت في حذيفة منها
أي من هذه الكلمة أي بسببها وقوله بقية خير يؤخذ منه ان فعل الخير تعود بركته على صاحبه في
طول حياته * (تنبيه) * وقع ذكر جرير وحذيفة مؤخرا عن ذكر خديجة عليها السلام وفي بعضها
99

مقدما وهو أليق فان الذي يظهر انه اخر ذكر خديجة عمدا لكون غالب أحوالها متعلقة بأحوال
النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث فوقع له في ذلك حسن التخلص من المناقب التي استطرد
من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إليها فلما فرغ منها رجع إلى بقية سيرته ومغازيه والله أعلم
* (قوله باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها) كذا في النسخ تزويج
وتفعيل قد يجئ بمعنى تفعل وهو المراد هنا أو فيه حذف تقديره تزويجه من نفسه (قوله خديجة)
هي أول من تزوجها صلى الله عليه وسلم وهي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي تجتمع
مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وهي من أقرب نسائه إليه في النسب ولم يتزوج من ذرية
قصي غيرها الا أم حبيبة وتزوجها سنة خمس وعشرين من مولده في قول الجمهور زوجه إياها أبوها
خويلد ذكره البهيقي من حديث الزهري بإسناده من عمار بن ياسر وقيل عمها عمرو بن أسد ذكره
الكلبي وقيل اخوها عمرو بن خويلد ذكره ابن إسحاق وكانت قبله عند أبي هالة بن النباش بن
زرارة التميمي حليف بني عبد الدار واختلف في اسم أبي هالة فقيل مالك قاله الزبير وقيل زرارة
حكاه ابن منده وقيل هند جزم به العسكري وقيل اسمه النباش جزم به أبو عبيد وابنه هند روى
عنه الحسن بن علي فقال حدثني خالي لأنه أخو فاطمة لامها ولهند هذا ولد اسمه هند ذكره الدولابي
وغيره فعلى قول العسكري فهو ممن اشترك مع أبيه وجده في الاسم ومات أبو هالة في الجاهلية
وكانت خديجة قبله عند عتيق بن عائد المخزومي وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ان يتزوج
خديجة قد سافر في مالها مقارضا إلى الشام فرأى منه ميسرة غلامها ما رغبها في تزوجه قال الزبير
وكانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة وماتت على الصحيح بعد المبعث بعشر سنين في شهر
رمضان وقيل بثمان وقيل بسبع فأقامت معه صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة على الصحيح
وقال ابن عبد البر أربعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وسيأتي من حديث عائشة ما يؤيد الصحيح في أن
موتها قبل الهجرة بثلاث سنين وذلك بعد المبعث على الصواب بعشر سنين وقد تقدم في أبواب
بدء الوحي بيان تصديقها للنبي صلى الله عليه وسلم في أول وهلة ومن ثباتها في الامر ما يدل على قوة
يقينها ووفور عقلها وصحة عزمها لا جرم كانت أفضل نسائه على الراجح وقد تقدم في ذكر مريم من
أحاديث الأنبياء بيان شئ من هذا وروى الفاكهي في كتاب مكة عن أنس ان النبي صلى الله عليه
وسلم كان عند أبي طالب فاستأذنه ان يتوجه إلى خديجة فأذن له وبعث بعده جارية له يقال لها
نبعة فقال لها انظري ما تقول له خديجة قالت نبعة فرأيت عجبا ما هو الا ان سمعت به خديجة
فخرجت إلى الباب فأخذت بيده فضمتها إلى صدرها ونحرها ثم قالت بأبي وأمي والله ما افعل هذا
لشئ ولكني ارجوان تكون أنت النبي الذي ستبعث فان تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي وادع
الاله الذي يبعثك لي قالت فقال لها والله لئن كنت انا هو قد اصطنعت عندي ما لا أضيعه ابدا وان
يكن غيري فان الاله الذي تصنعين هذا لأجله لا يضيعك ابدا ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث
لا تصريح فيها بما في الترجمة الا ان ذلك يؤخذ بطريق اللزوم من قول عائشة ما غرت على امرأة
ومن قوله صلى الله عليه وسلم وكان لي منها ولد وغير ذلك * الحديث الأول (قوله حدثني محمد) هو
بن سلام كما جزم به ابن السكن وعبدة هو ابن سليمان (قوله سمعت عبد الله بن جعفر) هو ابن أبي
طالب ووقع عند عبد الرزاق عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن
100

عبد الله بن جعفر وهو من المزيد في متصل الأسانيد لتصريح عبدة في هذه الرواية بسماع عروة
عن عبد الله بن جعفر (قوله سمعت علي بن أبي طالب) زاد مسلم من رواية أبي أسامة عن هشام
بالكوفة واتفق أصحاب هشام على ذكر علي فيه وقصر به محمد بن إسحاق فرواه عن هشام عن أبيه
عن عبد الله بن جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم لكن بلفظ
مغاير لهذا اللفظ فالظاهر أنهما حديثان وفي الاسناد رواية تابعي عن تابعي هشام عن أبيه وصحابي
عن صحابي عبد الله بن جعفر عن عمه (قوله خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة) قال القرطبي
الضمير عائد على غير مذكور لكنه يفسره الحال والمشاهدة يعني به الدنيا وقال الطيبي الضمير
الأول يعود على الأمة التي كانت فيها مريم والثاني على هذه الأمة قال ولهذا كرر الكلام تنبيها
على أن حكم كل واحدة منها غير حكم الأخرى (قلت) ووقع عند مسلم من رواية وكيع عن هشام
في هذا الحديث وأشار وكيع إلى السماء والأرض فكأنه أراد ان يبين ان المراد نساء الدنيا وان
الضميرين يرجعان إلى الدنيا وبهذا جزم القرطبي أيضا وقال الطيبي أراد انهما خير من تحت السماء
وفوق الأرض من النساء قال ولا يستقيم ان يكون تفسيرا لقوله نسائها لان هذا الضمير لا يصلح
ان يعود إلى السماء كذا قال ويحتمل ان يريد ان الضمير الأول يرجع إلى السماء والثاني إلى الأرض
ان ثبت ان ذلك صدر في حياة خديجة وتكون النكتة في ذلك أن مريم ماتت فعرج بروحها إلى
السماء فلما ذكرها أشار إلى السماء وكانت خديجة إذ ذاك في الحياة فكانت في الأرض فلما ذكرها
أشار إلى الأرض وعلى تقدير ان يكون بعد موت خديجة فالمراد انهما خير من صعد بروحهن إلى
السماء وخير من دفن جسدهن في الأرض وتكون الإشارة عند ذكر كل واحدة منهما والذي
يظهر لي ان قوله خير نسائها خبر مقدم والضمير لمريم فكأنه قال مريم خير نسائها أي نساء
زمانها وكذا في خديجة وقد جزم كثير من الشراح ان المراد نساء زمانها لما تقدم في أحاديث الأنبياء
في قصة موسى وذكر اسية من حديث أبي موسى رفعه كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا
مريم وآسية فقد أثبت في هذا الحديث الكمال لآسية كما أثبته لمريم فامتنع حمل الخيرية في حديث
الباب على الاطلاق وجاء ما يفسر المراد صريحا فروى البزار والطبراني من حديث عمار بن
ياسر رفعه لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين وهو من حديث حسن
الاسناد واستدل بهذا الحديث على أن خديجة أفضل من عائشة قال ابن التين ويحتمل ان لا تكون
عائشة دخلت في ذلك لأنها كان لها عند موت خديجة ثلاث سنين فلعل المراد النساء البوالغ
كذا قال وهو ضعيف فان المراد بلفظ النساء أعم من البوالغ ومن لم تبلغ أعم ممن كانت موجودة
وممن ستوجد وقد اخرج النسائي بإسناد صحيح وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا
أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية وهذا نص صريح لا يحتمل التأويل قال
القرطبي لم يثبت في حق واحدة من الأربع انها نبية الا مريم وقد اورد ابن عبد البر من وجه اخر
عن ابن عباس رفعه سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية قال وهذا حديث حسن
يرفع الاشكال قال ومن قال إن مريم ليست بنبية أول هذا الحديث وغيره بان من وان لم تذكر
في الخبر فهي مرادة (قلت) * الحديث الثاني الدال على الترتيب ليس بثابت واصله عند أبي داود
والحاكم بغير صيغة ترتيب وقد يتمسك بحديث الباب من يقول إن مريم ليست بنبية لتسويتها في
101

حديث الباب بخديجة وليست خديجة بنبية بالاتفاق والجواب انه لا يلزم من التسوية في الخيرية
التسوية في جميع الصفات وقد تقدم ما قيل في مريم في ترجمتها من أحاديث الأنبياء والله أعلم
* الحديث الثاني (قوله حدثنا الليث قال كتب إلى هشام بن عروة) وقع عند الإسماعيلي من
وجه آخر عن الليث حدثني هشام بن عروة فلعل الليث لقى هشاما بعد أن كتب به إليه فحدثه به
أو كان من مذهبه إطلاق حدثنا في الكتابة وقد نقل الخطيب ذلك عنه في علوم الحديث (قوله
ما غرت على امرأة للنبي) فيه ثبوت الغيرة وانها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلا
عمن دونهن وان عائشة كانت تغار من نساء النبي صلى الله عليه وسلم لكن كانت تغار من خديجة
أكثر وقد بينت سبب ذلك وانه لكثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إياها ووقع في الرواية التي تلي
هذه بأبين من هذا حيث قال فيها من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها واصل غيرة المرأة
من تخيل محبة غيرها أكثر منها وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة وقال القرطبي مرادها بالذكر لها
مدحها والثناء عليها (قلت) وقع عند النسائي من رواية النضر بن شميل عن هشام من كثرة ذكره
إياها وثنائه عليها فعطف الثناء على الذكر من عطف الخاص على العام وهو يقتضي حمل
الحديث على أعم مما قاله القرطبي (قوله هلكت قبل ان يتزوجني) ذكر في الحديث الذي بعده
قدر المدة وسيأتي البحث فيه وأشارت بذلك إلى انها لو كانت موجودة في زمانها لكانت غيرتها منها
أشد (قوله وأمره الله ان يبشرها الخ) سيأتي شرحه بعد هذا وهو أيضا من جملة أسباب الغيرة لان
اختصاص خديجة بهذه البشرى مشعر بمزيد محبة من النبي صلى الله عليه وسلم فيها ووقع عند
الإسماعيلي من رواية الفضل بن موسى عن هشام بن عروة بلفظ ما حسدت
امرأة قط ما حسدت خديجة حين بشرها النبي صلى الله عليه وسلم ببيت من قصب الحديث (قوله وإن كان ليذبح
الشاة الخ) ان مخففة من الثقيلة ويراد بها تأكيد الكلام ولهذا أتت باللام في قولها ليذبح (قوله
في خلائلها) بالخاء المعجمة جمع خليلة أي صديقة وهي أيضا من أسباب الغيرة لما فيه من الاشعار
باستمرار حبه لها حتى كان يتعاهد صويحباته (قوله منها) أي من الشاة (قوله ما يسعهن) أي
ما يكفيهن كذا للأكثر وفي رواية المستملي والحموي ما يتسعهن أي يتسع لهن وفي رواية النسفي
يشبعهن من الشبع بكسر المعجمة وفتح الموحدة وليس في روايته ما * الحديث الثالث (قوله حدثنا
حميد بن عبد الرحمن) هو الرؤاسي بضم الراء وعلى الواو همز وبعد الألف مهملة ثقة باتفاق وليس
له في البخاري سوى هذا الحديث واخر في الحدود (قوله وتزوجني بعدها بثلاث سنين) قال النووي
أرادت بذلك زمن دخولها عليه واما العقد فتقدم على ذلك بمدة سنة ونصف أو نحو ذلك كذا قال
وسيأتي في باب تزويج عائشة ما يوضح ان المدة بين العقد عليها والدخول كان أكثر من ذلك (قوله
وأمره ربه عز وجل أو جبريل) هو شك من الراوي وسيأتي في حديث أبي هريرة في هذا الباب ان
البشارة بذلك من الله كانت على لسان جبريل عليه السلام * الحديث الرابع (قوله حدثني عمر بن
محمد بن الحسن حدثنا أبي) هو الأسدي الذي يعرف بالتل بالمثناة وتشديد اللام واسم والد الحسن
الزبير وعمر كوفي ماله في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الزكاة وهو من صغار شيوخه وقد
نزل البخاري في هذا الاسناد بالنسبة لحديث حفص بن غياث درجة فإنه يروي الكثير عن ولده عمر
ابن حفص وغيره من أصحاب حفص وهنا لم يصل لحفص الا باثنين وبالنسبة لرواية هشام بن عروة
102

درجتين فإنه قد سمع من بعض أصحابه واخرج هذا في الصحيح في كتاب العتق منه حدثنا عبيد
ابن موسى عن هشام بن عروة من مسند أبي ذر والسبب في اختياره إيراد هذه الطريق النازلة
ما اشتملت عليه من الزيادة على رواية غيره كما سأنبه عليه (قوله وما رأيتها) في رواية مسلم من هذا
الوجه ولم ادركها ولم أر هذه اللفظة الا في هذه الطريق نعم أخرجها مسلم من طريق الزهري عن
عروة عن عائشة بلفظ وما رايتها قط ورؤية عائشة لخديجة كانت ممكنة واما ادراكها لها فلا نزاع
فيه لأنه كان لها عند موتها ست سنين كأنها أرادت بنفي الرؤية والإدراك النفي بقيد اجتماعهما
عند النبي صلى الله عليه وسلم أي لم أرها وانا عنده ولا أدركتها كذلك وقد وقع في بعض طرقه عند
أبي عوانة ولقد هلكت قبل ان يتزوجني (قوله ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها)
في رواية عبد الله البهي عن عائشة عند الطبراني وكان إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها
واستغفار لها (قوله فربما قلت الخ) هذا كله زائد في هذه الرواية فقد اخرج الحديث مسلم وأبو
عوانة والإسماعيلي وأبو نعيم من طريق سهل بن عثمان والترمذي عن أبي هشام الرفاعي كلهم عن
حفص بن غياث بدونها (قوله كأنه لم يكن) في رواية الكشميهني كأن لم بحذف الهاء من كأنه
(قوله إنها كانت وكانت) أي كانت فاضلة وكانت عاقلة ونحو ذلك وعند أحمد من حديث
مسروق عن عائشة آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ
حرمني الناس ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء (قوله وكان لي منها ولد) وكان جميع أولاد
النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة الا إبراهيم فإنه كان من جاريته مارية والمتفق عليه من أولاده
منها القاسم وبه كان يكنى مات صغيرا قبل المبعث أو بعده وبناته الأربع زينب ثم رقية ثم أم كلثوم
ثم فاطمة وقيل كانت أم كلثوم أصغر من فاطمة وعبد الله ولد بعد المبعث فكان يقال له الطاهر
والطيب ويقال هما اخوان له وماتت الذكور صغارا باتفاق ووقع عند مسلم من طريق حفص
ابن غياث هذه في آخر الحديث قالت عائشة فأغضبته يوما فقلت خديجة فقال اني رزقت حبها
قال القرطبي كان حبه صلى الله عليه وسلم لها لما تقدم ذكره من الأسباب وهي كثيرة كل منها كان
سببا في ايجاد المحبة ومما كافأ النبي صلى الله عليه وسلم به خديجة في الدنيا انه لم يتزوج في حياتها
غيرها فروى مسلم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم
على خديجة حتى ماتت وهذا مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم بالاخبار وفيه دليل على عظم قدرها
عنده وعلى مزيد فضلها لأنها أغنته عن غيرها واختصت به بقدر ما اشترك فيه غيرها مرتين لأنه
صلى الله عليه وسلم عاش بعد أن تزوجها ثمانية وثلاثين عاما انفردت خديجة منها بخمسة وعشرين
عاما وهي نحو الثلثين من المجموع ومع طول المدة فصان قلبها فيها من الغيرة ومن نكد الضرائر
الذي ربما حصل له هو منه ما يشوش عليه بذلك وهي فضيلة لم يشاركها فيها غيرها ومما اختصت
به سبقها نساء هذه الأمة إلى الايمان فسنت ذلك لكل من آمنت بعدها فيكون لها مثل أجرهن
لما ثبت ان من سن سنة حسنة وقد شاركها في ذلك أبو بكر الصديق بالنسبة إلى الرجال ولا يعرف
قدر ما لكل منهما من الثواب بسبب ذلك الا الله عز وجل وقال النووي في هذه الأحاديث
دلالة لحسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والمعاشر حيا وميتا واكرام معارف ذلك
103

الصاحب * الحديث الخامس (قوله عن إسماعيل) هو ابن أبي خالد (قوله قلت لعبد الله بن أبي
أوفى إلى آخره) هذا مما حمله التابعي عن الصحابي عرضا وليس هذا من التلقين لان التلقين
لا استفهام فيه وانما يقول الطالب للشيخ قل حدثنا فلان بكذا فيحدث به من غير أن يكون عارفا
به حديثه ولا بعدالة الطالب فلا يؤمن ا ن لا يكون ذلك الطالب ضابطا لذلك القدر فيدل على
تساهل الشيخ فلذلك عابوه على من فعله (قوله بشر النبي صلى الله عليه وسلم) هو استفهام محذوف
الأداة (قوله قال نعم) في رواية مسلم بشر خديجة ببيت من قصب قال نعم آخره ووقع في رواية
جرير عن إسماعيل انهم قالوا لعبد الله بن أبي أوفى حدثنا ما قال لخديجة قال قال بشروا خديجة
فذكر الحديث هكذا تقدم في أبواب العمرة من البخاري (قوله من قصب) بفتح القاف
والمهملة بعدها موحدة قال ابن التين المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف (قلت) عند
الطبراني في الأوسط من طريق أخرى عن ابن أبي أوفى يعني قصب اللؤلؤ وعنده في الكبير من
حديث أبي هريرة بيت من لؤلؤة مجوفة وأصله في مسلم وعنده في الأوسط من حديث فاطمة
قالت قلت يا رسول الله أين أمي خديجة قال في بيت من قصب قلت أمن هذا القصب قال لا من
القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت قال السهيلي النكتة قي قوله من قصب ولم يقل من لؤلؤ
ان في لفظ القصب مناسبة لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الايمان دون غيرها
ولذا وقعت هذه المناسبة في جميع ألفاظ هذا الحديث انتهى وفي القصب مناسبة أخرى من
جهة استواء أكثر أنابيبه وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها إذ كانت حريصة على
رضاه بكل ممكن ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها واما قوله ببيت فقال أبو بكر الإسكاف في
فوائد الاخبار المراد به بيت زائد على ما أعد الله لها من ثواب عملها ولهذا قال لا نصب فيه أي لم تتعب
بسببه قال السهيلي لذكر البيت معنى لطيف لأنها كانت ربة بيت قبل المبعث ثم صارت ربة بيت
في الاسلام منفردة به فلم يكن على وجه الأرض في أول يوم بعث النبي صلى الله عليه وسلم بيت إسلام
الا بيتها وهي فضيلة ما شاركها فيها أيضا غيرها قال وجزاء الفعل يذكر غالبا بلفظه وإن كان أشرف
منه فلهذا جاء في الحديث بلفظ البيت دون لفظ القصر انتهى وفي ذكر البيت معنى آخر لان
مرجع أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إليها لما ثبت في تفسير قوله تعالى انما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت قالت أم سلمة لما نزلت دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وعليا
والحسن والحسين فجللهم بكساء فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي الحديث أخرجه الترمذي وغيره
ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة لان الحسنين من فاطمة وفاطمة بنتها وعلي نشأ في بيت
خديجة وهو صغير ثم تزوج بنتها بعدها فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها
(قوله لا صخب فيه ولا نصب) الصخب بفتح المهملة والمعجمة بعدها موحدة الصياح والمنازعة
برفع الصوت والنصب بفتح النون والمهملة بعدها موحدة التعب وأغرب الداودي فقال
الصخب العيب والنصب العوج وهو تفسير لا تساعد عليه اللغة وقال السهيلي مناسبة نفي هاتين
الصفتين أعني المنازعة والتعب انه صلى الله عليه وسلم لما دعا إلى الاسلام أجابت خديجة طوعا فلم
تحوجه إلى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب في ذلك بل أزالت عنه كل نصب وآنسته من كل وحشة
وهونت عليه كل عسير فناسب ان يكون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها
104

* الحديث السادس (قوله عن عمارة) هو ابن القعقاع (قوله عن أبي هريرة) في رواية مسلم عن
ابن نمير عن ابن فضيل بهذا الاسناد سمعت أبا هريرة (قوله اتى جبريل) في رواية سعيد بن كثير
عند الطبراني ان ذلك كان وهو بحراء (قوله هذه خديجة قد أتت) في رواية مسلم قد أتتك ومعناه
توجهت إليك واما قوله ثانيا فإذا هي أتتك فمعناه وصلت إليك (قوله اناء فيه إدام أو طعام أو
شراب) شك من الراوي وكذا عند مسلم وفي رواية الإسماعيلي فيه إدام أو طعام وشراب وفي رواية
سعيد بن كثير المذكور عند الطبراني انه كان حيسا (قوله فاقرأ عليها السلام من ربها ومني)
زاد الطبراني في الرواية المذكورة فقالت هو السلام ومنه والسلام وعلى جبريل السلام وللنسائي
من حديث أنس قال قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ان الله يقرئ خديجة السلام يعني
فأخبرها فقالت إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله
وبركاته زاد ابن السني من وجه آخر وعلى من سمع السلام الا الشيطان قال العلماء في هذه القصة
دليل على وفور فقهها لأنها لم تقل وعليه السلام كما وقع لبعض الصحابة حيث كانوا يقولون في
التشهد السلام على الله فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن الله هو السلام فقولوا التحيات لله
فعرفت خديجة لصحة فهمها ان الله لا يرد عليه السلام كما يرد على المخلوقين لان السلام اسم من
أسماء الله وهو أيضا دعاء بالسلامة وكلاها لا يصلح ان يرد به على الله فكأنها قالت كيف أقول
عليه السلام والسلام اسمه ومنه يطلب ومنه يحصل فيستفاد منه انه لا يليق بالله الا الثناء عليه
فجعلت مكان رد السلام عليه الثناء عليه ثم غايرت بين ما يليق بالله وما يليق بغيره فقالت وعلى
جبريل السلام ثم قالت وعليك السلام ويستفاد منه رد السلام على من أرسل السلام و على من
بلغه والذي يظهر ان جبريل كان حاضرا عند جوابها فردت عليه وعلى النبي صلى الله عليه وسلم
مرتين مرة بالتخصيص ومرة بالتعميم ثم أخرجت الشيطان ممن سمع لأنه لا يستحق الدعاء بذلك قيل
انما بلغها جبريل عليه السلام من ربها بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم احتراما للنبي صلى الله
عليه وسلم وكذلك وقع له لما سلم على عائشة لم يواجهها بالسلام بل راسلها مع النبي صلى الله عليه
وسلم وقد واجه مريم بالخطاب فقيل لأنها نبية وقيل لأنها لم يكن معها زوج يحترم معه مخاطبتها
قال السهيلي استدل بهذه القصة أبو بكر بن داود على أن خديجة أفضل من عائشة لان عائشة سلم
عليها جبريل من قبل نفسه وخديجة ابلغها السلام من ربها وزعم ابن العربي انه لا خلاف في أن
خديجة أفضل من عائشة ورد بأن الخلاف ثابت قديما وإن كان الراجح أفضلية خديجة بهذا
وبما تقدم (قلت) ومن صريح ما جاء في تفضيل خديجة ما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه
الحاكم من حديث ابن عباس رفعه أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد
قال السبكي الكبير كما تقدم لعائشة من الفضائل ما لا يحصى ولكن الذي نختاره وندين الله به
ان فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة واستدل لفضل فاطمة بما تقدم في ترجمتها انها سيدة نساء
المؤمنين (قلت) وقال بعض من أدركناه الذي يظهر ان الجمع بين الحديثين أولى وان لا نفضل
إحداهما على الأخرى وسئل السبكي هل قال أحد ان أحدا من نساء النبي صلى الله عليه وسلم غير
خديجة وعائشة أفضل من فاطمة فقال قال به من لا يعتد بقوله وهو من فضل نساء النبي صلى الله
عليه وسلم على جميع الصحابة لأنهن في درجته في الجنة قال وهو قول ساقط مردود انتهى وقائله
105

هو أبو محمد بن حزم وفساده ظاهر قال السبكي ونساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة وعائشة
متساويات في الفضل وهن أفضل النساء لقول الله تعالى لستن كأحد من النساء ان اتقيتن الآية
ولا يستثنى من ذلك الا من قيل إنها نبية كمريم والله أعلم ومما نبه عليه انه وقع عند الطبراني من
رواية أبي يونس عن عائشة انها وقع لها نظير ما وقع لخديجة من السلام والجواب وهي رواية شاذة
والعلم عند الله تعالى * الحديث السابع (قوله وقال إسماعيل بن خليل) كذا في جميع النسخ
التي اتصلت إلينا بصيغة التعليق لكن صنيع المزي يقتضي انه أخرجه موصولا وقد أخرجه أبو
عوانة عن محمد بن يحيى الذهلي عن إسماعيل المذكور وأخرجه مسلم عن سويد بن سعيد والإسماعيلي
من طريق الوليد بن شجاع كلاهما عن علي بن مسهر (قوله استأذنت هالة بنت خويلد) هي
أخت خديجة وكانت زوج الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس والد أبي العاص بن الربيع زوج
زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكروها في الصحابة وهو ظاهر هذا الحديث وقد هاجرت
إلى المدينة لان دخولها كان بها أي بالمدينة ويحتمل أن تكون دخلت على النبي صلى الله عليه
وسلم بمكة حيث كانت عائشة معه في بعض سفراته ووقع عند المستغفري من طريق حماد بن سلمة
عن هشام بهذا السند قدم ابن لخديجة يقال له هالة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم في قائلته كلام
هالة فانتبه وقال هالة هالة قال المستغفري الصواب هالة أخت خديجة انتهى وروى الطبراني
في الأوسط من طريق تميم بن زيد بن هالة عن أبي هالة عن أبيه انه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم
وهو راقد فاستيقظ فضمه إلى صدره وقال هالة هالة وذكر ابن حبان وابن عبد البر في الصحابة هالة بن
أبي هالة التميمي فلعله كان لخديجة أيضا ابن اسمه هالة والله أعلم (قوله فعرف استئذان خديجة)
أي صفته لشبه صوتها بصوت أختها فتذكر خديجة بذلك وقوله ارتاع من الروع بفتح الراء أي فزع
والمراد من الفزع لازمه وهو التغير ووقع في بعض الروايات ارتاح بالحاء المهملة أي اهتز لذلك
سرورا وقوله اللهم هالة فيه حذف تقديره اجعلها هالة فعلى هذا فهو منصوب ويحتمل ان يكون
خبر مبتدأ محذوف أي هذه هالة وعلى هذا هو مرفوع وفي الحديث ان من أحب شيئا أحب
محبوباته وما يشبهه وما يتعلق به (قوله حمراء الشدقين) بالجر قال أبو البقاء يجوز في حمراء الرفع
على القطع والنصب على الصفة أو الحال ثم الموجود في جميع النسخ وفي مسلم حمراء بالمهملتين
وحكى ابن التين انه روي بالجيم والزاي ولم يذكر له معنى وهو تصحيف والله أعلم قال القرطبي قيل
معنى حمراء الشدقين بيضاء الشدقين والعرب تطلق على الأبيض الأحمر كراهة اسم البياض لكونه
يشبه البرص ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة يا حميراء ثم استبعد القرطبي هذا لكون
عائشة أوردت هذه المقالة مورد التنقيص فلو كان الامر كما قيل لنصت على البياض لأنه كان
يكون أبلغ في مرادها قال والذي عندي ان المراد بذلك نسبتها إلى كبر السن لان من دخل في سن
الشيخوخة مع قوة في بدنه يغلب على لونه غالبا الحمرة المائلة إلى السمرة كذا قال والذي يتبادر ان
المراد بالشدقين ما في باطن الفم فكنت بذلك عن سقوط أسنانها حتى لا يبقى داخل فمها الا اللحم
الأحمر من اللثة وغيرها وبهذا جزم النووي وغيره (قوله قد أبدلك الله خيرا منها) قال ابن التين في
سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المقالة دليل على أفضلية عائشة على خديجة الا ان يكون
المراد بالخيرية هنا حسن الصورة وصغر السن انتهى ولا يلزم من كونه لم ينقل في هذه الطريق انه
106

صلى الله عليه وسلم رد عليها عدم ذلك بل الواقع انه صدر منه رد لهذه المقالة ففي رواية أبي نجيح عن
عائشة عند أحمد والطبراني في هذه القصة قالت عائشة فقلت أبدلك الله بكبيرة السن حديثة
السن فغضب حتى قلت والذي بعثك بالحق لا اذكرها بعد هذا الا بخير وهذا يؤيد ما تأوله ابن التين
في الخيرية المذكورة والحديث يفسر بعضه بعضا وروى أحمد أيضا والطبراني من طريق مسروق
عن عائشة في نحو هذه القصة فقال صلى الله عليه وسلم ما أبدلني الله خيرا منها آمنت بي إذ كفر بي
الناس الحديث قال عياض قال الطبري وغيره من العلماء الغيرة مسامح للنساء ما يقع فيها
ولا عقوبة عليهن في تلك الحالة لما جبلن عليه منها ولهذا لم يزجر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة
عن ذلك وتعقبه عياض بأن ذلك جرى من عائشة لصغر سنها وأول شبيبتها فلعلها لم تكن بلغت
حينئذ (قلت) وهو محتمل مع ما فيه من نظر قال القرطبي لا تدل قصة عائشة هذه على أن الغيري
لا تؤاخذ بما يصدر منها لان الغيرة هنا جزء سبب وذلك أن عائشة اجتمع فيها حينئذ الغيرة وصغر
السن والادلال قال فإحالة الصفح عنها على الغيرة وحدها تحكم نعم الحامل لها على ما قالت الغيرة
لأنها هي التي نصت عليها بقولها فغرت واما الصفح فيحتمل ان يكون لأجل الغيرة وحدها ويحتمل
ان يكون لها ولغيرها من الشباب والادلال (قلت) الغيرة محققة بتنصيصها والشباب محتاج إلى
دليل فإنه صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي بنت تسع وذلك في أول زمن البلوغ فمن أين له ان ذلك
القول وقع في أوائل دخوله عليها وهي بنت تسع واما ادلال المحبة فليس موجبا للصفح عن حق
الغير بخلاف الغيرة فإنما يقع الصفح بها لان من يحصل لها الغيرة لا تكون في كمال عقلها فلهذا
تصدر منها أمور لا تصدر منها في حال عدم الغيرة والله أعلم (قوله باب ذكر هند
بنت عتبة بن ربيعة) أي ابن عبد شمس وهي والدة معاوية قتل أبوها ببدر كما سيأتي في المغازي
وشهدت مع زوجها أبي سفيان أحدا وحرضت على قتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم لكونه
قتل عمها شيبة وشرك في قتل أبيها عتبة فقتله وحشى بن حرب كما سيأتي بيان ذلك في حديث
وحشى ثم أسلمت هند يوم الفتح وكانت من عقلاء النساء وكانت قبل أبي سفيان عند الفاكه بن
المغيرة المخزومي ثم طلقها في قصة جرت فتزوجها أبو سفيان فأنتجت عنده وهي القائلة للنبي صلى
الله عليه وسلم لما شرط على النساء المبايعة ولا يسرقن ولا يزنين وهل تزني الحرة وماتت هند في
خلافة عمر (قوله وقال عبدان) كذا للجميع بصيغة التعليق وكلام أبي نعيم في المستخرج
يقتضي ان البخاري أخرجه موصولا عن عبدان وقد وصله البيهقي أيضا من طريق أبي الموجه
عن عبدان (قوله خباء) بكسر المعجمة وتخفيف الموحدة مع المد هي خيمة من وبر أو صوف ثم
أطلقت على البيت كيف ما كان (قوله قال وأيضا والذي نفسي بيده) قال ابن التين فيه تصديق
لها فيما ذكرته كأنه رأى أن المعنى وانا أيضا بالنسبة إليك مثل ذلك وتعقب من جهة طرفي البغض
والحب فقد كان في المشركين من كان أشد أذى للنبي صلى الله عليه وسلم من هند وأهلها وكان في
المسلمين بعد أن أسلمت من هو أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها ومن أهلها فلا يمكن حمل الخبر
على ظاهره وقال غيره المعنى بقوله وأيضا ستزيدين في المحبة كلما تمكن الايمان من قلبك وترجعين
عن البغض المذكور حتى لا يبقى له اثر فأيضا خاص بما يتعلق بها لا ان المراد بها اني كنت في حقك
كما ذكرت في البغض ثم صرت على خلافه في الحب بل ساكت عن ذلك ولا يعكر على هذا قوله
107

في بعض الروايات وانا ان ثبتت الرواية بذلك (قوله إن أبا سفيان رجل مسيك) سيأتي شرحه في
كتاب النفقات إن شاء الله تعالى وفي الحديث دلالة على وفور عقل هند وحسن تأنيها في المخاطبة
ويؤخذ منه ان صاحب الحاجة يستحب له ان يقدم بين يدي نجواه اعتذارا إذا كان في نفس
الذي يخاطبه عليه موجدة وان المعتذر يستحب له ان يقدم ما يتأكد به صدقه عند من يعتذر إليه
لان هند قدمت الاعتراف بذكر ما كانت عليه من البغض ليعلم صدقها فيما دعته من المحبة وقد
كانت هند في منزلة أمهات نساء النبي صلى الله عليه وسلم لان أم حبيبة إحدى زوجاته بنت زوجها
أبي سفيان (قوله باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل) هو ابن عم عمر بن الخطاب بن
نفيل وقد تقدم نسبه في ترجمته وهو والد سعيد بن زيد أحد العشرة وكان ممن طلب التوحيد
وخلع الأوثان وجانب الشرك لكنه مات قبل المبعث فروى محمد بن سعد والفاكهي من حديث
عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب قال قال لي زيد بن عمرو اني خالفت قومي واتبعت ملة
إبراهيم وإسماعيل وما كانا يعبدان وكانا يصليان إلى هذه القبلة وانا انتظر نبيا من بني إسماعيل
يبعث ولا أراني أدركه وانا أومن به واصدقه واشهد انه نبي وان طالت بك حياة فاقره مني السلام
قال عامر فلما أسلمت أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم بخبره قال فرد عليه السلام وترحم عليه قال
ولقد رايته في الجنة يسحب ذيولا وروى البزار والطبراني من حديث سعيد بن زيد قال خرج زيد بن
عمرو وورقة بن نوفل يطلبان الدين حتى آتيا الشام فتنصر ورقة وامتنع زيد فاتى الموصل فلقي راهبا
فعرض عليه النصرانية فامتنع وذكر الحديث نحو حديث بن عمر الآتي في ترجمته وفيه قال
سعيد بن زيد فسألت انا وعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيد فقال غفر الله له ورحمه فإنه
مات على دين إبراهيم وروى الزبير بن بكار من طريق هشام بن عروة قال بلغنا ان زيدا كان بالشام
فبلغه مخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل يريده فقتل بمضيعة من ارض البلقاء وقال ابن إسحاق لما
توسط بلاد لخم قتلوه وقيل إنه مات قبل المبعث بخمس سنين عند بناء قريش الكعبة (قوله
بأسفل بلدح) هو مكان في طريق التنعيم بفتح الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة واخره مهملة
ويقال هو واد (قوله فقدمت) بضم القاف (قوله إلى النبي صلى الله عليه وسلم) كذا للأكثر
وفي رواية الجرجاني فقدم إليه النبي صلى الله عليه وسلم سفرة قال عياض الصواب الأول (قلت)
رواية الإسماعيلي توافق رواية الجرجاني وكذا أخرجه الزبير بن بكار والفاكهي وغيرهما وقال
ابن بطال كانت السفرة لقريش قدموها للنبي صلى الله عليه وسلم فأبى ان يأكل منها فقدمها النبي
صلى الله عليه وسلم لزيد بن عمرو فأبى ان يأكل منها وقال مخاطبا لقريش الذين قدموها أولا انا
لا نأكل ما ذبح على أنصابكم انتهى وما قاله محتمل لكن لا أدري من أين له الجزم بذلك فاني لم اقف
عليه في رواية أحد وقد تبعه ابن المنير في ذلك وفيه ما فيه (قوله على أنصابكم) بالمهملة جمع نصب
بضمتين وهي أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها للأصنام قال الخطابي كان النبي صلى الله
عليه وسلم لا يأكل مما يذبحون عليها للأصنام ويأكل ما عدا ذلك وان كانوا لا يذكرون اسم الله
عليه لان الشرع لم يكن نزل بعد بل لم ينزل الشرع بمنع أكل ما لم يذكر اسم الله عليه الا بعد المبعث
بمدة طويلة (قلت) وهذا الجواب أولى مما ارتكبه ابن بطال وعلى تقدير ان يكون زيد بن
حارثة ذبح على الحجر المذكورة فإنما يحمل على أنه انما ذبح عليه لغير الأصنام واما قوله تعالى
108

وما ذبح على النصب فالمراد به ما ذبح عليها للأصنام ثم قال الخطابي وقيل لم ينزل على النبي صلى
الله عليه وسلم في تحريم ذلك شئ (قلت) وفيه نظر لأنه كان قبل المبعث فهو من تحصيل الحاصل
وقد وقع في حديث سعيد بن زيد الذي قدمته وهو عند أحمد وكان ابن زيد يقول عذت بما عاذ به
إبراهيم ثم يخر ساجدا للكعبة قال فمر بالنبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة وهما يأكلان من
سفرة لهما فدعياه فقال يا ابن أخي لا آكل مما ذبح على النصب قال فما رؤى النبي صلى الله عليه
وسلم يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذلك وفي حديث زيد بن حارثة عند أبي يعلى والبزار
وغيرهما قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من مكة وهو مردفي فذبحنا شاة على
بعض الأنصاب فأنضجناها فلقينا زيد بن عمرو فذكر الحديث مطولا وفيه فقال زيد اني لا آكل مما
لم يذكر اسم الله عليه قال الداودي كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث يجانب المشركين
في عاداتهم لكن لم يكن يعلم ما يتعلق بأمر الذبح وكان زيد قد علم ذلك من أهل الكتاب الذين لقيهم
وقال السهيلي فان قيل فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أولى من زيد بهذه الفضيلة فالجواب انه ليس
في الحديث انه صلى الله عليه وسلم أكل منها وعلى تقدير ان يكون أكل فزيد انما كان يفعل ذلك
برأي يراه لا بشرع بلغه وانما كان عند أهل الجاهلية بقايا من دين إبراهيم وكان في شرع إبراهيم
تحريم الميتة لا تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه وانما نزل تحريم ذلك في الاسلام والأصح ان الأشياء
قبل الشرع لا توصف بحل ولا بحرمة مع أن الذبائح لها أصل في تحليل الشرع واستمر ذلك إلى نزول
القران ولم ينقل ان أحدا بعد المبعث كف عن الذبائح حتى نزلت الآية (قلت) وقوله إن زيدا فعل
ذلك برأيه أولى من قول الداودي انه تلقاه عن أهل الكتاب فان حديث الباب بين فيما قال
السهيلي وان ذلك قاله زيد باجتهاده لا بنقل عن غيره ولا سيما وزيد يصرح عن نفسه بأنه لم يتبع
أحدا من أهل الكتابين وقد قال القاضي عياض في الملة المشهورة في عصمة الأنبياء قبل النبوة
انها كالممتنع لان النواهي انما تكون بعد تقرير الشرع والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن
متعبدا قبل ان يوحى إليه بشرع من قبله على الصحيح فعلى هذا فالنواهي إذا لم تكن موجودة فهي
معتبرة في حقه والله أعلم فان فرعنا على القول الآخر فالجواب عن قوله ذبحنا شاة على بعض
الأنصاب يعني الحجارة التي ليست بأصنام ولا معبودة وانما هي من آلات الجزار التي يذبح عليها لان
النصب في الأصل حجر كبير فمنها ما يكون عندهم من جملة الأصنام فيذبحون له وعلى اسمه ومنها
ما لا يعبد بل يكون من آلات الذبح فيذبح الذابح عليه لا للصنم أو كان امتناع زيد منها حسما
للمادة (قوله فان زيد بن عمرو) هو موصول بالاسناد المذكور (قوله قال موسى) هو ابن عقبة
والخبر موصول بالاسناد المذكور إليه وقد شك فيه الإسماعيلي فقال ما أدري هذه القصة الثانية
من رواية الفضيل بن موسى أم لا ثم ساقها مطولة من طريق عبد العزيز بن المختار عن موسى بن
عقبة وكذا أوردها الزبير بن بكار والفاكهي بالاسنادين معا (قوله لا أعلمه الا يحدث به عن ابن
عمر) قد ساق البخاري الحديث الأول في الذبائح من طريق عبد العزيز بن المختار عن موسى بغير شك
وساق الإسماعيلي هذا الثاني من رواية عبد العزيز المذكور بالشك أيضا فكان الشك فيه من
موسى بن عقبة (قوله يسأل عن الدين) أي دين التوحيد (قوله ويتبعه) بتشديد المثناة بعدها
موحدة وللكشميهني بسكون الموحدة بعدها مثناة مفتوحة ثم غين معجمة أي يطلبه (قوله فلقي
109

عالما من اليهود) لم اقف على اسمه وفي حديث زيد بن حارثة المذكور ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
لزيد بن عمرو مالي أرى قومك قد شنفوا عليك أي أبغضوك وهو بفتح الشين المعجمة وكسر النون
بعدها فاء قال خرجت ابتغي الدين فقدمت على الأحبار فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به
(قوله فلقي عالما من النصارى) لم اقف على اسمه أيضا ووقع في حديث زيد بن حارثة قال لي شيخ
من أحبار الشام انك لتسألني عن دين ما اعلم أحدا يعبد الله به الا شيخا بالجزيرة قال فقدمت عليه
فقال إن الذي تطلب قد ظهر ببلادك وجميع من رأيتهم في ضلال وفي رواية الطبراني من هذا الوجه
وقد خرج في أرضك نبي أو هو خارج فارجع وصدقه وآمن به قال زيد فلم أحس بشئ بعد (قلت)
وهذا مع ما تقدم يدل على أن زيدا رجع إلى الشام فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فسمع به فرجع
ومات والله أعلم (قوله وانا أستطيع) أي والحال ان لي قدرة على عدم حمل ذلك كذا للأكثر بتخفيف
النون ضمير القائل وفي رواية بتشديد النون بمعنى الاستبعاد والمراد بغضب الله إرادة إيصال
العقاب كما أن المراد بلعنة الله الابعاد عن رحمته (قوله فلما برز) أي خارج أرضهم (قوله اللهم إني
أشهدك اني على دين إبراهيم) بكسر الهمزة الأولى وفتح الثانية وفي حديث سعيد بن زيد فانطلق
زيد وهو يقول لبيك حقا حقا تعبدا ورقا ثم يخر فيسجد لله (قوله وقال الليث كتب إلى هشام)
أي ابن عروة وهذا التعليق رويناه موصولا في حديث زغبة من رواية أبي بكر بن أبي داود عن
عيسى بن حماد وهو المعروف بزغبة عن الليث واخرج ابن إسحاق عن هشام بن عروة هذا الحديث
بتمامه وأخرجه الفاكهي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد والنسائي وأبو نعيم في المستخرج من
طريق أبي أسامة كلهم عن هشام بن عروة (قوله ما منكم على دين إبراهيم غيري) زاد أبو أسامة
في روايته وكان يقول الهي اله إبراهيم وديني دين إبراهيم وفي رواية ابن أبي الزناد وكان قد ترك
عبادة الأوثان وترك أكل ما يذبح على النصب وفي رواية ابن إسحاق وكان يقول اللهم لو اعلم أحب
الوجوه إليك لعبدتك به ولكني لا أعلمه ثم يسجد على الأرض براحته (قوله وكان يحيي الموؤودة) هو
مجاز والمراد بإحيائها إبقاؤها وقد فسره في الحديث ووقع في رواية ابن أبي الزناد وكان يفتدي
الموؤدة ان تقتل والموؤدة مفعولة من وأد الشئ إذا أثقل وأطلق عليها اسم الوأد اعتبارا بما أريد
بها وان لم يقع وكان أهل الجاهلية يدفنون البنات وهن بالحياة ويقال كان أصلها من الغيرة
عليهن لما وقع لبعض العرب حيث سبي بنت اخر فاستفرشها فأراد أبوها ان يفتديها منه فخيرها
فاختارت الذي سباها فحلف أبوها ليقتلن كل بنت تولد له فتبع على ذلك وقد شرحت ذلك مطولا
في كتابي في الأوائل وأكثر من كان يفعل ذلك منهم من الاملاق كما قال الله تعالى ولا تقتلوا أولادكم
من املاق نحن نرزقكم واياهم وقصة زيد هذه تدل على هذا المعنى الثاني فيحتمل ان يكون كل
واحد من الامرين كان سببا (قوله أكفيك مؤنتها) كذا لأبي ذر ولغيره أكفيكها مؤنتها زاد
أبو أسامة في روايته وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن زيد فقال يبعث يوم القيامة أمة وحده بيني
وبين عيسى ابن مريم وروى البغوي في الصحابة من حديث جابر نحو هذه الزيادة وساق له ابن
إسحاق أشعارا قالها في مجانبة الأوثان لا نطيل بذكرها (قوله باب بنيان الكعبة)
110

أي على يد قريش في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته وقد تقدم ما يتعلق ببناء إبراهيم عليه
السلام قبل بناء قريش وما يتعلق ببناء عبد الله بن الزبير قبل الاسلام وروى الفاكهي من طريق
ابن جريج عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال كانت الكعبة فوق القامة فأرادت قريش رفعها
وتسقيفها وسيأتي بيان ذلك في الباب الذي يليه وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح عن الزهري
ان امرأة جمرت الكعبة فطارت شرارة في ثياب الكعبة فأحرقتها فذكر قصة بناء قريش لها
وسيأتي في الحديث الثالث من الباب الذي يليه تتمة هذه القصة وذكر ابن إسحاق وغيره ان قريشا
لما بنت الكعبة كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة وروى إسحاق بن راهويه
من طريق خالد بن عرعرة عن علي في قصة بناء إبراهيم البيت قال فمر عليه الدهر فانهدم فبنته
العمالقة فمر عليه الدهر فانهدم فبنته جرهم فمر عليه الدهر فانهدم فبنته قريش ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يومئذ شاب فلما أرادوا ان يضعوا الحجر الأسود اختصموا فيه فقالوا نحكم بيننا أول
من يخرج من هذه السكة فكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من خرج منها فحكم بينهم ان
يجعلوه في ثوب ثم يرفعه من كل قبيلة رجل وذكر أبو داود الطيالسي في هذا الحديث انهم قالوا
نحكم أول من يدخل من باب بني شيبة فكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من دخل منه فأخبروه
فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وامر كل فخذ ان يأخذوا بطائفة من الثوب فرفعوه ثم اخذه
فوضعه بيده وروى الفاكهي ان الذي أشار عليهم ان يحكموا أول داخل أبو أمية بن المغيرة
المخزومي أخو الوليد وقد تقدم في أوائل الحج من حديث أبي الطفيل قصة بناء قريش الكعبة
مطولا فاغنى عن اعادته هنا وعند موسى بن عقبة ان الذي أشار عليهم بذلك هو الوليد بن المغيرة
المخزومي وانه قال لهم لا تجعلوا فيها مالا اخذ غصبا ولا قطعت فيه رحم ولا انتهكت فيه ذمة وعند
ابن إسحاق ان الذي أشار عليهم ان لا يبنوها الا من مال طيب هو أبو وهب بن عمرو بن عامر بن عمران
ابن مخزوم (قوله في حديث جابر لما بنيت الكعبة) هو من مراسيل الصحابة ولعل جابرا سمعه من
العباس بن عبد المطلب وتقدم بيان ذلك واضحا في كتاب الحج وقوله يقك من الحجارة فخر إلى
الأرض فيه حذف تقديره ففعل ذلك فخر وفي حديث أبي الطفيل المذكور آنفا فبينما رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة معهم إذ انكشفت عورته فنودي يا محمد غط عورتك فذلك
في أول ما نودي فما رؤيت له عورة قبل ولابعد وقوله طمحت عيناه إلى السماء أي ارتفعت وذكر
ابن إسحاق في المبعث وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي يحدث عما كان الله يحفظه
في صغره أنه قال لقد رأيتني في غلمان من قريش ننقل حجارة لبعض مما تلعب به الغلمان كلنا قد تعرى
وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة إذ لكمني لاكم ما أراه ثم قال شد عليك ازارك قال
فشددته علي ثم جعلت احمل وازاري علي من بين أصحابي قال السهيلي انما وردت هذه القصة
في بنيان الكعبة فان صح ان ذلك كان في صغره فهي قصة أخرى مرة في الصغر ومرة في حال
الاكتهال (قلت) وقد يطلق على الكبير غلام إذا فعل فعل الغلمان فلا يستحيل اتحاد القصة
اعتمادا على التصريح بالأولية في حديث أبي الطفيل (قوله قالا لم يكن على عهد النبي صلى الله
عليه وسلم حول البيت حائط) هذا مرسل وقيل منقطع لان عمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي
يزيد من أصاغر التابعين واما قوله حتى كان عمر فمنقطع فإنهما لم يدركا عمر أيضا واما قوله قال
111

عبيد الله جدره قصير هو بفتح الجيم والجدر والجدار بمعنى وقوله فبناه ابن الزبير هذا القدر هو
الموصول من هذا الحديث وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي
يزيد بتمامه وقال فيه وكان أول من جعل الحائط على البيت عمر قال عبيد الله وكان جدره قصيرا
حتى كان زمن ابن الزبير فزاد فيه وذكر الفاكهي ان المسجد كان محاطا بالدور على عهد النبي صلى
الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فضاق على الناس فوسعه عمر واشترى دورا فهدمها وأعطى من أبي
ان يبيع ثمن داره ثم أحاط عليه بجدار قصير دون القامة ورفع المصابيح على الجدر قال ثم كان
عثمان فزاد في سعته من جهات أخر ثم وسعه عبد الله بن الزبير ثم أبو جعفر المنصور ثم ولده المهدي
قال ويقال ان ابن الزبير سقفه أو سقف بعضه ثم رفع عبد الملك بن مروان جدرانه وسقفه بالساج
وقيل بل الذي صنع ذلك ولده الوليد وهو أثبت وكان ذلك سنة ثمان وثمانين (قوله باب
أيام الجاهلية) أي مما كان بين المولد النبوي والمبعث هذا هو المراد به هنا ويطلق غالبا على
ما قبل البعثة ومنه يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية وقوله ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى
ومنه أكثر أحاديث الباب واما جزم النووي في عدة مواضع من شرح مسلم ان هذا هو المراد حيث
اتى ففيه نظر فإن هذا اللفظ وهو الجاهلية يطلق على ما مضى والمراد ما قبل إسلامه وضابط اخره
غالبا فتح مكة ومنه قول مسلم في مقدمة صحيحه ان أبا عثمان وأبا رافع أدركا الجاهلية وقول أبي رجاء
العطاردي رأيت في الجاهلية قردة زنت وقول ابن عباس سمعت أبي يقول في الجاهلية اسقنا كأسا
دهاقا وابن عباس انما ولد بعد البعثة واما قول عمر نذرت في الجاهلية فمحتمل وقد نبه على ذلك شيخنا
العراقي في الكلام على المخضرمين من علوم الحديث وذكر فيه أحاديث * الأول حديث عائشة
(قوله كان عاشوراء) تقدم شرحه في كتاب الصيام وذكرت هناك احتمالا انهم أخذوا ذلك عن
أهل الكتاب ثم وجدت في بعض الأخبار انهم كانوا أصابهم قحط ثم رفع عنهم فصاموه شكرا * الثاني
حديث ابن عباس (قوله كانوا يرون) أي يعتقدون ان أشهر الحج لا ينسك فيها الا بالحج وان
غيرها من الأشهر للعمرة وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الحج * الثالث (قوله كان عمرو) هو ابن دينار
وفي رواية الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار (قوله عن
جده) هو حزن بفتح المهملة وسكون الزاي وهو ابن أبي وهب الذي قدمنا انه أشار على قريش بان
تكون النفقة في بناء الكعبة من مال طيب (قوله جاء سيل في الجاهلية فطبق ما بين الجبلين) أي
ملا ما بين الجبلين اللذين في جانبي الكعبة (قوله قال سفيان ويقول إن هذا الحديث له شأن) أي
قصة وذكر موسى ابن عقبة ان السيل كان يأتي من فوق الردم الذي بأعلى مكة فيجريه فتخوفوا ان
يدخل الماء الكعبة فأرادوا تشييد بنيانها وكان أول من طلعها وهدم منها شيئا الوليد بن المغيرة
وذكر القصة في بنيان الكعبة قبل المبعث النبوي واخرج الشافعي في الام بسند له عن عبد الله بن
الزبير ان كعبا قال له وهو يعمل بناء مكة أشدده وأوثقه فانا نجد في الكتب ان السيول ستعظم
في اخر الزمان انتهى فكان الشأن المشار إليه انهم استشعروا من ذلك السيل الذي لم يعهدوا مثله
انه مبدأ السيول المشار إليها * الحديث الرابع (قوله دخل) أي أبو بكر الصديق (قوله على امرأة
من أحمس) بمهملتين وزن أحمد وهي قبيلة من بجيلة وأغرب ابن التين فقال المراد امرأة من
الحمس وهي من قريش (قوله يقال لها زينب بنت المهاجر) روى حديثها محمد بن سعد
112

في الطبقات من طريق عبد الله بن جابر الأحمسي عن عمته زينب بنت المهاجر قالت خرجت حاجة
فذكر الحديث وذكر أبو موسى المديني في ذيل الصحابة ان ابن مندة ذكر في تاريخ النساء له ان
زينب بنت جابر أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وروت عن أبي بكر وروى عنها عبد الله بن جابر
وهي عمته قال وقيل هي بنت المهاجر بن جابر وذكر الدارقطني في العلل ان في رواية شريك وغيره
عن إسماعيل بن أبي خالد في حديث الباب انها زينب بنت عوف قال وذكر ابن عيينة عن إسماعيل
انها جدة إبراهيم بن المهاجر والجمع بين هذه الأقوال ممكن بان من قال بنت المهاجر نسبها إلى أبيها
أو بنت جابر نسبها إلى جدها الأدنى أو بنت عوف نسبها إلى جد لها أعلى والله أعلم (قوله مصمتة)
بضم الميم وسكون المهملة أي ساكتة يقال اصمت وصمت بمعنى (قوله فان هذا لا يحل) يعني ترك
الكلام ووقع عند الإسماعيلي من وجه اخر عن أبي بكر الصديق ان المرأة قالت له كان بيننا وبين
قومك في الجاهلية شر فحلفت ان الله عافانا من ذلك أن لا أكلم أحدا حتى أحج فقال إن الاسلام
يهدم ذلك فتكلمي وللفاكهي من طريق زيد بن وهب عن أبي بكر نحوه وقد استدل بقول أبي
بكر هذا من قال بان من حلف ان لا يتكلم استحب له ان يتكلم ولا كفارة عليه لان أبا بكر لم يأمرها
بالكفارة وقياسه ان من نذر ان لا يتكلم لم ينعقد نذره لان أبا بكر اطلق ان ذلك لا يحل وانه من فعل
الجاهلية وان الاسلام هدم ذلك ولا يقول أبو بكر مثل هذا الا عن توقيف فيكون في حكم المرفوع
ويؤيد ذلك حديث ابن عباس في قصة أبي إسرائيل الذي نذر ان يمشي ولا يركب ولا يستظل
ولا يتكلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يركب ويستظل ويتكلم وحديث علي رفعه لا يتم
بعد احتلام ولا صمت يوم إلى الليل أخرجه أبو داود قال الخطابي في شرحه كان من نسك أهل
الجاهلية الصمت فكان أحدهم يعتكف اليوم والليلة ويصمت فنهوا عن ذلك وأمروا بالنطق
بالخير وقد تقدمت الإشارة إلى حديث ابن عباس في كتاب الحج ويأتي الكلام عليه في كتاب
الايمان والنذور إن شاء الله تعالى وقال ابن قدامة في المغني ليس من شريعة الاسلام الصمت عن
الكلام وظاهر الاخبار تحريمه واحتج بحديث أبي بكر وبحديث علي المذكور قال فان نذر ذلك
لم يلزمه الوفاء به وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا انتهى وكلام الشافعية
يقتضي ان مسئلة النذر ليست منقولة فإن الرافعي ذكر في كتاب النذر ان في تفسير أبي نصر
القشيري عن القفال قال من نذر ان لا يكلم الآدميين يحتمل ان يقال يلزمه لأنه مما يتقرب به
ويحتمل ان يقال لا لما فيه من التضييق والتشديد وليس ذلك من شرعنا كما لو نذر الوقوف في الشمس
قال أبو نصر فعلى هذا يكون نذر الصمت في تلك الشريعة لا في شريعتنا ذكره في تفسير سورة مريم
عند قولها اني نذرت للرحمن صوما وفي التتمة لأبي سعيد المتولي من قال شرع من قبلنا شرع لنا
جعل ذلك قربة وقال ابن الرفعة في قول الشيخ أبي إسحاق في التنبيه ويكره له صمت يوم إلى الليل
قال في شرحه إذا لم يؤثر ذلك بل جاء في حديث ابن عباس النهي عنه ثم قال نعم قد ورد في شرع من
قبلنا فان قلنا إنه شرع لنا لم يكره الا انه لا يستحب قاله ابن يونس قال وفيه نظر لان الماوردي قال
روي عن ابن عمر مرفوعا صمت الصائم تسبيح قال فان صح دل على مشروعية الصمت والا فحديث
ابن عباس أقل درجاته الكراهة قال وحيث قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا فذاك إذا لم يرد
شرعنا ما يخالفه انتهى وهو كما قال وقد ورد النهي والحديث المذكور لا يثبت وقد أورده صاحب
113

مسند الفردوس من حديث ابن عمر وفي إسناده الربيع بن بدر وهو ساقط ولو ثبت لما أفاد المقصود
لان لفظه صمت الصائم تسبيح ونومه عبادة ودعاؤه مستجاب فالحديث مساق في أن أفعال الصائم
كلها محبوبة لا ان الصمت بخصوصه مطلوب وقد قال الروياني في البحر في آخر الصيام فرع جرت
عادة الناس بترك الكلام في رمضان وليس له أصل في شرعنا بل في شرع من قبلنا فيخرج جواز ذلك
على الخلاف في المسألة انتهى وليتعجب ممن نسب تخريج مسئلة النذر إلى نفسه من المتأخرين
واما الأحاديث الواردة في الصمت وفضله كحديث من صمت نجا أخرجه الترمذي من حديث
عبد الله بن عمرو بن العاص وحديث أيسر العبادة الصمت أخرجه ابن أبي الدنيا بسند مرسل رجاله
ثقات إلى غير ذلك فلا يعارض ما جزم به الشيخ أبو إسحاق من الكراهة لاختلاف المقاصد في ذلك
فالصمت المرغب فيه ترك الكلام الباطل وكذا المباح ان جر إلى شئ من ذلك والصمت المنهي عنه
ترك الكلام في الحق لمن يستطيعه وكذا المباح المستوي الطرفين والله أعلم (قوله انك) بكسر
الكاف (قوله لسؤول) أي كثيرة السؤال وهذه الصيغة يستوي فيها المذكر والمؤنث (قوله
ما بقاؤنا على هذا الامر الصالح) أي دين الاسلام وما اشتمل عليه من العدل واجتماع الكلمة ونصر
المظلوم ووضع كل شئ في محله (قوله ما استقامت بكم) في رواية الكشميهني لكم (قوله أئمتكم)
أي لان الناس على دين ملوكهم فمن حاد من الأئمة عن الحال مال وأمال * الحديث الخامس
حديث عائشة في قصة المرأة السوداء لم اقف على اسمها وذكر عمر بن شبة في طريق له انها كانت
بمكة وانه لما وقع لها ذلك هاجرت إلى المدينة (قوله وكان لها حفش) بكسر المهملة وسكون الفاء
بعدها معجمة هو البيت الضيق الصغير وقال أبو عبيدة الحفش هو الدرج في الأصل ثم سمى به البيت
الصغير لشبهه به في الضيق (قوله وازت) أي قابلت وقد تقدم شرح هذه القصة في أبواب المساجد
من كتاب الصلاة ووجه دخولها هنا من جهة ما كان عليه أهل الجاهلية من الجفاء في الفعل
والقول * السادس حديث ابن عمر في النهي عن الحلف بالآباء وسيأتي شرحه في كتاب الايمان
والنذور * السابع (قوله أن القاسم) هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق (قوله ولا يقوم لها) أي
الجنازة (قوله كان أهل الجاهلية يقومون لها) ظاهره أن عائشة لم يبلغها أمر الشارع بالقيام لها
فرأت أن ذلك من الأمور التي كانت في الجاهلية وقد جاء الاسلام بمخالفتهم وقد
قدمت في الجنائز
بيان الاختلاف في المسئلة وهل نسخ هذا الحكم أم لا وعلى القول بأنه نسخ هل نسخ الوجوب
وبقي الاستحباب أم لا أو مطلق الجواز واختار بعض الشافعية الأخير وأكثر الشافعية على
الكراهة وادعى المحاملي فيه الاتفاق وخالف المتولي فقال يستحب واختاره النووي وقال هذا
من جملة الاحكام التي استدركتها عائشة على الصحابة لكن كان جانبهم فيها أرجح (قوله كنت في
أهلك ما أنت مرتين) أي يقولون ذلك مرتين وما موصولة وبعض الصلة محذوف والتقدير كنت
في أهلك الذي كنت فيه أي الذي أنت فيه الان كنت في الحياة مثله لانهم كانوا لا يؤمنون بالبعث
بل كانوا يعتقدون ان الروح إذا خرجت تطير طيرا فإن كان ذلك من أهل الخير كان روحه من
114

صالحي الطير والا فبالعكس ويحتمل ان يكون قولهم هذا دعاء للميت ويحتمل أن تكون ما نافية
ولفظ مرتين من تمام الكلام أي لا تكوني في أهلك مرتين المرة الواحدة التي كنت فيهم انقضت
ولست بعائدة إليهم مرة أخرى ويحتمل أن تكون ما استفهامية أي كنت في أهلك شريفة فأي
شئ أنت الان يقولون ذلك حزنا وتأسفا عليه * الثامن حديث عمر في قولهم أشرق ثبير وقد تقدم
شرحه في كتاب الحج مستوفى وقوله حتى تشرق الشمس قال ابن التين ضبط بفتح أوله وضم الراء
والمعروف بضم أوله وكسرها * التاسع (قوله حدثكم يحيى بن المهلب) هو البجلي يكنى أبا كدينة
بالتصغير والنون وهو كوفي موثق ماله في البخاري سوى هذا الموضع (قوله ملأى متتابعة) كذا
جمع بينهما وهما قولان لأهل اللغة تقول أدهقت الكأس إذا ملأتها وادهقت له إذا تابعت له
السقي وقيل أصل الدهق الضغط والمعنى انه ملا اليد بالكأس حتى لم يبق فيها متسع لغيرها (قوله
قال وقال ابن عباس) القائل هو عكرمة وهو موصول بالاسناد المذكور (قوله سمعت أبي) هو
العباس بن عبد المطلب (قوله في الجاهلية) أي وقع سماعي لذلك منه في الجاهلية
والمراد بها جاهلية نسبية لا المطلقة لان ابن عباس لم يدرك ما قبل البعثة بل لم يولد الا بعد البعث بنحو عشر سنين فكأنه
أراد أنه سمع العباس يقول ذلك قبل ان يسلم (قوله اسقنا كأسا دهاقا) في رواية الإسماعيلي من
وجه اخر عن حصين عن عكرمة عن ابن عباس سمعت أبي يقول لغلامه أدهق لنا أي املا لنا أو
تابع لنا انتهى وهو بمعنى ما ساقه البخاري * الحديث العاشر (قوله سفيان) هو الثوري (قوله عن
عبد الملك) هو ابن عمير ولأحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري حدثنا عبد الملك بن عمير ولمسلم
من هذا الوجه عن عبد الملك حدثنا أبو سلمة وله من طريق إسرائيل عن عبد الملك عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن سمعت أبا هريرة (قوله أصدق كلمة قالها الشاعر) يحتمل ان يريد بالكلمة البيت الذي
ذكر شطره ويحتمل ان يريد القصيدة كلها ويؤيد الأول رواية مسلم من طريق شعبة وزائدة فرقهما
عن عبد الملك بلفظ ان أصدق بيت قاله الشاعر وليس في رواية شعبة ان ووقع عنده في رواية شريك
عن عبد الملك بلفظ اشعر كلمة تكلمت بها العرب فلولا ان في حفظ شريك مقالا لرفع هذا اللفظ
الاشكال الذي أبداه السهيلي على لفظ رواية الصحيح بلفظ أصدق إذ لا يلزم من لفظ أشعر ان يكون
أصدق نعم السؤال باق في التعبير بوصف كل شئ بالبطلان مع اندراج الطاعات والعبادات في ذلك
وهي حق لا محالة وكذا قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه بالليل أنت الحق وقولك الحق والجنة حق
والنار حق الخ وأجيب عن ذلك بان المراد بقول الشاعر ما عدا الله أي ما عداه وعدا صفاته الذاتية
والفعلية من رحمته وعذابه وغير ذلك فلذلك ذكر الجنة والنار أو المراد في البيت بالبطلان الفناء
لا الفساد فكل شئ سوى الله جائز عليه الفناء لذاته حتى الجنة والنار وانما يبقيان بابقاء الله لهما
وخلق الدوام لأهلهما والحق على الحقيقة من لا يجوز عليه الزوال ولعل هذا هو السر في اثبات
الألف واللام في قوله أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق وحذفهما عند ذكر غيرهما والله أعلم
وفي إيراد البخاري هذا الحديث في هذا الباب تلميح بما وقع لعثمان بن مظعون بسبب هذا البيت مع
ناظمه لبيد بن ربيعة قبل إسلامه والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة وقريش في غاية الأذية
للمسلمين فذكر ابن إسحاق عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عمن حدثه عن عثمان
ابن مظعون انه لما رجع من الهجرة الأولى إلى الحبشة دخل مكة في جوار الوليد بن المغيرة فلما رأى
115

المشركين يؤذون المسلمين وهو آمن رد على الوليد جواره فبينما هو في مجلس لقريش وقد وفد عليهم
لبيد بن ربيعة فقعد ينشدهم من شعره فقال لبيد * الا كل شئ ما خلا الله باطل * فقال عثمان بن
مظعون صدقت فقال لبيد * وكل نعيم لا محالة زائل * فقال عثمان كذبت نعيم الجنة لا يزول فقال
لبيد متى كان يؤذى جليسكم يا معشر قريش فقام رجل منهم فلطم عثمان فاخضرت عينه فلامه
الوليد على رد جواره فقال قد كنت في ذمة منيعة فقال عثمان ان عيني الأخرى لما أصاب أختها
لفقيرة فقال له الوليد فعد إلى جوارك فقال بل ارضى بجوار الله تعالى (قلت) وقد أسلم لبيد بعد
ذلك وهو ابن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر العامري ثم الكلابي
ثم الجعفري يكنى أبا عقيل وذكره في الصحابة البخاري وابن أبي خيثمة وغيرهما وقال لعمر لما سأله
عما قاله من الشعر في الاسلام قد أبدلني الله بالشعر سورة البقرة ثم سكن الكوفة ومات بها في
خلافة عثمان وعاش مائة وخمسين سنة وقيل أكثر وهو القائل
ولقد سئمت من الحياة وطولها * وسؤال هذا الناس كيف لبيد
وهذا يعكر على من قال إنه لم يقل شعرا منذ أسلم الا ان يريد القطع المطولة لا البيت والبيتين والله
أعلم (قوله وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم) اسم أبي الصلت ربيعة بن عوف بن عقدة بن غيرة
بكسر المعجمة وفتح التحتانية بن عوف بن ثقيف الثقفي وقيل في نسبه غير ذلك أبو عثمان كان ممن
طلب الدين ونظر في الكتب ويقال انه ممن دخل في النصرانية وأكثر في شعره من ذكر التوحيد
والبعث يوم القيامة وزعم الكلاباذي انه كان يهوديا وروى الطبراني من حديث معاوية بن أبي
سفيان عن أبيه انه سافر مع أمية فذكر قصته وانه سأله عن عتبة بن ربيعة وعن سنه ورياسته
فأعلمه انه متصف بذلك فقال أزري به ذلك فغضب أبو سفيان فأخبره أمية انه نظر في الكتب ان نبيا
يبعث من العرب أظل زمانه قال فرجوت ان أكونه قال ثم نظرت فإذا هو من بني عبد مناف فنظرت
فيهم فلم أر مثل عتبة فلما قلت لي انه رئيس وانه جاوز الأربعين عرفت انه ليس هو قال أبو سفيان فما
مضت الأيام حتى ظهر محمد صلى الله عليه وسلم فقلت لامية قال نعم انه لهو قلت أفلا نتبعه قال
استحي من نسيات ثقيف اني كنت أقول لهن انني انا هو ثم أصير تابعا لغلام من بني عبد مناف
وذكر أبو الفرج الأصبهاني أنه قال عند موته انا اعلم أن الحنيفية حق ولكن الشك يداخلني في
محمد وروى الفاكهي وابن منده من حديث ابن عباس ان الفارعة بنت أبي الصلت أخت أمية
أتت النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته من شعره فقال آمن شعره وكفر قلبه وروى مسلم من حديث
عمرو بن الشريد عن أبيه قال ردفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل معك من شعر أمية قلت
نعم فأنشدته مائة بيت فقال لقد كاد أن يسلم في شعره وروى ابن مردويه بإسناد قوي عن عبد الله
ابن عمرو بن العاص قال في قوله تعالى واتل عليهم نبا الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها قال نزلت
في أمية بن أبي الصلت وروى من أوجه انها نزلت في بلعام الإسرائيلي وهو المشهور وعاش
أمية حتى أدرك وقعة بدر ورثى من قتل بها من الكفار كما سيأتي شئ من ذلك في أبواب الهجرة
ومات أمية بعد بذلك سنة تسع وقيل مات سنة اثنتين ذكره سبط بن الجوزي واعتمد في ذلك ما نقله عن
ابن هشام ان أمية قدم من الشام على أن يأخذ ماله من الطائف ويهاجر إلى المدينة فنزل في طريقه
ببدر قيل له أتدري من في القليب قال لا قيل فيه عتبة وشيبة وهما ابنا خالك وفلان وفلان فشق
116

ثيابه وجذع ناقته وبكى ورجع إلى الطائف فمات بها (قلت) ولا يلزم من قوله فمات بها ان يكون
مات في تلك السنة وأغرب الكلاباذي فقال إنه مات في حصار الطائف فإن كان محفوظا فذلك سنة
ثمان ولموته قصة طويلة أخرجها البخاري في تاريخه والطبراني وغيرهما * الحديث الحادي عشر
(قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس وأخوه أبو بكر عبد الحميد ويحيى بن سعيد هو الأنصاري
والاسناد كله مدنيون وفيه رواية القرين عن القرين ورواية الأكبر سنا عن الأصغر منه يحيى
ابن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم وقد أخرجه البيهقي في الشعب من طريق جعفر الفريابي
عن أحمد بن محمد المقدمي عن إسماعيل بن أبي أويس بهذا السند لكن قال فيه عن عبيد بن عمر
بدل عبد الرحمن بن القاسم فلعل ليحيى بن سعيد فيه شيخين (قوله كان لأبي بكر غلام) لم اقف على
اسمه ووقع لأبي بكر مع النعيمان بن عمرو أحد الأحرار من الصحابة قصة ذكرها عبد الرزاق بإسناد
صحيح انهم نزلوا بماء فجعل النعيمان يقول لهم يكون كذا فيأتونه بالطعام فيرسله إلى أصحابه فبلغ أبا
بكر فقال أراني آكل كهانة النعيمان منذ اليوم ثم أدخل يده في حلقه فاستقاءه وفي الورع لأحمد
عن إسماعيل عن أيوب عن ابن سيرين لم اعلم أحدا استقاء من طعام غير أبي بكر فإنه اتي بطعام فأكل
ثم قيل له جاء به ابن النعيمان قال فأطعمتموني كهانة بن النعيمان ثم استقاء ورجاله ثقات لكنه مرسل
ولأبي بكر قصة أخرى في نحو هذا أخرجها يعقوب بن أبي شيبة في مسنده من طريق نبيح العنزي
عن أبي سعيد قال كنا ننزل رفاقا فنزلت في رفقة فيها أبو بكر على أهل أبيات فيهن امرأة حبلى ومعنا
رجل فقال لها أبشرك ان تلدي ذكرا قالت نعم فسجع لها اسجاعا فأعطته شاة فذبحها وجلسنا
نأكل فلما علم أبو بكر بالقصة قام فتقايأ كل شئ اكله (قوله يخرج له الخراج) أي يأتيه بما يكسبه
والخراج ما يقرره السيد على عبده من مال يحضره له من كسبه (قوله يأكل من خراجه)
في رواية الإسماعيلي من وجه اخر من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم كان لأبي
بكر غلام فكان يجئ بكسبه فلا يأكل منه حتى يسأله فأتاه ليلة بكسبه فأكل منه ولم يسأله ثم
سأله (قوله كنت تكهنت لانسان في الجاهلية) لم اعرف اسمه ويحتمل ان يكون المرأة المذكورة
في حديث أبي سعيد (قوله فأعطاني بذلك) أي عوض تكهني له قال ابن التين انما استقاء أبو بكر
تنزها لان أمر الجاهلية وضع ولو كان في الاسلام لغرم مثل ما أكل أو قيمته ولم يكفه القئ كذا قال
والذي يظهر ان أبا بكر انما قاء لما ثبت عنده من النهي عن حلوان الكاهن وحلوان الكاهن
ما يأخذه على كهانته والكاهن من يخبر بما سيكون عن غير دليل شرعي وكان ذلك قد كثر في
الجاهلية خصوصا قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم * الحديث الثاني عشر حديث ابن عمر في
حبل الحبلة وقد تقدم شرحه مستوفى في البيوع والغرض منه قوله إنهم كانوا يتبايعونه في
الجاهلية * الحديث الثالث عشر حديث أنس الذي تقدم في أول مناقب الأنصار وادخله هنا
لقوله فعل قومك كذا يوم كذا لأنه يحتمل ان يشير به إلى وقائعهم في الجاهلية كما يحتمل
ان يشير به إلى وقائعهم في الاسلام أو لما هو أعم من ذلك وخاطب أنس غيلان بأن الأنصار قومه
وليس هو من الأنصار لكن ذلك باعتبار النسبية الأعمية إلى الأزد فإنها تجمعهم والله أعلم
* الحديث الرابع عشر حديث القسامة في الجاهلية بطوله وثبت عند أكثر الرواة عن الفربري
هنا ترجمة القسامة في الجاهلية ولم يقع عند النسفي وهو أوجه لان الجميع من ترجمة أيام الجاهلية
117

ويظهر ذلك من الأحاديث التي أوردها تلو هذا الحديث (قوله حدثنا قطن) بفتح القاف والمهملة
ثم نون هو ابن كعب القطعي بضم القاف البصري ثقة عندهم وشيخه أبو يزيد المدني بصري أيضا
ويقال له المديني بزيادة تحتانية ولعل أصله كان من المدينة ولكن لم يرو عنه أحد من أهل المدينة
وسئل عنه مالك فلم يعرفه ولا يعرف اسمه وقد وثقه ابن معين وغيره ولا له ولا للراوي عنه في البخاري
الا هذا الموضع (قوله إن أول قسامة) بفتح القاف وتخفيف المهملة اليمين وهي في عرف الشرع
حلف معين عند التهمة بالقتل على الاثبات أو النفي وقيل هي مأخوذة من قسمة الايمان على
الحالفين وسيأتي بيان الاختلاف في حكمها في كتاب الديات إن شاء الله تعالى وقوله لفينا بني هاشم
اللام للتأكيد وبني هاشم مجرور على البدل من الضمير المجرور ويحتمل ان يكون نصبا على التمييز
أو على النداء بحذف الأداة (قوله كان رجل من بني هاشم) هو عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد
مناف جزم بذلك الزبير بن بكار قي هذه القصة فكأنه نسب هذه الرواية إلى بني هاشم مجازا لما كان
بين بني هاشم وبني المطلب من المودة والمؤاخاة والمناصرة وسماه ابن الكلبي عامرا (قوله استأجره
رجل من قريش من فخذ أخرى) كذا في رواية الأصيلي وأبي ذر وكذا أخرجه الفاكهي من وجه
اخر عن أبي معمر شيخ البخاري فيه وفي رواية كريمة وغيرها استأجر رجلا من قريش وهو مقلوب
والأول هو الصواب والفخذ بكسر المعجمة وقد تسكن وجزم الزبير بن بكار بأن المستأجر المذكور
هو خداش بمعجمتين ودال مهملة ابن عبد الله بن أبي قيس العامري (قوله فمر به) أي بالأجير (رجل
من بني هاشم) لم اقف على اسمه وقوله عروة جوالقه بضم الجيم وفتح اللام الوعاء من جلود وثياب
وغيرها فارسي معرب واصله كواله وجمعه جواليق وحكي جوالق بحذف التحتانية والعقال
الحبل (قوله فأين عقاله قال فحذفه) كذا في النسخ وفيه حذف يدل على سياق الكلام وقد بينته
رواية الفاكهي فقال مر بي رجل من بني هاشم قد انقطع عروة جوالقه واستغاث بي فأعطيته
فحذفه أي رماه (قوله كان فيها أجله) أي أصاب مقتله وقوله فمات (1) أي أشرف على الموت بدليل
قوله فمر به رجل من أهل اليمن قبل ان يقضي ولم اقف على اسم هذا المار أيضا (قوله أتشهد
الموسم) أي موسم الحج (قوله فكتب) بالمثناة ثم الموحدة ولغير أبي ذر والأصيلي بضم الكاف
وسكون النون ثم المثناة والأول أوجه وفي رواية الزبير بن بكار فكتب إلى أبي طالب يخبره بذلك
ومات منها وفي ذلك يقول أبو طالب أفي فضل حبل لا أبالك ضربه * بمنسأة قد جاء حبل وأحبل
(قوله يا آل قريش) بإثبات الهمزة وبحذفها على الاستغاثة (قوله قتلني في عقال) أي بسبب
عقال (قوله ومات المستأجر) بفتح الجيم أي بعد أن أوصى اليماني بما أوصاه به (قوله فوليت)
بكسر اللام وفي رواية ابن الكلبي فقال اصابه قدره فصدقوه ولم يظنوا به غير ذلك وقوله وافى الموسم
أي أتاه (قوله يا بني هاشم) في رواية الكشميهني يا آل بني هاشم (قوله من أبو طالب) في رواية
الكشميهني أين أبو طالب زاد ابن الكلبي فأخبره بالقصة وخداش يطوف بالبيت لا يعلم بما كان
118

فقام رجال من بني هاشم إلى خداش فضربوه وقالوا قتلت صاحبنا فجحد (قوله اختر منا إحدى
ثلاث) يحتمل أن تكون هذه الثلاث كانت معروفة بينهم ويحتمل أن تكون شيئا اخترعه أبو
طالب وقال ابن التين لم ينقل انهم تشاوروا في ذلك ولا تدافعوا فدل على أنهم كانوا يعرفون
القسامة قبل ذلك كذا قال وفيه نظر لقول ابن عباس راوي الحديث انها أول قسامة ويمكن
ان يكون مراد ابن عباس الوقوع وان كانوا يعرفون الحكم قبل ذلك وحكى الزبير بن بكار انهم
تحاكموا في ذلك إلى الوليد بن المغيرة فقضى ان يحلف خمسون رجلا من بني عامر عند البيت ما قتله
خداش وهذا يشعر بالأولية مطلقا (قوله فأتته امرأة من بني هاشم) هي زينب بنت علقمة أخت
المقتول (كانت تحت رجل منهم) هو عبد العزى بن أبي قيس العامري واسم ولدها منه حويطب
بمهملتين مصغر ذكر ذلك الزبير وقد عاش حويطب بعد هذا دهرا طويلا وله صحبة وسيأتي حديثه
في كتاب الأحكام ونسبتها إلى بني هاشم مجازية والتقدير كانت زوجا لرجل من بني هاشم ويحتمل
قولها فولدت له ولدا أي غير حويطب (قوله إن تجيز ابني) بالجيم والزاي أي تهبه ما يلزمه من اليمين
وقولها ولا تصبر يمينه بالمهملة ثم الموحدة أصل الصبر الحبس والمنع ومعناه في الايمان الالزام
تقول صبرته أي ألزمته ان يحلف بأعظم الايمان حتى لا يسعه ان لا يحلف (قوله حيث تصبر
الايمان) أي بين الركن والمقام قاله ابن التين قال ومن هنا استدل الشافعي على أنه لا يحلف بين
الركن والمقام على أقل من عشرين دينارا نصاب الزكاة كذا قال ولا أدري كيف يستقيم هذا
الاستدلال ولم يذكر أحد من أصحاب الشافعي ان الشافعي استدل لذلك بهذه القصة (قوله فأتاه
رجل منهم) لم اقف على اسمه ولا على اسم أحد من سائر الخمسين الا من تقدم وزاد ابن الكلبي ثم
حلفوا عند الركن ان خداشا برئ من دم المقتول (قوله فوالذي نفسي بيده) قال ابن التين كأن
الذي أخبر ابن عباس بذلك جماعة اطمأنت نفسه إلى صدقهم حتى وسعه ان يحلف على ذلك
(قلت) يعني انه كان حين القسامة لم يولد ويحتمل ان يكون الذي أخبره بذلك هو النبي صلى الله
عليه وسلم وهو أمكن في دخول هذا الحديث في الصحيح (قوله فما حال الحول) أي من يوم حلفوا
(قوله ومن الثمانية وأربعين) في رواية أبي ذر وفي الثمانية وعند الأصيلي والأربعين وقوله عين
تطرف بكسر الراء أي تتحرك زاد ابن الكلبي وصارت رباع الجميع لحويطب فبذلك كان أكثر
من بمكة رباعا وروى الفاكهي من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه قال حلف ناس عند البيت قسامة
على باطل ثم خرجوا فنزلوا تحت صخرة فانهدمت عليهم ومن طريق طاوس قال كان أهل
الجاهلية لا يصيبون في الحرم شيئا الا عجلت لهم عقوبته ومن طريق حويطب ان أمة في الجاهلية
عاذت بالبيت فجاءتها سيدتها فجبذتها فشلت يدها وروينا في كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا
في قصة طويلة في معنى سرعة الإجابة بالحرم للمظلوم فيمن ظلمه قال فقال عمر كان يفعل بهم ذلك في
الجاهلية ليتناهوا عن الظلم لانهم كانوا لا يعرفون البعث فلما جاء الاسلام اخر القصاص إلى يوم
القيامة وروى الفاكهي من وجه اخر عن طاوس قال يوشك ان لا يصيب أحد في الحرم شيئا الا
عجلت له العقوبة فكأنه أشار إلى أن ذلك يكون في اخر الزمان عند قبض العلم وتناسي أهل ذلك
الزمان أمور الشريعة فيعود الامر غريبا كما بدأ والله أعلم * الحديث الخامس عشر (قوله عن
هشام) هو ابن عروة (قوله يوم بعاث) تقدم شرحه في أول مناقب الأنصار وانه كان قبل البعث
119

على الراجح وقوله فيه وجرحوا بالجيم المضمومة ثم الحاء المهملة ولبعضهم وخرجوا بفتح المعجمة
وتخفيف الراء بعدها جيم والأول أرجح وقد تقدم من تسمية من جرح منهم في تلك الوقعة حضير
الكتائب والد أسيد فمات منها * الحديث السادس عشر (قوله وقال ابن وهب الخ) وصله أبو نعيم
في المستخرج من طريق حرملة بن يحيى عن عبد الله بن وهب (قوله ليس السعي) أي شدة المشي
(قوله سنة) في رواية الكشميهني بسنة قال ابن التين خولف ابن عباس في ذلك بل قالوا إنه فريضة
(قلت) لم يرد ابن عباس أصل السعي وانما أراد شدة العدو وليس ذلك فريضة وقد تقدم في أحاديث
الأنبياء في ترجمة إبراهيم عليه السلام في قصة هاجر ان مبدأ السعي بين الصفا والمروة كان من هاجر
وهو من رواية ابن عباس أيضا فظهر ان الذي أراد ان مبدأه من أهل الجاهلية هي شدة العدو
نعم قوله ليس بسنة ان أراد به انه لا يستحب فهو يخالف ما عليه الجمهور وهو نظير إنكاره استحباب
الرمل في الطواف ويحتمل ان يريد بالسنة الطريقة الشرعية وهي تطلق كثيرا على المفروض
ولم يرد السنة باصطلاح أهل الأصول وهو ما ثبت دليل مطلوبيته من غير تأثيم تاركه (قوله لا نجيز)
بضم أوله أي لانقطع والبطحاء مسيل الوادي تقول جزت الموضع إذا سرت فيه وأجزته إذا
خلفته وراءك وقيل هما بمعنى وقوله الا شدا أي لا نقطعها الا بالعدو الشديد * الحديث السابع
عشر (قوله أخبرنا مطرف) بالمهملة وتشديد الراء هو ابن طريف بالمهملة أيضا الكوفي وأبو
السفر بفتح المهملة والفاء هو سعيد بن يحمد بالتحتانية المضمومة والمهملة الساكنة كوفي أيضا
(قوله يا أيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم وأسمعوني) بهمزة قطع أي أعيدوا على قولي لأعرف
انكم حفظتموه كأنه خشي ان لا يفهموا ما أراد فيخبروا عنه بخلاف ما قال فكأنه قال اسمعوا
مني سماع ضبط واتقان ولا تقولوا قال من قبل ان تضبطوا (قوله من طاف بالبيت فليطف من وراء
الحجر) في رواية ابن أبي عمر عن سفيان وراء الجدر والمراد به الحجر والسبب فيه ان الذي يلي البيت
إلى جهة الحجر من البيت وقد تقدم بيانه وما قيل في مقداره في أوائل كتاب الحج (قوله ولا تقولوا
الحطيم) في رواية سعيد بن منصور عن خديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن أبي السفر في هذه القصة
فقال رجل ما الحطيم فقال ابن عباس انه لا حطيم كان الرجل الخ زاد أبو نعيم في المستخرج من
طريق خالد الطحان عن مطرف فان أهل الجاهلية كانوا يسمونه أي الحجر الحطيم كانت فيه أصنام
قريش وللفاكهي من طريق يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر نحوه وقال كان أحدهم إذا أراد
ان يحلف وضع محجنه ثم حلف فمن طاف فليطف من ورائه (قوله كان يحلف) بالحاء المهملة
الساكنة وتخفيف اللام المكسورة وفي رواية خالد الطحان المذكورة كان إذا حلف بضم
المهملة وتشديد اللام والأول أوجه والمعنى انهم كانوا إذا حالف بعضهم بعضا ألقى الحليف في الحجر
نعلا أو سوطا أو قوسا أو عصا علامة لقصد حلفهم فسموه الحطيم لذلك لكونه يحطم أمتعتهم وهو
فعيل بمعنى فاعل ويحتمل ان يكون ذلك كان شأنهم إذا أرادوا ان يحلفوا على نفي شئ وقيل انما
سمي الحطيم لان بعضهم كان إذا دعا على من ظلمه في ذلك الموضع هلك وقال ابن الكلبي سمي الحجر
حطيما لما تحجر عليه أو لأنه قصر به عن ارتفاع البيت واخرج عنه فعلى هذا فعيل بمعنى مفعول
أو لان الناس يحطم فيه بعضهم بعضا من الزحام عند الدعاء فيه وقال غيره الحطيم هو بئر الكعبة
التي كان يلقى فيها ما يهدى لها وقيل الحطيم بين الركن الأسود والمقام وقيل من أول الركن
120

الأسود إلى أول الحجر يسمى الحطيم وحديث ابن عباس حجة في رد أكثر هذه الأقوال زاد
في رواية خديج ولكنه الجدر بفتح الجيم وسكون المهملة وهو من البيت ووقع عند الإسماعيلي
والبرقاني في اخر الحديث عن ابن عباس وأيما صبي حج به أهله فقد قضي حجه ما دام صغيرا فإذا بلغ
فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج به أهله الحديث وهذه الزيادة عند البخاري أيضا في غير الصحيح
وحذفها منه عمدا لعدم تعلقها بالترجمة ولكونها موقوفة واما أول الحديث فهو وإن كان موقوفا
من حديث ابن عباس الا ان الغرض منه حاصل بالنسبة لنقل ابن عباس ما كان في الجاهلية مما
رآه النبي صلى الله عليه وسلم فأقره أو ازاله فمهما لم ينكره واستمرت مشروعيته فيكون له حكم
المرفوع ومهما أنكره فالشرع بخلافه * الحديث الثامن عشر (قوله حدثنا نعيم بن حماد) في
رواية بعضهم حدثنا نعيم غير منسوب وهو المروزي نزيل مصر وقل ان يخرج له البخاري موصولا
بل عادته ان يذكر عنه بصيغة التعليق ووقع في رواية القابسي حدثنا أبو نعيم وصوبه بعضهم وهو
غلط (قوله عن حصين) في رواية البخاري في التاريخ في هذا الحديث حدثنا حصين فأمن بذلك
ما يخشى من تدليس هشيم الراوي عنه وقرن فيه أيضا مع حصين أبا المليح (قوله رأيت في الجاهلية
قردة) بكسر القاف وسكون الراء واحدة القرود وقوله اجتمع عليها قردة بفتح الراء جمع قرد وقد
ساق الإسماعيلي هذه القصة من وجه اخر مطولة من طريق عيسى بن حطان عن عمرو بن ميمون
قال كنت في اليمن في غنم لأهلي وانا على شرف فجاء قرد مع قردة فتوسد يدها فجاء قرد أصغر منه
فغمزها فسلت يدها من تحت رأس القرد الأول سلا رفيقا وتبعته فوقع عليها وانا انظر ثم رجعت
فجعلت تدخل يدها تحت خد الأول برفق فاستيقظ فزعا فشمها فصاح فاجتمعت القرود فجعل
يصيح ويومئ إليها بيده فذهب القرود يمنة ويسرة فجاءوا بذلك القرد اعرفه فحفروا لهما حفرة
فرجموهما فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم قال ابن التين لعل هؤلاء كانوا من نسل الذين مسخوا
فبقي فيهم ذلك الحكم ثم قال إن الممسوخ لا ينسل (قلت) وهذا هو المعتمد لما ثبت في صحيح مسلم
ان الممسوخ لا نسل له وعنده من حديث ابن مسعود مرفوعا ان الله لم يهلك قوما فيجعل لهم نسلا
وقد ذهب أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن العربي إلى أن الموجود من القردة من نسل الممسوخ
وهو مذهب شاذ اعتمد من ذهب إليه على ما ثبت أيضا في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم لما
اتي بالضب قال لعله من القرون التي مسخت وقال في الفأر فقدت أمة من بني إسرائيل لا أراها
الا الفأر وأجاب الجمهور عن ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل ان يوحى إليه بحقيقة الامر
في ذلك ولذلك لم يأت الجزم عنه بشئ من ذلك بخلاف النفي فإنه جزم به كما في حديث ابن مسعود
ولكن لا يلزم أن تكون القرود المذكورة من النسل فيحتمل ان يكون الذين مسخوا لما صاروا
على هيئة القردة مع بقاء أفهامهم عاشرتهم القردة الأصلية للمشابهة في الشكل فتلقوا عنهم
بعض ما شاهدوه من أفعالهم فحفظوها وصارت فيهم واختص القرد بذلك لما فيه من الفطنة
الزائدة على غيره من الحيوان وقابلية التعليم لكل صناعة مما ليس لأكثر الحيوان ومن خصاله انه
يضحك ويطرب ويحكي ما يراه وفيه من شدة الغيرة ما يوازي الآدمي ولا يتعدى أحدهم إلى غير
زوجته فلا يدع في الغالب ان يحملها ما ركب فيها من الغيرة على عقوبة من اعتدى إلى ما لم
يختص به من الأنثى ومن خصائصه ان الأنثى تحمل أولادها كهيئة الآدمية وربما مشي القرد
121

على رجليه لكن لا يستمر على ذلك ويتناول الشئ بيده ويأكل بيده وله أصابع مفصلة إلى أنامل
وأظفار ولشفر عينيه أهداب وقد استنكر ابن عبد البر قصة عمرو بن ميمون هذه وقال فيها إضافة
الزنا إلى غير مكلف وإقامة الحد على البهائم وهذا منكر عند أهل العلم قال فإن كانت الطريق
صحيحة فلعل هؤلاء كانوا من الجن لانهم من جملة المكلفين وانما قال ذلك لأنه تكلم على الطريق
التي أخرجها الإسماعيلي حسب وأجيب بأنه لا يلزم من كون صورة الواقعة صورة الزنا والرجم
ان يكون ذلك زنا حقيقة ولا حدا وانما اطلق ذلك عليه لشبهه به فلا يستلزم ذلك إيقاع التكليف
على الحيوان وأغرب الحميدي في الجمع بين الصحيحين فزعم أن هذا الحديث وقع في بعض نسخ
البخاري وان أبا مسعود وحده ذكره في الأطراف قال وليس في نسخ البخاري أصلا فلعل من
الأحاديث المقحمة في كتاب البخاري وما قاله مردود فان الحديث المذكور في معظم الأصول التي
وقفنا عليها وكفي بإيراد أبي ذر الحافظ له عن شيوخه الثلاثة الأئمة المتقنين عن الفربري حجة وكذا
إيراد الإسماعيلي وأبي نعيم في مستخرجيهما وأبي مسعود له في أطرافه نعم سقط من رواية النسفي
وكذا الحديث الذي بعده ولا يلزم من ذلك أن لا يكون في رواية الفربري فإن روايته تزيد على رواية
النسفي عدة أحاديث قد نبهت على كثير منها فيما مضى وفيما سيأتي إن شاء الله تعالى واما تجويزه
ان يزاد في صحيح البخاري ما ليس منه فهذا ينافي ما عليه العلماء من الحكم بتصحيح جميع ما أورده
البخاري في كتابه ومن اتفاقهم على أنه مقطوع بنسبته إليه وهذا الذي قاله تخيل فاسد يتطرق منه
عدم الوثوق بجميع ما في الصحيح لأنه إذا جاز في واحد لا بعينه جاز في كل فرد فرد فلا يبقى لاحد
الوثوق بما في الكتاب المذكور واتفاق العلماء ينافي ذلك والطريق التي أخرجها البخاري دافعة
لتضعيف بن عبد البر للطريق التي أخرجها الإسماعيلي وقد أطنبت في هذا الموضع لئلا يغتر
ضعيف بكلام الحميدي فيعتمده وهو ظاهر الفساد وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب الخيل
له من طريق الأوزاعي ان مهرا انزي على أمه فامتنع فأدخلت في بيت وجللت بكساء وانزي عليها
فنزى فلما شم ريح أمه عمد إلى ذكره فقطعه بأسنانه من أصله فإذا كان هذا الفهم في الخيل مع
كونها أبعد في الفطنة من القرد فجوازها في القرد أولى * الحديث التاسع عشر (قوله عن
عبيد الله) بالتصغير وهو ابن أبي يزيد المكي (قوله عن ابن عباس 7) في نسخة أنس وهو غلط
(قوله خلال من خلال الجاهلية) أي من خصال (قوله الطعن في الأنساب) أي القدح من بعض
الناس في نسب بعض بغير علم (قوله والنياحة) أي على الميت وقد تقدم ذكر حكمها في كتاب
الجنائز في باب ما يكره من النياحة على الميت وقد تقدم هناك الكلام على حديث أنس ليس
منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية (قوله ونسي الثالثة) وقع في رواية ابن
أبي عمر عن سفيان ونسي عبيد الله الثالثة فعين الناسي أخرجه الإسماعيلي (قوله ويقولون انها
الاستسقاء بالأنواء أي يقولون مطرنا بنوء كذا وقد تقدم شرح ذلك في كتاب الاستسقاء ووقع عند
أبي نعيم من رواية شريح بن يونس عن سفيان مدرجا ولفظه والأنواء ولم يقل ونسي الخ ومن رواية
عبد الجبار بن العلاء عن سفيان بدل قوله ونسي الثالثة والتفاخر بالأحساب وهو وهم منهما لما
بينته رواية ابن أبي عمر وعلى شيخ البخاري فيه وهو ابن المديني وقد جاء من حديث أنس ذكر هذه
122

الثلاثة وهي الطعن والنياحة والاستسقاء أخرجه أبو يعلى بإسناد قوي وجاء عن ابن عباس من
وجه اخر ذكر فيه الخصال الأربع أخرجه ابن عدي من طريق عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير
عن عكرمة عنه والمحفوظ في هذا ما أخرجه مسلم وابن حبان وغيرهما من طريق أبان بن يزيد وغيره
عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي مالك الأشعري مرفوعا بلفظ أربع في
أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالأنواء
والنياحة * (خاتمة) * اشتملت أحاديث المناقب وما اتصل بها من ذكر بعض ما وقع قبل البعث
من الأحاديث المرفوعة على مائتي حديث وثلاثة وثلاثين حديثا المعلق مها ثلاثة وثلاثون
طريقا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وثمانية وثلاثون حديثا والخالص خمسة
وتسعون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة كان أبو بكر في الغار وحديث ابن
عباس فيه وحديث أبي سعيد فيه وحديث ابن عمر كنا نخير وحديث بن الزبير لو كنت متخذا خليلا
وحديث عمار وما معه الا خمسة وحديث أبي الدرداء قد غامر وحديث عائشة في طرف من
حديث السقيفة وحديث علي خير الناس وحديث عبد الله بن عمرو أشد ما صنع المشركون
وحديث ابن مسعود ما زلنا أعزة وحديث ابن عمر في شأن عمر وحديث عبد الله بن هشام فيه
وحديث عثمان ما بايعت وحديث علي اقضوا كما كنتم تقضون وحديث أبي هريرة في جعفر
وحديث ابن عمر فيه وحديث أبي بكر ارقبوا وحديثه لقرابة رسول الله أحب إلي وحديث عثمان
في الزبير وحديث ابن عباس فيه وحديث الزبير في اليرموك وحديث طلحة وسعد وحديث مس
يد طلحة وحديث سعد في إسلامه وحديث ابن عمر في ابن أسامة وحديث أسامة اني أحبهما
وحديث أنس في الحسين وحديثه في الحسن وحديث ابن عمر فيهما وحديث عمر في بلال وحديث
حذيفة في ابن مسعود وحديث معاوية في الوتر وحديث ابن عباس في عائشة وحديث عمار فيها
وحديث أنس في الأنصار وحديث زيد بن أرقم فيهم وحديث سعد في عبد الله بن سلام وحديث
ابن سلام مع أبي بردة وحديث ابن عمر وحديث ابن عمر في زيد بن عمرو وحديث أسماء فيه وحديث
ابن الزبير في بناء المسجد الحرام وحديث جد سعيد بن المسيب وحديث أبي بكر مع امرأة من
أحمس وحديث عائشة في القيام للجنازة وحديث ابن عباس في كأسا دهاقا وحديث أبي بكر مع
الذي تكهن وحديث ابن عباس في القسامة وحديثه في السعي وحديثه في الحطيم وحديث
عمرو بن ميمون في القردة وحديث ابن عباس ثلاث من خلال الجاهلية فجعله ذلك اثنان وخمسون
حديثا ما بين معلق وموصول فوافقه منها على ثلاثة وأربعين حديثا فقط والسبب في ذلك أن
الكثير منها صورته انه موقوف وإن كان قد يتمحل له حكم المرفوع ومسلم في الغالب يحرص على
تخريج الأحاديث الصريحة في الرفع وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة عشر اثرا والله
سبحانه وتعالى اعلم (قوله باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم) المبعث من البعث
واصله الإثارة ويطلق على التوجيه في أمر ما رسالة أو حاجة ومنه بعثت البعير إذا أثرته من مكانه
وبعثت العسكر إذا وجهتهم للقتال وبعثت النائم من نومه إذا أيقظته قد تقدم في أول الكتاب
في الكلام على حديث عائشة كثير مما يتعلق بهذه الترجمة وساق المصنف هنا النسب الشريف
123

(قوله محمد) ذكر البيهقي في الدلائل بإسناد مرسل ان عبد المطلب لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم
عمل له مأدبة فلما اكلوا سألوا ما سميته قال محمدا قالوا فما رغبت به عن أسماء أهل بيته قال أردت
ان يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض (قوله ابن عبد الله) لم يختلف في اسمه واختلف متى
مات فقيل مات قبل ان يولد النبي صلى الله عليه وسلم وقيل بعد أن ولد والأول أثبت واختلف في
مقدار عمره صلى الله عليه وسلم لما مات أبوه والراجح انه دون السنة (قوله ابن عبد المطلب) اسمه
شيبة الحمد عند الجمهور وزعم ابن قتيبة ان اسمه عامر وسمي عبد المطلب واشتهر بها لان أباه لما مات
بغزة كان خرج إليها تاجرا فترك أم عبد المطلب بالمدينة فأقامت عند أهلها من الخزرج فكبر عبد
المطلب فجاء عمه المطلب فأخذه ودخل به مكة فرآه الناس مردفه فقالوا هذا عبد المطلب فغلبت
عليه في قصة طويلة ذكرها ابن إسحاق وغيره (قوله ابن هاشم اسمه عمرو وقيل له هاشم لأنه أول من
هشم الثريد بمكة لأهل الموسم ولقومه أولا في سنة المجاعة وفيه يقول الشاعر
عمرو العلا هشم الثريد لقومه * ورجال مكة مسنتون عجاف
(قوله ابن عبد مناف) اسمه المغيرة روى السراج في تاريخه من طريق أحمد بن حنبل سمعت
الشافعي يقول اسم عبد المطلب شيبة الحمد واسم هاشم عمرو واسم عبد مناف المغيرة واسم قصي
زيد (قوله ابن قصي) بصيغة التصغير تلقب بذلك لأنه بعد عن ديار قومه في بلاد قضاعة في قصة
طويلة ذكرها ابن إسحاق (قوله ابن كلاب) بكسر أوله وتخفيف اللام قال السهيلي هو منقول
من المصدر الذي في معنى المكالبة تقول كالبت فلانا مكالبة وكلابا أو هو بلفظ جمع كلب كما
تسمت العرب بسباع وأنمار وغير ذلك انتهى وذكر ابن سعد ان اسمه المهذب وزعم محمد بن سعد
ان اسمه حكيم وقيل عروة وانه لقب كلابا لمحبته كلاب الصيد وكان يجمعها فمن مرت به فسأل
عنها قيل له هذه كلاب ابن مرة فلقب كلابا (قوله ابن مرة) قال السهيلي منقول من وصف
الحنظلة أو الهاء للمبالغة والمراد انه قوي (قوله ابن كعب) قال السهيلي قيل سمي بذلك لستره على
قومه ولين جانبه لهم منقول من كعب القدم وقال ابن دريد من كعب القناة وكذا قال غيره سمي
بذلك لارتفاعه على قومه وشرفه فيهم فلذلك كانوا يخضعون له حتى أرخوا بموته وهو أول من جمع
قومه يوم الجمعة وكانوا يسمونه يوم العروبة حتى جاء الاسلام (قوله ابن لؤي) قال ابن الأنباري
هو تصغير لأي بوزن عصا واللأى هو الثور وقال السهيلي هو عندي لأي بوزن عبد وهو البطء
ويؤيده قول الشاعر
فدونكم بني لأي أخاكم * ودونك مالكا يا أم عمرو
انتهى وهذا قد ذكره ابن الأنباري أيضا احتمالا وقد قال الأصمعي هو تصغير لواء الجيش زيدت فيه
همزة (قوله ابن غالب) لا اشكال فيه كما لا اشكال في مالك والنضر (قوله ابن فهر) قيل هو
قريش نقل الزبير عن الزهري ان أمه سمته به وسماه أبوه فهرا وقيل فهر لقبه وقيل بالعكس والفهر
الحجر الصغير (قوله ابن كنانة) هو بلفظ وعاء السهام إذا كانت من جلود قاله ابن دريد ونقل عن
أبي عامر العدواني أنه قال رأيت كنانة ابن خزيمة شيخا مسنا عظيم القدر تحج إليه العرب لعلمه وفضله
بينهم (قوله ابن خزيمة) تصغير خزمة بمعجمتين مفتوحتين وهي مرة واحدة من الخزم وهو شد
124

الشئ واصلاحه وقال الزجاجي يجوز ان يكون من الخزم بفتح ثم سكون تقول خزمته فهو مخزوم
إذا أدخلت في انفه الخزام (قوله ابن مدركة) اسمه عمرو عند الجمهور وقال ابن إسحاق عامر (قوله
بن الياس) بكسر الهمزة عند بن الأنباري قال وهو أفعال من قولهم أليس الشجاع الذي لا يفر
قال الشاعر * أليس كالنشوان وهو صاحي * وقال غيره هو بهمزة وصل وهو ضد الرجاء واللام
فيه للمح الصفة قاله قاسم بن ثابت وأنشد قول قصي امهتي خندف واليأس أبي * (قوله ابن
مضر) قيل سمي بذلك لأنه كان يحب شرب اللبن الماضر وهو الحامض وقيل سمي بذلك لبياضه
وقيل لأنه كان يمضر القلوب لحسنه وجماله (قوله ابن نزار) هو من النزر أي القليل قال أبو الفرج
الأصبهاني سمي بذلك لأنه كان فريد عصره (قوله ابن معد) بفتح الميم والمهملة وتشديد الدال
قال ابن الأنباري يحتمل ان يكون مفعلا من العد أو هو من معد في الأرض إذا أفسد قال الشاعر
* و خاربين خربا فمعدا * وقيل غير ذلك (قوله ابن عدنان) بوزن فعلان من العدن تقول عدن
أقام وقد روى أبو جعفر بن حبيب في تاريخه المحبر من حديث ابن عباس قال كان عدنان ومعد
وربيعة ومضر وخزيمة وأسد على ملة إبراهيم فلا تذكروهم الا بخير وروى الزبير بن بكار من
وجه آخر مرفوعا لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين وله شاهد عند ابن حبيب من مرسل
سعيد بن المسيب * (تنبيه) * اقتصر البخاري من النسب الشريف على عدنان وقد اخرج
في التاريخ عن عبيد بن يعيش عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق مثل هذا النسب وزاد بعد
عدنان بن أدد بن المقوم بن تارح بن يشجب بن يعرب بن ثابت بن إسماعيل بن إبراهيم وقد قدمت
في أول الترجمة النبوية الاختلاف فيمن بين عدنان وإبراهيم وفيمن بين إبراهيم وآدم بما يغني عن
الإعادة واخرج ابن سعد من حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب
لم يجاوز في نسبه معد بن عدنان (قوله حدثنا النضر) هو ابن شميل (قوله عن هشام) هو ابن
حسان (قوله عن عكرمة) في رواية روح عن هشام الآتية في الهجرة حدثنا عكرمة (قوله انزل
على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين) هذا هو المقصود من هذا الحديث في هذا
الباب وهو متفق عليه وقد مضى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم حديث أنس انه صلى الله عليه
وسلم بعث على رأس أربعين وتقدم في بدء الوحي انه انزل عليه في شهر رمضان فعلى الصحيح المشهور
ان مولده في شهر ربيع الأول يكون حين انزل عليه ابن أربعين سنة وستة أشهر وكلام ابن الكلبي
يؤذن بأنه ولد في رمضان فإنه قال مات وله اثنتان وستون سنة ونصف سنة وقد اجمعوا على أنه مات
في ربيع الأول فيستلزم ذلك أن يكون ولد في رمضان وبه جزم الزبير بن بكار وهو شاذ وفي مولده
أقوال أخر أشد شذوذا من هذا (قوله بمكة ثلاث عشرة سنة) هذا أصح مما رواه مسلم من طريق
عمار بن أبي عمار عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمس عشرة سنة وسيأتي
البحث في ذلك في أبواب الهجرة إن شاء الله تعالى (قوله باب ما لقي النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه من المشركين بمكة) أي من وجوه الأذى وذكر فيه أحاديث في المعنى وقد تقدم في ذكر
الملائكة من بدء الخلق حديث عائشة انها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل اتى عليك يوم كان
أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم فذكر قصته بالطائف وروى
أحمد والترمذي وابن حبان من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله
125

عليه وسلم لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد وأخفت في الله وما يخاف أحد الحديث واخرج ابن
عدي من حديث جابر رفعه ما اوذي أحد ما أوذيت ذكره في ترجمة يوسف بن محمد بن المنكدر عن
أبيه عن جابر ويوسف ضعيف وقد استشكل بما جاء من صفات ما اوذي به الصحابة كما سيأتي لو ثبت
وهو محمول على معنى حديث أنس وقيل معناه انه أوحي إليه ما اوذي به من قبله فتأذى بذلك
زيادة على ما آذاه قومه به وروى ابن إسحاق من حديث ابن عباس وذكر الصحابة فقال والله ان
كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر ان يستوي جالسا من شدة الضر حتى
يقولوا له اللات والعزى الهك من دون الله فيقول نعم وروى ابن ماجة وابن حبان من طريق
زر بن مسعود قال أول من أظهر إسلامه سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه
سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه واما أبو بكر فمنعه
الله بقومه واما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم ادراع الحديد وأوقفوهم في الشمس
الحديث وأجيب بأن جميع ما اوذي به أصحابه كان يتأذى هو به لكونه بسببه واستشكل أيضا بما
اوذي به الأنبياء من القتل كما في قصة زكريا وولده يحيى ويجاب بأن المراد هنا غير ازهاق الروح ثم
ذكر المصنف في الباب أحاديث * الحديث الأول (قوله حدثنا) بيان هو ابن
بشر وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم وخباب بالمعجمة والموحدتين الأولى ثقيلة (قوله بردة) كذا للأكثر
بالتنوين وللكشميهني بالهاء والأول أرجح فقد تقدم في علامات النبوة من وجه اخر بلفظ بردة له
(قوله الا تدعوا الله لنا) زاد في الرواية التي في المبعث الا تستنصر لنا (قوله فقعد وهو محمر
وجهه) أي من اثر النوم ويحتمل ان يكون من الغضب وبه جزم ابن التين (قوله لقد كان من
قبلكم ليمشط بمشاط الحديد) كذا للأكثر بكسر الميم وللكشميهني أمشاط هو جمع مشط بكسر
الميم وبضمها يقال مشاط وأمشاط كرماح وأرماح وأنكر ابن دريد الكسر في المفرد والأشهر في
الجمع مشاط ورماح (قوله ما دون عظامه من لحم أو عصب) في الرواية الماضية ما دون لحمه من
عظم أو عصب (قوله ويوضع الميشار) بكسر الميم وسكون التحتانية بهمز وبغير همز تقول وشرت
الخشبة واشرتها ويقال فيه بالنون وهي أشهر في الاستعمال ووقع في الرواية الماضية يحفر له في
الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار قال ابن التين كان هؤلاء الذين فعل بهم ذلك أنبياء أو اتباعهم
قال وكان في الصحابة من لو فعل به ذلك لصبر إلى أن قال وما زال خلق من الصحابة واتباعهم فمن
بعدهم يؤذون في الله ولو أخذوا بالرخصة لساغ لهم (قوله وليتمن الله هذا الامر بالنصب وفي
الرواية الماضية والله ليتمن هذا الامر بالرفع والمراد بالامر الاسلام (قوله زاد بيان والذئب على
غنمه) هذا يشعر بأن في الرواية الماضية ادراجا فإنه أخرجها من طريق يحيى القطان عن إسماعيل
وحده وقال في آخرها ما يخاف الا الله والذئب على غنمه وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن
الصباح وخلاد بن أسلم وعبدة بن عبد الرحيم كلهم عن ابن عيينة به مدرجا وطريق الحميدي أصح
وقد وافقه ابن أبي عمر أخرجه الإسماعيلي من طريقه مفصلا أيضا * (تنبيه) * قوله والذئب هو
بالنصب عطفا على المستثنى منه لا المستثنى كذا جزم به الكرماني ولا يمتنع ان يكون عطفا على
المستثنى والتقدير ولا يخاف الا الذئب على غنمه لان مساق الحديث انما هو للأمن من عدوان
بعض الناس على بعض كما كانوا في الجاهلية لا للأمن من عدوان الذئب فان ذلك انما يكون في
126

اخر الزمان عند نزول عيسى * الحديث الثاني حديث ابن مسعود قرأ النبي صلى الله عليه وسلم
النجم فسجد سبق الكلام عليه في سجود القرآن من كتاب الصلاة ويأتي بقيته في تفسير سورة النجم
وقد تقدم هناك تسمية الذي لم يسجد وزعم الواقدي ان ذلك كان في رمضان سنة خمس من المبعث
* (تنبيه) * كان حق هذا الحديث ان يذكر في باب الهجرة إلى الحبشة المذكور بعد قليل فسيأتي
فيها ان سجود المشركين المذكور فيه كان سبب رجوع من هاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة لظنهم
ان المشركين كلهم أسلموا فلما ظهر لهم خلاف ذلك هاجروا الهجرة الثانية * الحديث الثالث
حديثه في قصة عقبة بن أبي معيط والقائه سلا الجزور على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو
ساجد وقد سبق الكلام عليه مستوفى في أواخر كتاب الوضوء * (تنبيه) * كانت هذه القصة بعد
الهجرة الثانية إلى الحبشة لان من جملة من دعى عليه عمارة بن الوليد أخو أبي جهل وقد ذكر ابن
إسحاق وغيره ان قريشا بعثوه مع عمرو بن العاص إلى النجاشي ليرد إليهم من هاجر إليه فلم يفعل
واستمر عمار بالحبشة إلى أن مات * (تنبيه) * آخر أغرب الشيخ عماد الدين بن كثير فزعم أن الحديث
الوارد عن خباب عند مسلم وأصحاب السنن شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء
فلم يشكنا طرف من حديث الباب وان المراد انهم شكوا ما يلقونه من المشركين من تعذيبهم بحر
الرمضاء وغيره فسألوه ان يدعو على المشركين فلم يشكهم أي لم يزل شكواهم وعدل إلى تسليتهم بمن
مضى ممن قبلهم ولكن وعدهم بالنصر انتهى ويبعد هذا الحمل ان في بعض طرق حديث مسلم عند
ابن ماجة الصلاة في الرمضاء وعند أحمد يعني الظهر وقال إذا زالت الشمس فصلوا وبهذا تمسك من
قال إنه ورد في تعجيل الظهر وذلك قبل مشروعية الابراد وهو المعتمد والله أعلم * (تنبيه) * اخر
عبد الله المذكور هو ابن مسعود جزما وذكر ابن التين ان الداودي قال الظاهر أنه عبد الله بن
مسعود لانهم في الأكثر انما يطلقون عبد الله غير منسوب عليه (قلت) وليس ذلك مطردا وانما
يعرف ذلك من جهة الرواة وبسط ذلك مقرر في علوم الحديث وقد صنف فيه الخطيب كتابا حافلا
سماه المجمل لبيان المهمل ووقع في شرح شيخنا ابن الملقن ان الداودي قال لعله عبد الله بن عمرو
لا ابن عمر ثم تعقبه بأن البخاري صرح في كتاب الصلاة بأنه ابن مسعود (قلت) ولم أرما نسبه إلى
الداودي في كلام غيره فالله اعلم * الحديث الرابع حديث ابن عباس في توبة القاتل وسيأتي شرحه
في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا الإشارة إلى صنع المشركين
بالمسلمين من قتل وتعذيب وغير ذلك سقط عنهم بالاسلام * (تنبيه) * قوله هنا ولا تقتلوا النفس التي
حرم الله الا بالحق كذا وقع في الرواية والذي في التلاوة ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق
هكذا في سورة الفرقان وهي التي ذكرت في بقية الحديث فتعين انها المراد في أوله ويمكن الجواب
عن ذلك والله أعلم الحديث الخامس والسادس حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وأبيه عمرو
ابن العاص على الاختلاف في ذلك (قوله حدثنا عياش بن الوليد حدثنا الوليد بن مسلم عياش
127

شيخه بالتحتانية والمعجمة هو الرقام وله شيخ اخر لا ينسبه في غالب ما يخرج عنه قال الجياني وقع هنا
عند الأصيلي غير مقيد وزعم بعضهم انه العباس بن الوليد بن مربد وهو بالموحدة والمهملة ثم نقل
عن أبي زفر (1) ان البخاري ومسلما ما اخرجا لابن مربد شيئا قال ولا اعلم له رواية عن الوليد بن مسلم
(قوله حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم) في رواية علي بن المديني الآتية في تفسير غافر
حدثني محمد بن إبراهيم (قوله حدثني عروة) كذا قال الوليد بن مسلم وخالفه أيوب بن خالد الحراني
فقال عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة قال قلت لعبد الله بن عمر وأخرجه
الإسماعيلي وقول الوليد أرجح (قوله سألت ابن عمرو) في رواية علي المذكورة قلت لعبد الله بن عمرو
(قوله بأشد شئ صنعه الخ) هذا الذي أجاب به عبد الله بن عمرو يخالف ما تقدم في ذكر الملائكة من
حديث عائشة انه صلى الله عليه وسلم قال لها وكان أشد ما لقيت من قومك فذكر قصته بالطائف
مع ثقيف والجمع بينهما ان عبد الله بن عمرو استند إلى ما رواه ولم يكن حاضرا للقصة التي وقعت
بالطائف وقد روى الزبير بن بكار والدارقطني في الافراد من طريق عبد الله بن عروة عن عروة
حدثني عمرو بن عثمان عن أبيه عثمان قال أكثر ما نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم
اني رأيته يوما قال وذرفت عينا عثمان فذكر قصة يخالف سياقها حديث عبد الله بن عمرو هذا
فهذا الاختلاف ثابت على عروة في السند لكن سنده ضعيف فإن كان محفوظا حمل على التعدد
وليس ببعيد لما سأبينه (قوله يصلي في حجر الكعبة إذ اقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه
فخنقه) في حديث عثمان المذكور كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويده في يد
أبي بكر وفي الحجر عقبة بن أبي معيط وأبو جهل وأمية بن خلف فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأسمعوه بعض ما يكره ثلاث مرات فلما كان في الشوط الرابع ناهضوه وأراد أبو جهل ان يأخذ
بمجامع ثوبه فدفعته ودفع أبو بكر أمية بن خلف ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة فهذا
السياق مغاير لحديث عبد الله بن عمرو وفي حديث عبد الله قول أبي بكر أتقتلون رجلا أن يقول
ربي الله وفي حديث عثمان ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم اما والله لا تنتهون حتى يحل بكم
العقاب عاجلا فأخذتهم الرعدة الحديث وهذا يقوي التعدد (قوله تابعه ابن إسحاق) قال
(حدثني يحيى بن عروة الخ) وصله أحمد من طريق إبراهيم بن سعد والبزار من طريق بكر بن سليمان
كلاهما عن ابن إسحاق بهذا السند وفي أول سياقه من الزيادة قال حضرتهم وقد اجتمع اشرافهم
في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ما رأينا مثل صبرنا عليه سفه أحلامنا وشتم
آباءنا وغير ديننا وفرق جماعتنا فبينما هم في ذلك إذ اقبل فاستلم الركن فلما مر بهم غمزوه وذكر أنه قال
لهم في الثالثة لقد جئتكم بالذبح وانهم قالوا له يا أبا القاسم ما كنت جاهلا فانصرف
راشدا فانصرف فلما كان من الغد اجتمعوا فقالوا ذكرتم ما بلغ منكم حتى إذا اتاكم بما تكرهون
تركتموه فبينما هم كذلك إذ طلع فقالوا قوموا إليه وثبة رجل واحد قال فلقد رأيت رجلا منهم
اخذ بمجامع ثيابه وقام أبو بكر دونه وهو يبكي فقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ثم انصرفوا
عنه (قوله وقال عبدة عن هشام) أي ابن عروة (عن أبيه قيل لعمرو بن العاص) هكذا خالف
هشام بن عروة أخاه يحيى بن عروة في الصحابي فقال يحيى عبد الله بن عمرو وقال هشام عمرو بن
العاص ويرجح رواية يحيى موافقة محمد بن إبراهيم التيمي عن عروة على أن قول هشام غير مدفوع
128

لان له أصلا من حديث عمرو بن العاص بدليل رواية أبي سلمة عن عمرو الآتية عقب هذا فيحتمل
ان يكون عروة سأله مرة وسأل أباه أخرى ويؤيده اختلاف السياقين وقد ذكرت ان عبد الله بن
عروة رواه عن أبيه بإسناد آخر عن عثمان فلا مانع من التعدد نعم لم تتفق الرواة عن هشام على قوله
عمرو بن العاص فان سليمان بن بلال وافق عبدة على ذلك وخالفهما محمد بن فليح فقال عن هشام
عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ذكره البهيقي (قوله وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة حدثني عمرو بن
العاص) وصله البخاري في خلق أفعال العباد من طريقه وأخرجه أبو يعلى وابن حبان عنه من
وجه اخر عن محمد بن عمرو ولفظه ما رأيت قريشا أرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الا يوما
اغروا به وهم في ظل الكعبة جلوس وهو يصلي عند المقام فقام إليه عقبة فجعل رداءه في عنقه ثم
جذبه حتى وجب لركبتيه وتصايح الناس واقبل أبو بكر يشتد حتى اخذ بضبع رسول الله صلى
الله عليه وسلم من ورائه وهو يقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ثم انصرفوا عنه فلما قضى
صلاته مر بهم فقال والذي نفسي بيده ما أرسلت إليكم الا بالذبح فقال له أبو جهل يا محمد ما كنت
جهولا فقال أنت منهم ويدل على التعدد أيضا ما أخرجه البيهقي في الدلائل من حديث ابن عباس
عن فاطمة عليها السلام قالت اجتمع المشركون في الحجر فقالوا إذا مر محمد ضربه كل رجل منا
ضربة فسمعت ذلك فأخبرته فقال اسكتي يا بنية ثم خرج فدخل عليهم فرفعوا رؤوسهم ثم نكسوا
قالت فأخذ قبضة من تراب فرمى بها نحوهم ثم قال شاهت الوجوه فما أصاب رجلا منهم الا قتل
يوم بدر كافرا وقد اخرج أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح عن أنس قال لقد ضربوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم مرة حتى غشي عليه فقام أبو بكر فجعل ينادي ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله
فتركوه واقبلوا على أبي بكر وهذا من مراسيل الصحابة وقد أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن مطولا
من حديث أسماء بنت أبي بكر انهم قالوا لها ما أشد ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله صلى
الله عليه وسلم فذكر نحو سياق ابن إسحاق المتقدم قريبا وفيه فأتى الصريخ إلى أبي بكر فقال أدرك
صاحبك قالت فخرج من عندنا وله غدائر أربع وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي
الله فلهوا عنه واقبلوا إلى أبي بكر فرجع إلينا أبو بكر فجعل لا يمس شيئا من غدائره الا رجع معه
ولقصة أبي بكر هذه شاهد من حديث علي أخرجه البزار من رواية محمد بن علي عن أبيه انه خطب
فقال من أشجع الناس فقالوا أنت قال اما اني ما بارزني أحد الا أنصفت منه ولكنه أبو بكر لقد
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذته قريش يجؤه فهذا وهذا يتلقاه ويقولون له أنت تجعل
الآلهة الها واحدا فوالله ما دنا منا أحد الا أبو بكر يضرب هذا ويدفع هذا ويقول ويلكم أتقتلون
رجلا أن يقول ربي الله ثم بكى علي ثم قال أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون أفضل أم أبو بكر
فسكت القوم فقال علي والله لساعة من أبي بكر خير منه ذاك رجل يكتم ايمانه وهذا يعلن بايمانه
(قوله باب إسلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه) ذكر فيه حديث عمار وقد تقدم
شرحه في مناقب أبي بكر رضي الله عنه وعبد الله شيخه قال ابن السكن في روايته حدثني عبد الله
ابن محمد فتوهم أبو علي الجياني انه أراد المسندي فقال لم يصنع شيئا (قلت) وفي كلامه نظر فقد وقع
في تفسير التوبة حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا يحيى بن معين لكن عمدة الجياني هنا ان أبا نصر
الكلاباذي جزم بأن عبد الله هنا هو ابن حماد الآملي وكذا وقع في رواية أبي ذر الهروي منسوبا
129

وهو عبد الله بن حماد وهو من اقران البخاري بل هو أصغر منه فلقد لقي البخاري يحيى بن معين وهو
أقدم من ابن معين وبيان هو ابن بشر ووبرة بفتح الواو والموحدة واكتفى بهذا الحديث لأنه لم يحد
شيئا على شرطه غيره وفيه دلالة على قدم إسلام أبي بكر إذ لم يذكر عمار انه رأى مع النبي صلى الله
عليه وسلم من الرجال غيره وقد اتفق الجمهور على أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال وذكر ابن إسحاق
انه كان يتحقق انه سيبعث لما كان يسمعه ويرى من أدلة ذلك فلما دعاه بادر إلى تصديقه من أول وهلة
* (تنبيه) * كان حق هذا الباب ان يكون متقدما جدا اما في باب المبعث أو عقبه لكن وجهه هنا
ما وقع في حديث عمرو بن العاص الذي قبله انه قام بنصر النبي صلى الله عليه وسلم وتلا الآية
المذكورة فدل ذلك على أن إسلامه متقدم على غيره بحيث ان عمارا مع تقدم إسلامه لم ير مع
النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر وبلال وعنى بذلك الرجال وبلال انما اشتراه أبو بكر لينقذه
من تعذيب المشركين لكونه أسلم (قوله باب إسلام سعد) ذكر فيه حديثه وقد تقدم
شرحه في مناقبه مستوفى ومناسبته لما قبله واجتماعهما في أن كلا منهما يقتضي سبق من ذكر فيه
إلى الاسلام خاصة لكنه محمول على ما اطلع عليه والا فقد أسلم قبل إسلام بلال وسعد وخديجة
وسعد بن حارثة وعلي بن أبي طالب وغيرهم (قوله باب ذكر الجن تقدم الكلام على
الجن في أوائل بدء الخلق بما يغني عن اعادته (قوله وقول الله عز وجل قل أوحي إلي انه استمع نفر
من الجن الآية) يريد تفسير هذه الآية وقد أنكر ابن عباس انهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم
كما تقدم في الصلاة من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ما قرأ النبي صلى الله
عليه وسلم على الجن ولا رآهم الحديث وحديث أبي هريرة في هذا الباب وإن كان ظاهرا في اجتماع
النبي صلى الله عليه وسلم بالجن وحديثه معهم لكنه ليس فيه انه قرأ عليهم ولا انهم الجن الذين
استمعوا القرآن لان في حديث أبي هريرة انه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلتئذ وأبو هريرة انما
قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة السابعة المدينة وقصة استماع الجن للقران كان بمكة قبل
الهجرة وحديث ابن عباس صريح في ذلك فيجمع بين ما نفاه وما أثبته غيره بتعدد وفود الجن على
النبي صلى الله عليه وسلم فأما ما وقع في مكة فكان لاستماع القران والرجوع إلى قومهم منذرين كما
وقع في القران واما في المدينة فللسؤال عن الاحكام وذلك بين في الحديثين المذكورين ويحتمل
ان يكون القدوم الثاني كان أيضا بمكة وهو الذي يدل عليه حديث ابن مسعود كما سنذكره واما
حديث أبي هريرة فليس فيه تصريح بأن ذلك وقع بالمدينة ويحتمل تعدد القدوم بمكة مرتين
وبالمدينة أيضا قال البيهقي حديث ابن عباس حكى ما وقع في أول الأمر عندما علم الجن بحاله صلى
الله عليه وسلم وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى فذهب معه وقرأ
عليهم القرآن كما حكاه عبد الله بن مسعود انتهى وأشار بذلك إلى ما أخرجه أحمد والحاكم من
طريق زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ
القرآن ببطن نخل فلما سمعوه قالوا انصتوا وكانوا سبعة أحدهم زوبعة (قلت) وهذا يوافق
حديث ابن عباس واخرج مسلم من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة قال قلت
لعبد الله بن مسعود هل صحب أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن قال لا ولكنا
فقدناه ذات ليلة فقلنا اغتيل استطير فبتنا شر ليلة فلما كان عند السحر إذا نحن به يجئ من قبل
130

حراء فذكرنا له فقال أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم
وقول ابن مسعود في هذا الحديث انه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم أصح مما رواه الزهري
أخبرني أبو عثمان بن شيبة الخزاعي انه سمع ابن مسعود يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لأصحابه وهو بمكة من أحب منكم ان ينظر الليلة اثر الجن فليفعل قال فلم يحضر منهم أحد غيري
فلما كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطا ثم أمرني ان اجلس فيه ثم انطلق ثم قرأ القرآن فغشيته أسودة
كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم انطلقوا وفرغ منهم مع الفجر فانطلق الحديث قال
البيهقي يحتمل ان يكون قوله في الصحيح ما صحبه منا أحد أراد به في حال اقرائه القرآن لكن قوله في
الصحيح انهم فقدوه يدل على أنهم لم يعلموا بخروجه الا ان يحمل على أن الذي فقده غير الذي خرج
معه فالله اعلم ولرواية الزهري متابع من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن ابن مسعود
قال استتبعني النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن نفرا من الجن خمسة عشر بني اخوة وبني عم
يأتونني الليلة فأقرأ عليهم القرآن فانطلقت معه إلى المكان الذي أراد فخط لي خطا فذكر الحديث
نحوه أخرجه الدارقطني وابن مردويه وغيرهما وأخرج ابن مردويه من طريق أبي الجوزاء عن
ابن مسعود نحوه مختصرا وذكر ابن إسحاق ان استماع الجن كان بعد رجوع النبي صلى الله عليه
وسلم من الطائف لما خرج إليها يدعو ثقيفا إلى نصره وذلك بعد موت أبي طالب وكان ذلك في سنة
عشر من المبعث كما جزم بن سعد بأن خروجه إلى الطائف كان في شوال وسوق عكاظ التي أشار
إليها ابن عباس كانت تقام في ذي القعدة وقول ابن عباس في حديثه وهو يصلي بأصحابه لم يضبط
ممن كان معه في تلك السفرة غير زيد بن حارثة فلعل بعض الصحابة تلقاه لما رجع والله أعلم وقول من
قال إن وفود الجن كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف ليس صريحا في أولية قدوم
بعضهم والذي يظهر من سياق الحديث الذي فيه المبالغة في رمي الشهب لحراسة السماء من
استراق الجن السمع دال على أن ذلك كان قبل المبعث النبوي وانزال الوحي إلى الأرض فكشفوا
ذلك إلى أن وقفوا على السبب ولذلك لم يقيد الترجمة بقدوم ولا وفادة ثم لما انتشرت الدعوة واسلم
من أسلم قدموا فسمعوا فأسلموا وكان ذلك بين الهجرتين ثم تعدد مجيئهم حتى في المدينة (قوله
حدثني عبيد الله بن سعيد) هو أبو قدامة السرخسي وهو بالتصغير مشهور بكنيته وفي طبقته
عبد الله بن سعيد مكبر وهو أبو سعيد الأشج (قوله عن معن بن عبد الرحمن أي ابن عبد الله بن
مسعود وهو كوفي ثقة ما له في البخاري الا هذا الموضع قوله من آذن بالمد أي اعلم (قوله إنه
آذنت بهم شجرة) في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة بهذا الاسناد آذنت بهم
سمرة بفتح المهملة وضم الميم (قوله في حديث أبي هريرة أخبرني جدي) هو سعيد بن عمرو بن
سعيد بن العاص (قوله ابغني) قال ابن التين هو موصول من الثلاثي تقول بغيت الشئ طلبته
وأبغيتك الشئ أعنتك على طلبه (قوله أحجارا استنفض بها) تقدم شرح ذلك في كتاب الطهارة
(قوله وانه أتاني وفد جن نصيبين) يحتمل ان يكون خبرا عما وقع في تلك الليلة ويحتمل ان يكون
خبرا عما مضى قبل ذلك ونصيبين بلدة مشهورة بالجزيرة ووقع في كلام ابن التين انها بالشام وفيه
تجوز فان الجزيرة بين الشام والعراق ويجوز صرف نصيبين وتركه (قوله فسألوني الزاد) أي مما
يفضل عن الانس وقد يتعلق به من يقول إن الأشياء قبل الشرع على الحظر حتى ترد الإباحة
131

ويجاب عنه بمنع الدلالة على ذلك بل لا حكم قبل الشرع على الصحيح (قوله فدعوت الله لهم
ان لا يمروا بعظم ولا روثة الا وجدوا عليها طعما) في رواية السرخسي الا وجدوا عليها طعاما قال
ابن التين يحتمل ان يجعل الله ذلك عليها ويحتمل ان يذيقهم منها طعاما وفي حديث ابن مسعود
عند مسلم ان البعر زاد دوابهم ولا ينافي ذلك حديث الباب لامكان حمل الطعام فيه على طعام
الدواب (قوله باب إسلام أبي ذر الغفاري) هو جندب وقيل بريد بن جنادة
بضم الجيم والنون الخفيفة بن سفيان وقيل سفير بن عبيد بن حرام بالمهملتين بن غفار
وغفار من
بني كنانة (قوله حدثنا المثنى) هو ابن سعيد الضبعي له في البخاري حديثان هذا واخر تقدم في ذكر
بني إسرائيل وأبو جمرة هو بالجيم نصر بن عمران (قوله إن أبا ذر قال لأخيه) هو أنيس (قوله اركب
إلى هذا الوادي) أي وادي مكة وفي أول رواية أبي قتيبة الماضية في مناقب قريش قال لنا ابن
عباس الا أخبركم بإسلام أبي ذر قال قلنا بلى قال قال أبو ذر كنت رجلا من غفار وهذا السياق
يقتضي ان ابن عباس تلقاه من أبي ذر وقد اخرج مسلم قصة إسلام أبي ذر من طريق عبد الله بن
الصامت عنه وفيها مغايرة كثيرة لسياق ابن عباس ولكن الجمع بينهما ممكن وأول حديثه
خرجنا من قومنا غفار وكانوا يحلون الشهر الحرام فخرجت انا وأخي أنيس وامنا فنزلنا على خال
لنا فحسدنا قومه فقالوا له انك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس فذكر لنا ذلك فقلنا له اما
ما مضى لنا من معروفك فقد كدرته فتحملنا عليه وجلس يبكي فانطلقنا نحو مكة فنافر أخي أنيس
رجلا إلى الكاهن فخير أنيسا فأتانا بصرمتنا ومثلها معها قال وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين قلت لمن قال لله قلت فأين توجه قال حيث يوجهني
ربي قال فقال لي أنيس ان لي حاجة بمكة فانطلق ثم جاء فقلت ما صنعت قال لقيت رجلا بمكة على
دينك يزعم أن الله أرسله قلت فما يقول الناس قال يقولون شاعر كاهن ساحر وكان أنيس شاعرا
فقال لقد سمعت كلام الكهنة فما هو بقولهم ولقد وضعت قوله على اقراء الشعر فما يلتئم عليها
والله انه لصادق (قلت) وهذا الفصل في الظاهر مغاير لقوله في حديث الباب ان أبا ذر قال لأخيه
ما شفيتني ويمكن الجمع بأنه كان أراد منه ان يأتيه بتفاصيل من كلامه واخباره فلم يأته الا بمجمل
(قوله فانطلق الأخ) في رواية الكشميهني فانطلق الاخر أي أنيس قال عياض وقع عند بعضهم
فانطلق الأخ الآخر والصواب الاقتصار على أحدهما لأنه لا يعرف لأبي ذر إلا أخ واحد وهو
أنيس (قلت) وعند مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهدي أي عن المثنى فانطلق الآخر حسب
(قوله حتى قدمه) أي الوادي وادي مكة وفي رواية ابن مهدي فانطلق الآخر حتى قدم مكة
(قوله رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشعر) كذا في هذه الرواية ووافقها عبد الرحمن
ابن مهدي عند مسلم وقوله وكلاما منصوب بالعطف على الضمير المنصوب وفيه اشكال لان
الكلام لا يرى ويجاب عنه بأنه من قبيل علفتها تبنا وماء باردا وفيه الوجهان الاضمار أي وسقيتها
أو ضمن العلف معنى الاعطاء وهنا يمكن ان يقال التقدير رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وسمعته
يقول كلاما ما هو بالشعر أو ضمن الرؤية معنى الاخذ عنه ووقع في رواية أبي قتيبة رأيته يأمر
بالخير وينهى عن الشر ولا اشكال فيها (قوله وكره ان يسأل عنه) لأنه عرف ان قومه يؤذون من
يقصده أو يؤذونه بسبب قصد من يقصده أو لكراهتهم في ظهور امره لا يدلون من يسأل عنه
132

عليه أو يمنعونه من الاجتماع به أو يخدعونه حتى يرجع عنه (قوله فرآه علي بن أبي طالب وهذا
يدل على أن قصة أبي ذر وقعت بعد المبعث بأكثر من سنتين بحيث يتهيأ لعلي ان يستقل بمخاطبة
الغريب ويضيفه فان الأصح في سن علي حين المبعث كان عشر سنين وقيل أقل من ذلك وهذا
الخبر يقوي القول الصحيح في سنه (قوله فعرف انه غريب) في رواية أبي قتيبة فقال كأن الرجل
غريب قلت نعم (قوله فلما رآه تبعه) في رواية أبي قتيبة قال فانطلق إلى المنزل فانطلقت معه
(قوله اما نال للرجل) أي اما حان يقال نال له بمعنى آن له ويروى اما آن بمد الهمزة وانى بالقصر
وبفتح النون وكلها بمعنى وقد تقدم في قصة الهجرة في قول أبي بكر الصديق اما آن للرحيل مثله
وقوله إن يعلم منزله أي مقصده ويحتمل ان يكون علي أشار بذلك إلى دعوته إلى بيته لضيافته
ثانيا وتكون إضافة المنزل إليه مجازية لكونه قد نزل به مرة ويؤيد الأول قول أبي ذر في جوابه
قلت لا كما في رواية أبي قتيبة (قوله يوم الثالث) كذا فيه وهو كقولهم مسجد الجامع وليس من
إضافة الشئ إلى نفسه عند التحقيق (قوله فعاد علي على مثل ذلك) في رواية الكشميهني فغدا على
مثل ذلك وفي رواية أبي قتيبة فقال فانطلق معي (قوله لترشدنني) كذا للأكثر بنونين وفي رواية
الكشميهني بواحدة مدغمة (قوله فأخبرته) كذا للأكثر وفيه التفات وفي رواية الكشميهني
فأخبره على نسق ما تقدم (قوله قمت كأني أريق الماء) في رواية أبي قتيبة كأني أصلح نعلي ويحمل
على أنه قالهما جميعا (قوله فانطلق يقفوه) أي يتبعه (قوله ودخل معه) قال الداودي فيه
الدخول بدخول المتقدم وكأن هذا قبل آية الاستئذان وتعقبه ابن التين فقال لا تؤخذ الاحكام
من مثل هذا (قلت) وفي كلام كل منهما من النظر ما لا يخفى (قوله فسمع من قوله واسلم
مكانه) كأنه كان يعرف علامات النبي فلما تحققها لم يتردد في الاسلام هكذا في هذه الرواية
ومقتضاها ان التقاء أبي ذر بالنبي صلى الله عليه وسلم كان بدلالة علي وفي رواية عبد الله بن الصامت
ان أبا ذر لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر في الطواف بالليل قال فلما قضى صلاته قلت
السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته قال فكنت أول من حياه بالسلام قال من أين أنت
قلت من بني غفار قال فوضع يده على جبهته فقلت كره ان انتميت إلى غفار فذكر الحديث في شأن
زمزم وانه استغنى بها عن الطعام والشراب ثلاثين من بين يوم وليلة وفيه فقال أبو بكر ائذن لي
يا رسول الله في طعامه الليلة وانه أطعمه من زبيب الطائف الحديث وأكثره مغاير لما في
حديث ابن عباس هذا عن أبي ذر ويمكن التوفيق بينهما بأنه لقيه أولا مع علي ثم لقيه في الطواف
أو بالعكس وحفظ كل منهما عنه ما لم يحفظ الآخر كما في رواية عبد الله بن الصامت من الزيادة
ما ذكرناه ففي رواية ابن عباس أيضا من الزيادة قصته مع علي وقصته مع العباس وغير ذلك وقال
القرطبي في التوفيق بين الروايتين تكلف شديد ولا سيما ان في حديث عبد الله بن الصامت ان
أبا ذر أقام ثلاثين لا زاد له وفي حديث ابن عباس انه كان معه زاد وقربة ماء إلى غير ذلك (قلت)
ويحتمل الجمع بأن المراد بالزاد في حديث ابن عباس ما تزوده لما خرج من قومه ففرغ لما أقام بمكة
والقربة التي كانت معه كان فيها الماء حال السفر فلما أقام بمكة لم يحتج إلى ملئها ولم يطرحها ويؤيده
انه وقع في رواية أبي قتيبة المذكورة فجعلت لا اعرفه وأكره ان اسأل عنه واشرب من ماء زمزم
وأكون في المسجد الحديث (قوله ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري) في رواية أبي
133

قتيبة اكتم هذا الامر وارجع إلى قومك فأخبرهم فإذا بلغك ظهورنا فأقبل وفي رواية عبد الله بن
الصامت انه قد وجهت لي ارض ذات نخل فهل أنت مبلغ عني قومك عسى الله ان ينفعهم بك
فذكر قصة إسلام أخيه أنيس وأمه وانهم توجهوا إلى قومهم غفار فأسلم نصفهم الحديث (قوله
لأصرخن بها) أي بكلمة التوحيد والمراد انه يرفع صوته جهارا بين المشركين وكأنه فهم ان أمر
النبي صلى الله عليه وسلم له بالكتمان ليس على الايجاب بل على سبيل الشفقة عليه فأعلمه ان به قوة
على ذلك ولهذا أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ويؤخذ منه جواز قول الحق عند من يخشى
منه الأذية لمن قاله وإن كان السكوت جائزا والتحقيق ان ذلك مختلف باختلاف الأحوال
والمقاصد وبحسب ذلك يترتب وجود الاجر وعدمه (قوله ثم قام القوم) في رواية أبي قتيبة فقالوا
قوموا إلى هذا الصابي بالياء اللينة فقاموا وكانوا يسمون من أسلم صابيا لأنه من صبا يصبو إذا
انتقل من شئ إلى شئ (قوله فضربوه حتى أوجعوه) في رواية أبي قتيبة فضربت لأموت أي ضربت
ضربا لا يبالي من ضربني ان لو أموت منه (قوله (1) فأقلعوا عني) أي كفوا (قوله فأكب العباس
عليه) في رواية أبي قتيبة فقال مثل مقالته بالأمس وفي الحديث ما يدل على حسن تأتي العباس
وجودة فطنته حيث توصل إلى تخليصه منهم بتخويفهم من قومه ان يقاصوهم بأن يقطعوا
طرق متجرهم وكان عيشهم من التجارة فلذلك بادروا إلى الكف عنه وفي الحديث دلالة على تقدم
إسلام أبي ذر لكن الظاهر أن ذلك كان بعد المبعث بمدة طويلة لما فيه من الحكاية عن علي كما
قدمناه ومن قوله أيضا في رواية عبد الله بن الصامت اني وجهت لي ارض ذات نخل فان ذلك
يشعر بأن وقوع ذلك كان قرب الهجرة والله أعلم (قوله باب إسلام سعيد بن زيد أي ابن
عمرو بن نفيل وأبوه تقدم ذكره وانه ابن عم عمر بن الخطاب (قوله حدثنا سفيان) هو ابن عيينة
وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم (قوله لقد رأيتني) بضم المثناة والمعنى رأيت نفسي
(وان عمر لموثقي على الاسلام) أي ربطه بسبب إسلامه إهانة له والزاما بالرجوع عن الاسلام وقال
الكرماني في معناه كان يثبتني على الاسلام ويسددني كذا قال وكأنه ذهل عن قوله هنا قبل ان
يسلم فان وقوع التثبيت منه وهو كافر لضمره على الاسلام بعيد جدا مع أنه خلاف الواقع وسيأتي
في كتاب الاكراه باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر وكأن السبب في ذلك أنه كان
زوج فاطمة بنت الخطاب أخت عمر ولهذا ذكر في اخر باب إسلام عمر رأيتني موثقي عمر على الاسلام
انا وأخته وكان إسلام عمر متأخرا عن إسلام أخته وزوجها لان أول الباعث له على دخوله
في الاسلام ما سمع في بيتها من القرآن في قصة طويلة ذكرها الدارقطني وغيره (قوله ولو أن أحدا
ارفض) أي زال من مكانه في الرواية الآتية انقض بالنون والقاف بدل الراء والفاء أي سقط وزعم
ابن التين انه أرجح الروايات وفي رواية الكشميهني بالنون والفاء وهو بمعنى الأول (قوله لكان)
في الرواية الآتية لكان محقوقا ان ينقض وفي رواية الإسماعيلي لكان حقيقا أي واجبا تقول
حق عليك ان تفعل كذا وأنت حقيق ان تفعله وانما قال ذلك سعيد لعظم قتل عثمان وهو مأخوذ
من قوله تعالى تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ان دعوا للرحمن ولدا
قال ابن التين قال سعيد ذلك على سبيل التمثيل وقال الداودي معناه لو تحركت القبائل وطلبت
بثار عثمان لكان أهلا لذلك وهذا بعيد من التأويل (قوله باب اسلام عمر بن الخطاب)
134

قد تقدم نسبه في مناقبه (1) (قوله أنبأنا سفيان) هو الثوري (قوله ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر) زاد
الإسماعيلي من طريق أبي داود الحفري عن سفيان في حديث ذكره أي من كلام ابن مسعود
وقد تقدم في مناقب عمر الالمام بشئ من ذلك * الحديث الثاني (قوله فأخبرني جدي) ظاهر
السياق انه معطوف على شئ تقدم وقد رواه الإسماعيلي من طريق ابن وهب هذه فقال فيها عن
ابن وهب أخبرني عمر بن محمد (قوله وعليه حلة حبر) بكسر المهملة وفتح الموحدة وهو برد مخطط
بالوشي وفي رواية حبرة بزيادة هاء (قوله إن أسلمت) بفتح الألف وتخفيف النون أي لأجل
إسلامي (قوله لا سبيل عليك بعد أن قالها) أي الكلمة المذكورة وهي قوله لا سبيل عليك (قوله
امنت بفتح الهمزة وكسر الميم وسكون النون وضم المثناة أي حصل الأمان في نفسي بقوله ذلك
ووقع في رواية الأصيلي بمد الهمزة وهو خطأ فإنه كان قد أسلم قبل ذلك وذكر عياض ان في رواية
الحميدي بالقصر أيضا لكنه بفتح المثناة وهو خطأ أيضا لأنه يصير من كلام العاص بن وائل وليس
كذلك بل هو من كلام عمر يريد انه امن لما قال له العاص بن وائل تلك المقالة ويؤيده الحديث
الذي بعده * الحديث الثالث (قوله اجتمع الناس عند داره) في رواية الكشميهني اجتمع الناس
إليه (قوله وانا غلام) في رواية أخرى انه كان ابن خمس سنين وإذا كان كذلك خرج منه ان إسلام
عمر كان بعد المبعث بست سنين أو بسبع لان ابن عمر كما سيأتي في المغازي كان يوم أحد ابن أربع
عشرة سنة وذلك بعد المبعث بست عشرة سنة فيكون مولده بعد المبعث بسنتين (قوله على ظهر
بيتي) قال الداودي هو غلط والمحفوظ ظهر بيتنا وتعقبه ابن التين بأن ابن عمر أراد انه الآن بيته أي
عند مقالته تلك وكان قبل ذلك لأبيه ولا يخفى عدم الاحتياج إلى هذا التأويل وانما نسب ابن عمر
البيت إلى نفسه مجازا أو مراده المكان الذي كان يأوي فيه سواء كان ملكه أم لا وأيضا فإنه ان أراد
نسبته إليه حال مقالته تلك لم يصح لان بني عدي بن كعب رهط عمر لما هاجروا استولى غيرهم على
بيوتهم كما ذكره ابن إسحاق وغيره فلم يرجعوا فيها وأيضا فان ابن عمر لم ينفرد بالإرث من عمر فتحتاج
دعوى ان يكون اشترى حصص غيره إلى نقل فيتعين الذي قلته (قوله فما ذاك) أي فلا بأس
أولا قتل أو لا يعترض له وقوله انا له جار أي اجرته من أن يظلمه ظالم وقوله تصدعوا أي تفرقوا
عنه (قوله قالوا العاص بن وائل) زاد ابن أبي عمر في روايته عن سفيان قال فعجبت من عزته وكذا
عند الإسماعيلي من وجهين عن سفيان وفي رواية عبد الله بن داود عن عمر بن محمد عند الإسماعيلي
فقلت لعمر من الذي ردهم عنك يوم أسلمت قال يا بني ذاك العاص بن وائل أي ابن هاشم بن سعيد
بالتصغير بن سهم القرشي السهمي مات على كفره قبل الهجرة بمدة والعاص بمهملتين من العوص
لا من العصيان والصاد مرفوعة ويجوز كسرها وقيل إنه من العصيان فهو بالكسر جزما
ويجوز اثبات الياء كالقاضي ويؤيده كتاب عمر إلى عمرو وهو عامله على مصر إلى العاصي
بن العاصي وأطلق عليه ذلك لكونه خالف شيئا مما كان امره به في ولايته على مصر لما ظهر له من المصلحة
* الحديث الرابع (قوله حدثني عمر) هو ابن محمد بن زيد وهو شيخ ابن وهب في الحديث الثاني
ووهم من زعم أنه عمر بن الحرث كالكلاباذي فقد وقع في رواية الإسماعيلي عن عمر بن محمد (قوله
ما سمعت عمر يقول لشئ اني لأظنه كذا الا كان) أي عن شئ واللام قد تأتي بمعنى عن كقوله
وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه (قوله الا كان كما يظن) هو موافق لما
135

تقدم في مناقبه انه كان محدثا بفتح الدال وتقدم شرحه (قوله إذ مر به رجل جميل) هو سواد بفتح
المهملة وتخفيف الواو وآخره مهملة ابن قارب بالقاف والموحدة وهو سدوسي أو دوسي وقد
اخرج ابن أبي خيثمة وغيره من طريق أبي جعفر الباقر قال دخل رجل يقال له سواد بن قارب
السدوسي على عمر فقال يا سواد أنشدك الله هل تحسن من كهانتك شيئا فذكر القصة وأخرج الطبراني
والحاكم وغيرهما من طريق محمد بن كعب القرظي قال بينما عمر قاعد في المسجد فذكر
مثل سياق أبي جعفر وأتم منه وهما طريقان مرسلان يعضد أحدهما الاخر وأخرج البخاري
في تاريخه والطبراني من طريق عباد بن عبد الصمد عن سعيد بن جبير قال أخبرني سواد بن قارب
قال كنت نائما فذكر قصته الأولى دون قصته مع عمر وهذا ان ثبت دل على تأخر وفاته لكن عباد
ضعيف ولابن شاهين من طريق أخرى ضعيفة عن أنس قال دخل رجل من دوس يقال له سواد
ابن قارب على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر قصته أيضا وهذه الطرق يقوى بعضها ببعض وله
طرق أخرى سأذكر ما فيها من فائدة (قوله لقد أخطأ ظني) في رواية ابن عمر عند البيهقي لقد كنت
ذا فراسة وليس لي الآن رأي ان لم يكن هذا الرجل ينظر في الكهانة (قوله أو) بسكون الواو (على
دين قومه في الجاهلية) أي مستمر على عبادة ما كانوا يعبدون (قوله أو) بسكون الواو أيضا (لقد
كان كاهنهم) أي كان كاهن قومه وحاصله ان عمر ظن شيئا مترددا بين شيئين أحدهما يتردد بين
شيئين كأنه قال هذا الظن اما خطأ أو صواب فإن كان صوابا فهذا الآن اما باق على كفره واما كان
كاهنا وقد أظهر الحال القسم الأخير وكأنه ظهرت له من صفة مشيه أو غير ذلك قرينة اثرت له
ذلك الظن فالله اعلم (قوله علي) بالتشديد (الرجل) بالنصب أي احضروه إلي وقربوه مني (قوله
فقال له ذلك) أي ما قاله في غيبته من التردد وفي رواية محمد بن كعب فقال له فأنت على ما كنت
عليه من كهانتك فغضب وهذا من تلطف عمر لأنه اقتصر على أحسن الامرين (قوله ما رأيت
كاليوم) أي ما رأيت شيئا مثل ما رأيت اليوم (قوله استقبل) بضم التاء على البناء للمجهول
(قوله رجل مسلم) في رواية النسفي وأبي ذر رجلا مسلما ورأيته مجودا بفتح تاء استقبل على البناء
للفاعل وهو محذوف تقديره أحد وضبطه الكرماني استقبل بضم التاء واعرب رجلا مسلما على أنه
مفعول رأيت وعلى هذا فالضمير في قوله به يعود على الكلام ويدل عليه السياق وبينه البهيقي
في رواية مرسلة قد جاء الله بالاسلام فما لنا ولذكر الجاهلية (قوله فاني اعزم عليك) أي الزمك
وفي رواية محمد بن كعب ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك (قوله
الا أخبرتني) أي ما اطلب منك الا الاخبار (قوله كنت كاهنهم في الجاهلية) الكاهن الذي
يتعاطى الخبر عن الأمور المغيبة وكانوا في الجاهلية كثيرا فمعظمهم كان يعتمد على تابعه من الجن
وبعضهم كان يدعي معرفة ذلك بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله وهذا
الأخير يسمى العراف بالمهملتين وسيأتي حكم ذلك واضحا في كتاب الطب وتقدم طرف منه في
اخر البيوع ولقد تلطف سواد في الجواب إذ كان سؤال عمر عن حاله في كهانته إذ كان من أمر
الشرك فلما ألزمه أخبره بآخر شئ وقع له لما تضمن من الاعلام بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكان
سببا لاسلامه (قوله ما أعجب) بالضم وما استفهامية (قوله جنيتك) بكسر الجيم والنون الثقيلة
أي الواحدة من الجن كأنه أنث تحقيرا ويحتمل ان يكون عرف ان تابع سواد منهم كان أنثى
136

أو هو كما يقال تابع الذكر يكون أنثى وبالعكس (قوله اعرف فيها الفزع) بفتح الفاء والزاي أي
الخوف وفي رواية محمد بن كعب ان ذلك كان وهو بين النائم واليقظان (قوله ألم تر الجن وإبلاسها
بالموحدة والمهملة والمراد به اليأس ضد الرجاء وفي رواية أبي جعفر عجبت للجن وإبلاسها وهو أشبه
باعراب بقية الشعر ومثله لمحمد بن كعب لكن قال وتحساسها بفتح المثناة وبمهملات أي انها فقدت
أمرا فشرعت تفتش عليه (قوله ويأسها من بعد انكاسها) اليأس بالتحتانية ضد الرجاء
والانكاس الانقلاب قال ابن فارس معناه انها يئست من استراق السمع بعد أن كانت قد ألفته
فانقلبت عن الاستراق قد يئست من السمع ووقع في شرح الداودي بتقديم السين على الكاف
وفسره بأنه المكان الذي ألفته قال ووقع في رواية من بعد ايناسها أي انها كانت أنست بالاستراق
ولم أر ما قاله في شئ من الروايات وقد شرح الكرماني على اللفظ الأول الذي ذكره الداودي وقال
الانساك جمع نسك والمراد به العبادة ولم أر هذا القسيم في غير الطريق التي أخرجها البخاري وزاد
في رواية الباقر ومحمد بن كعب وكذا عند البيهقي موصولا من حديث البراء بن عازب بعد قوله
وأحلاسها تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمنوها مثل أرجاسها
فاسم إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى رأسها
وفي روايتهم ان الجني عاوده ثلاث ليال ينشده هذه الأبيات مع تغيير قوافيها فجعل بدل قوله
أبلاسها تطلابها أوله مثناة وتارة تجأرها بجيم وهمزة وبدل قوله أحلاسها أقتابها بقاف ومثناة
جمع قتب وتارة أكوارها وبدل قوله ما مؤمنوها مثل أرجاسها ليس قداماها كأذنابها وتارة ليس
ذوو الشر كأخيارها وبدل قوله رأسها نابها وتارة قال ما مؤمنو الجن ككفارها وعندهم من
الزيادة أيضا انه في كل مرة يقول له قد بعث محمد فانهض إليه ترشد وفي الرواية المرسلة قال
فارتعدت فرائصي حتى وقعت وعندهم جميعا انه لما أصبح توجه إلى مكة فوجد النبي صلى الله
عليه وسلم قد هاجر فأتاه فأنشده أبياتا يقول فيها
أتاني رئي بعد ليل وهجعة * ولم يك فيما قد بلوت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة * اتاك نبي من لؤي بن غالب
يقول في اخرها
فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة * سواك بمغن عن سواد بن قارب
وفي اخر الرواية المرسلة فالتزمه عمر وقال لقد كنت أحب ان اسمع هذا منك (قوله ولحوقها
بالقلاص وأحلاسها) القلاص بكسر القاف وبالمهملة جمع قلص بضمتين وهو جمع قلوص وهي
الفتية من النياق والأحلاس جمع حلس بكسر أوله وسكون ثانيه وبالمهملتين وهو ما يوضع على
ظهور الإبل تحت الرحل ووقع هذا القسيم غير موزون وفي رواية الباقر ورحلها العيس
بأحلاسها وهذا موزون والعيس بكسر أوله وسكون التحتانية وبالمهملتين الإبل (قوله قال عمر
صدق بينما انا عند آلهتهم) ظاهر هذا ان الذي قص القصة الثانية هو عمر وفي رواية ابن عمر وغيره
ان الذي قصها هو سواد بن قارب ولفظ ابن عمر عند البيهقي قال لقد رأى عمر رجلا فذكر القصة قال
فأخبرني عن بعض ما رأيت قال إني ذات ليلة بواد إذ سمعت صائحا يقول يا جليح خبر نجيح رجل
فصيح يقول لا إله إلا الله عجبت للجن وإبلاسها فذكر القصة ثم ساق من طريق أخرى مرسلة قال
137

مر عمر برجل فقال لقد كان هذا كاهنا الحديث وفيه فقال عمر أخبرني فقال نعم بينا انا جالس إذ
قالت لي ألم تر إلى الشياطين وإبلاسها الحديث قال عمر الله أكبر فقال أتيت مكة فإذا برجل
عند تلك الأنصاب فذكر قصة العجل وهذا يحتمل فيه ما احتمل في حديث الصحيح ان يكون القائل
أتيت مكة هو عمر أو صاحب القصة (قوله عند آلهتهم) أي أصنامهم (قوله إذ جاء رجل) لم اقف
على اسمه لكن عند أحمد من وجه آخر انه ابن عبس فأخرج من طريق مجاهد عن شيخ أدرك
الجاهلية يقال له ابن عبس قال كنت أسوق بقرة لنا فسمعت من جوفها فذكر الرجز قال فقدمنا
فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث ورجاله ثقات وهو شاهد قوي لما في رواية ابن عمر وان الذي
حدث بذلك هو سواد بن قارب وسأذكر بعد هذا ما يقوي ان الذي سمع ذلك هو عمر فيمكن ان يجمع
بينهما بتعدد ذلك لهما (قوله يا جليح) بالجيم والمهملة بوزن عظيم ومعناه الوقح المكافح بالعداوة
قال ابن التين يحتمل ان يكون نادى رجلا بعينه ويحتمل ان يكون أراد من كان بتلك الصفة
(قلت) ووقع في معظم الروايات التي أشرت إليها يا آل ذريح بالذال المعجمة والراء واخره مهملة وهم
بطن مشهور في العرب (قوله رجل فصيح) من الفصاحة وفي رواية الكشميهني بتحتانية أوله بدل الفاء
من الصياح ووقع في حديث ابن عبس قول فصيح رجل يصيح (قوله يقول لا إله إلا أنت) وفي رواية
الكشميهني لا إله إلا الله وهو الذي في بقية الروايات (قوله فما نشبنا) بكسر المعجمة وسكون الموحدة
أي لم نتعلق بشئ من الأشياء حتى سمعنا ان النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج يريد ان ذلك كان
بقرب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم * (تنبيهان) * أحدهما ذكر ابن التين ان الذي سمعه سواد بن
قارب من الجني كان من اثر استراق السمع وفي جزمه بذلك نظر والذي يظهر ان ذلك كان من اثر منع
الجن من استراق السمع ويبين ذلك ما أخرجه المصنف في الصلاة ويأتي في تفسير سورة الجن عن ابن
عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث منع الجن من استراق السمع فضربوا المشارق والمغارب
يبحثون عن سبب ذلك حتى رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه صلاة الفجر الحديث
* (التنبيه الثاني) * لمح المصنف بإيراد هذه القصة في باب إسلام عمر بما جاء عن عائشة وطلحة عن عمر
من أن هذه القصة كانت سبب إسلامه فروى أبو نعيم في الدلائل ان أبا جهل جعل لمن يقتل محمدا
مائة ناقة قال عمر فقلت له يا أبا الحكم الضمان صحيح قال نعم قال فتقلدت سيفي أريده فمررت على عجل
وهم يريدون ان يذبحوه فقمت انظر إليهم فإذا صائح يصيح من جوف العجل يا آل ذريح أمر نجيح
رجل يصيح بلسان فصيح قال عمر فقلت في نفسي ان هذا الامر ما يراد به الا انا قال فدخلت على
أختي فإذا عندها سعيد بن زيد فذكر القصة في سبب إسلامه بطولها وتأمل ما في إيراده حديث
سعيد بن زيد الذي بعد هذا وهو الحديث الخامس من المناسبة لهذه القصة (قوله انقض) بنون
وقاف وللكشميهني بفاء بدل القاف في الموضعين ولأبي نعيم في المستخرج بالفاء والراء ومعانيها
متقاربة والله أعلم * (تنبيه) * جعل ابن إسحاق إسلام عمر بعد هجرة الحبشة ولم يذكر انشقاق القمر
فاقتضى صنيع المصنف انه وقع في تلك الأيام وقد ذكر ابن إسحاق من وجه آخر ان إسلام عمر كان
عقب هجرة الحبشة الأولى (قوله باب انشقاق القمر) أي في زمن النبي صلى الله عليه
وسلم على سبيل المعجزة له وقد ترجم بمعنى ذلك في علامات النبوة (قوله عن أنس) زاد في الرواية التي
في علامات النبوة انه حدثهم (قوله إن أهل مكة) هذا من مراسيل الصحابة لان أنسا لم يدرك هذه
138

القصة وقد جاءت هذه القصة من حديث ابن عباس وهو أيضا ممن لم يشاهدها ومن حديث ابن
مسعود وجبير بن مطعم وحذيفة وهؤلاء شاهدوها ولم أر في شئ من طرقه ان ذلك كان عقب سؤال
المشركين الا في حديث أنس فلعله سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجدت في بعض طرق
حديث ابن عباس بيان صورة السؤال وهو وإن كان لم يدرك القصة لكن في بعض طرقه
ما يشعر بأنه حمل الحديث عن ابن مسعود كما سأذكره فاخرج أبو نعيم في الدلائل من وجه ضعيف
عن ابن عباس قال اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة
وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل والأسود بن المطلب والنضر بن الحارث ونظراؤهم فقالوا للنبي
صلى الله عليه وسلم ان كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين فسال ربه فانشق (قوله شقتين) بكسر
المعجمة أي نصفين وتقدم في العلامات من طريق سعيد وشيبان عن قتادة بدون هذه اللفظة
وأخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري من حديث سعيد عن قتادة بلفظ فأراهم
انشقاق القمر مرتين وأخرجه من طريق معمر عن قتادة قال بمعنى حديث شيبان (قلت) وهو
في مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ مرتين أيضا وكذلك أخرجه الإمامان أحمد وإسحاق في
مسنديهما عن عبد الرزاق وقد اتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة بلفظ فرقتين قال
البهيقي قد حفظ ثلاثة من أصحاب قتادة عنه مرتين (قلت) لكن اختلف عن كل منهم في هذه
اللفظة ولم يختلف على شعبة وهو احفظهم ولم يقع في شئ من طرق حديث ابن مسعود بلفظ
مرتين انما فيه فرقتين أو فلقتين بالراء أو اللام وكذا في حديث ابن عمر فلقتين وفي حديث جبير بن
مطعم فرقتين وفي لفظ عنه فانشق باثنتين وفي رواية عن ابن عباس عند أبي نعيم في الدلائل فصار
قمرين وفي لفظ شقتين وعند الطبراني من حديثه حتى رأوا شقيه ووقع في نظم السيرة لشيخنا الحافظ
أبي الفضل * وانشق مرتين بالاجماع * ولا اعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في
زمنه صلى الله عليه وسلم ولم يتعرض لذلك أحد من شراح الصحيحين وتكلم ابن القيم على هذه الرواية
فقال المرات يراد بها الافعال تارة والأعيان أخرى والأول أكثر ومن الثاني انشق القمر مرتين
وقد خفي على بعض الناس فادعي ان انشقاق القمر وقع مرتين وهذا مما يعلم أهل الحديث والسير
انه غلط فإنه لم يقع الا مرة واحدة وقد قال العماد بن كثير في الرواية التي فيها مرتين نظر ولعل
قائلها أراد فرقتين (قلت) وهذا الذي لا يتجه غيره جمعا بين الروايات ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته
يحتمل التأويل المذكور ولفظه
فصار فرقتين فرقة علت * وفرقة للطود منه نزلت
وذاك مرتين بالاجماع * والنص والتواتر السماع
فجمع بين قوله فرقتين وبين قوله مرتين فيمكن ان يتعلق قوله بالاجماع بأصل الانشقاق لا بالتعدد مع أن
في نقل الاجماع في نفس الانشقاق نظرا سيأتي بيانه (قوله حتى رأوا حراء) أي جبل حراء
(بينهما) أي بين الفرقتين وحراء تقدم ضبطه في بدء الوحي وهو على يسار السائر من مكة إلى منى
(قوله عن أبي حمزة) بالمهملة والزاي هو محمد بن ميمون السكري المروزي (قوله عن الأعمش عن
إبراهيم) وقع في رواية السرخسي والكشميهني في اخر الباب من وجه اخر عن الأعمش حدثنا
إبراهيم (قوله عن أبي معمر) هذا هو المحفوظ ووقع في رواية سعدان بن يحيى ويحيى بن عيسى الرملي
139

عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أخرجه ابن مردويه ولأبي نعيم نحوه من طريق غريبة عن شعبة
عن الأعمش والمحفوظ عن شعبة كما سيأتي في التفسير عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر وهو
المشهور وقد أخرجه مسلم من طريق أخرى عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر وسيأتي
للمصنف معلقا ان مجاهدا رواه عن أبي معمر عن ابن مسعود فالله اعلم هل عند مجاهد فيه اسنادان
أو قول من قال ابن عمر وهم من أبي معمر (قوله عن عبد الله) هو ابن مسعود (قوله انشق القمر
ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى) في رواية مسلم من طريق علي بن مسهر عن الأعمش بينما نحن
مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى إذ انفلق القمر وهذا لا يعارض قول أنس ان ذلك كان بمكة لأنه
لم يصرح بان النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلتئذ بمكة وعلى تقدير تصريحه فهي من جملة مكة فلا
تعارض وقد وقع عند الطبراني من طريق زر بن حبيش عن ابن مسعود قال انشق القمر بمكة
فرأيته فرقتين وهو محمول على ما ذكرته وكذا ما وقع في غير هذه الرواية وقد وقع عند ابن مردويه
بيان المراد فاخرج من وجه اخر عن ابن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ونحن بمكة قبل ان نصير إلى المدينة فوضح ان مراده بذكر مكة الإشارة إلى أن ذلك وقع
قبل الهجرة ويجوز ان ذلك وقع وهم ليلتئذ بمنى (قوله فقال اشهدوا) أي اضبطوا هذا القدر
بالمشاهدة (قوله وقال أبو الضحى الخ) يحتمل ان يكون معطوفا على قوله عن إبراهيم فان أبا
الضحى من شيوخ الأعمش فيكون للأعمش فيه اسنادان ويحتمل ان يكون معلقا وهو المعتمد
فقد وصله أبو داود الطيالسي عن أبي عوانة ورويناه في فوائد أبي طاهر الذهلي من وجه اخر عن
أبي عوانة وأخرجه أبو نعيم في الدلائل من طريق هشيم كلاهما عن مغيرة عن أبي الضحى بهذا
الاسناد بلفظ انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كفار قريش هذا سحر
سحركم ابن أبي كبشة فانظروا إلى السفار فان أخبروكم انهم رأوا مثل ما رأيتم فقد صدق قال فما
قدم عليهم أحد الا أخبرهم بذلك لفظ هشيم وعند أبي عوانة انشق القمر بمكة نحوه وفيه فان محمدا
لا يستطيع ان يسحر الناس كلهم (قوله وتابعه محمد بن مسلم) هو الطائفي وابن أبي نجيح اسمه
عبد الله واسم أبيه يسار بتحتانية ثم مهملة خفيفة ومراده انه تابع إبراهيم في روايته عن أبي
معمر في قوله إن ذلك كان بمكة لا في جميع سياق الحديث والجمع بين قول ابن مسعود تارة بمنى
وتارة بمكة اما باعتبار التعدد ان ثبت واما بالحمل على أنه كان بمنى ومن قال كان بمكة لا ينافيه لان
من كان بمنى كان بمكة من غير عكس ويؤيده ان الرواية التي فيها بمنى قال فيها ونحن بمنى والرواية التي
فيها بمكة لم يقل فيها ونحن وانما قال انشق القمر بمكة يعني ان الانشقاق كان وهم بمكة قبل ان
يهاجروا إلى المدينة وبهذا يندفع دعوى الداودي ان بين الخبرين تضادا والله أعلم وابن أبي نجيح
رواه عن مجاهد عن أبي معمر وهذه الطريق وصلها عبد الرزاق في مصنفه ومن طريقه البيهقي في
الدلائل عن ابن عيينة ومحمد بن مسلم جميعا عن ابن أبي نجيح بهذا الاسناد بلفظ رأيت القمر منشقا
شقتين شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء والسويداء بالمهملة والتصغير ناحية خارج مكة
عندها جبل وقول ابن مسعود على أبي قبيس يحتمل ان يكون رآه كذلك وهو بمنى كان يكون
على مكان مرتفع بحيث رأى طرف جبل أبي قبيس ويحتمل ان يكون القمر استمر منشقا حتى
رجع ابن مسعود من منى إلى مكة فرآه كذلك وفيه بعد والذي يقتضيه غالب الروايات ان
140

الانشقاق كان قرب غروبه ويؤيد ذلك اسنادهم الرؤية إلى جهة الجبل ويحتمل ان يكون
الانشقاق وقع أول طلوعه فان في بعض الروايات ان ذلك كان ليلة البدر أو التعبير بابي قبيس من
تغيير بعض الرواة لان الفرض ثبوت رؤيته منشقا إحدى الشقتين على جبل والاخرى على
جبل آخر ولا يغاير ذلك قول الراوي الآخر رأيت الجبل بينهما أي بين الفرقتين لأنه إذا ذهبت
فرقة عن يمين الجبل وفرقة عن يساره مثلا صدق انه بينهما وأي جبل آخر كان من جهة يمينه أو
يساره صدق انه عليه أيضا وسيأتي في تفسير سورة القمر من وجه آخر عن مجاهد بلفظ آخر وهو
قوله انشق القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اشهدوا اشهدوا وليس فيه تعيين
مكان وأخرجه ابن مردويه من رواية ابن جريح عن مجاهد بلفظ آخر وهو قوله انشق القمر قال
الله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر يقول كما شققت القمر كذلك أقيم الساعة (قوله في
حديث ابن عباس ان القمر انشق على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا أورده مختصرا
وعند أبي نعيم من وجه آخر انشق القمر فلقتين قال ابن مسعود لقد رأيت جبل حراء من بين
فلقتي القمر وهذا يوافق الرواية الأولى في ذكر حراء وقد أنكر جمهور الفلاسفة انشقاق القمر
متمسكين بان الآيات العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام وكذا قالوا في فتح أبواب السماء ليلة
الاسراء إلى غير ذلك من إنكارهم ما يكون يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك وجواب
هؤلاء إن كانوا كفارا أن يناظروا أولا على ثبوت دين الاسلام ثم يشركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك
من المسلمين ومتى سلم المسلم بعض ذلك دون بعض ألزم التناقض ولا سبيل إلى إنكار ما ثبت في
القرآن من الانخراق والالتئام في القيامة فيستلزم جواز وقوع ذلك معجزة لنبي الله صلى الله عليه
وسلم وقد أجاب القدماء عن ذلك فقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القران أنكر بعض المبتدعة
الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر ولا إنكار للعقل فيه لان القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء كما
يكوره يوم البعث ويفنيه واما قول بعضهم لو وقع لجاء متواترا واشترك أهل الأرض في معرفته ولما
اختص بها أهل مكة فجوابه ان ذلك وقع ليلا وأكثر الناس نيام والأبواب مغلقة وقل من يراصد
السماء الا النادر وقد يقع بالمشاهدة في العادة ان ينكسف القمر وتبدو الكواكب العظام
وغير ذلك في الليل ولا يشاهدها الا الآحاد فكذلك الانشقاق كان أية وقعت في الليل لقوم سألوا
واقترحوا فلم يتأهب غيرهم لها ويحتمل ان يكون القمر ليلتئذ كان في بعض المنازل التي تظهر
لبعض أهل الآفاق دون بعض كما يظهر الكسوف لقوم دون قوم وقال الخطابي انشقاق القمر أية
عظيمة لا يكاد يعدلها شئ من آيات الأنبياء وذلك أنه ظهر في ملكوت السماء خارجا من جملة طباع
ما في هذا العالم المركب من الطبائع فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة فلذلك صار البرهان به
أظهر وقد أنكر ذلك بعضهم فقال لو وقع ذلك لم يجز ان يخفى امره على عوام الناس لأنه أمر صدر
عن حس ومشاهدة فالناس فيه شركاء والدواعي متوفرة على رؤية كل غريب ونقل ما لم يعهد
فلو كان لذلك أصل لخلد في كتب أهل التيسير والتنجيم إذ لا يجوز اطباقهم على تركه واغفاله مع
جلالة شأنه ووضوح امره والجواب عن ذلك أن هذه القصة خرجت عن بقية الأمور التي
ذكروها لأنه شئ طلبه خاص من الناس فوقع ليلا لان القمر لا سلطان له بالنهار ومن شأن الليل
ان يكون أكثر الناس فيه نياما ومستكنين بالأبنية والبارز بالصحراء منهم إذا كان يقظان يحتمل
141

انه كان في ذلك الوقت مشغولا بما يلهيه من سمر وغيره ومن المستبعد ان يقصدوا إلى مراصد مركز
القمر ناظرين إليه لا يغفلون عنه فقد يجوز انه وقع ولم يشعر به أكثر الناس وانما رآه من تصدى
لرؤيته ممن اقترح وقوعه ولعل ذلك انما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر ثم أبدى حكمة
بالغة في كون المعجزات المحمدية لم يبلغ شئ منها مبلغ التواتر الذي لا نزاع فيه الا القرآن بما حاصله ان
معجزة كل نبي كانت إذا وقعت عامة أعقبت هلاك من كذب به من قومه للاشتراك في ادراكها
بالحس والنبي صلى الله عليه وسلم بعث رحمة فكانت معجزته التي تحدى بها عقلية فاختص بها
القوم الذين بعث منهم لما أوتوه من فضل العقول وزيادة الافهام ولو كان ادراكها عاما لعوجل
من كذب به كما عوجل من قبلهم وذكر أبو نعيم في الدلائل نحو ما ذكره الخطابي وزاد ولا سيما إذا
وقعت الآية في بلدة كان عامة أهلها يومئذ الكفار الذين يعتقدون انها سحر ويجتهدون في اطفاء
نور الله (قلت) وهو جيد بالنسبة إلى من سأل عن الحكمة في قلة من نقل ذلك من الصحابة واما من
سأل عن السبب في كون أهل التنجيم لم يذكروه فجوابه انه لم ينقل عن أحد منهم انه نفاه وهذا كاف
فان الحجة فيمن أثبت لا فيمن يوجد عنه صريح النفي حتى أن من وجد عنه صريح النفي يقدم
عليه من وجد منه صريح الاثبات وقال ابن عبد البر قد روى هذا الحديث جماعة كثيرة من
الصحابة وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين ثم نقله عنهم الجمع الغفير إلى أن انتهى إلينا ويؤيد
ذلك بالآية الكريمة فلم يبق لاستبعاد من استبعد وقوعه عذر ثم أجاب بنحو جواب الخطابي وقال
وقد يطلع على قوم قبل طلوعه على آخرين وأيضا فان زمن الانشقاق لم يطل ولم تتوفر الدواعي
على الاعتناء بالنظر إليه ومع ذلك فقد بعث أهل مكة إلى افاق مكة يسألون عن ذلك فجاءت السفار
وأخبروا بأنهم عاينوا ذلك وذلك لان المسافرين في الليل غالبا يكونون سائرين في ضوء القمر
ولا يخفى عليهم ذلك وقال القرطبي الموانع من مشاهدة ذلك إذا لم يحصل القصد إليه غير منحصرة
ويحتمل ان يكون الله صرف جميع أهل الأرض غير أهل مكة وما حولها عن الالتفات إلى القمر
في تلك الساعة ليختص بمشاهدته أهل مكة كما اختصوا بمشاهدة أكثر الآيات ونقلوها إلى غيرهم
انتهى وفي كلامه نظر لان أحدا لم ينقل ان أحدا من أهل الآفاق غير أهل مكة ذكروا انهم رصدوا
القمر في تلك الليلة المعينة فلم يشاهدوا انشقاقه فلو نقل ذلك لكان الجواب الذي أبداه القرطبي
جيدا ولكن لم ينقل عن أحد من أهل الأرض شئ من ذلك فالاقتصار حينئذ على الجواب الذي
ذكره الخطابي ومن تبعه أوضح والله أعلم واما الآية فالمراد بها قوله تعالى اقتربت الساعة وانشق
القمر لكن ذهب بعض أهل العلم من القدماء ان المراد بقوله وانشق القمر أي سينشق كما قال تعالى
اتى أمر الله أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك فنزل منزلة الواقع والذي
ذهب إليه الجمهور أصح كما جزم به ابن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك وان
يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر فإن ذلك ظاهر في أن المراد بقوله وانشق القمر وقوع انشقاقه
لان لكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة وإذا تبين أن قولهم ذلك إنما هو في الدنيا تبين وقوع الانشقاق
وأنه المراد بالآية التي زعموا أنها سحر ووقع ذلك صريحا في حديث ابن مسعود كما بيناه قبل ونقل
البيهقي في أوائل البعث والنشور عن الحليمي أن من الناس من يقول إن المارد بقوله تعالى وانشق
القمر أي سينشق قال الحليمي فإن كان كذلك فقد وقع في عصرنا فشاهدت الهلال ببخارى
142

في الليلة الثالثة منشقا نصفين عرض كل واحد منهما كعرض القمر ليلة أربع أو خمس ثم اتصلا
فصار في شكل أترجة إلى أن غاب قال وأخبرني بعض من أثق به انه شاهد ذلك في ليلة أخرى انتهى
ولقد عجبت من البيهقي كيف أقر هذا مع إيراده حديث ابن مسعود المصرح بان المراد بقوله تعالى
وانشق القمر ان ذلك وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ساقه هكذا من طريق ابن مسعود
في هذه الآية اقتربت الساعة وانشق القمر قال لقد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم ساق حديث ابن مسعود لقد مضت آية الدخان والروم والبطشة وانشقاق القمر وسيأتي
الكلام غلى هذا الحديث الأخير في تفسير سورة الدخان إن شاء الله تعالى (قوله باب
هجرة الحبشة) أي هجرة المسلمين من مكة إلى ارض الحبشة وكان وقوع ذلك مرتين وذكر أهل
السير ان الأولى كانت في شهر رجب من سنة خمس من المبعث وان أول من هاجر منهم أحد عشر
رجلا وأربع نسوة وقيل وامرأتان وقيل كانوا اثني عشر رجلا وقيل عشرة وانهم خرجوا مشاة إلى
البحر فاستأجروا سفينة بنصف دينار وذكر ابن إسحاق ان السبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال لأصحابه لما رأى المشركين يؤذونهم ولا يستطيع ان يكفهم عنهم ان بالحبشة ملكا لا يظلم
عنده أحد فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجا فكان أول من خرج منهم عثمان بن عفان
ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واخرج يعقوب بن سفيان بسند موصول
إلى أنس قال أبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما فقدمت امرأة فقالت له لقد رايتهما
وقد حمل عثمان امرأته على حمار فقال صحبهما الله ان عثمان لأول من هاجر باهله بعد لوط (قلت)
وبهذا تظهر النكتة في تصدير البخاري الباب بحديث عثمان وقد سرد ابن إسحاق أسماءهم فاما
الرجال فهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وأبو حذيفة بن عتبة
ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الأسد وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وسهيل بن بيضاء
وأبو سبرة بن أبي رهم العامري قال ويقال بدله حاطب بن عمرو العامري قال فهؤلاء العشرة أول
من خرج من المسلمين إلى الحبشة قال ابن هشام وبلغني انه كان عليهم عثمان بن مظعون واما النسوة
فهن رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وسهلة بنت سهل امرأة أبي حذيفة وأم سلمة بنت أبي
أمية امرأة أبي سلمة وليلى بنت أبي حثمة امرأة عامر بن ربيعة ووافقه الواقدي في سردهن وزاد
اثنين عبد الله بن مسعود وحاطب بن عمرو مع أنه ذكر في أول كلامه انهم كانوا أحد عشر رجلا
فالصواب ما قال ابن إسحاق انه اختلف في الحادي عشر هل هو أبو سبرة أو حاطب واما ابن مسعود
فجزم ابن إسحاق بأنه انما كان في الهجرة الثانية ويؤيده ما روى أحمد بإسناد حسن عن ابن مسعود
قال بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلا فيهم عبد الله بن مسعود
وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن عرفطة وعثمان بن مظعون وأبو موسى الأشعري فذكر الحديث
وقد استشكل ذكر أبي موسى فيهم لان المذكور في الصحيح ان أبا موسى خرج من بلاده هو
وجماعة قاصدا النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فألقتهم السفينة بأرض الحبشة فحضروا مع
جعفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ويمكن الجمع بان يكون أبو موسى هاجر أولا إلى مكة فأسلم
فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع من بعث إلى الحبشة فتوجه إلى بلاد قومه وهم مقابل
الحبشة من الجانب الشرقي فلما تحقق استقرار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمدينة هاجر
143

هو ومن أسلم من قومه إلى المدينة فألقتهم السفينة لأجل هيجان الريح إلى الحبشة فهذا محتمل
وفيه جمع بين الاخبار فليعتمد والله أعلم وعلى هذا فقول أبي موسى بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه
وسلم أي إلى المدينة وليس المراد بلغنا مبعثه ويؤيده انه يبعد كل البعد ان يتأخر علم مبعثه إلى
مضي نحو عشرين سنة ومع الحمل على مخرجه إلى المدينة فلا بد فيه من زيادة استقراره بها وانتصافه
ممن عاداه ونحو ذلك والا فبعيد أيضا ان يخفى عنهم خبر خروجه إلى المدينة ست سنين ويحتمل ان
إقامة أبي موسى بأرض الحبشة طالت لأجل تأخر جعفر عن الحضور إلى المدينة حتى يأتيه الاذن
من النبي صلى الله عليه وسلم بالقدوم واما عثمان بن مظعون فذكر فيهم وإن كان مذكورا في
الأولى لان ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أهل السير ذكروا ان المسلمين بلغهم وهم
بأرض الحبشة ان أهل مكة أسلموا فرجع ناس منهم عثمان بن مظعون إلى مكة فلم يجدوا ما أخبروا
به من ذلك صحيحا فرجعوا وسار معهم جماعة إلى الحبشة وهي الهجرة الثانية وسرد ابن إسحاق
أسماء أهل الهجرة الثانية وهم زيادة على ثمانين رجلا وقال ابن جرير الطبري كانوا اثنين وثمانين
رجلا سوى نسائهم وأبنائهم وشك في عمار بن ياسر هل كان فيهم وبه تتكمل العدة ثلاثة وثمانين
وقيل إن عدة نسائهم كانت ثماني عشرة امرأة (قوله وقالت عائشة أريت دار هجرتكم
الخ) هذا وقع بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة كما سيأتي بيانه موصولا مطولا في باب الهجرة إلى
المدينة (قوله فيه عن أبي موسى وأسماء) اما حديث أبي موسى فسيأتي في آخر الباب واما
حديث أسماء وهي بنت عميس فسيأتي في غزوة خيبر من طريق أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه
بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فذكر الحديث وفيه ودخلت أسماء بنت عميس
وهي ممن قدم معنا على حفصة وقد كانت أسماء هاجرت فيمن هاجر إلى النجاشي الحديث ثم ذكر
قصة الوليد بن عقبة التي مضت في مناقب عثمان وتقدم شرحها مستوفي بتمامه وفيه قوله هنا ان
تكلم خالك والغرض منها قول عثمان وهاجرت الهجرتين الأوليين كما قلت والأوليين بضم الهمزة
وتحتانيتين تثنية أولى وهو على طريق التغليب بالنسبة إلى هجرة الحبشة فإنها كانت أولى وثانية
واما إلى المدينة فلم تكن الا واحدة ويحتمل أن تكون الأولية بالنسبة إلى أعيان من هاجر فإنهم
هاجروا متفرقين فتعدد بالنسبة إليهم فمن أول من هاجر عثمان (قوله وقال يونس) هو ابن يزيد
(وابن أخي الزهري) هو محمد بن عبد الله بن مسلم (عن الزهري) بالاسناد المذكور وطريق يونس
144

وصلها المؤلف في مناقب عثمان واما طريق ابن أخي الزهري فوصلها قاسم بن اصبغ في مصنفه
ومن طريقه ابن عبد البر في تمهيده وهو باللفظ الذي علقه المصنف وهذا التعليق عن هذين وكذا
الذي بعده من التفسير في رواية المستملي وحده (قوله قال أبو عبد الله بلاء من ربكم الخ) وقع في
رواية المستملي وحده أيضا وأورده هنا لقوله قد ابتلاك الله والمراد به الاختبار ولهذا قال هو من
بلوته إذا استخرجت ما عنده واستشهد بقوله نبلو أي نختبر ومبتليكم أي مختبركم ثم استطرد فقال
واما قوله بلاء من ربكم عظيم أي نعم وهو من ابتليته إذا أنعمت عليه والأول من ابتليته إذا
امتحنته وهذا كله كلام أبي عبيدة في المجاز فرقه في مواضعه وتحرير ذلك أن لفظ البلاء من الأضداد
يطلق ويراد به النعمة ويطلق ويراد به النقمة ويطلق أيضا على الاختبار ووقع ذلك كله في القرآن
كقوله تعالى بلاء حسنا فهذا من النعمة والعطية وقوله بلاء عظيم فهذا من النقمة ويحتمل ان
يكون من الاختبار وكذلك قوله ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والابتلاء بلفظ الافتعال
يراد به النقمة والاختبار أيضا * الحديث الثاني حديث عائشة ان أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا كنيسة
رأينها بالحبشة الحديث كانت أم سلمة قد هاجرت في الهجرة الأولى إلى الحبشة مع زوجها أبي سلمة
ابن عبد الأسد كما تقدم بيانه وهاجرت أم حبيبة وهي بنت أبي سفيان في الهجرة الثانية مع زوجها
عبيد الله بن جحش فمات هناك ويقال انه قد تنصر وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعده وقد
تقدم شرح الحديث في كتاب الجنائز * الحديث الثالث حديث أم خالد بنت خالد وهو ابن سعيد بن
العاص بن أمية وكان أبوها ممن هاجر في الهجرة الثانية إلى الحبشة وولدت له هناك فسماها أمة
وكناها أم خالد وأمها أمينة بالتصغير ويقال همينة بالهاء بدل الهمزة بنت خلف الخزاعية (قوله
حدثنا إسحاق بن سعيد السعيدي) هو ابن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص
وجد أبيه سعيد بن العاص
الأصغر هو ابن عم أم خالد المذكورة وسيأتي شرح الحديث في كتاب
اللباس إن شاء الله تعالى * الحديث الرابع حديث عبد الله وهو ابن مسعود وسليمان في الاسناد هو
الأعمش (قوله فلما رجعنا من عند النجاشي) قد قدمت من عند أحمد حديث ابن مسعود انه كان
ممن هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية وتقدم شرح حديث الباب مستوفي في آخر الصلاة وبينت
هناك ان رجوع ابن مسعود من الحبشة وقع لما بلغ المسلمين الذين بالحبشة ان النبي صلى الله عليه
وسلم هاجر إلى المدينة فوصل منهم إلى مكة أكثر من ثلاثين رجلا وكان وصول ابن مسعود إلى
المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى بدر وظهر بما تقدم من أسماء أهل الهجرة الأولى إلى
الحبشة وهم من زعم أن ابن مسعود كان منهم وانما كان من أهل الهجرة الثانية * الحديث الخامس
حديث أبي موسى وهو الأشعري قال بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم أي مبعثه (قوله ونحن
باليمن) أي من بلاد قومهم (قوله فركبنا سفينة) أي لنصل فيها إلى مكة (قوله فألقتنا سفينتنا
إلى النجاشي) كأن الريح هاجت عليهم فما ملكوا أمرهم حتى أوصلتهم بلاد الحبشة (قوله في آخر
145

الحديث فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكم أنتم أهل السفينة هجرتان) سيأتي هذا الحديث في
غزوة خيبر مطولا وفيه البيان بان هذه الجملة الأخيرة انما هي من حديث أسماء بنت عميس كما
أشرت إليه في أول الباب والله أعلم * (تكملة) * ارض الحبشة بالجانب الغربي من بلاد اليمن
ومسافتها طويلة جدا وهم أجناس وجميع فرق السودان يعطون الطاعة لملك الحبشة وكان
في القديم يلقب بالنجاشي واما اليوم فيقال له الحطي بفتح المهملة وكسر الطاء المهملة الخفيفة
بعدها تحتانية خفيفة ويقال انهم من ولد حبش بن كوش بن حام قال ابن دريد جمع الحبش احبوش
بضم أوله واما قولهم الحبشة فعلى غير القياس وقد قالوا أيضا حبشان وقالوا احبش واصل
التحبيش التجميع والله أعلم (قوله باب موت النجاشي) تقدم ذكر اسمه واسم أبيه في
الجنائز وان النجاشي لقب من ملك الحبشة وأفاد ابن التين انه بسكون الياء يعني انها أصلية لا ياء
النسب وحكى غيره تشديدها أيضا وحكى ابن دحية كسر نونه وذكر موته هنا استطرادا لكون
المسلمين هاجروا إليه وانما وقعت وفاته بعد الهجرة سنة تسع عند الأكثر وقيل سنة ثمان قبل فتح
مكة كما ذكره البيهقي في دلائل النبوة وقد استشكل كونه لم يترجم بإسلامه وهذا موضعه وترجم
بموته وانما مات بعد ذلك بزمن طويل والجواب انه لما لم يثبت عنده القصة الواردة في صفة إسلامه
وثبت عنده الحديث الدال على إسلامه وهو صريح في موته ترجم به ليستفاد من الصلاة عليه انه
كان قد أسلم (قوله فصلوا على اخيكم اصحمة) بمهملتين وزن أربعة تقدم ضبطه في كتاب الجنائز
وبيان الاختلاف فيه وانه قيل فيه بالخاء المعجمة (قوله في الرواية الثانية حدثنا سعيد) هو ابن
أبي عروبة (قوله في الرواية الثالثة عن سليم) هو بفتح أوله (قوله تابعه عبد الصمد) هو ابن
عبد الوارث أي ان عبد الصمد تابع يزيد بن هارون في روايته إياه عن سليم بن حيان وقد تقدم بيان
من وصله في كتاب الجنائز (قوله في حديث أبي هريرة عن صالح) هو ابن كيسان (قوله وعن صالح
عن ابن شهاب) هو معطوف على الاسناد الموصول (قوله حدثني سعيد) هو ابن المسيب ووقع في
رواية الكشميهني وحده وأبو سلمة بن عبد الرحمن وهو زيادة لم يتابع عليها ولم يذكرها مسلم في
إسناد هذا الحديث وقد تقدم الكلام على مباحث حديثي الباب في كتاب الجنائز (قوله
باب تقاسم المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم) كان ذلك أول يوم من المحرم سنة سبع
من البعثة وكان النجاشي قد جهز جعفرا ومن معه فقدموا والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وذلك
في صفر منها فلعله مات بعد أن جهزهم وفي الدلائل للبيهقي انه مات قبل الفتح وهو أشبه قال ابن
إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أصحاب المغازي لما رأت قريش ان الصحابة قد نزلوا أرضا
أصابوا بها أمانا وان عمر أسلم وان الاسلام فشى في القبائل اجمعوا على أن يقتلوا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وبني المطلب فأدخلوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم شعبهم ومنعوه ممن أراد قتله فأجابوه إلى ذلك حتى كفارهم فعلوا ذلك حمية على عادة الجاهلية
فلما رأت قريش ذلك اجمعوا أن يكتبوا بينهم وبين بني هاشم والمطلب كتابا ان لا يعاملوهم ولا
يناكحوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا ذلك وعلقوا الصحيفة في جوف
الكعبة وكان كاتبها منصور ابن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي
146

فشلت أصابعه ويقال ان الذي كتبها النضر بن الحارث وقيل طلحة بن أبي طلحة العبدري قال
بن إسحاق فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب فكانوا معه كلهم الا أبا لهب فكان مع
قريش وقيل كان ابتداء حصرهم في المحرم سنة سبع من المبعث قال ابن إسحاق فاقاموا على ذلك
سنتين أو ثلاثا وجزم موسى بن عقبة بأنها كانت ثلاث سنين حتى جهدوا ولم يكن يأتيهم شئ من
الأقوات الا خفية حتى كانوا يؤذون من اطلعوا على أنه أرسل إلى بعض أقاربه شيئا من الصلات
إلى أن قام في نقض الصحيفة نفر من أشدهم في ذلك صنيعا هشام بن عمرو بن الحرث العامري
وكانت أم أبيه تحت هاشم بن عبد مناف قبل ان يتزوجها جده فكان يصلهم وهم في الشعب ثم
مشي إلى زهير بن أبي أمية وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فكلمه في ذلك فوافقه ومشيا جميعا
إلى المطعم بن عدي والى زمعة بن الأسود فاجتمعوا على ذلك فلما جلسوا بالحجر تكلموا في ذلك
وأنكروه وتواطؤوا عليه فقال أبو جهل هذا أمر قضى بليل وفي آخر الامر اخرجوا الصحيفة
فمزقوها وأبطلوا حكمها وذكر ابن هشام انهم وجدوا الأرضة قد اكلت جميع ما فيها الا اسم الله
تعالى واما ابن إسحاق وموسى بن عقبة وعروة فذكروا عكس ذلك أن الأرضة لم تدع اسما لله
تعالى الا أكلته وبقي ما فيها من الظلم والقطيعة فالله اعلم وذكر الواقدي ان خروجهم من الشعب
كان في سنة عشر من المبعث وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين ومات أبو طالب بعد أن خرجوا
بقليل قال ابن إسحاق ومات هو وخديجة في عام واحد فنالت قريش من رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما لم تكن تنله في حياة أبي طالب ولما لم يثبت عند البخاري شئ من هذه القصة اكتفى بإيراد
حديث أبي هريرة لان فيه دلالة على أصل القصة لان الذي أورده أهل المغازي من ذلك كالشرح
لقوله في الحديث تقاسموا على الكفر (قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد حنينا
منزلنا غدا إن شاء الله تعالى بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر) هكذا أورده مختصرا وقد
تقدم في الحج من طريق شعيب عن ابن شهاب الزهري بهذا الاسناد بلفظ قال حين أراد قدوم مكة
وهذا لا يعارض ما في الباب لأنه يحمل على أنه قال ذلك حين أراد دخول مكة في غزوة الفتح وفي
ذلك القدوم غزا حنينا ولكن تقدم أيضا من طريق شعيب عن الزهري بلفظ قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم من الغد يوم النحر وهو بمنى نحن نازلون غدا الحديث وهذا ظاهر في أنه قاله في حجة
الوداع فيحمل قوله في رواية الأوزاعي حين أراد قدوم مكة أي صادرا من منى إليها لطواف الوداع
ويحتمل التعدد وسيأتي بيان ذلك مع بقية شرح الحديث في غزوة الفتح من كتاب المغازي إن شاء
الله تعالى (قوله باب قصة أبي طالب) واسمه عند الجميع عبد مناف وشذ من قال
عمران بل هو قول باطل نقله ابن تيمية في كتاب الرد على الرافضي ان بعض الروافض زعم أن قوله
تعالى ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران ان آل عمران هم آل أبي طالب وان اسم
أبي طالب عمران واشتهر بكنيته وكان شقيق عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك
أوصى به عبد المطلب عند موته إليه فكفله إلى أن كبر واستمر على نصره بعد أن بعث إلى أن مات
أبو طالب وقد ذكرنا انه مات بعد خروجهم من الشعب وذلك في آخر السنة العاشرة من المبعث
وكان يذب عن النبي صلى الله عليه وسلم ويرد عنه كل من يؤذيه وهو مقيم مع ذلك على دين قومه
وقد تقدم قريبا حديث ابن مسعود واما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه واخباره في
147

حياطته والذب عنه معروفة مشهورة ومما اشتهر من شعره في ذلك قوله
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا
وقوله
كذبتم وبيت الله نبري محمدا * ولما نقاتل حوله ونناضل
وقد تقدم شئ من هذه القصيدة في كتاب الاستسقاء وحديث ابن عباس في هذا الباب يشهد لذلك ثم
ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث * الأول (قوله عن يحيى) هو ابن سعيد القطان وسفيان هو
الثوري وعبد الملك هو ابن عمير وعبد الله بن الحرث هو ابن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب والعباس
عم جده (قوله ما أغنيت عن عمك) يعني أبا طالب (قوله كان يحوطك) بضم الحاء المهملة من
الحياطة وهي المراعاة وفيه تلميح إلى ما ذكره ابن إسحاق قال ثم إن خديجة وأبا طالب هلكا في عام
واحد قبل الهجرة بثلاث سنين وكانت خديجة له وزيرة صدق على الاسلام يسكن إليها وكان أبو
طالب له عضدا وناصرا على قومه فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا
فحدثني هشام بن عروة عن أبيه قال فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته يقول ما نالتني قريش
شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب (قوله ويغضب لك) يشير إلى ما كان يرد به عنه من قول وفعل (قوله
هو في ضحضاح) بمعجمتين ومهملتين هو استعارة فان الضحضاح من الماء ما يبلغ الكعب ويقال
أيضا لما قرب من الماء وهو ضد الغمرة والمعنى انه خفف عنه العذاب وقد ذكر في حديث أبي
سعيد ثالث أحاديث الباب انه يجعل في ضحضاح يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه ووقع في حديث ابن
عباس عند مسلم ان أهون أهل النار عذابا أبو طالب له نعلان يغلي منهما دماغه ولأحمد من حديث
أبي هريرة مثله لكن لم يسم أبا طالب وللبزار من حديث جابر قيل للنبي صلى الله عليه وسلم هل نفعت
أبا طالب قال أخرجته من النار إلى ضحضاح منها وسيأتي في أواخر الرقاق من حديث النعمان
ابن بشير نحوه وفي اخره كما يغلي المرجل بالقمقم والمرجل بكسر الميم وفتح الجيم الاناء الذي يغلى فيه
الماء وغيره والقمقم بضم القافين وسكون الميم الأولى معروف وهو الذي يسخن فيه الماء قال ابن
الأثير كذا وقع كما يغلي المرجل بالقمقم وفيه نظر ووقع في نسخة كما يغلي المرجل والقمقم وهذا
أوضح ان ساعدته الرواية انتهى ويحتمل أن تكون الباء بمعنى مع وقيل القمقم هو البسر كانوا
يغلونه على النار استعجالا لنضجه فان ثبت هذا زال الاشكال * (تنبيه) * في سؤال العباس عن
حال أبي طالب ما يدل على ضعف ما أخرجه ابن إسحاق من حديث ابن عباس بسند فيه من لم يسم
ان أبا طالب لما تقارب منه الموت بعد أن عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لا إله إلا الله
فأبى قال فنظر العباس إليه وهو يحرك شفتيه فأصغى إليه فقال يا ابن أخي والله لقد قال أخي
الكلمة التي امرته ان يقولها وهذا الحديث لو كان طريقه صحيحا لعارضه هذا الحديث الذي
هو أصح منه فضلا عن انه لا يصح وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود من حديث
علي قال لما مات أبو طالب قلت يا رسول الله ان عمك الشيخ الضال قد مات قال اذهب فواره قلت إنه
مات مشركا فقال اذهب فواره الحديث ووقفت على جزء جمعه بعض أهل الرفض أكثر
فيه من الأحاديث الواهية الدالة على إسلام أبي طالب ولا يثبت من ذلك شئ وبالله التوفيق وقد
لخصت ذلك في ترجمة أبي طالب من كتاب الإصابة * الحديث الثاني (قوله حدثنا محمود) هو ابن
148

غيلان (قوله عن أبيه) هو حزن بفتح المهملة وسكون الزاي أي ابن أبي وهب المخزومي (قوله إن أبا
طالب لما حضرته الوفاة) أي قبل ان يدخل في الغرغرة (قوله أحاج) بتشديد الجيم واصله أحاجج وقد
تقدم في أواخر الجنائز بلفظ اشهد لك بها عند الله وكأنه عليه الصلاة والسلام فهم من امتناع
أبي طالب من الشهادة في تلك الحالة انه ظن أن ذلك لا ينفعه لوقوعه عند الموت أو لكونه لم يتمكن
من سائر الأعمال كالصلاة وغيرها فلذلك ذكر له المحاججة واما لفظ الشهادة فيحتمل ان يكون ظن
أن ذلك لا ينفعه إذ لم يحضره حينئذ أحد من المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم فطيب قلبه بأن
يشهد له بها فينفعه وفي رواية أبي حازم عن أبي هريرة عند أحمد فقال أبو طالب لولا أن تعيرني
قريش يقولون ما حمله عليه الا جزع الموت لأقررت بها عينك واخرج ابن إسحاق من حديث ابن
عباس نحوه (قوله وعبد الله بن أبي أمية) أي ابن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن محزوم وهو أخو أم
سلمة التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وقد أسلم عبد الله هذا يوم الفتح واستشهد في
تلك السنة في غزوة حنين (قوله على ملة عبد المطلب) خبر مبتدأ محذوف أي هو وثبت كذلك في
طريق أخرى (قوله فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى
من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ونزلت انك لا تهدي من أحببت) اما نزول هذه الآية الثانية
فواضح في قصة أبي طالب واما نزول التي قبلها ففيه نظر ويظهر ان المراد ان الآية المتعلقة
بالاستغفار نزلت بعد أبي طالب بمدة وهي عامة في حقه وفي حق غيره ويوضح ذلك ما سيأتي في
التفسير بلفظ فأنزل الله بعد ذلك ما كان للنبي والذين آمنوا الآية وانزل في أبي طالب انك لا تهدي
من أحببت ولأحمد من طريق أبي حازم عن أبي هريرة في قصة أبي طالب قال فأنزل الله انك
لا تهدي من أحببت وهذا كله ظاهر في أنه مات على غير الاسلام ويضعف ما ذكره السهيلي انه
رأى في بعض كتب المسعودي انه أسلم لان مثل ذلك لا يعارض ما في الصحيح * الحديث الثالث
(قوله حدثني ابن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد وهو المراد بقوله في الرواية الثانية
عن يزيد بهذا أي الاسناد والمتن الا ما نبه عليه (قوله عن عبد الله بن خباب) أي المدني الأنصاري
مولاهم وكان من ثقات المدنيين ولم أر له رواية عن غير أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وروى
عنه جماعة من التابعين من أقرانه ومن بعده (قوله وذكره عنده عمه) زاد في رواية أخرى عن ابن
الهاد الآتية في الرقاق أبو طالب ويؤخذ من الحديث الأول ان الذاكر هو العباس بن عبد المطلب
لأنه الذي سأل عن ذلك (قوله يبلغ كعبيه) قال السهيلي الحكمة فيه ان أب ا طالب كان تابعا
لرسول الله صلى الله عليه وسلم بجملته الا انه استمر ثابت القدم على دين قومه فسلط العذاب على
قدميه خاصة لتثبيته إياهما على دين قومه كذا قال ولا يخلو عن نظر (قوله يغلي منه دماغه) وفي
الرواية التي تليها يغلي منه أم دماغه قال الداودي المراد أم رأسه وأطلق على الرأس الدماغ من
تسمية الشئ بما يقاربه ويجاوره ووقع في رواية ابن إسحاق يغلي منه دماغه حتى يسيل على قدمه
وفي الحديث جواز زيارة القريب المشرك وعيادته وان التوبة مقبولة ولو في شدة مرض الموت
حتى يصل إلى المعاينة فلا يقبل لقوله تعالى فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا وان الكافر إذا شهد
شهادة الحق نجا من العذاب لان الاسلام يجب ما قبله وان عذاب الكفار متفاوت والنفع الذي
حصل لأبي طالب من خصائصه ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وانما عرض النبي صلى الله عليه وسلم
149

عليه أن يقول لا إله إلا الله ولم يقل فيها محمد رسول الله لان الكلمتين صارتا كالكلمة الواحدة
ويحتمل ان يكون أبو طالب كان يتحقق انه رسول الله ولكن لا يقر بتوحيد الله ولهذا قال
في الأبيات النونية
ودعوتني وعلمت انك صادق * ولقد صدقت وكنت قبل أمينا
فاقتصر على امره له بقول لا إله إلا الله فإذا أقر بالتوحيد لم يتوقف على الشهادة بالرسالة (تكملة)
من عجائب الاتفاق ان الذين ادركهم الاسلام من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم أربعة لم يسلم
منهم اثنان واسلم اثنان وكان اسم من لم يسلم ينافي أسامي المسلمين وهما أبو طالب واسمه عبد مناف
وأبو لهب واسمه عبد العزى بخلاف من أسلم وهما حمزة والعباس (قوله حديث الاسراء وقول
الله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) سيأتي البحث في لفظ أسرى في تفسير سورة سبحان إن
شاء الله تعالى قال ابن دحية جنح البخاري إلى أن ليلة الاسراء كانت غير ليلة المعراج لأنه أفرد لكل
منهما ترجمة (قلت) ولا دلالة في ذلك على التغاير عنده بل كلامه في أول الصلاة ظاهر في اتحادهما
وذلك أنه ترجم باب كيف فرضت الصلاة ليلة الاسراء والصلاة انما فرضت في المعراج فدل على
اتحادهما عنده وانما أفرد كلا منهما بترجمة لان كلا منهما يشتمل على قصة مفردة وان كانا وقعا معا
وقد روى كعب الأحبار ان باب السماء الذي يقال له مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس فأخذ
منه بعض العلماء ان الحكمة في الاسراء إلى بيت المقدس قبل العروج ليحصل العروج مستويا
من غير تعويج وفيه نظر لورود ان في كل سماء بيتا معمورا وان الذي في السماء الدنيا حيال الكعبة
وكان المناسب ان يصعد من مكة ليصل إلى البيت المعمور بغير تعويج لأنه صعد من سماء إلى سماء
إلى البيت المعمور وقد ذكر غيره مناسبات أخرى ضعيفة فقيل الحكمة في ذلك أن يجمع صلى الله
عليه وسلم في تلك الليلة بين رؤية القبلتين أو لان بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء قبله فحصل له
الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين اشتات الفضائل أو لأنه محل الحشر وغالب ما اتفق له في تلك الليلة
يناسب الأحوال الأخروية فكان المعراج منه أليق بذلك أو للتفاؤل بحصول أنواع التقديس له
حسا ومعنى أو ليجتمع بالأنبياء جملة كما سيأتي بيانه وسيأتي مناسبة أخرى للشيخ ابن أبي جمرة قريبا
والعلم عند الله وقد اختلف السلف بحسب اختلاف الأخبار الواردة فمنهم من ذهب إلى أن
الاسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسد النبي صلى الله عليه وسلم وروحه بعد المبعث
والى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين وتواردت عليه ظواهر الأخبار
الصحيحة ولا ينبغي العدول عن ذلك إذ ليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج إلى تأويل نعم جاء في بعض الأخبار
ما يخالف بعض ذلك فجنح لأجل ذلك بعض أهل العلم منهم إلى أن ذلك كله وقع مرتين مرة في
المنام توطئة وتمهيدا ومرة ثانية في اليقظة كما وقع نظير ذلك في ابتداء مجئ الملك بالوحي فقد قدمت في
أول الكتاب ما ذكره ابن ميسرة التابعي الكبير وغيره ان ذلك وقع في المنام وانهم جمعوا بينه وبين
حديث عائشة بان ذلك وقع مرتين والى هذا ذهب المهلب شارح البخاري وحكاه عن طائفة وأبو
نصر بن القشيري ومن قبلهم أبو سعيد في شرف المصطفى قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم معاريج
منها ما كان في اليقظة ومنها ما كان في المنام وحكاه السهيلي عن ابن العربي واختاره وجوز بعض
قائلي ذلك أن تكون قصة المنام وقعت قبل المبعث لأجل قول شريك في روايته عن أنس وذلك قبل
150

ان يوحى إليه وقد قدمت في آخر صفة النبي صلى الله عليه وسلم بيان ما يرتفع به الاشكال ولا يحتاج
معه إلى هذا التأويل ويأتي بقية شرحه في الكلام على حديث شريك وبيان ما خالفه فيه غيره من
الرواة والجواب عن ذلك وشرحه مستوفى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى وقال بعض
المتأخرين كانت قصة الاسراء في ليلة المعراج في ليلة متمسكا بما ورد في حديث أنس من رواية
شريك من ترك ذكر الاسراء وكذا في ظاهر حديث مالك بن صعصعة هذا ولكن ذلك لا يستلزم
التعدد بل هو محمول على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الاخر كما سنبينه وذهب بعضهم إلى أن
الاسراء كان في اليقظة والمعراج كان في المنام أو ان الاختلاف في كونه يقظة أو مناما خاص
بالمعراج لا بالاسراء ولذلك لما أخبر به قريشا كذبوه في الاسراء واستبعدوا وقوعه ولم يتعرضوا
للمعراج وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى قال سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى
المسجد الأقصى فلو وقع المعراج في اليقظة لكان ذلك أبلغ في الذكر فلما لم يقع ذكره في هذا الموضع
مع كون شانه أعجب وأمره أغرب من الاسراء بكثير دل على أنه كان مناما واما الاسراء فلو كان
مناما لما كذبوه ولا استنكروه لجواز وقوع مثل ذلك وأبعد منه لآحاد الناس وقيل كان الاسراء
مرتين في اليقظة فالأولى رجع من بيت المقدس وفي صبيحته أخبر قريشا بما وقع والثانية أسري به
إلى بيت المقدس ثم عرج به من ليلته إلى السماء إلى اخر ما وقع ولم يقع لقريش في ذلك اعتراض لان
ذلك عندهم من جنس قوله إن الملك يأتيه من السماء في أسرع من طرفة عين وكانوا يعتقدون
استحالة ذلك مع قيام الحجة على صدقه بالمعجزات الباهرة لكنهم عاندوا في ذلك واستمروا على تكذيبه
فيه بخلاف اخباره انه جاء بيت المقدس في ليلة واحدة ورجع فإنهم صرحوا بتكذيبه فيه فطلبوا
منه نعت بيت المقدس لمعرفتهم به وعلمهم بأنه ما كان رآه قبل ذلك فأمكنهم استعلام صدقه في ذلك
بخلاف المعراج ويؤيد وقوع المعراج عقب الاسراء في ليلة واحدة رواية ثابت عن أنس عند مسلم
ففي أوله أتيت بالبراق فركبت حتى أتيت بيت المقدس فذكر القصة إلى أن قال ثم عرج بنا إلى
السماء الدنيا وفي حديث أبي سعيد الخدري عند ابن إسحاق فلما فرغت مما كان في بيت المقدس
أتي بالمعراج فذكر الحديث ووقع في أول حديث مالك بن صعصعة ان النبي صلى الله عليه وسلم
حدثهم عن ليلة أسري به فذكر الحديث فهو وان لم يذكر فيه الاسراء إلى بيت المقدس فقد أشار
إليه وصرح به في روايته فهو المعتمد واحتج من زعم أن الاسراء وقع مفردا بما أخرجه البزار
والطبراني وصححه البيهقي في الدلائل من حديث شداد بن أوس قال قلنا يا رسول الله كيف
أسري بك قال صليت صلاة العتمة بمكة فأتاني جبريل بداية فذكر الحديث في مجيئه بيت المقدس
وما وقع له فيه قال ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا فذكره قال ثم أتيت أصحابي قبل
الصبح بمكة وفي حديث أم هانئ عند ابن إسحاق وأبي يعلى نحو ما في حديث أبي سعيد هذا فإن ثبت
ان المعراج كان مناما على ظاهر رواية شريك عن أنس فينتظم من ذلك أن الاسراء وقع مرتين مرة
على انفراده ومرة مضموما إليه المعراج وكلاهما في اليقظة والمعراج وقع مرتين مرة في المنام على
انفراده توطئة وتمهيدا ومرة في اليقظة مضموما إلى الاسراء واما كونه قبل البعث فلا يثبت
ويأتي تأويل ما وقع في رواية شريك إن شاء الله تعالى وجنح الإمام أبو شامة إلى وقوع المعراج
مرارا واستند إلى ما أخرجه البزار وسعيد بن منصور من طريق أبي عمران الجوني عن أنس رفعه
151

قال بينا انا جالس إذ جاء جبريل فوكز بين كتفي فقمنا إلى شجرة فيها مثل وكري الطائر فقعدت
في أحدهما وقعد جبريل في الاخر فارتفعت حتى سدت الخافقين الحديث وفيه ففتح لي باب من
السماء ورأيت النور الأعظم وإذا دونه حجاب رفرف الدر والياقوت ورجاله لا بأس بهم الا ان
الدارقطني ذكر له علة تقتضي إرساله وعلى كل حال فهي قصة أخرى الظاهر أنها وقعت بالمدينة
ولا بعد في وقوع أمثالها وانما المستبعد وقوع التعدد في قصة المعراج التي وقع فيها سؤاله عن كل
نبي وسؤال أهل كل باب هل بعث إليه وفرض الصلوات الخمس وغير ذلك فان تعدد ذلك في اليقظة
لا يتجه فيتعين رد بعض الروايات المختلفة إلى بعض أو الترجيح الا انه لا بعد في جميع وقوع ذلك في
المنام توطئة ثم وقوعه في اليقظة على وفقه كما قدمته ومن المستغرب قول ابن عبد السلام في
تفسيره كان الاسراء في النوم واليقظة ووقع بمكة والمدينة فإن كان يريد تخصيص المدينة بالنوم
ويكون كلامه على طريق اللف والنشر غير المرتب فيحتمل ويكون الاسراء الذي اتصل به
المعراج وفرضت فيه الصلوات في اليقظة بمكة والاخر في المنام بالمدينة وينبغي ان يزاد فيه ان
الاسراء في المنام تكرر بالمدينة النبوية وفي الصحيح حديث سمرة الطويل الماضي في الجنائز وفي
غيره حديث عبد الرحمن بن سمرة الطويل وفي الصحيح حديث ابن عباس في رؤياه الأنبياء وحديث
ابن عمر في ذلك وغير ذلك والله أعلم (قوله سبحان) أصلها للتنزيه وتطلق في موضع التعجب فعلى
الأول المعنى تنزه الله عن أن يكون رسوله كذابا وعلى الثاني عجب الله عباده بما أنعم به على رسوله
ويحتمل أن تكون بمعنى الامر أي سبحوا الذي أسرى (قوله أسرى) مأخوذ من السرى وهو سير
الليل تقول أسرى وسرى إذا سار ليلا بمعنى هذا قول الأكثر وقال الحوفي أسرى سار ليلا وسرى
سار نهارا وقيل أسرى سار من أول الليل وسرى سار من اخره وهذا أقرب والمراد بقوله أسرى
بعبده أي جعل البراق يسري به كما يقال أمضيت كذا أي جعلته يمضي وحذف المفعول لدلالة
السياق عليه ولان المراد ذكر المسري به لا ذكر الدابة والمراد بقوله بعبده محمد عليه الصلاة
والسلام اتفاقا والضمير لله تعالى والإضافة للتشريف وقوله ليلا ظرف للاسراء وهو للتأكيد
وفائدته رفع توهم المجاز لأنه قد يطلق على سير النهار أيضا ويقال بل هو إشارة إلى أن ذلك وقع في
بعض الليل لا في جميعه والعرب تقول سرى فلان ليلا إذا سار بعضه وسرى ليلة إذا سار جميعها ولا
يقال أسرى ليلا الا إذا وقع سيره في أثناء الليل وإذا وقع في أوله يقال أدلج ومن هذا قوله تعالى
في قصة موسى وبني إسرائيل فأسر بعبادي ليلا أي من وسط الليل (قوله سمعت جابر بن عبد الله)
كذا في رواية الزهري عن أبي سلمة وخالفه عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة فقال عن أبي هريرة
أخرجه مسلم وهو محمول على أن لأبي سلمة فيه شيخين لان في رواية عبد الله بن الفضل زيادة ليست
في رواية الزهري (قوله لما كذبني) في رواية الكشميهني كذبتني بزيادة مثناة وكلاهما جائز وقد
وقع بيان ذلك في طرق أخرى فروى البيهقي في الدلائل من طريق صالح بن كيسان عن الزهري
عن أبي سلمة قال افتتن ناس كثير يعني عقب الاسراء فجاء ناس إلى أبي بكر فذكروا له فقال اشهد أنه
صادق فقالوا وتصدقه بأنه اتى الشام في ليلة واحدة ثم رجع إلى مكة قال نعم اني أصدقه بأبعد من
ذلك أصدقه بخبر السماء قال فسمي بذلك الصديق قال سمعت جابرا يقول فذكر الحديث وفي
حديث ابن عباس عند أحمد والبزار بإسناد حسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان
152

ليلة أسري بي وأصبحت بمكة مر بي عدو الله أبو جهل فقال هل كان من شئ قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم اني أسري بي الليلة إلى بيت المقدس قال ثم أصبحت بين أظهرنا قال نعم قال فان
دعوت قومك أتحدثهم بذلك قال نعم قال يا معشر بني كعب بن لؤي قال فانفضت إليه المجالس حتى
جاءوا إليهما فقال حدث قومك بما حدثتني فحدثتهم قال فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه
متعجبا قالوا وتستطيع ان تنعت لنا المسجد الحديث ووقع في غير هذه الرواية بيان ما رآه ليلة
الاسراء فمن ذلك ما وقع عند النسائي من رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل الحديث وفيه فركبت ومعي جبريل فسرت
فقال انزل فصل ففعلت فقال أتدري أين صليت صليت بطيبة واليها المهاجرة يعني بفتح الجيم
ووقع في حديث شداد بن أوس عند البزار والطبراني انه أول ما أسري به مر بأرض ذات نخل فقال
له جبريل انزل فصل فنزل فصلى فقال صليت بيثرب ثم قال في روايته ثم قال انزل فصل مثل الأول
قال صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى ثم قال انزل فذكر مثله قال صليت ببيت لحم حيث ولد
عيسى وقال في رواية شداد بعد قوله يثرب ثم مر بأرض بيضاء فقال انزل فصل فقال صليت بمدين
وفيه انه دخل المدينة من بابها اليماني فصلى في المسجد وفيه انه مر في رجوعه بعير لقريش فسلم
عليهم فقال بعضهم هذا صوت محمد وفيه انه أعلمهم بذلك وان عيرهم تقدم في يوم كذا فقدمت
الظهر يقدمهم الجمل الذي وصفه وزاد في رواية يزيد بن أبي مالك ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي
الأنبياء فقدمني جبريل حتى أممتهم وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة عن أنس عند البيهقي في
الدلائل انه مر بشئ يدعوه متنحيا عن الطريق فقال له جبريل سر وانه مر على عجوز فقال ما هذه
فقال سر وانه مر بجماعة فسلموا فقال له جبريل أردد عليهم وفي اخره فقال له الذي دعاك إبليس
والعجوز الدنيا والذين سلموا إبراهيم وموسى وعيسى وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني والبزار
انه مر بقوم يزرعون ويحصدون كلما حصدوا عاد كما كان قال جبريل هؤلاء المجاهدون ومر بقوم
ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت قال هؤلاء الذين تثاقل رؤوسهم عن الصلاة ومر بقوم على
عوراتهم رقاع يسرحون كالانعام قال هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة ومر بقوم يأكلون لحما نيئا
خبيثا ويدعون لحما نضيجا طيبا قال هؤلاء الزناة ومر برجل جمع حزمة حطب لا يستطيع حملها ثم
هو يضم إليها غيرها قال هذا الذي عنده الأمانة لا يؤديها وهو يطلب أخرى ومر بقوم تقرض
ألسنتهم وشفاههم كلما قرضت عادت قال هؤلاء خطباء الفتنة ومر بثور عظيم يخرج من ثقب صغير
يريد ان يرجع فلا يستطيع قال هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم فيريد ان يردها فلا يستطيع وفي حديث أبي هريرة عند البزار والحاكم انه صلى ببيت المقدس مع الملائكة وانه اتي هناك
بأرواح الأنبياء فأثنوا على الله وفيه قول إبراهيم لقد فضلكم محمد وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم
عن أنس ثم بعث له آدم فمن دونه فأمهم تلك الليلة أخرجه الطبراني وعند مسلم من رواية عبد الله
ابن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه ثم حانت الصلاة فأممتهم وفي حديث أبي أمامة عند
الطبراني في الأوسط ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمدا وفيه ثم مر بقوم بطونهم أمثال
البيوت كلما نهض أحدهم خر وان جبريل قال له هم آكلو الربا وانه مر بقوم مشافرهم كالإبل
يلتقمون حجرا فيخرج من أسافلهم وان جبريل قال له هؤلاء اكلة أموال اليتامى (قوله فجلى الله
153

لي بيت المقدس) قيل معناه كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته ووقع في رواية عبد الله بن الفضل
عن أم سلمة عند مسلم المشار إليها قال فسألوني عن أشياء لم أثبتها فكربت كربا لم أكرب مثله قط
فرفع الله لي بيت المقدس انظر إليه ما يسألوني عن شئ الا نبأتهم به ويحتمل ان يريد انه حمل إلى أن
وضع بحيث يراه ثم أعيد وفي حديث ابن عباس المذكور فجئ بالمسجد وانا انظر إليه
حتى وضع عند دار عقيل فنعته وانا انظر إليه وهذا أبلغ في المعجزة ولا استحالة فيه فقد
أحضر عرش بلقيس في طرفة عين لسليمان وهو يقتضي انه أزيل من مكانه حتى أحضر إليه
وما ذاك في قدرة الله بعزيز ووقع في حديث أم هانئ عند ابن سعد فخيل لي بيت المقدس
فطفقت أخبرهم عن آياته فإن لم يكن مغيرا من قوله فجلى وكان ثابتا احتمل ان يكون المراد انه مثل
قريبا منه كما تقدم نظيره في حديث أريت الجنة والنار وتأول قوله جئ بالمسجد أي جئ بمثاله
والله أعلم ووقع في حديث شداد بن أوس عند البزار والطبراني ما يؤيد الاحتمال الأول ففيه ثم
مررت بعير لقريش فذكر القصة ثم أتيت أصحابي بمكة قبل الصبح فأتاني أبو بكر فقال أين كنت
الليلة فقال اني أتيت بيت المقدس فقال إنه مسيرة شهر فصفه لي قال ففتح لي شراك كأني انظر إليه
لا يسألني عن شئ الا أنبأته عنه وفي حديث أم هانئ أيضا انهم قالوا له كم للمسجد باب قال ولم
أكن عددتها فجعلت انظر إليه واعدها بابا بابا وفيه عند أبي يعلى ان الذي سأله عن صفة بيت
المقدس هو المطعم بن عدي والد جبير بن مطعم وفيه من الزيادة فقال رجل من القوم هل مررت بابل
لنا في مكان كذا وكذا قال نعم والله قد وجدتهم قد أضلوا بعيرا لهم فهم في طلبه ومررت بابل بني
فلان انكسرت لهم ناقة حمراء قالوا فأخبرنا عن عدتها وما فيها من الرعاة قال كنت عن عدتها
مشغولا فقام فاتى الإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاء ثم اتى قريشا فقال هي كذا وكذا وفيها من
الرعاء فلان وفلان فكان كما قال قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة الحكمة في الاسراء إلى بيت
المقدس قبل العروج إلى السماء إرادة إظهار الحق لمعاندة من يريد إخماده لأنه لو عرج به من مكة
إلى السماء لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلا إلى البيان والايضاح فلما ذكر انه أسري به إلى بيت المقدس
سألوه عن تعريفات جزئيات من بيت المقدس كانوا رأوها وعلموا انه لم يكن رآها قبل ذلك فلما
أخبرهم بها حصل التحقيق بصدقه فيما ذكر من الاسراء إلى بيت المقدس في ليلة وإذا صح خبره في
ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكره فكان ذلك زيادة في ايمان المؤمن وزيادة في شقاء الجاحد والمعاند
انتهى ملخصا (قوله باب المعراج) كذا للأكثر وللنسفي قصة المعراج وهو بكسر الميم
وحكى ضمها من عرج بفتح الراء يعرج بضمها إذا صعد وقد اختلف في وقت المعراج فقيل كان
قبل المبعث وهو شاذ الا ان حمل على أنه وقع حينئذ في المنام كما تقدم وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد
المبعث ثم اختلفوا فقيل قبل الهجرة بسنة قاله ابن سعد وغيره وبه جزم النووي وبالغ ابن حزم
فنقل الاجماع فيه وهو مردود فان في ذلك اختلافا كثيرا يزيد على عشرة أقوال منها ما حكاه ابن
الجوزي انه كان قبلها بثمانية أشهر وقيل بستة أشهر وحكى هذا الثاني أبو الربيع بن سالم وحكى
ابن حزم مقتضى الذي قبله لأنه قال كان في رجب سنة اثنتي عشرة من النبوة وقيل بأحد عشر
شهرا جزم به إبراهيم الحربي حيث قال كان في ربيع الاخر قبل الهجرة بسنة ورجحه ابن المنير
في شرح السيرة لابن عبد البر وقيل قبل الهجرة بسنة وشهرين حكاه ابن عبد البر وقيل قبلها بسنة
154

وثلاثة أشهر حكاه ابن فارس وقيل بسنة وخمسة أشهر قاله السدي وأخرجه من طريقه الطبري
والبيهقي فعلى هذا كان في شوال أو في رمضان على الغاء الكسرين منه ومن ربيع الأول وبه
جزم الواقدي وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره ابن قتيبة وحكاه ابن عبد البر انه كان قبلها بثمانية عشر
شهرا وعند ابن سعد عن ابن أبي سبرة انه كان في رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا وقيل
كان في رجب حكاه ابن عبد البر وجزم به النووي في الروضة وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين
حكاه ابن الأثير وحكى عياض وتبعه القرطبي والنووي عن الزهري انه كان قبل الهجرة بخمس
سنين ورجحه عياض ومن تبعه واحتج بأنه لا خلاف ان خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة
ولا خلاف انها توفيت قبل الهجرة اما بثلاث أو نحوها واما بخمس ولا خلاف ان فرض الصلاة
كان ليلة الاسراء (قلت) في جميع ما نفاه من الخلاف نظر اما أولا فان العسكري حكى انها ماتت
قبل الهجرة بسبع سنين وقيل بأربع وعن ابن الأعرابي انها ماتت عام الهجرة واما ثانيا فان
فرض الصلاة اختلف فيه فقيل كان من أول البعثة وكان ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي
وانما الذي فرض ليلة الاسراء الصلوات الخمس واما ثالثا فقد تقدم في ترجمة خديجة في الكلام
على حديث عائشة في بدء الخلق ان عائشة جزمت بأن خديجة ماتت قبل ان تفرض الصلاة فالمعتمد
ان مراد من قال بعد أن فرضت الصلاة ما فرض قبل الصلوات الخمس ان ثبت ذلك ومراد عائشة
بقولها ماتت قبل ان تفرض الصلاة أي الخمس فيجمع بين القولين بذلك ويلزم منه انها ماتت قبل
الاسراء واما رابعا ففي سنة موت خديجة اختلاف اخر فحكى العسكري عن الزهري انها ماتت
لسبع مضين من البعثة وظاهره ان ذلك قبل الهجرة بست سنين فرعه العسكري على قول من قال إن
المدة بين البعثة والهجرة كانت عشرا (قوله عن أنس) تقدم في أول بدء الخلق من وجه اخر
عن قتادة حدثنا أنس (قوله عن مالك بن صعصعة) أي ابن وهب بن عدي بن مالك الأنصاري من
بني النجار ماله في البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث ولا يعرف روي عنه الا أنس بن مالك
(قوله حدثه عن ليلة أسري) كذا للأكثر وللكشميهني أسري به وكذا للنسفي وقوله أسري به
صفة ليلة أي أسري به فيها (قوله في الحطيم وربما قال في الحجر هو شك من قتادة كما بينه أحمد
عن عفان عن همام ولفظه بينا انا نائم في الحطيم وربما قال قتادة قال في الحجر والمراد بالحطيم هنا
الحجر وأبعد من قال المراد به ما بين الركن والمقام أو بين زمزم والحجر وهو وإن كان مختلفا في
الحطيم هل هو الحجر أم لا كما تقدم قريبا في باب بنيان الكعبة لكن المراد هنا بيان البقعة التي
وقع ذلك فيها ومعلوم انها لم تتعدد لان القصة متحدة لاتحاد مخرجها وقد تقدم في أول بدء الخلق
بلفظ بينا انا عند البيت وهو أعم ووقع في رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر فرج سقف بيتي
وانا بمكة وفي رواية الواقدي بأسانيده انه أسري به من شعب أبي طالب وفي حديث أم هانئ عند
الطبراني انه بات في بيتها قال ففقدته من الليل فقال إن جبريل أتاني والجمع بين هذه الأقوال
انه نام في بيت أم هانئ وبيتها عند شعب أبي طالب ففرج سقف بيته وأضاف البيت إليه لكونه
كان يسكنه فنزل منه الملك فأخرجه من البيت إلى المسجد فكان به مضطجعا وبه اثر النعاس
ثم أخرجه الملك إلى باب المسجد فأركبه البراق وقد وقع في مرسل الحسن عند ابن إسحاق
ان جبريل أتاه فأخرجه إلى المسجد فأركبه البراق وهو يؤيد هذا الجمع وقيل الحكمة في نزوله
155

عليه من السقف الإشارة إلى المبالغة في مفاجأته بذلك والتنبيه على أن المراد منه ان يعرج
به إلى جهة العلو (قوله مضطجعا) زاد في بدء الخلق بين النائم واليقظان وهو محمول على
ابتداء الحال ثم لما خرج به إلى باب المسجد فأركبه البراق استمر في يقظته واما ما وقع في رواية
شريك الآتية في التوحيد في اخر الحديث فلما استيقظت فان قلنا بالتعدد فلا اشكال والا حمل
على أن المراد باستيقظت أفقت أي انه افاق مما كان فيه من شغل البال بمشاهدة ا لملكوت ورجع
إلى العالم الدنيوي وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة لو قال صلى الله عليه وسلم انه كان يقظان لاخبر
بالحق لان قلبه في النوم واليقظة سواء وعينه أيضا لم يكن النوم تمكن منها لكنه تحرى صلى الله
عليه وسلم الصدق في الاخبار بالواقع فيؤخذ منه انه لا يعدل عن حقيقة اللفظ للمجاز الا لضرورة
(قوله إذ أتاني آت) هو جبريل كما تقدم ووقع في بدء الحق بلفظ وذكر بين الرجلين وهو مختصر وقد
أوضحته رواية مسلم من طريق سعيد عن قتادة بلفظ إذ سمعت قائلا يقول أحد الثلاثة بين الرجلين
فأتيت فانطلق بي وتقدم في أول الصلاة ان المراد بالرجلين حمزة وجعفر وان النبي صلى الله عليه
وسلم كان نائما بينهما ويستفاد منه ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من التواضع وحسن الخلق
وفيه جواز نوم جماعة في موضع واحد وثبت من طرق أخرى انه يشترط ان لا يجتمعوا في لحاف
واحد (قوله فقد) بالقاف والدال الثقيلة (قال وسمعته يقول فشق) القائل قتادة والمقول عنه أنس
ولأحمد قال قتادة وربما سمعت أنسا يقول فشق (قوله فقلت للجارود) لم أر من نسبه من الرواة
ولعله ابن أبي سبرة البصري صاحب أنس فقد اخرج له أبو داود من روايته عن أنس حديثا غير
هذا (قوله من ثغرة) بضم المثلثة وسكون المعجمة وهي الموضع المنخفض الذي بين الترقوتين (قوله
إلى شعرته) بكسر المعجمة أي شعر العانة وفي رواية مسلم إلى أسفل بطنه وفي بدء الخلق من النحر
إلى مراق بطنه وتقدم ضبطه في أوائل الصلاة (قوله من قصه) بفتح القاف وتشديد المهملة أي
رأس صدره (قوله إلى شعرته) ذكر الكرماني انه وقع إلى ثنته بضم المثلثة وتشديد النون ما بين
السرة والعانة وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الاسراء وقال انما كان ذلك وهو صغير
في بني سعد ولا إنكار في ذلك فقد تواردت الروايات به وثبت شق الصدر أيضا عند البعثة كما أخرجه
أبو نعيم في الدلائل ولكل منهما حكمة فالأول وقع فيه من الزيادة كما عند مسلم من حديث أنس
فأخرج علقة فقال هذا حظ الشيطان منك وكان هذا في زمن الطفولية فنشأ على أكمل الأحوال
من العصمة من الشيطان ثم وقع شق الصدر عند البعث زيادة في اكرامه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب
قوي في أكمل الأحوال من التطهير ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهب
للمناجاة ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة في الاسباغ بحصول المرة الثالثة
كما تقرر في شرعه صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن تكون الحكمة في انفراج سقف بيته الإشارة إلى
ما سيقع من شق صدره وانه سيلتئم بغير معالجة يتضرر بها وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج
القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته
لصلاحية القدرة فلا يستحيل شئ من ذلك قال القرطبي في المفهم لا يلتفت لانكار الشق ليلة
الاسراء لان رواته ثقات مشاهير ثم ذكر نحو ما تقدم (قوله بطست) بفتح أوله وبكسره وبمثناة
وقد تحذف وهو الأكثر واثباتها لغة طئ وأخطأ من أنكرها (قوله من ذهب) خص الطست
156

لكونه أشهر آلات الغسل عرفا والذهب لكونه أعلى أنواع الأواني الحسية وأصفاها ولان فيه
خواص ليست لغيره ويظهر لها هنا مناسبات منها انه من أواني الجنة ومنها انه لا تأكله النار ولا
التراب ولا يلحقه الصدأ ومنها انه أثقل الجواهر فناسب ثقل الوحي وقال السهيلي وغيره ان نظر
إلى لفظ الذهب ناسب من جهة اذهاب الرجس عنه ولكونه وقع عند الذهاب إلى ربه وان نظر إلى
معناه فلوضاءته ونقائه وصفائه ولثقله ورسوبته والوحي ثقيل قال الله تعالى انا سنلقي عليك
قولا ثقيلا ومن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ولأنه أعز الأشياء في الدنيا والقول هو الكتاب
العزيز ولعل ذلك كان قبل ان يحرم استعمال الذهب في هذه الشريعة ولا يكفي ان يقال إن
المستعمل له كان ممن لم يحرم عليه ذلك من الملائكة لأنه لو كان قد حرم عليه استعماله لنزه ان
يستعمله غيره في أمر يتعلق ببدنه المكرم ويمكن ان يقال إن تحريم استعماله مخصوص بأحوال
الدنيا وما وقع في تلك الليلة كان الغالب انه من أحوال الغيب فيلحق بأحكام الآخرة (قوله مملوءة
كذا بالتأنيث وتقدم في أول الصلاة البحث فيه (قوله ايمانا) زاد في بدء الخلق وحكمة وهما
بالنصب على التمييز قال النووي معناه ان الطست كان فيها شئ يحصل به زيادة في كمال الايمان وكمال
الحكمة وهذا الملء يحتمل ان يكون على حقيقته وتجسيد المعاني جائز كما جاء ان سورة البقرة
تجئ يوم القيامة كأنها ظلة والموت في صورة كبش وكذلك وزن الأعمال وغير ذلك من أحوال
الغيب وقال البيضاوي لعل ذلك من باب التمثيل إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرا كما مثلت له الجنة
والنار في عرض الحائط وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس وقال ابن أبي جمرة فيه ان الحكمة
ليس بعد الايمان أجل منها ولذلك قرنت معه ويؤيده قوله تعالى ومن يؤت الحكمة فقد أوتي
خيرا كثيرا وأصح ما قيل في الحكمة انها وضع الشئ في محله أو الفهم في كتاب الله فعلى التفسير
الثاني قد توجد الحكمة دون الايمان وقد لا توجد وعلى الأول فقد يتلازمان لان الايمان يدل
على الحكمة (قوله فغسل قلبي) في رواية مسلم فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم وفيه فضيلة ماء
زمزم على جميع المياه قال ابن أبي جمرة وانما لم يغسل بماء الجنة لما اجتمع في ماء زمزم من كون
أصل مائها من الجنة ثم استقر في الأرض فأريد بذلك بقاء بركة النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض
وقال السهيلي لما كانت زمزم هزمة جبريل روح القدس لام إسماعيل جد النبي صلى الله عليه وسلم
ناسب ان يغسل بمائها عند دخول حضرة القدوس ومناجاته ومن المناسبات المستبعدة قول
بعضهم ان الطست يناسب طس تلك آيات القرآن (قوله ثم حشي ثم أعيد) زاد في رواية مسلم
مكانه ثم حشي ايمانا وحكمة وفي رواية شريك فحشي به صدره ولغاديده بلام وغين معجمة أي عروق
حلقه وقد اشتملت هذه القصة من خوارق العادة على ما يدهش سامعه فضلا عمن شاهده فقد جرت
العادة بأن من شق بطنه واخرج قلبه يموت لا محالة ومع ذلك فلم يؤثر فيه ذلك ضررا ولا وجعا فضلا
عن غير ذلك قال ابن أبي جمرة الحكمة في شق قلبه مع القدرة على أن يمتلئ قلبه ايمانا وحكمة بغير
شق الزيادة في قوة اليقين لأنه أعطي برؤية شق بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع
المخاوف العادية فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالا ومقالا ولذلك وصف بقوله تعالى ما زاغ
البصر وما طغى واختلف هل كان شق صدره وغسله مختصا به أو وقع لغيره من الأنبياء وقد وقع عند
الطبراني في قصة تابوت بني إسرائيل انه كان فيه الطست التي يغسل فيها قلوب الأنبياء وهذا مشعر
157

بالمشاركة وسيأتي نظير هذا البحث في ركوب البراق (قوله ثم أتيت بدابة) قيل الحكمة في الاسراء
به راكبا مع القدرة على طي الأرض له إشارة إلى أن ذلك وقع تأنيسا له بالعادة في مقام خرق العادة
لان العادة جرت بأن الملك إذا استدعي من يختص به يبعث إليه بما يركبه (قوله دون البغل وفوق
الحمار أبيض) كذا ذكر باعتبار كونه مركوبا أو بالنظر للفظ البراق والحكمة لكونه بهذه الصفة
الإشارة إلى أن الركوب كان في سلم وامن لا في حرب وخوف أو لاظهار المعجزة بوقوع الاسراع
الشديد بدابة لا توصف بذلك في العادة (قوله فقال له الجارود هو البراق يا أبا حمزة قال أنس نعم)
هذا يوضح ان الذي وقع في رواية بدء الخلق بلفظ دون البغل وفوق الحمار البراق أي هو البراق وقع
بالمعنى لان أنسا لم يتلفظ بلفظ البراق في رواية قتادة (قوله يضع خطوه) بفتح المعجمة أوله المرة
الواحدة وبضمها الفعلة (قوله عند أقصى طرفه) بسكون الراء وبالفاء أي نظره أي يضع رجله
عند منتهى ما يرى بصره وفي حديث ابن مسعود عند أبي يعلى والبزار إذا اتى على جبل ارتفعت
رجلاه وإذا هبط ارتفعت يداه وفي رواية لابن سعد عن الواقدي بأسانيده له جناحان ولم أرها لغيره
وعند الثعلبي بسند ضعيف عن ابن عباس في صفة البراق لها خد كخد الانسان وعرف كالفرس
وقوائم كالإبل وأظلاف وذنب كالبقر وكان صدره ياقوتة حمراء قيل ويؤخذ من ترك تسمية سير
البراق طيرانا ان الله إذا أكرم عبدا بتسهيل الطريق له حتى قطع المسافة الطويلة في الزمن اليسير
ان لا يخرج بذلك عن اسم السفر وتجري عليه احكامه والبراق بضم الموحدة وتخفيف الراء مشتق
من البريق فقد جاء في لونه انه أبيض أو من البرق لأنه وصفه بسرعة السير أو من قولهم شاة برقاء إذا
كان خلال صوفها الأبيض طاقات سود ولا ينافيه وصفه في الحديث بأن البراق أبيض لان البرقاء
من الغنم معدودة في البياض انتهى ويحتمل ان لا يكون مشتقا قال ابن أبي جمرة خص البراق
بذلك إشارة إلى الاختصاص به لأنه لم ينقل ان أحدا ملكه بخلاف غير جنسه من الدواب قال
والقدرة كانت صالحة لان يصعد بنفسه من غير براق ولكن ركوب البراق كان زيادة له في تشريفه
لأنه لو صعد بنفسه لكان في صورة ماش والراكب أعز من الماشي (قوله فحملت عليه) في رواية
لأبي سعيد في شرف المصطفى فكان الذي أمسك بركابه جبريل وبزمام البراق ميكائيل وفي رواية
معمر عن قتادة عن أنس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به اتي بالبراق مسرجا ملجما
فاستصعب عليه فقال له جبريل ما حملك على هذا فوالله ما ركبك خلق قط أكرم على الله منه قال
فارفض عرقا أخرجه الترمذي وقال حسن غريب وصححه ابن حبان وذكر ابن إسحاق عن قتادة
انه لما شمس وضع جبريل يده على معرفته فقال اما تستحي فذكر نحوه مرسلا لم يذكر أنسا وفي رواية
وثيمة عن ابن إسحاق فارتعشت حتى لصقت بالأرض فاستويت عليها وللنسائي وابن مردويه
من طريق يزيد بن أبي مالك عن أنس نحوه موصولا وزاد وكانت تسخر للأنبياء قبله ونحوه في
حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق وفيه دلالة على أن البراق كان معدا لركوب الأنبياء خلافا لمن
نفى ذلك كابن دحية وأول قول جبريل فما ركبك أكرم على الله منه أي ما ركبك أحد قط فكيف
يركبك أكرم منه وقد جزم السهيلي ان البراق استصعب عليه لبعد عهده بركوب الأنبياء
قبله قال النووي قال الزبيدي في مختصر العيني وتبعه صاحب التحرير كان الأنبياء يركبون البراق
قال وهذا يحتاج إلى نقل صحيح (قلت) قد ذكرت النقل بذلك ويؤيده ظاهر قوله فربطته بالحلقة
158

التي تربط بها الأنبياء ووقع في المبتدا لابن إسحاق من رواية وثيمة في ذكر الاسراء فاستصعبت البراق
وكانت الأنبياء تركبها قبلي وكانت بعيدة العهد بركوبهم لم تكن ركبت في الفترة وفي مغازي ابن
عائذ من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب قال البراق هي الدابة التي كان يزور إبراهيم عليها
إسماعيل وفي الطبراني من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه ان جبريل اتى النبي صلى الله
عليه وسلم بالبراق فحمله بين يديه وعند أبي يعلى والحاكم من حديث ابن مسعود رفعه أتيت بالبراق
فركبت خلف جبريل وفي حديث حذيفة عند الترمذي والنسائي فما زايلا ظهر البراق وفي
كتاب مكة للفاكهي والأزرقي ان إبراهيم كان يحج على البراق وفي أوائل الروض للسهيلي ان
إبراهيم حمل هاجر على البراق لما سار إلى مكة بها وبولدها فهذه اثار يشد بعضها بعضا وجاءت اثار
أخرى تشهد لذلك لم أر الإطالة بايرادها ومن الاخبار الواهية في صفة البراق ما ذكره الماوردي
عن مقاتل وأورده القرطبي في التذكرة ومن قبله الثعلبي من طريق ابن الكلبي عن أبي صالح عن
ابن عباس قال الموت والحياة جسمان فالموت كبش لا يجد ريحه شئ الا مات والحياة فرس بلقاء
أنثى وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها لا تمر بشئ ولا يجد ريحها شئ الا حيي ومنها ان
البراق لما عاتبه جبريل قال له معتذرا انه مس الصفراء اليوم وان الصفراء صنم من ذهب كان عند
الكعبة وان النبي صلى الله عليه وسلم مر به فقال تبا لمن يعبدك من دون الله وانه صلى الله عليه
وسلم نهى زيد بن حارثة ان يمسه بعد ذلك وكسره يوم فتح مكة قال ابن المنير انما استصعب البراق
تيها وزهوا بركوب النبي صلى الله عليه وسلم عليه وأراد جبريل استنطاقه فلذلك خجل وارفض عرقا
من ذلك وقريب من ذلك رجفة الجبل به حتى قال له أثبت فإنما عليك نبي وصديق وشهيد فإنها هزة
الطرب لا هزة الغضب ووقع في حديث حذيفة عند أحمد قال اتي رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالبراق فلم يزايل ظهره هو وجبريل حتى انتهيا إلى بيت المقدس فهذا لم يسنده حذيفة عن النبي
صلى الله عليه وسلم فيحتمل انه قاله عن اجتهاد ويحتمل ان يكون قوله هو وجبريل يتعلق بمرافقته
في السير لا في الركوب قال ابن دحية وغيره معناه وجبريل قائد أو سائق أو دليل قال وانما جزمنا
بذلك لان قصة المعراج كانت كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم فلا مدخل لغيره فيها (قلت) ويرد
التأويل المذكور ان في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود ان جبريل حمله على البراق رديفا له
وفي رواية الحارث في مسنده اتي بالبراق فركب خلف جبريل فسار بهما فهذا صريح في ركوبه معه
فالله اعلم وأيضا فان ظاهره ان المعراج وقع للنبي صلى الله عليه وسلم على ظهر البراق إلى أن صعد
السماوات كلها ووصل إلى ما وصل ورجع وهو على حاله وفيه نظر لما سأذكره ولعل حذيفة انما أشار
إلى ما وقع في ليلة الاسراء المجردة التي لم يقع فيها معراج على ما تقدم من تقرير وقوع الاسراء مرتين
(قوله فانطلق بي جبريل) في رواية بدء الخلق فانطلقت مع جبريل ولا مغايرة بينهما بخلاف ما نحا
إليه بعضهم من أن رواية بدء الخلق تشعر بأنه ما احتاج إلى جبريل في العروج بل كانا معا بمنزلة
واحدة لكن معظم الروايات جاء باللفظ الأول وفي حديث أبي ذر في أول الصلاة ثم اخذ بيدي فعرج
بي والذي يظهر ان جبريل في تلك الحالة كان دليلا له فيما قصد له فلذلك جاء سياق الكلام يشعر بذلك
(قوله حتى اتى السماء الدنيا) ظاهره انه استمر على البراق حتى عرج إلى السماء وهو مقتضى كلام
ابن أبي جمرة المذكور قريبا وتمسك به أيضا من زعم أن المعراج كان في ليلة غير ليلة الاسراء إلى
159

بيت المقدس فاما العروج ففي غير هذه الرواية من الاخبار انه لم يكن على البراق بل رقي المعراج
وهو السلم كما وقع مصرحا به في حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل ولفظه فإذا انا
بدابة كالبغل مضطرب الاذنين يقال له البراق وكانت الأنبياء تركبه قبلي فركبته فذكر الحديث
قال ثم دخلت انا وجبريل بيت المقدس فصليت ثم أتيت بالمعراج وفي رواية ابن إسحاق سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما فرغت مما كان في بيت المقدس اتي بالمعراج فلم أر قط شيئا
كان أحسن منه وهو الذي يمد إليه الميت عينيه إذا حضر فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى بي إلى
باب من أبواب السماء الحديث وفي رواية كعب فوضعت له مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب
حتى عرج هو وجبريل وفي رواية لأبي سعيد في شرف المصطفى انه اتي بالمعراج من جنة
الفردوس وانه منضد باللؤلؤ وعن يمينه ملائكة وعن يساره ملائكة واما المحتج بالتعدد فلا حجة له
لاحتمال ان يكون التقصير في ذلك الاسراء من الراوي وقد حفظه ثابت عن أنس عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال أتيت بالبراق فوصفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي
تربط بها الأنبياء ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل باناءين فذكر
القصة قال ثم عرج بي إلى السماء وحديث أبي سعيد دال على الاتحاد وقد تقدم شئ من هذا البحث
في أول الصلاة وقوله في رواية ثابت فربطته بالحلقة أنكره حذيفة فروى أحمد والترمذي من
حديث حذيفة قال تحدثون انه ربطه أخاف ان يفر منه وقد سخره له عالم الغيب والشهادة قال
البيهقي المثبت مقدم على النافي يعني من أثبت ربط البراق والصلاة في بيت المقدس معه زيادة علم
على من نفى ذلك فهو أولى بالقبول ووقع في رواية بريدة عند البزار لما كان ليلة أسري به فأتى
جبريل الصخرة التي ببيت المقدس فوضع أصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق ونحوه للترمذي
وأنكر حذيفة أيضا في هذا الحديث انه صلى الله عليه وسلم صلى في بيت المقدس واحتج بأنه لو صلى
فيه لكتب عليكم الصلاة فيه كما كتب عليكم الصلاة في البيت العتيق والجواب عنه منع التلازم
في الصلاة إن كان أراد بقوله كتب عليكم الفرض وان أراد التشريع فنلتزمه وقد شرع النبي صلى
الله عليه وسلم الصلاة في بيت المقدس فقرنه بالمسجد الحرام ومسجده في شد الرحال وذكر فضيلة
الصلاة فيه في غير ما حديث وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي حتى أتيت بيت المقدس فأوثقت
دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها وفيه فدخلت انا وجبريل بيت المقدس فصلى كل واحد
منا ركعتين وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه نحوه وزاد ثم دخلت المسجد
فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد ثم أقيمت الصلاة فأممتهم وفي رواية يزيد بن أبي مالك عن
أنس عند ابن أبي حاتم فلم البث الا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير ثم اذن مؤذن فأقيمت الصلاة فقمنا
صفوفا ننتظر من يؤمنا فأخذ بيدي جبريل فقدمني فصليت بهم وفي حديث ابن مسعود عند
مسلم وحانت الصلاة فأممتهم وفي حديث ابن عباس عند أحمد فلما اتى النبي صلى الله عليه وسلم
المسجد الأقصى قام يصلي فإذا النبيون أجمعون يصلون معه وفي حديث عمر عند أحمد أيضا انه
لما دخل بيت المقدس قال أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم إلى القبلة فصلى
وقد تقدم شئ من ذلك في الباب الذي قبله قال عياض يحتمل ان يكون صلى بالأنبياء جميعا في بيت
المقدس ثم صعد منهم إلى السماوات من ذكر انه صلى الله عليه وسلم رآه ويحتمل أن تكون صلاته بهم
160

بعد أن هبط من السماء فهبطوا أيضا وقال غيره رؤيته إياهم في السماء محمولة على رؤية أرواحهم
الا عيسى لما ثبت انه رفع بجسده وقد قيل في إدريس أيضا ذلك واما الذين صلوا معه في بيت
المقدس فيحتمل الأرواح خاصة ويحتمل الأجساد بأرواحها والأظهر ان صلاته بهم ببيت
المقدس كان قبل العروج والله أعلم (قوله السماء الدنيا) في حديث أبي سعيد في ذكر الأنبياء
عند البيهقي إلى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة وعليه ملك يقال له إسماعيل وتحت يده
اثنا عشر الف ملك (قوله فاستفتح) تقدم القول فيه في أول الصلاة وان قولهم أرسل إليه أي
للعروج وليس المراد أصل البعث لان ذلك كان قد اشتهر في الملكوت الاعلى وقيل سألوا تعجبا من
نعمة الله عليه بذلك أو استبشارا به وقد علموا ان بشرا لا يترقى هذا الترقي الا بإذن الله تعالى وان
جبريل لا يصعد بمن لم يرسل إليه وقوله من معك يشعر بأنهم أحسوا معه برفيق والا لكان
السؤال بلفظ أمعك أحد وذلك الاحساس اما بمشاهدة لكون السماء شفافة واما بأمر معنوي
كزيادة أنوار أو نحوها يشعر بتجدد أمر يحسن معه السؤال بهذه الصيغة وفي قول محمد دليل
على أن الاسم أولى في التعريف من الكنية وقيل الحكمة في سؤال الملائكة وقد بعث إليه ان
الله أراد اطلاع نبيه على أنه معروف عند الملا الاعلى لانهم قالوا أو بعث إليه فدل على أنهم كانوا
يعرفون ان ذلك سيقع له والا لكانوا يقولون ومن محمد مثلا (قوله مرحبا به) أي أصاب رحبا
وسعة وكني بذلك عن الانشراح واستنبط منه ابن المنير جواز رد السلام بغير لفظ السلام
وتعقب بأن قول الملك مرحبا به ليس ردا للسلام فإنه كان قبل ان يفتح الباب والسياق يرشد إليه
وقد نبه على ذلك بن أبي جمرة ووقع هنا ان جبريل قال له عند كل واحد منهم سلم عليه قال فسلمت
عليه فرد علي السلام وفيه إشارة إلى أنه رآهم قبل ذلك (قوله فنعم المجئ جاء) قيل المخصوص
بالمدح محذوف وفيه تقديم وتأخير والتقدير جاء فنعم المجئ مجيؤه وقال ابن مالك في هذا الكلام
شاهد على الاستغناء بالصلة عن الموصول أو الصفة عن الموصوف في باب نعم لأنها تحتاج إلى فاعل
هو المجئ والى مخصوص بمعناها وهو مبتدأ مخبر عنه بنعم وفاعلها فهو في هذا الكلام وشبهه
موصول أو موصوف بجاء والتقدير نعم المجئ الذي جاء أو نعم المجئ مجئ جاءه وكونه موصولا
أجود لأنه مخبر عنه والمخبر عنه إذا كان معرفة أولى من كونه نكرة (قوله فإذا فيها آدم فقال هذا
أبوك آدم) زاد في رواية أنس عن أبي ذر أول الصلاة ذكر النسم التي عن يمينه وعن شماله وتقدم
القول فيه وذكرت هناك احتمالا ان يكون المراد بالنسم المرئية لآدم هي التي لم تدخل الأجساد
بعد ثم ظهر لي الآن احتمال اخر وهو ان يكون المراد بها من خرجت من الأجساد حين خروجها
لأنها مستقرة ولا يلزم من رؤية آدم لها وهو في السماء الدنيا ان يفتح لها أبواب السماء ولا تلجها
وقد وقع في حديث أبي سعيد عند البيهقي ما يؤيده ولفظه فإذا انا بآدم تعرض عليه أرواح
ذريته المؤمنين فيقول روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته
الفجار فيقول روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين وفي حديث أبي هريرة عند البزار فإذا
عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة الحديث فظهر من
الحديثين عدم اللزوم المذكور وهذا أولى مما جمع به القرطبي في المفهم ان ذلك في حالة مخصوصة
(قوله بالابن الصالح والنبي الصالح) قيل اقتصر الأنبياء على وصفه بهذه الصفة وتواردوا عليها لان
161

الصلاح صفة تشمل خلال الخير ولذلك كررها كل منهم عند كل صفة والصالح هو الذي يقوم
بما يلزمه من حقوق الله وحقوق العباد فمن ثم كانت كلمة جامعة لمعاني الخير وفي قول آدم بالابن
الصالح إشارة إلى افتخاره بأبوة النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي في التوحيد بيان الحكمة في
خصوص منازل الأنبياء من السماء (قوله ثم صعد بي حتى اتى السماء الثانية) وفيه فإذا يحيى
وعيسى وهما ابنا خالة قال النووي قال ابن السكيت يقال ابنا خالة ولا يقال ابنا عمة ويقال
ابنا عم ولا يقال ابنا خال اه‍ ولم يبين سبب ذلك والسبب فيه ان ابني الخالة أم كل منهما خالة
الآخر لزوما بخلاف ابني العمة وقد توافقت هذه الرواية مع رواية ثابت عن أنس عند مسلم ان
في الأولى آدم وفي الثانية يحيى وعيسى وفي الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون
وفي السادسة موسى وفي السابعة إبراهيم وخالف ذلك الزهري في روايته عن أنس عن أبي ذر
انه لم يثبت أسماؤهم وقال فيه وإبراهيم في السماء السادسة ووقع في رواية شريك عن أنس
ان إدريس في الثالثة وهارون في الرابعة واخر في الخامسة وسياقه يدل على أنه لم يضبط منازلهم
أيضا كما صرح به الزهري ورواية من ضبط أولى ولا سيما مع اتفاق قتادة وثابت وقد وافقهما
يزيد بن أبي مالك عن أنس الا انه خالف في إدريس وهارون فقال هارون في الرابعة وإدريس في
الخامسة ووافقهم أبو سعيد الا ان في روايته يوسف في الثانية وعيسى ويحيى في الثالثة والأول
أثبت وقد استشكل رؤية الأنبياء في السماوات مع أن أجسادهم مستقرة في قبورهم بالأرض
وأجيب بأن أرواحهم تشكلت بصور أجسادهم أو أحضرت أجسادهم لملاقاة النبي صلى الله
عليه وسلم تلك الليلة تشريفا له وتكريما ويؤيده حديث عبد الرحمن بن هاشم عن أنس ففيه
وبعث له آدم فمن دونه من الأنبياء فافهم وقد تقدمت الإشارة إليه في الباب الذي قبله (قوله فلما
خلصت إذا يوسف) زاد مسلم في رواية ثابت عن أنس فإذا هو قد أعطي شطر الحسن وفي حديث
أبي سعيد عند البيهقي وأبي هريرة عند ابن عائد والطبراني فإذا انا برجل أحسن ما خلق الله قد فضل
الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب وهذا ظاهره ان يوسف عليه السلام كان
أحسن من جميع الناس لكن روى الترمذي من حديث أنس ما بعث الله نبيا الا حسن الوجه
حسن الصوت وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا فعلى هذا فيحمل حديث المعراج على أن
المراد غير النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده قول من قال إن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه
واما حديث الباب فقد حمله ابن المنير على أن المراد ان يوسف أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا
صلى الله عليه وسلم والله أعلم وقد اختلف في الحكمة في اختصاص كل منهم بالسماء التي التقاه بها
فقيل ليظهر تفاضلهم في الدرجات وقيل لمناسبة تتعلق بالحكمة في الاقتصار على هؤلاء دون
غيرهم من الأنبياء فقيل أمروا بملاقاته فمنهم من أدركه في أول وهلة ومنهم من تأخر فلحق ومنهم
من فاته وهذا زيفه السهيلي فأصاب وقيل الحكمة في الاقتصار على هؤلاء المذكورين للإشارة
إلى ما سيقع له صلى الله عليه وسلم مع قومه من نظير ما وقع لكل منهم فاما آدم فوقع التنبيه بما وقع
له من الخروج من الجنة إلى الأرض بما سيقع للنبي صلى الله عليه وسلم من الهجرة إلى المدينة
والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقة وكراهة فراق ما ألفه من الوطن ثم كان مآل كل منهما
ان يرجع إلى موطنه الذي اخرج منه وبعيسى ويحيى على ما وقع له من أول الهجرة من عداوة
162

اليهود وتماديهم على البغي عليه وإرادتهم وصول السوء إليه وبيوسف على ما وقع له من إخوته
من قريش في نصبهم الحرب له وإرادتهم هلاكه وكانت العاقبة له وقد أشار إلى ذلك بقوله لقريش
يوم الفتح أقول كما قال يوسف لا تثريب عليكم وبإدريس على رفيع منزلته عند الله وبهارون
على أن قومه رجعوا إلى محبته بعد أن آذوه وبموسى على ما وقع له من معالجة قومه وقد أشار إلى
ذلك بقوله لقد اوذي موسى بأكثر من هذا فصبر وبإبراهيم في استناده إلى البيت المعمور بما ختم
له صلى الله عليه وسلم في اخر عمره من إقامة منسك الحج وتعظيم البيت وهذه مناسبات لطيفة
أبداها السهيلي فأوردتها منقحة ملخصة وقد زاد ابن المنير في ذلك أشياء أضربت عنها إذ أكثرها
في المفاضلة بين الأنبياء والإشارة في هذا المقام عندي أولى من تطويل العبارة وذكر في مناسبة
لقاء إبراهيم في السماء السابعة معنى لطيفا زائدا وهو ما اتفق له صلى الله عليه وسلم من دخول مكة
في السنة السابعة وطوافه بالبيت ولم يتفق له الوصول إليها بعد الهجرة قبل هذه بل قصدها في السنة
السادسة فصدوه عن ذلك كما تقدم بسطه في كتاب الشروط قال ابن أبي جمرة الحكمة في كون آدم
في السماء الدنيا لأنه أول الأنبياء وأول الآباء وهو أصل فكان أولا في الأولى ولأجل تأنيس النبوة
بالأبوة وعيسى في الثانية لأنه أقرب الأنبياء عهدا من محمد ويليه يوسف لان أمة محمد تدخل
الجنة على صورته وإدريس في الرابعة لقوله ورفعناه مكانا عليا والرابعة من السبع وسط معتدل
وهارون لقربه من أخيه موسى وموسى ارفع منه لفضل كلام الله وإبراهيم لأنه الأب الأخير
فناسب ان يتجدد للنبي صلى الله عليه وسلم بلقيه أنس لتوجهه بعده إلى عالم اخر وأيضا فمنزلة
الخليل تقتضي أن تكون ارفع المنازل ومنزلة الحبيب ارفع من منزلته فلذلك ارتفع النبي صلى
الله عليه وسلم عن منزلة إبراهيم إلى قاب قوسين أو أدنى قوله في قصة موسى فلما تجاوزت بكى
قيل له ما يبكيك قال أبكي لان غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي
وفي رواية شريك عن أنس لم أظن أحدا يرفع علي وفي حديث أبي سعيد قال موسى يزعم
بنو إسرائيل اني أكرم على الله وهذا أكرم على الله مني زاد الأموي في روايته ولو كان هذا وحده
هان علي ولكن معه أمته وهم أفضل الأمم عند الله وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود
عن أبيه انه مر بموسى عليه السلام وهو يرفع صوته فيقول أكرمته وفضلته فقال جبريل هذا
موسى قلت ومن يعاتب قال يعاتب ربه فيك قلت ويرفع صوته على ربه قال إن الله قد عرف له
حدته وفي حديث ابن مسعود عند الحرث وأبي يعلى والبزار وسمعت صوتا وتذمرا فسألت
جبريل فقال هذا موسى قلت على من تذمره قال على ربه قلت على ربه قال إنه يعرف ذلك منه
قال العلماء لم يكن بكاء موسى حسدا معاذ الله فان الحسد في ذلك العالم منزوع عن آحاد المؤمنين
فكيف بمن اصطفاه الله تعالى بل كان أسفا على ما فاته من الاجر الذي يترتب عليه رفع الدرجة
بسبب ما وقع من أمته من كثرة المخالفة المقتضية لتنقيص أجورهم المستلزم لتنقيص أجره لان
لكل نبي مثل أجر كل من اتبعه ولهذا كان من اتبعه من أمته في العدد دون من اتبع نبينا صلى
الله عليه وسلم مع طول مدتهم بالنسبة لهذه الأمة واما قوله غلام فليس على سبيل النقص بل على
سبيل التنويه بقدرة الله وعظيم كرمه إذ أعطى لمن كان في ذلك السن ما لم يعطه أحدا قبله ممن هو
أسن منه وقد وقع من موسى من العناية بهذه الأمة من أمر الصلاة ما لم يقع لغيره ووقعت
163

الإشارة لذلك في حديث أبي هريرة عند الطبري والبزار قال عليه الصلاة والسلام كان موسى
أشدهم علي حين مررت به وخيرهم لي حين رجعت إليه وفي حديث أبي سعيد فأقبلت راجعا
فمررت بموسى ونعم الصاحب كان لكم فسألني كم فرض عليك ربك الحديث وقال ابن أبي جمرة
ان الله جعل الرحمة في قلوب الأنبياء أكثر مما جعل في قلوب غيرهم لذلك بكى رحمة لامته واما
قوله هذا الغلام فأشار إلى صغر سنه بالنسبة إليه قال الخطابي العرب تسمي الرجل المستجمع
السن غلاما ما دامت فيه بقية من القوة اه‍ ويظهر لي ان موسى عليه السلام أشار إلى ما أنعم
الله به على نبينا عليهما الصلاة والسلام من استمرار القوة في الكهولية والى ان دخل في سن
الشيخوخة ولم يدخل على بدنه هرم ولا اعترى قوته نقص حتى أن الناس في قدومه المدينة كما
سيأتي من حديث أنس لما رأوه مردفا أبا بكر اطلقوا عليه اسم الشاب وعلى أبي بكر اسم الشيخ مع
كونه في العمر أسن من أبي بكر والله أعلم وقال القرطبي الحكمة في تخصيص موسى بمراجعة
النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الصلاة لعلها لكون أمة موسى كلفت من الصلوات بما لم تكلف به
غيرها من الأمم فثقلت عليهم فأشفق موسى على أمة محمد من مثل ذلك ويشير إلى ذلك قوله اني قد
جربت الناس قبلك انتهى وقال غيره لعلها من جهة انه ليس في الأنبياء من له اتباع أكثر من
موسى ولا من له كتاب أكبر ولا أجمع للأحكام من كتابه فكان من هذه الجهة مضاهيا للنبي صلى الله
عليه وسلم فناسب ان يتمنى ان يكون له مثل ما أنعم به عليه من غير أن يريد زواله عنه وناسب ان
يطلعه على ما وقع له وبنصحه فيما يتعلق به ويحتمل ان يكون موسى لما غلب عليه في الابتداء
الأسف على نقص حظ أمته بالنسبة لامة محمد حتى تمنى ما تمنى ان يكون استدرك ذلك ببذل
النصيحة لهم والشفقة عليهم ليزيل ما عساه ان يتوهم عليه فيما وقع منه في الابتداء وذكر
السهيلي ان الحكمة في ذلك أنه كان رأى في مناجاته صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فدعا الله
ان يجعله منهم فكان اشفاقه عليهم كعناية من هو منهم وتقدم في أول الصلاة شئ من هذا ومما
يتعلق بأمر موسى بالترديد مرارا والعلم عند الله تعالى وقد وقع من موسى عليه السلام في هذه
القصة من مراعاة جانب النبي صلى الله عليه وسلم انه أمسك عن جميع ما وقع له حتى فارقه النبي صلى
الله عليه وسلم أدبا معه وحسن عشرة فلما فارقه بكى وقال ما قال (قوله فإذا إبراهيم) في حديث
أبي سعيد فإذا انا بإبراهيم خليل الرحمن مسندا ظهره إلى البيت المعمور كأحسن الرجال وفي
حديث أبي هريرة عند الطبري فإذا هو برجل اشمط جالس عند باب الجنة على كرسي * (تكملة) *
اختلف في حال الأنبياء عند لقي النبي صلى الله عليه وسلم إياهم ليلة الاسراء هل أسري بأجسادهم
لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة أو ان أرواحهم مستقرة في الأماكن التي لقيهم النبي
صلى الله عليه وسلم وأرواحهم مشكلة بشكل أجسادهم كما جزم أبو الوفاء بن عقيل واختار الأول
بعض شيوخنا واحتج بما ثبت في مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت موسى ليلة
أسري بي قائما يصلي في قبره فدل على أنه أسري به لما مر به (قلت) وليس ذلك بلازم بل يجوز ان
يكون لروحه اتصال بجسده في الأرض فلذلك يتمكن من الصلاة وروحه مستقرة في السماء
(قوله ثم رفعت إلى سدرة المنتهى) كذا للأكثر بضم الراء وسكون العين وضم التاء من رفعت
بضمير المتكلم وبعده حرف جر وللكشميهني رفعت بفتح العين وسكون التاء أي السدرة لي باللام
164

أي من أجلي وكذا تقدم في بدء الخلق ويجمع بين الروايتين بأن المراد انه رفع إليها أي ارتقي به
وظهرت له والرفع إلى الشئ يطلق على التقريب منه وقد قيل في قوله تعالى وفرش مرفوعة أي
تقرب لهم ووقع بيان سبب تسميتها سدرة المنتهى في حديث ابن مسعود عند مسلم ولفظه لما أسري
برسول الله صلى الله عليه وسلم قال انتهى بي إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة واليها ينتهي
ما يعرج من الأرض فيقبض منها واليها ينتهي ما يهبط فيقبض منها وقال النووي سميت سدرة
المنتهى لان علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد الا رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) وهذا
لا يعارض حديث ابن مسعود المتقدم لكن حديث ابن مسعود ثابت في الصحيح فهو أولى بالاعتماد
(قلت) وأورد النووي هذا بصيغة التمريض فقال وحكي عن ابن مسعود انها سميت بذلك إلى آخره
هكذا أورده فأشعر بضعفه عنده ولا سيما ولم يصرح برفعه وهو صحيح مرفوع وقال القرطبي
في المفهم ظاهر حديث أنس انها في السابعة لقوله بعد ذكر السماء السابعة ثم ذهب بي إلى السدرة
وفي حديث ابن مسعود انها في السادسة وهذا تعارض لا شك فيه وحديث أنس هو قول الأكثر
وهو الذي يقتضيه وصفها بأنها التي ينتهي إليها علم كل نبي مرسل وكل ملك مقرب على ما قال كعب
قال وما خلفها غيب لا يعلمه الا الله أو من أعلمه وبهذا جزم إسماعيل بن أحمد وقال غيره إليها منتهى
أرواح الشهداء قال ويترجح حديث أنس بأنه مرفوع وحديث ابن مسعود موقوف كذا قال
ولم يعرج على الجمع بل جزم بالتعارض (قلت) ولا يعارض قوله إنها في السادسة ما دلت عليه بقية
الاخبار انه وصل إليها بعد أن دخل السماء السابعة لأنه يحمل على أن أصلها في السماء السادسة
وأغصانها وفروعها في السابعة وليس في السادسة منها الا أصل ساقها وتقدم في حديث أبي ذر أول
الصلاة فغشيها ألوان لا أدري ما هي وبقية حديث ابن مسعود المذكور قال الله تعالى إذ يغشى
السدرة ما يغشى قال فراش من ذهب كذا فسر المبهم في قوله ما يغشى بالفراش ووقع في رواية يزيد
ابن أبي مالك عن أنس جراد من ذهب قال البيضاوي وذكر الفراش وقع على سبيل التمثيل لان
من شأن الشجر ان يسقط عليها الجراد وشبهه وجعلها من الذهب لصفاء لونها وإضاءتها في نفسها
انتهى ويجوز ان يكون من الذهب حقيقة ويخلق فيه الطيران والقدرة صالحة لذلك وفي حديث
أبي سعيد وابن عباس يغشاها الملائكة وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي على كل ورقة منها ملك
ووقع في رواية ثابت عن أنس عند مسلم فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق
الله يستطيع ان ينعتها من حسنها وفي رواية حميد عن أنس عند ابن مردويه نحوه لكن قال
تحولت قوتا ونحو ذلك (قوله فإذا نبقها) بفتح النون وكسر الموحدة وسكونها أيضا قال ابن
دحية والأول هو الذي ثبت في الرواية أي التحريك والنبق معروف وهو ثمر السدر (قوله مثل
قلال هجر) قال الخطابي القلال بالكسر جمع قلة بالضم هي الجرار يريد ان ثمرها في الكبر مثل
القلال وكانت معروفة عند المخاطبين فلذلك وقع التمثيل بها قال وهي التي وقع تحديد الماء الكثير
بها في قوله إذا بلغ الماء قلتين وقوله هجر بفتح الهاء والجيم بلدة لا تنصرف للتأنيث والعلمية ويجوز
الصرف (قوله وإذا ورقها مثل آذان الفيلة) بكسر الفاء وفتح التحتانية بعدها لام جمع فيل
ووقع في بدء الخلق مثل آذان الفيول وهو جمع فيل أيضا قال ابن دحية اختيرت السدرة دون
غيرها لان فيها ثلاثة أوصاف ظل ممدود وطعام لذيذ ورائحة زكية فكانت بمنزلة الايمان الذي
165

يجمع القول والعمل والنية والظل بمنزلة العمل والطعم بمنزلة النية والرائحة بمنزلة القول (قوله
وإذا أربعة انهار) في بدء الخلق فإذا في أصلها أي في أصل سدرة المنتهى أربعة انهار ولمسلم يخرج
من أصلها ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أربعة انهار من الجنة النيل والفرات وسيحان
وجيحان فيحتمل أن تكون سدرة المنتهى مغروسة في الجنة والأنهار تخرج من تحتها فيصح انها
من الجنة (قوله (2) اما الباطنان ففي الجنة) قال ابن أبي جمرة فيه ان الباطن أجل من الظاهر لان
الباطن جعل في دار البقاء والظاهر جعل في دار الفناء ومن ثم كان الاعتماد على ما في الباطن كما
قال صلى الله عليه وسلم ان الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم (قوله واما الظاهران
فالنيل والفرات) وقع في رواية شريك كما سيأتي في التوحيد انه رأى في السماء الدنيا نهرين يطردان
فقال له جبريل هما النيل والفرات عنصرهما والجمع بينهما انه رأى هذين النهرين عند سدرة
المنتهى مع نهري الجنة ورآهما في السماء الدنيا دون نهري الجنة وأراد بالعنصر عنصر امتيازهما
بسماء الدنيا كذا قال ابن دحية ووقع في حديث شريك أيضا ومضى به يرقى السماء فإذا هو بنهر
آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر فقال ما هذا يا جبريل قال هذا
الكوثر الذي خبأ لك ربك ووقع في رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس عند ابن أبي حاتم انه بعد أن رأى
إبراهيم قال ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة حتى انتهى إلى نهر عليه خيام اللؤلؤ والياقوت
والزبرجد وعليه طير خضر أنعم طير رأيت قال جبريل هذا الكوثر الذي أعطاك الله فإذا فيه آنية
الذهب والفضة يجري على رضراض من الياقوت والزمرد ماؤه أشد بياضا من اللبن قال فأخذت
من آنيته فاغترفت من ذلك الماء فشربت فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك وفي
حديث أبي سعيد فإذا فيها عين تجري يقال لها السلسبيل فينشق منها نهران أحدهما الكوثر
والآخر يقال له نهر الرحمة (قلت) فيمكن ان يفسر بهما النهران الباطنان المذكوران في
حديث الباب وكذا روي عن مقاتل قال الباطنان السلسبيل والكوثر واما الحديث الذي
أخرجه مسلم بلفظ سيحان وجيحان والنيل والفرات من انهار الجنة فلا يغاير هذا لان المراد به
ان في الأرض أربعة انهار أصلها من الجنة وحينئذ لم يثبت لسيحون وجيحون انهما ينبعان من
أصل سدرة المنتهى فيمتاز النيل والفرات عليهما بذلك واما الباطنان المذكوران في حديث
الباب فهما غير سيحون وجيحون والله أعلم قال النووي في هذا الحديث ان أصل النيل والفرات
من الجنة وانهما يخرجان من أصل سدرة المنتهى ثم يسيران حيث شاء الله ثم ينزلان إلى الأرض
ثم يسيران فيها ثم يخرجان منها وهذا لا يمنعه العقل وقد شهد به ظاهر الخبر فليعتمد واما قول
عياض ان الحديث يدل على أن أصل سدرة المنتهى في الأرض لكونه قال إن النيل والفرات
يخرجان من أصلها وهما بالمشاهدة يخرجان من الأرض فيلزم منه ان يكون أصل السدرة
في الأرض وهو متعقب فان المراد بكونهما يخرجان من أصلها غير خروجهما بالنبع من الأرض
والحاصل ان أصلها في الجنة وهما يخرجان أولا من أصلها ثم يسيران إلى أن يستقرا في الأرض
ثم ينبعان واستدل به على فضيلة ماء النيل والفرات لكون منبعهما من الجنة وكذا سيحان
وجيحان قال القرطبي لعل ترك ذكرهما في حديث الاسراء لكونهما ليسا أصلا برأسهما وانما
يحتمل ان يتفرعا عن النيل والفرات قال وقيل انما اطلق على هذه الأنهار انها من الجنة تشبيها
166

لها بأنهار الجنة لما فيها من شدة العذوبة والحسن والبركة والأول أولى والله أعلم * (تنبيه) *
الفرات بالمثناة في الخط في حالتي الوصل والوقف في القراءات المشهورة وجاء في قراءة شاذة انها هاء
تأنيث وشبهها أبو المظفر بن الليث بالتابوت والتابوه (قوله ثم رفع لي البيت المعمور) زاد الكشميهني
يدخله كل يوم سبعون الف ملك وتقدمت هذه الزيادة في بدء الخلق بزيادة إذا خرجوا لم يعودوا اخر
ما عليهم وكذا وقع مضمونا إلى رواية قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة وقد بينت في بدء الخلق
انه مدرج وذكرت من فصله من رواية قتادة عن الحسن عن أبي هريرة وقد قدمت ما يتعلق بالبيت
المعمور هناك ووقعت هذه الزيادة أيضا عند مسلم من طريق ثابت عن أنس وفيه أيضا ثم لا يعودون
إليه ابدا وزاد ابن إسحاق في حديث أبي سعيد إلى يوم القيامة وفي حديث أبي هريرة عند البزار
انه رأى هناك أقواما بيض الوجوه وأقواما في ألوانهم شئ فدخلوا نهرا فاغتسلوا فخرجوا وقد
خلصت ألوانهم فقال له جبريل هؤلاء من أمتك خلطوا عملا صالحا واخر سيئا وفي رواية أبي سعيد
عند الأموي والبيهقي انهم دخلوا معه البيت المعمور وصلوا فيه جميعا واستدل به على أن
الملائكة أكثر المخلوقات لأنه لا يعرف من جميع العوالم من يتجدد من جنسه في كل يوم سبعون
ألفا غير ما ثبت عن الملائكة في هذا الخبر (قوله ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن واناء من عسل
فأخذت اللبن فقال هي الفطرة التي أنت عليها) أي دين الاسلام قال القرطبي يحتمل ان يكون
سبب تسمية اللبن فطرة لأنه أول شئ يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه والسر في ميل النبي صلى الله
عليه وسلم إليه دون غيره لكونه كان مألوفا له ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة وقد وقع في هذه
الرواية ان اتيانه الآنية كان بعد وصوله إلى سدرة المنتهى وسيأتي في الأشربة من طريق شعبة
عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا أربعة انهار
فذكره قال وأتيت بثلاثة أقداح الحديث وهذا موافق لحديث الباب الا ان شعبة لم يذكر
في الاسناد مالك بن صعصعة وفي حديث أبي هريرة عند بن عائد في حديث المعراج بعد ذكر
إبراهيم قال ثم انطلقنا فإذا نحن بثلاثة آنية مغطاة فقال جبريل يا محمد الا تشرب مما سقاك ربك
فتناولت إحداها فإذا هو عسل فشربت منه قليلا ثم تناولت الآخر فإذا هو لبن فشربت منه
حتى رويت فقال الا تشرب من الثالث قلت قد رويت قال وفقك الله وفي رواية البزار من هذا
الوجه ان الثالث كان خمرا لكن وقع عنده ان ذلك كان ببيت المقدس وان الأول كان ماء ولم يذكر
العسل وفي حديث ابن عباس عند أحمد فلما اتى المسجد الأقصى قام يصلي فلما انصرف جئ
بقدحين في أحدهما لبن وفي الاخر عسل فأخذ اللبن الحديث وقد وقع عند مسلم من طريق
ثابت عن أنس أيضا ان اتيانه بالآنية كان ببيت المقدس قبل المعراج ولفظه ثم دخلت المسجد
فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاء جبريل بإناء من خمر واناء من لبن فأخذت اللبن فقال جبريل
أخذت الفطرة ثم عرج إلى السماء وفي حديث شداد بن أوس فصليت من المسجد حيث
شاء الله واخذني من العطش أشد ما أخذني فأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر عسل فعدلت
بينهما ثم هداني الله فأخذت اللبن فقال شيخ بين يدي يعني لجبريل اخذ صاحبك الفطرة وفي
حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق في قصة الاسراء فصلى بهم يعني الأنبياء ثم اتي بثلاثة آنية اناء
167

فيه لبن واناء فيه خمر واناء فيه ماء فأخذت اللبن الحديث وفي مرسل الحسن عنده نحوه لكن
لم يذكر اناء الماء ووقع بيان مكان عرض الآنية في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند
المصنف كما سيأتي في أول الأشربة ولفظه اتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بإيلياء
بإناء فيه خمر واناء فيه لبن فنظر إليهما فأخذ اللبن فقال له جبريل الحمد لله الذي هداك للفطرة
لو أخذت الخمر غوت أمتك وهو عند مسلم وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة عن أنس عند
البيهقي فعرض عليه الماء والخمر واللبن فأخذ اللبن فقال له جبريل أصبت الفطرة ولو شربت الماء
لغرقت وغرقت أمتك ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمتك ويجمع بين هذا الاختلاف اما
بحمل ثم على غير بابها من الترتيب وانما هي بمعنى الواو هنا واما بوقوع عرض الآنية مرتين
مرة عند فراغه من الصلاة ببيت المقدس وسببه ما وقع له من العطش ومرة عند وصوله إلى سدرة
المنتهى ورؤية الأنهار الأربعة اما الاختلاف في عدد الآنية وما فيها فيحمل على أن بعض
الرواة ذكر ما لم يذكره الاخر ومجموعها أربعة آنية فيها أربعة أشياء من الأنهار الأربعة التي رآها
تخرج من أصل سدرة المنتهى ووقع في حديث أبي هريرة عند الطبري لما ذكر سدرة المنتهى يخرج
من أصلها من انهار من ماء غير آسن ومن لبن لم يتغير طعمه ومن خمر لذة للشاربين ومن عسل مصفى
فلعله عرض عليه من كل نهر اناء وجاء عن كعب ان نهر العسل نهر النيل ونهر اللبن نهر جيحان ونهر
الخمر نهر الفرات ونهر الماء سيحان والله أعلم (قوله ثم فرضت عليه الصلاة) تقدم ما يتعلق بها في
الكلام على حديث أبي ذر في أول الصلاة والحكمة في تخصيص فرض الصلاة بليلة الاسراء
انه صلى الله عليه وسلم لما عرج به رأى في تلك الليلة تعبد الملائكة وان منهم القائم فلا يقعد
والراكع فلا يسجد والساجد فلا يقعد فجمع الله له ولامته تلك العبادات كلها في كل ركعة
يصليها العبد بشرائطها من الطمأنينة والاخلاص أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة وقال وفي
اختصاص فرضيتها بليلة الاسراء إشارة إلى عظيم بيانها ولذلك اختص فرضها بكونه بغير واسطة
بل بمراجعات تعددت على ما سبق بيانه (قوله ولكن ارضى واسلم) في رواية الكشميهني ولكني
ارضى واسلم وفيه حذف تقدير الكلام سألت ربي حتى استحييت فلا ارجع فاني ان رجعت
صرت غير راض ولا مسلم ولكني ارضى واسلم (قوله أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي) تقدم
أول الصلاة من رواية أنس عن أبي ذر هن خمس وهن خمسون وتقدم شرحه وفي رواية ثابت
عن أنس عند مسلم حتى قال يا محمد هي خمس صلوات في كل يوم وليلة كل صلاة عشرة فتلك
خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة الحديث وسيأتي الكلام على هذه
الزيادة في الرقاق وفي رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس عند النسائي وأتيت سدرة المنتهى فغشيتني
ضبابة فخررت ساجدا فقيل لي إلى يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك
خمسين صلاة فقم بها أنت وأمتك فذكر مراجعته مع موسى وفيه فإنه فرض على بني إسرائيل
صلاتان فما قاموا بهما وقال في اخره فخمس بخمسين فقم بها أنت وأمتك قال فعرفت انها
عزمه من الله فرجعت إلى موسى فقال لي ارجع فلم ارجع (قوله فلما جاوزت ناداني مناد أمضيت
فريضتي وخففت عن عبادي) هذا من أقوى ما استدل به على أن الله سبحانه وتعالى كلم نبيه
168

محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء بغير واسطة (تكملة) وقع في غير هذه الرواية زيادات رآها
صلى الله عليه وسلم بعد سدرة المنتهى لم تذكر في هذه الرواية منها ما تقدم في أول الصلاة حتى ظهرت
لمستوى اسمع فيه صريف الأقلام وفي رواية شريك عن أنس كما سيأتي في التوحيد حتى جاء
سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة تبارك وتعالى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه
خمسين صلاة الحديث وقد استشكلت هذه الزيادة ويأتي الكلام على ذلك مستوفى إن شاء
الله تعالى في كتاب التوحيد وفي رواية أبي ذر من الزيادة أيضا ثم أدخلت الجنة فإذا فيها
جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك وعند مسلم من طريق همام عن قتادة عن أنس رفعه بينا انا أسير
في الجنة إذا انا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف وإذا طينه مسك أذفر فقال جبريل هذا الكوثر وله
من طريق شيبان عن قتادة عن أنس لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه وعند ابن أبي
حاتم وابن عائذ من طريق يزيد بن أبي مالك عن أنس ثم انطلق حتى انتهى بي إلى الشجرة فغشيني من
كل سحابة فيها من كل لون فتأخر جبريل وخررت ساجدا وفي حديث ابن مسعود عند مسلم
وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس وخواتم سورة البقرة وغفر لمن لم يشرك
بالله من أمته المقحمات يعني الكبائر وفي هذه الرواية من الزيادة ثم انجلت عني السحابة
وأخذ بيدي جبريل فانصرفت سريعا فأتيت على إبراهيم فلم يقل شيئا ثم أتيت على موسى فقال
ما صنعت الحديث وفيه أيضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل ما لي لم آت أهل سماء
الا رحبوا وضحكوا إلي غير رجل واحد فسلمت عليه فرد علي السلام ورحب بي ولم يضحك إلي
قال يا محمد ذاك مالك خازن جهنم لم يضحك منذ خلق ولو ضحك إلى أحد لضحك إليك وفي حديث
حذيفة عند أحمد والترمذي حتى فتحت لهما أبواب السماء فرأيا الجنة والنار ووعد الآخرة أجمع
وفي حديث أبي سعيد انه عرض عليه الجنة وان رمانها كأنه الدلاء وإذا طيرها كأنها البخت
وانه عرضت عليه النار فإذا هي لو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها وفي حديث شداد بن أوس
فإذا جهنم تكشف عن مثل الزرابي ووجدتها مثل الحمة السخنة وزاد فيه انه رآها في وادي بيت
المقدس وفي رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس عند ابن أبي حاتم ان جبريل قال يا محمد هل سألت
ربك ان يريك الحور العين قال نعم قال فانطلق إلى أولئك النسوة فسلم عليهن قال فأتيت إليهن
فسلمت فرددن فقلت من أنتن فقلن خيرات حسان الحديث وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله
ابن مسعود عن أبيه ان إبراهيم الخليل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا بني انك لاق
ربك الليلة وان أمتك آخر الأمم وأضعفها فان استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك
فافعل وفي رواية الواقدي بأسانيده في أول حديث الاسراء كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه
ان يريه الجنة والنار فلما كانت ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية
عشر شهرا وهو نائم في بيته ظهرا أتاه جبريل وميكائيل فقالا انطلق إلى ما سألت فانطلقا به إلى
ما بين المقام وزمزم فأتي بالمعراج فإذا هو أحسن شيئا منظرا فعرجا به إلى السماوات فلقي الأنبياء
وانتهى إلى سدرة المنتهى ورأى الجنة والنار وفرض عليه الخمس فلو ثبت هذا لكان ظاهرا في أنه
معراج اخر لقوله انه كان ظهرا وان المعراج كان من مكة وهو مخالف لما في الروايات الصحيحة
في الامرين معا ويعكر على التعدد قوله إن الصلوات فرضت حينئذ الا ان حمل على أنه أعيد ذكره
169

تأكيدا أو فرع على أن الأول كان مناما وهذا يقظة أو بالعكس والله أعلم وفي الحديث
من الفوائد غير ما تقدم ان للسماء أبوابا حقيقة وحفظة موكلين بها وفيه اثبات الاستئذان
وانه ينبغي لمن يستأذن أن يقول انا فلان ولا يقتصر على انا لأنه ينافي مطلوب الاستفهام وان
المار يسلم على القاعد وإن كان المار أفضل من القاعد وفيه استحباب تلقي أهل الفضل
بالبشر والترحيب والثناء والدعاء وجواز مدح الانسان المأمون عليه الافتتان في وجهه وفيه
جواز الاستناد إلى القبلة بالظهر وغيره مأخوذ من استناد إبراهيم إلى البيت المعمور وهو كالكعبة
في أنه قبلة من كل جهة وفيه جواز نسخ الحكم قبل وقوع الفعل وقد سبق البحث فيه في أول
الصلاة وفيه فضل السير بالليل على السير بالنهار لما وقع من الاسراء بالليل ولذلك كانت أكثر
عبادته صلى الله عليه وسلم بالليل وكان أكثر سفره صلى الله عليه وسلم بالليل وقال صلى الله عليه
وسلم عليكم بالدلجة فان الأرض تطوى بالليل وفيه ان التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من
المعرفة الكثيرة يستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم انه عالج الناس
قبله وجربهم ويستفاد منه تحكيم العادة والتنبيه بالأعلى على الأدنى لان من سلف من الأمم
كانوا أقوى أبدانا من هذه الأمة وقد قال موسى في كلامه انه عالجهم على أقل من ذلك فما وافقوه
أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة قال ويستفاد منه ان مقام الخلة مقام الرضا والتسليم ومقام التكليم
مقام الادلال والانبساط ومن ثم استبد موسى بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بطلب التخفيف
دون إبراهيم عليه السلام مع أن للنبي صلى الله عليه وسلم من الاختصاص بإبراهيم أزيد
مما له من موسى لمقام الأبوة ورفعة المنزلة والاتباع في الملة وقال غيره الحكمة في ذلك ما أشار
إليه موسى عليه السلام في نفس الحديث من سبقه إلى معالجة قومه في هذه العبادة بعينها
وانهم خالفوه وعصوه وفيه ان الجنة والنار قد خلقتا لقوله في بعض طرقه التي بينتها عرضت
علي الجنة والنار وقد تقدم البحث فيه في بدء الخلق وفيه استحباب الاكثار من سؤال الله تعالى
وتكثير الشفاعة عنده لما وقع منه صلى الله عليه وسلم في اجابته مشورة موسى في سؤال التخفيف
وفيه فضيلة الاستحياء وبذل النصيحة لمن يحتاج إليها وان لم يستشر الناصح في ذلك * الحديث
الثاني (قوله حدثنا عمرو) هو ابن دينار (قوله في قوله) أي في تفسير قوله (تعالى وما جعلنا الرؤيا
التي أريناك الا فتنة للناس قال هي رؤيا أعين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به
إلى بيت المقدس) قلت وايراد هذا الحديث في باب المعراج مما يؤيد ان المصنف يرى اتحاد ليلة
الاسراء والمعراج بخلاف ما فهم عنه من افراد الترجمتين وقد قدمت ان ترجمته في أول
الصلاة تدل على ذلك حيث قال فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء وقد
تمسك بكلام ابن عباس هذا من قال الاسراء كان في المنام ومن قال إنه كان في اليقظة فالأول
اخذ من لفظ الرؤيا قال لان هذا اللفظ مختص برؤيا المنام ومن قال بالثاني فمن قوله أريها ليلة
الاسراء والاسراء انما كان في اليقظة لأنه لو كان مناما ما كذبه الكفار فيه ولا فيما هو أبعد منه
كما تقدم تقريره وإذا كان ذلك في اليقظة وكان المعراج في تلك الليلة تعين ان يكون في اليقظة
أيضا إذ لم يقل أحد انه نام لما وصل إلى بيت المقدس ثم عرج به وهو نائم وإذا كان في اليقظة
فإضافة الرؤيا إلى العين للاحتراز عن رؤيا القلب وقد أثبت الله تعالى رؤيا القلب في القرآن
170

فقال ما كذب الفؤاد ما رأى ورؤيا العين فقال ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى وروى الطبراني
في الأوسط بإسناد قوي عن ابن عباس قال رأى محمد ربه مرتين ومن وجه آخر قال نظر محمد إلى
ربه جعل الكلام لموسى والخلة لإبراهيم والنظر لمحمد فإذا تقرر ذلك ظهر ان مراد ابن عباس هنا
برؤية العين المذكورة جميع ما ذكره صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة من الأشياء التي تقدم
ذكرها وفي ذلك رد لمن قال المراد بالرؤيا في هذه الآية رؤياه صلى الله عليه وسلم انه دخل المسجد
الحرام المشار إليها بقوله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام قال هذا
القائل والمراد بقوله فتنة للناس ما وقع من صد المشركين له في الحديبية عن دخول المسجد الحرام
انتهى وهذا وإن كان يمكن ان يكون مراد الآية لكن الاعتماد في تفسيرها على ترجمان القرآن
أولى والله أعلم واختلف السلف هل رأى ربه في تلك الليلة أم لا على قولين مشهورين وأنكرت
ذلك عائشة رضي الله عنها وطائفة وأثبتها ابن عباس وطائفة وسيأتي بسط ذلك في الكلام على
حديث عائشة حيث ذكره المصنف بتمامه في تفسير سورة النجم من كتاب التفسير إن شاء الله
تعالى (قوله والشجرة الملعونة في القرآن قال هي شجرة الزقوم) يريد تفسير الشجرة المذكورة
في بقية الآية وقد قيل فيها غير ذلك كما سيأتي في موضعه في التفسير إن شاء الله تعالى (قوله
باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وبيعة العقبة) ذكر ابن إسحاق وغيره
ان النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد موت أبي طالب قد خرج إلى ثقيف بالطائف يدعوهم إلى
نصره فلما امتنعوا منه كما تقدم في بدء الخلق شرحه رجع إلى مكة فكان يعرض نفسه على قبائل
العرب في مواسم الحج وذكر بأسانيد متفرقة انه اتى كندة وبني كعب وبني حذيفة وبني عامر بن
صعصعة وغيرهم فلم يجبه أحد منهم إلى ما سأل وقال موسى بن عقبة عن الزهري فكان في تلك
السنين أي التي قبل الهجرة يعرض نفسه على القبائل ويكلم كل شريف قوم لا يسألهم الا ان
يؤوه ويمنعوه ويقول لا أكره أحد منكم على شئ بل أريد ان تمنعوا من يؤذيني حتى أبلغ رسالة ربي
فلا يقبله أحد بل يقولون قوم الرجل اعلم به وأخرج البيهقي واصله عند أحمد وصححه ابن حبان
من حديث ربيعة بن عباد بكسر المهملة وتخفيف الموحدة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم بسوق ذي المجاز يتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى الله عز وجل الحديث وروى أحمد
وأصحاب السنن وصححه الحاكم من حديث جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه
على الناس بالموسم فيقول هل من رجل يحملني إلى قومه فان قريشا منعوني ان أبلغ كلام ربي
فأتاه رجل من همدان فأجابه ثم خشي ان لا يتبعه قومه فجاء إليه فقال آتي قومي فأخبرهم
ثم آتيك من العام المقبل قال نعم فانطلق الرجل وجاء وفد الأنصار في رجب وقد اخرج الحاكم
وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل بإسناد حسن عن ابن عباس حدثني علي بن أبي طالب قال لما أمر
الله نبيه ان يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وانا معه وأبو بكر إلى منى حتى دفعنا إلى مجلس
من مجالس العرب وتقدم أبو بكر وكان نسابة فقال من القوم فقالوا من ربيعة فقال من أي
ربيعة أنتم قالوا من ذهل فذكروا حديثا طويلا في مراجعتهم وتوقفهم أخيرا عن الإجابة
قال ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج وهم الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار
لكونهم أجابوه إلى إيوائه ونصره قال فما نهضوا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى
171

وذكر ابن إسحاق ان أهل العقبة الأولى كانوا ستة نفر وهم أبو أمامة أسعد بن زرارة النجاري ورافع
ابن مالك بن العجلان العجلاني وقطبة بن عامر بن حديدة وجابر بن عبد الله بن زباب وعقبة بن
عامر وهؤلاء الثلاثة من بني سلمة وعوف بن الحرث بن رفاعة من بني مالك بن النجار وقال موسى
ابن عقبة عن الزهري وأبو الأسود عن عروة هم أسعد بن زرارة ورافع بن مالك ومعاذ بن عفراء
ويزيد بن ثعلبة وأبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة ويقال كان فيهم عبادة بن الصامت
وذكوان قال ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قال لما رآهم النبي
صلى الله عليه وسلم قال من أنتم قالوا من الخزرج قال أفلا تجلسون أكلمكم قالوا نعم فدعاهم إلى
الله وعرض عليهم الاسلام وتلا عليهم القرآن وكان مما صنع الله لهم ان اليهود كانوا معهم في
بلادهم وكانوا أهل كتاب وكان الأوس والخزرج أكثر منهم فكانوا إذا كان بينهم شئ قالوا إن نبينا
سيبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه فلما كلمهم النبي صلى الله عليه وسلم عرفوا
النعت فقال بعضهم لبعض لا تسبقنا إليه يهود فآمنوا وصدقوا وانصرفوا إلى بلادهم ليدعوا
قومهم فلما أخبروهم لم يبق دور من قومهم الا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا
كان الموسم وافاه منهم اثنا عشر رجلا ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث
كعب بن مالك في قصة توبته ذكر منه طرفا وسيأتي مطولا في مكانه والغرض منه قوله ولقد
شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وعنبسة هو ابن خالد بن يزيد الأيلي يروي عن عمه
يونس بن يزيد وقوله قال ابن بكير في حديثه يريد ان اللفظ المساق لعقيل لا ليونس وقوله تواثقنا
بالمثلثة والقاف أي وقع بيننا الميثاق على ما تبايعنا عليه وقوله وما أحب ان لي بها مشهد بدر لان
من شهد بدرا وإن كان فاضلا بسبب انها أول غزوة نصر فيها الاسلام لكن بيعة العقبة كانت سببا
في فشو الاسلام ومنها نشأ مشهد بدر وقوله أذكر منها هو افعل تفضيل بمعنى المذكور أي أكثر
ذكرا بالفضل وشهرة بين الناس (قلت) وكان كعب من أهل العقبة الثانية وقد عقد ثالثة كما
أشرت إليه قبل ولعل المصنف لمح بما أخرجه ابن إسحاق وصححه ابن حبان من طريقه بطوله قال
ابن إسحاق حدثني معبد بن كعب بن مالك ان أخاه عبد الله وكان من اعلم الأنصار حدثه ان أباه
كعبا حدثه وكان ممن شهد العقبة وبايع بها قال خرجنا حجاجا مع مشركي قومنا وقد صلينا
وفقهنا ومعنا البراء بن معرور سيدنا وكبيرنا فذكر شأن صلاته إلى الكعبة قال فلما وصلنا إلى
مكة ولم نكن رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك فسألنا عنه فقيل هو مع العباس في
المسجد فدخلنا فجلسنا إليه فسأله البراء عن القبلة ثم خرجنا إلى الحج وواعدناه العقبة ومعنا
عبد الله بن عمرو والد جابر ولم يكن أسلم قبل فعرفناه أمر الاسلام فأسلم حينئذ وصار من النقباء
قال فاجتمعنا عند العقبة ثلاثة وسبعين رجلا ومعنا امرأتان أم عمارة بنت كعب إحدى نساء
بني مازن وأسماء بنت عمرو بن عدي إحدى نساء بني سلمة قال فجاء ومعه العباس فتكلم فقال إن
محمدا منا من حيث علمتم وقد منعناه وهو في عزفان كنتم تريدون انكم وافون له بما دعوتموه إليه
ومانعوه ممن خالفه فأنتم وذاك والا فمن الآن قال فقلنا تكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ما أحببت
فتكلم فدعا إلى الله وقرأ القرآن ورغب في الاسلام ثم قال أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون
منه نساءكم وأبناءكم قال فأخذ البراء ابن معرور بيده فقال نعم فذكر الحديث وفيه فقال رسول الله
172

صلى الله عليه وسلم أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم ثم قال اخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا
وذكر ابن إسحاق النقباء وهم أسعد بن زرارة ورافع بن مالك والبراء بن معرور وعبادة بن الصامت
وعبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو
ابن حبيش وأسيد بن حضير وسعد بن خيثمة وأبو الهيثم بن التيهان وقيل بدله رفاعة بن عبد المنذر
وفي المستدرك عن ابن عباس كان البراء بن معرور أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة
العقبة قال ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
للنقباء أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم قالوا نعم وذكر أيضا ان قريشا
بلغهم أمر البيعة فأنكروا عليهم فحلف المشركون منهم وكانوا أكثر منهم قيل كانوا خمسمائة
نفس ان ذلك لم يقع وذلك لانهم ما علموا بشئ مما جرى * الحديث الثاني حديث جابر (قوله كان
عمرو) هو ابن دينار (قوله شهد بي خالاي العقبة لم يسمهما في هذه الرواية ونقل عن عبد الله بن
محمد وهو الجعفي ان ابن عيينة قال أحدهما البراء بن معرور كذا في رواية أبي ذر ولغيره قال
أبو عبد الله يعني المصنف فعلى هذا فتفسير المبهم من كلامه لكنه ثبت انه من كلام ابن عيينة من
وجه اخر عند الإسماعيلي فترجحت رواية أبي ذر ووقع في رواية الإسماعيلي قال سفيان خالاه
البراء بن معرور وأخوه ولم يسمه والبراء بتخفيف الراء ومعرور بمهملات يقال إنه كان أول
من أسلم من الأنصار وأول من بايع في العقبة الثانية كما تقدم ومات قبل قدوم النبي صلى الله عليه
وسلم المدينة بشهر واحد وهو أول من صلى إلى الكعبة في قصة ذكرها ابن إسحاق وغيره وقد
تعقبه الدمياطي فقال أم جابر هي أنيسة بنت غنمة بن عدي وأخواها ثعلبة وعمرو وهما خالا جابر
وقد شهدا العقبة الأخيرة واما البراء بن معرور فليس من أخوال جابر (قلت) لكن من أقارب
أمه وأقارب الام يسمون أخوالا مجازا وقد روى ابن عساكر بإسناد حسن عن جابر قال حملني
خالي الحر بن قيس في السبعين راكبا الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار
فخرج إلينا معه العباس عمه فقال يا عم خذ لي على أخوالك فسمى الأنصار أخوال العباس لكون
جدته أم أبيه عبد المطلب منهم وسمى الحر بن قيس خاله لكونه من أقارب أمه وهو ابن عم البراء
ابن معرور فلعل قول سفيان وأخوه عنى به الحر بن قيس وأطلق عليه أخا وهو ابن عم لأنهما في
منزلة واحدة في النسب وهذا أولى من توهيم مثل ابن عيينة لكن لم يذكر أحد من أهل السير
الحر بن قيس في أصحاب العقبة فكأنه لم يكن أسلم فعلى هذا فالخال الآخر لجابر اما ثعلبة واما
عمرو والله أعلم (قوله في الطريق الثانية أخبرنا هشام) هو ابن
يوسف الصنعاني وعطاء هو ابن أبي رباح (قوله انا وأبي) عبد الله بن عمرو بن حرام بالمهملتين وقد تقد م انه كان من النقباء (قوله
وخالاي) تقدم القول فيهما وقرأت بخط مغلطاي يريد عيسى بن عامر بن عدي بن سنان وخالد بن
عمرو بن عدي بن سنان لان أم جابر أنيسة بنت غنمة بن عدي بن سنان يعني فكل منهما ابن عمها
بمنزلة أخيها فأطلق عليهما جابر انهما خالاه مجازا * (قلت) * إن حمل على الحقيقة تعين كما قاله
الدمياطي والا فتغليط ابن عيينة مع أن كلامه يمكن حمله على المجاز بأمر فيه مجاز ليس بمتجه والله
المستعان ووقع عن ابن التين وخالي بغير الف وتشديد التحتانية وقال لعل الواو واو المعية
أي مع خالي ويحتمل ان يكون بالافراد بكسر اللام وتخفيف الياء * الحديث الثالث حديث عبادة
173

ابن الصامت في قصة البيعة ليلة العقبة وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل كتاب الايمان مع
مباحث نفيسة تتعلق بقوله في الحديث فعوقب به فهو كفارة له وأوضحت هناك ان بيعة العقبة
انما كانت على الايواء والنصر وأما ما ذكره من الكفارة فتلك بيعة أخرى وقعت بعد فتح مكة
ثم رأيت ابن إسحاق جزم بأن بيعة العقبة وقعت بما صدر في الرواية الثانية التي في هذا الباب فقال
حدثني يزيد بن أبي حبيب فذكر بسند الباب عن عبادة قال كنت فيمن حضر العقبة الأولى فكنا
اثني عشر رجلا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء أي على وفق بيعة النساء
التي نزلت بعد ذلك عند فتح مكة وهذا محتمل لكن ليست الزيادة في طريق الليث بن سعد عن يزيد
في الصحيحين وعلى تقدير ثبوتها فليس فيه ما ينافي ما قررته من أن قوله فهو كفارة انما ورد
بعد ذلك لأنه يعارضه حديث أبي هريرة ما أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا مع تأخر إسلام أبي
هريرة عن ليلة العقبة كما استوفيت مباحثه هناك وممن ذكر صورة بيعة العقبة كعب بن مالك
كما أسلفته انفا عنه وروى البيهقي من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبد الله
ابن رفاعة عن أبيه قال قال عبادة بن الصامت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع
والطاعة في النشاط والكسل فذكر الحديث وفيه وعلى ان ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
قدم علينا يثرب بما نمنع به أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه
وسلم التي بايعناه عليها وعند أحمد بإسناد حسن وصححه الحاكم وابن حبان عن جابر مثله وأوله
مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم بمنى وغيرها
يقول من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة حتى بعثنا الله له من يثرب فصدقناه
فذكر الحديث حتى قال فرحل إليه منا سبعون رجلا فوعدناه بيعة العقبة فقلنا علام نبايعك
فقال على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب فتمنعوني مما تمنعون منه
أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة الحديث ولأحمد من وجه آخر عن جابر قال كان
العباس اخذا بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغنا قال رسول الله أخذت وأعطيت
وللبزار من وجه آخر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنقباء من الأنصار تؤوني
وتمنعوني قالوا نعم قالوا فما لنا قال الجنة وروى البيهقي بإسناد قوي عن الشعبي ووصله الطبراني
من حديث أبي موسى الأنصاري قال انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه العباس عمه إلى
السبعين من الأنصار عند العقبة فقال له أبو أمامة يعني أسعد بن زرارة سل يا محمد لربك ولنفسك
ما شئت ثم أخبرنا ما لنا من الثواب قال أسألكم لربي ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأسألكم
لنفسي ولأصحابي ان تؤونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم قالوا فما لنا قال الجنة قالوا
ذلك لك وأخرجه أحمد من الوجهين جميعا (قوله في الرواية الثانية ولا نقضي) بالقاف والضاد
المعجمة للأكثر وفي بعض النسخ عن شيوخ أبي ذر ولا نعصي بالعين والصاد المهملتين وقد بينت
الصواب من ذلك في أوائل كتاب الايمان وذكر ابن إسحاق ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث مع
الاثني عشر رجلا مصعب بن عمير العبدري وقيل بعثه إليهم بعد ذلك يطلبهم ليفقههم ويقرئهم
فنزل على أسعد بن زرارة فروى أبو داود من طريق عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال كان أبي إذا
174

سمع الاذان للجمعة استغفر لاسعد بن زرارة فسألته فقال كان أول من جمع بناء بالمدينة
وللدارقطني من حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مصعب بن عمير ان أجمع
بهم انتهى فأسلم خلق كثير من الأنصار على يد مصعب بن عمير بمعاونة أسعد بن زرارة حتى فشا
الاسلام بالمدينة فكان ذلك سبب رحلتهم في السنة المقبلة حتى وافى منهم العقبة سبعون مسلما
وزيادة فبايعوا كما تقدم (قوله باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة) سقط
لفظ باب لأبي ذر (قوله وقدومها المدينة) أي بعد الهجرة (قوله وبنائه بها) أي بالمدينة وكان
دخولها عليه في شوال من السنة الأولى وقيل من الثانية وقد تعقب قوله بنائه بها اعتمادا
على قول صاحب الصحاح العامة تقول بني باهله وهو خطأ وانما يقال بني على أهله والأصل فيه
ان الداخل على أهله يضرب عليه قبة ليلة الدخول ثم قيل لكل داخل باهله بان انتهى ولا معنى
لهذا التغليط لكثرة استعمال الفصحاء له وحسبك بقول عائشة بني بي وبقول عروة في اخر
الحديث الثالث وبني بها وقوله في الحديث تزوجني وانا بنت ست سنين أي عقد علي وقولها
فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج أي لما قدمت هي وأمها وأختها أسماء بنت أبي بكر كما سأبينه واما
أبوها فقدم قبل ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم (قوله فتمزق شعري) بالزاي أي تقطع
وللكشميهني فتمرق بالراء أي انتتف (قوله فوفى) أي كثر وفي الكلام حذف تقديره ثم فصلت من
الوعك فتربى شعري فكثر وقولها جميمة بالجيم مصغر الجمة بالضم وهي مجتمع شعر الناصية ويقال
للشعر إذا سقط عن المنكبين جمة وإذا كان إلى شحمة الاذنين وفرة وقولها في أرجوحة بضم
أوله معروفة وهي التي تلعب بها الصبيان وقوله أنهج أي أتنفس تنفسا عاليا وقولهن على خير
طائر أي على خير حظ ونصيب وقوله فلم يرعني بضم الراء وسكون العين أي لم يفزعني شئ
الا دخوله علي وكنت بذلك عن المفاجأة بالدخول على غير عالم بذلك فإنه يفزع غالبا وروى أحمد
من وجه اخر هذه القصة مطولة قالت عائشة قدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث فجاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم فدخل بيتنا فجاءت بي أمي وأنا في أرجوحة ولى جميمة ففرقتها ومسحت
وجهي بشئ من ماء ثم أقبلت بي تقودني حتى وقفت بي عند الباب حتى سكن نفسي الحديث
وفيه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على سريره وعنده رجال ونساء من الأنصار
فأجلستني في حجره ثم قالت هؤلاء أهلك يا رسول الله بارك الله لك فيهم فوثب الرجال والنساء وبنى
بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأنا يومئذ بنت تسع سنين الحديث الثاني (قوله أريتك)
بضم أوله (قوله سرقة) بفتح المهملة والراء والقاف أي قطعة أي يريه صورتها (قوله ويقول)
في رواية الكشميهني وقال ويأتي في النكاح بلفظ فقال لي هذه امرأتك (قوله فإذا هي أنت)
سيأتي الكلام على شرحه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى الحديث الثالث (قوله عن أبيه)
هذا صورته مرسل لكنه لما كان من رواية عروة مع كثرة خبرته بأحوال عائشة يحمل على أنه
حمله عنها (قوله توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين فلبث سنتين
أو قريبا من ذلك ونكح عائشة وهي بنت ست سنين ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين) فيه اشكال
175

لان ظاهره يقتضي أنه لم يبن بها الا بعد قدومه المدينة بسنتين ونحو ذلك لان قوله فلبث سنتين
أو نحو ذلك أي بعد موت خديجة وقوله ونكح عائشة أي عقد عليها لقوله بعد ذلك وبنى
بها وهي بنت تسع فيخرج من ذلك أنه بنى بها بعد قدومه المدينة بسنتين وليس كذلك لأنه
وقع عند المصنف في النكاح من رواية الثوري عن هشام بن عروة في هذا الحديث ومكثت
عنده تسعا وسيأتي ما قيل من ادراج النكاح في هذه الطريق وهو في الجملة صحيح فان عند
مسلم من حديث الزهري عن عروة عن عائشة في هذا الحديث وزفت إليه وهي بنت تسع
ولعبتها معها ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة وله من طريق الأسود عن عائشة نحوه ومن طريق
عبد الله بن عروة عن أبيه عن عائشة تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وبنى بي
في شوال فعلى هذا فقوله فلبث سنتين أو قريبا من ذلك أي لم يدخل على أحد من النساء ثم دخل
على سودة بنت زمعة قبل ان يهاجر ثم بنى بعائشة بعد أن هاجر فكأن ذكر سودة سقط على بعض
رواته وقد روى أحمد والطبراني بإسناد حسن عن عائشة قالت لما توفيت خديجة قالت
خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون يا رسول الله ألا تزوج قال نعم فما عندك قالت بكر
وثيب البكر بنت أحب خلق الله إليك عائشة والثيب سودة بنت زمعة قال فاذهبي فاذكريهما
علي فدخلت على أبي بكر فقال انما هي بنت أخيه قال قولي له أنت أخي في الاسلام وابنتك
تصلح لي فجاءه فأنكحه ثم دخلت على سودة فقالت لها أخبري أبي فذكرت له فزوجه وذكر ابن
إسحاق وغيره أنه دخل على سودة بمكة وأخرج الطبراني من وجه آخر عن عائشة قالت لما هاجر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر خلفنا بمكة فلما استقر بالمدينة بعث زيد بن حارثة وأبا
رافع وبعث أبو بكر عبد الله بن أريقط وكتب إلى عبد الله بن أبي بكر أن يحمل معه أم
رومان وأم أبي بكر وأنا وأختي أسماء فخرج بنا وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة وأم كلثوم وسودة
بنت زمعة وأخذ زيد امرأته أم أيمن وولديها أيمن وأسامة واصطحبنا حتى قدمنا المدينة فنزلت
في عيال أبي بكر ونزل آل النبي صلى الله عليه وسلم عنده وهو يومئذ يبني المسجد وبيوته فادخل
سودة بنت زمعة أحد تلك البيوت وكان يكون عندها فقال له أبو بكر ما يمنعك ان تبني باهلك فبنى
بي الحديث قال الماوردي الفقهاء يقولون تزوج عائشة قبل سودة والمحدثون يقولون تزوج سودة
قبل عائشة وقد يجمع بينهما بأنه عقد على عائشة ولم يدخل بها ودخل بسودة (قلت) والرواية التي
ذكرتها عن الطبراني ترفع الاشكال وتوجه الجمع المذكور والله أعلم وقد اخرج الإسماعيلي من
طريق عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام عن أبيه انه كتب إلى الوليد انك سألتني متى توفيت
خديجة وانها توفيت قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بثلاث سنين أو قريب من ذلك
ونكح النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بعد متوفى خديجة وعائشة بنت ست سنين ثم إن النبي
صلى الله عليه وسلم بنى بها بعد ما قدم المدينة وهي بنت تسع سنين وهذا السياق لا اشكال فيه
ويرتفع به ما تقدم من الاشكال أيضا والله أعلم وإذا ثبت انه بنى بها في شوال من السنة الأولى
من الهجرة قوى قول من قال إنه دخل بها بعد الهجرة بسبعة أشهر وقد وهاه النووي في
تهذيبه وليس بواه إذا عددناه من ربيع الأول وجزمه بان دخوله بها كان في السنة الثانية
يخالف ما ثبت كما تقدم انه دخل بها بعد خديجة بثلاث سنين وقال الدمياطي في السيرة له
176

ماتت خديجة في رمضان وعقد على سودة في شوال ثم على عائشة ودخل بسودة قبل عائشة
(قوله باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة) اما النبي صلى الله
عليه وسلم فجاء عن ابن عباس انه اذن له في الهجرة إلى المدينة بقوله تعالى وقل رب أدخلني مدخل
صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا أخرجه الترمذي وصححه هو
والحاكم وذكر الحاكم ان خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة كان بعد بيعة العقبة بثلاثة
أشهر أو قريبا منها وجزم ابن إسحاق بأنه خرج أول يوم من ربيع الأول فعلى هذا يكون بعد
البيعة بشهرين وبضعة عشر يوما وكذا جزم به الأموي في المغازي عن ابن إسحاق فقال كان
مخرجه من مكة بعد العقبة بشهرين وليال قال وخرج لهلال ربيع الأول وقدم المدينة لاثنتي
عشرة خلت من ربيع الأول (قلت) وعلى هذا خرج يوم الخميس واما أصحابه فتوجه معه منهم
أبو بكر الصديق وعامر بن فهيرة وتوجه قبل ذلك بين العقبتين جماعة منهم ابن أم مكتوم ويقال
ان أول من هاجر إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأشهل المخزومي زوج أم سلمة وذلك أنه أوذي لما رجع
من الحبشة فعزم على الرجوع إليها فبلغه قصة الاثني عشر من الأنصار فتوجه إلى المدينة ذكر
ذلك ابن إسحاق وأسند عن أم سلمة أن أبا سلمة أخذها معه فردها قومها فحبسوها سنة ثم انطلقت
فتوجهت في قصة طويلة وفيها فقدم أبو سلمة المدينة بكرة وقدم بعده عامر بن ربيعة حليف بني
عدي عشية ثم توجه مصعب بن عمير كما تقدم آنفا ليفقه من أسلم من الأنصار ثم كان أول من هاجر
بعد بيعة العقبة عامر بن ربيعة حليف بني عدي على ما ذكر بن إسحاق وسيأتي ما يخالفه في الباب
الذي يليه وهو قول البراء أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير الخ ثم توجه باقي
الصحابة شيئا فشيئا كما سيأتي في الباب الذي يليه ثم لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم واستقر بها
خرج من بقي من المسلمين وكان المشركون يمنعون من قدروا على منعه منهم فكان أكثرهم
يخرج سرا إلى أن لم يبق منهم بمكة إلا من غلب على أمره من المستضعفين ثم ذكر المصنف في الباب
أحاديث الأول والثاني (قوله وقال عبد الله بن زيد وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار) أما حديث عبد الله بن زيد فيأتي موصولا في غزوة حنين
وأما حديث أبي هريرة فتقدم موصولا في مناقب الأنصار وقوله من الأنصار أي كنت أنصاريا
صرفا فما كان لي مانع من الإقامة بمكة لكنني اتصفت بصفة الهجرة والمهاجر لا يقيم بالبلد الذي
هاجر منها مستوطنا فينبغي أن يحصل لكم الطمأنينة بأني لا أتحول عنكم وذلك أنه إنما قال لهم
ذلك في جواب قولهم أما الرجل فقد أحب الإقامة بموطنه وسيأتي لذلك مزيد في غزوة حنين إن
شاء الله تعالى الحديث الثالث (قوله وقال أبو موسى الخ) يأتي شرحه مستوفى في غزوة أحد
وقوله فيه فذهب وهلي بفتح الواو والهاء أي ظني يقال وهل بالفتح يهل بالكسر وهلا بالسكون
إذا ظن شيئا فتبين الامر بخلافه وقوله أو هجر بفتح الهاء والجيم بلد معروف من البحرين وهي من
مساكن عبد القيس وقد سبقوا غيرهم من القرى إلى الاسلام كما سبق بيانه في كتاب الايمان
ووقع في بعض نسخ أبي ذر أو الهجر بزيادة ألف ولام والأول أشهر وزعم بعض الشراح أن المراد
بهجر هنا قرية قريبه من المدينة وهو خطأ فان الذي يناسب أن يهاجر إليه لا بد وأن يكون بلدا
كبيرا كثير الأهل وهذه القرية التي قيل إنها كانت قرب المدينة يقال لها هجر لا يعرفها أحد
177

وإنما زعم ذلك بعض الناس في قوله قلال هجر أن المراد بها قرية كانت قرب المدينة كان يصنع بها
القلال وزعم آخرون بأن المراد بها هجر التي بالبحرين كأن القلال كانت تعمل بها وتجلب إلى
المدينة وعملت بالمدينة على مثالها وأفاد ياقوت أن هجر أيضا بلد باليمن فهذا أولى بالتردد بينها
وبين اليمامة لان اليمامة بين مكة واليمن وقوله فإذا هي المدينة يثرب كان ذلك قبل أن يسميها
صلى الله عليه وسلم طيبة ووقع عند البيهقي من حديث صهيب رفعه أريت دار هجرتكم سبخة
بين ظهراني حرتين فإما أن تكون هجر أو يثرب ولم يذكر اليمامة وللترمذي من حديث جرير قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى أوحى إلى أي هؤلاء الثلاثة نزلت فهي دار
هجرتك المدينة أو البحرين أو قنسرين استغربه الترمذي وفي ثبوته نظر لأنه مخالف لما في الصحيح
من ذكر اليمامة لان قنسرين من أرض الشام من جهة حلب وهي بكسر القاف وفتح النون
الثقيلة بعدها مهملة ساكنة بخلاف اليمامة فإنها إلى جهة اليمن إلا إن حمل على اختلاف المأخذ
فان الأول جرى على مقتضى الرؤيا التي أريها والثاني يخير بالوحي فيحتمل أن يكون أرى أولا
ثم خير ثانيا فاختار المدينة * الحديث الرابع حديث خباب هاجرنا مع النبي صلى الله عليه
وسلم أي بإذنه وإلا فلم يرافق النبي صلى الله عليه وسلم سوى أبي بكر وعامر بن فهيرة كما تقدم وقد أعاد
المصنف هذا الحديث في هذا الباب وستأتي الإشارة إليه بعد بضعة عشر حديثا وسيأتي شرح
هذا الحديث مستوفى في كتاب الرقاق ومضى شئ منه في كتاب الجنائز الحديث الخامس
حديث عمر الأعمال بالنية أورده مختصرا وقد تقدم شرحه مستوفى في أول الكتاب ويحيى هو
ابن سعيد الأنصاري وهو الذي لا يثبت هذ ا الحديث الا من طريقه * الحديث السادس (قوله
حدثني إسحاق بن يزيد الدمشقي) هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الفراديسي الدمشقي أبو النضر
نسبه هنا إلى جده وكذلك في الزكاة وفي الجهاد وجزم بأنه الفراديسي الكلاباذي وآخرون
وتفرد الباجي فأفرده بترجمة ونسبه خراسانيا ولم يعرف من حاله زيادة على ذلك وقول الجماعة أولى
(قوله عن عبدة بن أبي لبابة) بضم اللام والموحدتين الأولى خفيفة الأسدي كوفي نزل دمشق
وكنيته أبو القاسم ولا يعرف اسم أبيه قال الأوزاعي لم يقدم علينا من العراق أفضل منه (قوله إن
عبد الله بن عمر كان يقول لا هجرة بعد الفتح) هذا موقوف وسيأتي شرحه في الذي بعده
* الحديث السابع (قوله قال يحيى بن حمزة وحدثني الأوزاعي) هو معطوف على الذي قبله وقد
أفردهما في أواخر غزوة الفتح وأورد كل واحد منهما عن إسحاق بن يزيد المذكور بإسناده
وأخرج ابن حبان الثاني من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال سألته عن انقطاع فضيلة
الهجرة إلى الله ورسوله فقال فذكره (قوله عن عطاء) في رواية ابن حبان حدثنا عطاء (قوله زرت
عائشة مع عبيد بن عمير الليثي) تقدم في أبواب الطواف من الحج أنها كانت حينئذ مجاورة في جبل
ثبير (قوله فسألها عن الهجرة) أي التي كانت قبل الفتح واجبة إلى المدينة ثم نسخت بقوله
لا هجرة بعد الفتح وأصل الهجرة هجر الوطن وأكثر ما يطلق على من رحل من البادية إلى القرية
ووقع عند الأموي في المغازي من وجه آخر عن عطاء فقالت إنما كانت الهجرة قبل فتح مكة
والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة (قوله لا هجرة اليوم) أي بعد الفتح (قوله كان المؤمنون يفر
أحدهم بدينه الخ) أشارت عائشة إلى بيان مشروعية الهجرة وأن سببها خوف الفتنة والحكم
178

يدور مع علته فمقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلا
وجبت ومن ثم قال الماوردي إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به
دار إسلام فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يترجى من دخول غيره في الاسلام وقد تقدمت
الإشارة إلى ذلك في أوائل الجهاد في باب وجوب النفير في الجمع بين حديث ابن عباس لا هجرة بعد
الفتح وحديث عبد الله بن السعدي لا تنقطع الهجرة وقال الخطابي كانت الهجرة أي إلى النبي
صلى الله عليه وسلم في أول الاسلام مطلوبة ثم افترضت لما هاجر إلى المدينة إلى حضرته للقتال
معه وتعلم شرائع الدين وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم
يهاجر فقال تعالى والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا فلما فتحت مكة
ودخل الناس في الاسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب وقال
البغوي في شرح السنة يحتمل الجمع بينهما بطريق أخرى بقوله لا هجرة بعد الفتح أي من مكة إلى
المدينة وقوله لا تنقطع أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الاسلام قال ويحتمل وجها
آخر وهو أن قوله لا هجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن
المهاجر منه إلا بإذن وقوله لا تنقطع أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الاعراب ونحوهم
(قلت) الذي يظهر أن المراد بالشق الأول وهو المنفي ما ذكره في الاحتمال الأخير وبالشق الآخر
المثبت ما ذكره في الاحتمال الذي قبله وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ
انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار
أي ما دام في الدنيا كفر فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن عن دينه ومفهومه
أنه لو قدر أن لا يبقى في الدنيا دار كفر أن الهجرة تنقطع لانقطاع موجبها والله أعلم وأطلق
ابن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي صلى الله
عليه وسلم إلى المدينة بغير عذر كان كافرا وهو إطلاق مردود والله أعلم الحديث الثامن (قوله
عن هشام) هو ابن عروة (قوله إن سعدا) هو ابن معاذ وسيأتي شرح هذا في غزوة بني قريظة وأورده
هنا مختصرا لما يتعلق بقريش الذين أحوجوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخروج عن وطنه
(قوله وقال أبان بن يزيد (1) هو العطار الخ) يعني أن أبان وافق بن نمير في روايته عن هشام لهذا
الحديث وأفصح بتعيين القوم الذين أبهموا وأنهم قريش وزعم الداودي أن المراد بالقوم
قريظة ثم قال في الرواية المعلقة هذا ليس بمحفوظ وهو إقدام منه على رد الروايات الثابتة بالظن
الخائب وذلك أن في رواية ابن نمير أيضا ما يدل على أن المراد بالقوم قريش وإنما تفرد أبان بذكر
قريش في الموضع الأول وإلا فسيأتي في المغازي في بقية هذا الحديث من كلام سعد وقال اللهم
فإن كان بقي من حرب قريش شئ فأبقني له الحديث وأيضا ففي الموضع الذي اقتصر الداودي على
النظر فيه ما يدل على أن المراد قريش لان فيه من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه فإن هذه القصة
مختصة بقريش لانهم الذين أخرجوه وأما قريظة فلا * الحديث التاسع حديث ابن عباس
(قوله حدثنا هشام) هو ابن حسان (قوله فمكث بمكة ثلاث عشرة) هذا أصح مما أخرجه أحمد
عن يحيى بن سعيد عن هشام بن حسان بهذا الاسناد قال أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم
وهو ابن ثلاث وأربعين فمكث بمكة عشرا وأصح مما أخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن عباس أن
179

إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة كانت خمس عشرة سنة وقد تقدم بيان ذلك في كتاب المبعث
وسيأتي بقية الكلام عليه في الوفاة إن شاء الله تعالى وقوله هنا فهاجر عشر سنين أي أقام
مهاجرا عشر سنين وهو كقوله تعالى فأماته الله مائة عام * الحديث العاشر حديث أبي سعيد
تقدم شرحه في مناقب أبي بكر مستوفى وقوله فيه فقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ في حديث
ابن عباس عند البلاذري في نحو هذه القصة فقال له أبو سعيد الخدري يا أبا بكر ما يبكيك فذكر
الحديث * الحديث الحادي عشر (قوله لم أعقل أبوي) يعني أبا بكر وأم ورمان (قوله
يدينان الدين) بالنصب على نزع الخافض أي يدينان بدين الاسلام أو هو مفعول به على التجوز
(قوله فلما ابتلى المسلمون) أي بأذى المشركين لما حصروا بني هاشم والمطلب في شعب أبي طالب
وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة كما تقدم بيانه (قوله خرج أبو بكر
مهاجرا نحو أرض الحبشة) أي ليلحق بمن سبقه إليها من المسلمين وقد قدمت أن الذين هاجروا
إلى الحبشة أولا ساروا إلى جدة وهي ساحل مكة ليركبوا منها البحر إلى الحبشة (قوله برك
الغماد) أما برك فهو بفتح الموحدة وسكون الراء بعدها كاف وحكى كسر أوله وأما الغماد فهو
بكسر المعجمة وقد تضم وبتخفيف الميم وحكى ابن فارس فيها ضم الغين موضع على خمس ليال من
مكة إلى جهة اليمن وقال البكري هي أقاصي هجر وحكى الهمداني في أنساب اليمن هو في أقصى
اليمن والأول أولى وقال ابن خالويه حضرت مجالس المحاملي وفيه زهاء ألف فأملى عليهم حديثا
فيه فقالت الأنصار لو دعوتنا إلى برك الغماد قالها بالكسر فقلت للمستملي هو بالضم فذكر له
ذلك فقال لي وما هو قلت سألت ابن دريد عنه فقال هو بقعة في جهنم فقال المحاملي وكذا في كتابي
على الغين ضمة قال ابن خالويه وأنشد ابن دريد
وإذا تنكرت البلاد * فأولها كنف البعاد
واجعل مقامك أو مقرك جانبي برك الغماد
لست ابن أم القاطنين * ولا ابن عم للبلاد *
قال ابن خالويه وسألت أبا عمر يعني غلام ثعلب فقال هو بالكسر والضم موضع باليمن قال
وموضع باليمن أوله بالكسر لكن آخره راء مهملة وهو عند بئر برهوت الذي يقال إن أرواح
الكفار تكون فيها أه‍ واستبعد بعض المتأخرين ما ذكره ابن دريد فقال القول بأنه موضع
باليمن أنسب لان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعوهم إلى جهنم وخفي عليهم أن هذا بطريق
المبالغة فلا يراد به الحقيقة ثم ظهر لي أن لا تنافي بين القولين فيحمل قوله جهنم على مجاز المجاورة
بناء على القول بأن برهوت مأوى أرواح الكفار وهم أهل النار (قوله ابن الدغنة) بضم المهملة
والمعجمة وتشديد النون عند أهل اللغة وعند الرواة بفتح أوله وكسر ثانيه وتخفيف النون قال
الأصيلي وقرأه لنا المروزي بفتح الغين وقيل إن ذلك كان لاسترخاء في لسانه والصواب الكسر
وثبت بالتخفيف والتشديد من طريق وهي أمه وقيل أم أبيه وقيل دابته ومعنى الدغنة المسترخية
180

وأصلها الغمامة الكثيرة المطر واختلف في اسمه فعند البلاذري من طريق الواقدي عن معمر
عن الزهري أنه الحرث بن يزيد وحكى السهيلي أن اسمه مالك ووقع في شرح الكرماني أن ابن
إسحاق سماه ربيعة بن رفيع وهو وهم من الكرماني فان ربيعة المذكور آخر يقال له ابن الدغنة
أيضا لكنه سلمي والمذكور هنا من القارة فاختلفا وأيضا السلمي إنما ذكره ابن إسحاق في غزوة
حنين وأنه صحابي قتل دريد بن الصمة ولم يذكره ابن إسحاق في قصة الهجرة وفي الصحابة ثالث يقال له
ابن الدغنة لكن اسمه حابس وهو كلبي له قصة في سبب إسلامه وأنه رأى شخصا من الجن فقال له
* يا حابس بن دغنة يا حابس * في أبيات وهو مما يرجح رواية التخفيف في الدغنة (قوله وهو سيد
القارة) بالقاف وتخفيف الراء وهي قبيلة مشهورة من بني الهون بالضم والتخفيف بن خزيمة بن
مدركة ابن إلياس بن مضر وكانوا حلفاء بني زهرة من قريش وكانوا يضرب بهم المثل في قوة الرمي
قال الشاعر * قد أنصف القارة من راماها * (قوله أخرجني قومي) أي تسببوا في إخراجي
(قوله فأريد أن أسيح) بالمهملتين لعل أبا بكر طوى عن ابن الدغنة تعيين جهة مقصده لكونه كان
كافرا وإلا فقد تقدم أنه قصد التوجه إلى أرض الحبشة ومن المعلوم أنه لا يصل إليها من الطريق
التي قصدها حتى يسير في الأرض وحده زمانا فيصدق أنه سائح لكن حقيقة السياحة أن لا يقصد
موضعا بعينه يستقر فيه (قوله وتكسب المعدوم) في رواية الكشميهني المعدم وقد تقدم
شرح هذه الكلمات في حديث بدء الوحي أول الكتاب وفي موافقة وصف ابن الدغنة لأبي بكر
بمثل ما وصفت به خديجة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على عظيم فضل أبي بكر واتصافه
بالصفات البالغة في أنواع الكمال (قوله وأنا لك جار) أي مجير أمنع من يؤذيك (قوله فرجع) أي
أبو بكر (وارتحل معه ابن الدغنة) وقع في الكفالة وارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر والمراد
في الروايتين مطلق المصاحبة وإلا فالتحقيق ما في هذا الباب (قوله لا يخرج مثله) أي من وطنه
باختياره على نية الإقامة في غيره مع ما فيه من النفع المتعدي لأهل بلده (ولا يخرج) أي ولا
يخرجه أحد بغير اختياره للمعنى المذكور واستنبط بعض المالكية من هذا أن من كانت فيه
منفعة متعدية لا يمكن من الانتقال عن البلد إلى غيره بغير ضرورة راجحة (قوله فلم تكذب
قريش) أي لم ترد عليه قوله في أمان أبي بكر وكل من كذبك فقد رد قولك فأطلق التكذيب وأراد
لازمه وتقدم في الكفالة بلفظ فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنت أبا بكر وقد استشكل
هذا مع ما ذكره ابن إسحاق في قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وسؤاله حين رجع
الأخنس بن شريق أن يدخل في جواره فاعتذر بأنه حليف وكان أيضا من حلفاء بني زهرة
ويمكن الجواب بأن ابن الدغنة رغب في إجارة أبي بكر والاخنس لم يرغب فيما التمس منه فلم يثرب
النبي صلى الله عليه وسلم عليه (قوله بجوار) بكسر الجيم وبضمها وقد تقدم بيان المراد منه
في كتاب الكفالة (قوله مر أبا بكر فليعبد ربه) دخلت الفاء على شئ محذوف لا يخفى تقديره
(قوله فلبث أبو بكر) تقدم في الكفالة بلفظ فطفق أي جعل ولم يقع لي بيان المدة التي أقام
فيها أبو بكر على ذلك (قوله ثم بدا لأبي بكر) أي ظهر له رأي غير الرأي الأول (قوله بفناء داره)
بكسر الفاء وتخفيف النون وبالمد أي أمامها (قوله فيتقذف) بالمثناة والقاف والذال المعجمة
الثقيلة تقدم في الكفالة بلفظ فيتقصف أي يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد
181

ينكسر وأطلق يتقصف مبالغة قال الخطابي هذا هو المحفوظ وأما يتقذف فلا معنى له إلا أن
يكون من القذف أي يتدافعون فيقذف بعضهم بعضا فيتساقطون عليه فيرجع إلى معنى الأول
وللكشميهني بنون وسكون القاف وكسر الصاد أي يسقط (قوله بكاء) بالتشديد أي كثير البكاء
(قوله لا يملك عينيه) أي لا يطيق إمساكهما عن البكاء من رقة قلبه وقوله إذا قرأ إذا ظرفية
والعامل فيه لا يملك أو هي شرطية والجزاء مقدر (قوله فأفزع ذلك) أي أخاف الكفار لما يعلمونه
من رقة قلوب النساء والشباب أن يميلوا إلى دين الاسلام (قوله فقدم عليهم) في رواية الكشميهني
فقدم عليه أي على أبي بكر (قوله أن يفتن نساءنا) بالنصب على المفعولية وفاعله أبو بكر كذا
لأبي ذر وللباقين أن يفتن بضم أوله نساؤنا بالرفع على البناء للمجهول (قوله أجرنا) بالجيم
والراء للأكثر وللقابسي بالزاي أي أبحنا له والأول أوجه والألف مقصورة في الروايتين (قوله
فاسأله) في رواية الكشميهني فسله (قوله ذمتك) أي أمانك له (قوله نخفرك) بضم أوله
وبالخاء المعجمة وكسر الفاء أي نغدر بك يقال خفره إذا حفظه وأخفره إذا غدر به (قوله مقرين
لأبي بكر الاستعلان) أي لا نسكت عن الانكار عليه للمعنى الذي ذكروه من الخشية على نسائهم
وأبنائهم أن يدخلوا في دينه (قوله وأرضى بجوار الله) أي أمانه وحمايته وفيه جواز الأخذ
بالأشد في الدين وقوة يقين أبي بكر (قوله والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة) في هذا الفصل
من فضائل الصديق أشياء كثيرة قد امتاز بها عمن سواه ظاهرة لمن تأملها (قوله بين لابتين وهما
الحرتان) هذا مدرج في الخبر وهو من تفسير الزهري والحرة أرض حجارتها سود وهذه الرؤيا غير
الرؤيا السابقة أول الباب من حديث أبي موسى التي تردد فيها النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق
قال ابن التين كأن النبي صلى الله عليه وسلم أرى دار الهجرة بصفة تجمع المدينة وغيرها ثم
أرى الصفة المختصة بالمدينة فتعينت (قوله ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى
المدينة) أي لما سمعوا باستيطان المسلمين المدينة رجعوا إلى مكة فهاجر إلى أرض المدينة
معظمهم لا جميعهم لان جعفرا ومن معه تخلفوا بالحبشة وهذا السبب في مجئ مهاجرة الحبشة
غير السبب المذكور في مجئ من رجع منهم أيضا في الهجرة الأولى لان ذاك كان بسبب سجود
المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في سورة النجم فشاع أن المشركين أسلموا وسجدوا
فرجع من رجع من الحبشة فوجدوهم أشد ما كانوا كما سيأتي شرحه وبيانه في تفسير سورة النجم
(قوله وتجهز أبو بكر قبل المدينة) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة وتقدم في الكفالة بلفظ
وخرج أبو بكر مهاجرا وهو منصوب على الحال المقدرة والمعنى أراد الخروج طالبا للهجرة
وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه عن ابن حبان استأذن أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم في
الخروج من مكة (قوله على رسلك) بكسر أوله أي على مهلك والرسل السير الرفيق وفي
رواية ابن حبان فقال اصبر (قوله وهل ترجو ذلك بأبي أنت) لفظ أنت مبتدأ وخبره بأبي أي
مفدي بأبي ويحتمل أن يكون أنت تأكيدا لفاعل ترجو وبأبي قسم (قوله فحبس نفسه)
أي منعها من الهجرة وفي رواية ابن حبان فانتظره أبو بكر رضي الله عنه (قوله ورق السمر)
بفتح المهملة وضم الميم (قوله وهو الخبط) مدرج أيضا في الخبر وهو من تفسير الزهري ويقال
السمر شجرة أم غيلان وقيل كل ماله ظل ثخين وقيل السمر ورق الطلح والخبط بفتح المعجمة
182

والموحدة ما يخبط بالعصا فيسقط من ورق الشجر قاله ابن فارس (قوله أربعة أشهر) فيه بيان
المدة التي كانت بين ابتداء هجرة الصحابة بين العقبة الأولى والثانية وبين هجرته صلى الله عليه
وسلم وقد تقدم في أول الباب أن بين العقبة الثانية وبين هجرته صلى الله عليه وسلم شهرين وبعض
شهر على التحرير (قوله قال ابن شهاب الخ) هو بالاسناد المذكور أولا وقد أفرده ابن عائذ في
المغازي من طريق الوليد بن محمد عن الزهري ووقع في رواية هشام بن عروة عند ابن حبان مضموما
إلى ما قبله وعند موسى بن عقبة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئه يوم إلا أتى منزل
أبي بكر أول النهار وآخره (قوله في نحر الظهيرة) أي أول الزوال وهو أشد ما يكون في حرارة النهار
والغالب في أيام الحر القيلولة فيها وفي رواية ابن حبان فأتاه ذات يوم ظهرا وفي حديث أسماء بنت
أبي بكر عند الطبراني كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا بمكة كل يوم مرتين بكرة وعشية فلما
كان يوم من ذلك جاءنا في الظهيرة فقلت يا أبت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله هذا
رسول الله متقنعا) أي مغطيا رأسه وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب قالت عائشة
وليس عند أبي بكر إلا أنا وأسماء قيل فيه جواز لبس الطيلسان وجزم ابن القيم بأن النبي صلى
الله عليه وسلم لم يلبسه ولا أحد من أصحابه وأجاب عن الحديث بأن التقنع يخالف التطيلس قال
ولم يكن يفعل التقنع عادة بل للحاجة وتعقب بأن في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يكثر التقنع أخرجه به وفي طبقات ابن سعد مرسلا ذكر الطيلسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال هذا ثوب لا يؤدي شكره (قوله فدا له) بكسر الفاء وبالقصر وفي رواية الكشميهني فداء
بالمد (قوله ما جاء به) في رواية يعقوب بن سفيان ان جاء به وان هي النافية بمعنى ما وفي رواية
موسى بن عقبة فقال أبو بكر يا رسول الله ما جاء بك إلا أمر حدث (قوله إنما هم أهلك) أشار بذلك
إلى عائشة وأسماء كما فسره موسى بن عقبة ففي روايته قال أخرج من عندك قال لا عين عليك إنما
هما ابنتاي وكذلك في رواية هشام بن عروة (قوله فإني) في رواية الكشميهني فإنه (قوله
الصحابة) بالنصب أي أريد المصاحبة ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف (قوله نعم) زاد ابن
إسحاق في روايته قالت عائشة فرأيت أبا بكر يبكي وما كنت أحسب أن أحدا يبكي من الفرح وفي
رواية هشام فقال الصحبة يا رسول الله قال الصحبة (قوله إحدى راحلتي هاتين قال بالثمن) زاد ابن
إسحاق قال لا أركب بعيرا ليس هو لي قال فهو لك قال لا ولكن بالثمن الذي ابتعتها به قال أخذتها
بكذا وكذا قال أخذتها بذلك قال هي لك وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني فقال
بثمنها يا أبا بكر فقال بثمنها إن شئت ونقل السهيلي في الروض عن بعض شيوخ المغرب أنه سئل
عن امتناعه من أخذ الراحلة مع أن أبا بكر أنفق عليه ماله فقال أحب أن لا تكون هجرته إلا
من مال نفسه وأفاد الواقدي أن الثمن ثمانمائة وأن التي أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم
من أبي بكر هي القصواء وأنها كانت من نعم بني قشير وأنها عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم
قليلا وماتت في خلافة أبي بكر وكانت مرسلة ترعى بالبقيع وذكر ابن إسحاق أنها الجذعاء
وكانت من إبل بني الحريش وكذا في رواية أخرجها بن حبان من طريق هشام عن أبيه عن
عائشة أنها الجذعاء (قوله أحث الجهاز) أحث بالمهملة والمثلثة أفعل تفضيل من الحث
وهو الاسراع وفي رواية لأبي ذر أحب بالموحدة والأول أصح والجهاز بفتح الجيم وقد تكسر
183

ومنهم من أنكر الكسر وهو ما يحتاج إليه في السفر (قوله وصنعنا لهما سفرة في جراب) أي
زادا في جراب لان أصل السفرة في اللغة الزاد الذي يصنع للمسافر ثم استعمل في وعاء الزاد ومثله
المزادة للماء وكذلك الرواية فاستعملت السفرة في هذا الخبر على أصل اللغة وأفاد الواقدي أنه
كان في السفرة مطبوخة (قوله ذات النطاق) بكسر النون وللكشميهني النطاقين بالتثنية
والنطاق ما يشد به الوسط وقيل هو إزار فيه تكة وقيل هو ثوب تلبسه المرأة ثم تشد وسطها
بحبل ثم ترسل الاعلى على الأسفل قاله أبو عبيد الهروي قال وسميت ذات النطاقين لأنها كانت
تجعل نطاقا على نطاق وقيل كان لها نطاقان تلبس أحدهما وتجعل في الآخر الزاد أه‍
والمحفوظ كما سيأتي بعد هذا الحديث أنها شقت نطاقها نصفين فشدت بأحدهما الزاد واقتصرت
على الآخر فمن ثم قيل لها ذات النطاق وذات النطاقين فالتثنية والافراد بهذين الاعتبارين
وعند ابن سعد من حديث الباب شقت نطاقها فأوكأت بقطعة منه الجراب وشدت فم القربة
بالباقي فسميت ذات النطاقين (قوله قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار
في جبل ثور) بالمثلثة ذكر الواقدي أنهما خرجا من خوخة في ظهر بيت أبي بكر وقال الحاكم
تواترت الاخبار أن خروجه كان يوم الاثنين ودخوله المدينة كان يوم الاثنين إلا أن محمد بن موسى
الخوارزمي قال إنه خرج من مكة يوم الخميس (قلت) يجمع بينهما بأن خروجه من مكة كان
يوم الخميس وخروجه من الغار كان ليلة الاثنين لأنه أقام فيه ثلاث ليال فهي ليلة الجمعة وليلة
السبت وليلة الاحد وخرج في أثناء ليلة الاثنين ووقع في رواية هشام بن عروة عند ابن حبان
فركبا حتى أتيا الغار وهو ثور فتواريا فيه وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال فرقد علي على
فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم يورى عنه وباتت قريش تختلف وتأتمر أيهم يهجم على
صاحب الفراش فيوثقه حتى أصبحوا فإذا هم بعلي فسألوه فقال لا علم لي فعلموا أنه فر منهم وذكر
ابن إسحاق نحوه وزاد ان جبريل أمره لا يبيت على فراشه فدعا عليا فأمره أن يبيت على فراشه
ويسجى ببرده الأخضر ففعل ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم على القوم ومعه حفنة من تراب
فجعل ينثرها على رؤوسهم وهو يقرأ يس إلى فهم لا يبصرون وذكر أحمد من حديث ابن عباس
بإسناد حسن في قوله تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية قال تشاورت قريش ليلة بمكة فقال
بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم بل اقتلوه
وقال بعضهم بل أخرجوه فأطلع الله نبيه على ذلك فبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم
تلك الليلة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون عليا
يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم يعني ينتظرونه حتى يقوم فيفعلون به ما اتفقوا عليه فلما
أصبحوا ورأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا أين صاحبك هذا قال لا أدري فاقتصوا أثره فلما بلغوا
الجبل اختلط عليهم فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل ههنا
لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال وذكر نحو ذلك موسى بن عقبة عن
الزهري قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر ثم إن
مشركي قريش اجتمعوا فذكر الحديث وفيه وبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم
يورى عنه وباتت قريش يختلفون ويأتمرون أيهم يهجم على صاحب الفراش فيوثقه فلما أصبحوا
184

إذا هم بعلي وقال في آخره فخرجوا في كل وجه يطلبونه وفي مسند أبي بكر الصديق لأبي بكر
ابن علي المروزي شيخ النسائي من مرسل الحسن في قصة نسج العنكبوت نحوه وذكر الواقدي أن
قريشا بعثوا في أثرهما قائفين أحدهما كرز بن علقمة فرأى كرز بن علقمة على الغار
العنكبوت فقال ههنا انقطع الأثر ولم يسم الآخر وسماه أبو نعيم في الدلائل من حديث زيد بن
أرقم وغيره سراقة بن جعشم وقصة سراقة مذكورة في هذا الباب وقد تقدم في مناقب أبي بكر
حديث أنس عن أبي بكر (قوله فكمنا فيه) بفتح الميم ويجوز كسرها أي اختفينا (قوله
ثلاث ليال) في رواية عروة بن الزبير ليلتين فلعله لم يحسب أول ليلة وروى أحمد والحاكم من
رواية طلحة النضري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبثت مع صاحبي يعني أبا بكر في الغار
بضعة عشر يوما ما لنا طعام إلا ثمر البرير قال الحاكم معناه مكثنا مختفين من المشركين في الغار
وفي الطريق بضعة عشر يوما (قلت) لم يقع في رواية أحمد ذكر الغار وهي زيادة في الخبر من بعض
رواته ولا يصح حمله على حالة الهجرة لما في الصحيح كما تراه من أن عامر بن فهيرة كان يروح عليهما
في الغار باللبن ولما وقع لهما في الطريق من لقي الراعي كما في حديث البراء في هذا الباب ومن النزول
بخيمة أم معبد وغير ذلك فالذي يظهر أنها قصة أخرى والله أعلم وفي دلائل النبوة للبيهقي من
مرسل محمد بن سيرين أن أبا بكر ليلة انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار كان
يمشي بين يديه ساعة ومن خلفه ساعة فسأله فقال أذكر الطلب فأمشي خلفك وأذكر الرصد
فأمشي أمامك فقال لو كان شئ أحببت أن تقتل دوني قال أي والذي بعثك بالحق فلما انتهيا
إلى الغار قال مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار فاستبرأه وذكر أبو القاسم البغوي من
مرسل ابن أبي ملكية نحوه وذكر ابن هشام من زياداته عن الحسن البصري بلاغا نحوه (قوله
عبد الله بن أبي بكر) وقع في نسخة عبد الرحمن وهو وهم (قوله ثقف) بفتح المثلثة وكسر
القاف ويجوز إسكانها وفتحها وبعدها فاء الحاذق تقول ثقفت الشئ إذا أقمت عوجه (قوله
لقن) بفتح اللام وكسر القاف بعدها نون اللقن السريع الفهم (قوله فيدلج) بتشديد الدال
بعدها جيم أي يخرج بسحر إلى مكة (قوله فيصبح مع قريش بمكة كبائت) أي مثل البائت يظنه
من لا يعرف حقيقة أمره لشدة رجوعه بغلس (قوله يكتاد ان به) في رواية الكشميهني يكاد ان به
بغير مثناة أي يطلب لهما فيه المكروه وهو من الكيد (قوله عامر بن فهيرة) تقدم ذكره في باب
الشراء من المشركين من كتاب البيوع وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن أبا بكر اشتراه
من الطفيل بن سخبرة فأسلم فأعتقه (قوله منحة) بكسر الميم وسكون النون بعدها مهملة تقدم
بيانها في الهبة وتطلق أيضا على كل شاة وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن الغنم كانت
لأبي بكر فكان يروح عليهما الغنم كل ليلة فيحلبان ثم تسرح بكرة فيصبح في رعيان الناس فلا
يفطن له (قوله في رسل) بكسر الراء بعدها مهملة ساكنة اللبن الطري (قوله ورضيفهما) بفتح
الراء وكسر المعجمة بوزن رغيف أي اللبن المرضوف أي التي وضعت فيه الحجارة المحماة بالشمس
أو النار لينعقد وتزول رخاوته وهو بالرفع ويجوز الجر (قوله حتى ينعق بها عامر) ينعق بكسر
العين المهملة أي يصبح بغنمه والنعيق صوت الراعي إذا زجر الغنم ووقع في رواية أبي ذر حتى
ينعق بهما بالتثنية أي يسمعهما صوته إذا زجر غنمه ووقع في حديث ابن عباس عند ابن عائذ في
185

هذه القصة ثم يسرح عامر بن فهيرة فيصبح في رعيان الناس كبائت فلا يفطن به وفي رواية موسى
ابن عقبة عن ابن شهاب وكان عامر أمينا مؤتمنا حسن الاسلام (قوله من بني الديل) بكسر
الدال وسكون التحتانية وقيل بضم أوله وكسر ثانيه مهموز (قوله من بني عبد بن عدي) أي ابن
الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ويقال من بني عدي بن عمرو بن خزاعة ووقع في سيرة ابن إسحاق
تهذيب ابن هشام اسمه عبد الله بن أرقد وفي رواية الأموي عن ابن إسحاق بن أريقد كذا رواه
الأموي في المغازي بإسناد مرسل في غير هذه القصة قال وهو دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة في الهجرة وعند موسى بن عقبة أريقط بالتصغير أيضا لكن بالطاء وهو أشهر وعند ابن
سعد عبد الله بن أريقط وعن مالك اسمه رقيط حكاه ابن التين وهو في العتبية (قوله هاديا خريتا)
بكسر المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة (قوله والخريت الماهر بالهداية) هو
مدرج في الخبر من كلام الزهري بينه ابن سعد ولم يقع ذلك في رواية الأموي عن ابن إسحاق قال ابن
سعد وقال الأصمعي إنما سمي خريتا لأنه يهدي بمثل خرت الإبرة أي ثقبها وقال غيره قيل له ذلك لأنه
يهتدي لاخرات المفازة وهي طرقها الخفية (قوله قد غمس) بفتح الغين المعجمة والميم بعدها مهملة
(حلفا) بكسر المهملة وسكون اللام أي كان حليفا وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيمانهم في دم أو
خلوق أو في شئ يكون فيه تلويث فيكون ذلك تأكيدا للحلف (قوله فأمناه) بكسر الهمزة (قوله
(1) فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث) زاد مسلم بن عقبة عن ابن شهاب حتى إذا هدأت عنهما
الأصوات جاء صاحبهما ببعيريهما فانطلقا معهما بعامر بن فهيرة يخدمهما ويعينهما يردفه
أبو بكر ويعقبه ليس معهما غيره (قوله فأخذ بهم (2) طريق الساحل) في رواية موسى بن عقبة
فأجاز بهما أسفل مكة ثم مضى بهما حتى جاء بهما الساحل أسفل من عسفان ثم أجاز بهما حتى
عارض الطريق وعند الحاكم من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن
عائشة نحوه وأتم منه وإسناده صحيح وأخرجه الزبير بن بكار في أخبار المدينة مفسرا منزلة منزلة
إلى قباء وكذلك ابن عائذ من حديث ابن عباس وقد تقدم في علامات النبوة وفي مناقب أبي بكر
ما اتفق لهما حين خرجا من الغار من لقيهما راعي الغنم وشربهما من اللبن * الحديث الثاني عشر
حديث سراقة بن جعشم (قوله قال ابن شهاب) هو موصول بإسناد حديث عائشة وقد أفرده
البيهقي في الدلائل وقبله الحاكم في الإكليل من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بمسلم هو الزهري
به وكذلك أورده الإسماعيلي منفردا من طريق معمر والمعافي في الجليس من طريق صالح بن
كيسان كلاهما عن الزهري (قوله المدلجي) بضم الميم وسكون المهملة وكسر اللام ثم جيم من
بني مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة وعبد الرحمن بن مالك هذا اسم جده مالك بن جعشم ونسب
أبوه في هذه الرواية إلى جده كما سنبينه في سراقة وأبوه مالك بن جعشم له إدراك ولم أر من ذكره في
الصحابة بل ذكره ابن حبان في التابعين وليس له ولا لأخيه سراقة ولا لابنه عبد الرحمن في البخاري
غير هذا الحديث (قوله ابن أخي سراقة بن جعشم) في رواية أبي ذر ابن أخي سراقة بن مالك
ابن جعشم ثم قال إنه سمع سراقة بن جعشم والأول هو المعتمد وحيث جاء في الروايات سراقة بن
جعشم يكون نسب إلى جده وسيأتي في حديث البراء بعدها بقليل أنه سراقة بن مالك بن جعشم
ولم يختلف عليه فيه وجعشم بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة هو ابن مالك بن عمرو
186

وكنية سراقة أبو سفيان وكان ينزل قديدا وعاش إلى خلافة عثمان (قوله دية كل واحد)
أي مائة من الإبل وصرح بذلك موسى بن عقبة وصالح بن كيسان في روايتهما عن الزهري
وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني وخرجت قريش حين فقدوهما في بغائهما وجعلوا
في النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة وطافوا في جبال مكة حتى انتهوا إلى الجبل الذي فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر يا رسول الله إن هذا الرجل ليرانا وكان مواجهه فقال كلا
إن ملائكة تسترنا بأجنحتها فجلس ذلك الرجل يبول مواجهة الغار فقال النبي صلى الله عليه وسلم
لو كان يرانا ما فعل هذا (قوله رأيت آنفا) أي في هذه الساعة (قوله أسودة) أي أشخاصا
في رواية موسى بن عقبة وابن إسحاق لقد رأيت ركبة ثلاثة إني لأظنه محمدا وأصحابه ونحوه
في رواية صالح بن كيسان (قوله رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا) أي في نظرنا معاينة يبتغون
ضالة لهم وفي رواية موسى بن عقبة وابن إسحاق فأومأت إليه أن اسكت وقلت إنما هم بنو فلان
يبتغون ضالة لهم قال لعل وسكت ونحوه في رواية معمر وفي حديث أسماء فقال سراقة إنهما
راكبان ممن بعثنا في طلب القوم (قوله فأمرت جاريتي) لم أقف على اسمها وفي رواية موسى بن
عقبة وصالح بن كيسان وأمرت بفرسي فقيد إلى بطن الوادي وزاد ثم أخذت قداحي بكسر
القاف أي الأزلام فاستقسمت بها فخرج الذي أكره لا تضر وكنت أرجو أن أرده فآخذ المائة
ناقة (قوله فخططت) بالمعجمة وللكشميهني والأصيلي بالمهملة أي أمكنت أسفله وقوله بزجه
الزج بضم الزاي بعدها جيم الحديدة التي في أسفل الرمح وفي رواية الكشميهني فخططت به وزاد
موسى بن عقبة وصالح بن كيسان وابن إسحاق فأمرت بسلاحي فأخرج من ذنب حجرتي ثم انطلقت
فلبست لامتي (قوله وخفضت) أي أمسكه بيده وجر زجه على الأرض فخطها به لئلا يظهر
بريقه لمن بعد منه لأنه كره أن يتبعه منهم أحد فيشركوه في الجعالة ووقع في رواية الحسن عن
سراقة عند ابن أبي شيبة وجعلت أجر الرمح مخافة أن يشركني أهل الماء فيها (قوله فرفعتها)
أي أسرعت بها السير (قوله تقرب بي) التقريب السير دون العدو وفوق العادة وقيل أن
ترفع الفرس يديها معا وتضعهما معا (قوله فأهويت يدي أي بسطهما للاخذ والكنانة
الخريطة المستطيلة (قوله فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا) والأزلام
هي الاقداح وهي السهام التي لا ريش لها ولا نصل وسيأتي شرحها وكيفيتها وصنيعهم بها في
تفسير المائدة (قوله فخرج الذي أكره) أي لا تضرهم وصرح به الإسماعيلي وموسى وابن
إسحاق وزاد وكنت أرجو أن أرده فآخذ المائة ناقة وفي حديث ابن عباس عند ابن عائذ وركب
سراقة فلما أبصر الآثار على غير الطريق وهو وجل أنكر الآثار فقال والله ما هذه بآثار نعم
الشام ولا تهامة فتبعهم حتى أدركهم (قوله حتى إذا سمعت) في حديث البراء عن أبي بكر
الآتي عقب هذا فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي خليفة في حديث البراء عند
الإسماعيلي فقال اللهم اكفناه بما شئت وفي حديث ابن عباس مثله ونحوه في رواية الحسن عن
سراقة وفي حديث أنس وهو الثامن عشر من أحاديث الباب فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم
فقال اللهم أصرعه فصرعه فرسه (قوله ساخت) بالخاء المعجمة أي غاصت وفي حديث أسماء
بنت أبي بكر فوقعت لمنخريها (قوله حتى بلغتا الركبتين) في رواية البراء فارتطمت به فرسه إلى
187

بطنها وفي رواية أبي خليفة في الأرض إلى بطنها (قوله فخررت عنها) في رواية أبي خليفة فوثبت
عنها زاد ابن إسحاق فقلت ما هذا ثم أخرجت قداحي نحو الأول (قوله ثم زجرتها فنهضت فلم تكد)
وفي حديث أنس (1) ثم قامت تحمحم الحمحمة بمهملتين هو صوت الفرس (قوله عثان) بضم
المهملة بعدها مثلثة خفيفة أي دخان قال معمر قلت لأبي عمرو بن العلاء ما العثان قال الدخان
من غير نار وفي رواية الكشميهني غبار بمعجمة ثم موحدة ثم راء والأول أشهر وذكر أبو عبيد في
غريبه قال وإنما أراد بالعثان الغبار نفسه شبه غبار قوائمها بالدخان وفي رواية موسى بن عقبة
والإسماعيلي واتبعها دخان مثل الغبار وزاد فعلمت أنه منع مني (قوله فناديتهم بالأمان) وفي
رواية أبي خليفة قد علمت يا محمد أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه والله لأعمين عليك
من ورائي أي الطلب وفي رواية ابن إسحاق فناديت القوم أنا سراقة بن مالك بن جعشم أنظروني
أكلمكم فوالله لا آتيكم ولا يأتيكم مني شئ تكرهونه وفي حديث ابن عباس مثله وزاد
وأنا لكم نافع غير ضار وإني لا أدري لعل الحي يعني قومه فزعوا لركوبي وأنا راجع وراءهم عنكم
(قوله ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم) في رواية ابن إسحاق أنه قد منع مني (قوله وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم) أي من
الحرص على الظفر بهم وبذل المال لمن يحصلهم وفي حديث ابن عباس وعاهدهم أن لا يقاتلهم
ولا يخبر عنهم وأن يكتم عنهم ثلاث ليال (قوله وعرضت عليهم الزاد والمتاع) في مرسل عمير بن
إسحاق عند ابن أبي شيبة فكف ثم قال هلما إلى الزاد والحملان فقالا لا حاجة لنا في ذلك وفي حديث
ابن عباس أن سراقة قال لهم وان أبلى على طريقكم فاحتلبوا من اللبن وخذوا سهما من كنانتي
أمارة إلى الراعي (قوله فلم يرزآني) براء ثم زاي أي لم ينقصاني مما معي شيئا وفي رواية أبي خليفة
وهذه كنانتي فخذ سهما منها فإنك تمر على إبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخد منها حاجتك فقال لي
لا حاجة لنا في إبلك ودعا له (قوله أخف عنا) لم يذكر جوابه ووقع في رواية البراء فدعا له فنجا فجعل
لا يلقى أحدا إلا قال له قد كفيتم ما ههنا فلا يلقى أحدا إلا رده قال ووفي لنا وفي حديث أنس
فقال يا نبي الله مرني بما شئت قال فقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا قال فكان أول النهار
جاهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة له أي حارسا له بسلاحه وذكر
ابن سعد أنه لما رجع قال لقريش قد عرفتم بصري بالطريق وبالأثر وقد استبرأت لكم فلم أر شيئا
فرجعوا (قوله كتاب أمن) بسكون الميم وفي رواية الإسماعيلي كتاب موادعة وفي رواية إسحاق
كتابا يكون آية بيني وبينك (قوله فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم) وفي رواية ابن
إسحاق فكتب لي كتابا في عظم أو ورقة أو خرقة ثم ألقاه إلي فأخذته فجعلته في كنانتي ثم رجعت
وفي رواية موسى بن عقبة نحوه وعندهما فرجعت فسئلت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا فرغ من
حنين بعد فتح مكة خرجت لألقاه ومعي الكتاب فلقيته بالجعرانة حتى دنوت منه فرفعت يدي
بالكتاب فقلت يا رسول الله هذا كتابك فقال يوم وفاء وبر أدن فأسلمت وفي رواية صالح بن كيسان
نحوه وفي رواية الحسن عن سراقة قال فبلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي فأتيته
فقلت أحب أن توادع قومي فان أسلم قومك أسلموا وإلا أمنت منهم ففعل ذلك قال ففيهم نزلت
الا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية قال ابن إسحاق قال أبو جهل لما بلغه ما لقي
188

سراقة لامه في تركهم فأنشده
أبا حكم واللات لو كنت شاهدا * لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه
عجبت ولم تشكك بأن محمدا * نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه *
وذكر ابن سعد أن سراقة عارضهم يوم الثلاثاء بقديد * الحديث الثالث عشر (قوله قال ابن
شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب) هو متصل إلى
ابن شهاب بالاسناد المذكور أولا وقد أفرده الحاكم من وجه آخر عن يحيى بن بكير بالاسناد
المذكور ولم يستخرجه الإسماعيلي أصلا وصورته مرسل لكنه وصله الحاكم أيضا من طريق
معمر عن الزهري قال أخبرني عروة أنه سمع الزبير به وأفاد أن قوله وسمع المسلمون الخ من بقية
الحديث المذكور وأخرجه موسى بن عقبة عن ابن شهاب به وأتم منه وزاد قال ويقال لما دنا
من المدينة كان طلحة قدم من الشام فخرج عائدا إلى مكة إما متلقيا وإما معتمرا ومعه ثياب
أهداها لأبي بكر من ثياب الشام فلما لقيه أعطاه فلبس منها هو وأبو بكر انتهى وهذا إن كان
محفوظا احتمل أن يكون كل من طلحة والزبير أهدى لهما من الثياب والذي في السير هو الثاني
ومال الدمياطي إلى ترجيحه على عادته في ترجيح ما في السير على ما في الصحيح والأولى الجمع بينهما
والا فما في الصحيح أصح لان الرواية التي فيها طلحة من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة
والتي في الصحيح من طريق عقيل عن الزهري عن عروة ثم وجدت عند ابن أبي شيبة من طريق
هشام بن عروة عن أبيه نحو رواية أبي الأسود وعند ابن عائذ في المغازي من حديث ابن عباس
خرج عمر والزبير وطلحة وعثمان وعياش بن أبي ربيعة نحو المدينة فتوجه عثمان وطلحة إلى الشام
فتعين تصحيح القولين (قوله وسمع المسلمون بالمدينة) في رواية معمر فلما سمع المسلمون (قوله
يغدون) بسكون الغين المعجمة أي يخرجون غدوة وفي رواية الحاكم من وجه آخر عن عروة عن
عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن رجال من قومه قال لما بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه
وسلم كنا نخرج فنجلس له بظاهر الحرة نلجأ إلى ظل المدر حتى تغلبنا عليه الشمس ثم نرجع إلى رحالنا
(قوله حتى يردهم) في رواية معمر يؤذيهم وفي رواية ابن سعد فإذا أحرقتهم الشمس رجعوا إلى
منازلهم ووقع في رواية أبي خليفة في حديث أبي البراء حتى أتينا المدينة ليلا (قوله فانقلبوا
يوما بعد ما طال (1) انتظارهم) في رواية عبد الرحمن بن عويم حتى إذا كان اليوم الذي جاء فيه
جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا رجعنا جاء (قوله أوفى رجل من يهود) أي طلع إلى مكان عال
فأشرف منه ولم أقف على اسم هذا اليهودي (قوله أطم) بضم أوله وثانيه هو الحصن ويقال كان
بناء من حجارة كالقصر (قوله مبيضين) أي عليهم الثياب البيض التي كساهم إياها الزبير أو طلحة
وقال ابن التين يحتمل أن يكون معناه مستعجلين وحكى عن ابن فارس يقال بايض أي مستعجل
(قوله يزول بهم السراب) أي يزول السراب عن النظر بسبب عروضهم له وقيل معناه ظهرت
أي حركتهم للعين (قوله يا معاشر العرب) في رواية عبد الرحمن بن عويم يا بني قيلة وهو بفتح القاف
وسكون التحتانية وهي الجدة الكبرى للأنصار والدة الأوس والخزرج وهي قيلة بنت كاهل بن
عذرة (قوله هذا جدكم) بفتح الجيم أي حظكم وصاحب دولتكم الذي تتوقعونه وفي رواية
معمر هذا صاحبكم (قوله حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف) أي ابن مالك بن الأوس بن حارثة
189

ومنازلهم بقباء وهي على فرسخ من المسجد النبوي بالمدينة وكان نزوله على كلثوم بن الهرم وقيل
كان يومئذ مشركا وجزم به محمد بن الحسن بن زبالة في أخبار المدينة (قوله وذلك يوم الاثنين
من شهر ربيع الأول) وهذا هو المعتمد وشذ من قال يوم الجمعة في رواية موسى بن عقبة عن ابن
شهاب قدمها لهلال ربيع الأول أي أول يوم منه وفي رواية جرير بن حازم عن ابن إسحاق قدمها
لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول ونحوه عند أبي معشر لكن قال ليلة الاثنين ومثله عن ابن البرقي
وثبت كذلك في أواخر صحيح مسلم وفي رواية إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قدمها لاثنتي عشرة
ليلة خلت من ربيع الأول وعند أبن سعيد في شرف المصطفى من طريق أبي بكر بن حزم قدم لثلاث
عشرة من ربيع الأول وهذا يجمع بينه وبين الذي قبله بالحمل على الاختلاف في رواية الهلال
وعنده من حديث عمر ثم نزل على بني عمرو بن عوف يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ربيع الأول
كذا فيه ولعله كان فيه خلتا ليوافق رواية جرير بن حازم وعند الزبير في خبر المدينة عن ابن
شهاب في نصف ربيع الأول وقيل كان قدومه في سابعه وجزم ابن حزم بأنه خرج من مكة لثلاث
ليال بقين من صفر وهذا يوافق قول هشام بن الكلبي إنه خرج من الغار ليلة الاثنين أول يوم من
ربيع الأول فإن كان محفوظا فلعل قدومه قباء كان يوم الاثنين ثامن ربيع الأول وإذا ضم إلى
قول أنس إنه أقام بقباء أربع عشرة ليلة خرج منه أنه دخوله المدينة كان لاثنين وعشرين منه
لكن الكلبي جزم بأنه دخلها لاثنتي عشرة خلت منه فعلى قوله تكون اقامته بقباء أربع ليال
فقط وبه جزم ابن حبان فإنه قال أقام بها الثلاثاء والأربعاء والخميس يعني وخرج يوم الجمعة
فكأنه لم يعتد بيوم الخروج وكذا قال موسى بن عقبة إنه أقام فيهم ثلاث ليال فكأنه لم
يعتد بيوم الخروج ولا الدخول وعن قوم من بني عمرو بن عوف أنه أقام فيهم اثنين وعشرين
يوما حكاه الزبير بن بكار وفي مرسل عروة بن الزبير ما يقرب منه كما يذكر عقب هذا والأكثر أنه
قدم نهارا ووقع في رواية مسلم ليلا ويجمع بأن القدوم كان آخر الليل فدخل نهارا (قوله فقام
أبو بكر للناس) أي يتلقاهم (قوله فطفق) أي جعل (من جاء من الأنصار ممن ير رسول الله
صلى الله عليه وسلم يحيى أبا بكر) أي يسلم عليه قال ابن التين إنما كانوا يفعلون ذلك بأبي بكر
لكثرة تردده إليهم في التجارة إلى الشام فكانوا يعرفونه وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأتها بعد
أن كبر (قلت) ظاهر السياق يقتضي أن الذي يحيى ممن لا يعرف النبي صلى الله عليه وسلم
يظنه أبا بكر فلذلك يبدأ بالسلام عليه ويدل عليه قوله في بقية الحديث فأقبل أبو بكر يظلل
عليه بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع بيان ذلك في رواية موسى بن
عقبة عن ابن شهاب قال وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا فطفق من جاء من الأنصار
ممن لم يكن رآه يحسبه أبا بكر حتى إذا أصابته الشمس أقبل أبو بكر بشئ أظله به ولعبد الرحمن بن
عويم في رواية ابن إسحاق أناخ إلى الظل هو وأبو بكر والله ما أدري أيهما هو حتى رأينا أبا بكر
ينحاز له عن الظل فعرفناه بذلك (قوله فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف
بضع عشرة ليلة) في حديث أنس الآتي في الباب الذي يليه أنه أقام فيهم أربع عشرة ليلة وقد
ذكرت قبله ما يخالفه والله أعلم قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب أقام فيهم ثلاثا قال وروى ابن
شهاب عن مجمع بن حارثة أنه أقام اثنتين وعشرين ليلة وقال ابن إسحاق أقام فيهم خمسا وبنو عمرو
190

ابن عوف يزعمون أكثر من ذلك (قلت) ليس أنس من بني عمرو بن عوف فإنهم من الأوس وأنس
من الخزرج وقد جزم بما ذكرته فهو أولى بالقبول من غيره (قوله وأسس المسجد الذي أسس
على التقوى) أي مسجد قباء وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن عروة قال الذين
بني فيهم المسجد الذي أسس على التقوى هم بنو عمرو بن عوف وكذا في حديث ابن عباس عند
ابن عائذ ولفظه ومكث في بني عمرو بن عوف ثلاث ليال واتخذ مكانه مسجدا فكان يصلي فيه ثم
بناه بنو عمرو بن عوف فهو الذي أسس على التقوى وروى يونس بن بكير في زيادات المغازي عن
المسعودي عن الحكم بن عتيبة قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم فنزل بقباء قال عمار بن ياسر
ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم بد من أن يجعل له مكانا يستظل به إذا استيقظ ويصلي فيه فجمع
حجارة فبنى مسجد قباء فهو أول مسجد بني يعني بالمدينة وهو في التحقيق أول مسجد صلى النبي
صلى الله عليه وسلم فيه بأصحابه جماعة ظاهرا وأول مسجد بني لجماعة المسلمين عامة وإن كان
قد تقدم بناء غيره من المساجد لكن لخصوص الذي بناها كما تقدم في حديث عائشة في بناء
أبي بكر مسجده وروى بن أبي شيبة عن جابر قال لقد لبثنا بالمدينة قبل أن يقدم علينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم بسنين نعمر المساجد ونقيم الصلاة وقد اختلف في المراد بقوله تعالى لمسجد أسس
على التقوى من أول يوم فالجمهور على أن المراد به مسجد قباء هذا وهو ظاهر الآية وروى مسلم من
طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عن المسجد الذي
أسس على التقوى فقال هو مسجدكم ولأحمد والترمذي من وجه آخر عن أبي سعيد اختلف
رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
وقال الآخر هو مسجد قباء فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك فقال هو هذا
وفي ذلك يعني مسجد قباء خير كثير ولأحمد عن سهل بن سعد نحوه وأخرجه من وجه آخر عن
سهل بن سعد عن أبي بن كعب مرفوعا قال القرطبي هذا السؤال صدر ممن ظهرت له المساواة
بين المسجدين في اشتراكهما في أن كلا منهما بناه النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سئل النبي
صلى الله عليه وسلم عنه فأجاب بأن المراد مسجده وكأن المزية التي اقتضت تعيينه دون مسجد
قباء لكون مسجد قباء لم يكن بناؤه بأمر جزم من الله لنبيه أو كان رأيا رآه بخلاف مسجده أو كان
حصل له أو لأصحابه فيه من الأحوال القلبية ما لم يحصل لغيره انتهى ويحتمل أن تكون المزية لما
اتفق من طول إقامته صلى الله عليه وسلم بمسجد المدينة بخلاف مسجد قباء فما أقام به إلا أياما
قلائل وكفى بهذا مزية من غير حاجة إلى ما تكلفه القرطبي والحق أن كلا منهما أسس على
التقوى وقوله تعالى في بقية الآية فيه رجال يحبون أن يتطهروا يؤيد كون المراد مسجد قباء
وعند أبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نزلت فيه رجال
يحبون أن يتطهروا في أهل قباء وعلى هذا فالسر في جوابه صلى الله عليه وسلم بأن المسجد الذي
أسس على التقوى مسجده رفع توهم أن ذلك خاص بمسجد قباء والله أعلم قال الداودي وغيره
ليس هذا اختلافا لان كلا منهما أسس على التقوى وكذا قال السهيلي وزاد غيره أن قوله تعالى
من أول يوم يقتضي أنه مسجد قباء لان تأسيسه كان في أول يوم حل النبي صلى الله عليه وسلم
بدار الهجرة والله أعلم (قوله ثم ركب راحلته) وقع عند ابن إسحاق وابن عائذ أنه ركب من
191

قباء يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فقالوا يا رسول الله هلم إلى العدد والعدد والقوة
انزل بين أظهرنا وعند أبي الأسود عن عروة نحوه وزاد وصاروا يتنازعون زمام ناقته وسمى ممن
سأله النزول عندهم عتبان بن مالك في بني سالم وفروة بن عمرو في بني بياضة وسعد بن عبادة والمنذر
ابن عمرو وغيرهما في بني ساعدة وأبا سليط وغيره في بني عدي يقول لكل منهم دعوها فإنها
مأمورة وعند الحاكم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس جاءت الأنصار فقالوا إلينا يا رسول
الله فقال دعوا الناقة فإنها مأمورة فبركت على باب أبي أيوب (قوله حتى بركت عند مسجد
الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة) في حديث البراء عن أبي بكر فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه
فقال إني إنزل على أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك وعند ابن عائذ عن الوليد بن مسلم وعند
سعيد بن منصور كلاهما عن عطاف بن خالد أنها استناخت به أولا فجاءه ناس فقالوا المنزل يا رسول
الله فقال دعوها فانبعث حتى استناخت عند موضع المنبر من المسجد ثم تحلحلت فنزل عنها فأتاه
أبو أيوب فقال إن منزلي أقرب المنازل فأذن لي أن أنقل رحلك قال نعم فنقل وأناخ الناقة في منزله
وذكر ابن سعد أن أبا أيوب لما نقل رحل النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله قال النبي صلى الله عليه
وسلم المرء مع رحله وأن أسعد بن زرارة جاء فأخذ ناقته فكانت عنده قال وهذا أثبت وذكر أيضا
أن مدة إقامته عند أبي أيوب كانت سبعة أشهر (قوله وكان) أي موضع المسجد (مربدا)
بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة هو الموضع الذي يخفف فيه التمر وقال الأصمعي المربد كل
شئ حبست فيه الإبل أو الغنم وبه سمى مربد البصرة لأنه كان موضع سوق الإبل (قوله لسهيل
وسهل) زاد ابن عيينة في جامعه عن أبي موسى عن الحسن وكانا من الأنصار وعند الزبير بن
بكار في أخبار المدينة أنهما أتيا رافع بن عمرو وعند ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل
لمن هذا فقال له معاذ بن عفراء هو لسهيل وسهل بني عمرو يتيمان لي وسأرضيهما منه (قوله
في حجر سعد بن زرارة) كذا لأبي ذر وحده وفي رواية الباقين أسعد بزيادة ألف وهو الوجه وكان
أسعد من السابقين إلى الاسلام من الأنصار ويكنى أبا أمامة وأما أخوه سعد فتأخر إسلامه
ووقع في مرسل ابن سيرين عند أبي عبيد في الغريب أنهما كانا في حجر معاذ بن عفراء وحكى الزبير
أنهما كانا في حجر أبي أيوب والأول أثبت وقد يجمع باشتراكهما أو بانتقال ذلك بعد أسعد إلى
من ذكر واحدا بعد واحد وذكر ابن سعد أن أسعد بن زرارة كان يصلي فيه قبل أن يقدم النبي
صلى الله عليه وسلم (قوله فساومهما) في رواية ابن عيينة فكلم عمهما أي الذي كان في
حجره أن يبتاعه منهما فطلبه منهما فقالا ما تصنع به فلم يجد بدا من أن يصدقهما ووقع لأبي ذر عن
الكشميهني فأبى أن يقبله منهما (قوله حتى ابتاعه منهما) ذكر ابن سعد عن الواقدي عن معمر
عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يعطيهما ثمنه قال وقال غير معمر أعطاهما
عشرة دنانير وتقدم في أبواب المساجد من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا بني
التجار ثامنوني بحائطكم قالوا لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله ويأتي مثله في آخر الباب الذي يليه
ولا منافاة بينهما فيجمع بأنهم لما قالوا لا نطلب ثمنه إلا إلى الله سأل عمن يختص بملكه منهم فعينوا
له الغلامين فابتاعه منهما فحينئذ يحتمل أن يكون الذين قالوا له لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تحملوا
192

عنه للغلامين بالثمن وعند الزبير أن أبا أيوب أرضاهما عن ثمنه (قوله وطفق رسول الله صلى
الله عليه وسلم) أي جعل (ينقل معهم اللبن) أي الطوب المعمول من الطين الذي لم يحرق
وفي رواية عطاف بن خالد عند ابن عائذ أنه صلى فيه وهو عريش اثني عشر يوما ثم بناه وسقفه
وعند الزبير في خبر المدينة من حديث أنس أنه بناه أولا بالجريد ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين (قوله هذا الحمال) بالمهملة المكسورة وتخفيف الميم أي هذا المحمول من اللبن أبر) عند الله
أي أبقى ذخرا وأكثر ثوابا وأدوم منفعة وأشد طهارة من حمال خيبر أي التي يحمل منها التمر
والزبيب ونحو ذلك ووقع في بعض النسخ في رواية المستملي هذا الجمال بفتح الجيم وقوله ربنا
منادى مضاف (قوله اللهم إن الاجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة) كذا في هذه الرواية
ويأتي في حديث أنس في الباب الذي بعده اللهم لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة
وجاء في غزوة الخندق بتغيير آخر من حديث سهل بن سعد ونقل الكرماني أنه صلى الله عليه وسلم
كان يقف على الآخرة والمهاجرة بالتاء محركة فيخرجه عن الوزن ذكره في أوائل كتاب الصلاة
ولم يذكر مستنده والكلام الذي بعد هذا يرد عليه (قوله فتمثل بشعر رجل من المسلمين
لم يسم لي) قال الكرماني يحتمل أن يكون المراد الرجز المذكور ويحتمل أن يكون شعرا آخر
(قلت) الأول هو المعتمد ومناسبة الشعر المذكور للحال المذكور واضحة وفيها إشارة إلى أن الذي
ورد في كراهية البناء مختص بما زاد على الحاجة أو لم يكن في أمر ديني كبناء المسجد (قوله قال
ابن شهاب ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات) زاد
ابن عائذ في أخره التي كان يرتجز بهن وهو ينقل اللبن لبناء المسجد قال ابن التين أنكر على
الزهري هذا من وجهين أحدهما أنه رجز وليس بشعر ولهذا يقال لقائله راجز ويقال أنشد
رجزا ولا يقال له شاعر ولا أنشد شعرا والوجه الثاني أن العلماء اختلفوا هل ينشد النبي صلى
الله عليه وسلم شعرا أم لا وعلى الجواز هل ينشد بيتا واحدا أو يزيد وقد قيل إن البيت الواحد
ليس بشعر وفيه نظر انتهى والجواب عن الأول أن الجمهور على أن الرجز من أقسام الشعر إذا
كان موزونا وقد قيل إنه كان صلى الله عليه وسلم إذا قال ذلك لا يطلق القافية بل يقولها متحركة
التاء ولا يثبت ذلك وسيأتي من حديث سهل بن سعد في غزوة الخندق بلفظ فاغفر للمهاجرين
والأنصار وهذا ليس بموزون وعن الثاني بأن الممتنع عنه صلى الله عليه وسلم إنشاؤه لا إنشاده
ولا دليل على منع انشاده متمثلا وقول الزهري لم يبلغنا لا اعتراض عليه فيه ولو ثبت عنه صلى الله
عليه وسلم أنه أنشد غير ما نقله الزهري لأنه نفى أن يكون بلغه ولم يطلق النفي المذكور على أن
ابن سعد روى عن عفان عن معتمر بن سليمان عن معمر عن الزهري قال لم يقل النبي صلى الله
عليه وسلم شيئا من الشعر قبله أو يروى عن غيره إلا هذا كذا قال وقد قال غيره إن
الشعر المذكور لعبد الله بن رواحة فكأنه لم يبلغه وما في الصحيح أصح وهو قوله شعر رجل من
المسلمين وفي الحديث جواز قول الشعر وأنواعه خصوصا الرجز في الحرب والتعاون على سائر
الأعمال الشاقة لما فيه من تحريك الهمم وتشجيع النفوس وتحركها على معالجة الأمور
الصعبة وذكر الزبير من طريق مجمع بن يزيد قال قائل من المسلمين في ذلك
لئن قعدنا والنبي يعمل * ذاك إذا للعمل المضلل *
193

ومن طريق أخرى عن أم سلمة نحوه وزاد قال وقال علي بن أبي طالب
لا يستوي من يعمر المساجدا * يدأب فيها قائما وقاعدا
ومن يرى عن التراب حائدا * وسيأتي كيفية نزوله على أبي أيوب إلى أن أكمل المسجد
في حديث أنس في هذا الباب إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * أخرج المصنف هذا الحديث
بطوله في التاريخ الصغير بهذا السند فزاد بعد قوله هذه الأبيات وعن ابن شهاب قال كان بين
ليلة العقبة يعني الأخيرة وبين مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر أو قريب منها (قلت)
هي ذو الحجة والمحرم وصفر لكن كان مضى من ذي الحجة عشرة أيام ودخل المدينة بعد أن استهل
ربيع الأول فمهما كان الواقع أنه اليوم الذي دخل فيه من الشهر يعرف منه القدر على التحرير
فقد يكون ثلاثة سواء وقد ينقص وقد يزيد لان أقل ما قيل إنه دخل في اليوم الأول منه وأكثر
ما قيل إنه دخل الثاني عشر منه الحديث الرابع عشر (قوله عن أبيه) هو عروة وفاطمة هي
امرأته بنت المنذر بن الزبير وأسماء جدتهما جميعا (قوله فقلت لأبي) أي قالت لأبي بكر الصديق
(قوله أربطه) أي المتاع الذي في السفرة أو رأس السفرة أو ذكرت باعتبار الظرف لأنه مذكر
ويستفاد من هذا أن الذي أمرها بشق نطاقها لتربط به السفرة هو أبوها وتقدم تفسير النطاق في
حديث عائشة قبل الحديث الخامس عشر (قوله وقال ابن عباس أسماء ذات النطاق) وصله
في تفسير براءة في أثناء حديث وسيأتي إن شاء الله تعالى * الحديث السادس عشر حديث
البراء في قصة الهجرة أورده مختصرا وقد تقدم مطولا في علامات النبوة وفي مناقب أبي بكر مع
شرحه وذكر هنا أوله عن البراء وإنما هو عنده عن أبي بكر كما تقدم بيانه وفي آخر هذا الحديث
هنا ما يشير إلى ذلك ثم أعاده المصنف في هذا الباب كما سيأتي بعد أبواب من وجه آخر عن البراء أتم
مما هنا كما سأنبه عليه * الحديث السابع عشر حديث أسماء بنت أبي بكر انها حملت بعبد الله
ابن الزبير يعني بمكة (قوله وأنا متم) أي قد أتممت مدة الحمل الغالبة وهي تسعة أشهر ويطلق متم
أيضا على من ولدت لتمام (قوله فنزلت بقباء فولدته بقباء) هذا يشعر بأنها وصلت إلى المدينة قبل
أن يتحول النبي صلى الله عليه وسلم من قباء وليس كذلك (قوله ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم)
أي بالمدينة (قوله ثم تفل) بمثناة ثم فاء تقدم بيانه في أبواب المساجد (قوله ثم حنكه) أي وضع
في فيه التمرة ودلك حنكه بها (قوله وبرك عليه) أي قال بارك الله فيه أو اللهم بارك فيه (قوله وكان
أول مولود ولد في الاسلام) أي بالمدينة من المهاجرين فأما من ولد بغير المدينة من المهاجرين فقيل
عبد الله بن جعفر بالحبشة وأما من الأنصار بالمدينة فكان أول مولود ولد لهم بعد الهجرة مسلمة
ابن مخلد كما رواه بن أبي شيبة وقيل النعمان بن بشير وفي الحديث أن مولد عبد الله بن الزبير كان
في السنة الأولى وهو المعتمد بخلاف ما جزم به الواقدي ومن تبعه بأنه ولد في السنة الثانية بعد
عشرين شهرا من الهجرة ووقع عند الإسماعيلي من الزيادة من طريق عبد الله بن الرومي عن
أبي أسامة بعد قوله في الاسلام ففرح المسلمون فرحا شديدا لان اليهود كانوا يقولون سحرناهم حتى
لا يولد لهم وأخرج الواقدي ذلك بسند له إلى سهل بن أبي حثمة وجاء عن أبي الأسود عن عروة
نحوه ويرده أن هجرة أسماء وعائشة وغيرهما من آل الصديق كانت بعد استقرار النبي صلى الله
عليه وسلم بالمدينة فالمسافة قريبة جدا لا تحتمل تأخر عشرين شهرا بل ولا عشرة أشهر
194

(قوله تابعه خالد ابن مخلد) وصله الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد بهذا
السند ولفظه أنها هاجرت وهي حبلى بعبد الله فوضعته بقباء فلم ترضعه حتى أتت به النبي
صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد في آخره ثم صلى عليه أي دعا له وسماه عبد الله * الحديث الثامن
عشر حديث عائشة في المعنى هو محمول على أنه عن عروة عن أمه أسماء وعن خالته عائشة فقد
أخرجه المصنف من رواية أبي أسامة عن هشام على الوجهين كما ترى وفي رواية أسماء زيادة
تختص بها وقد ذكر المصنف لحديث أسماء متابعا وهي الرواية المعلقة التي فرغنا منها وذكر
أبو نعيم لحديث عائشة متابعا من رواية عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام وأخرج مسلم من
طريق أبي خالد عن هشام مختصرا نحوه وأخرج مسلم من طريق شعيب بن إسحاق عن هشام
ما يقتضي أنه عند عروة عن أمه وخالته ولفظه عن هشام حدثني عروة وفاطمة بنت المنذر قالا
خرجت أسماء حين هاجرت وهي حبلى بعبد الله بن الزبير قالت فقدمت قباء فنفست به ثم خرجت
فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكه ثم دعا بتمرة قالت عائشة فمكثنا ساعة نلتمسها قبل
أن نجدها فمضغها الحديث فهذا الحد فيه البيان أنه عند عروة عنهما جميعا وزاد في آخر هذا
الطريق وسماه عبد الله ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأمره بذلك الزبير فتبسم وبايعه وقد ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة
بعث زيد بن حارثة فأحضر زوجته سودة بنت زمعة وابنتيه فاطمة وأم كلثوم وأم أيمن زوج زيد
ابن حارثة وابنها أسامة وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر ومعه أمه أم رومان وأختاه عائشة
وأسماء فقدموا والنبي صلى الله عليه وسلم يبني مسجده ومجموع هذا مع قولها فولدته بقباء يدل على
أن عبد الله بن الزبير ولد في السنة الأولى من الهجرة كما تقدم (قوله أتوا به) يؤخذ من الذي قبله أن
أمه هي التي أتت به ويحتمل أن يكون معها غيرها كزوجها أو أختها (قوله فلاكها) أي مضغها
(قوله ثم أدخلها في فيه) قال بن التين ظاهرة أن اللوك كان قبل أن يدخلها في فيه والذي عند
أهل اللغة أن اللوك في الفم (قلت) وهو فهم عجيب فان الضمير في قوله في فيه يعود علي ابن الزبير
أي لاكها النبي صلى الله عليه وسلم في فمه ثم أدخلها في في ابن الزبير وهو واضح لمن تأملها
* الحديث التاسع عشر (قوله حدثني محمد) هو ابن سلام وقال أبو نعيم في المستخرج أظنه أنه محمد
ابن المثنى أبو موسى (قوله حدثنا عبد الصمد) هو ابن عبد الوارث بن سعيد (قوله مردف أبا بكر)
قال الداودي يحتمل أنه مرتدف خلفه على راحلته ويحتمل أن يكون على راحلة أخرى قال الله
تعالى بألف من الملائكة مردفين أي يتلو بعضهم بعضا ورجح ابن التين الأول وقال لا يصح
الثاني لأنه يلزم منه أن يمشي أبو بكر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) إنما يلزم ذلك لو كان
الخبر جاء بالعكس كأن يقول والنبي صلى الله عليه وسلم مرتدف خلف أبي بكر فأما ولفظه وهو
مردف أبا بكر فلا وسيأتي في الباب الذي بعده من وجه آخر عن أنس فكأني أنظر إلى النبي صلى
الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه (قوله وأبو بكر شيخ) يريد أنه قد شاب وقوله يعرف
أي لأنه كان يمر على أهل المدينة في سفر التجارة بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم في الامرين فإنه
كان بعيد العهد بالسفر من مكة ولم يشب وإلا ففي نفس الامر كان هو عليه الصلاة والسلام
أسن من أبي بكر وسيأتي في هذا الباب من حديث أنس أنه لم يكن في الذين هاجروا أشمط غير أبي بكر
195

(قوله ونبي الله شاب لا يعرف) ظاهره أن أبا بكر كان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك
وقد ذكر أبو عمر من رواية حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لأبي بكر أيما أسن أنا وأنت قال أنت أكرم يا رسول الله مني وأكبر وأنا أسن
منك قال أبو عمر هذا مرسل ولا أظنه إلا وهما (قلت) وهو كما ظن وإنما يعرف هذا للعباس
وأما أبو بكر فثبت في صحيح مسلم عن معاوية أنه عاش ثلاثا وستين سنة وكان قد عاش بعد النبي
صلى الله عليه وسلم سنتين وأشهرا فيلزم على الصحيح في سن أبي بكر أن يكون أصغر من النبي صلى
الله عليه وسلم بأكثر من سنتين (قوله يهديني السبيل) بين سبب ذلك ابن سعد في رواية له ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر اله الناس عني فكان إذا سئل من أنت قال باغي حاجة فإذا قيل
من هذا معك قال هاد يهديني وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني وكان أبو بكر رجلا
معروفا في الناس فإذا لقيه لاق يقول لأبي بكر من هذا معك فيقول هاد يهديني يريد الهداية في
الدين ويحسبه الآخر دليلا (قوله فقال يا رسول الله هذا فارس) وهو سراقة وقد تقدم شرح
قصته في الحديث الحادي عشر ووقع للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في سفرهم ذلك قضايا منها
نزولهم بخيمتي أم معبد وقصتها أخرجها ابن خزيمة والحاكم مطولة وأخرج البيهقي في الدلائل
من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بكر الصديق شبيها بأصل قصتها في لبن الشاة المهزولة دون
ما فيها من صفته صلى الله عليه وسلم لكنه لم يسمها في هذه الرواية ولا نسبها فاحتمل التعدد ومر
بعبد يرعى غنما وقد تقدم في حديث البراء عن أبي بكر وروى أبو سعيد في شرف المصطفى من
طريق إياس بن مالك بن الأوس الأسلمي قال لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مروا
بابل لنا بالجحفة فقالا لمن هذه قال لرجل من أسلم فالتفت إلى أبي بكر فقال سلمت قال ما اسمك قال
مسعود فالتفت إلى أبي بكر فقال سعدت ووصله ابن السكن والطبراني عن إياس عن أبيه عن
جده أوس بن عبد الله بن حجر فذكر نحوه مطولا وفيه إن أوسا أعطاهما فحل إبله وأرسل معهما
غلامه مسعودا وأمره أن لا يفارقهما حتى يصلا المدينة وتحديث أنس بقصة سراقة من
مراسيل الصحابة ولعله حملها عن أبي بكر الصديق فقد تقدم في مناقبه أن أنسا حدث عنه بطرف
من حديث الغار وهو قوله قلت يا رسول الله لو أن أحدهما نظر إلى قدميه لأبصرنا الحديث وقوله
فيه فصرعه عن فرسه ثم قامت تحمحم قال ابن التين فيه نظر لان الفرس إن كانت أنثى فلا يجوز
فصرعه وإن كان ذكرا فلا يقال ثم قامت (قلت) وانكاره من العجائب والجواب أنه ذكر باعتبار
لفظ الفرس وأنت باعتبار ما في نفس الامر من أنها كانت أنثى (قوله ثم بعث إلى الأنصار فجاءوا
إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فسلموا عليهما وقالوا اركبا آمنين مطاعين فركبا) طوى في هذا
الحديث قصة إقامته عليه الصلاة والسلام هنا وقد تقدم بيانه في الحديث الثالث عشر وتقدير
الكلام فنزل جانب الحرة فأقام بقباء المدة التي أقامها وبنى بها المسجد ثم بعث الخ (قوله حتى
نزل جانب دار أبي أيوب) تقدم بيانه مستوفى في الحديث الثالث عشر وقال البخاري في التاريخ
الصغير حدثنا موسى ابن إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال إني لا سعى مع
الغلمان إذ قالوا جاء محمد فننطلق فلا نرى شيئا حتى أقبل وصاحبه فكمنا في بعض خرب المدينة
وبعثا رجلا من أهل البادية يؤذن بهما فاستقبله زهاء خمسمائة من الأنصار فقالوا انطلقا آمنين
196

مطاعين الحديث (قوله فإنه ليحدث أهله) الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم (قوله إذ سمع به
عبد الله بن سلام) بالتخفيف ابن الحويرث الإسرائيلي يكنى أبا يوسف يقال كان اسمه الحصين
فسمى عبد الله في الاسلام وهو من حلفاء بني عوف بن الخزرج (قوله يخترف لهم) بالخاء المعجمة
والفاء أي يجتني من الثمار (قوله فجاء وهي معه) أي الثمرة التي اجتناها وفي بعضها وهو أي
الذي اجتناها (قوله فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله) وقع عند أحمد
والترمذي وصححه هو والحاكم من طريق زرارة بن أوفى عن عبد الله بن سلام قال لما قدم رسول
الله صلى الله عليه وسلم المدينة انحفل الندس إليه فجئت في الناس لأنظر إليه فلما استبنت وجهه
عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب الحديث قال العماد بن كثير ظاهر هذا السياق يعني سياق
أحمد لحديث عبد الله بن سلام ولفظه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انحفل الناس
لقدومه فكنت فيمن انحفل أنه اجتمع به لما قدم قباء وظاهر حديث أنس أنه اجتمع به بعد أن نزل
بدار أبي أيوب قال فيحمل على أنه اجتمع به مرتين (قلت) ليس في الأول تعيين قباء فالظاهر الاتحاد
وحمل المدينة هنا على داخلها (قوله أي بيوت أهلنا أقرب) تقدم بيان ذلك في أواخر الحديث
الثالث عشر وأطلق عليهم أهله لقرابة ما بينهم من النساء لان منهم والدة عبد المطلب جده وهي
سلمى بنت عوف من بني مالك بن النجار ولهذا جاء في حديث البراء أنه صلى الله عليه وسلم نزل على
أخواله أو أجداده من بني النجار (قوله فهئ لنا مقيلا) أي مكانا تقع فيه القيلولة (قال قوما) فيه
حذف تقديره فذهب فهيأ وقد وقع صريحا في رواية الحاكم وأبي سعيد قال فانطلق فهيأ لهما
مقيلا ثم جاء وفي حديث أبي أيوب عند الحاكم وغيره أنه أنزل النبي صلى الله عليه وسلم في السفل
ونزل هو وأهله في العلو ثم أشفق من ذلك فلم يزل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم حتى تحول إلى
العلو ونزل أبو أيوب إلى السفل ونحوه في طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس عند أبي سعيد
في شرف المصطفى وأفاد ابن سعد أنه أقام في منزل أبي أيوب سبعة أشهر حتى بنى بيوته وأبو أيوب هو
خالد بن زيد بن كليب من بني النجار وبنو النجار من الخزرج بن حارثة ويقال إن تبعا لما غزا الحجاز
واجتاز يثرب خرج إليه أربعمائة حبر فأخبروه بما يجب من تعظيم البيت وأن نبيا سيبعث
يكون مسكنه يثرب فأكرمهم وعظم البيت بأن كساه وهو أو ل من كساه وكتب كتابا وسلمه لرجل
من أولئك الأحبار وأوصاه أن يسلمه للنبي صلى الله عليه وسلم إن أدركه فيقال إن أبا أيوب من ذرية
ذلك الرجل حكاه ابن هشام في التيجان وأورده ابن عساكر في ترجمة تبع (قوله فلما جاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم) أي إلى منزل أبي أيوب (جاء عبد الله بن سلام) أي إليه فقال أشهد أنك
رسول الله) زاد في رواية حميد عن أنس كما سيأتي قريبا قبل كتاب المغازي أنه سأله عن أشياء فلما
أعلمه بها أسلم ولفظه فأتاه يسأله عن أشياء فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط
الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه فلما ذكر له جواب
مسائله قال أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال إن اليهود قوم بهت الحديث وعند
البيهقي من طريق عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن يحيى بن عبد الله عن رجل من آل عبد الله بن
سلام عن عبد الله بن سلام قال سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت صفته واسمه
فكنت مسرا لذلك حتى قدم المدينة فسمعت به وأنا على رأس نخلة فكبرت فقالت لي عمتي خالدة
197

بنت الحرث لو كنت سمعت بموسى ما زدت فقلت والله هو أخو موسى بعث بما بعث به فقالت لي
يا ابن أخي هو الذي كنا نخبر أنه سيبعث مع نفس الساعة قلت نعم قالت فذاك إذا ثم خرجت إليه
فأسلمت ثم جئت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن
اليهود قوم بهت الحديث (قوله ولقد علمت يهود أنى سيدهم) في الرواية الآتية قريبا قال
يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وسيأتي شرح ذلك ثم (قوله قالوا في ما ليس في) في الرواية الآتية
عند أبي نعيم بهتوني عندك (قوله فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي إلى اليهود فجاءوا (قوله
فدخلوا عليه) أي بعد أن اختبأ لهم عبد الله بن سلام كما سيأتي بيانه هناك وفي رواية يحيى بن
عبد الله المذكور فأدخلني في بعض بيوتك ثم سلهم عني فإنهم إن علموا بذلك بهتوني وعابوني قال
فأدخلني بعض بيوته (قوله سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا) في الرواية الآتية خيرنا وابن
خيرنا وأفضلنا وابن أفضلنا وفي ترجمة آدم أخيرنا بصيغة أفعل وفي رواية يحيى بن عبد الله سيدنا
وخيرنا وعالمنا ولعلهم قالوا جميع ذلك أو بعضه بالمعنى (قوله فقالوا شرنا) وفي رواية يحيى بن عبد الله
فقالوا كذبت ثم وقعوا في (قوله فقالوا كذبت فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية
يحيى بن عبد الله فقلت يا رسول الله ألم أخبرك أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور وفي الرواية
الآتية فتنقصوه فقال هذا ما كنت أخاف يا رسول الله * الحديث العشرون (قوله أخبرنا
هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (قوله عن عمر كان فرض للمهاجرين) هذا صورته منقطع لأن
نافعا لم يلحق عمر لكن سياق الحديث يشعر بأن نافعا حمله عن ابن عمر ووقع في رواية غير أبي ذر
هنا عن نافع يعني عن ابن عمر ولعلها من إصلاح بعض الرواة واغتر بها شيخنا ابن الملقن فأنكر
علي ابن التين قوله إن الحديث مرسل وقال لعل نسخته التي وقعت له ليس فيها ابن عمر وقد روى
الدراوردي عن عبيد الله بن عمر فقال عن نافع عن ابن عمر قال فرض عمر لأسامة أكثر مما
فرض لي فذكر قصة أخرى شبيهة بهذه أخرجها أبو نعيم في المستخرج هنا (قوله المهاجرين
الأولين) هم الذين صلوا للقبلتين أو شهدوا بدرا (قوله أربعة آلاف في أربعة) كذا للأكثر
وسقطت لفظة في من رواية النسفي وهو الوجه أي لكل واحد أربعة آلاف ولعلها بمعنى اللام
والمراد اثبات عدد المهاجرين المذكورين (قوله إنما هاجر به أبواه يقول ليس هو كمن هاجر
بنفسه) وفي رواية الدراوردي المذكورة قال عمر لابن عمر إنما هاجر بك أبواك والمراد أنه كان
198

حينئذ في كنف أبيه فليس هو كمن هاجر بنفسه وكان لابن عمر حين الهجرة إحدى عشرة سنة
ووهم من قال اثنتا عشرة وكذا ثلاث عشرة لما ثبت في الصحيحين أنه عرض يوم أحد وهو ابن
أربع عشرة وكانت أحد في شوال سنة ثلاث * (تنبيه) * أعاد المصنف هنا حديث خباب بعد
ان ذكره في أوائل الباب فأورده من وجهين ساقه على لفظ الرواية الثانية وهي رواية مسدد
وسأذكر شرحه في غزوة أحد إن شاء الله تعالى * الحديث الحادي والعشرون (قوله قال لي
عبد الله بن عمر هل تدري) وقعت في هذا الحديث زيادة من رواية سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال
صليت إلى جنب ابن عمر فسمعته حين سجد يقول فذكر ذكرا وفيه ما صليت صلاة منذ أسلمت
إلا وأنا أرجو أن تكون كفارة وقال لأبي بردة علمت أن أبي فذكر حديث الباب رويناه في
الجزء السادس من فوائد أبي محمد بن صاعد (قوله برد) بفتح الموحدة والراء (لنا) أي ثبت لنا ودام
يقال برد لي على الغريم حق أي ثبت وفي رواية سعيد بن أبي بردة خلص بدل برد وقوله كفافا أي
سواء بسواء والمراد لا موجبا ثوابا ولا عقابا وفي رواية سعيد بن أبي بردة لا لك ولا عليك (قوله قال
أبي لا والله) كذا وقع فيه والصواب قال أبوك لان ابن عمر هو الذي يحكى لأبي بردة ما دار بين عمر
وأبي موسى وهذا الكلام الأخير كلام أبي موسى وقد وقع في رواية النسفي على الصواب ولفظه
فقال أبوك لا والله الخ ووقع عند القابسي والمستملي فقال إي والله بكسر الهمزة بعدها
تحتانية ساكنة بمعنى نعم معها القسم مثل قوله قل أي وربي وعند عبدوس أني والله بنون ثقيلة
بعد الهمزة المكسورة ثم تحتانية وكان تصحيف إلا رواية النسفي ووقع في رواية داود بن
أبي هند عن أبي بردة في تاريخ الحاكم هذا الحديث قال أبو موسى لا قال لم قال لأني قدمت على
قوم جهال فعلمتهم القرآن والسنة فأرجو بذلك (قوله فقال أبي لكني والذي نفسي بيده) هذا
كلام عمر رضي الله عنه (قوله فقلت) القائل هو أبو بردة وخاطب بذلك ابن عمر فأراد أن عمر خير
من أبي موسى وأراد من الحيثية المذكورة والا فمن المقرر أن عمر أفضل من أبي موسى عند جميع
الطوائف لكن لا يمتنع أن يفوق بعض المفضولين بخصلة لا تستلزم الأفضلية المطلقة ومع هذا
فعمر في هذه الخصلة المذكورة أيضا أفضل من أبي موسى لان مقام الخوف أفضل من مقام
الرجاء فالعلم محيط بأن الآدمي لا يخلو عن تقصير ما في كل ما يريد من الخير وإنما قال عمر ذلك هضما
لنفسه وإلا فمقامه في الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر (قوله خير من أبي) في رواية سعيد
ابن أبي بردة أفقه من أبي * الحديث الثاني والعشرون (قوله حدثني محمد بن الصباح أو بلغني
عنه) أما محمد فهو محمد بن الصباح الدولابي البزاز بمعجمتين نزيل بغداد متفق على توثيقه وقد روى
عنه البخاري في الصلاة وفي البيوع جازما بغير واسطة وأما من بلغ البخاري عنه فيحتمل أن
يكون هو عباد بن الوليد فقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه عن محمد بن الصباح بلفظه
وعباد المذكور يكنى أبا بدر وهو غبري بضم المعجمة وفتح الموحدة الخفيفة روى عنه ابن ماجة
وابن أبي حاتم وقال صدوق ومات قبل سنة ستين أو بعدها وإسماعيل شيخ محمد فيه هو ابن إبراهيم
المعروف بابن علية وعاصم هو ابن سليمان الأحول وأبو عثمان هو النهد ي والاسناد كله بصريون
(قوله إذا قيل له هاجر قبل أبيه يغضب) يعني أنه لم يهاجر إلا صحبة أبيه كما تقدم وأخرج الطبراني
من وجه آخر عن ابن عمر أنه كان يقول لعن الله من يزعم أنني هاجرت قبل أبي انما قدمني في ثقله
199

وهذا في إسناده ضعف والجواب الذي أجاب به في حديث الباب أصح منه وقد استشكل ذكر
أبويه فان أمه زينب بنت مظعون كانت بمكة فيما ذكره ابن سعد (قوله قدمت أنا وعمر على رسول
الله صلى الله عليه وسلم) يعني عند البيعة ولعلها بيعة الرضوان وزعم الداودي أنها بيعة صدرت
حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعندي في ذلك بعد لان ابن عمر لم يكن في سن من يبايع
وقد عرض على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بثلاث سنين يوم أحد فلم يجزه فيحتمل أن
تكون البيعة حينئذ على غير القتال وإنما ذكرها ابن عمر ليبين سبب وهم من قال إنه هاجر قبل
أبيه وانما الذي وقع له أنه بايع قبل أبيه فلما كانت بيعته قبل بيعة أبيه توهم بعض الناس أن
هجرته كانت قبل هجرة أبيه وليس كذلك وإنما بادر إلى البيعة قبل حرصا على تحصيل الخير
ولان تأخيره لذلك لا ينفع عمر أشار إلى ذلك الداودي وعارضه ابن التين بأن مثله يرد في الهجرة
التي أنكر كونها كانت سابقة والجواب أنه أنكر وقوع ذلك لا كراهيته لو وقع أو الفرق أن
زمن البيعة يسير جدا بخلاف زمن الهجرة وأيضا فلعل البيعة لم تكن عامة بخلاف الهجرة
فان ابن عمر خشي أن تفوته البيعة فبادر إلى تحصيلها ثم أسرع إلى أبيه فأخبره فسارع إلى
البيعة فبايع ثم أعاد ابن عمر البيعة ثاني مرة (قوله نهرول) الهرولة ضرب من السير بين المشي
على مهل والعدو * (تنبيه) * ذكر المصنف هنا حديث البراء عن أبي بكر في قصة الهجرة وقد
تقدم التنبيه عليه في أوائل هذا الباب وساقه هنا أتم وقد تقدم شرحه في علامات النبوة وفي
مناقب أبي بكر وبقيته في أوائل الباب في حديث سراقة وقوله هنا فأحيينا ليلتنا بتحتانيتين
من الاحياء ولبعضهم بمثناة ثم مثلثة من الحث (قوله ففرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فروة) فسرها صاحب النهاية بأنها الأرض اليابسة وقيل النبت اليابس قال وقيل أراد بالفروة
اللباس المعروفة (قلت) وهذا هو الراجح بل هو الظاهر من قوله فروة معي وقوله هنا قد روأتها
أي تأتيت بها حتى صلحت تقول روأت في الامر إذا نظرت فيه ولم تعجل (قوله قال البراء فدخلت
مع أبي بكر على أهله فإذا بنته عائشة مضطجعة قد أصابتها حمى فرأيت أباها يقبل خدها وقال
كيف أنت يا بنية) هذا القدر من الحديث لم يذكره المصنف إلا في هذا الموضع وسأشير إليه
في الباب الذي يليه وكان دخول البراء على أهل أبي بكر قبل أن ينزل الحجاب قطعا وأيضا فكان
حينئذ دون البلوغ وكذلك عائشة * الحديث الثالث والعشرون (قوله حدثنا محمد بن حمير)
بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتانية ووقع في رواية القابسي عن أبي زيد بمعجمة مصغر
وهو تصحيف وشيخه إبراهيم بن أبي علية قد سمع من أنس وحدث عنه هنا بواسطة واسم أبيه
يقظان ضد النائم وعقبة بن وساج بفتح الواو وتشديد المهملة وآخره جيم وأبو عبيد في الاسناد
200

الثاني هو حيي بضم المهملة وفتح التحتانية بعدها أخرى ثقيلة ويقال حي بلفظ ضد ميت وكان
حاجب سليمان بن عبد الملك (قوله فغلفها) بالمعجمة أي خضبها والمراد اللحية وان لم يقع
لها ذكر (قوله والكتم) بفتح الكاف والمثناة الخفيفة وحكى تثقيلها ورق يخضب به كالآس
من نبات ينبت في أصغر الصخور فيتدلى خيطانا لطافا ومجتناه صعب ولذلك هو قليل وقيل إنه
يخلط بالوشمة وقيل إنه الوشمة وقيل هو النيل وقيل هو حناء قريش وصبغه أصفر (قوله في
الرواية الثانية وقال دحيم) هو عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي وصله الإسماعيلي عن الحسن
ابن سفيان عنه (قوله فكان أسن أصحابه أبو بكر) أي الذين قدموا معه حينئذ وقبله كما تقدم
(قوله حتى قنأ) بفتح القاف والنون والهمزة أي اشتدت حمرتها ستأتي زيادة في الكلام على
خضاب الشعر في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى * الحديث الرابع والعشرون (قوله إن أبا بكر
تزوج امرأة من كلب) أي من بني كلب وهو كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة
ابن كنانة ويدل عليه ما وقع في رواية الترمذي الحكيم من طريق الزبيدي عن الزهري في هذا
الحديث ثم من بني عوف وأما الكلبي المشهور فهو من بني كلب بن وبرة بن تغلب بن قضاعة
(قوله أم بكر) لم أقف على اسمها وكأنه كنيتها المذكورة (قوله فلما هاجر أبو بكر طلقها
فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر) هو أبو بكر شداد بن الأسود بن عبد شمس بن مالك بن جعونة
ويقال له ابن شعوب بفتح المعجمة وضم المهملة وسكون الواو بعدها موحدة قال ابن حبيب هي
أمه وهي خزاعية لكن سماه عمرو بن شمر وأنشد له أشعارا كثيرة قالها في الكفر قال ثم أسلم
وذكر مثله ابن الأعرابي في كتاب من نسب إلى أمه وزعم أبو عبيدة أنه ارتد بعد إسلامه حكاه عنه
ابن هشام في زوائد السيرة والأول أولى وزاد الفاكهي في هذا الحديث من الوجه الذي أخرجه
منه البخاري قالت عائشة والله ما قال أبو بكر بيت شعر في الجاهلية ولا الاسلام ولقد ترك هو
وعثمان شرب الخمر في الجاهلية وهذا يضعف ما أخرجه الفاكهي أيضا من طريق عوف عن
أبي القموص قال شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم وقال هذه الأبيات فبلغ ذلك النبي صلى الله
عليه وسلم فغضب فبلغ ذلك عمر فجاء فقال نعوذ بالله من غضب رسول الله والله لا تلج رؤوسنا بعد
هذا أبدا قال وكان أول من حرمها فلهذا قد عارضه قول عائشة وهي أعلم بشأن أبيها من غيرها
وأبو القموص لم يدرك أبا بكر فالعهدة على الواسطة فلعله كان من الروافض ودل حديث عائشة
على أن لنسبة أبي بكر إلى ذلك أصلا وإن كان غير ثابت عنه والله أعلم (قوله رثى كفار قريش)
يعني يوم بدر لما قتلوا وألقاهم النبي صلى الله عليه وسلم في القليب وهي البئر التي لم تطو (قوله من
الشيزي) بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها زاي مقصور وهو شجر يتخذ منه الجفان
والقصاع الخشب التي يعمل فيها الثريد وقال الأصمعي هي من شجر الجوز تسود بالدسم والشيزي
جمع شيز والشيز يغلظ حتى ينحت منه فأراد بالشيزي ما يتخذ منها وبالجفنة صاحبها كأنه قال
ماذا بالقليب من أصحاب الجفان الملأى بلحوم أسنمة الإبل وكانوا يطلقون على الرجل المطعام
جفنة لكثرة إطعامه الناس فيها وأغرب الداودي فقال الشيزي الجمال قال لان الإبل إذا سمنت
تعظم أسنمتها ويعظم جمالها وغلطه ابن التين قال وإنما أراد أن الجفنة من الثريد تزين بالقطع
اللحم من السنام (قوله القينات) جمع قينة بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون هي المغنية
201

وتطلق أيضا على الأمة مطلقا والشرب بفتح المعجمة وسكون الراء جمع شارب وقيل هو اسم جمع
وجزم ابن التين بالأول فقال هو كتجر وتاجر والمراد بهم الندامي (قوله تحيينا) في رواية الكشميهني
تحييني بالافراد وقوله فهل في رواية الكشميهني وهل لي بالواو وقوله من سلام أي من سلامة
وفيه قوة لمن قال المراد من السلام الدعاء بالسلامة أو الاخبار بها (قوله أصداء) جمع صدى
وهو ذكر البوم وهام جمع هامة وهو الصدى أيضا وهو عطف تفسيري وقيل الصدى الطائر الذي
يطير بالليل والهامة جمجمة الرأس وهي التي يخرج منها الصدى بزعمهم وأراد الشاعر إنكار
البعث بهذا الكلام كأنه يقول إذا صار الانسان كهذا الطائر كيف يصير مرة أخرى إنسانا
وقال أهل اللغة كان أهل الجاهلية يزعمون أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة فتزقو
وتقول أسقوني أسقوني وإذا أدرك بثأره طارت فذهبت قال الشاعر
إنك ان لا تذر شتمي ومنقصتي * أضربك حتى تقول الهامة أسقوني
وقد أورد ابن هشام هذه الأبيات في السيرة بزيادة خمسة أبيات ووقع عند الإسماعيلي من طريق
أخرى عن ابن وهب وعن عنبسة بن خالد أيضا كلاهما عن يونس بالاسناد المذكور أن عائشة
كانت تدعو على من يقول إن أبا بكر قال القصيدة المذكورة فذكر الحديث والشعر مطولا
وعند الترمذي الحكيم من طريق الزبيدي عن الزهري مثله وزاد قالت عائشة فنحلها الناس
أبا بكر الصديق من أجل امرأته أم بكر التي طلق وانما قائلها أبو بكر بن شعوب (قلت) وابن
شعوب المذكور هو الذي يقول فيه أبو سفيان
ولو شئت نجتنى كميت طمرة * ولم أحمل النعماء لابن شعوب
وكان حنظلة بن أبي عامر حمل يوم أحد على أبي سفيان فكاد أن يقتله فحمل ابن شعوب على
حنظلة من ورائه فقتله فنجا أبو سفيان فقال في ذلك أبياتا منها هذا البيت * الحديث الخامس
والعشرون حديث أنس تقدم شرحه في مناقب أبي بكر ومعنى قوله الله ثالثهما أي معاونهما
وناصرهما وإلا فهو مع كل اثنين بعلمه كما قال ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة
إلا هو سادسهم الآية * الحديث السادس والعشرون حديث أبي سعيد جاء أعرابي إلى النبي
صلى الله عليه وسلم يسأله عن الهجرة الحديث أورده من طريقين موصول ومعلق والموصول
أخرجه في كتاب الزكاة والمعلق أخرجه في كتاب الهبة بالاسنادين المذكورين هنا ومر شرحه
في كتاب الزكاة والأعرابي ما عرفت اسمه والهجرة المسؤول عنها مفارقة دار الكفر إذ ذاك والتزام
أحكام المهاجرين مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك وقع بعد فتح مكة لأنها كانت إذ ذاك فرض
عين ثم نسخ ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح وقوله اعمل من وراء البحار مبالغة في
إعلامه بأن عمله لا يضيع في أي موضع كان وقوله لن يترك بفتح التحتانية وكسر المثناة ثم راء
وكاف أي ينقصك (قوله باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاب المدينة) تقدم
بيان الاختلاف فيه في آخر شرح حديث عائشة الطويل في شان الهجرة ثم أخرج من طريق
معتمر بن سليمان عن أبيه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعليهما ثياب بيض
شامية فمر على عبد الله بن أبي فوقف عليه ليدعوه إلى النزول عنده فنظر إليه فقال انظر أصحابك
الذين دعوك فأنزل عليهم فنزل على سعد بن خيثمة قال الحاكم الأول أرجح وابن شهاب أعرف بذلك
202

من غيره (قلت) ويقوى قول ابن شهاب ما أخرجه أبو سعيد في شرف المصطفى من طريق الحاكم
من طريق ابن مجمع لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم هو وأبو بكر وعامر
ابن فهيرة قال كلثوم يا نجيح لمولى له فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنجحت وذكر محمد بن الحسن بن
زبالة في أخبار المدينة أنه نزل على كلثوم وهو يومئذ مشرك ويؤيد قول التيمي ما أخرجه أبو سعيد
أيضا ومن طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء يوم الاثنين
فنزل على سعد بن خيثمة وجمع بين الخبرين بأنه نزل على كلثوم وكان يجلس مع أصحابه عند سعد
ابن خيثمة لأنه كان أعزب وان ثبت قول بن زبالة فكان منزل كلثوم يختص بالمبيت وسائر إقامته
عند سعد لكونه كان أسلم ثم ذكر المصنف فيه ثمانية أحاديث * الأول حديث البراء (قوله في
الطريق الأول أبو إسحاق سمع البراء) حذف قوله إنه كما حذف قال من الطريق الثاني عن أبي
إسحاق سمعت البراء وكان شعبة يرى أن أنبأنا وأخبرنا وحدثنا واحد وقد تقدم البحث فيه في كتاب
العلم (قوله أول من قدم علينا مصعب) في رواية عن شعبة عند الحاكم في الإكليل عن عبد الله
ابن رجاء في روايته من المهاجرين (قوله مصعب بن عمير) زاد بن أبي شيبة أول من قدم
علينا المدينة زاد في رواية عبد الله بن رجاء عن إسرائيل عن أبي إسحاق عند الإسماعيلي أخو بني
عبد الدار بن قصي والده عمير هو ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار زاد عبد الله بن رجاء فقلنا له
ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو مكانه وأصحابه على أثري وذكر موسى بن عقبة
أنه لما قدم المدينة نزل على حبيب بن عدي وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل
مصعبا مع أهل العقبة يعلمهم (قوله وابن أم مكتوم) هو عمرو ويقال عبد الله العامري من بني
عامر بن لؤي ووقع في رواية بن أبي شيبة ثم أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر
فقلنا ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال هم على أثري وفي رواية عبد الله بن رجاء
من وراءك زاد في رواية غندر عن شعبة ثم عامر بن ربيعة ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة وهي
أول مهاجرة وقيل بل أول مهاجرة أم سلمة لقولها لما مات أبو سلمة أول بيت هاجر ويجمع بأن أولية
أم سلمة بقيد البيت وهو ظاهر من إطلاقها (قوله ثم قدم علينا عمار بن ياسر وبلال) في رواية غندر
فقدم وقد تقدم الاختلاف في عمار هل هاجر إلى الحبشة أم لا فان يكن فقد كان ممن تقدمهما
إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وأما بلال فكان لا يفارق النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر
لكن تقدمهما بإذن وتأخر معهما عامر بن فهيرة (قوله في الرواية الثانية عن غندر عن شعبة وكانوا
يقرؤون الناس) في رواية الأصيلي وكريمة فكانا يقرآن الناس وهو أوجه ويوجه الأول إما على
أن أقل الجمع اثنان وإما على أن من كان يقرءانه كان يقرأ معهما أيضا (قوله وسعد) زاد في رواية
الحاكم ابن مالك وهو ابن أبي وقاص وروى الحاكم من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال
وزعموا أن من آخر من قدم سعد بن أبي وقاص في عشرة فنزلوا على سعد بن خيثمة وقد تقدم في
أول الهجرة أن أول من قدم المدينة من المهاجرين عامر بن ربيعة ومعه امرأته أم عبد الله
بنت أبي حثمة وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وشماس بن
عثمان بن الشريد وعبد الله بن جحش فيجمع بينه وبين حديث البراء بحمل الأولية في أحداهما على
صفة خاصة فقد جزم ابن عقبة بأن أول من قدم المدينة من المهاجرين مطلقا أبو سلمة بن عبد الأسد
203

وكان رجع من الحبشة إلى مكة فأوذي بمكة فبلغه ما وقع للاثنى عشر من الأنصار في العقبة الأولى
فتوجه إلى المدينة في أثناء السنة فيجمع بين ذلك وبين ما وقع هنا بأن أبا سلمة خرج لا لقصد الإقامة
بالمدينة بل فرارا من المشركين بخلاف مصعب بن عمير فإنه خرج إليها للإقامة بها وتعليم من أسلم
من أهلها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فلكل أولية من جهة (قوله في الرواية الثانية ثم قدم عمر)
ابن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية عبد ا لله بن رجاء في عشرين
راكبا وقد سمى ابن إسحاق منهم زيد بن الخطاب وسعيد بن زيد بن عمرو وعمرو بن سراقة وأخاه عبد الله
وواقد بن عبد الله وخالدا وإياسا وعامرا وعاقلا بني البكير وخنيس بن حذافة بمعجمة ونون ثم سين
مصغر وعياش بن ربيعة وخولي بن أبي خولي وأخاه هؤلاء كلهم من أقارب عمر وحلفائهم قالوا فنزلوا
جميعا على رفاعة بن عبد المنذر يعني بقباء (قلت) فلعل بقية العشرين كانوا من أتباعهم وروى
ابن عائذ في المغازي بإسناد له عن ابن عباس قال خرج عمر والزبير وطلحة وعثمان وعياش بن ربيعة
في طائفة فتوجه عثمان وطلحة إلى الشام أه‍ فهؤلاء ثلاثة عشر من ذكر ابن إسحاق وذكر موسى بن
عقبة أن أكثر المهاجرين نزلوا على بني عمرو بن عوف بقباء إلا عبد الرحمن بن عوف فإنه نزل على
سعد بن الربيع وهو خزرجي وسيأتي في كتاب الأحكام أن سالما مولى أبي حذيفة بن عتبة كان
يؤم المهاجرين الأولين في مسجد قباء منهم أبو سلمة بن عبد الأسد (قوله حتى جعل الإماء يقلن قدم
رسول الله) في رواية عبد الله بن رجاء فخرج الناس حين قدم المدينة في الطرق وعلى البيوت
والغلمان (2) والخدم جاء محمد رسول الله الله أكبر جاء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج
الحاكم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدف وهن
يقلن
نحن جوار من بني النجار * يا حبذا محمد من جار
وأخرج أبو سعد في شرف المصطفى ورويناه في فوائد الخلعي من طريق عبيد الله ابن عائشة
منقطعا لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل الولائد يقلن
طلع البدر علينا * من ثنية الوداع
وجب الشكر علينا * ما دعا لله داع
وهو سند معضل ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك (قوله فما قدم حتى حفظت سبح اسم
ربك الاعلى في سور من المفصل) أي مع سور وفي رواية الحسن بن سفيان عن بندار شيخ
البخاري فيه وسورا من المفصل ومقتضاه أن سبح اسم ربك الاعلى مكية وفيه نظر لان ابن أبي حاتم
أخرج من طريق حيدة أن قوله تعالى قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى نزلت في صلاة العيد
وزكاة الفطر وسنده حسن وكل منهما شرع في السنة الثانية فيمكن أن يكون نزول هاتين منها وقع
بالمدينة وأقوى منه أن يتقدم نزول السورة كلها بمكة ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم ان المراد بصلى
صلاة العيد وبتزكي زكاة الفطر فان تأخير البيان عن وقت الخطاب جائز والجواب عن الاشكال
من وجهين أحدهما احتمال أن تكون السورة مكية إلا هاتين الآيتين وثانيهما وهو
أصحهما فيه يجوز نزولها كلها بمكة ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم المراد بقوله قد أفلح من تزكى
وذكر اسم ربه فصلى صلاة العيد وزكاة الفطر فليس من الآية الا الترغيب في الذكر والصلاة من
غير بيان للمراد فبينته السنة بعد ذلك * الحديث الثاني حديث عائشة (قوله قدمنا المدينة) في
204

رواية أبي أسامة عن هشام وهي أوبأ أرض الله وفي رواية محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة نحوه
وزاد قال هشام وكان وباؤها معروفا في الجاهلية وكان الانسان إذا دخلها وأراد أن يسلم من
وبائها قيل له انهق فينهق كما ينهق الحمار وفي ذلك يقول الشاعر
لعمري لئن غنيت من خيفة الردى * نهيق حمار إنني لمروع
(قوله وعك) بضم أوله وكسر ثانيه أي أصابه الوعك وهي الحمى (قوله كيف تجدك) أن تجد
نفسك أو جسدك وقوله مصبح بمهملة ثم موحدة وزن محمد أي مصاب بالموت صباحا وقيل المراد
أنه يقال له وهو مقيم بأهله صبحك الله بالخير وقد يفجأه الموت في بقية النهار وهو مقيم بأهله (قوله
أدنى) أي أقرب (قوله شراك) بكسر المعجمة وتخفيف الراء السير الذي يكون في وجه النعل
والمعنى أن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله لرجله (قوله أقلع عنه) بفتح أوله أي الوعك
وبضمها والاقلاع للكف عن الامر (قوله يرفع عقيرته أي صوته ببكاء أو بغناء قال الأصمعي
أصله أن رجلا انعقرت رجله فرفعها على الأخرى وجعل يصيح فصار كل من رفع صوته يقال رفع
عقيرته وان لم يرفع رجله قال ثعلب وهذا من الأسماء التي استعملت على غير أصلها (قوله بواد)
أي بوادي مكة (قوله وجليل) بالجيم نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت وغيرها (قوله
مياه مجنة) بالجيم موضع على أميال من مكة وكان به سوق تقدم بيانه في أوائل الحج وقوله يبدون
أي يظهر وشامة وطفيل جبلان بقرب مكة وقال الخطابي كنت أحسب أنهما جبلان حتى
ثبت عندي أنهما عينان وقوله أردن ويبدون بنون التأكيد الخفيفة وشامة بالمعجمة والميم
مخففا وزعم بعضهم أن الصواب بالموحدة بدل الميم والمعروف بالميم وزاد المصنف آخر كتاب الحج
من طريق أبي أسامة عن هشام به ثم يقول بلال اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية
ابن خلف كما أخرجونا إلى ارض الوباء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم حبب إلينا المدينة
الحديث وقوله كما أخرجونا أي أخرجهم من رحمتك كما أخرجونا من وطننا وزاد ابن إسحاق في
روايته عن هشام وعمرو بن عبد الله بن عروة جميعا عن عروة عن عائشة عقب قول أبيها فقلت
والله ما يدري أبي ما يقول قالت ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب
فقلت كيف نجدك يا عامر فقال
لقد وجدت الموت قبل ذوقه * إن الجبان حتفه من فوقه
كل امرئ مجاهد بطوقه * كالثور يحمي جسمه بروقه
وقالت في آخره فقلت يا رسول الله وأنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى والزيادة في قول عامر بن
فهيرة رواها مالك أيضا في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن عائشة منقطعا وسيأتي بقية ما يتعلق بهذا
الحديث في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وقد تقدم في الباب الذي قبله من حديث البراء أن
عائشة أيضا وعكت وكان أبو بكر يدخل عليها وكان وصول عائشة إلى المدينة مع آل أبي بكر هاجر
بهم أخوها عبد الله وخرج زيد بن حارثة وأبو رافع ببنتي النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة
وأم كلثوم وأسامة بن زيد وأمه أم أيمن وسودة بنت زمعة وكانت رقية بنت النبي صلى الله عليه
وسلم سبقت مع زوجها عثمان وأخرت زينب وهي الكبرى عند زوجها أبي العاص بن الربيع
* الحديث الثالث (قوله حدثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني ذكر حديث عثمان في شأن
205

الوليد بن عقبة وقد تقدم شرحه في مناقب عثمان مستوفى والغرض منه قوله وهاجرت
الهجرتين وكان عثمان ممن رجع من الحبشة فهاجر من مكة إلى المدينة ومعه زوجته رقية بنت
النبي صلى الله عليه وسلم (قوله وقال بشر بن شعيب الخ) وصله أحمد بن حنبل في مسنده عنه بتمامه
(قوله تابعه إسحاق الكلبي) وصله أبو بكر بن شاذان فيما رويناه من طريقه بإسناده إلى يحيى بن
صالح عن إسحاق الكلبي عن الزهري فذكره بتمامه وفيه انه جلد الوليد أربعين وقد تقدم البحث
في ذلك في مناقب عثمان * الحديث الرابع ذكر طرفا من قصة عبد الرحمن بن عوف مع عمر وفيه
خطبة عمر والغرض منه قول عبد الرحمن حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة ووقع في
رواية الكشميهني والسلامة بدل السنة * الحديث الخامس (قوله أن أم العلاء) هي والدة
خارجة بن زيد بن ثابت الراوي عنها وقد روى سالم أبو النضر هذا الحديث عن خارجة بن زيد عن
أمه نحوه ولم يسم هذه فكأن اسمها كنيتها وهي بنت الحارث بن ثابت بن خارجة الأنصارية
الخزرجية (قوله طار لهم) أي خرج في القرعة لهم وتقدم بيانه آخر الشهادات (قوله حين
قرعت) بالقاف كذا وقع ثلاثيا والمعروف أقرعت من الرباعي وتقدم في الجنائز بلفظ اقترعت
(قوله أبا السائب) هي كنية عثمان بن مظعون المذكور وكان عثمان من فضلاء الصحابة السابقين
وقد تقدم خبره مع لبيد في أول المبعث * الحديث السادس (قوله كان يوم بعاث) تقدم بيانه
في مناقب الأنصار ووقع عند ابن سعد في قصة العقبة الأولى ما يدل على أن يوم بعاث كان بعد
المبعث بعشر سنين وتقدم نحوه في باب وفود الأنصار وقوله في دخولهم متعلق بقوله قدمه الله
* الحديث السابع (قوله بما تعازفت) بالمهملة والزاي أي قالته من الاشعار في هجاء بعضهم بعضا
وألقته على المغنيات فغنين به والمعازف آلات الملاهي الواحدة معزفة وقال الخطابي يحتمل أن
يكون من عزف اللهو وهو ضرب المعازف على تلك الاشعار المحرضة على القتال ويحتمل أن
يكون المراد بالعزف أصوات الحرب شبهها بعزيف الرياح وهو ما يسمع من دويها وفي رواية
206

تقاذفت بالقاف والذال المعجمة أي ترامت به * الحديث الثامن (قوله أنبأنا عبد الصمد) هو ابن
عبد الوارث بن سعيد (قوله في علو المدينة) كل ما في جهة نجد يسمى العالية وما في جهة تهامة
يسمى السافلة وقباء من عوالي المدينة وأخذ من نزول النبي صلى الله عليه وسلم التفاؤل له ولدينه
بالعلو (قوله يقال لهم بنو عمرو بن عوف) أي ابن مالك بن الأوس بن حارثة (قوله وأبو بكر ردفه)
تقدم ما فيه في الباب الذي قبله في الحديث الثامن عشر (قوله وملا بني النجار) أي جماعتهم
(قوله حتى ألقى) أي نزل أو المراد ألقى رحله (قوله بفناء) بكسر الفاء وبالمد ما امتد من
جوانب الدار (قوله أبي أيوب) هو خالد بن زيد بن كليب الأنصاري من بني مالك النجار (قوله
ثم إنه أمر) تقدم ضبطه في أوائل الصلاة (قوله ثامنوني) أي قرروا معي ثمنه أو ساوموني بثمنه
تقول ثامنت الرجل في كذا إذا ساومته (قوله بحائطكم) أي بستانكم وقد تقدم في الباب قبله
أنه كان مربدا فلعله كان أولا حائطا ثم خرب فصار مربدا ويؤيده قوله أنه كان فيه نخل وخرب وقبل
كان بعضه بستانا وبعضه مربدا وقد تقدم في الباب الذي قبله تسمية صاحبي المكان المذكور
ووقع عند موسى بن عقبة عن الزهري أنه اشتراه منهما بعشرة دنانير وزاد الواقدي أن أبا بكر
دفعها لهما عنه (قوله فكان فيه) فسره بعد ذلك (قوله خرب) بكسر المعجمة وفتح الراء والموحدة
وتقدم توجيه آخر في أوائل الصلاة بفتح أوله وكسر ثانيه قال الخطابي أكثر الرواة بالفتح ثم
الكسر وحدثناه الخيام بالكسر ثم الفتح ثم حكى احتمالات منها الخرب بضم أوله وسكون ثانيه
قال هي الخروق المستديرة في الأرض والجرف بكسر الجيم وفتح الراء بعدها فاء ما تجرفه السيول
وتأكله من الأرض والحدب بالمهملة وبالدال المهملة أيضا المرتفع من الأرض قال وهذا لائق
بقوله فسويت لأنه إنما يسوي المكان المحدوب وكذا الذي جرفته السيول وأما الخراب فيبني
ويعمر دون أن يصلح ويسوى (قلت) وما المانع من تسوية الخراب بأن يزال ما بقي منه ويسوى
أرضه ولا ينبغي الالتفات إلى هذه الاحتمالات مع توجيه الرواية الصحيحة (قوله فأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت) قال ابن بطال لم أجد في نبش قبور المشركين لتتخذ
مسجدا نصا عن أحد من العلماء نعم اختلفوا هل تنبش بطلب المال فأجازه الجمهور ومنعه
الأوزاعي وهذا الحديث حجة للجواز لان المشرك لا حرمة له حيا ولا ميتا وقد تقدم في المساجد
البحث فيما يتعلق بها (قوله وبالنخل فقطع) هو محمول على أنه لم يكن يثمر ويحتمل أن يثمر لكن
دعت الحاجة إليه لذلك وقوله فصفوا النخل أي موضع النخل وقوله عضادتيه بكسر المهملة
وتخفيف المعجمة تثنية عضادة وهي الخشبة التي على كتف الباب ولكل باب عضادتان وأعضاد
كل شئ ما يشد جوانبه (قوله يرتجزون) أي يقولون رجزا وهو ضرب من الشعر على الصحيح
(قوله فانصر الأنصار والمهاجرة) كذا رواه أبو داود بهذا اللفظ وسبق ما فيه في أبواب المساجد
واحتج من أجاز بيع غير المالك بهذه القصة لان المساومة وقعت مع غير الغلامين وأجيب
باحتمال أنهما كانا من بني النجار فساومهما وأشرك معهما في المساومة عمهما الذي كانا في حجره
كما تقدم في الحديث الثاني عشر (قوله باب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه)
أي من حج أو عمرة (قوله حدثنا حاتم) هو ابن إسماعيل المدني (قوله سمعت عمر بن عبد العزيز
207

يسأل السائب) أي ابن يزيد (قوله ابن أخت النمر) تقدم ذكره قريبا في المناقب النبوية
(قوله العلاء بن الحضرمي) اسمه عبد الله بن عماد وكان حليف بني أمية وكان العلاء صحابيا جليلا
ولاه النبي صلى الله عليه وسلم البحرين وكان مجاب الدعوة ومات في خلافة عمر وماله في البخاري
إلا هذا الحديث (قوله ثلاث للمهاجر بعد الصدر) بفتح المهملتين أي بعد الرجوع من منى
وفقه هذا الحديث أن الإقامة بمكة كانت حراما على من هاجر منها قبل الفتح لكن أبيح لمن
قصدها منهم بحج أو عمرة أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام لا يزيد عليها ولهذا رثى النبي صلى الله
عليه وسلم لسعد بن خولة أن مات بمكة ويستنبط من ذلك أن إقامة ثلاثة أيام لا تخرج صاحبها
عن حكم المسافر وفي كلام الداودي اختصاص ذلك بالمهاجرين الأولين ولا معنى لتقييده بالأولين
قال النووي معنى هذا الحديث أن الذين هاجروا يحرم عليهم استيطان مكة وحكى عياض
أنه قول الجمهور قال وأجازه لهم جماعة يعني بعد الفتح فحملوا هذا القول على الزمن الذي كانت
الهجرة المذكورة واجبة فيه قال واتفق الجميع على أن الهجرة قبل الفتح كانت واجبة عليهم
وأن سكنى المدينة كان واجبا لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومواساته بالنفس وأما غير
المهاجرين فيجوز له سكنى أي بلد أراد سواء مكة وغيرها بالاتفاق انتهى كلام القاضي ويستثنى
من ذلك من أذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالإقامة في غير المدينة واستدل بهذا الحديث على
أن طواف الوداع عبادة مستقلة ليست من مناسك الحج وهو أصح الوجهين في المذهب لقوله
في هذا الحديث بعد قضاء نسكه لان طواف الوداع لا إقامة بعده ومتى أقام بعده خرج عن كونه
طواف الوداع وقد سماع قبله قاضيا لمناسكه فخرج طواف الوداع عن أن يكون من مناسك الحج
والله أعلم وقال القرطبي المراد بهذا الحديث من هاجر من مكة إلى المدينة لنصر النبي صلى الله
عليه وسلم ولا يعني به من هاجر من غيرها لأنه خرج جوابا عن سؤالهم لما تحرجوا من الإقامة بمكة
إذ كانوا قد تركوها لله تعالى فأجابهم بذلك وأعلمهم أن إقامة الثلاث ليس بإقامة قال والخلاف
الذي أشار إليه عياض كان فيمن مضى وهل ينبني عليه خلاف فيمن فر بدينه من موضع يخاف
أن يفتن فيه في دينه فهل له أن يرجع إليه بعد انقضاء تلك الفتنة يمكن أن يقال إن كان تركها لله
كما فعله المهاجرون فليس له أن يرجع لشئ من ذلك وإن كان تركها فرارا بدينه ليسلم له ولم يقصد
إلى تركها لذاتها فله الرجوع إلى ذلك انتهى وهو حسن متجه إلا أنه خص ذلك بمن ترك رباعا
أو دورا ولا حاجة إلى تخصيص المسألة بذلك والله أعلم (قوله باب التاريخ) قال
الجوهري التاريخ تعريف الوقت والتوريخ مثله تقول أرخت وورخت وقيل اشتقاقه من
الأرخ وهو الأنثى من بقر الوحش كأنه شئ حدث كما يحدث الولد وقيل هو معرب ويقال أول
ما أحدث التاريخ من الطوفان (قوله من أين أرخوا التاريخ) كأنه يشير إلى اختلاف في ذلك
وقد روى الحاكم في الإكليل من طريق ابن جريج عن أبي سلمة عن ابن شهاب الزهري أن النبي
صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأول وهذا معضل والمشهور
خلافه كما سيأتي وأن ذلك كان في خلافة عمر وأفاد السهيلي أن الصحابة أخذوا التاريخ
بالهجرة من قوله تعالى لمسجد أسس على التقوى من أول يوم لأنه من المعلوم أنه ليس أول الأيام
مطلقا فتعين أنه أضيف إلى شئ مضمر وهو أول الزمن الذي عز فيه الاسلام وعبد فيه النبي
208

صلى الله عليه وسلم ربه آمنا وابتدأ بناء المسجد فوافق رأي الصحابة ابتداء التاريخ من ذلك اليوم
وفهمنا من فعلهم أن قوله تعالى من أول يوم أنه أول أيام التاريخ الاسلامي كذا قال والمتبادر أن
معنى قوله من أول يوم أي دخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة والله أعلم (قوله
حدثنا عبد العزيز) أي ابن أبي حازم سلمة بن دينار (قوله ما عدوا من مبعث النبي صلى الله عليه
وسلم) في رواية الحاكم من طريق مصعب الزبيري عن عبد العزيز أخطأ الناس العدد لم يعدوا
من مبعثه ولا من قدومه المدينة وإنما عدوا من وفاته قال الحاكم وهو وهم ثم ساقه على
الصواب بلفظ ولا من وفاته إنما عدوا من مقدمه المدينة والمراد بقوله أخطأ الناس العدد
أي أغفلوه وتركوه ثم استدركوه ولم يرد أن الصواب خلاف ما عملوا ويحتمل أن يريده وكان يرى
أن البداءة من المبعث أو الوفاة أولى وله اتجاه لكن الراجح خلافه والله أعلم (قوله مقدمه) أي
زمن قدومه ولم يرد شهر قدومه لان التاريخ إنما وقع من أول السنة وقد أبدى بعضهم للبداءة
بالهجرة مناسبة فقال كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربعة مولده ومبعثه
وهجرته ووفاته فرجح عندهم جعلها من الهجرة لان المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من
النزاع في تعيين السنة وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره من الأسف عليه فانحصر
في الهجرة وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم لان ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم
إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة فكان أول هلال استهل بعد البيعة
والعزم على الهجرة هلال المحرم فناسب أن يجعل مبتدأ وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة
الابتداء بالمحرم وذكروا في سبب عمل عمر التاريخ أشياء منها ما أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في
تاريخه ومن طريقه الحاكم من طريق الشعبي أن أبا موسى كتب إلى عمر أنه يأتينا منك
كتب ليس لها تاريخ فجمع عمر الناس فقال بعضهم ارخ بالمبعث وبعضهم ارخ بالهجرة فقال
عمر الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها وذلك سنة سبع عشرة فلما اتفقوا قال بعضهم
ابدءوا برمضان فقال عمر بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم فاتفقوا عليه وقيل أول من
أرخ التاريخ يعلى بن أمية حيث كان باليمن أخرجه أحمد بن حنبل بإسناد صحيح لكن فيه انقطاع
بين عمرو بن دينار ويعلى وروى أحمد وأبو عروبة في الأوائل والبخاري في الأدب والحاكم من
طريق ميمون بن مهران قال رفع لعمر صك محله شعبان فقال أي شعبان الماضي أو الذي
نحن فيه أو الآتي ضعوا للناس شيئا يعرفونه فذكر نحو الأول وروى الحاكم عن سعيد
ابن المسيب قال جمع عمر الناس فسألهم عن أول يوم يكتب التاريخ فقال علي من يوم هاجر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك أرض الشرك ففعله عمر وروى ابن أبي خيثمة من طريق ابن
سيرين قال قدم رجل من اليمن فقال رأيت باليمن شيئا يسمونه التاريخ يكتبونه من عام كذا
وشهر كذا فقال عمر هذا حسن فأرخوا فلما جمع على ذلك قال قوم أرخوا للمولد وقال قائل
للمبعث وقال قائل من حين خرج مهاجرا وقال قائل من حين توفي فقال عمر أخروا من خروجه
من مكة إلى المدينة ثم قال بأي شهر نبدأ فقال قوم من رجب وقال قائل من رمضان فقال عثمان
أرخوا المحرم فإنه شهر حرام وهو أول السنة ومنصرف الناس من الحج قال وكان ذلك سنة
سبع عشرة وقيل سنة ست عشرة في ربيع الأول فاستفدنا من مجموع هذه الآثار أن الذي
209

أشار بالمحرم عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم (قوله فرضت الصلاة ركعتين) أي بمكة وقوله
تركت أي على ما كانت عليه من عدم وجوب الزائد بخلاف صلاة الحضر فإنها زيدت في ثلاث
منها ركعتان فالمعنى أقرت صلاة السفر على جواز الاتمام وإن كان الأحب القصر وقد تقدم
ما فيه من الاشكال في أول كتاب الصلاة (قوله تابعه عبد الرزاق عن معمر) وصله الإسماعيلي
من طريق فياض بن زهير عن عبد الرزاق بلفظه وذكر ابن جرير عن الواقدي أن الزيادة في صلاة
الحضر كانت بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر واحد قال وزعم أنه لا خلاف
بين أهل الحجاز في ذلك (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أمضى
لأصحابي هجرتهم ومرثيته لمن مات بمكة بتخفيف التحتانية وهو عطف على قول والمرثية تعديد
محاسن الميت والمراد هنا التوجع له لكونه مات في البلد التي هاجر منها وقد تقدم بيان الحكمة
في ذلك قبل بباب (قوله ورثتك) كذا للأكثر وللكشميهني والقابسي ذريتك ورواية الجماعة
أولى لأن هذه اللفظة قد بين البخاري أنها لغير يحيى بن قزعة شيخه هنا (قوله ولست بنافق) كذا
هنا وللكشميهني بمنفق وهو الصواب (قوله أن مات بمكة) هو بفتح الهمزة للتعليل وأغرب
الداودي فتردد فيه فقال إن كان بالفتح ففيه دلالة على أنه أقام بمكة بعد الصدر من حجته ثم مات
وإن كان بالكسر ففيه دليل على أنه قيل له إنه يريد التخلف بعد الصدر فخشي عليه أن يدركه أجله
بمكة (قلت) والمضبوط المحفوظ بالفتح لكن ليس فيه دلالة على أنه أقام بعد حجه لان السياق يدل
على أنه مات قبل الحج والله أعلم (قوله وقال أحمد بن يونس وموسى عن إبراهيم) يعني ابن سعد
أن تذر ورثتك أما رواية أحمد بن يونس فأخرجها المصنف في حجة الوداع في آخر المغازي وأما
رواية موسى وهو ابن إسماعيل فأخرجها المؤلف في الدعوات (قوله باب كيف آخى
النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه تقدم في مناقب الأنصار باب آخى النبي صلى الله عليه
وسلم بين المهاجرين والأنصار قال ابن عبد البر كانت المؤاخاة مرتين مرة بين المهاجرين خاصة
وذلك بمكة ومرة بين المهاجرين والأنصار فهي المقصودة هنا وذكر ابن سعد بأسانيد الواقدي إلى
جماعة من التابعين قالوا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين المهاجرين وآخى بين
المهاجرين والأنصار على المواساة وكانوا يتوارثون وكانوا تسعين نفسا بعضهم من المهاجرين
وبعضهم من الأنصار وقيل كانوا مائة فلما نزل وأولوا الأرحام بطلت المواريث بينهم بتلك
المؤاخاة (قلت) وسيأتي في الفرائض من حديث ابن عباس لما قدموا المدينة كان يرث
المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه بالاخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فنزلت
وعند أحمد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه قال السهيلي آخى بين أصحابه
ليذهب عنهم وحشة الغربة ويتأنسوا من مفارقة الأهل والعشيرة ويشد بعضهم أزر بعض فلما
عز الاسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أبطل المواريث وجعل المؤمنين كلهم إخوة وأنزل
إنما المؤمنون إخوة يعني في التوادد وشمول الدعوة واختلفوا في ابتدائها فقيل بعد الهجرة
بخمسة أشهر وقيل بتسعة وقيل وهو يبني المسجد وقيل قبل بنائه وقيل بسنة وثلاثة أشهر قبل
بدر وعند أبن سعد في شرف المصطفى كان الاخاء بينهم في المسجد وذكر محمد بن إسحاق المؤاخاة
فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعد أن هاجر تآخوا أخوين أخوين فكان
210

هو وعلي أخوين وحمزة وزيد بن حارثة أخوين وجعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخوين
وتعقبه ابن هشام بأن جعفرا كان يومئذ بالحبشة وفي هذا نظر وقد تقدم ووجهها العماد بن كثير
بأنه أرصده لاخوته حتى يقدم وفي تفسير سنيد آخى بين معاذ وابن مسعود وأبو بكر وخارجة بن
زيد أخوين وعمر وعتبان بن مالك أخوين وقد تقدم في أوائل الصلاة قول عمر كان لي أخ
من الأنصار وفسر بعتبان ويمكن أن يكون أخوته له (1) تراخت كما في أبي الدرداء وسلمان
ومصعب بن عمير وأبو أيوب أخوين وأبو حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر أخوين ويقال بل عمار
وثابت بن قيس لان حذيفة إنما أسلم زمان أحد وأبو ذر والمنذر بن عمرو أخوين وتعقب بأن أبا ذر
تأخرت هجرته والجواب كما في جعفر وحاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعدة أخوين وسلمان
وأبو الدرداء أخوين وتعقب بأن سلمان تأخر إسلامه وكذا أبو الدرداء والجواب ما تقدم في جعفر
وكان ابتداء المؤاخاة أوائل قدومه المدينة واستمر يجددها بحسب من يدخل في الاسلام
أو يحضر إلى المدينة والاخاء بين سلمان وأبي الدرداء صحيح كما في الباب وعند ابن سعد وآخى بين
أبي الدرداء وعوف بن مالك وسنده ضعيف والمعتمد ما في الصحيح وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن
الربيع مذكور في هذا الباب وسمى بن عبد البر جماعة آخرين وأنكر ابن تيمية في كتاب الرد على
ابن المطهر الرافضي المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصا مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي قال
لان المؤاخاة شرعت لارفاق بعضهم بعضا وليتألف قلوب بعضهم على بعض فلا معنى لمؤاخاة النبي
لاحد منهم ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري وهذا رد للنص بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة
لان بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى فآخى بين الاعلى والأدنى
ليرتفق الأدنى بالأعلى ويستعين الاعلى بالأدنى وبهذا تظهر مؤاخاته صلى الله عليه وسلم لعلي
لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة واستمر وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة
لان زيدا مولاهم فقد ثبت أخوتهما وهما من المهاجرين وسيأتي في عمرة القضاء قول زيد بن
حارثة إن بنت حمزة بنت أخي وأخرج الحاكم وابن عبد البر بسند حسن عن أبي الشعثاء عن
ابن عباس آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين الزبير وابن مسعود وهما من المهاجرين (قلت)
وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني وابن تيمية يصرح بأن أحاديث المختارة أصح
وأقوى من أحاديث المستدرك وقصة المؤاخاة الأولى أخرجها الحاكم من طريق جميع بن عمير
عن ابن عمر آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر وبين طلحة والزبير وبين
عبد الرحمن بن عوف وعثمان وذكر جماعة قال فقال علي يا رسول الله إنك آخيت بين أصحابك فمن
أخي قال أنا أخوك وإذا انضم هذا إلى ما تقدم تقوى به وقد تقدم في باب الكفالة قبيل كتاب
الوكالة الكلام على حديث لا حلف في الاسلام بما يغني عن الإعادة وقد سبق كلام السهيلي في
حكمة ذلك الميراث وسيأتي في الفرائض حديث ابن عباس كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث
المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للاخوة * الحديث الأول (قوله وقال عبد الرحمن بن
عوف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع) هو طرف من حديث تقدم
211

موصولا في أوائل البيوع من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه وهو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن
ابن عوف عن جده قال قال عبد الرحمن بن عوف لما قدمنا المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم
بيني وبين سعد بن الربيع فقال سعد إني أكثر الأنصار مالا فأقاسمك مالي الحديث وظن الشيخ
عماد الدين بن كثير أن البخاري أشار بهذا التعليق إلى حديث أنس فقال قصة عبد الرحمن لا تعرف
مسندة عنه وإنما أسندها البخاري وغيره عن أنس قال فلعل البخاري أراد أن أنسا حملها عن
عبد الرحمن بن عوف انتهى (1) والذي ادعاه مردود لثبوته في الصحيح * الحديث الثاني (قوله
وقال أبو جحيفة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء) هو طرف من حديث
وصله بتمامه في كتاب الصيام والغرض منه التنبيه على تسمية من وقع الاخاء بينهم من المهاجرين
والأنصار فذكر هذا والذي بعده من إخاء سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف ولمسلم من طريق
ثابت عن أنس آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبي طلحة وأبي عبيدة وتقدم في الايمان حديث
عمر كان لي أخ من الأنصار وكنا نتناوب النزول وذكر ابن إسحاق أنه عتبان بن مالك وكان أبو بكر
الصديق وحارثة بن زيد أخوين فيما ذكره ابن إسحاق أيضا * الحديث الثالث حديث أنس
في قصة إخاء سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف وسيأتي شرحه في كتاب النكاح (قوله
باب كذا لهم بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي بعده ولعله كان بعده (قوله عن
أنس) صرح به الإسماعيلي فقال في رواية له عن حميد حدثنا أنس أخرجها عن ابن خزيمة عن
محمد بن عبد الاعلى عن بشر بن المفضل (قوله إن عبد الله بن سلام بلغه) تقدم بيان ذلك في باب
مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة من وجه آخر (قوله ذاك عدو اليهود من الملائكة) سيأتي
شرح هذا في تفسير سورة البقرة (قوله أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى
المغرب) في رواية عبد الله بن بكر عن حميد في التفسير تحشر الناس وسيأتي الكلام على ذلك
مستوفى في أواخر كتاب الرقاق (قوله وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت)
الزيادة هي القطعة المنفردة المعلقة في الكبد وهي في المطعم في غاية اللذة ويقال إنها أهنأ طعام
وأمرأه ووقع في حديث ثوبان أن تحفتهم حين يدخلون الجنة زيادة كبد النون والنون هو الحوت
ويقال هو الحوت الذي عليه الأرض والإشارة بذلك إلى نفاد الدنيا في حديث ثوبان زيادة وهي
أنه ينحر لهم عقب ذلك نون الجنة الذي كان يأكل من أطرافها وشرابهم عليه من عين تسمى
سلسبيلا وذكر الطبري من طريق الضحاك عن ابن عباس قال ينطح الثور الحوت بقرنه فتأكل منه
أهل الجنة ثم يحيا فينحر الثور بذنبه فيأكلونه ثم يحيا فيستمران كذلك وهذا منقطع ضعيف
(قوله وأما الولد) في رواية الفزاري عن حميد في ترجمة آدم وأما شبه الولد (قوله فإذا سبق
ماء الرجل) وفي رواية الفزاري فان الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه (قوله نزع الولد) بالنصب
على المفعولية أي جذبه إليه وفي رواية الفزاري كان الشبه له ووقع عند مسلم من حديث
عائشة إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله
ونحوه للبزار عن ابن مسعود وفيه ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما أعلى
212

كان الشبه له والمراد بالعلو هنا السبق لان كل من سبق فقد علا شأنه فهو علو معنوي وأما
ما وقع عند مسلم من حديث ثوبان رفعه ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني
الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله فهو مشكل من جهة
أنه يلزم منه اقتران الشبه للأعمام إذا علا ماء الرجل ويكون ذكرا لا أنثى وعكسه والمشاهد
خلاف ذلك لأنه قد يكون ذكرا ويشبه أخواله لا أعمامه وعكسه قال القرطبي يتعين تأويل
حديث ثوبان بأن المراد بالعلو السبق (قلت) والذي يظهر ما قدمته وهو تأويل العلو في حديث
عائشة وأما حديث ثوبان فيبقى العلو فيه على ظاهره فيكون السبق علامة التذكير والتأنيث
والعلو علامة الشبه فيرتفع الاشكال وكان المراد بالعلو الذي يكون سبب الشبه بحسب الكثرة
بحيث يصير الآخر مغمورا فيه فبذلك يحصل الشبه وينقسم ذلك ستة أقسام الأول أن يسبق
ماء الرجل ويكون أكثر فيحصل له الذكورة والشبه والثاني عكسه والثالث أن يسبق ماء
الرجل ويكون ماء المرأة أكثر فتحصل الذكورة والشبه للمرأة والرابع عكسه والخامس
أن يسبق ماء الرجل ويستويان فيذكر ولا يختص بشبه والسادس عكسه (قوله قوم بهت)
بضم الموحدة والهاء ويجوز إسكانها جمع بهيت كقضيب وقضب وقليب وقلب وهو الذي يبهت
السامع بما يفتريه عليه من الكذب ونقل الكرماني أن مفرده بهوت بفتح أوله (قوله فاسألهم)
في رواية الفزاري عن حميد عند النسائي إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك
(قوله فجاءت اليهود) زاد في رواية الفزاري ودخل عبد الله داخل البيت وفي رواية عبد الله
ابن بكر عن حميد فأرسل إلى اليهود فجاءوا الحديث ظاهره التعميم والذي يقتضيه السياق
تخصيص من كان له بعبد الله ابن سلام تعلق وأقرب ذلك عشيرته من بني قينقاع فقد ذكر ابن
إسحاق فيهم فقال في أوائل الهجرة من كتاب المغازي في ذكر من كان من اليهود بالمدينة ومن
بني قينقاع زيد بن اللصيب وسعد بن حيية ومحمود بن سبيحان وعزير ابن أبي عزير وعبد الله بن
الصيف وسعيد بن الحرت ورفاعة بن قيس وفنحاص وأشيع ونعمان بن أصبا ويحرى بن عمرو
وشاس بن قيس وشأس بن عدي وزيد بن الحرث ونعمان بن عمرو وسكين بن أبي سكين وعدي بن
زيد ونعمان بن أبي أوفى ومحمود بن دحية ومالك بن الصيف وكعب بن راشد وعازب بن رافع بن
أبي رافع وخالد وازار ابني أبي ازار ورافع بن حارثة ورافع بن حرملة ورافع بن خارجة ومالك بن
عوف ورفاعة بن التابوت وعبد الله بن سلام بن الحرث وكان حبرهم وأعلمهم وكان اسمه
الحصين فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسلم عبد الله فهؤلاء بنو قينقاع (قوله عن
عمرو) هو ابن دينار (قوله باع شريك لي دراهم في السوق نسيئة) قد تقدم شرحه في كتاب
الشركة والغرض منه هنا قوله قدم علينا المدينة ونحن نتبايع فإنه يستفاد منه أنه صلى الله
عليه وسلم أقرهم على ما وجدهم عليه من المعاملات إلا ما استثناه فبينه لهم (قوله
باب إتيان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة) وذكر ابن عائذ
من طريق عروة أن أول من أتاه منهم أبو ياسر بن أخطب أخو حيي بن أخطب فسمع منه فلما رجع
قال لقومه أطيعوني فإن هذا النبي الذي كنا ننتظر فعصاه أخوه وكان مطاعا فيهم فاستحوذ عليه
الشيطان فأطاعوه على ما قال وروى أبن سعد في شرف المصطفى من طريق سعيد بن جبير جاء
213

ميمون بن يامين وكان رأس اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ابعث إليهم
فاجعلني حكما فإنهم يرجعون إلي فأدخله داخلا ثم أرسل إليهم فأتوه فخاطبوه فقال اختاروا رجلا
يكون حكما بيني وبينكم قالوا قد رضينا ميمون بن يامين فقال اخرج إليهم فقال أشهد أنه رسول
الله فأبوا أن يصدقوه وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم وادع اليهود لما قدم المدينة
وامتنعوا من اتباعه فكتب بينهم كتابا وكانوا ثلاث قبائل قينقاع والنضير وقريظة فنقض
الثلاثة العهد طائفة بعد طائفة فمن على بني قينقاع وأجلى بني النضير واستأصل بني قريظة
وسيأتي بيان ذلك كله مفصلا إن شاء الله تعالى وذكر ابن إسحاق أيضا عن الزهري سمعت رجلا
من مزينة يحدث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدراس حين
قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فقالوا غدا انطلقوا إلى هذا الرجل فاسألوه عن حد الزاني
فذكر الحديث (قوله هادوا صاروا يهودا وأما قوله هدنا تبنا هائد تائب) قال أبو عبيدة في قوله
تعالى ومن الذين هادوا سماعون للكذب هو هنا من الذين تهودوا فصاروا يهودا وقال في قوله
تعالى انا هدنا إليك أي تبنا إليك ثم ذكر فيه خمسة أحاديث * الأول (قوله حدثنا قرة) هو ابن خالد
ومحمد هو ابن سيرين والاسناد كله بصريون (قوله لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود) في
رواية الإسماعيلي لم يبق يهودي إلا أسلم وكذا أخرجه أبو سعيد في شرف المصطفى وزاد في آخره
قال قال كعب هم الذين سماهم الله في سورة المائدة فعلى هذا فالمراد عشرة مختصة والا فقد آمن
به أكثر من عشرة وقيل المعنى لو آمن بي في الزمن الماضي كالزمن الذي قبل قدوم النبي صلى الله
عليه وسلم المدينة أو حال قدومه والذي يظهر أنهم الذين كانوا حينئذ رؤساء في اليهود ومن عداهم
كان تبعا لهم فلم يسلم منهم إلا القليل كعبد الله بن سلام وكان من المشهورين بالرياسة في اليهود
عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ومن بني النضير أبو ياسر بن أخطب وأخوه حيي بن أخطب
وكعب بن الأشرف ورافع بن أبي الحقيق ومن بني قينقاع عبد الله بن حنيف وفنحاص ورفاعة
ابن زيد ومن بني قريظة الزبير بن باطيا وكعب بن أسد وشمويل بن زيد فهؤلاء لم يثبت إسلام أحد
منهم وكان كل منهم رئيسا في اليهود ولو أسلم لاتبعه جماعة منهم فيحتمل أن يكونوا المراد وقد روى
أبو نعيم في الدلائل من وجه آخر الحديث بلفظ لو آمن بي الزبير بن باطيا وذووه من رؤساء يهود
لأسلموا كلهم وأغرب السهيلي فقال لم يسلم من أحبار اليهود إلا اثنان يعني عبد الله بن سلام
وعبد الله ابن صوريا كذا قال ولم أر لعبد الله بن صوريا إسلاما من طريق صحيحة وإنما نسبه
السهيلي في موضع آخر لتفسير النقاش وسيأتي في باب أحكام أهل الذمة من كتاب المحاربين شئ
يتعلق بذلك ووقع عند ابن حبان قصة إسلام جماعة من الأحبار كزيد بن سغنة مطولا وروى
البيهقي أن يهوديا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة يوسف فجاء ومعه نفر من اليهود فأسلموا
كلهم لكن يحتمل أن لا يكونوا أحبارا وحديث ميمون بن يامين قد تقدم في الباب وأخرج يحيى
ابن سلام في تفسيره من وجه آخر عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة هذا الحديث فقال قال كعب
إنما الحديث اثنا عشر لقول الله تعالى وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا فسكت أبو هريرة قال ابن
سيرين أبو هريرة عندنا أولى من كعب قال يحيى بن سلام وكعب أيضا صدوق لان المعنى عشرة
بعد الاثنين وهما عبد الله بن سلام ومخيريق كذا قاله وهو معنوي * الحديث الثاني
214

(قوله حدثنا أحمد أو محمد بن عبيد الله) بالتصغير وفي رواية السرخسي والمستملي ابن عبد الله
مكبر والأول أصح وأشهر واسم جده سهيل وهو الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة شك البخاري
في اسمه هنا وقد ذكره في التاريخ فيمن اسمه أحمد بغير شك (قوله عن أبي موسى) وقع لبعضهم عن
أبي مسعود وهو غلط (قوله دخل النبي) في رواية الكشميهني قدم وقد تقدم الكلام عليه
في الصيام * الحديث الثالث حديث ابن عباس في المعنى (قوله لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء) استشكل هذا لان قدومه صلى الله عليه وسلم إنما كان
في ربيع الأول وأجيب باحتمال أن يكون علمه بذلك تأخر إلى أن دخلت السنة الثانية قال بعض
المتأخرين يحتمل أن يكون صيامهم كان على حساب الأشهر الشمسية فلا يمتنع أن يقع عاشوراء
في ربيع الأول ويرتفع الاشكال بالكلية هكذا قرره ابن القيم في الهدى قال وصيام أهل
الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس (قلت) وما ادعاه من رفع الاشكال عجيب لأنه يلزم منه
إشكال آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين أن يصوموا عاشوراء بالحساب
والمعروف من حال المسلمين في كل عصر في صيام عاشوراء أنه في المحرم لا في غيره من الشهور نعم
وجدت في الطبراني بإسناد جيد عن زيد بن ثابت قال ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقول
الناس إنما كان يوم تستر فيه الكعبة وتقلس فيه الحبشة وكان يدور في السنة وكان الناس
يأتون فلانا اليهودي يسألونه فلما مات أتوا زيد بن ثابت فسألوه فعلى هذا فطريق الجمع أن تقول
كان الأصل فيه ذلك فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء رده إلى حكم شرعه وهو
الاعتبار بالأهلة فأخذ أهل الاسلام بذلك لكن في الذي ادعاء أن أهل الكتاب يبنون صومهم
على حساب الشمس نظر فان اليهود لا يعتبرون في صومهم إلا بالأهلة هذا الذي شاهدناه منهم
فيحتمل أن يكون فيهم من كان يعتبر الشهور بحساب الشمس لكن لا وجود له الآن كما
انقرض الذين أخبر الله عنهم أنهم يقولون عزير ابن الله تعالى الله عن ذلك وفي الحديث إشكال
آخر سبق الجواب عنه في كتاب الصيام (قوله فأمر بصومه) في رواية الكشميهني ثم أمر
بصومه * الحديث الرابع حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره أي
يرخيه (قوله (1) عن عبيد الله بن عبد الله) هذا هو المحفوظ عن الزهري ورواه مالك في
الموطأ عن الزهري مرسلا لم يذكر من فوقه وأغرب حماد بن خالد فرواه عن مالك عن الزهري عن
أنس قال أحمد بن حنبل أخطأ فيه حماد بن خالد والمحفوظ عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن
ابن عباس (قوله (2) ثم يفرقون) بفتح أوله وضم ثالثه (قوله ثم فرق النبي صلى الله عليه وسلم
رأسه) بفتح الفاء والراء الخفيفة وقد سبق شرحه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دليل
على أنه صلى الله عليه وسلم كان يوافق أهل الكتاب إذا خالفوا عبدة الأوثان أخذا بأخف
الامرين فلما فتحت مكة ودخل عباد الأوثان في الاسلام رجع إلى مخالفة باقي الكفار وهو أهل
الكتاب * الحديث الخامس حديث ابن عباس قال هم أهل الكتاب جزؤوه أجزاء فآمنوا
215

ببعضه وكفروا ببعضه زاد الكشميهني يعني قول الله تعالى الذين جعلوا القرآن عضين
(قوله باب إسلام سلمان الفارسي) تقدمت ترجمته في البيوع وقوله قال أبي
هو سليمان بن طرخان التيمي وأبو عثمان هو النهدي (قوله تداوله بضعة عشر من رب إلى رب) أي
من سيد إلى سيد وكأنه لم يبلغه حديث أبي هريرة في النهي عن إطلاق رب على السيد وقد مر
في البيوع وقد تقدم تفسير البضع وأنه من الثلاث إلى العشر على المشهور وذكر ابن حبان
والحاكم من طريق ابن عباس عن سلمان في قصته أنه كان ابن ملك وأنه خرج في طلب الدين هاربا
وأنه انتقل من عابد إلى عابد إلى أن قدم يثرب وقد تقدم في الشراء من المشركين من كتاب البيوع
كيفية إسلام سلمان ومكاتبة الذي كان في رقه على غرس الودي وزعم الداودي أن ولاء سلمان
كان لأهل البيت لأنه أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم فكان ولاؤه له وتعقبه ابن التين بأنه ليس
مذهب مالك قال والذي كاتب سلمان كان مستحقا لولائه إن كان مسلما وإن كان كافرا فولاؤه
للمسلمين (قلت) وفاته من وجوه الرد عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث فلا يورث عنه
الولاء أيضا إن قلنا بولاء الاسلام على تقدير التنزل (قوله أنا من رام هرمز) في رواية بشر بن
المفضل عن عوف بلفظ أنا من أهل رام هرمز بفتح الراء والميم وضم الهاء والميم بينهما راء ساكنة
ثم زاي مدينة معروفة بأرض فارس بقرب عراق العرب ووقع في حديث ابن عباس عند أحمد
وغيره أن سلمان كان من أصبهان ويمكن الجمع باعتبارين (قوله فترة بين عيسى ومحمد عليهما
الصلاة والسلام ستمائة سنة) والمراد بالفترة المدة التي لا يبعث فيها رسول من الله ولا يمتنع أن ينبأ
فيها من يدعو إلى شريعة الرسول الأخير ونقل ابن الجوزي الاتفاق على ما اقتضاه حديث سلمان
هذا وتعقب بأن الخلاف في ذلك منقول فعن قتادة خمسمائة وستين سنة أخرجه عبد الرزاق
عن معمر عنه وعن الكلبي خمسمائة وأربعين وقيل أربعمائة سنة ووجه تعلق هذه الأحاديث
بإسلام سلمان الإشارة إلى أن الأحاديث التي وردت في سياق قصته ما هي على شرط البخاري
في الصحيح وإن كان إسناد بعضها صالحا وأما أحاديث الباب فمحصلها أنه أسلم بعد أن تداوله
جماعة بالرق وبعد أن هاجر من وطنه وغاب عنه هذه المدة الطويلة حتى من الله عليه بالاسلام
طوعا * (خاتمة) * اشتملت أحاديث المبعث وما بعدها من الهجرة وغيرها من الأحاديث
المرفوعة على مائة وعشرين حديثا الموصول منها مائة وثلاثة أحاديث والبقية معلقات
ومتابعات المكرر منها فيه وفيما مضى سبعة وسبعون حديثا والخالص ثلاثة وأربعون وافقه
مسلم على تخريجها سوى حديث خباب لقد كان من قبلكم يمشط وحديث عمرو بن العاص في
أشد ما صنعه المشركون وحديث عبد الله آذنت بالجن شجرة وحديث ابن عمر في إسلام عمر
وحديث سواد بن قارب وحديث عمر يا جليح وحديث سعيد بن زيد في إسلامه وحديث أم خالد
بنت خالد بن سعيد في الخميصة وحديث ابن عباس في قوله وما جعلنا الرؤيا وحديث جابر
شهد بي خالاي العقبة وحديث ابن عمر وعائشة لا هجرة بعد الفتح وحديث عروة بن الزبير أن
الزبير لقي النبي صلى الله عليه وسلم في ركب كانوا تجارا الحديث في الهجرة وحديث أنس في شأن
الهجرة وفيه قصة سراقة ولم يسمه وحديث عمر مع أبي موسى في ذكر الهجرة وحديث ابن عمر
في البيعة وحديث عائشة أن أبا بكر تزوج امرأة من كلب وفيه الشعر وحديث البراء في
216

أول من قدم المدينة وحديث سهل ما عدوا من المبعث وحديث ابن عباس في تفسير جعلوا
القرآن عضين وأحاديث سلمان الثلاثة في إسلامه وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم
أربعة آثار أو خمسة والله أعلم بالصواب
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب المغازي باب غزوة العشيرة)
بالشين المعجمة كذا لأبي ذر ولغيره تأخير البسملة عن قوله كتاب المغازي وزادوا باب غزوة العشيرة
أو العسيرة بالشك هل هي بالاهمال أو بالاعجام مكانها عند منزل الحج بينبع ليس بينها وبين
البلد الا الطريق وخرج في خمسين ومائة وقيل مائتين واستخلف فيها أبا سلمة بن عبد الأسد
(1) والمغازي جمع مغزى يقال غزى يغزو غزوا ومغزى والأصل غزوا والواحدة غزوة وغزاة
والميم زائدة وعن ثعلب الغزوة المرة والغزاة عمل سنة كاملة وأصل الغزو القصد ومغزى الكلام
مقصده والمراد بالمغازي هنا ما وقع من قصد النبي صلى الله عليه وسلم الكفار بنفسه أو بجيش
من قبله وقصدهم أعم من أن يكون إلى بلادهم أو إلى الأماكن التي حلوها حتى دخل مثل أحد
والخندق (قوله قال ابن إسحاق أول ما غزى النبي صلى الله عليه وسلم الأبواء ثم بواط ثم العشيرة)
كذا للأكثر وسقط لأبي ذر إلا عن المستملي وحده لكنه ذكره آخر الباب والأبواء بفتح الهمزة
وسكون الموحدة وبالمد قرية من عمل الفرع بينها وبين الجحفة من جهة المدينة ثلاثة وعشرون
ميلا قيل سميت بذلك لما كان فيها من الوباء وهي على القلب وإلا لقيل الأوباء والذي وقع
في مغازي ابن إسحاق ما صورته غزوة ودان بتشديد المهملة قال وهي أول غزوات النبي صلى الله
عليه وسلم خرج من المدينة في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة يريد قريشا
فوادع بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة من كنانة وادعه رئيسهم مجدي بن عمرو الضمري ورجع بغير
قتال قال ابن هشام وكان قد استعمل على المدينة سعد بن عبادة انتهى وليس بين ما وقع في السيرة
وبين ما نقله البخاري عن ابن إسحاق اختلاف لان الأبواء وودان مكانان متقاربان بينهما ستة
أميال أو ثمانية ولهذا وقع في حديث الصعب بن جثامة وهو بالأبواء أو بودان كما تقدم في كتاب
الحج ووقع في مغازي الأموي حدثني أبي عن ابن إسحاق قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم غازيا
بنفسه حتى انتهى إلى ودان وهي الأبواء وقال موسى بن عقبة أول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه
وسلم يعني بنفسه الأبواء وفي الطبراني من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن
جده قال أول غزاة غزوناها مع النبي صلى الله عليه وسلم الأبواء وأخرجه البخاري في التاريخ
الصغير عن إسماعيل وهو ابن أبي أويس عن كثير بن عبد الله مقتصرا عليه وكثير ضعيف عن
الأكثر لكن البخاري مشاه وتبعه الترمذي وذكر أبو الأسود في مغازيه عن عروة ووصله ابن عائذ
من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى الأبواء بعث عبيدة بن الحرث في
ستين رجلا فلقوا جمعا من قريش فتراموا بالنبل فرمى سعد بن أبي وقاص بسهم وكان أول من رمى
بسهم في سبيل الله وعند الأموي يقال إن حمزة بن عبد المطلب أول من عقد له رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الاسلام راية وكذا جزم به موسى بن عقبة وأبو معشر والواقدي في آخرين قالوا
وكان حامل رايته أبو مرثد حليف حمزة وذلك في شهر رمضان من السنة الأولى وكانوا ثلاثين
رجلا ليعترضوا عير قريش فلقوا أبا جهل في جمع كثير فحجز بينهم مجدي وأما بواط فبفتح الموحدة
217

وقد تضم وتخفيف الواو وآخره مهملة جبل من جبال جهينة بقرب ينبع قال ابن إسحاق ثم غزا
في شهر ربيع الأول يريد قريشا أيضا حتى بلغ بواط من ناحية رضوي ورجع ولم يلق أحدا ورضوي
بفتح الراء وسكون المعجمة مقصور جبل مشهور عظيم بينبع قال ابن هشام وكان استعمل على
المدينة السائب بن عثمان بن مظعون وفي نسخة السائب بن مظعون وعليه جرى السهيلي وقال
الواقدي سعد بن معاذ وأما العشيرة فلم يختلف على أهل المغازي أنها بالمعجمة والتصغير وآخرها
هاء قال ابن إسحاق هي ببطن ينبع وخرج إليها في جمادى الأولى يريد قريشا أيضا فوادع فيها بني
مدلج من كنانة قال ابن هشام استعمل فيها على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد وذكر الواقدي أن
هذه السفرات الثلاث كان يخرج فيها ليلتقي تجار قريش حين يمرون إلى الشام ذهابا وإيابا وسبب
ذلك أيضا أنها كانت وقعة بدر وكذلك السرايا التي بعثها قبل بدر كما سيأتي قال ابن إسحاق ولما
رجع إلى المدينة لم يقم إلا ليالي حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج النبي صلى
الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ سفران بفتح المهملة والفاء من ناحية بدر ففاته كرز بن جابر وهذه
هي بدر الأولى وقد تقدم في العلم البيان عن سرية عبد الله بن جحش وأنه ومن معه لقوا ناسا من
قريش راجعين بتجارة من الشام فقاتلوهم واتفق وقوع ذلك في رجب فقتلوا منهم وأسروا
وأخذوا الذي كان معهم وكان أول قتل وقع في الاسلام وأول مال غنم وممن قتل عبد الله بن
الحضرمي أخو عمرو بن الحضرمي الذي حرض به أبو جهل قريشا على القتال ببدر وقال الزهري
أول آية نزلت في القتال كما أخبرني عروة عن عائشة اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا أخرجة النسائي
وإسناده صحيح وأخرج هو والترمذي وصححه الحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال
لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر أخرجوا نبيهم ليهلكن فنزلت اذن
للذين يقاتلون الآية قال ابن عباس فهي أول آية أنزلت في القتال وذكر غيره أنهم اذن لهم في
قتال من قاتلهم بقوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ثم أمروا بالقتال مطلقا بقوله
تعالى انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا الآية (قوله حدثنا وهب) هو ابن جرير بن حازم وأبو إسحاق
هو السبيعي (قوله فقيل له) القائل هو الراوي أبو إسحاق بينه إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق
كما سيأتي آخر المغازي بلفظ سألت زيد بن أرقم ويؤيده أيضا قوله في هذه الرواية آخرا فأيهم
(قوله تسع عشرة) كذا قال ومراده الغزوات التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه
سواء قاتل أو لم يقاتل لكن روى أبو يعلى من طريق أبي الزبير عن جابر أن عدد الغزوات إحدى
وعشرون وإسناده صحيح وأصله في مسلم فعلى هذا ففات زيد بن أرقم ذكر ثنتين منها ولعلهما الأبواء
وبواط وكان ذلك خفي عليه لصغره ويؤيد ما قلته ما وقع عند مسلم بلفظ قلت ما أول غزوة غزاها
قال ذات العشير أو العشيرة انتهى والشعيرة كما تقدم هي الثالثة وأما قول ابن التين يحمل قول زيد
ابن أرقم على أن العشيرة أول ما غزا هو أي زيد بن أرقم والتقدير فقلت ما أول غزوة غزاها أي
وأنت معه قال العشير فهو محتمل أيضا ويكون قد خفي عليه ثنتان مما بعد ذلك أو عد الغزوتين
واحدة فقد قال موسى بن عقبة قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمان بدر ثم أحد ثم
الأحزاب ثم المصطلق ثم خيبر ثم مكة ثم حنين ثم الطائف انتهى وأهمل غزوة قريظة لأنه ضمها إلى
الأحزاب لكونها كانت في أثرها وأفردها غيره لوقوعها منفردة بعد هزيمة الأحزاب وكذا وقع
218

لغيره عد الطائف وحنين واحدة لتقاربهما فيجتمع على هذا قول زيد بن أرقم وقول جابر وقد توسع
ابن سعد فبلغ عدة المغازي التي خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين
وتبع في ذلك الواقدي وهو مطابق لما عده ابن إسحاق إلا أنه لم يفرد وادي القرى من خيبر أشار إلى
ذلك السهيلي وكأن الستة الزائدة من هذا القبيل وعلى هذا يحمل ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد
صحيح عن سعيد بن المسيب قال غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين وأخرجه
يعقوب بن سفيان عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق فزاد فيه أن سعيدا قال أولا ثماني عشرة ثم
قال أربعا وعشرين قال الزهري فلا أدري أوهم أو كان شيئا سمعه بعد (قلت) وحمله على ما ذكرته
يدفع الوهم ويجمع الأقوال والله أعلم وأما البعوث والسرايا فعد ابن إسحاق ستا وثلاثين وعند
الواقدي ثمانيا وأربعين وحكى ابن الجوزي في التلقيح ستا وخمسين وعند المسعودي ستين
وبلغها شيخنا في نظم السيرة زيادة على السبعين ووقع عند الحاكم في الإكليل أنها تزيد على مائة
فلعله أراد ضم المغازي إليها (قوله قلت فأيهم كان أول) كذا للجميع قال ابن مالك والصواب
فأيها أو أيهن ووجهه بعضهم على أن المضاف محذوف والتقدير فأي غزوتهم (قلت) وقد
أخرجه الترمذي عن محمود بن غيلان عن وهب بن جرير بالاسناد الذي ذكره المصنف بلفظ قلت
فأيتهن فدل على أن التعبير من البخاري أو من شيخه عبد الله بن محمد المسندي أو من شيخه وهب
ابن جرير حدث به مرة على الصواب ومرة على غيره إن لم يصح له توجيه (قوله العشير أو العسيرة
كذا بالتصغير والأول بالمعجمة بلا هاء والثانية بالمهملة وبالهاء ووقع في الترمذي العشير أو العسير
بلا هاء فيهما (قوله فذكرت لقتادة) القائل هو شعبة وقول قتادة العشيرة هو بالمعجمة وباثبات
الهاء ومنهم من حذفها وقول قتادة هو الذي اتفق عليه أهل السير وهو الصواب وأما غزوة
العسيرة بالمهملة فهي غزوة تبوك قال الله تعالى الذين اتبعوه في ساعة العسرة وسميت بذلك لما
كان فيها من المشقة كما سيأتي بيانه وهي بغير تصغير وأما هذه فنسبت إلى المكان الذي وصلوا إليه
واسمه العشير أو العشيرة يذكر ويؤنث وهو موضع وذكر ابن سعد أن المطلوب في هذه الغزاة
هي عير قريش التي صدرت من مكة إلى الشام بالتجارة ففاتهم وكانوا يترقبون رجوعها فخرج النبي
صلى الله عليه وسلم يتلقاها ليغنمها فبسبب ذلك كانت وقعة بدر قال ابن إسحاق فإن السبب
في غزوة بدر ما حدثني يزيد بن رومان عن عروة أن أبا سفيان كان بالشام في ثلاثين راكبا منهم مخرمة
ابن نوفل وعمرو بن العاص فأقبلوا في قافلة عظيمة فيها أموال قريش فندب النبي صلى الله عليه
وسلم إليهم وكان أبو سفيان يتجسس الاخبار فبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم استنفر أصحابه
بقصدهم فأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى قريش بمكة يحرضهم على المجئ لحفظ أموالهم
ويحذرهم المسلمين فاستنفرهم ضمضم فخرجوا في ألف راكب ومعهم مائة فرس واشتد حذر
أبي سفيان فأخذ طريق الساحل وجد في السير حتى فات المسلمين فلما أمن أرسل إلى من يلقى
قريشا يأمرهم بالرجوع فامتنع أبو جهل من ذلك فكان ما كان من وقعة بدر (قوله
باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من يقتل ببدر) أي قبل وقعة بدر بزمان فكان كما
قال ووقع عند مسلم من حديث أنس عن عمر قال إن النبي صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارع
أهل بدر يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله تعالى وهذا مصرع فلان فوالذي بعثه بالحق
219

ما أخطأوا تلك الحدود الحديث وهذا وقع وهم ببدر في الليلة التي التقوا في صبيحتها بخلاف
حديث الباب فإنه قبل ذلك بزمان (قوله شريح) هو بمعجمة وآخره مهملة وإبراهيم بن يوسف عن
أبيه ويوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي (قوله إنه سمع عبد الله بن مسعود حدث عن سعد
ابن معاذ قال كان صديقا) فيه النفات على رأي والسياق يقتضي أن يقول قال كنت صديقا
ويحتمل أن يكون قال زائدة ويكون قوله قال من كلام ابن مسعود والمراد سعد بن معاذ وهي
رواية النسفي (قوله على أمية) بن خلف ووقع في علامات النبوة من طريق إسرائيل عن ابن
إسحاق أمية بن خلف بن صفوان كذا للمروزي وكذا أخرجه أحمد والبيهقي من طريق إسرائيل
والصواب ما عند الباقين أمية بن خلف أبي صفوان وعند الإسماعيلي أبي صفوان أمية بن خلف
وهي كنية أمية كنى بابنه صفوان بن أمية وكذلك اتفق أصحاب أبي إسحاق ثم أصحاب إسرائيل
على أن المنزول عليه أمية بن خلف وخالفهم أبو علي الحنفي فقال نزل على عتبة بن ربيعة وساق
القصة كلها أخرجه البزار وقول الجماعة أولى وعتبة بن ربيعة قتل ببدر أيضا لكنه لم يكن
كارها في الخروج من مكة إلى بدر وإنما حرض الناس على الرجوع بعد أن سلمت تجارتهم فخالفه
أبو جهل وفي سياق القصة البيان الواضح أنها لامية بن خلف لقوله فيها فقال لامرأته يا أم
صفوان ولم يكن لعتبة بن ربيعة امرأة يقال لها أم صفوان (قوله فقال) أي سعد بن معاذ (لامية)
ابن خلف (انظر لي ساعة خلوة) في رواية إسرائيل فقال أمية لسعد ألا تنظر حتى يكون نصف
النهار والجمع بينهما بأن سعدا سأله وأشار عليه أمية وإنما اختار له نصف النهار لأنه مظنة الخلوة
(قوله ألا أراك) بتخفيف اللام للاستفتاح وللكشميهني بحذف همزة الاستفهام وهي مرادة
(قوله أو يتم) بالمد والقصر والصباة بضم المهملة وتخفيف الموحدة جمع صابى بموحدة مكسورة
ثم تحتانية خفيفة بغير همز وهو الذي ينتقل من دين إلى دين وفي رواية إسرائيلن وقد أويتم محمدا
وأصحابه (قوله طريقك على المدينة) أي ما يقاربها أو يحاذيها قال الكرماني طريقك بالنصب
والرفع (قلت) النصب أصح لان عامله لأمنعنك فهو بدل من قوله ما هو أشد عليك وأما الرفع
فيحتاج إلى تقدير وفي رواية إسرائيل متحرك إلى الشام وهو المراد بقطع طريقه على المدينة
(قوله على أبي الحكم) هي كنية أبي جهل والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي لقبه بأبي جهل
(قوله فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنهم قاتلوك) كذا أتى بصيغة الجمع
والمراد المسلمون أو النبي صلى الله عليه وسلم وذكره بهذه الصيغة تعظيما وفي بقية سياق القصة
ما يؤيد هذا الثاني ووقع لبعضهم قاتليك بتحتانية بدل الواو وقالوا هي لحن ووجهت بحذف
الأداة والتقدير أنهم يكونون قاتليك وفي رواية إسرائيل أنه قاتلك بالافراد وقد قدمت
في علامات النبوة بيان وهم الكرماني في شرج هذا الموضع وأنه ظن أن الضمير لأبي جهل
فاستشكله فقال إن أبا جهل لم يقتل أمية ثم تأول ذلك بأنه كان سببا في خروجه حتى قتل (قلت)
ورواية الباب كافية في الرد عليه فان فيها ان أمية قال لامرأته إن محمدا أخبرهم أنه قاتلي ولم يتقدم
في كلامه لأبي جهل ذكر (قوله ففزع لذلك أمية فزعا شديدا) بين سبب فزعه في رواية إسرائيل
ففيها قال فوالله ما يكذب محمد إذا حدث ووقع عند البيهقي فقال والله ما يكذب محمد فكاد أن يحدث
كذا وقع عنده بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الدال من الحدث وهو خروج الخارج من
220

أحد السبيلين والضمير لامية أي أنه كاد أن يخرج منه الحدث من شدة فزعه وما أظن ذلك
إلا تصحيفا (قوله فلما رجع أمية إلى أهله) أي امرأته (فقال يا أم صفوان) هي كنيتها واسمها صفية
ويقال كريمة بنت معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وهي من رهط أمية فأمية ابن
عم أبيها وقيل اسمها فاختة بنت الأسود (قوله ما قال لي سعد) وفي رواية إسرائيل ما قال لي
أخي اليثربي ذكر الاخوة باعتبار ما كان بينهما من المؤاخاة في الجاهلية ونسبه إلى يثرب وهو اسم
المدينة قبل الاسلام (قوله فقلت له بمكة قال لا أدري فقال أمية والله لا أخرج من مكة) يؤخذ
منه أن الاخذ بالمحتمل حيث يتحقق الهلاك في غيره أو يقوي الظن أولى (قوله فلما كان يوم بدر) زاد
إسرائيل وجاء الصريخ وفيه إشارة إلى ما أخرجه ابن إسحاق كما تقدم قبل هذا الباب وعرف ان
اسم الصريخ ضمضم بن عمرو الغفاري وذكر ابن إسحاق بأسانيده أنه لما وصل إلى مكة جدع بعيره
حول رحله وشق قميصه وصرخ يا معشر قريش أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد الغوث
الغوث (قوله أدركوا عيركم) بكسر المهملة وسكون التحتانية أي القافلة التي كانت مع
أبي سفيان (قوله انك متى يراك الناس) في رواية الكشميهني وحده متى ما يراك الناس بزيادة
ما وهي الزائدة الكافة عن العمل وبحذفها كان حق الألف من يراك أن تحذف لان متى للشرط
وهي تجزم الفعل المضارع قال ابن مالك يخرج ثبوت الألف على أن قوله يراك مضارع راء بتقديم
الألف على الهمزة وهي لغة في رأي قال الشاعر * إذ راءني أبدي بشاشة واصل * ومضارعه يراء بمد
ثم همز فلما جزمت حذفت الألف ثم أبدلت الهمزة ألفا فصار يرا وعلى أن متى شبهت بإذا فلم يجزم
بها وهو كقول عائشة الماضي في الصلاة في أبي بكر متى يقوم مقامك أو على إجراء المعتل مجرى
الصحيح كقول * الشاعر ولا ترضاها ولا تملق * أو على الاشباع كما قرئ أنه من يتقى (قلت) ووقع في
رواية الأصيلي متى يرك الناس بحذف الألف وهو الوجه (قوله وأنت سيد أهل الوادي) أي
وادي مكة قد تقدم أن أمية وصف بها أبا جهل لما خاطب سعدا بقوله لا ترفع صوتك على أبي
الحكم وهو سيد أهل الوادي فتقارضا الثناء وكان كل منهما سيدا في قومه (قوله فلم يزل به أبو
جهل) بين ابن إسحاق الصفة التي كاد بها أبو جهل أمية حتى خالف رأي نفسه في ترك الخروج من
مكة فقال حدثني ابن أبي نجيح أن أمية بن خلف كان قد أجمع على عدم الخروج وكان شيخا جسيما
فأتاه عقبة بن أبي معيط بمجمرة حتى وضعها بين يديه فقال إنما أنت من النساء فقال قبحك الله
وكان أبا جهل سلط عقبة عليه حتى صنع به ذلك وكان عقبة سفيها (قوله لأشترين أجود بعير
بمكة) يعني فاستعد عليه للهرب إذا خفت شيئا (قوله ثم قال أمية) في الكلام حذف تقديره
فاشترى البعير الذي ذكر ثم قال لامرأته (قوله لا يترك منزلا إلا عقل بعيره) في رواية الكشميهني
ينزل بنون وزاي ولام من النزول وهي أوجه من رواية غيره يترك بمثناة وراء وكاف (قوله فلم
يزل بذلك) أي على ذلك (قوله حتى قتله الله ببدر) تقدم في الوكالة حديث عبد الرحمن بن
عوف في صفة قتله وستأتي الإشارة إليه في هذه الغزوة وذكر الواقدي أن الذي ولى قتله خبيب
وهو بالمعجمة وموحدة مصغر ابن إساف بكسر الهمزة ومهملة خفيفة الأنصاري وقال ابن إسحاق
قتله رجل من بني مازن من الأنصار وقال ابن هشام يقال اشترك فيه معاذ بن عفراء وخارجة
ابن زيد وخبيب المذكور وذكر الحاكم في المستدرك أن رفاعة بن رافع طعنه بالسيف ويقال
221

قتله بلال وأما ابنه علي بن أمية فقتله عمار وفي الحديث معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم ظاهرة
وما كان عليه سعد بن معاذ من قوة النفس واليقين وفيه أن شأن العمرة كان قديما وأن الصحابة
كان مأذونا لهم في الاعتمار من قبل أن يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الحج والله أعلم
(قوله قصة غزوة بدر) كذا للأكثر وثبت باب في رواية كريمة (قوله وقول الله تعالى ولقد نصركم
الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إلى فتنقلبوا خائبين) كذا للأكثر وللأصيلي
نحوه قال بعد قوله وأنتم أذلة إلى قوله فتنقلبوا خائبين وساق الآيات كلها في رواية كريمة
(قوله ببدر) هي قرية مشهورة نسبت إلى بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة كان نزلها ويقال بدر
ابن الحارث ويقال بدر اسم البئر التي بها سميت بذلك لاستدارتها أو لصفاء مائها فكان البدر يرى
فيها وحكى الواقدي إنكار ذلك كله عن غير واحد من شيوخ بني غفار وإنما هي مأوانا ومنازلنا
وما ملكها أحد قط يقال له بدر وإنما هو علم عليها كغيرها من البلاد (قوله وأنتم أذلة) أي
قليلون بالنسبة إلى من لقيهم من المشركين ومن جهة أنهم كانوا مشاة إلا القليل منهم ومن جهة
أنهم كانوا عارين من السلاح وكان المشركون على العكس من ذلك والسبب في ذلك أن النبي
صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى تلقي أبي سفيان لاخذ ما معه من أموال قريش وكان من معه
قليلا فلم يظن أكثر الأنصار أنه يقع قتال فلم يجز معه منهم إلا القليل ولم يأخذوا أهبة
الاستعداد كما ينبغي بخلاف المشركين فإنهم خرجوا مستعدين ذابين عن أموالهم وأما قوله
إذ تقول للمؤمنين فاختلف فيها أهل التأويل فمنهم من قال هي متعلقة بقوله نصركم فعلى هذا هي
في قصة بدر وعليه عمل المصنف وهو قول الأكثر وبه جزم الداودي وأنكره ابن التين فذهل
وقيل هي متعلقة بقوله وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال فعلى هذا فهي متعلقة
بغزوة أحد وهو قول عكرمة وطائفة ويؤيد الأول ما روي ابن أبي حاتم بسند صحيح إلى الشعبي
ان المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين فأنزل الله تعالى ألن يكفيكم أن يمدكم
ربكم بثلاثة آلاف الآية قال فلم يمد كرز المشركين ولم يمد المسلمين بالخمسة ومن طريق سعيد عن
قتادة قال أمد الله المسلمين بخمسة آلاف من الملائكة وعن الربيع بن أنس قال أمد الله المسلمين
يوم بدر بألف ثم زادهم فصاروا ثلاثة آلاف ثم زادهم فصاروا خمسة آلاف وكأنه جمع بذلك بين
آيتي آل عمران والانفال وقد لمح المصنف بالاختلاف في النزول فذكر قوله تعالى وإذ غدوت من
أهلك في غزوة أحد وكذلك قوله ليس لك من الامر شئ وذكر ما عدا ذلك في غزوة بدر وهو المعتمد
(قوله فورهم غضبهم) ثبت هكذا في رواية الكشميهني وهو قول عكرمة ومجاهد وروى عن
ابن عباس وقال الحسن وقتادة والسدي معناه من وجههم (قوله وقال وحشي) أي ابن حرب
(قتل حمزة) أي ابن عبد المطلب (طعيمة بن عدي بن الخيار يوم بدر) كذا وقع فيه ابن الخيار
وهو وهم وصوابه ابن نوفل وسأبين ذلك في الكلام على قصة مقتل حمزة في غزوة أحد إن شاء الله
تعالى (قوله وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون
لكم) هذه الآية نزلت في قصة بدر بلا خلاف بل جميع سورة الأنفال أو معظمها نزلت في قصة
بدر وسيأتي في تفسير قول سعيد بن جبير قلت لابن عباس سورة الأنفال قال نزلت في بدر والمراد
بالطائفتين العير والنفير فكان في العير أبو سفيان ومن معه كعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل
222

وما معه من الأموال وكان في النفير أبو جهل وعتبة بن ربيعة وغيرهما من رؤساء قريش مستعدين
بالسلاح متأهبين للقتال وكان ميل المسلمين إلى حصول العير لهم وهو المراد بقوله وتودون أن
غير ذات الشوكة تكون لكم والمراد بذات الشوكة الطائفة التي فيها السلاح (قوله الشوكة الحد)
هو قول أبي عبيدة قال في كتاب المجاز ويقال ما أشد شوكة بني فلان أي حدهم وكأنها استعارة
من واحدة الشوكة وروى الطبراني وأبو نعيم في الدلائل من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس
قال أقبلت عير لأهل مكة من الشام فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يريدها فبلغ ذلك أهل مكة
فأسرعوا إليها وسبقت العير المسلمين وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين وكانوا أن يلقوا العير
أحب إليهم وأيسر شوكة وأخص مغنما من أن يلقوا النفير فلما فاتهم العير نزل النبي صلى الله عليه
وسلم بالمسلمين بدرا فوقع القتال ثم ذكر المصنف طرفا من حديث كعب بن مالك في قصة توبته
وسيأتي بطوله في غزوة تبوك والغرض منه هنا قوله ولم يعاتب أحد وهو بفتح التاء على البناء
للمجهول ووقع في رواية الكشميهني ولم يعاتب الله أحدا وقوله فيه إنما خرج النبي صلى الله
عليه وسلم يريد عير قريش أي ولم يرد القتال وقوله حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد
أي ولا إرادة قتال والعير المذكورة يقال كانت ألف بعير وكان المال خمسين ألف دينار وكان فيها
ثلاثون رجلا من قريش وقيل أربعون وقيل ستون وقوله غير أني تخلفت في غزوة بدر وهو استثناء
من المفهوم في قوله لم أتخلف إلا في تبوك فإن مفهومه إني حضرت في جميع الغزوات ما خلا
غزوة تبوك والسبب في كونه لم يستثنهما معا بلفظ واحد كونه تخلف في تبوك مختارا لذلك مع
تقدم الطلب ووقوع العتاب على من تخلف بخلاف بدر في ذلك كله فلذلك غاير بين التخلفين
(قوله باب قول الله تعالى إذ تستغيثون ربكم إلى قوله شديد العقاب) كذا للأكثر وساق
في رواية كريمة الآيات كلها وقد تقدمت الإشارة إليه في الذي قبله والجمع أيضا بين قوله بألف من
الملائكة وبين قوله بثلاثة آلاف وأورد البخاري فيه حديثين فقصة المقداد فيها بيان ما وقع قبل
الوقعة وحديث ابن عباس فيه بيان الاستغاثة (قوله عن مخارق) بضم الميم وتخفيف المعجمة هو
ابن عبد الله بن جابر البجلي الأحمسي بمهملتين ويقال اسم أبيه عبد الرحمن ويقال خليفة وهو
كوفي ثقة عند الجميع يكنى أبا سعيد ولم أر له رواية عن غير طارق وهو ابن شهاب وله روية (قوله
شهدت من المقداد بن الأسود) تقدم أن اسم أبيه عمرو وان الأسود كان تبناه فصار ينسب إليه
(قوله مما عدل به) بضم المهملة وكسر الدال المهملة أي وزن أي من كل شئ يقابل ذلك من
الدنيويات وقيل من الثواب أو المراد الأعم من ذلك والمراد المبالغة في عظمة ذلك المشهد وأنه
كان لو خير بين أن يكون صاحبه وبين أن يحصل له ما يقابل ذلك كائنا ما كان لكان حصوله له
أحب إليه وقوله لان أكون صاحبه هو بالنصب وفي رواية الكشميهني لان أكون أنا صاحبه
ويجوز فيه الرفع والنصب قال ابن مالك النصب أجود (قوله وهو يدعو على المشركين) زاد
النسائي في روايته جاء المقداد على فرس يوم بدر فقال وذكر ابن إسحاق أن هذا الكلام قاله المقداد
لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم الصفراء وبلغه أن قريشا قصدت بدرا وأن أبا سفيان نجا بمن
معه فاستشار الناس فقام أبو بكر فقال فأحسن ثم قام عمر كذلك ثم المقداد فذكر نحو
ما في حديث الباب وزاد فقال والذي بعثك بالحق لو سلكت بنا برك الغماد لجاهدنا معك من دونه
223

قال فقال أشيروا علي قال فعرفوا أنه يريد الأنصار وكان يتخوف أن لا يوافقوه لانهم لم يبايعوه
إلا على نصرته ممن يقصده لا أن يسير بهم إلى العدو فقال له سعد بن معاذ امض يا رسول الله لما
أمرت به فنحن معك قال فسره قوله ونشطه وكذا ذكره موسى بن عقبة مبسوطا وأخرجه ابن
عائذ من طريق أبي الأسود عن عروة وعند ابن أبي شيبة من مرسل علقمة بن وقاص في نحو قصة
المقداد فقال سعد بن معاذ لئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك ولا نكون
كالذين قالوا لموسى فذكره وفيه ولعلك خرجت لأمر فأحدث الله غيره فامض لما شئت وصل
حبال من شئت واقطع حبال من شئت وسالم من شئت وعاد من شئت وخذ من أموالنا ما شئت
قال وإنما خرج يريد غنيمة ما مع أبي سفيان فأحدث الله له القتال وروى ابن أبي حاتم من حديث
أبي أيوب قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة إني أخبرت عن عير أبي سفيان
فهل لكم أن تخرجوا إليها لعل الله يغنمناها قلنا نعم فخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين قال قد أخبر
وأخبرنا فاستعدوا للقتال فقلنا لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم فأعاده فقال له المقداد لا نقول لك
كما قالت بنو إسرائيل لموسى ولكن نقول أنا معكما مقاتلون قال فتمنينا معشر الأنصار لو أنا قلنا
كما قال المقداد فأنزل الله تعالى كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين
لكارهون وأخرج ابن مردويه من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص عن أبيه عن جده
نحوه لكن فيه أن سعد بن معاذ هو الذي قال ما قال المقداد والمحفوظ أن الكلام المذكور
للمقداد كما في حديث الباب وأن سعد بن معاذ إنما قال لو سرت بنا حتى تبلغ برك الغماد لسرنا
معك كذلك ذكره موسى بن عقبة وعند ابن عائذ في حديث عروة فقال سعد بن معاذ لو سرت
بنا حتى تبلغ البرك من غمد ذي يمن ووقع في مسلم أن سعد بن عبادة هو الذي قال ذلك وكذا أخرجه
ابن أبي شيبة من مرسل عكرمة وفيه نظر لان سعد بن عبادة لم يشهد بدرا وإن كان يعد فيهم لكونه
ممن ضرب له بسهمه كما سأذكره في آخر الغزوة ويمكن الجمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم
استشارهم في غزوة بدر مرتين الأولى وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان وذلك بين
في رواية مسلم ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان والثانية
كانت بعد أن خرج كما في حديث الباب ووقع عند الطبراني أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية
وهذا أولى بالصواب وقد تقدم في الهجرة شرح برك الغماد ودلت رواية ابن عائذ هذه على أنها
من جهة اليمن وذكر السهيلي أنه رأى في بعض الكتب أنها أرض الحبشة وكأنه أخذه
من قصة أبي بكر مع ابن الدغنة فان فيها أنه لقيه ذاهبا إلى الحبشة ببرك الغماد فأجاره ابن الدغنة
كما تقدم في هذا الكتاب ويجمع بأنها من جهة اليمن تقابل الحبشة وبينهما عرض البحر (قوله
ولكنا نقاتل عن يمينك الخ) وفي رواية سفيان عن مخارق ولكن امض ونحن معك وفي رواية
محمد بن عمرو المذكورة ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون ولأحمد من حديث
عتبة بن عبد بإسناد حسن قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نقول كما قالت بنو
إسرائيل ولكن انطلق أنت وربك إنا معكم (قوله حدثنا عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد
الثقفي وخالد هو الحذاء (قوله عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم) هذا من مراسيل
الصحابة فإن ابن عباس لم يحضر ذلك ولعله أخذه عن عمر أو عن أبي بكر ففي مسلم من طريق
224

أبي زميل بالزاي مصغر واسمه سماك بن الوليد عن ابن عباس قال حدثني عمر لما كان يوم بدر نظر
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر فاستقبل
القبلة ثم مد يديه فلم يزل يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه الحديث وعن سعيد بن منصور
من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى المشركين وتكاثرهم وإلى المسلمين فاستقلهم فركع ركعتين وقام أبو بكر عن يمينه فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته اللهم لا تودع مني اللهم لا تخذلني اللهم لا تترني
اللهم أنشدك ما وعدتني وعند ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم قال اللهم هذه قريش قد أتت
بخيلائها وفخرها تجادل وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني (قوله يوم بدر) زاد
في رواية وهيب الآتية في التفسير عن خالد وهو في قبة والمراد بها العريش الذي اتخذه الصحابة
لجلوس النبي صلى الله عليه وسلم فيه (قوله اللهم إني أنشدك) بفتح الهمزة وسكون النون والمعجمة
وضم الدال أي أطلب منك وعند الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال ما سمعنا مناشدا
ينشد ضالة أشد مناشدة من محمد لربه يوم بدر اللهم إني أنشدك ما وعدتني قال السهيلي سبب
شدة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ونصبه في الدعاء لأنه رأى الملائكة تنصب في القتال
والأنصار يخوضون غمار الموت والجهاد تارة يكون بالسلاح وتارة بالدعاء ومن السنة أن يكون
الامام وراء الجيش لأنه لا يقاتل معهم فلم يكن ليريح نفسه فتشاغل بأحد الامرين وهو الدعاء
(قوله اللهم إن شئت لم تعبد) في حديث عمر اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الاسلام لا تعبد
في الأرض أما تهلك فبفتح أوله وكسر اللام والعصابة بالرفع وإنما قال ذلك لأنه علم أنه خاتم
النبيين فلو هلك هو ومن معه حينئذ لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الايمان ولاستمر المشركون
يعبدون غير الله فالمعنى لا يعبد في الأرض بهذه الشريعة ووقع عند مسلم من حديث أنس أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام أيضا يوم أحد وروى النسائي والحاكم من حديث
علي قال قاتلت يوم بدر شيئا من قتال ثم جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده
يا حي يا قيوم فرجعت فقاتلت ثم جئت فوجدته كذلك (قوله فأخذ أبو بكر بيده فقال حسبك
زاد في رواية وهيب عن خالد كما سيأتي في التفسير قد ألححت على ربك وكذا أخرجه الطبراني عن
عثمان عن عبد الوهاب الثقفي عن أبيه زاد في رواية مسلم المذكورة فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه
فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه فقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك
ما وعدك فأنزل الله عز وجل إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم الآية فأمده الله بالملائكة أه‍
وعرف بهذه الزيادة مناسبة الحديث للترجمة وقوله في رواية مسلم كذاك وهو بالذال المعجمة
وهو بمعنى كفاك قال قاسم بن ثابت كذاك يراد بها الاغراء والامر بالكف عن الفعل وهو المراد
هنا ومنه قول الشاعر * كذاك القول إن عليك عيبا * أي حسبك من القول فاتركه أه‍
وقد أخطأ من زعم أنه تصحيف وأن الأصل كفاك قال الخطابي لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا
بكر كان أوثق بربه من النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال بل الحامل للنبي صلى الله عليه وسلم
على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية قلوبهم لأنه كان أول مشهد شهده فبالغ في التوجه والدعاء
والابتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك لانهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة فلما قال له أبو بكر
225

ما قال كف عن ذلك وعلم أنه استجيب له لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة
فلهذا عقب بقوله سيهزم الجمع انتهى ملخصا وقال غيره وكان النبي صلى الله عليه وسلم في تلك
الحالة في مقام الخوف وهو أكمل حالات الصلاة وجاز عنده أن لا يقع النصر يومئذ لان
وعده بالنصر لم يكن معينا لتلك الواقعة وإنما كان مجملا هذا الذي يظهر وزل من لا علم عنده
ممن ينسب إلى الصوفية في هذا الموضع زللا شديدا فلا يلتفت إليه ولعل الخطابي أشار إليه
(قوله فخرج وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر) وفي رواية أيوب عن عكرمة عن ابن عباس
لما نزلت سيهزم الجمع ويولون الدبر قال عمر أي جمع يهزم قال فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يثب في الدروع ويقول سيهزم الجمع أخرجه الطبري وابن مردويه وله من
حديث أبي هريرة عن عمر لما نزلت هذه الآية قلت يا رسول الله أي جمع يهزم فذكر نحوه وهذا
مما يؤبد ما قدمته أن ابن عباس حمل هذا الحديث عن عمر وسيأتي في التفسير عن عائشة نزلت
بمكة وأنا جارية ألعب بل الساعة موعدهم الآية (قوله باب) كذا للجميع
بغير ترجمة ووقع في شرح شيخنا ابن الملقن باب فضل من شهد بدرا وتبع في ذلك بعض النسخ
وهو خطأ من جهة أن هذه الترجمة بعينها ستأتي فيما بعد فلا معنى لتكررها (قوله أخبرني
عبد الكريم) هو الجزري بينه أبو نعيم في المستخرج من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن ابن
جريج قال حدثني عبد الكريم الجزري انتهى وفي طبقته ممن يروى عن مقسم ويروي
عنه ابن جريج عبد الكريم بن أبي المخارق أحد الضعفاء ولم يخرج له البخاري شيئا مسندا
ومقسم بكسر الميم هو أبو القاسم مولى ابن عباس وهو في الأصل مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي
وإنما قيل له مولى ابن عباس لشدة لزومه له وماله في البخاري إلا هذا الحديث الواحد وسيأتي
شرحه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى (قوله باب عدة أصحاب بدر)
أي الذين شهدوا الوقعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن ألحق بهم (قوله استصغرت)
بضم أوله ومراد البراء أن ذلك وقع عند حضور القتال فعرض من يقاتل فرد من لم يبلغ وكانت تلك
عادة النبي صلى الله عليه وسلم في المواطن (قوله أنا وابن عمر) قال عياض هذا يرده قول ابن
عمر استصغرت يوم أحد وكذا اعترض به ابن التين وزاد بأن إخبار ابن عمر عن نفسه
أولى من أخبار البراء عنه انتهى وهو اعتراض مردود إذ لا تنافي بين الاخبارين فيحمل على أنه
استصغر ببدر ثم استصغر بأحد بل جاء ذلك صريحا عن ابن عمر نفسه وأنه عرض يوم بدر وهو
ابن ثلاث عشرة سنة فاستصغر وعرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فاستصغر وسيأتي
بيان ذلك في غزوة الخندق إن شاء الله تعالى ثم وجدت في ابن أبي شيبة من طريق مطرف عن
أبي إسحاق عن البراء مثل حديث الباب وزاد آخره وشهدنا أحدا فهذه الزيادة إن حملت
على أن المراد بقوله وشهدنا أحدا نفسه وحده دون ابن عمر وإلا فما في الصحيح أصح (قوله
وحدثني محمود) هو ابن غيلان ووهب هو ابن جرير بن حازم ووقع في نسخة وهب بن جرير
(قوله عن البراء) في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن وهب بن جرير بسنده سمعت البراء
(قوله وكان المهاجرون يوم بدر نيفا على ستين) كذا في هذه الرواية وسيأتي في آخر الكلام
على هذه الغزوة أنهم كانوا ثمانين أو زيادة ويأتي وجه التوفيق بينهما هناك إن شاء الله تعالى
226

وأما ما وقع عند يعقوب بن سفيان من مرسل عبيدة السلماني أن الأنصار كانوا سبعين ومائتين
فليس بثابت وقد وقع عند الحاكم من طريق عبد الملك بن إبراهيم الجسري عن شعبة في هذا
الحديث أن المهاجرين كانوا نيفا وثمانين وهو خطأ في هذه الرواية لاطباق أصحاب شعبة على
ما وقع في البخاري (قوله والأنصار نيف وأربعين ومائتين) النيف بفتح النون وتشديد التحتانية
وقد تخفف وهو ما بين العقدين وقال في الأول نيفا بنصبه على أنه خبر كان وقال في الثاني
نيف برفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف وقد وقع عند البيهقي بالنصب فيهما وهو واضح وهو
الذي وقع في رواية شعبة عن تفصيل عدد المهاجرين والأنصار يوافق جملته ما وقع في رواية زهير
وإسرائيل وسفيان انهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر لكن الزيادة على العشر مبهمة وقد سبق
في الباب قبله أن في حديث عمر عند مسلم أنها تسعة عشر لكن أخرجه أبو عوانة وابن حبان
بإسناد مسلم بلفظ بضعة عشر وللبزار من حديث أبي موسى ثلاثمائة وسبعة عشر ولأحمد والبزار
والطبراني من حديث ابن عباس كان أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة
والبيهقي من رواية عبيدة بن عمر والسلماني أحد كبار التابعين ومنهم من وصله بذكر على وهذا
هو المشهور عند ابن إسحاق وجماعة من أهل المغازي ويقال عن ابن إسحاق وأربعة عشر وروى
سعيد بن منصور من مرسل أبي اليمان عامر الهوزني ووصله الطبراني والبيهقي من وجه آخر
عن أبي أيوب الأنصاري قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقال لأصحابه تعادوا
فوجدهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا ثم قال لهم تعادوا فتعادوا مرتين فأقبل رجل على بكر له
ضعيف وهم يتعادون فتمت العدة ثلاثمائة وخمسة عشر وروى البيهقي أيضا بإسناد حسن عن
عبد الله بن عمرو بن العاص قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ومعه ثلاثمائة وخمسة
عشر وهذه الرواية لا تنافي التي قبلها لاحتمال أن تكون الأولى لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم
ولا الرجل الذي أتى آخرا وأما الرواية التي فيها وتسعة عشر فيحتمل أنه ضم إليهم من استصغر
ولم يؤذن له في القتال يومئذ كالبراء وابن عمر وكذلك أنس فقد روى أحمد بسند صحيح عنه أنه
سئل هل شهدت بدرا فقال وأين أغيب عن بدر انتهى وكأنه كان حينئذ في خدمة النبي صلى
الله عليه وسلم كما ثبت عنه لأنه خدمه عشر سنين وذلك يقتضي أن ابتداء خدمته له حين قدومه
المدينة فكأنه خرج معه إلى بدر أو خرج مع عمه زوج أمه أبي طلحة وحكى السهيلي أنه حضر مع
المسلمين سبعون نفسا من الجن وكان المشركون ألفا وقيل سبعمائة وخمسون وكان معهم
سبعمائة بعير ومائة فرس ومن هذا القبيل جابر بن عبد الله فقد روى أبو داود بإسناد صحيح عنه
قال كنت أمنح الماء لأصحابي يوم بدر وإذا تحرر هذا الجمع فليعلم أن الجميع لم يشهدوا القتال وإنما
شهده منهم ثلاثمائة وخمسة أو ستة كما أخرجه ابن جرير وسيأتي من حديث أنس أن ابن عمته حارثة
ابن سراقة خرج نظارا وهو غلام يوم بدر فأصابه سهم فقتل وعند ابن جرير من حديث ابن عباس
أن أهل بدر كانوا ثلاثمائة وستة رجال وقد بين ذلك ابن سعد فقال أنهم كانوا ثلاثمائة وخمسة وكأنه
لم يعد فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين وجه الجمع بأن ثمانية أنفس عدوا في أهل بدر
ولم يشهدوها وإنما ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بسهامهم لكونهم تخلفوا
لضرورات لهم وهم عثمان بن عفان تخلف عن زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
227

بإذنه وكانت في مرض الموت وطلحة وسعيد بن زيد بعثهما يتجسسان عير قريش فهؤلاء من
المهاجرين وأبو لبابة رده من الروحاء واستخلفه على المدينة وعاصم بن عدي استخلفه على أهل
العالية والحرث بن حاطب على بني عمرو بن عوف والحارث بن الصمة وقع فكسر بالروحاء فرده
إلى المدينة وخوات بن جبير كذلك هؤلاء الذين ذكرهم ابن سعد وذكر غيره سعد بن مالك
الساعدي والد سهل مات في الطريق وممن اختلف فيه هل شهدها أورد لحاجة سعد بن عبادة
وقع ذكره في مسلم وصبيح مولى أحيحة رجع لمرضه فيما قيل وقيل إن جعفر بن أبي طالب ممن
ضرب له بسهم نقله الحاكم (قوله عدة أصحاب طالوت) هو طالوت بن قيس من ذرية بنيامين
ابن يعقوب شقيق يوسف عليه السلام يقال إنه كان سقاء ويقال إنه كان دباغا (قوله أجازوا)
في رواية الكشميهني جازوا بغير ألف وفي رواية إسرائيل التي بعدها جاوزوا (قوله لا والله) هو
جواب كلام محذوف تقديره أما دعوى واما استفهام هل كان بعضهم غير مؤمن ويحتمل
أن تكون لا زائدة وإنما حلف تأكيدا لخبره وقد ذكر الله قصة طالوت وجالوت في القرآن
في سورة البقرة وذكر أهل العلم في الاخبار أن المراد بالنهر نهر الأردن وأن جالوت كان رأس
الجبارين وأن طالوت وعد من قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويقاسمه الملك فقتله داود فوفى له
طالوت وعظم قدر داود في بني إسرائيل حتى استقل بالمملكة بعد أن كانت نية طالوت تغيرت
لداود وهم بقتله فلم يقدر عليه فتاب وانخلع من الملك وخرج مجاهدا هو ومن معه من ولده
حتى ماتوا كلهم شهداء وقد ذكر محمد بن إسحاق في المبتدأ قصته مطولة (باب
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على كفار قريش) (قوله شيبة بن ربيعة) مجرور بالفتح على
البدل وكذا عتبة (قوله وأبي جهل بن هشام وهلاكهم) المراد دعاؤه صلى الله عليه وسلم
السابق وهو بمكة وقد مضى بيانه في كتاب الطهارة حيث أورده المصنف من حديث ابن مسعود
المذكور في هذا الباب بأتم منه سياقا وأورده في الطهارة لقصة سلى الجزور ووضعه على ظهر
المصلى فلم تفسد صلاته وفي الصلاة مستدلا به على أن ملاصقة المرأة في الصلاة لا تفسدها
وفي الجهاد في باب الدعاء على المشركين وفي الجزية مستدلا به على أن جيف المشركين لا يفادى
بها وفي المبعث في باب ما لقي المسلمون من المشركين بمكة وقوله في هذه الرواية فأشهد بالله أي أقسم
وإنما حلف على ذلك مبالغة في تأكيد خبره (قد غيرتهم الشمس) أي غيرت ألوانهم إلى السواد
أو غيرت أجسادهم بالانتفاخ وقد بين سبب ذلك بقوله وكان يوما حارا * (تنبيه) * ثبتت هذه
الترجمة للأكثر وسقطت لأبي ذر عن المستملي والكشميهني وثبوتها أوجه إذ لا تعلق لحديثها
بباب عدة أهل بدر وثبتت لغير أبي ذر عقب حديثها باب قتل أبي جهل بن هشام وسقط لأبي ذر
وهو أوجه لان فيه ذكر هلاك غير أبي جهل فهو لائق بالترجمة المذكورة والله أعلم وعلى هذا فقد
اشتملت الترجمة على ثلاثة عشر حديثا * الثاني والثالث حديث ابن مسعود وأنس في قتل أبي
جهل (قوله حدثنا ابن نمير) هو محمد بن عبيد الله بن نمير ولم يدرك البخاري أباه وإسماعيل هو ابن
أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم والاسناد كله كوفيون (قوله عن عبد الله) هو ابن مسعود
228

(قوله إنه أتى أبا جهل) وبه رمق كأن أبا جهل قد ضرب في المعركة بالسيوف حتى خر صريعا
كما سيأتي بيانه (قوله فقال أبو جهل هل أعمد) في الكلام حذف تقديره فكلمه أي
بكلام تشفى منه فأجابه بذلك ووقع بيان ذلك في رواية عمرو بن ميمون عند الطبراني عن ابن
مسعود قال أدركت أبا جهل يوم بدر صريعا فقلت أي عدو الله قد أخزاك الله قال وبما
أخزاني من رجل قتله قومه الحديث وهذا تفسير المراد بقوله هل أعمد من رجل قتله قومه
وأعمد بالمهملة أفعل تفضيل من عمد أي هلك يقال عمد البعير يعمد عمدا بالتحريك إذا ورم سنامه
من عض القتب فهو عميد ويكنى بذلك عن الهلاك وقيل هو أن يكون سنامه وارما فيحمل عليه
الشئ الثقيل فيكسره فيموت فيه شحمه وقيل معنى أعمد أعجب وقيل بمعنى أغضب وقيل
معناه هل زاد على سيد قتله قومه قاله أبو عبيدة قال وكان أبو عبيدة يحكى عن العرب أعمد من كل
محق أي هل زاد على مكيال نقص كيله وأنشد في ذلك
وأعمد من قوم كفاهم أخوهم * صدام الأعادي حين قلت بيوتها *
أي لا زيادة على فعلنا فإننا كفينا إخواننا أعاديهم وفي مغازي أحمد بن محمد بن أيوب قلت
لابن إسحاق ما أعمد من رجل قال يقول هل هو إلا رجل قتلتموه ورجح السهيلي الأول ويؤيد
تفسير أبي عبيدة ما وقع في حديث أنس بعده بلفظ وهل فوق رجل قتلتموه ووقع في رواية
الكشميهني في حديث ابن مسعود أغدر بدل أعمد فان ثبت فلا إشكال فيه (قوله إن أنسا
حدثهم قال قال النبي صلى الله عليه وسلم) وقع فرواية الإسماعيلي من طريق يحيى القطان
عن سليمان التيمي أن أنسا سمعه من ابن مسعود ولفظه عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم
يوم بدر من يأتينا بخبر أبي جهل قال يعني ابن مسعود فانطلقت فإذا ابنا عفراء قد اكتنفاه
فضرباه فأخذت بلحيته الحديث (قوله فانطلق ابن مسعود) وفي رواية ابن خزيمة ومن
طريقه أبو نعيم في المستخرج فقال ابن مسعود أنا فانطلق (قوله ابنا عفراء) هما معاذ ومعوذ
كما سيأتي بيانه (قوله حتى برد) بفتح الموحدة والراء أي مات هكذا فسروه ووقع في رواية
السمرقندي في مسلم حتى برك بكاف بدل الدال أي سقط وكذا هو عند أحمد عن الأنصاري عن
التيمي قال عياض وهذه الرواية أولى لأنه قد كلم ابن مسعود فلو كان مات كيف كان يكلمه انتهى
ويحتمل أن يكون المراد بقوله حتى برد أي صار في حالة من مات ولم يبق فيه سوى حركة المذبوح
فأطلق عليه باعتبار ما سيؤل إليه ومنه قولهم للسيوف بوارد أي قواتل وقيل لمن قتل بالسيف
برد أي أصابه متن الحديد لان طبع الحديد البرودة وقيل معنى قوله برد أي فتر وسكن يقال جد
في الامر حتى برد أي فتر وبرد النبيذ أي سكن غليانه (قوله قتلتموه أو رجل قتله قومه) شك من
الراوي بينه ابن علية عن سليمان التيمي وأن الشك من التيمي كما سيأتي في أواخر الغزوة وفيه من
الزيادة قال سليمان أي التيمي قال أبو مجلز هو التابعي المشهور قال أبو جهل فلو غير أكار قتلني هذا
مرسل والأكار بتشديد الكاف الزراع وعني بذلك أن الأنصار أصحاب زرع فأشار إلى تنقيص
من قتله منهم بذلك ووقع في رواية مسلم لو غيرك كان قتلني وهو تصحيف (قوله أنت أبا جهل) كذا
للأكثر وللمستملي وحده أنت أبو جهل والأول هو المعتمد في حديث أنس هذا فقد صرح إسماعيل
ابن علية عن سليمان التيمي بأنه هكذا نطق بها أنس وسيأتي ذلك في أواخر غزوة بدر ولفظه فقال
229

أنت أبا جهل قال ابن علية قال سليمان هكذا قالها أنس قال أنت أبا جهل انتهى وقد أخرجه
ابن خزيمة ومن طريقه أبو نعيم عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه فقال فيه أنت أبو جهل وكأنه
من إصلاح بعض الرواة وكذلك نطق بها يحيى القطان أخرجه الإسماعيلي من طريق المقدمي
عن يحيى القطان عن التيمي فذكر الحديث وفيه قال أنت أبا جهل قال المقدمي هكذا قالها
يحيى القطان وقد وجهت الرواية المذكورة بالحمل على لغة من يثبت الألف في الأسماء الستة
في كل حالة كقوله إن أباها وأبا أباها وقيل هو منصوب بإضمار أعني وتعقبه ابن التين بأن شرط
هذا الاضمار أن تكثر النعوت وقال الداودي كأن ابن مسعود تعمد اللحن ليغيظ أبا جهل
كالمصغر له وما أبعد ما قال وقيل إن قوله أنت مبتدأ محذوف الخبر وقوله أبا جهل منادى
محذوف الأداة والتقدير أنت المقتول يا أبا جهل وخاطبه بذلك مقرعا له ومتشفيا منه لأنه كان
يؤذيه بمكة أشد الأذى وفي حديث ابن عباس عند ابن إسحاق والحاكم قال ابن مسعود فوجدته
بآخر رمق فوضعت رجلي على عنقه فقلت أخزاك الله يا عدو الله قال وبما أخزاني هل أعمد رجل
قتلتموه قال وزعم رجال من بني مخزوم أنه قال له لقد ارتقيت يا رويع الغنم مرتقى صعبا قال ثم
احتززت رأسه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت هذا رأس عدو الله أبي جهل
فقال والله الذي لا إله إلا هو فحلف له وفي زيادة المغازي رواية يونس بن بكير من طريق الشعبي
عن عبد الرحمن بن عوف نحو الحديث الذي بعده وفيه فحلف له فأخذ رسول الله صلى الله
عليه وسلم بيده ثم انطلق حتى أتاه فقام عنده فقال الحمد الله الذي أعز الاسلام وأهله ثلاث
مرات (قوله حدثنا سليمان) هو التيمي المذكور قبل (قوله أخبرنا أنس بن مالك نحوه) قد
ساق ابن خزيمة ومن طريقه أبو نعيم لفظه فأخرجه عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه بلفظ
فقال ابن مسعود أنا يا نبي الله وقال فيه قال فأخذت بلحيته والباقي مثله وقوله قال فأخذت
بلحيته يؤيد الرواية الماضية للإسماعيلي من طريق يحيى القطان فان أنسا أخذه عن ابن
مسعود * الحديث الرابع (قوله حدثنا علي بن عبد الله) هو ابن المديني (قوله كتبت عن
يوسف بن الماجشون) ظاهره أنه كتبه عنه ولم يسمعه منه وقد تقدم في الخمس مطولا عن
مسدد عن يوسف موصولا (قوله عن صالح بن إبراهيم عن أبيه) هو إبراهيم بن عبد الرحمن
ابن عوف (قوله عن جده في بدر) أي في قصة غزوة بدر (قوله يعني حديث ابني عفراء) أي
الحديث المقدم ذكره في الخمس عن مسدد عن يوسف بن الماجشون بهذا الاسناد مطولا
وسيأتي في باب شهود الملائكة بدرا من وجه آخر عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ملخصا
وحاصله أن كلا من ابني عفراء سأل عبد الرحمن بن عوف فدلاهما عليه فشدا عليه فضرباه حتى
قتلاه وفي آخر حديث مسدد وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء وأن النبي صلى الله
عليه وسلم نظر في سيفيهما وقال كلاكما قتله وأنه قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح انتهى وعفراء
والدة معاذ واسم أبيه الحرث وأما ابن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه عفراء وإنما أطلق عليه
تغليبا ويحتمل أن تكون أم معوذ أيضا تسمى عفراء أو أنه لما كان لمعوذ أخ يسمى معاذا باسم الذي
شركه في قتل أبي جهل ظنه الراوي أخاه وقد أخرج الحاكم من طريق ابن إسحاق حدثني ثور بن يزيد
عن عكرمة عن ابن عباس قال ابن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال قال معاذ بن
230

عمرو بن الجموح سمعتهم يقولون وأبو جهل في مثل الجرحة أبو جهل الحكم لا يخلص إليه فجعلته
من شأني فعمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه وضربني ابنه
عكرمة على عاتقي فطرح يدي قال ثم عاش معاذ إلى زمن عثمان قال ومر بأبي جهل معوذ
ابن عفراء فضربه حتى أثبته وبه رمق ثم قاتل معوذ حتى قتل فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل
فوجده بآخر رمق فذكر ما تقدم فهذا الذي رواه ابن إسحاق يجمع بين الأحاديث لكنه يخالف
ما في الصحيح من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه رأى معاذا ومعوذا شدا عليه جميعا حتى طرحاه
وابن إسحاق يقول إن ابن عفراء هو معوذ وهو بتشديد الواو والذي في الصحيح معاذ وهما اخوان
فيحتمل أن يكون معاذ بن عفراء شدا عليه مع معاذ بن عمرو كما في الصحيح وضربه بعد ذلك معوذ
حتى أثبته ثم حز رأسه ابن مسعود فتجمع الأقوال كلها وإطلاق كونهما قتلاه يخالف في الظاهر
حديث ابن مسعود أنه وجده وبه رمق وهو محمول على أنهما بلغا به بضربهما إياه بسيفيهما منزلة
المقتول حتى لم يبق به إلا مثل حركة المذبوح وفي تلك الحالة لقيه ابن مسعود فضرب عنقه والله أعلم
وأما ما وقع عند موسى بن عقبة وكذا عند أبي الأسود عن عروة أن ابن مسعود وجد أبا جهل
مصروعا بينه وبين المعركة غير كثير متقنعا في الحديد واضعا سيفه على فخذه لا يتحرك منه عضو
وظن عبد الله أنه ثبت جراحا فأتاه من ورائه فتناول قائم سيف أبي جهل فاستله ورفع بيضة أبي
جهل عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه فيحمل على أن ذلك وقع له معه بعد أن خاطبه بما تقدم
والله أعلم * الحديث الخامس والسادس حديث علي وأبي ذر في المبارزة أورده من طرق
وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي هو لاحق بن حميد تابعي وكذا شيخه
والراوي عنه وقيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة تقدم في مناقب عبد الله بن سلام
وليس له في البخاري سوى ذلك الحديث وحديث الباب مع الاختلاف عليه هل هو عن علي
أو أبي ذر والذي يظهر أنه سمعه من كل منهما ويدل عليه اختلاف السياقين (قوله من يجثو)
بالجيم والمثلثة أي يقعد على ركبتيه مخاصما والمراد بهذه الأولية تقييده بالمجاهدين من هذه الأمة
لان المبارزة المذكورة أول مبارزة وقعت في الاسلام (قوله وقال قيس) هو ابن عباد المذكور
وهو موصول بالاسناد المذكور (قوله وفيهم أنزلت) هكذا وقع في رواية معتمر بن سليمان عن
أبيه مرسلا ووقع في رواية يوسف بن يعقوب بعدها عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن قيس
قال قال علي فينا نزلت وسيأتي في تفسير الحج أن منصورا رواه عن أبي هاشم عن أبي مجلز فوقفه
عليه (قوله في ستة من قريش) يعني ثلاثة من المسلمين من بني عبد مناف اثنين من بني هاشم
وواحد من بني المطلب وثلاثة من المشركين من بني عبد شمس بن عبد مناف (قوله علي وحمزة
أي ابن عبد المطلب بن هاشم وعبيدة بن الحرث بن عبد المطلب (قوله وشيبة بن ربيعة) أي ابن
عبد شمس وعتبة هو أخوه والوليد بن عتبة ولده ولم يقع في هذه الرواية تفصيل المبارزين وذكر
ابن إسحاق أن عبيدة بن الحرث وعتبة بن ربيعة كانا أسن القوم فبرز عبيدة لعتبة وحمزة لشيبة
وعلي للوليد وعند موسى بن عقبة برز حمزة لعتبة وعبيدة لشيبة وعلي للوليد ثم اتفقا فقتل علي
الوليد وقتل حمزة الذي بارزه واختلف عبيدة ومن بارزه بضربتين فوقعت الضربة في ركبة عبيدة
فمات منها لما رجعوا بالصفراء ومال حمزة وعلي إلى الذي بارز عبيدة فأعاناه على قتله وعند
231

الحاكم من طريق عبد خبر عن علي مثل قول موسى بن عقبة وعند أبي الأسود عن عروة مثله
وأورد ابن سعد من طريق عبيدة السلماني أن شيبة لحمزة وعبيدة لعتبة وعليا للوليد ثم قال الليث
ان عتبة لحمزة وشيبة لعبيدة أه‍ قال بعض من لقيناه اتفقت الروايات على أن عليا للوليد وإنما
اختلفت في عتبة وشيبة أيها لعبيدة وحمزة والأكثر على أن شيبة لعبيدة (قلت) وفي دعوى
الاتفاق نظر فقد أخرج أبو داود من طريق حارثة بن مضرب عن علي قال تقدم عتبة وتبعه ابنه
وأخوه فانتدب له شباب من الأنصار فقال لا حاجة لنا فيكم إنما أردنا بني عمنا فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم قم يا حمزة قم يا علي قم يا عبيدة فأقبل حمزة إلى عتبة وأقبلت إلى شيبة واختلف
بين عبيدة والوليد ضربتان فاثخن كل واحد منهما صاحبه ثم ملنا على الوليد فقتلناه واحتملنا
عبيدة (قلت) وهذا أصح الروايات لكن الذي في السير من أن الذي بارزه على هو الوليد هو
المشهور وهو اللائق بالمقام لان عبيدة وشيبة كانا شيخين كعتبة وحمزة بخلاف علي
والوليد فكانا شابين وقد روى الطبراني بإسناد حسن عن علي قال أعنت أنا وحمزة عبيدة بن
الحرث على الوليد بن عتبة فلم يعب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك علينا وهذا موافق لرواية
أبي داود فالله أعلم وفي الحديث جواز المبارزة خلافا لمن أنكرها كالحسن البصري وشرط
الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق للجواز إذن الأمير على الجيش وجواز إعانة المبارز رفيقه
وفيه فضيلة ظاهرة لحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم (قوله حدثنا يوسف بن يعقوب
كان ينزل في بني ضبيعة) بالمعجمة والموحدة مصغر (قوله وهو مولى لبني سدوس) قلت ولذلك
كان يقال له السدوسي تارة والضبعي تارة وكان يقال له السلعي بمهملتين ولام ساكنة وقد
تحرك ويقال له أيضا صاحب السلعة نسب إلى سلعة كانت بقفاه وليس له في البخاري سوى هذا
الحديث (قوله فينا نزلت هذه الآية هذان خصمان اختصموا في ربهم) هكذا أورده مختصرا
وأورده الإسماعيلي عن ابن صاعد عن هلال بن بشر عن يوسف بن يعقوب المذكور بلفظ
فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر وأخرجه من وجه آخر عن سليمان التيمي بلفظ
في الذين برزوا يوم بدر في الفريقين وسماهم (قوله في طريق وكيع عن سفيان في هؤلاء الرهط
الستة يوم بدر نحوه) الضمير يعود إلى سياق قبيصة عن سفيان ويوضح ذلك ما أخرجه
الإسماعيلي من وجه آخر عن وكيع فإنه ذكر الباب هنا وزاد تسمية الستة وعنده من
طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الذين اختصموا في يوم بدر (قوله حدثنا يعقوب بن
إبراهيم) زاد أبو ذر في روايته الدورقي * الحديث السابع حديث البراء بن عازب (قوله إسحاق بن
منصور السلولي) وإبراهيم بن يوسف هو ابن أبي إسحاق السبيعي (قوله سأل رجل) لم أقف على اسمه
ويحتمل أن يكون هو الراوي فأبهم اسمه (قوله أشهد) بهمزة الاستفهام (قوله وبارز وظاهر)
بلفظ الفعل الماضي فيهما وقد تقدم حديث المبارزة في الذي قبله وقوله ظاهر أي لبس درعا
على درع وقوله في الجواب قال بارز وظاهر فيه حذف تقديره قال نعم شهد فإنه بارز فيها وظاهر
ووقع في رواية الإسماعيلي أشهد على بدرا قال حقا * (تنبيه) * حديث البراء هذا من
مراسيل الصحابة لأنه لم يشهد بدرا فكأنه تلقى ذلك عمن شهدها من الصحابة أو سمع من النبي
232

صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك * الحديث الثامن (قوله عن الأسود) هو ابن يزيد (قوله إنه
قرأ والنجم) تقدم الكلام عليه في سجود القرآن وفي المبعث ويأتي في تفسير سورة النجم
التصريح بأن المراد بقول ابن مسعود فلقد رأيته بعد قتل كافرا أمية بن خلف وبه يعرف
مناسبته للترجمة * الحديث التاسع والعاشر (قوله عن هشام) هو ابن عروة (قوله كان
في الزبير ثلاث ضربات بالسيف إحداهن في عاتقه) تقدم في مناقب الزبير من طريق عبد الله
ابن المبارك عن هشام أن الضربات الثلاث كن في عاتقه وكذا هو في الرواية التي بعد هذه (قوله
أصابعي فيها) في رواية الكشميهني فيهن زاد في المناقب وفي الرواية التي بعدها ألعب وأنا صغير
(قوله ضرب ثنتين يوم بدر وواحدة يوم اليرموك) في رواية ابن المبارك أنه ضرب يوم اليرموك
ضربتين على عاتقه وبينهما ضربة ضربها يوم بدر فإن كان اختلافا على هشام فرواية ابن المبارك
أثبت لان في حديث معمر عن هشام مقالا وإلا فيحتمل أن يكون فيه في غير عاتقه ضربتان أيضا
فيجمع بذلك بين الخبرين ووقعة اليرموك كانت أول خلافة عمر بين المسلمين والروم بالشام سنة
ثلاثة عشر وقيل سنة خمسة عشر ويؤيد الأول قوله في الحديث الذي بعده إن سن عبد الله بن
الزبير كان عشر سنين واليرموك بفتح التحتانية وبضمها أيضا وسكون الراء موضع من نواحي
فلسطين ويقال إنه نهر والتحرير أنه موضع بين أذرعات ودمشق كانت به الوقعة المشهورة وقتل
في تلك الوقعة من الروم سبعون ألفا في مقام واحد لانهم كانوا سلسلوا أنفسهم لأجل الثبات فلما
وقعت عليهم الهزيمة قتل أكثرهم وكان اسم أمير الروم من قبل هرقل باهان أوله موحدة ويقال
ميم وكان أبو عبيدة الأمير على المسلمين يومئذ ويقال إنه شهدها من أهل بدر مائة نفس والله أعلم
وقوله في الرواية الثانية ألا تشد بضم المعجمة أي تحمل على المشركين وقوله كذبتم أي اختلفتم
وقوله فجاوزهم وما معه أحد أي من الذين قالوا له ألا تشد فنشد معك وقوله فأخذوا أي الروم
بلجامه أي بلجام فرسه (قوله وكان معه عبد الله بن الزبير يومئذ وهو ابن عشر سنين) هو بحسب
إلغاء الكسر وإلا سنه حينئذ كان على الصحيح اثنتي عشرة سنة (قوله ووكل به رجلا) لم أقف
على اسمه وكان الزبير آنس من ولده عبد الله شجاعة وفروسية فأركبه الفرس وخشي عليه أن
يهجم بتلك الفرس على ما لا يطيقه فجعل معه رجلا ليأمن عليه من كيد العدو إذا اشتغل هو
عنه بالقتال وروى ابن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أنه كان
مع أبيه يوم اليرموك فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم وقوله يجهز بضم أوله
وبجيم وزاي أي يكمل قتل من وجده مجروحا وهذا مما يدل على قوة قلبه وشجاعته من صغره
(قوله في الرواية الأولى قال عروة وقال لي عبد الملك إلى اخره) هو موصول بالاسناد المذكور
وكان عروة مع أخيه عبد الله بن الزبير لما حاصره الحجاج بمكة فلما قتل عبد الله أخذ الحجاج
ما وجده له فأرسل به إلى عبد الملك فكان من ذلك سيف الزبير الذي سأل عبد الملك عروة عنه
وخرج عروة إلى عبد الملك بن مروان بالشام (قوله فلة) بفتح الفاء (فلها) بضم الفاء أي كسرت
قطعة من حده (قوله قال صدقت بهن فلول من قراع الكتائب) هذا شطر من بيت مشهور من
قصيدة مشهورة للنابغة الذبياني وأولها
233

كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكتائب
يقول فيها
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب
وهو من المدح في معرض الذم لان الفل في السيف نقص حسي لكنه لما كان دليلا على قوة
ساعد صاحبه كان من جملة كماله (قوله قال هشام) هو ابن عروة وهو موصول أيضا وقوله
فأقمناه أي ذكرنا قيمته تقول قومت الشئ وأقمته أي ذكرت ما يقوم مقامه من الثمن (قوله
وأخذه بعضنا) أي بعض الورثة وهو عثمان بن عروة أخو هشام وقوله ولوددت الخ هو من كلام
هشام (قوله حدثني فروة) هو ابن مغراء بفتح الميم وسكون المعجمة ممدود وعلي هو ابن مسهر
وهشام هو ابن عروة وقوله محلي بالمهملة وتشديد اللام من الحلية * الحديث الحادي عشر
(قوله حدثني عبد الله بن محمد) هو الجعفي (قوله سمع روح بن عبادة) أي أنه سمع ولفظة
أنه تحذف خطا كما حذفت قال من قوله حدثنا سعيد (قوله ذكر لنا أنس بن مالك) فيه
تصريح لقتادة وهو من رواية صحابي عن صحابي أنس عن أبي طلحة وقد رواه شيبان عن قتادة
فلم يذكر أبا طلحة أخرجه أحمد ورواية سعيد أولى وكذا أخرجه مسلم من طريق حماد
ابن سلمة عن ثابت عن أنس بغير ذكر أبي طلحة (قوله بأربعة وعشرين رجلا من صناديد) بالمهملة
والنون جمع صنديد بوزن عفريت وهو السيد الشجاع ووقع عند ابن عائذ عن سعيد
ابن بشير عن قتادة ببضعة وعشرين وهي لا تنافي رواية الباب لان البضع يطلق على الأربع
أيضا ولم أقف على تسمية هؤلاء جميعهم بل سيأتي تسمية بعضهم ويمكن إكمالهم مما سرده ابن
إسحاق من أسماء من قتل من الكفار ببدر بأن يضيف على من كان يذكر منهم بالرياسة ولو
بالتبعية لأبيه وسيأتي من حديث البراء أن قتلى بدر من الكفار كانوا سبعين وكأن الذين طرحوا
في القليب كانوا الرؤساء منهم ثم من قريش وخصوا بالمخاطبة المذكورة لما كان تقدم منهم
من المعاندة في طرح باقي القتلى في أمكنة أخرى وأفاد الواقدي أن القليب المذكور كان
حفره رجل من بني النار فناسب أن يلقى فيه هؤلاء الكفار (قوله على شفة الركي) أي طرف
البئر وفي رواية الكشميهني على شفير الركي والركي بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد
آخره البئر قبل أن تطوى والأطواء جمع طوى وهي البئر التي طويت وبنيت بالحجارة لتثبت ولا
تنهار ويجمع بين الروايتين بأنها كانت مطوية فاستهدمت فصارت كالركي (قوله فجعل يناديهم
بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان) في رواية حميد عن أنس فنادى يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة
ابن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام أخرجه ابن إسحاق وأحمد وغيرهما وكذا وقع
عند أحمد ومسلم من طريق ثابت عن أنس فسمى الأربعة لكن قدم وأخر وسياقه أتم قال في
أوله تركهم ثلاثة أيام حتى جيفوا فذكره وفيه من الزيادة فسمع عمر صوته فقال يا رسول الله
234

أتناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون ويقول الله تعالى انك لا تسمع الموتى فقال والذي نفسي بيده
ما أنتم بأسمع لما أقول منهم لكن لا يستطيعون أن يجيبوا وفي بعضه نظر لان أمية بن خلف لم يكن في
القليب لأنه كان ضخما فانتفخ فألقوا عليه من الحجارة والتراب ما غيبه وقد أخرج ذلك ابن إسحاق
من حديث عائشة لكن يجمع بينهما بأنه كان قريبا من القليب فنودي فيمن نودي لكونه كان من
جملة رؤسائهم ومن رؤساء قريش ممن يصح إلحاقه بمن سمي من بني عبد شمس بن عبد مناف عبيدة
والعاص والد أبي أحيحة وسعيد بن العاص بن أمية وحنظلة بن أبي سفيان والوليد بن عتبة بن
ربيعة ومن بني نوفل بن عبد مناف الحرث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي ومن سائر قريش
نوفل بن خويلد بن أسد وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد وأخوه عقيل والعاصي بن هشام
أخو أبي جهل وأبو قيس بن الوليد أخو خالد ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهمي وعلي بن أمية بن
خلف وعمرو بن عثمان عم طلحة أحد العشرة ومسعود بن أبي أمية أخو أم سلمة وقيس بن الفاكه
ابن المغيرة والأسود بن عبد الأسد أخو أبي سلمة وأبو العاص بن قيس بن عدي السهمي وأميمة بن
رفاعة بن أبي رفاعة فهؤلاء العشرون تنضم إلى الأربعة فتكمل العدة ومن جملة مخاطبتهم
ما ذكره ابن إسحاق حدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قال يا أهل القليب بئس عشيرة
النبي كنتم كذبتموني وصدقني الناس الحديث (قوله قال قتادة) هو موصول بالاسناد
المذكور (قوله أحياهم الله) زاد الإسماعيلي بأعيانهم (قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة
وندما) في رواية الإسماعيلي وتندما وذلة وصغارا والصغار الذلة والهوان وأراد قتادة بهذا
التأويل الرد على من أنكر أنهم يسمعون كما جاء عن عائشة أنها استدلت بقوله تعالى إنك لا تسمع
الموتى وسيأتي البحث في ذلك في تالي الحديث الذي بعده * الحديث الثاني عشر (قوله حدثنا
عمرو) هو ابن دينار وعطاء هو ابن أبي رباح (قوله عن ابن عباس) في رواية أبي نعيم في المستخرج
سمعت ابن عباس (قوله هم والله كفار قريش) وقع في التفسير هم والله كفار أهل مكة ورواه
عبد الرزاق عن ابن عيينة قال هم لكفار قريش أو أهل مكة وللطبراني عن كريب عن ابن
عيينة هم والله أهل مكة قال ابن عيينة يعني كفارهم وعند عبد بن حميد في التفسير من طريق
أبي الطفيل قال قال عبد الله بن الكواء لعلي رضي الله عنه من الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال هم
الأفجران من قريش بنو أمية وبنو مخزوم قد كبتهم يوم بدر وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن
علي نحوه لكن فيه فاما بنو مخزوم فقطع الله دابرهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين وأخرج
الطبري عن عمر نحوه وله من وجه آخر ضعيف عن ابن عباس قال هم جبلة ابن الأيهم والذين
اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم والأول المعتمد ويحتمل أن يكون مراده أن عموم الآية يتناول
هؤلاء أيضا (قوله قال عمرو) هو ابن دينار وهو موصول بالاسناد المذكور (قوله ومحمد صلى
الله عليه وسلم نعمة الله) هذا موقوف على عمرو بن دينار وكذا دار البوار النار يوم بدر وهكذا
رويناه في تفسير ابن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه عن عمرو بن دينار في قوله ألم تر
إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم قال هم كفار قريش ومحمد النعمة
ودار البوار النار يوم بدر انتهى وقوله يوم بدر ظرف لقوله أحلوا أي أنهم أهلكوا قومهم يوم
بدر فأدخلوا النار والبوار الهلاك وسميت جهنم دار البور لاهلاكها من يدخلها وعند الطبراني
235

من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال البوار الهلاك ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم
قال قد فسرها الله تعالى فقال جهنم يصلونها * الحديث الثالث عشر (قوله ذكر) بضم أوله وعند
الإسماعيلي ان عائشة بلغها ولم أقف على اسم المبلغ ولكن عنده من رواية أخرى ما يشعر بأن عروة
هو الذي بلغها ذلك (قوله وهل) قيل بفتح الهاء والمشهور الكسر أي غلط وزنا ومعنى وبالفتح معناه
فزع ونسي وجبن وقلق وقال الفارابي والأزهري وابن القطاع وابن فارس والقابسي وغيرهم
وهلت إليه بفتح الهاء أهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ذهب وهمك إليه زاد القالي والجوهري
وأنت تريد غيره وزاد ابن القطاع (قوله أن الميت ليعذب في قبره) الحديث تقدم
شرحه في الجنائز وقوله ذلك مثل قوله أي ابن عمر وقوله فقال لهم ما قال ووقع عند الكشميهني
فقال لهم مثل ما قال ومثل زائدة لا حاجة إليها (قوله يقول حين تبوءوا مقاعدهم من النار)
القائل يقول هو عروة يريد أن يبين مراد عائشة فأشار إلى أن إطلاق النفي في قوله انك لا تسمع
الموتى مقيد باستقرارهم في النار وعلى هذا فلا معارضة بين إنكار عائشة وإثبات ابن عمر كما تقدم
توضيحه في الجنائز لكن الرواية التي بعد هذه تدل على أن عائشة كانت تنكر ذلك مطلقا لقولها
إن الحديث إنما هو بلفظ انهم ليعلمون وان ابن عمر وهم في قوله ليسمعون قال البيهقي العلم لا يمنع
من السماع والجواب عن الآية أنه لا يسمعهم وهم موتى ولكن الله أحياهم حتى سمعوا كما قال
قتادة ولم ينفرد عمر ولا ابنه بحكاية ذلك بل وافقهما أبو طلحة كما تقدم وللطبراني من حديث
ابن مسعود مثله بإسناد صحيح ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه وفيه قالوا يا رسول الله وهل
يسمعون قال يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون وفي حديث ابن مسعود ولكنهم اليوم
لا يجيبون ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل
حديث أبي طلحة وفيه ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وأخرجه أحمد بإسناد حسن فإن كان محفوظا
فكأنها رجعت عن الانكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة
قال الإسماعيلي كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض
العلم ما لا مزيد عليه لكن لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص مثله يدل على نسخه أو تخصيصه أو
استحالته فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن لان قوله تعالى انك لا تسمع الموتى
لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم أنهم الآن يسمعون لان الاسماع هو ابلاغ الصوت من المسمع
في إذن السامع فالله تعالى هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك وأما
جوابها بأنه إنما قال إنهم ليعلمون فإن كانت سمعت ذلك فلا ينافي رواية يسمعون بل يؤيدها
وقال السهيلي ما محصله إن في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
لقول الصحابة له أتخاطب أقواما قد جيفوا فأجابهم قال وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين
جاز أن يكونوا سامعين وذلك إما بآذان رؤوسهم على قول الأكثر أو بآذان قلوبهم قال وقد
تمسك بهذا الحديث من يقول إن السؤال يتوجه على الروح والبدن ورده من قال إنما يتوجه
على الروح فقط بأن الاسماع يحتمل أن يكون لاذن الرأس ولأذن القلب فلم يبق فيه حجة (قلت)
إذا كان الذي وقع حينئذ من خوارق العادة للنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ لم يحسن التمسك به
في مسألة السؤال أصلا وقد اختلف أهل التأويل في المراد بالموتى في قوله تعالى انك لا تسمع
236

الموتى وكذلك المراد بمن في القبور فحملته عائشة على الحقيقة وجعلته أصلا احتاجت معه إلى
تأويل قوله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وهذا قول الأكثر وقيل هو مجاز والمراد بالموتى وبمن في
القبور الكفار شبهوا بالموتى وهم أحياء والمعنى من هم في حال الموتى أو في حال من سكن القبر وعلى
هذا لا يبقى في الآية دليل على ما نفته عائشة رضي الله عنها والله أعلم (قوله باب
فضل من شهد بدرا) أي مع النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين مقاتلا للمشركين وكأن المراد
بيان أفضليتهم لا مطلق فضلهم (قوله أصيب حارثة يوم بدر) هو بالمهملة والمثلثة بن سراقة بن
الحرث بن عدي الأنصاري بن عدي بن النجار وأبوه سراقة له صحبة واستشهد يوم حنين (قوله
فجاءت أمه) هي الربيع بالتشديد بنت النضر عمة أنس بن مالك ووقع في أوائل الجهاد من طريق
شيبان عن قتادة عن أنس أن أم الربيع بالتخفيف ابن البراء وهي أم حارثة وقال هو وهم وإنما
الصواب أن أم حارثة الربيع عمة البراء وقد ذكرت مباحث ذلك مستوفاة هناك مع شرح
الحديث وقوله ويحك هل كلمة رحمة وزعم الداودي أنها للتوبيخ وقوله هبلت بضم الهاء بعدها
موحدة مكسورة أي ثكلت وهو بوزنه وقد تفتح الهاء يقال هبلته أمه تهبله بتحريك الهاء أي
ثكلته وقد يرد بمعنى المدح والاعجاب قالوا أصله إذا مات الولد في الهبل هو موضع الولد من الرحم
فكأن أمه وجع مهبلها بموت الولد فيه وزعم الداودي أن المعنى أجهلت ولم يقع عند أحد من
أهل اللغة أن هبلت بمعنى جهلت ثم ذكر المصنف حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة وسيأتي
شرح القصة في فتح مكة مستوفى وذكر البرقاني أن مسلما أخرج نحو هذا الحديث من طريق
ابن عباس عن عمر مستوفى والمراد منه هنا الاستدلال على فضل أهل بدر بقوله صلى الله عليه وسلم
المذكور وهي بشارة عظيمة لم تقع لغيرهم ووقع الخبر بألفاظ منها فقد غفرت لكم ومنها فقد
وجبت لكم الجنة ومنها لعل الله اطلع لكن قال العلماء إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله
الموقوع وعند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه ان الله اطلع
على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث
جابر مرفوعا لن يدخل النار أحد شهد بدرا وقد استشكل قوله اعملوا ما شئتم فان ظاهره أنه
للإباحة وهو خلاف عقد الشرع وأجيب بأنه إخبار عن الماضي أي كل عمل كان لكم
فهو مغفور ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي ولقال فسأغفره لكم
وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب
به عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين فدل على أن المراد
ما سيأتي وأورده في لفظ الماضي مبالغة في تحقيقه وقيل إن صيغة الامر في قوله اعملوا
237

للتشريف والتكريم والمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك وأنهم خصوا بذلك لما حصل
لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السابقة وتأهلوا لان يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة
إن وقعت أي كل ما عملتموه بعد هذه الواقعة من أي عمل كان فهو مغفور وقيل إن المراد ذنوبهم تقع
إذا وقعت مغفورة وقيل هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم وفيه نظر ظاهر لما سيأتي في قصة
قدامة بن مظعون حين شرب الخمر في أيام عمر وحده عمر فهاجر بسبب ذلك فرأى عمر في المنام من
يأمره بمصالحته وكان قدامة بدريا والذي يفهم من سياق القصة الاحتمال الثاني وهو الذي فهمه
أبو عبد الرحمن السلمي التابعي الكبير حيث قال لحيان بن عطية قد علمت الذي جرأ صاحبك
على الدماء وذكر له هذا الحديث وسيأتي ذلك في باب استتابة المرتدين واتفقوا على أن البشارة
المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة لا بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها والله أعلم (قوله
باب) كذا في الأصول بغير ترجمة وهو فيما يتعلق ببدر أيضا وأبو أحمد هو محمد بن عبد الله
ابن الزبير الزبيري كما نسبه في الرواية التي بعدها (قوله عن حمزة بن أبي أسيد والزبير بن المنذر بن
أبي أسيد) كذا في هذه الرواية ووقع في التي بعدها الزبير بن أبي أسيد فقيل هو عمه وقيل هو هو
لكن نسب إلى جده والأول أصوب وأبعد من قال أن الزبير هو المنذر نفسه (قوله عن أبي
أسيد) بالتصغير وهو مالك بن ربيعة الخزرجي الساعدي (قوله إذا أكثبوكم) بمثلثة ثم موحدة
أي إذا قربوا منكم ووقع في الرواية الثانية يعنى أكثروكم وهو تفسير لا يعرفه أهل اللغة وقد
قدمت في الجهاد أن الداودي فسره بذلك وأنه أنكر عليه فعرفنا الآن مستنده في ذلك وهو
ما وقع في هذه الرواية لكن يتجه الانكار لكونه تفسيرا لا يعرفه أهل اللغة وكأنه من بعض
رواته فقد وقع في رواية أبي داود في هذا الموضع يعني غشوكم وهو بمعجمتين والتخفيف وهو أشبه
بالمراد ويؤيده ما وقع عند ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن لا يحملوا
على المشركين حتى يأمرهم وقال إذا أكثبوكم فانضحوهم عنكم بالنبل والهمزة في قوله أكثبوكم
للتعدية من كثب بفتحتين وهو القرب قال ابن فارس أكثب الصيد إذا أمكن من نفسه فالمعنى
إذا قربوا منكم فأمكنوكم من أنفسهم فارموهم (قوله فارموهم واستبقوا نبلكم) بسكون
الموحدة فعل أمر بالاستبقاء أي طلب الابقاء قال الداودي معنى قوله ارموهم أي بالحجارة لأنها
لا تكاد تخطئ إذا رمى بها في الجماعة قال ومعنى قوله استبقوا نبلكم أي إلى أن تحصل المصادمة
كذا قال وقال غيره المعنى أرموهم ببعض نبلكم لا بجميعها والذي يظهر لي أن معنى قوله
واستبقوا نبلكم لا يتعلق بقوله ارموهم وإنما هو كالبيان للمراد بالامر بتأخير الرمي حتى يقربوا
منهم أي أنهم إذا كانوا بعيدا لا تصيبهم السهام غالبا فالمعنى استبقوا نبلكم في الحالة التي إذا رميتم
بها لا تصيب غالبا وإذا صاروا إلى الحالة التي يمكن فيها الإصابة غالبا فارموا * الحديث الثاني
حديث البراء في قصة الرماة يوم أحد وذكر طرفا منه وسيأتي بتمامه في غزوة أحد والمراد منه قوله
أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة وسبعين أسيرا وسبعين قتيلا هذا هو الحق في عدد القتلى
وأطبق أهل السير على أنهم خمسون قتيلا يزيدون قليلا أو ينقصون سرد ابن إسحاق فبلغوا
خمسين وزاد الواقدي ثلاثة أو أربعة وأطلق كثير من أهل المغازي أنهم بضعة وأربعون
لكن لا يلزم من معرفة أسماء من قتل منهم على التعيين أن يكونوا جميع من قتل وقول البراء
238

إن عدتهم سبعون قد وافقه على ذلك ابن عباس وآخرون وأخرج ذلك مسلم من حديث ابن
عباس وقال الله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها واتفق أهل العلم بالتفسير على
أن المخاطبين بذلك أهل أحد وأن المراد بأصبتم مثليها يوم بدر وعلى أن عدة من استشهد من المسلمين
بأحد سبعون نفسا وبذلك جزم ابن هشام واستدل له بقول كعب بن مالك من قصيدة له
فأقام بالطعن المطعن منهم * سبعون عتبة منهم والأسود
يعني عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وقد تقدم اسم من قتله والأسود بن عبد الأسد بن هلال المخزومي
قتله حمزة بن عبد المطلب ثم سرد ابن هشام أسماء أخرى ممن قتل ببدر غير من ذكره ابن إسحاق
فزادوا على الستين فقوي ما قلناه والله أعلم * الحديث الثالث ذكر فيه حديث أبي موسى في رؤيا
النبي صلى الله عليه وسلم أورده مختصرا جدا وقد تقدمت الإشارة إليه في الهجرة فإنه علق طرفا
منه هناك وأورده في علامات النبوة بتمامه فأحلت شرحه على غزوة أحد ولم يذكر في غزوة أحد
منه هذه القطعة التي ذكرها هنا وسأذكر شرحها في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى * الحديث
الرابع حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة قتل أبي جهل (قوله حدثني يعقوب بن إبراهيم)
كذا لأبي ذر والأصيلي وللباقين حدثنا يعقوب غير منسوب فجزم الكلاباذي بأنه ابن حميد بن
كاسب وبه جزم الحاكم عن مشايخه ثم جوز أن يكون يعقوب بن محمد الزهري (قلت) وسيأتي
ما يقويه قال الحاكم وقد ناظرني شيخنا أبو أحمد الحاكم في أن البخاري روى في الصحيح عن يعقوب
ابن حميد فقلت له إنما روى عن يعقوب بن محمد فلم يرجع عن ذلك (قلت) وجزم ابن منده وأبو إسحاق
الحبال وغير واحد بما قال أبو أحمد وهو متعقب بما وقع في رواية الأصيلي وأبي ذر وقال أبو علي
الجياني وقع عند ابن السكن هنا حدثنا يعقوب بن محمد وعند أبي ذر والأصيلي حدثنا يعقوب بن
إبراهيم وأهمله الباقون وجزم أبو مسعود في الأطراف بأنه ابن إبراهيم وجوز أنه يعقوب بن إبراهيم
ابن سعد قال وهو غلط فان يعقوب مات قبل أن يرحل البخاري وقد روى له الكثير بواسطة
وبنى الكرماني على أنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد فقال هذا السند مسلسل بالرواية عن الآباء
ومال المزي إلى أنه يعقوب بن إبراهيم الدورقي انتهى وقد تقدم في أواخر الصلاة في باب الصلاة في
مسجد قباء وفي المناقب في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار أنتم أحب الناس إلي
التصريح بالرواية عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي فقال البرقاني في المصافحة يعقوب بن حميد
ليس من شرط الصحيح وقد قيل إنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد ولكن سقطت الواسطة من
النسخة لان البخاري لم يسمع منه انتهى والراجح عدم السقوط وأنه إما الدورقي وإما ابن محمد
الزهري والله أعلم (قوله عن أبيه عن جده) أبوه هو سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وقد
تقدمت الإشارة في الباب الماضي إلى أن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف روى هذا
الحديث أيضا عن أبيه وأنه ساقه في الخمس بتمامه وقوله في هذه الرواية فكأني لم آمن بمكانهما
أي من العدو وقيل مكانهما كناية عنهما كأنه لم يثق بهما لأنه لم يعرفهما فلم يأمن أن يكونا من
العدو ثم وجدت في مغازي ابن عائذ ما يرفع الاشكال فإنه أخرج هذه القصة مطولة بإسناد منقطع
وقال فيها فأشفقت أن يؤتى الناس من ناحيتي لكوني بين غلامين حديثين (قوله الصقرين)
بالمهملة ثم القاف تثنية صقر وهو من سباع الطير وأحد الجوارح الأربعة وهي الصقر والبازي
239

والشاهين والعقاب وشبههما به لما اشتهر عنده من الشجاعة والشهامة والاقدام على الصيد ولأنه
إذا تشبث بشئ لم يفارقه حتى يأخذه وأول من صاد به من العرب الحرث بن معاوية بن ثور الكندي
ثم اشتهر الصيد به بعده * الحديث الخامس حديث أبي هريرة في قصة أصحاب بئر معونة وسيأتي
شرحه بتمامه في غزوة الرجيع والغرض منه هنا قوله فيه وكان قد قتل عظيما من عظمائهم فإنه
سيأتي في الطريق الأخرى التصريح بأن ذلك كان يوم بدر والذي قتله عاصم المذكور يوم
بدر من المشركين في قول ابن إسحاق ومن تبعه عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية قتله صبرا
بأمر النبي صلى الله عليه وسلم (قوله أخبرني عمرو بن جارية) بالجيم وفي رواية الكشميهني عمرو بن
أبي أسيد بن جارية وكذا للأصيلي وهو نسب إلى جده بل هو جد أبيه لأنه ابن أسيد بن العلاء بن
جارية ووقع في غزوة الرجيع كما سيأتي عمرو بن أبي سفيان وهي كنية أبيه أسيد والله أعلم وأسيد
بفتح الهمزة للجميع وأكثر أصحاب الزهري قالوا فيه عمرو بفتح العين وقال بعضهم عمر بضم
العين ورجح البخاري أنه عمرو وكذا وقع في الجهاد في باب هل يستأسر الرجل للأكثر عمرو أما
النسفي وأبو زيد المروزي فلم يسمياه قالا أخبرنا ابن أسيد وقال ابن السكن في روايته عمير بالتصغير
والراجح عمرو بفتح العين وسيأتي مزيد لذلك في غزوة الرجيع (قوله عشرة عينا) سيأتي بيانهم في
غزوة الرجيع وأمر عليهم عاصم بن ثابت جد عاصم بن عمر بن الخطاب يعني لامه قال وهو وهم
من بعض رواته فان عاصم بن ثابت خال عاصم بن عمر لا جده لان والدة عاصم هي جميلة بنت ثابت
أخت عاصم وكان اسمها عاصية فغيرها النبي صلى الله عليه وسلم قال عياض إذا قرئ جد بالكسر
على أنه صفة لثابت استقام الكلام وارتفع الوهم * الحديث السادس (قوله وقال كعب
ابن مالك ذكروا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي رجلين صالحين قد شهدا بدرا)
هذا طرف من حديث كعب الطويل في قصة توبته وسيأتي موصولا في غزوة تبوك مطولا وكأن
المصنف عرف أن بعض الناس ينكر أن يكون مرارة وهلال شهدا بدرا وينسب الوهم في ذلك
240

إلى الزهري فرد ذلك بنسب ذلك إلى كعب بن مالك وهو الظاهر من السياق فان الحديث عنه قد
أخذ وهو أعرف بمن شهد بدرا ممن لم يشهدها ممن جاء بعده والأصل عدم الادراج فلا يثبت
إلا بدليل صريح ويؤيد كون وصفهما بذلك من كلام كعب أن كعبا ساقه في مقام التأسي
بهما فوصفهما بالصلاح وبشهود بدر التي هي أعظم المشاهد فلما وقع لهما نظير ما وقع له من
القعود عن غزوة تبوك ومن الامر بهجرهما كما وقع له تأسي بهما وأما قول بعض المتأخرين
كالدمياطي لم يذكر أحد مرارة وهلالا فيمن شهد بدرا فمردود عليه فقد جزم به البخاري هنا وتبعه
جماعة وأما قوله وإنما ذكروهما في الطبقة الثانية ممن شهد أحدا فحصر مردود فإن الذي ذكرهما
كذلك هو محمد بن سعد وليس ما يقتضيه صنيعه بحجة على مثل هذا الحديث الصحيح المثبت
لشهودهما وقد ذكر هشام بن الكلبي وهو من شيوخ محمد بن سعد أن مرارة شهد بدرا فإنه ساق
نسبه إلى الأوس ثم قال شهد بدرا وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم وقد استقريت أول من
أنكر شهودهما بدرا فوجدته الأثرم صاحب الإمام أحمد واسمه أحمد بن محمد بن هانئ قال ابن
الجوزي لم أزل متعجبا من هذا الحديث وحريصا على كشف هذا الموضع وتحقيقه حتى رأيت
الأثرم ذكر الزهري وفضله وقال لا يكاد يحفظ عنه غلط إلا في هذا الموضع فإنه ذكر أن مرارة
وهلالا شهدا بدرا وهذا لم يقله أحد والغلط لا يخلو منه إنسان (قلت) وهذا ينبني على أن قوله
شهدا بدرا مدرج في الخبر من كلام الزهري وفي ثبوت ذلك نظر لا يخفى كما قدمته واحتج ابن
القيم في الهدى بأنهما لو شهدا بدرا ما عوقبا بالهجر الذي وقع لهما بل كانا يسامحان بذلك كما
سومح حاطب بن أبي بلتعة كما وقع في قصته المشهورة (قلت) وهو قياس مع وجود النص
ويمكن الفرق وبالله التوفيق والله أعلم * الحديث السابع (قوله عن يحيى) هو ابن سعيد
الأنصاري (قوله ذكر له) بضم أوله ولم أقف على اسم ذاكر ذلك والغرض منه قوله وكان بدريا
وإنما نسب إلى بدر وإن كان لم يحضر القتال لأنه كان ممن ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهم
كما تقدم قريبا وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه هو وطلحة يتجسسان الاخبار فوقع القتال
قبل أن يرجعا فألحقهما النبي صلى الله عليه وسلم بمن شهدها وضرب لهما بسهميهما وأجرهما
* الحديث الثامن (قوله وقال الليث حدثني يونس الخ) يأتي شرحه مستوفى في العدد من كتاب
النكاح والغرض منه ذكر سعد بن خولة وأنه شهد بدرا وقد وصل طريق الليث هذه قاسم بن
أصبغ في مصنفه فأخرجه عن مطلب بن شعيب عن عبد الله بن صالح عن الليث بتمامه (قوله
تابعه أصبغ عن ابن وهب) وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن عبد الملك ابن زنجويه عن أصبغ
ابن الفرج * الحديث التاسع (قوله وقال الليث) وصله المصنف في التاريخ الكبير قال قال لنا
عبد الله بن صالح أنبأنا الليث فذكره بتمامه (قوله وسألناه فقال حدثه) في رواية الكشميهني
حدثني (قوله البكير) بالتصغير وضبط أيضا بكسر الموحدة وبتشديد الكاف (قوله وكان أبوه
شهد بدرا) زاد في التاريخ أنه سأل أبا هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمر ومثله يعني مثل حديث
قبله إذا طلق ثلاثا لم تصلح له المرأة فاقتصر المصنف من الحديث على موضع حاجته منه وهي قوله
241

وكان أبوه شهد بدرا وقد روى هذا الحديث قتيبة عن الليث عن ابن شهاب بغير واسطة وساقه
مطولا والله أعلم (قوله باب شهود الملائكة بدرا) تقدم القول في ذلك قبل
بابين وأخرج يونس بن بكير في زيادات المغازي والبيهقي من طريق الربيع بن أنس قال كان الناس
يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة من قتلى الناس بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل وسم النار
وفي مسند إسحاق عن جبير بن مطعم قال رأيت قبل هزيمة القوم ببدر مثل النجاد الأسود أقبل من
السماء كالنمل فلم أشك أنها الملائكة فلم يكن إلا هزيمة القوم وعند مسلم من حديث ابن عباس
بينما رجل مسلم يشتد في أثر رجل مشرك إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس الحديث
وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مدد من السماء الثالثة (قوله يحيى بن سعيد) هو
الأنصاري (قوله عن معاذ بن رفاعة) أورده عنه من ثلاثة طرق ففي رواية جرير معاذ عن أبيه
وهذه موصولة وفي رواية حماد وهو ابن زيد معاذ بن رفاعة بن رافع وكان رفاعة من أهل بدر الخ
وهذه صورته مرسل ولكن عند التأمل يظهر أن فيه رواية لمعاذ بن رفاعة بن رفع عن أبيه عن
جده ورواية يزيد وهو ابن هارون وهي الثالثة قال فيها معاذ ان ملكا سأله وهذا ظاهره الارسال
لكن أفاد التصريح بسماع يحيى بن سعيد للحديث من معاذ ولهذا قال الإسماعيلي هذا الحديث
وصله عن يحيى بن سعيد وجرير بن عبد الحميد وتابعه يحيى بن أيوب فأرسله عنه حماد بن زيد ويزيد
ابن هارون وقوله في آخره وعن يحيى أن يزيد بن الهاد حدثه يستفاد منه أن تسمية الملك السائل
جبريل إنما تلقاها يحيى بن سعيد من يزيد بن الهاد عن معاذ فيقتضى ذلك أن في رواية جرير الجزم
بتسميته في رواية يحيى بن سعيد ادراجا (قوله بدرا بالعقبة) أي بدل العقبة يريد أن شهود العقبة
عنده أفضل من شهود بدر وقوله في آخر رواية حماد بهذا يريد ما تقدم في رواية جرير وقد
أخرجه البيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه بلفظ
عن معاذ بن رفاعة بن رافع وكان رفاعة بدريا وكان رافع عقبيا وكان يقول لابنه ما أحب
أني شهدت بدرا ولم أشهد العقبة قال سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم كيف أهل بدر فيكم
قالب خيارنا قال وكذلك من شهد بدرا من الملائكة هم خيار الملائكة وقوله في رواية يزيد نحوه
ساق الإسماعيلي لفظ يزيد من طريق محمد بن شجاع عنه بلفظ ان ملكا من الملائكة أتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم قال يحيى بن سعيد حدثني يزيد بن الهاد أن
السائل هو جبريل والذي يظهر أن رافع بن مالك لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم التصريح
بتفضيل أهل بدر على غيرهم فقال ما قال باجتهاد منه وشبهته أن العقبة كانت منشأ نصرة
الاسلام وسبب الهجرة التي نشأ منها الاستعداد للغزوات كلها لكن الفضل بيد الله يؤتيه من
يشاء والله أعلم (قوله في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر هذا جبريل)
الحديث هو من مراسيل الصحابة ولعل ابن عباس حمله عن أبي بكر فقد ذكر ابن إسحاق أن النبي
صلى الله عليه وسلم في يوم بدر خفق خفقة ثم انتبه فقال أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل
آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه الغبار ووقعت في بعض المراسيل تتمة لهذا الحديث مقيدة
وهي ما أخرج سعيد بن منصور من مرسل عطية بن قيس ان جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم
بعد ما فرغ من بدر على فرس حمراء معقودة الناصية قد تخضب الغبار بثنيته عليه درعه
242

وقال يا محمد إن الله بعثني إليك وأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى أفرضيت قال نعم ووقع عند ابن
إسحاق من حديث أبي واقد الليثي قال إني لاتبع يوم بدر رجلا من المشركين لأضربه فوقع رأسه
قبل أن يصل إليه سيفي ووقع عند البيهقي من طريق بن محمد بن جبير بن مطعم أنه سمع عليا يقول
هبت ريح شديدة لم أر مثلها ثم هبت ريح شديدة وأظنه ذكر ثالثة فكانت الأولى جبريل
والثانية ميكائيل والثالثة إسرافيل وكان ميكائيل عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وفيها
أبو بكر وإسرافيل عن يساره وأنا فيها ومن طريق أبي صالح عن علي قال قيل لي ولأبي بكر يوم
بدر مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل ملك عظيم يحضر الصف ويشهد القتال
وأخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه الحاكم والجمع بينه وبين الذي قبله ممكن قال الشيخ تقي الدين
السبكي سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم مع أن جبريل قادر على
أن يدفع الكفار بريشة من جناحه فقلت وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسنتها التي
أجراها الله تعالى في عباده والله تعالى هو فاعل الجميع والله أعلم (قوله باب) كذا
للجميع بغير ترجمة وهو فيما يتعلق ببيان من شهد بدرا (قوله حدثني خليفة) هو ابن خياط
بالمعجمة ثم التحتانية الشديدة قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري هو من كبار شيوخ البخاري
وربما حدث عنه بواسطة كما في هذا الموضع وسعيد هو ابن أبي عروبة (قوله مات أبو زيد ولم يترك
عقبا وكان بدريا) كذا أورده مختصرا وقد مضى في مناقب الأنصار بأتم من هذا أنه سأل أنسا عن
أبي زيد الذي جمع القرآن فقال هو قيس بن السكن رجل من بني عدي بن النجار مات فلم يترك عقبا
نحن ورثناه وقد تقدم نقل الخلاف في اسمه هناك * الحديث الثاني (قوله عن ابن خباب) بالمعجمة
وموحدتين الأولى ثقيلة واسمه عبد الله وفي الاسناد ثلاثة من التابعين في نسق وسيأتي شرح
الحديث في كتاب الأضاحي والغرض منه هنا وصف قتادة بن النعمان بكونه شهد بدرا * الحديث
الثالث (قوله قال الزبير) هو ابن العوام (قوله عبيدة) بالضم أي ابن سعيد بن العاص بن أمية
وكان لسعيد بن العاص عدة إخوة أسلم منهم عمرو وخالد وأبان وقتل العاص كافرا (قوله مدجج)
بجيمين الأولى ثقيلة ومفتوحة وقد تكسر أي مغطى بالسلاح ولا يظهر منه شئ (قوله قال هشام)
هو ابن عروة وهو موصول بالاسناد المذكور وقوله فأخبرت بضم الهمزة على البناء للمجهول ولم
أقف على تعيين المخبر بذلك (قوله ثم تمطأت) قيل الصواب تمطيت بالتحتانية غير مهموز (قوله
فكان الجهد) بفتح الجيم وبضمها (أن) بفتح الهمزة (نزعتها) (قوله قال عروة) هو موصول
بالاسناد المذكور وقوله أخذها يعني الزبير ثم طلبها أبو بكر أي من الزبير وقوله وقعت عند آل
علي أي عند علي نفسه ثم عند أولاده (قوله فطلبها عبد الله بن الزبير) أي من آل علي * الحديث
الرابع ذكر فيه طرفا من حديث عبادة بن الصامت في البيعة لقوله فيه وكان شهد بدرا وقد تقدم بتمامه
243

في الايمان * الحديث الخامس (قوله إن أبا حذيفة) هو ابن عتبة بن ربيعة الذي تقدم صفة قتل
والده قريبا وقوله تبنى سالما أي أدعى أنه ابنه وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى ادعوهم لآبائهم
فإنها لما نزلت صار يدعى مولى أبي حذيفة وقد شهد سالم بدرا مع مولاه المذكور والوليد بن عتبة
والد هند قتل مع أبيه كما تقدم وسميت هند هذه باسم عمتها هند بنت عتبة قال الدمياطي رواه يونس
ويحيى بن سعيد وشعيب وغيرهم عن الزهري فقالوا هند وروى مالك عنه فقال فاطمة واقتصر
أبو عمر في الصحابة على فاطمة بنت الوليد فلم يترجم لهند بنت الوليد ولا ذكرها محمد بن سعد في
الصحابة ووقع عنده فاطمة بنت عتبة فاما نسبها لجدها وإما كانت لهند أخت اسمها فاطمة وحكى
أبو عمر عن غيره أن اسم جد فاطمة بنت الوليد المغيرة فان ثبت فليست هي بنت أخي أبي حذيفة
ويمكن الجمع بأن بنت أبي حذيفة كان لها اسمان والله أعلم (قوله مولى لامرأة من الأنصار)
هي ثبيتة بمثلثة ثم موحدة ثم مثناة مصغر بنت يعار بفتح التحتانية ثم مهملة خفيفة وقد تقدم في
مناقب الأنصار أن سالما مولى أبي حذيفة وهي نسبة مجازية باعتبار ملازمته له وهو في الحقيقة
مولى الأنصارية المذكورة والمراد بزيد الذي مثل به زيد بن حارثة الصحابي المشهور وسهلة هي
بنت سهيل بن عمرو زوج أبي حذيفة وقوله فذكر الحديث سيأتي بيان ذلك في كتاب النكاح إن
شاء الله تعالى قوله * الحديث السادس (قوله حدثنا علي) هو ابن عبد الله المديني والربيع بالتشديد
بنت معوذ وهو ابن عفراء الذي تقدم ذكره في قتل أبي جهل (قوله يندبن من قتل من آبائي) كان
الذي قتل ببدر ممن يدخل في هذه العبارة ولو بالمجاز أبوها وعمها عوف أو عوذ ومن يقرب لهما من
الخزرج كحارثة بن سراقة وقولها يندبن الندب دعاء الميت بأحسن أوصافه وهو مما يهيج التشوق
إليه والبكاء عليه والدف معروف وداله مضمومة ويجوز فتحها وفيه جواز سماع الضرب
بالدف صبيحة العرس وكراهة نسبة علم الغيب لاحد من المخلوقين * الحديث السابع حديث
أبي طلحة الأنصاري في الصور وسيأتي شرحه في اللباس وأورده هنا لقوله فيه وكان قد شهد بدرا
* الحديث الثامن حديث علي في قصة الشارفين وحمزة بن عبد المطلب وقد مضى شرحه في الخمس
244

وأورده هنا لقوله فيه من نصيبي من المغنم يوم بدر واستدل بقوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم
أعطاني شارفا مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ أن غنيمة بدر خمست خلافا لما ذهب إليه أبو عبيد
في كتاب الأموال أن آية الخمس إنما نزلت بعد قسمة غنائم بدر وموضع الدلالة منه قوله يومئذ
ولكن تقدم الحديث في كتاب الخمس بلفظ وأعطاني شارفا من الخمس ليس فيه يومئذ وفي رواية
مسلم وأعطاني شارفا آخر ولم يقيده باليوم ولا بالخمس والجمهور على أن آية الخمس نزلت في قصة بدر
* الحديث التاسع (قوله حدثنا محمد بن عباد) هو المكي نزيل بغداد ثقة مشهور وليس له عند
البخاري غير هذا الحديث (قوله أنفذه لنا ابن الأصبهاني) أي بلغ منتهاه من الرواية وتمام
السياق فنفذ فيه كقولك أنفذت السهم أي رميت به فأصبت وقيل المراد بقوله أنفذه لنا أي
أرسله فكأنه حمله عنه مكاتبة أو إجازة وابن الأصبهاني هو عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي
وعبد الله بن معقل بسكون المهملة وكسر القاف قال أبو مسعود هذا الحديث مما كان ابن عيينة
سمعه من إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن معقل ثم أخذه عاليا بدرجتين عن ابن
الأصبهاني عن عبد الله بن معقل (قوله كبر على سهل بن حنيف) أي الأنصاري (قوله فقال
لقد شهد بدرا) كذا في الأصول لم يذكر عدد التكبير وقد أورده أبو نعيم في المستخرج من طريق
البخاري بهذا الاسناد فقال فيه كبر خمسا وأخرجه البغوي في معجم الصحابة عن محمد بن عباد بهذا
الاسناد والإسماعيلي والبرقاني والحاكم من طريقه فقال ستا وكذا أورده البخاري في التاريخ
عن محمد بن عباد وكذا أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة وأورده بلفظ خمسا زاد في رواية
الحاكم التفت إلينا فقال إنه من أهل بدر وقول علي رضي الله عنه لقد شهد بدرا يشير إلى أن لمن
شهدها فضلا على غيرهم في كل شئ حتى في تكبيرات الجنازة وهذا يدل على أنه كان مشهورا
عندهم أن التكبير أربع وهو قول أكثر الصحابة وعن بعضهم التكبير خمس وفي صحيح مسلم
عن زيد بن أرقم حديث مرفوع في ذلك وقد تقدم في الجنائز أن أنسا قال إن التكبير على الجنازة
ثلاث وأن الأولى للاستفتاح وروى ابن أبي خيثمة من وجه آخر مرفوعا أنه كان يكبر أربعا
وخمسا وستا وسبعا وثمانيا حتى مات النجاشي فكبر عليه أربعا وثبت على ذلك حتى مات وقال
أبو عمر انعقد الاجماع على أربع ولا نعلم من فقهاء الأمصار من قال بخمس إلا ابن أبي ليلى انتهى
وفي المبسوط للحنفية عن أبي يونس مثله وقال النووي في شرح المهذب كان بين الصحابة خلاف
ثم انقرض وأجمعوا على أنه أربع لكن لو كبر الامام خمسا لم تبطل صلاته إن كان ناسيا وكذا إن
كان عامدا على الصحيح لكن لا يتابعه المأموم على الصحيح والله أعلم * الحديث العاشر حديث عمر
حين تايمت حفصة وتايمت بالتحتانية الثقيلة أي صارت أيما وهي من مات زوجها وخنيس بخاء
معجمة ثم نون ثم مهملة مصغر وهو أخو عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي وسيأتي شرح هذا
الحديث مستوفى في كتاب النكاح والغرض منه هنا قوله فيه قد شهد بدرا وقوله أوجد مني عليه
245

أي أشد غضبا وهو من الموجدة وإنما قال عمر ذلك لما كان لأبي بكر عنده وله عند أبي بكر من مزيد
المحبة والمنزلة فلذلك كان غضبه منه أشد من غضبه من عثمان * الحديث الحادي عشر حديث أبي
مسعود نفقة الرجل على أهله صدقة وسيأتي في كتاب النكاح والغرض منه إثبات كون أبي
مسعود شهد بدرا (قوله حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم وعدي هو ابن ثابت (قوله سمع أبا مسعود
البدري) سيأتي اسمه في الذي يليه واختلف في شهوده بدرا فالأكثر على أنه لم يشهدها ولم يذكره
محمد بن إسحاق ومن اتبعه من أصحاب المغازي في البدريين وقال الواقدي وإبراهيم الحربي لم يشهد
بدرا وإنما نزل بها فنسب إليها وكذا قال الإسماعيلي لم يصح شهود أبي مسعود بدرا وإنما كانت
مسكنه فقيل له البدري فأشار إلى أن الاستدلال بأنه شهدها بما يقع في الروايات أنه بدري ليس
بقوي لأنه يستلزم أن يقال لكل من شهد بدرا البدري وليس ذلك مطردا (قلت) لم يكتف
البخاري في جزمه بأنه شهد بدرا بذلك بل بقوله في الحديث الذي يليه إنه شهد بدرا فان الظاهر أنه
من كلام عروة بن الزبير وهو حجة في ذلك لكونه أدرك أبا مسعود وإن كان روى عنه هذا
الحديث بواسطة ويرجح اختيار البخاري ذلك بقول نافع حين حدثه أبو لبابة البدري فإنه نسبه
إلى شهود بدر لا إلى نزولها وقد اختار أبو عبيد القاسم بن سلام أنه شهدها ذكره البغوي في معجمه
عن عمه علي بن عبد العزيز عنه وبذلك جزم ابن الكلبي ومسلم في الكنى وقال الطبراني وأبو أحمد
الحاكم يقال إنه شهدها وقال البرقي لم يذكره ابن إسحاق في البدريين وفي غير هذا الحديث أنه
شهدها انتهى والقاعدة أن المثبت مقدم على النافي وإنما رجح من نفي شهوده بدرا باعتقاده أن
عمدة من أثبت ذلك وصفه بالبدري وأن تلك نسبة إلى نزول بدر لا إلى شهودها لكن يضعف ذلك
تصريح من صرح منهم بأنه شهدها كما في الحديث الثاني عشر حيث قال فيه فدخل عليه
أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري جد زيد بن حسن شهد بدرا وقد مضى شرح الحديث في
المواقيت من الصلاة وزيد بن الحسن أي ابن علي بن أبي طالب لان أمه أم بشير بنت أبي مسعود
وكانت قبل الحسن عند سعيد بن زيد ثم بعد الحسن عند عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة
* الحديث الثالث عشر حديث أبي مسعود في فضل آخر البقرة وسيأتي شرحه في فضائل القرآن
وشيخه موسى هو ابن إسماعيل التبوذكي وفي إسناده أربعة من التابعين في نسق كلهم كوفيون
* الحديث الرابع عشر ذكر فيه طرفا من حديث عتبان بن مالك في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في
بيته وشيخه أحمد هو ابن صالح المصري وعنبسة هو ابن خالد ويونس هو ابن يزيد ولم يورد البخاري
موضع الحاجة من الحديث وهي قوله في أوله أن عتبان بن مالك وهو من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار وقد تقدم هكذا في أبواب المساجد من كتاب الصلاة
وكأنه اكتفى بالايماء إليه كعادته الحديث * الخامس عشر حديث عمر في قصة قدامة بن
مظعون (قوله وكان من أكبر بني عدي) أي ابن كعب بن لؤي ولم يكن منهم وإنما كان حليفا
لهم ووصفه بكونه أكبر منهم بالنسبة لمن لقيه الزهري منهم (قوله وكان أبوه شهد بدرا) هو عامر
246

ابن ربيعة المزني تقدم ذكره في أوائل الهجرة وأنه كان ممن سبق بالهجرة (قوله إن عمر استعمل
قدامة بن مظعون) أي ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي وهو أخو عثمان بن مظعون
أحد السابقين ولم يذكر البخاري القصة لكونها موقوفة ليست على شرطه لان غرضه ذكر
من شهد بدرا فقط وقد أوردها عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري فزاد فقدم الجارود
العقدي على عمر فقال إن قدامة سكر فقال من يشهد معك فقال أبو هريرة فشهد أبو هريرة أنه
رآه سكران يقئ فأرسل إلى قدامة فقال له الجارود أقم عليه الحد فقال له عمر أخصم أنت أم شاهد
فصمت ثم عاوده فقال لتمسكن أو لأسوأنك فقال ليس في الحق أن يشرب ابن عمك وتسوءني
فأرسل عمر إلى زوجته هند بنت الوليد فشهدت على زوجها فقال عمر لقدامة إني أريد أن أحدك
فقال ليس لك ذلك لقول الله عز وجل ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا
الآية فقال أخطأت التأويل فان بقية الآية إذا ما اتقوا فإنك إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله
عليك ثم أمر به فجلد فغاضبه قدامة ثم حجا جميعا فاستيقظ عمر من نومه فزعا فقال عجلوا بقدامة
أتاني آت فقال صالح قدامة فإنه أخوك فاصطلحا * الحديث السادس عشر (قوله أخبر رافع بن
خديج) بالرفع على الفاعلية عبد الله بن عمر بالنصب على المفعولية ووقع في رواية المستملي أخبرني
رافع بزيادة النون والياء وهو خطأ (قوله أن عميه) هما ظهير ومظهر وقد تقدم ذلك في المزارعة
مع شرح الحديث (قوله وكانا شهدا بدرا) أنكر ذلك الدمياطي وقال إنما شهدا أحدا واعتمد
علي ابن سعد في ذلك ومن أثبت شهودهما أثبت ممن نفاه * الحديث السابع عشر (قوله رأيت
رفاعة بن رافع الأنصاري وكان قد شهد بدرا) قد تقدم ذكر رفاعة ونسبه في باب شهود الملائكة
بدرا وبقية هذا الحديث أخرجه الإسماعيلي من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة بلفظ سمع رجلا
من أهل بدر يقال له رفاعة بن رافع كبر في صلاته حين دخلها ومن طريق ابن أبي عدي عن شعبة
ولفظه عن رفاعة رجل من أهل بدر أنه دخل في الصلاة فقال الله أكبر كبيرا ولم يذكر البخاري ذلك
لأنه موقوف ليس من غرضه * الحديث الثامن عشر (قوله أن عمرو بن عوف) هو الأنصاري
حليف بني عامر بن لؤي تقدم حديثه مشروحا في كتاب الجزية وفي الاسناد صحابيان وتابعيان
وسيأتي في الرقاق بزيادة تابعي ثالث * الحديث التاسع عشر حديث أبي لبابة وسيأتي شرحه في
اللباس وأبو لبابة ممن ضرب له بسهمه وأجره ولم يحضر القتال * الحديث العشرون (قوله إن
رجالا من الأنصار) أي ممن شهد بدرا لان العباس كان أسر ببدر كما سيأتي وكان المشركون
أخرجوه معهم إلى بدر فأخرج ابن إسحاق من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لأصحابه يوم بدر قد عرفت أن رجالا من بني هاشم قد أخرجوا كرها فمن لقي أحدا منهم فلا يقتله
247

وروى أحمد من حديث البراء قال جاء رجل من الأنصار بالعباس قد أسره فقال العباس ليس هذا
أسرني بل أسرني رجل أنزع فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصاري أيدك الله بملك كريم واسم
هذا الأنصاري أبو اليسر بفتح التحتانية والمهملة وهو كعب بن عمرو الأنصاري وروى الطبراني
من حديث أبي اليسر أنه أسر العباس ومن حديث ابن عباس قلت لأبي كيف أسرك أبو اليسر ولو
شئت لجعلته في كفك قال لا تقل ذلك يا بني (قوله فلنترك) بصيغة الامر واللام للمبالغة (قوله
لابن أختنا عباس) أي ابن عبد المطلب وأم العباس ليست من الأنصار بل جدته أم عبد المطلب
هي الأنصارية فأطلقوا على جدة العباس أختا لكونها منهم وعلى العباس ابنها لكونها جدته
وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد من بني عدي بن النجار ثم من الخزرج وأما أم العباس فهي
نتيلة بنون ومثناة من فوق ثم لام مصغر بنت جناب بجيم ونون خفيفة بعد الألف موحدة من
ولد تيم اللات بن النمر بن قاسط ووهم الكرماني فقال أم العباس بن عبد المطلب كانت من الأنصار
وأخذ ذلك من ظاهر قول الأنصار ابن أختنا وليس كما فهمه بل فيه تجوز كما بينته وروى ابن عائذ في
المغازي من طريق مرسل أن عمر لما ولي وثاق الاسرى شد وثاق العباس فسمعه رسول الله صلى
الله عليه وسلم يئن فلم يأخذه النوم فبلغ الأنصار فأطلقوا العباس فكان الأنصار لما فهموا
رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفك وثاقه سألوه أن يتركوا له الفداء طلبا لتمام رضاه فلم يجبهم
إلى ذلك وأخرج ابن إسحاق من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا عباس افد
نفسك وابن أخويك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث وحليفك عتبة بن عمرو فإنك ذو مال
قال إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني قال الله أعلم بما تقول إن كنت ما تقول حقا فإن
الله يجزيك ولكن ظاهر أمرك أنك كنت علينا وذكر موسى بن عقبة أن فداءهم كان أربعين
أوقية ذهبا وعند أبي نعيم في الدلائل بإسناد حسن من حديث ابن عباس كان فداء كل واحد
أربعين أوقية فجعل على العباس مائة أوقية وعلى عقيل ثمانين فقال له العباس أللقرابة صنعت
هذا قال فأنزل الله تعالى يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا
يؤتكم الآية فقال العباس وددت لو كنت أخذت منى أضعافها لقوله تعالى يؤتكم خيرا مما
أخذ منكم (قوله لا تذرون) بفتح الذال المعجمة أي لا تتركون من الفداء شيئا وزاد الكشميهني
في روايته لا تذرون له أي للعباس قيل والحكمة في ذلك أنه خشي أن يكون في ذلك محابة له لكونه
عمه لا لكونه قريبهم من النساء فقط وفيه إشارة إلى أن القريب لا ينبغي له أن يتظاهر بما يؤذي
قريبه وإن كان في الباطن يكره ما يؤذيه ففي ترك قبول ما يتبرع له الأنصار به من الفداء تأديب
لمن يقع له مثل ذلك * الحديث الحادي والعشرون حديث المقداد بن الأسود وفي إسناد ثلاثة
من التابعين في نسق وهم مدنيون وسيأتي شرحه في الديات مع ما يرفع الاشكال في قوله فإنك
بمنزلته والغرض من إيراده هنا قوله وكان ممن شهد بدرا وقد تقدم أنه كان فارسا يومئذ وإسحاق في
الطريق الثانية شيخه هو ابن منصور * الحديث الثاني والعشرون حديث أنس في قصة قتل أبي
جهل تقدم شرحه في أوائل هذه الغزوة والغرض منه هنا بيان كون ابني عفراء شهدا بدرا
248

* الحديث الثالث والعشرون ذكر طرفا من حديث السقيفة والغرض منه ذكر عويم بن ساعدة
ومعين بن عدي في أهل بدر فأما عويم فهو بالمهملة مصغر بن ساعد ة بن عياش بتحتانية ومعجمة
ابن قيس بن النعمان وهو أوسي من بني عمرو بن عوف وأما معن فهو بفتح الميم وسكون المهملة
أي ابن عدي بن الجد بن عجلان أخو عاصم بن عدي وهو بكري من حلفاء بني عمرو بن عوف
وموسى شيخه هو ابن إسماعيل وعبد الواحد هو ابن زياد وعبيد الله أي ابن عتبة بن مسعود وقد
مضى شرح حديث السقيفة في المناقب * الحديث الرابع والعشرون (قوله عن إسماعيل هو ابن
أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم (قوله كان عطاء البدريين خمسة آلاف) أي المال الذي
يعطاه كل واحد منهم في كل سنة من عهد عمر فمن بعده (قوله وقال عمر لأفضلنهم) أي على غيرهم
في زيادة العطاء وفي حديث مالك بن أوس عن عمر أنه أعطى المهاجرين خمسة آلاف خمسة آلاف
والأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف وفضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأعطى كل واحدة
اثني عشر ألفا * الحديث الخامس والعشرون حديث جبير بن مطعم في القراءة في المغرب بالطور
تقدم شرحه في الصلاة وقد عزا المزي في الأطراف طريق إسحاق بن منصور هذه إلى التفسير
فوهم وهي في المغازي كما ترى ووجه إيراده هنا ما تقدم في الجهاد أنه كان قدم في أسارى بدر أي
في طلب فدائهم * الحديث السادس والعشرون حديث جبير بن مطعم أيضا وهو موصول
بالاسناد الذي قبله والمطعم هو والد جبير المذكور والمراد بالنتنى جمع نتن وهو بالنون والمثناة
أسارى بدر من المشركين وقوله لتركتهم له أي بغير فداء وبين ابن شاهين من وجه آخر السبب في
ذلك وأن المراد باليد المذكورة ما وقع منه حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف ودخل
في جوار المطعم بن عدي وقد ذكر ابن إسحاق القصة في ذلك مبسوطة وكذلك أوردها الفاكهي
بإسناد حسن مرسل وفيه ان المطعم أ مر أربعة من أولاده فلبسوا السلاح وقام كل واحد منهم
عند ركن من الكعبة فبلغ ذلك قريشا فقالوا له أنت الرجل الذي لا تخفر ذمتك وقيل المراد باليد
المذكورة أنه كان من أشد من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم
من المسلمين حين حصروهم في الشعب وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل السيرة وروى
الطبراني من طريق محمد بن صالح التمار عن الزهري عن محمد بن جبير عن أبيه قال قال المطعم بن
عدي لقريش إنكم قد فعلتم بمحمد ما فعلتم فكونوا أكف الناس عنه وذلك بعد الهجرة ثم مات
المطعم بن عدي قبل وقعة بدر وله بضع وتسعون سنة وذكر الفاكهي بإسناد مرسل أن حسان بن
ثابت رثاه لما مات مجازاة له على ما صنع للنبي صلى الله عليه وسلم وروى الترمذي والنسائي وابن
حبان والحاكم بإسناد صحيح عن علي قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال خير
أصحابك في الاسرى إن شاءوا القتل وإن شاءوا الفداء على أن يقتل منهم عاما مقبلا مثلهم قالوا
الفداء ويقتل منا وأخرج مسلم هذه القصة مطولة من حديث عمر ذكر فيها السبب هو أنه صلى
الله عليه وسلم قال ما ترون في هؤلاء الاسرى فقال أبو بكر أرى أن نأخذ منهم فدية تكون قوة
لنا وعسى الله أن يهديهم فقال عمر أرى أن تمكنا منهم فتضرب أعناقهم فان هؤلاء أئمة الكفر
فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر الحديث وفيه نزول قوله تعالى ما كان لنبي أن
يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض وقد تقدم نقل خلاف الأئمة في جواز قوله أسرى الكفار
249

بالمال في باب فاما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها من كتاب الجهاد وقد اختلف
السلف في أي الرأيين كان أصوب فقال بعضهم كان رأي أبي بكر لأنه وافق ما قدر الله في نفس
الامر ولما استقر الامر عليه ولدخول كثير منهم في الاسلام إما بنفسه وإما بذريته التي ولدت له
بعد الوقعة ولأنه وافق غلبة الرحمة على الغضب كما ثبت ذلك عن الله في حق من كتب له الرحمة
وأما العتاب على الاخذ ففيه إشارة إلى ذم من آثر شيئا من الدنيا على الآخرة ولو قل والله أعلم
* الحديث السابع والعشرون قوله وقال الليث عن يحيى بن سعيد لم يقع لي هذا الأثر من
طريق الليث وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد القطان عن
يحيى بن سعيد الأنصاري نحوه (قوله وقعت الفتنة الأولى) يعني مقتل عثمان فلم تبق من أصحاب
بدر أحدا أي أنهم ماتوا منذ قامت الفتنة بمقتل عثمان إلى أن قامت الفتنة الأخرى بوقعة الحرة
وكان آخر من مات من البدريين سعد بن أبي وقاص ومات قبل وقعة الحرة ببضع سنين وغفل من
زعم أن قوله في الخبر يعني مقتل عثمان غلط مستندا إلى أن عليا وطلحة والزبير وغيرهم من
البدريين عاشوا بعد عثمان زمانا لأنه ظن أن المراد أنهم قتلوا عند مقتل عثمان وليس ذلك مرادا
وقد أخرج ابن أبي خيثمة هذا الأثر من وجه آخر عن يحيى بن سعيد بلفظ وقعت فتنة الدار
الحديث وفتنة الدار هي مقتل عثمان وزعم الداودي أن المراد بالفتنة الأولى مقتل الحسين بن علي
وهو خطأ فان في زمن مقتل الحسين بن علي لم يكن أحد من البدريين موجودا (قوله ثم وقعت
الفتنة الثانية يعني الحرة الخ) كانت الحرة في آخر زمن يزيد بن معاوية وسيأتي شئ من خبرها في
كتاب الفتن إن شاء الله تعالى (قوله ثم وقعت الثالثة) كذا في الأصول ووقع في رواية أبي خيثمة ولو
قد وقعت الثالثة ورجحها الدمياطي بناء على أن يحيى بن سعيد قال ذلك قبل أن تقع الثالثة ولم
يفسر الثالثة كما فسر غيرها وزعم الداودي أن المراد بها فتنة الأزارقة وفيه نظر لان الذي يظهر
أن يحيى بن سعيد أراد الفتن التي وقعت بالمدينة دون غيرها وقد وقعت فتنة الأزارقة عقب موت
يزيد بن معاوية واستمرت أكثر من عشرين سنة وذكر ابن التين أن مالكا روى عن يحيى بن سعيد
الأنصاري قال لم تترك الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوم قتل عثمان ويوم الحرة قال
مالك ونسيت الثالثة قال ابن عبد الحكم هو يوم خروج أبي حمزة الخارجي (قلت) كان ذلك في
خلافة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم سنة ثلاثين ومائة وكان ذلك قبل موت يحيى بن سعيد
بمدة ثم وجدت ما أخرجه الدارقطني في غرائب مالك بإسناد صحيح إليه عن يحيى بن سعيد نحو هذا
الأثر وقال في آخره وان وقعت الثالثة لم ترتفع وبالناس طباخ وأخرجه ابن أبي خيثمة بلفظ ولو
وقعت وهذا بخلاف الجزم بالثالثة في حديث الباب ويمكن الجمع بأن يكون يحيى بن سعيد قال
هذا أولا ثم وقعت الفتنة الثالثة المذكورة وهو حي فقال ما نقله عنه الليث بن سعد وقوله
طباخ بفتح المهملة والموحدة الخفيفة وآخره معجمة أي قوة قال الخليل أصل الطباخ السمن
والقوة ويستعمل في العقل والخير قال حسان
المال يغشى رجالا لا طباخ لهم * كالسيل يغشى أصول الدندن البالي
انتهى والدندن بكسر المهملة وسكون النون الأولى ما اسود من النبات * الحديث الثامن
والعشرون ذكر طرفا من حديث الإفك المذكور في هذا السند وسيأتي شرحه في التفسير
250

مستوفى والغرض منه شهادة عائشة لمسطح بأنه من أهل بدر وهو مسطح بن أثاثة بضم الهمزة
وتخفيف المثلثة ابن عباد بن المطلب وليس لعبد الله بن عمر النميري عند البخاري غير هذا الحديث
* الحديث التاسع والعشرون (قوله عن ابن شهاب قال هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكر الحديث) أي ما حمله موسى بن عقبة عن ابن شهاب من ذلك (قوله وهو يلقيهم) بتشديد
القاف المكسورة بعدها تحتانية ساكنة وفي رواية المستملي بسكون اللام وتخفيف القاف
من الالقاء وفي رواية الكشميهني بعين مهملة ونون من اللعن وكذا هو في مغازي موسى بن عقبة
(قوله قال موسى بن عقبة) هو بالاسناد المذكور إليه وعبد الله هو ابن عمر (قوله قال ناس من
أصحابه) تقدم شرحه وأن ممن خاطبه بذلك عمر (قوله فجميع من شهد بدرا من قريش) هو بقية
كلام موسى بن عقبة عن ابن شهاب وقوله ممن ضرب له بسهمه أحد وثمانون يريد بقوله ضرب له
بسهمه أي أعطاه نصيبا من الغنيمة وان لم يشهدها لعذر له فصيره كمن شهدها (قوله وكان عروة بن
الزبير يقول) هو بقية كلام موسى بن عقبة عن ابن شهاب وقد استظهر له المصنف بالحديث
الذي بعده لكن العدد الذي ذكره يغاير حديث البراء الماضي في أوائل هذه القصة وهي قوله إن
المهاجرين كانوا زيادة على ستين فيجمع بينهما بأن حديث البراء أورده فيمن شهدها حسا وحديث
الباب فيمن شهدها حسا وحكما ويحتمل أن يكون المراد بالعدد الأول الأحرار والثاني بانضمام
مواليهم وأتباعهم وقد سرد ابن إسحاق أسماء من شهد بدرا من المهاجرين وذكر معهم حلفاءهم
ومواليهم فبلغوا ثلاثة وثمانين رجلا وزاد عليه ابن هشام في تهذيب السيرة ثلاثة وأما الواقدي
فسردهم خمسة وثمانين رجلا وروى أحمد والبزار والطبراني من حديث ابن عباس ان المهاجرين
ببدر كانوا سبعة وسبعين رجلا فلعله لم يذكر من ضرب له بسهم ممن لم يشهدها حسا * الحديث
الثلاثون (قوله أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (قوله ضربت يوم بدر للمهاجرين بمائة
سهم) عند ابن عائذ من طريق أبي الأسود عن عروة سألت الزبير على كم سهم جاء للمهاجرين يوم بدر
قال على مائة سهم قال الداودي هذا يغاير قوله كانوا إحدى وثمانين قال فإن كان قوله بمائة سهم
من كلام الزبير فلعله دخله شك في العدد ويحتمل أن يكون من قول الراوي عنه قال وإنما كانوا
على التحرير أربعة وثمانين وكان معهم ثلاثة أفراس فأسهم لها سهمين سهمين وضرب لرجال كان
أرسلهم في بعض أمره بسهامهم فصح أنها كانت مائة بهذا الاعتبار (قلت) هذا الذي قاله أخيرا
لا بأس به لكن ظهر أن إطلاق المائة إنما هو باعتبار الخمس وذلك أنه عزل خمس الغنيمة ثم قسم
ما عداه على الغانمين على ثمانين سهما عدد من شهدها ومن ألحق بهم فإذا أضيف إليه الخمس كان
ذلك من حساب مائة سهم والله أعلم (قوله باب تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع)
أي دون من لم يسم فيه ودون من لم يذكر فيه أصلا والمراد بالجامع هذا الكتاب والمراد بمن
سمي من جاء ذكره فيه برواية عنه أو عن غيره بأنه شهدها لا بمجرد ذكره دون التنصيص على أنه
شهدها وبهذا يجاب عن ترك إيراده مثل أبي عبيدة بن الجراح فإنه شهدها باتفاق وذكر في الكتاب
في عدة مواضع إلا أنه لم يقع فيه التنصيص على أنه شهد بدرا (قوله النبي محمد بن عبد الله
الهاشمي صلى الله عليه وسلم) قلت بدأ به تبركا وتيمنا بذكره وإلا فذلك من المقطوع به (قوله
أبو بكر) تقدم ذكره في مواضع منها في باب إذ تستغيثون ربكم (قوله عمر) ذكره في حديث
251

أبي طلحة (قوله عثمان) قلت لم يتقدم له ذكر في هذه القصة إلا أنه تقدم في المناقب من قول
ابن عمر أنه ضرب له بسهمه (قوله علي بن أبي طالب) تقدم في حديث المبارزة وفي غيره (قوله
إياس بن البكير) تقدم قبل باب شهود الملائكة بدرا وقد سرد المصنف من هذه الأسماء على
حروف المعجم وذكر بعض ذوي الكنى معتمدا على الاسم دون أداة الكنية فلهذا قال أبو حذيفة في
حرف الحاء وقدم النبي صلى الله عليه وسلم والأربعة قبل الباقين لشرفهم وفي بعض النسخ قدم
النبي صلى الله عليه وسلم فقط وذكر الأربعة في حرف العين والخطب فيه سهل ثم إن إياس بن البكير
المذكور بكسر الهمزة بعدها تحتانية وآخره مهملة ووهم من ضبطه بفتح الهمزة وأما
أبوه فتقدم ضبطه وقد شهد مع إياس بدرا إخوته عاقل وعامر وغيرهما ولكن لما لم يقع ذكرهم
في الجامع لم يذكرهم (قوله بلال) تقدم في حديث عبد الرحمن بن عوف في قتل أمية بن خلف
(قوله حمزة) تقدم في أول القصة (قوله حاطب) تقدم في فضل من شهد بدرا (قوله أبو حذيفة)
تقدم في الحديث الخامس من الباب الأخير (قوله حارثة بن الربيع) يعني بالتشديد هو ابن
سراقة تقدم في أول باب فضل من شهد بدرا وقوله كان في النظارة أشار إلى ما وقع في رواية حماد بن
سلمة عن ثابت عن أنس أنه خرج نظارا أخرجه أحمد والنسائي وزاد ما خرج لقتال (قوله خبيب
ابن عدي) تقدم في حديث أبي هريرة وسيأتي ما قيل فيه في الكلام على غزوة الرجيع (قوله
خنيس بن حذافة) تقدم في العاشر في الباب الأخير (قوله رفاعة ابن رافع) تقدم في باب فضل من
شهد بدرا (قوله رفاعة بن عبد المنذر أبو لبابة) تقدم في التاسع عشر من الباب الأخير وجزمه بأن
اسمه رفاعة خالف فيه الأكثر فإنهم قالوا إن اسمه بشير وان رفاعة أخوه (قوله الزبير بن العوام)
تقدم في عدة أحاديث (قوله زيد بن سهل أبو طلحة) تقدم في باب الدعاء على المشركين (قوله
أبو زيد الأنصاري) تقدم من حديث أنس (قوله سعد بن مالك) هو ابن أبي وقاص ولم يتقدم له
ذكر في هذه القصة ولكن هو منهم بالاتفاق ويحتمل أن يكون أخذه من أثر سعيد بن المسيب
على بعد في ذلك (قوله سعد بن خولة) تقدم في قصة سبيعة الأسلمية (قوله سعيد بن زيد) تقدم
في أثر نافع عن ابن عمر (قوله سهل بن حنيف) تقدم في حديث على أنه كبر عليه خمسا (قوله ظهير
ابن رافع) تقدم في حديث رافع بن خديج وأنه عمه وأن اسم أخيه مظهر ولم يسم البخاري أخاه
(قوله عبد الله بن مسعود) تقدم في أوائله (قوله عتبة بن مسعود) يعني أخاه (قلت) ولم يتقدم له
ذكر بل ولا ذكره أحد ممن صنف في المغازي في البدريين وقد سقط ذكره من رواية النسفي ولم يذكره
الإسماعيلي ولا أبو نعيم في مستخرجيهما وهو المعتمد (قوله عبد الرحمن بن عوف) تقدم في قتل
أبي جهل وغيره (قوله عبيدة بن الحرث) تقدم في حديث على (قوله عبادة بن الصامت) تقدم بعد
باب شهود الملائكة بدرا (قوله عمرو بن عوف) تقدم فيه (قوله عقبة بن عمرو) أبو مسعود
البدري تقدم مترجما بثلاثة أحاديث (قوله عامر بن ربيعة العنزي) بالنون والزاي وقع في
رواية الكشميهني العدوي وكلاهما صواب فإنه عنزي لأصل عدوى الحلف (قوله عاصم بن
ثابت) تقدم في حديث أبي هريرة (قوله عويم بن ساعدة) تقدم في حديث السقيفة (قوله
عتبان بن مالك) تقدم في باب شهود الملائكة بدرا (قوله قدامة بن مظعون) تقدم فيه (قوله
قتادة بن النعمان) تقدم في أول الباب في حديث أبي سعيد (قوله معاذ بن عمرو بن الجموح)
252

بفتح الجيم وتخفيف الميم المضمومة وآخره مهملة تقدم في قتل أبي جهل (قوله معوذ بن عفراء)
هي أمه واسم أبيه الحارث ومعوذ بتشديد الواو وبفتحها على الأشهر وجزم الوقشي بأنه بالكسر
(قوله وأخوه) عوف بن الحرث تقدم ذكرهما (قوله مالك بن ربيعة أبو أسيد) تقدم في أول باب
من شهد بدرا ونبه عياض على أن من لا معرفة له قد يتوهم أن مالكا أخو معاذ لان سياق البخاري
هكذا معاذ بن عفراء أخوه مالك بن ربيعة وليس ذلك مراده بل قوله أخوه أي عوف ولم يسمه ثم
استأنف فقال مالك بن ربيعة ولو كتبه بواو العطف لارتفع اللبس وكذا وقع عند بعض الرواة
(قوله مرارة بن الربيع) تقدم في حديث كعب بن مالك (قوله معن بن عدي) تقدم مع عويم
ابن ساعدة (قوله مسطح بن أثاثة) تقدم في أواخر الباب الأخير ووقع هنا لأبي زيد في نسبته
عباد بن عبد المطلب والصواب حذف عبد (قوله المقداد بن عمرو) تقدم ووقع في رواية
الكشميهني المقدام بميم في آخره وهو غلط (قوله هلال بن أمية) تقدم مع مرارة (قلت) فجملة
من ذكر من أهل بدر هنا أربعة وأربعون رجلا وقد سبق البخاري إلى ترتيب أهل بدر على حروف
المعجم وهو أضبط لاستيعاب أسمائهم ولكنه اقتصر على ما وقع عنده منهم واستوعبهم الحافظ
ضياء الدين المقدسي في كتاب الأحكام وبين اختلاف أهل السير في بعضهم وهو اختلاف غير
فاحش وأورد ابن سيد الناس أسماءهم في عيون الأثر لكن على القبائل كما صنع ابن إسحاق وغيره
واستوعب ما وقع له من ذلك فزادوا على ثلاثمائة وثلاثة عشر خمسين رجلا قال وسبب الزيادة
الاختلاف في بعض الأسماء (قلت) ولولا خشية التطويل لسردت أسماءهم مفصلا مبينا للراجح
لكن في هذه الإشارة كفاية والله المستعان (قوله حديث بني النضير) بفتح النون وكسر الضاد
المعجمة هم قبيلة كبيرة من اليهود وقد مضت الإشارة إلى التعريف بهم في أوائل الكلام على
أحاديث الهجرة وكان الكفار بعد الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام قسم
وادعهم على أن لا يحاربوه ولا يمالئوا عليه عدوه وهم طوائف اليهود الثلاثة قريظة والنضير
وقينقاع وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة كقريش وقسم تاركوه وانتظروا ما يؤل إليه أمره
كطوائف من العرب فمنهم من كان يحب ظهوره في الباطن كخزاعة وبالعكس كبني بكر
ومنهم من كان معه ظاهرا ومع عدوه باطنا وهم المنافقون فكان أول من نقض العهد من اليهود
بنو قينقاع فحاربهم في شوال بعد وقعة بدر فنزلوا على حكمه وأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد الله
ابن أبي وكانوا حلفاءه فوهبهم له وأخرجهم من المدينة إلى أذرعات ثم نقض العهد بنو النضير كما
سيأتي وكان رئيسهم حيي بن أخطب ثم نقضت قريظة كما سيأتي شرح حالهم بعد غزوة الخندق
إن شاء الله تعالى (قوله ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في دية الرجلين وما أرادوا
من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم) سيأتي شرح ذلك في نقل كلام ابن إسحاق في هذا الباب
(قوله وقال الزهري عن عروة بن الزبير كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل وقعة أحد)
وصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري أتم من هذا ولفظه عن الزهري وهو في حديثه
عن عروة ثم كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكانت
منازلهم ونخلهم ناحية المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء
وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال لا الحلقة يعني السلاح فأنزل الله فيهم سبح لله
253

إلى قوله لأول الحشر وقاتلهم حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام وكانوا من سبط لم
يصبهم جلاء فيما خلا وكان الله قد كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسباء
وقوله لأول الحشر فكان جلاؤهم أول حشر حشرا في الدنيا إلى الشام وحكى ابن التين عن
الداودي أنه رجح ما قال ابن إسحاق من أن غزوة بني النضير كانت بعد بئر معونة مستدلا بقوله
تعالى وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم قال وذلك في قصة الأحزاب (قلت)
وهو استدلال واه فإن الآية نزلت في شأن بني قريظة فإنهم هم الذين ظاهروا الأحزاب وأما
بنو النضير فلم يكن لهم في الأحزاب ذكر بل كان من أعظم الأسباب في جمع الأحزاب ما وقع من
جلائهم فإنه كان من رؤوسهم حيى بن أخطب وهو الذي حسن لبني قريظة الغدر وموافقة الأحزاب
كما سيأتي حتى كان من هلاكهم ما كان فكيف يصير السابق لاحقا (قوله وقول الله عز وجل
هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب إلى قوله أن يخرجوا) وقد وضح المراد من ذلك في أثر
عبد الرزاق المذكور وقد أورد ابن إسحاق تفسيرها لما ذكر هذه الغزوة واتفق أهل العلم على أنها
نزلت في هذه القصة قاله السهيلي قال ولم يختلفوا في أن أموال بني النضير كانت خاصة برسول
الله صلى الله عليه وسلم وأن المسلمين لم يوجفوا عليهم بخيل ولا ركاب وأنه لم يقع بينهم قتال أصلا
(قوله وجعله ابن إسحاق بعد بئر معونة وأحد) كذا هو في المغازي لابن إسحاق مجزوما به ووقع في
رواية القابسي وجعله إسحاق قال عياض وهو وهم والصواب ابن إسحاق وهو كما قال ووقع في شرح
الكرماني محمد بن إسحاق بن نصر وهو غلط وإنما اسم جده يسار وقد ذكره ابن إسحاق عن عبد الله
ابن أبي بكر بن حزم وغيره من أهل العلم أن عامر بن الطفيل أعتق عمرو بن أمية لما قتل أهل بئر
معونة عن رقبة كانت على أمه فخرج عمرو إلى المدينة فصادف رجلين من بني عامر معهما عقد
وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر به عمرو فقال لهما عمرو ممن أنتما فذكرا أنهما
من بني عامر فتركهما حتى ناما فقتلهما عمرو وظن أنه ظفر ببعض ثأر أصحابه فأخبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بذلك فقال لقد قتلت قتيلين لأودينهما انتهى وسيأتي خبر غزوة بئر معونة بعد
غزوة أحد وفيها عن عروة أن عمرو بن أمية الضمري كان مع المسلمين فأسره المشركون قال ابن
إسحاق فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في ديتهما فيما حدثني يزيد بن
رومان وكان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف فلما أتاهم أيستعينهم قالوا نعم ثم خلا بعضهم
ببعض فقالوا إنكم لن تجدوه على مثل هذه الحال قال وكان جالسا إلى جانب جدار لهم فقالوا
من رجل يعلو على هذا البيت فيلقى هذه الصخرة عليه فيقتله ويريحنا منه فانتدب لذلك عمرو بن
جحاش بن كعب فأتاه الخبر من السماء فقام مظهرا أنه يقضي حاجة وقال لأصحابه لا تبرحوا ورجع
مسرعا إلى المدينة واستبطأه أصحابه فأخبروا أنه توجه إلى المدينة فلحقوا به فأمر بحربهم والمسير
إليهم فتحصنوا فأمر بقطع النخل والتحريق وذكر ابن إسحاق أنه حاصرهم ست ليال وكان ناس من
المنافقين بعثوا إليهم أن أثبتوا وتمنعوا فإن قوتلتم قاتلنا معكم فتربصوا فقذف الله في قلوبهم
الرعب فلم ينصروهم فسألوا أن يجلوا عن أرضهم على أن لهم ما حملت الإبل فصولحوا على ذلك
وروى البيهقي في الدلائل من حديث محمد بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني
النضير وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاثة أيام قال ابن إسحاق فاحتملوا إلى خيبر وإلى الشام قال
254

فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنهم جلوا الأموال من الخيل والمزارع فكانت لرسول الله صلى
الله عليه وسلم خاصة قال ابن إسحاق ولم يسلم منهم إلا يامين بن عمير وأبو سعيد بن وهب فأحرزا
أموالهما وروى بن مردويه قصة بني النضير بإسناد صحيح إلى معمر عن الزهري أخبرني
عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كتب
كفار قريش إلى عبد الله بن أبي وغيره ممن يعبد الأوثان قبل بدر يهددونهم بإيوائهم النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه ويتوعدونهم أن يغزوهم بجميع العرب فهم ابن أبي ومن معه بقتال المسلمين
فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما كادكم أحد بمثل ما كادتكم قريش يريدون أن تلقوا
بأسكم بينكم فلما سمعوا ذلك عرفوا الحق فتفرقوا فلما كانت وقعة بدر كتبت كفار قريش
بعدها إلى اليهود انكم أهل الحلقة والحصون يتهددونهم فأجمع بنو النضير على الغدر فأرسلوا إلى
النبي صلى الله عليه وسلم اخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا فإن آمنوا
بك أتبعناك ففعل فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من
الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النضير فأخبر أخوها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليهم فرجع
وصبحهم بالكتائب فحصرهم يومه ثم غدا على بني قريظة فحاصرهم فعاهدوه فانصرف عنهم إلى
بني النضير فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل إلا السلاح فاحتملوا حتى
أبواب بيوتهم فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم فيهدمونها ويحملون ما يوافقهم من خشبها وكان
جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام وكذا أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق
وفي ذلك رد على ابن التين في زعمه أنه ليس في هذه القصة حديث بإسناد (قلت) فهذا أقوى مما ذكر
ابن إسحاق من أن سبب غزوة بني النضير طلبه صلى الله عليه وسلم أن يعينوه في دية الرجلين لكن
وافق ابن إسحاق جل أهل المغازي فالله أعلم وإذا ثبت أن سبب إجلاء بني النضير ما ذكر من همهم
بالغدر به صلى الله عليه عليه وسلم وهو إنما وقع عندما جاء إليهم ليستعين بهم في دية قتيلي عمرو بن أمية تعين ما قال ابن
إسحاق لان بئر معونة كانت بعد أحد بالاتفاق وأغرب السهيلي فرجح ما قال الزهري ولولا ما ذكر
في قصة عمرو بن أمية لأمكن أن يكون ذلك في غزوة الرجيع والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب
أحاديث * الأول حديث ابن عمر حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير كذا فيه ولم يعين
المفعول من حاربت ولم يسم فاعل أجلى والمراد النبي صلى الله عليه وسلم وكان سبب وقوع المحاربة
نقضهم العهد أما النضير فبالسبب الآتي ذكره وهو ما ذكره موسى بن عقبة في المغازي قال كانت
النضير قد دسوا إلى قريش وحضوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلوهم على العورة
ثم ذكر نحوا مما تقدم عن ابن إسحاق من مجئ النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الرجلين قال وفي
ذلك نزلت يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم الآية
وعند ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدي
فلا تساكنوني بعد أن هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا وأما قريظة
فبمظاهرتهم الأحزاب على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق كما سيأتي (قوله حتى حاربت
قريظة) سيأتي شرح ذلك بعد غزوة الخندق إن شاء الله تعالى كذا وقع تقديم قريظة على النضير
وكأنه لشرفهم وإلا فاجلاء النضير كان قبل قريظة بكثير (قوله والنضير) ذكر ابن إسحاق في قصته
255

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل إليهم أن اخرجوا وأجلهم عشرا وأرسل إليهم عبد الله بن أبي
يثبطهم أرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنا لا نخرج فاصنع ما بدا لك فقال الله أكبر حاربت يهود
فخرج إليهم فخذلهم ابن أبي ولم تعنهم قريظة وروى عبد بن حميد في تفسيره من طريق عكرمة
أن غزوة بني النضير كانت صبيحة قتل كعب بن الأشرف يعني الآتي ذكره عقب هذا (قوله بني
قينقاع) هو بالنصب على البدلية ونون قينقاع مثلثة والأشهر فيها الضم وكانوا أول من أخرج من
المدينة كما تقدم في أول الباب وروى ابن إسحاق في المغازي عن أبيه عن عبادة بن الوليد عن عبادة
ابن الصامت قال لما حاربت بنو قينقاع قام بأمرهم عبد الله بن أبي فمشى عبادة بن الصامت وكان
له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي فتبرأ عبادة منهم قال فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا
اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض إلى قوله يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة وكان عبد الله
ابن أبي لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يمن عليهم قال يا محمد إنهم منعوني من الأسود والأحمر
وإني امرؤ أخشى الدوائر فوهبهم له وذكر الواقدي أن إجلاءهم كان في شوال سنة اثنتين يعني بعد
بدر بشهر ويؤيده ما روى ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس قال لما أصاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم قريشا يوم بدر جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال يا يهود أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب
قريشا يوم بدر فقالوا إنهم كانوا لا يعرفون القتال ولو قاتلتنا لعرفت أنا الرجال فأنزل الله تعالى قل
للذين كفروا ستغلبون إلى قوله لاولى الابصار وأغرب الحاكم فزعم أن إجلاء بني قينقاع وإجلاء
بني النضير كان في زمن واحد ولم يوافق على ذلك لان إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على
قول عروة أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول ابن إسحاق كما تقدم بسطه * الحديث الثاني حديث
ابن عباس في تسمية سورة الحشر سورة النضير لأنها نزلت فيهم قال الداودي كأن ابن عباس
كره تسميتها سورة الحشر لئلا يظن أن المراد بالحشر يوم القيامة أو لكونه مجملا فكره النسبة إلى
غير معلوم كذا قال وعند ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس قال نزلت سورة الحشر في
بني النضير وذكر الله فيها الذين أصابهم من النقمة (قوله حدثنا الحسن بن مدرك) كذا للجميع
وفي نسخة إسحاق بدل الحسن وهو غلط (قوله تابعه هشيم إلى اخره) وصله المصنف في التفسير كما
سيأتي هناك * الحديث الثالث (قوله عن أبيه) هو سليمان التيمي (قوله كان الرجل يجعل للنبي
صلى الله عليه وسلم النخلات) تقدم هذا الحديث بهذا الاسناد في الخمس وسيأتي في أول غزوة
قريظة بأتم من هذا السياق وقوله فكان بعد ذلك يرد عليهم زاد في الرواية الأخرى ما كانوا
أعطوه وروى الحاكم في الإكليل من حديث أم العلاء قال قال النبي صلى الله عليه وسلم
للأنصار لما فتح النضير إن أحببتم قسمت بينكم ما أفاء الله على وكان المهاجرون على ما هم عليه
من السكنى في منازلكم وأموالكم وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا عنكم فاختاروا الثاني
* الحديث الرابع (قوله حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير) في رواية
الكشميهني نخل النضير (قوله وهي البويرة) بالموحدة مصغر بورة وهي الحفرة وهي هنا مكان
معروف بين المدينة وبين تيماء وهي من جهة قبلة مسجد قباء إلى جهة الغرب ويقال لهما أيضا
البويلة باللام بدل الراء (قوله فنزل ما قطعتم من لينة) هي صنف من النخل قال السهيلي في
تخصيصها بالذكر إيماء إلى أن الذي يجوز قطعه من شجر العدو ما لا يكون معدا للاقتيات لانهم
256

كانوا يقتاتون العجوة والبرني دون اللينة وفي الجامع اللينة النخلة وقيل الدقل وعن الفراء كل
شئ من النخل سوى العجوة فهو من اللين (قوله في الرواية الثانية أخبرنا حبان) هو ابن هلال
وهو بفتح المهملة بعدها موحدة ثقيلة وإسحاق الراوي عنه هو ابن راهويه (قوله ولها يقول
حسان بن ثابت وهان على سراة بني لؤي) كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني لهان باللام
بدل الواو وسقطت اللام والواو من رواية الإسماعيلي وقوله سراة بفتح المهملة وتخفيف الراء
جمع سرى وهو الرئيس وقوله حريق بالبويرة مستطير أي مشتعل وإنما قال حسان ذلك تعييرا
لقريش لانهم كانوا أغروهم بنقض العهد وأمروهم به ووعدوهم أن ينصروهم إن قصدهم
النبي صلى الله عليه وسلم (قوله فأجابه أبو سفيان بن الحرث) أي ابن عبد المطلب وهو ابن عم
النبي صلى الله عليه وسلم وكان حينئذ لم يسلم وقد أسلم بعد في الفتح وثبت مع النبي صلى الله عليه
وسلم بحنين وذكر إبراهيم بن المنذر ان اسمه المغيرة وجزم ابن قتيبة أن المغيرة أخوه وبه جزم ابن
عبد البر والسهيلي (قوله ستعلم أينا منها بنزه) بنون ثم زاي ساكنة أي ببعد وزنا ومعنى
ويقال بفتح النون أيضا وقوله وتعلم أي أرضينا بالتثنية وقوله تضير بفتح المثناة وكسر الضاد
المعجمة من الضير وهو بمعنى الضر ويطلق الضير ويراد به المضرة ونسبة هذه الأبيات لحسان
ابن ثابت وجوابها لأبي سفيان بن الحرث هو المشهور كما وقع في هذا الصحيح وعند مسلم بعض
ذلك وعند شيخ شيوخنا أبي الفتح ابن سيد الناس في عيون الأثر له عن أبي عمرو الشيباني أن الذي
قال له وهان على سراة بني لؤي هو أبو سفيان بن الحرث وأنه إنما قال عز بدل هان وأن الذي أجاب
بقوله أدام الله ذلك من صنيع البيتين هو حسان قال وهو أشبه من الرواية التي وقعت في البخاري
أه‍ ولم يذكر مستندا للترجيح والذي يظهر أن الذي في الصحيح أصح وذلك أن قريشا كانوا
257

يظاهرون كل من عادى النبي صلى الله عليه وسلم عليه ويعدونهم النصر والمساعدة فلما وقع لبني
النضير من الخذلان ما وقع قال حسان الأبيات المذكورة موبخا لقريش وهم بنو لؤي كيف
خذلوا أصحابهم وقد ذكر ابن إسحاق أن حسان قال ذلك في غزوة بني قريظة وأنه إنما ذكر بني
النضير استطرادا فمن الأبيات المذكورة
الا يا سعد سعد بني معاذ * فما فعلت قريظة والنضير
وفيها
وقد قال الكريم أبو حباب * أقيموا قينقاع ولا تسيروا
وأولها
تقاعد معشر نصروا قريشا * وليس لهم ببلدتهم نصير
هم أوتوا الكتاب فضيعوه * فهم عمي عن التوراة بور
كفرتم بالقرآن لقد لقيتم * بتصديق الذي قال النذير
وفي جواب أبي سفيان بن الحرث في قوله وتعلم أي أرضينا تضير ما يرجح ما وقع في الصحيح لان
أرض بني النضير مجاورة لأرض الأنصار فإذا خربت أضرت بما جاورها بخلاف أرض قريش
فإنها بعيدة منها بعدا شديدا فلا تبالي بخرابها فكان أبو سفيان يقول تخربت أرض بني النضير
وتخريبها إنما يضر ارض من جاورها وأرضكم هي التي تجاورها فهي التي تتضرر لا أرضنا ولا يتهيأ
مثل هذا في عكسه إلا بتكلف وهو أن يقال إن الميرة كانت تحمل من أرض بني النضير إلى مكة
فكانوا يرتفقون بها فإذا خربت تضرهم بخلاف المدينة فإنها في غنية عن أرض بني النضير
بغيرها كخيبر ونحوها فيتجه بعض اتجاه لكن إذا تعارضا كان ما في الصحيح أصح ويحتمل إن
كان ما قال أبو عمرو الشيباني محفوظا أن أبا سفيان بن الحرث ضمن في جوابه بيتا من قصيدة
حسان فاهتدمه فلما قال حسان * وهان على سراة بني لؤي * اهتدمه أبو سفيان فقال
وعز على سراة بني لؤي وهو عمل سائغ وكأن من أنكر ذلك استبعد أن يدعو أبو سفيان بن
الحرث على أرض الكفرة مثله بالتحريق في قوله أدام الله ذلك من صنيع والجواب عنه أن
اسم الكفرة وأن جمعهم لكن العداوة الدينية كانت قائمة بينهم كما بين أهل الكتاب وعبدة
الأوثان من التباين وأيضا فقوله * وحرق في نواحيها السعير * يريد بنواحيها المدينة فيرجع
ذلك دعاء على المسلمين أيضا ولكعب بن مالك في هذه القصة قصيدة على هذا الوزن والروي أيضا
ذكرها ابن إسحاق أولها
لقد منيت بغدرتها الحبور * كذاك الدهر ذو صرف يدور
يقول فيها فغودر منهم كعب صريعا * فذلت عند مصرعه النضير
يشير إلى كعب بن الأشرف الذي سيذكر قتله عقب هذا وفيها
فذاقوا غب أمرهم وبالا * لكل ثلاثة منهم بعير
فأجلوا عامدين بقينقاع * وغودر منهم نخل ودور
الحديث الخامس حديث مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر وفيه قصة مخاصمة العباس وعلي
عنده مطولة وقد تقدم شرحه في فرض الخمس مستوفى والغرض منه قوله وهما يختصمان
258

فيما أفاء الله على رسوله من بني النضير * الحديث السادس حديث عائشة (قوله قال فحدثت هذا
الحديث عروة) القائل هو الزهري وهو موصول بالاسناد المذكور وقد ذكرت شرحه أيضا مع
حديث مالك بن أوس في فرض الخمس * الحديث السابع حديث أبي بكر الصديق تقدم أيضا في
أول فرض الخمس بزيادة فيه وزاد هنا قول أبي بكر والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب
إلي أن أصل من قرابتي وظاهر سياقه الادراج وقد بينه الإسماعيلي بلفظ فتشهد أبو بكر فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فوالله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من
قرابتي قال أبو بكر ذلك معتذرا عن منعه القسمة وأنه لا يلزم منها أن لا يصلهم ببره من جهة أخرى
ومحصل كلامه أن قرابة الشخص مقدمة في بره إلا إن عارضهم في ذلك من هو أرجح منهم والله أعلم
(قوله باب قتل كعب بن الأشرف) أي اليهودي قال ابن إسحاق وغيره كان عربيا
من بني نبهان وهم بطن من طئ وكان أبوه أصاب دما في الجاهلية فأتى المدينة فحالف بني النضير
فشرف فيهم وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا وكان طويلا جسيما ذا بطن وهامة
وهجا المسلمين بعد وقعة بدر وخرج إلى مكة فنزل على ابن وداعة السهمي والد المطلب فهجاه
حسان وهجا امرأته عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص بن أمية فطردته فرجع كعب إلى المدينة
وتشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم وروى أبو داود والترمذي من طريق الزهري عن عبد الرحمن
ابن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أن كعب بن الأشرف كان شاعرا وكان يهجو رسول الله
صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها
أخلاط فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم استصلاحهم وكان اليهود والمشركون يؤذون
المسلمين أشد الأذى فأمر الله رسوله والمسلمين بالصبر فلما أبى كعب أن ينزع عن أذاه أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه وذكر ابن سعد أن قتله كان في ربيع الأول
من السنة الثالثة (قوله قال عمرو) هو ابن دينار كذا هنا وفي رواية قتيبة عن سفيان في الجهاد
وعند أبي نعيم من طريق الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو (قوله من لكعب بن الأشرف) أي من
الذي ينتدب إلى قتله (قوله آذى الله ورسوله) في رواية محمد بن محمود بن محمد بن مسلمة عن جابر عند
الحاكم في الإكليل فقد آذانا بشعره وقوى المشركين وأخرج ابن عائذ من طريق الكلبي أن
كعب بن الأشرف قدم على مشركي قريش فحالفهم عند أستار الكعبة على قتال المسلمين ومن
طريق أبي الأسود عن عروة أنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويحرض قريشا
عليهم وأنه لما قدم على قريش قالوا له أديننا أهدى أم دين محمد قال دينكم فقال النبي صلى الله
عليه وسلم من لنا بابن الأشرف فإنه قد استعلن بعداوتنا ووجدت في فوائد عبد الله ابن إسحاق
الخراساني من مرسل عكرمة بسند ضعيف إليه لقتل كعب سببا آخر وهو أنه صنع طعاما
وواطأ جماعة من اليهود أنه يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوليمة فإذا حضر فتكوا به ثم
دعاه فجاء ومعه بعض أصحابه فأعلمه جبريل بما أضمروه بعد أن جالسه فقام فستره جبريل بجناحه
259

فخرج فلما فقدوه تفرقوا فقال حينئذ من ينتدب لقتل كعب ويمكن الجمع بتعدد الأسباب
(قوله فقام محمد بن مسلمة فقال يا رسول الله أتحب أن أقتله) في مرسل عكرمة فقال محمد بن
مسلمة هو خالي (قوله قال نعم) في رواية محمد بن محمود فقال أنت له وفي رواية ابن إسحاق قال
فافعل إن قدرت على ذلك وفي رواية عروة فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال محمد بن
مسلمة أقر صامت ومثله عند سمويه في فوائده فان ثبت احتمل أن يكون سكت أولا ثم اذن له فان في
رواية عروة أيضا أنه قال له إن كنت فاعلا فلا تعجل حتى تشاور سعد بن معاذ قال فشاوره فقال
له توجه إليه واشك إليه الحاجة وسله أن يسلفكم طعاما (قوله فائذن لي أن أقول شيئا قال قل)
كأنه استأذنه أن يفتعل شيئا يحتال به ومن ثم بوب عليه المصنف الكذب في الحرب وقد ظهر
من سياق ابن سعد للقصة أنهم استأذنوا أن يشكوا منه ويعيبوا رأيه ولفظه فقال له كان
قدوم هذا الرجل علينا من البلاء حاربتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وعند ابن إسحاق
بإسناد حسن عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى معهم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم
فقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم (قوله إن هذا الرجل) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (قوله
قد سألنا صدقة) في رواية الواقدي سألنا الصدقة ونحن لا نجد ما نأكل وفي مرسل عكرمة
فقالوا يا أبا سعيد إن نبينا أراد منا الصدقة وليس لنا مال نصدقه (قوله قد عنانا) بالمهملة وتشديد
النون الأولى من العناء وهو التعب (قوله قال وأيضا) أي وزيادة على ذلك وقد فسره بعد ذلك
قوله والله لتملنه بفتح المثناة والميم وتشديد اللام والنون من الملال وعند الواقدي ان كعبا قال
لأبي نائلة أخبرني ما في نفسك ما الذي تريدون في أمره قال خذلانه والتخلي عنه قال سررتني
(قوله وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين وحدثنا عمرو غير مرة فلم يذكر وسقا أو وسقين) قائل
ذلك علي بن المديني ولم يقع ذلك في رواية الحميدي ووقع في رواية عروة وأحب أن تسلفنا طعاما
قال أين طعامكم قالوا أنفقناه على هذا الرجل وعلى أصحابه قال ألم يأن لكم أن تعرفوا ما أنتم
عليه من الباطل * (تنبيه) * وقع في هذه الرواية الصحيحة أن الذي خاطب كعبا بذلك هو محمد بن
مسلمة والذي عند ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي أنه أبو نائلة وأومأ الدمياطي إلى ترجيحه
ويحتمل أن يكون كل منهما كلمه في ذلك لان أبا نائلة أخوه من الرضاعة ومحمد بن مسلمة ابن أخته
وفي مرسل عكرمة في الكل بصيغة الجمع قالوا وفي مرسل عكرمة وائذن لنا أن نصيب منك
فيطمئن إلينا قال قولوا ما شئتم وعنده أما مالي فليس عندي اليوم ولكن عندي التمر وذكر ابن
عائذ أن سعد بن معاذ بعث محمدا بن أخيه الحرث بن أوس بن معاذ (قوله أرهنوني) أي
ادفعوا لي شيئا يكون رهنا على التمر الذي تريدونه (قوله وأنت أجمل العرب) لعلهم قالوا له ذلك
تهكما وإن كان هو في نفسه كان جميلا زاد ابن سعد من مرسل عكرمة ولا نأمنك وأي امرأة
تمتنع منك لجمالك وفي المرسل الآخر الذي أشرت إليه وأنت رجل حسان تعجب النساء
وحسان بضم الحاء وتشديد السين المهملتين (قوله ولكن نرهنك اللأمة بتشديد اللام وسكون
الهمزة (قوله قال سفيان يعني السلاح) كذا قال وقال غيره من أهل اللغة اللأمة الدرع فعلى
هذا إطلاق السلاح عليها من إطلاق اسم الكل على البعض وفي مرسل عكرمة ولكنا نرهنك
سلاحنا مع علمك بحاجتنا إليه قال نعم وفي رواية الواقدي وإنما قالوا ذلك لئلا ينكر مجيئهم إليه
260

بالسلاح (قوله فجاء ليلا ومعه أبو نائلة) بنون وبعد الألف تحتانية واسمه سلكان بن سلامة
(قوله وكان أخاه من الرضاعة) يعني كان أبو نائلة أخا كعب وذكروا أنه كان نديمه في الجاهلية
فكان يركن إليه وقد ذكر الواقدي أن محمد بن مسلمة أيضا كان أخاه زاد الحميدي في روايته
وكانوا أربعة سمى عمرو منهم اثنين (قلت) وستأتي تسميتهم قريبا وعند الخراساني في مرسل
عكرمة فلما كان في القائلة أتوه ومعهم السلاح فقالوا يا أبا سعيد فقال سامعا دعوت (قوله
فقالت له امرأته) لم أقف على اسمها (قوله وقال غير عمرو قالت أسمع صوتا كأنه يقطر منه
الدم) في رواية الكلبي فتعلقت به امرأته وقالت مكانك فوالله أني لارى حمرة الدم مع الصوت
وبين الحميدي في روايته عن سفيان أن الغير الذي أبهمه سفيان في هذه القصة هو العبسي وأنه
حدثه بذلك عن عكرمة مرسلا وعند ابن إسحاق فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس
فوثب في ملحفته فأخذت امرأته بناحيتها وقالت له أنت امرؤ محارب لا تنزل في هذه الساعة
فقال إنه أبو نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني فقالت والله إني لأعرف من صوته الشر وفي مرسل
عكرمة أخذت بثوبه فقالت أذكرك الله أن لا تنزل إليهم فوالله إني لاسمع صوتا يقطر منه الدم
(قوله قال ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين قيل لسفيان سماهم عمرو قال سمى بعضهم
قال عمرو جاء معه برجلين وقال غير عمرو أبو عبس بن جبر والحرث بن أوس وعباد بن بشر) قلت
ووقع في رواية الحميدي قال فأتاه ومعه أبو نائلة وعباد بن بشر وأبو عبس بن جبر والحرث بن
معاذ إن شاء الله كذا أدرجه ورواية علي بن المديني مفصلة ونسب الحرث بن معاذ إلى جده
ووقعت تسميتهم كذلك في رواية ابن سعد فعلى هذا فكانوا خمسة ويؤيده قول عباد بن بشر
من قصيدة في هذه القصة
فشد بسيفه صلتا عليه * فقطعه أبو عبس بن جبر
وكان الله سادسنا فأبنا * بأنعم نعمة وأعز نصر
وهو أولى مما وقع في رواية محمد بن محمود كان مع محمد بن مسلمة أبو عبس بن جبر وأبو عتيك ولم
يذكر غيرهما وكذا في مرسل عكرمة ومعه رجلان من الأنصار ويمكن الجمع بأنهم كانوا مرة
ثلاثة وفي الأخرى خمسة (قوله فإني قائل بشعره فأشمه) وهو من إطلاق القول على الفعل
(قوله وقال مرة فأشمكم) أي أمكنكم من الشم وهو ينفح بالفاء والمهملة (قوله ريح
الطيب) في رواية ابن سعد وكان حديث عهد بعرس وفي مرسل عكرمة فقال يا أبا سعيد أدن
مني رأسك أشمه وأمسح به عيني ووجهي (قوله عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب)
وعند الأصيلي وأجمل بالجيم بدل الكاف وهي أشبه وفي مرسل عكرمة فقال هذا عطر أم
فلان يعني امرأته وفي رواية الواقدي وكان كعب يدهن بالمسك المفتت والعنبر حتى يتلبد
في صدغيه وفي رواية أخرى وعندي أعطر سيد العرب وكأن سيد تصحيف من نساء فإن
كانت محفوظة فالمعنى أعطر نساء سيد العرب على الحذف (قوله دونكم فقتلوه ثم أتوا النبي
صلى الله عليه وسلم فأخبروه) في رواية عروة وضربه محمد بن مسلمة فقتله وأصاب ذباب السيف
الحرث بن أوس وأقبلوا حتى إذا كانوا بجرف بعاث تخلف الحارث ونزف فلما افتقده أصحابه
رجعوا فاحتملوه ثم أقبلوا سراعا حتى دخلوا المدينة وفي رواية الواقدي أن النبي صلى الله
261

عليه وسلم تفل على جرح الحرث بن أوس فلم يؤذه وفي مرسل عكرمة فبزق فيها ثم ألصقها
فالتحمت وفي رواية ابن الكلبي فضربوه حتى برد وصاح عند أول ضربة واجتمعت اليهود
فأخذوا على غير طريق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففاتوهم وفي رواية ابن سعد أن محمد
ابن مسلمة لما أخذ بقرون شعره قال لأصحابه اقتلوا عدو الله فضربوه بأسيافهم فالتفت عليه فلم
تغن شيئا قال محمد فذكرت معولا كان في سيفي فوضعته في سرته ثم تحاملت عليه فعططته حتى
انتهى إلى عانته فصاح وصاحت امرأته يا آل قريظة والنضير مرتين (قوله فأخبروه) في رواية
عروة فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى وفي رواية ابن سعد فلما بلغوا بقيع الغرقد
كبروا وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي فلما سمع تكبيرهم كبر وعرف أن قد
قتلوه ثم انتهوا إليه فقال أفلحت الوجوه فقالوا ووجهك يا رسول الله ورموا رأسه بين يديه فحمد
الله على قتله وفي مرسل عكرمة فأصبحت يهود مذعورين فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا
قتل سيدنا غيلة فذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه وما كان يحرض عليه ويؤذي المسلمين
زاد ابن سعد فخافوا فلم ينطقوا قال السهيلي في قصة كعب بن الأشرف قتل المعاهد إذا سب
الشارع خلافا لأبي حنيفة (قلت) وفيه نظر وصنيع المصنف في الجهاد يعطي أن كعبا كان
محاربا حيث ترجم لهذا الحديث الفتك بأهل الحرب وترجم له أيضا الكذب في الحرب وفيه
جواز قتل المشرك بغير دعوة إذا كانت الدعوة العامة قد بلغته وفيه جواز الكلام الذي يحتاج
إليه في الحرب ولو لم يقصد قائله إلى حقيقته وقد تقدم البحث في ذلك مستوفى في كتاب الجهاد
وفيه دلالة على قوة فطنة امرأته المذكورة وصحة حديثها وبلاغتها في اطلاقها أن الصوت يقطر
منه الدم (قوله قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق ويقال سلام بن أبي الحقيق كان بخيبر)
والحقيق بمهملة وقاف مصغر والذي سماه عبد الله هو عبد الله بن أنيس وذلك فيما أخرجه
الحاكم في الإكليل من حديثه مطولا وأوله أن الرهط الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى عبد الله بن أبي الحقيق ليقتلوه وهم عبد الله بن عتيك وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة وحليف
لهم ورجل من الأنصار وأنهم قدموا خيبر ليلا فذكر الحديث وقال ابن إسحاق هو سلام أي
بتشديد اللام قال لما قتلت الأوس كعب بن الأشرف استأذنت الخزرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم في قتل سلام بن أبي الحقيق وهو بخيبر فأذن لهم قال فحدثني الزهري عن عبد الله بن كعب
ابن مالك قال كان مما صنع الله لرسوله أن الأوس والخزرج كانا يتصاولان تصاول الفحلين
لا تصنع الأوس شيئا إلا قالت الخزرج والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا وكذلك الأوس فلما
أصابت الأوس كعب بن الأشرف تذاكرت الخزرج من رجل له من العداوة لرسول الله صلى الله
عليه وسلم كما كان لكعب فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر (قوله ويقال في حصن له بأرض
الحجاز) وهو قول وقع في سياق الحديث الموصول في الباب ويحتمل أن يكون حصنه كان قريبا
من خيبر في طرف أرض الحجاز ووقع عند موسى بن عقبة فطرقوا أبا رافع بن أبي الحقيق بخيبر
فقتلوه في بيته ولأبي رافع المذكور أخوان مشهوران من أهل خيبر أحدهما كنانة وكان
زوج صفية بنت حيي قبل النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه الربيع بن أبي الحقيق وقتلهما النبي
صلى الله عليه وسلم جميعا بعد فتح خيبر (قوله وقال الزهري هو بعد كعب بن الأشرف) وصله
262

يعقوب بن سفيان في تاريخه عن حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري وقد ذكرت من عند
ابن إسحاق عن الزهري أنه أخذ ذلك عن عبد الله بن كعب بن مالك بزيادة فيه قال ابن سعد
كانت في رمضان سنة ست وقيل في ذي الحجة سنة خمس وقيل فيها سنة أربع وقيل في رجب
سنة ثلاث ثم أورد البخاري قصته من رواية ثلاثة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب * الأولى
رواية زكريا يا ابن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا إلى
أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا وهو نائم فقتله هكذا أورده مختصرا وقوله
بيته للأكثر بسكون التحتانية وبالنصب على المفعولية وللسرخسي والمستملي بتشديد التحتانية
بلفظ الفعل الماضي من التبييت وقد أخرجه المصنف في الجهاد من هذا الوجه مطولا نحو
رواية إبراهيم بن يوسف الآتية (قوله حدثنا يوسف بن موسى) هو القطان وعبيد الله بن موسى
هو العبسي شيخ البخاري وقد حدث عنه هنا بواسطة (قوله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الأنصار) في رواية يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق الآتية بعد
هذه بعث إلى أبي رافع عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة في أناس معهم وعبد الله بن عتيك
بالنصب مفعول بعث وهو المبعوث إلى أبي رافع وليس هو اسم أبي رافع وعبد الله بن عتبة
لم يذكر إلا في هذا الطريق وزعم ابن الأثير في جامع الأصول أنه ابن عتبة بكسر العين وفتح النون
وهو غلط منه فإنه خولاني لا أنصاري ومتأخر الاسلام وهذه القصة متقدمة والرواية بضم
العين وسكون المثناة لا بالنون والله أعلم (قوله رجالا من الأنصار) قد سمى منهم في هذا الباب عبد
الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة وعند ابن إسحاق عبد الله بن عتيك ومسعود بن سنان وعبد الله
ابن أنيس وأبو قتادة وخزاعي بن أسود فإن كان عبد الله بن عتبة محفوظا فقد كانوا ستة فأما
الأول فهو ابن عتيك بفتح المهملة وكسر المثناة ابن قيس بن الأسود من بني سلمة بكسر اللام وأما
عبد الله بن عتبة فقد شرحت ما فيه وأما مسعود فهو ابن سنان الأسلمي حليف بني سلمة شهد
أحدا واستشهد باليمامة وأما عبد الله بن أنيس فهو الجهني حليف الأنصار وقد فرق
المنذري بين عبد الله بن أنيس الجهني وعبد الله بن أنيس الأنصاري وجزم بأن الأنصاري
هو الذي كان في قتل ابن أبي الحقيق وتبع في ذلك ابن المديني وجزم غير واحد بأنهما واحد وهو
جهني حالف الأنصار وأما أبو قتادة فمشهور وأما خزاعي بن أسود فقد قلبه بعضهم فقال
أسود بن خزاعي وفي حديث عبد الله بن أنيس في الإكليل أسود بن حرام وكذا ذكره موسى
ابن عقبة في المغازي فإن كان غير من ذكر وإلا فهو تصحيف ثم وجدته في دلائل البيهقي من
طريق موسى بن عقبة على الشك هل هو أسود بن خزاعي أو أسود بن حرام (قوله وكان أبو رافع
يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه) ذكر ابن عائذ من طريق أبي الأسود عن عروة أنه
كان ممن أعان غطفان وغيرهم من مشركي العرب بالمال الكثير على رسول الله صلى الله عليه
وسلم (قوله وقد دخل الناس) ذكر في رواية يوسف سببا لتأخير غلق الباب فقال ففقدوا حمارا
لهم فخرجوا بقبس أي شعلة من نار يطلبونه قال فخشيت أن أعرف فغطيت رأسي (قوله وراح
الناس بسرحهم) أي رجعوا بمواشيهم التي ترعى وسرح بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مهملة
هي السائمة من إبل وبقر وغنم (قوله يا عبد الله) لم يرد اسمه العلم لأنه لو كان كذلك لكان قد عرفه
263

والواقع أنه كان مستخفيا منه فالذي يظهر أنه أراد معناه الحقيقي لان الجميع عبيد الله (قوله
تقنع بثوبه) أي تغطي به ليخفى شخصه لئلا يعرف (قوله فهتف به) أي ناداه وفي رواية يوسف ثم
نادى صاحب الباب أي البواب ولم أقف على اسمه (قوله فكمنت) أي اختبأت وفي رواية يوسف
ثم اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن (قوله ثم علق الأغاليق على ود) بفتح الواو وتشديد
الدال هو الوتد وفي رواية يوسف وضع مفتاح الحصن في كوة والأغاليق بالمعجمة جمع غلق بفتح
أوله ما يغلق به الباب والمراد بها المفاتيح كأنه كان يغلق بها ويفتح بها كذا في رواية أبي ذر وفي
رواية غيره بالعين المهملة وهو المفتاح بلا إشكال والكوة بالفتح وقد تضم وقيل بالفتح
غير النافذة وبالضم النافذة (قوله فقمت إلى الأقاليد) هي جمع إقليد وهو المفتاح وفي
رواية يوسف ففتحت باب الحصن (قوله يسمر عنده) أي يتحدثون ليلا وفي رواية يوسف
فتعشوا عند أبي رافع وتحدثوا حتى ذهبت ساعة من الليل ثم رجعوا إلى بيوتهم (قوله في علالي
له) بالمهملة جمع علية بتشديد التحتانية وهي الغرفة وفي رواية ابن إسحاق وكان في علية له إليها
عجلة والعجلة بفتح المهملة والجيم السلم من الخشب وقيده ابن قتيبة بخشب النخل (قوله
فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت علي من داخل) في حديث عبد الله بن أنيس عند الحاكم فلم يدعوا
بابا إلا أغلقوه (قوله نذروا بي) بكسر الذال المعجمة أي علموا واصله من الانذار وهو الاعلام
بالشئ الذي يحذر منه وذكر ابن سعد أن عبد الله بن عتيك كان يرطن باليهودية فاستفتح فقالت
له امرأة أبي رافع من أنت قال جئت أبا رافع بهدية ففتحت له وفي رواية يوسف فلما هدأت
الأصوات أي سكنت وعنده ثم عمدت إلى أبواب بيوتهم فأغلقتها عليهم من ظاهر ثم صعدت إلى
أبي رافع في سلم (قوله فأهويت نحو الصوت) أي قصدت نحو صاحب الصوت وفي رواية يوسف
فعمدت نحو الصوت (قوله وأنا دهش) بكسر الهاء بعدها معجمة (قوله فما أغنيت شيئا) أي لم أقتله
(قوله فقلت ما هذا الصوت يا أبا رافع) في حديث عبد الله بن أنيس فقالت امرأته يا أبا رافع هذا
صوت عبد الله بن عتيك فقال ثكلتك أمك وأين عبد الله بن عتيك (قوله هدأت الأصوات) بهمزة
أي سكنت وزعم ابن التين أنه وقع عنده هدت بغير همز وأن الصواب بالهمز (قوله فأضربه) ذكره
بلفظ المضارع مبالغة لاستحضار صورة الحال وإن كان ذلك قد مضى (قوله فلم يغن) أي لم ينفع
(قوله ثم دخلت إليه) في رواية يوسف ثم جئت كأني أغيثه فقلت مالك وغيرت صوتي (قوله لامك الويل)
في رواية يوسف زاد (1) وقال ألا أعجلتك وزاد في رواية قال فعمدت له أيضا فاضربه أخرى فلم
تغن شيئا فصاح وقام أهله ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المستغيث فإذا هو مستلق على ظهره وفي
رواية ابن إسحاق فصاحت امرأته فنوهت بنا فجعلنا نرفع السيف عليها ثم نذكر نهي رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء فنكف عنها (قوله ضبيب السيف) بضاد معجمة مفتوحة
وموحدتين وزن رغيف قال الخطابي هكذا يروى وما أراه محفوظا وإنما هو ظبة السيف
وهو حرف حد السيف ويجمع على ظبات قال والضبيب لا معنى له هنا لأنه سيلان الدم من
الفم قال عياض هو في رواية أبي ذر بالصاد المهملة وكذا ذكره الحربي وقال أظنه طرفه
وفي رواية غير أبي ذر بالمعجمة وهو طرف السيف وفي رواية يوسف فأضع السيف في بطنه ثم
اتكئ عليه حتى سمعت صوت العظم (قوله فوضعت رجلي وأنا أرى) بضم الهمزة أي أظن وذكر
264

ابن إسحاق في روايته أنه كان سئ البصر (قوله فانكسرت ساقي فعصبتها) في رواية يوسف ثم
خرجت دهشا حتى أتيت السلم أريد أن أنزل فسقطت منه فانخلعت رجلي فعصبتها ويجمع
بينهما بأنها انخلعت من المفصل وانكسرت الساق وقال الداودي هذا اختلاف وقد يتجوز
في التعبير بأحدهما عن الآخر لأن الخلع هو زوال المفصل من غير بينونة أي بخلاف الكسر
(قلت) والجمع بينهما بالحمل على وقوعهما معا أولى ووقع في رواية ابن إسحاق فوثبت يده وهو
وهم والصواب رجله وإن كان محفوظا فوقع جميع ذلك وزاد أنهم كمنوا في نهر وأن قومه
أوقدوا النيران وذهبوا في كل وجه يطلبون حتى أيسوا رجعوا إليه وهو يقضي (قوله قام
الناعي) في رواية يوسف صعد الناعية (قوله أنعى أبا رافع) كذا ثبت في الروايات بفتح العين
قال ابن التين هي لغة والمعروف انعوا والنعي خبر الموت والاسم الناعي وذكر الأصمعي أن
العرب كانوا إذا مات فيهم الكبير ركب راكب فرسا وسار فقال نعي فلان (قوله فقلت النجاء
بالنصب أي أسرعوا في رواية يوسف ثم أتيت أصحابي أحجل فقلت انطلقوا فبشروا رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقوله أحجل هو بمهملة ثم جيم الحجل هو أن يرفع رجلا ويقف على أخرى من
العرج وقد يكون بالرجلين معا إلا أنه حينئذ يسمى قفزا لا مشيا ويقال حجل في مشيه إذا مشى
مثل المقيد أي قارب خطوه وفي حديث عبد الله بن أنيس قال وتوجهنا من خيبر فكنا نكمن
النهار ونسير الليل وإذا كمنا بالنهار أقعدنا منا واحدا يحرسنا فإذا رأى شيئا يخافه أشار إلينا فلما
قربنا من المدينة كانت نوبتي فأشرت إليهم فخرجوا سراعا ثم لحقتهم فدخلنا المدينة فقالوا ماذا
رأيت قلت ما رأيت شيئا ولكن خشيت أن تكونوا أعييتم فأحببت أن يحملكم الفزع (قوله
فمسحها فكأنها لم أشتكها قط) ووقع في رواية يوسف أنه لما سمع الناعي قال فقمت أمشي ما بي
قلبة وهو بفتح القاف واللام والموحدة أي علة انقلب بها وقال الفراء أصل القلاب بكسر
القاف داء يصيب البعير فيموت من يومه فقيل لكل من سلم من علة ما به قلبة أي ليست به علة
تهلكه وقوله فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فبشرته يحمل على أنه لما
سقط من الدرجة وقع له جميع ما تقدم لكنه من شدة ما كان فيه من الاهتمام بالامر ما أحس
265

بالألم وأعين على المشي أولا وعليه يدل قوله ما بي قلبة ثم لما تمادى عليه المشي أحس بالألم فحمله
أصحابه كما وقع في رواية ابن إسحاق ثم لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليه فزال عنه جميع
الألم ببركته صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث من الفوائد جواز اغتيال المشرك الذي بلغته
الدعوة وأصر وقتل من أعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أو ماله أو لسانه وجواز
التجسيس على أهل الحرب وتطلب غرتهم والاخذ بالشدة في محاربة المشركين وجواز إبهام
القول للمصلحة وتعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين والحكم بالدليل والعلامة
لاستدلال ابن عتيك على أبي رافع بصوته واعتماده على صوت الناعي بموته والله أعلم (قوله
باب غزوة أحد) سقط لفظ باب من رواية أبي ذر وأحد بضم الهمزة والمهملة جبل
معروف بينه وبين المدينة أقل من فرسخ وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم جبل يحبنا ونحبه
كما سيأتي في آخر باب من هذه الغزوة مع مزيد فوائد فيما يتعلق به ونقل السهيلي عن الزبير بن
بكار في فضل المدينة أن قبر هارون عليه السلام بأحد وأنه قدم مع موسى في جماعة من بني إسرائيل
حجاجا فمات هناك (قلت) وسند الزبير بن بكار في ذلك ضعيف جدا من جهة شيخه محمد بن الحسن
ابن زبالة ومنقطع أيضا وليس بمرفوع وكانت عند الوقعة المشهورة في شوال سنة ثلاث باتفاق
الجمهور وشذ من قال سنة أربع قال ابن إسحاق لاحدى عشرة ليلة خلت منه وقيل لسبع ليال
وقيل لثمان وقيل لتسع وقيل في نصفه وقال مالك كانت بعد بدر بسنة وفيه تجوز لان بدرا
كانت في رمضان باتفاق فهي بعدها بسنة وشهر لم يكمل ولهذا قال مرة أخرى كانت بعد
الهجرة بأحد وثلاثين شهرا وكان السبب فيها ما ذكر ابن إسحاق عن شيوخه وموسى بن عقبة عن
ابن شهاب وأبو الأسود عن عروة قالوا وهذا ملخص ما ذكره موسى بن عقبة في سياق القصة كلها
قال لما رجعت قريش استجلبوا من استطاعوا من العرب وسار بهم أبو سفيان حتى نزلوا ببطن
الوادي من قبل أحد وكان رجال من المسلمين أسفوا على ما فاتهم من مشهد بدر وتمنوا لقاء العدو
وأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة رؤيا فلما أصبح قال رأيت البارحة في منامي بقرا
تذبح والله خير وأبقى ورأيت سيفي ذا الفقار انقصم من عند ظبته أو قال به فلول فكرهته وهما
مصيبتان ورأيت أني في درع حصينة وأني مردف كبشا قالوا وما أولتها قال أولت البقر بقرا
يكون فينا وأولت الكبش كبش الكتيبة وأولت الدرع الحصينة المدينة فامكثوا فان دخل القوم
الأزقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت فقال أولئك القوم يا نبي الله كنا نتمنى هذا اليوم وأبي كثير
من الناس إلا الخروج فلما صلى الجمعة وانصرف دعا باللامة فلبسها ثم أذن في الناس بالخروج
فندم ذوو الرأي منهم فقالوا يا رسول الله امكث كما أمرتنا فقال ما ينبغي لنبي إذا أخذ لامة الحرب
أن يرجع حتى يقاتل نزل فخرج بهم وهم ألف رجل وكان المشركون ثلاثة آلاف حتى نزل بأحد
ورجع عنه عبد الله بن أبي ابن سلول في ثلاثمائة فبقي في سبعمائة فلما رجع عبد الله سقط في أيدي
طائفتين من المؤمنين وهما بنو حارثة وبنو سلمة وصف المسمون بأصل أحد وصف المشركون
بالسبخة وتعبوا للقتال وعلى خيل المشركين وهي مائة فرس خالد بن الوليد وليس مع المسلمين فرس
وصاحب لواء المشركين طلحة بن عثمان وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جبير على
الرماة وهم خمسون رجلا وعهد إليهم أن لا يتركوا منازلهم وكان صاحب لواء المسلمين مصعب
266

ابن عمير فبارز طلحة بن عثمان فقتله وحمل المسلمون على المشركين حتى أجهضوهم عن أثقالهم
وحملت خيل المشركين فنضحتهم الرماة بالنبل ثلاث مرات فدخل المسلمون عسكر المشركين
فانتهبوهم فرأى ذلك الرماة فتركوا مكانهم ودخل العسكر فأبصر ذلك خالد بن الوليد ومن معه
فحملوا على المسلمين في الخيل فمزقوهم وصرخ صارخ قتل محمد أخراكم فعطف المسلمون يقتل
بعضهم بعضا وهم لا يشعرون وانهزم طائفة منهم إلى جهة المدينة وتفرق سائرهم ووقع فيهم القتل
وثبت نبي الله حين انكشفوا عنه وهو يدعوهم في أخراهم حتى رجع إليه بعضهم وهو عند
المهراس في الشعب وتوجه النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس أصحابه فاستقبله المشركون فرموا
وجهه فأدموه وكسروا رباعيته فمر مصعدا في الشعب ومعه طلحة والزبير وقيل معه طائفة من
الأنصار منهم سهل بن بيضاء والحرث بن الصمة وشغل المشركون بقتلى المسلمين يمثلون بهم
يقطعون الآذان والأنوف والفروج ويبقرون البطون وهم يظنون أنهم أصابوا النبي صلى الله
عليه وسلم وأشراف أصحابه فقال أبو سفيان يفتخر بآلهته أعل هبل فناداه عمر الله أعلى وأجل
ورجع المشركون إلى أثقالهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه إن ركبوا وجعلوا الأثقال
تتبع آثار الخيل فهم يريدون البيوت وان ركبوا الأثقال وتجنبوا الخيل فهم يريدون الرجوع
فتبعهم سعد بن أبي وقاص ثم رجع فقال رأيت الخيل مجنونة فطابت أنفس المسلمين ورجعوا إلى
قتلاهم فدفنوهم في ثيابهم ولم يغسلوهم ولم يصلوا عليهم وبكى المسلمون على قتلاهم فسر المنافقون
وظهر غش اليهود وفارت المدينة بالنفاق فقالت اليهود لو كان نبيا ما ظهروا عليه وقالت المنافقون
لو أطاعونا ما أصابهم هذا قال العلماء وكان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد
والحكم الربانية أشياء عظيمة منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهي لما
وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول أن لا يبرحوا منه ومنها أن عادة الرسل أن تبتلي
وتكون لها العاقبة كما تقدم في قصة هرقل مع أبي سفيان والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا
دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم ولم يتميز الصادق من غيره ولو انكسروا دائما لم يحصل
المقصود من البعثة فاقتضت الحكمة الجمع بين الامرين لتمييز الصادق من الكاذب وذلك أن
نفاق المنافقين كان مخفيا عن المسلمين فلما جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من
الفعل والقول عاد التلويح تصريحا وعرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم فاستعدوا لهم
وتحرزوا منهم ومنها أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها فلما
ابتلى المؤمنون صبروا وجزع المنافقون ومنها أن الله هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته
لا تبلغها أعمالهم فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا إليها ومنها أن الشهادة من
أعلى مراتب الأولياء فساقها إليهم ومنها أنه أراد إهلاك أعدائه فقيض لهم الأسباب التي
يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه فمحص بذلك ذنوب المؤمنين
ومحق بذلك الكافرين ثم ذكر المصنف آيات من آل عمران في هذا الباب وفيما بعده كلها
تتعلق بوقعة أحد وقد قال ابن إسحاق أنزل الله في شأن أحد ستين آية من آل عمران وروى
ابن أبي حاتم من طريق المسور بن مخرمة قال قلت لعبد الرحمن بن عوف أخبرني عن قصتكم
يوم أحد قال اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجدها وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين
267

مقاعد للقتال إلى قوله آمنة نعاسا (قوله وقول الله تعالى وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين
مقاعد للقتال والله سميع عليم) وقوله غدوت أي خرجت أول النهار والعامل في إذ مضمر
تقديره واذكر إذ غدوت وقوله تبوئ المؤمنين أي تنزلهم وأصله من المآب وهو المرجع والمقاعد
جمع مقعد والمراد به مكان القعود وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال غدا نبي
الله من أهله يوم أحد يبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ومن طريق مجاهد والسدي وغيرهما نحوه
ومن طريق الحسن أن ذلك كان يوم الأحزاب ووهاه (قوله ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون
إن كنتم مؤمنين) الأصل توهنوا فحذفت الواو والوهن الضعف يقال وهن بالفتح يهن بالكسر
في المضارع وهذا هو الأفصح ويستعمل وهن لازما ومتعديا قال تعالى وهن العظم منى وفي
الحديث وهنتهم حمى يثرب والأعلون جمع أعلا وقوله إن كنتم مؤمنين محذوف الجواب
وتقديره فلا تهنوا ولا تحزنوا وأخرج الطبري من طريق مجاهد في قوله ولا تهنوا أي لا تضعفوا
ومن طريق الزهري قال كثر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم القتل والجراح حتى خلص
إلى كل امرئ منهم نصيب فاشتد حزنهم فعزاهم الله أحسن تعزية ومن طريق قتادة نحوه
قال فعزاهم وحثهم على قتال عدوهم ونهاهم عن العجز ومن طريق ابن جريج قال في قوله
ولا تهنوا أي لا تضعفوا في أمر عدوكم ولا تحزنوا في أنفسكم فإنكم أنتم الأعلون قال
والسبب فيها أنهم لما تفرقوا ثم رجعوا إلى الشعب قالوا ما فعل فلان ما فعل فلان فنعى
بعضهم بعضا وتحدثوا بينهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل فكانوا في هم وحزن
فبينما هم كذلك إذ علا خالد بن الوليد بخيل المشركين فوقهم فثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا
فرموا خيل المشركين حتى هزمهم الله وعلا المسلمون الخيل والتقوا بالنبي صلى الله عليه
وسلم ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال أقبل خالد بن الوليد يريد أن يعلوا الجبل عليهم فقال
النبي صلى الله عليه وسلم اللهم لا يعلون علينا فأنزل الله تعالى ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون
(قوله وقوله تعالى ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم تستأصلونهم قتلا بإذنه الآية إلى قوله
والله ذو فضل على المؤمنين) أخرج الطبري من طريق السدى وغيره أن المراد بالوعد قوله صلى
الله عليه وسلم للرماة إنكم ستظهرون عليهم فلا تبرحوا من مكانكم حتى آمركم وقد ذكر
المصنف قصة الرماة في هذا الباب وسأذكر شرحها إن شاء الله تعالى ومن طريق قتادة
ومجاهد في قوله إذ تحسونهم أي تقتلونهم وقول المصنف في تفسير تحسونهم تستأصلونهم هو
كلام أبي عبيدة وأخرج الطبري من طريق السدي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم للرماة
إنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم وكان أول من برز طلحة بن عثمان فقتل ثم حمل المسلمون على
المشركين فهزموهم وحمل خالد بن الوليد وكان في خيل المشركين على الرماة فرموه بالنبل
فانقمع ثم ترك الرماة مكانهم ودخلوا العسكر في طلب الغنيمة فصاح خالد في خيله فقتل من بقي
من الرماة منهم أميرهم عبد الله بن جبير ولما رأى المشركون خيلهم ظاهرة تراجعوا فشدوا
على المسلمين فهزموهم وأثخنوا فيهم في القتل وقوله حتى إذا فشلتم أي جبنتم وتنازعتم في
الامر أي اختلفتم وحتى حرف جر وهي متعلقة بمحذوف أي دام لكم ذلك إلى وقت فشلكم
ويجوز أن تكون ابتدائية داخلة على الجملة الشرطية وجوابها محذوف وقوله ثم صرفكم
268

عنهم فيه إشارة إلى رجوع المسلمين عن المشركين بعد أن ظهروا عليهم لما وقع من الرماة
من الرغبة في الغنيمة وإلى ذلك الإشارة بقوله منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة قال
السدي عن عبد خير قال قال عبد الله بن مسعود ما كنت أرى أحدا من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية يوم أحد منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة
وقوله ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا الآية أخرج مسلم من طريق مسروق قال
سألنا عبد الله بن مسعود عن هؤلاء الآيات قال أما إنا قد سألنا عنها فقيل لنا إنه لما أصيب
إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها
الحديث ثم ذكر المصنف تلو هذه الآيات أحاديث كالمفسرة للآيات المذكورة * الأول
حديث عقبة بن عامر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد الحديث وهو متعلق
بقوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله وقوله بعد ثمان سنين فيه تجوز تقدم بيانه في باب
الصلاة على الشهداء من كتاب الجنائز وقوله ثم طلع المنبر فقال إني بين أيديكم فرط وقد وقع
في مرسل أيوب بن بشر من رواية الزهري عنه عند ابن أبي شيبة خرج عاصبا رأسه حتى جلس
على المنبر ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم فأكثر الصلاة عليهم
وهذا يحمل على أن المراد أول ما تكلم به أي عند خروجه قبل أن يصعد المنبر (قوله كالمودع
للاحياء والأموات) تابع حياة بن شريح على هذه الزيادة عن يزيد بن أبي حبيب يحيى بن أيوب
عند مسلم ولفظه ثم صعد المنبر كالمودع للاحياء والأموات وتوديع الاحياء ظاهر لان سياقه
يشعر بأن ذلك كان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم وأما توديع الأموات فيحتمل أن يكون
الصحابي أراد بذلك انقطاع زيارته الأموات بجسده لأنه بعد موته وإن كان حيا فهي حياة
أخروية لا تشبه الحياة الدنيا والله أعلم ويحتمل أن يكون المراد بتوديع الأموات ما أشار إليه
في حديث عائشة من الاستغفار لأهل البقيع وقد سبق شرح هذا الحديث في الجنائز وفي
علامات النبوة وتأتي بقيته في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * وقع في رواية أبي
الوقت والأصيلي هنا قبل حديث عقبة بن عامر حديث ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم
يوم أحد هذا جبريل آخذ برأس فرسه الحديث وهو وهم من وجهين أحدهما أن هذا
الحديث تقدم بسنده ومتنه في باب شهود الملائكة بدرا ولهذا لم يذكره هنا أبو ذر ولا غيره من
متقني رواة البخاري ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم ثانيهما أن المعروف في هذا المتن يوم
بدر كما تقدم لا يوم أحد والله المستعان * الحديث الثاني حديث البراء بن عازب في قصة الرماة
(قوله عن البراء) في رواية زهير في الجهاد عن أبي إسحاق سمعت البراء بن عازب (قوله لقينا
المشركين يومئذ) في رواية لأبي نعيم لما كان يوم أحد لقينا المشركين (قوله الرماة) في رواية
زهير وكانوا خمسين رجلا وهذا هو المعتمد ووقع في الهدي أن الخمسين عدد الفرسان يومئذ
وهو غلط بين وقد جزم موسى بن عقبة بأنه لم يكن معهم في أحد شئ من الخيل ووقع عند
الواقدي كان معهم فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لأبي بردة (قوله وأمر عليهم عبد
الله) في رواية زهير عبد الله بن جبير وعند ابن إسحاق أنه قال لهم انضحوا الخيل عنا بالنبل
لا يأتونا من خلفنا (قوله لا تبرحوا) في رواية زهير حتى أرسل لكم (قوله وان رأيتموهم ظهروا
269

علينا) في رواية زهير وإن رأيتمونا تخطفنا الطير وفي حديث ابن عباس عند أحمد والطبراني
والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ثم قال لهم احموا ظهورنا فإن رأيتمونا
نقتل فلا تنصرونا وان رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا (قوله رأيت النساء يشتددن) كذا للأكثر
بفتح أوله وسكون المعجمة وفتح المثناة بعدها دال مكسورة ثم أخرى ساكنة أي يسرعن المشي
يقال اشتد في مشيه إذا أسرع وكذا للكشميهني في رواية زهير وله هنا يسندن بضم أوله وسكون
المهملة بعدها نون مكسورة ودال مهملة أي يصعدن يقال أسند في الجبل يسند إذا صعد
وللباقين في رواية زهير يشددن بفتح أوله وسكون المعجمة وضم المهملة الأولى وسكون الثانية
قال عياض ووقع للقابسي في الجهاد يشتددن وكذا لابن السكن فيه وفي الفضائل وعند
الإسماعيلي والنسفي يشتدون بمعجمة ودال واحدة وللكشميهني يستندون ولرفيقه يشدون
وكله بمعنى وقد تقدم في أول الباب أن قريشا خرجوا معهم بالنساء لأجل الحفيظة والثبات
وسمى ابن إسحاق النساء المذكورات وهن هند بنت عتبة خرجت مع أبي سفيان وأم حكيم
بنت الحرث بن هشام مع زوجها عكرمة بن أبي جهل وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة مع زوجها
الحرث بن هشام وبرزة بنت مسعود الثقفية مع زوجها صفوان بن أمية وهي والدة ابن صفوان
وريطة بنت شيبة السهمية مع زوجها عمرو بن العاص وهي والدة ابنه عبد الله وسلافة بنت
سعد مع زوجها طلحة بن أبي طلحة الحجبي وخناس بنت مالك والدة مصعب بن عمير وعمرة بنت علقمة
ابن كنانة وقال غيره كان النساء اللاتي خرجن مع المشركين يوم أحد خمس عشرة امرأة (قوله
رفعن عن سوقهن) جمع ساق أي ليعينهن ذلك على سرعة الهرب وفي حديث الزبير بن العوام
عند ابن إسحاق قال والله لقد رأيتني أنظر إلى حزم هند بنت عتبة وصواحباتها مشمرات هوارب
ما دون إحداهن قليل ولا كثير إذ مالت الرماة إلى العسكر حتى كشف القوم عنه وخلوا
ظهرنا للجبل فأتينا من خلفنا وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل فانكفأنا وانكفأ علينا القوم
بعد أن أصبنا أصحاب لوائهم حتى ما يدنو منه أحد (قوله فاخذوا يقولون الغنيمة الغنيمة فقال عبد
الله بن جبير عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحوا فأبوا) في رواية زهير فقال أصحاب عبد
الله بن جبير الغنيمة أي يوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون وزاد فقال عبد الله بن جبير أنسيتم
ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة وفي
حديث ابن عباس فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباحوا عسكر المشركين انكفت الرماة
جميعا فدخلوا في العسكر ينتهبون وقد التفت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهم هكذا وشبك بين أصابعه فلما أخلت الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخلت الخيل من ذلك
الموضع على الصحابة فضرب بعضهم بعضا والتبسوا وقتل من المسلمين ناس كثير قد كانت
لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين تسعة
أو سبعة وجال المسلمون جولة نحو الجبل وصاح الشيطان قتل محمد وقد ذكرنا من حديث الزبير
نحوه (قوله فلما أبوا صرفت وجوههم) في رواية زهير فلما أتوهم بالمثناة وقوله صرفت وجوههم
أي تحيروا فلم يدروا أين يتوجهون وزاد زهير في روايته فذلك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم
فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا وجاء في رواية مرسلة أنهم من الأنصار
270

وسأذكرها في الكلام على الحديث السابع من الباب الذي يليه وروى النسائي من طريق
أبي الزبير عن جابر قال لما ولى الناس يوم أحد كان النبي صلى الله عليه وسلم في اثني عشر رجلا
من الأنصار وفيهم طلحة الحديث ووقع عند الطبري من طريق السدي قال تفرق الصحابة
فدخل بعضهم المدينة وانطلق بعضهم فوق الجبل وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو
الناس إلى الله فرماه ابن قميئة بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجه فأثقله فتراجع إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ثلاثون رجلا فجعلوا يذبون عنه فحمله منهم طلحة وسهل بن حنيف فرمى طلحة
بسهم ويبست يده وقال بعض من فر إلى الجبل ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي يستأمن لنا من
أبي سفيان فقال أنس بن النضر يا قوم إن كان محمد قتل فرب محمد لم يقتل فقاتلوا على ما قاتل عليه
ثم ذكر قصة قتله كما سيأتي قريبا وقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبل فأراد رجل من أصحابه
أن يرميه بسهم فقال له أنا رسول الله فلما سمعوا ذلك فرحوا به واجتمعوا حوله وتراجع الناس
وسيأتي في باب مفرد ما يتعلق بمن شج وجهه عليه الصلاة والسلام (قوله فأصيب سبعون قتيلا)
في رواية زهير فأصابوا منها أي من طائفة المسلمين وفي رواية الكشميهني فأصابوا منا وهي أوجه
وزاد زهير كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة
وقد تقدم بسط القول في ذلك وروى سعيد بن منصور من مرسل أبي الضحى قال قتل يومئذ
يعني يوم أحد سبعون أربعة من المهاجرين حمزة ومصعب بن عمير وعبد الله بن جحش وشماس
ابن عثمان وسائرهم من الأنصار (قلت) وبهذا جزم الواقدي وفي كلام ابن سعد ما يخالف
ذلك ويمكن الجمع كما تقدم وأخرج ابن حبان والحاكم في صحيحيهما عن أبي بن كعب قال أصيب
يوم أحد من الأنصار أربعة وستون ومن المهاجرين ستة وكان الخامس سعد مولى حاطب بن أبي
بلتعة والسادس يوسف بن عمرو الأسلمي حليف بني عبد شمس وذكر المحب الطبري عن الشافعي
أن شهداء أحد اثنان وسبعون وعن مالك خمسة وسبعون من الأنصار خاصة أحد وسبعون
وسرد أبو الفتح اليعمري أسماءهم فبلغوا ستة وتسعين من المهاجرين أحد عشر وسائرهم من
الأنصار منهم من ذكره ابن إسحاق والزيادة من عند موسى بن عقبة أو محمد بن سعد أو هشام بن
الكلبي ثم ذكر عن ابن عبد البر وعن الدمياطي أربعة أو خمسة قال فزادوا عن المائة قال
اليعمري قد ورد في تفسير قوله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها أنها نزلت تسلية
للمؤمنين عمن أصيب منهم يوم أحد فإنهم أصابوا من المشركين يوم بدر سبعين قتيلا وسبعين
أسيرا في عدد من قتل قال اليعمري إن ثبتت فهذه الزيادة ناشئة عن الخلاف في التفصيل (قلت)
وهو الذي يعول عليه الحديث الذي أشار إليه أخرجه الترمذي والنسائي من طريق الثوري عن
هشام بن حسان عن ابن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي أن جبريل هبط فقال خيرهم في أسارى
بدر من القتل أو الفداء على أن يقتل منهم قاتل مثلهم قالوا الفداء ويقتل منا قال الترمذي حسن
ورواه ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة مرسلا (قلت) ورواه ابن عون عند الطبري ووصلها
من وجه آخر عنه وله شاهد من حديث عمر عند أحمد وغيره قال اليعمري ومن الناس من يقول
السبعين من الأنصار خاصة وبذلك جزم ابن سعد (قلت) وكأن الخطاب بقوله أو لما
أصابتكم للأنصار خاصة ويؤيده قول أنس أصيب منا يوم أحد سبعون وهو في الصحيح بمعناه
271

(قوله وأشرف أبو سفيان) أي ابن حرب وكان رئيس المشركين يومئذ (قوله فقال أفي القوم
محمد) زاد زهير ثلاث مرات في المواضع الثلاث (قوله فقال لا تجيبوه) وقع في حديث ابن
عباس أين ابن أبي كبشة أي ابن أبي قحافة أين ابن الخطاب فقال عمر ألا أجيبه قال بلى وكأنه
نهى عن إجابته في الأولى وأذن فيها في الثالثة (قوله فقال أن هؤلاء قتلوا) في رواية زهير ثم
رجع إلى أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا (قوله أبقى الله عليك ما يحزنك) زاد زهير أن الذي
أعددت لاحياء كلهم (قوله أعل هبل) في رواية زهير ثم أخذ يرتجز أعل هبل أعل هبل قال ابن
إسحاق معنى قوله أعل هبل أي ظهر دينك وقال السهيلي معناه زاد علوا وقال الكرماني فان
قلت ما معنى أعل ولا علو في هبل فالجواب هو بمعنى العلى أو المراد أعلى من كل شئ أه‍
وزاد زهير قال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال بكسر المهملة وتخفيف الجيم وفي
حديث ابن عباس الأيام دول والحرب سجال وفي رواية ابن إسحاق أنه قال أنعمت فعال
أن الحرب سجال أه‍ وفعال بفتح الفاء وتخفيف المهملة قالوا معناه أنعمت الأزلام وكان
استقسم بها حين خرج إلى أحد ووقع في خبر السدى عند الطبراني أعل هبل حنظلة
بحنظلة ويوم أحد بيوم بدر وقد استمر أبو سفيان على اعتقاد ذلك حتى قاله لهرقل لما سأله كيف
كان حربكم معه أي النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم بسطه في بدء الوحي وقد أقر النبي صلى الله
عليه وسلم أبا سفيان على ذلك بل نطق النبي صلى الله عليه وسلم بهذه اللفظة كما في حديث أوس
ابن أبي أوس عند ابن ماجة وأصله عند أبي داود الحرب سجال ويؤيد ذلك قوله تعالى وتلك
الأيام نداولها بين الناس بعد قوله إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله فإنها نزلت في
قصة أحد بالاتفاق والقرح الجراح وأخرج ابن أبي حاتم من مرسل عكرمة قال لما صعد النبي
صلى الله عليه وسلم الجبل جاء أبو سفيان فقال الحرب سجال فذكر القصة قال فأنزل الله تعالى
إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وزاد في حديث ابن
عباس قال عمر لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار قال إنكم لتزعمون ذلك لقد خبنا إذا
وخسرنا (قوله وتجدون) في رواية الكشميهني وستجدون (قوله مثله) بضم الميم وسكون
المثلثة ويجوز فتح أوله وقال ابن التين بفتح الميم وضم المثلثة قال ابن فارس مثل بالقتيل إذا جدعه
قال ابن إسحاق حدثني صالح بن كيسان قال خرجت هند والنسوة معها يمثلن بالقتلى يجد عن
الآذان والأنف حتى اتخذت هند من ذلك حزما وقلائد وأعطت حزمها وقلائدها أي اللاتي
كن عليها لوحشي جزاء له على قتل حمزة وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها
فلفظتها (قوله لم آمر بها ولم تسؤني) أي لم أكرهها وإن كان وقوعها بغير أمري وفي حديث
ابن عباس ولم يكن ذلك عن رأي سراتنا أدركته حمية الجاهلية فقال أما إنه كان لم يكرهه وفي
رواية ابن إسحاق والله ما رضيت وما سخطت وما نهيت وما أمرت وفي هذا الحديث من الفوائد
منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم وخصوصيتهما به بحيث كان أعداؤه لا يعرفون
بذلك غيرهما إذ لم يسأل أبو سفيان عن غيرهما وأنه ينبغي للمرء أن يتذكر نعمة الله ويعترف
بالتقصير عن أداء شكرها وفيه شؤم ارتكاب النهي وأنه يعم ضرره من لم يقع منه كما قال تعالى
واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وأن من آثر دنياه أضر بأمر آخرته ولم تحصل له
272

دنياه واستفيد من هذه الكائنة أخذ الصحابة الحذر من العود إلى مثلها والمبالغة في الطاعة
والتحرز من العدو الذين كانوا يظهرون أنهم منهم وليسوا منهم وإلى ذلك أشار سبحانه وتعالى
في سورة آل عمران أيضا وتلك الأيام نداولها بين الناس إلى أن قال وليمحص الله الذين آمنوا
ويمحق الكافرين وقال ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب
* الحديث الثالث (قوله عن عمرو) هو ابن دينار (قوله اصطبح الخمر يوم أحد ناس ثم قتلوا
شهداء) سمى جابر منهم فيما رواه وهب بن كيسان عنه أباه عبد الله بن عمرو أخرجه الحاكم في الإكليل
ودل ذلك على أن تحريم الخمر كان بعد أحد وصرح صدقة بن الفضل عن ابن عيينة كما سيأتي
في تفسير المائدة بذلك فقال في آخر الحديث وذلك قبل تحريمها وقد تقدم التنبيه على شئ من
فوائده في أول الجهاد * الحديث الرابع (قوله حدثنا عبد الله) هو ابن المبارك (قوله عن
سعد بن إبراهيم) أي ابن عبد الرحمن بن عوف (قوله أتى عبد الرحمن بن عوف بطعام في رواية
نوفل بن إياس أن الطعام كان خبزا ولحما أخرجه الترمذي في الشمائل (قوله وهو صائم) ذكر ابن
عبد البر أن ذلك كان في مرض موته (قوله قتل مصعب بن عمير) تقدم نسبه وذكره في أول
الهجرة وأنه كان من السابقين إلى الاسلام وإلى الهجرة وكان يقرئ الناس بالمدينة قبل أن يقدم
النبي صلى الله عليه وسلم وكان قتله يوم أحد وذكر ذلك ابن إسحاق وغيره وقال ابن إسحاق وكان الذي
قتل مصعب بن عمير عمرو بن قمئة الليثي فظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش
فقال لهم قتلت محمدا وفي الجهاد لابن المنذر من مرسل عبيد بن عمير قال وقف رسول الله صلى الله
عليه وسلم على مصعب بن عمير وهو متجعف على وجهه وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه
وسلم الحديث (قوله وهو خير مني) لعله قال ذلك تواضعا ويحتمل أن يكون ما استقر عليه الامر
من تفضيل العشرة على غيرهم بالنظر إلى من لم يقتل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع من
أبي بكر الصديق نظير ذلك فذكر ابن هشام أن رجلا دخل على أبي بكر الصديق وعنده بنت سعد
ابن الربيع وهي صغيرة فقال من هذه قال هذه بنت رجل خير مني سعد بن الربيع كان من نقباء
العقبة شهد بدرا واستشهد يوم أحد (قوله كفن في بردة) تقدم شرحه في كتاب الجنائز
(قوله وقتل حمزة) أي ابن عبد المطلب ستأتي كيفية قتله في هذا الباب (قوله ثم بسط لنا من
الدنيا ما بسط) يشير إلى ما فتح لهم من الفتوح والغنائم وحصل لهم من الأموال وكان لعبد الرحمن
من ذلك الحظ الوافر (قوله وقد خشينا أن تكون حسناتنا) في رواية الجنائز طيباتنا
وفي رواية نوفل بن إياس ولا أرانا أخرنا لما هو خير لنا (قوله ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام) في
رواية أحمد عن غندر عن شعبة وأحسبه لم يأكله وفي الحديث فضل الزهد وأن الفاضل في
الدين ينبغي له أن يمتنع من التوسع في الدنيا لئلا تنقص حسناته وإلى ذلك أشار عبد الرحمن
بقوله خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى
قال بن بطال وفيه أنه ينبغي ذكر سير الصالحين وتقللهم في الدنيا لتقل رغبته فيها قال وكان بكاء
عبد الرحمن شفقا أن لا يلحق بمن تقدمه * الحديث الخامس (قوله عن عمرو) هو ابن دينار
(قوله قال رجل) لم أقف على اسمه وزعم ابن بشكوال أنه عمير بن الحمام وهو بضم المهملة
وتخفيف الميم وسبقه إلى ذلك الخطيب واحتج بما أخرجه مسلم من حديث أنس ان عمير بن الحمام
273

أخرج تمرات فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا أحييت حتى أكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ثم
قاتل حتى قتل (قلت) لكن وقع التصريح في حديث أنس أن ذلك كان يوم بدر والقصة التي
في الباب وقع التصريح في حديث جابر أنها كانت يوم أحد فالذي يظهر أنهما قصتان وقعتا
لرجلين والله أعلم وفيه ما كان الصحابة عليه من حب نصر الاسلام والرغبة في الشهادة ابتغاء
مرضاة الله * الحديث السادس حديث خباب وقد تقدم شرحه في كتاب الجنائز ويأتي أيضا
بعد سبعة أبواب ويأتي شرحه في كتاب الرقاق * الحديث السابع (قوله أخبرنا حسان بن
حسان) هو أبو علي البصري نزيل مكة ويقال أيضا حسان بن أبي عباد ووهم من جعله اثنين
وهو من قدماء شيوخ البخاري مات سنة ثلاث عشر وماله عنده سوى هذا الحديث وآخر في
أبواب العمرة ومحمد بن طلحة أي ابن مصرف بتشديد الراء المكسورة كوفي فيه مقال إلا أنه لم ينفرد
بهذا عن حميد فقد تقدم في الجهاد من رواية عبد الاعلى بن عبد الاعلى بأتم من هذا السياق فيه
عن حميد سألت أنسا (قوله ليرين الله) بفتح التحتانية والراء ثم التحتانية وتشديد النون والله
بالرفع ومراده أن يبالغ في القتال ولو زهقت روحه وقال أنس في رواية ثابت وخشي أن يقول
غيرها أي غير هذه الكلمة وذلك على سبيل الأدب منه والخوف لئلا يعرض له عارض فلا يفي بما
يقول فيصير كمن وعد فأخلف (قوله فلقى يوم أحد فهزم الناس) يأتي بيانه قريبا في شرح
الحديث السابع من الباب الذي بعده (قوله ما أجد) بضم أوله وكسر الجيم وتشديد الدال
للأكثر من الرباعي يقال أجد في الشئ يجد إذا بالغ فيه وقال ابن التتن صوابه بفتح الهمزة وضم
الجيم يقال أجد يجد إذا اجتهد في الامر أما أجد فإنما يقال لمن سار في أرض مستوية ولا معنى
لها هنا قال وضبطه بعضهم بفتح الهمزة وكسر الجيم وتخفيف الدال من الوجدان أي ما التقى
من الشدة في القتال (قوله إني أجد ريح الجنة دون أحد) يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة بأن
يكون شم رائحة طيبة زائدة عما يعهد فعرف أنها ريح الجنة ويحتمل أن يكون أطلق ذلك باعتبار
ما عنده من اليقين حتى كأن الغائب عنه صار محسوسا عنده والمعنى أن الموضع الذي أقاتل فيه
يؤول بصاحبه إلى الجنة (قوله فمضى فقتل) في رواية عبد الاعلى قال سعد بن معاذ فما استطعت
يا رسول الله ما صنع (قلت) وهذا يشعر بأن أنس بن مالك إنما سمع هذا الحديث من سعد بن
معاذ لأنه لم يحضر قتل أنس بن النضر ودل ذلك على شجاعة مفرطة في أنس بن النضر بحيث أن
سعد بن معاذ مع ثباته يوم أحد وكمال شجاعته ما جسر على ما صنع أنس بن النضر (قوله فما
عرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه) كذا هنا بالشك والأول بالمعجمة والميم والثاني بموحدتين
ونونين بينهما ألف والثاني هو المعروف وبه جزم عبد الاعلى في روايته وكذا وقع في رواية ثابت
عن أنس عند مسلم (قوله وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم) ووقع في رواية
عبد الاعلى بلفظ ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بالسهم وليست أو للشك بل هي للتقسيم
وزاد في روايته ووجدناه قد مثل به المشركون وعنده قال أنس كنا نرى أن هذه الآية نزلت
فيه وفي أشباهه من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى إلى آخر الآية وفي
رواية ثابت المذكورة قال أنس فنزلت هذه الآية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وكانوا يرون
أنها نزلت فيه وفي أصحابه وكذا وقع الجزم بأنها نزلت في ذلك عند المصنف في تفسير الأحزاب
274

من طريق ثمامة عن أنس ولفظه هذه الآية نزلت في أنس بن النضر فذكرها وفي الحديث
جواز الاخذ بالشدة في الجهاد ويذل المرء نفسه في طلب الشهادة والوفاء بالعهد وتقدمت
بقية فوائده في كتاب الجهاد * الحديث الثامن حديث زيد بن ثابت أورده مختصرا وسيأتي
تاما في فضائل القرآن مع شرحه * الحديث التاسع (قوله عبد الله بن يزيد) هو الخطمي بفتح
المعجمة وسكون المهملة صحابي صغير (قوله رجع ناس ممن خرج معه) يعني عبد الله بن أبي
وأصحابه وقد ورد ذلك صريحا في رواية موسى بن عقبة في المغازي وأن عبد الله بن أبي كان وافق
رأيه رأى النبي صلى الله عليه وسلم على الإقامة بالمدينة فلما أشار غيره بالخروج وأجابهم النبي صلى
الله عليه وسلم فخرج قال عبد الله بن أبي لأصحابه أطاعهم وعصاني علام نقتل أنفسنا فرجع
بثلث الناس قال ابن إسحاق في روايته فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام وهو والد جابر وكان
خزرجيا كعبد الله بن أبي فناشدهم أن يرجعوا فأبوا فقال أبعدكم الله (قوله وكان أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فرقتين) أي في الحكم فيمن انصرف مع عبد الله بن أبي (قوله فنزلت)
هذا هو الصحيح في سبب نزولها وأخرج ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم عن أبي سعيد بن معاذ
قال نزلت هذه الآية في الأنصار خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من لي بمن يؤذيني
فذكر منازعة سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير ومحمد بن مسلمة قال فأنزل الله
هذه الآية وفي سبب نزولها قول آخر أخرجه أحمد من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه
أن قوما أتوا المدينة فأسلموا فأصابهم الوباء فرجعوا واستقبلهم ناس من الصحابة فأخبروهم
فقال بعضهم نافقوا وقال بعضهم لا فنزلت وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي سلمة
مرسلا فإن كان محفوظا احتمل أن تكون نزلت في الامرين جميعا (قوله وقال إنها طيبة تنفي
الذنوب) كذا في هذه الرواية وتقدم في الحج تنفي الدجال ويأتي في التفسير بلفظ تنفي
الخبث وهو المحفوظ وقد سبق الكلام عليه في أواخر الحج مستوفى (قوله كما تنفي النار الخ)
هو حديث آخر تقدم في أواخر الحج وقد فرقه مسلم حديثين فذكر ما يتعلق بهذه القصة في باب
ذكر المنافقين وهو في أواخر كتابه وذكر قوله أنها طيبة إلى آخره في فضل المدينة من أواخر
كتاب الحج وهو من نادر صنيعه بخلاف البخاري فإنه يقطع الحديث كثيرا في الأبواب
(قوله باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما الآية) الفشل بالفاء
والمعجمة الجبن وقيل الفشل في الرأي العجز وفي البدن الاعياء وفي الحرب الجبن والولي الناصر
وذكر المصنف فيه أحد عشر حديثا * الحديث الأول (قوله عن عمرو) هو ابن دينار
(قوله نزلت هذه الآية فينا) أي في قومه بني سلمة وهم من الخزرج وفي أقاربهم بني حارثة وهم
من الأوس (قوله وما أحب أنها لم تنزل والله يقول والله وليهما) أي وان الآية وإن كان
في ظاهرها غض منهم لكن في آخرها غاية الشرف لهم قال ابن إسحاق قوله والله وليهما أي الدافع
عنهما ما هموا به من الفشل لان ذلك كان من وسوسة الشيطان من غير وهن منهم * الحديث
الثاني والثالث (قوله عن عمرو) (1) هو ابن دينار (قوله تسع بنات) في رواية الشعبي
275

ست بنات فكان ثلاثا منهن كن متزوجات أو بالعكس وقد تقدم شرح ما تضمنته الرواية
الثانية في علامات النبوة ويأتي شرح ما تضمنته الرواية الأولى في كتاب النكاح وقد تقدم في
الجنائز من وجه آخر عن جابر والغرض من إيراده هنا أن عبد الله والد جابر كان ممن استشهد بأحد
وعند الترمذي من طريق طلحة بن خراش سمعت جابرا يقول لقيني النبي صلى الله عليه وسلم فقال
مالي أراك منكسرا قلت يا رسول الله استشهد أبي بأحد وترك دينا وعيالا قال أفلا أبشرك إن
الله قد لقي أباك فقال تمن علي قال تحييني فأقتل فيك مرة أخرى وأنزلت هذه الآية ولا تحسبن
الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء الآية * الحديث الرابع (قوله عن أبيه) هو سعد
ابن إبراهيم (قوله ومعه رجلان يقاتلان عنه) هما جبريل وميكائيل كذا وقع في مسلم من
طريق أخرى عن مسعر وفي آخره يعني جبريل وميكائيل (قوله ما رأيتهما قبل ولا بعد) في رواية
الطيالسي عن إبراهيم بن سعد لم أرهما قبل ذلك اليوم ولا بعده * الحديث الخامس حديث سعد
أورده من وجهين عن سعيد بن المسيب عنه ومن وجهين عن يحيى بن سعيد الأنصاري
عن سعيد بن المسيب وقوله في الرواية الثانية حدثنا يحيى هو ابن سعيد الأنصاري القطان
وفي الثالثة ليث وهو ابن سعد عن يحيى وهو ابن سعيد الأنصاري ورواية الليث أتم وقوله
في الرواية الأولى اهشم بن هاشم أي ابن عتبة أي ابن أبي وقاص وإنما قال في نسبته السعدي
لأنه منسوب إلى عم أبيه سعد وهو جده من قبل الام وقوله نثل بفتح النون والمثلثة أي نفض
وزنا ومعنى والكنانة جعبة السهام وتكون غالبا من جلود وقوله في الرواية الثالثة كلاهما
كذا لأبي ذر وأبي الوقت ولغيرهما كليهما وهما جائزان وقوله ارم فداك أبي هو تفسير لما في
الروايتين الأخريين من قوله جمع لي أبوبه ورأيت في هذا الحديث زيادة من وجه آخر مرسل
أخرجها ابن عائذ عن الوليد بن مسلم عن يحيى بن حمزة قال قال سعد رميت بسهم فرد علي النبي
صلى الله عليه وسلم سهمي أعرفه حتى واليت بين ثمانية أو تسعة كل ذلك يرده علي فقلت هذا سهم
دم فجعلته في كنانتي لا يفارقني وعند الحاكم لهذه القصة بيان سبب فأخرج من طريق يونس
ابن بكير وهو في المغازي روايته من طريق عائشة بنت سعد عن أبيها قال جال الناس يوم أحد
تلك الجولة تنحيت فقلت أذود عن نفسي فأما أن أنجو وإما أن استشهد فإذا رجل محمر وجهه
وقد كاد المشركون أن يركبوه فملا يده من الحصى فرماهم وإذا بيني وبينه المقداد فأردت أن أسأله
عن الرجل فقال لي يا سعد هذا رسول الله يدعوك فقمت وكأنه لم يصبني شئ من الأذى
وأجلسني أمامه فجعلت أرمي فذكر الحديث * الحديث السادس أورده من وجهين (قوله
عن سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وابن شداد هو عبد الله كما في الرواية الثانية
وأبوه صحابي جليل ويسرة بفتح التحتانية والمهملة وإبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم المذكور
(قوله غير سعد) أي ابن أبي وقاص وهو ابن مالك كما في الرواية الثانية وقوله فيها إلا لسعد بن مالك
276

في رواية الكشميهني غير سعد بن مالك * الحديث السابع (قوله عن معتمر) هو ابن سليمان
وقوله زعم أبو عثمان يعني النهدي ورواية الإسماعيلي سمعت أبا عثمان (قوله في تلك الأيام)
في رواية غير أبي ذر في بعض تلك الأيام وهو أبين لان المراد بالبعض يوم أحد وقوله الذي يقاتل
فيهن في رواية أبي ذر التي وقوله غير طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وقوله عن
حديثهما يريد أنهما حدثا أبا عثمان بذلك ووقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق عبد الله
ابن معاذ عن معتمر في هذا الحديث قال سليمان فقلت لأبي عثمان وما علمك بذلك قال عن
حديثهما وهذا قد يعكر عليه ما تقدم قريبا في الحديث الخامس أن المقداد كان ممن بقي معه
لكن يحتمل أن المقداد إنما حضر بعد تلك الجولة ويحتمل أن يكون انفرادهما عنه في بعض
المقامات فقد روى مسلم من طريق ثابت عن أنس قال أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش وكأن المراد بالرجلين طلحة وسعد وكأن المراد
بالحصر المذكور في حديث الباب تخصيصه بالمهاجرين فكأنه قال لم يبق معه من المهاجرين غير
هذين وتعين حمله على ما أولته وأن ذلك باعتبار اختلاف الأحوال وأنهم تفرقوا في القتال فلما
وقعت الهزيمة فيمن انهزم وصاح الشيطان قتل محمد اشتغل كل واحد منهم بهمه والذب عن نفسه
كما في حديث سعد ثم عرفوا عن قرب ببقائه فتراجعوا إليه أولا فأولا ثم بعد ذلك كان يندبهم
إلى القتال فيشتغلون به وروى ابن إسحاق بإسناد حسن عن الزبير بن العوام قال مال الرماة
يوم أحد يريدون النهب فأتينا من ورائنا وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل فانكفأنا راجعين
وانكفا القوم علينا وسمى ابن إسحاق في المغازي بإسناد له أن من جملة من استشهد من الأنصار
الذين بقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ زياد بن السكن قال وبعضهم يقول عمارة بن
السكن في خمسة من الأنصار وعند ابن عائذ من مرسل المطلب بن عبد الله بن حنطب ان
الصحابة تفرقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى بقي معه اثنا عشر رجلا من الأنصار
وللنسائي والبيهقي في الدلائل من طريق عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر قال تفرق الناس
عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار وطلحة وإسناده
جيد وهو كحديث أنس إلا أن فيه زيادة أربعة فلعلهم جاءوا بعد ذلك وعند محمد بن سعد أنه ثبت
معه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين منهم أبو بكر وسبعة من الأنصار ويجمع بينه وبين
حديث الباب بأن سعدا جاءهم بعد ذلك كما في حديثه الذي قدمته في الحديث الخامس وأن
المذكور من الأنصار استشهدوا كما في حديث أنس فان فيه عند مسلم فقال النبي صلى الله عليه
وسلم من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة فقام رجل من الأنصار فذكر أن المذكورين من الأنصار
استشهدوا كلهم فلم يبق غير طلحة وسعد ثم جاء بعدهم من جاء وأما المقداد فيحتمل أن يكون
استمر مشتغلا بالقتال وسيأتي بيان ما جرى لطلحة بعد هذا وذكر الواقدي في المغازي أنه ثبت
يوم أحد من المهاجرين سبعة أبو بكر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد وطلحة والزبير
وأبو عبيدة ومن الأنصار أبو دجانة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت والحرث بن الصمة وسهل
ابن حنيف وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وقيل إن سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة بدل الأخيرين
وإن ثبت حمل على أنهم ثبتوا في الجملة وما تقدم فيمن حضر عنده صلى الله عليه وسلم أولا فأولا
277

والله أعلم * الحديث الثامن (قوله عن محمد بن يوسف) هو الكندي والسائب بن يزيد
صحابي صغير (قوله إلا أني سمعت طلحة) يعني بن عبيد الله يحدث عن يوم أحد وقد تقدم شرح
هذا الحديث في الجهاد ووقع عند أبي يعلى من وجه آخر عن السائب بن يزيد أن طلحة ظاهر
يوم أحد بين درعين وذكر ابن إسحاق أن طلحة جلس تحت النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد
الجبل قال فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده عن عبد الله بن الزبير قال
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ يقول أوجب طلحة * الحديث التاسع (قوله عن إسماعيل)
هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم وقوله رأيت يد طلحة أي ابن عبد الله وقوله شلاء بفتح
المعجمة وتشديد اللام مع المد أي أصابها الشلل وهو ما يبطل عمل الأصابع أو بعضها (قوله وقى بها
النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد) رفع بيان ذلك عند الحاكم في الإكليل من طريق موسى بن طلحة
جرح يوم أحد تسعا وثلاثين أو خمسا وثلاثين وشلت إصبعه أي السابة والتي تليها وللطيالسي
من طريق عيسى بن طلحة عن عائشة قالت كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال كان ذلك اليوم
كله لطلحة قال كنت أول من فاء فرأيت رجلا يقاتل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
فقلت كن طلحة (قلت) حيث فاتني يكون رجل من قومي وبيني وبينه رجل من المشركين
فإذا هو أبو عبيدة فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دونكما صاحبكما يريد طلحة
فإذا هو قد قطعت إصبعه فلما أصلحنا من شأنه وفي حديث جابر عند النسائي قال فأدرك
المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من للقوم فقال طلحة أنا فذكر قتل الذين كانوا
معهما من الأنصار وقال ثم قاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه فقال
حسن فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون قال ثم
رد الله المشركين * الحديث العاشر (قوله عبد العزيز) هو ابن صهيب (قوله انهزم الناس) أي
بعضهم أو أطلق ذلك باعتبار تفرقهم كما تقدم بيانه والواقع أنهم صاروا ثلاث فرق فرقة استمروا
في الهزيمة إلى قرب المدينة فما رجعوا حتى انفض القتال وهم قليل وهم الذين نزل فيهم إن الذين
تولوا منكم يوم التقى الجمعان وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل
فصار غاية الواحد منهم أن يذب عن نفسه أو يستمر على بصيرته في القتال إلى أن يقتل وهم أكثر
الصحابة وفرقة ثبتت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم تراجع إليه القسم الثاني شيئا فشيئا لما عرفوا أنه
حي كما بينته في الحديث السابع وبهذا يجمع بين مختلف الاخبار في عدة من بقي مع النبي صلى الله
عليه وسلم فعند محمد بن عائذ من مرسل المطلب بن حنطب لم يبق معه سوى اثني عشر رجلا وعند
ابن سعد ثبت معه سبعة من الأنصار وسبعة من قريش وفي مسلم من حديث أنس أفرد في سبعة
من الأنصار ورجلين من قريش طلحة وسعد وقد سرد أسماءهم الواقدي واقتصر أبو عثمان
النهدي على ذكر طلحة وسعد وهو في الصحيح وأخرج الطبري من طريق السدي أن ابن قمئة لما رمى
النبي صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته وشجه في وجهه وتفرق الصحابة منهزمين وجعل يدعوهم
فاجتمع إليه منهم ثلاثون رجلا فذكر بقية القصة (قوله وأبو طلحة) هو زيد بن سهل الأنصاري
وهو زوج والدة أنس وكان أنس حمل هذا الحديث عنه (قوله مجوب) بضم أوله وفتح الجيم
وتشديد الواو المكسورة بعدها موحدة أي مترس ويقال للترس جوبة والحجفة بفتح المهملة
278

والجيم والفاء هي الترس (قوله شديد النزع) بفتح النون والزاي الساكنة ثم المهملة أي رمى
السهم وتقدم في الجهاد من وجه آخر بلفظ كان أبو طلحة حسن الرمي وكان يتترس مع النبي
صلى الله عليه وسلم بترس واحد (قوله كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا) أي من شدة الرمي (قوله
بجعبة) بضم الجيم وسكون العين المهملة بعدها موحدة هي الآلة التي يوضع فيها السهام (قوله
لا تشرف) بضم أوله وسكون المعجمة من الاشراف ولأبى الوقت بفتح أوله وسكون الشين أيضا
وتشديد الراء وأصله تتشرف أي لا تطلب الاشراف عليهم (قوله يصبك) بسكون الموحدة على
أنه جواب النهي ولغير أبي ذر يصيبك بالرفع وهو جائز على تقدير كأنه قال مثلا لا تشرف فإنه
يصيبك (قوله نحري دون نحرك) أي أفديك بنفسي (قوله ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر) أي
أم المؤمنين وأم سليم اي والدة أنس (قوله أرى خدم سوقهما) بفتح المعجمة والمهملة جمع خدمة
وهي الخلاخيل وقيل الخدمة أصل الساق والسوق جمع ساق وقد تقدم في الجهاد وكذا شرح
قوله تنقزان القرب والاختلاف في لفظه (قوله ولقد وقع السيف من يد أبي طلحة) في رواية
الأصيلي من يدي بالتثنية (قوله إما مرتين وإما ثلاثا) زاد مسلم عن الدارمي عن أبي معمر شيخ
البخاري فيه بهذا الاسناد من النعاس فأفاد سبب وقوع السيف من يده وسيأتي بعد باب من
وجه آخر عن أنس عن أبي طلحة كنت فيمن يغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي
مرارا ولأحمد والحاكم من طريق ثابت عن أنس رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم من
أحد إلا وهو يميل تحت حجفته من النعاس وهو قوله تعالى إذ يغشاكم النعاس أمنة منه * الحديث
الحادي عشر (قوله لما كان يوم أحد هزم المشركون فصرخ إبليس أي عباد الله أخراكم) أي
احترزوا من جهة أخراكم وهي كلمة تقال لمن يخشى أن يؤتى عند القتال من ورائه وكان ذلك لما
ترك الرماة مكانهم ودخلوا ينتهبون عسكر المشركين كما سبق بيانه (قوله فرجعت أولاهم فاجتلدت
هي وأخراهم) أي وهم يظنون أنهم من العدو وقد تقدم بيان ذلك من حديث ابن عباس الذي
أخرجه أحمد والحاكم وأنهم لما رجعوا اختلطوا بالمشركين والتبس العسكران فلم يتميزوا فوقع
القتل على المسلمين بعضهم من بعض (قوله فبصر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال أي عباد الله
أبي أبي) هو بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة وأعادها تأكيدا وإنما ضبطه لئلا يتصحف بأبي بضم
الهمزة وفتح الموحدة مع التشديد وأفاد ابن سعد أن الذي قتل اليمان خطأ عتبة بن مسعود أخو
عبد الله بن مسعود وهو في تفسير عبد بن حميد من وجه آخر عن ابن عباس وذكر ابن إسحاق قال
حدثني عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد قال كان اليمان والد حذيفة وثابت بن وقش شيخين كبيرين
فتركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع النساء والصبيان فتذاكرا بينهما ورغبا في الشهادة
فأخذا سيفيهما ولحقا بالمسلمين بعد الهزيمة فلم يعرفوا بهما فأما ثابت فقتله المشركون وأما اليمان
فاختلف عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه (قوله قال عروة الخ) تقدم بيانه في المناقب
وفي رواية ابن إسحاق فقال حذيفة قتلتم أبي قالوا والله ما عرفناه وصدقوا فقال حذيفة يغفر الله
لكم فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده ذلك عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا وفيه تعقب على ابن التين حيث قال إن الراوي سكت في قتل
اليمان عما يجب فيه من الدية والكفارة فأما أن تكون لم تفرض يومئذ أو كتفي بعلم السامع
279

(قوله إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان) اتفق أهل العلم بالنقل على أن المراد به هنا يوم أحد
وغفل من قال يوم بدر لأنه لم يول فيها أحد من المسلمين نعم المراد بقوله تعالى وما أنزلنا على عبدنا يوم
الفرقان يوم التقى الجمعان وهي في سورة الأنفال يوم بدر ولا يلزم منه أن يكون حيث جاء التقى
الجمعان المراد به يوم بدر (قوله استزلهم) أي زين لهم أن يزلوا وقوله ببعض ما كسبوا قال
ابن التين يقال إن الشيطان ذكرهم خطاياهم فكرهوا القتال قبل التوبة ولم يكرهوه معاندة
ولا نفاقا فعفا الله عنهم (قلت) ولم يتعين ما قال فيحتمل أن يكونوا فروا جبنا ومحبة في الحياة
لا عنادا ولا نفاقا فتابوا فعفا الله عنهم ثم ذكر حديث ابن عمر في قصة عثمان وقد تقدم شرحه في
مناقب عثمان وقدمت أني لم أقف على اسمه صريحا إلا أنه يحتمل يكون هو العلاء بن عرار ثم
رأيت لبعضهم أن اسمه حكيم فليحرر وفي الرواية المتقدمة أنه من أهل مصر ثم وجدت الجزم
بالعلاء بن عرار وهما بالمهملات وذلك في مناقب عثمان ويأتي بأبسط من ذلك في تفسير وقاتلوهم
حتى لا تكون فتنة من سورة البقرة وقوله في هذه الرواية أنشدك بحرمة هذا البيت فيه جواز
مثل هذا القسم عند أثر عبد الله بن عمر لكونه لم ينكر عليه وسيأتي البحث في شئ من هذا في كتاب
الايمان والنذور إن شاء الله تعالى (قوله إني سائلك عن شئ أتحدثني) زاد في رواية أبي نعيم
المذكورة قال نعم (قوله باب إذ تصعدون ولا تلوون على أحد إلى قوله بما تعملون)
(قوله تصعدون تذهبون أصعد وصعد فوق البيت) سقط هذا التفسير للمستملي كأنه يريد
الإشارة إلى التفرقة بين الثلاثي والرباعي فالثلاثي بمعنى ارتفع والرباعي بمعنى ذهب وقال
بعض أهل اللغة أصعد إذا ابتدأ السير وقوله فأثابكم غما بغم روى عبد بن حميد من طريق
مجاهد قال كان الغم الأول حين سمعوا الصوت أن محمدا قد قتل والثاني لما انحاز وإلى النبي صلى
الله عليه وسلم وصعدوا في الجبل فتذكروا قتل من قتل منهم فاغتموا ومن طريق سعيد عن قتادة
نحوه وزاد وقوله لكيلا تحزنوا على ما فاتكم أي من الغنيمة ولا ما أصابكم أي من الجراح وقتل
إخوانكم وروى الطبري من طريق السري نحوه لكن قال الغم الأول ما فاتهم من الغنيمة
والثاني ما أصابهم من الجراح وزاد قال لما صعدوا أقبل أبو سفيان بالخيل حتى أشرف عليهم
فنسوا ما كانوا فيه من الحزن على من قتل منهم واشتغلوا بدفع المشركين ثم ذكر المصنف طرفا من
حديث البراء في قصة الرماة وقد تقدم شرحه قريبا (قوله باب قوله ثم أنزل
280

عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا الآية ذكر فيه حديث أبي طلحة كنت فيمن تغشاه النعاس الحديث
وقد تقدم شرحه قريبا قال ابن إسحاق أنزل الله النعاس أمنة لأهل اليقين فهم نيام لا يخافون
والذين أهمتهم أنفسهم أهل النفاق في غاية الخوف والدعر (قوله باب قوله
ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) * أي بيان سبب نزول هذه الآية
وقد ذكر في الباب سببين ويحتمل أن تكون نزلت في الامرين جميعا فإنهما كانا في قصة واحدة
وسأذكر في آخر الباب سببا آخر (قوله وقال حميد وثابت عن أنس شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم
أحد فقال كيف يفلح قوم شجوا نبيهم فنزلت ليس لك من الامر شئ أما حديث حميد فوصله أحمد
والترمذي والنسائي من طرق عن حميد به وقال ابن إسحاق في المغازي حدثني حميد الطويل عن
أنس قال كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وشج وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه
وجعل يمسح الدم وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله
الآية وأما حديث ثابت فوصله مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال يوم أحد وهو يسلت الدم عن وجهه كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا
رباعيته وأدموا وجهه فأنزل الله عز وجل ليس لك من الامر شئ الآية وذكر ابن هشام في
حديث أبي سعيد الخدري أن عتبة بن أبي وقاص هو الذي كسر رباعية النبي صلى الله عليه
وسلم السفلى وجرح شفته السفلى وأن عبد الله بن شهاب الزهري هو الذي شجه في جبهته وأن
عبد الله بن قمئة جرحه في وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته وأن مالك بن سنان
مص الدم من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده فقال لن تمسك النار وروى ابن إسحاق
من حديث سعد بن أبي وقاص قال فما حرصت على قتل رجل قط حرصي على قتل أخي عتبة بن
أبي وقاص لما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وفي الطبراني من حديث أبي أمامة
قال رمى عبد الله بن قمئة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فشج وجهه وكسر رباعيته
فقال خذها وأنا ابن قمئة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه مالك
أقمأك الله فسلط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة وأخرج بن عائذ في
المغازي عن الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد عن جابر فذكر نحوه منقطعا وسيأتي في
أواخر هذه الغزوة شواهد لحديث أنس من حديث أبي هريرة وغيره ووقع عند مسلم من طريق
ابن عباس عن عمر في قصة بدر قال فلما كان يوم أحد قتل منهم سبعون وفروا وكسرت رباعية
النبي صلى الله عليه وسلم وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله تعالى أو لما
أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها الآية والمراد بكسر الرباعية وهي السن التي بين الثنية والناب
أنها كسرت فذهب منها فلقة ولم تقلع من أصلها (قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك (قوله
العن فلانا وفلانا وفلانا) سماهم في الرواية التي بعدها (قوله وعن حنظلة بن أبي سفيان)
هو معطوف على قوله أخبرنا معمر إلى اخره والراوي له عن حنظلة هو عبد الله بن المبارك
ووهم من زعم أنه معلق وقوله سمعت سالم بن عبد الله يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدعوا إلى آخره هو مرسل والثلاثة الذين سماهم قد أسلموا يوم الفتح ولعل هذا هو السر في نزول
281

قوله تعالى ليس لك من الامر شئ ووقع في رواية يونس عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن
أبي هريرة نحو حديث ابن عمر لكن فيه اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية قال ثم بلغنا
أنه ترك ذلك لما نزلت ليس لك من الامر شئ (قلت) وهذا إن كان محفوظا احتمل أن يكون نزول
الآية تراخي عن قصة أحد لان قصة رعل وذكوان كانت بعدها كما سيأتي تلو هذه الغزوة وفيه
بعد والصواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة أحد والله أعلم ويؤيد ذلك ظاهر قوله
في صدر الآية ليقطع طرفا من الذين كفروا أي يقتلهم أو يكبتهم أي يخزيهم ثم قال أو يتوب
عليهم أي فيسلموا أو يعذبهم أي ان ماتوا كفارا (قوله باب ذكر أم سليط) بفتح
المهملة وكسر اللام ذكر فيه حديث عمر في قصة المروط وقد تقدم شرحه في كتاب الجهاد وأم سليط
المذكورة هي والدة أبي سعيد الخدري كانت زوجا لأبي سليط فمات عنها قبل الهجرة فتزوجها
مالك بن سنان الخدري فولدت له أبا سعيد (قوله قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه)
كذا لأبي ذر ولغيره باب قتل حمزة فقط وللنسفي قتل حمزة سيد الشهداء وهذا اللفظ قد ثبت في
حديث مرفوع أخرجه الطبراني من طريق الأصبغ بن نباته عن علي قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب (قوله حدثني أبو جعفر محمد بن عبد الله) أي
ابن المبارك المخرمي بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء البغدادي روى عنه البخاري هنا وفي
الطلاق وشيخه حجين بن المثنى بمهملة ثم جيم وآخره نون مصغر أصله من اليمامة وسكن بغداد وولي
قضاء خراسان وهو من أقران كبار شيوخ البخاري لكن لم يسمع منه البخاري وليس له عنده سوى
هذا الموضع (قوله عن عبد الله بن الفضل) هو ابن عباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب
الهاشمي المدني من صغار التابعين (قوله عن جعفر بن عمرو بن أمية) هو الضمري وأبوه هو
الصحابي المشهور هذا هو المحفوظ وكذا رواه أحمد بن خالد الوهبي عن عبد العزيز أخرجه
الطبراني وقد رواه أبو داود الطيالسي عن عبد العزيز شيخ حجين بن المثنى فيه فقال عن عبد الله
ابن الفضل الهاشمي عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال أقبلنا من الروم
فذكر الحديث والمحفوظ عن جعفر بن عمرو قال خرجت مع عبيد الله بن عدي وكذا أخرجه
ابن إسحاق عن عبد الله بن الفضل عن سليمان عن جعفر قال خرجت أنا وعبيد الله فذكره وكذا
أخرجه ابن عائذ في المغازي عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن جعفر بن عمرو
ابن أمية قال خرجت أنا وعبيد الله بن عدي وللطبراني من وجه آخر عن بن جابر (قوله
خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار) النوفلي الذي تقدم ذكره في مناقب عثمان زاد أحمد
ابن خالد الوهبي عن عبد العزيز بن عبد الله فأدربنا أي دخلنا درب الروم مجاهدين فلما مررنا
بحمص وكذا في رواية ابن إسحاق وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر خرجت أنا وعبيد الله
ابن عدي غازيين الصائفة زمن معاوية فلما قفلنا مررنا بحمص (قوله هل لك في وحشي) أي
ابن حرب الحبشي مولى جبير بن مطعم (قوله نسأله عن قتل حمزة) في رواية الكشميهني فنسأله
عن قتله حمزة زاد ابن إسحاق كيف قتله (قوله فسألنا عنه فقيل لنا) في رواية ابن إسحاق فقال لنا
رجل ونحن نسأل عنه إنه غلب عليه الخمر فإن تجداه صاحيا تجداه عربيا يحدثكما بما شئتما وان
282

تجداه على غير ذلك فانصرفا عنه وفي رواية الطيالسي نحوه وقال فيه وإن أدركتماه شاربا فلا
تسألاه (قوله كأنه حميت) بمهملة وزن رغيف أي زق كبير وأكثر ما يقال ذلك إذا كان مملوءا وفي
رواية لابن عائذ فوجدناه رجلا سمينا محمرة عيناه وفي رواية الطيالسي فإذا به قد ألقى له شئ على بابه
وهو جالس صاح وفي رواية ابن إسحاق على طنفسة له وزاد فإذا شيخ كبير مثل البغاث يعني
بفتح الموحدة والمعجمة الخفيفة وآخره مثلثة وهو طائر ضعيف الجثة كالرخمة ونحوها ممالا يصيد
ولا يصاد (قوله معتجر) أي لاف عمامته على رأسه من غير تحنيك (قوله يا وحشي أتعرفني) في
رواية ابن إسحاق فلما انتهينا إليه سلمنا عليه فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي فقال ابن العدي بن
الخيار أنت قال نعم فيحتمل أن يكون قال له ذلك بعد أن قال له أتعرفني (قوله أم قتال) بكسر
القاف بعدها مثناة خفيفة وفي رواية الكشميهني بموحدة والأول أصح وهي عمة عتاب بن
أسيد أي بن أبي العيص بن أمية (قوله أسترضع له) أي أطلب له من يرضعه زاد في رواية ابن
إسحاق والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى فإني ناولتكها وهي على
بعيرها فأخذتك فلمعت لي قدمك حين رفعتك فما هو إلا أن وقفت علي فعرفتها وهذا يوضح قوله
في رواية الباب فكأني نظرت إلى قدميك يعني أنه شبه قدميه بقدم الغلام الذي حمله فكان هو
هو وبين الروايتين قريب من خمسين سنة فدل ذلك على ذكاء مفرط ومعرفة تامة بالقيافة (قوله
ألا تخبرنا بقتل حمزة قال نعم) في رواية الطيالسي فقال سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله
عليه وسلم حين سألني (قوله فلما أن خرج الناس) أي قريش ومن معهم (عام عينين) أي سنة
أحد وقوله عينين جبل بحيال أحد أي من ناحية أحد يقال فلان حيال كذا بالمهملة المكسورة
بعد تحتانية خفيفة أي مقابله وهو تفسير من بعض رواته والسبب في نسبة وحشي العام إليه
دون أحد أن قريشا كانوا نزلوا عنده قال ابن إسحاق نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على
شفير الوادي مقابل المدينة (قوله خرجت مع الناس إلى القتال) في رواية الطيالسي فانطلقت
يوم أحد معي حربتي وأنا رجل من الحبشة ألعب لعبهم قال وخرجت ما أريد أن أقتل ولا أقاتل
إلا حمزة وعند ابن إسحاق وكان وحشي يقذف بالحربة قذف الحبشة قلما يخطئ (قوله خرج
سباع) بكسر المهملة بعدها موحدة خفيفة وهو ابن عبد العزي الخزاعي ثم الغبشاني بضم المعجمة
وسكون الموحدة ثم معجمة ذكر ابن إسحاق ان كنيته أبو نيار بكسر النون وتخفيف التحتانية (قوله
فخرج إليه حمزة) في رواية الطيالسي فإذا حمزة كأنه جمل أورق ما يرفع له أحد إلا قمعه بالسيف فهبته
وبادر إليه رجل من ولد سباع كذا قال والذي في الصحيح هو الصواب وعند ابن إسحاق فجعل يهد
الناس بسيفه وعند ابن عائذ فرأيت رجلا إذا حمل لا يرجع حتى يهزمنا فقلت من هذا قالوا حمزة
قلت هذا حاجتي (قوله يا ابن أم أنمار) بفتح الهمزة وسكون النون هي أمه كانت مولاة لشريق بن
عمرو الثقفي والد الأخنس (قوله مقطعة البظور) بالظاء المعجمة جمع بظر وهي اللحمة التي تقطع
من فرج المرأة عند الختان قال ابن إسحاق كانت أمه ختانة بمكة تختن النساء أه‍ والعرب تطلق هذا
اللفظ في معرض الذم والا قالوا خاتنة وذكر عمر بن شبة في كتاب مكة عن عبد العزيز بن المطلب أنها
أم سباع وعبد العزي الخزاعي وكانت أمة وهي والدة خباب بن الأرت الصحابي المشهور (قوله
اتحاد) بمهملتين وتشديد الدال أي أتعاند وأصل المحاددة أن يكون ذا في حد وذا في حد ثم استعمل
283

في المحاربة والمعاداة وقوله كأمس الذاهب هي كناية عن قتله أي صيره عدما وفي رواية ابن
إسحاق فكأنما أخطأ رأسه وهذا يقال عند المبالغة في الإصابة (قوله وكمنت) بفتح الميم أي
اختفيت وفي رواية ابن عائذ عند شجرة وعند ابن أبي شيبة من مرسل عمير بن إسحاق أن حمزة
عثر فانكشفت الدرع عن بطنه فأبصره العبد الحبشي فرماه بالحربة (قوله في ثنته) بضم المثلثة
وتشديد النون هي العانة وقيل ما بين السرة والعانة وللطيالسي فجعلت ألوذ من حمزة بشجرة
ومعي حربتي حتى إذا استمكنت منه هززت الحربة حتى رضيت منها ثم أرسلتها فوقعت بين ثندوتيه
وذهب يقوم فلم يستطع أه‍ والثندوة بفتح المثلثة وسكون النون وضم المهملة بعدها واو
خفيفة هي من الرجل موضع الثدي من المرأة والذي في الصحيح أن الحربة أصابت ثنته أصح
(قوله فلما رجع الناس) أي إلى مكة زاد الطيالسي فلما جئت عتقت ولابن إسحاق فلما قدمت
مكة عتقت وإنما قتلته لأعتق (قوله حتى فشا فيها الاسلام) في رواية ابن إسحاق فلما فتح رسول
الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف (قوله فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم) في رواية ابن إسحاق فلما خرج وفد الطائف ليسلموا تغميت علي المذاهب فقلت الحق باليمن
أو الشام أو غيرها (قوله رسلا) كذا لأبي ذر وأبي الوقت ولغيرهما رسولا بالافراد كان أول
من قدم من ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عروة بن مسعود فأسلم ورجع فدعاهم
إلى الاسلام فقتلوه ثم ندموا فأرسلوا وفدهم وهم عمرو بن وهب بن مغيث وشرحبيل بن غيلان بن
مسلمة وعبد يا ليل بن عمرو بن عمير وهؤلاء الثلاثة من الاحلاف وعثمان بن أبي العاص
وأوس بن عوف ونمير بن حرشة وهؤلاء الثلاثة من بني مالك ذكر ذلك محمد بن إسحاق مطولا وزاد
ابن إسحاق أن الوفد كانوا سبعين رجلا وكان الستة رؤساءهم وقيل كان الجميع سبعة عشر
قال وهو أثبت (قوله فقيل لي إنه لا يهيج الرسل) أي لا ينالهم منه إزعاج وفي رواية الطيالسي
فأردت الهرب إلى الشام فقال لي رجل ويحك والله ما يأتي محمدا أحد بشهادة الحق إلا خلى عنه
قال فانطلقت فما شعر بي إلا وأنا قائم على رأسه أشهد بشهادة الحق وعند ابن إسحاق فلم يرعه
الأبي قائما على رأسه (قوله قال أنت قتلت حمزة قلت قد كان من الامر ما قد بلغك) في رواية
الطيالسي فقال ويحك حدثني عن قتل حمزة قال فأنشأت أحدثه كما حدثتكما وعند يونس بن
بكير في المغازي عند ابن إسحاق قال فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وحشي فقال دعوه
فلاسلام رجل واحد أحب إلي من قتل ألف كافر (قوله فهل تستطيع أن تغيب وجهك
عني) في رواية الطيالسي فقال غيب وجهك عني فلا أراك (قوله قال فخرجت) زاد الطيالسي
فكنت أتقى أن يراني ولابن عائذ فما رآني حتى مات وعند الطبراني فقال يا وحشي أخرج فقاتل
في سبيل الله كما كنت تصد عن سبيل الله (قوله فقلت لأخرجن إلى مسيلمة) في رواية الطيالسي
فلما كان من أمر مسيلمة ما كان انبعثت مع البعث فأخذت حربتي ولابن إسحاق نحوه (قوله
فأكافئ به حمزة) بالهمز أي أساويه به وقد فسر بعد بقوله فقلت خير الناس وشر الناس وقوله
فكان من أمره ما كان أي من محاربته وقتل جمع من الصحابة في الوقعة التي كانت بينهم وبينه
ثم كان الفتح للمسلمين بقتل مسيلمة كما سيأتي بيان ذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى (قوله في ثلمة
جدار) أي خلل جدار (قوله جمل أورق) أي ألوانه مثل الرماد وكأن ذلك من غبار الحرب وقوله
284

ثائر الرأس أي شعره منتفش (قوله فوضعتها) في رواية الكشميهني فأضعها (قوله ووثب إليه
رجل من الأنصار) هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني كما جزم به الواقدي وإسحاق بن راهويه
والحاكم وقيل هو عدي بن سهل جزم به سيف في كتاب الردة وقيل أبو دجانة وقيل زيد بن
الخطاب والأول أشهر ولعل عبد الله بن زيد هو الذي أصابته ضربته وأما الآخران فحملا
عليه في الجملة وأغرب وثيمة في كتاب الردة فزعم أن الذي ضرب مسيلمة هو شن بفتح المعجمة وتشديد
النون ابن عبد الله وأنشد له
ألم تر أني ووحشيهم * ضربنا مسيلمة المفتتن
يسائلني الناس عن قتله * فقلت ضربت وهذا طعن
فلست بصاحبه دونه * وليس بصاحبه دون شن
وأغرب من ذلك ما حكى ابن عبد البر أن الذي قتل مسيلمة هو خلاس بن بشير بن الأصم (قوله
فضربه بالسيف على هامته) في رواية الطيالسي فربك أعلم أينا قتله فان أك قتلته فقد قتلت خير
الناس وشر الناس (قوله قال عبد الله بن الفضل) هو موصول بالاسناد المذكور أولا وفي رواية
الطيالسي فقال سليمان بن يسار سمعت ابن عمر يقول زاد ابن إسحاق في روايته وكان قد شهد
اليمامة (قوله فقالت جارية على ظهر بيت وا أمير المؤمنين قتله العبد الأسود) هذا فيه تأييد
لقول وحشي إنه قتله لكن في قول الجارية أمير المؤمنين نظر لان مسيلمة كان يدعى أنه نبي
مرسل من الله وكانوا يقولون له يا رسول الله ونبي الله والتلقيب بأمير المؤمنين حدث بعد ذلك
وأول من لقب به عمر وذلك بعد قتل مسيلمة بمدة فليتأمل هذا وأما قول ابن التين كان مسيلمة
تسمى تارة بالنبي وتارة بأمير المؤمنين فإن كان أخذه من هذا الحديث فليس بجيد وإلا فيحتاج إلى
نقل بذلك والذي في رواية الطيالسي قال ابن عمر كنت في الجيش يومئذ فسمعت قائلا يقول
في مسيلمة قتله العبد الأسود ولم يقل أمير المؤمنين ويحتمل أن تكون الجارية أطلقت عليه
الأمير باعتبار أن أمر أصحابه كان إليه وأطلقت على أصحابه المؤمنين باعتبار إيمانهم به ولم يقصد
إلى تلقيبه بذلك والله أعلم ثم وجدت في كلام أبي الخطاب بن دحية الانكار على من أطلق أن
عمر أول من لقب أمير المؤمنين وقال قد تسمى به مسيلمة قبله كما أخرجه البخاري في قصة وحشي
يشير إلى هذه الرواية وتعقبه ابن الصلاح ثم النووي قال النووي وذكر ابن الصلاح أن الذي
ذكره ابن دحية ليس بصحيح فإنه ليس في هذا الحديث إلا أن الجارية صاحت لما أصيب مسيلمة
وا أمير المؤمنين ولا يلزم من ذلك تسميته بذلك أه‍ واعترض مغلطاي أيضا بأن أول من قيل له
أمير المؤمنين عبد الله بن جحش وهو متعقب أيضا بأنه لم يلقب به وإنما خوطب بذلك لأنه كان
أول أمير في الاسلام على سرية وفي حديث وحشي من الفوائد غير ما تقدم ما كان عليه من
الذكاء المفرط ومناقب كثيرة لحمزة وفيه أن المرء يكره أن يرى من أوصل إلى قريبه أو صديقه
أذى ولا يلزم من ذلك وقوع الهجرة المنهية بينهما وفيه أن الاسلام يهدم ما قبله والحذر في
الحرب وأن لا يحتقر المرء منها أحدا فإن حمزة لا بد أن يكون رأى وحشيا في ذلك اليوم لكنه لم
يحترز منه احتقارا منه إلى أن أتى من قبله وذكر ابن إسحاق قال حدثني محمد بن جعفر بن الزبير
285

قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي قد مثل به فقال لولا
أن تحزن صفية يعني بنت عبد المطلب وتكون سنة بعدي لتركته حتى يحشر من بطون السباع
وحواصل الطير زاد ابن هشام قال وقال لن أصاب بمثلك أبدا ونزل جبريل فقال إن حمزة
مكتوب في السماء أسد الله وأسد رسوله وروى البزار والطبراني بإسناد فيه ضعف عن أبي
هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى حمزة قد مثل به قال رحمة الله عليك لقد كنت وصولا
للرحم فعولا للخير ولولا حزن من بعدك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى ثم حلف
وهو بمكانه لأمثلن بسبعين منهم فنزل القرآن وان عاقبتم الآية وعند عبد الله بن أحمد في
زيادات المسند والطبراني من حديث أبي بن كعب قال مثل المشركون بقتلى المسلمين فقال
الأنصار لئن أصبنا منهم يوما من الدهر لنزيدن عليهم فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل لا قريش
بعد اليوم فأنزل الله وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم كفوا عن القوم وعند ابن مردويه من طريق مقسم عن ابن عباس نحو حديث أبي
هريرة باختصار وقال في آخره فقال بل نصبر يا رب وهذه طرق يقوى بعضها بعضا (قوله
باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد) وقد تقدم شئ من
ذلك في باب قوله ليس لك من الامر شئ ومجموع ما ذكر في الاخبار أنه شج وجهه وكسرت رباعيته
وجرحت وجنته وشفته السفلى من باطنها ووهي منكبه من ضربة ابن قمئة وجحشت ركبته
وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال ضرب وجه النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بالسيف
سبعين ضربة وقاه الله شرها كلها وهذا مرسل قوي ويحتمل أن يكون أراد بالسبعين
حقيقتها أو المبالغة في الكثرة (قوله رباعيته) بفتح الراء وتخفيف الموحدة (قوله اشتد غضب
الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله) زاد سعيد بن منصور من مرسل عكرمة يقتله
رسول الله بيده ولابن عائذ من طريق الأوزاعي بلغنا أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم أحد أخذ شيئا فجعل ينشف به دمه وقال لو وقع منه شئ على الأرض لنزل عليكم العذاب من
السماء ثم قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون * الحديث الثاني حديث ابن عباس بمعنى الذي
قبله أورده من وجهين عن ابن جريج ووقع هنا قبل حديث سهل بن سعد وبعده ولعله قدم
وأخر (قوله 2 دموه) بتشديد الميم أي جرحوه حتى خرج منه الدم * (تنبيه) * حديث أبي هريرة
وحديث ابن عباس هذا من مراسيل الصحابة فإنهما لم يشهدا الوقعة فكأنهما حملاها عمن
شهدها أو سمعاها من النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك * الحديث الثالث (قوله يعقوب) هو ابن
عبد الرحمن الإسكندراني (قوله فلما رأت فاطمة) هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوضح
سعيد بن عبد الرحمن عن أبي حازم فيما أخرجه الطبراني من طريقه سبب مجئ فاطمة إلى أحد
ولفظه لما كان يوم أحد وانصرف المشركون خرج النساء إلى الصحابة يعينونهم فكانت
فاطمة فيمن خرج فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته بالماء
فيزداد الدم فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير فأحرقته بالنار وكمدته به حتى لصق بالجرح
فاستمسك الدم وله من طريق زهير بن محمد عن أبي حازم فأحرقت حصيرا حتى صارت رمادا
فأخذت من ذلك الرماد فوضعته فيه حتى رقأ الدم وقال في آخر الحديث ثم قال يومئذ اشتد
286

غضب الله على قوم دموا وجه رسوله ثم مكث ساعة ثم قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون وقال
ابن عائذ أخبرنا الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن الذي رمى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بأحد فجرحه في وجهه قال خذها مني وأنا ابن قمئة فقال أقمأك الله قال
فانصرف إلى أهله فخرج إلى غنمه فوافاها على ذروة جبل فدخل فيها فشد عليه تيسها فنطحه
نطحة أدرأه من شاهق الجبل فتقطع وفي الحديث جواز التداوي وأن الأنبياء قد يصابون
ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام ليعظم لهم بذلك الاجر وتزداد
درجاتهم رفعة وليتأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره والعاقبة للمتقين (قوله
باب الذين استجابوا لله والرسول) أي سبب نزولها وأنها تتعلق بأحد قال ابن إسحاق
كان أحد يوم السبت للنصف من شوال فلما كان الغد يوم الأحد سادس عشر شوال أذن
مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو وأن لا يخرج معنا إلا من حضر
بالأمس فاستأذنه جابر بن عبد الله في الخروج معه فأذن له وإنما خرج مرهبا للعدو وليظنون أن
الذي أصابهم لم يوهنهم عن طلب عدوهم فلما بلغ حمراء الأسد لقيه سعيد بن أبي معبد الخزاعي
فيما حدثني عبد الله بن أبي بكر فعزاه بمصاب أصحابه فأعلمه أنه لقي أبا سفيان ومن معه وهم بالروحاء
وقد تلوموا في أنفسهم وقالوا أصبنا جل أصحاب محمد وأشرافهم وانصرفنا قبل أن نستأصلهم
وهموا بالعود إلى المدينة فأخبرهم معبد أن محمدا قد خرج في طلبكم في جمع لم أر مثله ممن تخلف
عنه بالمدينة قال فثناهم ذلك عن رأيهم فرجعوا إلى مكة وعند عبد بن حميد من مرسل عكرمة
نحو هذا (قوله حدثني محمد) هو ابن سلام وقال أبو نعيم في مستخرجه أراه ابن سلام (قوله عن
عائشة الذين استجابوا) في الكلام حذف تقديره عن عائشة أنها قرأت هذه الآية الذين استجابوا
أو أنها سئلت عن هذه الآية أو نحو ذلك (قوله كان أبوك منهم الزبير) أي الزبير بن العوام قوله
فانتدب منهم) أي من المسلمين (قوله سبعون رجلا) وقع في نسخة الصغاني كان فيهم أبو بكر
والزبير أه‍ وقد سمى منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمار بن ياسر وطلحة وسعد بن أبي وقاص
وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وحذيفة وابن مسعود أخرجه الطبري من حديث ابن
عباس وعند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن ذكر الخمسة الأولين وعند عبد الرزاق من مرسل
عروة ذكر ابن مسعود وقد ذكرت عائشة في حديث الباب أبا بكر والزبير (قوله باب
من قتل من المسلمين يوم أحد منهم حمزة بن عبد المطلب واليمان والنضر بن أنس ومصعب بن
عمير) أما حمزة فتقدم ذكره في باب مفرد وأما اليمان وهو والد حذيفة فتقدم في آخر باب إذ
همت طائفتان وأما النضر بن أنس فكذا وقع لأبي ذر عن شيوخه وكذا وقع عند النسفي
وهو خطأ والصواب ما وقع عند الباقين أنس بن النضر وقد تقدم ذكره في أوائل الغزوة على
الصواب فاما النضر بن أنس فهو ولده وكان إذ ذاك صغيرا وعاش بعد ذلك زمانا وقد تقدم في
هذه الأبواب ممن استشهد بها عبد الله بن عمر والد جابر ومن المشهورين عبد الله بن جبير أمير
الرماة وسعد بن الربيع ومالك بن سنان والد أبي سعيد وأوس بن ثابت أخو حسان وحنظلة
ابن أبي عامر المعروف بغسيل الملائكة وخارجة بن زيد بن أبي زهير صهر أبي بكر الصديق وعمرو
ابن الجموح ولكل من هؤلاء قصة مشهورة عند أهل المغازي ثم ذكر المصنف في الباب خمسة
287

أحاديث * الأول حديث أنس (قوله ما نعلم حيا من أحياء العرب أكثر شهيدا أغر) كذا
للكشميهني بغين معجمة وراء ولغيره بالمهملة والزاي (قوله قال قتادة) هو موصول بالاسناد المذكور
وأراد بذلك الاستدلال على صحة قول الأول (قوله قتل منهم يوم أحد سبعون) هذا هو المقصود
بالذكر من هذا الحديث هنا وظاهره أن الجميع من الأنصار وهو كذلك إلا القليل وقد سرد ابن إسحاق
أسماء من استشهد من المسلمين بأحد فبلغوا خمسة وستين منهم أربعة من المهاجرين حمزة وعبد الله
ابن جحش وشماس بن عثمان ومصعب بن عمير وأغفل ذكر سعد مولى حاطب وقد ذكره موسى
ابن عقبة وروى الحاكم في الإكليل وابن منده من حديث أبي بن كعب قال قتل من الأنصار
يوم أحد أربعة وستون ومن المهاجرين ستة وصححه ابن حبان من هذا الوجه ولعل السادس
ثقيف بن عمرو الأسلمي حليف بني عبد شمس فقد عده الواقدي منهم وعد ابن سعد ممن استشهد
بأحد من غير الأنصار الحرث بن عقبة بن قابوس المزني وعمه وهب بن قابوس وعبد الله وعبد
الرحمن ابني الهبيب بموحدتين مصغر من بني سعد بن ليث ومالكا والنعمان ابني خلف بن عوف
الأسلميين قال إنهما كانا طليعة للنبي صلى الله عليه وسلم فقتلا (قلت) ولعل هؤلاء كانوا من
حلفاء الأنصار فعدوا فيهم فإن كانوا من غير المعدودين أولا فحينئذ تكمل العدة سبعين من
الأنصار ويكون جملة من قتل من المسلمين أكثر من سبعين فمن قال قتل منهم سبعون الغي
الكسر والله أعلم وقد تقدم في أول هذه الغزوة النقل عن ابن إسحاق وغيره أن الاختلاف في
عدد من قتل من المسلمين يومئذ (قوله ويوم بئر معونة سبعون) سيأتي شرح ذلك قريبا ويوضح
أن الجميع لم يكونوا من الأنصار بل كان بعضهم من المهاجرين مثل عامر بن فهيرة مولى أبي بكر
ونافع بن ورقاء الخزاعي وغيرهما (قوله ويوم اليمامة سبعون) قد سرد أسماءهم الذين صنفوا في
الردة كسيف ووثيمة (قوله وكان بئر معونة الخ) قائل ذلك قتادة قاله شرحا لحديث أنس وقد
بينه أبو نعيم في المستخرج (قوله ويوم اليمامة على عهد أبي بكر ويوم مسيلمة الكذاب) كذا
بالواو وهي زائدة لان يوم اليمامة هو يوم مسيلمة ووقع عند أحمد من طريق حماد عن ثابت عن
أنس نحو حديث قتادة في عدة من قتل من الأنصار وزاد ويوم مؤتة سبعون وصححه أبو عوانة
وأخرجه الحاكم في الإكليل ولفظه عن أنس أنه كان يقول يا رب سبعين من الأنصار يوم أحد
وسبعين يوم بئر معونة وسبعين يوم مؤتة وسبعين يوم مسيلمة ثم أخرج من طريق إبراهيم بن المنذر
أن هذه الزيادة خطأ ثم أسنده من وجهين عن سعيد بن المسيب فذكر بدل يوم مؤتة يوم جسر
أبي عبيدة قال إبراهيم بن المنذر وهذا هو المعروف (قلت) وهي وقعة بالعراق كانت في خلافة عمر
* الحديث الثاني حديث جابر (قوله قدمه في اللحد) في حديث عبد الله بن ثعلبة عند ابن
إسحاق فكان يقول انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن فاجعلوه أمام أصحابه وذكر ابن إسحاق ممن
دفن جميعا عبد الله بن جحش وخاله حمزة بن عبد المطلب ومن وجه آخر أنه أمر بدفن عمرو بن
الجموح وعبد الله بن عمرو والد جابر (قوله فيه ولم يصل عليهم) تقدم الكلام عليه في الجنائز وقد
أجاب بعض الحنفية عنه بأنه ناف وغيره مثبت وأجيب بأن الاثبات مقدم على النفي غير المحصور
وأما نفي الشئ المحصور إذا كان راويه حافظا فإنه يترجح على الاثبات إذا كان راويه ضعيفا
كالحديث الذي فيه إثبات الصلاة على الشهيد وعلى تقدير التسليم فالأحاديث التي فيها ذلك
288

إنما هي في قصة حمزة فيحتمل أن يكون ذلك مما خص به حمزة من الفضل وأجيب بأن الخصائص
لا تثبت بالاحتمال ويجاب بأنه يوقف الاستدلال قالوا ويمكن الجمع بأنه لم يصل عليهم ذلك اليوم
كما قال جابر ثم صلى عليهم ثاني يوم كما قال غيره * الحديث الثالث (قوله وقال أبو الوليد عن شعبة)
وصله الإسماعيلي حدثنا أبو خليفة حدثنا أبو الوليد بسنده (قوله لما قتل أبي) زاد في الجنائز
يوم أحد (قوله والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه) في رواية الإسماعيلي لا ينهاني (قوله لا تبكه) كذا
هنا وظاهره أنه نهى لجابر وليس كذلك وإنما هو نهي لفاطمة بنت عمرو عمة جابر وقد أخرجه
مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ قتل أبي فذكر الحديث إلى أن قال وجعلت فاطمة بنت
عمرو عمتي تبكيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تبكيه وكذا تقدم عند المصنف في الجنائز نحو
هذا ومن طريق ابن عيينة عن ابن المنكدر نحوه والله أعلم * الحديث الرابع حديث أبي موسى
(قوله أرى عن النبي صلى الله عليه وسلم) كذا في الأصول وهو بضم الهمزة بمعنى أظن
والقائل ذلك هو البخاري كأنه شك هل سمع من شيخه صيغة الرفع أم لا وقد ذكر هذه العبارة
في هذا الحديث في علامات النبوة وفي التعبير وغيرهما وأخرجه مسلم وأبو يعلى عن أبي كريب
شيخ البخاري فلم يترددا فيه (قوله رأيت) في رواية الكشميهني أريت (قوله أني هززت سيفا) في
رواية الكشميهني سيفي وقد تقدم في أول الغزوة أنه ذو الفقار (قوله فانقطع صدره) عند ابن
إسحاق ورأيت في ذباب سيفي ثلما وعند أبي الأسود في المغازي عن عروة رأيت سيفي ذا الفقار قد
انقصم من عند ظبته وكذا عند ابن سعد وأخرجه البيهقي في الدلائل من حديث أنس وسبق
موصولا وفي رواية عروة كان الذي رأى بسيفه ما أصاب وجهه المكرم وعند ابن هشام
حدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قال وأما الثلم في السيف فهو رجل من أهل بيتي
يقتل (قوله ورأيت فيها بقرا) بالموحدة والقاف وفي رواية أبي الأسود عن عروة بقرا تذبح وكذا
في حديث بن عباس عند أبي يعلى (قوله والله خير) هذا من جملة الرؤيا كما جزم به عياض وغيره
كذا بالرفع فيهما على أنه مبتدأ وخبر وفيه حذف تقديره وصنع الله خير قال السهيلي معناه
رأيت بقرا تنحر والله عنده خير (قلت) في رواية بن إسحاق وإني رأيت والله خيرا رأيت بقرا وهي
أوضح والواو للقسم والله بالجر وخيرا مفعول رأيت وقال السهيلي البقر في التعبير بمعنى رجال
متسلحين يتناطحون (قلت) وفيه نظر فقد رأى الملك بمصر البقر وأولها يوسف عليه السلام
بالسنين وقد وقع في حديث بن عباس ومرسل عروة تأولت البقر التي رأيت بقرا يكون فينا
قال فكان ذلك من أصيب من المسلمين أه وقوله بقر هو بسكون القاف وهو شق البطن وهذا
أحد وجوه التعبير أن يشتق من الاسم معنى مناسب ويمكن أن يكون ذلك لوجه آخر من وجوه
التأويل وهو التصحيف فان لفظ بقر مثل لفظ نفر بالنون والفاء خطا وعند أحمد والنسائي
وابن سعد من حديث جابر بسند صحيح في هذا الحديث ورأيت بقرا منحرة وقال فيه فأولت أن
الدرع المدينة والبقر نفر هكذا فيه بنون وفاء وهو يؤيد الاحتمال المذكور فالله أعلم وسيأتي
بقية لهذا في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى الحديث الخامس حديث خباب تقدم بهذا السند
والمتن مع الكلام عليه * (قوله باب أحد جبل يحبنا ونحبه) قال السهيلي سمى
289

أحدا لتوحده وانقطاعه عن جبال أخرى هناك أو لما وقع من أهله من نصر التوحيد (قوله
قاله عباس بن سهل عن أبي حميد عن النبي صلى الله عليه وسلم) هو طرف من حديث وصله البزار
في الزكاة مطولا وقد تقدم شرح ما فيه هناك إلا ما يتعلق بأحد ونسبة مغلطاي إلى تخريجه
موصولا في كتاب الحج وإنما خرج هناك أصله دون خصوص هذه الزيادة (قوله أخبرني أبي)
هو علي بن نصر الجهضمي (قوله هذا جبل يحبنا ونحبه) ظهر من الرواية التي بعدها أنه صلى الله
عليه وسلم قال ذلك لما رآه في حال رجوعه من الحج ووقع في رواية أبي حميد أنه قال لهم ذلك
لما رجع من تبوك وأشرف على المدينة قال هذه طابة فلما رأى أحدا قال هذا جبل يحبنا ونحبه
فكأنه صلى الله عليه وسلم تكرر منه ذلك القول وللعلماء في معنى ذلك أقوال * أحدها أنه على
حذف مضاف والتقدير أهل أحد والمراد بهم الأنصار لانهم جيرانه * ثانيها أنه قال ذلك
للمسرة بلسان الحال إذا قدم من سفر لقربه من أهله ولقياهم وذلك فعل من يحب بمن يحب
* ثالثها أن الحب من الجانبين على حقيقته وظاهره لكون أحد من جبال الجنة كما ثبت في
حديث أبي عبس بن جبر مرفوعا جبل أحد يحبنا ونحبه وهو من جبال الجنة أخرجه أحمد
ولا مانع في جانب البلد من إمكان المحبة منه كما جاز التسبيح منها وقد خاطبه صلى الله عليه وسلم
مخاطبة من يعقل فقال لما اضطرب أسكن أحد الحديث وقال السهيلي كان صلى الله عليه وسلم
يحب الفأل الحسن والاسم الحسن ولا اسم أحسن من اسم مشتق من الأحدية قال ومع كونه
مشتقا من الأحدية فحركات حروفه الرفع وذلك يشعر بارتفاع دين الاحد وعلوه فتعلق الحب
من النبي صلى الله عليه وسلم به لفظا ومعنى فخص من بين الجبال بذلك والله أعلم وقد تقدم شئ من
الكلام على قوله يحبنا ونحبه في باب من غزا بصبي للخدمة من كتاب الجهاد ثم ذكر المصنف
حديث عقبة بن عامر في صلاته صلى الله عليه وسلم على أهل أحد وقد تقدم مع الكلام عليه في
أول الباب (قوله باب غزوة الرجيع) سقط لفظ باب لأبي ذر والرجيع بفتح
الراء وكسر الجيم وفي الأصل اسم للروث سمى بذلك لاستحالته والمراد هنا اسم موضع من بلاد
هذيل كانت الوقعة بقرب منه فسميت به (قوله ورعل وذكوان) أي وغزوة رعل وذكوان فأما
رعل فبكسر الراء وسكون المهملة بطن من بني سليم ينسبون إلى رعل بن عوف بن مالك بن امرئ
القيس بن لهيعة بن سليم وأما ذكوان فبطن من بني سليم أيضا ينسبون إلى ذكوان بن ثعلبة
بن بهثة بن سليم فنسبت الغزوة إليهما (قوله وبئر معونة) بفتح الميم وضم المهملة وسكون الواو
بعدها نون موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان وهذه الوقعة تعرف بسرية القراء وكانت مع بني
رعل وذكوان المذكورين وسيذكر ذلك في حديث أنس المذكور في الباب (قوله وحديث
عضل والقارة) أما عضل فبفتح المهملة ثم المعجمة بعدها لام بطن من بني الهول بن خزيمة بن مدركة
بن الياس بن مضر ينسبون إلى عضل بن الديش بن محكم وأما القارة فبالقاف وتخفيف الراء
بطن من الهول أيضا ينسبون إلى الديش المذكور وقال ابن دريد القارة أكمة سوداء فيها حجارة
كأنهم نزلوا عندها فسموا بها ويضرب بهم المثل في إصابة الرمي وقال الشاعر
قد انصف القارة من راماها * وقصة العضل والقارة كانت في غزوة الرجيع لا في سرية
بئر معونة وقد فصل بينهما بن إسحاق فذكر غزوة الرجيع في أواخر سنة ثلاث وبئر معونة في
290

أوائل سنة أربع ولم يقع ذكر عضل والقارة عند المصنف صريحا وإنما وقع ذلك عند بن إسحاق فإنه
بعد أن استوفى قصة أحد قال ذكر يوم الرجيع حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال قدم على رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاما فابعث
معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا فبعث معهم ستة من أصحابه فذكر القصة وعرف بها بيان قول
المصنف قال بن إسحاق حدثنا عاصم بن عمر أنها بعد أحد وان الضمير يعود على غزوة الرجيع لا على
غزوة بئر معونة وسأذكر ما عنده فيهما من فائدة زائدة في شرح حديث أبي هريرة في الباب (قوله
وعاصم بن ثابت) أي ابن أبي الأقلح بالقاف والمهملة الأنصاري وخبيب بالمعجمة والموحدة مصغر
(قوله وأصحابه) يعني العشرة كما سنذكره في حديث أبي هريرة (تنبيه) * سياق هذه الترجمة يوهم
أن غزوة الرجيع وبئر معونة شئ واحد وليس كذلك كما أوضحته فغزوة الرجيع كانت سرية عاصم
وخبيب في عشرة أنفس وهي مع عضل والقارة وبئر معونة كانت سرية القراء السبعين وهي مع
رعل وذكوان وكأن المصنف أدرجها معها لقربها منها ويدل على قربها منها ما في حديث أنس
من تشريك النبي صلى الله عليه وسلم بين بني لحيان وبني عصية وغيرهم في الدعاء عليهم وذكر
الواقدي أن خبر بئر معونة وخبر أصحاب الرجيع جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة
ورجح السهيلي أن رواية البخاري أن عاصم كان أميرهم أرجح وجمع غيره بأن أمير السرية مرثد
وأن أمير العشرة عاصم بناء على التعدد ولم يرد المصنف أنهما قصة واحدة والله أعلم (قوله عن عمرو
بن أبي سفيان الثقفي) هكذا يقول معمر ووافقه شعيب وآخرون وقد تقدم مستوفى في
الجهاد بأتم من هذا وإبراهيم بن سعد يقول عن الزهري عن عمر بضم العين كذا أخرجه ابن سعد
عن معن بن عيسى عنه وكذا قال الطيالسي عن إبراهيم وبذلك جزم الذهلي في الزهريات لكن
وقع في غزوة بدر عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عمرو بفتح العين وأخرجه أبو داود عن
موسى المذكور فقال عمر كذا قال بن أخي الزهري ويونس من رواية الليث عنه عن الزهري
عن عمر قال البخاري في تاريخه عمرو أصح وقد ذكر ت ما فيه في غزوة بدر (قوله بعث النبي
صلى الله عليه وسلم سرية) في رواية الكشميهني بسرية بزيادة موحدة في أوله وفي رواية
إبراهيم بن سعد التي مضت في غزوة بدر بعث عشرة عينا يتجسسون له وفي رواية أبي الأسود
عن عروة بعثهم عيونا إلى مكة ليأتوه بخبر قريش وذكر الواقدي أن سبب خروج بني لحيان
عليهم قتل سفيان بن نبيح الهذلي (قلت) وكان قتل سفيان المذكور على يد عبد الله بن أنيس
وقصته عند أبي داود بإسناد حسن وذكر بن إسحاق أنهم كانوا ستة وسماهم وهم عاصم بن ثابت
المذكور ومرثد بن أبي مرثد وخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة وهو بفتح الدال وكسر المثلثة
بعدها نون وعبد الله بن طارق وخالد بن البكير وجزم بن سعد بأنهم كانوا عشرة وساق أسماء
الستة المذكورين وزاد معتب بن عبيد قال وهو أخو عبد الله بن طارق لامه وكذا سمى
موسى بن عقبة السبعة المذكورين لكن قال معتب بن عوف (قلت) فلعل الثلاثة
الآخرين كانوا أتباعا لهم فلم يحصل الاعتناء بتسميتهم (قوله وأمر عليهم عاصم بن ثابت) كذا
في الصحيح وفي السيرة أن الأمير عليهم كان مرثد بن أبي مرثد وما في الصحيح أصح (قوله حتى إذا
كانوا بين عسفان ومكة) تقدم في غزوة بدر حتى إذا كانوا بالهداة وهي للأكثر بسكون الدال
291

بعدها همزة مفتوحة وللكشميهني بفتح الدال وتسهيل الهمزة وعند ابن إسحاق الهدة بتشديد
الدال بغير ألف قال وهي على سبعة أميال من عسفان (قوله وهو جد عاصم بن عمر) تقدم أنه
خال عاصم لا جده وأن الرواية المتقدمة يمكن ردها إلى الصواب بأن يقرأ جد بالكسر وأما هذه
فلا حيلة فيها وقد أخذ بظاهرها بعضهم فقال تزوج عمر جميلة بنت عاصم بن ثابت فولدت له
عاصما (قوله يقال لهم بنو لحيان) بكسر اللام وقيل بفتحها وسكون المهملة ولحيان هو ابن
هذيل نفسه وهذيل هو ابن مدركة بن الياس بن مضر وزعم الهمداني النسابة أن أصل بني لحيان
من بقايا جرهم دخلوا في هذيل فنسبوا إليهم (قوله فتبعوهم بقريب من مائة رام) في رواية شعيب
في الجهاد فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل والجمع بينهما واضح بأن تكون المائة الأخرى غير رماة
ولم أقف على اسم أحد منهم (قوله فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر) في
رواية أبي معشر في مغازيه فنزلوا بالرجيع سحرا فأكلوا تمر عجوة فسقطت نواة بالأرض وكانوا
يسيرون الليل ويكمنون النهار فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنما فرأت النواة فأنكرت صغرهن
وقالت هذا تمر يثرب فصاحت في قومها أتيتم فجاءوا في طلبهم فوجدوهم قد كمنوا في الجبل (قوله
حتى لحقوهم) في رواية ابن سعد فلم يرع القوم إلا بالرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم
(قوله لجؤا إلى فدفد) بفاءين مفتوحتين ومهملتين الأولى ساكنة وهي الرابية المشرفة ووقع عند
أبي داود إلى قردد بقاف وراء ودالين قال بن الأثير هو الموضع المرتفع ويقال الأرض المستوية
والأول أصح (قوله فقالوا لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا) في رواية
ابن سعد فقالوا لهم إنا والله ما نريد قتالكم إنما نريد أن نصيب منكم شيئا من أهل مكة (قوله
فقال عاصم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر) في مرسل بريدة بن سفيان عن سعيد بن منصور
فقال عاصم اليوم لا أقبل عهدا من مشرك (قوله فقال اللهم أخبر عنا رسولك) في رواية
الطيالسي عن إبراهيم بن سعد فاستجاب الله لعاصم فأخبر رسوله خبره فأخبر أصحابه بذلك يوم
أصيبوا وفي رواية بريدة فقال عاصم اللهم إني أحمى لك اليوم دينك فاحمي لي لحمي وسيأتي
ما يتعلق بذلك في آخر الكلام على الحديث (قوله في سبعة) أي في جملة سبعة (قوله وبقى خبيب
وزيد ورجل آخر) في رواية بن إسحاق فأما خبيب بن عدي وزيد ابن الدثنة وعبد الله بن طارق
فاستأسروا وعرف منه تسمية الرجل الثالث وأنه عبد الله بن طارق وفي رواية أبي الأسود عن
عروة أنهم صعدوا في الجبل فلم يقدروا عليهم حتى أعطوهم العهد والميثاق (قوله فربطوهم
بها فقال الرجل الثالث الذي معهما هذا أول الغدر الخ) وهو يقتضي أن ذلك وقع منه أول
ما أسروهم لكن في رواية ابن إسحاق فخرجوا بالنفر الثلاثة حتى إذا كانوا بمر الظهران انتزع
عبد الله بن الطارق يده وأخذ سيفه فذكر قصة قتله فيحتمل أنهم إنما ربطوهم بعد أن
وصلوا إلى مر الظهران وإلا فما في الصحيح أصح (قوله حتى باعوهما بمكة) في رواية بن إسحاق
وابن سعد فأما زيد فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه وعند ابن سعد أن الذي تولى قتله نسطاس
مولى صفوان (قوله فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل) بين بن إسحاق أن الذي تولى
شراءه هو حجين بن أبي إهاب الثميمي حليف بني نوفل وكان أخا الحارث بن عامر لامه وفي رواية
بريدة بن سفيان أنهم اشتروا خبيبا بأمة سوداء وقال ابن هشام باعوهما بأسيرين من هذيل كانا
292

بمكة ويمكن الجمع (قوله وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر) كذا وقع في حديث أبي
هريرة واعتمد البخاري على ذلك فذكر خبيب بن عدي فيمن شهد بدرا وهو اعتماد متجه لكن تعقبه
الدمياطي بأن أهل المغازي لم يذكر أحد منهم أن خبيب بن عدي شهد بدرا ولا قتل الحرث بن عامر
وإنما ذكروا أن الذي قتل الحارث بن عامر ببدر خبيب بن أساف وهو غير خبيب بن عدي وهو
خزرجي وخبيب بن عدي أوسي والله أعلم (قلت) يلزم من الذي قال ذلك رد هذا الحديث الصحيح
فلو لم يقتل خبيب بن عدي الحارث بن عامر ما كان لاعتناء الحرث بن عامر بأسر خبيب معنى ولا
بقتله مع التصريح في الحديث الصحيح أنهم قتلوه به لكن يحتمل أن يكون قتلوه بخبيب بن عدي
لكون خبيب بن أساف قتل الحارث على عادتهم في الجاهلية بقتل بعض القبيلة عن بعض
ويحتمل أن يكون خبيب بن عدي شرك في قتل الحارث والعلم عند الله تعالى (قوله فمكث
عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله) في رواية ابن سعد فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرم
ثم أخرجوهما إلى التنعيم فقتلوهما وفي رواية بريدة بن سفيان فأساؤا إليه في اساره فقال لهم
ما تصنع القوم الكرام هذا بأسيرهم قال فأحسنوا إليه بعد ذلك وجعلوه عند امرأة تحرسه
وروى ابن سعد من طريق موهب مولى آل نوفل قال قال لي خبيب وكانوا جعلوه عندي
يا موهب أطلب إليك ثلاثا أن تسقيني العذب وأن تجنبني ما ذبح على النصب وأن تعلمني إذا
أرادوا قتلي (قوله حتى إذا أجمعوا على قتله استعار موسى) هكذا وقعت هذه القصة مدرجة
في رواية معمر وكذا إبراهيم بن سعد كما تقدم في غزوة بدر وقد وصلها شعيب في روايته كما تقدم
في الجهاد قال فلبث خبيب عندهم أسيرا فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته
أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى ووقع في الأطراف لخلف أن اسمها زينب بنت الحارث
وهي أخت عقبة بن الحارث الذي قتل خبيبا وقيل امرأته وعبيد الله بن عياض المذكور قال
الدمياطي أغفله من صنف في رجال البخاري (قلت) لكن ترجم له المزي وذكر أنه تابعي روى
عن عائشة وغيرها وروى عنه الزهري وعبد الله بن عثمان بن خثيم وغيرهما والقائل فأخبرني
هو الزهري ووهم من زعم أنه عمرو بن أبي سفيان وعند بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح
قال حدثت مارية مولاة حجين بن أبي إهاب وكانت قد أسلمت قالت حبس خبيب في بيتي ولقد
اطلعت عليه يوما وان في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه فإن كان محفوظا
احتمل أن يكون كل من مارية وزينب رأت القطف في يده يأكله وأن التي حبس في بيتها مارية
والتي كانت تحرسه زينب جمعا بين الروايتين ويحتمل أن يكون الحارث أبا لمارية من الرضاع
ووقع عند بن بطال أن اسم المرأة جويرية فيحتمل أن يكون لما رأى قول ابن إسحاق إنها مولاة
حجين بن أبي إهاب أطلق عليها جويرية لكونها أمة أو يكون وقع له رواية فيها أن اسمها جويرية
وقوله موسى يجوز فيه الصرف وعدمه وقوله ليستحدبها في رواية بريدة بن سفيان ليستطيب
بها والمراد أنه يحلق عانته (قوله قالت فغفلت عن صبي لي) ذكر الزبير بن بكار أن هذا الصبي
هو أبو حسين بن الحارث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وهو جد عبد الله بن عبد الرحمن بن
أبي حسين المكي المحدث وهو من أقران الزهري وفي رواية بريدة بن سفيان وكان لها ابن صغير
فأقبل إليه الصبي فأخذه فأجلسه عنده فخشيت المرأة أن يقتله فناشدته وعند أبي الأسود عن
293

عروة فأخذ خبيب بيد الغلام فقال هل أمكن الله منكم فقالت ما كان هذا ظني بك فرمى لها
الموسى وقال إنما كنت مازحا وفي رواية بريدة بن سفيان ما كنت لأغدر وعند ابن إسحاق عن
ابن أبي نجيح وعاصم بن عمر جميعا أن مارية قالت قال لي خبيب حين حضره القتل ابعثي لي بحديدة
أتطهر بها قالت فأعطيته غلاما من الحي قال بن هشام يقال إن الغلام ابنها ويجمع بين
الروايتين بأنه طلب الموسى من كل من المرأتين وكان الذي أوصله إليه بن إحداهما وأما الابن
الذي خشيت عليه ففي رواية هذا الباب فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على
فخذه فهذا غير الذي أحضر إليه الحديدة والله أعلم (قوله لقد رأيته يأكل من قطف عنب
وما بمكة يومئذ ثمرة) القطف بكسر القاف العنقود وفي رواية بن إسحاق عن بن أبي نجيح كما تقدم
وان في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل (قوله وما كان إلا رزق رزقه الله) في رواية بن سعد
رزقه الله خبيبا وفي رواية شعيب وثابت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيبا قال ابن بطال هذا
يمكن أن يكون الله جعله آية على الكفار وبرهانا لنبيه لتصحيح رسالته قال فاما من يدعى وقوع
ذلك له اليوم بين ظهراني المسلمين فلا وجه له إذ المسلمون قد دخلوا في الدين وأيقنوا بالنبوة فأي
معنى لاظهار الآية عندهم ولو لم يكن في تجويز ذلك إلا أن يقول جاهل إذا جاز ظهور هذه الآيات
على يد غير نبي فكيف نصدقها من نبي والفرض أن غيره يأتي بها لكان في إنكار ذلك قطعا للذريعة
إلى أن قال إلا أن يكون وقوع ذلك مما لا يخرق عادة ولا يقلب عينا مثل أن يكرم الله عبدا بإجابة
دعوة في الحين ونحو ذلك مما يظهر فيه فضل الفاضل وكرامة الولي ومن ذلك حماية الله تعالى عاصما
لئلا ينتهك عدوه حرمته انتهى والحاصل ان بن بطال توسط بين من يثبت الكرامة ومن ينفيها
فجعل الذي يثبت ما قد تجري به العادة لآحاد الناس أحيانا والممتنع ما يقلب الأعيان مثلا
والمشهور عن أهل السنة إثبات الكرامات مطلقا لكن استثنى بعض المحققين منهم كأبي القاسم
القشيري ما وقع به التحدي لبعض الأنبياء فقال ولا يصلون إلى مثل إيجاد ولد من غير أب ونحو ذلك
وهذا أعدل المذاهب في ذلك فإن إجابة الدعوة في الحال وتكثير الطعام والماء والمكاشفة بما
يغيب عن العين والاخبار بما سيأتي ونحو ذلك قد كثر جدا حتى صار وقوع ذلك مما ينسب إلى
الصلاح كالعادة فانحصر الخارق الآن فيما قاله القشيري وتعين تقييد قول من أطلق ان كل
معجزة وجدت لنبي يجوز أن تقع كرامة لولي ووراء ذلك كله أن الذي استقر عند العامة أن خرق
العادة يدل على أن من وقع له ذلك من أولياء الله تعالى وهو غلط ممن يقوله فان الخارق قد يظهر على
يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب فيحتاج من يستدل بذلك على ولاية أولياء الله تعالى إلى فارق
وأولى ما ذكروه أن يختبر حال من وقع له ذلك فإن كان متمسكا بالأوامر الشرعية والنواهي كان
ذلك علامة ولايته ومن لا فلا وبالله التوفيق قوله (فلما خرجوا به (1) من الحرم) بين ابن إسحاق
أنهم أخرجوه إلى التنعيم (قوله دعوني أصل) كذا للكشميهني بغير ياء ولغيره بثبوت الياء ولكل
وجه ولموسى بن عقبة أنه صلى ركعتين في موضع مسجد التنعيم (قوله لزدت) في رواية بريدة
بن سفيان لزدت سجدتين أخريين (قوله ثم قال اللهم أحصهم عددا) زاد في رواية إبراهيم بن سعد
واقتلهم بددا أي متفرقين ولا تبق منهم أحدا وفي رواية بريدة بن سفيان فقال خبيب اللهم إني
لا أجد من يبلغ رسولك مني السلام فبلغه وفيه فلما رفع على الخشبة استقبل الدعاء قال فلبد رجل
294

بالأرض خوفا من دعائه فقال اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا قال فلم يحل الحول ومنهم أحد حي
غير ذلك الرجل الذي لبد بالأرض وحكى بن إسحاق عن معاوية بن أبي سفيان قال كنت مع أبي
فجعل يلقيني إلى الأرض حين سمع دعوة خبيب وفي رواية أبي الأسود عن عروة ممن حضر ذلك
أبو إهاب بن عزيز والاخنس بن شريق وعبيدة بن حكيم السلمي وأمية بن عتبة بن همام وعنده أيضا
فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأخبر أصحابه بذلك وعند موسى بن عقبة فزعموا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك اليوم وهو جالس وعليك السلام يا خبيب قتلته قريش
(قوله ما إن أبالي) هكذا للأكثر وللكشميهني فلست أبالي وهو أوزن والأول جائز لكنه مخروم
ويكمل بزيادة الفاء وما نافية وان بعدها بكسر الهمزة نافية أيضا للتأكيد وفي رواية شعيب
للكشميهني وما إن أبالي بزيادة واو ولغيره ولست أبالي وقوله وذلك في ذات الاله يأتي الكلام
على هذه اللفظة في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى (قوله أوصال شلو ممزع) الأوصال جمع وصل
وهو العضو والشلو بكسر المعجمة الجسد وقد يطلق على العضو ولكن المراد به هنا الجسد والممزع
بالزاي ثم المهملة المقطع ومعنى الكلام أعضاء جسد يقطع وعند أبي الأسود عن عروة زيادة
في هذا الشعر
لقد أجمع الأحزاب حولي وألبوا * قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وفيه إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي * وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي *
وساقها بن إسحاق ثلاثة عشر بيتا قال ابن هشام ومنهم من ينكرها لخبيب (قوله ثم قام إليه
عقبة بن الحارث فقتله) سيأتي البحث فيه في الحديث الذي بعده وفي رواية أبي الأسود عن
عروة فلما وضعوا فيه السلاح وهو مصلوب نادوه وناشدوه أتحب أن محمدا مكانك قال لا والله
العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة في قدمه (قوله وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشئ من جسده
يعرفونه وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر) لعل العظيم المذكور عقبة بن أبي معيط فان
عاصما قتله صبرا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن انصرفوا من بدر ووقع عند ابن إسحاق
وكذا في رواية بريدة بن سفيان أن عاصما لما قتل أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة
بنت سعد بن شهيد وهي أم مسافع وحلاس ابني طلحة العبدري وكان عاصم قتلهما يوم أحد
وكانت نذرت لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن الخمر في قحفه فمنعته الدبر فإن كان محفوظا
احتمل أن تكون قريش لم تشعر بما جرى لهذيل من منع الدبر لها من أخذ رأس عاصم فأرسلت
من يأخذه أو عرفوا بذلك ورجوا أن تكون الدبر تركته فيتمكنوا من أخذه (قوله مثل الظلة
من الدبر) الظلة بضم المعجمة السحابة والدبر بفتح المهملة وسكون الموحدة الزنابير وقيل ذكور
النحل ولا واحد له من لفظه وقوله فحمته بفتح المهملة والميم أي منعته منهم (قوله فلم يقدروا
منه على شئ) في رواية شعبة فلم يقدروا أن يقطعوا من لحمة شيئا وفي رواية أبي الأسود عن عروة
فبعث الله عليهم الدبر تطير في وجوههم وتلدغهم فحالت بينهم وبين أن يقطعوا وفي رواية ابن
إسحاق عن عاصم بن عمر عن قتادة قال كان عاصم بن ثابت أعطى الله عهدا أن لا يمسه
مشرك ولا يمس مشركا أبدا فكان عمر يقول لما بلغه خبره يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما
حفظه في حياته وفي الحديث أن للأسير أن يمتنع من قبول الأمان ولا يمكن من نفسه ولو قتل أنفة
295

من أنه يجري عليه حكم كافر وهذا إذا أراد الاخذ بالشدة فإن أراد الاخذ بالرخصة فله أن يستأمن
قال الحسن البصري لا بأس بذلك وقال سفيان الثوري أكره ذلك وفيه الوفاء للمشركين
بالعهد والتورع عن قتل أولادهم والتلطف بمن أريد قتله وإثبات كرامة الأولياء والدعاء على
المشركين بالتعميم والصلاة عند القتل وفيه إنشاء الشعر وإنشاده عند القتل ودلالة على قوة يقين
خبيب وشدته في دينه وفيه أن الله يبتلي عبده المسلم بما شاء كما سبق في علمه ليثيبه ولو شاء ربك
ما فعلوه وفيه استجابة دعاء المسلم وإكرامه حيا وميتا وغير ذلك من الفوائد مما يظهر بالتأمل وإنما
استجاب الله له في حماية لحمه من المشركين ولم يمنعهم من قتله لما أراد من إكرامه بالشهادة ومن
كرامته حمايته من هتك حرمته بقطع لحمه وفيه ما كان عليه مشركو قريش من تعظيم الحرم
والأشهر الحرم * الحديث الثاني (قوله عن عمرو) هو ابن دينار (قوله الذي قتل خبيبا
هو أبو سروعة) زاد سعيد بن منصور عن سفيان واسمه عقبة بن الحارث ووقع عند الإسماعيلي
من رواية بن أبي عمر عن سفيان مدرجا وهذا خالف فيه سفيان جماعة من أهل السير والنسب
فقالوا أبو سروعة أخو عقبة بن الحرث حتى قال أبو أحمد العسكري من زعم أنهما واحد فقد وهم
وذكر بن إسحاق بإسناد صحيح عن عقبة بن الحارث قال ما أنا قتلت خبيبا لأني كنت أصغر من ذلك
ولكن أبا ميسرة العبدري أخذ الحربة فجعلها في يدي ثم أخذ بيدي وبالحربة ثم طعنه بها حتى قتله
* الحديث الثالث وهو أول حديث بئر معونة وجميعها عن أنس (قوله بعث النبي صلى الله
عليه وسلم سبعين رجلا لحاجة) فسر قتادة الحاجة كما سيأتي قريبا بقوله أن رعلا وغيرهم استمدوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار وقد تقدم في الجهاد من وجه
آخر عن سعيد عن قتادة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان
فزعموا أنهم أسلموا واستمدوا على قومهم وفي هذا رد على من قال رواية قتادة وهم وأنهم لم يستمدوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الذي استمدهم عامر بن الطفيل على أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم انتهى ولا مانع أن يستمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظاهر ويكون قصدهم
الغدر بهم ويحتمل أن يكون الذين استمدوا غير الذين استمدهم عامر بن الطفيل وإن كان الكل من
بني سليم وفي رواية عاصم آخر الباب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أقواما إلى ناس من
المشركين بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ويحتمل أنه لم يكن استمدادهم لهم
لقتال عدو وإنما هو للدعاء إلى الاسلام وقد أوضح ذلك بن إسحاق قال حدثني أبي عن المغيرة بن
عبد الرحمن وغيره قال قدم أبو براء عامر بن مالك المعروف بملاعب الأسنة على رسول الله صلى
الله عليه وسلم فعرض عليه الاسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى
أهل نجد رجوت أن يستجيبوا لك وأنا جار لهم فبعث المنذر بن عمرو في أربعين رجلا منهم الحرث
ابن الصمة وحرام بن ملحان ورافع بن بديل بن ورقاء وعروة بن أسماء وعامر بن فهيرة وغيرهم من
خيار المسلمين وكذلك أخرج هذه القصة موسى بن عقبة عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن
عبد الله بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم نحوه لكن لم يسم المذكورين ووصله
الطبري من وجه آخر عن ابن شهاب عن بن كعب بن مالك عن كعب ووصلها أيضا بن عائذ من
حديث بن عباس لكن بسند ضعيف وهي عند مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن
296

أنس مختصرا ولم يسم أبا براء بل قال إن ناسا ويمكن الجمع بينه وبين الذي في الصحيح بأن الأربعين
كانوا رؤساء وبقية العدة أتباعا ووهم من قال كانوا ثلاثين فقط وذكر المصنف في مرسل
عروة أن عامر بن الطفيل أسر عمرو بن أمية يوم بئر معونة وهو شاهد لمرسل ابن إسحاق (قوله
يقال لهم القراء) قد بين قتادة في روايته أنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل وفي رواية
ثابت ويشترون به الطعام لأهل الصفة ويتدارسون القرآن بالليل ويتعلمون (قوله فعرض
لهم حيان) بالمهملة والتحتانية تثنية حي أي جماعة من بني سليم (قوله في رواية قتادة أن
رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان) ذكر بني لحيان في هذه القصة وهم وأنما كان بنو لحيان في
قصة خبيب في غزوة الرجيع التي قبل هذه (قوله في رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس أن النبي
صلى الله عليه وسلم بعث خاله أخا أم سليم في سبعين راكبا) قد سماه في هذه الرواية حراما وكذا في
رواية ثمامة عن أنس التي بعدها والضمير في خاله لأنس وقد قال في الرواية الأخرى الآتية عن
ثمامة عن أنس لما طعن حران بن ملحان وكان خاله وعجب تجويز الكرماني أن الضمير للنبي صلى
الله عليه وسلم قال وحرام خاله من الرضاعة ويجوز أن يكون من جهة النسب كذا قاله (قوله
قال أنس فقرأنا فيهم قرآنا ثم إن ذلك) أي القرآن (رفع) أي نسخت تلاوته وفي الرواية
المتقدمة ثم رفع بعد ذلك ورواه أحمد عن غندر عن شعبة بلفظ ثم نسخ ذلك (قوله زاد خليفة) هو
ابن خياط وهو أحد شيوخ البخاري (قوله قرآنا كتابا نحوه) أي نحو رواية عبد الاعلى بن حماد
عن يزيد بن زريع (قوله في رواية إسحاق وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل) أي ابن مالك بن
جعفر بن كلاب وهو ابن أخي أبي براء عامر بن مالك (قوله خير) بفتح أوله وحذف المفعول
أي خير النبي صلى الله عليه وسلم وبينه البيهقي في الدلائل من رواية عثمان بن سعيد عن موسى
ابن إسماعيل شيخ البخاري فيه ولفظه وكان أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أخيرك بين ثلاث
خصال فذكر الحديث ووقع في بعض النسخ خير بضم أوله وخطأها بن قرقول (قوله بألف
وألف) في رواية عثمان بن سعيد بألف أشقر وألف شقراء (قوله غدة كغدة البكر) يجوز
فيه الرفع بتقدير أصابتني غدة أو غدة بي ويجوز النصب على المصدر أي أغده غدة مثل بعيره
والغدة بضم المعجمة من أمراض الإبل وهو طاعونها (قوله في بيت امرأة من آل بني فلان)
بينها الطبراني من حديث سهل بن سعد فقال امرأة من آل سلول وبين فيه قدوم عامر بن
الطفيل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قال فيه لأغزونك بألف أشقر وألف شقراء وأن النبي
صلى الله عليه وسلم أرسل أصحاب بئر معونة بعد أن رجع عامر وأنه غدر بهم وأخفر ذمة عمه
297

أبي براء وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه فقال اللهم اكفني عامرا قال فجاء إلى بيت امرأة
من بني سلول (قلت) سلول امرأة وهي بنت ذهل بن شيبان وزوجها مرة بن صعصعة أخو عامر
ابن صعصعة فنسب بنوه إليها (قوله فأنطلق حرام أخو أم سليم وهو رجل أعرج) كذا هنا على
أنها صفة حرام وليس كذلك بل الأعرج غيره وقد وقع في رواية عثمان بن سعيد فانطق حرام
ورجلان معه رجل أعرج ورجل من بني فلان فالذي يظهر أن الواو في قوله وهو قدمت سهوا
من الكاتب والصواب تأخيرها وصواب الكلام فانطلق حرام هو ورجل أعرج فأما الأعرج
فاسمه كعب بن زيد وهو من بني دينار بن النجار وأما الآخر فاسمه المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة
بن الجلاح الخزرجي سماهما بن هشام في زيادات السيرة ووقع في بعض النسخ هو ورجل
أعرج وهو الصواب (قوله فإن آمنوني كنتم) وقع هنا بطريق الاكتفاء ووقع في رواية عثمان
ابن سعيد المذكور فان آمنوني كنتم كذا ولعل لفظه كذا من الراوي كأنه كتبها على قوله كنتم
أي كذا وقع بطريق الاكتفاء ولأبي نعيم في المستخرج من طريق عبيد الله بن زيد المقري
عن همام فان آمنون كنتم قريبا مني فهذه رواية مفسرة (قوله فجعل يحدثهم) في رواية الطبري
من طريق عكرمة عن عمار عن إسحاق بن أبي طلحة في هذه القصة فخرج حرام فقال يا أهل بئر معونة
إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم فآمنوا بالله ورسوله فخرج رجل من كسر البيت
برمح فضربه في جنبه حتى خرج من الشق الآخر (قوله فأومئوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه)
لم أعرف اسم الرجل الذي طعنه ووقع في السيرة لابن إسحاق ما ظاهره أنه عامر بن الطفيل لأنه
قال فلما نزلوا أي الصحابة بئر معونة بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
عامر بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله لكن وقع في الطبراني من طريق ثابت
عن أنس أن قاتل حرام بن ملحان أسلم وعامر بن الطفيل مات كافرا كما تقدم في هذا الباب وأما
ما أخرجه المستغفري في الصحابة من طريق القاسم عن أبي أمامة عن عامر بن الطفيل أنه قال
يا رسول الله زودني بكلمات قال يا عامر أفش السلام وأطعم الطعام واستحي من الله وإذا أسأت
فأحسن الحديث فهو أسلمي ووهم المستغفري في كونه ساق في ترجمته نسب عامر بن الطفيل
العامري وقد روى البغوي في ترجمة أبي براء عامر بن مالك العامري من طريق عبد الله بن بريدة
الأسلمي قال حدثني عمي عامر بن الطفيل فذكر حديثا فعرف أن الصحابي أسلمي ووافق اسمه واسم
أبيه العامري فكان ذلك سبب الوهم (قوله قال الله أكبر فزت ورب الكعبة فلحق الرجل
فقتلوا كلهم) أشكل ضبط قوله فلحق الرجل في هذا السياق فقيل يحتمل أن يكون المراد بالرجل
الرجل الذي كان رفيق حرام وفيه حذف تقديره فلحق الرجل بالمسلمين ويحتمل أن يكون
المراد به قاتل حرام والتقدير فطعن حراما فقال فزت ورب الكعبة فلحق الرجل المشرك الطاعن
بقومه المشركين فاجتمعوا على المسلمين فقتلوا كلهم ويحتمل أن يكون فلحق بضم اللام والرجل هو
حرام أي لحقه أجله أو الرجل رفيقه بمعنى أنهم لم يمكنوه أن يرجع إلى المسلمين بل لحقه المشركون
فقتلوه وقتلوا أصحابه ويحتمل أن يضبط الرجل بسكون الجيم وهو صيغة جمع والمعنى أن الذي
طعن حراما لحق بقومه وهم الرجال الذين استنصر بهم عامر بن الطفيل والرجل بسكون الجيم
هم المسلمون القراء فقتلوا كلهم وهذا أوجه التوجيهات إن ثبتت الرواية بسكون الجيم والله
298

أعلم (قوله فقتلوا كلهم غير الأعرج كان في رأس جبل) في رواية حفص بن عمر عن همام
في كتاب الجهاد فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل قال همام وآخر معه وفي رواية الإسماعيلي
من هذا الوجه فقتلوا أصحابه غير الأعرج وكان في رأس الجبل (قوله ثم كان من المنسوخ) أي
المنسوخ تلاوته فلم يبق له حكم حرمة القرآن كتحريمه على الجنب وغير ذلك (قوله في رواية ثمامة
وكان خاله) أي خال أنس (قوله قال بالدم هكذا) هو من إطلاق القول على الفعل وقد فسره
بأنه نضح الدم (قوله فزت ورب الكعبة) أي بالشهادة (قوله عن عائشة قالت استأذن
النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر في الخروج) يعني في الهجرة وقد تقدم شرح الحديث مستوفى
بطوله في أبواب الهجرة وإنما ذكر منه ههنا هذه القطعة من أجل ذكر عامر بن فهيرة لينبه أنه كان
من السابقين (قوله فيه فكان عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة أخو عائشة
في رواية الكشميهني أخي عائشة وهما جائزان الأولى على القطع والثانية على البدل وفي قوله
عبد الله بن الطفيل نظر وكأنه مقلوب والصواب كما قال الدمياطي الطفيل بن عبد الله بن
سخبرة وهو أزدى من بني زهران وكان أبوه زوج أم رومان والدة عائشة فقدما في الجاهلية مكة
فحالف أبا بكر ومات وخلف الطفيل فتزوج أبو بكر امرأته أم رومان فولدت له عبد الرحمن
وعائشة فالطفيل أخوهما من أمهما واشترى أبو بكر عامر بن فهيرة من الطفيل (قوله وعن
أبي أسامة) هو معطوف على قوله حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة وإنما فصله ليبين
الموصول من المرسل وكأن هشام بن عروة حدث به عن أبيه هكذا فذكر قصة الهجرة موصولة
بذكر عائشة فيه وقصة بئر معونة مرسلة ليس فيه ذكر عائشة ووجه تعلقه به من جهة ذكر عامر
ابن فهيرة فإنه ذكر في شأن الهجرة أنه كان معهم وفيه فلما خرجا أي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر
خرج معهم أي إلى المدينة وقوله يعقبانه بالقاف أي يركبانه عقبة وهو أن ينزل الراكب ويركب
رفيقه ثم ينزل الآخر ويركب الماشي هذا الذي يقتضيه ظاهر اللفظ في العقبة ويحتمل أن يكون
المراد أن هذا يركبه مرة وهذا يركبه أخرى ولو كان كذلك لكان التعبير بيرد فإنه أظهر (قوله
فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة) هذا آخر الحديث الموصول ثم ساق هشام بن عروة عن أبيه
صفة قتل عامر بن فهيرة مرسلة وقد وقع عند الإسماعيلي والبيهقي في الدلائل سياق هذه القصة
في حديث الهجرة موصولا به مدرجا والصواب ما وقع في الصحيح (قوله لما قتل الذين ببئر معونة)
أي القراء الذين تقدم ذكرهم (وأسر عمرو بن أمية الضمري) قد ساق عروة ذلك في المغازي من
رواية أبي الأسود عنه وفي روايته وبعث النبي صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الساعدي إلى بئر
معونة وبعث معه المطلب السلمي ليدلهم على الطريق فقتل المنذر بن عمرو وأصحابه إلا عمرو بن
أمية فإنهم أسروه واستحيوه وفي رواية ابن إسحاق في المغازي أن عامر بن الطفيل اجتز ناصيته
299

وأعتقه عن رقبة كانت على أمه (قوله قال له عامر بن الطفيل من هذا فأشار إلى قتيل) في رواية
الواقدي بإسناده عن عروة أن عامر بن الطفيل قال لعمرو بن أمية هل تعرف أصحابك قال نعم
فطاف في القتلى فجعل يسأله عن أنسابهم (قوله هذا عامر بن فهيرة) وهو مولى أبي بكر المذكور
في حديث الهجرة (قوله لقد رأيته بعد ما قتل) في رواية عروة المذكورة فأشار عامر بن
الطفيل إلى رجل فقال هذا طعنه برمحه ثم انتزع رمحه فذهب بالرجل علوا في السماء حتى ما أراه
(قوله ثم وضع) أي إلى الأرض وذكر الواقدي في روايته أن الملائكة وارته ولم يره المشركون
وهذا وقع عند ابن المبارك عن يونس عن الزهري وفي ذلك تعظيم لعامر بن فهيرة وترهيب
للكفار وتخويف وفي رواية عروة المذكورة وكان الذي قتله رجل من بني كلاب جبار بن
سلمى ذكر أنه لما طعنه قال فزت والله قال فقلت في نفسي ما قوله فزت فأتيت الضحاك بن سفيان
فسألته فقال بالجنة قال فأسلمت ودعاني إلى ذلك ما رأيت من عامر بن فهيرة انتهى وجبار بالجيم
والموحدة مثقل معدود في الصحابة ووقع في ترجمة عامر بن فهيرة في الاستيعاب أن عامر بن
الطفيل قتله وكأن نسبته له على سبيل التجوز لكونه كان رأس القوم (قوله فأتى النبي صلى الله
عليه وسلم خبرهم) قد ظهر من حديث أنس أن الله أخبره بذلك على لسان جبريل وفي رواية عروة
المذكورة فجاء خبرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة (قوله وأصيب فيهم يومئذ
عروة بن أسماء بن الصلت) أي ابن أبي حبيب بن حارثة السلمي حليف بني عمرو بن عوف (قوله
فسمى عروة به) قيل المراد ابن الزبير كان الزبير سمى ابنه عروة لما ولد له باسم عروة بن أسماء المذكور
وكان بين قتل عروة بن أسماء ومولد عروة بن الزبير بضعة عشر عاما وقد يستبعد هذا بطول المدة
وبأنه لا قرابة بين الزبير وعروة بن أسماء (قوله ومنذر بن عمرو) أي ابن أبي حبيش بن لوذان من
بني ساعدة من الخزرج وكان عقبيا بدريا من أكابر الصحابة (سمى به منذرا) كذا ثبت بالنصب
والأول سمي به منذر كما تقدم تقريره في الذي قبله أي ان الزبير سمى ابنه منذرا باسم المنذر بن عمرو
هذا فيحتمل أن تكون الرواية بفتح السين على البناء للفاعل وهو محذوف والمراد به الزبير أو المراد
به أبو أسيد لما في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى بابن لأبي أسيد فقال ما اسمه قالوا فلان
قال بل هو المنذر قال النووي في شرح مسلم قالوا إنه سماه المنذر تفاؤلا باسم عم أبيه المنذر بن
عمرو وكان استشهد ببئر معونة فتفاءل به ليكون خلفا منه وهذا مما يؤيد البحث الذي ذكرته في
عروة ويحتمل أن يوجه النصب على مذهب الكوفيين في إقامة الجار والمجرور في قوله به مقام
الفاعل كاقرئ ليخزي قوما بما كانوا يكسبون ومن المناسبة هنا أن عروة بن الزبير هو عروة بن
أسماء بنت أبي بكر وكأنه لما كان عروة بن أسماء ناسب أن يسمى باسم عروة بن أسماء ولما سمى
الزبير ابنه باسم أحد الرجلين المشهورين ناسب أن يسمى الآخر باسم الثاني (قوله حدثني محمد)
هو ابن مقاتل وعبد الله هو بن المبارك (قوله عن أبي مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام
بعدها زاي اسمه لاحق بن حميد وروايته هذه مختصرة لما ظهر من رواية إسحق بن أبي طلحة التي
تقدمت وكذلك رواية مالك عن إسحاق التي بعد هذه مختصرة بالنسبة إلى رواية همام عن
إسحاق المتقدمة (قوله حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد (قوله فان فلانا) كأنه محمد بن سيرين
300

وقد تقدم بيان ذلك في أواخر كتاب الوتر (قوله إلى ناس من المشركين وبينهم وبين رسول الله صلى
الله عليه وسلم عهد قبلهم فظهر هؤلاء الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد)
هكذا ساقه هنا وقوله قبلهم بكسر القاف وفتح الموحدة واللام أي من جهتهم وأورده في آخر كتاب
الوتر عن مسدد عن عبد الواحد بلفظ إلى قوم من المشركين دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله
صلى الله عليه وسلم عهد وليس المراد من ذلك أيضا بواضح وقد ساقه الإسماعيلي مبينا فأورده
يوسف القاضي عن مسدد شيخ البخاري فيه ولفظه إلى قوم من المشركين فقتلهم قوم مشركون
دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فظهر أن الذين كان بينهم وبين
رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد غير الذين قتلوا المسلمين وقد بين ابن إسحاق في المغازي عن
مشايخه وكذلك موسى بن عقبة عن ابن شهاب أصحاب الطائفتين وأن أصحاب العهد هم بنو عامر
ورأسهم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر المعروف بملاعب الآسنة وأن الطائفة الأخرى من بني
سليم وأن عامر بن الطفيل وهو ابن أخي ملاعب الأسنة أراد الغدر بأصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم فدعا بني عامر إلى قتالهم فامتنعوا وقالوا لا نخفر ذمة أبي براء فاستصرخ عليهم عصية
وذكوان من بني سليم فأطاعوه وقتلوهم وذكر لحسان شعرا يعيب فيه أبا براء ويحرضه على قتال
عامر بن الطفيل فيما صنع فيه فعمد ربيعة بن أبي براء إلى عامر بن الطفيل فطعنه فأرداه فقال له
عامر بن الطفيل إن عشت نظرت في أمري وإن مت فدمي لعمي قالوا ومات أبو براء عقب ذلك أسفا
على ما صنع به عامر بن الطفيل وعاش عامر بن الطفيل بعد ذلك ومات بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم
كما قدمته ووقع في آخر الحديث في الدعوات فقنت شهرا في صلاة الفجر وقال إن عصية عصت الله
ورسوله وعصية بطن من بني سليم مصغر قبيلة تنسب إلى عصية بن خفاف بن ندبة بن بهثة بن سليم
(قوله باب غزوة الخندق وهي الأحزاب) يعني أن لها اسمين وهو كما قال والأحزاب
جمع حزب أي طائفة فأما تسميتها الخندق فلأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمر النبي
صلى الله عليه وسلم وكان الذي أشار بذلك سلمان فيما ذكره أصحاب المغازي منهم أبو معشر قال
قال سلمان للنبي صلى الله عليه وسلم إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا فأمر النبي صلى الله
عليه وسلم بحفر الخندق حول المدينة وعمل فيه بنفسه ترغيبا للمسلمين فسارعوا إلى عمله حتى
فرغوا منه وجاء المشركون فحاصروهم وأما تسميتها الأحزاب فلاجتماع طوائف من المشركين
على حرب المسلمين وهم قريش وغطفان واليهود ومن تبعهم وقد أنزل الله تعالى في هذه القصة صدر
سورة الأحزاب وذكر موسى بن عقبة في المغازي قال خرج حيي بن أخطب بعد قتل بني النضير إلى
مكة يحرض قريشا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق
يسعى في بني غطفان ويحضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لهم نصف ثمر خيبر
فأجابه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري إلى ذلك وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد
فأقبل إليهم طلحة بن خويلد فيمن أطاعه وخرج أبو سفيان بن حرب بقريش فنزلوا بمر الظهران
فجاءهم من أجابهم من بني سليم مددا لهم فصاروا في جمع عظيم فهم الذين سماهم الله تعالى الأحزاب
وذكر بن إسحاق بأسانيده أن عدتهم عشرة آلاف قال وكان المسلمون ثلاثة آلاف وقيل كان
المشركون أربعة آلاف والمسلمون نحو الألف وذكر موسى بن عقبة أن مدة الحصار كانت عشرين
301

يوما ولم يكن بينهم قتال إلا مراماة بالنبل والحجارة وأصيب منها سعد بن معاذ بسهم فكان سبب
موته كما سيأتي وذكر أهل المغازي سبب رحيلهم وأن نعيم بن مسعود الأشجعي ألقى بينهم الفتنة
فاختلفوا وذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك ثم أرسل الله عليهم الريح فتفرقوا وكفى الله
المؤمنين القتال قوله (قال موسى بن عقبة كانت في شوال سنة أربع) هكذا رويناه في مغازيه
(قلت) وتابع موسى على ذلك مالك وأخرجه أحمد عن موسى بن داود عنه وقال ابن إسحاق كانت في
شوال سنة خمس وبذلك جزم غيره من أهل المغازي ومال المصنف إلى قول موسى بن عقبة وقواه
بما أخرجه أول أحاديث الباب من قول ابن عمر أنه عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة ويوم
الخندق وهو ابن خمس عشرة فيكون بينهما سنة واحدة وأحد كانت سنة ثلاث فيكون الخندق
سنة أربع ولا حجة فيه إذا ثبت أنها كانت سنة خمس لاحتمال أن يكون ابن عمر في أحد كان في
أول ما طعن في الرابعة عشر وكان في الأحزاب قد استكمل الخمس عشرة وبهذا أجاب البيهقي
ويؤيد قول ابن إسحاق أن أبا سفيان قال للمسلمين لما رجع من أحد موعدكم العام المقبل ببدر
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من السنة المقبلة إلى بدر فتأخر مجئ أبي سفيان تلك السنة للجدب
الذي كان حينئذ وقال لقومه إنما يصلح الغزو في سنة الخصب فرجعوا بعد أن وصلوا إلى عسفان
أو دونها ذكر ذلك ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي وقد بين البيهقي سبب هذا الاختلاف وهو أن
جماعة من السلف كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة ويلغون الأشهر التي قبل
ذلك إلى ربيع الأول وعلى ذلك جرى يعقوب بن سفيان في تاريخه فذكر أن غزوة بدر الكبرى
كانت في السنة الأولى وأن غزوة أحد كانت في الثانية وأن الخندق كانت في الرابعة وهذا عمل
صحيح على ذلك البناء لكنه بناء واه مخالف لما عليه الجمهور من جعل التاريخ من المحرم سنة
الهجرة وعلى ذلك تكون بدر في الثانية وأحد في الثالثة والخندق في الخامسة وهو المعتمد ثم ذكر
المصنف في الباب سبعة عشر حديثا * الحديث الأول حديث ابن عمر (قوله عرضه يوم أحد)
عرض الجيش اختبار أحوالهم قبل مباشرة القتال للنظر في هيئتهم وترتيب منازلهم وغير ذلك
(قوله وهو بن أربع عشرة
سنة) في رواية مسلم عرضني يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة وقد تقدم مع شرحه ومباحثه في كتاب الشهادات بما يغني عن إعادته وقوله فأجازه أي
أمضاه وأذن له في القتال وقال الكرماني أجازه من الإجازة وهي الأنفال أي أسهم له (قلت)
والأول أولى ويرد الثاني هنا أنه لم يكن في غزوة الخندق غنيمة يحصل منها نفل وفي حديث أبي واقد
الليثي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض الغلمان وهو يحفر الخندق فأجاز من أجاز ورد
من رد إلى الذراري فهذا يوضح أن المراد بالإجازة الامضاء للقتال لان ذلك كان في مبدأ الامر قبل
حصول الغنيمة أن لو حصلت غنيمة والله أعلم * الحديث الثاني حديث سهل بن سعد (قوله كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهم يحفرون) قد تقدم ذكر السبب في حفر الخندق في
مغازي بن عقبة ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم أخذ في حفر الخندق حول المدينة ووضع
يده في العمل معهم مستعجلين يبادرون قدوم العدو وكذا ذكر ابن إسحاق نحوه وعند موسى أنهم
أقاموا في عمله قريبا من عشرين ليلة وعند الواقدي أربعا وعشرين وفي الروضة للنووي
خمسة عشر يوما وفي الهدى لابن القيم أقاموا شهرا (قوله ونحن ننقل التراب على أكتادنا)
302

بالمثناة جمع كتد بفتح أوله وكسر المثناة وهو ما بين الكاهل إلى الظهر وقد تقدم في الجهاد من
حديث أنس بلفظ على متونهم والمتن مكتنف الصلب بين اللحم والعصب ووهم بن التين فعزا
هذه اللفظة لحديث سهل بن سعد ووقع في بعض النسخ على أكبادنا بالموحدة وهو موجه على أن
يكون المراد به ما يلي الكبد من الجنب (قوله اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة) قال ابن بطال هو
قول بن رواحة يعني تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن من لفظه لم يكن بذلك النبي صلى
الله عليه وسلم شاعرا قال وإنما يسمى شاعرا من قصده وعلم السبب والوتد وجميع معانيه من
الزحاف ونحو ذلك كذا قال وعلم السبب والوتد إلى آخره إنما تلقوه من العروض التي اخترع
ترتيبها الخليل بن أحمد وقد كان شعر الجاهلية والمخضرمين والطبقة الأولى والثانية من شعراء
الاسلام قبل أن يصنفه الخليل كما قال أبو العتاهية أنا أقدم من العروض يعني أنه نظم الشعر قبل
وضعه وقال أبو عبد الله بن الحجاج الكاتب
قد كان شعر الورى قديما * من قبل أن يخلق الخليل
وقال الداودي فيما نقله بن التين إنما قال ابن رواحة لا هم ان العيش بلا ألف ولام فأورده بعض
الرواة على المعنى كذا قال وحمله على ذلك ظنه أنه يصير بالألف واللام غير موزون وليس كذلك بل
يكون دخله الخزم ومن صوره زيادة شئ من حروف المعاني في أول الجزء (قوله فاغفر للمهاجرين
والأنصار) في حديث أنس بعده فاغفر للأنصار والمهاجرة وكلاهما غير موزون ولعله صلى الله
عليه وسلم تعمد ذلك ولعل أصله فاغفر للأنصار والمهاجرة بتسهيل لام الأنصار وباللام في المهاجرة
وفي الرواية الأخرى فبارك بدل فاغفر * الحديث الثالث حديث أنس أورده من وجهين
في الثاني زيادة (قوله ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك) أي أنهم عملوا فيه بأنفسهم لاحتياجهم
إلى ذلك لا لمجرد الرغبة في الاجر (قوله فلما رأى ما بهم من النصب والجوع) فيه بيان لسبب قوله
صلى الله عليه وسلم اللهم ان العيش عيش الآخرة وعند الحارث بن أبي أسامة من مرسل
طاوس زيادة في هذا الرجز
والعن عضلا والقارة * هم كلفونا ننقل الحجارة
والأول غير موزون أيضا ولعله كان والعن إلهي عضلا والقارة وفي الطريق الثانية لأنس أنه
قال ذلك جوابا لقولهم نحن الذين بايعوا محمدا إلى آخرة ولا أثر للتقديم والتأخير فيه لأنه يحمل
على أنه كان يقول إذا قالوا ويقولون إذا قال وفيه أن في إنشاد الشعر تنشيطا في العمل وبذلك
جرت عادتهم في الحرب وأكثر ما يستعملون في ذلك الرجز (قوله نحن الذين بايعوا) هو صفة الذين
لا صفة نحن (قوله على الجهاد ما بقينا أبدا) في رواية عبد العزيز على الاسلام بدل الجهاد
والأول أثبت * (تنبيه) * تقدم طريق عبد العزيز سندا ومتنا في أوائل الجهاد سوى قوله قال
يؤتون آخرة وسيأتي بعد أحاديث من حديث البراء أنه كان يقول اللهم لولا أنت ما اهتدينا
(قوله قال يؤتون) قائل ذلك أنس بن مالك وهو موصول بالاسناد المذكور إليه (قوله بملء
كفي) روى لا بافراد والتثنية (فيصنع لهم الشعير) أي يطبخ وقوله بإهالة بكسر الهمزة
وتخفيف الهاء الدهن الذي يؤتدم به سواء كان زيتا أو سمنا أو شحما وأغرب الداودي فقال
الإهالة وعاء من جلد فيه سمن وقوله سنخة أي تغير طعمها ولونها من قدمها ولهذا وصفها
303

بكونها بشعة وقوله بشعة بموحدة ومعجمة وعين مهملة وقيل بنون وغين معجمة والنشغ
الغثي أي أنهم كان يحصل لهم عند ازدرادها شبيه بالغثي والأول أصوب وقوله في الحلق هو
بالحاء المهملة (قوله ولها ريح منتن) يدل على أنها عتيقة جدا حتى عفنت وأنتنت وفي رواية
الإسماعيلي ولها ريح منكر قال ابن التين الصواب ريح منتنة لان الريح مؤنثة قال إلا أنه
يجوز في المؤنث غير الحقيقي أن يعبر عنه بالمذكر ومنتن بضم الميم ويجوز كسرها * الحديث
الرابع (قوله عن أبيه) في رواية يونس بن بكير في زيادات المغازي عن عبد الواحد بن أيمن
المخزومي (قوله أتيت جابرا فقال إنا يوم الخندق) في رواية الإسماعيلي من طريق المحاربي
عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال قلت لجابر بن عبد الله حدثني بحديث عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أرويه عنك فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق (قوله فعرضت
كيدة) كذا لأبي ذر بفتح الكاف وسكون التحتانية قيل هي القطعة الشديدة الصلبة من
الأرض وقال عياض كأن المراد أنها واحدة الكيد كأنهم أرادوا أن الكيد وهي الجبلة
أعجزهم فلجئوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أحمد عن وكيع عن عبد الواحد بن أيمن
وههنا كدية من الجبل وفي رواية الإسماعيلي فعرضت كدية وهي بضم الكاف وتقديم الدال
على التحتانية وهي القطعة الصلبة الصماء ووقع في رواية الأصيلي عن الجرجاني كندة بنون
وعند بن السكن كتدة بمثناة من فوق قال عياض لا أعرف لهما معنى وفي رواية الإسماعيلي
فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت هذه كدية قد عرضت في الخندق وزاد في روايته
فقال رشوها بالماء فرشوها (قوله أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر) زاد يونس من
الجوع وفي رواية أحمد أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم على بطنه حجرا من
الجوع وفائدة ربط الحجر على البطن أنها تضمر من الجوع فيخشى على انحناء الصلب بواسطة ذلك
فإذا وضع فوقها الحجر وشد عليها العصابة استقام الظهر وقال الكرماني لعله لتسكين حرارة
الجوع ببرد الحجر ولأنها حجارة رقاق قدر البطن تشد الأمعاء فلا يتحلل شئ مما في البطن فلا يحصل
ضعف زائد بسبب التحلل (قوله ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا) هي جملة معترضة أوردها لبيان
السبب في ربطه صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه وزاد الإسماعيلي لا نطعم شيئا أو لا نقدر عليه
(قوله فأخذ المعول) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو بعدها لام أي المسحاة وفي رواية
أحمد فأخذ المعول أو المسحاة بالشك (قوله فضرب) في رواية الإسماعيلي ثم سمى ثلاثا ثم ضرب
وعند الحارث بن أبي أسامة من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان قال ضرب النبي صلى الله عليه
وسلم في الخندق ثم قال * بسم الله وبه بدينا * ولو عبدنا غيره شقينا * فحبذا ربا وحب دينا.
(قوله فعاد كثيبا) أي رملا (قوله هيل أو أهيم) شك من الراوي في رواية الإسماعيلي
أهيل بغير شك وكذا عند يونس وفي رواية أحمد كثيبا يهال والمعنى أنه صار رملا يسيل ولا
يتماسك قال الله تعالى وكانت الجبال كثيبا مهيلا أي رملا سائلا وأما أهيم فقال عياض
ضبطها بعضهم بالمثلثة وبعضهم بالمثناة وفسرها بأنها تكسرت والمعروف بالتحتانية وهي بمعنى
أهيل وقد قال في قوله تعالى فشاربون شرب الهيم المراد الرمال التي لا يرويها الماء وقد تقدم
الخلاف في تفسيرها في كتاب البيوع ووقع عند أحمد والنسائي في هذه القصة زيادة بإسناد حسن
304

من حديث البراء بن عازب قال لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق
عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول فاشتكينا ذلك إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فجاء فأخذ المعول فقال بسم الله فضرب ضربة فكسر ثلثها وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح
الشام والله إني لأبصر قصور ها الحمر الساعة ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال الله أكبر
أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض ثم ضرب الثالثة وقال بسم الله فقطع
بقية الحجر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا
الساعة وللطبراني من حديث عبد الله بن عمرو نحوه وأخرجه البيهقي مطولا من طريق كثير بن
عبد الرحمن بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وفي أوله خط رسول الله صلى الله عليه وسلم
الخندق لكل عشرة أناس عشرة أذرع وفيه فمرت بنا صخرة بيضاء كسرت معاويلنا فأردنا أن
نعدل عنها فقلنا حتى نشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلنا إليه سلمان وفيه فضرب
ضربة صدع الصخرة وبرق منها برقة فكبر وكبر المسلمون وفيه رأيناك تكبر فكبرنا بتكبيرك
فقال إن البرقة الأولى أضاءت لها قصور الشام فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليهم وفي آخره
ففرح المسلمون واستبشروا وأخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
نحوه (قوله فقلت يا رسول الله ائذن لي إلى البيت) زاد أبو نعيم في المستخرج فأذن لي وفي
المسند من زيادات عبد الله بن أحمد من حديث بن عباس احتفر رسول الله صلى الله عليه وسلم
الخندق وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
قال هل دللتم على رجل يطعمنا أكلة قال رجل نعم قال أما لا فتقدم الحديث وكأنه جابر
ويؤخذ من هذه النكتة في قوله ائذن لي يا رسول الله (قوله فقلت لامرأتي) اسمها سهيلة بنت
مسعود الأنصارية (قوله عندي شعير) بين يونس بن بكير في روايته أنه صاع (قوله وعناق) بفتح
العين المهملة وتخفيف النون هي الأنثى من المعز وفي رواية سعيد بن ميناء التي تلو هذه
فأخرجت إلى جرابا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن أي سمينة والداجن التي تترك في البيت
ولا تفلت للمرعى ومن شأنها أن تسمن وفي رواية أحمد من طريق سعيد بن ميناء سمينة (قوله
فذبحت) بسكون المهملة وضم التاء وقوله طحنت بفتح المهملة وفتح النون فالذي ذبح هو
جابر وامرأته هي التي طحنت وفي رواية سعيد عند أحمد فأمرت امرأتي فطحنت لنا الشعير
وصنعت لنا منه خبزا (قوله والعجين قد انكسر) أي لان ورطب وتمكن منه الخمير (قوله
والبرمة بين الأثافي) بمثلثة وفاء أي الحجارة التي توضع عليها القدر وهي ثلاثة (قوله حتى
جعلنا) في رواية الكشميهني حتى جعلت (قوله في البرمة) بضم الموحدة وسكون
الراء (قوله طعيم) بتشديد التحتانية على طريقة المبالغة في تحقيره قالوا من تمام المعروف
تعجيله وتحقيره قال ابن التين ضبطه بعضهم بتخفيف الياء وهو غلط (قوله فقم أنت يا رسول الله
ورجل أو رجلان) في رواية يونس ورجلان بالجزم وفي رواية سعيد بعد هذه فقم أنت ونفر
معك وفي رواية أحمد وكنت أريد أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده (قوله
فقال قوموا فقام المهاجرون) في رواية يونس فقال للمسلمين جميعا قوموا وهي أوضح فإن
الأحاديث تدل على أنه لم يخص المهاجرين بذلك فكأن المراد فقام المهاجرون ومن معهم وخصهم
305

بالذكر لشرفهم وفي بقية الحديث ما يؤيد هذا فإنه قال فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار (قوله قالت هل سألك قال نعم فقال ادخلوا)
في هذا السياق اختصار وبيانه في رواية يونس قال فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله عز وجل
وقلت جاء الخلق على صاع من شعير وعناق فدخلت على امرأتي أقول افتضحت جاءك رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالخندق أجمعين فقالت هل كان سألك كم طعامك فقلت نعم فقالت الله ورسوله
أعلم ونحن قد أخبرناه بما عندنا فكشفت عني غما شديدا وفي الرواية التي تلي هذه فجئت امرأتي
فقالت بك وبك فقلت قد فعلت الذي قلت وكان قد ذكر في أوله أنها قالت له لا تفضحني برسول الله
وبمن معه فجئت فساررته ويجمع بينهما بأنها أوصته أولا بأن يعلمه بالصورة فلما قال لها إنه جاء
بالجميع ظننت أنه لم يعلمه فخاصمته فلما أعلمها أنه أعلمه سكن ما عندها لعلمها بامكان خرق العادة
ودل ذلك على وفور عقلها وكمال فضلها وقد وقع لها مع جابر في قصة التمر أن جابرا أوصاها لما
زارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تكلمه فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الانصراف نادته يا رسول الله صل علي وعلى زوجي فقال صلى الله عليك وعلى زوجك فعاتبها
جابر فقالت له أكنت تظن أن الله يورد رسوله بيتي ثم يخرج ولا أسأله الدعاء أخرجه أحمد بإسناد
حسن في حديث طويل ووقع في رواية أبي الزبير عن جابر في نحو هذه القصة أنها قالت لجابر
فارجع إليه فبين له فأتيته فقلت يا رسول الله إنما هي عناق وصاع من شعير قال فارجع فلا تحركن
شيئا من التنور ولا من القدر حتى آتيها واستعر صحافا (قوله ولا تضاغطوا) بضاد معجمة وغين
معجمة وطاء مهملة مشالة أي لا تزدحموا وفي الرواية التي بعدها فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك
ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبار ك (قوله ويخمر البرمة) أي يغطيها (قوله ثم ينزع) أي يأخذ اللحم
من البرمة وفي رواية سعيد التي تلو هذه فقال أدع خابزة فلتخبز معك أي تساعدك وقوله وا قدحي
من برمتكم أي اغرفي والمقدحة المغرفة وفي رواية أبي الزبير عن جابر وأقعدهم عشرة عشرة
فأكلوا (قوله وبقي بقية) في رواية سعيد فأقسم بالله لأكلوا أي لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا
بالحاء المهملة والفاء أي رجعوا وفي رواية يونس بن بكير فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا
أجمعون ويعود التنور والقدر أملا ما كانا (قوله كلي هذا وأهدي) بهمزة قطع فعل أمر للمرأة
من الهدية ثم بين سبب ذلك بقوله فإن الناس أصابتهم مجاعة وفي رواية يونس كلي وأهدي فلم نزل
نأكل ونهدي يومنا أجمع وفي رواية أبي الزبير عن جابر فأكلنا نحن وأهدينا لجيراننا فلما خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ذلك وقد تقدم في علامات النبوة حديث أنس في تكثير
الطعام القليل أيضا في قصة أخرى بما يغني عن الإعادة * الحديث الخامس حديث جابر أيضا
(قوله أبو عاصم) هو الضحاك بن مخلد شيخ البخاري وقد روى عنه هنا بواسطة وهو من كبار شيوخه
فكأن هذا فإنه سماعه منه كغيره من الأحاديث التي يدخل بينه وبينه فيها واسطة (قوله خمصا)
بمعجمة وميم مفتوحتين وصاد مهملة وقد تسكن الميم وهو خموص البطن قوله (فانكفيت) بفاء
مفتوحة بعدها تحتانية ساكنة أي انقلبت وأصله انكفأت بهمزة وكأنه سهلها (قوله إن جابرا قد
صنع سورا) بضم المهملة وسكون الواو بغير همز هو هنا الصنيع بالحبشية وقيل العرس بالفارسية
ويطلق أيضا على البناء الذي يحيط بالمدينة وأما الذي بالهمز فهو البقية (قوله فحيهلا بكم) هي
306

كلمة استدعاء فيها حث أي هلموا مسرعين ووقع في رواية القابسي أهلا بكم بزيادة ألف والصواب
حذفها (قوله وهم ألف) أي الذين أكلوا وفي رواية أبي نعيم في المستخرج فأخبرني أنهم كانوا
تسعمائة أو ثمانمائة وفي رواية عبد الواحد بن أيمن عند الإسماعيلي كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة وفي
رواية أبي الزبير كانوا ثلاثمائة والحكم للزائد لمزيد علمه لان القصة متحدة (قوله وانحرفوا) أي
مالوا عن الطعام (قوله لتغط) بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي تغلي وتفور * الحديث
السادس (قوله عن عائشة رضي الله عنها إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار
وبلغت القلوب الحناجر قالت كان ذلك يوم الخندق) هكذا وقع مختصرا وعند ابن مردويه من
حديث ابن عباس رضي الله عنهما إذ جاءوكم من فوقكم قال عيينة بن حصن ومن أسفل منكم
أبو سفيان بن حرب وبين ابن إسحاق في المغازي صفة نزولهم قال نزلت قريش بمجتمع السيول في
عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وتهامة ونزل عيينة في غطفان ومن معهم
من أهل نجد إلى جانب أحد بباب نعمان وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى
جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف والخندق بينه وبين القوم وجعل النساء والذراري في
الآطام قال وتوجه حيي بن أخطب إلى بني قريظة فلم يزل بهم حتى غدروا كما سيأتي بيانه في الباب
الآتي وبلغ المسلمين غدرهم فاشتد بهم البلاء فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطي عيينة بن
حصن ومن معه ثلث ثمار المدينة على أن يرجعوا فمنعه من ذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وقالا
كنا نحن وهم على الشرك لا يطمعون منا في شئ من ذلك فكيف نفعله بعد أن أكرمنا الله عز وجل
بالاسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ما لنا بهذا من حاجة ولا نعطيهم الا السيف فاشتد بالمسلمين
الحصار حتى تكلم معتب بن قشير وأوس بن قيظي وغيرهما من المنافقين بالنفاق وأنزل الله
تعالى وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا الآيات قال
وكان الذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة ومن أسفل منهم قريش وغطفان قال ابن إسحاق في
روايته ولم يقع بينهم حرب إلا مراماة بالنبل لكن كان عمرو بن عبد ود العامري اقتحم هو ونفر
معه خيولهم من ناحية ضيقة من الخندق حتى صاروا بالسبخة فبارزه علي فقتله وبرز نوفل بن
عبد الله بن المغيرة المخزومي فبارزه الزبير فقتله ويقال قتله علي ورجعت بقية الخيول منهزمة
وروى البيهقي في الدلائل من طريق زيد بن أسلم أن رجلا قال لحذيفة أدركتم رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولم ندركه فقال بابن أخي والله لا تدري لو أدركته كيف تكون لقد رأيتنا ليلة الخندق
في ليلة باردة مطيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يذهب فيعلم لنا علم القوم جعله الله رفيق
إبراهيم يوم القيامة فوالله ما قام أحد فقال لنا الثانية جعله الله رفيقي فلم يقم أحد فقال أبو بكر
ابعث حذيفة فقال اذهب فقلت أخشى أن أؤسر قال إنك لن تؤسر فذكر أنه انطلق وأنهم
تجادلوا وبعث الله عليهم الريح فما تركت لهم بناء إلا هدمته ولا إناء إلا أكفأته ومن طريق عمرو
بن سريع بن حذيفة نحوه وفيه أن علقمة بن علاثة صار يقول يا آل عامر إن الريح قاتلني
وتحملت قريش وإن الريح لتغلبهم على بعض أمتعتهم وروى الحاكم من طريق عبد العزيز
بن أخي حذيفة عن أبي حذيفة قال لقد رأيتنا ليلة الأحزاب وأبو سفيان ومن معه من فوقنا
وقريظة أسفل منا نخافهم على ذرارينا وما أتت علينا ليلة أشد ظلمة ولا ريحا منها فجعل
307

المنافقون يستأذنون ويقولون إن بيوتنا عورة فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جاث على
ركبتي ولم يبق معه إلا ثلاثمائة فقال اذهب فأتني بخبر القوم قال فدعا لي فأذهب الله عني القر
والفزع فدخلت عسكرهم فإذا الريح فيه لا تجاوزه شبرا فلما رجعت رأيت فوارس في طريقي
فقالوا أخبر صاحبك أن الله عز وجل كفاه القوم وأصل هذا الحديث عند مسلم باختصار وسيأتي
في الحديث الذي يليه شئ يتعلق بحديث عائشة * الحديث السابع ذكر فيه حديث البراء من
وجهين (قوله عن البراء) سيأتي بعد حديث بن عباس الطريق الأخرى لحديث البراء وفيه
تصريح أبي إسحاق بسماعه له من البراء (قوله حتى أغمر بطنه أو أعبر بطنه) كذا وقع بالشك
بالغين المعجمة فيهما فأما التي بالموحدة فواضح من الغبار وأما التي بالميم فقال الخطابي إن كانت
محفوظة فالمعنى وارى التراب جلدة بطنه ومنه غمار الناس وهو جمعهم إذا تكاثف ودخل
بعضهم في بعض قال وروى اعفر بمهملة وفاء والعفر بالتحريك التراب وقال عياض وقع
للأكثر بمهملة وفاء ومعجمة وموحدة فمنهم من ضبطه بنصب بطنه ومنهم من ضبطه برفعها
وعند النسفي حتى غبر بطنه أو اغبر بمعجمة فيهما وموحدة ولأبي ذر وأبي زيد حتى أغمر قال
ولا وجه لها إلا أن يكون بمعنى ستركما في الرواية الأخرى حتى وارى عني التراب بطنه قال
وأوجه هذه الروايات اغبر بمعجمة وموحدة وبرفع بطنه (قلت) وفي حديث أم سلمة عند
أحمد بسند صحيح كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاطيهم اللبن يوم الخندق وقد اغبر شعر صدره
وفي الرواية الآتية حتى وارى عني الغبار جلد بطنه وكان كثير الشعر وظاهر هذا أنه كان كثير
شعر الصدر وليس كذلك فان في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان دقيق المسربة أي الشعر
الذي في الصدر إلى البطن فيمكن أن يجمع بأنه كان مع دقته كثيرا أي لم يكن منتشرا بل كان
مستطيلا والله أعلم (قوله يقول والله لولا الله ما اهتدينا) بين في الرواية التي بعد هذه أن هذا
الرجز من كلام عبد الله بن رواحة وقوله إن الأولى قد بغوا علينا ليس بموزون وتحريره أن الذين
قد بغوا علينا فذكر الراوي الأولى بمعنى الذين وحذف قد وزعم ابن التين أن المحذوف قد وهم
قال والأصل ان الأولى هم قد بغوا علينا وهو يتزن بما قال لكن لا يتعين وذكره بعض الرواة في
مسلم بلفظ أبوا بدل بغوا ومعناه صحيح أي أبوا أن يدخلوا في ديننا ووقع في الطريق الثانية لحديث
البراء أن الأولى قد رغبوا علينا كذا للسرخسي والكشميهني وأبي الوقت والأصيلي وكذا في
نسخة بن عساكر وللباقين قد بغوا كالأولى وأما الأصيلي فضبطها بالغين الثقيلة والموحدة
وضبطها في المطالع بالغين المعجمة وضبطت في رواية أبي الوقت كذا لكن بزاي أوله والمشهور
ما في المطالع (قوله ورفع بها صوته أبينا أبينا) كذا للأكثر بموحدة وفي آخر الرواية الآتية قال
ثم يمد صوته بآخرها وهو يبين أن المراد بقوله أبينا ما وقع في آخر القسم الأخير وهو قوله إذا
أرادوا فتنة أبينا ويحتمل أن يريد ما وقع في القسم الأخير وهو قوله إنا إذا صيح بنا أبينا فإنه روى
بالوجهين ووقع في رواية أبي ذر وأبي الوقت وكريمة أتينا بمثناة بدل الموحدة والأصيلي والسجزي
بمثناة قال عياض كلاهما صحيح المعنى أما الأول فمعناه إذا صيح بنا لفزع أو حادث أبينا الفرار
وثبتنا وأما الثاني فمعناه جئنا وأقدمنا على عدونا قال والرواية في هذا القسم بالمثناة أوجه لان
إعادة الكلمة في قوافي الرجز عن قرب عيب معلوم عنده فالراجح أن قوله إذا أرادوا فتنة أبينا
308

بالموحدة وقوله إنا إذا صيح بنا أتينا بالمثناة والله أعلم ووقع في بعض النسخ وإن أرادونا على فتنة
أبينا وهو تغيير * الحديث الثامن حديث بن عباس (قوله نصرت بالصبا) بفتح المهملة وتخفيف
الموحدة وهي الريح الشرقية والدبور هي الريح الغربية وروى أحمد من حديث أبي سعيد قال قلنا
يوم الخندق يا رسول الله هل من شئ تقوله قد بلغت القلوب الحناجر قال نعم اللهم استر عوراتنا
وآمن روعاتنا قال فضرب الله وجوه أعدائنا بالريح فهزمهم الله عز وجل بالريح وروى بن
مردويه في التفسير من طريق أخرى عن بن عباس أيضا قال قالت الصبا للشمال اذهبي بنا ننصر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن الحرائر لا تهب بالليل فغضب الله عليها فجعلها عقيما وفي
رواية له من هذا الوجه فكانت الريح التي نصر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبا وقد تقدم
في الاستسقاء ذكر النكتة في تخصيص الدبور بعاد والصبا بالمسلمين وعرف بهذا وجه إيراد المصنف
هذا الحديث هنا وأن الله نصر نبيه في غزوة الخندق بالريح قال تعالى فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا
لم تروها قال مجاهد سلط الله عليهم الريح فكفأت قدورهم ونزعت خيامهم حتى أظعنتهم وذكر
ابن إسحاق في سبب رحيلهم أن نعيم بن مسعود الأشجعي أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما ولم يعلم
به قومه فقال له خذل عنا فمضى إلى بني قريظة وكان نديما لهم فقال قد عرفتم محبتي قالوا نعم فقال
إن قريشا وغطفان ليست هذه بلادهم وإنهم إن رأوا فرصة انتهزوها وإلا رجعوا إلى بلادهم
وتركوكم في البلاء مع محمد ولا طاقة لكم به قالوا فما ترى قال لا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا رهنا
منهم فقبلوا رأيه فتوجه إلى قريش فقال لهم إن اليهود ندموا على الغدر بمحمد فراسلوه في
الرجوع إليه فراسلهم بأنا لا نرضى حتى تبعثوا إلى قريش فتأخذوا منهم رهنا فاقتلوهم ثم جاء
غطفان بنحو ذلك قال فلما أصبح أبو سفيان بعث عكرمة بن أبي جهل إلى بني قريظة بأنا قد ضاق
بنا المنزل ولم نجد مرعى فاخرجوا بنا حتى نناجز محمدا فأجابوهم ان اليوم يوم السبت ولا نعمل فيه
شيئا ولا بد لنا من الرهن منكم لئلا تغدروا بنا فقالت قريش هذا ما حذركم نعيم فراسلوهم ثانيا
أن لا نعطيكم رهنا فان شئتم ان تخرجوا فافعلوا فقالت قريظة هذا ما أخبرنا نعيم قال ابن إسحاق
وحدثني يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة أن نعيما كان رجلا نموما وأن النبي صلى الله عليه
وسلم قال له ان اليهود بعثت إلي إن كان يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان رهنا ندفعهم إليك
فتقتلهم فعلنا فرجع نعيم مسرعا إلى قومه فأخبرهم فقالوا والله ما كذب محمد عليهم وانهم لأهل
غدر وكذلك قال لقريش فكان ذلك سبب خذلانهم ورحيلهم وقد تقدم في الحديث السادس
بيان ما أرسل عليهم من الريح * الحديث التاسع (قوله حدثنا عبد الصمد) هو ابن عبد الوارث بن
سعيد (قوله أول مشهد شهدته يوم الخندق) أي باشرت فيه القتال وهذا يوافق رواية نافع عنه
الماضية في أول الباب وروى الطبراني بإسناد صحيح عن ابن عمر قال بعثني خالي عثمان بن
مظعون في حاجة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لي وقال من لقيت فقل لهم إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا قال فلا والله ما عطف علي منهم اثنان * الحديث
العاشر (قوله هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (قوله قال وأخبرني بن طاوس) قائل ذلك هو
معمر واسم ابن طاوس عبد الله (قوله دخلت على حفصة) أي بنت عمر أخته (قوله ونسواتها)
بفتح النون والمهملة قال الخطابي كذا وقع وليس بشئ وإنما هو نوساتها أي ذوائبها ومعنى
309

تنطف أي تقطر كأنها قد اغتسلت والنوسات جمع نوسة والمراد أن ذوائبها كانت تنوس اي
تتحرك وكل شئ تحرك فقد ناس والنوس الاضطراب ومنه قول المرأة في حديث أم زرع أناس
من حلي أذني قال ابن التين قوله نوسات هو بسكون الواو وضبط بفتحها وأما نسوات فكأنه
على القلب (قوله قد كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من الامر شئ) مراده بذلك ما وقع
بين علي ومعاوية من القتال في صفين يوم اجتماع الناس على الحكومة بينهم فيما اختلفوا فيه
فراسلوا بقايا الصحابة من الحرمين وغيرهم وتواعدوا على الاجتماع لينظروا في ذلك فشاور ابن
عمر أخته في التوجه إليهم أو عدمه فأشارت عليه باللحاق بهم خشية أن ينشأ من غيبته اختلاف
يفضي إلى استمرار الفتنة (قوله فلما تفرق الناس) أي بعد أن اختلف الحكمان وهم أبو موسى
الأشعري وكان من قبل علي وعمرو بن العاص وكان من قبل معاوية ووقع في رواية عبد الرزاق
عن معمر في هذا الحديث فلما تفرق الحكمان وهو يفسر المراد ويعين أن القصة كانت بصفين
وجوز بعضهم أن يكون المراد الاجتماع الأخير الذي كان بين معاوية والحسن بن علي ورواية
عبد الرزاق ترده وعلى هذا تقدير الكلام فلم تدعه حتى ذهب إليهم في المكان الذي فيه الحكمان
فحضر معهم فلما تفرقوا خطب معاوية إلى آخره وأبعد من ذلك قول ابن الجوزي في كشف
المشكل أشار بذلك إلى جعل عمر الخلافة شورى في ستة ولم يجعل له من الامر شيئا فأمرته باللحاق
قال وهذا حكاية الحال التي جرت قبل وأما قوله فلما تفرق الناس خطب معاوية كان هذا في زمن
معاوية لما أراد أن يجعل ابنه يزيد ولي عهده كذا قال ولم يأت له بمستند والمعتمد ما صرح به في
رواية عبد الرزاق ثم وجدت في رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال لما كان في اليوم
الذي اجتمع فيه معاوية بدومة الجندل قالت حفصة انه لا يحمل بك أن تتخلف عن صلح يصلح
الله به بين أمة محمد وأنت صهر رسول الله وابن عمر بن الخطاب قال فأقبل معاوية يومئذ على بختي
عظيم فقال من يطمع في هذا الامر أو يرجوه أو يمد إليه عنقه الحديث أخرجه الطبراني (قوله إن
يتكلم في هذا الامر) أي الخلافة (قوله فليطلع لنا قرنه) بفتح القاف قال ابن التين يحتمل أن
يريد بدعته كما جاء في الخبر الآخر كلما نجم قرن أي طلع قرن ويحتمل أن يكون المعنى فليبد لنا صفحة
وجهه والقرن من شأنه أن يكون في الوجه والمعنى فليظهر لنا نفسه ولا يخفيها قيل أراد عليا
وعرض بالحسن والحسين وقيل أراد عمر وعرض بابنه عبد الله وفيه بعد لان معاوية كان يبالغ في
تعظيم عمر ووقع في رواية حبيب بن أبي ثابت أيضا قال ابن عمر ما حدثت نفسي بالدنيا قبل يومئذ
أردت أن أقول له يطمع فيه من ضربك وأباك على الاسلام حتى أدخلكما فيه فذكرت الجنة
فأعرضت عنه ومن هنا يظهر مناسبة إدخال هذه القصة في غزوة الخندق لان أبا سفيان كان
قائد الأحزاب يومئذ (قوله قال حبيب بن مسلمة) أي بن مالك الفهري صحابي صغير ولأبيه صحبة
وكان قد سكن الشام وأرسله معاوية في عسكر لنصر عثمان فقتل عثمان قبل أن يصل فرجع
فكان مع معاوية وولاه غزوة الروم فكان يقال له حبيب الروم لكثرة دخوله عليهم ومات في
خلافة معاوية (قوله فهلا أجبته) أي هلا أجبت معاوية عن تلك المقالة فأعلمه بن عمر بالذي
منعه عن ذلك قال حللت حبوتي الخ ووقع في رواية عبد الرزاق عند قوله فلنحن أحق به منه
ومن أبيه يعرض بابن عمر فعرف بهذه الزيادة مناسبة قول حبيب بن مسلمة لابن عمر هلا أجبته
310

والحبوة بضم المهملة وسكون الموحدة ثوب يلقى على الظهر ويربط طرفاه على الساقين بعد
ضمهما (قوله من قاتلك وأباك على الاسلام) يعني يوم أحد ويوم الخندق ويدخل في هذه المقاتلة
علي وجميع من شهدها من المهاجرين ومنهم عبد الله بن عمر ومن هنا تظهر مناسبة إدخال هذه
القصة في غزوة الخندق لان أبا سفيان والد معاوية كان رأس الأحزاب يومئذ ووقع في رواية
حبيب بن أبي ثابت أيضا قال بن عمر فما حدثت نفسي بالدنيا قبل يومئذ أرد ت أن أقول له يطمع
فيه من قاتلك وأباك على الاسلام حتى أدخلكما فيه فذكرت الجنة فأعرضت عنه وكان رأي
معاوية في الخلافة تقديم الفاضل في القوة والرأي والمعرفة على الفاضل في السبق إلى الاسلام
والدين والعبادة فلهذا أطلق أنه أحق ورأى بن عمر بخلاف ذلك وأنه لا يبايع المفضول إلا
إذا خشي الفتنة ولهذا بايع بعد ذلك معاوية ثم ابنه يزيد ونهى بنيه عن نقض بيعته كما سيأتي
في الفتن وبايع بعد ذلك لعبد الملك بن مروان (قوله ويحمل عني غير ذلك) أي غير ما أردت
ووقع في رواية منقطعة عند سعيد بن منصور أخرجها عن إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب قال نبئت
أن ابن عمر لما قال معاوية من أحق بهذا الامر منا ومن ينازعنا فهممت أن أقول الذين قاتلوك
وأباك على الاسلام فخشيت أن يكون في قولي هراقة الدماء وأن يحمل قولي على غير الذي أردت
(قوله فذكرت ما أعد الله في الجنان) أي لمن صبر وآثر الآخرة على الدنيا (قوله قال حبيب) أي
بن مسلمة المذكور حفظت وعصمت بضم أولهما أي أنه صوب رأيه في ذلك وقد قدمنا أن حبيب
ابن مسلمة المذكور كان من أصحاب معاوية (قوله قال محمود عن عبد الرزاق ونوساتها) أي إن عبد
الرزاق روى عن معمر شيخ هشام بن يوسف هذا الحديث كما رواه هشام فخالف في هذه اللفظة
فقال نوساتها وهذا هو الصواب كما تقدم وطريق محمود هذا وهو ابن غيلان المروزي وصلها
محمد بن قدامة الجوهري في كتاب أخبار الخوارج له قال حدثنا محمود بن غيلان المروزي أنبأنا
عبد الرزاق عن معمر فذكره بالاسنادين معا وساق المتن بتمامه وأوله دخلت على حفصة
ونوساتها تنطف وقد ذكرت ما في روايته من فائدة زائدة وكذلك أخرجه إسحاق بن راهويه في
مسنده عن عبد الرزاق * الحديث الحادي عشر حديث سليمان بن صرد بضم الصاد المهملة وفتح
الراء بعدها مهملة ابن الجون بفتح الجيم الخزاعي صحابي مشهور يقال كان اسمه يسار فغيره النبي
صلى الله عليه وسلم ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في صفة إبليس وله طريق في
الأدب وقد صرح في الرواية الثانية بسماع أبي إسحاق له منه وكان سليمان المذكور أسن من خرج
من أهل الكوفة في طلب ثأر الحسين بن علي فقتل هو وأصحابه بعين الوردة في سنة خمس وستين
(قوله نغزوهم ولا يغزوننا) في رواية أبي نعيم في المستخرج من طريق بشر بن موسى عن أبي نعيم
شيخ البخاري فيه الآن نغزوهم وهي في رواية إسرائيل التي تلو هذه وقوله في رواية إسرائيل
حين أجلي بضم الهمزة وسكون الجيم وكسر اللام أي رجعوا عنه وفيه إشارة إلى أنهم رجعوا
بغير اختيارهم بل بصنع الله تعالى لرسوله وذكر الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك بعد أن
انصرفوا وذلك لسبع بقين من ذي القعدة وفيه علم من أعلام النبوة فإنه صلى الله عليه وسلم
اعتمر في السنة المقبلة فصدته قريش عن البيت ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها فكان ذلك
سبب فتح مكة فوقع الامر كما قال صلى الله عليه وسلم وأخرج البزار بإسناد حسن من حديث
311

جابر شاهدا لهذا الحديث ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب وقد جمعوا له
جموعا كثيرة لا يغزونكم بعد هذا أبدا ولكن أنتم تغزونهم الحديث * الثاني عشر حديث علي
(قوله حدثنا إسحاق) هو بن منصور وهشام كنت ذكرت في الجهاد أنه الدستوائي لكن جزم
المزي في الأطراف أنه ابن حسان ثم وجدته مصرحا به في عدة طرق فهذا هو المعتمد وأما تضعيف
الأصيلي للحديث به فليس بمعتمد كما سأوضحه في التفسير إن شاء الله تعالى (قوله عن محمد) هو ابن
سيرين وعبيدة بفتح العين هو بن عمر والسلماني (قوله قال يوم الخندق) في رواية الجهاد يوم
الأحزاب وهو بالمعنى وفي رواية يحيى بن الجزار عن علي عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يوم الأحزاب قاعدا على فرصة من فرص الخندق فذكره (قوله كما شغلونا) في رواية
الكشميهني كلما شغلونا بزيادة لام وهو خطأ (قوله الصلاة الوسطى) زاد مسلم صلاة العصر
وسيأتي الكلام عليها وعلى شرح هذا الحديث مستوفى في تفسير سورة البقرة * الحديث الثالث
عشر حديث جابر (قوله حدثنا هشام) أي ابن عبد الله الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير (قوله
جعل يسب كفار قريش) قد سبق شرح هذا الحديث في المواقيت من كتاب الصلاة وبينت فيه
المذاهب في ترتيب فائتة الصلاة * الحديث الرابع عشر حديث جابر أيضا في ذكر الزبير وقد
تقدم شرحه في المناقب (قوله من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا) ذكرها ثلاث مرات وقد
تقدم في الجهاد في باب فضل الطليعة ذكرها مرتين ومضى شرح الحديث في مناقب الزبير وقد
استشكل ذكر الزبير في هذه القصة فقال شيخنا ابن الملقن اعلم أنه وقع هنا أن الزبير هو الذي
ذهب لكشف خبر بني قريظة والمشهور كما قاله شيخنا أبو الفتح اليعمري أن الذي توجه ليأتي
بخبر القوم حذيفة كما رويناه من طريق بن إسحاق وغيره (قلت) وهذا الحصر مردود فان القصة
التي ذهب لكشفها غير القصة التي ذهب حذيفة لكشفها فقصة الزبير كانت لكشف خبر بني
قريظة هل نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين ووافقوا قريشا على محاربة المسلمين وقصة حذيفة
كانت لما اشتد الحصار على المسلمين بالخندق وتمالأت عليهم الطوائف ثم وقع بين الأحزاب
الاختلاف وحذرت كل طائفة من الأخرى وأرسل الله تعالى عليهم الريح واشتد البرد تلك
الليلة فانتدب النبي صلى الله عليه وسلم من يأتيه بخبر قريش فانتدب له حذيفة بعد تكراره طلب
ذلك وقصته في ذلك مشهورة لما دخل بين قريش في الليل وعرف قصتهم ورجع وقد اشتد عليه
البرد فغطاه النبي صلى الله عليه وسلم حتى دفئ وبين الواقدي أن المراد بالقوم بنو قريظة وروى
بن أبي شيبة من مرسل عكرمة أن رجلا من المشركين قال يوم الخندق من يبارز فقال النبي صلى
الله عليه وسلم قم يا زبير فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب وإحدى يا رسول الله فقال قم يا زبير فقام
الزبير فقتله ثم جاء بسلبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنفله إياه * الحديث الخامس عشر (قوله
عن أبيه) هو أبو سعيد المقبري (قوله وغلب الأحزاب وحده فلا شئ بعده) هو من السجع
المحمود والفرق بينه وبين المذموم أن المذموم ما يأتي بتكلف واستكراه والمحمود ما جاء بانسجام
واتفاق ولهذا قال في مثل الأول أسجع مثل سجع الكهان وكذا قال كان يكره السجع
في الدعاء ووقع في كثير من الأدعية والمخاطبات ما وقع مسجوعا لكنه في غاية الانسجام المشعر
312

بأنه وقع بغير قصد ومعنى قوله لا شئ بعده أي جميع الأشياء بالنسبة إلى وجوده كالعدم
أو المراد أن كل شئ يفنى وهو الباقي فهو بعد كل شئ فلا شئ بعده كما قال تعالى كل شئ هالك
إلا وجهه * الحديث السادس عشر (قوله حدثني محمد بن سلام) والفزاري هو مروان بن معاوية
وعبدة هو بن سليمان (قوله دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب) قد تقدم شرحه
في باب لا تتمنوا لقاء العدو من كتاب الجهاد * الحديث السابع عشر حديث عبد الله وهو ابن عمر
(قوله أو الحج أو العمرة) ليست أو للشك بل هي للتنويع وذكره هنا لقوله وهزم الأحزاب
وحده وسيأتي شرحه في الدعوات إن شاء الله تعالى (قوله باب مرجع النبي
صلى الله عليه وسلم من الأحزاب) أي من الموضع الذي كان يقاتل فيه الأحزاب إلى منزله
بالمدينة (قوله ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم) قد تقدم السبب في ذلك وهو ما وقع
من بني قريظة من نقض عهده وممالاتهم لقريش وغطفان عليه وتقدم نسب بني قريظة في
غزوة بني النضير وذكر عبد الملك بن يوسف في كتاب الأنواء له أنهم كانوا يزعمون أنهم من ذرية
شعيب نبي الله عليه السلام وهو بمحتمل وان شعيبا كان من بني جذام القبيلة المشهورة وهو
بعيد جدا وتقدم أن توجه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم كان لسبع بقين من ذي القعدة وأنه
خرج إليهم في ثلاثة آلاف وذكر ابن سعد أنه كان مع المسلمين ستة وثلاثون فرسا ثم ذكر المصنف
فيه ستة أحاديث * الأول حديث عائشة رضي الله عنها ذكره مختصرا وسيأتي مطولا في الباب مع
شرحه * الثاني حديث أنس (قوله حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي (قوله كأني
أنظر إلى الغبار) يشير إلى أنه يستحضر القصة حتى كأنه ينظر إليها مشخصة له بعد تلك المدة
الطويلة (قوله ساطعا) أي مرتفعا (قوله بني غنم) بفتح المعجمة وسكون النون كما تقدم شرحه
في أوائل بدء الخلق وتقدم إعراب قوله موكب جبريل ووقع هذا الحديث عند ابن سعد من
طريق سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال مطولا لكن ليس فيه أنس وأوله كان بين بني قريظة
وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فلما جاءت الأحزاب نقضوه وظاهروهم فلما هزم الله عز وجل
الأحزاب تحصنوا فجاء جبريل ومن معه من الملائكة فقال يا رسول الله انهض إلى بني قريظة
فقال إن في أصحابي جهدا قال انهض إليهم فلأضعضعنهم قال فأدبر جبريل ومن معه
من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار * الحديث الثالث حديث
بن عمر (قوله جويرية) بالجيم مصغر هو عم عبد الله الراوي عنه (قوله لا يصلين أحد
العصر) كذا وقع في جميع النسخ عند البخاري ووقع في جميع النسخ عند مسلم الظهر
مع اتفاق البخاري ومسلم على روايته عن شيخ واحد بإسناد واحد وقد وافق مسلما أبو يعلى
313

وآخرون وكذلك أخرجه ابن سعد عن أبي عتبان مالك بن إسماعيل عن جويرية بلفظ الظهر
وابن حبان من طريق أبي عتبان كذلك ولم أره من رواية جويرية الا بلفظ الظهر غير أن أبا
نعيم في المستخرج أخرجه من طريق أبي حفص السلمي عن جويرية فقال العصر وأما
أصحاب المغازي فاتفقوا على أنها العصر قال ابن إسحاق لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من
الخندق راجعا إلى المدينة أتاه جبريل الظهر فقال إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فأمر
بلالا فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة وكذلك أخرجه
الطبراني والبيهقي في الدلائل بإسناد صحيح إلى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن
مالك عن عمه عبيد الله بن كعب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب
وجمع عليه اللامة واغتسل واستجمر تبدى له جبريل فقال عذيرك من محارب فوثب فزعا فعزم
على الناس أن لا يصلوا العصر حتى يأتوا بني قريظة قال فلبس الناس السلاح فلم يأتوا قريظة
حتى غربت الشمس قال فاختصموا عند غروب الشمس فصلت طائفة العصر وتركتها طائفة
وقالت إنا في عزمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس علينا إثم فلم يعنف واحدا من الفريقين
وأخرجه الطبراني من هذا الوجه موصولا بذكر كعب بن مالك فيه وللبيهقي من طريق القاسم
ابن محمد عن عائشة رضي الله عنها نحوه مطولا وفيه فصلت طائفة إيمانا واحتسابا وتركت طائفة
إيمانا واحتسابا وهذا كله يؤيد رواية البخاري في أنها العصر وقد جمع بعض العلماء بين الروايتين
باحتمال أن يكون بعضهم قبل الامر كان صلى الظهر وبعضهم لم يصلها فقيل لمن لم يصلها لا يصلين
أحد الظهر ولمن صلاها لا يصلين أحد العصر وجمع بعضهم باحتمال أن تكون طائفة منهم
راحت بعد طائفة فقيل للطائفة الأولى الظهر وقيل للطائفة التي بعدها العصر وكلاهما جمع
لا بأس به لكن يبعده اتحاد مخرج الحديث لأنه عند الشيخين كما بيناه بإسناد واحد من مبدئه
إلى منتهاه فيبعد أن يكون كل من رجال إسناده قد حدث به على الوجهين إذ لو كان كذلك لحمله
واحد منهم عن بعض رواته على الوجهين ولم يوجد ذلك ثم تأكد عندي أن الاختلاف في اللفظ
المذكور من حفظ بعض رواته فان سياق البخاري وحده مخالف لسياق كل من رواه عن عبد
الله بن محمد بن أسماء وعن عمه جويرية ولفظ البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلين
أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلى حتى نأتيها
وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم ولفظ مسلم
وسائر من رواه نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف عن الأحزاب أن لا يصلين
أحد الظهر إلا في بني قريظة فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة وقال آخرون
لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وان فاتنا الوقت قال فما عنف واحدا
من الفريقين فالذي يظهر من تغاير اللفظين أن عبد الله بن محمد بن أسماء شيخ الشيخين فيه لما
حدث به البخاري حدث به على هذا اللفظ ولما حدث به الباقين حدثهم به على اللفظ الأخير وهو
اللفظ الذي حدث به جويرية بدليل موافقة أبي عتبان له عليه بخلاف اللفظ الذي حدث به
البخاري أو أن البخاري كتبه من حفظه ولم يراع اللفظ كما عرف من مذهبه في تجويز ذلك بخلاف
مسلم فإنه يحافظ على اللفظ كثيرا وإنما لم أجوز عكسه لموافقة من وافق مسلما على لفظه بخلاف
314

البخاري لكن موافقة أبي حفص السلمي له تؤيد الاحتمال الأول وهذا كله من حيث حديث
ابن عمر أما بالنظر إلى حديث غيره فالاحتمالان المتقدمان في كونه قال الظهر لطائفة والعصر
لطائفة متجه فيحتمل أن تكون رواية الظهر هي التي سمعها
ابن عمر ورواية العصر هي التي سمعها كعب بن مالك وعائشة والله أعلم قال السهيلي وغيره في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من
أخذ بظاهر حديث أو آية ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه وفيه أن كل مختلفين في
الفروع من المجتهدين مصيب قال السهيلي ولا يستحيل أن يكون الشئ صوابا في حق إنسان
وخطأ في حق غيره وإنما المحال أن يحكم في النازلة بحكمين متضادين في حق شخص واحد قال
والأصل في ذلك أن الحظر والإباحة صفات أحكام لا أعيان قال فكل مجتهد وافق اجتهاده وجها
من التأويل فهو مصيب انتهى والمشهور أن الجمهور ذهبوا إلى أن المصيب في القطعيات واحد
وخالف الجاحظ والعنبري وأما ما لا قطع فيه فقال الجمهور أيضا المصيب واحد وقد ذكر ذلك
الشافعي وقرره ونقل عن الأشعري أن كل مجتهد مصيب وأن حكم الله تابع لظن المجتهد وقال
بعض الحنفية وبعض الشافعية هو مصيب باجتهاده وان لم يصب ما في نفس الامر فهو مخطئ وله
أجر واحد وسيأتي بسط هذه المسألة في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى ثم الاستدلال بهذه
القصة على أن كل مجتهد مصيب على الاطلاق ليس بواضح وإنما فيه ترك تعنيف من بذل وسعه
واجتهد فيستفاد منه عدم تأثيمه وحاصل ما وقع في القصة أن بعض الصحابة حملوا النهي على
حقيقته ولم يبالوا بخروج الوقت ترجيحا للنهي الثاني على النهي الأول وهو ترك تأخير الصلاة عن
وقتها واستدلوا بجواز التأخير لمن اشتغل بأمر الحرب بنظير ما وقع في تلك الأيام بالخندق فقد تقدم
حديث جابر المصرح بأنهم صلوا العصر بعدما غربت الشمس وذلك لشغلهم بأمر الحرب فجوزوا
أن يكون ذلك عاما في كل شغل يتعلق بأمر الحرب ولا سيما والزمان زمان التشريع والبعض
الآخر حملوا النهي على غير الحقيقة وأنه كناية عن الحث والاستعجال والاسراع إلى بني قريظة
وقد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعنف أحدا من
الطائفتين فلو كان هناك إثم لعنف من أثم واستدل به ابن حبان على أن تارك الصلاة حتى يخرج
وقتها لا يكفر وفيه نظر لا يخفى واستدل به غيره على جواز الصلاة على الدواب في شدة الخوف وفيه
نظر قد أوضحته في باب صلاة الخوف وعلى أن الذي يتعمد تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها يقضيها
بعد ذلك لان الذين لم يصلوا العصر صلوها بعد ذلك كما وقع عند ابن إسحاق أنهم صلوها في وقت العشاء
وعند موسى بن عقبة أنهم صلوها بعد أن غابت الشمس وكذا في حديث كعب بن مالك وفيه نظر
أيضا لانهم لم يؤخروها إلا لعذر تأولوه والنزاع إنما هو فيمن أخر عمدا بغير تأويل وأغرب ابن المنير
فادعى أن الطائفة الذين صلوا العصر لما أدركتهم في الطريق إنما صلوها وهم على الدواب
واستند إلى أن النزول إلى الصلاة ينافي مقصود الاسراع في الوصول قال فإن الذين لم يصلوا عمدوا
بالدليل الخاص وهو الامر بالاسراع فترك عموم إيقاع العصر في وقتها إلى أن فات والذين
صلوا جمعوا بين دليلي وجوب الصلاة ووجوب الاسراع فصلوا ركبانا لانهم لو صلوا نزولا لكان مضادة
لما أمروا به من الاسراع ولا يظن ذلك بهم مع ثقوب أفهامهم انتهى وفيه نظر لأنه لم يصرح
لهم بترك النزول فلعلهم فهموا أن المراد بأمرهم أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة المبالغة في
315

الامر بالاسراع فبادروا إلى امتثال أمره وخصوا وقت الصلاة من ذلك لما تقرر عندهم من
تأكيد أمرها فلا يمتنع أن ينزلوا فيصلوا ولا يكون في ذلك مضادة لما أمروا به ودعوى أنهم صلوا
ركبانا يحتاج إلى دليل ولم أره صريحا في شئ من طرق هذه القصة وقد تقدم بحث ابن بطال في ذلك
في باب صلاة الخوف وقال ابن القيم في الهدى ما حاصله كل من الفريقين مأجور بقصده إلا أن
من صلى حاز الفضيلتين امتثال الامر في الاسراع وامتثال الامر في المحافظة على الوقت ولا سيما
ما في هذه الصلاة بعينها من الحث على المحافظة عليها وأن من فاتته حبط عمله وإنما لم يعنف الذين
أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الامر ولأنهم اجتهدوا فأخروا لامتثالهم الامر لكنهم لم
يصلوا إلى أن يكون اجتهادهم أصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى وأما من احتج لمن أخر بأن
الصلاة حينئذ كانت تؤخر كما في الخندق وكان ذلك قبل صلاة الخوف فليس بواضح لاحتمال أن
يكون التأخير في الخندق كان عن نسيان وذلك بين في قوله صلى الله عليه وسلم لعمر لما قال له
ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب فقال والله ما صليتها لأنه لو كان ذاكرا لها
لبادر إليها كما صنع عمر انتهى وقد تقدم تأخير الصلاة في الخندق في كتاب الصلاة بما يغني عن إعادته
* الحديث الرابع (قوله حدثني ابن أبي الأسود) هو عبد الله كما تقدم بيانه في كتاب الخمس
وساق هذا الحديث عنه هناك أتم وتقدم باختصار في غزوة بني النضير وتقدم ما يتعلق بالزيادة
التي فيه هنا في حديث الزهري عن أنس في كتاب الهبة وحاصله أن الأنصار كانوا واسوا المهاجرين
بنخيلهم لينتفعوا بتمرها فلما فتح الله النضير ثم قريظة قسم في المهاجرين من غنائمهم فأكثرو أمرهم
برد ما كان للأنصار لاستغنائهم عنه ولأنهم لم يكونوا ملكوهم رقاب ذلك وامتنعت أم أيمن من
رد ذلك ظنا أنها ملكت الرقبة فلاطفها النبي صلى الله عليه وسلم لما كان لها عليه من حق
الحضانة حتى عوضها عن الذي كان بيدها بما أرضاها (قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد
أعطاه أم أيمن فجاءت أم أيمن) في هذا السياق حذف يوضحه رواية مسلم من هذا الوجه بلفظ
أعطاه أم أيمن فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيه فجاءت أم أيمن (قوله والنبي صلى الله عليه
وسلم يقول لك كذا) أي يقول لام أيمن لك كذا في رواية مسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول يا أم
أيمن اتركيه ولك كذا وقوله ولك كذا كناية عن القدر الذي ذكره لها النبي صلى الله عليه وسلم
قال النووي ظنت أم أيمن أن تلك المنحة مؤبدة فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليها هذا الظن
تطيبا لقلبها لكونها حاضنته وزادها من عنده حتى طاب قلبها (قوله أو كما قالت) إشارة إلى
شك وقع في اللفظ مع حصول المعنى (قوله حتى أعطاها حسبت أنه قال عشرة أمثاله أو كما قال)
في رواية مسلم حتى أعطاها عشرة أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله وعرف بهذا أن معنى قوله
ولك كذا أي مثل الذي لك مرة ثم شرع يزيدها مرتين أو ثلاثا إلى أن بلغها عشرة وفي الحديث
مشروعية هبة المنفعة دون الرقبة وفرط جود النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة حلمه وبره ومنزلة أم
أيمن عند النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهما وهي والدة أسامة بن زيد وابنها أيمن أيضا له صحبة
واستشهد بحنين وهو أسن من أسامة وعاشت أم أيمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم قليلا رضي الله
عنهم * الحديث الخامس حديث أبي سعيد أورده من طريق شعبة بنزول وقد تقدم له في المناقب
عاليا وكذا في المغازي قبل هذا بقليل (قوله عن سعد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل) هكذا
316

رواه شعبة عن سعد بن إبراهيم ورواه محمد بن صالح بن دينار التمار المدني عن سعد بن إبراهيم
فقال عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أخرجه النسائي ورواية شعبة أصح ويحتمل
أن يكون لسعد بن إبراهيم فيه إسنادان (قوله نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ) سيأتي
بيان ذلك في الحديث الذي يليه وفي رواية محمد بن صالح المذكورة حكم أن يقتل منهم كل من جرت
عليه الموسى وفيه زيادة بيان الفرق بين المقاتلة والذرية (قوله فلما دنا من المسجد) قيل المراد
المسجد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم أعده للصلاة فيه في ديار بني قريظة أيام حصارهم وليس
المراد به المسجد النبوي بالمدينة لكن كلام ابن إسحاق يدل على أنه كان مقيما في مسجد المدينة
حتى بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم في بني قريظة فإنه قال كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم جعل سعدا في خيمة رفيدة عند مسجده وكانت امرأة تداوي الجرحى فقال اجعلوه
في خيمتها لأعوده من قريب فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة وحاصرهم
وسأله الأنصار أن ينزلوا على حكم سعد أرسل إليه فحملوه على حمار ووطؤا له وكان جسيما فدل
قوله فلما خرج إلى بني قريظة أن سعدا كان في مسجد المدينة (قوله قوموا إلى سيدكم) يأتي
البحث فيه في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وفيه البيان عما اختلف فيه هل المخاطب بذلك
الأنصار خاصة أم هم وغيرهم ووقع في مسند عائشة رضي الله عنها من مسند أحمد من طريق
علقمة بن وقاص عنها في أثناء حديث طويل قال أبو سعيد فلما طلع قال النبي صلى الله عليه وسلم
قوموا إلى سيدكم فانزلوه فقال عمر السيد هو الله (قوله حكمت فيه (1) بحكم الله وربما قال بحكم
الملك) هو بكسر اللام والشك فيه من أحد رواته أي اللفظين قال وفي رواية محمد بن صالح
المذكورة لقد حكمت فيهم اليوم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات وفي حديث
جابر عند ابن عائذ فقال احكم فيهم يا سعد قال الله ورسوله أحق بالحكم قال قد أمرك الله تعالى
أن تحكم فيهم وفي رواية ابن إسحاق من مرسل علقمة بن وقاص لقد حكمت فيهم بحكم الله من
فوق سبعة أرقعة وأرقعة بالقاف جمع رقيع وهو من أسماء السماء قيل سميت بذلك لأنها
رقعت بالنجوم وهذا كله يدفع ما وقع عند الكرماني بحكم الملك بفتح اللام وفسره بجبريل لأنه
الذي ينزل بالأحكام قال السهيلي قوله من فوق سبع سماوات معناه أن الحكم نزل من فوق قال
ومثله قول زينب بنت جحش زوجني الله من نبيه من فوق سبع سماوات أي نزل تزويجها من فوق
قال ولا يستحيل وصفه تعالى بالفوق على المعنى الذي يليق بجلاله لا على المعنى الذي يسبق إلى
الوهم من التحديد الذي يفضي إلى التشبيه وبقية الكلام على هذا الحديث في الذي بعده
* الحديث السادس حديث عائشة رضي الله عنها (قوله أصيب سعد) في الرواية التي في
المناقب سعد بن معاذ (قوله حبان) بكسر المهملة وتشديد الموحدة ابن العرقة بفتح المهملة
وكسر الراء ثم قاف (قوله وهو حبان بن قيس) يعني أن العرقة أمه وهي بنت سعيد بن سعد
ابن سهم (قوله من بني معيص) بفتح الميم وكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم مهملة وهو حبان ابن قيس ويقال ابن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف (قوله رماه في الأكحل) بفتح الهمزة
والمهملة بينهما كاف ساكنة وهو عرق في وسط الذراع قال الخليل هو عرق الحياة ويقال إن
في كل عضو منه شعبة فهو في اليد الأكحل وفي الظهر الأبهر وفي الفخذ النساء إذا قطع لم يرقأ الدم
317

(قوله خيمة في المسجد) تقدم بيانها في الذي قبله (قوله فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم
من الخندق وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل) هذا السياق يبين أن الواو زائدة في الطريق التي
في الجهاد حيث وقع فيه بلفظ لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح فأتاه جبريل وهو أولى من
دعوى القرطبي أن الفاء زائدة قال وكأنها زيدت كما زيدت الواو في جواب لما انتهى ودعوى زيادة
الواو في قوله وضع أولى من دعوى زيادة الفاء لكثرة مجئ الواو زائدة ووقع في أول هذه الغزاة
لما رجع من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل فمن هنا ادعى القرطبي أن الفاء
زائدة ووقع عند الطبراني والبيهقي من طريق القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت
سلم علينا رجل ونحن في البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا فقمت في أثره فإذا بدحية
الكلبي فقال هذا جبريل وفي حديث علقمة يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة وذلك لما رجع
من الخندق قالت فكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه جبريل
وفي حديث علقمة بن وقاص عن عائشة عند أحمد والطبراني فجاءه جبريل وإن على ثناياه لنقع
الغبار وفي مرسل يزيد بن الأصم عند ابن سعد فقال له جبريل عفا الله عنك وضعت السلاح
ولم تضعه ملائكة الله وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة في حديث الباب قالت
عائشة لقد رأيته من خلل الباب قد عصب التراب رأسه وفي رواية جابر عند ابن عائذ فقال قم
فشد عليك سلاحك فوالله لأدقنهم دق البيض على الصفا (قوله فأتاهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم) أي فحاصرهم وروى ابن عائذ من مرسل قتادة قال بعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم مناديا ينادي فنادى يا خيل الله اركبي وفي رواية أبي الأسود عن عروة عند الحاكم والبيهقي
وبعث عليا على المقدمة ودفع إليه اللواء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثره وعند
موسى بن عقبة نحوه وزاد وحاصرهم بضع عشرة ليلة وعند ابن سعد خمس عشرة وفي حديث
علقمة بن وقاص المذكور خمسا وعشرين ومثلها عند ابن إسحاق عن أبيه عن معبد بن كعب
قال حاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار وقذف في قلوبهم الرعب فعرض
عليهم رئيسهم كعب بن أسد أن يؤمنوا أو يقتلوا نساءهم وأبناءهم ويخرجوا مستقتلين أو
يبيتوا المسلمين ليلة السبت فقالوا لا نؤمن ولا نستحل ليلة السبت وأي عيش لنا بعد أبنائنا
ونسائنا فأرسلوا إلى أبي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاءه فاستشاروه في النزول على حكم النبي
صلى الله عليه وسلم فأشار إلى حلقه يعني الذبح ثم ندم فتوجه إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
فازتبط به حتى تاب الله عليه (قوله فنزلوا على حكمه فرد الحكم إلى سعد) كأنهم أذعنوا
للنزول على حكمه صلى الله عليه وسلم فلما سأله الأنصار فيهم رد الحكم إلى سعد ووقع بيان ذلك عند
ابن إسحاق قال لما اشتد بهم الحصار أذعنوا إلى أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتواثبت الأوس فقالوا يا رسول الله قد فعلت في موالي الخزرج أي بني قينقاع ما علمت فقال
ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال فذلك إلى سعد بن معاذ وفي كثير من
السير أنهم نزلوا على حكم سعد ويجمع بأنهم نزلوا على حكمه قبل أن يحكم فيه سعد وفي رواية
علقمة بن وقاص المذكورة فلما اشتد بهم البلاء قيل لهم أنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلما استشاروا أبا لبابة قال ننزل على حكم سعد بن معاذ ونحوه في حديث جابر عند ابن عائذ
318

فحصل في سبب رد الحكم إلى سعد بن معاذ أمران أحدهما سؤال الأوس والآخر إشارة أبي لبابة
ويحتمل أن تكون الإشارة إثر توقفهم ثم لما اشتد الامر بهم في الحصار عرفوا سؤال الأوس
فأذعنوا إلى النزول على حكم النبي صلى الله عليه وسلم وأيقنوا بأنه يرد الحكم إلى سعد وفي رواية
علي بن مسهر عن هشام بن عروة عند مسلم فرد الحكم فيهم إلى سعد وكانوا حلفاءه (قوله فإني
أحكم فيهم) أي في هذا الامر وفي رواية النسفي وإني أحكم فيهم (قوله أن تقتل المقاتلة قد تقدم
في الذي قبله بيان ذلك وذكر ابن إسحاق أنهم حبسوا في دار بنت الحرث وفي رواية أبي الأسود عن
عروة في دار أسامة بن زيد ويجمع بينهما بأنهم جعلوا في بيتين ووقع في حديث جابر عند ابن عائذ
التصريح بأنهم جعلوا في بيتين قال ابن إسحاق فخندقوا لهم خنادق فضربت أعناقهم فجرى الدم
في الخنادق وقسم أموالهم ونساءهم وأبناءهم على المسلمين وأسهم للخيل فكان أول يوم وقعت
فيه السهمان لها وعند ابن سعد من مرسل حميد بن هلال أن سعد بن معاذ حكم أيضا أن تكون
دارهم للمهاجرين دون الأنصار فلامه فقال إني أحببت أن تستغنوا عن دورهم واختلف
في عدتهم فعند ابن إسحاق أنهم كانوا ستمائة وبه جزم أبو عمرو في ترجمة سعد بن معاذ وعند ابن عائذ
من مرسل قتادة كانوا سبعمائة وقال السهيلي المكثر يقول إنهم ما بين الثمانمائة إلى التسعمائة
وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل
فيحتمل في طريق الجمع أن يقال إن الباقين كانوا أتباعا وقد حكى ابن إسحاق أنه قيل إنهم كانوا
تسعمائة (قوله قال هشام فأخبرني أبي) هو موصول بالاسناد المذكور أولا وقد تقدم هذا
القدر من هذا الحديث موصولا من طريق أخرى عن هشام في أوائل الهجرة وفي رواية عبد الله
ابن نمير عن هشام عند مسلم قال قال سعد وتحجر كلمه للبرء اللهم إنك تعلم الخ أي انه دعا بذلك لما
كاد جرحه أن يبرأ ومعنى تحجر أي يبس (قوله فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم
قال بعض الشراح ولم يصب في هذا الظن لما وقع من الحروب في الغزوات بعد ذلك قال
فيحمل على أنه دعا بذلك فلم تقع الإجابة وادخر له ما هو أفضل من ذلك كما ثبت في الحديث الآخر
في دعاء المؤمن أو أن سعدا أراد بوضع الحرب أي في تلك الغزوة الخاصة لا فيما بعدها وذكر ابن
التين عن الداودي أن الضمير لقريظة قال ابن التين وهو بعيد جدا لنصه على قريش (قلت)
وقد تقدم الرد عليه أيضا في أول الهجرة في الكلام على هذا الحديث والذي يظهر لي أن ظن سعد
كان مصيبا وأن دعاءه في هذه القصة كان مجابا وذلك أنه لم يقع بين المسلمين وبين قريش من بعد
وقعة الخندق حرب يكون ابتداء القصد فيها من المشركين فإنه صلى الله عليه وسلم تجهز إلى
العمرة فصدوه عن دخول مكة وكاد الحرب أن يقع بينهم فلم يقع كما قال تعالى وهو الذي كف
أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ثم وقعت الهدنة واعتمر صلى الله
عليه وسلم من قابل واستمر ذلك إلى أن نقضوا العهد فتوجه إليهم غازيا ففتحت مكة فعلى هذا
فالمراد بقوله أظن أنك وضعت الحرب أي أن يقصدونا محاربين وهو كقوله صلى الله عليه وسلم
في الحديث الماضي قريبا في أواخر غزوة الخندق إلا أن نغزوهم ولا يغزوننا (قوله فأبقني له) أي
للحرب في رواية الكشميهني فأبقني لهم (قوله فافجرها) أي الجراحة (قوله فانفجرت من لبته)
بفتح اللام وتشديد الموحدة هي موضع القلادة من الصدر وهي رواية مسلم والإسماعيلي وفي
319

رواية الكشميهني من ليلته وهو تصحيف فقد رواه حماد بن سلمة عن هشام فقال في روايته فإذا
لبته قد انفجرت من كلمه أي من جرحه أخرجه ابن خزيمة وكان موضع الجرح ورم حتى اتصل
الورم إلى صدره فانفجر من ثم (قوله فانفجرت) بين سبب ذلك في مرسل حميد بن هلال عند
ابن سعد ولفظه انه مرت به عنز وهو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الجرح فانفجر حتى مات
(قوله فلم يرعهم) بالمهملة أي أهل المسجد أي لم يفزعهم (قوله وفي المسجد خيمة) هي جملة
حالية (قوله خيمة من بني غفار) تقدم أن ابن إسحاق ذكر أن الخيمة كانت لرفيدة الأسلمية
فيحتمل أن تكون كان لها زوج من بني غفار (قوله يغذو) بغين وذال معجمتين أي يسيل
(قوله فمات منها) في رواية ابن خزيمة في آخر هذه القصة فإذا الدم له هدير ووقع في رواية علقمة بن
وقاص عن عائشة عند أحمد فانفجر كلمه وكان قد برئ إلا مثل الخرص وهو بضم المعجمة وسكون
الراء ثم مهملة وهو من حلي الاذن ولمسلم من طريق عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة فما زال
الدم يسيل حتى مات قال فذلك حين يقول الشاعر
ألا يا سعد سعد بني معاذ * لما فعلت قريظة والنضير
لعمرك إن سعد بني معاذ * غداة تحملوا لهم الصبور
تركتم قدركم لا شئ فيها * وقدر القوم حامية تفور
وقد قال الكريم أبو حباث * أقيموا قينقاع ولا تسيروا
وقد كانوا ببلدتهم ثفالا * كما ثفلت بميطان الصخور *
وقوله أبو حباث بضم المهملة وتخفيف الموحدة وآخرها مثلثة هو عبد الله بن أبي رئيس الخزرج
وكان شفع في بني قينقاع فوهبهم النبي صلى الله عليه وسلم له وكانوا حلفاءه وكانت قريظة حلفاء
سعد بن معاذ فحكم بقتلهم فقال هذا الشاعر يوبخه بذلك وقوله تركتم قدركم أراد به ضرب
المثل وميطان موضع في بلاد مزينة من الحجاز كثير الأوعار وأشار بذلك إلى أن بني قريظة كانوا
في بلادهم راسخين من كثرة ما لهم من القوة والنجدة والمال كما رسخت الصخور بتلك البلدة وذكر
ابن إسحاق أن هذه الأبيات لجبل بن جوال الثعلبي وهو بفتح الجيم والموحدة وأبوه بالجيم وتشديد
الواو والثعلبي بمثلثة ومهملة ثم موحدة ووقع عنده بدل قوله وقد قال الكريم البيت
وأما الخزرجي أبو حباث * فقال لقينقاع لا تسيروا
وزاد فيها أبياتا منها
أقيموا يا سراة الأوس فيها * كأنكم من المخزاة غور
وأراد بذلك توبيخ سعد بن معاذ لأنه رئيس الأوس وكان جبل بن جوال حينئذ كافرا ولعل
قصيدة كعب بن مالك التي قدمناها في غزوة بني النضير كانت جوابا لجبل والله أعلم وذكر ابن
إسحاق لحسان بن ثابت قصيدة على هذا الوزن والقافية يقول فيها
تفاقد معشر نصروا قريشا * وليس لهم ببلدتهم نصير
وهم أوتوا الكتاب فضيعوه * فهم عمي عن التوراة بور
وهي من جملة قصيدته التي تقدم بعضها في غزوة بني النضير وأجابه أبو سفيان بن الحرث عنها
وفي قصة بني قريظة من الفوائد وخبر سعد بن معاذ جواز تمني الشهادة وهو مخصوص من عموم
320

النهي عن تمني الموت وفيها تحكيم الأفضل من هو مفضول وفيها جواز الاجتهاد في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم وهي خلافية في أصول الفقه والمختار الجواز سواء كان بحضور النبي صلى
الله عليه وسلم أم لا وإنما استبعد المانع وقوع الاعتماد على الظن مع إمكان القطع ولا يضر ذلك
لأنه بالتقرير يصير قطعيا وقد ثبت وقوع ذلك بحضرته صلى الله عليه وسلم كما في هذه القصة
وقصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قتيل أبي قتادة كما سيأتي في غزوة حنين وغير ذلك
وسيأتي مزيد له في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى * الحديث السابع حديث البراء
(قوله عدى) هو ابن ثابت (قوله اهجهم أو هاجهم) بالشك والثاني أخص من الأول (قوله
وزاد إبراهيم بن طهمان) وصله النسائي وإسناده على شرط البخاري وأبو إسحاق هو الشيباني
واسمه سليمان وزيادته في هذا الحديث معينة أن الامر له بذلك وقع يوم قريظة ووقع في حديث
جابر رضي الله عنه عند ابن مردويه لما كان يوم الأحزاب وردهم الله بغيظهم قال النبي صلى الله
عليه وسلم من يحمي أعراض المسلمين فقام كعب وابن رواحة وحسان فقال لحسان أهجهم
أنت فإنه سيعينك عليهم روح القدس فهذا يؤيد زيادة الشيباني المذكورة فان يوم
بني قريظة مسبب عن يوم الأحزاب والله أعلم ولا مانع أن يتعدد وقوع الامر له بذلك وأورده ابن
إسحاق لحسان في شأن بني قريظة عدة قصائد وقد تقدمت الإشارة إلى شئ من ذلك في الحديث
الذي قبله (قوله باب غزوة ذات الرقاع) هذه الغزوة اختلف فيها متى كانت
واختلف في سبب تسميتها بذلك وقد جنح البخاري إلى أنها كانت بعد خيبر واستدل لذلك في
هذا الباب بأمور سيأتي الكلام عليها مفصلا ومع ذلك فذكرها قبل خيبر فلا أدري هل تعمد ذلك
تسليما لأصحاب المغازي أنها كانت قبلها كما سيأتي أو أن ذلك من الرواة عنه أو إشارة إلى احتمال
أن تكون ذات الرقاع اسما لغزوتين مختلفتين كما أشار إليه البيهقي على أن أصحاب المغازي
مع جزمهم بأنها كانت قبل خيبر مختلفون في زمانها فعند ابن إسحاق أنها بعد بني النضير
وقبل الخندق سنة أربع قال ابن إسحاق أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بني النضير
شهر ربيع وبعض جمادى يعني من سنته وغزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان
حتى نزل نخلا وهي غزوة ذات الرقاع وعند ابن سعد وابن حبان أنها كانت في المحرم سنة خمس
وأما أبو معشر فجزم بأنها كانت بعد بني قريظة والخندق وهو موافق لصنيع المصنف وقد تقدم
أن غزوة قريظة كانت في ذي القعدة سنة خمس فتكون ذات الرقاع في آخر السنة وأول التي
تليها وأما موسى بن عقبة فجزم بتقديم وقوع غزوة ذات الرقاع لكن تردد في وقتها فقال لا ندري
كانت قبل بدر أو بعدها أو قبل أحد أو بعدها وهذا التردد لا حاصل له بل الذي ينبغي الجزم به أنها
بعد غزوة بني قريظة لأنه تقدم أن صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت وقد ثبت وقوع
صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع فدل على تأخرها بعد الخندق وسأذكر بيان ذلك واضحا في
الكلام على رواية هشام عن أبي الزبير عن جابر في هذا الباب إن شاء الله تعالى (قوله وهي غزوة
محارب خصفة) كذا فيه وهو متابع في ذلك لرواية مذكورة في أواخر الباب وخصفة بفتح الخاء
المعجمة والصاد المهملة ثم الفاء هو ابن قيس بن غيلان بن الياس بن مضر ومحارب هو ابن خصفة
والمحاربيون من قيس ينسبون إلى محارب بن خصفة هذا وفي مضر محاربيون أيضا لكونهم
321

ينسبون إلى محارب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر
وهم بطن من قريش منهم حبيب بن مسلمة الذي ذكره في أواخر غزوة الخندق ولم يحرر الكرماني
هذا الموضع فإنه قال قوله محارب هي قبيلة من فهر وخصفة هو ابن قيس بن غيلان وفي
شرح قول البخاري محارب خصفة بهذا الكلام من الفساد ما لا يخفى ويوضحه أن بني فهر
لا ينسبون إلى قيس بوجه نعم وفي العرنيين محارب بن صباح وفي عبد القيس محارب بن عمرو ذكر
ذلك الدمياطي وغيره فلهذه النكتة أضيفت محارب إلى خصفة لقصد التمييز عن غيرهم من
المحاربيين كأنه قال محارب الذين ينسبون إلى خصفة لا الذين ينسبون إلى فهر ولا غيرهم
(قوله من بني ثعلبة بن غطفان) بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة بعدها فاء كذا وقع فيه وهو
يقتضي أن ثعلبة جد لمحارب وليس كذلك ووقع في رواية القابسي خصفة بن ثعلبة وهو
أشد في الوهم والصواب ما وقع عند ابن إسحاق وغيره وبني ثعلبة بواو العطف فان غطفان هو
ابن سعد بن قيس بن غيلان فمحارب وغطفان أبناء عم فكيف يكون الاعلى منسوبا إلى الأدنى
وسيأتي في الباب من حديث جابر بلفظ محارب وثعلبة بواو العطف على الصواب وفي قوله
ثعلبة بن غطفان بباء موحدة ونون نظر أيضا والأولى ما وقع عند ابن إسحاق وبني ثعلبة من
غطفان بميم ونون فإنه ثعلبة بن سعد بن دينار بن معيص بن ريث بن غطفان على أن لقوله
ابن غطفان وجها بأن يكون نسبه إلى جده الاعلى وسيأتي في الباب من رواية بكر بن سوادة
يوم محارب وثعلبة فغاير بينهما وليس في جميع العرب من ينسب إلى بني ثعلبة بالمثلثة المهملة
الساكنة واللام المفتوحة بعدها موحدة إلا هؤلاء وفي بني أسد بنو ثعلبة بن دردان بن أسد بن
خزيمة وهم قليل والثعلبيون يشتبهون بالتغلبيين بالمثناة ثم المعجمة واللام المكسورة فأولئك
قبائل أخرى ينسبون إلى ثعلب بن وائل أخي بكر بن وائل وهم من ربيعة أخو مضر (قوله
فنزل) أي النبي صلى الله عليه وسلم (قوله نخلا) هو مكان من المدينة على يومين وهو بواد
يقال له شرخ بشين معجمة بعدها مهملة ساكنة ثم خاء معجمة وبذلك الوادي طوائف من قيس من
بني فزارة وأنمار وأشجع ذكره أبو عبيد البكري * (تنبيه) * جمهور أهل المغازي على أن غزوة
ذات الرقاع هي غزوة محارب كما جزم به ابن إسحاق وعند الواقدي أنهما ثنتان وتبعه القطب
الحلبي في شرح السيرة والله أعلم بالصواب (قوله وهي) أي هذه الغزوة (بعد خيبر لان أبا موسى
جاء بعد خيبر) هكذا استدل به وقد ساق حديث أبي موسى بعد قليل وهو استدلال صحيح وسيأتي
الدليل على أن أبا موسى إنما قدم من الحبشة بعد فتح خيبر في باب غزوة خيبر ففيه في حديث
طويل قال أبو موسى فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر وإذا كان كذلك ثبت
أن أبا موسى شهد غزوة ذات الرقاع ولزم أنها كانت بعد خيبر وعجبت من ابن سيد الناس كيف
قال جعل البخاري حديث أبي موسى هذا حجة في أن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن خيبر قال وليس
في خبر أبي موسى ما يدل على شئ من ذلك انتهى وهذا النفي مردود والدلالة من ذلك واضحة كما
قررته وأما شيخه الدمياطي فادعى غلط الحديث الصحيح وأن جميع أهل السير على خلافه وقد
قدمت أنهم مختلفون في زمانها فالأولى الاعتماد على ما ثبت في الحديث الصحيح وقد ازداد قوة
بحديث أبي هريرة وبحديث ابن عمر كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وقد قيل إن الغزوة التي
322

شهدها أبو موسى وسميت ذات الرقاع غير غزوة ذات الرقاع التي وقعت فيها صلاة الخوف لان
أبا موسى قال في روايته انهم كانوا ستة أنفس والغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف كان
المسلمون فيها أضعاف ذلك والجواب عن ذلك أن العدد الذي ذكره أبو موسى محمول على من كان
موافقا له من الرامة لا أنه أراد جميع من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم واستدل على التعدد
أيضا بقول أبي موسى إنها سميت ذات الرقاع لما لفوا في أرجلهم من الخرق وأهل المغازي ذكروا
في تسميتها بذلك أمورا غير هذا قال ابن هشام وغيره سميت بذلك لانهم رقعوا فيها راياتهم وقيل
بشجر بذلك الموضع يقال له ذات الرقاع وقيل بل الأرض التي كانوا نزلوا بها كانت ذات ألوان
تشبه الرقاع وقيل لان خيلهم كان بها سواد وبياض قاله ابن حبان وقال الواقدي سميت
بجبل هناك فيه بقع وهذا لعله مستند ابن حبان ويكون قد تصحف جبل بخيل وبالجملة فقد
اتفقوا على غير السبب الذي ذكره أبو موسى لكن ليس ذلك مانعا من اتحاد الواقعة ولازما للتعدد
وقد رجح السهيلي السبب الذي ذكره أبو موسى وكذلك النووي ثم قال ويحتمل أن تكون سميت
بالمجموع وأغرب الداودي فقال سميت ذات الرقاع لوقوع صلاة الخوف فيها فسميت بذلك
لترقيع الصلاة فيها ومما يدل على التعدد أنه لم يتعرض أبو موسى في حديثه إلى أنهم صلوا صلاة
الخوف ولا أنهم لقوا عدوا ولكن عدم الذكر لا يدل على عدم الوقوع فإن أبا هريرة في ذلك نظير أبي
موسى لأنه إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر كما سيأتي هناك
ومع ذلك فقد ذكر في حديثه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في غزوة نجد
كما سيأتي في أواخر هذا الباب واضحا وكذلك عبد الله بن عمر ذكر أنه صلى مع النبي صلى الله عليه
وسلم صلاة الخوف بنجد وقد تقدم أن أول مشاهده الخندق فتكون ذات الرقاع بعد الخندق
(قوله وقال لي عبد الله بن رجاء) كذا لأبي ذر ولغيره قال عبد الله بن رجاء ليس فيه لي وعبد الله بن
رجاء هذا هو الغداني البصري قد سمع منه البخاري وأما عبد الله بن رجاء المكي فلم يدركه وقد وصله
أبو العباس السراج في مسنده المبوب فقال حدثنا جعفر بن هاشم حدثنا عبد الله بن رجاء فذكره
(قوله أخبرنا عمران القطان) هو بصري لم يخرج له البخاري إلا استشهادا (قوله إن النبي
صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف) زاد السراج أربع ركعات صلى بهم ركعتين ثم
ذهبوا ثم جاء أولئك فصلى بهم ركعتين وسيأتي في آخر الباب من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير
بسنده وهذا بزيادة فيه وذلك كله في غزوة ذات الرقاع ولجابر حديث آخر فيه ذكر صلاة الخوف
على صفة أخرى وسيأتي الكلام فيه قريبا (قوله في غزوة السابعة) هي من إضافة الشئ إلى
نفسه على رأي أو فيه حذف تقديره غزوة السفرة السابعة وقال الكرماني وغيره غزوة السنة
السابعة أي من الهجرة (قلت) وفي هذا التقدير نظر إذ لو كان مرادا لكان هذا نصا في أن غزوة
ذات الرقاع تأخرت بعد خيبر ولم يحتج المصنف إلى تكلف الاستدلال لذلك بقصة أبي موسى
وغير ذلك مما ذكره في الباب نعم في التنصيص على أنها سابع غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه
وسلم تأييد لما ذهب إليه البخاري من أنها كانت بعد خيبر فإنه إن كان المراد الغزوات التي خرج
النبي صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه مطلقا وإن لم يقاتل فإن السابعة منها تقع قبل أحد ولم يذهب
أحد إلى أن ذات الرقاع قبل أحد إلا ما تقدم من تردد موسى بن عقبة وفيه نظر لانهم متفقون
323

على أن صلاة الخوف متأخرة عن غزوة الخندق فتعين أن تكون ذات الرقاع بعد بني قريظة فتعين
أن المراد الغزوات التي وقع فيها القتال والأولى منها بدر والثانية أحد والثالثة الخندق
والرابعة قريظة والخامسة المريسيع والسادسة خيبر فيلزم من هذا أن تكون ذات الرقاع
بعد خيبر للتنصيص على أنها السابعة فالمراد تاريخ الوقعة لا عدد المغازي وهذه العبارة أقرب إلى
إرادة السنة من العبارة التي وقعت عند أحمد بلفظ وكانت صلاة الخوف في السابعة فإنه يصح أن
يكون التقدير في الغزوة السابعة كما يصح في غزوة السنة السابعة (قوله وقال ابن عباس صلى
النبي صلى الله عليه وسلم يعني صلاة الخوف بذي قرد) بفتح القاف والراء هو موضع على نحو يوم من
المدينة مما بلى بلاد غطفان وحديث ابن عباس هذا وصله النسائي والطبراني من طريق أبي بكر
ابن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلى بذي قرد صلاة الخوف مثل صلاة حذيفة وأخرجه أحمد وإسحاق من هذا الوجه بلفظ فصف
الناس خلفه صفين صف موازي العدو وصف خلفه فصلى بالذي يليه ركعة ثم ذهبوا إلى مصاف
الآخرين وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة أخرى انتهى وقد تقدم حديث ابن عباس في باب صلاة
الخوف من طريق الزهري عن عبيد الله به نحو هذا لكن ليس فيه بذي قرد وزاد فيه والناس كلهم
في صلاة ولكن يحرس بعضهم بعضا وحمله الجمهور على أن العدو كانوا في جهة القبلة كما سيأتي
بعد قليل وهذه الصفة تخالف الصفة التي وصفها جابر فيظهر أنهما قصتان لكن البخاري أراد من
إيراد حديث ابن عباس وحديث سلمة بن الأكوع الموافق له في تسميته الغزوة الإشارة أيضا إلى
أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر لان في حديث سلمة التنصيص على أنها كانت بعد الحديبية
وخيبر كانت قرب الحديبية لكن يعكر عليه اختلاف السبب والقصد فإن سبب غزوة ذات
الرقاع ما قيل لهم إن محارب يجمعون لهم فخرجوا إليهم إلى بلاد غطفان وسبب غزوة القرد إغارة
عبد الرحمن بن عيينة على لقاح المدينة فخرجوا في آثارهم ودل حديث سلمة على أنه بعد أن هزمهم
وحده واستنقذ اللقاح منهم أن المسلمين لم يصلوا في تلك الخرجة إلى بلاد غطفان فافترقا وأما
الاختلاف في كيفية صلاة الخوف بمجرده فلا يدل على التغاير لاحتمال أن تكون وقعت في
الغزوة الواحدة على كيفيتين في صلاتين في يومين بل في يوم واحد (قوله وقال بكر بن سوادة
حدثني زياد بن نافع عن أبي موسى ان جابرا حدثهم قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم محارب
وثعلبة) أما بكر بن سوادة فهو الجذامي المصري يكنى أبا ثمامة وكان أحد الفقهاء بمصر وأرسله
عمر بن عبد العزيز إلى أهل إفريقية ليفقههم فمات بها سنة ثمان وعشرين ومائة وثقه ابن
معين والنسائي وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق وقد وصله سعيد بن منصور
والطبري من طريقه بهذا الاسناد وأما زياد بن نافع فهو التجيي المصري تابعي صغير وليس له
أيضا في البخاري سوى هذا الموضع وأما أبو موسى فيقال إنه علي بن رباح وهو تابعي معروف
أخرج له مسلم ويقال هو الفافقي واسمه مالك بن عبادة وهو صحابي معروف أيضا ويقال أنه
مصري لا يعرف اسمه وليس له في البخاري أيضا إلا هذا الموضع وقوله يوم محارب وثعلبة يؤيد
ما وقع من الوهم في أول الترجمة (قوله وقال ابن إسحاق سمعت وهب بن كيسان سمعت جابرا قال
خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نخل فلقى جمعا من غطفان الخ) لم أر هذا الذي
324

ساقه عن ابن إسحاق هكذا في شئ من كتب المغازي ولا غيرها والذي في السيرة تهذيب ابن هشام
قال ابن إسحاق حدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله قال خرجت مع النبي صلى الله عليه
وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل على جمل لي صعب فساق قصة الجمل وكذلك أخرجه أحمد من
طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق وقال ابن إسحاق قبل ذلك وغزا نجدا يريد بني محارب وبني
ثعلبة من غطفان حتى نزل نخلا وهي غزوة ذات الرقاع فلقي بها جمعا من غطفان فتقارب الناس
ولم يكن بينهم حرب وقد أخاف الناس بعضهم بعضا حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالناس صلاة الخوف ثم انصرف الناس وهذا القدر هو الذي ذكره البخاري تعليقا مدرجا
بطريق وهب بن كيسان عن جابر وليس هو عند ابن إسحاق عن وهب كما أوضحته إلا أن يكون
البخاري اطلع على ذلك من وجه آخر لم يقف عليه أو وقع في النسخة تقديم وتأخير فظنه
موصولا بالخبر المسند فالله أعلم ولم أر من نبه على ذلك في هذا الموضع ونخل بالخاء المعجمة كما تقدم
موضع من نجد من أراضي غطفان قال أبو عبيد البكري لا يصرف وغفل من قال إن المراد نخل
بالمدينة واستدل به على مشروعية صلاة الخوف في الحضر وليس كما قال وصلاة الخوف في
الحضر قال بها الشافعي والجمهور إذا حصل الخوف وعن مالك تختص بالسفر والحجة للجمهور
قوله تعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلم يقيد ذلك بالسفر والله أعلم (قوله وقال يزيد عن
سلمة غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم القرد) أما يزيد فهو ابن أبي عبيد وأما سلمة فهو ابن
الأكوع وسيأتي حديثه هذا موصولا قبل غزوة خيبر وترجم له المصنف غزوة ذي قرد وهي الغزوة
التي أغاروا فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم ثم ساقه مطولا وليس فيه لصلاة الخوف ذكر
وإنما ذكره هنا من أجل حديث بن عباس المذكور قبل أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف
بذي قرد ولا يلزم من ذكر ذي قرد في الحديثين أن تتحد القصة كما لا يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم
صلى الخوف في مكان أن لا يكون صلاها في مكان آخر قال البيهقي الذي لا نشك فيه أن غزوة ذي
قرد كانت بعد الحديبية وخيبر وحديث سلمة بن الأكوع مصرح بذلك وأما غزوة ذات الرقاع
فمختلف فيها فظهر تغاير القصتين كما حررته واضحا (قوله عن أبي موسى) هو الأشعري (قوله
خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن في ستة نفر) لم أقف على أسمائهم وأظنهم من
الأشعريين (قوله بيننا بعير نعتقبه) أي نركبه عقبة عقبة وهو أن يركب هذا قليلا ثم ينزل فيركب
الآخر بالنوبة حتى يأتي على سائرهم (قوله فنقبت أقدامنا) بفتح النون وكسر القاف بعدها
موحدة أي رقت يقال نقب البعير إذا رق خفه (قوله لما كنا) أي من أجل ما فعلناه من ذلك
(قوله نعصب) بفتح أوله وكسر الصاد المهملة (قوله وحدث أبو موسى بهذا) هو موصول
بالاسناد المذكور وهو مقول أبي بردة بن أبي موسى (قوله كره ذلك) أي لما خاف من تزكية
نفسه (قوله كأنه كره أن يكون شئ من عمله أفشاه) وذلك أن كتمان العمل الصالح أفضل من
إظهاره إلا لمصلحة راجحة كمن يكون ممن يقتدى به وعند الإسماعيلي في رواية منقطعة قال والله
يجزي به (قوله عن صالح بن خوات) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو وآخره مثناة أي بن جبير بن
النعمان الأنصاري وصالح تابعي ثقة ليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد وأبوه أخرج
له البخاري في الأدب المفرد وهو صحابي جليل أول مشاهده أحد ومات بالمدينة سنة أربعين
325

(قوله عمن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف) قيل إن اسم هذا
المبهم سهل بن أبي حثمة لان القاسم بن محمد روى حديث صلاة الخوف عن صالح بن خوات عن
سهل بن أبي حثمة وهذا هو الظاهر من رواية البخاري ولكن الراجح أنه أبوه خوات بن جبير لان
أبا أويس روى هذا الحديث عن يزيد بن رومان شيخ مالك فيه فقال عن صالح بن خوات عن أبيه
أخرجه بن منده في معرفة الصحابة من طريقه وكذلك أخرجه البيهقي من طريق عبيد الله بن عمر
عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن أبيه وجزم النووي في تهذيبه بأنه خوات بن جبير
وقال إنه محقق من رواية مسلم وغيره (قلت) وسبقه لذلك الغزالي فقال إن صلاة ذات الرقاع في
رواية خوات بن جبير وقال الرافعي في شرح الوجيز اشتهر هذا في كتب الفقه والمنقول في كتب
الحديث رواية صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة وعمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم قال
فلعل المبهم هو خوات والد صالح (قلت) وكأنه لم يقف على رواية خوات التي ذكرتها وبالله
التوفيق ويحتمل أن صالحا سمعه من أبيه ومن سهل بن أبي حثمة فلذلك يبهمه تارة ويعينه
أخرى إلا أن تعيين كونها كانت ذات الرقاع إنما هو في روايته عن أبيه وليس في رواية صالح
عن سهل أنه صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم وينفع هذا فيما سنذكره قريبا من استبعاد أن
يكون سهل بن أبي حثمة كان في سن من يخرج في تلك الغزاة فإنه لا يلزم من ذلك أن لا يرويها
فتكون روايته إياها مرسل صحابي فبهذا يقوى تفسير الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم
بخوات والله أعلم (قوله أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه) العدو وجاه بكسر الواو وبضمها أي
مقابل (قوله فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم) هذه الكيفية تخالف الكيفية
التي تقدمت عن جابر في عدد الركعات وتوافق الكيفية التي تقدمت عن ابن عباس في ذلك
لكن تخالفها في كونه صلى الله عليه وسلم ثبت قائما حتى أتمت الطائفة لانفسها ركعة أخرى وفي
أن الجميع استمروا في الصلاة حتى سلموا بسلام النبي صلى الله عليه وسلم (قوله وقال معاذ حدثنا
هشام) كذا للأكثر وعند النسفي وقال معاذ بن هشام حدثنا هشام وفيه رد على أبي نعيم ومن
تبعه في الجزم بأن معاذا هذا هو ابن فضالة شيخ البخاري ومعاذ بن هشام ثقة صاحب غرائب وقد
تابعه بن علية عن أبيه هشام وهو الدستوائي أخرجه الطبري في تفسيره وكذلك أخرجه أبو داود
الطيالسي في مسنده عن هشام عن أبي الزبير ولمعاذ بن هشام عن أبيه فيه إسناد آخر أخرجه
الطبري عن بندار عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن سليمان اليشكري عن جابر وسأذكر
ما في رواياتهم من الاختلاف قريبا إن شاء الله تعالى (قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بنخل
فذكر صلاة الخوف) أورده مختصرا معلقا لان غرضه الإشارة إلى أن روايات جابر متفقة على
أن الغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف هي غزوة ذات الرقاع لكن فيه نظر لان سياق رواية
هشام عن أبي الزبير هذه تدل على أنه حديث آخر في غزوة أخرى وبيان ذلك أن في هذا الحديث
عند الطيالسي وغيره أن المشركين قالوا دعوهم فان لهم صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم قال
فنزل جبريل فأخبره فصلى بأصحابه العصر وصفهم صفين فذكر صفة صلاة الخوف وهذه القصة
إنما هي في غزوة عسفان وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق زهير بن معاوية عن أبي الزبير
بلفظ يدل على مغايرة هذه القصة لغزوة محارب في ذات الرقاع ولفظه عن جابر قال غزونا مع النبي
326

صلى الله عليه وسلم قوما من جهينة فقاتلونا قتالا شديدا فلما أن صلينا الظهر قال المشركون لو ملنا
عليهم ميلة واحدة لأفظعناهم فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال وقالوا ستأتيهم
صلاة هي أحب إليهم من الأولاد فذكر الحديث وروى أحمد والترمذي وصححه النسائي من
طريق عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين ضبحان وعسفان
فقال المشركون إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم فذكر الحديث في نزول جبريل
لصلاة الخوف وروى أحمد وأصحاب السنن وصححه بن حبان من حديث أبي عياش الزرقي
قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان فصلى بنا الظهر وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد
فقالوا لقد أصبنا منهم غفلة ثم قال إن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم
فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر فصلى بنا العصر ففرقنا فرقتين الحديث وسياقه نحو
رواية زهير عن أبي الزبير عن جابر وهو ظاهر في اتحاد القصة وقد روى الواقدي من حديث
خالد بن الوليد قال لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية لقيته بعسفان فوقفت بإزائه
وتعرضت له فصلى بأصحابه الظهر فهممنا أن نغير عليهم فلم يعزم لنا فأطلع الله نبيه على ذلك فصلى
بأصحابه العصر صلاة الخوف الحديث وهو ظاهر فيما قررته أن صلاة الخوف بعسفان غير
صلاة الخوف بذات الرقاع وأن جابرا روى القصتين معا فأما رواية أبي الزبير عنه ففي قصة
عسفان وأما رواية أبي سلمة ووهب بن كيسان وأبي موسى المصري عنه ففي غزوة ذات الرقاع وهي
غزوة محارب وثعلبة وإذا تقرر أن أول ما صليت صلاة الخوف في عسفان وكانت في عمرة الحديبية
وهي بعد الخندق وقريظة وقد صليت صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع وهي بعد عسفان فتعين
تأخرها عن الخندق وعن قريظة وعن الحديبية أيضا فيقوى القول بأنها بعد خيبر لان غزوة
خيبر كانت عقب الرجوع من الحديبية وأما قول الغزالي إن غزوة ذات الرقاع آخر الغزوات
فهو غلط واضح وقد بالغ ابن الصلاح في إنكاره وقال بعض من انتصر للغزالي لعله أراد آخر
غزوة صليت فيها صلاة الخوف وهذا انتصار مردود أيضا لما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه
ابن حبان من حديث أبي بكرة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف وإنما أسلم
أبو بكرة في غزوة الطائف باتفاق وذلك بعد غزوة ذات الرقاع قطعا وإنما ذكرت هذا
استطرادا لتكمل الفائدة (قوله قال مالك) هو موصول بالاسناد المذكور (قوله
وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف) يقتضي أنه سمع في كيفيتها صفات متعددة وهو
كذلك فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة صلاة الخوف كيفيات حملها بعض
العلماء على اختلاف الأحوال وحملها آخرون على التوسع والتخيير وقد تقدمت الإشارة
إلى ذلك في باب صلاة الخوف وما ذهب إليه مالك من ترجيح هذه الكيفية وافقه الشافعي
وأحمد وداود على ترجيحها لسلامتها من كثرة المخالفة ولكونها أحوط لأمر الحرب مع
تجويزهم الكيفية التي في حديث بن عمر ونقل عن الشافعي أن الكيفية التي في حديث
ابن عمر منسوخة ولم يثبت ذلك عنه وظاهر كلام المالكية عدم إجازة الكيفية التي في
حديث ابن عمر واختلفوا في كيفية رواية سهل بن أبي حثمة في موضع واحد وهو أن الامام هل
يسلم قبل أن تأتي الطائفة الثانية بالركعة الثانية أو ينتظرها في التشهد ليسلموا معه فبالأول
327

قال المالكية وزعم ابن حزم أنه لم يرد عن أحد من السلف القول بذلك والله أعلم ولم تفرق
المالكية والحنفية حيث أخذوا بالكيفية التي في هذا الحديث بين أن يكون العدو في جهة
القبلة أم لا وفرق الشافعي والجمهور فحملوا حديث سهل على أن العدو كان في غير جهة القبلة فلذلك صلى بكل طائفة وحدها جميع الركعة وأما إذا كان العدو في جهة القبلة فعلى ما تقدم في
حديث بن عباس أن الامام يحرم بالجميع ويركع بهم فإذا سجد سجد معه صف وحرس صف إلى
آخره ووقع عند مسلم من حديث جابر صفنا صفين والمشركون بيننا وبين القبلة وقال
السهيلي اختلف العلماء في الترجيح فقالت طائفة يعمل منها بما كان أشبه بظاهر القرآن
وقالت طائفة يجتهد في طلب الأخير منها فإنه الناسخ لما قبله وقالت طائفة يؤخذ بأصحها نقلا
وأعلاها رواة وقالت طائفة يؤخذ بجميعها على حسب اختلاف أحوال الخوف فإذا اشتد
الخوف أخذ بأيسرها مؤنة والله أعلم (قوله تابعه الليث عن هشام عن زيد بن أسلم أن القاسم بن
محمد حدثه قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار) قلت لم يظهر لي مراد البخاري
بهذه المتابعة لأنه إن أراد المتابعة في المتن لم يصح لان الذي قبله غزوة محارب وثعلبة بنخل
وهذه غزوة أنمار ولكن يحتمل الاتحاد لان ديار بني أنمار تقرب من ديار بني ثعلبة وسيأتي
بعد باب أن أنمار في قبائل منهم بطن من غطفان وان أراد المتابعة في الاسناد فليس كذلك
بل الروايتان متخالفتان من كل وجه الأولى متصلة بذكر الصحابي وهذه مرسلة ورجال
الأولى غير رجال الثانية ولعل بعض من لا بصر له بالرجال يظن أن هشاما المذكور قبل هو
هشام المذكور ثانيا وليس كذلك فان هشاما الراوي عن أبي الزبير هو الدستوائي كما بينته
قبل وهو بصري وهشام شيخ الليث فيه هو ابن سعد وهو مدني والدستوائي لا رواية له
عن زيد بن أسلم ولا رواية لليث بن سعد عنه وقد وصل البخاري في تاريخه هذا المعلق قال
قال لي يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا الليث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم سمع القاسم بن
محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في غزوة بني أنمار نحوه يعني نحو حديث صالح بن خوات عن
سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف (قلت) فظهر لي من هذا وجه المتابعة وهو أن حديث سهل
بن أبي حثمة في غزوة ذات الرقاع متحد مع حديث جابر لكن لا يلزم من اتحاد كيفية الصلاة في
هذه وفي هذه أن تتحد الغزوة وقد أفرد البخاري غزوة بني أنمار بالذكر كما سيأتي بعد باب نعم ذكر
الواقدي أن سبب غزوة ذات الرقاع أن أعرابيا قدم بجلب إلى المدينة فقال إني رأيت ناسا من بني
ثعلبة ومن بني أنمار وقد جمعوا لكم جموعا وأنتم في غفلة عنهم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم
في أربعمائة ويقال سبعمائة فعلى هذا فغزوة أنمار متحدة مع غزوة بني محارب وثعلبة وهي
غزوة ذات الرقاع والله أعلم ويحتمل أن يكون موضع هذه المتابعة بعد حديث القاسم بن محمد
عن صالح بن خوات فيكون متأخرا عنه ويكون تقديمه من بعض النقلة عن البخاري ويؤيد
ذلك ما ذكرته عن تاريخ البخاري فإنه بين في ذلك والله أعلم (قوله حدثنا يحيى عن يحيى) الأول
هو ابن سعيد القطان وشيخه هو ابن سعيد الأنصاري والقاسم بن محمد أي بن أبي بكر الصديق
وصالح بن خوات تقدم التعريف به ففي الاسناد ثلاثة من التابعين المدنيين في نسق يحيى
328

الأنصاري فمن فوقه وسهل بن أبي حثمة بفتح المهملة وسكون المثناة واسمه عبد الله وقيل
عامر وقيل اسم أبيه عبد الله وأبو حثمة جده واسمه عامر بن ساعدة وهو أنصاري من بني الحرث
ابن الخزرج اتفق أهل العلم بالاخبار على أنه كان صغيرا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما ذكر
ابن أبي حاتم عن رجل من ولد سهل أنه حدثه أنه بايع تحت الشجرة وشهد المشاهد إلا بدرا وكان
الدليل ليلة أحد وقد تعقب هذا جماعة من أهل المعرفة وقالوا إن هذه الصفة لأبيه وأما هو فمات
النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن ثمان سنين وممن جزم بذلك الطبري وابن حبان وابن السكن
وغير واحد وعلى هذا فتكون روايته لقصة صلاة الخوف مرسلة ويتعين أن يكون مراد صالح
ابن خوات ممن شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف غيره والذي يظهر أنه أبوه كما تقدم
والله أعلم (قوله يقوم الامام) هذا ذكره موقوفا وقد أخرجه المصنف بعد حديث من طريق
بن أبي حاتم واسمه عبد العزيز عن يحيى بن سعيد الأنصاري وأورده من طريق عبد الرحمن بن
القاسم عن أبيه مرفوعا (قوله عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أي مثل
المتن الموقوف من رواية يحيى عن يحيى وقد أورده مسلم وأبو داود من هذا الوجه بلفظ أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف فصفهم خلفه صفين فذكر الحديث وهو مما يقوي
ما قدمته أن سهل بن أبي حثمة لم يشهد ذلك وأن المراد بقول صالح بن خوات ممن شهد أبوه لا سهل
والله أعلم (قوله إن ابن عمر رضي الله عنهما قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد
فوازينا) بالزاي أي قاتلنا (العدو فصاففنا لهم) وقد تقدم في باب صلاة الخوف أن في رواية
الكشميهني فصففناهم وكذا أخرجه أحمد عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه وهكذا أورده البخاري من طريق شعيب هنا مقتصرا منها على هذا القدر وعقبها بطريق معمر فلم يتعرض لصدر
الحديث بل أوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين والطائفة الأخرى
مواجهة العدو الحديث فأما رواية شعيب فتقدمت في باب صلاة الخوف تامة وأما رواية معمر
فأخرجها أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه كذلك ووقع في آخرها ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم
وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم ولفظ القضاء فيها على معنى الأداء لا على معنى القضاء الاصطلاحي
وقد وقع في رواية شعيب فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين وهي تبين المراد
في رواية بن جريج عن الزهري عند أحمد نحوه وقد تقدم الكلام على بقية هذا الحديث في باب
صلاة الخوف (قوله حدثني سنان وأبو سلمة) أما سنان فهو بن أبي سنان الدؤلي كما في الرواية
الثانية والدؤلي بضم المهملة وفتح الهمزة وهو مدني اسم أبيه يزيد بن أمية وثقه العجلي وغيره وماله
في البخاري سوى هذا الحديث وآخر من روايته عن أبي هريرة في الطب وأما أبو سلمة فهو ابن
عبد الرحمن بن عوف كذا رواه شعيب عنهما ورواه إبراهيم بن سعد كما تقدم في الجهاد فلم يذكر فيه
أبا سلمة وكذا رواه مسلم عن محمد بن جعفر الوركاني عن إبراهيم بن سعد ورواه الحارث بن أبي أسامة
عن محمد الوركاني هذا فأثبت فيه أبا سلمة ورواه ابن أبي عتيق عن الزهري فلم يذكر أبا سلمة ورواه
معمر عن الزهري كما سيأتي بعد أحاديث قليلة فلم يذكر سنانا فكأن الزهري كان تارة يجمعهما
وتارة يفرد أحدهما وإسماعيل في الرواية الثانية هو بن أبي أويس وأخوه هو عبد الحميد وسليمان
شيخه هو ابن بلال ومحمد بن أبي عتيق نسب إلى جده فإن أبا عتيق هو محمد بن عبد الرحمن بن
329

أبي بكر الصديق ومحمد هذا الراوي هو ابن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن وقد ساق البخاري
الحديث على لفظ ابن أبي عتيق وليس فيه ذكر أبي سلمة وذكر من طريق شعيب وهي عن سنان
وأبي سلمة معا قطعة يسيرة فان جابرا أخبر أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد
وتقدم في الجهاد عن أبي اليمان وحده بتمامه ورأيتها موافقة لرواية ابن أبي عتيق إلا في آخره
كما سأبينه وأما رواية إبراهيم بن سعد ففيها اختصار وقد رواه عن جابر أيضا سليمان بن قيس كما
في رواية مسدد التي بعد هذه بحديث ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة كما في الرواية المعلقة
بعده فذكر بعض ما في حديث الزهري وزاد قصة صلاة الخوف (قوله أنه غزا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم قبل نجد) في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة كنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع (قوله فأدركتهم القائلة) أي وسط النهار وشدة الحر (قوله كثير
العضاه) بكسر المهملة وتخفيف الضاد المعجمة كل شجر يعظم له شوك وقيل هو العظيم من
السمر مطلقا وقد تقدم غير مرة (قوله فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة) أي شجرة
كثيرة الورق وفي رواية معمر فاستظل بها ويفسره ما في رواية يحيى فإذا أتينا على شجرة ظليلة
تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم (قوله قال جابر) هو موصول بالاسناد المذكور وسقط ذلك من
رواية معمر (قوله فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه فإذا عنده أعرابي) هذا
السياق يفسر رواية يحيى فإن فيها فجاء رجل من المشركين الخ فبينت هذه الرواية أن هذا القدر
لم يحضره الصحابة وإنما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن دعاهم واستيقظوا (قوله
أعرابي جالس) في رواية معمر فإذا أعرابي قاعد بين يديه وسيأتي ذكر اسمه قريبا (قوله وهو
في يده صلتا) بفتح المهملة وسكون اللام بعدها مثناة أي مجردا عن غمده (قوله فقال لي من يمنعك
مني) في رواية يحيى فقال تخافني قال لا قال فمن يمنعك مني وكرر ذلك في رواية أبي اليمان في الجهاد
ثلاث مرات وهو استفهام إنكار أي لا يمنعك مني أحد لان الأعرابي كان قائما والسيف في يده
والنبي صلى الله عليه وسلم جالس لا سيف معه ويؤخذ من مراجعة الأعرابي له في الكلام أن
الله سبحانه وتعالى منع نبيه صلى الله عليه وسلم منه وإلا فما أحوجه إلى مراجعته مع احتياجه
إلى الحظوة عند قومه بقتله وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه الله أي يمنعني منك إشارة
إلى ذلك ولذلك أعادها الأعرابي فلم يزده على ذلك الجواب وفي ذلك غاية التهكم به وعدم المبالاة
به أصلا (قوله فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية يحيى بن
أبي كثير فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهرها يشعر بأنهم حضروا القصة وأنه
إنما رجع عما كان عزم عليه بالتهديد وليس كذلك بل وقع في رواية إبراهيم بن سعد في الجهاد
بعد قوله قلت الله فشام السيف وفي رواية معمر فشامه والمراد أغمده وهذه الكلمة من الأضداد
يقال شامه إذا استله وشامه إذا أغمده قاله الخطابي وغيره وكأن الأعرابي لما شاهد ذلك الثبات
العظيم وعرف أنه حيل بينه وبينه تحقق صدقه وعلم أنه لا يصل إليه فألقى السلاح وأمكن من
نفسه ووقع في رواية ابن إسحاق بعد قوله قال الله فدفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده
فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال من يمنعك أنت مني قال لا أحد قال قم فاذهب لشأنك فلما
ولى قال أنت خير مني وأما قوله في الرواية فها هو جالس ثم لم يعاقبه فيجمع مع رواية ابن إسحاق
330

بأن قوله فاذهب كان بعد أن أخبر الصحابة بقصته فمن عليه لشدة رغبة النبي صلى الله عليه وسلم
في استئلاف الكفار ليدخلوا في الاسلام ولم يؤاخذه بما صنع بل عفا عنه وقد ذكر الواقدي
في نحو هذه القصة أنه أسلم وأنه رجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير ووقع في رواية بن إسحاق
التي أشرت إليها ثم أسلم بعد قوله وقال أبان هو بن يزيد العطار وروايته هذه وصلها مسلم عن
أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عنه بتمامه قوله وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين الخ هذه
الكيفية مخالفة للكيفية التي في طريق أبي الزبير عن جابر وهو مما يقوي أنهما واقعتان قوله
وقال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر اسم الرجل غورث بن الحارث وقاتل فيها محارب خصفة
هكذا أورده مختصرا من الاسناد ومن المتن فاما الاسناد فأبو عوانة هو الوضاح البصري وأما
بشر فهو جعفر بن أبي وحشة وبقية الاسناد ظاهر فيما أخرجه مسدد في مسنده رواية معاذ
بن المثنى عنه وكذلك أخرجها إبراهيم الحربي في كتاب غريب الحديث له عن مسدد عن أبي
عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر وأما المتن فتمامه عن جابر قال غزا رسول الله
صلى الله عليه وسلم محارب خصفة بنخل فرأوا من المسلمين غرة فجاء رجل منهم يقال له غورث بن
الحارث حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فذكره وفيه فقال الأعرابي غير أني
أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله فجاء إلى أصحابه فقال جئتكم من
عند خير الناس فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الحديث وغورث
وزن جعفر وقيل بضم أوله وهو بغين معجمة وراء ومثلثة مأخوذ من الغرث وهو الجوع ووقع عند
الخطيب بالكاف بدل المثلثة وحكى الخطابي فيه غويرث بالتصغير وحكى عياض أن بعض المغاربة
قال في البخاري بالعين المهملة قال وصوابه بالمعجمة ومحارب خصفة تقدم بيانه في أول الباب
ووقع عند الواقدي في سبب هذه القصة أن اسم الأعرابي دعثور وأنه أسلم لكن ظاهر كلامه
أنهما قصتان في غزوتين فالله أعلم وفي الحديث فرط شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقوة يقينه
وصبره على الأذى وحلمه عن الجهال وفيه جواز تفرق العسكر في النزول ونومهم وهذا محله إذا لم
يكن هناك ما يخافون منه (قوله وقال أبو الزبير عن جابر كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخل
فصلى الخوف) تقدمت الإشارة إلى ذكر من وصله قبل مع التنبيه على ما فيه من المغايرة (قوله
وقال أبو هريرة صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة نجد صلاة الخوف) وصله أبو داود وابن
حبان والطحاوي من طريق أبي الأسود أنه سمع عروة يحدث عن مروان بن الحكم أنه سأل أبا
هريرة هل صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف قال أبو هريرة نعم قال مروان متى قال
عام غزوة نجد (قوله وإنما جاء أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أيام خيبر) يريد بذلك تأكيد
ما ذهب إليه من أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر لكن لا يلزم من كون الغزوة كانت من
جهة نجد أن لا تتعدد فان نجد أوقع القصد إلى جهتها في عدة غزوات وقد تقدم تقرير كون جابر
روى قصتين مختلفتين في صلاة الخوف بما يغني عن إعادته فيحتمل أن يكون أبو هريرة حضر
التي بعد خيبر لا التي قبل خيبر (قوله باب) هكذا وقع هنا وذكر ما يتعلق بها ثم أورد
حديث أبي سعيد في العزل ثم قال بعد ذلك حدثني محمود يعني ابن غيلان حدثنا عبد الرزاق فذكر
حديث جابر في غزوة نحد وفيه قصة الأعرابي وهذا محله في غزوة ذات الرقاع وقد وقع في رواية أبي
331

المستملى في غزوة ذات الرقاع وهو أنسب ثم ذكر بعد هذه ترجمة وهي غزوة أنمار وذكر فيه
حديث جابر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أنمار يصلي على راحلته وهذا الحديث قد تقدم
في باب قصر الصلاة وكان محل هذا قبل غزوة بني المصطلق لأنه عقبه بترجمة حديث الإفك والإفك
كان في غزوة بني المصطلق فلا معنى لادخال غزوة أنمار بينهما بل غزوة أنمار يشبه أن تكون هي
غزوة محارب وبني ثعلبة لما تقدم من قول أبي عبيد إن الماء لبني أشجع وأنمار وغيرهما من
قيس والذي يظهر أن التقديم والتأخير في ذلك من النساخ والله أعلم ولم يذكر أهل المغازي غزوة
أنمار وذكر مغلطاي أنها غزوة أمر بفتح الهمزة وكسر الميم فقد ذكر ابن إسحاق أنها كانت
في صفر وعند بن سعد قدم قادم بجلب فأخبر أن أنمار وثعلبة قد جمعوا لهم فخرج لعشر خلون
من المحرم فأتى محلهم بذات الرقاع وقيل إن غزوة أنمار وقعت في أثناء غزوة بني المصطلق لما روى
أبو الزبير عن جابر أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى بني المصطلق فأتيته وهو
يصلي على بعير الحديث ويؤيده رواية الليث عن القاسم بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم
صلى في غزوة بني أنمار صلاة الخوف ويحتمل أن رواية جابر لصلاته صلى الله عليه وسلم تعددت
(قوله غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع) أما المصطلق فهو بضم الميم وسكون
المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام بعدها قاف وهو لقب واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بن
ربيعة بن حارثة بطن من بني خزاعة وقد تقدم بيان نسب خزاعة في أوائل السيرة النبوية وأما
المريسيع فبضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانيتين بينهما مهملة مكسورة وآخره عين مهملة هو
ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم وقد روى الطبراني من حديث سفيان بن وبرة قال
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع غزوة بني المصطلق (قوله قال بن إسحاق وذلك
سنة ست) كذا هو في مغازي بن إسحاق رواية يونس بن بكير وغيره عنه وقال في شعبان وبه جزم
خليفة والطبري وروى البيهقي من رواية قتادة وعروة وغيرهما أنها كانت في شعبان سنة خمس
وكذا ذكرها أبو معشر قبل الخندق (قوله وقال موسى بن عقبة سنة أربع) كذا ذكره البخاري
وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة
طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في الدلائل وغيرهم سنة خمس ولفظه عن
موسى بن عقبة عن ابن شهاب ثم قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وبني لحيان في
شعبان سنة خمس ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد عن ابن عمر أنه غزا مع النبي صلى الله عليه
وسلم بني المصطلق في شعبان سنة أربع ولم يؤذن له في القتال لأنه إنما أذن له فيه في الخندق كما تقدم
وهي بعد شعبان سواء قلنا إنها كانت سنة خمس أو سنة أربع وقال الحاكم في الإكليل قول عروة
وغيره إنها كانت في سنة خمس أشبه من قول بن إسحاق (قلت) ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك أن
سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك كما سيأتي فلو كان المريسيع في شعبان سنة
ست مع كون الإفك كان فيها لكان ما وقع في الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطا لان سعد بن معاذ
مات أيام قريظة وكانت سنة خمس على الصحيح كما تقدم تقريره وإن كانت كما قيل سنة أربع فهي
أشد فيظهر أن المريسيع كانت سنة خمس في شعبان لتكون قد وقعت قبل الخندق لان الخندق
كانت في شوال من سنة خمس أيضا فتكون بعدها فيكون سعد بن معاذ موجودا في المريسيع
ورمى بعد ذلك بسهم في الخندق ومات من جراحته في قريظة وسأذكر ما وقع لعياض من ذلك في
332

أثناء الكلام على حديث الإفك إن شاء الله تعالى ويؤيده أيضا أن حديث الإفك كان سنة خمس
إذ الحديث فيه التصريح بأن القصة وقعت بعد نزول الحجاب والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع
عند جماعة فيكون المريسيع بعد ذلك فيرجح أنها سنة خمس أما قول الواقدي إن الحجاب كان
في ذي القعدة سنة خمس فمردود وقد جزم خليفة وأبو عبيدة وغير واحد بأنه كان سنة ثلاث
فحصلنا في الحجاب على ثلاثة أقوال أشهرها سنة أربع والله أعلم (قوله وقال النعمان بن راشد
عن الزهري كان حديث الإفك في غزوة المريسيع) وصله الجوزقي والبيهقي في الدلائل من طريق
حماد بن زيد عن النعمان بن راشد ومعمر عن الزهري عن عائشة فذكر قصة الإفك في غزوة
المريسيع وبهذا قال ابن إسحاق وغير واحد من أهل المغازي إن قصة الإفك كانت في رجوعهم
من غزوة المريسيع وذكر ابن إسحاق عن مشايخه عاصم بن عمر بن قتاد ة وغيره أنه صلى الله عليه
وسلم بلغه أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار فخرج إليهم حتى لقيهم على
ماء من مياههم يقال له المريسيع قريبا من الساحل فزاحف الناس واقتتلوا فهزمهم الله وقتل
منهم ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وأبناءهم وأموالهم كذا ذكر ابن إسحاق بأسانيد
مرسلة والذي في الصحيح كما تقدم في كتاب العتق من حديث ابن عمر يدل على أنه أغار عليهم على
حين غفلة منهم فأوقع بهم ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون
وأنعامهم تستقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم الحديث فيحتمل أن يكون حين
الايقاع بهم ثبتوا قليلا فلما كثر فيهم القتل انهزموا بأن يكون لما دهمهم وهم على الماء ثبتوا
وتصافوا ووقع القتال بين الطائفتين ثم بعد ذلك وقعت الغلبة عليهم وقد ذكر هذه القصة ابن سعد
نحو ما ذكر ابن إسحاق وأن الحرث كان جمع جموعا وأرسل عينا تأتيه بخبر المسلمين فظفروا به فقتلوه
فلما بلغه ذلك هلع وتفرق الجمع وانتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الماء وهو المريسيع فصف
أصحابه للقتال ورموهم بالنبل ثم حملوا عليهم حملة واحدة فما أفلت منهم إنسان بل قتل منهم عشرة
وأسر الباقون رجالا ونساء وساق ذلك اليعمري في عيون الأثر ثم ذكر حديث ابن عمر ثم قال أشار
ابن سعد إلى حديث ابن عمر ثم قال الأول أثبت (قلت) آخر كلام ابن سعد والحكم بكون الذي
في السير أثبت مما في الصحيح مردود ولا سيما مع إمكان الجمع والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث ابن
محيريز واسمه عبد الله ومحيريز بمهملة وراء ثم زاي بصيغة التصغير عن أبي سعيد في قصة العزل
وسيأتي شرحه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا ذكر غزوة بني المصطلق في الجملة
وقد أشرت إلى قصتها مجملا ولله الحمد (قوله باب حديث الإفك) قد تقدم وجه مناسبة
إيراده هنا لما ذكره عن الزهري أن قصة الإفك كانت في غزوة المريسيع (قوله الإفك والإفك
بمنزلة النجس والنجس) أي هما في الاسم لغتان بكسر الهمزة وسكون الفاء وهي المشهورة
وبفتحهما معا وقوله بمنزلة أي نظير ذلك النجس والنجس في الضبط وكونهما لغتين (قوله يقال
إفكهم وأفكهم) أي في قوله تعالى بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون فقرئ في
المشهور بكسر الهمزة وسكون الفاء وبضم الكاف وأما بالفتحات فقرئ بالشاذ وهو عن عكرمة
وغيره بثلاث فتحات فعلا ماضيا أي صرفهم ووراء ذلك قراءات أخرى في الشواذ كالمشهور
333

لكن بفتح أوله وهو عن بن عباس ومثل الثاني لكن بتشديد الفاء وهو عن أبي عياض بصيغة
التكبير وبالمد أوله وفتح الفاء والكاف وهو عن ابن الزبير وغير ذلك مما يستوعب في موضعه
(قوله فمن قال أفكهم) أي جعله فعلا ماضيا يقال معناه صرفهم عن الايمان كما قال يؤفك
عنه من أفك أي يصرف عنه من صرف ثم ذكر المصنف حديث الإفك بطوله من طريق صالح
وهو ابن كيسان عن بن شهاب وقد تقدم بطوله في الشهادات من طريق فليح عن ابن شهاب
وذكرت أني أورد شرحه مستوفى في سورة النور وسأذكر هناك مع شرحه بيان ما اختلفوا فيه
من ألفاظ وسياقه إن شاء الله تعالى وذكر المصنف بعد سياقه قصة الإفك أحاديث تتعلق بها
334

الأول (قوله حدثنا عبد الله
335

بن محمد) هو الجعفي (قوله أملي على هشام بن يوسف) هو الصنعاني (قوله من حفظه) فيه
إشارة إلى أن الاملاء قد يقع من الكتاب (قوله قال لي الوليد بن عبد الملك) أي بن مروان في
رواية عبد الرزاق عن معمر كنت عند الوليد بن عبد الملك أخرجه الإسماعيلي (قوله أبلغك
أن عليا كان فيمن قذف عائشة) في رواية عبد الرزاق فقال الذي تولى كبره منهم علي قلت لا كذا
في رواية عبد الرزاق وزاد ولكن حدثني سعيد بن المسيب وعروة وعلقمة وعبيد الله كلهم عن
عائشة قال الذي تولى كبره عبد الله بن أبي قال فما كان جزمه وفي ترجمة الزهري عن حلية أبي
نعيم من طريق بن عيينة عن الزهري كنت عند الوليد بن عبد الملك فتلا هذه الآية والذي تولى
كبره منهم له عذاب عظيم فقال نزلت في علي بن أبي طالب قال الزهري أصلح الله الأمير ليس الامر
كذلك أخبرني عروة عن عائشة قال وكيف أخبرك قلت أخبرني عروة عن عائشة أنها نزلت في عبد
الله بن أبي ابن أبي سلول ولابن مردويه من وجه آخر عن الزهري كنت عند الوليد بن عبد الملك ليلة من
الليالي وهو يقرأ سورة النور مستلقيا فلما بلغ هذه الآية ان الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم حتى
بلغ والذي تولى كبره جلس ثم قال يا أبا بكر من تولى كبره منهم أليس علي بن أبي طالب قال فقلت
في نفسي ماذا أقول لئن قلت لا لقد خشيت أن ألقى منه شرا ولئن قلت نعم لقد جئت بأمر عظيم قلت
في نفسي لقد عودني الله على الصدق خيرا قلت لا قال فضرب بقضيبه على السرير ثم قال فمن
فمن حتى ردد ذلك مرارا قلت لكن عبد الله بن أبي (قوله ولكن قد أخبرني رجلان من قومك)
أي من قريش لان أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث مخزومي وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
زهري يجمعهما مع بني أمية رهط الوليد مرة بن كعب بن لؤي بن غالب (قوله كان على مسلما
في شأنها) كذا في نسخ البخاري بكسر اللام الثقيلة وفي رواية الحموي بفتح اللام (قوله فراجعوه
فلم يرجع) المراجعة في ذلك وقعت مع هشام بن يوسف فيما أحسب وذلك أن عبد الرزاق رواه عن
معمر فخالفه فرواه بلفظ مسيأ كذلك أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في المستخرجين وزعم
الكرماني أن المراجعة وقعت في ذلك عند الزهري قال وقوله فلم يرجع أي لم يجب بغير ذلك قال
ويحتمل أن يكون المراد فلم يرجع الزهري إلى الوليد (قلت) ويقوى رواية عبد الرزاق
ما في رواية بن مردويه المذكورة بلفظ أن عليا أساء في شأني والله يغفر له انتهى وقال ابن التين
قوله مسلما هو بكسر اللام وضبط أيضا بفتحها والمعنى متقارب (قلت) وفيه نظر فرواية الفتح
تقتضي سلامته من ذلك ورواية الكسر تقتضي تسليمه لذلك قال ابن التين وروى مسيأ وفيه بعد
(قلت) بل هو الأقوى من حيث نقل الرواية وقد ذكر عياض أن النسفي رواه عن البخاري بلفظ
مسيأ قال وكذلك رواه أبو علي بن السكن عن الفربري وقال الأصيلي بعد أن رواه بلفظ
مسلما كذا قرأناه والأعرف غيره وإنما نسبته إلى الإساءة لأنه لم يقل كما قال أسامة أهلك ولا نعلم
إلا خيرا بل ضيق على بريرة وقال لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ونحو ذلك من الكلام
كما سيأتي بسطه في مكانه وتوجيه العذر عنه وكأن بعض من لا خير فيه من الناصبة تقرب
إلى بني أمية بهذه الكذبة فحرفوا قول عائشة إلى غير وجهه لعلمهم بانحرافهم عن علي فظنوا
صحتها حتى بين الزهري للوليد أن الحق خلاف ذلك فجزاه الله تعالى خيرا وقد جاء عن الزهري أن
هشام بن عبد الملك كان يعتقد ذلك أيضا فأخرج يعقوب بن شيبة في مسنده عن الحسن بن علي
336

الحلواني عن الشافعي قال حدثنا عمي قال دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك فقال له
يا سليمان الذي تولى كبره من هو قال عبد الله بن أبي قال كذبت هو علي قال أمير المؤمنين أعلم بما
يقول فدخل الزهري فقال يا بن شهاب من الذي تولى كبره قال بن أبي قال كذبت هو علي
فقال أنا أكذب لا أبالك والله لو نادى مناد من السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت حدثني
عروة وسعيد وعبيد الله وعلقمة عن عائشة أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي فذكر له قصة مع
هشام في آخرها نحن هيجنا الشيخ هذا أو معناه * الحديث الثاني (قوله عن حصين) هو
بن عبد الرحمن الواسطي (قوله عن أبي وائل) هو شقيق بن سلمة الأسدي (قوله عن
مسروق حدثتني أم رومان) بضم الراء وسكون الواو وتقدم ذكرها في علامات النبوة وتسميتها
وقد استشكل قول مسروق حدثتني أم رومان مع أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
ومسروق ليست له صحبة لأنه لم يقدم من اليمن إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة
أبي بكر أو عمر قال الخطيب لا نعلمه روى هذا الحديث عن أبي وائل غير حصين ومسروق لم يدرك
أم رومان وكان يرسل هذا الحديث عنها ويقول سئلت أم رومان فوهم حصين فيه حيث جعل
السائل لها مسروقا أو يكون بعض النقلة كتب سئلت بألف فصارت سألت فقرئت بفتحتين
قال علي أن بعض الرواة قد رواه عن حصين على الصواب يعني بالعنعنة قال وأخرج البخاري هذا
الحديث بناء على ظاهر الاتصال ولم يظهر له علة انتهى وقد حكى المزي كلام الخطيب هذا في
التهذيب وفي الأطراف ولم يتعقبه بل أقره وزاد أنه روى عن مسروق عن ابن مسعود عن أم
رومان وهو أشبه بالصواب كذا قال وهذه الرواية شاذة وهي من المزيد في متصل الأسانيد على
ما سنوضحه والذي ظهر لي بعد التأمل أن الصواب مع البخاري لان عمدة الخطيب ومن تبعه في
دعوى الوهم الاعتماد على قول من قال إن أم رومان ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة
أربع وقيل سنة خمس وقيل ست وهو شئ ذكره الواقدي ولا يتعقب الأسانيد الصحيحة بما يأتي
عن الواقدي وذكره الزبير بن بكار بسند منقطع فيه ضعف أن أم رومان ماتت سنة ست في ذي
الحجة وقد أشار البخاري إلى رد ذلك في تاريخه الأوسط والصغير فقال بعد أن ذكر أم رومان في
فصل من مات في خلافة عثمان روى علي بن يزيد عن القاسم قال ماتت أم رومان في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم سنة ست قال البخاري وفيه نظر وحديث مسروق أسند أي أقوى إسنادا
وأبين اتصالا انتهى وقد جزم إبراهيم الحربي بأن مسروقا سمع من أم رومان وله خمس عشرة سنة
فعلى هذا يكون سماعه منها في خلافة عمر لان مولد مسروق كان في سنة الهجرة ولهذا قال
أبو نعيم الأصبهاني عاشت أم رومان بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقد تعقب ذلك كله الخطيب
معتمدا على ما تقدم عن الواقدي والزبير وفيه نظر لما وقع عند أحمد من طريق أبي سلمة عن عائشة
قالت لما نزلت آية التخيير بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة فقال يا عائشة إني عارض عليك
أمرا فلا تفتاتي فيه بشئ حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان الحديث وأصله في الصحيحين
دون تسمية أم رومان وآية التخيير نزلت سنة تسع اتفاقا فهذا دال على تأخر موت أم رومان عن
الوقت الذي ذكره الواقدي والزبير أيضا فقد تقدم في علامات النبوة من حديث عبد الرحمن بن
أبي بكر في قصة أضياف أبي بكر قال عبد الرحمن وإنما هو أنا وأبي وأمي وامرأتي وخادم وفيه
337

عند المصنف في الأدب فلما جاء أبو بكر قالت له أمي احتبست عن أضيافك الحديث وعبد الرحمن
إنما هاجر فهدنة الحديبية وكانت الحديبية في ذي القعدة سنة ست وهجرة عبد الرحمن في سنة
سبع في قول ابن سعد وفي قول الزبير فيها أو في التي بعدها لأنه روى أن عبد الرحمن خرج في فئة
من قريش قبل الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكون أم رومان تأخرت عن الوقت الذي ذكراه
فيه وفي بعض هذا كفاية في التعقب على الخطيب ومن تبعه فيما تعقبوه على هذا الجامع
الصحيح والله المستعان وقد تلقى كلام الخطيب بالتسليم صاحب المشارق والمطالع والسهيلي
وابن سيد الناس وتبع المزي الذهبي في مختصراته والعلائي في المراسيل وآخرون وخالفهم
صاحب الهدى (قلت) وسأذكر ما في حديث أم رومان من قصة الإفك مخالفا لحديث
عائشة ووجه التوفيق بينهما في التفسير إن شاء الله تعالى * الحديث الثالث قوله عن ابن أبي
مليكة هو عبد الله بن عبيد الله (قوله عن عائشة) في رواية ابن جريج عن ابن أبي مليكة سمعت
عائشة وسيأتي في التفسير (قوله كانت تقرأ إذ تلقونه) أي بكسر اللام وضم القاف مخففا
وقد فسر في الخبر حيث قال وتقول الولق الكذب والولق بفتح الواو واللام بعدها قاف وقال
الخطابي هو الاسراع في الكذب (قوله قال بن أبي مليكة وكانت أعلم من غيرها بذلك
لأنه نزل فيها) قلت لكن القراءة المشهورة بفتح اللام وتشديد القاف من التلقي وإحدى التاءين
فيه محذوفة وسيأتي مزيد لذلك في تفسير سورة النور إن شاء الله تعالى * الحديث الرابع قول
عائشة في حسان ذكره بألفاظ وسيأتي شرحه أيضا في تفسير سورة النور وقوله وقال محمد
ابن عقبة أي الطحان الكوفي يكنى أبا جعفر وأبا عبد الله وهو من شيوخ البخاري ووقع في رواية
كريمة والأصيلي حدثنا محمد بغير زيادة وقد عرف نسبه من رواية الآخرين وسيأتي له ذكر
في كتاب الأحكام وشيخه عثمان بن فرقد بصري له عند البخاري شيخ آخر تقدم في آخر البيوع
* الحديث الخامس حديث مسروق دخلنا على عائشة وعندها حسان يأتي شرحه أيضا في
تفسير النور إن شاء الله تعالى * (قوله باب غزوة الحديبية) في رواية أبي ذر عن
الكشميهني عمرة بدل غزوة والحديبية بالتثقيل والتخفيف لغتان وأنكر كثير من أهل اللغة
التخفيف وقال أبو عبيد البكري أهل العراق يثقلون وأهل الحجاز يخففون (قوله وقول
الله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة الآية) يشير إلى أنها
338

نزلت في قصة الحديبية وقد تقدم شرح معظم هذه القصة في كتاب الشروط وأذكر هنا
ما لم يتقدم له ذكر هناك وكان توجهه صلى الله عليه وسلم من المدينة يوم الاثنين مستهل ذي
القعدة سنة ست فخرج قاصدا إلى العمرة فصده المشركون عن الوصول إلى البيت ووقعت
بينهم المصالحة على أن يدخل مكة في العام المقبل وجاء عن هشام بن عروة عن أبيه أنه خرج في
رمضان واعتمر في شوال وشذ بذلك وقد وافق أبو الأسود عن عروة الجمهور ومضى في الحج قول
عائشة ما اعتمر إلا في ذي القعدة ثم ذكر المصنف فيه ثلاثين حديثا * الحديث الأول حديث
زيد بن خالد الجهني في النهي عن قول مطرنا بنجم كذا الحديث وقد تقدم شرحه في الاستسقاء
والغرض منه قوله خرجنا عام الحديبية * الحديث الثاني حديث أنس اعتمر النبي صلى الله عليه
وسلم أربع عمر تقدم شرحه في الحج * الحديث الثالث حديث أبي قتادة انطلقنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم هكذا ذكره مختصرا وقد تقدم بطوله في
كتاب الحج مشروحا ويستفاد منه أن بعض من خرج إلى الحديبية لم يكن أحرم بالعمرة فلم يحتج
إلى التحلل منها كما سأشير إليه في الحديث الذي بعده * الحديث الرابع حديث البراء في تكثير
ماء البئر بالحديبية ببركة بصاق النبي صلى الله عليه وسلم فيها ذكره من وجهين عن أبي إسحاق
عن البراء ووقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء كنا أربع عشرة مائة وفي رواية زهير
عنه أنهم كانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر ووقع في حديث جابر الذي بعده من طريق سالم
بن أبي الجعد عنه أنهم كانوا خمس عشرة مائة ومن طريق قتادة قلت لسعيد بن المسيب بلغني
عن جابر أنهم كانوا أربع عشرة مائة فقال سعيد حدثني جابر أنهم كانوا خمس عشرة مائة ومن
طريق عمرو بن دينار عن جابر كانوا ألفا وأربعمائة ومن طريق عبد الله بن أبي أوفى كانوا ألفا
وثلثمائة ووقع عند بن أبي شيبة من حديث مجمع بن حارثة كانوا ألفا وخمسمائة والجمع بين هذا
الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة فمن قال ألفا وخمسمائة جبر الكسر ومن قال
ألفا وأربعمائة الغاه ويؤيده قوله في الرواية الثالثة من حديث البراء ألفا وأربعمائة أو أكثر
واعتمد على هذا الجمع النووي وأما البيهقي فمال إلى الترجيح وقال إن رواية من قال ألف
وأربعمائة أصح ثم ساقه من طريق أبي الزبير ومن طريق أبي سفيان كلاهما عن جابر كذلك
ومن رواية معقل بن يسار وسلمة بن الأكوع والبراء بن عازب ومن طريق قتادة عن سعيد بن المسيب
عن أبيه (قلت) ومعظم هذه الطرق عند مسلم ووقع عند ابن سعد في حديث معقل بن يسار زهاء
ألف وأربعمائة وهو ظاهر في عدم التحديد وأما قول عبد الله بن أبي أوفى ألفا وثلثمائة فيمكن
حمله على ما اطلع هو عليه واطلع غيره على زيادة ناس لم يطلع هو عليهم والزيادة من الثقة مقبولة أو
العدد الذي ذكره جملة من ابتدأ الخروج من المدينة والزائد تلاحقوا بهم بعد ذلك أو العدد
الذي ذكره هو عدد المقاتلة والزيادة عليها من الاتباع من الخدم والنساء والصبيان الذين
لم يبلغوا الحلم وأما قول ابن إسحاق إنهم كانوا سبعمائة فلم يوافق عليه لأنه قاله استنباطا من قول
جابر نحرنا البدنة عن عشرة وكانوا نحروا سبعين بدنة وهذا لا يدل على أنهم لم ينحروا غير البدن
مع أن بعضهم لم يكن أحرم أصلا وسيأتي في هذا الباب في حديث المسور ومروان أنهم
خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بضع عشرة مائة فيجمع أيضا بأن الذين بايعوا كانوا كما تقدم
339

وما زاد على ذلك كانوا غائبين عنها كمن توجه مع عثمان إلى مكة على أن لفظ البضع يصدق على
الخمس والأربع فلا تخالف وجزم موسى بن عقبة بأنهم كانوا ألفا وستمائة وفي حديث سلمة بن
الأكوع عند بن أبي شيبة ألفا وسبعمائة وحكى ابن سعد أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة
وعشرين وهذا إن ثبت تحرير بالغ ثم وجدته موصولا عن ابن عباس عند ابن مردويه وفيه
رد علي ابن دحية حيث زعم أن سبب الاختلاف في عددهم أن الذي ذكر عددهم لم يقصد
التحديد وإنما ذكره بالحدس والتخمين والله أعلم (قوله ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان) يعني
قوله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم والتحقيق أنه يختلف ذلك
باختلاف المراد من الآيات فقوله تعالى انا فتحنا لك فتحا مبينا المراد بالفتح هنا الحديبية لأنها
كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الامن ورفع الحرب
وتمكن من يخشى الدخول في الاسلام والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد بن الوليد
وعمرو بن العاص وغيرهما ثم تبعت الأسباب بعضها بعضا إلى أن كمل الفتح وقد ذكر ابن
إسحاق في المغازي عن الزهري قال لم يكن في الاسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه إنما كان
الكفر حيث القتال فلما آمن الناس كلهم كلم بعضهم بعضا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة ولم
يكن أحد في الاسلام يعقل شيئا إلا بادر إلى الدخول فيه فلقد دخل في تلك السنتين مثل من كان
دخل في الاسلام قبل ذلك أو أكثر قال ابن هشام ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم خرج في
الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج بعد سنين إلى فتح مكة في عشرة آلاف انتهى وهذه الآية
نزلت منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية كما في هذا الباب من حديث عمر وأما قوله
تعالى في هذه السورة وأثابهم فتحا قريبا فالمراد بها فتح خيبر على الصحيح لأنها هي التي وقعت فيها
المغانم الكثيرة للمسلمين وقد روى أحمد وأبو داود والحاكم من حديث مجمع بن حارثة قال شهدنا
الحديبية فلما انصرفنا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا عند كراع الغميم وقد جمع
الناس قرأ عليهم إنا فتحنا لك فتحا مبينا الآية فقال رجل يا رسول الله أو فتح هو قال أي والذي
نفسي بيده إنه لفتح ثم قسمت خيبر على أهل الحديبية وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن
الشعبي في قوله إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال صلح الحديبية وغفر له ما تقدم وما تأخر وتبايعوا بيعة
الرضوان وأطعموا نخيل خيبر وظهرت الروم على فارس وفرح المسلمون بنصر الله وأما قوله تعالى
فجعل من دون ذلك فتحا قريبا فالمراد الحديبية وأما قوله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح وقوله صلى
الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح فالمراد به فتح مكة باتفاق فبهذا يرتفع الاشكال وتجتمع الأقوال
بعون الله تعالى (قوله والحديبية بئر) يشير إلى أن المكان المعروف بالحديبية سمى ببئر كانت
هنالك هذا اسمها ثم عرف المكان كله بذلك وقد مضى بأبسط من هذا في أواخر الشروط (قوله
فنزحناها) كذا للأكثر ووقع في شرح ابن التين فنزفناها بالفاء بدل الحاء المهملة قال والنزف
والنزح واحد وهو أخذ الماء شيئا بعد شئ إلى أن لا يبقى منه شئ (قوله فلم نترك فيها قطرة) في رواية
فوجدنا الناس قد نزحوها (قوله فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء) في رواية زهير ثم قال
ائتوني بدلو من مائها (قوله ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد) في رواية زهير
فبصق فدعا ثم قال دعوها ساعة (قوله ثم إنها أصدرتنا) أي رجعتنا يعني أنهم رجعوا عنها
340

وقد رووا وفي رواية زهير فأرووا أنفسهم وركابهم والركاب الإبل التي يسار عليها * الحديث
الخامس حديث جابر (قوله ابن فضيل) هو محمد وحصين هو بن عبد الرحمن وسالم هو ابن أبي
الجعد والكل كوفيون كما أن الاسناد الذي بعده إلى قتادة بصريون (قوله فوضع النبي صلى
الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه) هذا مغاير لحديث البراء أنه صب
ماء وضوئه في البئر فكثر الماء في البئر وجمع ابن حبان بينهما بأن ذلك وقع مرتين وسيأتي في
الأشربة البيان بأن حديث جابر في نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء
وحديث البراء كان لإرادة ما هو أعم من ذلك ويحتمل أن يكون الماء لما تفجر من أصابعه ويده في
الركوة وتوضأوا كلهم وشربوا أمر حينئذ بصب الماء الذي بقي في الركوة في البئر فتكاثر الماء
فيها وقد أخرج أحمد من حديث جابر من طريق نبيح العنزي عنه وفيه فجاء رجل بأداوة فيها شئ
من ماء ليس في القوم ماء غيره فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح ثم توضأ فأحسن ثم
انصرف وترك القدح قال فتزاحم الناس على القدح فقال على رسلكم فوضع كفه في القدح ثم
قال أسبغوا الوضوء قال فلقد رأيت العيون عيون الماء تخرج من بين أصابعه ووقع في حديث
البراء أن تكثير الماء كان بصب النبي صلى الله عليه وسلم وضوأه في البئر وفي رواية أبي الأسود
عن عروة في دلائل البيهقي أنه أمر بسهم فوضع في قعر البئر فجاشت بالماء وقد تقدم وجه الجمع
في الكلام على حديث المسور ومروان في آخر الشروط وتقدم الكلام على اختلافهم في
كيفية نبع الماء في علامات النبوة وأن نبع الماء من بين أصابعه وقع مرارا في الحضر وفي
السفر والله أعلم (قوله تابعه أبو داود) هو سليمان بن داود الطيالسي (قال حدثنا قرة) هو ابن
خالد (عن قتادة) وهذه الطريق وصلها الإسماعيلي من طريق عمرو بن علي الفلاس عن أبي داود
الطيالسي بهذا الاسناد إلى قتادة قال سألت سعيد بن المسيب كم كانوا في بيعة الرضوان فذكر
الحديث وقال فيه أوهم يرحمه الله هو حدثني أنهم كانوا ألفا وخمسمائة (قوله قال لنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أنتم خير أهل الأرض) هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة
فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما وعند أحمد بإسناد حسن عن أبي سعيد
الخدري قال لما كان بالحديبية قال النبي صلى الله عليه وسلم لا توقدوا نارا بليل فلما كان بعد ذلك
قال أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم وعند مسلم من حديث جابر
مرفوعا لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية وروى مسلم أيضامن حديث أم مبشر أنها
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة وتمسك به بعض
الشيعة في تفضيل علي على عثمان لان عليا كان من جملة من خوطب بذلك وممن بايع تحت
الشجرة وكان عثمان حينئذ غائبا كما تقدم في المناقب من حديث ابن عمر لكن تقدم في حديث
ابن عمر المذكور أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع عنه فاستوى معهم عثمان في الخيرية المذكورة
ولم يقصد في الحديث إلى تفضيل بعضهم على بعض واستدل به أيضا على أن الخضر ليس بحي لأنه
لو كان حيا مع ثبوت كونه نبيا للزم تفضيل غير النبي على النبي وهو باطل فدل على أنه ليس بحي
حينئذ وأجاب من زعم أنه حي باحتمال أن يكون حينئذ حاضرا معهم ولم يقصد إلى تفضيل
بعضهم على بعض أو لم يكن على وجه الأرض بل كان في البحر والثاني جواب ساقط وعكس ابن
341

التين فاستدل به على أن الخضر ليس بنبي فبنى الامر على أنه حي وأنه دخل في عموم من فضل
النبي صلى الله عليه وسلم أهل الشجرة عليهم وقد قدمنا الأدلة الواضحة على ثبوت نبوة
الخضر في أحاديث الأنبياء وأغرب ابن التين فجزم أن الياس ليس بنبي وبناه على قول من زعم أنه
أيضا حي وهو ضعيف أعني كونه حيا وأما كونه ليس بنبي فنفى باطل ففي القرآن العظيم وان
الياس لمن المرسلين فكيف يكون أحد من بني آدم مرسلا وليس بنبي (قوله ولو كنت أبصر
اليوم) يعني أنه كان عمى في آخر عمره (قوله تابعه الأعمش سمع سالما) يعني ابن أبي الجعد
(سمع جابرا ألفا وأربعمائة) أي في قوله ألفا وأربعمائة وهذه الطريق وصلها المؤلف في آخر
كتاب الأشربة وساق الحديث أتم مما هنا وبين في آخره الاختلاف فيه على سالم ثم على جابر في
العدد المذكور وقد بينت وجه الجمع قريبا وقيل إنما عدل الصحابي عن قوله ألف وأربعمائة
إلى قوله أربع عشرة مائة للإشارة إلى أن الجيش كان منقسما إلى المئات وكانت كل مائة ممتازة عن
الأخرى إما بالنسبة إلى القبائل وإما بالنسبة إلى الصفات قال بن دحية الاختلاف في عددهم
دال على أنه قيل بالتخمين وتعقب بإمكان الجمع كما تقدم * الحديث السادس حديث عبد الله
ابن أبي أوفى (قوله وقال عبيد الله بن معاذ) كذا ذكره بصيغة التعليق وقد وصله أبو نعيم
في المستخرج على مسلم من طريق الحسن بن سفيان حدثنا عبيد الله بن معاذ به وقال مسلم حدثنا
عبيد الله بن معاذ به (قوله ألفا وثلاثمائة) في رواية علي بن قادم عن شعبة عن عمرو بن مرة
عند بن مردويه ألفا وأربعمائة وهي شاذة (قوله وكانت أسلم) أي قبيلته (قوله ثمن المهاجرين)
بضم المثلثة وسكون الميم وضمها ولم أعرف عدد من كان بها من المهاجرين خاصة ليعرف عدد
الأسلميين إلا أن الواقدي جزم بأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية من أسلم مائة
رجل فعلى هذا كان المهاجرون ثمانمائة (قوله تابعه محمد بن بشار) هو بندار حدثنا أبو داود
هو الطيالسي وهذه الطريق وصلها الإسماعيلي عن بن عبد الكريم عن بندار به وأخرجه
مسلم عن أبي موسى محمد بن المثنى عن أبي داود به الحديث السابع قوله أخبرنا عيسى هو
بن يونس وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم ومرداس الأسلمي هو بن مالك وليس له
في البخاري سوى هذا الحديث ولا يعرف أحد روى عنه إلا قيس بن أبي حازم وجزم بذلك
البخاري وأبو حاتم ومسلم وآخرون وقال بن السكن زعم بعض أهل الحديث أن مرداس بن
عروة الذي روى عنه زياد بن علاقة هو الأسلمي قال والصحيح أنهما اثنان قلت وفي هذا تعقب
على المزي في قوله في ترجمة مرداس الأسلمي روى عنه قيس بن أبي حازم وزياد بن علاقة ووضع
أن شيخ زياد بن علاقة غير مرداس الأسلمي والله أعلم قوله سمع مرداسا الأسلمي يقول وكان من
أصحاب الشجرة يقبض الصالحون) كذا ذكره عنه موقوفا هنا أورده في الرقاق من طريق
بيان عن قيس مرفوعا ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى والغرض منه بيان أنه كان من
أصحاب الشجرة والحفالة بالمهملة والفاء بمعنى الحثالة بالمثلثة والفاء قد تقع موضع الثاء والمراد
بها الردئ من كل شئ * الحديث الثامن حديث المسور ومروان في قصة الحديبية ذكره مختصرا
جدا من رواية سفيان وهو بن عيينة عن الزهري وقال فيه لا أحصى كم سمعته من سفيان حتى
سمعته يقول لا أحفظ من الزهري الاشعار والتقليد الخ وهذا كلام علي بن المديني وسيأتي
342

هذا الحديث في هذا الباب من رواية عبيد الله بن محمد الجعفي عن سفيان بن عيينة أتم من رواية
علي ولكن قال فيه حفظت بعضه وثبتني معمر وسأذكر ما يتعلق بشرحه وهو الحديث
الخامس والعشرون فيه وأغرب الكرماني فحمل قول علي بن المديني لا أحصى كم سمعته من
سفيان على أنه شك في العدد الذي سمعه منه هل قال ألف وخمسمائة أو ألف وأربعمائة أو
ألف وثلاثمائة ويكفي في التعقب عليه أن حديث سفيان هذا ليس فيه تعرض للتردد في عددهم
بل الطرق كلها جازمة بأن الزهري قال في روايته كانوا بضع عشرة مائة وكذلك كل من
رواه عن سفيان وإنما وقع الاختلاف في حديث جابر والبراء كما تقدم مبسوطا * الحديث
التاسع (قوله حدثنا الحسن بن خلف) هو الواسطي ثقة من صغار شيوخ البخاري وما له عنه
في الصحيح سوى هذا الموضع (قوله عن أبي بشر ورقاء) هو ابن عمر اليشكري وهو مشهور باسمه
وابن أبي نجيح اسمه عبد الله واسم أبي نجيح يسار بمهملة وحديث كعب بن عجرة هذا ذكره
المصنف من وجهين عن مجاهد في آخر هذا الباب وقد تقدم شرحه في كتاب الحج * الحديث
العاشر والحادي عشر (قوله فلحقت عمر امرأة شابة) لم أقف على اسمها ولا على اسم زوجها ولا
اسم أحد من أولادها وزوجها صحابي لان من كان له في ذلك الزمان أولاد يدل على أن له إدراكا
وهذه بنت صحابي لا يبعد أن يكون لها رؤية فالذي يظهر أن زوجها صحابي أيضا وفي رواية معن
عن مالك عند الإسماعيلي فلقينا امرأة قد شبثت بثيابه وللدارقطني من هذا الوجه إني امرأة
مؤتمة وله من طريق سعيد بن داود عن مالك فتعلقت بثيابه (قوله وترك صبية صغارا) في رواية
سعيد بن داود وخلف صبيين صغيرين فيحتمل أن يكون معهما بنت أو أكثر (قوله فقالت
يا أمير المؤمنين) زاد الدارقطني من طريق عبد العزيز بن يحيى عن مالك فقال من معه دعى أمير
المؤمنين (قوله ما ينضجون) بضم أوله وسكون النون وكسر الضاد المعجمة بعدها جيم
(قوله كراعا) بضم الكاف هو ما دون الكعب من الشاة قال الخطابي معناه أنهم لا يكفون
أنفسهم معالجة ما يأكلونه ويحتمل أن يكون المراد لا كراع لهم فينضجونه (قوله ليس لهم
ضرع) (1) بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء ليس لهم ما يحلبونه وقوله ولا زرع أي ليس لهم
نبات قوله وخشيت أن تأكلهم الضبع) أي السنة المجدبة ومعنى تأكلهم أي تهلكهم (قوله
وأنا بنت خفاف) بضم المعجمة وفاءين الأولى خفيفة (قوله إيماء) بكسر الهمزة ويقال بفتحها
وسكون التحتانية والمد وخفاف صحابي مشهور قيل له ولأبيه ولجده صحبة حكاه ابن عبد البر قال
وكانوا ينزلون غيفة يعني بغين معجمة وتحتانية ساكنة وقاف ويأتون المدينة كثيرا ولخفاف هذا
حديث عند مسلم موصول (قوله شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ذكر
الواقدي من حديث أبي رهم الغفاري قال لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء أهدى له إيماء
بن رحضة الغفاري مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا وبعث بها مع ابنه خفاف فقبل هديته وفرق
الغنم في أصحابه ودعا بالبركة (قوله بنسب قريب) يحتمل أن يريد قرب نسب غفار من قريش لان
كنانة تجمعهم أو أراد أنها انتسبت إلى شخص واحد معروف (قوله بعير ظهير) أي قوى الظهر
معد للحاجة قوله اقتاديه بقاف ومثناة وفي رواية سعيد بن داود وقودي هذا البعير (قوله
343

حتى يأتيكم الله بخير في رواية سعيد بن داود بالرزق (قوله فقال رجل) لم اقف على اسمه (قوله
ثكلتك أمك) هي كلمة تقولها العرب للانكار ولا تريد بها حقيقتها (قوله إني لارى أبا هذه)
يعني خفافا (قوله وأخاها) لم أقف على اسمه وكان لخفاف ابنان الحارث ومخلد لكنهما تابعيان
فوهم من فسر الأخ الذي ذكره عمر بأحدهما لان مقتضى هذه القصة أن يكون الولد المذكور
صحابيا وإذا ثبت ما ذكره بن عبد البر أن لخفاف وأبيه وجده صحبة اقتضى أن يكون هؤلاء أربعة
في نسق لهم صحبة وهم ولد خفاف وخفاف وإيماء ورحضة فتذاكر بهم مع بيت الصديق خلافا لمن
زعم أنه لم يوجد أربعة في نسق لهم صحبة إلا في بيت الصديق وقد جمعت من وقع له ذلك ولو من
طريق ضعيف فبلغوا عشرة أمثلة منهم زيد بن حارثة وأبوه وولده أسامة وولد أسامة لان
الواقدي وصف أسامة بأنه تزوج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وولد له (قوله قد حاصرا
حصنا) لم أعرف الغزوة التي وقع فيها ذلك ويحتمل احتمالا قريبا أن تكون خيبر لأنها كانت
بعد الحديبية وحوصرت حصونها (قوله نستفئ) بالمهملة وبالفاء وبالهمز أي نسترجع يقول
هذا المال أخذته فيأ وفى رواية المحوي بالقاف بغير همزة وقوله سهماننا أي أنصبناؤنا من الغنيمة
* الحديث الثاني عشر حديث سعيد بن المسيب عن أبيه في الشجرة أورده من طريق قتادة عنه
ومن طريق طارق بن عبد الرحمن عن سعيد من ثلاثة طرق إلى طارق (قوله لقد رأيت الشجرة)
أي التي كانت بيعة الرضوان تحتها ووقع في بعض النسخ قال محمود ثم أنسيتها (قوله ثم أتيتها بعد
فلم أعرفها) بين في رواية طارق أنه أتاها في العام المقبل فلم يعرفها (قوله حدثنا محمود) هو
ابن غيلان وعبيد الله هو ابن موسى وهو من شيوخ البخاري وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا
(قوله انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون لم) أقف على اسم أحد منهم وزاد الإسماعيلي من رواية
قيس بن الربيع عن طارق في مسجد الشجرة (قوله نسيناها) في رواية الكشميهني والمستملي
أنسيناها بضم الهمزة وسكون النون أي أنسينا موضعها بدليل فلم نقدر عليها (قوله فقال
سعيد) أي بن المسيب (إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم
قال سعيد هذا الكلام منكرا وقوله فأنتم أعلم هو على سبيل التهكم وفي رواية قيس بن الربيع أن
أقاويل الناس كثيرة (قوله فرجعنا إليها العام المقبل) في رواية عفان عن أبي عوانة عند
الإسماعيلي فانطلقنا في قابل حاجين كذا أطلق وهم كانوا معتمرين لكن يطلق عليها الحج كما
يقال العمرة الحج الأصغر (قوله فعميت علينا) أي أبهمت في رواية عفان فعمى علينا مكانها
وزاد فإن كانت بينت لكم فأنتم أعلم (قوله ذكرت عند سعيد بن المسيب الشجرة فضحك فقال
أخبرني أبي وكان شهدها) زاد الإسماعيلي من طريق أبي زرعة عن قبيصة شيخ البخاري فيه أنهم
أتوها من العام القابل فأنسيناها وقد قدمت الحكمة في إخفائها عنهم في باب البيعة على الحرب
من كتاب الجهاد عند الكلام على حديث بن عمر في معنى ذلك لكن إنكار سعيد بن المسيب على
من زعم أنه عرفها معتمدا على قول أبيه إنهم لم يعرفوها في العام المقبل لا يدل على رفع معرفتها
أصلا فقد وقع عند المصنف من حديث جابر الذي قبل هذا لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان
الشجرة فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل
يضبط موضعها ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها لأن الظاهر أنها حين مقالته تلك كانت
344

هلكت إما بجفاف أو بغيره واستمر هو يعرف موضعها بعينه ثم وجدت عند ابن سعد بإسناد
صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم ثم أمر بقطعها
فقطعت * الحديث الثالث عشر حديث عبد الله بن أبي أوفى في قوله اللهم صلى على آل أبي أوفى
وقد تقدم شرحه في كتاب الزكاة وذكره هنا لقوله وكان من أصحاب الشجرة * الحديث الرابع
عشر (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس وأخوه أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو ابن
بلال وعمرو بن يحيى هو المازني وعباد بن تميم أي بن أبي زيد بن عاصم المازني وكلهم مدنيون
0 قوله لما كان يوم الحرة) أي لما خلع أهل المدينة بيعة يزيد بن معاوية وبايعوا عبد الله بن حنظلة
أي بن أبي عامر الأنصاري (قوله فقال ابن زيد) هو عبد الله بن زيد بن عاصم عم عباد بن تميم
(قوله ابن حنظلة) هو عبد الله وصرح به الإسماعيلي في روايته وقوله يبايع الناس أي على الطاعة
له وخلع يزيد بن معاوية وعكس الكرماني فزعم أنه كان يبايع الناس ليزيد بن معاوية وهو غلط
كبير (قوله لا أبايع على ذلك أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه إشعار بأنه بايع النبي
صلى الله عليه وسلم على الموت وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في باب البيعة على الحرب من كتاب
الجهاد وذكرت هناك ما وقع للكرماني من الخبط في شرح قوله ابن حنظلة ووقع في رواية
الإسماعيلي من الزيادة وقتل عبد الله بن زيد يوم الحرة وكان السبب في البيعة تحت الشجرة ما ذكر
ابن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن
عثمان قد قتل فقال لئن كانوا قتلوه لأناجزنهم فدعا الناس إلى البيعة فبايعوه على القتال على أن
لا يفروا قال فبلغهم بعد ذلك أن الخبر باطل ورجع عثمان وذكر أبو الأسود في المغازي عن
عروة السبب في ذلك مطولا قال أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بالحديبية أحب أن يبعث
إلى قريش رجلا يخبرهم بأنه إنما جاء معتمرا فدعا عمر ليبعثه فقال والله لا آمنهم على نفسي فدعا
عثمان فأرسله وأمره أن يبشر المستضعفين من المؤمنين بالفتح قريبا وأن الله سيظهر دينه فتوجه
عثمان فوجد قريشا نازلين ببلدح قد اتفقوا على أن يمنعوا النبي صلى الله عليه وسلم من دخول
مكة فأجاره أبان بن سعيد بن العاص قال وبعثت قريش بديل بن ورقاء وسهيل بن عمرو إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فذكر القصة التي مضت مطولة في الشروط قال وآمن الناس بعضهم
بعضا وهم في انتظار الصلح إذ رمى رجل من الفريقين رجلا من الفريق الآخر
فكانت معاركة
وتراموا بالنبل والحجارة فارتهن كل فريق من عندهم ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى
البيعة فجاءه المسلمون وهو نازل تحت الشجرة التي كان يستظل بها فبايعوه على أن لا يفروا وألقى
الله الرعب في قلوب الكفار فأذعنوا إلى المصالحة وروى البيهقي في الدلائل من مرسل الشعبي
قال كان أول من انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا الناس إلى البيعة تحت الشجرة
أبو سنان الأزدي وروى مسلم في حديث سلمة بن الأكوع قال ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
دعا إلى البيعة فبايعه أول الناس فذكر الحديث قال ثم إن المشركين راسلونا في الصلح حتى مشى
بعضنا في بعض قال فاضطجعت في أصل شجرة فأتاني أربعة من المشركين فجعلوا يقعون في رسول
الله صلى الله عليه وسلم فتحولت عنهم إلى شجرة أخرى فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من
أسفل الوادي يا آل المهاجرين قال فاخترطت سيفي ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود
345

فأخذت سلاحهم ثم جئت بهم أسوقهم وجاء عمي برجل يقال له مكرز في ناس من المشركين فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم يكون لهم بدأ الفجور وثنياه فعفا عنهم فأنزل الله تعالى وهو
الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وروى مسلم أيضا
من حديث أنس أن رجالا من أهل مكة هبطوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل التنعيم
ليقاتلوه فأخذهم فعفا عنهم فأنزل الله الآية * الحديث الخامس عشر حديث سلمة بن
الأكوع في وقت صلاة الجمعة أورده لقوله فيه وكان من أصحاب الشجرة (قوله حدثنا يحيى بن
يعلى المحاربي) هو كوفي ثقة من قدماء شيوخ البخاري مات سنة ست عشرة ومائتين وأبوه يعلى ابن
الحرث المحاربي ثقة أيضا مات سنة ثمان وستين ومائة وما لهما في البخاري إلا هذا الحديث
(قوله ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل فيه) استدل به لمن يقول بأن صلاة الجمعة تجزئ
قبل الزوال لان الشمس إذا زالت ظهرت الظلال وأجيب بأن النفي إنما تسلط على وجود ظل
يستظل به لا على وجود الظل مطلقا والظل الذي يستظل به لا يتهيأ إلا بعد الزوال بمقدار يختلف
في الشتاء والصيف وقد تقدم بسط هذه المسألة ونقل الخلاف فيها في كتاب الجمعة * الحديث
السادس عشر (قوله حدثنا حاتم) هو ابن إسماعيل (قوله على الموت) تقدم الكلام عليه في باب
البيعة على الحرب من كتاب الجهاد وذكرت كيفية الجمع بينه وبين قول جابر لهم نبايعه على الموت
وكذا روى مسلم من حديث معقل بن يسار مثل حديث جابر وحاصل الجمع أن من أطلق أن البيعة
كانت على الموت أراد لازمها لأنه إذا بايع على أن لا يفر لزم من ذلك أن يثبت والذي يثبت إما أن
يغلب وإما أن يؤسر والذي يؤسر إما أن ينجو وإما أن يموت ولما كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك
أطلقه الراوي وحاصله أن أحدهما حكى صورة البيعة والآخر حكى ما تؤل إليه وجمع الترمذي
بأن بعضا بايع على الموت وبعضا بايع على أن لا يفر * الحديث السابع عشر (قوله عن العلاء بن
المسيب) أي بن رافع الكوفي وهو وأبوه ثقتان وماله في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في
الدعوات ولأبيه حديث آخر في الأدب من رواية منصور بن المعتمر عنه (قوله طوبى لك صحبت
النبي صلى الله عليه وسلم) غبطه التابعي بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مما يغبط به
لكن سلك الصحابي مسلك التواضع في جوابه وطوبى في الأصل شجرة في الجنة تقدم تفسيرها
في صفة الجنة في بدء الخلق وتطلق ويراد بها الخير أو الجنة أو أقصى الأمنية وقيل هي من الطيب
أي طاب عيشكم (قوله فقال يا ابن أخي) في رواية الكشميهني يا ابن أخ بغير إضافة وهي على
عادة العرب في المخاطبة أو أراد أخوة الاسلام (قوله انك لا تدري ما أحدثناه بعده) يشير إلى
ما وقع لهم من الحروب وغيرها فخاف غائلة ذلك وذلك من كمال فضله * الحديث الثامن عشر
(قوله حدثني إسحاق) هو بن منصور ويحيى بن صالح هو الوحاظي وهو من شيوخ البخاري
وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا ومعاوية بن سلام بالتشديد ويحيى هو ابن أبي كثير ووقع
في رواية ابن السكن عن زيد بن سلام بدل يحيى بن أبي كثير قال أبو علي الجياني ولم يتابع على ذلك
وقد وقع في رواية النسفي عن البخاري كما قال الجمهور وكذا هو عند مسلم وأبي داود من طريق
معاوية بن سلام عن يحيى (قوله أنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة) هكذا
أورده مختصرا مقتصرا على موضع حاجته منه وبقية الحديث قد أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى
346

بن يحيى عن معاوية بهذا الاسناد وزاد وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين بملة غير
الاسلام كاذبا فهو كما قال الحديث وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الايمان والنذور
إن شاء الله تعالى * الحديث التاسع عشر (قوله عن أنس بن مالك إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال
الحديبية) سيأتي الكلام عليه في تفسير سورة الفتح إن شاء الله تعالى وأفاد هنا أن بعض
الحديث عن قتادة عن أنس وبعضه عن عكرمة وقد أورده الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد
عن شعبة وجمع في الحديث بين أنس وعكرمة وساقه مساقا واحدا وقد أوضحته في كتاب المدرج
* الحديث العشرون (قوله حدثنا أبو عامر) هو عبد الملك بن عمرو العقدي ووقع في رواية ابن
السكن حدثنا عثمان بن عمرو بدل أبي عامر (قوله عن إسرائيل) كذا في الأصول ولا بد منه
وحكى بعض الشراح أنه وقع في بعض النسخ بإسقاطه (قلت) ولا أعتقد صحة ذلك بل إن كان
سقط من نسخة فتلك النسخة غير معتمدة (قوله عن مجزأة) بفتح الميم والزاي بينهما جيم ساكنة
وبهمزة مفتوحة قبل الهاء وقال أبو علي الجياني المحدثون يسهلون الهمزة ولا يلفظون بها وقد
يكسرون الميم وأبوه زاهر هو ابن الأسود بن الحجاج وليس له في البخاري إلا هذا الحديث (قوله
عن أبيه) كذا للجميع ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي عن أنس بدل قوله عن أبيه
وهو تصحيف نبه عليه أبو علي الجياني (قوله إني لا وقد تحت القدور بلحوم الحم) يعني يوم خيبر كما
سيأتي فيها واضحا وقد تعقب الداودي ما وقع هنا فقال هذا وهم فإن النهي عن لحوم الحمر الأهلية
لم يكن بالحديبية وإنما كان بخيبر انتهى وليس في السياق أن ذلك كان في يوم الحديبية وإنما ساق
البخاري الحديث في الحديبية لقوله فيه وكان ممن شهد الشجرة ولم يتعرض لمكان النداء بذلك مع
أن غالب من بايع تحت الشجرة شهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بعد رجوعهم * الحديث
الحادي والعشرون (قوله وعن مجزأة) يعني بالاسناد المذكور قبله وليس لمجزأة في البخاري
إلا هذا الحديث والذي قبله (قوله عن رجل منهم) يعني من بني أسلم وقال الكرماني أي من
الصحابة والأول أولى (قوله اسمه أهبان بن أوس هو) بضم الهمزة وسكون الهاء بعدها موحدة
وماله في البخاري سوى هذ الحديث وقد ذكره في التاريخ فقال له صحبة ونزل الكوفة ويقال له
وهبان أيضا ثم ساق من طريق أنيس بن عمرو عن أهبان بن أوس أنه كان في غنم له فكلمه الذئب
(قوله وكان) يعني أهبان (إذا سجد جعل تحت ركبته وسادة) ولعله كان كبر فكان يشق
عليه تمكين ركبته من الأرض فوضع تحتها وسادة لينة لا تمنع اعتماده عليها من التمكين لاحتمال أن
يبس الأرض كان يضر ركبته * الحديث الثاني والعشرون حديث سويد بن النعمان (قوله
أتوا بسويق فلا كوه) هو طرف من حديث تقدم في الطهارة وفي الجهاد وسيأتي بتمامه قريبا في
غزوة خيبر إن شاء الله تعالى (قوله تابعه معاذ عن شعبة) يعني بالاسناد المذكور وقد وصلها
الإسماعيلي عن يحيى بن محمد عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه به مختصرا وزاد فيه وذلك بعد أن
رجعوا من خيبر * الحديث الثالث والعشرون (قوله حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع) بفتح الموحدة
وكسر الزاي بوزن عظيم وآخره مهملة وشاذان هو الأسود بن عامر (قوله عن أبي جمرة) بجيم
وراء هو نصر بن عمران الضبعي ووقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني بالمهملة والزاي وهو
تصحيف (قوله سألت عائذ بن عمرو) هو بتحتانية مهموز وذال معجمة وهو ابن عمرو بن هلال المزني
347

عاش إلى خلافة معاوية ماله في البخاري إلا هذا الحديث (قوله هل ينقض الوتر) يعني إذا أوتر
المرء ثم نام وأراد أن يتطوع هل يصلي ركعة ليصير الوتر شفعا ثم يتطوع ما شاء ثم يوتر محافظة على
قوله اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا أو يصلي تطوعا ما شاء ولا ينقض وتره ويكتفي بالذي تقدم
فأجاب باختيار الصفة الثانية فقال (إذا أوترت من أوله فلا توتر من آخره) زاد الإسماعيلي من
طريق غندر عن شعبة بهذا الاسناد وإذا أوترت من آخره فلا توتر أوله وزاد فيه أيضا وسألت ابن
عباس عن نقض الوتر فذكر مثله وهذه المسألة اختلف فيها السلف فكان ابن عمر ممن يرى نقض
الوتر والصحيح عند الشافعية أنه لا ينقض كما في حديث الباب وهو قول المالكية * الحديث
الرابع والعشرون حديث عمر (قوله عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يسير في بعض أسفاره وكان عمر بن الخطاب يسير معه ليلا فسأله عمر عن شئ الحديث) هذا صورته
مرسل ولكنه بقيته تدل على أنه عن عمر لقوله في أثنائه قال عمر فحركت بعيري الخ وقد أشبعت
القول فيه في المقدمة وقد أورده الإسماعيلي من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن مالك عن زيد بن
أسلم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطاب فذكره وسيأتي شرح المتن في تفسير سورة الفتح إن شاء
الله تعالى (قوله نزرت) بنون وزاي ثقيلة أي ألححت وقال أبو ذر الهروي لم أسمعه لم أسمعه إلا بالتخفيف
* الحديث الخامس والعشرون حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يزيد أحدهما على
صاحبه (قوله حفظت بعضه وثبتني فيه معمر) بين أبو نعيم في مستخرجه القدر الذي حفظه
سفيان عن الزهري والقدر الذي ثبته فيه معمر فساقه من طريق حامد بن يحيى عن سفيان إلى
قوله فأحرم منها بعمرة ومن قوله وبعث عينا له من خزاعة الخ مما ثبته فيه معمر وقد تقدم في هذا
الباب من رواية علي بن المديني عن سفيان وفيه قول سفيان لا أحفظ الاشعار والتقليد فيه
وأن عليا قال ما أدري ما أراد سفيان بذلك هل أراد أنه لا يحفظ الاشعار والتقليد فيه خاصة
أو أراد أنه لا يحفظ بقية الحديث وقد أزالت هذه الرواية الاشكال والتردد الذي وقع لعلي بن
المديني وقد تقدم الكلام على شرح الحديث مستوفى في الشروط وأنه أورد هنا صدر الحديث
واختصره هناك وساق هناك الحديث بطوله واقتصر منه هنا على البعض وتقدم بيان ما وقع هنا
مما لم يذكره هناك من تسمية عينه الذي بعثه وأنه بشر بن سفيان الخزاعي وضبط غدير الأشطاط
وذكر الواقدي أنه وراء عسفان ثم أورد المصنف بعضا من الحديث غير ما ذكره من هذه الطريق
من طريق أخرى (قوله حدثني إسحاق) هو بن راهويه ويعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد وابن
348

أخي ابن شهاب اسمه محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب (قوله وامعضوا) بتشديد الميم بعدها عين
مهملة ثم ضاد معجمة وفي رواية الكشميهني وامتعضوا بإظهار المثناة والمعنى شق عليهم وقد سبق
بسطه في الشروط (قوله ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الرجال إلا رده) أي إلى
المشركين في تلك المدة وإن كان مسلما (قوله وجاءت المؤمنات مهاجرات) أي في تلك المدة أيضا
وقد ذكرت أسماء من سمى منهن في كتاب الشروط (قوله فكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي
معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من مكة إلى المدينة مهاجرة مسلمة فقوله
وهي عاتق أي بلغت واستحقت التزويج ولم تدخل في السن وقيل هي الشابة وقيل فوق المعصر
وقيل استحقت التخدير وقيل بين البالغ والعانس وتقدم بسط ذلك في كتاب العيدين (قوله فجاء
أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم) في حديث عبد الله بن أبي أحمد
ابن جحش هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط فخرج أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة بن أبي
معيط حتى قدما المدينة فكلما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردها إليهم فنقض العهد بينه
وبين المشركين في النساء خاصة فنزلت الآية أخرجه ابن مردويه في تفسيره وبهذا يظهر المراد
بقوله في حديث الباب حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل (قوله حتى أنزل الله في المؤمنات
ما أنزل أي من استثنائهن من مقتضى الصلح على رد من جاء منهم مسلما وسيأتي بيان ذلك
مشروحا في أواخر كتاب النكاح إن شاء الله تعالى * الحديث السادس والعشرون (قوله قال
ابن شهاب وأخبرني عروة الخ) هو موصول بالاسناد المذكور وقد وصله الإسماعيلي عن أبي يعلى
عن أبي خيثمة عن يعقوب بن إبراهيم به وفيه بيان لان الذي وقع في الشروط من عطف هذه
القصة في رواية الزهري عن عروة عن مروان والمسور مدرج وإنما هو عن عروة عن عائشة ويأتي شرح الامتحان في النكاح إن شاء الله تعالى (قوله وعن عمه) هو موصول بالاسناد
المذكور أيضا (قوله بلغنا حين أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد إلى المشركين ما أنفقوا
على من هاجر من أزواجهم) هذا القدر ذكره هكذا مرسلا وهو موصول من رواية معمر كما أشرنا
إليه في الشروط وسأشبع الكلام على ذلك في النكاح إن شاء الله تعالى (قوله وبلغنا أن أبا بصير
فذكره بطوله) كذا في الأصل وأشار إلى ما تقدم في قصة أبي بصير في كتاب الشروط وقد ذكرت
349

شرحها مبسوطا هناك حيث ساقها مطولة * الحديث
السابع والعشرون حديث بن عمر حيث خرج معتمرا في الفتنة الحديث ذكره من طرق وقد تقدم شرحه في باب الاحصار من كتاب الحج
* الحديث الثامن والعشرون حديث ابن عمر أيضا (قوله حدثني شجاع بن الوليد) أي البخاري
المؤدب أبو الليث ثقة من أقران البخاري وسمع قبله قليلا وليس له في البخاري سوى هذا الموضع
وأما شجاع بن الوليد الكوفي فذاك يكنى أبا بدر ولم يدركه البخاري (قوله سمع النضر بن محمد)
هو الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة ثقة متفق عليه وما له في البخاري إلا هذا الحديث
(قوله حدثنا صخر) هو ابن جويرية (قوله عن نافع قال إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل
عمر وليس كذلك ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله الخ) ظاهر هذا السياق الارسال ولكن
الطريق التي بعدها أوضحت أن نافعا حمله عن ابن عمر (قوله عند رجل من الأنصار) لم أقف على
اسمه ويحتمل أنه الذي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينه وقد تقدمت الإشارة إليه في
أول كتاب العلم (قوله وعمر يستلئم للقتال) أي يلبس اللامة بالهمز وهي السلاح (قوله وقال
هشام بن عمار) كذا وقع بصيغة التعليق وفي بعض النسخ وقال لي وقد وصله الإسماعيلي عن
الحسن بن سفيان عن دحيم وهو عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوليد بن مسلم بالاسناد المذكور
(قوله فإذا الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم) أي محيطون به ناظرون إليه بأحداقهم
(قوله فقال يا عبد الله) القائل يا عبد الله هو عمر (قوله قد أحدقوا) كذا للكشميهني وغيره
وهو الصواب ووقع للمستملي قال أحدقوا جعل بدل قد قال وهو تحريف وهذا السبب الذي هنا
في أن ابن عمر بايع قبل أبيه غير السبب الذي قبله ويمكن الجمع بينهما بأنه بعثه يحضر له الفرس
ورأى الناس مجتمعين فقال له انظر ما شأنهم فبدأ بكشف حالهم فوجدهم يبايعون فبايع وتوجه
إلى الفرس فأحضرها وأعاد حينئذ الجواب على أبيه وأما ابن التين فلم يظهر له وجه الجمع بينهما
فقال هذا اختلاف ولم يسند نافع إلى ابن عمر ذلك في شئ من الروايتين كذا قال والثانية ظاهرة
في الرد عليه فان فيها عن ابن عمر كما بيناه ثم زعم أن المبايعة المذكورة إنما كانت حين قدموا إلى
المدينة مهاجرين وأن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الناس فمر به ابن عمر وهو يبايع الحديث
(قلت) وبمثل ذلك لا ترد الروايات الصحيحة فقد صرح في الرواية الأولى بأن ذلك كان يوم الحديبية
والقصة التي أشار إليها تقدمت من وجه آخر في الهجرة وليس فيما نقل فيها ما يمنع التعدد بل يتعين
ذلك لصحة الطريقين والله المستعان (قوله فبايع ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع) هكذا أورده
مختصرا وتوضحه الرواية التي قبله وهو أن ابن عمر لما رأى الناس يبايعون بايع ثم رجع إلى عمر
فأخبره بذلك فخرج وخرج معه فبايع عمر وبايع ابن عمر مرة أخرى * الحديث التاسع والعشرون
(قوله حدثنا ابن نمير) هو محمد بن عبد الله بن نمير (قوله حدثنا يعلى) هو ابن عبيد وإسماعيل هو
بن أبي خالد (قوله لا يصيبه أحد بشئ) أي لئلا يصيبه وهذا كان في عمرة القضاء وقد تقدم أن
عبد الله بن أبي أوفى كان ممن بايع تحت الشجرة وهو في عمرة الحديبية
وكل من شهد الحديبية وعاش إلى السنة المقبلة خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم معتمرا في عمرة القضاء * الحديث
350

الثلاثون حديث سهل بن حنيف (قوله حدثنا الحسن) بفتح المهملتين أي ابن إسحاق بن زياد
الليثي مولاهم المروزي المعروف بحسنويه يكنى أبا علي وثقه النسائي ولم يعرفه أبو حاتم وعرفه
غيره قال ابن حبان في الثقات كان من أصحاب بن المبارك ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين
وما له في البخاري سوى هذا الحديث ومحمد بن سابق من شيوخ البخاري وقد يروى عنه بواسطة
كما هنا (قوله ما يسد منه خصم) (1) بضم الخاء المعجمة وسكون المهملة أي جانب وقد تقدم هذا
الحديث في آخر الجهاد وزعم المزي في الأطراف أن المصنف أخرج هذه الطريق في فرض
الخمس وليس كذلك ثم ذكر المصنف حديث كعب بن عجرة في قصة القمل وحلق رأسه بالحديبية
أورده من وجهين وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك * (قوله باب قصة عكل) بضم المهملة
وسكون الكاف بعدها لام (وعرينة) بمهملة وراء ثم نون مصغر قبيلتان تقدم ذكرهما وبيان
نسبهما في باب أبوال الإبل من كتاب الطهارة مع شرح حديث الباب مستوفى وتقدم قريبا بيان
الاختلاف في وقتها وأن ابن إسحاق ذكر أنها كانت بعد غزوة ذي قرد (قوله قال قتادة) هو
موصول بالاسناد المذكور إليه (قوله وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على
الصدقة وينهى عن المثلة) بضم الميم وسكون المثلثة وهذا البلاغ لم أقف على من فسر المراد به
وقد يسر الله الكريم به الآن وكنت قد أغفلت التنبيه عليه في المقدمة وحقه أن يذكر في الفصل
الأخير منها عند ذكر عدد أحاديث الصحيح وتفصيلها بذكر كل صحابي وكم ورد له عنده من حديث
وأن يذكر في المبهمات من الفصل المذكور فإنه حديث أخرجه البخاري في الجملة وإن كان إسناده
معضلا فإن هذا المتن جاء من حديث قتادة عن الحسن البصري عن هياج بن عمران عن عمر ان بن
حصين وعن سمرة بن جندب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن
المثلة أخرجه أبو داود من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة بهذا الاسناد واللفظ وفيه قصة
وأخرجه أحمد من طريق سعيد عن قتادة بهذا الاسناد إلى عمران بن حصين وفيه القصة ولفظه
كان يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة وعن سمرة مثل ذلك وإسناد هذا الحديث قوي
فإن هياجا بتحتانية ثقيلة وآخره جيم هو ابن عمران البصري وثقه ابن سعد وابن حبان وبقية
رجاله من رجال الصحيح وسيأتي في الذبائح ومضى في المظالم من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة والنهي ولكنه من غير طريق قتادة وسيأتي شرح
351

المثلة في الذبائح إن شاء الله تعالى والذي يظهر أن الذي أورد ناه هو مراد قتادة بالبلاغ الذي وقع
عند البخاري وقد تبين بهذا أن في الحديث الذي أخرجه النسائي من طريق عبد الصمد بن
عبد الوارث عن هشام عن قتادة عن أنس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة إدراجا
وأن هذا القدر من الحديث لم يسنده قتادة عن أنس وإنما ذكره بلاغا ولما نشط لذكر إسناده
ساقه بوسائط إلى النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم قوله وقال شعبة وأبان وحماد عن قتادة من
عرينة يريد أن هؤلاء رووا هذا الحديث عن قتادة عن أنس فاقتصروا على ذكر عرينة دون عكل
فأما رواية شعبة فوصلها المصنف في الزكاة وأما رواية أبان وهو بن يزيد العطار فوصلها بن أبي
شيبة وأما رواية حماد هو بن سلمة فوصلها أبو داود والنسائي قوله قال يحيى بن أبي كثير وأيوب
عن أبي قلابة عن أنس قدم نفر من عكل يريد أن هذين روياه بعكس أولئك فاقتصرا على ذكر
عكل دون عرينة فأما رواية يحيى فوصلها المصنف في المحاربين وأما رواية أيوب فوصلها المصنف
في الطهارة قوله وحدثني محمد بن عبد الرحيم هو الحافظ المعروف بصاعقة البزار يكنى أبا يحيى
وحفص بن عمر شيخه من شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة كالذي هنا قوله حدثنا أيوب
والحجاج الصواف قال حدثني أبو قلابة كذا وقع في النسخ المعتمدة قال حدثني بالافراد والمراد
حجاج فأما أيوب فلا يظهر من هذه الرواية كيفية سياقه وقد اختلف عليه فيه هل هو عنده عن
أبي قلابة بغير واسطة أو بواسطة وأوضح ذلك الدارقطني فقال إن أيوب حيث يرويه عن أبي قلابة
نفسه فإنه يقتصر على قصة العرنيين وحيث يرويه عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة فإنه
يذكر مع ذلك قصة أبي قلابة مع عمر بن عبد العزيز ولما دار بينه وبين عنبسة بن سعيد وأما حجاج
الصواف فإنه يرويه بتمامه عن أبي رجاء عن أبي قلابة انتهى وقد تقدمت الإشارة إلى شئ من هذا
في كتاب الطهارة قوله وأبو قلابة خلف سريره فقال عنبسة بن سعيد كذا وقع مختصرا وسيأتي
في الديات من طريق إسماعيل بن علية عن حجاج الصواف مطولا وكذا ساقه الإسماعيلي من طريق
أيوب عن أبي رجاء عن أبي قلابة مطولا وسيأتي شرحه في الديات إن شاء الله تعالى (قوله وقال
أبو قلابة عن أنس من عكل وذكر القصة) أي قصتهم وقد تقدم الكلام على حديث أبي قلابة
في الطهارة * (تنبيه) * وقع من قوله وقال شعبة إلى آخر الباب عند أبي ذر بين غزوة ذي قرد وبين
غزوة خيبر وعليه جرى الإسماعيلي ووقع عند الباقين تاليا لحديث العرنيين الذي قبله وهو الراجح
ولعل الفصل وقع تغيير بعض الرواة ويحتمل أن يكون البخاري تعمد ذلك إشارة منه إلى أن
قصة العرنيين متحدة مع غزوة ذي قرد كما يشير إليه كلام بعض أهل المغازي وإن كان الراجح
خلافه والله أعلم * (قوله باب غزوة ذي قرد) بفتح القاف والراء وحكى الضم فيهما
وحكى ضم أوله وفتح ثانية قال الحازمي الأول ضبط أصحاب الحديث والضم عن أهل اللغة وقال
البلاذري الصواب الأول وهو ماء على نحو بريد مما يلي بلاد غطفان وقيل على مسافة يوم (قوله
وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قبل خيبر بثلاث) كذا جزم
به ومستنده في ذلك حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه فإنه قال في آخر الحديث الطويل
الذي أخرجه مسلم من طريقه قال فرجعنا أي من الغزوة إلى المدينة فوالله ما لبثنا بالمدينة
إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر وأما بن سعد فقال كانت غزوة ذي قرد في ربيع الأول سنة
352

ست قبل الحديبية وقيل في جمادى الأولى وعن ابن إسحاق في شعبان منها فإنه قال كانت بنو لحيان
في شعبان سنة ست فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فلم يقم بها إلا ليالي حتى أغار
عيينة بن حصن على لقاحه قال القرطبي شارح مسلم في الكلام على حديث سلمة بن الأكوع
لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية فيكون ما وقع في حديث سلمة من وهم
بعض الرواة قال ويحتمل أن يجمع بأن يقال يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان أغزى
سرية فيهم سلمة بن الأكوع إلى خيبر قبل فتحها فأخبر سلمة عن نفسه وعمن خرج معه يعني
حيث قال خرجنا إلى خيبر قال ويؤيده أن ابن إسحاق ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أغزى إليها
عبد الله بن رواحة قبل فتحها مرتين انتهى وسياق الحديث يأبى هذا الجمع فإن فيه بعد قوله حين
خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل عمر يرتجز بالقول وفيه قول النبي صلى
الله عليه وسلم من السائق وفيه مبارزة علي لمرحب وقتل عامر وغير ذلك مما وقع في غزوة خيبر
حين خرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا ما في الصحيح من التاريخ لغزوة ذي قرد أصح
مما ذكره أهل السير ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللقاح وقعت
مرتين الأولى التي ذكرها ابن إسحاق وهي قبل الحديبية والثانية بعد الحديبية قبل الخروج إلى
خيبر وكان رأس الذين أغاروا عبد الرحمن بن عيينة كما في سياق سلمة عند مسلم ويؤيده أن الحاكم
ذكر في الإكليل أن الخروج إلى ذي قرد تكرر ففي الأولى خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد وفي
الثانية خرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الآخر سنة خمس والثالثة هذه المختلف فيها
انتهى فإذا ثبت هذا قوى هذا الجمع الذي ذكرته والله أعلم (قوله حدثنا حاتم) هو ابن إسماعيل ويزيد
بن أبي عبيدة هو مولى سلمة بن الأكوع وقد أخرج البخاري هذا الحديث عاليا في الجهاد عن مكي
ابن إبراهيم عن يزيد وهو أحد ثلاثياته (قوله خرجت قبل أن يؤذن بالأولى) يعني صلاة الصبح
ويدل عليه قوله في رواية مسلم أنه تبعهم من الغلس إلى غروب الشمس وفي رواية مكي خرجت من
المدينة ذاهبا نحو الغابة (قوله وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بذي قرد) اللقاح
بكسر اللام وتخفيف القاف ثم مهملة ذوات الدر من الإبل واحدها لقحه بالكسر وبالفتح أيضا
واللقوح الحلوب وذكر ابن سعد أنها كانت عشرين لقحة قال وكان فيهم بن أبي ذر وامرأته فأغار
المشركون عليهم فقتلوا الرجل وأسروا المرأة (قوله فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف) لم أقف
على اسمه ويحتمل أن يكون هو رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم وكأنه كان
ملك أحدهما وكان يخدم الآخر فنسب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا (قوله غطفان) بفتح المعجمة
والطاء المشالة المهملة والفاء تقدم بيان نسبهم في غزوة ذات الرقاع وفي رواية مكي غطفان وفزارة
وهو من الخاص بعد العام لان فزارة من غطفان وعند مسلم قدمنا الحديبية ثم قدمنا المدينة
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلامه وأنا معه وخرجت بفرس لطلحة أندبه
فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري ولأحمد وابن سعد من هذا الوجه عبد الرحمن بن عيينة بن
حصن الفزاري وقد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه أجمع وقتل راعيه قال
فقلت يا رباح خذ هذا الفرس وأبلغه طلحة وأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وللطبراني من
وجه آخر عن سلمة خرجت بقوسي ونبلي وكنت أرمي الصيد فإذا عيينة بن حصن قد أغار على لقاح
353

رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقها ولا منافاة فإن كلا من عيينة وعبد الرحمن بن عيينة
كان في القوم وذكر موسى بن عقبة وابن إسحاق أن مسعدة الفزاري كان أيضا رئيسا في فزارة
في هذه الغزاة (قوله فصرخت ثلاث صرخات) في رواية المستملي بثلاث بزيادة الموحدة وهي
للاستغاثة (قوله فأسمعت ما بين لابتي المدينة) فيه إشعار بأنه كان واسع الصوت جدا ويحتمل أن
يكون ذلك من خوارق العادات ولمسلم فعلوت أكمة فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثا وللطبراني
فصعدت في سلع ثم صحت يا صباحاه فانتهى صياحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنودي في الناس
الفزع الفزع وهو عند إسحاق بمعناه (قوله يا صباحاه) هي كلمة تقال عند استنفار من كان
غافلا عن عدوه (قوله ثم اندفعت على وجهي) أي لم ألتفت يمينا ولا شمالا بل أسرعت الجري
وكان شديد العدو كما سيأتي بيانه في آخر الحديث (قوله حتى أدركتهم) في رواية مكي حتى ألقاهم
وقد أخذوها يعني اللقاح ذكره بهذه الصيغة مبالغة في استحضار الحال (قوله فأقبلت أرميهم 1)
أي أقبلت عليهم أرميهم أي بالسهام قوله وأقول أنا بن الأكوع واليوم يوم الرضع بضم الراء
وتشديد المعجمة جمع راضع وهو اللئيم فمعناه اليوم يوم اللئام أي اليوم يوم هلاك اللئام والأصل فيه
أن شخصا كان شديد البخل فكان إذا أراد حلب ناقته ارتضع من ثديها لئلا يحلبها فيسمع جيرانه
أو من يمر به صوت الحلب فيطلبون منه اللبن وقيل بل صنع ذلك لئلا يتبدد من اللبن شئ إذا
حلب في الاناء أو يبقى في الاناء شئ إذا شربه منه فقالوا في المثل الام من راضع وقيل بل معنى
المثل ارتضع اللؤم من بطن أمه وقيل كل من كان يوصف وباللؤم يوصف بالمص والرضاع وقيل
المراد من يمص طرف الخلال إذا خل أسنانه وهو دال على شدة الحرص وقيل هو الراعي الذي
لا يستصحب محلبا فإذا جاءه الضيف اعتذر بأن لا محلب معه وإذا أراد أن يشرب ارتضع ثديها
وقال أبو عمرو الشيباني هو الذي يرتضع الشاة أو الناقة عند إرادة الحلب من شدة الشره وقيل
أصله الشاة ترضع لبن شاتين من شدة الجوع وقيل معناه اليوم يعرف من ارتضع كريمة فأنجبته
ولئيمة فهجنته وقيل معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها من غيره وقال
الداودي معناه هذا يوم شديد عليكم تفارق فيه المرضعة من أرضعته فلا تجد من ترضعه قال
السهيلي قوله اليوم يوم الرضع يجوز الرفع فيهما ونصب الأول ورفع الثاني على جعل الأول ظرفا
قال وهو جائز إذا كان الظرف واسعا ولا يضيق على الثاني قال وقال أهل اللغة يقال في اللؤم
رضع بالفتح يرضع بالضم رضاعة لا غير ورضع الصبي بالكسر ثدي أمه يرضع بالفتح رضاعا مثل
سمع يسمع سماعا وعند مسلم في هذا الموضع فأقبلت أرميهم بالنبل وأرتجز وفيه فألحق رجلا منهم
فأصكه بسهم في رجله فخلص السهم إلى كعبه فما زلت أرميهم وأعقرهم فإذا رجع إلى فارس منهم
أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم رميته فعقرت به فإذا تضايق الخيل فدخلوا في مضايقة علوت
الجبل فرميتهم بالحجارة وعند بن إسحاق وكان سلمة مثل الأسد فإذا حملت عليه الخيل فر ثم عارضهم
فنضحها عنه بالنبل قوله استنقذت اللقاح منهم واستبلت منهم ثلاثين بردة في رواية مسلم
فما زلت كذلك حتى ما خلق الله من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعير إلا خلفته وراء
ظهري ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يتخففون بها قال فأتوا
مضيقا فأتاهم رجل فجلسوا يتغدون فجلست على رأس قرن فقال لهم من هذا فقالوا لقينا من
354

هذا البرج قال فليقم إليه منكم أربعة فتوجهوا إليه فتهددهم فرجعوا قال فما برحت مكاني
حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم الأخرم الأسدي فقلت له أحذوهم فالتقى
هو وعبد الرحمن بن عيينة فقتله عبد الرحمن وتحول على فرسه فلحقه أبو قتادة فقتل عبد الرحمن
وتحول على الفرس قال واتبعتهم على رجلي حتى ما أرى أحدا فعدلوا قبل غروب الشمس إلى
شعب فيه ماء يقال له ذي قرد فشربوا منه وهم عطاش قال فجلاهم عنه حتى طردهم وتركوا
فرسين على ثنية فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بن إسحاق نحو هذه
القصة وقال إن الأخرم لقب واسمه محرز بن نضلة لكن وقع عنده حبيب بن عيينة بن حصن بدل
عبد الرحمن فيحتمل أن يكون كان له اسمان قوله وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس في
رواية مسلم وأتاني عمي عامر بن الأكوع بسطيحة فيها ماء وسطيحة فيها لبن فتوضأت وشربت
ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي أجليتهم عنه فإذا هو قد أخذ كل شئ
استنقذته منهم ونحر له بلال ناقته قوله قد حميت القوم الماء أي منعتهم من الشرب قوله
فابعث إليهم الساعة في رواية مسلم فقلت يا رسول الله خلني انتخب من القوم مائة رجل فاتبعهم
فلا يبقى منهم مخبر قال فضحك وعند بن إسحاق فقلت يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل
لأخذت بأعناق القوم قوله فقال يا بن الأكوع ملكت فأسجع بهمزة قطع وسين مهملة ساكنة وجيم
مكسورة بعدها مهملة أي سهل والمعنى قدرت فاعف والسجاحة السهولة زاد
مكي في روايته ان القوم ليقرون في قومهم وعند الكشميهني من قومهم ولمسلم انهم ليقرون
في أرض غطفان ويقرون بضم أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الواو من القرى وهي
الضيافة ولابن إسحاق فقال إنهم الآن ليغبقون في غطفان وهو بالغين المعجمة الساكنة
والموحدة المفتوحة والقاف من الغبوق وهو شرب أول الليل والمراد أنهم فاتوا وأنهم وصلوا إلى
بلاد قومهم ونزلوا عليهم فهم الآن يذبحون لهم ويطعمونهم ووقع عند مسلم قال فجاء رجل فقال
نحر لهم فلان جزورا فلما كشطوا جلدها إذا هم بغبرة فقالوا أتاكم القوم فخرجوا هاربين قوله ثم
رجعنا إلى المدينة ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة في رواية
مسلم ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء وذكر قصة الأنصاري الذي سابقه
فسبقه سلمة قال فسبقت إلى المدينة فوالله ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر وفيه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا اليوم سلمة
قال سلمة ثم أعطاني سهم الراجل والفار س جميعا وروى الحاكم في الإكليل والبيهقي من طريق عكرمة بن
قتادة بن عبد الله بن عكرمة بن عبد الله بن أبي قتادة حدثني أبي عن أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة
أن أبا قتادة اشترى فرسه فلقيه مسعدة الفزاري فتقاولا فقال أبو قتادة اسأل الله أن يلقنيك وأنا
عليها قال آمين قال فبينما هو يعلفها إذ قيل أخذت اللقاح فركبها حتى هجم على العسكر
قال فطلع على فارس فقال لقد ألقانيك الله يا أبا قتادة فذكر مصارعته له وظفره به وقتله وهزم
المشركين ثم لم ينشب المسلمون أن طلع عليهم أبو قتادة يحوش اللقاح فقال النبي صلى الله عليه
وسلم أبو قتادة سيد الفرسان وفي الحديث جواز العدو الشديد في الغزو والانذار بالصياح
العالي وتعريف الانسان نفسه إذا كان شجاعا ليرعب خصمه واستحباب الثناء على الشجاع
355

ومن فيه فضيلة لا سيما عند الصنع الجميل ليستزيد من ذلك ومحله حيث يؤمن الافتتان وفيه
المسابقة على الاقدام ولا خلاف في جوازه بغير عوض وأما بالعوض فالصحيح لا يصح والله أعلم
قوله باب غزوة خيبر بمعجمة وتحتانية وموحدة بوزن جعفر وهي مدينة كبيرة
ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام وذكر أبو عبيد البكري أنها
سميت باسم رجل من العماليق نزلها قال بن إسحاق خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بقية
المحرم سنة سبع فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر وروى يونس بن بكير
في المغازي عن بن إسحاق في حديث المسور ومروان قالا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الحديبية فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة فأعطاه الله فيها خيبر بقوله وعدكم
الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه يعني خيبر فقدم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى
سار إلى خيبر في المحرم وذكر موسى بن عقبة في المغازي عن بن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أقام
بالمدينة عشرين ليلة أو نحوها ثم خرج إلى خيبر وعند بن عائذ من حديث بن عباس أقام بعد
الرجوع من الحديبية عشر ليال وفي مغازي سليمان التيمي أقام خمسة عشر يوما وحكى بن
التين عن بن الحصار أنها كانت في آخر سنة ست وهذا منقول عن مالك وبه جزم بن حزم وهذه
الأقوال متقاربة والراجح منها ما ذكره بن إسحاق ويمكن الجمع بأن من أطلق سنة ست بناه على أن
ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقي وهو ربيع الأول وأما ما ذكره الحاكم عن الواقدي
وكذا ذكره بن سعد أنها كانت في جمادى الأولى فالذي رأيته في مغازي الواقدي أنها كانت
في صفر وقيل في ربيع الأول وأغرب من ذلك ما أخرجه بن سعد وابن أبي شيبة من حديث
أبي سعيد الخدري قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر لثمان عشرة من رمضان
الحديث وإسناده إلا أنه خطأ ولعلها كانت إلى حنين فتصحفت وتوجيهه بأن غزوة حنين كانت ناشئة عن غزوة
الفتح وغزوة الفتح خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها في رمضان
جزما والله أعلم وذكر الشيخ أبو حامد في التعليقة أنها كانت سنة خمس وهو وهم ولعله انتقال
من الخندق إلى خيبر وذكر بن هشام أنه صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة نميلة بنون
مصغر بن عبد الله الليثي وعند أحمد والحاكم من حديث أبي هريرة أنه سباع بن عرفطة وهو
أصح ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثين حديثا الحديث الأول حديث سويد بن النعمان
وهو الأنصاري الحارثي أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر الحديث وقد تقدم شرحه
في الطهارة والغرض منه هنا الإشارة إلى أن الطريق التي خرجوا منها إلى خيبر كانت على طريق
الصهباء وقد تقدم ضبطها الحديث الثاني حديث سلمة بن الأكوع قوله خرجت مع النبي صلى
الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر يا عامر ألا تسمعنا لم أقف على اسمه
صريحا وعند بن إسحاق من حديث نصر بن دهر الأسلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع وهو عم سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان
انزل يا بن الأكوع فاحد لنا من هنياتك ففي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره
بذلك قوله من هنيهاتك في رواية الكشميهني بحذف الهاء الثانية وتشديد التحتانية التي قبلها
والهنيهات جمع هنيهة وهي تصغير هنة كما قالوا في تصغير سنة سنيهة ووقع في الدعوات من وجه آخر
356

عن يزيد بن أبي عبيد لو أسمعتنا من هناتك بغير تصغير قوله وكان عامر رجلا شاعرا قيل
هذا يدل على أن الرجز من أقسام الشعر لان الذي قاله عامر حينئذ من الرجز وسيأتي بسط ذلك
في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى قوله اللهم لولا أنت ما اهتدينا في هذا القسم زحاف الخزم
بمعجمتين وهو زيادة سبب خفيف في أوله وأكثرها أربعة أحرف وقد تقدم في الجهاد من حديث
البراء بن عازب وأنه من شعر عبد الله بن رواحة فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما تواردا
منه بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر أو استعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة
(قوله فاغفر فداء لك ما اتقينا) أما قوله فداء فهو بكسر الفاء وبالمد وحكى ابن التين فتح أوله
مع القصر وزعم أنه هنا بالكسر مع القصر لضرورة الوزن ولم يصب في ذلك فإنه لا يتزن إلا بالمد
وقد استشكل هذا الكلام لأنه لا يقال في حق الله إذ معنى فداء لك نفديك بأنفسنا وحذف متعلق
الفداء للشهرة وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء وأجيب عن ذلك بأنها كلمة لا يراد بها
ظاهرها بل المراد بها المحبة والتعظيم مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ وقيل المخاطب بهذا الشعر
النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى لا تؤاخذنا بتقصيرنا في حقك ونصرك وعلى هذا فقوله اللهم
لم يقصد بها الدعاء وإنما افتتح بها الكلام والمخاطب بقول الشاعر لولا أنت النبي صلى الله عليه وسلم
آخره ويعكر عليه قوله بعد ذلك
فانزلن سكينة علينا * وثبت الاقدام إن لاقينا *
فإنه دعا الله تعالى ويحتمل أن يكون المعنى فاسأل ربك أن ينزل ويثبت والله أعلم وأما قوله
ما اتقينا فبتشديد المثناة بعدها قاف للأكثر ومعناه ما تركنا من الأوامر وما ظرفية وللأصيلي
والنسفي بهمزة قطع ثم موحدة ساكنة أي ما خلفنا وراءنا مما اكتسبنا من الآثام أو ما أبقيناه
وراءنا من الذنوب فلم نتب منه وللقابسي ما لقينا باللام وكسر القاف والمعنى ما وجدنا من المناهي
ووقع في رواية قتيبة عن حاتم بن إسماعيل كما سيأتي في الأدب ما اقتفينا بقاف ساكنة ومثناة
مفتوحة ثم تحتانية ساكنة أي تبعنا من الخطايا من قفوت الأثر إذا اتبعته وكذا لمسلم عن قتيبة
وهي أشهر الروايات في هذا الرجز (قوله وألقين سكينة علينا) في رواية النسفي وألق السكينة
علينا بحذف النون وبزيادة ألف ولام في السكينة بغير تنوين وليس بموزون (قوله أنا إذا صيح بنا
أتينا) بمثناة أي جئنا إذا دعينا إلى القتال أو إلى الحق وروى بالموحدة كذا رأيت في رواية
النسفي فإن كانت ثابتة فالمعنى إذا دعينا إلى غير الحق امتنعنا (قوله وبالصباح عولوا علينا) أي
قصدونا بالدعاء بالصوت العالي واستغاثوا علينا تقول عولت على فلان وعولت بفلان بمعنى
استغثت به وقال الخطابي المعنى أجلبوا علينا بالصوت وهو من العويل وتعقبه ابن التين
بأن عولوا بالتثقيل من التعويل ولو كان من العويل لكان أعولوا ووقع في رواية إياس بن سلمة
عن أبيه عند أحمد في هذا الرجز من الزيادة * ان الذين قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا ونحن
عن فضلك ما استغنينا وهذا القسم الأخير عند مسلم أيضا (قوله من هذا السائق) في رواية
أحمد فجعل عامر يرتجز ويسوق الركاب وهذه كانت عادتهم إذا أرادوا تنشيط الإبل في السير
ينزل بعضهم فيسوقها ويحدو في تلك الحال (قوله قال يرحمه الله) في رواية إياس بن سلمة قال غفر
لك ربك قال وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لانسان يخصه إلا استشهد وبهذه الزيادة
357

يظهر السر في قول الرجل لولا أمتعتنا به (قوله قال رجل من القوم وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا
به) اسم هذا الرجل عمر سماه مسلم في رواية إياس بن سلمة ولفظه فنادى عمر بن الخطاب وهو على
جمل له يا نبي الله لولا أمتعتنا بعامر وفي حديث نصر بن دهر عند ابن إسحاق فقال عمر وجبت
يا رسول الله ومعنى قوله لولا أي هلا وأمتعتنا أي متعتنا أي أبقيته لنا لنتمتع به أي بشجاعته
والتمتع الترفة إلى مدة ومنه أمتعني الله ببقائك (قوله فأتينا خيبرا) أي أهل خيبر (قوله
فحاصرناهم) ذكر ابن إسحاق أن أول شئ حاصروه ففتح حصن ناعم ثم انتقلوا إلى غيره (قوله حتى
أصابتنا مخمصة) بمعجمة ثم مهملة أي مجاعة شديدة وسيأتي شرح قصة الحمر الأهلية في كتاب
الذبائح إن شاء الله تعالى قوله وكان سيف عامر قصيرا فتناول به ساق يهودي ليضربه) في رواية
إياس بن سلمة فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول
قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب * إذا الحروب أقبلت تلهب
قال فبرز إليه عامر فقال
قد علمت خيبر أني عامر * شاكي السلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فصار عامر يسل له أي يضربه من أسفل
فرجع سيفه أي عامر على نفسه (قوله ويرجع ذباب سيفه) أي طرفه الاعلى وقيل حده (قوله
فأصاب عين ركبة عامر) أي طرف ركبته الاعلى فمات منه وفي رواية يحيى القطان فأصيب
عامر بسيف نفسه فمات وفي رواية إياس بن سلمة عند مسلم فقطع أكحله فكانت فيها نفسه وفي
رواية بن إسحاق فكلمه كلما شديدا فمات منه (قوله فلما قفلوا من خيبر) أي رجعوا (قوله وهو
آخذ يدي) في رواية الكشميهني بيدي وفي رواية قتيبة رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم
شاحبا بمعجمة ثم مهملة وموحدة أي متغير اللون وفي رواية إياس فأتيت النبي صلى الله عليه
وسلم وأنا أبكي (قوله زعموا أن عامرا حبط عمله) في رواية إياس بطل عمل عامر قتل نفسه وسمى
من القائلين أسيد بن حضير في رواية قتيبة الآتية في الأدب وعند ابن إسحاق فكان المسلمون
شكوا فيه وقالوا إنما قتله سلاحه ونحوه عند مسلم من وجه آخر عن سلمة (قوله كذب من قاله)
أي أخطأ (قوله إن له أجرين) في رواية الكشميهني لاجرين وكذا في رواية قتيبة وكذا في
رواية ابن إسحاق إنه لشهيد وصلى عليه (قوله إنه لجاهد مجاهد) كذا للأكثر باسم الفاعل فيهما
وكسر الهاء والتنوين والأول مرفوع على الخبر والثاني اتباع للتأكيد كما قالوا جاد مجد ووقع
لأبي ذر عن الحموي والمستملي بفتح الهاء والدال وكذا ضبطه الباجي قال عياض والأول هو
الوجه (قلت) يؤيده رواية أبي داود من وجه آخر عن سلمة مات جاهدا مجاهدا قال ابن دريد
رجل جاهد أي جاد في أموره وقال ابن التين الجاهد من يرتكب المشقة ومجاهد أي لأعداء الله
تعالى (قوله قل عربي مشى بها مثله) كذا في هذه الرواية بالميم والقصر من المشي والضمير للأرض
أو المدينة أو الحرب أو الخصلة (قوله قال قتيبة نشأ) أي بنون وبهمزة والمراد أن قتيبة رواه عن
حاتم بن إسماعيل بهذا الاسناد فخالف في هذه اللفظة وروايته موصولة في الأدب عنده وغفل
الكشميهني فرواها هنالك بالميم والقصر وحكى السهيلي أنه وقع في رواية مشابها بضم الميم اسم
فاعل من الشبه أي ليس له مشابه في صفات الكمال في القتال وهو منصوب بفعل محذوف تقديره
358

رأيته مشابها أو على الحال من قوله عربي قال السهيلي والحال من النكرة يجوز إذا كان
في تصحيح معنى قال السهيلي أيضا وروى قل عربيا نشأ بها مثله والفاعل مثله وعربيا منصوب
على التمييز لان في الكلام معنى المدح على حد قولهم عظم زيد رجلا وقل زيد أدبا * الحديث
الثالث حديث أنس ذكره من ثلاثة طرق (قوله عن أنس) في رواية أبي إسحاق الفزاري عن
حميد سمعت أنسا كما تقدم في الجهاد (قوله أتى خيبر ليلا) أي قرب منها وذكر ابن إسحاق أنه نزل
بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم قال فبلغني أن غطفان
تجهزوا وقصدوا خيبر فسمعوا حسا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم فرجعوا
فأقاموا وخذلوا أهل خيبر (قوله لم يغر بهم حتى يصبح) كذا للأكثر من الاغارة ولأبي ذر عن
المستملي لم يقربهم بفتح أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الموحدة وتقدم في الجهاد بلفظ
لا يغير عليهم وهو يؤيد رواية الجمهور وتقدم في الاذان من وجه آخر عن حميد بلفظ كان إذا غزا
لم يغز بنا حتى يصبح وينظر فإن سمع أذانا كف عنهم وإلا أغار قال فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم
ليلا فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وحكى الواقدي أن أهل خيبر سمعوا بقصده لهم فكانوا
يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين فلا يرون أحدا حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون
ناموا فلم تتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم فوجدوا المسلمين
(قوله خرجت يهود) زاد أحمد من طريق قتادة عن أنس إلى زروعهم (قوله بمساحيهم) بمهملتين
جمع مسحاة وهي من آلات الحرث (ومكاتلهم) جمع مكتل وهو القفة الكبيرة التي يحول فيها
التراب وغيره وعند أحمد من حديث أبي طلحة في نحو هذه القصة حتى إذا كان عند السحر وذهب
ذو الزرع إلى زرعه وذو الضرع إلى ضرعه أغر عليهم (قوله محمد والخميس) تقدم في أوائل الصلاة
من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس بلفظ خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا محمد قال
عبد العزيز قال بعض أصحابنا عن أنس والخميس يعني الجيش وعرف المراد ببعض أصحابه من هذا
الطريق وتقدم في صلاة الخوف من طريق حماد بن زيد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس نحوه
وفيه يقولون محمد والخميس قال والخميس الجيش وعرف من سياق هذا الباب أن اللفظ هناك
لثابت وقد بينت ما في هذا الموضع من الادراج في أوائل كتاب الصلاة وزاد في الجهاد من وجه
آخر عن أيوب فلجئوا إلى الحصن أي تحصنوا به (قوله خربت خيبر) زاد في الجهاد فرفع يديه وقال
الله أكبر خربت خيبر وزيادة التكبير في معظم الطرق عن أنس وعن حميد قال السهيلي يؤخذ
من هذا الحديث التفاؤل لأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى آلات الهدم مع أن لفظ المسحاة من
سحوت إذا قشرت أخذ منه أن مدينتهم ستخرب انتهى ويحتمل أن يكون قال خربت خيبر
بطريق الوحي ويؤيده قوله بعد ذلك إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين وقوله في رواية
محمد بن سيرين عن أنس صبحنا خيبر بكرة لا يغاير قوله في رواية حميد عن أنس أنهم قدموها ليلا
فإنه يحمل على أنهم لما قدموها وناموا دونها ركبوا إليها بكرة فصبحوها بالقتال والإغارة وقد وقع
ذلك في رواية إسماعيل بن جعفر عن حميد واضحا زاد في رواية محمد بن سيرين قصة الحمر الأهلية
وسيأتي شرحها مستوفى في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا عبد الوهاب) هو ابن
عبد المجيد الثقفي وليس هو والد الراوي عنه عبد الله بن عبد الوهاب فإن الراوي عنه عبدري
359

حجبي لا ثقفي قوله ينهيانكم في رواية سفيان الآتية ينهاكم بالافراد وفي رواية عبد الوهاب
بالتثنية وهو دال على جواز جمع اسم الله مع غيره في ضمير واحد فيرد به على من زعم أن قوله للخطيب
بئس خطيب القوم أنت لكونه قال ومن يعصمها فقد غوى وقد تقدمت الإشارة إلى مباحث
ذلك في كتاب الصلاة قوله فأكفئت القدور قال بن التين صوابه فكفئت قال الأصمعي كفأت
الاناء قلبته ولا يقال أكفأته ويحتمل أن يكون المراد أميلت حتى أزيل ما فيها قال الكسائي
أكفأت الاناء أملته قوله حدثنا حماد بن زيد عن ثابت
عن أنس تقدم في صلاة الخوف مع ثابت عبد العزيز بن صهيب قوله فخرجوا يسعون في السكك فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة
وسبي الذرية فيه اختصار كبير لأنه يوهم أن ذلك وقع عقب الاغارة عليهم وليس كذلك فقد ذكر
بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام على محاصرتهم بضع عشرة ليلة وقيل أكثر من
ذلك ويؤيده قوله في الحديث الذي قبله أنهم أصابتهم مخمصة شديدة فإنه دال على طول مدة الحصار
إذ لو وقع الفتح من يومهم لم يقع لهم ذلك وفي حديث سلمة بن الأكوع وسهل بن سعد الآتيين
قريبا في قصة على ما يؤكد ذلك وكذا في حديث سهل وأبي هريرة في قصة الذي قتل نفسه وكذا
في حديث عبد الله بن أبي أوفى أنهم حاصروهم الحديث الرابع حديث أنس أيضا في ذكر
صفية ذكره من طريقين وسيأتي في الباب من وجه ثالث بأتم من هذا سياقا وصفية هي بنت
حيي بن أخطب بن سعية بفتح المهملة وسكون العين المهملة بعدها تحتانية ساكنة بن عامر بن
عبيد بن كعب من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام وأمها برة بنت شموال من
بني قريظة وكانت تحت سلام بن مشكم القرظي ثم فارقها فتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق
النضيري فقتل عنها يوم خيبر ذكر ذلك بن سعد وأسند بعضه من وجه مرسل قوله وكان
في السبي صفية بنت حيي فصارت إلى دحية ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في رواية عبد
العزيز عن أنس فجاء دحية فقال أعطني يا رسول الله جارية من السبي قال اذهب فخذ جارية
فأخذ صفية فجاء رجل فقال يا نبي الله أعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنضير لا تصلح إلا لك قال
ادعوه بها فجاء بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال خذ جارية من السبي غيرها وعند بن
إسحاق أن صفية سبيت من حصن القموص وهو حصن بني أبي الحقيق وكانت تحت كنانة بن
الربيع بن أبي الحقيق وسبي معها بنت عمها وعند غيره بنت عم زوجها فلما استرجع النبي صلى الله
عليه وسلم صفية من دحية أعطاه بنت عمها قال السهيلي لا معارضة بين هذه الأخبار فإنه
أخذها من دحية قبل القسم والذي عوضه عنها ليس على سبيل البيع بل على سبيل النفل قلت
وقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم أن صفية وقعت في سهم دحية وعنده أيضا
فيه فاشتراها من دحية بسبعة أرؤس فالأولى في طريق الجمع أن المراد بسهمه هنا نصيبه الذي
اختاره لنفسه وذلك أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه جارية فأذن له أن يأخذ جارية
فأخذ صفية فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن
توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه وقلة من كان في السبي مثل صفية
في نفاستها فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم فكان من المصلحة العامة ارتجاعها
واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بها فإن في ذلك رضا الجميع وليس ذلك من الرجوع في الهبة
360

من شئ وأما إطلاق الشراء على العوض فعلى سبيل المجاز ولعله عوضه عنها بنت عمها أو بنت عم
زوجها فلم تطب نفسه فأعطاه من جملة السبي زيادة على ذلك وعند بن سعد من طريق سليمان بن
المغيرة عن ثابت عن أنس وأصله في مسلم صارت صفية لدحية فجعلوا يمدحونها فبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأعطى بها دحية ما رضي وقد تقدم شئ من هذا في أوائل الصلاة ويأتي تمام
قصتها في الحديث الثاني عشر ويأتي الكلام على قوله في الحديث وجعل عتقها صداقها في كتاب
النكاح إن شاء الله تعالى الحديث الخامس حديث أبي موسى الأشعري قوله حدثنا عبد
الواحد هو بن أبي زياد وعاصم هو الأحول وأبو عثمان هو النهدي والاسناد كله إلى أبي موسى
بصريون قوله لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أو قال لما توجه هو شك من الراوي قوله
أشرف الناس على واد فذكر الحديث إلى قول أبي موسى فسمعني وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا
بالله هذا السياق يوهم أن ذلك وقع وهم ذاهبون إلى خيبر وليس كذلك بل إنما وقع ذلك حال
رجوعهم لان أبا موسى إنما قدم بعد فتح خيبر مع جعفر كما سيأتي في الباب من حديثه واضحا وعلى
هذا ففي السياق حذف تقديره لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فحاصرها ففتحها ففرغ
فرجع أشرف الناس الخ وسيأتي شرح المتن في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى الحديث
السادس حديث سهل بن سعد في قصة الذي قتل نفسه قوله حدثنا يعقوب هو بن
عبد الرحمن الإسكندراني وأبو حازم هو سلمة بن دينار قوله التقي هو والمشركون في رواية بن
أبي حازم الآتية بعد قليل في بعض مغازيه ولم أقف على تعيين كونها خيبر لكنه مبني على أن
القصة التي في حديث سهل متحدة مع القصة التي في حديث أبي هريرة وقد صرح في حديث
أبي هريرة أن ذلك كان بخيبر وفيه نظر فإن في سياق سهل أن الرجل الذي قتل نفسه اتكأ على
حد سيفه حتى خرج من ظهره وفي سياق أبي هريرة أنه استخرج أسهما من كنانته فنحر بها
نفسه وأيضا ففي حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لما أخبروه بقصته إن الرجل
ليعمل بعمل أهل الجنة الحديث وفي حديث أبي هريرة أنه قال لهم لما أخبروه بقصته قم يا بلال
فأذن إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ولهذا جنح بن التين إلى التعدد ويمكن الجمع بأنه لا منافاة في
المغايرة الأخيرة وأما الأولى فيحتمل أن يكون نحر نفسه بأسهمه فلم تزهق روحه وإن كان قد
أشرف على القتل فاتكأ حينئذ على سيفه استعجالا للموت لكن جزم بن الجوزي في مشكله بأن
القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد قال واسم الرجل قزمان الظفري وكان قد تخلف
عن المسلمين يوم أحد فعيره النساء فخرج حتى صار في الصف الأول فكان أول من رمى بسهم ثم صار
إلى السيف ففعل العجائب فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول الموت أحسن
من الفرار فمر به قتادة بن النعمان فقال له هنيئا لك بالشهادة قال والله إني ما قاتلت على دين وإنما
قاتلت على حسب قومي ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه (قلت) وهذا الذي نقله أخذه من
مغازي الواقدي وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف نعم أخرج أبو يعلى من طريق سعيد بن
عبد الرحمن القاضي عن أبي حازم حديث الباب وأوله أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
أحد ما رأينا مثل ما أبلى فلان لقد فر الناس وما فر وما ترك للمشركين شاذة ولا فاذة الحديث
بطوله على نحو ما في الصحيح وليس فيه تسميته وسعيد مختلف فيه وما أظن روايته خفيت على
361

البخاري وأظنه لم يلتفت إليها لان في بعض طرقه عن أبي حازم غزونا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم وظاهره يقتضي أنها غير أحد لان سهلا ما كان حينئذ ممن يطلق على نفسه ذلك لصغره لأن
الصحيح أن مولده قبل الهجرة بخمس سنين فيكون في أحد ابن عشرة أو إحدى عشرة على أنه قد
حفظ أشياء من أمر أحد مثل غسل فاطمة جراحة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من ذلك أن
يقول غزونا إلا أن يحمل على المجاز كما سيأتي لأبي هريرة لكن يدفعه ما سيأتي من رواية الكشميهني
قريبا (قوله فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره) أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك
اليوم (قوله وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل) وقع في كلام جماعة ممن تكلم على
هذا الكتاب أن اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بضم المعجمة والفاء نسبة إلى بني
ظفر بطن من الأنصار وكان يكنى أبا الغيداق بمعجمة مفتوحة وتحتانية ساكنة وآخره قاف ويعكر
عليه ما تقدم (قوله شاذة ولا فاذة الشاذة) الشاذة بتشديد المعجمة ما انفرد عن الجماعة وبالفاء مثله ما لم
يختلط بهم ثم هما صفة لمحذوف أي نسمة والهاء فيهما للمبالغة والمعنى أنه لا يلقى شيئا إلا قتله
وقيل المراد بالشاذ والفاذ ما كبر وصغر وقيل الشاذ الخارج والفاذ المنفرد وقيل هما بمعنى
وقيل الثاني اتباع (قوله فقال) أي قائل وتقدم في الجهاد بلفظ فقالوا ويأتي بعد قليل من
طريق أخرى بلفظ فقيل ووقع هنا للكشميهني فقلت فإن كانت محفوظة عرف اسم قائل ذلك
(قوله ما أجزأ) بالهمزة أي ما أغنى (قوله فقال إنه من أهل النار) في رواية ابن أبي حازم
المذكورة فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار وفي حديث أكثم بن أبي الجون
الخزاعي عند الطبراني قال قلنا يا رسول الله فلان يجزئ في القتال قال هو في النار قلنا يا رسول الله
إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن قال ذلك اخباث النفاق قال فكنا
نتحفظ عليه في القتال (قوله فقال رجل من القوم أنا صاحبه) في رواية بن أبي حازم لأتبعنه
وهذا الرجل هو أكثم بن أبي الجون كما سيظهر من سياق حديثه (قوله فجرح جرحا شديدا) زاد
في حديث أكثم فقلنا يا رسول الله قد استشهد فلان قال هو في النار (قوله فوضع سيفه بالأرض
وذبابه بين ثدييه) في رواية بن أبي حازم فوضع نصاب سيفه في الأرض وفي حديث أكثم أخذ
سيفه فوضعه بين ثدييه ثم اتكأ عليه حتى خرج من ظهره فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت
اشهد أنك رسول الله (قوله وهو من أهل الجنة) زاد في حديث أكثم تدركه الشقاوة والسعادة
عند خروج نفسه فيختم له بها وسيأتي شرح الكلام الأخير في كتاب القدر إن شاء الله تعالى
* الحديث السابع حديث أبي هريرة (قوله شهدنا خيبر) أراد جيشها من المسلمين لان الثابت
أنه إنما جاء بعد أن فتحت خيبر ووقع عند الواقدي أنه قدم بعد فتح معظم خيبر فحضر فتح آخرها
لكن مضى في الجهاد من طريق عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال أتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو بخيبر بعد ما افتتحها فقلت يا رسول الله أسهم لي وسيأتي البحث في ذلك في حديث
آخر لأبي هريرة آخر هذا الباب (قوله فلما حضر القتال) بالرفع والنصب (قوله فقال لرجل ممن
معه) أي عن رجل واللام قد تأتي بمعنى عن مثل قوله تعالى وقال الذين كفروا للذين آمنوا
ويحتمل أن يكون بمعنى في أي في شانه أي سببه ومنه قوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم
362

القيامة (قوله فكاد بعض الناس يرتاب) في رواية معمر في الجهاد فكاد بعض الناس أن يرتاب
ففيه دخول أن على خبر كاد وهو جائز مع قلته (قوله قم يا فلان) هو بلال كما وقع مفسرا في كتاب
القدر (قوله إن الله يؤيد) في رواية الكشميهني ليؤيد قال النووي يجوز في أن فتح الهمزة
وكسرها (قوله بالرجل الفاجر) يحتمل أن تكون اللام للعهد والمراد به قزمان المذكور
ويحتمل أن تكون للجنس (قوله تابعه معمر) أي تابع شعيبا عن الزهري أي بهذا الاسناد
وهو موصول عند المصنف في آخر الجهاد مقرونا برواية شعيب عن الزهري (قوله وقال شبيب)
أي بن سعيد (عن يونس) أي ابن يزيد (عن ابن شهاب) أي الزهري بهذا الاسناد (قوله
شهدنا حنينا) يريد أن يونس خالف معمرا وشعيبا فذكر بدل خيبر لفظة حنين ورواية شبيب
هذه وصلها النسائي مقتصرا على طرف من الحديث وأوردها الذهلي في الزهريات ويعقوب بن
سفيان في تاريخه كلاهما عن أحمد بن شبيب عن أبيه بتمامه وأحمد من شيوخ البخاري وقد
أخرج عنه غير هذا وقد وافق يونس معمرا وشعيبا في الاسناد لكن زاد فيه مع سعيد بن المسيب
عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك وساق الحديث عنهما عن أبي هريرة (قوله وقال ابن
المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعني وافق شبيبا في لفظ
حنين وخالفه في الاسناد فأرسل الحديث وطريق ابن المبارك هذه وصلها في الجهاد ولم أر فيها
تعيين الغزوة (قوله وتابعه صالح) يعني ابن كيسان (عن الزهري) وهذه المتابعة ذكرها البخاري
في تاريخه قال قال لي عبد العزيز الأويسي عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب
أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ان بعض من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم
قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه هذا من أهل النار الحديث فظهر أن المراد
بالمتابعة أن صالحا تابع رواية ابن المبارك عن يونس في ترك ذكر اسم الغزوة لا في بقية المتن ولا في
الاسناد وقد رواه يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح عن الزهري فقال عن عبد الرحمن
ابن المسيب مرسلا ووهم فيه وكأنه أراد أن يقول عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وسعيد
ابن المسيب فذهل (قوله وقال الزبيدي أخبرني الزهري أن عبد الرحمن بن كعب أخبره أن
عبيد الله بن كعب قال أخبرني من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر) قال الزهري وأخبرني
عبيد الله بن عبد الله وسعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية النسفي عبد الله بن عبد الله
هكذا أورد البخاري طريق الزبيدي هذه معلقة مختصرة وأجحف فيها في الاختصار فإنه لم يفصل
بين رواية الزهري الموصولة عن عبد الرحمن وبين روايته المرسلة عن سعيد وعبيد الله بن عبد الله
وقد أوضح ذلك في التاريخ وكذلك أبو نعيم في المستخرج والذهلي في الزهريات فأخرجوه من
طريق عبد الله بن سالم الحمصي عن الزبيدي فساق الحديث الموصول بالقصة ثم ساق بعده قال
الزبيدي قال الزهري وأخبرني عبد الله بن عبد الله وسعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال يا بلال قم فأذن إنه لا يدخل الجنة إلا رجل مؤمن والله يؤيد هذا الدين بالرجل
363

الفاجر هذا سياق البخاري وفي سياق الذهلي قال الزهري وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله وهذا
أصوب من عبيد الله بن عبد الله نبه عليه أبو علي الجياني وقد اقتضى صنيع البخاري ترجيح رواية
شعيب ومعمر وأشار إلى أن بقية الروايات محتملة وهذه عادته في الروايات المختلفة إذا رجح
بعضها عنده اعتمده وأشار إلى البقية وأن ذلك لا يستلزم القدح في الرواية الراجحة لان شرط
الاضطراب أن تتساوى وجوه الاختلاف فلا يرجح شئ منها وذكر مسلم في كتاب التمييز فيه اختلافا
آخر على الزهري فقال حدثنا الحسن بن الحلواني عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن صالح بن
كيسان عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا بلال قم
فأذن إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن قال الحلواني قلت ليعقوب بن إبراهيم من عبد الرحمن بن
المسيب هذا قال كان لسعيد بن المسيب أخ اسمه عبد الرحمن وكان رجل من بني كنانة يقال له
عبد الرحمن بن المسيب فأظن أن هذا هو الكناني قال مسلم وليس ما قال يعقوب بشئ وإنما سقط
من هذا الاسناد واو واحدة ففحش خطؤه وإنما هو عن الزهري عن عبد الرحمن وابن المسيب
فعبد الرحمن هو ابن عبد الله ابن كعب وابن المسيب هو سعيد وقد حدث به عن الزهري كذلك ابن
أخيه وموسى ابن عقبة ويونس بن يزيد والله أعلم وكذا رجح الذهلي رواية شعيب ومعمر قال ولا
تدفع رواية الأخيرين لان الزهري كان يقع له الحديث من عدة طرق فيحمله عنه أصحابه بحسب
ذلك نعم ساق من طريق موسى بن عقبة وابن أخي الزهري عن الزهري موافقة الزبيدي على
إرسال آخر الحديث قال المهلب هذا الرجل ممن أعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه نفذ عليه
الوعيد من الفساق ولا يلزم منه أن كل من قتل نفسه يقضى عليه بالنار وقال ابن التين يحتمل
أن يكون قوله هو من أهل النار أي إن لم يغفر الله له ويحتمل أن يكون حين اصابته الجراحة
ارتاب وشك في الايمان أو استحل قتل نفسه فمات كافرا ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بقية
الحديث لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وبذلك جزم ابن المنير والذي يظهر أن المراد بالفاجر أعم
من أن يكون كافرا أو فاسقا ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم إنا لا نستعين بمشرك لأنه محمول
على من كان يظهر الكفر أو هو منسوخ وفي الحديث إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات وذلك
من معجزاته الظاهرة وفيه جواز إعلام الرجل الصالح بفضيلة تكون فيه والجهر بها * تنبيه *
المنادى بذلك بلال ووقع عند مسلم في رواية قم يا ابن الخطاب وعند البيهقي أن المنادى بذلك
عبد الرحمن بن عوف ويجمع بأنهم نادوا جميعا في جهات مختلفة * الحديث الثامن حديث سلمة
ابن الأكوع وهو من ثلاثياته (قوله فقلت يا أبا مسلم) هي كنية سلمة بن الأكوع (قوله أصبتها
يوم خيبر) أي أصابت ركبته ويوم بالنصب على الظرفية (قوله فنفث فيه) أي في موضع
الضربة وقد تقدم أنه فوق النفخ ودون التفل وقد يكون بغير ريق بخلاف التفل وقد يكون
بريق خفيف بخلاف النفخ ثم ذكر المصنف طريقا لحديث سهل بن سعد الماضي قبل وقد تقدم
شرحه في الحديث السادس * الحديث التاسع (قوله حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي) هو بصري
واسم جده الوليد وهو ثقة من أقران أحمد وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر تقدم في
الجهاد (قوله حدثنا زياد بن الربيع) هو اليحمدي بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة
بصري أيضا وثقه أحمد وغيره ونقل ابن عدي عن البخاري أنه قال فيه نظر قال ابن عدي وما أرى
364

بروايته بأسا (قلت) وليس له في البخاري سوى هذا الحديث (قوله عن أبي عمران) هو عبد الملك
بن حبيب الجوني بفتح الجيم وسكون الواو ثم نون نسبة إلى بني الجون بن عوف بن مالك بن فهم بن
غنم بن دوس وهم بطن من الأزد وكذا جزم به الرشاطي عن أبي عبيد أن أبا عمران من هذا البطن
وجزم الحازمي أنه من بني الجون بطن من كندة ولم يسق نسبه وقد ساقه الرشاطي فقال الجون
واسمه معاوية بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحرث بن معاوية بن ثور قوله (فرأى طيالسة) أي
عليهم وفي رواية محمد بن بزيع عن زياد بن الربيع عند ابن خزيمة وأبي نعيم أن أنسا قال ما شبهت
الناس اليوم في المسجد وكثرة الطيالسة إلا بيهود خيبر والذي يظهر أن يهود خيبر كانوا يكثرون
من لبس الطيالسة وكان غيرهم من الناس الذين شاهدهم أنس لا يكثرون منها فلما قدم البصرة
رآهم يكثرون من لبس الطيالسة فشبههم بيهود خيبر ولا يلزم من هذا كراهية لبس الطيالسة
وقيل المراد بالطيالسة الأكسية وإنما أنكر ألوانها لأنها كانت صفراء * الحديث العاشر
والحادي عشر حديث سلمة بن الأكوع وحديث سهل بن سعد في قصة فتح علي خيبر (قوله وكان
رمدا) في حديث علي عند بن أبي شيبة أرمد وفي حديث جابر عند الطبراني في الصغير أرمد
شديد الرمد وفي حديث ابن عمر عند أبي نعيم في الدلائل أرمد لا يبصر (قوله فقال أنا أتخلف
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق به) وكأنه أنكر على نفسه تأخره عن النبي صلى الله عليه
وسلم فقال ذلك وقوله فلحق به يحتمل أن يكون لحق به قبل أن يصل إلى خيبر ويحتمل أن يكون
لحق به بعد أن وصل إليها (قوله فلما بتنا الليلة التي فتحت) خيبر في صبيحتها (قال لأعطين الراية
غدا) وقع في هذه الرواية اختصار وهو عند أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث
بريدة بن الخصيب قال لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فرجع ولم يفتح له فلما كان الغد أخذه
عمر فرجع ولم يفتح له وقتل محمود بن مسلمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأدفعن لوائي غدا إلى
رجل الحديث وعند ابن إسحاق نحوه من وجه آخر وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة
سردهم الحاكم في الإكليل وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل (قوله لأعطين الراية غدا أو ليأخذن
الراية غدا) هو شك من الراوي وفي حديث سهل الذي بعده لأعطين هذه الراية غدا رجلا بغير
شك وفي حديث بريدة إني دافع اللواء غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله والراية بمعنى اللواء وهو
العلم الذي في الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش وقد يحمله أمير الجيش وقد يدفعه لمقدم
العسكر وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادفهما لكن روى أحمد والترمذي من حديث
ابن عباس كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض ومثله عند الطبراني عن
بريدة وعند ابن عدي عن أبي هريرة وزاد مكتوبا فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله وهو ظاهر في
التغاير فلعل التفرقة بينهما عرفية وقد ذكر ابن إسحاق وكذا أبو الأسود عن عروة أن أول
ما وجدت الرايات يوم خيبر وما كانوا يعرفون قبل ذلك إلا الألوية (قوله يحبه الله ورسوله)
زاد في حديث سهل بن سعد ويحب الله ورسوله وفي رواية ابن إسحاق ليس بفرار وفي
حديث بريدة لا يرجع حتى يفتح الله له (قوله فنحن نرجوها) في حديث سهل فبات الناس
يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها وقوله يدوكون بمهملة مضمومة أي باتوا في اختلاط واختلاف
والدوكة بالكاف الاختلاط وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن عمر قال ما أحببت الامارة
365

إلا يومئذ وفي حديث بريدة فما منا رجل له منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو يرجو
أن يكون ذلك الرجل حتى تطاولت أنالها فدعا عليا وهو يشتكي عينه فمسحها ثم دفع إليه اللواء
ولمسلم من طريق إياس بن سلمة عن أبيه قال فأرسلني إلى علي قال فجئت به أقوده أرمد فبزق في
عينه فبرأ (قوله فقيل هذا علي) كذا وقع مختصرا وبيانه في رواية إياس بن سلمة عند مسلم وفي
حديث سهل بن سعد الذي بعده فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم
يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب قالوا يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتوا به وقد
ظهر من حديث سلمة بن الأكوع أنه هو الذي أحضره ولعل عليا حضر إليهم بخيبر ولم يقدر على
مباشرة القتال لرمده فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فحضر من المكان الذي نزل به أو بعث
إليه إلى المدينة فصادف حضوره (قوله فبرأ) بفتح الراء والهمزة بوزن ضرب ويجوز كسر
الراء بوزن علم وعند الحاكم من حديث علي نفسه قال فوضع رأسي في حجره ثم بزق في الية
راحته فدلك بها عيني وعند بريدة في الدلائل للبيهقي فما وجعها علي حتى مضى لسبيله أي مات
وعند الطبراني من حديث علي فما رمدت ولا صدعت مذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى
الراية يوم خيبر وله من وجه آخر فما اشتكيتها حتى الساعة قال ودعا لي فقال اللهم أذهب عنه
الحر والقر قال فما اشتكيتهما حتى يومي هذا (قوله فأعطاه ففتح عليه) في حديث سهل فأعطاه
الراية وفي حديث أبي سعيد عند أحمد فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتهما وقد
اختلف في فتح خيبر هل كان عنوة أو صلحا وفي حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس التصريح
بأنه كان عنوة وبه جزم ابن عبد البر ورد على من قال فتحت صلحا قال وإنما دخلت الشبهة على من
قال فتحت صلحا بالحصنين الذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم وهو ضرب من الصلح لكن لم يقع
ذلك الا بحصار وقتال انتهى والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمر ان النبي صلى الله عليه
وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل وألجأهم إلى القصر فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء
والبيضاء والحلقة ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يغيبوا الحديث وفي آخره فسبى
نساءهم وذراريهم وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا وأراد أن يجليهم فقالوا دعنا في هذه
الأرض نصلحها الحديث أخرجه أبو داود والبيهقي وغيرهما وكذلك أخرجه أبو الأسود في
المغازي عن عروة فعلى هذا كان قد وقع الصلح ثم حدث النقض منهم فزال أثر الصلح ثم من عليهم
بترك القتل وإبقائهم عمالا بالأرض ليس لهم فيها ملك ولذلك أجلاهم عمر كما تقدم في المزارعة فلو
كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها والله أعلم وقد تقدم في فرض الخمس احتجاج الطحاوي على
أن بعضها فتح صلحا بما أخرجه هو وأبو داود من طريق بشير بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم
لما قسم خيبر عزل نصفها لنوائبه وقسم نصفها بين المسلمين وهو حديث اختلف في وصله وإرساله
وهو ظاهر في أن بعضها فتح صلحا والله أعلم (قوله في حديث سهل فقال علي يا رسول الله أقاتلهم)
هو بحذف همزة الاستفهام (قوله حتى يكونوا مثلنا) أي حتى يسلموا (قوله فقال انفذ)
بضم الفاء بعدها معجمة (قوله على رسلك) بكسر الراء أي على هينتك (قوله ثم ادعهم إلى
الاسلام) ووقع في حديث أبي هريرة عند مسلم فقال علي يا رسول الله علام أقاتل الناس قال
قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله واستدل بقوله ادعهم ان الدعوة
366

شرط في جواز القتال والخلاف في ذلك مشهور فقيل يشترط مطلقا وهو عن مالك سواء من
بلغتهم الدعوة أو لم تبلغهم قال إلا أن يعجلوا المسلمين وقيل لا مطلقا وعن الشافعي مثله وعنه لا يقاتل
من لم تبلغه حتى يدعوهم وأما من بلغته فتجوز الاغارة عليهم بغير دعاء وهو مقتضى الأحاديث
ويحمل ما في حديث سهل على الاستحباب بدليل أن في حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم أغار
على أهل خيبر لما لم يسمع النداء وكان ذلك أول ما طرقهم وكانت قصة على بعد ذلك وعن الحنفية
تجوز الاغارة عليهم مطلقا وتستحب الدعوة (قوله فوالله لان يهدي الله بك رجلا الخ) يؤخذ
منه أن تألف الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله (قوله حمر النعم) بسكون الميم من
حمر وبفتح النون والعين المهملة وهو من ألوان الإبل المحمودة قيل المراد خير لك من أن تكون
لك فتتصدق بها وقيل تقتنيها وتملكها وكانت مما تتفاخر العرب بها وذكر ابن إسحاق من
حديث أبي رافع قال خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته فضربه رجل
من يهود فطرح ترسه فتناول على بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه حتى فتح الله عليه فلقد
رأيتني أنا في سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه وللحاكم من حديث
جابر ان عليا حمل الباب يوم خيبر وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا والجمع بينهما أن
السبعة عالجوا قلبه والأربعين عالجوا حمله والفرق بين الامرين ظاهر ولو لم يكن إلا باختلاف
حال الابطال وزاد مسلم في حديث إياس بن سلمة عن أبيه وخرج مرحب فقال قد * علمت خيبر
* أني مرحب * الأبيات فقال علي * أنا الذي سمتني أمي حيدرة * الأبيات فضرب رأس مرحب
فقتله فكان الفتح على يديه وكذا في حديث بريدة الذي أشرت إليه قبل وخالف ذلك أهل السير
فجزم بن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي بأن الذي قتل مرحبا هو محمد بن سلمة وكذا روى أحمد
بإسناد حسن عن جابر وقيل إن محمد بن مسلمة كان بارزه فقطع رجليه فأجهز عليه علي وقيل إن
الذي قتله هو الحرث أخو مرحب فاشتبه على بعض الرواة فإن لم يكن كذلك وإلا فما في الصحيح
مقدم على ما سواه ولا سيما وقد جاء من حديث بريدة أيضا وكان اسم الحصن الذي فتحه على
القموص وهو من أعظم حصونهم ومنه سبيت صفية بنت حيي والله أعلم * الحديث الثاني عشر
حديث أنس في قصة صفية أخرجه من طرق الطريق الأولى (قوله حدثنا عبد الغفار بن داود)
هو أبو صالح الجزامي أخرج عنه هنا وفي البيوع خاصة هذا الحديث الواحد وشيخه يعقوب هو
ابن عبد الرحمن الإسكندراني (قوله وحدثني أحمد) في رواية كريمة أحمد بن عيسى وفي رواية
أبي علي بن شبويه عن الفربري أحمد بن صالح وبه جزم أبو نعيم في المستخرج والذي يظهر أن
البخاري ساقه على لفظ رواية ابن وهب وأما على رواية بن عبد الغفار فساقها في البيوع قبيل
السلم على لفظه (قوله عن عمرو) في رواية عبد الغفار عن عمرو بن أبي عمرو واسم أبي عمرو ميسرة
(قوله مولى المطلب) هو ابن عبد الله بن حنطب المخزومي (قوله فلما فتح الله عليه الحصن
ذكر له جمال صفية بنت حيي وقد قتل عنها زوجها وكانت عروسا) اسم الحصن القموص كما تقدم
قريبا واسم زوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق كما تقدم في النفقات وكان سبب قتله ما أخرجه
البيهقي بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك من ترك من أهل
خيبر على أن لا يكتموه شيئا من أموالهم فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد قال فغيبوا مسكا فيه مال
367

وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر فسألهم عنه فقالوا أذهبته النفقات فقال العهد
قريب والمال أكثر من ذلك قال فوجد بعد ذلك في خربة فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني
أبى الحقيق وأحدهما زوج صفية وقد تقدمت الإشارة إلى بعض هذا الحديث في الحديث
الذي قبله (قوله فاصطفاها لنفسه) روى أبو داود وأحمد وصححه ابن حبان والحاكم من طريق
أبي أحمد الزبيدي عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال كانت صفية
من الصفي والصفي بفتح المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتانية فسره محمد بن سيرين فيما أخرجه
أبو داود بإسناد صحيح عنه قال كان يضرب للنبي صلى الله عليه وسلم بسهم مع المسلمين والصفي يؤخذ
له رأس من الخمس قبل كل شئ ومن طريق الشعبي قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم سهم يدعى
الصفي إن شاء عبدا وإن شاء أمة وإن شاء فرسا يختاره من الخمس ومن طريق قتادة كان النبي صلى
الله عليه وسلم إذا غزا كان له سهم صاف يأخذه من حيث شاء وكانت صفية من ذلك السهم وقيل
إن صفية كان اسمها قبل أن تسبى زينب فلما صارت من الصفي سميت صفية (قوله فخرج
بها حتى بلغنا سد الصهباء) أما سد فبفتح المهملة وبضمها وأما الصهباء فتقدم بيانها في كتاب
الطهارة ووقع في رواية عبد الغفار هنا سد الروحاء والأول أصوب وهي رواية قتيبة كما تقدم في
الجهاد ورواية سعيد بن منصور عن يعقوب في هذا الحديث أخرجها أبو داود وغيره والروحاء
بالمهملة مكان قريب من المدينة بينهما نيف وثلاثون ميلا من جهة مكة وقد تقدم ذلك في
حديث ابن عمر في أواخر المساجد وقيل بقرب المدينة مكان آخر يقال له الروحاء وعلى التقديرين
فليست قرب خيبر فالصواب ما اتفق عليه الجماعة أنها الصهباء وهي على بريد من خيبر قاله
بن سعد وغيره (قوله حلت) أي طهرت من الحيض وقد تقدم بيان ذلك في أواخر كتاب البيوع
قبيل كتاب السلم وعند ابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وصله عند مسلم في قصة
صفية قال أنس ودفعها إلى أمي أم سليم حتى تهيئها وتصبنها وتعتد عندها وإطلاق العدة عليها
مجاز عن الاستبراء والله أعلم (قوله فبنى بها) يأتي بيان ذلك وشرح بقية الحديث فيما يتعلق
بتزويج صفية في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى (قوله يحوى لها) بالمهملة المفتوحة وضم
أوله وتشديد الواو أي يجعل لها حوية وهي كساء محشوة تدار حول الراكب (قوله ويضع
ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب) وزاد عن قتيبة عن يعقوب في الجهاد في آخر
هذا الحديث ذكر أحد وذكر الدعاء للمدينة وفي أوله أيضا التعوذ وقد بينت هناك أماكن
شرح هذه الأحاديث ووقع في مغازي أبي الأسود عن عروة فوضع رسول الله صلى الله عليه
وسلم لها فخذه لتركب فأجلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضع رجلها على فخذه فوضعت
ركبتها على فخذه وركبت * الطريق الثانية (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس وأخوه
أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو ابن بلال ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري وروايته عن حميد من
رواية الاقران (قوله أقام على صفية بنت حيي بطريق خيبر ثلاثة أيام حتى أعرس بها) المراد
أنه أقام في المنزلة التي أعرس بها فيها ثلاثة أيام لا أنه سار ثلاثة أيام ثم أعرس لان في حديث سويد
ابن النعمان المذكور في أول غزوة خيبر أن الصهباء قريبة من خيبر وبين ابن سعد في حديث
ذكره في ترجمتها أن الموضع الذي بني بها فيه بينه وبين خيبر ستة أميال وقد ذكر في الطريق التي
368

قبل هذه أنه صلى الله عليه وسلم أعرس بصفية بسد الصهباء وهو يبين المراد من قوله بطريق خيبر
وكذا قوله في الطريق الثالثة أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال ولا مغايرة بينه وبين قوله في التي
قبلها ثلاثة أيام لأنه يبين أنها ثلاثة أيام بلياليها الطريق الثالثة (قوله قام النبي صلى الله عليه
وسلم) كذا لأبي ذر عن السرخسي وللباقين أقام وهو أوجه (قوله قالوا إن حجبها الخ) سيأتي
شرحه واضحا في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى * الحديث الثالث عشر حديث عبد الله بن
مغفل بالغين المعجمة والفاء الثقيلة المزني (قوله حدثنا وهب) هو ابن جرير بن حازم وساق
الحديث هناك وتقدم في الخمس لفظ أبي الوليد المبدء بذكره هنا (قوله فرمى إنسان بجراب)
ألم أقف على اسمه وقد تقدم أن الجراب بكسر الجيم ويجوز فتحها في لغة نادرة وتقدمت بقية
مباحثه في باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب من كتاب الخمس * الحديث الرابع عشر
حديث بن عمر ذكره من ثلاثة طرق إلى عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وسالم عنه فأما
الطريق الثالثة وهي طريق محمد بن عبيد عن عبد الله فتبين من الرواية الأولى وهي رواية أبي
أسامة عن عبيد الله ان فيها إدراجا لأنه صرح في رواية أبي أسامة أن ذكر الثوم عن نافع وحده
وذكر الحمر عن سالم واقتصر في الرواية الثانية وهي رواية عبد الله وهو ابن المبارك عن عبيد الله
على ما ذكر نافع وحده مقتصرا في المتن على ذكر الحمر فدل على أن ذكر الحمر والثوم معا عند نافع
وأن الذي عند سالم إنما هو ذكر الحمر خاصة دون ذكر الثوم فأدرجهما محمد بن عبيد الله في روايته
عن عبيد الله عنهما هذا مقتضى ما في هذا الموضع وسيكون لنا عودة إليه في الذبائح ونذكر هناك
شرح الحديث إن شاء الله تعالى ويستفاد من الجمع بين النهي عن أكل الثوم ولحوم الحمر جواز
استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه لان أكل الحمر حرام وأكل الثوم مكروه وقد جمع بينهما بلفظ
النهي فاستعمله في حقيقته وهو التحريم وفي مجازه هو الكراهة * الحديث الخامس عشر
حديث علي (قوله ابني محمد) أي بن علي بن أبي طالب (قوله عن متعة النساء يوم خيبر وعن
أكل لحوم الحمر الانسية) في رواية أبي ذر عن السرخسي والمستملي حمر الانسية بغير ألف ولام
في الحمر قيل إن في الحديث تقديما وتأخيرا والصواب نهي يوم خيبر على لحوم الحمر الانسية
وعن متعة النساء وليس يوم خيبر ظرفا لمتعة النساء لأنه لم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء وسيأتي
بسط ذلك في مكانه من كتاب النكاح إن شاء الله تعالى * الحديث السادس عشر حديث
جابر (قوله عن عمرو) هو ابن دينار ومحمد بن علي هو أبو جعفر الباقر بن زين العابدين بن الحسين
ابن علي (قوله عن لحوم الحمر) زاد الكشميهني الأهلية وسيأتي شرحه في الذبائح إن شاء الله تعالى
* الحديث السابع عشر حديث بن أبي أوفى (قوله حدثنا عباد) هو ابن العوام والشيباني
369

سليمان بن فيروز (قوله أصابتنا مجاعة يوم خيبر فان القدور لتغلي) كذا وقع مختصرا وتمامه قد
تقدم في فرض الخمس من وجه آخر عن الشيباني بلفظ فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية
فانتحرناها فلما غلت القدور الحديث وقد ذكر الواقدي أن عدة الحمر التي ذبحوها كانت
عشرين أو ثلاثين كذا رواه بالشك (قوله وقال بعضهم نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل
العذرة) تقدم في فرض الخمس أن بعض الصحابة قال نهى عنها البتة وان الشيباني قال لقيت
سعيد بن جبير فقال نهى عنها البتة وزاد الإسماعيلي من رواية جرير عن الشيباني قال فلقيت
سعيد بن جبير فسألته عن ذلك وذكرت له ذلك فقال نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل العذرة
وسيأتي شرح ذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى (تنبيه) قوله البتة معناه القطع وألفها ألف
وصل وجزم الكرماني بأنها ألف قطع على غير القياس ولم أر ما قاله في كلام أحد من أهل اللغة قال
الجوهري الانبتات الانقطاع رجل منبت أي منقطع به ويقال لا أفعله بتة ولا أفعله البتة لكل
أمر لا رجعة فيه ونصبه على المصدر انتهى ورأيته في النسخ المعتمدة بألف وصل والله أعلم * الحديث
الثامن عشر حديث البراء وهو ابن عازب مقرونا بابن أبي أوفى أخرجه من ثلاثة طرق عن
شعبة عاليتين ونازلة والنكتة في إيراد النازلة بعد العالية أن في النازلة التصريح بسماع التابعي
له من الصحابيين دون العالية فإنها بالعنعنة (قوله في الأولى واطبخوها) بتشديد الطاء المهملة
أي عالجوا طبخها (قوله فيها فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم) هو أبو طلحة كما تقدم
(قوله في الثانية حدثني إسحاق) هو ابن منصور وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث وقد أخرجه أبو
نعيم في المستخرج من طريق إسحاق بن راهويه فقال عن النضر وهو ابن شميل عن شعبة فدل على
أنه ليس شيخ البخاري فيه وقد حققت في المقدمة أن إسحاق حيث أتى عن عبد الصمد فهو ابن
منصور لا ابن راهويه (قوله فيها أنه قال يوم خيبر وقد نصبوا القدور أكفئوا القدور) أي أميلوها
ليراق ما فيها (قوله في الثالثة حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم واقتصر في روايته على البراء وقد بين
الإسماعيلي الاختلاف فيه على شعبة وأن أكثر الرواة عنه جمعوا بينهما ومنهم من أفرد أحدهما
بالذكر وان الجري رواه عن شعبة فقال عن عدي عن بن أبي أوفى أو البراء بالشك (قوله نحوه)
قد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن مسلم بن إبراهيم بلفظ غزونا مع
النبي صلى الله عليه وسلم خيبر فأصبنا حمرا فطبخناها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أكفئوا القدور
ثم ساقه المصنف من وجه آخر عن البراء (قوله بن أبي زائدة) هو يحيى بن زكريا وعاصم هو الأحول
وعامر هو الشعبي (قوله نيئة ونضيجة) بالتنوين فيهما ووقع في رواية بهاء الضمير فيهما والنئ
بكسر النون بعدها تحتانية ساكنة ثم همزة ضد النضيج (قوله ثم لم يأمرنا بأكله بعد) فيه
إشارة إلى استمرار تحريمه وسيأتي بسط ذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى * الحديث التاسع
عشر حديث ابن عباس (قوله حدثني محمد بن أبي الحسين) كذا للجميع وهو أبو جعفر
محمد بن أبي الحسين جعفر السمناني بكسر المهملة وسكون الميم ونونين بينهما ألف كان حافظا وهو
من اقران البخاري وعاش بعده خمس سنين وقد ذكر الكلاباذي ومن تبعه أن البخاري ما روى
عنه غير هذا الحديث لكن تقدم في العيدين حديث آخر قال البخاري فيه حدثنا محمد حدثنا عمر
370

ابن حفص بن غياث فالذي يظهر أنه هذا وقد روى البخاري الكثير عن عمر بن حفص بن غياث
وأخرج عنه هنا بواسطة * الحديث العشرون حديث ابن عمر في سهام الراجل والفارس
تقدم شرحه في الجهاد والقائل قال فسره نافع هو عبيد الله بن عمر العمري الراوي عنه وهو
موصول بالاسناد المذكور إليه وزائدة هو ابن قدامة ومحمد بن سابق من شيوخ البخاري وربما
حدث عنه بواسطة كما هنا وشيخ البخاري الحسن بن إسحاق تقدم قريبا في عمرة الحديبية * الحديث
الحادي والعشرون حديث جبير بن مطعم تقدم شرحه في فرض الخمس وقوله إنما بنو هاشم
وبنو المطلب شئ واحد كذا للأكثر بفتح الشين المعجمة وبالهمزة وللمستملي هنا وحده بكسر
المهملة وتشديد التحتانية وقوله قال جبير ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وبني
نوفل شيئا هو موصول بالاسناد المذكور * الحديث الثاني والعشرون حديث أبي موسى
(قوله بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه) ظاهره أنهم لم
يبلغهم شأن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد الهجرة بمدة طويلة وهذا إن كان أراد بالمخرج
البعثة وإن أراد الهجرة فيحتمل أن تكون بلغتهم الدعوة فأسلموا وأقاموا ببلادهم إلى أن عرفوا
بالهجرة فعزموا عليها وإنما تأخروا هذه المدة إما لعدم بلوغ الخبر إليهم بذلك وإما تعلمهم بما كان
المسلمون فيه من المحاربة مع الكفار فلما بلغتهم المهادنة آمنوا وطلبوا الوصول إليه وقد روى
ابن منده من وجه آخر عن أبي بردة عن أبيه خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئنا
مكة أنا وأخوك وأبو عامر بن قيس وأبو رهم ومحمد بن قيس وأبو بردة وخمسون من الأشعريين
وستة من علك ثم خرجنا في البحر حتى أتينا المدينة وصححه ابن حبان من هذا الوجه ويجمع بينه
وبين ما في الصحيح أنهم مروا بمكة في حال مجيئهم إلى المدينة ويجوز أن يكونوا دخلوا مكة لان
ذلك كان في الهدنة (قوله أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبورهم) أما
أبو بردة فاسمه عامر وله حديث عند أحمد والحاكم من طريق كريب بن الحارث بن أبي موسى وهو
ابن أخيه عنه وأما أبورهم فهو بضم الراء وسكون الهاء واسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم
وكسر المهملة وتشديد التحتانية قاله ابن عبد البر وجزم ابن حبان في الصحابة بأن اسمه محمد
ويعكر عليه ما تقدم قبل من المغايرة بين أبي رهم ومحمد بن قيس وذكر ابن قانع أن جماعة من
الأشعريين أخبروه وحققوا له وكتبوا خطوطهم أن اسم أبي رهم مجيلة بكسر الجيم بعدها
تحتانية خفيفة ثم لام ثم هاء (قوله إما قال بضعا وإما قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا
من قومي) في رواية المستملي من قومه وقد بين في الرواية التي قبل أنهم كانوا خمسين من الأشعريين
وهم قومه فلعل الزائد على ذلك هو وإخوته فمن قال اثنين أراد من ذكرهما في حديث الباب
وهما أبو بردة وأبو رهم ومن قال ثلاثة أو أكبر فعلى الخلاف في عدد من كان معه من إخوته
وأخرج البلاذري بسند له عن ابن عباس أنهم كانوا أربعين رجلا والجمع بينه وبين ما قبله
بالحمل على الأصول والاتباع وأما ابن إسحاق فقال كانوا ستة عشر رجلا وقيل أقل (قوله فوافقنا
جعفر بن أبي طالب) أي بأرض الحبشة (قوله فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا) اختصر المصنف
371

هنا شيئا ذكره في الخمس بهذا الاسناد وهو فقال جعفر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا
هنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا فأقمنا معه (قوله حتى قدمنا جميعا) ذكر ابن إسحاق أن النبي
صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية إلى النجاشي أن يجهز إليه جعفر بن أبي طالب ومن معه
فجهزهم وأكرمهم وقدم بهم عمرو بن أمية وهو بخيبر وسمى ابن إسحاق من قدم مع جعفر فسرد
أسماءهم وهم ستة عشر رجلا فمنهم امرأته أسماء بنت عميس وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته
وأخوه عمرو بن سعيد ومعيقيب بن أبي فاطمة (قوله فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم) زاد في
فرض الخمس فأسهم لنا ولم يسهم لاحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهدها معه إلا لأصحاب
سفينتنا مع جعفر وأصحابه فإنه قسم لهم معهم وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي
كريب شيخ البخاري فيه في هذا الموضع من هذا الحديث ووقع عند البيهقي أن النبي صلى الله
عليه وسلم قبل أن يقسم لهم كلم المسلمين فأشركوهم (قوله وكان ناس) سمى منهم عمر كما سيأتي
(قوله ودخلت أسماء بنت عميس) هي زوج جعفر وقوله وهي ممن قدم معنا هو كلام أبي
موسى (قوله على حفصة) زاد أبو يعلى زوج النبي صلى الله عليه وسلم (قوله قال عمر
الحبشية هذه البحيرية هذه) كذا لأبي ذر بالتصغير ولغيره البحرية بغير تصغير وكذا في رواية أبي
يعلى ووقع في الموضعين بهمزة الاستفهام ونسبها إلى الحبشة لسكناها فيهم وإلى البحر لركوبها إياه
(قوله وكنا في دار أو في أرض البعداء) هو شك من الراوي (قوله البعداء البغضا) كذا للأكثر جمع
بغيض وبعيد وفي رواية أبي يعلى بالشك البعداء أو البغضاء وللنسفي البعد بضمتين وللقابسي
البعد البعداء البغضاء جمع بينهما فلعله فسر الأولى بالثانية وعند ابن سعيد من طريق إسماعيل
ابن أبي خالد عن الشعبي فقالت أي لعمري لقد صدقت كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يطعم جائعكم ويعلم جاهلكم وكنا البعداء والطرداء (قوله وذلك في الله وفي رسوله) أي لأجلهما
(قوله وأيم الله) بهمزة وصل وفيها لغات تقدم ذكرها (قوله ولكم أنتم أهل السفين) بنصب
أهل على الاختصاص أو على النداء بحذف أداته ويجوز الجر على البدل من الضمير (قوله
هجرتان) زاد أبو يعلى هاجرتم مرتين هاجرتم إلى النجاشي وهاجرتم إلى ولابن سعد بإسناد صحيح
عن الشعبي قال قالت أسماء بنت عميس يا رسول الله إن رجالا يفخرون علينا ويزعمون أنا لسنا
من المهاجرين الأولين فقال بل لكم هجرتان هاجرتم إلى أرض الحبشة ثم هاجرتم بعد ذلك ومن
وجه آخر عن الشعبي نحوه وقال فيه كذب من يقول ذلك ومن وجه آخر عنه قال يقول
للناس هجرة واحدة وظاهره تفضيلهم على غيرهم من المهاجرين لكن لا يلزم منه تفضيلهم على
الاطلاق بل من الحيثية المذكورة وهذا القدر المرفوع من الحديث ظاهر هذا السياق أنه من
رواية أسماء بنت عميس وقد تقدم في الهجرة بهذا الاسناد من رواية أبي موسى لا ذكر للنبي صلى
الله عليه وسلم فيه وكذلك أخرجه بن حبان ومن وجه آخر عن أبي بردة عن أبي موسى (قوله
قالت) يعني أسماء بنت عميس وهذا يحتمل أن يكون من رواية أبي موسى عنها فيكون من رواية
صحابي عن مثله ويحتمل أن يكون من رواية أبي بردة عنها ويؤيده قوله بعد هذا قال أبو بردة
قالت أسماء (قوله يأتونني) في رواية الكشميهني يأتون وقوله أرسالا بفتح الهمزة أي أفواجا
372

أي يجيئون إليها ناسا بعد ناس وفي رواية أبي يعلى ولقد رأيت أبا موسى أنه ليستعيد مني هذا
* الحديث الحديث الثالث والعشرون (قوله قال أبو بردة) هو موصول بالاسناد المذكور
وقد أفرده مسلم عن أبي كريب وساق الحديث الذي قبله إلى قوله وإنه ليستعيد هذا الحديث مني
(قوله إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين) الرفقة الجماعة المترافقون والراء مثلثة والأشهر
ضمها (قوله حين يدخلون بالليل) بالدال والخاء المعجمة لجميع رواة البخاري ومسلم وحكى عياض
عن بعض رواة مسلم بالراء والحاء المهملة وصوبها الدمياطي في البخاري وهو عجيب منه فإن
الرواية بالدال والمعجمة والمعنى صحيح فلا معنى للتغيير وقد نقل عياض عن بعض الناس اختيار
الرواية التي بالراء والمهملة قال النووي والرواية الأولى صحيحة أو أصح والمراد يدخلون منازلهم
إذا خرجوا إلى المسجد أو إلى شغل ما ثم رجعوا (قوله بالقرآن) يتعلق بأصوات وفيه أن رفع
الصوت بالقرآن بالليل مستحسن لكن محله إذا لم يؤذ أحدا وأمن من الرياء (قوله ومنهم حكيم)
قال عياض قال أبو علي الصدفي هو صفة لرجل منهم وقال أبو علي الجياني هو اسم علم على رجل
من الأشعريين واستدركه على صاحب الاستيعاب (قوله إذا لقي الخيل أو قال العدو) هو شك
من الراوي (قوله قال لهم إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم) أي تنتظروهم من الانتظار
ومعناه أنه لفرط شجاعته كان لا يفر من العدو بل يواجههم ويقول لهم إذا أرادوا الانصراف
مثلا انتظروا الفرسان حتى يأتوكم ليثبتهم على القتال هذا بالنسبة إلى الشق الثاني وهو قوله
أو قال العدو وأما على الشق الأول وهو قوله إذا لقي الخيل فيحتمل أن يريد بها خيل المسلمين
ويشير بذلك إلى أن أصحابه كانوا رجالة فكان هو يأمر الفرسان أن ينتظروهم ليسيروا إلى
العدو جميعا وهذا أشبه بالصواب قال ابن التين معنى كلامه أن أصحابه يحبون القتال في سبيل
الله ولا يبالون بما يصيبهم * الحديث الرابع والعشرون (قوله حدثنا إسحاق بن إبراهيم)
هو ابن راهويه وقوله سمع أي أنه سمع وبريد هو ابن عبد الله بن أبي بردة الأشعري (قوله قدمنا)
أي هو وأصحابه مع جعفر ومن معه (قوله ولم يقسم لاحد لم يشهد الفتح غيرنا) يعني الأشعريين
ومن معهم وجعفر ومن معه وقد سبق في فرض الخمس من وجه آخر عن بريد بلفظ وما قسم
لاحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم
معهم وقد تقدم شرحه هناك ويعكر على هذا الحصر ما سيأتي في حديث أبي هريرة والذي بعده
وسيأتي الجواب عنه إن شاء الله تعالى * الحديث الخامس والعشرون (قوله حدثني عبد الله
ابن محمد) هو الجعفي ومعاوية بن عمرو هو الأزدي وهو من شيوخ البخاري وربما روى عنه
بواسطة كما هنا (قوله قال أبو إسحاق) هو إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري ووقع في مسند
حديث مالك للنسائي من وجه آخر عن معاوية بن عمرو قال حدثنا أبو إسحاق وأخرجه الدارقطني
في الموطآت طريق المسيب بن واضح قال حدثنا أبو إسحاق الفزاري (قوله عن مالك) نزل
البخاري في هذا الحديث درجتين لأنه أخرجه في الايمان والنذور عن إسماعيل ابن أبي أويس
عن مالك وبينه وبين مالك في هذا الموضع ثلاثة رجال قال ابن طاهر والسر في ذلك أن في رواية
أبي إسحاق الفزاري وحده عن مالك حدثني ثور بن زيد وفي رواية الباقين عن ثور وللبخاري حرص
شديد على الاتيان بالطرق المصرحة بالتحديث انتهى وثور بن زيد هو الديلي مدني مشهور
373

وقد صرح في رواية أبي إسحاق هذه أيضا بقوله حدثني سالم أنه سمع أبا هريرة وعنعن باقي الرواة
عن مالك جميع الاسناد وسالم مولى بن مطيع يكنى أبا الغيث وهو بها أشهر وقد سمى هنا فلا
التفات لقول من قال إنه لا يوقف على اسمه صحيحا وهو مدني لا يعرف اسم أبيه وابن مطيع اسمه
عبد الله وليست لسالم في الصحيح رواية عن غير أبي هريرة له عنه تسعة أحاديث تقدم منها في
الاستقراض وفي الوصايا وفي المناقب (قوله افتتحنا خيبر) في رواية عبيد الله بن يحيى بن يحيى
الليثي عن أبيه في الموطأ حنين بدل خيبر وخالفه محمد بن وضاح عن يحيى بن يحيى فقال خيبر مثل
الجماعة نبه عليه بن عبد البر ووقع في رواية إسماعيل المذكورة خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
إلى خيبر وهي رواية رواة الموطأ أعني قوله خرجنا وأخرجها مسلم من طريق ابن وهب عن مالك
ومن طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ثور فحكى الدارقطني عن موسى بن هارون أنه
قال وهم ثور في هذا الحديث لان أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وإنما
قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت قال أبو مسعود ويؤيده حديث عنبسة بن
سعيد عن أبي هريرة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحوها قال ولكن
لا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم فالغرض من الحديث قصة مدعم في غلول الشملة
(قلت) وكأن محمد بن إسحاق صاحب المغازي استشعر بوهم ثور بن زيد في هذه اللفظة فروى
الحديث عنه بدونها أخرجه ابن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ انصرفنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ورواية أبي إسحاق الفزاري التي في هذا الباب تسلم من هذا
الاعتراض بأن يحمل قوله افتتحنا أي المسلمون وقد تقدم نظير ذلك قريبا وروى البيهقي في
الدلائل من وجه آخر عن أبي هريرة قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي
القرى فلعل هذا أصل الحديث وحديث قدوم أبي هريرة المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر
أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق خثيم بن عراك بن مالك عن أبيه عن
أبي هريرة قال قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد استخلف سباع بن عرفطة فذكر
الحديث وفيه فزودونا شيئا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها النبي صلى الله عليه وسلم فكلم المسلمين
فأشركونا في سهامهم ويجمع بين هذا وبين الحصر الذي في حديث أبي موسى الذي قبله
أن أبا موسى أراد أنه لم يسهم لاحد لم يشهد الوقعة من غير استرضاء أحد من الغانمين إلا لأصحاب
السفينة وأما أبو هريرة وأصحابه فلم يعطهم إلا عن طيب خواطر المسلمين والله أعلم وسأذكر رواية
عنبسة بن سعيد التي أشار إليها أبو مسعود وبيان ما فيها بعد هذا الحديث إن شاء الله تعالى
(قوله إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط) في رواية مسلم غنما المتاع والطعام والثياب
وعند رواة الموطأ إلا الأموال والثياب والمتاع وعند يحيى الليثي وحده إلا الأموال
والثياب والأول هو المحفوظ ومقتضاه أن الثياب والمتاع لا تسمى مالا وقد نقل ثعلب عن ابن
الأعرابي عن المفضل الضبي قال المال عند العرب الصامت والناطق فالصامت الذهب
والفضة والجوهر والناطق البعير والبقرة والشاة فإذا قلت عن حضري كثر ماله فالمراد الصامت
وإذا قلت عن بدوي فالمراد الناطق انتهى وقد أطلق أبو قتادة على البستان مالا فقال في قصة
السلب الذي تنازع فيه هو والقرشي في غزوة حنين فابتعت به مخرفا فإنه لأول مال تأثلته فالذي
374

يظهر أن المال ما له قيمة لكن قد يغلب على قوم تخصيصه بشئ كما حكاه المفضل فتحمل الأموال
على المواشي والحوائط التي ذكرت في رواية الباب ولا يراد بها النقود لأنه نفاها أولا (قوله إلى
وادي القرى) تقدم ضبطه في البيوع (قوله عبد له) في رواية الموطأ عبد أسود (قوله مدعم)
بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة (قوله أهداه له أحد بني الضباب) كذا في رواية
أبي إسحاق بكسر الضاد المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف بلفظ جمع الضب وفي رواية
مسلم أهداه له رفاعة بن زيد أحد بني الضبيب بضم أوله بصيغة التصغير وفي رواية أبي إسحاق
رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبني بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها نون وقيل بفتح المعجمة وكسر
الموحدة نسبة إلى بطن من جدام قال الواقدي كان رفاعة قد وفد على رسول الله صلى الله عليه
وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه (قوله فبينما هو يحط
رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد البيهقي في الرواية المذكورة وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم
نكن على تعبية (قوله سهم عائر) بعين مهملة بوزن فاعل أي لا يدري من رمى به وقيل هو الحائد
عن قصده (قوله بل والذي نفسي بيده) في رواية الكشميهني بلى وهو تصحيف وفي رواية مسلم
كلا وهو رواية الموطأ (قوله لتشتعل عليه نارا) يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير
الشملة نفسها نارا فيعذب بها ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب لعذاب النار وكذا القول في
الشراك الآتي ذكره (قوله فجاء رجل) لم أقف على اسمه (قوله بشراك أو بشراكين) الشراك
بكسر المعجمة وتخفيف الراء سير النعل على ظهر القدم وفي الحديث تعظيم أمر الغلول وقد مر
شرح ذلك واضحا في أواخر كتاب الجهاد في باب القليل من الغلول في الكلام على حديث عبد الله
ابن عمرو قال كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال النبي صلى
الله عليه وسلم هو في النار في عباءة غلها وكلام عياض يشعر بأن قصته مع قصة مدعم متحدة
والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما نعم عند مسلم من حديث عمر لما كان يوم خيبر قالوا فلان
شهيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة فهذا يمكن تفسيره
بكركرة بخلاف قصة مدعم فإنها كانت بوادي القرى ومات بسهم عائر وغسل شملة والذي أهدى
للنبي صلى الله عليه وسلم كركرة هوذة بن علي بخلاف مدعم فأهداه رفاعة فافترقا والله أعلم وذكر
البيهقي في روايته أنه صلى الله عليه وسلم حاصر أهل وادي القرى حتى فتحها وبلغ ذلك أهل تيماء
فصالحوه وفي الحديث قبول الامام الهدية فإن كانت لأمر يختص به في نفسه أن لو كان غير وال
فله التصرف فيها بما أراد وإلا فلا يتصرف فيها إلا للمسلمين وعلى هذا التفصيل يحمل حديث
هدايا الامراء غلول فيخص بمن أخذها فاستبد بها وخالف في ذلك بعض الحنفية فقال له
الاستبداد مطلقا بدليل أنه لو ردها على مهديها لجاز فلو كانت فيئا للمسلمين لما ردها وفي هذا
الاحتجاج نظر لا يخفى وقد تقدم شئ من هذا في أواخر الهبة * الحديث السادس والعشرون
حديث عمر ذكره من طريقين (قوله أخبرنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير (قوله أخبرني زيد)
هو ابن أسلم مولى عمر (قوله لولا أن أترك آخر الناس بيانا) كذا للأكثر بموحدتين مفتوحتين
الثانية ثقيلة وبعد الألف نون قال أبو عبيدة بعد أن أخرجه عن ابن مهدي قال ابن مهدي
يعني شيئا واحدا قال الخطابي ولا أحسب هذه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث
375

وقال الأزهري بل هي لغة صحيحة لكنها غير فاشية في لغة معد وقد صححها صاحب العين وقال
ضوعفت حروفه وقال الببان المعدم الذي لا شئ له ويقال هم على ببان واحد أي على طريقة
واحدة وقال بن فارس يقال هم ببان واحد أي شئ واحد قال الطبري الببان في المعدم الذي
لا شئ له فالمعنى لولا أن أتركهم فقراء معدمين لا شئ لهم أي متساوين في الفقر وقال أبو سعيد
الضرير فيما تعقبه على أبي عبيد صوابه بيانا بالموحدة ثم تحتانية بدل الموحدة الثانية أي شيئا
واحدا فإنهم قالوا لمن لا يعرف هو هيان بن بيان (قلت) وقد وقع من عمر ذكر هذه الكلمة في قصة
أخرى وهو أنه كان يفضل في القسمة فقال لئن عشت لأجعلن الناس ببانا واحدا ذكره
الجوهري وهو مما يؤيد تفسيرها بالتسوية وروى الدارقطني في غرائب مالك من طريق معن
ابن عيسى عن مالك بسند حديث الباب عن عمر قال لئن بقيت إلى الحول لألحقن أسفل الناس
بأعلاهم وقد قدمت ذلك في باب الغنيمة لمن شهد الوقعة من كتاب الجهاد * (تنبيه) * نقل
صاحب المطالع عن أهل العربية أنه لم يلتق حرفان من جنس واحد في اللسان العربي وتعقب
بأن ذلك لا يعرف عن أحد من النحويين ولا اللغة وقد ذكر سيبويه الببر بموحدة مفتوحة ثم
ساكنة وهي دابة تعادي الأسد وفي الاعلام ببة بموحدتين الثانية ثقيلة لقب عبد الله بن الحارث
الهاشمي أمير الكوفة (قوله ولكني أتركها لهم خزانة يقتسمونها) أي يقتسمون خراجها
(قوله في الطريق الثانية حدثنا بن مهدي عن مالك عن زيد بن أسلم) ووقع في غرائب أبي
عبيد عن ابن مهدي عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فهو محمول على أن لعبد الرحمن بن مهدي
فيه شيخين لأنه ليس في رواية مالك قوله ببانا وهو في رواية هشام بن سعد المذكورة كما وقع في
رواية محمد بن جعفر بن أبي كثير * الحديث السابع والعشرون حديث أبي هريرة (قوله
سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية) أي ابن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي والجملة حالية
(قوله قال أخبرني) قائل ذلك هو الزهري وعنبسة بن سعيد أي ابن العاص وهو عم والد إسماعيل
ابن أمية (قوله أن أبا هريرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله) هذا السياق صورته مرسل
وقد تقدم من وجه آخر مصرحا فيه بالاتصال في أوائل الجهاد وفيه بيان اسم المبهم هنا في قوله قال
بعض بني سعيد وبيان المراد بقوله بن قوقل وشرح ما فيه (قوله فسأله) أي سأل النبي صلى الله
عليه وسلم أن يعطيه من غنائم خيبر وفي رواية الحميدي عن سفيان في الجهاد فقلت يا رسول الله
أسهم لي (قوله قال له بعض بني سعيد بن العاص لا تعطه) القائل هو أبان بن سعيد كما في الرواية
التي بعده (قوله واعجباه) في رواية السعيدي التي بعد هذه واعجبا لك وهو بالتنوين اسم فعل
بمعنى أعجب ووا مثل واها واعجبا للتوكيد وبغير التنوين بمعنى وأعجبي فأبدلت الكسرة فتحة
كقوله يا أسفي وفيه شاهد على استعمال وافي منادى غير مندوب كما هو رأي المبرد واختيار
ابن مالك (قوله لوبر تدلي من قدوم الضأن) كذا اختصره وقد مضى في الجهاد من رواية الحميدي
عن سفيان أتم منه وسيأتي شرحه في الذي بعده (قوله ويذكر عن الزبيدي) أي محمد بن
الوليد وطريقه هذه وصلها أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش عنه ووصلها أيضا أبو نعيم
في المستخرج من طريق إسماعيل أيضا ومن طريق عبد الله بن سالم كلاهما عن الحميدي
(قوله يخبر سعيد بن العاص) أي ابن أمية وكان سعيد بن العاص تأمر على المدينة من
376

قبل معاوية في ذلك الزمان (قوله قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان على سرية من
المدينة قبل نجد) لم أعرف حال هذه السرية وأما أبان فهو ابن سعيد بن العاص بن أمية وهو عم
سعيد بن العاص الذي حدثه أبو هريرة وكان إسلام أبان بعد غزوة الحديبية وقد ذكرنا أولا في قصة
الحديبية في الشروط وغيرها أن أبان هذا أجار عثمان بن عفان في الحديبية حتى دخل مكة وبلغ
رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم في هذه الغزوة أن غزوة خيبر كانت عقب الرجوع
من الحديبية فيشعر ذلك بأن أبان أسلم عقب الحديبية حتى أمكن أن يبعثه النبي صلى الله عليه
وسلم في سرية وقد ذكر الهيثم بن علي في الاخبار سبب إسلام أبان فروى من طريق سعيد بن
العاص قال قتل أبي يوم بدر فرباني عمي أبان وكان شديدا على النبي صلى الله عليه وسلم يسبه
إذا ذكر فخرج إلى الشام فرجع فلم يسبه فسئل عن ذلك فذكر أنه لقى راهبا فأخبره بصفته
ونعته فوقع في قلبه تصديقه فلم يلبث أن خرج إلى المدينة فأسلم فإن كان هذا ثابتا احتمل
أن يكون خروج أبان إلى الشام كان قبل الحديبية (قوله وإن حزم) بمهملة وزاي
مضمومتين (قوله لليف) بلام للتأكيد والليف معروف وفي رواية الكشميهني الليف على
أنه أنه خبر إن بغير تأكيد (قوله وأنت بهذا) أي وأنت تقول بهذا أو وأنت بهذا المكان والمنزلة
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولامن بلاده (قوله
ياوبر) بفتح الواو وسكون الموحدة دابة صغيرة كالسنور وحشية ونقل أبو علي القالي عن أبي
حاتم أن بعض العرب يسمى كل دابة من حشرات الجبال وبرا قال الخطابي أراد أبان تحقير أبي
هريرة وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع وأنه قليل القدرة على القتال انتهى ونقل ابن
التين عن أبي الحسن القابسي أنه قال معناه أنه ملصق في قريش لأنه شبهه بالذي يعلق بوبر الشاة
من الشوك وغيره وتعقبه ابن التين بأنه يلزم من ذلك أن تكون الرواية وبر بالتحريك قال ولم
يضبط إلا بالسكون (قوله تحدر) في الرواية الأولى تدلي وهي بمعناها وفي الرواية التي بعدها
تدأدأ بمهملتين بينهما همزة ساكنة قيل أصله تدهدأ فأبدلت الهاء همزة وقيل الدأدأة صوت
الحجارة في المسيل ووقع في رواية المستملي تدأرأ براء بدل الدال الثانية وفي رواية أبي زيد المرزوي
تردي وهي بمعنى تحدر وتدلى كأنه يقول تهجم علينا بغتة (قوله من رأس ضال) كذا في هذه
الرواية باللام وفي التي قبلها بالنون وقد فسر البخاري في رواية المستملي الضال باللام فقال هو
السدر البري وكذا قال أهل اللغة إنه السدر البري ووقع في نسخة الصغاني الضال سدرة البر
وتقدم كلام ابن دقيق العيد في ذلك في أوائل الجهاد وأنه السدر البري وأما قدوم فبفتح القاف
للأكثر أي طرف ووقع في رواية الأصيلي بضم القاف وأما الضان فقيل هو رأس الجبل لأنه في
الغالب موضع مرعى الغنم وقيل هو بغير همز وهو جبل لدوس قوم قوم أبي هريرة (قوله ينعى)
بفتح أوله وسكون النون بعدها عين مهملة مفتوحة أي يعيب على يقال نعى فلان على فلان
أمرا إذا عابه ووبخه عليه وفي رواية أبي داود عن حامد بن يحيى عن سفيان يعيرني (قوله ومنعه
أن يهني) بالتشديد أصله يهيني فأدغمت إحدى النونين في الأخرى ووقع في الرواية الأخيرة ومنعه
أن يهينني بيده وقد تقدم بقية شرحه في الجهاد قيل وقع في إحدى الطريقين ما يدخل في قسم
المقلوب فإن في رواية ابن عيينة أن أبا هريرة السائل أن يقسم له وأن أبان هو الذي أشار يمنعه
377

وفي رواية الزبيدي أن أبان هو الذي سأل وأن أبا هريرة هو الذي أشار بمنعه وقد رجح الذهلي
رواية الزبيدي ويؤيد ذلك وقوع التصريح في روايته بقول النبي صلى الله عليه وسلم يا أبان
اجلس ولم يقسم لهم ويحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون كل من أبان وأبي هريرة أشار أن لا يقسم
للآخر ويدل عليه أن أبا هريرة احتج على أبان بأنه قاتل بن قوقل وأبان احتج على أبي هريرة بأنه
ليس ممن له في الحرب يد يستحق بها النفل فلا يكون فيه قلب وقد سلمت رواية السعيدي من هذا
الاختلاف فإنه لم يتعرض في حديثه لسؤال القسمة أصلا والله أعلم * الحديث الثامن
والعشرون حديث عائشة ان فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها تقدم شرحه في فرض
الخمس وفي هذه الطريق زيادة لم تذكر هناك فتشرح (قوله وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم
ستة أشهر) هذا هو الصحيح في بقائها بعده وروى ابن سعد من وجهين أنها عاشت بعده ثلاثة
أشهر ونقل عن الواقدي وان ستة أشهر هو الثبت وقيل عاشت بعده سبعين يوما وقيل ثمانية
أشهر وقيل شهرين جاء ذلك عن عائشة أيضا وأشار البيهقي إلى أن في قوله وعاشت آخره ادراجا
وذلك أنه وقع عند مسلم من طريق أخرى عن الزهري فذكر الحديث وقال في آخره قلت للزهري
كم عاشت فاطمة بعده قال ستة أشهر وعزا هذه الرواية لمسلم ولم يقع عند مسلم هكذا بل فيه كما
عند البخاري موصولا والله أعلم (قوله دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر) روى ابن
سعد من طريق عمرة بنت عبد الرحمن أن العباس صلى عليها ومن عدة طرق أنها دفنت ليلا وكان
ذلك بوصية منها لإرادة الزيادة في التستر ولعله لم يعلم أبا بكر بموتها لأنه ظن أن ذلك لا يخفى عنه
وليس في الخبر ما يدل على أن أبا بكر لم يعلم بموتها ولا صلى عليها وأما الحديث الذي أخرجه مسلم
والنسائي وأبو داود من حديث جابر في النهي عن الدفن ليلا فهو محمول على حال الاختيار
لان في بعضه إلا أن يضطر انسان إلى ذلك (قوله وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة) أي
كان الناس يحترمونه إكراما لفاطمة فلما ماتت واستمر على عدم الحضور عند أبي بكر قصر الناس
عن ذلك الاحترام لإرادة دخوله فيما دخل فيه الناس ولذلك قالت عائشة في آخر الحديث لما
جاء وبايع كان الناس قريبا إليه حين راجع الامر بالمعروف وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلف
عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة لشغله بها وتمريضها وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها
صلى الله عليه وسلم ولأنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث رأى على أن
يوافقها في الانقطاع عنه (قوله فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي
بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر) أي في حياة فاطمة قال المازري العذر لعلي في
تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الامام أن يقع من أهل الحل والعقد ولا يجب
الاستيعاب ولا يلزم كل أحد أن يحضر عنده ويضع يده في يده بل يكفي التزام طاعته والانقياد
له بأن لا يخالفه ولا يشق العصا عليه وهذا كان حال علي لم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي
بكر وقد ذكرت سبب ذلك (قوله كراهية ليحضر عمر) في رواية الأكثر لمحضر عمر والسبب
في ذلك ما ألفوه من قوة عمر وصلابته في القول والفعل وكان أبو بكر رقيقا لينا فكأنهم خشوا
من حضور عمر كثرة المعاتبة التي قد تفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة (قوله لا تدخل
عليهم) أي لئلا يتركوا من تعظيمك ما يجب لك (قوله وما عسيتهم أن يفعلوا بي) قال ابن مالك
378

في هذا شاهد على صحة تضمين بعض الأفعال معنى فعل آخر وإجرائه مجراه في التعدية فإن
عسيت في هذا الكلام بمعنى حسبت وأجريت مجراها فنصبت ضمير الغائبين على أنه مفعول
ثان وكان حقه أن يكون عاريا من أن لكن جئ بها لئلا تخرج عسى عن مقتضاها بالكلية وأيضا
فإن أن قد تسد بصلتها مسد مفعولي حسبت فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الأول بدلا منه قال
ويجوز جعل ما عسيتهم حرف خطاب والهاء والميم اسم عسى والتقدير ما عساهم أن يفعلوا بي وهو
وجه حسن قوله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك بفتح الفاء من ننفس أي لم نحسدك
على الخلافة يقال نفست بكسر الفاء أنفس بالفتح نفاسة وقوله استبددت في رواية غير أبي ذر
واستبدت بدال واحدة وهو بمعناه وأسقطت الثانية تخفيفا كقوله فظلتم تفكهون أصله ظللتم
أي لم تشاورنا والمراد بالامر الخلافة قوله وكنا نرى بضم أوله ويجوز الفتح قوله لقرابتنا أي
لأجل قرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا أي لنا في هذا الامر قوله حتى فاضت
أي لم يزل على يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فاضت عينا أبي بكر من الرقة قال المازري
ولعل عليا أشار إلى أن أبا بكر استبد عليه بأمور عظام كان مثله عليه أن يحضره فيها ويشاوره
أو أنه أشار إلى أنه لم يستشره في عقد الخلافة له أولا والعذر لأبي بكر أنه خشي من التأخر عن
البيعة الاختلاف لما كان وقع من الأنصار كما تقدم في حديث السقيفة فلم ينتظروه قوله
شجر بيني وبينكم أي وقع من الاختلاف والتنازع قوله من هذه الأموال أي التي تركها
النبي صلى الله عليه وسلم من أرض خيبر وغيرها قوله فلم آل أي لم أقصر قوله موعدك
العشية بالفتح ويجوز الضم أي بعد الزوال قوله رقي المنبر بكسر القاف بعدها تحتانية
أي علا وحكى بن التين أنه رآه في نسخة بفتح القاف بعدها ألف وهو تحريف قوله وعذره بفتح
العين والذال على أنه فعل ماض ولغير أبي ذر بضم العين وإسكان الذال عطفا على مفعول وذكر
قوله وتشهد علي فعظم حق أبي بكر زاد مسلم في روايته من طريق معمر عن الزهري وذكر
فضيلته وسابقته ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه قوله وكان المسلمون إلى علي قريبا أي كان ودهم
له قريبا حين راجع الامر بالمعروف أي من الدخول فيما دخل فيه الناس قال القرطبي من
تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة ومن الاعتذار وما تضمن ذلك من الانصاف عرف
أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة وإن كان
الطبع البشري قد يغلب أحيانا لكن الديانة ترد ذلك والله الموفق وقد تمسك الرافضة بتأخر علي
عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة وهذيانهم في ذلك مشهور وفي هذا الحديث ما يدفع في
حجتهم وقد صحح بن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وغيره أن عليا بايع أبا بكر في أول الأمر
وأما ما وقع في مسلم عن الزهري أن رجلا قال له لم يبايع على أبا بكر حتى ماتت فاطمة قال
لا ولا أحد من بني هاشم فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده وأن الرواية الموصولة عن أبي
سعيد أصح وجمع غيره بأنه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث كما
تقدم وعلى هذا فيحمل قول الزهري لم يبايعه علي في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور
عنده وما أشبه ذلك فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لا يعرف باطن الامر أنه بسبب عدم
الرضا بخلافته فأطلق من أطلق ذلك وبسبب ذلك أظهر على المبايعة التي بعد موت فاطمة عليها
379

السلام لإزالة هذه الشبهة الحديث التاسع والعشرون قوله حدثني حرمي بفتح المهملة
والراء وكسر الميم بعدها تحتانية ثقيلة اسم بلفظ النسب وهو بن عمارة شيخ شيخه وعمارة هو بن
أبي حفصة وعكرمة هو مولى بن عباس وليس لعكرمة عن عائشة في البخاري غير هذا الحديث
وآخر سبق في الطهارة وثالث يأتي في اللباس قوله قلنا الآن نشبع من التمر أي لكثرة
ما فيها من النخيل وفيه إشارة إلى أنهم كانوا قبل فتحها في قلة من العيش الحديث الثلاثون
قوله حدثنا الحسن هو بن محمد بن الصباح الزعفراني وقع منسوبا في رواية أبي علي بن السكن
وقال الكلاباذي يقال إنه الزعفراني وأما الحاكم فقال هو الحسن بن شجاع يعني البلخي أحد
الحفاظ وهو من أقران البخاري ومات قبله باثنتي عشرة سنة وهو شاب وسيأتي في تفسير سورة
الزمر حديث آخر عن الحسن غير منسوب فقيل أيضا إنه هو وقرة بن حبيب أي بن يزيد
القنوي بفتح القاف والنون الخفيفة نسبة إلى بيع القنا وهي الرماح وكذا يقال له أيضا الرماح
وهو قشيري النسب بصري أصله من نيسابور وقد لقيه البخاري وحدث عنه في الأدب المفرد
وليس له في الصحيح سوى هذا الموضع ومات سنة أربع وعشرين ومائتين قوله ما شبعنا حتى
فتحنا خيبر يؤيد حديث عائشة الذي قبله قوله باب استعمال النبي صلى
الله عليه وسلم على أهل خيبر أي بعد فتحها لتنمية الثمار قوله حدثنا إسماعيل هو بن
أبي أويس وسبق الحديث وشرحه في أواخر البيوع قوله وقال عبد العزيز بن محمد هو
الدراوردي وقد وصله أبو عوانة والدارقطني من طريقه قوله عن عبد المجيد هو بن سهيل
شيخ مالك فيه قوله عن سعيد هو بن المسيب قوله بعث أخا بني عدي من الأنصار في
رواية أبي عوانة والدارقطني سواد بن غزية وهو من بني عدي بن النجار وسواد بتخفيف الواو
وشذ السهيلي فشددها ولعله اعتمد على بعض ما في نسخ الدارقطني سوار آخره راء لكن ذكر أبو
عمر أنها تصحيف وروى الخطيب من وجه آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل على خيبر
فلان بن صعصعة فلعلها قصة أخرى (قوله وعن عبد المجيد) هو معطوف على الذي قبله وهو
عن عبد العزيز الدراوردي عن عبد المجيد فلعبد المجيد فيه شيخان والله أعلم (قوله
باب معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر) ذكر فيه حديث ابن عمر مختصرا
وقد تقدم في المزارعة مع شرحه واضحا * (قوله باب الشاة التي سمت للنبي صلى الله
عليه وسلم بخيبر) أي جعل فيها السم والسم مثلث السين (قوله رواه عروة عن عائشة) لعله يشير
إلى الحديث الذي ذكره في الوفاة النبوية من هذا الوجه معلقا أيضا وسيأتي ذكره هناك
(قوله حدثني سعيد) هو ابن أبي سعيد المقبري (قوله لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى
الله عليه وسلم شاة فيها سم) هكذا أورده مختصرا وقد سبق مطولا في أواخر الجزية فذكر هذا
الطرف وزاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجمعوا لي من كان هاهنا من يهود فذكر الحديث
380

وسيأتي شرح ما يتعلق بذلك في كتاب الطب قال ابن إسحاق لما اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد
فتح خيبر أهدت له زينب بنت الحرث امرأة سلام بن مشكم شاة مشوية وكانت سألت أي
عضو من الشاة أحب إليه قيل لها الذراع فأكثرت فيها من السم فلما تناول الذراع لاك منها مضغة
ولم يسغها وأكل معه بشر بن البراء فأساغ لقمته فذكر القصة وأنه صفح عنها وأن بشر بن البراء
مات منها وروى البيهقي من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة
عن أبي هريرة أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل فقال
لأصحابه أمسكوا فإنها مسمومة وقال لها ما حملك على ذلك قالت أردت إن كنت نبيا فيطلعك
الله وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك قال فما عرض لها ومن طريق أبي نضرة عن جابر نحوه
فقال فلم يعاقبها وروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري عن أبي بن كعب مثله وزاد
فاحتجم على الكاهل قال قال الزهري فأسلمت فتركها قال معمر والناس يقولون قتلها وأخرج
ابن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة له هذه القصة مطولة وفي آخره قال فدفعها إلى ولاة
بشر بن البراء فقتلوها قال الواقدي وهو الثبت وأخرج أبو داود من طريق يونس عن الزهري
عن جابر نحو رواية معمر عنه وهذا منقطع لان الزهري لم يسمع من جابر ومن طريق محمد بن عمرو
عن أبي سلمة نحوه مرسلا قال البيهقي وصله حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة
قال البيهقي يحتمل أن يكون تركها أولا ثم لما مات بشر بن البراء من الأكلة قتلها وبذلك أجاب
السهيلي وزاد إنه كان تركها لأنه كان لا ينتقم لنفسه ثم قتلها ببشر قصاصا (قلت)
ويحتمل أن يكون تركها لكونها أسلمت وإنما أخر قتلها حتى مات بشر لان بموته تحقق وجوب
القصاص بشرطه ووافق موسى بن عقبة على تسميتها زينب بنت الحارث وأخرج الواقدي بسند
له عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ما حملك على ما فعلت قالت قتلت أبي وعمي
وزوجي وأخي قال فسألت إبراهيم بن جعفر فقال عمها يسار وكان من أجبن (1) الناس وهو
الذي أنزل من الرف وأخوها زبير وزوجها سلام بن مشكم ووقع في سنن أبي داود أخت مرحب
وبه جزم السهيلي وعند البيهقي في الدلائل بنت أخي مرحب ولم ينفرد الزهري بدعواه أنها أسلمت
فقد جزم بذلك سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك وقد
استبان لي الآن أنك صادق وأنا أشهدك ومن حضر أني على دينك وأن لا إله إلا الله وأن محمدا
عبده ورسوله قال فانصرف عنها حين أسلمت وقد اشتملت قصة خيبر على أحكام كثيرة منها
جواز قتال الكفار في أشهر الحرم والإغارة على من بلغته الدعوة بغير إنذار وقسمة الغنيمة على
السهام وأكل الطعام الذي يصاب من المشركين قبل القسمة لمن يحتاج إليه بشرط أن
لا يدخره ولا يحوله وأن مدد الجيش إذا حضر بعد انقضاء الحرب يسهم له إن رضى الجماعة كما
وقع لجعفر والأشعريين ولا يسهم لهم إذا لم يرضوا كما وقع لابان بن سعيد وأصحابه وبذلك يجمع
بين الاخبار ومنها تحريم لحوم الحمر الأهلية وأن ما لا يؤكل لحمه لا يطهر بالذكاة وتحريم متعة
النساء وجواز المساقاة والمزارعة ويثبت عقد الصلح والتوثق من أرباب التهم وأن من خالف
من أهل الذمة ما شرط عليه انتقض عهده وهدر دمه وأن من أخذ شيئا من الغنيمة قبل القسمة لم
يملكه ولو كان دون حقه وأن الامام مخير في أرض العنوة بين قسمتها وتركها وجواز إجلاء أهل
381

الذمة إذا استغنى عنهم وجواز البناء بالأهل بالسفر والاكل من طعام أهل الكتاب وقبول
هديتهم وقد ذكرت غالب هذه الأحكام في أبوابها والله الهادي للصواب * (قوله غزوة زيد
بن حارثة) بالمهملة والمثلثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم ووالد أسامة بن زيد ذكر فيه
حديث ابن عمر في بعث أسامة وسيأتي شرحه في أواخر المغازي والغرض منه قوله فقد طعنتم
في إمارة أبيه من قبله وسيأتي قريبا بعد غزوة مؤتة حديث أبي عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن
سلمة بن الأكوع قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات وغزوت مع ابن حارثة
استعمله علينا هكذا ذكره مبهما ورواه أبو مسلم الكجي عن أبي عاصم بلفظ وغزوت مع
زيد ابن حارثة سبع غزوات يؤمره علينا وكذلك أخرجه الطبراني عن أبي مسلم بهذا اللفظ
وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عن أبي شعيب الحراني عن أبي عاصم كذلك وكذا أخرجه
الإسماعيلي من طرق عن أبي عاصم وقد تتبعت ما ذكره أهل المغازي من سرايا زيد بن حارثة
فبلغت سبعا كما قاله سلمة وإن كان بعضهم ذكر ما لم يذكره بعض فأولها جمادى الأخيرة سنة خمس
قبل نجد في مائة راكب والثانية في ربيع الآخر سنة ست إلى بني سليم والثالثة في جمادى الأولى
منها في مائة وسبعين فتلقى عيرا لقريش وأسروا أبا العاص بن الربيع والرابعة في جمادى الآخرة
منها إلى بني ثعلبة والخامسة إلى حسمي بضم المهملة وسكون المهملة مقصور في خمسمائة إلى
أناس من بني جذام بطريق الشام كانوا قطعوا الطريق على دحية وهو راجع من عند هرقل
والسادسة إلى وادي القرى والسابعة إلى ناس من بني فزارة وكان خرج قبلها في تجارة فخرج
عليه ناس من بني فزارة فأخذوا ما معه وضربوه فجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأوقع بهم
وقتل أم قرفة بكسر القاف وسكون الراء بعدها فاء وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر زوج مالك بن
حذيفة بن بدر عم عيينة بن حصن بن حذيفة وكانت معظمة فيهم فيقال ربطها في ذنب فرسين
وأجراهما فتقطعت وأسر بنتها وكانت جميلة ولعل هذه الأخيرة مراد المصنف وقد ذكر مسلم
طرفا منها من حديث سلمة بن الأكوع * (قوله باب عمرة القضاء) كذا للأكثر
وللمستملي وحده غزوة القضاء والأول أولى ووجهوا كونها غزوة بأن موسى بن عقبة ذكر في
المغازي عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم خرج مستعدا بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع
من قريش غدر فبلغهم ذلك ففزعوا فلقيه مكرز فأخبره أنه باق على شرطه وأن لا يدخل مكة
بسلاح إلا السيوف في أغمادها وإنما خرج في تلك الهيئة احتياطا فوثق بذلك وأخر النبي صلى
الله عليه وسلم السلاح مع طائفة من أصحابه خارج الحرم حتى رجع ولا يلزم من إطلاق الغزوة
وقوع المقاتلة وقال ابن الأثير أدخل البخاري عمرة القضاء في المغازي لكونها كانت مسببة عن
غزوة الحديبية انتهى واختلف في سبب تسميتها عمرة القضاء فقيل المراد ما وقع من المقاضاة بين
المسلمين والمشركين من الكتاب الذي كتب بينهم بالحديبية فالمراد بالقضاء الفصل الذي وقع عليه
الصلح ولذلك يقال لها عمرة القضية قال أهل اللغة قاضي فلانا عاهده وقاضاه عاوضه فيحتمل
تسميتها بذلك لامرين قاله عياض ويرجح الثاني تسميتها قصاصا قال الله تعالى الشهر الحرام
بالشهر الحرام والحرمات قصاص قال السهيلي تسميتها عمرة القصاص أولى لأن هذه الآية نزلت
فيها (قلت) كذا رواه بن جرير وعبد بن حميد بإسناد صحيح عن مجاهد وبه جزم سليمان التيمي
382

في مغازيه وقال ابن إسحاق بلغنا عن ابن عباس فذكره ووصله الحاكم في الإكليل عن ابن عباس
لكن في إسناده الواقدي وقال السهيلي سميت عمرة القضاء لأنه قاضى فيها قريشا لا لأنها قضاء عن
العمرة التي صد عنها لأنها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة ولهذا عدوا عمر
النبي صلى الله عليه وسلم أربعا كما تقدم تقريره في كتاب الحج وقال آخرون بل كانت قضاء عن
العمرة الأولى وعدت عمرة الحديبية في العمر لثبوت الاجر فيها لا لأنها كملت وهذا الخلاف مبني
على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصد عن البيت فقال الجمهور يجب عليه الهدى
ولا قضاء عليه وعن أبي حنيفة عكسه وعن أحمد رواية أنه لا يلزمه هدى ولا قضاء وأخرى
يلزمه الهدى والقضاء فحجة الجمهور قوله تعالى فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى وحجة أبي
حنيفة أن العمرة تلزم بالشروع فإذا أحصر جاز له تأخيرها فإذا زال الحصر أتى بها ولا يلزم من
التحلل بين الاحرامين سقوط القضاء وحجة من أوجبها ما وقع للصحابة فإنهم نحروا الهدى حيث
صدوا واعتمروا من قابل وساقوا الهدى وقد روى أبو داود من طريق أبي حاضر قال اعتمرت
فأحصرت فنحرت الهدى وتحللت ثم رجعت العام المقبل فقال لي ابن عباس ابذل الهدى فإن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك وحجة من لم يوجبها أن تحللهم بالحصر لم يتوقف على نحر
الهدى بل أمر من معه هدى أن ينحره ومن ليس معه هدى أن يحلق واستدل الكل بظاهر
أحاديث من أوجبهما قال ابن إسحاق خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة مثل الشهر
الذي صد فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها وكذلك ذكر موسى بن
عقبة عن ابن شهاب وأبو الأسود عن عروة وسليمان التيمي جميعا في مغازيهم أنه صلى الله عليه
وسلم خرج إلى عمرة القضاء في ذي القعدة وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند حسن عن
ابن عمر قال كانت عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع وفي مغازي سليمان التيمي لما رجع من
خيبر بث سراياه وأقام بالمدينة حتى استهل ذو القعدة فنادى في الناس أن تجهزوا إلى العمرة
وقال ابن إسحاق خرج معه من كان صد في تلك العمرة إلا من مات أو استشهد وقال الحاكم في
الإكليل تواترت الاخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما هل ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء
عمرتهم وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية فخرجوا إلا من استشهد وخرج معه آخرون
معتمرين فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان قال وتسمى أيضا عمرة الصلح (قلت)
فتحصل من أسمائها أربعة القضاء والقضية والقصاص والصلح (قوله ذكره أنس عن النبي
صلى الله عليه وسلم) كنت ذكرت في تعليق التعليق أن مراده حديث أنس في عدد عمر النبي صلى
الله عليه وسلم وقد تقدم موصولا في الحج ثم ظهر لي الآن أن مراده بحديث أنس ما أخرجه
عبد الرزاق عنه من وجهين أحدهما روايته عن معمر عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله
عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة ينشد بين يديه
خلوا بني الكفار عن سبيله * قد أنزل الرحمن في تنزيله *
بأن خير القتل في سبيله * نحن قتلناكم على تأويله *
* كما قتلناكم على تنزيله *
أخرجه أبو يعلى من طريقه وأخرجه الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن عبد الرزاق وما
383

وجدته في مسند أحمد وقد أخرجه الطبراني أيضا عاليا عن إبراهيم بن أبي سويد عن عبد الرزاق
ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في الدلائل وأخرجه من طريق أبي الأزهر عن عبد الرزاق فذكر
القسم الأول من الرجز وقال بعده
اليوم نضربكم على تنزيله * ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله * يا رب إني مؤمن بقيله
قال الدارقطني في الافراد تفرد به معمر عن الزهري وتفرد به عبد الرزاق عن معمر (قلت)
وقد رواه موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري أيضا لكن لم يذكر أنسا وعنده بعد قوله
قد أنزل الرحمن في تنزيله * في صحف تتلى على رسوله *
وذكره ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال بلغني فذكره وزاد بعد قوله
يا رب إني مؤمن بقيله * إني رأيت الحق في قبوله *
وزعم ابن هشام في مختصر السيرة أن قوله نحن ضربناكم على تأويله إلى آخر الشعر من قول
عمار بن ياسر قاله يوم صفين قال ويؤيده أن المشركين لم يقروا بالتنزيل وإنما يقاتل على التأويل
من أقر بالتنزيل انتهى وإذا ثبتت الرواية فلا مانع من إطلاق ذلك فإن التقدير على رأي ابن هشام
* نحن ضربناكم على تأويله * أي حتى تذعنوا إلى ذلك التأويل ويجوز أن يكون التقدير نحن
ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه وإذا كان كذلك محتملا وثبتت
الرواية سقط الاعتراض نعم الرواية التي جاء فيها فاليوم نضربكم على تأويله يظهر أنها قول عمار
ويبعد أن تكون قول ابن رواحة لأنه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال وصحيح الرواية
نحن ضربناكم على تأويله * كما ضربناكم على تنزيله
يشير بكل منهما إلى ما مضى ولا مانع أن يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز ويقول هذه
اللفظة ومعنى قوله نحن ضربنا كم على تنزيله أي في عهد الرسول فيما مضى وقوله
واليوم نضربكم على تأويله أي الآن وجاز تسكين الباء لضرورة الشعر بل هي لغة قرئ
بها في المشهور والله أعلم والرواية الثانية رواية عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن
أنس أخرجها البزار وقال لم يروه عن ثابت إلا جعفر بن سليمان وأخرجها الترمذي والنسائي
من طريقه بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة
بين يديه يمشي وهو يقول
خلوا بني الكفار عن سبيله * اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله
فقال له عمر يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر فلهو أسرع فيهم من نضح النبل قال الترمذي حديث حسن
غريب وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس نحوه قال وفي غير هذا الحديث أن هذه
القصة لكعب بن مالك وهو أصح لان عبد الله بن رواحة قتل بمؤتة وكانت عمرة القضاء قبل ذلك
(قلت) وهو ذهول شديد وغلط مردود وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته ومع
أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة كما سيأتي في هذا الباب
384

وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد كما سيأتي قريبا وكيف يخفى عليه أعني
الترمذي مثل هذا ثم وجدت عن بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس أن ذلك كان
في فتح مكة فإن كان كذلك اتجه اعتراضه لكن الموجود بخط الكروخي راوي الترمذي ما تقدم
والله أعلم وقد صححه بن حبان من الوجهين وعجيب من الحاكم كيف لم يستدركه مع أن الوجه
الأول على شرطهما ومن الوجه الثاني على شرط مسلم لأجل جعفر ثم ذكر المصنف في الباب
سبعة أحاديث * الأول حديث البراء بن عازب (قوله عن البراء) في رواية شعبة عن أبي
إسحاق سمعت البراء أخرجها في الصلح (قوله اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة) أي
سنة ست (قوله أن يدعوه) بفتح الدال أي يتركوه (قوله حتى قاضاهم على أن يقيم بها
ثلاثة أيام) أي من العام المقبل وصرح به في حديث ابن عمر الذي بعده وتقدم سبب هذه
المقاضاة في الكلام على حديث المسور في الشروط مستوفى (قوله فلما كتب الكتاب) كذا
هو بضم الكاف من كتب على البناء للمجهول وللأكثر كتبوا بصيغة الجمع وتقدم في الجزية
من طريق يوسف ابن أبي إسحاق عن أبي إسحاق بلفظ فأخذ يكتب بينهم الشرط علي بن أبي طالب
وفي رواية شعبة كتب علي بينهم كتابا وفي حديث المسور قال فدعا النبي صلى الله عليه وسلم
الكاتب فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو
ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن
الرحيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب باسمك اللهم ونحوه في حديث أنس باختصار
ولفظه ان قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو فقال النبي صلى الله عليه
وسلم لعلي أكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل ما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ولكن
اكتب ما نعرف باسمك اللهم وللحاكم من حديث عبد الله بن مغفل فقال النبي صلى الله عليه
وسلم اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فأمسك سهيل بيده فقال اكتب في قضيتنا ما نعرف
فقال اكتب باسمك اللهم فكتب (قوله هذا) إشارة إلى ما في الذهن (قوله ما قاضى) خبر
مفسر له وفي رواية الكشميهني هذا ما قاضانا وهو غلط وكأنه لما رأى قوله اكتبوا ظن بأن
المراد قريش وليس كذلك بل المراد المسلمون ونسبة ذلك إليهم وإن كان الكاتب واحدا
مجازية وفي حديث عبد الله بن مغفل المذكور فكتب هذا ما صالح محمد رسول الله أهل مكة
(قوله قالوا لا نقر لك بهذا) تقدم في الصلح بهذا الاسناد بعينه بلفظ فقالوا لا نقر بها أي بالنبوة
(قوله لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا) زاد في رواية يوسف ولبايعناك وعند النسائي عن
أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه ما منعناك بيته وفي رواية شعبة عن أبي
إسحاق لو كنت رسول الله لم نقاتلك وفي حديث أنس لاتبعناك وفي حديث المسور فقال سهيل بن
عمرو والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك وفي رواية أبي الأسود عن
عروة في المغازي فقال سهيل ظلمناك إن أقررنا لك بها ومنعناك وفي حديث عبد الله بن مغفل لقد
ظلمناك إن كنت رسولا (قوله ولكن أنت محمد بن عبد الله) وفي رواية يوسف وكذا حديث
المسور ولكن اكتب وكذا هو في رواية زكريا عن أبي إسحاق عند مسلم وفي حديث أنس وكذا
في مرسل عروة ولكن اكتب اسمك واسم أبيك زاد في حديث عبد الله بن مغفل فقال اكتب
385

هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (قوله ثم قال لعلي امح رسول الله) أي امح
هذه الكلمة المكتوبة من الكتاب فقال لا والله لا أمحوك أبدا وللنسائي من طريق علقمة بن
قيس عن علي قال كنت كاتب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فكتبت هذا ما صالح عليه
محمد رسول الله فقال سهيل لو علمنا أنه رسول الله ما قاتلناه امحها فقلت هو والله رسول الله صلى
الله عليه وسلم وإن رغم أنفك لا والله لا أمحوها وكأن عليا فهم أن أمره له بذلك ليس متحتما
فلذلك امتنع من امتثاله ووقع في رواية يوسف بعد فقال لعلي امح رسول الله فقال لا والله لا أمحاه
أبدا قال فأرنيه فأراه إياه فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده ونحوه في رواية زكريا عند مسلم
وفي حديث علي عند النسائي وزاد وقال أما أن لك مثلها وستأتيها وأنت مضطر يشير صلى الله
عليه وسلم إلى ما وقع لعلي يوم الحكمين فكان كذلك (قوله فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله) تقدم هذا الحديث
في الصلح عن عبيد الله بن موسى بهذا الاسناد وليست فيه هذه اللفظة ليس يحسن يكتب
ولهذا أنكر بعض المتأخرين على أبي مسعود نسبتها إلى تخريج البخاري وقال ليس في البخاري
هذه اللفظة ولا في مسلم وهو كما قال عن مسلم فإنه أخرجه من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي
إسحاق بلفظ فأراه مكانها فمحاها وكتب بن عبد الله انتهى وقد عرفت ثبوتها في البخاري في مظنة
الحديث وكذلك أخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى مثل ما هنا سواء
وكذا أخرجها أحمد عن حجين بن المثنى عن إسرائيل ولفظه فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب
فكتب مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ما قاضي عليه محمد بن عبد الله وقد تمسك
بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب بيده بعد أن
لم يكن يحسن يكتب فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة وأن الذي قاله يخالف
القرآن حتى قال قائلهم
برئت ممن شرى دنيا بآخرة * وقال إن رسول الله قد كتبا
فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير هذا لا ينافي القرآن بل
يؤخذ من مفهوم القرآن لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن فقال وما كنت تتلو من قبله من
كتاب ولا تخطه بيمينك وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك
لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى وذكر ابن دحية أن
جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون
من علماء إفريقية وغيرها واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة وعمر بن شبة من طريق
مجاهد عن عون بن عبد الله قال ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ قال مجاهد
فذكرته للشعبي فقال صدق قد سمعت من يذكر ذلك ومن طريق يونس بن ميسرة عن أبي
كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاوية أن يكتب
للأقرع وعيينة فقال عيينة أتراني اذهب بصحيفة المتلمس فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصحيفة فنظر فيها فقال قد كتب لك بما أمر لك قال يونس فنرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كتب بعد ما أنزل عليه قال عياض وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها
386

كقوله لكاتبه ضع القلم على اذنك فإنه أذكر لك وقوله لمعاوية ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء
وفرق السين ولا تعور الميم وقوله لا تمد بسم الله قال وهذا وان لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق
علم وضع الكتابة فإنه أوتي علم كل شئ وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث وعن قصة الحديبية
بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي وقد صرح في حديث المسور بأن عليا هو الذي كتب فيحمل
على أن النكتة في قوله فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب لبيان أن قوله أرني إياها أنه ما احتاج
إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة وعلى أن
قوله بعد ذلك فكتب فيه حذف تقديره فمحاها فأعادها لعلي فكتب وبهذا جزم ابن التين
أو أطلق كتب بمعنى أمر بالكتابة وهو كثير كقوله كتب إلى قيصر وكتب إلى كسرى وعلى
تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن
يصير عالما بالكتابة ويخرج عن كونه أميا فإن كثيرا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض
الكلمات ويحسن وضعها بيده وخصوصا الأسماء ولا يخرج بذلك عن كونه أميا ككثير من
الملوك ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد
فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة ولا يخرج بذلك عن كونه أميا وبهذا أجاب أبو جعفر
السمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة وتبعه بن الجوزي وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأن
هذا وإن كان ممكنا ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أميا لا يكتب وهي الآية التي
قامت بها الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة
وقال المعاند كان يحسن يكتب لكنه كان يكتم ذلك قال السهيلي والمعجزات يستحيل أن يدفع
بعضها بعضا والحق أن معنى قوله فكتب أي أمر عليا أن يكتب انتهى وفي دعوى أن كتابة اسمه
الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي نظر كبير والله أعلم
(قوله لا يدخل) هذا تفسير للخبر المتقدم (قوله الا السيف في القراب) في رواية شعبة فكان
فيما اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا بها ثلاثا ولا يدخلها بسلاح ونحوه لزكريا عن أبي إسحاق
عند مسلم (قوله وأن لا يخرج من أهلها بأحد الخ) في حديث أنس قال علي قلت يا رسول الله
أكتب هذا قال نعم (قوله فلما دخلها) أي في العام المقبل (قوله ومضى الاجل) أي
الأيام الثلاثة وقال الكرماني لما مضى أي قرب مضيه ويتعين الحمل عليه لئلا يلزم الخلف
(قوله أتوا عليا فقالوا قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الاجل) في رواية يوسف فقالوا مر
صاحبك فليرتحل (قوله فخرج النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية يوسف فذكر ذلك علي فقال
نعم فارتحل وفي مغازي أبي الأسود عن عروة فلما كان اليوم الرابع جاءه سهيل بن عمرو وحويطب
ابن عبد العزي فقالا ننشدك الله والعهد إلا ما خرجت من أرضنا فرد عليه سعد بن عبادة فأسكته
النبي صلى الله عليه وسلم وآذن بالرحيل وأخرج الحاكم في المستدرك من حديث ميمونة في هذه
القصة فأتاه حويطب بن عبد العزى وكأنه كان دخل في أوائل النهار فلم يكمل الثلاث
إلا في مثل ذلك الوقت من النهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق وكان مجيئهم في أول النهار قرب
مجئ ذلك الوقت (قوله فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة) هكذا رواه البخاري
عن عبيد الله بن موسى معطوفا على إسناد القصة التي قبله وكذا أخرجه النسائي عن أحمد بن
387

سليمان عن عبيد الله بن موسى وكذا رواه الحاكم في الإكليل والبيهقي من طريق سعيد بن
مسعود عن عبيد الله بن موسى بتمامه وادعى البيهقي أن فيه إدراجا لان زكريا بن أبي زائدة رواه
عن أبي إسحاق متصلا وأخرج مسلم والإسماعيلي القصة الأولى من طريقه عن أبي إسحاق من
حديث علي وهكذا رواه أسود بن عامر عن إسرائيل أخرجه أحمد من طريقه لكن باختصار
في الموضعين قال البيهقي وكذا روى عبيد الله بن موسى أيضا قصة بنت حمزة من حديث علي
(قلت) هو كذلك عند ابن حبان عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله بن
موسى لكن باختصار وكذا رواه الهيثم بن كليب في مسنده عن الحسن بن علي بن عفان عن
عبيد الله بن موسى بأتم من سياق ابن حبان وأخرج أبو داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن
إسرائيل قصة بنت حمزة خاصة من حديث علي بلفظ لما خرجنا من مكة تبعتنا بنت حمزة الحديث
وكذا أخرجها أحمد عن حجاج بن محمد ويحيى بن آدم جميعا عن إسرائيل (قلت) والذي يظهر لي
أن لا إدراج فيه وأن الحديث كان عند إسرائيل وكذا عند عبيد الله بن موسى عنه
بالاسنادين جميعا لكنه في القصة الأولى من حديث البراء أتم وبالقصة الثانية من حديث على
أتم وبيان ذلك أن عند البيهقي في رواية زكريا عن أبي إسحاق عن البراء قال أقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم بمكة ثلاثة أيام في عمرة القضاء فلما كان اليوم الثالث قالوا لعلي إن هذا آخر يوم من
شرط صاحبك فمره فليخرج فحدثه بذلك فقال نعم فخرج قال أبو إسحاق فحدثني هانئ بن هانئ وهبيرة
فذكر حديث علي في قصة بنت حمزة أتم مما وقع في حديث هذا الباب عن البراء وسيأتي إيضاح
ذلك عند شرحه إن شاء الله تعالى وكذا أخرج الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن
أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى قصة بنت حمزة من حديث البراء فوضح أنه عند عبيد الله بن
موسى ثم عند أبي بكر بن أبي شيبة عنه بالاسنادين جميعا وكذا أخرج ابن سعد عن عبيد الله بن
موسى بالاسنادين معا عنه 0 قوله لجعفر أشبهت (1) خلقي وخلقي) (قوله ابنة حمزة) اسمها
عمارة وقيل فاطمة وقيل أمامة وقيل أمة الله وقيل سلمى والأول هو المشهور وذكر الحاكم في
الإكليل وأبو سعيد في شرف المصطفى من حديث ابن عباس بسند ضعيف ان النبي صلى الله عليه
وسلم كان آخى بين حمزة وزيد بن حارثة وأن عمارة بنت حمزة كانت مع أمها بمكة (قوله تنادي يا عم)
كأنها خاطبت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إجلالا له وإلا فهو ابن عمها أو بالنسبة إلى كون
حمزة وإن كان عمه من النسب فهو أخوه من الرضاعة وقد أقرها على ذلك بقوله لفاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم دونك ابنة عمك وفي ديوان حسان بن ثابت لأبي سعيد البكري
أن عليا هو الذي قال لفاطمة ولفظه فأخذ على أمامة فدفعها إلى فاطمة وذكر أن مخاصمة علي
وجعفر وزيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانت بعد أن وصلوا إلى مر الظهران (قوله دونك)
هي كلمة من أسماء الافعال تدل على الامر بأخذ الشئ المشار إليه (قوله حملتها) كذا للأكثر
بصيغة الفعل الماضي وكأن الفاء سقطت (قلت) وقد ثبتت في رواية النسائي من الوجه الذي
أخرجه منه البخاري وكذا لأبي داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل وكذا لأحمد في
حديث علي ووقع في رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميهني حمليها بتشديد الميم المكسورة
وبالتحتانية بصيغة الامر وللكشميهني في الصلح في هذا الموضع احمليها بألف بدل التشديد وعند
388

الحاكم من مرسل الحسن فقال علي لفاطمة وهي في هودجها أمسكيها عندك وعند
ابن سعد من مرسل محمد بن علي بن الحسين الباقر بإسناد صحيح إليه بينما بنت حمزة تطوف
في الرجال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها (قوله فاختصم فيها علي بن أبي طالب
وجعفر) أي أخوه (وزيد بن حارثة) أي في أيهم تكون عنده وكانت خصومتهم في ذلك بعد أن
قدموا المدينة ثبت ذلك في حديث علي عند أحمد والحاكم وفي المغازي لأبي الأسود عن
عروة في هذه القصة فلما دنوا من المدينة كلمه فيها زيد بن حارثة وكان وصي حمزة وأخاه وهذا
لا ينفي أن المخاصمة إنما وقعت بالمدينة فلعل زيدا سأل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ووقعت
المنازعة بعد ووقع في مغازي سليمان التيمي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع إلى رحله وجد
بنت حمزة فقال لها ما أخرجك قالت رجل من أهلك ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
بإخراجها وفي حديث علي عند أبي داود ان زيد بن حارثة أخرجها من مكة وفي حديث
ابن عباس المذكور فقال له علي كيف تترك ابنة عمك مقيمة بين ظهراني المشركين وهذا
يشعر بأن أمها إما لم تكن أسلمت فإن في حديث ابن عباس المذكور أنها سلمى بنت عميس وهي
معدودة في الصحابة وإما أن تكون ماتت إن لم يثبت حديث ابن عباس وإنما أقرهم النبي صلى
الله عليه وسلم على أخذها مع اشتراط المشركين أن لا يخرج بأحد من أهلها أراد الخروج لانهم
لم يطلبوها وأيضا فقد تقدم في الشروط ويأتي في التفسير أن النساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك
لكن إنما نزل القرآن في ذلك بعد رجوعهم إلى المدينة ووقع في رواية أبي سعيد السكري أن
فاطمة قالت لعلي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى أن لا يصيب منهم أحدا إلا رده عليهم فقال
لها علي إنها ليست منهم إنما هي منا (قوله فاختصم فيها علي الخ) زاد في رواية ابن سعد حتى
ارتفعت أصواتهم فأيقظوا النبي صلى الله عليه وسلم من نومه (قوله فقال علي أنا أخرجتها
وهي بنت عمي) زاد في حديث علي عند أبي داود وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهي أحق بها (قوله وخالتها تحتي) أي زوجتي وفي رواية الحاكم عندي واسم خالتها أسماء
بنت عميس التي تقدم ذكرها في غزوة خيبر وصرح باسمها في حديث علي عند أحمد وكان لكل
من هؤلاء الثلاثة فيها شبهة أما زيد فللاخوة التي ذكرتها ولكونه بدأ بإخراجها من مكة وأما علي
فلانه ابن عمها وحملها مع زوجته وأما جعفر فلكونه ابن عمها وخالتها عنده فيترجح جانب جعفر
باجتماع قرابة الرجل والمرأة منها دون الآخرين (قوله وقال زيد بنت) أخي زاد في حديث علي إنما
خرجت إليها (قوله فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها) في حديث ابن عباس المذكور
فقال النبي صلى الله عليه وسلم جعفر أولى بها وفي حديث علي عند أبي داود وأحمد أما الجارية
فلا قضى بها لجعفر وفي رواية أبي سعيد السكري ادفعاها إلى جعفر فإنه أوسع منكم وهذا
سبب ثالث (قوله وقال الخالة بمنزلة الام) أي في هذا الحكم الخاص لأنها تقرب منها في الحنو
والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد لما دل عليه السياق فلا حجة فيه لمن زعم أن الخالة ترث لان
الام ترث وفي حديث علي وفي مرسل الباقر الخالة والدة وإنما الخالة أم وهي بمعنى قوله بمنزلة الام
لا أنها أم حقيقة ويؤخذ منه أن الخالة في الحضانة مقدمة على العمة لان صفية بنت عبد المطلب
كانت موجودة حينئذ وإذا قدمت على العمة مع كونها أقرب العصبات من النساء فهي مقدمة
389

على غيرها ويؤخذ منه تقديم أقارب الام على أقارب الأب وعن أحمد رواية أن العمة مقدمة
في الحضانة على الخالة وأجيب عن هذه القصة بأن العمة لم تطلب فإن قيل والخالة لم تطلب قيل قد
طلب لها زوجها فكما أن للقريب المحضون أن يمنع الحاضنة إذا تزوجت فللزوج أيضا أن يمنعها
من أخذه فإذا وقع الرضا سقط الحرج وفيه من الفوائد أيضا تعظيم صلة الرحم بحيث تقع
المخاصمة بين الكبار في التوصل إليها وأن الحاكم يبين دليل الحكم للخصم وأن الخصم يدلي بحجته
وأن الحاضنة إذا تزوجت بقريب المحضونة لا تسقط حضانتها إذا كانت المحضونة أنثى أخذا
بظاهر هذا الحديث قاله أحمد وعنه لا فرق بين الأنثى والذكر ولا يشترط كونه محرما لكن يشترط
أن يكون فيه مأمونا وأن الصغيرة لا تشتهى ولا تسقط إلا إذا تزوجت بأجنبي والمعروف عن
الشافعية والمالكية اشتراط كون الزوج جدا للمحضون وأجابوا عن هذه القصة بأن العمة
لم تطلب وأن الزوج رضي بإقامتهما عنده وكل من طلبت حضانتها لها كانت متزوجة فرجح جانب
جعفر بكونه تزوج الخالة (قوله وقال لعلي أنت مني وأنا منك) أي في النسب والصهر والمسابقة
والمحبة وغير ذلك من المزايا ولم يرد محض القرابة وإلا فجعفر شريكه فيها (قوله وقال لجعفر أشبهت
خلقي وخلقي) بفتح الخاء الأولى وضم الثانية في مرسل ابن سيرين عند ابن سعد أشبه خلقك خلقي
وخلقك خلقي وهي منقبة عظيمة لجعفر أما الخلق فالمراد به الصورة فقد شاركه فيها جماعة ممن
رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرت أسماءهم في مناقب الحسن وأنهم عشرة أنفس غير
فاطمة عليها السلام وقد كنت نظمت إذ ذاك بيتين في ذلك ووقفت بعد ذلك في حديث أنس على
أن إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم كان يشبهه وكذا في قصة جعفر بن أبي طالب أن ولديه
عبد الله وعونا كانا يشبهانه فغيرت البيتين الأولين بالزيادة فأصلحتهما هناك ورأيت إعادتهما هنا
ليكتبهما من لم يكن كتبهما إذ ذاك
شبه النبي ليج سائب وأبي * سفيان والحسنين الخال أمهما
وجعفر ولداه وابن عامرهم * ومسلم كابس يتلوه مع قثما
ووقع في تراجم الرجال وأهل البيت ممن كان يشبهه صلى الله عليه وسلم من غير هؤلاء عدة منهم
إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ويحيى بن القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن
علي بن الحسين بن علي وكان يقال له الشبيه والقاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب
وعلي بن علي بن عباد بن رفاعة الرفاعي شيخ بصري من أتباع التابعين ذكر ابن سعد عن عفان قال
كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم وإنما لم أدخل هؤلاء في النظم لبعد عهدهم عن عصر النبي صلى
الله عليه وسلم فاقتصرت على من أدركه والله أعلم وأما شبهه في الخلق فخصوصية لجعفر إلا أن
يقال إن مثل ذلك حصل لفاطمة عليها السلام فإن في حديث عائشة ما يقتضى ذلك ولكن ليس
بصريح كما في قصة جعفر هذه وهي منقبة عظيمة لجعفر قال الله تعالى وإنك لعلي خلق عظيم (قوله
وقال لزيد أنت أخونا) أي في الايمان (ومولانا) أي من جهة أنه أعتقه وقد تقدم أن مولى القوم
منهم فوقع منه صلى الله عليه وسلم تطييب خواطر الجميع وإن كان قضى لجعفر فقد بين وجه ذلك
وحاصله أن المقضى له في الحقيقة الخالة وجعفر تبع لها لأنه كان القائم في الطلب لها وفي حديث
علي عند أحمد وكذا في مرسل الباقر فقام جعفر فحجل حول النبي صلى الله عليه وسلم دار عليه
390

فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا قال شئ رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم وفي حديث ابن
عباس ان النجاشي كان إذا رضي أحدا من أصحابه قام فحجل حوله وحجل بفتح المهملة وكسر الجيم
أي وقف على رجل واحدة وهو الرقص بهيئة مخصوصة وفي حديث علي المذكور أن الثلاثة
فعلوا ذلك (قوله قال علي) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (ألا تتزوج بنت حمزة قال إنها بنت أخي)
أي من الرضاعة هو موصول بالاسناد المذكور أولا ووقع في رواية النسائي فقال علي الخ ووقع
في رواية أبي سعيد السكري فدفعناها إلى جعفر فلم تزل عنده حتى قتل فأوصى بها جعفر إلى علي
فمكثت عنده حتى بلغت فعرضها علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها فقال هي ابنة
أخي من الرضاعة وسيأتي الكلام على ما يتعلق بالرضاعة في أوائل النكاح إن شاء الله تعالى
* الحديث الثاني (قوله حدثني محمد هو ابن رافع) هذا البعض رواه الفربري ووقع في رواية
النسفي عن البخاري حدثني محمد بن رافع وكذا تقدم في الصلح مجزوما به في هذا الحديث لجميعهم
وساقه هناك على لفظه وهناك على لفظ رفيقه وسريح هو ابن النعمان وهو من شيوخ البخاري
وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا (قوله وحدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم) يعني المعروف بابن
إشكاب يكنى أبا جعفر وأبوه الحسين بن إبراهيم بن الحسن العامري يكنى أبا علي خراساني سكن
بغداد وطلب الحديث ولزم أبا يوسف وقد أدركه البخاري فإنه مات سنة ست عشرة ومائتين وليس
له ولا لأبيه في البخاري سوى هذا الموضع (قوله بالحديبية) تقدم بيان ذلك في حديث المسور في
الشروط (قوله إلا سيوفا) يعني في غمدها كما تقدم في الذي قبله (قوله ولا يقيم بها إلا ما أحبوا) بين
في حديث البراء أنهم اتفقوا على ثلاثة أيام وقال ابن التين قوله ثلاثة أيام يخالف قوله إلا ما أحبوا
فيجمع بأن محبتهم لما كانت ثلاثة أيام أفصح بها الراوي معبرا عما آل إليه الحال وهو ثلاثة أيام
(قلت) بل قوله ما أحبوا مجمل بينته رواية ثلاثة أيام بدليل ما سأذكره من حديث البراء (قوله
فلما أن أقام بها ثلاثا أمروه أن يخرج فخرج) تقدم بيان ذلك في حديث البراء ووقع في رواية
زكريا عن أبي إسحاق عن البراء عند مسلم فقالوا لعلي هذا آخر يوم من شرط صاحبك فمره أن يخرج
فذكر ذلك له فخرج * الحديث الثالث حديث ابن عمر في العمرة وفيه قصته مع عائشة وإنكارها
عليه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب وقد تقدم شرحه في أبواب العمرة وقوله
فيه ألا تسمعين في رواية الكشميهني ونقل الكرماني رواية ألا تسمعي بغير نون وهي
لغية * الحديث الرابع (قوله عن إسماعيل بن أبي خالد) في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا
إسماعيل بن أبي خالد (قوله سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم) أي خشية أن يؤذوه كذا قاله علي بن عبد الله عن سفيان بهذا اللفظ وقاله ابن أبي عمر عن
سفيان بلفظ لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة طاف بالبيت في عمرة القضية فكنا نستره
من السفهاء والصبيان مخافة أن يؤذوه أخرجه الإسماعيلي وأخرجه من رواية إسحاق بن أبي
إسرائيل عن سفيان بلفظ وكنا نستره من صبيان أهل مكة لا يؤذونه أخرجه الحميدي كذلك
وتقدم في أبواب العمرة من وجه آخر عن عبد الله بن أبي أوفى بأتم من هذا السياق قال اعتمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتمرنا معه فلما دخل مكة طاف فطفنا معه وأتى الصفا والمروة
391

وأتيناهما معه أي سعوا قال وكنا نستره من أهل مكة أن يرميه أحد الحديث الخامس حديث
ابن عباس تقدم بهذا السند والمتن في أبواب الطواف من كتاب الحج في باب بدء الرمل وشرحت
بعض ألفاظه وحكم الرمل هناك (قوله وفد) أي قوم وزنا ومعنى ووقع في رواية ابن السكن
وقد بفتح القاف وسكون الدال وهو خطأ (قوله وهنتهم) بتخفيف الهاء وتشديدها أي أضعفتهم
ويثرب اسم المدينة النبوية في الجاهلية ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسميتها بذلك وإنما
ذكر ابن عباس ذلك حكاية لكلام المشركين وفي رواية الإسماعيلي فأطلعه الله على ما قالوا (قوله
إلا الابقاء عليهم) بكسر الهمزة وسكون الموحدة بعدها القاف والمد أي الرفق بهم والاشفاق
عليهم والمعنى لم يمنعه من أمرهم بالرمل في جميع الطوفات إلا الرفق بهم قال القرطبي روينا قوله
إلا الابقاء عليهم بالرفع على أنه فاعل يمنعه وبالنصب على أن يكون مفعولا من أجله ويكون في
يمنعه ضمير عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فاعله (قوله وأن يمشوا بين الركنين) أي
اليمانيين وعند أبي داود من وجه آخر وكانوا إذا تواروا عن قريش بين الركنين مشوا وإذا طلعوا
عليهم رملوا وسيأتي في الذي بعده أن المشركين كانوا من قبل قيقعان وهو يشرف على الركنين
الشاميين ومن كان به لا يرى من بين الركنين اليمانيين ولمسلم من هذا الوجه في آخره فقال
المشركون هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى وهنتهم لهؤلاء أجلد من كذا الحديث السادس حديث ابن
عباس أيضا (قوله حدثنا محمد) هو ابن سلام وعمرو هو ابن دينار (قوله إنما سعى بالبيت) أي رمل
(قوله ليرى المشركون قوته) تقدم سببه في الذي قبله (قوله وزاد ابن سلمة) كذا وقع هنا ووقع عند
النسفي عقب الذي قبله وهو به أليق وابن سلمة هو حماد وقد شارك حماد ابن زيد في روايته له عن
أيوب وزاد عليه تعيين مكان المشركين وهو قيقعان وطريق حماد بن سلمة هذه وصلها
الإسماعيلي نحوه وزاد في آخره فلما رملوا قال المشركون ما وهنتهم ووقع في بعض النسخ وزاد ابن
مسلمة بزيادة ميم في أوله وهو غلط الحديث السابع حديث بن عباس أيضا (قوله تزوج
ميمونة وهو محرم) سيأتي البحث فيه في كتاب النكاح (قوله وزاد ابن إسحاق الخ) هو موصول في
السيرة وزاد في آخره وكان الذي زوجها منه العباس بن عبد المطلب ولابن حبان والطبراني من
طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق بلفظ تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك يعني عمرة
القضاء وهو حرام وكان الذي زوجه إياها العباس ونحوه للنسائي من وجه آخر عن ابن عباس وفي
مغازي أبي الأسود عن عروة بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب إلى ميمونة ليخطبها
له فجعلت أمرها إلى العباس وكانت أختها أم الفضل تحته فزوجه إياها فبنى بها بسرف وقدر الله
أنها ماتت بعد ذلك بسرف وكانت قبله صلى الله عليه وسلم تحت أبي رهم بن عبد العزي وقيل تحت
أخيه حويطب وقيل سخبرة بن أبي رهم وأمها هند بنت عوف الهلالية * قوله باب
غزوة مؤتة) بضم الميم وسكون الواو بغير همز لأكثر الرواة وبه جزم المبرد ومنهم من همزها وبه
جزم ثعلب والجوهري وابن فارس وحكى صاحب الواعي الوجهين وأما الموتة التي ورد الاستعاذة
منها وفسرت بالجنون فهي بغير همز (قوله من أرض الشام) قال ابن إسحاق هي بالقرب من
البلقاء وقال غيره هي على مرحلتين من بيت المقدس ويقال أن السبب فيها أن شرحبيل بن عمرو
الغساني وهو من أمراء قيصر على الشام قتل رسولا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب
392

بصرى واسم الرسول الحرث بن عمير فجهز إليهم النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا في ثلاثة آلاف
وفي مغازي أبي الأسود عن عروة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش إلى مؤتة في جمادى
من سنة ثمان وكذا قال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أهل المغازي لا يختلفون في ذلك
إلا ما ذكر خليفة في تاريخه أنها كانت سنة سبع ثم ذكر المصنف فيه ستة أحاديث * الحديث
الأول حديث ابن عمر (قوله حدثنا أحمد) هو ابن صالح بينه أبو علي بن شبويه عن الفربري وبه
جزم أبو نعيم (قوله عن عمرو) هو ابن الحارث وابن أبي هلال هو سعيد (قوله قال وأخبرني نافع)
هو معطوف على شئ محذوف ويؤيد ذلك قوله أنه وقف على جعفر يومئذ ولم يتقدم لغزوة مؤتة
إشارة ولم أر من نبه على ذلك من الشراح وقد تتبعت ذلك حتى فتح الله بمعرفة المراد فوجدت في
أول باب جامع الشهادتين من السنن لسعيد بن منصور قال حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمر بن
الحرث عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن ابن رواحة فذكر شعرا له قال فلما التقوا أخذ الراية
زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل ثم أخذها جعفر فقاتل حتى قتل ثم أخذها ابن رواحة فحاد
حيدة فقال
أقسمت يا نفس لتنزلنه * كارهة أو لتطاوعنه * مالي أراك تكرهين الجنة *
ثم نزل فقاتل حتى قتل فأخذ خالد بن الوليد الراية ورجع بالمسلمين على حمية ورمى واقد ابن عبد الله
التيمي المشركين حتى ردهم الله قال ابن أبي هلال وأخبرني نافع فذكر ما أخرجه البخاري وزاد
في آخره قال سعيد بن أبي هلال وبلغني أنهم دفنوا يومئذ زيدا وجعفرا وابن رواحة في حفرة
واحدة (قوله ليس منها) كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني ليس فيها (قوله أخبرنا أحمد بن
أبي بكر) هو أبو مصعب الزهري ومغيرة بن عبد الرحمن هو المخزومي بينه أبو علي عن مصعب
الزبيري وفي طبقته مغيرة بن عبد الرحمن الخزامي وهو أوثق من المخزومي وليس للمخزومي
في البخاري سوى هذا الحديث وهو بطريق المتابعة عنده وكان المخزومي فقيه أهل المدينة بعد
مالك وهو صدوق (قوله عن عبد الله بن سعيد) في رواية مصعب عبد الله بن سعيد بن أبي
هند وهو مدني ثقة (قوله إن قتل زيد فجعفر) زاد موسى بن إسحاق في المغازي عن ابن شهاب
فجعفر بن أبي طالب أميرهم وفي حديث عبد الله بن جعفر عند أحمد والنسائي بإسناد صحيح إن
قتل زيد فأميركم جعفر وروى أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من حديث أبي قتادة قال بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الامراء وقال عليكم زيد بن حارثة فإن أصيب زيد فجعفر
فذكر الحديث وفيه فوثب جعفر فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما كنت أرهب أن
تستعمل على زيدا قال امض فإنك لا تدري أي ذلك خير (قوله قال عبد الله) أي ابن عمر
وهو موصول بالاسناد المذكور (قوله كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب)
أي بعد أن قتل كذا اختصره وفي حديث عبد الله بن جعفر المذكور فلقوا العدو فأخذ
الراية زيد فقاتل حتى قتل ثم أخذها جعفر ونحوه في مرسل عروة عند ابن إسحاق وذكر ابن
إسحاق بإسناد حسن وهو عند أبي داود من طريقه عن رجل من بني مرة قال والله لكأني أنظر
إلى جعفر بن أبي طالب حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقر لها ثم تقدم فقاتل حتى قتل قال ابن
إسحاق وحدثني محمد بن جعفر عن عروة قال ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فالتوى بها
393

بعض الالتواء ثم تقدم على فرسه ثم نزل فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم الأنصاري
فقال اصطلحوا على رجل فقالوا أنت لها قال لا فاصطلحوا على خالد بن الوليد وروى الطبراني من
حديث أبي اليسر الأنصاري قال أنا دفعت الراية إلى ثابت بن أقرم لما أصيب عبد الله بن
رواحة فدفعها إلى خالد بن الوليد وقال له أنت أعلم بالقتال مني (قوله في الرواية الأولى فعددت
به خمسين بين طعنة وضربة) روى سعيد بن منصور عن أبي معشر عن نافع مثله وقال ابن سعد
عن أبي نعيم عن أبي معشر تسعين وفي الرواية الثانية ووجدنا في جسده بضعة وتسعين من طعنة
ورمية وكذا أخرجه ابن سعد من طريق العمري عن نافع بلفظ بضع وتسعون وظاهرهما
التخالف ويجمع بأن العدد قد لا يكون له مفهوم أو بأن الزيادة باعتبار ما وجد فيه من رمى
السهام فإن ذلك لم يذكر في الرواية الأولى أو الخمسين مقيدة بكونها ليس فيها شئ في دبره أي في
ظهره فقد يكون الباقي في بقية جسده ولا يستلزم ذلك أنه ولى دبره وهو محمول على أن الرمي إنما
جاء من جهة قفاه أو جانبيه ولكن يؤيد الأول أن في رواية العمري عن نافع فوجدنا ذلك فيما
أقبل من جسده بعد أن ذكر العدد بضع وتسعون ووقع في رواية البيهقي في الدلائل بضعا
وتسعين أو بضعا وسبعين وأشار إلى أن بضعا وتسعين أثبت وأخرجه الإسماعيلي عن الهيثم بن
خلف عن البخاري بلفظ بضعا وتسعين أو بضعا وسبعين بالشك لم أر ذلك في شئ من نسخ البخاري
وفي قوله ليس شئ منها في دبره بيان فرط شجاعته وإقدامه * الحديث الثاني حديث أنس (قوله
حدثنا أحمد بن واقد) هو أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني (قوله نعى زيدا) أي أخبرهم بقتله
وذكر موسى بن عقبة في المغازي أن يعلى بن أمية قدم بخبر أهل موتة فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرك قال فأخبرني فأخبره خبرهم فقال والذي بعثك بالحق
ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره وعند الطبراني من حديث أبي اليسر الأنصاري أن أبا عامر
الأشعري هو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمصابهم (قوله ثم أخذ جعفر فأصيب) كذا هنا
بحذف المفعول والمراد الراية ووقع في علامات النبوة عند أبي ذر بهذا الاسناد بلفظ ثم أخذها
(قوله وعيناه تذرفان) بذال معجمة وراء مكسورة أي تدفعان الدموع (قوله حتى أخذها سيف
من سيوف الله حتى فتح الله عليهم) في حديث أبي قتادة ثم أخذ اللواء خالد ابن الوليد ولم يكن من
الامراء وهو أمير نفسه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم انه سيف من سيوفك فأنت
تنصره فمن يومئذ سمى سيف الله وفي حديث عبد الله بن جعفر ثم أخذها سيف من سيوف الله
خالد ابن الوليد ففتح الله عليهم وتقدم حديث الباب في الجهاد من وجه آخر عن أيوب فأخذها خالد
ابن الوليد من غير إمرة والمراد نفي كونه كان منصوصا عليه وإلا فقد ثبت أنهم اتفقوا عليه وزاد
فيه وما يسرهم أنهم عندنا أي لما رأوا من فضل الشهادة وزاد في حديث عبد الله بن جعفر
ثم أمهل آل جعفر ثلاثا ثم أتاهم فقال لا تبكوا على أخي بعد اليوم ثم قال ائتوني ببني أخي
فجئ بنا كأننا أفراخ فدعا الحلاق فحلق رؤوسنا ثم قال أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب وأما عبد الله
فشبيه خلقي وخلقي ثم دعا لهم وفي الحديث جواز الاعلام بموت الميت ولا يكون ذلك من
النعي المنهي عنه وقد تقدم تقرير ذلك في الجنائز وفيه جواز تعليق الامارة بشرط وتولية
عدة أمراء بالترتيب وقد اختلف هل تنعقد الولاية الثانية في الحال أو لا والذي يظهر أنها في الحال
394

تنعقد ولكن بشرط الترتيب وقيل تنعقد لواحد لا بعينه وتتعين لمن عينها الامام على الترتيب
وقيل تنعقد للأول فقط وأما الثاني فبطريق الاختيار واختيار الامام مقدم على غيره لأنه أعرف
بالمصلحة العامة وفيه جواز التأمر في الحرب بغير تأمير قال الطحاوي هذا أصل يؤخذ منه أن
على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الامام يقوم مقامه إلى أن يحضر وفيه جواز الاجتهاد
في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه علم ظاهر من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لخالد بن الوليد
ولمن ذكر من الصحابة واختلف أهل النقل في المراد بقوله حتى فتح الله عليه هل كان هناك قتال فيه
هزيمة للمشركين أو المراد بالفتح انحيازه بالمسلمين حتى رجعوا سالمين ففي رواية ابن إسحاق عن محمد
ابن جعفر عن عروة فحاش خالد الناس ودافع وانحاز وانحيز عنه ثم انصرف بالناس وهذا يدل على
الأول ويؤيده ما تقدم من بلاغ سعيد بن أبي هلال في الحديث الأول وذكر ابن سعد عن أبي عامر
ان المسلمين انهزموا لما قتل عبد الله بن رواحة حتى لم أر اثنين جميعا ثم اجتمعوا على خالد وعند
الواقدي من طريق عبد الله بن الحرث بن فضيل عن أبيه قال لما أصبح خالد بن الوليد جعل مقدمته
ساقة وميمنته ميسرة فأنكر العدو حالهم وقالوا جاءهم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين وعنده
من حديث جابر قال أصيب بموتة ناس من المشركين وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين
وفي مغازي أبي الأسود عن عروة فحمل خالد على الروم فهزمهم وهذا يدل على الثاني و يمكن الجمع
بأن يكونوا هزموا جانبا من المشركين وخشي خالد أن يتكاثر الكفار عليهم فقد قيل إنهم كانوا
أكثر من مائة ألف فانحاز بهم حتى رجع بهم إلى المدينة وهذا السند وإن كان ضعيفا من جهة
الانقطاع والآخر من جهة ابن لهيعة الراوي عن أبي الأسود وكذلك الواقدي فقد وقع في
المغازي لموسى بن عقبة وهي أصح المغازي كما تقدم ما نصه ثم أخذه يعني اللواء عبد الله بن رواحة
فقتل ثم اصطلح المسلمون على خالد بن الوليد فهزم الله العدو وأظهر المسلمين قال العماد بن كثير
يمكن الجمع بأن خالدا لما حاز المسلمين وبات ثم أصبح وقد غير هيئة العسكر كما تقدم وتوهم العدو أنهم
قد جاء لهم مدد حمل عليهم خالد حينئذ فولوا فلم يتبعهم ورأى الرجوع بالمسلمين هي الغنيمة الكبرى
ثم وجدت في مغازي ابن عائذ بسند منقطع أن خالدا لما أخذ الراية قاتلهم قتالا شديدا حتى انحاز
الفريقان عن غير هزيمة وقفل المسلمون فمروا على طريقهم بقرية بها حصن كانوا في ذهابهم قتلوا
من المسلمين رجلا فحاصروهم حتى فتح الله عليهم عنوة وقتل خالد بن الوليد مقاتلتهم فسمى ذلك
المكان نقيع الدم إلى اليوم * الحديث الثالث حديث عائشة (قوله حدثنا عبد الوهاب) هو
ابن عبد المجيد الثقفي ويحيى بن سعيد هو الأنصاري (قوله لما جاء قتل بن رواحة) (1) يحتمل أن
يكون المراد مجئ الخبر على لسان القاصد الذي حضر من عند الجيش ويحتمل أن يكون المراد
مجئ الخبر على لسان جبريل كما يدل عليه حديث أنس الذي قبله (قوله جلس رسول الله صلى
الله عليه وسلم) زاد البيهقي من طريق المقدمي عن عبد الوهاب في المسجد (قوله يعرف فيه
الحزن) أي لما جعل الله فيه من الرحمة ولا ينافي ذلك الرضا بالقضاء ويؤخذ منه أن ظهور
الحزن على الانسان إذا أصيب بمصيبة لا يخرجه عن كونه صابرا راضيا إذا كان قلبه مطمئنا بل
قد يقال إن من كان ينزعج بالمصيبة ويعالج نفسه على الرضا والصبر أرفع رتبة ممن لا يبالي بوقوع
المصيبة أصلا أشار إلى ذلك الطبري وأطال في تقريره (قوله وأنا أطلع من صائر الباب تعني
395

من شق الباب) ووقع في رواية القابسي من صائر الباب بشق الباب وللنسفي شق بغير موحدة
والأول أصوب هنا وشق بالكسر وبالفتح أيضا يقال بالفتح هو الموضع الذي ينظر منه كالكوة
وبالكسر الناحية وهذه الرواية تدل على أن في الرواية التي تقدمت في الجنائز بلفظ من صائر
الباب شق الباب إدراجا وأنه تفسير من بعض رواته وذكر ابن التين وغيره أن الذي وقع في الحديث
بلفظ صائر تغيير والصواب صير بكسر المهملة وتحتانية ساكنة ثم راء قال الجوهري الصير شق
الباب وفي الحديث من نظر من صير باب ففقئت عينه فهي هدر قال أبو عبيد لم أسمع هذا الحرف
إلا في هذا الحديث (قوله فأتاه رجل) لم أقف على اسمه (قوله إن نساء جعفر) يحتمل أن يريد
زوجاته ويحتمل أن يريد من ينسب إليه من النساء في الجملة وهذا الثاني هو المعتمد لأنا لا نعرف
لجعفر زوجة غير أسماء بنت عميس (قوله فذكر بكاءهن) في رواية الكشميهني وذكر بواو
(قوله فأمره أن يأتيهن) كذا رأيت في أصل أبي ذر فإن كان مضبوطا ففيه حذف تقديره
فنهاهن وأظنه محرفا فان الذي في سائر الروايات فأمره (1) أن ينهاهن وهو الوجه وكذا وقع
في الجنائز (قوله وذكر أنه لم يطعنه) في رواية الكشميهني وذكر أنهن وهو أوجه (قوله لقد
غلبننا) أي في عدم الامتثال لقوله وذلك إما لأنه لم يصرح لهن بنهي الشارع عن ذلك فحملن
أمره على أنه يحتسب عليهن من قبل نفسه أو حملن الامر على التنزيه فتمادين على ما هن فيه أو
لأنهن لشدة المصيبة لم يقدرن على ترك البكاء والذي يظهر أن النهي إنما وقع عن قدر زائد على
محض البكاء كالنوح ونحو ذلك فلذلك أمر الرجل بتكرار النهي واستبعده بعضهم من جهة أن
الصحابيات لا يتمادين بعد تكرار النهي على أمر محرم ولعلهن تركن النوح ولم يتركن البكاء وكان
غرض الرجل حسم المادة ولم يطعنه لكن قوله فأحث في أفواههن من التراب يدل على أنهن
تمادين على الامر الممنوع ويجوز في الثاء المثلثة من قوله فأحث الضم والكسر لأنه يقال حتى
يحثو ويحثى (قوله من العناء) بفتح العين المهملة وبالنون والمد هو التعب ووقع في رواية العذري
عند مسلم من الغي بغين معجمة وتحتانية ثقيلة وللطبراني مثله لكن بعين مهملة ومراد عائشة أن
الرجل لا يقدر على ذلك فإذا كان لا يقدر فقد أتعب نفسه ومن يخاطبه في شئ لا يقدر على إزالته
ولعل الرجل لم يفهم من الامر المحتم وقال القرطبي لم يكن الامر للرجل بذلك على حقيقته
لكن تقديره إن أمكنك فإن ذلك يسكنهن إن فعلته وأمكنك وإلا فالملاطفة أولى * وفي
الحديث جواز معاقبة من نهى عن منكر فتمادى عليه بما يليق به وقال النووي معنى كلام
عائشة أنك قاصر عن القيام بما أمرت به من الانكار فينبغي أن تخبر النبي صلى الله عليه وسلم
بقصورك عن ذلك ليرسل غيرك وتستريح أنت من العناء ووقع عند ابن إسحاق من وجه آخر
صحيح عن عائشة في آخره قالت عائشة وعرفت أنه لا يقدر أن يحثى في أفواههن التراب قالت
وربما ضر التكلف أهله وفي حديث عائشة من الفوائد بيان ما هو الأولى بالمصاب من الهيئات
ومشروعية الانتصاب للعزاء على هيئته وملازمة الوقار والتثبت وفيه جواز نظر من شأنه
الاحتجاب من شق الباب وأما عكسه فممنوع وفيه إطلاق الدعاء بلفظ لا يقصد الداعي إيقاعه
بالمدعو به لان قول عائشة أرغم الله أنفك أي ألصقه بالتراب ولم ترد حقيقة هذا وإنما جرت
عادة العرب بإطلاق هذه اللفظة في موضع الشماتة بمن يقال له ووجه المناسبة في قوله أحث
396

في أفواههن دون أعينهن مع أن الأعين محل البكاء الإشارة إلى أن النهي لم يقع عن مجرد البكاء بل
عن قدر زائد عليه من صياح أو نياحة والله أعلم * الحديث الرابع (قوله حدثني محمد بن أبي
بكر) هو المقدمي وعمر بن علي هو عمه وعامر هو الشعبي (قوله يا ابن ذي الجناحين) تقدم
شرحه في مناقب جعفر وأنه عوض بذلك عن قطع يديه في تلك الوقعة حيث أخذ اللواء بيمينه
فقطعت ثم أخذه بشماله فقطعت ثم احتضنه فقتل وأن النسفي روى عن البخاري أنه يقال لكل
ذي ناحيتين جناحان وأنه أشار إلى أن الجناحين في هذه القصة ليسا على ظاهرهما وقال السهيلي
قوله جناحان ليسا كما يسبق إلى الوهم كجناحي الطير وريشه لان الصورة الآدمية أشرف الصور
وأكملها فالمراد بالجناحين صفة ملكية وقوة روحانية أعطيها جعفر وقد عبر القرآن عن
العضد بالجناح توسعا في قوله تعالى واضمم إليك جناحك وقال العلماء في أجنحة الملائكة انها
صفات ملكية لا تفهم إلا بالمعاينة فقد ثبت أن لجبريل ستمائة جناح ولا يعهد للطير ثلاثة أجنحة
فضلا عن أكثر من ذلك وإذا لم يثبت خبر في بيان كيفيتها فنؤمن بها من غير بحث عن حقيقتها
انتهى وهذا الذي جزم به في مقام المنع والذي نقله عن العلماء ليس صريحا في الدلالة لما ادعاه ولا
مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة ما ذكره من المعهود وهو من قياس الغائب على الشاهد وهو
ضعيف وكون الصورة البشرية أشرف الصور لا يمنع من حمل الخبر على ظاهره لان الصورة باقية
وقد روى البيهقي في الدلائل من مرسل عاصم بن عمر بن قتادة أن جناحي جعفر من ياقوت وجاء في
جناحي جبريل أنهما لؤلؤ أخرجه بن منده في ترجمة ورقة * الحديث الخامس (قوله حدثنا
سفيان) هو الثوري وإسماعيل هو ابن أبي خالد والاسناد كله كوفيون إلا الصحابي (قوله دق
في بدي) بضم الدال فسره في الرواية الأولى بقوله انقطعت (قوله يمانية) بتخفيف التحتانية
وحكى تشديدها وهذا الحديث يقتضي أن المسلمين قتلوا من المشركين كثيرا وقد روى أحمد
وأبو داود من حديث عوف بن مالك ان رجلا من أهل اليمن رافقه في هذه الغزوة فقتل روميا
وأخذ سلبه فاستكثره خالد بن الوليد فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل على أن ذلك
بعد أن قام خالد بن الوليد بالامر وهو يرجح أن خالدا لم يقتصر على حوز المسلمين والنجاة بهم بل باشر
القتال فيمكن الجمع كما تقدم * الحديث السادس (قوله عن حصين) هو ابن عبد الرحمن وعامر هو
الشعبي كما في الرواية الثانية قوله (أغمي على عبد الله بن رواحة) أي ابن ثعلب بن امرئ القيس
الأنصاري الخزرجي أحد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار وأحد النقباء بالعقبة
وأحد البدريين (قوله فجعلت أخته عمرة) هي والدة النعمان بن بشير راوي الحديث ووقع
في رواية هشيم عند أبي نعيم وفي مرسل أبي عمران الجوني عند ابن سعد أنها أمه وهو خطأ فلو
كانت أمه تسمى عمرة لجوزت وقوع ذلك لهما ولكن اسم أمه كبشة بنت واقد وهذا الحديث
ذكره خلف في مسند النعمان وذكره المزي في مسند عبد الله بن رواحة وهو واضح لان المتن
منقول عنه وينبغي أن يذكر أيضا في مسند عمرة لقوله في الطريق الثانية لم تبك عليه أي عمرة فهو
نقل من النعمان ما صنعت أمه ولما قال خاله لكن يصغر النعمان عن إدراك ذلك من خاله
فالذي يظهر أنه إنما نقل جميع ذلك عن أمه فيكون الحديث من رواية النعمان عن أمه عن
أخيها فيكون ذلك من رواية ثلاثة من الصحابة في نسق (قوله وا جبلاه) وكذا وكذا تعدد
397

عليه في رواية هشيم عن حصين عند أبي نعيم في المستخرج وا عضداه وفي مرسل الحسن عند
ابن سعد وا جبلاه وا عزاه وفي مرسل أبي عمران الجوني عنده وأظهراه وزاد فيه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان عاده فأغمي عليه فقال اللهم إن كان أجله قد حضر فيسر عليه وإلا فاشفه
قال فوجد خفة فقال كان ملك قد رفع مرزبة من حديد يقول آنت كذا فلو قلت نعم لقمعني
بها (قوله قيل لي آنت كذلك) هو استفهام إنكار وفي مرسل الحسن آنت جبلها آنت عزها
وزاد أبو نعيم في المستخرج من طريق هشيم في آخرها فنهاها عن البكاء عليه وبها تظهر النكتة
في قوله في الرواية الثانية فلما مات لم تبك عليه أي أصلا امتثالا لامره وبهذه الزيادة وهي قوله
فلما مات لم تبك عليه تظهر النكتة في إدخال هذا الحديث في هذا الباب ويظهر أو يتجه الرد على
من قال لا مناسبة لدخوله فيه لان موت عبد الله بن رواحة لم يكن في ذلك المرض والله أعلم
* (قوله باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات) بضم
المهملة وفتح الراء بعدها قاف نسبة إلى الحرقة واسمه جهيش بن عامر بن ثعلبة بن مودعة بن
جهينة تسمى الحرقة لأنه حرق قوما بالقتل فبالغ في ذلك ذكره ابن الكلبي (قوله أخبرنا حصين)
هو بن عبد الرحمن وأبو ظبيان بالمعجمة ثم الموحدة اسمه حصين بن جندب قال النووي أهل اللغة
يفتحون الظاء يعني المشالة من ظبيان وأهل الحديث يكسرونها قوله بعثنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى الحرقة ليس في هذا ما يدل على أنه كان أمير الجيش كما هو ظاهر الترجمة وقد
ذكر أهل المغازي سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة بتحتانية ساكنة وفاء مفتوحة وهي
وراء بطن نخل وذلك في رمضان سنة سبع وقالوا إن أسامة قتل الرجل في هذه السرية فان ثبت
أن أسامة كان أمير الجيش فالذي صنعه البخاري هو الصواب لأنه ما أمر إلا بعد قتل أبيه بغزوة
موتة وذلك في رجب سنة ثمان وإن لم يثبت أنه كان أميرها رجح ما قال أهل المغازي وسيأتي شرح
حديث الباب في كتاب الديات وفيه تسمية الرجل المقتول إن شاء الله تعالى ثم ذكر المصنف
حديث سلمة بن الأكوع قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات وخرجت
فيما يبعث من البعوث بتسع غزوات مرة علينا أبو بكر ومرة علينا أسامة بن زيد بن حارثة أما
غزوات سلمة مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقدم بيانها في غزوة الحديبية وقد ذكر منها في الطريق
الأخيرة من حديث الباب خيبر والحديبية ويوم الحنين ويوم القرد وفي آخره قال يزيد يعني بن
أبي عبيد الراوي عنه ونسيت بقيتهم كذا فيه بالميم في ضمير جمع الغزوات والمعروف فيه التأنيث
وكذا وقع في رواية النسفي بالميم وضبب عليه ووقع في رواية حكاها الكرماني ولم أقف عليها بعينها
وهي أوجه وأما بقية الغزوات التي نسيهن يزيد فهن غزوة الفتح وغزوة الطائف فإنهما وان
كانا في سنة غزوة حنين فهما غيرهما وغزوة تبوك وهي آخر الغزوات النبوية فهذه سبع
غزوات كما ثبت في أكثر الروايات وإن كانت الرواية الأولى وهي رواية حاتم بن إسماعيل بلفظ
التسع محفوظة فلعله عد غزوة وادي القرى التي وقعت عقب خيبر وعد أيضا عمرة القضاء غزوة
كما تقدم من صنيع البخاري فكمل بها التسعة وأما ما وقع عند أبي نعيم في المستخرج من
طريق نصر بن علي عن حماد بن مسعدة فذكر هذا الحديث فقال في أوله أحد وخيبر ففيه
نظر لانهم لم يذكروا سلمة فيمن شهد أحدا وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن حماد بن
398

مسعدة ولم يذكر فيه أحدا والله أعلم وأما المبعوث فسرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة كما ثبت
من حديثه عند مسلم وسربته إلى بني كلاب ذكرها بن سعد وبعثه إلى الحج سنة تسع وأما أسامة
فأول ما أرسل في السرية التي وقع ذكرها في الباب ثم في سرية إلى أبنى بضم الهمزة وسكون
الموحدة ثم نون مقصور وهي من نواحي البلقاء وذلك في صفر فوقفنا مما ذكره على خمس سرايا
وبقيت أربع فليستدركها على أهل المغازي فإنهم لم يذكروا غير الذي ذكرته بعد التتبع البالغ
ويحتمل أن يكون فيه حذف تقديره ومرة علينا غيرهما وأيضا فإنه لم يذكر في بعض الروايات
للبعوث عددا (قوله وقال عمر بن حفص) أي ابن غياث وهو من شيوخ البخاري وربما
حدث عنه بواسطة وهذا الحديث قد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي بشر إسماعيل بن
عبد الله عن عمر بن حفص به (قوله وغزوت مع ابن حارثة استعمله علينا) كذا أبهمه البخاري
عن شيخه أبي عاصم وقد ذكرت ما فيه في باب غزوة زيد بن حارثة ولعل البخاري أبهمه عمدا
لمخالفة بقية روايات الباب في تعيين أسامة (قوله حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا حماد بن
مسعدة) يقال إن محمد بن عبد الله هذا هو الذهلي نسبة إلى جده وهو محمد بن يحيى بن عبد الله
ابن خالد بن فارس وكان أبو داود إذا حدث عنه نسب أباه يحيى إلى جده فارس ولا يذكر خالدا
ويقال إن محمد بن عبد الله المذكور هو المخزومي وجزم الكلاباذي والبرقاني بأنه الذهلي والله
أعلم * (قوله باب غزوة الفتح) أي فتح مكة شرفها الله تعالى وسقط لفظ باب
من نسخة الصغاني وكان سبب ذلك أن قريشا نقضوا العهد الذي وقع بالحديبية فبلغ ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم فغزاهم قال ابن إسحاق حدثني الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة
أنه كان في الشرط من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل ومن
أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فدخلت بنو بكر أي بن عبد مناة بن كنانة
في عهد قريش ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق وكان
بين بني بكر وخزاعة حروب وقتلى في الجاهلية فتشاغلوا عن ذلك لما ظهر الاسلام فلما كانت
الهدنة خرج نوفل بن معاوية الديلي من بني بكر في بني الديل حتى بيت خزاعة على ماء لهم يقال له
الوتير فأصاب منهم رجلا يقال له منبه واستيقظت لهم خزاعة فاقتتلوا إلى أن دخلوا الحرم ولم
يتركوا القتال وأمدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل بعضهم معهم ليلا في خفية فلما انقضت
الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في
المسجد فقال
يا رب إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الا تلدا
فانصر هداك الله نصرا أيدا * وادع عباد الله يأتوا مددا
إن قريشا أخلفوك الموعدا * ونقضوا ميثاقك المؤكدا
هم بيتونا بالوتير هجدا * وقتلونا ركعا وسجدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا * وهم أذل وأقل عددا
قال ابن إسحاق فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت يا عمرو بن سالم فكان ذلك ما هاج
فتح مكة وقد روى البزار من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بعض
399

الأبيات المذكورة في هذه القصة وهو إسناد حسن موصول ولكن رواه بن أبي شيبة عن يزيد
ابن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلا وأخرجه أيضا من رواية أيوب عن عكرمة مرسلا
مطولا قال فيه لما وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة وكانت خزاعة في صلحه وبنو
بكر في صلح قريش فكان بينهم قتال فأمدتهم قريش بسلاح وطعام فظهروا على خزاعة وقتلوا
منهم قال وجاء وفد خزاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه إلى النصر وذكر الشعر وأخرجه
عبد الرزاق من طريق مقسم عن ابن عباس مطولا وليس فيه الشعر وأخرجه الطبراني من
حديث ميمونة بنت الحارث مطولا وفيه أيضا أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليلا
وهو في متوضئه نصرت نصرت فسألته فقال هذا راجز بني كعب يستصرخني وزعم أن قريشا
أعانت عليهم بني بكر قالت فأقمنا ثلاثا ثم صلى الصبح بالناس ثم سمعت الراجز ينشده وعند
موسى بن عقبة في هذه القصة قال ويذكرون أن ممن أعانهم من قريش صفوان بن أمية وشيبة
ابن عثمان وسهل بن عمرو (قوله وما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو
النبي صلى الله عليه وسلم) سقط لفظ به من بعض النسخ أي لعزم النبي صلى الله عليه وسلم على
غزوهم وعند ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبيدي عن عروة قال فلما أجمع رسول الله صلى
الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب ابن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بذلك ثم أعطاه امرأة
من مزينة وفي مرسل أبي سلمة المذكور عند ابن أبي شيبة ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة
جهزيني ولا تعلمي بذلك أحدا فدخل عليها أبو بكر فأنكر بعض شأنها فقال ما هذا فقالت له
فقال والله ما انقضت الهدنة بيننا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذكر له أنهم أول من غدر
ثم أمر بالطرق فحبست فعمى على أهل مكة لا يأتيه خبر (قوله حدثنا سفيان) هو ابن عيينة
(قوله عن عمرو) تقدم في الجهاد عن علي عن سفيان سمعت عمرو بن دينار (قوله بعثني
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد) كذا في رواية عبيد الله بن أبي رافع وفي رواية
أبي عبد الرحمن السلمي عن علي كما تقدم في فضل من شهد بدرا بعثني وأبا مرثد الغنوي والزبير
ابن العوام فيحتمل أن يكون الثلاثة كانوا معه فذكر أحد الراويين عنه ما لم يذكره الآخر
ولم يذكر ابن إسحاق مع علي والزبير أحدا وساق الخبر بالتثنية قال فخرجا حتى أدركاها
فاستنزلاها الخ فالذي يظهر أنه كان مع كل منهما آخر تبعا له (قوله فان بها ظعينة معها كتاب)
في أواخر الجهاد من وجه آخر عن علي وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا وذكر ابن
إسحاق أن اسمها سارة والواقدي أن اسمها كنود وفي رواية سارة وفي أخرى أم سارة وذكر الواقدي
أن حاطبا جعل لها عشرة دنانير على ذلك وقيل دينارا واحدا وقيل إنها كانت مولاة العباس
(قوله فأخرجته من عقاصها) قد تقدم في الجهاد وبيان الاختلاف في ذلك ووجه الجمع بين
كونه في عقاصها أو في حجزتها (قوله يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي
مرسل عروة تخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الامر في السير إليهم
وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا (قوله إني كنت امرأ ملصقا في قريش) أي حليفا
وقد فسره بقوله كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وعند ابن إسحاق ليس في القوم من أصل
ولا عشيرة وعند أحمد وكنت غربيا قال السهيلي كان حاطب حليفا لعبد الله بن حميد بن زهير
400

بن أسد بن عبد العزى واسم أبي بلتعة عمرو وقيل كان حليفا لقريش (قوله يحمون بها
قرابتي) في رواية ابن إسحاق وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه وسيأتي تكملة
شرح هذا الحديث في سورة الممتحنة وذكر بعض أهل المغازي وهو في تفسير يحيى بن سلام
أن لفظ الكتاب أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش كالليل
يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده فانظروا لأنفسكم والسلام
كذا حكاه السهيلي وروى الواقدي بسند له مرسل أن حاطبا كتب إلى سهيل بن عمرو
وصفوان بن أمية وعكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن
في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم وقد أحببت
أن يكون لي عندكم يد
401