الكتاب: شرح مسلم
المؤلف: النووي
الجزء: ١٨
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٧ - ١٩٨٧ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

صحيح مسلم
بشرح النووي
الجزء الثامن عشر
الناشر
دار الكتاب العربي
بيروت - لبنان
1407 - 1987 م
1

كتاب الفتن وأشراط الساعة
قوله في رواية ابن أبي شيبة وسعيد بن عمرو وزهير وابن أبي عمر (عن سفيان عن الزهري عن
عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن حبيبة عن أم حبيبة عن زينب بنت) جحش هذا الاسناد
اجتمع فيه أربع صحابيات زوجتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وربيبتان له بعضهن عن
بعض ولا يعلم حديث اجتمع فيه أربع صحابيات بعضهن عن بعض غيره وأما اجتماع أربعة
صحابة أو أربعة تابعيين بعضهم عن بعض فوجدت منه أحاديث قد جمعتها في جزء ونبهت في
هذا الشرح على ما مر منها في صحيح مسلم وحبيبة هذه هي بنت أم حبيبة أم المؤمنين بنت أبي
سفيان ولدتها من زوجها عبد الله بن جحش الذي كانت عنده قبل النبي صلى الله عليه وسلم قوله
صلى الله عليه وسلم (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد سفيان بيده عشرة)
2

هكذا وقع في رواية سفيان عن الزهري ووقع بعده في رواية يونس عن الزهري وحلق بإصبعه
الابهام والتي تليها وفى حديث أبي هريرة بعده وعقد وهيب بيده تسعين فأما رواية سفيان
ويونس فمتفقتان في المعنى وأما رواية أبي هريرة فمخالفة لهما لأن عقد التسعين أضيق من العشرة
قال القاضي لعل حديث أبي هريرة متقدم فزاد قدر الفتح هذا القدر قال أو يكون المراد
التقريب بالتمثيل لا حقيقة التحديد ويأجوج ومأجوج غير مهموزين ومهموزان قرئ في السبع
بالوجهين الجمهور بترك الهمز قوله (أنهلك
وفينا الصالحون) قال إذا كثر الخبث هو بفتح الخاء
والباء وفسره الجمهور بالفسوق والفجور وقيل المراد الزنا خاصة وقيل أولاد الزنا والظاهر أنه
المعاصي مطلقا ويهلك بكسر اللام على اللغة الفصيحة المشهورة وحكى فتحها وهو ضعيف أو فاسد
3

ومعنى الحديث أن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام وإن كان هناك صالحون قوله (دخل
الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان على أم سلمة أم المؤمنين فسألاها عن الجيش الذي
يخسف به وكان ذلك في أيام ابن الزبير) قال القاضي عياض قال أبو الوليد الكتاني هذا ليس
بصحيح لأن أم سلمة توفيت في خلافة معاوية قبل موته بسنتين سنة تسع وخمسين ولم تدرك
أيام ابن الزبير قال القاضي قد قيل إنها توفيت أيام يزيد بن معاوية في أولها فعلى هذا يستقيم
4

ذكرها لأن ابن الزبير نازع يزيد أول ما بلغته بيعته عند وفاة معاوية ذكر ذلك الطبري وغيره
وممن ذكر وفاة أم سلمة أيام يزيد أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب وقد ذكر مسلم الحديث
بعد هذه الرواية من رواية حفصة وقال عن أم المؤمنين ولم يسمها قال الدارقطني هي عائشة قال
ورواه سالم بن أبي الجعد عن حفصة أو أم سلمة وقال والحديث محفوظ عن أم سلمة وهو
أيضا محفوظ عن حفصة هذا آخر كلام القاضي وممن ذكر أن أم سلمة توفيت أيام يزيد بن معاوية
أبو بكر بن أبي خيثمة قوله صلى
الله عليه وسلم (فإذا كانوا ببيداء من الأرض) وفى رواية
ببيداء المدينة قال العلماء كل أرض ملساء لا شئ بها وبيداء المدينة الشرف الذي قدام ذي
الحليفة أي جهة مكة قوله صلى الله عليه وسلم (ليؤمن هذا البيت جيش) أي يقصدونه. قوله صلى
5

الله عليه وسلم (ليست لهم منعة) هي بفتح النون وكسرها أي ليس لهم من يجمعهم بمنعهم. قوله
(عبد الرحمن بن سابط) هو بكسر الباء ويوسف بن ماهك هو بفتح الهاء غيره مصروف
قوله (عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه) هو بكسر الباء قيل معناه اضطرب بجسمه وقيل
6

حرك أطرافه كمن يأخذ شيئا أو يدفعه. قوله صلى الله عليه وسلم (فيهم المستبصر والمجبور
وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى ويبعثهم الله على نياتهم) أما المستبصر
فهو المستبين لذلك القاصد له عمدا وأما المجبور فهو المكره يقال أجبرته فهو مجبر هذه اللغة
المشهورة ويقال أيضا جبرته فهو مجبور حكاها الفراء وغيره وجاء هذا الحديث على هذه اللغة
وأما ابن السبيل فالمراد به سالك الطريق معهم وليس منهم ويهلكون مهلكا واحدا أي يقع
الهلاك في الدنيا على جميعهم ويصدرون يوم القيامة مصادر شتى أي يبعثون مختلفين على قدر
نياتهم فيجازون بحسبها وفى هذا الحديث من الفقه التباعد من أهل الظلم والتحذير من مجالستهم
ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين لئلا يناله ما يعاقبون به وفيه أن من كثر سواد قوم جرى
عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا قوله (ان النبي صلى الله عليه وسلم أشرف على أطم من آطام
المدينة ثم قال هل ترون ما أرى انى لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر) الأطم بضم
الهمزة والطاء هو القصر والحصن وجمعه آطام ومعنى أشرف علا وارتفع والتشبيه بمواقع القطر
7

في الكثرة والعموم أي أنها كثيرة وتعم الناس لا تختص بها طائفة وهذا إشارة إلى الحروب
الجارية بينهم كوقعة الجمل وصفين والحرة ومقتل عثمان ومقتل الحسين رضي الله عنهما وغير ذلك
وفيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم. قوله صلى الله عليه وسلم (ستكون فتن القاعد فيها خير
من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه ومن
وجد منها ملجأ فليعذبه) وفى رواية ستكون فتنة النائم فيها خير من اليقظان واليقظان فيها خير
8

من القائم أما تشرف فروى على وجهين مشهورين أحدهما بفتح المثناة فوق والشين والراء والثاني
يشرف بضم الياء واسكان الشين وكسر الراء وهو من الاشراف للشئ وهو الانتصاب والتطلع
إليه والتعرض له ومعنى تستشرفه تقبله وتصرعه وقبل هو من الاشراف بمعنى الاشفاء على الهلاك
ومنه أشفى المريض على الموت وأشرف وقوله صلى الله عليه وسلم ومن وجد منها ملجأ أي عاصما
وموضعا يلتجئ إليه ويعتزل فليعذبه أي فليعتزل فيه وأما قوله صلى الله عليه وسلم القاعد فيها
خير من القائم إلى آخره فمعناه بيان عظيم خطرها والحث على تجنبها والهرب منها ومن التثبت
في شئ وأن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها. قوله صلى الله عليه وسلم (يعمد على سيفه
فيدق على حده بحجر) قل المراد كسر السيف حقيقة على ظاهر الحديث ليسد على نفسه باب
9

هذا القتال وقيل هو مجاز والمراد ترك القتال والأول أصح وهذا الحديث والأحاديث قبله وبعده
مما يحتج به من لا يرى القتال في الفتنة بكل حال وقد اختلف العلماء في قتال الفتنة فقالت طائفة
لا يقاتل في فتن المسلمين وان دخلوا عليه بيته وطلبوا قتله فلا يجوز له المدافعة عن نفسه لأن الطالب
متأول وهذا مذهب أبي بكرة الصحابي رضي الله عنه وغيره وقال ابن عمر وعمران بن الحصين رضي الله عنهم
وغيرهما لا يدخل فيها لكن ان قصد دفع عن نفسه فهذان المذهبان متفقان على ترك
الدخول في جميع فتن الاسلام وقال معظم الصاحبة والتابعين وعامة علماء الاسلام يجب نصر
المحق في الفتن والقيام معه بمقاتلة الباغين كما قال تعالى فقاتلوا التي تبغى الآية وهذا هو الصحيح
وتتأول الأحاديث على من لم يظهر له المحق أو على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهما ولو كان
كما قال الأولون لظهر الفساد واستطال أهل البغي والمبطلون والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم
10

(إذا تواجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار) معنى تواجها ضرب كل واحد وجه
صاحبه أي ذاته وجملته وأما كون القاتل والمقتول من أهل النار فمحمول على من لا تأويل له ويكون
قتالهما عصبية ونحوها ثم كونه في النار معناه مستحق لها وقد يجازى بذلك وقد يعفو الله تعالى عنه
هذا مذهب أهل الحق وقد سبق تأويله مرات وعلى هذا يتأول كل ما جاء من نظائره واعلم أن الدماء
التي جرت بين الصحابة رضي الله عنه ليست بداخلة في هذا الوعيد ومذهب أهل السنة والحق
إحسان الظن بهم والامساك عما شجر بينهم وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا
معصية ولا محض الدنيا بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر
الله وكان بعضهم مصيبا وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ لأنه لاجتهاد والمجتهد إذا أخطأ لا إثم
عليه وكان علي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب هذا مذهب أهل السنة وكانت
القضايا مشتبهة حتى أن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتلوا ولم يتيقنوا
الصواب ثم تأخروا عن مساعدته منهم. قوله (أرأيت ان أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد
الصفين فضربني رجل بسيفه أو يجئ سهم فيقتلني قال يبوء باثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار)
11

معنى يبوء به يلزمه ويرجع ويحتمله أي يبوء الذي أكرهك باثمه في اكراهك وفى دخوله في الفتنة
وبإثمك في قتلك غيره ويكون من أصحاب النار أي مستحقا لها وفى هذا الحديث رفع الاثم عن المكره
على الحضور هناك وأما القتل فلا يباح بالإكراه بل يأثم المكره على المأمور به بالإجماع وقد نقل
القاضي وغيره فيه الاجماع قال أصحابنا وكذا الاكراه على الزنا لا يرفع الاثم فيه هذا إذا أكرهت المرأة
حتى مكنت من نفسها فأما إذا ربطت ولم يمكنها مدافعته فلا إثم والله أعلم. قوله صلى الله
عليه وسلم (ان المقتول في النار لأنه أراد قتل صاحبه) فيه دلالة للمذهب الصحيح الذي عليه
الجمهور أن من نوى المعصية وأصر على النية يكون آثما وان لم يفعلها ولا تكلم وقد سبقت المسألة
واضحة في كتاب الايمان. قوله صلى الله عليه وسلم (فهما على جرف جهنم) هكذا هو في معظم
النسخ جرف بالجيم وضم الراء واسكانها وفى بعضها حرف بالحاء وهما متقاربتان ومعناه على
طرفها قريب من السقوط فيها. قوله (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر عن شعبة
ح وحدثنا ابن مثنى وابن بشار عن غندر عن شعبة
عن منصور بإسناده مرفوعا) هذا الحديث
مما استدركه الدارقطني وقال لم يرفعه الثوري عن منصور وهذا الاستدراك غير مقبول فان شعبة
12

امام حافظ فزيادته الرفع مقبولة كما سبق بيانه مرات. قوله صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة
حتى تقتتل فئتان عظيمتان) هذا من المعجزات وقد جرى هذا في العصر الأول قوله صلى الله
عليه وسلم (ان الله وقد زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وان أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي
منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض) أما زوى فمعناه جمع وهذا الحديث فيه معجزات
ظاهرة وقد وقعت كلها بحمد الله كما أخبر به صلى الله عليه وسلم قال العلماء المراد بالكنزين الذهب
والفضة والمراد كنزي
كسرى وقيصر ملكي العراق الشام فيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة
يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب وهكذا وقع وأما في جهتي الجنوب والشمال فقليل
بالنسبة إلى المشرق والمغرب وصلوات الله وسلامه على رسوله الصادق الذي لا ينطق عن الهوى
ان هو الا وحى يوحى. قوله صلى الله عليه وسلم (فيستبيح بيضتهم) أي جماعتهم وأصلهم والبيضة
13

أيضا العز والملك. قوله (سبحانه وتعالى وانى قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة) أي
لا أهلكهم بقحط يعمهم بل إن وقع قحط فيكون في ناحية يسيرة بالنسبة إلى باقي بلاد الاسلام
ولله الحمد والشكر على جميع نعمه. قوله صلى الله عليه وسلم (سألت ربى ثلاثا فأعطاني اثنتين
14

إلى آخره) هذا أيضا من المعجزات الظاهرة. قوله (أخبرنا علباء بن أحمر قال حدثني أبو زيد)
أما علباء فبعين مهملة مكسورة ثم لام ساكنة ثم باء موحدة ثم ألف ممدودة وأحمر آخره راء
وأبو زيد هو عمرو بن أخطب بالخاء المعجمة الصحابي المشهور. قوله (عن حذيفة كنا عند عمر
16

رضي الله عنه وذكر حديث الفتنة) وقد سبق شرحه في أواخر كتاب الايمان. قوله (قال جندب
17

جئت يوم الجرعة فإذا رجل جالس) الجرعة بفتح الجيم وبفتح الراء واسكانها والفتح أشهر وأجود
وهي موضع بقرب الكوفة على طريق الحيرة ويوم الجرعة يوم خرج فيه أهل الكوفة يتلقون واليا ولاه
عليهم عثمان فردوه وسألوا عثمان أن يولى عليهم أبا موسى الأشعري فولاه. قوله (بئس الجليس
لي أنت منذ اليوم تسمعني أخالفك) وقع في جميع نسخ بلادنا المعتمدة أخالفك بالخاء المعجمة
وقال القاضي رواية شيوخنا كافة بالحاء المهملة من الحلف الذي هو اليمين قال ورواه بعضهم
بالمعجمة وكلاهما صحيح قال لكن المهملة أظهر لتكرر الايمان بينهما. قوله صلى الله عليه وسلم
(لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب) هو بفتح الياء المثناة تحت وكسر السين
18

أي ينكشف لذهاب مائة. قوله (في ظل أحم حسان) هو بضم الهمزة والجيم وهو الحصن
وجمعه آجام كأطم وآطام في الوزن والمعنى. قوله (لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب
الدنيا) قال العلماء المراد بالأعناق هنا الرؤساء والكبراء وقيل الجماعات قال القاضي وقد يكون
19

المراد بالأعناق نفسها وعبر بها عن أصحابها لا سيما وهي التي بها التطلع والتشوف للأشياء. قوله
صلى الله عليه وسلم (منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مديها ودينارها ومنعت مصر
أردبها ودينارها وعدتم من حيث بدأتم) أما القفيز فمكيال معروف لأهل العراق قال الأزهري
هو ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف وهو خمس كيلجات وأما المدى فبضم الميم على
وزن قفل وهو مكيال معروف لأهل الشام قال العلماء يسع خمسة عشر مكوكا وأما الأردب
فمكيال معروف لأهل مصر قال الأزهري وآخرون يسع أربعة وعشرين صاعا وفى معنى
منعت العراق وغيرها قولان مشهوران أحدهما لاسلامهم فتسقط عنهم الجزية وهذا قد وجد
والثاني وهو الأشهر أن معناه أن العجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان فيمنعون
حصول ذلك للمسلمين وقد روى مسلم هذا بعد هذا بورقات عن جابر قال يوشك أن لا يجئ
إليهم قفيز ولا درهم قلنا من أين ذلك قال من قبل العجم يمنعون ذاك وذكر في منع الروم ذلك
بالشام مثله وهذا قد وجد في زماننا في العراق وهو الآن موجود وقيل لأنهم يرتدون في آخر
الزمان فيمنعون ما لزمهم من الزكاة وغيرها وقيل معناه أن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى
20

شوكتهم في آخر الزمان فيمتنعون مما كانوا يؤدونه من الجزية والخراج وغير ذلك وأما قوله
صلى الله عليه وسلم وعدتم من حيث بدأتم فهو بمعنى الحديث الآخر بدأ الاسلام غريبا وسيعود
كما بدأ وقد سبق شرحه في كتاب الايمان. قوله صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى تنزل
الروم بالأعماق أو بدابق) الأعماق بفتح الهمزة وبالعين المهملة ودابق بكسر الباء الموحدة وفتحها
والكسر هو الصحيح المشهور ولم يذكر الجمهور وغيره وحكى القاضي في المشارق الفتح ولم يذكر
غيره وهو اسم موضع معروف قال الجوهري الأغلب عليه التذكير والصرف لأنه في الأصل
اسم نهر قال وقد يؤنث ولا يصرف والأعماق ودابق موضعان بالشام بقرب حلب. قوله صلى الله عليه وسلم (قالت الروم خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا) روى سبوا على وجهين فتح السين
والباء وضمهما قال القاضي في المشارق الضم رواية الأكثرين قال وهو الصواب قلت كلاهما
صواب لأنهم سبوا أولا ثم سبوا الكفار وهذا موجود في زماننا بل معظم عساكر الاسلام في
بلاد الشام ومصر سبوا ثم هم اليوم بحمد الله يسبون الكفار وقد سبوهم في زماننا مرارا كثيرة يسبون
في المرة الواحدة من الكفار ألوفا ولله الحمد على إظهار الاسلام وإعزازه قوله. صلى الله عليه وسلم
(فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم) أي لا يلهمهم التوبة. قوله صلى الله عليه وسلم (فيفتتحون
قسطنطينة) هي بضم القاف واسكان السين وضم الطاء الأولى وكسر الثانية وبعدها ياء ساكنة
ثم نون هكذا ضبطناه وهو المشهور ونقله القاضي في المشارق عن المتقين والأكثرين وعن
21

بعضهم زيادة ياء مشددة بعد النون وهي مدينة مشهورة من أعظم مدائن الروم. قوله (حدثني
موسى بن علي عن أبيه) هو بضم العين على المشهور وقيل بفتحها وقيل بالفتح اسم له وبالضم
لقب وكان يكره الضم. قوله حدثني أبو شريح أن عبد الكريم بن الحارث حدثه أن المستورد
22

ابن شداد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقوم الساعة والروم أكثر الناس)
هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال عبد الكريم لم يدرك المستورد فالحديث
مرسل قلت لا استدراك على مسلم في هذا لأنه ذكر الحديث محذوف في الطريق الأول من رواية
علي بن رباح عن أبيه عن المستورد متصلا وإنما ذكر الثاني متابعة وقد سبق أنه يحتمل في المتابعة
ما لا يحتمل في الأصول وسبق أيضا أن مذهب الشافعي والمحققين أن الحديث المرسل إذا روى
من جهة أخرى متصلا احتج به وكان
صحيحا وتبينا برواية الاتصال صحة رواية الارسال
ويكونان صحيحين بحيث لو عارضها صحيح جاء من طريق واحد وتعذر الجمع قدمناهما عليه. قوله
في هذه الرواية وأجبر الناس عند مصيبة) هكذا في معظم الأصول وأجبر بالجيم وكذا نقله
القاضي عن رواية الجمهور وفى رواية بعضهم وأصبر بالصاد قال القاضي والأول أولى لمطابقة
الرواية الأخرى وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وهذا بمعنى أجبر وفى بعض النسخ أخبر بالخاء المعجمة
23

ولعل معناه أخبرهم بعلاجها والخروج منها. قوله (عن يسير بن عمرو) هو بضم الياء وفتح السين
المهملة وفى رواية شيبان بن فروخ عن أسير بهمزة مضمومة وهما قولان مشهوران في اسمه. قوله
(فجاء رجل ليس له هجيرى الا يا عبد الله بن مسعود) هو بكسر الهاء والجيم المشددة مقصور الألف
أي شأنه ودأبه ذلك والهجيرى بمعنى الهجير. قوله (فيشترط المسلمون شرطة للموت) الشرطة بضم
الشين طائفة من الجيش تقدم للقتال. وأما قوله فيشترط فضبطوه بوجهين أحداهما فيشترط بمثناة
تحت ثم شين ساكنة ثم مثناة فوق والثاني فيشترط بمثناه تحت ثم مثناة فوق ثم شين مفتوحة
وتشديد الراء. قوله (فيفي ؤ هؤلاء وهؤلاء) أي يرجع. قوله (نهد إليهم بقية أهل الاسلام)
هو بفتح النون والهاء أي نهض وتقدم. قوله (فيجعل الله الديرة عليهم) بفتح الدال والياء
24

أي الهزيمة ورواه بعض رواة مسلم الدائرة بالألف وبعدها همزة وهو بمعنى الديرة وقال
الأزهري الدائرة هم الدولة تدور على الأعداء وقيل هي الحادثة. قوله (حتى أن الطائر ليمر
بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتا) جنباتهم بجيم ثم نون مفتوحتين ثم باء موحدة أي نواحيهم وحكى
القاضي عن بعض رواتهم بجثمانهم بضم الجيم واسكان المثلثة أي شخوصهم وقوله فما يخلفهم هو بفتح
الخاء المعجمة وكسر اللام المشددة أي يجاوزهم وحكى القاضي عن بعض رواتهم فما يلحقهم أي يلحق
25

آخرهم. قوله (إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك) هكذا هو في نسخ بلادنا ببأس هو أكبر بباء
موحدة في بأس وفى أكبر وكذا حكاه القاضي عن محققي رواتهم وعن بعضهم بناس بالنون
أكثر بالمثلثة قالوا والصواب الأول ويؤيده رواية أبي داود سمعوا بأمر أكبر من ذلك. قوله
(لا يغتالونه) يقتلونه غيلة وهي القتل وهي غفلة وخفاء وخديعة. قوله (لعله نجى معهم) أي
يناجيهم ومعناه يحدثهم. قوله (فحفظت منه أربع كلمات) هذا الحديث فيه معجزات لرسول
26

الله صلى الله عليه وسلم وسبق بيان جزيرة العرب. قوله (عن حذيفة بن أسيد هو بفتح الهمزة
وكسر السين. قوله (عن ابن عيينة عن فرات عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد) هذا
الاسناد مما استدركه الدارقطني وقال ولم يرفعه غير فرات عن أبي الطفيل من وجه صحيح قال
ورواه عبد العزيز بن رفيع وعبد الملك بن ميسرة موقوفا هذا كلام الدارقطني وقد ذكر مسلم
رواية ابن رفيع موقوفة كما قال ولا يقدح هذا في الحديث فان عبد العزيز بن رفيع ثقة حافظ
متفق على توثيقه فزيادة مقبولة. قوله صلى الله عليه وسلم في اشراط الساعة (لن تقوم حتى
ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال) هذا الحديث يؤيد قول من قال إن الدخان دخان يأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام وأنه لم يأت بعد وإنما يكون قريبا
من قيام الساعة وقد سبق في كتاب بدء الخلق قول من قال هذا وانكار ابن مسعود عليه وأنه
قال أنما هو عبارة عما نال قريشا من القحط حتى كانوا يرون بينهم وبين السماء كهيئة الدخان وقد
وافق ابن مسعود جماعة وقال بالقول الآخر حذيفة وابن عمر والحسن ورواه حذيفة عن النبي
صلى الله عليه وسلم وأنه يمكث في الأرض أربعين يوما ويحتمل أنهما دخانان للجمع بين هذه
الآثار. وأما الدابة المذكورة في هذا الحديث فهي المذكورة في قوله تعالى وإذا وقع القول عليهم
أخرجنا لهم دابة من الأرض قال المفسرون هي دابة عظيمة تخرج من صدع في الصفا وعن
27

ابن عمرو بن العاص أنها الجساسة المذكورة في حديث الدجال. قوله صلى الله عليه وسلم (وآخر
ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم) وفى رواية نار تخرج من قعرة عدن هكذا هو في
الأصول قعرة بالهاء والقاف مضمومة ومعناه من أقصى قعر أرض عدن وعدن مدينة معروفة
مشهورة باليمن قال الماوردي سميت عدنا من العدون وهي الإقامة لأن تبعا كان يحبس فيها أصحاب
الجرائم وهذه النار الخارجة من قعر عدن واليمن هي الحاشرة للناس كما صرح به في الحديث أما
قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي بعده لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجار
تضئ أعناق الإبل ببصرى فقد جعلها القاضي عياض حاشرة قال ولعلها نار ان يجتمعان لحشر
الناس قال أو يكون ابتداء خروجها من اليمن ويكون ظهورها وكثرة قوتها بالحجاز هذا كلام
القاضي وليس في الحديث أن نار الحجاز متعلقة بالحشر بل هي آية من أشراط الساعة مستقلة
وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة وكانت نارا عظيمة جدا من جنب
المدينة الشرقي وراء الحرة تواتر العلم بها عند جميع الشام وسائر البلدان وأخبرني من
حضرها من أهل المدينة. قوله (عن أبي سريحة) هو بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالحاء المهملة. قوله
28

صلى الله عليه وسلم (ترحل الناس) هو بفتح التاء واسكان الراء وفتح الحاء المهملة المخففة هكذا
ضبطناه وهكذا ضبطه الجمهور وكذا نقل القاضي عن روايتهم ومعناه تأخذهم بالرحيل وتزعجهم
29

ويجعلون يرحلون قدامها وقد سبق شرح رحلها الناس وحشرهم إياهم. قوله صلى الله عليه وسلم (لا تقوم
الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضئ أعناق الإبل ببصرى) هكذا الرواية تضئ أعناق وهو
مفعول تضئ يقال أضاءت النار وأضاءت غيرها وبصرى بضم الباء مدينة معروفة بالشام وهي مدينة
حوران بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل. قوله صلى الله عليه وسلم (تبلغ المساكن اهاب أو يهاب) أما
اهاب فبكسر الهمزة واما يهاب فبياء مثناة تحت مفتوحة ومكسورة ولم يذكر القاضي في الشرح والمشارق
30

الا الكسر وحكى القاضي عن بعضهم نهاب بالنون والمشهور الأول وقد ذكر في الكتاب أنه
موضع بقرب المدينة على أميال منها. قوله صلى الله عليه وسلم (الا ان الفتنة ههنا من حيث يطلع
قرن الشيطان) هذا الحديث سبق شرحه في كتاب الايمان. قوله صلى الله عليه وسلم (ليست السنة
أن لا تمطروا) والمراد بالسنة هنا القحط ومنه قوله تعالى ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين
31

قوله صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة
32

وكانت صنما تعبدها دوس في الجاهلية بتبالة) أما قوله أليات فبفتح الهمزة واللام ومعناه أعجازهن
جمع ألية كجفنة وجفنات والمراد يضطربن من الطواف حول ذي الخلصة أي يكفرون ويرجعون
إلى عبادة الأصنام وتعظيمها وأما تبالة فمثناة فوق مفتوحة ثم باء موحدة مخففة وهي موضع
باليمن وليست تبالة التي يضرب بها المثل ويقال أهون على الحجاج من تبالة لأن تلك بالطائف
وأما ذو الخلصة فبفتح الخاء واللام هذا هو المشهور حكى القاضي فيه في الشرح والمشارق وثلاثة أوجه أحدها هذا والثاني
بضم الخاء والثالث بفتح الخاء واسكان اللام قالوا وهو بيت صنم ببلاد
دوس. قوله صلى الله عليه وسلم (ثم يبعث الله ريحا طيبة فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة
من خردل من ايمان إلى آخره) هذا الحديث سبق شرحه في كتاب الايمان. قوله
33

(حدثنا مروان عن يزيد وهو ابن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة حديث لا يدرى القاتل في أي شئ
قتل) وفى الرواية حدثنا محمد بن فضيل عن أبي إسماعيل الأسلمي عن أبي حازم ثم قال مسلم وفى رواية
أبان قال هو يزيد بن كيسان عن أبي إسماعيل لم يذكر الأسلمي هكذا هو في النسخ ويزيد بن كيسان
هو أبو إسماعيل وفى الكلام تقديم وتأخير ومراده وفى رواية ابن أبان قال عن أبي إسماعيل هو يزيد
ابن كيسان وظاهر اللفظ يوهم أن يزيد بن كيسان يرويه عن أبي إسماعيل وهذا غلط بل يزيد بن
كيسان هو أبو إسماعيل ووقع في بعض النسخ عن يزيد بن كيسان يعنى أبا إسماعيل وهذا يوضح
التأويل الذي ذكرناه وقد أوضحه الأئمة بدلائله كما ذكرته قال أبو علي الغساني اعلم أن يزيد بن كيسان
34

يكنى أبا إسماعيل وأن بشير بن سليمان يكنى أبا إسماعيل الأسلمي وكلاهما يروى عن أبي حازم فقد
اشتركا في أحاديث عنه منها هذا الحديث رواه مسلم أولا عن يزيد بن كيسان ثم رواه عن رواية
أبى إسماعيل الأسلمي الا في رواية ابن أبان فإنه جعله عن يزيد بن كيسان أبى إسماعيل ولهذا
لم يذكر الأسلمي في نسبه والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم (يخرب الكعبة ذو السويقتين
من الحبشة) هما تصغير ساقى الانسان لرقتهما وهي صفة سوق السودان غالبا ولا يعارض هذا
قوله تعالى حرما آمنا لأن معناه آمنا إلى قرب القيامة وخراب الدنيا وقيل يخص منه قصة ذي
35

السويقتين قال القاضي القول الأول أظهر. قوله صلى الله عليه وسلم (يملك رجل يقال له الجهجاه)
بهاءين وفى بعضها الجهجا بحذف الهاء التي بعد الألف والأول هو المشهور. قوله صلى الله
عليه وسلم (وكأن وجوهم المجان المطرقة) أما المجان فبفتح الميم وتشديد النون جمع مجن بكسر
الميم وهو الترس وأما المطرقة فباسكان الطاء وتخفيف الراء هذا هو الفصيح المشهور في الرواية وفى
كتب اللغة والغريب وحكى فتح الطاء وتشديد الراء والمعروف الأول قال العلماء هي التي ألبست
العقب وأطرقت به طاقة فوق طاقة قالوا ومعناه تشبيه وجوه الترك في عرضها وتنور وجناتها
36

بالترسة المطرقة. قوله صلى الله عليه وسلم (ذلف الآنف) هو بالذال المعجمة والمهملة لغتان المشهور
المعجمة وممن حكى الوجهين فيه صاحبا المشارق والمطالع قالا رواية الجمهور بالمعجمة وبعضهم
بالمهملة والصواب المعجمة وهو بضم الذال واسكان اللام جمع أذلف كأحمر وحمر ومعناه
فطس الأنوف قصارها مع انبطاح وقيل هو غلظ في أرنبة الأنف وقيل تطامن فيها وكله
متقارب. قوله صلى الله عليه وسلم (يلبسون الشعر ويمشون في الشعر) معناه ينتعلون الشعر
كما صرح به في الرواية الأخرى نعالهم الشعر وقد وجدوا في زماننا هكذا وفى الرواية الأخرى
حمر الوجوه أي بيض الوجوه مشوية بحمرة وفى هذه الرواية صغار الأعين وهذه كلها معجزات
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وجد قتال هؤلاء الترك بجميع صفاتهم التي ذكرها صلى
37

الله عليه وسلم صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنف عراض الوجوه كان وجوههم المجان
المطرقة ينتعلون الشعر فوجدوا بهذه الصفات كلها في زماننا وقاتلهم المسلمون مرات وقتالهم
الآن ونسأل الله الكريم احسان العاقبة للمسلمين في أمرهم وأمر غيرهم وسائر أحوالهم وإدامة
اللطف بهم والحماية وصلى الله على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. قوله
(يوشك أهل العراق أن لا يجئ إليهم قفيز إلى آخره) قد سبق شرحه قبل هذا بأوراق ويوشك
بضم الياء وكسر الشين ومعناه يسرع. قوله (ثم اسكت هنية) أما أسكت فهو بالألف في
جميع نسخ بلادنا وذكر القاضي أنهم رووه بحذفها واثباتها وأشار إلى أن الأكثرين حذفوها
وسكت وأسكت لغتان بمعنى صمت وقيل أسكت بمعنى أطرق وقيل بمعنى أعرض وقوله هنية
بتشديد الياء بلا همزة قال القاضي رواه لنا الصدفي بالهمزة وهو غلط وقد سبق بيانه في كتاب
الصلاة قوله صلى الله عليه وسلم (يكون في آخر أمتي خليفة يحثى المال حثيا ولا يعده عددا)
38

وفى رواية يحثو المال حثيا قال أهل اللغة يقال حثيت أحثي حثيا وحثوث أحثوا حثوا لغتان وقد
جاءت اللغتان في هذا الحديث وجاء مصدر الثانية على فعل الأولى وهو جائز من باب قوله تعالى
والله أنبتكم من الأرض نباتا والجثو هو الحفن باليدين وهذا الحثو الذي يفعله هذا الخليفة يكون
39

لكثرة الأموال والغنائم والفتوحات مع سخاء نفسه. قوله صلى الله عليه وسلم (بؤس ابن سمية تقتلك
فئة باغية) وفى رواية ويس أو يا ويس وفى رواية قال لعمار تقتلك الفئة الباغية أما الرواية الأولى فهو
بؤس بباء موحدة مضمومة وبعدها همزة والبؤس والبأساء المكروه والشدة والمعنى يا بؤس ابن سمية
ما أشده وأعظمه وأما الرواية الثانية فهي ويس بفتح الواو واسكان المثناة ووقع في رواية البخاري ويح
كلمة ترحم وويس تصغيرها أي أقل منها في ذلك قال الهروي ويح يقال لمن وقع في هلكة
لا يستحقها فيترحم بها عليه ويرثى له وويل لمن يستحقها وقال الفراء ويح وويس بمعنى ويل
وعن علي رضي الله عنه ويح باب رحمة وويل باب عذاب وقال ويح كلمة زجر لمن أشرف على
الهلكة وويل لمن وقع فيها والله أعلم والفئة الطائفة والفرقة قال العلماء هذا الحديث حجة
ظاهرة في أن عليا رضي الله عنه كان محقا مصيبا والطائفة الأخرى بغاة لكنهم مجتهدون فلا إثم
عليهم لذلك كما قدمناه في مواضع منها هذا الباب وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
من أوجه منها أن عمارا يموت قتيلا وأنه يقتله مسلمون وأنهم بغاة وأن الصحابة يقاتلون وأنهم
يكونون فرقتين باغية وغيرها وكل هذا قد وقع مثل فلق الصبح صلى الله عليه وسلم على رسوله الذي
40

لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى قوله صلى الله عليه وسلم (يهلك أمتي هذا الحي
من قريش) وفى رواية البخاري هلاك أمتي على يد أغيلمة من قريش هذه الرواية تبين أن المراد
برواية مسلم طائفة من قريش وهذا الحديث من المعجزات وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم
41

قوله صلى الله عليه وسلم (قد مات كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده
والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) قال الشافعي وسائر العلماء معناه لا يكون
كسرى بالعراق ولا قيصر بالشام كما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم فعلمنا صلى الله عليه وسلم
بانقطاع ملكهما في هذين الأقليمين فكان كما قال صلى الله عليه وسلم فأما كسرى فانقطع ملكه
وزال بالكلية من جميع الأرض وتمزق ملكه كل ممزق واضمحل بدعوة رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأما قيصر فانهزم من الشام ودخل أقاصي بلاده فافتتح المسلمون بلادهما واستقرت
للمسلمين ولله الحمد وأنفق المسلمون كنوزهما في سبيل الله كما أخبر صلى الله عليه وسلم وهذه
42

معجزات ظاهرة وكسرى بفتح الكاف وكسرها لغتان مشهورتان وفى رواية لتنفقن كنوزهما
في سبيل الله وفى رواية لتقسمن كنوزهما في سبيل الله وفى رواية كنزا لكسرى الذي
في الأبيض أي في قصره الأبيض أو قصوره ودوره البيض. قوله صلى الله عليه وسلم
في المدينة التي بعضها في البر وبعضها في البحر (يغزوها سبعون ألفا من بنى إسحاق) قال
القاضي كذا هو في جميع أصول صحيح مسلم من بنى إسحاق قال قال بعضهم المعروف المحفوظ
43

من بنى إسماعيل وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه لأنه إنما أراد العرب وهذه
44

المدينة هي القسطنطينية. قوله صلى الله عليه وسلم (الا الغرقد فإنه من شجر اليهود) والغرقد نوع
من شجر الشوك معروف ببلاد بيت المقدس وهناك يكون قتل الدجال واليهود وقال أبو حنيفة
الدينوري إذا عظمت العوسجة صارت غرقدة. قوله صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى
يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله) معنى يبعث يخرج ويظهر وسبق
في أول الكتاب تفسير الدجال وأنه من الدجل وهو التمويه وقد قيل غير ذلك وقد وجد من
45

هؤلاء خلق كثيرون في الأعصار وأهلكهم الله تعالى وقلع آثارهم وكذلك يفعل
بمن بقي منهم
باب ذكر ابن صياد
يقال له ابن صياد وابن صائد وسمى بهما في هذه الأحاديث واسمه صاف قال العلماء وقصته مشكلة
وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة
قال العلماء وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا
غيره وإنما أوحى إليه بصفات الدجال وكان في ابن صياد قرائن محتملة فلذلك كان النبي صلى الله
عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره ولهذا قال لعمر رضي الله عنه ان يكن هو فلن تستطيع
قتله وأما احتجاجه هو بأنه مسلم والدجال كافر وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد له هو وأن لا يدخل
مكة والمدينة وان ابن صياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة فلا دلالة له فيه لأن النبي صلى الله
عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض ومن اشتباه قصته وكونه أحد
46

الدجاجلة الكذابين. قوله للنبي صلى الله عليه وسلم (أتشهد أنى رسول الله) ودعواه أنه يأتيه صادق
وكاذب وأنه يرى عرشا فوق الماء وأنه لا يكره أن يكون هو الدجال وأنه يعرف موضعه وقوله
انى لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن وانتفاخه حتى ملأ السكة وأما اظهاره الاسلام وحجة
وجهاده واقلاعه عما كان عليه فليس بصريح في أنه غير الدجال قال الخطابي واختلف السلف في
أمره بعد كبره فروى عنه أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه
كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس وقيل لهم اشهدوا قال وكان ابن عمر وجابر فيما روى عنهما
يحلفان أن ابن صياد هو الدجال لا يشكان فيه فقيل لجابر إنه أسلم فقال وأن أسلم فقيل إنه دخل
مكة وكان في المدينة فقال وان دخل وروى أبو داود في سننه باسناد صحيح عن جابر قال فقدنا
ابن صياد يوم الحرة وهذا يعطل رواية من روى أنه مات بالمدينة وصلى عليه وقد روى مسلم
في هذه الأحاديث أن جابر بن عبد الله حلف بالله تعالى أن ابن صياد هو الدجال وأنه سمع عمر
رضي الله عنه يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم
وروى أبو داود باسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول والله ما أشك أن ابن صياد هو المسيح
الدجال قال البيهقي في كتابه البعث والنشور اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافا كثيرا هل
هو الدجال قال ومن ذهب إلى أنه غيره احتج بحديث تميم الداري في قصة الجساسة الذي ذكره
47

مسلم بعد هذا قال ويجوز أن توافق صفة ابن صياد صفة الدجال كما ثبت في الصحيح أن أشبه
الناس بالدجال عبد العزى من قطن وليس كما قال وكان أمر ابن صياد فتنة ابتلى الله تعالى بها
عباده فعصم الله تعالى منها المسلمين ووقاهم شرها قال وليس في حديث جابر أكثر من سكوت
النبي صلى الله عليه وسلم لقول عمر فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان كالمتوقف في أمره ثم جاه
البيان أنه غيره كما صرح به في حديث تميم هذا كلام البيهقي وقد اختار أنه غيره وقد قدمنا أنه صح
عن عمر وعن ابن عمر وجابر رضي الله عنهم أنه الدجال والله أعلم فان قيل كيف لم يقتله النبي
صلى الله عليه وسلم مع أنه ادعى بحضرته النبوة فالجواب من وجهين ذكرهما البيهقي وغيره
أحدهما أنه كان غير بالغ واختار القاضي عياض هذا الجواب الثاني أنه كان في أيام مهادنة
اليهود وحلفائهم وجزم الخطابي في معالم السنن بهذا الجواب الثاني قال لأن النبي صلى الله عليه
وسلم بعد قدومه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتاب صلح على أن لا يهاجوا ويتركوا على أمرهم
وكان ابن صياد منهم أو دخيلا فيهم قال الخطابي وأما امتحان النبي صلى الله عليه وسلم بما خبأه
له من آية الدخان فلأنه كان يبلغه ما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الكلام في الغيب فامتحنه
ليعلم حقيقة حاله ويظهر ابطال حاله للصحابة وأنه كاهن ساحر يأتيه الشيطان فيلقى على لسانه
ما يلقيه الشياطين إلى الكهنة فامتحنه باضمار قول الله تعالى فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين
وقال خبأت لك خبيئا فقال هو الدخ أي الدخان وهي لغة فيه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم
اخسأ فلن تعدو قدرك أي لا تجاوز قدرك وقدر أمثالك من الكهان الذين يحفظون
من القاء الشيطان كلمة واحدة من جملة كثيرة بخلاف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
فإنهم يوحى الله تعالى إليهم من علم الغيب ما يوحى فيكون واضحا كاملا وبخلاف ما يلهمه
الله الأولياء من الكرامات والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم (خبأت لك خبيئا) هكذا هو في
معظم النسخ وهكذا نقله القاضي عن جمهور رواة مسلم خبيثا بباء موحدة مكسورة ثم مثناة
وفى بعض النسخ خبأ بموحدة فقط ساكنة وكلاهما صحيح. قوله (هو الدخ) هو بضم الدال
48

وتشديد الخاء وهي لغة في الدخان كما قدمناه وحكى صاحب نهاية الغريب فيه فتح الدال وضمها
والمشهور في كتب اللغة والحديث ضمها فقط والجمهور على أن المراد بالدخ هنا الدخان أنها
لغة فيه وخالفهم الخطابي فقال لا معنى للدخان هنا لأنه ليس ما يخبأ في كف أو كم كما قال بل
الدخ بيت موجود بين النخيل والبساتين قال إلا أن يكون معنى خبأت أضمرت لك اسم الدخان
فيجوز والصحيح المشهور أنه صلى الله عليه وسلم أضمر له آية الدخان وهي قوله تعالى فارتقب
يوم تأتى السماء بدخان مبين قال القاضي قال الداودي وقيل كانت سورة الدخان مكتوبة في يده
صلى الله عليه وسلم وقيل كتب الآية في يده قال القاضي وأصح الأقوال أنه لم يهتد من الآية
التي أضمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا لهذا اللفظ الناقص على عادة الكهان إذا ألقى الشيطان
إليهم بقدر ما يخطف قبل أن يدركه الشهاب ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم اخسأ فلن تعدو
قدرك أي القدر الذي يدرك الكهان من الاهتداء إلى بعض الشئ وما لا يبين من تحقيقه ولا
يصل به إلى بيان وتحقيق أمور الغيب ومعنى اخسأ اقعد فلن تعدو قدرك قدرك والله أعلم قوله
49

صلى الله عليه وسلم (لبس عليه) هو بضم اللام وتخفيف الباء أي خلط عليه أمره كما صرح به
في قوله في الرواية الأخرى خلط عليك الأمر أي يأتيه به شيطان فخلط. قوله (فلبسني)
بالتخفيف أيضا أي جعلني التبس في أمره وأوشك فيه. قوله (فأخذتني منه ذمامة) هو
50

ذمامة بذال معجمة مفتوحة ثم ميم مخففة أي حياء واشفاق من الذم واللوم. قوله (حتى كاد
أن يأخذ في قوله) هو بتشديد في وقوله مرفوع وهو فاعل يأخذ أي يؤثر في وأصدقه في دعواه
قوله (فجاء بعس) هو بضم العين وهو القدح الكبير وجمعه عساس بكسر العين وأعساس قوله
51

(تبا لك سائر اليوم) أي خسرانا وهلاكا لك في باقي اليوم وهو منصوب بفعل مضمر متروك
الاظهار. قوله (في تربة الجنة) هي درمكة بيضاء مسك خالص قال العلماء معناه أنها في البياض
درمكة وفى الطيب مسك والدرمك هو الدقيق الحوارى الخالص البياض وذكر مسلم الروايتين
في أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ابن صياد عن تربة الجنة أو ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه
وسلم قال القاضي قال بعض أهل النظر الرواية الثانية أظهر. قوله (ان عمر رضي الله عنه حلف
52

بحضرة النبي صلى الله علي وسلم أن ابن صياد هو الدجال) استدل به جماعة على جواز اليمين
بالظن وأنه لا يشترط فيها اليقين وهذا متفق عليه عند أصحابنا حتى لو رأى بخط أبيه الميت أن
له عند زيد كذا وغلب على ظنه أنه خطه ولم يتيقن جاز الحلف على استحقاقه. قوله في رواية
حرملة (عن ابن وهب عن يونس عن عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر أن عمر انطلق) هكذا هو
في جميع النسخ وحكى القاضي أنه سقط في نسخة ابن ماهان ذكر ابن عمر وصار عنده منقطعا قال
هو غيره والصواب رواية الجمهور متصلا بذكر ابن عمر. قوله (عند أطم بنى مغالة) هكذا هو في بعض
النسخ بنى مغالة وفى بعضها ابن مغالة والأول هو المشهور والمغالة بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة
وذكر مسلم في رواية الحسن الحلواني التي بعد هذه أنه أطم بنى معاوية بضم الميم وبالعين المهملة قال العلماء
المشهور المعروف هو الأول قال القاضي وبنو مغالة كل ما كان على يمينك إذا وقفت آخر
البلاط مستقبل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والأطم بضم الهمزة والطاء هو
الحصن جمعه آطام. قوله (فرفضه) هكذا هو في أكثر نسخ بلادنا فرفضه بالضاد المعجمة وقال
53

القاضي روايتنا فيه عن الجماعة بالصاد المهملة قال بعضهم الرفص بالصاد المهملة الضرب بالرجل
مثل الرفس بالسين قال فان صح هذا فهو معناه قال لكن لم أجد هذه اللفظة في أصول اللغة قال
ووقع في رواية القاضي التميمي فرفضه بضاد معجمة وهو وهم قال وفى البخاري من رواية
المروزي فرقصه بالقاف والصاد المهملة ولا وجه له وفى البخاري في كتاب الأدب فرفضه
بضاد معجمة قال ورواه الخطابي في غريبه فرصه بصاد مهملة أي ضغطه حتى ضم بعضه إلى
بعض ومنه قوله تعالى بنيان مرصوص قلت ويجوز أن يكون معنى رفضه بالمعجمة أي ترك
سؤاله الاسلام ليأسه منه حينئذ ثم شرع في سؤاله عما يرى والله أعلم. قوله (وهو يختل أن
يسمع من ابن صياد شيئا) هو بكسر التاء أي يخدع ابن صياد ويستغفله ليسمع شيئا من كلامه
54

ويعلم هو والصحابة حاله في أنه كاهن أم ساحر ونحوهما وفيه كشف أحوال من تخاف مفسدته
وفيه كشف الامام الأمور المهمة بنفسه. قوله (انه في قطيفة له فيها زمزمة) القطيفة كساء
مخمل سبق بيانها مرات وقد وقعت هذه اللفظة في معظم نسخ مسلم زمزمة بزاءين معجمتين
وفى بعضها براءين مهملتين ووقع في البخاري بالوجهين ونقل القاضي عن جمهور رواة مسلم أنه
بالمعجمتين وأنه في بعضها رمزة براء أولا وزارى آخرا وحذف الميم الثانية وهو صوت خفى لا يكاد
يفهم أو لا يفهم. قوله (فثار ابن صياد) أي
نهض من مضجعه وقام. قوله صلى الله عليه وسلم
(ما من نبي إلا وقد أنذره قومه لقد أنذره نوح قومه) هذا الانذار لعظم فتنته وشدة أمرها. قوله صلى
الله عليه وسلم (تعلموا أنه أعور) اتفق الرواة على ضبطه تعلموا بفتح العين واللام المشددة وكذا
55

نقله القاضي وغيره عنهم قالوا ومعناه اعلموا وتحققوا يقال تعلم بفتح مشدد بمعنى اعلم. قوله صلى
الله عليه وسلم (تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت) قال المازري هذا الحديث فيه تنبيه
على اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة وهو مذهب أهل الحق ولو كانت مستحيلة كما يزعم المعتزلة
لم يكن للتقييد بالموت معنى والأحاديث بمعنى هذا كثيرة سبقت في كتاب الايمان جملة منها مع
آيات من القرآن وسبق هناك تقرير المسألة قال القاضي ومذهب أهل الحق أنها غير مستحيلة
في الدنيا بل ممكنة ثم اختلفوا في وقوعها ومن منعه تمسك بهذا الحديث مع قوله تعالى
لا تدركه الأبصار على مذهب من تأوله في الدنيا وكذلك اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه
وسلم ربه ليلة الاسراء وللسلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ثم الأئمة الفقهاء والمحدثين والنظار
في ذلك خلاف معروف وقال أكثر مانعيها في الدنيا سبب المنع ضعف قوى الآدمي في الدنيا عن
احتمالها كما لم يحتملها موسى صلى الله عليه وسلم في الدنيا والله أعلم. قوله (ناهز الحلم) أي قارب
56

البلوغ. قوله (فانتفخ حتى ملأ السكة) السكة بكسر السين الطريق وجمعها سكك قال أبو عبيد
أصل السكة الطريق المصطفة من النخل قال وسميت الأزفة سككا لاصطفاف الدور فيها. قوله
(فلقيته لقية أخرى) قال القاضي في المشارق رويناه لقية بضم اللام قال ثعلب وغيره يقولونه
بفتحها هذا كلام القاضي والمعروف في اللغة والرواية ببلادنا الفتح. قوله (وقد نفرت
عينه) بفتح النون والفاء أي ورميت ونتأت وذكر القاضي أنه روى على أوجه أخر والظاهر أنها تصحيف
57

باب ذكر الدجال
قد سبق في شرح خطبة الكتاب بيان اشتقاقه وغيره وسبق في كتاب الصلاة بيان قسميته المسيح
واشتقاقه والخلاف في ضبطه قال القاضي هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال
حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده وأقدر على أشياء
من مقدورات الله تعالى من احياء الميت الذي يقتله ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه
وجنته وناره ونهريه واتباع كنوز الأرض له وأمره السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت
فتنبت فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل
ذلك الرجل ولا غيره ويبطل أمره ويقتله عيسى صلى الله عليه وسلم ويثبت الله الذين آمنوا
هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار خلافا لمن أنكره وأبطل أمره من
الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة وخلافا للبخاري المعتزلي وموافقيه من الجهمية وغيرهم في
أنه صحيح الوجود ولكن الذي يدعى مخارف وخيالات لا حقائق لها وزعموا أنه لو كان حقا
لم يوثق بمعجزات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وهذا غلط من جميعهم لأنه لم يدع النبوة
58

فيكون ما معه كالتصديق له وإنما يدعي الإلهية وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ووجود
دلائل الحدوث فيه ونقص صورته وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه وعن إزالة الشاهد بكفره
المكتوب بين عينيه ولهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به إلا رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة
رغبة في سد الرمق أو تقية وخوفا من أذاه لأن فتنته عظيمة جدا تدهش العقول وتحير الألباب
مع سرعة مروره في الأمر فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله ودلائل الحدوث فيه والنقص
فيصدقه من صدقه في هذه الحالة ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من
فتنته ونبهوا على نقصه ودلائل ابطاله وأما أهل التوفيق فلا يغترون به ولا يخدعون لما معه
لما ذكرناه من الدلائل المكذبة له مع ما سبق لهم من العلم بحاله ولهذا يقول له الذي يقتله ثم يحييه
ما ازددت فيك الا بصيرة هذا آخر كلام القاضي رحمه الله. قوله صلى الله عليه وسلم (ان الله تبارك
وتعالى ليس بأعور ألا وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافئة) أما طافئة
59

فرويت بالهمز وتركه وكلاهما صحيح فالمهموزة هي التي ذهب نورها وغير المهموزة التي نتأت
وطفت مرتفعة وفيها ضوء وقد سبق في كتاب الايمان بيان هذا كله وبيان الجمع بين الروايتين
وأنه جاء في رواية أعور العين اليمنى وفى رواية اليسرى وكلاهما صحيح والعور في اللغة العيب
وعيناه معيبتان عورا وأن إحداهما طافئة بالهمز لا ضوء فيها والأخرى طافية بلا همزة ظاهرة
ناتئة وأما قوله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى ليس بأعور والدجال أعور فبيان لعلامة بينة
تدل على كذب الدجال دلائل قطعية بديهية يدركها كل أحد ولم يقتصر على كونه جسما أو غير
ذلك من الدلائل القطيعة لكون بعض العوام لا يهتدى إليها والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم
(مكتوب بين عينيه كافر ثم تهجاها فقال ك ف ر يقرأه كل مسلم) وفى رواية يقرأه كل مؤمن كاتب
وغير كاتب. الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها وأنها كتابة حقيقة جعلها
الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وابطاله ويظهرها الله تعالى لكل مسلم
كاتب وغير كاتب ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته ولا امتناع في ذلك وذكر القاضي فيه خلافا
60

منهم من قال هي كتابة حقيقة كما ذكرنا ومنهم من قال هي مجاز وإشارة إلى سمات الحدوث عليه
واحتج بقوله يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب وهذا مذهب ضعيف. قوله صلى الله عليه وسلم
(معه جنة ونار فجنته نار وناره جنة) وفى رواية نهران وفى رواية ماء ونار قال العلماء هذا من جملة فتنته
امتحن الله تعالى به عباده ليحق الحق ويبطل الباطل ثم يفضحه ويظهر للناس عجزه. قوله صلى الله عليه
وسلم (فاما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه نارا) هكذا هو في أكثر النسخ أدركن وفى بعضها أدركه
وهذا الثاني ظاهر وأما الأول فغريب من حيث العربية لأن هذه النون لا تدخل على الفعل قال
القاضي ولعله يدركن يعنى فعبره بعض الرواة. وقوله يراه بفتح الياء وضمها. قوله صلى الله عليه وسلم
(ممسوح العين عليها ظفرة غليظة) هي بفتح الظاء المعجمة والفاء وهي جلدة تغشى البصر وقال
61

الأصمعي لحمة تنبت عند المآقي. قوله (سمع النواس بن سمعان) بفتح السين وكسرها. قوله
(ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة
النخل) هو بتشديد الفاء فيهما وفي معناه قولان أحدهما أن خفض بمعنى حقر. وقوله رفع
أي عظمه وفخمه فمن تحقيره وهو انه على الله تعالى عوره ومنه قوله صلى الله عليه وسلم هو
أهون على الله من ذلك وأنه لا يقدر على قتل أحد إلا ذلك الرجل ثم يعجز عنه وأنه يضمحل
أمره ويقتل بعد ذلك هو وأتباعه ومن تفخيمه وتعظيم
فتنته والمحنة به هذه الأمور الخارقة
للعادة وأنه ما من نبي إلا وقد أنذره قومه والوجه الثاني أنه خفض من صوته في حال الكثرة
فيما تكلم فيه فخفض بعد طول الكلام والتعب ليستريح ثم رفع ليبلغ صوته كل أحد. قوله
63

صلى الله عليه وسلم (غير الدجال أخوفني عليكم) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا أخوفني بنون
بعد الفاء وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين قال ورواه بعضهم بحذف النون وهما لغتان
صحيحتان ومعناهما واحد قال شيخنا الإمام أبو عبد الله بن مالك رحمه الله تعالى الحاجة داعية
إلى الكلام في لفظ الحديث ومعناه فأما لكونه تضمن ما لا يعتاد من إضافة أخوف إلى ياء
المتكلم مقرونة بنون الوقاية وهذا الاستعمال إنما يكون مع الأفعال المتعدية والجواب أنه كان الأصل
اثباتها ولكنه أصل متروك فنبه عليه في قليل من كلامهم وأنشد فيه أبياتا منها ما أنشده الفراء
فما أدرى فظني كل ظن * أمسلمتي إلى قومي شراحي
يعنى شراحبيل فرخمه في غير الندا للضرورة وأنشد غيره
وليس الموافيني ليرفد خائبا * فان له أضعاف ما كان أملا
ولأفعل التفضيل أيضا شبه بالفعل وخصوصا بفعل التعجب فجاز أن تلحقه النون المذكورة
في الحديث كما لحقت في الأبيات المذكورة هذا هو الأظهر في هذه النون هنا ويحتمل أن يكون
معناه أخوف لي فأبدلت النون من اللام كما أبدلت في لعن وعن بمعنى لعل وعل وأما معنى الحديث
ففيه أوجه أظهرها أنه من أفعل التفضيل وتقديره غير الدجال أخوف مخوفاتي عليكم ثم حذف
المضاف إلى الياء ومنه أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون معناه أن الأشياء التي أخافها
على أمتي أحقها بأن تخاف الأئمة المضلون والثاني بأن يكون أخوف من أخاف بمعنى خوف
ومعناه غير الدجال أشد موجبات خوفي عليكم والثالث أن يكون من باب وصف المعاني بما
يوصف به الأعيان على سبيل المبالغة كقولهم في الشعر الفصيح شعر شاعر وخوف فلان
أخوف من خوفك وتقديره خوف غير الدجال أخوف خوفي عليكم ثم حذف المضاف الأول
64

ثم الثاني هذا آخر كلام الشيخ رحمه الله. قوله صلى الله عليه وسلم (انه شاب قطط) هو بفتح
القاف والطاء أي شديد جعودة الشعر مباعد للجعودة المحبوبة. قوله صلى الله عليه وسلم (أنه
خارج خلة بين الشام والعراق) هكذا في نسخ بلادنا خلة بفتح الخاء المعجمة واللام وتنوين
الهاء وقال القاضي المشهور فيه حلة بالحاء المهملة ونصب التاء يعنى غير منونة قيل معناه سمت
ذلك وقبالته وفى كتاب العين الحلة موضع حزن وصخور قال ورواه بعضهم حلة بضم اللام
وبها الضمير أي نزوله وحلوله قال وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين قال وذكره
الهروي خلة بالخاء المعجمة وتشديد اللام المفتوحتين وفسره بأنه ما بين البلدين هذا آخر ما ذكره
القاضي وهذا الذي ذكره عن الهروي هو الموجود في نسخ بلادنا وفى الجمع بين الصحيحين
أيضا ببلادنا وهو الذي رجحه صاحب نهاية الغريب وفسره بالطريق بينهما. قوله (فعاث يمينا
وعاث شمالا) هو بعين مهملة وثاء مثلثة مفتوحة وهو فعل ماض والعيث الفساد أو أشد الفساد
والاسراع فيه يقال منه عاث يعيث وحكى القاضي أنه رواه بعضهم فعاث بكسر الثاء منونة اسم
فاعل وهو بمعنى الأول. قوله صلى الله عليه وسلم (يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة
وسائر أيامه كأيامكم) قال العلماء هذا الحديث على ظاهره وهذه الأيام الثلاثة طويلة على هذا
القدر المذكور في الحديث يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم وسائر أيامه كأيامكم
65

وأما قولهم يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال لا أقدروا له
قدره فقال القاضي وغيره هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع قالوا
ولولا هذا الحديث ووكلنا إلى اجتهادنا لاقتصرنا فيه على الصلوات الخمس عند الأوقات
المعروفة في غيره من الأيام ومعنى أقدروا له قدره أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون
بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا الظهر ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر
وإذا مضى بعد هذا قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب وكذا العشاء والصبح ثم الظهر ثم
العصر ثم المغرب وهكذا حتى ينقضي ذلك اليوم وقد وقع فيه صلوات سنة فرائض كلها مؤداة في وقتها
وأما الثاني الذي كشهر والثالث الذي كجمعة فقياس اليوم الأول أن يقدر لهما كاليوم الأول على ما ذكرناه
والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم (فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأسبغه ضروعا
وامده خواصر) أما تروح فمعناه ترجع آخر النهار والسارحة هي الماشية التي تسرح أي تذهب أول النهار
إلى المرعى وأما الذرى فبضم
الذال المعجمة وهي الأعالي والأسنمة جمع ذروة بضم الذال وكسرها
وقوله (واسبغة) بالسين المهملة والغين المعجمة أي أطوله لكثرة اللبن وكذا أمده خواصر لكثرة
امتلائها من الشبع. قوله صلى الله عليه وسلم (فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل) هي ذكور النحل
هكذا فسره ابن قتيبة وآخرون قال القاضي المراد جماعة النحل لا ذكورها خاصة لكنه كنى
66

عن الجماعة باليعسوب وهو أميرها لأنه متى طار تبعته جماعته والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(فيقطعه جزلتين رمية الغرض) بفتح الجيم على المشهور وحكى ابن دريد كسرها أي قطعتين ومعنى
رمية الغرض أنه يجعل بين الجزلتين مقدار رميته هذا هو الظاهر المشهور وحكى القاضي هذا ثم
قال وعندي أن فيه تقديما وتأخيرا وتقديره فيصيبه إصابة رمية الغرض فيقطعه جزلتين والصحيح
الأول. قوله (فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين) أما المنارة فبفتح الميم وهذه
المنارة موجودة اليوم شرقي دمشق ودمشق بكسر الدال وفتح الميم وهذا هو المشهور وحكى صاحب
المطالع كسر الميم وهذا الحديث من فضائل دمشق وفى عند ثلاث لغات كسر العين وضمها
وفتحها والمشهور والكسر وأما المهروذتان فروى بالدال المهملة والذال المعجمة والمهملة أكثر
والوجهان مشهوران للمتقدمين والمتأخرين من أهل اللغة والغريب وغيرهم وأكثر ما يقع في
النسخ بالمهملة كما هو المشهور ومعناه لابس مهروذتين أي ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران
وقيل هما شقتان والشقة نصف الملاءة. قوله صلى الله عليه وسلم (تحدر منه جمان كاللؤلؤ) الجمان
بضم الجيم وتخفيف الميم هي حبات من الفضة تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار والمراد يتحدر منه
الماء على هيئة اللؤلؤ في صفاته فسمى الماء جمانا لشبهه به في الصفاء. قوله صلى الله عليه وسلم (فلا
يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات) هكذا الرواية فلا يحل بكسر الحاء ونفسه بفتح الفاء ومعنى
لا يحل لا يمكن ولا يقع وقال القاضي معناه عندي حق وواجب قال ورواه بعضهم بضم الحاء
67

وهو وهم وغلط. قوله صلى الله عليه وسلم (يدركه بباب لد) هو بضم اللام وتشديد الدال مصروف
وهو بلدة قريبة من بيت المقدس. قوله صلى الله عليه وسلم (ثم يأتي عيسى صلى الله عليه وسلم
قوما قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم) قال القاضي يحتمل ان هذا المسح حقيقة على
ظاهره فيمسح على وجوههم تبركا وبرا ويحتمل أنه إشارة إلى كشف ما هم فيه من الشدة والخوف.
قوله تعالى (أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور) فقوله لا يدان بكسر
النون تثنية يد قال العلماء معناه لا قدرة ولا طاقة يقال ما لي بهذا الأمر يد وما لي به يدان لأن
المباشرة والدفع إنما يكون باليد وكأن يديه معدومتان لعجزه عن دفعه ومعنى حرزهم إلى الطور
أي ضمهم واجعله لهم حرزا يقال أحرزت الشئ أحرزه احرازا إذا حفظته وضممته إليك
وصنته عن الأخذ ووقع في بعض النسخ حزب بالحاء والزاي والباء أي أجمعهم قال القاضي
وروى حوز بالواو والزاي ومعناه نحهم وأزلهم عن طريقهم إلى الطور. قوله (وهم من كل حدب
ينسلون) الحدب النشز وينسلون يمشون مسرعين. قوله صلى الله عليه وسلم (فيرسل الله تعالى
68

عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى) النغف بنون وغين معجمة مفتوحتين ثم فاء وهو دود
يكون في أنوف الإبل والغنم الواحدة نغفة والفرسى بفتح الفاء مقصور أي قتلى واحدهم فريس
قوله (ملأه زهمهم ونتنهم) هو بفتح الهاء أي دسمهم ورائحتهم الكريهة. قوله صلى الله عليه وسلم
(لا يكن منه بيت مدر) أي لا يمنع من نزول الماء بيت. المدر بفتح الميم والدال وهو الطين الصلب
قوله صلى الله عليه وسلم (فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة) روى بفتح الزاي واللام
والقاف وروى الزلفة بضم الزاي واسكان اللام وبالفاء وروى الزلفة بفتح الزاي واللام
وبالفاء وقال القاضي روى بالفاء والقاف وبفتح اللام وباسكانها وكلها صحيحة قال في المشارق
والزاي مفتوحة واختلفوا في معناه فقال ثعلب وأبو زيد وآخرون معناه كالمرآة وحكى صاحب
المشارق هذا عن ابن عباس أيضا شبهها بالمرآة في صفائها ونظافتها وقيل كمصالع الماء أي ان
الماء يستنقع فيها حتى تصير كالمصنع الذي يجتمع فيه الماء وقال أبو عبيد معناه كالإجانة الخضراء
وقيل كالصفحة وقيل كالروضة. قوله صلى الله عليه وسلم (تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون
بقحفها) العصابة الجماعة وقحفها بكسر القاف هو مقعر قشرها شبهها بقحف الرأس وهو الذي
فوق الدماغ وقيل ما انفلق من جمجمته وانفصل. قوله صلى الله عليه وسلم (ويبارك في الرسل حتى أن
اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس) الرسل بكسر الراء واسكان السين هو اللبن واللقحة
69

بكسر اللام وفتحها لغتان مشهورتان الكسر أشهر وهي القريبة العهد بالولادة وجمعها لقح
بكسر اللام وفتح القاف كبركة وبرك واللقوح ذات اللبن وجمعها لقاح والفئام بكسر الفاء وبعدها
همزة ممدودة وهي الجماعة الكثيرة هذا هو المشهور والمعروف في اللغة وكتب الغريب ورواية الحديث
أنه بكسر الفاء وبالهمز قال القاضي ومنهم من لا يجيز الهمز بل يقوله بالياء وقال في المشارق وحكاه الخليل
بفتح الفاء وهي رواية القابسي قال وذكره صاحب العين غير مهموز فأدخله في حرف الياء وحكى الخطابي
أن بعضهم ذكره بفتح الفاء وتشديد الياء وهو غلط فاحش. قوله صلى الله عليه وسلم (لتكفي الفخذ من
الناس) قال أهل اللغة الفخذ الجماعة من الأقارب وهم دون البطن والبطن دون القبيلة قال القاضي قال ابن
فارس الفخذ هنا باسكان الخاء لا غير فلا يقال الا باسكانها بخلاف الفخذ التي هي العضو فإنها
تكسر وتسكن. قوله صلى الله عليه وسلم (فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم) هكذا هو في جميع
نسخ مسلم وكل مسلم بالواو. قوله صلى الله عليه وسلم (يتهارجون تهارج الحمير) أي يجامع الرجال
النساء بحضرة الناس كما يفعل الحمير ولا يكترثون لذلك والهرج بإسكان الراء الجماع يقال هرج زوجته
أي جامعها يهرجها بفتح الراء وضمها وكسرها. قوله صلى الله عليه وسلم (يسيرون حتى
70

ينتهوا إلى جبل الخمر) هو بخاء معجمة وميم مفتوحتين والخمر الشجر الملتف الذي يستر من
فيه وقد فسره في الحديث بأنه جبل بيت المقدس. قوله صلى الله عليه وسلم (محرم عليه
أن يدخل نقاب المدينة). هو بكسر النون أي طرقها وفجاجها وهو جمع نقب وهو الطريق بين
جبلين. قوله صلى الله عليه وسلم (فيقتله ثم يحييه) قال المازري ان قيل اظهار المعجزة على
يد الكذاب ليس بممكن وكيف ظهرت هذه الخوارق للعادة على يده فالجواب أنه إنما يدعى
71

الربوبية وأدلة الحدوث تخل ما ادعاه وتكذبه. وأما النبي فإنما يدعى النبوة وليست مستحيلة
في البشر فإذا أتى بدليل لم يعارضه شئ صدق. وأما قول الدجال أرأيتم ان قتلت هذا ثم أحييته
أتشكون في الأمر فيقولون لا فقد يستشكل لأن ما أظهره الدجال لا دلالة فيه لربوبيته لظهور
النقص عليه ودلائل الحدوث وتشويه الذات وشهادة كذبة وكفره المكتوبة بين عينيه
وغير ذلك ويجاب بنحو ما سبق في أول الباب هو أنهم لعلهم قالوا خوفا منه وتقية لا تصديقا
ويحتمل أنهم قصدوا لا نشك في كذبك وكفرك
فان من شك في كذبه وكفره كفر
وخادعوه بهذه التورية خوفا منه ويحتمل أن الذين قالوا لا نشك هم مصدقوه من اليهود وغيرهم
ممن قدر الله تعالى شقاوته. قوله (قال أبو إسحاق يقال إن هذا الرجل هو الخضر عليه السلام)
أبو إسحاق هذا هو إبراهيم بن سفيان راوي الكتاب عن مسلم وكذا قال معمر في جامعه في
أثر هذا الحديث كما ذكره ابن سفيان وهذا تصريح منه بحياة الخضر عليه السلام وهو الصحيح
وقد سبق في بابه من كتاب المناقب والمشايخ قوم معهم سلاح يرتبون في المراكز كالخفر أسموا
72

بذلك لحملهم السلاح. قوله صلى الله عليه وسلم (فيأمر الدجال به فيشبح فيقول خذوه وشجوه)
فالأول بشين معجمة ثم باء موحدة ثم حاء مهملة أي مدوه على بطنه والثاني شجوه بالجيم
المشددة من الشج وهو الجرح في الرأس والوجه الثاني فيشج كالأول فيقول خذوه وشبحوه
بالباء والحاء والثالث فيشج وشجوه كلاهما بالجيم وصحح القاضي الوجه الثاني وهو الذي ذكره
الحميدي في الجمع بين الصحيحين والأصح عندنا الأول. وأما قوله (فيوسع ظهره) فباسكان
الواو وفتح السين. قوله صلى الله عليه وسلم (فيؤشر بالمئشار من مفرقة) هكذا الرواية
73

يؤشر بالهمزة والمئشار بهمزة بعد الميم وهو الأفصح ويجوز تخفيف الهمزة فيهما فيجعل في الأول
واوا وفى الثاني ياء ويجوز المنشار بالنون وعلى هذا يقال نشرت الخشبة وعلى الأول يقال أشرتها
ومفرق الرأس بكسر الراء وسطه والترقوة بفتح التاء وضم القاف وهي العظم الذي بين ثغرة النحر
والعاتق. قوله صلى الله عليه وسلم (وما ينصبك) هو بضم الياء على اللغة المشهورة أي ما يتعبك من أمره
قال ابن دريد يقال أنصبه المرض وغيره ونصبه والأولى أفصح قال وهو تغير الحال من مرض
أو تعب. قوله (قلت يا رسول الله إنهم يقولون إن معه الطعام والأنهار قال هو أهون على الله من ذلك)
قال القاضي معناه هو أهون على الله من أن يجعل ما خلقه الله تعالى على يده مضلا للمؤمنين ومشككا
لقاء ربهم بل إنما جعله له ليزداد الذين آمنوا ايمانا ويثبت الحجة على الكافرين والمنافقين
74

ونحوهم وليس معناه أنه ليس معه شئ من ذلك. قوله صلى الله عليه وسلم (فيبعث الله عيسى
ابن مريم) أي ينزله من السماء حاكما بشرعنا وقد سبق بيان هذا في كتاب الايمان قال القاضي
رحمه الله تعالى نزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة للأحاديث
الصحيحة في ذلك وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله فوجب اثباته وأنكر ذلك بعض
المعتزلة والجهمية ومن وافقهم وزعموا أن هذه الأحاديث مردودة بقوله تعالى وخاتم النبيين
وبقوله صلى الله عليه وسلم لا نبي بعدي وباجماع المسلمين أنه لا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وسلم
وأن شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة لا تنسخ وهذا استدلال فاسد لأنه ليس المراد
بنزول عيسى عليه السلام أنه ينزل نبيا بشرع ينسخ شرعنا ولا في هذه الأحاديث ولا في غيرها شئ من هذا
75

بل صحت هذه الأحاديث هنا وما سبق في كتاب الايمان وغيرها أنه ينزل حكما مقسطا بحكم شرعنا
ويحيى من أمور شرعنا ما هجرة الناس. قوله (في كبد جبل) أي وسطه وداخله وكبد كل شئ
وسطه. قوله صلى الله عليه وسلم (فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع) قال العلماء
معناه يكونون في سرعتهم إلى الشرور وقضاء الشهوات والفساد كطيران الطير وفى العدوان
وظلم بعضهم بعضا في أخلاق السباع العادية. قوله صلى الله عليه وسلم (أصغى ليتا ورفع ليتا)
الليت بكسر اللام وآخره مثناة فوق وهي صفحة العنق وهي جانبه وأصغى أمال. قوله صلى الله
عليه وسلم (وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله) أي يطينه ويصلحه. قوله (كأنه الطل أو
76

الظل) قال العلماء الأصح الطل بالمهملة وهو الموافق للحديث الآخر أنه كمنى الرجال. قوله (فذلك
يوم يكشف عن ساق) قال العلماء معناه ومعنى ما في القرآن يوم يكشف عن ساق يوم يكشف
عن شدة وهول عظيم أي يظهر ذلك يقال كشفت الحرب عن ساقتها إذا اشتدت وأصله أن من
جد في أمره كشف عن ساقه مستمرا في الخفة والنشاط له
77

باب قصة الجساسة
هي بفتح الجيم وتشديد السين المهملة الأولى قيل سميت بذلك لتجسسها الاخبار للدجال وجاء
عن عبد الرحمن بن عمرو بن العاص أنها دابة الأرض المذكورة في القرآن. قوله (عن فاطمة
بنت قيس قالت نكحت ابن المغيرة وهو من خيار شباب قريش يومئذ فأصيب في أول الجهاد
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن) معنى تأيمت صرت أيما وهي
التي لا زوج لها قال العلماء قولها فأصيب ليس معناه أنه قيل في الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم
78

وتأيمت بذلك إنما تأيمت بطلاقه البائن كما ذكره مسلم في الطريق الذي بعد هذا وكذا ذكره في
كتاب الطلاق وكذا ذكره المصنفون في جميع كتبهم وقد اختلفوا في وقت وفاته فقيل توفى مع علي بن أبي
طالب رضي الله عنه عقب طلاقها باليمن حكاه ابن عبد البر وقيل بل عاش إلى خلافة عمر رضي الله عنه
حكاه البخاري في التاريخ وإنما معنى قولها فأصيب أي بجراحة أو أصيب في ماله أو نحو ذلك هكذا تأوله
العلماء قال القاضي إنما أرادت بذلك عد فضائله فابتدأت بكونه خير شباب قريش ثم ذكرت
الباقي
وقد سبق شرح حديث فاطمة هذا في كتاب الطلاق وبيان ما اشتمل عليه. قوله (وأم شريك
من الأنصار) هذا قد أنكره بعض العلماء وقال إنما هي قرشية من بنى عامر بن لؤي واسمها غرب
79

وقيل غربلة وقال آخرون هما ثنتان قرشية وأنصارية. قوله (ولكم انتقلي إلى ابن عمك عبد الله
ابن عمرو ابن أم مكتوم وهو رجل من بنى فهر فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه) هكذا
هو في جميع النسخ. وقوله ابن أم مكتوم يكتب بألف لأنه صفة لعبد الله لا لعمرو فنسبه
إلى أبيه عمرو والى أمه أم مكتوم فجمع نسبه إلى أبويه كما في عبد الله بن مالك ابن بحينة وعبد الله
ابن أبي ابن سلول ونظائر ذلك وقد سبق بيان هؤلاء كلهم في كتاب الايمان في حديث المقداد حين
قتل من قال لا إله الا الله قال القاضي المعروف أنه ليس بابن عمها ولا من البطن الذي هي منه بل
من بنى محارب بن فهر وهو من بنى عامر بن لؤي هذا كلام القاضي والصواب أن ما جاءت به الرواية
صحيح والمراد بالبطن هنا القبيلة لا البطن الذي هو أخص منها والمراد أنه ابن عمها مجازا لكونه
من قبيلتها فالرواية صحيحة ولله الحمد. قوله (الصلاة جامعة) هو بنصب الصلاة وجامعة الأول على الاغراء والثاني على الحال. قولها (فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن) إلى آخره ظاهر أن
الخطبة كانت في نفس العدة وليس كذلك إنما كانت بعد انقضائها كما صرح به في الأحاديث السابقة
80

في كتاب الطلاق فيتأول هذا اللفظ الواقع هنا على ذلك ويكون قوله انتقلي إلى أم شريك
والى ابن أم مكتوم مقدما على الخطبة وعطف جملة على جملة من غير ترتيب. قوله صلى الله
عليه وسلم (عن تميم الداري حدثني أنه ركب سفينة) هذا معدود في مناقب تميم لأن النبي صلى
الله عليه وسلم روى عنه هذه القصة وفيه رواية الفاضل عن المفضول ورواية المتبوع
عن تابعه وفيه قبول خبر الواحد. قوله صلى الله عليه وسلم (ثم أرفؤ إلى جزيرة) هو بالهمز أي
التجؤا إليها. قوله (فجلسوا في أقرب السفينة) هو بضم الراء وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة
كالجنيبة يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم الجمع قوارب والواحد قارب بكسر الراء
وفتحها وجاء هنا أقرب وهو صحيح لكنه خلاف القياس وقيل المراد بأقرب الفينة أخرياتها
وما قرب منها للنزول. قوله (دابة أهلب) كثير الشعر الأهلب غليظ الشعر كثيرة. قوله
(فإنه إلى خبركم بالأشواق) أي شديد الأشواق إليه. وقوله (فرقنا) أي خفنا. قوله
81

(صادفنا البحر حين اغتلم) أي هاج وجاوز حده المعتاد وقال الكسائي الاغتلام أن يتجاوز
الانسان ما حد له من الخير والمباح. قوله (عين زغر) بزاي معجمة مضمومة ثم غين معجمة
مفتوحة ثم راء وهي بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشام وأما طيبة فهي المدينة ويقال
82

لها أيضا طابة سبق في كتاب الحج اشتقاقها مع باقي أسمائها قوله (بيده السيف صلتا) بفتح
الصاد وضمها أي مسلولا. قوله صلى الله عليه وسلم (من قبل المشرق ما هو) قال القاضي لفظة
ما هو زائدة صلة ليست بنافية والمراد اثبات أنه في جهات المشرق. قوله (فأتحفتنا برطب
يقال له رطب ابن طاب وسقتنا سويق سلت) أي ضيفتنا بنوع من الرطب وقد سبق بيانه وسبق
83

أن تمر المدينة مائة وعشرون نوعا وسلت بضم السين واسكان اللام وبتاء مثناة فوق وهو حب
يشبه الحنطة ويشبه الشعير. قوله (تاهت به سفينته) أي سلكت عن الطريق. قوله
84

(فيضرب رواقه) أي ينزل هناك ويضع ثقله
باب في بقية من أحاديث الدجال
قوله صلى الله عليه وسلم (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا) هكذا هو في جميع النسخ
85

ببلادنا سبعون بسين ثم باء موحدة وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين قال وفي رواية
ابن ماهان تسعون ألفا بالتاء المثناة قبل السين والصحيح المشهور الأول وأصبهان بفتح الهمزة
وكسرها وبالباء والفاء. قوله صلى الله عليه وسلم (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر
86

من الدجال) المراد أكبر فتنة وأعظم شوكة. قوله صلى الله عليه وسلم (بادروا بالأعمال ستا
طلوع الشمس من مغربها أو الدجال أو الدخان أو الدابة أو خاصة أحدكم أو أمر العامة) وفى
الرواية الثانية الدجال والدخان إلى قوله وخويصة أحدكم فذكر الستة في الرواية الأولى
معطوفة بأو التي هي للتقسيم وفى الثانية بالواو قال هشام خاصة أحدكم الموت وخويصة تصغير
خاصة وقال قتادة أمر العامة القيامة كذا ذكره عنهما عبد بن حميد. قوله (أمية ابن بسطام
العيشي) هو بالشين المعجمة قال القاضي قال بعضهم صوابه العاشى بالألف منسوب إلى بنى عاش
ابن تيم الله بن عكابة ولكن الذي ذكره عبد الغنى وابن ماكولا وسائر الحفاظ وهو الموجود
في مسلم وسائر كتب الحديث العيشي ولعله على مذهب من يقول من العرب في عائشة عيشة
قال علي بن حمزة هي لغة صحيحة جاءت في الكلام الفصيح قلت وقد حكى هذه اللغة أيضا ثعلب
عن ابن الأعرابي وقد سبق أن بسطام بكسر الباء وفتحها وأنه يجوز فيه الصرف وتركه. قوله
(عن زياد بن رياح) هو بكسر الراء وبالمثناة هكذا قال عبد الغنى المصري والجمهور وحكى
البخاري وغيره فتح المثناة والموحدة مع فتح الراء
87

باب فضل العبادة في الهرج
قوله صلى الله عليه وسلم (العبادة في الهرج كهجرة إلى) المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط
أمور الناس وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ
لها الا أفراد
88

باب قرب الساعة
قوله صلى الله عليه وسلم (بعثت أنا والساعة هكذا) وفى رواية كهاتين وضم السبابة والوسطى
وفى رواية قرن بينهما قال قتادة كفضل إحداهما على الأخرى روى بنصب الساعة ورفعها وأما
معناه فقيل المراد بينهما شئ يسير كما بين الأصبعين في الطول وقيل هو إشارة إلى قرب المجاوزة
89

قوله (سألوه عن الساعة متى هي فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال إن يعش هذا لم يدركه
الهرم قامت عليكم ساعتكم) وفي رواية أن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى
تقوم الساعة وفى رواية أن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة وفي رواية ان يؤخر هذا
قال القاضي هذه الروايات كلها محمولة على معنى الأول والمراد بساعتكم موتهم ومعناه يموت
ذلك القرن أو أولئك المخاطبون قلت ويحتمل أنه علم أن ذلك الغلام لا يبلغ الهرم ولا يعمر
90

ولا يؤخر. قوله (والرجل يلط في حوضه) هكذا هو في معظم النسخ بفتح الياء وكسر اللام
وتخفيف الطاء وفى بعضها يليط بزيادة وفى بعضها يلوط ومعنى الجميع واحد وهو أنه يطينه ويصلحه
باب ما بين النفختين
قوله صلى الله عليه وسلم (ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعين يوما قال أبيت إلى
آخره) معناه أبيت أن أجزم أن المراد أربعون يوما أو سنة أو شهرا بل الذي أجزم به أنها أربعون
91

مجملة وقد جاءت مفسرة من رواية غيره في غير مسلم أربعون سنة. قوله (عجب الذنب)
هو بفتح العين واسكان الجيم أي العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب وهو رأس العصعص
ويقال له عجم بالميم وهو أول ما يخلق من الآدمي وهو الذي يبقى ليعاد تركيب الخلق عليه
قوله صلى الله عليه وسلم (كل ابن آدم يأكله التراب الا عجم الذنب) هذا مخصوص فيخص منه
الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فان الله حرم على الأرض أجسادهم كما صرح به
في الحديث
92

كتاب الزهد
قوله صلى الله عليه وسلم (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) معناه أن كل مؤمن مسجون ممنوع
في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة مكلف بفعل الطاعات الشاقة فإذا مات استراح من
هذا وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخاصة من النقصان وأما الكافر
فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات فإذا مات صار إلى العذاب الدائم
وشقاء الأبد. قوله (والناس كنفته) وفى بعض النسخ كنفتيه معنى الأول جانبه والثاني جانبيه. قوله
(جدي أسك) أي صغير الأذنين. قوله (ابن عرعرة الساعي) هو بالسين المهملة وعرعرة
93

بعينين مهملتين مفتوحين. قوله صلى الله عليه وسلم (أو أعطى فاقتنى) هكذا هو في معظم النسخ
ولمعظم الرواة فاقتنى بالتاء ومعناها ادخره لآخرته أي ادخر ثوابه وفى بعضها فأقنى بحذف التاء
94

أي أرضى. قوله صلى الله عليه وسلم (إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم قال عبد الرحمن
ابن عوف نقول كما أمرنا الله) معناه نحمده ونشكره ونسأله المزيد من فضله. قوله صلى الله عليه
وسلم (تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك ثم تنطلقون في
مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض) قال العلماء التنافس إلى الشئ المسابقة
إليه وكراهة أخذ غيرك إياه وهو أول درجات الحسد وأما الحسد فهو تمنى زوال النعمة
عن صاحبها والتدابر التقاطع وقد بقي مع التدابر شئ من المودة أو لا يكون مودة ولا بغض
96

وأما التباغض فهو بعد هذا ولهذا رتبت في الحديث ثم ينطلقون في مساكين المهاجرين
أي ضعفائهم فيجعلون بعضهم أمراء على بعض هكذا فسروه. قوله صلى الله عليه وسلم (انظروا
إلى من هو أسفل ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم) معنى
أجدر أحق وتزدروا تحقروا قال ابن جرير وغيره هذا حديث جامع لأنواع من الخير لأن الانسان
إذا رأى من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى وحرص
على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه. هذا هو الموجود في غالب الناس وأما إذا نظر في أمور الدنيا
إلى من هو دونه فيها ظهرت له نعمة الله تعالى عليه فشكرها وتواضع وفعل فيه الخير. قوله صلى
97

الله عليه وسلم (أراد الله أن يبتليهم) وفى بعض النسخ يبليهم باسقاط المثناة فوق ومعناهما
الاختبار والناقة العشراء الحامل القريبة الولادة. قوله صلى الله عليه وسلم (شاة والدا) أي وضعت
ولدها وهو معها. قوله صلى الله عليه وسلم (فأنتج هذان وولد هذا) هكذا الرواية
فأنتج رباعي وهي لغة قليلة الاستعمال والمشهور نتج ثلاثي وممن حكى اللغتين الأخفش ومعناه تولى
الولادة وهي النتج والانتاج ومعنى ولد هذا بتشديد اللام معنى أنتج والناتج للإبل والمولد
98

للغنم وغيرها هو كالقابلة للنساء. قوله (انقطعت بي الجبال) هو بالحاء وهي الأسباب وقيل
الطرق وفى بعض نسخ البخاري الجبال بالجيم وروى الحيل جمع حيلة وكل صحيح. قوله (ورثت
هذا المال كابرا عن كابر) أي ورثته عن آبائي الذين ورثوه من أجدادي الذين ورثوه من
آبائهم كبيرا عن كبير في العز والشرف الثروة. قوله (فوالله لا أجهدك اليوم شيئا أخذته
لله تعالى) هكذا هو في رواية الجمهور أجهدك بالجيم والهاء وفى رواية بن ماهان أحمدك بالحاء
والميم ووقع في البخاري بالوجهين لكن الأشهر في مسلم بالجيم وفى البخاري بالحاء ومعنى الجيم
99

لا أشق عليك برد شئ تأخذه أو تطلبه من مالي والجهد المشقة ومعناه بالحاء لا أحمدك بترك
شئ تحتاج إليه أو تريده فتكون لفظة الترك محذوفة مرادة كما قال الشاعر ليس على طول الحياة ندم
أي فوات طول الحياة وفى هذا الحديث الحث على الرفق بالضعفاء واكرامهم وتبليغهم
ما يطلبون مما يمكن والحذر من كسر قلوبهم واحتقارهم وفيه التحدث بنعمة الله تعالى وذم
جحدها والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم (ان الله يحب العبد التقى الغنى الخفي) المراد
بالغنى غنى النفس هذا هو الغنى المحبوب لقوله صلى الله عليه وسلم ولكن الغنى غنى النفس
وأشار القاضي إلى أن المراد الغنى بالمال وأما الخفي فبالخاء المعجمة هذا هو الموجود في
النسخ والمعروف في الروايات وذكر القاضي أن بعض رواة مسلم رواه بالمهملة فمعناه بالمعجمة
الخامل المتقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه ومعناه بالمهملة الوصول للرحم اللطيف بهم
100

وبغيرهم من الضعفاء والصحيح بالمعجمة وفى هذا الحديث حجة لمن يقول الاعتزال أفضل
من الاختلاط وفى المسألة خلاف سبق بيانه مرات ومن قال بالتفضيل للاختلاط قد يتأول هذا
على الاعتزال وقت الفتنة ونحوها. قوله (والله أنى لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل
الله تعالى) فيه منقبة ظاهرة له وجواز مدح الانسان نفسه عند الحاجة وقد سبقت نظائره
وشرحها. قوله (ما لنا طعام نأكله الا ورق الحبلة وهذا السمر) الحبلة بضم الحاء المهملة
واسكان الموحدة والسمر بفتح السين وضم الميم وهما نوعان من شجر البادية كذا قوله أبو عبيد
وآخرون وقيل الحبلة ثمر العضاه وهذا يظهر على رواية البخاري الا الحبلة وورق السمر وفى هذا
بيان ما كانوا عليه من الزهد في الدنيا والتقلل منها والصبر في طاعة الله تعالى على المشاق
الشديدة. قوله (ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الدين) قالوا المراد ببني أسد بنو الزبير بن
العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى قال الهروي معنى تعزرني توقفني والتعزير التوقيف
على الاحكام والفرائض وقال ابن جرير معناه تقومني وتعلمني ومنه تعزير السلطان وهو تقويمه
101

بالتأديب وقال الجرمي معناه اللوم والعتب وقيل معناه توبخني على التقصير فيه. قوله (أن الدنيا
قد آذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء يتصابها صاحبها) أما آذنت فبهمزة
ممدودة وفتح الذال أي أعلمت والصرم بالضم أي الانقطاع والذهاب وقوله حذاء بحاء مهملة
مفتوحة ثم ذال معجمة مشددة وألف ممدودة أي مسرعة الانقطاع والصبابة بضم الصاد البقية
اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الاناء وقوله يتصابها أي يشربها وقعر الشئ أسفله
والكظيظ المتلئ. قوله (قرحت أشداقنا)
أي صار فيها قروح وجراح من خشونة
الورق الذي نأكله وحرارته. قوله (سعد بن مالك) هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
102

قوله (هل نرى ربنا) قد سبق شرح الرواية وما يتعلق بها في كتاب الايمان. قوله صلى
الله عليه وسلم (فيقول أي فل) هو بضم الفاء واسكان اللام ومعناه يا فلان وهو ترخيم على
خلاف القياس وقيل هي لغة بمعنى فلان حكاها القاضي ومعنى أسودك أجعلك سيدا على غيرك قوله
تعالى (وأذرك ترأس وتربع) أما ترأس فبفتح التاء واسكان الراء وبعدها همزة مفتوحة ومعناه
رئيس القوم وكبيرهم وأما تربع فبفتح التاء والباء الموحدة هكذا رواه الجمهور وفى رواية ابن ماهان
103

ترتع بمثناة فوق بعد الراء ومعناه بالموحدة تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من
الغنيمة وهو ربعها يقال ربعتهم أي أخذت ربع أموالهم ومعناه ألم أجعلك رئيسا مطاعا وقال القاضي
بعد حكايته نحو ما ذكرته عندي ان معناه تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب من قولهم
أربع على نفسك أي ارفق بها ومعناه بالمثناة تتنعم وقيل تأكل وقيل تلهو وقيل تعيش في سعة. قوله
تعالى (فانى أنساك كما نسيتني) أي أمنعك الرحمة كما امتنعت من طاعتي. قوله (فيقول ههنا إذا) معناه
104

قف ههنا يشهد عليك جوارحك إذ قد صرت منكرا. وقوله صلى الله عليه وسلم (فيقال لأركانه)
أي لجوارحه. وقوله (كنت أناضل) أي أدافع وأجادل. قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم اجعل
رزق آل محمد قوتا) قيل كفايتهم من غير اسراف وهو بمعنى قوله في الرواية الأخرى كفافا
105

وقيل هو سد الرمق. قوله (حدثنا عمر الناقد حدثنا عبدة بن سليمان ويحيى بن يمان حدثنا
هشام) معنى هذا الكلام أن عمر الناقد يروى هذا الحديث عن عبدة ويحيى بن يمان كلاهما
106

عن هشام. قوله (شطر شعير في رف) الرف بفتح الراء معروف والشطر هنا معناه شئ من
شعير كذا فسره الترمذي وقال القاضي قال ابن حازم معناه نصف وسق قال القاضي وفى
هذا الحديث أن البركة أكثر ما تكون في المجهولات والمبهمات وأما الحديث الآخر كيلوا
طعامكم يبارك لكم فيه فقالوا المراد أن يكيله منه لأجل اخراج النفقة منه بشرط أن يبقى
الباقي مجهولا ويكيل ما يخرجه لئلا يخرج أكثر من الحاجة أو أقل. قوله (فما كان يعيشكم)
107

هو بفتح العين وكسر الياء المشددة وفى بعض النسخ المعتمدة فما كان يقيتكم. قولها (حين شبع
الناس من التمر والماء) المراد حين شبعوا من التمر وإلا فما زالوا شباعا من الماء. قوله
108

(ما يجد من الدقل) هو بفتح الدال والقاف وهو تمر ردئ. قوله صلى الله عليه وسلم
109

(أربعين خريفا) أي أربعين سنة
باب النهى عن الدخول على أهل الحجر إلا من يدخل باكيا
قوله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحجر لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن
110

تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن تدخلوا أن يصيبكم مثل ما أصابهم) فقوله قال
لأصحاب الحجر أي قال في شأنهم وكان هذا في غزوة تبوك. وقوله أن يصيبكم بفتح الهمزة أي
خشية أن يصيبكم أو حذر أن يصيبكم كما صرح به في الرواية الثانية وفيه الحث على المراقبة عند
المرور بديار الظالمين ومواضع العذاب ومثله الاسراع في وادى محسر لأن أصحاب الفيل هلكوا
هناك فينبغي للمار في مثل هذه المواضع المراقبة والخوف والبكاء والاعتبار بهم وبمصارعهم
وأن يستعيذ بالله من ذلك. قوله (ثم زجر فأسرع حتى خلفها) أي زجر ناقته فحذف ذكر الناقة
للعلم به ومعناه ساقها سوقا كثيرا حتى خلفها وهو بتشديد اللام أي جاوز المساكن. قوله (فاستقوا
من آبارها وعجنوا به العجين فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا
111

الإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة) وفى رواية فاستقوا من
بئارها أما الأبئار فباسكان الباء وبعدها همزة جمع بئر كحمل وأحمال ويجوز قلبه فيقال آبار بهمزة
ممدودة وفتح الباء وهو جمع قلة وفى الرواية الثانية بئارها بكسر الباء وبعدها همزة وهو جمع كثرة
وفى هذا الحديث فوائد منها النهى عن استعمال مياه بئار الحجر الا بئر الناقة ومنها لو عجن منه عجينا
لم يأكله بل يعلفه الدواب ومنها أنه يجوز علف الدابة طعاما مع منع الآدمي من أكله ومنها
مجانبة آبار الظالمين والتبرك بآبار الصالحين
باب فضل الاحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم
قوله صلى الله عليه وسلم (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) المراد بالساعي
الكاسب لهما العامل لمؤنتهما والأرملة من لا زوج لها سواء كانت تزوجت أم لا وقيل هي التي
فارقت زوجها قال ابن قتيبة سميت أرملة لما يحصل لها من الارمال وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد
112

الزوج يقال أرمل الرجل إذا فنى زاده. قوله صلى الله عليه وسلم (كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو
كهاتين في الجنة) كافل اليتيم القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك وهذه
الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه أو من مال اليتيم بولاية شرعية وأما قوله له أو لغيره فالذي
له أن يكون قريبا له كجده وأمه وجدته وأخيه وأخته وعمه وخاله وعمته وخالته وغيرهم من أقاربه
والذي لغيره أن يكون أجنبيا
باب فضل بناء المساجد قوله (من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة) يحتمل مثله في القدر والمساحة ولكنه أنفس
منه بزيادات كثيرة ويحتمل مثله في مسمى البيت وإن كان أكبر مساحة وأشرف
113

باب فضل الانفاق على المساكين وابن السبيل
قوله (اسق حديقة فلان) الحديقة القطعة من النخيل ويطلق على الأرض ذات الشجر. قوله
صلى الله عليه وسلم (فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج) معنى
114

تنحى قصد يقال تنحيت الشئ وانتحيته ونحوته إذا قصدته ومنه سمى علم النحو لأنه قصد كلام
العرب وأما الحرة بفتح الحاء فهي أرض ملبسة حجارة سواد والشرجة بفتح الشين المعجمة واسكان
الراء وجمعها شراج بكسر الشين وهي مسائل الماء في الحرارة وفى الحديث فضل الصدقة والاحسان
إلى المساكين وأبناء السبيل وفضل أكل الانسان من كسبه والانفاق على العيال
باب تحريم الرياء
قوله تعالى
أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه)
هكذا وقع في بعض الأصول وشركه وفى بعضها وشريكة وفى بعضها وشركته ومعناه أنا غنى
115

عن المشاركة وغيرها فمن عمل شيئا لي ولغيري لم أقبله بل أتركه لذلك الغير والمراد أن عمل
المرائي باطل لا ثواب فيه ويأثم به. قوله صلى الله عليه وسلم (من سمع سمع الله به ومن رأيا رأيا
الله به) قال العلماء معناه من رأيا بعمله وسمعه الناس ليكرموه ويعظموه ويعتقدوا خيرة سمع
الله به يوم القيامة الناس وفضحه وقيل معناه من سمع بعيوبه وأذاعها أظهر الله عيوبه وقيل
أسمعه المكروه وقيل أراه الله ثواب ذلك من غير أن يعطيه إياه ليكون حسرة عليه وقيل معناه
من أراد بعمله الناس أسمعه الله الناس وكان حظه منه وقوله (سمعت جندبا العلقى) هو
116

بفتح العين المهملة واللام وبالقاف منسوب إلى العلقة بطن من بجيلة بق بيانه في كتاب الصلاة
باب حفظ اللسان قوله صلى الله عليه وسلم (ان الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوى بها في النار) معناه
لا يتدبرها ويفكر في قبحها ولا يخاف ما يترتب عليها وهذا كالكلمة عند السلطان وغيره من
الولاة وكالكلمة تقذف أو معناه كالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلم ونحو ذلك وهذا كله
حث على حفظ اللسان كما قال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا
أو ليصمت وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نطفة فان ظهرت
مصلحته تكلم وإلا أمسك
117

باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله
(وينهى عن المنكر ويفعله)
قوله (أترون أنى لا أكلمه الا أسمعكم) وفى بعض النسخ إلا سمعكم وفى بعضها أسمعكم وكله بمعنى
أتظنون أنى لا أكلمه إلا وأنتم تسمعون. قوله (افتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من افتتحه) يعنى
المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ كما جرى لقتله عثمان رضي الله عنه وفيه الأدب مع الأمراء واللطف
بهم ووعظهم سرا وتبليغهم ما يقول الناس فيهم لينكفوا عنه وهذا كله إذا أمكن ذلك فإن لم يمكن
الوعظ سرا والانكار فليفعله علانية لئلا يضيع أصل الحق. قوله صلى الله عليه وسلم (فتندلق
أقتاب بطنه) هو بالدال المهملة قال أبو عبيد الأقتاب الأمعاء قال الأصمعي واحدها قتبة وقال
118

غيره قتب وقال ابن عيينة هي ما استدار في البطن وهي الحوايا والأمعاء وهي الاقصاب واحدها
قصب والاندلاق خروج الشئ من مكانه
باب النهى عن هتك الانسان ستر نفسه
قوله (كل أمتي معافاة الا المجاهرين وان من الاجهار أن يعمل العبد عملا إلى آخره) هكذا
هو في معظم النسخ والأصول المعتمدة معافاة بالهاء في آخره يعود إلى الأمة وقوله الا المجاهرين
هم الذين جاهروا بمعاصيهم وأظهروها وكشفوا ما ستر الله تعالى عليهم فيتحدثون بها لغير
ضرورة ولا حاجة يقال جهر بأمره وأجهر وجاهر وأما قوله وان من الاجهار فكذا هو في
جميع النسخ الا نسخة ابن ماهان ففيها وان من الجهار وهما صحيحان الأول من أجهر والثاني
من جهر وأما قول مسلم وقال زهير وان من الهجار بتقديم الهاء فقيل إنه خلاف الصواب وليس
كذلك بل هو صحيح ويكون الهجار لغة في الهجار الذي هو الفحش والخنا والكلام الذي لا ينبغي
ويقال في هذا أهجر إذا أتى به كذا ذكره الجوهري وغيره
119

باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب
يقال شمت بالشين المعجمة والمهملة لغتان مشهورتان المعجمة أفصح قال ثعلب معناه بالمعجمة
أبعد الله عنك الشماتة وبالمهملة هو من السمت وهو القصد والهدى وقد سبق بيان التشميت
وأحكامه في كتاب السلام ومواضع واجتمعت الأمة على أنه مشروع ثم اختلفوا في ايجابه
فأوجبه أهل الظاهر وابن مريم من المالكية على كل من سمعه لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم
فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته قال القاضي والمشهور من مذهب مالك أنه فرض كفاية قال
وبه قال جماعة من العلماء كرد السلام ومذهب الشافعي وأصحابه وآخرين أنه سنة وأدب وليس
بواجب ويحملون الحديث عن الندب والأدب كقوله صلى الله عليه وسلم حق على كل مسلم أن
يغتسل في كل سبعة أيام قال القاضي واختلف العلماء في كيفية الحمد والرد واختلفت فيه الآثار
فقيل يقول الحمد لله وقيل الحمد لله رب العالمين وقيل الحمد لله على كل حال وقال ابن جرير هو
مخير بين هذا كله وهذا هو الصحيح وأجمعوا على أنه مأمور بالحمد لله وأما لفظ التشميت فقيل
يقول يرحمك الله وقيل يقول الحمد لله يرحمك الله وقيل يقول يرحمنا الله وإياكم قال واختلفوا
في رد العاطس على المشمت فقيل يقول يهديكم الله ويصلح بالكم وقيل يقول يغفر الله لنا ولكم وقال
120

مالك والشافعي يخير بين هذين وهذا هو الصواب وقد صحت الأحاديث بهما قال ولو تكرر العطاس
قال مالك يشمته ثلاثا ثم يسكت. قوله صلى الله عليه وسلم (إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه
وان لم يحمد الله فلا تشمتوه) هذا تصريح بالامر بالتشميت إذا حمد العطس وتصريح بالنهي عن
تشميته إذا لم يحمده فيكره تشميته إذا لم يحمد فلو حمد ولم يسمعه الانسان لم يشمته وقال مالك لا يشمته
حتى يسمع حمده قال فان رأيت من يليه شمته فشمته قال القاضي قال بعض شيوخنا وإنما
أمر العاطس بالحمد لما حصل له من المنفعة بخروج ما اختنق في دماغه من الأبخرة. قوله
(دخلت على أبي موسى وهو في بيت ابنة الفضل بن عباس) هذه البنت هي أم كلثوم بنت
121

الفضل ابن عباس امرأة أبى موسى الأشعري تزوجها بعد فراق الحسن بن علي لها وولدت لأبى
موسى ومات عنها فتزوجها بعده عمران بن طلحة ففارقها وماتت بالكوفة ودفنت بظاهرها. قوله
صلى الله عليه وسلم (التثاوب من الشيطان) أي من كسله وتسببه وقيل أضيف إليه لأنه يرضيه
وفى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى يحب العطاس ويكره التثاوب وقالوا
لان العطاس يدل على النشاط وخفة البدن والتثاوب بخلافه لأنه يكون غالبا مع ثقل البدن
وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل واضافته إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى الشهوات
والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك وهو التوسع في المأكل واكثار الاكل واعلم أن
التثاؤب ممدود. قوله صلى الله عليه وسلم (إذا تثاوب أحدكم فليكظم ما استطاع) ووقع ههنا في بعض
122

النسخ تثاءب بالمد مخففا وفى أكثرها تثاوب بالواو كذا وقع في الروايات الثلاث بعد هذه تثاوب
بالواو قال القاضي قال ثابت ولا يقال تثاءب بالمد مخففا بل تثأب بتشديد الهمزة قال ابن دريد أصله من
تثأب الرجل بالتشديد فهو مثوب إذا استرخى وكسل وقال الجوهري يقال تثاءبت بالمد مخففا على تفاعلت
ولا يقال تثاوبت وأما الكظم فهو الامساك قال العلماء أمر بكظم التثاوب ورده ووضع اليد على
الفم لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخوله فمه وضحكه منه والله أعلم
باب في أحاديث متفرقة
قوله صلى الله عليه وسلم (وخلق الجان من مارج من نار) الجان الجن والمارج اللهب المختلط
123

بسواد النار. قوله صلى الله عليه وسلم (فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدرى ما فعلت ولا أراها
إلا الفأر ألا ترونها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشربها وإذا وضع لها ألبان الشاء شربته) معنى
هذا أن لحوم الإبل وألبانها حرمت على بني إسرائيل دون لحوم الغنم وألبانها فدل بامتناع الفأرة
من لبن الإبل دون الغنم على أنها مسخ من بني إسرائيل
قوله (قلت أأقرأ التوراة) هو بهمزة
الاستفهام وهو استفهام انكار ومعناه ما أعلم ولا عندي شئ الا عن النبي صلى الله عليه وسلم
ولا أنقل عن التوراة ولا غيرها من كتب الأوائل شيئا بخلاف كعب الأحبار وغيره ممن له
علم بعلم أهل الكتاب. قوله صلى الله عليه وسلم (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين)
124

الرواية المشهورة لا يلدغ برفع الغين وقال القاضي يروى على وجهين أحدهما بضم الغين على
الخبر ومعناه المؤمن الممدوح وهو الكيس الحازم الذي لا يستغفل فيخدع مرة بعد أخرى
ولا يفطن لذلك وقيل أن المراد الخداع في أمور الآخرة دون الدنيا والوجه الثاني بكسر الغين
على النهى أن يؤتى من جهة الغفلة قال وسبب الحديث معروف وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم
أسر أبا غرة الشاعر يوم بدر فمن عليه وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه وأطلقه فلحق بقومه
ثم رجع إلى التحريض والهجاء ثم أسره يوم أحد فسأله المن فقال النبي صلى الله عليه وسلم
المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين وهذا السبب يضعف الوجه الثاني وفيه أنه ينبغي لمن ناله الضرر
من جهة أن يتجنبها لئلا يقع فيها ثانية
125

باب النهى عن المدح إذا كان فيه افراط
(وخيف منه فتنة على الممدوح
ذكر مسلم في هذا الباب الأحاديث الواردة في النهى عن المدح وقد جاءت أحاديث كثيرة في
الصحيحين بالمدح في الوجه قال العلماء وطريق الجمع بينها أن النهى محمول على المجازفة في المدح
والزيادة في الأوصاف أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح وأما من
لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته فلا نهى في مدحه في وجهه إذا لم
يكن فيه مجازفة بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه للخير والازدياد منه أو الدوام عليه
أو الاقتداء به كان مستحبا والله أعلم. قوله (ولا أزكى على الله أحدا) أي لا أقطع على
عاقبة أحد ولا ضميره لأن ذلك مغيب عنا ولكن أحسب وأظن لوجود الظاهر المقتضى
126

لذلك. قوله صلى الله عليه وسلم (قطعت عنق صاحبك) وفى رواية قطعتم ظهر الرجل معناه
أهلكتموه وهذه استعارة من قطع العنق الذي هو القتل لاشتراكهما في الهلاك لكن
هلاك هذا الممدوح في دينه وقد يكون من جهة الدنيا لما يشتبه عليه من حاله
بالإعجاب وقوله (ويطريه في المدحة) هي بكسر الميم والاطراء مجاوزة الحد في المدح. قوله (أمرنا
127

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثى في وجوه المداحين التراب) هذا الحديث قد حمله على
ظاهره المقداد الذي هو رواية ووافقه طائفة وكانوا يحثون التراب في وجهه حقيقة وقال آخرون
معناه خيبوهم فلا تعطوهم شيئا لمدحهم وقيل إذا مدحتم فاذكروا أنكم من تراب فتواضعوا ولا تعجبوا
وهذا ضعيف. قوله (حدثنا الأشجعي عبيد الله بن عبيد الرحمن عن سفيان الثوري) هكذا هو
في نسخ بلادنا ابن عبيد الرحمن بضم العين مصغرا قال القاضي وقع لأكثر شيوخنا ابن عبد
الرحمن مكبرا والأول هو الصحيح وهو الذي ذكره البخاري وغيره
128

باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم
قوله (أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدث وهو يقول اسمعي يا ربة الحجرة) يعنى عائشة مراده
بذلك تقوية الحديث باقرارها ذلك وسكوتها عليه ولم تنكر عليه شيئا من ذلك سوى الاكثار
من الرواية في المجلس الواحد لخوفها أن يحصل بسببه سهو ونحوه. قوله صلى الله عليه وسلم
(لا تكتبوا عنى غير القرآن ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه) قال القاضي كان بين السلف
من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثيرون منهم وأجازها أكثرهم
129

ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف واختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد
في النهى فقيل هو في حق من يوثق بحفظه ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب ويحمل
الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه كحديث اكتبوا لأبي شاه وحديث صحيفة
علي رضي الله عنه وحديث كتاب عمرو بن حزم الذي فيه الفرائض والسنن والديات وحديث
كتاب الصدقة ونصب الزكاة الذي بعث به أبو بكر رضي الله عنه أنسا رضي الله عنه حين
وجهه إلى البحرين وحديث أبي هريرة أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب وغير
ذلك من الأحاديث وقيل إن حديث النهى منسوخ بهذه الأحاديث وكان النهى حين خيف
اختلاطه بالقرآن فلما أمن ذلك أذن في الكتابة وقيل إنما نهى عن كتابة الحديث مع القرآن
في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القارئ في صحيفة واحدة والله أعلم. وأما حديث من
كذب فليتبوأ مقعده من النار فسبق شرحه في أول الكتاب والله أعلم.
باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام
هذا الحديث فيه اثبات كرامات الأولياء وفيه جواز الكذب في الحرب ونحوها وفى انقاذ النفس
من الهلاك سواء نفسه أو نفس غيره ممن له حرمة والأكمه الذي خلق أعمى والمئشار مهموز في
رواية الأكثرين ويجوز تخفيف الهمزة بقلبها ياء وروى المنشار بالنون وهما لغتان صحيحتان سبق
بيانهما قريبا وذروة الجبل أعلاه وهي بضم الذال وكسرها ورجف بهم الجبل أي اضطرب وتحرك
130

حركة شديدة وحكى القاضي عن بعضهم أنه رواه فزحف بالزاي والحاء وهو بمعنى الحركة لكن الأول
هو الصحيح المشهور والقرقور بضم القافين السفينة الصغيرة وقيل الكبيرة واختار القاضي الصغيرة بعد
حكايته خلافا كثيرا وانكفأت بهم السفينة أي انقلبت والصعيد هنا الأرض البارزة وكبد
131

القوس مقبضها عند الرمي. قوله (نزل بك حذرك) أي ما كنت تحذر وتخاف والأخدود
هو الشق العظيم في الأرض وجمعه أخاديد والسكك الطرق وأفواهها أبوابها. قوله (من لم
يرجع عن دينه فأحموه فيها) هكذا هو في عامة النسخ فأحموه بهمزة قطع بعدها حاء ساكنة
ونقل القاضي اتفاق النسخ على هذا ووقع في بعض نسخ بلادنا فاقحموه بالقاف وهذا ظاهر
ومعناه اطرحوه فيها كرها ومعنى الرواية الأولى ارموه فيها من قولهم حميت الحديدة وغيرها
إذا أدخلتها النار لتحمى. قوله (فتقاعست) أي توقفت ولزمت موضعها وكرهت الدخول
في النار وبالله التوفيق
باب حديث جابر الطويل وقصة أبى اليسر
قوله (عن يعقوب بن مجاهد أبى حزرة) هو بحاء مهملة مفتوحة ثم زاي ثم راء ثم هاء وأبو اليسر
بفتح الياء المثناة تحت والسين المهملة واسمه كعب بن عمرو شهد العقبة وبدرا وهو ابن عشرين سنة)
133

وهو آخر من توفى من أهل بدر رضي الله عنهم توفى بالمدينة سنة خمس وخمسين. قوله (ضمامة
من صحف) هي بكسر الضاد المعجمة أي رزمة يضم بعضها إلى بعض هكذا وقع في جميع نسخ
مسلم ضمامة وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ قال القاضي وقال بعض شيوخنا صوابه به اضمامة
بكسر الهمزة قبل الضاد قال القاضي ولا يبعد عندي صحة ما جاءت به الرواية هنا كما قالوا صنارة
واصنارة لجماعة الكتب ولفافة لما يلف فيه الشئ هذا كلام القاضي وذكر صاحب نهاية
الغريب أن الضمامة لغة في الاضمامة والمشهور في اللغة اضمامة بالألف. قوله (وعلى أبى اليسر
بردة ومعافرى) البردة شملة مخططة وقيل كساء مربع فيه صغر يلبسه الاعراب وجمعه البرد والمعافري
بفتح الميم نوع من الثياب يعمل بقرية تسمى معافر وقيل هي نسبة إلى قبيلة نزلت تلك القرية
والميم فيه زائدة. قوله (سفعه من غضب) هي بفتح السين المهملة وضمها لغتان وباسكان الفاء
أي علامة وتغير. قوله (كان لي على فلان بن فلان الحرامي) قال القاضي رواه الأكثرون
الحرامي بفتح الحاء وبالراء نسبة إلى بنى حرام ورواه الطبري وغيره بالزاي المعجمة مع
كسر الحاء ورواه ابن ماهان الجذامي بجيم مضمومة وذال معجمة. قوله (ابن له جفر) الجفر
134

هو الذي قارب البلوغ وقيل هو الذي قوى على الأكل وقيل ابن الخمس سنين. قوله (دخل أريكة
أمي) قال ثعلب هي السرير الذي في الحجلة ولا يكون السرير المفرد وقال الأزهري كل ما اتكأت
عليه فهو أريكة. قوله (قلت آلله قال الله) الأول بهمزة ممدودة على الاستفهام والثاني بلا مد
والهاء فيهما مكسورة هذا هو المشهور قال القاضي رويناه بكسرها وفتحها معا قال وأكثر
أهل العربية لا يجيزون غير كسرها. قوله (بصر عيني هاتين وسمع أذني هاتين) هو بفتح الصاد
ورفع الراء وباسكان ميم سمع ورفع العين هذه رواية الأكثرين ورواة جماعة بضم الصاد
وفتح الراء عيناي هاتان وسمع بكسر الميم أذناي هاتان وكلاهما صحيح لكن الأول أولى. قوله
(وأشار إلى مناط قلبه) هو بفتح الميم وفى بعض النسخ المعتمدة نياط بكسر النون ومعناهما
واحد وهو عرق معلق بالقلب. قوله (فقلت له يا عم لو أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك
وأخذت معافريه وأعطيته بردتك فكانت عليك حلة وعليه حلة) هكذا هو في جميع النسخ
135

وأخذت بالواو وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ والروايات ووجه الكلام وصوابه أن يقول
أو أخذت بأو لان المقصود أن يكون على أحدهما بردتان وعلى الآخر معافريان واما الحلة
فهي ثوبان ازار ورداء قال أهل اللغة لا تكون الا ثوبين سميت بذلك لأن أحدهما يحل على الآخر
وقيل لا تكون الا الثوب الجديد الذي يحل من طيه. قوله (وهو يصلى في ثوب واحد مشتملا به)
أي ملتحفا اشتمالا ليس باشتمال الصماء المنهى عنه وفيه دليل لجواز الصلاة في ثوب واحد
مع وجود الثياب لكن الأفضل أن يزيد على ثوب عند الامكان وإنما فعل جابر هذا للتعليم
كما. قال قوله (أردت أن يدخل على الأحمق مثلك) المراد بالأحمق هنا الجاهل وحقيقة الأحمق
من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه وفى هذا جواز مثل هذا اللفظ للتعزير والتأديب وزجر
المتعلم وتنبيهه ولأن لفظة الأحمق والظالم قل من ينفك من الاتصاف بهما وهذه الألفاظ
هي التي يؤدب بها المتقون والورعون من استحق التأديب والتوبيخ والاغلاظ في القول
136

لأن ما يقوله وغيرهم من ألفاظ السفه. قوله (عرجون ابن طاب) سبق شرحه قريبا وسبق أيضا مرات وهو نوع من التمر والعرجون الغصن. قوله (فخشعنا) هو بالخاء
المعجمة كذا رواية الجمهور ورواه جماعة بالجيم وكلاهما صحيح والأول من الخشوع وهو
الخضوع والتذلل والسكون وأيضا غض البصر وأيضا الخوف وأما الثاني فمعناه الفزع
. قوله صلى الله عليه وسلم (فان الله قبل وجهه) قال العلماء تأويله أي الجهة التي عظمها
أو الكعبة التي عظمها قبل وجهه. قوله صلى الله عليه وسلم (فان عجلت به بادرة) أي
غلبته بصقة أو نخامة بدرت منه. قوله صلى الله عليه وسلم (أروني عبيرا فقام فتى من الحي يشتد
إلى أهله فجاء بخلوق) قال أبو عبيد العبير بفتح العين وكسر الموحدة عند العرب هو الزعفران
وحده وقال الأصمعي هو أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران قال ابن قتيبة ولا أرى القول
الا ما قاله الأصمعي والخلوق بفتح الخاء هو طيب من أنواع مختلفة يجمع بالزعفران وهو العبير
على تفسير الأصمعي وهو ظاهر الحديث فإنه أمر باحضار عبير فأحضر خلوقا فلو لم يكن هو هو
137

لم يكن ممتثلا وقوله (يشتد) أي يسعى ويعدو عدوا شديدا. في هذا الحديث تعظيم المساجد وتنزيهها
من الأوساخ ونحوها وفيه استحباب تطييبها وفيه إزالة المنكر باليد لمن قدر وتقبيح ذلك الفعل
باللسان. قوله (في غزوة بطن بواط) هو بضم الباء الموحدة وفتحها والواو مخففة والطاء مهملة
قال القاضي رحمه الله تعالى قال أهل اللغة هو بالضم وهي رواية أكثر المحدثين وكذا قيده البكري
وهو جبل من جبال جهينة قال ورواه العذري رحمه الله تعالى بفتح الباء وصححه ابن سراج. قوله
(وهو يطلب المجدي بن عمرو) هو بالميم المفتوحة واسكان الجيم هكذا في جميع النسخ عندنا
وكذا نقله القاضي عن عامة الرواة والنسخ قال وفى بعضها النجدي بالنون بدل الميم قال والمعروف
الأول وهو الذي ذكره الخطابي وغيره. قوله (الناضح) هو البعير الذي يستسقى عليه وأما العقبة
بضم العين فهي ركوب هذا نوبة وهذا نوبة قال صاحب العين هي ركوب مقدار فرسخين وقوله
(وكان الناضح يعقبه منا الخمسة) هكذا هو في رواية أكثرهم يعقبه بفتح الياء وضم القاف وفى
بعضها يعتقبه بزيادة تاء وكسر القاف وكلاهما صحيح يقال عقبه واعتقبه واعتقبنا وتعاقبنا كله
من هذا. قوله (فتلدن عليه بعض التلدن) أي تلكأ وتوقف. قوله (شاء لعنك الله) هو بشين
معجمة بعدها همزة هكذا هو في نسخ بلادنا وذكر القاضي رحمه الله تعالى أن الرواة اختلفوا
فيه فرواه بعضهم بالشين المعجمة كما ذكرناه وبعضهم بالمهملة قالوا وكلاهما كلمة زجر للبعير
138

يقال منهما شأشأت بالبعير بالمعجمة والمهملة إذا زجرته وقلت له شاء قال الجوهري وسأسأت بالحمار
بالهمزة أي دعوته وقلت له تشؤ تشؤ بضم التاء والشين المعجمة وبعدها همزة وفى هذا الحديث
النهى عن لعن الدواب وقد سبق بيان هذا مع الأمر بمفارقة البعير الذي لعنه صاحبه. قوله
(حتى إذا كان عشيشية) هكذا الرواية فيها على التصغير مخففة الياء الأخيرة ساكنة الأولى
قال سيبويه صغروها على غير تكبيرها وكان أصلها عشية فأبدلوا من إحدى الياءين شينا
قوله صلى الله عليه وسلم (فيمدر الحوض) أي يطينه ويصلحه. قوله (فنزعنا في الحوض
سجلا) أي أخذنا وجبذنا والسجل بفتح السين واسكان الجيم الدلو المملوءة وسبق بيانها مرات.
قوله (حتى أفهقناه) هكذا هو في جميع نسخنا وكذا ذكره القاضي عن الجمهور قال وفى رواية
السمرقندي أصفقناه بالصاد وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن رواية مسلم
139

ومعناهما ملأناه. قوله صلى الله عليه وسلم (أتأذنان قلنا نعم) هذا تعليم منه صلى الله عليه وسلم
لأمته الآداب الشرعية والورع والاحتياط والاستئذان في مثل هذا وإن كان يعلم أنهما راضيان
وقد أرصدا ذلك له صلى الله عليه وسلم ثم لمن بعده. قوله (فأشرع ناقته فشربت فشنق لها فشجت
فبالت) معنى أشرعها أرسل رأسها في الماء لتشرب ويقال شنقها وأشنقها أي كففتها بزمامها
وأنت راكبها وقال ابن دريد هو أن تجذب زمامها حتى تقارب رأسها قادمة الرحل وقوله فشحت
بفاء وشين معجمة وجيم مفتوحات الجيم مخففة والفاء هنا أصلية يقال فشج البعير إذا فرج بين
رجليه للبول وفشج بتشديد الشين أشد من فشج بالتخفيف قاله الأزهري وغيره هذا الذي ذكرناه
من ضبطه هو الصحيح الموجود في عامة النسخ وهو الذي ذكره الخطابي والهروي وغيرهما من
أهل الغريب وذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين فشجت بتشديد الجيم وتكون الفاء زائدة
للعطف وفسره الحميدي في غريب الجمع بين الصحيحين له قال معناه قطعت الشرب من قولهم
شججت المفازة إذا قطعتها بالسير وقال القاضي وقع في رواية العذري فثجت بالثاء المثلثة والجيم
قال ولا معنى لهذه الرواية ولا لرواية الحميدي قال وأنكر بعضهم اجتماع الشين والجيم وادعى أن
صوابه فشحت بالحاء المهملة من قولهم شحافاه إذا فتحه فيكون بمعنى تفاجت هذا كلام القاضي
والصحيح ما قدمناه عن عامة النسخ والذي ذكره الحميدي أيضا صحيح والله أعلم. قوله (ثم جاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحوض فتوضأ منه) فيه دليل لجواز الوضوء من الماء الذي
140

شربت منه الإبل ونحوها من الحيوان الطاهر وأنه لا كراهية فيه وإن كان الماء دون قلتين
وهكذا مذهبنا. قوله (لها ذباذب) أي أهداب وأطراف واحدها ذبذب بكسر الذالين
سميت بذلك لأنها تتذبذب على صاحبها إذا مشى أي تتحرك وتضطرب. قوله (فنكستها)
بتخفيف الكاف وتشديدها. قوله (تواقصت عليها) أي أمسكت عليها بعنقي وخبنته عليها
لئلا تسقط. قوله (قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني
عن يمينه ثم جاء جبار بن صخر إلى آخره) هذا فيه فوائد منها جواز العمل اليسير في الصلاة
وأنه لا يكره إذا كان لحاجة فإن لم يكن لحاجة كره ومنها أن المأموم الواحد يقف على يمين الامام وان
وقف على يساره حوله الامام ومنها أن المأمومين يكونان صفا وراء الامام كما لو كانوا ثلاثة أو أكثر
هذا مذهب العلماء كافة الا ابن مسعود وصاحبيه فإنهم قالوا يقف الاثنان عن جانبيه. قوله (يرمقني)
أي ينظر إلى نظرا متتابعا. قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا كان ضيفا فاشدده على حقوك)
141

هو بفتح الحاء وكسرها وهو معقد الإزار والمراد هنا أن يبلغ السرة وفيه جواز الصلاة في ثوب
واحد وأنه إذا شد المئزر وصلى فيه وهو ساتر ما بين سرته وركبته صحت صلاته وان كانت عورته
ترى من أسفله لو كان على سطح ونحوه فان هذا لا يضره. قوله (وكان قوت كل رجل منا كل
يوم تمرة فكان يمصها) هو بفتح الميم على اللغة المشهورة وحكى ضمها وسبق بيانه وفيه ما كانوا
عليه من ضيق العيش والصبر عليه في سبيل الله وطاعته. قوله (وكنا نختبط بقسينا) القسي
جمع قوس ومعنى نختبط نضرب الشجر ليتحات ورقة فنأكله (وقرحت أشداقنا) أي تجرحت
من خشونة الورق وحرارته. قوله (فأقسم أخطئها رجل منا يوما فانطلقنا به ننعشه فشهدنا له
أنه لم يعطها فأعطيها) معنى أقسم أحلف وقوله أخطئها أي فاتته ومعناه أنه كان للتمر قاسم يقسمه
بينهم فيعطى كل انسان تمرة كل يوم فقسم في بعض الأيام ونسي انسانا فلم يعطه تمرته وظن
أنه أعطاه فتنازعا في ذلك وشهدنا له أنه لم يعطها فأعطيها بعد الشهادة ومعنى ننعشه نرفعه ونقيمه
من شدة الضعف والجهد وقال القاضي الأشبه عندي أن معناه نشد جانبه في دعواه ونشهد له
وفيه دليل لما كانوا عليه من الصبر وفيه جواز الشهادة على النفي في المحصورة الذي يحاط به. قوله (نزلنا
142

واديا أفيح) هو بالفاء أي واسعا وشاطئ الوادي جانبه. قوله (فانقادت معه كالبعير المخشوش)
هو بالخاء والشين المعجمتين وهو الذي يجعل في أنفه خشاش بكسر الخاء وهو عود يجعل في أنف
البعير إذا كان صعبا ويشد فيه حبل ليذل وينقاد وقد يتمانع لصعوبته فإذا اشتد عليه وآلمه انقاد
شيئا ولهذا قال الذي يصانع قائده وفى هذا هذه المعجزات الظاهرات لرسول الله صلى الله عليه
وسلم. قوله (حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما لأم بينهما) أما المنصف فبفتح الميم والصاد
وهو نصف المسافة وممن صرح بفتحه الجوهري وآخرون. قوله لأم بهمزة مقصورة وممدودة
وكلاهما صحيح أي جمع بينهما ووقع في بعض النسخ الام بالألف من غير همزة. قال القاضي
وغيره هو تصحيف. قوله (فخرجت أحضر) هو بضم الهمزة واسكان الحاء وكسر الضاد
المعجمة أي أعدو واسعى سعيا شديد. قوله (فحانت منى لفتة) اللفتة النظرة إلى جانب وهي
بفتح اللام ووقع لبعض الرواة فحالت باللام والمشهور بالنون وهما بمعنى فالحين والحال
143

الوقت أي وقعت واتفقت وكانت. قوله (وأشار أبو إسماعيل) وفى بعض النسخ ابن إسماعيل
وكلاهما صحيح هو حاتم ابن إسماعيل وكنيته أبو إسماعيل. قوله (فأخذت حجرا فكسرته
وحسرته فانذلق فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا) فقوله فحسرته بحاء
وسين مهملتين والسين مخففة أي أحددته ونحيت عنه ما يمنع حدته بحيث صار مما يمكن قطعي
الأغصان به وهو معنى قوله فانذلق بالذال المعجمة أي صار حادا وقال الهروي ومن تابعه
الضمير في حسرته عائد على الغصن أي حسرت غصنا من أغصان الشجرة أي قشرته بالحجر
وأنكر القاضي عياض هذا على الهروي ومتابعية وقال سياق الكلام يأبى هذا لأنه حسره ثم أتى الشجرة
فقطع الغصنين وهذا صريح في لفظه ولأنه قال فحسرته فانذلق والذي يوصف بالانذلاق
الحجر لا الغصن والصواب أنه إنما حسر الحجر وبه قال الخطابي واعلم أن قوله فحسرته بالسين
المهملة هكذا هو في جميع النسخ وكذا هو في الجمع بين الصحيحين وفى كتاب الخطابي والهروي
وجميع كتب الغريب وادعى القاضي روايته عن جميع شيوخهم لهذا الحرف بالشين المعجمة
144

وادعى أنه أصح وليس كما قال والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم (يرفه عنهما) أي يخفف.
قوله (وكان رجل من الأنصار يبرد الماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشجاب له على
حمارة من جريد) أما الاشجاب هنا فجمع شجب باسكان الجيم وهو السقاء الذي قد أخلق وبلى
وصار شنا يقال شاجب أي يابس وهو من الشجب الذي هو الهلاك ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما
قام إلى شجب فصب منه الماء وتوضأ ومثله قوله صلى الله عليه وسلم فانظر هل في أشجابه من شئ
وأما قول المازري وغيره أن المراد بالأشجاب هنا الأعواد التي تعلق عليها القربة فغلط لقوله
يبرد فيها على حمارة من جريد وأما الحمارة فبكسر الحاء وتخفيف الميم والراء وهي أعواد تعلق
عليها أسقية الماء قال القاضي ووقع لبعض الرواة حمار بحذف الهاء ورواية الجمهور حمارة بالهاء
وكلاهما صحيح ومعناهما ما ذكرنا. قوله (فلم أجد فيها الا قطرة في عزلاء شجب منها لو أنى أفرغه
145

شربه يابسه) قوله قطرة أي يسيرا والعزلاء بفتح العين المهملة وباسكان الزاي وبالمد وهي فم
القربة. وقوله شربه يابسه معناه أنه قليل جدا فلقلته مع شدة يبس باقي الشجب وهو السقاء
لو أفرغته لاشتفه اليابس منه ولم ينزل منه شئ. قوله (ويغمزه بيديه) وفى بعض النسخ
بيده أي يعصره. قوله صلى الله عليه وسلم (ناد بجفنة الركب فأتيت بها) أي
يا صاحب جفنة الركب فحذف المضاف للعلم بأنه المراد وأن الجفنة لا تنادى ومعناه
يا صاحب جفنة الركب التي تشبعهم أحضرها أي من كان عنده جفنة بهذه الصفة فليحضرها
والجفنة بفتح الجيم. قوله (فأتينا سيف البحر فزخر البحر زخرة فألقى دابة فأورينا على
شقها النار) سيف البحر بكسر السين واسكان المثناة تحت هو ساحله وزخر بالخاء المعجمة
146

أي علا موجه وأورينا أوقدنا. قوله (حجاج عينها) هو بكسر الحاء وفتحها وهو عظمها المستدير
بها. قوله (ثم دعونا بأعظم رجل في الركب وأعظم جمل في الركب وأعظم كفل في الركب فدخل تحته
ما يطأطئ رأسه) الكفل هنا بكسر الكاف واسكان الفاء قال الجمهور والمراد بالكفل هنا الكساء
الذي يحويه راكب البعير على سنامه لئلا يسقط فيحفظ الكفل الراكب قال الهروي قال الأزهري
ومنه اشتقاق قوله تعالى يؤتكم كفلين من رحمته أي نصيبين يحفظانكم من الهلكة كما يحفظ الكفل
الراكب يقال منه تكفلت البعير وأكفلته إذا أدرت ذلك الكساء حول سنامه ثم ركبته وهذا
الكساء كفل بكسر الكاف وسكون الفاء وقال القاضي عياض وضبطه بعض الرواة بفتح
الكاف والفاء والصحيح الأول وأما قوله بأعظم رجل فهو بالجيم في الرواية الأكثرين وهو
الأصح ورواه بعضهم بالحاء وكذا وقع لرواة البخاري بالوجهين وفى هذا الحديث معجزات
ظاهرات لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم
147

باب في حديث الهجرة ويقال له حديث الرحل الحاء
قوله (ينتقد ثمنه) أي يستوفيه ويقال سرى وأسرى لغتان بمعنى وقائم الظهيرة نصف النهار
وهو حال استواء الشمس سمى قائما لأن الظل لا يظهر فكأنه واقف قائم ووقع في أكثر النسخ
قائم الظهر بضم الظاء وحذف الياء. قوله (رفعت لنا صخرة) أي ظهرت لأبصارنا. قوله
فبسطت عليه فروة) المراد بالفروة المعروفة التي تلبس هذا هو الصواب وذكر القاضي أن
بعضهم قال المراد بالفروة هنا الحشيش فإنه يقال له فروة وهذا قول باطل ومما يرده قوله
في رواية البخاري فروة معي ويقال لها فروة بالهاء وفرو بحذفها وهو الأشهر في اللغة
وان كانتا صحيحتين. قوله (أنفض لك ما حولك) أي أفتش لئلا يكون هناك عدو. وقوله
(لمن أنت يا غلام فقال لرجل إنما من أهل المدينة) المراد بالمدينة هنا مكة ولم تكن مدينة النبي صلى
الله عليه وسلم سميت بالمدينة إنما كان اسمها يثرب هذا هو الجواب الصحيح وأما قول القاضي
أن ذكر المدينة هنا وهم فليس كما قال بل هو صحيح والمراد بها مكة. قوله (أفي غنمك لبن) هو
148

بفتح اللام والباء يعنى اللبن المعروف هذه الرواية مشهورة وروى بعضهم لبن بضم اللام واسكان
الباء أي شياه وذوات ألبان. قوله (فحلب لي في قعب معه كثيبة من لبن قال ومعي إداوة أرتوى
فيها) القعب قدح من خشب معروف والكثبة بضم الكاف واسكان المثلثة وهي قدر الحلبة قاله
ابن السكيت وقيل هي القليل منه والادواة كالركوة وأرتوي أستقي وهذا الحديث مما يسأل عنه
فيقال كيف شربوا اللبن من الغلام وليس هو مالكه وجوابه من أوجه أحدها أنه محمول على
عادة العرب أنهم يأذنون للرعاة إذا مر بهم ضيف أو عابر سبيل أن يسقوه اللبن ونحوه والثاني
أنه كان لصديق لهم يدلون عليه وهذا جائز والثالث أنه مال حربي لا أمان له ومثل هذا جائز
والرابع لعلهم كانوا مضطرين والجوابان الأولان أجود. قوله (برد أسفله) هو بفتح الراء على
المشهور وقال الجوهري بضمها. قوله (ونحن في جلد من الأرض) هو بفتح الجيم واللام أي أرض صلبة
149

وروى جدد بدالين وهو المستوى وكانت الأرض مستوية صلبة. قوله (فارتطمت فرسه إلى
بطنها) أي غاصت قوائمها في تلك الأرض الجلد. قوله (ووفى لنا) بتخفيف الفاء. قوله (فساخ
فرسه في الأرض) هو بمعنى ارتطمت. قوله (لأعمين على من ورائي) يعنى لأخفين أمركم عمن
ورائي ممن يطلبكم وألبسه عليهم حتى لا يعلم أحد وفى هذا الحديث فوائد منها هذه المعجزة الظاهرة
لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفضيلة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه من وجوه وفيه خدمة التابع
للمتبوع وفيه استصحاب الركوة والإبريق ونحوهما في السفر للطهارة والشرب وفيه فضل التوكل
150

على الله سبحانه وتعالى وحسن عاقبته وفيه فضائل للأنصار لفرحهم بقدوم رسول الله صلى الله
عليه وسلم وظهور سرورهم به وفيه فضيلة صلة الأرحام سواء قربت القرابة والرحم أم بعدت وأن
الرجل الجليل إذا قدم بلدا له فيه أقارب ينزل عندهم يكرمهم بذلك والله أعلم
151

كتاب التفسير
قوله تعالى (وقولوا حطة) أي مسئلتنا حطة وهي أن يحط عنا خطايانا. وقوله (يزحفون على
أستاههم) جمع أست وهي الدبر. وقوله في قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم (انها نزلت
152

ليلة جمع ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات) هكذا هو في النسخ الرواية ليلة جمع
وفى نسخة ابن ماهان ليلة جمعة وكلاهما صحيح فمن روى ليلة جمع فهي ليلة المزدلفة وهو المراد
بقوله ونحن بعرفات في يوم جمعة لأن ليلة جمع هي عشية يوم عرفات ويكون المراد بقوله ليلة
جمعة يوم جمعة ومراد عمر رضي الله عنه انا قد اتخذنا ذلك اليوم عيدا من وجهين فإنه يوم عرفة
153

ويوم جمعة وكل واحد منهما عيد لأهل الاسلام. قوله (تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء
مثنى وثلاث ورباع) أي ثنتين ثنتين أو ثلاثا ثلاثا أو أربعا أربعا وليس فيه جواز جمع أكثر من
أربع. قولها (يقسط في صداقها) أي يعدل. قولها (أعلى سنتهن) أي أعلى عادتهن في
154

مهورهن ومهور أمثالهن يقال ضره وأضر به فالثلاثي بحذف الباء والرباعي باثباتها. قولها
155

(فيعضلها) أي يمنعها الزواج. قولها (شركته في ماله حتى في العذق) شركته بكسر
156

الراء أي شاركته والعذق بفتح العين وهو النخلة قولها في قوله تعالى (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف)
أنه يجوز للولي أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف إذا كان محاجا هو أيضا مذهب الشافعي الجمهور
وقالت طائفة لا يجوز وحكى عن ابن عباس وزيد بن أسلم قالا وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى
ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية وقيل بقوله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
واختلف الجمهور فيما إذا اكل هل يلزمه رد بدله وهما وجهان لأصحابنا أصحهما لا يلزمه وقال فقهاء
157

العراق إنما يجوز له الأكل إذا سافر في مال اليتيم والله أعلم. قولها (أمروا أن يستغفروا لأصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم) قال القاضي الظاهر أنها قالت هذا عندما سمعت أهل مصر
يقولون في عثمان ما قالوا وأهل الشام في علي ما قالوا والحرورية في الجميع ما قالوا وأما الامر
بالاستغفار الذي أشارت إليه فهو قوله تعالى جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا
ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان وبهذا احتج مالك في أنه لا حق في الفئ لمن سب الصحابة
158

رضي الله عنهم لأن الله تعالى إنما جعله لمن جاء بعدهم ممن يستغفر لهم والله أعلم. قوله (عن
ابن عباس رضي الله عنهما ان القاتل متعمدا لا توبة له) واحتج بقوله تعالى ومن يقتل
مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها. هذا هو المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما وروى
عنه أن له توبة وجواز المغفرة له لقوله تعالى ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا
رحيما وهذه الرواية الثانية هي مذهب جميع أهل السنة والصحابة والتابعين ومن بعدهم وما روى
عن بعض السلف مما يخالف هذا محمول على التغليظ والتحذير من القتل والتورية في المنع منه
وليس في هذه الآية التي احتج بها ابن عباس تصريح بأنه يخلد وإنما فيها أنه جزاؤه ولا يلزم منه
أنه يجازى وقد سبق تقرير هذه المسألة وبيان معنى الآية في كتاب التوبة والله أعلم. قوله (فرحلت
إلى ابن عباس) هو بالراء والحاء المهملة هذا هو الصحيح المشهور في الروايات وفى نسخة ابن
ماهان فدخلت بالدال والخاء المعجمة ويمكن تصحيحه بأن يكون معناه دخلت بعد رحلتي إليه.
159

قوله (فأما من دخل في الاسلام وعقله) هو بفتح القاف أي علم أحكام الاسلام وتحريم
القتل. قوله (نسختها آية المدينة) يعنى بالناسخة آية النساء ومن يقتل مؤمنا متعمدا. قوله
(عن سعيد بن جبير قال أمرني عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين)
هكذا هو في جميع النسخ قال القاضي قال بعضهم لعله أمرني ابن عبد الرحمن قال القاضي لا يمتنع أن
عبد الرحمن أمر سعيدا يسأل له ابن عباس عما لا يعلمه عبد الرحمن فقد سأل ابن عباس أكبر منه
وأقدم صحبة وهذا الذي قاله القاضي هو الصواب. قوله (أخبرنا أبو عميس عن عبد المجيد
ابن سهيل) هكذا هو هو في جميع النسخ عبد المجيد بالميم ثم الجيم الا نسخة ابن ماهان ففيها عبد الحميد
160

بحاء ثم ميم قال أبو علي الغساني الصواب الأول قال القاضي قد اختلفوا في اسمه فذكره مالك
في الموطأ من رواية يحيى بن يحيى الأندلسي وغيره فسماه عبد الحميد بالحاء ثم بالميم وكذا قاله
161

سفيان بن عيينة وسماه البخاري عبد المجيد بالميم ثم بالجيم وكذا رواه ابن القاسم والقعنبي وجماعة
في الموطأ عن مالك وقال ابن عبد البر يقال بالوجهين قال والأكثر بالميم ثم بالجيم قال القاضي فإذا
ثبت الخلاف فيه لم يحكم على أحد الوجهين بالخطأ. قوله (فتقول من يعيرني تطوافا)
هو بكسر التاء المثناة فوق وهو ثوب تلبسه المرأة تطوف به وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة
ويرمون ثيابهم ويتركونها ملقاة على الأرض ولا يأخذونها أبدا ويتركونها تداس بالأرجل
162

حتى تبلى ويسمى اللقاء حتى جاء الاسلام فأمر الله تعالى بستر العورة فقال تعالى خذوا زينتكم
عند كل مسجد وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يطوف بالبيت عريان. قوله (فأنزل الله تعالى
ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان أردن تحصنا إلى قوله ومن يكرههن فان الله من بعد إكراههن
" لهن " غفور رحيم) هكذا وقع في النسخ كلها لهن غفور رحيم وهذا تفسير ولم يرد به أن لفظة لهن
منزلة فإنه لم يقرأ بها أحد وإنما هي تفسير وبيان يردان المغفرة والرحمة لهن لكونهم مكروهات
لا لمن أكرههن وأما قوله تعالى إن أردن تحصنا فخرج على الغالب إذ الاكراه إنما هو لمريدة
التحصم أما غيرها فهي تسارع إلى البغاء من غير حاجة إلى الاكراه والمقصود أن الاكراه
على الزنا حرام سواء أردن تحصنا أم لا وصورة الاكراه مع أنها لا تريد التحصن أن تكون هي
مريدة الزنا بانسان فيكرهها على الزنا بغيره وكله حرام. قوله (ان جارية لعبد الله بن أبي
يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة) أما مسيكة فبضم الميم وقيل إنهما معاذة وزينب وقيل
نزلت في ست جوار له كان يكرههن على الزنا معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة والله
163

أعلم. قوله (عن عبد الله بن معبد الزماني) بكسر الزاي وتشديد الميم. قوله في تحريم الخمر
164

(وانها من خمسة أشياء وذكر الكلالة وغيرها) هذا كله سبق بيانه في أبوابه. قوله
165

(عن أبي مجلز عن قيس بن عباد قال سمعت أبا ذر يقسم قسما ان هذان خصمان اختصموا
في ربهم أنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر) أما مجلز فبكسر الميم على المشهور وحكى
فتحها واسكان الجيم وفتح اللام واسمه لاحق بن حميد سبق بيانه مرات وقيس بن عباد بضم العين
وتخفيف الباء وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني فقال أخرجه البخاري عن أبي مجلز عن
قيس عن علي رضي الله عنه أنا أول من يجثو للخصومة قال قيس وفيهم نزلت الآية يجاوز به
قيسا ثم قال البخاري وقال عثمان عن جرير عن منصور عن أبي هاشم عن أبي مجلز. قوله (قال الدارقطني فاضطرب الحديث) هذا كله كلامه قلت فلا يلزم من هذا ضعف الحديث واضطرابه
لأن قيسا سمعه من أبي ذر كما رواه مسلم هنا فرواه عنه وسمع من على بعضه وأضاف إليه قيس
ما سمعه من أبي ذر وأفتى به أبو مجلز تارة ولم يقل أنه من كلام نفسه ورأيه وقد عملت الصحابة
رضوان الله عليهم ومن بعدهم بمثل هذا فيفتى الانسان منهم بمعنى الحديث عند الحاجة إلى الفتوى
166

دون الرواية ولا يرفعه فإذا كان وقت آخر وقصد الرواية رفعه وذكر لفظه وليس
في هذا اضطراب والله أعلم.
167