الكتاب: فتح الباري
المؤلف: ابن حجر
الجزء: ٢
الوفاة: ٨٥٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع:
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

فتح الباري
شرح
صحيح البخاري
للامام الحافظ
شهاب الدين ابن حجر العسقلاني
رحمه الله تعالى
الجزء الثاني
دار المعرفة
للطباعة والنشر
بيروت - لبنان
الطبعة الثانية
أعيد طبعه بالأوفست
(الجزء الثاني)
من فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي
عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري لشيخ الاسلام
قاضى القضاة الحافظ أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي
بن محمد بن محمد بن حجر العسقلاني
الشافعي نزيل القاهرة المحروسة
نفعنا الله
بعلومه
آمين
1

بسم الله الرحمن الرحيم
كذا للمستملي وبعده البسملة ولرفيقيه البسملة مقدمة وبعدها باب مواقيت الصلاة وفضلها
وكذا في نسخة الصغاني وكذا لكريمة لكن بلا بسملة وكذا للأصيلي لكن بلا باب والمواقيت
جمع ميقات وهو مفعال من الوقت وهو القدر المحدد للفعل من الزمان أو المكان قوله كتابا
موقوتا موقتا وقته عليهم كذا وقع في أكثر الروايات وسقط في بعضها لفظ موقتا فاستشكل ابن
التين تشديد القاف من وقته وقال المعروف في اللغة التخفيف الله أهو الظاهر أن المصنف أراد بقوله
موقتا بيان أن قوله موقوتا من التوقيت فقد جاء عن مجاهد في معنى قوله موقوتا قال مفروضا
وعن غيره محدودا وقال صاحب المنتهى كل شئ جعل له حين وغاية فهو موقت يقال وقته ليوم
كذا أي أجله (قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة) هو القعنبي وهذا الحديث أول شئ في الموطأ ورجاله
كلهم مدنيون (قوله أخر الصلاة يوما) وللمصنف في بدء الخلق من طريق الليث عن بن شهاب بيان
الصلاة المذكورة ولفظه أخر العصر شيئا قال بن عبد البر ظاهر سياقه أنه فعل ذلك يوما ما لا أن ذلك
كان عادة له وإن كان أهل بيته معروف أهو سيأتي بيان ذلك قريبا في باب تضييع الصلاة
عن وقتها وكذا في نسخة الصغاني وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن بن شهاب أخر الصلاة مرة
يعني العصر والطبراني من طريق أبي بكر بن حزم أن عروة حدث عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ
أمير المدينة في زمان الوليد بن عبد الملك وكان ذلك زمان يؤخرون فيه الصلاة يعني بني أمية قال ابن
2

عبد البر المراد أنه أخرها حتى خرج الوقت المستحب لا أنه أخرها حتى غربت الشمس أهو يؤيده
سياق رواية الليث المتقدمة وأما ما رواه الطبراني من طريق يزيد بن أبي حبيب عن أسامة بن زيد
الليثي عن بن شهاب في هذا الحديث قال دعا المؤذن لصلاة العصر فأمسى عمر بن عبد العزيز قبل
أن يصليها فمحمول على أنه قارب المساء لا أنه دخل فيه وقد رجع عمر بن عبد العزيز عن ذلك فروى
الأوزاعي عن عاصم بن رجاء بن حياة عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز يعني في خلافته كان يصلي
الظهر في الساعة الثامنة والعصر في الساعة العاشرة حين الخطبة (قوله أن المغيرة بن شعبة أخر
الصلاة يوما) بين عبد الرزاق في روايته عن بن جريج عن بن شهاب أن الصلاة المذكورة العصر
أيضا ولفظه أمسى المغيرة بن شعبة بصلاة العصر (قوله وهو بالعراق) في الموطأ رواية القعنبي
وغيره عن مالك وهو بالكوفة وكذا أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن القعنبي والكوفة
من جملة العراق فالتعبير بها أخص من التعبير بالعراق وكان المغيرة إذ ذاك أميرا عليها من قبل
معاوية بن أبي سفيان (قوله أبو مسعود) أي عقبة بن عمرو البدري (قوله ما هذا) أي التأخير
(قوله أليس) كذا الرواية وهو استعمال صحيح لكن الأكثر في الاستعمال في مخاطبة الحاضر
ألست وفي مخاطبة الغائب أليس (قوله قد علمت) قال عياض يدل ظاهرة على علم المغيرة بذلك
ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل الظن من أبي مسعود لعلمه بصحبة المغيرة قلت ويؤيد الأول
رواية شعيب عن ابن شهاب عند المصنف في غزوة بدر بلفظ فقال لقد علمت بغير أداة استفهام
ونحوه لعبد الرزاق عن معمر وابن جريج جميعا (قوله أن جبريل نزل) بين بن إسحاق في المغازي
أن ذلك صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة وهي ليلة الإسراء قال ابن إسحاق حدثني
عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير وقال عبد الرزاق عن بن جريج قال نافع بن جبير وغيره لما
أصبح النبي صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسرى به لم يرعه إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس
ولذلك سميت الأولى أي صلاة الظهر فأمر فصيح بأصحابه الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى به جبريل
وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس فذكر الحديث وفيه رد على من زعم أن بيان الأوقات
إنما وقع بعد الهجرة والحق أن ذلك وقع قبلها ببيان جبريل وبعدها ببيان النبي صلى الله عليه
وسلم (قوله نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال عياض ظاهرة أن صلاته
كانت بعد فراغ صلاة جبريل لكن المنصوص في غيره أن جبريل أم النبي صلى الله عليه وسلم
فيحمل قوله صلى فصلى على أن جبريل كان كلما فعل جزءا من الصلاة تابعه النبي صلى الله عليه
وسلم بفعله أهو بهذا جزم النووي وقال غير الفاء بمعنى الواو واعتراض بأنه يلزم أن يكون
النبي صلى الله عليه وسلم كان يتقدم في بعض الأركان على جبريل على ما يقتضيه مطلق الجمع
وأجيب بمراعاة الحيثية وهي التبيين فكان لأجل ذلك يتراخى عنه وقيل الفاء للسببية كقوله
تعالى فوكزه موسى فقضى عليه وفي رواية الليث عند المصنف وغيره نزل جبريل فأمنى فصليت
معه وفي رواية عبد الرزاق عن معمر نزل فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الناس
معه وهذا يؤيد رواية نافع بن جبير المتقدمة وإنما دعاهم إلى الصلاة بقولة الصلاة الجامعة لأن
الأذان لم يكن شرع حينئذ واستبدل بهذا الحديث على جواز الائتمام بمن يأتم بغيره ويجاب عنه
بما يجاب به عن قصة أبي بكر في صلاته خلف النبي صلى الله عليه وسلم وصلاة الناس خلفه فإنه
3

محمل على أنه كان مبلغا فقط كما سيأتي تقريره في أبواب الإمامة واستدل به أيضا على جواز
صلاة المفترض خلف المتنفل من جهة أن الملائكة ليسوا مكلفين بمثل ما كلف به الإنس قاله ابن
العربي وغيره وأجاب عياض باحتمال أن لا تكون تلك الصلاة كانت واجبة على النبي صلى الله
عليه وسلم حينئذ وتعقبه بما تقدم من أنها كانت صبيحة ليلة فرض الصلاة وأجاب باحتمال
أن الوجوب عليه كان معلقا بالبيان فلم يتحقق الوجوب الا بعد تلك الصلاة قال وأيضا لا نسلم
أن جبريل كان متنقلا بل كانت تلك الصلاة واجبة عليه لأنه مكلف بتبليغها فهي صلاة مفترض
خلف مفترض أهو وقال بن المنيقد يتعلق به من يجوز صلاة مفترض
بفرض خلف مفترض بفرض آخر كذا قال وهو مسلم له في صورة المؤداة مثلا خلف المقضية لا في صورة الظهر خلف
العصر مثلا (قوله بهذا أمرت) بفتح المثناة على المشهور والمعنى هذا الذي أمرت به أن يصليه كل
يوم وليلة وروى بالضم أي هذا الذي أمرت بتبليغه لك (قوله أعلم) بصيغة الأمر (قوله أو إن)
جبريل بفتح الهمزة وهي للاستفهام والواو هي العاطفة والعطف على شئ مقدر وبكسر همزة
وإن ويجوز الفتح (قوله وقوت الصلاة) كذا للمستملي بصيغة الجمع وللباقين وقت الصلاة بالافراد
وهو للجنس (قوله كذلك كان بشير) هو بفتح الموحدة بعدها معجمة بوزن فعيل وهو تابعي جليل
ذكر في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه و سلم ورآه قال بن عبد البر هذا السياق
منقطع عند جماعة من العلماء لان ابن شهاب لم يقل حضرت مراجعة عروة لعمر وعروة لم يقل
حدثني بشير لكن الاعتبار عند الجمهور بثبوت اللقاء والمجالسة لا بالصيغ أه وقال الكرماني
أعلم أن الحديث بهذا الطريق ليس متصل الإسناد إذ لم يقل أبو مسعود شاهدت رسول الله صلى
الله عليه و سلم ولا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) هذا لا يسمى منقطعا اصطلاحا
وإنما هو مرسل صحابي لأنه لم يدرك القصة فاحتمل أن يكون سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم
أو بلغه عنه بتبليغ من شاهده أو سمعه كصحابي آخر على أن رواية الليث عند المصنف تزيل
الاشكال كله ولفظه فقال عروة سمعت بشير بن أبي مسعود يقول سمعت أبي يقول سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر الحديث وكذا سياق بن شهاب وليس فيه التصريح بسماعه
له من عروة وابن شهاب قد جرب عليه التدليس لكن وقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن
شهاب قال كنا مع عمر بن عبد العزيز فذكره وفي رواية شعيب عن الزهري سمعت عروة يحدث
عمر بن عبد العزيز الحديث قال القرطبي قول عروة ان جبريل نزل ليس فيه حجة واضحة
على عمر بن عبد العزيز إذ لم يعين له الأوقات قال وغاية ما يتوهم عليه أنه نبهه وذكره بما كان يعرفه
من تفاصيل الأوقات قال وفيه بعد لانكار عمر على عروة حيث قال له اعلم ما تحدث يا عروة قال
وظاهر هذا الإنكار أنه لم يكن عنده علم من إمامة جبريل قلت لا يلزم من كونه لم يكن عنده علم
منها أن لا يكون عنده علم بتفاصيل الأوقات المذكورة من جهة العمل المستمر لكن لم يكن يعرف
أن أصله بتبيين جبريل بالفعل فلهذا استثبت فيه وكأنه كان يرى أن لا مفاضلة بين أجزاء الوقت
الواحد وكذا يحمل عمل المغيرة وغير من الصحابة ولم أقف في شئ من الروايات على جواب المغيرة
لأبي مسعود والظاهر أنه رجع إليه والله أعلم وأما ما زاده عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن
الزهري في هذه القصة قال فلم يزل عمر يعلم الصلاة بعلامة حتى فارق الدنيا ورواه أبو الشيخ
4

في كتاب المواقيت له من طريق الوليد عن الأوزاعي عن الزهري قال ما زال عمر بن عبد العزيز يتعلم
مواقيت الصلاة حتى مات ومن طريق إسماعيل بن حكيم أن عمر بن عبد العزيز جعل ساعات ينقضين
مع غروب الشمس زاد من طريق ابن إسحاق عن الزهري فما أخرها حتى مات فكله يدل على أن عمر
لم يكن يحتاط في الأوقات كثير احتياط إلا بعد أن حدثه عروة بالحديث المذكور * (تنبيه) * ورد
في هذه القصة من وجه آخر عن الزهري بيان أبي مسعود للأوقات وفي ذلك ما يرفع الاشكال
ويوضح توجيه احتجاج عروة به فروى أبو داود وغيره وصححه بن خزيمة وغيره من طريق بن وهب
والطبراني من طريق يزيد بن أبي حبيب كلاهما عن أسامة بن زيد عن الزهري هذا الحديث
باسناده وزاد في آخره قال أبو مسعود فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر حين تزول
الشمس فذكر الحديث وذكر أبو داود أن أسامة بن زيد تفرد بتفسير الأوقات فيه وأن أصحاب
الزهري لم يذكروا ذلك قال وكذا رواه هشام بن عروة وحبيب بن أبي الاستثناء عن عروة لم يذكرا
تفسير اه‍ و رواية هشام أخرجها سعيد بن منصور في سننه ورواية حبيب أخرجها الحرث
ابن أبي أسامة في مسنده وقد وجدت ما يعضد رواية أسامة ويزيد عليها أن البيان من فعل
جبريل وذلك فيما رواه الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز والبيهقي في السنن الكبرى من
طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي بكر بن حزم أنه بلغه عن أبي مسعود فذكره منقطعا لكن
رواه الطبراني من وجه آخر عن أبي بكر عن عروة فرجع الحديث إلى عروة ووضح أن له أصلا
وأن في رواية مالك ومن تابعه اختصارا وبذلك جزم ابن عبد البر وليس في رواية مالك ومن تابعه
ما ينفى الزيادة المذكورة فلا توصف والحالة هذه بالشذوذ وفي الحديث من الفوائد دخول
العلماء على الأمراء وإنكارهم عليهم ما يخالف السنة واستثبات العالم فيما يستغربه السامع
والرجوع عند التنازع إلى السنة وفيه فضيلة عمر بن عبد العزيز وفيه فضيلة المبادرة بالصلاة في
الوقت الفاضل وقبول خبر الواحد الثبت واستدل به ابن بطال وغيره على أن الحجة بالمتصل دون
المنقطع لأن عروة أجاب عن استفهام عمر له لما أن أرسل الحديث بذكر من حدثه به فرجع إليه
فكأن عمر قال له تأمل ما تقول فلعله بلغك عن غير ثبت فكأن عروة قال له بل قد سمعته ممن قد
سمع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم والصاحب قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم
واستد به عياض على جواز الاحتجاج بمرسل الثقة كصنيع عروة حين احتج على عمر قال وإنما
راجعه عمر لتثبته فيه لا لكونه لم يرض به مرسلا كذا قال وظاهر السياق يشهد لما قال ابن
بطال وقال ابن بطال أيضا في هذا الحديث دليل على ضعف الحديث الوارد في أن جبريل أم بالنبي
صلى الله عليه وسلم في يومين لوقتين مختلفين لكل صلاة قال لأنه لو كان صحيحا لم ينكر عروة على عمر
صلاته في آخر الوقت محتجا بصلاة جبريل مع أن جبريل قد صلى في اليوم الثاني في آخر الوقت
وقال الوقت ما بين هذين وأجيب باحتمال أن تكون صلاة عمر كانت خرجت عن وقت
الاختيار وهو مصير ظل الشئ مثليه لا عن وقت الجواز وهو مغيب الشمس فيتجه إنكار عروة
ولا يلزم منه ضعف الحديث أو يكون عروة أنكر مخالفة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم
وهو الصلاة في أول الوقت ورأى أن الصلاة بعد ذلك إنما هي لبيان الجواز فلا يلزم منه
ضعف الحديث أيضا وقد روى سعيد بن منصور من طريق طلق بن حبيب مرسلا قال إن
5

الرجل ليصلى الصلاة وما فاتته ولما فاته من وقتها خير له من أهله وماله ورواه أيضا عن بن عمر
من قوله ويؤيد ذلك احتجاج عروة بحديث عائشة في كونه صلى الله عليه وسلم كان يصلي
العصر والشمس في حجرتها وهى الصلاة التي وقع الإنكار بسببها وبذلك تظهر
مناسبة ذكره
لحديث عائشة بعد حديث أبي مسعود لأن حديث عائشة يشعر بمواظبته على صلاة العصر في
أول الوقت وحديث أبي مسعود يشعر بان أصل بيان الأوقات كان بتعليم جبريل (قوله قال
عروة ولقد حدثتني عائشة) قال الكرماني هو إما مقول ابن شهاب أو تعليق من البخاري (قلت)
الاحتمال الثاني على بعده مغاير للواقع كما سيظهر في باب وقت العصر قريبا فقد ذكره مسندا عن
ابن شهاب عن عروة عن عائشة فهو مقوله وليس بتعليق وسنذكر الكلام على فوائده هناك إن
شاء الله تعالى (قوله باب منيبين إليه) كذا عند أبي ذر بتنوين باب ولغيره باب
قوله تعالى بالإضافة والمنيب التائب من الإنابة وهي الرجوع وهذه الآية مما استدل به من يرى
تكفير تارك الصلاة لما يقتضيه مفهومها وأجيب بأن المراد أن ترك الصلاة من أفعال المشركين
فورد النهى عن التشبه بهم لا أن من وافقهم في الترك صار مشركا وهي من أعظم ما ورد في القرآن
من فضل الصلاة ومناسبتها لحديث وفد عبد القيس أن في الآية اقتران نفى الشرك بإقامة
الصلاة وفي الحديث اقتران اثبات التوحيد بإقامتها وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب
الإيمان وقوله في هذه الرواية حدثنا عباد وهو بن عباد كذا لأبي ذر وسقطت الواو لغيره وهو
ممن وافق اسمه اسم أبيه واسم جده حبيب بن المهلب بن أبي صفرة وقوله إنا هذا الحي هو
بالنصب على الاختصاص والله أعلم (قوله باب البيعة على أقام الصلاة) وفي رواية
كريمة إقامة والمراد بالبيعة المبايعة على الإسلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يشترط بعد
التوحيد إقامة الصلاة لأنها رأس العبادات البدنية ثم أداء الزكاة لأنها رأس العبادات المالية
ثم يعلم كل قوم ما حاجتهم إليه أمس فبايع جريرا على النصيحة لأنه كان سيد قومه فأرشده إلى
تعليمهم بأمره بالنصيحة لهم وبايع وفد عبد القيس على أداء الخمس لكونهم كانوا أهل محاربة مع
من يليهم من كفار مضر وقد تقدم الكلام على حديث جرير أيضا مستوفى في آخر كتاب الإيمان
ويحيى في الإسناد أيضا هو القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم (قوله
باب الصلاة كفارة) كذا للأكثر وللمستملي باب تكفير الصلاة (قوله حدثنا يحيى) هو
القطان وشقيق هو ابن سلمة أبو وائل (قوله سمعت حذيفة) للمستملي حدثني حذيفة (قوله في
الفتنة) فيه دليل على جواز إطلاق اللفظ العام وإرادة الخاص إذ تبين أنه لم يسأل إلا عن فتنة
مخصوصة ومعنى الفتنة في الأصل الاختبار والامتحان ثم استعملت في كل أمر يكشفه الامتحان
عن سوء وتطلق على الكفر والغلو في التأويل البعيد وعلى الفضيحة والبلية والعذاب والقتال
والتحول من الحسن إلى القبيح والميل إلى الشئ والاعجاب به وتكون في الخير والشر كقوله تعالى
ونبلوكم بالشر والخير فتنة (قوله أنا كما قاله) أي أنا أحفظ ما قاله والكاف زائدة للتأكيد أو هي
بمعنى على ويحتمل أن يراد بها المثلية أي أقول مثل ما قاله (قوله عليه) أي على النبي صلى الله عليه
وسلم أو (عليها أي) على المقالة والشك من أحد رواته (قوله الأمر والنهي) أي الأمر بالمعروف
6

والنهي عن المنكر كما صرح به في الزكاة (قوله قلنا) هو مقول شقيق وقوله أني حدثته هو مقول
حذيفة والأغاليط جمع أغلوطة وقوله فهبنا أي خفنا وهو مقول شقيق أيضا وقوله الباب عمر
لا يغاير قوله قبل ذلك أن بينه وبين
الفتنة بابا لأن المراد بقولة بينك وبينها أي بين زمانك وبين
زمان الفتنة وجود حياتك وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في علامات النبو إن شاء
الله تعالى (قوله أن رجلا) هو أبو اليسر بفتح التحتانية والمهملة الأنصاري رواه الترمذي وقيل
غيره ولم أقف على اسم المرأة المذكورة ولكن جاء في بعض الأحاديث أنها من الأنصار (قوله
لجميع أمتي كلهم) فيه ومظلمة في التأكيد وسقط كلهم من رواية المستملى وسيأتي الكلام على
بقية فوائد هذا الحديث في آخر تفسير سورة هود إن شاء الله تعالى واحتج المرجئة بظاهره
وظاهر الذي قبله على أن أفعال الخير مكفرة للكبائر والصغائر وحملة جمهور أهل السنة على
الصغائر وأشار بحمل المطلق على المقيد كما سيأتي بسطة هناك أن شاء الله تعالى (قوله
باب فضل الصلاة لوقتها) كذا ترجم وأورده بلفظ على وقتها وهي رواية شعبة
وأكثر الرواة نعم أخرجه في التوحيد من وجه آخر بلفظ الترجمة وكذا أخرجه مسلم باللفظين
(قوله قال الوليد بن العيزار أخبرني) هو على التقديم والتأخير (قوله حدثنا صاحب هذه
الدار) كذا رواه شعبة مبهما ورواه مالك بن مغول عند المصنف في الجهاد وأبو إسحاق
الشيباني في التوحيد عن الوليد فصرحا باسم عبد الله وكذا رواه النسائي من طريق أبي معاوية
النخعي عن أبي عمرو الشيباني وأحمد من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن
أبية (قوله وأشار بيده) فيه الاكتفاء بالإشارة المفهمة عن التصريح وعبد الله هو ابن مسعود
(قوله أي العمل أحب إلى الله) في راوية مالك بن مغول أي العمل أفضل وكذا لأكثر الرواة فإن
كان هذا اللفظ هو المسؤول به فلفظ حديث الباب ملزوم عنه ومحصل ما أجاب به العلماء عن
هذا الحديث وغيره مما اختلفت فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال أن الجواب اختلف
لاختلاف أحوال السائلين بان أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بما لهم فيه رغبه أو بما هو
لائق بهم أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات بان يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في
غيره فقد كان الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال لأنه الوسيلة إلى القيام بها والتمكن من
أدائها وقد تضافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة ومع ذلك ففي وقت مواساة
المضطر تكون الصدقة أفضل أو أن أفضل ليست على بابها بل المراد بها الفضل المطلق أو المراد من
أفضل الأعمال فحذفت من وهي مرادة وقال ابن دقيق العيد الأعمال في هذا الحديث محمولة
على البدنية وأراد بذلك الاحتراز عن الإيمان لأنه من أعمال القلوب فلا تعارض حينئذ بينه
وبين حديث أبي هريرة أفضل الأعمال إيمان بالله الحديث وقال غيره المراد بالجهاد هنا ما ليس
بفرض عين لأنه يتوقف على إذن الوالدين فيكون برهما مقدما عليه (قوله الصلاة على وقتها)
قال ابن بطال فيه أن البدار إلى الصلاة في أول أوقاتها أفضل من التراخي فيها لأنه إنما شرط فيها أن
تكون أحب الأعمال إذا أقيمت لوقتها المستحب (قلت) وفي أخذ ذلك من اللفظ المذكور نظر قال
ابن دقيق العيد ليس في هذا اللفظ ما يقتضى أولا ولا أخرا وكأن المقصود به الاحتراز عما إذا
وقعت قضاء وتعقب بأن أخرجها عن وقتها محرم ولفظ أحب يقتضى المشاركة في الاستحباب
7

فيكون المراد الاحتراز عن إيقاعها آخر الوقت وأجيب بأن المشاركة إنما هي بالنسبة إلى الصلاة
وغيرها من الأعمال فإن وقعت الصلاة في وقتها كانت أحب إلى الله من غيرها من الأعمال فوقع
الاحتراز عما إذا وقعت خارج وقتها من معذور كالنائم والناسي فإن إخراجهما لها عن
وقتها لا يوصف بالتحريم ولا يوصف بكونه أفضل الأعمال مع كونه محبوبا لكن إيقاعها في
الوقت أحب (تنبية) اتفق أصحاب شعبة على اللفظ المذكور في الباب وهو قوله عن وقتها
وخالفهم علي بن حفص وهو شيخ صدوق من رجال مسلم فقال الصلاة في أول وقتها أخرجه الحاكم
والدارقطني والبيهقي من طريقة قال الدارقطني ما أحسبه حفظه لأنه كبر وتغير حفظه
(قلت) ورواه الحسن بن علي المعمري في اليوم والليلة عن أبي موسى محمد بن المثنى عن غندر
عن شعبة كذلك قال الدارقطني تفرد به المعمري فقد رواه أصحاب أبي موسى عنه بلفظ على وقتها
ثم أخرجه الدارقطني عن المحاملي عن أبي موسى كرواية الجماعة وهكذا رواه أصحاب غندر عنه
والظاهر أن المعمري وهم فيه لأنه كان يحدث من حفظة وقد أطلق النووي في شرح المهذب أن
رواية في أول وقتها ضعيفة الله أه لكن لها طريق أخرى أخرجها بن خزيمة في صحيحه والحاكم
وغيرهما من طريق عثمان بن عمر عن مالك بن مغول عن الوليد وتفرد عثمان بذلك والمعروف
عن مالك بن مغول كرواية الجماعة كذا أخرجه المصنف وغيره وكأن من رواها كذلك ظن أن
المعنى واحد ويمكن أن يكون أخذه من لفظة على لأنها تقتضي الاستعلاء على جميع الوقت
فيتعين أوله قال القرطبي وغيره قوله لوقتها اللام للاستقبال مثل قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن
أي مستقبلات عدتهن وقيل للابتداء كقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس وقيل بمعنى في أي في
وقتها وقوله على وقتها قيل على بمعنى اللام ففيه ما تقدم وقيل لإرادة الاستعلاء على الوقت وفائدته
تحقق دخول الوقت ليقع الأداء فيه (قوله ثم أي) قيل الصواب أنه غير منون لأنه غير موقوف
عليه في الكلام والسائل ينتظر الجواب والتنوين لا يوقف عليه فتنوينه ووصله بما بعده خطأ
فيوقف عليه وقفه لطيفه ثم يؤتى بما بعده قاله الفاكهاني وحكى بن الجوزي عن بن الخشاب
الجزم بتنوينه لأنه معرب غير مضاف وتعقب بأنه مضاف تقديرا والمضاف إليه محذوف لفظا
والتقدير ثم أي العمل أحب فيوقف عليه بلا تنوين وقد نص سيبويه على أنها تعرب ولكنها
تبنى إذا أضيفت واستشكله الزجاج (قوله قال بر الوالدين) كذا للأكثر وللمستملي قال ثم بر
الوالدين بزيادة ثم قال بعضهم هذا الحديث موافق لقوله تعالى أن اشكر لي ولوالديك وكأنه
أخذه من تفسير بن عيينة حيث قال من صلى الصلوات الخمس فقد شكر لله ومن دعا لوالديه
عقبها فقد شكر لهما (قوله حدثني بهن) هو مقول عبد الله بن مسعود وفيه تقرير وتأكيد لما
تقدم من أنه باشر السؤال وسمع الجواب (قوله ولو استردته) يحتمل أن يريد من هذا النوع وهو
مراتب أفضل الأعمال ويحتمل أن يريد من مطلق المسائل المحتاج إليها وزاد الترمذي من طريق
المسعودي عن الوليد فسكت عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني فكأنه استشعر
منه مشقة ويؤيده ما في رواية لمسلم فما تركت أن أستزيده الا ارعاء عليه أي شفقة عليه لئلا يسأم
وفي الحديث فضل تعظيم الوالدين وأن أعمال البر يفضل بعضها على بعض وفيه السؤال عن
مسائل شتى في وقت واحد والرفق بالعالم والتوقف عن الإكثار عليه خشية ملاله وما كان عليه
8

الصحابة من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والشفقة عليه وما كان هو عليه من إرشاد
المسترشدين ولو شق عليه وفيه أن الإشارة تتنزل منزلة التصريح إذا كانت معينة للمشار إليه
مميزة له عن غيره قال بن بزيزة الذي يقتضيه النظر تقديم الجهاد على جميع أعمال البدن لأن
فيه بذل النفس إلا أن الصبر على المحافظة على الصلوات وأدائها في أوقاتها والمحافظة على بر
الوالدين أمر لازم متكرر دائم لا يصبر على مراقبة أمر الله فيه الا الصديقون والله أعلم (قوله
باب) بالتنوين (الصلوات الخمس كفارة) كذا ثبت في أكثر الروايات وهي أخص من
الترجمة السابقة على التي قبلها وسقطت الترجمة من بعض الروايات وعليه مشى ابن بطال
ومن تبعه وزاد الكشميهني بعد قوله كفارة للخطايا إذا صلاهن لوقتهن في الجماعة وغيرها (قوله
بن أبي حازم والدراوردي) كل منهما يسمى عبد العزيز وهما مدنيان وكذا بقية رجال الإسناد
(قوله عن يزيد بن عبد الله) أي بن أبي أسامة بن الهاد الليثي و هو تابعي صغير ولم أر هذا الحديث
بهذا الإسناد إلا من طريقة وأخرجه مسلم أيضا من طريق الليث بن سعد وبكر بن مضر كلاهما
عنه نعم روى من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أخرجه البيهقي في الشعب من طريق
محمد بن عبيد عنه لكنه شاذلأن أصحاب الأعمش إنما رووه عنه عن أبي سفيان عن جابر وهو عند
مسلم أيضا من هذا الوجه (قوله عن محمد بن إبراهيم) هو التيمي راوي حديث الأعمال وهو من
التابعين أيضا ففي الإسناد ثلاثة تابعيون على نسق (قوله أرأيتم) هو استفهام تقرير متعلق
بالاستخبار أي أخبروني هل يبقى (قوله لو أن نهرا) قال الطيبي لفظ لو يقتضى أن يدخل على
الفعل وأن يجاب لكنه وضع الاستفهام موضعه تأكيدا وتقريرا والتقدير لو ثبت نهر صفته كذا
لما بقي كذا والنهر بفتح الهاء وسكونها ما بين جنبي الوادي سمي بذلك لسعته وكذلك سمي النهار
لسعة ضوئه (قوله ما تقول) كذا في النسخ المعتمدة بأفراد المخاطب والمعنى ما تقول يا أيها السامع
ولأبي نعيم في المستخرج على مسلم كذا للإسماعيلي والجوزقي ما تقولون بصيغة الجمع والإشارة
في ذلك إلى الاغتسال قال بن مالك فيه شاهد على إجراء فعل القول مجرى فعل الظن وشرطه
أن يكون مضارعا مسندا إلى المخاطب متصلا باستفهام (قوله يبقى) بضم أوله على الفاعلية (قوله
من درنه) زاد مسلم شيئا والدرن الوسخ وقد يطلق الدرن على الحب الصغار التي تحصل في بعض
الأجساد ويأتي البحث في ذلك (قوله قالوا لا يبقى) بضم أولة أيضا وشيئا منصوب على المفعولية
ولمسلم لا يبقى بفتح أولة وشئ بالرفع والفاء
في قوله فذلك جواب شئ محذوف أي إذا تقرر ذلك عندكم
فهو مثل الصلوات الخ وفائدة التمثيل التأكيد وجعل المعقول كالمحسوس قال الطيبي في هذا
الحديث مبالغة فيه نفى الذنوب لأنهم لم يقتصروا في الجواب على لا بل أعادوا اللفظ تأكيدا وقال
بن العربي وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه ويطهره الماء الكثير
فكذلك الصلوات تطهر العبد عن أقذار الذنوب حتى لا تبقى له ذنبا إلا أسقطته انتهى وظاهرة أن
المراد بالخطايا في الحديث ما هو أعم من الصغيرة والكبيرة لكن قال بن بطال يؤخذ من الحديث
أن المراد الصغائر خاصة لأنه العطار الخطايا بالدرن والدرن صغير بالنسبة إلى ما هو أكبر منه من
القروح والخراجات انتهى وهو مبنى على أن المراد بالدرن في الحديث الحب والظاهر أن المراد به
الوسخ لأنه هو الذي يناسبه الاغتسال والتنظف وقد جاء من حديث أبي سعيد الخدري
9

التصريح بذلك وهو فيما أخرجه البزار والطبراني بإسناد لا بأس به من طريق عطاء بن يسار أنه سمع
أبا سعيد الخدري يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أرأيت لو أن رجلا كان له
معتمل وبين منزله ومعتمله خمسة أنهار فإذا انطلق إلى معتمله عمل ما شاء الله فأصابه وسخ أو عرق
فكلما مر بنهر اغتسل منه الحديث ولهذا قال القرطي ظاهر الحديث أن الصلوات الخمس
تستقل بتكفير جميع الذنوب وهو مشكل لكن روى مسلم قبله حديث العلاء عن أبية عن
أبي هريرة مرفوعا الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر فعلى هذا المقيد يحمل
ما أطلق في غيره * (فائدة) * قال بن بزيزة في شرح الأحكام يتوجه على حديث العلاء إشكال
يصعب التخلص منه وذلك أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر وإذا كان كذلك
فما الذي تكفره الصلوات الخمس انتهى وقد أجاب عنه شيخنا الإمام البلقيني بان السؤال غير
وارد لأن مراد الله أن تجتنبوا أي في جميع العمر ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان
أو التكليف إلى الموت والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها أي في يومها إذا
اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم فعلى هذا لا تعارض بين الآية والحديث انتهى وعلى تقدير
ورود السؤال فالتخلص منه بحمد الله سهل وذلك أنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات
الخمس فمن لم يفعلها لم يعد مجتنبا للكبائر لأن تركها من الكبائر فوقف التكفير على فعلها والله
أعلم وقد فصل شيخنا الإمام البلقيني أحول الإنسان بالنسبة إلى ما يصدر منه من صغيرة وكبيرة
فقال تنحصر في خمسة أحدها أن لا يصدر منه شئ البتة فهذا يعارض برفع الدرجات ثانيها
يأتي بصغائر بلا إصرار فهذا تكفر عنه جزما ثالثها مثله لكن مع الاصرار فلا تكفر إذا قلنا
أن الاصرار على الصغائر كبيرة رابعها أن يأتي بكبيرة واحدة وصغائر خامسها أن يأتي بكبائر
وصغائر وهذا فيه نظر يحتمل إذا لم يجتنب الكبائر أن لا تكفر الكبائر بل تكفر الصغائر ويحتمل
أن لا تكفر شيئا أصلا والثاني أرجح لأن مفهوم المخالفة إذا لم تتعين جهته لا يعمل به فهنا لا تكفر
شيئا إما لاختلاط الكبائر والصغائر أو لتمحض الكبائر أو تكفر الصغائر فلم تتعين جهة مفهوم
المخالفة لدورانه بين الفصلين فلا يعمل به ويؤيده أن مقتضى تجتنب الكبائر أن هناك كبائر
ومقتضى ما اجتنبت الكبائر أن لا كبائر فيصان الحديث عنه * (تنبية) * لم أره في شئ من طرقه
عند أحد من الأئمة الستة وأحمد بلفظ متقول إلا عند البخاري وليس هو عند أبي داود أصلا
وهو عند بن ماجة من حديث عثمان لامن حديث أبي هريرة ولفظ مسلم أرأيتم لو أن نهرا بباب
أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل كان يبقى من درنه شئ وعلى يسير اقتصر عبد الحق
في الجمع بين الصحيحين وكذا الحميدي و وقع في كلام بعض المتأخرين بعد أن ساقه بلفظ ما تقولون
أنه في الصحيحين والسنن الأربعة وكأنه أراد أصل الحديث لكن يرد عليه أنه ليس عند أبي داود
أصلا ولا ابن ماجة من حديث أبي هريرة ووقع في بعض النسخ المتأخرة من البخاري بالياء
التحتانية آخر الحروف من يقول فزعم بعض أهل العصر أنه غلط وأنه لا يصح من حيث المعنى
واعتمد على ما ذكره بن مالك مما قدمته وأخطأ في ذلك بل له وجه وجيه والتقدير ما يقول أحدكم
في ذلك والشرط الذي ذكره بن مالك وغيره من النحاة إنما هو لإجراء فعل القول مجرى فعل الظن
كما تقدم وأما إذا ترك القول على حقيقته فلا وهذا ظاهر وإنما نبهت عليه لئلا يغتر به (قوله
10

باب في تضييع الصلاة عن وقتها) ثبتت هذه الترجمة في رواية الحموي والكشميهني
وسقطت للباقين (قوله مهدي) هو بن ميمون وغيلان هو ابن جرير والإسناد كله بصريون (قوله
قيل الصلاة) أي قيل له الصلاة هي شئ مما كان على عهده صلى الله عليه وسلم وهي باقية فكيف
يصح هذا السلب العام فأجاب بأنهم غيروها أيضا بأن أخرجوها عن الوقت وهذا الذي قال لأنس
ذلك يقال له أبو رافع بينه أحمد بن حنبل في روايته لهذا الحديث عن روح عن عثمان بن سعد عن
أنس فذكر نحوه فقال أبو رافع يا أبا حمزة ولا الصلاة فقال له أنس قد علمتم ما صنع الحجاج في الصلاة
(قولة صنعتم) بالمهملتين والنون للأكثر وللكشميهني بالمعجمة وتشديد الياء وهو أوضح في مطابقة
الترجمة ويؤيد الأول ما ذكرته آنفا من رواية عثمان بن سعد وما رواه الترمذي من طريق أبي
عمران الجوني عن أنس فذكر نحو هذا الحديث وقال في آخره أولم يصنعوا في الصلاة ما قد علمتم
وروى بن سعد في الطبقات سبب قول أنس هذا القول فأخرج في ترجمة أنس من طريق
عبد الرحمن بن العريان الحارثي سمعت ثابتا البناني قال كنا مع أنس بن مالك فأخر الحجاج الصلاة
فقام أنس يريد أن يكلمه فنهاه إخوانه شفقة عليه منه فخرج فركب دابته فقال في مسيره ذلك
والله ما أعرف شيا مما كنا عليه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا شهادة أن لا إلا الله فقال
رجل فالصلاة يا أبا حمزة قال قد جعلتم الظهر عند المغرب أفتلك كانت صلاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأخرجه بن أبي عمر في مسنده من طريق حماد عن ثابت مختصرا (قوله عن عثمان بن
أبي رواد) هو خراساني سكن البصرة واسم أبيه ميمون (قوله أخو عبد العزيز) أي هو أخو
عبد العزيز وللكشميهني أخي عبد العزيز وهو بدل من قوله عثمان (قوله بدمشق) كان قدوم
أنس دمشق في إمارة الحجاج على العراق قدمها شاكيا من الحجاج للخليفة وهو إذ ذاك الوليد بن
عبد الملك (قوله مما أدركت) أي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله إلا هذه
الصلاة) بالنصب والمراد أنه لا يعرف شيئا موجودا من الطاعات معمولا به على وجهه غير الصلاة
(قوله وهذه الصلاة قد ضيعت) قال المهلب والمراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب
لا إنهم أخرجوها عن الوقت كذا قال وتبعه جماعة وهو مع عدم مطابقته للترجمة مخالف
للواقع فقد صح أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها والآثار
في ذلك مشهورة منها ما رواه عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال أخر الوليد الجمعة
حتى أمسى فجئت فصليت الظهر قبل أن أجلس ثم صليت العصر وأنا جالس إيماء وهو يخطب
وإنما فعل ذلك عطاء خوفا على نفسه من القتل ومنها ما رواه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب
الصلاة من طريق أبي بكر بن عتبة قال صليت إلى جنب أبي جحيفة فمسى الحجاج بالصلاة فقام
أبو جحيفة فصلى ومن طريق ابن عمر أنه كان يصلي مع الحجاج فلما أخر الصلاة ترك أن يشهدها
معه ومن طريق محمد بن أبي إسماعيل قال كنت بمنى وصحف تقرأ للوليد فأخروا الصلاة فنظرت
إلى سعيد بن جبير وعطاء يومان إيماء وهما قاعدان (قوله وقال بكر بن خلف) هو البصري
نزيل مكة وليس له في الجامع إلا هذا الموضع وقد وصله الإسماعيلي قال أخبرنا محمود بن محمد
الواسطي قال أخبرنا أبو بشر بكر بن خلف (قوله نحوه) سياقه عند الإسماعيلي موافق للذي قبله
إلا أنه زاد فيه وهو وحده وقال فيه لا أعرف شيئا مما كنا عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه
11

وسلم والباقي سواء * (تنبيه) * إطلاق أنس محمول على ما شاهده من أمراء الشام والبصرة خاصة و
إلا فسيأتي في هذا الكتاب أنه قدم المدينة فقال ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف
والسبب فيه أنه قدم المدنية وعمر بن عبد العزيز أميرها حينئذ وكان على طريقة أهل بيته حتى
أخبره عروة عن بشير بن أبي مسعود عن أبية بالنص على الأوقات فكان يحافظ بعد ذلك على
عدم إخراج الصلاة عن وقتها كما تقدم بيانه في أوائل الصلاة ومع ذلك فكان يراعى الا مدمعهم
فيؤخر الظهر إلى آخر وقتها وقد أنكر ذلك أنس أيضا كما في حديث أبي أمامة بن سهل عنه
(قوله باب المصلي يناجي ربه) تقدم الكلام على حديث هذا الباب في أبواب المساجد
ومناسبة هذه الترجمة لما قبلها من جهة أن الأحاديث السابقة دلت على مدح من أوقع الصلاة
في وقتها وذم ما أخرجها عن وقتها ومناجاة الرب جل جلالة أرفع درجات العبد فأشار المصنف
بإيراد ذلك إلى الترغيب في المحافظة على الفرائض في أوقاتها لتحصيل هذه المنزلة السنية التي
يخشى فواتها على من قصر في ذلك (قوله حدثنا هشام) هو بن أبي عبد الله الدستوائي (قوله
وقال سعيد) أي بن أبي عروبة (عن قتادة) أي بالإسناد المذكور وطريقه موصولة عند الإمام
أحمد وابن حبان وقوله فيها قدامه أو بين يديه شك من الراوي (قوله وقال شعبة) أي عن قتادة
بالإسناد أيضا وطريقه موصولة عند المصنف فيما تقدم عن آدم عنه وتقدم أيضا في باب حك المخاط
من المسجد عن حفص بن عمر عن شعبة وأراد بهذين التعليقين بيان اختلاف ألفاظ أصحاب
قتادة عنه في رواية هذا الحديث ورواية شعبة أتم الروايات لكن ليس فيها المناجاة وقال
الكرماني ليس هذا التعليق موقوفا على قتادة ولا على شعبة يعني بل هي مرفوعه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال ويحتمل الدخول تحت الإسناد السابق بان يكون معناه مثلا حدثنا مسلم
حدثنا هشام حدثنا مسلم قال قال سعيد وحدثنا مسلم قال قال شعبة انتهى وهو احتمال ضعيف
بالنسبة لشعبة فإن مسلم بن إبراهيم سمع منه وباطل بالنسبة لسعيد فإنه لا رواية له عنه والذي ذكرته
هو المعتمد وكذا طريق حميد وصلها المؤلف في أول أبواب المساجد من طريق إسماعيل بن جعفر
عنه لكن ليس فيها قوله ولا عن يمينه (قوله اعتدلوا في السجود) يأتي الكلام عليه في أبواب
صفة الصلاة (قوله فإنما يناجي) في رواية الكشميهني فإنه يناجي ربه قال الكرماني ما حاصله
تقدم أن علة النهى عن البزاق عن اليمين بأن عن يمينه ملكا وهنا علل بالمناجاة ولا تنافى بينهما لأن
الحكم الواحد يجوز أن يكون له علتان سواء كانتا مجتمعتين أو منفردتين والمناجي تارة يكون
قدام من يناجيه وهو الأكثر وتارة يكون عن يمينه (قوله باب الابراد بالظهر في شدة
الحر) قدم المصنف باب الابراد على باب وقت الظهر لأن لفظ الابراد يستلزم أن يكون بعد الزوال
لا قبله إذ وقت الإبراد هو ما إذا انحط ت قوة الوهج من حر الظهيرة فكأنه أشار إلى أول وقت
الظهر أو أشار إلى حديث جابر بن سمرة قال كان بلال يؤذن الظهر إذا دحضت الشمس أي مالت
(قوله حدثنا أيوب) هو ابن سليمان بن بلال كما في رواية أبي ذر وأبو بكر هو بن أبي أويس وهو
من أقران أيوب وسليمان هو ابن بلال والد أيوب روى أيوب عنه تارة بواسطة وتارة بلا واسطة
(قوله حدثنا الأعرج عبد الرحمن وغيره) هو أبو سلمة بن عبد الرحمن فيما أظن وقد رواه أبو
نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أيوب بن سليمان فلم يقل فيه وغيره والإسناد كله مدنيون
12

(قوله ونافع) هو بالرفع عطفا على الأعرج وهو من رواية صالح بن جلس عن نافع وقد روى
ابن ماجة من طريق عبد الرحمن الثقفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر بعضه أبردوا
بالظهر وروى السراج من هذا الوجه بعضه شدة الحر من فيح جهنم (قوله أنهما) أي أبا هريرة
وابن عمر حدثاه أي حدثاه من حدث صالح بن جلس ويحتمل أن يكون ضمير أنهما يعود على
الأعرج ونافع أي أن الأعرج ونافعا حدثاه أي صالح بن جلس عن شيخهما بذلك ووقع في
رواية الإسماعيلي أنهما حدثاه بغير ضمير فلا يحتاج إلى التقدير المذكور (قوله إذا اشتد) أصله
اشتدد بوزن افتعل من الشدة ثم أدغمت إحدى الدالين في الأخرى ومفهومه أن الحر إذا لم يشتد
لم يشرع الإبراد وكذا لا يشرع في البرد من باب الأولى (قوله فأبردوا) بقطع الهمزة وكسر الراء
أي أخروا إلى أن يبرد الوقت يقال أبرد إذا دخل في البرد كأظهر إذا دخل في الظهيرة ومثله
في المكان أنجد إذا دخل نجدا وأتهم إذا دخل تهامة والأمر بالإبراد أمر استحباب وقيل أمر
إرشاد وقيل بل هو للوجوب حكاه عياض وغيره وغفل الكرماني فنقل الإجماع على عدم
الوجوب نعم قال جمهور أهل العلم يستحب تأخير الظهر في شدة الحر إلى أن يبرد الوقت وينكسر
الوهج وخصه بعضهم بالجماعة فأما المنفرد فالتعجيل في حقه أفضل وهذا قول أكثر المالكية
والشافعي أيضا لكن خصه بالبلد الحار وقيد الجماعة بما إذا كانوا ينتابون مسجدا من بعد فلو
كانوا مجتمعين أو كانوا يمشون في كن فالأفضل في حقهم التعجيل والمشهور عن أحمد التسوية من
غير تخصيص ولا قيد وهو قول إسحاق والكوفيين وابن المنذر واستدل له الترمذي بحديث أبي ذر
الآتي بعد هذا لأن في روايته أنهم كانوا في سفر وهي رواية للمصنف أيضا ستأتي قريبا قال فلو
كان على ما ذهب إليه الشافعي لم يأمر بالإبراد لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون إلى أن
ينتابوا من البعد قال الترمذي والأول أولى للإتباع وتعقبه الكرماني بأن العادة في العسكر
الكثير تفرقهم في أطراف المنزل للتخفيف وطلب الرعى فلا نسلم اجتماعهم في تلك الحالة انتهى
وأيضا فلم تجر عادتهم باتخاذ خباء كبير يجمعهم بل كانوا يتفرقون في ظلال الشجر وليس هناك
كن يمشون فيه فليس في سياق الحديث ما يخالف ما قاله الشافعي وغايته أنه استنبط من النص
العام وهو الأمر بالإبراد معنى يخصصه وذلك جائز على الأصح في الأصول لكنه مبنى على أن
العلة في ذلك تأذيهم بالحر في طريقهم وللمتمسك بعمومه أن يقول العلة فيه تأذيهم بحر الرمضاء
في جباههم حالة السجود ويؤيده حديث أنس كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم
بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر رواه أبو عوانة في صحيحه بهذا اللفظ وأصله في مسلم وفي حديث
أنس أيضا في الصحيحين نحوه وسيأتي قريبا والجواب عن ذلك أن العلة الأولى أظهر فإن الإبراد
لا يزيل الحر عن الأرض وذهب بعضهم إلى أن تعجيل الظهر أفضل مطلقا وقالوا معنى أبردوا
صلوا في أول الوقت أخذا من برد النهار وهو أوله وهو تأويل بعيد ويرده قوله فإن شدة الحر من فيح
جهنم إذ التعليل بذلك يدل على أن المطلوب التأخير وحديث أبي ذر الآتي صريح في ذلك حيث
قال أنتظر أنتظر والحامل لهم على ذلك حديث خباب شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا أي فلم يزل شكوانا وهو حديث صحيح رواه مسلم وتمسكوا
أيضا بالأحاديث الدالة على فضيلة أول الوقت وبأن الصلاة حينئذ أكثر مشقة فتكون أفضل
13

والجواب عن حديث خباب أنه أمرهم على أنهم طلبوا تأخيرا زائدا عن وقت الإبراد وهو زوال
حر الرمضاء وذلك قد يستلزم خروج الوقت فلذلك لم يجبهم أو هو منسوخ بأحاديث الإبراد فإنها
متأخرة عنه واستدل له الطحاوي بحديث المغيرة بن شعبة قال كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه
وسلم الظهر بالهاجرة ثم قال لنا أبردوا بالصلاة الحديث وهو حديث رجاله ثقات رواه أحمد وابن
ماجة وصححه بن حبان ونقل أسمع عن أحمد أنه قال هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله
عليه وسلم وجمع بعضهم بين الحديثين بأن الابراد رخصة والتعجيل أفضل وهو قول من قال إنه أمر
إرشاد وعكه بعضهم فقال الإبراد أفضل وحديث خباب يدل على الجواز وهو الصارف للأمر
عن الوجوب كذا قيل وفيه نظر لأن ظاهره المنع من التأخير وقيل معنى قول خباب فلم يشكنا أي فلم
يحوجنا إلى شكوى بل أذن لنا في الإبراد حكى عن ثعلب ويرده أن في الخبر زيادة رواها ابن
المنذر بعد قوله فلم يشكنا وقال إذا زالت الشمس فصلوا وأحسن الأجوبة كما قال المازري الأول
والجواب عن أحاديث أول الوقت أنها عامة أو مطلقه والأمر بالإبراد خاص فهو مقدم ولا
التفات إلى من قال التعجيل أكثر مشقة فيكون أفضل لأن الأفضلية لم تنحصر في الأشق بل قد
يكون الأخف أفضل كما في قصر الصلاة في السفر (قوله بالصلاة) كذا للأكثر والباء للتعدية وقيل
زائدة ومعنى أبردوا أخروا على سبيل التضمين أي أخروا الصلاة وفي رواية الكشميهني عن الصلاة
فقيل زائدة أيضا أو عن بمعنى الباء أو هي للمجاوزة أي تجاوزوا وقتها المعتاد إلى أن تنكسر شدة
الحر والمراد بالصلاة الظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبا في أول وقتها وقد جاء صريحا في حديث
أبي سعيد كما سيأتي آخر الباب فلهذا حمل المصنف في الترجمة المطلق على المقيد والله أعلم وقد حمل
بعضهم الصلاة على عمومها بناء على أن المفرد المعرف يعم فقال به أشهب في العصر وقال به أحمد في
رواية عنه في الشتاء حيث قال تؤخر في الصيف دون الشتاء ولم يقل أحد به في المغرب ولا في الصبح
لضيق وقتهما (قوله فإن شدة الحر) تعليل لمشروعية التأخير المذكور وهل الحكمة فيه دفع
المشقة لكونها قد تسلب الخشوع وهذا أظهر أو كونها الحالة التي ينتشر فيها العذاب ويؤيده
حديث عمرو بن عبسة عند مسلم حيث قال له أقصر عن الصلاة عند استواء الشمس فإنها ساعة
تسجر فيها جهنم وقد استشكل هذا بان الصلاة سبب الرحمة ففعلها مظنة لطرد العذاب فكيف
أمر بتركها وأجاب عنه أبو الفتح اليعمري بان التعليل إذا جاء من جهة الفاء وجب قبوله
وأن لم يفهم معناه واستنبط له الزين بن المنير معنى يناسبه فقال وقت ظهور أثر الغضب لا ينجع
فيه الطلب إلا ممن أذن له فيه والصلاة لا تنفك عن كونها طلب ودعاء فناسب الاقتصار عنها حينئذ
واستدل بحديث الشفاعة حيث اعتذر الأنبياء كلهم للأمم بأن الله تعالى غضب غضبا لم يغضب
قبله مثله ولا يغضب بعده مثله سوى نبينا صلى الله عليه وسلم فلم يعتذر بل طلب لكونه أذن له في
ذلك ويمكن أن يقال سجر جهنم سبب فيحها وفيحها سبب وجود شدة الحر وهو مظنة المشقة التي
هي مظنة سلب الخشوع فناسب أن لا يصلي فيها لكن يرد عليه أن سجرها مستمر في جميع السنة
والإبراد مختص بشدة الحر فهما متغايران فحكمة الإبراد دفع المشقة وحكمة الترك وقت
سجرها لكونه وقت ظهور أثر الغضب والله أعلم (قوله من فيح جهنم) أي من سعة انتشارها
وتنفسها ومنه مكان أفيح أي متسع وهذا كناية عن شدة استعارها وظاهره أن مثار وهج الحر في
14

الأرض من فيح جهنم حقيقة وقيل هو من مجاز التشبيه أي كأنه نار جهنم في الحر والأول أولى
ويؤيده الحديث الآتي اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين وسيأتي البحث فيه (قوله عن
المهاجر أبي الحسن) المهاجر اسم وليس بوصف والألف واللام فيه للمح الصفة كما في العباس
وسيأتي في الباب الذي بعده بغير ألف ولام (قوله عن أبي ذر) في رواية المصنف في صفة النار
من طريق أخرى عن شعبة بهذا الإسناد سمعت أبا ذر (قوله أذن مؤذن النبي صلى الله عليه
وسلم) هو بلال كما سيأتي قريبا (قوله الظهر) بالنصب أي أذن وقت الظهر ورواه الإسماعيلي
بلفظ أراد أن يؤذن بالظهر وسيأتي بلفظ للظهر وهما واضحان (قوله فقال أبرد) ظاهره أن
الأمر بالإبراد وقع بعد تقدم الأذان منه وسيأتي في الباب الذي بعده بلفظ فأراد أن يؤذن للظهر
وظاهره أن ذلك وقع قبل الأذان فيجمع بينهما على أنه شرع في الأذان فقيل له أبرد فترك فمعنى
أذن شرع في الأذان ومعنى أراد أن يؤذن أي يتم الأذان والله أعلم (قوله حتى رأينا فئ التلول)
كذا وقع هنا مؤخرا عن قوله شدة الحر الخ وفي غير هذه الرواية وقع ذلك عقب قوله أبردوا
وهو أوضح في السياق لأن الغاية متعلقة بالإبراد وسيأتي في الباب الذي بعده بقية مباحثه إن
شاء الله تعالى (قوله حفظناه من الزهري) في رواية الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن علي بن
المديني شيخ المصنف فيه بلفظ حدثنا الزهري (قوله عن سعيد بن المسيب) كذا رواه أكثر
أصحاب سفيان عنه ورواه أبو العباس السراج عن أبي قدامة عن سفيان عن الزهري عن
سعيد أو بي سلمة أحدهما أو كلاهما ورواه أيضا من طريق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري
عن أبي سلمة وحده والطريقان محفوظان فقد رواه الليث وعمرو بن الحارث عند مسلم ومعمر
وابن جريج عند أحمد وابن أخي الزهري وأسامة بن زيد عند السراج ستتهم عن الزهري عن سعيد
وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة (قوله واشتكت النار) في رواية الإسماعيلي قال
واشتكت النار وفاعل قال هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالإسناد المذكور قبل ووهم
من جعله موقوفا أو معلقا وقد أفرده أحمد في مسنده عن سفيان وكذلك السراج من طريق
سفيان وغيره وقد اختلف في هذه الشكوى هل هي بلسان المقال أو بلسان الحال واختار كلا
طائفة وقال بن عبد البر لكلا القولين وجه ونظائر والأول أرجح وقال عياض إنه الأظهر
وقال القرطبي لا إحالة في حمل اللفظ على حقيقته قال وإذا أخبر الصادق بأمر جائز لم يحتج
إلى تأويله فحمله على حقيقته أولى وقال النووي نحو ذلك ثم قال حمله على حقيقته هو
الصواب وقال نحو ذلك التوربشتي ورجح البيضاوي حمله على المجاز فقال شكواها مجاز عن
غليانها وأكلها بعضها بعضا مجاز عن ازدحام أجزائها وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها وقال
الزين بن المنير المختار حمله على الحقيقة لصلاحية القدرة لذلك ولا استعارة الكلام للحال وإن
عهدت وسمعت لكن الشكوى وتفسيرها والتعليل له والإذن والقبول والتنفس وقصره على
اثنين فقط بعيد من المجاز خارج عما ألف من استعماله (قوله بنفسين) بفتح الفاء والنفس معروف
وهو ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء (قوله نفس في الشتاء ونفس في الصيف)
بالجر فيهما على البدل أو البيان ويجوز الرفع والنصب (قوله أشد) يجوز الكسر فيه على البدل
لكنه في روايتنا بالرفع قال البيضاوي هو خبر مبتدأ محذوف تقديره فذلك أشد وقال الطيبي
15

جعل أشد مبتدأ محذوف الخبر أولى والتقدير أشد ما تجدون من الحر من ذلك النفس (قلت) يؤيد
الأول رواية الإسماعيلي من من هذا الوجه بلفظ فهو أشد ويؤيد الثاني رواية النسائي من وجه
آخر بلفظ فأشد ما تجدون من الحر من حر جهنم وفي سياق المصنف لف ونشر غير مرتب وهو
مرتب في رواية النسائي والمراد بالزمهرير شدة البرد واستشكل الجوزي في النار ولا إشكال
لأن المراد بالنار محلها وفيها طبقة زمهريرية وفي الحديث رد على من زعم من المعتزلة وغيرهم أن
النار لا تخلق إلا يوم القيامة * (تنبيهان الأول) * قضية التعليل المذكور قد يتوهم منها مشروعية
تأخير الصلاة في وقت شدة البرد ولم يقل به أحد لأنها تكون غالبا في وقت الصبح فلا تزول إلا
بطلوع الشمس فلو أخرت لخرج الوقت (الثاني) النفس المذكور ينشأ عنه أشد الحر في الصيف
وإنما لم يقتصر في الأمر بالإبراد على أشده لوجود المشقة عند شديد أيضا فالأشدية تحصل عند
التنفس والشدة مستمرة بعد ذلك فيستمر الإبراد إلى أن تذهب الشدة والله أعلم (قوله بالظهر)
قد يحتج به على مشروعية الإبراد للجمعة وقال به بعض الشافعية وهو مقتضى صنيع المصنف
كما سيأتي في بابه لكن الجمهور على خلافه كما سيأتي توجيهه إن شاء الله تعالى (قوله تابعه
سفيان) هو الثوري قد وصله المؤلف في صفه النار من بدء الخلق ولفظه بالصلاة ولم أره من
طريق سفيان بلفظ بالظهر وفي إسناده اختلاف على الثوري رواه عبد الرزاق عنه بهذا
الإسناد فقال عن أبي هريرة بدل أبي سعيد أخرجه أحمد عنه والجوزقي من طريق عبد
الرزاق أيضا ثم روى عن الذهلي قال هذا الحديث رواه أصحاب الأعمش عنه عن أبي صالح عن
أبي سعيد وهذه الطريق أشهر ورواه زائدة وهو متقن عنه فقال عن أبي هريرة قال والطريقان
عندي محفوظان لأن الثوري رواه عن الأعمش بالوجهين (قوله ويحيى) هو بن سعيد القطان
وقد وصله أحمد عنه بلفظ بالصلاة ورواه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن المقدمي عن يحيى بلفظ
بالظهر (قوله وأبو عوانة) لم أقف على من وصله عنه وقد أخرجه السراج من طريق محمد بن
عبيد والبيهقي من طريق وكيع كلاهما عن الأعمش أيضا بلفظ بالظهر * (فائدة) * رتب
المصنف أحاديث هذا الباب ترتيبا حسنا فبدأ بالحديث المطلق وثنى بالحديث الذي فيه
الإرشاد إلى غاية الوقت التي ينتهى إليها الإبراد وهو ظهور فئ التلول وثلث بالحديث الذي فيه
بيان العلة في كون ذلك المطلق محمولا على المقيد وربع بالحديث المفصح بالتقييد والله الموفق
(قوله باب الإبراد بالظهر في السفر) أراد بهذه الترجمة أن الإبراد لا يختص بالحضر
لكن محل ذلك ما إذا كان المسافر نازلا أما إذا كان سائرا أو على سير ففيه جمع التقديم أو التأخير
كما سيأتي في بابه وأورد فيه حديث أبي ذر الماضي مقيدا بالسفر مشيرا به إلى أن تلك الرواية
المطلقة محمولة على هذه المقيدة (قوله فأراد المؤذن) في رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن شبابة
ومسدد عن أمية بن خالد والترمذي من طريق أبي داود الطيالسي وأبي عوانة من طريق حفص
ابن عمر ووهب بن جرير والطحاوي والجوزقي من طريق وهب أيضا كلهم عن شعبة التصريح
بأنه بلال (قوله ثم أراد أن يؤذن فقال له أبرد) زاد أبو داود في روايته عن أبي الوليد عن شعبة
مرتين أو ثلاثا وجزم مسلم بن إبراهيم عن شعبة بذكر الثالثة وهو عند المصنف في باب الأذان
للمسافرين فإن قيل الإبراد الولاء فكيف أمر المؤذن به للأذان فالجواب أن ذلك مبنى على أن
16

الأذان هل هو للوقت أو الولاء وفيه خلاف مشهور والأمر المذكور يقوي القول بأنه الصلاة
وأجا ب الكرماني بأن عادتهم جرت بأنهم لا يتخلفون عند سماع الأذان عن الحضور إلى الجماعة
فالإبراد بالأذان لغرض الإبراد بالعبادة قال ويحتمل أن المراد بالتأذين هنا اشتراط قلت ويشهد
له رواية الترمذي من طريق أبي داود الطيالسي عن شعبة بلفظ فأراد بلال أن يقيم لكن رواه
أبو عوانة من طريق حفص بن عمر عن شعبة بلفظ فأراد بلال أن يؤذن وفيه ثم أمره فأذن وأقام
ويجمع بينهما بأن إقامته كانت لا تتخلف عن الأذان لمحافظته صلى الله عليه وسلم على الصلاة
في أول الوقت فرواية فأراد بلال أن يقيم أي أن يؤذن ثم يقيم ورواية فأراد أن يؤذن أي ثم يقيم
قوله حتى رأينا في التلول) هذه الغاية متعلقة بقوله فقال له أبرد أي كان يقول له في الزمان الذي
قبل الرؤية أبرد أو متعلقة بأبراد أي قال له أبرد إلى أن ترى أو متعلقة بمقدر أي قال له أبرد فأبرد
إلى أن رأينا والفئ بفتح الفاء وسكون الياء بعدها همزة هو ما بعد الزوال من الظل والتلول جمع
تل بفتح المثناة وتشديد اللام كل ما اجتمع على الأرض من تراب أو رمل أو نحو ذلك وهي في الغالب
منبطحة غير شاخصة فلا يظهر لها ظل إلا إذا ذهب أكثر وقت الظهر وقد اختلف العلماء في غاية
الإبراد فقيل حتى يصير الظل ذراعا بعد ظل الزوال وقيل ربع قامة وقيل ثلثها وقيل نصفها وقيل
غير ذلك ونزلها المازري على اختلاف الأوقات الجاري على القواعد أنه باختلاف
الأحوال لكن يشترط أن لا يمتد إلى آخر الوقت وأما ما وقع عند المصنف في الأذان عن مسلم بن
إبراهيم عن شعبة بلفظ حتى ساوى الظل التلول فظاهره يقتضى أنه أخرها إلى أن صار ظل كل
شئ مثله ويحتمل أن يراد بهذه المساواة ظهور الظل بجنب التل بعد أن لم يكن ظاهرا فساواه في
الظهور لا في المقدار أو يقال قد كان ذلك في السفر فلعله أخر الظهر حتى يجمعها مع العصر (قوله
وقال بن عباس يتفيأ يتميل) أي قال في تفسير قوله تعالى يتفيأ ظلاله معناه يتميل كأنه أراد أن
الفئ سمي بذلك لأنه ظل مائل من جهة إلى أخرى وتتفيأ في روايتنا بالمثناة الفوقانية أي الظلال
وقرئ أيضا بالتحتانية أي الشئ والقراءتان شهيرتان وهذا التعليق في رواية المستملى وكريمة
وقد وصله بن أبي حاتم في تفسيره (قوله باب) بالتنوين (وقت الظهر) أي ابتداؤه (عند
الزوال) أي زوال الشمس وهو ميلها إلى جهة المغرب وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من زعم من
الكوفيين أن الصلاة لا تجب بأول الوقت كما سيأتي ونقل بن بطال أن الفقهاء بأسرهم على
خلاف ما نقل عن الكرخي عن أبي حنيفة أن الصلاة في أول الوقت أنكر نفلا انتهى والمعروف عند
الحنفية تضعيف هذا القول ونقل بعضهم أن أول الظهر إذا صار الفئ قدر الشراك (قوله وقال
جابر) هو طرف من حديث وصله المصنف في باب وقت المغرب بلفظ كان يصلي الظهر
بالهاجرة والهاجرة اشتداد الحر في نصف النهار قيل سميت بذلك من الهجر وهو الترك لأن الناس
يتركون التصرف حينئذ لشدة الحر ويقيلون وحديث أنس تقدم في العلم في باب من برك على
ركبتيه بهذا الإسناد لكن باختصار وسيأتي الكلام على فوائده مستوعبا إن شاء الله تعالى في
كتاب الاعتصام (قوله زاغت) أي مالت وقد رواه الترمذي بلفظ زالت والغرض منه هنا صدر
الحديث وهو قوله خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فإنه يقتضى أن زوال الشمس أول
وقت الظهر إذا لم ينقل أنه صلى قبله وهذا هو الذي استقر عليه الإجماع وكان فيه خلاف قديم عن
17

بعض الصحابة أنه جوز صلاة الظهر قبل الزوال وعن أحمد وإسحاق مثله في الجمعة كما سيأتي في بابه
(قوله في عرض هذا الحائط) بضم العين أي جانبه أو وسطه (قوله فلم أر كالخير والشر) أي المرئي
في ذلك المقام (قوله عن أبي المنهال) في رواية الكشميهني حدثنا أبو المنهال وهو سيار بن سلامة
الآتي ذكره في باب وقت العصر من رواية عوف عنه (قوله يعرف جليسه) أي الذي بجنبه
ففي رواية الجوزقي من طريق وهب بن جرير عن شعبة فينظر الرجل إلى جليسه إلى جنبه
فيعرف وجهه ولأحمد فينصرف الرجل فيعرف وجه جليسه وفي رواية لمسلم فينظر إلى وجه
جليسه الذي يعرف فيعرفه وله في أخرى وننصرف حين يعرف بعضنا وجه بعض (قوله والعصر)
بالنصب أي ويصلي العصر (قوله وأحدنا يذهب إلى أقصى المدينة رجع والشمس حية) كذا
وقع هنا في رواية أبي ذر والأصيلي وفي رواية غيرهما ويرجع بزيادة واو وبصيغة المضارعة عليها
شرح الخطابي وظاهرة حصول الذهاب إلى أقصى المدينة والرجوع من ثم إلى المسجد لكن
في رواية عوف الآتية قريبا ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية فليس فيه
إلا الذهاب فقط دون الرجوع وطريق الجمع بينها وبين رواية الباب أن يقال يحتمل أن الواو في قوله
وأحدنا بمعنى ثم على قول من قال أنها ترد للترتيب مثل ثم وفيه تقديم وتأخير والتقدير ثم يذهب
أحدنا أي ممن صلى معه وأما قوله رجع فيحتمل أن يكون بمعنى يرجع ويكون بيانا لقوله يذهب
ويحتمل أن يكون رجع في موضع الحال أي يذهب راجعا ويحتمل أن أداة الشرط سقطت إما لو
أو إذا والتقدير ولو يذهب أحدنا الخ وجوز الكرماني أن يكون رجع خبرا للمبتدأ الذي هو أحدنا
ويذهب جملة حالية وهو وإن كان محتملا من جهة اللفظ لكنه يغاير رواية عوف وقد رواه أحمد
عن حجاج بن محمد عن شعبة بلفظ والعصر يرجع الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية ولمسلم
والنسائي من طريق خالد بن الحارث عن شعبة مثله لكن بلفظ يذهب بدل يرجع وقال الكرماني
أيضا بعد أن حكى احتمالا آخر وهو أي قوله رجع عطف على يذهب والواو مقدرة و رجع بمعنى
يرجع انتهى وهذا الاحتمال الأخير جزم به بن بطال وهو موافق للرواية التي حكيناها ويؤيد
ذلك رواية أبي داود عن حفص بن عمر شيخ المصنف فيه بلفظ وأن أحدنا ليذهب إلى أقصى
المدينة ويرجع والشمس حية وقد قدمنا ما يرد عليها وأن رواية عوف أوضحت أن المراد بالرجوع
الذهاب أي من المسجد وإنما سمي رجوعا لأن ابتداء المجئ كان من المنزل إلى المسجد
فكان الذهاب منه
إلى المنزل رجوعا وسيأتى الكلام على بقية مباحث هذا الحديث في باب
وقت العصر قريبا (قوله وقال معاذ) هو بن معاذ البصري عن شعبة أي شوال المذكور وهذا
التعليق وصله مسلم عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه به والإسناد كله بصريون وكذا الذي قبله
وجزم حماد بن سلمة عن أبي المنهال عند مسلم بقوله إلى ثلث الليل وكذا لأحمد عن حجاج عن شعبة
(قوله حدثنا) محمد كذا للأصيلي وغيره ولأبي ذر بن مقاتل (قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن
المبارك (قوله أخبرنا خالد بن عبد الرحمن) كذا وقع هنا مهملا وهو السلمي واسم جده
بكير وثبت الأمران في مستخرج الإسماعيلي وليس له عند البخاري غير هذا الحديث
الواحد وفي طبقته خالد بن عبد الرحمن الخراساني نزيل دمشق وخالد بن عبد الرحمن الكوفي
العبدي ولم يخرج لهما البخاري شيئا (قوله بالظهائر) جمع ظهيرة وهي الهاجرة والمراد صلاة
18

الظهر (قوله سجدنا على ثيابنا) كذا في رواية أبي ذر والأكثرين وفي رواية كريمة فسجدنا بزيادة
فاء وهي عاطفة على شئ مقدر (قوله اتقاء الحر) أبي للوقاية من الحر وقد روى هذا الحديث
بشر بن المفضل عن غالب كما مضى ولفظه مغاير للفظه لكن المعنى متقارب وقد تقدم
الكلام عليه في باب السجود على الثوب في شدة الحر وفيه الجواب عن استدلال من استدل به
على جواز السجود على الثوب ولو كان يتحرك بحركته وفيه المبادرة لصلاة الظهر ولو
كان في شدة الحر ولا يخالف ذلك الأمر بالإبراد بل هو لبيان الجواز وأن كان الإبراد أفضل
والله أعلم (قوله باب تأخير الظهر إلى العصر) أي إلى أول وقت العصر والمراد
أنه عند فراغه منها دخل وقت صلاة العصر كما سيأتي عن أبي الشعثاء راوي الحديث وقال الزين
بن المنير أشار البخاري إلى اثبات القول باشتراك الوقتين لكن لم يصرح بذلك على عادته في الأمور
المحتملة لأن لفظ الحديث يحتمل ذلك ويحتمل غيره قال والترجمة مشعرة بانتفاء الفاصلة بين
الوقتين وقد نقل ابن بطال عن الشافعي وتبعه غيره فقالوا قال الشافعي بين وقت الظهر وبين
وقت العصر فاصله لا تكون وقتا للظهر ولا العصر أه ولا يعرف ذلك في كتب المذهب عن
الشافعي وإنما المنقول عنه أنه كان يذهب إلى أن آخر وقت الظهر ينفصل من أول وقت
العصر ومراده نفى القول بالاشتراك ويدل عليه أنه احتج بقول بن عباس وقت الظهر إلى
والعصر إلى المغرب فكما أنه لا اشتراك بين العصر والمغرب فكذلك لا اشتراك بين الظهر
والعصر (قوله عن جابر بن زيد) هو أبو الشعثاء والإسناد كله بصريون (قوله سبعا وثمانيا)
أي سبعا جميعا وثمانيا جميعا كما صرح به في باب وقت المغرب من طريق شعبة عن عمرو بن دينار
(قوله فقال أيوب) هو السختياني والمقول له هو أبو الشعثاء (قوله عسى) أي أن يكون كما
قلت واحتما المطر قال به أيضا مالك عقب إخراجه لهذا الحديث عن أبي الزبير عن سعيد بن
جبير عن بن عباس نحوه وقال بدل قوله بالمدينة من غير خوف ولا سفر قال مالك لعله كان في
مطر لكن رواه مسلم وأصحاب السنن من طريق حبيب بن أبي ثابتا عن سعيد بن جبير بلفظ
من غير خوف ولا مطر فانتفى أن يكون الجمع المذكور للخوف أو السفر أو المطر وجوز بعض
العلماء أن يكون الجمع المذكور للمرض وقواه النووي وفيه نظر لأنه لو كان جمعه صلى الله
عليه وسلم بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من به نحو ذلك العذر والظاهر
أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه وقد صرح بذلك ابن عباس في روايته قال النووي ومنهم
من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم مثلا فبأن أن وقت العصر دخل
فصلاها قال وهو باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب
والعشاء أو كان نفيه الاحتمال مبنى على أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد والمختار عنده خلافه
وهو أن وقتها يمتد إلى العشاء فعلى هذا فالاحتمال قائم قال ومنهم من تأوله على أن الجمع المذكور
صوري بأن يكون أخر الظهر إلى آخر وقتها وعجل العصر في أول وقتها قال وهو احتمال ضعيف أو
باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل أه‍ وهذا الذي ضعفه استحسنه القرطبي ورجحه قبله
إمام الحرمين وجزم به من القدماء بن الماجشون والطحاوي وقواه ابن سيد الناس بأن أبا الشعثاء
وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال به وذلك فيما رواه الشيخان من طريق ابن عيينة عن
19

عمرو بن دينار فذكر هذا الحديث وزاد قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر
المغرب وعجل العشاء قال وأنا أظنه قال ابن سيد الناس وراوي الحديث أدرى بالمراد من غيره
(قلت) لكن لم يجزم بذلك بل لم يستمر عليه فقد تقدم كلامه لأيوب وتجويزه لأن يكون الجمع
بعذر المطر لكن يقوي ما ذكره من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض
لوقت الجمع فأما أن تحمل على مطلقها فتستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر وإما أن
تحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج ويجمع بها بين مفترق الأحاديث والجمع الصوري
أولى والله أعلم وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فجوزوا الجمع
في الحضر للحاجة مطلقا لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة وممن قال به بن سيرين وربيعة
وأشهب وابن المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث واستدل
لهم بما وقع عند مسلم في هذا الحديث من طريق سعيد بن جبير قال فقلت لابن عباس لم فعل ذلك
قال أراد أن لا يحرج أحدا من أمته وللنسائي من طريق عمرو بن هرم عن أبي الشعثاء أن ابن
عباس صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شئ والمغرب والعشاء ليس بينهما شئ فعل ذلك
من شغل وفيه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم من طريق عبد الله بن شقيق
أن شغل ابن عباس المذكور كان بالخطبة وأنه خطب بعد صلاة العصر إلى أن بدت النجوم ثم جمع
بين المغرب والعشاء وفيه تصديق أبي هريرة لابن عباس في رفعه وما ذكره بن عباس من التعليل
بنفي الحرج ظاهر في مطلق الجمع وقد جاء مثله عن بن مسعود مرفوعا أخرجه الطبراني ولفظه
جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فقيل له في ذلك فقال
صنعت هذا لئلا تحرج أمتي وإرادة نفى الحرج يقدح في حمله على الجمع الصوري لأن القصد
إليه لا غلام عن حرج (قوله باب وقت العصر وقال أبو أسامة عن هشام من
قعر حجرتها) كذا وقع هذا التعليق في رواية أبي ذر والأصيلي وكريمة والصواب تأخيره عن الإسناد
الموصول كما جرت به عادة المصنف والحاصل أن أنس بن عياض وهو أبو ضمرة المؤذن وأبا أسامة
رويا الحديث عن هشام وهو ابن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة وزاد أبو أسامة التقييد
بقعر الحجرة وهو أوضح في تعجيل العصر من الرواية المطلقة وقد وصل الإسماعيلي طريق أبي
أسامة في مستخرجه لكن بلفظ والشمس واقعه في حجرتي وعرف بذلك أن الضمير في قوله حجرتها
لعائشة وفيه نوع التفاف وإسناد أبي ضمرة كلهم مدنيون والمراد بالحجرة وهي بضم المهملة
وسكون الجيم البيت والمراد بالشمس ضوؤها وقوله في رواية الزهري والشمس في حجرتها أي
باقية وقوله لم يظهر الفئ أي في الموضع الذي كانت الشمس فيه وقد تقدم في أول المواقيت
من طريق مالك عن الزهري بلفظ والشمس في حجرتها قبل أن تظهر أي ترتفع فهذا الظهور
غير ذلك الظهور ومحصله أن المراد بظهور الشمس خروجها من الحجرة وبظهور الفئ
انبساطه في الحجرة وليس بين الكلب اختلاف لأن انبساط الفئ لا يكون إلا بعد خروج الشمس
(قوله بن عيينة عن الزهري) في رواية القدرة في مسنده عن بن عيينة حدثنا الزهري وفي
رواية محمد بن منصور عند الإسماعيلي عن سفيان سمعته أذناي ووعاه قلبي من الزهري (قوله
والشمس طالعة) أي ظاهرة (قوله بعد) بالضم بلا تنوين (قوله وقال مالك الآخر) يعني
20

أن الأربعة المذكورين رووه عن الزهري بهذا الإسناد فجعلوا الظهور للشمس وابن عيينة
جعله للفئ وقد قدمنا توجيه ذلك وطريق الجمع بينهما وأن طريق مالك وصلها المؤلف في أول
المواقيت وأما طريق يحيى بن سعيد وهو الأنصاري فوصلها الذهلي في الزهريات وأما طريق
شعيب وهو ابن أبي حمزة فوصلها الطبراني في مسند الشاميين وأما طريق بن أبي حفصة
وهو محمد بن ميسرة فرويناها من طريق ابن عدي في نسخة إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي حفصة
والمستفاد من هذا الحديث تعجيل صلاة العصر في أول وقتها وهذا هو الذي فهمته عائشة وكذا
الراوي عنها عروة واحتج به على عمر بن عبد العزيز في تأخيره صلاة العصر كما تقدم وشذ الطحاوي
فقال لا دلالة فيه على التعجيل لاحتمال أن الحجرة كانت قصيرة الجدار فلم تكن الشمس تحتجب
عنها إلا بقرب غروبها فيدل على التأخير لا على التعجيل وتعقب بان الذي ذكره من الاحتمال
إنما يتصور مع اتساع الحجرة وقد عرف بالاستفاضة والمشاهدة أن حجر أزواج النبي صلى الله
عليه وسلم لم تكن متسعة ولا يكون ضوء الشمس باقيا في قعر الحجرة الصغيرة إلا والشمس
قائمة مرتفعة وإلا متى مالت جدا ارتفع ضوؤها عن قاع الحجرة ولو كانت الجدر قصيرة قال
النووي كانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار بحيث كان المريض جدارها أقل من مسافة
العرصة بشئ يسير فإذا صار ظل الجدار مثله كانت الشمس بعد في أواخر العرصة أه وكأن
المؤلف لما لم يقع له حديث على شرطه في تعيين أول وقت العصر وهو مصير ظل كل شئ مثله استغنى
بهذا الحديث الدال على ذلك بطريق الاستنباط وقد أخرج مسلم عدة أحاديث مصرحة
بالمقصود ولم ينقل عن أحد من أهل العلم مخالفة في ذلك إلا عن أبي حنيفة فالمشهور عنه أنه قال
أول وقت العصر مصير ظل كل شئ مثليه بالتثنية قال القرطبي خالفه الناس كلهم في ذلك حتى
أصحابه يعني الآخذين عنه وإلا فقد انتصر له جماعة ممن جاء بعدهم فقالوا ثبت الأمر بالإبراد ولا
يحصل إلا بعد ذهاب اشتداد الحر ولا يذهب في تلك البلاد إلا بعد أن يصير ظل الشئ مثليه
فيكون أول وقت العصر مصير الظل مثليه وحكاية مثل هذا تغنى عن رده (قوله أخبرنا
عبد الله) هو ابن المبارك وعوف هو العرابي (قوله دخلت أنا وأبي) زاد الإسماعيلي زمن
أخرج بن زياد من البصرة (قلت) وكان ذلك في سنة أربع وستين كما سيأتي في كتاب الفتن
وسلامة والد سيار حكى عنه ولده هنا ولم أجد من ترجمه وقد وقعت لابنه عنه رواية في الطبراني
الكبير في ذكر الحوض (قوله المكتوبة) أي المفروضة واستدل به على أن الوتر ليس من
المكتوبة لكون أبي برزة لم يذكره وفيه بحث (قوله كان يصلي الهجير) أي صلاة الهجير الهجير والهاجرة بمعنى وهو وقت شدة الحر وسميت الظهر بذلك لأن وقتها يدخل حينئذ (قوله
تدعونها الأولى) قيل سميت الأولى لأنها أول صلاة النهار وقيل لأنها أول صلاة صلاها
جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم حين بين له الصلوات الخمس (قوله حين تدحض الشمس) أي
تزول عن وسط السماء مأخوذ من الدحض وهو الزلق وفي رواية لمسلم حين تزول الشمس
ومقتضى ذلك أنه كان يصلي الظهر في أول وقتها ولا يخالف ذلك الأمر بالإبراد لاحتمال
أن يكون ذلك في زمن البرد أو قبل الأمر بالإبرار أو عند فقد شروط الإبراد لأنه يختص بشدة
الحر أو لبيان الجواز وقد يتمسك بظاهره من قال إن فضيلة أول الوقت لا تحصل إلا بتقديم ما يمكن
21

تقدميه من طهارة وستر وغيرهما قبل دخول الوقت ولكن الذي يظهر أن المراد بالحديث
التقريب فتحصل الفضيلة لمن لم يتشاغل عند دخول الوقت بغير أسباب الصلاة (قوله إلى
رحله) بفتح الراء وسكون المهملة أي مسكنه (قوله في أقصى المدينة) صفة للرحل (قوله
والشمس حية) أي بيضاء نقية قال الزين بن المنير المراد بحياتها قوة أثرها حرارة ولونا وشعاعا
وإنارة وذلك لا يكون بعد مصير الظل مثلي الشئ اه وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن خيثمة
أحد التابعين قال حياتها أن تجد حرها (قوله ونسيت ما قال في المغرب) قائل ذلك هو سيار
بينه أحمد في روايته عن حجاج عن شعبة عنه (قوله أن يؤخر من العشاء) أي من وقت
العشاء قال بن دقيق العيد فيه دليل على استحباب التأخير قليلا لأن التبعيض يدل عليه وتعقب
بأنه بعض مطلق لا دلالة فيه على قلة ولا كثرة وسيأتي في باب وقت العشاء من حديث جابر أن
التأخير إنما كان لانتظار من يجئ لشهود الجماعة (قوله التي تدعونها العتمة) فيه إشارة إلى
ترك تسميتها بذلك وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد وقال الطيبي لعل تقييده الظهر والعشاء
دون غيرهما للاهتمام بأمرهما فتسمية الظهر بالأولى يشعر بتقديمها وتسمية العشاء بالعتمة يشعر
بتأخيرها وسيأتي الكلام على كراهة النوم قبلها في باب مفرد (قوله وكان ينفتل) أي ينصرف
من الصلاة أو يلتفت إلى المأمومين (قوله من صلاة الغداة) أي الصبح وفيه أنه لا كراهة في
تسمية الصبح بذلك (قوله حين يعرف الرجل جليسه) تقدم الكلام على اختلاف ألفاظ
الرواة فيه واستدل بذلك على التعجيل بصلاة الصبح لأن ابتداء معرفة الإنسان وجه جليسه
يكون في أواخر الغلس وقد صرح بان ذلك كان عند فراغ الصلاة ومن المعلوم من عادته صلى الله
عليه وسلم ترتيل القراءة وتعديل الأركان فمقتضى ذلك أنه كان يدخل فيها مغلسا وادعى الزين
ابن المنير أنه مخالف لحديث عائشة الآتي حيث قالت فيه لا يعرفن من الغلس وتعقب بأن الفرق
بينهما ظاهر وهو أن حديث أبي برزة متعلق بمعرفة من هو مسفر جالس إلى جنب المصلي فهو
ممكن وحديث عائشة متعلق بمن هو متلفف مع أنه على بعد فهو بعيد (قوله ويقرأ) أي في الصبح
(بالستين إلى المائة) يعني من الآي وقدرها في رواية الطبراني بسورة الحاقة ونحوها وتقدم
في باب وقت الظهر بلفظ ما بين الستين إلى المائة وأشار الكرماني أن القياس أن يقول ما بين
الستين والمائة لأن لفظ بين يقتضى الدخول على متعدد قال ويحتمل أن يكون التقدير ويقرأ
ما بين الستين وفوقها إلى المائة فحذف لفظ فوقها لدلالة الكلام عليه وفي السياق تأدب الصغير
مع الكبير ومسارعة المسؤول بالجواب إذا كان عارفا به (قوله إلى بني عمرو بن عوف) أي بقباء
لأنها كانت منازلهم وإخراج المصنف لهذا الحديث مشعر بأنه كان يرى أن قول الصحابي كنا
نفعل كذا مسند ولو لم يصرح بإضافته إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو اختيار الحاكم وقال
الدارقطني والخطيب وغيرهما هو موقوف والحق أنه موقوف لفظا مرفوع حكما لآن الصحابي
أورده في مقام الاحتجاج فيحمل على أنه أراد كونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن
المبارك هذا الحديث عن مالك فقال فيه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر الحديث
أخرجة النسائي قال النووي قال العلماء كانت منازل بني عمرو بن عوف على ميلين من المدينة
وكانوا يصلون العصر في وسط الوقت لأنهم كانوا يشتغلون بأعمالهم وحروثهم فدل هذا الحديث
22

على تعجيل النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة العصر في أول وقتها وسيأتي في طريق الزهري عن أنس
أن الرجل كان يأتيهم والشمس مرتفعة (قوله سمعت أبا أمامة) هو أسعد بن سهل بن حنيف وهو
عم الراوي عنه وفي القصة دليل على أن عمر بن عبد العزيز كان يصلي الصلاة في آخر وقتها تبعا
لسلفه إلى أن أنكر عليه عروة فرجع إليه كما تقدم وإنما أنكر عليه عروة في العصر دون الظهر
لان وقت الظهر لا كراهة فيه بخلاف وقت العصر وفيه دليل على صلاة العصر في أول وقتها أيضا
وهو عند انتهاء وقت الظهر ولهذا تشكك أبو أمامة في صلاة أنس أهي الظهر أو العصر فيدل
أيضا على عدم الفاصلة بين الوقتين وقوله له يا عم هو على سبيل التوقير ولكونه أكبر سنا منه مع أن
نسبهما مجتمع في الأنصار لكنه ليس عمه على الحقيقة والله أعلم (قوله باب وقت العصر)
كذا وقع في رواية المستملى دون غيره وهو خطأ لأنه تكرار بلا فائدة (قوله والشمس مرتفعة
حية) فيه إشارة إلى بقاء حزها وضوئها كما تقدم وقوله بعد ذلك فيأتيهم والشمس مرتفعة
أي دون ذلك الارتفاع لكنها لم تصل إلى الحد الذي توصف به بأنها منخفضة وفي ذلك دليل على
تعجيله صلى الله عليه وسلم لصلاة العصر لوصف الشمس بالارتفاع بعد أن تمضى مسافة أربعة
أميال وروى النسائي والطحاوي واللفظ له من طريق أبي الأبيض عن أنس قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصلي بنا العصر والشمس بيضاء محلقة ثم أرجع إلى قومي في ناحية المدينة
فأقول لهم قوموا فصلوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى قال الطحاوي نحن نعلم أن
أولئك يعني قوم أنس لم الريح يصلونها إلا قبل اصفرار الشمس فدل ذلك على أنه صلى الله عليه
وسلم كان يعجلها (قوله وبعض العوالي) كذا وقع هنا أي بين بعض العوالي والمدينة المسافة
المذكورة وروى البيهقي حديث الباب من طريق أبي بكر الصغائي عن أبي اليماني شيخ البخاري
فيه وقال في آخره وبعد العوالي بضم الموحدة وبالدال المهملة وكذلك أخرجه المصنف في
الاعتصام تعليقا ووصله البيهقي من طريق الليث عن يونس عن الزهري لكن قال أربعة أميال
أو ثلاثة وروى هذا الحديث أبو عوانة في صحيحه وأبو العباس السراج جميعا عن أحمد بن الفرج
أبي عتبة عن محمد بن حمير عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري ولفظه والعوالي من المدينة على
ثلاثة أميال وأخرجه الدارقطني عن المحاملي عن أبي عتبة المذكور بسنده فوقع
عنده على ستة أميال ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فقال فيه على ميلين أو ثلاثة
فتحصل من ذلك أن أقرب العوالي من المدينة مسافة ميلين وأبعدها مسافة ستة أميال إن كانت
رواية المحاملي محفوظة ووقع في المدونة عن مالك أبعد العوالي مسافة ثلاثة أميال قال عياض
كأنه أراد معظم عمارتها وإلا فأبعدها ثمانية أميال انتهى وبذلك جزم بن عبد البر وغير واحد
آخرهم صاحب النهاية ويحتمل أن يكون أراد أنه أبعد الأمكنة التي كان يذهب إليها الذاهب
في هذه الواقعة والعوالي عبارة عن القرى المجتمعة حول المدينة من جهة نجدها وأما ما كان
من جهة تهامتها فيقال لها السافلة * (تنبيه) * قوله وبعض العوالي الخ مدرج من كلام
الزهري في حديث أنس بينه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في هذا الحديث فقال فيه بعد
قوله والشمس حية قال الزهري والعوالي من المدينة على ميلين أو ثلاثة ولم يقف الكرماني على
هذا فقال هو إما كلام البخاري أو أنس أو الزهري كما هو عادته (قوله في الطريق الأخرى كنا نصلي
23

العصر) أي مع النبي صلى الله عليه وسلم كما يظهر ذلك من الطرق الأخرى وقد رواه خالد بن مخلد
عن مالك كذلك مصرحا به أخرجه الدارقطني في غرائبه (قوله ثم يذهب الذاهب منا إلى قباء)
كأن أنسا أراد بالذاهب نفسه كما تشعر بذلك رواية أبي الأبيض المتقدمة قال بن عبد البر لم
يختلف على مالك أنه قال في هذا الحديث إلى قباء ولم يتابعه أحد من أصحاب الزهري بل كلهم
يقولون إلى العوالي وهو الصواب عند أهل الحديث قال وقول مالك إلى قباء وهم لا شك فيه
وتعقب بأنه روى عن بن أبي ذئب عن الزهري إلى قباء كما قال مالك نقله الباجي عن الدارقطني فنسبة
الوهم فيه إلى مالك منتقد فإنه إن كان وهما احتمل أن يكون منه وأن يكون من الزهري حين
حدث به مالكا وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك فقال فيه إلى العوالي كما قال الجماعة فقد اختلف
فيه على مالك وتوبع عن الزهري بخلاف ما جزم به بن عبد البر وأما قوله الصواب عند أهل
الحديث العوالي فصحيح من حيث اللفظ ومع ذلك فالمعنى متقارب لكن رواية مالك أخص لأن
قباء من العوالي وليست العوالي كل قباء ولعل مالكا لما رأى أن في رواية الزهري إجمالا حملها
على الرواية المفسرة وهي روايته المتقدمة عن إسحاق حيث قال فيها ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو
ابن عوف وقد تقدم أنهم أهل قباء فبنى مالك على أن القصة واحدة لأنهما جميعا حدثاه عن أنس
والمعنى متقارب فهذا الجمع أولى من الجزم بأن مالكا وهم فيه وأما استدلال ابن بطال على أن
الوهم فيه ممن دون مالك برواية خالد بن مخلد المتقدمة الموافقة لرواية الجماعة عن الزهر ففيه
نظر لأن مالكا أثبته في الموطأ باللفظ الذي رواه عنه كافة أصحابه فرواية خالد بن مخلد عنه شاذة
فكيف تكون دالة على أن رواية الجماعة وهم بل إن سلمنا أنها وهم فهو من مالك كما جزم به البزار
والدار قطني ومن تبعهما أو من الزهري حين حدثه به والأولى سلوك طريق الجمع التي أوضحناها
والله الموفق قال ابن رشيد قضى البخاري بالصواب لمالك بأحسن إشارة وأوجز عبارة لأنه قدم أولا
المجمل ثم أتبعه بحديث مالك المفسر المعين * (تنبيه) * قباء تقدم ضبطها في بابا ما جاء في القبلة
(قوله إلى قباء فيأتيهم) أي أهل قباء وهو على حد قوله تعالى واسأل القرية والله أعلم قال النووي
في الحديث المبادرة بصلاة العصر في أول وقتها لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين أو
أكثر والشمس لم تتغير ففيه دليل للجمهور في أن أول وقت العصر مصير ظل كل شئ مثله خلافا
لأبي حنيفة وقد مضى ذلك في الباب الذي (قبله قوله بابا إثم من فاتته صلاة العصر)
أشار المصنف بذكر الإثم إلى أن المراد بالفوات تأخيرها عن وقت الجواز بغير عذر لأن الإثم إنما
يترتب على ذلك وسيأتي البحث في ذلك (قوله الذي تفوته) قال ابن بزيزة فيه رد على من كره أن
يقول فاتتنا الصلاة (قلت) وسيأتي الكلام على ذلك في باب مفرد في صلاة الجماعة (قوله صلاة
العصر فكأنما) كذا للكشميهني وسقط للأكثر لفظ صلاة والفاء من قوله فكأنما (قوله وتر أهله)
هو بالنصب عند الجمهور على أنه مفعول ثان لوتر وأضمر في وتر مفعول لم يسم فاعله وهو عائد على
الذي فاتته فالمعنى أصيب بأهله وماله وهو متعد إلى مفعولين ومثله قوله تعالى ولن يتركم أعمالكم
وإلى هذا أشار المصنف فيما وقع في رواية المستملى قال قال أبو عبد الله يتركم انتهى وقيل وتر هنا
بمعنى نقص فعلى هذا يجوز نصبه ورفعه لأن من رد النقص إلى الرجل نصب وأضمر ما يقوم مقام
الفاعل ومن رده إلى الأهل رفع وقال القرطبي يروي بالنصب على أن وتر بمعنى سلب وهي تعدى إلى
24

مفعولين وبالرفع على أن وتر بمعنى أخذ فيكون أهله هو المفعول الذي ليسم فاعله ووقع في رواية
المستملى أيضا وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا أو أخذ ت ماله وحقيقة الوتر كما قال الخليل هو الظلم في
الدم فعلى هذا فاستعماله في المال مجاز لكن قال الجوهري الموتور هو الذي قتل له قتيل فلم يدرك
بدمه تقول منه وتر وتقول أيضا وتره حقه أي نقصه وقيل الموتور من أخذ أهله أو ماله وهو ينظر
إليه وذلك أشد لغمه فوقع التشبيه بذلك لمن فاتته الصلاة لأنه يجتمع عليه غمان غم الإثم وغم فقد
الثواب كما يجتمع على الموتور غمان غم السلب وغم الطلب بالثأر وقيل معنى وتر أخذ أهله وماله فصار
وترا أي فردا ويؤيد الذي قبله رواية أبي مسلم الكجي من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع
فذكر نحو هذا الحديث وزاد في آخره وهو قاعد وظاهر الحديث التغليط على من تفوته العصر
وأن ذلك مختص بها وقال بن عبد البر يحتمل أن يكون هذا الحديث خرج جوابا لسائل سأل عن
صلاة العصر فأجيب فلا يمنع ذلك إلحاق غيرها من الصلوات بها وتعقبه النووي بأنه إنما يلحق
غير المنصوص بالمنصوص إذا عرفت العلة واشتركا فيها قال والعلة في هذا الحكم لم تتحق فلا
يلتحق غير العصر بها انتهى وهذا لا يدفع الاحتمال وقد احتج بن عبد البر بما رواه بن أبي شيبة
وغيره من طريق أبي قلابة عن أبي الدرداء مرفوعا من ترك صلاة مكتوبة حتى تفوته الحديث
(قلت) وفي إسناده انقطاع لأن أبا قلابة لم يسمع من أبي الدرداء وقد رواه أحمد من حديث أبي
الدرداء بلفظ من ترك العصر فرجع حديث أبو الدرداء إلى تعيين العصر وروى ابن حبان وغيره
من حديث نوفل بن معاوية مرفوعا من فاتته الصلاة فكانما وتر أهله وماله وهذا ظاهره العموم في
الصلوات المكتوبات وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن نوفل بلفظ لأن يوتر أحدكم أهله وماله
خير له من أن يفوته وقت صلاة وهذا أيضا ظاهرة العموم ويستفاد منه أيضا ترجيح توجيه رواية
النصب المصدر بها لكن المحفوظ من حديث نوفل بلفظ من الصلوات صلاة من فاتته فكأنما
وتر أهله وما له أخرجه المصنف في علامات النبوة ومسلم أيضا والطبراني وغيرهم ورواه الطبراني
من وجه آخر وزاد فيه عن الزهري قلت لأبي بكر يعني ابن عبد الرحمن وهو الذي حدثه به
ما هذه الصلاة قال العصر ورواه بن أبي خيثمة من وجه آخر فصرح بكونها العصر في نفس
الخبر والمحفوظ أن كونها العصر من تفسير أبي بكر بن عبد الرحمن ورواه الطحاوي والبيهقي
من وجه آخر وفيه أن التفسير من قول بن عمر فالظاهر اختصاص العصر بذلك وسيأتي تقديره
في الكلام على الحديث الذي بعده ومما يدل على أن المراد بتفويتها إخراجها عن وقتها ما وقع
في رواية عبد الرزاق فأنه أخرج هذا الحديث عن ابن جريح عن نافع فذكر نحوه وزاد قلت لنافع
حين تغيب الشمس قال نعم وتفسير الراوي إذا كان فقيها أولى من غيره لكن روى أبو داود عن
الأوزاعي أنه قال في هذا الحديث وفواتها أن تدخل الشمس صفرة ولعله مبنى على مذهبه في
خروج وقت العصر ونقل عن ابن وهب أن المراد إخراجها عن الوقت المختار وقال المهلب ومن
تبعه من الشراح إنما أراد فواتها في الجماعة لا فواتها باصفرار الشمس أو بمغيبها قال ولو كان
لفوات وقتها كله لبطل اختصاص العصر لأن ذهاب الوقت موجود في كل صلاة ونوقض بعين
ما ادعاه لأن فوات الجماعة موجود في كل صلاة لكن في صدر كلامه أن العصر اختصت بذلك
لاجتماع المتعاقبين من الملائكة فيها وتعقبة بن المنير بان الفجر أيضا فيها اجتماع المتعاقبين
25

فلا يختص العصر بذلك قال والحق أن الله تعالى يختص ما شاء من الصلوات بما شاء من الفضيلة
انتهى وبوب الترمذي على حديث الباب ما جاء في السهو عن وقت العصر فحمله على الساهي
وعلى هذا فالمراد بالحديث أنه يلحقه من الأسف عند معاينة الثواب لمن صلى ما يلحق من ذهب
منه أهله وماله وقد روى بمعنى ذلك عن سالم بن عبد الله بن عمر ويؤخذ منه التنبيه على أن أسف
العامد أشد لاجتماع فقد الثواب وحصول الإثم قال ابن عبد البر في هذا الحديث إشارة إلى تحقير
الدنيا وأن قليل العمل خير من كثير منها وقال ابن بطال لا يوجد حديث يقوم مقام هذا
الحديث لأن الله تعالى قال حافظوا على الصلوات وقال ولا يوجد حديث فيه تكييف المحافظة
غير هذا الحديث (قوله باب من ترك العصر) أي ما يكون حكمة قال ابن رشيد
أجاد البخاري حيث اقتصر على صدر الحديث فابقى فيه محلا للتأويل وقال غيره كان ينبغي أن
يذكر حديث الباب في الباب الذي قبله ولا يحتاج إلى هذه الترجمة وتعقب بان الترك أصرح
بإرادة التعمد من الفوات (قوله حدثنا مسلم بن إبراهيم) سقط عند الأصيلي بن إبراهيم (قوله
حدثنا هشام) وقع عند غير أبي ذر أنبأنا هشام وهو ابن أبي عبد الله الدستوائي (قوله أخبرنا يحيى)
عند غير أبي ذر حدثنا (قوله عن أبي قلابة) عند ابن خزيمة من طريق أبي داود الطيالسي عن
هشام عن يحيى أن أبا قلابة حدثه (قوله عن أبي المليح) عند المصنف في باب التبكير بالصلاة
في يوم الغيم عن معاذ بن فضالة عن هشام في هذا الإسناد أن أبا المليح حدثه وأبو المليح هو بن
أسامة بن عمير الهذلي وقد تقدم أن اسمه عامر وأبوه صحابي وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على
نسق وتابع هشاما على هذا الإسناد عن يحيى بن أبي كثير شيبان ومعمر وحديثهما عند أحمد
وخالفهم الأوزاعي فرواه عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي المهاجر عن بريدة والأول هو المحفوظ
وخالفهم أيضا في سياق المتن كما سيأتي التنبيه عليه في باب التبكير المذكور إن شاء الله تعالى (قوله
كنا مع بريدة) هو بن الحصيب الأسلمي (قوله ذي غيم) قيل خص يوم الغيم بذلك لأنه مظنة
التأخير إما لمتنطع يحتاط لدخول الوقت فيبالغ في التأخير حتى يخرج الوقت أو لمتشاغل بأمر آخر
فيظن بقاء الوقت فيسترسل في شغله إلى أن يخرج الوقت (قوله بكروا) أي عجلوا والتبكير
يطلق لكل من بادر بأي شئ كان في أي وقت كان وأصله المبادرة بالشئ أول النهار (قوله فإن
النبي صلى الله عليه وسلم) الفاء للتعليل وقد استشكل معرفة تيقن دخول أول الوقت مع وجود
الغيم لأنهم لم يكونوا يعتمدون فيه إلا على الشمس وأجيب باحتمال أن بريدة قال ذلك عند معرفة
دخول الوقت لأنه لا مانع في يوم الغيم من أن تظهر الشمس أحيانا ثم أنه لا يشترط إذا احتجبت
الشمس اليقين بل يكفي الاجتهاد (قوله من ترك صلاة العصر) زاد معمر في روايته متعمدا وكذا
أخرجه أحمد من حديث أبي الدرداء (قوله فقد حبط) سقط فقد من رواية المستملى وفي رواية
معمرا أحبط الله عمله وقد استدل بهذا الحديث من يقول بتكفير أهل المعاصي من الخوارج
وغيرهم وقالوا هو نظير قوله تعالى ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وقال ابن عبد البر مفهوم
الآية أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله فيتعارض مفهومها ومنطوق الحديث فيتعين تأويل الحديث لأن الجمع إذا أمكن كان أولى من الترجيح وتمسك بظاهر
الحديث أيضا الحنابلة ومن قال
بقولهم من أن تارك الصلاة يكفر وجوابهم ما تقدم وأيضا فلو كان على ما ذهبوا إليه لما
26

اختصت العصر بذلك وأما الجمهور فتأولوا الحديث فافترقوا في تأويله فرقا فمنهم من أول سبب
الترك ومنهم من أول الحبط ومنهم من أول العمل فقيل المراد من تركها جاحدا لوجوبها أو
معترفا لكن مستخفا مستهزئا بمن أقامها وتعقب بأن الذي فهمه الصحابي إنما هو التفريط ولهذا
أمر بالمبادرة إليها وفهمه أولى من فهم غيره كما تقدم وقيل المراد من تركها متكاسلا لكن خرج
الوعيد مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد كقوله لا يزني الزاني وهو مؤمن وقيل هو من مجاز
التشبيه كأن المعنى فقد أشبه من حبط عمله وقيل معناه كاد أن يحبط وقيل المراد بالحبط
نقصان العمل في ذلك الوقت الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله فكأن المراد بالعمل الصلاة خاصة
أي لا يحصل على أجر من صلى العصر ولا يرتفع له عملها حينئذ وقيل المراد بالحبط الإبطال أي
يبطل انتفاعه بعمله في وقت ما ثم ينتفع به كمن رجحت سيئاته على حسناته فإنه موقوف في المشيئة
فإن غفر فمجرد الوقوف إبطال لنفع الحسنة إذ ذاك وإن عذب ثم غفر له فكذلك قال معنى ذلك
القاضي أبو بكر بن العربي وقد تقدم مبسوطا في كتاب الإيمان في باب خوف المؤمن من أن
يحبط عمله ومحصل ما قال أن المراد بالحبط في الآية غير المراد بالحبط في الحديث وقال في شرح
الترمذي الحبط على قسمين حبط إسقاط وهو إحباط الكفر للإيمان وجميع الحسنات وحبط
موازنة وهو إحباط المعاصي للانتفاع بالحسنات عند رجحانها عليها إلى أن تحصل النجاة فيرجع
إليه جزاء حسناته وقيل المراد بالعمل في الحديث عمل الدنيا الذي يسبب الاشتغال به ترك الصلاة
بمعنى أنه لا ينتفع به ولا يتمتع وأقرب هذه التأويلات قول من قال إن ذلك خرج مخرج الزجر
الشديد وظاهره غير مراد والله أعلم (قوله باب فضل صلاة العصر) أي على
جميع الصلوات إلا الصبح وإنما حملته على ذلك لأن حديثي الباب لا يظهر منهما رجحان العصر
عليها ويحتمل أن يكون المراد أن العصر ذات فضيلة لا ذات أفضلية (قوله حدثنا إسماعيل) هو
ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم ووقع عند ابن مردويه من طريق شعبة عن إسماعيل
التصريح بسماع إسماعيل من قيس وسماع قيس من جرير (قوله فنظر إلى القمر ليلة) زاد
مسلم ليلة البدر وكذا للمصنف من وجه آخر وهو خال من العنعنة أيضا كما سيأتي في باب فضل
صلاة الفجر (قوله لا تضامون) بضم أوله مخففا أي لا يحصل لكم ضيم حينئذ وروى بفتح أوله
والتشديد من الضم والمراد نفى الازدحام وسيأتي بسط ذلك في كتاب التوحيد (قوله فإن
استطعتم أن لا تغلبوا) فيه إشارة إلى قطع أسباب الغلبة المنافية للاستطاعة كالنوم والشغل
ومقاومة ذلك بالاستعداد له وقوله فافعلوا أي عدم الغلبة وهو كناية عما ذكر من الاستعداد
ووقع في رواية شعبة المذكورة فلا تغفلوا عن صلاة الحديث (قوله قبل طلوع الشمس
وقبل غروبها) زاد مسلم يعني العصر والفجر ولابن مردويه من وجه آخر عن إسماعيل قبل طلوع
الشمس صلاة الصبح وقبل غروبها صلاة العصر وقال ابن بطال قال المهلب قوله فإن
استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة أي في الجماعة قال وخص هذين الوقتين لاجتماع
الملائكة فيهما ورفعهم أعمال العباد لئلا يفوتهم هذا الفضل العظيم (قلت)
وعرف بهذا مناسبة إيراد حديث يتعاقبون عقب هذا الحديث لكن لم يظهر لي وجه تقييد
ذلك بكونه في جماعة وأن كان فضل الجماعة معلوما من أحاديث أخر بل ظاهر الحديث يتناول
27

من صلاهما ولو منفردا إذ مقتضاه التحريض على فعلهما أعم من كونه جماعة أو لا (قوله
فافعلوا) قال الخطابي هذا يدل على أن الرؤية قد يرجى نيلها بالمحافظة على هاتين الصلاتين اه وقد
يستشهد لذلك بما أخرجه الترمذي من حديث بن عمر رفعه قال إن أدنى أهل الجنة منزلة فذكر
الحديث وفيه وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية وفي سنده ضعف (قوله ثم قرأ)
كذا في جميع روايات الجامع وأكثر الروايات في غيره بايهام فاعل قرأ وظاهره أنه النبي صلى الله
عليه وسلم لكن لم أر ذلك صريح وحمله عليه جماعة من الشراح ووقع عند مسلم عن زهير بن حرب
عن مروان بن معاوية بإسناد حديث الباب ثم قرأ جرير أي الصحابي وكذا أخرجه أبو عوانة في
صحيحه من طريق يعلى بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد فظهر أنه وقع في سياق حديث الباب
وما وافقه إدراج قال العلماء ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند ذكر الرؤية أن
الصلاة أفضل الطاعات وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرهما ما ذكر من اجتماع
الملائكة فيهما ورفع الأعمال وغير ذلك فهما أفضل الصلوات فناسب أن يجازى المحافظ عليهما
بأفضل العطايا وهو النظر إلى الله تعالى وقيل لما حقق رؤية الله تعالى برؤية القمر والشمس
وهما آيتان عظيمتان شرعت لخسوفهما الصلاة والذكر ناسب من يحب رؤية الله تعالى أن
يحافظ على الصلاة عند غروبها أه ولا يخفى بعده وتكلفه والله أعلم (قوله يتعاقبون) أي تأتي
طائفة عقب طائفة ثم تعود الأولى عقب الثانية قال بن عبد البر وإنما يكون التعاقب بين
طائفتين أو رجلين بأن يأتي هذا مرة ويعقبه هذا ومنه تعقيب الجيوش أن يجهز الأمير بعثا
إلى مدة ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز غيرهم إلى مدة ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن
يجهز الأولين قال القرطبي الواو في قوله يتعاقبون علامة الفاعل المذكر المجموع على لغة
بلحارث وهم القائلون أكلوني البراغيث ومنه قول الشاعر * (بحوران يعصرن السليط أقاربه) *
وهي لغة فاشية وعليها حمل الأخفش قوله تعالى وأسروا النجوى الذين ظلموا قال وقد تعسف
بعض النحاة في تأويلها وردها للبدل وهو تكلف مستغنى عنه فإن تلك اللغة مشهورة ولها
وجه من القياس واضح وقال غيره في تأويل الآية قوله وأسروا عائد على الناس المذكورين
أولا والذين ظلموا بدل من الضمير وقيل التقدير أنه لما قيل وأسروا النجوى قيل من هم
قال الذين ظلموا حكاه الشيخ محي الدين والأول أقرب إذ الأصل عدم التقدير وتوارد جماعة
من الشراح على أن حديث الباب من هذا القبيل ووافقهم بن مالك وناقشه أبو حيان زاعما
أن هذه الطريق اختصرها الراوي واحتج لذلك بما رواه البزار من وجه آخر عن أبي هريرة
بلفظ أن الله ملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة صارت وملائكة بالنهار الحديث وقد
سومح في العزو إلى مسند البزار مع أن هذا الحديث بهذا اللفظ في الصحيحين فالعزو إليهما أولى
وذلك أن هذا الحديث رواه عن أبي الزناد مالك في الموطأ ولم يختلف عليه باللفظ المذكور
وهو قوله يتعاقبون فيكم وتابعه على ذلك عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبية أخرجه سعيد بن
منصور عنه وقد أخرجه البخاري في بدء الخلق من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد
بلفظ الملائكة يتعاقبون ملائكة صارت وملائكة بالنهار وأخرجه النسائي أيضا من طريق
موسى بن عقبة عن أبي الزناد بلفظ أن الملائكة يتعاقبون فيكم فاختلف فيه على أبي الزناد
28

فالظاهر أنه كان تارة يذكره هكذا وتارة هكذا فيقوى بحث أبي حيان ويؤيد ذلك أن غير
الأعرج من أصحاب أبي هريرة قد رووه تاما فأخرجه أحمد ومسلم من طريق همام بن منبه عن
أبي هريرة مثل رواية موسى بن عقبة لكن بحذف أن من أوله وأخرجه ابن خزيمة والسراج
من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ أن لله ملائكة يتعاقبون وهذه هي الطريقة التي
أخرجها البزار وأخرجه أبو نعيم في الحلية بإسناد صحيح من طريق أبي موسى عن أبي هريرة بلفظ
إن الملائكة فيكم يعتقبون وإذا عرف ذلك فالعزو إلى الطريق التي تتحد مع الطريق التي وقع
القول فيها أولى من طريق مغايرة لها فليعز ذلك إلى تخريج البخاري والنسائي من طريق
أبي الزناد لما أوضحته والله الموفق (قوله فيكم) أي المصلين أو مطلق المؤمنين (قوله ملائكة)
قيل هم الحفظة نقله عياض وغيره عن الجمهور وتردد بن بزيزة وقال القرطبي الأظهر عندي
إنهم غيرهم ويقويه أنه لم ينقل أن الحفظة يفارقون العبد ولا أن حفظه الليل غير حفظة النهار
وبأنهم لو كانوا هم الحفظة لم يقع الاكتفاء في السؤال منهم عن حالة الترك دون غيرها في قوله
كيف تركتم عبادي (قوله ويجتمعون) قال الزين بن المنير التعاقب مغاير للاجتماع لكن
ذلك منزل على حالين (قلت) وهو ظاهر وقال بن عبد البر الأظهر أنهم يشهدون معهم الصلاة في
الجماعة واللفظ محتمل للجماعة وغيرها كما يحتمل أن التعاقب يقع بين طائفتين دون غيرهم وأن
يقع التعاقب بينهم في النوع لا في الشخص قال عياض والحكمة في اجتماعهم في هاتين
الصلاتين من لطف الله تعالى بعباده وإكرامه لهم بأن جعل اجتماع ملائكته في حال طاعة عباده
لتكون شهادتهم لهم بأحسن الشهادة (قلت) وفيه شئ لأنه رجح أنهم الحفظة ولا شك أن
الذين يصعدون كانوا مقيمين عندهم مشاهدين لأعمالهم في جميع الأوقات فلأولى أن يقال
الحكمة في كونه تعالى لا يسألهم إلا عن الحالة التي تركوهم عليها ما ذكر ويحتمل أن يقال إن
الله تعالى يستر عنهم ما يعملونه فيما بين الوقتين لكنه بناء على أنهم غير الحفظة وفيه إشارة إلى
الحديث الآخر أن الصلاة كفارة لما بينهما فمن ثم وقع السؤال من كل طائفة عن
آخر شئ فارقوهم عليه (قوله ثم يعرج الذين باتوا فيكم) استدل به بعض الحنفية على استحباب
تأخير صلاة العصر ليقع عروج الملائكة إذا فرغ منها آخر النهار وتعقب بأن ذلك غير لازم
إذ ليس في الحديث ما يقتضى أنهم لا يصعدون إلا ساعة الفراغ من الصلاة بل جائز أن تفرغ
الصلاة ويتأخروا بعد ذلك إلى آخر النهار ولا مانع أيضا من أن تصعد ملائكة النهار وبعض
النهار باق وتقيم ملائكة الليل ولا يرد على ذلك وصفهم بالمبيت بقوله باتوا فيكم لأن اسم المبيت
صادق عليهم ولو تقدمت إقامتهم صارت إقامتهم قطعة من النهار (قوله الذين باتوا فيكم) اختلف
في سبب الاقتصار على سؤال الذين باتوا دون الذين ظلوا فقيل هو من باب الاكتفاء بذكر أحد
المثلين عن الآخر كقوله تعالى فذكر إن نفعت الذكرى أي وإن لم تنفع وقوله تعالى سرابيل
تقيكم الحر أي والبرد وإلى هذا أشار بن التين وغيره ثم قيل الحكمة في الاقتصار على ذلك أن حكم
طرفي النهار يعلم من حكم طرفي الليل فلو ذكره لكان تكرارا ثم قيل الحكمة في الاقتصار على هذا
الشق دون الآخر أن الليل مظنة المعصية فلما لم يقع منهم عصيان مع إمكان دواعي الفعل من
إمكان الإخفاء ونحوه واشتغلوا بالطاعة كان النهار أولى بذلك فكان السؤال عن الليل أبلغ من
29

السؤال عن النهار لكون النهار محل الاشتهار وقيل الحكمة في ذلك أن ملائكة الليل إذا صلوا
الفجر عرجوا في الحال وملائكة النهار إذا صلوا العصر لبثوا إلى آخر النهار لضبط بقية عمل النهار
وهذا ضعيف لأنه يقتضى أن ملائكة النهار لا يسئلون عن وقت العصر وهو خلاف ظاهر
الحديث كما سيأتي ثم هو مبنى على أنهم الحفظة وفيه نطر لما سنبينه وقيل بناه أيضا على أنهم الحفظة
أنهم ملائكة النهار فقط وهم لا يبرحون عن ملازمة بني آدم وملائكة الليل هم الذين يعرجون
ويتعاقبون ويؤيده ما رواه أبو نعيم في كتاب الصلاة له من طريق الأسود بن يزيد النخعي قال
يلتقى الحارسان أي ملائكة الليل وملائكة النهار عند صلاة الصبح فيسلم بعضهم على بعض
فتصعد ملائكة الليل تلبث ملائكة النهار وقيل يحتمل أن يكون العروج إنما يقع عند صلاة
الفجر خاصة وأما النزول فيقع في الصلاتين معا وفيه التعاقب وصورته أن تنزل طائفة عند العصر
وتبيت ثم تنزل طائفة ثانية عند الفجر فيجتمع الطائفتان في صلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فقط
ويستمر الذين نزلوا وقت الفجر إلى العصر فتنزل الطائفة الأخرى فيحصل اجتماعهم عند العصر
أيضا ولا يصعد منهم أحد بل تبيت الطائفتان أيضا ثم تعرج إحدى الطائفتين ويستمر ذلك
فتصبح صورة التعاقب مع اختصاص النزول بالعصر والعروج بالفجر فلهذا خص السؤال بالذين
باتوا والله أعلم وقيل إن قوله في هذا الحديث ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر وهم لأنه
ثبت في طرق كثيرة أن الاجتماع في صلاة الفجر من غير ذكر صلاة العصر كما في الصحيحين من
طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في أثناء حديث قال فيه وتجتمع ملائكة الليل وملائكة
النهار في صلاة الفجر قال أبو هريرة واقرؤا إن شئتم وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا وفي
الترمذي والنسائي من وجه آخر بإسناد صحيح عن أبي هريرة في قوله تعالى إن قرأن الفجر كان
مشهودا قال تشهده ملائكة الليل والنهار وروى بن مردويه من حديث أبي الدرداء مرفوعا
نحوه قال ابن عبد البر ليس في هذا دفع للرواية التي فيها ذكر العصر إذ لا يلزم من عدم ذكر العصر
في الآية والحديث الآخر عدم اجتماعهم في العصر لأن المسكوت عنه قد يكون في حكم المذكور
بدليل آخر قال ويحتمل أن يكون الاقتصار وقع في الفجر لكونها جهرية وبحثه الأول متجه لأنه
سبيل إلى ادعاء توهيم الراوي الثقة مع إمكان التوفيق بين الروايات ولا سيما أن الزيادة من العدل
الضابط مقبولة ولم لا يقال إن رواية من لم يذكر سؤال الذين أقاموا في النهار واقع من تقصير بعض
الرواة أو يحمل قوله ثم يعرج الذين باتوا على ما هو أعم من المبيت بالليل والإقامة بالنهار فلا
يختص ذلك بليل دون نهار ولا عكسه بل كل طائفة منهم إذا صعدت سئلت وغاية ما فيه أنه
استعمل لفظ بات في أقام مجازا ويكون قوله فيسألهم أي كلا من الطائفتين في الوقت الذي
يصعد فيه ويده على هذا الحمل رواية موسى بن عقبة عن أبي الزناد عند النسائي ولفظة ثم يعرج
الذين كانوا فيكم فعلى هذا لم يقع في المتن اختصار ولا اقتصار وهذا أقرب الأجوبة وقد وقع لنا هذا
الحديث من طريق أخرى واضحا وفيه التصريح بسؤال كل من الطائفتين وذلك فيما رواه
بن خزيمة في صحيحه وأبو العباس السراج جميعا عن يوسف بن موسى عن جرير عن الأعمش عن
أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله علية وسلم تجتمع ملائكة الليل وملائكة
النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر فيجتمعون في صلاة الفجر فتصعد ملائكة الليل وتبيت
30

ملائكة النهار ويجتمعون في صلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتبيت ملائكة الليل
فيسألهم ربهم كيف تركتم عبادي الحديث وهذه الرواية تزيل الإشكال وتغنى عن كثير من
الاحتمالات المتقدمة فهي المعتمدة ويحمل ما نقص منها على تقصير بعض الرواة (قوله
فيسألهم) قيل الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير واستنطاقهم بما يقتضى
التعطف عليهم وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم
ما لا تعلمون أي وقد وجد فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بنص شهادتكم وقال عياض هذا
السؤال على سبيل التعبد للملائكة كما أمروا أن يكتبوا أعمال بني آدم وهو سبحانه وتعالى أعلم
من الجميع بالجميع (قوله كيف تركتم عبادي) قال بن أبي جمرة وقع السؤال عن آخر
الأعمال لأن الأعمال بخواتيمها قال والعباد المسؤول عنهم هم المذكورون في قوله تعالى إن
عبادي ليس لك عليهم سلطان (قوله تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون) لم يراعوا الترتيب
الوجودي لأنهم بدؤا بالترك قبل الاتيان والحكمة فيه أنهم طابقوا السؤال لأنه قال كيف
تركتم ولأن المخبر به صلاة العباد والأعمال بخواتيمها فناسب ذلك إخبارهم عن آخر عملهم
قبل أولة وقوله تركناهم وهم ظاهره أنهم فارقوهم عند شروعهم في العصر سواء تمت أم منع
مانع من إتمامها وسواء شرع الجميع فيها أم لا لأن المنتظر في حكم المصلي ويحتمل أن يكون
المراد بقولهم وهم يصلون أي ينتظرون صلاة المغرب وقال بن التين الواو في قوله وهم يصلون
واو الحال أبي تركناهم على هذه الحال ولا يقال يلزم منه أنهم فارقوهم قبل انقضاء الصلاة فلم
يشهدوها معهم والخبر ناطق بأنهم يشهدونها لأنا نقول هو محمول على أنهم شهدوا الصلاة مع من
صلاها في أول وقتها وشهدوا من دخل فيها بعد ذلك وممن شرع فأسباب ذلك * (تنبيه) *
استنبط منه بعض الصوفية أنه يستحب أن لا يفارق الشخص شيئا من أموره إلا وهو على طهارة
كشعره إذا حلقه وظفره إذا قلمه وثوبه إذا أبدله ونحو ذلك وقال بن أبي جمرة أجابت الملائكة
بأكثر مما سئلوا عنه لأنهم علموا أنه سؤال يستدعى التعطف على بني آدم فزادوا في موجب ذلك
(قلت) ووقع في صحيح بن خزيمة من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في آخر هذا
الحديث فاغفر لهم يوم الدين قال ويستفاد منه أن الصلاة أعلى العبادات لأنه عنها وقع السؤال
والجواب وفى الإشارة إلى عظم هاتين الصلاتين لكونهما تجتمع فيهما الطائفتان وفي
غيرهما طائفة واحدة والإشارة إلى شرف الوقتين المذكورتين وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة
الصبح وأن الأعمال ترفع آخر النهار فمن كان حينئذ في طاعة بورك في رزقه وفي عمله والله أعلم ويترتب
عليه حكمة الأمر بالمحافظة عليهما والاهتمام بهما وفيه تشريف هذه الأمة على غيرها ويستلزم
تشريف نبيها على غيره وفيه الإخبار بالغيوب ويترتب عليه زيادة الإيمان وفيه الإخبار بما
نحن فيه من ضبط أحوالنا حتى نتيقظ ونتحفظ في الأوامر والنواهي ونفرح في هذه الأوقات
بقدوم رسل ربنا وسؤال ربنا عنا وفيه اعلامنا بحب ملائكة الله لنا لنزداد فيهم حبا ونتقرب إلى
الله بذلك وفيه كلام الله تعالى مع ملائكته وغير ذلك من الفوائد والله أعلم وسيأتي الكلام على
ذلك في باب قوله ثم يعرج في كتاب التوحيد أن شاء الله تعالى (قوله باب من أدرك
31

ركعة من العصر قبل الغروب) أورد فيه حديث أبي سلمة عن أبي هريرة إذا أدرك أحدكم
سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته فكأنه أراد تفسير الحديث وأن
المراد بقوله فيه سجدة أي ركعة وقد رواه الإسماعيلي من طريق حسين بن محمد عن شيبان بلفظ
من أدرك منكم ركعة فدل على أن الاختلاف في الألفاظ وقع من الرواة وستأتى رواية مالك في
أبواب وقت الصبح بلفظ من أدرك ركعة ولم يختلف على راويها في ذلك فكان عليها الاعتماد
وقال الخطاب المراد بالسجدة الركعة بركوعها وسجودها والركعة إنما يكون تمامها بسجودها
فسميت على هذا المعنى سجدة انتهى وقد روى البيهقي هذا الحديث من طريق محمد بن الحسين بن
أبي الحسين عن الفضل بن دكين وهو أبو نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ إذا أدرك أحدكم أول سجدة
من صلاة العصر وإنما لم يأت المصنف في الترجمة بجواب الشرط لما في لفظ المتن الذي أورده من
الاحتمال وهو قوله فليتم صلاته لأن الأمر بالإتمام أعم من أن يكون ما ينمه أداء أو قضاء فحذف
جواب الشرط لذلك ويحتمل أن تكون من فالترجمة موصولة وفي
الكلام حذف تقديره باب
حكم من أدرك الخ لكن سيأتي من حديث مالك بلفظ فقد أدرك الصلاة وهو يقتضى أن تكون
أداء وستأتى مباحثه هناك أن شاء الله تعالى (قوله إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين
صلاة العصر إلى غروب الشمس) ظاهره أن بقاء هذه الأمة وقع في زمان الأمم السالفة وليس ذلك
المراد قطعا وإنما معناه أن نسبة مدة هذه الأمة إلى مدة من تقدم من الأمم مثل ما بين صلاة
العصر وغروب الشمس إلى بقية النهار فكأنه قال إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما سلف الآخرة
وحاصله أن في بمعنى إلى وحذف المضاف وهو لفظ نسبة وقد أخرج المصنف هذا الحديث وكذا
حديث أبي موسى الآتي بعده في أبواب الإجارة ويقع استيفاء الكلام عليهما هناك إن شاء الله
تعالى والغرض هنا بيان مطابقتهما للترجمة والتوفيق بين ما ظاهره الاختلاف منهما (قوله أوتى
أهل التوراة التوراة) ظاهره أن هذا كالشرح والبيان لما تقدم من تقدير مدة الزمانين وقد
زاد المصنف من رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر في فضائل القرآن هنا وأن مثلكم ومثل اليهود
والنصارى الخ وهو يشعر بأنهما قضيتان (قوله قيراطا قيراطا) كرر قيراطا ليدل على
تقسيم القراريط على العمال لأن العرب إذا أرادت تقسيم الشئ على متعدد كررته كما يقال أقسم
هذا المال على بني فلان درهما درهما لكل واحد درهم (قوله في حديث بن عمر عجزوا) قال
الداودي هذا مشكل لأنه أن كان المراد من مات منهم مسلما فلا يوصف بالعجز لأنه عمل ما أمر به
وإن كان من مات بعد التغيير والتبديل فكيف يعطي القيراط من حبط عمله يكفره وأورده
ابن التين قائلا قال بعضهم ولم ينفصل عنه وأجيب بان المراد من مات منهم مسلما قبل التغيير
والتبديل وعبر بالعجز لكونهم لم يستوفوا عمل النهار كله وإن كانوا قد استوفوا عمل
ما قدر لهم فقوله عجزوا أي عن احراز الأجر الثاني دون الأول لكن من أدرك منهم النبي صلى الله
عليه وسلم وآمن به أعطى الأجر مرتين كما سبق مصرحا به كتاب الإيمان قال المهلب ما معناه
أورد البخاري حديث بن عمر وحديث أبي موسى في هذه الترجمة ليدل على أنه قد يستحق بعمل
البعض أجر الكل مثل الذي أعطى من العصر إلى الليل أجر النهار كله فهو وكما من يعطي أجر
الصلاة كلها ولو لم يدرك إلا ركعة وبهذا تظهر مطابقة الحديثين للترجمة (قلت) وتكملة ذلك أن
32

يقال إن فضل الله الذي أقام به عمل ربع النهار مقام عمل النهار كله هو الذي اقتضى أن يقوم
إدراك الركعة الواحدة من الصلاة الرباعية التي هي العصر مقام إدراك الأربع في الوقت فاشتركا
في كون كل منهما ربع العمل وحصل بهذا التقرير الجواب عمن استشكل وقوع الجميع أداء مع
أن الأكثر إنما وقع خارج الوقت فيقال في هذا ما أجيب به أهل الكتابين ذلك فضل الله يؤتيه من
يشاء وقد استبعد بعض الشراح كلام المهلب ثم قال هو منفك عن محل الاستدلال لأن الأمة
عملت آخر النهار فكان أفضل من عمل المتقدمين قبلها ولا خلاف أن تقديم الصلاة أفضل من
تأخيرها ثم هو من الخصوصيات التي لا يقاس عليها لأن صيام آخر النهار لا يجزئ عن جملته
فكذلك سائر العبادات (قلت) فاستبعد غير مستبعد وليس في كلام المهلب ما يقتضى أن إيقاع
العبادة في آخر وقتها أفضل من إيقاعها في أوله وأما إجزاء عمل البعض عن الكل فمن قبيل الفضل
فهو كالخصوصية سواء وقال ابن المنير يستنبط من هذا الحديث أن وقت العمل ممتد إلى غروب
الشمس وأقرب الأعمال المشهورة بهذا الوقت صلاة العصر قال فهو من معي الإشارة لا من
صريح العبارة فإن الحديث مثال وليس المراد العمل الخاص بهذا الوقت بل هو شامل لسائر
الأعمال من الطاعات في بقية الأمهال إلى قيام الساعة وقد قال إمام الحرمين إن الأحكام
لا تؤخذ من الأحاديث التي تأتي لضرب الأمثال (قلت) وما أبداه مناسب لإدخال هذا الحديث
في أبواب أوقات العصر لا لخصوص الترجمة وهي من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب بخلاف
ما أبداه المهلب وأكملناه وأما ما وقع من المخالفة بين سياق حديث بن عمر وحديث أبي موسى
فظاهرهما أنهما قضيتان وقد حاول بعضهم الجمع بينهما فتعسف وقال ابن رشيد ما حاصله
إن حديث بن عمر ذكر مثالا لأهل الأعذار لقوله فعجزوا فأشار إلى أن من عجز عن استيفاء العمل
من غير أن يكون له صنيع في ذلك أن الأجر يحصل له تاما فضلا من الله قال وذكر حديث أبي
موسى مثالا لمن أخر بغير عذر وإلى ذلك الإشارة بقوله عنهم لا حاجة لنا إلى أجرك فأشار بذلك إلى
أن من أخر عامدا لا يحصل له ما حصل لأهل الأعذار (قوله في حديث أبي موسى فقال أكملوا)
كذا للأكثر بهمزة قطع وبالكاف وكذا وقع في الإجارة ووقع هنا للكشميهني اعملوا بهمزة وصل
وبالعين (قوله في حديث بن عمر ونحن كنا أكثر عملا) تمسك به بعض الحنفية كأبي زيد في كتاب
الاسرار إلى أن وقت العصر من مصير ظل كل شئ مثليه لأنه لو كان من مصير ظل كل شئ مثله
لكان مساويا لوقت الظهر وقد قالوا كنا أكثر وأشار فدل على أنه دون وقت الظهر وأجيب بمنع
المساواة وذلك معروف عند أهل العلم بهذا الفن وهو أن المدة التي بين الظهر والعصر أطول من
المدة التي بين العصر والمغرب وأما ما نقله بعض الحنابلة من الإجماع على أن وقت العصر ربع
النهار فمحمول على التقريب إذا فرعنا على أن أول وقت العصر مصير الظل مثله كما قال الجمهور
وأما على قول الحنفية فالذي من الظهر إلى العصر أطول قطعا وعلى التنزيل لا يلزم من التمثيل
والتشبيه التسوية من كل جهة وبأن الخبر إذا أورد في معنى مقصود لا تؤخذ منه المعارضة لما
ورد في ذلك المعنى بعينه مقصودا في أمر آخر وبأنه ليس في الخبر نص على أن كلا من الطائفتين
أكثر وأشار لصدق أن كلهم مجتمعين أكثر وأشار من المسلمين وباحتمال أن يكون أطلق ذلك
تغليبا وباحتمال أن يكون ذلك قول اليهود خاصة فيندفع الاعتراض من أصله كما جزم به بعضهم
33

وتكون نسبة ذلك للجميع في الظاهر غير مرادة بل هو عموم أريد به الخصوص أطلق ذلك تغليبا
وبأنه لا يلزم من كونهم أكثر عملا أن يكون أكثر زمانا لاحتمال كون العمل في زمنهم كان
أشق ويؤيده قوله تعالى ربنا ولا تحمل علينا أصرا كما حملته على الذين من قبلنا ومما يؤيد كون
المراد كثرة العمل وقلته لا بالنسبة إلى المريض الزمان وقصره كون أهل الأخبار متفقين على
أن المدة التي بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم دون المدة التي بين نبينا صلى الله عليه وسلم
وقيام الساعة لأن جمهور أهل المعرفة بالأخبار قالوا أن مدة الفترة بين عيسى ونبينا صلى الله
عليهما وسلم ستمائة سنة وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سلمان وقيل إنها دون ذلك حتى جاء عن
بعضهم أنها مائة وخمس قرة سنة وهذه مدة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك فلو
تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانين وقصرهما للزم أن يكون وقت
العصر أطول من وقت
الظهر ولا قائل به فدل على أن المراد كثرة العمل وقلته والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله
باب وقت المغرب وقال عطاء يجمع المريض بين المغرب والعشاء) أشار بهذا الأثر
في هذه الترجمة إلى أن وقت المغرب يمتد إلى العشاء وذلك أنه لو كان مضيقا لا نفصل عن وقت
العشاء ولو كان منفصلا لم يجمع بينهما كما في الصبح والظهر ولهذه النكتة ختم الباب بحديث ابن
عباس الدال على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في وقت أحدهما وبين المغرب
والعشاء في وقت إحداهما وأما الأحاديث التي أوردها في الباب فليس فيها ما يدل على أن الوقت
مضيق لأنه ليس فيها إلا مجرد المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها وكانت تلك عادته صلى الله عليه
وسلم في جميع الصلوات إلا فيما ثبت فيه خلاف ذلك كالابراد وكتأخير العشاء إذا أبطأوا
كما في حديث جابر والله أعلم وأما أثر عطاء فوصله عبد الرزاق في مصنفه عن بن جريج عنه
واختلف العلماء في المريض هل يجوز له أن يجمع بين الصلاتين كالمسافر لما فيه من الرفق به أو لا
فجوزه أحمد وإسحاق مطلقا واختاره بعض الشافعية وجوزه مالك بشرطه والمشهور عن الشافعي
وأصحابه المنع ولم أر في المسئلة نقلا عن أحد من الصحابة (قوله الوليد) هو ابن مسلم (قوله
هو عطاء بن صهيب) هو مولى رافع بن خديج شيخه قال بن حبان صحبه ست سنين (قوله وأنه
ليبصر مواقع نبله) بفتح النون وسكون الموحدة أي المواضع التي تصل إليها سهامه إذا رمى بها
وروى أحمد في مسنده من طريق علي بن بلال عن ناس من الأنصار قالوا كنا نصلي مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم المغرب ثم نرجع فنترامى حتى نأتي ديارنا فما يخفى علينا مواقع سهامنا إسناده
حسن والنبل هي السهام العربية وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها قاله بن سيده وقيل
وأحدها نبلة مثل تمر وتمرة ومقتضاه المبادرة بالمغرب في أول وقتها بحيث أن الفراغ منها يقع
والضوء باق (قوله محمد بن جعفر) هو غندر (قوله عن محمد بن عمرو) في مسلم من طريق معاذ
عن شعبة عن سعد سمع محمد بن عمرو بن الحسن (قوله قدم الحجاج) بفتح الحاء المهملة وتشديد
الجيم وآخره جيم هو ابن يوسف الثقفي وزعم الكرماني أن الرواية بضم أوله قال وهو جمع حاج
انتهى وهو تحريف بلا خلاف فقد وقع في رواية أبى عوانه في صحيحه من طرق أبي النضر عن
شعبة سألنا جابر بن عبد الله في زمن الحجاج وكان يؤخر الصلاة عن وقت الصلاة وفي رواية
مسلم من طريق معاذ عن شعبة كان الحجاج يؤخر الصلاة * (فائدة) * كان قدوم الحجاج المدينة
34

أميرا عليها من قبل عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين وذلك عقب قتل ابن الزبير فأمره
عبد الملك على الحرمين وما معهما ثم نقله بعد هذا إلى العراق (قوله بالهاجرة) ظاهره يعارض
حديث الإبراد لأن قوله كان يفعل يشعر بالكثرة والدوام عرفا قاله ابن دقيق العيد ويجمع بين
الحديثين بأن يكون أطلق الهاجرة على الوقت بعد الزوال مطلقا لأن الإبراد كما تقدم مقيد بحال
شدة الحر وغير ذلك كما تقدم فإن وجدت شروط الإبراد أبرد وإلا عجل فالمعنى كان يصلى الظهر
بالهاجرة إلا أن أحتاج إلى الإبراد وتعقب بأنه لو كان مراده لفصل كما فصفي العشاء والله
أعلم (قوله نقية) بالنون أوله أي خالصة صافية لم تدخلها صفرة ولا تغير (قوله إذا وجبت) أي
غابت وأصل الوجوب السقوط والمراد سقوط قرص الشمس وفاعل وجبت مستتر وهو الشمس
وفي رواية أبي داود عن مسلم بن إبراهيم والمغرب إذا غربت الشمس ولأبي عوانة من طريق
أبي النضر عن شعبة والمغرب حين تجب الشمس وفيه دليل على أن سقوط قرص الشمس
يدخل به وقت المغرب ولا يخفى أن محله ما إذا كان لا يحول بين رؤيتها غاربة وبين الرائي حائل
والله أعلم (قوله والعشاء أحيانا وأحيانا) ولمسلم أحيانا يؤخرها وأحيانا يعجل كان إذا رآهم
قد اجتمعوا الخ وللمصنف في باب وقت العشاء عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة إذا كثر الناس عجل
وإذا قلوا أخر ونحوه لأبي عوانة في رواية والأحيان جمع حين وهو اسم مبهم يقع على القليل والكثير
من الزمان على المشهور وقيل الحين ستة أشهر وقيل أربعون سنة وحديث الباب يقوي المشهور
وسيأتي الكلام على حكم وقت العشاء في بابه وقال ابن دقيق العيد إذا تعارض في شخص أمران
أحدهما أن يقدم الصلاة في أول الوقت منفردا أو يؤخرها في الجماعة أيهما أفضل الأقرب
عندي أن التأخير لصلاة الجماعة أفضل وحديث الباب يدل عليه لقوله وإذا رآهم أبطأوا أخر
فيؤخر لأجل الجماعة مع إمكان التقديم (قلت) ورواية مسلم بن إبراهيم التي تقدمت أخذت على
أخص من ذلك وهو أن انتظار من تكثر بهم الجماعة أولى من التقديم ولا يخفى أن محل ذلك
ما إذا لم يفحش التأخير ولم يشق على الحاضرين والله أعلم (قوله كانوا أو كان) قال الكرماني
الشك من الراوي عن جابر ومعناهما متلازمان لأن أيهما كان يدخل فيه الآخر إن أراد النبي
صلى الله عليه وسلم فالصحابة في ذلك كانوا معه وإن أراد الصحابة فالنبي صلى الله عليه وسلم
كان إمامهم أي كان شأنه التعجيل لها دائما لا كما كان يصنع في العشاء من تعجيلها أو تأخيرها
وخبر كانوا محذوف يدل عليه قول يصليها أي كانوا يصلون والغلس بفتح اللام ظلمة آخر الليل
وقال ابن بطاما حاصله فيه حذفان حذف خبر كانوا وهو جائز كحذف خبر المبتدأ في قوله
واللائي لم يحضن أي فعدتهن مثل ذلك والحذف الثاني حذف الجملة التي بعد أو تقديره أو لم
يكونوا مجتمعين قال ابن التين ويصح أن يكون كانوا هنا تامة غير ناقصة بمعنى الحضور والوقوع
فيكون المحذوف ما بعد أو خاصة وقال بن المنير يحتمل أن يكون شكا من الراوي هل قال
كان النبي صلى الله عليه وسلم أو كانوا ويحتمل أن يكون تقدير والصبح كانوا مجتمعين مع النبي
أو كان النبي صلى الله عليه وسلم وحده يصليها بالغلس (قلت) والتقدير المتقدم أولى والحق وأنه شك
من الراوي فقد وقع في راوية مسلم والصبح كانوا أو قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وفيه حذف
واحد تقديره والصبح كانوا يصلونها أو كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس فقوله بغلس
35

يتعلق بأي اللفظين كان هو الواقع ولا يلزم من قوله كانوا يصلونها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم
يكن معهم ولا من قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان وحده بل المراد بقوله كانوا يصلونها أي
النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها أي بأصحابه والله
أعلم (قوله عن سلمة) هو ابن الأكوع وهذا من ثلاثيات البخاري (قوله إذا توارت بالحجاب)
أي استترت والمراد الشمس قال الخطابي لم يذكرها اعتمادا على أفهام السامعين وهو كقوله
في القرآن حتى توارت بالحجاب انتهى وقد رواه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي
عبيد بلفظ إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب فدل على أن الاختصار في المتن من شيخ البخاري
وقد صرح بذلك الإسماعيلي ورواه عبد بن حميد عن صفوان بن عيسى وأبو عوانة والإسماعيلي
من طريق صفوان أيضا عن يزيد بن أبي عبيد بلفظ كان يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس حين
يغيب حاجبها والمراد حاجبها الذي يبقى بعد أن تغيب أكثرها والرواية التي فيها توارت أصرح
في المراد وقد تقدم الكلام على حديث بن عباس في الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر والله
أعلم واستدل بهذه الأحاديث على ضعف حديث أبي بصرة بالموحدة ثم المهملة رفعه في أثناء
حديث ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد والشاهد النجم (قوله باب من كره
أن يقال للمغرب العشاء) قال الزين بن المنير عدل المصنف عن الجزم كأن يقول باب
كراهية كذا لأن لفظ الخبر لا يقتضى نهيا مطلقا لكن فيه النهى عن غلبة الأعراب على ذلك
فكأن المصنف رأى أن هذا القدر لا يقتضى المنع من إطلاق العشاء عليه أحيانا بل يجوز
أن يطلق على وجه لا يترك له التسمية الأخرى كما ترك ذلك الأعراب وقوفا مع عادتهم قال وإنما
شرع لها التسمية بالمغرب لأنه اسم يشعر بمسماها أو بابتداء وقتها وكره إطلاق اسم العشاء عليها
لئلا يقع الالتباس بالصلاة الأخرى وعى هذا لا يكره أيضا أن تمسى العشاء بقيد كأن يقول
العشاء الأولى ويؤيده قولهم العشاء الآخرة كما ثبت في الصحيح وسيأتي من حديث أنس في
الباب الذي يليه ونقل بن بطال عن غير أنه لا يقال للمغرب العشاء الأولى ويحتاج إلى دليل
خاص أما من حديث الباب فحجة له (قوله عبد الوارث) هو بن سعيد التنوري وقوله
عن الحسين هو المعلم (قوله حدثني عبد الله المزني) كذا للأكثر لم يذكر اسم أبيه زاد في رواية
كريمة هو ابن مغفل بالغين المعجمة والفاء المشددة وكذلك وقع منسوبا بذكر أبيه في رواية
عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عند الإسماعيلي وغيره والإسناد كله بصريون (قوله لا تغلبكم)
قال الطيبي يقال غلبه على كذا غصبه منه أو أخذه منه قهرا والمعنى لا تتعرضوا لما هو من عادتهم
من تسمية المغرب بالعشاء والعشاء بالعتمة فيغضب منكم الأعراب اسم العشاء التي سماها الله
بها قال فالنهي على الظاهر للأعراب وعلم الحقيقة لهم وقال غيره معنى الغلبة أنكم تسمونها
اسما وهم يسمونها اسما فإن سميتموها بالاسم الذي يسمونها به وافقتموهم وإذا وافق الخصم
خصمه صار كأنه أنقطع له حتى غلبة ولا يحتاج إلى تقدير غصب ولا أخذ وقال التوربشتي المعنى
لا تطلقوا هذا الاسم على ما هو متداول بينهم فيغلب مصطلحهم على الاسم الذي شرعته لكم
وقال القرطبي الأعراب من كان من أهل البادية وأن لم يكن عربيا والعربي من ينتسب إلى
العرب ولو لم يسكن البادية (قولة على أسم صلاتكم) التعبير بالاسم يبعد قول الأزهري أن المراد
36

بالنهي عن ذلك أن لا تؤخر صلاتها عن وقت الغروب وكذا قول ابن المنير السر في النهى سد
الذريعة لئلا تسمى عشاء فيظن امتداد وقتها عن غروب الشمس أخذا من لفظ العشاء أه
وكأنه أراد تقوية مذهبة في أن وقت المغرب مضيق وفية نظر إذ لا يلزم من تسميتها المغرب أن
يكون وقتها مضيقا فإن الظهر سميت بذلك لأن ابتداء وقتها عند الظهيرة وليس وقتها مضيقا بلا
خلاف (قوله قال وتقول الأعراب هي العشاء) سر النهى عن موافقتهم على ذلك أن لفظ العشاء
لغة هو أول ظلام الليل وذلك من غيبوبة الشفق فلو قيل للمغرب عشاء لأدى إلى أن أول وقتها
غيبوبة الشفق وقد جزم الكرماني بأن فاعل قال هو عبد الله المزني راوي الحديث ويحتاج
إلى نقل خاص لذلك وإلا فظاهر إيراد الإسماعيلي أنه من تتمة الحديث فإنه أورده بلفظ فإن
الأعراب تسميها والأصل في مثل هذا أن يكون كلاما واحدا حتى يقوم دليل على ادراجه
* (فائده) * لا يتناول النهى تسمية المغرب عشاء على سبيل التغليب كمن قال مثلا صليت
العشاءين إذا قلنا أن حكمة النهى عن تسميتها عشاء خوف اللبس لزوال اللبس في الصيغة
المذكورة والله أعلم * (تنبيه) * أورد الإسماعيلي حديث الباب من طريق عبد الصمد بن
عبد الوارث عن أبية وأختلف عليه في لفظ المنن فقال هارون الحمال عنه كرواية البخاري
(قلت) وكذلك رواه أحمد بن حنبل في مسنده وأبو خيثمة زهير بن حرب عند أبي نعيم في
مستخرجه وغير واحد عن عبد الصمد وكذلك رواه بن خزيمة في صحيحه عن عبد الوارث بن
عبد الصمد عن أبيه أه وقال أبو مسعود الرازي عن عبد الصمد لا تغلبنكم الأعراب
على اسم صلاتكم فإن الأعراب تسميها عتمة (قلت) وكذلك رواه علي بن عبد العزيز البغوي
عن أبي معمر شيخ البخاري فيه أخرجه الطبراني عنه وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه عن
الطبراني كذلك وجنح الإسماعيلي إلى ترجيح رواية أبي مسعود لموافقته حديث بن عمر يعني
الذي رواه مسلم كما سنذكره في صدر الباب الذي يليه والذي يتبين لي أنهما حديثان أحدهما
في المغرب والآخر في العشاء كانا جميعا عند عبد الوارث بسند واحد والله تعالى أعلم (قوله
باب ذكر العشاء والعتمة ومن رآه واسعا) غاير المصنف بين هذه الترجمة والتي قبلها
مع أن سياق الحديثين الواردين فيهما واحد وهو النهى عن غلبة الأعراب على التسميتين
وذلك لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق اسم العشاء على المغرب وثبت عنه
إطلاق اسم العتمة على العشاء فتصرف المصنف في الترجمتين بحسب ذلك والحديث الذي ورد
في العشاء اخراجه مسلم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عمر بلفظ لا تغلبنكم الأعراب
على اسم صلاتكم فإنها في كتاب الله العشاء وإنهم يعتمون بحلاب الإبل ولابن ماجة نحوه من
حديث أبي هريرة وأسناده حسن ولأبي يعلى والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف كذلك
زاد الشافعي في روايته في حديث بن عمر وكان بن عمر إذا سمعهم يقولون العتمة صاح وغضب
وأخرج عبد الرزاق هذا الموقوف من وجه آخر عن بن عمر واختلف السلف في ذلك فمنهم من
كرهه كابن عمر راوي الحديث ومنهم من أطلق جوازه نقله بن أبي شيبة عن أبي بكر الصديق
وغيره ومنهم من جعله خلاف الأولى وهو الراجح وسيأتي للمصنف وكذلك نقله ابن المنذر عن
مالك والشافعي واختاره ونقل القرطبي عن غيره إنما نهى عن ذلك تنزيها لهذه العبادة الشرعية
37

الدينية عن أن يطلق عليها ما هو اسم لفعلة دنيوية وهي الحلبة التي كانوا يحلبونها في ذلك الوقت
ويسمونها العتمة (قلت) وذكر بعضهم أتلك الحلبة إنما كانوا يعتمدونها في زمان الجدب خوفا
من السؤال والصعاليك فعلى هذا فهي فعلة دنيوية مكروهة لا تطلق على فعلة دينية محبوبة
ومعنى العتم في الأصل تأخير مخصوص وقال الطبري العتمة بقية اللبن تغبق بها الناقة بعد هوى
من الليل فسميت الصلاة بذلك لأنهم كانوا يصلونها في تلك الساعة وروى ابن أبي شيبة من طريق
ميمون بن مهران قال قلت لابن عمر من أول من سمي صلاة العشاء العتمة قال الشيطان (قوله
وقال أبو هريرة) شرع المصنف في إيراد أطراف أحاديث محذوفة الأسانيد كلها صحيحة مخرجة
في أمكنة أخرى حاصلها ثبوت تسمية هذه الصلاة تارة عتمة وتارة عشاء وأما الأحاديث التي
لا تسمية فيها بل فيها أطلاق الفعل كقوله أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ففائدة ايراده لها الإشارة
إلى أن النهى عن ذلك إنما هو لإطلاق الاسم لا لمنع تأخير هذه الصلاة عن أول الوقت وحديث
أبي هريرة المذكور وصله المصنف باللفظ الأول في باب فضل العشاء جماعة وباللفظ الثاني وهو
العتمة في باب الاستهام في الأذان (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف (قوله والاختيار) قال
الزين بن المنير هذا لا يتناوله لفظ الترجمة فإن لفظ الترجمة يفهم التسوية وهذا ظاهر في الترجيح
(قلت) لا تنافى بين الجواز مضمحلا فالشيئان إذا كانا جائزا الفعل قد يكون إحداهما أولى من
الآخر وإنما صار عنده أولى لموافقته لفظ القرآن ويترجح أيضا بأنه أكثر ما ورد عن النبي صلى
الله عليه وسلم وبأن تسميتها عشاء يشعر بأول وقتها بخلاف تسميتها عتمة لأنه يشعر بخلاف ذلك
وبأن يسير في الترجمة لا ينافي ما ذكر أنه الاختيار وهو واضح لمن نظره لأنه قال من كره فأشار
إلى الخلاف ومن نقل الخلاف لا يمتنع عليه أن يختار (قوله ويذكر عن أبي موسى) سيأتي
موصولا عند المصنف مطولا بعد باب واحد وكأنه لم يجزم به لأنه اختصر لفظه نبه على ذلك شيخنا
الحافظ أبو الفضل وأجاب به من اعترض علي بن الصلاح حيث فرق بين الصيغتين وحاصل
الجواب أن صيغة الجزم أخذت على القوة وصيغة التمريض لا أخذت ثم بين مناسبة العدول في حديث
أبي موسى عن الجزم مع صحته إلى التمريض بأن البخاري قد يفعل ذلك لمعنى غير التضعيف وهو
ما ذكره من إيراد الحديث بالمعنى وكذا الاقتصار على بعضه لوجود الاختلاف في جوازه وأن
كان المصنف يرى الجواز (قوله وقال بن عباس وعائشة) أما حديث ابن عباس فوصله المصنف
في باب النوم قبل العشاء كما سيأتي قريبا وأما حديث عائشة بلفظ أعتم بالعشاء فوصله في باب فضل
العشاء من طريق عقيل وفي الباب الذي بعده من طريق صالح بن جلس كلاهما عن الزهري عن
عروة عنها وأما حديثها بلفظ أعتم بالعتمة فوصله المصنف أيضا في باب خروج النساء إلى المساجد
بالليل بعد باب وضوء الصبيان من كتاب الصلاة أيضا من طريق شعيب عن الزهري بالسند المذكور
وأخرجه الإسماعيلي من طريق عقيل أيضا ويونس وابن أبي ذئب وغيرهم عن الزهري بلفظ
أعتم النبي صلى الله علية وسلم ليلة بالعشاء وهي التي يدعو الناس العتمة وهذا يشعر بان السياق
المذكور من يطلق الراوي * (تنبيه) * معنى أعتم دخل في وقت العتمة ويطلق أعتم بمعنى أخر
لكن الأول هنا أظهر (قوله وقال جابر كان النبي صلى الله علية وسلم يصلي العشاء) هو طرف من
حديث وصله المؤلف في باب وقت المغرب وفي باب وقت العشاء (قوله وقال أبو برزة كالنبي
38

صلى الله علية وسلم يؤخر العشاء) هو طرف من حديث وصله المؤلف في باب وقت العصر (قوله
وقال أنس أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء) هو طرف من حديث وصله المؤلف في باب
وقت العشاء إلى نصف الليل (قوله وقال بن عمر وأبو أيوب وابن عباس صلى النبي صلى الله عليه
وسلم المغرب والعشاء) أما حديث بن عمر فأسنده المؤلف في الحج بلفظ صلى النبي صلى الله
عليه وسلم المغرب والعشاء وأما حديث ابن عباس فوصله في باب تأخير الظهر
إلى العصر كما تقدم (قوله قال سالم أخبرني عبد الله) هو سالم بن عبد الله بن عمر و شيخه عبد الله هو
أبوه (قوله صلى لنا) أي لأجلنا أو اللام بمعنى الباء (قوله وهي التي يدعونها الناس العتمة)
تقدم ونظير ذلك في حديث أبي برزة في قوله وكان يستحب أن يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة
وتقدم أيضا من حديث عائشة عند الإسماعيلي وفي كل ذلك إشعار بغلبة استعمالهم لها بهذا
الاسم فصار من عرف النهى عن ذلك يحتاج إلى ذكره لقصد التعريف قال النووي وغيره يجمع
بين النهى عن تسميتها عتمة وبين ما جاء من تسميتها عتمة بأمرين أحدهما أنه استعمل ذلك لبيان
الجواز وأن النهى للتنزيه لا للتحريم والثاني بأنه خاطب بالعتمة من لا يعرف العشاء لكونه أشهر
عندهم من العشاء فهو لقصد التعريف لا لقصد التسمية ويحتمل أنه استعمل لفظ العتمة في
العشاء لأنه كان مشتهرا عندهم استعمال لفظ العشاء للمغرب فلو قال لو يعلمون ما في الصبح
والعشاء لتوهموا أنها المغرب (قلت) وهذا ضعيف لأنه قد ثبت في نفس هذا الحديث لو يعلمون
ما في الصبح والعشاء فالظاهر أن التعبير بالعشاء تارة وبالعتمة تارة من يطلق الرواة وقيل إن
النهى عن تسمية العشاء عتمة نسخ الجواز وتعقب بأن نزول الآية كان قبل الحديث المذكور
وفي كل من القولين نظر للاحتياج في مثل ذلك إلى التاريخ ولا بعد في أن ذلك كان جائزا فلما كثر
إطلاقهم له نهوا عنه لئلا تغلب السنة الجاهلية على السنة الإسلامية ومع ذلك فلا يحرم ذلك
بدليل أن الصحابة الذين رووا النهى استعملوا التسمية المذكورة وأما استعمالها في مثل حديث
أبي هريرة فلرفع الالتباس بالمغرب والله أعلم (قوله وهي التي يدعو الناس العتمة) فيه إشعار
بغلبة هذه التسمية عند الناس ممن لم يبلغهم النهى وقد تقدم الكلام على متن الحديث في باب
السمر في العلم (قوله باب وقت العشاء إذا اجتمع الناس أو تأخروا) أشار بهذه
الترجمة إلى الرد على من قال أنها تسمى العشاء إذا عجلت والعتمة إذا أخرت أخذا من اللفظين
وأراد هذا القائل الجمع بوجه غير الأوجه المتقدمة فاحتج عليه المصنف بأنها قد سميت في حديث
الباب في حال التقديم والتأخير باسم واحد وقد تقدم الكلام على حديث جابر في باب وقت
المغرب (قوله باب فضل العشاء) لم أر من تكلم على هذه الترجمة فإنه ليس في
الحدثين اللذين ذكرهما المؤلف في هذا الباب ما يقتضى اختصاص العشاء بفضيلة ظاهرة
وكأنه مأخوذ من قوله ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم فعلى هذا في الترجمة حذف تقديره
باب فضل انتظار العشاء والله أعلم (قوله عن عروة) عند مسلم في رواية يونس عن ابن شهاب
أخبرني عروة (قوله وذلك قبل أن يفشوا الإسلام) أي في غير المدينة وإنما فشا الإسلام في
غيرها بعد فتح مكة (قوله حتى قال عمر) زاد المصنف من رواية صالح عن بن شهاب في باب النوم
39

قبل العشاء حتى ناداه عمر الصلاة وهي بالنصب بفعل مضمر تقديره مثلا صلى الصلاة وساغ هذا
الحذف لدلالة السياق عليه (قوله نام النساء والصبيان) أي الحاضرون في المسجد وإنما خصهم
بذلك لأنهم مظنة قلة الصبر عن النوم ومحل الشفقة والرحمة بخلاف الرجال وسيأتي قريبا في
حديث ابن عمر في هذه القصة حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا ونحوه في حديث ابن عباس وهو
محمول على أن الذي رقد بعضهم لاكلهم ونسب الرقاد إلى الجميع مجازا وسيأتي الكلام على بقية
هذا الحديث في باب النوم قبل العشاء لمن غلب (قوله عن بريد) هو بالموحدة والراء بلفظ
التصغير وشيخه أبو بردة هو جده (قوله في بقيع بطحان) بفتح الموحدة من بقيع وضمها من
بطحان (قوله وله بعض الشغل في بعض أمره فاعتم بالصلاة) فيه دلالة على أن تأخير النبي صلى
الله عليه وسلم إلى هذه الغاية لم يكن قصدا ومثله قوله في حديث بن عمر الآتي قريبا شغل عنها ليلة
وكذا قوله في حديث عائشة أعتم بالصلاة ليلة يدل على أن ذلك لم يكن من شأنه والفيصل في هذا
حديث جابر كانوا إذا اجتمعوا عجل وإذا أبطأوا أخر * (فائدة) * الشغل المذكور كان في تجهيز
جيش رواه الطبري من وجه صحيح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر (قوله حتى أبهار الليل)
بالموحدة وتشديد الراء أي طلعت نجومه واشتبكت والباهر الممتلئ نورا قاله أبو سعيد الضرير
وعن سيبويه أبهار الليل كثرت ظلمته وأبهار القمر كثر ضوئه وقال الأصمعي أبهار انتصف مأخوذ
من بهرة الشئ وهو وسطه ويؤيده أن في بعض الروايات حتى إذا كان قريبا من نصف الليل وهو
في حديث أبي سعيد كما سيأتي وسيأتي في حديث أنس عند المصنف إلى نصف الليل وفي الصحاح
أبهار الليل ذهب معظمة وأكثره وعند مسلم من رواية أم كلثوم عن عائشة حتى ذهب عامة
الليل (قوله على رسلكم) بكسر الراء ويجوز فتحها المعنى تأنوا (قوله إن من نعمة الله)
بكسر همز إن ووهم من ضبطه بالفتح وأما قوله أنه ليس أحد فهو بفتح أنه للتعليل واستدل بذلك
على فضل تأخير صلاة العشاء ولا يعارض ذلك فضيلة أول الوقت لما في الانتظار من الفضل لكن
قال بن بطال ولا يصلح ذلك الآن للأئمة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتخفيف وقال إن فيهم
الضعيف وذا الحاجة فترك التطويل عليهم في الانتظار أولى (قلت) وقد روى أحمد وأبو داود
والنسائي وابن خزيمة وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري صلينا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم صلاة العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل فقال إن الناس قد صلوا وأخذوا
مضاجعهم وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم
وحاجة ذي الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل وسيأتى في حديث بن عباس قريبا لولا
أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا وللترمذي وصححه من حديث أبي هريرة لولا أن
أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه فعلى هذا من وجد به قوه
على تأخيرها ولم يغلبه النوم ولم يشق على أحد من المأمومين فالتأخير في حقه أفضل وقد قرر
النووي ذلك في شرح مسلم وهو اختيار كثير من أهل الحديث من الشافعية وغيرهم والله أعلم
ونقل ابن المنذر عن الليث وإسحق أن المستحب تأخير العشاء إلى قبل الثلث وقال الطحاوي
يستحب إلى الثلث وبه قال مالك وأحمد وأكثر الصحابة والتابعين وهو قول الشافعي في الجديد
وقال في القديم التعجيل أفضل وكذا قال في الإملاء وصححه النووي وجماعة وقالوا إنه مما يفتي
40

به على القديم وتعقب بأنه ذكره في الإملاء وهو من كتبه الجديدة والمختار من حيث الدليل
أفضلية التأخير ومن حيث النظر التفصيل والله أعلم (قوله فرحى) جمع فرحان على غير قياس
مثله وترى الناس سكري في قراءة أو تأنيث أفراح وهو نحو الرجال فعلت وفي رواية الكشميهني
فرجعنا وفرحنا ولبعضهم فرجعنا فرحا بفتح الراء على المصدر ووقع عند مسلم كالرواية الأولى
وسبب فرحهم علمهم باختصاصهم بهذه العبادة التي هي نعمة عظمي مستلزمة للمثوبة الحسنى مع
ما انضاف إلى ذلك من تجميعهم فيها خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله باب
ما يكره من النوم قبل العشاء) قال الترمذي كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء
ورخص بعضهم فيه في رمضان خاصة انتهى ومن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر
الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرفه من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم
وهذا جيد حيث قلنا إن علة النهى خشية خروج الوقت وحمل الطحاوي الرخصة على
ما قبل دخول وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله (قوله حدثنا محمد بن سلام)
كذا في رواية أبي ذر ووافقه ابن السكن وفي أكثر الروايات حدثنا محمد غير منسوب وقد تعين
من رواية أبي ذر وابن السكن وحديث أبي برزة المذكور طرف من حديثه الآتي في
السمر بعد العشاء (قوله والحديث بعدها) أي المحادثة وسيأتي بعد أبواب أن هذه الكراهة
مخصوصة بما إذا لم يكن في أمر مطلوب وقيل الحكمة فيه لئلا يكون سببا في ترك قيام الليل
أو للاستغراق في الحديث ثم يستغرق في النوم فيخرج وقت الصبح وسيأتي الجمع بين هذا الحديث
وبين حديثه صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العشاء في الباب المذكور (قوله باب النوم
قبل العشاء لمن غلب) في الترجمة إشارة إلى أن الكراهة مختصه بمن تعاطى ذلك مختارا وقيل ذلك
مستفاد من ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من رقد من الذين كانوا ينتظرون خروجه لصلاة
العشاء ولو قيل بالفرق بين من غلبه النوم في مثل هذه الحالة وبين من غلبه وهو في منزله مثلا
لكان متجها (قوله حدثني أبو بكر) هو عبد الحميد بن أبي أويس واسمه عبد الله أخو إسماعيل شيخ
البخاري ويعرف بالأعشى (قوله ولا تصلى) بالمثناة الفوقانية وفتح اللام المشددة أي صلاة
العشاء والمراد أنها لا تصلى بالهيئة المخصوصة وهي الجماعة إلا بالمدينة وبه صرح الداودي لأن
من كان بمكة من المستضعفين لم يكونوا يصلون إلا سرا وأما غير مكة والمدينة من البلاد فلم يكن
الإسلام دخلها (قوله وكانوا) أي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفي هذا بيان الوقت المختار
لصلاة العشاء لما يشعر به السياق من المواظبة على ذلك وقد ورد بصيغة الأمر في هذا الحديث
عند النسائي من رواية إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري ولفظه ثم قال صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل وليس بين هذا وبين قوله في حديث أنس أنه أخر الصلاة إلى نصف الليل
معارضة لأن حديث عائشة محمول على الأغلب من عادته صلى الله عليه وسلم * (فائدة) * زاد
مسلم من رواية يونس عن ابن شهاب في هذا الحديث قال ابن شهاب وذكر لي أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال وما كان لكم أن تنزروا رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء وذلك
حين صاح عمر وقوله تنزروا بفتح المثناة الفوقانية وسكون النون وضم الزاي بعدها راء
أي تلحوا عليه وروى بضم أوله بعدها موحدة ثم راء مكسورة ثم زاي أي تخرجوا (قوله حدثنا
41

محمود) هو بن غيلان (قوله شغل عنها ليلة فأخرها) هذا التأخير مغاير للتأخير المذكور
في حديث جابر وغيره المقيد بتأخير اجتماع المصلين وسياقه يشعر بأن ذلك لم يكن من عادته (قوله
حتى رقدنا في المسجد) استدل به من ذهب إلى أن النوم لا ينقض الوضوء ولا دلالة فيه لاحتمال
أن يكون الراقد منهم كان قاعدا متمكنا أو لاحتمال أن يكون مضطجعا لكنه توضأ وإن لم ينقل
اكتفاء بما عرف من أنهم لا يصلون على غير وضوء (قوله وكان) أي بن عمر (يرقد قبلها) أي قبل
صلاة العشاء وهو محمول على ما إذا لم يخش أن يغلبه النوم عن وقتها كما صرح به قبل ذلك حيث
قال وكان لا يبالي أقدمها أم أخرها وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن بن عمر كان
ربما رقد عن العشاء الآخرة ويأمر أن يوقظوه والمصنف حمل ذلك في الترجمة على ما إذا غلبه
النوم وهو اللائق بحال ابن عمر (قوله قال ابن جريج) هو بالإسناد الذي قبله وهو محمود عن
عبد الرزاق عن ابن جريج ووهم من زعم أنه معلق وقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بالاسنادين
وأخرجه من طريقة الطبراني وعنه أبو نعيم في مستخرجه (قوله فقام عمر فقال الصلاة) زاد
في التمني رقد النساء والصبيان وهو مطابق لحديث عائشة الماضي (قوله واضعا يده على رأسه)
كذا للأكثر وللكشميهني على رأسي وهو وهم لما ذكر بعده من هيئة عصره صلى الله عليه وسلم
شعره من الماء وكأنه كان اغتسل قبل أن يخرج (قوله فاستثبت) هو مقول بن جريج وعطاء
هو ابن أبي رباح ووهم من زعم أنه بن يسار (قوله فبدد) أي فرق وقرن الرأس جانبه (قوله ثم
ضمها) كذا له بالضاد المعجمة والميم ولمسلم وصبها بالمهملة والموحدة وصوبه عياض قال لأنه
يصف عصر الماء من الشعر باليد * (قلت) * ورواية البخاري موجهة لأن ضم اليد صفة العاصر
(قوله حتى مست إبهامه) كذا بالإفراد للكشميهني ولغيره إبهاميه وهو منصوب بالمفعولية
وفاعله طرف الأذن وعلى هذا فهو مرفوع وعلى الرواية الأولى طرف منصوب وفاعله إبهامه
وهو مرفوع ويؤيد رواية الأكثر رواية حجاج عن ابن جريج عند النسائي وأبي نعيم حتى
مست إبهاماه طرف الأذن (قوله لا يقصر ولا يبطش) أي لا يبطئ ولا يستعجل ويقصر بالقاف
للأكثر ووقع عند الكشميهني لا يعصر بالعين والأولى أصوب (قوله لأمرتهم أن يصلوها) كذا
بين ذلك في كتاب التمني عند المصنف من رواية سفيان بن عيينة عن ابن جريج وغيره في هذه
الحديث وقال أنه للوقت لولا أن أشق على أمتي * (فائدة) * وقع في الطبراني من طريق طاوس عن
ابن عباس في هذا الحديث بمعناه قال وذهب الناس إلا عثمان بن مظعون في ستة عشر رجلا
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما صلى هذه الصلاة أمة قبلكم (قوله باب
وقت العشاء إلى نصف الليل) في هذه الترجمة حديث صريح أخرجه مسلم من حديث عبد الله
ابن عمرو بن العاص في بيان أول الأوقات وآخرها وفيه فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف
الليل قال النووي معناه وقت لأدائها اختيارا وأما وقت الجواز فيمتد إلى طلوع الفجر لحديث أبي
قتادة عند مسلم إنما التفريط
على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى وقال
الإصطخري إذا ذهب نصف الليل صارت قضاء قال ودليل الجمهور حديث أبي قتادة المذكور
قلت وعموم حديث أبي قتادة مخصوص بالإجماع في الصبح وعلى قول الشافعي الجديد في المغرب
فللأصطخري أن يقول إنه مخصوص بالحديث المذكور وغيره من الأحاديث في العشاء والله أعلم
42

(قوله وقال أبو برزة) هو طرف من حديثه المتقدم في باب وقت العصر وليس فيه تصريح بقيد
نصف الليل لكن أحاديث التأخير والتوقيت لما جاءت مرة مقيدة بالثلث وأخرى بالنصف كان
النصف غاية التأخير ولم أر في امتداد وقت العشاء إلى طلوع الفجر حديثا صريحا يثبت (قوله
حدثنا عبد الرحيم المحاربي) كذا لأبي ذر ووقع لأبي الوقت وغيره عبد الرحيم بغير صيغة أداء وهو
عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد المحاربي الكوفي يكنى أبا زياد وهو من قدماء شيوخ البخاري
وليس له في الصحيح عنه غير هذا الحديث الواحد (قوله صلاة العشاء) زاد مسلم ليلة وفيه إشعار
بأنه لم يكن يواظب على ذلك (قوله قد صلى الناس) أي المعهودون ممن صلى من المسلمين إذا ذاك
(قوله وزاد بن أبي مريم) يعني سعيد بن الحكم المصري ومراده بهذا التعليق بيان سماع
حميد للحديث من أنس (قوله كأني انظر الخ) الجملة في موضع المفعول لقوله زاد وقد وقع لنا
هذا التعليق موصولا عاليا من طريق أبي طاهر المخلص في الجزء الأول من فوائده قال حدثنا
البغوي حدثنا أحمد ابن منصور حدثنا بن أبي مريم بسنده وأوله سئل أنس هل أتخذ النبي
صلى الله عليه وسلم خاتما قال نعم أخر العشاء فذكره وفي آخره وكأني انظر إلى وبيص خاتمه ليلتئذ
والوبيص بالموحدة والصاد المهملة البريق وسيأتي الكلام على فضل انتظار الصلاة في أبواب
الجماعة وعلى الخاتم ولبسه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى (قوله باب فضل
صلاة الفجر) وقع في رواية أبي ذر بعد هذا والحديث ولم يظهر لقوله والحديث توجيه في
هذا الموضع ووجهه الكرماني بأن الغرض منه باب كذا وباب الحديث الوارد في فضل
صلاة الفجر * (قلت) * ولا يخفى بعده ولم أر هذه الزيادة في شئ من المستخرجات ولا عرج
عليها أحد من الشراح فالظاهر أنها وهم ويدل لذلك أنه ترجم لحديث جرير أيضا باب فضل
صلاة العصر بغير زيادة ويحتمل أنه كان فيه باب فضل صلاة الفجر والعصر وفتحرفت الكلمة
الأخيرة والله أعلم (قوله يحيى) هو القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم
وقد تقدم الكلام على حديث جرير في باب فضل صلاة العصر (قوله أبو جمرة) بالجيم
والراء وهو الضبعي وشيخه أبو بكر هو ابن أبي موسى الأشعري بدليل الرواية التي بعده حيث
وقع فيها أن أبا بكر بن عبد الله بن قيس وعبد الله بن قيس هو أبو موسى وقد قيل إنه أبو بكر بن
عمارة بن رويبة والأول أرجح كما سيأتي آخر الباب (قوله من صلى البردين) بفتح الموحدة
وسكون الراء تثنية برد والمراد صلاة الفجر والعصر ويدل على ذلك قوله في حديث جرير صلاة
قبل طلوع الشمس وقبل غروبها زاد في رواية لمسلم يعني العصر والفجر قال الخطابي سميتا
بردين لأنهما تصليان في بردى النهار وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب سورة الحر ونقل
عن أبي عبيد أن صلاة المغرب الخطبة في ذلك أيضا وقال البزار في توجيه اختصاص هاتين
الصلاتين بدخول الجنة دون غيرهما من الصلوات ما محصله إن من موصولة لا شرطية
والمراد الذين صلوهما أول ما فرضت الصلاة ثم ماتوا قبل فرض الصلوات الخمس لأنها فرضت
أولا ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي ثم فرضت الصلوات الخمس فهو خبر عن ناس مخصوصين
لا عموم فيه (قلت) ولا يخفى ما فيه من التكلف والأوجه أن من في الحديث شرطية وقوله
دخل جواب الشرط وعدل عن الأصل وهو فعل المضارع كأن يقول يدخل الجنة إرادة
43

للتأكيد في وقوعه بجعل ما سيقع كالواقع (قوله وقال بن رجاء) هو عبد الله البصري
الغداني وهو أحد شيوخ البخاري وقد وصله محمد بن يحيى الذهلي قال حدثنا عبد الله بن رجاء
ورويناه عاليا من طريقه في الجزء المشهور المروي عنه من طريق السلفي ولفظ المتن واحد
(قوله حدثنا إسحاق) هو ابن منصور ولم يقع منسوبا في شئ من الكتب والروايات واستدل
أبو علي الغساني على أنه بن منصور بأن مسلما روى عن إسحاق بن منصور عن حبان بن هلال
حديثا غير هذا * (قلت) * ورأيت في رواية أبي على الشبوي عن الفربري في باب
البيعان بالخيار حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال فذكر حديثا فهذه القرينة
أقوى من القرينة التي في رواية مسلم (قوله حدثنا حبان) هو ابن هلال وهو بفتح الحاء المهملة
فاجتمعت الروايات عن همام بأن شيخ أبي جمرة هو أبو بكر بن عبد الله فهذا بخلاف من زعم أنه
ابن عمارة بن رويبة وحديث عمارة أخرجه مسلم وغيره من طرق عن أبي بكر بن عمارة عن
أبيه لكن يسير لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهذا اللفظ مغاير
للفظ حديث أبي موسى وإن كان معناهما واحدا فالصواب أنهما حديثان (قوله
باب وقت الفجر) ذكر فيه حديث تسحر زيد بن ثابت مع النبي صلى الله عليه وسلم
من وجهين عن أنس فأما رواية همام عن قتادة فهي عن أنس أن زيد بن ثابت حدثه فجعله من
مسند زيد بن ثابت ووافقه هشام عن قتادة كما سيأتي في الصيام وأما رواية سعيد وهو بن أبي عروبة
عن قتادة فهي عن أنس أن نبي الله وزيد بن ثابت تسحرا وفي رواية السرخسي والمستملي تسحروا
فجعله من مسند أنس وأما قوله تسحروا بصيغة الجمع فشاذة وترجح عند مسلم رواية همام فإنه
أخرجها وأعرض عن رواية سعيد ويدل على رجحانها أيضا أن الإسماعيلي أخرج رواية سعيد
من طريق خالد بن الحرث عن سعيد فقال عن أنس عن زيد بن ثابت والذي يظهر لي في الجمع بين
الروايتين أن أنسا حضر ذلك لكنه لم يتسحر معهما ولأجل هذا سال زيدا عن مقدار وقت
السحور كما سيأتي بعد ثم وجدت ذلك صريحا في رواية النسائي وابن حبان ولفظهما عن أنس
قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس إني أريد الصيام أطعمني شيئا فجئته بتمر وإناء فيه
ماء وذلك بعد ما أذن بلال قال يا أنس انظر رجلا يأكل معي فدعوت زيد بن ثابت فجاء فتسحر معه
ثم قام فصلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة فعلى هذا فالمراد بقوله كم كان بين الأذان والسحور أي
أذان ابن أم مكتوم لأن بلالا كان يؤذن قبل الفجر والآخر يؤذن إذا طلع (قوله قلت كم
كان بينهما) سقط لفظ كان من رواية السرخسي والمستملي ووقع عند الإسماعيلي من رواية
عفان عن همام قلنا لزيد ومن رواية خالد بن الحارث عن سعيد قال خالد أنس القائل كم كان
بينهما ووقع عند المصنف من رواية روح عن سعيد قلت لأنس فهو مقول قتادة قال
الإسماعيلي والروايتان صحيحتان بان يكون أنس سأل زيدا وقتادة سأل أنسا والله أعلم (قوله
قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فصليا) كذا للكشميهني بصيغة التثنية ولغيره
فصلينا بصيغة الجمع وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب الصيام إن شاء الله
تعالى واستدل المصنف به على أن أو وقت الصبح طلوع الفجر لأنه الوقت الذي يحرم فيه الطعام
والشراب والمدة التي بين الفراغ من السحور والدخول في الصلاة وهي قراءة الخمسين آية
44

أو نحوها قدر ثلث خمس ساعة ولعلها مقدار ما يتوضأ فأشعر ذلك بأن أول وقت الصبح أول
ما يطلع الفجر وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل فيها بغلس والله أعلم (قوله عن أخيه)
هو أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو ابن بلال وسيأتي الكلام على حديث سهل بن سعد في الصيام
والغرض منه هنا الإشارة إلى مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الصبح في أول الوقت
وحديث عائشة تقدم في أبواب ستر العورة ولفظه أصرح في مراده في هذا الباب من جهة
التغليس بالصبح وأن سياقه يقتضى المواظبة على ذلك وأصرح منه ما أخرجه أبو داود من
حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم أسفر بالصبح مرة ثم كانت صلاته بعد بالغلس حتى مات
لم يعد إلى أن يسفر وأما ما رواه أصحاب السنن وصححه غير واحد من حديث رافع بن خديج قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر فقد حمله الشافعي وغيره
على أن المراد بذلك تحقق طلوع الفجر وحمله الطحاوي على أن المراد الأمر بتطويل القراءة فيها
حتى يخرج من الصلاة مسفرا وأبعد من زعم أنه ناسخ الولاء في الغلس وأما حديث ابن مسعود
الذي أخرجه المصنف وغيره أنه قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة في غير وقتها
غير ذلك اليوم يعني في الفجر يوم المزدلفة فمحمول على أنه دخل فيها مع طلوع الفجر من غير تأخير فإن
في حديث زيد بن ثابت وسهل بن سعد ما يشعر بتأخير يسير لا أنه صلاها قبل أن يطلع الفجر والله
سبحانه وتعالى أعلم (قوله في حديث عائشة كن) قال الكرماني هو مثل أكلوني البراغيث لأن
قياسه الإفراد وقد جمع (قوله نساء المؤمنات) تقديره نساء الأنفس المؤمنات أو نحوها ذلك حتى
لا يكون من إضافة الشئ إلى نفسه وقيل إن نساء هنا بمعنى الفاضلات أي فاضلات المؤمنات
كما يقال رجال القوم أي فضلاؤهم (قوله يشهدن) أي يحضرن وقوله لا يعرفهن أحد قال
الداودي معناه لا يعرفن أنساء أم رجال أي لا يظهر للرائي الا الأشباح خاصة وقيل لا يعرف
أعيانهن فلا يفرق بين خديجة وزينب وضعفه النووي بان المتلفعة في النهار لا تعرف عينها فلا
يبقى في الكلام فائدة وتعقب بان المعرفة إنما تتعلق بالأعيان فلو كان المراد الأول لعبر بنفي العلم
وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا تعرف عينها فيه نظر لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في
الغالب ولو كان بدنها مغطى وقال الباجي هذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن متنقبات
لمنع تغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس (قلت) وفيه ما فيه لأنه مبنى على الاشتباه الذي
أشار إليه النووي وأما إذا قلنا إن لكل واحدة منهن هيئة غالبا فلا يلزم ما ذكر والله أعلم (قوله
متلفعات) تقدم شرحه والمروط جمع مرط بكسر الميم وهو كساء معلم من خز أو صوف أغير ذلك
وقيل لا يسمى مرطا إلا إذا كان أخضر ولا يلبسه إلا النساء وهو مردود بقوله مرط من شعر
أسود (قوله ينقلبن) أي يرجعن (قوله من الغلس) من ابتدائية أو تعليلية ولا معارضة بين هذا
وبين حديث أبي برزة السابق أنه كان ينصرف من الصلاة حين يعر ف الرجل جليسه لأن هذا
إخبار عن رؤية المتلفعة
على بعد وذاك إخبار عن رؤية الجليس وفي الحديث استحباب المبادرة
بصلاة الصبح في أول الوقت وجواز خروج النساء إلى المساجد لشهود الصلاة في الليل ويؤخذ
منه جوازه في النهار من باب أولى لأن الليل مظنة الريبة أكثر من النهار ومحل ذلك إذا لم يخش
عليهن أن بهن فتنة واستدل به بعضهم على جواز صلاة المرأة مختمرة الأنف والفم فكأنه جعل
45

التلفع صفة لشهود الصلاة وتعقبه عياض بأنها إنما أخبرت عن هيئة الانصراف والله أعلم (قوله
باب من أدرك من الفجر ركعة) تقدم الكلام على الحكمة في حذف جوا ب الشرط
من الترجمة في باب من أدرك من العصر ركعه (قوله يحدثونه) أي يحدثون زيد بن أسلم ورجال
الإسناد كلهم مدنيون (قوله فقد أدرك الصبح) الإدراك الوصول إلى الشئ فظاهره أنه يكتفى
بذلك وليس ذلك مرادا بالإجماع فقيل يحمل على أنه أدرك الوقت فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت
صلاته وهذا قول الجمهور وقد صرح بذلك في رواية الدراوردي عن زيد بن أسلم أخرجه البيهقي
من وجهين ولفظه من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعد ما تطلع الشمس
فقد أدرك الصلاة وأصرح منه رواية أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء وهو ابن
يسار عن أبي هريرة بلفظ من صلى ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ثم صلى ما بقي بعد غروب
الشمس فلم يفته العصر وقال مثل ذلك في الصبح وقد تقدمت رواية المصنف في أبا ب من أدرك
من العصر ركعة من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة وقال فيها فليتم صلاته وللنسائي من وجه آخر
من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته وللبيهقي من وجه آخر
من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى ويؤخذ من هذا الرد على
الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحوها وأراد
بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته لأنه لا يكملها إلا في وقت
الكراهة وهو مبنى على أن الكراهية تتناول الفرض والنفل وهي خلافية مشهورة قال الترمذي
وبهذا يقول الشافعي وأحمد وإسحاق وخالف أبو حنيفة فقال من طلعت عليه الشمس وهو في
صلاة الصبح بطلت صلاته واحتج لذلك بالأحاديث الواردة في النهى عن الصلاة عند طلوع الشمس
وادعى بعضهم أن أحاديث النهى ناسخة لهذا الحديث وهي دعوى تحتاج إلى دليل فإنه لا يصار
إلى النسخ بالاحتمال والجمع بين الحديثين ممكن بأن تحمل أحاديث النهى على ما لا سبب له من
النوافل ولا شك أن التخصيص أولى من ادعاء النسخ ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من
ركعة لا يكون مدركا للوقت وللفقهاء في ذلك تفاصيل بين أصحاب الأعذار وغيرهم وبين مدرك
الجماعة ومدرك الوقت وكذا مدرك الجمعة ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر للاحرام ويقرأ أم القرآن
ويركع ويرفع ويسجد سجدتين بشروط كل ذلك وقال الرافعي المعتبر فيها أخف ما يقدر عليه
أحد وهذا في حق غير أصحاب الأعذار أما أصحاب الأعذار كمن أفاق من إغماء أو طهرت من حيض
أو غير ذلك فإن بقي من الوقت هذا القدر كانت الصلاة في حقهم أداء وقد قال قوم يكون ما أدرك
في الوقت أداء وبعده قضاء وقيل يكون كذلك لكنه يلتحق بالأداء حكما والمختار أن الكل أداء
وذلك من فضل الله تعالى ونقل بعضهم الاتفاق على أن لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير
الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر والله أعلم * (لطيفة) * أورد المصنف في باب من أدرك من
العصر طريق أبي سلمة عن أبي هريرة وفي هذا الباب طريق عطاء بن يسار ومن معه عن أبي هريرة
لأنه قدم في طريق أبي سلمة ذكر العصر ربع في هذا ذكر الصبح فناسب أن يذكر في كل منهما ما قدم
لما يشعر به التقديم من اهتمام والله الهادي للصواب (قوله باب من أدرك من الصلاة
ركعة) هكذا ترجم وساق الحديث بلفظ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وقد رواه
مسلم من رواية عبيد الله العمري عن الزهري وأحال به على حديث مالك وأخرجه البيهقي وغيره
46

من الوجه الذي أخرجه منه مسلم ولفظه كلفظ ترجمة هذا الباب قدم قوله من الصلاة على قوله
ركعة وقد وضح لنا بالاستقراء أن جميع ما يقع في تراجم البخاري ممن يترجم بلفظ الحديث لا يقع
فيه شئ مغاير للفظ الحديث الذي يورده إلا وقد ورد من وجه آخر بذلك اللفظ المغاير فلله دره
ما أكثر اطلاعه والظاهر أن هذا أعم من حديث الباب الماضي قبل عشرة أبواب ويحتمل أن
تكون اللام عهدية فيتحدا ويؤيده أن كلا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا مطلق
وذاك مقيد فيحمل المطلق على المقيد وقال الكرماني الفرق بينهما أن الأول فيمن أدرك من
الوقت قدر ركعة وهذا فيمن أدرك من الصلاة ركعة كذا قال وقال بعد ذلك وفي الحديث أن من
دخل في الصلاة فصلى ركعة وخرج الوقت كان مدركا لجميعها وتكون كلها أداء وهو الصحيح
انتهى وهذا يدل على اتحاد الحديثين عنده لجعلهما متعلقين بالوقت بخلاف ما قال أولا وقال
التيمي معناه من أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك فضل الجماعة وقيل المراد بالصلاة الجمعة وقيل
غير ذلك وقوله فقد أدرك الصلاة ليس على ظاهره بالإجماع لما قدمناه من أنه لا يكون بالركعة
الواحدة مدركا لجميع الصلاة بحيث تحصل براءة ذمته من الصلاة فإذا فيه إضمار تقديره فقد
أدرك وقت الصلاة أو حكم الصلاة أو نحو ذلك ويلزمه إتمام بقيتها وقد تقدم بقية مباحثه في
الباب الذي قبله ومفهوم التقييد بالركعة أن من أدرك دون الركعة لا يكون مدركا لها وهو
الذي استقر عليه الاتفاق وكان فيه شذوذ قديم منها إدراك الإمام راكعا يجزئ ولو لم يدرك معه
الركوع وقيل يدرك الركعة ولو رفع الإمام رأسه ما لم يرفع بقية من ائتم به في رؤسهم ولو بقي واحد وعن
الثوري وزفر إذا كبر قيل أن يرفع الإمام رأسه أدرك إن وضع يديه على ركبتيه قبل رفع الإمام
وقيل من أدرك تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع أدرك الركعة وعن أبي العالية إذا أدرك
السجود أكمل بقية الركعة معهم ثم يقوم فيركع فقط وتجزيه (قوله باب الصلاة بعد
الفجر حتى ترتفع الشمس) يعني ما حكمها قال الزين بن المنير لم يثبت حكم النهى لأن تعين المنهي
عنه في هذا الباب مما كثر فيه الاختلاف وخص الترجمة بالفجر مع اشتمال الأحاديث على الفجر
والعصر لأن الصبح هي المذكورة أولا في سائر أحاديث الباب (قلت) أو لأن العصر ورد فيها
كونه صلى الله عليه وسلم صلى بعدها بخلاف الفجر (قوله هشام) هو ابن أبي عبد الله الدستوائي
(قوله عن أبي العالية) هو الرياحي بالياء التحتانية واسمه رفيع بالتصغير ووقع مصرحا به عند
الإسماعيلي من رواية غندر عن شعبة وأورد المصنف طريق يحيى وهو القطان عن شعبة عن
قتادة سمعت أبا العالية والسر فيها التصريح بسماع قتادة له من أبي العالية وإن كانت طريق
هشام أعلى منها (قوله شهد عندي) أي أعلمني أو أخبرني ولم يرد شهادة الحكم (قوله مرضيون)
أي لا شك في صدقهم ودينهم وفي رواية الإسماعيلي من طريق يزيد بن زريع عن همام شهد
عندي رجال مرضيون فيهم عمر وله من رواية شعبة حدثني رجال أحبهم إلى عمر (قوله ناس
بهذا) أي بهذا الحديث بمعناه فإن مسددا رواه في مسنده ومن طريقه البيهقي ولفظه حدثني
ناس أعجبهم إلي عمر وقال فيه حتى تطلع الشمس ووقع في الترمذي عنه سمعت غير واحد من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر وكان من أحبهم إلي (قوله بعد الصبح) أي بعد صلاة
الصبح لأنه لا جائز أن يكون الحكم فيه معلقا بالوقت إذ لا بد من أداء الصبح فتعين التقدير المذكور
47

قال ابن دقيق العيد هذا الحديث معمول به عند فقهاء الأمصار وخالف بعض المتقدمين
وبعض الظاهرية من بعض الوجوه (قوله حتى تشرق) بضم أوله من أشرق يقال أشرقت
الشمس ارتفعت وأضاءت ويؤيده حديث أبي سعيد الآتي في الباب بعده بلفظ حتى ترتفع
الشمس ويروى بفتح أوله وضم ثالثه بوزن تغرب يقال شرقت الشمس أي طلعت ويؤيده رواية
البيهقي من طريق أخرى عن ابن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ حتى تشرق الشمس أو تطلع على
الشك وقد ذكرنا أن في رواية مسدد حتى تطلع الشمس بغير شك وكذا هو في حديث أبي هريرة
الآتي آخر الباب بلفظ حتى تطلع الشمس بالجزم ويجمع بين الحديثين بأن المراد بالطلوع طلوع
مخصوص أي حتى تطلع مرتفعة قال النووي أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها
في الأوقات المنهي عنها واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها واختلفوا في النوافل التي لها
سبب كصلاة تحية المسجد وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف وصلاة الجنازة
وقضاء الفائتة فذهب الشافعي وطائفة إلى جواز ذلك كله بلا كراهة وذهب أبو حنيفة وآخرون
إلى أن ذلك في عموم النهى واحتج الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد
العصر وهو صريح في قضاء السنة الفائتة فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى ويلتحق ما له
سبب (قلت) وما نقله من الإجماع والاتفاق متعقب فقد حكى غيره عن طائفة من السلف
الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهى منسوخة وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر وبذلك جزم
ابن حزم وعن طائفة أخرى المنع مطلقا في جميع الصلوات وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجر
المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات وحكى آخرون الإجماع على جواز صلاة الجنازة في
الأوقات المكروهة وهو متعقب بما سيأتي في بابه وما ادعاه بن حزم وغيره من النسخ مستندا
إلى حديث من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى فدل على
إباحة الصلاة في الأوقات المنهية انتهى وقال غيرهم ادعاء التخصيص أولى من ادعاء النسخ
فيحمل النهى على ما لا سبب له ويخص منه ما له سبب جمعا بين الأدلة والله أعلم وقال البيضاوي
اختلفوا في جواز الصلاة بعد الصبح والعصر وعند الطلوع والغروب وعند الاستواء فذهب
داود إلى الجواز مطلقا وكأنه حمل النهى على التنزيه (قلت) بل المحكي عنه أنه ادعى النسخ كما
تقدم قال وقال الشافعي تجوز الفرائض وماله سبب من النوافل وقال أبو حنيفة يحرم الجميع
سوى عصر يومه وتحرم المنذورة أيضا وقال مالك تحرم النوافل دون الفرائض ووافقه أحمد
لكنه استثنى ركعتي الطواف * (تنبيه) * لم يقع لنا تسمية الرجال المرضيين الذين حدثوا ابن
عباس بهذا الحديث وبلغني أن بعض من تكلم على العمدة تجاسر وزعم أنهم المذكورون فيها
عند قوله مصنفها وفي الباب عن فلان وفلان ولقد أخطأ هذا المتجاسر خطأ بينا فلا حول
ولا قوة الا بالله (قوله عن هشام) هو ابن عروة بن الزبير (قوله لا تحروا) أصله لا تتحروا
فحذفت إحدى التاءين والمعنى لا تقصدوا واختلف أهل العلم في المراد بذلك فمنهم من جعله
تفسيرا للحديث السابق ومبينا للمراد به فقال لا تكره الصلاة بعد الصبح ولا بعد العصر إلا لمن
قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها وإلى ذلك جنح بعض أهل الظاهر وقواه ابن المنذر واحتج له
وقد روى مسلم من طريق طاوس عن عائشة قالت وهم عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه
48

وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها انتهى وسيأتي من قول ابن عمر أيضا ما يدل على ذلك
قريبا بعد ببابين وربما قوي ذلك بعضهم بحديث من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع
الشمس فليضف إليها الأخرى فأمر بالصلاة حينئذ فدل على أن الكراهة مختصة بمن قصد
الصلاة في ذلك الوقت لا من وقع له ذلك اتفاقا وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر الباب الذي بعده
ومنهم من جعله نهيا مستقلا وكره الصلاة في تلك الأوقات سواء قصد لها أم لم يقصد وهو قول
الأكثر قال البيهقي إنما قالت ذلك عائشة لأنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي
بعد العصر فحملت نهيه على من قصد ذلك لا على الإطلاق وقد أجيب عن هذا بأنه صلى الله
عليه وسلم إنما صلى حينئذ قضاء كما سيأتي وأما النهى فهو ثابت من طريق جماعة من
الصحابة غير عمر رضي الله عنه فلا اختصاص له بالوهم والله أعلم (قوله وقال حدثني ابن عمر) هو
مقول عروة أيضا وهو حديث آخر وقد أفرده الإسماعيلي وذكر أنه وقع له الحديثان معا من
رواية علي بن مسهر وعيسى بن يونس ومحمد بن بشر ووكيع ومالك بن سعير ومحاضر كلهم عن
هشام وأنه وقع له الحديث الثاني فقط من رواية عبد الله بن نمير عن هشام (قوله حتى ترتفع)
جعل ارتفاعها غاية النهى وهو يقوي رواية من روى الحديث الماضي بلفظ حتى تشرق من
الإشراق وهو الارتفاع كما تقدم (قوله تابعه عبدة) يعني ابن سليمان والضمير يعود على يحيى بن
سعيد وهو القطان يعني تابع يحيى القطان على روايته لهذا الحديث عن هشام ورواية عبدة
هذه موصولة عند المصنف في بدء الخلق وفيه الحديثان معا وقال فيه حتى تبرز بدل ترتفع وقال
فيه لا تحينوا بالياء التحتانية والنون وزاد فيه فإنها تطلع بين قرني شيطان وفيه إشارة إلى علة
النهى عن الصلاة في الوقتين المذكور وزاد مسلم من حديث عمرو بن عبسة وحينئذ يسجد
لها الكفار فالنهي حينئذ لترك مشابهة الكفار وقد اعتبر ذلك الشرع في أشياء كثيرة وفي هذا
تعقب على أبي محمد البغوي حيث قال إن النهى عن ذلك لا يدرك معناه وجعله من معي التعبد
الذي يجب الإيمان به وسيأتي الكلام على المراد بقوله بين قرني الشيطان في أوائل بدء الخلق إن
شاء الله تعالى (قوله حاجب الشمس) أي طرف قرصها قال الجوهري حواجب الشمس نواحيها
(قوله عن عبيد الله) هو بن عمر العمري قوله حفص بن عاصم أي بن عمر بن الخطاب وهو
جد عبيد الله بن عمر المذكور في هذا الإسناد قوله وعن صلاتين محصل ما في الباب أربعة
أحاديث الأول والأخير يتعلقان بالفعل والثاني والثالث يتعلقان بالوقت وقد تقدم نقل اختلاف
العلماء في ذلك وسيأتي الكلام على البيعتين في كتاب البيع وعلى اللبستين في كتاب اللباس (قوله
بعد الفجر) أي بعد صلاة الفجر كما تقدم (قوله باب لا تتحرى) بضم المثناة
الفوقانية والصلاة بالرفع لأنها في مقام الفاعل أو بفتح المثناة التحتانية والصلاة بالنصب
والفاعل محذوف أي المصلي وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في الباب الذي قبله ولا تنافى
بين قوله في الترجمة قبل الغروب وبين قوله في الحديث عند الغروب لما نذكره قريبا (قوله
لا يتحرى) كذا وقع بلفظ الخبر قال السهيلي يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع أي لا يكون
الا هذا (قوله فيصلى) بالنصب والمراد نفى التحري والصلاة معا ويجوز الرفع أي لا يتحرى أحدكم
الصلاة في وقت كذا فهو يصلي فيه وقال ابن خروف يجوز في فيصلى ثلاثة أوجه الجزم على
49

العطف أي لا يتحرى ولا يصلي والرفع على القطع أي لا يتحرى فهو يصلي والنصب على جواز
النهى والمعنى لا يتحرى مصليا وقال الطيبي قوله لا يتحرى نفى بمعنى النهى ويصلي بالنصب لأنه
جوابه كأنه قيل لا يتحرى فقيل لم فأجيب خيفة أن يصلي ويحتمل أن يقدر غير ذلك وقد وقع في
رواية القعنبي في الموطأ لا يتحرى أحدكم أن يصلي ومعناه لا يتحرى الصلاة (قوله عن صالح) هو
بن كيسان ولم يخرج البخاري لصالح بن أبي الأخضر شيئا (قوله لا صلاة) قال بن دقيق العيد
وصيغة النهي في ألفاظ الشارع إذا دخلت على فعل كان الأولى حملها على نفى الفعل الشرعي
لا الحسى لأنا لو حملناه على نفى الفعل الحسى لاحتجنا في تصحيحه إلى اضمار والأصل عدمه وإذا
حملنا على الشرعي لم نحتج إلى إضمار فهذا وجه الأولوية وعلى هذا فهو نفى بمعنى النهى والتقدير
لا تصلوا وحكى أبو الفتح اليعمري عن جماعة من السلف أنهم قالوا إن النهى عن الصلاة بعد
الصبح وبعد العصر إنما هو إعلام بأنهما لا يتطوع بعدهما ولم يقصد الوقت بالنهي كما قصد به
وقت الطلوع ووقت الغروب ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن علي عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تصلوا بعد الصبح ولا بعد العصر إلا أن تكون الشمس نقية وفي
رواية مرتفعة فدل على أن المراد بالبعدية ليس على عمومه وإنما المراد وقت الطلوع ووقت
الغروب وما قاربهما والله أعلم ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الصلاة المنهية غير صحيحة
فلازمه أن لا يقصد لها المكلف إذ العاقل لا يشتغل بما لا فائدة فيه (قوله لا صلاة بعد الصبح)
أي بعد صلاة الصبح وصرح به مسلم من هذا الوجه في الموضعين (قوله حدثنا محمد بن أبان) هو
البلخي وقيل الواسطي ولكل من القولين مرجح وكلاهما ثقة (قوله عن معاوية) في رواية
الإسماعيلي من طريق معاذ وغيره عن شعبة خطبنا معاوية واتفق أصحاب شعبة علي أنه من
رواية أبي التياح عن حمران وخالفهم عثمان بن عمر وأبو داود الطيالسي فقالا عن أبي التياح
عن معبد الجهني عن معاوية والطريق التي اختارها البخاري أرجح ويجوز أن يكون لأبي
التياح فيه شيخان (قوله يصليهما) أي الركعتين وللحموي يضليها أي الصلاة وكذا وقع الخلاف
بين الرواة في قوله عنها أو عنهما وكلام معاوية مشعر بأن من خاطبهم كانوا يصلون بعد العصر
ركعتين على سبيل التطوع الراتب لها كما يصلي بعد الظهر وما نفاه من رؤية صلاة النبي صلى الله
عليه وسلم لهما قد أثبته غيره والمثبت مقدم على النافي وسيأتي في الباب الذي بعده قول عائشة
كان لا يصليهما في المسجد لكن ليس في رواية الإثبات معارضة للأحاديث الواردة في النهى لأن
رواية الإثبات لها سبب كما سيأتي في الباب الذي بعده فألحق بها ما له سبب وبقي ما عدا ذلك على
عمومه والنهي فيه محمول على ما لا سبب له وأما من يرى عموم النهى ولا يخصه بما له سبب فيحمل
إنكار معاوية على من يتطوع ويحمل الفعل على الخصوصية ولا يخفى رجحان الأول والله أعلم
(قوله حدثنا عبدة) هو ابن سليمان وبقية الإسناد والمتن تقدم بأتم سياق في الباب الذي قبله
(قوله باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر) قيل آثر البخاري الترجمة بذكر
المذاهب على ذكر الحكم للبراءة من عهدة بت القول في موضع كثر فيه الاختلاف ومحصل
ما ورد من الأخبار في تعيين الأوقات التي تكره فيها الصلاة أنها خمسة عند طلوع الشمس وعند
غروبها وبعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر وعند الاستواء وترجع بالتحقيق إلى ثلاثة من بعد
50

صلاة الصبح إلى أن ترتفع الشمس فيدخل فيه الصلاة عند طلوع الشمس وكذا من صلاة
العصر إلى أن تغرب الشمس ولا يعكر على ذلك أن من لم يصل الصبح مثلا حتى بزغت الشمس
يكره له التنقل حينئذ لأن الكلام إنما هو جار على الغالب المعتاد وأما هذه الصورة النادرة
فليست مقصودة وفي الجملة عدها أربعة أجود وبقي خامس وهو الصلاة وقت استواء الشمس
وكأنه لم يصح عند المؤلف على شرطه فترجم على نفيه وفيه أربعة أحاديث حديث عقبة بن
عامر وهو عند مسلم ولفظه وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع وحديث عمرو بن عبسة
وهو عند مسلم أيضا ولفظه حتى يستقل الظل بالرمح فإذا أقبل الفئ فصل وفي لفظ لأبي داود حتى
يعدل الرمح ظله وحديث أبي هريرة وهو عند ابن ماجة والبيهقي ولفظه حتى تستوي الشمس
على رأسك كالرمح فإذا زالت فصل وحديث الصنابحي وهو في الموطأ ولفظه ثم إذا استوت قارنها
فإذا زالت فارقها وفي آخره ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات
وهو حديث مرسل مع قوة رجاله وفي الباب أحاديث أخر ضعيفة وبقضية هذه الزيادة قال
عمر بن الخطاب فنهى عن الصلاة نصف النهار وعن ابن مسعود قال كنا ننهى عن ذلك وعن
أبي سعيد المقبري قال أدركت الناس وهم يتقون ذلك وهو مذهب الأئمة الثلاثة والجمهور
وخالف مالك فقال ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار وقال ابن
عبد البر وقد روى مالك حديث الصنابحي فإما أنه لم يصح عنده وإما أنه رده بالعمل الذي ذكره
انتهى وقد استثنى الشافعي ومن وافقه من ذلك يوم الجمعة وحجتهم أنه صلى الله عليه وسلم ندب
الناس إلى التبكير يوم الجمعة ورغب في الصلاة إلى خروج الإمام كما سيأتي في بابه وجعل
الغاية خروج الإمام وهو لا يخرج إلا بعد الزوال فدل على عدم الكراهة وجاء فيه حديث عن
أبي قتادة مرفوعا أنه صلى الله عليه وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة في إسناده انقطاع
وقد ذكر له البيهقي شواهد ضعيفة إذا ضمت قوي الخبر والله أعلم * (فائدة) * فرق بعضهم بين
حكمة النهى عن الصلاة بعد صلاة الصبح والعصر وعن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها
فقال يكره في الحالتين الأوليين ويحرم في الحالتين الأخريين وممن قال بذلك محمد بن سيرين ومحمد
ابن جرير الطبري واحتج بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعد العصر فدل على أنه لا يحرم
وكأنه يحمل فعله على بيان الجواز وسيأتي ما فيه في الباب الذي بعده وروى عن ابن عمر تحريم الصلاة
بعد الصبح حتى تطلع الشمس وإباحتها بعد العصر حتى تصفر وبه قال ابن حزم واحتج بحديث على
أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة رواه أبو داود بإسناد
صحيح قوي والمشهور إطلاق الكراهة في الجميع فقيل هي كراهة تحريم وقيل كراهة تنزيه والله
أعلم (قوله رواه عمر الخ) يريد أن أحاديث هؤلاء الأربعة وهي التي تقدم إيرادها في البابين
السابقين ليس فيها تعرض للاستواء لكن لمن قال به أن يقول إنه زيادة من حافظ ثقة فيجب قبولها
(قوله حدثنا حماد) هو ابن زيد (قوله أصلى) زاد الإسماعيلي في أوله من وجهين عن حماد بن
زيد كان لا يصلي من أول النهار حتى تزول الشمس ويقول أصلى الخ (قوله أن لا تحروا) أصله
تتحروا أي تقصدوا وزاد عبد الرزاق في آخر هذا الحديث عن ابن جريج عن نافع فإن رسول الله
صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال إنه يطلع قرن الشيطان مع طلوع الشمس * (تنبيه) *
51

قال بعض العلماء المراد بحصر الكراهة في الأوقات الخمسة إنما هو بالنسبة إلى الأوقات الأصلية
وإلا فقد ذكروا أنه يكره التنفل وقت إقامة الصلاة ووقت صعود الامام لخطبة الجمعة وفي حالة
الصلاة المكتوبة جماعة لمن لم يصلها وعند المالكية كراهة التنفل بعد الجمعة حتى ينصرف
الناس وعند الحنفية كراهة التنفل قبل صلاة المغرب وسيأتي ثبوت الأمر به في هذا الجامع
الصحيح (قوله أبا ب ما يصلي بعد العصر من الفوائت ونحوها) قال الزين بن المنير ظاهر
الترجمة إخراج النافلة المحضة التي لا سبب لها وقال أيضا إن السر في قوله ونحوها ليدخل فيه
رواتب النوافل وغيرها (قوله وقال كريب) يعني مولى بن عباس (عن أم سلمة) الآخرة وهو
طرف من حديث أورده المؤلف مطولا في باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده قبيل كتاب الجنائز
وقال في آخره أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان
(قوله في حديث عائشة والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله وقولها في الرواية الأخرى ما ترك
السجدتين بعد العصر عندي قط وفي الرواية الأخرى لم يكن يدعهما سرا ولا علانية وفي الرواية
الأخيرة ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين) تمسك بهذه الروايات من أجاز التنفل
بعد العصر مطلقا ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس وقد تقدم نقل المذاهب في ذلك وأجاب
عنه من أطلق الكراهة بأن فعله هذا يدل على جواز استدراك ما فات من الرواتب من غير كراهة
وأما مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فهو من خصائصه والدليل عليه رواية ذكوان مولى
عائشة أنها حدثته أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى
عن الوصال رواه أبو داود ورواية أبي سلمة عن عائشة في نحو هذه القصة وفي آخره وكان إذا صلى
صلاة أثبتها رواه مسلم قال البيهقي الذي اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك لا أصل
القضاء وأما ما روى عن ذكوان عن أم سلمة في هذه القصة أنها قالت فقلت يا رسول الله أنقضيهما
إذا فاتتا فقال لا فهي رواية ضعيفة لا تقوم بها حجة قلت أخرجها الطحاوي واحتج بها على أن
ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم وفيه ما فيه * (فائدة) * روى الترمذي من طريق
جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال إنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم
الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ثم لم يعد
قال الترمذي حديث حسن (قلت) وهو من رواية جرير عن عطاء وقد سمع منه بعد اختلاطه وإن
صح فهو شاهد لحديث أم سلمة لكن ظاهر قوله ثم لم يعد معارض لحديث عائشة المذكور في هذا
الباب فيحمل النفي على علم الراوي فإنه لم يطلع على ذلك والمثبت مقدم على النافي وكذا ما رواه
النسائي من طريق أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها بعد العصر
ركعتين مرة واحدة الحديث وفي رواية له عنها لم أره يصليهما قبل ولا بعد فيجمع بين الحديثين
بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصليهما إلا في بيت فلذلك لم يره بن عباس ولا أم سلمة ويشير إلى
ذلك قول عائشة في الرواية الأولى وكان لا يصليهما في المسجد مخافة أن تثقل على أمته (قوله أنه
سمع عائشة قالت والذي ذهب به) في رواية البيهقي من طريق إسحاق بن الحسن والإسماعيلي من
طريق أبى زرعة كلاهما عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه أنه دخل عليها فسألها عن ركعتين بعد
العصر فقالت والذي ذهب بنفسه تعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيه أيضا فقال لها أيمن
52

إن عمر كان ينهى عنهما ويضرب عليهما فقالت صدقت ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم
يصليهما فذكره والخبر بذلك عن عمر أيضا ثابت في رواية كريب عن أم سلمة التي ذكرناها في باب
إذا كلم وهو يصلي ففي أول الخبر عن كريب أن بن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن
أزهر أرسلوه إلى عائشة فقالوا اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر
وقل لها إنا أخبرنا إنك تصلينهما وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنهما وقال ابن عباس
وقد كنت أضرب الناس مع عمر عليهما الحديث * (تنبيه) * روى عبد الرزاق من حديث
زيد بن خالد سبب ضرب عمر الناس على ذلك فقال عن زيد بن خالد إن عمر رآه وهو خليفة ركع
بعد العصر فضربه فذكر الحديث وفيه فقال عمر يا زيد لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سلما
إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما فلعل عمر كان يرى أن النهى عن الصلاة بعد العصر إنما هو
خشية إيقاع الصلاة عند غروب الشمس وهذا يوافق قول ابن عمر الماضي وما نقلناه عن ابن المنذر
وغيره وقد روى يحيى بن بكير عن الليث عن أبي الأسود عن عروة عن تميم الداري نحو رواية زيد
ابن خالد وجواب عمر له وفيه ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب
حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى فيها وهذا أيضا يدل لما قلناه
والله أعلم (قوله ما خفف عنهم) في رواية المستملى ما يخفف عنهم وسيأتي الكلام على ذلك في
أعلام النبوة إن شاء الله تعالى (قوله هشام) هو ابن عروة (قوله بن أختي) بالنصب على
النداء وحرف النداء محذوف وأثبته الإسماعيلي في روايته (قوله عبد الواحد) هو ابن زياد
والشيباني هو أبو إسحق وأبو إسحق المذكور في الإسناد الذي بعده هو السبيعي (قوله يدعهما)
زاد النسائي في بيتي * (فائدة) * فهمت عائشة رضي الله عنها من مواظبته صلى الله عليه وسلم
على الركعتين بعد العصر أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس
مختص بمن قصد الصلاة عند غروب الشمس لا إطلاقه فلهذا قالت ما تقدم نقله عنها وكانت
تتنفل بعد العصر وقد أخرجه المصنف في الحج من طريق عبد العزيز بن رفيع قال رأيت ابن
الزبير يصلي ركعتين بعد العصر ويخبر أن عائشة حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل
بيتها إلا صلاهما وكأن ابن الزبير فهم من ذلك ما فهمته خالته عائشة والله أعلم وقد روى
النسائي أن معاوية سأل ابن الزبير عن ذلك فرد الحديث إلى أم سلمة فذكرت أم سلمة قصة
الركعتين حيث شغل عنهما فرجع الأمر إلى ما تقدم * (تنبيه) * قول عائشة ما تركهما حتى
لقي الله عز وجل وقولها لم يكن يدعهما وقولها ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين
مرادها من الوقت الذي شغل عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ولم ترد أنه كان يصلي
بعد العصر ركعتين من أول ما فرضت الصلوات مثلا إلى آخر عمره بل في حديث أم سلمة ما يدل
على أنه لم يكن يفعلهما قبل الوقت الذي ذكرت أنه قضاهما فيه (قوله باب التبكير
بالصلاة في يوم غيم) أورد فيه حديث بريدة الذي تقدم في أوقات العصر في باب من ترك
العصر قال الإسماعيلي جعل البخاري الترجمة لقول بريدة لا للحديث وكان حق هذه الترجمة أن
يورد فيها الحديث المطابق لها ثم أورده من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بلفظ بكروا
بالصلاة في يوم الغيم فإن من ترك صلاة العصر حبط عمله (قلت) من عادة البخاري أن يترجم
53

ببعض ما تشتمل عليه ألفاظ الحديث ولو لم يوردها بل ولو لم يكن على شرطه فلا إيراد عليه وروينا
في سنن سعيد بن منصور عن عبد العزيز بن رفيع قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
عجلوا صلاة العصر في يوم الغيم إسناده قوي مع إرساله وقد تقدم الكلام على المتن في باب من ترك
العصر * (فائدة) * المراد بالتبكير المبادرة إلى الصلاة في أول الوقت و أصل التبكير فعل الشئ بكرة
والبكرة أول النهار ثم استعمل في فعل الشئ في أول وقته وقيل المراد تعجيل العصر وجمعها مع
الظهر وروى ذلك عن عمر قال إذا كان يوم غيم فأخروا الظهر وعجلوا العصر (قوله
باب الأذان بعد ذهاب الوقت) سقط لفظ ذهاب من رواية المستملى قال ابن المنير
إنما صرح المؤلف بالحكم على خلاف عادته في المختلف فيه لقوة الاستدلال من الخبر على
الحكم المذكور (قوله حدثنا حصين) هو بن عبد الرحمن الواسطي (قوله سرنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم ليلة) كان ذلك في رجوعه من خبير كذا جزم به بعض الشراح معتمدا على
ما وقع عند مسلم من حديث أبي هريرة وفيه نظر لما بينته في باب الصعيد الطيب من كتاب التيمم
ولأبي نعيم في المستخرج من هذا الوجه في أوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسير بنا
وزاد مسلم من طريق عبد الله بن رباح عن أبي قتادة في أول الحديث قصة له في مسيره مع النبي
صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم نعس حتى مال عن راحلته وأن أبا قتادة دعمه ثلاث
مرات وأنه في الأخيرة مال عن الطريق فنزل في سبعة أنفس فوضع رأسه ثم قال احفظوا علينا
صلاتنا ولم يذكر ما وقع عند البخاري من قول بعض القوم لو عرست بنا ولا قول بلال أنا أوقظكم
ولم أقف على تسمية هذا السائل والتعريس نزول المسافر لغير إقامة وأصله نزول آخر الليل
وجواب لو محذوف تقديره لكان أسهل علينا (قوله أنا أوقظكم) زاد مسلم في رواية فمن
يوقظنا قال بلال أنا (قوله فغلبته عيناه) في رواية السرخسي فغلبت بغير ضمير (قوله
فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس) في رواية مسلم فكان أول من
استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره (قوله يا بلال أين ما قلت) أي أين الوفاء
بقولك أنا أوقظكم (قوله مثلها) أي مثل النومة التي وقعت له (قوله أن الله قبض أرواحكم)
هو كقوله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ولا يلزم من قبض الروح
الموت فالموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ظاهرا وباطنا والنوم انقطاعه عن ظاهره فقط زاد
مسلم أما أنه ليس في النوم تفريط الحديث (قوله حين شاء) حين في الموضعين ليس لوقت واحد
فإن نوم القوم لا يتفق غالبا في وقت واحد بل يتتابعون فيكون حين الأولى خبرا عن أحيان
متعددة (قوله قم فأذن بالناس بالصلاة) كذا هو بتشديد ذال أذن وبالموحدة فيهما
وللكشميهني فآذن بالدوحذف الموحدة من بالناس وآذن معناه أعلم وسيأتي ما فيه بعد (قوله
فتوضأ) زاد أبو نعيم في المستخرج فتوضأ الناس فلما ارتفعت في رواية المصنف في التوحيد
من طريق هشيم عن حصين فقضوا حوائجهم فتوضؤا إلى أن طلعت الشمس وهو أبين سياقا
ونحوه لأبي داود من طريق خالد عن حصين ويستفاد منه أن تأخيره الصلاة إلى أن طلعت
الشمس وارتفعت كان بسبب الشغل بقضاء حوائجهم لا لخروج وقت الكراهة (قوله
وابياضت) وزنه أفعال بتشديد اللام مثل احمار وابهار أي صفت وقيل إنما يقال في كل
54

لون بين لونين فأما الخالص من البياض مثلا فإنما يقال له أبيض (قوله فصلى) زاد أبو داود بالناس
وفي الحديث من الفوائد جواز التماس الأتباع ما يتعلق بمصالحهم الدنيوية وغيرها ولكن
بصيغة العرض لا بصيغة الاعتراض وأن على الإمام أن يراعى المصالح الدينية والاحتراز عما
يحتمل فوات العبادة عن وقتها بسببه وجواز التزام الخادم القيام بمراقبة ذلك والاكتفاء
في الأمور المهمة بالواحد وقبول العذر ممن اعتذر بأمر سائغ وتسويغ المطالبة بالوفاء بالالتزام
وتوجهت المطالبة على بلال بذلك تنبيها له على اجتناب الدعوى والثقة بالنفس وحسن الظن
بها لا سيما في مظان الغلبة وسلب الاختيار وإنما بادر إلى قوله أنا أوقظكم اتباعا لعادته
في الاستيقاظ في مثل ذلك الوقت لأجل الأذان وفيه خروج الإمام نفسه في الغزوات والسرايا
وفيه الرد على منكري القدر وأنه لا واقع الكون إلا بقدر وفي الحديث أيضا ما ترجم له
وهو الأذان الفائتة وبه قال الشافعي في القديم وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وقال الأوزاعي ومالك
والشافعي في الجديد لا يؤذن لها والمختار عند كثير من أصحابه أن يؤذن لصحة الحديث وحمل
الأذان هنا على اشتراط متعقب لأنه عقب الأذان بالوضوء ثم بارتفاع الشمس فلو كان المراد به
الإقامة لما أخر الصلاة عنها نعم يمكن حمله على المعنى اللغوي وهو محض الإعلام ولا سيما على
رواية الكشميهني وقد روى أبو داود وابن المنذر من حديث عمران بن حصين في نحو هذه
القصة فأمر بلالا فأذن فصلينا ركعتين ثم أمره فأقام فصلى الغداة وسيأتي الكلام على الحديث
الذي احتج به من لم ير التأذين في الباب الذي بعد هذا وفيه مشروعية الجماعة في الفوائت وسيأتي
في الباب الذي بعده أيضا واستدل به بعض المالكية على عدم قضاء السنة الراتبة لأنه لم يذكر
فيه أنهم صلوا ركعتي الفجر ولا دلالة فيه لأنه لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع لا سيما وقد
ثبت أنه ركعهما في حديث أبي قتادة هذا عند مسلم وسيأتي في باب مفرد لذلك في أبواب التطوع
واستدل به المهلب على أن الصلاة الوسطى هي الصبح قال لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدا
بمراقبة وقت صلاة غيرها وفيما قاله نظر لا يخفى قال ويدل على أنها هي المأمور بالمحافظة عليها أنه
صلى الله عليه وسلم لم تفته صلاة غيرها لغير عذر شغله عنها أه وهو كلام متدافع فأي عذر أبين
من النوم واستدل به على قبول خبر الواحد قال ابن بزيزة وليس هو بقاطع فيه لاحتمال أنه صلى
الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول بلال بمجرده بل بعد النظر إلى الفجر لو استيقظ مثلا وفيه جواز
تأخير قضاء الفائتة عن وقت الانتباه مثلا وقد تقدم ذلك مع بقية فوائده في باب الصعيد الطيب
من كتاب التيمم (قوله باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت) قال
الزين بن المنير إنما قال البخاري بعد ذهاب الوقت ولم يقل مثلا لمن صلى صلاة فائتة للإشعار بأن
ايقاعها كان قرب خروج وقتها لا كالفوائت التي جهل يومها أو شهرها (قوله هشام) هو
ابن أبي عبد الله الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير وأبو سلمة هو عبد الرحمن (قوله أن عمر بن الخطاب)
قد اتفق الرواة على أن هذا الحديث من رواية جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حجاج بن
نصير فإنه رواه عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير فقال فيه عن جابر عن عمر فجعله من مسند
عمر تفرد بذلك حجاج وهو ضعيف (قوله يوم الخندق) سيأتي شرح أمره في كتاب المغازي
(قوله بعد ما غربت الشمس) في رواية شيبان عن يحيى عند المصنف وذلك بعد ما أفطر الصائم
55

والمعنى واحد (قوله يسب كفار قريش) لأنهم كانوا السبب في تأخيرهم الصلاة عن وقتها إما
المختار كما وقع لعمر وإما مطلقا كما وقع لغيره (قوله ما كدت) قال اليعمري لفظة كاد من أفعال
المقاربة فإذا قلت كاد زيد يقوم فهم منها أنه قارب القيام ولم يقم قال والراجح فيها أن لا تقرن بأن
بخلاف عسى فإن الراجح فيها أن تقرن قال وقد وقع في مسلم في هذا الحديث حتى كادت الشمس
أن تغرب (قلت) وفي البخاري في باب غزوة الخندق أيضا وهو من تصرف الرواة و هل تسوغ
الرواية بالمعنى في مثل هذا أولا الظاهر الجواز لأن المقصود الإخبار عن صلاته العصر كيف
وقعت لا الإخبار عن عمر هل تكلم بالراجحة أو المرجوحة قال وإذا تقرر أن معنى كاد المقاربة
فقول عمر ما كدت أصلى العصر حتى كادت الشمس تغرب معناه أنه صلى العصر قرب غروب
الشمس لأن نفى الصلاة يقتضى إثباتها وإثبات الغروب يقتضى نفيه فتحصل من ذلك لعمر
ثبوت الصلاة ولم يثبت الغروب أه وقال الكرماني لا يلزم من هذا السياق وقوع الصلاة في
وقت العصر بل يلزم منه أن لا تقع الصلاة لأنه يقتضى أن كيدودته كانت عند كيدودتها قال
وحاصله عرفا ما صليت حتى غربت الشمس اه ولا يخفى ما بين التقريرين من الفرق وما ادعاه
من العرف ممنوع وكذا العندية للفرق الذي أوضحه اليعمري من الإثبات والنفي لأن كاد إذا
ثبتت أنفت وإذا نفت أثبتت كما قال فيها المعري ملغزا إذا نفيت والله أعلم أثبتت * وأن أثبتت قامت مقام جحود
هذا إلى ما في تعبيره بلفظ كيدودة من الثقل والله الهادي إلى الصواب فإن قيل الظاهر أن عمر
كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فكيف اختص بان أدرك صلاة العصر قبل غروب الشمس
بخلاف بقية الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم معهم فالجواب أنه يحتمل أن يكون الشغل وقع
بالمشركين إلى قرب غروب الشمس وكان عمر حينئذ متوضئا فبادر فأوقع الصلاة ثم جاء إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فأعمله بذلك في الحال التي كان النبي صلى
الله عليه وسلم فيها قد شرع يتهيأ للصلاة
ولهذا قام عند الإخبار هو وأصحابه إلى الوضوء وقد اختلف في سبب تأخير النبي صلى الله عليه
وسلم الصلاة ذلك اليوم فقيل كان ذلك نسيانا واستبعد أن يقع ذلك من الجميع ويمكن أن يستدل
له بما رواه أحمد من حديث أبي جمعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب يوم الأحزاب
فلما سلم قال هل علم رجل منكم أني صليت العصر قالوا لا يا رسول الله فصلى العصر ثم صلى المغرب
أه وفي صحة هذا الحديث نظر لأنه مخالف لما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لعمر والله
ما صليتها ويمكن الجمع بينهما بتكلف وقيل كان عمدا لكونهم شغلوه فلم يمكنوه من ذلك وهو
أقرب لا سيما وقد وقع عند أحمد والنسائي من حديث أبي سعيد أن ذلك كان قبل أن ينزل الله في
صلاة الخوف فرجالا أو ركبانا وقد اختلف في هذا الحكم هل نسخ أم لا كما سيأتي في كتاب صلاة
الخوف إن شاء الله تعالى (قوله بطحان) بضم أوله وسكون ثانيه واد بالمدينة وقيل هو
بفتح أوله وكسر ثانيه حكاه أبو عبيد البكري قوله (فصلى العصر) وقع في الموطأ من طريق
أخرى أن الذي فاتهم الظهر والعصر وفي حديث أبي سعيد الذي أشرنا إليه الظهر والعصر
والمغرب وأنهم صلوا بعد هوى من الليل وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي والنسائي أن
المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من
56

الليل ما شاء الله وفي قوله أربع تجوز لأن العشاء لم تكن فاتت قال اليعمري من الناس من
رجح ما في الصحيحين وصرح بذلك ابن العربي فقال إن الصحيح أن الصلاة التي شغل عنها واحدة
وهي العصر (قلت) ويؤيده حديث على في مسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر
قال ومنهم من جمع بأن الخندق كانت وقعته أياما فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام
قال وهذا أولى (قلت) وبقربه أن روايتي أبي سعيد وابن مسعود ليس فيهما تعرض لقصة
عمر بل فيهما أن قضاءه للصلاة وقع بعد خروج وقت المغرب وأما رواية حديث الباب ففيها
أن ذلك كان عقب غروب الشمس قال الكرماني فإن قلت كيف دل الحديث على الجماعة
(قلت) إما أنه يحتمل أن في السياق اختصارا وإما من إجراء الراوي الفائتة التي هي العصر
والحاضرة التي هي المغرب مجرى واحدا ولا شك أن المغرب كانت بالجماعة لما هو معلوم من عادته
أه وبالاحتمال الأول جزم بن المنير زين الدين فقال فإن قيل ليس فيه تصريح بأنه صلى
في جماعة أجيب بأن مقصود الترجمة مستفاد من قوله فقام وقمنا وتوضأ وتوضأنا (قلت)
الاحتمال الأول هو الواقع في نفس الأمر فقد وقع في رواية الإسماعيلي ما يقتضى أنه صلى
الله عليه وسلم صلى بهم أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن هشام بلفظ فصلى بنا العصر
وفي الحديث من الفوائد ترتيب الفوائت والأكثر على وجوبه مع الذكر لا مع النسيان وقال
الشافعي لا يجب الترتيب فيها واختلفوا فيما إذا تذكر فائتة في وقت حاضرة ضيق هل يبدأ بالفائتة
وإن خرج وقت الحاضرة أو يبدأ بالحاضرة أو يتخير فقال بالأول مالك وقال بالثاني الشافعي
وأصحاب الرأي وأكثر أصحاب الحديث وقال بالثالث أشهب وقال عياض محل الخلاف إذا
لم تكثر الصلوات الفوائت فأما إذا كثرت فلا خلاف أنه يبدأ بالحاضرة واختلفوا في حد القليل
فقيل صلاة يوم وقيل أربع صلوات وفيه جواز اليمين من غير استحلاف إذا اقتضت مصلحة من
زيادة طمأنينة أو نفى توهم وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من مكارم الأخلاق وحسن
التأني مع أصحابه وتألفهم وما ينبغي الاقتداء به في ذلك وفيه استحباب قضاء الفوائت في الجماعة
وبه قال أكثر أهل العلم إلا الليث مع أنه أجاز صلاة الجمعة جماعة إذا فاتت والإقامة الصلاة
الفائتة واستدل به على عدم مشروعية الأذان للفائتة وأجاب من اعتبره بأن المغرب كانت
حاضرة ولم يذكر الراوي الأذان لها وقد عرف من عادته صلى الله عليه وسلم الأذان للحاضرة فدل
على أن الراوي ترك ذكر ذلك لا أنه لم يقع في نفس الأمر وتعقب باحتمال أن تكون المغرب لم يتهيأ
إيقاعها إلا بعد خروج وقتها على رأى من يذهب إلى القول بتضييقه وعكس ذلك بعضهم فاستدل
بالحديث على أن وقت المغرب متسع لأنه قدم العصر عليها فلو كان ضيقا لبدأ بالمغرب ولا سيما على
قول الشافعي في قوله بتقديم الحاضرة وهو الذي قال بأن وقت المغرب ضيق فيحتاج إلى الجواب
عن هذا الحديث وهذا في حديث جابر وأما حديث أبي سعيد فلا يتأتى فيه هذا لما تقدم أن فيه
أنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد مضى هوى من الليل (قوله باب من نسي صلاة فليصل
إذا ذكر ولا يعيد إلا تلك الصلاة) قال علي بن المنير صرح البخاري بإثبات هذا الحكم مع كونه
مما اختلف فيه لقوة دليله ولكونه على وفق القياس إذ الواجب خمس صلوات لا أكثر فمن قضى
الفائتة كمل العدد المأمور به ولكونه على مقتضى ظاهر الخطاب لقول الشارع فليصلها ولم
57

يذكر زيادة وقال أيضا لا كفارة لها إلا ذلك فأستفيد من هذا الحصر أن لا يجب غير إعادتها
وذهب مالك إلى أن من ذكر بعد أن صلى صلاة أنه لم يصل التي قبلها فإنه يصلي التي ذكر ثم يصلي
التي كان صلاها مراعاة للترتيب انتهى ويحتمل أن يكون البخاري أشار بقوله ولا يعيد إلا تلك
الصلاة إلى تضعيف ما وقع في بعض طرق حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن الصلاة
حيث قال فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها فإن بعضهم زعم أن ظاهره إعادة القضية مرتين عند
ذكرها وعند حضور مثلها من الوقت الآتي ولكن اللفظ المذكور ليس نصا في ذلك لأنه يحتمل
أن يريد بقوله فليصلها عند وقتها أي الصلاة التي تحضر لا أنه يريد أن يعيد التي صلاها بعد خروج
وقتها لكن في رواية أبي داود من حديث عمران بن حصين في هذه القصة من أدرك منكم صلاة
الغداة من غد صالحا فليقض معها مثلها قال الخطابي لا أعلم أحدا قال بظاهره وجوبا قال
ويشبه أن يكون الأمر فيه للاستحباب ليحوز فضيلة الوقت في القضاء انتهى ولم يقل أحد
من السلف باستحباب ذلك أيضا بل عدوا الحديث غلطا من راويه وحكى ذلك الترمذي وغيره
عن البخاري ويؤيد ذلك ما رواه النسائي من حديث عمران بن حصين أيضا إنهم قالوا
يا رسول الله ألا نقضها لوقتها من الغد فقال صلى الله عليه وسلم لا ينهاكم الله عن الربا ويأخذه منكم
(قوله وقال إبراهيم) أي النخعي وأثره هذا موصول عند الثوري في جامعه عن منصور وغيره
عنه (قوله عن همام) هو ابن يحيى والإسناد كله بصريون (قوله من نسي صلاة فليصل)
كذا وقع في جميع الروايات بحذف المفعول ورواه مسلم عن هداب بن خالد عن همام بلفظ
فليصلها وهو أبين للمراد وزاد مسلم أيضا من رواية سعيد عن قتادة أو نام عنها وله من رواية
المثنى بن سعيد الضبعي عن قتادة نحوه وسيأتي يسير وقد تمسك بدليل الخطاب منه القائل
إن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط فيلزم منه أن من لم ينس
لا يصلي وقال من قال يقضي العامد بأن ذلك مستفاد من مفهوم الخطاب فيكون من باب التنبيه
بالأدنى على الأعلى لأنه إذا وجب القضاء على الناسي مع سقوط الإثم ورفع الحرج عنه فالعامد
أولى وادعى بعضهم أن وجوب القضاء على العامد يؤخذ من قوله نسي لأن النسيان يطلق على
الترك سواء كان عن ذهول أم لا ومنه قوله تعالى نسوا الله فأنساهم أنفسهم نسوا الله
فنسيهم قال ويقوى ذلك قوله لا كفارة لها والنائم والناسي لا إثم عليه (قلت) وهو بحث
ضعيف لأن الخبر بذكر النائم ثابت وقد قال فيه لا كفارة لها والكفارة قد تكون عن الخطأ
كما تكون عن العمد والقائل بان العامد لا يقضي لم يرد أنه أخف حالا من الناسي بل يقول إنه
لو شرع له القضاء لكان هو والناسي سواء والناسي غير مأثوم بخلاف العامد فالعامد أسوأ حالا
من الناسي فكيف يستويان ويمكن أن يقال إن إثم العامد بإخراجه الصلاة عن وقتها باق
عليه ولو قضاها بخلاف الناسي فإنه لا إثم عليه مطلقا ووجوب القضاء على العامد بالخطاب
الأول لأنه قد خوطب بالصلاة وترتبت في ذمته فصارت دينا عليه والدين لا يسقط إلا بأدائه
فيأثم بإخراجه لها عن الوقت المحدود لها ويسقط عنه الطلب بأدائها فمن أفطر في رمضان عامدا فإنه
يجب عليه أن يقضيه مع بقاء إثم الإفطار عليه والله أعلم (قوله قال موسى) أي دون أبي نعيم (قال
همام سمعته) يعني قتادة (يقول بعد) أي في وقت آخر (للذكرى) يعني أن همام سمعه من قتادة
58

مرة بلفظ للذكرى بلامين وفتح الراء بعدها ألف مقصورة ووقع عند مسلم من طريق يونس أن
الزهري كان يقرأها كذلك ومرة كان يقولها قتادة بلفظ لذكرى بلام واحدة وكسر الراء وهي
القراءة المشهورة وقد اختلف في ذكر هذه الآية هل هي من كلام قتادة أو هي من قول النبي
صلى الله عليه وسلم وفي رواية مسلم عن هداب قال قتادة وأقم الصلاة لذكرى وفي روايته من طريق
المثنى عن قتادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها
إذا ذكرها فإن الله يقول أقم الصلاة لذكرى وهذا ظاهر أن الجميع من كلام النبي صلى الله عليه
وسلم واستدل به على أن شرع من قبلنا شرع لنا لأن المخاطب بالآية المذكورة موسى عليه الصلاة
والسلام وهو الصحيح في الأصول ما لم يرد ناسخ واختلف في المراد بقوله لذكرى فقيل المعنى
لتذكرني فيها وقيل لأذكرك بالمدح وقيل إذا ذكرتها أي لتذكيري لك إياها وهذا يعضد قراءة من قرأ
للذكرى وقال النخعي اللام للظرف أي إذا ذكرتني أي إذا ذكرت أمري بعد ما نسيت وقيل لا تذكر
فيها غيري وقيل شكرا لذكرى وقيل المراد بقوله ذكري ذكر أمري وقيل المعنى إذا ذكرت الصلاة
فقد ذكرتني فإن الصلاة عبادة الله فمتى ذكرها ذكر المعبود فكأنه أراد لذكر الصلاة وقال
التوربشتي الأولى أن يقصد إلى وجه يوافق الآية والحديث وكأن المعنى أقم الصلاة لذكرها لأنه
إذا ذكرها ذكر الله تعالى أو يقدر مضاف أي لذلك صلاتي أو ذكر الضمير فيه موضع الصلاة لشرفها
(قوله وقال حبان) هو بفتح أوله والموحدة وهو بن هلال وأراد بهذا التعليق بيان سماع قتادة له
من أنس لتصريحه فيها بالتحديث وقد وصله أبو عوانة في صحيحه عن عمار بن رجاء عن حبان بن
هلال وفيه أن هماما سمعه من قتادة مرتين كما في رواية موسى (قوله باب قضاء الصلاة)
وللكشميهني الصلوات الأولى فالأولى وهذه الترجمة عبر عنها بعضهم بقوله باب ترتيب الفوائت
وقد تقدم نقل الخلاف في حكم هذه المسألة ويحيى المذكور فيه هو القطان وبقية الإسناد تقدم
قبل وأورد المتن هنا مختصرا ولا ينهض الاستدلال به لمن يقول بوجوب ترتيب الفوائت إلا إذا
قلنا إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة للوجوب اللهم إلا أن يستدل له بعموم قوله صلوا كما
رأيتموني أصلى فيقوى وقد اعتبر ذلك الشافعية في أشياء غير هذه (قوله باب ما يكره من
السمر بعد العشاء) أي بعد صلاتها قال عياض السمر رويناه بفتح الميم وقال أبو مروان بن سراج
الصواب سكونها لأنه اسم الفعل وأما بالفتح فهو اعتماد السمر للمحادثة وأصله من لون ضوء القمر
لأنهم كانوا يتحدثون فيه والمراد بالسمر في الترجمة ما يكون في أمر مباح لأن المحرم لا اختصاص
لكراهته بما بعد صلاة العشاء بل هو حرام في الأوقات كلها وأما ما يكون مستحيا فسيأتي في الباب
الذي بعده (قوله السامر من السمر الخ) هكذا وقع في رواية أبي ذر وحده واستشكل ذلك لأنه
لم يتقدم للسامر ذكر في الترجمة والذي يظهر لي أن المصنف أراد تفسير قوله تعالى سامرا تهجرون
وهو المشار إليه بقوله ههنا أي في الآية والحاصل أنه لما كان الحديث بعد العشاء يسمى السمر
والسمر والسامر مشتقان من السمر وهو يطلق على الجمع والواحد ظهر وجه مناسبة ذكر هذه
اللفظة هنا وقد أكثر البخاري من هذه الطريقة إذا وقع في الحديث لفظة توافق في القرآن
يستغنى بتفسير تلك اللفظة من القرآن وقد استقرئ للبخاري أنه إذا مر له لفظ من القرآن يتكلم
على غريبه وقد تقدم الكلام على حديث أبي برزة المذكور في هذا الباب في باب وقت العصر
59

وموضع الحاجة منه هنا قوله وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها لأن النوم قبلها قد يؤدي
إلى اخراجها عن وقتها مطلقا أو عن الوقت المختار والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح
أو عن وقتها المختار أو عن قيام الليل وكان عمر بن الخطاب يضرب الناس على ذلك ويقول أسمرا
أول الليل ونوما آخره وإذا تقرر أن علة النهى ذلك فقد يفرق فارق بين الليالي الطوال والقصار
ويمكن أن تحمل الكراهة على الاطلاق حسما للمادة لأن الشئ إذا شرع لكونه مظنة قد يستمر
فيصير مئنة والله أعلم (قوله باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء) قال علي بن
المنير الفقه يدخل في عموم الخير لكنه خصه بالذكر تنويها بذكره وتنبيها على قدره وقد روى
الترمذي من حديث عمر محسنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمر هو وأبو بكر في الأمر من
أمور المسلمين وأنا معهما (قوله حدثنا عبد الله بن صباح) هو العطار وهو بصري وكذا بقية
رجال هذا الإسناد (قوله انتظرنا الحسن) أي بن أبي الحسن البصري (قوله وراث علينا) الواو
للحال وراث بمثلثة غير مهموز أي أبطأ (قوله من وقت قيامه) أي الذي جرت عادته بالقعود
معهم فيه كل ليلة في المسجد لأخذ العلم عنه (قوله دعانا جيراننا) بكسر الجيم كأن الحسن أورد
هذا مورد الاعتذار عن تخلفه عن القعود على عادته (قوله ثم قال) أي الحسن (قال أنس
نظرنا) وفي رواية الكشميهني انتظرنا وهما بمعنى (قوله حتى كان شطر الليل) برفع شطر وكان
تامة وقوله يبلغه أي يقرب منه (قوله ثم خطبنا) هو موضع الترجمة لما قررناه من أن المراد
بقوله بعدها أي بعد صلاتها وأورد الحسن ذلك لأصحابه مؤنسا لهم ومعرفا أنهم وإن كان فاتهم
الأجر على ما يتعلمونه منه في تلك الليلة على ظنهم فلم يفتهم الأجر مطلقا لأن منتظر الخير في خير
فيحصل له الأجر بذلك والمراد أن يحصل لهم الخير في الجملة لا من جميع الجهات وبهذا يجاب عمن
استشكل قوله إنهم في صلاة مع أنهم جائز لهم الأكل والحديث وغير ذلك واستدل الحسن على
ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه آنس أصحابه بمثل ذلك ولهذا قال الحسن بعد وإن القوم
لا يزالون بخير ما انتظروا الخير (قوله قال قرة هو من حديث أنس) يعني الكلام الأخير وهذا هو
والذي يظهر لي لأن الكلام الأول ظاهر في كونه عن النبي صلى الله عليه وسلم والأخير هو الذي
لم يصرح الحسن برفعه ولا بوصله فأراد قرة الذي اطلع على كونه في نفس الأمر موصولا مرفوعا
أن يعلم من رواه عنه بذلك * (تنبيه) * أخرج مسلم وابن خزيمة في صحيحيهما عن عبد الله بن الصباح
شيخ البخاري بإسناد هذا حديثا خالفا البخاري فيه في بعض الإسناد والمتن فقالا عن أبي على
الحنفي عن قرة بن خالد عن قتادة عن أنس قال نظرنا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة حتى كان قريبا
من نصف الليل قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى قال فكأنما أنظر إلى وبيص خاتمه حلقة
فضة انتهى وأخرجه الإسماعيلي في مستخرجه عن عمر بن سهل عن عبد الله بن الصباح كذلك
من رواية قرة عن قتادة ولم يصب في ذلك فإن الذي يظهر لي أنه حديث آخر كان عند أبي على الحنفي
عن قرة أيضا وسمعه منه عبد الله بن الصباح كما سمع منه الحديث الآخر عن قرة عن الحسن ويدل
على ذلك أن في كل من الحديثين ما ليس في الآخر وقد أورد أبو نعيم في مستخرجه الحديثين
من الطريقين فأورد حديث قرة عن قتادة من طرق منها عن يزيد بن عمر عن أبي على الحنفي
وحديث قرة عن الحسن من رواية حجاج بن نصير عن قرة وهو في التحقيق حديث واحد عن أنس
60

اشترك الحسن وقتادة في سماعه منه فاقتصر الحسن على موضع حاجته منه فلم يذكر قصة الخاتم
وزاد مع ذلك على قتادة ما لم يذكره والله أعلم (قوله وأبو بكر بن أبي حثمة) نسبة إلى جده وهو أبو
بكر بن سليمان بن أبي حثمة وقد تقدم كذلك في باب السمر بالعلم من كتاب العلم وتقدم الكلام على
حديث بن عمر هناك (قوله فوهل الناس) أي غلطوا أو توهموا أو فزعوا أو نسوا والأول
أقرب هنا وقيل وهل بالفتح بمعنى وهم بالكسر ووهل بالكسر مثله وقيل بالفتح غلط وبالكسر
فزع (قوله في مقالة) وفي رواية المستملى والكشميهني من مقالة (قوله إلى ما يتحدثون
في هذه) وفي رواية الكشميهني من هذه (قوله عن مائة سنة) لأن بعضهم كان يقول إن الساعة
تقوم عند تقضى مائة سنة كما روى ذلك الطبراني وغيره من حديث أبي مسعود البدري ورد ذلك
عليه علي بن أبي طالب وقد بين بن عمر في هذا الحديث مراد النبي صلى الله عليه وسلم وأن مراده
أن عند انقضاء مائة سنة من مقالته تلك ينخرم ذلك القرن فلا يبقى أحد ممن كان موجودا حال تلك
المقالة وكذلك وقع بالاستقراء فكان آخر من ضبط أمره ممن كان موجودا حينئذ أبو الطفيل
عامر بن واثلة وقد أجمع أهل الحديث على أنه كان آخر الصحابة موتا وغاية ما قيل فيه إنه بقي إلى
سنة عشر ومائة وهي رأس مائة سنة من مقالة النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم قال النووي
وغيره احتج البخاري ومن قال بقوله بهذا الحديث على موت الخضر والجمهور على خلافه
وأجابوا عنه بان الخضر كان حينئذ من ساكني البحر فلم يدخل في الحديث قالوا ومعنى الحديث
لا يبقى ممن ترونه أو تعرفونه فهو عام أريد به الخصوص وقيل احترز بالأرض عن الملائكة
وقالوا خرج عيسى من ذلك وهو حي لأنه في السماء لا في الأرض وخرج إبليس لأنه على الماء أو في
الهواء وأبعد من قال إن اللام في الأرض عهدية والمراد أرض المدينة والحق أنها للعموم
وتتناول جميع بني آدم وأما من قال المراد أمه محمد سواء أمة الإجابة وأمة الدعوة وخرج عيسى
والخضر لأنهما ليسا من أمته فهو قول ضعيف لأن عيسى يحكم بشريعته فيكون من أمته
والقول في الخضر إن كان حيا كالقول في عيسى والله أعلم (قوله باب السمر مع الأهل
والضيف) قال علي بن المنير ما محصله اقتطع البخاري هذا الباب من باب السمر في الفقه والخير
لانحطاط رتبته عن مسمى الخير لأن الخير متمحض للطاعة لا يقع على غيرها وهذا النوع من
السمر خارج عن أصل الضيافة والصلة المأمور بهما فقد يكون مستغنى عنه في حقهما فيلتحق
بالسمر الجائز أو المتردد بين الإباحة والندب ووجه الاستدلال من حديث عبد الرحمن بن أبي
بكر المذكور في الباب اشتغاله أبي بكر بعد صلاة العشاء بمجيئه إلى بيته ومراجعته لخبر
الأضياف واشتغاله بما دار بينهم وذلك كله في معنى السمر لأنه سمر مشتمل على مخاطبة وملاطفة
ومعاتبة انتهى (قوله كانوا أناسا) للكشميهني كانوا ناسا (قوله فهو أنا وأبي) زاد الكشميهني
وأمي وللمستملي فهو وأنا وأمي (قوله ثم لبث حيث صليت العشاء) في رواية الكشميهني حتى بدل
61

حيث (قوله ففرقنا) أي جعلنا فرقا وسنذكر فوائد هذا الحديث وما اشتمل عليه من الأحكام
وغيرها في علامات النبوة مفصلا إن شاء الله تعالى * (خاتمة) * اشتمل كتاب المواقيت
على مائة حديث وسبعة عشر حديثا المعلق من ذلك ستة وثلاثون حديثا والباقي موصول
الخالص منها ثمانية وأربعون حديثا والمكرر منها فيه وفيما تقدم تسعة وستون حديثا وافقه
مسلم على جميعها سوى ثلاثة عشر حديثا وهي حديث أنس في السجود على الظهائر وقد أخرج
معناه وحديثه ما أعرف شيئا وحديثه في المعنى هذه الصلاة قد ضيعت وحديث ابن عمر أبردوا
وكذا حديث أبي سعيد وحديث ابن عمر إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم وحديث أبي موسى مثل
المسلمين واليهود وحديث أنس كنا نصلي العصر وقد اتفقا على أصله وحديث عبد الله بن مغفل
لا يغلبكم الأعراب وحديث ابن عباس لولا أن أشق وحديث سهل بن سعد كنت أتسحر
وحديث معاوية في الركعتين بعد العصر وحديث أبي قتادة في النوم عن الصبح على أن مسلما
أخرج أصل الحديث من وجه آخر لكن بينا في الشرح أنهما حديثان لقصتين والله أعلم وفيه
من الآثار الموقوفة ثلاثة آثار والله سبحانه وتعالى أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب أبواب الأذان
الأذن لغة الإعلام قال الله تعالى وأذان من الله ورسوله واشتقاقه من الأذان بفتحتين وهو
الاستماع وشرعا الإعلام يوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة قال القرطبي وغيره الأذان على قلة
ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله ثم ثنى
بالتوحيد ونفى الشريك ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة
عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم
وفيه الإشارة إلى المعاد ثم أعاد ما أعاد توكيدا ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت والدعاء
إلى الجماعة وإظهار شعائر الإسلام والحكمة في اختيار القول له دون الفعل سهولة القول وتيسره
لكل أحد في كل زمان ومكان واختلف أيما أفضل الأذان أو الإمامة ثالثها أن علم من نفسه
القيام بحقوق الإمامة فهي أفضل وإلا فالأذان وفي كلام الشافعي ما يومئ إليه واختلف أيضا
في الجمع بينهما فقيل يكره وفي البيهقي من حديث جابر مرفوعا النهى عن ذلك لكن سنده
ضعيف وصح عن عمر لو أطيق الأذان مع الخلافة لأذنت رواه سعيد بن منصور وغيره وقيل هو
خلاف الأولى وقيل يستحب وصححه النووي (قوله باب بدء الأذان) أي ابتدائه
وسقط لفظ باب من رواية أبي ذر وكذلك سقطت البسملة من رواية القابسي وغيره (قوله
وقول الله عز وجل وإذا ناديتم إلى الصلاة الآية) يشير بذلك إلى أن ابتداء الأذان كان بالمدينة
وقد ذكر بعض أهل التفسير أن اليهود لما سمعوا الأذان قالوا لقد ابتدعت يا محمد شيئا لم يكن فيما
مضى فنزلت وإذا ناديتم إلى الصلاة الآية (قوله وقوله تعالى إذا نودي الولاء من يوم الجمعة) يشير
بذلك أيضا إلى الابتداء لأن ابتداء الجمعة إنما كان بالمدينة كما سيأتي في بابه واختلف في السنة التي
فرض فيها فالراجح أن ذلك كان في السنة الأولى وقيل بل كان في السنة الثانية وروى عن بن
عباس أن فرض الأذان نزل مع هذه الآية أخرجه أبو الشيخ * (تنبيه) * الفرق بين ما في الآيتين
من التعدية بإلى واللام أن صلات الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام فقصد في الأولى
62

معنى الانتهاء وفي الثانية معنى الاختصاص قاله الكرماني ويحتمل أن تكون اللام بمعنى إلى
أو العكس والله أعلم وحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب ظاهر في أن الأذان إنما شرع
بعد الهجرة فإنه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقا وقوله في آخره يا بلال قم فناد بالصلاة
كان ذلك قبل رؤيا عبد الله بن زيد وسياق حديثه يدل على ذلك كما أخرجه ابن خزيمة
وابن حبان من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن
زيد بن عبد ربه قال حدثني عبد الله بن زيد فذكر نحو حديث ابن عمر وفي آخره فبينما هم على ذلك
أرى عبد الله النداء فذكر الرؤيا وفيها صفة الأذان لكن بغير ترجيع وفيه تربيع التكبير
وإفراد اشتراط وتثنية قد قامت الصلاة وفي آخره قوله صلى الله عليه وسلم أنها لرؤيا حق إن شاء
الله تعالى فقم مع بلال فألقها عليه فإنه أندى صوتا منك وفيه مجئ عمر وقوله إنه رأى مثل ذلك
وقد أخرج الترمذي في ترجمة بدء الأذان حديث عبد الله بن زيد مع حديث عبد الله بن عمر وإنما
لم يخرجه البخاري لأنه على غير شرطه وقد روى عن عبد الله بن زيد من طرق وحكى ابن خزيمة
عن الذهلي أنه ليس في طرقه أصح من هذا لطريق وشاهده حديث عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلا ومنهم من وصله عن سعيد عن عبد الله بن زيد والمرسل
أقوى إسنادا ووقع في الأوسط للطبراني أن أبا بكر أيضا رأى الأذان ووقع في الوسيط للغزالي أنه رآه
بضعة عشر رجلا بحال الجيلي في شرح التنبيه أربعة عشر رجلا وأنكره بن الصلاح ثم
النووي ونقل مغلطاي أن في بعض كتب الفقهاء أنه رآه سبعة ولا يثبت شئ من ذلك الا لعبد الله
ابن زيد وقصة عمر جاءت في بعض طرقه وفي مسند الحارث بن أبي أسامة بسند واه قال أول من أذن
بالصلاة جبريل في سماء الدنيا فسمعه عمر وبلال فسبق عمر بلالا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء
بلال فقال له سبقك بها عمر * (فائدتان) * الأولى وردت أحاديث أخذت على أن الأذان شرع بمكة
قبل الهجرة منها للطبراني من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال لما أسري بالنبي صلى الله
عليه وسلم أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعله بلالا وفي إسناده طلحة بن زيد وهو متروك
وللدارقطني في الأطراف من حديث أنس أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان حين
فرضت الصلاة وإسناده ضعيف أيضا ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعا لما أسرى بي
أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلي بهم فقدمني فصليت وفيه من لا يعرف وللبزار وغيره من
حديث على قال لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها
فذكر الحديث وفيه إذ خرج ملك من وراء الحجاب فقال الله أكبر الله أكبر وفي آخره ثم أخذ الملك
بيده فأم بأهل السماء وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضا ويمكن على تقدير
الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة وأما قول القرطبي لا يلزم من كونه
سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه ففيه نظر لقوله في أوله لما أراد الله أن يعلم رسوله
الأذان وكذا قول المحب الطبري يحمل الأذان ليلة الإسراء على المعنى اللغوي وهو الإعلام ففيه
نظر أيضا لتصريحه بكيفيته المشروعة فيه والحق أنه لا يصح شئ من هذه الأحاديث وقد جزم ابن
المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة
وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث عبد الله بن زيد انتهى
وقد حاول السهيلي الجمع بينهما فتكلف وتعسف والأخذ بما صح أولى فقال بانيا على صحة
الحكمة في مجئ الأذان على لسان الصحابي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فوق سبع سماوات
63

وهو أقوى من الوحي فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت فرأى
الصحابي المنام فقصها فوافقت ما كان النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فقال أنها لرؤيا حق بعدم
حينئذ أن مراد الله بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض وتقوى ذلك بموافقة عمر لأن
السكينة تنطق على لسانه والحكمة أيضا في إعلام الناس به على غير لسانه صلى الله عليه وسلم
التنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفخم لشأنه انتهى ملخصا والثاني
حسن بديع ويؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا عبد الله بن زيد حتى أضيف عمر للتقوية التي ذكرها
لكن قد يقال فلم لا أقتصر على عمر فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة وقد جاء في رواية ضعيفة
سبقت ما ظاهره أن بلالا أيضا رأى لكنها مؤولة فإن لفظها سبقك بها بلال فيحمل المراد بالسبق
على مباشرة التأذين برؤيا عبد الله بن زيد ومما كثر السؤال عنه هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم
الأذان بنفسه وقد وقع عند السهيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في سفر وصلى بأصحابه وهم
على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم أخرجه الترمذي من طريق تدور على عمر بن
الرماح يرفعه إلى أبي هريرة أه وليس هو من حديث أبي هريرة وإنما هو من حديث يعلى بن مرة
وكذا جزم النووي بان النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر وعزاه للترمذي وقواه ولكن
وجدناه في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه فأمر بلالا فأذن فعرف أن في
رواية الترمذي اختصار وأن معنى قوله أذن أمر بلالا به كما يقال أعطى ناحية العالم الفلاني
ألفا وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمرا به ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه
أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد الله بن الزبير قال أخذ الأذان من أذان إبراهيم وأذن في
الناس الحنفية الآية قال فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه
مجاهيل أن جبريل نادى بالأذان لآدم حين أهبط من الجنة (الفائدة الثانية) قال الزين بن المنير
أعرض البخاري عن التصريح بحكم الأذان لعدم إفصاح الآثار الواردة فيه عن حكم معين
فأثبت مشروعيته وسلم من الاعتراض وقد اختلف في ذلك ومنشأ الاختلاف أن مبدأ الأذان
لما كان عن مشورة أوقعها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره
كان ذلك بالمندوبات أشبه ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل أنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في
تركه كان ذلك بالواجبات أشبه انتهى وسيأتي بقية الكلام على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى (قوله
حدثنا عبد الوارث) هو ابن سعيد وخالد هو الحذاء كما ثبت في رواية كريمة والإسناد كله بصريون
(قوله ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى) كذا ساقه عبد الوارث مختصرا و رواية
عبد الوهاب الآتية في الباب الذي بعده أوضح قليلا حيث قال لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا
وقت الصلاة بشئ يعرفونه فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا وأوضح من ذلك رواية
روح بن عطاء عن خالد عند أبي الشيخ ولفظه فقالوا لو اتخذنا ناقوسا فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذاك للنصارى فقالوا لو اتخذنا بوقا فقال ذاك لليهود فقالوا لو رفعنا نارا فقال ذاك
للمجوس فعلى هذا ففي رواية عبد الوارث اختصار كأنه كان فيه ذكروا النار والناقوس والبوق
فذكروا اليهود والنصارى والمجوس واللف والنشر فيه معكوس فالنار للمجوس والناقوس
للنصارى والبوق لليهود وسيأتي في حديث ابن عمر التنصيص على أن البوق لليهود وقال
الكرماني يحتمل أن تكون النار والبوق جميعا لليهود جمعا بين حديثي أنس وابن عمر انتهى ورواية
64

روح تغنى عن هذا الاحتمال (قوله فأمر بلال) هكذا في معظم الروايات على البناء للمفعول وقد
اختلف أهل الحديث وأهل الأصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع والمختار عند محققي الطائفتين
أنها تقتضيه لأن الظاهر أن المراد بالأمر من له الأمر الشرعي الذي يلزم أتباعه وهو الرسول
صلى الله عليه وسلم ويؤيد ذلك هنا من حيث المعنى أن التقرير في العبادة إنما يؤخذ عن توقيف
فيقوى جانب الرفع جدا وقد وقع في رواية روح بن عطاء المذكورة فأمر بلالا بالنصب وفاعل
أمر هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين في سياقه وأصرح من ذلك رواية النسائي وغيره عن
قتيبة عن عبد الوهاب بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا قال الحاكم صرح برفعه إمام
الحديث بلا مدافعة قتيبة (قلت) ولم ينفرد به فقد أخرجه أبو عوانة من طريق مروان المروزي
عن قتيبة ويحي بن معين كلاهما عن عبد الوهاب وطريق يحيى عند الدارقطني أيضا ولم ينفرد به
عبد الوهاب وقد رواه البلاذري من طريق بن شهاب الحناط عن أبي قلابة وقضية وقوع ذلك
عقب المشاورة في أمر النداء إلى الصلاة ظاهر في أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم
لا غيره كما استدل به ابن المنذر وابن حبان واستدل بورود الأمر به من قال بوجوب الأذان وتعقب
بأن الأمر إنما ورد بصفة الأذان لا بنفسه وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفة لزم أن يكون الأصل
مأمورا به قال ابن دقيق العيد وممن قال بوجوبه مطلقا الأوزاعي وداود وابن المنذر وهو ظاهر
قول مالك في الموطأ وحكى عن محمد بن الحسن وقيل واجب في الجمعة فقط وقيل فرض كفاية
والجمهور على أنه من السنن المؤكدة وقد تقدم ذكر منشأ الخلاف في ذلك وأخطأ من استدل على
عدم وجوبه بالإجماع لما ذكرناه والله أعلم (قوله أن بن عمر كان يقول) في رواية مسلم عن عبد
الله بن عمر أنه قال (قوله حين قدموا المدنية) أي من مكة في الهجرة (قوله فيتحينون) بحاء
الركعة بعدها مثناة تحتانية ثم نون أي يقدرون أحيانها ليأتوا إليها والحين الوقت والزمان (قوله
ليس ينادي لها) بفتح الدال على البناء للمفعول قال بن مالك فيه جواز استعمال ليس حرفا
لا اسم لها ولا خبر وقد أشار إليه سيبويه ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن والجملة بعدها خبر
قلت ورواية مسلم تؤيد ذلك فإن يسير ليس ينادي بها أحد (قوله فتكلموا يوما في ذلك فقال
بعضهم اتخذوا) لم يقع لي تعين المتكلمين في ذلك واختصر الجواب في هذه الرواية ووقع لابن
ماجة من وجه آخر عبن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس لما يجمعهم إلى الصلاة
فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى وقد
تقدمت رواية روح بن عطاء نحوه وفي الباب عن عبد الله بن زيد عند أبي الشيخ وعند أبي عمير بن
أنس عن عمومته عن سعيد بن منصور (قوله بل بوقا) أي بل اتخذوا بوقا ووقع في بعض النسخ بل
قرنا وهي رواية مسلم والنسائي والبوق والقرن معروفان والمراد أنه ينفخ فيه فيجتمعون عند
سماع صوته وهو من شعار اليهود ويسمى أيضا الشبور بالشين المعجمة المفتوحة والموحدة
المضمومة الثقيلة (قوله فقال عمر أو لا) الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر كما في نظائره
قال الطيبي الهمزة إنكار للجملة الأولى أي المقدرة وتقرير للجملة الثانية (قوله رجلا) زاد
الكشميهني منه (قوله ينادي) قال القرطبي يحتمل أن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر برؤياه
وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم بادر عمر فقال أو لا تبعثون رجلا ينادي أي يؤذن للرؤيا المذكورة
فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم يا بلال فعلى هذا فالفاء في سياق حديث ابن عمر هي الفصيحة
والتقدير فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه فصدقه
65

فقال عمر (قلت) وسياق حديث عبد الله بن زيد يخالف ذلك فإن فيه أنه لما قص رؤياه على النبي
صلى الله عليه وسلم فقال له ألقها على بلال فليؤذن بها قال فسمع عمر الصوت فخرج فأتى النبي صلى
الله عليه وسلم فقال لقد رأيت مثل الذي رأى فدل على أن عمر لم يكن حاضرا لما قص عبد الله ابن زيد
رؤياه والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي الولاء كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه
وأن رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك والله أعلم وقد أخرج أبو داود بسند صحيح إلى أبي عمير بن
أنس عن عمومته من الأنصار قالوا اهتم النبي صلى الله عليه وسلم الولاء كيف يجمع الناس
لها فقال انصب راية عند حضور وقت الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا فلم يعجبه الحديث
وفيه ذكروا القنع بضم القاف وسكون النون يعني البوق وذكروا الناقوس فانصرف عبد الله
ابن زيد وهو مهتم فأرى الأذان فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وكان عمر رآه قبل
ذلك فكتمه عشرين يوما ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما منعك أن تخبرنا قال سبقني
عبد الله بن زيد فاستحييت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فأنظر ما يأمرك به عبد الله
ابن زيد فافعله ترجم له أبو داود بدء الأذان وقال أبو عمر بن عبد البر روى قصة عبد الله بن زيد
جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة وهي من وجوه حسان وهذا أحسنها (قلت)
وهذا لا يخالفه ما تقدم أن عبد الله بن زيد لما قص منامه فسمع عمر الأذان فجاء فقال قد رأيت
لأنه يحمل على أنه لم يخبر بذلك عقب إخبار عبد الله بل متراخيا عنه لقوله ما منعك أن تخبرنا
أي عقب إخبار عبد الله فاعتذر بالاستحياء فدل على أنه لم يخبر بذلك على الفور وليس في حديث
أبي عمير التصريح بأن عمر كان حاضرا عند قص عبد الله رؤياه بخلاف ما وقع في روايته التي
ذكرتها فسمع عمر الصوت فخرج فقال فإنه صريح في أنه لم يكن حاضرا عند قص عبد الله والله أعلم
(قوله فناد بالصلاة) في رواية الإسماعيلي فأذن بالصلاة قال عياض المراد الإعلام المحض
بحضور وقتها لا خصوص الأذان المشروع وأغرب القاضي أبو بكر بن العربي فحمل قوله أذن
على الأذان المشروع وطعن في صحة حديث بن عمر وقال عجبا لأبي عيسى كيف صححه والمعروف
أن شرع الأذان إنما كان برؤيا عبد الله بن زيد انتهى ولا تدفع الأحاديث الصحيحة بمثل هذا
مع إمكان الجمع كما قدمناه وقد قال بن منده في حديث بن عمر إنه مجمع على صحته (قوله يا بلال
قم) قال عياض وغيره فيه حجة لشرع الأذان قائما قلت وكذا احتج بن خزيمة وابن المنذر
وتعقبه النووي بأن المراد بقوله قم أي أذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس قال
وليس فيه تعرض القيام في حال الأذان انتهى وما نفاه ليس ببعيد من ظاهر اللفظ فإن الصيغة
محتملة للأمرين وإن كان ما قاله أرجح ونقل عياض أن مذهب العلماء كافة أن الأذان
قاعدا لا يجوز إلا أبا ثور ووافقه أبو الفرج المالكي وتعقب بأن الخلاف معروف عند الشافعية
وبأن المشهور عند الحنفية كلهم أن القيام سنة وأنه لو أذن قاعدا صح والصواب ما قال ابن
المنذر أنهم اتفقوا على أن القيام من السنة فائدة كان اللفظ الذي ينادي به بلال الصلاة
قوله الصلاة جامعة أخرجه ابن سعد في الطبقات من مراسيل سعيد بن المسيب وظن بعضهم
أن بلالا حينئذ إنما أمر بالأذان المعهود فذكر مناسبة اختصاص بلال بذاك دون غيره لكونه
كان لما عذب ليرجع عن الإسلام فيقول أحد أحد فجوزي بولاية الأذان المشتملة على التوحيد
في ابتدائه وانتهائه وهي مناسبة حسنة في اختصاص بلال بالأذان إلا أن هذا الموضع ليس هو
محلها وفي حديث ابن عمر دليل على مشروح علية طلب الأحكام من المعاني المستنبطة دون
66

الاقتصار على الظواهر قاله ابن العربي وعلى مراعاة المصالح والعمل بها وذلك أنه لما شق عليهم
التبكير إلى الصلاة فتفوتهم أشغالهم أو التأخير فيفوتهم وقت الصلاة نظروا في ذلك وفيه
مشروعية التشاور في الأمور المهمة وأنه لا حرج على أحد من المتشاورين إذا أخبر بما أدى
إليه اجتهاده وفيه منقبة ظاهرة لعمر وقد استشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد
لأن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي وأجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك أو لأنه صلى الله
عليه وسلم أمر بمقتضاها لينظر أيقر على ذلك أم لا ولا سيما لما رأى نظمها يبعد دخول الوسواس
فيه وهذا ينبنى على القول بجواز اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأحكام وهو المنصور في
الأصول ويؤيد الأول ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل من طريق عبيد بن عمير الليثي
أحد كبار التابعين أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد
بذلك فما راعه إلا أذان بلال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم سبقك بذلك الوحي وهذا أصح
مما حكى الداودي عن بن إسحاق أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان قبل أن يخبره
عبد الله بن زيد وعمر بثمانية أيام وأشار السهيلي إلى أن الحكمة في ابتداء شرع الأذان على اختلفوا
غير النبي صلى الله عليه وسلم التنويه بعلو قدره على اختلفوا غيره ليكون أفخم لشأنه والله أعلم
(قوله باب الأذان مثنى) في رواية الكشميهني مثنى مثنى أي مرتين مرتين
ومثنى معدول عن اثنين اثنين وهو بغير تنوين فتحمل رواية الكشميهني على التوكيد لأن الأول
يفيد تثنية كل لفظ من ألفاظ الأذان والثاني يؤكد ذلك * (فائدة) * ثبت لفظ هذه
الترجمة في حديث لابن عمر مرفوع أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده فقال فيه مثنى مثنى
وهو عند أبي داود والنسائي وصححه بن خزيمة وغيره من هذا الوجه لكن بلفظ مرتين مرتين
(قوله عن سماك بن عطية) هو بصري ثقة روى عن أيوب وهو من أقرانه وقد روى حماد بن زيد
عنهما جميعا وقال مات سماك قبل أيوب ورجال إسناده كلهم بصريون (قوله أن يشفع) بفتح أوله
وفتح الفاء أي يأتي بألفاظه شفعا قال الزين بن المنير وصف الأذان بأنه شفع يفسره قوله مثنى
مثنى أي مرتين مرتين وذلك يقتضى أن تستوي جميع ألفاظه في ذلك لكن لم يختلف في أن كلمة
التوحيد التي في آخره مفردة فيحمل قوله مثنى على ما سواها وكأنه أراد بذلك تأكيد مذهبه في
ترك تربيع التكبير في أوله لكن لمن قال بالتربيع أن يدعي وكما ما ادعاه لثبوت الخبر بذلك
وسيأتي في اشتراط توجيه يقتضى أن القائل به لا يحتاج إلى دعوى التخصيص (قوله وأن يوتر
الإقامة إلا الإقامة) المراد بالمنفى غير المراد بالمثبت فالمراد بالمثبت جميع الألفاظ المشروعة عند
القيام إلى الصلاة والمراد بالمنفى خصوص قوله قد قامت الصلاة كما سيأتي ذلك صريحا وحصل
من ذلك جناس تام * (تنبية) * ادعى بن منده أن قوله إلا اشتراط من قول أيوب غير مسند كما في
رواية إسماعيل بن إبراهيم وأشار إلى أن في رواية سماك بن عطية هذه إدراجا وكذا قال أبو محمد
الأصيلي قوله إلا الإقامة هو من قول أيوب وليس من الحديث وفيما قالاه نظر لأن عبد الرزاق
رواه عن معمر عن أيوب بسنده متصلا بالخبر مفسرا ولفظه كان بلال يثني الأذان ويوتر الإقامة
إلا قوله قد قامت الصلاة وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج في مسنده وكذا هو في مصنف
عبد الرزاق وللإسماعيلي من هذا الوجه ويقول قد قامت الصلاة مرتين والأصل أن ما كان
67

في الخبر فهو منه حتى يقوم دليل على خلافه ولا دليل في رواية إسماعيل لأنه إنما يتحصل منها أن
خالدا كان لا يذكر الزيادة وكان أيوب يذكرها وكل منهما روى الحديث عن أبي قلابة عن أنس
فكان في رواية أيوب زيادة من حافظ فتقبل والله أعلم وقد استشكل عدم استثناء التكبير
في الإقامة وأجاب بعض الشافعية بأن التثنية في تكبيرة الإقامة بالنسبة إلى الأذان إفراد قال
النووي ولهذا يستحب أن يقول المؤذن كل تكبيرتين بنفس واحد (قلت) وهذا إنما يتأتى
في أول الأذان لا في التكبير الذي في آخره وعلى ما قال النووي ينبغي للمؤذن أن يفرد كل تكبيرة
من اللتين في آخره بنفس ويظهر بهذا التقرير ترجيح قول من قال بتربيع التكبير في أوله على
من قال بتثنيته مع أن لفظ الشفع يتناول التثنية والتربيع فليس في لفظ حديث الباب
ما يخالف ذلك بخلاف ما يوهمه كلام ابن بطال وأما الترجيع في التشهدين فالأصح في صورته
أن يشهد بالوحدانية ثنتين ثم بالرسالة ثنتين ثم يرجع فيشهد كذلك فهو وإن كان في العدد مربعا
فهو في الصورة مثنى والله أعلم (قوله حدثني محمد وهو ابن سلام) كذا في رواية أبي ذر وأهمله
الباقون (قوله حدثني عبد الوهاب الثقفي) في رواية كريمة أخبرنا وفي رواية الأصيلي حدثنا وليس في
رواية كريمة الثقفي (قوله حدثنا خالد) كذا لأبي ذر والأصيلي ولغيرهما أخبرنا (قوله قال لما كثر
الناس قال ذكروا) قال الثانية زائدة ذكرت تأكيدا (قوله أن يعلموا) بضم أوله من الإعلام وفي
رواية كريمة بفتح أوله من العلم (قوله أن يوروا نارا) أي يوقدوها يقال وري الزند إذا خرجت ناره وأوريته إذا أخرجته ووقع في رواية مسلم أن ينوروا نارا أي يظهروا نورها والناقوس
خشبة تضرب بخشبة أصغر منها فيخرج منها صوت وهو من شعار النصارى (قوله وأن يوتر
الإقامة) احتج به من قال بإفراد قوله قد قامت الصلاة والحديث الذي قبله حجة عليه لما قدمناه فإن
احتج بعمل أهل المدينة عورض بعمل أهل مكة ومعهم الحديث الصحيح (قوله باب
الإقامة واحدة) قال الزين بن المنير خالف البخاري لفظ الحديث في الترجمة فعدل عنه إلى قوله
واحدة لأن لفظ الوتر غير منحصر في المرة فعدل عن لفظ فيه الاشتراك إلى ما لا اشتراك فيه (قلت)
وإنما لم يقل واحدة واحدة مراعاة للفظ الخبر الوارد في ذلك وهو عند ابن حبان في حديث ابن عمر
الذي أشرت إليه في الباب الماضي ولفظه الأذان مثنى والإقامة واحدة وروى الدارقطني
وحسنه في حديث لأبي محذورة وأمره أن يقيم واحدة واحدة (قوله إلا قوله قد قامت الصلاة)
هو لفظ معمر عن أيوب كما تقدم قيل واعترضه الإسماعيلي بأن إيراد حديث سماك ابن عطية في
هذا الباب أولى من إيراد حديث بن علية والجواب أن المصنف قصد رفع توهم من يتوهم أنه
موقوف على أيوب لأنه أورده في مقام الاحتجاج به ولو كان عنده مقطوعا لم يحتج به (قوله حدثنا
خالد) هو الحذاء كما تقدم والإسناد كله بصريون (قوله قال إسماعيل) هو ابن إبراهيم المذكور في
أول الإسناد وهو المعروف بابن علية وليس هو معلقا (قوله فذكرت) كذا للأكثر بحذف
المفعول وللكشميهني والأصيلي فذكرته أي حديث خالد وهذا الحديث حجة على من زعم أن
الإقامة مثنى مثل الأذان وأجاب بعض الحنفية بدعوى النسخ وأن إفراد الإقامة كان أولا ثم
نسخ بحديث أبي محذورة يعني الذي رواه أصحاب السنن وفيه تثنية الإقامة وهو متأخر عن
حديث أنس فيكون ناسخا وعورض بأن في بعض طرق حديث أبي محذورة المحسنة التربيع
68

والترجيع فكان يلزمهم القول به وقد أنكر أحمد على من ادعى النسخ بحديث أبي محذورة واحتج
بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع بعد الفتح إلى المدينة وأقر بلالا على إفراد الإقامة وعلمه سعد
القرظ فأذن به بعده كما رواه الدارقطني والحاكم وقال ابن عبد البر ذهب أحمد وإسحق وداود
وابن جرير إلى أن ذلك من الاختلاف المباح فإن ربع التكبير الأول في الأذان أو ثناه أو رجع في
التشهد أو لم يرجع أو ثنى الإقامة أو أفردها كلها أو إلا قد قامت الصلاة فالجميع جائز وعن ابن
خزيمة إن ربع الأذان ورجع فيه ثنى الإقامة وإلا أفردها وقيل لم يقل بهذا التفصيل أحد قبله
والله أعلم * (فائدة) * قيل الحكمة في تثنية الأذان وإفراد الإقامة أن الأذان لإعلام
الغائبين فيكرر ليكون أوصل إليهم بخلاف الإقامة فإنها للحاضرين ومن ثم استحب أن
يكون الأذان في مكان عال بخلاف الإقامة وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في
الإقامة وأن يكون الأذان مرتلا والإقامة مسرعة وكرر قد قامت الصلاة لأنها المقصودة
من الإقامة بالذات (قلت) توجيهه ظاهر وأما قول الخطابي لو سوى بينهما ورؤساء هم الأمر عند ذلك
وصار لأن يفوت كثيرا من الناس صلاة الجماعة ففيه نظر لأن الأذان يستحب أن يكون على
مكان عال لتشترك الاسماع كما تقدم وقد تقدم الكلام على تثنية التكبير وتؤخذ حكمة
الترجيع مما تقدم وإنما اختص بالتشهد لأنه أعظم ألفاظ الأذان والله أعلم (قوله باب
فضل التأذين) راعي المصنف لفظ التأذين لوروده في حديث الباب وقال الزين بن المنير التأذين
يتناول جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة وحقيقة الأذان تعقل بدون ذلك كذا
قال والظاهر أن التأذين هنا أطلق بمعنى الأذان لقوله في الحديث حتى لا يسمع التأذين وفي
رواية لمسلم حتى لا يسمع صوته فالتقييد بالسماع لا يدل على فعل ولا على هيئة مع أن ذلك هو
الأصل في المصدر (قوله إذا نودي الصلاة) وللنسائي عن قتيبة عن مالك بالصلاة وهي رواية لمسلم
أيضا ويمكن حملها على معنى واحد (قوله له ضراط) جملة اسمية وقعت حالا بدون واو
لحصول الارتباط بالضمير وفي رواية الأصيلي وله ضراط وهي للمصنف من وجه آخر فبدء الخلق
قال عياض يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم متغذ يصح منه خروج الريح ويحتمل أنها عبارة عن
شدة نفاره ويقويه رواية لمسلم له حصاص بمهملات مضموم الأول فقد فسره الأصمعي وغيره
بشدة العدو قال الطيبي العطار شغل الشيطان نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ
السمع ويمنعه عن سماع غيره ثم سماه ضراطا تقبيحا له * (تنبيه) * الظاهر أن المراد بالشيطان
إبليس وعليه يدل كلام كثير من الشراح كما سيأتي ويحتمل أن المراد جنس الشيطان وهو كل
متمرد من الجن والإنس لكن المراد هنا شيطان الجن خاصة (قوله حتى لا يسمع التأذين) ظاهره
أنه يتعمد إخراج ذلك إما ليشتغل بسماع الصوت الذي يخرجه عن سماع المؤذن أو يصنع ذلك
استخفافا كما بالصلاة السفهاء ويحتمل أن لا يتعمد ذلك بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف
يحدث له ذلك الصوت بسببها ويحتمل أن يتعمد ذلك ليقابل ما يناسب الصلاة من الطهارة بالحدث
واستدل به على استحباب رفع الصوت بالأذان لأن قوله حتى لا يسمع ظاهر في أنه يبعد إلى غاية
ينتفى فيها سماعه للصوت وقد وقع بيان الغاية في رواية لمسلم من حديث جابر فقال حتى يكون
مكان الروحاء وحكى الأعمش عن أبي سفيان راويه عن جابر أن بين المدنية والروحاء ستة وثلاثين
69

ميلا هذه رواية قتيبة عن جرير عند مسلم وأخرجه عن إسحاق عن جرير ولم يسق لفظه ولفظ
إسحق في مسنده حتى يكون بالروحاء وهي ثلاثون ميلا من المدينة فأدرجه في الخبر والمعتمد رواية
قتيبة وسيأتي حديث أبي سعيد في فضل رفع الصوت بالأذان بعده (قوله قضى) بضم أوله والمراد
بالقضاء الفراغ أو الانتهاء ويروى بفتح أوله على حذف الفاعل والمراد المنادى واستدل به على أنه
كان بين الأذان والإقامة فصل خلافا لمن شرط في إدراك فضيلة أول الوقت أن ينطبق أول
التكبير على أول الوقت (قوله إذا ثوب) بضم المثلثة وتشديد الواو المكسورة قيل هو من ثاب
إذا رجع وقيل من ثوب إذا أشار بثوبه عند الفراغ لإعلام غيره قال الجمهور المراد بالتثويب
هنا اشتراط وبذلك جزم أبو عوانة في صحيحه والخطابي والبيهقي وغيرهم قال القرطي ثوب
بالصلاة إذا أقيمت وأصله أنه رجع إلى ما يشبه الأذان وكل من ردد صوتا فهو مثوب ويدل عليه
رواية مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة فإذا سمع اشتراط ذهب وزعم بعض الكوفيين أن
المراد بالتثويب قول المؤذن بين الأذان والإقامة حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت
الصلاة وحكى ذلك ابن المنذر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وزعم أنه تفرد به لكن في سنن أبي
داود عن ابن عمر أنه كره التثويب بين الأذان والإقامة فهذا يدل على أن له سلفا في الجملة ويحتمل
أن يكون الذي تفرد به القول الخاص وقال الخطابي لا يعرف فضالة التثويب الا قول المؤذن
في الأذان الصلاة خير من النوم لكن المراد به في هذا الحديث الإقامة والله أعلم (قوله أقبل) زاد
مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة فوسوس (قوله أقبل حتى يخطر) بضم الطاء قال عياض
كذا سمعناه من أكثر الرواة وضبطناه عن المتقنين بالكسر وهو الوجه ومعناه يوسوس وأصله
من خطر البعير بذنبه إذا حركه فضرب به فخذيه وأما بالضم فمن المرور أي يدنو منه فيمر بينه وبين
قلبه فيشغله وضعف الحجري في نوادره الضم مطلقا وقال هو يخطر بالكسر في كل شئ (قوله بين
المرء ونفسه) أي قلبه وكذا هو للمصنف من وجه آخر في بدء الخلق قال الباجي المعنى أنه يحول
بين المرء وبين ما يريده من اقباله على صلاته وإخلاصه فيها (قوله يقول أذكر كذا أذكر كذا) وقع
في رواية كريمة بواو العطف واذكر كذا وهي لمسلم وللمصنف في صلاة السهو أذكر كذا وكذا زاد
مسلم من رواية عبد ربه عن الأعرج فهناه ومناه وذكره من حاجاته ما لم يكن يذكر (قوله لما لم
يكن يذكر) أي لشئ لم يكن على ذكره قبل دخوله في الصلاة وفي رواية لمسلم لما لم يكن يذكر من
قبل ومن ثم استنبط أبو حنيفة للذي شكا إليه أنه دفن مالا ثم لم يهتد لمكانه أن يصلي ويحرص
أن لا يحدث نفسه بشئ من أمر الدنيا ففعل فذكر مكان المال في الحال قيل خصه بما يعلم دون ما لا
يعلم لأنه يميل لما يعلم أكثر لتحقق الجوزي والذي يظهر أنه أعم من ذلك فيذكره بما سبق له به علم
ليشتغل باله به وبما لم يكن سبق له ليوقعه في الفكرة فيه وهذا أعم من أن يكون في أمور الدنيا أو
في أمور الدين كالعلم لكن هل يشمل ذلك التفكر في معاني الآيات التي يتلوها لا يبعد ذلك لأن
غرضه نقص خشوعه وإخلاصه بأي وجه كان (قوله حتى يظل الرجل) كذا للجمهور بالظاء
المشالة المفتوحة ومعنى يظل في الأصل اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا لكنها هنا بمعنى يصير أو يبقى
ووقع عند الأصيلي يضل بكسر الساقطة أي ينسى ومنه قوله تعالى أن تضل أحدهما
أو بفتحها أي يخطئ ومنه قوله تعالى لا يضل ربي ولا ينسى والمشهور الأول (قوله لا يدري)
70

وفي رواية في صلاة السهو أن يدري بكسر همزة أن وهي نافية بمعنى لا وحكى ابن عبد البر عن
الأكثر في الموطأ فتح الهمزة ووجهه بما تعقبه عليه جماعة وقال القرطبي ليست رواية الفتح بشئ
الا مع رواية الضاد الساقطة فتكون أن مع الفعل بتأويل المصدر ومفعول ضل أن بإسقاط
حرف الجر أي يضل عن درايته (قوله كم صلى) وللمصنف في بدء الخلق من وجه آخر عن أبي
هريرة حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا وسيأتي الكلام عليه في أبواب السهو إن شاء الله تعالى
وقد اختلف العلماء في الحكمة في هروب الشيطان عند سماع الأذان والإقامة دون سماع
القرآن والذكر في الصلاة فقيل يهرب حتى لا يشهد للمؤذن يوم القيامة فإنه لا يسمع مدى صوت
المؤذن جن ولا إنس إلا شهد له كما يأتي بعد ولعل البخاري أشار إلى ذلك بإيراده الحديث المذكور
عقب هذا الحديث ونقل عياض عن بعض أهل العلم أن اللفظ عام والمراد به خاص وأن الذي
يشهد من تصح منه الشهادة كما سيأتي القول فيه في الباب الذي بعده وقيل إن ذلك خاص
بالمؤمنين فأما الكفار فلا تقبل لهم شهادة ورده لما جاء من الآثار بخلافه وبالغ الزين ابن المنير في
تقرير الأول وهو مقام احتمال وقيل يهرب نفورا عن سماع الأذان ثم يرجع موسوسا ليفسد على
المصلي صلاته فصار رجوعه من جنس فراره والجامع بينهما الاستخفاف وقيل لأن الأذان دعاء
إلى الصلاة المشتملة على السجود الذي أباه وعصى بسببه واعترض بأنه يعود قبل السجود فلو
كان هربه لأجله لم يعد إلا عند فراغه وأجيب بأنه يهرب عند سماع الدعاء بذلك ليغالط نفسه بأنه
لم يخالف أمرا ثم يرجع ليفسد على المصلي سجوده الذي أباه وقيل إنما يهرب لاتفاق الجميع على
الاعلان بشهادة الحق وإقامة خالف واعترض بأن الاتفاق على ذلك حاصل قبل الأذان
وبعده من جميع من يصلي وأجيب بأن الإعلان أخص من الاتفاق فإن الإعلان المختص
بالأذان لا يشاركه فيه غيره من الجهر بالتكبير والتلاوة مثلا ولهذا قال لعبد الله بن زيد ألقه
على بلال فإنه أندى صوتا منك أي أقعد في المد وألينه والإسماع ليعم الصوت ويطول أمد
التأذين فيكثر الجمع ويفوت على الشيطان مقصوده من إلهاء الآدمي عن إقامة الصلاة في جماعة
أو إخراجها عن وقتها أو وقت فضيلتها فيفر حينئذ وقد ييأس عن أن يردهم عما أعلنوا به ثم
يرجع لما طبع عليه من الأذى والوسوسة وقال بن الجوزي على الأذان هيبة يشتد انزعاج
الشيطان بسببها لأنه لا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به بخلاف الصلاة فإن
النفس تحضر فيها فيفتح لها الشيطان أبواب الوسوسة وقد ترجم عليه أبو عوانة الدليل على أن
المؤذن في أذانه وإقامته منفى عنه الوسوسة والرياء لتباعد الشيطان منه وقيل لأن الأذان إعلام
بالصلاة التي هي أفضل الأعمال بألفاظ هي من أفضل الذكر لا يزاد فيها ولا ينقص منها بل تقع
على وفق الأمر فيفر من سماعها وأما الصلاة فلما يقع من كثير من الناس فيها من التفريط فيتمكن
الخبيث من المفرط فلو قدر أن المصلي وفى بجميع ما أمر به فيها لم يقر به إذا كان وحده وهو نادر
وكذا إذا انضم إليه من هو مثله فإنه يكون أندر أشار إليه بن أبي جمرة نفع الله ببركته * (فائدة) *
قال ابن بطال يشبه أن يكون الزجر عن خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذن المؤذن من هذا
المعنى لئلا يكون متشبها بالشيطان الذي يفر عند سماع الأذان والله أعلم * (تنبيهان) * الأول
فهم بعض السلف من الأذان في هذا الحديث الإتيان بصورة الأذان وان لم توجد فيه شرائط
71

الأذان وإن لم توجد فيه شرائط الأذان من وقوعه في الوقت وغير ذلك ففي صحيح مسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه
قال إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة واستدل بهذا الحديث وروى مالك عن زيد بن أسلم نحوه
(الثاني) وردت في فضل الأذان أحاديث كثيرة ذكر المصنف بعضها في مواضع أخرى واقتصر
على هذا هنا لأن هذا الخبر تضمن فضلا لا ينال بغير الأذان بخلاف غيره من الأخبار فإن الثواب
المذكور فيها يدرك بأنواع أخرى من العبادات والله أعلم (قوله باب رفع الصوت
بالنداء) قال الزين بن المنير لم ينص على حكم رفع الصوت لأنه من صفة الأذان وهو لم ينص في
أصل الأذان على حكم كما تقدم وقد ترجم عليه النسائي باب الثواب على رفع الصوت بالأذان
(قوله وقال عمر بن عبد العزيز) وصله بن أبي شبيبة من طريق عمر عن سعيد بن أبي حسين أن
مؤذنا أذن فطرب في أذانه فقال له عمر بن عبد العزيز فذكره ولم أقف على اسم هذا المؤذن وأظنه
من بني سعد القرظ لأن ذلك وقع حيث كان عمر بن عبد العزيز أميرا على المدينة والظاهر أنه خاف
عليه من التطريب الخروج عن الخشوع لا أنه نهاه عن رفع الصوت وقد روى نحو هذا من
حديث ابن عباس مرفوعا أخرجه الدارقطني وفيه إسحق ابن أبي يحيى الكعبي وهو ضعيف
عند الدارقطني وابن عدي وقال ابن حبان لا تحل الرواية عنه ثم غفل فذكره في الثقات (قوله
عن أبيه) زاد بن عيينة وكان يتيما في حجر أبي سعيد وكانت أمه عند أبي سعيد أخرجه ابن خزيمة
من طريقه لكن قلبه بن عيينة فقال عن عبد الرحمن بن عبد الله والصحيح قول مالك ووافقه
عبد العزيز الماجشون وزعم أبو مسعود في الأطراف أن البخاري أخرج روايته لكن لم نجد ذلك
ذلك ولا ذكرها خلف قاله بن عساكر واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو
ابن غنم بن مازن بن ماتت مات أبو صعصعة في الجاهلية وابنه عبد الرحمن صحابي روى ابن شاهين
في الصحابة من طريق قيس بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن جده حديثا
سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وفي سياقه أن جده كان بدريا وفيه نظر لأن أصحاب المغازي
لم يذكروه فيهم وإنما ذكروا أخاه قيس بن أبي صعصعة (قوله أن أبا سعيد الخدري قال له) أي لعبد
الله بن عبد الرحمن (قوله تحب الغنم والبادية) أي لأجل الغنم لأن محبها يحتاج إلى إصلاحها
بالمرعى وهو في الغالب يكون في البادية وهي الصحراء التي لا عمارة فيها (قوله في غنمك أو باديتك)
يحتمل أن تكون أو شكا من الراوي ويحتمل أن تكون للتنويع لأن الغنم قد لا تكون في البادية
ولأنه قد يكون في البادية حيث لا غنم (قوله فأذنت الصلاة) أي لأجل الصلاة وللمصنف في بدء
الخلق بالصلاة أي أعلمت بوقتها (قوله فارفع) فيه إشعار بان أذان من أراد الصلاة كان مقررا
عندهم لاقتصاره على الأمر بالرفع دون أصل التأذين واستدل به الرافعي للقول الصائر إلى
استحباب أذان المنفرد وهو الراجح عند الشافعية بناء على أن الأذان حق الوقت وقيل لا يستحب
بناء على أن الأذان لاستدعاء الجماعة الولاء ومنهم من فصل بين من يرجو جماعة أو لا (قوله
بالنداء) أي بالأذان (قوله لا يسمع مدى صوت المؤذن) أي غاية صوته قال البيضاوي غاية
الصوت تكون أخفى من ابتدائه فإذا شهد له من بعد عنه ووصل إليه منتهى صوته فلأن يشهد
له من دنا منه وسمع مبادى صوته أولى (قوله جن ولا إنس ولا شئ) ظاهره يشمل الحيوانات
والجمادات فهو من العام بعد الخاص ويؤيده ما في رواية بن خزيمة لا يسمع صوته شجر ولا مدر
72

ولا حجر ولا جن ولا أنس ولأبي داود والنسائي من طريق أبي يحيى عن أبي هريرة بلفظ المؤذن
يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس ونحوه للنسائي وغيره من حديث البراء وصححه
ابن السكن فهذه الأحاديث تبين المراد من قوله في حديث الباب ولا شئ وقد تكلم بعض من لم
يطلع عليها في تأويله على غير ما يقتضيه ظاهره قال القرطبي قوله ولا شئ المراد به الملائكة وتعقب
بأنهم دخلوا في قوله جن لأنهم يستخفون عن الأبصار وقال غيره المراد كل ما يسمع المؤذن من
الحيوان حتى ما لا يعقل دون الجمادات ومنهم من حمله على ظاهره وذلك غير ممتنع عقلا ولا شرعا
قال ابن بزيزة تقرر في العادة أن السماع والشهادة والتسبيح لا يكون إلا من حي فهل ذلك حكاية
عن لسان الحال لأن الموجودات ناطقة بلسان حالها بحلال باريها أو هو على ظاهره وغير ممتنع
عقلا أن الله يخلق فيها الحياة والكلام وقد تقدم البحث في ذلك في قول النار أكل بعضي بعضا
وسيأتي في الحديث الذي فيه أن البقرة قالت إنما خلقت للحرث وفي مسلم من حديث جابر بن
سمرة مرفوعا إني لأعرف حجرا كان يسلم علي أه ونقل ابن التين عن أبي عبد الملك إن قوله هنا
ولا شئ وكما قوله تعالى وإن من شئ إلا يسبح بحمده وتعقبه بأن الآية مختلف فيها وما عرفت وجه
هذا التعقب فإنهما سواء في الاحتمال ونقل الاختلاف إلا أن يقول إن الآية لم يختلف في كونها
على عمومها وإنما اختلف في تسبيح بعض الأشياء هل هو على الحقيقة أو المجاز بخلاف الحديث
والله أعلم * (فائدة) * السر في هذه الشهادة مع أنها أنكر عند عالم الغيب والشهادة أن أحكام
الآخرة جرت على نعت أحكام الخلق في الدنيا من توجيه الدعوى والجواب والشهادة قاله الزين
ابن المنير وقال النوربشتي المراد من هذه الشهادة اشتهار المشهود له يوم القيامة بالفضل وعلو
الدرجة وكما أن الله يفضح بالشهادة قوما فكذلك يكرم بالشهادة آخرين (قوله الا شهد له)
للكشميهني إلا يشهد له وتوجيههما واضح (قوله قال أبو سعيد سمعته) قال الكرماني أي هذا الكلام
الأخير وهو قوله إنه لا يسمع الخ (قلت) وقد أورد الرافعي هذا الحديث في الشرح بلفظ أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد انك رجل تجب الغم وساقه إلى آخره وسبقه إلى ذلك الغزالي
وامامه والقاضي حسين وابن داود شارح المختصر وغيرهم وتعقبه النووي وأجاب ابن الرفعة
عنهم بأنهم فهموا أن قول أبي سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عائد على كل ما ذكر الله أه
ولا يخفى بعده وقد رواه بن خزيمة من رواية ابن عيينة ولفظه قال أبو سعيد إذا كنت في البوادي
فارفع صوتك بالنداء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يسمع فذكره ورواه يحيى
القطان أيضا عن مالك بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أذنت فارفع صوتك فإنه لا يسمع
فذكره فالظاهر أن ذكر الغنم والبادية موقوف والله أعلم وفي الحديث استحباب رفع الصوت
بالأذان ليكثر من يشهد له ما لم يجهده أو يتأذى به وفيه أن حب الغنم والبادية ولا سيما عند
نزول الفتنة من عمل السلف الصالح وفيه جواز التبدي ومساكنة الأعراب ومشاركتهم في
الأسباب بشرط حظ من العلم وأمن غلبة الجفاء وفيه أن أذان الفذ مندوب إليه ولو كان في
قفر ولو لم يرتج حضور من يصلي معه لأنه إن فاته دعاء المصلين فلم يفته استشهاد من سمعه من
غيرهم (قوله باب ما يحقن بالأذان من الدماء) قال الزين بن المنير قصد
البخاري بهذه الترجمة واللتين قبلها استيفاء ثمرات الأذان فالأولى فيها فضل التأذين لقصد
73

الاجتماع الولاء والثانية فيها فضل أذان المنفرد لايداع الشهادة له بذلك والثالثة فيها حقن
الدماء عند وجود الأذان قال وإذا انتفت عن الأذان فائدة من هذه الفوائد لم يشرع إلا في
حكايته عند سماعه ولهذا عقبه بترجمة ما يقول إذا سمع المنادي أه كلامه ملخصا ووجه
الاستدلال للترجمة من حديث الباب ظاهر وباقي المتن من متعلقات الجهاد وقد أورده المصنف
هناك بهذا الاسناد وسياقه أتم مما هنا وسيأتي الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى
وقد روى مسلم طرفه المتعلق بالأذان وسياقه أوضح أخرجه من طريق حماد بن سلمة عن ثابت
عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فإن سمع
أذانا أمسك وإلا أغار قال الخطابي فيه أن الأذان شعار الإسلام وأنه لا يجوز تركه ولو أن أهل
بلد اجتمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه أه وهذا أحد أقوال العلماء كما تقدم وهو
أحد الأوجه في المذهب وأغرب ابن عبد البر فقال لا أعلم فيه خلافا وأن قول أصحابنا من نطق
بالتشهد في الأذان حكم بإسلامه إلا إذا كان عيسويا فلا يرد عليه مطلق حديث الباب لأن
العيسوية طائفة من اليهود حدثت في آخر دولة بني أمية فاعترفوا بان محمدا رسول الله صلى الله
عليه وسلم لكن إلى العرب فقط وهم منسوبون إلى رجل يقال له أبو عيسى حالا لهم ذلك
* (تنبيه) * وقع في سياق حديث الباب لم يكن يغر بنا واختلف في ضبطه ففي رواية المستملى يغر
من الاغارة مجزوم على أنه بدل من قوله يكن وفي رواية الكشميهني يغد بإسكان الغين وبالدال
المهملة من الغدو وفي رواية كريمة يغزو بزاي بعدها واو من الغزو وفي رواية الأصيلي يغير
كالأول لكن بإثبات الياء وفي رواية غيرهم بضم أوله وإسكان الغين من الإغراء ورواية مسلم
تشهد لرواية من رواه من الإغارة والله أعلم (قوله باب ما يقول إذا سمع المنادى)
هذا لفظ رواية أبي داود الطيالسي عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري وفي حديث الباب وآثر
المصنف عدم الجزم بحكم ذلك لقوة الخلاف فيه كما سيأتي ثم ظاهر صنيعه يقتضى ترجيح ما عليه
الجمهور وهو أن يقول مثل ما يقول من الأذان إلا الحيعلتين لأن حديث أبي سعيد الذي بدأ به
عام وحديث معاوية الذي تلاه به يخصصه والخاص مقدم على العام (قوله عن عطاء بن يزيد)
في رواية بن وهب عن مالك ويونس عن الزهري أن عطاء بن يزيد أخبره أخرجه أبو عوانة
* (فائدة) * اختلف على الزهري في إسناد هذا الحديث وعلى مالك أيضا لكنه اختلاف لا يقدح
في صحته فرواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن
ماجة وقال أحمد بن صالح وأبو حاتم وأبو داود والترمذي حديث مالك ومن تابعه أصح ورواه
يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أخرجه مسدد في مسنده عنه وقال
الدارقطني أنه خطأ والصواب الرواية الأولى وفيه اختلاف آخر دون ما ذكر لا نطيل به (قوله إذا
سمعتم) ظاهره اختصاص الإجابة بمن يسمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلا في الوقت بعدم أنه
يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لا تشرع له المتابعة قاله النووي في شرح المهذب (قوله
فقولوا مثل ما يقول المؤذن) ادعى ابن وضاح أن قول المؤذن مدرج وأن الحديث انتهى عند
قوله مثل ما يقول وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى وقد اتفقت الروايات في الصحيحين
والموطأ على إثباتها ولم يصب صاحب العمدة في حذفها (قوله ما يقول) قال الكرماني قال ما
74

يقول ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمتها (قلت) والصريح في ذلك ما رواه
النسائي من حديث أم حبيبة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت وأما
أبو الفتح اليعمري فقال ظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول عقب فراغ المؤذن لكن الأحاديث
التي تضمنت إجابة كل كلمة عقبها دلت على أن المراد المساوقة يشير إلى حديث عمر بن الخطاب
الذي عند مسلم وغيره فلو لم يجاوبه حتى فرغ استحب له التدارك إن لم يطل الفصل قاله النووي في
شرح المهذب بحثا وقد قالوه فيما إذا كان له عذر كالصلاة وظاهر قوله أنه يقول مثل قوله
في جميع الكلمات لكن حديث عمر أيضا وحديث معاوية الآتي يدلان على أنه يستثنى من ذلك
حي على الصلاة وحي على الفلاح فيقول بدلهما لا حول ولا قوة الا بالله كذلك استدل به ابن خزيمة
وهو المشهور عند الجمهور وقال ابن المنذر يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول
تارة كذا وتارة كذا وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا
أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما قال فلم لا يقال يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة
وهو وجه عند الحنابلة وأجيب عن المشهور من حيث المعنى بأن الأذكار الزائدة على الحيعلة
يشترك السامع والمؤذن في ثوابها وأما الحيعلة فمقصودها الدعاء إلى الصلاة وذلك يحصل من
المؤذن فعوض السامع عما يفوته من ثواب الحيعلة بثواب الحوقلة ولقائل أن يقول يحصل
للمجيب الثواب لامتثاله الأمر ويمكن أن يزداد استيقاظا وإسراعا إلى القيام إلى الصلاة إذا
تكرر على سمعه الدعاء إليها من المؤذن ومن نفسه ويقرب من ذلك الخلاف في قول المأموم سمع
الله لمن حمده كما سيأتي في موضعه وقال الطيبي معنى الحيعلتين هلم بوجهك وسريرتك إلى الهدى
عاجلا والفوز بالنعيم آجلا فناسب أن يقول هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به
إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته ومما لوحظت فيه المناسبة ما نقل عبد الرزاق عن ابن جريج قال
حدثت أن الناس كانوا ينصتون للمؤذن إنصاتهم للقراءة فلا يقول شيئا إلا قالوا مثله حتى إذا قال
حي على الصلاة قالوا لا حول ولا قوة الا بالله وإذا قال حي على الفلاح قالوا ما شاء الله انتهى وإلى
هذا صار بعض الحنفية وروى ابن أبي شيبة مثله عن عثمان وروى عن سعيد بن جبير قال يقول
في جواب الحيعلة سمعنا وأطعنا ووراء ذلك وجوه من الاختلاف أخرى قيل لا يجيبه إلا في
التشهدين فقط وقيل هما والتكبير وقيل يضيف إلى ذلك الحوقلة دون ما في آخره وقيل مهما أتى
به مما يدل على التوحيد والإخلاص كفاه وهو اختيار الطحاوي وحكوا أيضا خلافا هل يجيب
في الترجيع أولا وفيما إذا أذن مؤذن آخر هل يجيبه بعد إجابته للأول أو لا قال النووي لم أر فيه
شيئا لأصحابنا وقال ابن عبد السلام يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب وإجابة الأول أفضل إلا
في الصبح والجمعة فإنهما سواء لأنهما مشروعان وفي الحديث دليل على أن لفظ المثل لا يقتضى
المساواة من كل جهة لأن قوله مثل ما يقول لا يقصد به رفع الصوت المطلوب من المؤذن كذا
قيل وفيه بحث لأن المماثلة وقعت في القول لا في صفته والفرق بين المؤذن والمجيب في ذلك أن
المؤذن مقصوده الإعلام فاحتاج إلى رفع الصوت والسامع مقصوده ذكر الله فيكتفى بالسر
أو الجهر لا مع الرفع نعم لا يكفيه أن يجريه على خاطره من غير تلفظ لظاهر الأمر بالقول وأغرب
ابن المنير فقال حقيقة الأذان جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة وتعقب بأن
75

الأذان معناه الإعلام لغة وخصه الشرع بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة فإذا وجدت
وجد الأذان وما زاد على ذلك من قول أو فعل أو هيئة يكون من مكملاته ويوجد الأذان من
دونها ولو كان على ما أطلق لكان ما حالا من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم من جملة الأذان وليس كذلك لا لغة ولا شرعا واستدل به على جواز إجابة
المؤذن في الصلاة عملا بظاهر الأمر ولان المجيب لا يقصد المخاطبة وقيل يؤخر الإجابة حتى يفرغ
لأن في الصلاة شغلا وقيل مجيب إلا في الحيعلتين لأنهما كالخطاب للآدميين والباقي من ذكر
الله فلا يمنع لكن قد يقال من يبدل الحيعلة بالحوقلة لا يمنع لأنها من ذكر الله قاله بن دقيق العيد
وفرق ابن عبد السلام في فتاويه بين ما إذا كان يقرأ الفاتحة فلا يجيب بناء على وجوب موالاتها
وإلا فيجيب وعلى هذا إن أجاب في الفاتحة استأنف وهذا قاله بحثا والمشهور في المذهب كراهة
الإجابة في الصلاة بل يؤخرها حتى يفرغ وكذا في حال الجماع والخلاء لكن إن أجاب بالحيعلة
بطلت كذا أطلقه كثير منهم ونص الشافعي في الأم على عدم فساد الصلاة بذلك واستدل به على
مشروعية إجابة المؤذن في اقامه قالوا الا في كلمتي الا قامة فيقول أقامها الله وأدامها
وقياس إبدال الحيعلة بالحوقلة في الأذان أن يجئ هنا لكن قد يفرق بأن الأذان أعلام عام
فيعسر على الجميع أن يكونوا دعاة إلى الصلاة والإقامة أعلام خاص وعدد من سمعها محصور
فلا يعسر أن يدعو بعضهم بعضا واستدل به على وجوب إجابة المؤذن حكاه الطحاوي عن قوم من
السلف وبه قال الحنفية وأهل الظاهر وابن وهب واستدل للجمهور بحديث أخرجه مسلم
وغيره أنه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا فلما كبر قال على الفطرة فلما تشهد قال خرج من النار
فلما قال عليه الصلاة والسلام غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب وتعقب بأنه
ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل
القول الزائد وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر ويحتمل أن يكون الرجل لما أمر
لم يرد أن يدخل نفسه في عموم من خوطب بذلك قيل ويحتمل أن يكون الرجل لم يقصد الأذان
لكن يرد هذا الأخير أن في بعض طرقه أنه حضرته الصلاة (قوله حدثنا هشام) هو الدستوائي
ويحيى هو ابن أبي كثير (قوله أنه سمع معاوية يوما فقال مثله إلى قوله وأشهد أن محمدا رسول الله)
هكذا أورد المتن هنا مختصرا وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن هشام ولفظه كنا عند
معاوية فنادى المنادي بالصلاة فقال مثل ما قال ثم قال هكذا سمعت نبيكم ثم قال البخاري حدثنا إسحاق
أنبأنا وهب بن جرير حدثنا هشام عن يحيى نحوه قال يحيى وحدثني بعض إخواننا أنه لما
قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله وقال هكذا سمعت نبيكم يقول انتهى فأحال بقوله
نحوه على الذي قبله وقد عرفت أنه لم يسق لفضله كله وقد وقع لنا هذا الحديث من طرق عن هشام
المذكور تاما منها للإسماعيلي من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن يحيى حدثنا محمد بن إبراهيم
حدثنا عيسى بن طلحة قال دخلنا على معاوية فنادى مناد بالصلاة فقال الله أكبر الله أكبر
فقال معاوية الله أكبر الله أكبر فقال أشهد أن لا إله إلا الله فقال معاوية وأنا أشهد أن لا إله إلا
الله فقال أشهد أن محمدا رسول الله فقال معاوية وأنا أشهد أن محمد رسول الله قال يحيى فحدثني
صاحب لنا أنه لما قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله ثم قال هكذا سمعنا نبيكم انتهى
76

فاشتمل هذا السياق على فوائد أحدها تصريح يحيى بن أبي كثير بالسماع له من محمد بن إبراهيم
فأمن ما يخشى من تدليسه ثانيها بيان ما اختصر من روايتي البخاري ثالثها أن قوله في الرواية
الأولى أنه سمع معاوية يوما فقال مثله فيه حذف تقديره أنه سمع معاوية يسمع المؤذن يوما فقال
مثله رابعها أن الزيادة في رواية وهب بن جرير لم ينفرد بها لمتابعة معاذ بن هشام له خامسها أن
قوله قال يحيى ليس تعليقا من البخاري كما زعمه بعضهم بل هو عنده بإسناد إسحق وأبدى الحافظ
قطب الدين احتمالا أنه عنده بإسنادين ثم إن إسحق هذا لم ينسب وهو ابن راهويه كذلك
صرح به أبي نعيم في مستخرجه وأخرجه من طريق عبد الله بن شيرويه عنه وأما المبهم الذي
حدث يحيى به عن معاوية فلم أقف في شئ من الطرق على تعيينه وحكى الكرماني عن غيره ان
المراد به الأوزاعي وفيه نظر لأن الظاهر أن قائل ذلك ليحيى حدثه به عن معاوية وأين عصر
الأوزاعي من عصر معاوية وقد غلب على ظني أنه علقمة بن وقاص إن كان يحيى بن أبي كثير أدركه
وإلا فأحد ابنيه عبد الله بن علقمة أو عمرو بن علقمة وإنما قلت ذلك لأنني جمعت طرقه عن معاوية
فلم أجد هذه الزيادة في ذكر الحوقلة إلا من طريقين أحدهما عن نهشل التميمي عن معاوية وهو
في الطبراني بإسناد واوه الآخر عن علقمة بن وقاص عنه وقد أخرجه النسائي واللفظ له
وابن خزيمة وغيره هما من طريق ابن جريج أخبرني عمرو بن يحيى أن عيسى بن عمرو أخبره عن عبد
الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال إني لعند معاوية إذ أذن مؤذن فقال معاوية كما قال حتى
إذا قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله فلما قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة
الا بالله وقال بعد ذلك ما قال المؤذن ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك
ورواه ابن خزيمة أيضا من طريق يحيى القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده
قال كنت عند معاوية فذكر مثله وأوضح سياقا منه وتبين بهذه الرواية أن ذكر الحوقلة في
جواب حي على الفلاح اختصر في حديث الباب بخلاف ما تمسك به بعض من وقف مع ظاهره وأن
إلى في قوله في الطريق الأولى فقال مثل قوله إلى أشهد أن محمدا رسول الله بمعنى مع كقوله تعالى ولا
تأكلوا أموالهم إلى أموالكم * (تنبيه) * أخرج مسلم من حديث عمر بن الخطاب نحو حديث
معاوية وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف وقع في وصله وإرساله كما أشار إليه الدارقطني ولم يخرج
مسلم حديث معاوية لأن الزيادة المقصودة منه ليست على شرط الصحيح للمبهم الذي فيها لكن
إذا انضم أحد الحديثين إلى الآخر قوي جدا وفي الباب أيضا عن الحارث بن نوفل الهاشمي وأبي
رافع وهما في الطبراني وغيره وعن أنس في البزار وغيره والله تعالى أعلم (قوله باب
الدعاء عند النداء) أي عند تمام النداء وكأن المصنف لم يقيده بذلك اتباعا لإطلاق الحديث كما
سيأتي البحث فيه (قوله حدثني علي بن عياش) بالياء الأخيرة والشين المعجمة وهو الحمصي من
كبار شيوخ البخاري ولم يلقه من الأئمة الستة غيره وقد حدث عنه القدماء بهذا الحديث أخرجه
أحمد في مسنده عنه ورواه علي بن المديني شيخ البخاري مع تقدمه على أحمد عنه أخرجه
الإسماعيلي من طريقه (قوله عن محمد بن المنكدر) ذكر الترمذي أن شعيبا تفرد به عن ابن
المنكدر فهو غريب مع صحته وقد توبع ابن المنكدر عليه عن جابر أخرجه الطبراني في الأوسط
من طريق أبي الزبير عن جابر نحوه ووقع في زوائد الإسماعيلي أخبرني بن المنكدر (قوله
77

من قال حين يسمع النداء) أي الأذان واللام للعهد ويحتمل أن يكون التقدير من قال حين يسمع
نداء المؤذن وظاهره أنه يقول الذكر المذكور حال سماع الأذان ولا يتقيد بفراغه لكن يحتمل أن
يكون المراد من النداء تمامه إذ المطلق يحمل على الكامل ويؤيده حديث عبد الله بن عمرو بن
العاص عند مسلم بلفظ قولوا مثل ما يقول ثم صلوا على ثم سلوا الله لي الوسيلة ففي هذا أن ذلك
يقال عند فراغ الأذان واستدل الطحاوي بظاهر حديث جابر على أنه لا يتعين إجابة المؤذن بمثل
ما يقول بل لو اقتصر على الذكر المذكور كفاه وقد بين حديث عبد الله بن عمرو المراد وأن الحين
محمول على ما بعد الفراغ واستدل به ابن بزيزة على عدم وجوب ذلك لظاهر إيراده لكن لفظ الأمر
في رواية مسلم قد يتمسك به من يدعي الوجوب وبه قال الحنفية وابن وهب من المالكية وخالف
الطحاوي أصحابه فوافق الجمهور (قوله رب هذه الدعوة) بفتح الدال زاد البيهقي من طريق محمد بن
عون عن علي بن عياش اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة التامة والمراد بها دعوة التوحيد كقوله
تعالى له دعوة الحق وقيل لدعوة التوحيد تامة لأن الشركة نقص أو التامة التي لا يدخلها تغيير
ولا تبديل بل هي باقية إلى يوم النشور أو لأنها هي التي تستحق صفة التمام وما سواها فمعرض
للفساد وقال ابن التين وصفت بالتامة لأن فيها أتم القول وهو لا إله الا الله وقال الطيبي من أوله
إلى قوله محمد رسول الله هي الدعوة التامة والحيعلة هي الصلاة القائمة في قوله يقيمون الصلاة
ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة الدعاء وبالقائمة الدائمة من قام على الشئ إذا داوم عليه وعلى
هذا فقوله والصلاة القائمة بيان للدعوة التامة ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة المعهودة المدعو
إليها حينئذ وهو أظهر (قوله الوسيلة) هي ما يتقرب به إلى الكبير يقال توسلت أي تقربت
وتطلق على المنزلة العلية ووقع ذلك في حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم بلفظ فإنها منزلة في الجنة
لا ينبغي إلا لعبد من عباد الله الحديث ونحوه للبزار عن أبي هريرة ويمكن ردها إلى الأول بأن
الواصل إلى تلك المنزلة قريب من الله فتكون كالقربة التي يتوسل بها (قوله والفضيلة) أي
المرتبة الزائدة على سائر الخلائق ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسيرا للوسيلة (قوله مقاما
محمودا) أي يحمد القائم فيه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من يجري الكرامات ونصب على
الظرفية أي أبعثه يوم القيامة فأقمه مقاما محمودا أو ضمن أبعثه معنى أقمه أو على أنه مفعول به
ومعنى أبعثه أعطه ويجوز أن يكون حالا أي أبعثه ذا مقام محمود قال النووي ثبتت الرواية
بالتنكير وكأنه حكاية للفظ القرآن وقال الطيبي إنما نكره لأنه أفخم وأجزل كأنه قيل مقاما أي
مقاما محمودا بكل اختلفوا (قلت) وقد جاء في هذه الرواية بعينها من رواية علي بن عياش شيخ البخاري
فيه بالتعريف عند النسائي وهي في صحيح ابن خزيمة وابن حبان أيضا وفي الطحاوي والطبراني
في الدعاء والبيهقي وفيه تعقب على من أنكر ذلك كالنووي (قوله الذي وعدته) زاد في رواية
البيهقي انك لا تخلف الميعاد وقال الطيبي المراد بذلك قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما
محمودا وأطلق عليه الوعد لأن عسى من الله أوقع كما صح عن بن عيينة وغيره والموصول إما
بدل أو عطف بيان أو واقع خبر مبتدأ محذوف وليس صفة للنكرة ووقع في رواية النسائي وابن خزيمة
وغيرهما المقام المحمود بالألف واللام فيصبح وصفه بالموصول والله أعلم قال ابن الجوزي والأكثر
على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة وقيل إجلاسه على العرش وقيل على الكرسي وحكى كلا
78

من القولين عن جماعة وعلى تقدير الصحة لا ينافي الأول لاحتمال أن يكون الإجلاس علامة
الإذان في الشفاعة ويحتمل أن يكون المراد بالمقام المحمود الشفاعة كما هو المشهور وأن يكون
الاجلاس هي المنزلة المعبر عنها بالوسيلة أو الفضيلة ووقع في صحيح ابن حبان من حديث كعب بن
مالك مرفوعا يبعث الله الناس فيكسوني ربي حلة خضراء فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام
المحمود ويظهر أن المراد بالقول المذكور هو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة ويظهر أن
المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحال ويشعر قوله في آخر الحديث حلت له شفاعتي بان
الأمر المطلوب له الشفاعة والله أعلم (قوله حلت له) أي استحقت ووجبت أو نزلت عليه يقال
حل يحل بالضم إذا نزل واللام بمعنى على ويؤيده رواية مسلم حلت عليه ووقع في الطحاوي من
حديث ابن مسعود وجبت له ولا يجوز أن يكون حلت من الحل لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة
(قوله شفاعتي) استشكل بعضهم جعل ذلك ثوابا لقائل ذلك مع ما ثبت من أن الشفاعة
للمذنبين وأجيب بان له صلى الله عليه وسلم شفاعات أخرى كإدخال الجنة بغير حساب وكرفع
الدرجات فيعطى كل أحد ما يناسبه ونقل عياض عن بعض شيوخه أنه كان يرى اختصاص
ذلك بمن قاله مخلصا مستحضرا إجلال النبي صلى الله عليه وسلم لامن قصد بذلك مجرد الثواب
ونحو ذلك وهو تحكم غير مرضى ولو كان أخرج الغافل اللاهي لكان أشبه وقال المهلب في
الحديث الحض على الدعاء في أوقات الصلوات لأنه حال رجاء الإجابة والله أعلم (قوله
باب الاستهام في الأذان) أي الاقتراع ومنه قوله تعالى فساهم فكان من المدحضين
قال الخطابي وغيره قيل له الاستهام لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في الشئ
فمن خرج سهمه غلب (قوله ويذكر أن قوما اختلفوا) أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من
طريق أبي عبيد كلاهما عن هشيم عن عبد الله بن شبرمة قال تشاح الناس في الأذان بالقادسية
فاختصموا إلى سعد بن أبي وقاص فأقرع بينهم وهذا منقطع وقد وصله سيف بن عمر في
الفتوح والطبري من طريقه عنه عن عبد الله بن شبرمة عن شقيق وهو أبو وائل قال افتتحنا
القادسية صدر النهار فتراجعنا وقد أصيب المؤذن فذكره وزاد فخرجت القرعة لرجل منهم فأذن
* (فائدة) * القادسية مكان بالعراق معروف نسب إلى قادس رجل نزل به وحكى الجوهري
أن إبراهيم عليه السلام قدس على ذلك المكان فلذلك صار منزلا للحاج وكانت به وقعه للمسلمين
مشهورة مع الفرس وذلك في خلافة عمر سنة خمس عشرة وكان سعد يومئذ الأمير على الناس
(قوله عن سمي) بضم أوله بلفظ التصغير (قوله مولى أبي بكر) أي ابن عبد الرحمن بن الحارث بن
هشام (قوله لو يعلم الناس) قال الطيبي وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار العلم (قوله
ما في النداء) أي الأذان وهي رواية بشر بن عمر عن مالك عند السراج (قوله والصف الأول)
زاد أبو الشيخ في رواية له من طريق الأعرج عن أبي هريرة من الخير والبركة وقال الطيبي أطلق
مفعول يعلم وهو ما ولم يبين الفضيلة ما هي ليفيد ضربا من المبالغة وأنه مما لا يدخل تحت الوصف
والإطلاق إنما هو في قدر الفضيلة وإلا فقد بينت في الرواية الأخرى بالخير والبركة (قوله ثم لم
يجدوا) في رواية المستملى والحموي ثم لا يجدون وحكى الكرماني أن في بعض الروايات ثم لا يجدوا
ووجهه بجواز حذف النون تخفيفا ولم أقف على هذه الرواية (قوله الا أن يستهموا) أي لم يجدوا
79

شيئا من وجوه الأولوية أما في الأذان فبأن يستووا في معرفة الوقت وحسن الصوت ونحو ذلك
من شرائط المؤذن وتكملاته وأما في الصف الأول فبأن يصلوا دفعة واحدة ويستووا في الفضل
فيقرع بينهم إذا لم يتراضوا فيما بينهم في الحالين واستدل به بعضهم لمن قال بالاقتصار على مؤذن
واحد وليس بظاهر لصحة استهام أكثر من واحد في مقابلة أكثر من واحد ولان الاستهام على
الأذان يتوجه من جهة التولية من الإمام لما فيه من المزية وزعم بعضهم أن المراد بالاستهام هنا
الترامي بالسهام وأنه أخرج مخرج المبالغة واستأنس بحديث يسير لتجالدوا عليه بالسيوف
لكن الذي فهمه البخاري منه أولى ولذلك استشهد له بقصة سعد ويدل عليه رواية لمسلم لكانت
قرعة (قوله عليه) أي على ما ذكر ليشمل الامرين الأذان والصف الأول وبذلك يصح تبويب
المصنف وقال ابن عبد البر الهاء عائدة على الصف الأول لا على النداء وهو حق الكلام لأن الضمير
يعود لأقرب مذكور ونازعه القرطبي وقال أنه يلزم منه أن يبقى النداء ضائعا لا فائدة له قال
والضمير يعود على معنى الكلام المتقدم ومثله قوله تعالى ومن يفعل ذلك يلق أثاما أي جميع
ذلك * (قلت) * وقد رواه عبد الرزاق عن مالك بلفظ لاستهموا عليهما فهذا مفصح بالمراد من
غير تكلف (قوله التهجير) أي التبكير إلى الصلاة قال الهروي وحمله الخليل وغيره على ظاهره
فقالوا المراد الإتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت لأن التهجير مشتق من الهاجرة وهي شدة
الحر نصف النهار وهو أول وقت الظهر وإلى ذلك مال المصنف كما سيأتي ولا يرد على ذلك مشروعية
الأبرار لأنه أريد به الرفق وأما من ترك قائلته وقصد إلى المسجد لينتظر الصلاة فلا يخفى ماله من
الفضل (قوله لاستبقوا إليه) قال ابن أبي جمرة المراد بالاستباق معنى لا حسا لأن المسابقة على
الأقدام حسا تقتضي السرعة في المشي وهو ممنوع منه انتهى وسيأتي الكلام على بقية
الحديث في باب فضل صلاة العشاء في الجماعة قريبا ويأتي الكلام على المراد بالصف الأول
في أواخر أبواب الإمامة أن شاء الله تعالى (قوله باب الكلام في الأذان) أي
في أثنائه بغير ألفاظه وجرى المصنف على عادته في عدم الجزم بالحكم الذي دلالته غير صريحة
لكن الذي أورده فيه يشعر بأنه يختار الجواز وحكى ابن المنذر الجواز مطلقا عن عروة وعطاء
والحسن وقتادة وبه قال أحمد وعن النخعي وابن سيرين والأوزاعي الكراهة وعن الثوري المنع
وعن أبي حنيفة وصاحبيه أنه خلاف الأولى وعليه يدل كلام مالك والشافعي وعن إسحق بن
راهويه يكره إلا إن كان فيما يتعلق بالصلاة واختاره ابن المنذر لظاهر حديث ابن عباس
المذكور في الباب وقد نازع في ذلك الداودي فقال لا حجة فيه على جواز الكلام في الأذان بل
القول المذكور مشروع من جملة الأذان في ذلك المحل (قوله وتكلم سليمان بن صرد في أذانه)
وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له وأخرجه البخاري في التاريخ عنه وإسناده صحيح
ولفظه أنه كان يؤذن في العسكر فيأمر غلامه بالحاجة في أذانه (قوله وقال الحسن) لم أره
موصولا والذي أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طرق عنه جواز الكلام بغير قيد الضحك قيل
مطابقته للترجمة من جهة أن الضحك إذا كان بصوت قد يظهر منه حرف مفهم أو أكثر فتفسد
الصلاة ومن منع الكلام في الأذان أراد أن يساويه بالصلاة وقد ذهب الأكثر إلى أن تعمد
الضحك يبطل الصلاة ولو لم يظهر منه حرف فاستوى مع الكلام في بطلان الصلاة بعمده (قوله
80

حماد) هو ابن زيد وعبد الحميد هو ابن دينار وعبد الله بن الحارث هو البصري ابن عم بن سيرين
وزوج ابنته وهو تابعي صغير ورواية الثلاثة عنه من باب رواية الأقران لأن الثلاثة من صغار
التابعين ورجال الإسناد كلهم بصريون وقد جمعهم حماد كمسدد كما هنا وكذلك رواه سليمان بن
حرب عنه عند أبي عوانة وأبي نعيم في المستخرج وكان حماد ربما اقتصر على بعضهم كما سيأتي
قريبا في باب هل يصلي الإمام بمن حضر عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجي عن حماد عن عبد
الحميد وعن عاصم فرقهما ورواه مسلم عن الربيع عن حماد عن أيوب وعاصم من طرق أخرى
منها وهيب عن أيوب وحكى عن وهيب أن أيوب لم يسمعه من عبد الله بن الحارث وفيه نظر لأن
في رواية سليمان بن حرب عن حماد عن أيوب وعبد الحميد قالا سمعنا عبد الله بن الحارث
كذلك أخرجه الإسماعيلي وغيره ولمسدد فيه شيخ آخر وهو ابن علية كما سيأتي في كتاب الجمعة
إن شاء الله (قوله خطبنا) استدل به بن الجوزي على أن الصلاة المذكورة كانت الجمعة وفيه
نظر نعم وقع التصريح بذلك في رواية بن علية ولفظه أن الجمعة عزمة (قوله في يوم رزغ) بفتح
الراء وسكون الزاي بعدها غين غدا كذا للأكثر هنا ولابن السكن والكشميهني وأبي
الوقت بالدال المهملة بدل الزاي وقال القرطبي أنها أشهر وقال والصواب الفتح فإنه الاسم
وبالسكون المصدر انتهى وبالفتح رواية القابسي قال صاحب المحكم الرزغ الماء القليل في
الثماد وقيل إنه طين وحل وفي العين الردغة الوحل والرزغة أشد منها وفي الجمهرة والردغة
والرزغة الطين القليل من مطر أو غيره * (تنبيه) * وقع هنا يوم رزغ بالإضافة وفي رواية الحجي
الآتية في يوم ذي رزغ وهي أوضح وفي رواية بن علية في يوم مطير (قوله فلما بلغ المؤذن حي
على الصلاة فأمره) كذا فيه وكأن هنا حذفا تقديره أراد أن يقولها فأمره ويؤيده رواية ابن
علية إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة وبوب عليه ابن خزيمة وتبعه
ابن حبان ثم المحب الطبري حذف حي على الصلاة في يوم المطر وكأنه نظر إلى المعنى لأن حي على
الصلاة معناه هلموا إلى الصلاة و الصلاة في الرحال وصلوا في بيوتكم يناقض ذلك وعند
الشافعية وجه أنه يقول ذلك بعد الأذان وآخر أنه يقوله بعد الحيعلتين والذي يقتضيه الحديث
ما تقدم وقوله الصلاة في الرحال بنصب الصلاة والتقدير صلوا الصلاة والرحال جمع رحل وهو
مسكن الرجل وما فيه من أثاثه قال النووي فيه أن هذه الكلمة تقال في نفس الأذان
وفي حديث ابن عمر يعني الآتي في باب الأذان للمسافر أنها تقال بعده قال والامران جائزان كما
نص عليه الشافعي لكن بعده أحسن ليتم نظم الأذان قال ومن أصحابنا من يقول لا يقوله
إلا بعد الفراغ وهو ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس انتهى وكلامه يدل على أنها تزاد
مطلقا إما في أثنائه وإما بعده لا أنها بدل من حي على الصلاة وقد تقدم عن ابن خزيمة ما يخالفه وقد
ورد الجمع بينهما في حديث آخر أخرجه عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح عن نعيم بن النحام قال أذن
مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم للصبح في ليله باردة فتمنيت لو قال ومن قعد فلا حرج فلما قال
الصلاة خير من النوم قالها (قوله فقال فعل هذا) كأنه فهم من نظرهم الإنكار وفي رواية الحجي
كأنهم أنكروا ذلك وفي رواية ابن علية فكأن الناس استنكروا ذلك (قوله من هو خير منه)
وللكشميهني منهم وللحجى مني يعني النبي صلى الله عليه وسلم كذا في أصل الرواية ومعنى رواية
81

الباب من هو خير من المؤذن يعني فعله مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير من هذا
المؤذن وأما رواية الكشميهني ففيها نظر ولعل من أذن كانوا جماعة إن كانت محفوظة أو أراد
جنس المؤذنين أو أراد خير من المنكرين (قوله وإنها) أي الجمعة كما تقدم (عزمة) بسكون الزاي
ضد الرخصة زاد ابن علية وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين وفي رواية الحجي من طريق
عاصم أني أؤثمكم وهي ترجح رواية من روى أحرجكم بالحاء المهملة وفي رواية جرير عن عاصم
عند ابن خزيمة أن أخرج الناس وأكلفهم أن يحملوا الخبث من طرقهم إلى مسجدكم وسيأتي
الكلام على ما يتعلق بسقوط الجمعة بعذر المطر في كتاب الجمعة إن شاء الله تعالى ومطابقة
الحديث للترجمة أنكرها الداودي فقال لا حجة فيه على جواز الكلام في الأذان بل القول
المذكور من جملة الأذان في ذلك المحل وتعقب بأنه وإن ساغ ذكره في هذا المحل لكنه ليس من
ألفاظ الأذان المعهود وطريق بيان المطابقة أن هذا الكلام لما جازت زيادته في الأذان للحاجة
إليه دل على جواز الكلام في الأذان لمن يحتاج إليه (قوله باب أذان الأعمى)
أي جوازه (قوله إذا كان له من يخبره) أي بالوقت لأن الوقت في الأصل مبنى على المشاهدة وعلى
هذا القيد يحمل ما روى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن بن مسعود وابن الزبير وغيرهما أنهم كرهوا
أن يكون المؤذن أعمى وأما ما نقله النووي عن أبي حنيفة وداود أن أذان الأعمى لا يصح فقد
تعقبه السروجي بأن غلط على أبي حنيفة نعفي المحيط للحنفية أنه يكره (قوله حدثنا عبد الله بن
مسلمة) هو القعنبي قال الدارقطني تفرد القعنبي بروايته إياه في الموطأ موصولا عن مالك ولم يذكر
غيره من رواة الموطأ فيه ابن عمر ووافقه على وصله عن مالك خارج الموطأ عبد الرحمن بن مهدي
وعبد الرزاق وروح بن عبادة وأبو قرة وكامل بن طلحة وآخرون ووصله عن الزهري جماعة من
حفاظ أصحابه (قوله أن بلالا يؤذن بليل) فيه إشعار بأن ذلك كان من عادته المستمرة وزعم بعضهم
أن ابتداء ذلك باجتهاد منه وعلى تقدير صحته فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فصار في
حكم المأمور به وسيأتي الكلام على تعيين الوقت الذي كان يؤذن فيه من الليل بعد باب (قوله
فكلوا) فيه إشعار بأن الأذان كان علامة عندهم على دخول الوقت فبين لهم أن أذان بلال
بخلاف ذلك (قوله ابن أم مكتوم) اسمه عمرو كما سيأتي موصولا في الصيام وفضائل القرآن وقيل
كان اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ولا يمتنع أنه كان له اسمان وهو
قرشي عامري أسلم قديما والأشهر في اسم أبيه قيس بن زائدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه
ويستخلفه على المدينة وشهد القادسية في خلافة عمر فاستشهد بها وقيل رجع إلى المدينة فمات
وهو الأعمى المذكور في سورة عبس واسم أمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية وزعم بعضهم أنه
ولد أعمى فكنيت أمه أم مكتوم لانكتام نور بصره والمعروف أنه عمي بعد بدر بسنتين
(قوله وكان رجلا أعمى) ظاهره أن فاعل قال هو ابن عمر وبذلك جزم الشيخ الموفق في المغني لكن
رواه الإسماعيلي عن أبي خليفة والطحاوي عن يزيد بن سنان كلاهما عن القعنبي فعينا أنه ابن
شهاب وكذلك رواه إسماعيل بن إسحاق ومعاذ بن المثنى وأبو مسلم الكجي الثلاثة عند الدارقطني
والخزاعي عند أبي الشيخ وتمام عند أبي نعيم وعثمان الدارمي عند البيهقي كلهم عن القعنبي وعلى
هذا ففي رواية البخاري إدراج ويجاب عن ذلك بأنه لا يمنع كون ابن شهاب قاله أن يكون شيخه
82

قاله وكذا شيخ شيخه وقد رواه البيهقي من رواية الربيع بن سليمان عن ابن وهب عن يونس والليث
جميعا عن ابن شهاب وفيه قال سالم وكان رجلا ضرير البصر ففي هذا أن شيخ ابن شهاب قاله أيضا
وسيأتي في كتاب الصيام عن المصنف من وجه آخر عن ابن عمر ما يؤدي معناه وسنذكر لفظه قريبا
فثبتت صحة وصله ولابن شهاب فيه شيخ آخر أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه عن سعيد بن المسيب
وفيه الزيادة قال ابن عبد البر هو حديث آخر لابن شهاب وقد وافق بن إسحاق معمرا فيه عن ابن
شهاب (قوله أصبحت أصبحت) أي دخلت في الصباح هذا ظاهره واستشكل لأنه جعل أذانه
غاية للأكل فلو لم يؤذن حتى يدخل في الصباح للزم منه جواز الأكل بعد طلوع الفجر والإجماع على
خلافه إلا من شذ كالأعمش وأجاب ابن حبيب وابن عبد البر والأصيلي وجماعة من الشراح بأن
المراد قاربت الصباح ويعكر على هذا الجواب أن في رواية الربيع التي قدمناها ولم يكن يؤذن
حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر أذن وأبلغ من ذلك أن لفظ رواية المصنف التي
في الصيام حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر وإنما قلت إنه أبلغ لكون جميعه
من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأيضا فقوله أن بلالا يؤذن بليل يشعر أن ابن أم مكتوم بخلافه
ولأنه لو كان قبل الصبح لم يكن بينه وبين بلال فرق لصدق أن كلا منهما أذن قبل الوقت وهذا
الموضع عندي في غاية الإشكال وأقرب ما يقال فيه إن أذانه جعل علامة لتحريم الأكل والشرب
وكأنه كان له من يراعى الوقت بحيث يكون أذانه مقارنا لابتداء طلوع الفجر وهو المراد بالبزوغ وعند
أخذه في الأذان يعترض الفجر في الأفق ثم ظهر لي أنه لا يلزم من كون المراد بقولهم أصبحت أي
قاربت الصباح وقوع أذانه قبل الفجر لاحتمال أن يكون قولهم ذلك يقع في آخر جزء من الليل
وأذانه يقع في أول جزء من طلوع الفجر وهذا وإن كان مستبعدا في العادة فليس بمستبعد من
مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالملائكة فلا يشاركه فيه من لم يكن بتلك الصفة وقد روى
أبو قرة من وجه آخر عن ابن عمر حديثا فيه وكان ابن أم مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه وفي هذا
الحديث جواز الأذان قبل طلوع الفجر وسيأتي بعد باب واستحباب أذان واحد بعد واحد وأما
أذان اثنين معا فمنع منه قوم ويقال إن أول من أحدثه بنو أمية وقال الشافعية لا يكره إلا إن
حصل من ذلك تهويش واستدل به على جواز اتخاذ مؤذنين في المسجد الواحد قال ابن دقيق
العيد وأما الزيادة على الاثنين فليس في الحديث تعرض له انتهى ونص الشافعي على جوازه
ولفظه ولا يتضيق إن إذن أكثر من اثنين وعلى جواز تقليد الأعمى للبصير في دخول الوقت وفيه
أوجه واختلف فيه الترجيح وصحح النووي في كتبه أن للأعمى والبصير اعتماد المؤذن الثقة وعلى
جواز شهادة الأعمى وسيأتي ما فيه في كتاب الشهادات وعلى جواز العمل بخبر الواحد وعلى أن
ما بعد الفجر من حكم النهار وعلى جواز الأكل مع الشك في طلوع الفجر لأن الأصل بقاء الليل
وخالف في ذلك مالك فقال يجب القضاء وعلى جواز الاعتماد على الصوت في الرواية إذا كان عارفا
به وإن لم يشاهد الراوي وخالف في ذلك شعبة لاحتمال الاشتباه وعلى جواز ذكر الرجل بما فيه من
العاهة إذا كان يقصد التعريف ونحوه وجواز نسبة الرجل إلى أمه إذا اشتهر بذلك واحتيج إليه
(قوله باب الأذان بعد الفجر) قال الزين بن المنير قد المصنف ترجمة الأذان بعد الفجر
على ترجمة الأذان قبل الفجر فخالف الترتيب الوجودي لأن الأصل في الشرع أن لا يؤذن إلا بعد
83

دخول الوقت فقدم ترجمة الأصل على ما ندر عنه وأشار ابن بطال إلى الاعتراض على الترجمة بأنه
لا خلاف فيه بين الأئمة وإنما الخلاف في جوازه قبل الفجر والذي يظهر لي أن مراد المصنف
بالترجمتين أن يبين أن المعنى الذي كان يؤذن لأجله قبل الفجر غير المعنى الذي كان يؤذن لأجله
بعد الفجر وأن الأذان قبل الفجر لا يكتفى به عن الأذان بعده وأن أذان ابن أم مكتوم لم يكن يقع
قبل الفجر والله أعلم (قوله كان إذا أعتكف المؤذن للصبح) هكذا وقع عند جمهور رواة
البخاري وفيه نظر وقد استشكله كثير من العلماء ووجهه بعضهم كما سيأتي والحديث في
الموطأ عند جميع رواته بلفظ كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وكذا رواه مسلم
وغيره وهو الصواب وقد أصلح في رواية ابن شبويه عن الفربري كذلك وفي رواية الهمداني
كان إذا أذن بدل أعتكف وهي أشبه بالرواية المصوبة ووقع في رواية النسفي عن البخاري بلفظ
كان إذا أعتكف وأذن المؤذن وهو يقتضى أن صنيعه ذلك كان مختصا بحال اعتكافه وليس
كذلك والظاهر أنه من إصلاحه وقد أطلق جماعة من الحفاظ القول بأن الوهم فيه من
عبد الله بن يوسف شيخ البخاري ووجه ابن بطال وغيره بأن معنى أعتكف المؤذن أي اللزم
ارتقابه ونظره إلى أن يطلع الفجر ليؤذن عند أول ادراكه قالوا وأصل العكوف لزوم الإقامة
بمكان واحد وتعقب بأنه يلزم منه أنه كان لا يصليهما إلا إذا وقع ذلك من المؤذن لما يقتضيه
مفهوم الشرط وليس كذلك لمواظبته عليهما مطلقا والحق أن لفظ أعتكف محرف من لفظ
سكت وقد أخرجه المؤلف في باب الركعتين بعد الظهر من طريق أيوب عن نافع بلفظ كان إذا
أذن المؤذن وطلع الفجر (قوله وبدا الصبح) بغير همز أي ظهر وأغرب الكرماني فصحح أنه
بالنون المكسورة والهمزة بعد المد وكأنه ظن أنه معطوف على قوله للصبح فيكون التقدير
واعتكف لنداء الصبح وليس كذلك فإن الحديث في جميع النسخ من الموطأ والبخاري ومسلم
وغيرها بالباء الموحدة المفتوحة وبعد الدال ألف مقصورة والواو فيه واو الحال لا واو العطف
وبذلك تتم مطابقة الحديث للترجمة وسيأتي بقية الكلام عليه في أبواب التطوع إن شاء الله
تعالى (قوله عن يحيى) هو ابن أبي كثير (قوله بين النداء والإقامة) قال الزين بن المنير
حديث عائشة أبعد في الاستدلال به للترجمة من حديث حفصة لأن قولها بين النداء والإقامة
لا يستلزم كون الأذان بعد الفجر ثم أجاب عن ذلك بما محصله أنها عنت بالركعتين ركعتي الفجر
وهما لا يصليان إلا بعد الفجر فإذا صلاهما بعد الأذان استلزم أن يكون الأذان وقع بعد الفجر
انتهى وهو مع ما فيه من التكليف غير سالم من الانتقاد والذي عندي أن المصنف جرى على
عادته في الإيماء إلى بعض ما ورد في طرق الحديث الذي يستدل به وبيان ذلك فيما أورده بعد بابين
من وجه آخر عن عائشة ولفظه كان إذا سكت المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين قبل
صلاة الصبح بعد أن يستبين الفجر (قوله عن عبد الله بن دينار) هذا إسناد آخر لمالك في هذا
الحديث قال ابن عبد البر لم يختلف عليه فيه واعترض بن التيمي فقال هذا الحديث لا يدل على
الترجمة لجعله غاية الأكل ابتداء أذان بن أم مكتوم فدل على أن أذانه كان يقع قبل الفجر بقليل
وجوابه ما تقدم تقريره في الباب الذي قبله وقال الزين بن المنير الاستدلال بحديث ابن عمر أوجه
من غيره فإن قوله حتى ينادي بن أم مكتوم يقتضى أنه ينادي حين يطلع الفجر لأنه لو كان ينادي
84

قبله لكان كبلال ينادي بليل * (تنبيه) * قال بن منده حديث عبد الله بن دينار مجمع على صحته
رواه جماعة من أصحابه عنه ورواه عنه شعبة فاختلف عليه فيه رواه يزيد بن هارون عنه على
الشك أن بلالا كما هو المشهور أو أن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال
قال ولشعبة فيه إسناد آخر فإنه رواه أيضا عن خبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة فذكره على
الشك أيضا أخرجه أحمد عن غندر عنه ورواه أبو داود الطيالسي عنه جازما بالأول ورواه
أبو الوليد عنه جازما بالثاني وكذا أخرجه بن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة
وكذلك أخرجه الطحاوي والطبراني من طريق منصور بن زاذان عن خبيب بن عبد الرحمن
وادعى ابن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب وأن الصواب حديث الباب وقد كنت أميل
إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في صحيح ابن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة وفي بعض
ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله إذ أذن عمرو فأنه ضرير البصر فلا يغرنكم وإذا أذن
بلال فلا يطعمن أحد وأخرجه أحمد وجاء عن عائشة أيضا أنها كانت تنكر حديث ابن عمر
وتقول إنه غلط أخرج ذلك البيهقي من طريق الدراوردي عن هشام عن أبيه عنها فذكر
الحديث وزاد قالت عائشة وكان بلال يبصر الفجر قال وكانت عائشة تقول غلط ابن عمر انتهى
وقد جمع ابن خزيمة والضبعي بين الحديثين بما حاصله أنه يحتمل أن يكون الأذان كان نوبا بين
بلال وابن أم مكتوم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أن أذان الأول منهما لا يحرم
على الصائم شيئا ولا يدل على دخول وقت الصلاة بخلاف الثاني وجزم ابن حبان بذلك ولم يبده
احتملا وأنكر ذلك عليه الضياء وغيره وقيل لم يكن نوبا وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان
فإن بلالا كان في أول ما شرع الأذان يؤذن وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر وعلى ذلك
تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قالت كان بلال يجلس على بيتي وهو أعلى بيت في
المدينة فإذا رأى الفجر تمطأ ثم أذن أخرجه أبو داود وإسناده حسن ورواية حميد عن أنس
أن سائلا سأل عن وقت الصلاة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن حين طلع الفجر
الحديث أخرجه النسائي وإسناده صحيح ثم أردف بابن أم مكتوم وكان يؤذن بليل واستمر بلال
على حالته الأولى وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وغيرها ثم في آخر الأمر أخر ابن أم مكتوم
لضعفه ووكل به من يراعى له الفجر واستقر أذان بلال بليل وكان سبب ذلك ما روى أنه ربما
كان أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه وأنه أخطأ مرة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع
فيقول ألا إن العبد نام يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبين الفجر وهو حديث أخرجه
أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا مرفوعا ورجاله
ثقات حفاظ لكن اتفق كثرة الحديث علي ابن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري والذهلي وأبو
حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدارقطني على أن حمادا أخطأ في رفعه وأن الصواب وقفه
على عمر بن الخطاب وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه وأن حمادا انفرد برفعه ومع ذلك فقد وجد له
متابع أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن زربي وهو بفتحه الزاي وسكون الراء بعدها موحدة ثم ياء
كياء النسب فرواه عن أيوب موصولا لكن سعيد ضعيف ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب
أيضا لكن أعضله فلم يذكر نافعا ولا ابن عمر وله طريق أخرى عن نافع عند الدارقطني وغيره
85

اختلف في رفعها ووقفها أيضا وأخرى مرسلة من طريق يونس بن عبيد وغيره عن حميد بن
هلال وأخرى من طريق سعيد عن قتادة مرسلة ووصلها يونس عن سعيد بذكر أنس وهذه
طرق يقوي بعضها بعضا قوة ظاهرة فلهذا والله أعلم استقر أن بلالا يؤذن الأذان الأول وسنذكر
اختلافهم في تعيين الوقت المراد من قوله يؤذن بليل في الباب الذي بعد هذا (قوله
باب الأذان قبل الفجر) أي ما حكمة هل يشرع أولا وإذا شرع هل يكتفى به عن إعادة
الأذان بعد الفجر أولا وإلى مشروعيته مطلقا ذهب الجمهور وخالف الثوري وأبو حنيفة ومحمد
وإلى الاكتفاء مطلقا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم وخالف بخزيمة وابن المنذر
وطائفة من أهل الحديث وقال به الغزالي في الإحياء وادعى بعضهم أنه لم يرد في شئ من الحديث
ما يدل على الاكتفاء وتعقب بحديث الباب وأجيب بأنه مسكوت عنه فلا يدل وعلى التنزل فمحله
فيما إذا لم يرد نطق بخلافه وهنا قد ورد حديث ابن عمر وعائشة بما يشعر بعد الاكتفاء وكأن هذا
هو السر في إيراد البخاري لحديثهما في هذا الباب عقب حديث ابن مسعود نعم حديث زياد
ابن الحارث عند أبي داود يدل على الاكتفاء فإن فيه أنه أذن قبل الفجر بأمر النبي صلى الله عليه
وسلم وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام لكن في إسناده ضعف وأيضا
فهي واقعة عين وكانت في سفر ومن ثم قال القرطبي إنه مذهب واضح غير أن العمل المنقول
بالمدينة على خلافه انتهى فلم يرده إلا بالعمل على قاعدة المالكية وادعى بعض الحنفية كما حكاه
السروجي منهم أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان وإنما كان تذكيرا أو تسحيرا كما يقع
للناس اليوم وهذا مردود لكن الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعا وقد تضافرت الطرق على
التعبير بلفظ الأذان فحمله على معناه الشرعي مقدم ولأن الأذان الأول لو كان بألفاظ
مخصوصة لما التبس على السامعين وسياق الخبر يقتضى أنه خشي عليهم الالتباس وادعى ابن
القطان أن ذلك كان في رمضان خاصة وفيه نظر (قوله زهير) هو ابن معاوية الجعفي (قوله عن أبي
عثمان) في رواية ابن خزيمة من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه حدثنا أبو عثمان ولم أر هذا
الحديث من حديث ابن مسعود في شئ من الطرق إلا من رواية أبي عثمان عنه ولا من رواية أبي
عثمان إلا من رواية سليمان التيمي عنه واشتهر عن سليمان وله شاهد في صحيح مسلم من حديث
سمرة بن جندب (قوله أحدكم أو أحد أمنكم) شك من الراوي وكلاهما يفيد العموم وأن اختلفت
الحيثية (قوله من سحوره) بفتح أوله اسم لما يؤكل في السحر ويجوز الضم وهو اسم الفعل (قوله
ليرجع) بفتح الياء وكسر الجيم المخففة يستعمل هكذا لازما ومتعدما يقال رجع زيد ورجعت
زيدا ولا يقال في المتعدى بالتثقيل فعلى هذا من رواه بالضم والتثقيل أخطأ فإنه يصير من
الترجيع وهو الترديد وليس مرادا هنا وإنما معناه يرد القائم أي المتهجد إلى راحته ليقوم إلى
صلاة الصبح نشيطا أو يكون له حاجة إلى الصيام فيتسحر ويوقظ النائم ليتأهب لها بالغسل
ونحوه وتمسك الطحاوي بحديث ابن مسعود هذا لمذهبه فقال فقد أخبر أن ذلك النداء كان لما
ذكر لا للصلاة وتعقب بأن قوله لا للصلاة زيادة في الخبر وليس فيه حصر فيما ذكر فإن قيل
تقدم في تعريف الأذان الشرعي أنه إعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة والأذان قبل
الوقت ليس إعلاما بالوقت فالجواب أن الإعلام بالوقت أعم من أن يكون إعلاما بأنه دخل
86

أو قارب أن يدخل وإنما اختصت الصبح بذلك من بين الصلوات لأن الصلاة في أول وقتها مرغب
فيه والصبح يأتي غالبا عقب نوم فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول وقتها ليتأهبوا
ويدركوا فضيلة أول الوقت والله أعلم (قوله وليس أن يقول الفجر) فيه إطلاق القول على الفعل
أي يظهر وكذا قوله وقال بأصابعه ورفعها أي أشار وفي رواية الكشميهني بأصبعه ورفعهما
(قوله إلى فوق) بالضم على البناء وكذا أسفل لنية المضا ف إليه دون لفظة نحو لله الأمر من
قبل ومن بعد (قوله وقال زهير) أي الراوي وهي أيضا بمعنى أشار وكأنه جمع بين أصبعيه
ثم فرقهما ليحكي صفة الفجر الصادق لأنه يطلع معترضا ثم يعم الأفق ذاهبا يمينا وشمالا بخلاف
الفجر الكاذب وهو الذي تسمية العرب ذنب السرحان فإنه يظهر في أعلى السماء ثم ينخفض
وإلى ذلك أشار بقوله رفع وطأطأ رأسه وفي رواية الإسماعيلي من طريق عيسى بن يونس عن
سليمان فإن الفجر ليس هكذا ولا هكذا ولكن الفجر هكذا فكأن أصل الحديث كان بهذا
اللفظ مقرونا بالإشارة الدالة على المراد وبهذا اختلفت عبارة الرواة وأخصر ما وقع فيها رواية
جرير عن سليمان عند مسلم وليس الفجر المعترض ولكن المستطيل (قوله حدثني إسحق) لم أره
منسوبا وتردد فيه الجياني وهو عندي ابن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه كما جزم به المزي
ويدل عليه تعبيره بقوله أخبرنا فإنه لا يقول قط حدثنا بخلاف إسحق بن منصور وإسحق بن نصر
وأما ما وقع بخط الدمياطي أنه الواسطي ثم فسره بأنه ابن شاهين فليس بصواب لأنه لا يعرف له
عن أبي أسامة شئ لأن أبا أسامة كوفي وليس في شيوخ ابن شاهين أحد من أهل الكوفة (قوله
قال عبيد الله حدثنا) فاعل قال أبو أسامة وعبيد الله قائل حدثنا فالتقدير حدثنا عبيد الله
(قوله عن نافع) هو معطوف على عن القاسم بن محمد والحاصل أنه أخرج الحديث عن
عبيد الله بن عمر من وجهين الأول ذكر له فيه اسنادين نافع عن ابن عمر والقاسم عن عائشة وأما
الثاني فاقتصر فيه على الإسناد الثاني (قوله حتى يؤذن) في رواية الكشميهني حتى ينادي وقد
أورده في الصيام بلفظ يؤذن وزاد في آخره فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر قال القاسم لم يكن بين
أذنيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا وفي هذا تقييد لما أطلق في الروايا ت الأخرى من قوله أن بلالا
يؤذن بليل ولا يقال إنه مرسل لأن القاسم تابعي فلم يدر ك القصة المذكورة لأنه ثبت عند النسائي
من رواية حفص بن غياث و عند الطحاوي من رواية يحيى القطان كلاهما عن عبد الله بن عمر
عن القاسم عن عائشة فذكر الحديث قالت ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا وعلى هذا
فمعنى قوله في رواية البخاري قال القاسم أي في روايته عن عائشة وقد وقع عند مسلم في رواية ابن
نمير عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثل هذه الزيادة وفيها نظر أوضحته في كتاب المدرج
وثبتت الزيادة أيضا في حديث أنيسة الذي تقدمت الإشارة
إليه وفيه حجة لمن ذهب إلى أن
الوقت الذي يقع فيه الأذان قبل الفجر هو وقت السحور وهو أحد الأوجه في المذهب واختاره
السبكي في شرح المنهاج وحكى تصحيحه عن القاضي حسين والمتولي وقطع به البغوي وكلام ابن
دقيق العيد يشعر به فإنه قال بعد أن حكاه يرجح هذا بان قوله أن بلالا ينادي بليل خبر يتعلق
به فائدة للسامعين قطعا وذلك إذا كان وقت الأذان مشتبها محتملا لأن يكون عند طلوع
الفجر فبين صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يمنع الأكل والشرب بل الذي يمنعه طلوع الفجر الصادق
87

قال وهذا يدل على تقارب وقت أذان بلال من الفجر انتهى ويقويه أيضا ما تقدم من أن
الحكمة في مشروعيته التأهب لادراك الصبح في أول وقتها وصحح النووي في أكثر كتبه أن
مبدأه من نصف الليل الثاني وأجاب عن الحديث في شرح مسلم فقال قال العلماء معناه أن بلالا
كان يؤذن ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه فإذا قارب طلوع الفجر نزل فأخبر ابن أم مكتوم
فيتأهب بالطهارة وغيرها ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر وهذا مع وضوح مخالفته
لسياق الحديث يحتاج إلى دليل خاص لما صححه حتى يسوغ له التأويل ووراء ذلك أقوال أخرى
معروفة في الفقهيات واحتج الطحاوي لعدم مشروعية الأذان قبل الفجر بقوله لما كان بين
أذانيهما من القرب ما ذكر في حديث عائشة ثبت أنهما كانا يقصدان وقتا واحدا وهو طلوع
الفجر فيخطئه بلال ويصيبه بن أم مكتوم وتعقب بأنه لو كان كذلك لما أقره النبي صلى الله عليه
وسلم مؤذنا واعتمد عليه ولو كان كما ادعى لكان وقوع ذلك منه نادرا وظاهر حديث ابن عمر يدل
على أن ذلك كان شأنه وعادته والله أعلم (قوله باب كم بين الأذان والإقامة) أما باب
فهو في روايتنا بلا تنوين وكم استفهامية ومميزها محذوف وتقديره ساعة أو صلاة أو نحو ذلك
ولعله أشار بذلك إلى ما روى عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال اجعل بين أذانك
وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته
أخرجه الترمذي والحاكم لكن إسناده ضعيف وله شاهد من حديث أبي هريرة ومن حديث
سلمان أخرجهما أبو الشيخ ومن حديث أبي بن كعب أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات
المسند وكلها واهية فكأنه أشار إلى أن التقدير بذلك لم يثبت وقال ابن بطال لا حد لذلك غير
تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين ولم يختلف العلماء في التطوع بين الأذان والإقامة إلا في
المغرب كما سيأتي ووقع هنا في رواية نسبت للكشميهني ومن أنتظر اشتراط وهو خطأ فإن هذا اللفظ
ترجمة تلي هذه (قوله حدثنا إسحاق الواسطي) هو ابن شاهين ويحتمل أن يكون هو الذي
عناه الدمياطي ونقلناه عنه في الذي مضى لكني رأيته كما نقلته أولا بخط القطب الحلبي وقد
روى البخاري عن إسحاق بن وهب العلاف وهو واسطي أيضا لكن ليست له رواية عن خالد
وهو ابن عبد الله الطحان والجريري سعيد بن إياس وهو بضم الجيم كما تقدم في المقدمة
ووقع مسمى في رواية وهب بن بقية عن خالد عند الإسماعيلي وهي إحدى فوائد المستخرجات
وهو معدود فيمن اختلط واتفقوا على أن سماع المتأخرين منه كان بعد اختلاطه وخالد
منهم لكن أخرجه الإسماعيلي من رواية يزيد بن زريع وعبد الأعلى وابن علية وهم ممن
سمع منه قبل اختلاطه وهي إحدى فوائد المستخرجات أيضا وهو عند مسلم من طريق عبد
الأعلى أيضا وقد قال العجلي إنه من أصحهم سماعا من الجريري فإنه سمع منه قبل اختلاطه
بثمان سنين ولم ينفرد به مع ذلك الجريري بل تابعه عليه كهمس بن الحسن عن ابن بريدة وسيأتي
عند المصنف بعد باب وفي رواية يزيد بن زريع من الفوائد أيضا تسمية ابن بريدة عبد الله
والتصريح بتحديثه للجريري (قوله بين كل أذانين) أي أذان وإقامة ولا يصح حمله على ظاهرة
لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة والخبر ناطق بالتخيير لقوله لمن شاء وأجرى المصنف الترجمة
مجرى البيان للخبر لجزمه بأن ذلك المراد وتوارد الشراح على أن هذا من باب التغليب كقولهم
88

القمرين الشمس والقمر ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان لأنها إعلام بحضور فعل
الصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت ولا مانع من حمل قوله أذانين على ظاهره لأنه يكون
التقدير بين كل أذانين صلاة نافلة غير المفروضة (قوله صلاة) أي وقت صلاة أو المراد صلاة
نافلة أو نكرت لكونها تتناول كل غدد نواه المضلي من النافلة كركعتين أو أربع أو أكثر
ويحتمل أن يكون المراد به الحث على المبادرة إلى المسجد عند سماع الأذان لانتظار الإقامة لأن
منتظر الصلاة في صلاة قاله الزين بن المنير (قوله ثلاثا) أي قالها ثلاثا وسيأتي بعد باب بلفظ بين
كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ثم قال في الثالثة لمن شاء وهذا يبين أنه لم يقل لمن شاء إلا في
المرة الثالثة بخلاف ما يشعر به ظاهر الرواية الأولى من أنه قيد كل مرة بقوله لمن شاء ولمسلم
والإسماعيلي قال في الرابعة لمن شاء وكأن المراد بالرابعة في هذه الرواية المرة الرابعة أي أنه اقتصر
فيها على قوله لمن شاء فأطلق عليه بعضهم رابعة باعتبار مطلق القول وبهذا توافق رواية البخاري
وقد تقدم في العلم حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا وكأنه
قال بعد الثلاث لمن شاء ليدل على أن التكرار لتأكيد الاستحباب وقال ابن الجوزي فائدة هذا
الحديث أنه يجوز أن يتوهم أن الأذان للصلاة يمنع أن يفعل سوى الصلاة التي أذن لها فبين أن
التطوع بين الأذان والإقامة جائز في حديث أنس وقد صح ذلك في الإقامة كما سيأتي ووقع عند
أحمد إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت وهو أخص من الرواية المشهورة إلا المكتوبة
(قوله في حديث أنس كان المؤذن إذا أذن) في رواية الإسماعيلي إذا أخذ المؤذن في أذان المغرب
(قوله قام ناس) في رواية النسائي قام كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا تقدم
للمؤلف في أبواب ستر العورة (قوله يبتدرون) أي يستبقون والسواري جمع سارية وكأن غرضهم
بالاستباق إليها الاستتار بها ممن يمر بين أيديهم لكونهم يصلون فرادى (قوله وهم كذلك) أي في
تلك الحال وزاد مسلم من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس فيجئ الغريب فيحسب أن الصلاة
قد صليت من كثرة من يصليهما (قوله ولم يكن بينهما) أي الأذان والإقامة (قوله شئ) التنوين
فيه للتعظيم أي لم يكن بينهما شئ كثير وبهذا يندفع قول من زعم أن الرواية المعلقة معارضة
للرواية الموصولة بل هي مبينة لها ونفى الكثير يقتضى إثبات القليل وقد أخرجها الإسماعيلي
موصولة من طريق عثمان بن عمر عن شعبة بلفظ وكان بين الأذان والإقامة قريب ولمحمد بن
نصر من طريق أبي عامر عن شعبة نحوه وقال ابن المنير يجمع بين الروايتين بحمل النفي المطلق
على المبالغة مجازا والاثبات للقليل على الحقيقة وحمل بعض العلماء حديث الباب على ظاهره
فقال دل قوله ولم يكن بينهما شئ على أن عموم قوله بين كل أذانين صلاة مخصوص بغير المغرب
فإنهم لم يكونو يصلون بينهما بل كانوا يشرعون في الصلاة في أثناء الأذان ويفرغون مع فراغه
قال ويؤيد ذلك ما رواه البزار من طريق حيان بن عبيد الله عن عبد الله بن بريده عن أبيه مثل
الحديث الأول وزاد في آخره إلا المغرب أه وفي قوله ويفرغون مع فراغه نظر لأنه ليس في
الحديث ما يقتضيه ولا يلزم من شروعهم في أثناء الأذان ذلك وأما رواية حيان وهو بفتح
المهملة والتحتانية فشاذة لأنه وأن كان صدوقا عند البزار وغيره لكنه خالف الحفاظ من
أصحاب عبد الله بن بريدة في إسناد الحديث ومتنه وقد وقع في بعض طرقه عند الإسماعيلي وكان
89

بريدة يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب فلو كان الاستثناء محفوظا لم يخالف بريدة روايته وقد نقل
ابن الجوزي في الموضوعات عن القلاس أنه كذب حيانا المذكور وقال القرطبي وغيره ظاهر
حديث أنس أن الركعتين بعد المغرب وقبل صلاة المغرب كان أمرا أقرر النبي صلى الله عليه وسلم
أصحابه عليه وعملوا به حتى كانوا يستبقون إليه وهذا يدل على الاستحباب وكأن أصله قوله صلى
الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يصلهما فلا ينفى الاستحباب
بل يدل على أنهما ليستا من الرواتب وإلى استحبابهما ذهب أحمد وإسحق وأصحاب الحديث
وروى عن ابن عمر قال ما رأيت أحدا يصليهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء
الأربعة وجماعة من الصحابة أنهم كانوا لا يصلونهما وهو قول مالك والشافعي وادعى بعض
المالكية نسخهما فقال إنما كان ذلك في أول الأمر حيث نهى عن الصلاة بعد العصر حتى
تغرب الشمس فبين لهم بذلك وقت الجواز ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب في أول وقتها فلو استمرت
المواظبة على الاشتغال بغيرها لكان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها وتعقب بأن
دعوى النسخ لا دليل عليها والمنقول عن ابن عمر رواه أبو داود من طريق طاوس عنه و رواية
أنس المثبتة مقدمة على نفيه والمنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيره من طريق
إبراهيم النخعي عنهم وهو منقطع ولو ثبت لم يكن فيه دليل على النسخ ولا الكراهة وسيأتي في
أبواب التطوع أن عقبة بن عامر سئل عن الركعتين قبل المغرب فقال كنا نفعلهما على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم قيل له فما يمنعك الآن قال الشغل فلعل غيره أيضا منعه الشغل وقد روى محمد بن
نصر وغيره من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي
الدرداء وأبي موسى وغيرهم أنهم كانوا يواظبون عليهما وأما قول أبي بكر بن العربي اختلف فيها
الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم فمردود بقول محمد بن نصر وقد روينا عن جماعة من الصحابة
والتابعين أنهم كانوا يصلون الركعتين قبل المغرب ثم أخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى وعبد الله بن بريدة ويحي بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعراك بن
مالك ومن طريق الحسن البصري أنه سئل عنهما فقال حسنتين والله لمن أراد الله بهما وعن
سعيد بن المسيب أنه كان يقول حق على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين وعن مالك
قول آخر باستحبابهما وعند الشافعية وجه رجحه النووي ومن تبعه وقال في شرح مسلم قول من
قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها خيال فاسد منابذ للسنة ومع ذلك فزمنهما
زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها (قلت) ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما
كما في ركعتي الفجر قيل والحكمة في الندب إليهما رجاء إجابة الدعاء لأن الدعاء بين الأذان
والإقامة لا يرد وكلما كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر واستدل بحديث أنس
على امتداد وقت المغرب وليس ذلك بواضح * (تنبيهان) * أحدهما مطابقة حديث أنس
للترجمة من جهة الإشارة إلى أن الصحابة إذا كانوا يبتدرون إلى الركعتين قبل صلاة المغرب مع
قصر وقتها فالمبادرة إلى التنفل قبل غيرها من الصلوات تقع من باب الأولى ولا يتقيد بركعتين
إلا ما ضاهى المغرب في قصر الوقت كالصبح (الثاني) لم تتصل لنا رواية عثمان بن جبلة وهو
بفتح الجيم والموحدة إلى الآن وزعم مغلطاي ومن تبعه أن الإسماعيلي وصلها في مستخرجه
90

وليس كذلك فإن الإسماعيلي إنما أخرجه من طريق عثمان بن عمر وكذلك لم تتصل لنا رواية أبي
داود وهو الطيالسي فيما يظهر لي وقيل هو الحفري بفتح المهملة والفاء وقد وقع لنا مقصود
روايتهما من طريق عثمان بن عمر وأبي عامر ولله الحمد (قوله باب من أنتظر
الإقامة) موضع الترجمة من الحديث قوله ثم اضطجع على شقة الأيمن حتى يأتيه المؤذن وأوردها
مورد الاحتمال تنبيها على اختصاص ذلك بالإمام لأن المأموم مندوب إلى إحراز الصف الأول
ويحتمل أن يشارك الإمام في ذلك من كان منزله قريبا من المسجد وقيل يستفاد من حديث
الباب أن الذي ورد من الحض على الاستباق إلى المسجد هو لمن كان على مسافة من المسجد وأما
من كان يسمع إقامة من داره فانتظاره للصلاة إذا كان متهيئا لها كانتظاره إياها في المسجد
وفي مقصود الترجمة أيضا ما أخرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة قال كان بلال يؤذن ثم لا يقيم
حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم (قوله إذا سكت المؤذن) أي فرغ من الأذان بالسكوت
عنه هذا في الروايات المعتمدة بالمثناة الفوقانية وحكى ابن التين أنه روى بالموحدة ومعناه صب
الأذان وأفرغه في الآذان ومنه أفرغ في أذني كلاما حسنا أه والرواية المذكورة لم تثبت
في شئ من الطرق وإنما ذكرها الخطابي من طريق الأوزاعي عن الزهري وقال إن سويد بن نصر
راويها عن ابن المبارك عنه ضبطها بالموحدة وأفرط الصغاني في العباب فجزم أنها بالموحدة
وكذا ضبطها في نسخته التي ذكر أنه قابلها على نسخة الفربري وأن المحدثين يقولونها بالمثناه
ثم ادعى أنها تصحيف وليس كما قال (قوله بالأولى) أي عن الأولى وهي متعلقة بسكت يقال
سكت عن كذا إذا تركه والمراد بالأولى الأذان الذي يؤذن به عند دخول الوقت وهو أول
باعتبار إقامة وثان باعتبار الأذان الذي قبل الفجر وجاءه التأنيث إما من قبل مؤاخاته
للإقامة أو لأنه أراد المناداة أو الدعوة التامة
ويحتمل أن يكون صفة لمحذوف والتقدير إذا
سكت عن المرة الأولى أو في المرة الأولى * (تنبيه) * أخرج البيهقي من طريق موسى بن عقبة
عن سالم أبي النضر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج بعد النداء إلى المسجد فإن رأى أهل
المسجد قليلا جلس حتى يجتمعوا ثم يصلي وإسناده قوي مع إرساله وليس بينه وبين حديث
الباب تعارض لأنه يحمل على غير الصبح أو كان يفعل ذلك بعد أن يأتيه المؤذن ويخرج معه إلى
المسجد (قوله يستبين) بموحدة وآخره نون وفي رواية يستنير بنون وآخره راء وسيأتي
الكلام على ركعتي الفجر في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى (قوله باب بين
كل أذانين صلاة) تقدم الكلام على فوائده قبل باب وترجم هنا بلفظ الحديث وهناك ببعض
ما دل عليه (قوله باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد) كأنه يشير
إلى ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح أن ابن عمر كان يؤذن للصبح في السفر أذانين وهذا مصير منه
إلى التسوية بين الحضر والسفر وظاهر حديث الباب أن الأذان في السفر لا يتكرر لأنه
لم يفرق بين الصبح وغيرها والتعليل الماضي في حديث ابن مسعود يؤيده وعلى هذا فلا
مفهوم لقوله مؤذن واحد في السفر لأن الحضر أيضا لا يؤذن فيه إلا واحد ولو احتيج إلى
تعددهم لتباعد أقطار البلد أذن كل واحد في جهة ولا يؤذنون جميعا وقد قيل أن أول من
أحدث التأذين جميعا بنو أمية وقال الشافعي في الأم وأحب أن يؤذن مؤذن بعد مؤذن ولا
91

يؤذن جماعة معا وأن كان مسجد كبير فلا بأس أن يؤذن في كل جهة منه مؤذن يسمع من يليه في
وقت واحد (قوله في نفر) هم من ثلاثة إلى عشرة (قوله من قومي) هم بنو ليث بن بكر بن عبد
مناف بن كنانة وكان قدوم وفد بني ليث فيما ذكره ابن سعد بأسانيد متعدده أن واثلة اليثى قدم على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز لتبوك (قوله رفيقا) بفاء ثم قاف من الرفق وفي رواية
الأصيلي قيل والكشميهني بقافين أي رقيق القلب (قوله وصلوا) زاد في رواية إسماعيل بن علية
عن أيوب كما رأيتموني أصلى وهو في باب رحمة الناس والبهائم من كتاب الأدب ومثله في باب خبر
الواحد من رواية عبد الوهاب الثقفي عن أيوب (قوله فإذا حصرت الصلاة) وجه مطابقته
للترجمة مع أن ظاهره يخالفها لقوله فكونوا فيهم وعلموهم فإذا حضرت فظاهره أن ذلك بعد
وصولهم إلى أهلهم وتعليمهم لكن المصنف أشار إلى الرواية الآتية في الباب الذي بعد هذا فإن
فيها إذ أنتما خرجتما فأذنا ولا تعارض بينهما أيضا وبين قوله في هذه الترجمة مؤذن واحد لأن
المراد بقوله أذنا أي من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن وذلك لاستوائهما في الفضل ولا يعتبر في
الأذان السن بخلاف الإمامة وهو واضح من سياق حديث الباب حيث قال فيؤذن لكم
أحدكم وليؤمكم أكبرهم واستدل بهذا على أفضلية الإمامة على الأذان وعلى وجوب الأذان
وقد تقدم القول فيه في أوائل وبيان خطأ من نقل الإجماع على عدم الوجوب وسيأتي
بقية الكلام على هذا الحديث في باب إذا استووا في القراءة من أبواب الإمامة إن شاء الله تعالى
(قوله باب الأذان للمسافرين) كذا للكشميهني وللباقين للمسافر بالافراد وهو
للجنس (قوله إذا كانوا جماعة) هو مقتضى الأحاديث التي أوردها لكن ليس فيها ما يمنع أذان
المنفرد وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول إنما التأذين لجيش أو ركب
عليهم أمير فينادى بالصلاة ليجتمعوا لها فأما غيرهم فإنما هي الإقامة وحكى نحو ذلك عن مالك
وذهب الأئمة الثلاثة والثوري وغيرهم إلى مشروعية الأذان لكل أحد وقد تقدم حديث أبي
سعيد في باب رفع الصوت بالنداء وهو يقتضى استحباب الأذان للمنفرد وبالغ عطاء فقال إذا
كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة ولعله كان يرى ذلك شرطا في صحة الصلاة أو يرى
استحباب الإعادة لا وجوبها (قوله والإقامة) بالخفض عطفا على الأذان ولم يختلف في
مشروعية الإقامة في كل حال (قوله وكذلك بعرفة) لعله يشير إلى حديث جابر الطويل في صفة
الحج وهو عند مسلم وفيه أن بلالا أذن وأقام لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر
يوم عرفة (قوله وجمع) بفتح الجيم وسكون الميم هي مزدلفة وكأنه أشار بذلك إلى حديث ابن
مسعود الذي ذكره في كتاب الحج وفيه أنه صلى المغرب باذان وإقامة والعشاء بأذان وإقامة ثم قال
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله (قوله وقول المؤذن) هو بالخفض أيضا و قد تقدم
الكلام على حديث أبي ذر مستوفى في باب الابراد بالظهر في المواقيت وفيه البيان أن المؤذن
هو بلال وأنه أذن وأقام فيطابق هذه الترجمة قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفرياني وبذلك
صرح أبو نعيم في المستخرج وسفيان هو الثوري وقد روى البخاري عن محمد بن يوسف أيضا عن
سفيان بن عيينة لكنه محمد بن يوسف البيكندي وليست له رواية عن الثوري والفرياني وأن كان
يروي أيضا عن ابن عيينة لكنه إذا أطلق سفيان فإنما يريد به الثوري وإذا روى عن ابن عيينة
92

بينه وقد قدمنا ذلك (قوله أتى رجلان) هما مالك بن الحويرث راوي الحديث ورفيقه و سيأتي
في باب سفر الاثنين من كتاب الجهاد بلفظ انصرفت من عند النبي صلى الله عليه وسلم أنا و صاحب
لي ولم أر في شئ من طرقه تسمية صاحبه (قوله فأذنا) قال أبو الحسن بن القصار أراد به الفضل
وإلا فأذان الواحد يجزئ وكأنه فهم منه أنه أمرهما أن يؤذنا جميعا كما هو ظاهر اللفظ فإن أراد
أنهما يؤذنان معا فليس ذلك بمراد وقد قدمنا النقل عن السلف بخلافه وإن أراد أن كلا منهما
يؤذن على حدة ففيه نظر فإن أذان الواحد يكفي الجماعة نعم يستحب لكل أحد إجابة المؤذن
فالأولى حمل الأمر على أن أحدهما يؤذن والآخر يجيب وقد تقدم له توجيه آخر في
الباب الذي قبله وأن الحامل على صرفه عن ظاهرة قوله فيه فليؤذن لكم أحدكم وللطبراني
من طريق حماد بن سلمة عن خالد الحذاء في هذا الحديث إذا كنت مع صاحبك فأذن وأقم
وليؤمكما أكبركما واستروح القرطبي فحمل اختلاف ألفاظ الحديث على تعدد القصة وهو بعيد
وقال الكرماني قد يطلق الأمر بالتثنية وبالجمع والمراد واحد كقوله يا حرسي اضربا عنقه وقوله
قتله بنو تميم مع أن القاتل والضارب واحد (قوله ثم أقيما) فيه حجة لمن قال باستحباب إجابة
المؤذن بالإقامة إن حمل الأمر على ما مضى وإلا فالذي يؤذن هو الذي يقيم * (تنبيه) * وقع هنا
في رواية أبي الوقت حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب عن أيوب فذكر حديث مالك بن
الحويرث مطولا نحو ما مضى في الباب قبله وسيأتي بتمامه في باب خبر الواحد وعلى ذكره هناك
اقتصر باقي الرواة (قوله حدثنا يحيى) هو القطان (قوله بضجنان) هو بفتح الضاد المعجمة وبالجيم
بعدها نون على وزن فعلان غير مصروف قال صاحب الصحاح وغيره هو جبل بناحية مكة
وقال أبو موسى في ذيل الغريبين هو موضع أو جبل بين مكة والمدينة وقال صاحب المشارق
ومن تبعه هو جبل على بريد من مكة وقال صاحب الفائق بينه وبين مكة خمسة و عشرون
ميلا وبينه وبين وادي مريسعة أميال انتهى وهذا القدر أكثر من بريدين وضبطه بالأميال يدل
على مزيد اعتناء و صاحب الفائق ممن شاهد تلك الأماكن واعتنى بها خلاف من تقدم ذكره
ممن لم يرها أصلا ويؤيده ما حكاه أبو عبيد البكري قال وبين قديد وضجنان يوم قال معبد
الحزاعي
قد جعلت ماء قديد موعدي * وماء ضجنان لها ضحى الغد
(قوله وأخبرنا) أي ابن عمر (قوله كان يأمر مؤذنا) في رواية مسلم كان يأمر المؤذن (قوله
ثم يقول على أثره) صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان وقال القرطبي لما ذكر
رواية مسلم بلفظ يقول في آخره ندائه يحتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه جمعا بينه
وبين حديث ابن عباس انتهى وقد قدمنا في باب الكلام في الأذان عن ابن خزيمة أنه حمل
حديث ابن عباس على ظاهره وأن ذلك يقال بدلا من الحيعلة نظرا إلى المعنى لأن معنى حي على
الصلاة هلموا إليها ومعنى الصلاة في الرحال تأخروا عن المجئ ولا يناسب إيراد اللفظين معا لأن
أحدهما نقيض الآخر أه ويمكن الجمع بينهما ولا يلزم منه ما ذكر بان يكون معنى الصلاة في
الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة
ولو تحمل المشقة ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
93

في سفر فمطرنا فقال ليصل من شاء منكم في رحله (قوله في الليلة الباردة أو المطيرة) قال
الكرماني فعلية بمعنى فاعلة وإسناد المطر إليها مجاز ولا يقال أنها بمعنى مفعولة أي ممطور فيها
لوجود الهاء في قوله مطيرة إذ لا يصح ممطورة فيها أه ملخصا وقوله أو للتنويع لا للشك وفي
صحيح أبي عوانة ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح ودل ذلك على أن كلا من الثلاثة عذر في
التأخر عن الجماعة ونقل ابن بطال فيه الإجماع لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في
الليل فقط وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل لكن في السنن من طريق ابن إسحاق عن
نافع في هذا الحديث في الليلة المطيرة والغداة القرة وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن
أبيه أنهم مطروا يوما فرخص لهم ولم أر في شئ من الأحاديث الترخص بعذر الريح في النهار
صريحا لكن القياس يقتضى إلحاقه وقد نقله ابن الرفعة وجها (قوله في السفر) ظاهره
اختصاص ذلك بالسفر ورواية مالك عن نافع الآتية في أبواب صلاة الجماعة مطلقة وبها أخذ
الجمهور لكن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقا ويلحق به من
تلحقه بذلك مشقة في الحضر دون من لا تلحقه والله أعلم (قوله حدثنا إسحاق) وقع في رواية أبي
الوقت أنه ابن منصور وبذلك جزم خلف في الأطراف وقد تردد الكلاباذي هل هو ابن إبراهيم
أو ابن منصور ورجح الجياني أنه ابن منصور واستدل على ذلك بان مسلما أخرج هذا الحديث
بهذا الإسناد عن إسحاق بن منصور (قوله فآذنه بالصلاة ثم خرج بلال) اختصره المصنف
وقد أخرجه الإسماعيلي من طرق عن جعفر بن عون فقال بعد قوله بالصلاة فدعا بوضوء فتوضأ
فذكر القصة (قوله وأقام الصلاة) اختصر بقيته وهي عند الإسماعيلي أيضا وهي وركزها
بين يديه والظعن يمرون الحديث وقد قدمنا الكلام عليه في باب سترة الإمام سترة لمن خلفه
(قوله بالأبطح) هو موضع معروف خارج مكة وقد بيناه في ذلك الباب وفهم بعضهم أن المراد
بالأبطح موضع جمع لذكره لها في الترجمة وليس ذلك مراده بل بين جمع والأبطح مسافة طويلة
وإنما أورد حديث أبي جحيفة لأنه يدخل في أصل الترجمة وهي مشروعية الأذان والإقامة
للمسافرين (قوله باب هل يتتبع المؤذن فاه ههنا وههنا) هو بياء تحتانية ثم بتاءين
مفتوحات ثم بموحدة مشددة من التتبع وفي رواية الأصيلي يتبع بضم أوله وإسكان المثناة
وكسر الموحدة من الأتباع والمؤذن بالرفع لأنه فاعل التتبع وفاه منصوب على المفعولية وههنا
وههنا ظرفا مكان والمراد بهما جهتا اليمين والشمال كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الكلام على
الحديث وقال الكرماني لفظ المؤذن بالنصب وفاعله محذوف تقديره الشخص ونحوه وفاه
بالنصب بدل من المؤذن قال ليوافق قوله في الحديث فجعلت أتتبع فاه أه وليس ذلك بلازم
لما عرف من طريقة المصنف أنه لا يقف مع اللفظ الذي يورده غالبا بل يترجم له ببعض ألفاظه
الواردة فيه وكذا وقع ههنا فإن في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عند أبي عوانة في
صحيحه فجعل يتتبع بفيه يمينا وشمالا وفي رواية وكيع عن سفيان عند الإسماعيلي رأيت بلالا
يؤذن يتتبع بفيه ووصف سفيان يميل برأسه يمينا وشمالا والحاصل أن بلالا كان يتبع بفيه
الناحيتين وكان أبو جحيفة ينظر إليه فكل منهما متتبع باعتبار (قوله وهل يلتفت في الأذان)
يشير إلى ما قدمناه في رواية وكيع وفي رواية إسحق الأزرق عن سفيان عند النسائي فجعل
94

ينحرف يمينا وشمالا وسيأتي في رواية يحيى بن آدم بلفظ والتفت (قوله ويذكر عن بلال أنه
جعل إصبعيه في أذنيه) يشير بذلك إلى ما وقع في رواية عبد الرزاق وغيره عن سفيان كما سنوضحه
بعد (قوله وكان ابن عمر الخ) أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طرق نسير وهو بالنون
والمهملة مصغر ابن ذعلوق بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة وضم اللام عن ابن عمر
(قوله وقال إبراهيم) يعني النخعي الخ وصله سعيد
بن منصور وابن أبي شيبة عن جرير عن منصور
عنه بذلك وزاد ثم يخرج فيتوضأ ثم يرجع فيقيم (قوله وقال عطاء الخ) وصله عبد الرزاق عن ابن
جرير قال قال لي عطاء حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن المؤذن إلا متوضئا هو من الصلاة هو
فاتحة الصلاة ولابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء أنه كره أن يؤذن الرجل على غير وضوء وقد
ورد فيه حديث مرفوع أخرجه الترمذي والبيهقي من حديث أبي هريرة وفي إسناده ضعف
(قوله وقالت عائشة) تقدم الكلام عليه في باب تقضى الحائض المناسك من كتاب الحيض وأن
مسلما وصله وفي إيراد البخاري له هنا إشارة إلى اختيار قول النخعي وهو قول مالك والكوفيين لأن
الأذان من جملة الأركان فلا يشترط فيه ما يشترط في الصلاة من الطهارة ولا من استقبال
القبلة كما لا يستحب فيه الخشوع الذي ينافيه الالتفات وجعل الإصبع في الأذن وبهذا تعرف
مناسبة ذكره لهذه الآثار في هذه الترجمة والاختلاف نظر العلماء فيها أوردها بلفظ الاستفهام
ولم يجزم بالحكم (قوله حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي وسفيان هو الثوري (قوله ههنا
ههنا بالأذان) كذا أورده مختصرا ورواية وكيع عن سفيان عند مسلم أتم حيث قال فجعلت
أتتبع فاه ههنا وههنا يمينا وشمالا يقول حي على الصلاة حي على الفلاح وهذا فيه تقييد
للالتفات في الأذان وأن محله عند الحيعلتين وبوب عليه ابن خزيمة انحراف المؤذن عند قوله
حي على الصلاة حي على الفلاح بفمه لا ببدنه كله قال وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الوجه
ثم ساقه من طريق وكيع أيضا بلفظ فجعل يقول في أذانه هكذا ويحرف رأسه يمينا وشمالا وفي
رواية عبد الرزاق عن الثوري في هذا الحديث زيادتان إحداهما الاستدارة والأخرى وضع
الإصبع في الأذن ولفظه عند الترمذي رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه ههنا وههنا
وإصبعاه في أذنيه فأما قوله ويدور فهو مدرج في رواية سفيان عن عون بين ذلك يحيى بن آدم
عن سفيان عن عون عن أبيه قال رأيت بلالا أذن فأتبع فاه ههنا وههنا والتفت يمينا وشمالا
قال سفيان كان حجاج يعني ابن أرطاة يذكر لنا عن عون أنه قال فاستدار في أذانه فلما لقينا عونا
لم يذكر فيه الاستدارة أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من طريق يحيى بن آدم وكذا أخرجه البيهقي
من طريق عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان لكن لم يسم حجاجا وهو مشهور عن حجاج
أخرجه ابن ماجة وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم من طريقه ولم ينفرد به بل وافقه
إدريس الأودي ومحمد العرزمي عن عون لكن الثلاثة ضعفاء وقد خالفهم من هو مثلهم أو أمثل
وهو قيس بن الربيع فرواه عن عون فقال في حديثه ولم يستدر أخرجه أبو داود ويمكن الجمع بان
من أثبت الاستدارة عنى استدارة الرأس ومن نفاها عنى استدارة الجسد كله ومشى ابن بطال
ومن تبعه على ظاهره فاستدل به على جواز الاستدارة بالبدن كله قال ابن دقيق العيد فيه دليل
على استدارة المؤذنين للاسماع عند التلفظ بالحيعلتين واختلف هل يستدير ببدنه كله أو بوجهه
95

فقط وقدماه قارتان مستقبل القبلة واختلف أيضا هل يستدير في الحيعلتين الأوليين مرة وفي
الثانيتين مرة أو يقول حي على الصلاة عن يمينه ثم حي على الصلاة عن شماله وكذا في الأخرى
قال ورجح الثاني لأنه يكون لكل جهة نصيب منهما قال والأول أقرب إلى لفظ الحديث وفي
المغني عن أحمد لا يدور إلا إن كان على منارة يقصد إسماع أهل الجهتين وأما وضع الإصبعين في
الأذنين فقد رواه مؤمل أيضا عن سفيان أخرجه أبو عوانة وله شواهد ذكرتها في تعليق التعليق
من أصحها ما رواه أبو داود وابن حبان من طريق أبي سلام الدمشقي أن عبد الله الهوزني حدثه
قال قلت لبلال كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه قال بلال فجعلت
إصبعي في أذني فأذنت ولابن ماجة والحاكم من حديث سعد القرظ أن النبي صلى الله عليه وسلم
أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه وفي إسناده ضعف قال العلماء في ذلك فائدتان أحدهما أنه
قد يكون أرفع لصوته وفيه حديث ضعيف أخرجه أبو الشيخ من طريق سعد القرظ عن بلال
ثانيهما أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد أو كان به صمم أنه يؤذن ومن ثم قال بعضهم
يجعل يده فوق أذنه حسب قال الترمذي استحب أهل العلم أن يدخل المؤذن إصبعه في أذنيه في
الأذان قال واستحبه الأوزاعي في اشتراط أيضا * (تنبيه) * لم يرد تعيين الإصبع التي يستحب
وضعها وجزم النووي أنها المسبحة وإطلاق الإصبع مجاز عن الأنملة * (تنبيه آخر) * وقع في
المغني للموفق نسبة حديث أبي جحيفة بلفظ أن بلالا أذن ووضع أصبعيه في أذنيه إلى تخريج
البخاري ومسلم وهو وهم وساق أبو نعيم في المستخرج حديث الباب من طريق عبد الرحمن بن
مهدي وعبد الرزاق عن سفيان بلفظ عبد الرزاق من غير بيان فما أجاد لإبهامه أنهما
متوافقتان وقد عرفت ما في رواية عبد الرزاق من الإدراج وسلامة رواية عبد الرحمن من ذلك
والله المستعان (قوله باب قول الرجل فاتتنا الصلاة) أي هل يكره أم لا (قوله
وكره ابن سيرين الخ) وصله ابن أبي شيبة عن أزهر عن ابن عون قال كان محمد يعني ابن سيرين
يكره فذكره (قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم) هو بالرفع على الابتداء وأصح خبره وهذا
لكلام المصنف رادا علي ابن سيرين ووجه الرد أن الشارع أطلق لفظ الفوات فدل على الجواز
وابن سيرين مع كونه كرهه فإنما كرهه من جهة اللفظ لأنه قال وليقل لم ندرك وهذا محصل
معنى الفوات لكن قوله لم ندرك فيه نسبة عدم الإدراك إليه بخلاف فاتتنا فلعل ذلك هو
الذي لحظه ابن سيرين وقوله أصح معناه صحيح أي بالنسبة إلى قول ابن سيرين فإنه غير صحيح
لثبوت النص بخلافه وعند أحمد من حديث أبي قتادة في قصة نومهم عن الصلاة فقلت
يا رسول الله فاتتنا الصلاة ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وموقع هذه الترجمة
وما بعدها من أبواب الأذان والإقامة أن المرء عند إجابة المؤذن يحتمل أن يدرك الصلاة كلها
أو بعضها أو لا يدرك شيئا فاحتيج إلى جواز إطلاق الفوات وكيفية الإتيان إلى بالصلاة
وكيفية العمل عند فوات البعض ونحو ذلك (قوله شيبان) هو ابن عبد الرحمن ويحيى
هو ابن أبي كثير (قوله عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) في رواية مسلم من طريق معاوية بن
سلام عن يحيى بن أبي كثير التصريح بأخبار عبد الله له به وباخبار أبي قتادة لعبد الله (قوله
جلبة الرجال) وفي رواية كريمة والأصيلي جلبة رجال بغير ألف ولام وهما للعهد الذهني وقد
96

سمي منهم أبوه بكرة فيما رواه الطبراني من رواية يونس عن الحسن عنه نحوه في نحو هذه
القصة وجلبة بجيم ولام وموحدة مفتوحات أي أصواتهم حال حركتهم واستدل به على أن
التفات خاطر المصلي إلى الأمر الحادث لا يفسد صلاته وسنذكر الكلام على المتن في الباب
الذي بعده (قوله باب لا يسعى إلى الصلاة الخ) سقطت هذه الترجمة من رواية
الأصيلي ومن رواية أبي ذر عن غير السرخسي وثبوتها أصوب لقوله فيها وقاله أبو قتادة لأن
الضمير يعود على ما ذكر في الترجمة ولولا ذلك لعاد الضمير إلى المتن السابق فيكون ذكر أبي قتادة
تكرارا بلا فائدة لأنه ساقه عنه (قوله وعن الزهري) أي بالإسناد الذي قبله وهو آدم عن ابن أبي
ذئب عنه أي أن ابن أبي ذئب حدث به عن الزهري عن شيخين حدثاه به عن أبي هريرة وقد جمعهما
المصنف في باب المشي إلى الجمعة عن آدم فقال فيه عن سعيد وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة
وكذلك أخرجه مسلم من طريق إبراهيم بن سعيد عن الزهري عنهما وذكر الدارقطني الاختلاف
فيه على الزهري وجزم بأنه عنده عنهما جميعا قال وكان ربما اقتصر على أحدهما وأما الترمذي
فإنه أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة وحده ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد وحده قال وقول عبد الرزاق أصح ثم أخرجه من
طريق ابن عيينة عن الزهري كما قال عبد الرزاق وهذا عمل صحيح لو لم يثبت أن الزهري حدث به
عنهما وقد أخرجه المصنف في باب المشي إلى الجمعة من طريق شعيب ومسلم من طريق يونس
كلاهما عن الزهري عن أبي سلمة وحده فترجح ما قال الدارقطني (قوله إذا سمعتم الإقامة) هو
أخص من قوله في حديث أبي قتادة إذا أتيتم الصلاة لكن الظاهر أنه من مفهوم الموافقة لأن
المسرع إذا أقيمت الصلاة يترجى إدراك فضيلة التكبيرة الأولى ونحو ذلك ومع ذلك فقد نهى
عن الإسراع فغيره ممن جاء قبل الإقامة لا يحتاج إلى الإسراع لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها
فينهى عن الإسراع من باب الأولى وقد لحظ فيه بعضهم معنى غير هذا فقال الحكمة في التقيد
بالإقامة أن المسرع إذا أقيمت الصلاة يصل إليها وقد انبهر فيقرأ وهو في تلك الحالة فلا يحصل
له تمام الخشوع في الترتيل وغيره بخلاف من جاء قبل ذلك فإن الصلاة قد لا تقام فيه حتى يستريح
انتهى وقضية هذا أنه لا يكره الإسراع لمن جاء قبل الإقامة وهو مخالف لصريح قوله إذا أتيتم
الصلاة لأنه يتناول ما قبل الإقامة وإنما قيد في الحديث الثاني بالإقامة لأن ذلك هو الحامل في
الغالب على الإسراع (قوله وعليكم بالسكينة) كذا في رواية أبي ذر ولغيره وعليكم السكينة
بغير باء وكذا في رواية مسلم من طريق يونس وضبطها القرطبي شارحه بالنصب على الإغراء
وضبطها النووي بالرفع على أنها جملة في موضع الحال واستشكل بعضهم دخول الباء قال لأنه
متعد بنفسه كقوله تعالى عليكم أنفسكم وفيه نظر لثبوت زيادة الباء في الأحاديث الصحيحة
كحديث عليكم برخصة الله وحديث فعليه بالصوم فأنه له رجاء وحديث فعليك بالمرأة قاله لأبي
طلحة في قصة صفية وحديث عليك بعيبتك قالته عائشة لعمر وحديث عليكم بقيام الليل
وحديث عليك بخويصة نفسك وغير ذلك ثم أن الذي علل به هذا المعترض غير موف بمقصوده إذ
لا يلزم من كونه يجوز أن يتعدى بنفسه امتناع تعديه بالباء وإذا ثبت ذلك فيدل على أن فيه لغتين
والله أعلم * (فائدة) * الحكمة في هذا الأمر تستفاد من زيادة وقعت في مسلم من طريق العلاء
97

عن أبيه عن أبي هريرة فذكر نحو حديث الباب وقال في آخره فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى
الصلاة فهو في صلاة أي أنه في حكم المصلي فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلى اعتماده واجتناب
ما ينبغي للمصلى اجتنابه (قوله والوقار) قال عياض والقرطبي هو بمعنى السكينة وذكر على
سبيل التأكيد وقال النووي الظاهر أن بينهما فرقا وأن السكينة التأني في الحركات واجتناب
العبث والوقار في الهيئة كغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات (قوله ولا تسرعوا)
فيه زيادة تأكيد ويستفاد منه الرد على من أول قوله في حديث أبي قتادة لا تفعلوا أي
الاستعجال المفضى إلى عدم الوقار وأما الإسراع الذي لا ينافي الوقار كمن خاف فوت التكبيرة
فلا وهذا محكى عن إسحاق بن راهويه وقد تقدمت رواية العلاء التي فيها فهو في صلاة قال
النووي نبه بذلك على أنه لو لم يدرك من الصلاة شيئا لكان محصلا لمقصوده لكونه في صلاة وعدم
الإسراع أيضا يستلزم كثرة الخطا وهو معنى مقصود لذاته وردت فيه أحاديث كحديث جابر عند
مسلم أن بكل خطوة درجة ولأبي داود من طريق سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار
مرفوعا إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لم يرفع قدمه اليمني إلا كتب الله له
حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة فإن أتى المسجد فصلى في جماعة ورجاله له فإن
أتى وقد صلوا بعضا وبقي بعض فصلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك وأن أتى المسجد وقد صلوا
فأتم الصلاة كان كذلك (قوله فما أدركتم فصلوا) قال الكرماني الفاء جواب شرط محذوف
أي إذا بينت لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا (قلت) أو التقدير إذا فعلتم فما أدركتم
أي فعلتم الذي أمرتكم به من السكينة وترك الإسراع واستدل بهذا الحديث على حصول
فضيلة الجماعة بادراك جزء من الصلاة لقوله فما أدركتم فصلوا ولم يفصل بين القليل والكثير
وهذا قول الجمهور وقيل لا تدرك الجماعة بأقل من ركعة للحديث السابق من أدرك ركعة
من الصلاة فقد أدرك وقياسا على الجمعة وقد قدمنا الجواب عنه في موضعه وأنه ورد في
الأوقات وأن في الجمعة حديثا خاصا بها وأستدل به أيضا على استحباب الدخول مع الإمام في
أي حالة وجد عليها وفيه حديث أصرح منه أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن
رفيع عن رجل من الأنصار مرفوعا من وجدني راكعا أو قائما أو ساجدا فليكن معي على
حالتي التي أنا عليها (قوله وما فاتكم فأتموا) أي أكملوا هذا هو الصحيح في رواية الزهري
ورواه عنه ابن عيينة بلفظ فاقضوا وحكم مسلم في التمييز عليه بالوهم في هذه اللفظة من أنه
أخرج إسناده في صحيحه لكن لم يسبق لفظه وكذا روى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن همام
عن أبي هريرة فقال فاقضوا وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بلفظ فأتموا
واختلف أيضا في حديث أبي قتادة فرواية الجمهور فأتموا ووقع لمعاوية بن هشام عن سفيان
فاقضوا كذا ذكره ابن أبي شيبة عنه وأخرج مسلم إسناده في صحيحه عن ابن أبي شيبة فلم يسق
يسير أيضا وروى أبو داود مثله عن سعيد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ووقعت
في رواية أبي رافع عن أبي هريرة واختلف في حديث أبي ذر قال وكذا قال ابن سيرين عن أبي
هريرة وليقض (قلت) ورواية ابن سيرين عند مسلم بلفظ صل ما أدركت واقض ما سبقك
والحاصل أن أكثر الروايات ورد بلفظ فأتموا وأقلها بلفظ فاقضوا وإنما تظهر فائدة ذلك إذا جعلنا
98

بين الاتمام والقضاء مغايرة لكن إذا كان مخرج الحديث واحدا واختلف في لفظة منه وأمكن
رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى وهنا كذلك لأن القضاء وأن كان يطلق على الفائت غالبا
لكنه يطلق على الأداء أيضا ويرد بمعنى الفراغ كقوله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا ويرد
بمعان أخر فيحمل قوله فاقضوا على معنى الأداء أو الفراغ فلا يغاير قوله فأتموا فلا حجة فيه لمن
تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته حتى استحب له الجهر في الركعتين
الأخيرتين وقراءة السورة وترك القنوت بل هو أولها وإن كان آخر صلاة إمامه لأن الآخر
لا يكون إلا عن شئ تقدمه وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل
حال فلو كان ما يدركه مع الإمام آخرا له لما أحتاج إلى إعادة المنكدر وقول ابن بطال إنه ما تشهد الا
لأجل السلام لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد ليس بالجواب الناهض على دفع الإيراد
المذكور واستدل ابن المنذر لذلك أيضا على أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في
الركعة الأولى وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهور فإنهم قالوا إن ما أدرك المأموم هو أول صلاته
إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في الرباعية لكن لم يستحبوا له إعادة
الجهر في الركعتين الباقيتين وكأن الحجة فيه قوله ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك
واقض ما سبقك به من القرآن أخرجه البيهقي وعن أسحق والمزني لا يقرأ إلا أم القرآن فقط وهو
القياس واستدل به على أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته
لأنه فاته الوقوف والقراءة فيه وهو قول أبي هريرة وجماعة بل حكاه البخاري في القراءة خلف
الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام واختاره ابن خزيمة والضبعي وغيرهما
من محدثي الشافعية وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين والله أعلم وحجة الجمهور حديث
أبي بكرة حيث ركع دون الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد
ولم يأمر بإعادة تلك الركعة وسيأتي في أثناء صفة الصلاة إن شاء الله تعالى (قوله باب
متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة) قيل أورد الترجمة بلفظ الاستفهام لأن قوله في
الحديث لا تقوموا نهى عن القيام وقوله حتى تروني تسويغ للقيام عند الرؤية وهو مطلق
غير مقيد بشئ من ألفاظ اشتراط ومن ثم اختلف السلف في ذلك كما سيأتي (قوله هشام)
هو الدستوائي وقد رواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه هنا عن أبان العطار عن
يحيى فلعله له فيه شيخان (قوله كتب إلى يحيى) ظاهر في أنه لم يسمعه منه وقد رواه
الإسماعيلي من طريق هشيم عن هشام وحجاج الصواف كلاهما عن يحيى وهو من تدليس
الصيغ وصرح أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن هشام أن يحيى كتب إليه أن عبد الله بن
أبي قتادة حدثه فأمن بذلك تدليس يحيى (قوله إذا أقيمت) أي إذا ذكرت ألفاظ الإقامة (قوله
حتى تروني) أي خرجت وصرح به عبد الرزاق وغيره عن معمر عن يحيى أخرجه مسلم ولابن
حبان من طريق عبد الرزاق وحده حتى تروني خرجت إليكم وفيه مع ذلك حذف تقديره
فقاموا وقال مالك في الموطأ لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحد محدود إلا أني أرى
ذلك على طاقة الناس فإن منهم الثقيل والخفيف وذهب الأكثرون إلى أنهم إذا كان الإمام
معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ اشتراط وعن أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن قد قامت
99

الصلاة رواه ابن المنذر وغيره وكذا رواه سعيد بن منصور من طرق أبي إسحق عن أصحاب عبد
الله وعن سعيد بن المسيب قال إذا قال المؤذن الله أكير وجب القيام وإذا قال حي على الصلاة
عدلت الصفوف وإذا قال لا إله إلا الله كبر الإمام وعن أبي حنيفة يقومون إذا قال حي على
الفلاح فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى
أنهم لا يقومون حتى يروه وخالف من ذكرنا على التفصيل الذي شرحنا وحديث الباب حجة عليهم
وفيه جواز اشتراط والإمام في منزله إذا كان يسمعها وتقدم إذنه في ذلك قال القرطبي ظاهر
الحديث إن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته وهو معارض
لحديث جابر بن سمرة أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم
ويجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم فأول ما يراه يشرع في الإقامة
قبل أن يراه غالب الناس ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم (قلت)
ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن
الله أكبر يقومون إلى الصلاة فلا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف
وأما حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم فخرج النبي صلى
الله عليه وسلم ولفظه في مستخرج أبي نعيم فصف الناس صفوفهم ثم خرج علينا ولفظه عند مسلم
أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم فأتى فقام
مقامه الحديث وعنه في رواية أبي داود أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يجئ النبي صلى الله عليه وسلم فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن
ذلك ربما وقع لبيان الجواز وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كأن سبب النهى عن ذلك في
حديث أبي قتادة وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم
فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره ولا يرد هذا
حديث أنس الآتي أنه قام في مقامه طويلا في حاجة بعض القوم لاحتمال أن يكون ذلك وقع
نادرا أو فعله لبيان الجواز (قوله باب لا يقوم إلى الصلاة مستعجلا وليقم إليها
بالسكينة والوقار) كذا في رواية الحموي وفي رواية المستملى باب لا يسعى إلى الصلاة وسقط
من رواية الكشميهني وجمعا في رواية الباقين بلفظ باب لا يسعى إلى الصلاة ولا يقوم إليها مستعجلا
الخ (قوله لا يسعى) كأنه يشير بذلك إلى رواية ابن سيرين في حديث أبي هريرة عند مسلم
ولفظه إذا ثوب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة عند المصنف في
باب المشي إلى الجمعة من كتاب الجمعة إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وسيأتي وجه الجمع بينه
وبين قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله هناك أن شاء الله تعال (قوله وعليكم بالسكينة)
كذا في رواية أبي ذر وكريمة وفي رواية الأصيلي وأبي الوقت وعليكم السكينة بحذف الباء
وكذا أخرجه أبو عوانة من طرق عن شيبان (قوله تابعه علي بن المبارك) أي عن يحيى
ومتابعته وصلها المؤلف في كتاب الجمعة ولفظه وعليكم السكينة بغير باء أيضا وقال أبو العباس
الطرقي تفرد شيبان وعلي بن المبارك عن يحيى بهذه الزيادة وتعقب بأن معاوية بن سلام
تابعهما عن يحيى ذكره أبو داود عقب رواية أبان عن يحيى فقال رواه معاوية بن سلام وعلي بن
100

المبارك عن يحيى وقالا فيه حتى تروني وعليكم السكينة (قلت) وهذه الرواية المعلقة
وصلها الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن معاوية بن سلار وشيبان جميعا عن يحيى
كما قال أبو داود (قوله باب هل يخرج من المسجد لعلة) أي لضرورة وكأنه
يشير إلى تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق أبي الشعثاء عن أبي هريرة أنه
الله عليه وسلم رأى رجلا خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال أما هذا فقد عصى
أبا القاسم فإن حديث الباب يدل على أن ذلك مخصوص بمن ليس له ضرورة فيلحق بالجنب
المحدث والراعف والحاقن ونحوهم وكذا من يكون إماما لمسجد آخر ومن في معناه وقد
أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه فصرح
برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبالتخصيص ولفظه لا يسمع النداء في المسجد ثم يخرج منه
إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق (قوله خرج وقد أقيمت الصلاة) يحتمل أن يكون المعنى
خرج في حال الإقامة ويحتمل أن تكون الإقامة تقدمت خروجه وهو ظاهر الرواية التي
في الباب الذي بعده لتعقيب اشتراط بالتسوية وتعقيب التسوية بخروجه جميعا بالفاء ويحتمل
أن يجمع بين الروايتين الجملتين وقعتا حالا أي خرج والحال أن الصلاة أقيمت والصفوف
عدلت وقال الكرماني لفظ قد تقرب الماضي من الحال وكأنه خرج في حال الإقامة وفي حال
التعديل ويحتمل أن الريح إنما شرعوا في ذلك بإذن منه أو قرينة أخذت عليه (قلت) وتقدم احتمال
أن يكون ذلك سببا للنهي فلا يلزم منه مخالفتهم له وقد تقدم الجمع بينه وبين حديث أبي قتادة
لا تقوموا حتى تروني قريبا (قوله وعدلت الصفوف) أي سويت (قوله حتى إذا قام في مصلاه)
زاد مسلم من طريق يونس عن الزهري قبل أن يكبر فانصرف وقد تقدم في باب إذا ذكر في المسجد
أنه جنب من أبواب الغسل من وجه آخر عن يونس بلفظ فلما قام في مصلاه ذكر ففيه دليل على
أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة وهو معارض لما رواه أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم ولمالك من طريق عطاء بن يسار
مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيده أن امكثوا ويمكن الجمع
بينهما بحمل قوله كبر على أراد أن يكبر أو بأنهما واقعتان أبداه عياض والقرطبي احتمالا وقال
النووي إنه الأظهر وجزم ابن حبان كعادته فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح ودعوى ابن بطال
أن الشافعي احتج بحديث عطاء على جواز تكبير المأموم قبل تكبير الإمام قال فناقض أصله
فاحتج بالمرسل متعقبة بأن الشافعي لا يرد المراسيل مطلقا بل يحتج منها بما يعتضد والأمر هنا
كذلك لحديث أبي بكرة الذي ذكرناه (قوله انتظرنا) جملة حالية وقوله انصرف أي إلى حجرته
وهو جواب إذا وقوله قال استئناف أو حال (قوله على مكانكم) أي كونوا على مكانكم
(قوله على هيئتنا) بفتح الهاء بعدها ياء تحتانية ساكنة ثم همزة مفتوحة ثم مثناة والمراد بذلك أنهم
امتثلوا أمره في قوله على مكانكم فاستمروا على الهيئة أي الكيفية التي تركهم عليها وهي قيامهم
في صفوفهم المعتدلة وفي رواية الكشميهني على هيئتنا بكسر الهاء وبعد الياء نون مفتوحة
والهينة الرفق ورواية الجماعة أوجه (قوله ينطف) بكسر الطاء وضمها أي يقطر صرح
به في الرواية التي بعد هذه (قوله وقد اغتسل) زاد الدارقطني من وجه آخر عن أبي هريرة فقال
101

أني كنت جنبا فنسيت أن أغتسل وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مضى في كتاب الغسل جواز
النسيان على الأنبياء في أمر العبادة لأجل التشريع وفيه طهارة الماء المستعمل وجواز الفصل
بين الإقامة والصلاة لأن قوله فصلى ظاهر في أن الإقامة لم تعد والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن
خروج الوقت وعن مالك إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد وينبغي أن يحمل على ما إذا لم يكن
عذرا وفيه أنه لا حياء في أمر الدين وسبيل من غلب أن يأتي بعذر موهم كأن يمسك بأنفه ليوهم أنه
رعف وفيه جواز انتظار المأمومين مجئ الإمام قياما عند الضرورة وهو غير القيام المنهي عنه
في حديث أبي قتادة وأنه لا يجب على من احتلم في المسجد فأراد الخروج منه أن يتميم كما تقدم في
الغسل وجواز الكلام بين الإقامة والصلاة وسيأتي في باب مفرد وجواز تأخير الجنب الغسل عن
وقت الحدث * (فائدة) * وقع في بعض النسخ هنا قيل لأبي عبد
الله أي البخاري إذا وقع هذا
لأحدنا يفعل مثل هذا قال نعم قيل فينتظرون الإمام قياما أو قعودا قال إن كان قبل التكبير فلا
بأس أن يقعدوا وإن كان بعد التكبير انتظروه قياما ووقع في بعضها في آخر الباب الذي بعده
(قوله باب إذا قال الإمام مكانكم) هذا اللفظ في رواية يونس عن الزهري كما مضى في
الغسل بلفظ فقال لنا مكانكم بحذف حرف الجر (قوله حتى نرجع) بالنون للكشميهني وبالهمزة
للأصيلي وبالتحتانية للباقين (قوله حدثنا إسحاق) كذا في جميع الروايات غير منسوب وجوز ابن
طاهر والجياني أنه إسحق بن منصور وبه جزم المزي وكنت أجوز أنه بن راهويه لثبوته في مسنده
عن الفريابي إلى أن رأيت في سياقه له مغايرة ومحمد بن يوسف هو الفريابي وقد أكثر البخاري عنه
بغير واسطة (قوله عن الزهري عن أبي سلمة) صرح بالتحدث في الموضعين إسحق بن راهويه
في روايته له عن الفريابي ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج (قوله فتقدم وهو جنب)
أي في نفس الأمر لا أنهم اطلعوا على ذلك منه قبل أن يعلمهم وقد تقدم في الغسل في رواية يونس
فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب وفي رواية أبي نعيم ذكر أنه لم يغتسل ومضت فوائده في الباب الذي
قبله (قوله باب قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم ما صلينا) قال ابن
بطال فيه رد لقول إبراهيم النخعي يكره أن يقول الرجل لم نصل ويقول نصلي قلت وكراهة
النخعي إنما هي في حق منتظر الصلاة وقد صرح بن ابطال بذلك ومنتظر الصلاة في صلاة كما ثبت
بالنص فاطلاق المنتظر ما صلينا يقتضى نفى ما أثبت الفاء فلذلك كرهه والإطلاق الذي في
حديث الباب إنما كان من ناس لها أو مشتغل عنها بالحرب كما تقدم تقريره في باب من صلى
بالناس جماعة بعد خروج الوقت في أبواب المواقيت فافترق حكمهما وتغايرا والذي يظهر لي أن
البخاري أراد أن ينبه على أن الكراهة المحكية عن النخعي ليست على إطلاقها لما دل عليه حديث
الباب ولو أراد الرد على النخعي مطلقا لأفصح به كما أفصح بالرد علي ابن سيرين في ترجمة فاتتنا الصلاة
ثم إن اللفظ الذي أورده المؤلف وقع النفي فيه من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا من قول
الرجل لكن في بعض طرقه وقوع ذلك من الرجل أيضا وهو عمر كما أورده في المغازي وهذه عادة
معروفة للمؤلف يترجم ببعض ما وقع في طرق الحديث الذي يسوقه ولو لم يقع في الطريق التي
يوردها في تلك الترجمة ويدخل في هذا ما في الطبراني من حديث جندب في قصة النوم عن الصلاة فقالوا يا رسول الله سهونا فلم نصل حتى طلعت الشمس وبقية فوائد الحديث تقدمت في المواقيت
102

(قوله ما كدت أن أصلى حتى كادت الشمس تغرب) وذلك بعد ما أفطر الصائم قال الكرماني
مستشكلا كيف يكون المجئ بعد الغروب لأن الصائم إنما يفطر حينئذ مع تصريحه بأنه جاء في
اليوم ثم أجاب بأن المراد بقوله يوم الخندق زمان الخندق والمراد به بيان التاريخ لا خصوص
الوقت أه والذي يظهر لي أن الإشارة بقوله وذلك بعد ما أفطر الصائم إشارة إلى الوقت الذي
خاطب به عمر النبي صلى الله عليه وسلم لا إلى الوقت الذي صلى فيه عمر العصر فإنه كان قرب
الغروب كما أخذت عليه كاد وأما إطلاق اليوم وإرادة زمان الوقعة لا خصوص النهار فهو كثير
(قوله باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة) أي هل يباح له التشاغل
بها قبل الدخول في الصلاة أو لا وتعرض بكسر الراء أي تظهر (قوله عن أنس) في رواية لمسلم
سمع أنسا والإسناد كله بصريون (قوله أقيمت الصلاة) أي صلاة العشاء بينه حماد عن ثابت
عن أنس عند مسلم (قوله يناجي رجلا) أي يحادثه ولم أقف على اسم هذا الرجل وذكر بعض
الشراح أنه كان كبيرا في قومه فأراد أن يتألفه على الإسلام ولم أقف على مستند ذلك قيل ويحتمل
أن يكون ملكا من الملائكة جاء بوحي من الله عز وجل ولا يخفى بعد هذا الاحتمال (قوله
حتى نام بعض القوم) زاد شعبة عن عبد العزيز ثم قام فصلى أخرجه مسلم وهو عند المصنف
في الاستئذان ووقع عند إسحاق بن راهويه في مسنده عن بن علية عن عبد العزيز في هذا الحديث
حتى نعس بعض القوم وكذا هو عند ابن حبان من وجه آخر عن أنس وهو يدل على أن النوم
المذكور لم يكن مستغرقا وقد تقدم الكلام على هذه المسألة في باب الوضوء من النوم من كتاب
الطهارة وفي الحديث جواز مناجاة الواحد غيره بحضور الجماعة وترجم عليه المؤلف في
الاستئذان المريض النجوى وفيه جواز الفصل بين الإقامة والإحرام إذا كان لحاجة أما إذا كان
لغير حاجة فهو مكروه واستدل به للرد على من أطلق من الحنفية أن المؤذن إذ قال قد قامت
الصلاة وجب على الإمام التكبير قال الزين بن المنير خص المصنف الإمام بالذكر مع أن الحكم عام
لأن لفظ الخبر يشعر بأن المناجاة كانت لحاجة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله والنبي
صلى الله عليه وسلم يناجي رجلا ولو كان لحاجة الرجل لقال أنس ورجل يناجي النبي صلى الله
عليه وسلم انتهى وهذا ليس بلازم وفيه غفلة منه عما في صحيح مسلم بلفظ أقيمت الصلاة
فقال رجل لي حاجة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه والذي يظهر لي أن هذا الحكم إنما
يتعلق بالإمام لأن المأموم إذا عرضت له الحاجة لا يتقيد به غيره من المأمومين بخلاف
الإمام ولما أن كانت مسألة الكلام بين الإحرام والإقامة تشمل المأموم والإمام أطلق المؤلف
الترجمة ولم يقيدها بالامام فقال (باب الكلام إذا أقيمت الصلاة) وأشار بذلك
إلى الرد على من كرهه مطلقا (قوله حدثنا عياش بن الوليد) هو الرقام وعبد الأعلى هو ابن عبد
الأعلى السامي بالمهملة والإسناد كله بصريون أيضا وقول حميد سألت ثابتا يشعر بأن الاختلاف
في حكم المسئلة كان قديما ثم إنه ظاهر في كونه أخذه عن أنس بواسطة وقد قال البزار إن
عبد الأعلى بن عبد الأعلى تفرد عن حميد بذلك ورواه عامة أصحاب حميد عنه عن أنس بغير واسطة
* (قلت) * كذا أخرجه أحمد عن يحيى القطان وجماعة عن حميد وكذلك أخرجه ابن حبان من
طريق هشيم عن حميد لكن لم أقف في شئ من طرقه على تصريح بسماعه له من أنس وهو
103

مدلس فالظاهر أن رواية عبد الأعلى هي المتصلة (قوله فحبسه) أي منعه من الدخول في الصلاة
وزاد هشيم في روايته حتى نعس بعض القوم ويدخل في هذا الباب ما سيأتي في الإمامة من طريق
زائدة عن حميد قال حدثنا أنس قال أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بوجهه زاد ابن حبان قبل أن يكبر فقال أقيموا صفوفكم وتراصوا لكن لما كان هذا يتعلق
بمصلحة الصلاة كان الاستدلال بالأول أظهر في جواز الكلام مطلقا والله أعلم * (خاتمة) *
اشتمل كتاب الأذان وما معه من الأحاديث المرفوعة على سبعة وأربعين حديثا المعلق منها ستة
أحاديث المكرر فيه وفيما مضى ثلاثة قرة والخالص أربعة قرة ووافقه مسلم
على تخريجها سوى أربعة أحاديث حديث أبي سعيد لا يسمع مدى صوت المؤذن وحديث
معاوية وجابر في القول عند سماع الأذان وحديث بلال في جعل أصبعيه في أذنيه وفيه من
الآثار عن الصحابة ومن بعدهم ثمانية آثار والله أعلم
* (أبواب صلاة الجماعة والإمامة) *
ولم يفرده البخاري بكتاب فيما رأينا من نسخ كتابه بل أتبع به كتاب الأذان لتعلقه به لكن ترجم
عليه أبو نعيم في المستخرج كتاب صلاة الجماعة فلعلها رواية شيخه أبي أحمد الجرجاني (قوله
باب وجوب صلاة الجماعة) هكذا بت الحكم في هذه المسألة وكأن ذلك لقوة دليلها
عنده لكن أطلق الوجوب وهو أعم من كونه وجوب عين أو كفاية إلا أن الأثر الذي ذكره عن
الحسن يشعر بكونه يريد أنه وجوب عين لما عرف من عادته أنه يستعمل الآثار في التراجم
لتوضيحها وتكميلها وتعين أحد الاحتمالات في حديث الباب وبهذا يجاب من اعتراض
عليه بأن قول الحسن يستدل له لا به ولم ينبه أحد من الشراح على من وصل أثر الحسن وقد
وجدته بمعناه وأتم منه وأصرح في كتاب الصيام للحسين بن الحسن المروزي بإسناد صحيح عن
الحسن في رجل يصوم يعني تطوعا فتأمره أمه أن يفطر قال فليفطر ولا قضاء عليه وله أجر
الصوم وأجر البر قيل فتنهاه أن يصلي العشاء في جماعة قال ليس ذلك لها هذه فريضة وأما
حديث الباب فظاهر في كونها فرض عين لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق ولو كانت
فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول ومن معه ويحتمل أن يقال التهديد بالتحريق المذكور يمكن
أن يقع في حق تاركي فرض الكفاية كمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية وفيه نظر لأن
التحريق الذي قد يفضى إلى القتل أخص من المقاتلة ولان المقاتلة إنما تشرع فيما إذا تمالأ
الجميع على الترك وإلى القول بأنها فر ض عين ذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وجماعة من محدثي
الشافعية كأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وبالغ داود ومن تبعه فجعلها شرطا
في صحة الصلاة وأشار ابن دقيق العيد إلى أنه مبنى على أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها فلما
كان الهم المذكور دالا على لازمه وهو الحضور ووجوب الحضور دليلا على لازمه وهو الاشتراط
ثبت الاشتراط بهذه الوسيلة إلا أنه لا يتم إلا بتسليم أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها وقد
قيل إنه الغالب ولما كان الوجوب قد ينفك عن الشرطية قال أحمد أنها واجبة غير شرط
انتهى وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه وقال
به كثير من الحنفية والمالكية والمشهور عند الباقين أنها سنة مؤكدة وقد أجابوا عن ظاهر
104

حديث الباب بأجوبة منها ما تقدم ومنها وهو ثانيها ونقله إمام الحرمين عن ابن خزيمة والذي
نقله عنه النووي الوجوب حسبما قال ابن بزيزة إن بعضهم استنبط من نفس الحديث عدم
الوجوب لكونه صلى الله عليه وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين فلو كانت الجماعة فرض عين ما هم
بتركها إذا توجه وتعقبه بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه (قلت) وليس فيه أيضا
دليل على أنه لفعل ذلك لم يتداركها في جماعة آخرين ومنها وهو ثالثها ما قال ابن بطال وغيره
لو كانت فرضا لقال حين توعده بالإحراق من تخلف عن الجماعة لم تجزئه صلاته لأنه وقت
البيان وتعقبه ابن دقيق العيد بأن البيان قد يكون بالتنصيص وقد يكون بالدلالة فلما قال
صلى الله عليه وسلم لقد هممت إلى الآخرة دل على وجوب الحضور وهو كاف في البيان ومنها
وهو رابعها ما قال الباجي وغيره إن الخبر ورد مورد الزجر وحقيقته غير مراده وإنما المراد
المبالغة ويرشد إلى ذلك وعيدهم بالعقوبة التي يعاقب بها الكفار وقد أنعقد الإجماع على منع
عقوبة المسلمين بذلك وأجيب بأن المنع وقع بعد نسخ التعذيب بالنار وكان قبل ذلك جائزا بدليل
حديث أبي هريرة الآتي في الجهاد الدال على جواز التحريق بالنار ثم على نسخه فحمل التهديد
على حقيقته غير ممتنع ومنها وهو خامسها كونه صلى الله عليه وسلم ترك تحريقهم بعد التهديد
فلو كان واجبا ما عفا عنهم قال القاضي عياض ومن تبعه ليس في الحديث حجة لأنه عليه
السلام هم ولم يفعل زاد النووي ولو كانت فرض عين لما تركهم وتعقبه ابن دقيق العيد فقال
هذا ضعيف لأنه صلى الله عليه وسلم لايهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله وأما الترك فلا يدل على
عدم الوجوب لاحتمال أن الريح انزجروا بذلك وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه على أنه قد
جاء في بعض الطرق بيان سبب الترك وهو فيما رواه أحمد من طريق سعيد المقبري عن أبي
هريرة بلفظ لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون
الحديث ومنها وهو سادسها أن المراد بالتهديد قوم تركوا الصلاة رأسا لا مجرد الجماعة وهو
متعقب بأن في رواية مسلم لا يشهدون الصلاة أي لا يحضرون وفي رواية عجلان عن أبي هريرة
عند أحمد لا يشهدون العشاء في الجميع أي في الجماعة وفي حديث أسامة بن زيد عند ابن ماجة
مرفوعا لينتهين رجال عن تركهم الجماعات أو لأحرقن بيوتهم ومنها وهو سابعها أن الحديث
ورد في الحث على مخالفة فعل أهل النفاق والتحذير من التشبه بهم لا لخصوص ترك الجماعة
فلا يتم الدليل أشار إليه الزين بن المنير وهو قريب من الوجه الرابع ومنها وهو ثامنها أن
الحديث ورد في حق المنافقين فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه فلا يتم الدليل وتعقب
باستبعاد الاعتناء بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع العلم بأنه لا صلاة لهم وبأنه كان معرضا
عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم وقد قال لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه وتعقب
ابن دقيق العيد هذا التعقب بأنه لا يتم إلا إذا ادعى أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبا عليه
ولا دليل على ذلك فإذا ثبت أنه كان مخيرا فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم
انتهى والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين لقوله في صدر الحديث الآتي بعد أربعة
أبواب ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر الحديث ولقوله لو يعلم أحدهم الآخرة
لأن هذا الوصف لائق بالمنافقين لا بالمؤمن الكامل لكن المراد به نفاق المعصية لا نفاق
105

الكفر بدليل قوله في رواية عجلان لا يشهدون العشاء في الجميع وقوله في حديث أسامة
لا يشهدون الجماعة وأصرح من ذلك قوله في رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عند أبي داود
ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لاكفر لأن
الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله به من
الكفر والاستهزاء نبه عليه القرطبي وأيضا فقوله في رواية المقبري لولا ما في البيوت من النساء
والذرية يدل على أنهم لم الريح كفارا لأن تحريق بيت الكافر إذا تعين طريقا إلى الغلبة عليه
لم يمنع ذلك وجود النساء والذرية في بيته وعلى تقدير أن يكون المراد بالنفاق في الحديث نفاق
الكفر فلا يدل على عدم الوجوب لأنه يتضمن أن ترك الجماعة من صفات المنافقين وقد نهينا عن
التشبه بهم وسياق الحديث يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلف عنها قال الطبي
خروج المؤمن من هذا الوعيد ليس من جهة أنهم إذا سمعوا النداء جاز لهم التخلف عن الجماعة
بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم بل هو من صفات المنافقين ويدل عليه قول ابن
مسعود لقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة الا منافق رواه مسلم انتهى كلامه وروى ابن أبي
شيبة وسعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عمير بن أنس حدثني عمومتي من الأنصار قالوا قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشهدهما منافق يعني العشاء والفجر ولا يقال فهذا يدل على
ما ذهب إليه صاحب هذا الوجه لانتفاء أن يكون المؤمن قد يتخلف وإنما ورد الوعيد في حق
من تخلف لأني أقول بل هذا يقوي ما ظهر لي أولا أن المراد نفاق المعصية لا نفاق
الكفر فعلى هذا لذي خرج هو المؤمن الكامل لا العاصي الذي يجوز إطلاق النفاق عليه
مجازا لما دل عليه مجموع الأحاديث ومنها وهو تاسعها ما ادعاه بعضهم أن فرضية الجماعة
كانت في أول الإسلام لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ حكاه عياض
ويمكن أن يتقوى بثبوت نسخ الوعيد المذكور في حقهم وهو التحريق بالنار كما سيأتي واضحا
في كتاب الجهاد وكذا ثبوت نسخ ما يتضمنه التحريق من جواز العقوبة بالمال ويدل على النسخ
الأحاديث الواردة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ كما سيأتي بيانه في الباب الذي بعد
هذا لأن الأفضلية تقتضي الاشتراك في أصل الفضل ومن السري ذلك الجواز ومنها وهو عاشرها
أن المراد بالصلاة الجمعة لا باقي الصلوات ونصره القرطبي وتعقب بالأحاديث المصرحة بالعشاء
وفيه بحث لأن الأحاديث اختلفت في تعين الصلاة التي وقع التهديد بسببها هل هي الجمعة أو
العشاء والفجر معا فإن لم تكن أحاديث مختلفة ولم يكن بعضها أرجح من بعض
وإلا وقف الاستدلال لأنه لا يتم إلا إن تعين كونها غير الجمعة أشار إليه ابن دقيق العيد ثم قال
فليتأمل الأحاديث الواردة في ذلك انتهى وقد تأملتها فرأيت التعيين ورد في حديث أبي هريرة
وابن أم مكتوم وابن مسعود أما حديث أبي هريرة فحديث الباب من رواية الأعرج عنه يومى
إلى أنها العشاء لقوله في آخره لشهد العشاء وفي رواية مسلم يعني العشاء ولهما من رواية أبي
صالح عنه أيضا الإيماء إلى أنها العشاء والفجر وعينها السراج في رواية له من هذا الوجه العشاء
حيث قال في صدر الحديث أخر العشاء ليلة فخرج فوجد الناس قليلا فغضب فذكر الحديث
وفي رواية ابن حبان من هذا الوجه يعني الصلاتين العشاء والغداة وفي رواية عجلان والمقبري
106

عند أحمد التصريح بتعيين العشاء ثم سائر الروايات عن أبي هريرة على الإبهام وقد أورده مسلم
من طريق وكيع عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عنه فلم يسق لفظه وساقه الترمذي
وغيره من هذا الوجه بإبهام الصلاة وكذلك رواه السراج وغيره من طرق عن جعفر وخالفهم
معمر عن جعفر فقال الجمعة أخرجه عبد الرزاق عنه والبيهقي من طريقه وأشار إلى ضعفها
لشذوذها ويدل على وهمه فيها رواية أبي داود والطبراني في الأوسط من طريق يزيد بن يزيد بن
جابر عن يزيد بن الأصم فذكر الحديث قال يزيد قلت ليزيد بن الأصم يا أبا عوف الجمعة عنى
أو غيرها قال صمت أذناي أن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما ذكر جمعه ولا غيرها فظهر أن الراجح في حديث أبي هريرة أنها لا تختص بالجمعة وأما حديث
ابن أم مكتوم فسأذكر قريبا وأنه موافق لأبي هريرة وأما حديث ابن مسعود فأخرجه
مسلم وفيه الجزم بالجمعة وهو حديث مستقل لأن مخرجه مغاير لحديث أبي هريرة ولا يقدح
أحدهما في الآخر فيحمل على أنهما واقعتان كما أشار إليه النووي والمحب الطبري وقد
وافق ابن أم مكتوم أبا هريرة على ذكر العشاء وذلك فيما أخرجه ابن خزيمة وأحمد والحاكم
من طريق حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن شداد عن ابن أم مكتوم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم استقبل الناس في صلاة العشاء فقال لقد هممت أني آتي هؤلاء الذين يتخلفون
عن الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم فقام ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله قد علمت ما بي وليس لي
قائد زاد أحمد وأن بيني وبين المسجد شجرا ونخلا ولا أقدر على قائد كل ساعة قال أتسمع
اشتراط قال نعم قال فأحضرها ولم يرخص له ولابن حبان من حديث جابر قال أتسمع الأذان
قال نعم قال فأتها ولو حبوا وقد حمله العلماء على أنه كان لا يشق عليه التصرف بالمشي وحده
ككثير من العميان واعتمد ابن خزيمة وغيره حديث ابن مكتوم هذا على فرضية
الجماعة في الصلوات كلها ورجحوه بحديث الباب وبالأحاديث الدالة على الرخصة في التخلف
عن الجماعة قالوا لأن الرخصة لا تكون إلا عن واجب وفيه نظر ووراء ذلك أمر آخر ألزم به ابن
دقيق العيد من يتمسك بالظاهر ولا يتقيد بالمعنى وهو أن الحديث ورد في صلاة معينة فيدل على
وجوب الجماعة فيها دون غيرها وأشار للإنفصال عنه بالتمسك بدلالة العموم لكن نوزع في كون
القول بما ذكر أولا ظاهرية محضة فان قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضيه ولا يستلزم ذلك ترك
أتباع المعنى لأن غير العشاء والفجر مظنة الشغل بالتكسب وغيره أما العصران فظاهر وأما
المغرب فلأنها في الغالب وقت الرجوع إلى البيت والأكل ولا سيما للصائم مع ضيق وقتها بخلاف
العشاء والفجر فليس للمتخلف عنهما عذر غير الكسل المذموم وفي المحافظة عليهما في الجماعة
أيضا انتظام الألفة بين المتجاورين في طرفي النهار وليختموا النهار بالاجتماع على الطاعة ويفتتحوه
كذلك وقد وقع في رواية عجلان عن أبي هريرة عند أحمد تخصيص التهديد بمن حول المسجد
وسيأتي توجيه كون العشاء والفجر أثقل على المنافقين من غيرهما وقد أطلت في هذا الموضع
لارتباط بعض الكلام ببعض واجتمع من الأجوبة لمن لم يقل بالوجوب عشرة أجوبة لا توجد
مجموعة في غير هذا الشرح (قوله عن الأعرج) في رواية السراج من طريق شعيب عن أبي الزناد
سمع الأعرج (قوله والذي نفسي بيده) هو قسم كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقسم
107

به والمعنى أن أمر نفوس العباد بيد الله أي بتقديره وتدبيره وفيه جواز القسم على الامر الذي
لا شك فيه تنبيها على عظم شأنه وفيه الرد من كره أن يحلف بالله مطلقا (قوله لقد هممت)
اللام جواب القسم والهم العزم وقيل دونه وزاد مسلم في أوله أنه صلى الله عليه وسلم فقدنا سافي
بغض الصلوات فقال لقد هممت فأفاد ذكر سبب الحديث (قوله بحطب ليحطب) كذا للحموي
والمستملي بلام التعليل وللكشميهني والباقين فيحطب بالفاء وكذا هو في الموطأ ومعنى يحطب
يكسر ليسهل اشتعال النار به ويحتمل أن يكون أطلق عليه ذلك قبل أن يتصف به تجوزا بمعنى أنه
سيتصف به (قوله ثم أخالف إلى رجال) أي آتيهم من خلفهم وقال الجوهري خالف إلى فلان
أي أتاه إذا غاب عنه أو المعنى أخالف الفعل الذي أظهرت من إقامة الصلاة وأسير إليهم أو
أخالف ظنهم في أني مشغول بالصلاة عن قصدي إليهم أو معنى أخالف أتخلف أي عن الصلاة إلى
قصد المذكورين والتقييد بالرجال يخرج النساء والصبيان (قوله فأحرق) بالتشديد و المراد به
التكثير يقال حرقه إذا بالغ في تحريقه (قوله عليهم) يشعر بان العقوبة ليست قاصرة على المال
بل المراد تحريق المقصودين والبيوت تبعا للقاطنين بها وفي رواية مسلم من طريق أبي صالح
فأحرق بيوتا على من فيها (قوله والذي نفسي بيده) فيه إعادة اليمين للمبالغة في التأكيد (قوله
عرقا) بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف قال الخليل العراق العظم بلا لحم وأن كان
عليه لحم فهو عرق وفي المحكم عن الأصمعي العرق بسكون الراء قطعة لحم وقال الأزهري العرق
واحد العراق وهي العظام التي يؤخذ منها هبر اللحم ويبقى عليها لحم رقيق فيكسر ويطبخ ويؤكل
ما على العظام من لحم دقيق ويتشمس العظام يقال عرقت اللحم واعترقته وتعرقته إذا أخذت
اللحم منه نهشا وفي المحكم جمع العرق على عراق بالضم عزيز وقول الأصمعي هو اللائق هنا (قوله
أو مرماتين) تثنية مرماة بكسر الميم وحكى الفتح قال الخليل هي ما بين ظلفي الشاة وحكاه أبو عبيد
وقال لا أدرى ما وجهه ونقله المستملى في روايته في كتاب الأحكام عن الفربري قال قال يونس عن
محمد بن سليمان عن البخاري المرماة بكسر الميم مثل مسناة وميضاة ما بين ظلفي الشاة من اللحم قال
عياض فالميم على هذا أصلية وقال الأخفش المرماة لعبة كانوا يلعبونها بنصال محدودة يرمونها
في كوم من تراب فأيهم أثبتها في الكوم غلب وهي المرماة والمدحاة (قلت) ويبعد أن تكون هذه
مراد الحديث لأجل التثنية وحكى الحربي عن الأصمعي أن المرماة سهم الهدف قال ويؤيده
ما حدثني ثم ساق من طريق أبي رافع عن أبي هريرة نحو الحديث بلفظ لو أن أحدهم إذا شهد
الصلاة معي كان له عظم من شاة سمينة أو سهمان لفعل وقيل المرماة سهم يتعلم عليه الرمي وهو سهم
دقيق مستو غير محدد قال الزين بن المنير ويدل على ذلك التثنية فإنها مشعرة بتكرار الرمي
بخلاف السهام المحددة الحربية فإنها لا يتكرر رميها وقال الزمخشري تفسير المرماة بالسهم ليس
بوجيه ويدفعه ذكر العرق معه ووجهه بن الأثير بأنه لما ذكر العظم السمين وكان مما يؤكل أتبعه
بالسهمين لأنهما مما يلهى به انتهى وإنما وصف العرق بالسمن والمرماة بالحسن ليكون ثم باعث
نفساني على تحصيلهما وفيه الإشارة إلى ذم المتخلفين عن الصلاة بوصفهم بالحرص على الشئ
الحقير من مطعوم أو ملعوب به مع التفريط فيما يحصل رفيع الدرجات ومنازل الكرامة وفي
الحديث من الفوائد أيضا تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة وسره أن المفسدة إذا ارتفعت
108

بالأهون من الزجر أكتفي به عن الأعلى من العقوبة نبه عليه ابن دقيق العيد وفيه جواز العقوبة
بالمال كذا استدل به كثير من القائلين بذلك من المالكية وغيرهم وفيه نظر لما أسلفناه ولاحتمال
أن التحريق من باب ما لا يتم الواجب إلا به إذ الظاهر أن الباعث على ذلك أنهم كانوا يختفون في
بيوتهم فلا يتوصل إلى عقوبتهم إلا بتحريقها عليهم وفيه جواز أخذ أهل الجرائم على غرة لأنه صلى
الله عليه وسلم هم بذلك في الوقت الذي عهد منه فيه الاشتغال بالصلاة بالجماعة فأراد أن يبغتهم في
الوقت الذي يتحققون أنه لا يطرقهم فيه أحد وفي السياق إشعار بأنه تقدم منه زجرهم عن
التخلف بالقول حتى استحقوا التهديد بالفعل وترجم عليه البخاري في كتاب الأشخاص وفي كتاب
الأحكام باب إخراج أهل المعاصي والريب من البيوت بعد المعرفة يريد أن من طلب منهم بحق
فاختفى أو أمتنع في بيته لددا ومطلا أخرج منه بكل طريق يتوصل إليه بها كما أراد صلى الله عليه
وسلم إخراج المتخلفين عن الصلاة بالقاء النار عليهم في بيوتهم واستدل به بن العربي وغيره على
مشروعية قتل تارك الصلاة متهاونا بها ونوزع في ذلك ورواية أبي داود التي فيها أنهم كانوا يصلون
في بيوتهم كما قدمناه تعكر عليه نعم يمكن الاستدلال منه بوجه آخر وهو أنهم إذا استحقوا التحريق
بترك صفة من صفات الصلاة خارجة عنها سواء قلنا واجبة أو مندوبة كان من تركها أصلا رأسا
أحق بذلك لكن لا يلزم من التهديد بالتحريق حصول القتل لا دائما ولا غالبا لأنه يمكن الفرار منه
أو الاخماد له بعد حصول المقصود منه من الزجر والارهاب وفي قوله في رواية أبي داود ليست بهم
علة دلالة على أن الأعذار تبيح التخلف عن الجماعة ولو قلنا إنها فرض وكذا الجمعة وفيه الرخصة
للإمام أو نائبه في ترك الجماعة لأجل إخراج من يستخفى في بيته ويتركها ولا بعد في أن تلحق بذلك
الجمعة فقد ذكروا من الاعذار في التخلف عنها خوف فوات الغريم وأصحاب الجرائم في حق الإمام
كالغرماء واستدل به على جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذا كان في ذلك مصلحة قال
ابن بزيزة وفيه نظر لأن الفاضل في هذه الصورة يكون غائبا وهذا لا يختلف في جوازه واستدل به
ابن العربي على جواز إعدام محل المعصية كما هو مذهب مالك وتعقب بأنه منسوخ كما قيل في
العقوبة بالمال والله أعلم (قوله باب فضل صلاة الجماعة) أشار الزين بن المنير إلى
أن ظاهر هذه الترجمة ينافي الترجمة التي قبلها ثم أطال في الجواب عن ذلك ويكفى منه أن كون
الشئ واجبا لا ينافي كونه ذا فضيلة ولكن الفضائل تتفاوت فالمراد منها بيان زيادة ثواب
الجماعة على صلاة الفرد (قوله وكان الأسود) أي ابن يزيد النخعي أحد كبار التابعين وأثره هذا وصله
ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ولفظه إذا فاتته الجماعة في مسجد قومه ومناسبته للترجمة أنه لولا ثبوت
فضيلة الجماعة عنده لما ترك فضيلة أول الوقت والمبادرة إلى خلاص الذمة وتوجه إلى مسجد
آخر كذا أشار إليه ابن المنير والذي يظهر لي أن البخاري قصد الإشارة بأثر الأسود وأنس إلى أن
الفضل الوارد في أحاديث الباب مقصور على من جمع في المسجد دون من جمع في بيته مثلا كما
سيأتي البحث فيه في الكلام على حديث أبي هريرة لأن التجميع لو لم يكن مختصا بالمسجد لجمع
الأسود في مكانه ولم ينتقل إلى مسجد آخر لطلب الجماعة ولما جاء أنس إلى مسجد بني رفاعة كما
سنبينه (قوله وجاء أنس) وصله أبو يعلى في مسنده من طريق الجعد أبي عثمان قال مر بنا أنس
ابن مالك في مسجد بني ثعلبة فذكر نحوه قال وذلك في صلاة الصبح وفيه فأمر رجلا فأذن وأقام ثم
109

صلى بأصحابه وأخرجه ابن أبي شيبة من طرق عن الجعد وعند البيهقي من طريق أبي عبد الصمد
العمي عن الجعد نحوه وقال مسجد بني رفاعة وقال فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه وهو
يؤيد ما قلناه من إرادة التجميع في المسجد (قوله صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ) بالمعجمة أي
المنفرد يقال فذ الرجل من أصحابه إذا بقي منفردا وحده وقد رواه مسلم من رواية عبيد الله بن
عمر عن نافع وسياقة أوضح ولفظه صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده (قوله بسبع
وعشرين درجة) قال الترمذي عامة من رواه قالوا خمسا وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال سبعا
وعشرين (قلت) لم يختلف عليه في ذلك إلا ما وقع عند عبد الرزاق عن عبد الله العمري عن نافع
فقال فيه خمس قرة لكن العمري ضعيف ووقع عند أبي عوانة في مستخرجه من طريق
أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع فإنه قال فيه بخمس وعشرين وهي شاذة مخالفة لرواية
الحفاظ من أصحاب عبيد الله وأصحاب نافع وإن كان راويها ثقة وأما ما وقع عند مسلم من رواية
الضحاك بن عثمان عن نافع بلفظ بضع وعشرين فليست مغايرة لرواية الحفاظ لصدق البضع على
السبع وأما غير ابن عمر فصح عن أبي سعيد وأبي هريرة كما في هذا الباب وعن ابن مسعود عند
أحمد وابن خزيمة وعن أبي بن كعب عند ابن ماجة والحاكم وعن عائشة وأنس عند السراج
وورد أيضا من طرق ضعيفة عن معاذ وصهيب وعبد الله بن زيد وزيد بن ثابت وكلها عند
الطبراني واتفق الجميع على خمس وعشرين سوى رواية أبي فقال أربع أو خمس على الشك
وسوى رواية لأبي هريرة عند أحمد قال فيها سبع قرة وفي إسنادها شريك القاضي وفي
حفظه ضعف وفي رواية لأبي عوانة بضعا وعشرين وليست مغايرة أيضا لصدق البضع على
الخمس فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع إذ لا أثر للشك واختلف في أيهما أرجح فقيل
رواية الخمس لكثرة رواتها وقيل رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ ووقع الاختلاف
في موضع آخر من الحديث وهو مميز العدد المذكور ففي الروايات كلها التعبير بقوله درجة أو
حذف المميز إلا طرق حديث أبي هريرة ففي بعضها ضعفا وفي بعضها جزاء وفي بعضها درجة وفي
بعضها صلاة ووقع هذا الأخير في بعض طرق حديث أنس والظاهر أن ذلك من يطلق الرواة
ويحتمل أن يكون ذلك من التفنن في العبارة وأما قول ابن الأثير إنما قال درجة ولم يقل جزاء ولا
نصيبا ولا حظا ولا نحو ذلك لأنه أراد النصارى من جهة العلو والارتفاع فإن تلك فوق هذه بكذا
وكذا درجة لأن الدرجات إلى جهة فوق فكأنه بناه على أن الأصل لفظ درجة وما عدا ذلك من
تصرف الرواة لكن نفيه ورود الجز مردود فإنه ثابت وكذلك الضعف وقد جمع بين روايتي
الخمس والسبع بوجوه منها أن ذكر القليل لا ينفى الكثير وهذا قول من لا يعتبر مفهوم العدد
لكن قد قال به جماعة من أصحاب الشافعي وحكى عن نصه وعلى هذا فقيل وهو الوجه الثاني
لعله صلى الله عليه وسلم أخبر بالخمس ثم أعلمه الله بزيادة الفضل فأخبر بالسبع وتعقب بأنه
يحتاج إلى التاريخ وبأن دخول النسخ في الفضائل مختلف فيه لكن إذا فرعنا على المنع تعين
تقدم الخمس على السبع من جهة أن الفضل من الله يقبل الزيادة لا النقص ثالثها أن اختلاف
العددين باختلاف مميزهما وعلى هذا فقيل الدرجة أصغر من الجزء وتعقب بان الذي روى عنه
الجزء روى عنه الدرجة وقال بعضهم الجزء في الدنيا والدرجة في الآخرة وهو مبنى على التغاير
110

رابعها الفرق بقرب المسجد وبعده خامسها الفرق بحال المصلي كأن يكون أعلم أو أخشع
سادسها الفرق بايقاعها في المسجد أو في غيره سابعها الفرق بالمنتظر الصلاة وغيره ثامنها
الفرق بادراك كلها أو بعضها تاسعها الفرق بكثرة الجماعة وقلتهم عاشرها السبع مختصة
بالفجر والعشاء وقيل بالفجر والعصر والخمس بما عدا ذلك حادى عشرها السبع مختصة
بالجهرية والخمس بالسرية وهذا الوجه عندي أوجهها لما سأبينه ثم إن الحكمة في هذا العدد
الخاص غير محققة المعنى ونقل الطيبي عن التوربشتي ما حاصله إن ذلك لا يدرك بالرأي بل
مرجعه إلى علم النبوة التي قصرت علوم الألباء عن إدراك حقيقتها كلها ثم قال ولعل الفائدة
هي اجتماع المسلمين مصطفين كصفوف الملائكة والاقتداء بالإمام وإظهار شعائر الإسلام وغير
ذلك وكأنه يشير إلى ما قدمته عن غيره وغفل عن مراد من زعم أن هذا الذي ذكره لا يفيد
المطلوب لكن أشار الكرماني إلى احتمال أن أصله كون المكتوبات خمسا فأريد المبالغة
في تكثيرها فضربت في مثلها فصارت خمسا وعشرين ثم ذكر للسبع مناسبة أيضا من جهة عدد
ركعات الفرائض ورواتبها وقال غيره الحسنة بعشر للمصلى منفردا فإذا انضم إليه آخر بلغت
عشرين ثم زيد بقدر عدد الصلوات الخمس أو يزاد عدد أيام الأسبوع ولا يخفى فساد هذا وقيل
الاعداد عشرات ومئين وألوف وخير الأمور الوسط فاعتبرت المائة والعدد المذكور ربعها
وهذا أشد فسادا من الذي قبله وقرأت بخط شيخنا البلقيني فيما كتب على العمدة ظهر لي في
هذين العددين شئ لم أسبق إليه لأن لفظ ابن عمر صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ ومعناه
الصلاة في الجماعة كما وقع في حديث أبي هريرة صلاة الرجل في الجماعة وعلى هذا فكل واحد من
المحكوم له بذلك صلى في جماعة وأدنى الاعداد التي يتحقق فيها ذلك ثلاث حتى يكون كل واحد
صلى في جماعة وكل واحد منهم أتى بحسنة وهي بعشرة فيحصل من مجموعه ثلاثون فاقتصر في
الحديث على الفضل الزائد وهو سبعة قرة دون الثلاثة التي هي أصل ذلك انتهى وظهر لي
في الجمع بين العددين أن أقل الجماعة إمام ومأموم فلولا الإمام ما سمي المأموم مأموم وكذا عكسه
فإذا تفضل الله على من صلى جماعة بزيادة خمس وعشرين درجة حمل الخبر الوارد بلفظها على
الفضل الزائد والخبر الوارد بلفظ سبع وعشرين على الأصلي والفضل وقد خاض قوم في تعيين
الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة قال ابن الجوزي وما جاءوا بطائل وقال المحب الطبري
ذكر بعضهم أن في حديث أبي هريرة يعني ثالث أحاديث الباب إشارة إلى بعض ذلك ويضاف إليه
أمور أخرى وردت في ذلك وقد فصلها بن بطال وتبعه جماعة من الشارحين وتعقب الزين بن
المنير بعض ما ذكره واختار تفصيلا آخر أورده وقد نقحت ما وقفت عليه من ذلك وحذفت ما لا
يختص بصلاة الجماعة فأولها إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة والتكبير إليها في أول الوقت
والمشي إلى المسجد بالسكينة ودخول المسجد داعيا وصلاة التحية عند دخوله كل ذلك بنية
الصلاة في الجماعة سادسها انتظار الجماعة سابعها صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له ثامنها
شهادتهم له تاسعها إجابة الإقامة عاشرها السلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة حادى
عاشرها الوقوف منتظرا إحرام الإمام أو الدخول معه في أي هيئة وجده عليها ثاني عشرها
إدراك تكبير الإحرام كذلك ثالث عشرها تسوية الصفوف وسد فرجها رابع عشرها
111

جواب الإمام عند قوله سمع الله لمن حمده خامس عشرها الأمن من السهو غالبا وتنبيه الإمام
إذا سها بالتسبيح أو الفتح عليه سادس عشرها حصول الخشوع والسلامة عما يلهى غالبا
سابع عشرها تحسين الهيئة غالبا ثامن عشرها احتفاف الملائكة به تاسع عشرها التدرب
على تجويد القراءة وتعلم الأركان والأبعاض العشرون إظهار شعائر الإسلام الحادي
والعشرون إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل
الثاني والعشرون السلامة من صفة النفاق ومن إساءة غيره الظن بأنه ترك الصلاة رأسا الثالث
والعشرون رد السلام على الإمام الرابع والعشرون الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر
وعود بركة الكامل على الناقص الخامس والعشرون قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول
تعاهدهم في أوقات الصلوات فهذه خمس قرة خصلة ورد في كل منها أمر أو ترغيب
يخصه وبقي منها أمران يختصان بالجهرية وهما الانصات عند قراءة الإمام والاستماع لها
والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة وبهذا يترجح أن السبع تختص بالجهرية والله أعلم
* (تنبيهات) * الأول مقتضى الخصال التي ذكرتها اختصاص التضعيف بالتجمع في المسجد
وهو الراجح في نظري كما سيأتي البحث فيه وعلى تقدير أن لا يختص بالمسجد فإنما يسقط مما ذكرته
ثلاثة أشياء وهي المشي والدخول والتحية فيمكن أن تعوض من بعض ما ذكر مما يشتمل على
خصلتين متقاربتين أقيمتا مقام خصلة واحدة كالأخيرتين لأن منفعة الاجتماع على الدعاء
والذكر غير منفعة عود بركة الكامل على الناقص وكذا فائدة قيام نظام الألفة غير فائدة حصول
التعاهد وكذا فائدة أمن المأمومين من السهو غالبا غير تنبيه الإمام إذا سها فهذه ثلاثة يمكن
أن يعوض بها الثلاثة المذكورة فيحصل المطلوب الثاني لا يرد على الخصال التي ذكرتها كون
بعض الخصال يختص ببعض من صلى جماعة دون بعض كالتبكير في أول الوقت وانتظار الجماعة
وانتظار إحرام الإمام ونحو ذلك لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد النية ولو لم يقع كما سبق
والله أعلم الثالث معنى الدرجة أو الجزء حصول مقدار صلاة المنفرد بالعدد المذكور للمجمع
وقد أشار ابن دقيق العيد إلى أن بعضهم زعم خلاف ذلك قال والأول أظهر لأنه قد ورد مبينا في
بعض الروايات انتهى وكأنه يشير إلى ما عند مسلم في بعض طرقه بلفظ صلاة الجماعة تعدل خمسا
وعشرين من صلاة الفذ وفي أخرى صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها
وحده ولأحمد من حديث ابن مسعود بإسناد رجاله ثقات نحوه وقال في آخره كلها مثل صلاته وهو
مقتضى لفظ رواية أبي هريرة الآتية حيث قال تضعف لأن الضعف كما قال الأزهري المثل إلى
ما زاد ليس بمقصور على المثلين تقول هذا ضعف الشئ أي مثله أو مثلاه فصاعدا لكن لا يزاد على
العشرة وظاهر قوله تضعف وكذا قوله في روايتي ابن عمر وأبي سعيد تفضل أي تزيد وقوله في
رواية أبي هريرة السابقة في باب مساجد السوق يريد أن صلاة الجماعة تساوى صلاة المنفرد
وتزيد عليها العدد المذكور فيكون لمصلي الجماعة ثواب ست أو ثمان وعشرين من صلاة المنفرد
(قوله عن عبد الله بن خباب) بمعجمة وموحدتين الأولى مثقلة وهو أنصاري مدني ويوافقه في
اسمه واسم أبيه عبد الله بن خباب بن الأرت لكن ليست له في الصحيحين رواية (قوله بخمس
وعشرين) في رواية الأصيلي خمسا وعشرين زاد ابن حبان وأبو داود من وجه آخر عن أبي سعيد
112

فإن صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة وكأن السر في ذلك أن الجماعة
لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة بل حكى النووي أنه لا يجري فيه الخلاف في وجوبها لكن
فيه نظر فإنه خلاف نص الشافعي وحكى أبو داود عن عبد الواحد قال في هذا الحديث أن صلاة
الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة انتهى وكأنه أخذه من إطلاق قوله فإن صلاها
لتناوله الجماعة والانفراد لكن حمله على الجماعة أولى وهو الذي يظهر من السياق ويلزم على ما قال
النووي أن ثواب المندوب يزيد على ثواب الواجب عند من يقول بوجوب الجماعة وقد استشكله
القرافي على أصل الحديث بناء على القول بأنها سنة ثم أورد عليه أن النصارى المذكور مرتب
على صلاة الفرد وصفته من صلاة الجماعة فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب
وأجاب بأنه تفرض المسألة فيمن صلى وحده ثم أعاد في جماعة فإن ثواب الفرض يحصل له بصلاته
وحده والتضعيف يحصل بصلاته في الجماعة فبقي الاشكال على حاله وفيه نظر لأن التضعيف لم
يحصل بسبب الإعادة وإنما حصل بسبب الجماعة إذ لو أعاد منفردا لم يحصل له إلا صلاة واحدة
فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب ومما ورد من الزيادة على العدد المذكور
ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عكرمة عن ابن عباس موقوفا عليه قال فضل صلاة
الجماعة على صلاة المنفرد خمس قرة درجة قال فإن كانوا أكثر من ذلك فعلى عدد من في
المسجد فقال رجل وإن كانوا عشرة آلاف قال نعم وهذا له حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي لكنه
غير ثابت * (تنبيه) * سقط حديث أبي سعيد من هذا الباب في رواية كريمة وثبت للباقين وأورده
الإسماعيلي قبل حديث عمر (قوله في حديث أبي هريرة صلاة الرجل في الجماعة) في رواية
الحموي والكشميهني في جماعة بالتنكير (قوله خمسة وعشرين ضعفا) كذا في الروايات التي
وقفنا عليها وحكى الكرماني وغيره أن فيه خمسا وعشرين درجة بتأويل الضعف بالدرجة أو
الصلاة (قوله في بيته وفي سوقه) مقتضاه أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت
وفي السوق جماعة وفرادى قاله ابن دقيق العيد قال والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في
المسجد الصلاة في غيره منفردا لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد
صلى منفردا قال وبهذا يرتفع الاشكال عمن استشكل تسوية الصلاة في البيت والسوق
انتهى ولا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية المذكورة إذ لا يلزم من استوائهما في
المفضولية عن المسجد أن لا يكون أحدهما أفضل من الآخر وكذا لا يلزم منه أن كون
الصلاة جماعة في البيت أو السوق لا فضل فيها على الصلاة منفردا بل الظاهر أن التضعيف
المذكور مختص بالجماعة في المسجد والصلاة في البيت مطلقا أولى منها في السوق لما ورد من
كون الأسواق موضع الشياطين والصلاة جماعة في البيت وفي السوق أولى من الانفراد وقد جاء
عن بعض الصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع وفي المسجد العام مع تقرير
الفضل في غيره وروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أوس المغافري أنه قال لعبد الله بن
عمرو بن العاص أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته قال حسن جميل قال فإن صلى
في مسجد عشيرته قال خمس عشرة صلاة قال فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه قال خمس قرة
وعشرون انتهى وأخرج حميد بن زنجويه في كتاب الترغيب نحوه من حديث واثلة وخص
الخمس والعشرين بمسجد القبائل قال وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه أي الجمعة بخمسمائة
113

وسنده ضعيف (قوله وذلك أنه إذا توضأ) ظاهر في أن الأمور المذكورة علة للتضعيف المذكور
إذ التقدير وذلك لأنه فكأنه يقول التضعيف المذكور سببه كيت وكيت وإذا كان كذلك فما
رتب على موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على الغاء ما
ليس معتبرا أوليس مقصودا لذاته وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولة المعنى فالأخذ بها متوجه
والروايات المطلقة لا تنافيها بل يحمل مطلقها على هذه المقيدة والذين قالوا بوجوب الجماعة على
الكفاية ذهب كثير منهم إلى أن الحرج لا يسقط بإقامة الجماعة في البيوت وكذا روى عن أحمد في
فرض العين ووجهوه بان أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد وهو وصف معتبر لا ينبغي
إلغاؤه فيختص به المسجد ويلحق به ما في معناه مما يحصل به إظهار الشعار (قوله لا يخرجه إلا
الصلاة) أي قصد الصلاة في جماعة واللام فيها للعهد لما بيناه (قوله لم يخط) بفتح أوله وضم الطاء و
قوله خطوة ضبطناه بضم أوله ويجوز الفتح قال الجوهري الخطوة بالضم ما بين القدمين وبالفتح
المرة الواحدة وجزم اليعمري أنها هنا بالفتح وقال القرطبي إنها في روايات مسلم بالضم والله أعلم
(قوله فإذا صلى) قال ابن أبي جمرة أي صلى صلاة تامة لأنه صلى الله عليه وسلم قال للمسئ
صلاته ارجع فصل فإنك لم تصل (قوله في مصلاه) أي في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد
وكأنه خرج مخرج الغالب وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرا على نية انتظار الصلاة
كان كذلك (قوله اللهم ارحمه) أي قائلين ذلك زاد ابن ماجة اللهم تب عليه وفي الطريق الماضية
في باب مسجد السوق اللهم اغفر له واستدل به على أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال لما ذكر
من صلاة الملائكة عليه ودعائهم له بالرحمة والمغفرة والتوبة وعلى تفضيل صالحي الناس على
الملائكة لأنهم يكونون في تحصيل الدرجات بعبادتهم والملائكة مشغولون بالاستغفار والدعاء
لهم واستدل بأحاديث الباب على أن الجماعة ليست شرطا لصحة الصلاة لأن قوله على صلاته وحده
يقتضى صحة صلاته منفردا لاقتضاء صيغة أفعل الاشتراك في أصل التفاضل فإن ذلك يقتضى
وجود فضيلة في صلاة المنفرد وما لا يصح لا فضيلة فيه قال القرطبي وغيره ولا يقال إن لفظة أفعل
قد ترد لاثبات صفة الفضل في إحدى الجهتين كقوله تعالى وأحسن مقيلا لأنا نقول إنما يقع
ذلك على قلة حيث ترد صيغة أفعل مطلقة غر مقيدة بعدد معين فإذا قلنا هذا العدد أزيد من هذا
بكذا فلابد من وجود أصل العدد ولا يقال يحمل المنفرد على المعذور لأن قوله صلاة الفذ صيغة
عموم فيشمل من صلى منفردا بعذر وبغير عذر فحمله على المعذور يحتاج إلى دليل وأيضا ففضل
الجماعة حاصل للمعذور لما سيأتي في هذا الكتاب من حديث أبي موسى مرفوعا إذا مرض العبد
أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما وأشار ابن عبد البر إلى أن بعضهم حمله على صلاة النافلة
ثم رده بحديث أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة واستدل بها على تساوى الجماعات في الفضل
سواء كثرت الجماعة أم قلت لأن الحديث دل على فضيلة الجماعة على المنفرد بغير واسطة فيدخل
فيه كل جماعة كذا قال بعض المالكية وقواه بما روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن إبراهيم
النخعي قال إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة لهم التضعيف خمسا وعشرين انتهى وهو مسلم
في أصل الحصول لكنه لا ينفى مزيد الفضل لما كان أكثر لا سيما مع وجود النص المصرح به
وهو ما رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث أبي بن كعب مرفوعا صلاة
114

الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر
فهو أحب إلى الله وله شاهد قوي في الطبراني من حديث قباث بن أشيم وهو بفتح القاف
والموحدة وبعد الألف مثلثة وأبوه بالمعجمة بعدها تحتانية بوزن أحمر ويترتب على الخلاف
المذكور أن من قال بالتفاوت استحب إعادة الجماعة مطلقا لتحصيل الأكثرية ولم يستحب ذلك
الآخرون ومنهم من فصل فقال تعاد مع الأعلم أو الأورع أو في البقعة الفاضلة ووافق مالك
على الأخير لكن قصره على المساجد الثلاثة والمشهور عنه بالمسجدين المكي والمدني وكما أن
الجماعة تتفاوت في الفضل بالقلة والكثرة وغير ذلك مما ذكر كذلك يفوق بعضها بعضا ولذلك
عقب المصنف الترجمة المطلقة في فضل الجماعة بالترجمة المقيدة بصلاة الفجر واستدل بها على أن
أقل الجماعة إمام ومأموم وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد قريبا إن شاء الله تعالى (قوله
باب فضل صلاة الفجر في جماعة) هذه الترجمة أخص من التي قبلها ومناسبة حديث
أبي هريرة لها من قوله وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر فإنه يدل على مزية
لصلاة الفجر على غيرها وزعم ابن بطال أن في قوله وتجتمع إشارة إلى أن الدرجتين الزائدتين على
خمس وعشرين تؤخذ من ذلك ولهذا عقبه برواية ابن عمر التي فيها بسبع وعشرين وقد تقدم
الكلام على الاجتماع المذكور في باب فضل صلاة العصر من المواقيت (قوله بخمس وعشرين
جزاء) كذا في النسخ التي وقفت عليها ونقل الزركشي في نكتة أنه وقع في الصحيحين خمس بحذف
الموحدة من أوله والهاء من آخره قال وخفض خمس على تقدير الباء كقول الشاعر
* أشارت كليب بالأكف الأصابع * أي إلى
كليب وأما حذف الهاء فعلى تأويل الجزء بالدرجة
انتهى وقد أورده المؤلف في التفسير من طريق معمر عن الزهري بلفظ فضل صلاة الجميع على
صلاة الواحد خمس وعشرين درجه (قوله قال شعيب وحدثني) نافع أي بالحديث مرفوعا نحوه
إلا أنه قال بسبع وعشرين درجة وهو موافق لرواية مالك وغيره عن نافع كما تقد وطريق
شعيب هذه موصولة وجوز الكرماني أن تكون معلقة وهو بعيد بل هي معطوفة على الإسناد
الأول والتقدير حدثنا أبو وابنه قال شعيب ونظائر هذا في الكتاب كثيرة ولكن لم أر طريق
شعيب هذه إلا عند المصنف ولم يستخرجها الإسماعيلي ولا أبو نعيم ولا أوردها الطبراني في مسند
الشاميين في ترجمة شعيب (قوله سمعت سالما) هو ابن أبي الجعد وأم الدرداء هي الصغرى
التابعية لا الكبرى الصحابية لأن الكبرى ماتت في حياة أبي الدرداء وعاشت الصغرى بعده زمانا
طويلا وقد جزم أبو حاتم بأن سالم بن أبي الجعد لم يدرك أبا الدرداء فعلى هذا لم يدرك أم الدرداء
الكبرى وفسرها الكرماني هنا بصفات الكبرى وهو خطأ لقول سالم سمعت أم الدرداء وقد تقدم
في المقدمة أن اسم الصغرى هجيمة والكبرى خيرة (قوله من أمة محمد) كذا في رواية أبي ذر
وكريمة وللباقين من محمد بحذف المضاف وعليه شرح ابن بطال ومن تبعه فقال يريد من شريعة
محمد شيئا لم يتغير عما كان عليه إلا الصلاة في جماعة فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه انتهى ووقع
في رواية أبي الوقت من أمر محمد بفتح الهمزة وسكون الميم بعدها راء وكذا ساقه القدرة في جمعه
وكذا هو في مسند أحمد ومستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم من طرق عن الأعمش وعندهم
ما أعرف فيهم أي في أهل البلد الذي كان فيه وكأن لفظ فيهم لما حذف من رواية البخاري صحف
115

بعض النقلة أمر بأمة ليعود الضمير في أنهم على الأمة (قوله يصلون جميعا) أي مجتمعين وحذف
المفعول وتقديره الصلاة أو الصلوات ومراد أبي الدرداء أن أعمال المذكورين حصل في جميعها
النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة وهو أمر نسبي لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم
مما صار إليه بعدها ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما وكأن ذلك صدر من أبي
الدرداء في أواخر عمره وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر
الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان
وفي هذا الحديث جواز الغضب عند تغير شئ من أمور الدين وإنكار المنكر بإظهار الغضب
إذا لم يستطع أكثر منه والقسم على الخبر لتأكيده في نفس السامع (قوله أبعدهم فأبعدهم
ممشى) أي إلى المسجد وسيأتي الكلام على ذلك بعد باب واحد (قوله مع الإمام) زاد مسلم في جماعة
وبين أنها رواية أبي كريب وهو محمد بن العلاء الذي أخرجه البخاري عنه (قوله من الذي يصلي
ثم ينام) أي سواء صلى وحده أو في جماعة ويستفاد منه أن الجماعة تتفاوت كما تقدم
* (تكميل) * استشكل إيراد حديث أبي موسى في هذا الباب لأنه ليس فيه لصلاة الفجر ذكر
بل آخره يشعر بأنه في العشاء ووجهه ابن المنير وغيره بأنه دل على أن السبب في زيادة الأجر
وجود المشقة بالمشي إلى الصلاة وإذا كان كذلك فالمشي إلى صلاة الفجر في جماعة أشق من غيرها
لأنها وإن شاركتها العشاء في المشي في الظلمة فإنها تزيد عليها بمفارقة النوم المشتهى طبعا ولم أر
أحدا من الشراح نبه على مناسبة حديث أبي الدرداء للترجمة إلا الزين بن المنير فإنه قال تدخل
صلاة الفجر في قوله يصلون جميعا وهي أخص بذلك من باقي الصلوات وذكر ابن رشيد نحوه وزاد
أن استشهاد أبي هريرة في الحديث الأول بقوله تعالى إن قرآن الفجر كان مشهودا يشير إلى أن
الاهتمام بها آكد وأقول تفنن المصنف بإيراد الأحاديث الثلاثة في الباب إذ تؤخذ المناسبة من
حديث أبي هريرة بطريق الخصوص ومن حديث أبي الدرداء بطريق العموم ومن حديث
أبي موسى بطريق الاستنباط ويمكن أن يقال لفظ الترجمة يحتمل أن يراد به فضل الفجر على غيرها
من الصلوات وأن يراد به ثبوت الفضل لها في الجملة فحديث أبي هريرة شاهد للأول وحديث أبي
الدرداء شاهد للثاني وحديث أبي موسى شاهد لهما والله أعلم (قوله باب فضل
التهجير إلى الظهر) كذا للأكثر وعليه شرح ابن التين وغيره وفي بعضها إلى الصلاة وعليه شرح
ابن بطال وقد تقدم الكلام عليه في باب الاستهام في الأذان (قوله بينما رجل) في هذا المتن ثلاثة
أحاديث قصة الذي نحى غصن الشوك والشهداء والترغيب في النداء وغيره مما ذكر والمقصود
منه ذكر التهجير وقد تقدم الحديث الثالث مفردا في باب الاستهام عن عبد الله بن يوسف عن
مالك ويأتي الثاني في الجهاد عنه أيضا والأول في المظالم كذلك وتكلمنا على شرحه هناك وكأن
قتيبة حدث به عن مالك هكذا مجموعا فلم يتصرف فيه المصنف كعادته في الاختصار وتكلف
الزين بن المنير إبداء مناسبة للأول من جهة أنه دال على أن الطاعة وإن قلت فلا ينبغي أن تترك
واعترف بعدم مناسبة الثاني (قوله فأخذه) في رواية الكشميهني فأخره (قوله فشكر الله له)
أي رضي بفعله وقبل منه وفيه فضل إماطة الأذى عن الطريق وقد تقدم في كتاب الإيمان أنها
أدنى شعب الإيمان (قوله الشهداء خمس) كذا لأبي ذر عن الحموي وللباقين خمسة وهو الأصل
116

في المذكر وجاز الأول لأن المميز غير مذكور وسيأتي الكلام على مباحثه في كتاب الجهاد إن شاء
الله تعالى (قوله باب احتساب الآثار) أي إلى الصلاة وكأنه لم يقيدها لتشمل كل
مشى إلى كل طاعة (قوله حدثنا عبد الوهاب) هو الثقفي (قوله يا بني سلمة) بكسر اللام وهم
بطن كبير من الأنصار ثم من الخزرج وقد غفل القزاز وتبعه الجوهري حيث قال ليس في العرب
سلمة بكسر اللام غير هذا القبيل فإن الأئمة الذين صنفوا في المؤتلف والمختلف ذكروا عددا من
الأسماء كذلك لكن يحتمل أن يكون أراد بقيد القبيلة أو البطن فله بعض اتجاه (قوله
ألا تحتسبون) كذا في النسخ التي وقفنا عليها بإثبات النون وشرحه الكرماني بحذفها ووجهه
بان النحاة أجازوا ذلك يعني تخفيفا قال والمعنى ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى المسجد
فإن لكل خطوة ثوابا أه والاحتساب وأن كان أصله العد لكنه يستعمل غالبا في معنى طلب
تحصيل النصارى بنية خالصة (قوله وحدثنا ابن أبي مريم) كذا لأبي ذر وحده وفي رواية الباقين
وقال ابن أبي مريم وذكره صاحب الأطراف بلفظ وزاد ابن أبي مريم وقال أبو نعيم في المستخرج
ذكره البخاري بلا رواية يعنى معلقا وهذا هو الصواب وله نظائر في الكتاب في رواية يحيى بن
أيوب لأنه ليس على شرطه في الأصول (قوله عن أنس) كذا لأبي ذر وحده أيضا وللباقين
حدثنا أنس وكذا ذكره أبو نعيم أيضا وكذا سمعناه في الأول من فوائد المخلص من طريق أحمد بن
منصور عن ابن أبي مريم ولفظه سمعت أنسا وهذا هو السر في إيراد طريق يحيى بن أيوب عقب
طريق عبد الوهاب ليبين الأمن من تدليس حميد وقد تقدم نظيره في باب وقت العشاء وقد
أخرجه في الحج من طريق مروان ها عن حميد وساق المتن كاملا (قوله فينزلوا قريبا)
يعني لأن ديارهم كانت بعيدة من المسجد وقد صرح بذلك في رواية مسلم من طريق أبي الزبير
قال سمعت جابر بن عبد الله يقول كانت ديارنا بعيدة من المسجد فأردنا أن نبتاع بيوتا فنقرب
من المسجد فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن لكم بكل خطوة درجة وللسراج من
طريق أبي نضرة عن جابر أرادوا أن يقربوا من أجل الصلاة ولابن مردويه من طريق أخرى عن
أبي نضرة عنه قال كانت منازلنا بسلع ولا يعارض هذا ما سيأتي في الاستسقاء من حديث
أنس وما بيننا وبين سلع من دار لاحتمال أن تكون ديارهم كانت من وراء سلع وبين
سلع والمسجد قدر ميل (قوله أن يعروا المدينة) في رواية الكشميهني أن يعروا منازلهم وهو
بضم أوله وسكون العين المهملة وضم الراء أي يتركونها خالية يقال أعراه إذا أخلاه والعراء
الأرض الخالية وقيل الواسعة وقيل المكان الذي لا يستتر فيه بشئ ونبه بهذه الكراهة على
السبب في منعهم من القرب من المسجد لتبقى جهات المدينة عامرة بساكنها واستفادوا بذلك
كثرة الأجر لكثرة الخطا في المشي إلى المسجد وزاد في رواية ها التي في الحج فأقاموا ومثله
في رواية المخلص التي ذكرناها وللترمذي من حديث أبي سعيد فلم ينتقلوا ولمسلم من طريق أبي
نضرة عن جابر فقالوا ما يسرنا أنا كنا تحولنا (قوله وقال مجاهد خطاهم آثارهم والمشي في
الأرض بأرجلهم) كذا لأبي ذر وللباقين وقال مجاهد ونكتب ما قدموا وآثارهم قال خطاهم
وهكذا وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عنه قال في قوله تعالى ونكتب ما قدموا قال
أعمالهم وفي قوله وآثارهم قال خطاهم وأشار البخاري بهذا التعليق إلى أن قصة بني سلمة كانت
117

سبب نزول هذه الآية وقد ورد مصرحا به من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس أخرجه ابن
ماجة وغيره وإسناده قوي وفي الحديث أن
أعمال البر إذا كانت خالصة تكتب آثارها حسنات
وفيه استحباب السكنى بقرب المسجد إلا لمن حصلت به منفعة أخرى أو أراد تكثير الأجر بكثرة
المشي ما لم يحمل على نفسه ووجهه أنهم طلبوا السكنى بقرب المسجد للفضل الذي علموه منه فما
أنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بل رجح درء المفسدة باخلائهم جوانب المدينة على
المصلحة المذكورة وأعلمهم بان لهم في التردد إلى المسجد من الفضل ما يقوم مقام السكنى بقرب
المسجد أو يزيد عليه واختلف فيمن كانت داره قريبة من المسجد فقارب الخطا بحيث تساوى خطا
من داره بعيدة هل يساويه في الفضل أو لا وإلى المساواة جنح الطبري وروى ابن أبي شيبة من
طريق أنس قال مشيت مع زيد بن ثابت إلى المسجد فقارب بين الخطا وقال أردت أن تكثر خطانا
إلى المسجد وهذا لا يلزم منه المساواة في الفضل وأن دل على أن في كثرة الخطا فضيلة لأن ثواب
الخطا الشاقة ليس كثواب الخطا السهلة وهو ظاهر حديث أبي موسى الماضي قبل باب حيث
جعل أبعدهم ممشى أعظمهم أجرا واستنبط منه بعضهم استحباب قصد المسجد البعيد ولو كان
بجنبه مسجد قريب وإنما يتم ذلك إذا لم يلزم من ذهابه إلى البعيد هجر القريب وإلا فاحياؤه بذكر
الله أولى وكذا إذا كان في البعيد مانع من الكمال كأن يكون إمامه مبتدعا (قوله باب
فضل صلاة العشاء في الجماعة) أورد فيه الحديث الدال على فضل العشاء والفجر فيحتمل أن يكون
مراد الترجمة إثبات فضل العشاء في الجملة أو إثبات أفضليتها على غيرها والظاهر الثاني ووجهه
أن الفجر ثبتت أفضليتها كما تقدم وسوى في هذا بينها وبين العشاء ومساوي الأفضل يكون
أفضل جزما (قوله ليس أثقل) كذا للأكثر بحذف الاسم وبينه الكشميهني في رواية أبي
ذر وكريمة عنه فقال ليس صلاة أثقل ودل هذا على أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين ومنه قوله
تعالى ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما لقوة
الداعي إلى تركهما لأن العشاء وقت السكون والراحة والصبح وقت لذة النوم وقيل وجهه كون
المؤمنين يفوزون بما ترتب عليهما من الفضل لقيامهم بحقهما دون المنافقين (قوله ولو يعلمون
ما فيهما) أي من مزيد الفضل لأتوهما أي الصلاتين والمراد لأتوا إلى المحل الذي يصليان فيه جماعة
وهو المسجد (قوله ولو حبوا) أي يزحفون إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير ولابن أبي
شيبة من حديث أبي الدرداء ولو حبوا على المرافق والركب وقد تقدم
الكلام على باقي الحديث
في باب وجوب صلاة الجماعة (قوله في آخره على من لا يخرج إلى الصلاة) بعد كذا للأكثر بلفظ
بعد ضد قبل وهي مبنية على الضم ومعناه بعد أن يسمع النداء إليها أو بعد أن يبلغه التهديد
المذكور وللكشميهني بدلها يقدر أي لا يخرج وهو يقدر على المجئ ويؤيده ما قدمناه من رواية
لأبي داود وليست بهم علة ووقع عند الداودي الشارح هنا لا لعذر وهي أوضح من غيرها لكن
لم نقف عليها في شئ من الروايات عند غيره (قوله باب اثنان فما فوقهما جماعة) هذه
الترجمة لفظ حديث ورد من طرق ضعيفة منها في ابن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري وفي
معجم البغوي من حديث الحكم بن عمير وفي أفراد الدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو وفي
البيهقي من حديث أنس وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي أمامة وعند أحمد من حديث أبي
118

أمامة أيضا أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده فقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى
معه فقام رجل فصلى معه فقال هذان جماعة والقصة المذكورة دون قوله هذان جماعة
أخرجها أبو داود والترمذي من وجه آخر صحيح (قوله إذا حضرت الصلاة) تقدم من هذا
الوجه في باب الأذان للمسافر وأوله أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال لهما
فذكره وقد اعترض على الترجمة بأنه ليس في حديث مالك بن الحويرث تسمية صلاة الاثنين
جماعة والجواب أن ذلك مأخوذ بالاستنباط من الازم الأمر بالإمامة لأنه لو استوت صلاتهما معا
مع صلاتهما منفردين لاكتفى بأمرهما بالصلاة كأن يقول أذنا وأقيما وصليا واعترض أيضا على
أصل الاستدلال بهذا الحديث بأن مالك بن الحويرث كان مع جماعة من أصحابه فلعل الاقتصار
على التثنية من يطلق الرواة والجواب أنهما قضيتان كما تقدم واستدل به على أن أقل الجماعة
إمام ومأموم أعم من أن يكون المأموم رجلا أو صبيا أو امرأة وتكلم ابن بطال هنا على مسألة
أقل الجمع والاختلاف فيها ورده الزين بن المنير بأنه يلزم من قوله الاثنان جماعة أن يكون أقل
الجمع اثنين وهو واضح (قوله باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة) أي ليصليها
جماعة (قوله تصلي على أحدكم) أي تستغفر له قيل عبر بتصلي ليتناسب الجزاء والعمل (قوله
ما دام في مصلاه) أي ينتظر الصلاة كما صرح به في الطهارة من وجه آخر (قوله لا يزال أحدكم
الخ) هذا القدر أفرده مالك في الموطأ عما قبله وأكثر الرواة ضموه إلى الأول فجعلوه حديثا
واحدا ابن حجر في ذلك (قوله في صلاة) أي في ثواب صلاة لا في حكمها لأنه يحل له الكلام وغيره
مما منع في الصلاة (قوله ما دامت) في رواية الكشميهني ما كانت وهو عكس ما مضى في الطهارة
(قوله لا يمنعه) يقتضى أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارف آخر انقطع عنه النصارى المذكور
وكذلك إذا شارك نية الانتظار أمر آخر وهل يحصل ذلك لمن نيته إيقاع الصلاة في المسجد ولو لم
يكن فيه الظاهر خلافه لأنه رتب النصارى المذكور على المجموع من النية وشغل البقعة بالعبادة
لكن للمذكور ثواب يخصه ولعل هذا هو السر في إيراد المصنف الحديث الذي يليه وفيه ورجل
قلبه معلق في المساجد وقد تقدم الكلام في الطهارة على معنى قوله ما لم يحدث وفيه زيادة على
ما هنا وأن المراد بالحدث حدث الفرج لكن يؤخذ منه أن اجتناب حدث اليد واللسان من باب
الأولى لأن الأذى منهما يكون أشد أشار إلى ذلك ابن بطال وقد تقدم الكلام على باقي فوائده في
باب فضل صلاة الجماعة ويؤخذ من قوله في مصلاه الذي صلى فيه أن ذلك مقيد بمن صلى ثم انتظر
صلاة أخرى وبتقييد الصلاة الأولى بكونها مجزئة أما لو كان فيها نقص فإنها تجبر بالنافلة كما ثبت
في الخبر الآخر (قوله اللهم أغفر له اللهم ارحمه) هو مطابق لقوله تعالى والملائكة يسبحون بحمد
ربهم ويستغفرون لمن في الأرض قيل السر فيه أنهم يطلعون على أفعال بني آدم وما فيها من
المعصية والخلل في الطاعة فيقتصرون على الاستغفار لهم من ذلك لأن دفع المفسدة مقدم على
جلب المصلحة ولو فرض أن فيهم من تحفظ من ذلك فإنه يعوض من المغفرة بما يقابلها من الثواب
(قوله حدثنا يحيى) هو القطان وعبيد الله هو ابن عمر العمري وخبيب بضم المعجمة وهو خال
عبيد الله الراوي عنه وحفص بن عاصم هو ابن عمر بن الخطاب وهو جد عبيد الله المذكور
لأبيه (قوله عن أبي هريرة) لم تختلف الرواة عن عبيد الله في ذلك ورواه مالك في الموطأ عن خبيب
119

فقال عن أبي سعيد أو أبي هريرة على الشك ورواه أبو قرة عن مالك بواو العطف فجعله عنهما وتابعه
مصعب الزبيري وشذا في ذلك عن أصحاب مالك والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه لم يشك فيه
ولكونه من رواية خاله وجده والله أعلم (قوله سبعة) ظاهره اختصاص المذكورين بالثواب
المذكور ووجهه الكرماني بما محصله أن الطاعة إما أن تكون بين العبد وبين الرب أو بينه
وبين الخلق فالأول باللسان وهو الذكر أو بالقلب وهو المعلق بالمسجد أو بالبدن وهو الناشئ في
العبادة والثاني عام وهو العادل أو خاص بالقلب وهو التحاب أو بالمال وهو الصدقة أو بالبدن
وهو العفة وقد نظم السبعة العلامة أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل فيما أنشدناه أبو إسحق
التنوخي إذنا عن أبي الهدى أحمد بن أبي شامة عن أبيه سماعا من لفظه قال
وقال النبي المصطفى إن سبعة * يظلهم الله الكريم بظله
محب عفيف ناشئ متصدق * وباك مصل والإمام بعدله
ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي اليسر مرفوعا من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظله يوم
لا ظل إلا ظله وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية فدل على أن العدد المذكور لا مفهوم له
وقد ألقيت هذه المسئلة على العالم شمس الدين بن عطاء الرازي المعروف بالهروي لما قدم القاهرة
وادعى أنه يحفظ صحيح مسلم فسألته بحضرة الملك المؤيد عن هذا وعن غيره فما استحضر في ذلك
شيئا ثم تتبعت بعد ذلك الأحاديث الواردة في مثل ذلك فزادت على عشر خصال وقد انتقيت
منها سبعة وردت بأسانيد جياد ونظمتها في بيتين تذييلا على بيتي أبي شامة وهما
وزد سبعة إظلال غاز وعونه * وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله
وإرفاد ذي غرم وعون مكاتب * وتاجر صدق في المقال وفعله
فأما إظلال الغازي فرواه ابن حبان وغيره من حديث عمر وأما عون المجاهد فرواه أحمد والحاكم
من حديث سهل بن حنيف وأما انظار المعسر والوضيعة عنه ففي صحيح مسلم كما ذكرنا وأما
إرفاد الغارم وعون المكاتب فرواهما أحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف المذكور
وأما التاجر الصدوق فرواه البغوي في شرح السنة من حديث سلمان وأبو القاسم التيمي من
حديث أنس والله أعلم ونظمته مرة أخرى فقلت في السبعة الثانية
وتحسين خلق مع إعانة غارم * خفيف يد حتى مكاتب أهله
وحديث تحسين الخلق أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف ثم تتبعت ذلك
فجمعت سبعة أخرى ونظمتها في بيتين آخرين وهما
وزد سبعة حزن ومشى لمسجد * وكره وضوء ثم مطعم فضله
وآخذ حق باذل ثم كافل * وتاجر صدق في المقال وفعله
ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى ولكن أحاديثها ضعيفة وقلت في آخر البيت
* تربع به السبعات من فيض فضله * وقد أوردت الجميع في الأمالي وقد أفردته في جزء سميته
معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال (قوله في ظله) قال عياض إضافة الظل إلى الله إضافة ملك
وكل ظل فهو ملكه كذا قال وكان حقه أن يقول إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا على غيره
كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه وقيل المراد بظله كرامته وحمايته كما يقال
120

فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض وقيل المراد ظل عرشه ويدل عليه
حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن سبعة يظلهم الله في ظل عرشه فذكر الحديث
وإذا كان المراد ظل العرش استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو
أرجح وبه جزم القرطبي ويؤيده أيضا تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به ابن المبارك في روايته
عن عبيد الله بن عمر وهو عند المصنف في كتاب الحدود وبهذا يندفع قول من قال المراد ظل طوبى
أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة ثم أن ذلك مشترك لجميع من
يدخلها والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة فيرجح أن المراد ظل العرش وروى
الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد مرفوعا أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه
مجلسا إمام عادل (قوله الإمام العادل) اسم فاعل من العدل وذكر بن عبد البر أن بعض الرواة
عن مالك رواه بلفظ العدل قال وهو أبلغ لأنه جعل المسمى نفسه عدلا والمراد به به صاحب
الولاية العظمى ويلتحق به كل من ولي شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه ويؤيده رواية مسلم من
حديث عبد الله بن عمرو رفعه أن المقسطين عند الله منابر من نور عن يمين الرحمن الذين
يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا وأحسن ما فسر به العادل أنه الذي يتبع أمر الله بوضع
كل شئ في موضعه من غير إفراط ولا تفريط وقدمه في الذكر لعموم النفع به (قوله وشاب)
خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن
ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى (قوله في عبادة ربه) في رواية الإمام أحمد
عن يحيى القطان بعبادة الله وهي رواية مسلم وهما بمعنى زاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر
حتى توفي على ذلك أخرجه الجوزقي وفي حديث سلمان أفنى شبابة ونشاطه في عبادة الله (قوله
معلق في المساجد) هكذا في الصحيحين وظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشئ المعلق في المسجد
كالقنديل مثلا إشارة إلى المريض الملازمة بقلبه وأن كان جسده خارجا عنه ويدل عليه رواية
الجوزقي كأنما قلبه معلق في المسجد ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب ويدل
عليه رواية أحمد معلق بالمساجد وكذا رواية سلمان من حبها وزاد الحموي والمستملي متعلق
بزيادة مثناة بعد الميم وكسر اللام زاد سلمان من حبها وزاد مالك إذا خرج منه حتى يعود إليه وهذه
الخصلة هي المقصودة من هذا الحديث للترجمة ومناسبتها للركن الثاني من الترجمة وهو
فضل المساجد ظاهرة وللأول من جهة ما دل عليه من الملازمة للمسجد واستمرار الكون فيه
بالقلب وأن عرض للجسد عارض (قوله تحابا) بتشديد الباء وأصله تحاببا أي اشتركا في جنس
المحبة وأحب كل منهما الآخر حقيقة لا إظهارا فقط ووقع في رواية حماد بن زيد ورجلان
قال كل منهما للآخر إني أحبك في الله فصدرا على ذلك ونحوه في حديث سلمان (قوله اجتمعا
على ذلك وتفرقا عليه) في رواية الكشميهني اجتمعا عليه وهي رواية مسلم أي على الحب
المذكور والمراد أنهما داما على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوي سواء اجتمعا حقيقة
أم لا حتى فرق بينهما الموت ووقع في الجمع للحميدي اجتمعا على خير ولم أر ذلك في شئ من نسخ
الصحيحين ولا غيرهما من المستخرجات وهي عندي تحريف * (تنبيه) * عدت هذه الخصلة
واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا باثنين أو لما كان المتحابان بمعنى واحد كان
121

عد أحدهما مغنيا عن عد الآخر لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها
(قوله ورجل طلبته ذات منصب) بين المحذوف أحمد في روايته عن يحيى القطان فقال دعته
امرأة وكذا في رواية كريمة ولمسلم وهو للمصنف في الحدود عن ابن المبارك والمراد بالمنصب
الأصل أو الشرف وفي رواية مالك دعته ذات حسب وهو يطلق على الأصل وعلى المال أيضا
وقد وصفها بأكمل الأوصاف التي جرت العادة بمزيد الرغبة لمن تحصل فيه وهو المنصب الذي
يستلزمه الجاه والمال مع الجمال وقل من يجتمع ذلك فيها من النساء زاد ابن المبارك إلى نفسها
وللبيهقي في الشعب من طريق أبي صالح عن أبي هريرة فعرضت نفسها عليه والظاهر أنها دعته إلى
الفاحشة وبه جزم القرطبي ولم يحك غيره وقال بعضهم يحتمل أن تكون دعته إلى التزوج بها
فخاف أن يشتغل عن العبادة بالافتتان بها أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن
التكسب بما يليق بها والأول أظهر ويؤيده وجود الكناية في قوله إلى نفسها ولو كان المراد
التزويج لصرح به والصبر عن الموصوفة بما ذكر من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسل
تحصيلها لا سيما وقد أغنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها (قوله فقال إني أخاف الله)
زاد في رواية كريمة رب العالمين والظاهر أنه يقول ذلك بلسانه إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر
إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه قال عياض قال القرطبي إنما يصدر عن شدة خوف من الله
تعالى ومتين تقوى وحياء (قوله تصدق أخفى) بلفظ الماضي قال الكرماني هو جملة حالية
بتقدير قد ووقع في رواية أحمد تصدق فأخفى وكذا للمصنف في الزكاة عن مسدد عن يحيى
تصدق بصدقة فأخفاها ومثله لمالك في الموطأ فالظاهر أن راوي الأولى حذف العاطف ووقع في
رواية الأصيلي تصدق إخفاء بكسر الهمزة ممدودا على أنه الحدود أو نعت لمصدر محذوف ويحتمل
أن يكون حالا من الفاعل أي مخفيا وقوله بصدقة نكرها ليشمل كل ما يتصدق به من قليل وكثير
وظاهره أيضا يشمل المندوبة والمفروضة لكن نقل النووي عن العلماء أن إظهار المفروضة أولى
من إخفائها (قوله حتى لا تعلم) بضم الميم وفتحها (قوله شماله ما تنفق يمينه) هكذا وقع في معظم
الروايات في هذا الحديث في البخاري وغيره ووقع في صحيح مسلم مقلوبا حتى لا تعلم يمينه ما تنفق
شماله وهو نوع من يجري علوم الحديث أغفله ابن الصلاح وإن كان أفرد نوع المقلوب لكنه قصره
على ما يقع في الإسناد ونبه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح ومثل له بحديث أن ابن أم مكتوم
يؤذن بليل وقد قدمنا الكلام عليه في كتاب الأذان وقال شيخنا ينبغي أن يسمى هذا النوع
المعكوس انتهى والأولى تسميته مقلوبا فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن كما قالوه في
المدرج سواء وقد سماه بعض من تقدم مقلوبا قال عياض هكذا في جميع النسخ التي وصلت
إلينا من صحيح مسلم وهو مقلوب أو الصواب الأول وهو وجه الكلام لأن السنة المعهودة في
الصدقة إعطاؤها باليمين وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة باب الصدقة باليمين قال ويشبه أن
يكون الوهم فيه ممن دون مسلم بدليل قوله في رواية مالك لما أوردها عقب رواية عبد الله بن عمر
فقال بمثل حديث عبيد الله فلو كانت بينهما مخالفة لبينها كما نبه على الزيادة في قوله ورجل قلبه
معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه انتهى وليس الوهم فيه ممن دون مسلم ولا منه بل هو من شيخه أو من
شيخ شيخه يحيى القطان فإن مسلما أخرجه عن زهير بن حرب وابن نمير كلاهما عن
122

يحيى وأشعر سياقه بان اللفظ لزهير وكذا أخرجه أبو يعلى في مسنده عن زهير وأخرجه الجوزقي في
مستخرجه عن أبي حامد بن الشرقي عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم عن يحيى القطان كذلك
وعقبه بأن قال سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول يحيى القطان عندنا وأهم في هذا إنما هو حتى
لا تعلم شماله ما تنفق يمينه قلت والجزم بكون يحيى هو الواهم فيه نظر لأن الإمام أحمد قد رواه
عنه على الصواب وكذلك أخرجه البخاري هنا عن محمد بن بشار وفي الزكاة عن مسدد وكذا
أخرجه الإسماعيلي من طريق يعقوب الدورقي وحفص بن عمر وكلهم عن يحيى وكأن أبا حامد
لما رأى عبد الرحمن قد تابع زهيرا ترجح عنده أن الوهم من يحيى وهو محتمل بأن يكون منه لما
حدث به هذين خاصة مع احتمال أن يكون الوهم منهما تواردا عليه وقد تكلف بعض المتأخرين
توجيه هذه الرواية المقلوبة وليس بجيد لأن المخرج متحد ولم يختلف فيه على عبيد الله بن عمر
شيخ يحيى فيه ولا على شيخه خبيب ولا على مالك رفيق عبيد الله بن عمر فيه وأما استدلال عياض
على أن الوهم فيه ممن دون مسلم بقوله في رواية مالك مثل عبيد الله فقد عكسه غيره فأخذ
مسلما بقوله مثل عبيد الله لكونهما ليستا متساويتين والذي يظهر أن مسلما لا يقصر لفظ
المثل على المساوى في جميع اللفظ والترتيب بل هو في المعظم إذا تساويا في المعنى والمعنى
المقصود من هذا الموضع إنما هو اخفاء الصدقة والله أعلم ولم نجد هذا الحديث من وجه
من الوجوه إلا عن أبي هريرة إلا ما وقع عند مالك من التردد هل هو عنه أو عن أبي سعيد كما
قدمناه قبل ولم نجده عن أبي هريرة إلا من رواية حفص ولا عن حفص إلا من رواية خبيب نعم
أخرجه البيهقي في الشعب من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة والراوي له عن
سهيل عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف لكنه ليس بمتروك وحديثه حسن في المتابعات
ووافق في قوله تصدق بيمينه وكذا أخرجه سعيد بن منصور من حديث سلمان الفارسي بإسناد
حسن موقوفا عليه لكن حكمه الرفع وفي مسند أحمد من حديث أنس بإسناد حسن مرفوعا أن
الملائكة قالت يا رب هل من خلقك شئ أشد من الجبال قال نعم الحديد قالت فهل أشد من
الحديد قال نعم النار قالت فهل أشد من النار قال نعم الماء قال نعم الريح
قالت فهل أشد من الريح قال نعم بن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله ثم إن المقصود منه
المبالغة في إخفاء الصدقة بحيث أن شماله مع قربها من يمينه وتلازمهما لو تصور أنها تعلم لما علمت
ما فعلت اليمين لشدة إخفائها فهو على هذا من مجاز التشبيه ويؤيده رواية حماد بن زيد عند الجوزقي
تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه من شماله ويحتمل أن يكون من مجاز الحذف والتقدير حتى
لا يعلم ملك شماله وأبعد من زعم أن المراد بشماله نفسه وأنه من تسمية الكل باسم الجزء فإنه ينحل
إلى أن نفسه لا تعلم ما تنفق نفسه وقيل هو من مجاز الحذف والمراد بشماله من على شماله من الناس
كأنه قال مجاور شماله وقيل المراد أنه لا يرائي بصدقته فلا يكتبها غالبا الشمال وحكى القرطبي
عن بعض مشايخه أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج
سلعته أو رفع قيمتها واستحسنه وفيه نظران كان أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة وإن
أراد أن هذا من صور الصدقة المخفية فمسلم والله أعلم (قوله ذكر الله) أي بقلبه من التذكر
أو بلسانه من الذكر وخاليا أي من الخلو لأنه يكون حينئذ أبعد من الرياء والمراد خاليا من
123

الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملأ ويؤيده رواية البيهقي ذكر الله بين يديه ويؤيد الأول رواية
ابن المبارك وحماد بن زيد ذكر الله في خلاء أي في موضع خال وهي أصح (قوله ففاضت عيناه)
أي فاضت الدموع من عينيه وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت قال
القرطبي وفيض العين بحسب حال الذاكر وبحسب ما يكشف له ففي حال أوصاف الجلال
يكون البكاء من خشية الله وفي حال أوصاف الجمال يكون البكاء من الشوق إليه * (قلت) *
قد خص في بعض الروايات بالأول ففي رواية حماد بن زيد عند الجوزقي ففاضت عيناه من
خشية الله ونحوه في رواية البيهقي ويشهد له ما رواه الحاكم من حديث أنس مرفوعا من
ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة
* (تنبيهان) * الأول ذكر الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له بل يشترك النساء معهم
فيما ذكر إلا إن كان المراد بالإمام العادل الإمامة العظمى وإلا فيمكن دخول المرأة حيث تكون
ذات عيال فتعدل فهيم وتخرج خصلة ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من
المسجد وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن حتى الرجل الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة
دعاها ملك جميل مثلا فامتنعت خوفا من الله تعالى مع حاجتها أو شاب جميل دعاه ملك إلى أن
يزوجه ابنته مثلا فخشي أن يرتكب منه الفاحشة فامتنع مع حاجته إليه * (الثاني) *
استوعبت شرح هذا الحديث هنا وإن كان مخالفا لما شرطت لأن أليق المواضع
به كتاب الرقاق
وقد اختصرها المصنف حيث أورده فيه وساقه تاما في الزكاة والحدود فاستوفيته هنا لأن
للأولية وجها من الألوية (قوله سئل أنس) تقدم التصريح بسماع حميد له منه في باب وقت
العشاء (قوله صلى الناس) أي غير المخاطبين ممن صلى في داره أو مسجد قبيلته ويستأنس به
لمن قال بأن الجماعة غير واجبة (قوله ولم تزالوا في صلاة) أي في ثواب صلاة كما تقدم (قوله
وبيص) بكسر الموحدة وبالمهملة أي بريقه وزفير وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في
باب وقت العشاء ويأتي الكلام على الخاتم في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى (قوله
باب فضل من غدا للمسجد ومن راح) هكذا للأكثر موافقا للفظ الحديث في
الغدو والرواح ولأبي ذر بلفظ خرج بدل غدا وله عن المستملى والسرخسي بلفظ من يخرج
بصيغة المضارع وعلى هذا فالمراد بالغد والذهاب وبالرواح الرجوع والأصل في الغدو المضي من
بكرة النهار وللرواح بعد الزوال ثم قد يستعملان في كل ذهاب ورجوع توسعا (قوله أعد) أي
هيأ (قوله نزله) للكشميهني نزلا بالتنكير والنزل بضم النون والزاي المكان الذي يهيأ للنزول
فيه وبسكون الزاي ما يهيأ للقادم من الضيافة ونحوها فعلى هذا من في قوله من الجنة للتبعيض
على الأول وللتبيين على الثاني ورواه مسلم وابن خزيمة وأحمد بلفظ نزلا في الجنة وهو محتمل
للمعنيين (قوله كلما غدا أو راح) أي بكل غدوة وروحة وظاهر الحديث حصول الفضل لمن أتى
المسجد مطلقا لكن المقصود منه اختصاصه بمن يأتيه للعبادة والصلاة رأسها والله أعلم (قوله
باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه
مسلم وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان من رواية عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي
هريرة واختلف على عمرو بن دينار في رفعه ووقفه وقيل إن ذلك هو السبب في كون البخاري لم
124

يخرجه ولما كان الحكم صحيحا ذكره في الترجمة وأخرج في الباب ما يغنى عنه لكن حديث
الترجمة أعم من حديث الباب لأنه يشمل الصلوات كلها وحديث الباب يختص بالصبح كما سنوضحه
ويحتمل أن يقال اللام في حديث الترجمة عهدية فيتفقان هذا من حيث اللفظ وأما من حيث
المعنى فالحكم في جميع الصلوات واحد وقد أخرجه أحمد من وجه آخر بلفظ فلا صلاة إلا التي
أقيمت (قوله إذا أقيمت) أي إذا شرع في اشتراط وصرح بذلك محمد بن جحادة عن عمرو بن دينار
فيما أخرجه بن حبان بلفظ إذا أخذ المؤذن في اشتراط وقوله فلا صلاة أي صحيحة أو كاملة
والتقدير الأول أولى لأنه أقرب إلى نفى الحقيقة لكن لما لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة
المصلي واقتصر على الإنكار دل على أن المراد نفى دابة ويحتمل أن يكون النفي بمعنى النهى
أي فلا تصلوا حينئذ ويؤيده ما رواه البخاري في التاريخ والبزار وغيرهما من رواية محمد بن
عمار عن شريك بن أبي نمر عن أنس مرفوعا في نحو حديث الباب وفيه ونهى أن يصليا
إذا أقيمت الصلاة وورد بصيغة النهى أيضا فيما رواه أحمد من وجه آخر عن ابن بحينة في قصته
هذه فقال لا تجعلوا هذه الصلاة مثل الظهر واجعلوا بينهما فصلا والنهي المذكور للتنزيه لما
تقدم من كونه لم يقطع صلاته (قوله الا المكتوبة) فيه منع التنفل بعد الشروع في إقامة
الصلاة سواء كانت راتبة أم لا لأن المراد بالمكتوبة المفروضة وزاد مسلم بن خالد عن عمرو بن
دينار في هذا الحديث قيل يا رسول الله ولا ركعتي الفجر قال ولا ركعتي الفجر أخرجه ابن
عدي في ترجمة يحيى بن نصر بن الحاجب وإسناده حسن والمفروضة تشمل الحاضرة والفائتة
لكن المراد الحاضرة وصرح بذلك أحمد والطحاوي من طريق أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة
بلفظ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة الا التي أقيمت (قوله مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل)
لم يسق البخاري لفظ رواية إبراهيم بن سعد بل تحول إلى رواية شعبة فأوهم أنهما متوافقتان
وليس كذلك فقد ساق مسلم رواية إبراهيم بن سعد بالسند المذكور ولفظه مر برجل يصلي
وقد أقيمت صلاة الصبح فكلمه بشئ لا ندري ما هو فلما انصرفنا أحطنا به نقول ماذا قال لك
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال لي يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعا ففي
هذا السياق مخالفة لسياق شعبة في كونه صلى الله عليه وسلم كلم الرجل وهو يصلي
ورواية شعبة تقتضي أنه كلمه بعد أن فرغ ويمكن الجمع بينهما بأنه كلمه أولا سرا فلهذا
احتاجوا أن يسألوه ثم كلمه ثانيا جهرا فسمعوه وفائدة التكرار تأكيد الإنكار (قوله حدثني
عبد الرحمن) هو ابن بشر بن الحكم كما جزم به ابن عساكر وأخرجه الجوزقي من طريقه
(قوله سمعت رجلا من الأزد) في رواية الأصيلي من الأسد بالمهملة الساكنة بدل الزاي
الساكنة وهي لغة صحيحة (قوله يقال له مالك بن بحينة) هكذا يقول شعبة في هذا
الصحابي وتابعه على ذلك أبو عوانة وحماد بن سلمة وحكم الحفاظ يحيى بن معين وأحمد والبخاري
ومسلم والنسائي والإسماعيلي وابن الشرقي والدارقطني وأبو مسعود وآخرون عليهم بالوهم فيه في
موضعين أحدهما أن بحينة والدة عبد الله لا مالك وثانيهما أن الصحبة والرواية لعبد الله
لا لمالك وهو عبد الله بن مالك ابن القشب بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة وهو لقب
واسمه جندب بن نضلة بن عبد الله قال ابن سعد قدم مالك بن القشب مكة يعني في الجاهلية
125

فحالف بني المطلب بن عبد مناف وتزوج بحينة بنت الحارث بن المطلب واسمها عبدة وبحينة
لقب وأدركت بحينة الإسلام فأسلمت وصحبت وأسلم ابنها عبد الله قديما ولم يذكر أحد مالكا في
الصحابة إلا بعض ممن تلقاه من هذا الإسناد ممن لا تمييز له وكذا أغرب الداودي الشارح فقال هذا
الاختلاف لا يضر فأي الرجلين كان فهو صاحب وحكى بن عبد البر اختلافا في بحينة هل هي
أم عبد الله أو أم مالك والصواب أنها أم عبد الله كما تقدم فينبغي أن يكتب ابن بحينة بزيادة ألف
ويعرب اعراب عبد الله كما في عبد الله بن أبي ابن سلول ومحمد بن علي ابن (الحنفية قوله رأى رجلا)
هو عبد الله الراوي كما رواه أحمد من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم مر به وهو يصلي وفي رواية أخرى له خرج وابن القشب يصلي ووقع لبعض الرواة
هنا ابن أبي القشب وهو خطأ كما بينته في كتاب الصحابة ووقع نحو هذه القصة أيضا لابن عباس
قال كنت أصلى وأخذ المؤذن في اشتراط فجذبني النبي صلى الله عليه وسلم وقال أتصلي الصبح
أربعا أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والبزار والحاكم وغيرهم فيحتمل تعدد القصة (قوله
لاث) بمثلثة خفيفة أي أدار وأحاط قال ابن قتيبة أصل اللوث الطي يقال لاث عمامته إذا
أدارها (قوله به الناس) ظاهره أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم لكن طريق إبراهيم بن
سعد المتقدمة تقتضي أنه للرجل (قوله الصبح أربعا) بهمزة ممدودة في أوله ويجوز قصرها
وهو استفهام إنكار وأعاده تأكيدا للانكار والصبح بالنصب بإضمار فعل تقديره أتصلي الصبح
وأربعا منصوب على الحال قاله ابن مالك وقال الكرماني على البدلية قال ويجوز وقع الصبح
أي الصبح تصلي أربعا واختلف في حكمة هذا الإنكار فقال القاضي عياض وغيره لئلا يتطاول
الزمان فيظن وجوبها ويؤيده قوله في رواية إبراهيم بن سعد يوشك أحدكم وعلى هذا إذا حصل
الأمن لا يكره ذلك وهو متعقب بعموم حديث الترجمة وقيل لئلا تلتبس صلاة الفرض بالنفل
وقال النووي الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام
والمحافظة على مكملات الفريضة أولى من التشاغل بالنافلة أه وهذا يليق بقول من يرى
بقضاء النافلة وهو قول الجمهور ومن ثم قال من لا يرى بذلك إذا علم أنه يدرك الركعة الأولى مع
الإمام وقال بعضهم إن كان في الأخيرة لم يكره له التشاغل بالنافلة بشرط الأمن من الالتباس كما
تقدم والأول عن المالكية والثاني عن الحنفية ولهم في ذلك سلف عن ابن مسعود وغيره
وكأنهم لما تعارض عندهم الأمر بتحصيل النافلة والنهي عن إيقاعها في تلك الحالة جمعوا
بين الأمرين بذلك وذهب بعضهم إلى أن سبب الإنكار عدم الفصل بين الفرض والنفل لئلا
يلتبسا وإلى هذا جنح الطحاوي واحتج له بالأحاديث الواردة بالأمر بذلك ومقتضاه أنه لو كان
في زاوية من المسجد لم يكره وهو متعقب بما ذكر إذا لو كان المراد مجرد الفصل بين الفرض والنفل
لم يحصل إنكار أصلا لأن ابن بحينة سلم من صلاته قطعا ثم دخل في الفرض ويدل على ذلك أيضا حديث قيس بن عمرو الذي أخرجه أبو داود وغيره أنه صلى ركعتي الفجر بعد الفراغ من صلاة
الصبح فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله لم فقلنا عليه قضاءهما بعد الفراغ من صلاة
الصبح متصلا بها فدل على أن الإنكار علي بن بحينة إنما كان للتنفل حال صلاة الفرض وهو
موافق لعموم حديث الترجمة وقد فهم ابن عمر اختصاص المنع بمن يكون في المسجد لا خارجا عنه
126

فصح عنه أنه كان يحصب من يتنفل في المسجد بعد الشروع في اشتراط وصح عنه أنه قصد
المسجد فسمع الإقامة فصلى ركعتي الفجر في بيت حفصة ثم دخل المسجد فصلى مع الإمام قال ابن
عبد البر وغيره الحجة عند التنازع السنة فمن أدلى بها فقد أفلح وترك التنفل عند إقامة الصلاة
وتداركها بعد قضاء الفرض أقرب إلى اتباع السنة ويتأيد ذلك من حيث المعنى بأن قوله في الإقامة
حي على الصلاة معناه هلموا إلى الصلاة أي التي يقام لها فأسعد الناس بامتثال هذا الأمر من لم
يتشاغل عنه بغيره والله أعلم واستدل بعموم قوله فلا صلاة الا المكتوبة لمن قال يقطع النافلة
إذا أقيمت الفريضة وبه قال أبو حامد وغيره من الشافعية وخص آخرون النهى بمن ينشئ
النافلة وأشار بعموم قوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم وقيل يفرق بين من يخشى فوت الفريضة في
الجماعة فيقطع وإلا فلا واستدل بقوله التي أقيمت بأن المأموم يصلي فرضا ولا نفلا خلف من
يصلي فرضا آخر كالظهر مثلا خلف من يصلي العصر وإن جازت إعادة الفرض خلف من يصلي
ذلك الفرض (قوله تابعه غندر ومعاذ عن شعبة عن مالك) أي تابعا بهز بن أسد في روايته عن
شعبة بهذا الإسناد فقالا عن مالك ابن بحينة وفي رواية الكشميهني عن شعبة عن مالك أي
باسناده والأول يقتضى اختصاص المتابعة بقوله عن مالك ابن بحينة فقط والثاني يشمل
جميع الإسناد والمتن وهو أولى لأنه الواقع في نفس الأمر وطريق غندر وصلها أحمد في مسنده
عنه كذلك وطريق معاذ وهو بن معاذ العنبري البصري وصلها الإسماعيلي من رواية
عبيد الله بن معاذ عن أبيه وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة وكذا أخرجه أحمد
عن يحيى القطان وحجاج والنسائي من رواية وهب بن جرير والإسماعيلي من رواية يزيد بن هارون
كلهم عن شعبة كذلك (قوله وقال ابن إسحاق) أي صاحب المغازي عن سعد أي ابن إبراهيم
وهذه الرواية موافقة لرواية إبراهيم بن سعد عن أبيه وهي الراجحة (قوله وقال حماد) يعني
ابن سلمة كما جزم به المزي وآخرون وكذا أخرجه الطحاوي وابن منده موصولا من طريقه ووهم
الكرماني في زعمه أنه حماد بن زيد والمراد أن حمادا وافق شعبة في قوله عن مالك ابن بحينة وقد
وافقهما أبو عوانة فيما أخرجه الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن قتيبة عنه لكن أخرجه
مسلم والنسائي عن قتيبة فوقع في روايتهما عن بن بحينة مبهما وكأن ذلك وقع من قتيبة في
وقت عمدا ليكون أقرب إلى الصواب قال أبو مسعود أهل المدينة يقولون عبد الله ابن بحينة
وأهل العراق يقولون مالك ابن بحينة والأول هو الصواب انتهى فيحتمل أن يكون السهو
فيه من سعد بن إبراهيم لما حدث به بالعراق وقد رواه القعنبي عن إبراهيم بن سعد على وجه
آخر من الوهم قال عن عبد الله بن مالك ابن بحينة عن أبيه قال مسلم في صحيحه قوله عن أبيه
خطأ انتهى وكأنه لما رأى أهل العراق يقولون عن مالك بن بحينة ظن أن رواية أهل المدينة
مرسلة فوهم في ذلك والله أعلم (قوله باب حد المريض أن يشهد الجماعة)
قال ابن التين تبعا لابن بطال معنى الحد ههنا الحدة وقد نقله الكسائي ومثله قول
عمر في أبي بكر كنت أرى منه بعض الحد أي الحدة قال والمراد به هنا الحض على شهود الجماعة
قال ابن التين ويصح أن يقال هنا جد بكسر الجيم وهو الاجتهاد في الأمر لكن لم أسمع
أحدا رواه بالجيم انتهى وقد أثبت بن قرقول رواية الجيم وعزاها للقابسي وقال ابن
127

رشيد إنما المعنى ما يحد للمريض أن يشهد معه الجماعة فإذا جاوز ذلك الحد لم يستحب له
شهودها ومناسبة ذلك من الحديث خروجه صلى الله عليه وسلم متوكئا على غيره من شدة
الضعف فكأنه يشير إلى أنه من بلد إلى تلك الحال لا يستحب له تكلف الخروج للجماعة إلا إذا
وجد من يتوكأ عليه وأن قوله في الحديث الماضي لأتوهما ولو حبوا وقع على طريق المبالغة قال
ويمكن أن يقال معناه باب الحد الذي للمريض أن يأخذ فيه بالعزيمة في شهود الجماعة انتهى
ملخصا (قوله مرضه الذي مات فيه) سيأتي الكلام عليه مبينا في آخر المغازي في سببه ووقت
ابتدائه وقدره وقد بين الزهري في روايته كما في الحديث الثاني من هذا الباب أن ذلك كان بعد أن
أشتد به المرض واستقر في بيت عائشة (قوله فحضرت الصلاة) هي العشاء كما في رواية موسى بن
أبي عائشة الآتية قريبا في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به وسنذكر هناك الخلاف في ذلك إن شاء الله
تعالى (قوله فأذن) بضم الهمزة على البناء للمفعول وفي رواية الأصيلي وأذن بالواو وهو
أوجه والمراد به أذان الصلاة ويحتمل أن يكون معناه أعلم ويقويه رواية أبي معاوية عن
الأعمش الآتية في باب الرجل يأتم بالإمام ولفظه جاء بلال يؤذنه بالصلاة واستفيد منه تسمية
المبهم وسيأتي في رواية موسى بن أبي عائشة أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالسؤال عن حضور
وقت الصلاة وأنه أراد أن يتهيأ للخروج إليها فأغمى عليه الحديث (قوله مروا أبا بكر فليصل)
استدل به على أن الآمر بالأمر بالشئ يكون آمرا به وهي مسألة معروفة في أصول الفقه
وأجاب المانعون بأن المعنى بلغوا أبا بكر أني أمرته وفصل النزاع أن النافي إن أراد أنه ليس أمرا
حقيقة فمسلم لأنه ليس فيه صيغة أمر للثاني وإن أراد أنه لا يستلزمه فمردود والله أعلم (قوله
فقيل له) قائل ذلك عائشة كما سيأتي (قوله أسيف) بوزن فعيل وهو بمعنى فاعل من
الأسف وهو شدة الحزن والمراد أنه رقيق القلب ولابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عن
مسروق عن عائشة في هذا الحديث قال عاصم والأسيف الرقيق الرحيم وسيأتي بعد ستة
أبواب من حديث بن عمر في هذه القصة فقالت له عائشة إنه رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء
ومن حديث أبي موسى نحوه ومن رواية مالك عن هشام عن أبيه عنها بلفظ قالت عائشة
قلت إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر (قوله فأعادوا له) أي من كان
في البيت والمخاطب بذلك عائشة كما ترى لكن جمع لأنهم كانوا في مقام الموافقين لها على ذلك
ووقع في حديث أبي موسى بالإفراد ولفظه فعادت ولابن عمر فعاودته (قوله فأعاد الثالثة
فقال إنكن صواحب يوسف) فيه حذف بينه مالك في روايته المذكورة وأن المخاطب له
حينئذ حفصة بنت عمر بأمر عائشة وفيه أيضا فمر عمر فقال مه إنكن لأنتن صواحب يوسف
وصواحب جمع صاحبة والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن ثم إن
هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط كما أن صواحب صيغة
جمع والمراد زليخا فقط ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن
الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته
وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة
لبكائه ومرادها زيادة على ذلك وهو أن لا يتشاءم الناس به وقد صرحت هي فيما بعد ذلك فقالت
128

لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام
مقامه أبدا الحديث وسيأتي بتمامه في باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر المغازي إن شاء
الله تعالى وأخرجه مسلم أيضا وبهذا التقرير يندفع إشكال من قال إن صواحب يوسف لم يقع
منهن إظهار يخالف ما في الباطن ووقع في مرسل الحسن عند ابن أبي خيثمة أن أبا بكر أمر
عائشة أن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرف ذلك عنه فأرادت التوصل إلى ذلك
بكل طريق فلم يتم ووقع في أمالي ابن عبد السلام أن النسوة أتين امرأة العزيز يظهرن تعنيفها
ومقصودهن في الباطن أن يدعون يوسف إلى أنفسهن كذا قال وليس في سياق الآية ما يساعد
ما قال * (فائدة) * زاد حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم في هذا الحديث أن أبا بكر هو الذي أمر
عائشة أن تشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر عمر بالصلاة أخرجه الدورقي
في مسنده وزاد مالك في روايته التي ذكرناها فقالت حفصة لعائشة ما كنت لأصيب منك خيرا
ومثله للإسماعيلي في حديث الباب وإنما قالت حفصة ذلك لأن كلامها صادف المرة الثالثة
من المعاودة وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث فلما أشار إلى الإنكار عليها بما
ذكر من كونهن صواحب يوسف وجدت حفصة في نفسها من ذلك لكون عائشة هي التي
أمرتها بذلك ولعلها تذكرت ما وقع لها معها أيضا في قصة المغافير كما سيأتي في موضعه (قوله
فليصل بالناس) في رواية الكشميهني للناس (قوله فخرج أبو بكر) فيه حذف دل عليه سياق
الكلام وقد بينه في رواية موسى بن أبي عائشة المذكورة ولفظه فأتاه الرسول أي بلال لأنه هو
الذي أعلم بحضور الصلاة فأجيب بذلك وفي روايته أيضا فقال له إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقا يا عمر صل بالناس فقال له عمر أنت
أحق بذلك انتهى وقول أبي بكر هذا لم يرد به ما أرادت عائشة قال النووي تأوله بعضهم على
أنه قاله تواضعا وليس كذلك بل قاله للعذر المذكور وهو كونه رقيق القلب كثير البكاء فخشي
أن لا يسمع الناس انتهى ويحتمل أن يكون رضي الله عنه فهم من الإمامة الصغرى الإمامة
العظمى بعدم ما في تحملها من الخطر بعدم قوة عمر على ذلك فاختاره ويؤيده أنه عند البيعة أشار
عليهم أن يبايعوه أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح والظاهر أنه لم يطلع على المراجعة المتقدمة
وفهم من الأمر له بذلك تفويض الأمر له في ذلك سواء باشر بنفسه أو استخلف قال القرطبي
ويستفاد منه أن للمستخلف في الصلاة أن يستخلف ولا يتوقف على إذن خاص له بذلك (قوله
فصلى) في رواية المستملي والسرخسي يصلي وظاهره أنه شرع في الصلاة ويحتمل أن يكون
المراد أنه تهيأ لهو سيأتي في رواية أبي معاوية عن الأعمش بلفظ فلما دخل في الصلاة
وهو محتمل أيضا بان يكون المراد دخل في مكان الصلاة ويأتي البحث مع من حمله على ظاهره
إن شاء الله تعالى (قوله فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة) ظاهره أنه صلى الله
عليه وسلم وجد ذلك في تلك الصلاة بعينها ويحتمل أن يكون ذلك بعد ذلك وأن يكون فيه
حذف كما تقدم مثله في قوله فخرج أبو بكر وأوضح منه رواية موسى بن أبي عائشة المذكور
فصلى أبو بكر تلك الأيام ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة وعلى هذا
لا يتعين أن تكون الصلاة المذكورة هي العشاء (قوله يهادى) بضم أوله وفتح الدال أي
129

يعتمد على الرجلين متمايلا في مشيه من شدة الضعف والتهادي التمايل في المشي البطئ وقوله
يخطان الأرض أي لم يكن يقدر على ليقطعوا من الأرض وسقط لفظ الأرض من رواية
الكشميهني وفي رواية عاصم المذكورة عند ابن حبان إني لأنظر إلى بطون قدميه (قوله بين
رجلين) في الحديث الثاني من حديثي البا ب أنهما العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب
ومثله في رواية موسى بن أبي عائشة ووقع في رواية عاصم المذكورة وجد خفة من نفسه فخرج بين
بريرة ونوبة ويجمع كما قال النووي بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين هذين ومن ثم إلى مقام
الصلاة بين العباس وعلى أو يحمل على التعدد ويدل عليه ما في رواية الدارقطني أنه خرج بين
أسامة بين زيد والفضل بن العباس وأما ما في مسلم أنه خرج بين الفضل بن العباس وعلى فذاك في
حال مجيئه إلى بيت عائشة * (تنبيه) * نوبة بضم النون وبالموحدة ذكره بعضهم في النساء
الصحابيات فوهم وإنما هو عبد أسود كما وقع عند سيف في كتاب الردة ويؤيده حديث سالم بن
عبيد في صحيح ابن خزيمة بلفظ خرج بين بريرة ورجل آخر (قوله فأراد أبو بكر) زاد أبو معاوية عن
الأعمش فلما سمع أبو بكر حسه وفي رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس في هذا الحديث فلما
أحس الناس به سبحوا أخرجه بن ماجة وغيره بإسناد حسن (قوله أن مكانك) في رواية عاصم
المذكورة أن أثبت مكانك وفي رواية موسى بن أبي عائشة فأومأ إليه بأن لا يتأخر (قوله ثم
أتى به) كذا هنا بضم الهمزة وفي رواية موسى بن أبي عائشة أن ذلك كان بأمره ولفظه فقال
أجلساني إلى جانبه فأجلساه وعين أبو معاوية عن الأعمش في إسناد حديث الباب كما سيأتي بعد
أبواب مكان الجلوس فقال في روايته حتى جلس عن يسار أبي بكر وهذا هو مقام الإمام وسيأتي
القول فيه وأغرب القرطبي شارح مسلم لما حكى الخلاف هل كان أبو بكر إماما أو مأموما فقال
لم يقع في الصحيح بيان جلوسه صلى الله عليه وسلم هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره انتهى
ورواية أبي معاوية هذه عند مسلم أيضا فالعجب منه كيف يغفل عن ذلك في حال شرحه له
(قوله فقيل للأعمش الخ) ظاهره الانقطاع لأن الأعمش لم يسنده
لكن في رواية أبي معاوية
عنه ذكر ذلك متصلا بالحديث وكذا في رواية موسى بن أبي عائشة وغيرها (قوله رواه أبو داود)
هو الطيالسي (قوله بعضه) بالنصب وهو بدل من الضمير وروايته هذه وصلها البزار قال حدثنا
أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أبو داود به ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدم بين
يدي أبي بكر كذا رواه مختصرا وهو موافق لقضية حديث الباب لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه
عن محمد بن بشار عن أبي داود بسنده هذا عن عائشة قالت من الناس من يقول كان أبو بكر
المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف ومنهم من يقول كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم هو المقدم ورواه مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف
أبي بكر أخرجه بن المنذر وهذا عكس رواية أبي موسى وهو اختلاف شديد ووقع في رواية
مسروق عنها أيضا اختلاف فأخرجه ابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عنه بلفظ كان
أبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر وأخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة
من رواية شعبة عن نعيم بن أبي هند عن شقيق بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي
بكر وظاهر رواية محمد بن بشار أن عائشة لم تشاهد الهيئة المذكورة ولكن تضافرت الروايات
130

عنها بالجزم بما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة منها رواية
موسى بن أبي عائشة التي أشرنا إليها ففيها فجعل أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم
والناس بصلاة أبي بكر وهذه رواية زائدة بن قدامة عن موسى وخالفه شعبة أيضا فرواه عن
موسى بلفظ أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه فمن العلماء
من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأموما للجزم بها ولان أبا معاوية أحفظ
في حديث الأعمش من غيره ومنهم من سلك عكس ذلك ورجح أنه كان إماما وتمسك بقول أبي
بكر في باب من دخل ليؤم الناس حيث قال ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد وأجاب عن قول أبي
بكر كما سيأتي في بابه ويؤيده اختلاف النقل عن الصحابة غير عائشة فحديث ابن عباس فيه أن أبا
بكر كان مأموما كما سيأتي في رواية موسى بن أبي عائشة وكذا في رواية أرقم بن شرحبيل التي أشرنا
إليها عن ابن عباس وحديث أنس فيه أن أبا بكر كان إماما أخرجه الترمذي وغيره من رواية حميد
عن ثابت عنه بلفظ آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في ثوب وأخرجه
النسائي من وجه آخر عن حميد عن أنس فلم يذكر ثابتا وسيأتي بيان ما ترتب على هذا الاختلاف
من الحكم في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به قريبا إن شاء الله تعالى (قوله وزاد أبو معاوية
عن الأعمش جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما) يعني روى الحديث المذكور أبو
معاوية عن الأعمش كما رواه حفص بن الصالح مطولا وشعبة مختصرا كلهم عن الأعمش شوال
المذكور فزاد أبو معاوية ما ذكر وقد تقدمت الإشارة إلى المكان الذي وصله المصنف فيه وغفل
مغلطاي ومن تبعه فنسبوا وصله إلى رواية بن نمير عن أبي معاوية في صحيح ابن حبان وليس بجيد
من وجهين أحدهما أن رواية بن نمير ليس فيها عن يسار أبي بكر والثاني أن نسبته إلى تخريج
صاحب الكتاب أولى من نسبته لغيره فيه (قوله في الحديث الثاني لما ثقل على النبي صلى الله
عليه وسلم) أي أشتد به مرضه يقال ثقل في مرضه إذا ركدت أعضاؤه عن خفة الحركة (قوله
فأذن له) بفتح الهمزة وكسر المعجمة وتشديد النون أي الأزواج وحكى الكرماني أنه روى بضم
الهمزة وكسر الذال وتخفيف النون على البناء للمجهول واستدل به على أن القسم كان واجبا
عليه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وقد تقدم حديث الزهري هذا في
باب الغسل والوضوء من المخضب وفيه زيادة على الذي هنا وسيأتي في رواية ابن أبي عائشة عن
عبيد الله شيخ الزهري وسياقه أتم من سياق الزهري (قوله قال هو علي بن أبي طالب) زاد
الإسماعيلي من رواية عبد الرزاق عن معمر ولكن عائشة لا تطيب نفسا له بخير ولابن إسحاق
في المغازي عن الزهري ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير ولم يقف الكرماني على هذه الزيادة
فعبر عنها بعبارة شنيعة وفي هذا رد على من تنطع فقال لا يجوز أن يظن ذلك بعائشة ورد على من
زعم أنها أبهمت الثاني لكونه لم يتعين في جميع المسافة إذ كان تارة يتوكأ على الفضل وتارة
على أسامة وتارة على على وفي جميع ذلك الرجل الآخر هو العباس واختص بذلك إكراما له
وهذا توهم ممن قاله والواقع خلافه لأن بن عباس في جميع الروايات الصحيحة جازم بأن المبهم
على فهو المعتمد والله أعلم ودعوى وجود العباس في كل مرة والذي يتبدل غيره مردودة بدليل
131

رواية عاصم التي قدمت الإشارة إليها وغيرها صريح في أن العباس لم يكن في مرة ولا في مرتين
منها والله أعلم وفي هذه القصة من الفوائد غير ما مضى تقديم أبي بكر وترجيحه على جميع
الصحابة وفضيلة عمر بعده وجواز الثناء في الوجه لمن أمن عليه الإعجاب وملاطفة النبي صلى الله
عليه وسلم لأزواجه وخصوصا لعائشة وجواز مراجعة الصغير الكبير والمشاورة في الأمر
العام والأدب مع الكبير لهم أبي بكر بالتأخر عن الصف واكرام الفاضل لأنه أراد أن يتأخر حتى
يستوي مع الصف فلم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم يتزحزح عن مقامه وفيه أن البكاء ولو كثر
لا يبطل الصلاة لأنه صلى الله عليه وسلم بعد أن علم حال أبي بكر في رقة القلب وكثرة البكاء لم يعدل
عنه ولا نهاه عن البكاء وأن الإيماء يقوم مقام النطق واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على
الإشارة يحتمل أن يكون لضعف صوته ويحتمل أن يكون للاعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة
بالإيماء أولى من النطق وفيه تأكيد أمر الجماعة والأخذ فيها بالأشد وإن كان المرض يرخص
في تركها ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأشد وإن كانت الرخصة أولى
وقال الطبري إنما فعل ذلك لئلا يعذر أحد من الأئمة بعده نفسه بأدنى عذر فيتخلف عن الإمامة
ويحتمل أن يكون قصد إفهام الناس أن تقديمه لأبي بكر كان لأهليته لذلك حتى إنه صلى خلفه
واستدل به على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر وعلى جواز مخالفة موقف
المأموم للضرورة كمن قصد أن يبلغ عنه ويلتحق به من زحم عن الصف وعلى جواز ائتمام بعض
المأمومين ببعض وهو قول الشعبي واختيار الطبري وأومأ إليه البخاري كما سيأتي وتعقب بأن
أبا بكر إنما كان مبلغا كما سيأتي في باب من أسمع الناس التكبير من رواية أخرى عن الأعمش
وكذا ذكره مسلم على هذا فمعنى الاقتداء اقتداؤهم بصوته ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم كان
جالسا وكان أبو بكر قائما فكان بعض أفعاله يخفى على بعض المأمومين فمن ثم كان أبو بكر كالإمام
في حقهم والله أعلم وفيه أتباع صوت المكبر وصحة صلاة المستمع والسامع ومنهم من شرط
في صحته تقدم إذن الإمام واستدل به الطبري على أن للأمام أن يقطع الاقتداء به ويقتدي هو
بغيره من غير أن يقطع الصلاة وعلى جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة وعلى جواز تقدم إحرام
المأموم على الإمام بناء على أن أبا بكر كان دخل في الصلاة ثم قطع القدوة وائتم برسول الله صلى الله
عليه وسلم وقد قدمنا أنه ظاهر الرواية ويؤيد أيضا أن في رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن
عباس فابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث انتهى أبو بكر واستدل به على صحة
صلاة القادر على القيام قائما خلف القاعد خلافا للمالكية مطلقا ولأحمد حيث أوجب القعود
على من يصلي خلف القاعد كما سيأتي الكلام عليه في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به إن شاء الله تعالى
(قوله باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله) ذكر العلة من عطف العام
على الخاص لأنها أعم من أن تكون بالمطر أو غيره والصلاة في الرحل أعم من أن تكون بجماعة
أو منفردا لكنها مظنة الانفراد والمقصود الأصلي في الجماعة إيقاعها في المسجد وقد تقدم الكلام
على حديث ابن عمر في كتاب الأذان وعلى حديث عتبان في باب المساجد في البيوت وسياقه هناك
أتم وإسماعيل شيخه هنا هو ابن أبي أويس (قوله باب هل يصلي الإمام بمن حضر)
132

أي مع وجود العلة المرخصة للتخلف فلو تكلف قوم الحضور فصلى بهم الإمام لم يكره فالأمر
بالصلاة في الرحال على هذا للإباحة لا للندب ومطابقة ذلك لحديث ابن عباس من قوله فيه
فنظر بعضهم إلى بعض لما أمر المؤذن أن يقول الصلاة في الرحال فإنه دال على أن بعضهم حضر
وبعضهم لم يحضر ومع ذلك خطب وصلى بمن حضر وأما قوله وهل يخطب يوم الجمعة في المطر
فظاهر من حديث بن عباس وقد تقدم الكلام عليه في الأذان أيضا وفيه أن ذلك كان يوم الجمعة
وأن قوله أنها عزمة أي الجمعة وأما مطابقة حديث أبي سعيد فمن جهة أن العادة في يوم المطر
أن يتخلف بعض الناس وأما قول بعض الشراح يحتمل أن يكون ذلك في الجمعة فمردود لأنه سيأتي
في الاعتكاف أنها كانت في صلاة الصبح وحديث أنس لا ذكر للخطبة فيه ولا يلزم أن يدل كل
حديث في الباب على كل ما في الترجمة (قوله وعن حماد) هو معطوف على قوله حدثنا حماد بن زيد
وليس بمعلق وقد تقدم في الأذان عن مسدد عن حماد عنهما جميعا (قوله نحوه) أي بمعظم لفظه
وجميع معناه ولهذا استثنى منه لفظ أحرجكم وأن في هذا بدلها أوثمكم إلى الآخرة ويحتمل أن
يكون المراد بالاستثناء أنهما متفقان في المعنى وفي الرواية الثانية هذه الزيادة (قوله فتجيئون)
كذا للأكثر بإثبات النون وهو على حذف مقدر وللكشميهني فتجيئوا وقد تقدمت مباحث
الحديث في كتاب الأذان وحديث أبي سعيد يأتي في الاعتكاف ومسلم شيخه فيه هنا هو ابن
إبراهيم وهشام هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن وقوله سألت
أبا سعيد أي عن ليلة القدر (قوله في حديث أنس قال رجل من الأنصار) قيل إنه عتبان بن مالك
وهو محتمل لتقارب القصتين لكن لم أر ذلك صريحا وقد وقع في رواية ابن ماجة الآتية أنه بعض
عمومة أنس وليس عتبان عما لأنس إلا على سبيل المجاز لأنهما من قبيلة واحدة وهي الخزرج
لكن كل منهما من بطن (قوله معك) أي في الجماعة في المسجد (قوله وكان رجلا ضخما) أي سمينا
وفي هذا الوصف إشارة إلى علة تخلفه وقد عده بن حبان من الأعذار المرخصة في التأخر عن
الجماعة وزاد عبد الحميد عن أنس وإني أحب أن تأكل في بيتي وتصلى فيه (قوله فبسط له حصيرا)
سبق الكلام فيه في حديث أنس في أوائل الصلاة في باب الصلاة على الحصير (قوله فصلى عليه
ركعتين) زاد عبد الحميد فصلى وصلينا معه (قوله فقال رجل من آل الجارود) في رواية علي بن
الجعد عن شعبة الآتية للمصنف في صلاة الضحى فقال فلان بن فلان بن الجارود وكأنه
عبد الحميد بن المنذر بن الجارود البصري وذلك أن البخاري أخرج هذا الحديث من رواية
شعبة وأخرجه في موضع آخر من رواية خالد الحذاء كلاهما عن أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن
المنذر بن الجارود عن أنس وأخرجه أبن ماجة وابن حبان من رواية عبد الله بن عون عن أنس
ابن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس فاقتضى ذلك أن في رواية البخاري
انقطاعا وهو مندفع بتصريح أنس بن سيرين عنده بسماعه من أنس فحينئذ رواية ابن ماجة
إما من المزيد في متصل الأسانيد وإما أن يكون فيها وهم لكون ابن الجارود كان حاضرا عند
أنس لما حدث بهذا الحديث وسأله عما سأله من ذلك فظن بعض الرواة أن له فيه رواية وسيأتي
الكلام على فوائده في باب صلاة الضحى ومطابقته لهذه الترجمة إما من جهة ما يلزم من الرخصة
لمن له عذر أن يتخلف عن الحضور فإن ضرورة مواظبته صلى الله عليه وسلم على الصلاة بالجماعة
133

أن يصلي بمن بقي وإما من جهة ما ورد في طريق عبد الحميد المذكورة حيث قال أنس فصلى
وصلينا معه فإنه مطابق لقوله وهل يصلي بمن حضر والله أعلم (قوله باب
إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة) قال الزين بن المنير حذف جواب الشرط في هذه الترجمة
إشعارا بعدم الجزم بالحكم لقوة الخلاف انتهى وكأنه أشار بالأثرين المذكورين في الترجمة إلى
منزع العلماء في ذلك فإن ابن عمر حمله على إطلاقه وأشار أبو الدرداء إلى تقييده بما إذا كان القلب
مشغولا بالأكل وأثر ابن عمر مذكور في الباب بمعناه وأثر أبي الدرداء وصله ابن المبارك في كتاب
الزهد وأخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب تعظيم قدر الصلاة من طريقه (قوله حدثنا يحيى)
هو ابن سعيد القطان وقد أخرجه السراج من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن هشام بن عروة
أيضا لكن لفظه إذا حضر وذكره المصنف في كتاب الأطعمة من طريق سفيان عن هشام بلفظ
إذا حضر وقال بعده قال يحيى بن سعيد ووهيب عن هشيم إذا وضع انتهى ورواية وهيب
وصلها الإسماعيلي وأخرجه مسلم من رواية ابن نمير وحفص ووكيع بلفظ إذا حضر ووافق
كلا جماعة من الرواة عن هشام لكن الذين رووه بلفظ إذا وضع كما قال الإسماعيلي أكثر والفرق
بين اللفظين أن الحضور أعم من الوضع فيحمل قوله حضر أي بين يديه لتأتلف الروايات لاتحاد
المخرج ويؤيده حديث أنس الآتي بعده بلفظ إذا قدم العشاء ولمسلم إذا قرب العشاء وعلى هذا
فلا يناط الحكم بما إذا حضر العشاء لكنه لم يقرب للاكل كما لو لم يقرب (قوله وأقيمت الصلاة)
قال ابن دقيق العيد الألف واللام في الصلاة لا ينبغي أن تحمل على الاستغراق ولا على تعريف
الماهية بل ينبغي أن تحمل على المغرب لقوله فابدؤا بالعشاء ويترجح حمله على المغرب لقوله في
الرواية الأخرى فابدؤوا به قبل أن تصلوا المغرب والحديث يفسر بعضه بعضا وفي رواية صحيحة
إذا وضع العشاء وأحدكم صائم انتهى وسنذكر من أخرج هذه الرواية في الكلام على الحديث
الثاني وقال الفاكهاني ينبغي حمله على العموم نظر إلى العلة وهي التشويش المفضى إلى ترك
الخشوع وذكر المغرب لا يقتضى حصرا فيها لأن الجائع غير الصائم قد يكون أشوق إلى الأكل
من الصائم انتهى وحمله على العموم إنما هو بالنظر إلى المعنى إلحاقا للجائع بالصائم وللغداء بالعشاء
لا بالنظر إلى اللفظ الوارد (قوله فابدؤا بالعشاء) حمل الجمهور هذا الأمر على الندب ثم اختلفوا
فمنهم من قيده بمن كان محتاجا إلى الأكل وهو المشهور عند الشافعية وزاد الغزالي ما إذا
خشي فساد المأكول ومنهم من لم يقيده وهو قول الثوري وأحمد وإسحق وعليه يدل فعل ابن
عمر الآتي وأفرط بن حزم فقال تبطل الصلاة ومنهم من اختار البداءة بالصلاة إلا إن كان
الطعام خفيفا نقله ابن المنذر عن مالك وعند أصحابه تفصيل قالوا يبدأ بالصلاة إن لم يكن متعلق
النفس بالأكل أو كان متعلقا به لكن لا يعجله عن صلاته فإن كان يعجله عن صلاته بدأ بالطعام
واستحبت له الإعادة (قوله عن عقيل) في رواية الإسماعيلي حدثني عقيل وعنده أيضا عن ابن
شهاب أخبرني أنس (قوله إذا قدم العشاء) زاد ابن حبان والطبراني في الأوسط من رواية
موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب وأحدكم صائم وقد أخرجه مسلم من طريق
ابن وهب عن عمرو بدون الزيادة وذكر الطبراني أن موسى بن أعين تفرد بها انتهى وموسى
ثقة متفق عليه (قوله ولا تعجلوا) بضم المثناة وبفتحها والجيم مفتوحة فيهما ويروى بضم أوله
134

وكسر الجيم (قوله في حديث ابن عمر إذا وضع عشاء أحدكم) هذا أخص من الرواية الماضية
حيث قال إذا وضع العشاء فيحمل العشاء في تلك الرواية على عشاء من يريد الصلاة فلو وضع
عشاء غيره لم يدخل في ذلك ويحتمل أن يقال بالنظر إلى المعنى لو كان جائعا واشتغل خاطره
بطعام غيره كان كذلك وسبيله أن ينتقل عن ذلك المكان أو يتناول مأكولا يزيد شغل باله ليدخل
في الصلاة وقلبه فارغ ويؤيد هذا الاحتمال عموم قوله في رواية مسلم من طريق أخرى عن
عائشة لا صلاة بحضرة طعام الحديث وقول أبي الدرداء الماضي إقباله على حاجته (قوله
ولا يعجل) أي أحدكم المذكور أولا وقال الطيبي أفرد قوله يعجل نظرا إلى لفظ أحد وجمع قوله
فابدؤا نظر إلى لفظ كم قال والمعنى إذا وضع عشاء أحدكم فابدؤا أنتم بالعشاء ولا يعجل هو حتى
يفرغ معكم منه انتهى (قوله وكان ابن عمر) هو موصول عطفا على المرفوع وقد رواه
السراج من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع فذكر المرفوع ثم قال قال نافع وكان
ابن عمر إذا حضر عشاؤه وسمع الإقامة وقراءة الإمام لم يقم حتى يفرغ ورواه ابن حبان من
طريق ابن جريج عن نافع أن ابن عمر كان يصلي المغرب إذا غابت الشمس وكان أحيانا يلقاه وهو
صائم فيقدم له عشاؤه وقد نودي الصلاة ثم تقام وهو يسمع فلا يترك عشاءه ولا يعجل حتى يقضي
عشاءه ثم يخرج فيصلى انتهى وهذا أصرح ما ورد عنه في ذلك (قوله وأنه يسمع) في رواية
الكشميهني وأنه ليسمع بزيادة لام التأكيد في أوله (قوله وقال زهير) هو ابن معاوية الجعفي
وطريقه هذه موصولة عند أبي عوانة في مستخرجه وأما رواية وهب بن عثمان فقد ذكر المصنف
أن إبراهيم بن المنذر رواها عنه وإبراهيم من شيوخ البخاري وقد وافق زهيرا ووهبا أبو ضمرة
عند مسلم وأبو بدر عند أبي عوانة والدراوردي عند السراج كلهم عن موسى بن عقبة قال النووي
في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من ذهاب كمال الخشوع
ويلتحق به ما في معناه مما يشغل القلب وهذا إذا كان في الوقت سعة فإن ضاق صلى على حاله
محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز التأخير وحكى المتولي وجها أنه يبدأ بالأكل وإن خرج
الوقت لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته انتهى وهذا إنما يجئ على قول من يوجب الخشوع
ثم فيه نظر لأن المفسدتين إذا تعارضتا اقتصر على أخفهما وخروج الوقت أشد من ترك الخشوع
بدليل صلاة الخوف والغريق وغير ذلك وإذا صلى لمحافظة الوقت صحت مع الكراهة وتستحب
الإعادة عند الجمهور وادعى ابن حزم أن في الحديث دلالة على امتداد الوقت في حق من وضع له
الطعام ولو خرج الوقت المحدود وقال مثل ذلك في حق النائم والناسي واستدل النووي وغيره
بحديث أنس على امتداد وقت المغرب واعترضه بن دقيق العيد بأنه إن أريد بذلك التوسعة إلى
غروب الشفق ففيه نظر وإن أريد به مطلق التوسعة فمسلم ولكن ليس محل الخلاف المشهور فإن
بعض مذهب إلى ضيق وقتها جعله مقدرا بزمن يدخل فيه مقدار ما يتناول لقيمات يكسر بها
سورة الجوع واستدل به القرطبي على أن شهود صلاة الجماعة ليس بواجب لأن ظاهره أنه يشتغل
بالأكل وإن فاتته الصلاة في الجماعة وفيه نظر لأن بعض من ذهب إلى الوجوب كابن حبان جعل
حضور الطعام عذرا في ترك الجماعة فلا دليل فيه حينئذ على إسقاط الوجوب مطلقا وفيه دليل على
تقديم فضيلة الخشوع في الصلاة على فضيلة أول الوقت واستدل بعض الشافعية والحنابلة
135

بقوله فابدؤا على تخصيص ذلك بمن لم يشرع في الأكل وأما من شرع ثم أقيمت الصلاة فلا يتمادى
بل يقوم إلى الصلاة قال النووي وصنيع ابن عمر يبطل ذلك وهو الصواب وتعقب بأن صنيع
أبن عمر اختيار له وإلا فالنظر إلى المعنى يقتضى ما ذكروه لأنه يكون قد أخذ من الطعام ما دفع شغل
البال به ويؤيد ذلك حديث عمرو بن أمية المذكور في الباب بعده ولعل ذلك هو السر في إيراد
المصنف له عقبه وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة بإسناد حسن عن أبي هريرة وابن عباس
انهما كانا يأكلان طعاما وفي التنور شواء فأراد المؤذن أن يقيم فقال له ابن عباس لا تعجل لئلا
نقوم وفي أنفسنا منه شئ وفي رواية بن أبي شيبة لئلا يعرض لنا في صلاتنا وله عن الحسن بن علي
قال العشاء قبل الصلاة يذهب النفس اللوامة وفي هذا كله إشارة إلى أن العلة في ذلك تشوف
النفس إلى الطعام فينبغي أن يدار الحكم مع علته وجودا وعدما ولا يتقيد بكل ولا بعض
ويستثنى من ذلك الصائم فلا تكره صلاته بحضرة الطعام إذ الممتنع بالشرع لا يشغل العاقل
نفسه به لكن إذا غلب استحب له التحول من ذلك المكان فائدتان الأولى قال ابن الجوزي
ظن قوم أن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الله وليس كذلك وإنما هو صيانة لحق الحق
ليدخل الخلق في عبادته بقلوب مقبلة ثم إن طعام القوم كان شيئا يسيرا لا يقطع عن لحاق
الجماعة غالبا (الثانية) ما يقع في بعض كتب الفقه إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤا بالعشاء
لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفف كذا في شرح الترمذي لشيخنا أبي الفضل لكن رأيت
بخط الحافظ قطب الدين أن ابن أبي شيبة أخرج عن إسماعيل وهو ابن علية عن ابن إسحاق قال
حدثني عبد الله بن رافع عن أم سلمة مرفوعا إذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدؤا بالعشاء
فإن كان ضبطه فذا ك وإلا فقد رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل بلفظ وحضرت الصلاة
ثم راجعت مصنف بن أبي شيبة فرأيت الحديث فيه كما أخرجه أحمد والله أعلم (قوله
باب إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل) قيل أشار بهذا إلى أن الأمر
الذي في الباب قبله للندب لا للوجوب وقد قدمنا قول من فصل بين ما إذا أقيمت الصلاة قبل
الشروع في الأكل أو بعده فيحتمل أن المصنف كان يرى التفصيل ويحتمل تقييده في الترجمة
بالإمام أنه كان يرى تخصيصه به وأما غيره من المأمومين فالأمر متوجه إليهم مطلقا ويؤيده
قوله فيما سبق إذا وضع عشاء أحدكم وقد قدمنا تقرير ذلك مع بقية فوائد الحديث في باب من
لم يتوضأ من لحم الشاة من كتاب الطهارة وقال الزين بن المنير لعله صلى الله عليه وسلم أخذ في
خاصة نفسه بالعزيمة فقدم الصلاة على الطعام وأمر غيره بالرخصة لأنه لا يقوى على مدافعة
الشهوة قوته وأيكم يملك أربه انتهى ويعكر على من استدل به على أن الأمر للندب احتمال أن
يكون اتفق في تلك الحالة أنه قضى حاجته من الأكل فلا تتم الدلالة به وإبراهيم المذكور في
الإسناد هبن سعد وصالح هو بن جلس والإسناد كله مدنيون (قوله باب
من كان في حاجة أهله) كأنه أشار بهذه الترجمة إلى أنه لا يلحق بحكم الطعام كل أمر يكون للنفس
تشوف إليه إذ لو كان كذلك لم يبق للصلاة وقت في الغالب وأيضا فوضع الطعام بين يدي الآكل
فيه زيادة تشوف وكلما تأخر تناوله ازداد بخلاف باقي الأمور ومحل النص إذا اشتمل على
وصف يمكن اعتباره يتعين عدم إلغائه (قوله في مهنة أهله) بفتح الميم وكسرها وسكون الهاء فيهما
136

وقد فسرها في الحديث بالخدمة وهي من تفسير آدم بن أبي إياس شيخ المصنف لأنه أخرجه في
الأدب عن حفص بن عمر وفي النفقات عن محمد بن عرعرة وأخرجه أحمد عن يحيى القطان وغندر
والإسماعيلي من طريق ابن مهد ورواه أبو داود الطيالسي كلهم عن شعبة بدونها وفي
الصحاح المهنة بالفتح الخدمة وهذا موافق لما قاله لكن فسرها صاحب المحكم بأخص من ذلك
فقال المهنة الحذق بالخدمة والعمل ووقع في رواية المستملى وحده في مهنة بيت أهله وهي
موجهة مع شذوذها والمراد بالأهل نفسه أو ما هو أعم من ذلك وقد وقع مفسرا في الشمائل
للترمذي من طريق عمرة عن عائشة بلفظ ما كان إلا بشرا من البشر إفسادنا ثوبه ويحلب شاته
ويخدم نفسه ولأحمد وابن حبان من رواية عروة عنها يخيط ثوبه ويخصف نعله وزاد ابن حبان
ويرقع دلوه زاد الحاكم في الإكليل ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادما (قوله فإذا حضرت
الصلاة) في رواية ابن عرعرة فإذا سمع الأذان وهو أخص ووقع في الترجمة فأقيمت الصلاة وهي
أخص وكأنه أخذه من حديثها المتقدم في باب من انتظر اشتراط فإن فيه حتى يأتيه المؤذن
للإقامة واستدل بحديث الباب على أنه لا يكره التشمير في الصلاة وأن النهى عن كف الشعر
والثياب للتنزيه لكونها لم تذكر أنه أزاح عن نفسه هيئة المهنة كذا ذكره ابن بطال ومن تبعه
وفيه نظر لأنه يحتاج إلى ثبوت أنه كان له هيئتان ثم لا يلزم من ترك ذكر التهيئة الصلاة عدم وقوعه
وفيه الترغيب في التواضع وترك التكبر وخدمة الرجل أهله وترجم عليه المؤلف في الأدب
كيف يكون الرجل في أهله (قوله باب من صلى بالناس الخ) والحديث مطابق
للترجمة وكأنه لم يجزم فيها بالحكم لما سنبينه (قوله حدثنا وهيب) هو ابن خالد والإسناد كله
بصريون (قوله اني لأصلي بكم وما أريد الصلاة) استشكل نفى هذا الإرادة لما يلزم عليها من
وجود صلاة غير قربة ومثلها لا يصح وأجيب بأنه لم يرد نفى القربة وإنما أراد بيان السبب الباعث
له على الصلاة في غير وقت صلاة معينة جماعة وكأنه قال ليس الباعث لي على هذا الفعل حضور
صلاة معينة من أداء أو إعادة أو غير ذلك وإنما الباعث لي عليه قصد التعليم وكأنه كان تعين عليه
حينئذ لأنه أحد من خوطب بقوله صلوا كما رأيتموني أصلى كما سيأتي ورأى أن التعليم بالفعل
أوضح من القول ففيه دليل على جواز مثل ذلك وأنه ليس من باب التشريك في العبادة (قوله
أصلى) زاد في باب كيف يعتمد على الأرض عن معلى عن وهيب ولكني أريد أن أريكم (قوله
مثل شيخنا) هو عمرو بن سلمة كما سيأتي في باب اللبث بين السجدتين وسياقه هناك أتم ونذكر
فوائده هناك إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * أخرج صاحب العمدة هذا الحديث وليس هو عند
مسلم من حديث مالك بن الحويرث (قوله باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة)
أي ممن ليس كذلك ومقتضاه أن الأعلم والأفضل أحق من العالم والفاضل وذكر الفضل بعد العلم
من العام بعد الخاص وسيأتي الكلام على ترتيب الأئمة بعد بابين (قوله حدثنا حسين) هو ابن علي
الجعفي والإسناد سوى الراوي عنه كلهم كوفيون وأبو بردة هو ابن أبي موسى ووهم من
زعم أنه هنا أخوه (قوله رقيق) أي رقيق القلب (قوله لم يستطع) أي من البكاء (قوله فأتاه
الرسول) هو بلال (قوله فصلى بالناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي إلى أن مات
وكذا صرح به موسى بن عقبة في المغازي (قوله عن أبيه عن عائشة) كذا رواه جماعة عن
137

مالك موصولا وهو في أكثر نسخ الموطأ مرسلا ليس فيه عائشة (قوله مه) هي كلمة زجر بنيت
على السكون (قوله فليصل بالناس) في رواية الكشميهني للناس وقد تقدم الكلام على فوائد
هذين الحديثين في باب حد المريض أن يشهد الجماعة والظاهر أن حديث أبي موسى من مراسيل
الصحابة ويحتمل أن يكون تلقاه عن عائشة أو بلال وحديث أنس من طريق الزهري سيأتي في
الوفاة من آخر المغازي (قوله حدثنا أبو معمر) هو عبد الله بن عمرو لا إسماعيل بن إبراهيم
وعبد العزيز هو ابن صهيب والإسناد كله بصريون (قوله ثلاثا) كان ابتداؤها من حين خرج
النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم قاعدا كما تقدم (قوله فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب)
هو من إجراء قال مجرى فعل وهو كثير (قوله ما رأينا) في رواية الكشميهني ما نظرنا وقوله فأومأ
بيده إلى أبي بكر أن يتقدم ليس مخالفا لقوله في أوله فتقدم أبو بكر بل في السياق حذف يظهر من
رواية الزهري حيث قال فيها فنكص أبو بكر والحاصل أنه تقدم ثم ظن أن النبي صلى الله عليه
وسلم خرج فتأخر فأشار إليه حينئذ أن يرجع إلى مكانه * (فائدة) * وقع في حديث ابن عباس
في نحو هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم في تلك الحالة ألا وإني نهيت أن أقرأ راكعا
أو ساجدا الحديث أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن معبد عنه (قوله عن حمزة بن عبد الله) أي
ابن عمر بن الخطاب وفي كلام ابن بطال ما يوهم أنه حمزة بن عمرو الأسلمي وهو خطأ (قوله فعاودته)
بفتح الدال وسكون المثناة أي عائشة وبسكون الدال وفتح النون أي هي ومن معها من النساء
(قوله تابعه الزبيدي) أي تابع يونس بن يزيد ومتابعته هذه وصلها الطبراني في مسند الشاميين
من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عنه موصولا مرفوعا وزاد فيه قولها فمر عمر وقال فيه فراجعته
عائشة ومتابعة بن أخي الزهري وصلها بن عدي من رواية الدراوردي عنه ومتابعة إسحق بن
يحيى وصلها أبو بكر بن شاذان البغدادي في نسخة إسحق بن يحيى في رواية يحيى بن صالح عنه
* (تنبيه) * ظن بعضهم أن قوله عن الزهري أي موقوفا عليه وهو فاسد لما بيناه (قوله وقال
عقيل ومعمر الآخرة) قال الكرماني الفرق بين رواية الزبيدي وابن أخي الزهري وإسحق ابن
يحيى وبين رواية عقيل ومعمر أن الأولى متابعة والثانية مقاولة أه ومراده بالمقاولة الإتيان
فيها بصيغة قال وليس في اصطلاح المحدثين صيغة مقاولة وإنما السر في تركه عطف رواية عقيل
138

ومعمر على رواية يونس ومن تابعه أنهما أرسلا الحديث وأولئك وصلوه أي أنهما خالفا يونس
ومن تابعه فأرسلا الحديث فأما رواية عقيل فوصلها الذهلي في الزهريات وأما معمر فاختلف
عليه فرواه عبد الله بن المبارك عنه مرسلا كذلك أخرجه ابن سعد وأبو يعلى من طريقه ورواه
عبد الرزاق عن معمر موصولا لكن قال عن عائشة بدل قوله عن أبيه كذلك أخرجه مسلم وكأنه
رجح عنده لكون عائشة صاحبة القصة ولقاء حمزة لها ممكن ورجح الأول عند البخاري لأن
المحفوظ في هذا عن الزهري من حديث عائشة روايته لذلك عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها
ومما يؤيده أن في رواية عبد الرزاق عن معمر متصلا بالحديث المذكور أن عائشة قالت وقد
عاودته وما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاءم الناس معبد بكر الحديث وهذه الزيادة إنما
تحفظ من رواية الزهري عن عبيد الله عنها لا من رواية الزهري عن حمزة وقد روى الإسماعيلي
هذا الحديث عن الحسن بن سفيان عن يحيى بن سليمان شيخ البخاري فيه مفصلا فجعل أوله
من رواية الزهري عن حمزة عن أبيه بالقدر الذي أخرج البخاري وآخره من رواية الزهري عن
عبيد الله عنها والله أعلم (قوله باب من قال) أي صلى (إلى جنب الإمام لعلة) أي
سبب اقتضى ذلك وقد تقدم ما فيه في باب حد المريض (قوله قال عروة فوجد) هو بالإسناد
المذكور ووهم من جعله معلقا ثم إن ظاهره الإرسال من قوله فوجد الخ لكن رواه أبن
أبي شيبة عن ابن نمير بهذا الإسناد متصلا بما قبله وأخرجه ابن ماجة عنه وكذا وصله الشافعي عن
يحيى بن حبان عن حماد بن سلمة عن هشام وكذا وصله عن عروة عنها كما تقدم ويحتمل أن يكون
عروة أخذه عن عائشة وعن غيرها فلذلك قطعه عن القدر الأول الذي أخذه عنها وحدها
والأصل في الإمام أن يكون متقدما على المأمومين إلا إن ضاق المكان أو لم يكن إلا مأموم واحد
وكذا لو كانوا عراة وما عدا ذلك يجوز ويجزى ولكن تفوت الفضيلة (قوله باب
من دخل) أي إلى المحراب مثلا (ليؤم الناس فجاء الإمام الأول) أي الراتب (فتأخر الأول) أي
الداخل فكل منهما أول باعتبار والمعرفة إذا أعيدت كانت عين الأولى إلا بقرينة وقرينة كونها
غيرها هنا ظاهرة (قوله فيه عائشة) يشير بالشق الأول وهو ما إذا تأخر إلى رواية عروة
عنها في الباب الذي قبله حيث قال فلما رآه استأخر وبالثاني وهو ما إذا لم يستأخر إلى رواية
عبد الله عنها حيث قال فأراد أن يتأخر وقد تقدمت في باب حد المريض والجواز مستفاد من
التقرير وكلا الامرين قد وقعا في حديث الباب (قوله عن سهل بن سعد) في رواية النسائي من
طريق سفيان عن أبي حازم سمعت سهلا (قوله ذهب إلى بني عمرو بن عوف) أي ابن مالك بن
الأوس والأوس أحد قبيلتي الأنصار وهما الأوس والخزرج وبنو عمرو بن عوف بطن كبير
من الأوس فيه عدة أحياء كانت منازلهم بقباء منهم بنو أمية بن زيد بن مالك بن
عوف بن عمرو بن عوف وبنو ضبيعة بن زيد وبنو ثعلبة بن عمرو بن عوف والسبب في ذهابه صلى الله عليه وسلم
إليهم ما في رواية سفيان المذكورة قال وقع بين حيين من الأنصار كلام وللمؤلف في الصلح من
طريق محمد بن جعفر عن أبي حازم أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بذلك فقال اذهبوا بنا نصلح بينهم وله فيه من رواية أبي غسان عن أبي حازم فخرج
في أناس من أصحابه وسمى الطبراني منهم من طريق موسى بن محمد عن أبي حازم أبي بن كعب
139

وسهيل بن بيضاء وللمؤلف في الأحكام من طريق حماد بن زيد عن أبي حازم أن توجهه كان بعد
أن صلى الظهر وللطبراني من طريق عمر بن علي عن أبي حازم أن الخبر جاء بذلك وقد أذن بلال
لصلاة الظهر (قوله فحانت الصلاة) أي صلاة العصر وصرح به في الأحكام ولفظه فلما
حضرت صلاة العصر أذن وأقام وأمر أبا بكر فتقدم ولم يسم فاعل ذلك وقد أخرجه أحمد وأبو
داود وابن حبان من رواية حماد المذكورة فبين الفاعل وأن ذلك كان بأمر النبي صلى الله عليه
وسلم ولفظه فقال لبلال إن حضرت العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس فلما حضرت العصر
أذن بلال ثم أقام ثم أمر أبا بكر فتقدم ونحوه للطبراني من رواية موسى بن محمد عن أبي حازم
وعرف بهذا أن المؤذن بلال وأما قوله لأبي بكر أتصلي للناس فلا يخالف ما ذكر لأنه يحمل على
أنه استفهمه هل يبادر أول الوقت أو ينتظر قليلا ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم ورجح عند أبي
بكر المبادرة لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة (قوله فأقيم) بالنصب ويجوز
الرفع (قوله قال نعم) زاد في رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أن شئت وهو في باب رفع
الأيدي عند المؤلف وإنما فوض ذلك له لاحتمال أن يكون عنده زيادة علم من النبي صلى الله عليه
وسلم في ذلك (قوله فصلى أبو بكر) أي دخل في الصلاة ولفظ عبد العزيز المذكور وتقدم أبو بكر
فكبر وفي رواية المسعودي عن أبي حازم فاستفتح أبو بكر الصلاة وهي عند الطبراني وبهذا يجاب
عن الفرق بين المقامين حيث امتنع أبو بكر هنا أن يستمر إماما وحيث استمر في مرض موته صلى
الله عليه وسلم حين صلى خلفه الركعة الثانية من الصبح كما صرح به موسى بن عقبة في المغازي
فكأنه لما أن مضى معظم الصلاة حسن الاستمرار ولما أن لم يمض منها إلا اليسير لم يستمر وكذا
وقع لعبد الرحمن بن عوف حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه الركعة الثانية من الصبح فإنه
استمر في صلاته إماما لهذا المعنى وقصة عبد الرحمن عند مسلم من حديث المغيرة بن شعبة (قوله
فتخلص) في رواية عبد العزيز فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف يشقها شقا حتى
قام في الصف الأول ولمسلم فخرق الصفوف حتى قام عند الصف المتقدم (قوله فصفق الناس)
في رواية عبد العزيز فأخذ الناس في التصفيح قال سهل أتدرون ما التصفيح هو التصفيق انتهى
وهذا يدل على ترادفهما عنده فلا يلتفت إلى ما يخالف ذلك وسيأتي البحث فيه في باب مفرد
(قوله وكان أبو بكر لا يلتفت) قيل كان ذلك لعلمه بالنهي عن ذلك وقد صح أنه اختلاس يختلسه
الشيطان من صلاة العبد كما سيأتي في باب مفرد في صفة الصلاة فلما أكثر الناس التصفيق في
رواية حماد بن زيد فلما رأى التصفيح لا يمسك عنه التفت (قوله فأشار إليه أن امكث مكانك)
في رواية عبد العزيز فأشار إليه يأمره أن يصلي وفي رواية عمر بن علي فدفع في صدره ليتقدم
فأبى (قوله فرفع أبو بكر يديه فحمد الله) ظاهره أنه تلفظ بالحمد لكن في رواية الحميدي عن
سفيان فرفع أبو بكر رأسه إلى السماء شكرا لله ورجع القهقرى وادعى بن الجوزي أنه أشار
بالشكر والحمد بيده وليتكلم وليس في رواية القدرة ما يمنع أن يكون تلفظ ويقوي ذلك ما عند
أحمد من رواية عبد العزيز الماجشون عن أبي حازم يا أبا بكر لم رفعت يديك وما منعك أن تثبت
حين أشرت إليك قال رفعت يدي لأني حمدت الله على ما رأيت منك زاد المسعودي فلما تنحى تقدم
النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه في رواية حماد بن زيد (قوله أن يصلي بين يدي رسول الله صلى)
140

الله عليه وسلم) في رواية الحمادين والماجشون أن يؤم النبي صلى الله عليه وسلم (قوله أكثرتم
التصفيق) ظاهره أن الإنكار إنما حصل عليهم لكثرته لا لمطلقه وسيأتي البحث فيه (قوله من
نابه) أي أصابه (قوله فليسبح) فرواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم فليقل سبحان
الله وسيأتي في باب الإشارة في الصلاة (قوله ألتفت إليه) بضم المثناة على البناء للمجهول وفي
رواية يعقوب المذكورة فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلا التفت (قوله وإنما
التصفيق للنساء) في رواية عبد العزيز وإنما التصفيح للنساء زاد القدرة والتسبيح للرجال وقد
روى المصنف هذه الجملة الأخيرة مقتصرا عليها من رواية الثوري عن أبي حازم كما سيأتي في باب
التصفيق للنساء ووقع في رواية حماد بن زيد بصيغة الأمر ولفظه إذا نابكم أمر فليسبح الرجال
وليصفح النساء وفي هذا الحديث فضل الإصلاح بين الناس وجمع كلمة القبيلة وحسم مادة
القطيعة وتوجه الإمام بنفسه إلى بعض رعيته لذلك وتقديم مثل ذلك على مصلحة الإمامة بنفسه
واستنبط منه توجه الحاكم لسماع دعوى بعض الخصوم إذا رجح ذلك على استحضارهم وفيه
جواز الصلاة الواحدة بإمامين أحدهما بعد الآخر وأن الإمام الراتب إذا غاب يستخلف غيره
وأنه إذا حضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة يتخير بين أن يأتم به أو يؤم هو ويصير النائب مأموما
من غير أن يقطع الصلاة ولا يبطل شئ من ذلك صلاة أحد من المأمومين وادعى بن عبد البر أن
ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وادعى الإجماع على عدم جواز ذلك لغيره صلى الله
عليه وسلم ونوقض بان الخلاف ثابت فالصحيح المشهور عند الشافعية الجواز وعن ابن القاسم في
الإمام يحدث فيستخلف ثم يرجع فيخرج المستخلف ويتم الأول أن الصلاة صحيحة وفيه جواز
إحرام المأموم قبل الإمام وأن المرء قد يكون في بعض صلاته إماما وفي بعضها مأموما وأن من
أحرم منفردا ثم أقيمت الصلاة جاز له الدخول مع الجماعة من غير قطع لصلاته كذا استنبطه الطبري
من هذه القصة وهو مأخوذ من السري جواز إحرام الإمام بعد المأموم كما ذكرنا وفيه فضل أبي
بكر على جميع الصحابة واستدل به جمع من الشراح ومن الفقهاء كالروياني على أن أبا بكر كان
عند الصحابة أفضلهم لكونهم اختاروه دون غيره وعلى جواز تقديم الناس لأنفسهم إذا غاب
إمامهم قالوا ومحل ذلك إذا أمنت الفتنة والانكار من الإمام وأن الذي يتقدم نيابة عن الإمام
يكون أصلحهم لذلك الأمر وأقومهم به وأن المؤذن وغيره يعرض التقدم على الفاضل وأن
الفاضل يوافقه بعد أن يعلم أن ذلك برضا الجماعة أه وكل ذلك مبنى على أن الصحابة فعلوا
ذلك بالاجتهاد وقد قدمنا أنهم إنما فعلوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أن الإقامة
واستدعاء الإمام من وظيفة المؤذن وأنه لا يقيم إلا بإذن الإمام وأن فعل الصلاة لا سيما العصر في
أول الوقت مقدم على انتظار الإمام الأفضل وفيه جواز التسبيح والحمد في الصلاة لأنه من ذكر
الله ولو كان مراد المسبح أعلام غيره بما صدر منه وسيأتي في باب مفرد وفيه رفع اليدين في
الصلاة عند الدعاء والثناء وسيأتي كذلك وفيه استحباب حمد الله لمن تجددت له نعمة ولو كان في
الصلاة وفيه جواز الالتفات للحاجة وأن مخاطبة المصلي بالإشارة أولى من مخاطبته بالعبارة
وأنها تقوم مقام النطق لمعاتبة النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على مخالفة إشارته وفيه جواز
شق الصفوف والمشي بين المصلين لقصد الوصول إلى الصف الأول لكنه مقصور على من يليق
141

ذلك به كالإمام أو من كان بصدد أن يحتاج الإمام إلى استخلافه أو من أراد سد فرجة في الصف
الأول أوما يليه مع ترك من يليه سدها ولا يكون ذلك معدودا من الأذى قال المهلب لا تعارض
بين هذا وبين النهى عن التخطي لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره في أمر الصلاة ولا غيرها
لأن له أن يتقدم بسبب ما ينزل عليه من الأحكام وأطال في تقرير ذلك وتعقب بأن هذا ليس من
الخصائص وقد أشار هو إلى المعتمد في ذلك فقال ليس في ذلك شئ من الأذى والجفاء الذي يحصل من
التخطي وليس كمن شق الصفوف والناس جلوس لما فيه من تخطى رقابهم وفيه كراهية التصفيق
في الصلاة وسيأتي في باب مفرد وفيه الحمد والشكر على الوجاهة في الدين وأن من أكرم بكرامة يتخير
بين القبول والترك إذا فهم أن ذلك الأمر على غير جهة اللزوم وكأن القرينة التي بينت لأبي بكر
ذلك هي كونه صلى الله عليه وسلم شق الصفوف إلى أن انتهى إليه فكأنه فهم من ذلك أن مراده
أن يؤم الناس وأن أمره إياه بالاستمرار في الإمامة من باب الإكرام له والتنويه بقدره فسلك هو
طريق الأدب والتواضع ورجح ذلك عنده احتمال نزول الوحي في حال الصلاة لتغيير حكم من
أحكامها وكأنه لأجل هذا لم يتعقب صلى الله عليه وسلم اعتذاره برد عليه وفيه جواز إمامة
المفضول للفاضل وفيه سؤال الرئيس عن سبب مخالفة أمره قبل الزجر عن ذلك وفيه إكرام
الكبير بمخاطبته بالكنية واعتماد ذكر الرجل لنفسه بما يشعر بالتواضع من جهة استعمال أبي
بكر خطاب الغيبة مكان الحضور إذ كان حد الكلام أن يقول أبو بكر ما كان لي فعدل عنه إلى
قوله ما كان لابن أبي قحافة لأنه أدل على التواضع من الأول وفيه جواز العمل القليل في الصلاة
لتأخر أبي بكر عن مقامه إلى الصف الذي يليه وأن من أحتاج إلى مثل ذلك يرجع القهقرى
ولا يستدبر القبلة ولا ينحرف عنها واستنبط بن عبد البر منه جواز الفتح على الإمام لأن التسبيح
إذا جاز جازت التلاوة من باب الأولى والله أعلم (قوله باب إذا استووا في القراءة
فليؤمهم أكبرهم) هذه الترجمة مع ما سأبينه من زيادة في بعض طرق حديث الباب منتزعة من
حديث أخرجه مسلم من رواية أبي مسعود الأنصاري مرفوعا يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله
فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم
سنا الحديث ومداره على إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عنه وليسا جميعا من شرط
البخاري وقد نقل ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أن شعبة كان يتوقف في صحة هذا الحديث ولكن
هو في الجملة يصح لح للاحتجاج به عند البخاري وقد علق منه طرفا بصيغة الجزم كما سيأتي واستعمله
هنا في الترجمة وأورد في الباب ما يؤدي معناه وهو حديث مالك بن الحويرث لكن ليس فيه
التصريح باستواء المخاطبين في القراءة وأجاب الزين بن المنير وغيره بما حاصله أن تساوى هجرتهم
وإقامتهم وغرضهم بها مع ما في الشباب غالبا من الفهم ثم توجه الخطاب إليهم بان يعلموا من
وراءهم من غير تخصيص بعضهم دون بعض دال على استوائهم في القراءة والتفقه في الدين
* (قلت) * وقد وقع التصريح بذلك فيما رواه أبو داود من طريق مسلمة بن محمد عن خالد الحذاء
عن أبي قلابة في هذا الحديث قال وكنا يومئذ متقاربين في العلم انتهى وأظن في هذه الرواية
إدراجا فإن بن خزيمة رواه من طريق إسماعيل بن علية عن خالد قال قلت لأبي قلابة فأين
القراءة قال إنهما كانا متقاربين وأخرجه مسلم من طريق حفص بن الصالح عن خالد الحذاء
142

وقال فيه قال الحذاء وكانا متقاربين في القراءة ويحتمل أن يكون مستند أبي قلابة في ذلك هو
إخبار مالك بن الحويرث كما أن مستند الحذاء هو إخبار أبي قلابة له به فينبغي الادراج
عن الإسناد والله أعلم * (تنبيه) * ضمعج والد أوس بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وفتح العين
المهملة بعدها جيم معناه الغليظ وقوله في حديث أبي مسعود أقرؤهم قيل المراد به الأفقه وقيل
هو على ظاهره وبحسب ذلك اختلف الفقهاء قال النووي قال أصحابنا الأفقه مقدم على الأقرأ
فإن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط فقد يعرض
في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصلاة فيه إلا كامل الفقه ولهذا قدم النبي صلى الله عليه
وسلم أبا بكر في الصلاة على الباقين مع أنه صلى الله عليه وسلم نص على أن غيره أقرأ منه كأنه عنى
حديث أقرؤكم أبي قال وأجابوا عن الحديث بان الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه * (قلت) *
وهذا الجواب يلزم منه أن من نص النبي صلى الله عليه وسلم على أنه أقرأ من أبي بكر كان أفقه من
أبي بكر فيفسد الاحتجاج بأن تقديم أبي بكر كان لأنه الأفقه ثم قال النووي بعد ذلك إن قوله في
حديث أبي مسعود فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم السنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم
في الهجرة يدل على تقديم الأقرأ مطلقا انتهى وهو واضح للمغايرة وهذه الرواية أخرجها
مسلم أيضا من وجه آخر عن إسماعيل بن رجاء ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون
عارفا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة فأما إذا كان جاهلا بذلك فلا يقدم اتفاقا والسبب فيه
أن أهل ذلك العصر كانوا يعرفون معاني القرآن لكونهم أهل اللسان فالأقرأ منهم بل
القارئ كان أفقه في الدين من كثير من الفقهاء الذين جاءوا بعدهم (قوله ونحن شببة) بفتح
المعجمة والموحدتين جمع شاب زاد في الأدب من طريق ابن علية عن أيوب شببة متقاربون والمراد
تقاربهم في السن لأن ذلك كان في حال قدومهم (قوله نحوا من عشرين) في رواية ابن علية
المذكورة الجزم به ولفظه فأقمنا عنده عشرين ليلة والمراد بأيامها ووقع التصريح بذلك في روايته
في خبر الواحد من طريق عبد الوهاب عن أيوب (قوله رحيما فقال لو رجعتم) في رواية ابن علية
وعبد الوهاب رحيما رقيقا فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا وسألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه فقال ارجعوا
إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ويمكن الجمع بينهما بأن يكون عرض ذلك عليهم على طريق
الإيناس بقوله لو رجعتم إذ لو بدأهم بالأمر بالرجوع لأمكن أن يكون فيه تنفير فيحتمل أن
يكونوا أجابوه بنعم فأمرهم حينئذ بقوله ارجعوا واقتصار الصحابي على ذكر سبب الأمر
برجوعهم بأنه الشوق إلى أهليهم دون قصد التعليم هو لما قام عنده من القرينة الدالة على ذلك
ويمكن أن يكون عرف ذلك بتصريح القول منه صلى الله عليه وسلم وإن كان سبب تعليمهم قومهم
أشرف في حقهم لكنه أخبر بالواقع ولم يتزين بما ليس فيهم ولما كانت نيتهم صادقة صادف
شوقهم إلى أهلهم الحظ الكامل في الدين وهو أهلية التعليم كما قال الإمام أحمد في الحرص على
طلب الحديث حظ وافق حقا (قوله وليؤمكم أكبركم) ظاهره تقديم الأكبر بكثير السن وقليله
وأما من جوز أن يكون مراده بالكبر ما هو أعم من السن أو القدر كالتقدم في الفقه والقراءة
والدين فبعيد لما تقدم من فهم راوي الخبر حيث قال للتابعي فأين القراءة فإنه دال على أنه أراد
كبر السن وكذا دعوى من زعم أن قوله وليؤمكم أكبركم معارض بقوله يؤم القوم أقرؤهم
143

لأن الأول يقتضى تقديم الأكبر على الأقرأ والثاني عكسه ثم انفصل عنه بان قصة مالك بن
الحويرث واقعة عين قابلة للاحتمال بخلاف الحديث الآخر فإنه تقرير قاعدة تفيد التعميم
قال فيحتمل أن يكون الأكبر منهم كان يومئذ هو الأفقه انتهى والتنصيص على تقاربهم في
العلم يرد عليه فالجمع الذي قدمناه أولى والله أعلم وفي الحديث أيضا فضل الهجرة والرحلة في
طلب العلم وفضل التعليم وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة والاهتمام بأحوال الصلاة
وغيرها من أمور الدين وأجازة خبر الواحد وقيام الحجة به وتقدم الكلام على بقية فوائده في باب
من قال يؤذن في السفر مؤذن واحد ويأتي الكلام على قوله صلوا كما رأيتموني أصلى في باب
إجازة خبر الواحد إن شاء الله تعالى (قوله باب إذا زار الإمام قوما فأمهم) قيل
أشار بهذه الترجمة إلى أن حديث مالك بن الحويرث الذي أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه
مرفوعا من زار قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم أمرهم على من عدا الإمام الأعظم وقال
الزين بن المنير مراده أن الإمام الأعظم ومن يجري مجراه إذا حضر بمكان مملوك لا يتقدم عليه
مالك الدار أو المنفعة ولكن ينبغي للمالك أن يأذن له ليجمع بين الحقين حق الإمام في التقدم وحق
المالك في منع التصرف بغير إذنه انتهى ملخصا ويحتمل أنه أشار إلى ما في حديث أبي مسعود
المتقدم ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه فإن مالك الشئ سلطان عليه
والإمام الأعظم سلطان على المالك وقوله إلا بإذنه يحتمل عوده على الامرين الإمامة والجلوس
وبذلك جزم أحمد كما حكاه الترمذي عنه فتحصل بالإذن مراعاة الجانبين (قوله حدثنا معاذ بن
أسد) هو مروزي سكن البصرة وليس هو أخا لمعلى بن أسد أحد شيوخ البخاري أيضا كان
معاذ المذكور كاتبا لعبد الله بن المبارك وهو شيخه في هذا الإسناد وقد تقدم الكلام على حديث
عتبان مستوفى في باب المساجد التي في البيوت (قوله باب إنما جعل الإمام
ليؤتم به) هذه الترجمة قطعة من الحديث الآتي في الباب والمراد بها أن الائتمام يقتضى متابعة
المأموم لإمامه في أحوال الصلاة فتنتفى المقارنة والمسابقة والمخالفة إلا ما دل الدليل الشرعي
عليه ولهذا صدر المصنف الباب بقوله وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه
وهو جالس أي والناس خلفه قياما ولم يأمرهم بالجلوس كما سيأتي فدل على دخول التخصيص في
عموم قوله إنما جعل الإمام ليؤتم به (قوله وقال ابن مسعود الآخرة) وصله ابن أبي شيبة بإسناد
صحيح وسياقه أتم ولفظه لا تبادروا أئمتكم بالركوع ولا بالسجود وإذا رفع أحدكم رأسه والإمام
ساجد فليسجد ثم ليمكث قدر ما سبقه به الإمام انتهى وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم
إنما جعل الإمام ليؤتم به ومن قوله وما فاتكم فأتموا وروى عبد الرزاق عن عمر نحو قول
ابن مسعود ولفظه أيما رجل رفع رأسه قبل الإمام في ركوع أو سجود فليضع رأسه بقدر رفعه
إياه وإسناده صحيح قال الزين بن المنير إذا كان الرافع المذكور يؤمر عنده بقضاء القدر الذي
خرج فيه عن الإمام فأولى أن يتبعه في جملة السجود فلا يسجد حتى يسجد وظهرت بهذا مناسبة
هذا الأثر للترجمة (قوله وقال الحسن الآخرة) فيه فرعان أما الفرع الأول فوصله ابن المنذر في
كتابه الكبير ورواه سعيد بن منصور عن هشيم عن يونس عن الحسن ولفظه في الرجل يركع
يوم الجمعة فيزحمه الناس فلا يقدر على السجود قال فإذا فرغوا من صلاتهم سجد سجدتين
144

لركعته الأولى ثم يقوم فيصلى ركعة وسجدتين ومقتضاه أن الإمام لا يتحمل الأركان فمن لم يقدر
على السجود معه لم تصح له الركعة ومناسبته للترجمة من جهة أن المأموم لو كان له أن ينفرد عن
الإمام لم يستمر متابعا في صلاته التي اختل بعض أركانها حتى يحتاج إلى تداركه بعد الإمام
وأما الفرع الثاني فوصله ابن أبي شيبة وسياقه أتم ولفظه في رجل نسي سجدة من أول صلاته فلم
يذكرها حتى كان آخر ركعة من صلاته قال يسجد ثلاث سجدات فإن ذكرها قبل السلام يسجد
سجدة واحدة وإن ذكرها بعد انقضاء الصلاة يستأنف الصلاة وقد تقدم الكلام على حديث
عائشة الأول في باب حد المريض أن يشهد الجماعة وقد ذكرنا مناسبته للترجمة قبل وقوله فيه
ضعوني ماء كذا للمستملي والسرخسي بالنون وللباقين ضعوا لي وهو أوجه وكذلك أخرجه مسلم
عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه والأول كما قال الكرماني أمرهم على تضمين الوضع معنى
الإعطاء أو على نزع الخافض أي ضعوني في ماء والمخضب تقدم الكلام عليه في أبواب الوضوء
وأن الماء الذي اغتسل به كان من سبع قرب وذكرت حكمة ذلك هناك (قوله فذهب) في رواية
الكشميهني ثم ذهب لينوء بضم النون بعدها مدة أي لينهض بجهد (قوله فأغمى) عليه فيه
أن الإغماء جائز على الأنبياء لأنه شبيه بالنوم قال النووي جاز عليهم لأنه مرض من الأمراض
بخلاف الجنون فلم يجز عليهم لأنه نقص (قوله ينتظرون النبي عليه السلام لصلاة
العشاء) كذا للأكثر بلام التعليل وفي رواية المستملى والسرخسي لصلاة العشاء الآخرة
وتوجيهه أن الراوي كأنه فسر الصلاة المسؤول عنها في قوله صلى الله عليه وسلم أصلى الناس فذكره
أي الصلاة المسؤول عنها هي العشاء الآخرة (قوله فخرج بين رجلين) كذا للكشميهني وللباقين
وخرج بالواو (قوله لصلاة الظهر) هو صريح في أن الصلاة المذكورة كانت الظهر وزعم
بعضهم أنها الصبح واستدل بقوله في رواية أرقم بن شرحبيل عن بن عباس وأخذ رسول الله صلى
الله عليه وسلم القراءة من حيث بلغ أبو بكر هذا لفظ ابن ماجة وإسناده حسن لكن في
الاستدلال به نظر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم سمع لما قرب من أبي بكر الآية التي كان
انتهى إليها خاصة وقد كان هو صلى الله عليه وسلم يسمع الآية أحيانا في الصلاة السرية كما
سيأتي من حديث أبي قتادة ثم لو سلم لم يكن فيه دليل على أنها الصبح بل يحتمل أن تكون المغرب
فقد ثبت في الصحيحين عن أم الفضل بنت الحارث قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ
في المغرب بالمرسلات عرفا ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله وهذا لفظ البخاري وسيأتي في باب
الوفاة من آخر المغازي لكن وجدت بعد في النسائي أن هذه الصلاة التي ذكرتها أم الفضل كانت
في بيته وقد صرح الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بالنا س في مرض موته في المسجد إلا مرة
واحدة وهي هذه التي صلى فيها قاعدا وكان أبو بكر فيها أولا إماما ثم صار مأموما يسمع الناس
التكبير (قوله فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم) كذا للأكثر وللمستملي والسرخسي وهو يأتم من
الائتمام واستدل بهذا الحديث على أن استخلاف الإمام الراتب إذا اشتكى أولى من صلاته بهم
قاعدا لأنه صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ولم يصل بهم قاعدا غير مرة واحدة واستدل به على
صحة إمامة القاعد المعذور بمثله وبالقائم أيضا وخالف في ذلك مالك في المشهور عنه ومحمد بن
الحسن فيما حكاه الطحاوي ونقل عنه أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم واحتج بحديث
145

جابر عن الشعبي مرفوعا لا يؤمن أحد بعدي جالسا واعترضه الشافعي فقال قد علم من احتج
بهذا أن لا حجة فيه لأنه مرسل ومن رواية رجل يرغب أهل العلم عن الرواية عنه يعني جابرا
الجعفي وقال ابن بزيزة لو صح لم يكن فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون المراد منع الصلاة بالجالس أي
يعرب قوله جالسا مفعولا لا حالا وحكى عياض عن بعض مشايخهم أن الحديث المذكور
يدل على نسخ أمره المتقدم له بالجلوس لما صلوا خلفه قياما وتعقب بأن ذلك يحتاج لو صح إلى
تاريخ وهو لا يصح لكنه زعم أنه تقوى بان الخلفاء الراشدين لم يفعله أحد منهم قال والنسخ
لا يثبت بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن مواظبتهم على ترك ذلك تشهد لصحة الحديث
المذكور وتعقب بأن عدم النقل لا يدل على عدم الوقوع ثم لو سلم لا يلزم منه عدم الجواز لاحتمال
أن يكونوا اكتفوا باستخلاف القادر على القيام للاتفاق على أن صلاة القاعد بالقائم مرجوحة
بالنسبة إلى صلاة القائم بمثله وهذا كاف في بيان سبب تركهم الإمامة من قعود واحتج أيضا بأنه
صلى الله عليه وسلم إنما صلى بهم قاعدا لأنه لا يصح التقدم بين يديه لنهى الله عن ذلك ولأن الأئمة
شفعاء ولا يكون أحد شافعا له وتعقب بصلاته صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف
وهو ثابت بلا خلاف وصل أيضا أنه صلى خلف أبي بكر كما قدمناه والعجب أن عمدة مالك في منع
إمامة القاعد قول ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في تلك الصلاة مأموما خلف أبي بكر
وإنكاره أن يكون صلى الله عليه وسلم أم في مرض موته قاعدا كما حكاه عنه الشافعي في الأم
فكيف يدعي أصحابه عدم تصوير أنه صلى مأموما وكأن حديث إمامته المذكور لما كان في غاية
الصحة ولم يمكنهم رده سلكوا في الانتصار وجوها مختلف وقد تبين بصلاته خلف عبد الرحمن بن
عوف أن المراد بمنع التقدم بين يديه في غير الإمامة وأن المراد بكون الأئمة شفعاء أي في حق من
يحتاج إلى الشفاعة ثم لو سلم أنه لا يجوز أن يؤمه أحد لم يدل ذلك على منع إمامة القاعد وقد أم
قاعدا جماعة من الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم منهم أسيد بن حضير وجابر وقيس بن قهد وأنس
ابن مالك والأسانيد عنهم بذلك صحيحة أخرجها عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة
وغيرهم بل ادعى ابن حبان وغيره إجماع الصحابة على صحة إمامة القاعد كما سيأتي وقال أبو بكر بن
العربي لا جواب لأصحابنا عن حديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم يخلص عند السبك واتباع
السنة أولى والتخصيص لا يثبت بالاحتمال قال إلا أني سمعت بعض الأشياخ يقول الحال أحد
وجوه التخصيص وحال النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به وعدم العوض عنه يقتضى الصلاة
معه على أي حال كان عليها وليس ذلك لغيره وأيضا فنقص صلاة القاعد عن القائم لا
يتصور في حقه ويتصور في حق غيره والجواب عن الأول رده بعموم قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني
أصلى وعن الثاني بأن النقص إنما هو في حق القادر في النافلة وأما المعذور في الفريضة فلا نقص
في صلاته عن القائم واستدل به على نسخ الأمر بصلاة المأموم قاعدا إذا صلى الإمام قاعدا لكونه
صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على القيام خلفه وهو قاعد هكذا قرره الشافعي وكذا نقله
المصنف في آخر الباب عن شيخه الحميدي وهو تلميذ الشافعي وبذلك يقول أبو حنفية وأبو يوسف
والأوزاعي وحكاه الوليد بن مسلم عن مالك وأنكر أحمد نسخ الأمر المذكور بذلك وجمع بين
الحديثين بتنزيلهما على حالتين أحدهما إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعدا لمرض يرجى
146

برؤه فحينئذ يصلون خلفه قعودا ثانيتهما إذا ابتدأ الإمام الراتب قائما لزم المأمومين أن يصلوا
خلفه قياما سواء طرأ ما يقتضى صلاة إمامهم قاعدا أم ألا كما في الأحاديث التي في مرض موت
النبي صلى الله عليه وسلم فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة لأن
أبا بكر ابتدأ الصلاة بهم قائما وصلوا معه قياما بخلاف الحالة الأولى فإنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ
الصلاة جالسا فلما صلوا خلفه قياما أنكر عليهم ويقوى هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ لا سيما
وهو في هذه الحالة يستلزم دعوى النسخ مرتين لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي
قاعدا وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعدا فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي
وقوع النسخ مرتين وهو بعيد وأبعد منه ما تقدم عن نقل عياض فإنه يقتضى وقوع النسخ
ثلاث مرات وقد قال بقول أحمد جماعة من محدثي الشافعية كابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان
وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة أخرى منها قول ابن خزيمة إن الأحاديث التي وردت بأمر
المأموم أن يصلي قاعدا تبعا لإمامه لم يختلف في صحتها ولا في سياقها وأما صلاته صلى الله عليه
وسلم قاعدا فاختلف فيها هل كان إماما أو مأموما قال وما لم يختلف فيه لا ينبغي تركه لمختلف فيه
وأجيب بدفع الاختلاف والحمل على أنه كان إماما مرة ومأموما أخرى ومنها أن بعضهم جمع
بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز فعلى هذا
الأمر من أم قاعدا لعذر تخير من صلى خلفه بين القعود والقيام والقعود أولى لثبوت الأمر
بالائتمام والاتباع وكثرة الأحاديث الواردة في ذلك وأجاب ابن خزيمة عن استبعاد من استبعد
ذلك بان الأمر قد صدر من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك واستمر عليه عمل الصحابة في حياته
وبعده فروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن قيس بن قهد بفتح القاف وسكون الهاء الأنصاري
أن إماما لهم اشتكى لهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكان يؤمنا وهو جالس ونحن
جلوس وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن أسيد بن حضير أنه كان يؤم قومه فاشتكى
فخرج إليهم بعد شكواه فأمروه أن يصلي بهم فقال إني لا أستطيع أن أصلى قائما فاقعدوا فصلى
بهم قاعدا وهم قعود وروى أبو داود من وجه آخر عن أسيد بن حضير أنه قال يا رسول الله إن
إمامنا مريض قال إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا وفي إسناده انقطاع وروى ابن أبي شيبة
بإسناد صحيح عن جابر أنه اشتكى فحضرت الصلاة فصلى بهم جالسا وصلوا معه جلوسا وعن أبي
هريرة أنه أفتى بذلك وإسناده صحيح أيضا وقد ألزم ابن المنذر من قال بأن الصحابي أعلم بتأويل
ما روى بان يقول بذلك لأن أبا هريرة وجابرا رويا الأمر المذكور واستمر على العمل به والفتيا
بعد النبي صلى الله عليه وسلم ويلزم ذلك من قال إن الصحابي إذا روى وعمل بخلافة أن العبرة بما
عمل من باب الأولى لأنه هنا عمل بوفق ما روى وقد ادعى ابن حبان الإجماع على العمل به وكأنه
أراد السكوتي لأنه حكاه عن أربعة من الصحابة الذين تقدم ذكرهم وقال إنه لا يحفظ عن أحد من
الصحابة غيرهم القول بخلافه لا عن طريق صحيح ولا ضعيف وكذا قال ابن حزم إنه لا يحفظ عن
أحد من الصحابة خلاف ذلك ثم نازع فثبوت كون الصحابة صلوا خلفه صلى الله عليه وسلم وهو
قاعد قياما غير أبي بكر قال لأن ذلك لم يرد صريحا وأطال في ذلك بما لا طائل فيه والذي ادعى نفيه
قد أثبته الشافعي وقال إنه في رواية إبراهيم عن الأسود عن عائشة ثم وجدته مصرحا به أيضا في
147

مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عطاء فذكر الحديث ولفظه فصلى النبي صلى الله عليه
وسلم قاعدا وجعل أبو بكر وراءه بينه وبين الناس وصلى الناس وراءه قياما وهذا مرسل
يعتضد بالرواية التي علقها الشافعي عن النخعي وهذا هو الذي يقتضيه النظر فإنهم ابتدؤا الصلاة
مع أبي بكر قياما بلا نزاع فمن ادعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان ثم رأيت ابن حبان استدل
على أنهم قعدوا بعد أن كانوا قياما بما رواه من طريق أبي الزبير عن جابر قال اشتكى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره قال فالتفت إلينا
فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدتا فلما سلم قال إن كدتم لتفعلون فعل فارس والروم فلا تفعلوا الحديث
وهو حديث صحيح أخرجه مسلم لكن ذلك لم يكن في مرض موته وإنما كان ذلك حيث سقط عن
الفرس كما في رواية أبي سفيان عن جابر أيضا قال ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا بالمدينة
فصرعه على جذع نخلة فانفكت قدمه الحديث أخرجه أبو داود وابن خزيمة بإسناد صحيح فلا
حجة على هذا لما ادعاه إلا أنه تمسك بقوله في رواية أبي الزبير وأبو بكر يسمع الناس التكبير
وقال إن ذلك لم يكن إلا في مرض موته لأن صلاته في مرضه الأول كانت في مشربة عائشة ومعه
نفر من أصحابه لا يحتاجون إلى من يسمعهم تكبيره بخلاف صلاته في مرض موته فإنها كانت
في المسجد بجمع كثير من الصحابة فاحتاج أبو بكر أن يسمعهم التكبير انتهى ولا راحة له فيما
تمسك به لأن إسماع التكبير في هذا لم يتابع أبا الزبير عليه أحد وعلى تقدير أنه حفظه فلا مانع
أن يسمعهم أبو بكر التكبير في تلك الحالة لأنه يحمل على أن صوته صلى الله عليه وسلم كان
خفيا من الوجع وكان من عادته أن يجهر بالتكبير فكان أبو بكر يجهر عنه بالتكبير
لذلك ووراء ذلك كله أنه أمر محتمل يترك لأجله الخبر الصريح بأنهم صلوا قياما كما تقدم
في مرسل عطاء وغيره بل في مرسل عطاء أنهم استمروا قياما إلى أن انقضت الصلاة نعم
وقع في مرسل عطاء المذكور متصلا به بعد قوله وصلى الناس وراءه قياما فقال النبي صلى الله
عليه وسلم لو استقبلت من آمري ما استدبرت ما صليتم إلا قعودا فصلوا صلاة إمامكم ما كان
إن صلى قائما فصلوا قياما وان صلى قاعدا فصلوا قعودا وهذه الزيادة تقوى ما قال ابن حبا أن
هذه القصة كانت في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم ويستفاد منها نسخ الأمر
بوجوب صلاة المأمومين قعودا إذا صلى إمامهم قاعدا لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم
في هذه المرة الأخيرة بالإعادة لكن إذا نسخ الوجوب يبقى الجواز والجواز لا ينافي الاستحباب
فيحمل أمره الأخير بأن يصلوا قعودا على الاستحباب لأن الوجوب قد رفع بتقريره لهم
وترك أمرهم بالإعادة هذا مقتضى الجمع بين الأدلة وبالله التوفيق والله أعلم وقد تقدم
الكلام على باقي فوائد هذا الحديث في باب حد المريض أن يشهد الجماعة (قوله في بيته) أي في
المشربة التي في حجرة عائشة كما بينه أبو سفيان عن جابر وهو دال على أن تلك الصلاة لم تكن في
المسجد وكأنه صلى الله عليه وسلم عجز عن الصلاة بالناس في المسجد فكان يصلي في بيته بمن حضر
لكنه لم ينقل أنه استخلف ومن ثم قال عياض أن الظاهر أنه صلى في حجرة عائشة وائتم به من حضر
عنده ومن كان في المسجد وهذا الذي قاله محتمل أيضا أن يكون استخلف وان لم ينقل
ويلزم على الأول صلاة الإمام أعلى من المأمومين ومذهب عياض خلافه لكن له أن يقول
148

محل المنع ما إذا لم يكن مع الإمام في مكانه العالي أحد وهنا كان معه بعض (أصحابه قوله وهو
شاك) بتخفيف الكاف بوزن قاض من الشكاية وهي المرض وكان سبب ذلك ما في حديث
أنس المذكور بعده أنه سقط عن فرس (قوله فصلى جالسا) قال عياض يحتمل أن يكون أصابه
من السقطة رض في الأعضاء منعه من القيام (قلت) وليس كذلك وإنما كانت قدمه صلى الله
عليه وسلم انفكت كما في رواية بشر بن المفضل عن حميد عن أنس عند الإسماعيلي وكذا لأبي
داود وابن خزيمة من رواية أبي سفيان عن جابر كما قدمناه وأما قوله في رواية الزهري عن أنس بن
مالك جحش شقه الأيمن وفي رواية يزيد عن حميد عن أنس جحش ساقه أو كتفه كما تقدم في باب
الصلاة على السطوح فلا ينافي ذلك كون قدمه انفكت لاحتمال وقوع الامرين وقد تقدم
تفسير الجحش بأنه الخدش والخدش قشر الجلد ووقع عند المصنف في باب يهوى بالتكبير من رواية
سفيان عن الزهري عن أنس قال سفيان حفظت من الزهري شقه الأيمن فلما خرجنا قال ابن
جريج ساقه الأيمن (قلت) ورواية ابن جريج أخرجها عبد الرزاق عنه وليست مصحفة كما زعم
بعضهم لموافقة رواية حميد المذكورة لها وإنما هي مفسرة لمحل الخدش من الشق الأيمن لأن
الخدش لم يستوعبه وحاصل ما في القصة أن عائشة أبهمت الشكوى وبين جابر وأنس السبب
وهو السقوط عن الفرس وعين جابر العلة في الصلاة قاعدا وهي انفكاك القدم وأفاد ابن
حبان أن هذه القصة كانت في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة (قوله وصلى وراءه قوم قياما)
ولمسلم من رواية عبدة عن هشام فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه الحديث وقد سمي منهم
في الأحاديث أنس كما في الحديث الذي بعده عند الإسماعيلي وجابر كما تقدم وأبو بكر كما في حديث
جابر وعمر كما في رواية الحسن مرسلا عند عبد الرزاق (قوله فأشار إليهم) كذا للأكثر هنا من
الإشارة وكذا لجميعهم في الطب من رواية يحيى القطان عن هشام ووقع هنا للحموي فأشار
عليهم من المشورة والأول أصح فقد رواه أيوب عن هشام بلفظ فأومأ إليهم ورواه عبد الرزاق
عن معمر عن هشام بلفظ فاخلف بيده يومئ بها إليهم وفي مرسل الحسن ولم يبلغ بها الغاية
(قوله إنما جعل الإمام ليؤتم به) قال البيضاوي وغيره الائتمام الاقتداء والاتباع أي جعل
الإمام إماما ليقتدي به ويتبع ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه ولا يتقدم عليه
في موقفه بل يراقب أحواله ويأتي على أثره بنحو فعله ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شئ من
الأحوال وقال النووي وغيره متابعة الإمام واجبة في الأفعال الظاهرة وقد نبه عليها في
الحديث فذكر الركوع وغيره بخلاف النية فإنها لم تذكر وقد خرجت بدليل آخر وكأنه يعني قصة
معاذ الآتية ويمكن أن يستدل من هذا الحديث على عدم دخولها لأنه يقتضى الحصر في
الاقتداء به في أفعاله لافى جميع أحواله كما لو كان محدثا أو حامل نجاسة فالصلاة خلفه تصح
لمن لم يعلم حاله على الصحيح عند العلماء ثم مع وجوب المتابعة ليس شئ منها شرطا في صحة القدوة الا
تكبيرة الإحرام واختلف في الائتمام والمشهور عند المالكية اشتراطه مع الإحرام والقيام
من التشهد الأول وخالف الحنفية فقالوا تكفى المقارنة قالوا لأن معنى الائتمام الامتثال ومن
فعل مثل فعل أمامه عد ممتثلا وسيأتي بعد باب الدليل على تحريم التقدم على الإمام في الأركان
(قوله فإذا ركع فاركعوا) قال بن المنير مقتضاه أن ركوع المأموم يكون بعد ركوع الإمام
149

إما بعد تمام انحنائه وأما أن يسبقه الإمام بأوله فيشرع فيه بعد أن يشرع قال وحديث أنس
أتم من حديث عائشة لأنه زاد فيه المتابعة في القول أيضا (قلت) قد وقعت الزيادة المذكورة
وهي قوله وإذا قال سمع الله لمن حمده في حديث عائشة أيضا ووقع في رواية الليث عن الزهري عن
أنس زيادة أخرى في الأقوال وهي قوله في أوله فإذا كبر فكبروا وسيأتي في باب إيجاب التكبير
وكذا فيه من رواية الأعرج عن أبي هريرة وزاد في رواية عبدة عن هشام في الطب وإذا رفع
فارفعوا وإذا سجد فاسجدوا وهو يتناول الرفع من الركوع والرفع من السجود وجميع السجدات
وكذا وردت زيادة ذلك في حديث أنس الذي في الباب وقد وافق عائشة وأنسا وجابرا على رواية
هذا الحديث دون القصة التي في أوله أبو هريرة وله طرق عنه عند مسلم منها ما اتفق عليه الشيخان
من رواية همام عنه كما سيأتي في باب إقامة الصف وفيه جميع ما ذكر في حديث عائشة وحديث أنس
بالزيادة وزاد أيضا بعد قوله ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ولم يذكرها المصنف في رواية أبي الزناد عن
الأعرج عنه من طريق شعيب عن أبي الزناد في باب إيجاب التكبير لكن ذكرها السراج والطبراني
في الأوسط وأبو نعيم في المستخرج عنه من طريق أبي اليمان شيخ البخاري فيه وأبو عوانة (2) من
رواية بشر بن شعيب عن أبيه شيخ أبي اليمان ومسلم من رواية مغيرة بن عبد الرحمن والإسماعيلي
من رواية مالك وورقاء كلهم عن أبي الزناد شيخ شعيب وأفادت هذه الزيادة أن الأمر بالاتباع
يعم جميع المأمومين ولا يكفي في تحصيل الائتمام أتباع بعض دون بعض ولمسلم من رواية الأعمش
عن أبي صالح عنه لا تبادروا الإمام إذا كبر فكبروا الحديث زاد أبو داود من رواية مصعب بن محمد
عن أبي صالح ولا تركعوا حتى يركع ولا تسجدوا حتى يسجد وهي زيادة حسنة تنفى احتمال إرادة
المقارنة مقوله إذا كبر فكبروا * (فائدة) * جزم ابن بطال ومن تبعه حتى ابن دقيق العيد أن الفاء
في قوله فكبروا للتعقيب قالوا ومقتضاه الأمر بأن أفعال المأموم أنكر عقب فعل الإمام لكن
تعقب بان الفاء التي للتعقيب هي العاطفة وأما التي هنا فهي للربط فقط لأنها وقعت جوابا للشرط
فعلى هذا لا تقتضي تأخر أفعال المأموم عن الإمام إلا على القول بتقدم الشرط على الجزاء وقد
قال قوم إن الجزاء يكون مع الشرط فعلى هذا لا تنتفى المقارنة لكن رواية أبي داود هذه صريحة
في انتفاء التقدم والمقارنة والله أعلم (قوله فقولوا ربنا ولك الحمد) كذا لجميع الرواة في حديث
عائشة بإثبات الواو وكذا لهم في حديث أبي هريرة وأنس إلا في رواية الليث عن الزهري في باب
إيجاب التكبير فللكشميهني بحذف الواو ورجح اثبات الواو بأن فيها معنى زائدا لكونها عاطفة
على محذوف تقديره ربنا استجب أو ربنا أطعناك ولك الحمد فيشتمل على الدعاء والثناء معا ورجح
قوم حذفها لأن الأصل عدم التقدير فتكون عاطفة على كلام غير تام والأول أوجه كما قال ابن
دقيق العيد وقال النووي ثبتت الرواية بإثبات الواو وحذفها والوجهان جائزان بغير ترجيح
وسيأتي في أبواب صفة الصلاة الكلام على زيادة اللهم قبلها ونقل عياض عن القاضي
عبد الوهاب أنه استدل به على أن الإمام يقتصر على قوله سمع الله لمن حمده وأن المأموم يقتصر
على قوله ربنا ولك الحمد وليس في السياق ما يقتضى المنع من ذلك لأن السكوت عن الشئ
لا يقتضى ترك فعله نعم مقتضاه أن المأموم يقول ربنا لك الحمد عقب قول الإمام سمع الله لمن
حمده فأما منع الإمام من قول ربنا ولك الحمد فليس بشئ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم
150

كان يجمع بينهما كما سيأتي في باب ما يقول عند رفع رأسه من الركوع ويأتي باقي الكلام عليه
هناك (قوله عن أنس) في رواية شعيب عن الزهري أخبرني أنس (قوله فصلى صلاة من الصلوات)
في رواية سفيا عن الزهري فحضرت الصلاة وكذا في رواية حميد عن أنس عند الإسماعيلي قال
القرطبي اللام للعهد ظاهرا والمراد الفرض لأنها التي عرف من عادتهم أنهم يجتمعون لها بخلاف
النافلة وحكى عياض عن ابن القاسم أنها كانت نفلا وتعقب بأن في رواية جابر عند ابن خزيمة
وأبي داود الجزم بأنها فرض كما سيأتي لكن لم أقف على تعيينها إلا أن في حديث أنس فصلى بنا يومئذ
فكأنها نهارية الظهر أو العصر (قوله فصلينا وراءه قعودا) ظاهره يخالف حديث عائشة
والجمع بينهما أن في رواية أنس هذه اختصارا وكأنه اقتصر على ما آل إليه الحال بعد أمره لهم
بالجلوس وقد تقدم في باب الصلاة في السطوح من رواية حميد عن أنس بلفظ فصلى بهم جالسا
وهم قيام فلما سلم قال إنما جعل الإمام وفيها أيضا اختصار لأنه لم يذكر فيه قوله لهم اجلسوا والجمع
بينهما أنهم ابتدؤا الصلاة قياما فأومأ إليهم بان يقعدوا فقعدوا فنقل كل من الزهري وحميد أحد
الأمرين وجمعتهما عائشة وكذا جمعهما جابر عند مسلم وجمع القرطبي بين الحديثين باحتمال
أن يكون بعضهم قعد من أول الحال وهو الذي حكاه أنس وبعضهم قام حتى أشار إليه بالجلوس
وهذا الذي حكته عائشة وتعقب باستبعاد قعود بعضهم بغير إذنه صلى الله عليه وسلم لأنه يستلزم
النسخ بالاجتهاد لأن فرض القادر في الأصل القيام وجمع آخرون بينهما باحتمال تعدد الواقعة
وفيه بعد لأن حديث أنس إن كانت القصة فيه سابقة لزم منه ما ذكرنا من النسخ بالاجتهاد وإن
كانت متأخرة لم يحتج إلى إعادة قول إنما جعل الإمام ليؤتم به الخ لأنهم قد امتثلوا أمره
السابق وصلوا قعودا لكونه قاعدا * (فائدة) * وقع في رواية جابر عند أبي داود أنهم دخلوا
يعودونه مرتين فصلى بهم فيهما لكن بين أن الأولى كانت نافلة وأقرهم على القيام وهو جالس
والثانية كانت فريضة وابتدأوا قياما فأشار إليهم بالجلوس وفي رواية بشر عن حميد عن أنس عند
الإسماعيلي نحوه (قوله وإذا صلى جالسا) استدل به على صحة إمامة الجالس كما تقدم وادعى
بعضهم أن المراد بالأمر أن يقتدى به في جلوسه في التشهد وبين السجدتين لأنه ذكر ذلك عقب
ذكر الركوع والرفع منه والسجود قال فيحمل على أنه لما جلس للتشهد قاموا تعظيما له فأمرهم
بالجلوس تواضعا وقد نبه على ذلك بقوله في حديث جابر ان كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم
يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا وتعقبه ابن دقيق العيد وغيره بالاستبعاد وبأن سياق
طرق الحديث تأباه وبأنه لو كان المراد الأمر بالجلوس في الركن لقال وإذا جلس فاجلسوا
ليناسب قوله وإذا سجد فاسجدوا فلما عدل عن ذلك إلى قوله وإذا صلى جالسا كان كقوله وإذا
صلى قائما فالمراد بذلك جميع الصلاة ويؤيد ذلك قول أنس فصلينا وراءه قعودا (قوله أجمعون)
كذا في جميع الطرق في الصحيحين بالواو إلا أن الرواة اختلفوا في رواية همام عن أبي هريرة كما
سيأتي في باب إقامة الصف فقال بعضهم أجمعين بالياء والأول تأكيد لضمير الفاعل في قوله
صلوا وأخطأ من ضعفه فإن المعنى عليه والثاني نصب على الحال أي جلوسا مجتمعين أو على
التأكيد لضمير مقدر منصوب كأنه قال أعنيكم أجمعين وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم
مشروعية ركوب الخيل والتدرب على أخلاقها والتأسي لمن يحصل له سقوط ونحوه بما اتفق
151

النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة وبه الأسوة الحسنة وفيه أنه يجوز عليه صلى الله عليه
وسلم ما يجوز على البشر من الأسقام ونحوها من غير نقص في مقداره بذلك بل ليزداد قدره رفعة
ومنصبه جلالة (قوله باب متى يسجد من خلف الإمام) أي إذا اعتدل أو جلس
بين السجدتين (قوله وقال أنس) هو طرف من حديثه الماضي في الباب قبله لكن في بعض
طرقه دون بعض وسيأتي في باب إيجاب التكبير من رواية الليث عن الزهري بلفظه ومناسبته
لحديث الباب مما قدمناه أنه يقتضى تقديم ما يسمى ركوعا من الإمام بناء على تقدم الشرط على
الجزاء وحديث الباب يفسره (قوله عن سفيان) هو الثوري وأبو إسحق هو السبيعي وعبد
الله بن يزيد هو الخطمي كذا وقع منسوبا عند الإسماعيلي في رواية لشعبة عن أبي إسحق وهو
منسوب إلى خطمة بفتح المعجمة واسكان الطاء بطن من الأوس وكان عبد الله المذكور أميرا على
الكوفة في زمن بن الزبير ووقع للمصنف في باب رفع البصر في الصلاة أن أبا إسحق قال سمعت
عبد الله بن يزيد يخطب وأبو إسحق معروف بالرواية عن البراء بن عازب لكنه سمع هذا عنه
بواسطة وفيه لطيفة وهي رواية صحابي ابن صحابي عن صحابي ابن صحابي كلاهما من الأنصار ثم من
الأوس وكلاهما سكن الكوفة (قوله وهو غير كذوب) الظاهر أنه من كلام عبد الله بن يزيد وعلى
ذلك جرى القدرة في جمعه المنكر العمدة لكن روى عباش الدوري في تاريخه عن يحيى بن
معين أنه قال قوله هو غير كذوب إنما يريد عبد الله بن يزيد الراوي عن البراء لا البراء ولا يقال لرجل
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كذوب يعني أن هذه العبارة إنما تحسن في
مشكوك في عدالته والصحابة كلهم عدول لا يحتاجون إلى تزكية وقد تعقبه الخطابي فقال
هذا القول لا يوجب تهمة في الراوي إنما يوجب حقيقة الصدق له قال وهذه عادتهم إذا أرادوا
تأكيد العلم بالراوي والعمل بما روى كان أبو هريرة يقول سمعت خليلي الصادق المصدوق
وقال ابن مسعود حدثني الصادق المصدوق وقال عياض وتبعه النووي لا وصم في هذا على
الصحابة لأنه لم يرد به التعديل وإنما أراد به تقوية الحديث إذ حدث به البراء وهو غير متهم ومثل
هذا قول أبي مسلم الخولاني حدثني الحبيب الأمين وقد قال ابن مسعود وأبو هريرة فذكرهما
قال وهذا قالوه تنبيها على صحة الحديث لا أن قائله قصد به تعديل رواية وأيضا فتنزيه ابن معين
للبراء عن التعديل لأجل صحبته ولم ينزه عن ذلك عبد الله بن يزيد لا وجه له فإن عبد الله بن يزيد
معدود في الصحابة انتهى كلامه وقد علمت أنه أخذ كلام الخطابي فبسطه واستدرك عليه الإلزام
الأخير وليس بوارد لأن يحيى بن معين لا يثبت صحبة عبد الله بن يزيد وقد نفاها أيضا مصعب
الزبيري وتوقف فيها أحمد بن حنبل وأبو حاتم وأبو داود وأثبتها ابن البرقي والدارقطني وآخرون
وقال النووي معنى الكلام حدثني البراء وهو غير متهم كما علمتم فثقوا بما أخبركم به عنه وقد
اعترض بعض المتأخرين على التنظير المذكور فقال كأنه لم يلم بشئ من علم البيان للفرق الواضح
بين قولنا فلان صدوق وفلان غير كذوب لأن في الأول إثبات الصفة للموصوف وفي الثاني نفى
ضدها عنه فهما مفترقان قال والسر فيه أن نفى الضد كأنه يقع جوابا لمن أثبته بخالف إثبات
الصفة انتهى والذي يظهر لي أن الفرق بينهما أنه يقع في الاثبات بالمطابقة وفي النفي بالالتزام لكن
التنظير صحيح بالنسبة إلى المعنى المراد باللفظين لأن كلا منهما يرد عليه تزكية في حق مقطوع أنه
152

بتزكيته فيكون من تحصيل الحاصل ويحصل الانفصال عن ذلك بما تقدم من أن المراد بكل
منهما تفخيم الأمر وتقويته في نفس السامع وذكر ابن دقيق العيد أن بعضهم استدل على أنه
كلام عبد الله بن يزيد بقول أبي إسحق في بعض طرقه سمعت عبد الله بن يزيد وهو يخطب
يقول حدثنا البراء وكان غير كذوب قال وهو محتمل أيضا (قلت) لكنه أبعد من الأول وقد
وجدت الحديث من غير طريق أبي إسحق عن عبد الله بن يزيد وفيه قوله أيضا حدثنا البراء وهو
غير كذوب أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق محارب بن دثار قال سمعت عبد الله بن يزيد على
المنبر يقول فذكره وأصله في مسلم لكن ليس فيه قوله وكان غير كذوب وهذا يقوي أن الكلام
لعبد الله بن يزيد والله أعلم * (فائدة) * روى الطبراني في مسند عبد الله بن يزيد هذا شيئا يدل على
سبب روايته لهذا الحديث فإنه أخرج من طريقه أنه كان يصلي بالناس بالكوفة فكان الناس
يضعون رؤوسهم قبل أن يضع رأسه ويرفعون قبل أن يرفع رأسه فذكر الحديث في إنكاره عليهم
(قوله إذا قال سمع الله لمن حمده) في رواية شعبة إذا رفع رأسه من الركوع ولمسلم من رواية
محارب بن دثار فإذا رفع رأسه من الركوع فقال سمع الله لمن حمده لم نزل قياما (قوله لم يحن)
بفتح التحتانية وسكون المهملة أي لم يثن يقال حنيت العود إذا ثنيته وفي رواية لمسلم لا يحنو
وهي لغة صحيحة يقال حنيت وحنوت بمعنى (قوله حتى يقع ساجدا) في رواية إسرائيل عن
أبي إسحق حتى يضع جبهته على الأرض وسيأتي في باب سجود السهو ونحوه لمسلم من رواية زهير
عن أبي إسحق ولأحمد عن غندر عن شعبة حتى يسجد ثم يسجدون واستدل به ابن الجوزي على
أن المأموم لا يشرع في الركن حتى يتمه الإمام وتعقب بأنه ليس فيه إلا التأخر حتى يتلبس الإمام
بالركن الذي ينتقل إليه بحيث يشرع المأموم بعد شروعه وقبل الفراغ منه ووقع في حديث
عمرو بن حريث عند مسلم فكان لا يحنى أحد منا ظهره حتى يستتم ساجدا ولأبي يعلى من حديث
أنس حتى يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود وهو أوضح في انتفاء المقارنة واستدل
به على المريض الطمأنينة وفيه نظر وعلى جواز النظر إلى الإمام لاتباعه في انتقالاته (قوله
حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان نحوه) هكذا في رواية المستملى وكريمة وسقط للباقين وقد أخرجه
أبو عوانة عن الصغاني وغيره عن أبي نعيم ولفظه كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم لم
يحن أحد منا ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته (قوله باب إثم من
رفع رأسه قبل الإمام) أي من السجود كما سيأتي بيانه (قوله عن محمد بن زياد هو الجمحي مدني
سكن البصرة وله في البخاري أحاديث عن أبي هريرة وفي التابعين أيضا محمد بن زياد الألهاني
الحمصي وله عنده حديث واحد عن أبي أمامة في المزارعة (قوله أما يخشى أحدكم) في رواية
الكشميهني أو لا يخشى ولأبي داود عن حفص بن عمر عن شبعة أما يخشى أو ألا يخشى بالشك
وأما بتخفيف الميم حرف استفتاح مثل ألا وأصلها النافية دخلت عليها همزة الاستفهام وهو هنا
استفهام توبيخ (قوله إذا رفع رأسه قبل الإمام) زاد ابن خزيمة من روية حماد بن زيد عن
محمد بن زياد في صلاته وفي رواية حفص بن عمر المذكورة الذي يرفع رأسه والإمام ساجد فتبين
أن المراد الرفع من السجود ففيه تعقب على من قال أن الحديث نص في المنع من تقدم المأموم
على الإمام في الرفع من الركوع والسجود معا وإنما هو نص في السجود ويلتحق به الركوع
153

لكونه في معناه ويمكن أن يفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية لأن العبد أقرب ما يكون فيه
من ربه لأنه غاية الخضوع المطلوب منه فلذلك خص بالتنصيص عليه ويحتمل أن يكون من باب
الاكتفاء وهو ذكر أحد الشيئين المشتركين في الحكم إذا كان للمذكور مزية وأما التقدم على
الإمام في الخفض في الركوع والسجود فقيل يلتحق به من باب الأولى لأن الاعتدال والجلوس بين
السجدتين من الوسائل والركوع والسجود من المقاصد وإذا دل الدليل على وجوب الموافقة فيما
هو وسيلة فأولى أن يجب فيما هو مقصد ويمكن أن يقال ليس هذا بواضح لأن الرفع من الركوع
والسجود يستلزم قطعه عن غاية كماله ودخول النقص في المقاصد أشد من دخوله في الوسائل
وقد ورد الزجر عن الخفض والرفع قبل الإمام في حديث آخر أخرجه البزار من رواية مليح بن
عبد الله السعدي عن أبي هريرة مرفوعا الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان
وأخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه موقوفا وهو المحفوظ (قوله أو يجعل الله صورته صورة
حمار) الشك من شعبة فقد رواه الطيالسي عن حماد بن سلمة وابن خزيمة من رواية حماد بن زيد
ومسلم من رواية يونس بن عبيد والربيع بن مسلم كلهم عن محمد بن زياد بغير تردد فأما الحمادان
فقالا رأس وأما يونس فقال صورة وأما الربيع فقال وجه والظاهر أنه من تصرف الرواة قال
عياض هذه الروايات متفقة لأن الوجه في الرأس ومعظم الصورة فيه (قلت) لفظ الصورة يطلق
على الوجه أيضا وأما الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل فهي المعتمدة وخص وقوع الوعيد عليها
لأن بها وقعت الجناية وهي أشمل وظاهر الحديث يقتضى تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد
عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات وبذلك جزم النووي في شرح المهذب ومع القول بالتحريم
فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئ صلاته وعن ابن عمر تبطل وبه قال أحمد في رواية وأهل الظاهر
بناء على أن النهى يقتضى الفساد وفي المغني عن أحمد أنه قال في رسالته ليس لمن سبق الإمام
صلاة لهذا الحديث قال ولو كانت له صلاة لرجى له الثواب ولم يخش عليه العقاب واختلف في
معنى الوعيد المذكور فقيل يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي فإن الحمار موصوف بالبلادة
فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام ويرجح هذا المجازى أن
التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين لكن ليس في الحديث ما يدل على أن ذلك يقع ولا بد وإنما يدل
على كون فاعله متعرضا لذلك وكون فعله ممكنا لأن يقع عنه ذلك الوعيد ولا يلزم من التعرض
للشئ وقوع ذلك الشئ قاله ابن دقيق العيد وقال ابن بزيزة يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو
تحويل الهيئة الحسية أو المعنوية أو هما معا وحمله آخرون على ظاهره إذ لا مانع من جواز وقوع
ذلك وسيأتي في كتاب الأشربة الدليل على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة وهو حديث أبي مالك
الأشعري في المغازي فإن فيه ذكر الخسف وفي آخره ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة
وسيأتي مزيد لذلك في تفسير سورة الأنعام إن شاء الله تعالى ويقوى حمله على ظاهره أن في رواية
ابن حبان من وجه آخر عن محمد بن زياد أن يحول الله رأسه رأس كلب فهذا يبعد المجاز لانتفاء
المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار ومما يبعده أيضا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ
الدال على تغيير الهيئة الحاصلة ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلا فرأسه رأس حمار
وإنما قلت ذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله المذكور فلا
154

يحسن أن يقال له يخشى إذا فعلت ذلك أن تصير بليدا مع أن فعله المذكور إنما نشأ عن البلادة
وقال ابن الجوزي في الرواية التي عبر فيها بالصورة هذه اللفظة تمنع تأويل من قال المراد رأس حمار
في البلادة ولم يبين وجه المنع وفي حديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته وبيانه لهم
الأحكام وما يترتب عليها من النصارى والعقاب واستدل به على جواز المقارنة ولا دلالة فيه لأنه
دل بمنطوقه على منع المسابقة وبمفهومه على طلب المتابعة
وأما المقارنة فمسكوت عنها وقال
ابن بزيزة استدل بظاهره قوم لا يعقلون على جواز التناسخ (قلت) وهو مذهب ردئ مبنى على
دعاوى بغير برهان والذي استدل بذلك منهم إنما استدل بأصل النسخ لا بخصوص هذا الحديث
* (لطيفة) * قال صاحب القبس ليس للتقدم قبل الإمام سبب إلا طلب الاستعجال ودواؤه أن
يستحضر أنه لا يسلم قبل الإمام فلا يستعجل في هذه الأفعال والله أعلم (قوله باب
إمامة العبد والمولى) أي العتيق قال الزين بن المنير لم يفصح بالجواز لكن لوح به لإيراده أدلته
(قوله وكانت عائشة الخ) وصله أبو داود في كتاب المصاحف من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة أن
عائشة كان يؤمها غلامها ذكوان في المصحف ووصله ابن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن هشام
ابن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة عن عائشة أنها أعتقت غلاما لها عن دبر فكان يؤمها في
رمضان في المصحف ووصله الشافعي وعبد الرزاق من طريق أخرى عن ابن أبي مليكة أنه كان
يأتي عائشة بأعلى الوادي هو وأبوه وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير فيؤمهم أبو عمرو
مولى عائشة وهو يومئذ غلام لم يعتق وأبو عمرو المذكور هو ذكوان وإلى صحة إمامة العبد ذهب
الجمهور وخالف مالك فقال لا يؤم الأحرار إلا إن كان قارئا وهم لا يقرأون فيؤمهم إلا في الجمعة
لأنها لا تجب عليه وخالفه أشهب واحتج بأنها تجزئه إذا حضرها (قوله في المصحف) استدل به
على جواز قراءة المصلي من المصحف ومنع منه آخرون لكونه وأشار كثيرا في الصلاة (قوله وولد
البغي) بفتح الموحدة وكسر المعجمة والتشديد أي الزانية ونقل ابن التين أنه رواه بفتح الموحدة
وسكون المعجمة والتخفيف والأول أولى وهو معطوف على قوله والمولى لكن فصل بين المتعاطفين
بأثر عائشة وغفل القرطبي في مختصر البخاري فجعله من بقية الأثر المذكور وإلى صحة إمامة ولد
الزنا ذهب الجمهور أيضا وكان مالك يكره أن يتخذ إماما راتبا وعلته عنده أنه يعير معرضا لكلام
الناس فيأثمون بسببه وقيل لأنه ليس في الغالب من يفقهه فيغلب عليه الجهل (قوله والأعرابي)
بفتح الهمزة أي ساكن البادية وإلى صحة إمامته ذهب الجمهور أيضا وخالف مالك وعلته عنده
غلبة الجهل على سكان البوادي وقيل لأنهم يديمون نقص السنن وترك حضور الجماعة غالبا (قوله
والغلام الذي لم يحتلم) ظاهره أنه أراد المراهق ويحتمل الأعم لكن يخرج منه من كان دون سن
التمييز بدليل آخر ولعل المصنف راعى اللفظ الوارد في النهى عن ذلك وهو فيما رواه عبد الرزاق
من حديث ابن عباس مرفوعا لا يؤم الغلام حتى يحتلم وإسناده ضعيف وقد أخرج المصنف
في غزوة الفتح حديث عمرو بن سلمة بكسر اللام أنه كان يؤم قومه وهو ابن سبع سنين وقيل إنما لم
يستدل به هنا لأن أحمد بن حنبل توقف فيه فقيل لأنه ليس فيه اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم
على ذ لك وقيل لاحتمال أن يكون أراد أنه كان يؤمهم في النافلة دون الفريضة وأجيب عن الأول
بان زمان نزول الوحي لا يقع فيه لأحد من الصحابة التقرير على ما لا يجوز فعله ولهذا استدل
155

أبو سعيد وجابر على جواز العزل بأنهم كانوا يعزلون والقرآن ينزل كما سيأتي في موضعه وأيضا فالوفد
الذين قدموا عمرو بن سلمة كانوا جماعة من الصحابة وقد نقل ابن حزم أنه لا يعلم لهم في ذلك مخالف
منهم وعن الثاني بان سياق رواية المصنف تدل على أنه كان يؤمهم في الفرائض لقوله فيه صلوا
صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة الحديث وفي رواية لأبي داود قال عمرو فما شهدت
مشهدا في حرم إلا كنت إمامهم وهذا يعم الفرائض والنوافل واحتج ابن حزم على عدم الصحة
بأنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يؤمهم أقرؤهم قال فعلى هذا إنما يؤم من يتوجه إليه الأمر
والصبي ليس بمأمور لأن القلم رفع عنه فلا يؤم كذا قال ولا يخفى فساده لأنا نقول المأمور من
يتوجه إليه الأمر من البالغين بأنهم يقدمون من اتصف بكونه أكثر قرآنا فبطل ما احتج به وإلى
صحة إمامة الصبي ذهب أيضا الحسن البصري والشافعي وإسحق وكرهها مالك والثوري وعن
أبي حنيفة وأحمد روايتان والمشهور عنهما الاجزاء في النوافل دون الفرائض (قوله لقول النبي
صلى الله عليه وسلم يؤمهم أقرؤهم لكتاب) الله أي فكل من اتصف بذلك جازت إمامته من
عبد وصبي وغيرهما وهذا طرف من حديث أبي مسعود الذي ذكرناه في باب أهل العلم أحق
بالإمامة وقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن بلفظ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله الحديث وفي
الحديث عمرو بن سلمة المذكور عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وليؤمكم أكثركم قرآنا وفي
حديث أبي سعيد عند مسلم أيضا إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم
واستدل بقوله أقرؤهم عن أن إمامة الكافر لا تصح لأنه لا قراءة له (قوله ولا يمنع العبد من
الجماعة) هذا من كلام المصنف وليس من الحديث المعلق (قوله بغير علة) أي بغير ضرورة لسيده
فلو قصد تفويت الفضيلة عليه بغير ضرورة لم يكن له ذلك وسنذكر مستنده في الكلام على قصة
سالم في أول حديثي الباب (قوله عن عبيد الله) هو العمري (قوله لما قدم المهاجرون الأولون)
أي من مكة إلى المدينة وبه صرح في رواية الطبراني (قوله العصبة) بالنصب على الظرفية لقوله
قدم كذا في جميع الروايات وفي رواية أبي داود نزلوا العصبة أي المكان المسمى بذلك وهو بإسكان
الصاد المهملة بعدها موحدة واختلف في أوله فقيل بالفتح وقيل بالضم ثم رأيت في النهاية ضبطه
بعضهم بفتح العين والصاد المهملتين قال أبو عبيد البكري لم يضبطه الأصيلي في روايته والمعروف
المعصب بوزن محمد بالتشديد وهو موضع بقباء (قوله وكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة) زاد في
الأحكام من رواية ابن جريج عن نافع وفيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة أي ابن عبد الأسد وزيد أي ابن
حارثة وعامر بن ربيعة واستشكل ذكر أبي بكر فيهم إذ في الحديث أن ذلك كان قبل مقدم النبي
صلى الله عليه وسلم وأبو بكر كان رفيقه ووجهه البيهقي باحتمال أن يكون سالم المذكور استمر على
الصلاة بهم فيصح ذكر أبي بكر ولا يخفى ما فيه ووجه الدلالة منه إجماع كبار الصحابة القرشيين على
تقديم سالم عليهم وكان سالم المذكور مولى امرأة من الأنصار فأعتقته وكأن إمامته بهم كانت قبل
أن يعتق وبذلك تظهر مناسبة قول المصنف ولا يمنع العبد وإنما قيل له مولى أبي حذيفة لأنه السري
أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بعد أن عتق فتبناه فلما نهوا عن ذلك قيل له مولاه كما سيأتي في
موضعه واستشهد سالم باليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما (قوله وكان أكثر هم قرآنا)
إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف منه وفي رواية للطبراني لأنه كان أكثرهم قرآنا
156

(قوله حدثنا يحيى) هو القطان (قوله اسمعوا وأطيعوا) أي فيما فيه طاعة لله (قوله وان
استعمل) أي جعل عاملا وللمصنف في الأحكام عن مسدد عن يحيى وإن استعمل عليكم عبد
حبشي وهو أصرح في مقصود الترجمة وذكره بعد باب من طريق غندر عن شعبة بلفظ قال النبي
صلى الله عليه وسلم لأبي ذر أسمع وأطع الحديث وقد أخرجه مسلم من طريق غندر أيضا لكن
بإسناد له آخر عن شعبة عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال أن
خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أسمع وأطع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف وأخرجه
الحاكم والبيهقي من هذا الوجه وفيه قصة أن أبا ذر انتهى إلى الربذة وقد أقيمت الصلاة فإذا عبد
يؤمهم قال فقيل هذا أبو ذر فذهب يتأخر فقال أبو ذر أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم فذكر
الحديث وأخرج مسلم أيضا من طريق غندر أيضا عن شعبة عن يحيى بن الحصين سمعت جدتي
تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول ولو استعمل عليكم عبد
يقودكم بكتاب الله وفي هذه الرواية فائدتان تعيين جهة الطاعة وتاريخ الحديث وأنه كان في أواخر
عهد النبي صلى الله عليه وسلم (قوله كأن رأسه زبيبة) قيل شبهه بذلك لصغر رأسه وذلك معروف
في الحبشة وقيل لسواده وقيل لقصر شعر رأسه وتفلفله ووجه الدلالة منه على صحة إمامة العبد
أنه إذا أمر بطاعته فقد أمر بالصلاة خلفه قاله ابن بطال ويحتمل أن يكون مأخوذا من جهة
ما جرت به عادتهم أن الأمير هو الذي يتولى الإمامة بنفسه أو نائبه واستدل به على المنع من
القيام على السلاطين وإن جاروا لأن القيام عليهم يفضى غالبا إلى أشد مما ينكر عليهم ووجه
الدلالة منه أنه أمر بطاعة العبد الحبشي والإمامة العظمى إنما تكون بالاستحقاق في قريش
فيكون غيرهم متغلبا فإذا أمر بطاعته استلزم النهى عن مخالفته والقيام عليه ورده ابن الجوزي
بأن المراد بالعامل هنا من يستعمله الأمام لا من يلي الإمامة العظمى وبأن المراد بالطاعة الطاعة
فيما وافق الحق انتهى ولا مانع من حمله على أعم من ذلك فقد وجد من ولي الإمامة العظمى من غير
قريش من ذوي الشوكة متغلبا وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأحكام وقد عكسه بعضهم فاستدل
به على جواز الإمامة في غير قريش وهو متعقب إذ لا تلازم بين الأجزاء والجواز والله أعلم (قوله
باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه) يشير بذلك إلى حديث عقبة بن عامر وغيره كما
سيأتي (قوله حدثنا الفضل بن سهل) هو البغدادي المعروف بالأعرج من صغار شيوخ البخاري
ومات قبله بسنة (قوله يصلون) أي الأئمة واللام في قوله لكم للتعليل (قوله فإن أصابوا فلكم)
أي ثواب صلاتكم زاد أحمد عن الحسن بن موسى بهذا السند ولهم أي ثواب صلاتهم وهو يغنى
عن تكلف توجيه حذفها وتمسك ابن بطال بظاهر الرواية المحذوفة فزعم أن المراد بالإصابة هنا
إصابة الوقت واستدل بحديث ابن مسعود مرفوعا لعلكم تدركون أقواما يصلون الصلاة لغير
وقتها فإذا أدركتموهم فصلوا في بيوتكم في الوقت ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة وهو حديث
حسن أخرجه النسائي وغيره فالتقدير على هذا فإن أصابوا الوقت وإن أخطؤا الوقت فلكم يعني
الصلاة التي في الوقت انتهى وغفل عن الزيادة التي في رواية أحمد فإنها تدل على أن المراد صلاتهم
معهم لا عند الانفراد وكذا أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طرق عن الحسن بن
موسى وقد أخرج ابن حبان حديث أبي هريرة من وجه آخر أصرح في مقصود الترجمة ولفظه
157

يكون أقوام يصلون الصلاة فإن أتموا فلكم ولهم وروى أبو داود من حديث عقبة بن عامر
مرفوعا من أم الناس فأصاب الوقت فله ولهم وفي رواية أحمد في هذا الحديث فإن صلوا الصلاة
لوقتها وأتموا الركوع والسجود فهي لكم ولهم فهذا يبين أن المراد
ما هو أعم من ترك إصابة
الوقت قال ابن المنذر هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة
من خلفه (قوله وأن أخطؤا) أي ارتكبوا الخطيئة ولم يرد به الخطأ المقابل للعمد لأنه لا إثم فيه
قال المهلب فيه جواز الصلاة خلف البر والفاجر إذا خيف منه ووجه غيره قوله إذا خيف منه
بأن الفاجر إنما يؤم إذا كان صاحب شوكة وقال البغوي في شرح السنة فيه دليل على أنه إذا
صلى بقوم محدثا أنه تصح صلاة المأمومين وعليه الإعادة واستدل به غيره على أعم من ذلك
وهو صجة الائتمام بمن يخل بشئ من الصلاة ركنا كان أو غيره إذا أتم المأموم وهو وجه عند
الشافعية بشرط أن يكون الإمام هو الخليفة أو نائبه والأصح عندهم صحة الاقتداء إلا بمن علم
أنه ترك واجبا ومنهم من استدل به على الجواز مطلقا بناء على أن المراد بالخطأ ما يقابل العمد
قال ومحل الخلاف في الأمور الاجتهادية كمن يصلي خلف من لا يرى قراءة البسملة ولا أنها من
أركان القراءة ولا أنها آية من الفاتحة بل يرى أن الفاتحة تجزئ بدونها قال فإن
صلاة المأموم تصح إذا قرأ هو البسملة لأن غاية حال الإمام في هذه الحالة أن يكون أخطأ
وقد دل الحديث على أن خطأ الإمام لا يؤثر في صحة صلاة المأموم إذا أصاب * (تنبيه) *
حديث الباب من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وفيه مقال وقد ذكرنا له شاهدا عند
ابن حبان وروى الشافعي معناه من طريق صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة
مرفوعا بلفظ يأتي قوم فيصلون لكم فإن أتموا كان لهم ولكم وإن نقصوا كان عليهم ولكم
(قوله باب إمامة المفتون) أي الذي دخل في الفتنة فخرج على الإمام ومنهم من
فسره بما هو أعم من ذلك (قوله والمبتدع) أي من اعتقد شيئا مما يخالف أهل السنة والجماعة
(قوله وقال الحسن صل وعليه بدعته) وصله سعيد بن منصور عن ابن المبارك عن هشام بن
حسان أن الحسن سئل عن الصلاة خلف صاحب البدعة فقال الحسن صل خلفه وعليه بدعته
(قوله وقال لنا محمد بن يوسف) هو الفريابي قيل عبر بهذه الصيغة لأنه مما أخذه من شيخه في
المذاكرة فلم يقل فيه حدثنا وقيل إن ذلك مما تحمله بالإجازة أو المناولة أو العرض وقيل هو متصل
من حيث اللفظ منقطع من حيث المعنى والذي ظهر لي بالاستقراء خلاف ذلك وهو أنه متصل
لكنه لا يعبر بهذه الصيغة إلا إذا كان المتن موقوفا أو كان فيه راو ليس على شرطه والذي هنا من
قبيل الأول وقد وصله الإسماعيلي من رواية محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن يوسف الفريابي
(قوله عن حميد بن عبد الرحمن) أي ابن عوف وفي رواية الإسماعيلي أخبرني حميد وأخرجه
الإسماعيلي من طريق أخرى عن الأوزاعي وخالفه يونس بن يزيد فقال عن الزهري عن عروة
أخرجه الإسماعيلي أيضا وكذلك رواه معمر عن الزهري أخرجه عمر بن شبة في كتاب مقتل عثمان
عن غندر عنه ويحتمل أن يكون للزهري فيه شيخان (قوله عن عبيد الله بن عدي) في
رواية بن المبارك عن الأوزاعي عند الإسماعيلي وأبي نعيم حدثني عبيد الله بن عدي بن الخيار
من بني نوفل بن عبد مناف وعبيد الله المذكور تابعي كبير معدود في الصحابة لكونه ولد في
158

عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان عثمان من أقارب أمه كما سيأتي في موضعه (قوله انك إمام
عامة) أي جماعة وفي رواية يونس وأنت الإمام أي الأعظم (قوله ونزل بك ما نرى) أي من الحصار
(قوله ويصلي لنا) أي يؤمنا (قوله إمام فتنة) أي رئيس فتنة واختلف في المشار إليه بذلك
فقيل هو عبد الرحمن بن عديس البلوي أحد رؤوس المصريين الذين حصروا عثمان قاله ابن
وضاح فيما نقله عنه ابن عبد البر وغيره وقاله ابن الجوزي وزاد إن كنانة بن بشر أخد رؤوسهم صلى
بالناس أيضا * (قلت) * وهو المراد هنا فإن سيف بن عمر روى حديث الباب في كتاب الفتوح من
طريق أخرى عن الزهري بسنده فقال فيه دخلت على عثمان وهو محصور وكنانة يصلي بالناس
فقلت كيف ترى الحديث وقد صلى بالناس يوم حصر عثمان أبو أمامة بن سهل بن حنيف
الأنصاري لكن بإذن عثمان ورواه عمر بن شبة بسند صحيح ورواه ابن المدني من طريق أبي هريرة
وكذلك صلى بهم علي بن أبي طالب فيما رواه إسماعيل الخطى في تاريخ بغداد من رواية ثعلبة
ابن يزيد الحماني قال فلما كان يوم عيد الأضحى جاء على فصلى بالناس وقال ابن المبارك فيما
رواه الحسن الحلواني لم يصل بهم غيرها وقال غيره صلى بهم عدة صلوات وصلى بهم أيضا سهل
ابن حنيف رواه عمر بن شبة بإسناد قوي وقيل صلى بهم أيضا أبو أيوب الأنصاري وطلحة بن عبيد
الله وليس واحد من هؤلاء مرادا بقوله إمام فتنة وقال الداودي معنى قوله إمام فتنة أي إمام
وقت فتنة وعلى هذا لا اختصاص له بالخارجي قال ويدل على صحة ذلك أن عثمان لم يذكر الذي
أمهم بمكروه بل ذكر أن فعله أحسن الأعمال انتهى وهذا مغاير لمراد المصنف من ترجمته ولو كان
كما قال لم يكن قوله ونتحرج مناسبا (قوله ونتحرج) في رواية ابن المبارك وأنا لنتحرج من
الصلاة معه والتحرج التأثم أي نخاف الوقوع في الإثم وأصل الحرج الضيق ثم استعمل للإثم
لأنه يضيق على صاحبه (قوله فقال الصلاة أحسن) في رواية ابن المبارك أن الصلاة أحسن
وفي رواية معقل بن زياد عن الأوزاعي عند الإسماعيلي من أحسن (قوله فإذا أحسن الناس
فأحسن) ظاهره أنه رخص له في الصلاة معهم كأنه يقول لا يضرك كونه مفتونا بل إذا أحسن
فوافقه على إحسانه واترك ما افتتن به وهو المطابق لسياق الباب وهو الذي فهمه الداودي حتى
أحتاج إلى تقدير حذف في قوله إمام فتنة وخالف ابن المنير فقال يحتمل أن يكون رأى أن الصلاة
خلفه لا تصح فحاد عن الجواب بقوله إن الصلاة أحسن لأن الصلاة التي هي أحسن هي الصلاة
الصحيحة وصلاة الخارجي غير صحيحة لأنه إما كافر أو فاسق انتهى وهذا قاله نصرة لمذهبه
في عدم صحة الصلاة خلف الفاسق وفيه نظر لأن سيفا روى في الفتوح عن سهل بن يوسف
الأنصاري عن أبيه قال كره الناس الصلاة خلف الذين حصروا عثمان إلا عثمان فإنه قال من دعا
إلى الصلاة فأجيبوه انتهى فهذا صريح في أن مقصوده بقوله الصلاة أحسن الإشارة إلى أذن
بالصلاة خلفه وفيه تأييد لما فهمه المصنف من قوله إمام فتنة وروى سعيد بن منصور من طريق
مكحول قال قالوا لعثمان إنا نتحرج أن نصلي خلف هؤلاء الذين حصروك فذكر نحو حديث الزهري
وهذا منقطع إلا أنه اعتضد (قوله وإذا أساؤا فأجتنب) فيه تحذير من الفتنة والدخول فيها ومن
جميع ما فقلنا من قول أو فعل أو اعتقاد وفي هذا الأثر الحض على شهود الجماعة ولا سيما في زمن
الفتنة لئلا يزداد تفرق الكلمة وفيه أن الصلاة خلف من تكره الصلاة خلفه أولى من تعطيل
159

الجماعة وفيه رد على من زعم أن الجمعة لا يجزئ أن تقام بغير إذن الإمام (قوله وقال الزبيدي)
بضم الزاي هو محمد بن الوليد (قوله المخنث) رويناه بكسر النون وفتحها فالأول المراد به من
فيه تكسر وتثن وتشبه بالنساء والثاني المراد به من يؤتى وبه جزم أبو عبد الملك فيما حكاه ابن
التين محتجا بأن الأول لا مانع من الصلاة خلفه إذا كان ذلك أصل خلقته ورد بان المراد من يتعمد
ذلك فيتشبه بالنساء فإن ذلك بدعة قبيحة ولهذا جوز الداودي أن يكون كل منهما مرادا قال
ابن بطال ذكر البخاري هذه المسألة هنا لأن المخنث مفتتن في طريفته (قوله الا من ضرورة) أي
بأن يكون ذا شوكة أو من جهته فلا تعطل الجماعة بسببه وقد رواه معمر عن الزهري بغير قيد
أخرجه عبد الرزاق عنه ولفظه قلت فالمخنث قال لا ولا كرامة لا يؤتم به وهو أمرهم على حالة
الاختيار (قوله حدثنا محمد بن أبان) هو البلخي مستملي وكيع وقيل الواسطي وهو محتمل لكن
لم نجد للواسطي رواية عن غندر بخلاف البلخي وقد تقدم عنه بموضع آخر في المواقيت وهذا
جميع ما أخر عنه البخاري (قوله أسمع وأطع) تقدم الكلام عليه قبل بباب قال ابن المنير
وجه دخوله في هذا الباب أن الصفة المذكورة إنما توجد غالبا في عجمي حديث عهد بالإسلام
لا يخلو من جهل بدينه وما غلام من هذه صفته عن ارتكاب البدعة ولو لم يكن الا افتتانه بنفسه
حتى تقدم للإمامة وليس من أهلها (قوله باب يقوم) أي المأموم عن (يمين
الإمام بحذائه) بكسر المهملة وذال غدا بعدها مدة أي بجنبه فأخرج بذلك من كان خلفه أو
مائلا عنه وقوله سواء أخرج به من كان إلى جنبه لكن على بعد عنه كذا قال الزين بن المنير والذي
يظهر أن قوله بحذائه يخرج هذا أيضا وقوله سواء أي لا يتقدم ولا يتأخر وفي انتزاع هذا من
الحديث الذي أورده بعد وقد قال أصحابنا يستحب أن يقف المأموم دونه قليلا وكأن المصنف أشار
بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه فقد تقدم في الطهارة من رواية مخرمة عن كريب عن ابن عباس
بلفظ فقمت إلى جنبه وظاهره المساواة وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن
عباس نحوا من هذه القصة وعن ابن جريج قال قلت لعطاء الرجل يصلي مع الرجل أين يكون
منه قال إلى شقه الأيمن قلت أيحاذي به حتى يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر قال نعم قلت
أتحب أن يساويه حتى لا تكون بينهما فرجه قال نعم وفي الموطأ عن عبد الله بن عتبة بن مسعود
قال دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح فقمت وراءه فقربني حتى جعلني حذاءه
عن يمينه (قوله إذا كانا) أي إماما ومأموما بخلاف من إذا كانا مأمومين مع إمام فلهما حكم
آخر * (تنبيه) * هكذا في جميع الروايات باب بالتنوين يقوم الخ وأورده الزين بن المنير بلفظ
باب من يقوم بالإضافة وزيادة من وشرحه على ذلك وتردد بين كونها موصولة أو استفهامية ثم
أطال في حكمة ذلك وأن سببه كون المسألة مختلفا فيها والواقع أن من محذوفة والسياق ظاهر في
أن المصنف جازم بحكم المسألة لا متردد والله أعلم وقد نقل بعضهم الاتفاق على أن المأموم الواحد
يقف عن يمين الإمام إلا النخعي فقال إذا كان الإمام ورجل قام الرجل خلف الإمام فإن ركع
الإمام قبل أن يجئ أحد قام عن يمينه أخرجه سعيد بن منصور ووجهه بعضهم بان الإمامة مظنة
الاجتماع فاعتبرت في موقف المأموم حتى يظهر خلاف ذلك وهو حسن لكنه مخالف للنص
وهو قياس فاسد ثم ظهر لي أن إبراهيم إنما كان يقول بذلك حيث يظن ظنا قويا مجئ ثان وقد
160

روى سعيد بن منصور أيضا عنه قال ربما قمت خلف الأسود وحدي حتى يجئ المؤذن وذكر
البيهقي أنه يستفاد من حديث الباب امتناع تقديم المأموم على الإمام خلافا لمالك لما في رواية
مسلم فقمت عن يساره فأدارني من خلفه حتى جعلني عن يمينه وفيه نظر (قوله باب
إذا قام الرجل عن يسار الإمام الخ) وجه الدلالة من حديث ابن عباس المذكور أنه صلى الله عليه
وسلم لم يبطل صلاة بن عباس مع كونه قام عن يساره أولا وعن أحمد تبطل لأنه صلى الله
عليه وسلم لم يقره على ذلك والأول هو قول الجمهور بل قال سعيد بن المسيب إن موقف المأموم
الواحد يكون عن يسار الإمام ولم يتابع على ذلك (قوله حدثنا أحمد) لم أره منسوبا في شئ من
الروايات لكن جزم أبو نعيم في المستخرج بأنه بن صالح وأخرجه من طريق (قوله عمرو) هو ابن
الحارث المصري وكذا وقع عند أبي نعيم (قوله عن عبد ربه) بفتح الراء وتشديد الموحدة وهو أخو
يحيى بن سعيد الأنصاري وفي الإسناد ثلاثة من التابعين مدنيون على نسق (قوله نمت) في رواية
الكشميهني بت (قوله فأخذني فجعلني) قد تقدم أنه أداره من خلفه واستدل به على أن مثل ذلك
من العمل لا يفسد الصلاة كما سيأتي (قوله قال عمرو) أي ابن الحارث المذكور بالإسناد المذكور
إليه ووهم من زعم أنه من تعليق البخاري فقد ساقه أبو نعيم مثل سياقه وبكير المذكور في هذا
هو ابن عبد الله بن الأشج واستفاد عمرو بن الحارث بهذه الرواية عنه العلو برجل (قوله
باب إذا لم ينو الإمام أن يؤم الخ) لم يجزم بحكم المسألة لما فيه من الاحتمال لأنه ليس
في حديث ابن عباس التصريح بان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينو الإمامة كما أنه ليس فيه أنه نوى
لا في ابتداء صلاته ولا بعد أن قام ابن عبا س فصلى معه لكن في إيقافه إياه منه موقف المأموم
ما يشعر بالثاني وأما الأول فالأصل عدمه وهذه المسألة مختلف فيها والأصح عند الشافعية
لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوي الإمام الإمامة واستدل بن المنذر أيضا بحديث أنس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في شهر رمضان قال فجئت فقمت إلى جنبه وجاء آخر فقام
إلى جنبي حتى كنا رهطا فلما أحس النبي صلى الله عليه وسلم بنا تجوز في صلاته الحديث وهو ظاهر في
أنه لم ينو الإمامة ابتداء وائتموا هم به وأقرهم وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وعلقه البخاري كما
سيأتي في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى وذهب أحمد إلى التفرقة بين النافلة والفريضة فشرط أن
ينوي في الفريضة دون النافلة وفيه نظر لحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى
رجلا يصلي وحده فقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي
وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم (قوله عن عبد الله بن سعيد بن جبير) هو من أقران أيوب
الراوي عنه ورجال الإسناد كلهم بصريون وسيأتي الكلام على بقية فوائد حديث ابن عباس
المذكور في هذه الأبواب الثلاثة تاما في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى (قوله باب إذا
المريض الإمام وكان للرجل) أي المأموم (حاجة فخرج وصلى) وللكشميهني فصلى بالفاء وهذه
الترجمة عكس التي قبلها لأن في الأولى جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة وفي الثانية جواز قطع
الائتمام بعد الدخول فيه وأما قوله في الترجمة فخرج فيحتمل أنه خرج من القدوة أو من الصلاة
رأسا أو من المسجد قال ابن رشيد الظاهر أن المراد خرج إلى منزله فصلى فيه وهو ظاهر قوله في
الحديث فانصرف الرجل قال وكان سبب ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الذي رآه يصلي أصلاتان
161

معا كما تقدم (قلت) وليس الواقع كذلك فإن في رواية النسائي فانصرف الرجل فصلى في ناحية
المسجد وهذا يحتمل أن يكون قطع الصلاة أو القدوة لكن في مسلم فانحرف الرجل فسلم ثم صلى
وحده * واعلم أن هذا الحديث رواه عن جابر عمرو بن دينار ومحارب بن دثار وأبو الزبير وعبيد الله
ابن مقسم فرواية عمرو للمصنف هنا عن شعبة وفي الأدب عن سليم بن حيان ولمسلم عن ابن عيينة
ثلاثتهم عنه ورواية محارب تأتي بعد بابين وهي عند النسائي مقرونة معبد صالح ورواية أبي الزبير
عند مسلم ورواية عبيد الله عند ابن خزيمة وله طرق أخرى غير هذه سأذكر ما يحتاج إليه منها معزوا
وإنما قدمت ذكر هذه لتسهل الحوالة عليه (قوله حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم والظاهر أن روايته
عن شعبة مختصرة كما هنا وكذلك أخرجها البيهقي من طريق محمد بن أيوب الرازي عنه وقال
الكرماني الظاهر من قوله فصلى العشاء الخ انظر تحت الطريق الأولى وكان الحامل له على
ذلك أنها لو خلت عن ذلك لم تطابق الترجمة ظاهرا لكن لقائل أن يقول إن مراد البخاري بذلك
الإشارة إلى أصل الحديث على عادته واستفاد بالطريق الأولى علو الإسناد كما أن في الطريق الثانية
فائدة التصريح بسماع عمرو من جابر (قوله يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم) زاد مسلم من
رواية منصور عن عمرو عشاء الآخرة فكأن العشاء هي التي كان يواظب فيها على الصلاة مرتين
(قوله ثم يرجع فيؤم قومه) في رواية منصور المذكورة فيصلى بهم تلك الصلاة وللمصنف في الأدب
فيصلى بهم الصلاة أي المذكورة وفي هذا رد على من زعم أن المراد أن الصلاة التي كان يصليها مع
النبي صلى الله عليه وسلم غير الصلاة التي كان يصليها بقومه وفي رواية ابن قتيبة فصلى ليلة مع
النبي صلى الله عليه وسلم العشاء تم أتى قومه فأمهم وفي رواية القدرة عن ابن عيينة ثم يرجع إلى
بني سلمة فيصليها بهم ولا مخالفة فيه لأن قومه هم بنو سلمة وفي رواية الشافعي عنه ثم يرجع فيصليها
بقومه في بني سلمة ولأحمد ثم يرجع فيؤمنا (قوله فصلى العشاء) كذا في معظم الروايات ووقع في
رواية لأبي عوانة والطحاوي من طريق محارب صلى بأصحابه المغرب وكذا لعبد الرزاق من رواية
أبي الزبير فإن حمل على تعدد القصة كما سيأتي أو على أن المراد بالمغرب العشاء مجازا تم وإلا فما في
الصحيح أصح (قوله فقرأ بالبقرة) استدل به على من يكره أن يقول البقرة بل يقول سورة البقرة
لكن في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه فقرأ سورة البقرة
ولمسلم عن ابن عيينة نحوه وللمصنف في الأدب فقرأ بهم البقرة فالظاهر أن ذلك من تصرفات
الرواة والمراد أنه ابتدأ في قراءتها وبه صرح مسلم ولفظه فافتتح سورة البقرة وفي رواية محارب
فقرأ بسورة البقرة أو النساء على الشك وللسراج من رواية مسعر عن محارب فقرأ بالبقرة والنساء
كذا رأيته بخط الزكي البرزالي بالواو فإن كان ضبطه احتمل أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة
وفي الثانية بالنساء ووقع عند أحمد من حديث بريدة بإسناد قوي فقرأ اقتربت الساعة وهي شاذة
إلا إن حمل على التعدد ولم يقع في شئ من الطرق المتقدمة تسمية هذا الرجل لكن روى أبو داود
الطيالسي في مسنده والبزار من طريقه عن طالب بن حبيب عن عبد الرحمن بن جابر عن أبية قال
مر حزم بن أبي بن كعب بمعاذ بن جبل وهو يصلي بقومه صلاة العتمة فافتتح بسورة طويلة ومع
حزم ناضح له الحديث قال البزار لا نعلم أحدا أسماه عن جابر إلا بن جابر أه وقد رواه أبو داود في
السنن من وجه آخر عن طالب فجعله عن بن جابر عن حزم صاحب القصة وابن جابر لم يدرك
162

حزما ووقع عنده صلاة المغرب وهو نحو ما تقدم من الاختلاف في رواية محارب ورواه ابن
لهيعة عن أبي الزبير عن جابر فسماه حازما وكأنه صحفه أخرجه بن شاهين من طريقة ورواه
أحمد والنسائي وأبو يعلى وابن السكن بإسناد صحيح عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال
كان معاذ يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقى نخله الحديث كذا فيه براء بعدها ألف
وظن بعضهم أنه حرام بن ملحان خال أنس وبذلك جزم الخطيب في المبهمات لكن لم أره منسوبا
في الرواية ويحتمل أن يكون تصحيفا من حزم فتجتمع هذه الروايات وإلى ذلك يومئ صنيع
ابن عبد البر فإنه ذكر في الصحابة حرام بن أبي بن كعب وذكر له هذه القصة وعزا تسميته لرواية
عبد العزيز بن صهيب عن أنس ولم أقف في رواية عبد العزيز على تسمية أبيه وكأنه بني على أن
اسمه تصحف والأب واحد سماه جابر ولم يسمه أنس وجاء في تسميته قول آخر أخرجه أحمد أيضا
من رواية معاذ بن رفاعة عن رجل من بني سلمة يقال له سليم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال
يا نبي الله أنا نظل في أعمالنا فنأتي حين نمسي فنصلى فيأتي معاذ بن جبل فينادى بالصلاة فنأتيه
فيطول علينا الحديث وفيه أنه استشهد بأحد وهذا مرسل لأن معاذ بن رفاعة لم يدركه وقد
رواه الطحاوي والطبراني من هذا الوجه عن معاذ بن رفاعة أن رجلا من بني سلمة فذكره مرسلا
ورواه البزار من وجه آخر عن جابر وسماه سليما أيضا لكن وقع عند بن حزم من هذا الوجه أن
اسمه سلم بفتح أوله وسكون اللام وكأنه تصحيف والله أعلم وجمع بعضهم بين هذا الاختلاف بأنهما
واقعتان وأيد ذلك بالاختلاف في الصلاة هل هي العشاء أو المغرب وبالاختلاف في السورة هل
هي البقرة أو اقتربت وبالاختلاف في عذر الرجل هل هو لأجل التطويل فقط لكونه جاء من
العمل وهو تعبان أو لكونه أراد أن يسقى نخله إذ ذاك أو لكونه خاف على الماء في النخل كما في
حديث بريدة واستشكل هذا الجمع لأنه لا يظن بمعاذ أنه صلى الله عليه وسلم يأمره بالتخفيف ثم
يعود إلى التطويل ويجاب عن ذلك باحتمال أن يكون قرأ أولا بالبقرة فلما نهاه قرأ اقتربت وهي
طويلة بالنسبة إلى السور التي أمره أن يقرأ بها كما سيأتي ويحتمل أن يكون النهى أولا وقع
لما يخشى من تنفير بعض من يدخل في الإسلام ثم لما اطمأنت نفوسهم بالإسلام ظن أن المانع
زال فقرأ باقتربت لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فصادف صاحب الشغل
وجمع النووي باحتمال أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة فانصرف رجل ثم قرأ اقتربت في الثانية
فانصرف آخر ووقع في رواية أبي الزبير عند مسلم فانطلق رجل منا وهذا يدل على أنه كان من بني
سلمة ويقوى رواية من سماه سليما والله أعلم (قوله فانصرف الرجل) اللام فيه للعهد الذهني
ويحتمل أن يراد به الجنس فكأنه قال واحد من الرجال لأن المعرف تعريف الجنس كالنكرة في
مؤداه ووقع في رواية الإسماعيلي فقام رجل فانصرف وفي رواية سليم بن حيان فتجوز رجل
فصلى صلاة خفيفة ولابن عيينة عند مسلم فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وهو ظاهر في أنه قطع
الصلاة لكن ذكر البيهقي أن محمد بن عباد شيخ مسلم تفرد عن بن عيينة بقوله ثم سلم وأن الحفاظ من
أصحاب ابن عيينة وكذا من أصحاب شيخه عمرو بن دينار وكذا من أصحاب جابر لم يذكروا السلام
وكأنه فهم أن هذه اللفظة أخذت على أن الرجل قطع الصلاة لأن السلام يتحلل به من الصلاة
وسائر الروايات أخذت على أنه قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفردا قال
163

الرافعي في شرح المسند في الكلام على رواية الشافعي عن ابن عيينة في هذا الحديث فتنحى رجل
من خلفه فصلى وحده هذا يحتمل من جهة اللفظ أنه قطع الصلاة وتنحى عن موضع صلاته
واستأنفها لنفسه لكنه غير أمرهم عليه لأن الفرض لا يقطع بعد الشروع فيه انتهى ولهذا
استدل به الشافعية على أن للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردا ونازع النووي فيه
فقال لا دلالة فيه لأنه ليس فيه أنه فارقه وبنى على صلاته بل في الرواية التي فيها أنه سلم دليل
على أنه قطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر (قوله
فكان معاذ ينال منه) وللمستملي تناول منه وللكشميهني فكأن بهمزة ونون مشددة معاذا
تناول منه والأولى أخذت على كثرة ذلك منه بخلاف الثانية ومعنى ينال منه أو تناوله ذكره بسوء
وقد فسره في رواية سليم بن حيان ولفظه فبلغ ذلك معاذا فقال إنه منافق وكذا لأبي الزبير ولابن
عيينة فقالوا له أنافقت يا فلان قال لا والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه وكأن
معاذا قال ذلك أولا ثم قاله أصحاب معاذ للرجل (قوله فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم) بين ابن
عيينة في روايته وكذا محارب وأبو الزبير أنه الذي جاء فاشتكى من معاذ وفي رواية النسائي فقال
معاذ لئن أصبحت لا ذكرن ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأرسل إليه فقال
ما حملك على الذي صنعت فقال يا رسول الله عملت على ناضح لي فذكر الحديث وكأن معاذ سبقه
بالشكوى فلما أرسل إليه جاء فاشتكى من معاذ (قوله فقال فتان) في رواية ابن عيينة أفتان
أنت زاد محارب ثلاثا (قوله أو قال فاتنا) شك من الراوي وهو منصوب على أنه خبر كان المقدرة
وفي رواية أبي الزبير أتريد أن تكون فاتنا ولأحمد في حديث معاذ بن رفاعة المتقدم يا معاذ
لا تكن فاتنا وزاد في حديث أنس لا تطول بهم ومعنى الفتنة ههنا أن التطويل يكون سببا
لخروجهم من الصلاة وللتكره الولاء في الجماعة وروى البيهقي في الشعب بإسناد صحيح عن
عمر قال لا تبغضوا إلى الله عباده يكون أحدكم إماما فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم
ما هم فيه وقال الداودي يحتمل أن يريد بقوله فتان أي معذب لأنه عذبهم بالتطويل ومنه
قوله تعالى إن الذين فتنوا المؤمنين قيل معناه عذبوهم (قوله وأمره بسورتين من أوسط
المفصل قال عمرو) أي ابن دينار (لا أحفظهما) وكأنه قال ذلك في حال تحديثه لشعبة وإلا ففي
رواية سليم بن حيان عن عمرو اقرأ والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها وقال في
رواية ابن عيينة عند مسلم اقرأ بكذا وأقرأ بكذا قال ابن عيينة فقلت لعمرو إن أبا الزبير حدثنا
عن جابر أنه قال اقرأ بالشمس وضحاها والليل إذا يغشى وبسبح اسم ربك الأعلى فقال عمرو نحو
هذا وجزم بذلك محارب في حديثه عن جابر وفي رواية الليث عن أبي الزبير عند مسلم مع الثلاثة
اقرأ باسم ربك زاد ابن جريج عن أبي الزبير والضحى أخرجه عبد الرزاق وفي رواية القدرة
عن ابن عيينة مع الثلاثة الأول والسماء ذات البروج والسماء والطارق وفي المراد بالمفصل
أقوال ستأتي في فضائل القرآن أصحها أنه من أول ق إلى آخر القرآن (قوله أوسط) يحتمل أن
يريد به المتوسط والسور التي مثل بها من قصار المتوسط ويحتمل أن يريد به المعتدل أي المناسب
للحال من المفصل والله أعلم واستدل بهذا الحديث على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل بناء على
أن معاذ كان ينوي بالأولى الفرض وبالثانية النفل ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق والشافعي
والطحاوي والدارقطني وغيرهم من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر في حديث
164

الباب زاد هي له تطوع ولهم فريضة وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح وقد صرح ابن جريج
في رواية عبد الرزاق بسماعه فيه فانتفت تهمة تدليسه فقول ابن الجوزي إنه لا يصح مردود
وتعليل الطحاوي له بان بن عيينة ساقه عن عمرو أتم من سياق ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة
ليس بقادح في صحته لأن ابن جريج أسن وأجل من ابن عيينة وأقدم أخذا عن عمرو منه ولو لم يكن
كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عددا فلا معنى
للتوقف في الحكم بصحتها وأما رد الطحاوي لها باحتمال أن تكون مدرجة فجوابه أن الأصل
عدم الإدراج حتى يثبت التفصيل فمهما كان مضمونا إلى الحديث فهو منه ولا سيما إذا روى من
وجهين والأمر هنا كذلك فإن الشافعي أخرجها من وجه آخر عن جابر متابعا لعمرو بن دينار
عنه وقول الطحاوي هو ظن من جابر مردود لأن جابر كان ممن يصلي مع معاذ فهو محمول على
أنه سمع ذلك منه ولا يظن بجابر أنه يخبر عن شخص بأمر غير مشاهد إلا بان يكون ذلك الشخص
أطلعه عليه وأما احتجاج أصحابنا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة
إلا المكتوبة فليس بجيد لأن حاصله النهى عن التلبس بصلاة غير التي أقيمت من غير تعرض لنية
فرض أو نفل ولو تعينت نية الفريضة لامتنع على معاذ أن يصلي الثانية بقومه لأنها ليست حينئذ
فرضا له وكذلك قوله بعض أصحابنا لا يظن بمعاذ أن يترك فضيلة الفرض خلف أفضل الأئمة في
المسجد الذي هو من أفضل المساجد فإنه وإن كان فيه نوع ترجيح لكن للمخالف أن يقول إذا
كان ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لم يمتنع أن يحصل له الفضل بالاتباع وكذلك قول الخطابي
إن العشاء في قوله كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء حقيقة في المفروضة فلا يقال
كان ينوي بها التطوع لأن لمخالفه أن يقول هذا لا ينافي أن ينوي بها التنفل وأما قول ابن حزم
إن المخالفين لا يجيزون لمن عليه فرض إذا أقيم أن يصليه متطوعا فكيف ينسبون إلى معاذ
ما لا يجوز عندهم فهذا إن كان كما قال نقض قوي وأسلم الأجوبة التمسك بالزيادة المتقدمة
وأما قول الطحاوي لا حجة فيها لأنها لم تكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقريره فجوابه أنهم
لا يختلفون في أن رأى الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجة والواقع هنا كذلك فإن الذين كان يصلي بهم
معاذ كلهم صحابة وفيهم ثلاثون عقبيا وأربعون بدريا قاله ابن حزم قال ولا يحفظ عن غيرهم
من الصحابة امتناع ذلك بل قال معهم بالجواز عمر وابن عمر وأبو الدراء وأنس وغيرهم وأما قول
الطحاوي لو سلمنا جميع ذلك لم يكن فيه حجة لاحتمال أن ذلك كان في الوقت الذي كانت الفريضة
فيه يصلي مرتين أي فيكون منسوخا فقد تعقبه ابن دقيق العيد بأنه يتضمن إثبات النسخ
بالاحتمال وهو لا يسوغ وبأنه يلزمه إقامة الدليل على ما ادعاه الفريضة أه وكأنه لم
يقف على كتابه فإنه قد ساق فيه دليل ذلك وهو حديث بن عمر رفعه لا تصلوا الصلاة في اليوم مرتين
ومن وجه آخر مرسل إن أهل العالية كانوا يصلون في بيوتهم ثم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم
فبلغه ذلك فنهاهم ففي الاستدلال بذلك على تقدير صحته نظر لاحتمال أن يكون النهى عن أن
يصلوها مرتين على أنها فريضة وبذلك جز البيهقي جمعا بين الحديثين بل لو قال قائل هذا النهى
منسوخ بحديث معاذ لم يكن بعيدا ولا يقال القصة قديمة لأن المؤلف استشهد بأحد لأنا نقول
كانت أحد في أواخر الثالثة فلا مانع أن يكون النهى في الأولى والإذن في الثالثة مثلا وقد
165

قال صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين لم يصليا معه إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة
فصليا معهم فإنها لكما نافلة أخرجه أصحاب السنن من حديث يزيد بن الأسود العامري
وصححه ابن خزيمة وغيره وكان ذلك في حجة الوداع في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويدل
على الجواز أيضا أمره صلى الله عليه وسلم لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده ويؤخرون الصلاة
عن ميقاتها أن صلوها في بيوتكم في الوقت ثم اجعلوها معهم نافلة وأما الاستدلال الطحاوي أنه
صلى الله عليه وسلم نهى معاذا عن ذلك بقوله في حديث سليم بن الحارث إما أن تصلي معي
وإما أن تخفف بقومك ودعواه أن معناه إما أن تصلي معي ولا تصل بقومك وإما أن تخفف
بقومك ولا تصل معي ففيه نظر لأن لمخالفه أن يقول بل التقدير إما أن تصلي معي فقط إذا لم
تخفف وإما أن تخفف بقومك فتصلى معي وهو أولى من تقديره لما فيه من مقابلة التخفيف
بترك التخفيف لأنه هو المسؤول عنه المتنازع فيه وأما تقوية بعضهم بكونه منسوخا بان
صلاة الخوف وقعت مرارا على صفة فيها مخالفة ظاهرة بالأفعال المنافية في حال الأمن
فلو جازت صلاة المفترض خلف المتنفل لصلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم مرتين على وجه
لا تقع فيه منافاة فلما لم يفعل دل ذلك على المنع فجوابه أنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم
صلاة الخوف مرتين كما أخرجه أبو داود عن أبي بكرة صريحا ولمسلم عن جابر نحوه وأما صلاته
بهم على نوع من المخالفة فلبيان الجواز وأما قول بعضهم كان فعل معاذ للضرورة لقلة القراء
في ذلك الوقت فهو ضعيف كما قال ابن دقيق العيد لأن القدر المجزئ من القراءة في الصلاة كان
حافظوه كثيرا وما زاد لا يكون سببا لارتكاب أمر ممنوع منه شرعا في الصلاة وفي حديث الباب
من الفوائد أيضا استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين وأما من قال لا يكره
التطويل إذا علم رضاء المأمومين فيشكل عليه أن الإمام قد لا يعلم حال من يأتي فيأتم به بعد
دخوله في الصلاة كما في حديث الباب فعلى هذا يكره التطويل مطلقا إلا إذا فرض في مصل بقوم
محصورين راضين بالتطويل في مكان لا يدخله غيرهم وفيه أن الحاجة من أمور الدنيا عذر في
تخفيف الصلاة وجواز إعادة الصلاة الواحدة في اليوم الواحد مرتين وجواز خروج المأموم
من الصلاة لعذر وأما بغير عذر فاستدل به بعضهم وتعقب وقال ابن المنير لو كان كذلك لم يكن
لأمر الأئمة بالتخفيف فائدة وفيه نظر لأن فائدة الأمر بالتخفيف المحافظة على صلاة الجماعة
ولا ينافي ذلك جواز الصلاة منفردا وهذا كما استدل بعضهم بالقصة على وجوب صلاة الجماعة
وفيه نحو هذا النظر وفيه جواز صلاة المنفرد في المسجد الذي يصلي فيه بالجماعة إذا كان بعذر
وفيه الإنكار بلطف لوقوعه بصورة الاستفهام ويؤخذ منه تعزير كل أحد بحسبه والاكتفاء في
التعزيز بالقول والانكار في المكروهات وأما تكراره ثلاثا فللتأكيد وقد تقدم في العلم أنه صلى
الله عليه وسلم كان يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه وفيه اعتذار من وقع منه خطأ في الظاهر وجواز
الوقوع في حق من وقع في محذور ظاهر وإن كان له عذر باطن للتنفير عن فعل ذلك وأنه لا لوم على
من فعل ذلك متأولا وأن التخلف عن الجماعة من صفة المنافق (قوله باب تخفيف
الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود) قال الكرماني الواو بمعنى مع كأنه قال باب التخفيف
بحيث لا يفوته شئ من الواجبات فهو تفسير لقوله في الحديث فليتجوز لأنه لا يأمر بالتجوز
المؤدى إلى فساد الصلاة قال ابن المنير وتبعه ابن رشيد وغيره خص التخفيف في الترجمة بالقيام
166

مع أن لفظ الحديث أعم حيث قال فليتجوز لأن الذي يطول في الغالب إنما هو القيام وما عداه
لا يشق إتمامه على أحد وكأنه حمل حديث الباب على قصة معاذ فإن الأمر بالتخفيف فيها مختص
بالقراءة انتهى ملخصا والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالترجمة إلى بعض ما ورد في بعض طرق
الحديث كعادته وأما قصة معاذ فمغايرة لحديث الباب لأن قصة معاذ كانت في العشاء وكان
الإمام فيها معاذا وكانت في مسجد بني سلمة وهذه كانت في الصبح وكانت في مسجد قباء ووهم من
فسر الإمام المبهم هنا بمعاذ بل المراد به أبي بن كعب كما أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن من رواية
عيسى بن جارية وهو بالجيم عن جابر قال كان أبي بن كعب يصلي بأهل قباء فاستفتح سورة طويلة
فدخل معه غلام من الأنصار في الصلاة فلما سمعه استفتحها انفتل من صلاته فغضب أبي فأتى
النبي صلى الله عليه وسلم يشكو الغلام وأتى الغلام يشكو أبيا فغضب النبي صلى الله عليه وسلم
حتى عرف الغضب في وجهه ثم قال إن منكم منفرين فإذا صليتم فأوجزوا فإن خلفكم الضعيف
والكبير والمريض وذا الحاجة فأبان هذا الحديث أن المراد بقوله في حديث الباب مما يطيل
بنا فلان أي في القراءة واستفيد منه أيضا تسمية الإمام وبأي موضع كان وفي الطبراني من
حديث عدي بن حاتم من أمنا فليتم الركوع والسجود وفي قول ابن المنير إن الركوع والسجود
لا يشق إتمامهما نظر فإنه إن أراد أقل ما يطلق عليه اسم تمام فذاك لا بد منه وإن أراد غاية التمام
فقد يشق فسيأتي حديث البراء قريبا أنه صلى الله عليه وسلم كان قيامه وركوعه و سجوده قريبا
من السواء (قوله حدثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو بن أبي
حازم وابن مسعود هو الأنصاري البدري والإسناد كله كوفيون (قوله أن رجلا) لم أقف على
اسمه ووهم من زعم أنه حزم بن أبي بن كعب لأن قصته كانت مع معاذ لا مع أبي بن كعب
(قوله أني لاتأخر عن صلاة الغداة) أي فلا أحضرها مع الجماعة لأجل التطويل وفي رواية
ابن المبارك في الأحكام والله إني لاتأخر بزيادة القسم وفيه جواز مثل ذلك لأنه لم ينكر عليه
وتقدم في كتاب العلم في باب الغضب في العلم بلفظ إني لا أكاد أدرك الصلاة وتقدم توجيهه
ويحتمل أيضا أن يكون المراد أن الذي ألفه من تطويله اقتضى له أن يتشاغل عن المجئ في أول
الوقت وثوقا بتطويله بخلاف ما إذا لم يكن يطول فإنه كان يحتاج إلى المبادرة إليه أول الوقت
وكأنه يعتمد على تطويله فيتشاغل ببعض شغله ثم يتوجه فيصادف أنه تارة يدركه وتارة لا يدركه
فلذلك قال لا أكاد أدرك مما يطول بنا أي بسبب تطويله واستدل به على تسمية الصبح بذلك
ووقع في رواية سفيان الآتية قريبا عن الصلاة في الفجر وإنما خصها بالذكر لأنها تطول فيها
القراءة غالبا ولان الانصراف منها وقت التوجه لمن له حرفة إليها (قوله أشد) بالنصب وهو
نعت لمصدر محذوف أي غضبا أشد وسببه إما لمخالفة الموعظة أو للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه
كذا قاله ابن دقيق العيد وتعقبه تلميذه أبو الفتح اليعمري بأنه يتوقف على تقدم الإعلام بذلك
قال ويحتمل أن يكون ما ظهر من الغضب لإدارة الاهتمام بما يلقيه لأصحابه ليكونوا من
سماعه على بال لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله وأقول هذا أحسن في الباعث على أصل إظهار
الغضب أما كونه أشد فالاحتمال الثاني أوجه ولا يرد عليه التعقب المذكور (قوله أن
منكم منفرين) فيه تفسير للمراد بالفتنة في قوله في حديث معاذ أفتان أنت ويحتمل أن
167

تكون قصة هذه بعد قصة معاذ فلهذا أتى بصيغة الجمع وفي قصة معاذ واجهه وحده بالخطاب
وكذا ذكر في هذا الغضب ولم يذكره في قصه معاذ وبهذا يتوجه الاحتمال الأول لابن دقيق العيد
(قوله فأيكم ما صلى) ما زائدة ووقع في رواية سفيان فمن أم الناس (قوله فليخفف) قال بن دقيق
العيد التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشئ خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم
طويلا بالنسبة لعادة آخرين قال وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث
تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة
في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلا (قلت) وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي
أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أنت إمام
قومك واقدر القوم بأضعفهم إسناده حسن وأصله في مسلم (قوله فإن فيهم) في رواية سفيان
فإن خلفه وهو تعليل الأمر المذكور ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم متصف بصفة من
المذكورات لم يضر التطويل وقد قدمت ما يرد عليه في الباب الذي قبله من إمكان مجئ من
يتصف بإحداها وقال اليعمري الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغي للأئمة
التخفيف مطلقا قال وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر وعلل بالمشقة وهو مع ذلك يشرع
ولو لم يشق عملا بالغالب لأنه لا يدري ما يطوى عليه وهنا كذلك (قوله الضعيف والكبير) كذا
للأكثر ووقع في رواية سفيان في العلم فإن فيهم المريض والضعيف وكأن المراد بالضعيف هنا
المريض وهناك من يكون ضعيفا في خلقته كالنحيف والمسن وسيأتي في الباب الذي بعده
مزيد قول فيه (قوله باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء) يريد أن عموم الأمر
بالتخفيف مختص بالأئمة فأما المنفرد فلا حجر عليه في ذلك لكن اختلف فيما إذا أطال القراءة حتى
خرج الوقت كما سنذكره (قوله فإن فيهم) كذا للأكثر وللكشميهني فإن منهم (قوله الضعيف
والسقيم) المراد بالضعيف هنا ضعيف الخلقة وبالسقيم من به مرض زاد مسلم من وجه آخر عن
أبي الزناد والصغير والكبير وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص والحامل والمرضع
وله من حديث عدي بن حاتم والعابر السبيل وقوله في حديث أبي مسعود الماضي وذا الحاجة
هي أشمل الأوصاف المذكورة (قوله فليطول ما شاء) ولمسلم فليصل كيف شاء أي مخففا
أو مطولا واستدل به على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت وهو المصحح عند بعض أصحابنا
وفيه نظر لأنه يعارضه عموم قوله في حديث أبي قتادة إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يدخل
وقت الأخرى أخرجه مسلم وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع
الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة ترك المفسدة أولى واستدل بعمومه أيضا على جواز تطويل
الاعتدال والجلوس بين السجدتين (قوله باب من شكا إمامه إذا طول) فيه حديث
أبي مسعود وهو ظاهر في الترجمة وكذا حديث جابر والتعليق عن أبي أسيد وهو الأنصاري
وصله ابن أبي شيبة من رواية المنذر بن أبي أسيد قال كان أبي يصلي خلفي فربما قال يا بني طولت بنا
اليوم واستفيد منه تسمية الابن المذكور وفيه حجة على من كره للرجل أن يؤم أباه كعطاء ورأيت
بخط البدر الزركشي أنه رأى في بعض نسخ البخاري وكره عطاء أن يؤم الرجل أباه فإن ثبت ذلك
فقد وصل ابن أبي شيبة هذا التعليق وكأن المنذر كان إماما راتبا في المسجد * (تنبيه) * وقع في
168

رواية المستملى أبو أسيد بفتح الهمزة والصواب الضم كما للباقين (قوله في حديث محارب عن جابر
أقبل رجل بناضحين) الناضح بالنون والضاد المعجمة والحاء المهملة ما استعمل من الإبل في سقى
النخل والزرع (قوله وقد جنح الليل) أي أقبل بظلمته وهو يؤيد أن الصلاة المذكورة كانت
العشاء كما تقدم (قوله بسورة البقرة أو للنساء) زاد أبو داود الطيالسي عن شعبة شك محارب وفي
هذا رد على من زعم أن الشك فيه من جابر (قوله فلولا صليت) أي فهلا صليت (قوله فإنه يصلي
وراءك) تقدم شرحه في الباب الذي قبله فكان هذا هو الحامل لمن وحد بين القصتين لكن في
ثبوت هذه الزيادة في هذه القصة نظر لقوله بعدها أحسب هذا في الحديث يعني هذه الجملة
الأخيرة فإنه يصلي الخ وقائل ذلك هو شعبة الراوي عن محارب وقد رواه غير شعبة من أصحاب
محارب عنه بدونها وكذا أصحاب جابر (قوله تابعه سعيد بن مسروق) هو والد سفيان الثوري
وروايته هذه وصلها أبو عوانة من طريق أبي الأحوص عنه ومتابعة مسعر وصلها السراج من
رواية أبي نعيم عنه ومتابعة الشيباني وهو أبو إسحق وصلها البزار من طريقه كلهم عن محارب
والمراد أنهم تابعوا شعبة عن محارب في أصل الحديث لا في جميع ألفاظه (قوله قال عمرو)
هو ابن دينار وقد تقدمت روايته قبل ببابين ورواية عبد الله بن مقسم وصلها ابن خزيمة من رواية
محمد بن عجلان عنه وهي عند أبي داود باختصار ورواية أبي الزبير وصلها عبد الرزاق عن ابن
جريج عنه وهي عند مسلم من طريق الليث عنه لكن لم يعين أن السورة البقرة (قوله وتابعه
الأعمش عن محارب) أي تابع شعبة وروايته عند النسائي من طريق محمد بن فضيل عن الأعمش
عن محارب وأبي صالح كلاهما عن جابر بطوله وقال فيه فيطول بهم معاذ ولم يعين السورة (قوله
باب الإيجاز في الصلاة واكمالها) ثبتت هذه الترجمة عند المستملى وكريمة وكذا ذكرها
الإسماعيلي وسقطت للباقين وعلى تقدير سقوطها فمناسبة حديث أنس للترجمة من جهة أن من
سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم في الإيجاز والاتمام لا يشكى منه تطويل وروى ابن أبي شيبة
من طريق أبي مجلز قال كانوا أي الصحابة يتمون ويوجزون ويبادرون الوسوسة فبين العلة في
تخفيفهم ولهذا عقب المصنف هذه الترجمة بالإشارة إلى أن تخفيف النبي صلى الله عليه وسلم لم
يكن لهذا السبب لعصمته من الوسوسة بل كان يخفف عند حدوث أمر يقتضيه كبكاء صبي
(قوله عبد العزيز) هو ابن صهيب والإسناد كله بصريون والمراد بالايجاز مع الإكمال الاتيان بأقل
ما يمكن من الأركان والأبعاض (قوله باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي)
قال الزين بن المنير التراجم السابقة بالتخفيف تتعلق بحق المأمومين وهذه الترجمة تتعلق بقدر
زائد على ذلك وهو مصلحة غير المأمور لكن حيث تتعلق بشئ يرجع إليه (قوله عن يحيى بن أبي
كثير) في رواية بشر بن بكر الآتية عن الأوزاعي حدثني يحيى (قوله عن عبد الله بن أبي قتادة)
في رواية ابن سماعة عن الأوزاعي عند الإسماعيلي حدثني عبد الله بن أبي قتادة (قوله أني لا قوم
في الصلاة أريد) في رواية بشر بن بكر لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد (قوله تابعه بشر بن بكر) هي
موصولة عند المؤلف في باب خروج النساء إلى المساجد معي كتاب الجمعة ومتابعة ابن المبارك
وصلها النسائي ومتابعة بقية وهو ابن الوليد لم أقف عليها واستدل بهذا الحديث على جواز
169

إدخال الصبيان المساجد وفيه نظر لاحتمال أن يكون الصبي كان مخلفا في بيت بقرب من المسجد
بحيث يسمع بكاؤه وعلى جواز صلاة النساء في الجماعة مع الرجال وفيه شفقة النبي صلى الله عليه
وسلم على أصحابه ومراعاة أحوال الكبير منهم والصغير (قوله حدثني شريك بن عبد الله) أي
ابن أبي نمر والإسناد كله مدنيون غير خالد فهو كوفي سكن المدينة (قوله أخف صلاة ولا أتم) إلى
هنا أخرج مسلم من هذا الحديث من رواية إسماعيل بن جعفر عن شريك ووافق سليمان بن
بلال على تكملته أبو ضمرة عند الإسماعيلي (قوله فيخفف) بين مسلم في رواية ثابت عن أنس
محل التخفيف ولفظه فيقرأ بالسورة القصيرة وبين ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن سابط
مقدارها ولفظه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى بسورة طويلة فسمع بكاء صبي فقرأ
بالثانية بثلاث آيات وهذا مرسل (قوله أن تفتن أمه) أي تلتهي عن صلاتها لاشتغال قلبها
ببكائه زاد عبد الرزاق من مرسل عطاء أو تتركه فيضيع (قوله حدثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة
والإسناد كله بصريون وكذا ما بعده موصولا ومعلقا (قوله وأنا أريد إطالتها) فيه أن من
قصد في الصلاة الإتيان بشئ مستحب لا يجب عليه الوفاء به خلافا لأشهب حيث ذهب إلى أن
من نوى التطوع قائما ليس له أن يتمه جالسا (قوله في رواية ابن أبي عدي مما أعلم) وفي رواية
الكشميهني لما أعلم (قوله وجد أمه) أي حزنها * قال صاحب المحكم وجد يجد وجدا بالسكون
والتحريك حزن وكأن ذكر الأم هنا خرج مخرج الغالب وإلا فمن كان في معناها ملتحق بها (قوله
وقال موسى) أي ابن إسماعيل وهو أبو سلمة النبوذكي وأبان هذا ابن يزيد العطار والمراد بهذا بيان
سماع قتادة له من أنس وروايته هذه وصلها السراج عن عبيد الله بن جرير وابن المنذر عن محمد
ابن إسماعيل كلاهما عن أبي سلمة ووقع التصريح أيضا عند الإسماعيلي من رواية خالد بن الحارث
عن سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك حدثه قال ابن بطال احتج به من قال يجوز للأمام إطالة
الركوع إذا سمع بحس داخل ليدركه وتعقبه ابن المنير بان التخفيف نقيض التطويل فكيف
يقاس عليه قال ثم إن فيه مغايرة للمطلوب لأن فيه إدخال مشقة على جماعة لأجل واحد انتهى
ويمكن أن يقال محل ذلك ما لم يشق على الجماعة وبذلك قيده أحمد وإسحق وأبو ثور وما ذكره ابن
بطال سبقه إليه الخطابي ووجهه بأنه إذا جاز التخفيف لحاجة من حاجات الدنيا كان التطويل
لحاجة من حاجات الدين أجوز وتعقبه القرطبي بأن في التطويل هنا زيادة عمل في الصلاة غير
مطلوب بخلاف التخفيف فإنه مطلوب انتهى وفي هذه المسئلة خلاف عند الشافعية وتفصيل
وأطلق النووي عن المذهب استحباب ذلك وفي التجريد للمحاملي نقل كراهيته عن الجديد وبه
قال الأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وأبو يوسف وقال محمد بن الحسن أخشى أن يكون شركا
(قوله باب إذا صلى ثم أم قوما) قال الزين بن المنير لم يذكر جواب إذا جريا على عادته
في ترك الجزم بالحكم المختلف فيه وقد تقدم البحث في ذلك قريبا وتقدم الحديث من وجه آخر
عن عمرو (قوله باب من أسمع الناس تكبير الإمام) تقدم الكلام على حديث عائشة
170

في باب حد المريض أن يشهد الجماعة والشاهد فيه قوله وأبو بكر يسمع الناس التكبير وهذه
اللفظة مفسرة عند الجمهور للمراد بقوله في الرواية الماضية وكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى
الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر وقد ذكر البخاري أن محاضرا تابع عبد الله
ابن داود على ذلك وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي بعده قال ابن مالك ووقع في بعض
الروايات هنا إن يقم مقامك يبكي ومروا أبا بكر يصلي بإثبات الياء فيهما وهو من قبيل أجراء
المعتل لمجرى الصحيح والاكتفاء بحذف الحركة ومنه قراءة من قرأ إنه من يتقي ويصبر * (تنبيه) *
سقط في رواية أبي زيد المروزي من هذا الإسناد إبراهيم ولا بد منه (قوله باب
الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم) قال ابن بطال هذا موافق لقول مسروق والشعبي
إن الصفوف يؤم بعضها بعضا خلافا للجمهور (قلت) وليس المراد أنهم يأتمون بهم في التبليغ
فقط كما فهمه بعضهم بل الخلاف معنوي لأن الشعبي قال فيمن أحرم قبل أن يرفع الصف الذي
يليه رؤسهم من الركعة أنه أدركها ولو كان الإمام رفع قبل ذلك لأن بعضهم لبعض أئمة انتهى
فهذا يدل على أنه يرى أنهم يتحملون عن بعضهم بعض ما يتحمله الإمام وأثر الشعبي الأول وصله
عبد الرزاق والثاني وصله ابن أبي شيبة ولم يفصح البخاري باختياره في هذه المسئلة لأنه بدأ
بالترجمة الدالة على أن المراد بقوله ويأتم الناس بابى بكر أي أنه مقام المبلغ ثم ثنى بهذه الرواية
التي أطلق فيها اقتداء الناس بابى بكر ورشح ظاهرها بظاهرها الحديث المعلق فيحتمل أن يكون
يذهب إلى قول الشعبي ويرى أن قوله في الرواية الأولى يسمع الناس التكبير لا ينفى كونهم
يأتمون به لأن اسماعه لهم التكبير جزء من أجزاء ما يأتمون به فيه وليس فيه نفى لغيره ويؤيد ذلك
رواية الإسماعيلي من طريق عبد الله بن داود المذكور ووكيع جميعا عن الأعمش بهذا الإسناد
قال فيه والناس يأتمون بابى بكر وأبو بكر يسمعهم (قوله ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم)
هذا طرف من حديث أبي سعيد الخدري قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه تأخرا
فقال تقدموا وائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم الحديث أخرجه مسلم وأصحاب السنن من رواية
أبي نضرة عنه قيل وإنما ذكره البخاري بصيغة التمريض لأن أبا نضرة ليس على شرطه لضعف فيه
وهذا عندي ليس بصواب لأنه لا يلزم من كونه على غير شرطه أنه لا يصلح عنده للاحتجاج به بل قد
يكون صالحا للاحتجاج به عنده وليس هو على شرط صحيحه الذي هو أعلى شروط الصحة والحق أن
هذه الصيغة لا تختص بالضعيف بل قد تستعمل في الصحيح أيضا بخلاف صيغة الجزم فإنها
لا تستعمل إلا في الصحيح وظاهره يدل لمذهب الشعبي وأجاب النووي بأن معنى وليأتم بكم
من بعدكم أي يقتدى بكم من خلفكم مستدلين على أفعالي بأفعالكم قال وفيه جواز
اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه أو صف قدامة يراه
متابعا للأمام وقيل معناه تعلموا مني أحكام الشريعة وليتعلم منكم التابعون بعدكم وكذلك
أتباعهم إلى انقراض الدنيا (قوله مروا أبا بكر يصلي) كذا فيه بإثبات الياء وقد تقدم توجيه
ابن مالك له ووقع في رواية الكشميهني أن يصلي (قوله متى يقوم) كذا وقع للأكثر في الموضعين
بإثبات الواو ووجهه ابن مالك بأنه شبه متى بإذا فلم تجزم كما شبه إذا بمتى في قوله إذا أخذتما
مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين فحذف النون ووقع في رواية الكشميهني متي ما يقم ولا اشكال
171

فيها (قوله تخطان الأرض) في رواية الكشميهني يخطان في الأرض وقد تقدمت بقية مباحث
الحديث في باب حد المريض وقوله في السند الأعمش عن إبراهيم عن الأسود كذا للجميع
وهو الصواب وسقط إبراهيم بين الأعمش والأسود من رواية أبي زيد المروزي وهو وهم قاله
الجياني (قوله باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس) أورد فيه قصة
ذي اليدين في السهو وسيأتي الكلام عليها في موضعه قال الزين بن المنير أراد أن محل
الخلاف في هذه المسئلة هو ما إذا كان الإمام شاكا أما إذا كان على يقين من فعل نفسه فلا
خلاف أنه لا يرجع إلى أحد انتهى وقال ابن التين يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم شك
بأخبار ذي اليدين فسألهم إرادة تيقن أحد الأمرين فلما صدقوا ذا اليدين علم صحة قوله
قال وهذا الذي أراد البخاري بتبويبه وقال ابن بطال بعد أن حكى الخلاف في هذه المسألة
حمل الشافعي رجوعه عليه الصلاة والسلام على أنه تذكر فذكر وفيه نظر لأنه لو كان كذلك
لبينه لهم ليرتفع اللبس ولو بينه لنقل ومن ادعى ذلك فليذكره (قلت) قد ذكره أبو داود
من طريق الأوزاعي عن الزهري عن سعيد وعبيد الله عن أبي هريرة بهذه القصة قال ولم
يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك (قوله باب إذا بكى الإمام في الصلاة)
أي هل تفسد أو لا والأثر والخبر اللذان في الباب يدلان على الجواز وعن الشعبي والنخعي
والثوري أن البكاء والأنين يفسد الصلاة وعن المالكية والحنفية إن كان لذكر النار والخوف
لم يفسد وفي مذهب الشافعي ثلاثة أوجه أصحها إن ظهر منه حرفان أفسد وإلا فلا ثانيها
وحكى عن نصه في الإملاء أنه لا يفسد مطلقا لأنه ليس من جنس الكلام ولا يكاد يبين منه حرف
محقق فأشبه الصوت الغفل ثالثها عن القفا إن كان فمه مطبقا لم يفسد وإلا أفسد إن ظهر منه
حرفان وبه قطع المتولي والوجه الثاني أقوى دليلا * (فائدة) * أطلق جماعة التسوية بين الضحك
والبكاء وقال المتولي لعل الأظهر في الضحك البطلان مطلقا لما فيه من هتك حرمة الصلاة
وهذا أقوى من حيث المعنى والله أعلم (قوله وقال عبد الله بن شداد) أي ابن الهاد وهو تابعي
كبير له رؤية ولأبيه صحبة (قوله سمعت نشيج عمر) النشيج بفتح النون وكسر المعجمة وآخره جيم
قال ابن فارس نشج الباكي ينشج نشيجا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب وقال الهروي
النشيج صوت معه ترجيع كما يردد الصبي بكاءه في صدره وفي المحكم هو أشد البكاء وهذا الأثر
وصله سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعيد سمع عبد الله بن شداد بهذا
وزاد في صلاة الصبح وأخرجه ابن المنذر من طريق عبيد بن عمير عن عمر نحوه وقد تقدم
الكلام على حديث أبي بكر وقوله فيه من البكاء أي لأجل البكاء وفي الباب حديث عبد الله
172

ابن الشخير رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء
رواه أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل وإسناده قوي وصححه ابن خزيمة وابن حبان
والحاكم و وهم من زعم أن مسلما أخرجه والمرجل بكسر الميم وفتح الجيم القدر إذا غلت والأزيز
بفتح الهمزة بعدها زاي ثم تحتانية ساكنة ثم زاي أيضا وهو صوت القدر إذا غلت وفي لفظ
كأزيز الرحى (قوله باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها) ليس في
حديثي الباب دلالة على تقييد التسوية بما ذكر لكن أشار بذلك إلى ما في بعض الطرق كعادته
ففي حديث النعمان عند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عندما كاد أن يكبر وفي حديث
أنس في الباب الذي بعد هذا أقيمت الصلاة فأقبل علينا فقال (قوله لتسون) بضم التاء المثناة
وفتح السين وضم الواو المشددة وتشديد النون وللمستملي لتسوون بواوين قال البيضاوي هذه
اللام هي التي يتلقى بها القسم والقسم هنا مقدر ولهذا أكده بالنون المشددة انتهى وسيأتي
من رواية أبي داود قريبا إبراز القسم في هذا الحديث (قوله أو ليخالفن الله بين وجوهكم) أي إن
لم تسووا والمراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد أو يراد بها سد الخلل الذي
في الصف كما سيأتي واختلف في الوعيد المذكور فقيل هو على حقيقته والمراد تسوية الوجه
بتحويل خلقه عن وضعه بجعله موضع القفا أو نحو ذلك فهو ونظير ما تقدم من الوعيد فيمن رفع
رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار وفيمن اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية
وهي المخالفة وعلى هذه فهو واجب والتفريط فيه حرام وسيأتي البحث في ذلك في باب إثم من لم
يتم الصفوف قريبا ويؤيد حمله على ظاهره حديث أبي أمامة لتسون الصفوف أو لتطمسن
الوجوه أخرجه أحمد وفي إسناده ضعف ولهذا قال بن الجوزي الظاهر أنه مثل الوعيد المذكور
في قوله تعالى من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها وحديث أبي أمامه أخرجه أحمد وفي
إسناده ضعف ومنهم من حمله على المجاز قال النووي معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء
واختلاف القلوب كما تقول تغير وجه فلان علي أي ظهر لي من وجهه كراهية لأن مخالفتهم في
الصفوف مخالفة في ظواهرهم واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن ويؤيده رواية
أبي داود وغيره بلفظ أو ليخالفن الله بين قلوبكم كما سيأتي قريبا وقال القرطبي معناه تفترقون
فيأخذ كل واحد وجها غير الذي أخذ صاحبه لأتقدم الشخص على غيره مظنة الكبر المفسد
للقلب الداعي إلى القطيعة والحاصل أن المراد بالوجه إن حمل عل العضو الخصوص فالمخالفة إما
بحسب الصورة الإنسانية أو الصفة أو جعل القدام وراء وأن حمل على ذات الشخص فالمخالفة
بحسب المقاصد أشار إلى ذلك الكرماني ويحتمل أن يراد بالمخالفة في الجزاء فيجازى المسوى بخير
ومن لا يسوى بشر (قوله في حديث أنس أقيموا) أي عدلوا يقال أقام العود إذا عدله وسواه
(قوله فإني أراكم) فيه إشارة إلى سبب الأمر بذلك أي إنما أمرت بذلك لأني تحققت منكم
خلافه وقد تقدم القول في المراد بهذه الرؤية في باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة وأن
المختار حملها على الحقيقة خلافا لمن زعم أن المراد بها خلق علم ضروري له بذلك ونحو ذلك قال
الزين بن المنير لا حاجة إلى تأويلها لأنه في معنى تعطيل لفظ الفاء من غير ضرورة وقال
القرطبي بل حملها على ظاهرها أولى لأن فيه زيادة في كرامة النبي صلى الله عليه وسلم
173

(قوله باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف) أورد فيه حديث أنس
الذي في الباب قبله وقد تقدم الكلام عليه فيه (قوله حدثنا معاوية بن عمرو) هو من قدماء
شيوخ البخاري وروى له هنا بواسطة فكأنه لم يسمعه منه وإنما نزل فيه لما وقع في الإسناد من
تصريح حميد بتحديث أنس له فأمن بذلك تدليسه (قوله وتراصوا) بتشديد الصاد المهملة
أي تلاصقوا بغير خلل ويحتمل أن يكون تأكيدا لقوله أقيموا والمراد بأقيموا سووا كما وقع في رواية
معمر عن حميد عند الإسماعيلي بدل أقيموا واعتدلوا وفيه جواز الكلام بين اشتراط والدخول في
الصلاة وقد تقدم في باب مفرد وفيه مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة
(قوله باب الصف الأول) والمراد به ما يلي الإمام مطلقا وقيل أول صف تام يلي الإمام
لا ما تخلله شئ كمقصورة وقيل المراد به من سبق إلى الصلاة ولو صلى آخر الصفوف قاله ابن عبد البر
واحتج بالاتفاق على أن من جاء أول الوقت ولم يدخل في الصف الأول فهو أفضل ممن جاء في آخره
وزاحم إليه ولا حجة له في ذلك كما لا يخفى قال النووي القول الأول هو الصحيح المختار وبه صرح
المحققون والقولان الآخران غلط صريح انتهى وكأن صاحب القول الثاني لحظ أن المطلق
ينصرف إلى الكامل وما فيه خلل فهو ناقص المنكر القول الثالث لحظ المعنى في تفضيل
الصف الأول دون مراعاة يسير وإلى الأول أشار البخاري لأنه ترجم بالصف الأول وحديث الباب
فيه الصف المقدم وهو الذي لا يتقدمه إلا الإمام قال العلماء في الحض على الصف الأول
المسارعة إلى خلاص الذمة والسبق لدخول المسجد والقرب من الإمام واستماع قراءته والتعلم
منه والفتح عليه والتبليغ عنه والسلامة من اختراق المارة بين يديه وسلامة البال من رؤية من
يكون قدامة وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين (قوله باب إقامة الصف من
تمام الصلاة) أورد فيه حديث أبي هريرة إنما جعل الإمام ليأتم به وسيأتي الكلام عليه في باب
إيجاب التكبير قريبا وفي آخره هنا وأقيموا الصفوف الخ وهو المقصود بهذه الترجمة وقد
أفرده مسلم وأحمد وغيرهما من طريق عبد الرزاق المذكورة عما قبله فجعلوه حديثين (قوله من
حسن الصلاة) قال ابن رشيد إنما قال البخاري في الترجمة من تمام الصلاة ولفظ الحديث من حسن
الصلاة لأنه أراد أن يبين أنه المراد بالحسن هنا وأنه لا يعني به الظاهر المرئي من الترتيب بل المقصود
منه الحسن الحكمي بدليل حديث أنس وهو الثاني من حديثي الباب حيث عبر بقوله من
إقامة الصلاة (قوله في حديث أنس فإن تسوية الصفوف) وفي رواية الأصيلي الصف بالافراد
والمراد به الجنس (قوله من إقامة الصلاة) هكذا ذكره البخاري عن أبي الوليد وذكره غيره عنه
بلفظ من تمام الصلاة كذلك أخرجه الإسماعيلي عن ابن حذيفة والبيهقي من طريق عثمان
الدارمي كلاهما عنه وكذلك أخرجه أبو داود عن أبي الوليد وغيره وكذا مسلم وغيره من طريق
جماعة عن شعبة وزاد الإسماعيلي من طريق أبي داود الطيالسي قال سمعت شعبة يقول داهنت
في هذا الحديث لم أسأل قتادة أسمعته من أنس أم لا انتهى ولم أره عن قتادة إلا معنعنا ولعل هذا هو
السر في إيراد البخاري لحديث أبي هريرة معه في الباب تقوية له واستدل ابن حزم بقوله
إقامة الصلاة على وجوب تسوية الصفوف قال لأن إقامة الصلاة واجبة وكل شئ من الواجب
واجب ولا يخفى ما فيه ولا سيما وقد بينا أن الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة وتمسك ابن بطال بظاهر
174

لفظ حديث أبي هريرة فاستدل به على أن التسوية سنة قال لأن حسن الشئ زيادة
على تمامه
وأورد عليه رواية من تمام الصلاة وأجاب بن دقيق العيد فقال قد يؤخذ من قوله تمام الصلاة
الاستحباب لأن تمام الشئ في العرف أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلا بها وإن كان يطلق
بحسب الوضع على بعض ما لا تتم الحقيقة إلا به كذا قال وهذا الأخذ بعيد لأن لفظ الشارع
لا يحمل إلا على ما دل عليه الوضع في اللسان العربي وإنما يحمل على العرف إذا ثبت أنه عرف
الشارع لا العرف الحادث * (تنبيه) * لفظ الترجمة أورده عبد الرزاق من حديث جابر (قوله
باب إثم من لم يتم الصفوف) قال ابن رشيد أورد فيه حديث أنس ما أنكرت شيئا الا
أنكم لا تقيمون الصفوف وتعقب بان الإنكار قد يقع على ترك السنة فلا يدل ذلك على حصول
الإثم وأجيب بأنه لعله حمل الأمر في قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره على أن المراد
بالأمر الشأن والحال لا مجرد الصيغة فيلزم منه أن من خالف شيئا من الحال التي كان عليها صلى
الله عليه وسلم أن يأثم لما يدل عليه الوعيد المذكور في الآية وإنكار أنس ظاهر في أنهم خالفوا
ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقامة الصفوف فعلى هذا تسلتزم المخالفة
التأثيم انتهى كلام بن رشيد ملخصا وهو ضعيف لأنه يفضى إلى أن لا يبقى شئ مسنون لأن التأثيم
إنما يحصل عن ترك واجب وأما قول ابن بطال إن تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب
إليها والتي يستحق فاعلها المدح عليها دل على أن تاركها يستحق الذم فهو متعقب من جهة أنه لا يلزم
من ذم تارك السنة أن يكون آثما سلمنا لكن يرد عليه التعقب الذي قبله ويحتمل أن يكون
البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله سووا صفوفكم ومن عموم قوله صلوا كما
رأيتموني أصلى ومن ورود الوعيد على تركه فرجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على
ترك الواجب وأن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة
من خالف ولم يسو صحيحة لاختلاف الجهتين ويؤيد ذلك أن أنسا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم
بإعادة الصلاة وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح
عن عمر أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف وبما صح عن سويد بن غفلة قال كان
بلال يسوى مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة فقال ما كان عمر وبلال يضربان أحدا على
ترك غير الواجب وفيه نظر لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة (قوله بشير) هو
بالمعجمة مصغر (قوله ما أنكرت منذ يوم عهدت) في رواية المستملى والكشميهني ما أنكرت منا
منذ عهدت (قوله وقال عقبة بن عبيد) هو أبو الرحال بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة وهو
أخو سعيد بن عبيد راوي الإسناد الذي قبله وليس لعقبة في البخاري إلا هذا الموضع المعلق
وأراد به بيان سماع بشير بن يسار له من أنس وقد وصله أحمد في مسنده عن يحيى القطان عن
عقبة بن عبيد الطائي حدثني بشير بن يسار قال جاء أنس إلى المدينة فقلنا ما أنكرت منا من عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أنكرت منكم شيئا غير أنكم لا تقيمون الصفوف * (تنبية) *
هذه القدمة لأنس غير القدمة التي تقدم ذكرها في باب وقت العصر فإن ظاهر الحديث فيها أنه
أنكر تأخير الظهر إلى أول وقت العصر كما مضى وهذا الإنكار أيضا غير الإنكار الذي تقدم
ذكره في باب تضييع الصلاة عن وقتها حيث قال لا أعرف شيئا مما كان على عهد النبي صلى الله
175

عليه وسلم إلا الصلاة وقد ضيعت فإن ذاك كان بالشام وهذا بالمدينة وهذا يدل على أن أهل المدينة
كانوا في ذلك الزمان أمثل من غيرهم في التمسك بالسنن (قوله باب إلزاق المنكب
بالمنكب والمحسوسات والقدم بالقدم في الصف المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله وقد ورد
الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث بن عمر عند أبي داود
وصححه ابن خزيمة والحاكم ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقيموا الصفوف وحاذوا
بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات الشيطان ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا
قطعه الله (قوله وقال النعمان بن بشير) هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود وصححه ابن
خزيمة من رواية أبي القاسم الجدلي واسمه حسين بن الحارث قال سمعت النعمان بن بشير يقول
أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال أقيموا صفوفكم ثلاثا والله لتقيمن
صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم قال فلقد رأيت الرجل منا يلزق منكبه بمنكب صاحبه
وكعبه بكعبه واستدل بحديث النعمان هذا على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ
في جانبي الرجل وهو عند ملتقى الساق والقدم وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه خلافا لمن
ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم
وأثبته بعضهم في مسألة الحج لا الوضوء وأنكر الأصمعي قول من زعم أن الكعب في ظهر القدم
(قوله عن أنس) رواه سعيد بن منصور عن هشيم فصرح فيه بتحديث أنس لحميد وفيه الزيادة
التي في آخره وهي قوله وكان أحدنا الخ وصرح بأنها من قول أنس وأخرجه الإسماعيلي من
رواية معمر عن حميد بلفظ قال أنس فلقد رأيت أحدنا الخ وأفاد هذا التصريح أن الفعل
المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف
وتسويته وزاد معمر في روايته ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر كأنه بغل شموس (قوله
باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه تمت صلاته) تقدم
أكثر لفظ هذه الترجمة قبل بنحو من عشرين بابا لكن ليس هناك لفظ خلفه وقال هناك لم تفسد
صلاتهما بدل قوله تمت صلاته وأخرج هناك حديث ابن عباس هذا لكن من وجه آخر ولم ينبه
أحد من الشراح على حكمة هذه الإعادة بل أسقط بعضهم الكلام على هذا الباب والذي يظهر
لي أن حكمهما مختلف لاختلاف الجوابين فقوله لم تفسد صلاتهما أي بالعمل الواقع منهما لكونه
خفيفا وهو من مصلحة الصلاة أيضا وقوله تمت صلاته أي المأموم ولا يضر وقوفه عن يسار
الإمام أولا مع كونه في غير موقفه ولأنه معذور بعدم العلم بذلك الحكم ويحتمل أن يكون الضمير
للأمام وتوجيهه أن الإمام وحده في مقام الصف ومحاولته لتحويل المأموم فيه التفات ببعض بدنه
ولكن ليس تركا لإقامة الصف للمصلحة المذكورة فصلاته على هذا لا نقص فيها من هذه الجهة
والله أعلم وقال الكرماني يحتمل أن يكون الضمير للرجل لأن الفاعل وإن تأخر لفظا لكنه متقدم
رتبة فلكل منهما قرب من وجه (قلت) لكن إذا عاد الضمير للأمام أفاد أنه احترز أن يحوله من بين
يديه لئلا يصير كالمار بين يديه (قوله باب المرأة وحدها تكون صفا) أي في حكم
الصف وبهذا يندفع اعتراض الإسماعيلي حيث قال الشخص الواحد لا يسمى صفا وأقل ما يقوم
الصف باثنين ثم أن هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه بن عبد البر من حديث عائشة مرفوعا المرأة
176

وحدها صف (قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو الجعفي وإن كان عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قد
روى هذا الحديث أيضا عن سفيان وهو ابن عيينة (قوله عن إسحاق عن أنس) في رواية
عن أبي نعيم وعلي بن المديني عند الإسماعيلي كلاهما عن سفيان حدثنا إسحاق بن عبد الله
ابن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك (قوله صليت أنا ويتيم) كذا للجميع وكذا وقع في خبر يحيى بن
يحيى المشهور من روايته عن ابن عيينة ووقع عند ابن فتحون فيما رواه عن بن السكن بسنده في
الخبر المذكور صليت أنا وسليم بسين مهله ولام مصغرا فتصحفت على الراوي من لفظ يتيم ومشى
على ذلك ابن فتحون فقال في ذيله على الاستيعاب سليم غير منسوب وساق هذا الحديث ثم إن هذا
طرف من حديث أختصره سفيان وطوله مالك كما تقدم في باب الصلاة على الحصير واستدل بقوله
فصففت أنا واليتيم وراءه على أن السنة في موقف الاثنين أن يصفا خلف الإمام خلافا لمن قال
من الكوفيين أن أحدهما يقف عن يمينه والآخر عن يساره وحجتهم في ذلك حديث ابن مسعود
الذي أخرجه أبو داود و غيره عنه أنه أقام علقمة عن يمينه والأسود عن شماله وأجاب عنه ابن
سيرين بأن ذلك كان لضيق المكان رواه الطحاوي (قوله وأمي أم سليم خلفنا) فيه أن المرأة
لاتصف مع الرجال وأصله ما يخشى من الافتتان بها فلو خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور و عن
الحنفية تفسد صلاة الرجل دون المرأة وهو عجيب وفي توجيهه تعسف حيث قال قائلهم دليله
قول ابن مسعود أخروهن من حيث أخرهن الله والأمر للوجوب وحيث ظرف مكان ولا مكان
يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل لأنه ترك ما أمر به من
تأخيرها وحكاية هذا تغني عن تكلف جوابه والله المستعان فقد ثبت النهى عن الصلاة في
الثوب المغصوب وأمر لابسه أن ينزعه فلو خالف فصلى فيه ولم ينزعه أثم وأجزأته صلاته فلم
لا يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك وأوضح منه لو كان لباب المسجد صفة مملوكة فصلى فيها
شخص بغير إذنه مع اقتداره على أن ينتقل عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة صحت صلاته
وأثم وكذلك الرجل مع المرأة التي حاذته ولا سيما إن جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه
وقال ابن رشيد الأقرب أن البخاري قصد أن يبين أن هذا مستثنى من عموم الحديث الذي فيه قبله
لا صلاة لمنفرد خلف الصف يعني أنه مختص بالرجال والحديث المذكور أخرجه ابن حبان من
حديث علي بن شيبان وفي صحته نظر كما سنذكره في باب إذ ركع دون الصف واستدل به ابن بطال
على صحة صلاة المنفرد خلف الصف خلافا لأحمد قال لأنه لما ثبت ذلك للمرأة كان للرجل أولى
لكن لمخالفة أن يقول إنما ساغ ذلك لامتناع أن تصف مع الرجال بخلاف الرجل فإن له أن يصف
معهم وأن يزاحمهم وأن يجذب رجلا من حاشية الصف فيقوم معه فافترقا وباقي مباحثه تقدمت
في باب الصلاة على الحصير (قوله باب ميمنة المسجد والإمام) أورد فيه حديث
ابن عباس مختصرا وهو موافق للترجمة أما للأمام فبالمطابقة وأما للمسجد فباللزوم وقد تعقب
من وجه آخر وهو أن الحديث إنما ورد فيما إذا كان المأموم واحدا أما إذا كثروا فلا دليل فيه على
فضيلة ميمنة المسجد وكأنه أشار إلى ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن البراء قال كنا إذا صلينا
خلف النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه ولأبي داود بإسناد حسن عن عائشة
مرفوعا أن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف وأما ما رواه ابن ماجة عن ابن عمر قال
177

قيل للنبي صلى الله علية وسلم إن ميسرة المسجد تعطلت فقال من عمر ميسرة المسجد كتب له
كفلان من الأجر ففي إسناده مقال وإن ثبت فلا يعارض الأول لأن ما ورد لمعنى عارض يزول
بزواله (قوله حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي وعاصم هو ابن سليمان (قوله وقال
بيده) أي تناول ويدل عليه رواية الإسماعيلي فأخذ بيدي (قوله من ورائي) في رواية الكشميهني
من ورائه وهو أوجه (قوله باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة) أي
هل يضر ذلك بالاقتداء أولا والظاهر من تصرفه أنه لا يضر كما ذهب إليه المالكية والمسألة ذات
خلاف شهير ومنهم من فرق بين المسجد وغيره (قوله وقال الحسن) لم أره موصولا بلفظه و روى
سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه في الرجل يصلي خلف الإمام أو فوق سطح يأتم به لا بأس بذلك
(قوله وقال أبو مجلز) وصله ابن أبي شيبة عن معتمر عن ليث بن أبي سليم عنه بمعناه و ليث ضعيف
لكن أخرجه عبد الرزاق عن ابن التيمي وهو معتمر عن أبيه عنه فإن كان مضبوطا فهو إسناد
صحيح (قوله حدثني محمد) هو ابن سلام قاله أبو نعيم وبه جزم ابن عساكر في روايته و عبدة هو ابن
سليمان (قوله في حجرته) ظاهره أن المراد حجرة بيته ويدل عليه ذكر جدار الحجرة وأوضح منه
رواية حماد بن زيد عن يحيى عند أبي نعيم بلفظ كان يصلي في حجرة من حجر أزواجه ويحتمل أن
المراد الحجرة التي كان احتجرها في المسجد بالحصير كما في الرواية التي بعد هذه وكذا حديث زيد بن
ثابت الذي بعده ولأبي داود ومحمد بن نصر من وجهين آخرين عن أبي سلمة عن عائشة أنها هي التي
نصبت له الحصير على باب بيتها فأما أن يحمل على التعدد أو على المجاز في الجدار وفي نسبة الحجرة
إليها (قوله فقام ناس) في رواية الكشميهني فقام أناس وهذا موضع الترجمة لأن مقتضاه أنهم
كانوا يصلون بصلاته وهو داخل الحجرة وهم خارجها (قوله فقام ليلة الثانية) كذا للأكثر وفيه
حذف تقديره ليلة الغداة الثانية وفي رواية الأصيلي فقام الليلة الثانية (قوله فلما أصبح ذكر
ذلك الناس) أي له وأفاد عبد الرزاق أن الذي خاطبه بذلك عمر رضي الله عنه أخرجه عن معمر
عن الزهري عن عروة عنها (قوله أن تكتب عليكم) أي تفرض وهو رواية حماد بن زيد عند أبي
نعيم وكذا رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري عن عروة عنها وستأتى بقية مباحثه في كتاب
التهجد إن شاء الله تعالى (قوله باب صلاة الليل) كذا وقع في رواية المستملى
وحده ولم يعرج عليه أكثر الشراح ولا ذكره الإسماعيلي وهو وجه السياق لأن التراجم متعلقة
بأبواب الصفوف وإقامتها ولما كانت الصلاة بالحائل قد يتخيل أنها مانعة من إقامة الصف ترجم
لها وأورد ما عنده فيها فأما صلاة الليل بخصوصها فلها كتاب مفرد سيأتي في أواخر الصلاة وكأن
النسخة وقع فيها تكرير لفظ صلاة الليل وهي الجملة التي في آخر الحديث الذي قبله فظن الراوي
أنها ترجمة مستقلة فصدرها بلفظ باب وقد تكلف ابن رشيد توجيهها بما حاصله إن من صلى صارت
مأموما في الظلمة كانت فيه مشابهة بمن صلى وراء حائل وأبعد منه من قال يريد أن من صلى بالليل
مأموما في الظلمة كان كمن صلى وراء حائط ثم ظهر لاحتمال أن يكون المراد صلاة الليل جماعة
فحذف لفظ جماعة والذي يأتي في أبواب التهجد إنما هو حكم صلاة الليل وكيفيتها في عدد
الركعات أو في المسجد أو البيت ونحو ذلك (قوله عن المقبري) هو سعيد والإسناد كله مدنيون
(قوله ويحتجره) كذا للأكثر بالراء أي يتخذه مثل الحجرة وفي رواية الكشميهني بالزاي بدل
178

الراء أي يجعله حاجزا بينه وبين غيره (قوله فثاب) كذا للأكثر بمثلثة ثم موحدة أي اجتمعوا
ووقع عند الخطابي آبوا أي رجعوا وفي رواية الكشميهني والسرخسي فثار بالمثلثة والراء
أي قاموا (قوله فصلوا وراءه) كذا أورده مختصرا وغرضه بيان أن الحجرة المذكورة في الرواية
التي قبل هذه كانت حصيرا وقد ساقه الإسماعيلي من وجه آخر عن بن أبي ذئب تاما وسنذكر
الكلام على فوائده في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى (قوله عن سالم أبي النضر) كذا لأكثر
الرواة عن موسى بن عقبة وخالفهم ابن جريج عن موسى فلم يذكر أبا النضر في الإسناد أخرجه
النسائي ورواية الجماعة أولى وقد وافقهم مالك في الإسناد لكن لم يرفعه في الموطأ وروى عنه
خارج الموطأ مرفوعا وفيه ثلاثة من التابعين مدنيون على نسق أولهم موسى المذكور (قوله
حجرة) كذا للأكثر بالراء وللكشميهني أيضا بالزاي (قوله من صنيعكم) كذا للأكثر وللكشميهني
بضم الصاد وسكون النون وليس المراد به صلاتهم فقط بل كونهم رفعوا أصواتهم وسبحوا به
ليخرج إليهم وحصب بعضهم الباب لظنهم أنه نائم كما ذكر المؤلف ذلك في الأدب وفي الاعتصام
وزاد فيه حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به وقد استشكل الخطابي هذه
الخشية كما سنوضحه في كتاب التهجد إن شاء الله تعالى (قوله أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا
المكتوبة) ظاهره أنه يشمل جميع النوافل لأن المراد بالمكتوبة المفروضة لكنه أمرهم على ما لا
يشرع فيه التجميع وكذا ما لا يخص المسجد كركعتي التحية كذا قال بعض أئمتنا ويحتمل أن
يكون المراد بالصلاة ما يشرع في البيت وفي المسجد معا فلا الخطبة تحية المسجد لأنها لا تشرع في
البيت وأن يكون المراد بالمكتوبة ما تشرع فيه الجماعة وهل يدخل ما وجب بعارض كالمنذورة
فيه نظر والمراد بالمكتوبة الصلوات الخمس لا ما وجب بعارض كالمنذورة والمراد بالمرء جنس
الرجال فلا يرد استثناء النساء لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوهن المساجد وبيوتهن
خير لهن أخرجه مسلم قال النووي إنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من
الرياء وأفرادها البيت بذلك فتنزل فيه الرحمة وينفر منه الشيطان وعلى هذا يمكن أن يخرج بقوله
في بيته بيت غيره ولو أمن فيه من الرياء (قوله قال عفان) كذا في رواية كريمة وحدها ولم يذكره
الإسماعيلي ولا أبو نعيم وذكر خلف في الأطراف في رواية حماد بن شاكر حدثنا عفان وفيه نظر
لأنه أخرجه في كتاب الاعتصام بواسطة بينه وبين عفان ثم فائدة هذه الطريق بيان سماع
موسى بن عقبة له من أبي النضر والله أعلم * (خاتمة) * اشتملت أبواب الجماعة والإمامة من
الأحاديث المرفوعة على مائة واثنين وعشرين حديثا الموصول منها ستة وتسعون والمعلق
ستة قرة المكرر منها فيه وفيما مضى تسعون حديثا الخالص اثنان وثلاثون وافقه مسلم
على تخريجها سوى تسعة أحاديث وهي حديث أبي سعيد في فضل الجماعة وحديث أبي الدرداء
ما أعرف شيئا وحديث أنس كان رجل من الأنصار ضخما وحديث مالك بن الحويرث في صفة
الصلاة وحديث ابن عمر لما قدم المهاجرون وحديث أبي هريرة يصلون فإن أصابوا وحديث
النعمان المعلق في الصفوف وحديث أنس كان أحدنا يلزق منكبه وحديثه في إنكاره إقامة
الصفوف وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين سبعة عشر أثرا كلها معلقة إلا أثر ابن عمر أنه
كان يأكل قبل أن يصلي وأثر عثمان الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإنهما موصولان والله
سبحانه وتعالى أعلم
179

* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم) * * (أبواب صفة الصلاة) *
(قوله باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة) قيل أطلق الإيجاب والمراد
الوجوب تجوزا لأن الإيجاب خطاب الفاء والوجوب ما يتعلق بالمكلف وهو المراد هنا ثم
الظاهر أن الواو عاطفة إما على المضاف وهو أيجاب وإما على المضاف إليه وهو التكبير الأولى
أولى إن كان المراد بالافتتاح الدعاء لكنه لا يجب والذي يظهر من سياقه أن الواو بمعنى مع وأن
المراد بالافتتاح الشروع في الصلاة وأبعد من قال إنها بمعنى الموحدة أو اللام وكأنه أشار إلى
حديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير وسيأتي بعد بابين حديث ابن
عمر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير في الصلاة واستدل به وبحديث عائشة على تعين
لفظ التكبير دون غيره من ألفاظ التعظيم وهو قول الجمهور ووافقهم أبو يوسف وعن الحنفية
تنعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم ومن حجة الجمهور حديث رفاعة في قصة المسئ صلاته
أخرجه أبو داود بلفظ لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه ثم يكبر
ورواه الطبراني بلفظ ثم يقول الله أكبر وحديث أبي حميد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه ثم قال الله أكبر أخرجه ابن ماجة وصححه ابن خزيمة وابن
حبان وهذا فيه بيان المراد بالتكبير وهو قول الله أكبر وروى البزار بإسناد صحيح على شرط مسلم
عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال الله أكبر ولأحمد والنسائي من
طريق واسع بن حبان أنه سأل بن عمر عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله أكبر كلما
وضع ورفع ثم أورد المصنف حديث أنس إنما جعل الإمام ليأتم به من وجهين ثم حديث أبي
هريرة في ذلك واعترضه الإسماعيلي فقال ليس في الطريق الأول ذكر التكبير ولا في الثاني
والثالث بيان إيجاب التكبير وإنما فيه الأمر بتأخير تكبير المأموم عن الإمام قال ولو كان ذلك
إيجابا للتكبير لكان قوله فقولوا ربنا ولك الحمد إيجابا لذلك على المأموم وأجيب عن الأول بأن
مراد المصنف أن يبين أن حديث أنس من الطريقين واحد اختصره شعيب وأتمه الليث وإنما
أحتاج إلى ذكر الطريق المختصرة لتصريح الزهري فيها بأخبار أنس له وعن الثاني بأنه صلى الله
عليه وسلم فعل ذلك وفعلة بيان لمجمل الصلاة وبيان الواجب واجب كذا وجهه ابن رشيد وتعقب
بالاعتراض الثالث وليس بوارد على البخاري لاحتمال أن يكون قائلا بوجوبه كما قال به شيخه
إسحاق بن راهويه وقيل في الجواب أيضا إذا ثبت إيجاب التكبير في حالة من الأحوال طابق
الترجمة ووجوبه على المأموم ظاهر من الحديث وأما الإمام فمسكوت عنه ويمكن أن يقال في
السياق إشارة إلى الإيجاب لتعبيره بإذا التي تختص بما يجزم وقوعه وقال الكرماني الحديث
دال على الجزء الثاني من الترجمة لأن لفظ إذا صلى قائما متناول لكون الافتتاح في حال القيام
فكأنه قال إذا افتتح الإمام الصلاة قائما فافتتحوا أنتم أيضا قياما قال ويحتمل أن تكون الواو
بمعنى مع والمعنى باب إيجاب التكبير عند افتتاح الصلاة فحينئذ دلالته على الترجمة مشكل
انتهى ومحصل كلامه أنه لم يظهر له توجيه إيجاب التكبير من هذا الحديث والله أعلم وقال
قوله فقولوا ربنا ولك الحمد لولا الدليل الخارجي وهو الإجماع على عدم وجوبه لكان هو أيضا واجبا
180

انتهى وقد قال بوجوبه جماعة من السلف منهم القدرة شيخ البخاري وكأنه لم يطلع على ذلك وقد
تقدم الكلام على فوائد المتن المذكور مستوفى في باب إنما جعل الإمام ليأتم به ووقع في رواية
المستملى وحده في طريق شعيب عن الزهري وإذا سجد فاسجدوا ووقع في رواية الكشميهني في
طريق الليث ثم انصرف بدل قوله فلما انصرف وزيادة الواو في قوله ربنا لك الحمد وسقط لفظ
جعل عند السرخسي في حديث أبي هريرة من قوله إنما جعل الإمام ليأتم به * (فائدة) *
تكبيرة الإحرام ركن عند الجمهور وقيل شرط وهو عند الحنفية ووجه عند الشافعية وقيل سنة
قال ابن المنذر ليقل به أحد غير الزهري ونقله غيره عن سعيد بن المسيب والأوزاعي ومالك ولم
يثبت عن أحد منهم تصريحا وإنما قالوا فيمن أدرك الإمام راكعا تجزئه تكبيرة الركوع نعم نقله
الكرخي من الحنفية عن إبراهيم بن علية وأبي بكر الأصم ومخالفاتهما للجمهور كثيرة * (تنبيه) *
لم يختلف في إيجاب النية في الصلاة وقد أشار إليه المصنف في أواخر الإيمان حيث قال باب ما جاء
في قول النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنية فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة
إلى آخر كلامه (قوله باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء) هو
ظاهر قوله في حديث الباب يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وفي رواية شعيب الآتية بعد باب يرفع يديه
حين يكبر فهذا دليل المقارنة وقد ورد تقديم الرفع على التكبير وعكسه أخرجهما مسلم ففي
حديث الباب عنده من رواية ابن جريج وغيره عن ابن شهاب بلفظ رفع يديه ثم كبر وفي حديث
مالك بن الحويرث عنده كبر ثم رفع يديه وفي المقارنة وتقديم الرفع على التكبير خلاف بين
العلماء والمرجح عند أصحابنا المقارنة ولم أر من قال بتقديم التكبير على الرفع ويرجح الأول حديث
وائل بن حجر عند أبي داود بلفظ رفع يديه مع التكبير وقضية المعية أنه ينتهى بانتهائه وهو الذي
صححه النووي في شرح المهذب ونقله عن نص الشافعي وهو المرجح عند المالكية وصحح في
الروضة تبعا لأصلها أنه لا حد لانتهائه وقال صاحب الهداية من الحنفية الأصح يرفع ثم يكبر
لأن الرفع نفى صفة الكبرياء عن غير الله والتكبير إثبات ذلك له والنفي سابق على الاثبات كما في كلمة
الشهادة وهذا مبنى على أن الحكمة في الرفع ما ذكر وقد قال فريق من العلماء الحكمة في
اقترانهما أن يراه الأصم ويسمعه الأعمى وقد ذكرت في ذلك مناسبات أخر فقيل معناه الإشارة إلى
طرح الدنيا والاقبال بكليته على العبادة وقيل إلى الاستسلام والانقياد ليناسب فعله قوله الله
أكبر وقيل إلى استعظام ما دخل فيه وقيل إشارة إلى تمام القيام وقيل إلى رفع الحجاب بين
العبد والمعبود وقيل ليستقبل بجميع بدنه قال القرطبي هذا أنسبها وتعقب وقال الربيع
قلت للشافعي ما معنى رفع اليدين قال تعظيم الله واتباع سنة نبيه ونقل بن عبد البر عن ابن عمر
أنه قال رفع اليدين من زينة الصلاة وعن عقبة بن عامر قال بكل رفع عشر حسنات بكل إصبع
حسنة (قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة) هو القعنبي وفي روايته هذه عن مالك خلاف ما في
روايته عنه في الموطأ وقد أخرجه الإسماعيلي من روايته بلفظ الموطأ قال الدارقطني رواه
الشافعي والقعنبي وسرد جماعة من رواة الموطأ فلم يذكروا فيه الرفع عند الركوع قال وحدث
به عن مالك في غير الموطأ ابن المبارك وابن مهدي والقطان وغيرهم بإثباته وقال ابن عبد البر كل
من رواه عن ابن شهاب أثبته غير مالك في الموطأ خاصة قال النووي في شرح مسلم أجمعت
181

الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ثم قال بعد أسطر أجمعوا على أنه لا يجب شئ
من الرفع إلا أنه حكى وجوبه عند تكبيرة الإحرام عن داود وبه قال أحمد بن سيار من أصحابنا
أه واعترض عليه بأنه تناقض وليس كما قال المعترض فلعله أراد إجماع من قبل المذكورين
أو لم يثبت عنده عنهما أو لأن الاستحباب لا ينافي الوجوب وبالاعتذار الأول يندفع اعتراض من
أورد عليه أن مالكا قال في روايته عنه إنه لا يستحب نقله صاحب التبصرة منهم وحكاه الباجي
عن كثير من متقدميهم وأسلم العبارات قول ابن المنذر لم يختلفوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وقول ابن عبد البر أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح
الصلاة وممن قال بالوجوب أيضا الأوزاعي والحميدي شيخ البخاري وابن خزيمة من أصحابنا نقله
عنه الحاكم في ترجمة محمد بن علي العلوي وحكاه القاضي حسن عن الإمام أحمد وقال ابن عبد البر
كل من نقل عنه الإيجاب لا يبطل الصلاة بتركه إلا في رواية عن الأوزاعي والحميدي (قلت) ونقل
بعض الحنفية عن أبي حنيفة يأثم تاركه وأما قول النووي في شرح المهذب أجمعوا على استحبابه
ونقله ابن المنذر ونقل العبدري عن الزيدية أنه لا يرقع ولا يعتد بخلافهم ونقل القفال عن أحمد
ابن سيار أنه أوجبه وإذا لم يرفع لم تصح صلاته وهو مردود بإجماع من قبله وفي نقل الإجماع نظر فقد
نقل القول بالوجوب عن بعض من تقدمه ونقله القفال في فتاويه عن أحمد بن سيار الذي مضى
ونقله القرطبي في أوائل تفسيره عن بعض المالكية وهو مقتضى قول ابن خزيمة إنه ركن واحتج
ابن حزم بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد قال صلوا كما رأيتموني أصلى وسيأتي ما يرد
عليه في ذلك في الباب الذي يليه ويأتي الكلام على نهاية الرفع بعد بباب (قوله باب
رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع) قد صنف البخاري في هذه المسألة جزأ منفردا وحكى
فيه عن الحسن وحميد بن هلال أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك قال البخاري ولم يستثن الحسن
أحدا وقال ابن عبد البر كل من روى عنه ترك الرفع في الركوع والرفع منه روى عنه فعله
إلا ابن مسعود وقال محمد بن نصر المروزي أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل
الكوفة وقال ابن عبد البر لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم والذي نأخذ به
الرفع على حديث ابن عمر وهو الذي رواه بن وهب وغيره عن مالك ولم يحك الترمذي عن مالك
غيره ونقل الخطابي وتبعه القرطبي في المفهم أنه آخر قولي مالك وأصحهما ولم أر للمالكية
دليلا على تركه ولا متمسكا إلا بقول بن القاسم وأما الحنفية المغسل على رواية مجاهد أنه صلى
خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك وأجيبوا بالطعن في إسناده لأن أبا بكر بن عياش رواية ساء حفظه
بآخرة وعلى تقدير صحته فقد أثبت ذلك سالم ونافع وغيرهما عنه وستأتى رواية نافع بعد بابين
والعدد الكثير أولى من واحد لا سيما وهم مثبتون وهو ناف مع أن الجمع بين الكل ممكن وهو
أنه لم يكن يراه واجبا ففعله تارة وتركه أخرى ومما يدل على ضعفه ما رواه البخاري في جزء رفع
اليدين عن مالك أن ابن عمر كان إذا رأى رجلا لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصا واحتجوا
أيضا بحديث ابن مسعود أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الافتتاح ثم لا يعود
أخرجه أبو داود ورده الشافعي بأنه لم يثبت قال ولو ثبت لكان المثبت مقدما على النافي وقد صححه
بعض أهل الحديث لكنه استدل به على عدم الوجوب والطحاوي إنما نصب الخلاف مع من
182

يقول بوجوبه كالأوزاعي وبعض أهل الظاهر ونقل البخاري عقب حديث ابن عمر في هذا الباب
عن شيخه علي بن المديني قال حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع والرفع منه لحديث
ابن عمر هذا وهذا في رواية بن عساكر وقد ذكره البخاري في جزء رفع اليدين وزاد وكان على أعلم
أهل زمانه ومقابل هذا قول بعض الحنفية إنه يبطل الصلاة ونسب بعض متأخري المغاربة فاعله
إلى البدعة ولهذا مال بعض محققيهم كما حكاه ابن دقيق العيد إلى تركه درءا لهذه المفسدة وقد
قال البخاري في جزء رفع اليدين من زعم أنه بدعة فقد طعن في الصحابة فإنه لم يثبت عن أحد منهم
تركه قال ولا أسانيد أصح من أسانيد الرفع انتهى والله أعلم وذكر البخاري أيضا أنه رواه سبعة عشر
رجلا من الصحابة وذكر الحاكم وأبو القاسم بن منده ممن رواه العشرة المبشرة وذكر شيخنا أبو
الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلا (قوله أخبرنا عبد الله) هو
ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد وأفادت هذه الطريق تصريح الزهري بأخبار سالم له به (قوله
عن أبيه سماه غير أبي ذر فقالوا عن عبد الله بن عمر (قوله حين يكبر للركوع) أي عند ابتداء
الركوع وهو مقتضى رواية مالك بن الحويرث المذكورة في الباب حيث قال وإذا أراد أن يركع
رفع يديه وسيأتي في باب التكبير إذا قام من السجود من حديث أبي هريرة ثم يكبر حين يركع (قوله
ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع) أي إذا أراد أن يرفع ويؤيده رواية أبي داود من طريق
الزبيدي عن الزهري بلفظ ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه ومقتضاه
أنه يبتدئ رفع يديه عند ابتداء القيام من الركوع وأما رواية ابن عيينة عن الزهري التي أخرجها
عنه أحمد وأخرجها عن أحمد أبو داود بلفظ وبعد ما يرفع رأسه من الركوع فمعناه بعد ما يشرع في
الرفع لتتفق الروايات (قوله ولا يفعل ذلك في السجود) أي لا في الهوى إليه ولا في الرفع منه
كما في رواية شعيب في الباب الذي بعده حيث قال حين يسجد ولا حين يرفع رأسه وهذا يشمل
ما إذا نهض من السجود إلى الثانية والرابعة والتشهدين ويشمل ما إذا قام إلى الثالثة أيضا لكن
بدون تشهد لكونه غير واجب وإذا قلنا باستحباب جلسة الاستراحة لم يدل هذا اللفظ على نفى
ذلك عند القيام منها إلى الثانية والرابعة لكن قد روى يحيى القطان عن مالك عن نافع عن ابن عمر
مرفوعا هذا الحديث وفيه ولا يرفع بعد ذلك أخرجه الدارقطني في الغرائب بإسناد حسن
وظاهره يشمل النفي عما عدا المواطن الثلاثة وسيأتي اثبات ذلك في موطن رابع بعد بباب
(قوله عن خالد) هو الحذاء وفي رواية المستملى والسرخسي حدثنا خالد (قوله إذا صل كبر ورفع
يديه) في رواية مسلم ثم رفع وزاد مسلم من رواية رواية نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث حتى يحاذي
بهما أذنيه ووهم المحب الطبري فعزاه للمتفق (قوله وحدث) أي مالك بن الحويرث وليس
معطوفا على قوله رأى فيبقى فاعله أبو قلابة فيصير مرسلا (قوله باب إلى أين
يرفع يديه) لم يجزم المصنف بالحكم كما جزم به قبل وبعد جريا على عادته فيما إذا قوي الخلاف
لكن الأرجح عنده محاذاة المنكبين لاقتصاره على إيراد دليله (قوله وقال أبو حميد الخ)
هذا التعليق طرف من حديث سيأتي في باب سنة الجلوس في المنكدر وسنذكر هناك من عرفنا
اسمه من أصحابه المذكورين إن شاء الله تعالى (قوله حذو منكبيه) بفتح المهملة واسكان
الذال المعجمة أي واستفادوا والمنكب مجمع عظم العضد والكتف وبهذا أخذ الشافعي والجمهور
183

وذهب الحنفية إلى حديث مالك بن الحويرث المقدم ذكره عند مسلم وفي لفظ له عنه حتى
يحاذي بهما فروع أذنيه وعند أبي داود من رواية عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن
حجر بلفظ حتى حاذتا أذنيه ورجح الأول لكون إسناده أصح وروى أبو ثور عن الشافعي أنه جمع بينهما فقال
يحاذي بظهر كفيه المنكبين وبأطراف أنامله الأذنين ويؤيده رواية أخرى عن وائل عند أبي
داود بلفظ حتى كانتا حيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه وبهذا قال المتأخرون من المالكية
فيما حكاه ابن شاس في الجواهر لكن روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه حذو
منكبيه في الافتتاح وفي غيره دون ذلك أخرجه أبو داود ويعارضه قول ابن جريج قلت لنافع
أكان ابن عمر يجعل الأولى أرفعهن قال لا ذكره أبو داود أيضا وقال لم يذكر رفعهما دون ذلك غير
مالك فيما أعلم (قوله وإذا قال سمع الله لمن حمده فعل مثله) ظاهره أنه يقول التسميع في ابتداء
ارتفاعه من الركوع وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب قليلة * (فائدة) * لم يرد ما يدل على التفرقة في
الرفع بين الرجل والمرأة وعن الحنفية يرفع الرجل إلى الأذنين والمرأة إلى المنكبين لأنه أستر لها
والله أعلم (قوله باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين) أي بعد التشهد
فيخرج ما إذا تركه ونهض قائما من السجود لعموم قوله في الرواية التي قبله ولا حين يرفع رأسه
من السجود ويحتمل حمل النفي هناك على حالة رفع الرأس من السجود لا على ما بعد ذلك حين
يستوي قائما وأبعد من استدل بقول سالم في روايته ولا يفعل ذلك في السجود على موافقة رواية
نافع في حديث هذا الباب حيث قال وإذا قام من الركعتين لأنه لا يلزم من كونه لم ينفه أنه أثبته
بل هو ساكت عنه وأبعد أيضا من استدل برواية سالم على ضعف رواية نافع والحق أنه ليس بين
روايتي نافع وسالم تعارض بل في رواية نافع زيادة لم ينفها سالم وستأتى الإشارة إلى أن سالما أثبتها
من وجه آخر (قوله حدثنا عياش) هو بالمثناة التحتانية وبالمعجمة وهو ابن الوليد الرقام وعبد
الأعلى هو ابن عبد الأعلى وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص (قوله ورفع ذلك بن عمر إلى النبي
صلى الله عليه وسلم) في رواية أبي ذر إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم قال أبو داود رواه الثقفي يعني
عبد الوهاب عن عبيد الله فلم يرفعه وهو الصحيح وكذا رواه الليث بن سعد وابن جريج ومالك يعني
عن نافع موقوفا وحكى الدارقطني في العلل الاختلاف في وقفه ورفعه وقال الأشبه بالصواب
قول عبد الأعلى وحكى الإسماعيلي عن بعض مشايخه أنه أومأ إلى أن عبد الأعلى أخطأ في رفعه
قال الإسماعيلي وخالفه عبد الله بن إدريس وعبد الوهاب الثقفي والمعتمر يعني عن عبيد الله
فرووه موقوفا عن ابن عمر (قلت) وقفه معتمر وعبد الوهاب عن عبيد الله عن نافع كما قال لكن
رفعاه عن عبيد الله عن الزهري عن سالم عن بن عمر أخرجهما البخاري في جزء رفع اليدين وفيه
الزيادة وقد توبع نافع على ذلك عن بن عمر وهو فيما رواه أبو داود وصححه البخاري في الجزء
المذكور من طرق محارب بن دثار عن بن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في
الركعتين كبر ورفع يديه وله شواهد منها حديث أبي حميد الساعدي وحديث علي بن أبي طالب
أخرجهما أبو داود وصححهما ابن خزيمة وابن حبان وقال البخاري في الجزء المذكور ما زاده ابن
عمر وعلى وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح لأنهم لم يحكوا
صلاة واحدة فاختلفوا فيه وإنما زاد بعضهم على بعض والزيادة مقبولة من أهل العلم وقال ابن
184

بطال هذه زيادة يجب قبولها لمن يقول بالرفع وقال الخطابي لم يقل به الشافعي وهو اللازم على
أصله في قبول الزيادة وقال ابن خزيمة هو سنة وإن ليذكره الشافعي فالإسناد صحيح وقد قال
قولوا بالسنة ودعوا قولي وقال بن دقيق العيد قياس نظر الشافعي أنه يستحب الرفع فيه لأنه
أثبت الرفع عند الركوع والرفع منه لكونه زائدا على من اقتصر عليه عند الافتتاح والحجة في
الموضعين واحدة وأول راض سيرة من يسيرها قال والصواب إثباته وأما كونه مذهبا
للشافعي لكونه قال إذا صح الحديث فهو مذهبي ففيه نظر انتهى ووجه النظر أن محل العمل
بهذه الوصية ما إذا عرف أن الحديث لم يطلع عليه الشافعي أما إذا عرف أنه اطلع عليه ورده
أو تأوله بوجه من الوجوه فلا والأمر هنا محتمل واستنبط البيهقي من كلام الشافعي أنه يقول به
لقوله في حديث أبي حميد المشتمل على هذه السنة وغيرها وبهذا نقول وأطلق النووي في
الروضة أن الشافعي نص عليه لكن الذي رأيت في الأم خلاف ذلك فقال في باب رفع اليدين في
التكبير في الصلاة بعد أن أورد حديث ابن عمر من طريق سالم وتكلم عليه ولا نأمره أن يرفع يديه
في شئ من الذكر في الصلاة التي لها ركوع وسجود إلا في هذه المواضع الثلاثة وأما ما وقع في
أواخر البويطي يرفع يديه في كل خفض ورفع فيحمل الخفض على الركوع والرفع على
الاعتدال وإلا فحمله على ظاهره يقتضى استحبابه في السجود أيضا وهو خلاف ما عليه الجمهور
وقد نفاه ابن عمر وأغرب الشيخ أبو حامد في تعليقه فنقل الإجماع على أنه لا يشرع الرفع في غير
المواطن الثلاثة وتعقب بصحة ذلك عن ابن عمر وابن عباس وطاوس ونافع وعطاء كما أخرجه
عبد الرزاق وغيره عنهم بأسانيد قوية وقد قال به من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وأبو علي
الطبري والبيهقي والبغوي وحكاه ابن خويز منداد عن مالك وهو شاذ وأصح ما وقفت
عليه من الأحاديث في الرفع في السجود ما رواه النسائي من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في صلاته
إذا ركع وإذا رفع رأسه من ركوعه وإذا سجد وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع
أذنيه وقد أخرج مسلم بهذا الإسناد طرفه الأخير كما ذكرناه في أول الباب الذي قبل هذا ولم ينفرد
به سعيد فقد تابعه همام عن قتادة عند أبي عوانة في صحيحه وفي الباب عن جماعة من الصحابة
لا يخلو شئ منها عن مقال وقد روى البخاري في جزء رفع اليدين في حديث على المرفوع ولا يرفع
يديه في شئ من صلاته وهو قاعد وأشار إلى تضعيف ما ورد في ذلك * (تنبيه) * روى الطحاوي
حديث الباب في مشكله من طريق نصر بن علي عن عبد الأعلى بلفظ كان يرفع يديه في كل
خفض ورفع وركوع وسجود وقيام وقعود وبين السجدتين ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يفعل ذلك وهذه رواية شاذة فقد رواه الإسماعيلي عن جماعة من مشايخه الحفاظ عن
نصر بن علي المذكور بلفظ عياش شيخ البخاري وكذا رواه هو وأبو نعيم من طرق أخرى عن عبد
الأعلى كذلك (قوله رواه حماد بن سلمة عن أيوب الآخرة) وصله البخاري في الجزء المذكور عن
موسى بن إسماعيل عن حماد مرفوعا ولفظه كان إذا كبر رفع يديه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من
الركوع (قوله ورواه ابن طهمان) يعني إبراهيم عن أيوب وموسى بن عقبة وهذا وصله البيهقي
من طريق عمر بن عبد الله بن رزين عن إبراهيم بن طهمان بهذا السند موقوفا نحو حديث حماد
185

وقال آخره وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك واعترض الإسماعيلي فقال ليس في
حديث حماد ولا ابن طهمان الرفع من الركعتين المعقود لأجله الباب قال فلعل المحدث عنه دخل
له باب في باب يعني أن هذا التعليق يليق بحديث سالم الذي في الباب الماضي وأجيب بأن البخاري
قصد الرد على من جزم بأن رواية نافع لأصل الحديث موقوفة وأنه خالف في ذلك سالما كما نقله ابن
عبد البر وغيره وقد تبين بهذا التعليق أنه اختلف على نافع في وقفه ورفعه لا خصوص هذه الزيادة
والذي يظهر أن السبب في هذا الاختلاف أن نافعا كان يرويه موقوفا ثم يعقبه بالرفع فكأنه
كان أحيانا يقتصر على الموقوف أو يقتصر عليه بعض الرواة عنه والله أعلم (قوله باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة) أي في حال القيام (قوله كان الناس
يؤمرون) هذا حكمه الرفع لأنه أمرهم على أن الآمر لهم بذلك هو النبي صلى الله عليه
وسلم كما سيأتي (قوله على ذراعه) أبهم موضعه من الذراع وفي حديث وائل عند أبي داود
والنسائي ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد وصححه ابن خزيمة وغيره
وأصله في صحيح مسلم بدون الزيادة والرسغ بضم الراء وسكون السين المهملة بعدها معجمة هو
المفصل بين الساعد والكف وسيأتي أثر على نحوه في أواخر الصلاة ولم يذكر أيضا محلهما من
الجسد وقد روى ابن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره والبزار عند صدره وعند
أحمد في حديث هلب الطائي نحوه وهلب بضم إلها وسكون اللام بعدها موحدة وفي زيادات
المسند من حديث على أنه وضعهما تحت السرة وإسناده ضعيف واعترض الدالي في أطراف
الموطأ فقال هذا معلول لأنه ظن من أبي حازم ورد بأن أبا حازم لو لم يقل لا أعلمه لكان في
حكم المرفوع لأن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا يصرف بظاهره إلى من له الأمر وهو النبي صلى
الله عليه وسلم لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع فيحمل على من صدر عنه الشرع ومثله
قول عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم فأنه أمرهم على أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم
وأطلق البيهقي أنه لا خلاف في ذلك بين أهل النقل والله أعلم وقد ورد في سنن أبي داود والنسائي
وصحيح ابن السكن شئ يستأنس به على تعيين الآمر والمأمور فروى عن ابن مسعود قال رآني
النبي صلى الله عليه وسلم واضعا يدي اليسرى على يدي اليمنى فنزعها ووضع اليمنى على اليسرى
إسناده حسن قيل لو كان مرفوعا ما أحتاج أبو حازم إلى قوله لا أعلمه الخ والجواب أنه أراد
الانتقال إلى التصريح فالأول لا يقال له مرفوع وإنما يقال له حكم الرفع قال العلماء الحكمة في
هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع وكأن البخاري لحظ
ذلك فعقبه بباب الخشوع ومن اللطائف قول بعضهم القلب موضع النية والعادة أن من احترز
على حفظ شئ جعل يديه عليه قال بن عبد البر لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف
وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ولم يحك ابن المنذر وغيره
عن مالك غيره وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه وعنه التفرقة بين
الفريضة والنافلة ومنهم من كره الإمساك ونقل بن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمد القصد
الراحة (قوله قال أبو حازم) يعني راويه بالسند المذكور إليه لا أعلمه أي سهل بن سعد (إلا ينمى)
بفتح أوله وسكون النون وكسر الميم قال أهل اللغة نميت الحديث إلى غيري رفعته وأسندته
186

وصرح بذلك معن بن عيسى وابن يوسف عند الإسماعيلي والدارقطني وزاد ابن وهب ثلاثتهم عن
مالك بلفظ يرفع ذلك ومن اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي ينميه فمراده يرفع ذلك إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ولو لم يقيده (قوله وقال إسماعيل ينمى ذلك ولم يقل ينمى) الأول بضم أوله وفتح
الميم بلفظ المجهول والثاني وهو المنفى كرواية القعنبي فعلى الأول الهاء ضمير الشأن فيكون مرسلا
لأن أبا حازم لم يعين من نماه له وعلى رواية القعنبي الضمير لسهل شيخه فهو متصل وإسماعيل هذا
هو ابن أبي أويس شيخ البخاري كما جزم به القدرة في الجمع وقرأت بخط مغلطاي هو إسماعيل بن
إسحاق القاضي وكأنه رأى الحديث عند الجوزقي والبيهقي وغيرهما من روايته عن القعنبي فظن
أنه المراد وليس كذلك لأن رواية إسماعيل بن إسحاق موافقة لرواية
البخاري ولم يذكر أحد أن
البخاري روى عنه وهو أصغر سنا من البخاري وأحدث سماعا وقد شاركه في كثير من مشايخه
البصريين القدماء ووافق إسماعيل بن أبي أويس على هذه الرواية عن مالك سويد بن سعيد فيما
أخرجه الدارقطني في الغرائب * (تنبيه) * حكى في المطالع أن رواية القعنبي بضم أوله من أنمى قال
وهو غلط وتعقب بأن الزجاج ذكر في كتاب فعلت وأفعلت نميت الحديث وأنميته وكذا حكاه ابن
دريد وغيره ومع ذلك فالذي ضبطناه في البخاري عن القعنبي بفتح أوله من الثلاثي فلعل الضم رواية
القعنبي في الموطأ والله أعلم (قوله باب الخشوع في الصلاة) سقط لفظ باب من رواية
أبي ذر والخشوع تارة يكون من فعل القلب كالخشية وتارة من فعل البدن كالسكون وقيل لابد
من اعتبارهما حكاه الفخر الرازي في تفسيره وقال غيره هو معنى يقوم بالنفس يظهر عنه سكون
في الأطراف يلائم مقصود العبادة ويدل على أنه من عمل القلب حديث على الخشوع في القلب
أخرجه الحاكم وأما حديث لو خشع هذا خشعت جوارحه ففيه إشارة إلى أن الظاهر عنوان
الباطن وحديث أبي هريرة من هذا الوجه سبق الكلام عليه في باب عظة الإمام الناس في إتمام
الصلاة من أبواب القبلة وأورد فيه أيضا حديث أنس من وجه آخر ببعض مغايرة (قوله عن
أنس) عند الإسماعيلي من رواية أبي موسى عن غندر التصريح بقول قتادة سمعت أنس بن
مالك (قوله أقيموا الركوع والسجود) أي أكملوهما وفي رواية معاذ عن شعبة عند الإسماعيلي
أتموا بدل أقيموا (قوله فوالله أني لأراكم من بعدي) تقدم الكلام على معنى هذه الرواية وأغرب
الداودي الشارح فحمل البعدية هنا على ما بعد الوفاة يعني أن أعمال الأمة تعرض عليه وكأنه
لم يتأمل سياق حديث أبي هريرة حيث بين فيه سبب هذه المقالة وقد تقدم في الباب المذكور
ما يدل على أن حديث أبي هريرة وحديث أنس في قضية واحدة وهو مقتضى صنيع البخاري في
إيراده الحديثين في هذا الباب وكذا أوردهما مسلم معا واستشكل إيراد البخاري لحديث أنس
هذا لكونه لأذكر فيه للخشوع الذي ترجم له وأجيب بأنه أراد أن ينبه على أن الخشوع يدرك
بسكون الجوارح إذا الظاهر عنوان الباطن وروى البيهقي بإسناد صحيح عن مجاهد قال كان
ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود وحدث أن أبا بكر الصديق كان كذلك قال وكان يقال ذاك
الخشوع في الصلاة واستدل بحديث الباب على أنه لا يجب إذ لم يأمرهم بالإعادة وفيه نظر نعم في
حديث أبي هريرة من وجه آخر عند مسلم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ثم انصرف
فقال يا فلان ألا تحسن صلاتك وله في رواية أخرى أتموا الركوع والسجود وفي أخرى أقيموا
187

الصفوف وفي أخرى لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود وعند أحمد صلى بنا الظهر وفي مؤخر
الصفوف رجل فأساء الصلاة وعنده من حديث أبي سعيد الخدري أن بعض الصحابة تعمد
المسابقة لينظر هل يعلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أول فلما قضى الصلاة نهاه عن ذلك
واختلاف هذه الأسباب يدل على أن جميع ذلك صدر من جماعة في صلاة واحدة أو في صلوات
وقد حكى النووي الإجماع على أن الخشوع ليس بواجب ولا يرد عليه قول القاضي حسين ان
مدافعة الأخبثين إذا انتهت إلى حد يذهب معي الخشوع أبطلت الصلاة وقاله أيضا أبو زيد
المروزي لجواز أن يكون بعد الإجماع السابق أو المراد بالإجماع أنه لم يصرح أجد بوجوبه
وكلاهما في أمر يحصل من مجموع المدافعة وترك الخشوع وفيه تعقب على من نسب إلى
القاضي وأبي زيد أنهما قال أن الخشوع شرط في صحة الصلاة وقد حكاه المحب الطبري وقال
هو محمول على أن يحصل في الصلاة في الجملة لا في جميعها والخلاف في ذلك عند الحنابلة أيضا
وأما قول ابن بطال فإن قال قائل فإن الخشوع فرض في الصلاة قيل له بحسب الإنسان أن يقبل
على صلاته بقلبه ونيته يريد بذلك وجه الله عز وجل ولا طاقة له بما اعترضه من الخواطر
فحاصل كلامه أنه القدر المذكور هو الذي يجب من الخشوع وما زاد على ذلك فلا وأنكر ابن
المنير إطلاق الفرضية وقال الصواب أن عدم الخشوع تابع لما يظهر عنه من الآثار وهو
أمر متفاوت فإن أثر نقصا في الواجبات كان حراما وكان الخشوع واجبا وإلا فلا وقد سئل عن
الحكمة في تحذيرهم من النقص في الصلاة برؤيته إياهم دون تحذيرهم برؤية الله تعالى لهم وهو
مقام الإحسان المبين في سؤال جبريل كما تقدم في كتاب الإيمان أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن
تراه فإنه يراك فأجيب بأن في التعليل برؤيته صلى الله عليه وسلم لهم تنبيها على رؤية الله تعالى لهم
فإنهم إذ أحسنوا الصلاة لكون النبي صلى الله عليه وسلم يراهم أيقظهم ذلك إلى مراقبة الله
تعالى مع ما تضمنه الحديث من المعجزة له صلى الله عليه وسلم بذلك ولكنه يبعث شهيدا عليهم يوم
القيامة فإذا علموا أنه يراهم تحفظوا في عبادتهم ليشهد لهم بحسن عبادتهم (قوله باب
ما يقول بعد التكبير) في رواية المستملى باب ما يقرأ بدل ما يقول وعليها اقتصر الإسماعيلي واستشكل
إيراد حديث أبي هريرة إذ لا ذكر للقراءة فيه وقال الزين بن المنير ضمن قوله ما يقرأ ما يقول من
الدعاء قولا متصلا بالقراءة أو لما كان الدعاء والقراءة يقصد بهما التقرب إلى الله تعالى استغنى بذكر
أحدهما عن الآخر كما جاء علفتها تبنا وماء باردا وقال ابن رشيد دعاء الافتتاح يتضمن مناجاة الرب
والاقبال عليه بالسؤال وقراءة الفاتحة تتضمن هذا المعنى فظهرت المناسبة بين الحديثين (قوله
كانوا يفتتحون الصلاة) أي القراءة في الصلاة وكذلك رواه ابن المنذر والجوزقي وغيرهما من
طريق أبي عمر الدوري وهو حفص بن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ كانوا يفتتحون القراءة بالحمد
لله رب العالمين وكذلك رواه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام عن عمرو بن الاستثناء عن شعبة
وذكر أنها أبين من رواية حفص بن عمر (قوله بالحمد لله رب العالمين) بضم الدال على الحكاية
واختلف في المراد بذلك فقيل المعنى كانوا يفتتحون بالفاتحة وهذا قول من أثبت البسملة في أولها
وتعقب بأنها إنما تسمى الحمد فقط وأجيب بمنع الحصر ومستنده ثبوت تسميتها بهذه الجملة وهي
الحمد لله رب العالمين في صحيح البخاري أخرجه في فضائل القرآن من حديث أبي سعيد بن المعلى
188

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن فذكر الحديث وفيه قال الحمد
لله رب العالمين هي السبع المثاني وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى وقيل المعنى كانوا
يفتتحون بهذا اللفظ تمسكا بظاهر الحديث وهذا قول من نفى قراءة البسملة لكن لا يلزم من قوله
كانوا يفتتحون بالحمد أنهم لم يقرؤا بسم الله الرحمن الرحيم سرا وقد أطلق أبو هريرة السكوت
على القراءة سرا كما في الحديث الثاني من الباب وقد اختلف الرواة عن شعبة في لفظ الحديث
فرواه من أصحابه عنه بلفظ كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ورواه آخرون
عنه بلفظ فلم أسمع أحد منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم كذا أخرجه مسلم من رواية أبي داود
الطيالسي ومحمد بن جعفر وكذا أخرجه الخطيب من رواية أبي عمر الدوري شيخ البخاري فيه
وأخرجه ابن خزيمة من رواية محمد بن جعفر باللفظين وهؤلاء من أثبت أصحاب شعبة ولا يقال هذا
اضطراب من شعبة لأنا نقول قد رواه جماعة من أصحاب قتادة عنه باللفظين فأخرجه البخاري في
جزء القراءة والنسائي وابن ماجة من طريق أيوب وهؤلاء والترمذي من طريق أبي عوانة
والبخاري في جزء القراءة وأبو داود من طريق هشام الدستوائي والبخاري فيه وابن حبان من طريق حماد
ابن سلمة والبخاري فيه والسراج من طريق همام كلهم عن قتادة باللفظ الأول وأخرجه مسلم من
طريق الأوزاعي عن قتادة بلفظ لم الريح يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم وقد قدح بعضهم في
صحته بكون الأوزاعي رواه عن قتادة مكاتبة وفيه نظر فإن الأوزاعي لم ينفرد به فقد رواه أبو يعلى
عن أحمد الدورقي والسراج عن يعقوب الدورقي وعبد الله بن أحمد بن عبد الله السلمي
ثلاثتهم عن أبي داود الطيالسي عن شعبة بلفظ فلم الريح يفتتحون القراءة ببسم الله الرحمن
الرحيم قال شعبة قلت لقتادة سمعته من أنس قال نحن سألناه لكن هذا النفي محمول على
ما قدمناه أن المراد أنه لم يسمع منهم البسملة فيحتمل أن الريح يقرؤنها سرا ويؤيده رواية من
رواه عنه بلفظ فلم الريح يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم كذا رواه سعيد بن أبي عروبة عند
النسائي وابن حبان وهمام عند الدارقطني وشيبان عند الطحاوي وابن حبان وشعبة أيضا من
طريق وكيع عنه عند أحمد أربعتهم عن قتادة ولا يقال هذا اضطراب من قتادة لأنا نقول قد
رواه جماعة من أصحاب أنس عنه كذلك فرواه البخاري في جزء القراءة والسراج وأبو عوانة في
صحيحه من طرق إسحاق بن أبي طلحة والسراج من طريق ثابت البنائي والبخاري فيه من طريق
مالك بن دينار كلهم عن أنس باللفظ الأول ورواه الطبراني في الأوسط من طريق إسحاق أيضا وابن
خزيمة من طريق ثابت أيضا والنسائي من طريق منصور بن زاذان وابن حبان من طريق أبي
قلابة والطبراني من طريق أبي نعامة كلهم عن أنس باللفظ النافي للجهر فطريق الجمع بين هذه
الألفاظ حمل نفى القراءة على نفى السماع ونفى السماع على نفى الجهر ويؤيده أن لفظ رواية منصور
ابن زاذان فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم وأصرح من ذلك رواية الحسن عن أنس عند
ابن خزيمة بلفظ كانوا يسرون بسم الله الرحمن الرحيم فاندفع بهذا تعليل من أعله بالاضطراب كابن
عبد البر لأن الجمع إذا أمكن تعين المصير إليه وأما من قدح في صحته بأن أبا سلمة سعيد بن يزيد سأل
أنسا عن هذه المسألة فقال إنك لتسألني عن شئ ما أحفظه ولا سألني عنه أحد قبلك ودعوى أبي
شامة أن أنسا سئل عن ذلك سؤالين فسؤال أبي سلمة هل كان الافتتاح بالبسملة أو الحمدلة وسؤال
189

قتادة هل كان يبد بالفاتحة أو غيرها قال ويدل عليه قول قتادة في صحيح مسلم نحن سألناه انتهى
فليس يجيد لأن أحمد روى في مسنده بإسناد الصحيحين أن سؤال قتادة وكما سؤال أبي سلمة والذي
في مسلم إنما قاله عقب رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة ولم يبين مسلم صورة المسألة وقد بينها
أبو يعلى والسراج وعبد الله بن أحمد في رواياتهم التي ذكرناها عن أبي داود أن السؤال كان عن
افتتاح القراءة بالبسملة وأصرح من ذلك رواية ابن المنذر من طريق أبي جابر عن شعبة عن قتادة
قال سألت أنسا أيقرأ الرجل في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فقال صليت وراء رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم فظهر اتحاد سؤال
أبي سلمة وقتادة وغايته أن أنسا أجاب قتادة بالحكم دون أبي سلمة فلعله تذكره لما سأله قتادة بدليل
قوله في رواية أبي سلمة ما سألني عنه أحد قبلك أو قاله لهما معا فحفظه قتادة دون أبي سلمة فإن
قتادة أحفظ من أبي سلمة بلا نزاع وإذا انتهى البحث إلى أن محصل حديث أنس نفى الجهر بالبسملة
على ما ظهر من طريق الجمع بين مختلف الروايات عنه فمتى وجدت رواية فيها إثبات الجهر قدمت
على نفيه لا لمجرد تقديم رواية المثبت على النافي لأن أنسا يبعد جدا أن يصحب النبي صلى الله عليه
وسلم مدة عشر سنين ثم يصحب أبا بكر وعمر وعثمان خمسا وعشرين سنة فلم يسمع منهم الجهر بها في
صلاة واحدة بل لكون أنس اعترف بأنه لا يحفظ هذا الحكم كأنه لبعد عهده به ثم تذكر منه الجزم
بالافتتاح بالحمد جهرا ولم يستحضر الجهر بالبسملة فيتعين الأخذ بحديث من أثبت الجهر وسيأتي
الكلام على ذلك في باب جهر المأموم بالتأمين إن شاء الله قريبا وترجم له ابن خزيمة وغيره
إباحة الإسرار بالبسملة في الجهرية وفيه نظر لأنه لم يختلف في إباحته بل في استحبابه واستدل به
المالكية على ترك دعاء الافتتاح وحديث أبي هريرة الذي بعده يرد عليه وكأن هذا هو السر في
إيراده وقد تحرر أن المراد بحديث ث أنس بيان ما يفتتح به القراءة فليس فيه تعرض لنفى دعاء
الافتتاح * (تنبيه) * وقع ذكر عثمان في حديث أنس في رواية عمرو بن الاستثناء عن شعبة عند
البخاري في جزء القراءة وكذا في رواية حجاج بن محمد عن شعبة عند أبي عوانة وهو في رواية شيبان
وهشام والأوزاعي وقد أشرنا إلى روايتهم فيما تقدم (قوله حدثنا أبو زرعة) هو ابن عمرو بن جرير
البجلي (قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت) ضبطناه بفتح أوله من السكوت وحكى
الكرماني عن بعض الروايات بضم أوله من الإسكات قال الجوهري يقال تكلم الرجل ثم سكت
بغير ألف فإذا انقطع كلامه فلم يتكلم قلت أسكت (قوله إسكاته) بكسر أوله بوزن إفعالة من
السكوت وهو من المصادر الشاذة نحو أثبته إثباته قال الخطابي معناه سكوت يقتضى بعده كلاما
مع قصر المدة فيه وسياق الحديث يدل على أنه أراد السكوت عن الجهر لا عن مطلق القول أو
السكوت عن القراءة لا عن الذكر (قوله قال أحسبه قال هنية) هذه رواية عبد الواحد بن زياد
بالظن ورواه جرير عند مسلم وغيره وابن فضيل عند بن ماجة وغيره بلفظ سكت هنية بغير تردد
وإنما أختار البخاري رواية عبد الواحد لوقوع التصريح بالتحديث فيها في جميع الإسناد وقال
الكرماني المراد أنه قال بدل اسكاتة هينة (قلت) وليس بواضح بل الظاهر أنه شك هل وصف
الإسكاتة بكونها هنية أم لا وهنية بالنون بلفظ التصغير وهو عند الأكثر بتشديد الياء وذكر عياض
والقرطبي أن أكثر رواة مسلم قالوه بالهمزة وأما النووي فقال الهمز خطأ قال وأصله هنوة فلما
190

صغر صار هنيوة فاجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ثم أدغمت قال غيره
لا يمنع ذلك إجازة الهمز فقد تقلب الياء همزة وقد وقع في رواية الكشميهني هنيهة بقلبها هاء وهي
رواية إسحق والحميدي في مسنديهما عن جرير (قوله بأبي وأمي) الياء متعلقة بمحذوف اسم أو
فعل والتقدير أنت مفدى أو أفديك واستدل به على جواز قول ذلك وزعم بعضهم أنه من
خصائصه صلى الله عليه وسلم (قوله إسكاتك) بكسر أوله وهو بالرفع على الابتداء وقال المظهري
شارح المصابيح هو بالنصب على أنه مفعول بفعل مقدر أي أسألك إسكاتك أو على نزع الخافض
انتهى والذي في روايتنا بالرفع للأكثر ووقع في رواية المستملى والسرخسي بفتح الهمزة وضم السين
على الاستفهام وفي رواية الحميدي ما تقول في سكتتك بين التكبير والقراءة ولمسلم أرأيت سكوتك
وكله مشعر بأن هناك قولا لكونه قال ما تقول ولم يقل هل تقول نبه عليه ابن دقيق العيد قال ولعله
استدل على أصل القول بحركة الفم كما استدل غيره على القراءة باضطراب اللحية (قلت)
وسيأتي من حديث خباب بعد باب ونقل بن بطال عن الشافعي أن سبب هذه السكتة للإمام أن
يقرأ المأموم فيها الفاتحة ثم اعترضه بأنه لو كان كذلك لقال في الجواب أسكت لكي يقرأ من خلفي
ورده ابن المنير بأنه لا يلزم من كونه أخبره بصفة ما يقول أن لا يكون سبب السكوت ما ذكر انتهى
وهذا النقل من أصله غير معروف عن الشافعي ولا عن أصحابه إلا أن الغزالي قال في الإحياء إن
المأموم يقرأ الفاتحة إذا اشتغل الإمام بدعاء الافتتاح وخولف في ذلك بل أطلق المتولي وغيره
كراهة تقديم المأموم قراءة الفاتحة على الإمام وفي وجه إن فرغها قبله بطلت صلاته والمعروف
أن المأموم يقرؤها إذا سكت الإمام بين الفاتحة والسورة وهو الذي حكاه عياض وغيره عن الشافعي وقد نص الشافعي على
أن المأموم يقول دعاء الافتتاح كما يقوله الإمام والسكتة التي بين
الفاتحة والسورة ثبت فيها حديث سمرة عن أبي داود وغيره (قوله باعد) المراد بالمباعدة محو
ما حصل منها والعصمة عما سيأتي منها وهو مجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان
وموقع التشبيه أن التقاء المشرق والمغرب مستحيل فكأنه أراد أن لا يبقى لها منه اقتراب بالكلية
وقال الكرماني كرر لفظ بين لأن العطف على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض (قوله نقني) مجاز
عن زوال الذنوب ومحو أثرها ولما كان الدنس في الثوب الأبيض أظهر من غيره من الألوان وقع
التشبيه به قاله ابن دقيق العيد (قوله بالماء والثلج والبرد) قال الخطابي ذكر الثلج والبرد تأكيدا
أو لأنهما ما آن لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال وقال ابن دقيق العيد عبر بذلك عن غاية
المحو فإن الثوب الذي يتكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء قال ويحتمل أن يكون
المراد أن كل واحد من هذه الأشياء مجاز عن صفة يقع بها المحو وكأنه كقوله تعالى واعف عنا
واغفر لنا وارحمنا وأشار الطيبي إلى هذا بحثا فقال يمكن أن يكون المطلوب من ذكر الثلج والبرد
بعد الماء شمول أنواع الرحمة والمغفرة بعد العفو لإطفاء حرارة عذاب النار التي هي في غاية الحرارة
ومنه قولهم برد الله مضجعه أي رحمه ووقاه عذاب النار انتهى ويؤيده ورود وصف الماء بالبرودة
في حديث عبد الله بن أبي أوفى عند مسلم وكأنه جعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها مسببة عنها
فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء إلى أبرد منه وقال
التوربشتي خص هذه الثلاثة بالذكر لأنها منزلة من السماء وقال الكرماني يحتمل أن يكون في
191

الدعوات الثلاث إشارة إلى الأزمنة الثلاثة فالمباعدة للمستقبل والتنقية للحال والغسل
للماضي انتهى وكأن تقديم المستقبل للاهتمام بدفع ما سيأتي قبل رفع ما حصل واستدل
بالحديث على مشروعية الدعاء بين التكبير والقراءة خلافا للمشهور عن مالك وورد فيه أيضا
حديث وجهت وجهي الخره وهو عند مسلم من حديث على لكن قيده بصلاة الليل وأخرجه
الشافعي وابن خزيمة وغيرهما بلفظ إذا صلى المكتوبة واعتمده الشافعي في الأم وفي الترمذي
وصحيح ابن حبان من حديث أبي سعيد الافتتاح بسبحانك اللهم ونقل الساجي عن الشافعي
استحباب الجمع بين التوجيه والتسبيح وهو اختيار ابن خزيمة وجماعة من الشافعية وحديث أبي
هريرة أصح ما ورد في ذلك واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما ليس في القرآن خلافا للحنفية
ثم هذا الدعاء صدر منه صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة في إظهار العبودية وقيل قاله على
سبيل التعليم لأمته واعترض بكونه لو أراد ذلك لجهر به وأجيب بورود الأمر بذلك في حديث سمرة
عند البزار وفيه ما كان الصحابة عليه من المحافظة على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم
في حركاته وسكناته وإسراره وإعلانه حتى حفظ الله بهم الدين واستدل به بعض الشافعية على أن
الثلج والبرد مطهران واستبعده ابن عبد السلام وأبعد منه استدلال بعض الحنفية به على نجاسة
الماء المستعمل (قوله باب) كذا في رواية الأصيلي وكريمة بلا ترجمة وكذا قال
الإسماعيلي باب بلا ترجمة وسقط من رواية أبي ذر وأبي الوقت وكذا لم يذكره أبو نعيم وعلى هذا
فمناسبة الحديث غير ظاهرة للترجمة وعلى تقدير ثبوت لفظ باب فهو كالفصل من الباب الذي قبله
كما قررناه غير مرة فله به تعلق أيضا قال الكرماني وجه المناسبة أن دعاء الافتتاح مستلزم
لتطويل القيام وحديث الكسوف فيه تطويل القيام فتناسبا وأحسن منه ما قال ابن رشيد
يحتمل أن تكون المناسبة في قوله حتى قلت أي رب أو أنا معهم لأنه وإن لم يكن فيه دعاء ففيه مناجاة
واستعطاف فيجمعه مع الذي قبله جواز دعاء الله ومناجاته بكل ما فيه خضوع ولا يختص بما
ورد في القرآن خلافا لبعض الحنفية (قوله أو أنا معهم) كذا للأكثر بهمزة الاستفهام بعدها
واو عاطفة وهي على مقدر وفي رواية كريمة بحذف الهمزة وهي مقدرة (قوله حسبت أنه قال
تخدشها) قائل ذلك هو نافع بن عمر راوي الحديث بينه الإسماعيلي فالضمير في أنه لابن أبي مليكة
(قوله لا هي أطعمتها) سقط لفظ هي من رواية الكشميهني والحموي (قوله تأكل من خشيش
أو خشاش الأرض) كذا في هذه الرواية على الشك وكل من اللفظين بمعجمات مفتوح الأول
والمراد حشرات الأرض وأنكر الخطابي رواية خشيش وضبطها بعضهم بضم أوله على التصغير
من لفظ خشاش فعلى هذا لا إنكار ورواها بعضهم بحاء مهملة وقال عياض هو تصحيف و سيأتي
الكلام على بقية فوائده في كتاب الكسوف وعلى قصة المرأة صاحبة الهرة في كتاب بدء الخلق
إن شاء الله تعالى (قوله باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة) قال الزين بن المنير
نظر المأموم إلى الإمام من مقاصد الائتمام فإذا تمكن من مراقبته بغير التفات كان ذلك من
إصلاح صلاته وقال ابن بطال فيه حجة لمالك في أن نظر المصلي يكون إلى جهة القبلة وقال
الشافعي والكوفيون يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده لأنه أقرب للخشوع وورد في ذلك
حديث أخرجه سعيد بن منصور من مرسل محمد بن سيرين ورجاله ثقات وأخرجه البيهقي موصولا
192

وقال المرسل هو المحفوظ وفيه أن ذلك سبب نزول قوله تعالى الذين هم في صلاتهم خاشعون
ويمكن أن يفرق بين الإمام والمأموم فيستحب للأمام النظر إلى موضع السجود وكذا للمأموم
إلا حيث يحتاج إلى مراقبة إمامه وأما المنفرد فحكمه حكم الإمام والله أعلم (قوله وقالت
عائشة الخ) هذا طرف من حديث وصله المؤلف في باب إذا انفلتت الدابة وهو في أواخر
الصلاة وموضع الترجمة منه قوله حين رأيتموني (قوله حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل وعبد
الواحد هو ابن زياد (قوله عن عمارة) في رواية حفص بن غياث عن الأعمش حدثنا عمارة وسيأتي
بعد أربعة أبواب ويأتي الكلام على المتن قريبا وموضع الترجمة منه قوله باضطراب لحيته (قوله
حدثنا حجاج) هو ابن منهال ولم يسمع البخاري من حجاج بن محمد وقد تقدم الكلام على حديث
البراء في باب متى يسجد من خلف الإمام ووقع فيه هنا في رواية كريمة وأبي الوقت وغيرهما حتى
يرونه قد سجد بإثبات النون وفي رواية أبي ذر الأصيلي بحذفها وهو أوجه وجاز الأول على إرادة
الحال وحديث ابن عباس يأتي في الكسوف وهو ظاهر المناسبة وحديث أنس يأتي في الرقاق
وفيه التصريح بسماع هلال له من أنس واعترض الإسماعيلي على إيراده له هنا فقال ليس فيه
نظر المأمومين إلى الإمام وأجيب بان فيه أن الإمام يرفع بصره إلى ما أمامه وإذا
ساغ ذلك للأمام
ساغ للمأموم والذي يظهر لي أن حديث أنس مختصر من حديث ابن عباس وأن القصة فيهما
واحدة فسيأتي في حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال رأيت الجنة والنار كما قال في
حديث أنس وقد قالوا له في حديث ابن عباس رأيناك تكعكعت فهذا موضع الترجمة ويحتمل
أن يكون مأخوذا من قوله فأشار بيده قبل قبلة المسجد فإن رؤيتهم الإشارة تقتضي أنهم كانوا
يراقبون أفعاله (قلت) لكن بطرق هنا احتمال أن يكون سبب رفع بصرهم إليه وقوع الإشارة
منه لا أن الرفع كان مستمرا ويحتمل أن يكون المراد بالترجمة أن الأصل نظر المأموم إلى موضع
سجوده لأنه المطلوب في الخشوع إلا إذا أحتاج إلى رؤية ما يفعله الإمام ليفتدى به مثلا والله
أعلم (قوله باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة) قال ابن بطال أجمعوا على
كراهة رفع البصر في الصلاة واختلفوا فيه خارج الصلاة في الدعاء فكرهه شريح وطائفة
وأجازه الأكثرون لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة قال عياض رفع البصر
إلى السماء في الصلاة فيه نوع إعراض عن القبلة وخروج عن هيئة الصلاة (قوله حدثنا قتادة)
فيه دفع لتعليل ما أخرجه ابن عدي في الكامل فأدخل بين سعيد بن أبي عروبة وقتادة رجلا
وقد أخرجه ابن ماجة من رواية عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن سعيد وهو من أثبت أصحابه وزاد
في أوله بيان سبب هذا الحديث ولفظه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بأصحابه فلما قضى
الصلاة أقبل عليهم بوجهه فذكره وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلا لم يذكر أنسا
وهي علة غير قادحة لأن سعيدا أعلم بحديث قتادة من معمر وقد تابعه همام على وصله عن قتادة
193

أخرجه السراج (قوله في صلاتهم) زاد مسلم من حديث أبي هريرة عند الدعاء فإن حمل المطلق على
هذا المقيد اقتضى اختصاص الكراهة بالدعاء الواقع في الصلاة وقد أخرجه ابن ماجة وابن حبان
من حديث ابن عمر بغير تقييد ولفظه لا ترفعوا أبصاركم إلى السماء يعني في الصلاة وأخرجه بغير تقيد أيضا مسلم من حديث جابر بن سمرة والطبراني من حديث أبي سعيد الخدري وكعب بن
مالك وأخرج ابن أبي شيبة من رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين كانوا يلتفتون في
صلاتهم حتى نزلت قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون فأقبلوا على صلاتهم ونظروا
أمامهم وكانوا يستحبون أن لا يجاوز بصر أحدهم موضوع سجوده ووصله الحاكم بذكر أبي هريرة فيه
ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره فطأطأ رأسه قوله لينتهين كذا للمستملي
والحموي بضم الياء وسكون النون وفتح المثناة والهاء والياء وتشديد
النون على البناء للمفعول
والنون للتأكيد وللباقين لينتهن بفتح أوله وضم الهاء على البناء للفاعل (قوله أو لتخطفن أبصارهم)
ولمسلم من حديث جابر بن سمرة أولا لا ترجع إليهم يعني أبصارهم واختلف في المراد بذلك فقيل هو
وعيد وعلى هذا فالفعل المذكور حرام وأفرط ابن حزم فقال يبط الصلاة وقيل المعنى أنه
يخشى على الأبصار من الأنوار إلى تنزل بها الملائكة على المصلين كما في حديث أسيد بن حضير
الآتي في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى أشار إلى ذلك الداودي ونحوه في جامع حماد بن سلمة عن
أبي مجلز أحد التابعين وأوهنا للتخيير ونظير قوله تعالى تقاتلونهم أو يسلمون أي يكون أحد
الأمرين إما المقاتلة وإما الإسلام وهو خبر في معنى الأمر (قوله باب الالتفات
في الصلاة) لم يبين المؤلف حكمه لكن الحديث الذي أورده دل على الكراهة وهو إجماع
لكن الجمهور على أنها للتنزيه وقال المتولي يحرم الا للضرورة وهو قول أهل الظاهر وورد
في كراهية الالتفات صريحا على غير شرطه عدة أحاديث منها عند أحمد وابن خزيمة من حديث
أبي ذر رفعه لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه عنه انصرف
ومن حديث الحارث الأشعري نحوه وزاد فإذا صليتم فلا تلتفتوا وأخرج الأول أيضا أبو داود
والنسائي والمراد بالالتفات المذكور ما لم يستدبر القبلة بصدره أو عنقه كله وسبب كراهة
الالتفات يحتمل أن يكون لنقص الخشوع أو لترك استقبال القبلة ببعض البدن (قوله عن
أبيه) هو أبو الشعثاء المحاربي ووافق أبا الأحوص على هذا الإسناد شيبان عند ابن خزيمة
وزائدة عن النسائي ومسعر عند ابن حبان وخالفهم إسرائيل فرواه عن أشعث عن أبي عطية
عن مسروق ووقع عند البيهقي من رواية مسعر عن أشعث عن أبي وائل فهذا اختلاف
على أشعث والراجح رواية أبي الأحوص وقد رواه النسائي من طريق عمارة بن عمير عن
أبي عطية عن عائشة ليس بينهما مسروق ويحتمل أن يكون للأشعث فيه شيخان أبوه وأبو
عطية بناء على أن يكون أبو عطية حمله عن مسروق ثم لقي عائشة فحمله عنها وأما الرواية
عن أبي وائل فشاذة لأنه لا يعرف من حديثه والله أعلم (قوله هو اختلاس) أي اختطاف
بسرعة ووقع في النهاية والاختلاس افتعال من الخلسة وهي ما يؤخذ سلبا مكابرة وفيه
نظر وقال غيره المختلس الذي يخطف من غير غلبة ويهرب ولو مع معاينة المالك له والناهب
يأخذ بقوة والسارق يأخذ في خفية فلما كان الشيطان قد يشغل المصلي عن صلاته بالالتفات إلى
194

شئ ما بغير حجة يقيمها أشبه المختلس وقال ابن بزيزة أضيف إلى الشيطان لأن فيه انقطاعا من
ملاحظة التوجه إلى الحق سبحانه وقال الطيبي سمي اختلاسا تصويرا لقبح تلك الفعلة بالمختلس
لأن المصلي يقبل عليه الرب سبحانه وتعالى والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه فإذا
ألتفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة (قوله يختلس) كذا للأكثر بحذف
المفعول وللكشميهني يختلسه وهي رواية أبي داود عن مسدد شيخ البخاري قيل الحكمة في
جعل سجود السهو جابرا للمشكوك فيه دون الالتفات وغيره مما ينقص الخشوع لأن السهو
لا يؤاخذ به المكلف فشرع له الجبر دون العمد ليتيقظ العبد له فيجتنبه ثم أورد المصنف حديث
عائشة في قصة انبجانية أبي جهم وقد تقدم الكلام عليه في باب إذا صلى في ثوب له أعلام في أوائل
الصلاة ووجه دخوله في الترجمة أن أعلام الخميصة إذا لحظها المصلي وهي على عاتقة كان قريبا
من الالتفات ولذلك خلعها معللا بوقوع بصره على أعلامها وسماه شغلا عن صلاته وكأن
المصنف أشار إلى أن علة كراهة الالتفات كونه يؤثر في الخشوع كما وقع في قصة الخميصة ويحتمل
أن يكون أراد أن ما لا يستطاع دفعه معفو عنه لأن لمح العين يغلب الإنسان ولهذا لم يعد النبي
صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة (قوله شغلني) في رواية الكشميهني شغلتني وهو أوجه و كذا
اختلفوا في اذهبوا بها أو به (قوله إلى أبي جهم) كذا للأكثر وهو الصحيح وللكشميهني جهيم
بالتصغير (قوله باب هل يلتفت لأمر ينزل به أو يرى شيئا أو بصاقا في القبلة)
الظاهر أن قوله في القبلة يتعلق بقوله بصاقا وأما قوله شيئا فأعم من ذلك والجامع بين جميع ما ذكر
في الترجمة حصول التأمل المغاير للخشوع وأنه لا يقدح إلا إذا كان لغير حاجة (قوله وقال
سهل) هو ابن سعد وهذا طرف من حديث تقدم موصولا في باب من دخل ليؤم الناس ووجه
الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا بكر بالإعادة بل أشار إليه أن يتمادى على إمامته وكان
التفاتة لحاجة قوله في حديث ابن عمر (بين يدي الناس) يحتمل أن يكون متعلقا بقوله وهو
يصلي أو بقوله رأى نخامة (قوله فحتها ثم قال حين انصرف) ظاهره أن الحت وقع منه داخل
الصلاة وقد تقدم من رواية مالك عن نافع غير مقيد بحال الصلاة وسبق الكلام على فوائده في
أواخر أبواب القبلة وأورده هناك أيضا من رواية أبي هريرة وأبي سعيد وعائشة وأنس من
طرق كلها غير مقيدة بحال الصلاة (قوله رواه موسى بن عقبة) وصله مسلم من طريقه (قوله
وابن أبي رواد) اسم أبي رواد ميمون ووصله أحمد عن عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد
المذكور وفيه أن الحك كان بعد الفراغ من الصلاة فالغرض منه على هذا المتابعة في أصل
الحديث ثم أورد المصنف حديث أنس المتقدم في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة قال ابن
بطال وجه مناسبته للترجمة أن الصحابة لما كشف صلى الله عليه وسلم الستر التفتوا إليه ويدل
على ذلك قول أنس فأشار إليهم ولولا التفاتهم لما رأوا إشارته أه ويوضحه كون الحجرة عن يسار
القبلة فالناظر إلى إشارة من هو فيها يحتاج إلى أن يلتفت ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالإعادة بل
أقرهم على صلاتهم بالإشارة المذكورة والله أعلم (قوله باب وجوب القراءة للإمام
والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر) لم يذكر المنفرد لأن حكمه حكم الإمام وذكر
195

السفر لئلا يتخيل أنه يترخص فيه بترك القراءة كما رخص فيه بحذف بعض الركعات (قوله
وما يجهر فيها وما يخافت) هو بضم أول كل منهما على البناء للمجهول وتقدير الكلام وما يجهر
به وما يخافت لأنه لازم فلا يبني منه قال ابن رشيد قوله وما يجهر معطوف على قوله في الصلوات
لا على القراءة والمعنى وجوب القراءة فيما يجهر فيه ويخافت أي أن الوجوب لا يختص بالسرية
دون الجهرية خلافا لمن فرق في المأموم انتهى وقد اعتنى البخاري بهذه المسألة فصنف فيها جزءا
مفردا سنذكر ما يحتاج إليه في هذا الشرح من فوائده إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا موسى)
هو ابن إسماعيل (قوله عن جابر بن سمرة) هو الصحابي ولأبيه سمرة بن جنادة صحبة أيضا وقد
صرح ابن عيينة بسماع عبد الملك له من جابر أخرجه أحمد وغيره (قوله شكى أهل الكوفة
سعدا) هو ابن أبي وقاص وهو خال بن سمرة الراوي عنه وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن
عبد الملك عن جابر بن سمرة قال كنت جالسا عند عمر إذ جاء أهل الكوفة يشكون إليه سعد بن أبي
وقاص حتى قالوا إنه لا يحسن الصلاة انتهى وفي قوله أهل الكوفة مجاز وهو من إطلاق
الكل على البعض لأن الذين شكوه بعض أهل الكوفة لا كلهم ففي رواية زائدة عن عبد الملك
في صحيح أبي عوانة جعل ناس من أهل الكوفة ونحوه لإسحاق بن راهويه عن جرير عن عبد
الملك وسمي منهم عند سيف والطبراني الجراح بن سنان وقبيصة وأربد الأسديون وذكر
العسكري في الأوائل أن منهم الأشعث بن قيس (قوله فعزله) كان عمر بن الخطاب أمر سعد
ابن أبي وقاص على قتال الفرس في سنة أربع عشرة ففتح الله العراق على يديه ثم اختط الكوفة
سنة سبع عشرة واستمر عليها أميرا إلى سنة إحدى وعشرين في قول خليفة بن خياط وعند
الطبري سنة عشرين فوقع له مع أهل الكوفة ما ذكر (قوله واستعمل عليهم عمارا) هو ابن
ياسر قال خليفة استعمل عمارا على الصلاة وابن مسعود على بيت المال وعثمان بن حنيف على
مساحة الأرض انتهى وكأن تخصيص عمار بالذكر لوقوع التصريح بالصلاة دون غيرها مما
وقعت فيه الشكوى (قوله فشكوا) ليست هذه الفاء عاطفة على قوله فعزله بل هي تفسيرية
عاطفة على قوله شكى عطف تفسير وقوله فعزله واستعمل اعتراض إذ الشكوى كانت سابقة
على العزل وبينته رواية معمر الماضية (قوله حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي) ظاهره أن
جهات الشكوى كانت متعددة ومنها قصة الصلاة وصرح بذلك في رواية أبي عون الآتية
قريبا فقال عمر لقد شكوك في كل شئ حتى في الصلاة وذكر بن سعد وسيف أنهم زعموا أنه حابى
في بيع خمس باعه وأنه صنع على داره بابا مبوبا من خشب وكان السوق مجاورا له فكان يتأذى
بأصواتهم فزعموا أنه قال انقطع التصويت وذكر سيف أنهم زعموا أنه كان يلهيه الصيد عن
الخروج في السرايا وقال الزبير بن بكار في كتاب النسب رفع أهل الكوفة عليه أشياء كشفها
عمر فوجدها باطلة أه ويقويه قول عمر في وصيته فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة وسيأتي ذلك
في مناقب عثمان (قوله فأرسل إليه) فقال فيه حذف تقديره فوصل إليه الرسول فجاء إلى
عمر وسيأتي تسمية الرسول قوله يا أبا إسحق هي كنية سعد كنى بذلك بأكبر أولاده وهذا
تعظيم من عمر له وفيه دلالة على أنه لم تقدح فيه الشكوى عنده (قوله أما أنا والله) أما
بالتشديد وهي للتقسيم والقسيم هنا محذوف تقديره وأما هم فقالوا ما قالوا وفيه القسم في
196

الخبر لتأكيده في نفس السامع وجواب القسم يدل عليه قوله فإني كنت أصلى بهم (قوله صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب أي مثل صلاة (قوله ما أخرم) بفتح أوله وكسر
الراء أي لا أنقص وحكى ابن التين عن بعض الرواة أنه بضع أوله ففعله من الرباعي واستضعفه
(قوله أصلى صلاة العشاء) كذا هنا بالفتح والمد للجميع غير الجرجاني فقال العشي وفي الباب
الذي بعده صلاتي العشي بالكسر والتشديد لهم إلا الكشميهني ورواه أبو داود الطيالسي في
مسنده عن أبي عوانة بلفظ صلاتي العشي وكذا في رواية عبد الرزاق عن معمر وكذا لزائدة في
صحيح أبي عوانة وهو الأرجح ويدل عليه التثنية والمراد بهما الظهر والعصر ولا يبعد أن تقع
التثنية في الممدود ويراد بهما المغرب والعشاء لكن يعكر عليه قوله الأخريين لأن المغرب إنما
لها أخرى واحدة والله أعلم وأبدى الكرماني لتخصيص العشاء بالذكر حكمة وهو أنه لما أتقن
فعل هذه الصلاة التي وقتها وقت الاستراحة كان ذلك في غيرها بطريق الأولى وهو حسن ويقال
مثله في الظهر والعصر لأنهما وقت الاشتغال بالقائلة والمعاش والأولى أن يقال لعل شكواهم
كانت في هاتين الصلاتين خاصة فلذلك خصهما بالذكر (قوله فأركد في الأوليين) قال
القزاز أركد أي أقيم طويلا أي أطول فيهما القراءة (قلت) ويحتمل أن يكون التطويل
بما هو أعم من القراءة كالركوع والسجود لكن المعهود في التفرقة بين الركعات إنما هو في
القراءة وسيأتي قريبا من رواية أبى عون عن جابر بن سمرة أمد في الأوليين والأوليين بتحتانيتين
تثنية الأولى وكذا الأخريين (قوله وأخف) بضم أوله وكسر الخاء المعجمة وفي رواية الكشميهني
وأحذف بفتح أوله وسكون المهملة وكذا هو في رواية عثمان بن سعيد الدارمي عن موسى بن
إسماعيل شيخ البخاري فيه أخرجه البيهقي وكذا هو في جميع طرق هذا الحديث الذي وقفت
عليها إلا أن في رواية محمد بن كثير عن شعبة عند الإسماعيلي بالميم بدل الفاء والمراد بالحذف
حذف التطويل لا حذف أصل القراءة فكأنه قال أحذف الركود (قوله ذلك الظن بك)
أي هذا الذي تقول هو الذي كنا نظنه زاد مسعر عن عبد الملك وابن عون معا فقال سعد أتعلمني
الأعراب الصلاة أخرجه مسلم وفيه دلالة على أن الذين شكوه لم يكونوا من أهل العلم وكأنهم
ظنوا مشروعية التسوية بين الركعات فأنكروا على سعد التفرقة فيستفاد منه ذم القول
بالرأي الذي لا يستند إلى أصل وفيه أن القياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار قال ابن
بطال وجه دخول حديث سعد في هذا الباب أنه لما قال أركد وأخف علم أنه لا يترك القراءة
في شئ من صلاته وقد قال أنها مثل صلاة رسول الله صلى الله علية وسلم واختصره الكرماني
فقال ركود الإمام يدل على قراءته عادة قال ابن رشيد ولهذا أتبع البخاري في الباب الذي
بعده حديث سعد بحديث أبي قتادة كالمفسر له (قلت) وليس في حديث أبي قتادة هنا ذكر
القراءة في الأخريين نعم هو مذكور من حديثه بعد عشرة أبواب وإنما تتم الدلالة على الوجوب
إذا ضم إلى ما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلى فيحصل التطابق بهذا
لقوله القراءة للأمام وما ذكر من الجهر والمخافتة وأما الحضر والسفر وقراءة المأموم فمن
غير حديث سعد مما ذكر في الباب وقد يؤخذ السفر والحضر من إطلاق قوله صلى الله عليه
وسلم فإنه لم يفصل بين الحضر والسفر وأما وجوب القراءة على الإمام فمن حديث عبادة
197

في الباب ولعل البخاري أكتفي بقوله صلى الله عليه وسلم للمسئ صلاته وهو ثالث أحاديث
الباب وافعل ذلك في صلاتك كلها وبهذا التقرير يندفع اعتراض الإسماعيلي وغيره حيث
قال لا دلالة في حديث سعد على وجوب القراءة وإنما فيه تخفيفها في الأخريين عن الأوليين
(قوله فأرسل معه رجلا أو رجالا) كذا لهم بالشك وفي رواية ابن عيينة فبعث عمر رجلين وهذا
يدل على أنه أعاده إلى الكوفة ليحصل له الكشف عنه بحضرته ليكون أبعد من التهمة لكن
كلام سيف يدل على أن عمر إنما سأله عن مسألة الصلاة بعد ما عاد به محمد بن مسلمة من الكوفة
وذكر سيف والطبري أن رسول عمر بذلك محمد بن مسلمة قال وهو الذي كان يقبض آثار من شكى
من العمال في زمن عمر وحكى ابن التين أن عمر أرسل في ذلك عبد الله بن أرقم فإن كان محفوظا
فقد عرف الرجلان وروى ابن سعد من طريق مليح بن عوف السلمي قال بعث عمر محمد بن مسلمة
وأمرني بالمسير معه وكنت دليلا بالبلاد فذكر القصة وفيها وأقام سعدا في مساجد الكوفة
يسألهم عنه فرواية إسحق عن جرير فطيف به في مساجد الكوفة (قوله ويثنون عليه
معروفا) في رواية ابن عيينة فكلهم يثني عليه خيرا (قوله لبنى عبس) بفتح المهملة وسكون
الموحدة بعدها الركعة قبيلة كبيرة من قيس (قوله أبا سعدة) بفتح المهملة بعد ها مهملة
ساكنة زاد سيف في روايته فقال محمد بن مسلمة أنشد الله رجلا يعلم حقا إلا قال (قوله أما)
بتشديد الميم وقسيمها محذوف أيضا قوله نشدتنا أي طلبت منا القول (قوله لا يسير بالسرية)
الباء للمصاحبة والسرية بفتح المهملة وكسر الراء المخففة قطعة من الجيش ويحتمل أن يكون
صفة لمحذوف أي لا يسير بالطريقة السرية أي العادلة والأول أولى لقوله بعد ذلك ولا يعدل
والأصل عدم التكرار والتأسيس أولى من التأكيد ويؤيد رواية جرير وسفيان بلفظ ولا
ينفر في السرية (قوله في القضية) أي الحكومة وفي رواية سفيان وسيف في الرعية (قوله
قال سعد) في رواية جرير فغضب سعد وحكى بن التين أنه قال له أعلى تسجع (قوله أما والله)
بتخفيف الميم حرف استفتاح (قوله لأدعون بثلاث) أي عليك والحكمة في ذلك أنه نفى عنه
الفضائل الثلاث وهي الشجاعة حيث قال لا ينفر والعفة حيث قال لا يقسم والحكمة حيث
قال لا يعدل فهذه الثلاثة تتعلق بالنفس والمال والدين فقابلها بمثلها فطول العمر يتعلق
بالنفس وطول الفقر يتعلق بالمال والوقوع في الفتن يتعلق بالدين ولما كان في الثنتين الأوليين
ما يمكن الاعتذار عنه دون الثالثة قابلهما بأمرين دنيويين والثالثة بأمر ديني وبيان ذلك أن
قوله لا ينفر بالسرية يمكن أن يكون حقا لكن رأى المصلحة في إقامته ليرتب مصالح من يغزو ومن
يقيم أو كان له عذر كما وقع له في القادسية وقوله لا يقسم بالسوية يمكن أن يكون حقا فإن للأمام
تفضيل أهل الغناء في الحرب والقيام بالمصالح وقوله لا يعدل في القضية هو أشدها لأنه سلب عنه
العدل مطلقا وذلك قدح في الدين ومن أعجب العجب أن سعدا مع كون هذا الرجل واجهه بهذا
وأغضبه حتى دعا عليه في حال غضبه راعي العدل والإنصاف في الدعاء إذ علقه بشرط أن
يكون كاذبا وأن يكون الحامل له على ذلك الغرض الدنيوي (قوله رياء وسمعة) أي ليراه الناس
ويسمعوه فيشهروا ذلك عنه فيكون له بذلك ذكر وسيأتي مزيد في ذلك في كتاب الرقاق إن شاء
الله تعالى (قوله وأطل فقره) في رواية جرير وشدد فقره وفي رواية سيف وأكثر عياله قال الزين
198

ابن المنير في الدعوات الثلاث مناسبة للحال أما طول عمره فليراه من سمع بأمره فيعلم كرامة سعد
وأما طول فقره فلنقيض مطلوبه لأن حاله يشعر بأنه طلب أمرا دنيويا وأما تعرضه للفتن فلكونه
قام فيها ورضيها دون أهل بلده (قوله فكان بعد) أي أبو سعدة وقائل ذلك عبد الملك بن عمير بينه
جرير في روايته (قوله إذا سئل) في رواية ابن عيينة إذ قيل له كيف أنت (قوله شيخ كبير مفتون)
قيل لم يذكر الدعوة الأخرى وهي الفقر لكن عموم قوله أصابتني دعوة سعد يدل عليه (قلت) قد
وقع التصريح به في رواية الطبراني من طريق أسد بن موسى وفي رواية أبي يعلى عن إبراهيم بن
الحجاج كلاهما عن أبي عوانة ولفظه قال عبد الملك فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك فإذا سألوه
قال كبير فقير مفتون وفي رواية إسحق عن جرير فافتقر وافتتن وفي رواية سيف فعمى واجتمع
عنده عشر بنات وكان إذا سمع بحس المرأة تشبث بها فإذا أنكر عليه قال دعوة المبارك سعد وفي
رواية ابن عيينة ولا تكون فتنة إلا وهو فيها وفي رواية محمد بن جحادة عن مصعب بن سعد نحو
هذه القصة قال وأدرك فتنة المختار مولاه فيها رواه المخلص في فوائده ومن طريقه ابن عساكر وفي
رواية سيف أنه عاش إلى فتنة الجماجم وكانت سنة ثلاث وثمانين وكانت فتنة المختار حين غلب
على الكوفة من سنة خمس وستين إلى أن قتل سنة سبع وستين (قوله دعوة سعد) أفردها لإرادة
الجنس وإن كانت ثلاث دعوات وكان سعد معروفا بإجابة الدعوة روى الطبراني من طريق
الشعبي قال قيل لسعد متى أصبت الدعوة قال يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم استجب
لسعد وروى الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق قيس بن أبي حازم عن سعد أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال اللهم استجب لسعد إذا دعاك وفي هذا الحديث من الفوائد سوى ما تقدم
جواز عزل الإمام بعض عماله إذا شكى إليه وإن لم يثبت عليه شئ إذا اقتضت ذلك المصلحة قال
مالك قد عزل عمر سعدا وهو أعدل من يأتي بعده إلى يوم القيامة والذي يظهر أن عمر عزله حسما
لمادة الفتنة ففي رواية سيف قال عمر لولا الاحتياط وأن لا يتقي من أمير مثل سعد لما عزلته وقيل
عزله ايثارا لقربه منه لكونه من أهل الشورى وقيل لأن مذهب عمر أنه لا يستمر بالعامل أكثر من
أربع سنين وقال المازري اختلفوا هل يعزل القاضي بشكوى الواحد أو الاثنين أو لا يعزل
حتى يجتمع الأكثر على الشكوى منه وفيه استفسار العامل عما قيل فيه والسؤال عمن شكى في
موضع عمله والاقتصار في المسألة على من يظن به الفضل وفيه أن السؤال عن عدالة الشاهد
ونحوه يكون ممن يجاوره وأن تعريض العدل للكشف عن حاله لا ينافي قبول شهادته في الحال
وفيه خطاب الرجل الجليل بكنيته والاعتذار لمن سمع في حقه كلام يسوؤه وفيه الفرق بين الافتراء
الذي يقصد به السب والافتراء الذي يقصد به دفع كلاهما فيعزز قائل الأول دون الثاني ويحتمل أن
يكون سعد لم يطلب حقه منهم أو عفا عنهم واكتفى بالدعاء على الذي كشف قناعه في الافتراء عليه
دون غيره فإنه صار كالمنفرد بأذيته وقد جاء في الخبر من دعا على ظالمه فقد انتصر فلعله أراد الشفقة
عليه بأن عجل له العقوبة في الدنيا فانتصر لنفسه وراعى حال من ظلمه لما كان فيه من وفور الديانة
ويقال إنه إنما دعا عليه لكونه انتهك حرمة من صحب خالف وكأنه قد انتصر
لصاحب خالف وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه وليس هو من
طلب وقوع المعصية ولكن من حيث أنه يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته ومن هذا القبيل
199

مشروعية طلب الشهادة وإن كانت تستلزم ظهور الكافر على المسلم ومن الأول قول موسى
عليه السلام ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبه الآية وفيه سلوك الورع في الدعاء
واستدل به على أن الأوليين من الرباعية متساويتان في الطول وسيأتي البحث في ذلك في الباب
الذي بعده (قوله عن محمود بن الربيع) في رواية القدرة عن سفيان حدثنا الزهري سمعت محمود
ابن الربيع ولابن أبي عمر عن سفيان بالإسناد عند الإسماعيلي سمعت عبادة بن الصامت ولمسلم من
رواية صالح بن جلس عن ابن شهاب أن محمود بن الربيع أخبره أن عبادة بن الصامت أخبره
وبهذا التصريح الإخبار يندفع تعليل من أعله بالانقطاع لكون بعض الرواة أدخل بين محمود
وعبادة رجلا وهي رواية ضعيفة عند الدارقطني (قوله لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) زاد
الحميدي عن سفيان فيها كذا في مسنده وهكذا رواه يعقوب بن سفيان عن الحميدي أخرجه
البيهقي وكذا لابن أبي عمر عند الإسماعيلي ولقتيبة وعثمان بن أبي شيبة عند أبي نعيم في
المستخرج وهذا يعين أن المراد القراءة في نفس الصلاة قال عياض قيل يحمل على نفى الذات
وصفاتها لكن الذات غير منتفية فيخص بدليل خارج ونوزع في تسليم عدم نفى الذات على
الإطلاق لأنه أن ادعى أن المراد بالصلاة معناها اللغوي فغير مسلم لأن ألفاظ الشارع محمولة على
عرفه لأنه المحتاج إليه فيه لكونه بعث لبيان الشرعيات لا لبيان موضوعات اللغة وإذا كان
المنفى الصلاة الشرعية استقام دعوى نفي الذات فعلى هذا لا يحتاج إلى إضمار الإجزاء ولا الكمال
لأنه يؤدي إلى الإجمال كما نقل عن القاضي أبي بكر وغيره حتى مال إلى التوقف لأن ففي الكمال
يشعر بحصول الإجزاء فلو قدر الإجزاء منتفيا لأجل العموم قدر ثابتا لأجل إشعار نفى الكمال
بثبوته فيتناقض ولا سبيل إلى إضمار هما معا لأن الاضمار إنما احتيج إليه للضرورة وهي مندفعة
بإضمار فرد فلا حاجة إلى أكثر منه ودعوى إضمار أحدهما ليست بأولى من الآخر قاله ابن
دقيق العيد وفي هذا الأخير نظر لأنا إن سلمنا تعذر الحمل على الحقيقة فالحمل على أقرب المجازين
إلى الحقيقة أولى من الحمل على أبعدهما ونفى الإجزاء أقرب إلى نفى الحقيقة وهو السابق إلى
الفهم ولأنه يستلزم نفي اكمال من غير عكس فيكون أولى ويؤيده رواية الإسماعيلي من طريق
العباس بن الوليد النرسي أحد شيوخ البخاري عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ لا تجزئ صلاة
لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وتابعه على ذلك زياد بن أيوب أحد الأثبات أخرجه الدارقطني وله شاهد
من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بهذا اللفظ أخرجه ابن خزيمة
وابن حبان وغيرهما ولأحمد من طريق عبد الله بن سوادة القشيري عن رجل عن أبيه مرفوعا
لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن وقد أخرج ابن خزيمة عن محمد بن الوليد القرشي عن
سفيان حديث الباب بلفظ لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فلا يمتنع أن يقال إن قوله لا صلاة
نفى بمعنى النهي أي لا تصلوا إلا بقراءة فاتحة الكتاب ونظيره ما رواه مسلم من طريق القاسم عن
عائشة مرفوعا لا صلاة بحضرة الطعام فإنه في صحيح بن حبان بلفظ لا يصلي أحدكم بحضرة الطعام
أخرجه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل وغيره عن يعقوب بن مجاهد عن القاسم وابن حبان من
طريق حسين بن علي وغيره عن يعقوب به وأخرج له ابن حبان أيضا شاهدا من حديث أبي
هريرة بهذا اللفظ وقد قال بوجوب قراءة الفاتحة في الصلاة الحنفية لكن بنوا على قاعدتهم
200

أنها مع الوجوب ليست شرطا في صحة الصلاة لأن وجوبها إنما ثبت بالسنة والذي لا تتم الصلاة
إلا به فرض والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن وقد قال تعالى فاقرؤا ما تيسر من
القرآن فالفرض قراءة ما تيسر وتعيين الفاتحة إنما ثبت بالحديث فيكون واجبا يأثم من يتركه
وتجزئ الصلاة بدونه وإذا تقرر ذلك لا ينقضي عجبي ممن يتعمد ترك قراءة الفاتحة منهم وترك
الطمأنينة فيصلى صلاة يريد أن يتقرب بها إلى الله تعالى وهو يتعمد ارتكاب الإثم فيها مبالغة
في تحقيق مخالفته لمذهب غيره واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة بناء على أن
الركعة الواحدة تسمى صلاة لو تجردت وفيه نظر لأن قراءتها في ركعة واحدة من الرباعية مثلا
يقتضى حصول اسم قراءتها في تلك الصلاة والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة الواحدة
والأصل أيضا عدم إطلاق الكل على البعض لأن الظهر مثلا كلها صلاة واحدة حقيقة كما
صرح به في حديث الإسراء حيث سمى المكتوبات خمسا وكذا حديث عبادة خمس صلوات
كتبهن الله على العباد وغير ذلك فاطلاق الصلاة على ركعة منها يكون مجازا قال الشيخ تقى الدين
وغاية ما في هذا البحث أن يكون في الحديث دلالة مفهوم على صحة الصلاة بقراءة الفاتحة في كل
ركعة واحدة منها فإن دل دليل خارج منطوق على وجوبها في كل ركعة كان مقدما انتهى وقال
بمقتضى هذا البحث الحسن البصري رواه عنه ابن المنذر بإسناد صحيح ودليل الجمهور قوله صلى
الله عليه وسلم وافعل ذلك في صلاتك كلها بعد أن أمره بالقراءة وفي رواية لأحمد وابن حبان ثم
أفعل ذلك في كل ركعة ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري له عقب حديث عبادة واستدل به
على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم سواء أسر الإمام أم جهر لأن صلاته صلاة حقيقة فتنتفى
عند انتفاء القراءة إلا إن جاء دليل يقتضى تخصيص صلاة المأموم من هذا العموم فيقدم قاله
الشيخ تقى الدين واستدل من أسقطها عن المأموم مطلقا كالحنفية بحديث من صلى خلف إمام
فقراءة الإمام له قراءة لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ وقد استوعب طرقه وعلله الدارقطني
وغيره واستدل من أسقطها عنه في الجهرية كالمالكية بحديث وإذا قرأ فأنصتوا وهو حديث
صحيح أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري ولا دلالة فيه لإمكان الجمع بين الأمرين
فينصت فيما عدا الفاتحة أو ينصت إذا قرأ الإمام ويقرأ إذا سكت وعلى هذا فيتعين على الإمام
السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم لئلا يوقعه في ارتكاب النهى حيث لا ينصت إذا قرأ الإمام
وقد ثبت يأمر بقراءة المأموم الفاتحة في الجهرية بغير قيد وذلك فيما أخرجه البخاري في جزء
القراءة والترمذي وابن حبان وغيرهما من رواية مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة أن النبي
صلى الله عليه وسلم ثقلت عليه القراءة في الفجر فلما فرغ قال لعلكم تقرؤن خلف إمامكم قلنا نعم
قال فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها والظاهر أن حديث الباب مختصر
من هذا وكان هذا سببه والله أعلم وله شاهد من حديث أبي قتادة عند أبي داود والنسائي ومن
حديث أنس عند ابن حبان وروى عبد الرزاق عن سعيد بن جبير قال لا بد من أم القرآن ولكن
من مضى كان الإمام يسكت ساعة قدر ما يقرأ المأموم بأم القرآن * (فائدة) * زاد معمر عن
الزهري في آخر حديث الباب فصاعدا أخرجه النسائي وغيره واستدل به على وجوب قدر زائد على
الفاتحة وتعقب بأنه ورد لدفع توهم قصر الحكم على الفاتحة قال البخاري في جزء القراءة هو
201

نظير قوله تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا وادعى ابن حبان والقرطبي وغيرهما الإجماع على عدم
وجوب قدر زائد عليها وفيه نظر لثبوته عن بعض الصحابة ومن بعدهم فيما رواه ابن المنذر وغيره
ولعلهم أرادوا أن الأمر استقر على ذلك وسيأتي بعد ثمانية أبواب حديث أبي هريرة وان لم تزد
على أم القرآن أجزأت ولابن خزيمة من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فصلى
ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بفاتحة الكتاب ثم ذكر البخاري حديث أبي هريرة في قصة المسئ صلاته
وسيأتي الكلام عليه بعد أربعة وعشرين بابا وموضع الحاجة منه هنا قوله ثم أقرأ ما تيسر معك
من القرآن وكأنه أشار بإيراده عقب حديث عبادة أن الفاتحة إنما تتحتم على من يحسنها وأن
من لا يحسنها يقرأ بما تيسر عليه وأن إطلاق القراءة في حديث أبي هريرة مقيد بالفاتحة كما في
حديث عبادة والله أعلم قال الخطابي قوله ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ظاهر الإطلاق التخيير
لكن المراد به فاتحة الكتاب لمن أحسنها بدليل حديث عبادة وهو كقوله تعالى فما استيسر من
الهدى ثم عينت السنة المراد وقال النووي قوله ما تيسر محمول على الفاتحة فإنها متيسرة أو على
ما زاد من الفاتحة بعد أن يقرأها أو على من عجز عن الفاتحة وتعقب بأن قوله ما تيسر لا إجمال فيه
حتى يبين بالفاتحة والتقييد بالفاتحة ينافي التيسير الذي يدل عليه الإطلاق فلا يصح حمله عليه
وأيضا فسورة الإخلاص متيسرة وهي أقصر من الفاتحة فلم ينحصر التيسير في الفاتحة وأما
الحمل على ما زاد فمبنى على تسليم تعين الفاتحة وهي محل النزاع وأما حمله على من عجز فبعيد
والجواب القوي عن هذا أنه ورد في حديث المسئ صلاته تفسير ما تيسر بالفاتحة كما أخرجه
أبو داود من حديث رفاعة بن رافع رفعه وإذا قمت فتوجهت فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله
أن تقرأ وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك الحديث ووقع فيه في بعض طرقه ثم اقرأ إن كان
معك قرآن فإن لم يكن فاحمد الله وكبر وهلل فإذا جمع بين ألفاظ الحديث كان تعين الفاتحة هو
الأصل لمن معه قرآن فإن عجز عن تعلمها وكان معه شئ من القرآن قرأ ما تيسر وإلا انتقل إلى الذكر
ويحتمل في طريق الجمع أيضا أن يقال المراد بقوله فأقرأ ما تيسر معك من القرآن أي بعد الفاتحة
ويؤيده حديث أبي سعيد عند أبي داود بسند قوي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ
بفاتحة الكتاب وما تيسر (قوله باب القراءة في الظهر) هذه الترجمة والتي بعدها يحتمل
أن يكون المراد بهما إثبات القراءة فيهما وأنها تكون سرا إشارة إلى من خالف في ذلك كابن عباس
كما سيأتي البحث فيه بعد ثمانية أبواب ويحتمل أن يراد به تقدير المقروء أو تعينه والأول أظهر
لكونه لم يتعرض في البابين لإخراج شئ مما يتعلق بالاحتمال الثاني وقد أخرج مسلم وغيره في ذلك
أحاديث مختلفة سيأتي بعضها وجمع بينها بوقوع ذلك في أحوال متغايرة إما لبيان الجواز أو لغير
ذلك من الأسباب واستدل ابن العربي باختلافها على عدم مشروعية سورة معينة في صلاة
معينة وهو واضح فيما اختلف لا فيما لم يختلف كتنزيل وهل أتى في صبح الجمعة (قوله حدثنا شيبان)
هو ابن عبد الرحمن ويحي هو ابن أبي كثير (قوله عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) في رواية
الجوزقي من طريق عبيد الله بن موسى عن شيبان التصريح بالإخبار ليحيى من عبد الله ولعبد الله
من أبيه وكذا للنسائي من رواية الأوزاعي عن يحيى لكن بلفظ التحديث فيهما وكذا عنده من
رواية أبي إبراهيم القناد عن يحيى حدثني عبد الله فأمن بذلك تدليس يحيى (قوله الأوليين)
202

بتحتانيتين تثنية الأولى (قوله صلاة الظهر) فيه جواز تسمية الصلاة بوقتها (قوله و سورتين)
أي في كل ركعة سورة كما سيأتي صريحا في الباب الذي بعده واستدل به على أن قراءة سورة
أفضل من قراءة قدرها من طويلة قاله النووي وزاد البغوي ولو قصرت السورة عن المقروء
كأنه مأخوذ من قوله كان يفعل لأنها تدل على الدوام أو الغالب (قوله يطول في الأولى ويقصر
في الثانية) قال الشيخ تقى الدين كان السبب في ذلك أن النشاط في الأولى يكون أكثر فناسب
التخفيف في الثانية حذرا من الملل انتهى وروى عبد الرزاق عن معمر عن يحيى في آخر هذا
الحديث فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى ولأبي داود وابن خزيمة نحوه من رواية
أبي خالد عن سفيان عن معمر وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال إني لأحب أن يطول
الإمام الركعة الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس واستدل به على استحباب تطويل الأولى على
الثانية وسيأتي في باب مفرد وجمع بينه وبين حديث سعد الماضي حيث قال أمد في الأوليين أن
المراد تطويلهما على الأخريين لا التسوية بينهما في الطول وقال من استحب استواءهما إنما
طالت الأولى بدعاء الافتتاح والتعوذ وأما في القراءة فهما سواء ويدل عليه حديث أبي سعيد عند
مسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي رواية لابن ماجة أن الذين
حزروا ذلك كانوا ثلاثين من الصحابة وادعى ابن حبان أن الأولى إنما طالت على الثانية بالزيادة في
الترتيل فيها مع استواء المقروء فيهما وقد روى مسلم من حديث حفصة أنه صلى الله عليه وسلم كان
يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها واستدل به بعض الشافعية على جواز تطويل
الإمام في الركوع لأجل الداخل قال القرطبي ولا حجة فيه لأن الحكمة لا يعلل بها لخفائها أو لعدم
انضباطها ولأنه لم يكن يدخل في الصلاة يريد تقصير تلك الركعة ثم يطيلها لأجل الآتي وإنما كان
يدخل فيها ليأتي بالصلاة على سنتها من تطويل الأولى فافترق الأصل والفرع فامتنع الإلحاق
انتهى وقد ذكر البخاري في جزء القراءة كلاما معناه أنه لم يرد عن أحد من السلف في انتظار
الداخل في الركوع شئ والله أعلم ولم يقع في حديث أبي قتادة هذا هنا ذكر القراءة في الأخرين
فتمسك به بعض الحنفية على إسقاطها فيهما لكنه ثبت في حديثه من وجه آخر كما سيأتي من
حديثه بعد عشرة أبواب (قوله ويسمع الآية أحيانا) في الرواية الآتية ويسمعنا وكذا أخرجه
الإسماعيلي من رواية شيبان وللنسائي من حديث البراء كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم
الظهر فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات ولابن خزيمة من حديث أنس
نحوه لكن قال سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية واستدل به على جواز الجهر
في السرية وأنه لا سجود سهو على من فعل ذلك خلافا لمن قال ذلك من الحنفية وغيرهم سواء قلنا
كان يفعل ذلك عمدا لبيان الجواز أو بغير قصد للاستغراق في التدبر وفيه حجة على من زعم أن
الإسرار شرط لصحة الصلاة السرية وقوله أحيانا يدل على تكرر ذلك منه وقال ابن دقيق العيد
فيه دليل على جواز الاكتفاء بظاهر الحال في الأخبار دون التوقف على اليقين لأن الطريق إلى
العلم بقراءة السورة في السرية لا يكون إلا بسماع كلها وإنما يفيد يقين ذلك لو كان في الجهرية
وكأنه مأخوذ من سماع بعضها مع قيام القرينة على قراءة باقيها ويحتمل أن يكون الرسول صلى
الله عليه وسلم كان يخبرهم عقب الصلاة دائما أو غالبا بقراءة السورتين وهو بعيد جدا والله أعلم
203

(قوله حدثنا عمر) هو ابن حفص بن غياث (قوله حدثني عمارة) هو ابن عمير كما في الباب الذي
بعده (قوله على أبي معمر) هو عبد الله بن سخبرة بفتح المهملة والموحدة بينهما خاء غدا ساكنة
الأزدي وأفاد الدمياطي أن لأبيه صحبة ووهمه بعضهم في ذلك فإن الصحابي أخرج حديثه
الترمذي وقال في سياقه عن سخبرة وليس بالأزدي (قلت) لكن جزم البخاري وابن أبي خيثمة وابن
حبان بأنه الأزدي والعلم عند الله (قوله باضطراب لحيته) فيه الحكم بالدليل لأنهم حكموا
باضطراب لحيته على قراءته لكن لا بد من قرينة تعين القراءة دون الذكر والدعاء مثلا
لأن اضطراب اللحية يحصل بكل منهما وكأنهم نظروه بالصلاة الجهرية لأن ذلك المحل منها هو
محل القراءة لا الذكر والدعاء وإذا انضم إلى ذلك قول أبي قتادة كان يسمعنا الآية أحيانا قوي
الاستدلال والله أعلم وقال بعضهم احتمال الذكر ممكن لكن جزم الصحابي بالقراءة مقبول لأنه
أعرف بأحد المحتملين فيقبل تفسيره واستدل به المصنف على مخافتته القراءة في الظهر والعصر
كما سيأتي وعلى رفع بصر المأموم إلى الإمام كما مضى واستدل به البيهقي على أن الإسرار بالقراءة
لا بد فيه من أسماع المرء نفسه وذلك لا يكون إلا بتحريك اللسان والشفتين بخلاف ما لو أطبق
شفتيه وحرك لسانه بالقراءة فإنه لا تضطرب بذلك لحيته فلا يسمع نفسه انتهى وفيه نظر لا يخفى
(قوله باب القراءة في العصر) أورد فيه حديث خباب المذكور قبله وكذا
حديث أبي قتادة مختصرا وقد تقدم الكلام عليهما في الباب الذي قبله وعلى ما يؤخذ من الترجمة
تصريحا أو إشارة (قوله قلنا) في رواية الحموي والمستملي قلت لخباب (قوله ابن الأرت) بفتح
الراء وتشديد المثناة الفوقانية (قوله هشام) هو الدستوائي (قوله باب القراءة
في المغرب) المراد تقديرها لا إثباتها لكونها جهرية بخلاف ما تقدم في باب القراءة في الظهر من
أن المراد إثباتها (قوله أن أم الفضل) هي والدة ابن عباس الراوي عنها و بذلك صرح الترمذي في
روايته فقال عن أمه أم الفضل وقد تقدم في المقدمة أن اسمها لبابة بنت الحرث الهلالية ويقال
إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة والصحيح أخت عمر زوج سعيد بن زيد لما سيأتي في المناقب
من حديثه لقد رأيتني وعمر موثقي وأخته على الإسلام واسمها فاطمة (قوله سمعته) أي سمعت
ابن عباس وفيه التفات لأن السياق يقتضى أن يقول سمعتني (قوله لقد ذكرتني) أي شيئا نسيته
وصرح عقيل في روايته عن ابن شهاب أنها آخر صلوات النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه ثم ما صلى
لنا بعدها حتى قبضه الله أورده المصنف في باب الوفاة وقد تقدم في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به
من حديث عائشة أن الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في مرض موته كانت
الظهر وأشرنا إلى الجمع بينه وبين حديث أم الفضل هذا بأن الصلاة التي حكتها عائشة كانت
في المسجد والتي حكتها أم الفضل كانت في بيته كما رواه النسائي لكن يعكر عليه رواية ابن إسحاق
عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه
في مرضه فصلى المغرب الحديث أخرجه الترمذي ويمكن حمل قولها خرج إلينا أي من مكانه
الذي كان راقدا فيه إلى من في البيت فصلى بهم فتلتئم الروايات (قوله يقرأ بها) هو في موضع
الحال أي سمعته في حال قراءته (قوله عن ابن أبي مليكة) في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج
حدثني أبن أبي مليكة ومن طريقه أخرجه أبو داود وغيره (قوله عن عروة) في رواية الإسماعيلي
204

من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج سمعت ابن أبي مليكة أخبرني عروة أن مروان أخبره
(قوله قال لي زيد بن ثابت مالك تقرأ) كان مروان حينئذ أميرا على المدينة من قبل معاوية
(قوله بقصار) كذا للأكثر بالتنوين وهو عوض عن المضاف إليه وفي رواية الكشميهني
بقصار المفصل وكذا للطبراني عن أبي مسلم الكجي وللبيهقي من طريق الصغائي كلاهما عن أبي
عاصم شيخ البخاري فيه وكذا في جميع الروايات عند أبي داود والنسائي وغيرهما لكن في رواية
النسائي بقصار السور وعند النسائي من رواية أبي الأسود عن عروة عن زيد بن ثابت أنه قال
لمروان أبا عبد الملك أتقرأ في المغرب بقل هو الله أحد وإنا أعطيناك الكوثر وصرح الطحاوي
من هذا الوجه بالأخبار بين عروة وزيد فكأن عروة سمعه من مروان عن زيد ثم لقى زيدا فأخبره
(قوله وقد سمعت) استدل به ابن المنير على أن ذلك وقع منه صلى الله عليه وسلم نادرا قال لأنه لو لم
يكن كذلك لقال كان يفعل يشعر بأن عادته كانت كذلك انتهى وغفل عما في رواية البيهقي من
طريق أبي عاصم شيخ البخاري فيه بلفظ لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ومثله في رواية
حجاج بن محمد عن ابن جريج عند الإسماعيلي (قوله بطولى الطوليين) أي بأطول السورتين
الطويلتين وطولي تأنيث أطول والطوليين بتحتانيتين تثنية طولى وهذه رواية الأكثر ووقع
في رواية كريمة بطول بضم الطاء وسكون الواو ووجهه الكرماني بأنه أطلق المصدر وأراد
الوصف أي كان يقرأ بمقدار طولى الطوليين وفيه نظر لأنه يلزم منه أن يكون قرأ بقدر السورتين
وليس هو المراد كما سنوضحه وحكى الخطابي أنه ضبطه عن بعضهم بكسر الطاء وفتح الواو قال
وليس بشئ لأن الطول الحبل ولا معنى له هنا انتهى ووقع في رواية الإسماعيلي بأطول الطوليين
بالتذكير ولم يقع تفسيرهما في رواية البخاري ووقع في رواية أبي الأسود المذكورة بأطول
الطوليين المص وفي رواية أبي داود قال قلت وما طولى الطوليين قال الأعراف وبين
النسائي في رواية له أن التفسير من قول عروة ولفظه قال قلت يا أبا عبد الله وهي كنية عروة وفي
رواية البيهقي قال فقلت لعروة وفي رواية الإسماعيلي قال ابن أبي مليكة وما طولى الطوليين
زاد أبو داود قال يعني ابن جريج وسألت أنا ابن أبي مليكة فقال لي من قبل نفسه المائدة
والأعراف كذا رواه عن الحسن بن علي عن عبد الرزاق وللجوزقي من طريق عبد الرحمن بن
بشر عن عبد الرزاق مثله لكن قال الأنعام بدل المائدة وكذا في رواية حجاج بن محمد والصغائي
المذكورتين وعند أبي مسلم الكجي عن أبي عاصم بدل الأنعام يونس أخرجه الطبراني وأبو نعيم
في المستخرج فحصل الاتفاق على تفسير الطولى بالأعراف وفى تفسير الأخرى ثلاثة أقوال
المحفوظ منها الأنعام قال ابن بطال البقرة أطول السبع الطوال فلو أرادها لقال طولى الطوال
فلما لم يردها دل على أنه أراد الأعراف لأنها أطول السور بعد البقرة وتعقب بأن النساء أطول
من الأعراف وليس هذا التعقب بمرضي لأنه اعتبر عدد الآيات وعدد آيات الأعراف أكثر من
عدد آيات النساء وغيرها من السبع بعد البقرة والمتعقب اعتبر عدد الكلمات لأن كلمات
النساء تزيد على كلمات الأعراف بمائتي كلمة وقال ابن المنير تسمية الأعراف والأنعام بالطوليين
إنما هو لعرف فيهما لا أنهما أطول من غيرهما والله أعلم واستدل بهذين الحديثين على امتداد
وقت المغرب وعلى استحباب القراءة فيها بغير قصار المفصل وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي
205

بعده (قوله باب الجهر في المغرب) اعترض الزين بن المنير على هذه الترجمة
والتي بعدها بأن الجهر فيهما لا خلاف فيه وهو عجيب لأن الكتاب موضوع لبيان الأحكام
من حيث هي وليس هو مقصورا على الخلافيات (قوله عن محمد بن جبير) في رواية ابن خزيمة
من طريق سفيان عن الزهري حدثني محمد بن جبير (قوله قرأ في المغرب بالطور) في رواية
ابن عساكر يقرأ وكذا هو في الموطأ وعند مسلم زاد المصنف في الجهاد من طريق محمد بن عمرو
عن الزهري وكان جاء في أسارى بدر ولابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري في فداء
أهل بدر وزاد الإسماعيلي من طريق معمر وهو يومئذ مشرك وللمصنف في المغازي من طريق
معمر أيضا في آخره قال وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي وللطبراني من رواية أسامة بن زيد
عن الزهري نحوه وزاد فأخذني من قراءته الكرب ولسعيد بن منصور عن هشيم عن الزهري
فكأنما صدع قلبي حين سمعت القرآن واستدل به على صحة أداء ما تحمله الراوي في حال الكفر
وكذا الفسق إذا أداه في حال العدالة وستأتى الإشارة إلى زوائد أخرى فيه لبعض الرواة
(قوله بالطور) أي بسورة الطور وقال ابن الجوزي يحتمل أن تكون الباء بمعنى من كقوله
تعالى عينا يشرب بها عباد الله وسنذكر ما فيه قريبا قال الترمذي ذكر عن مالك أنه كره أن يقرأ
في المغرب بالسور الطوال نحو الطور والمرسلات وقال الشافعي لا أكره ذلك بل أستحب وكذا
نقله البغوي في شرح السنة عن الشافعي والمعروف عند الشافعية أنه لا كراهية في ذلك
ولا استحباب وأما مالك فاعتمد العمل بالمدينة بل وبغيرها قال ابن دقيق العيد استمر العمل على
تطويل القراءة في الصبح وتقصيرها في المغرب والحق عندنا أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم
في ذلك وثبتت مواظبته عليه فهو مستحب وما لم تثبت مواظبته عليه فلا كراهة فيه (قلت)
الأحاديث التي ذكرها البخاري في القراءة هنا ثلاثة مختلفة المقادير لأن الأعراف من السبع
الطوال والطور من طوال المفصل والمرسلات من أوساطه وفي ابن حبان من حديث ابن عمر
أنه قرأ بهم في المغر ب بالذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ولم أر حديثا مرفوعا فيه التنصيص على
القراءة فيها بشئ من قصار المفصل إلا حديثا في ابن ماجة عن ابن عمر نص فيه على الكافرون
والإخلاص ومثله لابن حبان عن جابر بن سمرة فأما حديث ابن عمر فظاهر إسناده الصحة إلا أنه
معلول قال الدارقطني أخطأ فيه بعض رواته وأما حديث جابر بن سمرة ففيه سعيد بن سماك
وهو متروك والمحفوظ أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب واعتمد بعض أصحابنا وغيرهم حديث
سليمان بن يسار عن أبي هريرة أنه قال ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم
من فلان قال سليمان فكان يقرأ في الصبح بطوال المفصل وفي المغرب بقصار المفصل الحديث
أخرجه النسائي وصححه ابن خزيمة وغيره وهذا يشعر بالمواظبة على ذلك لكن في الاستدلال به
نظر يأتي مثله في باب جهر الإمام بالتأمين بعد ثلاثة عشر باب نعم حديث رافع الذي تقدم في
المواقيت أنهم كانوا ينتضلون بعد صلاة المغرب يدل على تخفيف القراءة فيها وطريق الجمع بين
هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يطيل القراءة في المغرب إما لبيان الجواز وإما
لعمله بعدم المشقة على المأمومين وليس في حديث جبير بن مطعم دليل على أن ذلك تكرر منه
وأما حديث زيد بن ثابت ففيه إشعار بذلك لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار
206

المفصل ولو كان مروان يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك لأحتج به على زيد لكن
لم يرد زيد منه فيما يظهر المواظبة على القراءة بالطوال وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما رآه من
النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث أم الفضل إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في
الصحة بأطول من المرسلات لكونه كان في حال شدة مرضه وهو مظنة التخفيف وهو يرد على أبي
داود ادعاء نسخ التطويل لأنه روى عقب حديث زيد بن ثابت من طريق عروة أنه كان يقرأ في
المغرب بالقصار قال وهذا يدل على نسخ حديث زيد ولم يبين وجه الدلالة وكأنه لما رأى عروة راوي
الخبر عمل بخلافه حمله على أنه اطلع على ناسخه ولا يخفى بعد هذا الحمل وكيف تصح دعوى النسخ
وأم الفضل تقول إن آخر صلاة صلاها بهم قرأ بالمرسلات قال ابن خزيمة في صحيحه هذا من
الاختلاف المباح فجائز للمصلى أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها بما أحب إلا أنه إذا كان
إماما استحب له أن يخفف في القراءة كما تقدم أه وهذا أولى من قول القرطبي ما ورد في مسلم
وغيره من تطويل القراءة فيما استقر عليه التقصير أو عكسه فهو متروك وادعى الطحاوي أنه
لا دلالة في شئ من الأحاديث الثلاثة على تطويل القراءة لاحتمال أن يكون المراد أنه قرأ بعض
السورة ثم استدل لذلك بما رواه من طريق هشيم عن الزهري في حديث جبير بلفظ فسمعته
يقول إن عذاب ربك لواقع قال فأخبر أن الذي سمعه من هذه السورة في هذه الآية خاصة أه
وليس في السياق ما يقتضى قوله خاصة مع كون رواية هشيم عن الزهري بخصوصها مضعفة بل
جاء في روايات أخرى ما يدل على أنه قرأ السورة كلها فعند البخاري في التفسير سمعته يقرأ في
المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون الآيات إلى قوله
المصيطرون كاد قلبي يطير ونحوه لقاسم بن أصبغ وفي رواية أسامة ومحمد بن عمرو المتقدمتين
سمعته يقرأ والطور وكتاب مسطور ومثله لابن سعد وزاد في أخرى فاستمعت قراءته حتى خرجت
من المسجد ثم ادعى الطحاوي أن الاحتمال المذكور يأتي في حديث زيد بن ثابت وكذا أبداه
الخطابي احتمالا وفيه نظر لأنه لو كان قرأ بشئ منها يكون قدر سورة من قصار المفصل لما كان
لإنكار زيد معنى وقد روى حديث زيد هشام بن عروة عن أبيه عنه أنه قال لمروان إنك لتخف
القراءة في الركعتين من المغرب فوالله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بسورة
الأعراف في الركعتين جميعا أخرجه ابن خزيمة واختلف على هشام في صحابيه والمحفوظ عن عروة
أنه زيد بن ثابت وقال أكثر الرواة عن هشام عن زيد بن ثابت أو أبي أيوب وقيل عن عائشة
أخرجه النسائي مقتصرا على المتن دون القصة واستدل به الخطابي وغيره على امتداد وقت
المغرب إلى غروب الشفق وفيه نظر لأن من قال إن لها وقتا واحدا لم يحده بقراءة معينة بل قالوا
لا يجوز تأخيرها عن أول غروب الشمس وله أن يمد القراءة فيها ولو غاب الشفق واستشكل المحب
الطبري إطلاق هذا وحمله الخطابي قبله على أنه يوقع ركعة في أول الوقت ويديم الباقي ولو غاب
الشفق ولا يخفى ما فيه لأن تعمد إخراج بعض الصلاة عن الوقت ممنوع ولو أجزأت فلا يحمل
ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك واختلف في المراد بالمفصل مع الاتفاق على أن منتهاه
آخر القرآن هل هو من أول الصافات أو الجائية أو القتال أو الفتح أو الحجرات أو ق أو الصف
أو تبارك أو سبح أو الضحى إلى آخر القرآن أقوال أكثرها مستغرب اقتصر في شرح المهذب على
207

أربعة من الأوائل سوى الأول والرابع وحكى الأول والسابع والثامن ابن أبي الصيف اليمني
وحكى الرابع والثامن الدزماري في شرح التنبيه وحكى التاسع المرزوقي في شرحه وحكى
الخطابي والماوردي العاشر والراجح الحجرات ذكره النووي ونقل المحب الطبري قولا شاذا أن
المفصل جميع القرآن وأماما أخرجه الطحاوي من طريق زرارة بن أوفى قال أقرأني أبو
موسى كتاب عمر إليه اقرأ في المغرب آخر المفصل وآخر المفصل من لم يكن إلى آخر القرآن فليس
تفسيرا للمفصل بل لآخره فدل على أن أوله قبل ذلك (قوله باب الجهر في العشاء)
قدم ترجمة الجهر على ترجمة القراءة عكس ما صنع في المغرب ثم الصبح والذي في المغرب أولى ولعله
من النساخ (قوله حدثنا معتمر) هو ابن سليمان التيمي وبكر هو ابن عبد الله المزني وأبو رافع
هو الصائغ وهو ومن قبله من رجال الإسناد بصريون وهو من كبار التابعين وبكر من أوساطهم
وسليمان من صغارهم (قوله فقلت له) أي في شأن السجدة يعني سألته عن حكمها وفي الرواية
التي بعدها فقلت ما هذه (قوله سجدت) زاد غير أبي ذر بها أي بالسجدة أو الباء للظرف أي
فيها يعني السورة وفي الرواية الآتية لغير الكشميهني سجدت فيها (قوله خلف أبي القاسم
صلى الله عليه وسلم) أي في الصلاة وبه يتم استدلال المصنف لهذه الترجمة والتي بعدها
ونوزع في ذلك لأن سجوده في السورة أعم من أن يكون انظر الصلاة أو خارجها فلا ينهض
الدليل وقال ابن المنير لا حجة فيه على مالك حيث كره السجدة في الفريضة يعني في المشهور عنه
لأنه ليس مرفوعا وغفل عن رواية أبي الأشعث عن معتمر بهذا الإسناد بلفظ صليت خلف أبي
القاسم فسجد بها أخرجه ابن خزيمة وكذلك أخرجه الجوزقي من طريق يزيد بن هارون عن
سليمان التيمي بلفظ صليت مع أبي القاسم فسجد فيها (قوله حتى ألقاه) كناية عن الموت وسيأتي
الكلام على بقية فوائده في أبواب سجود التلاوة إن شاء الله تعالى (قوله عن عدي) هو ابن
ثابت كما في الرواية الآتية بعد باب (قوله في سفر) زاد الإسماعيلي فصلى العشاء ركعتين
(قوله في إحدى الركعتين) في رواية النسائي في الركعة الأولى (قوله بالتين) أي بسورة
التين وفي الرواية الآتية والتين على الحكاية وإنما قرأ في العشاء بقصار المفصل لكونه كان
مسافرا والسفر يطلب فيه التخفيف وحديث أبي هريرة محمول على الحضر فلذلك قرأ فيها
بأوساط المفصل (قوله باب القراءة في العشاء بالسجدة) تقدم ما فيه قبل
والقول في إسناده كالذي قبله والتيمي هو سليمان بن طرخان والد المعتمر (قوله باب
القراءة في العشاء) تقدم أيضا وقوله فيه وما سمعت أحدا أحسن صوتا منه يأتي الكلام
عليه في أواخر كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى (قوله باب يطول في الأوليين)
أي من صلاة العشاء ذكر فيه حديث سعد وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب وجوب
القراءة ووجهه هنا إما الإشارة إلى إحدى الروايتين في قوله صلاتي العشاء أو العشي وإما
لإلحاق العشاء بالظهر والعصر لكون كل منهن رباعية (قوله باب القراءة
في الفجر) يعني صلاة الصبح (قوله وقالت أم سلمة قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالطور) يأتي
208

الكلام عليه في الباب الذي بعده (قوله عن وقت الصلاة) في رواية غير أبي ذر الصلوات
والمراد المكتوبات وقد تقد الكلام على حديث أبي برزة المذكور في المواقيت وقوله هنا وكان
يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة أي من الآيات وهذه الزيادة تفرد بها
شعبة عن أبي المنهال والشك فيه منه وقد تقدم عن رواية الطبراني تقديرها بالحاقة ونحوها
فعلى تقدير أن يكون ذلك في كل الركعتين فهو منطبق على حديث ابن عباس في قراءته في صبح
الجمعة تنزيل السجدة وهل أتى وعلى تقدير أن يكون في كل ركعة فهو منطبق على حديث جابر بن
سمرة في قراءته في الصبح بق أخرجه مسلم وفي رواية له بالصافات وفي أخرى عند الحاكم بالواقعة
وكأن المصنف قصد بإيراد حديثي أم سلمة وأبي برزة في هذه الباب بيان حالتي السفر والحضر ثم
ثلث بحديث أبي هريرة الدال على عدم اشتراط قدر معين (قوله إسماعيل بن إبراهيم) هو المعروف
بابن علية وقد تكلم يحيى بن معين في حديثه عن ابن جريج خاصة لكن تابعه عليه عبد الرزاق
ومحمد بن بكر ويحيى بن أبي الحجاج عند أبي عوانة وغندر عند أحمد وخالد بن الحرث عند النسائي
وابن وهب عند ابن خزيمة ستتهم عن ابن جريج منهم من ذكر الكلام الأخير ومنهم من
لم يذكره وتابع ابن جريج حبيب المعلم عند مسلم وأبي داود وحبيب بن الشهيد عند مسلم وأحمد
ورقية بن مصقلة عند النسائي وقيس بن سعد وعمارة بن ميمون عند أبي داود وحسين المعلم عند
أبي نعيم في المستخرج ستتهم عن عطاء منهم من طوله ومنهم من اختصره (قوله في كل صلاة
يقرأ) بضم أوله على البناء للمجهول ووقع في رواية الأصيلي نقرأ بنون مفتوحه في أوله كذا
هو موقوف وكذا هو عند من ذكرنا روايته إلا حبيب بن الشهيد فرواه مرفوعا بلفظ لا صلاة
إلا بقراءة هكذا أورده مسلم من رواية أبي أسامة عنه وقد أنكره الدارقطني على مسلم وقال إن
المحفوظ عن أبي أسامة وقفه كما رواه أصحاب ابن جريج وكذا رواه أحمد عن يحيى القطان وأبي
عبيدة الحداد كلاهما عن حبيب المذكور موقوفا وأخرجه أبو عوانة من طريق يحيى بن أبي
الحجاج عن ابن جريج كرواية الجماعة لكن زاد في آخره وسمعته يقول لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب
وظاهر سياقه أن ضمير سمعته النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا بخلاف رواية الجماعة
نعم قوله ما أسمعنا وما أخفى عنا يشعر بأن جميع ما ذكره متلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيكون
للجميع حكم الرفع (قوله وان لم تزد) بلفظ الخطاب وبينته رواية مسلم عن أبي خيثمة وعمرو
الناقد عن إسماعيل فقال له رجل ان لم أزد وكذا رواه يحيى بن محمد عن مسدد شيخ البخاري
فيه أخرجه البيهقي وزاد أبو يعلى في أوله عن أبي خيثمة بهذا السند إذا كنت إماما فخفف
وإذا كنت وحدك فطول ما بدلك وفي كل صلاة قراءة الحديث (قوله أجزأت) أي كفت
وحكى ابن التين رواية أخرى جزت بغير ألف وهي رواية القابسي واستشكله ثم حكى عن
الخطابي قال يقال جزى وأجزى مثل وفي وأوفى قال فزال الاشكال (قوله فهو خير) في رواية
حبيب المعلم فهو أفضل وفي هذا الحديث أن من لم يقرأ الفاتحة لم تصح صلاته وهو شاهد لحديث
عبادة المتقدم وفيه استحباب السورة أو الآيات مع الفاتحة وهو قول الجمهور في الصبح والجمعة
والأوليين من غيرهما وصح إيجاب ذلك عن بعض الصحابة كما تقدم وهو عثمان بن أبي العاص
وقال به بعض الحنفية وابن كنانة من المالكية وحكاه القاضي الفراء الحنبلي في الشرح الصغير
209

رواية عن أحمد وقيل يستحب في جميع الركعات وهو ظاهر حديث أبي هريرة هذا والله أعلم
(قوله باب الجهر بقراءة صلاة الصبح) ولغير أبي ذر صلاة الفجر وهو موافق للترجمة
الماضية وعلى رواية أبي ذر فلعله أشار إلى أنها تسمى بالأمرين (قوله وقالت أم سلمة الخ) وصله
المصنف في باب طواف النساء من كتاب الحج من رواية مالك عن أبي الأسود عن عروة عن زينب
عن أمها أم سلمة قالت شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني أشتكي أي أن بها مرضا فقال
طوفي وراء الناس وأنت راكبة قالت فطفت حينئذ والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي الحديث
وليس فيه بيان أن الصلاة حينئذ كانت الصبح ولكن تبين ذلك من رواية أخرى أوردها بعد ستة
أبواب من طريق يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام بن عروة عن أبيه ولفظه فقال إذا أقيمت
الصلاة للصبح فطوفي وهكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية حسان بن إبراهيم عن هشام وأما
ما أخرجه ابن خزيمة من طريق ابن وهب عن مالك وابن لهيعة جميعا عن أبي الأسود في هذا
الحديث قال فيه قالت وهو يقرأ في العشاء الآخرة فشاذ وأظن سياقه لفظ ابن لهيعة لأن ابن
وهب رواه في الموطأ عن مالك فلم يعين الصلاة كما رواه أصحاب مالك كلهم أخرجه الدارقطني في
الموطاآت له من طرق كثيرة عن مالك منها رواية ابن وهب المذكورة وإذا تقرر ذلك فابن لهيعة
لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف وعرف بهذا اندفاع الاعتراض الذي حكاه ابن التين عن
بعض المالكية حيث أنكر أن تكون الصلاة المذكورة صلاة الصبح فقال ليس في الحديث
بيانها والأولى أن تحمل على النافلة لأن الطواف يمتنع إذا كان الإمام في صلاة الفريضة انتهى
وهو رد للحديث الصحيح بغير حجة بل يستفاد من هذا الحديث جواز ما منعه بل يستفاد من
الحديث التفصيل فنقول أن كان الطائف بحيث يمر بين يدي المصلين فيمتنع كما قال وإلا فيجوز
وحال أم سلمة هو الثاني لأنها طافت من وراء الصفوف ويستنبط منه أن الجماعة في الفريضة
ليست فرضا على الأعيان إلا أن يقال كانت أم سلمة حينئذ شاكية فهي معذورة أو الوجوب
يختص بالرجال وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الحج إن شاء الله تعالى وقال ابن
رشيد ليس في حديث أم سلمة نص على ما ترجم له من الجهر بالقراءة إلا أنه يؤخذ بالاستنباط من
حيث أن قولها طفت وراء الناس يستلزم الجهر بالقراءة لأنه لا يمكن سماعها للطائف من ورائهم
إلا إن كانت جهرية قال ويستفاد منه جواز إطلاق قرأ وإرادة جهر والله أعلم ثم ذكر البخاري
حديث ابن عباس في قصة سماع الجن القرآن وسيأتي الكلام عليه في موضعه من التفسير
ويأتي بيان عكاظ في كتاب الحج في شرح حديث ابن عباس أيضا كانت عكاظ من أسواق
الجاهلية الحديث والمقصود منه هنا قوله وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن
استمعوا له وهو ظاهر في الجهر ثم ذكر حديث ابن عباس أيضا قال قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فيما
أمر وسكت فيما أمر وما كان ربك نسيا لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ووجه
المناسبة منه ما تقدم من إطلاق قرأ على جهر لكن كان يبقى خصوص تناول ذلك لصلاة الصبح
فيستفاد ذلك من الذي قبله فكأنه يقول هذا الإجمال هنا مفسر بالبيان في الذي قبله لأن المحدث
بهما واحد أشار إلى ذلك ابن رشيد ويمكن أن يكون مراد البخاري بهذا ختم تراجم القراءة في
الصلوات إشارة منه إلى أن المعتمد في ذلك هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينبغي لأحد أن
210

يغير شيئا مما صنعه وقال الإسماعيلي إيراد حديث ابن عباس هنا يغاير ما تقدم من إثبات القراءة
في الصلوات لأن مذهب ابن عباس كان ترك القراءة في السرية وأجيب بأن الحديث الذي
أورده البخاري ليس فيه دلالة على الترك وأما ابن عباس فكان يشك في ذلك تارة وينفي القراءة
أخرى وربما أثبتها أما نفيه فرواه أبو داود وغيره من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عمر
أنهم دخلوا عليه فقالوا له هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر
قال لا قيل لعله كان يقرأ في نفسه قال هذه شر من الأولى كان عبدا مأمورا بلغ ما أمر به وأما
شكه فرواه أبو داود أيضا والطبري من رواية حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال ما أدرى
أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا انتهى وقد أثبت قراءته فيهما
خباب وأبو قتادة وغيرهما كما تقدم فروايتهم مقدمة على من نفى فضلا على من شك ولعل البخاري
أراد بإيراد هذا إقامة الحجة عليه لأنه احتج بقوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
فيقال له قد ثبت أنه قرأ فيلزمك أن تقرأ والله أعلم وقد جاء عن ابن عباس اثبات ذلك أيضا رواه
أيوب عن أبي العالية البراء قال سألت ابن عباس أقرأ في الظهر والعصر قال هو أمامك أقر منه
ما قل أو كثر أخرجه ابن المنذر والطحاوي وغيرهما (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن إبراهيم المعروف
بابن علية (قوله وما كان ربك نسيا ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) قال الخطابي
مراده أنه لو شاء الله أن ينزل بيان أحوال الصلاة حتى تكون قرآنا يتلى لفعل ولم يتركه عن نسيان
ولكنه وكل الأمر في ذلك إلى بيان نبيه صلى الله عليه وسلم ثم شرع الاقتداء به قال ولا خلاف في
وجوب أفعاله التي هي لبيان مجمل الكتاب وقوله أسوة بكسر الهمزة وضمها أي قدوة (قوله
باب الجمع بن السورتين في ركعة والقراءة بالخواتم وبسورة قبل سورة وبأول سورة)
اشتمل هذا الباب على أربع مسائل فأما الجمع بين سورتين فظاهر من حديث ابن مسعود ومن
حديث أنس أيضا وأما القراءة بالخواتم فيؤخذ بالإلحاق من القراءة بالأوائل والجامع بينهما
أن كلا منهما بعض سورة ويمكن أن يؤخذ من قوله قرأ عمر بمائة من البقرة ويتأيد بقول قتادة
كل كتاب الله وأما تقديم السورة على السورة على ما في ترتيب المصحف فمن حديث أنس أيضا
ومن فعل عمر في رواية الأحنف عنه وأما القراءة بأول سورة فمن حديث عبد الله بن السائب ومن
حديث ابن مسعود أيضا (قوله ويذكر عن عبد الله بن السائب) أي ابن أبي السائب بن صيفي بن
عابد بموحدة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وحديثه هذا وصله مسلم من طريق ابن جريج قال سمعت
محمد به عباد بن جعفر يقول أخبرني أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن
المسيب العابدي كلهم عن عبد الله بن السائب قال صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة
فاستفتح بسورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى شك محمد بن عباد أخذت النبي
صلى الله عليه وسلم سعلة فركع وفي رواية بحذف فركع وقوله ابن عمرو بن العاص وهم من
بعض أصحاب ابن جريج وقد رويناه في مصنف عبد الرزاق عنه فقال عبد الله بن عمرو القارئ
وهو الصواب واختلف في إسناده علي ابن جريج فقال ابن عيينة عنه عن ابن أبي مليكة عن
عبد الله بن السائب أخرجه ابن ماجة وقال أبو عاصم عنه عن محمد بن عباد عن أبي سلمة بن سفيان
أو سفيان بن أبي سلمة وكأن البخاري علقه بصيغة ويذكر لهذا الاختلاف مع أن إسناده مما تقوم
211

به الحجة قال النووي قوله ابن العاص غلط عند الحفاظ فليس هذا عبد الله بن عمرو بن العاص
الصحابي المعروف بل هو تابعي حجازي قال وفي الحديث جواز قطع القراءة وجواز القراءة ببعض
السورة وكرهه مالك انتهى وتعقب بأن الذي كرهه مالك أن يقتصر على بعض السورة مختارا
والمستدل به ظاهر في أنه كان للضرورة فلا يرد عليه وكذا يرد على من استدل به على أنه لا يكره
قراءة بعض الآية أخذا من قوله حتى جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى لأن كلا من الموضعين
يقع في وسط آية وفيه ما تقدم نعم الكراهة لا تثبت إلا بدليل وأدلة الجواز كثيرة وقد تقدم
حديث زيد بن ثابت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ الأعراف في الركعتين ولم يذكر ضرورة ففيه
القراء بالأول وبالأخير وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي بكر الصديق أنه أم الصحابة في
صلاة الصبح بسورة البقرة فقرأها في الركعتين وهذا إجماع منهم وروى محمد بن عبد السلام
الخشني بضم الخاء المعجمة بعدها معجمة مفتوحة خفيفة ثم نون من طريق الحسن البصري قال
غزونا خراسان ومعنا ثلاثمائة من الصحابة فكان الرجل منهم يصلي بنا فيقرأ الآيات من
السورة ثم يركع أخرجه ابن حزم محتجا به وروى الدارقطني بإسناد قوي عن ابن عباس أنه قرأ
الفاتحة وآية من البقرة في كل ركعة (قوله أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة) بفتح أوله من
السعال ويجوز الضم ولابن ماجة شرقة بمعجمة وقاف وقوله في رواية مسلم فحذف أي ترك
القراءة وفسره بعضهم برمى النخامة الناشئة عن السعلة والأول أظهر لقوله فركع ولو كان أزال
ما عاقه عن القراءة لتمادي فيها واستدل به على أن السعال لا يبطل الصلاة وهو واضح فيما إذا
غلبه وقال الرافعي في شرح المسند قد يستدل به على أن سورة المؤمنين مكية وهو قول الأكثر
قال ولمن خالف أن يقول يحتمل أن يكون قوله بمكة أي في الفتح أو حجة الوداع (قلت) قد صرح
بقضية الاحتمال المذكور النسائي في روايته فقال في فتح مكة ويؤخذ منه أن قطع القراءة
لعارض السعال ونحوه أولى من التمادي في القراءة مع السعال والتنحنح ولو استلزم تخفيف
القراءة فيما استحب فيه تطويلها (قوله وقرأ عمر الخ) وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي رافع قال
كان عمر يقرأ في الصبح بمائة من البقرة ويتبعها بسورة من المثاني انتهى والمثاني قيل ما لم يبلغ
مائة آية أو بلغها وقيل ما عدا السبع الطوال إلى المفصل قيل سميت مثاني لأنها ثنت السبع
وسميت الفاتحة السبع المثاني لأنها تثنى في كل صلاة وأما قوله سبحانه وتعالى ولقد آتيناك سبعا
من المثاني فالمراد بها سورة الفاتحة وقيل غير ذلك (قوله وقرأ الأحنف) وصله جعفر الفريابي
في كتاب الصلاة له من طريق عبد الله بن شقيق قال صلى بنا الأحنف فذكره وقال في الثانية
يونس ولم يشك قال وزعم أنه صلى خلف عمر كذلك ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم في المستخرج
(قوله وقرأ ابن مسعود الخ) وصله عبد الرزاق بلفظه من رواية عبد الرحمن بن يزيد النخعي عنه
وأخرجه هو وسعيد بن منصور من وجه آخر عن عبد الرزاق بلفظ فافتتح الأنفال حتى بلغ ونعم
النصير انتهى وهذا الموضع هو رأس أربعين آية فالروايتان متوافقتان وتبين بهذا أنه قرأ بأربعين
من أولها فاندفع الاستدلال به على قراءة خاتمة السورة بخلاف الأثر عن عمر فإنه محتمل قال
ابن التين إن لم تؤخذ القراءة بالخواتم من أثر عمر أو ابن مسعود (3) وإلا فلم يأت البخاري بدليل
على ذلك وفاته ما قدمناه من أنه مأخوذ بالإلحاق مؤيد بقول قتادة (قوله وقال قتادة) وصله
212

عبد الرزاق وقتادة تابعي صغير يستدل لقوله ولا يستدل به وإنما أراد البخاري منه قوله كل كتاب
الله فإنه يستنبط منه جواز جميع ما ذكر في الترجمة وأما قول قتادة في ترديد السورة فلم يذكره
المصنف في الترجمة فقال ابن رشيد لعله لا يقول به لما روى فيه من الكراهة عن بعض العلماء
(قلت) وفيه نظر لأنه لا يراعى هذا القدر إذا صح له الدليل قال الزين بن المنير ذهب مالك إلى أن
يقرأ المصلي في كل ركعة بسورة كما قال ابن عمر لكل صورة حظها من الركوع والسجود قال
ولا تقسم السورة في ركعتين ولا يقتصر على بعضها ويترك الباقي ولا يقرأ بسورة قبل سورة
يخالف ترتيب المصحف قال فإن فعل ذلك كله لم تفسد صلاته بل هو خلاف الأولى قال
وجميع ما استدل به البخاري لا يخالف ما قال مالك لأنه محمول على بيان الجواز انتهى وأما
حديث ابن مسعود ففيه إشعار بالمواظبة على الجمع بين سورتين كما سيأتي في الكلام عليه وقد
نقل البيهقي في مناقب الشافعي عنه أن ذلك مستحب وما عدا ذلك مما ذكر أنه خلاف الأولى وهو
مذهب الشافعي أيضا وعن أحمد والحنفية كراهية قراءة سورة قبل سورة تخالف ترتيب
المصحف واختلف هل رتبه الصحابة بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم أو أباجتهاد منهم قال
القاضي أبو بكر الصحيح الثاني وأما ترتيب الآيات فتوقيفي بلا خلاف ثم قال ابن المنير والذي
يظهر أن التكرير أخف من قسم السورة في ركعتين انتهى وسبب الكراهة فيما يظهر أن
السورة مرتبط بعضها ببعض فأي موضع قطع فيه لم يكن كانتهائه إلى أخر السورة فإنه ان قطع
في وقف غير تام كانت الكراهة ظاهرة وإن قطع في وقف تام فلا يخفى أنه خلاف الأولى وقد
تقدم في الطهارة قصة الأنصاري الذي رماه العدو بسهم فلم يقطع صلاته وقال كنت في سورة
فكرهت أن أقطعها وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك (قوله وقال عبيد الله بن عمر) أي
ابن حفص بن عاصم وحديثه هذا وصله الترمذي والبزار عن البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس
والبيهقي من رواية محرز بن سلمة كلاهما عن عبد العزيز الدراوردي عنه بطوله قال الترمذي
حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله عن ثابت قال وقد روى مبارك بن فضالة عن ثابت
فذكر طرفا من آخره وذكر الطبراني في الأوسط أن الدراوردي تفرد به عن عبيد الله وذكر
الدارقطني في العلل أن حماد بن سلمة خالف عبيد الله في إسناده فرواه عن ثابت عن حبيب بن
سبيعة مرسلا قال وهو أشبه بالصواب وإنما رجحه الآن حماد بن سلمة مقدم في حديث ثابت لكن
عبيد الله بن عمر حافظ حجة وقد وافقه مبارك في إسناده فيحتمل أن يكون لثابت فيه شيخان
(قوله كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء) هو كلثوم بن الهدم رواه ابن منده في كتاب
التوحيد من طريق أبي صالح عن ابن عباس كذا أورده بعضهم والهدم بكسر الهاء وسكون
الدال وهو من بني عمرو من عوف سكان قباء وعليه نزل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم في الهجرة
إلى قباء قيل وفي تعيين المبهم به هنا نظر لأن في حديث عائشة في هذه القصة أنه كان أمير سرية
وكلثوم بن الهدم مات في أوائل ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فيما ذكره الطبري وغيره
من أصحاب المغازي وذلك قبل أن يبعث السرايا ثم رأيت بخط بعض من تكلم على رجال
العمدة كلثوم بن زهدم وعزاه لابن منده لكن رأيت أنا بخط الحافظ رشيد الدين العطار
في حواشي مبهمات الخطيب نقلا عن صفة التصوف لابن طاهر أخبرنا عبد الوهاب بن أبي
213

عبد الله بن منده عن أبيه فسماه كرز بن زهدم فالله أعلم وعلى هذا فالذي كان يؤم في مسجد
قباء غير أمير السرية ويدل على تغايرهما أن في رواية الباب أنه كان يبدأ بقل هو الله أحد
وأمير السرية كان يختم بها وفي هذا أن كان يصنع ذلك في كل ركعة ولم يصرح بذلك في قصة
الآخر وفي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله وأمير السرية أمر أصحابه أن يسألوه وفي هذا
أنه قال إنه قال إنه يحبها فبشره بالجنة وأمير السرية قال لأنها صفة الرحمن فبشره بان الله يحبه والجمع بين
هذا التغاير كله ممكن لولا ما تقدم من كون كلثوم بن الهدم مات قبل البعوث والسرايا وأما من
فسره بأنه قتادة بن النعمان فأبعد جدا فإن في قصة قتادة أنه كان يقرؤها في الليل يرددها ليس
فيه أنه أم بها لا في سفر ولا في حضر ولا أنه سئل عن ذلك ولا بشر وسيأتي ذلك واضحا في فضائل
القرآن وحديث عائشة الذي أشرنا إليه أورده المصنف في أوائل كتا ب التوحيد كما سيأتي إن شاء
الله تعالى (قوله مما يقرأ به) أي من السورة بعد الفاتح (قوله افتتح بقل هو الله أحد) تمسك به
من قال لا يشترط قراءة الفاتحة وأجيب بأن الراوي لم يذكر الفاتحة اعتناء بالعلم لأنه لا بد منها
فيكون معناه افتتح بسورة بعد الفاتحة أو كان ذلك قبل ورود الدليل الدال على اشتراط الفاتحة
(قوله فكلمه أصحابه) يظهر منه أن صنيعه ذلك خلاف ما ألفوه من النبي صلى الله عليه وسلم
(قوله وكرهوا أن يؤمهم غيره) إما لكونه من أفضلهم كما ذكر في الحديث وإما لكون النبي صلى
الله عليه وسلم هو الذي قرره (قوله ما يأمرك به أصحابك) أي يقولون لك وليرد الأمر بالصيغة
المعروفة لكنه السري من التخيير الذي ذكروه كأنهم قالوا له أفعل كذا وكذا (قوله ما يمنعك وما
يحملك) سأله عن أمرين فأجابه بقوله اني أحبها وهو جواب عن الثاني مستلزم للأول بانضمام
شئ آخر وهو إقامة السنة المعهودة في الصلاة فالمانع مركب من المحبة والأمر المعهود
والحامل على الفعل المحبة وحدها ودل تبشيره له بالجنة على الرضا بفعله وعبر بالفعل الماضي
في قوله أدخلك وإن كان دخول الجنة مستقبلا تحقيقا لوقوع ذلك قال ناصر الدين بن المنير
في هذا الحديث أن المقاصد تغير أحكام الفعل لأن الرجل لو قال إن الحامل له على إعادتها أنه
لا يحفظ غيرها لأمكن أن يأمره بحفظ غيرها لكنه اعتل بحبها فظهرت صحة قصده فصوبه قال
وفيه دليل على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه والاستكثار منه ولا يعد ذلك
هجرانا لغيره وفيه ما يشعر بأن سورة الإخلاص مكية (قوله جاء رجل إلى ابن مسعود) هو نهيك
بفتح النون وكسر الهاء ابن سنان البجلي سماه منصور في روايته عن أبي وائل عند مسلم وسيأتي
من وجه آخر (قوله قرأت المفصل) تقدم أنه من ق إلى آخر القرآن على الصحيح وسمي مفصلا
لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة على الصحيح ولقول هذا الرجل قرأت المفصل سبب بينه مسلم
في أول حديثه من رواية وكيع عن الأعمش عن أبي وائل قال جاء رجل يقال له نهيك بن سنان
إلى عبد الله فقال يا أبا عبد الرحمن كيف تقرأ الحرف من ماء غير آسن أو غير ياسن فقال
عبد الله كل القرآن أحصيت غير هذا قال إني لأقرأ المفصل في ركعة (قوله هذا) بفتح الهاء
وتشديد الذال المعجمة أي سردا وافراطا في السرعة وهو منصوب على المصدر وهو استفهام
إنكار بحذف أداة الاستفهام وهي ثابتة في رواية منصور عند مسلم وقال ذلك لأن تلك الصفة
كانت عادتهم في انشاد الشعر وزاد فيه مسلم من رواية وكيع أيضا أن أقواما يقرؤون القرآن
214

لا يجاوز تراقيهم وزاد أحمد عن أبي معاوية وإسحق عن عيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش
فيه ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع وهو في رواية مسلم دون قوله نفع (قوله لقد عرفت
النظائر) أي السور المتماثلة في المعاني كالموعظة أو الحكم أو القصص لا المتماثلة في عدد الآي
لما سيظهر عند تعيينها قال المحب الطبري كنت أظن أن المراد أنها متساوية في العد حتى اعتبرتها
فلم أجد فيها شيئا متساويا (قوله يقرن) بضم الراء وكسرها (قوله عشرين سورة من المفصل
وسورتين من آل حم في كل ركعة) وقع في فضائل القرآن من رواية واصل عن أبي وائل ثماني عشرة
سورة من المفصل وسورتين من آل حم وبين فيه من رواية أبي حمزة عن الأعمش أن قوله عشرين
سورة إنما سمعه أبو وائل من علقمة عن عبد الله ولفظه فقام عبد الله ودخل معه علقمة ثم خرج
علقمة فسألناه فقال عشرون سورة من المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن حم الدخان وعم
يتساءلون ولابن خزيمة من طريق أبي خالد الأحمر عن الأعمش مثله وزاد فيه فقال الأعمش أولهن
الرحمن وآخرهن الدخان ثم سردها وكذلك سردها أبو إسحق عن علقمة والأسود عن عبد الله
فيما أخرجه أبو داود متصلا بالحديث بعد قوله كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة الرحمن
والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة والذاريات والطور في ركعة والواقعة ونون في ركعة
وسأل والنازعات في ركعة وويل للمطففين وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في ركعة وهل أتى
ولا أقسم في ركعة وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة وإذا الشمس كورت والدخان في ركعة
هذا لفظ أبي داود والآخر مثله إلا إنه لم يقل في ركعة في شئ منها وذكر السورة الرابعة
قبل الثالثة والعاشرة قبل التاسعة ولم يخالفه في الاقتران وقد سردها أيضا محمد بن سلمة بن كهيل
عن أبيه عن أبي وائل فيما أخرجه الطبراني لكن قدم وأخر في بعض وحذف بعضها ومحمد
ضعيف وعرف بهذا أن قوله في رواية واصل وسورتين من آل حم مشكل لأن الروايات
لم تختلف أنه ليس في العشرين من الحواميم غير الدخان فيحمل على التغليب أو فيه حذف
كأنه قال وسورتين إحداهما من آل حم وكذا قوله في رواية أبي حمزة وأخرهن حم الدخان
وعم يتساءلون مشكل لأن حم الدخان آخرهن في جميع الروايات وأما عم فهي في رواية أبي
خالد السابعة عشرة وفي رواية أبي إسحق الثامنة عشرة فكان فيه تجوزا لأن عم وقعت
في الركعتين الأخيرتين في الجملة ويتبين بهذا أن في قوله في حديث الباب وعشرين سورة من
المفصل تجوزا لأن الدخان ليست منه ولذلك فصلها من المفصل في رواية واصل نعم يصح ذلك
على أحد الآراء في حد المفصل كما تقدم وكما سيأتي بيانه أيضا في فضائل القرآن وفي هذا الحديث
من الفوائد كراهة الإفراط في سرعة التلاوة لأنه ينافي المطلوب من التدبر والتفكر في معاني
القرآن ولا خلاف في جواز السرد بدون تدبر لكن القراءة بالتدبر أعظم أجرا وفيه جواز
تطويل الركعة الأخيرة على ما قبلها وهذا الحديث أول حديث موصول أورده في هذا الباب
فلهذا صدر الترجمة بما دل عليه وفيه ما ترجم له وهو الجمع بين السور لأنه إذا جمع بين السورتين
ساغ الجمع بين ثلاث فصاعدا لعدم الفرق وقد روى أبو داود وصححه ابن خزيمة من طريق عبد
الله بن شقيق قال سألت عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين السور قالت نعم من
المفصل ولا يخالف هذا ما سيأتي في التهجد أنه جمع بين البقرة وغيرها من الطوال لأنه يحمل على
215

النادر وقال عياض في حديث ابن مسعود هذا يدل على أن هذا القدر كان قدر قراءته غالبا
وأما تطويله فإنما كان في التدبر والترتيل وما ورد غير ذلك من قراءة البقرة وغيرها في ركعة
فكان نادرا (قلت) لكن ليس في حديث ابن مسعود ما يدل على المواظبة بل فيه أنه كان
يقرن بين هذه السور المعينات إذا قرأ من المفصل وفيه موافقة لقول عائشة وابن عباس إن
صلاته صارت كانت عشر ركعات غير الوتر وفيه ما يقوي قول القاضي أبي بكر المتقدم إن تأليف
السور كان عن اجتهاد من الصحابة لأن تأليف عبد الله المذكور مغاير لتأليف مصحف عثمان
وسيأتي ذلك في باب مفرد في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى (قوله باب يقرأ في
الأخريين بفاتحة الكتاب) يعني بغير زيادة وسكت عن ثالثة المغرب رعاية للفظ الحديث مع أن
حكمها حكم الأخريين من الرباعية ويحتمل أن يكون لم يذكرها لما رواه مالك من طريق الصنابحي
أنه سمع أبا بكر الصديق يقرأ فيها ربنا لا تزغ قلوبنا الآية (قوله عن يحيى) هو ابن أبي كثير (قوله
بأم الكتاب) فيه ما ترجم له وفيه التنصيص على قراءة الفاتحة في كل ركعة وقد تقدم البحث فيه
قال ابن خزيمة قد كنت زمانا أحسب أن هذا اللفظ لم يروه عن يحيى غير همام وتابعه أبان إلى أن
رأيت الأوزاعي قد رواه أيضا عن يحيى يعني أن أصحاب يحيى اقتصروا على قوله كان يقرأ في
الأوليين بأم الكتاب وسورة كما تقدم عنه من طرق وأن هماما زاد هذه الزيادة وهي الاقتصار على
الفاتحة في الأخريين فكان يخشى شذوذها إلى أن قويت عنده بمتابعة من ذكر لكن أصحاب
الأوزاعي لم يتفقوا على ذكرها كما سيظهر ذلك بعد باب (قوله ما لا يطيل) كذا للأكثر ولكريمة
ما لا يطول وما نكرة موصوفة أو مصدرية وفي رواية المستملى والحموي بما لا يطيل واستدل به على
تطويل الركعة الأولى على الثانية وقد تقدم البحث في ذلك في باب القراءة في الظهر وسيأتي أيضا
(قوله باب من خافت القراءة) أي أسر وفي رواية الكشميهني خافت بالقراءة وهو
أوجه ودلالة حديث خباب للترجمة واضحة وقد تقدم الكلام على بقية فوائده قريبا (قوله
باب إذا أسمع) وللكشميهني إذا سمع بتشديد الميم (الإمام الآية) أي في السرية خلافا لمن
قال يسجد للسهو إن كان ساهيا وكذا لمن قال يسجد مطلقا وحديث أبي قتادة واضح في الترجمة
وقد تقدم الكلام عليه أيضا (قوله باب يطول في الركعة الأولى) أي في جميع
الصلوات وهو ظاهر الحديث المذكور في الباب وقد تقدم البحث فيه أيضا وعن أبي حنيفة
يطول في أولى الصبح خاصة وقال البيهقي في الجمع بين أحاديث المسألة يطول في الأولى أن كان
ينتظر أحدا وإلا فليسو بين الأوليين وروى عبد الرزاق نحوه عن ابن جريج عن عطاء قال
إني لأحب أن يطول الإمام الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس فإذا صليت لنفسي فإني
أحرص على أن أجعل الأوليين سواء وذهب بعض الأئمة إلى استحباب تطويل الأولى من الصبح
دائما وأما غيرها فإن كان يترجى كثرة المأمومين ويبادر هو أول الوقت فينتظر وإلا فلا وذكر في
حكمة اختصاص الصبح بذلك أنها تكون عقب النوم والراحة وفي ذلك الوقت يواطئ السمع
واللسان القلب لفراغه وعدم تمكن الاشتغال بأمور المعاش وغيرها منه والعلم عند الله
* (تنبيه) * أبو يعفور المذكور في السند هو الأكبر واسمه واقد بالقاف وقيل وقدان وجزم
النووي في شرح مسلم بأنه الأصغر واسمه عبد الرحمن بن عبيد وبالأول جزم أبو علي الجياني والمزي
216

وغيرهما وهو الصواب (قوله باب جهر الإمام بالتأمين) أي بعد الفاتحة
في الجهر والتأمين مصدر أمن بالتشديد أي قال آمين وهي بالمد والتخفيف في جميع الروايات
وعن جميع القراء وحكى الواحدي عن حمزة والكسائي الإمالة وفيها ثلاث لغات أخرى شاذة
القصر حكاه ثعلب وأنشد له شاهدا وأنكره ابن درستويه وطعن في الشاهد بأنه لضرورة الشعر
وحكى عياض ومن تبعه عن ثعلب أنه إنما أجازه في الشعر خاصة والتشديد مع المد والقصر
وخطأهما جماعة من أهل اللغة وآمين من أسماء الأفعال مثل صه للسكوت وتفتح في الوصل
لأنها مبنية بالاتفاق مثل كيف وإنما لم تكسر لثقل الكسرة بعد الياء ومعناها اللهم استجب عند
الجمهور وقيل غير ذلك مما يرجع جميعه إلى هذا المعنى كقول من قال معناه اللهم آمنا بخير وقيل
كذلك يكون وقيل درجة في الجنة تجب لقائلها وقيل لمن استجيب له كما استجيب للملائكة وقيل
هو اسم من أسماء الله تعالى رواه عبد الرزاق عن أبي هريرة بإسناد ضعيف وعن هلال ابن يساف
التابعي مثله وأنكره جماعة وقال من مد وشدد معناها قاصدين إليك ونقل ذلك عن جعفر
الصادق وقال من قصر وشدد هي كلمة عبرانية أو سريانية وعند أبي داود من حديث أبي زهير
النميري الصحابي أن آمين مثل الطابع على الصحيفة ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم إن ختم بآمين
فقد أوجب (قوله وقال عطاء إلى قوله بآمين) وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال
قلت له أكان ابن الزبير يؤمن على أثر أم القرآن قال نعم ويؤمن من وراءه حتى إن للمسجد للجة
ثم قال إنما آمين دعاء قال وكان أبو هريرة يدخل المسجد وقد قام الإمام فيناديه فيقول لا تسبقني
بآمين وقوله حتى إن بكسر الهمزة للمسجد أي لأهل المسجد للجة اللام للتأكيد واللجة قال أهل
اللغة الصوت المرتفع وروى للجبة بموحدة وتخفيف الجيم حكاه ابن التين وهي الأصوات
المختلطة ورواه البيهقي لرجة بالراء بدل اللام كما سيأتي (قوله لا تفتني) بضم الفاء وسكون المثناة
وحكى بعضهم عن بعض النسخ بالفاء والشين المعجمة ولم أر ذلك في شئ من الروايات وإنما فيها
بالمثناة من الفوات وهي بمعنى ما تقدم عند عبد الرزاق من السبق ومراد أبي هريرة أن يؤمن
مع الإمام انظر الصلاة وقد تمسك به بعض المالكية في أن الإمام لا يؤمن وقال معناه لا تنازعني
بالتأمين الذي هو من وظيفة المأموم وهذا تأويل بعيد وقد جاء عن أبي هريرة من وجه آخر
أخرجه البيهقي من طريق حماد عن ثابت عن أبي رافع قال كان أبو هريرة يؤذن لمروان فاشترط
أن لا يسبقه بالضالين حتى يعلم أنه دخل في الصف وكأنه كان يشتغل بالإقامة وتعديل الصفوف
وكان مروان يبادر إلى الدخول في الصلاة قبل فراغ أبي هريرة وكان أبو هريرة ينهاه عن ذلك
وقد وقع له ذلك مع غير مروان فروى سعيد بن منصور من طريق محمد بن سيرين أن أبا هريرة كان
مؤذنا بالبحرين وأنه اشترط على الإمام أن لا يسبقه بآمين والإمام بالبحرين كان العلاء بن الحضرمي
بينه عبد الرزاق من طريق أبي سلمة عنه وقد روى نحو قول أبي هريرة عن بلال أخرجه أبو داود من من طريق أبي عثمان عن بلال أنه قال يا رسول الله لا تستبقني بآمين ورجاله ثقات لكن قيل إن
أبا عثمان لم يلق بلالا وقد روى عنه بلفظ أن بلالا قال وهو ظاهر الإرسال ورجحه الدارقطني
وغيره على الموصول وهذا الحديث يضعف التأويل السابق لأن بلالا لا يقع منه ما حمل هذا
القائل كلام أبي هريرة وتمسك به بعض الحنفية بأن الإمام يدخل في الصلاة قبل فراغ المؤذن
217

من الإقامة وفيه نظر لأنها واقعة عين وسببها محتمل فلا يصح التمسك بها قال ابن المنير مناسبة قول
عطاء الترجمة أنه حكم بأن التأمين دعاء فاقتضى ذلك أن يقوله الإمام لأنه في مقام الداعي بخلاف
قول المانع أنها جواب للدعاء فيختص بالمأموم وجوابه أن التأمين قائم مقام التخليص بعد البسط
فالداعي فصل المقاصد بقوله اهدنا الصراط المستقيم إلى آخره والمؤمن أتى بكلمة تشمل الجميع
فإن قالها الإمام فكأنه دعا مرتين مفصلا ثم مجملا (قوله وقال نافع الخ) وصله عبد الرزاق عن
ابن جريج أخبرنا نافع أن ابن عمر كان إذا ختم أم القرآن قال آمين لا يدع أن يؤمن إذا ختمها
ويحضهم على قولها قال وسمعت منه في ذلك خيرا وقوله ويحضهم بالضاد المعجمة وقوله خيرا
بسكون التحتانية أي فضلا وثوابا وهر رواية الكشميهني ولغيره خبرا بفتح الموحدة أي حديثا
مرفوعا ويشعر به ما أخرجه البيهقي كان ابن عمر إذا أمن الناس أمن معهم ويرى ذلك من السنة
ورواية عبد الرزاق مثل الأول وكذلك رويناه في فوائد يحيى بن معين قال حدثنا حجاج بن محمد عن
ابن جريج ومناسبة أثر ابن عمر من جهة أنه كان يؤمن إذا ختم الفاتحة وذلك أعم من أن يكون
إماما أو مأموما (قوله عن ابن شهاب) في الترمذي من طريق زيد بن الخباب عن مالك أخبرنا ابن
شهاب (قوله أنهما أخبراه) ظاهره أن لفظهما واحد لكن سيأتي في رواية محمد بن عمرو عن أبي
سلمة مغايرة يسيرة للفظ الزهري (قوله إذا أمن الإمام فأمنوا) ظاهر في أن الإمام يؤمن وقيل
معناه إذا دعا والمراد دعاء الفاتحة من قوله اهدنا إلى آخره بناء على أن التأمين دعاء وقيل معناه إذا
بلغ إلى موضع استدعى التأمين وهو قوله ولا الضالين ويرد ذلك التصريح بالمراد في حديث الباب
واستدل به على مشروعية التأمين للإمام قيل وفيه نظر لكونها قضية شرطية وأجيب بأن التعبير
بإذا يشعر بتحقيق الوقوع وخالف مالك في إحدى الروايتين عنه وهي رواية ابن القاسم فقال
لا يؤمن الإمام في الجهرية وفي رواية عنه لا يؤمن مطلقا وأجاب عن حديث ابن شهاب هذا بأنه
لم يره في حديث غيره وهي علة غير قادحة فإن ابن شهاب إمام لا يضره التفرد مع ما سيذكر قريبا
أن ذلك جاء في حديث غيره ورجح بعض المالكية كون الإمام لا يؤمن من حيث المعنى بأنه داع
فناسب أن يختص المأموم بالتأمين وهذا يجئ على قولهم إنه لا قراءة على المأموم وأما من أوجبها
عليه فله أن يقول كما اشتركا في القراءة فينبغي أن يشتركا في التأمين ومنهم من أول قوله إذا أمن
الإمام فقال معناه دعا قال وتسميه الداعي مؤمنا سائغة لأن المؤمن يسمى داعيا كما جاء في قوله
تعالى قد أجيبت دعوتكما وكان موسى داعيا وهارون مؤمنا كما رواه ابن مردويه من حديث
أنس وتعقب بعدم الملازمة فلا يلزم من تسمية المؤمن داعيا عكسه قاله ابن عبد البر على أن
الحديث في الأصل لم يصح ولو صح فاطلاق كون هارون داعيا إنما هو للتغليب وقال بعضهم
معنى قوله إذا أمن بلغ موضع التأمين كما يقال أنجد إذا بلغ نجدا وإن لم يدخلها قال ابن العربي هذا
بعيد لغة وشرعا وقال ابن دقيق العيد وهذا مجاز فإن وجد دليل يرجحه عمل به وإلا فالأصل
عدمه (قلت) استدلوا له برواية أبي صالح عن أبي هريرة الآتية بعد باب بلفظ إذا قال الإمام
ولا الضالين فقولوا آمين قالوا فالجمع بين الكلب يقتضى حمل قوله إذا أمن على المجاز وأجاب
الجمهور على تسليم المجاز المذكور بان المراد بقوله إذا أمن أي أراد التأمين ليتوافق تأمين
الإمام والمأموم معا ولا يلزم من ذلك أن لا يقولها الإمام وقد ورد التصريح بان الإمام يقولها
وذلك في رواية ويدل على خلاف تأويلهم رواية معمر عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ إذا قال
218

الإمام ولا الضالين فقالوا أمين فإن الملائكة تقول آمين وأن الإمام يقول آمين الحديث
أخرجه أبو داود والنسائي والسراج وهو صريح في كون الإمام يؤمن وقيل في الجمع بينهما
المراد بقوله إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين أي ولو لم يقل الإمام آمين وقيل يؤخذ من الخبرين
تخيير المأموم في قولها مع الإمام أو بعده قاله الطبري وقيل الأول لمن قرب من الإمام والثاني
لمن تباعد عنه لأن جهر الإمام بالتأمين أخفض من جهره بالقراءة فقد يسمع قراءته من لا يسمع
تأمينه فمن سمع تأمينه أمن معه وإلا يؤمن إذا سمعه يقول ولا الضالين لأنه وقت تأمينه قاله
الخطابي وهذه الوجوه كلها محتملة وليست بدون الوجه الذي ذكروه وقد رده ابن شهاب بقوله
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين كأنه استشعر التأويل المذكور فبين أن المراد
بقوله إذا أمن حقيقة التأمين وهو وإن كان مرسلا فقد اعتضد بصنيع أبي هريرة رواية كما
سيأتي بعد باب وإذا ترجح أن الإمام يؤمن فيجهر به في الجهرية كما ترجم به المصنف وهو قول
الجمهور خلافا للكوفيين ورواية عن مالك فقال يسر به مطلقا ووجه الدلالة من الحديث أنه لو لم
يكن التأمين مسموعا للمأموم لم يعلم به وقد علق تأمينه بتأمينه وأجابوا بان موضعه معلوم
فلا يستلزم الجهر به وفيه نظر لاحتمال أن يخل به فلا يستلزم علم المأموم به وقد روى بن عبادة
عن مالك في هذا الحديث قال ابن شهاب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال ولا
الضالين جهر بآمين أخرجه السراج ولابن حبان من رواية الزبيدي في حديث الباب عن
ابن شهاب كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال آمين وللحميدي من طريق سعيد
المقبري عن أبي هريرة نحوه بلفظ إذا قال ولا الضالين ولأبي داود من طريق أبي عبد الله بن عم
أبي هريرة عن أبي هريرة مثله وزاد حتى يسمع من يليه من الصف الأول ولأبي داود وصححه
ابن حبان من حديث وائل بن حجر نحو رواية الزبيدي وفيه رد على من أومأ إلى النسخ فقال
إنما كان صلى الله عليه وسلم يجهر بالتأمين في ابتداء الإسلام ليعلمهم فإن وائل ابن حجر إنما
أسلم في أواخر الأمر (قوله فأمنوا) استدل به على تأخير تامين المأموم عن تامين الإمام لأنه رتب
عليه بالفاء لكن تقدم في الجمع بين الكلب أن المراد المقارنة وبذلك قال الجمهور وقال الشيخ
أبو محمد الجويني لا تستحب مقارنة الإمام في شئ من الصلاة غيره قال إمام الحرمين يمكن
تعليله بان التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه فلذلك لا يتأخر عنه وهو واضح ثم إن هذا الأمر عند
الجمهور للندب وحكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم وأشار بظاهر الأمر قال
وأوجبه الظاهرية على كل مصل ثم في مطلق أمر المأموم بالتأمين أنه يؤمن ولو كان مشتغلا بقراءة
الفاتحة وبه قال أكثر الشافعية ثم اختلفوا هل تنقطع بذلك الموالاة على وجهين أصحهما
لا تنقطع لأنه مأمور بذلك لمصلحة الصلاة بخلاف الأمر الذي لا يتعلق بها كالحمد للعاطس و الله أعلم
(قوله فإنه من وافق) زاد يونس عن ابن شهاب عند مسلم فإن الملائكة تؤمن قيل قوله فمن وافق
وكذا لابن عيينة عن ابن شهاب كما سيأتي في الدعوات وهو دال على أن المراد الموافقة في القول
والزمان خلافا لمن قال المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع كابن حبان فإنه لما ذكر
الحديث قال يريد موافقة الملائكة في الإخلاص بغير إعجاب وكذا جنح إليه غيره فقال نحو ذلك
من الصفات المحمودة أو في إجابة الدعاء أو في الدعاء بالطاعة خاصة أو المراد بتأمين الملائكة
استغفارهم للمؤمنين وقال ابن المنير الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون
219

المأموم على يقظة للاتيان بالوظيفة في محلها لأن الملائكة لا غفلة عندهم فمن وافقهم كان متيقظا
ثم إن ظاهره أن المراد بالملائكة جميعهم واختاره ابن بزيزة وقيل الحفظة منهم وقيل الذين
يتعاقبون منهم إذا قلنا إنهم غير الحفظة والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من
الملائكة ممن في الأرض أو في السماء وسيأتي في رواية الأعرج بعد باب وقالت الملائكة في السماء
آمين وفي رواية محمد بن عمرو الآتية أيضا فوافق ذلك قول أهل السماء ونحوها لسهيل عن أبيه عند
مسلم وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإذا وافق
آمين في الأرض آمين في السماء ورجاله للعبد انتهى ومثله لا يقال بالرأي فالمصير إليه أولى (قوله
ورجاله له ما تقدم من ذنبه) ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية وهو أمرهم عند العلماء على الصغائر
وقد تقدم البحث في ذلك في الكلام على حديث عثمان فيمن توضأ كوضوئه صلى الله عليه
وسلم في كتاب الطهارة * (فائدة) * وقع في أمالي الجرجاني عن أبي العباس الأصم عن بحر بن نصر
عن ابن وهب عن يونس في آخر هذا الحديث وما تأخر وهي زيادة شاذة فقد رواه ابن الجارود
في المنتقى عن بحر بن نصر بدونها وكذا رواه مسلم عن حرملة وابن خزيمة عن يونس بن عبد الأعلى
كلاهما عن ابن وهب وكذلك في جميع الطرق عن أبي هريرة إلا أني وجدته في بعض النسخ من
ابن ماجة عن هشام بن عمار وأبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن بن عيينة بإثباتها ولا يصح لأن أبا
بكر قد رواه في مسنده ومصنفه بدونها وكذلك حفاظ أصحاب ابن عيينة الحميدي وابن المديني
وغيرهما وله طريق أخرى ضعيفة من رواية أبي فروة محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه عن عثمان
والوليد مشهور ساج عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة (قوله قال بن شهاب) هو متصل إليه
برواية مالك عنه وأخطأ من زعم أنه معلق ثم هو من مراسيل ابن شهاب وقد قدمنا وجه
اعتضاده وروى عنه موصولا أخرجه الدارقطني في الغرائب والعلل من طريق حفص بن
عمر والعدني عن مالك عنه وقال الدارقطني تفرد به حفص بن عمر وهو ضعيف وفي الحديث
حجة على الإمامية في قولهم إن التأمين يبطل الصلاة لأنه ليس بلفظ قرآن ولا ذكر ويمكن أن
يكون مستندهم ما نقل عن جعفر الصادق أن معنى آمين أي قاصدين إليك وبه تمسك من قال إنه
بالمد والتشديد وصرح المتولي من الشافعية بأن من قاله هكذا بطلت صلاته وفيه فضيلة الإمام
لأن تأمين الإمام يواف تأمين الملائكة ولهذا شرعت للمأموم موافقته وظاهر سياق الأمر
أن المأموم إنما يؤمن إذا أمن الإمام لا إذا ترك وقال به بعض الشافعية كما صرح به صاحب
الذخائر وهو مقتضى إطلاق الرافعي الخلاف وادعى النووي في شرح المهذب الاتفاق على
خلافه ونص الشافعي في الأم على أن المأموم يؤمن ولو تركه الإمام عمدا أو سهوا واستدل به
القرطبي على تعيين قراءة الفاتحة للأمام وعلى أن المأموم ليس س عليه أن يقرأ فيما جهر به إمامه
فأما الأول فكأنه أخذه من أن التأمين مختص بالفاتحة فظاهر السياق يقتضى أن قراءة الفاتحة
كانت أمرا معلوما عندهم وأما الثاني فقد يدل على أن المأموم لا يقرأ الفاتحة حال قراءة الإمام
لها لا أنه لا يقرؤها أصلا (قوله باب فضل التأمين) أورد فيه رواية الأعرج
لأنها مطلقة غير مقيدة بحال الصلاة قال ابن المنير وأي فضل أعظم من كونه قولا يسيرا لا كلفة
فيه ثم قد ترتبت عليه المغفرة أه ويؤخذ منه مشروعية التأمين لكل من قرأ الفاتحة سواء
220

كان داخل الصلاة أو خارجها لقوله إذا قال أحدكم لكن في رواية مسلم من هذا الوجه إذ قال
أحدكم في صلاته فيحمل المطلق على المقيد نعم في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد وساق مسلم
إسنادها إذا أمن القارئ فأمنوا فهذا يمكن حمله على الإطلاق فيستحب التأمين إذا أمن القارئ
مطلقا لكل من سمعه من مصل أو غيره ويمكن أن يقال المراد بالقارئ الإمام إذا قرأ الفاتحة فإن
الحديث واحد اختلفت ألفاظه واستدل به بعض المعتزلة على أن الملائكة أفضل من الآدميين
وسيأتي البحث في ذلك في باب الملائكة من بدء الخلق إن شاء الله تعالى (قوله باب
جهر المأموم بالتأمين) كذا للأكثر وفي رواية المستملى والحموي جهر الإمام بآمين والأول هو
صواب لئلا يتكرر (قوله مولى أبي بكر) أي ابن عبد الرحمن بن الحارث (قوله إذا قال
الإمام الخ) استدل به على أن الإمام لا يؤمن وقد تقدم البحث فيه قبل قال الزين بن المنير
مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن في الحديث الأمر بقول آمين والقول إذا وقع به الخطاب
مطلقا حمل على الجهر ومتى أريد به الإسرار أو حديث النفس قيد بذلك وقال ابن رشيد تؤخذ
المناسبة منه من جهات منها أنه قال إذا قال الإمام فقولوا فقابل القول بالقول والإمام إنما قال
ذلك جهرا فكان الظاهر الاتفاق في الصفة ومنها أنه قال فقولوا ولم يقيده بجهر ولا غيره وهو
مطلق في سياق الإثبات وقد عمل به في الجهر بدليل ما تقدم يعني في مسئلة الإمام والمطلق إذا
عمل به في صورة لم يكن حجة في غيرها باتفاق ومنها أنه تقدم أن المأموم مأمور بالاقتداء بالإمام
وقد تقدم أن الإمام يجهر فلزم جهره بجهره أه وهذا الأخير سبق إليه ابن بطال وتعقب بأنه
يستلزم أن يجهر المأموم بالقراءة لأن الإمام جهر بها لكن يمكن أن ينفصل عنه بان الجهر بالقراءة
خلف الإمام قد نهى عنه فبقي التأمين داخلا تحت عموم الأمر باتباع الإمام ويتقوى ذلك بما
تقدم عن عطاء أن من خلف ابن الزبير كانوا يؤمنون جهرا وروى البيهقي من وجه آخر عن
عطاء قال أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد إذا قال
الإمام ولا الضالين سمع ت لهم رجة بآمين والجهر للمأموم ذهب إليه الشافعي في القديم وعليه
الفتوى وقال الرافعي قال الأكثر في المسئلة قولان أصحهما أنه يجهر (قوله تابعه محمد بن
عمرو) أي ابن علقمة المؤذن ومتابعته وصلها أحمد والدارمي عن يزيد بن هارون وابن خزيمة من
طريق إسماعيل بن جعفر والبيهقي من طريق النضر بن شميل ثلاثتهم عن محمد بن عمرو نحو رواية
سمي عن أبي صالح وقال في روايته فوافق ذلك قول أهل السماء (قوله ونعيم المجمر) بالرفع
عطفا على محمد بن عمرو وأغرب الكرماني فقال حاصله أن سميا ومحمد بن عمرو ونعيما ثلاثتهم
روى عنهم مالك هذا الحديث لكن الأول والثاني رويا عن أبي هريرة بالواسطة ونعيم بدونها
وهذا جزم منه بشئ لا يدل عليه السياق ولم يرو مالك طريق نعيم ولا طريق محمد بن عمرو أصلا
وقد ذكرنا من وصل طريق محمد وأما طريق نعيم فرواها النسائي وابن خزيمة والسراج وابن
حبان وغيرهم من طريق سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر قال صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم
الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين فقال آمين وقال الناس آمين ويقول كلما
سجد الله أكبر وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال الله أكبر ويقول إذا سلم والذي نفسي بيده اني
لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم بوب النسائي عليه الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
221

وهو أصح حديث ورد في ذلك وقد تعقب استدلاله باحتمال أن يكون أبو هريرة أراد
بقوله أشبهكم أي في معظم الصلاة لا في جميع أجزائها وقد رواه جماعة غير نعيم عن أبي هريرة بدون
ذكر البسملة كما سيأتي قريبا والجواب أن نعيما ثقة فتقبل زيادته والخبر ظاهر في جميع الأجزاء
فيحمل على عمومه حتى يثبت دليل يخصصه * (تنبيه) * عرف مما ذكرناه أن متابعة نعيم في أصل
إثبات التأمين فقط بخلاف متابعة محمد بن عمرو والله أعلم (قوله باب إذا ركع
دون الصف) كان اللائق إيراد هذه الترجمة في أبواب الإمامة وقد سبق هناك ترجمة المرأة
وحدها تكون صفا وذكرت هناك أن ابن بطال استدل بحديث أنس المذكور فيه في صلاة أم
سليم لصحة صلاة المنفرد خلف الصف إلحاقا للرجل بالمرأة ثم وجدته مسبوقا بالاستدلال به عن
جماعة من كبار الأئمة لكنه متعقب وأقدم من وقفت على كلامه ممن تعقبه ابن خزيمة فقال
لا يصح الاستدلال به لأن صلة المرء خلف الصف وحده منهى عنها باتفاق ممن يقول تجزئه
أو لا تجزئه وصلاة المرأة وحدها إذا لم يكن هنا ك امرأة أخرى مأمور بها باتفاق فكيف يقاس
مأمور على منهى والظاهر أن الذي استدل به نظر إلى مطلق الجواز حملا للنهي على التنزيه
والأمر على استحباب وقال ناصر الدين بن المنير هذه الترجمة مما نوزع فيها البخاري حيث
لم يأت بجواب إذا لاشكال الحديث واختلاف العلماء في المراد بقوله ولا تعد (قوله عن الأعلم)
وهو زياد في رواية عن عفان عن همام حدثنا زياد الأعلم أخرجه بن أبي شيبة وزياد هو ابن حسان
ابن قرة الباهلي من صغار التابعين قيل له الأعلم لأنه كان مشقوق الشفة والإسناد كله بصريون
(قوله عن الحسن) هو البصري (قوله عن أبي بكرة) هو الثقفي وقد أعله بعضهم بان الحسن
عنعنه وقيل إنه لم يسمع من أبي بكرة وإنما يروى عن الأحنف عنه ورد هذا الاعلال برواية
سعيد بن أبي عروبة عن الأعلم قال حدثني الحسن أن أبا بكرة حدثه أخرجه أبو داود والنسائي
(قوله أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية سعيد المذكورة أنه دخل المسجد
زاد الطبراني من رواية عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه وقد أقيمت الصلاة فانطلق يسعى والطحاوي
من رواية حماد بن سلمة عن الأعلم وقد حفزه النفس (قوله فذكر ذلك) في رواية حماد عند
الطبراني فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيكم دخل الصف وهو راكع (قوله
زادك الله حرصا) أي على الخير قال ابن المنير صوب النبي صلى الله عليه وسلم فعل أبي بكرة من
الجهة فضالة وهي الحرص على أدراك فضيلة الجماعة وخطأه من الجهة الخاصة (قوله ولا
تعد) أي إلى ما صنعت من السعي الشديد ثم الركوع دون الصف ثم من المشي إلى الصف وقد
ورد ما يقتضى ذلك صريحا في طرق حديثه كما تقدم بعضها وفي رواية عبد العزيز المذكورة فقال
من الساعي وفي رواية يونس بن عبيد عن الحسن عند الطبراني فقال أيكم صاحب هذا النفس
قال خشيت أن تفوتني الركعة معك وله من وجه آخر عنه في آخر الحديث صل ما أدركت واقض
ما سبقك وفي رواية حماد عند أبي داود وغيره أيكم الراكع دون الصف وقد تقدم من روايته
قريبا أيكم دخل الصف وهو راكع وتمسك المهلب بهذه الرواية الأخيرة فقال إنما قال له لا تعد
لأنه مثل بنفسه في مشيه راكعا لأنها كمشية البهائم اه ولم ينحصر النهى في ذلك كما حررته ولو
كان منحصرا لاقتضى ذلك عدم الكراهة في إحرام المنفرد خلف الصف وقد تقدم نقل الاتفاق
222

على كراهيته وذهب إلى تحريمه أحمد وإسحاق وبعض محدثي الشافعية كابن خزيمة واستدلوا
بحديث وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره
أن يعيد الصلاة أخرجه أصحاب السان وصححه أحمد وابن خزيمة وغيرهما ولابن خزيمة أيضا من
الحديث علي بن شيبان نحوه وزاد لا صلاة لمنفرد خلف الصف واستد الشافعي وغيره بحديث
أبي بكرة على أن الأمر في حديث وابصة للاستحباب لكون أبي بكرة أتى بجزء من الصلاة خلف
الصف ولم يؤمر بالإعادة لكن نهى عن العود إلى ذلك فكأنه أرشد إلى ما هو الأفضل وروى
البيهقي من طريق المغيرة عن إبراهيم فيمن صلى خلف الصف وحده فقال صلاته تامة وليس له
تضعيف وجمع أحمد وغيره بين الحديثين بوجه آخر وهو أن حديث أبي بكر مخصص لعموم
حديث وابصة فمن ابتدأ الصلاة منفردا خلف الصف ثم دخل في قبل القيام من الركوع
لم تجب عليه الإعادة كما في حديث أبي بكرة وإلا فتجب على عموم حديث وابصة وعلي بن شيبان
واستنبط بعضهم من قوله لا تعد أن ذلك الفعل كان جائزا ثم ورد النهى عنه بقوله لا تعد فلا يجوز
العود إلى ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهذه طريقة البخاري في جزء القراءة خلف الإمام
ويؤخذ مما حررته جواب من قال لم لا دعا له بعدم العود إلى ذلك كما دعا له بزيادة الحرص وأجاب
بأنه جوز أنه ربما تأخر في أمر يكون أفضل من إدراك أول الصلاة أه وهو مبنى على أن النهى
إنما وقع عن التأخير وليس كذلك * (تنبيه) * قوله ولا تعد ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله
وضم العين من العود وحكى بعض شراح المصابيح أنه روى بضم أوله وكسر العين من الإعادة
ويرجح الرواية المشهورة ما تقدم من الزيادة في آخره عند الطبراني صل ما أدركت واقض ما سبقك
وروى الطحاوي بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف
حتى يأخذ مكانه من الصف واستدل بهذا الحديث على استحباب موافقة الداخل للأمام على
أي حال وجده عليها وقد ورد الأمر بذلك صريحا في سنن سعيد بن منصور من رواية عبد العزيز
ابن رفيع عن أناس من أهل المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من وجدني قائما أو راكعا
أو ساجدا فليكن معي على الحال التي أنا عليها وفي الترمذي نحوه عن علي ومعاذ بن جبل
مرفوعا وفي إسناده ضعف لكنه ينجبر بطريق سعيد بن منصور المذكورة (قوله
باب إتمام التكبير في الركوع) أي مده بحيث ينتهى بتمامه أو المراد إتمام عدد
تكبيرات الصلاة بالتكبير في الركوع قاله الكرماني (قلت) ولعله أراد بلفظ الإتمام الإشارة
إلى تضعيف ما رواه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن أبزي قال صليت خلف النبي صلى الله
عليه وسلم فلم يتم التكبير وقد نقل البخاري في التاريخ عن أبي داود الطيالسي أنه قال هذا
عندنا باطل وقال الطبري والبزار تفرد به الحسن بن عمران وهو مجهول وأجيب على تقدير
صحته بأنه فعل ذلك لبيان الجواز أو المراد لم يتم الجهر به أو لم يمده (قوله قاله بن عباس عن النبي
صلى الله عليه وسلم) أي الاتمام ومراده أنه قال ذلك بالمعنى لأنه أشار بذلك إلى حديثه الموصول
في آخر الباب الذي بعده وفيه قوله لعكرمة لما أخبره عن الرجل الذي كبر في الظهر ثنتين
وعشرين تكبيرة أنها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيستلزم ذلك أنه نقل عن النبي صلى الله
عليه وسلم إتمام التكبير لأن الرباعية لا يقع فيها لذاتها أكثر من ذلك ومن السري ذلك التكبير في
223

الركوع وهذا يبعد الاحتمال الأول (قوله وفيه مالك بن الحويرث) أي يدخل في الباب حديث
مالك وقد أورده المؤلف بعد أبواب في باب المكث بين السجدتين ولفظه فقام ثم ركع فكبر (قوله
أخبرنا خالد) هو الطحان والجريري هو سعيد وأبو العلاء هو ابن يزيد عبد الله بن الشخير أخو
مطرف الذي روى هذا الحديث عنه والإسناد كله بصريون وفيه رواية الأقران والإخوة
(قوله صلى) أي عمران (مع علي) أي ابن أبي طالب (بالبصرة) يعني بعد وقعة الجمل (قوله ذكرنا)
بتشديد الكاف وفتح الراء وفيه إشارة إلى أن التكبير الذي ذكره كان قد ترك وقد روى أحمد
والطحاوي بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري قال ذكرنا على صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم إما نسيناها وإما تركناها عمدا ولأحمد من وجه آخر عن مطرف قال قلنا يعني لعمران
ابن حصين يا أبا نجيد هو بالنون والجيم مصغر من أول من ترك التكبير قال عثمان بن عفان حين كبر
وضعف صوته وهذا يحتمل إرادة ترك الجهر وروى الطبراني عن أبي هريرة أن أول من ترك
التكبير معاوية وروى أبو عبيد أن أول من تركه زياد وهذا لا ينافي الذي قبله لأن زيادا تركه بترك
معاوية وكأن معاوية تركه بترك عثمان وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء ويرشحه
حديث أبي سعيد الآتي في باب يكبر وهو ينهض من السجدتين لكن حكى الطحاوي أن قوما
كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع قال وكذلك كانت بنو أمية تفعل وروى ابن
المنذر نحوه عن ابن عمرو عن بعض السلف أنه كان لا يكبر سوى تكبيرة الإحرام وفرق بعضهم
بين المنفرد وغيره ووجهه بان التكبير شرع للايذان بحركة الإمام فلا يحتاج إليه المنفرد لكن
استقر الأمر على مشروعية التكبير في الخفض والرفع لكل مصل فالجمهور على ندبية ما عدا
تكبيرة الإحرام وعن أحمد وبعض أهل العلم بالظاهر يجب كله قال ناصر الدين بن المنير الحكمة
في مشروعية التكبير في الخفض والرفع أن المكلف أمر بالنية أول الصلاة مقرونة بالتكبير
وكان من حقه أن يستصحب النية إلى آخر الصلاة فأمر أن يجدد العهد في أثنائها بالتكبير الذي
هو شعار النية (قوله كلما رفع وكلما وضع) هو عام في جميع الانتقالات في الصلاة لكن خص منه
الرفع من الركوع بالإجماع فإنه شرع فيه التحميد وقد جاء بهذا اللفظ العام أيضا من حديث أبي
هريرة في الباب ومن حديث أبي موسى الذي ذكرناه عند أحمد والنسائي ومن حديث ابن
مسعود عند الدارمي والطحاوي ومن حديث بن عباس في الباب الذي بعده ومن حديث ابن عمر
عند أحمد والنسائي ومن حديث عبد الله بن زيد عند سعيد بن منصور ومن حديث وائل بن
حجر عند ابن حبان ومن حديث جابر عند البزار وسيأتي مفسرا من حديث أبي هريرة فيه
قوله في حديث أبي هريرة (يصلي بهم) في رواية الكشميهني يصلي لهم (قوله باب
إتمام التكبير في السجود) فيه ما تقدم في الذي قبله (قوله حدثنا حماد) هو ابن زيد (قوله صليت
خلف علي بن أبي طالب أنا وعمران) استدل به على أن موقف الاثنين يكون خلف الإمام خلافا
لمن قال يجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وفيه نظر لأنه ليس فيه أنه لم يكن معهما
غيرهما وقد تقدم أن ذلك كان بالبصرة وكذا رواه سعيد بن منصور من رواية حميد بن هلال عن
عمران ووقع لأحمد من طريق سعيد بن أبي عروبة عن غيلان بكار وكذا لعبد الرزاق عن
معمر عن قتادة وغير واحد عن مطرف فيحتمل أن يكون ذلك وقع منه بالبلدين وقد ذكره في
224

رواية أبي العلاء بصيغة العموم وهنا بذكر السجود والرفع والنهوض من الركعتين فقط ففيه
إشعار بان هذه المواضع الثلاثة هي التي كان ترك التكبير فيها حتى تذكرها عمران بصلاة على
(قوله قد ذكرني) في رواية الكشميهني لقد ذكرني (قوله أو قال) هو شك من أحد رواته ويحتمل
أن يكون من حماد فقد رواه أحمد من رواية سعيد بن أبي عروبة بلفظ صلى بنا هذا مثل صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشك وفي رواية قتادة عن مطرف قال عمران ما صليت منذ حين
أو منذ كذا وكذا أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الصلاة قال ابن بطال
ترك النكير على من ترك التكبير يدل على أن السلف لم يتلقوه على أنه ركن من الصلاة وأشار
الطحاوي إلى أن الإجماع استقر على أن من تركه فصلاته تامة وفيه نظر لما تقدم عن أحمد
والخلاف في بطلان الصلاة بتركه ثابت في مذهب مالك إلا أن يريد إجماعا سابقا (قوله عن أبي
بشر) صرح سعيد بمنصور عن هشيم بأن أبا بشر حدثه (قوله رأيت رجلا عند المقام) في رواية
الإسماعيلي صليت خلف شيخ بالأبطح والأولى أصح إلا أن يكون المراد بالأبطح البطحاء التي تفرش
في المسجد وسيأتي في أول الباب الذي بعده بلفظ وصليت خلف شيخ بمكة وأنه سماه في بعض
الطرق أبا هريرة واتفقت هذه الروايات على أنه رآه بمكة وللسراج من طريق حبيب بن الزبير عن
عكرمة رأيت رجلا يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يحمل على التجوز وإلا فهي
شاذة (قوله أوليس تلك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) هو استفهام إنكار للإنكار المذكور
ومقتضاه الاثبات لأنه نفى النفي (قوله لا أم لك) هي كلمة تقولها العرب عند الزجر وكذا قوله
في الرواية التي بعدها ثكلتك أمك فكأنه دعا عليه أن يفقد أمه أو أن تفقده أمه لكنهم قد
يطلقون ذلك ولا يريدون حقيقته واستحق عكرمة ذلك عند ابن عباس لكونه نسب ذلك الرجل
الجليل إلى الحمق الذي هو غاية الجهل وهو برئ من ذلك (قوله باب التكبير
إذا قام من السجود) (قوله صليت خلف شيخ) زاد سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عند الإسماعيلي
الظهر وبذلك يصح عدد التكبير الذي ذكره لأن في كل ركعة خمس تكبيرات فيقع في الرباعية
عشرون تكبيرة مع تكبيرة الافتتاح وتكبيرة القيام من تشهد الأول ولأحمد والطحاوي
والطبراني من طريق عبد الله الداناج وهو بالنون والجيم الخفيفتين عن عكرمة قال صلى بنا
أبو هريرة (قوله وقال موسى) هو ابن إسماعيل راوي الحديث عن همام وهو عنده متصل عن
همام وأبان كلاهما عن قتادة وإنما أفردهما لكونه على شرطه في الأصول بخلاف أبان فإنه
على شرطه في المتابعات وأفادت رواية أبان تصريح قتادة بالتحديث عن عكرمة وقد وقع مثله
من رواية سعيد بن أبي عروبة المذكورة عند الإسماعيلي وقوله سنة بالرفع خبر مبتدأ محذوف
تقديره تلك سنة وثبت ذلك في رواية عبيد الله بن موسى عن همام عند الإسماعيلي (قوله
أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن) كذا قال عقيل وتابعه ابن جريج عن ابن شهاب عند مسلم
وقال مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن كما تقدم قبل بباب مختصرا وكذا أخرجه
مسلم والنسائي مطولا من رواية يونس عن ابن شهاب وتابعه معمر عن ابن شهاب عند السراج
وليس هذا الاختلاف قادحا بل الحديث عند ابن شهاب عنهما معا كما سيأتي في باب يهوى
بالتكبير من رواية شعيب عنه عنهما جميعا عن أبي هريرة (قوله يكبر حين يقوم) فيه التكبير قائما
225

وهو بالاتفاق في حق القادر (قوله ثم يكبر حين يركع) قال النووي فيه دليل على مقارنه التكبير
للحركة وبسطه عليها فيبدأ بالتكبير حين يشرع في الانتقال إلى الركوع ويمده حتى يصل إلى
حد الراكع انتهى ودلالة هذا اللفظ على البسط الذي ذكره غير ظاهرة (قوله حين يرفع الخ) فيه
أن التسميع ذكر النهوض وأن التحميد ذكر الاعتدال وفيه دليل على أن الإمام يجمع بينهما
خلافا لمالك لإن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الموصوفة محمولة على حال الإمامة لكون ذلك
هو الأكثر الأغلب من أحواله وسيأتي البحث فيه بعد خمسة أبواب (قوله قال عبد الله بن صالح
عن الليث ولك الحمد) يعني أن ابن صالح زاد في روايته عن الليث ث الواو في قوله ولك الحمد وأما باقي
الحديث فاتفقا فيه وإنما لم يسقه عنهما معا وهما شيخاه لأن يحيى من شرطه في الأصول وابن
صالح إنما بورده في المتابعات وسيأتي من رواية شعيب أيضا عن ابن شهاب بإثبات الواو وكذا في
رواية ابن جريج عند مسلم ويونس عند النسائي قال العلماء الرواية بثبوت الواو أرجح وهي زائدة
وقيل عاطفة على محذوف وقيل هي واو الحال قاله أبي الأثير وضعف ما عداه (قوله ثم يكبر حين
يهوى) يعني ساجدا وكذا هو في رواية شعيب ويهوي ضبطناه بفتح أوله أي يسقط (قوله و يكبر
حين يقوم من الثنتين) أي الركعتين الأوليين وقوله بعد الجلوس أي في التشهد الأول وهذا
الحديث مفسر للأحاديث المتقدمة حيث قال فيها كان يكبر في كل خفض ورفع (قوله
باب وضع الأكف على الركب في الركوع) أي كل كف على ركبة (قوله وقال أبو حميد)
سيأتي موصولا مطولا في باب سنة الجلوس في التشهد والغرض منه هنا بيان الصفة المذكورة
في الركوع يقويه ما أشار إليه سعد من نسخ التطبيق (قوله عن أبي يعفور) بفتح التحتانية
وبالفاء وآخره راء وهو الأكبر كما جزم به المزي وهو مقتضى صنيع ابن عبد البر وصرح الدارمي
في روايته من طريق إسرائيل عن أبي يعفور بأنه العبدي والعبدي هو الأكبر بلا نزاع وذكر
النووي في شرح مسلم أنه الأصغر وتعقب وقد ذكرنا اسمهما في المقدمة (قوله مصعب بن سعد)
أي ابن أبي وقاص (قوله فطبقت) أي ألصقت بين باطني كفى في حال الركوع (قوله كنا نفعله
فنهينا عنه وأمرنا) استدل به على نسخ التطبيق المذكور بناء على أن المراد بالآمر والناهي
في ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الصيغة مختلف فيها والراجح أن حكمها الرفع وهو
مقتضى يطلق البخاري وكذا مسلم إذ أخرجه في صحيحه وفي رواية إسرائيل المذكورة عند
الدارمي كان بنوا عبد الله بن مسعود إذا ركعوا جعلوا أيديهم بين أفخاذهم فصليت إلى جنب أبي
فضرب يدي الحديث فافادت هذه الزيادة مستند مصعب في فعل ذلك وأولاد ابن مسعود
أخذوه عن أبيهم قال الترمذي التطبيق منسوخ عند أهل العلم لا خلاف بين العلماء في ذلك
إلا ما روى عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون انتهى وقد ورد ذلك عن ابن مسعود
متصلا في صحيح مسلم وغيره من طريق إبراهيم عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله
فذكر الحديث قال فوضعنا أيدينا على ركبنا فضرب أيدينا ثم طبق بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه
فلما صلى قال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل هذا على أن ابن مسعود لم يبلغه
النسخ وقد روى ابن المنذر عن ابن عمر بإسناد قوي قال إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة
يعني التطبيق وروى ابن خزيمة من وجه آخر عن علقمة عن عبد الله قال علمنا رسول الله صلى
226

الله عليه وسلم فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه فركع فبلغ ذلك سعدا فقال صدق أخي كنا
نفعل هذا ثم أمرنا بهذا يعني الإمساك بالركب فهذا شاهد قوي لطريق مصعب بن سعد وروى
عبد الرزاق عن عمر ما يوافق قول سعد أخرجه من وجه آخر عن علقمة والأسود قال صلينا مع
عبد الله فطبق ثم لقينا عمر فصلينا معه فطبقنا فلما انصرف قال ذلك شئ كنا نفعله ثم ترك وفي
الترمذي من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال قال لنا عمر بن الخطاب إن الركب سنت لكم
فخذوا بالركب ورواه البيهقي بلفظ كنا إذا ركعنا جعلنا أيدينا بين أفخاذنا فقال عمر ان من السنة
الأخذ بالركب وهذا أيضا حكمه حكم الرفع لأن الصحابي إذا قال السنة كذا أو سن كذا كان
الظاهر انصراف ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما إذا قاله مثل عمر (قوله فنهينا
عنه) استدل به ابن خزيمة على أن التطبيق غير جائز وفيه نظر لاحتمال حمل النهى على
الكراهة فقد روى ابن أبي شيبة من طريق عاصم بن ضمرة عن علي قال إذا ركعت فإن شئت
قلت هكذا يعني وضعت يديك على ركبتيك وأن شئت طبقت وإسناده حسن وهو ظاهر في أنه
كان يرى التخيير فاما أنه لم يبلغه النهى واما حمله على كراهة التنزيه ويدل على أنه ليس بحرام كون
عمر وغيره ممن أنكره لم يأمر من فعله بالإعادة * (فائدة) * حكى ابن بطال عن الطحاوي وأقره أن
طريق النظر يقتضى أن تفريق اليدين أولى من تطبيقهما لأن السنة جاءت بالتجافي في الركوع
والسجود وبالمزاوجة بين القدمين قال فلما اتفقوا على أولوية تفريقهما في هذا واختلفوا في
الأول اقتضى النظر أن يلحق ما اختلفوا فيه بما اتفقوا عليه قال فثبت انتفاء التطبيق ووجوب
وضع اليدين على الركبتين انتهى كلامه وتعقبه الزين بن المنير بان الذي ذكره معارض بالمواضع
التي سن فيها الضم كوضع اليمنى على اليسرى في حال القيام قال وإذا ثبت مشروعية الضم في
بعض مقاصد الصلاة بطل ما اعتمده من القياس المذكور نعم لو قال إن الذي ذكره ما يقتضى
مزية التفريج على التطبيق لكان له وجه (قلت) وقد وردت الحكمة في اثبات التفريج على
التطبيق عن عائشة رضي الله عنها أورد سيف في الفتوح من رواية مسروق أنه سألها عن ذلك
فأجابت بما محصله أن التطبيق من صنيع اليهود وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه لذلك
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم أمر في آخر الأمر
بمخالفتهم والله أعلم (قوله أن نضع أيدينا) أي أكفنا من إطلاق الكل وإرادة الجزء ورواه مسلم من
طريق أبي عوانة عن أبي يعفور بلفظ وأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب وهو مناسب
للفظ الترجمة (قوله باب إذا لم يتم الركوع) أفرد الركوع بالذكر مع أن السجود
مثله لكونه أفرده بترجمة تأتي وغرضه سياق صفة الصلاة على ترتيب أركانها واكتفى عن جواب
إذا بما ترجم به بعد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يتم ركوعه بالإعادة (قوله عن
سليمان) هو الأعمش (قوله رأى حذيفة رجلا) لم أقف على اسمه لكن عند ابن خزيمة وابن حبان
من طريق الثوري عن الأعمش أنه كان عند أبواب كندة ومثله لعبد الرزاق عن الثوري (قوله
لا يتم الركوع والسجود) في رواية عبد الرزاق فجعل ينقر ولا يتم ركوعه زاد أحمد عن محمد بن
جعفر عن شعبة فقال منذ كم صليت فقال منذ أربعين سنة ومثله في رواية الثوري وللنسائي
من طريق طلحة بن مصرف عن زيد بن وهب مثله و في فحمله على ظاهره نظر وأظن ذلك هو السبب
227

في كون البخاري لم يذكر ذلك وذلك لأن حذيفة مات سنة ست وثلاثين فعلى هذا يكون ابتداء
صلاة المذكور قبل الهجرة بأربع سنين أو أكثر ولعل الصلاة لم تكن فرضت بعد فلعله أطلق
وأراد المبالغة أو لعلى ممن كاد يصلي قبل إسلامه ثم أسلم فحصلت المدة المذكورة من الأمرين
(قوله ما صليت) هو نظير قوله صلى الله عليه وسلم للمسئ صلاته فإنك لم تصل وسيأتي بعد باب
(قوله فطر الله محمدا) زاد الكشميهني عليها واستدل به على وجوب الطمأنينة في الركوع
والسجود وعلى أن الاخلال بها مبطل للصلاة وعلى تكفير تارك الصلاة لأن ظاهره أن حذيفة
نفى الإسلام عمن أخل ببعض أركانها فيكون نفيه عمن أخل بها كلها أولى وهذا بناء على أن المراد
بالفطرة الدين وقد أطلق الكفر على من لم يصل كما رواه مسلم و هو اما على حقيقة عند قوم
و اما على المبالغة في الزجر عند آخرين قال الخطابي الفطرة الملة أو الدين قال و يحتمل أن يكون
المراد بها هنا السنة كما جاء خمس من الفطرة الحديث ويكون حذيفة قد أراد توبيخ الرجل ليرتدع
في المستقبل ويرجحه وروده من وجه آخر بلفظ سنة محمد كما سيأتي بعد عشرة أبواب وهو مصير
من البخاري إلى أن الصحابي إذا قال سنة محمد أو فطرته كان حديثا مرفوعا وقد خالف فيه قوم
والراجح الأول (قوله باب استواء الظهر في الركوع) أي من غير ميل في
الرأس عن البدن ولا عكسه (قوله وقال أبو حميد) هو الساعدي (قوله هصر ظهره) بفتح الهاء
والصاد المهملة أي أماله وفي رواية الكشميهني حنى بالمهملة والنون الخفيفة وهو بمعناه
وسيأتي حديث أبي حميد هذا موصولا مطولا في باب سنة الجلوس في التشهد بلفظ ثم ركع فوضع
يديه على ركبتيه ثم هصر ظهره زاد أبو داود من وجه آخر عن أبي حميد ووتر يديه فتجافى عن
جنبيه وله من وجه آخر أمكن كفيه من ركبتيه وفرج بين أصابعه ثم هصر ظهره غير مقنع رأسه
ولا صافح بخده (قوله وحد إتمام الركوع والاعتدال) فيه وقع في بعض الروايات عند
الكشميهني وهو للأصيلي هنا باب إتمام الركوع ففصله عن البا ب الذي قبله بباب وعند الباقين
الجميع في ترجمة واحدة إلا أنهم جعلوا التعليق عن أبي حميد في أثنائها لاختصاصه بالجملة الأولى
ودلالة حديث البراء على ما بعدها وبهذا يجاب عن اعتراض ناصر الدين بن المنير حيث قال
حديث البراء لا يطابق الترجمة لأن الترجمة للاستواء في ألح ركوع السالم من الزيادة في حنو الرأس
دون بقية البدن أو العكس والحديث في تساوى الركوع مع السجود وغيره في الإطالة
والتخفيف أه وكأنه لم يتأمل ما بعد حديث أبي حميد من بقية الترجمة ومطابقة حديث البراء
لقوله حد إتمام الركوع من جهة أنه دال على تسوية الركوع والسجود والاعتدال والجلوس
بين السجدتين وقد ثبت في بعض طرقه عند مسلم تطويل الاعتدال فيؤخذ منه إطالة الجميع
والله أعلم (قوله والطمأنينة) كذا للأكثر بكسر الهمزة ويجوز الضم وسكون الطاء
وللكشميهني والطمأنينة بضم الطاء وهي أكثر في الاستعمال والمراد بها السكون وحدها ذهاب
الحركة التي قبلها كما سيأتي مفسرا في حديث أبي حميد (قوله أخبرنا الحكم) هو ابن عتيبة عن
ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن ووقع التصري بتحديثه له عند مسلم (قوله ما خلا القيام والقعود)
بالنصب فيهما قيل المراد بالقيام الاعتدال وبالقعود الجلوس بين السجدتين وجزم به بعضهم
وتمسك به في أن الاعتدال والجلوس بين السجدتين لا يطولان ورده ابن القيم في كلامه على حاشية
228

السنن فقال هذا سوء فهم من قائله لأنه قد ذكرهما بعينهما فكيف يستثنيهما وهل يحسن قول
القائل جاء زيد وعمرو وبكر وخالد إلا زيدا وعمرا فإنه متى أراد نفى المجئ عنهما كان تناقضا
أه وتعقب بأن المراد بذكرها إدخالها في الطمأنينة وباستثناء بعضها إخراج المستثنى من المساواة
وقال بعض شيوخ شيوخنا معنى قوله قريبا من السواء أن كل ركن قريب من مثله فالقيام الأول
قريب الثاني والركوع في الأولى قريب من الثانية والمراد بالقيام والقعود اللذين استثنيا
الاعتدال والجلوس بين السجدتين ولا يخفى تكلفه واستدل بظاهره على أن الاعتدال ركن
طويل ولا سيما قوله في حديث أنس حتى يقول القائل قد نسي وفي الجواب عنه تعسف والله أعلم
وسيأتي هذا الحديث بعد أبواب بغير استثناء وكذا أخرجه مسلم من طرق وقيل المراد بالقيام
والقعود القيام للقراءة والجلوس للتشهد لأن القيام للقراءة أطول من جميع الأركان في الغالب
واستدل به على تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين كما سيأتي في باب الطمأنينة حين يرفع
رأسه من الركوع مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى (قوله باب أمر
النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة) قال الزين بن المنير هذه التراجم
الخفية وذلك أن الخبر لم يقع فيه بيان ما نقصه المصلي المذكور لكنه صلى الله عليه وسلم لما قال له
ثم اركع حتى تطمئن راكعا إلى آخر ما ذكر له من الأركان اقتضى ذلك تساويها في الحكم لتناول
الأمر كل فرد منها فكل من لم يتم ركوعه أو سجوده أو غير ذلك مما ذكر مأمور بالإعادة (قلت)
ووقع في حديث رفاعة بن رافع عند بن أبي شيبة في هذه القصة دخل رجل فصلى صلاة خفيفة
لم يتم ركوعها ولا سجودها فالظاهر أن المصنف أشار بالترجمة إلى ذلك (قوله عن عبيد الله) هو
ابن عمر العمري (قوله عن أبيه) قال الدارقطني خالف يحيى القطان أصحاب عبيد الله كلهم
في هذا الإسناد فإنهم لم يقولوا عن أبيه ويحيى حافظ قال فيشبه أن يكون عبيد الله حدث به على
الوجهين وقال البزار لم يتابع يحيى عليه ورجح الترمذي رواية يحيى (قلت) لكل من
الروايتين وجه مرجح أما رواية يحيى فللزيادة من الحافظ وأما الرواية الأخرى فللكثرة ولان
سعيدا لم يوصف بالتدليس وقد ثبت سماعه من أبي هريرة ومن ثم أخرج الشيخان الطريقين
فأخرج البخاري طريق يحيى هنا وفي باب وجوب القراءة وأخرج في الاستئذان طريق عبيد الله
ابن نمير وفي الإيمان والنذور طريق أبي أسامة كلاهما عن عبيد الله ليس فيه عن أبيه
وأخرجه مسلم من رواية الثلاثة وللحديث طريق أخرى من غير رواية أبي هريرة أخرجها أبو
داود والنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو بن عجلان وداود
ابن قيس كلهم عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع فمنهم
من لم يسم رفاعة قال عن عم له بدري ومنهم من لم يقل عن أبيه ورواه النسائي والترمذي من
طريق يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن جده عن رفاعة لكن لم يقل الترمذي عن أبيه
وفيه اختلاف آخر نذكره قريبا (قوله فدخل رجل) في رواية ابن نمير ورسول الله صلى الله
عليه وسلم جالس في ناحية المسجد وللنسائي من رواية إسحق بن أبي طلحة بينما رسول الله صلى الله
عليه وسلم جالس ونحن حوله وهذا الرجل هو خلاد بن رافع جد علي بن يحيى راوي الخبر بينه ابن
أبي شيبة عن عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن علي بن يحيى عن رفاعة أن خلادا دخل المسجد
229

وروى أبو موسى في الذيل من جهة ابن عيينة عن بن عجلان عن علي بن يحيى بن عبد الله بن
خلاد عن أبيه عن جده أنه دخل المسجد أه وفيه أمران زيادة عبد الله في نسب علي بن يحيى
وجعل الحديث من رواية خلاد جد على فأما الأول فوهم من الراوي عن ابن عيينة وأما
الثاني فمن ابن عيينة لأن سعيد بن منصور قد رواه عنه كذلك لكن بإسقاط عبد الله والمحفوظ
أنه من حديث رفاعة كذلك أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد القطان وابن أبي شيبة عن أبي خالد
الأحمر كلاهما عن محمد بن عجلان وأما ما وقع عند الترمذي إذ جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف
صلاته فهذا لا يمنع تفسيره بخلاد لأن رفاعة شبهه بالبدوي لكونه أخف الصلاة أو لغير ذلك
(قوله فصلى) زاد النسائي من رواية داود بن قيس ركعتين وفيه إشعار بأنه صلى نفلا والأقرب
أنها تحية المسجد وفي الرواية المذكورة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمقه في صلاته
زاد في رواية إسحق بن أبي طلحة ولا ندري ما يعيب منها وعند بن أبي شيبة من رواية أبي خالد
يرمقه ونحن لا نشعر وهذا أمرهم على حالهم في المرة الأولى وهو مختصر من الذي قبله كأنه قال
ولا نشعر بما يعيب منها (قوله ثم جاء فسلم) في رواية أبي أسامة فجاء فسلم وهي أولى لأنه لم يكن
بين صلاته ومجيئه تراخ (قوله فرد النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية مسلم وكذا في رواية ابن
نمير في الاستئذان فقال وعليك السلام وفي هذا تعقب علي ابن المنير حيث قال فيه أن الموعظة
في وقت الحاجة أهم من رد السلام ولأنه لعله لم يرد عليه السلام تأديبا على جهله فيؤخذ منه التأديب
بالهجر وترك السلام أه والذي وقفنا عليه من نسخ الصحيحين ثبوت الرد في هذا الموضع
وغيره إلا الذي في الأيمان والنذور وقد ساق الحديث صاحب العمدة بلفظ الباب إلا أنه حذف
منه فرد النبي صلى الله عليه وسلم فلعل بن المنير اعتمد على النسخة التي اعتمد عليها صاحب العمدة
(قوله ارجع) في رواية بن عجلان فقال أعد صلاتك (قوله فإنك لم تصل) قال عياض فيه
أن أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزئ وهو مبنى على أن المراد بالنفي نفى الإجزاء وهو
الظاهر ومن حمله على نفى دابة تمسك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بعد التعليم بالإعادة فدل على
إجزائها وإلا لزم تأخير البيان كذا قاله بعض المالكية وهو المهلب ومن تبعه وفيه نظر لأنه صلى
الله عليه وسلم قد أمره في المرة الأخيرة بالإعادة فسأله التعليم فعلمه فكأنه قال له أعد صلاتك على
هذه الكيفية أشار إلى ذلك بن المنير وسيأتي في آخر الكلام على الحديث مزيد بحث في ذلك
(قوله ثلاثا) في رواية بن نمير فقال في الثالثة أو في التي بعدها وفي رواية أبي أسامة فقال
في الثانية أو الثالثة وتترجح الأولى لعدم وقوع الشك فيها ولكونه صلى الله عليه وسلم كان من
عادته استعمال الثلاث في تعليمه غالبا (قوله فعلمني) في رواية يحيى بن علي فقال الرجل
فأرني وعلمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ فقال أجل (قوله إذا قمت إلى الصلاة فكبر) في
رواية ابن نمير إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر وفي رواية يحيى بن علي
فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد وأقم وفي رواية إسحق بن أبي طلحة عند النسائي أنها لم تتم
صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه
ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله ويحمده ويمجده وعند أبي داود ويثني عليه بدل ويمجده (قوله
ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) لم تختلف الروايات في هذا عن أبي هريرة وأما رفاعة ففي رواية
230

إسحق المذكورة ويقرأ ما تيسر من القرآن مما علمه الله وفي رواية يحيى بن علي فإن كان معك
قرآن فأقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله وفي رواية محمد بن عمرو عند أبي داود ثم اقرأ بأم القرآن
أو بما شاء الله ولأحمد وابن حبان من هذا الوجه ثم اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت ترجم له بن
حبان بباب فرض المصلي قراءة فاتحه الكتاب في كل ركعة (قوله حتى تطمئن راكعا) في
رواية أحمد هذه القريبة فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك وتمكن
لركوعك وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة ثم يكبر فيركع حتى تطمئن مفاصله ويسترخي (قوله
حتى تعتدل قائما) في رواية بن نمير عند بن ماجة حتى تطمئن قائما أخرجه بن أبي شيبة
عنه وقد أخرج مسلم إسناده بعينه في هذا الحديث لكن لم يسق يسير فهو على شرطه وكذا
أخرجه إسحق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة وهو في مستخرج أبي نعيم من طريقه وكذا
أخرجه السراج عن يوسف بن موسى أحد شيوخ البخاري عن أبي أسامة فثبت ذكر الطمأنينة
في الاعتدال على شرط الشيخين ومثله في حديث رفاعة عند أحمد وابن حبان وفي لفظ لأحمد
فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها وعرف بهذا أن قول إمام الحرمين في القلب من
ايجابها أي الطمأنينة في الرفع من الركوع شئ لأنها لم تذكر في حديث المسئ صلاته دال على
أنه لم يقف على هذه الطرق الصحيحة (قوله ثم اسجد) في رواية إسحق بن أبي طلحة ثم يكبر
فيسجد حتى يمكن وجهه أو جبهته حتى تطمأن مفاصله وتسترخي (قوله ثم أرفع) في رواية
إسحق المذكورة ثم يكبر فيركع حتى يستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه وفي رواية محمد
ابن عمرو فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى وفي رواية إسحق فإذا جلست في
وسط الصلاة فاطمئن جالسا ثم افترش فخذك اليسرى ثم تشهد (قوله ثم أفعل ذلك في صلاتك
كلها) في رواية محمد بن عمرو ثم أصنع ذلك في كل ركعة وسجدة * (تنبيه) * وقع في رواية
ابن نمير في الاستئذان بعد ذكر السجود الثاني ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وقد قال بعضهم هذا
يدل على إيجاب جلسة الاستراحة ولم يقل به أحد وأشار البخاري إلى أن هذه اللفظة وهم فإنه
عقبة بأن قال قال أبو أسامة في الأخير حتى تستوي قائما ويمكن أن يحمل إن كان محفوظا على
الجلوس للتشهد ويقويه رواية إسحق المذكورة قريبا وكلام البخاري ظاهر في أن أبا أسامة
خالف ابن نمير لكن رواه إسحق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة كما قال ابن نمير بلفظ ثم اسجد
حتى تطمئن ساجدا ثم اقعد حتى تطمئن قاعدا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اقعد حتى تطمئن
قاعدا ثم أفعل ذلك في كل ركعة وأخرجه البيهقي من طريق وقال كذا قال إسحق بن راهويه
عن أبي أسامة والصحيح رواية عبيد الله بن سعيد أبي قدامة ويوسف بموسى عن أبي أسامة
بلفظ ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم ساقه من طريق يوسف بن موسى
كذلك واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة وبه قال الجمهور
واشتهر عن الحنفية أن الطمأنينة سنة وصرح بذلك كثير من مصنفيهم لكن كلام الطحاوي
كالصريح في الوجوب عندهم فإنه ترجم مقدار الركوع والسجود ثم ذكر الحديث الذي
أخرجه أبو داود وغيره في قوله سبحان ربي العظيم ثلاثا في الركوع وذلك أدناه قال فذهب قوم
إلى أن هذا مقدار الركوع والسجود لا يجزئ أدنى منه قال وخالفهم آخرون فقالوا إذا استوى
231

راكعا واطمأن ساجدا أجزأ ثم قال وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد قال ابن دقيق العيد
تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه وعلى عدم وجوب ما لم يذكر
أما الوجوب فلتعلق الأمر به وأما عدمه فليس لمجرد كون الأصل عدم الوجوب بل لكون
الموضع موضع تعليم وبيان للجاهل وذلك يقتضى انحصار الواجبات فيما ذكر ويتقوى ذلك بكونه
صلى الله عليه وسلم ذكر ما تعلقت به الإساءة من هذا المصلي وما لم تتعلق به فدل على أنه لم يقصر
المقصود على ما وقعت به الإساءة قال فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه وكان مذكورا في
هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في وجوبه وبالعكس لكن يحتاج أولا إلى جمع طرق هذا الحديث
وإحصاء الأمور المذكورة فيه والأخذ بالزائد فالزائد ثم إن عارض الوجوب أو عدمه دليل أقوى
منه عمل به وإن جاءت صيغة الأمر في حديث آخر بشئ لم يذكر في هذا الحديث قدمت (قلت) قد
امتثلت ما أشار إليه وجمعت طرقه القوية من رواية أبي هريرة ورفاعة قد أمليت الزيادات
التي اشتملت عليها فمما لم يذكر فيه صريحا من الواجبات المتفق عليها النية والقعود الأخير ومن
المختلف فيه المنكدر الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه والسلام في آخر الصلاة
قال النووي وهو أمرهم على أن ذلك كان معلوما عند الرجل أه وهذا يحتاج إلى تكملة وهو
ثبوت الدليل على إيجاب ما ذكر كما تقدم وفيه بعد ذلك نظر قال وفيه دليل على أن الإقامة
والتعوذ ودعاء الافتتاح ورفع اليدين في الإحرام وغيره ووضع اليمني على اليسرى وتكبيرات
الانتقالات وتسبيحات الركوع والسجود وهيئات الجلوس ووضع اليد على الفخذ ونحو ذلك
مما لم يذكر في الحديث ليس بواجب أه وهو في معرض المنع لثبوت بعض ما ذكر في بعض الطرق كما
تقدم بيانه فيحتاج من لم يقل بوجوبه إلى دليل على عدم وجوبه كما تقدم تقريره واستدل به على
تعين لفظ التكبير خلافا لمن قال يجزئ بكل لفظ يدل على التعظيم وقد تقدمت هذه المسألة في أول
صفة الصلاة قال ابن دقيق العيد ويتأيد ذلك بأن العبادات محل التعبدات ولأن رتب هذه الأذكار
مختلفة فقد يتأدى برتبة منها ما يقصد برتبة أخرى ونظيره الركوع فإن المقصود به التعظيم
بالخضوع فلو أبدله بالسجود لم يجزئ مع أنه غاية الخضوع واستدل به على أن قراءة الفاتحة
لا تتعين قال ابن دقيق العيد ووجهه أنه إذا تيسر فيه غير الفاتحة فقرأه يكون ممتثلا فيخرج عن
العهدة قال والذين عينوها أجابوا بأن الدليل على تعينها تقييد للمطلق في هذا الحديث وهو
متعقب لأنه ليس بمطلق من كل وجه بل هو مقيد بقيد التيسير الذي يقتضى التخيير وإنما يكون
مطلقا لو قال اقرأ قرآنا ثم قال اقرأ فاتحة الكتاب وقال بعضهم هو بيان للمجمل وهو متعقب أيضا
لأن المجمل ما لم تتضح دلالته وقوله ما تيسر متضح لأنه ظاهر في التخيير قال وإنما يقرب ذلك
إن جعلت ما موصولة وأريد بها شئ معين وهو الفاتحة لكثرة حفظ المسلمين لها فهي المتيسرة
وقيل هو أمرهم على أنه عرف من حال الرجل أنه لا يحفظ الفاتحة ومن كان كذلك كان الواجب
عليه قراءة ما تيسر وقيل أمرهم على أنه منسوخ بالدليل على تعيين الفاتحة ولا يخفى ضعفهما
لكنه محتمل ومع الاحتمال لا يترك الصريح وهو قوله لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب
وقيل إن قوله ما تيسر أمرهم على ما زاد على الفاتحة جمعا بينه وبين دليل إيجاب الفاتحة ويؤيده
الرواية التي تقدمت لأحمد وابن حبان حيث قال فيها اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت واستدل به
232

على وجوب الطمأنينة في الأركان واعتذر بعض من لم يقل به بأنه زيادة على النص لأن المأمور به
في القرآن مطلق السجود فيصدق بغير طمأنينة فالطمأنينة زيادة والزيادة على المتواتر بالآحاد
لا تعتبر وعورض بأنه ليست زيادة لكن بيان للمراد بالسجود وأنه خالف السجود اللغوي لأنه
مجرد وضع الجبهة فبينت السنة أن السجود الشرعي ما كان بالطمأنينة ويؤيده أن الآية
نزلت تأكيدا لوجوب السجود وكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه يصلون قبل ذلك ولم
يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بغير طمأنينة وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم
وجوب الإعادة على من أخل بشئ من واجبات الصلاة وفيه أن الشروع في النافلة ملزم لكن
يحتمل أن تكون تلك الصلاة كانت فريضة فيقف الاستدلال وفيه الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر وحسن التعليم بغير تعنيف وإيضاح المسألة وتخليص المقاصد وطلب المتعلم من
العالم أن يعلمه وفيه تكرار السلام ورده وإن يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال وفيه
أن القيام في الصلاة ليس مقصودا لذاته وإنما يقصد للقراءة فيه وفيه جلوس الإمام في المسجد
وجلوس أصحابه معه وفيه التسليم للعالم والانقياد له والاعتراف بالتقصير والتصريح بحكم
البشرية في جواز الخطأ وفيه أن فرائض الوضوء مقصورة على ما ورد به القرآن لا ما زادته السنة
فيندب وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ولطف معاشرته وفيه تأخير البيان في المجلس
للمصلحة وقد استشكل تقرير النبي صلى الله عليه وسلم له على صلاته وهي فاسدة على القول
بأنه أخل ببعض الواجبات وأجاب المازري بأنه أراد استدراجه بفعل ما يجهله مرات لاحتمال
أن يكون فعله ناسيا أو غافلا فيتذكره فيفعله من غير تعليم وليس ذلك من باب التقرير على الخطأ
بل من باب تحقق الخطأ وقال النووي نحوه قال وإنما لم يعلمه أولا ليكون أبلغ في تعريفه
وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة وقال بن الجوزي يحتمل أن يكون ترديده لتفخم الأمر
وتعظيمه عليه ورأى أن الوقت لم يفته فرأى إيقاظ الفطنة للمتروك وقال ابن دقيق العيد
ليس التقرير بدليل على الجواز مطلقا بل لا بد من انتفاء الموانع ولا شك أن في زيادة قبول المتعلم
لما يلقي إليه بعد تكرار فعله واستجماع نفسه وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى
التعليم لا سيما مع عدم خوف الفوات إما بناء على ظاهر الحال أو بوحي خاص وقال التوربشتي
إنما سكت عن تعليمه أولا لأنه لما رجع لم يستكشف الحال من مورد الوحي وكأنه اغتر بما عنده
من العلم فسكت عن تعليمه زجرا له وتأديبا وإرشادا إلى استكشاف ما استبهم عليه فلما طلب
كشف الحال من مورده أرشد إليه انتهى لكن فيه مناقشة لأنه إن تم له في الصلاة الثانية
والثالثة لم يتم له في الأولى لأنه صلى الله عليه وسلم بدأه لما جاء أول مرة بقوله ارجع فصل فإنك لم
تصل فالسؤال وارد على تقريره له على الصلاة الأولى كيف لم ينكر عليه في أثنائها لكن الجواب
يصلح بيانا للحكمة في تأخير البيان بعد ذلك والله أعلم وفيه حجة على من أجاز القراءة بالفارسية
يكون ما ليس بلسان العرب لا يسمى قرآنا قاله عياض وقال النووي وفيه وجوب القراءة
في الركعات كلها وأن المفتى إذا سئل عن شئ وكان هناك شئ آخر يحتاج إليه السائل يستحب له
أن يذكره له وإن لم يسأله عنه وبكون من باب النصيحة لامن الكلام فيما لا معنى له وموضع الدلالة
منه كونه قال علمني أي الصلاة فعلمه الصلاة ومقدماتها (قوله باب الدعاء في الركوع)
233

ترجم بعد هذا بأبواب التسبيح والدعاء في السجود وساق فيه حديث الباب فقيل الحكمة
في تخصيص الركوع بالدعاء دون التسبيح ح مع أن الحديث واحد أنه قصد الإشارة إلى الرد على
من كره الدعاء في الركوع كمالك وأما التسبيح فلا خلاف فيه فاهتم هنا بذكر الدعاء لذلك وحجة
المخالف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية ابن عباس مرفوعا وفيه فأما الركوع فعظموا
فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم لكنه لا مفهوم له فلا يمتنع
الدعاء في الركوع كما لا يمتنع التعظيم في السجود وظاهر حديث عائشة أنه كان يقول هذا الذكر
كله في الركوع وكذا في السجود وسيأتي بقية الكلام عليه في الباب لمذكور إن شاء الله تعالى
(قوله باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع) وقع في شرح
ابن بطال هنا باب القراءة في الركوع والسجود وما يقول الإمام ومن خلفه الخ وتعقبه بان قال لم
يدخل فيه حديثا لجواز القراءة ولا منعها وقال ابن رشيد هذه الزيادة لم أنكر فيما رويناه من
نسخ البخاري انتهى وكذلك أقول وقد تبع ابن المنير ابن بطال ثم اعتذر عن البخاري بان قال
يحتمل أن يكون وضعها للأمرين فذكر أحدهما وأخلى للآخر بياضا ليذكر فيه ما يناسبه ثم
عرض له مانع فبقيت الترجمة بلا حديث وقال ابن رشيد يحتمل أن يكون ترجم بالحديث مشيرا
إليه ولم يخرجه لأنه ليس على شرطه لأن في إسناده اضطرابا وقد أخرجه مسلم من حديث ابن
عباس في أثناء حديث وفي آخره ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا ثم تعقبه على
نفسه بأن ظاهر الترجمة الجواز وظاهر الحديث المنع قال فيحتمل أن يكون معنى الترجمة باب
حكم القراءة وهو أعم من الجواز أو المنع وقد اختلف السلف في ذلك جوازا ومنعا فلعله كان
يرى الجواز لأن حديث النهى لم يصح عنده انتهى ملخصا ومال الزين بن المنير إلى هذا الأخير
لكن حمله على وجه أخص ص منه فقال لعله أراد أن الحمد في الصلاة لا حجر فيه وإذا ثبت أنه من
مطالبها ظهر تسويغ ذلك في الركوع وغيره بأي لفظ كان فيدخل في ذلك آيات الحمد كمفتتح
الأنعام وغيرها فإن قيل ليس في حديث الباب ذكر ما يقوله المأموم أجاب ابن رشيد بأنه أشار
إلى التذكير بالمقدمات لتكون الأحاديث عند الاستنباط نصب عيني المستنبط فقد تقدم
حديث إنما جعل الإمام ليؤتم به وحديث صلوا كما رأيتموني أصلى قال ويمكن أن يكون قاس
المأموم على الإمام لكن فيه ضعف (قلت) وقد ورد في ذلك حديث عن أبي هريرة أيضا أخرجه
الدارقطني بلفظ كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمع الله لمن حمده قال من
وراءه سمع الله لمن حمده ولكن قال الدارقطني المحفوظ في هذا فليقل من وراءه ربنا ولك الحمد
وسنذكر الاختلاف في هذه المسئلة في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى (قوله إذا قال سمع الله
لمن حمده) في رواية أبي داود الطيالسي عن بن أبي ذئب كان إذا رفع رأسه من الركوع قال اللهم
ربنا لك الحمد ولا منافاة بينهما لأن أحدهما ذكر ما لم يذكره الآخر (قوله اللهم ربنا) ثبت في أكثر
الطرق هكذا وفي بعضها بحذف اللهم وثبوتها أرجح وكلاهما جائز وفي ثبوتها تكرير النداء
كأنه قال يا الله يا ربنا (قوله ولك الحمد) كذا ثبت زيادة الواو في طرق كثيرة وفي بعضها كما في
الباب الذي يليه بحذفها قال النووي المختار لا ترجيح لأحدهما على الآخر وقال ابن دقيق
العيد كأن إثبات الواو دال على معنى زائد لأنه يكون التقدير مثلا ربنا استجب ولك الحمد فيشتمل
234

على معنى الدعاء ومعنى الخبر انتهى وهذا بناء على أن الواو عاطفة وقد تقدم في باب التكبير
إذا قام من السجود قول من جعلها حالية وأنا الأكثر رجحا وثبوتها وقال الأثرم سمعت أحمد
يثبت الواو في ربنا ولك الحمد ويقول ثبت فيه عدة أحاديث (قوله إذا ركع وإذا رفع رأسه) أي من
السجود وقد ساق البخاري هذا المتن مختصرا ورواه أبو يعلى من طريق شبابة وأوله عنده
عن أبي هريرة وقال أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر إذا ركع وإذا قال
سمع الله لمن حمده قال اللهم ربنا لك الحمد وكان يكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه وإذا قام من
السجدتين ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن أبي ذئب بلفظ وإذا قام من الثنتين كبر
ورواه الطيالسي بلفظ وكان يكبر بين السجدتين والظاهر أن المراد بالثنتين الركعتان والمعنى
أنه كان يكبر إذا قام إلى الثالثة ويؤيده الرواية الماضية في باب التكبير إذا قام من السجود بلفظ
ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس وأما رواية الطيالسي فالمراد بها التكبير للسجدة
الثانية وكأن بعض الرواة ذكر ما لم يذكر الآخر (قوله قال الله) أكبر كذا وقع مغير الأسلوب إذ
عبر أولا بلفظ يكبر قال الكرماني هو للتفنن أو لإرادة التعميم لأن التكبير يتناول التعريف
ونحوه انتهى والذي يظهر أنه من يطلق الرواة فإن الروايات التي أشرنا إليها جاءت كلها على
أسلوب واحد ويحتمل أن يكون المراد به تعيين هذا اللفظ دون غيره من ألفاظ التعظيم وقد تقدم
الكلام على بقية فوائده في باب التكبير إذا قام من السجود ويأتي الكلام على محل التكبير
عند القيام من التشهد الأول بعد بضعة عشر بابا (قوله باب فضل اللهم ربنا لك الحمد)
في رواية الكشميهني ولك الحمد بإثبات الواو وفيه رد علي ابن القيم حيث جزم بأنه لم يرد الجمع بين
اللهم والواو في ذلك وثبت لفظ باب عند من عدا أبا ذر والأصيلي والراجح حذفه كما سيأتي
(قوله إذا قال الإمام الخ) استدل به على أن الإمام لا يقول ربنا لك الحمد وعلى أن المأموم لا يقول
سمع الله لمن حمده لكون ذلك لم يذكر في هذه الرواية كما حكاه الطحاوي وهو قول مالك وأبي
حنيفة وفيه نظر لأنه ليس فيه ما يدل على النفي بل فيه أن قول المأموم ربنا لك الحمد يكون عقب
قول الإمام سمع الله لمن حمده والواقع في التصوير ذلك لأن الإمام يقول التسميع في حال انتقاله
والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله فقوله يقع عقب قول الإمام كما في الخبر وهذا الموضع
يقرب من مسئلة التأمين كما تقدم من أنه لا يلزم من قوله إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين أن
الإمام لا يؤمن بعد قوله ولا الضالين وليس فيه أن الإمام يؤمن كما أنه ليس في هذا أنه يقول ربنا
لك الحمد لكنهما مستفادان من أدلة أخرى صحيحة صريحة كما تقدم في التأمين وكما مضى في الباب
الذي قبله وفي غيره ويأتي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين التسميع والتحميد وأما ما احتجوا
به من حيث المعنى من أن معنى سمع الله لمن حمده طلب التحميد فيناسب حال الإمام وأما المأموم
فتناسبه الإجابة بقوله ربنا لك الحمد ويقويه حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم وغيره ففيه
وإذا سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع لله لكم فجوابه أن يقال لا يدل ما ذكرتم
على أن الإمام لا يقول ربنا ولك الحمد إذ لا يمتنع أن يكون طالبا ومجيبا وهو وكما ما تقدم في مسئلة
التأمين من أنه لا يلزم من كون الإمام داعيا والمأموم مؤمنا أن لا يكون الإمام مؤمنا ويقرب
منه ما تقدم البحث فيه في الجمع بين الحيعلة والحوقلة لسامع المؤذن وقضية ذلك أن الإمام
235

يجمعهما وهو قول الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد والجمهور والأحاديث الصحيحة تشهد له
وزاد الشافعي أن المأموم يجمع بينهما أيضا لكن لم يصح في ذلك شئ ولم يثبت عن ابن المنذر أنه
قال إن الشافعي انفرد بذلك لأنه قد نقل في الإشارف عن عطاء وابن سيرين وغيرهما القول بالجمع
بينهما للمأموم وأما المنفرد فحكى الطحاوي وابن عبد البر الإجماع على أنه يجمع بينهما وجعله
الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما للاتفاق على اتحاد حكم الإمام والمنفرد لكن أشار
صاحب الهداية إلى خلاف عندهم في المنفرد (قوله فإنه من وافق قوله) فيه إشعار بأن الملائكة
تقول ما يقول المأمومون وقد تقدم باقي البحث فيه في باب التأمين (قوله باب كذا
للجميع بغير ترجمة إلا للأصيلي فحذفه وعليه شرح بن بطال ومن تبعه والراجح إثباته كما أن الراجح
حذف باب من الذي قبله وذلك أن الأحاديث المذكورة فيه لا دلالة فيها على فضل اللهم ربنا لك
الحمد إلا بتكلف فالأولى أن يكون بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله كما تقدم في عدة مواضع وذلك
أنه لما قال أولا باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع وذكر فيه قوله صلى الله
عليه وسلم اللهم ربنا ولك الحمد استطرد إلى ذكر فضل هذا القول بخصوصه ثم فصل بلفظ باب
لتكميل الترجمة الأولى فأورد بقية ما ثبت على شرطه مما يقال في الاعتدال كالقنوت وغيره وقد
وجه الزين بن المنير دخول الأحاديث الثلاثة تحت ترجمة فضل اللهم ربنا لك الحمد فقال وجه
دخول حديث أبي هريرة أن القنوت لما كان مشروعا في الصلاة كانت هي مفتاحه ومقدمته
ولعل ذلك سبب تخصيص القنوت بما بعد ذكرها انتهى ولا يخفى ما فيه من التكلف وقد
تعقب من وجه آخر وهو أن الخبر المذكور في الباب لم يقع فيه قول ربنا لك الحمد لكن له أن يقول
وقع في هذه الطريق اختصار وهي مذكورة في الأصل ولم يتعرض لحديث أنس لكن له أن يقول
إنما أورده استطراد الأجل ذكر المغرب قال وأما حديث رفاعة فظاهر في أن الابتدار الذي
تنشأ عند الفضيلة إنما كان لزيادة قول الرجل لكن لما كانت الزيادة المذكورة صفة في
التحميد جارية مجرى التأكيد له تعين جعل الأصل سببا أو سببا للسبب فثبتت بذلك الفضيلة
والله أعلم وقد ترجم بعضهم له بباب القنوت ولم أره في شئ من روايتنا (قوله حدثنا هشام) هو
الدستوائي ويحي هو بن أبي كثير (قوله عن أبي سلمة) في رواية مسلم من طريق معاذ بن هشام
عن أبيه عن يحيى حدثني أبو سلمة (قوله لأقربن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية مسلم
المذكورة لأقربن لكم وللإسماعيلي اني لأقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله
فكان أبو هريرة إلى آخره) قيل المرفوع من هذا الحديث وجود القنوت لا وقوعه في الصلوات
المذكورة فإنه موقوف على أبي هريرة ويوضحه ما سيأتي في تفسير النساء من رواية شيبان عن
يحيى من تخصيص المرفوع بصلاة العشاء ولأبي داود من رواية الأوزاعي عن يحيى قنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة شهرا ونحوه لمسلم لكن لا ينافي هذا كونه صلى الله عليه وسلم
قنت في غير العشاء وظاهر سياق حديث الباب أن جميعه مرفوع ولعل هذا هو السر في تعقب
المصنف له بحديث أنس إشارة إلى أن القنوت في النازلة لا يختص بصلاة معينة واستشكل
التقييد في رواية الأوزاعي بشهر لأن المحفوظ أنه كان في قصة الذي قتلوا أصحاب بئر معونة كما
سيأتي في آخر أبواب الوتر وسيأتي في تفسير آل عمران من رواية الزهري عن أبي سلمة في هذا
236

الحديث أن المراد بالمؤمنين من كان مأسورا بمكة وبالكافرين قريش وأن مدته كانت
طويلة فيحتمل أن يكون التقييد بشهر في حديث أبي هريرة يتعلق بصفة من الدعاء مخصوصة
وهي قوله اشدد وطأتك على مضر قوله في الركعة الأخرى في رواية الكشميهني الآخرة
وسيأتي بعد باب من رواية الزهري عن أبي سلمة أن ذلك كان بعد الركوع وسيأتي في تفسير آل
عمران بيان الخلاف في مدة الدعاء عليهم والتنبيه على أحوال من سمي منهم وقد اختصر يحيى
سياق هذا الحديث عن أبي سلمة وطوله الزهري كما سيأتي بعد باب وسيأتي في الدعوات بالإسناد
الذي ذكره المصنف أتم مما ساقه هنا إن شاء الله تعالى قوله إسماعيل هو المعروف بابن علية
والإسناد كله بصريون وعبد الله بن أبي الأسود نسب إلى جد أبيه واسم أبيه محمد بن حميد قوله
كان القنوت أي في أول الأمر واحتج بهذا على أن قول الصحابي كنا نفعل كذا له حكم الرفع وان
لم يقيده بزمن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو قول الحاكم وقد اتفق الشيخان على إخراج هذا
الحديث في المسند الصحيح وليس فيه تقييد وسنذكر اختلاف النقل عن أنس في القنوت في محله
من الصلاة وفي أي الصلوات شرع وهل استمر مطلقا أو مدة معينة أو في حالة دون حالة حيث
أورد المصنف بعض ذلك في آخر أبواب الوتر إن شاء الله تعالى قوله المجمر بالخفض وهو صفة
لنعيم ولأبيه قوله عن علي بن يحيى في رواية بن خزيمة أن علي بن يحيى حدثه والإسناد كله
مدنيون وفيه رواية الأكابر عن الأصاغر لأن نعيما أكبر سنا من علي بن يحيى وأقدم سماعا وفيه
ثلاثة من التابعين في نسق وهم من بين مالك والصحابي هذا من حيث الرواية وأما من حيث شرف
الصحبة فيحيى بن خلاد والد على مذكور في الصحابة لأنه قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم
حنكه لما ولد قوله فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده ظاهره أن قول
التسميع وقع بعد رفع الرأس من الركوع فيكون من أذكار الاعتدال وقد مضى في حديث
أبي هريرة وغيره ما يدل على أنه ذكر الانتقال وهو المعروف ويمكن الجمع بينهما بان معنى قوله فلما
رفع رأسه أي فلما شرع في رفع رأسه ابتدأ القول المذكور وأتمه بعد أن اعتدل قوله قال رجل
زاد الكشميهني وراءه قال بن بشكوال هذا الرجل هو رفاعة بن رافع راوي الخبر ثم استدل على
ذلك بما رواه النسائي وغيره عن قتيبة عن رفاعة بن يحيى الزرقي عن عم أبيه معاذ بن رفاعة عن
أبيه قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت الحمد لله ونوزع في تفسيره
به لاختلاف سياق السبب والقصة والجواب أنه لا تعارض بينهما بل يحمل على أن عطاسه وقع
عند رفع رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مانع أن يكنى عن نفسه لقصد إخفاء عمله أو كنى
عنه لنسيان بعض الرواة لاسمه وأما ما عدا ذلك من الاختلاف فلا يتضمن إلا زيادة لعل الراوي
اختصرها كما سنبينه وأفاد بشر بن عمر الزهراني في روايته عن رفاعة بن يحيى أن تلك الصلاة
كانت المغرب (قوله مباركا فيه) زاد رفاعة بن يحيى مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى فأما قوله
مباركا عليه فيحتمل أن يكون تأكيدا وهو الظاهر وقيل الأول بمعنى الزيادة والثاني بمعنى البقاء
قال الله تعالى وبارك فيها وقدر فيها أقواتها فهذا يناسب الأرض لأن المقصود به النماء والزيادة
لا البقاء لأنه بصدد التغير وقال تعالى وباركنا عليه وعلى إسحق فهذا يناسب الأنبياء لأن البركة
باقية لهم ولما كان الحمد يناسبه المعنيان جمعهما كذا قرره بعض الشراح ولا يخفى ما فيه وأما قوله
237

كما يحب ربنا ويرضى ففيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد (قوله من
المتكلم) زاد رفاعة بن يحيى في الصلاة فلم يتكلم أحد ثم قالها الثانية فلم يتكلم أحد ثم قالها الثالثة
فقال رفاعة بن رافع أنا قال كيف قلت فذكره فقال والذي نفسي بيده الحديث (قوله بضعة
وثلاثين) فيه رد على من زعم كالجوهري أن البضع يختص بما دون العشرين (قوله أيهم يكتبها
أول) في رواية رفاعة بن يحيى المذكورة أيهم يصعد بها أول وللطبراني من حديث أبي أيوب أيهم
يرفعها قال السهيلي روى أول بالضم على البناء لأنه ظرف قطع من الإضافة وبالنصب على
الحال انتهى وأما أيهم فرويناه بالرفع وهو مبتدأ وخبره يكتبها قاله الطيبي وغيره تبعا لأبي
البقاء في إعراب قوله تعالى يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم قال وهو في موضع نصب والعامل
فيه ما دل عليه يلقون وأي استفهامية والتقدير مقول فيهم أيهم يكتبها ويجوز في أيهم النصب
بان يقدر المحذوف فينظرون أيهم وعند سيبويه أي موصولة والتقدير يبتدرون الذي هو يكتبها
أول وأنكر جماعة من البصريين ذلك ولا تعارض بين روايتي يكتبها ويصعد بها لأنه يحمل على
أنهم يكتبونها ثم يصعدون بها والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة ويؤيده ما في الصحيحين
عن أبي هريرة مرفوعا أن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر الحديث واستدل
به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة وقد استشكل تأخير رفاعة إجابة النبي صلى الله
عليه وسلم حين كرر سؤاله ثلاثا مع أن إجابته واجبة عليه بل وعلى كل من سمع رفاعة فإنه لم يسأل
المتكلم وحده وأجيب بأنه لما لم يعين واحدا بعينه لم تتعين المبادرة بالجواب من المتكلم ولا من
واحد بعينه فكأنهم
انتظروا بعضهم ليجيب وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شئ ظنا
منهم أنه أخطأ فيما فعل ورجوا أن يقع العفو عنه وكأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى سكوتهم فهم
ذلك فعرفهم أنه لم يقل بأسا ويدل على ذلك أن في رواية سعيد بن عبد الجبار عن رفاعة بن يحيى عند
ابن قانع قال رفاعة فوددت أني خرجت من مالي وأنى لم أشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك
الصلاة ولأبي داود من حديث عامر بن ربيعة قال من القائل الكلمة فإنه لم يقل بأسا فقال
أنا قلتها لم أرد بها إلا خيرا وللطبراني من حديث أبي أيوب فسكت الرجل ورأى أنه قد هجم من
رسول الله صلى الله عليه وسلم على شئ كرهه فقال من هو فإنه لم يقل إلا صوابا فقال الرجل أنا
يا رسول الله قلتها أرجو بها الخير ويحتمل أيضا أن يكون المصلون لم يعرفوه بعينه إما لاقبالهم
على صلاتهم وإما لكونه في آخر الصفوف فلا يرد السؤال في حقهم والعذر عنه هو ما قدمناه
والحكمة في سؤاله صلى الله عليه وسلم له عمن قال أن يتعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله
واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور وعلى جواز
رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش على من معه وعلى أن العاطس في الصلاة يحمد الله بغير كراهة
وأن المتلبس بالصلاة لا يتعين عليه تشميت العاطس وعلى تطويل الاعتدال بالذكر كما سيأتي
البحث فيه في الباب الذي بعده واستنبط منه ابن بطال جواز رفع الصوت بالتبليغ خلف الإمام
وتعقبه الزين بن المنير بأن سماعه صلى الله عليه وسلم لصوت الرجل لا يستلزم رفعه صوته كرفع
صوت المبلغ وفي هذا التعقب نظر لأن غرض ابن بطال إثبات جواز الرفع في الجملة وقد سبقه إليه
ابن عبد البر واستدل له بإجماعهم على أن الكلام الأجنبي يبطل عمده الصلاة ولو كان سرا قال
238

وكذلك الكلام المشروع في الصلاة لا يبطلها ولو كان جهرا وقد تقدم الكلام على مسئلة
المبلغ في باب من أسمع الناس تكبير الإمام * (فائدة) * قيل الحكمة في اختصاص العدد المذكور
من الملائكة بهذا الذكر أن عدد حروفه مطابق للعدد المذكور فإن البضع من الثلاث إلى التسع
وعدد الذكر المذكور ثلاثة وثلاثون حرفا ويعكر على هذا الزيادة المتقدمة في رواية رفاعة بن
يحيى وهي قوله مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى بناء على أن القصة واحدة ويمكن أن يقال المتبادر
إليه هو الثناء الزائد على المعتاد وهو من قوله حمدا كثيرا إلى آخره دون قوله مباركا عليه فإنه كما
تقدم للتأكيد وعدد ذلك سبعة وثلاثون حرفا وأما ما وقع عند مسلم من حديث أنس لقد رأيت
أثنى عشر ملكا يبتدرونها وفي حديث أبي أيوب عند الطبراني ثلاثة عشر فهو مطابق لعدد
الكلمات المذكورة في سياق رفاعة بن يحيى ولعددها أيضا في سياق حديث الباب لكن على
اصطلاح النحاة والله أعلم (قوله باب الاطمأنينة) كذا للأكثر وللكشميهني
الطمأنينة وقد تقدم الكلام عليها في باب استواء الظهر (قوله وقال أبو حميد) يأتي موصولا
مطولا في باب سنة الجلوس في التشهد وقوله رفع أي من الركوع فاستوى أي قائما كما سيأتي بيانه
هناك وهو ظاهر فيما ترجم له ووقع في رواية كريمة جالسا بعد قوله فاستوى فإن كان محفوظا حمل
على أنه عبر عن السكون بالجلوس وفيه بعد أو لعل المصنف أراد إلحاق الاعتدال بالجلوس بين
السجدتين بجامع كون كل منهما غير مقصود لذاته فيطابق الترجمة (قوله ينعت) بفتح المهملة
أي يصف وهذا الحديث ساقه شعبة عن ثابت مختصرا ورواه عنه حماد بن زيد مطولا كما سيأتي
في باب المكث بين السجدتين فقال في أوله عن أنس قال إني لا آلو أن أصلى بكم كما رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فصرح بوصف أنس لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل
وقوله لا آلو بهمزة ممدودة بعد حرف النفي ولام مضمومة بعدها واو خفيفة أي لا أقصر وزاد
حماد بن زيد أيضا قال ثابت فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه وفيه إشعار بأنهم كانوا يخلون
بتطويل الاعتدال وقد تقدم حديث أنس وإنكاره عليهم في أمر الصلاة في أبواب المواقيت
وقوله حتى نقول بالنصب وقوله قد نسي أي نسي وجوب الهوى إلى السجود قاله الكرماني
ويحتمل أن يكون المراد أنه نسي أنه في صلاة أو ظن أنه وقت القنوت حيث كان معتدلا أو وقت
التشهد حيث كان جالسا ووقع عند الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة قلنا قد نسي من
طول القيام أي لأجل طول قيامه وحديث البراء تقدم التنبيه عليه في باب استواء الظهر وقوله
قريبا من السواء فيه إشعار بأن فيها تفاوتا لكنه لم يعينه وهو دال على الطمأنينة في الاعتدال
وبين السجدتين لما علم من عادته من تطويل الركوع والسجود (قوله وإذا رفع) أي ورفعه إذا
رفع وكذا قوله وبين السجدتين أي وجلوسه بين السجدتين والمراد أن زمان ركوعه وسجوده
واعتداله وجلوسه متقارب ولم يقع في هذه الطريق الاستثناء الذي مر في باب استواء الظهر
وهو قوله ما خلا القيام والقعود ووقع في رواية لمسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله الحديث
وحكى ابن دقيق العيد عن بعض العلماء أنه نسب هذه الرواية إلى الوهم ثم استبعده لأن توهيم
الراوي الثقة على خلاف الأصل ثم قال في آخر كلامه فلينظر ذلك من الروايات ويحقق الاتحاد
أو الاختلاف من مخارج الحديث أه وقد جمعت طرقه فوجدت مداره علي ابن أبي ليلى عن
239

البراء لكن الرواية التي فيها زيادة ذكر القيام من طريق هلال بن أبي حميد عنه ولم يذكره الحكم
عنه وليس بينهما اختلاف في سوى ذلك إلا ما زاده بعض الرواة عن شعبة عن الحكم من قوله
ما خلا القيام والقعود وإذا جمع بين الكلب ظهر من الأخذ بالزيادة فيهما أن المراد بالقيام
المستثنى القيام للقراءة وكذا القعود والمراد به للتشهد كما تقدم قال ابن دقيق العيد هذا
الحديث يدل على أن الاعتدال ركن طويل وحديث أنس يعني الذي قبله أصرح في الدلالة
على ذلك بل هو نص فيه ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف وهو قولهم لم يسن فيه تكرير
التسبيحات كالركوع والسجود ووجه ضعفه أنه في مقابلة النص وهو فاسد وأيضا
فالذكر المشروع في الاعتدال أطول من الذكر المشروع في الركوع فتكرير سبحان ربي العظيم
ثلاثا يجئ قدر قوله اللهم ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وقد شرع في الاعتدال ذكر
أطول كما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس
بعد قوله حمدا كثيرا طيبا ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد زاد في حديث
ابن أبي أوفى اللهم طهرني بالثلج الخ وزاد في حديث الآخرين أهل الثناء والمجد الخ وقد تقد
في الحديث الذي قبله ترك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من زاد في الاعتدال ذكرا غير مأثور
ومن ثم اختر النووي جواز تطويل الركن القصير بالذكر خلافا للمرجح في المذهب واستدل
لذلك أيضا بحديث حذيفة في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة بالبقرة أو غيرها ثم ركع نحوا
مما قرأ ثم قام بعد أن قال ربنا لك الحمد قياما طويلا قريبا مما ركع قال النووي الجواب عن هذا
الحديث صعب والأقوى جواز الإطالة بالذكر أه وقد أشار الشافعي في الأم إلى عدم البطلان
فقال في ترجمة كيف القيام من الركوع ولو أطال القيام بذكر الله أو يدعو أو ساهيا وهو لا ينوي به
القنوت كرهت له ذلك ولا إعادة إلى آخر كلامه في ذلك فالعجب ممن يصحح مع هذا بطلان الصلاة
بتطويل الاعتدال وتوجيههم ذلك أنه إذا أطيل انتفت الموالاة معترض بأن معنى الموالاة أن
لا يتخلل فصل طويل بين الأركان بما ليس منها وما ورد به الشرع لا يصح نفى كونه منها والله أعلم
وأجاب بعضهم عن حديث البراء أن المراد بقوله قريبا من السواء ليس أنه كان يركع بقدر قيامه
وكذا السجود والاعتدال بل المراد أن صلاته كانت قريبا معتدلة فكان إذا أطال
بقية الأركان وإذا أخفها أخف بقية الأركان فقد ثبت أنه قرأ في الصبح بالصافات وثبت في السنن
عن أنس أنهم حزروا في السجود قدر عشر تسبيحات فيحمل على أنه إذا قرأ بدون الصافات اقتصر
على دون العشر وأقله كما ورد في السنن أيضا ثلاث تسبيحات (قوله كان ما لك بن الحويرث) في
رواية الكشميهني قام والأول يشعر بتكرير ذلك منه وقد تقدم بعض الكلام عليه في باب من
صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم ويأتي بقية الكلام عليه في باب المكث بين السجدتين (قوله
فأنصت) في رواية الكشميهني بهمزة مقطوعة وآخره مثناه خفيفة وللباقين بألف موصولة
وآخره موحدة مشددة وحكى بن التين أن بعضهم ضبطه بالمثناة المشددة بدل الموحدة ووجهه
بان أصله انصوت فأبدل من الواو تاء ثم أدغمت إحدى التاءين في الأخرى وقياس إعلاله انصات
تحركت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا قال ومعنى انصات استوت قامته بعد الانحناء كأنه
أقبل شبابة قال الشاعر
240

وعمرو بن دهمان الهنيدة عاشها * وتسعين عاما ثم قوم فانصاتا
وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه * وعادوه شرخ الشباب الذي فاتا
اه و عرف بهذا أن من نقل عن ابن التين وهو السفاقسي أنه ضبطه بتشديد الموحدة فقد صحف
ومعنى رواية الكشميهني أنصت أي سكت فلم يكبر للهوى في الحال قال بعضهم وفيه نظر
والأوجه أن يقال هو كناية عن سكون أعضائه عبر عن عدم حركتها بالإنصات وذلك دال على
الطمأنينة وأما الرواية المشهورة بالموحدة المشددة انفعل من الصب كأنه كنى عن رجوع
أعضائه عن الانحناء إلى القيام بالانصباب ووقع عند الإسماعيلي فانتصب قائما وهي أوضح
من الجميع (قوله هنية) أي قليلا وقد تقدم ضبطها في باب ما يقول بعد التكبير (قوله صلاة
شيخنا هذا أبي يزيد) هو عمرو بن سلمة الجرمي واختلف في ضبط كنيته ووقع هنا للأكثر بالتحتانية
والزاي وعند الحموي وكريمة بالموحدة والراء مصغرا وكذا ضبطه مسلم في الكنى وقال عبد
الغني بن سعيد لم أسمعه من أحد إلا بالزاي لكن مسلم أعلم والله أعلم (قوله باب
يهوى بالتكبير حين يسجد) قال ابن التين رويناه بالفتح وضبطه بعضهم بالضم والفتح أرجح
ووقع في روايتنا بالوجهين (قوله كان ابن عمر الخ) وصله ابن خزيمة والطحاوي وغيرهما من
طريق عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع بهذا وزاد في آخره ويقول كان
النبي صلى أه عليه وسلم يفعل ذلك قال البيهقي كذا رواه عبد العزيز ولا أراه إلا وهما يعني رفعه
قال والمحفوظ ما اخترنا ثم أخرج من طريق أيوب عن نافع ابن عمر قال إذا سجد أحدكم
فليضع يديه وإذا رفع فليرفعهما الله اه ولقائل أن يقول هذا الموقوف غير المرفوع فإن الأول في
تقديم وضع اليدين على الركبتين والثاني في اثبات وضع اليدين في الجملة واستشكل إيراد هذا
الأثر في هذه الترجمة وأجاب الزين بن المنير بما حاصله أنه لما ذكر صفة الهوى إلى السجود
القولية أردفها بصفته الفعلية وقال أخوه أراد بالترجمة وصف حال الهوى من فعال ومقال
أه والذي يظهر أن أثر ابن عمر من جملة الترجمة فهو مترجم به لا مترجم له والترجمة قد تكون
مفسرة لمجمل الحديث وهذا منها وهذه من المسائل المختلف فيها قال مالك هذه الصفة أحسن في
خشوع الصلاة وبه قال الأوزاعي وفيه حديث عن أبي هريرة رواه أصحاب السنن وعورض
بحديث عنه أخرجه الطحاوي وقد روى الأثرم حديث أبي هريرة إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه
قبل يديه ولا يبرك بروك الفحل ولكن إسناده ضعيف وعند الحنفية والشافعية الأفضل أن
يضع ركبتيه ثم يديه وفيه حديث في السنن أيضا عن وائل بن حجر قال الخطابي هذا أصح من
حديث أبي هريرة ومن ثم قال النووي لا يظهر ترجيح أحد المذهبين على الآخر من حيث السنة
أه وعن مالك وأحمد رواية بالتخيير وادعى ابن خزيمة أن حديث أبي هريرة منسوخ بحديث
سعد قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا تجاوبه قبل اليدين وهذا لو صح لكان
قاطعا للنزاع لكنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى ابن سلمة بن كهيل عن أبيه وهما
ضعيفان وقال الطحاوي مقتضى تأخير وضع الرأس عنهما في الانحطاط ورفعه قبلهما
أن يتأخر وضع اليدين عن الركبتين لاتفاقهم على تقديم اليدين عليهما في الرفع وأبدى الزين
ابن المنير لتقديم اليدين مناسبة وهي أن يلقى الأرض عن جبهته ويعتصم بتقديمهما على إيلام
ركبتيه إذا جثا عليهما والله أعلم (قوله أن أبا هريرة كان يكبر) زاد النسائي من طريق يونس
عن الزهري حين استخلفه مروان على المدينة (قوله ثم يقول الله أكبر حين يهوى ساجدا)
241

فيه أن التكبير ذكر الهوى فيبتدئ به من حين يشرع في الهوى بعد الاعتدال إلى حين يتمكن
ساجدا (قوله ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في الاثنتين) فيه أنه يشرع في التكبير من حين
ابتداء القيام إلى الثالثة بعد المنكدر الأول خلافا لمن قال إنه لا يكبر حتى يستوي قائما وسيأتي في
باب مفرد بعد بضعة عشر
بابا (قوله أن كانت هذه لصلاته) قال أبو داود هذا الكلام يؤيد
رواية مالك وغيره عن الزهري عن علي بن حسين يعني مرسلا (قلت) وكذا أخرجه سعيد بن
منصور عن ابن عيينة عن الزهري لكن لا يلزم من ذلك أن لا يكون الزهري رواه أيضا عن أبي
بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وغيره عن أبي هريرة ويؤيد ذلك ما تقدم في باب التكبير إذا قام من
السجود من طريق عقيل عن الزهري فإنه صريح في أن الصفة المذكورة مرفوعة إلى النبي صلى
الله عليه وسلم (قوله قالا) يعني أبا بكر بن عبد الرحمن وأبا سلمة المذكورين وهو موصول
بالإسناد المذكور إليهما والكلام على المتن المذكور يأتي في تفسير آل عمران إن شاء الله تعالى
وإنما ذكره هنا استطرادا وقد أورده مختصرا في الباب الذي ذكر فيه ما يقول في الاعتدال
واستدل به على أن محل القنوت بعد الرفع من الركوع وعلى أن تسمية الرجال بأسمائهم فيما
يدعى لهم وعليهم لا تفسد (الصلاة قوله عن فرس وربما قال سفيان) وهو ابن عيينة (من فرس)
فيه إشعار بتثبيت علي بن عبد الله ومحافظته على الإتيان بألفاظ الحديث وقد تقدم الكلام عليه
في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به وأن قوله جحش أي خدش ووقع في قصر الصلاة عن أبي نعيم عن
ابن عيينة بلفظ فجحش أو خدش على الشك (قوله كذا جاء به معمر) القائل هو سفيان والمقول له
على وهمزة الاستفهام قبل كذا مقدرة (قوله قلت نعم) كأن مستند على في ذلك رواية عبد الرزاق
عن معمر فإنه من مشايخه بخلاف معمر فإنه لم يدركه وإنما يروي عنه بواسطة وكلام الكرماني
يوهم خلاف ذلك (قوله قال لقد حفظ) أي حفظا جيدا وفيه إشعار بقوة حفظ سفيان
بحيث يستجيد حفظ معمر إذا وافقه وقوله كذا قال الزهري ولك الحمد فيه إشارة إلى أن بعض
أصحاب الزهري لم يذكر الواو في ولك الحمد وقد وقع ذلك في رواية الليث وغيره عن الزهري كما تقدم
في باب إيجاب التكبير (قوله حفظت) في رواية ابن عساكر وحفظت بزيادة واو وهي أوضح
وقوله من شقة الأيمن الخ فيه إشارة إلى ما ذكرناه من جودة ضبط سفيان لأن ابن جريج سمعه
معهم من الزهري بلفظ شقه فحدث به عن الزهري بلفظ ساقه وهي أخص من شقه لكن هذا
محمول على أن ابن جريج عرف من الزهري في وقت آخر أن الذي خدش هو ساقه لبعد أن يكون
نسي هذه الكلمة في هذه المدة اليسيرة وقد قدمنا الدلالة على ذلك في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به
وقوله وأنا عنده قال الكرماني هو معطوف على مقدر أو جملة حالية من فاعل قال مقدرا
إذ تقديره قال الزهري وأنا عنده ويحتمل أن يكون هو مقول سفيان والضمير لابن جريج (قلت)
وهذا أقرب إلى الصواب ومقول ابن جريج هو فجحش الخ والله أعلم (قوله باب
فضل السجود) أورد فيه حديث أبي هريرة في صفة البعث والشفاعة والمقصود منه هنا قوله
242

وحرم الله على النار أن تأكل آثار السجود وقد ورده بتمامه أيضا في أبواب صفة الجنة والنار
من كتاب الرقاق ويأتي الكلام عليه هناك مستوفى إن شاء الله تعالى مع ذكر اختلاف ألفاظ
رواته واختلف في المراد بقوله آثار السجود فقيل هي الأعضاء السبعة الآتي ذكرها في حديث
ابن عباس قريبا وهذا هو الظاهر وقال عياض المراد الجبهة خاصة ويؤيده ما في رواية مسلم من
وجه آخر أن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم فإن ظاهر هذه الرواية
يخص العموم الذي في الأولى (قوله باب يبدي ضبعيه) بفتح المعجمة وسكون
الموحدة تثنية ضبع وهو وسط العضد من انظر وقيل هو لحمة تحت الإبط (قوله عن جعفر)
هو ابن ربيعة وابن هرمز هو عبد الرحمن الأعرج والإسناد كله بصريون (قوله فرج بين يديه)
أي نحى كل يد عن الجنب الذي يليها قال القرطبي الحكمة في استحباب هذه الهيئة في السجود
أنه يخف بها اعتماده عن وجهه ولا يتأثر أنفه ولا جبهته ولا يتأذى بملاقاة الأرض وقال غيره
هو أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع مغايرته لهيئة الكسلان وقال
ناصر الدين ابن المنير في الحاشية الحكمة فيه أن يظهر كل عضو بنفسه ويتميز حتى يكون الإنسان
الواحد في سجوده كأنه عدد ومقتضى هذا أن يستقل كل عضو بنفسه ولا يعتمد بعض الأعضاء
243

على بعض في سجوده وهذا ضد ما ورد في الصفوف من التصاق بعضهم ببعض لأن المقصود هناك
إظهار الاتحاد بين المصلين حتى كأنهم جسد واحد وروى الطبراني وغيره من حديث ابن عمر
بإسناد صحيح أنه قال لا تفترش افتراش السبع وادعم على راحتيك وأبد ضبعيك فإذا فعلت ذلك
سجد كل عضو منك ولمسلم من حديث عائشة نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل
ذراعيه افتراش السبع وأخرج الترمذي وحسنه من حديث عبد الله بن أرقم صليت مع النبي
صلى الله عليه وسلم فكنت أنظر إلى عفرتي إبطيه إذا سجد ولابن خزيمة عن أبي هريرة رفعه إذا
سجد أحدكم فلا يفترش ذراعيه افتراش الكلب وليضم فخذيه وللحاكم من حديث ابن عباس
نحو حديث عبد الله بن أرقم وعنه عند الحاكم كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد يرى وضح
إبطيه وله من حديثه ولمسلم من حديث البراء رفعه إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك
وهذه الأحاديث مع حديث ميمونة عند مسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يجافي يديه فلو أن بهيمة
أرادت أن تمر لمرت مع حديث ابن بحينة المعلق هنا ظاهرها وجوب التفريج المذكور لكن
أخرج أبو داود ما يدل على أن للاستحباب وهو حديث أبي هريرة شكا أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم له مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا فقال استعينوا بالركب وترجم له الرخصة في ذلك أي في
ترك التفريج قال ابن عجلان أحد رواته وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود
واعيا وقد أخرج الترمذي الحديث المذكور ولم يقع في روايته إذا انفرجوا فترجم له ما جاء في
الاعتماد إذا قام من السجود فجعل محل الاستعانة بالركب لمن يرفع من السجود طالبا للقيام
واللفظ محتمل ما قال لكن الزيادة التي أخرجها أبو داود تعين المراد وقال ابن التين فيه دليل على
أنه لم يكن قميص لانكشاف إبطيه وتعقب باحتمال أن يكون القميص واسع الأكمام وقد
روى الترمذي في الشمائل عن أم سلمة قالت كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم
القميص أو أراد الراوي أن موضع بياضهما لو لم يكن عليه ثوب لرئي قاله القرطبي واستدل به على
أن إبطيه صلى الله عليه وسلم لم يكن عليهما شعر وفيه نظر فقد حكى المحب الطبري في الاستسقاء من
الأحكام له أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الإبط من جميع الناس متغير اللون غيره
واستدل بإطلاقه على استحباب التفريج في الركوع أيضا وفيه نظر لأن في رواية قتيبة عن بكر بن
مضر التقييد بالسجود وأخرجه المصنف في المناقب والمطلق إذا استعمل في صورة اكتفى بها
(قوله وقال الليث حدثني جعفر بن ربيعة نحوه) وصله مسلم من طريقه بلفظ كان إذا سجد فرج
يديه عن إبطيه حتى إني لأرى بياض إبطيه * (تنبيه) * تقدم معي أبواب القبلة أنه وقع في كثير
من النسخ وقوع هاتين الترجمتين هذه والتي بعدها هناك وأعيدا هنا وأن الصواب إثباتهما هنا
وذكرنا توجيه ذلك بما يغنى عن إعادته (قوله باب يستقبل القبلة بأطراف
رجليه قاله أبو حميد) يأتي موصولا في باب سنة الجلوس في المنكدر قريبا وأنه ورد في صفة السجود
قال الزين بن المنير المراد أن يجعل قديمه قائمتين على بطون أصابعهما وعقباه مرتفعان فيستقبل
بظهور قدميه القبلة قال أخوه ومن ثم ندب ضم الأصابع في السجود لأنها لو تفرجت انحرفت
رؤوس بعضها عن القبلة (قوله باب إذا لم يتم سجوده) أورد فيه حديث حذيفة
وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب إذا لم يتم الركوع (قوله باب السجود
244

على سبعة أعظم) لفظ المتن الذي أورده في هذا الباب على سبعة أعضاء لكنه أشار بذلك إلى لفظ
الرواية الأخرى وقد أوردها من وجه آخر في الباب الذي يليه قال ابن دقيق العيد يسمى كل
واحد عظما باعتبار الجملة وأن اشتمل كل واحد على عظام ويجوز أن يكون من باب تسمية الجملة
باسم بعضها (قوله سفيان) هو الثوري (قوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم) هو بضم الهمزة
في جميع الروايات بالبناء لما لم يسم فاعله والمراد به الله جل جلاله قال البيضاوي عرف ذلك
بالعرف وذلك يقتضى الوجوب قيل وفيه نظر لأنه ليس فيه صيغة أفعل ولما كان هذا السياق
يحتمل الخصوصية عقبه المصنف بلفظ آخر دال على أنه لعموم الأمة وهو من رواية شعبة عن
عمرو بن دينار أيضا بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أمرنا وعرف بهذا أن ابن عباس تلقاه
عن النبي صلى الله عليه وسلم إما سماعا منه وإما بلاغا عنه وقد أخرجه مسلم من حديث العباس
ابن عبد المطلب بلفظ إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب الحديث وهذا يرجح أن النون في
أمرنا نون الجمع والآراب بالمد جمع إرب بكسر أوله وإسكان ثانيه وهو العضو ويحتمل أن يكون
ابن عباس تلقاه عن أبيه رضي الله عنه (قوله ولا يكف شعرا ولا ثوبا) جملة معترضة بين المجمل
وهو قوله سبعة أعضاء والمفسر وهو قوله الجبهة الخ وذكره بعد باب من وجه آخر بلفظ
ولا نكفت الثياب والشعر والكفت بمثناة في آخره هو الضم وهو بمعنى الكف والمراد أنه لا يجمع
ثيابه ولا شعره وظاهره يقتضى أن النهى عنه في حال الصلاة واليه جنح الداودي وترجم المصنف
بعد قليل باب لا يكف ثوبه في الصلاة وهي تؤيد ذلك ورده عياض بأنه خلاف ما عليه الجمهور
فإنهم كرهوا ذلك للمصلى سواء فعله في الصلاة أو قبل أن يدخل فيها واتفقوا على أنه لا يفسد
الصلاة لكن حكى ابن المنذر عن الحسن وجوب الإعادة قيل والحكمة في ذلك أنه رفع ثوبه
وشعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبر (قوله الجبهة) زاد في رواية ابن طاوس عن أبيه في
الباب الذي يليه وأشار بيده على أنفه كأنه ضمن أشار معنى أمر بتشديد الراء فلذلك عداه بعلى
دون إلى ووقع في العمدة بلفظ إلى وهي في بعض النسخ من رواية كريمة وعند النسائي من طريق
سفيان بن عيينة عن بن طاوس فذكر هذا الحديث وقال في آخره قال ابن طاوس ووضع يده
على جبهته وأمرها على أنفه وقال هذا واحد فهذه رواية مفسرة قال القرطبي هذا يدل على أن
الجبهة الأصل في السجود والأنف تبع وقال ابن دقيق العيد قيل معناه أنهما جعلا كعضو
واحد وإلا لكانت الأعضاء ثمانية قال وفيه نظر لأنه يلزم منه أن يكتفى بالسجود على الأنف كما
يكتفى بالسجود على بعض الجبهة وقد احتج بهذا لأبي حنيفة في الاكتفاء بالسجود على الأنف
قال والحق أن مثل هذا لا يعارض التصريح بذكر الجبهة وإن أمكن أن يعتقد أنهما كعضو
واحد فذاك في التسمية والعبارة لا في الحكم الذي دل عليه الأمر وأيضا فإن الإشارة قد لا تعين
المشار إليه فإنها إنما تتعلق بالجبهة لأجل العبادة فإذا تقارب ما في الجبهة أنكن أن لا يعين المشار
إليه يقينا وأما العبارة فإنها معنية لما وضعت له فتقديمه أولى انتهى وما ذكره من جواز الاقتصار
على بعض الجبهة قال به كثير من الشافعية وكأنه أخذ من قول الشافعي في الأم إن الاقتصار
على بعض الجبهة يكره وقد ألزمهم بعض الحنفية بما تقدم ونقل ابن المنذر إجماع الصحابة على
أنه لا يجزئ السجود على الأنف وحده وذهب الجمهور إلى أنه مجزئ على الجبهة وحدها وعن
245

الأوزاعي وأحمد وإسحق وابن حبيب من المالكية وغيرهم يجب أن يجمعهما وهو قول للشافعي
أيضا (قوله واليدين) قال ابن دقيق العيد المراد بهما الكفان لئلا يدخل تحت المنهي عنه من
افتراش السبع والكلب انتهى ووقع بلفظ الكفين في رواية حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عند
مسلم (قوله والرجلين) في رواية ابن طاوس المذكورة وأطراف القدمين وهو مبين للمراد من
الرجلين وقد تقدمت كيفية السجود عليهما قبل بباب قال ابن دقيق العيد ظاهره يدل على
وجوب السجود على هذه الأعضاء واحتج بعض ض الشافعية على أن الواجب الجبهة دون غيرها
بحديث المسئ صلاته حيث قال فيه ويمكن جبهته قال وهذا غايته أنه مفهوم لقب والمنطوق
مقدم عليه وليس هو من باب تخصيص العموم قال وأضعف من هذا استدلالهم بحديث سجد
وجهي فإنه لا يلزم من إضافة السجود إلى الوجه انحصار السجود فيه وأضعف منه قولهم إن
مسمى السجود يحصل بوضع الجبهة لأن هذا الحديث يدل على إثبات زيادة على المسمى وأضعف
منه المعارضة بقياس شبهي كأن يقال أعضاء لا يجب كشفها فلا يجب وضعها قال وظاهر
الحديث أنه لا يجب كشف شئ من هذه الأعضاء لأن مسمى السجود يحصل بوضعها دون كشفها
ولم يختلف في أن كشف الركبتين غير واجب لما يحذر فيه من كشف العورة وأما عدم وجوب
كشف القدمين فلدليل لطيف وهو أن الفاء وقت المسح على الخف بمدة تقع فيها الصلاة
بالخف فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المقتضي لنقض الطهارة فتبطل الصلاة
انتهى وفيه نظر فللمخالف أن يقول يخص لابس الخف لأجل الرخصة وأما كشف اليدين فقد
تقدم البحث فيه في باب السجود على الثوب في شدة الحر معي أبواب استقبال القبلة وفيه أثر
الحسن في نقله عن الصحابة ترك الكشف ثم أورد المصنف حديث البراء في الركوع وقد تقدم
الكلام عليه في باب متى يسجد من خلف الإمام ومراده منه هنا قوله في آخره حتى يضع جبهته
على الأرض قال الكرماني ومناسبته للترجمة من حيث أن العادة أن وضع الجبهة إنما هو باستعانة
الأعظم الستة غالبا انتهى والذي يظهر في مراده أن الأحاديث الواردة بالاقتصار على الجبهة
كهذا الحديث لا تعارض الحديث المنصوص فيه على الأعضاء السبعة بل الاقتصار على ذكر
الجبهة اما لكونها أشرف الأعضاء المذكورة أو أشهرها في تحصيل هذا الركن فليس فيه ما ينفى
الزيادة التي في غيره وقيل أراد أن يبين أن الأمر بالجبهة للوجوب وغيرها للندب ولهذا اقتصر على
ذكرها في كثير من الأحاديث والأول أليق بتصرفه (قوله باب السجود على
الأنف) أورد فيه حديث ابن عباس من جهة وهيب وهو ابن خالد (عن عبد الله بن طاوس عن
أبيه) وقد أسلفنا الكلام عليه قبل (قوله فيه على سبعة أعظم على الجبهة) قال الكرماني على
الثانية بدل من الأولى التي في حكم الطرح أو الأولى متعلقة بنحو حاصلا أي اسجد على الجبهة
حال كون السجود على سبعة أعضاء (قوله باب السجود على الأنف في الطين)
246

كذا للأكثر وللمستملي السجود على الأنف والسجود على الطين والأول أنسب لئلا يلزم
التكرار وهذه الترجمة أخص من التي قبلها وكأنه يشير إلى تأكيد أمر السجود على الأنف بأنه
لم يترك مع وجود عذر للطين الذي أثر فيه ولا حجة فيه لمن استدل به على جواز الاكتفاء بالأنف
لأن في سياقه أنه سجد على جبهته وأرنبته فوضح أنه إنما قصد بالترجمة ما قدمناه وهو دال على
وجوب السجود عليهما ولولا ذلك لصانها عن لوث الطين قاله الخطابي وفيه نظر وفيه استحباب
ترك الإسراع إلى إزالة ما يصيب جبهة الساجد من غبار الأرض ونحوه وسنذكر بقية
مباحث الحديث المذكور في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى (قوله باب عقد
الثياب وشدها ومن ضم إليه ثوبه إذا خاف أن تنكشف عورته) كأنه يشير إلى أن النهى الوارد
عن كف الثياب في الصلاة محمول على غير حالة الاضطرار ووجه إدخال هذه الترجمة في أحكام
السجود من جهة أن حركة السجود والرفع منه تسهل مع ضم الثياب وعقدها لا مع إرسالها
وسدلها أشار إلى ذلك الزين بن المنير (قوله عن أبي حازم) هو ابن دينار وقد تقدم في باب إذا
كان الثوب ضيقا في أوائل الصلاة من وجه آخر عن سفيان قال حدثني أبو حازم وقد تقدم
الكلام على فوائد المتن هناك (قوله باب لا يكف شعرا) أي المصلي ويكف
ضبطناه في روايتنا بضم الفاء وهو الراجح ويجوز الفتح والمراد بالشعر شعر الرأس ومناسبة هذه
الترجمة لأحكام السجود من جهة أن الشعر يسجد مع الرأس إذا لم يكف أو يلف وجاء في حكمة
النهى عن ذلك أن غرزة الشعر يقعد فيها الشيطان حالة الصلاة وفي سنن أبي داود بإسناد جيد
أن أبا رافع رأى الحسن بن علي يصلي قد غرز ضفيرته في قفاه فحلها وقال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك مقعد الشيطان وقد تقدم الكلام على بقية الحديث مستوفى قبل
ثلاثة أبواب (قوله باب لا يكف ثوبه في الصلاة) أورد فيه حديث ابن عباس
من وجه آخر وقد تقدم ما فيه (قوله باب التسبيح والدعاء في السجود) تقدم الكلام
على هذه الترجمة في باب الدعاء في الركوع (قوله يحيى) هو القطان وسفيان هو الثوري (قوله
يكثر أن يقول) كذا في رواية منصور وقد بين الأعمش في روايته عن أبي الضحى كما سيأتي في التفسير
ابتداء هذا الفعل وأنه واظب عليه صلى الله عليه وسلم ولفظه ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم
صلاة بعد أن نزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح إلا يقول فيها الحديث قيل أختار النبي صلى الله
عليه وسلم الصلاة لهذا القول لأن حالها أفضل من غيرها انتهى وليس في الحديث أنه لم يكن يقول
ذلك خارج الصلاة أيضا بل في بعض طرقه عند مسلم ما يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يواظب
على ذلك انظر الصلاة وخارجها وفي رواية منصور بيان المحل الذي كان صلى الله عليه وسلم
يقول فيه من الصلاة وهو الركوع والسجود (قوله يتأول) القرآن أيفعل ما أمر به فيه وقد
تبين من رواية الأعمش أن المراد بالقرآن بعضه وهذا السورة المذكورة والذكر المذكور ووقع
في رواية ابن السكن عن الفربري قال أبو عبد الله يعني قوله تعالى فسبح بحمد ربك الآية وفي
هذا تعيين أحد الاحتمالين في قوله تعالى فسبح بحمد ربك لأنه يحتمل أن يكون المراد بسبح
نفس الحمد لما تضمنه الحمد من معنى التسبيح الذي هو التنزيه لاقتضاء الحمد نسبة الأفعال المحمود
عليها إلى الله سبحانه وتعالى فعلى هذا يكتفى في امتثال الأمر الاقتصار على الحمد ويحتمل
247

أن يكون المراد فسبح متلبسا بالحمد فلا يمتثل حتى يجمعهما وهو الظاهر قال ابن دقيق العيد
يؤخذ من هذا الحديث إباحة الدعاء في الركوع وإباحة التسبيح في السجود ولا يعارضه قوله
صلى الله عليه وسلم أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء قال
ويمكن أن يحمل حديث الباب على الجواز وذلك على الأولوية ويحتمل أن يكون أمر في
السجود بتكثير الدعاء لإشارة قوله فاجتهدوا والذي وقع في الركوع من قوله اللهم اغفر لي ليس
كثيرا فلا يعارض ما أمر به في السجود انتهى واعترضه الفاكهاني بأن قول عائشة كان يكثر أن
يقول صريح في كون ذلك وقع منه كثيرا فلا يعارض ما أمر به في السجود هكذا نقله عنه شيخنا
ابن الملقن في شرح العمدة وقال فليتأمل وهو عجيب فإن ابن دقيق العيد أراد بنفي الكثرة عدم
الزيادة على قوله اللهم اغفر لي في الركوع الواحد فهو قليل بالنسبة إلى السجود المأمور فيه
بالاجتهاد في الدعاء المشعر بتكثير الدعاء ولم يرد أنه كان يقول ذلك في بعض الصلوات دون بعض
حتى يعترض عليه بقول عائشة كان يكثر * (تنبيه) * الحديث الذي ذكره ابن دقيق العيد أما
الركوع الخ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وفيه بعد قوله فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن
يستجاب لكم وقمن بفتح القاف والميم وقد تكسر معناه حقيق وجاء الأمر بالإكثار من الدعاء في
السجود وهو أيضا عند مسلم وأبي داود والنسائي من حديث أبي هريرة بلفظ أقرب ما يكون
العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء والأمر باكثار الدعاء في السجود يشمل الحث
على تكثير الطلب لكل حاجة كما جاء في حديث أنس ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع
نعله أخرجه الترمذي ويشمل التكرار للسؤال الواحد والاستجابة تشمل استجابة الداعي
بإعطاء سؤله واستجابة المثنى بتعظيم ثوابه وسيأتي الكلام على تفسير سورة النصر وتعيين الوقت
الذي نزلت فيه والبحث في السؤال الذي أورده ابن دقيق العيد على ظاهر الشرك في قوله إذا
جاء وعلى قول عائشة ما صلى صلاة بعد أن نزلت الا قال الخ والتوفيق بين ما ظاهره
التعارض من ذلك في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى (قوله باب المكث بين
السجدتين) في رواية الحموي بين السجود (قوله ألا أنبئكم صلاة رسول الله صلى الله عليه
وسلم) الإنباء بعدي بنفسه وبالباء قال الله تعالى من أنبأك هذا وقال قل أأنبئكم بخير
من ذلكم (قوله قال) أي أبو قلابة (وذلك في غير حين صلاة) أي غير وقت صلاة من المفروضة
ويتعين حمله على ذلك حتى لا يدخل فيه أوقات المنع من النافلة لتنزيه الصحابي عن التنفل
حينئذ وليس في اليوم والليلة وقت أجمع على أنه غير وقت لصلاة من الخمس إلا من طلوع
الشمس إلى زوالها وقد تقدم هذا الحديث في باب الطمأنينة في الركوع وفي غيره والغرض منه
هنا قوله ثم رفع رأسه هنية بعد قوله ثم سجد لأنه يقتضى الجلوس بين السجدتين قدر الاعتدال
(قوله قال أيوب) أي بالسند المذكور إليه (قوله كان يقعد في الثالثة أو الرابعة) هو شك من
الراوي والمراد منه بيان جلسة الاستراحة وهي أنكر بين الثالثة والرابعة كما أنكر بين الأولى
والثانية فكأنه قال كان يقعد في آخر الثالثة أو في أول الرابعة والمعنى واحد فشك الراوي
أيهما قال وسيأتي الحديث بعد باب واحد بلفظ فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي
248

قاعدا (قوله قال فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم) هو مقول مالك بن الحويرث و الفاء عاطفة
على شئ محذوف تقديره أسلمنا فأتينا أو أرسلنا قومنا فأتينا ونحو ذلك وقد تقدم الكلام عليه في
أبواب الإمامة وفي الأذان وحديث البراء تقدم الكلام عليه في باب استواء الظهر في الركوع
وحديث أنس تقدم الكلام عليه في باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع وفي قوله في هذه
الطريق قال ثابت كان أنس يصنع شيئا لم أركم تصنعونه الخ إشعار بأن من خاطبهم كانوا
لا يطيلون الجلوس بين السجدتين ولكن السنة إذا ثبتت لا يبالي من تمسك بها بمخالفة من خالفها
وبالله المستعان (قوله باب لا يفترش ذراعيه في السجود) يجوز في يفترش الجزم على
النهى والرفع على النفي وهو بمعنى النهى قال الزين بن المنير أخذ لفظ الترجمة من حديث أبي حميد
والمعنى من حديث أنس وأراد بذلك أن الافتراش المذكور في حديث أبي حميد بمعنى الانبساط
في حديث أنس أه والذي يظهر لي أنه أشار إلى رواية أبي داود فإنه أخرج حديث الباب عن مسلم
ابن إبراهيم عن شعبة بلفظ ولا يفترش بدل ينبسط وروى أحمد والترمذي وابن خزيمة من حديث
جابر نحوه بلفظ إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه الحديث ولمسلم عن عائشة نحوه
(قوله وقال أبو حميد الخ) هو طرف من حديث يأتي مطولا بعد ثلاثة أبواب (قوله ولا قابضهما)
أي بأن يضمهما ولا يجافيهما عن جنبيه (قوله عن أنس) في رواية أبي داود الطيالسي عند
الترمذي وفي رواية معاذ عند الإسماعيلي كلاهما عن شعبة التصريح بسماع قتادة له من
أنس (قوله اعتدلوا) أي كونوا متوسطين بين الافتراش والقبض وقال ابن دقيق العيد لعل المراد
بالاعتدال هنا وضع هيئة السجود على وفق الأمر لأن الاعتدال الحسى المطلوب في الركوع
لا يتأتى هنا فإنه هناك استواء الظهر والعنق والمطلوب هنا ارتفاع الأسافل على الأعالي قال
وقد ذكر الحكم هنا مقرونا بعلته فإن التشبيه بالأشياء الخسيسة يناسب تركه في الصلاة انتهى
والهيئة المنهي عنها أيضا مشعرة بالتهاون وقلة الاعتناء بالصلاة (قوله ولا ينبسط) كذا للأكثر
بنون ساكنة قبل الموحدة وللحموي يبتسط بمثناة بعد موحدة وفي رواية ابن عساكر بموحدة
ساكنة فقط وعليها اقتصر صاحب العمدة وقوله انبساط بالنون في الأولى والثالثة وبالمثناة
في الثانية وهي ظاهرة والثالثة تقديرها ولا يبسط ذراعيه فينبسط انبساط الكلب
(قوله باب من استوى قاعدا في وتر من صلاته) ذكر فيه حديث مالك بن الحويرث
ومطابقته واضحة وفيه مشروعية جلسة الاستراحة وأخذ بها الشافعي وطائفة من أهل
الحديث وعن أحمد روايتان وذكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بها ولم يستحبها الأكثر واحتج
الطحاوي بخلو حديث أبي حميد عنها فإنه ساقه بلفظ فقام ولم يتورك وأخرجه أبو داود أيضا
كذلك قال فلما تخالفا احتمل أن يكون ما فعله في حديث مالك بن الحويرث لعلة كانت به فقعد
لأجلها لا أن ذلك من سنة الصلاة ثم قوي ذلك بأنها لو كانت مقصودة لشرع لها ذكر مخصوص
وتعقب بأن الأصل عدم العلة وبأن مالك بن الحويرث هو راوي حديث صلوا كما رأيتموني أصلى
فحكايته لصفات صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخله تحت هذا الأمر ويستدل بحديث
249

أبي حميد المذكور على عدم وجوبها فكأنه تركها لبيان الجواز وتمسك من لم يقل باستحبابها
بقوله صلى الله عليه وسلم لا تبادروني بالقيام والقعود فإني قد بدنت فدل على أنه كان يفعلها لهذا
السبب فلا يشرع إلا في حق من اتفق له نحو ذلك وأما الذكر المخصوص فإنها جلسة خفيفة جدا
استغنى فيها بالتكبير المشروع للقيام فإنها من جملة النهوض إلى القيام ومن حيث المعنى إن
الساجد يضع يديه وركبتيه ورأسه مميزا لكل عضو وضع فكذا ينبغي إذا رفع رأسه ويديه أن
يميز رفع ركبتيه وإنما يتم ذلك بان يجلس ثم ينهض قائما نبه عليه ناصر الدين بن المنير في الحاشية
ولم تتفق الروايات عن أبي حميد على نفى هذه الجلسة كما يفهمه صنيع الطحاوي بل أخرجه أبو
داود أيضا من وجه آخر عنه بإثباتها وسيأتي ذلك عند الكلام على حديثه بعد بابين إن شاء الله
تعالى وأما قول بعضهم لو كانت سنة لذكرها كل من وصف صلاته فيقوى أنه فعلها للحاجة
ففيه نظر فإن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف وإنما أخذ مجموعها عن
مجموعهم (قوله باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة) أي أي ركعة
كانت وفي رواية المستملى والكشميهني من الركعتين أي الأولى والثالثة (قوله عن السجدة)
في رواية المذكورين في السجدة وفي بعض نسخ أبي ذر من السجدة وهي رواية الإسماعيلي
وقد تقدم الكلام على حديث مالك بن الحويرث والغرض منه هنا ذكر الاعتماد على الأرض
عند القيام من السجود أو الجلوس والإشارة إلى رد ما روى بخلاف ذلك فعند سعيد بن منصور
بإسناد ضعيف عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهض على صدور قدميه وعن ابن
مسعود مثله بإسناد صحيح وعن إبراهيم أنه كره أن يعتمد على يديه إذا نهض فإن قيل ترجم على
كيفية الاعتماد والذي في الحديث اثبات الاعتماد فقط أجاب الكرماني بان بيان الكيفية
مستفاد من قوله جلس واعتمد على الأرض ثم قام فكأنه أراد بالكيفية أن يقوم معتمدا عن
جلوس لا عن سجود وقال ابن رشيد أفاد في الترجمة التي قبل هذه اثبات الجلوس في الأولى
والثالثة وفي هذه أن ذلك الجلوس جلوس اعتماد على الأرض بتمكن بدليل الإتيان بحرف ثم
الدال على المهملة وأنه ليس جلوس استيفاز فأفاد في الأولى مشروعية الحكم وفي الثانية
صفته أه ملخصا وفيه شئ إذ لو كان ذلك المراد لقال كيف يجلس مثلا وقيل يستفاد من
الاعتماد أنه يكون باليد لأنه افتعال من العماد والمراد به الاتكاء وهو باليد وروى عبد الرزاق
عن ابن عمر أنه كان يقوم إذا رفع رأسه من السجدة معتمدا على يديه قبل أن يرفعهما
(قوله باب يكبر وهو ينهض من السجدتين) ذهب أكثر العلماء إلى أن المصلي
يشرع في التكبير أو غيره عند ابتداء الخفض أو الرفع الا أنه اختلف عن مالك في القيام إلى الثالثة
من التشهد الأول فروى في الموطأ عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما أنهم كانوا يكبرون في حال
قيامهم وروى ابن وهب عنه أن التكبير بعد الاستواء أولى وفي المدونة لا يكبر حتى يستوي قائما
ووجهه بعض أتباعه بان تكبير الافتتاح يقع بعد القيام فينبغي أن يكون هذا نظيره من حيث
أن الصلاة فرضت أولا ركعتين ثم زيدت الرباعية فيكون افتتاح المزيد كافتتاح المزيد عليه وكان
ينبغي لصاحب هذا الكلام أن يستحب رفع اليدين حينئذ لتكمل المناسبة ولا قائل منهم به
(قوله وكان ابن الزبير) وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح (قوله صلى لنا أبو سعيد) أي الخدري
250

بالمدينة وبين الإسماعيلي في روايته من طريق يونس بن محمد عن فليح سبب ذلك ولفظه اشتكى
أبو هريرة أو غاب فصلى أبو سعيد فجهر بالتكبير حين افتتح وحين ركع الحديث وزاد في آخره أيضا
فلما انصرف قيل له قد اختلف الناس على صلاتك فقام عند المنبر فقال إني والله ما أبالي اختلفت
صلاتكم أم لم تختلف إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا يصلي والذي يظهر أن
الاختلاف بينهم كان في الجهر بالتكبير والاسرار به وكان مروان وغيره من بني أمية يسرونه
كما تقدم في باب إتمام التكبير في الركوع وكان أبو هرير يصلي بالناس في إمارة مروان على
المدينة وأما مقصود الباب فالمشهور عن أبي هريرة أنه كان يكبر حين يقوم ولا يؤخره حتى يستوي
قائما كما تقدم عن الموطأ وأماما تقدم في باب ما يقول الإمام ومن خلفه من حديثه بلفظ وإذا
قام من السجدتين قال الله أكبر فيحمل على أن المعنى إذا شرع في القيام قال الزين بن المنير
أجرى البخاري الترجمة وأثر بن الزبير مجرى التبيين لحديثي الباب لأنهما ليسا صريحين في أن
ابتداء التكبير يكون مع أول النهوض وقال ابن رشيد في هذه الترجمة إشكال لأنه ترجم فيما
مضى باب التكبير إذا قام من السجود وأورد فيه حديث ابن عباس وأبي هريرة وفيهما التنصيص
على أنه يكبر في حالة النهوض وهو الذي اقتضته هذه الترجمة فكان ظاهرها التكرار ويحمل
قوله من السجدتين على أنه أراد من الركعتين لأن الركعة تسمى سجدة مجازا ثم استبعده ثم رجح أن
المراد بهذه الترجمة بيان محل التكبير حين ينهض من السجدة الثانية بأنه إذا قعد على الوتر يكون
تكبيره في الرفع إلى القعود ولا يؤخره إلى ما بعد القعود ويتوجه ذلك بأن الترجمتين اللتين قبله
فيهما بيان الجلوس ثم بيان الاعتماد فبين في هذه الثالثة محل التكبير أه ملخصا ويحتمل أن
يكون مراده بقوله من السجدتين ما هو أعم من ذلك فيشمل ما قيل أولا وثانيا ويؤيد ذلك
اشتمال حديثي الباب على ذلك ففي حديث أبي سعيد حين رفع رأسه من السجود وحين قام من
الركعتين وفي حديث عمران بن حصين وإذا رفع كبر وإذا نهض من الركعتين كبر وأما أثر ابن
الزبير فيمكن شموله الأمرين لأن النهضة تحتملهما لكن استعمالها في القيام أكثر وهذا يرجح
الحمل الأول الذي استبعده ابن رشيد ولا بعد فيه فقد تقدم أن خلاف مالك إنما هو في النهوض
من الركعتين بعد التشهد الأول والكلام على حديث عمران بن حصين قد تقدم في باب إتمام
التكبير في الركوع (قوله باب سنة الجلوس في المتشهد) أي السنة في
الجلوس الهيئة الآتي ذكرها ولم يرد أن نفس الجلوس سنة ويحتمل إرادته على أن المراد بالسنة
الطريقة الشرعية التي هي أعم من الواجب والمندوب وقال الزين بن المنير ضمن هذه الترجمة
ستة أحكام وهي أن هيئة الجلوس غير مطلق الجلوس والتفرقة بين الجلوس للتشهد الأول
والأخير وبينهما وبين الجلوس بين السجدتين وأن ذلك كله سنة وأن لا فرق بين الرجال والنساء
وأن ذا العلم يحتج بعمله أه وهذا الأخير إنما يتم إذا ضم أثر أم الدرداء إلى الترجمة وقد تقدم تقرير
ذلك وأثر أم الدرداء المذكور وصله المصنف في التاريخ الصغير من طريق تثبت باللفظ المذكور
وأخرجه ابن أبي شيبة من هذا الوجه لكن لم يقع عنده قول تثبت في آخره وكانت فقيهة فجزم
بعض الشراح بأن ذلك من كلام البخاري لا من كلام تثبت فقال مغلطاي القائل وكانت
فقيهة هو البخاري فيما أرى وتبعه شيخنا ابن الملقن فقال الظاهر أنه قول البخاري أه وليس كما قالا
251

فقد رويناه تاما في مسند الفريابي أيضا بسنده إلى تثبت ومن طريقة البخاري أن الدليل إذا
كان عاما وعمل بعمومه بعض العلماء رجح به وإن لم يحتج به بمجرده وعرف من رواية مكحول أن
المراد بأم الدرداء الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية لأنه أدرك الصغرى ولم يدرك الكبرى
وعمل التابعي بمفرده ولو لم يخالف لا يحتج به وإنما وقع الاختلاف في العمل بقول الصحابي كذلك
ولم يورد البخاري أثر أم الدرداء ليحتج به للتقوية (قوله عن عبد الله بن عبد الله) أي ابن عمر
وهو تابعي ثقة سمي باسم أبيه وكنى بكنيته (قوله أنه أخبره) صريح في أن عبد الرحمن بن
القاسم حمله عنه بلا واسطة وقد اختلف فيه الرواة عن مالك فأدخل معن بن عيسى وغيره
عنه فيه بين عبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن عبد الله القاسم بن محمد والد عبد الرحمن بين ذلك
الإسماعيلي وغيره فكأن عبد الرحمن سمعه من أبيه عنه ثم لقيه أو سمعه منه معه وثبته فيه أبوه
(قوله وتثنى اليسرى) لم يبين في هذه الرواية ما يصنع بعد ثنيها هل يجلس فوقها أو يتورك ووقع
في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في المنكدر فنصب رجله اليمني وثنى
اليسرى وجلس على وركه اليسرى ولم يجلس على قدمه ثم قال أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن
عمر وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك فتبين من رواية القاسم ما أجمل في رواية ابنه وإنما اقتصر
البخاري على رواية عبد الرحمن لتصريحه فيها بأن ذلك هو السنة لاقتضاء ذلك لرفع بخلاف
رواية القاسم ورجح ذلك عنده حديث أبي حميد المفصل بين الجلوس الأول والثاني على أن
الصفة المذكورة قد يقال إنها لا تخالف حديث أبي حميد لأن في الموطأ أيضا عن عبد الله بن
دينار التصريح بأن جلوس بن عمر المذكور كان في المنكدر الأخير وروى النسائي من طريق
عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أن القاسم حدثه عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال
من سنة الصلاة أن ينصب اليمنى ويجلس على اليسرى فإذا حملت هذه الرواية على التشهد الأول
ورواية مالك على التشهد الأخير انتفى عنهما التعارض ووافق ذلك التفصيل المذكور في
حديث أبي حميد والله أعلم (قوله فقلت إنك تفعل ذلك) التربع قال بن عبد البر اختلفوا
في التربع في النافلة وفي الفريضة للمريض وأما الصحيح فلا يجوز له التربع في الفريضة بإجماع
العلماء كذا قال وروى ابن أبي شيبة عن بن مسعود قال لأن أقعد على رضفتين أحب إلى من
أن أقعد متربعا في الصلاة وهذا يشعر بتحريمه عنده ولكن المشهور عن أكثر العلماء أن هيئة
الجلوس في التشهد سنة فلعل بن عبد البر أراد بنفي الجواز إثبات الكراهة (قوله إن رجلي)
كذا للأكثر فرواية حكاها بن التين أن رجلاي ووجهها على أن إن بمعنى نعم ثم استأنف
فقال رجلاي لا تحملاني أو على اللغة المشهورة لغة بني الحارث غنم وجه آخر لم يذكره وقد
ذكرت الأوجه في قراءة من قرأ ان هذان لساحران (قوله لا تحملاني) بتشديد النون ويجوز
التخفيف (قوله عن خالد) هو ابن يزيد الجمحي المصري وهو من أقران سعيد بن أبي هلال شيخه
في هذا الحديث (قوله قال حدثنا الليث) قائل ذلك هو يحيى بن بكير المذكور والحاصل
أن بين الليث وبين محمد بن عمرو بن حلحلة في الرواية الأولى اثنين وبينهما في الرواية الثانية
واسطة واحدة ويزيد بن أبي حبيب مصري معروف من صغار التابعين ويزيد بن محمد رفيقه
في هذا الحديث من بني قيس بن مخرمة بن المطلب مدني سكن مصر وكل من فوقهم مدني أيضا
252

فالإسناد دائر بين مدني ومصري وأردف الرواية النازلة بالرواية العالية على عادة أهل الحديث
وربما وقع لهم ضد ذلك لمعنى مناسب (قوله أنه كان جالسا في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم) في رواية كريمة مع نفر وكذا اختلف على عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء
ففي رواية عاصم عنه عند أبي داود وغيره سمعت أبا حميد في عشرة فرواية هشيم عنه عند سعيد
ابن منصور رأيت أبا حميد مع عشرة ولفظ مع يرجح أحمد الاحتمالين في لفظ في لأنها محتملة لأن يكون
أبو حميد من العشرة أو زائدا عليهم ثم إن رواية الليث ظاهرة في اتصاله بين محمد بن عمرو وأبي حميد
ورواية عبد الحميد صريحة في ذلك وزعم بن القطان تبعا للطحاوي أنه غير متصل لأمرين أحدهما
أن عيسى بن عبد الله بن مالك رواه عن محمد بن عمرو بن عطاء فأدخل بينه وبين الصحابة عباس
ابن سهل أخرجه أبو داود وغيره ثانيهما أن في بعض طرقه تسمية أبي قتادة في الصحابة المذكورين
وأبو قتادة قديم الموت يصغر سن محمد بن عمرو بن عطاء عن إدراكه والجواب عن ذلك أما الأول فلا
يضر الثقة المصرح بسماعه أن يدخل بينه وبين شيخه واسطة إما لزيادة في الحديث وإما ليثبت
فيه وقد صرح محمد بن عمرو المذكور بسماعه فتكون رواية عيسى عنه من المزيد في متصل
الأسانيد وأما الثاني فالمعتمد فيه قول بعض أهل التاريخ إن أبا قتادة مات في خلافة على وصلى
عليه على وكان قتل على سنة أربعين وأن محمد بن عمرو بن عطاء مات بعد سنة عشرين ومائة وله نيف
وثمانون سنة فعلى هذا لم يدرك أبا قتادة والجواب أن أبا قتادة اختلف في وقت موته فقيل مات
سنة أربع وخمسين وعلى هذا فلقاء محمد له ممكن وعلى الأول فلعل من ذكر مقدار عمره أو وقت
وفاته وهم أو الذي سمي أبا قتادة في الصحابة المذكورين وهو في تسميته ولا يلزم من ذلك أن يكون
الحديث الذي رواه غلطا لأن غيره ممن رواه معه عن محمد بن عمرو بن عطاء أو عن عباس بن سهل
قد وافقه * (فائدة) * سمي من النفر المذكورين في رواية فليح عن عباس بن سهل مع أبي حميد
أبو العباس سهل بن سعد وأبو أسيد الساعدي ومحمد بن مسلمة أخرجها أحمد وغيره وسمي منهم في
رواية عيسى بن عبد الله بن عباس المذكورون سوى محمد بن مسلمة فذكر بدله أبو هريرة أخرجها
أبو داود وغيره وسمي منهم في رواية بن إسحاق عن عباس عند ابن خزيمة وفي رواية عبد الحميد بن
جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء عند أبي داود والترمذي أبو قتادة وفي رواية عبد الحميد المذكورة
أنهم كانوا عشرة كما تقدم ولم أقف على تسمية الباقيين وقد اشتمل حديث أبي حميد هذا على جملة
كثيرة من صفة الصلاة وسأبين ما في رواية غير الليث من الزيادة ناسبا كل زيادة إلى مخرجها إن
شاء الله تعالى وقد أشرت قبل إلى مخارج الحديث لكن سياق الليث فيه حكاية أبي حميد لصفة
الصلاة بالقول وكذا في رواية كل من رواه عن محمد بن عمرو بن حلحلة ونحوه رواية عبد الحميد بن
جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء ووافقهما فليح عن عبا س بن سهل وخالف الجميع عيسى بن
عبد الله عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عباس فحكى أن أبا حميد وصفها بالفعل ولفظه عند الطحاوي
وابن حبان قالوا فأرنا فقام يصلي وهم ينظرون فبدأ فكبر الحديث ويمكن الجمع بين الكلب بان
يكون وصفها مرة بالقول ومرة بالفعل وهذا يؤيد ما جمعنا به أولا فإن عيسى المذكور هو الذي زاد
عباس بن سهل بين محمد بن عمرو بن عطاء وأبي حميد فكأن محمدا شهد هو وعباس حكاية أبي حميد
بالقول فحملها عنه من تقدم ذكره وكأن عباسا شهدها وحده بالفعل فسمع ذلك منه محمد بن حميد
ابن عطاء فحدث بها كذلك وقد وافق عيسى أيضا عنه عطاف بن خالد لكنه أبهم عباس بن سهل
253

أخرجه الطحاوي أيضا ويقوى ذلك أن ابن خزيمة أخرج من طريق بن إسحاق أن عباس بن
سهل حدثه فساق الحديث بصفة الفعل أيضا والله أعلم (قوله أنا كنت أحفظكم) زاد عبد
الحميد قالوا فوالله ما كنت بأكثرنا له أتباعه وفي رواية الترمذي اتيانا ولا أقدمنا له صحبة وفي
رواية عيسى بن عبد الله قالوا فكيف قال اتبعت ذلك منه حتى حفظته زاد عبد الحميد قالوا
فأعرض وفي روايته عند ابن حبان استقبل القبلة ثم قال الله أكبر وزاد فليح عند ابن خزيمة فيه
ذكر الوضوء (قوله جعل يديه حذو منكبيه) زاد ابن إسحاق ثم قرأ بعض القرآن ونحوه لعبد
الحميد (قوله ثم هصر ظهره) بالهاء والصاد المهملة المفتوحتين أي ثناه في استواء من غير
وتقويس ذكره الخطابي وفي رواية عيسى غير مقنع رأسه ولا مصوبه ونحوه لعبد الحميد وفي
رواية فليح عند أبي داود فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يديه فتجافى عن جنبيه
وله في رواية بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب وفرج بين أصابعه (قوله فإذا رفع رأسه استوى)
زاد عيسى عند أبي داود فقال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ورفع يديه ونحوه لعبد الحميد
وزاد حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلا (قوله حتى يعود كل فقار) الفقار بفتح الفاء والقاف
جمع فقارة وهي عظام الظهر وهي العظام التي يقال لها خرز الظهر قاله القزاز وقال ابن سيده هي
من الكاهل إلى العجب وحكى ثعلب عن نوادر ابن الغلام أن عدتها سبعة عشر وفي أمالي
الزجاج أصولها سبع غير التوابع وعن الأصمعي هي خمس قرة سبع في العنق وخمس في
الصلب وبقيتها في أطراف الأضلاع وحكى في المطالع أنه وقع في رواية الأصيلي بفتح الفاء
وبكسرها ولابن السكن بكسرها والصواب بفتحها وسيأتي ما فيه في آخر الحديث والمراد بذلك
كمال الاعتدال وفي رواية هشيم عن عبد الحميد ثم يمكث قائما حتى يقع كل عظم موقعه (قوله
فإذا سجد وضع يديه غير مفترش) أي لهما ولابن حبان من رواية عتبة بن أبي حكيم عن عباس بن
سهل غير مفترش ذراعيه (قوله ولا قابضهما) أي بأن يضمهما إليه وفي رواية عيسى فإذا سجد
فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شئ منهمل وفي رواية عتبة المذكورة ولا حامل بطنه على شئ
من فخذيه وفي رواية عبد الحميد جافى يديه عن جنبيه وفي رواية فليح ونحى يديه عن جنبيه ووضع
يديه حذو منكبيه وفي رواية ابن إسحاق فاعلولى على جنبيه وراحتيه وركبتيه وصدور قدميه
حتى رأيت بياض إبطيه ما تحت منكبيه ثم ثبت حتى اطمأن كل عظم منه ثم رفع رأسه فاعتدل
وفي رواية عبد الحميد ثم يقول الله أكبر ويرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيعقد عليها حتى
يرجع كل عظم إلى موضعه ونحوه في رواية عيسى بلفظ ثم كبر فجلس فتورك ونصب قدمه
الأخرى ثم كبر فسجد وهذا يخالف رواية عبد الحميد في صفة الجلوس ويقوى رواية عبد الحميد
ورواية فليح عند ابن حبان بلفظ كان إذا جلس بين السجدتين افترش رجله اليسرى وأقبل بصدر
اليمني على قبلته أورده مختصرا هكذا في كتاب الصلاة له وفي رواية ابن إسحاق خلاف الكلب
ولفظه فاعتدل على عقبيه وصدور قدميه فإن لم يحمل على التعدد وإلا فرواية عبد الحميد أرجح
(قوله فإذا جلس في الركعتين) أي الأوليين ليتشهد وفي رواية فليح ثم جلس فافترش رجله
اليسرى وأقبل بصدر اليمني على قبلته ووضع كفه اليمني على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على
ركبته اليسرى وأشار بأصبعه وفي رواية عيسى بن عبد الله ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو
254

أراد أن ينهض إلى القيام قام بتكبيرة وهذا يخالف في الظاهر رواية عبد الحميد حيث قال ثم إذا
قام من الركعتين كبر ورفع يديه كما كبر عند افتتاح الصلاة ويمكن الجمع بينهما بان التشبيه واقع
على صفة التكبير لا على محله ويكون معنى قوله إذا قام أي أراد القيام أو شرع فيه (قوله وإذا
جلس في الركعة الآخرة الخ) في رواية عبد الحميد حتى إذا كانت السجدة التي يكون فيها التسليم
وفي روايته عند ابن حبان التي تكون خاتمة الصلاة أخرج رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه
الأيسر زاد ابن إسحاق في روايته ثم سلم وفي رواية عيسى عند الطحاوي فلما سلم سلم عن يمينه سلام
عليكم ورحمة الله وعن شماله كذلك وفي رواية أبي عاصم عن عبد الحميد عند أبي داود وغيره قالوا
أي الصحابة المذكورون صدقت هكذا كان يصلي وفي هذا الحديث حجة قوية للشافعي ومن
قال بقوله في أن هيئة الجلوس في المنكدر الأول مغايرة لهيئة الجلوس في الأخير وخالف في ذلك
المالكية والحنفية فقالوا يسوى بينهما لكن قال المالكية بتورك فيهما كما جاء في التشهد
الأخير وعكسه الآخرون وقد قيل في حكمة المغايرة بينهما أنه أقرب إلى عدم اشتباه عدد
الركعات ولأن الأول تعقبه حركة بخلاف الثاني ولان المسبوق إذا رآه علم قدر ما سبق
به واستدل به الشافعي أيضا على أن تشهد الصبح كالتشهد الأخير من غيره لعموم قوله في الركعة
الأخيرة واختلف فيه قول أحمد والمشهور عنه اختصاص التورك بالصلاة التي فيها تشهدان
وفي الحديث من الفوائد أيضا جواز وصف الرجل نفسه بكونه أعلم من غيره إذا أمن الإعجاب
وأراد تأكيد ذلك عند سمعه لما في التعليم والأخذ عن الأعلم من الفضل وفيه أن كان
تستعمل فيما مضى وفيما يأتي لقول أبي حميد كنت أحفظكم وأراد استمراره على ذلك أشار إليه
ابن التين وفيه أنه كان يخفى على الكثير من الصحابة بعض الأحكام المتلقاة عن النبي صلى الله
عليه وسلم وربما تذكره بعضهم إذا ذكر وفي الطرق التي أشرت إلى زيادتها جملة من صفة الصلاة
ظاهرة لمن تدبر ذلك وتفهمه (قوله وسمع الليث الآخرة) إعلام منه بأن العنعنة الواقعة في
إسناد هذا الحديث بمنزلة السماع وهو كلام المصنف ووهم من جزم بأنه كلام يحيى بن بكير وقد
وقع التصريح بتحديث بن حلحلة ليزيد في رواية بن المبارك كما سيأتي (قوله وقال أبو صالح عن
الليث) يعني شوال الثاني عن اليزيدين كذلك وصله الطبراني عن مطلب بن شعيب وابن عبد
البر من طريق قاسم بن أصبغ كلاهما عن أبي صالح عبد الله بن صالح غالبا الليث ووهم
من جزم بأن أبا صالح هنا هو بن عبد الغفار الحراني (قوله كل قفار) ضبط في روايتنا بتقديم
القاف على الفاء وكذا للأصيلي وعند الباقين بتقديم الفاء كرواية يحيى بن بكير لكن ذكر
صاحب المطالع أنهم كسروا الفاء وجزم جماعة من الأئمة بان تقديم القاف تصحيف وقال ابن
التين لم يتبين لي وجهه (قوله وقال ابن المبارك الخ) وصله الجوزقي في جمعه وإبراهيم الحربي في
غريبه وجعفر الفريابي في صفة الصلاة كلهم من طريق ابن المبارك بهذا الإسناد ووقع عندهم
بلفظ حتى يعود كل فقار مكانه وهي نحو رواية يحيى بن بكير ووقع في رواية الكشميهني وحده
كل فقاره واختلف في ضبطه فقيل بهاء الضمير وقيل بهاء التأنيث أي حتى تعود كل عظمة
من عظام الظهر مكانها والأول معناه حتى يعود جميع عظام ظهره وأما رواية يحيى بن بكير ففيها
إشكال وكأنه ذكر الضمير لأنه إعادة على لفظ الفقار والمعنى حتى يعود كل عظام مكانها
255

أو استعمل الفقار للواحد تجوزا (قوله باب من لم ير المنكدر الأول واجبا
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام الركعتين ولم يرجع) قال الزين بن المنير ذكر في هذه الترجمة
الحكم ودليله ولم يثبت الحكم مع ذلك كأن يقول باب لا يجب المنكدر الأول وسببه ما يطرق
الدليل المذكور من الاحتمال وقد أشار إلى معارضته في الترجمة التي تلي هذه حيث أوردها
بنظير ما أورد به للترجمة التي بعدها وفي لفظ حديث الباب فيها ما يشعر بالوجوب حيث قال
وعليه جلوس وهو محتمل أيضا وسيأتي الكلام على حديث التشهد وورد الأمر بالتشهد الأول
أيضا ووجه الدلالة من حديث الباب أنه لو كان واجبا لرجع إليه لما سبحوا به بعد أن قام كما سيأتي
بيانه في الكلام على حديث الباب في أبواب سجود السهو ويعرف منه أن قول ناصر الدين بن
المنير في الحاشية لو كان واجبا لسبحوا به ولم يسارعوا إلى الموافقة على الترك غفلة عن الرواية
المنصوص فيها على أنهم سبحوا به قال بن بطال والدليل على أن سجود السهو لا ينوب عن
الواجب أنه لو نسي تكبيرة الإحرام لم تجبر فكذلك التشهد ولأنه ذكر لا بجهر به بحال فلم يجب
كدعاء الافتتاح واحتج غيره بتقريره صلى الله عليه وسلم الناس على متابعته بعد أن علم أنهم تعمدوا
تركه وفيه نظر وممن قال بوجوبه الليث وإسحاق وأحمد في المشهور وهو قول الشافعي وفي رواية
عند الحنفية واحتج الطبري لوجوبه بأن الصلاة فرضت أولا ركعتين وكان التشهد فيها واجبا
فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك الواجب وأجيب بان الزيادة لم تتعين في الأخيرتين بل
يحتمل أن يكونا هما الفرض الأول والمزيد هما الركعتان الأولتان بتشهدهما ويؤيده
استمرار السلام بعد التشهد الأخير كما كان واحتج أيضا بأن من تعمد ترك الجلوس الأول بطلت
صلاته وهذا لا يرد لأن من لا يوجبه لا يبطل الصلاة بتركه (قوله التشهد) هو تفعل من تشهد سمي
بذلك لاشتماله على النطق بشهادة الحق تغليبا لها على بقية أذكاره لشرفها (قوله حدثني
عبد الرحمن بن هرمز) هو الأعرج المذكور في الإسناد الذي بعده (قوله مولى بني عبد المطلب
وقال مرة) أي الزهري مولى ربيعة بن الحارث ولا تنافى بينهما لأنه مولى ربيعة بن الحارث
ابن عبد المطلب فذكره أولا بجد مواليه الأعلى وثانيا بمولاه الحقيقي (قوله أزد شنوءة)
بفتح الهمزة وسكون الزاي بعدها الركعة ثم غدا مفتوحة ثم نون مضمومة وهمزة مفتوحة وزن
فعولة قبيلة مشهورة (قوله حليف لبني عبد مناف) صواب لأن جده حالف المطلب بن
عبد مناف قاله بن سعد وغيره وسيأتي ما فيه في أبواب سجود السهو إن شاء الله تعالى (قوله فقام
في الركعتين الأوليين لم يجلس) أي للتشهد ووقع في رواية ابن عساكر ولم يجلس بزيادة واو وفي
صحيح مسلم فلم يجلس بالفاء وسيأتي في السهو كذلك قال ابن رشيد إذا أطلق في الأحاديث
الجلوس في الصلاة من غير تقييد فالمراد به جلوس التشهد وبهذا بظهر وجه مناسبة
الحديث للترجمة (قوله باب التشهد في الأولى) أي الجلسة الأولى من ثلاثية
أو رباعية قال الكرماني الفرق بين هذه الترجمة والتي قبلها أن الأولى لبيان عدم وجوب
المنكدر الأولى والثانية لبيان مشروعيته أي والمشروعية أعم من الواجب والمندوب (قوله
بكر) هو ابن مضر وعبد الله بن مالك بن بحينة هو عبد الله بن بحينة المذكور في الاسناد الذي قبله
وبحينة والدة عبد الله على المشهور فينبغي أن تثبت الألف في ابن بحينة إذا ذكر مالك ويعرب
256

اعراب عبد الله * (فائدة) * لا خلاف في أن ألفاظ التشهد في الأولى كالتي في الأخيرة إلا ما روى
الزهري عن سالم قال وكان ابن عمر لا يسلم في التشهد الأول كان يرى نسخا لصلاته قال
الزهري فأما أنا فأسلم يعني قوله السلام عليك أيها النبي إلى الصالحين هكذا أخرجه عبد الرزاق
(قوله باب التشهد في الآخرة) أي الجلسة الآخرة قال ابن رشيد ليس في
حديث الباب تعيين محل القول لكن يؤخذ ذلك من قوله فإذا صلى أحدكم فليقل فإن ظاهر قوله
إذا صلى أي أتم صلاته لكن تعذر الحمل على الحقيقة لأن التشهد لا يكون بعد السلام فلما تعين
المجاز كان حمله على آخر جزء من الصلاة أولى لأنه هو الأقرب إلى الحقيقة (قلت) وهذا التقرير
على مذهب الجمهور في أن السلام جزء من الصلاة لا أنه للتحلل منها فقط والأشبه بتصرف
البخاري أنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه من تعيين محل القول كما سيأتي قريبا (قوله عن
شقيق) في رواية يحيى الآتية بعد باب عن الأعمش حدثني شقيق (قوله كنا إذا صلينا)
في رواية يحيى المذكورة كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ولأبي داود عن
مسدد شيخ البخاري فيه إذا جلسنا ومثله للإسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن يحيى وله
من رواية علي ابن مسهر ولابن إسحق في مسند عن عيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش نحوه
(قوله قلنا السلام على جبريل) وقع في هذه الرواية اختصار ثبت في رواية يحيى المذكورة وهو
قلنا السلام على الله من عباده كذا وقع للمصنف فيها وأخرجه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري
فيه فقال قبل عباده وكذا للمصنف في الاستئذان من طريق حفص بن الصالح عن الأعمش وهو
المشهور في أكثر الروايات وبهذه الزيادة يتبين موقع قوله صلى الله عليه وسلم إن الله هو السلام
ولفظه في رواية يحيى المذكورة لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام (قوله السلام على
فلان وفلان) في رواية عبد الله بن نمير عن الأعمش عند بن ماجة يعنون الملائكة وللإسماعيلي
من رواية علي بن مسهر فنعد الملائكة ومثله للسراج من رواية محمد بن فضيل عن الأعمش بلفظ
فنعد من الملائكة ما شاء الله (قوله فالتفت) ظاهره أنه كلمهم بذلك في أثناء الصلاة ونحوه في
رواية حصين عن أبي وائل وهو شقيق عند المصنف في أواخر الصلاة بلفظ فسمعه النبي صلى الله
عليه وسلم فقال قولوا لكن بين حفص بن الصالح في روايته المذكورة المحل الذي خاطبهم بذلك فيه
وأنه بعد الفراغ من الصلاة ولفظه فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بوجهه وفي
رواية عيسى بن يونس أيضا فلما انصرف من الصلاة قال (قوله أن الله هو السلام) قال
البيضاوي ما حاصله أنه صلى الله عليه وسلم أنكر التسليم على الله وبين أن ذلك عكس ما يجب أن
يقال فإن كل سلام ورحمة له ومنه وهو مالكها ومعطيها وقال التوربشتي وجه النهى عن
السلام على الله لأنه المرجوع إليه بالمسائل المتعالي عن المعاني المذكورة فكيف يدعى له وهو
المدعو على الحالات وقال الخطابي المراد أن الله هو ذو السلام فلا تقولوا السلام على الله فإن
السلام منه بدأ واليه يعود ومرجع الأمر في إضافته إليه أنه ذو السلام من كل آفة وعيب ويحتمل
أن يكون مرجعها إلى حظ العبد فيما يطلبه من السلامة من الآفات والمهالك وقال النووي
معناه أن السلام اسم من أسماء الله تعالى يعني السالم من النقائص ويقال المسلم أولياءه وقيل
المسلم عليهم قال بن الأنباري أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق لحاجتهم إلى السلامة وغناه سبحانه
257

وتعالى عنها (قوله فإذا صلى أحدكم فليقل) بين حفص في روايته المذكورة محل القول ولفظه
فإذا جلس أحدكم في الصلاة وفي رواية حصين المذكورة إذا قعد أحدكم في الصلاة وللنسائي
من طريق أبي الأحوص عن عبد الله كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين وأن محمدا علم فواتح
الخير وخواتمه فقال إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا وله من طريق الأسود عن عبد الله
فقولوا في كل جلسة ولابن خزيمة من وجه آخر عن الأسود عن عبد الله علمني رسول الله صلى الله
عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها وزاد الطحاوي من هذا الوجه في أوله وأخذت
التشهد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقنيه كلمة كلم وللمصنف في الاستئذان من
طريق أبي معمر عن ابن مسعود علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفى بين كفيه كما
يعلمني السورة من القرآن واستدل بقوله فليقل على الوجوب خلافا لمن لم يقل به كمالك وأجاب
بعض المالكية بأن التسبيح في الركوع والسجود مندوب وقد وقع الأمر به في قوله صلى الله
عليه وسلم لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم اجعلوها في ركوعكم الحديث فكذلك التشهد وأجاب
الكرماني بان الأمر حقيقته الوجوب فيحمل عليه إلا إذا دل دليل على خلافه ولولا الإجماع على
عدم وجوب التسبيح في الركوع والسجود لحملناه على الوجوب انتهى وفي دعوى هذا الإجماع
نظر فإن أحمد يقول بوجوبه ويقول بوجوب التشهد الأول أيضا ورواية أبي الأحوص
المتقدمة وغيرها تقويه وقد قدمنا ما فيه قبل بباب وقد جاء عن ابن مسعود التصريح بفرضية
التشهد وذلك فيما رواه الدارقطني وغيره بإسناد صحيح من طريق علقمة عن ابن مسعود كنا
لا ندري ما نقول قبل أن يفرض علينا التشهد (قوله التحيات) جمع تحية ومعناها السلام وقيل
البقاء وقيل العظمة وقيل السلامة من الآفات والنقص وقيل الملك وقال أبو سعيد الضرير
ليست التحية الملك نفسه لكنها الكلام الذي يحيا به الملك وقال ابن قتيبة لم يكن يحيا إلا الملك
خاصة وكان لكل ملك تحية تخصه فلهذا جمعت فكان المعنى التحيات التي كانوا يسلمون بها على
الملوك كلها مستحقة لله وقال الخطابي ثم البغوي ولم يكن في تحياتهم شئ يصلح للثناء على الله
فلهذا أبهمت ألفاظها واستعمل منها معنى التعظيم فقال قولوا التحيات لله أي يجري التعظيم له
وقال المحب الطبري يحتمل أن يكون لفظ التحية مشتركا بين المعاني المقدم ذكرها وكونها بمعنى
السلام أنسب هنا (قوله والصلوات) قيل المراد الخمس أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض
والنوافل في كل شريعة وقيل المراد العبادات كلها وقيل الدعوات وقيل المراد الرحمة وقيل
التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية والطيبات الصدقات المالية (قوله
والطيبات) أي ما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله دون ما لا يليق بصفاته مما كان
الملوك يحيون به وقيل الطيبات ذكر الله وقيل الأقوال الصالحة كالدعاء والثناء وقيل
الأعمال الصالحة وهو أعم قال ابن دقيق العيد إذا حمل التحية على السلام فيكون التقدير
التحيات التي تعظم بها الملوك مستمرة لله وإذا حمل على البقاء فلا شك في اختصاص الله به وكذلك
الملك الحقيقي والعظمة التامة وإذا حملت الصلاة على العهد أو الجنس كان التقدير أنها لله
واجبة لا يجوز أن يقصد بها غيره وإذا حملت على الرحمة فيكون معنى قوله لله أنه المتفضل بها
لأن الرحمة التامة لله يؤتيها من يشاء وإذا حملت على الدعاء فظاهر وأما الطيبات فقد فسرت
258

بالأقوال ولعل تفسيرها بما هو أعم أولى فتشمل الأفعال والأقوال والأوصاف وطيبها كونها
كاملة خالصة عن الشوائب وقال القرطبي قوله لله فيه تنبيه على الإخلاص في العبادة أي أن
ذلك لا يفعل إلا لله ويحتمل أن يراد به الاعتراف بان ملك الملوك وغير ذلك مما ذكر كله في الحقيقة
لله تعالى وقال البيضاوي يحتمل أن يكون والصلوات والطيبات عطفا على التحيات ويحتمل أن
تكون الصلوات مبتدأ وخبره محذوف والطيبات معطوفة عليها والواو الأولى لعطف الجملة على
الجملة والثانية لعطف المفرد على الجملة وقال ابن مالك إن جعلت التحيات مبتدأ ولم تكن
صفة لموصوف محذوف كان قولك والصلوات مبتدأ لئلا يعط ف نعت على منعوته فيكون من
باب عطف الجمل بعضها على بعض وكل جملة مستقلة بفائدتها وهذا المعنى لا يوجد عند
إسقاط الواو (قوله السلام عليك أيها النبي) قال النووي يجوز فيه وفيما بعده أي السلام
حذف اللام وإثباتها والاثبات أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين (قلت) لم يقع في شئ من
طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام وإنما اختلف ذلك في حديث ابن عباس وهو من أفراد
مسلم قال الطيبي أصل سلام عليك سلمت سلاما عليك ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه
وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره ثم التعريف إما
للعهد التقديري أي ذلك السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي وكذلك السلام
الذي وجه إلى الأمم السالفة علينا وعلى إخواننا وإما للجنس والمعنى أن حقيقة السلام الذي
يعرفه كل واحد وعمن يصدر وعلى من ينزل عليك وعلينا ويجوز أن يكون للعهد الخارجي
إشارة إلى قوله تعالى وسلام على عباده الذين اصطفى قال ولا شك أن هذه التقادير أولى من
تقدير النكرة انتهى وحكى صاحب الإقليد عن أبي حامد أن التنكير فيه للتعظيم وهو وجه
من وجوه الترجيح لا يقصر عن الوجوه المتقدمة وقال البيضاوي علمهم أن يفردوه صلى الله
عليه وسلم بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم ثم علمهم أن يخصصوا أنفسهم أولا لأن الاهتمام بها
أهم ثم أمرهم بتعميم السلام على الصالحين إعلاما منه بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون
شاملا لهم وقال التوربشتي السلام بمعنى السلامة كالمقام والمقامة والسلام من أسماء الله
تعالى وضع المصدر موضع الاسم مبالغة والمعنى أنه سالم من كل شئ وآفة ونقص وفساد ومعنى
قولنا السلام عليك الدعاء أي سلمت من المكاره وقيل معناه اسم السلام عليك كأنه تبرك عليه
باسم الله تعالى فإن قيل كيف شرع هذا الفظ وهو خطاب بشر مع كونه منهيا عنه في الصلاة
فالجواب أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم فإن قيل ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى
الخطاب في قوله عليك أيها النبي مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق كأن يقول السلام
على النبي فينتقل من تحية الله إلى تحية النبي ثم إلى تحية النفس ثم إلى الصالحين أجاب الطيبي
بما محصله نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي كان علمه الصحابة ويحتمل أن يقال على طريق أهل
العرفان إن المصلين لما استفتحوا باب الملكوت بالتحيات أذن لهم بالدخول في حريم الحي الذي
لا يموت فقرت أعينهم بالمناجاة فنبهوا على أن ذلك بواسطة نبي الرحمة وبركة متابعته فالتفتوا فإذا
الحبيب في حرم الحبيب حاضر فأقبلوا عليه قائلين السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته أه
وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود هذا ما يقتضى المغايرة بين زمانه صلى الله عليه وسلم
259

فيقال بلفظ الخطاب وأما بعده فيقال بلفظ الغيبة وهو مما يخدش في وجه الاحتمال المذكور
ففي الاستئذان من صحيح البخاري من طريق أبي معمر عن بن مسعود بعد أن ساق حديث
التشهد قال وهو بين ظهرانينا فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي كذا وقع في البخاري وأخرجه
أبو عوانة في صحيحه والسراج والجوزقي وأبو نعيم الأصبهاني والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي
نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ فلما قبض قلنا السلام على النبي بحذف لفظ يعني وكذلك رواه أبو
بكر بن أبي شيبة عن بن نعيم قال السبكي في شرح المنهاج بعد أن ذكر هذه الرواية من عند أبي
عوانة وحده إن صح هذا عن الصحابة دل على أن الخطاب في السلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم
غير واجب فيقال السلام على النبي (قلت) قد صح بلا ريب وقد وجدت له متابعا قويا قال
عبد الرزاق أخبرنا بن جريج أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم
حي السلام عليك أيها النبي فلما مات قالوا السلام على النبي وهذا إسناد صحيح وأما ما روى
سعيد بن منصور من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم
علمهم التشهد فذكره قال فقال بن عباس إنما كنا نقول السلام عليك أيها النبي إذ كان حيا فقال
ابن مسعود هكذا علمنا وهكذا نعلم فظاهر أن ابن عباس قاله بحثا وأن ابن مسعود لم يرجع إليه
لكن رواية أبي معمر أصح لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه والإسناد إليه مع ذلك ضعيف فإن قيل
لم عدل عن الوصف بالرسالة إلى الوصف بالنبوة مع أن الوصف بالرسالة أعم في حق البشر أجاب
بعضهم بأن الحكمة في ذلك أن يجمع له الوصفين لكونه وصفه بالرسالة في آخر التشهد وإن كان
الرسول البشرى يستلزم النبوة لكن التصريح بهما أبلغ قيل والحكمة في تقديم الوصف
النبوة أنها كذا وجدت في الخارج لنزول قوله تعالى اقرأ باسم ربك قبل قوله يا أيها المدثر قم
فأنذر والله أعلم (قوله ورحمة الله) أي إحسانه وبركاته أي زيادته من كل خير (قوله السلام
علينا) استدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء وفي الترمذي مصححا من حديث أبي بن
كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه وأصله في مسلم ومنه
قول نوح وإبراهيم عليهما السلام كما في التنزيل (قوله عباد الله الصالحين) الأشهر في تفسير
الصالح أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده وتتفاوت درجاته قال الترمذي
الحكيم من أراد أن يخطى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة فليكن عبدا صالحا وإلا حرم
هذا الفضل العظيم وقال الفاكهاني ينبغي للمصلى أن يستحضر في هذا المحل جميع الأنبياء
والملائكة والمؤمنين يعني ليتوافق مع قصده (قوله فإنكم إذا قلتموها) أي وعلى عباد الله
الصالحين وهو كلام معترض بين قوله الصالحين وبين قوله أشهد الآخرة وإنما قدمت للاهتمام بها
لكونه أنكر عليهم عد الملائكة واحد واحدا ولا يمكن استيعابهم مع ذلك فعلمهم لفظا يشمل
الجميع مع غير الملائكة من النبيين والمرسلين والصديقين وغيرهم بغير مشقة وهذا من جوامع
الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم وإلى ذلك الإشارة بقول ابن مسعود وأن محمدا علم فواتح
الخير وخواتم كما تقدم وقد ورد في بعض طرقه سياق التشهد متواليا وتأخير الكلام المذكور
بعد وهو من يطلق الرواة وسيأتي في أواخر الصلاة (قوله كل عبد الله صالح) استدل به على
أن الجمع المضاف والجمع المحلى بالألف واللام يعم لقوله أولا عباد الله الصالحين ثم قال أصابت كل
260

عبد صالح وقال القرطبي فيه دليل على أن جمع التكسير للعموم وفي هذه العبارة نظر واستدل به
على أن للعموم صيغة قال ابن دقيق العيد وهو مقطوع به عندنا في لسان العرب وتصرفات
ألفاظ الكتاب والسنة قال والاستدلال بهذا فرد من أفراد لا تحصى لا للاقتصار عليه (قوله في
السماء والأرض) في رواية مسدد عن يحيى أو بين السماء والأرض والشك فيه من مسدد وإلا
فقد رواه غيره عن يحيى بلفظ من أهل السماء والأرض أخرجه الإسماعيلي وغيره (قوله أشهد
أن لا إله إلا الله) زاد ابن أبي شيبة من رواية أبي عبيدة عن أبيه وحده لا شريك له وسنده ضعيف
لكن ثبتت هذا لزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ
وفي حديث ابن عمر عند الدارقطني إلا أن سنده ضعيف وقد روى أبو داود من وجه آخر صحيح
عن ابن عمر في التشهد أشهد أن لا إله إلا الله قال ابن عمر زدت فيها وحده لا شريك له وهذا ظاهره
الوقوف (قوله وأشهد أن محمدا عبدة ورسوله) لم تختلف الطرق عن ابن مسعود في ذلك وكذا هو في
حديث أبي موسى وابن عمر وعائشة المذكور وجابر وابن الزبير عند الطحاوي وغيره وروى
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال بينا النبي صلى الله عليه وسلم يعلم المنكدر إذ قال رجل
وأشهد أن محمدا رسوله وعبده فقال عليه الصلاة والسلام لقد كنت عبدا قبل أن أكون رسولا
قل عبده ورسوله ورجاله ثقات إلا أنه مرسل وفي حديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السنن
وأشهد أن محمد رسول الله ومنهم من حذف وأشهد ورواه ابن ماجة بلفظ ابن مسعود قال
الترمذي حديث بن مسعود روى عنه من غير وجه وهو أصح حديث روى في التشهد والعمل
عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم قال وذهب الشافعي إلى حديث ابن عباس في
التشهد وقال البزار لما سئل عن أصح حديث في التشهد قال هو عندي حديث بن مسعود وروى
من نيف وعشرين طريقا ثم سرد أكثرها وقال لا أعلم في التشهد أثبت منه ولا أصح أسانيد
ولا أشهر رجالا أه ولا اختلاف بين أهل الحديث في ذلك وممن جزم بذلك البغوي في شرح
السنة ومن رجحانه أنه متفق عليه دون غيره وأن الرواة عنه من الثقات لم يختلفوا في ألفاظه
بخلاف غيره وأنه تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم تلقينا فروى الطحاوي من طريق الأسود بن
يزيد عنه قال أخذت التشهد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقنيه كلمة كلمة وقد تقدم أن
في رواية أبي معمر عنه علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفى بين كفيه ولابن أبي شيبة
وغيره من رواية جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا
التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن وقد وافقه على هذا اللفظ أبو سعيد الخدري وساقه بلفظ
ا بن مسعود أخرجه الطحاوي لكن هذا الأخير ثبت مثله في حديث بن عباس عند مسلم ورجح
أيضا بثبوت الواو في الصلوات والطيبات وهي تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه
فتكون كل جملة ثناء مستقلا بخلاف ما إذا حذفت فإنها تكون صفة لما قبلها وتعدد الثناء
في الأول صريح فيكون أولى ولو قيل إن الواو مقدرة في الثاني ورجح بأنه ورد بصيغة الأمر بخلاف
غيره فإنه مجرد حكاية ولأحمد من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه
التشهد وأمره أن يعمله للناس ولم ينقل ذلك لغيره ففيه دليل على مزيته وقال الشافعي بعد أن
أخرج حديث ابن عباس رويت أحاديث في التشهد مختلفة وكان هذا أحب إلى لأنه أكملها وقال
261

في موضع آخر وقد سئل عن اختياره تشهد بن عباس لما رأيته واسعا وسمعته عن ابن عباس صحيحا
كان عندي أجمع وأكثر لفظا من غيره وأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح ورجحه بعضهم
بكونه مناسبا للفظ القرآن في قوله تعالى تحية من عند الله مباركة طيبة وأما من رجحه بكون
ابن عباس من أحداث الصحابة فيكون أضبط لما روى أو بأنه أفقه من رواه أو يكون إسناد
حديثه حجازيا وإسناد ابن مسعود كوفيا وهو مما يرجح به فلا طائل فيه لمن أنصف نعم يمكن أن يقال
إن الزيادة التي في حديث ابن عباس وهي المباركات لا تنافى رواية ابن مسعود ورجح الأخذ بها
لكون أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الأخير وقد أختار مالك وأصحابه تشهد عمر لكونه
علمه للناس وهو على المنبر ولم ينكروه فيكون إجماعا ولفظه نحو حديث ابن عباس إلا أنه قال
الزاكيات بدل المباركات وكأنه بالمعنى لكن أورد على الشافعي زيادة بسم الله في أول التشهد
ووقع ذاك في رواية عمر المذكورة لكن من طريق هشام بن عروة عن أبيه لا من طريق الزهري
عن عروة التي أخرجها مالك أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وغيرهما وصححه الحاكم
مع كونه موقوفا وثبت في الموطأ أيضا عن بن عمر موقوفا ووقع أيضا في حديث جابر المرفوع
تفرد به أيمن بن نابل بالنون ثم الموحدة عن أبي الزبير عنه وحكم الحفاظ البخاري وغيره على أنه
أخطأ في إسناده وأن الصواب رواية أبي الزبير عن طاوس وغيره عن ابن عباس وفي الجملة لم
تصح هذه الزيادة وقد ترجم البيهقي عليها من استحب أو أباح التسمية قبل التحية وهو وجه لبعض
الشافعية وضعف ويدل على عدم اعتبارها أنه ثبت في حديث أبي موسى المرفوع في التشهد
وغيره فإذا قعد أحدكم فليكن أول قوله التحيات لله الحديث كذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن
قتادة بسنده وأخرج مسلم من طريق عبد الرزاق هذه وقد أنكر بن مسعود وابن عباس
وغيرهما على من زادها أخرجه البيهقي وغيره ثم إن هذا الاختلاف إنما هو في الأفضل وكلام
الشافعي المتقدم يدل على ذلك ونقل جماعة من العلماء الاتفاق على جواز التشهد بكل ما ثبت
لكن كلام الطحاوي يشعر بأن بعض العلماء يقول بوجوب التشهد المروي عن عمر وذهب
جماعة من محدثي الشافعية كابن المنذر إلى اختيار تشهد ابن مسعود وذهب بعضهم كابن خزيمة
إلى عدم الترجيح وقد تقدم الكلام عن المالكية أن التشهد مطلقا غير واجب والمعروف
عند الحنفية أنه واجب لا فرض بخلاف ما يوجد عنهم في كتب مخالفيهم وقال الشافعي هو فرض
لكن قال لو يزد رجل على قوله التحيات لله سلام عليك أيها النبي الخ كرهت ذلك له ولم أر عليه
إعادة هذا لفظه في الأم وقال صاحب الروضة تبعا لاصله وأما أقل التشهد فنص الشافعي
وأكثر الأصحاب إلى أنه فذكره لكنه قال وأن محمدا رسول الله قال ونقله ابن كج والصيدلاني
فقالا وأشهد أن محمدا رسول الله لكن أسقطا وبركاته أه وقد استشكل جواز حذف الصلوات
مع ثبوتها في جميع الروايات الصحيحة وكذلك الطيبات مع جزم جماعة من الشافعية بأن
المقتصر عليه هو الثابت في جميع الروايات ومنهم من وجه الحذف بكونهما صفتين كما هو
الظاهر من سياق ابن عباس لكن يعكر على هذا ما تقدم من البحث في ثبوت العطف فيهما في
سياق غيره وهو يقتضى المغيرة * (فائدة) * قال القفال في فتاويه ترك الصلاة يضر بجميع
المسلمين لأن المصلي يقول الله اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات ولا بد أن يقول في التشهد السلام
262

علينا وعلى عباد الله الصالحين فيكون مقصرا بخدمة الله وفي حق رسوله وفي حق نفسه وفي حق
كافة المسلمين ولذلك عظمت المعصية بتركها واستنبط منه السبكي أن في الصلاة حقا للعباد مع
حق الله وأن من تركها أخل بحق جميع المؤمنين من مضى ومن يجئ إلى يوم القيامة لوجوب
قوله فيها السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين تنبيه ذكر خلف في الأطراف أن في بعض
النسخ من صحيح البخاري عقب حديث الباب في التشهد عن أبي نعيم حدثنا قبيصة حدثنا سفيان
عن الأعمش ومنصور وحماد عن أبي وائل وبذلك جزم أبو نعيم في مستخرجه فأخرجه من طريق
أبي نعيم عن الأعمش به ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان به ثم أخرجه من طريق أبي نعيم عن
يوسف بن سليمان وقال أخرجه البخاري عن أبي نعيم فيما أرى أه وبذلك جزم المزي في
الأطراف ولم أره في شئ من الروايات التي اتصلت لنا هنا لا عن قبيصة ولا عن أبي
نعيم عن سيف نعم هو في الاستئذان عن أبي نعيم بهذا الإسناد والله أعلم قوله باب الدعاء قبل السلام
أي بعد التشهد هذا الذي يتبادر من ترتيبه لكن قوله في الحديث كان يدعو في الصلاة لا تقييد فيه
بما بعد التشهد وأجاب الكرماني فقال من حيث أن لكل مقام ذكرا مخصوصا فتعين أن يكون
محله بعد الفراغ من الكل أه وفيه نظر لأن التعيين الذي ادعاه لا يختص بهذا المحل لورود الأمر
بالدعاء في السجود فكما أن للسجود ذكرا مخصوصا ومع ذلك أمر فيه بالدعاء فكذلك الجلوس في
آخر الصلاة له ذكر مخصوص وأمر فيه مع ذلك بالدعاء إذا فرغ منه وأيضا فإن هذا هو ترتيب
البخاري لكنه مطالب بدليل اختصاص هذا المحل بهذا الذكر ولو قطع النظر عن ترتيبه لم يكن بين
الترجمة والحديث منافاة لأن قبل السلام يصدق على جميع الأركان وبذلك جزم الزين بن المنير
وأشار إليه النووي وسأذكر كلامه آخر الباب وقال بن دقيق العيد في الكلام على حديث أبي
بكر وهو ثاني حديثي الباب هذا يقتضى الأمر بهذا الدعاء في الصلاة من غير تعيين محله ولعل
الأولى أن يكون في أحد موطنين السجود أو التشهد لأنهما أمر فيهما بالدعاء قلت والذي
يظهر لي أن البخاري أشار إلى ما ورد في بعض الطرق من تعيينه بهذا المحل فقد وقع في بعض طرق
حديث بن مسعود بعد ذكر التشهد ثم ليتخير من الدعاء ما شاء وسيأتي البحث فيه ثم قد أخرج بن
خزيمة من رواية بن جريج أخبرني عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه كان يقول بعد التشهد كلمات
يعظمهن جدا قلت في المثنى كليها قال بل في التشهد الأخير قلت ما هي قال أعوذ بالله من
عذاب القبر الحديث قال بن جريج أخبرنيه عن أبيه عن عائشة مرفوعا ولمسلم من طريق محمد
بن أبي عائشة عن أبي هريرة مرفوعا إذا تشهد أحدكم فليقل فذكر نحوه هذه رواية وكيع عن
الأوزاعي عنه وأخرجه أيضا من رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بلفظ إذا فرغ أحدكم من
التشهد الأخير فذكره وصرح بالتحديث في جميع الإسناد فهذا فيه تعيين هذه الاستعاذة
بعد الفراغ من التشهد فيكون سابقا على غيره من الأدعية وما ورد يأمر فيه أن المصلي
يتخير من الدعاء ما شاء يكون بعد هذه الاستعادة وقبل السلام قوله من عذاب القبر فيه
رد على من أنكره وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى قوله من فتنة
المسيح الدجال قال أهل اللغة الفتنة الامتحان والاختبار قال عياض واستعمالها في
العرف لكشف ما يكره أه وتطلق على القتل والإحراق والنميمة وغير ذلك والمسيح
263

بفتح الميم وتخفيف المهملة المكسورة وآخره حاء الركعة يطلق على الدجال وعلى عيسى بن
مريم عليه السلام لكن إذا أريد الدجال قيد به وقال أبو داود في السنن المسيح مثقل الدجال
ومخفف عيسى والمشهور الأول وأما ما نقل الفربري في رواية المستملى وحده عنه عن
خلف بن عامر وهو الهمداني أحد الحفاظ أن المسيح بالتشديد والتخفيف واحد يقال
للدجال ويقال لعيسى وأنه لافرق بينهما بمعنى لا اختصاص لأحدهما بأحد الأمرين فهو رأى
ثالث وقال الجوهري من قاله بالتخفيف فلمسحه الأرض ومن قاله بالتشديد فلكونه ممسوح
العين وحكى بعضهم أنه قال بالخاء المعجمة في الدجال ونسب قائله إلى التصحيف واختلف في
تلقيب الدجال بذلك فقيل لأنه ممسوح العين وقيل لأن أحد شقى وجهه خلق ممسوحا لا عين
فيه ولا حاجب وقيل لأنه يمسح الأرض إذا خرج وأما عيسى فقيل سمي بذلك لأنه خرج من بطن
أمه ممسوحا بالدهن وقيل لأن زكريا مسحه وقيل لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ وقيل لأنه
كان يمسح الأرض بسياحته وقيل لأن رجله كانت لا أخمص لها وقيل للبسه المسوح
وقيل هو بالعبرانية ما شيخا فعرب المسيح وقيل المسيح الصديق كما سيأتي في التفسير ذكر قائله إن
شاء الله تعالى وذكر شيخنا الشيخ مجد الدين الشيرازي صاحب القاموس أنه جمع في سبب تسمية
عيسى بذلك خمسين قولا أوردها في شرح المشارق قوله فتنة المحيا وفتنة الممات قال بن
دقيق العيد فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات
وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت
أضيفت إليه لقربها منه ويكون المراد بفتنة المحيا على هذا ما قبل ذلك ويجوز أن يراد بها فتنة
القبر وقد صح يعني في حديث أسماء الآتي في الجنائز إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من
فتنة الدجال ولا يكون مع هذا الوجه متكررا مع قوله عذاب القبر لأن العذاب مرتب عن
الفتنة والسبب غير المسبب وقيل أراد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر وبفتنة الممات
السؤال في القبر مع الحيرة وهذا من العام بعد الخاص لأن عذاب القبر انظر تحت
فتنة الممات وفتنة الدجال داخله تحت فتنة المحيا وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن سفيان
الثوري أن الميت إذا سئل من ربك تراءى له الشيطان فيشير إلى نفسه أني أنا ربك فلهذا ورد
سؤال التثبت له حين يسأل ثم أخرج بسند جيد إلى عمرو بن مرة كانوا يستحبون إذا وضع الميت
في القبر أن يقولوا اللهم أعذه من الشيطان قوله والمغرم أي الدين يقال غرم بكسر الراء أي
أدان قيل والمراد به ما يستدان فيما لا يجوز ثم يعجز عن أدائه ويحتمل أن يراد به ما هو
أعم من ذلك وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين وقال القرطبي المغرم الغرم وقد نبه
في الحديث على كلاهما اللاحق من المغرم والله أعلم قوله فقال له قائل لم أقف على اسمه ثم
وجدت في رواية للنسائي من طريق معمر عن الزهري أن السائل عن ذلك عائشة ولفظها فقلت
يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ الخ قوله ما أكثر بفتح الراء على التعجب وقوله إذا غرم بكسر
الراء قوله ووعد فأخلف كذا للأكثر وفي رواية الحموي وإذا وعد أخلف والمراد أن ذلك
شأن من يستدين غالبا قوله وعن الزهري الظاهر أنه معطوف على الإسناد المذكور فكأن
الزهري حدث به مطولا ومختصرا لكن لم أره في شمن المسانيد والمستخرجات من طريق شعيب
264

عنه إلا مطولا ورأيته باللفظ المختصر المذكور سندا ومتنا عند المصنف في كتاب الفتن من طريق
صالح بن جلس عن الزهري وكذلك أخرجه مسلم من طريق صالح وقد استشكل دعاؤه صلى
الله عليه وسلم بما ذكر مع أنه معصوم مغفور له ما تقدم وما تأخر وأجيب بأجوبة أحدها أنه
قصد التعليم لأمته ثانيها أن المراد السؤال منه لأمته فيكون المعنى هنا أعوذ بك لأمتي ثالثها
سلوك طريق التواضع وإظهار العبودية وإلزام خوف الله وإعظامه والافتقار إليه وامتثال
أمره في الرغبة إليه ولا يمتنع تكرار الطلب مع تحقق الإجابة لأن ذلك يحصل الحسنات ويرفع
الدرجات وفيه تحريض لأمته على ملازمة ذلك لأنه إذا كان مع تحقق المغفرة لا يترك التضرع
فمن لم يتحقق ذلك أحرى بالملازمة وأما الاستعاذة من فتنة الدجال مع تحققه أنه لا يدركه فلا
إشكال فيه على الوجهين الأولين وقيل على الثالث يحتمل أن يكون ذلك قبل تحقق عدم
إدراكه ويدل عليه قوله في الحديث الآخر عند مسلم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه الحديث
والله أعلم قوله عن أبي الخير هو اليزني بالتحتانية والزاي المفتوحتين ثم نون والإسناد كله سوى
طرفيه مصريون وفيه تابعي عن تابعي وهو يزيد عن أبي الخير وصحابي عن صحابي وهو عبد الله
بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه رواية الليث عن يزيد ومقتضاها أن
الحديث من مسند الصديق رضي الله عنه وأوضح من ذلك رواية أبي الوليد الطيالسي عن
الليث فإن لازم عن أبي بكر قال قلت يا رسول الله أخرجه البزار من طريقه وخالف عمرو بن
الحارث الليث فجعله من مسند عبد الله بن عمرو ولفظه عن أبي الخير أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول
إن أبا بكر قال للنبي صلى الله عليه وسلم هكذا رواه بن وهب عن عمرو ولا يقدح هذا الاختلاف
في صحة الحديث وقد أخرج المصنف طرق عمرو معلقة في الدعوات ادعاءه في التوحيد
وكذلك أخرج مسلم الطريقين طريق الليث وطريق بن وهب وزاد مع عمرو بن الحارث رجلا
مبهما وبين بن خزيمة في روايته أنه بن لهيعة قوله ظلمت نفسي أي بملابسة ما يستوجب
العقوبة أو ينقص الحظ وفيه أن الإنسان لا يعرى عن تقصير ولو كان صديقا قوله ولا يغفر
الذنوب إلا أنت فيه إقرار بالوحدانية واستجلاب للمغفرة وهو كقوله تعالى والذين إذا فعلوا
فاحشة أو ظلموا أنفسهم الآية فأثنى على المستغفرين وفي ضمن ثنائه عليهم بالاستغفار لوح
بالأمر به كما قيل إن كل شئ أثنى الله على فاعله فهو آمر به وكل شئ ذم فاعله فهو ناه عنه قوله
مغفرة من عندك قال الطيبي دل التنكير على أن المطلوب غفران عظيم لا يدرك كنهه ووصفه
بكونه من عنده سبحانه وتعالى مزيدا لذلك العظم لأن الذي يكون من عند الله لا يحيط به وصف
وقال بن دقيق العيد يحتمل وجهين أحدهما الإشارة إلى التوحيد المذكور كأنه قال لا يفعل هذا
إلا أنت فافعله لي أنت والثاني وهو أحسن أنه إشارة إلى طلب مغفرة متفضل بها لا يقتضيها
سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره انتهى وبهذا الثاني جزم بن الجوزي فقال المعنى هب
لي المغفرة تفضلا وإن لم أكن لها أهلا بعملي قوله إنك أنت الغفور الرحيم هما صفتان ذكرتا
ختما للكلام على جهة المقابلة لما تقدم فالغفور مقابل لقوله اغفر لي والرحيم مقابل لقوله
ارحمني وهي مقابلة مرتبة وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا استحباب طلب التعليم من
العالم خصوصا في الدعوات المطلوب فيها جوامع الكلم ولم يصرح في الحديث بتعيين محله وقد
265

تقدم كلام بن دقيق العيد في ذلك في أوائل الباب الذي قبله قال ولعله ترجح كونه فيما بعد
التشهد لظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل ونازعه الفاكهاني فقال الأولى الجمع
بينهما في المحلين المذكورين أي السجود والتشهد وقال النووي استدلال البخاري صحيح لأن
قوله في صلاتي يعم جميعها ومن مظانه هذا الموطن (قلت) ويحتمل أن يكون سؤال أبي بكر عن
ذلك كان عند قوله لما علمهم التشهد ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ومن ثم أعقب المصنف الترجمة
بذلك (قوله باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب) يشير إلى أن
الدعاء السابق في الباب الذي قبله لا يجب وإن كان قد ورد بصيغة الأمر كما أشرت إليه لقوله في آخر
حديث التشهد ثم ليتخير والمنفى وجوبه يحتمل أن يكون الدعاء الذي لا يجب دعاء مخصوص
وهذا واضح مطابق للحديث وأن كان التخيير مأمورا به ويحتمل أن يكون المنفى التخيير
ويحمل الأمر الوارد به على الندب ويحتاج إلى دليل قال ابن رشيد ليس التخيير في آحاد الشئ
بدال على عدم وجوبه فقد يكون أصل الشئ واجبا ويقع التخيير في وصفه وقال الزين بن المنير
قوله ثم ليتخير وإن كان بصيغة الأمر لكنها كثيرا ما ترد للندب وادعى بعضهم الإجماع على عدم
الوجوب وفيه نظر فقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن طاوس ما يدل على أنه يرى وجوب
الاستعاذة المأمور بها في حديث أبي هريرة المذكور في الباب قبله وذلك أنه سأل ابنه هل قالها
بعد التشهد فقال لا فأمره أن يعيد الصلاة وبه قال بعض أهل الظاهر وأفرط ابن حزم فقال
بوجوبها في التشهد الأول أيضا وقال ابن المنذر لولا حديث بن مسعود ثم ليتخير من الدعاء لقلت
بوجوبها وقد قال الشافعي أيضا بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد
وادعى أبو الطيب الطبري من أتباعه والطحاوي وآخرون أنه لم يسبق إلى ذلك واستدلوا على
ندبيتها بحديث الباب مع دعوى الإجماع وفيه نظر لأنه ورد عن أبي جعفر الباقر والشعبي
وغيرهما ما يدل على القول بالوجوب وأعجب من ذلك أنه صح عن ابن مسعود راوي حديث
الباب ما يقتضيه فعند سعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى أبي الأحوص
قال قال عبد الله يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه
بعد وقد وافق الشافعي أحمد في إحدى الكلب عنه وبعض أصحاب مالك وقال إسحق بن
راهويه أيضا بالوجوب لكن قال إن تركها ناسيا رجوت أن يجزئه فقيل إن له في المسئلة قولين
كأحمد وقيل بل كان يراها واجبة لا شرطا ومنهم من قيد تفرد الشافعي بكونه عينها بعد التشهد
لا قبله ولا فيه حتى لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء التشهد مثلا لم يجزئ عنده وسيأتي
مزيد لهذا في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى (قوله ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) زاد
أبو داود عن مسدد شيخ البخار فيه فيدعو به ونحوه النسائي من وجه آخر بلفظ فليدع به
ولإسحاق عن عيسى عن الأعمش ثم ليتخير من الدعاء ما أحب وفي رواية منصور عن أبي وائل عند
المصنف في الدعوات ثم ليتخير من الثناء ما شاء ونحوه لمسلم بلفظ من المسئلة واستدل به على جواز
الدعاء في الصلاة بما أختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة قال ابن بطال خالف في ذلك النخعي
وطاوس وأبو حنيفة فقالوا لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن كذا أطلق هو ومن تبعه
عن أبي حنيفة والمعروف في كتب الحنفية أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن أو ثبت
266

في الحديث وعبارة بعضهم ما كان مأثورا قال قائلهم والمأثور أعم من أن يكون
مرفوعا أو غير مرفوع لكن ظاهر حديث الباب يرد عليهم وكذا يرد على قول ابن سيرين لا يدعو في الصلاة
إلا بأمر الآخرة واستثنى بعض الشافعية ما يقبح من أمر الدنيا فإن أراد الفاحش من اللفظ
فمحتمل وإلا فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقا لا يجوز وقد ورد فيما يقال بعد التشهد أخبار
من أحسنها ما رواه سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عمير بن سعد قال كان عبد الله
يعني ابن مسعود يعلمنا التشهد في الصلاة ثم يقول إذا فرغ أحدكم من التشهد فليقل اللهم إني
أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم اللهم أني
أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبادك
الصالحون ربنا آتنا في الدنيا حسنة الآية قال ويقول لم يدع نبي ولا صالح بشئ إلا دخل في هذا
الدعاء وهذا من المأثور غير مرفوع وليس هو مما ورد في القرآن وقد استدل البيهقي بالحديث
المتفق عليه ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به وبحديث أبو هريرة رفعه إذ فرغ أحدكم
من التشهد فليتعوذ بالله الحديث وفي آخره ثم ليدعو لنفسه بما بدا له هكذا أخرجه البيهقي
وأصل الحديث في مسلم وهذه الزيادة صحيحة لأنها من الطريق التي أخرجها مسلم (قوله
باب من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى) قال الزين بن المنير ما حاصله ذكر البخاري
المستدل ودليله ووكل الأمر فيه لنظر المجتهد هل يوافق القدرة أو يخالفه وإنما فعل ذلك لما
يتطرق إلى الدليل من الاحتمالات لأن بقاء أثر الطين لا يستلزم نفى مسح الجبهة إذ يجوز أن يكون
مسحها وبقي الأثر بعد المسح ويحتمل أن يكون ترك المسح ناسيا أو تركه عامدا لتصديق رؤياه أو
لكونه لم يشعر ببقاء أثر الطين في جبهته أو لبيان الجواز أو لأن ترك المسح أولى لأن المسح عمل وإن كان
قليلا وإذا تطرقت هذه الاحتمالات لم ينهض الاستدلال لا سيما وهو فعل من الجبليات لا من
القرب (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف والحميدي هو شيخه المشهور أحد تلامذة الشافعي
(قوله يحتج بهذا) فيه إشارة إلى أنه يوافقه على ذلك ومن ثم لم يتعقبه وقد تقدم ما فيه وأنه إن
احتج به على المنع جملة لم يسلم من الاعتراض وأن الترك أولى (قوله حدثنا هشام) هو الدستوائي
ويحيى هو ابن أبي كثير (قوله حتى رأيت أثر الطين) هو محمول على أثر خفيف لا يمنع مباشرة
الجبهة للسجود وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى (قوله
باب التسليم) أي من الصلاة قيل لم يذكر المصنف حكمة لتعارض الأدلة عنده في
الوجوب وعدمه ويمكن أن يؤخذ الوجوب من حديث الباب حيث جاء فيه كان إذا سلم لأنه
يشعر بتحقيق مواظبته على ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلى وحديث
تحليلها التسليم أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح أما حديث إذا حالا وقد جلس في آخر
صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته فقد ضعفه فه الحفاظ وسيأتي الكلام على بقية فوائده بعد
أربعة أبواب * (تنبيه) * لم يذكر عدد التسليم وقد أخرج مسلم من حديث ابن مسعود ومن
حديث سعد بن أبي وقاص التسليمتين وذكر العقيلي وابن عبد البر أن حديث التسليمة الواحدة
معلول وبسط بن عبد البر الكلام على ذلك (قوله باب يسلم) أي المأموم (حين
يسلم الإمام) قال الزين بن المنير ترجم بلفظ الحديث وهو محتمل لأن يكون المراد أنه يبتدئ السلام
267

بعد ابتداء الإمام له فيشرع المأموم فيه قبل أن يتمه الإمام ويحتمل أن يكون المراد أن المأموم
يبتدئ السلام إذا أتمه الإمام قال فلما كان محتملا للأمرين وكل النظر فيه إلى المجتهد انتهى
ويحتمل أن يكون أراد أن الثاني ليس بشرط لأن اللفظ يحتمل أن يكون أراد الثاني ليس
بشرط لان يحتمل الصورتين فأيهما فعل المأموم جاز وكأنه أشار إلى أنه يندب أن لا يتأخر
المأموم في سلامه بعد الإمام متشاغلا بدعاء وغيره ويدل على ذلك ما ذكره عن ابن عمر والأثر
المذكور لم أقف على من وصله لكن عند ابن أبي شيبة عن ابن عمر ما يعطي معناه وقد تقدم
الكلام على حديث عتبان مطولا في أوائل الصلاة وأورده هنا مختصرا جدا وفي الباب الذي
يليه أتم منه وكلاهما من طريق عبد الله وهو ابن المبارك (قوله باب من لم يرد
السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة) أورد فيه حديث عتبان كما ذكرنا واعتماده فيه على
قوله ثم سلم وسلمنا حين سلم فإن ظاهره أنهم سلموا وكما سلامه وسلامه إما واحدة وهي التي يتحلل
بها من الصلاة وإما هي وأخرى معها فيحتاج من استحب تسليمة ثالثة على الإمام بين التسليمتين
كما تقوله المالكية إلى دليل خاص وإلى رد ذلك أشار البخاري وقال ابن بطال أظنه قصد الرد
على من يوجب التسليمة الثانية وقد نقله الطحاوي عن الحسن بن الحسن انتهى وفي هذا الظن بعد
والله أعلم (قوله وزعم) الزعم يطلق على القول المحقق وعلى القول المشكوك فيه وعلى الكذب
وينزل في كل موضع على ما يليق به والظاهر أن المراد به هنا الأول لأن محمود بن الربيع موثق عند
الزهري فقوله عنده مقبول (قوله من دلو كانت في دارهم) قال الكرماني كانت صفة لموصوف
محذوف أي من بئر كانت في دارهم ولفظ الدلو يدل عليه وقال غيره بل الدلو يذكر ويؤنث فلا
يحتاج إلى تقدير (قوله سمعت عتبان بن مالك الأنصاري ثم أحد بني سالم) بنصب أحد عطفا على
قوله الأنصاري وهو بمعنى قوله الأنصاري ثم السالمي هذا الذي يكاد من له أدنى ممارسة بمعرفة
الرجال أن يقطع به وقال الكرماني يحتمل أن يكون عطفا على عتبان يعني سمعت عتبان ثم
سمعت أحد بني سالم أيضا قال والمراد به فيما يظهر الحصين بن محمد فكأن محمودا سمع من عتبان
ومن الحصين قال وهو بخلاف ما تقدم في باب المساجد في البيوت أن الزهري هو الذي سمع
محمودا والحصين قال ولا منافاة بينهما لاحتمال أن الزهري ومحمودا سمعا جميعا من الحصين قال
ولو روى برفع أحد بأن يكون عطفا على محمود لساغ ووافق الرواية الأولى يعني فيصير التقدير
قال الزهري أخبرني محمود بن الربيع ثم أخبرني أحد بني سالم أي الحصين انتهى وكأن الحامل له
على ذلك كله قوله الزهري في الرواية السابقة ثم سألت الحصين بن محمد الأنصاري وهو أحد بني
سالم فكأنه ظن أن المراد بقوله ثم أحد بني سالم هنا هو المراد بقوله أحد بني سالم هناك ولا حاجة
لذلك فإن عتبان من بني سالم أيضا وهو عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان بن زياد بن غنم بن سالم
ابن عوف وقيل في نسبه غير ذلك مع الاتفاق على أنه من بني سالم والأصل عدم التقدير في إدخال
أخبرني بين ثم وأحد وعلى الاحتمال الذي ذكره إشكال آخر لأنه يلزم منه أن يكون الحصين بن
محمد هو صاحب القصة المذكورة أو أنها تعددت له ولعتبان وليس كذلك فإن الحصين المذكور
لا صحبة له بل لم أر من ذكر أباه في الصحابة وقد ذكر بن أبي حاتم الحصين بن محمد في الجرح والتعديل
ولم يذكر له شيخا غير عتبان بن مالك ونقل عن أبيه أن روايته عن مرسلة ولم يذكر أحد ممن صنف
268

في الرجال لمحمود بن الربيع رواية عن الحصين والله أعلم (قوله فلوددت) أي فوالله لوددت (قوله
اشتد النهار) أي ارتفعت الشمس (قوله فأشار إليه من المكان الذي أحب أن يصلي فيه) قال
الكرماني فاعل أشار النبي صلى الله عليه وسلم ومن للتبعيض قال ولا ينافي ما تقدم أنه قال
فأشرت له إلى المكان لامكان وقوع الإشارتين منه ومن النبي صلى الله عليه وسلم إما معا وإما
سابقا ولاحقا (قلت) والذي يظهر أن فاعل أشار هو عتبان لكن فيه التفات إذ ظاهر السياق أن
يقول فأشرت الخ وبهذا تتوافق الروايات والله أعلم (قوله باب الذكر بعد
الصلاة) أورد فيه أولا حديث ابن عباس من وجهين أحدهما أتم من الآخر وأغرب المزي
فجعلهما حديثين والذي يظهر أنهما حديث واحد كما سنبينه قوله أخبرني عمرو هو ابن دينار
المكي (قوله كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه أن مثل هذا عند البخاري يحكم له
بالرفع خلافا لمن شذ ومنع ذلك وقد وافقه مسلم والجمهور على ذلك وفيه دليل على جواز الجهر
بالذكر عقب الصلاة قال الطبري فيه الإبانة عن صحة ما كان بالصلاة الأمراء من التكبير عقب
الصلاة وتعقبه ابن بطال بأنه لم يقف على ذلك عن أحد من السلف إلا ما حكاه ابن حبيب في الواضحة
أنهم كانوا يستحبون التكبير في العساكر عقب الصبح والعشاء تكبيرا عاليا ثلاثا قال وهو قديم
من شأن الناس قال ابن بطال وفي العتبية عن مالك أن ذلك محدث قال وفي السياق إشعار بأن
الصحابة لم يكونوا يرفعون أصواتهم بالذكر في الوقت الذي قال فيه ابن عباس ما قال (قلت) في
التقييد بالصحابة نظر بل لم يكن حينئذ من الصحابة إلا القليل وقال النووي حمل الشافعي هذا
الحديث على أنهم جهروا به وقتا لفظه لأجل تعليم صفة الذكر لا أنهم داوموا على الجهر به والمختار
أن الإمام والمأموم يخفيان الذكر إلا إن احتيج إلى التعليم (قوله وقال ابن عباس) هو موصول
بالإسناد المبدأ به كما في رواية مسلم عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق به (قوله كنت أعلم)
فيه إطلاق العلم على الأمر المستند إلى الظن الغالب (قوله إذا انصرفوا) أي أعلم انصرافهم
بذلك أي برفع الصوت إذا سمعته أي الذكر والمعنى كنت ت أعلم بسماع الذكر انصرافهم (قوله
حدثني على) هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار (قوله كنت أعرف انقضاء
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير) وقع في رواية القدرة عن سفيان بصيغة الحصر
ولفظه ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير وكذا أخرجه مسلم
عن ابن أبي عمر عن سفيان واختلف في كون ابن عباس قال ذلك فقال عياض الظاهر أنه لم يكن
يحضر الجماعة لأنه كان صغيرا ممن لا يواظب على ذلك ولا يلزم به فكان يعرف انقضاء الصلاة
بما ذكر وقال غيره يحتمل أن يكون حاضرا في أواخر الصفوف فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم
وإنما كان يعرفه بالتكبير وقال ابن دقيق العيد يؤخذ منه أنه لم يكن هناك مبلغ جهير الصوت
يسمع من بعد (قوله بالتكبير) هو أخص من رواية ابن جريدة التي قبلها لأن الذكر أعم من
التكبير ويحتمل أن تكون هذه مفسرة لذلك فكان المراد أن رفع الصوت بالذكر أي بالتكبير
وكأنهم كانوا يبدؤون بالتكبير بعد الصلاة قبل التسبيح والتحميد وسيأتي الكلام على ذلك في
الحديث الذي بعده (قوله قال على) هو ابن المديني المذكور وثبتت هذه الزيادة في رواية المستملى
والكشميهني وزاد مسلم في روايته المذكورة قال عمرو يعني ابن دينار وذكرت ذلك لأبي معبد بعد
269

فأنكره وقال لم أحدثك بهذا قال عمرو قد أخبرتنيه قبل ذلك قال الشافعي بعد أن رواه عن سفيان
كأنه نسيه بعد أن حدثه به انتهى وهذا يدل على أن مسلما كان يرى صحة الحديث ولو أنكره راويه
إذا كان الناقل عنه عدلا ولأهل الحديث فيه تفصيل قالوا إما أن يجزم برده أو لا وإذا جزم فأما
أن يصرح بتكذيب الراوي عنه أو لا فإن لم يجزم بالرد كأن قال لا أذكره فهو متفق عندهم على
قبوله لأن الفرع ثقة والأصل لم يطعن فيه وأن جزم وصرح بالتكذيب فهو متفق عندهم على
رده لأن جزم الفرع بكون الأصل حدثه يستلزم تكذيب الأصل في دعواه أنه كذب عليه وليس
قبول قول أحدهما بأولى من الآخر وإن جزم بالرد ولم يصرح بالتكذيب فالراجح عندهم قبوله
وأما الفقهاء فاختلفوا فذهب الجمهور في هذه الصورة إلى القبول وعن بعض الحنفية ورواية
عن أحمد لا يقبل قياسا على الشاهد وللإمام فخر الدين في هذه المسئلة تفصيل نحو ما تقدم وزاد
فإن كان الفرع مترددا في سماعه والأصل جازما بعدمه سقط لوجود التعارض ومحصل كلامه
آنفا أنهما إن تساويا فالرد وإن رجح أحدهما عمل به وهذا الحديث من أمثلته وأبعد من قال إنما
نفى أبو معبد التحديث ولا يلزم منه نفى الأخبار وهو الذي وقع من عمرو ولا مخالفة وترده الرواية
التي فيها فأنكره ولو كان كما زعم لم يكن هناك إنكار ولان الفرق بين التحديث والاخبار إنما حدث
بعد ذلك وفي كتب الأصول حكاية الخلاف في هذه المسئلة عن الحنفية (قوله عن عبيد الله)
هو ابن عمر العمري وسمي هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن وهما مدنيان وعبيد الله تابعي صغير ولم
أقف لسمى على رواية عن أحد من الصحابة فهو من رواية الكبير عن الصغير وهما مدنيان وكذا
أبو صالح (قوله جاء الفقراء) سمي منهم في رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة أبو ذر الغفاري
أخرجه أبو داود وأخرجه جعفر الفريابي في كتاب الذكر له من حديث أبي ذر نفسه وسمي منهم
أبو الدرداء عند النسائي وغيره من طرق عنه ولمسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن
أبي هريرة أنهم قالوا يا رسول الله فذكر الحديث والظاهر أن أبا هريرة منهم وفي رواية النسائي عن
زيد بن ثابت قال أمرنا أن نسبح الحديث كما سيأتي لفظه وهذا يمكن أن يقال فيه إن زيد بن ثابت
كان منهم ولا يعارضه قوله في رواية ابن عجلان عن سمي عند مسلم جاء فقراء المهاجرين لكون زيد
ابن ثابت من الأنصار لاحتمال التغليب (قوله الدثور) بضم المهملة والمثلثة جمع دثر
بفتح ثم سكون هو المال الكثير ومن في قوله من الأموال للبيان ووقع عند الخطابي ذهب أهل
الدور من الأموال وقال كذا وقع الدور جمع دار والصواب الدثور انتهى وذكر صاحب المطالع
عن رواية أبي زيد المروزي أيضا الدور (قوله بالدرجات العلى) بضم العين جمع العلياء وهي تأنيث
الأعلى ويحتمل أن تكون حسية والمراد درجات الجنات أو معنوية والمراد علو القدر عند الله
(قوله والنعيم المقيم) وصفه بالإقامة إشارة إلى ضده وهو النعيم العاجل فإنه قل ما يصفو وإن
صفا فهو بصدد الزوال وفي رواية محمد بن أبي عائشة المذكورة ذهب أصحاب الدثور بالأجور
وكذا لمسلم من حديث أبي ذر زاد المصنف في الدعوات من رواية ورقاء عن سمي قال كيف
ذلك ونحوه لمسلم من رواية ابن عجلان عن سمي (قوله ويصومون كما نصوم) زاد في حديث أبي
الدرداء المذكور ويذكرون كما نذكر وللبزار من حديث ابن عمر صدقوا تصديقنا وآمنوا إيماننا
(قوله ولهم فضل أموال) كذا للأكثر بالإضافة وفي رواية الأصيلي فضل الأموال وللكشميهني
270

فصل من أموال (قوله يحجون بها) أي ولا نحج يشكل عليه ما وقع في رواية جعفر الفريابي من
حديث أبي الدرداء ويحجون كما نحج ونظيره ما وقع هنا ويجاهدون ووقع في الدعوات من
رواية ورقاء عن سمي وجاهدوا كما جاهدنا لكن الجواب عن هذا الثاني ظاهر وهو التفرقة بين
الجهاد الماضي فهو الذي اشتركوا فيه وبين الجهاد المتوقع فهو الذي تقدر عليه أصحاب
الأموال غالبا ويمكن أن يقال مثله في الحج ويحتمل أن يقرأ يحجون بها بضم أوله من الرباعي أي
يعينون غيرهم على الحج بالمال (قوله ويتصدقون) عند مسلم من رواية ابن عجلان عن سمي
ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق (قوله فقال ألا أحدثكم به بما إن أخذتم به في
رواية الأصيلي بأمر إن أخذتم وكذا للإسماعيلي وسقط قوله بما من أكثر الروايات وكذا قوله به
وقد فسر الساقط في الرواية الأخرى وفي رواية مسلم أفلا أعلمكم شيئا وفي رواية أبي داود فقال
يا أبا ذر ألا أعلمك كلمات تقوله تقولهن (قوله أدركتم من سبقكم) أي من أهل الأموال الذين امتازوا
عليكم بالصدقة والسبقية هنا تحتمل أن تكون معنوية وأن تكون حسية قال الشيخ تقى
الدين والأول أقرب وسقط قوله من سبقكم من رواية الأصيلي (قوله وكنتم خير من أنتم بين
ظهرانيهم) بفتح النون وسكون التحتانية وفي رواية كريمة وأبي الوقت ظهرانيه بالافراد وكذا
للإسماعيلي وعند مسلم من رواية ابن عجلان ولا يكون أحد أفضل منكم قيل ظاهره يخالف
ما سبق لأن الإدراك ظاهره المساواة وهذا ظاهره الأفضلية وأجاب بعضهم بأن الإدراك لا يلزم منه
المساواة فقد يدرك ثم يفوق وعلى هذا فالتقرب بهذا الذكر راجح على التقرب بالمال ويحتمل أن يقال
الضمير في كنتم للمجموع من السابق والمدرك وكذا قوله إلا من عمل مثل عملكم أي من الفقراء
فقال الذكر أو من الأغنياء فتصدق أو أن الخطاب للفقراء خاصة لكن يشاركهم الأغنياء في الخيرية
المذكورة فيكون كل من الصنفين خيرا ممن لا يتقرب بذكر ولا صدقة ويشهد له قوله في حديث ابن
عمر عند البزار أدركتم مثل فضلهم ولمسلم في حديث أبي ذر أوليس قد جعل لكم ما تتصدقون
إن بكل تسبيحة صدقة وبكل تكبيرة صدقة الحديث واستشكل تساوى فضل هذا الذكر بفضل
التقرب بالمال مع شدة المشقة فيه وأجاب الكرماني بأنه لا يلزم أن يكون القداب على قدر
المشقة في كل حالة واستدل لذلك بفضل كلمة الشهادة مع سهولتها على كثير من العبادات الشاقة
(قوله تسبحون وتحمدون وتكبرون) كذا وقع في أكثر الأحاديث تقديم التسبيح على التحميد
وتأخير التكبير وفي رواية ابن عجلان تقديم التكبير على التحميد خاصة وفيه أيضا قول أبي صالح
يقول الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ومثله لأبي داود من حديث أم الحكم وله من حديث أبي
هريرة تكبر وتحمد وتسبح وكذا في حديث ابن عمر وهذا الاختلاف دال على أن لا ترتيب فيها
ويستأنس لذلك بقوله في حديث الباقيات الصالحات لا يضرك بأيهن بدأت لكن يمكن أن يقال
الأولى البداءة بالتسبيح لأنه يتضمن نفى النقائص عن الباري سبحانه وتعالى ثم التحميد لأنه
يتضمن إثبات دابة له إذ لا يلزم من نفى النقائص إثبات الكمال ثم التكبير إذ لا يلزم من نفى
النقائص وإثبات الكمال أن يكون هناك كبير آخر ثم يختم بالتهليل الدال على انفراده سبحانه
وتعالى بجميع ذلك (قوله خلف كل صلاة) هذه الرواية مفسرة للرواية التي عند المصنف في
الدعوات وهي قوله دبر كل صلاة ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذر أثر كل صلاة وأما رواية دبر
271

فهي بضمتين قال الأزهري دبر الأمر يعني بضمتين ودبره يعني بفتح ثم سكون آخره وادعى أبو عمرو
الزاهد أنه لا يقال بالضم الا للجارحة ورد بمثل قولهم أعتق غلامه عن دبر ومقتضى الحديث
أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة فلو تأخر ذلك عن الفراغ فإن كان يسيرا بحيث
لا يعد معرضا أو كان ناسيا أو متشاغلا بما ورد أيضا بعد الصلاة كآية الكرسي فلا يضر وظاهر
قوله كل صلاة يشمل الفرض والنفل لكن حمله أكثر العلماء على الفرض وقد وقع في حديث
كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة وكأنهم حملوا المطلقات عليها وعلى هذا هل يكون
التشاغل بعد المكتوبة الراتبة بعدها فاصلا بين المكتوبة والذكر أو لا محل النظر والله أعلم
(قوله ثلاثا وثلاثين) يحتمل أن يكون المجموع للجميع فإذا وزع كان لكل واحد إحدى عشرة
وهو الذي فهمه سهيل بن أبي صالح كما رواه مسلم من طريق روح بن القاسم عنه لكن لم يتابع
سهيل على ذلك بل لم أر في شئ من طرق الحديث كلها التصريح بإحدى عشرة إلا في حديث ابن
عمر عند البزا وإسناده ضعيف والأظهر أن المراد أن المجموع لكل فرد فرد فعلى هذا ففيه تنازع
ثلاثة أفعال في ظرف ومصدر والتقدير تسبحون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدون كذلك
وتكبرون كذلك (قوله فاختلفنا بيننا) ظاهره أن أبا هريرة هو القائل وكذا قوله فرجعت إليه
وأن الذي رجع أبو هريرة إليه هو النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فالخلاف في ذلك وقع بين
الصحابة لكن بين مسلم في رواية ابن عجلان عن سمي أن القائل فاختلفنا هو سمي وأنه هو الذي
رجع إلى أبي صالح وأن الذي خالفه بعض أهله ولفظه قال سمي فحدثت بعض أهل هذا الحديث
قال وهمت فذكر كلامه قال فرجعت إلى أبي صالح وعلى رواية مسلم اقتصر صاحب العمدة
لكن لم يوصل مسلم هذه الزيادة فإنه أخرج الحديث عن قتيبة عن الليث عن ابن عجلان ثم قال زاد
غير قتيبة في هذا الحديث عن الليث فذكرها والغير المذكور يحتمل أن يكون شعيب بن الليث
أو سعيد بن أبي مريم فقد أخرجه أبو عوانة في مستخرجه عن الربيع بن سليمان عن شعيب
وأخرجه الجوزقي والبيهقي من طريق سعيد وتبين بهذا أن في رواية عبيد الله بن عمر عن سمي في
حديث الباب إدراجا وقد روى ابن حبان هذا الحديث من طريق المعتمر بن سليمان بالإسناد
المذكور فلم يذكر قوله فاختلفنا إلى آخره قوله ونكبر أربعا وثلاثين) هو قول بعض أهل سمي
كما تقدم التنبيه عليه من رواية مسلم وقد تقدم احتمال كونه من كلام بعض الصحابة وقد جاء
مثله في حديث أبي الدرداء عند النسائي وكذا عنده من حديث ابن عمر بسند قوي ومثله لمسلم
من حديث كعب بن عجرة ونحوه لابن ماجة من حيث أبي ذر لكن شك بعض رواته في أنهن أربع
وثلاثون ويخالف ذلك ما في رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة عند أبي داود ففيه ويختم
المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخره وكذا لمسلم في رواية عطاء بن يزيد عن أبي هريرة
ومثله لأبي داود في حديث أم الحكم ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذر قال النووي ينبغي أن
يجمع بين الروايتين بان يكبر أربعا وثلاثين ويقول معها لا إله إلا الله وحده إلى آخره وقال غيره بل
يجمع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة ومرة بلا إله إلا الله على وفق ما وردت به الأحاديث (قوله حتى
يكون منهن كلهن) بكسر اللام تأكيدا للضمير المجرور (قوله ثلاث وثلاثون) بالرفع وهو
اسم كان وفي رواية كريمة والأصيلي وأبي الوقت ثلاثا وثلاثين وتوجه بان اسم كان محذوف
272

والتقدير حتى يكون العدد منهن كلهن ثلاثة وثلاثين وفي قوله منهن كلهن الاحتمال المتقدم
هل العدد للجميع أو المجموع وفي رواية ابن عجلان ظاهرها أن العدد للجميع لكن يقول ذلك
مجموعا وهذا اختبار أبي صالح لكن الرواية الثابتة عن غيره الأفراد قال عياض وهو أولى
ورجح بعضهم الجمع للاتيان بواو العطف والذي يظهر أن كلا من الأمرين حسن إلا أن
الإفراد يتميز بأمر آخر وهو أن الذاكر يحتاج إلى العدد وله على كل حركة لذلك سواء كان
بأصابعه أو بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه الا الثلث * (تنبيهان) * الأول وقع في
رواية ورقاء عن سمي عند المصنف في الدعوات في هذا الحديث تسبحون عشرا وتحمدون
عشرا وتكبرون عشرا ولم أقف في شئ من طرق حديث أبي هريرة على من تابع ورقاء على ذلك
لا عن سمي ولا عن غيره ويحتمل أن يكون تأول ما تأول سهيل من التوزيع ثم ألفى الكسر
ويعكر عليه أن السياق صريح في كونه كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجدت لرواية العشر
شواهد منها عن علي عند أحمد وعن سعد بن أبي وقاص عند النسائي وعن عبد الله بن عمرو
عنده وعند أبي داود والترمذي وعن أم سلمة عند البزار وعن أم مالك الأنصارية عند الطبراني
وجمع البغوي في شرح السنة بين هذا الاختلاف باحتمال أن يكون ذلك صدر في أوقات
متعددة أو لها عشرا عشرا ثم إحدى عشرة إحدى عشرة ثم ثلاثا وثلاثين ثلاثا وثلاثين
ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل التخيير أو يفترق بافتراق الأحوال وقد جاء من حديث زيد بن
ثابت وابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يقولوا كل ذكر منها خمسا وعشرين ويزيدوا فيها
لا إله إلا الله خمسا وعشرين ولفظ زيد بن ثابت أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين
ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين فأتى رجل في منامه فقيل له أمركم محمد أن تسبحوا
فذكره قال نعم قال اجعلوها خمسا وعشرين واجعلوا فيها التهليل فلما أصبح أتى النبي صلى الله
عليه وسلم وأخبره فقال فافعلوه أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان ولفظ ابن عمر رأى
رجل من الأنصار فيما يرى النائم فذكر نحوه وفيه فقيل له سبح خمسا وعشرين وأحمد خمسا
وعشرين وكبر خمسا وعشرين وهلل خمسا وعشرين فتلك مائة فأمرهم النبي صلى الله عليه
وسلم أن يفعلوا كما قال أخرجه النسائي وجعفر الفريابي واستنبط من هذا أن مراعاة العدد
المخصوص في الأذكار معتبرة وإلا يمكن أن يقال لهم أضيفوا لها التهليل ثلاثا وثلاثين
وقد كان بعض العلماء يقول إن الاعداد الواردة كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب
مخصوص فزاد الآتي بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص لاحتمال
أن يكون لتلك الاعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد قال شيخنا الحافظ أبو
الفضل في شرح الترمذي وفيه نظر لأنه أتى بالمقدار الذي رتب الثواب على الاتيان به فحصل له
الثواب بذلك فإذا زاد عليه من جنسه كيف تكون الزيادة مزيلة لذلك الثواب بعد حصوله أه
ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية فإن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ثم أتى
بالزيادة فالأمر كما قال شيخنا لا محالة وان زاد بغير نية بأن يكون الثواب رتب على عشرة
مثلا فرتبه هو على مائة فيتجه القول الماضي وقد بالغ القرافي في القواعد فقال من البدع
المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعا لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئا أن يوقف عنده
273

ويعد الخارج عنه مسئ للأدب أه وقد مثله بعض العلماء بالدواء يكون مثلا فيه أوقية سكر فلو
زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به فلو اقتصر على الأوقية في الدواء ثم استعمل من السكر
بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الانتفاع ويؤيد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص
مع طلب الإتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من قطع
الموالاة لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمة خاصة تفوت بفواتها والله أعلم (التنبيه
الثاني) زاد مسلم في رواية ابن عجلان عن سمي قال أبو صالح فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلناه ففعلوا مثله فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ثم ساقه مسلم من رواية روح بن القاسم عن
سهيل عن أبيه عن أبي هريرة فذكر طرفا منه ثم قال بمثل حديث قتيبة قال إلا أنه أدرج في
حديث أبي هريرة قول أبي صالح فرجع فقراء المهاجرين (قلت) وكذا رواه أبو معاوية عن
سهيل مدرجا أخرجه جعفر الفريابي وتبين بهذا أن الزيادة المذكورة مرسلة وقد روى
الحديث البزار من حديث ابن عمر وفيه فرجع الفقراء فذكره موصولا لكن قد قدمت أن إسناده
ضعيف ورواه جعفر الفريابي من رواية حرام بن حكيم وهو بحاء وراء مهملتين عن أبي ذر وقال
فيه فقال أبو ذر يا رسول الله إنهم قد قالوا مثل ما نقول فقال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ونقل
الخطيب أن حرام بن حكيم يرسل الرواية عن أبي ذر فعلى هذا لم يصح بهذه الزيادة إسناد إلا أن
هذين الطريقين يقوي بهما مرسل أبي صالح قال ابن بطال عن المهلب في هذا الحديث فضل
الغني نصا لا تأويلا إذا استوت أعمال الغني والفقير فيما افترض الله عليهما فللغني حينئذ فضل
عمل البر من الصدقة ونحوها مما لا سبيل للفقير إليه قال ورأيت بعض المتكلمين ذهب إلى أن هذا
الفضل يخص الفقراء دون غيرهم أي الفضل المترتب على الذكر المذكور وغفل عن قوله في نفس
الحديث إلا من صنع مثل ما صنعتم فجعل الفضل لقائله كائنا من كان وقال القرطبي تأول بعضهم
قوله ذلك فضل الله يؤتيه بان قال الإشارة راجعة إلى الثواب المترتب على العمل الذي يحصل به
التفضيل عند الله فكأنه قال ذاك الثواب الذي أخبرتكم به لا يستحقه أحد بحسب الذكر ولا
بحسب الصدقة وإنما هو بفضل الله قال وهذا التأويل فيه بعد ولكن اضطره إليه ما يعارضه
وتعقب بأن الجمع بينه وبين ما يعارضه ممكن من غير احتياج إلى التعسف وقال ابن دقيق العيد
ظاهر الحديث القريب من النص أنه فضل الغني وبعض الناس تأوله بتأويل مستكره كأنه يشير
إلى ما تقدم قال والذي يقتضيه النظر أنهما إن تساويا وفضلت العبادة المالية أنه يكون الغني
أفضل وهذا لا شك فيه وإنما النظر إذا تساويا وانفرد كل منهما بمصلحة ما هو فيه أيهما أفضل
إن فسر الفضل بزيادة الثواب فالقياس يقتضى أن المصالح المتعدية أفضل من القاصرة فيترجح
الغني وإن فسر بالأشرف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي يحصل لها من التطهير بسبب الفقر
أشرف فيترجح الفقر ومن ثم ذهب جمهور الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر وقال
القرطبي للعلماء في هذه المسئلة خمسة أقوال ثالثها الأفضل الكفاف رابعها يختلف
باختلاف الأشخاص خامسها التوقف وقال الكرماني قضية الحديث أن شكوى الفقر
تبقى بحالها وأجاب بان مقصودهم كان تحصيل الدرجات العلا والنعيم المقيم لهم أيضا لا نفى
274

الزيادة عن أهل الدثور مطلقا أه والذي يظهر أن مقصودهم إنما كان طلب المساواة ويظهر
أن الجواب وقع قبل أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن متمني الشئ يكون شريكا لفاعله في الأجر
كما سبق في كتاب العلم في الكلام على حديث ابن مسعود الذي أوله لا حسد إلا في اثنتين فإن في
رواية الترمذي من وجه آخر التصريح بأن المنفق والمتمني إذا كان صادق النية في الأجر سواء
وكذا قوله صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من يعمل بها من غير أن ينقص
من أجره شئ فإن الفقراء في هذه القصة كانوا السبب في تعلم الأغنياء الذكر المذكور فإذا
استووا معهم في قوله امتاز الفقراء بأجر السبب مضافا إلى التمني فلعل ذلك يقاوم التقرب بالمال
وتبقى المقايسة بين صبر الفقير على شظف العيش وشكر الغني على التنعم بالمال ومن ثم وقع التردد
في تفضيل أحدهما على الآخر وسيكون لنا عودة إلى ذلك في الكلام على حديث الطاعم
الشاكر مثل الصائم الصابر في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى وفي الحديث من الفوائد غير
ما تقدم أن العالم إذا سئل عن مسئلة يقع فيها الخلاف أن يجيب بما يلحق به المفضول درجة
الفاضل ولا يجيب بنفس الفاضل لئلا يقع الخلاف كذا قال ابن بطال وكأنه أخذه من كونه صلى
الله عليه وسلم أجاب بقوله ألا أدلكم على أمر تساوونهم فيه وعدل عن قوله نعم هم أفضل منكم
بذلك وفيه التوسعة في الغبطة وقد تقدم تفسيرها في كتاب العلم والفرق بينها وبين الحسد
المذموم وفيه المسابقة إلى الأعمال المحصلة للدرجات العالية لمبادرة الأغنياء إلى العمل بما
بلغهم ولم ينكر عليهم صلى الله عليه وسلم فيؤخذ منه أن قوله إلا من عمل عام للفقراء والأغنياء
خلافا لمن أوله بغير ذلك وفيه أن العمل السهل قد يدرك به صاحبه فضل العمل الشاق وفيه فضل
الذكر عقب الصلوات واستدل به البخاري على فضل الدعاء عقيب الصلاة كما سيأتي في الدعوات
لأنه في معناها ولأنها أوقات فاضلة يرتجى فيها إجابة الدعاء وفيه أن العمل القاصر قد يساوي
المتعدى خلافا لمن قال إن المتعدى أفضل مطلقا نبه على ذلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام
(قوله حدثنا سفيان) هو الثوري ورجال الإسناد كلهم كوفيون إلا محمد بن يوسف وهو
الفريابي (قوله عن وراد) في رواية معتمر بن سليمان عن سفيان عند الإسماعيلي حدثني
وراد (قوله أملى على المغيرة) أي ابن شعبة (في كتاب إلى معاوية) كان المغيرة إذ ذاك أميرا على
الكوفة من قبل معاوية وسيأتي في الدعوات من وجه آخر عن وراد بيان السبب في ذلك وهو
أن معاوية كتب إليه اكتب لي بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي القدر
من رواية عبدة بن أبي لبابة عن وراد قال كتب معاوية إلى المغيرة اكتب إلى ما سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة وقد قيدها في رواية الباب بالمكتوبة فكأن المغيرة فهم ذلك من
قرينة في السؤال واستدل به على العمل بالمكاتبة وإجرائها مجرى السماع في الرواية ولو لم تقترن
بالإجازة وعلى الاعتماد على خبر الشخص الواحد وسيأتي في القدر في آخره أن ورادا قال ثم وفدت
بعد على معاوية فسمعته يأمر الناس بذلك وزعم بعضهم أن معاوية كان قد سمع الحديث المذكور
وإنما أراد استثبات المغيرة واحتج بما في الموطأ من وجه آخر عن معاوية أنه كان يقول على المنبر
أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطى لما منع الله ولا ينفع ذا الجد منه الجد من يرد الله به
خيرا يفقهه في الدين ثم يقول سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأعواد (قوله
275

له الملك وله الحمد) زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة يحيى ويميت وهو حي يموت بيده الخير
إلى قدير ورواته موثقون وثبت مثله عند البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف بسند
ضعيف لكن في القول إذا أصبح وإذا أمسى (قوله ولا ينفع ذا الجد منك الجد) قال الخطابي
الجد الغني ويقال الحظ قال ومن في قوله منك بمعنى البدل قال الشاعر
فليت لنا من ماء زمزم شربة * مبردة باتت على الظمآن
يريد ليت لنا بدل ماء زمزم أه وفي الصحاح معنى منك هنا عندك أي لا ينفع ذا الغني عندك غناه
إنما ينفعه العمل الصالح وقال ابن التين الصحيح عندي أنها ليست بمعنى البدل ولا عند بل هو
كما تقول ولا ينفعك مني شئ إن أنا أردتك بسوء ولم يظهر من كلامه معنى ومقتضاه أنها بمعنى عند
أو فيه حذف تقديره من قضائي أو سطوتي أو عذابي واختار الشيخ جمال الدين في المغني الأول
قال ابن دقيق العيد قوله منك يجب أن يتعلق بينفع وينبغي أن يكون ينفع قد ضمن معنى يمنع
وما قاربه ولا يجوز أن يتعلق منك بالجد كما يقال حظى منك كثير لأن ذلك نافع أه والجد
مضبوط في جميع الروايات بفتح الجيم ومعناه الغني كما نقله المصنف عن الحسن أو الحظ وحكى
الراغب أن المراد به هنا أبو الأب أي لا ينفع أحدا نسبه قال القرطبي حكى عن أبي عمرو الشيباني
أنه رواه بالكسر وقال معناه لا ينفع ذا الاجتهاد اجتهاده وأنكره الطبري وقال القزاز في
توجيه إنكاره الاجتهاد في العمل نافع لأن الله قد دعا الخلق إلى ذلك فكيف لا ينفع عنده قال
فيحتمل أن يكون المراد أنه لا ينفع الاجتهاد في طلب الدنيا وتضييع أمر الآخرة وقال غيره
لعل المراد أنه لا ينفع بمجرده ما لم يقارنه القبول وذلك لا يكون إلا بفضل الله ورحمته كما تقدم في
شرح قوله لا يدخل أحدا منكم الجنة عمله وقيل المراد على رواية الكسر السعي التام في الحرص
أو الإسراع في الهرب قال النووي الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه بالفتح وهو الحظ في
الدنيا بالمال أو الولد أو العظمة أو السلطان والمعنى لا ينجيه حظه منك وإنما ينجيه فضلك ورحمتك
وفي الحديث استحباب هذا الذكر عقب الصلوات لما اشتمل عليه من ألفاظ التوحيد ونسبة
الأفعال إلى الله والمنع والإعطاء وتمام القدرة وفيه المبادرة إلى امتثال السنن واشاعتها
* (فائدة) * اشتهر على الألسنة في الذكر المذكور زيادة ولا راد لما قضيت وهي في مسند عبد بن
حميد من رواية معمر عن عبد الملك بن عمير بهذا الإسناد لكن حذف قوله ولا معطى لما منعت
ووقع عند الطبراني تاما من وجه آخر كما سنذكره في كتاب القدر إن شاء الله تعالى ووقع عند أحمد
والنسائي وابن خزيمة من طريق هشيم عن عبد الملك بالإسناد المذكور أنه كان يقول الذكر
المذكور أولا ثلاث مرات (قوله وقال شعبة عن عبد الملك بن عمير بهذا) وصله السراج في
مسنده والطبراني في الدعاء وابن حبان من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة ولفظه عن عبد الملك
ابن عمير سمعت ورادا غالبا المغيرة بن شعبة أن المغيرة كتب إلى معاوية فذكره وفي قوله كتب
تجوز لما تبين من رواية سفيان وغيره أن الكاتب هو وراد لكنه كتب بأمر المغيرة واملائه
عليه وعند مسلم من رواية عبدة عن وراد قال كتب المغيرة إلى معاوية كتب ذلك الكتاب
له وراد فجمع بين الحقيقة والمجاز (قوله وقال الحسن جد غنى) الأولى في قراءة هذا
الحرف أن يقرأ بالرفع بغير تنوين على الحكاية ويظهر ذلك من لفظ الحسن فقد وصله ابن
276

أبي حاتم من طريق أبي رجاء وعبد بن حميد من طريق سليمان التيمي كلاهما عن الحسن في قوله
تعالى وأنه تعالى جد ربنا قال غنى ربنا وعادة البخاري إذا وقع في الحديث لفظة غريبة وقع
مثلها في القرآن يحكي قول أهل التفسير فيها وهذا منها ووقع في رواية كريمة قال الحسن الجد
غنى وسقط هذا الأثر من أكثر الروايات (قوله وعن الحكم) هكذا وقفي رواية أبي ذر التعليق
عن الحكم مؤخرا عن أثر الحسن وفي رواية كريمة بالعكس وهو الأصوب لأن قوله وعن
الحكم معطوف على قوله عن عبد الملك فهو من رواية شعبة عن الحكم أيضا وكذلك أخرجه
السراج والطبراني وابن حبان بالإسناد المذكور إلى شعبة ولفظه كلفظ عبد الملك إلا أنه قال
فيه كان إذا قضى صلاته وسلم قال فذكره ووقع نحو هذا التصريح لمسلم من طريق المسيب
ابن رافع عن وراد به (قوله باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم) أورد فيه
ثلاثة أحاديث أحدها حديث سمرة بن جندب وسيأتي مطولا في أواخر الجنائز ثانيها حديث
زيد بن خالد الجهني وسيأتي في كتاب الاستسقاء ثالثها حديث أنس وقد تقدم الكلام عليه في
المواقيت وفي فضل انتظار الصلاة من أبواب الجماعة والأحاديث الثلاثة مطابقة لما ترجم له
وأصرحها حديث زيد بن خالد حيث قال فيه فلما انصرف وأما قوله في حديث سمرة كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فالمعنى إذا صلى صلاة ففرغ منها
أقبل علينا لضرورة أنه لا يتحول عن القبلة قبل فراغ الصلاة وقوله في حديث أنس فلما صلى
أقبل يأتي فيه نحو ذلك وسياق سمرة ظاهره أنه كان يواظب على ذلك قيل الحكمة في استقبال
المأمومين أن يعلمهم ما يحتاجون إليه فعلى هذا يختص بمن كان في مثل حاله صلى الله عليه وسلم
من قصد التعليم والموعظة وقيل الحكمة فيه تعريف الداخل بان الصلاة انقضت إذ لو استمر
الإمام على حاله لأوهم أنه في التشهد مثلا وقال الزين بن المنير استدبار الإمام المأمومين
إنما هو لحق الإمامة فإذا انقضت الصلاة زال السبب فاستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء
والترفع على المأمومين والله أعلم (قوله باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام)
أي وبعد استقبال القوم فيلائم ما تقدم ثم أن المكث لا يتقيد بحال من ذكر أو دعاء أو تعليم
أو صلاة نافلة ولهذا ذكر في الباب مسألة تطوع الإمام في مكانه (قوله وقال لنا آدم إلى آخره
هو موصول وإنما عبر بقوله قال لنا لكونه موقوفا مغايرة بينه وبين المرفوع هذا الذي عرفته
بالاستقراء من صنيعه وقيل إنه لا يقول ذلك إلا فيما حمله مذاكرة وهو محتمل لكنه ليس بمطرد
لأني وجدت كثيرا مما قال فيه قال لنا في الصحيح قد أخرجه في تصانيف أخرى بصيغة حدثنا
وقد روى ابن أبي شيبة أثر ابن عمر من وجه آخر عن أيوب عن نافع قال كان ابن عمر يصلي سبحته
مكانه (قوله وفعله القاسم) أي ابن محمد بن أبي بكر الصديق وقد وصله ابن أبي شيبة عن معتمر
عن عبيد الله بن عمر قال رأيت القاسم وسالما يصليان الفريضة ثم يتطوعان في مكانهما
(قوله ويذكر عن أبي هريرة رفعه) أي قال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله لا يتطوع
الإمام في مكانه) ذكره بالمعنى ولفظه عند أبي داود أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه
أو عن شماله في الصلاة ولابن ماجة إذا صلى أحدكم زاد أبو داود يعني في السجة و للبيهقي إذا أراد
277

أحدكم أن يتطوع بعد الفريضة فليتقدم الحديث (قوله ولم يصح) هو كلام البخاري و ذلك
لضعف إسناده واضطرابه تفرد به ليث بن أبي سليم وهو ضعيف واختلف عليه فيه وقد ذكر
البخاري الاختلاف فيه في تاريخه وقال لم يثبت هذا الحديث وفي الباب عن المغيرة بن شعبة
مرفوعا أيضا بلفظ لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول رواه أبو داود وإسناده
منقطع وروى ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي قال من السنة أن لا يتطوع الإمام حتى
يتحول من مكانه وحكى ابن قدامة في الغني عن أحمد أنه كره ذلك وقال لا أعرفه عن غير على
فكأنه لم يثبت عنده حديث أبي هريرة ولا المغيرة وكان المعنى في كراهة ذلك خشية التباس
النافلة بالفريضة وفي مسلم عن السائب بن يزيد أنه صلى مع معاوية الجمعة فتنفل بعدها فقال
له معاوية إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج فإن النبي صلى الله عليه وسلم
أمرنا بذلك ففي هذا إرشاد إلى طريق الأمن من الالتباس وعليه تحمل الأحاديث المذكورة
ويؤخذ من مجموع الأدلة أن للإمام أحوالا لأن الصلاة إما أن تكون مما يتطوع بعدها أولا
يتطوع الأول اختلف فيه هل يتشاغل قبل التطوع بالذكر المأثور ثم يتطوع وهذا الذي عليه
عمل الأكثر وعند الحنفية يبدأ بالتطوع وحجة الجمهور حديث معاوية ويمكن أن يقال لا يتعين
الفصل بين الفريضة والنافلة بالذكر بل إذا تنحى من مكانه كفى فإن قيل لم يثبت الحديث في التنحي
قلنا قد ثبت في حديث معاوية أو تخرج ويترجح تقديم الذكر المأثور بتقييده في الأخبار الصحيحة
بدبر الصلاة وزعم بعض الحنابلة أن المراد بدبر الصلاة ما قبل السلام وتعقب بحديث ذهب أهل
الدثور فإن فيه تسبحون دبر كل صلاة وهو بعد السلام جزما فكذلك ما شابهه وأما الصلاة التي
لا يتطوع بعدها فيتشاغل الإمام ومن معه بالذكر المأثور ولا يتعين له مكان بل إن شاءوا انصرفوا
وذكروا وإن شاءوا مكثوا وذكروا وعلى الثاني إن كان للإمام عادة أن يعلمهم أو يعظهم فيستحب
أن يقبل عليهم بوجهه جميعا وأن كان لا يزيد على الذكر المأثور فهل يقبل عليهم جميعا أو ينفتل
فيجعل يمينه من قبل المأمومين ويساره من قبل القبلة ويدعو الثاني هو الذي جزم به أكثر
الشافعية ويحتمل إن قصر زمن ذلك أن يستمر مستقبلا للقبلة من أجل أنها أليق بالدعاء
ويحمل الأول على ما لو طال الذكر والدعاء والله أعلم (قوله عن هند بنت الحرث) هي تابعية ولا
أعرف عنها راويا غير الزهري وهي من أفراد البخاري عن مسلم وسيأتي الخلاف في نسبتها (قوله
قال ابن شهاب) هو الزهري وهو موصول بالإسناد المذكور وقوله فنرى بضم النون أي تظن
(قوله من النساء) زاد في باب التسليم من هذا الوجه قبل أن يدركهن من انصرف من القوم أي
الرجال وهو لفظه في رواية يحيى بن قزعة الآتية بعد أبواب (قوله وقال ابن أبي مريم) رويناه
موصولا في الزهريات لمحمد بن يحيى الذهلي قال حدثنا سعيد بن أبي مريم فذكره (قوله من
صواحباتها) جمع صاحبة وهي لغة والمشهور صواحب كضوارب وضاربة وقيل هو جمع
صواحب وهو جمع صاحبة (قوله كان يسلم) أي النبي صلى الله عليه وسلم وأفادت هذه الرواية
الإشارة إلى أقل مقدار كان يمكثه صلى الله عليه وسلم (قوله وقال بن وهب إلى آخره) وصله
النسائي عن محمد بن سلمة عنه بالإسناد المذكور ولفظه أن النساء كن إذا سلمن قمن وثبت رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم
278

قام الرجال (قوله وقال عثمان بن عمر) سيأتي موصولا بعد أربعة أبواب من طريقة (قوله وقال
الزبيدي) وصله الطبراني في مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم عنه بتمامه وفيه أن
النساء كن يشهدن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سلم قام النساء فانصرفن إلى
بيوتهن قبل أن يقوم الرجال (قوله وقال شعيب) هو ابن أبي حمزة وابن أبي عتيق هو محمد بن
عبد الله وروايتهما موصولة في الزهريات أيضا ومراد البخاري بيان الاختلاف في نسب هند
وأن منهم من قال الفراسية نسبة إلى بني فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء آخره مهملة وهم بطن
من كنانة ومنهم من قال القرشية فمن قال من أهل النسب إن كنانة جماع قريش فلا مغايرة بين
النسبتين ومن قال إن جماع قريش فهر بن مالك فيحتمل أن يكون اجتماع النسبتين لهند على أن
أحدهما بالأصالة والأخرى بالمخالفة وأشار البخاري برواية الليث الأخيرة إلى الرد على من زعم
أن قول من قال القرشية تصحيف من الفراسية لقوله فيه عن امرأة من قريش وفي رواية
الكشميهني أن امرأة وقوله فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير موصول لأنها تابعية كما تقدم
وكأن التقصير فيه من يحيى بن سعيد وهو الأنصاري وروايته عن ابن شهاب من رواية الأقران وفي
الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين والاحتياط في اجتناب ما قد يفضى إلى المحذور وفيه
اجتناب مواضع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت ومقتضى
التعليل المذكور أن المأمومين إذا كانوا رجالا فقط أن لا يستحب هذا المكث وعليه حمل بن قدامة
حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام
ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام أخرجه مسلم وفيه أن النساء كن يحضرن الجماعة
في المسجد وستأتى المسئلة قريبا (قوله باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم)
الغرض من هذه الترجمة بيان أن المكث المذكور في الباب قبله محله ما إذا لم يعرض ما يحتاج
معه إلى القيام (قوله حدثنا محمد بن عبيد) أي ابن ميمون العلاف وثبت كذلك في رواية ابن
عساكر (قوله عن عمر بن سعيد) أي ابن أبي حسين المكي (قوله عن عقبة) هو ابن الحارث النوفلي
وللمصنف في الزكاة من رواية أبي عاصم عن عمر بن سعيد أن عقبة بن الحرث حدثه (قوله فسلم
فقام) في رواية الكشميهني ثم قام (قوله ففزع الناس) أي خافوا وكانت تلك عادتهم إذا رأوا منه
غير ما يعهدونه خشية أن ينزل فيهم شئ يسوؤهم (قوله فرأى أنهم قد عجبوا) في رواية أبي عاصم
فقلت أو فقيل له وهو شك من الراوي فإن كان قوله فقلت محفوظا فقد تعين الذي سأل النبي صلى
الله عليه وسلم من الصحابة عن ذلك (قوله ذكرت شيئا من تبر) في رواية روح عن عمر بن سعيد في
أواخر الصلاة ذكرت وأنا في الصلاة وفي رواية أبي عاصم تبرا من الصدقة والتبر بكسر المثناة
وسكون الموحدة الذهب الذي لم يصف ولم يضرب قال الجوهري لا يقال إلا للذهب وقد قاله
بعضهم في الفضة انتهى وأطلقه بعضهم على جميع جواهر الأرض قبل أن تصاغ أو تضرب حكاه
ابن الأنباري عن الكسائي وكذا أشار إليه ابن دريد وقيل هو الذهب المكسور حكاه ابن سيده
(قوله يحبسني) أي ويؤلمه التفكر فيه عن التوجه والاقبال على الله تعالى وفهم منه ابن بطال
معنى آخر فقال فيه أن تأخير الصدقة تحبس المؤلف يوم القيامة (قوله فأمرت بقسمته) في
رواية أبي عاصم فقسمته وفي الحديث أن المكث بعد الصلاة ليس بواجب وأن التخطي للحاجة
279

مباح وأن التفكير في الصلاة في أمر لا يتعلق بالصلاة لا يفسدها ولا ينقص من كمالها وأن إنشاء
العزم في أثناء الصلاة على الأمور الجائزة لا يضر وفيه إطلاق الفعل على ما يأمر به الإنسان وجواز
الاستنابة مع القدرة على المباشرة (قوله باب الانفتال والانصراف عن اليمن
والشمال) قال الزين بن المنير جمع في الترجمة بين الانفتال والانصراف للإشارة إلى أنه لا فرق في
الحكم بين الماكث في مصلاه إذا انفتل لاستقبال المأمومين وبين المتوجه لحاجته إذا انصرف
إليها (قوله وكان أنس بن مالك إلى آخره) وصله مسدد في مسنده الكبير من طريق سعيد عن
قتادة قال كان أنس فذكره وقال فيه ويعيب على من يتوخى ذلك أن لا ينفتل إلا عن يمينه
ويقول يدور كما يدور الحمار وقوله يتوخى بخاء معجمة مشددة أي يقصد وقوله أو تعمد شك من
الراوي (قلت) وظاهر هذا الأثر عن أنس يخالف ما رواه مسلم من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن
السدي قال سألت أنسا كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يسارى قال أما أنا فأكثر
ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه ويجمع بينهما بأن أنسا عاب من يعتقد
تحتم ذلك ووجوبه وأما إذا استوى الأمران فجهة اليمين أولى (قوله عن سليمان) هو الأعمش
(قوله عن عمارة) في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش سمعت عمارة بن عمير وفي
الإسناد ثلاثة من التابعين كوفيون في نسق آخرهم الأسود وهو ابن يزيد النخعي (قوله لا يجعل) في رواية الكشميهني لا يجعلن بزيادة نون التأكيد (قوله شيئا من صلاته) في
رواية وكيع وغيره عن الأعمش عند مسلم جزأ من صلاته (قوله برى) بفتح أول أي يعتقد ويجوز
الضم أي يظن وقوله أن حقا عليه هو بيان للجعل في قوله لا يجعل (قوله أن لا ينصرف) أي يرى
أن عدم الانصراف حق عليه فهو من باب القلب قاله الكرماني في الجواب عن ابتدائه بالنكرة
قال أو لأن النكرة المخصوصة كالمعروفة (قوله كثيرا ينصرف عن يساره) في رواية مسلم
أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله فأما رواية البخاري فلا تعارض
حديث أنس الذي أشرت إليه عند مسلم وأما رواية مسلم فظاهرة التعارض لأنه عبر في كل منهما
بصيغة أفعل قال النووي يجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا
فأخبر كل منهما بما اعتقد أنه الأكثر وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين
(قلت) وهو موافق للأثر المذكور أولا عن أنس ويمكن أن يجمع بينهما بوجه آخر وهو أن يحمل
حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت
من جهة يساره ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر ثم إذا تعارض اعتقاد ابن
مسعود وأنس رجح ابن مسعود لأنه أعلم وأسن وأجل وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه
وسلم وأقرب إلى موقفه في الصلاة من أنس وبأن في إسناد حديث أنس من تكلم فيه وهو
السدي وبأنه متفق عليه بخلاف حديث أنس في الأمرين وبأن رواية ابن مسعود توافق ظاهر
الحال لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت على جهة يساره كما تقدم ثم ظهر لي أنه يمكن الجمع
بين الحديثين بوجه آخر وهو أن من قال كان أكثر انصرافه عن يساره نظر إلى هيئته في حال
الصلاة ومن قال كان أكثر انصرافه عن يمينه نظر إلى هيئته في حالة استقباله القوم بعد سلامه
من الصلاة فعلى هذا لا يختص الانصراف بجهة معينة ومن ثم قال العلماء يستحب الانصراف
280

إلى جهة حاجته لكن قالوا إذا استوت الجهتان في حقه فاليمين أفضل لعموم الأحاديث
المصرحة بفضل التيامن كحديث عائشة المتقدم في كتاب الطهارة قال ابن المنير فيه أن المندوبات
قد تقلب مكروهات إذا رفعت عن رتبتها لأن التيامن مستحب في كل شئ أي من أمور العبادة
لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقدوا وجوبه أشار إلى كراهته والله أعلم (قوله
باب ما جاء في الثوم) هذه الترجمة والتي بعدها من أحكام المساجد وأما التراجم
التي قبلها فكلها من صفة الصلاة لكن مناسبة هذه الترجمة وما بعدها لذلك من جهة أنه بني صفة
الصلاة على الصلاة في الجماعة ولهذا لم يفرد ما بعد كتاب الأذان بكتاب لأنه ذكر فيه أحكام
الإقامة ثم الإمامة ثم الصفوف ثم الجماعة ثم صفة الصلاة فلما كان ذلك كله مرتبطا بعضه ببعض
واقتضى فضل حضور الجماعة بطريق العموم ناسب أن يورد فيه من قام به عارض كأكل الثوم
ومن لا يجب عليه ذلك كالصبيان ومن تندب له في حالة كالنساء فذكر هذه التراجم فختم
بها صفة الصلاة (قوله الثوم) بضم الثاء المثلثة (والنئ) بكسر النون وبعدها تحتانية ثم حمزة وقد
تدغم وتقييده بالنئ حمل منه للأحاديث المطلقة في الثوم على غير النضيج منه وقوله في الترجمة
والكراث لم يقع ذكره في أحاديث الباب التي ذكرها لكنه أشار به إلى ما وقع في بعض طرق
حديث جابر كما سأذكره وهذا أولى من قول بعضهم إنه قاسه على البصل ويحتمل أن يكون
استنبط الكراث من عموم الخضروات فإنه يدخل فيها دخولا أولويا لأن رائحته أشد (قوله وقول
النبي صلى الله عليه وسلم) هو بكسر اللام وقوله من الجوع أو غيره لم أر التقييد بالجوع وغيره
صريحا لكنه مأخوذ من كلام الصحابي في بعض طرق حديث جابر وغيره فعند مسلم من رواية
أبي الزبير عن جابر قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة
الحديث وله من رواية أبي نضرة عن أبي سعيد لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا في هذه البقلة
والناس جياع الحديث وقال ابن المنير في الحاشية ألحق بعض أصحابنا المجذوم وغيره
بآكل الثوم في المنع من المسجد قال وفيه نظر لأن آكل الثوم أدخل على نفسه باختياره هذا
المانع والمجذوم علته سماوية قال لكن قوله صلى الله عليه وسلم من جوع أو غيره يدل على
التسوية بينهما انتهى وكأنه رأى قول البخاري في الترجمة وقول النبي صلى الله عليه وسلم إلى
آخره فظنه لفظ حديث وليس كذلك بل هو من تفقه البخاري وتجويزه لذكر الحديث بالمعنى
(قوله من أكل) قال ابن بطال هذا يدل على إباحة أكل الثوم لأن قوله من أكل لفظ إباحة
وتعقبه ابن المنير بأن هذه الصيغة إنما تعطى الوجود لا الحكم أي من وجد منه الأكل وهو أعم
من كونه مباحا أو غير مباح وفي حديث أبي سعيد الذي أشرت إليه عند مسلم الدلالة على عدم
تحريمه كما سيأتي (قوله حدثنا يحيى) هو القطان وعبيد الله هو ابن عمر (قوله قال في غزوة خيبر)
قال الداودي أي حين أراد الخروج أو حين قدم وتعقبه ابن التين بأن الصواب أنه قال ذلك وهو
في الغزاة نفسها قال ولا ضرورة تمنع أن يخبرهم بذلك في السفر انتهى فكأن الذي حمل الداودي
على ذلك قوله في الحديث فلا يقربن مسجدنا لأن الظاهر أن المراد به مسجد المدينة فلهذا حمل
الخبر على ابتداء التوجه إلى خيبر أو الرجوع إلى المدينة لكن حديث أبي سعيد عند مسلم دال
على أن القول المذكور صدر منه صلى الله عليه وسلم عقب فتح خيبر فعلى هذا فقوله مسجدنا
281

يريد به المكان الذي أعد ليصلى فيه مدة إقامته هناك أو المراد بالمسجد الجنس والإضافة
إلى المسلمين أي فلا يقربن مسجد المسلمين ويؤيده رواية أحمد عن يحيى القطان فيه بلفظ فلا
يقربن المساجد ونحوه لمسلم وهذا يدفع قول من خص النهى بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم
كما سيأتي وقد حكاه ابن بطال عن بعض أهل العلم ووهاه وفي مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج
قال قلت لعطاء الباهلي النهى للمسجد الحرام خاصة أو في المساجد قال لا بل في المساجد
(قوله من هذه الشجرة يعنى الثوم) لم أعر ف القائل يعني ويحتمل أن يكون عبيد الله بن
عمر فقد رواه السراج من رواية يزيد بن الهادي عن نافع بدونها ولفظه نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن أكل الثوم يوم خيبر وزاد مسلم من رواية ابن نمير عن عبيد الله حتى يذهب ريحها
وفي قوله شجرة مجاز لأن المعروف في اللغة أن الشجرة ما كان لها ساق وما لا ساق له يقال له نجم
وبهذا فسر ابن عباس وغيره قوله تعالى والنجم والشجر يسجدان ومن أهل اللغة من قال كل
ما ثبتت له أرومة أي أصل في الأرض يخلف ما قطع منه فهو شجر وإلا فنجم وقال الخطابي في هذا
الحديث إطلاق الشجر على الثوم والعامة لا تعرف الشجر إلا ما كان له ساق أه ومنهم من قال
بين الشجر والنجم عموم وخصوص فكل نجم شجر من غير عكس كالشجر والنخل فكل نخل شجر
من غير عكس (قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو المسندي وأبو عاصم هو النبيلي وهو شيخ
البخاري وربما روى عنه بواسطة كما هنا (قوله يريد الثوم) لم أعرف الذي فسره أيضا وأظنه
ابن جريج فإن في الرواية التي تلي هذه عن الزهري عن عطاء الجزم بذكر الثوم على أنه قد اختلف
في سياقه عن ابن جريج فقد رواه مسلم من رواية يحيى القطان عن ابن جريج بلفظ من أكل من
هذه البقلة الثوم وقال مرة من أكل البصل والثوم والكراث ورواه أبو نعيم في المستخرج
من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج مثله وعين الذي قال وقال مرة ولفظه قال ابن جريج
وقال عطاء في وقت آخر الثوم والبصل والكراث ورواه أبو الزبير عن جابر بلفظ نهى النبي صلى
الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث قال ولم يكن ببلدنا يومئذ الثوم هكذا أخرجه ابن
خزيمة من رواية يزيد بن إبراهيم وعبد الرزاق عن ابن عيينة كلاهما عن أبي الزبير (قلت)
وهذا لا ينافي التفسير المتقدم إذ لا يلزم من كونه لم يكن بأرضهم أن لا يجلب إليهم حتى لو أمتنع
هذا الحمل لكانت رواية المثبت مقدمة على رواية النافي والله أعلم (قوله فلا يغشانا) كذا فيه
بصيغة النفي التي يراد بها النهى قال الكرماني أو على لغة من يجرى المعتل مجرى الصحيح أو
أشبع الراوي الفتحة فظن أنها ألف والمراد بالغشيان الإتيان أي فلا يأتينا (قوله في مسجدنا)
في رواية الكشميهني وأبي الوقت مساجدنا بصيغة الجمع (قوله قلت ما يعني به) لم أقف على تعيين
القائل والمقول له وأظن السائل ابن جريج والمسؤول عطاء وفي مصنف عبد الرزاق ما يرشد إلى
ذلك وجزم الكرماني بان القائل عطاء والمسؤول جابر وعلى هذا فالضمير في أراه للنبي صلى الله عليه
وسلم وهو بضم الهمزة أي أظنه ونيئه تقدم ضبطه (قوله وقال مخلد بن يزيد عن ابن جريج
الا نتنه) بفتح النون وسكون المثناة من فوق بعدها نون أخرى ولم أجد طريق مخلد هذه
موصولة بالإسناد المذكور وقد أخرج السراج عن أبي كريب عن مخلد هذا الحديث
لكن قال عن أبي الزبير بدل عطاء عن جابر ولم يذكر المقصود من التعليق المذكور إلا أنه قال فيه
282

ألم أنهكم عن هذه البقلة الخبيئة أو المنتنة فإن كان أشار إلى ذلك وإلا فما أظنه إلا تصحيفا فقد
رواه أبو عوانة في صحيحه من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج كما قال أبو عاصم ورواه عبد
الرزاق عن ابن جريج بلفظ أراه يعني النيئة التي لم تطبخ وكذا لأبي نعيم في المستخرج من طريق
ابن أبي عدي عن ابن جريج بلفظ يريد النئ الذي لم يطبخ وهو تفسير النئ بأنه الذي لم يطبخ وهو
حقيقته كما تقدم وقد يطلق على أعم من ذلك وهو ما لم ينضج فيدخل فيه ما طبخ قليلا ولم يبلغ
النضح (قوله عن يونس) هو ابن يزيد (قوله زعم عطاء) هو ابن أبي رباح وفي رواية الأصيلي
عن عطاء ولمسلم من وجه آخر عن ابن وهب حدثني عطاء (قوله أن جابر بن عبد الله زعم) قال
الخطابي لم يقل زعم على وجه التهمة لكنه لما كان أمرا مختلفا فيه أتى بلفظ الزعم لأن هذا
اللفظ لا يكاد يستعمل إلا في أمر يرتاب به أو يختلف فيه (قلت) وقد يستعمل في القول
المحقق أيضا كما تقدم وكلام الخطابي لا ينفى ذلك وفي رواية أحمد بن صالح الآتية عن جابر ولم يقل
زعم (قوله فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا) شك من الراوي وهو الزهري ولم تختلف الرواة
عنه في ذلك (قوله أو ليقعد في بيته) كذا لأبي ذر بالشك أيضا ولغيره وليقعد في بيته بواو
العطف وكذا لمسلم وهي أخص من الاعتزال لأنه أعم من أن يكون في البيت أو غيره (قوله
وأن النبي صلى الله عليه وسلم) هذا حديث آخر وهو معطوف على الإسناد المذكور والتقدير
وحدثنا سعيد بن عفير شوال أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى وقد تردد البخاري فيه هل هو
موصول أو مرسل كما سيأتي وهذا الحديث الثاني كان متقدما على الحديث الأول بست سنين
لأن الأول تقدم في حديث ابن عمر وغيره أنه وقع منه صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر وكانت في
ستة سبع وهذا وقع في السنة الأولى عند قدومه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونزوله في بيت
أبي أيوب الأنصاري كما سأبينه (قوله أتى بقدر) بكسر القاف وهو ما يطبخ فيه ويجوز فيه
التأنيث والتذكير والتأنيث أشهر لكن الضمير في قوله فيه خضرات يعود على الطعام الذي في
القدر فالتقدير أتى بقدر من طعام فيه خضرات ولهذا لما أعاد الضمير على القدر أعاده بالتأنيث
حيث قال فأخبر بما فيها وحيث قال قربوها وقوله خضرات بضم الخاء وفتح الضاد المعجمتين
كذا ضبط في رواية أبي ذر ولغيره بفتح أوله وكسر ثانيه وهو جمع خضرة ويجوز مع ضم أوله ضم
الضاد وتسكينها أيضا (قوله إلى بعض أصحابه) قال الكرماني فيه النقل بالمعنى إذ الرسول
صلى الله عليه وسلم لم يقله بهذا اللفظ بل قال قربوها إلى فلان مثلا أو فيه حذف أي قال قربوها
مشيرا أو أشار إلى بعض أصحابه (قلت) والمراد بالبعض أبو أيوب الأنصاري ففي صحيح مسلم من
حديث أبي أيوب في قصة نزول النبي صلى الله عليه وسلم عليه قال فكان يصنع النبي صلى الله عليه
وسلم طعاما فإذا جئ به إليه أي بعد أن يأكل النبي صلى الله عليه وسلم منه سأل عن موضع أصابع
النبي صلى الله عليه وسلم فصنع ذلك مرة فقيل له لم يأكل وكان الطعام فيه ثوم فقال أحرام هو
يا رسول الله قال لا ولكن أكرهه (قوله كل فإني أناجي من لا تناجى) أي الملائكة وفي حديث
أبي أيوب عند ابن خزيمة وابن حبان من وجه آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه
بطعام من خضرة فيه بصل أو كراث فلم ير فيه أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأكل فقال
له ما منعك قال لم أر أثر يدك قال أستحي من ملائكة الله وليس بمحرم ولهما من حديث أم أيوب
283

قالت نزل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلفنا له طعاما فيه بعض البقول فذكر الحديث
نحوه وقال فيه كلوا فإني لست كأحد منكم إني أخاف أوذى صاحبي (قوله وقال أحمد
ابن صالح عن ابن وهب أتى ببدر) مراده أن أحمد بن صالح خالف سعيد بن عفير في هذه اللفظة فقط
وشاركه في سائر الحديث عن ابن وهب شوال المذكور وقد أخرجه البخاري في الاعتصام قال
حدثنا أحمد بن صالح فذكره بلفظ أتى ببدر وفيه قول ابن وهب يعني طبقا فيه خضرات وكذا
أخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح لكن أخر تفسير ابن وهب فذكره بعد فراغ الحديث وأخرجه
مسلم عن أبي الطاهر وحرملة كلاهما عن ابن وهب فقال بقدر بالقاف ورجح جماعة من
الشراح رواية أحمد بن صالح لكون ابن وهب فسر البدر بالطبق فدل على أنه حدث به كذلك
وزعم بعضهم أن لفظة بقدر تصحيف لأنها تشعر بالطبخ وقد ورد الأذان بأكل البقول مطبوخة
بخلاف الطبق فظاهره أن البقول كانت فيه نيئة والذي يظهر لي أن رواية القدر أصح لما تقدم
من حديث أبي أيوب وأم أيوب جميعا فإن فيه التصريح بالطعام ولا تعارض بين امتناعه
صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم وغيره مطبوخا وبين إذنه لهم في أكل ذلك مطبوخا فقد علل
ذلك بقوله أني لست كأحد منكم وترجم ابن خزيمة على حديث أبي أيوب ذكر ما خص الله نبيه
به من ترك أكل الثوم ونحوه مطبوخا وقد جمل القرطبي في المفهم بين الروايتين بأن الذي كان
في القدر لم ينضج حتى تضمحل رائحته ف بقي في حكم النئ (قوله ببدر) بفتح الموحدة وهو الطبق
سمي بذلك لاستدارته تشبيها له بالقمر عند كماله (قوله ولم يذكر الليث وأبو صفوان عن يونس قصة
القدر) أما رواية الليث فوصلها الذهلي في الزهريات وأما رواية أبي صفوان وهو الأموي
فوصلها المؤلف في الأطعمة عن علي بن المديني عنه واقتصر على الحديث الأول وكذا اقتصر
عقيل عن الزهري كما أخرجه ابن خزيمة (قوله فلا أدرى ألح) هو من كلام البخاري ووهم من زعم
أنه كلام أحمد بن صالح أو من فوقه وقد قال البيهقي الأصل أن ما كان من الحديث متصلا به
فهو منه حتى يجئ البيان الواضح بأنه مدرج فيه (قوله عن عبد العزيز) هو ابن صهيب
(قوله سأل رجل) لم أقف على تسميته وقد تقدم الكلام على إطلاق الشجرة على الثوم وقوله فلا
يقربن بفتح الراء والموحدة وتشديد النون وليس في هذا تقييد النهى بالمسجد فيستدل بعمومه
على إلحاق المجامع بالمساجد كمصلى العيد والجنازة ومكان الوليمة وقد ألحقها بعضهم
بالقياس والتمسك بهذا العموم أولى ونظيره قوله وليقعد في بيته كما تقدم لكن قد علل المنع في
الحديث بترك أذى الملائكة وترك أذى المسلمين فإن كان كل منهما جزء علة اختص النهى
بالمساجد وما في معناها وهذا هو الأظهر وإلا لعم النهى كل مجمع كالأسواق ويؤيد هذا البحث
قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم من أكل من هذه الشجرة شيئا فلا يقربنا في المسجد قال
القاضي ابن العربي ذكر الصفة في الحكم يدل على التعليل بها ومن ثم رد على المازري حيث قال لو
أن جماعة مسجد أكلوا كلهم ما له رائحة كريهة لم يمنعوا منه بخلاف ما إذا أكل بعضهم لأن المنع لم
يختص بهم بل بهم وبالملائكة وعلى هذا يتناول المنع من تناول شيئا من ذلك ودخل المسجد مطلقا
ولو كان وحده واستدل بأحاديث الباب على أن صلاة الجماعة ليست فرض عين قال ابن دقيق
العيد لأن اللازم من منعه أحد أمرين إما أن يكون أكل هذه الأمور مباحا فتكون صلاة الجماعة
284

ليست فرض عين أو حراما فتكون صلاة الجماعة فرضا وجمهور الأمة على إباحة أكلها فيلزم
أن لا تكون الجماعة فرض عين وتقريره أن يقال أكل هذه الأمور جائز ومن لوازمه ترك صلاة
الجماعة وترك الجماعة في حق آكلها جائز ولازم الجائز جائز وذلك ينافي الوجوب ونقل عن
أهل الظاهر أو بعضهم تحريمها بناء على أن الجماعة فرض عين وتقريره أن يقال صلاة الجماعة
فرض عين ولا تتم إلا بترك أكلها وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فترك أكل هذا واجب
فيكون حراما أه وكذا نقله غيره عن أهل الظاهر لكن صرح ابن حزم منهم بأن أكلها حلال مع
قوله بان الجماعة فرض عين وانفصل عن اللزوم المذكور بأن المنع من أكلها مختص بمن علم
بخروج الوقت قبل زوال الرائحة ونظيره أن صلاة الجمعة فرض عين بشروطها ومع ذلك تسقط
بالسفر وهو في أصله مباح لكن يحرم على من أنشأه بعد سماع النداء وقال ابن دقيق العيد أيضا
قد يستدل بهذا الحديث على أن أكل هذه الأمور من الاعذار المرخصة في ترك حضور الجماعة
وقد يقال إن هذا الكلام خرج مخرج الزجر عنها فلا يقتضى ذلك أن يكون عذرا في تركها إلا أن
تدعو إلا أكلها ضرورة قال ويبعد هذا من وجه تقريبه إلى بعض أصحابه فإن ذلك ينفى الزجر
أه ويمكن حمله على حالتين والفرق بينهما أن الزجر وقع في حق من أراد إتيان المسجد والإذن في
التقريب وقع في حالة لم يكن فيها ذلك بل لم يكن المسجد النبوي إذ ذاك بني فقد قدمت أن الزجر
متأخر عن قصة التقريب بست سنين وقال الخطابي توهم بعضهم أن أكل الثوم عذر في التخلف
عن الجماعة وإنما هو عقوبة لآكله على فعله إذ حرم فضل الجماعة أه وكأنه يخص الرخصة
بما لا سبب للمرء فيه كالمطر مثلا لكن لا يلزم من ذلك أن يكون أكلها حراما ولا أن الجماعة فرض
عين واستدل المهلب بقوله فإني أناجي من لا تناجى على أن الملائكة أفضل من الآدميين
وتعقب بأنه لا يلزم من تفضيل بعض الأفراد على بعض تفضيل الجنس على الجنس واختلف هل
كان أكل ذلك حراما على النبي صلى الله عليه وسلم أو لا والراجح الحل لعموم قوله صلى الله عليه
وسلم وليس بمحرم كما تقدم من حديث أبي أيوب عند ابن خزيمة ونقل ابن التين عن مالك قال
الفجل إن كان يظهر ريحه فهو كالثوم وقيده عياض بالجشاء (قلت) وفي الطبراني الصغير من
حديث أبي الزبير عن جابر التنصيص على ذكر الفجل في الحديث لكن في إسناده يحيى بن راشد وهو
ضعيف وألحق بعضهم بذلك من بفيه بخر أو به جرح له رائحة وزاد بعضهم فألحق أصحاب
الصنائع كالسماك والعاهات كالمجذوم ومن يؤذى الناس بلسانه وأشار ابن دقيق العيد إلى
أن ذلك كله توسع غير مرضى * (فائدة) * حكم رحبة المسجد وما قرب منها حكمه ولذلك
كان صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحها في المسجد أمر بإخراج من وجدت منه إلى البقيع كما
ثبت في مسلم عن عمر رضي الله عنه * (تنبيه) * وقع في حديث حذيفة عن ابن خزيمة من
أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا ثلاثا وبوب عليه بوقت النهى عن إتيان
الجماعة لآكل الثوم وفيه نظر لاحتمال أن يكون قوله ثلاثا يتعلق بالقول أي قال ذلك ثلاثا بل
هذا هو الظاهر لأن علة المنع وجود الرائحة وهي لا تستمر هذه المدة (قوله باب
وضوء الصبيان) قال الزين بن المنير لم ينص على حكمة لأنه لو عبر بالندب لاقتضى صحة صلاة
الصبي بغير وضوء ولو عبر بالوجوب لاقتضى أن الصبي يعاقب على تركه كما هو حد الواجب فأتى
285

بعبارة سالمة من ذلك وإنما لم يذكر الغسل لندور موجبه من الصبي بخلاف الوضوء ثم أردفه
بذكر الوقت الذي يجب فيه ذلك عليه فقال ومتى يجب عليهم الغسل والطهور وقوله
والطهور من عطف العام على الخاص وليس في أحاديث الباب تعيين وقت الإيجاب إلا في حديث
أبي سعيد فإن مفهومه أن غسل الجمعة لا يجب على غير المحتلم فيؤخذ منه أن الاحتلام شرط
لوجوب الغسل وأما ما رواه أبو داود والترمذي وصححه وكذا ابن خزيمة والحاكم من طريق
عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده مرفوعا علموا الصبي الصلاة بن سبع واضربوه
عليها ابن عشر فهو وإن اقتضى تعيين وقت الوضوء لتوقف الصلاة عليه فلم يقل بظاهره إلا
بعض أهل العلم قالوا تجب الصلاة على الصبي للأمر بضربه على تركها وهذه صفة الوجوب
وبه قال أحمد في رواية وحكى البندنيجي أن الشافعي أومأ إليه وذهب الجمهور إلى أنها لا تجب
عليه إلا بالبلوغ وقالوا الأمر بضربه للتدريب وجزم البيهقي بأنه منسوخ بحديث رفع القلم
عن الصبي حتى يحتلم لأن الرفع يستدعى سبق وضع وسيأتي البحث في ذلك في كتاب النكاح
ويؤخذ من إطلاق الصبي علي ابن سبع الرد على من زعم أنه لا يسمى صبيا إلا إذا كان رضيعا ثم
يقال له غلام إلى أن يصير ابن سبع ثم يصير يافعا إلى عشر ويوافق الحديث قول الجوهري الصبي
الغلام (قوله وحضورهم) بالجر عطفا على قوله وضوء الصبيان وكذا قوله وصفوفهم
ثم أورد في الباب سبعة أحاديث * أولها حديث ابن عباس في الصلاة على القبر والغرض منه
صلاة ابن عباس معهم ولم يكن إذا ذاك بالغا كما سيأتي دليله في خامس أحاديث الباب وسيأتي
الكلام عليه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى * ثانيها حديث أبي سعيد وقد تقدم توجيه
286

إيراده ويأتي الكلام عليه في كتاب الجمعة إن شاء الله تعالى * ثالثها حديث ابن عباس في
مبيته في بيت ميمونة وفيه وضوؤه وصلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره له على ذلك بان
حوله فجعله عن يمينه وقد تقدم من هذا الوجه في أوائل كتاب الطهارة ويأتي بقية مباحثه في
كتاب الوتر إن شاء الله تعالى * رابعها حديث أنس في صف اليتيم معه خلف النبي صلى الله عليه
وسلم ومطابقته للترجمة من جهة أن اليتم دال على الصبا إذ لا يتم بعد احتلام وقد أقره صلى الله
عليه وسلم على ذلك * خامسها حديث ابن عباس في مجيئه إلى مني ومروره بين يدي بعض
الصفوف ودخوله معهم وتقريره على ذلك وقال فيه إنه كان ناهز الأحلام أي قاربه وقد
تقدمت مباحثه في أبواب سترة المصلي * سادسها حديث عائشة في تأخير العشاء حتى قال عمر نام
النساء والصبيان قال ابن رشيد فهم منه البخاري أن النساء والصبيان الذين ناموا كانوا حضورا
في المسجد وليس الحديث صريحا في ذلك إذ يحتمل أنهم ناموا في البيوت لكن الصبيان جمع محلى
باللام فيعم من كان منهم مع أمه أو غيرها في البيوت ومن كان مع أمه في المسجد وقد أورد المصنف
في البا ب الذي يليه حديث أبي قتادة رفعه أني لأقوم إلى الصلاة الحديث وفيه فأسمع بكاء الصبي
فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه وقد قدمنا في شرحه في أبواب الجماعة أن الظاهر أن
الصبي كان مع أمه في المسجد وأن احتمال أنها كانت تركته نائما في بيتها وحضرت الصلاة
فاستيقظ في غيبتها فبكى بعيد لكن الظاهر الذي فهمه أن القضاء بالمرئي أولى من القضاء بالمقدر
انتهى وقد تقدمت مباحثه في أبواب المواقيت وساقه المصنف هنا من طريق معمر وشعيب
بلفظ معمر ثم ساق لفظ شعيب في الباب الذي بعده وقوله قال عياش وقع في بعض الروايات
قال لي عياش وهو بالتحتانية والمعجمة وتحول الإسناد عند الأكثر من بعد الزهري وأتمه في رواية
المستملى ثم ختم الباب بحديث ابن عباس في شهوده صلاة العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد
صرح فيه بأنه كان صغيرا وسيأتي الكلام عليه في كتاب العيدين وترجم له هناك باب خروج
الصبيان إلى المصلي واستشكل قوله في الترجمة وصفوفهم لأن يقتضى أن يكون للصبيان
صفوف تخصهم وليس في الباب ما يدل على ذلك وأجيب بأن المراد بصفوفهم وقوفهم في الصف
مع غيرهم وفقه ذلك هل يخرج من وقف معه الصبي في الصف عن أن يكون فردا حتى يسلم من
بطلان صلاته عن من يمنعه أو كراهته وظاهر حديث أنس يقتضى الإجزاء فهو حجة
على من منع
ذلك من الحنابلة مطلقا وقد نص أحمد على أنه يجزئ في النفل دون الفرض وفيه ما فيه (قوله
باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس) أورد فيه ستة أحاديث تقدم الكلام
عليها إلا الثاني والأخير وبعضها مطلق في الزمان وبعضها مقيد بالليل أو الغلس فحمل المطلق
في الترجمة على المقيد وللفقهاء في ذلك تفاصيل ستأتي الإشارة إلى بعضها فأول أحاديث الباب
حديث عائشة في تأخير العشاء حتى نادى عمر نام النساء والصبيان وقد تقدم سادسا لأحاديث
الباب الذي قبله ثانيها حديث ابن عمر في النهى عن منع النساء عن المسجد ثالثها حديث أم
سلمة في مكث الإمام بعد السلام حتى ينصرف النساء وقد تقدم الكلام عليه قبل أربعة أبواب
رابعها حديث عائشة في صلاة الصبح بغلس ورجوع النساء متلفعات وقد تقدم الكلام عليه في
المواقيت خامسها حديث أبي قتادة في تخفيف الصلاة حين بكى الصبي لأجل أمه وقد تقدم
287

الكلام عليه في الإمامة سادسها حديث عائشة في منع نساء بني إسرائيل المساجد وسأذكر
فوائده بعد الكلام على الحديث الثاني وهو حديث ابن عمر (قوله عن حنظلة) هو ابن أبي
سفيان الجمحي وسالم بن عبد الله أي ابن عمر (قوله إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد)
لم يذكر أكثر الرواة عن حنظلة قوله بالليل كذلك أخرجه مسلم وغيره وقد اختلف فيه على الزهري
عن سالم أيضا فأورده المصنف بعد بابين من رواية معمر ومسلم من رواية يونس بن يزيد وأحمد من
رواية عقيل والسراج من رواية الأوزاعي كلهم عن الزهري بغير تقييد وكذا أخرجه المصنف
في النكاح عن علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن الزهري بغير قيد ووقع عند أبي عوانة في
صحيحه عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن عيينة مثله لكن قال في آخره يعني بالليل وبين ابن خزيمة
عن عبد الجبار بن العلاء أن سفيان بن عيينة هو القائل يعني وله عن سعيد بن عبد الرحمن عن
ابن عيينة قال قال نافع بالليل وله عن يحيى بن حكيم عن ابن عيينة قال جاءنا رجل فحدثنا عن
نافع قال إنما هو بالليل وسمي عبد الرزاق عن ابن عيينة الرجل المبهم فقال بعد روايته عن
الزهري قال ابن عيينة وحدثنا عبد الغفار يعني ابن القاسم أنه سمع أبا جعفر يعني الباقر يخبر
بمثل هذا عن ابن عمر قال فقال له نافع مولى بن عمرو إنما ذلك بالليل وكأن اختصاص الليل بذلك
لكونه أستر ولا يخفى أن محل ذلك إذ أمنت المفسدة منهن وعليهن قال النووي استدل به على أن
المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لتوجه الأمر إلى الأزواج بالاذن وتعقبه ابن دقيق العيد
بأنه إن أخذ من المفهوم فهو مفهوم لقب هو ضعيف لكن يتقوى بأن يقال إن منع الرجال
نساءهم أمر مقرر وإنما علق الحكم بالمساجد لبيان محل الجواز فيبقى ما عداه على المنع وفيه
إشارة إلى أن لا أذان المذكور لغير الوجوب لأنه لو كان واجبا لا تنفى معنى الاستئذان لأن ذلك إنما
يتحقق إذا كان المستأذن مخيرا في الإجابة أو الرد (قوله تابعه شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن
ابن عمر) ذكر المزي في الأطراف تبعا لخلف وأبي مسعود أن هذه المتابعة وقعت بعد رواية ورقاء
عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عمر بهذا الحديث ولم أقف على ذلك في شئ من الروايات التي
اتصلت لنا من البخاري في هذا الموضع وإنما وقعت المتابعة المذكورة عقب رواية حنظلة عن
سالم وقد وصلها أحمد قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة فذكر الحديث بزيادة سيأتي
ذكرها قريبا نعم إخراج البخاري رواية ورقاء في أوائل كتاب الجمعة بلفظ ائذنوا للنساء بالليل إلى
المساجد ولم يذكر بعده متابعة ولا غيرها ووافقه مسلم على أخرجه من هذا الوجه أيضا وزاد فيه
فقال له ابن له يقال له و اقداإذا تخذنه دغلا قال فضرب في صدره وقال أحدثك عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وتقول لا ولم أر لهذه القصة ذكرا في شئ من الطرق التي أخرجها البخاري لهذا
الحديث وقد أوهم صنيع صاحب العمدة خلاف ذلك ولم يتعرض لبيان ذلك أحد من شراحه
وأظن البخاري اختصرها للاختلاف في تسمية ابن عبد الله بن عمر فقد رواه مسلم من وجه آخر
عن ابن عمر وسمي الابن بلالا فأخرجه من طريق كعب بن علقمة عن بلال بن عبد الله بن عمر عن
أبيه بلفظ لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنكم فقال بلال والله لنمنعهن
الحديث وللطبراني من طريق عبد الله بن هبيرة عن بلال بن عبد الله نحوه وفيه فقلت أما أنا
فسأمنع أهلي فمن شاء فليسرح أهله وفي رواية يونس عن ابن شهاب الزهري عن سالم في هذا
288

الحديث قال فقال بلال بن عبد الله والله لنمنعهن ومثله في رواية عقيل عند أحمد وعنده في رواية
شعبة عن الأعمش المذكورة فقال سالم أو بعض بنيه والله لا ندعهن يتخذنه دغلا الحديث
والراجح من هذا أن صاحب القصة بلال لورود ذلك من روايته نفسه ومن رواية أخيه سالم ولم
يختلف عليهما في ذلك وأما هذه الرواية الأخيرة فمرجوحة لوقوع الشك فيها ولم أره مع ذلك في شئ
من الروايات عن الأعمش مسمى ولا عن شيخه مجاهد فقد أخرجه أحمد من رواية إبراهيم بن
مهاجر وابن أبي نجيح وليث بن أبي سليم كلهم عن مجاهد ولم يسمه أحد منهم فإن كانت رواية
عمرو بن دينار عن مجاهد محفوظة في تسميته واقدا فيحتمل أن يكون كل من بلال وواقد وقع
منه ذلك إما في مجلس أو في مجلسين وأجاب ابن عمر كلا منهما بجواب يليق به ويقويه اختلاف
النقلة في جواب ابن عمر ففي رواية بلال عند مسلم فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته
يسبه مثله قط وفسر عبد الله بن هبيرة في رواية الطبراني السب المذكور باللعن ثلاث مرات وفي
رواية زائدة عن الأعمش فانتهره وقال أف لك وله عن ابن نمير عن الأعمش فعل الله بك وفعل ومثله
للترمذي من رواية عيسى بن يونس ولمسلم من رواية أبي معاوية فزبره ولأبي داود من رواية جرير
فسبه وغضب فيحتمل أن يكون بلال البادئ فلذلك أجابه بالسب المفسر باللعن وأن يكون واقد
بدأه فلذلك أجابه بالسب المفسر بالتأفيف مع الدفع في صدره وكأن السر في ذلك أن بلالا عارض
الخبر برأيه ولم يذكر علة المخالفة ووافقه واقد لكن ذكرها بقوله يتخذنه دغلا وهو بفتح المهملة
ثم المعجمة وأصله الشجر الملتف ثم استعمل في المخادعة لكون المخادع يلف في ضميره أمرا ويظهر
غيره وكأنه قال ذلك لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت وحملته على ذلك الغيرة وإنما
أنكر عليه ابن عمر لتصريحه بمخالفة الحديث وإلا فلو قال مثلا إن الزمان قد تغير وإن بعضهن ربما
ظهر منه قصد المسجد وإضمار غيره لكان يظهر أن لا ينكر عليه وإلى ذلك أشارت عائشة بما ذكر
في الحديث الأخير وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنن برأيه وعلى
العالم بهواه وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيرا إذا تكلم بما لا ينبغي له وجواز التأديب بالهجران
فقد وقع في رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد فما كلمه عبد الله حتى مات وهذا إن كان
محفوظا يحتمل أن يكون أحدهما مات عقب هذه القصة بيسير ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث
في مطلق حضور النساء الجماعة مع الرجال وهى حديث أم سلمة أن النساء كن إذا سلمن من الصلاة
قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى البح فينصرف النساء متلفعات وقد مضى
الكلام عليه في أواخر صفة الصلاة وحديث عائشة إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى
الصبح فينصرف النساء متلفعات وقد تقدم شرحه في المواقيت وحديث أبي قتادة رفعه انى
لاقوم في الصلاة الحديث وفيه فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه وقد تقدم شرحه
في أبواب الإمامة قال ابن دقيق العيد هذا الحديث عام في النساء الا أن الفقهاء خصوه بشروط
منها أن لا تتطيب وهو في بعض الروايات وليخرجن تفلات (قلت) هو بفتح المثناة وكسر الفاء
أي غير متطيبات ويقال امرأة تفله إذا كانت متغيرة الريح وهو عند أبي داود وابن خزيمة من
حديث أبي هريرة وعند ابن حبان من حديث زيد بن خالد وأوله لا تمنعوا إماء الله مساجد الله
ولمسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود إذا شهدت أحدا كن المسجد فلا تمسن طيبا انتهى
289

قال ويلحق بالطيب ما في معناه لان سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن
الملبس والحلى الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال وفرق كثير من الفقهاء
المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها وفيه نظر الا ان أخذ الخوف عليها من جهتها لأنها إذا
عريت مما ذكر وكانت مستترة حصل الا من عليها ولا سيما إذا كان ذلك بالليل وقد ورد في بعض
طرق هذا الحديث وغيره ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد وذلك في
رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر بلفظ لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن أخرجه أبو
داود وصححه ابن خزيمة ولأحمد والطبراني من حديث أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله انى أحب الصلاة معك قال قد علمت وصلاتك في بيتك
خير لك من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير
من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة واسناد
أحمد حسن وله شاهد من حديث وله شاهد من حديث ابن مسعود وعند أبى داود ووجه كون صلاتها في الاخفاء أفضل
تحقق الا من فيه من الفتنة ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة و من
ثم قالت عائشة ما قالت و تمسك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقا وفيه نظر إذ لا يترتب
على ذلك تغير الحكم لأنها علقته على شرط لم يوجبها على ظن ظنته فقالت لو رأى لمنع فيقال
عليه لم يرو لم يمنع فاستمر الحكم حتى أن عائشة لم تصرح بالمنع وإن كان كلاما يشعر بأنها كانت
ترى المنع وأيضا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن فما أوحى إلى نبيه بمنعهن ولو كان ما أحدثن يستلزم
منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى وأيضا فالاحداث انما وقع من
بعض النساء لامن جميعهن فان تعين المنع فليكن لمن أحدثت والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه
الفساد فيجتنب لإشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بمنع التطيب والزينة وكذلك التقييد بالليل
كما سبق (قوله في حديث عائشة آخر أحاديث الباب كما منعت نساء بني إسرائيل وقول عمرة نعم في
جواب سؤال يحيى بن سعيد لها) بظهر أنها تلقته عن عائشة ويحتمل أن يكون عن غيرها وقد ثبت
ذلك من حديث عروة عن عائشة موقوفا أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح ولفظه قالت كن نساء
بني إسرائيل يتخذن طبعة من خشب يتشرف للرجال في المساجد فحرم الله عليهن المساجد
وسلطت عليهن الحيضة وهذا وأن كان موقوفا فحكمه حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي وروى
عبد الرزاق أيضا نحوه بإسناد صحيح عن ابن مسعود وقد أشرت إلى ذلك في أول كتاب الحيض
* (تنبيه) * وقع في رواية كريمة عقب الحديث الثاني من هذا الباب باب انتظار الناس قيام الإمام
العالم وكذا في نسخة الصغائي وليس ذلك بمعتمد إذ لا تعلق لذلك بهذا الموضع بل قد تقدم في
موضعه من الإمامة بمعناه (قوله باب صلاة النساء خلف الرجال) أورد فيه حديث
أم سلمة في مكث الرجال بعد التسليم وقد تقدم الكلام عليه ومطابقته للترجمة من جهة أن صف
النساء لو كان إمام الرجال أو بعضهم للزم من انصرافهن قبلهم أن يتخطينهم وذلك منهى عنه ثم
أورد فيه حديث أنس في صلاة أم سليم خلفه واليتيم معه وهو ظاهر فيما ترجم له وقد تقدم الكلام
عليه في آخر أبواب الصفوف وقوله فيه فقمت ويتيم خلفه فيه شاهد لمذهب الكوفيين في إجازة
العطف على الضمير المرفوع المتصل بدون التأكيد (قوله باب سرعة انصرف
290

النساء من الصبح) قيد بالصبح لأن طول التأخير فيه يفضى إلى الإسفار فناسب الإسراع بخلاف
العشاء فإنه يفضى إلى زيادة الظلمة فلا يضر المكث (قوله سعيد بن منصور) هو من شيوخ
البخاري وربما روى عنه بواسطة كما هنا (قوله فينصرفن) هو على لغة بني الحرث وكذا قوله
لا يعرفن بعضهن بعضا وهذا في رواية الحموي والكشميهني ولغيرهما لا يعرف بالافراد على الجادة
(قوله نساء المؤمنين) ذكر الكرماني أن في بعض النسخ نساء المؤمنات وذكر توجيهه وقد تقدم
الكلام على هذا الحديث في أبواب المواقيت
(قوله باب استئذان المرأة زوجها
بالخروج إلى المسجد) أورد فيه حديث بن عمر وقد تقدم الكلام عليه قريبا لكن أورده هنا من
طريق يزيد بن رفيع عن معمر وليس فيه تقييد بالمسجد نعم أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه بذكر
المسجد وكذا أخرجه أحمد عن عبد الأعلى عن معمر وزاد فيه زيادة ستأتي قريبا ومقتضى الترجمة
أن جواز الخروج يحتاج إلى إذن الزوج وقد تقدم البحث فيه أيضا والله المستعان * (خاتمة) *
اشتملت أبواب صفة الصلاة إلى هنا من الأحاديث المرفوعة على مائة وثمانين حديث المعلق منها
ثمانية وثلاثون حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيها وفيما مضى مائة حديث وخمسة
أحاديث وهي جملة المعلق إلا ثلاثة منه وسبعون أخرى موصولة فالخالص منها خمسة وسبعون
منها الثلاثة المعلقة وافقه مسلم على تخريجها سوى ثلاثة عشر حديثا وهي حديث ابن عمر في
الرفع عند القيام من الرجعتين وحديث أنس في النهي عن رفع البصر في الصلاة وحديث عائشة
في أن الالتفات اختلاس من الشيطان وحديث زيد بن ثابت في قراءة الأعراف في المغرب
وحديث أنس في قراءة الرجل قل هو الله أحد وهو معلق وحديث أبي بكرة في الركوع دون
الصف وحديث أبي هريرة في جمع الإمام بين التسميع والتحميد وحديث رفاعة في القول في
الإعتدال وحديث أبي سعيد في الجهر بالتكبير وحديث ابن عمر في سنة الجلوس في التشهد
وحديث أم سلمة في سرعة انصراف النساء بعد السلام وحديث أبي هريرة لا يتطوع الإمام في
مكانه وهو معلق وحديث عقبة بن الحارث في قسمة التبر وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة
وغيرهم ستة عشر آثرا منها ثلاثة موصولة وهي حديث أبي يزيد عمرو بن سلمة في موافقته في صفة
الصلاة لحديث مالك بن الحويرث وقد كرره وحديث ابن عمر في صلاته متربعا ذكره في أثناء
حديثه في سنة الجلوس في التشهد وحديثه في تطوعه في المكان الذي صلى فيه الفريضة والبقية
معلقات والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام
على المرسلين والحمد لله رب العالمين
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (كتاب الجمعة كتاب الجمعة) *
ثبتت هذه الترجمة للأكثر ومنهم من قدمها على البسملة وسقطت لكريمة وأبي ذر عن الحموي
والجمعة بضم الميم على المشهور وقد تسكن وقرأ بها الأعمش وحكى الواحدي عن الفراء فتحها
وحكى الزجاج الكسر أيضا والمراد بيان أحكام صلاة الجمعة واختلف في تسمية اليوم بذلك مع
الاتفاق على أنه كان يسمي في الجاهلية العروبة بفتح العين المهملة وضم الراء وبالمواحدة فقيل سمي
291

بذلك لأن كمال الخلائق جمع فيه ذكره أبو حذيفة النجاري في المبتدأ عن ابن عباس وإسناده
ضعيف وقيل لأن خلق آدم جمع فيه ورد ذلك من حديث سلمان أخرجه أحمد وابن خزيمة
وغيرهما في أثناء حديث وله شاهد عن ابن أبي هريرة وذكره ابن أبي حاتم موقوفا باسناد قوي وأحمد
مرفوعا باسناد ضعيف وهذا أصح الأقوال ويليه ما أخرجه عبد بن حميد عن ابن سيرين بسند
صحيح إليه في قصة تجميع الأنصار مع أسعد بن زرارة وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة فصلى
بهم وذكرهم فسموه الجمعة حين اجتمعوا إليه ذكره ابن أبي حاتم موقوفا وقيل لأن كعب بن لؤي
كان يجمع قومه فيه فيذكرهم ويأمرهم بتعظيم الحرم ويخبرهم بأنه سيبعث منه نبي روى ذلك
الزبير في كتاب النسب عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف مقطوعا وبه جزم الفراء وغيره وقيل
أن قصيا هو الذي كان يجمعهم ذكره ثعلب في أماليه وقيل سمي بذلك لاجتماع الناس للصلاة
فيه وبهذا جزم ابن حزم فقال إنه اسم اسلامي لم يكن في الجاهلية وإنما كان يسمى العروبة انتهى
وفيه نظر فقد قال أهل اللغة أن العروبة اسم قديم كان للجاهلية وقالوا في الجمعة هو يوم العروبة
فالظاهر أنهم غيروا أسماء الأيام السبعة بعد أن كانت تسمى أول أهون جبار دبار مؤنس عروبة
شبار وقال الجوهري كانت العرب تسمي يوم الاثنين أهون في أسمائهم القديمة وهذا يشعر بأنهم
أحدثوا لها أسماء وهي هذا المتعارفة الآن كالسبت والأحد إلى آخرها وقيل إن أول من سمي
الجمعة العروبة كعب بن لؤي وبه جزم الفراء وغيره فيحتاج من قال إنهم غيروها إلى الجمعة
فأبقوه على تسمية العروبة إلى نقل خاص وذكر ابن القيم في الهدى ليوم الجمعة اثنين وثلاثين
خصوصية وفيها أنها يوم عيد ولا يصام منفردا وقراءة ألم تنزيل وهل أتى في صبيحتها والجمعة
والمنافقين فيها والغسل لها والطيب والسواك ولبس أحسن الثياب وتبخير المسجد والتبكير
والاشتغال بالعباد حتى يخرج الخطيب والخطبة والانصات وقراءة الكهف ونفي كراهية
النافلة وقت الاستواء ومنع السفر قبلها وتضعيف أجر الذاهب إليها بكل خطوة أجر سنة ونفي
تسجير جهنم في يومها وساعة الإجابة وتكفير الآثام وأنها يوم المزيد والشاهد المدخر لهذا
الأمة وخير أيام الأسبوع وتجتمع فيه الأرواح إن ثبت الخير فيه وذكر أشياء أخر فيها نظر وترك
أشياء يطول تتبعها انتهى ملخصا والله أعلم (قوله باب فرض الجمعة لقول الله تعالى
إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) إلى هنا عند الأكثر وسياق بقية
الآية في رواية كريمة وأبي ذر (قوله فاسعوا فامضوا) هذا في رواية أبي ذر عن الحموي وحده
وهو تفسير منه للمراد بالسعي هنا بخلاف قوله في الحديث المتقدم فلا تأتوها تسعون فالمراد به
الجري وسيأتي في التفسير أن عمر قرأ فامضوا وهو يؤيد ذلك واستدلال البخاري بهذه
الآية على فرضية الجمعة سبقه إليه الشافعي في الأم وكذا حديث أبي هريرة ثم قال فالتنزيل ثم
السنة يدلان على إيجابها قال بعدم بالإجماع أن يوم الجمعة هو الذي بين الخميس والسبت وقال
الشيخ الموفق الأمر بالسعي يدل على الوجوب إذ لا يجب السعي إلا إلى واجب واختلف في وقت
فرضيتها فالأكثر على أنها فرضت بالمدينة وهو مقتضى ما تقدم أن فرضيتها بالآية المذكورة وهي
مدنية وقال الشيخ أبو حامد فرضت بمكة وهو غريب وقال الزين بن المنير وجه الدلالة من الآية
الكريمة مشروعية النداء لها إذ الأذان من خواص الفرائض وكذا النهى عن البيع لأنه لا ينهى
292

عن المباح يعني نهى تحريم إلا إذا أفضى إلى ترك واجب ويضاف إلى ذلك التوبيخ على قطعها
قال وأما وجه الدلالة من الحديث فهو من التعبير بالفرض لأنه للالزام وان أطلق على غير الالزام
كالتقدير لكنه متعين له لاشتماله على ذكر الصرف لأهل الكتاب عن اختياره وتعيينه لهذه
الأمة سواء كان ذلك وقع لهم بالتنصيص أم بالاجتهاد وفي سياق القصة اشعار بأن فرضيتها على
الأعيان لا على الكفاية وهو من جهة إطلاق الفرضية ومن التعميم في قوله فهدانا الله له والناس
لنا فيه تبع (قوله نحن الآخرون السابقون) في رواية ابن عيينة عن أبي الزناد عند مسلم
نحن الآخرون ونحن السابقون أي الآخرون زمانا الأولون منزلة والمراد أن هذه الأمة وان
تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية فهي سابقة لهم في الآخرة بأنهم أول من يحشر وأول
من يحاسب وأول من يقضي بينهم وأول من يدخل الجنة وفي حديث حذيفة عند مسلم نحن
الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق وقيل المراد بالسبق
هنا احراز فضيلة اليوم السابق بالفضل وهو يوم الجمعة ويوم الجمعة وإن كان مسبوقا بسبت قبله
أو أحد لكن لا يتصور اجتماع الأيام الثلاثة متوالية الا ويكون يوم الجمعة سابقا وقيل المراد
بالسبق أي إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا سمعنا وعصينا والأول أقوى
(قوله بيد) بموحدة ثم تحتانية ساكنة مثل غير وزنا ومعنى وبه جزم الخليل والكسائي ورجحه
ابن سيده وروى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن الربيع عنه أن معنى بيد من أجل وكذا
ذكره ابن حبان والبغوي عن المزني عن الشافعي وقد استبعده عياض ولا بعد فيه بل معناه أنا
سبقنا بالفضل إذ هدينا للجمعة مع تأخرنا في الزمان بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم ويشهد
له ما وقع في فوائد ابن المقري من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ نحن الآخرون في الدنيا
ونحن السابقون أول من يدخل الجنة أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وفي موطأ سعيد بن
عفير عن مالك عن أبي الزناد بلفظ ذلك بأنهم أوتوا الكتاب وقال الداودي هي بمعنى على أو مع
قال القرطبي إن كانت بمعنى غير فنصب على الاستثناء وإن كانت بمعنى مع فنصب على الظرف
وقال الطيبي هي للاستثناء وهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم والمعنى نحن السابقون
للفضل غير أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ووجه التأكيد فيه ما أدمج فيه من مني النسخ لأن
الناسخ هو السابق في الفضل وإن كان متأخرا في الوجود وبهذا التقرير يظهر موقع قوله نحن
الآخرون مع كونه أمرا واضحا (قوله أوتوا الكتاب) اللام للجنس والمراد التوراة والإنجيل
والضمير في أوتيناه للقرآن وقال القرطبي المراد بالكتاب التوراة وفيه نظر لقوله وأوتيناه من
بعدهم فأعاد الضمير على الكتاب فلو كان المراد التوراة لما صح الإخبار لأنا إنما أوتينا القرآن
وسقط من الأصل قوله وأوتيناه من بعدهم وهي ثابتة في رواية أبي زرعة الدمشقي عن أبي وابنه
شيخ البخاري فيه أخرجه الطبراني في مسند الشاميين عنه وكذا لمسلم من طريق ابن عيينة عن
أبي الزناد وسيأتي تاما عند المصنف بعد أبواب من وجه آخر عن أبي هريرة (قوله ثم هذا يومهم
الذي فرض عليهم) كذا للأكثر وللحموي الذي فرض الله عليهم والمراد باليوم يوم الجمعة والمراد
بفرضه فرض تعظيمه وأشير إليه بهذا لكونه ذكر في أول الكلام كما عند مسلم من طريق آخر
عن أبي هريرة ومن حديث حذيفة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أضل الله عن الجمعة
293

من كان قبلنا الحديث قال ابن بطال ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه لأنه
لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن وإنما يدل والله أعلم أنه فرض عليهم يوم من
الجمعة وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم فاختلفوا في أي الإيام هو ولم يهتدوا ليوم الجمعة
ومال عياض إلى هذا ورشحه بأنه لو كان فرض عليهم بعينه لقيل فخالفوا بدل فاختلفوا وقال
النووي يمكن أن الريح أمروا به صريحا فاختلفوا هل يلزم تعينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر
فاجتهدوا في ذلك فأخطأوا انتهى ويشهد له ما رواه الطبري بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى
إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه قال أرادوا الجمعة فأخطأوا وأخذوا السبت مكانه
ويحتمل أن يراد بالاختلاف اختلاف اليهود والنصارى في ذلك وقد روى ابن أبي حاتم من طريق
أسباط بن نصر عن السدي التصريح بأنهم فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا ولفظه إن الله
فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا فجعل عليهم
وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم كما وقع لهم في قوله تعالى ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة وغير
ذلك وكيف لا وهم القائلون سمعنا وعصينا (قوله فهدانا الله له) يحتمل أن يراد بأن نص لنا عليه
وأن يراد الهداية إليه بالاجتهاد ويشهد للثاني ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين
قال جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن تنزل الجمعة فقالت
الأنصار إن لليهود يوما يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى كذلك فهلم فلنجعل يوما نجتمع
فيه فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكره فجعلوه يوم العروبة واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم
يومئذ وأنزل الله تعالى بعد ذلك إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة الآية وهذا وإن كان مرسلا فله
شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وغير واحد من حديث
كعب بن مالك قال كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
أسعد بن زرارة الحديث فمرسل ابن سيرين بل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد
ولا يمنع ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علمه بالوحي وهو بمكة فلم يتمكن من إقامتها ثم فقد
ورد فيه حديث عن ابن عباس عند الدارقطني ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه ابن إسحاق
وغيره وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق وقيل في الحكمة في
اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه والإنسان إنما خلق للعبادة فناسب أن يشتغل بالعبادة
فيه ولأن الله تعالى أكمل فيه الموجودات وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها فناسب أن
يشكر على ذلك بالعبادة فيه (قوله الود غدا والنصارى بعد غد) في رواية أبي سعيد المقبري عن
أبي هريرة عند ابن خزيمة فهو لنا ولليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد والمعنى أنه لنا بهداية
الله تعالى ولهم باعتبار اختيارهم خطئهم في اجتهادهم قال القرطبي غدا هنا منصوب على
الظرف وهو متعلق بمحذوف وتقديره اليهود يعظمون غدا وكذا قوله بعد غد ولا بد من هذا
التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجنة انتهى وقال ابن مالك الأصل أن يكون
الخبر عنه بظرف الزمان من أسماء المعاني كقولك غدا للتأهب وبعد غد للرحيل فيقدر هنا مضافان
يكون ظرفا الزمان خبرين عنهما أي تعبيد اليهود غدا وتعييد النصارى بعد غد أه وسبقه
إلى نحو ذلك عياض وهو أوجه من كلام القرطبي وفي الحديث دليل على فرضية الجمعة كما قال
294

النووي لقوله فرض عليهم فهدانا الله له فإن التقدير فرض عليهم وعلينا فضلوا وهدينا
وقد وقع في رواية سفيان عن أبي الزناد عند مسلم بلفظ كتب علينا وفيه أن الهداية والاضلال من
الله تعالى كما هو قول أهل السنة وأن سلامة الإجماع من الخطأ مخصوص بهذه الأمة وأن
استنباط معنى من الأصل يعود عليه بالإبطال باطل وأن القياس مع وجود النص فاسد وأن
الاجتهاد في زمن نزول الوحي جائز وأن الجمعة أول الأسبوع شرعا ويدل على ذلك تسمية الأسبوع
كله جمعة وكانوا يسمون الأسبوع سبتا كما سيأتي في الاستسقاء في حديث أنس وذلك أنهم كانوا
مجاورين لليهود فتبعوهم في ذلك وفيه بيان واضح لمزيد فضل هذه الأمة على الأمم السابقة
زادها الله تعالى قوله باب فضل الغسل يوم الجمعة قال الزين بن المنير لم يذكر
الحكم لما وقع فيه من الخلاف واقتصر على الفضل لأن معناه الترغيب فيه وهو القدر الذي
تتفق الأدلة على ثبوته قوله وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء اعترض أبو عبد
الملك فيما حكاه بن التين على هذا الشق الثاني من الترجمة فقال ترجم هل على الصبي أو النساء جمعة
وأورد إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وليس فيه ذكر وجوب شهود ولا غيره وأجاب بن
التين بأنه أراد سقوط الوجوب عنهم أما الصبيان فبالحديث الثالث في الباب حيث قال على كل
محتلم فدل على أنها غير واجبة على الصبيان قال وقال الداودي فيه دليل على سقوطها
عن النساء لأن الفروض تجب عليهن في الأكثر بالحيض لا بالاحتلام وتعقب بان الحيض في
حقهن علامة للبلوغ كالاحتلام وليس الاحتلام مختصا بالرجال وإنما ذكر في الخبر لكونه
الغالب وإلا فقد لا يحتلم الإنسان أصلا ويبلغ بالإنزال أو السن وحكمه حكم المحتلم وقال
الزين بن المنير إنما أشار إلى أن غسل الجمعة شرع للرواح إليها كما دلت عليه الأخبار فيحتاج
إلى معرفة من يطلب رواحه فيطلب غسله واستعمل الاستفهام في الترجمة للإشارة إلى وقوع
الاحتمال في حق الصبي في عموم قوله أحدكم لكن تقيده بالمحتلم في الحديث الآخر يخرجه
وأما النساء فيقع فيهن الاحتمال بأن يدخلن في أحدكم بطريق التبع وكذا احتمال عموم النهى
في منعهن المساجد لكن تقيده صارت يخرج الجمعة أه ولعل البخاري أشار بذكر النساء
إلى ما سيأتي قريبا في بعض طرق حديث نافع وإلى الحديث المصرح بأن لا جمعة على امرأة
ولا صبي لكونه ليس على شرطه وإن كان الإسناد صحيحا وهو عند أبي داود من حديث طارق ابن
شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم ورجاله ثقات لكن قال أبو داود لم يسمع طارق من النبي صلى
الله عليه وسلم إلا أنه رآه أه وقد أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق طارق عن أبي موسى
الأشعري قال الزين بن المنير ونقل عن مالك أن من يحضر الجمعة من غير الرجال ان حضرها
لابتغاء الفضل شرع له الغسل وسائر آداب الجمعة وان حضرها لأمر اتفاقي فلا ثم أورد المصنف
في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث نافع عن بن عمر أخرجه من حديث مالك عنه بلفظ
إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وقد رواه بن وهب عن مالك أن نافعا حدثهم فذكره أخرجه
البيهقي والفاء للتعقيب وظاهره أن الغسل يعقب المجئ وليس ذلك المراد وإنما التقدير إذا
أراد أحدكم وقد جاء مصرحا به في رواية الليث عن نافع عند مسلم ولفظه إذا أراد أحدكم أن
يأتي الجمعة فليغتسل ونظير ذلك قوله تعالى إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة
295

فإن المعنى إذا أردتم المناجاة بلا خلاف ويقوى رواية الليث حديث أبي هريرة الآتي قريبا
بلفظ من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فهو صريح في تأخير الرواح عن الغسل وعرف بهذا
فساد قول من حمله على ظاهره واحتج به على أن الغسل لليوم لا الصلاة لأن الحديث واحد
ومخرجه واحد وقد تبين الليث في روايته المراد وقواه حديث أبي هريرة ورواية نافع عن
بن عمر لهذا الحديث مشهور جدا فقد اعتنى بتخريج طرقه أبو عوانة في صحيحه فساقه
من طريق سبعين نفسا رووه عن نافع وقد تتبعت ما فاته وجمعت ما وقع لي من طرقه في جزء
مفرد لغرض اقتضى ذلك فبلغت أسماء من رواه عن نافع مائة وعشرين نفسا فما يستفاد منه
هنا ذكر سبب الحديث ففي رواية إسماعيل بن أمية عن نافع عند أبي عوانة وقاسم بن أصبغ
كان الناس يغدون في أعمالهم فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب متغيرة فشكوا ذلك لرسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال من جاء منكم الجمعة فليغتسل ومنها ذكر محل القول ففي رواية
الحكم بن عتيبة عن نافع عن بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد هذا المنبر
بالمدينة يقول أخرجه يعقوب الجصاص في فوائد من رواية اليسع بن قيس عن الحكم
وطريق الحكم عند النسائي وغيره من رواية شعبة عنه بدون هذا السياق بلفظ حديث الباب
إلا قوله جاء فعنده راح وكذا رواه النسائي من رواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب ومنصور
ومالك ثلاثتهم عن نافع ومنها ما يدل على تكرار ذلك ففي رواية صخر بن جويرية عن نافع
عند أبي مسلم الكجي بلفظ كان إذا خطب يوم الجمعة قال الحديث ومنها زيادة في المتن ففي
رواية عثمان بن حكى عن نافع عند أبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان في صحاحهم بلفظ من أتى
الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ومن لم يأتها فليس عليه غسل ورجاله ثقات لكن قال البزار
أخشى أن يكون عثمان بن حكى وهم فيه ومنها زيادة في المتن والإسناد أيضا أخرجه أبو داود
والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من طرق عن مفضل بن فضاله عن عياش بن عباس
القتباني عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن نافع عن بن عمر عن حفصة قالت قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم الجمعة واجبة على كل محتلم وعلى من راح إلى الجمعة الغسل قال الطبراني في
الأوسط لم يروه عن نافع بزيادة حفصة الا بكير ولا عنه الا عياش تفرد به مفضل قلت
رواته ثقات فإن كان محفوظا فهو حديث آخر ولا مانع أن يسمعه بن عمر من النبي صلى الله
عليه وسلم ومن غيره من الصحابة فيأتي في ثاني أحاديث الباب من رواية بن عمر عن أبيه عن
النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما مع اختلاف المتون قال بن دقيق العيد في الحديث دليل على
تعليق الأمر بالغسل بالمجئ إلى الجمعة واستدل به لمالك في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلا
بالذهاب ووافقه الأوزاعي والليث والجمهور قالوا يجزئ من بعد الفجر ويشهد لهم حديث
بن عباس الآتي قريبا وقال الأثرم سمعت أحمد سئل عمن اغتسل ثم حالا هل يكفيه الوضوء
فقال نعم ولم أسمع فيه أعلى من حديث بن أبزي يشير إلى ما أخرجه به أبي شيبة بإسناد صحيح عن
سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه وله صحبة أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث فيتوضأ
ولا يعيد الغسل ومقتضى النظر أن يقال إذا عر ف أن الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة
والتنظيف رعاية الحاضرين من التأذي بالرائحة الكريهة فمن خشي أن يصيبه في أثناء النهار
296

ما يزيل تنظيفه استحب له أن يؤخر الغسل لوقت ذهابه ولعل هذا هو الذي لحظه مالك فشرط
اتصال الذهاب بالغسل ليحصل الأمن مما يغاير التنظيف والله أعلم قال بن دقيق العيد ولقد أبعد
الظاهري إبعادا يكاد أن يكون مجزوما ببطلانه حيث لم يشترط تقدم الغسل على إقامة صلا
الجمعة حتى لو اغتسل قبل الغروب كفى عنده تعلقا بإضافة الغسل إلى اليوم يعني كما سيأتي في
حديث الباب الثالث وقد تبين من بعض الروايات أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة يعني
كما سيأتي من حديث عائشة بعد أبواب قال وفهم منه أن المقصود عدم تأذى الحاضرين وذلك
لا يتأتى بعد إقامة الجمعة وكذلك أقول لو قدمه بحيث لا يتحصل هذا المقصود لم يعتد به والمعنى
إذا كان معلوما كالنص قطعا أو ظنا مقارنا للقطع فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من أتباع
مجرد اللفظ قلت وقد حكى بن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل
للجمعة ولا فعل ما أمر به وادعى بن حزم أنه قول جماعة من الصحابة والتابعين وأطال في تقرير
ذلك بما هو بصدد المنع والرد يفضى إلى التطويل بما لا طائل تحته ولم يورد عن أحد ممن
ذكر التصريح بأجزاء الاغتسال بعد صلاة الجمعة وإنما أورد عنهم ما يدل على أنه لا يشترط
اتصال الغسل بالذهاب إلى الجمعة فأخذ هو منه أنه لا فرق بين ما قبل الزوال أو بعده والفرق بينهما
ظاهر كالشمس والله أعلم واستدل من مفهوم الحديث على أن الغسل لا يشرع لمن لم يحضر
الجمعة وقد تقدم التصريح بمقتضاه في آخر رواية عثمان بن حكى عن نافع وهذا هو الأصح
عند الشافعية وبه قال الجمهور خلافا لأكثر الحنفية وقوله فيه الجمعة المراد به الصلاة أو المكان
الذي تقام فيه وذكر المجئ لكونه الغالب وإلا فالحكم شامل لمن كان مجاورا للجامع أو مقيما به
واستدل به على أن الأمر لا يحمل على الوجوب إلا بقرينة لقوله كان يأمرنا مع أن الجمهور
حملوه على الندب كما سيأتي في الكلام على الحديث الثالث وهذا بخلاف صيغة أفعل فإنها على
الوجوب حتى تظهر قرينة على الندب الحديث الثاني حديث مالك عن الزهري عن سالم بن عبد
الله بن عمر عن بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة الحديث
أورده من رواية جويرية بن أسماء عن مالك وهو عند رواة الموطأ عن مالك ليس فيه ذكر بن عمر
فحكى الإسماعيلي عن البغوي بعد أن أخرجه من طريق روح بن عبادة عن مالك أنه لم يذكر في
هذا الحديث أحد عن مالك عبد الله بن عمر غير روح بن عبادة وجويرية أه وقد تابعهما
أيضا عبد الرحمن بن مهدي أخرجة أحمد بن حنبل عنه بذكر بن عمر وقال الدارقطني
في الموطأ رواه جماعة من أصحاب مالك الثقات عنه خارج الموطأ موصولا عنهم فذكر هؤلاء
الثلاثة ثم قال وأبو عاصم النبيل وإبراهيم بن طهمان والوليد بن مسلم وعبد الوهاب بن عطاء
وذكر جماعة غيرهم في بعضهم مقال ثم ساق أسانيدهم إليهم بذلك وزاد بن عبد البر فيمن وصله عن
مالك القعنبي في رواية إسماعيل إسحاق القاضي عنه ورواه عن الزهري موصولا يونس
بن يزيد عند مسلم ومعمر عند أحمد وأبو أويس عند قاسم بن أصبغ ولجويرية بن أسماء فيه إسناد
آخر أعلى من روايته عن مالك أخرجه الطحاوي وغيره من رواية أبي غسان عنه عن نافع عن بن
عمر رضي الله عنهما قوله بينا أصله بين وأشبعت الفتحة وقد تبقى بلا إشباع ويزاد فيها ما
فتصير بينما وهي رواية يونس وهي ظرف زمان فيه معنى المفاجأة قوله إذ جاء رجل في رواية
297

المستملى والأصيلي وكريمة إذ دخل قوله من المهاجرين الأولين قيل في تعريفهم من صلى إلى
القبلتين وقيل من شهد بدرا وقيل من شهد بيعة الرضوان ولا شك أنها مراتب نسبية والأول
أولى في التعريف لسبقه فمن هاجر بعد تحويل القبلة وقيل وقعة بدر هو آخر بالنسبة إلى من
هاجر قبل التحويل وقد سمي بن وهب وابن القاسم في روايتهما عن مالك في الموطأ الرجل
المذكور عثمان بن عفان وكذا سماه معمر في روايته عن الزهري عند الشافعي وغيره وكذا وقع
في رواية بن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع عن بن عمر قال بن عبد البر لا أعلم خلافا في ذلك
وقد سماه أيضا أبو هريرة في روايته لهذه القصة عند مسلم كما سيأتي بعد بابين قوله فناداه أي
قاله له يا فلان قوله أية ساعة هذه أية بتشديد التحتانية تأنيث أي يستفهم بها والساعة
اسم لجزء من النهار مقدر وتطلق على الوقت الحاضر وهو المراد هنا وهذا الاستفهام استفهام
توبيخ وانكار وكأنه يقول لم تأخرت إلى هذه الساعة وقد ورد التصريح بالإنكار في رواية أبي
هريرة فقال عمر لم تحتبسون عن الصلاة وفي رواية مسلم فعرض عنه عمر فقال ما بال رجال
يتأخرون بعد النداء والذي يظهر أن عمر قال ذلك كله فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر
ومراد عمر التلميح إلى ساعات التبكير التي وقع الترغيب فيها وأنها إذا انقضت طوت الملائكة
الصحف كما سيأتي قريبا وهذا من أحسن التعريضات وأرشق الكنايات وفهم عثمان ذلك فبادر
إلى الاعتذار عن التأخر قوله إني شغلت بضم أوله وقد بين جهة شغله في رواية عبد الرحمن
بن مهدي حيث قال انقلبت من السوق فسمعت النداء والمراد به الأذان بين يدي الخطيب
كما سيأتي بعد أبواب قوله فلم أزد على أن توضأت لم اشتغل بشئ بعد أن سمعت النداء إلا بالوضوء
وهذا يدل على أنه دخل المسجد في ابتداء شروع عمر في الخطبة قوله والوضوء أيضا فيه
إشعار بأنه قبل عذره في ترك التبكير لكنه استنبط منه معنى آخر اتجه له عليه فيه إنكار ثان
مضاف إلى الأول وقوله والوضوء في روايتنا بالنصب وعليه اقتصر النووي في شرح مسلم أي
والوضوء أيضا اقتصرت عليه أو اخترته دون الغسل والمعنى ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت
الفضيلة حتى تركت الغسل واقتصرت على الوضوء وجوز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره
محذوف أي والوضوء أيضا يقتصر عليه وأغرب السهيلي فقال اتفق الرواة على الرفع لأن النصب
يخرجه إلى معنى الإنكار يعني والوضوء لا فقلنا وجوابه ما تقدم والظاهر أن الواو عاطفة
وقال القرطبي هي عوض عن همزة استفهام كقراءة بن كثير قال فرعون وآمنتم به وقوله
أيضا أي ألم يكفك أن فاتك فضل التبكير إلى الجمعة حتى أضفت إليه ترك الغسل المرغب فيه ولم أقف
في شئ من الروايات على جواب عثمان عن ذلك والظاهر أنه سكت عنه اكتفاء بالاعتذار الأول
لأنه قد أشار إلى أنه كان ذاهلا عن الوقت وأنه بادر عند سماع النداء وإنما ترك الغسل لأنه تعارض
عنده إدراك سماع الخطبة والاشتغال بالغسل وكل منهما مرغب فآثر سماع الخطبة ولعله
كان يرى فرضيته فلذلك آثره والله أعلم قوله كان يأمر بالغسل كذا في جميع الروايات لم يذكر
المأمور إلا أن في رواية جويرية عن نافع بلفظ كنا نؤمر وفي حديث ابن عباس عند الطحاوي
في هذه القصة أن عمر قال له لقد علم أنا أمرنا بالغسل قلت أنتم المهاجرون الأولون أم الناس
جميعا قال لا أدرى رواته ثقات إلا أنه معلول وقد وقع في رواية أبي هريرة في هذه القصة أن
298

عمر قال ألم تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل كذا هو
في الصحيحين وغيرهما وهو ظاهر في عدم التخصيص بالمهاجرين الأولين وفي هذا الحديث من
الفوائد القيام في الخطبة وعلى المنبر وتفقد الإمام رعيته وأمره لهم بمصالح دينهم وإنكاره على
من أخل بالفضل وإن كان عظيم المحل ومواجهته بالإنكار ليرتدع من هو دونه بذلك وأن الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر في أثناء الخطبة لا يفسدها وسقوط منع الكلام عن المخاطب
بذلك وفيه الاعتذار إلى ولاة الأمر وإباحة الشغل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء ولو
أفضى إلى ترك فضيلة البكور إلى الجمعة لأن عمر لم يأمر برفع السوق بعد هذه القصة واستدل به
مالك على أن مالك على أن السوق لا تمنع يوم الجمعة قبل النداء لكونها كانت في زمن عمر ولكون الذاهب
إليها مثل عثمان وفيه شهود الفضلاء السوق ومعاناة المتجر فيها وفيه أن فضيلة التوجه إلى
الجمعة إنما تحصل قبل التأذين وقال عياض فيه حجة لأن السعي إنما يجب بسماع الأذان وأن
شهود الخطبة لا يجب وهو مقتضى قول أكثر المالكية وتعقب بأنه لا يلزم من التأخير إلى سماع
النداء فوات الخطبة بل تقدم ما يدل على أنه لم يفت عثمان من الخطبة شئ وعلى تقدير أن يكون
فاته منها شئ فليس فيه دليل على أنه لا يجب شهودها على من تنعقد به الجمعة واستدل به على أن
غسل الجمعة واجب لقطع عمر الخطبة وإنكاره على عثمان تركه وهو متعقب لأنه أنكر عليه ترك
السنة المذكورة وهي التبكير إلى الجمعة فيكون الغسل كذلك وعلى أن الغسل ليس شرطا
لصحة الجمعة وسيأتي البحث فيه في الحديث بعده الحديث الثالث حديث مالك أيضا عن
صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري لم تختلف رواة الموطأ على مالك في إسناده
ورجاله مدنيون كالأول وفيه رواية تابعي عن تابعي صفوان عن عطاء وقد تابع مالكا على
روايته الدراوردي عن صفوان عند ابن حيان وخالفهما عبد الرحمن بن إسحاق فرواه عن
صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أخرجه أبو بكر المروذي في كتاب الجمعة له (قوله
غسل يوم الجمعة) استدل به لمن قال الغسل لليوم للإضافة إليه وقد تقدم ما فيه واستنبط منه
أيضا أن ليوم الجمعة غسلا مخصوصا حتى لو وجدت صورة الغسل فيه لم يجز عن غسل الجمعة
إلا بالنية وقد أخذ بذلك أبو قتادة فقال لابنه وقد رآه يغتسل يوم الجمعة إن كان غسلك عن
جنابة فأعد غسلا آخر للجمعة أخرجه الطحاوي وابن المنذر وغيرهما ووقع في رواية مسلم
في حديث الباب الغسل يوم الجمعة وكذا هو في الباب الذي بعد هذا وظاهره أن الغسل حيث
وجد فيه كفى لكون اليوم جعل ظرفا للغسل ويحتمل أن يكون اللام للعهد فتتفق الروايتان
(قوله واجب على كل محتلم) أي بالغ وإنما ذكر الاحتلام لكونه الغالب واستدل به على
دخول النساء فذلك كما سيأتي بعد ثمانية أبواب واستدل بقوله واجب على فرضية غسل
الجمعة وقد حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة وعمار بن ياسر وغيرهما وهو قول أهل الظاهر وإحدى
الروايتين عن أحمد وحكاه ابن حزم عن عمر وجمع جم من الصحابة ومن بعدهم ثم ساق الرواية
عنهم لكن ليس فيها عن أحد منهم التصريح بذلك إلا نادرا وإنما اعتمد في ذلك على أشياء
محتملة كقول سعد ما كنت أظن مسلما يدع غسل يوم الجمعة وحكاه ابن المنذر والخطابي عن
مالك وقال القاضي عياض وغيره ليس ذلك بمعروف في مذهبه قال ابن دقيق العيد قد نص
299

مالك على وجوبه فحمله من لم يمارس مذهبه على ظاهره وأبي ذلك أصحابه أه والرواية عن
مالك بذلك في التمهيد وفيه أيضا من طريق أشهب عن مالك أنه سئل عنه فقال حسن وليس
بواجب وحكاه بعض المتأخرين عن بخزيمة من أصحابنا وهو غلط عليه فقد صرح في صحيحه
بأنه على الاختيار واحتج لكون مندوبا بعدة أحاديث في عدة تراجم وحكاه شارح الغنية لابن
سريج قولا للشافعي واستغرب وقد قال الشافعي في الرسالة بعد أن أورد حديثي ابن عمر وأبي
سعيد احتمل قوله واجب معنيين الظاهر منهما أنه واجب فلا تجزى الطهارة لصلاة الجمعة
إلا بالغسل واحتمل أنه واجب في الاختيار وكرم الأخلاق والنظافة ثم استدل للاحتمال الثاني
بقصة عثمان مع عمر التي تقدمت قال فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل ولم يأمره عمر بالخروج
للغسل دل ذلك على أنهما قد علما أن الأمر بالغسل للاختيار أه وعلى هذا الجواب عول أكثر
المصنفين في هذه المسألة كابن خزيمة والطبري والطحاوي وابن حيان وابن عبد البر وهلم جرا
وزاد بعضهم فيه أن من حضر من الصحابة وافقوهما على ذلك فكان إجماعا منهم على أن الغسل
ليس شرطا في صحة الصلاة وهو استدلال قوي وقد نقل الخطابي وغيره الإجماع على أن صلاة
الجمعة بدون الغسل مجزئة لكن حكى الطبري عن قوم أنهم قالوا بوجوبه ولم يقولوا إنه شرط بل
هو واجب مستقل تصح الصلاة بدونه كأن أصله قصد التنظيف وإزالة الروائح الكريهة التي
يتأذى بها الحاضرون من الملائكة والناس وهو موافق لقول من قال يحرم أكل الثوم على من
قصد الصلاة في الجماعة ويرد عليهم أنه يلزم من ذلك تأثيم عثمان والجواب أنه كان معذورا لأنه
إنما تركه ذاهلا عن الوقت مع أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار لما ثبت في صحيح مسلم
عن حمران أن عثمان لم يكن يمضى عليه يوم حتى يفيض عليه الماء وإنما لم يعتذر بذلك لعمر
كما اعتذر عن التأخر لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلى الجمعة كما هو الأفضل وعن بعض
الحنابلة التفصيل بين ذي النظافة وغيره فيجب على الثاني دون الأول نظرا إلى العلة حكاه
صاحب الهدى وحكى ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه أن قصة عمر وعثمان أخذت على وجوب
الغسل لا على عدم وجوبه من جهة ترك عمر الخطبة واشتغاله بمعاتبة عثمان وتوبيخ مثله على
رؤوس الناس فلو كان ترك الغسل مباحا لما فعل عمر ذلك وإنما لم يرجع عثمان للغسل لضيق الوقت
إذ لو فعل لفاتته الجمعة أو لكونه كان اغتسل كما تقدم قال ابن دقيق العيد ذهب الأكثرون إلى
استحباب غسل الجمعة وهو محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر وقد أولوا صيغة الأمر
على الندب وصيغة الوجوب على التأكيد كما يقال إكرامك على واجب وهو تأويل ضعيف
إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا على هذا الظاهر وأقوى ما عارضوا به هذا الظاهر حديث
من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمته ومن اغتسل فالغسل أفضل ولا يعارض سنده سند هذه
الأحاديث قال وربما تأولوه تأويلا مستكرها كمن حمل لفظ الوجوب على السقوط انتهى فأما
الحديث فعول على المعارضة به كثير من المصنفين ووجه الدلالة منه قوله فالغسل أفضل فإنه
يقتضى اشتراك الوضوء والغسل في أصل الفضل فيستلزم أجزاء الوضوء ولهذا الحديث طرق
أشهرها وأقواها رواية الحسن عن سمرة أخرجها أصحاب السنن الثلاثة وابن خزيمة وابن حيان
وله علتان إحداهما أنه من عنعنة الحسن والأخرى أنه اختلف عليه فيه وأخرجه ابن ماجة
300

من حديث أنس والطبراني من حديث أنس والطبراني من حديث عبد الرحمن بن سمرة والبزار من حديث أبي سعيد والى
عدي من حديث جابر وكلها ضعيفة وعارضوا أيضا بأحاديث منها الحديث الآتي في الباب الذي
بعده فإن فيه وأن يستن وأن يمس طيبا قال القرطبي ظاهره وجوب الاستنان والطيب لذكرهما
بالعاطف فالتقدير الغسل واجب والاستنان والطيب كذلك قال وليسا بواجبين اتفاقا فدل على
أن الغسل ليس بواجب إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب بلفظ واحد انتهى وقد سبق
إلى ذلك الطبري والطحاوي وتعقبه ابن الجوزي بأنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب
لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف وقال ابن المنير في الحاشية أن سلم أن المراد بالواجب
الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه لأن للقائل أن يقول أخرج بدليل فبقي ما عداه
على الأصل وعلى أن دعوى الإجماع في الطيب مردودة فقد روى سفيان ابن عيينة في جامعه عن
أبي هريرة أنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة وإسناده صحيح وكذا قال بوجوبه بعض أهل الظاهر
ومنها حديث أبي هريرة مرفوعا من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له
أخرجه مسلم قال القرطبي ذكر الوضوء وما معه مرتبا عليه النصارى المقتضى للصحة فدل على أن
الوضوء كاف وأجيب بأنه ليس فيه نفى الغسل وقد ورد من وجه آخر في الصحيحين بلفظ من اغتسل
فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء ومنها حديث
ابن عباس أنه سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو فقال لا ولكنه أطهر لمن اغتسل ومن لم
يغتسل فليس بواجب عليه وسأخبركم عن بدأ الغسل كان الناس مجهودين يلبسون الصوف
ويعملون وكان مسجدهم ضيقا فلما آذى بعضهم بعضا قال النبي صلى الله عليه وسلم أيها الناس
إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا قال ابن عباس ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل
ووسع المسجد أخرجه أبو داود والطحاوي وإسناده حسن لكن الثابت عن ابن عباس خلافه كما
سيأتي قريبا وعلى تقدير الصحة فالمرفوع منه ورد بصيغة الأمر الدالة على الوجوب وأما نفى الوجوب
فهو موقوف لأنه من استنباط ابن عباس وفيه نظر إذ لا يلزم من زوال السبب زوال المسبب
كما في الرمل والجمار على تقدير تسليمه فلمن قصر الوجوب على من به رائحة كريهة أن يتمسك
به ومنها حديث طاوس قلت لابن عباس زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اغتسلوا
يوم الجمعة واغسلوا رءوسكم الا أن تكونوا جنبا الحديث قال ابن حيان بعد أن أخرجه فيه أن
غسل الجمعة يجزئ عنه غسل الجناية وأن غسل الجمعة ليس بفرض إذ لو كان فرضا لم يجز عنه غيره
انتهى وهذه الزيادة الا أن تكونوا جنبا تفرد بها ابن إسحاق عن الزهري وقد رواه شعيب عن
الزهري بلفظ وأن تكونوا جنبا وهذا هو المحفوظ عن الزهري كما سيأتي بعد بابين ومنها حديث
عائشة الآتي بعد أبواب بلفظ لو اغتسلتم ففيه عرض وتنبيه لا حتم ووجوب وأجيب بأنه ليس
فيه نفى الوجوب وبأنه سابق على الأمر به والإعلام بوجوبه ونقل الزين بن المنير بعد قول
الطحاوي لما ذكر حديث عائشة فدل على أن الأمر بالغسل لم يكن للوجوب وإنما كان لعله ثم
ذهبت تلك العلة فذهب الغسل وهذا من الطحاوي يقتضى سقوط الغسل أصلا فلا يعد فرضا
ولا مندوبا لقوله زالت العلة إلى آخره فيكون مذهبا ثالثا في المسئلة انتهى ولا يلزم من زوال العلة
سقوط الندب تعبدا ولا سيما مع احتمال وجود العلة المذكورة ثم أن هذه الأحاديث كلها لو سلمت
301

لما دلت الا على نفى اشتراط الغسل لا على الوجوب المجرد كما تقدم وأما ما أشار إليه ابن دقيق
العيد من أن بعضهم أوله بتأويل مستكره فقد نقله ابن دحية عن القدوري من الحنفية وأنه
قال قوله واجب أي ساقط وقوله على بمعنى عن فيكون المعنى أنه غير لازم ولا يخفى ما فيه
من التكلف وقال الزين بن المنير أصل الوجوب في اللغة السقوط فلما كان في الخطاب على
المكلف غث ثقيل كان كل ما أكد طلبه منه يسمى واجبا كأنه سقط عليه وهو أعم من كونه فرضا
أو ندبا وهذا سبقه ابن بزيزة إليه ثم تعقبه بان اللفظ الشرعي خاص بمقتضاه شرعا لا وضعا وكأن
الزين استشعر هذا الجواب فزاد أن تخصيص الواجب بالفرض اصطلاح حادث وأجيب بان
وجب في اللغة لم ينحصر في السقوط بل ورد بمعنى مات وبمعنى اضطرب وبمعنى لزم وغير ذلك
والذي يتبادر إلى الفهم منها في الأحاديث أنها بمعنى لزم لا سيما إذا سيقت لبيان الحكم وقد تقدم
في بعض طرق حديث ابن عمر الجمعة واجبة على كل محتلم وهو بمعنى اللزوم قطعا ويؤيده أن في
بعض طرق حديث الباب واجب كغسل الجنابة أخرجه ابن حيان من طريق أخرجه
الدراوردي عن صفوان بن سليم وظاهره اللزوم وأجاب عنه بعض القائلين بالندبية بان التشبيه
في الكيفية لا في الحكم وقال ابن الجوزي يحتمل أتكون لفظه الوجوب اني من بعض
الرواة أو ثابتة ونسخ الوجوب ورد بان الطعن في الروايات الثابتة بالظن الذي لا مستند له لا يقبل
والنسخ لا يصار إليه الا بدليل ومجموع الأحاديث يدل على استمرار الحكم فإن في حديث عائشة أن
ذلك كان في أول الحال حيث كانوا مجهودين وأبو هريرة وابن عباس إنما صحبا النبي صلى الله
عليه وسلم بعد أن حصل التوسع بالنسبة إلى ما كانوا فيه أولا ومع ذلك فقد سمع كل منهما منه صلى
الله عليه وسلم الأمر بالغسل والحث عليه والترغيب فيه فكيف يدعي النسخ بعد ذلك (فائدة) حكى
ابن العربي وغيره أن بعض أصحابهم قالوا يجزئ عن الاغتسال للجمعة التطيب لأن المقصود
النظافة وقال بعضهم لا يشترط له الماء المطلق بل يجزئ بماء الورد ونحوه وقد عاب ابن العربي ذلك
وقال هؤلاء وقفوا مع المعنى وأغفلوا المحافظة على التعبد بالمعين والجمع بين التعبد والمعين أولى
انتهى وعكس ذلك قول بعض الشافعية بالتيمم فإنه تعبد دون نظر إلى المعنى وأما الاكتفاء بغير
الماء المطلق فمردود لأنها عبادة لثبوت الترغيب فيها فيحتاج إلى النية ولو كان لمحض النظافة لم
تكن كذلك والله أعلم (قوله باب الطيب للجمعة) لم يذكر حكمة أيضا لوقوع الاحتمال
فيه كما سبق (قوله حدثنا علي بن عبد الله بن جعفر) كذا في رواية ابن عساكر وهو ابن المديني
واقتصر الباقون على حدثنا على (قوله قال أشهد على أبي سعد) ظاهر في أنه سمعه منه قال ابن
التين أراد بهذا اللفظ التأكيد للرواية انتهى وقد أدخل بعضهم بين عمرو بن سليم القائل أشهد وبين
أبي سعيد رجلا كما سيأتي (قوله وأن يستن) أي يدلك أسنانه بالسواك (قوله وأن يمس) بفتح
الميم على الأفصح (قوله أن وجد) متعلق بالطيب أي إن وجد الطيب مسه ويحتمل تعلقه بما قبله
أيضا وفي رواية مسلم ويمس من الطيب ما يقدر عليه وفي رواية ولو من طيب المرأة قال عياض
يحتمل قوله ما يقدر عليه إرادة التأكيد ليفعل ما أمكنه ويحتمل إرادة الكثرة والأول أظهر
ويؤيده قوله ولو من طيب المرأة لأنه يكره استعماله للرجل وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه فأباحته
للرجل لأجل عدم غيره يدل على تأكد الأمر في ذلك ويؤخذ من اقتصاره على المس الأخذ
302

بالتخفيف في ذلك قال الزين بن المنير فيه تنبيه على الرفق وعلى تسير الأمر في التطيب بأن يكون
بأقل ما يمكن حتى إنه يجزئ مسه من غير تناول قدر ينقصه تحريضا على امتثال الأمر فيه (قوله
قال عمرو) أي ابن سليم راوي الخبر وهو موصول بالإسناد المذكور إليه (قوله وأما الاستنان
والطيب فالله أعلم) هذا يؤيد ما تقدم من أن العطف لا يقتضى التشريك من جميع الوجوه وكأن
القدر المشترك تأكيد الطلب للثلاثة وكأنه جزم بوجوب الغسل دون غيره للتصريح به في الحديث
وتوقف فيما عداه لوقوع الاحتمال فيه قال الزين بن المنير يحتمل أن يكون قوله وأن يستن معطوفا
على الجملة المصرحة بوجوب الغسل فيكون واجبا أيضا ويحتمل أن يكون مستأنفا فيكون
التقدير وأن يستن ويتطيب استحبابا ويؤيد الأول ما سيأتي في آخر الباب من رواية الليث عن
خالد بن يزيد حيث قال فيها أن الغسل واجب ثم قال والسواك وأن يمس من الطيب ويأتي في
شرح باب الدهن يوم الجمعة حديث ابن عباس وأصيبوا من الطيب وفيه تردد ابن عباس في
وجوب الطيب وقال ابن الجوزي يحتمل أن يكون قوله وأن يستن الخ من كلام أبي سعيد خلطه
الراوي بكلام النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وإنما قال ذلك لأنه ساقه بلفظ قال أبو السعيد وأن
يستن وهذا لم أره في شئ من نسخ الجمع بين الصحيحين الذي تكلم ابن الجوزي عليه ولا في واحد
من الصحيحين ولا في شئ من المسانيد والمستخرجات بل ليس في جميع طرق هذا الحديث قال أبو
سعيد فدعوى الإدراج فيه لا حقيقة لها ويلتحق بالاستنان والتطيب التزين باللباس وسيأتي
استعمال الخمس التي عدت من الفطرة وقد صرح ابن حبيب من المالكية به فقال يلزم الآتي
الجمعة جميع ذلك وسيأتي في باب الدهن للجمعة ويدهن من دهنه ويمس من طيبه والله أعلم (قوله
قال أبو عبد الله) أي البخاري ومراده بما ذكر أن محمد بن المنكدر وإن كان يكنى أيضا أبا بكر
لكنه ممن كان مشهورا باسمه دون كنيته بخلاف أخيه أبي بكر راوي هذا الخبر فإنه لا اسم له
الا كنيته وهو مدني تابعي كشيخه (قوله روى عنه بكير بن الأشج وسعيد بن أبي هلال) كذا في
رواية أبي ذر ولغيره رواه عنه وكأن المراد أن شعبة لم ينفرد برواية هذا الحديث عنه لكن بين
رواية بكير وسعيد مخالفة في موضع من الإسناد فرواية بكير موافقة لرواية شعبة ورواية سعيد
أدخل فيها بين عمرو بن سليم وأبي سعيد واسطة كما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق
عمرو بن الحرث أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشج حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن
سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه فذكر الحديث وقال في آخره إلا أن بكيرا لم
يذكر عبد الرحمن وكذلك أخرج أحمد من طريق ابن لهيعة عن بكير ليس فيه عبد الرحمن وغفل
الدارقطني في العلل عن هذا الكلام الأخير فجزم بأن بكيرا وسعيدا خالفا شعبة فزادا في الإسناد
عبد الرحمن وقال إنهما ضبطا إسناده وجوداه وهو الصحيح وليس كما قال بل المنفرد بزيادة
عبد الرحمن هو سعيد بن أبي هلال وقد وافق شعبة وبكيرا على إسقاطه محمد بن المنكدر أخو أبي
بكر أخرجه ابن خزيمة من طريقه والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد والذي يظهر أن عمرو بن
سليم سمعه من عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه ثم لقي أبا سعيد فحدثه وسماعه منه ليس بمنكر
لأنه قديم ولد في خلافة عمر بن الخطاب ولم يوصف بالتدليس وحكى الدارقطني في العلل فيه
اختلافا آخر على علي بن المديني شيخ البخاري فيه فذكر أن الباغندي حدث به عنه بزيادة
303

عبد الرحمن أيضا وخالفه تمام عنه فلم يذكر عبد الرحمن وفيما قال نظر فقد أخرجه الإسماعيلي
عن الباغندي بإسقاط عبد الرحمن وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج عن أبي إسحق بن حمزة وأبي
أحمد الغطريفي كلاهما عن الباغندي فهؤلاء ثلاثة من الحفاظ حدثوا به عن الباغندي فلم
يذكروا عبد الرحمن في الإسناد فلعل الوهم فيه ممن حدث به الدارقطني عن الباغندي وقد وافق
البخاري على ترك ذكره محمد بن يحيى الذهلي عند الجوزقي ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة عند ابن
خزيمة وعبد العزيز بن سلام عند الإسماعيلي وإسماعيل القاضي عند ابن منده في غرائب شعبة
كلهم عن علي بن المديني ووافقه علي ابن المديني على ترك ذكره أيضا إبراهيم بن محمد بن عرعرة
عن حرمي بن عمارة عند أبي بكر المروزي في كتاب الجمعة له ولم أقف عليه من حديث شعبة إلا من
طريق حرمي وأشار ابن منده إلى أنه تفرد به عنه * (تنبيه) * ذكر المزي في الأطراف أن البخاري
قال عقب رواية شعبة هذه وقال الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي بكر
ابن المنكدر عن عمرو بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه ولم أقف على هذا التعليق في
شئ من النسخ التي وقعت لنا من الصحيح ولا ذكره أبو مسعود ولا خلف وقد وصله من طريق
الليث كذلك أحمد والنسائي وابن خزيمة بلفظ أن الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم والسواك
وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه (قوله باب فضل الجمعة) أورد فيه حديث
مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة من اغتسل يوم الجمعة ثم راح الحديث وإسناده
مدنيون ومناسبته للترجمة من جهة ما اقتضاه الحديث من مساواة المبادر إلى الجمعة للمتقرب
بالمال فكأنه جمع بين عبادتين بدنية ومالية وهذه خصوصية للجمعة لم تثبت لغيرها من الصلوات
(قوله من اغتسل) يدخل فيه كل من يصح التقرب منه من ذكر أو أنثى حر أو عبد (قوله غسل
الجنابة) بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي غسلا كغسل الجنابة وهو كقوله تعالى وهي
تمر مر السحاب وفي رواية ابن جريج عن سمي عند عبد الرزاق فاغتسل أحدكم كما يغتسل من
الجنابة وظاهره أن التشبيه للكيفية لا للحكم وهو قول الأكثر وقيل فيه إشارة إلى الجماع يوم
الجمعة ليغتسل فيه من الجنابة والحكمة فيه أن تسكن نفسه في الرواح إلى الصلاة ولا تمتد
عينه إلى شئ يراه وفيه حمل المرأة أيضا على الاغتسال ذلك اليوم وعليه حمل قائل ذلك حديث
من اغتسل واغتسل المخرج في السنن على رواية من روى غسل بالتشديد قال النووي ذهب بعض
أصحابنا إلى هذا وهو ضعيف أو باطل والصواب الأول انتهى وقد حكاه ابن قدامة عن الإمام
أحمد وثبت أيضا عن جماعة من التابعين وقال القرطبي إنه أنسب الأقوال فلا وجه لادعاء
بطلانه وإن كان الأول أرجح ولعله عنى أنه باطل في المذهب (قوله ثم راح) زاد أصحاب الموطأ
عن مالك في الساعة الأولى (قوله فكأنما قرب بدنة) أي تصدق بها متقربا إلى الله وقيل المراد
أن للمبادر في أول ساعة ونظير ما لصاحب البدنة من النصارى ممن شرع له القربان لأن القربان لم
يشرع لهذه الأمة على الكيفية التي كانت للأمم السالفة وفي رواية ابن جريج المذكورة فله
من الأجر مثل الجزور وظاهره أن المراد أن الثواب لو تجسد لكان قدر الجزور وقيل ليس
المراد بالحديث إلا بيان تفاوت المبادرين إلى الجمعة وأن نسبة الثاني من الأول نسبة البقرة إلى
البدانة في القيمة مثلا ويدل عليه أن في مرسل طاوس عند عبد الرزاق كفضل صاحب الجزور
304

على صاحب البقرة ووقع في رواية الزهري الآتية في باب الاستماع إلى الخطبة بلفظ كمثل الذي
يهدى بدنة فكأن المراد بالقربان في رواية الباب الإهداء إلى الكعبة قال الطيبي في لفظ الإهداء
إدماج بمعنى التعظيم للجمعة وأن المبادر إليها كمن ساق الهدى والمراد بالبدنة البعير ذكر أكان
أو أنثى والهاء فيها للوحدة لا للتأنيث وكذا في باقي ما ذكر وحكى ابن التين عن مالك أنه كان يتعجب
ممن يخص البدنة بالأنثى وقال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر البدنة لا تكون إلا من الإبل
وصح ذلك عن عطاء وأما الهدى فمن الإبل والبقر والغنم هذا لفظة وحكى النووي عنه أنه قال
البدنة تكون من الإبل والبقر والغنم وكأنه خطأ نشأ عن سقط وفي الصحاح البدنة ناقة أو بقرة
تنحر بمكة سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها انتهى والمراد بالبدنة هنا الناقة بلا خلاف واستدل
به على أن البدنة تختص بالإبل لأنها قوبلت بالبقرة عند الإطلاق وقسم الشئ لا يكون قسيمه
أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد وقال إمام الحرمين البدنة من الإبل ثم الشرع قد يقيم مقامها
البقرة وسبعا من الغنم وتظهر ثمرة هذا فيما إذا قال لله على بدنة وفيه خلاف الأصح تعين الإبل إن
وجدت وإلا فالبقرة أو سبع من الغنم وقيل تتعين الإبل مطلقا وقيل يتخير مطلقا (قوله دجاجة)
بالفتح ويجوز الكسر وحكى الليث الضم أيضا وعن محمد بن حبيب أنها بالفتح من الحيوان
وبالكسر من الناس واستشكل التعبير في الدجاجة والبيضة بقوله في رواية الزهري كالذي يهدى
لأن الهدى لا يكون منهما وأجاب القاضي عياض تبعا لابن بطال بأنه لما عطفه على ما قبله أعطاه
حكمه في اللفظ فيكون من الأتباع كقوله * متقلدا سيفا ورمحا * وتعقبه ابن المنير في الحاشية
بأن شرط الأتباع أن لا يصرح باللفظ في الثاني فلا يسوغ أن يقال متقلدا سيفا ومتقلدا رمحا والذي
يظهر أنه من باب المشاكلة وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله هو من تسمية الشئ باسم قرينه وقال
ابن دقيق العيد قوله قرب بيضة وفي الرواية الأخرى كالذي يهدى يدل على أن المراد بالتقريب
الهدى وينشأ منه أن الهدى يطلق على مثل هذا حتى لو التزم هديا هل يكفيه ذلك أولا انتهى
والصحيح عند الشافعية الثاني وكذا عند الحنفية والحنابلة وهذا ينبنى على أن النذر هل يسلك
به مسلك جائز الشرع أو واجبه فعلى الأول يكفي أقل ما يتقرب به وعلى الثاني يحمل على أقل ما
يتقرب به من ذلك الجنس ويقوى الصحيح أيضا أن المراد بالهدي هنا التصدق كما دل عليه لفظ
التقرب والله أعلم (قوله فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) استنبط منه
الماوردي أن التبكير لا يستحب للأمام قال ويدخل للمسجد من أقرب أبوابه إلى المنبر وما قاله
غير ظاهر لإمكان أن يجمع الأمرين بأن يبكر ولا يخرج من المكان المعد له في الجامع إلا إذا حضر
الوقت أو يحمل على من ليس له مكان معد وزاد في رواية الزهري الآتية طووا صحفهم ولمسلم من
طريقه فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر وكأن ابتداء طي الصحف عند
ابتداء خروج الإمام وانتهاءه بجلوسه على المنبر وهو أول سماعهم الذكر والمراد به ما في الخطبة
من المواعظ وغيرها وأول حديث الزهري إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد
يكتبون الأول فالأول ونحوه في رواية ابن عجلان عن سمي عند النسائي وفي رواية العلاء عن
أبيه عن أبي هريرة عند ابن خزيمة على كل باب من أبواب المسجد ملكان يكتبان الأول فالأول
فكأن المراد بقوله في رواية الزهري على باب المسجد جنس الباب ويكون من مقابلة المجموع
305

بالمجموع فلا حجة فيه لمن أجاز التعبير عن الاثنين بلفظ الجمع ووقع في حديث ابن عمر صفة الصحف
المذكورة أخرجه أبو نعيم في الحلية مرفوعا بلفظ إذا كان يوم الجمعة بعث الله ملائكة بصحف من
نور وأقلام من نور الحديث وهو دال على أن الملائكة المذكورين غير الحفظة والمراد بطي
الصحف طي الصحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة وادراك
الصلاة والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك فإنه يكتبه الحافظان قطعا ووقع في رواية ابن عيينة
عن الزهري في آخر حديثه المشار إليه عند ابن ماجة فمن جاء بعد ذلك فإنما يجئ لحق الصلاة وفي
رواية ابن جريج عن سمي من الزيادة في آخره ثم إذا استمع وأنصت غفر له ما بين الجمعتين زيادة
ثلاثة أيام وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن خزيمة فيقول بعض الملائكة
لبعض ما حبس فلانا فتقول اللهم أن كان ضالا المزوجات وأن كان فقيرا فأغنه وأن كان مريضا
فعافه وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحض على الاغتسال يوم الجمعة وفضله وفضل
التبكير إليها وأن الفضل المذكور إنما يحصل لمن جمعهما وعليه يحمل ما أطلق في باقي الروايات
من ترتب الفضل على التبكير من غير تقييد بالغسل وفيه أن مراتب الناس في الفضل بحسب
أعمالهم وأن القليل من الصدقة غير محتقر في الشرع وأن التقرب بالإبل أفضل من التقرب
بالبقر وهو بالاتفاق في الهدى واختلف في الضحايا والجمهور على أنها كذلك وقال الزين بن المنير
فرق مالك بين التقربين باختلاف المقصودين لأن أصل مشروعية الأضحية التذكير بقصة الذبيح
وهو قد فدى بالغنم والمقصود بالهدي التوسعة على المساكين فناسب البدن واستدل به على
الجمعة تصح قبل الزوال كما سيأتي نقل الخلاف فيه بعد أبواب ووجه الدلالة منه تقسيم الساعة
إلى خمس ثم عقب بخروج الإمام وخروجه عند أول وقت الجمعة فيقتضى أنه يخرج في أول الساعة
السادسة وهي قبل الزوال والجواب أنه ليس في شئ من طرق هذا الحديث ذكر الإتيان من
أول النهار فلعل الساعة الأولى منه جعلت للتأهب بالاغتسال وغيره ويكون مبدأ المجئ من
أول الثانية فهي أولى بالنسبة للمجئ ثانية بالنسبة للنهار وعلى هذا فآخر الخامسة أول الزوال
فيرتفع الاشكال وإلى هذا أشار الصيدلاني شارح المختصر حيث قال إن أول التبكير يكون
من ارتفاع النهار وهو أول الضحى وهو أول الهاجرة ويؤيده الحث على التهجير إلى الجمعة ولغيره
من الشافعية في ذلك وجهان اختلف فيهما الترجيح فقيل أول التبكير طلوع الشمس وقيل طلوع
الفجر ورجحه جمع وفيه نظر إذ يلزم منه أن يكون التأهب قبل طلوع الفجر وقد قال الشافعي
يجزئ الغسل إذا كان بعد الفجر فأشعر بأن الأولى أن يقع بعد ذلك ويحتمل أن يكون ذكر الساعة
السادسة لم يذكره الراوي وقد وقع في رواية ابن عجلان عن سمي عند النسائي من طريق الليث عنه
زيادة مرتبة بين الدجاجة والبيضة وهي العصفور وتابعه صفوان بن عيسى عن ابن عجلان
أخرجه محمد بن عبد السلام الخشني وله شاهد من حديث أبي سعيد أخرجه حميد بن زنجويه في
الترغيب له بلفظ فكمهدي البدنة إلى البقرة إلى الشاة إلى علية الطير إلى العصفور الحديث
ونحوه في مرسل طاوس عند سعيد بن منصور ووقع عند النسائي أيضا في حديث الزهري من
رواية عبد الأعلى عن معمر زيادة البطة بين الكبش والدجاجة لكن خالفه عبد الرزاق وهو أثبت
منه في معمر فلم يذكرها وعلى هذا فخروج الإمام يكون عند انتهاء السادسة وهذا كله مبنى على
306

أن المراد بالساعات ما يتبادر الذهن إليه من العرف فيها وفيه نظر إذ لو كان ذلك المراد لاختلف
الأمر في اليوم الشاتي والصائف لأن النهار ينتهى في القصر إلى عشر ساعات وفي الطول إلى
أربع عشرة وهذا الاشكال للقفال وأجاب عنه القاضي حسين بأن المراد بالساعات ما لا يختلف
عدده بالطول والقصر فالنهار اثنتا عشرة ساعة لكن يزيد كل منها وينقص والليل كذلك وهذه
تسمى الساعات الآفاقية عند أهل الميقات وتلك التعديلية وقد روى أبو داود والنسائي
وصححه الحاكم من حديث جابر مرفوعا يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة وهذا وإن لم يرد في حديث
التبكير فيستأنس به في المراد بالساعات وقيل المراد بالساعات بيان مراتب المبكرين من أول
النهار إلى الزوال وأنها تنقسم إلى خمس وتجاسر الغزالي فقسمها برايه فقال الأولى من طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس والثانية إلى ارتفاعها والثالثة إلى انبساطها والرابعة إلى أن ترمض
الأقدام والخامسة إلى الزوال واعترضه ابن دقيق العيد بأن الرد إلى الساعات المعروفة أولى وإلا
لم يكن لتخصيص هذا العدد بالذكر معنى لأن المراتب متفاوتة جدا وأولى الأجوبة الأول إن
لم تكن زيادة ابن عجلان محفوظة وإلا فهي المعتمدة وانفصل المالكية إلا قليلا منهم وبعض
الشافعية عن الإشكال بأن المراد بالساعات الخمس لحظات لطيفة أولها زوال الشمس وآخرها
قعود الخطيب على المنبر واستدلوا على ذلك بأن الساعة تطلق على جزء من الزمان غير محدود
تقول جئت ساعة كذا وبأن قوله في الحديث ثم راح يدل على أن أول الذهاب إلى الجمعة من
الزوال لأن حقيقة الرواح من الزوال إلى آخر النهار والغدو من أوله إلى الزوال قال المازري
تمسك مالك بحقيقة الرواح وتجوز في الساعة وعكس غيره انتهى وقد أنكر الأزهري على من
زعم أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال ونقل أن العرب تقول راح في جميع الأوقات بمعنى ذهب
قال وهي لغة أهل الحجاز ونقل أبو عبيد في الغريبين نحوه (قلت) وفيه رد على الزين بن المنير
حيث أطلق أن الرواح لا يستعمل في المضي في أول النهار بوجه وحيث قال إن استعمال الرواج
بمعنى الغدو لم يسمع ولا ثبت ما يدل عليه ثم إني لم أر التعبير بالرواح في شئ من طرق هذا الحديث
إلا في رواية مالك هذه عن سمي وقد رواه ابن جريج عن سمي بلفظ غدا ورواه أبو سلمة عن أبي
هريرة بلفظ المتعجل إلى الجمعة كالمهدي بدنة الحديث وصححه ابن خزيمة وفي حديث سمرة ضرب
رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الجمعة في التبكير كناحر البدنة الحديث أخرجه ابن ماجة
ولأبي داود من حديث على مرفوعا إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق
وتغدو الملائكة فتجلس على باب المسجد فتكتب الرجل من ساعة والرجل من ساعتين الحديث
فدل مجموع هذه الأحاديث على أن المراد بالرواح الذهاب وقيل النكتة في التعبير بالرواح
الإشارة إلى أن الفعل المقصود إنما يكون بعد الزوال فيسمى الذاهب إلى الجمعة رائحا وان لم
يجئ وقت الرواح كما سمي القاصد إلى مكة حاجا وقد أشتد إنكار أحمد وابن حبيب من المالكية
ما نقل عن مالك من كراهية التبكير إلى الجمعة وقال أحمد هذا خلاف حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم واحتج بعض المالكية أيضا بقوله في رواية الزهري مثل المهجر لأنه مشتق
من التهجر وهو السير في وقت الهاجرة وأجيب بأن المراد بالتهجير هنا التبكير كما تقدم نقله عن
الخيل في المواقيت وقال ابن المنير في الحاشية يحتمل أن يكون مشتقا من الهجير بالكسر
307

وتشديد الجيم وهو ملازمة ذكر الشئ وقيل هو من هجر المنزل وهو ضعيف لأن مصدره الهجر
لا التهجير وقال القرطبي الحق أن التهجير هنا من الهاجرة وهو السير وقت الحر وهو صالح
لما قبل الزوال وبعده فلا حجة فيه لمالك وقال التوربشتي جعل الوقت الذي يرتفع فيه النهار
ويأخذ الحر في الازدياد من الهاجرة تغليبا بخلاف ما بعد زوال الشمس فإن الحر يأخذ في
الانحطاط ومما يدل على استعمالهم التهجير في أول النهار ما أنشد ابن الأعرابي في نوادره لبعض
العرب * يهجرون تهجير الفجر * واحتجوا أيضا بان الساعة لو لم تطل للزم تساوى الآتين فيها
والأدلة تقتضي رجحان السابق بخلاف ما إذا قلنا وانها لحظة لطيفة والجواب ما قاله النووي في
شرح المهذب تبعا لغيره أن التساوي وقع في مسمى البدنة والتفاوت في صفاتها ويؤيده أن في رواية
ابن عجلان تكرير كل من المتقرب به مرتين حيث قال كرجل قدم بدنة وكرجل قدم بدنة الحديث
ولا يرد على هذا أن في رواية ابن جريج وأول الساعة وآخرها سواء لأن هذه التسوية بالنسبة
إلى البدنة كما تقرر واحتج من كره التبكير أيضا بأنه يستلزم تخطى الرقاب في الرجوع لمن عرضت له
حاجة فخرج لها ثم رجع وتعقب بأنه لا حرج عليه في هذه الحالة لأنه قاصد للوصول لحقه وإنما
الحرج على من تأخر عن المجئ ثم جاء فتخطى والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله باب)
كذا في الأصل بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله ووجه تعلقه به أن فيه إشارة إلى
الرد على من ادعى إجماع أهل المدينة على ترك التبكير إلى الجمعة لأن عمر أنكر عدم التبكير
بمحضر من الصحابة وكبار التابعين من أهل المدينة ووجه دخوله في فضل الجمعة ما يلزم من إنكار
عمر على الداخل احتباسه مع عظم شأنه فإنه لولا عظم الفضل في ذلك لما أنكر عليه وإذا ثبت الفضل
في التبكير إلى الجمعة ثبت الفضل لها (قوله إذا دخل رجل) سماه عبيد الله بن موسى في روايته
عن شيبان عثمان بن عفان أخرجه الإسماعيلي ومحمد بن سابق عن شيبان عند قاسم بن أصبغ
وكذا سماه الأوزاعي عند مسلم وحرب بن شداد عند الطحاوي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير
وصرح مسلم في روايته بالتحديث في جميع الإسناد وقد تقدمت بقية مباحثه في باب فضل
الغسل يوم الجمعة (قوله باب الدهن للجمعة) أي استعمال الدهن ويجوز أن
يكون بفتح الدال فلا يحتاج إلى التقدير (قوله عن ابن وديعة) هو عبد الله سماه أبو علي
الحنفي عن ابن أبي ذئب بهذا الإسناد عند الدارمي وليس له في البخاري غير هذا الحديث وهو
تابعي جليل وقد ذكره ابن سعد في الصحابة وكذا ابن منده وعزاه لأبي حاتم ومستندهم أن بعض
الرواة لم يذكر بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أحدا لكنه لم يصرح بسماعه
فالصواب إثبات الواسطة وهذا من الأحاديث التي تتبعها الدارقطني على البخاري وذكر أنه
اختلف فيه على سعيد المقبري فرواه ابن أبي ذئب عنه هكذا ورواه ابن عجلان عنه فقال عن
أبي ذر بدل سلمان وأرسله أبو معشر عنه فلم يذكر سلمان ولا أبا ذر ورواه عبيد الله العمري عنه
فقال عن أبي هريرة أه ورواية ابن عجلان المذكور عند ابن ماجة ورواية أبي معشر عند
سعيد بن منصور ورواية العمري عند أبي يعلى فأما ابن عجلان فهو دون ابن أبي ذئب في
الحفظ فروايته مرجوحة مع أنه محتمل أن يكون ابن وديعة سمعه من أبي ذر وسلمان جميعا
ويرجح كونه عن سلمان وروده من وجه آخر عنه أخرجه النسائي وابن خزيمة من طريق
308

علقمة بن قيس عن قرثع الضبي وهو بقاف مفتوحة وراء ساكنة ثم مثلثة قال وكان من
القراء الأولين وعن سلمان نحوه و رجاله ثقات وأما أبو معشر فضعيف وقد قصر فيه بإسقاط
الصحابي وأما العمري فحافظ وقد تابعه صالح بن كيسان عن سعيد عن ابن خزيمة وكذا
أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن سعيد وأخرجه ابن السكن من وجه آخر عن
عبد الرزاق وزاد فيه مع أبي هريرة عمارة بن عامر الأنصاري أه وقوله ابن عامر خطأ فقد
رواه الليث عن ابن عجلان عن سعيد فقال عمارة بن عمرو بن حزم أخرجه بن خزيمة وبين الضحاك
ابن عثمان عن سعيد أن عمارة إنما سمعه من سلمان ذكره الإسماعيلي وأفاد في هذه الرواية
أن سعيدا حضر أباه لما سمع هذا الحديث من ابن وديعة وساقه الإسماعيلي من رواية حماد بن
مسعدة وقاسم بن يزيد الجرمي كلاهما عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن ابن وديعة ليس فيه عن أبيه
فكأنه سمعه مع أبيه من ابن وديعة ثم استثبت أباه فيه فكان يرويه على الوجهين وإذا تقرر ذلك
عرف أن الطريق التي أختارها البخاري أتقن الروايات وبقيتها إما موافقة لها أو قاصرة عنها
أو يمكن الجمع بينهما وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق فإن ثبت أن لابن وديعة صحبة ففيه
تابعيان وصحابيان كلهم من أهل المدينة (قوله ويتطهر ما استطاع من الطهر) في رواية
الكشميهني من طهر والمراد به المبالغة في التنظيف ويؤخذ من عطفه على الغسل أن إفاضة
الماء تكفى في حصول الغسل أو المراد به التنظيف بأخذ الشارب والظفر والعانة أو المراد بالغسل
غسل الجسد وبالتطهير غسل الرأس (قوله ويدهن) المراد به إزالة شعث الشعر به وفيه
إشارة إلى التزين يوم الجمعة (قوله أو يمس من طيب بيته) أي إن لم يجد دهنا ويحتمل أن
يكون أو معنى الواو وإضافته إلى البيت تؤذن بان السنة أن يتخذ المرء لنفسه طيبا ويجعل
استعماله له عادة فيدخره في البيت كذا قال بعضهم بناء على أن المراد بالبيت حقيقته لكن في
حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود أو يمس من طيب امرأته فعلى هذا فالمعنى إن لم يتخذ
لنفسه طيبا فليستعمل من طيب امرأته وهو موافق لحديث أبي سعيد الماضي ذكره عند
مسلم حيث قال فيه ولو من طيب المرأة وفيه أن بيت الرجل يطلق ويراد به امرأته وفي
حديث عبد الله بن عمرو المذكور من الزيادة ويلبس من صالح ثيابه وسيأتي الكلام عليه
في الباب الذي بعد هذا (قوله ثم يخرج) زاد قي حديث أبي أيوب عند ابن خزيمة إلى المسجد
ولأحمد من حديث أبي الدرداء ثم يمشي وعليه السكينة (قوله فلا يفرق بين اثنين) في حديث
عبد الله بن عمرو المذكور ثم لم يتخط رقاب الناس وفي حديث أبي الدرداء ولم يتخط أحدا ولم
يؤذه (قوله ثم يصلي ما كتب له) في حديث أبي الدرداء ثم يركع ما قضى له وفي حديث أبي
أيوب فيركع إن بدا له (قوله ثم ينصت إذا تكلم الإمام) زاد في رواية قرثع الضبي حتى يقضي
صلاته ونحوه في حديث أبي أيوب (قوله غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) في رواية قاسم
ابن يزيد حط عنه ذنوب ما بينه وبين الجمعة الأخرى والمراد بالأخرى التي مضت بينه الليث عن
ابن عجلان في روايته عند ابن خزيمة ولفظه غفر له ما بينه وبين الجمعة التي قبلها ولابن حبان
من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة
ثلاثة أيام من التي بعدها وهذا الزيادة أيضا في رواية سعيد عن عمارة عن سلمان لكن لم يقل
309

من التي بعدها وأصله عند مسلم من حديث أبي هريرة باختصار وزاد ابن ماجة في رواية أخرى
عن أبي هريرة ما لم تغش الكبائر ونحوه لمسلم وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا كراهة التخطي
يوم الجمعة قال الشافعي أكره التخطي إلا لمن لا يجد السبيل إلى المصلي إلا بذلك أه وهذا يدخل
فيه الإمام ومن يريد وصل الصف المنقطع إن أبي السابق من ذلك ومن يريد الرجوع إلى موضعه
الذي قام منه لضرورة كما تقدم واستثنى المتولي من الشافعية من يكون معظما لدينه أو علمه
أو ألف مكانا يجلس فيه إذ لا كراهة في حقه وفيه نظر وكان مالك يقول لا يكره التخطي إلا إذا
كان الإمام على المنبر وفيه مشروعية النافلة قبل صلاة الجمعة لقوله صلى ما كتب له ثم قال
ثم ينصت إذا تكلم الإمام فدل على تقدم ذلك على الخطبة وقد بينه أحمد من حديث نبيشة
الهذلي بلفظ فإن لم يجد الإمام خرج الإمام صلى ما بدا له وفيه جواز النافلة نصف النهار يوم الجمعة
واستدل به على أن التبكير ليس من ابتداء الزوال لأن خروج الإمام يعقب الزوال فلا يسع
وقتا يتنفل فيه وتبين بمجموع ما ذكرنا أن تكفير الذنوب من الجمعة إلى الجمعة مشروط بوجود
جميع ما تقدم من غسل وتنظف وتطيب أو دهن ولبس أحسن الثياب والمشي بالسكينة
وترك التخطي والتفرقة بين الاثنين وترك الأذى والتنفل والإنصات وترك اللغو ووقع في حديث
عبد الله بن عمرو فمن تخطى أو لغا كانت له ظهرا ودل التقييد بعدم غشيان الكبائر على أن الذي
يكفر من الذنوب هو الصغائر فتحمل المطلقات كلها على هذا المقيد وذلك أن معنى قوله
ما لم تغش الكبائر إي فإنها إذا غشيت لا تكفر وليس المراد أن تكفير الصغائر شرطه اجتناب
الكبائر إذ اجتناب الكبائر بمجرده يكفرها كما نطق به القرآن ولا يلزم من ذلك أن لا يكفرها إلا
اجتناب الكبائر وإذا لم يكن للمرء صغائر تكفر رجى له أن يكفر عنه بمقدار ذلك من الكبائر
وإلا أعطى من النصارى بمقدار ذلك وهو جار في جميع ما ورد في نظائر ذلك والله أعلم (قوله
ذكروا) لم يسم طاوس من حدثه بذلك والذي يظهر أنه أبو هريرة فقد رواه ابن خزيمة وابن
حبان والطحاوي من طريق عمرو بن دينار عن طاوس عن أبي هريرة نحوه وثبت ذكر الطيب
أيضا في حديث أبي سعيد وسلمان وأبي ذر وغيرهم كما تقدم (قوله اغتسلوا يوم الجمعة وإن
لم تكونوا جنبا) معناه اغتسلوا يوم الجمعة إن كنتم جنبا للجنابة وإن لم تكونوا جنبا للجمعة وأخذ
منه أن الاغتسال يوم الجمعة للجنابة يجزئ عن الجمعة سواء نواه للجمعة أم لا وفي الاستدلال به
على ذلك بعد نعم روى ابن حبان من طريق ابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث اغتسلوا يوم
الجمعة إلا أن تكونوا جنبا وهذا أوضح في الدلالة على المطلوب لكن رواية شعيب عن الزهري
أصح قال ابن المنذر حفظنا الإجزاء عن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين أه والخلاف
في هذه المسئلة منتشر في المذاهب واستدل به على أنه لا يجزئ قبل طلوع الفجر لقوله يوم الجمعة
وطلوع الفجر أول اليوم شرعا (قوله واغسلوا رءوسكم) هو من عطف الخاص على العام
للتنبيه على أن المطلوب الغسل التام لئلا يظن أن إفاضته الماء دون حل الشعر مثلا يجزئ في
غسل الجمعة وهو موافق لقوله في حديث أبي هريرة كغسل الجنابة ويحتمل أن يراد بالثاني
المبالغة في التنظيف (قوله وأصيبوا من الطيب) ليس في هذه الرواية ذكر الدهن المترجم
به لكن لما كانت العادة تقتضي استعمال الدهن بعد غسل الرأس أشعر ذلك به كذا وجهه
310

الزين بن المنير جوابا لقول الداودي ليس في الحديث دلالة على الترجمة والذي يظهر أن البخاري
أراد أن حديث طاوس عن ابن عباس واحد ذكر فيه إبراهيم بن ميسرة الدهن ولم يذكره
الزهري وزيادة الثقة الحافظ مقبولة وكأنه أراد بإيراد حديث ابن عباس عقب حديث سلمان
الإشارة إلى أن ما عدا الغسل من الطيب والدهن والسواك وغيرها ليس هو في التأكد
كالغسل وإن كان الترغيب ورد في الجميع لكن الحكم يختلف إما بالوجوب عند من يقول
به أو بتأكيد بعض المندوبات على بعض (قوله قال ابن عباس أما الغسل فنعم وأما الطيب
فلا أدرى) هذا يخالف ما رواه عبيد بن السباق عن ابن عباس مرفوعا من جاء إلى الجمعة
فليغتسل وإن كان له طيب فليمس منه أخرجه ابن ماجة من رواية صالح بن أبي الأخضر عن
الزهري عن عبيد وصالح ضعيف وقد خالفه مالك فرواه عن الزهري عن عبيد بن السباق بمعناه
مرسلا فإن كان صالح حفظ فيه ابن عباس احتمل أن يكون ذكره بعد ما نسيه أو عكس ذلك
وهشام المذكور في طريق بن عباس الثانية هو ابن يوسف الصنعاني (قوله باب
يلبس أحسن ما يجد) أي يوم الجمعة من الجائز أورد فيه حديث ابن عمر أن عمر رأى حلة سيراء
عند باب المسجد فقال يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة الحديث ووجه الاستدلال
به من جهة تقريره صلى الله عليه وسلم لعمر على أصل التجمل للجمعة وقصر الإنكار على لبس
مثل تلك الحلة لكونها كانت حريرا وقد تعقبه الداودي بأنه ليس في الحديث دلالة على
الترجمة وأجاب بن بطال بأنه كان معهودا عندهم أن يلبس المرء أحسن ثيابه للجمعة وتبعه
ابن التين وما تقدم أولى وقد ورد الترغيب في ذلك في حديث أبي أيوب وعبد الله ابن عمرو عند
ابن خزيمة بلفظ ولبس من خير ثيابه ونحوه في رواية الليث عن بن عجلان ولأبي داود من طريق
محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة وأبي أمامة عن أبي سعيد وأبي هريرة نحو حديث سلمان وفيه ولبس
من أحسن ثيابه وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال ما على أحدكم لو أتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته ووصله ابن عبد البر في التمهيد من
طريق يحيى بن سعيد الأموي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها وفي
إسناده نظر فقد رواه أبو داود من طريق عمرو بن الحارث وسعيد بن منصور عن ابن عيينة وعبد
الرزاق عن الثوري ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان مرسلا ووصله أبو
داود وابن ماجة من وجه آخر عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن سلام ولحديث عائشة طريق عند
ابن خزيمة وابن ماجة وسيأتي الكلام على حديث ابن عمر في كتاب اللباس وقوله سيراء بكسر
المهملة وفتح التحتانية ثم راء ثم الفساد أي حرير قال ابن قرقول ضبطناه عن المتقنين بالإضافة
كما يقال ثوب خز وعن بعضهم بالتنوين على الصفة أو البدل قال الخطابي يقال حلة سيراء كناقة
عشراء ووجهه ابن التين فقال يريد أن عشراء مأخوذ من عشرة أي أكملت الناقة عشرة
أشهر فسميت عشراء وكذلك الحلة سميت سيراء لأنها مأخوذة من السيور هذا وجه التشبيه
وعطارد صاحب الحلة هو ابن حاجب التميمي وقوله فكساها أخا له بمكة مشركا سيأتي أن
اسمه عثمان بن حكيم وكان أخا عمر من أمه وقيل غير ذلك وقد اختلف في إسلامه والله أعلم
(قوله باب السواك يوم الجمعة) أورد فيه حديثا معلقا وثلاثة موصولة
311

والمعلق طرف من حديث أبي سعيد المذكور في باب الطيب للجمعة فإن فيه وأن يستن
أي يدلك أسنانه بالسواك وأما الموصولة فأولها حديث أبي هريرة لولا أن أشق ومطابقته
للترجمة من جهة اندراج الجمعة في عموم قوله كل صلاة وقال الزين بن المنير لما خصت الجمعة
بطلب تحسين الظاهر من الغسل والتنظيف والتطيب ناسب ذلك تطييب الفم الذي هو محل
الذكر والمناجاة وإزالة ما يضر الملائكة وبني آدم * ثاني الموصولة حديث أنس أكثرت
عليكم في السواك قال ابن رشيد مناسبته للذي قبله من جهة أن سبب منعه من إيجاب السواك
واحتياجه إلى الاعتذار عن إكثاره عليهم فيه وجود المشقة ولا مشقة في فعل ذلك في يوم واحد
وهو يوم الجمعة * ثالث الموصولة حديث حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل
يشوص فاه ووجه مناسبته أنه شرع في الليل لتجمل الباطن فيكون في الجمعة أحرى لأنه
شرع لها التجمل في الباطن والظاهر وقد تقدم الكلام على حديث حذيفة في آخر كتاب
الوضوء وأما حديث أبي هريرة فلم يختلف على مالك في إسناده وإن كان له في أصل الحديث إسناد
آخر بلفظ آخر سيأتي الكلام عليه في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى (قوله أو لولا أن أشق على
الناس) هو شك من الراوي ولم أقف عليه بهذا اللفظ في شئ من الروايات عن مالك ولا عن غيره
وقد أخرجه الدارقطني في الموطئات من طريق الموطأ لعبد آله بن يوسف شيخ البخاري فيه
بهذا الإسناد بلفظ أو على الناس لم يعد قوله لولا أن أشق وكذا رواه كثير من رواة الموطأ ورواه
أكثرهم بلفظ المؤمنين بدل أمتي ورواه يحيى بن يحيى المؤذن بلفظ على أمتي دون الشك (قوله
لأمرتهم بالسواك) أي باستعمال السواك لأن السواك هو الآلة وقد قيل إنه يطلق على الفعل
أيضا فعلى هذا لا تقدير والسواك مذكر على الصحيح وحكى في المحكم تأنيثه وأنكر ذلك
الأزهري (قوله مع كل صلاة) لم أرها أيضا في شئ من روايات الموطأ إلا عن معن بن عيسى لكن
بلفظ عند كل صلاة وكذا النسائي عن قتيبة عن مالك وكذا رواه مسلم من طريق ابن عيينة عن
أبي الزناد وخالفه سعيد بن أبي هلال عن الأعرج فقال مع الوضوء بدل الصلاة أخرجه أحمد من
طريقه قال القاضي البيضاوي لولا كلمة أخذت على انتفاء الشئ لثبوت غيره والحق أنها مركبة من
لولا الدالة على انتفاء الشئ لانتفاء غيره ولا النافية فدل الحديث على الانتفاء الأمر لثبوت المشقة
لأن انتفاء النفي ثبوت فيكون الأمر منفيا لثبوت المشقة وفيه دليل على أن الأمر للوجوب
من وجهين أحدهما أنه نفى الأمر مع ثبوت الندبية ولو كان للندب لما جاز النفي ثانيهما أنه جعل
الأمر مشقة عليهم وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز
الترك وقال الشيخ أبو إسحق في اللمع في هذا الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة الندب
ليس بأمر حقيقة لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه وقد أخبر الفاء أنه لم يأمر به أه
ويؤكده قوله في رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة عند النسائي بلفظ لفرضت عليهم بدل لأمرتهم
وقال الشافعي فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجبا لأمرهم شق عليهم به
أو لم يشق أه وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم بل ادعى بعضهم فيه الإجماع لكن
حكى الشيخ أبو حامد وتبعه الماوردي عن أسحق بن راهويه قال هو واجب لكل صلاة
فمن تركه عامدا بطلت صلاته وعن داود أنه قال وهو واجب لكن ليس شرطا واحتج
312

من قال بوجوبه بورود الأمر به فعند ابن ماجة من حديث أبي أمامة مرفوعا تسوكوا ولأحمد
نحوه من حديث العباس وفي الموطأ في أثناء حديث عليكم بالسواك ولا يثبت شئ منها وعلى تقدير
الصحة فالمنفى في مفهوم حديث الباب الأمر به مقيدا بكل صلاة لا مطلق الأمر ولا يلزم من
نفى المقيد نفى المطلق ولا من ثبوت المطلق التكرار كما سيأتي واستدل بقوله كل صلاة على استحبابه
للفرائض والنوافل ويحتمل أن يكون المراد الصلوات المكتوبة وما ضاهاها من النوافل التي
ليست تبعا لغيرها كصلاة العيد وهذا اختاره أبو شامة ويتأيد بقوله في حديث أم حبيبة عند
أحمد بلفظ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضأون وله من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة
بلفظ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك فسوى بينهما
وكما أن الوضوء لا يندب للراتبة التي بعد الفريضة إلا أن طال الفصل مثلا فكذلك السواك
ويمكن أن يفرق بينهما بأن الوضوء أشق من السواك ويتأيد بما رواه ابن ماجة من حديث ابن
عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ثم ينصرف فيستاك وإسناده صحيح
لكنه مختصر من حديث طويل أورده أبو داود وبين فيه أنه مخلل بين الانصراف والسواك نوم
وأصل الحديث في مسلم مبينا أيضا واستدل به على أن الأمر يقتضى التكرار لأن الحديث دل
على كون المشقة هي المانعة من الأمر بالسواك ولا مشقة في وجوبه مرة وإنما المشقة في وجوب
التكرار وفي هذا البحث نظر لأن التكرار لم يؤخذ هنا من مجرد الأمر وإنما أخذ من تقييده بكل
صلاة وقال المهلب فيه أن المندوبات ترتفع إذا خشي منها الحرج وفيه ما كان النبي صلى الله
عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته وفيه جواز الاجتهاد منه فيما لم ينزل عليه فيه نص لكونه
جعل المشقة سببا لعدم أمره فلو كان الحكم متوقفا على النص لكان سبب انتفاء الوجوب عدم
ورود النص لا وجود المشقة قال ابن دقيق العيد وفيه بحث وهو كما قال ووجهه أنه يجوز أن
يكون إخبارا منه صلى الله عليه وسلم بأن سبب عدم ورود النص وجود المشقة فيكون معنى قوله
لأمرتهم أي عن الله بأنه واجب واستدل به النسائي على استحباب السواك للصائم بعد الزوال
لعموم قوله كل صلاة وسيأتي البحث فيه في كتاب الصيام * (فائدة) * قال ابن دقيق العيد الحكمة
في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة كونها حالا تقرب إلى الله فاقتضى أن تكون حال
كمال ونظافة إظهار الشرف العبادة وقد ورد من حديث على عند البزار ما يدل على أنه لأمر
يتعلق بالملك الذي يستمع القرآن من المصلي فلا يزال يدنو منه حتى يضع فاه على فيه لكن لا ينافي
ما تقدم وأما حديث أنس فرجال إسناده بصريون وقوله أكثرت وقع في رواية الإسماعيلي لقد
أكثرت الخ أي بالغت في تكرير طلبه منكم أو في إيراد الأخبار في الترغيب فيه وقال ابن التين
معناه أكثرت عليكم وحقيق أن أفعل وحقيق أن تطيعوا وحكى الكرماني أنه روى بضم
أوله أي بولغت من عند الله بطلبه منكم ولم أقف على هذه الرواية إلى الآن صريحة * (تنبيه) *
ذكره ابن المنير بلفظ عليكم بالسواك ولم يقع ذلك في شئ من الروايات في صحيح البخاري وقد تعقبه
ابن رشيد وللفظ المذكور وقع في الموطأ عن الزهري عن عبيد بن السباق مرسلا وهو في أثناء
حديث وصله ابن ماجة من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري يذكر ابن عباس فيه وسبق
الكلام عليه في آخر باب الدهن للجمعة ورواه معمر عن الزهري قال أخبرني من لا أتهم من
313

أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم سمعوه يقول ذلك (قوله باب من تسوك
بسواك غيره) أورد فيه حديث عائشة في قصة دخول عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله
عليه وسلم ومعه سواك وأنها أخذته منه فاستاك به النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن مضغته وهو
مطابق لما ترجم له والكلام عليه يذكر مستوفى إن شاء الله تعالى في أواخر المغازي عند ذكر وفاة
النبي صلى الله عليه وسلم فإن القصة كانت في مرض موته وقولها فيه فقصمته بقاف وصاد مهملة
للأكثر أي كسرته وفي رواية كريمة وابن السكن بضاد غدا والقضم بالمعجمة الأكل بأطراف
الأسنان قال ابن الجوزي وهو أصح (قلت) ويحمل الكسر على كسر موضع الاستياك فلا ينافي
الثاني والله أعلم وقد أورد الزين بن المنير على مطابقة الترجمة بأن تعيين عائشة موضع الاستياك
بالقطع وأجاب أن استعماله بعد أن مضغته واف بالمقصود وتعقب بأنه إطلاق في موضع
التقييد فينبغي تقييد الغير بأن يكون ممن لا يعاف أثر فمه إذ لولا ذلك ما غيرته عائشة ولا يقال لم
يتقدم فيه استعمال لأن في نفس الخبر يستن به وفيه دلالة على تأكد أمر السواك لكونه صلى
الله عليه وسلم لم يخل به مع ما هو فيه من شاغل المرض * (فائدة) * رجال الإسناد مدنيون وإسماعيل
شيخ البخاري هو ابن أبي أويس ولم أره في شئ من الروايات من غير طريق البخاري عنه بهذا
الإسناد وقد ضاق على الإسماعيلي مخرجه فاستخرجه من طريق البخاري نفسه عن إسماعيل
وكأن إسماعيل تفرد به أيضا فإنني لم أره من رواية غيره عن سليمان بن بلال إلا أن أبا نعيم أورده في
المستخرج من طريق محمد بن الحسن المدني عن سليمان ومحمد ضعيف جدا فكان ما صنعه
الإسماعيلي أولى وقد سمع إسماعيل من سليمان ويروي عنه أيضا بواسطة كثيرا (قوله
باب ما يقرأ) بضم الياء ويجوز فتحها أي الرجل ولم يقع قوله يوم الجمعة في أكثر الروايات
في الترجمة وهو مراد قال الزين بن المنير ما في قوله ما يقرأ الظاهر أنها موصولة لا استفهامية
(قوله حدثنا أبو نعيم) في نسخة من رواية كريمة حدثنا محمد بن يوسف أي الفريابي وذكرا
في بعض النسخ جميعا وسفيان هو الثوري وسعد بن إبراهيم أي ابن عبد الرحمن بن عوف
نسبه النسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن الثوري وهو تابعي صغير وشيخه تابعي
كبير وهما معا مدنيان (قوله في الفجر يوم الجمعة) في رواية كريمة والأصيلي في الجمعة في صلاة
الفجر (قوله ألم تنزيل) بضم اللام على الحكاية زاد في رواية كريمة السجدة وهو بالنصب (قوله
وهل أتى على الإنسان) زاد الأصيلي في روايته حين من الدهر والمراد أن يقرأ في كل ركعة بسورة
وكذا بينه مسلم من طريق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه بلفظ ألم تنزيل في الركعة الأولى
وفي الثانية هل أتى على الإنسان وفيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذه الصلاة
من هذا اليوم لما تشعر الصيغة به من مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك أو اكثاره منه بل ورد
من حديث ابن مسعود التصريح بمداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك أخرجه الطبراني ولفظه
يديم ذلك وأصله في بن ماجة بدون هذه الزيادة ورجاله ثقات لكن صوب أبو حاتم إرساله وكأن
ابن دقيق العيد لم يقف عليه فقال في الكلام على حديث الباب ليس في الحديث ما يقتضي فعل
ذلك دائما اقتضاء قويا وهو كما قال بالنسبة لحديث الباب فإن الصيغة ليست نصا في المداومة
لكن الزيادة التي ذكرناها نص في ذلك وقد أشار أبو الوليد الباجي في رجال البخاري إلى الطعن
314

في سعد بن إبراهيم لروايته لهذا الحديث وأن مالكا أمتنع من الرواية عنه لأجله وأن الناس
تركوا العمل به لا سيما أهل المدينة أه وليس كما قال فإن سعدا لم ينفرد به مطلقا فقد أخرجه
مسلم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله وكذا بن ماجة والطبراني من حديث ابن
مسعود وابن ماجة من حديث سعد بن أبي وقاص والطبراني في الأوسط من حديث على وأما
دعواه أن الناس تركوا العمل به فباطلة لأن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين قد قالوا به كما
نقله ابن المنذر وغيره حتى إنه ثابت عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف والد سعد وهو من كبار
التابعين من أهل المدينة أنه أم الناس بالمدينة بهما في الفجر يوم الجمعة أخرجه ابن أبي شيبة
بإسناد صحيح وكلام ابن العربي يشعر بأن ترك ذلك أمر طرأ على أهل المدينة لأنه قال وهو أمر
لم يعلم بالمدينة فالله أعلم بمن قطعه كما قطع غيره أه وأما امتناع مالك من الرواية عن سعد فليس
لأجل هذا الحديث بل لكونه طعن في نسب مالك كذا حكاه ابن البرقي عن يحيى بن معين وحكى
أبو حاتم عن علي بن المديني قال كان سعد بن إبراهيم لا يحدث بالمدينة فلذلك لم يكتب عنه أهلها
وقال الساجي أجمع أهل العلم على صدقه وقد روى مالك عن عبد الله بن إدريس عن شعبة عنه
فصح أنه حجة باتفاقهم قال ومالك إنما لم يرو عنه لمعنى معروف فأما أن يكون تكلم فيه فلا أحفظ
ذلك أه وقد اختلف تعليل المالكية بكراهة قراءة السجدة في الصلاة فقيل لكونها تشتمل
على زيادة سجود في الفرض قال القرطبي وهو تعليل فاسد بشهادة هذا الحديث وقيل لخشية
التخليط على المصلين ومن ثم فرق بعضه بين الجهرية والسرية لأن الجهرية يؤمن معها التخليط
لكن صح من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة فيها سجدة في صلاة الظهر فسجد بهم
فيها أخرجه أبو داود والحاكم فبطلت التفرقة ومنهم من علل الكراهة بخشية اعتقاد العوام
أنها فرض قال ابن دقيق العيد أما القول بالكراهة فيأباه الحديث لكن إذا انتهى الحال
إلى وقوع هذه المفسدة فينبغي أن تترك أحيانا لتندفع فإن المستحب قد يترك لدفع المفسدة
المتوقعة وهو يحصل بالترك في بعض الأوقات أه وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله ينبغي أن
يفعل ذلك في الأغلب للقدوة ويقطع أحيانا لئلا تظنه فضالة سنة أه وهذا على قاعدتهم في
التفرقة بين السنة والمستحب وقال صاحب المحيط من الحنفية يستحب قراءة هاتين السورتين
في صبح يوم الجمعة بشرط أن يقرأ غير ذلك أحيانا لئلا يظن الجاهل أنه لا يجزئ غيره وأما صاحب
الهداية منهم فذكر أن علة الكراهة هجران الباقي وإيهام التفضيل وقول الطحاوي يناسب
قول صاحب المحيط فإنه خص الكراهة بمن يراه احتمال لا يجزئ غيره أو يرى القراءة بغيره مكروهة
* (فائدتان) * الأولى لم أر في شئ من الطر التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم سجد لما قرأ سورة
تنزيل السجدة في هذا المحل إلا في كتاب خالف لابن أبي داود من طريق أخرى عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال غدوت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في صلاة الفجر فقرأ سورة
فيها سجدة فسجد الحديث وفي إسناده من ينظر في حاله وللطبراني في الصغير من حديث على أن
النبي صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة الصبح في تنزيل السجدة لكن في إسناده ضعف (الثانية)
قيل الحكمة في اختصاص يوم الجمعة بقراءة سورة السجدة قصد السجود الزائد حتى أنه يستحب
لمن لم يقرأ هذه السورة بعينها أن يقرأ سورة غيرها فيها سجدة وقد عاب ذلك على فاعله غير واحد
315

من العلماء ونسبهم صاحب الهدى إلى قلة العلم ونقص المعرفة لكن عند بن أبي شيبة بإسناد قوي
عن إبراهيم النخعي أنه قال يستحب أن يقرأ في الصبح يوم الجمعة بسورة فيها سجدة وعنده من طريقه
أيضا أنه فعل ذلك فقرأ سورة مريم ومن طريق ابن عون قال كانوا يقرؤون في الصبح يوم الجمعة بسورة
فيها سجدة وعنده من طريقه أيضا قال وسألت محمدا يعني ابن سيرين عنه فقال لا أعلم به بأسا أه
فهذا قد ثبت عن بعض علماء الكوفة والبصرة فلا ينبغي القطع بتزييفه وقد ذكر النووي في زيادات
الروضة هذا المسئلة وقال لم أر فيها كلاما لأصحابنا ثم قال وقياس مذهبنا أنه يكره في الصلاة إذا
قصده أه وقد أفتى ابن عبد السلام قبله بالمنع ويبطلان الصلاة بقصد ذلك قال صاحب المهمات
مقتضى كلام القاضي حسين الجواز وقال الفارقي في فوائد المهذب لا تستحب قراءة سجدة غير
تنزيل فإن ضاق الوقت عن قراءتها قرأ بما أمكن منها ولو بآية السجدة منها ووافقه ابن أبي عصرون
في كتاب الانتصار وفيه نظر * (تكملة) * قال الزين بن المنير مناسبة ترجمة الباب لما قبلها أن
ذلك من جملة ما يتعلق بفضل يوم الجمعة لاختصاص صبحها بالمواظبة على قراءة هاتين السورتين
وقيل إن الحكمة في هاتين السورتين الإشارة إلى ما فيهما من ذكر خلق آدم وأحوال يوم
القيامة لأن ذلك كان وسيقع يوم الجمعة ذكره بن دحية في العلم المشهور وقرره تقريرا حسنا
(قوله باب الجمعة في القرى والمدن) في هذه الترجمة إشارة إلى خلاف من خص الجمعة
بالمدن دون القرى وهو مروي عن الحنفية وأسنده ابن أبي شيبة عن حذيفة وعلى وغيرهما
وعن عمر أنه كتب إلى أهل البحرين أن جمعوا حيثما كنتم وهذا يشمل المدن والقرى أخرجه
ابن أبي شيبة أيضا من طريق أبي رافع عن أبي هريرة عن عمر وصححه ابن خزيمة وروى البيهقي
من طريق الوليد بن مسلم سألت الليث بن سعد فقال كل مدينة أو قرية فيها جماعة أمروا بالجمعة
فإن أهل مصر وسواحلها كانوا يجمعون الجمعة على عهد عمر وعثمان بأمرهما وفيهما رجال من
الصحابة وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن بن عمر أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة
يجمعون فلا يعيب عليهم فلما اختلف الصحابة وجب الرجوع إلى المرفوع (قوله عن ابن
عباس) كذا رواه الحفاظ من أصحاب إبراهيم بن طهمان عنه وخالفهم المعافى بن عمران فقال
عن ابن طهمان عن محمد بن زياد عن أبي هريرة أخرجة النسائي وهو خطأ من المعافى ومن ثم تكلم
محمد بن عبد الله بن عمار في إبراهيم بن طهمان ولا ذنب له فيه كما قاله صالح جزرة وإنما الخطأ في
إسناده من المعافى ويحتمل أن يكون لإبراهيم فيه إسنادان (قوله أن أول جمعة جمعت) زاد
وكيع عن ابن طهمان في الإسلام أخرجه أبو داود (قوله بعد جمعة) زاد المصنف في أواخر
المغازي جمعت (قوله في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية وكيع بالمدينة ووقع في
رواية المعافى المذكورة بمكة وهو خطأ بلا مرية (قوله بجوائي) بضم الجيم وتخفيف الواو وقد
تهمز ثم مثلثة خفيفة (قوله من البحرين) في رواية وكيع قرية من قرى البحرين وفي أخرى عنه
من قرى عبد القيس وكذا للإسماعيلي من رواية محمد بن أبي حفصة عن ابن طهمان وبه يتم
مراد الترجمة ووجه الدلالة منه أن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي صلى الله عليه
وسلم لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي ولأنه
لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن كما استدل جابر وأبو سعيد على جواز العزل بأنهم فعلوه
316

والقرآن ينزل فلم ينهوا عنه وحكى الجوهري والزمخشري وابن الأثير أن جواثي اسم حصن
بالبحرين وهذا لا ينافي كونها قرية وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أنها مدينة وما ثبت
في نفس الحديث من كونها قرية أصح مع احتمال أن تكون في الأول قرية ثم صارت مدينة
وفيه اشعار بتقديم إسلام عبد القيس على غيرهم من أهل القرى وهو كذلك كما قررته في أواخر
كتاب الإيمان (قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد الأيلي (قوله كلكم
راع وزاد الليث الخ) فيه إشارة إلى أن رواية الليث متفقة مع ابن المبارك إلا في القصة فإنها
مختصة برواية الليث ورواية الليث معلقة وقد وصلها الذهلي عن أبي صالح غالبا الليث عنه
وقد ساق المصنف رواية بن المبارك بهذا الإسناد في كتاب الوصايا فلم يخالف رواية الليث إلا في
إعادة قوله في آخره وكلكم راع الخ (قوله وكتب رزيق بن حكيم) هو بتقديم الراء على الزاي
والتصغير في اسمه واسم أبيه في روايتنا وهذا هو المشهور في غيرها وقيل بتقديم الزاي وبالتصغير
فيه دون أبيه (قوله أجمع) أي أصلى بمن معي الجمعة (قوله على أرض يعملها) أي يزرع فيها
(قوله ورزيق يومئذ على أيلة) بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام بلدة معروفة في طريق
الشام بين المدينة ومصر على ساحل القلزم وكان رزيق أميرا عليها من قبل عمر بن عبد العزيز
والذي يظهر أن الأرض التي كان يزرعها من أعمال أيلة ولم يسأل عن أيلة نفسها لأنها كانت
مدينة كبيرة ذات قلعة وهي الآن خراب ينزل بها الحاج المصري والغزى وبعض آثارها ظاهر
(قوله وأنا أسمع) هو قول يونس والجملة حالية وقوله يأمره حالة أخرى وقوله يخبره حال من فاعل
يأمره والمكتوب هو الحديث والمسموع المأمور به قاله الكرماني والذي يظهر أن المكتوب
هو عين المسموع وهو الأمر والحديث معا وفي قوله كتب تجوز كأن ابن شهاب أملاه على كاتبه
فسمعه يونس منه ويحتمل أن يكون الزهري كتبه بخطه وقرأه بلفظه فيكون فيه حذف تقديره
فكتب ابن شهاب وقرأه وأن أسمع ووجه ما احتج به على التجميع من قوله صلى الله عليه وسلم
كلكم راع أن على من كان أميرا إقامة الأحكام الشرعية والجمعة منها وكان رزيق عاملا
على الطائفة التي ذكرها وكان عليه أن يراعى حقوقهم ومن جملتها إقامة الجمعة قال الزين
ابن المنير في هذه القصة إيماء إلى أن الجمعة تنعقد بغير إذن من السلطان إذا كان في القوم
من يقوم بمصالحهم وفيه إقامة الجمعة في القرى خلافا لمن شرط لها المدن فإن قيل قوله
كلكم راع يعم جميع الناس فيدخل فيه المرعى أيضا فالجواب أنه مرعى باعتبار راع باعتبار
حتى ولو لم يكن له أحد كان راعيا لجوارحه وحواسه لأنه يجب عليه أن يقوم بحق الله وحق
عباده وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى (قوله
فيه قال وحسبت أن قد قال) جزم الكرماني بان فاعل قال هنا هو يونس وفيه نظر والذي
يظهر أنه سالم ثم ظهر لي أنه ابن عمر وسيأتي في كتاب الاستقراض بيان ذلك إن شاء الله تعالى
وقد رواه الليث أيضا عن نافع عن ابن عمر بدون هذه الزيادة أخرجه مسلم (قوله
باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم) تقدم التنبيه
على ما تضمنته هذه الترجمة في باب فضل الغسل ويدخل في قوله وغيرهم العبد والمسافر
والمعذور وكأنه استعمل الاستفهام في الترجمة للاحتمال الواقع في حديث أبي هريرة حق على
كل مسلم أن يغتسل فإنه شامل للجميع والتقييد في حديث ابن عمر بمن جاء منكم يخرج من لم
317

يجئ والتقييد في حديث أبي سعيد بالمحتلم يخرج الصبيان والتقييد في النهى عن منع النساء
المساجد صارت يخرج الجمعة وعرف بهذا وجه إيراد هذه الأحاديث في هذه الترجمة وقد تقدم
الكلام على أكثرها (قوله وقال ابن عمر إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة) وصله البيهقي
بإسناد صحيح عنه وزاد والجمعة على من يأتي أهله ومعنى هذه الزيادة أن الجمعة تجب عنده على من
يمكنه الرجوع إلى موضعه قبل دخول الليل فمن كان فوق هذه المسافة لا تجب عليه عنده وسيأتي
البحث فيه بعد باب وقد تقرر أن الآثار التي يوردها البخاري في التراجم أخذت على اختيار
ما تضمنته عنده فهذا مصير منه إلى أن الغسل للجمعة لا يشرع إلا لمن وجبت عليه (قوله في
حديث أبي هريرة فسكت ثم قال حق على كل مسلم الخ) فاعل سكت هو النبي صلى الله عليه وسلم
فقد أورده المصنف في ذكر بني إسرائيل من وجه آخر عن وهيب بهذا الإسناد دون قوله فسكت
ثم قال ويؤكد كونه مرفوعا رواية مجاهد عن طاوس المقتصرة على الحديث الثاني ولهذه
النكتة أورده بعده فقال رواه أبان بن صالح الخ وكذا أخرجه مسلم من وجه آخر عن وهيب
مقتصرا وهذا التعليق عن مجاهد قد وصله البيهقي من طريق سعيد بن أبي هلال عن أبان المذكور
وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن طاوس وصرح فيه بسماعه له من أبي هريرة أخرجه من
طريق عمرو بن دينار عن طاوس وزاد فيه ويمس طيبا إن كان لأهله واستدل بقوله لله على كل
مسلم حق للقائل بالوجوب وقد تقدم البحث فيه (قوله في كل سبعة أيام يوما) هكذا أبهم في هذه
الطريق وقد عيينة جابر في حديثه عند النسائي بلفظ الغسل واجب على كل مسلم في كل أسبوع
يوما وهو يوم الجمعة وصححه ابن خزيمة ولسعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة من حديث البراء
ابن عازب مرفوعا نحوه ولفظه إن من الحق على المسلم أن يغتسل يوم الجمعة الحديث ونحوه
للطحاوي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من الصحابة أنصاري مرفوعا (قوله
عن مجاهد عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ائذنوا للنساء صارت إلى المساجد) هكذا ذكره
مختصرا وأورده مسلم من طريق مجاهد عن بن عمر مطولا وقد تقدم ذكره في باب خروج النساء
إلى المساجد وهو معي كتاب الجمعة وتقدم هناك ما يتعلق به مطولا وقوله صارت فيه إشارة إلى
أنهم ما كانوا يمنعونهن بالنهار لأن الليل مظنة الربية ولأجل ذلك قال ابن عبد الله بن عمر لا نأذن
لهن يتخذنه دغلا كما تقدم ذكره من عند مسلم وقال الكرماني عادة البخاري إذا ترجم بشئ ذكر
ما يتعلق به وما يناسب التعلق فلذلك أورد حديث ابن عمر هذا في ترجمته هل على من لم يشهد
الجمعة غسل قال فإن قيل مفهوم التقييد صارت يمنع النهار والجمعة نهارية وأجاب بأنه من مفهوم
الموافقة لأنه إذا أذن لهن صارت مع أن الليل مظنة الريبة فالاذن بالنهار بطريق الأولى وقد
عكس هذا بعض الحنفية فجرى على ظاهر الخبر فقال التقييد صارت لكون الفساق فيه في شغل
بفسقهم بخلاف النهار فإنهم ينتشرون فيه وهذا وإن كان ممكنا لكن مظنة الريبة في
الليل أشد وليس لكلهم في الليل ما يجد ما يشتغل به وأما النهار فالغالب أنه يفضحهم غالبا
ويصدهم عن التعرض لهن ظاهرا لكثرة انتشار الناس ورؤية من يتعرض فيه لما لا يحل له
فينكر عليه والله أعلم (قوله في رواية نافع عن ابن عمر قال كانت امرأة لعمر) هي عاتكة بنت
318

زيد بن عمرو بن نفيل أخت سعيد بن زيد أحد العشرة سماها الزهري فيما أخرجه عبد الرزاق
عن معمر عنه قال كانت عاتكة بنت زيد ابن عمرو بن نفيل عند عمر بن الخطاب وكانت تشهد
الصلاة في المسجد وكان عمر يقول لها والله إنك لتعلمين أني ما أحب هذا قالت والله لا انتهى حتى
تنهاني قال فلقد طعن عمر وإنها لفي المسجد كذا ذكره مرسلا ووصله عبد الأعلى عن معمر بذكر
سالم بن عبد الله عن أبيه لكن أبهم المرأة أخرجه أحمد عنه وسماها أحمد من وجه آخر عن سالم
قال كان عمر رجلا غيورا وكان إذا خرج إلى الصلاة اتبعته عاتكة بنت زيد الحديث وهو
مرسل أيضا وعرف من هذا أن قوله في حديث الباب فقيل لها لم تخرجين إلى آخره أن قائل ذلك
كله هو عمر ابن الخطاب ولا مانع أن يعبر عن نفسه بقوله أن عمر إلى آخره فيكون من باب التجريد
أو الالتفات وعلى هذا فالحديث من مسند عمر كما صرح به في رواية سالم المرسلة ويحتمل أن
تكون المخاطبة دارت بينها وبين ابن عمر أيضا لأن الحديث مشهور من روايته ولا مانع أن
يعبر عن نفسه بقيل لها الخ وهذا مقتضى ما صنع القدرة وأصحاب الأطراف فإنهم
أخرجوا هذا الحديث من هذا الوجه في مسند بن عمر وقد تقدم الكلام على فوائد مستوفى
كتاب الجمعة * (تنبيه) * قال الإسماعيلي أورد البخاري حديث مجاهد عن ابن عمر بلفظ
ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد وأراد بذلك أن الإذان إنما وقع لهن فلا تدخل فيه الجمعة قال
ورواية أبي أسامة التي أوردها بعد ذلك أخذت على خلاف ذلك يعني قوله فيها لا تمنعوا إماء الله
مساجد الله انتهى والذي يظهر أنه جنح إلى أن هذا المطلق يحمل على ذلك المقيد والله أعلم (قوله
باب الرخصة أن لم يحضر الجمعة في المطر) ضبط في روايتنا بكسر إن وهي الشرطية
ويحضر بفتح أوله الرجل وضبطه الكرماني بفتح أن ويحضر بلفظ المبنى للمفعول وهو متجه
أيضا وأورد المصنف هنا حديث ابن عباس من رواية إسماعيل وهو المعروف بابن علية وهو
مناسب لما ترجم له وبه قال الجمهور ومنهم من فرق بين قليل المطر وكثيره وعن مالك لا يرخص في
تركها بالمطر وحديث ابن عباس هذا حجة في الجواز وقال الزين بن المنير الظاهر أن ابن عباس
لا يرخص في ترك الجمعة وأما قوله صلوا في بيوتكم فإشارة منه إلى العصر فرخص لهم في ترك
الجماعة فيها وأما الجمعة فقد جمعهم لها فالظاهر أنه جمع بهم فيها قال ويحتمل أن يكون جمعهم
للجمعة ليعلمهم بالرخصة في تركها في مثل ذلك ليعملوا به في المستقبل انتهى والذي يظهر أنه لم
يجمعهم وإنما أراد بقوله صلوا في بيوتكم مخاطبة من لم يحضر وتعليم من حضر (قوله أن
الجمعة عزمة) استشكله الإسماعيلي فقال لا أخاله صحيحا فإن أكثر الروايات بلفظ أنها عزمة
أي كلمة المؤذن وهي حي على الصلاة لأنها دعاء إلى الصلاة تقتضي لسامعه الإجابة ولو كان معنى
الجمعة عزمة لكانت العزيمة لا تزول بترك بقية الأذان انتهى والذي يظهر أنه لم يترك بقية
الأذان وإنما أبدل قوله حي على الصلاة بقوله صلوا في بيوتكم والمراد بقوله إن الجمعة عزمة أي
فلو تركت المؤذن يقول حي على الصلاة لبادر من سمعه إلى المجئ في المطر فيشق عليهم فأمرته أن
يقول صلوا في بيوتكم لتعلموا أن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة (قوله والدحض)
بفتح الدال المهملة وسكون الحاء المهملة ويجوز فتحها وآخره ضاد غدا هو الزلق وحكى ابن التين
أن في رواية القابسي بالراء بدل الدال وهو الغسل قال ولا معنى له هنا إلا إن حمل على أن الأرض
319

حين أصابها المطر صارت كالمغتسل والجامع بينهما الزلق وقد تقدمت بقية مباحث الحديث في
أبواب الأذان * (تنبيه) * وقع في السياق عن عبد الله بن الحرث بن عم محمد بن سيرين وأنكره
الدمياطي فقال كان زوج بنت سيرين فهو صهر ابن سيرين لا ابن عمه (قلت) ما المانع أن يكون
بين سيرين والحرث إخوة من رضاع ونحوه فلا ينبغي تغليط الرواية الصحيحة مع وجود الاحتمال
المقبول (قوله باب من أين تؤتى الجمعة وعلى من تجب لقول الله تعالى إذا نودي
للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) يعني أن الآية ليست صريحة في وجوب بيان الحكم
المذكور فلذلك أتى في الترجمة بصيغة الاستفهام والذي ذهب إليه الجمهور أنها تجب على من
سمع النداء أو كان في قوة السامع سواء كان انظر البلد أو خارجه ومحله كما صرح به الشافعي
ما إذا كان المنادى صيتا والأصوات هادئة والرجل سميعا وفي السنن لأبي داود من حديث عبد
الله بن عمرو مرفوعا إنما الجمعة على من سمع النداء وقال إنه اختلف في رفعه ووقفه وأخرجه
الدارقطني من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ويؤيده قوله صلى الله
عليه وسلم لابن أم مكتوم أتسمع النداء قال نعم قال فأجب وقد تقدم في صلاة الجماعة ذكر من احتج
به على وجوبها فيكون في الجمعة أولى لثبوت الأمر بالسعي إليها وأما حديث الجمعة على من آواه
الليل إلى أهله فأخرجه الترمذي ونقل عن أحمد أنه لم يره شيئا وقال لمن ذكره له استغفر ربك وقد
تقدم قبل بباب من قول ابن عمر نحوه والمعنى أنها تجب على من يمكنه الرجوع إلى أهله قبل دخول
الليل واستشكل بأنه يلزم منه أنه يجب السعي من أول النهار وهو بخلاف الآية (قوله وقال
عطاء الخ) وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه وقوله سمعت النداء أولم تسمعه يعني إذا كنت
داخل البلد وبهذا صرح أحمد ونقل النووي أنه لا خلاف فيه وزاد عبد الرزاق في هذا الأثر
عن ابن جريج أيضا قلت لعطاء ما القرية الجامعة قال ذات الجماعة والأمير والقاضي والدور
المجتمعة الآخذ بعضها ببعض مثل جدة (قوله وكان أنس إلى قوله لا يجمع) وصله مسدد في
مسنده الكبير عن أبي عوانة عن حميد بهذا وقوله يجمع أي يصلي بمن معه الجمعة أو يشهد الجمعة
بجامع البصرة (قوله وهو) أي القصر والزاوية موضع ظاهر البصرة معروف كانت فيه
وقعة كبيرة بين الحجاج وابن الأشعث قال أبو عبيد البكري هو بكسر الواو موضع دان من
البصرة وقوله على فرسخين أي من البصرة وهذا وصله ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أنس أنه كان
يشهد الجمعة من الزاوية وهي على فرسخين من البصرة وهذا يرد على من زعم أن الزاوية موضع
بالمدينة النبوية كان فيه قصر لأنس على فرسخين منها ويرجح الاحتمال الثاني وعرف بهذا أن
التعليق المذكور ملفق من أثرين ولا يعارض ذلك ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن ثابت
قال كان أنس يكون في أرضه وبينه وبين البصرة ثلاثة أميال فيشهد الجمعة بالبصرة لكون
الثلاثة أميال فرسخا واحد لأنه يجمع بأن الأرض المذكورة غير القصر وبأن أنسا كان يرى
التجميع حتما إن كان على فرسخ ولا يراه حتما إذا كان أكثر من ذلك ولهذا لم يقع في رواية ثابت
التخيير الذي في رواية حميد (قوله حدثنا أحمد بن صالح) كذا في رواية أبي ذر ووافقه ابن
السكن وعند غيرهما حدثنا أحمد غير منسوب وجزم أبو نعيم في المستخرج بأنه ابن عيسى والأول
أصوب وفي هذا الإسناد لطيفة وهو أن فيه ثلاثة دون عبيد الله بن أبي جعفر من أهل مصر
320

وثلاثة فوقه من أهل المدينة (قوله ينتابون الجمعة) أي يحضرونها نوبا والانتياب افتعال من
النوبة وفي رواية يتناوبون (قوله والعوالي) تقدم تفسيرها في المواقيت وأنها على أربعة أميال
فصاعدا من المدينة (قوله فيأتون في الغبار فيصيبهم الغبار) كذا وقع للأكثر وعند القابسي
فيأتون في العباء بفتح المهملة والمد وهو أصوب وكذا هو عند مسلم والإسماعيلي وغيرهما من
طريق ابن وهب (قوله إنسان منهم) لم أقف على اسمه والإسماعيلي ناس منهم (قوله لو أنكم
تطهرتم ليومكم هذا) لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب أو للشرط والجواب محذوف تقديره لكان
حسنا وقد وقع في حديث ابن عباس عند أبي داود أن هذا كان مبدأ الأمر بالغسل للجمعة ولأبي
عوانة من حديث ابن عمر نحوه وصرح في آخره بأنه صلى الله عليه وسلم قال حينئذ من جاء منكم
الجمعة فليغتسل وقد استدلت به عمرة على أن غسل الجمعة شرع للتنظيف لأجل الصلاة كما سيأتي
في الباب الذي بعده فعلى هذا فمعنى قوله ليومكم هذا أي في يومكم هذا وفي هذا الحديث من
الفوائد أيضا رفق العالم بالمتعلم واستحباب التنظيف لمجالسة أهل الخير واجتناب أذى المسلم بكل
طريق وحرص الصحابة على امتثال الأمر ولو شق عليهم وقال القرطبي فيه رد على الكوفيين
حيث لم يوجبوا الجمعة على من كان خارج المصر كذا قال وفيه نظر لأنه لو كان واجبا على أهل
العوالي ما تناوبوا ولكانوا يحضرون جميعا والله أعلم (قوله باب وقت الجمعة) أي
أوله (إذا زالت الشمس) جزم بهذه المسئلة مع وقوع الخلاف فيها لضعف دليل المخالف عنده
(قوله وكذا يذكر عن عمر وعلى والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث) قيل إنما اقتصر على هؤلاء
من الصحابة دون غيرهم لأنه نقل عنهم خلاف ذلك وهذا فيه نظر لأنه لا خلاف عن علي ومن بعده
في ذلك وأغرب ابن العربي فنقل الإجماع على أنها لا تجب حتى تزول الشمس إلا ما نقل عن أحمد
أنه إن صلاها قبل الزوال أجزأ أه وقد نقله ابن قدامة وغيره عن جماعة من السلف كما سيأتي فأما
الأثر عن عمر فروى أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له وابن أبي شيبة من رواية عبد الله بن
سيدان قال شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار وشهدتها مع عمر
رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار رجاله ثقات إلا عبد الله بن
سيدان وهو بكسر المهملة بعدها تحتانية ساكنة فإنه تابعي كبير إلا أنه غير معروف العدالة قال
ابن عدي العطار المجهول وقال البخاري لا يتابع على حديثه بل عارضه ما هو أقوى منه فروى ابن
أبي شيبة من طريق سويد بن غفلة أنه صلى مع أبي بكر وعمر حين زالت الشمس إسناده قوي وفي
الموطأ عن مالك بن أبي عامر قال كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى
جدار المسجد الغربي فإذا غشيها ظل الجدار خرج عمر إسناده صحيح وهو ظاهر في أن عمر كان يخرج
بعد زوال الشمس وفهم منه بعضهم عكس ذلك ولا يتجه إلا إن حمل على أن الطنفسة كانت
تفرش خارج المسجد وهو بعيد والذي يظهر أنها كانت تفرش له داخل المسجد وعلى هذا فكان
عمر يتأخر بعد الزوال قليلا وفي حديث السقيفة عن ابن عباس قال فلما كان يوم الجمعة وزالت
الشمس خرج عمر فجلس على المنبر وأما علي فروى ابن أبي شيبة من طريق أبي إسحق أنه صلى
خلف علي الجمعة بعد ما زالت الشمس إسناده صحيح وروى أيضا من طريق أبي رزين قال كنا
نصلي مع علي الجمعة فأحيانا نجد فيأ وأحيانا لا نجد وهذا محمول على المبادرة عند الزوال أو
321

التأخير قليلا وأما النعمان بن بشير فروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سماك بن حرب قال كان
النعمان بن بشير يصلي بنا الجمعة بعد ما تزول الشمس (قلت) وكان النعمان أميرا على الكوفة في
أول خلافة يزيد بن معاوية وأما عمرو بن حريث فأخرجه ابن أبي شيبة أيضا من طريق الوليد بن
العيزار قال ما رأيت إماما كان أحسن صلاة للجمعة من عمرو بن حريث فكان يصليها إذا زالت
الشمس إسناده صحيح أيضا وكان عمرو ينوب عن زياد وعن ولده في الكوفة أيضا وأما ما يعارض
ذلك عن الصحابة فروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن سلمة وهو بكسر اللام قال صلى بنا عبد
الله يعني ابن مسعود الجمعة ضحى وقال خشيت عليكم الحر وعبد الله صدوق إلا أنه ممن تغير لما كبر
قاله شعبة وغيره ومن طريق سعيد بن سويد قال صلى بنا معاوية الجمعة ضحى وسعيد ذكره ابن عدي
في الضعفاء واحتج بعض الحنابلة بقوله صلى الله عليه وسلم إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين
قال فلما سماه عيدا جازت الصلاة فيه وقت العيد كالفطر والأضحى وتعقب بأنه لا يلزم من تسمية
يوم الجمعة عيدا أن يشتمل على جميع أحكام العيد بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقا سواء
صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة باتفاقهم (قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك ويحيى بن
سعيد هو الأنصاري (قوله كان الناس مهنة) بنون وفتحات جمع ما هن ككتبة و كاتب أي خدم
أنفسهم وحكى ابن التين أنه روى بكسر أوله وسكون الهاء ومعناه بإسقاط محذوف أي ذوي
مهنة ولمسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد كان الناس أهل عمل ولم يكن لهم كفأة أي لم
يكن لهم من يكفيهم العمل من الخدم (قوله وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم)
استدل البخاري بقوله راحوا على أن ذلك كان بعد الزوال لأنه حقيقة الرواح كما تقدم عن
أكثر أهل اللغة ولا يعارض هذا ما تقدم عن الأزهري أن المراد بالرواح في قوله من اغتسل يوم
الجمعة ثم راح الذهاب مطلقا لأنه إما أن يكون مجازا أو مشتركا وعلى كل من التقديرين فالقرينة
مخصصة وهي في قوله من راح في الساعة الأولى قائمة في إرادة مطلق الذهاب وفي هذا قائمة في
الذهاب بعد الزوال لما جاء في حديث عائشة المذكور في الطريق التي في آخر الباب الذي قبل هذا
حيث قالت يصيبهم الغبار والعرق لأن ذلك غالبا إنما يكون بعد ما يشتد الحر وهذا في حال مجيئهم
من العوالي فالظاهر أنهم لا يصلون إلى المسجد إلا حين الزوال أو قريبا من ذلك وعرف بهذا
توجيه إيراد حديث عائشة في هذا الباب * (تنبيه) * أورد أبو نعيم في المستخرج طريق عمرة هذه
في الباب الذي قبله وعلى هذا فلا اشكال فيه أصلا (قوله عن أنس) صرح في رواية الإسماعيلي
من طريق زيد بن الحباب عن فليح بسماع عثمان له من أنس (قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس) فيه إشعار بمواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة الجمعة إذا
زالت الشمس وأما رواية حميد التي بعد هذا عن أنس كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة فظاهره
أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار لكن طريق الجمع أولى من دعوى التعارض وقد تقرر فيما
تقدم أن التبكير يطلق على فعل الشئ في أول وقته أو تقديمه على غيره وهو المراد هنا والمعنى أنهم
كانوا يبدؤن بالصلاة قبل القيلولة بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظهر في الحر فإنهم كانوا
يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإبراد ولهذه النكتة أورد البخاري طريق حميد عن أنس عقب
طريق عثمان بن عبد الرحمن عنه وسيأتي في الترجمة التي بعد هذا التعبير بالتبكير والمراد
به الصلاة في أول الوقت وهو يؤيد ما قلناه قال الزين بن المنير في الحاشية فسر البخاري حديث
322

أنس الثاني بحديث أنس الأول إشارة منه إلى أنه لا تعارض بينهما * (تنبيهان) * الأول حكى ابن
التين عن أبن عبد الملك أنه قال إنما أورد البخاري الآثار عن الصحابة لأنه لم يجد حديثا مرفوعا
في ذلك وتعقبه بحديث أنس هذا وهو كما قال * الثاني لم يقع التصريح عند المصنف برفع حديث
أنس الثاني وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق فضيل بن عياض عن حميد فزاد فيه مع
النبي صلى الله عليه وسلم وكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق محمد بن إسحاق حدثني حميد
الطويل وله شاهد من حديث سهل بن سعد يأتي في آخر كتاب الجمعة وفيه رد على من زعم أن
الساعات المطلوبة في الذهاب إلى الجمعة من عند الزوال لأنهم كانوا يتبادرون إلى الجمعة قبل
القائلة (قوله باب إذا أشتد الحر يوم الجمعة) لما اختلف ظاهر النقل عن
أنس وتقرر أن طريق الجمع أن يحمل الأمر على اختلاف الحال بين الظهر والجمعة كما قدمناه
جاء عن أنس حديث آخر يوهم خلاف ذلك فترجم المصنف هذه الترجمة لأجله (قوله حدثنا أبو
خلدة) بفتح المعجمة وسكون اللام والإسناد كله بصريون (قوله بكر بالصلاة) أي صلاها في أول
وقتها (قوله وإذا أشتد الحر أبرد بالصلاة يعني الجمعة) لم يجزم المصنف بحكم الترجمة للاحتمال
الواقع في قوله يعني الجمعة لاحتمال أن يكون من كلام التابعي أو من دونه وهو ظن ممن قاله
والتصريح عن أنس في رواية حميد الماضية أنه كان يبكر بها مطلقا من غير تفصيل ويؤيده
الرواية المعلقة الثانية فإن فيها البيان بأن قوله يعني الجمعة إنما أخذه قائله مما فهمه من التسوية
بين الجمعة والظهر عند أنس حيث استدل لما سئل عن الجمعة بقوله كان يصلي الظهر وأوضح من
ذلك رواية الإسماعيلي من طريق أخرى عن حرمي ولفظه سمعت أنسا وناداه يزيد الضبي يوم جمعة
يا أبا حمزة قد شهدت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف كان يصلي الجمعة فذكره ولم
يقل بعده يعني الجمعة (قوله وقال يونس بن بكير) وصله المصنف في الأدب المفرد ولفظه سمعت
أنس بن مالك وهو مع الحكم أمير البصرة على السرير يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان
الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد بكر بالصلاة وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن يونس وزاد
يعني الظهر والحكم المذكور هو ابن أبي عقيل الثقفي كان نائبا عن ابن عمه الحجاج بن يوسف
وكان على طريقة ابن عمه في تطويل الخطبة يوم الجمعة حتى يكاد الوقت أن يخرج وقد أورد أبو يعلى
قصة يزيد الضبي المذكور وإنكاره على الحكم هذا الصنيع واستشهاده بأنس واعتذار أنس عن
الحكم بأنه أخر للابراد فساقها مطولة في نحو ورقة وعرف بهذا أن الإبراد بالجمعة عند أنس إنما هو
بالقياس على الظهر لا بالنص لكن أكثر الأحاديث أخذت على التفرقة بينهما (قوله وقال بشر بن
ثابت) وصله الإسماعيلي والبيهقي بلفظ كان إذا كان الشتاء بكر بالظهر وإذا كان الصيف أبرد
بها وعرف من طريق الأدب المفرد تسمية الأمير المبهم في هذه الرواية المعلقة ومن رواية
الإسماعيلي وغيره سبب تحديث أنس بن مالك بذلك حتى سمعه أبو خلدة وقال الزين بن المنير نحا
البخاري إلى مشروعية الإبراد بالجمعة ولم يبت الحكم بذلك لأن قوله يعني الجمعة يحتمل أن يكون
قول التابعي مما فهمه ويحتمل أن يكون من نقله فرجح عنده إلحاقها بالظهر لأنها إما ظهر أو زيادة
أو بدل عن الظهر وأيد ذلك قول أمير البصرة لأنس يوم الجمعة كيف كان النبي صلى الله عليه
وسلم يصلي الظهر وجواب أنس من غير إنكار ذلك وقال أيضا إذا تقرر أن الإبراد يشرع في الجمعة
323

أخذ منه أنها لا تشرع قبل الزوال لأنه لو شرع لما كان اشتداد الحر سببا لتأخيرها بل كان
يستغنى عنه بتعجيلها قبل الزوال واستدل به ابن بطال على أن وقت الجمعة وقت الظهر لأن أنسا
سوى بينهما في جوابه خلافا لما أجاز الجمعة قبل الزوال وقد تقدم الكلام عليه في الباب الذي
قبله وفيه إزالة التشويش عن المصلي بكل طريق محافظة على الخشوع لأن ذلك هو السبب في
مراعاة الإبراد في الحر دون البرد (قوله باب المشي إلى الجمعة وقول الله جل ذكره
فاسعوا إلى ذكر الله ومن قال السعي العمل والذهاب لقوله تعالى وسعى لها سعيها) قال ابن المنير
في الحاشية لما قابل الله بين الأمر بالسعي والنهي عن البيع دل على أن المراد بالسعي العمل الذي
هو الطاعة لأنه هو الذي يقابل بسعي الدنيا كالبيع والصناعة والحاصل أن المأمور به سعى
الآخرة والمنهى عنه سعى الدنيا وفي الموطأ عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن هذه الآية فقال
كان عمر يقرؤها إذا نودي الولاء فامضوا وكأنه فسر السعي بالذهاب قال مالك وإنما السعي
العمل لقول الله تعالى وإذا تولى سعى في الأرض وقال وأما من جاءك يسعى قال مالك وليس
السعي الاشتداد أه وقراءة عمر المذكورة سيأتي الكلام عليها في التفسير وقد أورد المصنف
في الباب حديث لا تأتوها وأنتم تسعون إشارة منه إلى أن السعي المأمور به في الآية غير السعي
المنهي عنه في الحديث والحجة فيه أن السعي في الآية فسر بالمضي والسعي في الحديث فسر
بالعدو لمقابلته بالمشي حيث قال لا تأتوها تسعون وأتوها تمشون (قوله وقال ابن عباس يحرم
البيع حينئذ) أي إذا نودي بالصلاة وهذا الأثر ذكره ابن حزم من طريق عكرمة عن ابن عباس
بلفظ لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادي للصلاة فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع ورواه ابن
مردويه من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا وإلى القول بالتحريم ذهب الجمهور وابتداؤه
عندهم من حين الأذان بين يدي الإمام لأنه الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما
سيأتي قريبا وروى عمر بن شبة في أخبار المدينة من طريق مكحول أن النداء كان على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن يوم الجمعة مؤذن واحد حين يخرج الإمام وذلك النداء الذي
يحرم عنده البيع وهو مرسل يعتضد بشواهد تأتي قريبا وأما الأذان الذي عند الزوال
فيجوز عندهم البيع فيه مع الكراهة وعن الحنفية يكره مطلقا ولا يحرم وهل يصح البيع مع
القول بالتحريم قولان مبنيان على أن النهى هل يقتضى الفساد مطلقا أو لا (قوله وقال عطاء
تحرم الصناعات كلها) وصله عبد بن حميد في تفسيره بلفظ إذا نودي بالأذان حرم اللهو والبيع
والصناعات كلها والرقاد وأن يأتي الرجل أهله وأن يكتب كتابا وبهذا قال الجمهور أيضا (قوله
وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري الخ) لم أره من رواية إبراهيم وقد ذكره ابن المنذر عن الزهري
وقال إنه اختلف عليه فيه فقيل عنه هكذا وقيل عنه مثل قول الجماعة إنه لا جمعة على مسافر
كذا رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري قال ابن المنذر وهو كالاجماع من أهل العلم
على ذلك لأن الزهري اختلف عليه فيه أه ويمكن حمل كلام الزهري على حالين فحيث
قال لا جمعة على مسافر أراد على طريق الوجوب وحيث قال فعليه أن يشهد أراد على طريق
الاستحباب ويمكن أن تحمل رواية إبراهيم بن سعد هذه على صورة مخصوصة وهو إذا اتفق
حضوره في موضع تقام فيه الجمعة فسمع النداء لها لا أنها تلزم المسافر مطلقا حتى يحرم عليه
324

السفر قبل الزوال من البلد الذي يدخلها مجتازا مثلا وكأن ذلك رجح عند البخاري ويتأيد عنده
بعموم قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله فلم يخص
مقيما من مسافر وأما ما احتج به ابن المنذر على سقوط الجمعة عن المسافر بكونه صلى الله عليه وسلم
صلى الظهر والعصر جمعيا بعرفة وكان يوم جمعة فدل ذلك من فعله على أنه لا جمعة على مسافر فهو
عمل صحيح إلا أنه لا يدفع الصورة التي ذكرتها وقال الزين ابن المنير قرر البخاري في هذه الترجمة إثبات
المشي إلى الجمعة مع معرفته بقول من فسرها بالذهاب الذي يتناول المشي والركوب وكأنه حمل
الأمر بالسكينة والوقار على عمومه في الصلوات كلها فتدخل الجمعة كما هو مقتضى حديث أبي
هريرة وأما حديث أبي قتادة فيؤخذ من قوله وعليكم السكينة فإنه يقتضى عدم الإسراع في حال
السعي إلى الصلاة أيضا (قوله حدثني علي بن عبد الله) هو ابن المديني (قوله يزيد) بالتحتانية
والزاي وعباية بفتح المهملة بعدها موحدة وهو بن رفاعة بن رافع بن خديج (قوله أدركني أبو
عبس) بفتح المهملة وسكون الموحدة وهو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة واسمه عبد الرحمن
على الصحيح وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد (قوله وأنا أذهب) كذا وقع عند
البخاري أن القصة وقعت لعباية مع أبي عبس وعند الإسماعيلي من رواية علي بن بحر وغيره عن
الوليد بن مسلم أن القصة وقعت ليزيد بن أبي مريم مع عباية وكذا أخرجه النسائي عن الحسين بن
حريث عن الوليد ولفظه حدثني يزيد قال لحقني عباية بن رفاعة وأنا ماش إلى الجمعة زاد الإسماعيلي
في روايته وهو راكب فقال احتسب خطاك هذه وفي رواية النسائي فقال أبشر فإن خطاك هذه
في سبيل الله فإني سمعت أبا عبس بن جبر فذكر الحديث فإن كان محفوظا احتمل أن تكون القصة
وقعت لكل منهما وسيأتي الكلام على المتن في كتاب الجهاد وأورده هنا لعموم قوله في سبيل الله
فدخلت فيه الجمعة ولكون راوي الحديث استدل به على ذلك وقال ابن المنير في الحاشية وجه
دخول حديث أبي عبس في الترجمة من قوله أدركني أبو عبس لأنه لو كان يعدو لما احتمل وقت المحادثة
لتعذرها مع الجري ولان أبا عبس جعل حكم السعي إلى الجمعة حكم الجهاد وليس العدو من
مطالب الجهاد فكذلك الجمعة انتهى وحديث أبي هريرة تقدم الكلام عليه في أواخر أبواب
الأذان وقد سبق في أول هذا الباب توجيه إيراده هنا (قوله عن عبد الله بن أبي قتادة قال أبو
عبد الله لا أعلمه إلا عن أبيه) انتهى أبو عبد الله هذا هو المصنف وقع قوله قال أبو عبد الله في رواية
المستملى وحده وكأنه وقع عنده توقف في وصله لكونه كتبه من حفظه أو لغير ذلك وهو في الأصل
موصول لا ريب فيه فقد أخرجه الإسماعيلي عن ابن ناجية عن أبي حفص وهو عمر بن علي شيخ
البخاري فيه فقال عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه ولم يشك وأغرب الكرماني فقال إن هذا
الإسناد منقطع وإن حكم البخاري بكونه موصولا لأن شيخه لم يروه إلا منقطعا انتهى وقد تقدم
في أواخر الأذان أن البخاري علق هذه الطريق من جهة علي بن المبارك ولم يتعرض للشك الذي
هنا وتقدم الكلام على المتن أيضا وموضع الحاجة منه هنا قوله وعليكم السكينة قال ابن رشيد
والنكتة في النهى عن ذلك لئلا يكون مقامهم سببا لاسراعه في الدخول إلى الصلاة فينافي
مقصوده من هيئة الوقار قال وكأن البخاري استشعر إيراد الفرق بين الساعي إلى الجمعة وغيرها
بان السعي إلى الصلاة غير الجمعة منهى لأجل ما يلحق الساعي من التعب وضيق النفس فيدخل
325

في الصلاة وهو منبهر فينافي ذلك خشوعه وهذا بخلاف الساعي إلى الجمعة فإنه في العادة يحضر
قبل إقامة الصلاة فلا تقام حتى يستريح مما يلحقه من الانبهار وغيره وكأنه استشعر هذا الفرق
فأخذ يستدل على أن كل ما آل إلى إذهاب الوقار منع منه فاشتركت الجمعة مع غيرها في ذلك والله
أعلم (قوله باب لا يفرق) أي الداخل (بين اثنين) كذا ترجم ولم يثبت الحكم وقد نقل
الكراهة عن الجمهور ابن المنذر واختار التحريم وبه جزم النووي في زوائد الروضة والأكثر
على أنها كراهة تنزيه ونقله الشيخ أبو حامد عن النص والمشهور عند الشافعية الكراهة كما
جزم به الرافعي والأحاديث الواردة في الزجر عن التخطي مخرجة في المسند والسنن وفي غالبها
ضعف وأقوى ما ورد فيه ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق أبي الزاهرية قال كنا مع عبد الله
ابن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أن رجلا جاء يتخطى والنبي صلى الله عليه وسلم
يخطب فقال أجلس فقد آذيت ولأبي داود من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه
ومن تخطى رقاب الناس كانت له ظهرا وقيد مالك والأوزاعي الكراهة بما إذا كان الخطيب
على المنبر قال الزين بن المنير التفرقة بين اثنين يتناول القعود بينهما وإخراج أحدهما والقعود
مكانه وقد يطلق على مجرد التخطي وفي التخطي زيادة رفع رجليه على رؤوسهما أو أكتافهما وربما
تعلق بثيابهما شئ مما برجليه وقد استثنى من كراهة التخطي ما إذا كان في الصفوف الأول فرجه
فأراد الداخل سدها فيغتفر له لتقصيرهم أورد فيه حديث سلمان وقد تقدم الكلام عليه مستوفى
في باب الدهن للجمعة (قوله باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد مكانه)
هذه الترجمة المقيدة بيوم الجمعة ورد فيها حديث صحيح لكنه ليس على شرط البخاري أخرجه مسلم
من طريق أبي الزبير عن جابر بلفظ لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد
فيه ولكن يقول تفسحوا ويؤخذ منه أن الذي يتخطى بعد الاستئذان خارج عن حكم
الكراهة وقوله في الحديث لا يقيم الرجل أخاه لا مفهوم له بل ذكر لمزيد التنفير عن ذلك لقبحه
لأنه إن فعله من جهة الكبر كان قبيحا وأن فعله من جهة الأثرة كان أقبح وكأن البخاري اغتنى
عنه بعموم حديث بن عمر المذكور في الباب وبالعموم المذكور احتج نافع حين سأله ابن جريج
عن الجمعة وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وقد تقدم بيان
دخول هذه الصورة في التفرقة التي قبلها وشيخ البخاري فيه هو محمد ابن سلام كما وقع منسوبا في
رواية أبي ذر (قوله باب الأذان يوم الجمعة) أي متى يشرع (قوله عن السائب بن
يزيد) في رواية عقيل عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد أخبره وفي رواية يونس عن الزهري سمعت
السائب وسيأتيان بعد هذا (قوله كان كل النداء يوم الجمعة) في رواية أبي عامر عن ابن أبي ذئب
عند ابن خزيمة كان ابتداء النداء الذي ذكره الله في القرآن يوم الجمعة وله في رواية وكيع عن ابن
أبي ذئب كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة قال
ابن خزيمة قوله أذانين يريد الأذان والإقامة يعني تغليبا أو لاشتراكهما في الاعلام كما تقدم في
أبواب الأذان (قوله إذا جلس الإمام على المنبر) في رواية أبي عامر المذكورة إذا خرج الإمام
وإذا أقيمت الصلاة وكذا للبيهقي من طريق ابن أبي فديك عن بن أبي ذئب وكذا في رواية
الماجشون الآتية عن الزهري ولفظه وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام يعني على
326

المنبر وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن الماجشون بدون قوله يعني وللنسائي من رواية
سليمان التيمي عن الزهري كان بلال يؤذن إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فإذا نزل
أقام وقد تقدم نحوه في مرسل محكول قريبا قال المهلب الحكمة في جعل الأذان في هذا المحل
ليعرف الناس بجلوس الإمام على المنبر فينصتون له إذا خطب كذا قال وفيه نظر فإن في سياق ابن إسحاق
عند الطبراني وغيره عن الزهري في هذا الحديث أن بلالا كان يؤذن على باب المسجد
فالظاهر أنه كان لمطلق الإعلام لا لخصوص الإنصات نعم لما زيد الأذان الأول كان للإعلام وكان
الذي بين يدي الخطيب للانصات (قوله فلما كان عثمان) أي خليفة (قوله وكثر الناس)
أي بالمدينة وصرح به في رواية الماجشون وظاهره أن عثمان أمر بذلك في ابتداء خلافته لكن
في رواية أبي ضمرة عن يونس عند أبي نعيم في المستخرج أن ذلك كان بعد مضى مدة من خلافته
(قوله زاد النداء الثالث) في رواية وكيع عن ابن أبي ذئب فأمر عثمان بالأذان الأول ونحوه
للشافعي من هذا الوجه ولا منافاة بينهما لأنه باعتبار كونه مزيدا يسمى ثالثا وباعتبار كونه جعل
مقدما على الأذان والإقامة يسمى أولا ولفظ رواية عقيل الآتية بعد بابين أن التأذين بالثاني
أمر به عثمان وتسميته ثانيا أيضا متوجه بالنظر إلى الأذان الحقيقي لا الإقامة (قوله على الزوراء)
بفتح الزاي وسكون الواو وبعدها راء ممدودة وقوله قال أبو عبد الله هو المصنف وهذا في رواية
أبي ذر وحده وما فسر به الزوراء هو المعتمد وجزم ابن بطال بأنه حجر كبير عند باب المسجد وفيه
نظر لما في رواية ابن إسحاق عن الزهري عند ابن خزيمة وابن ماجة بلفظ زاد النداء الثالث على دار
في السوق يقال لها الزوراء و في روايته عند الطبراني فأمر بالنداء الأول على دار له يقال لها
الزوراء فكان يؤذن له عليها فإذا جلس على المنبر أذن مؤذنه الأول فإذا نزل أقام الصلاة وفي رواية
له من هذا الوجه فأذن بالزوراء قبل خروجه ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت ونحوه في مرسل
مكحول للمتقدم وفي صحيح مسلم من حديث أنس أن نبي الله وأصحابه كانوا بالزوراء والزوراء
بالمدينة عند السوق الحديث زاد أبو عامر عن ابن أبي ذئب فثبت ذلك حتى الساعة وسيأتي
نحوه قريبا من رواية يونس بلفظ فثبت الأمر كذلك والذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان
في جميع البلاد إذ ذاك لكونه خليفة مطاع الأمر لكن ذكر الفاكهاني أن أول من أحديث
الأذان الأول بمكة الحجاج وبالبصرة زياد وبلغني أن أهل المغرب الأدنى الآن لا تأذين عندهم
سوى مرة وروى ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر قال الأذان الأول يوم الجمعة بدعة فيحتمل أن
يكون قال ذلك على سبيل الإنكار ويحتمل أنه يريد أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكل
ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة لكن منها ما يكون حسنا ومنها ما يكون بخلاف ذلك وتبين بما مضى
أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياسا على بقية الصلوات فألحق الجمعة بها
وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب وفيه استنباط معنى من الأصل لا يبطله و أما
ما أحدث الناس قبل وقت الجمعة من الدعاء إليهما بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهو
في بعض البلاد دون بعض واتباع السلف الصالح أولى * (تنبيهان) * الأول ورد ما يخالف هذا
الخبر أن عمر هو الذي زاد الأذان ففي تفسير جويبر عن الضحاك من زيادة الراوي عن برد بن سنان
عن مكحول عن معاذ أن عمر أمر مؤذنين أن يؤذنا للناس الجمعة خارجا من المسجد حتى يسمع
327

الناس وأمر أن يؤذن بين يديه كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ثم قال عمر نحن
ابتد عناه لكثرة المسلمين انتهى وهذا منقطع بين تثبت ومكحول و معاذ ولا يثبت لأن معاذا كان خرج
من المدينة إلى الشام في أول ما غزوا الشام واستمر إلى أن مات بالشام في طاعون عمواس وقد
تواردت الروايات أن عثمان هو الذي زاده فهو المعتمد ثم وجدت لهذا الأثر ما يقويه فقد أخرج
عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال سليمان بن موسى أول من زاد الأذان بالمدينة عثمان فقال
عطاء كلا إنما كان يدعو الناس دعاء ولا يؤذن غير أذان واحد انتهى وعطاء لم يدرك عثمان
فرواية من أثبت ذلك عنه مقدمة على إنكاره ويمكن الجمع بأن الذي ذكره عطاء هو الذي كان في
زمن عمر واستمر على عهد عثمان ثم رأى أن يجعله أذانا وأن يكون على مكان عال ففعل ذلك
فنسب إليه لكونه بألفاظ الأذان وترك ما كان فعله عمر لكونه مجرد إعلام * الثاني تواردت
الشراح على أن معنى قوله الأذان الثالث أن الأولين الأذان والإقامة لكن نقل الداودي أن
الأذان أولا كان في سفل المسجد فلما كان عثمان جعل من يؤذن على الزوراء فلما كان هشام
يعني ابن عبد الملك جعل من يؤذن بين يديه فصاروا ثلاثة فسمى فعل عثمان ثالثا لذلك انتهى
وهذا الذي ذكره يغنى ذكره عن تكلف رده فليس له فيما قاله سلف ثم هو خلاف الظاهر فتسمية
ما أمر به عثمان ثالثا يستدعى سبق اثنين قبله وهشام إنما كان بعد عثمان بثمانين سنة
واستدل البخاري بهذا الحديث أيضا على الجلوس على المنبر قبل الخطبة خلافا لبعض الحنفية
واختلف من أثبته هل هو للآذان أو لراحة الخطيب فعلى الأول لا يسن في العيد إذ
لا أذان هناك واستدل به أيضا على أن التأذين معي الخطبة وعلى ترك تأذين اثنين معا وعلى أن
الخطبة يوم الجمعة سابقة على الصلاة ووجهه أن الأذان لا يكون إلا قبل الصلاة وإذا كان يقع
حين يجلس الإمام على المنبر دل على سبق الخطبة على الصلاة (قوله باب المؤذن
الواحد يوم الجمعة) أورد فيه حديث السائب بن يزيد المذكور في الباب قبله وزاد فيه ولم يكن
للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذن غير واحد ومثله للنسائي وأبي داود من رواية صالح بن كيسان
ولأبي داود وابن خزيمة من رواية ابن إسحاق كلاهما عن الزهري وفي مرسل تثبت المتقدم
نحوه وهو ظاهر في إرادة نفى تأذين اثنين معا والمراد أن الذي كان يؤذن هو الذي كان يقيم قال
الإسماعيلي لعل قوله مؤذن يريد به التأذين فعبر عنه بلفظ المؤذن لدلالته عليه انتهى
وما أدرى ما الحامل له على هذا التأويل فإن المؤذن الراتب هو بلال وأما أبو محذورة وسعد
القرظ فكان كل منهما بمسجده الذي رتب فيه وأما ابن أم مكتوم فلم يرد أنه كان يؤذن إلا في الصبح
كما تقدم في الأذان فلعل الإسماعيلي استشعر إيراد أحد هؤلاء فقال ما قال ويمكن أن يكون
المراد بقوله مؤذن واحد أي في الجمعة فلا ترد الصبح مثلا وعرف بهذا الرد على ما ذكر ابن حبيب
أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رقي المنبر وجلس أذن المؤذنون وكانوا ثلاثة واحد بعد واحد فإذا
فرغ الثالث قام فخطب فإنه دعوى تحتاج لدليل ولم يرد ذلك صريحا من طريق متصله يثبت
مثلها ثم وجدته في مختصر البويطي عن الشافعي (قوله باب يجيب الإمام
على المنبر إذا سمع النداء) في رواية كريمة يؤذن بدل يجيب فكأنه سماه أذانا لكونه بلفظه
(قوله عن أبي أمامة) في رواية الإسماعيلي من طريق حيان وعبدان عن عبد الله وهو ابن
328

المبارك سمعت أبا أمامة (قوله وأنا) أي أشهد أو أنا أقول مثله (قوله فلما أن قضى) أي فرغ وأن
زائدة وسقطت في رواية الأصيلي وللكشميهني فلما أن انقضى أي انتهى وفي هذا الحديث من
الفوائد تعلم العلم وتعليمه من الإمام وهو على المنبر والخطيب يجيب المؤذن وهو على المنبر وأن
قول المجيب وأنا كذلك ونحوه يكفي في إجابة المؤذن وفيه إباحة الكلام قبل الشروع في الخطبة
وأن التكبير في أول الأذان غير مرجع وفيهما نظر وفيه الجلوس قبل الخطبة وبقية مباحثه
تقدمت في أبواب الأذان (قوله باب الجلوس على المنبر عند التأذين) تقدمت مباحث
حديث السائب قريبا ومناسبته للذي قبله ظاهرة جدا وأشار الزين بن المنير إلى أن مناسبة هذه
الترجمة الإشارة إلى خلاف من قال الجلوس على المنبر عند التأذين غير مشروع وهو عن بعض
الكوفيين وقال مالك والشافعي والجمهور هو سنة قال الزين والحكمة فيه سكون اللغط
والتهيئ للانصات والاستنصات لسماع الخطبة وإحضار الذهن للذكر (قوله باب
التأذين عند الخطبة) أي عند إرادتها أورد فيه حديث السائب أيضا وقد تقدم ما فيه وعبد الله
هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد (قوله باب الخطبة على المنبر) أي مشروعيتها
ولم يقيدها بالجمعة ليتناولها ويتناول غيرها (قوله وقال أنس خطب النبي صلى الله عليه وسلم
على المنبر) هذا طرف من حديث أورده المصنف في الاعتصام وفي الفتن مطولا وفيه قصة عبد الله
ابن حذافة ومن حديثه أيضا في الاستسقاء في قصة الذي قال هلك المال وسيأتي ثم (قوله أن
رجالا أتوا سهل بن سعد) لم أقف على أسمائهم (قوله امتروا) من المماراة وهي المجادلة وقال
الكرماني من الامتراء وهي لشك ويؤيد الأول قوله في رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه
عند مسلم أن تماروا فإن معناه تجادلوا قال الراغب الامتراء والمماراة المجادلة ومنه فلا تمار فيهم
إلا مراء ظاهرا وقال أيضا المرية التردد في الشئ ومنه فلا تكن في مرية من لقائه (قوله والله
أني لأعرف مما هو) فيه القسم على الشئ لإرادة تأكيده للسامع وفي قوله ولقد رأيته أول يوم
وضع وأول يوم جلس عليه زيادة على السؤال لكن فائدته إعلامهم بقوة معرفته بما سألوه عنه
وقد تقدم في باب الصلاة على المنبر أن سهلا قال ما بقي أحد أعلم به مني (قوله أرسل إلى آخره) هو
شرح الجواب (قوله إلى فلانة امرأة من الأنصار) في رواية أبي غسان عن أبي حازم امرأة من
المهاجرين كما سيأتي في الهبة وهو وهم من أبي غسان لاطباق أصحاب أبي حازم على قولهم من
الأنصار وكذا قال أيمن عن جابر كما سيأتي في علامات النبوة وقد تقدم الكلام على اسمها في باب
الصلاة على المنبر في أوائل الصلاة (قوله مري غلامك النجار) سماه عباس بن سهل عن أبيه فيما
أخرجه قاسم بن أصبغ وأبو سعد في شرف المصطفى جميعا من طريق يحيى بن بكير عن ابن لهيعة
حدثني عمارة بن غزية عنه ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى خشبة فلما كثر
الناس قيل له لو كنت جعلت منبرا قال وكان بالمدينة نجار واحد يقال له ميمون فذكر الحديث
وأخرجه ابن سعد من رواية سعيد بن سعد الأنصاري عن ابن عباس نحو هذا السياق ولكن لم يسمه
329

وفي الطبراني من طريق أبي عبد الله الغفاري سمعت سهل بن سعد يقول كنت جالسا مع خال لي
من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اخرج إلى الغابة وأتني من خشبها فاعمل لي منبرا
الحديث وجاء في صانع المنبر أقوال أخرى أحدها اسمه إبراهيم أخرجه الطبراني في الأوسط من
طريق أبي نضرة عن جابر وفي إسناده العلاء بن مسلمة الرواس وهو متروك ثانيها باقول بموحدة
وقاف مضمومة رواه عبد الرزاق بإسناد ضعيف منقطع ووصله أبو نعيم في المعرفة لكن قال بأقوم
آخره ميم وإسناده ضعيف أيضا ثالثها صباح بضم المهملة بعدها موحدة خفيفة وآخره مهملة
أيضا ذكره ابن بشكوال بإسناد شديد الانقطاع رابعها قبيصة أو قبيصة المخزومي مولاهم ذكره
عمر بن شبة في الصحابة بإسناد مرسل خامسها كلاب مولى العباس كما سيأتي سادسها تميم
الداري رواه أبو داود مختصرا والحسن بن سفيان والبيهقي من طريق أبي عاصم عن عبد العزيز بن
أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن تميما الداري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثر لحمه ألا
نتخذ لك منبرا يحمل عظامك قال بلى فاتخذ له منبرا الحديث وإسناده جيد وسيأتي ذكره في
علامات النبوة فإن البخاري أشار إليه ثم وروى ابن سعد في الطبقات من حديث أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب وهو مستند إلى جذع فقال أن القيام قد شق على فقال له تميم
الداري ألا أعمل لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام فشاور النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين في ذلك
فرأوا أن يتخذه فقال العباس بن عبد المطلب إن لي غلاما يقال له كلاب أعمل الناس فقال مره أن
يعمل الحديث رجاله ثقات إلا الواقدي سابعها ميناء ذكره ابن بشكوال عن الزبير بن بكار
حدثني إسماعيل هو ابن أبي أويس عن أبيه قال عمل المنبر غلام لامرأة من الأنصار من بني سلمة أو
من بني ساعدة أو امرأة لرجل منهم يقال له ميناء انتهى وهذا يحتمل أن يعود الضمير فيه على
الأقرب فيكون ميناء اسم زوج المرأة وهو بخلاف ما حكيناه في باب الصلاة على المنبر والسطوح
عن ابن التين أن المنبر عمله غلام سعد بن عبادة وجوزنا أن تكون المرأة زوج سعد وليس في جميع
هذه الروايات التي سمي فيها ماتت شئ قوي السند إلا حديث ابن عمر وليس فيه التصريح بأن
الذي أتخذ المنبر تميم الداري بل قد تبين من رواية ابن سعد أن تميما لم يعمله وأشبه الأقوال بالصواب
قول من قال هو ميمون لكون الإسناد من طريق سهل بن سعد أيضا وأما الأقوال الأخر فلا
اعتداد بها لوهائها ويبعد جدا أن يجمع بينها بأن النجار كانت له أسماء متعددة وأما احتمال كون
الجميع اشتركوا في عمله فيمنع منه قوله في كثير من الروايات السابقة لم يكن بالمدينة إلا نجار واحد
إلا إن كان يحمل على أن المراد بالواحد الماهر في صناعته والبقية أعوانه فيمكن والله أعلم ووقع
عند الترمذي وابن خزيمة وصححاه من طريق عكرمة بن عمار عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يخطب
فجاء إليه رومي فقال ألا أصنع لك منبرا الحديث ولم يسمه يحتمل أن يكون المراد بالرومي تميم الداري
لأنه كان كثير السفر إلى أرض الروم وقد عرف مما تقدم سبب عمل المنبر وجزم ابن سعد بأن ذلك
كان في السنة السابعة وفيه نظر لذكر العباس وتميم فيه وكان قدوم العباس بعد الفتح في آخر سنة
ثمان وقدوم تميم سنة تسع وجزم ابن ماتت بأن عمله كان سنة ثمان وفيه نظر أيضا لما ورد في
حديث الإفك في الصحيحين عن عائشة قالت فثار الحيان الأوس والخزرج حتى كادوا أن
330

يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا فإن حمل على التجوز في
ذكر المنبر وإلا فهو أصح مما مضى وحكى بعض أهل السير أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على
منبر من طين قبل أن يتخذ المنبر الذي من خشب ويعكر عليه أن في الأحاديث الصحيحة أنه كان
يستند إلى الجذع إذا خطب ولم يزل المنبر على حاله ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة
معاوية ست درجات من أسفله وكان سبب ذلك ما حكاه الزبير بن بكار في أخبار المدينة شوال
إلى حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال بعث معاوية إلى مروان وهو عامله على المدينة أن يحمل
إليه المنبر فأمر به فقلع فأظلمت المدينة فخرج مروان فخطب وقال إنما أمرني أمير المؤمنين أن
أرفعه فدعا نجارا وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التي هو عليها اليوم ورواه من وجه آخر
قال فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم وقال فزاد فيه ست درجات وقال إنما زدت فيه حين كثر
الناس قال ابن النجار وغيره استمر على ذلك إلا ما أصلح منه إلى أن احترق مسجد المدينة سنة
أربع وخمسين منهن فاحترق ثم جدد المظفر صاحب اليمن سنة ست وخمسين منبرا ثم أرسل
الظاهر بيبرس بعد عشر سنين منبرا فأزيل منبر المظفر فلم يزل ذلك إلى هذا العصر فأرسل
الملك المؤيد سنة عشرين وثمانمائة منبرا جديدا وكان أرسل في سنة ثمانين عشرة منبرا جديدا إلى مكة
أيضا شكر الله له صالح عمله آمين (قوله فعملها من طرفاء الغابة) في رواية سفيان عن أبي حازم من
أثل الغابة كما تقدم في أوائل الصلاة ولا مغايرة بينهما فإن الأثل هو الطرفاء وقيل يشبه الطرفاء
وهو أعظم منه والغابة بالمعجمة وتخفيف الموحدة موضع من عوالي المدينة جهة الشام وهي
اسم قرية بالبحرين أيضا وأصلها كل شجر ملتف (قوله فأرسلت) أي المرأة تعلم بأنه فرغ (قوله فأمر
بها فوضعت) أنث لإرادة الأعواد والدرجات ففي رواية مسلم من طريق عبد العزيز بن أبي حازم
فعمل له هذا الدرجات الثلاث (قوله ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها) أي على
الأعواد وكانت صلاته على الدرجة العليا من المنبر (قوله وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل
القهقرى) لم يذكر القيام بعد الركوع في هذه الرواية وكذا لم يذكر القراءة بعد التكبيرة وقد تبين
ذلك في رواية سفيان عن أبي حازم ولفظه كبر فقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى
والقهقرى بالقصر المشي إلى خلف والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة وفي رواية
هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني فخطب الناس عليه ثم أقيمت الصلاة فكبر وهو على
المنبر فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة على الصلاة (قوله في أصل المنبر) أي على الأرض إلى
جنب الدرجة السفلى منه (قوله ثم عاد) زاد مسلم من رواية عبد العزيز حتى فرغ من صلاته
(قوله ولتعلموا) بكسر اللام وفتح المثناة وتشديد اللام أي لتتعلموا وعرف منه أن الحكمة في
صلاته في أعلى المنبر ليراه من قد يخفى عليه رؤيته إذا صلى على الأرض ويستفاد منه أن من فعل
شيئا يخالف العادة أن يبين حكمته لأصحابه وفيه مشروعية الخطبة على المنبر لكل خطيب خليفة
كان أو غيره وفيه جواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل وجواز العمل اليسير في
الصلاة وكذا الكثير إن تفرق وقد تقدم البحث فيه وكذا في جواز ارتفاع الإمام في باب الصلاة
في السطوح وفيه استحباب اتخاذ المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه واستحباب
الافتتاح بالصلاة في كل شئ جديد إما شكرا وإما تبركا وقال ابن بطال إن كان الخطيب هو
331

الخليفة فسنته أن يخطب على المنبر وإن كان غيره يخير بين أن يقوم على المنبر أو على الأرض
وتعقبه الزين بن المنير بأن هذا خارج عن مقصود الترجمة ولأنه إخبار عن شئ أحدثه بعض الخلفاء
فإن كان من الخلفاء الراشدين فهو سنة متبعة وإن كان من غيرهم فهو بالبدعة أشبه منه بالسنة
(قلت) ولعل هذا هو حكمة هذه الترجمة أشار بها إلى أن هذا التفصيل غير مستحب ولعل مراد
من استحبه أن الأصل أن لا يرتفع الإمام عن المأمومين ولا يلزم من مشروعية ذلك للنبي صلى الله
عليه وسلم ثم لمن ولي الخلافة أن يشرع لمن جاء بعدهم وحجة الجمهور وجود الاشتراك في وعظ
السامعين وتعليمهم بعض أمور الدين والله الموفق (قوله أخبرني يحيى بن سعيد) هو الأنصاري
وابن أنس هو حفص بن عبيد الله بن أنس كما سيأتي في الرواية المعلقة ونسب في هذه إلى جده قال
أبو مسعود الدمشقي في الأطراف إنما أبهم البخاري حفصا لأن محمد بن جعفر بن أبي كثير يقول
عبيد الله بن حفص بقعودهم (قلت) كذا رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن مسكين عن
ابن أبي مريم شيخ البخاري فيه ولكن أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي الأحوص محمد بن الهيثم
عن ابن أبي مريم فقال عن حفص بن عبيد الله على الصواب وقلبه أيضا عبد الله بن يعقوب بن إسحاق
عن يحيى بن سعيد أخرجه الإسماعيلي من طريقه وقال الصواب فيه حفص بن عبيد الله
وفي تاريخ البخاري حفص بن عبيد الله بن أنس وقال بعضهم عبيد الله بن حفص ولا يصح عبيد
الله (قوله أصوات العشار) بكسر المهملة بعدها غدا قال الجوهري العشار جمع عشراء بالضم
ثم الفتح وهي الناقة الحامل التي مضت لها عشرة أشهر ولا يزال ذلك اسمها إلى أن تلد وقال
الخطابي العشار الحوامل من الإبل التي قاربت الولادة ويقال اللواتي أتى على حملهن عشرة
أشهر يقال ناقة عشراء ونوق عشار على غير قياس وسيأتي الكلام على حديث الجذع في علامات
النبوة إن شاء الله تعالى (قوله وقال سليمان عن يحيى أخبرني حفص بن عبيد الله) أما سليمان
فهو ابن بلال وأما يحيى فهو ابن سعيد وقد وصله المصنف في علامات النبوة بهذا الإسناد وزعم
بعضهم أنه سليمان بن كثير لأنه رواه عن يحيى بن سعيد لكن فيه نظر لأن سليمان بن كثير قال فيه
عن يحيى عن سعيد بن المسيب عن جابر كذلك أخرجه الدارمي عن محمد بن كثير عن أخيه سليمان
فإن كان محفوظا فليحيى بن سعيد فيه شيخان والله أعلم (قوله يخطب على المنبر) هذا القدر هو
المقصود إيراده في هذا الباب وقد تقدم الكلام على المتن في باب فضل الغسل يوم الجمعة ويستفاد
منه أن للخطيب تعليم الأحكام على المنبر (قوله باب الخطبة قائما) قال ابن المنذر
الذي حمل عليه جل أهل العلم من علماء الأمصار ذلك ونقل غيره عن أبي حنيفة أن القيام في
الخطبة سنة وليس بواجب وعن مالك رواية أنه واجب فإن تركه أساء وصحت الخطبة وعند الباقين
أن القيام في الخطبة يشترط للقادر كالصلاة واستدل للأول بحديث أبي سعيد الآتي في المناقب
أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله وبحديث سهل الماضي
قبل مري غلامك يعمل لي أعوادا أجلس عليها والله الموفق وأجيب عن الأول أنه كان في غير
خطبة الجمعة وعن الثاني باحتمال أن تكون الإشارة إلى الجلوس أول ما يصعد وبين الخطبتين
واستدل للجمهور بحديث جابر بن سمرة المذكور وبحديث كعب بن عجرة أنه دخل المسجد
وعبد الرحمن بن أبي الحكم يخطب قاعدا فأنكر عليه وتلا وتركوك قائما وفي رواية ابن خزيمة
332

ما رأيت كاليوم قط إماما يؤم المسلمين يخطب وهو جالس يقول ذلك مرتين وأخرج ابن أبي شيبة
عن طاوس خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما وأبو بكر وعمر وعثمان وأول من جلس
على المنبر معاوية وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على القيام وبمشروعية الجلوس بين
الخطبتين فلو كان القعود مشروعا في الخطبتين ما احتيج إلى الفصل بالجلوس ولأن الذي نقل
عنه القعود كان معذورا فعند ابن أبي شيبة من طريق الشعبي أن معاوية إنما خطب قاعدا
لما كثر شحم بطنه ولحمه وأما من احتج بأنه لو كان شرطا ما صلى من أنكر ذلك مع القاعد فجوابه
أنه محمول على أن من صنع ذلك خشي الفتنة أو أن الذي قعد قعد باجتهاد كما قالوا في إتمام
عثمان الصلاة في السفر وقد أنكر ذلك بن مسعود ثم إنه صلى خلفه فأتم معه واعتذر بأن
الخلاف شر (قوله وقال أنس إلى آخره) هو طرف من حديث الاستسقاء أيضا وسيأتي في بابه ثم
أورد في الباب حديث ابن عمر وقد ترجم له بعد بابين القعدة بين الخطبتين وسيأتي الكلام عليه
ثم وفي الباب حديث جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس
ثم يقوم فيخطب قائما فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب أخرجه مسلم وهو أصرح في
المواظبة من حديث ابن عمر إلا أن إسناده ليس على شرط البخاري وروى ابن أبي شيبة من
طريق طاوس قال أول من خطب قاعدا معاوية حين كثر شحم بطنه وهذا مرسل يعضده ما روى
سعيد بن منصور عن الحسن قال أول من استراح في الخطبة يوم الجمعة عثمان وكان إذا أعي
جلس ولم يتكلم حتى يقوم وأول من خطب جالسا معاوية وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يخطبون يوم الجمعة قياما حتى شق على
عثمان القيام فكان يخطب قائما ثم يجلس فلما كان معاوية خطب الأولى جالسا والأخرى قائما
ولا حجة في ذلك لمن أجاز الخطبة قاعدا لأنه تبين أن ذلك للضرورة (قوله باب استقبال
الناس الإمام إذا خطب) زاد في رواية كريمة في أول الترجمة يستقبل الإمام القوم ولم يبت الحكم
وهو مستحب عند الجمهور وفي وجه يجب جزم به أبو الطيب الطبري من الشافعية فإن فعل أجزأ
وقيل لا ذكره الشاشي ونقل في شرح المهذب أن الالتفات يمينا وشمالا مكروه اتفاقا إلا ما حكى
عن بعض الحنفية فقال أكثرهم لا يصح ومن السري الاستقبال استدبار الإمام القبلة واغتفر لئلا
يصير مستدبر القوم الذين يعظهم ومن حكمة استقبالهم للأمام التهيؤ لسماع كلامه وسلوك
الأدب معه في استماع كلامه فإذا استقبله بوجهه وأقبل عليه بجسده وبقلبه وحضور ذهنه كان
أدعى لتفهم موعظته وموافقته فيما شرع له القيام لأجله (قوله واستقبل ابن عمرو أنس الإمام)
أما ابن عمر فرواه البيهقي من طريق الوليد بن مسلم قال ذكرت لليث بن سعد فأخبرني عن ابن
عجلان أنه أخبره عن نافع أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام فإذا
خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله وأما أنس فرويناه في نسخة نعيم بن حماد بإسناد صحيح عنه أنه
كان إذا أخذ الإمام في الخطبة يوم الجمعة يستقبله بوجهه حتى يفرغ من الخطبة ورواه ابن
المنذر من وجه آخر عن أنس أنه جاء يوم الجمعة فاستند إلى الحائط واستقبل الإمام قال ابن
المنذر لا أعلم في ذلك خلافا بين العلماء وحكى غيره عن سعيد بن المسيب والحسن شيئا محتملا وقال
الترمذي لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شئ يعني صريحا وقد استنبط المصنف من
333

حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله مقصود
الترجمة وهو طرف من حديث طويل سيأتي بهذا الإسناد في كتاب الزكاة في باب الصدقة على
اليتامى ويأتي الكلام عليه في الرقاق إن شاء الله تعالى ووجه الدلالة منه أن جلوسهم حوله
لسماع كلامه يقتضى نظرهم إليه غالبا ولا يعكر على ذلك ما تقدم من القيام في الخطبة لأن
هذا محمول على أنه كان يتحدث وهو جالس على مكان عال وهم جلوس أسفل منه وإذا كان ذلك
في غير حال الخطبة كان حال الخطبة أولى لورود الأمر بالاستماع لها والإنصات عندها والله أعلم
(قوله باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد) قال الزين بن المنير يحتمل أن
تكون من موصولة بمعنى الذي والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم كما في أخبار الباب ويحتمل أن تكون
شرطية والجواب محذوف والتقدير فقد أصاب السنة وعلى التقديرين فينبغي للخطباء أن
يستعملوها تأسيا واتباعا أه ملخصا ولم يجد البخاري في صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم
يوم الجمعة حديثا على شرطه فاقتصر على ذكر الثناء واللفظ الذي وضع للفصل بينه وبين ما بعده
من موعظة ونحوها قال سيبويه أما بعد معناها مهما يكن من شئ بعد وقال أبو إسحق هو الزجاج
إذا كان الرجل في حديث فأراد أن يأتي بغيره قال أما بعد وهو مبنى على الضم لأنه من الظروف
المقطوعة عن الإضافة وقيل التقدير أما الثناء على الله فهو كذا وأما بعد فكذا ولا يلزم في قسمه
أن يصرح بلفظ بل يكفي ما يقوم مقامه واختلف في أول من قالها فقيل داود عليه السلام رواه
الطبراني مرفوعا من حديث أبي موسى الأشعري وفي إسناده ضعف وروى عبد بن حميد
والطبراني عن الشعبي موقوفا أنها فصل الخطاب الذي أعطيه داود وأخرجه سعيد بن منصور
من طريق الشعبي فزاد فيه عن زياد بن سمية وقيل أول من قالها يعقوب رواه الدارقطني بسند
واه في غرائب مالك وقيل أول من قالها يعرب بن قحطان وقيل كعب بن لؤي أخرجه القاضي
أبو أحمد الغساني من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بسند ضعيف وقيل سحبان بن وائل وقيل
قس بن ساعدة والأول أشبه ويجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة إلى الأولية المحضة والبقية
بالنسبة إلى العرب خاصة ثم يجمع بينها بالنسبة إلى القبائل (قوله رواه عكرمة عن ابن عباس
334

سيأتي موصولا آخر الباب ثم أورد في الباب أيضا ستة أحاديث طاهرة المناسبة لما ترجم له * أولها
حديث أسماء بنت أبي بكر في كسوف الشمس وفيه فحمد الله بما هو أهله ثم قال أما بعد ثم ذكر
قصة فتنة القبر وسيأتي الكلام عليه في الكسوف وذكره هنا عن محمود وهو ابن غيلان أحد
شيوخه بصيغة قال محمود وكلام أبي نعيم في المستخرج يشعر بأنه قال حدثنا محمود * ثانيها حديث
عمرو بن تغلب وهو بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة وفيه فحمد الله ثم أثنى
عليه ثم قال أما بعد وسيأتي الكلام عليه في كتاب الخمس ووقع هنا في بعض النسخ تابعه يونس
وهو ابن عبيد وقد وصله أبو نعيم في مسند يونس بن عبيد له شوال عنه عن الحسن عن عمرو
* ثالثها حديث عائشة في قصة صلاة الليل وفيه فتشهد ثم قال أما بعد وسيأتي الكلام عليه في
أبواب التطوع (قوله تابعه يونس) هو ابن يزيد وقد وصله مسلم من طريقه بتمامه وكلام المزي
في الأطراف يدل على أن يونس إنما تابع شعيبا في أما بعد فقط وليس كذلك * رابعها حديث
أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عشية بعد الصلاة فتشهد وأثنى على الله
بما هو أهله ثم قال أما بعد هكذا أورده مختصرا بتمامه بهذا الإسناد في الأيمان والنذور
وفيه قصة ابن اللتبية ويأتي الكلام عليه تاما في الزكاة (قوله تابعه أبو معاوية وأبو أسامة عن
هشام) يعني ابن عروة عن أبيه عن أبي حميد وقد وصله مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة وأبي
معاوية وغيرهما مفرقا وأورده الإسماعيلي من طريق يوسف بن موسى حدثنا جرير ووكيع
* وأبو أسامة وأبو معاوية قالوا حدثنا هشام بن عروة به وقد وصل المصنف رواية أبي أسامة في
الزكاة أيضا باختصار (قوله وتابعه العدني عن سفيان) يحتمل أن يكون العدني هو عبد الله بن
الوليد وسفيان هو الثوري ومن هذا الوجه وصله الإسماعيلي وفي قوله أما بعد ويحتمل أن
يكون العدني هو محمد بن يحيى بن أبي عمر وسفيان هو ابن عيينة وقد وصله مسلم عنه وأحال به على
رواية أبي كريب عن أبي أسامة وقد تبين أفيها قوله أما بعد وهو المقصود هنا ولم أره مع ذلك في
مسند ابن أبي عمر * خامسها حديث المسور بن مخرمة قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسمعته حين تشهد يقول أما بعد وهذا طرف من حديثه في قصة خطبة علي بن أبي طالب بنت أبي
جهل وسيأتي بتمامه في المناقب ويأتي الكلام عليه ثم (قوله تابعه الزبيدي) وصله الطبراني في
مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عنه عن الزهري بتمامه * سادسها حديث
ابن عباس قال صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر وكان أي صعوده آخر مجلس جلسه الحديث
وفيه فحمد الله وأثنى عليه وفيه ثم قال أما بعد وسيأتي في فضائل الأنصار بتمامه ويأتي الكلام
عليه إن شاء الله تعالى وفي الباب مما لم يذكره عن عائشة في قصة الإفك وعن أبي سفيان
في الكتاب إلى هرقل متفق عليهما وعن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
خطب احمرت عيناه وعلا صوته الحديث وفيه فيقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله
أخرجه مسلم وفي رواية له عنه كان خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله
ويثني عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته فذكر الحديث وفيه يقول أما بعد فإن
خير الحديث كتاب الله وهذا أليق بمراد المصنف للتنصيص فيه على الجمعة لكنه ليس على
شرطه كما قدمناه ويستفاد من هذه الأحاديث أن أما بعد لا تختص بالخطب بل تقال أيضا في
صدور الرسائل والمصنفات ولا اقتصار عليها في إرادة الفصل بين الكلامين بل ورد في القرآن في
335

ذلك لفظ هذا وأن وقد كثر استعمال المصنفين لها بلفظ وبعد ومنهم من صدر بها كلامه فيقول
في أول الكتاب أما بعد حمدا لله فإن الأمر كذا لا حجر في ذلك وقد تتبع طرق الأحاديث التي وقع
فيها أما بعد الحافظ عبد القادر الرهاوي في خطبة الأربعين المتباينة له فأخرجه عن اثنين وثلاثين
صحابيا منها ما أخرجه من طريق ابن جريج عن محمد بن سيرين عن المسور بن مخرمة كان النبي صلى
الله عليه وسلم إذا خطب خطبة قال أما بعد ورجاله ثقات وظاهره المواظبة على ذلك (قوله
باب القعدة بين الخطبتين) قال الزين بن المنير لم يصرح بحكم الترجمة لأن مستند ذلك
الفعل ولا عموم له أه ولا اختصاص بذلك لهذه الترجمة فإنه لم يصرح بحكم غيرها من أحكام
الجمعة وظاهر صنيعه أنه يقول بوجوبها كما يقول به في أصل الخطبة (قوله يخطب خطبتين يقعد
بينهما) مقتضاه أنه كان يخطبها قائما وصرح به في رواية خالد بن الحرث المتقدمة قبل ببابين ولفظه
كان يخطب قائما ثم يقعد ثم يقوم وللنسائي والدارقطني من هذا الوجه كان يخطب خطبتين قائما
يفصل بينهما بجلوس وغفل صاحب العمدة فعزا هذا اللفظ للصحيحين ورواه أبو داود بلفظ كان
يخطب خطبتين كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم
ثم يقوم فيخطب واستفيد من هذا أن حال الجلوس بين الخطبتين كلام فيه لكن ليس فيه نفى
أن يذكر الله أو يدعوه سرا واستدل به الشافعي في إيجاب الجلوس بين الخطبتين لمواظبته صلى
الله عليه وسلم على ذلك مع قوله صلوا كما رأيتموني أصلى قال ابن دقيق العيد يتوقف ذلك على
ثبوت أن إقامة الخطبتين انظر تحت كيفية الصلاة وإلا فهو استدلال بمجرد الفعل وزعم
الطحاوي أن الشافعي تفرد بذلك وتعقب بأنه محكى عن مالك أيضا في رواية وهو المشهور عن
أحمد نقله شيخنا في شرح الترمذي وحكى ابن المنذر أن بعض العلماء عارض الشافعي بأنه صلى الله
عليه وسلم واظب على الجلوس قبل الخطبة الأولى فإن كانت مواظبته دليلا على شرطية الجلسة
الوسطى فلتكن دليلا على شرطية الجلسة الأولى وهذا متعقب بان جل الروايات عن ابن عمر
ليست فيها هذه الجلسة الأولى وهي من رواية عبد الله العمري المضعف فلم تثبت المواظبة عليها
بخلاف التي بين الخطبتين وقال صاحب المغني لم يوجبها أكثر أهل العلم لأنها جلسة ليس فيها
ذكر مشروع فلم تجب وقدرها من قال بها بقدر جلسة الاستراحة وبقدر ما يقرأ سورة
الإخلاص واختلف في حكمتها فقيل للفصل بين الخطبتين وقيل للراحة وعلى الأول وهو الأظهر
يكفي السكوت بقدرها ويظهر أثر الخلاف أيضا فيمن خطب قاعدا لعجزه عن القيام وقد ألزم
الطحاوي من قال بوجوب الجلوس بين الخطبتين أن يوجب القيام في الخطبتين لأن كلا منهما
اقتصر على فعل شئ واحد وتعقبه الزين بن المنير وبالله التوفيق (قوله باب
الاستماع) أي الإصغاء للسماع فكل مستمع سامع من غير عكس وأورد المصنف فيه حديث كتابة
الملائكة من يبكر يوم الجمعة وفيه فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر وقد تقدم
الكلام عليه مستوفى في باب فضل الجمعة وفيه إشارة إلى أن منع الكلام من ابتداء الإمام
في الخطبة لأن الاستماع لا يتجه إلا إذا تكلم وقالت الحنفية يحرم الكلام من ابتداء خروج الإمام
وورد فيه حديث ضعيف سنذكره في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى (قوله باب
إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين) أي إذا كان لم يصلهما قبل أن يراه
(قوله عن جابر بن عبد الله) صرح في الباب الذي يليه بسماع عمرو له من جابر (قوله جاء رجل) هو
336

سليك بمهملة مصغرا بن هدية وقيل ابن عمرو الغطفاني بفتح المعجمة ثم المهملة بعدها فاء من
غطفان بن سعيد بن قيس عيلان ووقع مسمى في هذه القصة عند مسلم من رواية الليث بن سعد عن
أبي الزبير عن جابر بلفظ جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على
المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له أصليت ركعتين فقال لا فقال قم فاركعهما ومن طريق
الأعمش عن أبي سفيان عن جابر نحوه وفيه فقال له يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما هكذا
رواه حفاظ أصحاب الأعمش عنه ووافقه الوليد بن أبي بشر عن أبي سفيان عند أبي داود
والدارقطني وشذ منصور بن أبي الأسود عن الأعمش بهذا الإسناد فقال جاء النعمان بن نوفل
فذكر الحديث أخرجه الطبراني قال أبو حاتم الرازي وهم فيه منصور يعني في تسمية الآتي وقد
رواه الطحاوي من طريق حفص بن الصالح عن الأعمش قال سمعت أبا صالح يحدث بحديث
سليك الغطفاني ثم سمعت أبا سفيان يحدث به عن جابر فتحرر أن هذه القصة لسليك وروى
الطبراني أيضا من طريق أبي صالح عن أبي ذر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال
لأبي ذر صليت ركعتين قال لا الحديث وفي إسناده ابن لهيعة وشذ بقوله وهو يخطب فإن الحديث
مشهور عن أبي ذر أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد أخرجه ابن حبان
وغيره وأما ما رواه الدارقطني من حديث أنس قال دخل رجل من قيس المسجد فذكر نحو
قصة سليك فلا يخالف كونه سليكا فإن غطفان من قيس كما تقدم وإن كان بعض شيوخنا غاير
بينهما وجوز أن تكون الواقعة تعددت فإنه لم يتبين لي ذلك واختلف فيه على الأعمش اختلافا
آخر رواه الثوري عنه عن أبي سفيان عن جابر عن سليك فجعل الحديث من مسند سليك قال
ابن عدي لا أعلم أحدا قاله عن الثوري هكذا غير الفريابي وإبراهيم بن خالد أه وقد قاله عنه
أيضا عبد الرزاق أخرجه هكذا في مصنفه وأحمد عنه وأبو عوانة والدارقطني من طريقه ونقل
ابن عدي عن النسائي أنه قال هذا خطأ أه والذي يظهر لي أنه ما عنى أن جابرا حمل القصة عن
سليك وإنما معناه أن جابرا حدثهم عن قصة سليك ولهذا نظير سأذكره في حديث أبي مسعود
في قصة أبي شعيب اللحام في كتا ب البيوع إن شاء الله تعالى ومن المستغربات ما حكاه ابن
بشكوال في المبهمات أن الداخل المذكور يقال له أبو هدبة فإن كان محفوظا فلعلها كنية سليك
صادفت اسم أبيه (قوله فقال صليت) كذا للأكثر بحذف همزة الاستفهام وثبت في رواية
الأصيلي (قوله قم فاركع) زاد المستملى والأصيلي ركعتين وكذا في رواية سفيان في الباب الذي
بعده فصل ركعتين واستدل به على أن الخطبة لا تمنع الداخل من صلاة تحية المسجد وتعقب بأنها
واقعة عين لا عموم لها فيحتمل اختصاصها بسليك ويدل عليه قوله في حديث أبي سعيد الذي
أخرجه أصحاب السنن وغيرهم جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب والرجل في هيئة بذة فقال
له أصليت قال لا قال صل ركعتين وحض الناس على الصدقة الحديث فأمره أن يصلي ليراه بعض
الناس وهو قائم فيتصدق عليه ويؤيده أن في هذا الحديث عند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال إن هذا الرجل دخل المسجد في هيئة بذة فأمرته أن يصلي ركعتين وأنا أرجو أن يفطن له
رجل فيتصدق عليه وعرف بهذه الرواية الرد على من طعن في هذا التأويل فقال لو كان كذلك
لقال لهم إذا رأيتم ذا بذة فتصدقوا عليه أو إذا كان أحد ذا بذة فليقم فليركع حتى يتصدق الناس
337

عليه والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتنى في مثل هذا بالإجمال دون التفصيل كما كان
يصنع عند المعاتبة ومما يضعف الاستدلال به أيضا على جواز التحية في تلك الحال أنهم أطلقوا
أن التحية تفوت بالجلوس وورد أيضا ما يؤكد الخصوصية وهو قوله صلى الله عليه وسلم لسليك
في آخر الحديث لا تعودن لمثل هذا أخرجه ابن حبان انتهى ما اعتل به من طعن في الاستدلال
بهذه القصة على جواز التحية وكله مردود لأن الأصل عدم الخصوصية والتعليل بكونه صلى الله
عليه وسلم قصد التصدق عليه لا يمنع القول بجواز التحية فإن المانعين منها لا يجيزون التطوع
لعلة التصدق قال ابن المنير في الحاشية لو ساغ ذلك لساغ مثله في التطوع عند طلوع الشمس
وسائر الأوقات المكروهة ولا قائل به ومما يدل على أن أمره بالصلاة لم ينحصر في قصد التصدق
معاودته صلى الله عليه وسلم بأمره بالصلاة أيضا في الجمعة الثانية بعد أن حصل له في الجمعة الأولى
ثوبين فدخل بهما في الثانية فتصدق بأحدهما فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أخرجه
النسائي وابن خزيمة من حديث أبي سعيد أيضا ولأحمد وابن حبان أنه كرر أمره بالصلاة ثلاث
مرات في ثلاث جمع فدل على أن قصد التصدق عليه جزء علة لا علة
كاملة وأما إطلاق من
أطلق أن التحية تفوت بالجلوس فقد حكى النووي في شرح مسلم عن المحققين أن ذلك في حق
العامد العالم أما الجاهل أو الناسي فلا وحال هذا الداخل محمولة في الأولى على أحدهما وفي
المرتين الأخريين على النسيان والحامل للمانعين على التأويل المذكور أنهم زعموا أن ظاهره
معارض للأمر بالإنصات والاستماع للخطبة قال ابن العربي عارض قصة سليك ما هو أقوى
منها كقوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا وقوله صلى الله عليه وسلم إذا قلت
لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت متفق عليه قال فإذا أمتنع الأمر بالمعروف
وهو أمر اللاغي بالإنصات مع قصر زمنه فمنع التشاغل بالتحية مع طول زمانها أولى وعارضوا أيضا
بقوله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب للذي دخل يتخطى رقاب الناس اجلس فقد آذيت أخرجه
أبو داود والنسائي وصحح ابن خزيمة وغيره من حديث عبد الله بن بشر قالوا فأمره بالجلوس ولم
يأمره بالتحية وروى الطبراني من حديث ابن عمر رفعه إذا دخل أحدكم والإمام على المنبر فلا
صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام والجواب عن ذلك كله أن المعارضة التي تؤل إلى إسقاط أحد
الدليلين إنما يعمل بها عند تعذر الجمع والجمع هنا ممكن أما الآية فليست الخطبة كلها قرآنا
وأماما فيها من القرآن فالجواب عنه كالجواب عن الحديث وهو تخصيص عمومه بالداخل
وأيضا فمصلى التحية يجوز أن يطلق عليه أنه منصت فقد تقدم في افتتاح الصلاة من حديث أبي
هريرة أنه قال يا رسول الله سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه فأطلق على القول سرا
السكوت وأما حديث ابن بشر فهو أيضا واقعة عين لا عموم فيها فيحتمل أن يكون ترك أمره
بالتحية قبل مشروعيتها وقد عارض بعضهم في قصة سليك بمثل ذلك ويحتمل أن يجمع بينهما بأن
يكون قوله له اجلس أي بشرطه وقد عرف قوله للداخل فلا تجلس حتى تصلى ركعتين فمعنى قوله
اجلس أي لا تتخط أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز فإنها ليست واجبة أو لكون دخوله وقع
في أواخر الخطبة بحيث ضاق الوقت عن التحية وقد اتفقوا على استثناء هذه الصورة ويحتمل أن
يكون صلى التحية في مؤخر المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة فوقع منه التخطي فأنكر عليه
338

والجواب عن حديث ابن عمر بأنه ضعيف فيه أيوب بن نهيك وهو منكر الحديث قاله أبو زرعة
وأبو حاتم والأحاديث الصحيحة لا تعارض بمثله وأما قصة سليك فقد ذكر الترمذي أنها أصح شئ
روى في هذا الباب وأقوى وأجاب المانعون أيضا بأجوبة غير ما تقدم اجتمع لنا منها زيادة على
عشرة أوردتها ملخصة مع الجواب عنها لتستفاد (الأول) قالوا إنه صلى الله عليه وسلم لما خاطب
سليكا سكت عن خطبته حتى فرغ سليك من صلاته فعلى هذا فقد جمع سليك بين سماع الخطبة
وصلاة التحية فليس فيه حجة لمن أجاز التحية والخطيب يخطب والجواب أن الدارقطني الذي
أخرجه من حديث أنس قد ضعفه وقال إن الصواب أنه من رواية سليمان التيمي مرسلا أو
معضلا وقد تعقبه ابن المنير في الحاشية بأنه لو ثبت لم يسغ على قاعدتهم لأنه يستلزم جواز قطع
الخطبة لأجل الداخل والعمل عندهم لا يجوز قطعه بعد الشروع فيه لا سيما إذا كان واجبا
(الثاني) قيل لما تشاغل النبي صلى الله عليه وسلم بمخاطبة سليك سقط فرض الاستماع عنه إذ لم يكن
منه حينئذ خطبة لأجل تلك المخاطبة قاله ابن العربي وادعى أنه أقوى الأجوبة وتعقب بأنه من
أضعفها لأن المخاطبة لما انقضت رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خطبته وتشاغل سليك
بامتثال ما أمره به من الصلاة فصح أنه صلى في حال الخطبة (الثالث) قيل كانت هذه القصة قبل
شروعه صلى الله عليه وسلم في الخطبة ويدل عليه قوله في رواية الليث عند مسلم والنبي صلى الله
عليه وسلم قاعد على المنبر وأجيب بأن القعود على المنبر لا يختص بالابتداء بل يحتمل أن يكون
بين الخطبتين أيضا فيكون كلمه بذلك وهو قاعد فلما قام ليصلى قام النبي صلى الله عليه وسلم
للخطبة لأن زمن القعود بين الخطبتين لا يطول ويحتمل أيضا أن يكون الراوي تجوز في قوله قاعد
لأن الروايات الصحيحة كلها مطبقة على أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب (الرابع) قيل
كانت هذه القصة قبل تحريم الكلام في الصلاة وتعقب بأن سليكا متأخر الإسلام جدا وتحريم
الكلام متقدم جدا كما سيأتي في موضعه في أواخر الصلاة فكيف يدعي نسخ المتأخر بالمتقدم
مع أن النسخ لا يثبت بالاحتمال وقيل كانت قبل الأمر بالإنصات وقد تقدم الجواب عنه
وعورض هذا الاحتمال بمثله في الحديث الذي استدلوا به وهو ما أخرجه الطبراني عن ابن عمر إذا
خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام لاحتمال أن يكون ذلك قبل الأمر بصلاة التحية والأولى في هذا
أن يقال على تقدير تسليم ثبوت رفعه يخص عمومه بحديث الأمر بالتحية خاصة كما تقدم
(الخامس) قيل اتفقوا على أن منع الصلاة في الأوقات المكروهة يستوي فيه من كان داخل
المسجد أو خارجه وقد اتفقوا على أن من كان انظر المسجد يمتنع عليه التنفل حال الخطبة
فليكن الآتي كذلك قاله الطحاوي وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد وما نقله من
الاتفاق وافقه عليه الماوردي وغيره وقد شذ بعض الشافعية فقال ينبنى على وجوب الإنصات
فإن قلنا به أمتنع التنفل وإلا فلا (السادس) قيل اتفقوا على أن الداخل والإمام في الصلاة تسقط
عنه التحية ولا شك أن الخطبة صلاة فتسقط عنه فيها أيضا وتعقب بأن الخطبة ليست صلاة من كل
وجه والفرق بينهما ظاهر من وجوه كثيرة والداخل في حال الخطبة مأمور بشغل البقعة بالصلاة
قبل جلوسه بخلاف الداخل في حال الصلاة فإن إتيانه بالصلاة التي أقيمت يحصل المقصود هذا مع
تفريق الفاء بينهما فقال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وقد وقع في بعض طرقه فلا
339

صلاة إلا التي أقيمت ولم يقل ذلك في حال الخطبة بل أمرهم فيها بالصلاة (السابع) قيل اتفقوا على
سقوط التحية عن الإمام مع كونه يجلس على المنبر مع أن له ابتداء الكلام في الخطبة دون
المأموم فيكون ترك المأموم التحية بطريق الأولى وتعقب بأنه أيضا قياس في مقابلة النص فهو
فاسد ولأن الأمر وقع مقيدا بحال الخطبة فلم يتناول الخطيب وقال الزين بن المنير منع الكلام
إنما هو لمن شهد الخطبة لا لمن خطب فكذلك الأمر بالإنصات واستماع الخطبة (الثامن) قيل
لا نسلم أن المراد بالركعتين المأمور بهما تحية المسجد بل يحتمل أن تكون صلاة فائته كالصبح
مثلا قاله بعض الحنفية وقواه بن المنير في الحاشية وقال لعله صلى الله عليه وسلم كان كشف له عن
ذلك وإنما استفهمه ملاطفة له في الخطاب قال ولو كان المراد بالصلاة التحية لم يحتج إلى استفهامه
لأنه قد رآه لما دخل وقد تولى رده ابن حبان في صحيحه فقال لو كان كذلك لم يتكرر أمره له بذلك
مرة بعد أخرى ومن هذه المادة قولهم إنما أمره بسنة الجمعة التي قبلها ومستندهم قوله في قصة
سليك عند ابن ماجة أصليت قبل أن تجئ لأن ظاهره قبل أن تجئ من البيت ولهذا قال الأوزاعي
إن كان صلى في البيت قبل أن يجئ فلا يصلي إذا دخل المسجد وتعقب بأن المانع من صلاة التحية
لا يجيز التنفل حال الخطبة مطلقا ويحتمل أن يكون معنى قبل أن تجئ أي إلى الموضع الذي أنت
به الآن وفائدة الاستفهام احتمال أن يكون صلاها في مؤخر المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع
الخطبة كما تقدم في قصة الذي تخطى ويؤكده أن في رواية لمسلم أصليت الركعتين بالألف واللام
وهو للعهد ولا عهد هناك أقرب من تحية المسجد وأما سنة الجمعة التي قبلها فلم يثبت فيها شئ كما
سيأتي في بابه (التاسع) قيل لا نسلم أن الخطبة المذكورة كانت للجمعة ويدل على أنها كانت لغيرها
قوله للداخل أصليت لأن وقت الصلاة لم يكن دخل أه وهذا ينبنى على أن الاستفهام
وقع عن صلاة الفرض فيحتاج إلى ثبوت ذلك وقد وقع في حديث الباب وفي الذي بعده أن ذلك كان
يوم الجمعة فهو ظاهر في أن الخطبة كانت لصلاة الجمعة (العاشر) قال جماعة منهم القرطبي أقوى
ما اعتمده المالكية في هذه المسألة عمل أهل المدينة خلفا عن سلف من لدن الصحابة إلى عهد
مالك أن التنفل في حال الخطبة ممنوع مطلقا وتعقب بمنع اتفاق أهل المدينة على ذلك فقد ثبت
فعل التحية عن أبي سعيد الخدري وهو من فقهاء الصحابة من أهل المدينة وحمله عنه أصحابه من
أهل المدينة أيضا فروى الترمذي وابن خزيمة وصححاه عن عياض بن أبي سرح أن أبا سعيد
الخدري دخل ومروان يخطب فصلى الركعتين فأراد حرس مروان أن يمنعوه فأبى حتى صلاهما
ثم قال ما كنت لأدعهما بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بهما انتهى ولم يثبت
عن أحد من الصحابة صريحا ما يخالف ذلك وأما ما نقله ابن بطال عن عمر وعثمان وغير واحد من
الصحابة من المنع مطلقا فاعتماده في ذلك على روايات عنهم فيها احتمال كقول ثعلبة بن أبي مالك
أدركت عمر وعثمان وكان الإمام إذا خرج تركنا الصلاة ووجه الاحتمال أن يكون ثعلبة عنى
بذلك من كان انظر المسجد خاصة قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي كل من نقل
عنه يعني من الصحابة منع الصلاة والإمام يخطب أمرهم على من كان انظر المسجد لأنه لم يقع عن
أحد منهم التصريح بمنع التحية وقد ورد فيها حديث يخصها فلا تترك بالاحتمال انتهى ولم أقف
على ذلك صريحا عن أحد من الصحابة وأما ما رواه الطحاوي عن عبد الله بن صفوان أنه دخل
340

المسجد وابن الزبير يخطب فاستلم الركن ثم سلم عليه ثم جلس ولم يركع وعبد الله بن صفوان وعبد
الله بن الزبير صحابيان صغيران فقد استدل به الطحاوي فقال لما لم ينكر ابن الزبير علي ابن صفوان
ولا من حضرهما من الصحابة ترك التحية دل على صحة ما قلناه وتعقب بان تركهم النكير لا يدل
على تحريمها بل يدل على عدم وجوبها ولم يقل به مخالفوهم وسيأتي في أواخر الكلام على هذا
الحديث البحث في أن صلاة التحية هل تعم كل مسجد أو يستثنى المسجد الحرام لأن تحية
الطواف فلعل ابن صفوان كان يرى أن تحيته استلام الركن فقط وهذه الأجوبة التي قدمناها
تندفع من أصلها بعموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة إذا دخل أحدكم المسجد فلا
يجلس حتى يصلي ركعتين متفق عليه وقد تقدم الكلام عليه وورد أخص منه في حال الخطبة
ففي رواية شعبة عن عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو يخطب إذا جاء أحدكم والإمام يخطب أو قد خرج فليصل ركعتين متفق عليه أيضا ولمسلم
من طريق أبي سفيان عن جابر أنه قال ذلك في قصة سليك ولفظه بعد قوله فاركعهما وتجوز فيهما
ثم قال إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما قال النووي هذا
نص لا يتطرق إليه التأويل ان أظن عالما يبلغه هذا اللفظ ويعتقده صحيحا فيخالفه وقي أبو محمد
ابن أبي جمرة هذا الذي أخرجه مسلم نص في الباب لا يحتمل التأويل وحكى ابن دقيق العيد أن
بعضهم تأول هذا العموم بتأويل مستكره وكأنه يشير إلى بعض متقدم من ادعاء النسخ
أو التخصيص وقد عارض بعض الحنفية الشافعية بأنهم لا حجة لهم في قصة سليك لأن التحية
عندهم تسقط بالجلوس وقد تقدم جوابه وعارض بعضهم بحديث أبي سعيد رفعه لا تصلوا
والإمام يخطب وتعقب بأنه لا يثبت وعلى تقدير ثبوته فيخص عمومه بالأمر بصلاة التحية
وبعضهم بأن عمر لم يأمر عثمان بصلاة التحية مع أنه أنكر عليه الاقتصار على الوضوء وأجيب
باحتمال أن يكون صلاهما وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز صلاة التحية في
الأوقات المكروهة لأنها إذا لم تسقط في الخطبة مع الأمر بالإنصات لها فغيرها أولى وفيه أن
التحية لا تفوت بالقعود لكن قيده بعضهم بالجاهل أو الناسي كما تقدم وأن للخطيب أن يأمر في
خطبته وينهى ويبين الأحكام المحتاج إليها ولا يقطع ذلك التوالي المشترط فيها بل لقائل أن
يقول كل ذلك يعد من الخطبة واستدل به على أن المسجد شرط للجمعة للاتفاق على أنه لا تشرع
التحية لغير المسجد وفيه نظر واستدل به على جواز رد السلام وتشميت العاطس في حال الخطبة
لأن أمرهما أخف وزمنهما أقصر ولا سيما رد السلام فإنه واجب وسيأتي البحث في ذلك بعد
ثلاثة أبواب * (فائدة) * قيل يخص عموم حديث الباب بالداخل في آخر الخطبة كما تقدم قال
الشافعي أرى للإمام أن يأمر الآتي بالركعتين ويزيد في كلامه ما يمكنه الإتيان بهما قبل إقامة
الصلاة فإن لم يفعل كرهت ذلك وحكى النووي عن المحققين أن المختار إن لم يفعل أن يقف حتى
تقام الصلاة لئلا يكون جالسا بغير تحية أو متنقلا حال إقامة الصلاة واستثنى المحاملي المسجد
الحرام لأن تحيته الطواف وفيه نظر لطول زمن الطواف بالنسبة إلى الركعتين والذي يظهر من
قولهم إن تحية المسجد الحرام الطواف إنما هو في حق القادم ليكون أول شئ بالصلاة الطواف من
وأما المقيم فحكم المسجد الحرام وغيره في ذلك سواء ولعل قول من أطلق أنه يبدأ في المسجد
341

الحرام بالطواف لكون الطواف يعقبه صلاة الركعتين فيحصل شغل البقعة بالصلاة غالبا وهو
المقصود ويختص المسجد الحرام بزيادة الطواف والله أعلم (قوله باب من جاء
والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين) قال الإسماعيلي لم يقع في الحديث الذي ذكره التقييد
بكونهما خفيفتين (قلت) هو كما قال إلا أن المصنف جرى على عادته في الإشارة إلى ما في بعض
طرق الحديث وهو كذلك وقد أخرجه أبو قرة في السنن عن الثوري عن الأعمش عن أبي سفيان
عن جابر بلفظ قم فاركع ركعتين خفيفتين وقد تقدم أنه عند مسلم بلفظ وتجوز فيهما وقال الزين
ابن المنير ما ملخصه في الترجمة الأولى أن الأمر بالركعتين يتقيد برؤية الإمام الداخل في حال
الخطبة بعد أن يستفسره هل صلى أم لا وذلك كله خاص بالخطيب وأما حكم الداخل فلا يتقيد
بشئ من ذلك بل يستحب له أن يصلي تحية المسجد فأشار المصنف إلى ذلك كله بالترجمة الثانية بعد
الأولى مع أن الحديث فيهما واحد (قوله عن عمرو) هو ابن دينار ووقع التصريح بسماع
سفيان منه في هذا الحديث في مسند القدرة وهو عند أبي نعيم في المستخرج (قوله صليت)
كذا للأكثر أيضا بحذف الهمزة وثبتت لكريمة وللمستملي (قوله قال فصل) زاد في
رواية أبي ذر قال قم فصل (قوله باب رفع اليدين في الخطبة) أورد فيه
طرفا من حديث أنس في قصة الاستسقاء وقد ساقه المصنف بتمامه في علامات النبوة من
هذا الوجه وهو مطابق للترجمة وفيه إشارة إلى أن حديث عمارة بن رويثة الذي أخرجه
مسلم في إنكار ذلك ليس على إطلاقه لكن قيد مالك الجواز بدعاء الاستسقاء كما في هذا
الحديث (قوله وعن يونس عن ثابت) يونس هو ابن عبيد وهو معطوف على الإسناد
المذكور والتقدير وحدثنا مسدد أيضا عن حماد بن زيد عن يونس وقد أخرجه أبو داود
عن مسدد أيضا بالاسنادين معا وأخرجه البزار أيضا من طريق مسدد وقال تفرد به حماد بن
زيد عن يونس بن عبيد والرجال من الطريقين كلهم بصريون (قوله فمد يديه ودعا) في
الحديث الذي بعده فرفع يديه كلفظ الترجمة وكأنه أراد أن يبين أن المراد بالرفع هنا المد لا كالرفع
الذي في الصلاة وسيأتي في كتاب الدعوات صفة رفع اليدين في الدعاء فإن في رفعهما في دعاء
الاستسقاء صفة زائدة على رفعهما في غيره وعلى ذلك يحمل حديث أنس لم يكن يرفع يديه في
شئ من دعائه إلا في الاستسقاء وأنه أراد الصفة الخاصة بالاستسقاء ويأتي شئ من ذلك في
الاستسقاء أيضا إن شاء الله تعالى (قوله باب الاستسقاء في الخطبة يوم
الجمعة) أورد فيه الحديث المذكور مطولا من وجه آخر عن أنس وهو مطابق للترجمة أيضا
وفيه الاكتفاء في الاستسقاء بخطبة الجمعة وصلاتها ويأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب
الاستسقاء إن شاء الله تعالى واستدل به على جواز الكلام في الخطبة كما سيأتي في الباب الذي
بعده (قوله باب الانصات يوم الجمعة والإمام يخطب) أشار بهذا إلى الرد على
من جعل وجوب الانصات من خروج الإمام لأن قوله في الحديث والإمام يخطب جملة حالية
342

يخرج ما قبل خطبته من حين خروجه وما بعده إلى أن يشرع في الخطبة نعم الأولى أن ينصت كما
تقدم الترغيب فيه في باب فضل الغسل للجمعة وأما حال الجلوس بين الخطبتين فحكى صاحب
المغني عن العلماء فيه قولين بناء على أنه غير خاطب أو أن زمن سكوته قليل فأشبه السكوت
للتنفس (قوله وإذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا) هو كلفظ حديث الباب في بعض طرقه
وهي رواية النسائي عن قتيبة عن الليث بالإسناد المذكور ولفظه من قال لصاحبه يوم الجمعة
والإمام يخطب أنصت فقد لغا والمراد بالصاحب من يخاطبه بذلك مطلقا وإنما ذكر الصاحب
لكونه الغالب (قوله وقال سلمان) هو طرف من حديثه المتقدم في باب الدهن للجمعة وقوله
ينصت بضم الأولى على الأفصح ويجوز الفتح قال الأزهري يقال أنصت ونصت وانتصت قال ابن
خزيمة المراد بالإنصات السكوت عن مكالمة الناس دون ذكر الله وتعقب بأنه يلزم منه جواز
القراءة والذكر حال الخطبة فالظاهر أن المراد السكوت مطلقا ومن فرق احتاج إلى دليل
ولا يلزم من تجويز التحية لدليلها الخاص جواز الذكر مطلقا (قوله أخبرني ابن شهاب) هكذا
رواه يحيى بن بكير عن الليث ورواه شعيب بن الليث عن أبيه فقال عن عقيل
عن ابن شهاب
عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ عن أبي هريرة أخرجه مسلم والنسائي
والطريقان معا صحيحان وقد رواه أبو صالح عن الليث بالاسنادين معا أخرجه الطحاوي وكذا
رواه ابن جريج وغيره عن الزهري بهما أخرجه عبد الرزاق وغيره ورواه مالك عند أبي داود
وابن أبي ذئب عند بن ماجة كلاهما عن الزهري بالإسناد الأول (قوله يوم الجمعة) مفهومه
أن غير يوم الجمعة بخلاف ذلك وفيه بحث (قوله فقد لغوت) قال الأخفش اللغو الكلام
الذي لا أصل له من الباطل وشبهه وقال ابن عرفة اللغو السقط من القول وقيل الميل عن
الصواب وقيل اللغو الإثم كقوله تعالى وإذا مروا باللغو مروا كراما وقال الزين بن المنير
اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام وأغرب أبو عبيد الهروي في
الغريب فقال معنى لغا تكلم كذا أطلق والصواب التقييد وقال النضر بن شميل معنى
لغوت خبت من الأجر وقيل بطلت فضيلة جمعتك وقيل صارت جمعتك ظهرا (قلت)
أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى ويشهد للقول الأخير ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث
عبد الله بن عمر مرفوعا ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا قال ابن وهب أحد
رواته معناه أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة ولأحمد من حديث على مرفوعا من قال
صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له ولأبي داود نحوه ولأحمد والبزار من حديث ابن عباس
مرفوعا من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت
ليست له جمعة وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر موقوفا قال العلماء معناه لا جمعة
له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه وحكى ابن التين عن بعض من جوز الكلام في
الخطبة أنه تأول قوله فقد لغوت أي أمر ت بالإنصات من لا يجب عليه وهو جمود شديد لأن
الانصات لم يختلف في مطلوبيته فكيف يكون من أمر بما طلبه الشرع لاغيا بل النهى عن
الكلام مأخوذ من حديث الباب بدلالة الموافقة لأنه إذا جعل قوله أنصت مع كونه أمرا
بمعروف لغوا فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوا وقد وقع عند أحمد من رواية الأعرج عن
343

أبي هريرة في آخر هذا الحديث بعد قوله فقد لغوت عليك بنفسك واستدل به على منع جميع
أنواع الكلام حال الخطبة وبه قال الجمهور في حق من سمعها وكذا الحكم في حق من لا يسمعها
عند الأكثر قالوا وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة وأغرب ابن عبد البر فنقل
الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها إلا عن قليل من التابعين ولفظه لا خلاف علمته
بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات للخطبة على من سمعها في الجمعة وأنه غير جائز أن يقول
لمن سمعه من الجهال يتكلم والإمام يخطب أنصت ونحوها أخذا بهذا الحديث وروى عن
الشعبي وناس قليل أنهم كانوا يتكلمون إلا في حين قراءة الإمام في الخطبة خاصة قال وفعلهم
في ذلك مردود عند أهل العلم وأحسن أحوالهم أن يقال إنه لم يبلغهم الحديث (قلت) للشافعي
في المسئلة قولان مشهوران وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن
الركعتين أم لا فعلى الأول يحرم لا على الثاني والثاني هو الأصح عندهم فمن ثم أطلق من أطلق منهم
إباحة الكلام حتى شنع عليهم من شنع من المخالفين وعن أحمد أيضا روايتان وعنهما أيضا التفرقة
بين من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها ولبعض الشافعية التفرقة بين من تنعقد بهم الجمعة فيجب
عليهم الإنصات دون من زاد فجعله شبيها بفروض الكفاية واختلف السلف إذا خطب بما لا ينبغي
من القول وعلى ذلك يحمل ما نقل عن السلف من الكلأ حال الخطبة والذي يظهر أن من نفى
وجوبه أراد أنه لا يشترط في صحة الجمعة بخلاف غيره ويدل على الوجوب في حق السامع أن في
حديث على المشار إليه آنفا ومن دنا فلم ينصت كان عليه كفلان من الوزر لأن الوزر لا يترتب على
من فعل مباحا ولو كان مكروها كراهة تنزيه وأما ما استدل به من أجاز مطلقا من قصة السائل
في الاستسقاء ونحوه ففيه نظر لأنه استدلال بالأخص على الأعم فيمكن أن يخص عموم الأمر
بالإنصات بمثل ذلك كأمر عارض في مصلحة عامة كما خص بعضهم منه رد السلام لوجوبه ونقل
صاحب المغني الاتفاق على أن الكلام الذي يجوز في الصلاة يجوز في الخطبة كتحذير الضرير
من البئر بحال الشافعي وإذا خاف على أحد لم أر بأسا إذا لم يفهم عنه بالإيماء أن يتكلم وقد
استثنى من الانصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع مثل الدعاء للسلطان مثلا
بل جزم صاحب التهذيب بان الدعاء للسلطان مكروه وقال النووي محله ما إذا جازف وإلا فالدعاء
لولاة الأمور مطلوب أه ومحل الترك إذا لم يخف كلاهما وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه
والله أعلم (قوله باب الساعة التي في يوم الجمعة) أي التي يجاب فيها الدعاء
(قوله عن أبي الزناد) كذا رواه أصحاب مالك في الموطأ ولهم فيه إسناد آخر إلى أبي هريرة وفيه
قصة له مع عبد الله بن سلام (قوله فيه ساعة) كذا فيه مبهمة وعينت في أحاديث أخر كما
سيأتي (قوله لا يوافقها) أي يصادفها وهو أعم من أن يقصد لها أو يتفق له وقوع الدعاء فيها
(قوله وهو قائم يصلي يسأل الله) هي صفات لمسلم أعربت حالا ويحتمل أن يكون يصلي
حالا منه لاتصافه بقائم ويسأل حال مترادفة أو متداخلة وأفاد ابن عبد البر أن قوله وهو قائم
سقط من رواية أبي مصعب وابن أبي أويس ومطرف والتنيسي وقتيبة وأثبتها الباقون قال وهي
زيادة محفوظة عن أبي الزناد من رواية مالك وورقاء وغيرهما عنه وحكى أبو محمد بن السيد عن
محمد بن وضاح أنه كان يأمر بحذفها من الحديث وكان السبب في ذلك أنه يشكل على أصح
344

الأحاديث الواردة في تعيين هذه الساعة وهما حديثان أحدهما أنها من جلوس الخطيب على
المنبر إلى انصرافه من الصلاة والثاني أنها من بعد العصر إلى غروب الشمس وقد احتج أبو هريرة
على عبد الله بن سلام لما ذكر له القول الثاني بأنها ليست ساعة صلاة وقد ورد النص بالصلاة
فأجابه بالنص الآخر أن منتظر الصلاة في حكم المصلي فلو كان قوله وهو قائم عند أبي هريرة ثابتا
لأحتج عليه بها لكنه سلم له الجواب وارتضاه وأفتى به بعده وأما اشكاله على الحديث الأول فمن
جهة أنه يتناول حال الخطبة كله وليست صلاة على الحقيقة وقد أجيب عن هذا الاشكال
بحمل الصلاة على الدعاء أو الانتظار ويحمل القيام على الملازمة والمواظبة ويؤيد ذلك أن
حال القيام في الصلاة غير حال السجود والركوع والتشهد مع أن السجود مظنة إجابة الدعاء فلو
كان المراد بالقيام حقيقته لأخرجه فدل على أن المراد مجاز القيام وهو المواظبة ونحوها ومنه
قوله تعالى إلا ما دمت عليه قائما فعلى هذا يكون التعبير عن المصلي بالقائم من باب التعبير عن
الكل بالجزء والنكتة فيه أنه أشهر أحوال الصلاة (قوله شيئا) أي مما يليق أن يدعو به المسلم
ويسأل ربه تعالى وفي رواية سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عند المصنف
في الطلاق يسأل الله خيرا ولمسلم من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة مثله وفي حديث أبي
لبابة عند ابن ماجة ما لم يسأل حراما وفي حديث سعد بن عبادة عند أحمد ما لم يسأل إثما أو قطيعة
رحم وهو نحو الأول وقطيعة الرحم من جملة الإثم فهو من عطف الخاص على العام للاهتمام به
(قوله وأشار بيده) كذا هنا بإبهام الفاعل وفي رواية أبي مصعب عن مالك وأشار رسول الله صلى
الله عليه وسلم وفي رواية سلمة بن علقمة التي أشر ت إليها ووضع أنملته على بطن الوسطى أو الخنصر
قلنا يزهدها وبين أبو مسلم الكجي أن الذي وضع هو بشر بن المفضل رواية عن سلمة بن علقمة
وكأنه فسر الإشارة بذلك وأنها ساعة لطيفة تتنقل ما بين وسط النهار إلى قرب آخره وبهذا يحصل
الجمع بينه وبين قوله يزهدها أي يقللها ولمسلم من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة وهي ساعة
خفيفة وللطبراني في الأوسط في حديث أنس وهي قدر هذا يعني قبضة قال الزين بن المنير الإشارة
لتقليلها هو للترغيب فيها والحض عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها وقد اختلف أهل العلم
من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في هذه الساعة هل هي باقية أو رفعت وعلى البقاء هل هي
في كل جمعة أو في جمعة واحدة من كل سنة وعلى الأول هل هي وقت من اليوم معين أو مبهم وعلى
التعيين هل تستوعب الوقت أو تبهم فيه وعلى الإبهام ما ابتداؤه وما انتهاؤه وعلى كل ذلك هل
تستمر أو تنتقل وعلى الانتقال هل تستغرق اليوم أو بعضه وها أنا أذكر تلخيص ما اتصل إلى من
الأقوال مع أدلتها ثم أعود إلى الجمع بينها والترجيح فالأول أنها رفعت حكاه ابن عبد البر
قوم وزيفه وقال عياض رده السلف على قائله وروى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني داود ابن أبي عاصم عن عبد الله بن نخس مولى معاوية قال قلت لأبي هريرة إنهم زعموا أن الساعة
التي في يوم الجمعة يستجاب فيها الدعاء رفعت فقال كذب من قال ذلك قلت فهي في كل جمعة
قال نعم إسناده قوي وقال صاحب الهدى إن أراد قائله أنها كانت معلومة فرفع علمها عن الأمة
فصارت مبهمة احتمل وإن أراد حقيقتها فهو مردود على قائله القول الثاني أنها موجودة
لكن في جمعة واحدة من كل سنة قاله كعب الأحبار لأبي هريرة فرد عليه فرجع إليه رواه مالك
345

في الموطأ وأصحاب السنن الثالث أنها مخفية في جميع اليوم كما أخفيت ليلة القدر في العشر روى
ابن خزيمة والحاكم من طريق سعيد بن الحارث عن أبي سلمة سألت أبا سعيد عن ساعة الجمعة فقال
سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال قد أعلمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر وروى عبد
الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري فقال لم أسمع فيها بشئ إلا أن كعبا كان يقول لو أن إنسانا قسم
جمعة في جمع لأتى على تلك الساعة قال ابن المنذر معناه أنه يبدأ فيدعو في جمعة من الجمع من
أول النهار إلى وقت معلوم ثم في جمعة أخرى يبتدئ من ذلك الوقت إلى وقت آخر حتى يأتي على آخر
النهار قال وكعب هذا هو كعب الأحبار قال وروينا عن ابن عمر أنه قال إن طلب حاجة في يوم
ليسير قال معناه أنه ينبغي المداومة على الدعاء يوم الجمعة كله ليمر بالوقت الذي يستجاب فيه الدعاء
انتهى والذي قاله ابن عمر يصلح لمن يقوى على ذلك وإلا فالذي قاله كعب سهل على كل أحد
وقضية ذلك أنهما كانا يريان أنها غير معينة وهو قضية كلام جمع من العلماء كالرافعي وصاحب
المغني وغيرهما حيث قالوا يستحب أن يكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء أن يصادف ساعة الإجابة
ومن حجة هذا القول تشبيهها بليلة القدر والاسم الأعظم في الأسماء الحسنى والحكمة في ذلك
بعث العباد على الاجتهاد في الطب واستيعاب الوقت بالعبادة بخلاف ما لو تحقق الأمر في شئ
من ذلك لكان مقتضيا للاقتصار عليه وإهمال ما عداه الرابع أنها تنتقل في يوم الجمعة ولا تلزم
ساعة معينة لا ظاهرة ولا مخفية قال الغزالي هذا أشبه الأقوال وذكره الأثرم احتمالا وجزم به
ابن عساكر وغيره وقال المحب الطبري إنه الأظهر وعلى هذا لا يتأتى ما قاله كعب في الجزم به
بتحصيلها الخامس إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة ذكره شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح
الترمذي وشيخنا سراج الدين بن الملقن فشرحه على البخاري تشبههم لتخريج ابن أبي شيبة عن
عائشة وقد رواه الروياني في مسنده عنها فأطلق الصلاة ولم يقيدها ورواه ابن المنذر فقيدها بصلاة
الجمعة والله أعلم السادس من طلوع الفجر الفجر إلى طلوع الشمس رواه ابن عساكر من طريق أبي
جعفر الرازي عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة وحكاه القاضي أبو الطيب الطبري
وأبو نصر بن الصباغ وعياض والقرطبي وغيرهم بحال بعضهم ما بين طلوع الفجر وطلوع
الشمس السابع مثله وزاد ومن العصر إلى الغروب رواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة
عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة وتابعه فضيل بن عياض عن ليث عند ابن المنذر
وليث ضعيف وقد اختلف عليه فيه كما ترى الثامن مثله وزاد وما بين أن ينزل الإمام من
المنبر إلى أن يكبر رواه حميد بن زنجويه في الترغيب له من طريق عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة
عن أبي هريرة قال التمسوا الساعة التي يجاب فيها الدعاء يوم الجمعة في هذه الأوقات الثلاثة
فذكرها التاسع أنها أول ساعة بعد طلوع الشمس حكاه الجيلي في شرح التنبيه وتبعه المحب
الطبري في شرحه العاشر عند طلوع الشمس حكاه الغزالي في الإحياء وعبر عنه الزين بن المنير
في شرحه بقوله هي ما بين أن ترتفع الشمس شبرا إلى ذراع وعزاه لأبي ذر الحادي عشر أنها في
آخر الساعة الثالثة من النهار حكاه صاحب المغني وهو في مسند الإمام أحمد من طريق علي بن
أبي طلحة عن أبي هريرة مرفوعا يوم الجمعة فيه طبعت طينة آدم وفي آخر ثلاث ساعات منه ساعة
من دعا الله فيها استجيب له وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف وعلى لم يسمع من أبي هريرة
346

قال المحب الطبري قوله في آخر ثلاث ساعات يحتمل أمرين أحدهما أن يكون المراد الساعة
الأخيرة من الثلاث الأول ثانيهما أن يكون المراد أن في آخر كل ساعة من الثلاث ساعة إجابة
فيكون فيه تجوز لإطلاق الساعة على بعض الساعة * الثاني عشر من الزوال إلى أن يصير الظل
نصف ذراع حكاه المحب الطبري في الأحكام وقبله الزكي المنذري * الثالث عشر مثله لكن قال
إلى أن يصير الظل ذراعا حكاه عياض والقرطبي والنووي * الرابع عشر بعد زوال الشمس بشبر
إلى ذراع رواه ابن المنذر وابن عبد البر بإسناد قوي إلى الحارث بن يزيد الحضرمي عن عبد الرحمن
ابن حجيرة عن أبي ذر أن امرأته سألته عنها فقال ذلك ولعله مأخذ القولين اللذين قبله الخامس
عشر إذا زالت الشمس حكاه ابن المنذر عن أبي العالية وورد نحوه في أثناء حديث عن علي وروى
عبد الرزاق من طريق الحسن أنه كان يتحراها عند زوال الشمس بسبب قصة وقعت لبعض
أصحابه في ذلك وروى ابن سعد في الطبقات عن عبيد الله بن نوفل نحو القصة وروى ابن عساكر
من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال كانوا يرون الساعة المستجاب فيها الدعاء إذا زالت
الشمس وكأن مأخذهم في ذلك أنها وقت اجتماع الملائكة وابتداء دخول وقت الجمعة وابتداء
الأذان ونحو ذلك * السادس عشر إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة رواه ابن المنذر عن عائشة قالت
يوم الجمعة مثل يوم عرفة تفتح فيه أبواب السماء وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه
قيل أية ساعة قالت إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة وهذا يغاير الذي قبله من حيث أن الأذان قد
يتأخر عن الزوال قال الزين بن المنير ويتعين حمله على الأذان الذي بين يدي الخطيب * السابع
عشر من الزوال إلى أن يدخل الرجل في الصلاة ذكره بن المنذر عن أبي السوار العدوي وحكاه
ابن الصباغ بلفظ إلى أن يدخل الإمام * الثامن عشر من الزوال إلى خروج الإمام حكاه القاضي
أبو الطيب الطبري * التاسع عشر من الزوال إلى غروب الشمس حكاه أبو العباس أحمد بن علي
بن كشاسب الدزماري وهو بزاي ساكنة وقبل ياء النسب راء الركعة في نكتة على التنبيه عن
الحسن ونقله عنه شيخنا سراج الدين بن الملقن في شرح البخاري وكان الدزماري المذكور في
عصر ابن الصلاح * العشرون ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة رواه ابن المنذر عن
الحسن وروى أبو بكر المروزي في كتاب الجمعة بإسناد صحيح إلى الشعبي عن عوف بن حضير
رجل من أهل الشام مثله الحادي والعشرون عند خروج الإمام رواه حميد بن زنجويه في كتاب
الترغيب عن الحسن أن رجلا مرت به وهو ينعس في ذلك الوقت الثاني والعشرون ما بين
خروج الإمام إلى أن تنقضي الصلاة رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن سالم عن الشعبي قوله
ومن طريق معاوية بن قرة عن أبي بردة عن أبي موسى قوله وفيه أن ابن عمر استصوب ذلك * الثالث
والعشرون ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل رواه سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي قوله
أيضا قال الزين بن المنير ووجهه أنه أخص أحكام الجمعة لأن العقد باطل عند الأكثر فلو اتفق
ذلك في غير هذه الساعة بحيث ضاق الوقت فتشاغل اثنان بعقد البيع فخرج وفاتت تلك الصلاة
لأثما ولم يبطل البيع * الرابع والعشرون ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة رواه حميد بن زنجويه
عن ابن عباس وحكاه البغوي في شرح السنة عنه * الخامس والعشرون ما بين أن يجلس الإمام
على المنبر إلى أن تقضى الصلاة رواه مسلم وأبو داود من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة
347

ابن أبي موسى أن بن عمر سأله عما سمع من أبيه في ساعة الجمعة فقال سمعت أبي يقول سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكره وهذا القول يمكن أن يتخذ من اللذين قبله السادس والعشرون
عند التأذين وعند تذكير الإمام وعند الإقامة رواه حميد بن زنجويه من طريق سليم بن عامر عن
عوف بن مالك الأشجعي الصحابي * السابع والعشرون مثله لكن قال إذا أذن وإذا رقي المنبر وإذا
أقيمت الصلاة رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي أمامة الصحابي قوله قال الزين بن المنير ما ورد
عند الأذان من إجابة الدعاء فيتأكد يوم الجمعة وكذلك الإقامة وأما زمان جلوس الإمام على المنبر
فلأنه وقت استماع الذكر والابتداء في المقصود من الجمعة * الثامن والعشرون من حين يفتتح
الإمام الخطبة حتى يفرغ رواه ابن عبد البر من طريق محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن عمر
مرفوعا وإسناده ضعيف * التاسع والعشرون إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة حكاه الغزالي
في الإحياء * الثلاثون عند الجلوس بين الخطبتين حكاه الطيبي عن بعض شراح المصابيح
الحادي والثلاثون أنها عند نزول الإمام من المنبر رواه بن أبي شيبة وحميد ابن زنجويه
وابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح إلى أبي إسحاق عن أبي بردة قوله وحكاه الغزالي قولا بلفظ إذا قام الناس
إلى الصلاة * الثاني والثلاثون حين تقام الصلاة حتى يقوم الإمام في مقامه حكاه ابن المنذر عن
الحسن أيضا وروى الطبراني من حديث ميمونة بنت سعد نحوه مرفوعا بإسناد ضعيف * الثالث
والثلاثون من إقامة الصف إلى تمام الصلاة رواه الترمذي وابن ماجة من طريق كثير بن عبد
الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا وفيه قالوا أية ساعة يا رسول الله قال حين تقام
الصلاة إلى الانصراف منها وقد ضعف كثير رواية كثير ورواه البيهقي في الشعب من هذا
الوجه بلفظ ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن تنقضي الصلاة ورواه ابن أبي شيبة من طريق
مغيرة واصل الأحدب عن أبي بردة قوله وإسناده قوي إليه وفيه أن ابن عمر استحسن ذلك
منه وبرك عليه ومسح على رأسه وروى ابن جرير وسعيد بن منصور عن ابن سيرين نحوه
الرابعة والثلاثون هي الساعة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيها الجمعة رواه ابن
عساكر بإسناد صحيح عن ابن سيرين وهذا يغاير الذي قبله من جهة إطلاق ذاك وتقييد
هذا وكأنه أخذه من جهة أن صلاة الجمعة أفضل صلوات ذلك اليوم وأن الوقت الذي كان
يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأوقات وأن جميع ما تقدم من الأذان والخطبة
وغيرهما وسائل وصلاة الجمعة هي المقصودة بالذات ويؤيده ورود الأمر في القرآن بتكثير
الذكر حال الصلاة كما ورد الأمر بتكثير الذكر حال القتال وذلك في قوله تعالى إذا لقيتم فئة
فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وفي قوله إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا
إلى ذكر الله إلى أن ختم الآية بقول واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وليس المراد إيقاع
الذكر بعد الانتشار وإن عط ف عليه وإنما المراد تكثير الذكر المشار إليه أول الآية والله أعلم
الخامس والثلاثون من صلاة العصر إلى غروب الشمس رواه ابن جرير من طريق سعيد بن
جبير عن ابن عباس موقوفا ومن طريق صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن أبي سعيد مرفوعا
بلفظ فالتمسوها بعد العصر وذكر ابن عبد البر أن قوله فالتمسوها إلى آخره مدرج في الخبر
من قول أبي سلمة ورواه بن منده من هذا الوجه وزاد أغفل ما يكون الناس ورواه أبو
348

نعيم في الحلية من طريق الشيباني عن عون بن عبد الله بن عتبة عن أخيه عبيد الله كقول
ابن عباس ورواه الترمذي من طريق موسى بن وردان عن أنس مرفوعا بلفظ بعد العصر
إلى غيبوبة الشمس وإسناده ضعيف السادس والثلاثون في صلاة العصر رواه عبد الرزاق
عن عمر بن ذر عن يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وفيه قصة
السابع والثلاثون بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار حكاه الغزالي في الإحياء * الثامن
والثلاثون بعد العصر كما تقدم عن أبي سعيد مطلقا ورواه ابن عساكر من طريق محمد بن سلمة
الأنصاري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعا بلفظ وهي بعد العصر ورواه ابن
المنذر عن مجاهد مثله ورواه ابن جريج من طريق إبراهيم بن ميسرة عن رجل أرسله عمرو بن
أويس إلى أبي هريرة فذكر مثله قال وسمعته عن الحكم عن ابن عباس مثله ورواه أبو بكر
المروزي من طريق الثوري وشعبة جميعا عن يونس بن خباب قال الثوري عن عطاء وقال
شعبة عن أبيه عن أبي هريرة مثله وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه
كان يتحراها بعد العصر وعن ابن جريج عن بعض أهل العلم قال لا أعلمه إلا عن ابن عباس مثله
فقيل له لا صلاة بعد العصر قال بلى لكن من كان في مصلاه لم يقم منه فهو في صلاة * التاسع
والثلاثون من وسط النهار إلى قرب آخر النهار كما تقدم أول الباب عن سلمة بن علقمة الأربعون
من حين تصفر الشمس إلى أن تغيب رواه عبد الرزاق عن بن جريج عن إسماعيل بن جلس
عن طاوس قوله وهو قريب من الذي بعده * الحادي والأربعون آخر ساعة بعد العصر رواه
أبو داود والنسائي والحاكم بإسناد حسن عن أبي سلمة عن جابر مرفوعا وفي أوله أن النهار ثنتا
عشرة ساعة ورواه مالك وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان من طريق محمد بن إبراهيم
عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عبد الله بن سلام قوله وفيه مناظرة أبي هريرة له في ذلك واحتجاج
عبد الله بن سلام بأن منتظر الصلاة في صلاة وروى ابن جرير من طريق العلاء بن عبد الرحمن
عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا مثله ولم يذكر عبد الله بن سلام قوله ولا القصة ومن طريق ابن أبي
ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن كعب الأحبار قوله وقال عبد الرزاق
أخبرنا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة أنه سمع أبا سلمة يقول حدثنا عبد الله بن عامر فذكر
مثله وروى البزار وابن جرير من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عبد الله بن
سلام مثله وروى بن أبي خيثمة من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأبي سعيد
فذكر الحديث وفيه قال أبو سلمة فلقيت عبد الله ابن سلام فذكرت له ذلك فلم يعرض بذكر النبي
صلى الله عليه وسلم بل قال النهار اثنتا عشرة ساعة وإنها لفي آخر ساعة من النهار ولابن خزيمة
من طريق أبي النضر عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم
جالس إنا لنجد في كتاب الله أن في الجمعة ساعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض ساعة
قلت نعم أو بعض ساعة الحديث وفيه قلت أي ساعة فذكره وهذا يحتمل أن يكون القائل قلت
عبد الله بن سلام فيكون مرفوعا ويحتمل أن يكون أبا سلمة فيكون موقوفا وهو الأرجح
لتصريحه في رواية يحيى بن أبي كثير بأن عبد الله بن سلام لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم
في الجواب * الثاني والأربعون من حيث يغيب نصف قرص الشمس أو من حين تدلى الشمس
349

للغروب إلى أن يتكامل غروبها رواه الطبراني في الأوسط والدارقطني في العلل والبيهقي
في الشعب وفضائل الأوقات من طريق زيد بن علي بن الحسين بن علي حدثتني مرجانة
مولاة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت حدثتني فاطمة عليها السلام عن أبيها
فذكر الحديث وفيه قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أي ساعة هي قال إذا تدلى نصف الشمس
للغروب فكانت فاطمة إذا كان يوم الجمعة أرسلت غلاما لها يقال لزيد ينظر لها الشمس
فإذا أخبرها أنها تدلت للغروب أقبلت على الدعاء إلى أن تغيب في إسناده اختلاف على
زيد بن علي وفي بعض رواته من لا يعرف حاله وقد أخرج إسحق بن راهويه في مسنده من طريق
سعيد بن راشد عن زيد بن علي عن فاطمة لم يذكر مرجانة وقال فيه إذا تدلت الشمس للغروب
وقال فيه تقول لغلام يقال له أريد اصعد على الظراب فإذا تدلت الشمس للغروب فأخبرني
والباقي نحوه وفي أخره ثم تصلي يعني المغرب فهذا جميع ما اتصل إلى من الأقوال في ساعة الجمعة
مع ذكر أدلتها وبيان حالها في الصحة والضعف والرفع والوقف والإشارة إلى مأخذ بعضها وليست
كلها متغايرة من كل جهة بل كثير منها يمكن أن يتحد مع غيره ثم ظفرت بعد كتابة هذا بقول زائد
على ما تقدم وهو غير منقول استنبطه صاحبنا العلامة الحافظ شمس الدين الجزري وأذن لي في
روايته عنه في كتابه المسمى الحصن الحصين في الأدعية لما ذكر الاختلاف في ساعة الجمعة واقتصر
على ثمانية أقوال مما تقدم ثم قال ما نصه والذي أعتقده أنها وقت قراءة الإمام الفاتحة في صلاة
الجمعة إلى أن يقول آمين جمعا بين الأحاديث التي صحت كذا قال ويخدش فيه أنه يفوت على
الداعي حينئذ الإنصات لقراءة الإمام فليتأمل قال الزين بن المنير يحسن جمع الأقوال وكان قد
ذكر مما تقدم عشرة أقوال تبعا لابن بطال قال فتكون ساعة الإجابة واحدة منها لا بعينها
فيصادفها من اجتهد في الدعاء في جميعها والله المستعان وليس المراد من أكثرها أنه يستوعب
جميع الوقت الذي عين بل المعنى أنها تكون في أثنائه لقوله فيما مضى يقللها وقوله وهي ساعة
خفيفة وفائدة ذكر الوقت أنها تنتقل فيه فيكون ابتداء مظنتها ابتداء الخطبة مثلا وانتهاؤه
انتهاء الصلاة وكأن كثيرا من القائلين عين ما اتفق له وقوعها فيه من ساعة في أثناء وقت من
الأوقات المذكورة فبهذا التقرير يقل الانتشار جدا ولا شك أن أرجح الأقوال المذكورة
حديث أبي موسى وحديث عبد الله بن سلام كما تقدم قال المحب الطبري أصح الأحاديث فيها
حديث أبي موسى وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام أه وما عداهما إما موافق لهما
أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف ولا يعارضهما
حديث أبي سعيد في كونه صلى الله عليه وسلم أنسيها بعد أن علمها لاحتمال أن يكونا سمعا ذلك
منه قبل أن أنسى أشار إلى ذلك البيهقي وغيره وقد اختلف السلف في أيهما أرجح فروى البيهقي
من طريق أبي الفضل أحمد بن سلمة النيسابوري أن مسلما قال حديث أبي موسى أجود شئ في
هذا الباب وأصحه وبذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة وقال القرطبي هو نص في موضع
الخلاف فلا يلتفت إلى غيره وقال النووي هو الصحيح بل الصواب وجزم في الروضة بأنه الصواب
ورجحه أيضا بكونه مرفوعا صريحا وفي أحد الصحيحين وذهب آخرون إلى ترجيح قول عبد الله
ابن سلام فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال أكثر الأحاديث على ذلك وقال ابن عبد البر أنه أثبت
350

شئ في هذا الباب وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن أناسا من
الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة
ورجحه كثير من الأئمة أيضا كأحمد وإسحق ومن المالكية الطرطوشي وحكى العلائي أن شيخه
ابن الزملكاني شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن نص الشافعي وأجابوا عن كونه
ليس في أحد الصحيحين بأن الترجيح بما في الصحيحين أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده
الحفاظ كحديث أبي موسى هذا فإنه أعلى بالانقطاع والاضطراب أما الانقطاع فلأن مخرمة
ابن بكير لم يسمع من أبيه قاله أحمد عن حماد بن خالد عن مخرمة نفسه وكذا قال سعيد بن أبي مريم
عن موسى بن سلمة عن مخرمة وزاد إنما هي كتب كانت عندنا وقال علي بن المديني لم أسمع أحدا
من أهل المدينة يقول عن مخرمة إنه قال في شئ من حديثه سمعت أبي ولا يقال مسلم يكتفى في
المعنعن بامكان اللقاء مع المعاصرة وهو كذلك هنا لأنا نقول وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم
يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع وأما الاضطراب فقد رواه أبو إسحق وواصل الأحدب
ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله وهؤلاء من أهل الكوفة وأبو بردة كوفي فهم أعلم
بحديثه من بكير المدني وهم عدد وهو واحد وأيضا فلو كان عند أبي بردة مرفوعا لم يفت فيه
برأيه بخلاف المرفوع ولهذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب وسلك صاحب الهدى
مسلكا آخر فاختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين وأن أحدهما
لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما في وقت وعلى الآخر في
وقت آخر وهذا كقول بن عبد البر الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين وسبق إلى
نحو ذلك الإمام أحمد وهو أولى في طريق الجمع وقال ابن المنير في الحاشية إذا علم أن فائدة الإبهام
لهذه الساعة ولليلة القدر بعث الداعي على الإكثار من الصلاة والدعاء ولو بين لاتكل الناس
على ذلك وتركوا ما عداها فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها وفي الحديث من الفوائد
غير ما تقدم فضل يوم الجمعة لاختصاصه بساعة الإجابة وفي مسلم أنه خير يوم طلعت عليه الشمس
وفيه فضل الدعاء واستحباب الإكثار منه واستدل به على بقاء الإجمال بعد النبي صلى الله عليه
وسلم وتعقب بان الاختلاف في بقاء الإجمال في الأحكام الشرعية لا في الأمور الوجودية كوقت
الساعة فهذا الاختلاف في إجماله والحكم الشرعي المتعلق بساعة الجمعة وليلة القدر وهو
تحصيل الأفضلية يمكن الوصول إليه والعمل بمقتضاه باستيعاب اليوم أو الليلة فلم يبق في الحكم
الشرعي إجمال والله أعلم فإن قيل ظاهر الحديث حصول الإجابة لكل داع بالشرط المتقدم مع أن
الزمان يختلف باختلاف البلاد والمصلى فيتقدم بعض على بعض وساعة الإجابة متعلقة بالوقت
فكيف تتفق مع الاختلاف أجيب باحتمال أن تكون ساعة الإجابة متعلقة بفعل كل مصل
كما قيل نظيره في ساعة الكراهة ولعل هذا فائدة جعل الوقت الممتد مظنة لها وإن كانت هي
خفيفة ويحتمل أن يكون عبر عن الوقت بالفعل فيكون التقدير وقت جواز الخطبة أو الصلاة
ونحو ذلك والله أعلم (قوله باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة الخ)
ظاهر الترجمة أن استمرار الجماعة الذين تنعقد بهم الجمعة إلى تمامها ليس بشرط في صحتها بل
يشترط أن تبقى منهم بقية ما ولم يتعرض البخاري لعدد من تقوم بهم الجمعة لأنه لم يثبت منه شئ على
351

شرطه وجملة ما للعلماء فيه خمسة عشر قولا * أحدها تصح من الواحد نقله ابن حزم * الثاني اثنان
كالجماعة وهو قول النخعي وأهل الظاهر والحسن بن حي * الثالث اثنان مع الإمام عند أبي يوسف
ومحمد * الرابع ثلاثة معه عند أبي حنيفة * الخامس سبعة عند عكرمة * السادس تسعة عند
ربيعة * السابع اثنا عشر عنه في رواية * الثامن مثله غير الإمام عند إسحق * التاسع عشرون
في رواية ابن حبيب عن مالك * العاشر ثلاثون كذلك * الحادي عشر أربعون بالامام عند
الشافعي * الثاني عشر غير الإمام عنه وبه قال عمر بن عبد العزيز وطائفة * الثالث عشر
خمسون عن أحمد في رواية وحكى عن عمر بن عبد العزيز * الرابع عشر ثمانون حكاه المازري
* الخامس عشر جمع كثير بغير قيد ولعل هذا الأخير أرجحها من حيث الدليل ويمكن أن يزداد
العدد باعتبار زيادة شرط كالذكورة والحرية والبلوغ والإقامة والاستيطان فيكمل بذلك
عشرين قولا (قوله جائزة) في رواية الأصيلي تامة (قوله عن حصين) هو ابن عبد الرحمن
الواسطي ومدار هذا الحديث في الصحيحين عليه وقد رواه تارة عن سالم بن أبي الجعد وحده كما هنا
وهي رواية أكثر أصحابه وتارة عن أبي سفيان طلحة بن نافع وحده وهي رواية قيس بن الربيع
وإسرائيل عند بن مردويه وتارة جمع بينهما عن جابر وهي رواية خالد بن عبد الله عند المصنف
في التفسير وعند مسلم وكذا رواية هشيم عنده أيضا (قوله بينما نحن نصلي) في رواية خالد
المذكورة عند أبي نعيم في المستخرج بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وهذا
ظاهر في أن انفضاضهم وقع بعد دخولهم في الصلاة لكن وقع عند مسلم من رواية عبد الله بن
إدريس عن حصين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وله في رواية هشيم بينا النبي صلى الله
عليه وسلم قائم زاد أبو عوانة في صحيحه والترمذي والدارقطني من طريقه يخطب ومثله لأبي عوانة
من طريق عباد بن العوام ولعبد بن حميد من طريق سليمان بن كثير كلاهما عن حصين وكذا
وقع في رواية قيس بن الربيع وإسرائيل ومثله في حديث ابن عباس عند البزار وفي حديث أبي
هريرة عند الطبراني في الأوسط وفي مرسل قتادة عند الطبراني وغيره فعلى هذا فقوله يصلي أي
ينتظر الصلاة وقوله في الصلاة أي في الخطبة مثلا وهو من تسمية الشئ بما قاربه فبهذا يجمع بين
الروايتين ويؤيده استدلال بن مسعود على القيام في الخطبة بالآية المذكورة كما أخرجه
ابن ماجة بإسناد صحيح وكذا استدل به كعب بن عجرة في صحيح مسلم وحمل ابن الجوزي قوله يخطب
قائما على أنه خبر آخر غير خبر كونهم كانوا معه في الصلاة فقال التقدير صلينا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكان يخطب قائما الحديث ولا يخفى تكلفه (قوله إذ أقبلت عير) بكسر المهملة
هي الإبل التي تحمل التجارة طعاما كانت أو غيره وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها ونقل
ابن عبد الحق في جمعه أن البخاري لم يخرج قوله إذ أقبلت عير تحمل طعاما وهو ذهول منه نعم
سقط ذلك في التفسير وثبت هنا وفي أوائل البيوع وزاد فيه أنها أقبلت من الشام ومثله لمسلم
من طريق جرير عن حصين ووقع عند الطبري من طريق السدي عن أبي مالك ومرة فرقهما أن
الذي قدم بها من الشام دحية بن خليفة الكلبي ونحوه في حديث بن عباس عند البزار ولابن
مردويه من طريق الضحاك عن بن عباس جاءت عير لعبد الرحمن بن عوف وجمع بين هاتين
الروايتين التجارة كانت لعبد الرحمن بن عوف وكان دحية السفير فيها أو كان مقارضا و وقع
352

في رواية بن وهب عن الليث أنها كانت لوبرة الكلبي ويجمع بأنه كان رفيق دحية (قوله
فالتفتوا إليها) في رواية ابن فضيل في البيوع فانفض الناس وهو موافق للفظ القرآن ودال على
أن المراد بالالتفات الانصراف وفيه رد على من حمل الالتفات على ظاهره فقال لا يفهم من هذا
الانصراف عن الصلاة وقطعها وإنما يفهم منه التفاتهم بوجوههم أو بقلوبهم وأما هيئة الصلاة
المجزئة فباقية ثم هو مبنى على أن الانفضاض وقع في الصلاة وقد ترجح فيما مضى أنه إنما كان في
الخطبة فلو كان كما قيل لما وقع هذا الإنكار الشديد فإن الالتفات فيها لا ينافي الاستماع وقد غفل
قائله عن بقية ألفاظ الخبر وفي قوله فالتفتوا الحديث التفات لأن السياق يقتضى أن يقول
فالتفتنا وكأن الحكمة في عدول جابر عن ذلك أنه هو لم يكن ممن التفت كما سيأتي (قوله الا اثني
عشر) قال الكرماني ليس هذا الاستثناء مفرغا فيجب رفعه بل هو من ضمير بقي الذي يعود إلى
المصلي فيجوز فيه الرفع والنصب قال وقد ثبت الرفع في بعض الروايات أه ووقع في تفسير الطبري
وابن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى أبي قتادة قال قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم أنتم فعدوا
أنفسهم فإذا هم اثنا عشر رجلا وامرأة وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي وامرأتان
ولابن مردويه من حديث بن عباس وسبع نسوة لكن إسناده ضعيف واتفقت هذه الروايات
كلها على اثنى عشر رجلا إلا ما رواه علي بن عاصم عن حصين بالإسناد المذكور فقال إلا أربعين
رجلا أخرجه الدارقطني وقال تفرد به علي بن عاصم وهو ضعيف الحفظ وخالفه أصحاب
حصين كلهم وأما تسميتهم فوقع في رواية خالد الطحان عند مسلم أن جابرا قال أنا فيهم وله
في رواية هشيم فيهم أبو بكر وعمر وفي الترمذي أن هذه الزيادة في رواية حصين عن أبي سفيان
دون سالم وله شاهد عند عبد بن حميد عن الحسن مرسلا ورجال إسناده ثقات وفي تفسير إسماعيل
ابن أبي زياد الشامي أن سالما مولى أبي حذيفة منهم وروى العقيلي عن ابن عباس أن منهم
الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناسا من الأنصار وحكى السهيلي أن أسد بن عمرو روى بسند
منقطع أن الاثني عشر هم العشرة المبشرة وبلال وابن مسعود قال وفي رواية عمار بدل ابن
مسعود أه ورواية العقيلي أقوى وأشبه بالصواب ثم وجدت رواية أسد بن عمرو عند العقيلي
بسند متصل لا كما قال السهيلي انه منقطع أخرجه من رواية أسد عن حصين عن سالم (قوله
فنزلت هذه الآية) ظاهر في أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة والمراد باللهو على هذا ما ينشأ
من رؤية القادمين وما معهم ووقع عند الشافعي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا كان
النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة وكانت لهم سوق كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل
والإبل والسمن فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوه وكان لهم لهو يضربونه فنزلت ووصله أبو
عوانة في صحيحه والطبري بذكر جابر فيه إنهم كانوا إذا نكحوا تضرب الجواري بالمزامير فيشتد
الناس إليهم ويدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فنزلت هذه الآية وفي مرسل
مجاهد عن عبد بن حميد كان رجال يقومون إلى أسرائهم وإلى السفر يقدمون يبتغون
التجارة واللهو فنزلت ولا بعد في أن تنزل في الأمرين معا وأكثر وسيأتي الكلام على ذلك
مستوفى مع تفسير الآية المذكورة في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى والنكتة في قوله انفضوا
إليها دون قوله إليهما أو إليه أن اللهو لم يكن مقصودا لذاته وإنما كان تبعا للتجارة أو حذف
353

لدلالة أحدهما على الآخر وقال الزجاج أعيد الضمير إلى المعنى أي انفضوا إلى الرؤية أي
ليروا ما سمعوه * (فائدة) * ذكر القدرة في الجمع أن أبا مسعود الدمشقي ذكر في آخر هذا
الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لو يضعانه حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارا
قال وهذا لم أجده في الكتابين ولا في مستخرجي الإسماعيلي والبرقاني قال وهي فائدة
من أبي مسعود ولعلنا نجدها بالأسناد فيما بعد انتهى ولم أر هذه الزيادة في الأطراف لأبي
مسعود ولا هي في شئ من طرق حديث جابر المذكورة وإنما وقعت في مرسلي الحسن وقتادة
المتقدم ذكرهما وكذا في حديث ابن عباس عند بن مردويه وفي حديث أنس عند إسماعيل بن أبي
زياد وسنده ساقط وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن الخطبة تكون عن قيام كما تقدم
وأنها مشترطة في الجمعة حكاه القرطبي واستبعده وأن البيع وقت الجمعة ينعقد ترجم عليه سعيد
ابن منصور وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بفسخ ما تبايعوا فيه من العير
المذكورة ولا يخفى ما فيه وفيه كراهية ترك سماع الخطبة بعد الشروع فيها واستدل به على جواز
انعقاد الجمعة باثني عشر نفسا وهو قول ربيعة ويجئ أيضا على قول مالك ووجه الدلالة منه
أن العدد المعتبر في الابتداء يعتبر في الدوام فلما لم تبطل الجمعة بانفضاض الزائد على الاثني عشر دل
على أنه كاف وتعقب بأنه يحتمل أنه تمادى حتى عادوا أو عاد من تجزئ بهم إذ لم يرد في الخبر أنه أتم
الصلاة ويحتمل أيضا أن يكون أتمها ظهرا وأيضا فقد فرق كثير من العلماء بين الابتداء والدوام
في هذا فقيل إذا انعقدت لم يضر ما طرأ بعد ذلك ولو بقي الإمام وحده وقيل يشترط بقاء واحد معه
وقيل اثنين وقيل يفرق بين ما إذا انفضوا بعد تمام الركعة الأولى فلا يضر بخلاف ما قبل ذلك
وإلى ظاهر هذا الحديث صار إسحاق بن راهويه فقال إذا تفرقوا بعد الانعقاد فيشترط بقاء اثني عشر
رجلا وتعقب بأنها واقعة عين لا عموم فيها وقد تقدم أن ظاهر ترجمة البخاري تقتضي أن لا يتقيد
الجمع الذي يبقى مع الإمام بعدد معين وتقدم ترجيح كون الانفضاض وقع في الخطبة لا في الصلاة
وهو اللائق بالصحابة تحسينا للظن بهم وعلى تقدير أن يكون في الصلاة حمل على أن ذلك وقع قبل
النهى كآية لا تبطلوا أعمالكم وقبل النهى عن الفعل الكثير في الصلاة وقول المصنف في
الترجمة فصلاة الإمام ومن بقي جائزة يؤخذ منه أنه يرى أن الجميع لو انفضوا في الركعة الأولى ولم
يبق إلا الإمام وحده أنه لا تصح له الجمعة وهو كذلك عند الجمهور كما تقدم قريبا وقيل تصح إن بقي
واحد وقيل إن بقي اثنان وقيل ثلاثة وقيل إن كان صلى بهم الركعة الأولى صحت لمن بقي وقيل يتمها
ظهرا مطلقا وهذا الخلاف كله أقوال مخرجة في مذهب الشافعي إلا الأخير فهو قوله في الجديد
وان ثبت قول مقاتل بن حيان الذي أخرجه أبو داود في المراسيل أن الصلاة كانت حينئذ قبل
الخطبة زال الاشكال لكنه مع شذوذه معضل وقد استشكل الأصيلي حديث الباب فقال إن
الله تعالى قد وصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ثم
أجاب باحتمال أن يكون هذا الحديث كان قبل نزول الآية انتهى وهذا الذي يتعين المصير إليه
مع أنه ليس في آية النور التصريح بنزولها في الصحابة وعلى تقدير ذلك فلم يكن تقدم لهم نهى
عن ذلك فلما نزلت آية الجمعة وفهموا منها ذم ذلك اجتنبوه فوصفوا بعد ذلك بما في آية النور
والله أعلم (قوله باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها) أورد فيه حديث ابن عمر في
354

التطوع بالرواتب وفيه وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى ركعتين ولم يذكر شيئا في
الصلاة قبلها قال ابن المنير في الحاشية كأنه يقول الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل
على خلافه لأن الجمعة بدل الظهر قال وكانت عنايته بحكم الصلاة بعدها أكثر ولذلك قدمه في
الترجمة على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد انتهى ووجه العناية المذكورة ورود الخبر
في البعد صريحا دون القبل وقال ابن بطال إنما أعاد بن عمر ذكر الجمعة بعد الظهر من أجل أنه
صلى الله عليه وسلم كان يصلي سنة الجمعة في بيته بخلاف الظهر قال والحكمة فيه أن الجمعة لما
كانت بدل الظهر واقتصر فيها على ركعتين ترك التنفل بعدها في المسجد خشية أن يظن أنها التي
حذفت انتهى وعلى هذا فينبغي أن لا يتنفل قبلها ركعتين متصلتين بها في المسجد لهذا المعنى
وقال ابن التين لم يقع ذكر الصلاة قبل الجمعة في هذا الحديث فلعل البخاري أراد إثباتها قياسا
على الظهر انتهى وقواه الزين بن المنير بأنه قصد التسوية بين الجمعة والظهر في حكم التنفل كما
قصد التسوية بين الإمام والمأموم في الحكم وذلك يقتضى أن النافلة لهما سواء انتهى والذي
يظهر أن البخاري أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب وهو ما رواه أبو داود وابن حبان
من طريق أيوب عن نافع قال كان بن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته
ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك احتج به النووي في الخلاصة على إثبات
سنة الجمعة التي قبلها وتعقب بان قوله وكان يفعل ذلك عائد على قوله ويصلي بعد الجمعة
ركعتين في بيته ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف
فسجد سجدتين في بيته ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك أخرجه مسلم وأما
قوله كان يطيل الصلاة قبل الجمعة فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعا
لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة وإن كان
المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها بل
هو تنفل مطلق وقد ورد الترغيب فيه كما تقدم في حديث سلمان وغيره حيث قال فيه ثم صلى
ما كتب له وورد في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة منها عن أبي هريرة رواه البزار
بلفظ كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعا وفي إسناده ضعف وعن علي مثله رواه الأثرم
والطبراني في الأوسط بلفظ كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا وفيه محمد بن عبد الرحمن
السهمي وهو ضعيف عند البخاري وغيره وقال الأثرم إنه حديث واه ومنها عن ابن عباس مثله
وزاد لا يفصل في شئ منهن أخرجه ابن ماجة بسند واه قال النووي في الخلاصة إنه حديث
باطل وعن ابن مسعود عند الطبراني أيضا مثله وفي إسناده ضعف وانقطاع ورواه عبد الرزاق
عن ابن مسعود موقوفا وهو الصواب وروى بن سعد عن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم
موقوفا نحو حديث أبي هريرة وقد تقدم في أثناء الكلام على حديث جابر في قصة سليك قبل سبعة
أبواب قول من قال أن المراد بالركعتين اللتين أمره بهما النبي صلى الله عليه وسلم سنة الجمعة
والجواب عنه وقد تقدم نقل المذاهب في كراهة التطوع نصف النهار ومن استثنى يوم الجمعة
دون بقية الأيام في باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر في أواخر المواقيت وأقوى
ما يتمسك به في مشروعية ركعتين قبل الجمعة عموم ما صححه بن حبان من حديث عبد الله بن
355

الزبير مرفوعا ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان ومثله حديث عبد الله بن مغفل
الماضي في وقت المغرب بين كل أذانين صلاة وسيأتي الكلام على بقية حديث ابن عمر في أبواب
التطوع إن شاء الله تعالى (قوله باب قول الله عز وجل فإذا قضيت الصلاة
الآية) أورد فيه حديث سهل بن سعد في قصة المرأة التي كانت وكالصائم بعد الجمعة فقيل أراد بذلك
بيان أن الأمر في قوله فانتشروا وابتغوا للإباحة لا للوجوب لأن انصرافهم إنما كان للغداء ثم
للقائلة عوضا مما فاتهم من ذلك في وقته المعتاد لاشتغالهم بالتأهب للجمعة ثم بحضورها ووهم
من زعم أن الصارف للأمر عن الوجوب هنا كونه ورد بعد الحظر لأن ذلك لا يستلزم عدم
الوجوب بل الإجماع هو الدال على أن الأمر المذكور للإباحة وقد جنح الداودي إلى أنه على
الوجوب في حق من يقدر على الكسب وهو قول شاذ نقل عن بعض الطاهرية وقيل هو في حق
من لا شئ عنده ذلك اليوم فأمر بالطلب بأي صورة اتفقت ليفرح عياله ذلك اليوم لأنه يوم عيد
والذي يترجح أن في قوله انتشروا وابتغوا إشارة إلى استدراك ما فاتكم من الذي انفضضتم إليه
فتنحل إلى أنها قضية شرطية أي من وقع له في حال خطبة الجمعة وصلاتها زمان يحصل فيه ما يحتاج
إليه من أمر دنياه ومعاشه فلا يقطع العبادة لأجله بل يفرغ منها ويذهب حينئذ لتحصيل
حاجته وبالله التوفيق (قوله حدثنا أبو غسان) هو محمد بن مطرف المدني وأبو حازم هو سلمة
ابن دينار ووهم من زعم أنه سلمان مولى عزة صاحب أبي هريرة (قوله كانت فينا امرأة) لم
أقف على اسمها (قوله تجعل) في رواية الكشميهني تحقل بمهملة بعدها قاف أي تزرع
والأربعاء جمع ربيع صريرا ونصيب والربيع الجدول وقيل الصغير وقيل الساقية وقيل
الصغيرة وقيل حافات الأحواض والمزرعة بفتح الراء وحكى ابن مالك جواز تثليثها والسلق بكسر
المهملة معروف وحكم الكرماني أنه وقع هنا سلق بالرفع وتكلف في توجيهه (قوله تطحنها) في
رواية المستملى تطبخها بتقديم الموحدة بعدها غدا وكلاهما صحيح (قوله فتكون أصول
السلق عرقه) بفتح المهملة وسكون الراء بعدها قاف ثم هاء ضمير أي عرق الطعام والعرق اللحم
الذي على العظم والمراد أن السلق يقوم مقامه عندهم وسيأتي في الأطعمة من وجه آخر
في آخر الحديث والله ما فيه شحم ولا ودك وفي رواية الكشميهني غرقة بفتح المعجمة وكسر
الراء وبعد القاف هاء التأنيث والمراد أن السلق يغرق في المرقة لشدة نضجه وفي هذا الحديث
جواز السلام على النسوة الأجانب واستحباب التقرب بالخير ولو بالشئ الحقير وبيان ما كان
الصحابة عليه من القناعة وشدة العيش والمبادرة إلى الطاعة رضي الله عنهم (قوله بهذا)
أي بالحديث الذي قبله وظاهره أن أبا غسان وعبد العزيز بن أبي حازم اشتركا في رواية هذا
الحديث عن أبي حازم وزاد عبد العزيز الزيادة المذكورة وهي قوله ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد
الجمعة وقد رواها أبو غسان مفردة كما في الباب الذي بعده لكن ليس فيه ذكر الغداء وبين رواية
أبي غسان وعبد العزيز تفاوت يأتي بيانه في باب تسليم الرجال على النساء من كتاب الاستئذان إن
شاء الله تعالى واستدل بهذا الحديث لأحمد على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال وترجم عليه ابن
أبي شيبة باب من كان يقول الجمعة أول النهار وأورد فيه حديث سهل هذا وحديث أنس الذي
بعده وعن ابن عمر مثله وعن عمر وعثمان وسعد وابن مسعود مثله من قولهم وتعقب بأنه لا دلالة
356

فيه على أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال بل فيه أنهم كانوا يتشاغلون عن الغداء والقائلة
بالتهئ للجمعة ثم بالصلاة ثم ينصرفون فيتداركون ذلك بل ادعى الزين بن المنير أنه يؤخذ منه أن
الجمعة تكون بعد الزوال لأن العادة في القائلة أن تكون قبل الزوال فأخبر الصحابي أنهم كانوا
يشتغلوا بالتهيؤ للجمعة عن القائلة ويؤخرون القائلة حتى تكون بعد صلاة الجمعة
(قوله باب القائلة بعد الجمعة) أورد فيه حديث أنس وقد تقدم في باب وقت الجمعة
وحديث سهل وقد تقدم في الباب الذي قبله والله الموفق * (خاتمة) * اشتمل كتاب الجمعة من
الأحاديث المرفوعة على تسعة وسبعين حديثا الموصول منها أربعة وستون حديثا والمعلق والمتابعة
خمسة عشر حديثا المكرر منها فيها وفيما مضى ستة وثلاثون حديثا والخالص ثلاثة وأربعون
حديثا كلها موصولة وافقه مسلم على تخريجها إلا حديث سلمان في الاغتسال والدهن والطيب
وحديث عمر وامرأة عمر في النهى عن منع النساء المساجد وحديث أنس في صلاة الجمعة حين تميل
الشمس وحديثه في القائلة بعد هو حديثه كان إذا اشتد البرد بكر بالصلاة وحديث أبي عبس من
اغبرت قدماه وحديث السائب بن يزيد في النداء يوم الجمعة وحديث أنس في الجذع وحديث
عمر بن تغلب إني أكل أقواما وحديث بن عباس في الوصية بالإنصات وحديث سهل بن سعد
الأخير في قصة المرأة والقائلة بعد الجمعة وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين أربعة عشر أثرا
(قوله أبواب صلاة الخوف) ثبت لفظ أبواب للمستملي وأبي الوقت وفي رواية الأصيلي وكريمة
باب بالافراد وسقط للباقين (قوله وقول الله عز وجل وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم
جناح أن تقصروا من الصلاة) ثبت سياق الآيتين بلفظهما إلى قوله مهينا في رواية كريمة
واقتصر في رواية الأصيلي على ما هنا وقال إلى قوله عذابا مهينا وأما أبو ذر فساق الأولى بتمامها
ومن الثانية إلى قوله معك ثم قال إلى قوله عذابا مهينا قال الزين بن المنير ذكر صلاة الخوف أثر
صلاة الجمعة لأنهما من جملة الخمس لكن خرج كل منهما عن قياس حكم باقي الصلوات ولما كان
خروج الجمعة أخف قدمه تلو الصلوات الخمس وعقبه بصلاة الخوف لكثرة المخالفة ولا سيما عند
شدة الخوف وساق الآيتين في هذه الترجمة مشيرا إلى أن خروج صلاة الخوف عن هيئة بقية
الصلوات ثبت بالكتاب قولا وبالسنة فعلا انتهى ملخصا ولما كانت الآيتان قد اشتملتا على
مشروعية القصر في صلاة الخوف وعلى كيفيتها ساقهما معا وآثر تخريج حديث ابن عمر لقوة
شبه الكيفية التي ذكرها فيه بالآية ومعنى قوله تعالى وإذا ضربتم أي سافرتم ومفهمومه أن
القصر مختص بالسفر وهو كذلك وأما قوله باب إن خفتم فمفهومه اختصاص القصر بالخوف أيضا
وقد سأل يعلى بن أمية الصحابي عمر بن الخطاب عن ذلك فذكر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته أخرجه مسلم فثبت القصر في
الأمن ببيان السنة واختلف في صلاة الخوف في الحضر فمنعه ابن الماجشون أخذا بالمفهوم أيضا
وأجازه الباقون وأما قوله وإذا كنت فيهم فقد أخذ بمفهومه أبو يوسف في إحدى الروايتين عنه
والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحابه وإبراهيم بن علية وحكى عن المزني صاحب الشافعي واحتج
عليهم بإجماع الصحابة على فعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبقوله صلى الله عليه وسلم صلوا
كما رأيتموني أصلى فعموم منطوقه مقدم على ذلك المفهوم وقال ابن العربي وغيره شرط كونه
357

صلى الله عليه وسلم فيهم إنما ورد لبيان الحكم لا لوجوده والتقدير بين لهم بفعلك لكونه أوضح
من القول ثم إن الأصل أن كل عذر طرأ على العبادة فهو على التساوي كالقصر والكيفية
وردت لبيان الحذر من العدو وذلك لا يقتضى التخصيص بقوم دون قوم وقال الزين بن المنير
الشرط إذا خرج مخرج التعليم لا يكون له مفهوم كالخوف في قوله تعالى أن تقصروا من الصلاة
إن خفتم وقال الطحاوي كان أبو يوسف قد قال مرة لا تصلي صلاة الخوف بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم وزعم أن الناس إنما صلوها معه لفضل الصلاة معه صلى الله عليه وسلم قال وهذا القول
عندنا ليس بشئ وقد كان محمد بن شجاع يعيبه ويقول إن الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم
وأن كانت أفضل من الصلاة مع الناس جميعا إلا أنه يقطعها ما يقطع الصلاة خلف غيره انتهى
وسيأتي سبب النزول وبيان أول صلاة صليت في الخوف في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى (قوله
عن الزهري سألته) القائل هو شعيب والمسؤول هو الزهري وهو القائل أخبرني سالم أي ابن عبد
الله بن عمر ووقع بخط بعض من نسخ الحديث عن الزهري قال سألته فأثبت قال ظنا أنها حذفت
خطأ على العادة وهو محتمل ويكون حذف فاعل قال لا أن الزهري هو الذي قال والمتجه حذفها
وتكون الجملة حالية أي أخبرني الزهري حال سؤالي إياه وقد رواه النسائي من طريق بقية عن
شعيب حدثني الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه وأخرجه السراج عن محمد بن يحيى عن أبي
اليمان شيخ البخاري فيه فزاد فيه ولفظه سألته هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة
الخوف أم لا وكيف صلاها إن كان صلاها وفي أي مغازيه كان ذلك فأفاد بيان المسؤول عنه
وهو صلاة الخوف (قوله غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة
أي جهة نجد ونجد كل ما ارتفع من بلاد العرب وسيأتي بيان هذه الغزو في الكلام على غزوة
ذات الرقاع من المغازي (قوله فوازينا) بالزاي أي قابلنا قال صاحب الصحاح يقال آزيت يعني
بهمزة ممدودة لا بالواو والذي يظهر أن أصله الهمزة فقلبت واوا (قوله فصاففناهم) في رواية
المستملى والسرخسي فصاففنا لهم وقوله فصلى لنا أي لأجلنا أو بنا (قوله ثم انصرفوا مكان)
الطائفة التي لم تصل) أي فقاموا في مكانهم وصرح به في رواية بقية المذكورة ولمالك في الموطأ
عن نافع عن ابن عمر ثم استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون وسيأتي عند المصنف في التفسير
(قوله ركعة وسجد سجدتين) زاد عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري مثل نصف صلاة الصبح
وفي قوله مثل نصف صلاة الصبح إشارة إلى أن الصلاة المذكورة كانت غير الصبح فعلى هذا فهي
رباعية وسيأتي في المغازي ما يدل على أنها كانت العصر وفيه دليل على أن الركعة المقضية
لابد فيها من القراءة لكل من الطائفتين خلافا لمن أجاز للثانية ترك القراءة (قوله فقام كل واحد
منهم فركع لنفسه) لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا وظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة
ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة
المطلوبة وإفراد الإمام وحده ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود ولفظه ثم سلم
فقام هؤلاء أي الطائفة الثانية فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى
مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا أه وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم
أتمت الطائفة الأولى بعدها ووقع في الرافعي تبعا لغيره من كتب الفقه أن في حديث ابن عمر هذا
358

أن الطائفة الثانية تأخرت وجاءت الطائفة الأولى فأتموا ركعة ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية
فأتموا ولم نقف على ذلك في شئ من الطرق وبهذه الكيفية أخذ الحنفية واختار الكيفية التي في
حديث ابن مسعود أشهب والأوزاعي وهي الموافقة لحديث سهل بن أبي حثمة من رواية مالك
عن يحيى بن سعيد واستدل بقوله طائفة على أنه لا يشترط استواء الفريقين في العدد لكن لا بد
أن تكون التي تحرس يحصل الثقة بها في ذلك والطائفة تطلق على الكثير والقليل حتى على
الواحد فلو كانوا ثلاثة ووقع له الخوف جاز لأحدهم أن يصلي بواحد ويحرس واحد ثم يصلي
الآخر وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف جماعة على القول بأقل الجماعة مطلقا لكن قال
الشافعي أكره أن تكون كل طائفة أقل من ثلاثة لأنه أعاد عليهم ضمير الجمع بقوله أسلحتهم ذكره
النووي في شرح مسلم وغيره واستدل به على عظم أمر الجماعة بل على ترجيح القول بوجوبها
لارتكاب أمور كثيرة لا تغتفر في غيرها ولو صلى كل امرئ منفردا لم يقع الاحتياج إلى معظم ذلك
وقد ورد في كيفية صلاة الخوف صفات كثيرة ورجح ابن عبد البر هذا الكيفية الواردة في حديث
ابن عمر على غيرها لقوة الإسناد لموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه
وعن أحمد قال ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز ومال إلى ترجيح
حديث سهل بن أبي حثمة الآتي في المغازي وكذا رجحه الشافعي ولم يختر إسحق شيئا على شئ وبه
قال الطبري وغير واحد منهم بن المنذر وسرد ثمانية أوجه وكذا بن حبان في صحيحه وزاد تاسعا
وقال ابن حزم صح فيها أربعة عشر وجها وبينها في جزء مفرد وقال بن العربي في القبس جاء
فيها روايات كثيرة أصحها ستة عشر رواية مختلفة ولم يبينها وقال النووي نحوه في شرح مسلم
ولم يبينها أيضا وقد بينها شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي وزاد وجها آخر فصارت
سبعة عشر وجها لكن يمكن أن تتداخل قال صاحب الهدى أصولها ست صفات وبلغها
بعضهم أكثر وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل النبي صلى الله
عليه وسلم وإنما هو من اختلاف الرواة أه وهذا هو المعتمد واليه أشار شيخنا بقوله يمكن
تداخلها وحكى ابن القصار المالكي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها عشر مرات وقال
ابن العربي صلاها أربعا وعشرين مرة وقال الخطابي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في
أيام مختلفة بأشكال متباينة يتحرى فيها ما هو الأحوط الولاء والأبلغ للحراسة فهي على
اختلاف صورها متفقة المعنى أه وفي كتب الفقه تفاصيل لها كثيرة وفروع لا يتحمل هذا
الشرح بسطها والله المستعان (قوله باب صلاة الخوف رجالا وركبانا)
قيل مقصوده أن الصلاة لا تسقط عند العجز عن النزول عن الدابة ولا تؤخر عن وقتها بل تصلي على
أي وجه حصلت القدرة عليه بدليل الآية (قوله راجل قائم) يريد أن قوله رجالا جمع راجل
والمراد به هنا القائم ويطلق على الماشي أيضا وهو المراد في سورة الحج بقوله تعالى يأتوك رجالا أي
مشاة وفي تفسير الطبري بسند صحيح عن مجاهد فإن خفتم فرجالا أو ركبانا إذا وقع الخوف
فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا (قوله عن نافع عن بن عمر نحوا من قول مجاهد
إذا اختلطوا قياما وزاد بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانوا أكثر من ذلك فليصلوا
قياما وركبانا) هكذا أورده البخاري مختصرا أو أحال على قول مجاهد ولم يذكره هنا ولا في موضع
359

آخر من كتابه فأشكل الأمر فيه فقال الكرماني معناه أن نافعا روى عن ابن عمر نحوا مما روى
مجاهد عن ابن عمر المروي المشترك بينهما هو ما إذا اختلطوا قياما وزيادة نافع على مجاهد قوله
وأن كانوا أكثر من ذلك الخ قال ومفهوم كلام ابن بطال أن ابن عمر قال مثل قول مجاهد وأن
قولهما مثلان في الصورتين أي في الاختلاط وفي الأكثرية وأن الذي زاد هو ابن عمر لا نافع أه
وما نسبه لابن بطال بين في كلامه إلا المثلية في الأكثرية فهي مختصة بابن عمر وكلام ابن بطال هو
الصواب وأن كان لم يذكر دليله والحاصل أنهما حديثان مرفوع وموقوف فالمرفوع من
رواية ابن عمر وقد يروي كله أو بعضه موقوفا عليه أيضا والموقوف من قول مجاهد لم يروه
عن ابن عمر ولا غيره ولم أعرف من أين وقع للكرماني أن مجاهدا روى هذا الحديث عن ابن عمر فإنه
لا وجود لذلك في شئ من الطرق وقد رواه الطبري عن سعيد بن يحيى شيخ البخاري فيه شوال
المذكور عن ابن عمر قال إذا اختلطوا يعني في القتال فإنما هو الذكر وإشارة الرأس قال ابن عمر
قال النبي صلى الله عليه وسلم فإن كانوا أكثر من ذلك فيصلون قياما وركبانا هكذا اقتصر على
حديث ابن عمر وأخرجه الإسماعيلي عن الهيثم بن خلف عن سعيد المذكور مثل ما ساقه البخاري
سواء وزاد بعد قوله اختلطوا فإنما هو الذكر وإشارة الرأس أه وتبين من هذا أن قوله في البخاري
قياما الأولى تصحيف من قوله فإنما وقد ساقه الإسماعيلي من طريق أخرى بين لفظ مجاهد وبين
فيها الواسطة بين ابن جريج وبينه فأخرجه من رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عبد الله
ابن كثير عن مجاهد قال إذا اختلطوا فإنما هو الإشارة بالرأس قال ابن جريج حدثني موسى
ابن عقبة عن نافع عن ابن عمر بمثل قول مجاهد إذا اختلطوا فإنما هو الذكر وإشارة الرأس
وزاد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن كثروا فليصلوا ركبانا أو قياما على أقدامهم فتبين من هذا
سبب التعبير بقوله نحو قول مجاهد لأن بين لفظه وبين لفظ ابن عمر مغايرة وتبين أيضا أن مجاهدا
إنما قاله برأيه لا من روايته عن ابن عمر والله أعلم وقد أخرج مسلم حديث ابن عمر من طريق سفيان
الثوري عن موسى بن عقبة فذكر صلاة الخوف نحو سياق الزهري عن سالم وقال في آخره قال
ابن عمر فإذا كان خوف أكثر من ذلك فليصل راكبا أو قائما يومئ إيماء ورواه ابن المنذر من طريق
داود بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة موقوفا كله لكن قال في آخره وأخبرنا نافع أن عبد الله بن
عمر كان يخبر بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فاقتضى ذلك رفعه كله وروى مالك في الموطأ عن
نافع كذلك لكن قال في آخره قال نافع لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه
وسلم وزاد في آخره مستقبلي لقبلة أو غير مستقبليها وقد أخرجه المصنف من هذا الوجه في
تفسير سورة البقرة ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا كله بغير شك أخرجه ابن
ماجة ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف أن يكون الإمام يصلي بطائفة
فذكر نحو سياق سالم عن أبيه وقال في آخره فإن كان خوف أشد من ذلك فرجالا وركبانا وإسناده
جيد والحاصل أنه اختلف في قوله فإن كان خوف أشد من ذلك هل هو مرفوع أو موقوف علي
ابن عمر والراجح رفعه والله أعلم (قوله وأن كانوا أكثر من ذلك) أي إن كان العدو والمعنى أن
الخوف إذا أشتد والعدو إذا كثر فخيف من الانقسام لذلك جازت الصلاة حينئذ بحسب الإمكان
وجاز ترك مراعاة ما لا يقدر عليه من الأركان فينتقل عن القيام إلى الركوع وعن الركوع
360

والسجود إلى الإيماء إلى غير ذلك وبهذا قال الجمهور ولكن قال المالكية لا يصنعون
ذلك حتى يخشى فوات الوقت وسيأتي مذهب الأوزاعي في ذلك بعد باب * (تنبيه) * ابن
جريج سمع الكثير من نافع وقد أدخل في هذا الحديث بينه وبين نافع موسى بن عقبة ففي
هذا التقوية لمن قال إنه أثبت الناس في نافع ولابن جريج فيه إسناد آخر أخرجه عبد الرزاق
عنه عن الزهري عن سالم عن أبيه (قوله باب يحرس بعضهم بعضا في الخوف)
قال ابن بطال محل هذه الصورة إذا كان العدو في جهة القبلة فلا يفترقون والحالة هذه
بخلاف الصورة الماضية في حديث بن عمر وقال الطحاوي ليس هذا بخلاف القرآن لجواز
أن يكون قوله تعالى ولتأت طائفة أخرى إذا كان العدو في غير القبلة وذلك ببيانه صلى الله
عليه وسلم ثم بين كيفية الصلاة إذا كان العدو في جهة القبلة والله أعلم (قوله عن الزبيدي)
في رواية الإسماعيلي حدثنا الزبيدي ولم أره من حديثه إلا من رواية محمد بن حرب عنه وقد
وافقه عليه النعمان بن راشد عن الزهري أخرجه البزار وقال لا نعلم رواه عن الزهري إلا النعمان
ولا عنه الا وهيب يعني بن خالد أه ورواية الزبيدي ترد عليه (قوله وركع ناس منهم) زاد
الكشميهني معه (قوله ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا معه) في رواية النسائي والإسماعيلي ثم
قام إلى الركعة الثانية فتأخر الذين سجدوا معه (قوله فركعوا وسجدوا في روايتهما) أيضا فركعوا
مع النبي صلى الله عليه وسلم (قوله في صلاة) زاد الإسماعيلي يكبرون ولم يقع في رواية الزهري
هذه هل أكملوا الركعة الثانية أم لا وقد رواه النسائي من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن شيخه عبيد
الله بن عبد الله بن عتبة فزاد في آخره ولم يقضوا وهذا كالصريح في اقتصارهم على ركعة ركعة
وفي الباب عن حذيفة وعن زيد بن ثابت عند أبي داود والنسائي وابن حبان وعن جابر عند
النسائي ويشهد له ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق مجاهد عن ابن عباس قال فرض
الله الصلاة على اختلفوا نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وبالاقتصار في
الخوف على ركعة واحد يقول إسحق والثوري ومن تبعهما وقال به أبو هريرة وأبو موسى الأشعري
وغير واحد من التابعين ومنهم من قيد ذلك بشدة الخوف وسيأتي عن بعضهم في شدة الخوف
أسهل من ذلك وقال الجمهور قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد وتأولوا رواية مجاهد هذه على
أن المراد به ركعة مع الإمام وليس فيه نفى الثانية وقالوا يحتمل أن يكون قوله في الحديث السابق
لم يقضوا أي لم يعيدوا الصلاة بعد الأمن والله أعلم * (فائدة) * لم يقع في شئ من الأحاديث
المروية في صلاة الخوف تعرض لكيفية صلاة المغرب وقد اجمعوا على أنه لا يدخلها قصر
واختلفوا هل الأولى أن يصلي بالأولى ثنتين والثانية واحدة أو العكس (قوله باب
الصلاة عند مناهضة الحصون) أي عند إمكان فتحها وغلبة الظن على القدرة على ذلك (قوله
ولقاء العدو) وهو من عطف الأعم على الأخص قال الزين بن المنير كأن المصنف خص هذه
الصورة لاجتماع الرجاء والخوف في تلك الحالة فإن الخوف يقتضى مشروعية صلاة الخوف
والرجاء بحصول الظفر يقتضى اغتفار التأخير لأجل استكمال مصلحة الفتح فلهذا خالف الحكم
في هذه الصورة الحكم في غيرها عند من قال به (قوله وقال الأوزاعي الخ) كذا ذكره الوليد
ابن مسلم عنه في كتاب السير (قوله إن كان تهيأ الفتح) أي تمكن وفي رواية القابسي إن كان بها
361

الفتح بموحدة وهاء الضمير وهو تصحيف (قوله فإن لم يقدروا على الإيماء) قيل فيه إشكال لأن
العجز عن الإيماء لا يتعذر مع حصول العقل إلا أن أنكر دهشة فيعزب استحضاره ذلك وتعقب قال ابن
رشيد من باشر الحرب واشتغال القلب والجوارح إذا اشتغلت عرف كيف يتعذر الإيماء وأشار ابن
بطال إلى أن عدم القدرة على ذلك يتصور بالعجز عن الوضوء أو التيمم للاشتغال بالقتال ويحتمل أن
الأوزاعي كان يرى استقبال القبلة شرطا في الإيماء فيتصور العجز عن الإيماء إليها حينئذ (قوله
فلا يجزيهم التكبير) فيه إشارة إلى خلاف من قال يجزئ كالثوري وروى ابن أبي شيبة من
طريق عطاء وسعيد بن جبير وأبي البختري في آخرين قالوا إذا التقى الزحفان وحضرت الصلاة
فقولوا سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر فتلك صلاتهم بلا إعادة وعن مجاهد والحكم
إذا كان عند الطراد والمسابقة يجزئ أن تكون صلاة الرجل تكبيرا فإن لم يكن إلا تكبيرة
واحدة أجزأته أين كان وجهه وقال إسحق بن راهويه يجزئ عند المسابقة ركعة واحدة يومئ
بها إيماء فإن لم يقدر فسجدة فإن لم يقدر فتكبيرة (قوله وبه قال محكول) قال الكرماني
يحتمل أن يكون بقية من كلام الأوزاعي ويحتمل أن يكون من تعليق البخاري انتهى وقد وصله
عبد بن حميد في تفسيره عنه من غير طريق الأوزاعي بلفظ إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على
الأرض صلوا على ظهر الدواب ركعتين فإن لم يقدروا فركعة وسجدتين فإن لم يقدروا أخروا
الصلاة حتى يأمنوا فيصلوا بالأرض * (تنبيه) * ذكر بن رشيد أن سياق البخاري لكلام
الأوزاعي مشوش وذلك أنه جعل الإيماء مشروطا بتعذر القدرة والتأخير مشروطا بتعذر
الإيماء وجعل غاية التأخير انكشاف القتال ثم قال أو يأمنوا فيصلوا ركعتين فجعل الأمن
قسيم الانكشاف يحصل الأمن فكيف يكون قسيمه وأجاب الكرماني عن هذا
بأن الانكشاف قد يحصل ولا يحصل الأمن لخوف المعاودة كما أن الأمن يحصل بزيادة القوة
واتصال المدد بغير انكشاف فعلى هذا فالأمن قسيم الانكشاف أيهما حصل اقتضى صلاة
ركعتين وأما قوله فإن لم يقدروا فمعناه على صلاة ركعتين بالفعل أو بالإيماء فواحدة وهذا يؤخذ
من كلامه الأول قال فإن لم يقدروا عليها أخروا أي حتى يحصل الأمن التام والله أعلم (قوله وقال
أنس) وصله بن سعد وابن أبي شيبة من طريق قتادة عنه وذكره خليفة في تاريخه وعمر بن شبة
في أخبار البصرة من وجهين آخرين عن قتادة ولفظ عمر سئل قتادة عن الصلاة إذا حضر القتال
فقال حدثني أنس بن مالك أنهم فتحوا تستر وهو يومئذ على مقدمة الناس وعبد الله بن
قيس يعني أبا موسى الأشعري أميرهم (قوله تستر) بضم المثناة الفوقانية وسكون المهملة وفتح
المثناة أيضا بلد معروف من بلاد الأهواز وذكر خليفة أن فتحها كان في سنة عشرين في خلافة
عمر وسيأتي الإشارة إلى كيفيته في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى (قوله اشتعال القتال) بالعين
المهملة (قوله فلم يقدوا على الصلاة) يحتمل أن يكون العجز عن النزول ويحتمل أن يكون
للعجز عن الإيماء أيضا فيوافق ما تقدم عن الأوزاعي وجزم الأصيلي بأن سببه أنهم لم يجدوا إلى
الوضوء سبيلا من شدة القتال (قوله إلا بعد ارتفاع النهار) في رواية عمر بن شبة حتى انتصف
النهار (قوله ما يسرني بتلك الصلاة) أي بدل تلك الصلاة وفي رواية الكشميهني من تلك الصلاة
(قوله الدنيا) وما فيها في رواية خليفة الدنيا كلها والذي يتبادر إلى الذهن من هذا أن مراده
362

الاغتباط بما وقع فالمراد بالصلاة على هذا هي المقضية التي وقعت ووجه اغتباطه كونهم لم
يشتغلوا عن العبادة إلا بعبادة أهم منها عندهم ثم تداركوا ما فاتهم منها فقضوه وهو كقول أبي
بكر الصديق لو طلعت لم تجدنا غافلين وقيل مراد أنس الأسف على التفويت الذي وقع لهم والمراد
بالصلاة على هذه الفائتة ومعناه لو كانت في وقتها كانت أحب إلى فالله أعلم وممن جزم بهذا الزين
ابن المنير فقال إيثار أنس الصلاة على الدنيا وما فيها يشعر بمخالفته لأبي موسى في اجتهاده
المذكور وأن أنسا كان يرى أن يصلي للوقت وإن فات الفتح وقوله هذا موافق لحديث ركعتا
الفجر خير من الدنيا وما فيها انتهى وكأنه أراد الموافقة في اللفظ وإلا فقصة أنس في المفروضة
والحديث في النافلة ويخدش فيما ذكره عن أنس من مخالفة اجتهاد أبي موسى أنه لو كان كذلك
لصلى أنس وحده ولو بالإيماء لكنه وافق أبا موسى ومن معه فكيف يعد مخالفا والله أعلم (قوله
حدثنا يحيى حدثنا وكيع) كذا في معظم الروايات ووقع في رواية أبي ذر في نسخة يحيى بن موسى
وفي أخرى يحيى بن جعفر وهذا المعتمد وهي نسخة صحيحة بعلامة المستملي وفي بعض النسخ
يحيى بن موسى بن جعفر وهو غلط ولعله كان فيه يحيى بن موسى وفي الحاشية ابن جعفر على أنها
نسخة فجمع بينهما بعض من نسخ الكتاب واسم جد يحيى بن موسى عبد ربه بن سالم وهو الملقب
خت بفتح المعجمة بعدها مثناة فوقانية ثقيلة واسم جد يحيى بن جعفر أعين وكلاهما من شيوخ
البخاري وكلاهما من أصحاب وكيع (قوله عن جابر) تقدم الكلام على حديثه في أواخر
المواقيت ونقل الاختلاف في سبب تأخير الصلاة يوم الخندق هل كان نسيانا أو عمدا وعلى الثاني
هل كان للشغل بالقتال أو لتعذر الطهارة أو قبل نزول آية الخوف وإلى الأول وهو لشغل جنح
البخاري في هذا الموضع ونزل عليه الآثار التي ترجم لها بالشروط المذكورة ولا يرده ما تقدم من
ترجيح كون آية الخوف نزلت قبل الخندق لأن وجهه أنه أقر على ذلك وآية الخوف التي في البقرة
لا تخالفه لأن التأخير مشروط بعدم القدرة على الصلاة مطلقا وإلى الثاني جنح المالكية والحنابلة
لأن الصلاة لا تبطل عندهم بالشغل الكثير في الحرب إذا احتيج إليه وإلى الثالث جنح الشافعية
كما تقدم في الموضع المذكور وعكس بعضهم فادعى أن تأخيره صلى الله عليه وسلم للصلاة يوم
الخندق دال على نسخ صلاة الخوف قال ابن القصار وهو قول من لا يعرف السنن لأن صلاة
الخوف أنزلت بعد الخندق فكيف ينسخ الأول الآخر فالله المستعان (قوله باب
صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء) كذا للأكثر وفي رواية الحموي من الطريقين إليه وقائما
قال ابن المنذر كل من أحفظ عنه من أهل العلم يقول إن المطلوب يصلي على دابته يومئ ايماء وإن
كان طالبا نزل فصلى على الأرض قال الشافعي إلا أن ينقطع عن أصحابه فيخاف عود المطلوب
عليه فيجزئه ذلك وعرف بهذا أن الطالب فيه التفصيل بخلاف المطلوب ووجه الفرق أن شدة
الخوف في المطلوب ظاهرة لتحقق السبب المقتضى لها وأما الطالب فلا يخاف استيلاء العدو
عليه وإنما يخاف أن يفوته العدو وما نقله بن المنذر متعقب بكلام الأوزاعي فإنه قيده بخوف
الفوت ولم يستثن طالبا من مطلوب وبه قال ابن حبيب من المالكية وذكر أبو إسحق ها
في كتاب السير له عن الأوزاعي قال إذا خاف الطالبون إن نزلوا بالأرض فوت العدو صلوا حيث
وجهوا على كل حال لأن الحديث جاء إن النصر لا يرفع ما دام الطلب (قوله وقال الوليد) كذا
363

ذكره في كتاب السير ورواه الطبري وابن عبد البر من وجه آخر عن الأوزاعي قال قال شرحبيل
ابن السمط لأصحابه لا تصلوا الصبح إلا على ظهر فنزل الأشتر يعني النخعي فصلى على الأرض
فقال شرحبيل مخالف خالف الله به وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق رجاء بن حياة قال كان
ثابت بن السمط في خوف فحضرت الصلاة فصلوا ركبانا فنزل الأشتر يعني النخعي فقال مخالف
خولف به فلعل ثابتا كان مع أخي شرحبيل في ذلك الوجه وشرحبيل المذكور بضم المعجمة وفتح الراء
وسكون الحاء المهملة بعدها موحدة مكسورة ثم ياء تحتانية ساكنة كندي هو الذي افتتح حمص
ثم ولي إمرتها وقد اختلف في صحبته وليس له في البخاري غير هذا الموضع (قوله إذا تخوف
الفوت) زاد المستملى في الوقت (قوله واحتج الوليد) معناه أن الوليد قوي مذهب الأوزاعي
في مسئلة الطالب بهذه القصة قال ابن بطال لو وجد في بعض طرق الحديث أن الذين صلوا في
الطريق صلوا ركبانا لكان بينا في الاستدلال فإن لم يوجد ذلك فذكر ما حاصله أن وجه الاستدلال
يكون بالقياس فكما ساغ لأولئك أن يؤخروا الصلاة عن وقتها المفترض كذلك يسوغ للطالب
ترك إتمام الأركان والانتقال إلى الإيماء قال بن المنير والأبين عندي أن وجه الاستدلال من
جهة أن الاستعجال المأمور به يقتضى ترك الصلاة أصلا كما جرى لبعضهم أو الصلاة على الدواب
كما وقع للآخرين لأن النزول ينافي مقصود الجد في الوصول فالأولون بنوا على أن النزول معصية
لمعارضته للأمر الخاص بالإسراع وكأن تأخيرهم لها لوجود المعارض والآخرون جمعوا بين
دليلي وجوب الإسراع ووجوب الصلاة في وقتها فصلوا ركبانا فلو فرضنا أنهم نزلوا لكان ذلك
مضادا للأمر بالإسراع وهو لا يظن بهم لما فيه من المخالفة انتهى وهذا الذي حاوله ابن المنير قد
أشار إليه ابن بطال بقوله لو وجد في بعض طرق الحديث الخ فلم يستحسن الجزم في النقل
بالاحتمال وأما قوله لا يظن بهم المخالفة فمعترض بمثله بان يقال لا يظن بهم المخالفة بتغيير هيئة
الصلاة بغير توقيف والأولى في هذا ما قاله بن المرابط ووافقه الزين بن المنير أن وجه الاستدلال
منه بطريق الأولوية لأن الذين أخروا الصلاة حتى وصلوا إلى بني قريظة لم يعنفوا مع كونهم
فوتوا الوقت فصلاة من لا يفوت الوقت بالإيماء أو كيف ما يمكن أولى من تأخير الصلاة حتى
يخرج وقتها والله أعلم (قوله حدثنا جويرية) هو بالجيم تصغير جارية وهو عم عبد الله الراوي
عنه (قوله لا يصلين أحد العصر) في رواية مسلم عن عبد الله بن محمد باأسماء شيخ البخاري في
هذا الحديث الظهر وسيأتي بيان الصواب من ذلك في كتاب المغازي مع بقية الكلام على هذا
الحديث إن شاء الله تعالى * (فائدة) * أخرج أبو داود في صلاة الطالب حديث عبد الله بن
أنيس إذ لا يصلين أحد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى سفيان الهذلي قال فرأيته وحضرت العصر فخشيت
فوتها فانطلقت أمشي وأنا أصلى أومى إيماء وإسناده حسن (قوله باب التكبير)
كذا للأكثر وللكشميهني من الطريقين التبكير بتقديم الموحدة وهو أوجه (قوله والصلاة
عند الإغارة) بكسر الهمزة بعدها غدا وهي متعلقة بالصلاة وبالتكبير أيضا أورد فيه حديث
أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بغلس ثم ركب وقد تقدم في أوائل الصلاة في باب ما يذكر في
الفخذ من طريق أخرى عن أنس وأوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصلى عندها
صلاة الغداة الحديث بطوله وهو أتم سياقا مما هنا وقوله ويقولون محمد والخميس فيه حمل لرواية
364

عبد العزيز بن صهيب على رواية ثابت فقد تقدم في الباب المذكور أن عبد العزيز لم يسمع من
أنس قوله والخميس وأنها في رواية ثابت عند مسلم (قوله فصارت صفية لدحية الكلبي وصارت
لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ظاهره أنها صارت لهما معا وليس كذلك بل صارت لدحية أو لا ثم
صارت بعده لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم إيضاحه في الباب المذكور وسيأتي بقية الكلام
عليه في المغازي وفي النكاح إن شاء الله تعالى ووجه دخول هذه الترجمة في أبواب صلاة الخوف
للإشارة إلى أن صلاة الخوف لا يشترط فيها التأخير إلى آخر الوقت كما شرطه من شرطه في صلاة شدة
الخوف عند التحام المقاتلة أشار إلى ذلك الزين بن المنير ويحتمل أن يكون للإشارة إلى تعين
المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها قبل الدخول في الحرب والاشتغال بأمر العدو وأما التكبير
فلأنه ذكر مأثور عند كل أمر مهول وعند كل حادث سرور شكرا لله تعالى وتبرئة له من كل
ما نسب إليه أعداؤه ولا سيما اليهود قبحهم الله تعالى * (خاتمة) * اشتملت أبواب صلاة الخوف
على ستة أحاديث مرفوعه موصولة تكرر منها فيما مضى حديثان والأربعة خالصة وافقه مسلم
على تخريجها إلا حديث بن عباس وفيها من الآثار عن الصحابة والتابعين ستة آثار منها واحد
موصول وهو أثر مجاهد والله أعلم
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم) * * (كتاب العيدين) * * (باب في العيدين والتجمل فيه) كذا في رواية أبي علي بن شبويه ونحوه لابن
عساكر وسقطت البسملة لأبي ذر وله في رواية المستملى أبواب بدل كتاب واقتصر في رواية
الأصيلي والباقين على قوله باب إلى آخره والضمير في فيه راجع إلى جنس العيد وفي رواية
الكشميهني فيهما (قوله أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق فأخذها فأتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم) كذا للأكثر أخذ بهمزة وخاء وذال معجمتين في الموضعين وفي بعض النسخ
وجد بواو وجيم في الأول وهو أوجه وكذا أخرجه الإسماعيلي والطبراني في مسند الشاميين
وغير واحد من طرق إلى أبي وابنه شيخ البخاري فيه ووجه الكرماني الأول بأنه أراد ملزوم
الأخذ وهو الشراء وفيه نظر لأنه لم يقع منه ذلك فلعله أراد السوم (قوله ابتع هذه تجمل
بها) كذا للأكثر بصيغة الأمر مجزوما وكذا جوابه ووقع في رواية أبي ذر عن المستملى
والسرخسي ابتاع هذه تجمل وضبط في نسخ معتمدة بهمزة استفهام ممدودة ومقصورة وضم لام
تجمل على أن أصله تتجمل فحذفت إحدى التاءين كأن عمر استأذن أن يبتاعها ليتجمل بها
النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون بعض الرواة أشبع فتحة التاء فظنت ألفا وقال
الكرماني قوله هذه إشارة إلى نوع الجبة كذا قال والذي يظهر إشارة إلى عينها ويلتحق بها
جنسها وقد تقدم في كتاب الجمعة توجيه الترجمة وأنها مأخوذة من تقريره صلى الله عليه وسلم
على أصل التجمل وإنما زجره عن الجبة لكونها كانت حريرا (قوله للعيد والوقود) تقدم في
كتاب الجمعة بلفظ للجمعة بدل للعيد وهي رواية نافع وهذه رواية سالم وكلاهم صحيح وكأن ابن
عمر ذكرهما معا فاقتصر كل راو على أحدهما (قوله تبيعها وتصيب بها حاجتك) في رواية
365

الكشميهني أو تصيب ومعنى الأول وتصيب بثمنها والثاني يحتمل أن أو بمعنى الواو فهو كالأول
أو التقسيم والمراد المقايضة أو أعم من ذلك والله أعلم وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا
الحديث في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى * (فائدة) * روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح
إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين (قوله باب الحراب والدرق
يوم العيد الحراب بكسر المهملة جمع حربة والدرق جمع درقة وهي الترس قال ابن بطال حمل
السلاح في العيد لا مدخل له في سنة العيد ولا في صفة الخروج إليه ويمكن أن يكون صلى الله عليه
وسلم كان محاربا خائفا فرأى الاستظهار بالسلاح لكن ليس في حديث الباب أنه صلى الله عليه
وسلم خرج بأصحاب الحراب معه يوم العيد ولا أمر أصحابه بالتأهب بالسلاح يعني فلا يطابق
الحديث الترجمة وأجاب ابن المنير في الحاشية بأن مراد البخاري الاستدلال على أن العيد يغتفر
فيه من الانبساط ما لا يغتفر في غيره أه وليس في الترجمة أيضا تقييده بحال الخروج إلى
العيد بل الظاهر أن لعب الحبشة إنما كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من المصلى لأنه كان
يخرج أول النهار فيصلى ثم يرجع (قوله حدثنا أحمد) كذا للأكثر غير منسوب وفي رواية أبي ذر
وابن عساكر حدثنا أحمد بن عيسى وبه جزم أبو نعيم في المستخرج ووقع في رواية أبي علي بن
شبويه حدثنا أحمد بن صالح وهو مقتضى إطلاق أبي علي بن السكن حيث قال كل ما في البخاري
حدثنا أحمد غير منسوب فهو ابن صالح (قوله أخبرنا عمرو) هو ابن الحارث المصري وشطر هذا
الإسناد الأول مصريون والثاني مدنيون (قوله دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد
في رواية الزهري عن عروة في أيام منى وسيأتي بعد ثلاثة وعشرين بابا (قوله جاريتان) زاد في الباب
الذي بعده من جواري الأنصار وللطبراني من حديث أم سلمة أن إحداهما كانت لحسان بن
ثابت وفي الأربعين للسلمي أنهما كانتا لعبد الله بسلام وفي العيدين لابن أبي الدنيا من طريق
فليح عن هشام بن عروة وحمامة وصاحبتها تغنيان وإسناده صحيح ولم أقف على تسمية الأخرى
لكن يحتمل أن يكون اسم الثانية زينب وقد ذكره في كتاب النكاح ولم يذكر حمامة الذين صنفوا
في الصحابة وهي على شرطهم (قوله تغنيان) زاد في رواية الزهري تدففان بفاءين أي تضربان
بالدف ولمسلم في رواية هشام أيضا تغنيان بدف وللنسائي بدفين والدف بضم الدال على الأشهر وقد
تفتح ويقال له أيضا الكربال بكسر الكاف وهو الذي لا جلاجل فيه فإن كانت فيه فهو المزهر وفي
حديث الباب الذي بعده بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث أي قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء
وللمصنف في الهجرة بما تعازفت بمهملة وزاي وفاء من العزف وهو الصوت الذي له دوى وفي
رواية تقاذفت بقاف بدل العين وذال غدا بدل الزاي وهو من القذف وهو هجاء بعضهم
لبعض ولأحمد من رواية حماد بن سلمة عن هشام يذكر أن يوم بعاث يوم قتل فيه صناديد الأوس
والخزرج أه وبعاث بضم الموحدة وبعدها الركعة وآخره مثلثة قال عياض ومن تبعه
أعجمها أبو عبيدة وحده وقال بن الأثير في الكامل أعجمها صاحب العين يعني الخليل وحده
وكذا حكى أبو عبيد البكري في معجم البلدان عن الخليل وجزم أبو موسى في ذيل الغريب بأنه
تصحيف وتبعه صاحب النهاية قال البكري هو موضع من المدينة على ليلتين وقال أبو موسى
النهاية هو اسم حصن للأوس وفي كتاب أبي الفرج الأصفهاني في ترجمة أبي قيس بن
366

الأسلت هو موضع في دار بني قريظة فيه أموال لهم وكان موضع الوقعة في مزرعة لهم هناك
ولا منافاة بين القولين وقال صاحب المطالع الأشهر فيه ترك الصرف قال الخطابي يوم بعاث
يوم مشهور من أيام العرب كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج وبقيت الحرب قائمة مائة
وعشرين سنة إلى الإسلام على ما ذكر ابن إسحاق وغيره (قلت) تبعه على هذا جماعة من شراح
الصحيحين وفيه نظر لأنه يوهم أن الحرب التي وقعت يوم بعاث دامت هذه المدة وليس كذلك
فسيأتي في أوائل الهجرة قول عائشة كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله فقدم المدينة وقد افترق
ملؤهم وقتلت سراتهم وكذا ذكره ابن إسحاق والواقدي وغيرهما من أصحاب الأخبار وقد
روى ابن سعد بأسانيده أن النفر الستة أو الثمانية الذين لقوا النبي صلى الله عليه وسلم بمنى أول من
لقيه من الأنصار وكانوا قد قدموا إلى مكة ليحالفوا قريشا كان في جملة ما قالوه له لما دعاهم إلى
الإسلام والنصر له وأعلم أنما كانت وقعة بعاث عام الأول فموعدك الموسم القابل فقدموا في
السنة التي تليها فبايعوه وهي البيعة الأولى ثم قدموا الثانية فبايعوه وهم سبعون نفسا وهاجر
النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل التي تليها فدل ذلك على أن وقعة بعاث كانت قبل الهجرة
بثلاث سنين وهو المعتمد وهو أصح من قول ابن عبد البر في ترجمة زيد بن ثابت من الاستيعاب إنه
كان يوم بعاث ابن ست سنين وحيث قدم النبي صلى الله عليه وسلم كان بن إحدى عشرة فيكون
يوم بعاث قبل الهجرة بخمس سنين نعم دامت الحرب بين الحيين الأوس والخزرج المدة التي
ذكرها في أيام كثيرة شهيرة وكان أولها فيما ذكر ابن إسحاق وهشام بن الكلبي وغيرهما أن الأوس
والخزرج لما نزلوا المدينة وجدوا اليهود مستوطنين بها بالأجداد وكانوا تحت قهرهم ثم غلبوا
على اليهود في قصة طويلة بمساعدة أبي جبلة ملك غسان فلم يزالوا على اتفاق بينهم حتى كانت
أول حرب وقعت بينهم حرب سمير بالمهملة مصغرا بسبب رجل يقال له كعب من بني ثعلبة نزل
على مالك بن عجلان الخزرجي فحالفه فقتله رجل من الأوس يقال له سمير فكان ذلك سبب الحرب
بين الحيين ثم كانت بينهم وقائع من أشهرها يوم السرارة بمهملات ويوم فارع بفاء ومهملة ويوم
الفخار الأول والثاني وحرب حصين بن الأسلت وحرب حاطب بن قيس إلى أن كان آخر ذلك يوم
بعاث وكان رئيس الأوس فيه حضير والد أسيد وكان يقال له حضير الكتائب وجرح يومئذ
ثم مات بعد مدة من جراحته وكان رئيس الخزرج عمرو بن النعمان وجاءه سهم في القتال فصرعه
فهزموا بعد أن كانوا قد استظهروا ولحسان وغيره من الخزرج وكذا لقيس بن الحطيم وغيره من
الأوس في ذلك أشعار كثيرة مشهورة في دواوينهم (قوله فاضطجع على الفراش) في رواية
الزهري المذكورة أنه تغشى بثوبه وفي رواية لمسلم تسجى أي التف بثوبه (قوله وجاء أبو بكر)
في رواية هشام بن عروة في الباب الذي بعده دخل على أبو بكر وكأنه جاء زائرا لها بعد أن دخل
النبي صلى الله عليه وسلم بيته (قوله فانتهرني) في رواية الزهري فانتهرهما أي الجاريتين
ويجمع بأنه شرك بينهن في الانتهار والزجر أما عائشة فلتقريرها وأما الجاريتان فلفعلهما (قوله
مزمارة الشيطان) بكسر الميم يعني الغناء أو الدف لأن المزمارة أو المزمار مشتق من الزمير وهو
الصوت الذي له الصفير ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء وسميت به الآلة المعروفة التي
يزمر بها وإضافتها إلى الشيطان من جهة أنها تلهى فقد تشغل القلب عن الذكر وفي رواية
367

حماد بن سلمة عند أحمد فقال يا عباد الله أبمزمور الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
القرطبي المزمور الصوت ونسبته إلى الشيطان ذم على ما ظهر لأبي بكر وضبطه عياض بضم الميم
وحكى فتحها (قوله فأقبل عليه) في رواية الزهري فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه
وفي رواية فليح فكشف رأسه وقد تقدم أنه كان ملتفا (قوله دعهما) زاد في رواية هشام يا أبا
بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا ففيه تعليل الأمر بتركهما وإيضاح خلاف ما ظنه
الصديق من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه صلى الله عليه وسلم لكونه دخل فوجده مغطى بثوبه فظنه
نائما فتوجه له الإنكار على ابنته من هذه الأوجه مستصحبا لما تقرر عنده من منع الغناء واللهو
فبادر إلى إنكار ذلك قياما عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مستندا إلى ما ظهر له فأوضح له النبي
صلى الله عليه وسلم الحال وعرفه الحكم مقرونا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد أي يوم سرور شرعي
فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا فقلنا في الأعراس وبهذا يرتفع الإشكال عمن قال كيف ساغ
للصديق إنكار شئ أقره النبي صلى الله عليه وسلم وتكلف جوابا لا يخفى تعسفه وفي قوله لكل قوم
أي من الطوائف وقوله عيد أي كالنيروز والمهرجان وفي النسائي وابن حبان بإسناد صحيح عن
أنس قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال قد أبدلكم الله تعالى
بهما خيرا منهما يوم الفطر والأضحى واستنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم
وبالغ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي من الحنفية فقال من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيما
لليوم فقد كفر بالله تعالى واستنبط من تسمية أيام منى بأنها أيام عيد مشروعية قضاء صلاة العيد
فيها لمن فاتته كما سيأتي بعد واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه
بآلة وبغير آلة ويكفى في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها وليستا
بمغنيتين فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت
وعلى الترنم الذي تسميه العرب النصب بفتح النون وسكون المهملة وعلى الحداء ولا يسمى فاعله
مغنيا وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض
بالفواحش أو تصريح قال القرطبي قولها ليستا بمغنيتين أي ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه
المغنيات المعروفات بذلك وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به وهو الذي يحرك
الساكن ويبعث الكامن وهذا النوع إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر
وغيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف في تحريمه قال وأما ما ابتدعه الصوفية في ذلك فمن قبيل
ما لا يختلف في تحريمه لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير حتى لقد
ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات
متلاحقة وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال وأن ذلك
يثمر سني الأحوال وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل المخرقة والله المستعان أه وينبغي
أن يعكس مرادهم ويقرأ سئ عوض النون الخفيفة المكسورة بغير همز بمثناة تحتانية ثقيلة
مهموزا وأما الآلات فسيأتي الكلام على اختلاف العلماء فيها عند الكلام على حديث
المعازف في كتاب الأشربة وقد حكى قوم الإجماع على تحريمها وحكى بعضهم عكسه وسنذكر
بيان شبهة الفريقين إن شاء الله تعالى ولا يلزم من إباحة الضرب بالدف في العرس ونحوه إباحة
368

غيره من الآلات كالعود ونحوه كما سنذكر ذلك في وليمة العرس إن شاء الله تعالى وأما التفاف
صلى الله عليه وسلم بثوبه ففيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتضى أن يرتفع عن الاصغاء
إلى ذلك لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره إذ لا يقر على باطل
والأصل التنزه عن اللعب واللهو فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل
والله أعلم وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع
ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة وأن الإعراض عن ذلك أولى وفيه
أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وهي عند زوجها
إذا كان له بذلك عادة وتأديب الأب بحضرة الزوج وإن تركه الزوج إذ التأديب وظيفة الآباء
والعطف مشروع من الأزواج للنساء وفيه الرفق بالمرأة واستجلاب مودتها وأن مواضع أهل الخير
تنزه عن اللهو واللغو وإن لم يكن فيه إثم إلا بأذنهم وفيه أن التلميذ إذا رأى عند شيخه ما يستكره
مثله بادر إلى إنكاره ولا يكون في ذلك افتئات على شيخه بل هو أدب منه ورعاية لحرمته وإجلال
لمنصبه وفيه فتوى التلميذ بحضرة شيخه بما يعرف من طريقته ويحتمل أن يكون أبو بكر ظن أن
النبي صلى الله عليه وسلم نام فخشي أن يستيقظ فيغضب على ابنته فبادر إلى سد هذه الذريعة وفي
قول عائشة في آخر هذا الحديث فلما غفل غمزتهما فخرجتا دلالة على أنها مع ترخيص النبي صلى الله
عليه وسلم لها في ذلك راعت خاطر أبيها وخشيت غضبه عليها فأخرجتهما واقتناعها في ذلك
بالإشارة فيما يظهر للحياء من الكلام بحضرة من هو أكبر منها والله أعلم واستدل به على جواز
سماع صوت الجارية بالغناء ولو لم تكن مملوكه لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بكر سماعه
بل أنكر إنكاره واستمرتا إلى أن أشارت إليهما عائشة بالخروج ولا يخفى أن محل الجواز ما إذا
أمنت الفتنة بذلك والله أعلم (قوله وكان يوم عيد) هذا حديث آخر وقد جمعهما بعض الرواة
وأفردهما بعضهم وقد تقدم هذا الحديث الثاني من وجه آخر عن الزهري عن عروة في أبواب
المساجد ووقع عند الجوزقي في حديث الباب هنا وقالت أي عائشة كان يوم عيد فتبين بهذا أنه
موصول كالأول (قوله يلعب فيه السودان) في رواية الزهري المذكورة والحبشة يلعبون في
المسجد وزاد في رواية معلقة ووصلها مسلم بحرابهم ولمسلم من رواية هشام عن أبيه جاء حبش
يلعبون في المسجد قال المحب الطبري هذا السياق يشعر بأن عادتهم ذلك في كل عيد ووقع في
رواية ابن حبان لما قدم وفد الحبشة قاموا يلعبون في المسجد وهذا يشعر بان الترخيص لهم في
ذلك بحال القدوم ولا تنافى بينهما لاحتمال أن يكون قدومهم صادف يوم عيد وكان من عادتهم
اللعب في الأعياد ففعلوا ذلك كعادتهم ثم صاروا يلعبون يوم كل عيد ويؤيده ما رواه أبو داود عن
أنس قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة فرحا بذلك لعبوا بحرابهم ولا شك
أن يوم قدومه صلى الله عليه وسلم كان عندهم أعظم من يوم العيد قال الزين بن المنير سماه
لعبا وإن كان أصله التدريب على الحرب وهو من الجد لما فيه من شبة اللعب لكونه يقصد إلى
الطعن ولا يفعله ويوهم بذلك قرنه ولو كان أباه أو ابنه (قوله فإما سألت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وإما قال تشتهين تنظرين) هذا تردد منها فيما كان وقع له هل كان أذن لها في ذلك
ابتداء منه أو عن سؤال منها وهذا بناء على أن سألت بسكون اللام على أنه كلامها ويحتمل أن
369

يكون بفتح اللام فيكون كلام الراوي فلا ينافي مع ذلك قوله وإما قال تشتهين تنظرين وقد
اختلفت الروايات عنها في ذلك ففي رواية النسائي من طريق يزيد بن رومان عنها سمعت لغطا
وصوت صبيان فقام النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن أي ترقص والصبيان حولها فقال
يا عائشة تعالى فانظري ففي هذا أنه ابتدأها وفي رواية عبيد بن عمير عنها عند مسلم أنها قالت للعابين
وددت أني أراهم ففي هذا أنها سألت ويجمع بينهما بأنها التمست منه ذلك فأذن لها وفي رواية النسائي
من طريق أبي سلمة عنها دخل الحبشة يلعبون فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا حميراء أتحبين أن
تنظري إليهم فقلت نعم إسناده صحيح ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا وفي رواية أبي سلمة
هذه من الزيادة عنها قالت ومن قولهم يومئذ أبا القاسم طيبا كذا فيه بالنصب وهو حكاية قول
الحبشة ولأحمد والسراج وابن حبان من حديث أنس أن الحبشة كانت تزفن بين يدي النبي صلى
الله عليه وسلم ويتكلمون بكلام لهم فقال ما يقولون قال يقولون محمد عبد صالح (قوله فأقامني
وراءه خدي على خده) أي متلاصقين وهي جملة حالية بدون واو كما قيل في قوله تعالى اهبطوا
بعضكم لبعض عدو وفي رواية هشام عن أبيه عند مسلم فوضعت رأسي على منكبه وفي رواية
أبي سلمة المذكورة فوضعت ذقني على عاتقه وأسندت وجهي إلى خده وفي رواية عبيد بن عمير عنها
أنظر بين أذنيه وعاتقه ومعانيها متقاربة ورواية أبي سلمة أبينها وفي رواية الزهري الآتية بعد عن
عروة فيسترني وأنا أنظر وقد تقدم في أبواب المساجد بلفظ يسترني بردائه ويتعقب به على الزين بن
المنير في استنباطه من لفظ حديث الباب جواز اكتفاء المرأة بالتستر بالقيام خلف من تستر به من
زوج أو ذي محرم إذا قام ذلك مقام الرداء لأن القصة واحدة وقد وقع فيها التنصيص على وجود
التستر بالرداء (قوله وهو يقول دونكم) بالنصب على الظرفية بمعنى الإغراء والمغرى به محذوف
وهو لعبهم بالحراب وفيه إذن وتنهيض لهم وتنشيط (قوله يا بني أرفدة) بفتح الهمزة وسكون
الراء وكسر الفاء وقد تفتح قيل هو لقب للحبشة وقيل هو اسم جنس لهم وقيل اسم جدهم الأكبر
وقيل المعنى يا بني الإماء زاد في رواية الزهري عن عروة فزجرهم عمر فقال النبي صلى الله عليه
وسلم أمنا بني أرفدة وبين الزهري أيضا عن سعيد عن أبي هريرة وجه الزجر حيث قال فأهوى إلى
الحصباء فحصبهم بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهم يا عمر وسيأتي في الجهاد وزاد أبو عوانة
في صحيحه فإنهم بنو أرفدة كأنه يعني أن هذا شأنهم وطريقتهم وهو من الأمور المباحة فلا
إنكار عليهم قال المحب الطبري فيه تنبيه على أنه يغتفر لهم ما لا يغتفر لغيرهم لأن الأصل في
المساجد تنزيهها عن اللعب فيقتصر على ما ورد فيه النص انتهى وروى السراج من طريق
أبي الزناد عن عروة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال يومئذ لتعلم يهود أن في ديننا فسحة إني
بعثت بحنيفية سمحة وهذا يشعر بعدم التخصيص وكأن عمر بنى على الأصل في تنزيه المساجد
فبين له النبي صلى الله عليه وسلم وجه الجواز فيما كان هذا سبيله كما سيأتي تقريره أو لعله لم يكن علم أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يراهم (قوله حتى إذا ملأت) بكسر اللام الأولى وفي رواية الزهري
حتى أكون أنا الذي أسأم ولمسلم من طريقه ثم يقوم من أجلى حتى أكون أنا الذي أنصرف وفي
رواية يزيد بن رومان عند النسائي أما شبعت أما شبعت قالت فجعلت أقول لا لأنظر منزلتي
عنده وله من رواية أبي سلمة عنها قلت يا رسول الله لا تعجل فقام لي ثم قال حسبك قلت لا تعجل
370

قالت وما بي حب النظر إليهم ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه وزاد في النكاح في
رواية الزهري فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو وقولها اقدروا بضم الدال
من التقدير ويجوز كسرها وأشارت بذلك إلى أنها كانت حينئذ شابة وقد تمسك به من ادعى نسخ
هذا الحكم وأنه كان في أول الإسلام كما تقدمت حكايته في أبواب المساجد ورد بأن قولها يسترني
بردائه دال على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب وكذا قولها أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي مشعر
بأن ذلك وقع بعد أن صارت لها ضرائر أرادت الفخر عليهن فالظاهر أن ذلك وقع بعد بلوغها وقد
تقدم من رواية بن حبان أن ذلك وقع لما قدم وفد الحبشة وكان قدومهم سنة سبع فيكون عمرها
حينئذ خمس عشرة سنة وقد تقدم في أبواب المساجد شئ نحو هذا والجواب عنه واستدل به على
جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه واستنبط منه
جواز المثاقفة لما فيها من تمرين الأيدي على آلات الحرب قال عياض وفيه جواز نظر النساء إلى
فعل الرجال الأجانب لأنه إنما يكره لهن النظر إلى المحاسن والاستلذاذ بذلك ومن تراجم
البخاري عليه باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة وقال النووي أما النظر بشهوة وعند
خشية الفتنة فحرام اتفاقا وأما بغير شهوة فالأصح أنه محرم وأجاب عن هذا الحديث بأنه يحتمل
أن يكون ذلك قبل بلوغ عائشة وهذا قد تقدمت الإشارة إلى ما فيه قال أو كانت تنظر إلى لعبهم
بحرابهم لا إلى وجوههم وأبدانهم وإن وقع بلا قصد أمكن أن تصرفه في الحال انتهى وقد
تقدمت بقية فوائده في أبواب المساجد وسيأتي بعد ستة أبواب وجه الجمع بين ترجمة البخاري
هذا الباب والباب الآتي هناك حيث قال باب ما يكره من حمل السلاح في العيد إن شاء الله
تعالى (قوله باب سنة العيدين لأهل الإسلام) كذا للأكثر وقد اقتصر عليه
الإسماعيلي في المستخرج وأبو نعيم وزاد أبو ذر عن الحموي في أول الترجمة الدعاء في العيد قال ابن
رشيد أراه تصحيفا وكأنه كان فيه اللعب في العيد يعني فيناسب حديث عائشة وهو الثاني من
حديثي الباب ويحتمل أن يوجه بان الدعاء بعد صلاة العيد يؤخذ حكمه من جواز اللعب بعدها
بطريق الأولى وقد روى ابن عدي من حديث واثلة أنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
عيد فقال تقبل الله منا ومنك فقال نعم تقبل الله منا ومنك وفي إسناده محمد بن إبراهيم الشامي
وهو ضعيف وقد تفرد به مرفوعا وخولف فيه فروى البيهقي من حديث عبادة بن الصامت
أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ذلك فعل أهل الكتابين وإسناده ضعيف
أيضا وكأنه أراد أنه لم يصح فيه شئ وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال كان
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض تقبل الله منا
ومنك وأما مناسبة حديث عائشة للترجمة التي اقتصر عليها الأكثر فقد قيل إنها من قوله وهذا
عيدنا لإشعاره بالندب إلى ذلك وفيه نظر لأن اللعب لا يوصف بالندبية لكن يقربه أن المباح قد
يرتفع بالنية إلى درجة ما يثاب عليه ويحتمل أن يكون المراد أن تقديم العبادة على اللعب سنة
أهل الإسلام أو تحمل السنة في الترجمة على المعنى اللغوي وأما حديث البراء فهو طرف من
حديث سيأتي بتمامه بعد باب وحجاج المذكور في الإسناد هو ابن منهال واستشكل الزين بن
المنير مناسبته للترجمة من حيث أنه قال فيها العيدين بالتثنية مع أنها لا تتعلق إلا بعيد النحر
371

وأجاب بأن في قوله إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي إشعارا بان الصلاة ذلك اليوم هي
الأمر المهم وأن ما سواها من الخطبة والنحر والذكر وغير ذلك من أعمال البر يوم النحر فبطريق
التبع وهذا القدر مشترك بين العيدين فحسن أن لا تفرد الترجمة بعيد النحر انتهى وقد تقدم
الكلام على حديث عائشة مستوفى في الباب الذي قبله (قوله باب الأكل
يوم الفطر قبل الخروج) أي إلى صلاة العيد (قوله أخبرنا عبيد الله) هو بالتصغير وفي نسخة
الصغاني حدثنا عبيد الله بن أنس بحذف أبي بكر هكذا رواه سعيد بن سليمان عن هشيم وتابعه
أبو الربيع الزهراني عند الإسماعيلي وجبارة بن المغلس عند بن ماجة ورواه عن هشيم وتابعه
قتيبة عند الترمذي وأحمد بن منيع عند بن خزيمة وأبو بكر بن أبي شيبة عند ابن حبان
والإسماعيلي وعمرو بن عون عند الحاكم فقالوا كلهم عن هشيم عن محمد بن إسحاق عن حفص
ابن عبيد الله بن أنس عن أنس قال الترمذي صحيح غريب وأعله الإسماعيلي بان هشيما مدلس
وقد اختلف عليه فيه وابن إسحق ليس من شرط البخاري (قلت) وهي علة غير قادحة لأن هشيما
قد صرح فيه بالإخبار فأمن تدليسه ولهذا نزل فيه البخاري درجة لأن سعيد بن سليمان من
شيوخه وقد أخرج هذا الحديث عنه بواسطة لكونه لم يسمعه منه ولم يلق من أصحاب هشيم مع
كثرة من لقيه منهم من يحدث به مصرحا عنه فيه بالأخبار وقد جزم أبو مسعود الدمشقي بأنه كان
عند هشيم على الوجهين وأن أصحاب هشيم القدماء كانوا يروونه عنه على الوجه الأول فلا تضر
طريق ابن إسحاق المذكورة قال البيهقي ويؤكد ذلك أن سعيد بن سليمان قد رواه عن هشيم على
الوجهين ثم ساقه من رواية معاذ بن المثنى عنه عن هشيم بالاسنادين المذكورين فرجح صنيع
البخاري ويؤيد ذلك متابعة مرجي بن رجاء لهشيم على روايته له عن عبيد الله بن أبي بكر وقد علقها
البخاري هنا وأفادت ثلاث فوائد الأولى هذه والثانية تصريح عبيد الله فيه بالأخبار عن أنس
والثالثة تقييد الأكل بكونه وترا وقد وصلها بن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق أبي
النضر عن مرجي بلفظ يخرج بدل يغدو والباقي مثل لفظ هشيم وفيه الزيادة وكذا وصله أبو ذر
في زياداته في الصحيح عن أبي حامد بن نعيم عن الحسين بن محمد بن مصعب عن أبي داود الستجي
عن أبي النضر وأخرجه الإمام أحمد عن حرمي بن عمارة عن مرجي بلفظ ويأكلهن أفرادا ومن
هذا الوجه أخرجه البخاري في تاريخه وله راو ثالث عن عبيد الله بن أبي بكر أخرجه الإسماعيلي
أيضا وابن حبان والحاكم من رواية عتبة بن حميد عنه بلفظ ما خرج يوم فطر حتى يأكل تمرات ثلاثا
أو خمسا أو سبعا أو أقل من ذلك أو أكثر وترا وهي أصرح في المداومة على ذلك قال المهلب الحكمة
في الأكل قبل الصلاة أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد فكأنه أراد سد هذه الذريعة
وقال غير لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر
الله تعالى ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع وأشار
إلى ذلك بن أبي جمرة وقال بعض المالكية لما كان المعتكف لا يتم اعتكافه حتى يغدو إلى المصلى
قبل انصرافه إلى بيته خشي أن يعتمد في هذا الجزء من النهار باعتبار استصحاب الصائم ما يعتمد من
استصحاب الاعتكاف ففرق بينهما بمشروعية الأكل قبل الغدو وقيل لأن الشيطان الذي يحبس
في رمضان لا يطلق إلا بعد صلاة العيد فاستحب تعجيل الفطر بدارا إلى السلامة من وسوسته
372

وسيأتي توجيه آخر لابن المنير في الباب الذي بعده وقال ابن قدامة لا نعلم في استحباب تعجيل
الأكل يوم الفطر اختلافا انتهى وقد روى ابن أبي شيبة عن بن مسعود التخيير فيه وعن النخعي
أيضا مثله والحكمة في استحباب التمر لما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم ولأن
الحلو مما يوافق الإيمان ويعبر به المنام ويرق به القلب وهو أيسر من غيره ومن ثم استحب بعض
التابعين أنه يفطر على الحلو مطلقا كالعسل رواه بن أبي شيبة عن معاوية بن قرة وابن سيرين
وغيرهما وروى فيه معنى آخر عن بن عون أنه سئل عن ذلك فقال إنه يحبس البول هذا كله
في حق من يقدر على ذلك وإلا فينبغي أن يفطر ولو على الماء ليحصل له العطار ما من الأتباع أشار إليه
ابن أبي جمرة وأما جعلهن وترا فقال المهلب وللإشارة إلى وحدانية الله تعالى وكذلك كان صلى
الله عليه وسلم بالصلاة في جميع أموره تبركا بذلك * (تنبيه) * مرجي بوزن معلى وأبوه بلفظ رجاء ضد
الخوف بصري مختلف في الاحتجاج به وليس له في البخاري غير هذا الموضع الواحد (قوله
باب الأكل يوم النحر) قال الزين بن المنير ما محصله لم يقيد المصنف الأكل يوم النحر
بوقت معين كما قيده في الفطر ووجه ذلك من حديث أنس قول الرجل هذا يوم يشتهى فيه اللحم
وقوله في حديث البراء وإن اليوم يوم أكل وشرب ولم يقيد ذلك بوقت انتهى ولعل المصنف أراد
الإشارة إلى تضعيف ما ورد في بعض طرق الحديث الذي قبله من مغايرة يوم الفطر ليوم النحر من
استحباب البداءة بالصلاة يوم النحر قبل الأكل لأن في حديث البراء أن أبا بردة أكل قبل الصلاة
يوم النحر فبين له صلى الله عليه وسلم أن التي ذبحها لا تجزئ عن الأضحية وأقره على الأكل منها وأما
ما ورد في الترمذي والحاكم من حديث بريدة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر
حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي ونحوه عند البزار عن جابر بن سمرة وروى الطبراني
والدارقطني من حديث ابن عباس قال من السنة أن لا يخرج يوم الفطر حتى يخرج الصدقة
ويطعم شيئا قبل أن يخرج وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال وقد أخذ أكثر الفقهاء بما دلت عليه
قال الزين بن المنير وقع أكله صلى الله عليه وسلم في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج
صدقتهما الخاصة بهما فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى واخراج صدقة الأضحية بعد
ذبحها فاجتمعا من جهة وافترقا من جهة أخرى واختار بعضه تفصيلا آخر فقال من كان له ذبح
استحب له أن يبدأ بالأكل يوم النحر منه ومن لم يكن له ذبح تخير وسيأتي الكلام على حديثي أنس
والبراء المذكورين في هذا الباب في كتاب الأضاحي أن شاء الله تعالى وقوله في حديث البراء ومن
نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نسك له كذا في الأصول بإثبات الواو وحذفها النسائي وهو
أوجه ويمكن توجيه إثباتها بتقدير لا يجزئ ولا نسك له وهو قريب من حديث فمن كانت هجرته
إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله وقد أخرجه مسلم عن عثمان بن أبي شيبة هذا وإسحق بن
إبراهيم جميعا عن جرير بلفظه وأخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة ويوسف بن موسى
وعثمان هذا ثلاثتهم عن جرير بلفظ ومن نسك قبل الصلاة فشاته شاة لحم وذكر أن معناهم واحد
وقد أخرجه أبو يعلى عن أبي خيثمة بهذا اللفظ وأظن التصرف فيه من عثمان رواه بالمعنى والله
أعلم وفي حديثي أنس والبراء من الفوائد تأكيد أمر الأضحية وأن المقصود منها طيب اللحم
وإيثار الجار على غيره وأن المفتى إذا ظهرت له من المستفقي أمارة الصدق كان له أن يسهل عليه حتى
373

لو استفتاه اثنان في قضية واحدة جاز أن يفتي كلا منها بما يناسب حاله وجواز إخبار المرء عن نفسه
بما يستحق الثناء به عليه بقدر الحاجة (قوله باب الخروج إلى المصلي بغير منبر) يشير
إلى ما ورد في بعض طرق حديث أبي سعيد الذي ساقه في هذا الباب وهو ما أخرجه أحمد وأبو داود
وابن ماجة من طريق الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال أخرج مروان المنبر يوم عيد وبدأ
بالخطبة قبل الصلاة فقام إليه رجل فقال يا مروان خالفت السنة الحديث (قوله حدثنا محمد بن
جعفر) أي ابن أبي كثير المدني وعياض بن عبد الله أي ابن سعد بن أبي سرح القرشي المدني ورجاله
كلهم مدنيون (قوله عن أبي سعيد) في رواية عبد الرزاق عن داود بن قيس عن عياض قال
سمعت أبا سعيد وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق بن وهب عن داود (قوله إلى المصلى) هو
موضع بالمدينة معروف بينه وبين باب المسجد ألف ذراع قاله عمر بن شبة في أخبار المدينة عن
أبي غسان الكناني صاحب مالك (قوله ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس) في رواية ابن حبان من
طريق داود بن قيس عن عياض فينصرف إلى الناس قائما في مصلاه ولابن خزيمة في رواية
مختصرة خطب يوم عيد على رجليه وهذا مشعر بأنه لم يكن بالمصلى في زمانه صلى الله عليه وسلم
منبر ويدل على ذلك قول أبي سعيد فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان ومقتضى ذلك
أن أول من اتخذه مروان وقد وقع في المدونة لمالك ورواه عمر بن شبة عن أبي غسان عنه قال أول
من خطب الناس في المصلى على المنبر عثمان بن عفان كلمهم على منبر من طين بناه كثير بن الصلت
وهذا معضل وما في الصحيحين أصح فقد رواه مسلم من طريق داود بن قيس عن عياض نحو رواية
البخاري ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك مرة ثم تركه حتى أعاده مروان ولم يطلع على ذلك
أبو سعيد وإنما اختص كثير بن الصلت ببناء المنبر بالمصلى لأن داره كانت مجاورة للمصلى كما سيأتي في
حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أتى في يوم العيد إلى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت قال
ابن سعد كانت دار كثير بن الصلت قبلة المصلي في العيدين وهي تطل على بطن بطحان الوادي الذي
في وسط المدينة انتهى وإنما بني كثير بن الصلت داره بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة لكنها لما
صارت شهيرة في تلك البقعة وصف المصلي بمجاورتها وكثير المذكور هو ابن الصلت بن معاوية
الكندي تابعي كبير ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ربع المدينة هو وأخويه بعده فسكنها
وحالف بني جمح وروى بن سعد بإسناد صحيح إلى نافع قال كان اسم كثير بن الصلت قليلا فسماه عمر
كثيرا ورواه أبو عوانة فوصله بذكر بن عمر ورفعه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم والأول أصح وقد
صح سماع كثير من عمر فمن بعده وكان له شرف وذكر وهو بن أخي جمد بفتح الجيم وسكون الميم
أو فتحها أحد ملوك كندة الذين قتلوا في الردة وقد ذكر أبوه في الصحابة لابن منده وفي صحة ذلك نظر
(قوله فإن كان يريد أن يقطع بعثا) أي يخرج طائفة من الجيش إلى جهة من الجهات (قوله
خرجت مع مروان) زاد عبد الرزاق عن داود بن قيس وهو بيني وبين أبي مسعود يعني عقبة بن
عمرو الأنصاري (قوله فجبذته بثوبه) أي ليبدأ بالصلاة قبل الخطبة على العادة وقوله فقلت له
غيرتم والله صريح في أن أبا سعيد هو الذي أنكر ووقع عند مسلم من طريق طارق بن شهاب قال
أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال الصلاة قبل الخطبة فقال
قد ترك ما هنالك فقال أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه وهذا ظاهر في أنه غير أبي سعيد وكذا
374

في رواية رجاء عن أبي سعيد التي تقدمت في أول الباب فيحتمل أن يكون هو أبا مسعود الذي وقع
في رواية عبد الرزاق أنه كان معهما ويحتمل أن تكون القصة تعددت ويدل على ذلك المغايرة
الواقعة بين روايتي عياض ورجا ففي رواية عياض أن المنبر بني بالمصلى وفي رواية رجاء أن مروان
أخرج المنبر معه فلعل مروان لما أنكروا عليه إخراج المنبر ترك إخراجه بعد وأمر ببنائه من لبن
وطين بالمصلى ابن ولا بعد في أن ينكر عليه تقديم الخطبة على الصلاة مرة بعد أخرى ويدل على التغاير
أيضا أن إنكار أبي سعيد وقع بينه وبينه وانكار الآخر وقع في رؤوس الناس (قوله أن الناس
لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها) أي الخطبة (قبل الصلاة) وهذا يشعر بأن مروان فعل
ذلك باجتهاد منه وسيأتي في الباب الذي بعده أن عثمان فعل ذلك أيضا لكن لعلة أخرى وفي هذا
الحديث من الفوائد بنيان المنبر قال الزين بن المنير وإنما اختاروا أن يكون باللبن لامن الخشب
لكونه يترك بالصحراء في غير حرز فيؤمن عليه النقل بخلاف خشب منبر الجامع وفيه أن الخطبة على
الأرض عن قيام في المصلى أولى من القيام على المنبر والفرق بينه وبين المسجد أن المصلى يكون
بمكان فيه فضاء فيتمكن من رؤيته كل من حضر بخلاف المسجد فإنه يكون في مكان محصور فقد
لا يراه بعضهم وفيه الخروج إلى المصلى في العيد وأن صلاتها في المسجد لا تكون الا عن ضرورة
وفيه إنكار العلماء على الأمراء إذا صنعوا ما يخالف السنة وفيه حلف العالم على صدق ما يخبر به
والمباحثة في الأحكام وجواز عمل العالم بخلاف الأولى إذا لم يوافقه الحاكم على الأولى لأن أبا سعيد
حضر الخطبة ولم ينصرف فيستدل به على أن البداءة بالصلاة فيها ليس بشرط في صحتها والله أعلم
قال ابن المنير في الحاشية حمل أبو سعيد فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على التعيين وحمله
مروان على الأولوية واعتذر عن ترك الأولى بما ذكر من تغير حال الناس فرأى أن المحافظة على
أصل السنة وهو إسماع الخطبة أولى من المحافظة على هيئة فيها ليست من شرطها والله أعلم
واستدل به على استحباب الخروج إلى الصحراء لصلاة العيد وأن ذلك أفضل من صلاتها في المسجد
لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع فضل مسجده وقال الشافعي في الأم بلغنا أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين إلى المصلي بالمدينة وكذا من بعده الا من عذر مطر
ونحوه وكذلك عامة أهل البلدان الا أهل مكة ثم أشار إلى أن سبب ذلك سعة المسجد وضيق
أطراف مكة قال فلو عمر بلد فكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أر أن يخرجوا منه فإن كان
لا يسعهم كرهت الصلاة فيه ولا إعادة ومقتضى هذا أن العلة تدور على الضيق والسعة لا لذات
الخروج إلى الصحراء لأن المطلوب حصول عموم الاجتماع فإذا حصل في المسجد مع أفضليته
كان أولى (قوله باب المشي والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة وبغير أذان
ولا إقامة) في هذه الترجمة ثلاثة أحكام صفة التوجه وتأخير الخطبة عن الصلاة وترك النداء فيها
فأما الأول فقد اعترض عليه ابن التين فقال ليس فيما ذكره من الأحاديث ما يدل على مشى
ولا ركوب وأجاب الزين بن المنير بأن عدم ذلك مشعر بتسويغ كل منهما وألا مزية لأحدهما
على الآخر ولعله أشار بذلك إلى تضعيف ما ورد في الندب إلى المشي ففي الترمذي عن علي قال
من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا وفي ابن ماجة عن سعد القرظ أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يأتي العيد ماشيا وفيه عن أبي رافع نحوه وأسانيد الثلاثة ضعاف وقال الشافعي
375

في الأم بلغنا عن الزهري قال ما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيد ولا جنازة قط ويحتمل
أن يكون البخاري استنبط من قوله في حديث جابر وهو يتوكأ على يد بلال مشروعية الركوب
لمن أحتاج إليه وكأنه يقول الأولى المشي حتى يحتاج إلى الركوب كما خطب النبي صلى الله
عليه وسلم قائما على رجليه فلما تعب من الوقوف توكأ على بلال والجامع بين الركوب والتوكئ
الارتفاق بكل منهما أشار إلى ذلك بن المرابط وأما الحكم الثاني فظاهر من أحاديث الباب
وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده واختلف في أول من غير ذلك فرواية طارق بن شهاب
عن أبي سعيد عند مسلم صريحة في أنه مروان كما تقدم في الباب قبله وقيل بل سبقه إلى ذلك
عثمان وروى بن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال أول من خطب قبل الصلاة
عثمان صلى بالناس ثم خطبهم يعن على العادة فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك أي صار
يخطب قبل الصلاة وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان لأن عثمان رأى مصلحة الجماعة في
إدراكهم الصلاة وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة لكن قيل إنهم كانوا في زمن
مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب من لا يستحق السب والإفراط في مدح
بعض الناس فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحيانا
بخلاف مروان فواظب عليه فلذلك نسب إليه وقد روى عن عمر مثل فعل عثمان قال
عياض ومن تبعه لا يصح عنه وفيما قالوه نظر لأن عبد الرزاق وابن أبي شيبة روياه جميعا عن ابن
عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن عبد الله بن سلام وهذا إسناد صحيح لكن
يعارضه حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي بعده وكذا حديث ابن عمر فإن جمع بوقوع
ذلك منه نادرا وإلا فما في الصحيحين أصح وقد أخرج الشافعي عن عبد الله بن يزيد نحو حديث
ابن عباس وزاد حتى قدم معاوية فقدم الخطبة فهذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعا
لمعاوية لأنه كان أمير المدينة من جهته وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري قال أول من
من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية وروى ابن المنذر عن ابن سيرين أن أول من
فعل ذلك زياد بالبصرة قال عياض ولا مخالفة بين هذين الاثرين وأثر مروان لأن كلا من
مروان وزياد كان عاملا لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله والله أعلم وأما الحكم
الثالث فليس في أحاديث الباب ما يدل عليه إلا حديث بن عباس في ترك الأذان وكذا أحد
طريقي جابر وقد وجهه بعضهم بأنه يؤخذ من كون الصلاة قبل الخطبة بخلاف الجمعة فتخالفها
أيضا في الأذان والإقامة ولا يخفى بعده والذي يظهر أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الأحاديث
التي ذكرها أما حديث ابن عمر ففي رواية النسائي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد
فصلى بغير أذان ولا إقامة الحديث وأما حديث ابن عباس وجابر ففي رواية عبد الملك بن أبي
سليمان عن عطاء عن جابر عند مسلم فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وعنده من
طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال لا أذان الولاء يوم العيد ولا إقامة ولا
شئ وفي رواية يحيى القطان عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس قال لابن الزبير لا تؤذن لها
ولا تقم أخرجه بن أبي شيبة عنه ولأبي داود من طريق طاوس عن بن عباس أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا أذان ولا إقامة إسناده صحيح وفي الحديث عن جابر بن سمرة
376

عند مسلم وعن سعد بن أبي وقاص عند البزار وعن البراء عند الطبراني في الأوسط وقال مالك في
الموطأ سمعت غير واحد من علمائنا يقول لم يكن في الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا وعرف بهذا
توجيه أحاديث الباب ومطابقتها للترجمة واستدل بقول جابر ولا إقامة ولا شئ على أنه لا يقال
أمام صلاتها شئ من الكلام لكن روى الشافعي عن الثقة عن الزهري قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن في العيدين أن يقول الصلاة جامعة وهذا مرسل يعضده القياس
على صلاة الكسوف لثبوت ذلك فيها كما سيأتي قال الشافعي أحب أن يقول الصلاة أو الصلاة
جامعة فإن قال هلموا إلى الصلاة لم أكرهه فإن قال حي على الصلاة أو غيرها من ألفاظ الأذان
أو غيرها كرهت له ذلك واختلف في أول من حالا الأذان فيها أيضا فروى بن أبي شيبة بإسناد
صحيح عن سعيد بن المسيب أنه معاوية وروى الشافعي عن الثقة عن الزهري مثله وزاد
فأخذ به الحجاج حين أمر على المدينة وروى ابن المنذر عن حصين بن عبد الرحمن قال أول من
أحدثه زياد بالبصرة وقال الداودي أول من أحدثه مروان وكل هذا لا ينافي أن معاوية
أحدثه كما تقدم في البداءة بالخطبة وقال ابن حبيب أول من أحدثه هشام وروى ابن المنذر
عن أبي قلابة قال أول من أحدثه عبد الله بن الزبير وقد وقع في حديث الباب أن ابن عباس
أخبره أنه لم يكن يؤذن لها لكن في رواية يحيى القطان أنه لما ساء ما بينهما أذن يعني ابن الزبير
وأقام وقوله يؤذن بفتح الذال على البناء للمجهول والضمير ضمير الشأن وهشام المذكور
في الإسناد الثاني هو ابن يوسف الصنعاني (قوله قال وأخبرني عطاء) القائل هو ابن جريج
في الموضعين وهو معطوف على الإسناد المذكور وكذا قوله وعن جابر بن عبد الله معطوف
أيضا والمراد بقوله لم يكن يؤذن أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مصير من البخاري إلى أن
لهذه الصيغة حكم الرفع (قوله أول ما بويع له) أي لابن الزبير بالخلافة وكان ذلك في سنة
أربع وستين عقب موت يزيد بن معاوية وقوله وإنما الخطبة بعد الصلاة كذا للأكثر وهو
الصواب وفي رواية المستملى وأما بدل وإنما وهو تصحيف وسيأتي الكلام على بقية فوائد
حديث جابر بعد عشرة أبواب أن شاء الله تعالى (قوله باب الخطبة بعد
العيد) أي بعد صلاة العيد وهذا مما يرجح رواية الذين أسقطوا قوله والصلاة قبل الخطبة من
الترجمة التي قبل هذه وهم الأكثر وقال بن رشيد أعاد هذه الترجمة لأنه أراد أن يخص هذا
377

الحكم بترجمة اعتناء به لكونه وقع في التي قبلها بطريق التبع أه وحديث ابن عباس صريح
فيما ترجم له وسيأتي في أواخر العيدين أتم مما هنا وحديث ابن عمر أيضا صريح فيه وأما
حديث ابن عباس الثاني فمن جهة أن أمره للنساء بالصدقة كان من تتمة الخطبة كما يرشد إلى
ذلك حديث جابر الذي في الباب قبله ويحتمل أن يكون ذكره لتعلقه بصلاة العيدين في الجملة فهو
كالتتمة للفائدة وقوله فيه خرصها بضم المعجمة وحكى كسرها وسكون الراء بعدها صاد مهملة هو
الحلقه من الذهب أو الفضة وقيل هو القرط إذا كان بحبة واحدة وقوله وسخابها بكسر المهملة
ثم غدا ثم موحدة هو قلادة من عنبر أو قرنفل أو غيره ولا يكون فيه خرز وقيل هو خيط فيه
خرز وسمي سخابا لصوت خرزه عند الحركة مأخوذ من السخب وهو اختلاط الأصوات يقال
بالصاد والسين وسيأتي الكلام على بقية فوائده عند الكلام على حديث جابر بعد عشرة
أبواب ويأتي الكلام على التنفل يوم العيد بعد ذلك بستة أبواب وأما حديث البراء فظاهره
يخالف الترجمة لأن قوله أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر مشعر بأن هذا الكلام
وقع قبل إيقاع الصلاة فيستلزم تقديم الخطبة على الصلاة بناء على أن هذا الكلام من الخطبة
ولأنه عقب الصلاة بالنحر والجواب أن المراد أنه صلى الله عليه وسلم صلى العيد ثم خطب فقال
هذا الكلام وأراد بقوله أن أول ما نبدأ به أي في يوم العيد تقديم الصلاة في أي عيد كان
والتعقيب بثم لا يستلزم عدم تخلل أمر آخر بين الأمرين قال ابن بطال غلط النسائي فترجم
بحديث البراء فقال باب الخطبة قبل الصلاة قال وخفي عليه أن العرب قد تضع الفعل المستقبل
مكان الماضي وكأنه قال عليه الصلاة والسلام أول ما يكون به الابتداء في هذا اليوم الصلاة
التي قدمنا فعلها قال وهو مثل قوله تعالى وما نقموا منهم ألا أن يؤمنوا أي الإيمان المتقدم
منهم أه والمعتمد في صحة ما تأولناه رواية محمد بن طلحة عن زبيد الآتية بعد ثمانية أبواب
في هذا الحديث بعينه بلفظ خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أضحى إلى البقيع فصلى
ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وقال أن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر
الحديث فتبين أن ذلك الكلام وقع منه بعد الصلاة وقال الكرماني المستفاد من حديث
البراء أن الخطبة مقدمة على الصلاة ثم قال في موضع آخر فإن قلت فما دلالته على الترجمة
قلت لو قدم الخطبة على الصلاة لم تكن الصلاة أول ما بدئ به ولا يلزم من كون هذا الكلام
وقع قبل الصلاة أن تكون الخطبة وقعت قبلها أه وحاصله أنه يجعل الكلام المذكور سابقا
على الصلاة ويمنع كونه من الخطبة لكن قد بينت رواية محمد بن طلحة عن زبيد المذكور أن الصلاة
لم يتقدمها شئ لأنه عقب الخروج إليها بالفاء وصرح منصور في روايته عن الشعبي في هذا الحديث
بان الكلام المذكور وقع في الخطبة ولفظه عن البراء بن عازب قال خطبنا النبي صلى الله عليه
وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة فقال فذكر الحديث وقد تقدم قبل بابين ويأتي أيضا في أواخر العيد
فيتعين التأويل الذي قدمناه والله أعلم (قوله باب ما يكره من حمل السلاح في العيد
والحرم) هذه الترجمة تخالف في الظاهر الترجمة المتقدمة وهي باب الحراب والدرق يوم العيد
لأن تلك دائرة بين الإباحة والندب على ما دل عليه حديثها وهذه دائرة بين الكراهة والتحريم
لقول ابن عمر في يوم لا يحل فيه حمل السلاح ويجمع بينهما بحمل الحالة الأولى على وقوعها ممن
378

حملها بالدربة وعهدت منه السلامة من إيذاء أحد من الناس بها وحمل الحالة الثانية على وقوعها
ممن حملها بطرا وأشرا أو لم يتحفظ حال حملها وتجريدها من إصابتها أحدا من الناس ولا سيما عند
المزاحمة وفي المسالك الضيقة (قوله وقال الحسن) أي البصري (نهوا أن يحملوا السلاح يوم
عيد إلا أن يخافوا عدوا) لم أقف عليه موصولا إلا أن ابن المنذر قد ذكر نحوه عن الحسن وفيه
تقييد لإطلاق قول بن عمر أنه لا يحل وقد ورد مثله مرفوعا مقيدا وغير مقيد فروى عبد الرزاق
بإسناد مرسل قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج بالسلاح يوم العيد وروى ابن
ماجة بإسناد ضعيف عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس السلاح في بلاد
الإسلام في العيدين إلا أن الريح بحضرة العدو وهذا كله في العيد وأما في الحرم فروى مسلم من
طريق معقل بن عبيد عن أبي الزبير عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمل
السلاح بمكة (قوله أبو السكين) بالمهملة والكاف مصغرا والمحاربي هو عبد الرحمن بن محمد
لا ابنه عبد الرحيم ومحمد بن سوقة بضم السين المهملة وبالقاف تابعي صغير من أجلاء الناس
(قوله أخمص قدمه) الأخمص بإسكان الخاء المعجمة وفتح الميم بعدها الركعة باطن القدم وما رق
من أسفلها وقيل هو خصر باطنها الذي لا يصيب الأرض عند المشي (قولة بالركاب) أي
وهي في راحلته (قوله فنزعتها) ذكر الضمير مؤنثا مع أنه أعاده على السنان وهو مذكر لأنه
أراد الحديدة ويحتمل أنه أراد القدم (قوله فبلغ الحجاج) أي بن يوسف الثقفي وكان إذ ذاك
أميرا على الحجاز وذلك بعد قتل عبد الله بن الزبير (قوله فجعل يعوده) في رواية المستملى فجاء
ويؤيده رواية الإسماعيلي فأتاه (قوله لو نعلم من أصابك) في رواية أبي ذر عن الحموي
المستملى ما أصابك وحذف الجواب لدلالة السياق عليه أو هي للتمني فلا محذوف ويرجح الأول
أن ابن سعد أخرجه عن أبي نعيم عن إسحاق بن سعيد فقال فيه لو نعلم من أصابك عاقبناه وهو يرجح
رواية الأكثر أيضا وله من وجه آخر قال لو أعلم الذي أصابك لضربت عنقه (قوله أنت أصبتني)
فيه نسبة الفعل إلى الآمر بشئ يتسبب منه ذلك الفعل وان لم يعن الآمر ذلك لكن حكى
الزبير في الأنساب أن عبد الملك لما كتب إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر شق عليه فأمر رجلا
معه حربة يقال إنها كانت مسمومة فلصق ذلك الرجل به فأمر الحربة على قدمه فمرض منها أياما ثم
مات وذلك في سنة أربع وسبعين فعلى هذا ففيه نسبة الفعل إلى الآمر به فقط وهو كثير وفي هذه
القصة تعقب على المهلب حيث استدل به على سد الذرائع لأن ذلك مبنى على أن الحجاج لم يقصد
ذلك (قوله حملت السلاح) أي فتبعك أصحابك في حمله أو المراد بقوله حملت أمرت بحمله
(قوله في يوم لم يكن يحمل فيه) هذا موضع الترجمة وهو مصير من البخاري إلى أن قول الصحابي
كان يفعل كذا على البناء لما لم يسم فاعله يحكم برفعه (قوله أصابني من أمر) هذا فيه تعريض
بالحجاج ورواية سعيد بن جبير التي قبلها مصرحة بأنه الذي فعل ذلك ويجمع بينهما بتعدد الواقعة
أو السؤال فلعله عرض به أولا فلما أعاد عليه السؤال صرح وقد روى ابن سعد من وجه آخر
رجاله لا بأس بهم أن الحجاج دخل علي ابن عمر يعوده لما أصيبت رجله فقال له يا أبا عبد الرحمن هل
تدري من أصاب رجلك قال لا قال أما والله لو علمت من أصابك لقتلته قال فأطرق ابن عمر فجعل
لا يكلمه ولا يلتفت إليه فوثب كالمغضب وهذا أمرهم على أمر ثالث كأنه عرض به ثم عاوده
379

فصرح ثم عاوده فأعرض عنه (قوله يعني الحجاج) بالنصب على المفعولية وفاعله القائل وهو ابن
عمر زاد الإسماعيلي في هذه الطريق قال لو عرفناه لعاقبناه قال وذلك لأن الناس نفروا عشية
ورجل من أصحاب الحجاج عارض حربته فضرب ظهر قدم ابن عمر فأصبح وهنا منها حتى مات
* (تنبيه) * وقع في الأطراف للمزي في ترجمة سعيد بن جبير عن ابن عمر في هذا الحديث البخاري
عن أحمد بن يعقوب عن إسحاق بن سعيد وعن أبي السكين عن المحاربي كلاهما عن محمد بن
سوقة عنه به ووهم في ذلك فإن إسحق بن سعيد إنما رواه عن أبيه عن بن عمر لا عن محمد بن
سوقة وقد ذكر هو بعد ذلك في ترجمة سعيد عن ابن عمر على الصواب (قوله باب
التبكير للعيد) كذا للأكثر بتقديم الموحدة من البكور وعلى ذلك جرى شارحوه ومن
استخرج عليه ووقع للمستملي التكبير بتقديم الكاف وهو تحريف (قوله وقال عبد الله بن
بسر) يعني المازني الصحابي بن الصحابي وأبوه بضم الموحدة وسكون المهملة (قوله إن كنا
فرغنا في هذه الساعة) إن هي المخففة من الثقيلة وهذا التعليق وصله أحمد وصرح برفعه
وسياقه ثم أخرجه من طريق يزيد بن خمير وهو بالمعجمة مصغر قال خرج عبد الله بن بسر صاحب
النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام وقال إن كنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم وقد فرغنا ساعتنا هذه وكذا رواه أبو داود عن أحمد والحاكم من طريق أحمد
أيضا وصححه (قوله وذلك حين التسبيح) أي وقت صلاة السبحة وهي النافلة وذلك إذا
مضى وقت الكراهة وفي رواية صحيحة للطبراني وذلك حين تسبيح الضحى قال ابن بطال أجمع
الفقهاء على أن العيد لا تصلى قبل طلوع الشمس ولا عند طلوعها وإنما تجوز عند جواز النافلة
ويعكر عليه إطلاق من أطلق أن أول وقتها عند طلوع الشمس واختلفوا هل يمتد وقتها إلى الزوال
أو لا واستدل ابن بطال على المنع بحديث عبد الله بن بسر هذا وليس دلالته على ذلك بظاهرة ثم
أورد المصنف حديث البراء إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي وهو دال على أنه لا ينبغي
الاشتغال في يوم العيد بشئ غير التأهب الولاء والخروج إليها ومن لازمه أن لا يفعل قبلها شئ
غيرها فاقتضى ذلك التبكير إليها (قوله باب فضل العمل في أيام التشريق) مقتضى
كلام أهل اللغة والفقه أن أيام التشريق ما بعد يوم النحر على اختلافهم هل هي ثلاثة أو يومان
لكن ما ذكروه من سبب تسميتها بذلك يقتضى دخول يوم العيد فيها وقد حكى أبو عبيد أن فيه
قولين أحدهما لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي أي يقد دونها ويبرزونها للشمس
ثانيهما لأنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر فصارت تبعا ليوم النحر قال وهذا أعجب القولين إلى
وأظنه أراد ما حكاه غيره أن أيام التشريق سميت بذلك لأن صلاة العيد إنما تصلى بعد أن تشرق
الشمس وعن بن الغلام قال سميت بذلك لأن الهدايا والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس وعن
يعقوب بن السكيت قال هو من قول الجاهلية أشرق ثبيركما نغير أي ندفع لننحر انتهى وأظنهم
أخرجوا يوم العيد منها لشهرته بلقب يخصه وهو يوم العيد وإلا فهي في الحقيقة تبع له في
التسمية كما تبين من كلامهم ومن ذلك حديث على لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع أخرجه
أبو عبيد بإسناد صحيح إليه موقوفا ومعناه لا صلاة جمعة ولا صلاة عيد قال وكان أبو حنفية يذهب
بالتشريق في هذا إلى التكبير في دبر الصلاة يقول لا تكبير إلا على أهل الأمصار قال وهذا لم نجد
أحدا يعرفه ولا وافقه عليه صاحباه ولا غيرهما انتهى ومن ذلك حديث من ذبح قبل التشريق
380

أي قبل صلاة العيد فليعد رواه أبو عبيد من مرسل الشعبي ورجاله ثقات وهذا كله يدل على
أن يوم العيد من أيام التشريق والله أعلم (قوله وقال ابن عباس ويذكروا اسم الله في أيام
معلومات) كذا لأبي ذر عن الكشميهني وفي رواية كريمة وابن شبويه وقال ابن عباس واذكروا
الله إلى آخره وللحموي والمستملي ويذكروا الله في أيام معدودات واعترض عليه بأن التلاوة
ويذكروا اسم الله في أيام معلومات أو واذكروا الله في أيام معدودات وأجيب بأنه لم يقصد
التلاوة وإنما حكى كلام ابن عباس وابن عباس أراد تفسير المعدودات والمعلومات وقد وصله
عبد بن حميد من طريق عمرو بن دينار عنه وفيه الأيام المعدودات أيام التشريق والأيام
المعلومات أيام العشر وروى بن مردويه من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال الأيام المعلومات التي قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة والمعدودات أيام التشريق
إسناده صحيح وظاهره إدخال يوم العيد في أيام التشريق وقد روى بن أبي شيبة من وجه آخر عن
ابن عباس أن المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده ورجح الطحاوي هذا لقوله تعالى ويذكروا
اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإنه مشعر بأن المراد أيام النحر انتهى
وهذا لا يمنع تسمية أيام العشر معلومات ولا أيام التشريق معدودات بل تسمية أيام التشريق
معدودات متفق عليه لقوله تعالى واذكروا الله في أيام معدودات الآية وقد قيل إنها إنما سميت
معدودات لأنها إذا زيد عليها شئ عد ذلك حصرا أي في حكم حصر العدد والله أعلم (قوله وكان
ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر الخ) لم أره موصولا عنهما وقد ذكره البيهقي
أيضا معلقا عنهما وكذا البغوي وقال الطحاوي كان مشايخنا يقولون بذلك أي بالتكبير في أيام
العشر وقد اعترض على البخاري في ذكر هذا الأثر في ترجمة العمل في أيام التشريق وأجاب
الكرماني بأن عادته أن يضيف إلى الترجمة ما له بها أدنى ملابسة استطرادا انتهى والذي يظهر أنه
أراد تساوى أيام التشريق بأيام العشر لجامع ما بينهما مما يقع فيهما من أعمال الحج ويدل على
ذلك أن أثر أبي هريرة وابن عمر صريح في أيام العشر والأثر الذي بعده في أيام التشريق وسيأتي
مزيد بيان لذلك بعد قليل (قوله وكبر محمد بن علي خلف النافلة) هو أبو جعفر الباقر
وقد وصله الدارقطني في المؤتلف من طريق معن بن عيسى القزاز قال حدثنا أبو وهنة رزيق
المدني قال رأيت أبا جعفر محمد بن علي يكبر بمنى في أيام التشريق خلف النوافل وأبو وهنة
بفتح الواو وسكون الهاء بعدها نون ورزيق بتقديم الراء مصغرا وفي سياق هذا الأثر تعقب
على الكرماني حيث جعله يتعلق بتكبير أيام العشر كالذي قبله قال ابن التين لم يتابع محمدا
على هذا أحد كذا قال والخلاف ثابت عند المالكية والشافعية هل يختص التكبير
الذي بعد الصلاة في العيد بالفرائض أو يعم واختلف الترجيح عند الشافعية والراجح عند
المالكية الاختصاص (قوله عن سليمان) هو الأعمش ومسلم هو البطين بفتح الموحدة لقب
بذلك لعظم بطنه وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة فصرح بسماع الأعمش
له منه ولفظه عن الأعمش قال سمعت مسلما وهكذا رواه الثوري وأبو معاوية وغيرهما من
الحفاظ عن الأعمش وأخرجه أبو داود من رواية وكيع عن الأعمش فقال عن مسلم ومجاهد
وأبي صالح عن ابن عباس فأما طريق مجاهد فقد رواه أبو عوانة من طريق موسى بن أبي عائشة
381

عن مجاهد فقال عن ابن عمر بدل ابن عباس وأما طريق أبي صالح فقد رواه أبو عوانة أيضا من
طريق موسى بن أعين عن الأعمش فقال عن أبي صالح عن أبي هريرة والمحفوظ في هذا حديث
ابن عباس وفيه اختلاف آخر عن الأعمش رواه أبو إسحق ها عن الأعمش فقال عن أبي
وائل عن ابن مسعود أخرجه الطبراني وقد وافق الأعمش على روايته له عن مسلم البطين سلمة بن
كهيل عند أبي عوانة أيضا ورواه عن سعيد بن جبير أيضا القاسم بن أبي أيوب عند الدارمي وأبو
عوانة وأبو جرير السختياني عند أبي عوانة وعدي بن ثابت عند البيهقي وسنذكر ما في رواياتهم
من الفوائد والزوائد إن شاء الله تعالى (قوله ما العمل في أيام أفضل منها في هذه) كذا لأكثر
الرواة بالإبهام ووقع في رواية كريمة عن الكشميهني ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل
في هذه وهذا يقتضى نفى أفضلية العمل في أيام العشر على العمل في هذه الأيام إن فسرت بأنها
أيام التشريق وعلى ذلك جرى بعض شراح البخاري وحمله على ذلك ترجمة البخاري المذكورة
فزعم أن البخاري فسر الأيام المبهمة في هذا الحديث بأنها أيام التشريق وفسر العمل بالتكبير
لكونه أورد الآثار المذكورة المتعلقة بالتكبير فقط وقال ابن أبي جمرة الحديث دال على أن
العمل في أيام التشريق أفضل من العمل في غيره قال ولا يعكر على ذلك كونها أيام عيد كما تقدم
من حديث عائشة ولا ما صح من قوله عليه الصلاة والسلام أنها أيام أكل وشرب كما رواه مسلم
لأن ذلك لا يمنع العمل فيها بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى ولم يمنع فيها منها
إلا الصيام قال وسر كون العبادة فيها أفضل من غيرها أن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على
غيرها وأيام التشريق أيام غفلة في الغالب فصار للعابد فيها مزيد فضل على العابد في غيرها كمن
قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام وفي أفضلية أيام التشريق نكتة أخرى وهي أنها وقعت
فيها محنة الخليل بولده ثم من عليه بالفداء فثبت لها الفضل بذلك أه وهو توجيه حسن إلا أن
المنقول يعارضه والسياق الذي وقع في رواية كريمة شاذ مخالف لما رواه أبو ذر وهو من الحفاظ
عن الكشميهني شيخ كريمة بلفظ ما العمل في أيام أفضل منها في هذا العشر وكذا أخرجه أحمد
وغيره عن غندر عن شعبة بالإسناد المذكور ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة
فقال في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة وكذا رواه الدارمي عن سعيد بن الربيع عن شعبة
ووقع في رواية وكيع المقدم ذكرها ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام
يعني أيام العشر وكذا رواه ابن ماجة من طريق أبي معاوية عن الأعمش ورواه الترمذي من
رواية أبي معاوية فقال من هذه الأيام العشر بدون يعني وقد ظن بعض الناس أن قوله يعني
أيام العشر تفسير من بعض رواته لكن ما ذكرناه من رواية الطيالسي وغيره ظاهر في أنه من
نفس الخبر وكذا وقع في رواية القاسم بن أبي أيوب بلفظ ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم
أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى وفي حديث جابر في صحيحي أبي عوانة وابن حبان ما من أيام
أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة فظهر أن المراد بالأيام في حديث الباب أيام عشر ذي
الحجة لكنه مشكل على ترجمة البخاري بأيام التشريق ويجاب بأجوبة * أحدها أن الشئ
يشرف بمجاورته للشئ الشريف وأيام التشريق أنكر تلو أيام العشر وقد ثبتت الفضيلة لأيام
العشر بهذا الحديث فثبتت بذلك الفضيلة لأيام التشريق * ثانيها أن عشر ذي الحجة إنما
382

شرف لوقوع أعمال الحج فيه وبقيه أعمال الحج أنكر في أيام التشريق كالرمي والطواف وغير
ذلك من تتماته فصارت مشتركة معها في أصل الفضول ذلك اشتركت معها في مشروعية التكبير
في كل منها وبهذا تظهر مناسبة إيراد الآثار المذكورة في صدر الترجمة لحديث ابن عباس
كما تقدمت الإشارة إليها * ثالثها أن بعض أيام التشريق هو بعض أيام العشر وهو يوم العيد
وكما أنه خاتمة أيام العشر فهو مفتتح أيام التشريق فمهما ثبت لأيام العشر من الفضل شاركتها فيه
أيام التشريق لأن يوم العيد بعض كل منها بل هو رأس كل منها وشريفه وعظيمه وهو يوم الحج
الأكبر كما سيأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى (قوله قالوا ولا الجهاد) في رواية سلمة بن كهيل
المذكورة فقال رجل ولم أر في شئ من طرق هذا الحديث تعيين هذا السائل وفي رواية غندر
عند الإسماعيلي قال ولا الجهاد في سبيل الله مرتين وفي رواية سلمة بن كهيل أيضا حتى أعادها
ثلاثا ودل سؤالهم هذا على تقرر أفضلية الجهاد عندهم وكأنهم استفادوه من قوله صلى الله
عليه وسلم في جواب من سأله عن عمل يعدل الجهاد فقال لا أجده الحديث وسيأتي في أوائل
كتاب الجهاد من حديث أبي هريرة ونذكر هناك وجه الجمع بينه وبين هذا الحديث إن شاء الله
تعالى (قوله إلا رجل خرج) كذا للأكثر والتقدير إلا عمل رجل وللمستملي إلا من خرج (قوله
يخاطر) أي يقصد قهر عدوه ولو أدى ذلك إلى قتل نفسه (قوله فلم يرجع بشئ) أي فيكون
أفضل من العامل في أيام العشر أو مساويا له قال ابن بطال هذا اللفظ يحتمل أمرين أن لا يرجع
بشئ من ماله وإن رجع هو وأن لا يرجع هو ولا ماله بأن يرزقه الله الشهادة وتعقبه الزين بن المنير
بأن قوله فلم يرجع بشئ يستلزم أنه يرجع بنفسه ولا بد أه وهو تعقب مردود فإن قوله فلم يرجع
بشئ نكرة في سياق النفي فتعم ما ذكر وقد وقع في رواية الطيالسي وغندر وغيرهما عن شعبة
وكذا في أكثر الروايات التي ذكرناها فلم يرجع من ذلك بشئ والحاصل أن نفى الرجوع بالشئ
لا يستلزم إثبات الرجوع بغير شئ بل هو على الاحتمال كما قال ابن بطال ويدل على الثاني وروده
بلفظ يقتضيه فعند أبي عوانة من طريق إبراهيم بن حميد عن شعبة بلفظ إلا من عقر جواده
واهريق دمه وعنده في رواية القاسم بن أبي أيوب إلا من لا يرجع بنفسه ولا ماله وفي طريق
سلمة بن كهيل فقال لا إلا أن لا يرجع وفي حديث جابر إلا من عفر وجهه في التراب فظهر بهذه
الطرق ترجيح ما رده والله أعلم وفي الحديث تعظيم قدر الجهاد وتفاوت درجاته وأن الغاية
القصوى فيه بذلك النفس لله وفيه تفضيل بعض الأزمنة على بعض كالأمكنة وفضل أيام عشر
ذي الحجة على غيرها من أيام السنة وتظهر فائدة ذلك فيمن نذر الصيام أو علق وعملا من الأعمال
بأفضل الأيام فلو أفرد يوما منها تعين يوم عرفة لأنه على الصحيح أفضل أيام العشر المذكور فإن
أراد أفضل أيام الأسبوع تعين يوم الجمعة جمعا بين حديث الباب وبين حديث أبي هريرة مرفوعا
خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة رواه مسلم أشار إلى ذلك كله النووي في شرحه وقال
الداودي لم يرد عليه الصلاة والسلام أن هذه الأيام خير من يوم الجمعة لأنه قد يكون فيها يوم
الجمعة يعني فيلزم تفضيل الشئ على نفسه وتعقب بأن المراد أن كل يوم من أيام العشر أفضل من
غيره من أيام السنة سواء كان يوم الجمعة أم لا ويوم الجمعة فيه أفضل في غيره
لاجتماع الفضلين فيه واستدل به على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل
383

واستشكل بتحريم الصوم يوم العيد وأجيب بأنه أمرهم على الغالب ولا يرد على ذلك ما رواه أبو
داود وغيره عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط لاحتمال أن
يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته كما رواه
الصحيحان من حديث عائشة أيضا والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان
اجتماع أمهات العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيره وعلى
هذا هل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم فيه احتمال وقال ابن بطال وغيره المراد بالعمل في
أيام التشريق التكبير فقط لأنه ثبت أنها أيام أكل وشرب وبعال وثبت تحريم صومها وورد
فيه إباحة اللهو بالحراب ونحو ذلك فدل على تفريغها لذلك مع الحض على الذكر المشروع
منه فيها التكبير فقط ومن ثم اقتصر المصنف على إيراد الآثار المتعلقة بالتكبير وتعقبه الزين
ابن المنير بأن العمل إنما يفهم منه عند إطلاقه العبادة وهي لا تنافى استيفاء حظ النفس من
الأكل وسائر ما ذكر فإن ذلك لا يستغرق اليوم والليلة وقال الكرماني الحث على العمل في
أيام التشريق لا ينحصر في التكبير بل المتبادر إلى الذهن منه أنه المناسك من الرمي وغيره الذي
يجتمع مع الأكل والشرب قال مع أنه لو حمل على التكبير وحده لم يبق لقول المصنف بعده باب
التكبير أيام منى معنى ويكون تكرارا محضا أه والذي يجتمع مع الأكل والشرب لكل أحد
من العبادة هو الذكر المأمور به وقد فسر بالتكبير كما قال ابن بطال وأما المناسك فمختصة بالحاج
وجزمه بأنه تكرار متعقب أن الترجمة الأولى لفضل التكبير والثانية لمشروعيته وصفته أو أراد
تفسير العمل المجمل في الأولى بالتكبير المصرح به في الثانية فلا تكرار وقد وقع في رواية ابن عمر
من الزيادة في آخره فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد والتكبير وللبيهقي في الشعب من طريق عدي
ابن ثابت في حديث ابن عباس فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير وهذا يؤيد ما ذهب إليه
ابن بطال وفي رواية عدي من الزيادة وأن صيام يوم منها يعدل صيام سنة والعمل بسبعمائة
ضعف وللترمذي من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة يعدل صيام كل يوم منه بصيام سنة
وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر لكن إسناده ضعيف وكذا الإسناد إلى عدي بن ثابت والله
أعلم (قوله باب التكبير أيام منى) أي يوم العيد والثلاثة بعده وقوله وإذا
غدا إلى عرفة أي صبح يوم التاسع قال الخطابي حكمة التكبير في هذه الأيام أن الجاهلية كانوا
يذبحون لطواغيتهم فيها فشرع التكبير فيها إشارة إلى تخصيص الذبح له وعلى اسمه عز وجل
(قوله وكان عمر يكبر في قبته بمنى الخ) وصله سعيد بن منصور من رواية عبيد بن عمير قال كان
عمر يكبر في قبته بمنى ويكبر أهل المسجد ويكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيرا ووصله أبو
عبيد من وجه آخر بلفظ التعليق ومن طريقه البيهقي وقوله ترتج بتثقيل الجيم أي تضطرب
وتتحرك وهي مبالغة في اجتماع رفع الأصوات (قوله وكان ابن عمر الخ) وصله ابن المنذر
والفاكهي في أخبار مكة من طريق ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر فذكره سواء والفسطاط
بضم الفاء ويجوز كسرها ويجوز مع ذلك بالمثناة بدل الطاء وبادغامها في السين فتلك ست
لغات وقوله فيه وتلك الأيام جميعا أراد بذلك التأكيد ووقع في رواية أبي ذر بدون واو على أنها
ظرف لما تقدم ذكره (قوله وكانت ميمونة) أي بنت الحرث زوج النبي صلى الله عليه وسلم ولم
384

أقف على أثرها هذا موصولا (قوله وكان النساء) في رواية غير أبي ذر وكن النساء وهي على اللغة
القليلة وأبان المذكور هو ابن عثمان بن عفان وكان أميرا على المدينة في زمن ابن عم أبيه عبد الملك
ابن مروان وقد وصل هذا الأثر أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب العيدين وحديث أم عطية في الباب
سلفهن في ذلك وقد اشتملت هذه الآثار على وجود التكبير في تلك الأيام عقب الصلوات وغير
ذلك من الأحوال وفيه اختلاف بين العلماء في مواضع فمنهم من قصر التكبير على أعقاب
الصلوات ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل ومنهم من خصه بالرجال دون النساء
وبالجماعة دون المنفرد وبالمؤداة دون المقضية وبالمقيم دون المسافر وبساكن المصر دون القرية
وظاهر اختيار البخاري شمول ذلك للجميع والآثار التي ذكرها تساعده وللعلماء اختلاف أيضا
في ابتدائه وانتهائه فقيل من صبح يوم عرفة وقيل من ظهره وقيل من عصره وقيل من صبح يوم
النحر وقيل من ظهره وقيل في الانتهاء إلى ظهر يوم النحر وقيل إلى عصره وقيل إلى ظهر ثانيه
وقيل إلى صبح آخر أيام التشريق وقيل إلى ظهره وقيل إلى عصره حكى هذه الأقوال كلها
النووي إلا الثاني من الانتهاء وقد رواه البيهقي عن أصحاب بن مسعود ولم يثبت في شئ من ذلك
عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول على وابن مسعود إنه من
صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى أخرجه بن المنذر وغيره والله أعلم وأما صيغة التكبير فأصح
ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال كبروا الله الله أكبر الله أكبر الله أكبر
كبيرا ونقل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه جعفر الفريابي في كتاب
العيدين من طريق يزيد بن أبي زياد عنهم وهو قول الشافعي وزاد ولله الحمد وقيل يكبر ثلاثا ويزيد
لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخره وقيل يكبر ثنتين بعدهما لا إله الا الله والله أكبر الله
أكبر ولله الحمد جاء ذلك عن عمر وعن ابن مسعود نحوه وبه قال أحمد وإسحق وقد حالا في هذا
الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها (قوله سألت أنسا) في رواية أبي ذر سألت أنس بن مالك (قوله
ويكبر المكبر فلا ينكر عليه) هذا موضع الترجمة وهو متعلق بقوله فيها وإذا غدا إلى عرفة وظاهره
أن أنسا احتج به على جواز التكبير في موضع التلبية ويحتمل أن يكون من كبر أضاف التكبير إلى
التلبية وسيأتي بسط الكلام عليه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا محمد حدثنا عمر
ابن حفص) كذا في بعض النسخ عن أبي ذر وكذلك كريمة وأبي الوقت حدثنا محمد غير منسوب
وسقط من رواية بن شبويه وابن السكون أبي زيد المروزي وأبي أحمد الجرجاني ووقع في
رواية الأصيلي عن بعض مشايخه حدثنا محمد البخاري فعلى هذا لا واسطة بين البخاري وبين
عمر بن حفص فيه وقد حدث البخاري عنه بالكثير بغير واسطة وربما أدخل بينه وبينه
الواسطة أحيا الراجح سقوط الواسطة بينهما في هذا الإسناد وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج
ووقع في حاشية بعض النسخ لأبي ذر محمد هذا يشبه أن يكون هو الذهلي فالله أعلم وعاصم
المذكور في الإسناد هو بن سليمان وحفصة هي بنت سيرين وسيأتي الكلام على المتن بعد سبعة
أبواب وسبق بعضه في كتاب الحيض وموضع الترجمة منه قوله ويكبرن بتكبيرهم لأن ذلك
في يوم العيد وهو من أيام منى ويلتحق به بقية الأيام لجامع ما بينهما من كونهن أياما معدودات
وقد ورد الأمر بالذكر فيهن (قوله كنا نؤمر) كذا فهذه وسيأتي قريبا بلفظ أمرنا نبينا (قوله
حتى تخرج) بضم النون وحتى للغاية والتي بعدها للمبالغة (قوله من خدرها) بكسر المعجمة
385

أي سترها وفي رواية الكشميهني من خدرتها بالتأنيث وقوله في آخره وطهرته بضم الطاء
المهملة وسكون الهاء لغة في الطهارة والمراد بها التطهر من الذنوب (قوله فيكبرن بتكبيرهم)
ذكر التكبير في حديث أم عطية من هذا الوجه من غرائب الصحيح وقد أخرجه مسلم أيضا
(قوله باب الصلاة إلى الحربة) زاد الكشميهني يوم العيد وقد تقدمت هذه
الترجمة بهذا الحديث دون زيادة الكشميهني في أبواب السترة وعبد الوهاب المذكور هنا هو ابن
عبد المجيد الثقفي (قوله باب حمل العنزة أو الحربة بين يدي الإمام) أورد فيه
حديث ابن عمر المذكور من وجه آخر وكأنه أفرد له ترجمة ليشعر بمغايرة الحكم لأن الأولى
تبين أن سترة المصلي لا يشترط فيها أن توارى جسده والثانية تثبت مشروعية المشي بين يدي
الإمام بآلة من السلاح ولا يعارض ذلك ما تقدم من النهى عن حمل السلاح يوم العيد لأن
ذلك إنما هو عند خشية التأذي كما تقدم قريبا والوليد المذكور هنا هو ابن مسلم وقد صرح
بتحديث الأوزاعي له وبتحديث نافع للأوزاعي فأمن تدليس الوليد وتسويته وليس للأوزاعي
عن نافع عن ابن عمر موصولا في الصحيح غير هذا الحديث أشار إلى ذلك القدرة وقد تقدم الكلام
على المتن في باب سترة الإمام مستوفى بحمد الله تعالى (قوله باب خروج النساء
والحيض إلى المصلى) أي يوم العيد (قوله حدثنا حماد) كذا لكريمة ونسبه الباقون ابن زيد
(قوله أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم) كذا لأبي ذر عن الحموي والمستملي وللباقين أمرنا بضم
الهمزة وحذف لفظ نبينا ووقع لمسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد قالت أمرنا تعني النبي
صلى الله عليه وسلم وفي رواية سليمان بن حرب عن حماد عند الإسماعيلي قالت أمرنا بأبا بكسر
الموحدة بعدها همزة مفتوحة ثم موحدة ممالة وعلى هذا فكأنه كان في رواية الحجي كذلك
لكن بإبدال الهمزة ياء تحتانية فتصير صورتها وتأوى فكأنها تصحفت فصارت نبينا وأضاف إليها
بعض الكتاب الصلاة بعد التصحيف وأما رواية مسلم فكأنها كانت أمرنا على البناء كما وقع عند
الكشميهني وغيره فأفصح بعض الرواة بتسمية الأمر والله أعلم وإنما قلت ذلك لأن سليمان بن
حرب أثبت الناس في حماد بن زيد وقد تقدم معنى قول أم عطية معبد في كتاب الحيض (قوله وعن
أيوب) هو معطوف على الإسناد المذكور والحاصل أن أيوب حدث به حمادا عن محمد عن أم
عطية وعن حفصة عن أم عطية أيضا وقد وقع ذلك صريحا في رواية سليمان بن حرب المذكورة
ورواه أبو داود عن محمد بن عبد الله وأبو يعلى عن أبي الربيع كلاهما عن حماد عن أيوب عن
محمد عن أم عطية وعن أيوب عن حفصة عن امرأة تحدث عن امرأة أخرى وزاد أبو الربيع في
رواية حفصة ذكر الجلباب وتبين بذلك أن سياق محمد بن سيرين مغاير لسياق حفصة إسنادا أو متنا
ولم يصب من حمل إحدى الكلب على الأخرى وسيأتي الكلام على الجلباب وعلى بقية فوائد
هذا الحديث بعد أربعة أبواب إن شاء الله تعالى (قوله باب خروج الصبيان
إلى المصلى) أي في الأعياد وإن لم يصلوا قال الزين بن المنير آثر المصنف في الترجمة قوله إلى المصلى
على قوله صلاة العيد ليعم من يتأتى منه الصلاة ومن لا يتأتى (قوله عن عبد الرحمن بن عابس)
بموحدة مكسورة ثم الركعة وصرح يحيى القطان عن الثوري بأن عبد الرحمن المذكور حدثه كما
سيأتي بعد باب (قوله خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى) ليس في هذا السياق
386

بيان كونه كان صبيا حينئذ ليطابق الترجمة لكن جرى المصنف على عادته في الإشارة إلى ما ورد
في بعض طرق الحديث الذي يورده فسيأتي بعد باب بلفظ ولولا مكاني من الصغر ما شهدته ويأتي
بقية الكلام عليه في الباب المذكور إن شاء الله تعالى وقوله يوم فطر أو أضحى شك من الراوي
عن ابن عباس وسيأتي بعد بابين من وجه آخر عن ابن عباس الجزم بأنه يوم الفطر (قوله
باب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد) قال الزين بن المنير ما حاصله إن إعادة هذه
الترجمة بعد أن تقدم نظيرها في الجمعة لرفع احتمال من يتوهم أن العيد يخالف الجمعة في ذلك
وأن استقبال الإمام في الجمعة يكون ضروريا لكونه يخطب على منبر بخلاف العيد فإنه
يخطب فيه على رجليه كما تقدم في باب خطبة العيد فأراد أن يبين أن الاستقبال سنة على كل حال
(قوله قال أبو سعيد قام النبي صلى الله عليه وسلم مقابل الناس) هو طرف من حديث وصله
المصنف في باب الخروج إلى المصلى وقد تقدم قبل عشرة أبواب بلفظ ثم ينصرف فيقوم مقابل
الناس وفي رواية مسلم قال فأقبل على الناس الحديث (قوله في حديث البراء فإنه شئ عجله لأهله)
في رواية المستملى فإنما هو شئ وقوله فيه ولا تفي عن أحد بعدك كذا للمستملي والحموي بفاء
وللكشميهني والباقين ولا تغنى بالغين المعجمة والنون وضم أوله والمعنى متقارب وسيأتي الكلام
عليه مستوفى في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى وموضع الترجمة منه قوله ثم أقبل علينا بوجهه
(قوله باب العلم الذي بالمصلى) تقدم في باب الخروج إلى المصلى بغير منبر
التعريف بمكان المصلى وأن تعريفه بكونه عند دار كثير بن الصلت على سبيل التقريب
للسامع وإلا فدار كثير بن الصلت محدثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وظهر من هذا الحديث
أنهم جعلوا لمصلاه شيئا يعرف به وهو المراد بالعلم وهو بفتحتين الشئ الشاخص (قوله ولولا مكاني
من الصغر ما شهدته) أي حضرته وهذا مفسر للمراد من قوله في باب وضوء الصبيان ولولا مكاني
منه ما شهدته فدل هذا على أن الضمير في قوله منه يعود على غير مذكور وهو الصغر ومشى
بعضهم على ظاهر ذلك السياق فقال إن الضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى ولولا
منزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم ما شهدت معه العيد وهو متجه لكن هذا السياق يخالفه
وفيه نظر لأن الغالب أن الصغر في مثل هذا يكون مانعا لا مقتضيا فلعل فيه تقديما وتأخيرا
ويكون قوله من الصغر متعلقا بما بعده فيكون المعنى لولا منزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم
ما حضرت لأجل صغرى ويمكن حمله على ظاهره وأراد بشهود ما وقع من وعظه للنساء لأن
الصغر يقتضى أن يغتفر له الحضور معهن بخلاف الكبر قال بن بطال خروج الصبيان للمصلى
إنما هو إذا كان الصبي ممن يضبط نفسه عن اللعب ويعقل الصلاة ويتحفظ مما يفسدها ألا ترى
إلى ضبط ابن عباس القصة أه وفيه نظر لأن مشروعية إخراج الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرك
وإظهار شعار الإسلام بكثرة من يحضر منهم ولذلك شرع للحيض كما سيأتي فهو شامل لمن تقع
منهم الصلاة أو لا وعلى هذا إنما يحتاج أن يكون مع الصبيان من يضبطهم عما ذكر من اللعب
ونحوه سواء صلوا أم لا وأما ضبط ابن عباس القصة فلعله كان لفرط ذكائه والله أعلم (قوله حتى
أتى العلم) كذا وقع في هذه الرواية ذكر الغاية بغير ابتداء والمعنى خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم أو شهدت الخروج معه حتى أتى وكأنه حذف لدلالة السياق عليه (قوله ثم أتى النساء)
387

يشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطات بهم (قوله ومعه بلال) فيه أن الأدب
في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكم أن لا يحضر من الرجال إلا من تدعو الحاجة إليه من
شاهد ونحوه لأن بلالا كان خادم النبي صلى الله عليه وسلم ومتولي قبض الصدقة وأما ابن عباس
فقد تقدم أن ذلك اغتفر له بسبب صغره (قوله يهوين) بضم أوله أي يلقين وقوله يقذفنه أي
يلقين الذي يهوين به وقد فسره في الباب الذي يليه من طريق أخرى من حديث ابن عباس
أيضا وسياقه أتم * (تنبيه) * وقع في رواية أبي على الكشاني عقب هذا الحديث قال محمد بن كثير
العلم انتهى وقد وصل المؤلف طريق ابن كثير هذا في كتاب الاعتصام فقال حدثنا محمد بن كثير
حدثنا سفيان فذكره ولما أخرج البيهقي طريق ابن كثير هذا من العيدين قال أخرجه البخاري
فقال وقال ابن كثير فكأنه أشار إلى هذه الرواية ولم يستحضر الطريق التي في الاعتصام
(قوله باب موعظة الإمام النساء يوم العيد) أي إذا لم يسمعن الخطبة مع الرجال
(قوله حدثني إسحاق بن إبراهيم بن نصر) نسب في رواية الأصيلي إلى جده فقال إسحق بن نصر (قوله ثم خطب فلما فرغ نزل) فيه إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على مكان مرتفع
لما يقتضيه قوله نزل وقد تقدم في باب الخروج إلى المصلى أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب في
المصلى على الأرض فلعل الراوي ضمن النزول معنى الانتقال وزعم عياض أن وعظه للنساء
كان في أثناء الخطبة وأن ذلك كان في أول الإسلام وأنه خاص به صلى الله عليه وسلم وتعقبه
النووي بهذه الرواية المصرحة بأن ذلك كان بعد الخطبة وهو قوله فلما فرغ نزل فأتى النساء
والخصائص لا تثبت بالاحتمال (قوله قلت لعطاء) القائل هو ابن جريج وهو موصول بالإسناد
المذكور وقد تقدم الحديث من وجه آخر عن ابن جريج في باب المشي بدون هذه الزيادة ودل
هذا السؤال على أن ابن جريج فهم من قوله الصدقة أنها صدقة الفطر بقرينة كونها يوم الفطر
وأخذ من قوله وبلال باسط ثوبه لأنه يشعر بأن الذي يلقى فيه شئ يحتاج إلى ضم فهو لائق
بصدقة الفطر المقدرة بالكيل لكن بين له عطاء أنها كانت صدقة تطوع وأنها كانت مما لا يجزئ
في صدقة الفطر من خاتم ونحوه (قوله تلقى) أي المرأة والمراد جنس النساء ولذلك عطف عليه
بصيغة الجمع فقال ويلقين أو المعنى تلقى الواحدة وكذلك الباقيات يلقين (قوله فتخها) بفتح الفاء
والمثناة من فوق وبالخاء المعجمة كذا للأكثر وللمستملي والحموي فتختها بالتأنيث وسيأتي تفسيره
قريبا وحذف مفعول يلقين اكتفاء وكرر الفعل المذكور في رواية مسلم إشارة إلى التنويع
وسيأتي في حديث ابن عباس بلفظ فيلقين الفتخ والخواتم (قوله قلت) القائل أيضا ابن جريج
والمسؤول عطاء وقوله إنه لحق عليهم ظاهره أن عطاء كان يرى وجوب ذلك ولهذا قال عياض لم
يقل بذلك غيره وأما النووي فحمله على الاستحباب وقال لا مانع من القول به إذا لم يترتب على
ذلك مفسدة (قوله قال ابن جريج وأخبرني الحسن بن مسلم) هو معطوف على الإسناد الأول
وقد أفرد مسلم الحديث من طريق عبد الرزاق وساق الثاني قبل الأول فقدم حديث ابن عباس
على حديث جابر وقد تقدم من وجه آخر عن ابن جريج مختصرا في باب الخطبة (قوله خرج
النبي صلى الله عليه وسلم) كذا فيه بغير أداة عطف وسيأتي في باب تفسير الممتحنة من وجه آخر
عن ابن جريج بلفظ فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم وكذا لمسلم من طريق عبد الرزاق هذه وقوله
388

ثم يخطب بضم أوله على البناء للمجهول (قوله حين يجلس) بتشديد اللام المكسورة وحذف
مفعوله وهو ثابت في رواية مسلم بلفظ يجلس الرجال بيده وكأنهم لما انتقل عن مكان خطبته
أرادوا الانصراف فأمرهم بالجلوس حتى يفرغ من حاجته ثم ينصرفوا جميعا أو لعلهم أرادوا
أن يتبعوه فمنعهم فيقوى البحث الماضي في آخر الباب الذي قبله (قوله فقالت امرأة واحدة
منهن لم يجبه غيرها نعم) زاد مسلم يا نبي الله وفيه دلالة على الاكتفاء في الجواب بنعم وتنزيلها
منزلة الإقرار وأن جواب الواحد عن الجماعة كاف إذا لم ينكروا ولم يمنع مانع من انكارهم
(قوله لا يدري حسن من هي) حسن هو الراوي له عن طاوس ووقع في مسلم وحده لا يدري
حينئذ وجزم جمع من الحفاظ بأنه تصحيف ووجهه النووي بأمر محتمل لكن اتحاد المخرج دال
على ترجيح رواية الجماعة ولا سيما وجود هذا الموضع في مصنف عبد الرزاق الذي أخرجناه من
طريقه كما في البخاري موافقا لرواية الجماعة والفرق بين الكلب أن في رواية الجماعة تعيين الذي
لم يدر من المرأة بخلاف رواية مسلم ولم أقف على تسمية هذه المرأة إلا أنه يختلج في خاطري أنها
أسماء بنت يزيد بن السكن التي تعرف بخطيبة النساء فإنها روت أصل هذه القصة في حديث
أخرجه البيهقي والطبراني وغيرهما من طريق شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم خرج إلى النساء وأنا معهن فقال يا معشر النساء إنكن أكثر حطب جهنم
فناديت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت عليه فهلكنا لم يا رسول الله قال لأنكن تكثرن
اللعن وتكفرن العشير الحديث فلا يبعد أن تكون هي التي أجابته أولا بنعم فإن القصة واحدة
فلعل بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر كما في نظائره والله أعلم وقد روى الطبراني من وجه آخر
عن أم سلمة الأنصارية وهي أسماء المذكورة أنها كانت في النسوة اللاتي أخذ عليهن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما أخذ الحديث ولابن سعد من حديثها أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق الآية (قوله قال فتصدقن) هو فعل أمر لهن بالصدقة
والفاء سببية أو داخلة على جواب شرط محذوف تقديره إن كنتن على ذلك فتصدقن ومناسبته
للآية من فقوله ولا يعصينك في معروف فإن ذلك من جملة المعروف الذي أمرن به (قوله ثم قال
هلم) القائل هو بلال وهو على اللغة الفصحى في التعبير بها للمفرد والجمع (قوله لكن) بضم
الكاف وتشديد النون وقوله فدا بكسر الفاء والقصر (قوله قال عبد الرازق الفتخ الخواتيم
العظام كانت في الجاهلية) لم يذكر عبد الرزاق في أي شئ كانت تلبس وقد ذكر ثعلب أنهن كن
يلبسنها في أصابع الأرجل أه ولهذا عطف عليها الخواتيم لأنها عند الإطلاق تنصرف إلى
ما يلبس في الأيدي وقد وقع في بعض طرقه عند مسلم هنا ذكر الخلاخيل وحكى عن الأصمعي أن
الفتخ الخواتيم التي لا فصوص لها فعلى هذا هو من عطف الأعم على الأخص وفي هذا الحديث
من الفوائد أيضا استحباب وعظ النساء وتعليمهن أحكام الإسلام وتذكيرهن بما يجب عليهن
ويستحب حثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد ومحل ذلك كله إذا أمن الفتنة
والمفسدة وفيه خروج النساء إلى المصلى كما سيأتي في الباب الذي بعده وفيه جواز التفدية بالأب
والأم وملاطفة العامل على الصدقة بمن يدفعها إليه واستدل به على جواز صدقة المرأة من مالها
من غير توقف على إذن زوجها أو على مقدار معين من مالها كالثلث خلافا لبعض المالكية
389

ووجه الدلالة من القصة ترك الاستفصال عن ذلك كله قال القرطبي ولا يقال في هذا إن
أزواجهن كانوا حضورا لأن ذلك لم ينقل ولو نقل فليس فيه تسليم أزواجهن لهن ذلك لأن من
ثبت له الحق فالأصل بقاؤه حتى يصرح بإسقاطه ولم ينقل أن القوم صرحوا بذلك أه وأما
كونه من الثلث فما دونه ثبت أنهن لا يجوز لهن التصرف فيما زاد على الثلث لم يكن في هذه
القصة ما يدل على جواز الزيادة وفيه أن الصدقة من دانه العذاب لأنه أمرهن بالصدقة ثم
علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك كما تقدم في كتاب الحيض من
حديث أبي سعيد ووقع نحوه عند مسلم من وجه آخر في حديث جابر وعند البيهقي من حديث
أسماء بنت يزيد كما تقدمت الإشارة إليه وفيه بذل النصيحة والإغلاظ بها لمن احتيج في حقه إلى
ذلك والعناية بذكر ما يحتاج إليه لتلاوة آية الممتحنة لكونها خاصة بالنساء وفيه جواز طلب
الصدقة من الأغنياء للمحتاجين ولو كان الطالب غير محتاج وأخذ منه الصوفية جواز
ما اصطلحوا عليه من الطلب ولا يخفى ما يشترط فيه من أن المطلوب له أيكون غير قادر على
التكسب مطلقا أو لما لا بد له منه وفي مبادرة تلك النسوة إلى الصدقة بما يعز عليهن من حليهن
مع ضيق الحال في ذلك الوقت دلالة على رفيع مقامهن في الدين وحرصهن على امتثال أمر
الرسول صلى الله عليه وسلم ورضى عنهن وقد تقدمت بقية فوائد هذا الحديث في كتاب الحيض
(قوله باب إذا لم يكن لها جلباب) بكسر الجيم وسكون اللام وموحدتين تقدم
تفسيره في كتاب الحيض في باب شهود الحائض العيدين قال الزين بن المنير لم يذكر جواب الشرط
في الترجمة حوالة على ما ورد في الخبر أه والذي يظهر لي أنه حذفه لما فيه من الاحتمال فقد
تقدم في الباب المذكور أنه يحتمل أن يكون للجنس أي تعيرها من جنس ثيابها ويؤيده رواية
ابن خزيمة من تنهره وللترمذي والوابل أختها من تنهره والمراد بالأخت الصاحبة ويحتمل
أن يكون المراد تشركها معها في ثوبها ويؤيده رواية أبي داود تلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها
يعني إذا كان واسعا ويحتمل أن يكون المراد بقوله ثوبها جنس الثياب فيرجع للأول ويؤخذ منه
جواز اشتمال المرأتين في ثوب واحد عند التستر وقيل أنه ذكر على سبيل المبالغة أي يخرجن على
كل حال ولو اثنتين في جلباب (قوله قالت نعم بأبا) بموحدتين بينهما همزة مفتوحة والثانية خفيفة
وفي رواية كريمة وأبي الوقت معبد بكسر الثانية على الأصل أي أفديه معبد وقد تقدم في الباب
المذكور بلفظ بيبى بإبدال الهمزة ياء تحتانية ووقع عند أحمد من طريق حفصة عن أم عطية
قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معبد وأمي (قوله لتخرج العواتق ذوات الخدور) كذا
للأكثر على أنه صفته وللكشميهني (أو قال العواتق وذوات الخدور شك أيوب) يعني هل هو بواو
العطف أولا وقد تقدم نحوه في الباب المذكور (قوله فقلت لها) القائلة المرأة والمقول لها أم
عطية ويحتمل أن تكون القائلة حفصة والمقول لها المرأة وهي أخت أم عطية والأول أرجح
والله أعلم (قوله باب اعتزال الحيض المصلى) مضمون هذه الترجمة بعض
ما تضمنه الحديث الذي في الباب الماضي وكأنه أعاد هذا الحكم للاهتمام به وقد تقدم مضموما
إلى الباب المذكور في كتاب الحيض (قوله عن ابن عون) هو عبد الله ومحمد هو ابن سيرين وقد
390

شك ابن عون في العواتق كما شك أيوب في الذي قبله ووقفي رواية منصور بن زاذان عن ابن
سيرين عند الترمذي تخرج الأبكار والعواتق وذوات الخدور وفي هذا الحديث من الفوائد
جواز مداواة المرأة للرجال الأجانب إذا كانت بإحضار الدواء مثلا والمعالجة بغير مباشرة
إلا إن احتيج إليها عند أمن الفتنة وفيه أن من شأن العواتق والمخدرات عدم البروز إلا فيما
أذن لهن فيه وفيه استحباب إعداد الجلباب للمرأة ومشروعية عارية الثياب واستدل به
على وجوب صلاة العيد وفيه نظر لأن من جملة من أمر بذلك من ليس بمكلف فظهر أن القصد
منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع ولتعم الجميع البركة والله أعلم وفيه
استحباب خروج النساء إلى شهود العيدين سواء كن شواب أم لا وذوات هيئات أم لا
وقد اختلف فيه السلف ونقل عياض وجوبه عن أبي بكر وعلى وابن عمر والذي وقع لنا
عن أبي بكر وعلى ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عنهما سوة على كل ذات نطاق الخروج
إلى العيدين وقد ورد هذا مرفوعا بإسناد لا بأس به أخرجه أحمد وأبو يعلى وابن المنذر
من طريق امرأة من عبد القيس عن أخت عبد الله بن رواحة به والمرأة لم تسم والأخت
اسمها عمرة صحابية وقوله حق يحتمل الوجوب ويحتمل تأكد الاستحباب روى ابن أبي شيبة
أيضا عن ابن عمر أنه كان يخرج إلى العيدين من استطاع من أهله وهذا ليس صريحا في
الوجوب أيضا بل قد روى عن ابن عمر المنع فيحتمل أن يحمل على حالين ومنهم من حمله
على الندب وجزم بذلك الجرجاني من الشافعية وابن حامد من الحنابلة ولكن نص
الشافعي في الأم يقتضى استثناء ذوات الهيئات قال وأحب شهود العجائز وغير ذوات الهيئة
الصلاة وإنا لشهودهن الأعياد أشد استحبابا وقد سقطت واو العطف من رواية المزني في
المختصر فصارت غير ذوات الهيئة صفة مشى على ذلك صاحب النهاية ومن تبعه وفيه
ما فيه بل قد روى البيهقي في المعرفة عن الربيع قال قال الشافعي قد روى حديث فيه أن
النساء يتركن إلى العيدين فإن كان ثابتا قلت به قال البيهقي قد ثبت وأخرجه الشيخان يعني
حديث أم عطية هذا فيلزم الشافعية القول به ونقله بن الرفعة عن البندنيجي وقال إنه ظاهر
كلام التنبيه وقد ادعى بعضهم النسخ فيه قال الطحاوي وأمره عليه السلام بخروج الحيض
وذوات الخدور إلى العيد يحتمل أن يكون في أول الإسلام والمسلمون قليل فأريد التكثير
بحضورهن إرهابا للعدو وأما اليوم فلا يحتاج إلى ذلك وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال قال
الكرماني تاريخ الوقت لا يعرف (قلت) بل هو معروف بدلالة حديث ابن عباس أنه شهده
وهو صغير وكان ذلك بعد فتح مكة فلم يتم مراد الطحاوي وقد صرح في حديث أم عطية بعلة
الحكم وهو شهودهن الخير ودعوة المسلمين ورجاء بركة ذلك اليوم وطهرته وقد أفتت به أم عطية
بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة كما في هذا الحديث ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفتها في ذلك
وأما قول عائشة لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما حالا النساء لمنعهن المساجد فلا يعارض
ذلك لندوره إن سلمنا أن فيه دلالة على أنها أفتت بخلافه مع أن الدلالة منه بأن عائشة أفتت بالمنع
ليست صريحة وفي قوله ارهابا للعدو نظر لأن الاستنصار بالنساء والتكثر بهن في الحرب دال على
الضعف والأولى أن يخص ذلك بمن يؤمن عليها وبها الفتنة ولا يترتب على حضورها محذور
391

ولا تزاحم الرجال في الطرق ولا في المجامعة وقد تقدمت بقية فوائد هذا الحديث في الباب المشار
إليه من كتاب الحيض (قوله باب النحر والذبح بالمصلى يوم النحر) أورد فيه
حديث ابن عمر في ذلك قال الزين بن المنير عطف الذبح على النحر في الترجمة وإن كان حديث
الباب ورد بأو المقتضية للتردد إشارة إلى أنه لا يمتنع أن يجمع يوم النحر بين نسكين أحدهما مما
ينحر والأخر مما يذبح وليفهم اشتراكهما في الحكم انتهى ويحتمل أن يكون أشار إلى أنه ورد
في بعض طرقه بواو الجمع كما سيأتي في كتاب الأضاحي ويأتي الكلام هناك على فوائده إن شاء الله
تعالى (قوله باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد وإذا سئل الإمام عن شئ
وهو يخطب) في هذه الترجمة حكمان وظن بعضهم أن فيها تكرارا وليس كذلك بل الأول أعم
من الثاني ولم يذكر المصنف الجواب استغناء بما في الحديث ووجهه من حديث البراء أن المراجعة
الصادرة بين أبي بردة وبين النبي صلى الله عليه وسلم دالة على الحكم الأول وسؤال أبي بردة عن
حكم العناق دال على الحكم الثاني (قوله عن الأسود) هو ابن قيس لا بن يزيد لأن شعبة لم
يلحق ابن يزيد وجندب هو ابن عبد الله الأسماء (قوله وقال من ذبح) هو من جملة الخطبة
وليس معطوفا على قوله ثم ذبح لئلا يلزم تخلل الذبح بين الخطبة وهذا القول وليس الواقع ذلك
على ما بينه حديث البراء الذي قبله وسيأتي الكلام عليهما في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى
(قوله باب من خالف الطريق) أي التي توجه منها إلى المصلى (قوله حدثنا محمد)
كذا للأكثر غير منسوب وفي رواية أبي علي بن السكن حدثنا محمد بن سلام وكذا للحفصي
وجزم به الكلاباذي وغيره وفي نسخة من أطراف خلف أنه وجد في حاشية أنه محمد بن مقاتل
انتهى وكذا هو في رواية أبي علي بن شبويه والأول هو المعتمد وقد رواه عن أبي تميلة أيضا ممن اسمه
محمد محمد بن حميد الرازي لكنه خالف في اسم صحابية كما سيأتي وليس هو ممن خرج عنهم البخاري
في صحيحه وأبو تميلة بالمثناة مصغرا مروزي قيل إن البخاري ذكره في الضعفاء لكن لم يوجد ذلك
في التصنيف المذكور قاله الذهبي ثم إنه لم ينفرد به كما سيأتي نعم تفرد به شيخه فليح وهو مضعف
عند ابن معين والنسائي وأبي داود ووثقه آخرون فحديثه من معي الحسن لكن له شواهد من
حديث ابن عمر وسعد القرظ وأبي رافع وعثمان بن عبيد الله التيمي وغيرهم يعضد بعضها
بعضا فعلى هذا هو من القسم الثاني من قسمي الصحيح (قوله عن سعيد بن الحرث) هو ابن أبي
سعيد بن المعلى الأنصاري (قوله إذا كان يوم عيد خالف الطريق) كان تامة أي إذا وقع وفي
رواية الإسماعيلي كان إذا خرج إلى العيد رجع من غير الطريق الذي ذهب فيه قال الترمذي
392

أخذ بهذا بعض أهل العلم فاستحبه للأمام وبه يقول الشافعي انتهى والذي في الأم أنه يستحب
للإمام والمأموم وبه قال أكثر الشافعية وقال الرافعي لم يتعرض في الوجيز إلا للأمام أه وبالتعميم
قال أكثر أهل العلم ومنهم من قال إن علم المعنى وبقيت العلة بقي الحكم وإلا انتفى بانتفائها وإن لم
يعلم المعنى بقي الاقتداء وقال الأكثر يبقى الحكم ولو انتفت العلة للاقتداء كما في الرمل وغيره وقد
اختلف في معنى ذلك على أقوال كثيرة اجتمع لي منها أكثر من عشرين وقد لخصتها وبينت الواهي
منها قال القاضي عبد الوهاب المالكي ذكر في ذلك فوائد بعضها قريب وأكثرها دعاوى فارغة
انتهى فمن ذلك أنه فعل ذلك ليشهد له الطريقان وقيل سكانهما من الجن والأنس وقيل ليسوى
بينهما في مزية الفضل بمروره أو في التبرك به أو ليشم رائحة المسك من الطريق التي يمر بها لأنه
كان معروفا بذلك وقيل لأن طريقه للمصلى كانت على اليمين فلو رجع منها لرجع على جهة الشمال
فرجع من غيرها وهذا يحتاج إلى دليل وقيل لإظهار شعار الإسلام فيهما وقيل لإظهار ذكر الله
وقيل ليغيظ المنافقين أو اليهود وقيل ليرهبهم بكثرة من معه ورجحه بن بطال وقيل حذرا من كيد
الطائفتين أو إحداهما وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لم يكرره قال ابن التين وتعقب بأنه لا يلزم من
مواظبته على مخالفة الطريق المواظبة على طريق منها معين لكن في رواية الشافعي من طريق
المطلب بن عبد الله بن حنطب مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من
الطريق الأعظم ويرجع من الطريق الأخرى وهذا لو ثبت لقوى بحث ابن التين وقيل فعل ذلك
ليعمهم في السرور به أو التبرك بمروره وبرؤيته والانتفاع به في قضاء حوائجهم في الاستفتاء
أو التعلم والاقتداء والاسترشاد أو الصدقة أو السلام عليهم وغير ذلك وقيل ليزور أقاربه الأحياء
والأموات وقيل ليصل رحمه وقيل ليتفاءل بتغير الحال إلى المغفرة والرضا وقيل كان في ذهابه
يتصدق فإذا رجع لم يبق معه شئ فيرجع في طريق أخرى لئلا يرد من يسأله وهذا ضعيف جدا مع
احتياجه إلى دليل وقيل فعل ذلك لتخفيف الزحام وهذا رجحه الشيخ أبو حامد وأيده المحب
الطبري بما رواه البيهقي في حديث ابن عمر فقال فيه ليسع الناس وتعقب بأنه ضعيف وبأن
قوله ليسع الناس يحتمل أن يفسر ببركته وفضله وهذا الذي رجحه ابن التين وقيل كان طريقه
التي يتوجه منها أبعد من التي فيها فأراد تكثير الأجر بتكثير الخطا في الذهاب وأما في
الرجوع فليسرع إلى منزله وهذا اختيار الرافعي وتعقب بأنه يحتاج إلى دليل وبأن أجر الخطا
يكتب في الرجوع أيضا كما ثبت في حديث أبي بن كعب عند الترمذي وغيره فلو عكس ما قال
لكان له اتجاه ويكون سلوك الطريق القريب للمبادرة إلى فعل الطاعة وإدراك فضيلة أول
الوقت وقيل لأن الملائكة تقف في الطرقات فأراد أن يشهد له فريقان منهم وقال ابن أبي جمرة هو
في معنى قول يعقوب لبنيه لا تدخلوا من باب واحد فأشار إلى أنه فعل ذلك حذر إصابة العين وأشار
صاحب الهدى إلى أنه فعل ذلك لجميع ما ذكر من الأشياء المحتملة القريبة والله أعلم (قوله
تابعه يونس بن محمد عن فليح وحديث جابر أصح) كذا عند جمهور رواة البخاري من طريق
الفربري وهو مشكل لأن قوله أصح يباين قوله تابعه إذ لو تابعه لساواه فكيف تتجه الأصحية
الدالة على عدم المساواة وذكر أبو علي الجياني أنه سقط قوله وحديث جابر أصح من رواية إبراهيم
ابن معقل النسفي عن البخاري فلا إشكال فيها قال ووقع في رواية ابن السكن تابعه يونس بن
محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة وفي هذا توجيه قوله أصح ويبقى الاشكال في قوله تابعه فإنه
393

لم يتابعه بل خالفه وقد أزال هذا الاشكال أبو نعيم في المستخرج فقال أخرجه البخاري عن محمد
عن أبي تميلة وقال تابعه يونس بن محمد عن فليح وقال محمد بن الصلت عن فليح عن سعيد عن أبي
هريرة وحديث جابر أصح وبهذا جزم أبو مسعود في الأطراف وكذا أشار إليه البرقاني وقال
البيهقي إنه وقع كذلك في بعض النسخ وكأنها رواية حماد بن شاكر عن ألب ثم راجعت رواية
النسفي فلم يذكر قوله وحديث جابر أصح فسلم من الإشكال وهو مقتضى قول الترمذي رواه أبو تميلة
ويونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن جابر فعلى هذا يكون سقط من رواية الفربري قوله وقال
محمد بن الصلت عن فليح فقط وبقي ما عدا ذلك هذا على رواية أبي علي بن السكن وقد وقع كذلك في
نسختي من رواية أبي ذر عن مشايخه وأما على رواية الباقين فيكون سقط إسناد محمد بن الصلت
كله وقال أبو علي الصدفي في حاشية نسخته التي بخطه من البخاري لا يظهر معناه من ظاهر الكتاب
وإنما هي إشارة إلى أن أبا تميلة ويونس المتابع له خولفا في سند الحديث وروايتهما أصح ومخالفهما
وهو محمد بن الصلت رواه عن فليح شيخهما فخالفهما في صحابيه فقال عن أبي هريرة (قلت) فيكون
معنى قوله وحديث جابر أصح أي من حديث من قال فيه عن أبي هريرة وقد اعترض أبو مسعود
في الأطراف على قوله تابعه يونس اعتراضا آخر فقال إنما رواه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد
عن أبي هريرة لا جابر وأجيب بمنع الحصر فإنه ثابت عن يونس بن محمد كما قال البخاري أخرجه
الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس وكذا هو في
مسنده ومصنفه نعم رواه بن خزيمة والحاكم والبيهقي من طريق أخرى عن يونس بن محمد كما قال
أبو مسعود وكأنه اختلف عليه فيه وكذا اختلف فيه على أبي تميلة فأخرجه البيهقي من وجه
آخر عنه فقال عنه أبي هريرة وأما رواية محمد بن الصلت المشار إليها فوصلها الدارمي وسمويه
كلاهما عنه والترمذي وابن السكن والعقيلي كلهم من طريقه بلفظ كان إذا خرج يوم العيد في
طريق رجع في غيره وذكر أبو مسعود أن الهيثم بن جميل رواه عن فليح كما قال ابن الصلت عن أبي
هريرة والذي يغلب على الظن أن الاختلاف فيه من فليح فلعل شيخه سمعه من جابر ومن أبي
هريرة ويقوى ذلك اختلاف اللفظين وقد رجح البخاري أنه عن جابر وخالفه أبو مسعود والبيهقي
فرجحا أنه عن أبي هريرة ولم يظهر لي في ذلك ترجيح والله أعلم (قوله باب إذا فاته
العيد) أي مع الإمام (يصلي ركعتين) في هذه الترجمة حكمان مشروعية استدراك صلاة العيد
إذا فاتت مع الجماعة سواء كانت بالاضطرار أو بالاختيار وكونها تقضى ركعتين كأصلها
وخالف في الأول جماعة منهم المزني فقال لا تقضى وفى الثاني الثوري وأحمد قالا إن صلاها وحده
صلى أربعا ولهما في ذلك سلف قال ابن مسعود من فاته العيد مع الإمام فليصل أربعا أخرجه
سعيد بن منصور بإسناد صحيح وقال إسحق إن صلاها في الجماعة فركعتين وإلا فأربعا قال الزين
ابن المنير كأنهم قاسوها على الجمعة لكن الفرق ظاهر لأن من فاتته الجمعة يعود لفرضه من الظهر
بخلاف العيد انتهى وقال أبو حنيفة يتخير بين القضاء والترك وبين الثنتين والأربع وأورد
البخاري في هذا الباب حديث عائشة في قصة الجاريتين المغنيتين وأشكلت مطابقته للترجمة على
جماعة وأجاب بن المنير بأن ذلك يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم إنها أيام عيد فأضاف نسبة
العيد إلى اليوم فيستوي في إقامتها الفذ والجماعة والنساء والرجال قال ابن رشيد وتتمته أن
394

يقال إنها أيام عيد أي لأهل الإسلام بدليل قوله في الحديث الآخر عيدنا أهل الإسلام ولهذا
ذكره البخاري في صدر الباب وأهل الإسلام شامل لجميعهم أفرادا وجمعا وهذا يستفاد منه الحكم
الثاني لا مشروعية القضاء قال والذي يظهر لي أنه أخذ مشروعية القضاء من قوله فإنها أيام
عيد أي أيام منى فلما سماها أيام عيد كانت محلا لأداء هذه الصلاة لأنها شرعت ليوم العيد
فيستفاد من ذلك أنها أنكر أداء وأن لوقت الأداء آخرا وهو آخر أيام منى قال ووجدت بخط أبي
القاسم بن الورد لما سوغ صلى الله عليه وسلم للنساء راحة العيد المباحة كان آكد أن يندبهن إلى
صلاته في بيوتهن قوله في الترجمة وكذلك النساء مع قوله في الحديث دعهما فإنها أيام عيد
(قوله ومن كان في البيوت والقرى) يشير إلى مخالفة ما روى عن علي لا جمعة ولا تشريق إلا في
مصر جامع وقد تقدم في باب فضل العمل في أيام التشريق عن الزهري ليس على المسافر صلاة
عيد ووجه مخالفته كون عموم الحديث المذكور يخالف ذلك (قوله لقول النبي صلى الله عليه
وسلم هذا عيدنا أهل الإسلام) هذا الحديث لم أره هكذا وإنما أوله في حديث عائشة في قصة
المغنيتين وقد تقدم في ثالث الترجمة من كتاب العيدين بلفظ ان لكل قوم عيدا وهذا عيدنا وأما
باقيه فلعله مأخوذ من حديث عقبة بن عامر مرفوعا أيام منى عيدنا أهل الإسلام وهو في السنن
وصححه ابن خزيمة وقوله أهل الإسلام بالنصب على أنه منادى مضاف حذف منه حرف النداء أو
بإضمار حنث أو أخص وجوز فيه أبو البقاء في اعراب المسند الجر على أنه بدل من الضمير في قوله
عيدنا (قوله وأمر أنس بن مالك مولاه) في رواية المستملى مولاهم (قوله ابن أبي غنية) كذا لأبي
ذر بالمعجمة والنون بعدها تحتانية مثقلة وللأكثر بضم المهملة وسكون المثناة بعدها موحدة
وهو الراجح (قوله بالزاوية) بالزاي موضع على فرسخين من البصرة كان به لأنس قصر وأرض
وكان يقيم هناك كثيرا وكانت بالزاوية وقعة وبالتحتية بين الحجاج وابن الأشعث وهذا الأثر وصله
ابن أبي شيبة عن بن علية عن يونس هو ابن عبيد حدثني بعض آل أنس أن أنسا كان ربما جمع
أهله وحشمه يوم العيد فيصلى بهم عبد الله بن أبي عتبة مولاه ركعتين والمراد بالبعض المذكور
عبد الله بن أبي بكر بن أنس روى البيهقي من طريقه قال كان أنس إذا فاته العيد مع الإمام جمع
أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد (قوله وقال عكرمة) وصله بن أبي شيبة من طريق قتادة
عنه قال في القوم يكونون في السواد وفي السفر في يوم عيد فطر أو أضحى قال يجتمعون فيصلون
ويؤمهم أحدهم (قوله وقال عطاء) في رواية الكشميهني وكان عطاء والأول أصح فقد رواه
الفريابي في مصنفه عن الثوري عن ابن جريج عن عطاء قال من فاته العيد فليصل ركعتين
وأخرجه بن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن جريج وزاد ويكبر وهذه الزيادة تشير إلى أنها تقضى
كهيئتها لا أن الركعتين مطلق نفل وأما حديث عائشة فتقدم الكلام عليه مستوفى في أوائل
كتاب العيدين وقوله فيه وقالت عائشة معطوف على الإسناد المذكور كما تقدم بيانه وقوله
فزجرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهم كذا في الأصول بحذف فاعل زجرهم ووقع في رواية
كريمة فزجرهم عمر كذا هنا وسيأتي بهذا الإسناد في أوائل المناقب بحذفه أيضا للجميع وضبب
النسفي بين زجرهم وبين فقال إشارة إلى الحذف وقد ثبت بلفظ عمر في طرق أخرى كما تقدم في
أوائل العيدين وقوله فيه أمنا بسكون الميم (يعني من الأمن) يشير إلى أن المعنى اتركهم من
395

جهة أنا آمناهم أمنا أو أراد أنه مشتق من الأمن لا من الأمان الذي للكفار والله أعلم (قوله
باب الصلاة قبل العيد وبعدها) أورد فيه أثر ابن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد
وحديثه المرفوع في ترك الصلاة قبلها وبعدها ولم يجزم بحكم ذلك لأن الأثر يحتمل أن يراد به
منع التنفل أو نفى الراتبة وعلى المنع فهل هو لكونه وقت كراهة أو لا أعم من ذلك ويؤيد الأول
الاقتصار على القبل وأما الحديث فليس فيه ما يدل على المواظبة فيحتمل اختصاصه بالإمام
دون المأموم أو بالمصلى دون البيت وقد اختلف السلف في جميع ذلك فذكر ابن المنذر عن أحمد
أنه قال الكوفيون يصلون بعدها لا قبلها والبصريون يصلون قبلها لا بعدها والمدنيون لا قبلها
ولا بعدها وبالأول قال الأوزاعي والثوري والحنفية وبالثاني قال الحسن البصري وجماعة
وبالثالث قال الزهري وابن جريج وأحمد وأما مالك فمنعه في المصلى وعنه في المسجد روايتان
وقال الشافعي في الأم ونقله البيهقي عنه في المعرفة بعد أن روى حديث ابن عباس حديث الباب
ما نصه وهكذا يجب للإمام أن لا يتنفل قبلها ولا بعدها وأما المأموم فمخالف له في ذلك ثم بسط
الكلام في ذلك وقال الرافعي يكر للأمام التنفل قبل العيد وبعدها وقيده في البويطي بالمصلى
وجرى على ذلك الصيمري فقال لا بأس بالنافلة قبلها وبعدها مطلقا إلا للإمام في موضع الصلاة
وأما النووي في شرح مسلم فقال قال الشافعي وجماعة من السلف لا كراهة في الصلاة قبلها ولا
بعدها فإن حمل كلامه على المأموم وإلا فهو مخالف لنص الشافعي المذكور ويؤيد ما في
البويطي حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى
منزله صلى ركعتين أخرجه ابن ماجة بإسناد حسن وقد صححه الحاكم وبهذا قال إسحق ونقل
بعض المالكية الإجماع على أن الإمام لا يتنفل في المصلى وقال ابن العربي التنفل في المصلى
لو فعل لنقل ومن أجازه رأى أنه وقت مطلق الولاء ومن تركه رأى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم
يفعله ومن اقتدى فقد اهتدى انتهى والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها
خلافا لمن قاسها على الجمعة وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن كان ذلك في
وقت الكراهة الذي في جميع الأيام والله أعلم (قوله وقال أبو المعلى) بضم الميم وتشديد اللام
المفتوحة اسمه يحيى بن ميمون العطار الكوفي وليس له عند البخاري سوى هذا الموضع ولم أقف
على أثره هذا موصولا وقد تقدم حديث ابن عباس المرفوع بأتم من هذا السياق في باب الخطبة
بعد العيد * (خاتمة) * اشتمل كتاب العيدين من الأحاديث المرفوعة على خمسة وأربعين حديثا
المعلق منها أربعة والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ستة قرة والبقية خالصة
وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أنس في أكل التمر قبل صلاة عيد الفطر وحديث ابن
عمر في قصته مع الحجاج وحديث ابن عباس في العمل في ذي الحجة وحديث ابن عمر في الذبح
بالمصلى وحديث جابر في مخالفة الطريق وأما حديث عقبة بن عامر المشار إليه في الباب الماضي
فإن كان مرادا زادت العدة واحدا معلقا وليس هو في مسلم وفيه من الآثار عن الصحابة
والتابعين ثلاثة قرة أثرا معلقة إلا أثر أبي بكر وعمر وعثمان في الصلاة قبل الخطبة فإنها
موصولة في حديث ابن عباس والله الهادي إلى الصواب
396

* (بسم الله الرحمن الرحيم) * * (أبواب الوتر) *
كذا عند المستملي وعند الباقين باب ما جاء في الوتر وسقطت البسملة عند ابن شبويه والأصيلي
وكريمة والوتر بالكسر الفرد وبالفتح للثأر وفي لغة مترادفان ولم يتعرض البخاري لحكمه لكن
إفراده بترجمة عن أبواب التهجد والتطوع يقتضى أنه غير ملحق بها عنده ولولا أنه أورد الحديث
الذي فيه إيقاعه على الدابة إلا المكتوبة لكان في ذلك إشارة إلى أنه يقول بوجوبه أورد
البخاري فيه ثلاثة أحاديث مرفوعة حديث ابن عمر من وجهين وحديث ابن عباس
وحديث عائشة فأما حديث ابن عمر فأخرجه من الموطأ ولم يختلف على مالك في إسناده إلا أن في
رواية مكي بن إبراهيم عن مالك أن نافعا وعبد الله بن دينار أخبراه كذا في الموطآت للدارقطني
وأورده الباقون بالعنعنة * (فائدة) * قال ابن التين اختلف في الوتر في سبعة أشياء في وجوبه
وعدده واشتراط النية فيه واختصاصه بقراءة واشتراط شفع قبله وفي آخر وقته وصلاته في
السفر على الدابة (قلت) وفي قضائه والقنوت فيه وفي محل القنوت منه وفيما يقال فيه وفي فصله
ووصله وهل تسن ركعتان بعده وفي صلاته من قعود لكن هذا الأخير ينبنى على كونه مندوبا
أو لا وقد اختلفوا في أول وقته أيضا وفي كونه أفضل صلاة التطوع أو الرواتب أفضل منه أو
خصوص ركعتي الفجر وقد ترجم البخاري لبعض ما ذكرناه ويأتي الكلام على ما لم يترجم له
أثناء الكلام على أحاديث الباب وما بعدها (قوله أن رجلا) لم أقف على اسمه ووقع في المعجم
الصغير للطبراني أن السائل هو ابن عمر لكن يعكر عليه رواية عبد الله بن شقيق عن ابن عمر أن
رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بينه وبين السائل فذكر الحديث وفيه ثم سأله رجل على
رأس الحول وأنا بذلك المكان منه قال فما أدرى أهو ذلك الرجل أو غيره وعند النسائس من هذا
الوجه أن السائل المذكور من أهل البادية وعند محمد بن نصر في كتاب أحكام الوتر وهو كتاب
نفيس في في مجلده من رواية عطية عن ابن عمر أن أعرابيا سأل فيحتمل أن يجمع بتعدد من سأل
وقد سبق في باب الحلق في المسجد أن السؤال المذكور وقع في المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم
على المنبر (قوله عن صلاة الليل) في رواية أيوب عن نافع في باب الحلق في المسجد أن رجلا جاء
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال كيف صلاة الليل ونحوه في رواية سالم عن
أبيه في أبواب التطوع وقد تبين من الجواب أن السؤال وقع عن عددها أو عن الفصل
والوصل وفي رواية محمد بن نصر من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رجل يا رسول
الله كيف تأمرني أن نصلي من الليل وأما قول بن بزيزة جوابه بقوله مثنى يدل على أنه فهم من
السائل طلب كيفية العدد لا مطلق الكيفية ففيه نظر وأولى ما فسر به الحديث من الحديث
واستدل بمفهومه على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعا وهو عن الحنفية وإسحق
وتعقب بأنه مفهوم لقب وليس بحجة على الراجح وعلى تقدير الأخذ به فليس بمنحصر في
أربع وبأنه خرج جوابا للسؤال عن صلاة الليل فقيد الجواب بذلك مطابقة للسؤال وبأنه
قد تبين من رواية أخرى أن حكم المسكوت عنه حكم المنطوق به ففي السنن وصححه ابن خزيمة
وغيره من طريق على الأزدي عن ابن عمر مرفوعا صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وقد تعقب هذا
397

الأخير بأن أكثر أئمة الحديث أعلو هذه الزيادة وهي قوله والنهار بأن الحفاظ من أصحاب
ابن عمر لم يذكروها عنه وحكم النسائي على راويها بأنه أخطأ فيها وقال يحيى بن معين من
على الأزدي حتى أقبل منه وادعى يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع أن ابن عمر كان يتطوع
بالنهار أربعا لا يفصل بينهن ولو كان حديث الأزدي صحيحا لما خالفه ابن عمر يعني مع شدة اتباعه
رواه عنه محمد بن نصر في سؤالاته لكن روى بن وهب بإسناد قوي عن ابن عمر قال صلاة الليل
والنهار مثنى مثنى موقوف أخرجه ابن عبد البر من طريقه فلعل الأزدي اختلط عليه الموقوف
بالمرفوع فلا تكون هذه الزيادة صحيحة على طريقة من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا وقد
روى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن عمر أنه كان يصلي بالنهار أربعا أربعا وهذا موافق لما نقله
ابن معين (قوله مثنى مثنى) أي اثنين اثنين وهو غير منصرف لتكرار العدل فيه قاله صاحب
الكشاف وقال آخرون للعدل والوصف وأما إعادة مثنى فللمبالغة في التأكيد وقد فسره ابن
عمر راوي الحديث فعند مسلم من طريق عقبة بن حريث قال قلت لابن عمر ما معنى مثنى مثنى قال
تسلم من كل ركعتين وفيه رد على من زعم من الحنفية أن معنى مثنى أن يتشهد بين كل ركعتين لأن
راوي الحديث أعلم بالمراد به وما فسره به هو المتبادر إلى الفهم لأنه لا يقال في الرباعية مثلا إنها
مثنى واستدل بهذا على تعين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل قال ابن دقيق العيد وهو
ظاهر السياق لحصر المبتدأ في الخبر وحمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل لما صح من فعله صلى الله
عليه وسلم بخلافه ولم يتعين أيضا كونه لذلك بل يحتمل أن يكون للارشاد إلى الأخف إذ السلام
بين كل ركعتين أخف على المصلي من الأربع فما فوقها لما فيه من الراحة غالبا وقضاء ما يعرض
من أمر مهم ولو كان الوصل لبيان الجواز فقط لم يواظب عليه صلى الله عليه وسلم ومن ادعى
اختصاصه به فعليه البيان وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم الفصل كما صح عنه الوصل فعند أبي
داود ومحمد بن نصر من طريقي الأوزاعي وابن أبي ذئب كلاهما عن الزهري عن عروة عن عائشة
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين أن يفرغ من العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة
يسلم من كل ركعتين وإسنادهما على شرط الشيخين واستدل به أيضا على عدم النقصان عن
ركعتين في النافلة ما عدا الوتر قال ابن دقيق العيد والاستدلال به أقوى من الاستدلال بامتناع
قصر الصبح في السفر إلى ركعة يشير بذلك إلى الطحاوي فإنه استدل على منع التنفل بركعة بذلك
واستدل بعض الشافعية للجواز بعموم قوله صلى الله عليه وسلم الصلاة خير موضوع فمن شاء
استكثر ومن شاء استقل صححه بن حبان وقد اختلف السلف في الفصل والوصل في صلاة الليل
أيهما أفضل وقال الأثرم عن أحمد الذي اختاره في صلاة الليل مثنى مثنى فإن صلى بالنهار أربعا
فلا بأس وقال محمد بن نصر نحوه في صلاة الليل قال وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر
بخمس لم يجلس إلا في آخرها إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على الوصل إلا إنا نختار أن يسلم من
كل ركعتين لكونه أجاب به السائل ولكون أحاديث الفصل أثبت وأكثر طرقا وقد تضمن كلامه
الرد على الداودي الشارح ومن تبعه في دعواهم أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى
النافلة أكثر من ركعتين ركعتين (قوله فإذا خشي أحدكم الصبح) استدل به على خروج وقت
الوتر بطلوع الفجر وأصرح منه ما رواه أبو داود والنسائي وصححه أو عوانة وغيره من طريق
398

سليمان بن موسى عن نافع أنه حدثه أن بن عمر كان يقول من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته
وترا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل
والوتر وفي صحيح ابن خزيمة من طريق قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا من أدركه
الصبح ولم يوتر فلا وتر له وهذا محمول على التعمد أو على أنه لا يقع أداء لما رواه أبو داود من حديث
أبي سعيد أيضا مرفوعا من نسي الوتر أو نام عنه فليصله إذا ذكره وقيل معنى قوله إذا خشي
أحدكم الصبح أي وهو في شفع فلينصرف على وتر وهذا ينبنى على أن الوتر لا يفتقر إلى نية وحكى
ابن المنذر عن جماعة من السلف أن الذي يخرج بالفجر وقته الاختياري ويبقى وقت الضرورة
إلى قيام صلاة الصبح وحكاه القرطبي عن مالك والشافعي وأحمد وإنما قاله الشافعي في القديم
وقال ابن قدامة لا ينبغي لأحد أن يتعمد ترك الوتر حتى يصبح واختلف السلف في مشروعية
قضائه فنفاه الأكثر وفي مسلم وغيره عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نام من الليل من
وجع أو غيره فلم يقم من الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة وقال محمد بن نصر لم نجد عن النبي
صلى الله عليه وسلم في شئ من الأخبار أنه قضى الوتر ولا أمر بقضائه ومن زعم أنه صلى الله عليه
وسلم في ليلة نومهم عن الصبح في الوادي قضى الوتر فلم يصب وعن عطاء والأوزاعي يقضي ولو
طلعت الشمس وهو وجه عند الشافعية حكاه النووي في شرح مسلم وعن سعيد بن جبير يقضي
من القابلة وعن الشافعية يقضي مطلقا ويستدل لهم بحديث أبي سعيد المتقدم والله أعلم
* (فائدة) * يؤخذ من سياق هذا الحديث أن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس من النهار شرعا
وقد روى ابن دريد في أماليه بسند جيد أن الخليل بن أحمد سئل عن حد النهار فقال من الفجر
المستطير إلى بداءة الشفق وحكى عن الشعبي أنه وقت منفرد لا من الليل ولا من النهار (قوله صلى
ركعة واحدة) في رواية الشافعي وعبد الله بن وهب ومكي بن إبراهيم ثلاثتهم عن مالك فليصل
ركعة أخرجه الدارقطني في الموطآت هكذا بصيغة الأمر وسيأتي بصيغة الأمر أيضا من طريق
ابن عمر الثانية في هذا الباب ولمسلم من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا نحوه
واستدل بهذا على أنه لا صلاة بعد الوتر وقد اختلف السلف في ذلك في موضعين أحدهما في
مشروعية ركعتين بعد الوتر عن جلوس والثاني فيمن أوتر ثم أراد أن يتنفل في الليل هل يكتفى
بوتره الأول وليتنفل ما شاء أو يشفع وتره بركعة ثم يتنفل ثم إذا فعل ذلك هل يحتاج إلى وتر آخر
أولا فأما الأول فوقع عند مسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي
ركعتين بعد الوتر وهو جالس وقد ذهب إليه بعض أهل العلم وجعلوا الأمر في قوله اجعلوا آخر
صلاتكم من الليل وترا مختصا بمن أوتر آخر الليل وأجاب من لم يقل بذلك بأن الركعتين
المذكورتين هما ركعتا الفجر وحمله النووي على أنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان جواز التنفل
بعد الوتر وجواز التنفل جالسا وأما الثاني فذهب الأكثر إلى أنه يصلي شفعا ما أراد ولا ينقض
وتره وأشار بقوله صلى الله عليه وسلم لا وتران في ليلة وهو حديث حسن أخرجه النسائي وابن
خزيمة وغيرهما من حديث طلق بن علي وإنما يصح نقض الوتر عند من يقول بمشروعية التنفل
بركعة واحدة غير الوتر وقد تقدم ما فيه وروى محمد بن نصر من طريق سعيد بن الحرث أنه
سأل ابن عمر عن ذلك فقال إذا كنت لا تخاف الصبح ولا النوم فاشفع ثم صل ما بدا لك ثم أوتر وإلا
399

فصل وترك على الذي كنت أوترت ومن طريق أخرى عن ابن عمر أنه سئل عن ذلك فقال أما أنا
فأصلي مثنى فإذا انصرف ركعت ركعة واحدة فقيل أرأيت ان أوترت قبل أن أنام ثم قمت من
الليل فشفعت حتى مطرف قال ليس بذلك بأس واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم صل ركعة
واحدة على أن فصل الوتر أفضل من وصله وتعقب بأنه ليس صريحا في الفصل فيحتمل أن يريد
بقوله صل ركعة واحدة أي مضافة إلى ركعتين مما مضى واحتج بعض الحنفية لما ذهب إليه من
تعيين الوصل والاقتصار على ثلاث بأن الصحابة أجمعوا على أن الوتر بثلاث موصولة حسن جائز
واختلفوا فيما عداه قال فأخذنا بما أجمعوا عليه وتركنا ما اختلفوا فيه وتعقبه محمد بن نصر
المروزي بما رواه من طريق عراك بن مالك عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا لا توتروا بثلاث تشبهوا
بصلاة المغرب وقد صححه الحاكم من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة والأعرج عن أبي
هريرة مرفوعا نحوه وإسناده على شرط الشيخين وقد صححه بن حبان والحاكم ومن طريق مقسم
عن ابن عباس وعائشة كراهية الوتر بثلاث وأخرجه النسائي أيضا وعن سليمان بن يسار أنه كره
الثلاث في الوتر وقال لا يشبه التطوع الفريضة فهذه الآثار تقدح في الإجماع الذي
نقله وأما قول محمد بن نصر لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا ثابتا صريحا أنه أوتر بثلاث
موصولة نعم ثبت عنه أنه أوتر بثلاث لكن لم يبين الراوي هل هي موصولة أو مفصولة انتهى
فيرد عليه ما رواه الحاكم من حديث عائشة أنه كان صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد
إلا في آخرهن وروى النسائي من حديث أبي بن كعب نحوه ولفظه يوتر بسبح اسم ربك الأعلى
وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ولا يسلم إلا في آخرهن وبين في عدة طرق أن السور
الثلاث بثلاث ركعات ويجاب عنه باحتمال أنهما لم يثبتا عنده والجمع بين هذا وبين ما تقدم
من النهي عن التشبه بصلاة المغرب أن يحمل النهي على صلاة الثلاث بتشهدين وقد فعله
السلف أيضا فروى محمد بن نصر من طريق الحسن أن عمر كان ينهض في الثالثة من الوتر بالتكبير
ومن طريق المسور بن مخرمة أن عمر أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن ومن طريق ابن طاوس
عن أبيه أنه كان يوتر بثلاث لا يقعد بينهن ومن طريق قيس بن سعد عن عطاء وحماد بن زيد
عن أيوب مثله وروى محمد بن نصر عن ابن مسعود وأنس وأبي العالية أنهم أوتروا بثلاث
كالمغرب وكأنهم لم يبلغهم النهى المذكور وسيأتي في هذا الباب قول القاسم بن محمد في تجويز
الثلاث ولكن النزاع في تعين ذلك فإن الأخبار الصحيحة تأباه (قوله توتر له ما قد صلى) استدل به
على أن الركعة الأخيرة هي الوتر وأن كل ما تقدمها شفع وادعى بعض الحنفية أن هذا
إنما يشرع لمن طرقه الفجر قبل أن يوتر فيكتفى بواحدة لقوله فإذا خشي الصبح فيحتاج إلى
دليل تعين الثلاث وسنذكر ما فيه من رواية القاسم الآتية واستدل به على تعين الشفع قبل
الوتر وهو عن المالكية بناء على أن قوله ما قد صلى أي من النفل وحمله من لا يشترط سبق الشفع
على ما هو أعم من النفل والفرض وقالوا إن سبق الشفع شرط في دابة لا في الصحة ويؤيده
حديث أبي أيوب مرفوعا الوتر حق فمن شاء أوتر بخمس ومن شاء بثلاث ومن شاء بواحدة أخرجه
أبو داود والنسائي وصححه بن حبان والحاكم وصح عن جماعة من الصحابة أنهم أوتروا بواحدة
من غير تقدم نفل قبلها ففي كتاب محمد بن نصر وغيره بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد أن عثمان
400

قرأ القرآن ليلة في ركعة لم يصل غيرها وسيأتي في المغازي حديث عبد الله بن ثعلبة أن سعدا أوتر
بركعة وسيأتي في المناقب عن معاوية أنه أوتر بركعة وأن بن عباس استصوبه وفي كل ذلك رد
علي ابن التين في قوله إن الفقهاء لم يأخذوا بعمل معاوية في ذلك وكأنه أراد فقهاءهم (قوله وعن
نافع) هو معطوف على الإسناد الأول وهو في الموطأ كذلك إلا أنه ليس مقرونا في سياق واحد
بل بين المرفوع والموقوف عدة أحاديث ولهذا فصله البخاري عنه (قوله أن عبد الله بن عمر كان
يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته) ظاهره أنه كان يصلي الوتر موصولا
فإن عرضت له حاجة فصل ثم بنى على ما مضى وفي هذا دفع لقول من قال لا يصح الوتر إلا مفصولا
وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال صلى ابن
عمر ركعتين ثم قال يا غلام أرحل لنا ثم قام فأوتر بركعة وروى الطحاوي من طريق سالم بن
عبد الله بن عمر عن أبيه أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يعفله وإسناده قوي ولم يعتذر الطحاوي عنه إلا باحتمال أن يكون المراد بقوله بتسليمة أي
التسليمة التي في التشهد ولا يخفى بعد هذا التأويل والله أعلم وأما حديث ابن عباس فقد تقدم
في عدة مواضع في العلم والطهارة والمساجد والإمامة وأحلت بشرحه على ما هنا وقد رواه عن
ابن عباس جماعة منهم كريب وسعيد بن جبير وعلي بن عبد الله بن عباس وعطاء وطاوس والشعبي
وطلحة بن نافع ويحي بن الجزار وأبو جمرة وغيرهم مطولا ومختصرا وسأذكر ما في طرقه من الفوائد
ناسبا كل رواية إلى مخرجها إن شاء الله تعالى (قوله أنه بات عند ميمونة) زاد شريك بن أبي نمر عن
كريب عند مسلم فرقبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي زاد أبو عوانة في صحيحه من
هذا الوجه صارت ولمسلم من طريق عطاء عن ابن عباس قال بعثني العباس إلى النبي صلى الله
عليه وسلم زاد النسائي من طريق حبيب بن أبي ثابت عن كريب في إبل أعطاه إياها من الصدقة
ولأبي عوانة من طريق علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه أن العباس بعثه إلى النبي صلى الله
عليه وسلم في حاجة قال فوجدته جالسا في المسجد فلم أستطع أن أكلمه فلما صلى المغرب قام فركع
حتى أذن بصلاة العشاء ولابن خزيمة من طريق طلحة بن نافع عنه كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعد العباس ذودا من الإبل فبعثني إليه بعد العشاء وكان في بيت ميمونة وهذا يخالف ما قبله
ويجمع بأنه لما لم يكلمه في المسجد أعاده إليه بعد العشاء إلى بيت ميمونة ولمحمد بن نصر في كتاب قيام
الليل من طريق محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب من الزيادة فقال لي يا بني بت الليلة عندنا وفي
رواية حبيب المذكورة فقلت لا أنام حتى أنظر ما يصنع في صلاة الليل وفي رواية مسلم من طريق
الضحاك بن عثمان عن مخرمة فقلت لميمونة إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظني
وكان عزم في نفسه على السهر ليطلع على الكيفية التي أرادها ثم خشي أن يغلبه النوم
فوصى ميمونة أن توقظه (قوله في عرض وسادة) في رواية محمد بن الوليد المذكورة
وسادة من أدم حشوها ليف وفي رواية طلحة بن نافع المذكورة ثم دخل مع امرأته في فراشها
وزاد أنها كانت ليلتئذ حائضا وفي رواية شريك بن أبي نمر عن كريب في التفسير فتحدث
رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة وقد سبقت الإشارة إليه في كتاب العلم وتقدم
الكلام على الاضطجاع والعرض ومسح النوم والعشر الآيات في باب قراءة القرآن بعد الحدث
401

وكذا على الشن (قوله حتى انتصف الليل أو قريبا منه) جزم شريك بن أبي نمر في روايته
المذكورة بثلث الليل الأخير ويجمع بينهما بأن الاستيقاظ وقع مرتين ففي الأولى نظر إلى السماء
ثم تلا الآيات ثم عاد لمضجعه فنام وفي الثانية أعاد ذلك ثم توضأ وصلى وقد بين ذلك محمد بن الوليد
في روايته المذكورة وفي رواية الثوري عن سلمة بن كهيل عن كريب في الصحيحين فقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم من الليل فأتى حاجته ثم غسل وجهه ويديه ثم نام ثم قام فأتى القربة
الحديث وفي رواية سعيد بن مسروق عن سلمة عند مسلم ثم قام قومه أخرى وعنده من رواية
شعبة عن سلمة فبال بدل فأتى حاجته (قوله ثم قام إلى شن) زاد محمد بن الوليد ثم استفرغ من الشن
في إناء ثم توضأ (قوله فأحسن الوضوء) في رواية محمد بن الوليد وطلحة بن نافع جميعا فأسبغ
الوضوء وفي رواية عمرو بن دينار عن كريب فتوضأ وضوءا خفيفا وقد تقدمت في باب تخفيف
الوضوء ويجمع بين هاتين الكلب برواية الثوري فإن يسير فتوضأ وضوءا بين وضوئين لم يكثر
وقد أبلغ ولمسلم من طريق عياض عن مخرمة فأسبغ الوضوء ولم يمس من الماء إلا قليلا وزاد فيها
فتسوك وكذا لشريك عن كريب فاستن كما تقدمت الإشارة إليه معي كتاب الغسل (قوله ثم قام
يصلي) في رواية محمد بن الوليد ثم أخذا بردا له حضرميا فتوشحه ثم دخل البيت فقام يصلي (قوله
فصنعت مثله) يقتضى أنه صنع جميع ما ذكر من القول والنظر والوضوء والسواك والتوشح
ويحتمل أن يحمل على الأغلب وزاد سلمة عن كريب في الدعوات في أوله فقمت فتمطيت كراهية
أن يرى أني كنت أرقبه وكأنه خشي أن يترك بعض عمله لما جرى من عادته صلى الله عليه وسلم أنه
كان يترك بعض العمل خشية أن يفرض على أمته (قوله وقمت إلى جنبه) تقدم الكلام عليه
في أبواب الإمامة مستوفى (قوله وأخذ بأذني) زاد محمد بن الوليد في روايته فعرفت أنه إنما صنع
ذلك ليؤنسني بيده في طلمة الليل وفي رواية الضحاك بن عثمان فجعلت إذا أغفيت أخذ بشحمة
أذني وفي هذا رد على من زعم أن أخذ الأذن إنما كان في حالة إدارته له من اليسار إلى اليمن
متمسكا برواية سلمة بن كهيل الآتية في التفسير حيث قال فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه لكن
لا يلزم من إدارته على هذه الصفة أن لا يعود إلى مسك أذنه لما ذكره من تأنيسه وايقاظه لأن حاله
كانت تقتضي ذلك لصغر سنة (قوله فصلى ركعتين ثم ركعتين) كذا في هذه الرواية وظاهره أنه فصل
بين كل ركعتين ووقع التصريح بذلك في رواية طلحة بن نافع حيث قال فيها يسلم من كل ركعتين
ولمسلم من رواية علي بن عبد الله بن عباس التصريح بالفصل أيضا وأنه استاك بين كل ركعتين
إلى غير ذلك ثم إن رواية الباب فيها التصريح بذكر الركعتين ست مرات ثم قال ثم أوتر ومقتضاه
أنه صلى ثلاث عشرة ركعة وصرح بذلك في رواية سلمة الآتية في الدعوات حيث قال فتنامت
ولمسلم فتكاملت صلاته ثلاث عشرة ركعة وفي رواية عبد ربه بن سعيد الماضية في الإمامة عن
كريب فصلى ثلاث عشرة ركعة وفي رواية محمد بن الوليد المذكورة مثله وزاد وركعتين بعد طلوع
الفجر قبل صلاة الصبح وهي موافقة لرواية الباب لأنه قال بعد قوله ثم أوتر فقام فصلى ركعتين
فاتفق هؤلاء على الثلاث عشرة وصرح بعضهم بأن ركعتي الفجر من غيرها لكن رواية شريك
ابن أبي نمر الآتية في التفسير عن كريب تخالف ذلك ولفظه
فصلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج فهذا ما في رواية كريب من الاختلاف وقد عرف أن الأكثر خالفوا
402

شريكا فيها وروايتهم مقدمة على روايته لما معهم من الزيادة ولكونهم أحفظ منه وقد حمل
بعضهم هذه الزيادة على سنة العشاء ولا يخفى بعده ولا سيما في رواية مخرمة في حديث الباب
إلا إن حمل على أنه أختر سن العشاء حتى استيقظ لكن يعكر عليه رواية المنهال الآتية قريبا وقد
اختلف على سعيد بن جبير أيضا ففي التفسير من طريق شعبة عن الحكم عنه فصلى أربع ركعات
ثم نام ثم صلى خمس ركعات وقد حمل محمد بن نصر هذه الأربع على أنها سنة العشاء لكونها
وقعت قبل النوم لكن يعكر عليه ما رواه هو من طريق المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن عباس
فإن فيه فصلى العشاء ثم صلى أربع ركعات بعدها حتى لم يبق في المسجد غيره ثم انصرف فإنه
يقتضى أن يكون صلى الأربع في المسجد لافى البيت ورواية سعيد بن جبير أيضا تقتضي
الاقتصار على خمس ركعات بعد النوم وفيه نظر وقد رواها أبو داود من وجه آخر عن الحكم
وفيه فصلى سبعا أو خمسا أوتر بهن لم يسلم إلا في آخرهن وقد ظهر لي من رواية أخرى عن سعيد بن
جبير ما يرفع هذا الاشكال ويوضح أن رواية الحكم وقع فيها تقصير فعند النسائي من طريق يحيى
ابن عباد عن سعيد بن جبير فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثمان ركعات ثم أوتر بخمس لم يجلس
بينهن فبهذا يجمع بين رواية سعيد ورواية كريب وأما ما وقع في رواية عكرمة بن خالد عن سعيد بن
جبير عند أبي داود فصلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر فهو وكما ما تقدم من الاختلاف في
رواية كريب وأما ما في روايتهما من الفصل والوصل فرواية سعيد صريحة في الوصل ورواية كريب
محتملة فتحمل على رواية سعيد وأما قوله في رواية طلحة بن نافع يسلم من كل ركعتين فيحتمل
تخصيصه بالثمان فيوافق رواية سعيد ويؤيده رواية يحيى بن الجزار الآتية ولم أر في شئ من
طرق حديث ابن عباس ما يخالف ذلك لأن أكثر الرواة عنه لم يذكروا عددا ومن ذكر العدد
منهم لم يزد على ثلاث عشرة ولم ينقص عن إحدى عشرة إلا أن في رواية علي بن عبد الله بن عباس
عند مسلم ما يخالفهم فإن فيه فصلى ركعتين أطال فيهما ثم انصرف فنام حتى نفخ ففعل ذلك ثلاث
مرات بست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات يعني آخر آل عمران ثم أوتر
بثلاث فأذن المؤذن فخرج إلى للصلاة انتهى فزاد على الرواة تكرار الوضوء وما معه أو نقص
عنه ركعتين أو أربعا ولم يذكر ركعتي الفجر أيضا وأظن ذلك من الراوي عنه حبيب بن أبي ثابت
فإن فيه مقالا وقد اختلف عليه فيه في إسناده ومتنه اختلافا تقدم ذكر بعضه ويحتمل أن
يكون لم يذكر الأربع الأول كما لم يذكر الحكم الثمان كما تقدم وأما سنة الفجر فقد ثبت ذكرها في
طريق أخرى عن علي بن عبد الله عند أبي داود والحاصل أن قصة مبيت ابن عباس يغلب على
الظن عدم تعددها فلهذا ينبغي الاعتناء بالجمع بين مختلف الروايات فيها ولا شك أن الأخذ بما
اتفق عليه الأكثر والأحفظ أولى مما خالفهم فيه من هو دونهم ولا سيما أن زاد أو نقص والمحقق
من عدد صلاته في تلك الليلة إحدى عشرة وأما رواية ثلاث عشرة فيحتمل أن يكون منها سنة
العشاء ويوافق ذلك رواية أبي جمرة عن ابن عباس الآتية في صلاة الليل بلفظ كانت صلاة النبي
صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة يعني صارت ولم يبين هل سنة الفجر منها أو لا وبينها يحيى بن الجزار
عن ابن عباس عند النسائي بلفظ كان يصلى ثمان ركعات ويوتر بثلاث ويصلي ركعتين قبل صلاة
الصبح ولا يعكر على هذا الجمع إلا ظاهر سياق الباب فيمكن أن يحمل قوله صلى ركعتين ثم ركعتين
403

أي قبل أن ينام ويكون منها سنة العشاء وقوله ثم ركعتين الخ أي بعد أن قام وسيأتي نحو هذا الجمع
في حديث عائشة في أبواب صلاة الليل إن شاء الله تعالى وجمع الكرماني بين ما اختلف من
روايات قصة ابن عباس هذه باحتمال أن يكون بعض رواته ذكر القدر الذي اقتدى ابن عباس به
فيه وفصله عما لم يقتد به فيه وبعضهم ذكر الجميع مجملا والله أعلم (قوله ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن
فقام فصلى ركعتين) تقدمت تسمية المؤذن قريبا وسيأتي بيان الاختلاف في الاضطجاع هل كان
قبل ركعتي الفجر أو بعدهما في أوائل أبواب التطوع (قوله ثم خرج) أي إلى المسجد (فصلى الصبح)
أي بالجماعة وزاد سلمة بن كهيل عن كريب هنا كما سيأتي في الدعوات وكان من دعائه اللهم اجعل
في قلبي نورا الحديث وسيأتي الكلام عليه في أول أبواب صلاة الليل إن شاء الله تعالى وفي حديث
ابن عباس من الفوائد غير ما تقدم جواز إعطاء بني هاشم من الصدقة وهو محمول على التطوع
ويحتمل أن يكون إعطاؤه العباس ليتولى صرفه في مصالح غيره ممن يحل له أخذ ذلك وفيه
جواز تقاضى الوعد وإن كان من وعد به مقطوعا بوفائه وفيه الملاطفة بالصغير والقريب
والضيف وحسن المعاشرة للأهل والرد على من يؤثر دوام الانقباض وفيه مبيت الصغير عند
محرمه وإن كان زوجها عندها وجواز الاضطجاع مع المرأة الحائض وترك الاحتشام في ذلك
بحضرة الصغير وإن كان مميزا بل مراهقا وفيه صحة صلاة الصبي وجواز فتل أذنه لتأنيسه وايقاظه
وقد قيل إن المتعلم إذا تعوهد بفتل أذانه كان أذكى لفهمه وفيه حمل أفعاله صلى الله عليه وسلم على
الاقتداء به ومشروعية التنفل بين المغرب والعشاء وفضل صلاة الليل ولا سيما في النصف الثاني
والبداءة بالسواك واستحبابه عند كل وضوء وعند كل صلاة وتلاوة آخر آل عمران عند القيام إلى
صلاة الليل واستحباب غسل الوجه واليدين لمن أراد النوم وهو محدث ولعله المراد بالوضوء
للجنب وفيه جواز الاغتراف من الماء القليل لأن الإناء المذكور كان قصعة أو صحفة واستحباب
التقليل من الماء في التطهير مع حصول الإسباغ وجواز التصغير والذكر بالصفة كما تقدم في باب
السمر في العلم حيث قال نام الغليم وبيان فضل ابن عباس وقوة فهمه وحرصه على تعلم أمر الدين
وحسن تأتيه في ذلك وفيه اتخاذ مؤذن راتب للمسجد وإعلام المؤذن الإمام بحضور وقت
الصلاة واستدعاؤه لها والاستعانة باليد في للصلاة وتكرار ذلك كما سيأتي البحث فيه في أواخر
كتاب للصلاة وفيه مشروعية الجماعة في النافلة والائتمام بمن لم ينو الإمامة وبيان موقف
الإمام والمأموم وقد تقدم كل ذلك في أبواب الإمامة والله المستعان واستدل به على أن
الأحاديث الواردة في كراهية القرآن على غير وضوء ليست على العموم في جميع الأحوال وأجيب
بأن نومه كان لا ينقض وضوئه فلا يتم الاستدلال به إلا أن يثبت أنه قرأ الآيات بين قضاء الحاجة
والوضوء والله أعلم انتهى الكلام على حديث ابن عباس * وأما طريق ابن عمر الثانية فالقاسم
المذكور في إسناده هو محمد بن أبي بكر الصديق وقوله فيه فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة فيه
دفع لقول من ادعى أن الوتر بواحدة مختص بمن خشي طلوع الفجر لأنه علقه بإرادة الانصراف
وهو أعم من أن يكون لخشية طلوع الفجر أو غير ذلك وقوله فيه قال القاسم هو بالإسناد المذكور
كذلك أخرجه أبو نعيم في مستخرجه ووهم من زعم أنه معلق وقوله فيه منذ أدركنا أي بلغنا
الحلم أو عقلنا وقوله يوترون بثلاث وأن كلا لواسع يقتضى أن القاسم فهم من قوله فاركع
404

ركعة أي منفردة منفصلة ودل ذلك على أنه لا فرق عنده بين الوصل والفصل في الوتر والله أعلم وأما
حديث عائشة فقد أعاده المصنف إسنادا ومتنا في كتاب صلاة الليل ويأتي الكلام عليه إن
شاء الله تعالى وكأنه أراد بإيراده هنا أن لا معارضة بينه وبين حديث ابن عباس إذا ظاهر حديث
ابن عباس فصل الوتر وهذا محتمل الأمرين وقد بين القاسم أن كلا من الأمرين واسع فشمل
الفصل والوصل والاقتصار على واحدة وأكثر قال الكرماني قوله وان كلا أي وان كل واحدة
من الركعة والثلاث والخمس والسبع وغيرها جائز وأما تعيين الثلاث موصولة ومفصولة فلم
يشمله كلامه لأن المخالف من الحنفية يحمل كل ما ورد من الثلاث على الوصل مع أن كثيرا
من الأحاديث ظاهر في الفصل كحديث عائشة يسلم من كل ركعتين فإنه يدخل فيه الركعتان
اللتان قبل الأخيرة فهو كالنص في موضع النزاع وحمل الطحاوي هذا ومثله على أن الركعة
مضمومة إلى الركعتين قبلها ولم يتمسك في دعوى ذلك إلا بالنهي عن البتيراء مع احتمال أن
يكون المراد بالبتيراء أن يوتر بواحدة فردة ليس قبلها شئ وهو أعم من أن يكون مع الوصل أو
الفصل وصرح كثير منهم أن الفصل يقطعهما عن أن يكونا من جملة الوتر ومن خالفهم يقول
إنهما منه بالنية وبالله التوفيق والله أعلم (قوله باب ساعات الوتر) أي أوقاته ومحصل
ما ذكره أن الليل كله وقت للوتر لكن أجمعوا على أن ابتداءه مغيب الشفق بعد صلاة العشاء
كذا نقله ابن المنذر لكن أطلق بعضهم أنه يدخل بدخول العشاء قالوا ويظهر أثر الخلاف
فيمن صلى العشاء وبان أنه كان بغير طهارة ثم صلى الوتر متطهرا أو ظن أنه صلى العشاء فصلى
الوتر فإنه يجزئ على هذا القول دون الأول ولا معارضة بين وصية أبي هريرة بالوتر قبل النوم
وبين قول عائشة وانتهى وتره إلى السحر لأن الأول لإرادة الاحتياط والآخر لمن علم من نفسه
قوة كما ورد في حديث جابر عند مسلم ولفظه من طمع منكم أن يقوم آخر الليل فليوتر من آخره
فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل ومن خاف منكم أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من
أوله (قوله وقال أبو هريرة) هو طرف من حديث أورده المصنف من طريق أبي عثمان عن
أبي هريرة بلفظ وأن أوتر قبل أن أنام وأخرجه إسحق بن راهويه في مسنده من هذا الوجه
بلفظ التعليق وكذا أخرجه أحمد من طريق أخرى عن أبي هريرة (قوله أرأيت) أي أخبرني
(قوله نطيل) كذا للأكثر بنون الجمع وللكشميهني أطيل بالإفراد وجوز الكرماني في أطيل
أن يكون بلفظ مجهول الماضي ومعروف المضارع وفي الأول بعد (قوله كان النبي صلى الله
عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى) استدل به على فضل الفصل لكونه أمر بذلك وفعله وأما
الوصل فورد من فعله فقط (قوله ويوتر بركعة) لم يعين وقتها وبينت عائشة أنه فعل ذلك في
جميع أجزاء الليل والسبب في ذلك ما سنذكر في الباب الذي بعده (قوله وكأن) بتشديد
النون (قوله بأذنيه) أي لقرب صلاته من الأذان والمراد به هنا اشتراط فالمعنى أنه كان يسرع
بركعتي الفجر إسراع من يسمع إقامة للصلاة خشية فوات أول الوقت ومقتضى ذلك تخفيف
القراءة فيهما فيحصل به الجواب عن سؤال أنس بن سيرين عن قدر القراءة فيهما ووقع في رواية
مسلم أن أنسا قال لابن عمر إني لست عن هذا أسألك قال إنك لضخم ألا تدعني أستقرئ لك
الحديث ويستفاد من هذا جواب السائل بأكثر مما سأل عنه إذا كان مما يحتاج إليه ومن قوله
405

انك لضخم أن السمين في الغالب يكون قليل الفهم (قوله قال حماد) أي ابن زيد الراوي وهو
بالإسناد المذكور (قوله بسرعة) كذا لأبي ذر وأبي الوقت وابن شبويه ولغيرهم سرعة بغير
موحدة وهو تفسير من الراوي لقوله كان الأذان بأذنيه وهو موافق لما تقدم (قوله حدثنا
أبي) هو حفص بن الصالح ومسلم هو أبو الضحى لا ابن كيسان (قوله كل الليل) بنصب كل على
الظرفية وبالرفع على أنه مبتدأ والجملة خبره والتقدير أوتر فيه ولمسلم من طريق يحيى بن وثاب
عن مسروق من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل وأوسطه
وآخره فانتهى وتره إلى السحر والمراد بأوله بعد صلاة العشاء كما تقدم (قوله إلى السحر) زاد أبو
داود والترمذي حين مات ويحتمل أن يكون اختلاف وقت الوتر باختلاف الأحوال فحيث أوتر
في أوله لعله كان وجعا وحيث أوتر وسطه لعله كان مسافرا وأما وتره في آخره فكأنه كان غالب
أحواله لما عرف من مواظبته على للصلاة في أكثر الليل والله أعلم والسحر معي الصبح وحكى
الماوردي أنه السدس الأخير وقيل أوله الفجر الأول وفي رواية طلحة بن نافع عن ابن عباس عند
ابن خزيمة فلما انفجر الفجر قام فأوتر بركعة قال ابن خزيمة المراد به الفجر الأول وروى أحمد
من حديث معاذ مرفوعا زادني ربي صلاة وهي الوتر وقتها من العشاء إلى طلوع الفجر وفي إسناده
ضعف وكذا في حديث خارجة بن حذافة في السنن وهو الذي احتج به من قال بوجوب الوتر وليس
صريحا في الوجوب والله أعلم وأما حديث بريدة رفعه الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا وأعاد ذلك
ثلاثا ففي سنده أبو المنيب وفيه ضعف وعلى تقدير قبوله فيحتاج من احتج به إلى أن يثبت أن لفظ
حق بمعنى واجب في عرف الفاء وأن لفظ واجب بمعنى ما ثبت من طريق الآحاد (قوله
باب أيقاظ النبي صلى الله عليه وسلم أهله بالوتر) في رواية الكشميهني للوتر (قوله حدثنا
يحيى) هو القطان وهشام هو ابن عروة (قوله وأنا راقدة معترضة) تقدم الكلام عليه في سترة
المصلي (قوله أيقظني فأوترت) أي فقمت فتوضأت فأوترت واستدل به على استحباب جعل الوتر
آخر الليل سواء المتهجد وغيره ومحله إذا وثق أن يستيقظ بنفسه أو بايقاظ غيره واستدل به على
وجوب الوتر لكونه صلى الله عليه وسلم سلك به مسلك الواجب حيث لم يدعها نائمة للوتر وأبقاها للتهجد
وتعقب بأنه لا يلزم من ذلك الوجوب نعم يدل على تأكد أمر الوتر وأنه فوق غيره من النوافل الليلية
وفيه استحباب إيقاظ النائم لادراك للصلاة ولا يختص ذلك بالمفروضة ولا بخشية خروج الوقت
بل يشرع ذلك لإدراك الجماعة وإدراك أول الوقت وغير ذلك من المندوبات قال القرطبي
ولا يبعد أن يقال إنه واجب في الواجب مندوب في المندوب لأن النائم وإن لم يكن مكلفا لكن
مانعه سريع الزوال فهو كالغافل وتنبيه الغافل واجب (قوله باب ليجعل
آخر صلاته وترا) أي صارت وقد تقدم الكلام على حديث الباب في أثناء الحديث الأول وقد
استدل به بعض من قال بوجوبه وتعقب بأن صلاة الليل ليست واجبة فكذا آخره وبأن
الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليله (قوله باب الوتر على الدابة) لما كان
حديث عائشة في إيقاظها للوتر وحديث ابن عمر في الأمر بالوتر آخر الليل قد تمسك بهما بعض من
ادعى وجوب الوتر عقبهما المصنف بحديث ابن عمر الدال على أنه ليس بواجب فذكره في ترجمتين
إحداهما أخذت على كونه نفلا والثانية أخذت على أنه آكد من غيره (قوله عن أبي بكر بن عمر)
406

لا يعرف اسمه وهو ثقة ليس له في الصحيحين غير هذا الحديث الواحد (قوله أما لك في رسول الله
أسوة) فيه إرشاد العالم لرفيقه ما قد يخفى عليه من السنن (قوله بلى والله) فيه الحلف على الأمر
الذي يراد تأكيده (قوله كان يوتر على البعير) قال الزين بن المنير ترجم بالدابة تنبيها على أن
لا فرق بينها وبين البعير في الحكم والجامع بينهما أن الفرض لا يجزئ على واحدة منهما انتهى
ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرقة فسيأتي في أبواب تقصير للصلاة من طريق سالم عن
أبيه أنه كان يصلي من الليل على دابته وهو مسافر وروى محمد بن نصر من طريق ابن جريج قال
حدثنا نافع أن ابن عمر كان يوتر على دابته قال ابن جريج وأخبرني موسى بن عقبة عن نافع أن
ابن عمر كان يخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك * (فائدة) * قال الطحاوي ذكر عن
الكوفيين أن الوتر لا يصلي على الراحلة وهو خلاف السنة الثابتة واستدل بعضهم برواية مجاهد
أنه رأى ابن عمر نزل فأوتر وليس ذلك بمعارض لكونه أوتر على الراحلة لأنه لا نزاع أن صلاته على
الأرض أفضل وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن ابن عمر أنه كان يوتر على راحلته وربما نزل
فأوتر بالأرض (قوله باب الوتر في السفر) أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من
قال إنه لا يسن في السفر وهو منقول عن الضحاك وأما قول ابن عمر لو كنت مسبحا في السفر
لأتممت كما أخرجه مسلم وأبو داود من طريق حفص بن عاصم عنه فإنما أراد به راتبه المكتوبة
لا النافلة المقصودة كالوتر وذلك بين من سياق الحديث المذكور فقد رواه الترمذي من وجه آخر
بلفظ سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يصلون الظهر والعصر
ركعتين ركعتين لا يصلون قبلها ولا بعدها فلو كنت مصليا قبلها أو بعدها لأتممت ويحتمل أن
تكون التفرقة بين نوافل النهار ونوافل الليل فإن ابن عمر كان يتنفل على راحلته وعلى دابته في
الليل وهو مسافر وقد قال مع ذلك ما قال (قوله إلا الفرائض) أي لكن الفرائض بخلاف ذلك
فكان لا يصليها على الراحلة واستدل به على أن الوتر ليس بفرض وعلى أنه ليس من خصائص
النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الوتر عليه لكونه أوقعه على الراحلة وأما قول بعضهم إنه كان
من خصائصه أيضا أن يوقعه على الراحلة مع كونه واجبا عليه فهي دعوى لا دليل عليها لأنه
لم يثبت دليل وجوبه عليه حتى يحتاج إلى تكلف هذا الجمع واستدل به على أن الفريضة لا تصلي
على الراحلة قال ابن دقيق العيد وليس ذلك بقوي لأن الترك لا يدل على المنع إلا أن يقال إن
دخول وقت الفريضة مما يكثر على المسافر فترك للصلاة لها على الراحلة دائما يشعر بالفرق بينها
وبين النافلة في الجواز وعدمه وأجاب من ادعى وجوب الوتر من الحنفية بأن الفرض عندهم غير
الواجب فلا يلزم من نفى الفرض نفى الواجب وهذا يتوقف على أن ابن عمر كان يفرق بين الفرض
والواجب وقد بالغ الشيخ أبو حامد فادعى أن أبا حنيفة انفرد بوجوب الوتر ولم يوافقه صاحباه
مع أن ابن أبي شيبة أخرج عن سعيد بن المسيب وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود والضحاك
ما يدل على وجوبه عندهم وعنده عن مجاهد الوتر واجب ولم يثبت ونقله ابن العربي عن أصبغ
من المالكية ووافقه سحنون وكأنه أخذه من قول مالك من تركه أدب وكان جرحة في شهادته
(قوله باب القنوت قبل الركوع وبعده) القنوت يطلق على معان والمراد به هنا
الدعاء في للصلاة في محل مخصوص من القيام قال الزين بن المنير أثبت بهذه الترجمة مشروعية
407

القنوت إشارة إلى الرد على من روى عنه أنه بدعة كابن عمر وفي الموطأ عنه أنه كان لا يقنت في شئ
من الصلوات ووجه الرد عليه ثبوته من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرتفع عن درجة
المباح قال ولم يقيده في الترجمة بصبح ولا غيره مع كونه مقيدا في بعض الأحاديث بالصبح وأوردها
في أبواب الوتر أخذا من إطلاق أنس في بعض الأحاديث كذا قال ويظهر لي أنه أشار بذلك إلى
قوله في الطريق الرابعة كان القنوت في الفجر والمغرب لأنه ثبت أن المغرب وتر النهار فإذا ثبت
القنوت فيها ثبت في وتر الليل بجامع ما بينهما من الوترية مع أنه قد ورد الأمر به صريحا في الوتر
فروى أصحاب السنن من حديث الحسن بن علي قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات
أقولهن في قنوت الوتر اللهم اهدني فيمن هديت الحديث وقد صححه الترمذي وغيره لكن ليس
على شرط البخاري (قوله سئل أنس) في رواية إسماعيل عن أيوب عند مسلم قلت لأنس فعرف
بذلك أنه أبها نفسه (قوله فقيل أوقنت) في رواية الكشميهني بغير واو وللإسماعيلي هل قنت
(قوله قبل الركوع) زاد الإسماعيلي أو بعد الركوع (قوله بعد الركوع يسيرا) قد بين عاصم
في روايته مقدار هذا اليسير حيث قال فيها إنما قنت بعد الركوع شهرا وفي صحيح ابن خزيمة
من وجه آخر عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم
وكأنه محمول على ما بعد الركوع بناء على أن المراد بالحصر في قوله إنما قنت شهرا أي متواليا (قوله
حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد وعاصم هو ابن سليمان الأحول (قوله قد كان القنوت) فيه
اثبات مشروعيته في الجملة كما تقدم (قوله قال فإن فلانا أخبرني عنك إنك قلت بعد الركوع
فقال كذب) لم أقف على تسمية هذا الرجل صريحا ويحتمل أن يكون محمد بن سيرين بدليل روايته
المتقدمة فإن مفهوم قوله بعد الركوع يسيرا يحتمل أن يكون وقبل الركوع كثيرا ويحتمل أن
يكون لا قنوت قبله أصلا ومعنى قوله كذب أي أخطأ وهو لغة أهل الحجاز يطلقون الكذب على
ما هو أعم من العمد والخطأ ويحتمل أن يكون أراد بقوله كذب أي إن كان حكى أن القنوت دائما
بعد الركوع وهذا يرجح الاحتمال الأول ويبينه ما أخرجه ابن ماجة من رواية حميد عن أنس
أنه سئل عن القنوت فقال قبل الركوع وبعده إسناده قوي وروى ابن المنذر من طريق أخرى
عن حميد عن أنس أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قنتوا في صلاة الفجر قبل الركوع
وبعضهم بعد الركوع وروى محمد بن نصر من طريق أخرى عن حميد عن أنس أن أول من جعل
القنوت قبل الركوع أي دائما عثمان لكي يدرك الناس الركعة وقد وافق عاصما على روايته
هذه عبد العزيز بن صهيب عن أنس كما سيأتي في المغازي بلفظ سأل رجل أنسا عن القنوت بعد
الركوع أو عند الفراغ من القراءة قال لا بل عند الفراغ من القراءة ومجموع ما جاء عن أنس
من ذلك أن القنوت للحاجة بعد الركوع لا خلاف عنه في ذلك وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه
أنه قبل الركوع وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك والظاهر أنه من الاختلاف المباح (قوله
كان بعث قوما يقال لهم القراء) سيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب المغازي وكذا على رواية
أبي مجلز والتيمي الراوي عنه هو سليمان وهو يروي عن أنس نفسه ويروي عنه أيضا بواسطة
كما في هذا الحديث (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن علية وخالد هو الحذاء (قوله كان القنوت في
المغرب والفجر) قد تقدم توجيه إيراد هذه الرواية في أول هذا الباب وتقدم الكلام على بعضها
408

في أثناء صفة للصلاة وقد روى مسلم من حديث البراء نحو حديث أنس هذا وتمسك به الطحاوي
في ترك القنوت في الصبح قال لأنهم أجمعوا على نسخه في المغرب فيكون في الصبح كذلك انتهى
ولا يخفى ما فيه وقد عارضه بعضهم فقال أجمعوا على أنه صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح ثم
اختلفوا هل ترك فيتمسك بما أجمعوا عليه حتى يثبت ما اختلفوا فيه وظهر لي أن الحكمة في
جعل قنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة كما ثبت أقرب
ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وثبوت الأمر بالدعاء فيه أن المطلوب من قنوت النازلة أن
يشارك المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين ومن ثم اتفقوا على أن يجهر به بخلاف القنوت في
الصبح فاختلف في محله وفي الجهر * (تكملة) * ذكر ابن العربي أن القنوت ورد لعشرة
معان فنظمها شيخنا الحافظ زين الدين العراقي فيما أنشدنا لنفسه إجازة غير مرة
ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد * مزيدا على عشر معاني مرضيه
دعاء خشوع والعبادة طاعة * إقامتها إقراره بالعبودية
سكوت صلاة والقيام وطوله * كذاك دوام الطاعة الرابح القنية
* (خاتمة) * اشتملت أبواب الوتر من الأحاديث المرفوعة على خمسة عشر حديثا منها واحد معلق
المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية أحاديث والخالص سبعة وافقه مسلم على تخريجها وفيه من
الآثار ثلاثة موصولة والله أعلم
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (أبواب الإستسقاء) *
(باب الإستسقاء وخروج النبي صلى الله عليه وسلم) كذا للمستملي دون البسملة وسقط ما قبل
باب من رواية الحموي والكشميهني وللأصيلي كتاب الاستسقاء فقط وثبتت البسملة في رواية
ابن شبويه والاستسقاء لغة طلب سقى الماء من الغير للنفس أو الغير وشرعا طلبه من الله
عند حصول الجدب على وجه مخصوص (قوله عن عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن
عمرو بن حزم قاضي المدينة وسيأتي في باب تحويل الرداء التصريح بسماع عبد الله له من
عباد (قوله عن عمه) هو عبد الله بن زيد بن عاصم كما سيأتي صريحا في الباب المذكور
وسياقه أتم (قوله خرج النبي صلى الله عليه وسلم) أي إلى المصلى كما سيأتي التصريح به أيضا
فيه ويأتي الكلام فيه على كيفية تحويل الرداء وزاد فيه وصلى ركعتين وقد اتفق
فقهاء الأمصار على مشروعية صلاة الاستسقاء وأنها ركعتان إلا ما روى عن أبي حنيفة
أنه قال يبرزون للدعاء والتضرع وان خطب لهم فحسن ولم يعرف الصلاة هذا هو المشهور
عنه ونقل أبو بكر الرازي عنه التخيير بين الفعل والترك وحكى ابن عبد البر الإجماع على
استحباب الخروج إلى الاستسقاء والبروز إلى ظاهر المصر لكن حكى القرطبي عن أبي
حنيفة أيضا أنه لا يستحب الخروج وكأنه اشتبه عليه بقوله في الصلاة (قوله باب
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اجعلها سنين كسني يوسف) أورد فيه حديث أبي هريرة في
الدعاء في القنوت للمؤمنين والدعاء على الكافرين وفيه معنى الترجمة ووجه إدخاله في أبواب
409

الاستسقاء التنبيه على أنه كما شرع الدعاء بالاستسقاء للمؤمنين كذلك شرع الدعاء بالقحط
على الكافرين لما فيه من نفع الفريقين باضعاف عدو المؤمنين ورقة قلوبهم ليذلوا للمؤمنين
وقد ظهر من ثمر ذلك التجأوهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم برفع القحط كما في
الحديث الثاني ويمكن أن يقال إن المراد أن مشروعية الدعاء على الكافرين في الصلاة تقتضي
مشروعية الدعاء للمؤمنين فيها فثبت بذلك صلاة الاستسقاء خلافا لمن أنكرها والمراد بسنى
يوسف ما وقع في زمانه عليه السلام من القحط في السنين السبع كما وقع في التنزيل وقد بين
ذلك في الحديث الثاني حيث قال سبعا كسبع يوسف وأضيفت إليه لكونه الذي أنذر بها
أو لكونه الذي قام بأمور الناس فيها (قوله حدثنا اني بن عبد الرحمن) هو الحزامي بالمهملة
والزاي لا المخزوى وهما مدنيان مطبقة واحدة لكن الحزامي معروف بالرواية عن أبي الزناد
دون المخزومي وقد بينه بن معين والنسائي لكنه لم ينفرد بهذا الحديث فسيأتي في الجهاد من
رواية الثوري وفد أحاديث الأنبياء من رواية شعيب وأخرجه الإسماعيلي من رواية موسى بن
عقبة كلهم عن أبي الزناد (قوله اللهم اجعلها سنين) في الرواية الماضية في باب يهوى أبا لتكبير
من صفة الصلاة اللهم اجعلها عليهم والضمير في قوله اجعلها يعود على المدة التي أنكر فيها الشدة
المعبر عنها بالوطأة وزاد بعد قوله فيها كسني يوسف وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له
وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في تفسير آل عمران إن شاء الله تعالى (قوله وأن النبي
صلى الله عليه وسلم قال غفار ورجاله الله لها الخ) هذا حديث آخر وهو عند المصنف بالإسناد المذكور
وكأنه سمعه هكذا فأورده كما سمعه وقد أخرجه أحمد عن قتيبة كما أخرجه البخاري ويحتمل أن
يكون له تعلق بالترجمة من جهة أن الدعاء على المشركين بالقحط ينبغي أن يخص بمن كان محاربا
دون من كان مسالما (قوله غفار وغفر الله لها) فيه الدعاء بما يشتق من الاسم كأن يقول لأحمد
أحمد الله عاقبتك ولعلى أعلاك الله وهو من جناس الاشتقاق ولا يختص بالدعاء بل يأتي مثله في
الخبر ومنه قوله تعالى وأسلمت مع سليمان وسيأتي في المغازي حديث عصية عصت الله ورسوله
وإنما اختصت القبيلتان بهذا الدعاء لأن غفارا أسلموا قديما وأسلم سالموا النبي صلى الله عليه
وسلم كما سيأتي بيان ذلك في أوائل المناقب إن شاء الله تعالى (قوله قال ابن أبي الزناد عن أبيه
هذا كله في الصبح) يعني أن عبد الرحمن بن أبي الزناد روى هذا الحديث عن أبيه بهذه الإسناد
فبين أن الدعاء المذكور كان في الصبح وقد تقدم بعض بيان الاختلاف في ذلك في أثناء صفة
الصلاة (قوله كنا عند عبد الله) يعني ابن مسعود وسيأتي في تفسير الدخان سبب تحديث عبد الله
ابن مسعود بهذا الحديث (قوله لما رأى من الناس إدبارا) أي عن الإسلام وسيأتي في تفسير
الدخان أن قريشا لما أبطئوا عن الإسلام (قوله فأخذتهم سنة) بفتح المهملة بعدها نون خفيفة
أي أصابهم القحط وقوله حصت بفتح الحاء والصاد المهملتين أي استأصلت النبات حتى خلت
الأرض منه (قوله حتى أكلنا) في رواية المستملى والحموي حتى أكلوا وهو الوجه وكذا قوله ينظر
أحدكم عند الأكثر ينظر أحدهم وهو الصواب وسيأتي بقية الكلام عليه بعد تسعة أبواب
(قوله باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا) قال ابن رشيد لو أدخل
تحت هذه الترجمة حديث بن مسعود الذي قبله لكان أوضح مما ذكر انتهى ويظهر إلى أنه لما كان
410

من سأل قد يكون مسلما وقد يكون مشركا وقد يكون من الفريقين وكان في حديث ابن مسعود
المذكور أن الذي سأل كان مشركا ناسب أن يذكر في الذي بعده ما يدل على ما إذا كان الطلب
من الفريقين كما سأبينه ولذلك ذكر لفظ الترجمة عاما لقوله سؤال الناس وذلك أن المصنف أورد في
هذا الباب تمثل ابن عمر بشعر أبي طالب وقول أنس إن عمر كان إذا قحطوا استسقى بالعباس
وقد اعترضه الإسماعيلي فقال حديث ابن عمر خارج عن الترجمة إذ ليس فيه أن أحدا سأله أن
يستسقى له ولا في قصة العباس التي أوردها أيضا وأجاب ابن المنير عن حديث ابن عمر بان المناسبة
تؤخذ من قوله فيه يستسقى الغمام لأن فاعله محذوف وهم الناس وعن حديث أنس بأن في قول
عمر كنا نتوسل إليك بنبيك دلالة على أن للأمام مدخلا في الاستسقاء وتعقب بأنه لا يلزم من كون
فاعل يستسقى هو الناس أن الريح سألوا الإمام بأن يستسقى لهم كما في الترجمة وكذا ليس في قول
عمر أنهم كانوا يتوسلون به دلالة على أنهم سألوه أن يستسقى لهم إذ يحتمل أن الريح في الحالين طلبوا
السقيا من الله مستشفعين به صلى الله عليه وسلم وقال بن رشيد يحتمل أن يكون أراد بالترجمة
الاستدلال بطريق الأولى لأنهم إذا كانوا يسألون الله به فيسقيهم فأحرى أن يقدموه للسؤال
انتهى هو حسن ويمكن أن يكون أراد من حديث ابن عمر سياق الطريق الثانية عنه وأن يبين
أن الطريق الأولى مختصرة منها وذلك أن لفظ الثانية ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه
النبي صلى الله عليه وسلم يستسقى فدل ذلك على أنه هو الذي باشر الطلب صلى الله عليه وسلم وأن
ابن عمر أشار إلى قصة وقعت في الإسلام حضرها هو لا مجرد ما دل عليه شعر أبي طالب وقد علم من
بقية الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم إنما استسقى إجابة لسؤال من سأله في ذلك كما في حديث
ابن مسعود الماضي وفي حديث أنس الآتي وغيرهما من الأحاديث وأوضح من ذلك ما أخرجه
البيهقي في الدلائل من رواية مسلم الملائي عن أنس قال جاء رجل أعرابي إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال يا رسول الله أتيناك وما لنا بعير يئط ولا صبي يغط ثم أنشده شعرا يقول فيه
وليس لنا إلا إليك فرارنا * وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
فقام يجر رداءه حتى صعد المنبر
فقال اللهم اسقنا الحديث وفيه ثم قال صلى الله عليه وسلم لو كان
أبو طالب حيا لقرت عيناه من ينشدنا قوله فقام على فقال يا رسول الله كأنك أردت قوله
* وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * الأبيات فظهرت بذلك مناسبة حديث ابن عمر للترجمة
وإسناد حديث أنس وإن كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة وقد ذكره ابن هشام في زوائده في
السيرة تعليقا عمن يثق به وقوله يئط بفتح أوله وكسر الهمزة وكذا يغط بالمعجمة والأطيط
صوت البعير المثقل والغطيط صوت النائم كذلك وكنى بذلك عن شدة الجوع لأنهما إنما يقعان
غالبا عند الشبع وأما حديث أنس عن عمر فأشار به أيضا إلى ما ورد في بعض طرقه وهو عند
الإسماعيلي من رواية محمد بن المثنى عن الأنصاري بإسناد البخاري إلى أنس قال كانوا إذا قحطوا
على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استسقوا به فيستسقى لهم فيسقون فلما كان في إمارة عمر
فذكر الحديث وقد أشار إلى ذلك الإسماعيلي فقال هذا الذي رويته يحتمل المعنى الذي ترجمه
بخلاف ما أورده هو (قلت) وليس ذلك بمبتدع لما عرف بالاستقراء من عادته من الاكتفاء بالإشارة
إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده وقد روى عبد الرزاق من حديث ابن عباس
411

أن عمر استسقى بالمصلى فقال للعباس قم فاستسق فقام العباس فذكر الحديث فتبين بهذا أن في
القصة المذكورة أن العباس كان مسؤولا وأنه ينزل منزلة الإمام إذا أمره الإمام بذلك وروى
ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري وكان خازن عمر قال
أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق
لامتك فإنهم قد هلكوا فأتى الرجل في المنام فقيل له ائت عمر الحديث وقد روى سيف في الفتوح
أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحرث لالمزني أحد الصحابة وظهر بهذا كله مناسبة
الترجمة لأصل هذه القصة أيضا والله الموفق (قوله يتمثل) أي ينشد شعر غيره (قوله وأبيض)
بفتح الضاد وهو مجرور برب مقدرة أو منصوب بإضمار أعنى أو أخص والراجح أنه بالنصب عطفا
على قوله سيدا في البيت الذي قبله (قوله ثمال) بكسر المثلثة وتخفيف الميم هو العماد والملجأ
والمطعم والمغيث والمعين والكافي قد أطلق على كل من ذلك وقوله عصمة للأرامل أي يمنعهم
مما يضرهم والأرامل جمع أرملة وهي الفقيرة التي لا زوج لها وقد يستعمل في الرجل أيضا مجازا
ومن ثم لو أوصى للأرامل خص النساء دون الرجال وهذا البيت من أبيات في قصيدة لأبي طالب
ذكرها ابن إسحاق في السيرة بطولها وهي أكثر من ثمانين بيتا قالها لما تمالأت قريش على النبي
صلى الله عليه وسلم ونفروا عنه من يريد الإسلام أولها
ولما رأيت القوم لا ود فيهم * وقد قطعوا كل العرا والوسائل
وقد جاهرونا بالعداوة والأذى * وقد طاوعوا أمر العدو المزايل
(يقول فيها)
أعبد مناف أنتم خير قومكم فلا * تشركوا في أمركم كل واغل
فقد خفت إن لم يصلح الله أمركم * تكونوا كما كانت أحاديث وائل
(يقول فيها)
أعوذ برب الناس من كل طاعن * علينا بسوء أو ملح بباطل
وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه * وراق لبفي حراء ونازل
وبالبيت حق البيت من بطن مكة * وبالله أن الله ليس بغافل
(يقول فيها)
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا * ولما نطاعن حوله ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
(يقول فيها)
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا * يحوط الذمار بين بكر بن وائل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
قال السهيلي فإن قيل كيف قال أبو طالب يستسقى الغمام بوجهه ولم يره قط استسقى إنما كان
ذلك منه بعد الهجرة وأجاب بما حاصله أن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث
استسقى لقريش والنبي صلى الله عليه وسلم معه غلام انتهى ويحتمل أن يكون أبو طالب مدحه
بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه وإن لم يشاهد وقوعه وسيأتي في الكلام على حديث ابن مسعود
ما يشعر بأن سؤال أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء وقع بمكة وذكر ابن التين أن في
شعر أبي طالب هذا دلالة على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما أخبره
به بحيرة أو غيره من شأنه وفيه نظر لما تقدم عن بن إسحاق أن إنشاء أبي طالب لهذا الشعر كان بعد
412

المبعث ومعرفة أبي طالب بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت في كثير من الأخبار وتمسك
بها الشيعة في أنه كان مسلما ورأيت لعلي بن حمزة البصري جزأ جمع فيه شعر أبي طالب وزعم في
أوله أنه كان مسلما وأنه مات على الإسلام وأن الحشوية تزعم أنه مات على الكفر وأنهم لذلك
يستجيزون لعنه ثم بالغ في سبهم والرد عليهم واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه وقد بينت فساد ذلك
كله في ترجمة أبى طالب من كتاب الإصابة وسيأتي بعضه في ترجمة أبي طالب من كتاب مبعث النبي
صلى الله عليه وسلم (قوله وقال عمر بن حمزة) أي ابن عبد الله ابن عمر وسالم شيخه هو عمه وعمر مختلف
في الاحتجاج به وكذلك عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار المذكور في الطريق الموصولة
فاعتضدت إحدى الطريقين بالأخرى وهو من أمثلة أحد قسمي الصحيح كما تقرر في علوم
الحديث وطريق عمر المعلقة وصلها أحمد وابن ماجة والإسماعيلي من رواية أبي عقيل عبد الله
ابن عقيل الثقفي عنه وعقيل فيهما بفتح العين (قوله يستسقى) بفتح أوله زاد ابن ماجة في روايته
على المنبر وفي روايته أيضا في المدينة (قوله يجيش) بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة يقال
جاش الوادي إذا زخر بالماء وجاشت القدر إذا غلت وجاش الشئ إذا تحرك وهو كناية عن كثرة
المطر (قوله كل ميزاب) بكسر الميم وبالزاي معروف وهو ما يسيل منه الماء من موضع عال
ووقع في رواية الحموي حتى يجيش لك بتقديم اللام على الكاف وهو تصحيف (قوله حدثني
الحسن بن محمد) هو الزعفراني والأنصاري شيخه يروي عنه البخاري كثيرا وربما أدخل بينهما
واسطة كهذا الموضع ووهم من زعم أن البخاري أخرج هذا الحديث عن الأنصاري نفسه (قوله
أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا) بضم القاف وكسر المهملة أي أصابهم القحط وقد بين الزبير بن
بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذا الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك فأخرج بإسناد له
أن العباس لما استسقى به عمر قال اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه
القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث
فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس وأخرج أيضا من طريق داود
عن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن
عبد المطلب فذكر الحديث وفيه فخطب الناس عمر فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يرى للعباس ما يرى الولد للوالد فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس
واتخذوه وسيلة إلى الله وفيه فما برحوا حتى سقاهم الله وأخرجه البلاذري من طريق هشام بن
سعد عن زيد بن أسلم فقال عن أبيه بدل ابن عمر فيحتمل أن يكون لزيد فيه شيخان وذكر ابن سعد
وغيره أن عام الرمادة كان سنة ثمان عشرة وكان ابتداؤه الحدود الحاج منها ودام تسعة أشهر
والرمادة بفتح الراء وتخفيف الميم سمي العام بها لما حصل من شدة الجدب فاغبرت الأرض جدا
من عدم المطر وقد تقدم من رواية الإسماعيلي رفع حديث أنس المذكور في قصة عمرو العباس
وكذلك أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق محمد بن المثنى بالإسناد المذكور ويستفاد من
قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة وفيه فضل العباس
وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه (قوله باب تحويل الرداء في الاستسقاء)
ترجم لمشروعيته خلافا لمن نفاه ثم ترجم بعد ذلك لكيفيته كما سيأتي (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن
413

راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وأخرجه من طريقه (قوله عن محمد بن أبي بكر) أي ابن محمد
ابن عمرو بن حزم وهو أخو عبد الله بن أبي بكر المذكور في الطريق الثانية من هذا الباب وقد
حدث به عن عباد أبوهما أبو بكر بن محمد بن عمرو كما سيأتي بعد خمسة عشر بابا (قوله استسقى
فقلب رداءه) ذكر الواقدي أن المريض ردائه صلى الله عليه وسلم كان ستة أذرع في ثلاثة أذرع
وطول إزاره أربعة أذرع وشبرين في ذراعين وشبر كان يلبسهما في الجمعة والعيدين ووقع في
شرح الأحكام لابن بزيزة ذرع الرداء كالذي ذكره الواقدي في ذرع الإزار والأول أولى قال الزين
ابن المنير ترجم بلفظ التحويل والذي وقع في الطريقين اللذين ساقهما لفظ القلب وكأنه أراد
أنهما بمعنى واحد انتهى ولم تتفق الرواة في الطريق الثانية على لفظ القلب فإن رواية أبي ذر حول
وكذا هو في أول حديث في الاستسقاء وكذلك أخرجه مسلم من طريق مالك عن عبد الله بن أبي
بكر وقد وقع بيان المراد من ذلك في باب الاستسقاء بالمصلى في زيادة سفيان عن المسعودي عن
أبي بكر بن محمد ولفظه قلب رداءه جعل اليمين على الشمال وزاد فيه ابن ماجة وابن خزيمة من هذا
الوجه والشمال على اليمين والمسعودي ليس من شرط الكتاب وإنما ذكر زيادته استطرادا
وسيأتي بيان كون زيادته موصولة أو معلقة في الباب المذكور إن شاء الله تعالى وله شاهد أخرجه
أبو داود من طريق الزبيدي عن الزهري عن عباد بلفظ فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر
وعطافه الأيسر على عاتقة الأيمن وله من طريق عمارة بن غزية عن عباد استسقى وعليه
خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه وقد استحب
الشافعي في الجديد فعل ما هم به صلى الله عليه وسلم من تنكيس الرداء مع التحويل الموصوف
وزعم القرطبي كغيره أن الشافعي اختار في الجديد تنكيس الرداء لا تحويله والذي في الأم ما ذكرته
والجمهور على استحباب التحويل فقط ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط وعن أبي حنيفة
وبعض المالكية لا يستحب شئ من ذلك واستحب الجمهور أيضا أن يحول الناس بتحويل الإمام
ويشهد له ما رواه أحمد من طريق أخرى عن عباد في هذا الحديث بلفظ وحول الناس معه
وقال الليث وأبو يوسف يحول الإمام وحده واستثنى بن الماجشون النساء فقال لا يستحب في
حقهم ثم أن ظاهر قوله فقلب رداءه أن التحويل وقع بعد فراغ الاستسقاء وليس كذلك بل
المعنى فقلب رداءه في أثناء الاستسقاء وقد بينه مالك في روايته المذكورة ولفظه حول رداءه
حين استقبل القبلة ولمسلم من رواية يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد وإنه لما أراد أن يدعو
استقبل القبلة وحول رداءه وأصله للمصنف كما سيأتي بعد أبواب وله من رواية الزهري عن عباد
فقام فدعا الله قائما ثم توجه قبل القبلة وحول رداءه فعرف بذلك أن التحويل وقع في أثناء
الخطبة عند إرادة الدعاء واختلف في حكمة هذا التحويل فجزم المهلب بأنه للتفاؤل بتحويل
الحال عما هي عليه وتعقبه بن العربي بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه قال وإنما التحويل
أمارة بينه وبين ربه قيل له حول رداءك ليتحول حالك وتعقب بان الذي جزم به يحتاج إلى نقل
والذي رده ورد فيه حديث رجاله ثقات أخرجه الدارقطني والحاكم من طريق جعفر بن محمد بن
علي عن أبيه عن جابر ورجح الدارقطني إرساله وعلى كل حال فهو أولى من القول بالظن وقال
بعضهم إنما حول رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع يديه في الدعاء فلا يكون سنة في كل حال
414

وأجيب بأن التحويل من جهة إلى جهة لا يقتضى الثبوت على العاتق فالحمل على المعنى الأول
أولى فإن الأتباع أولى من تركه لمجرد احتمال الخصوص والله أعلم (قوله حدثنا سفيان) هو ابن
عيينة قوله قال عبد الله بن أبي بكر أي قال قال ويجوز أن يكون بن عيينة حذف الصيغة مرة
وجرت عادتهم بحذف إحداهما من الخط وفي حذفها من اللفظ بحث ووقع عند الحموي والمستملي
بلفظ عن عبد الله وصرح بن خزيمة في روايته بتحديث عبد الله به لابن عيينة (قوله أنه سمع عباد
ابن تميم يحدث أباه) الضمير في قوله أباه يعود على عبد الله بن أبي بكر لا على عباد وضبطه الكرماني
بضم الهمزة وراء بدل الموحدة أي أظنه ولم أر ذلك في شئ من الروايات التي اتصلت لنا ومقتضاه
أن الراوي لم يجزم بأن رواية عباد له عن عمه ووقع في بعض النسخ من ابن ماجة عن عبد الله بن أبي
بكر عن عباد بن تميم عن أبيه عن عبد الله بن زيد وقوله عن أبيه زيادة وهي وهم والصواب ما وقع
في النسخ المعتمدة من ابن ماجة عن محمد بن الصباح وكذا لابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء
كلاهما عن سفيان قال حدثنا المسعودي ويحيى هو ابن سعيد عن أبي بكر أي بن محمد بن
عمرو بن حزم قال سفيان فقلت لعبد الله أي بن أبي بكر حديث حدثناه يحيى والمسعودي عن
أبيك عن عباد بن تميم فقال عبد الله بن أبي بكر سمعته أنا من عباد يحدث أبي عن عبد الله بن زيد بن
أبي بكر فذكر الحديث (قوله خرج إلى المصلى فاستسقى) في رواية الزهري المذكورة
بالناس يستسقى ولم أقف في شئ من طرق حديث عبد الله بن زيد على سبب ذلك ولا صفته صلى
الله عليه وسلم حال الذهاب إلى المصلى وعلى وقت ذهابه وقد وقع ذلك في حديث عائشة عند أبي
داود وابن حبان قالت شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحط المطر فأمر بمنبره
فوضع له بالمصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر
الحديث وفي حديث ابن عباس عند أحمد وأصحاب السنن خرج النبي صلى الله عليه وسلم
متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فرقى المنبر وفي حديث أبي الدرداء عند البزار والطبراني
قحط المطر فسألنا نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يستسقى لنا فغدا نبي الله صلى الله عليه وسلم الحديث
وقد حكى ابن المنذر الاختلاف في وقتها والراجح أنه لا وقت لها معين وإن كان أكثر أحكامها
كالعيد لكنها تخالفه بأنها لا تختص بيوم معين وهل تصنع صارت استنبط بعضهم من كونه صلى الله
عليه وسلم جهر بالقراءة فيها بالنهار أنها نهارية كالعيد وإلا فلو كانت تصلي صارت لأسر فيها بالنهار
وجهر صارت كمطلق النوافل ونقل ابن قدامة الإجماع على أنها لا تصلي في وقت الكراهة وأفاد
ابن حبان أن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى المصلى للاستسقاء كان في شهر رمضان سنة ست من
الهجرة (قوله فاستقبل القبلة وحول رداءه) تقدم ما فيه قريبا (قوله وصلى ركعتين) في
رواية يحيى بن سعيد المذكورة عند ابن خزيمة وصلى بالناس ركعتين وفي رواية الزهري
الآتية في باب كيف حول ظهره ثم صلى الناس ركعتين واستدل به على أن الخطبة في الاستسقاء قبل
الصلاة وهو مقتضى حديث عائشة وابن عباس المذكورين لكن وقع عند أحمد في حديث
عبد الله بن زيد التصريح بأنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة وكذا في حديث أبي هريرة عند ابن ماجة
حيث قال فصلى بنا ركعتين بغير أذان ولا أقاموا لمرجح عند الشافعية والمالكية الثاني وعن
أحمد رواية كذلك ورواية يخير ولم يقع في شئ من طرق حديث عبد الله بن زيد صفة الصلاة
415

مذكورة ولا ما يقرأ فيها وقد أخرج الدارقطني من حديث ابن عباس أنه يكبر فيهما سبعا وخمسا
كالعيد وأنه يقرأ فيهما بسبح وهل أتاك وفي إسناده مقال لكن أصله في السنن بلفظ ثم صلى
ركعتين كما يصلي في العيد فأخذ بظاهره الشافعي فقال يكبر فيهما ونقل الفاكهي شيخ شيوخنا
عن الشافعي استحباب التكبير حال الخروج إليها كما في العيد وهو غلط منه عليه ويمكن
الجمع بين ما اختلف من الروايات في ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالدعاء ثم صلى ركعتين ثم
خطب فاقتصر بعض الرواة على شئ وبعضهم على شئ وعبر بعضهم عن الدعاء بالخطبة فلذلك
وقع الاختلاف وأما قول بن بطال إن رواية أبي بكر بن محمد دالة على تقديم الصلاة على الخطبة
وهو أضبط من ولديه عبد الله ومحمد فليس ذلك بالبين مسياق البخاري ولا مسلم والله أعلم
وقال القرطبي يعتضد القول بتقديم الصلاة على الخطبة لمشابهتها بالعيد وكذا ما تقرر من
تقديم الصلاة أمام الحاجة وقد ترجم المصنف لهذا الحديث أيضا الدعاء في الاستسقاء قائما
واستقبال القبلة فيه وحمله ابن العربي على حال الصلاة ثم قال يحتمل أن يكون ذلك خاصا بدعاء
الاستسقاء ولا يخفى ما فيه وقد ترجم له المصنف في الدعوات بالدعاء مستقبل القبلة من غير قيد
بالاستسقاء وكأنه ألحقه به لأن الأصل عدم الاختصاص وترجم أيضا لكونها ركعتين وهو
إجماع عند من قال بها ولكونها في المصلى وقد استثنى الخفاف من الشافعية مسجد مكة كالعيد
وبالجهر بالقراءة في الاستسقاء وبتحويل الظهر إلى الناس عند الدعاء وهو من لازم استقبال
القبلة (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف وقوله كان ابن عيينة الخ يحتمل أن يكون تعليقا ويحتمل
أن يكون سمع ذلك من شيخه علي بن عبد الله المذكور ويرجح الثاني أن الإسماعيلي أخرجه عن
جعفر الفريابي عن علي بن عبد الله بهذا الإسناد فقال عن عبد الله بن زيد الذي أرى النداء وكذا
أخرجه النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان وتعقبه بأن ابن عيينة غلط فيه (قوله لأن هذا)
يعني راوي حديث الاستسقاء (عبد الله) أي هو عبد الله (بن زيد بن عاصم) فالتقدير لأن هذا أي
عبد الله بن زيد هو عبد الله بن زيد بن عاصم (قوله مازن الأنصار) احتراز عن مازن تميم وهو مازن
ابن مالك بن عمرو بن تميم أو مازن قيس وهو مازن بن منصور بن الحرث بن خصفة بمعجمة ثم مهملة
مفتوحتين ابن قيس بن عيلان ومازن بن صعصعة بن معاوية ببكر بن هوازن ومازن ضبة
وهو مازن بن كعب بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد بن ضبة ومازن شيبان وهو مازن بن ذهل بن ثعلبة
ابن شيبان وغيرهم قال الرشاطي مازن في القبائل كثير والمازن في اللغة بيض النمل وقد
حذف البخاري مقابله والتقدير وذاك أي عبد الله بن زيد رائي الأذان عبد الله بن زيد بن
عبد ربه وقد اتفقا في الاسم واسم الأب والنسبة إلى الأنصاري ثم إلى الخزرج والصحبة والرواية
وافترقا في الجد والبطن الذي من الخزرج لأن حفيد عاصم من مازن وحفيد عبد ربه من بلحرث
ابن الخزرج والله أعلم (قوله باب انتقام الرب عز وجل من خلقه بالقحط إذا انتهكت
محارمه) هكذا وقعت هذه الترجمة في رواية الحموي وحدث خالية من حديث ومن أثر قال ابن رشيد
كأنها كانت في رقعة مفردة فأهملها الباقون وكأنه وضعها ليدخل تحتها حديث وأليق
شئ بها حديث عبد الله بن مسعود يعنى المذكور في ثاني باب من الاستسقاء وأخر ذلك ليقع له
التغيير في بعض سنده كما جرت به عادته غالبا فعاقه عن ذلك عائق والله أعلم (قوله باب
416

الاستسقاء في المسجد الجامع) أشار بهذه الترجمة إلى أن الخروج إلى المصلى ليس بشرط في
الاستسقاء لأن الملحوظ في الخروج المبالغة في اجتماع الناس وذلك حاصل في المسجد الأعظم
بناء على المعهود في ذلك الزمان من عدم تعدد الجامع بخلاف ما حدث في هذه الإعصار في بلاد
مصر والشام والله المستعان وقد ترجم له المصنف بعد ذلك من اكتفى بصلاة الجمعة في خطبة
الاستسقاء وترجم له أيضا الاستسقاء في خطبة الجمعة فأشار بذلك إلى أنه إن اتفق وقوع ذلك يوم
الجمعة اندرجت خطبة الاستسقاء وصلاتها في الجمعة ومدار الطرق الثلاثة على شريك فالأولى
عن أبي ضمرة والثانية عن مالك والثالثة عن إسماعيل بن جعفر ثلاثتهم عن شريك وأخرجه
أيضا من طرق أخرى عن أنس سنشير إليها عند النقل لزوائدها إن شاء الله تعالى (قوله أن رجلا)
لم أقف على تسميته في حديث أنس وروى الإمام أحمد من حديث كعب بن مرة ما يمكن أن يفسر
هذا المبهم بأنه كعب المذكور وسأذكر بعض سياقه بعد قليل وروى البيهقي في الدلائل من
طريق مرسلة ما يمكن أن يفسر بأنه خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ولكن رواه ابن
ماجة من طريق شرحبيل بن السمط أنه قال لكعب بن مرة يا كعب حدثنا عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم واحذر قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق
الله عز وجل فرفع يديه فقال اللهم اسقنا الحديث ففي هذا أنه غير كعب وسيأتي بعد أبواب
في هذه القصة فأتاه أبو سفيان ومن ثم زعم بعضهم أنه أبو سفيان بن حرب وهو وهم لأنه جاء في
واقعة أخرى كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين وقد تقدم في
الجمعة من رواية إسحق بن أبي طلحة عن أنس أصاب الناس سنة أي جدب على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قام أعرابي وسيأتي من
رواية يحيى بن سعيد عن أنس أتى رجل أعرابي من أهل البدو وأما قوله في رواية ثابت الآتية
في باب الدعاء إذا كثر المطر عن أنس فقام الناس فصاحوا فلا يعارض ذلك لأنه يحتمل أن يكونوا
سألوه بعد أن سأل ويحتمل أنه نسب ذلك إليهم لموافقة سؤال السائل ما كانوا يريدونه من طلب
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم وقد وقع في رواية ثابت أيضا عند أحمد إذ قال بعض أهل
المسجد وهي ترجح الاحتمال الأول (قوله من باب كان وجاه المنبر) بكسر واو وجاه ويجوز
ضمها أي مواجهة ووقع في شرح ابن التين أن معناه مستدبر القبلة وهو وهم وكأنه ظن
أن الباب المذكور كان مقابل ظهر المنبر وليس الأمر كذلك ووقع في رواية إسماعيل بن
جعفر من باب كان نحو دار القضاء وفسر بعضهم دار القضاء بأنها دار الإمارة وليس كذلك وإنما
هي دار عمر بن الخطاب وسميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دينه فكان يقال لها دار قضاء دين
عمر ثم طال ذلك فقيل لها دار القضاء ذكره الزبير بن بكار بسنده إلى بن عمر وذكر عمر بن شبة في
أخبار المدينة عن أبي غسان المدني سمعت ابن أبي فديك عن عمه كانت دار القضاء لعمر فأمر
عبد الله وحفصة أن يبيعاها عند وفاته في دين كان عليه فباعوها من معاوية وكانت تسمى دار
القضاء قال ابن أبي فديك سمعت عمي يقول إن كانت لتسمى دار قضاء الدين قال وأخبرني عمي أن
الخوخة الشارعة في دار القضاء غربي المسجد هي خوخة أبي بكر الصديق التي قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يبقى في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر وقد صارت بعد ذلك إلى مروان
417

وهو أمير المدينة فلعلها شبهة من قال إنها دار الإمارة فلا يكون غلطا كما قال صاحب المطالع
وغيره وجاء في تسميتها دار القضاء قول آخر رواه عمر بن شبة في أخبار المدينة عن أبي غسان
المدني أيضا عن عبد العزيز بن عمران عن راشد بن حفص عن أم الحكم بنت عبد الله عن عمتها
سهلة بنت عاصم قالت كانت دار القضاء لعبد الرحمن بن عوف وإنما سميت دار القضاء لأن
عبد الرحمن بن عوف اعتزل فيها ليالي الشورى حتى قضى الأمر فيها فباعها بنو عبد الرحمن من
معاوية بن أبي سفيان قال عبد العزيز فكانت فيها الدواوين وبيت المال ثم صيرها السفاح
رحبة للمسجد وزاد أحمد في رواية ثابت عن أنس إني لقائم عند المنبر فأفاد بذلك قوة بذلك قوة ضبطه للقصة
لقربه ومن ثم لم يرد هذا الحديث بهذا السياق كله إلا من روايته (قوله قائم يخطب) زاد في
رواية قتادة في الأدب بالمدينة (قوله فقال يا رسول الله) هذا يدل على أن السائل كان مسلما
فانتفى أن يكون أبا سفيان فإنه حين سؤاله لذلك كان لم يسلم كما سيأتي في حديث عبد الله ابن مسعود
قريبا (قوله هلكت الأموال في رواية كريمة وأبي ذر جميعا عن الكشميهني المواشي وهو المراد
بالأموال هنا لا الصامت وقد تقدم في كتاب الجمعة بلفظ هلك الكراع وهو بضم الكاف يطلق على
الخيل وغيرها وفي رواية يحيى بن سعيد الآتية هلكت الماشية هلك العيال هلك الناس وهو من
ذكر العام بعد الخاص والمراد بهلاكهم عدم وجود ما يعيشون به من الأقوات المفقودة بحبس
المطر (قوله وانقطعت السيل) في رواية الأصيلي وتقطعت بمثناة وتشديد الطاء والمراد بذلك
أن الإبل ضعفت لقلة القوت عن السفر أو لكونها لا تجد في طريقها من الكلأ ما يقيم أودها
وقيل المراد نفاد ما عند الناس من الطعام أو قلته فلا يجدون ما يحملونه يجلبونه إلى الأسواق
ووقع في رواية قتادة الآتية عن أنس قحط المطر أي قل وهو بفتح القاف والطاء وحكي بضم
ثم كسر وزاد في رواية ثابت الآتية عن أنس واحمرت الشجر واحمرارها كناية عن يبس
ورقها لعدم شربها الماء أو لانتثاره فتصير الشجر أعوادا بغير ورق ووقع لأحمد في رواية قتادة
وأمحلت الأرض وهذه الألفاظ يحتمل أن يكون الرجل قال كلها ويحتمل أن يكون بعض
الرواة روى شيئا مما قاله بالمعنى لأنها متقاربة فلا تكون غلطا كما قال صاحب المطالع وغيره
(قوله فادع الله يغيثنا) أي فهو يغيثنا وهذه رواية الأكثر ولأبي ذر أن يغيثنا وفي رواية إسماعيل
ابن جعفر الآتية للكشميهني يخضعوا بالجزم ويجوز الضم في يغيثنا على أنه من الإغاثة وبالفتح على
أنه من الغيث ويرجح الأول قوله في رواية إسماعيل بن جعفر فقال اللهم أغثنا ووقع في رواية قتادة
فادع الله أن يسقينا وله في الأدب فاستسق ربك قال قاسم بن ثابت رواه لنا موسى بن هارون
اللهم أغثنا وجائز أن يكون من الغوث أو من الغيث والمعروف في كلام العرب غثنا لأنه من
الغوث وقال بن القطاع غاث الله عباده غيثا وغياثا سقاهم المطر وأغاثهم أجاب دعاءهم ويقال
غاث وأغاث بمعنى والرباعي أعلى وقال بن دريد الأصل غاثه الله يغوثه غوثا فأغيث واستعمل
أغاثه ومن فتح أوله فمن الغيث ويحتمل أن يكون معنى أغثنا أعطنا غوثا وغيثا (قوله فرفع يديه)
زاد النسائي في رواية سعيد عن يحيى بن سعيد ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يدعون وزاد في رواية شريك حذاء وجهه ولابن خزيمة من رواية حميد عن أنس حتى رأيت
بياض إبطيه وتقدم في الجمعة بلفظ فمد يديه ودعا زاد في رواية قتادة في الأدب فنظر إلى السماء
418

قوله فقال اللهم اسقنا) أعاده ثلاثا في هذه الرواية ووقع في رواية ثابت الآتية عن أنس
اللهم اسقنا مرتين والأخذ بالزيادة أولى كالغرماء ما تقدم في العلم أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا
دعا دعا ثلاثا (قوله لا والله) كذا للأكثر بالواو ولأبي ذر بالفاء وفي رواية ثابت المذكورة وأيم
الله (قوله من سحاب) أي مجتمع (ولا قزعة) بفتح القاف والزاي بعدها مهملة أي سحاب متفرق
قال ابن سيده القزع قطع من السحاب رقاق زاد أبو عبيد وأكثر ما يجئ في الخريف (قوله ولا شيئا)
بالنصب عطفا على موضع الجار والمجرور أي ما نرى شيئا والمراد نفى علامات المطر من ريح وغيره
(قوله وما بيننا وبين سلع) بفتح المهملة وسكون اللام جبل معروف بالمدينة وقد حكى أنه بفتح
اللام (قوله من بيت ولا دار) أي يحجبنا عن رؤيته وأشار بذلك إلى أن السحاب كان مفقودا
لا مستترا ببيت ولا غيره ووقع في رواية ثابت في علامات النبوة قال قال أنس وإن السماء لفي مثل
الزجاجة أي لشدة صفائها وذلك مشعر بعدم السحاب أيضا (قوله فطلعت) أي ظهرت (من
ورائه) أي سلع وكأنها نشأت من جهة البحر لأن وضع سلع يقتضى ذلك (قوله مثل الترس)
أي مستديرة ولم يرد أنها مثله في القدر لأن في رواية حفص بن عبيد الله عند أبي عوانة فنشأت
سحابة مثل رجل الطائر وأنا أنظر إليها فهذا يشعر بأنها كانت صغيرة وفي رواية ثابت المذكورة
فهاجت ريح أنشأت سحابا ثم اجتمع وفي رواية قتادة في الأدب فنشأ السحاب بعضه إلى بعض وفي
رواية إسحق الآتية حتى ثار السحاب أمثال الجبال أي لكثرته وفيه ثم لم ينزل عن منبره حتى
رأينا المطر يتحادر على لحيته وهذا يدل على أن السقف وكف لكونه كان من جريد النخل (قوله
فلما توسطت السماء انتشرت) هذا يشعر بأنها استمرت مستديرة حتى انتهت إلى الأفق فانبسطت
حينئذ وكأن فائدته تعميم الأرض بالمطر (قوله ما رأينا الشمس سبتا) كناية عن استمرار الغيم
الماطر وهذا في الغالب وإلا فقد يستمر المطر والشمس بادية وقد تحجب الشمس بغير مطر وأصرح
من ذلك رواية إسحاق الآتية بلفظ فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه حتى
الجمعة الأخرى وأما قوله سبتا فوقع للأكثر بلفظ السبت يعني أحد الأيام والمراد به الأسبوع
وهو من تسمية الشئ باسم بعضه كما يقال جمعة قاله صاحب النهاية قال ويقال أراد قطعة
من الزمان وقال الزين بن المنير قوله سبتا أي من السبت إلى السبت أي جمعة وقال المحب
الطبري مثله وزاد أن فيه تجوزا لأن السبت لم يكن مبدأ ولا الثاني منتهى وإنما عبر أنس
بذلك لأنه كان من الأنصار وكانوا قد جاوروا اليهود فأخذوا بكثير من اصطلاحهم وإنما سموا
الأسبوع سبتا لأنه أعظم الأيام عند اليهود كما أن الجمعة عند المسلمين كذلك وحكى النووي تبعا
لغيره كثابت في الدلائل أن المراد بقوله سبتا قطعة من الزمان ولفظ ثابت الناس يقولون معناه
من سبت إلى سبت وإنما السبت قطعة من الزمان وأن الداودي رواه بلفظ ستا وهو تصحيف
وتعقب بأن الداودي لم ينفرد بذلك فقد وقع في رواية الحموي والمستملي هنا ستا وكذا رواه سعيد
ابن منصور عن الدراوردي عن شريك ووافقه أحمد من رواية ثابت عن أنس وكأن من ادعى أنه
تصحيف استبعد اجتماع قوله ستا مع قوله في رواية إسماعيل بن جعفر الآتية سبعا وليس بمستبعد
لأن من قال ستا أراد ستة أيام تامة ومن قال سبعا أضاف أيضا يوما ملفقا من الجمعتين وقد وقع
في رواية مالك عن شريك فمطرنا من جمعة إلى جمعة وفي رواية للنسفي فدامت جمعة وفي رواية
419

عبدوس والقابسي فيما حكاه عياض سبتنا كما يقال جمعتنا ووهم من عزا هذه الرواية لأبي ذر
وفي رواية قتادة الآتية فمطرنا فما كدنا نصل إلى منازلنا أي من كثرة المطر وقد تقدم للمصنف في
الجمعة من وجه آخر بلفظ فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا ولمسلم في رواية ثابت فأمطرنا
حتى رأيت الرجل تهمه نفسه أن يأتي أهله ولابن خزيمة في رواية حميد حتى أهم الشاب القريب
الدار الرجوع إلى أهله وللمصنف في الأدب من طريق قتادة حتى سألت مثاعب المدينة
ومثاعب جمع مثعب بالمثلثة وآخره موحدة مسيل الماء (قوله ثم دخل رجل من ذلك الباب
في الجمعة المقبلة) ظاهره أنه غير الأول لأن النكرة إذا تكررت دلت على التعدد وقد قال شريك
في آخر هذا الحديث هنا سألت أنسا أهو الرجل الأول قال لا أدرى وهذا يقتضى أنه لم يجزم
بالتغاير فالظاهر أن القاعدة المذكورة محمولة على الغالب لأن أنسا من أهل اللسان وقد تعددت
وسيأتي في رواية إسحق عن أنس فقام ذلك الرجل أو غيره وكذا لقتادة في الأدب وتقدم في الجمعة
من وجه آخر كذلك وهذا يقتضى أنه كان يشك فيه وسيأتي من رواية يحيى بن سعيد فأتى الرجل
فقال يا رسول الله ومثله لأبي عوانة من طريق حفص عن أنس بلفظ فما زلنا نمطر حتى جاء ذلك
الا عربي في الجمعة الأخرى وأصله في مسلم وهذا يقتضى الجزم بكونه واحدا فلعل أنسا تذكره
بعد أن نسيه أو نسيه بعد أن كان تذكره ويؤيد ذلك رواية البيهقي في الدلائل من طريق يزيد أن
عبيدا السلمي قال لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أتاه وفد بني فزارة وفيه
خارجة بن حصن أخو عيينة قدموا على إبل عجاف فقالوا يا رسول الله أدع لنا ربك أن يغيثنا فذكر
الحديث وفيه فقال اللهم أسق بلدك وبهيمك وانشر بركتك اللهم اسقنا غيثا مغيثا مر يأمر يعا
طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب اللهم اسقنا الغيث
وانصرنا على الأعداء وفيه قال فلا والله ما نرى في السماء من قزعة ولا سحاب وما بيد المسجد وسلع
من بناء فذكر نحو حديث أنس بتمامه وفيه قال الرجل يعني الذي سأله أن يستسقى لهم هلكت
الأموال الحديث كذا في الأصل والظاهر أن السائل هو خارجة المذكور لكونه كان كبير الوفد
ولذلك سمي من بينهم والله أعلم وأفادت هذه الرواية صفة الدعاء المذكور والوقت الذي وقع
فيه (قوله هلكت الأموال وانقطعت السبل) أي بسبب غير السبب الأول والمراد أن كثرة
الماء انقطع المرعى بسببها فهلكت المواشي من عدم الرعى أو لعدم ما يكنها من المطر ويدل على
ذلك قوله في رواية سعيد عن شريك عند النسائي من كثرة الماء وأما انقطاع السبل فلتعذر سلوك
الطرق من كثرة الماء وفي رواية حميد عند ابن خزيمة واحتبس الركبان وفي رواية مالك عن شريك
تهدمت البيوت وفي رواية إسحق الآتية هدم البناء وغرق المال (قوله فادع الله يمسكها)
يجوز في يمكسها الضم والسكون وللكشميهني هنا أن يمسكها والضمير يعود على الأمطار أو على
السحاب أو على السماء والعرب تطلق على المطر سماء ووقع في رواية سعيد عن شريك أن يمسك
عنا الماء وفي رواية أحمد من طريق ثابت أن يرفعها عنا وفي رواية قتادة في الأدب فادع ربك
أن يحبسها عنا فضحك وفي رواية ثابت فتبسم زاد في رواية حميد لسرعة ملال ابن آدم (قوله
فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه) تقدم الكلام عليه قريبا (قوله اللهم حوالينا) بفتح
اللام وفيه حذف تقديره اجعل أو أمطر والمراد به صرف المطر عن الأبنية والدور (قوله
420

ولا علينا) فيه بيان للمراد بقوله حوالينا لأنها تشمل الطرق التي حولهم فأراد إخراجها بقوله
ولا علينا قال الطيبي في إدخال الواو هنا معنى لطيف وذلك أنه لو أسقطها لكان مستسقيا للآكام
وما معها فقط ودخول الواو يقتضى أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصودا لعينه ولكن
ليكون وقاية من أذى المطر فليست الواو مخلصة للعطف ولكنها للتعليل وهو كقولهم تجوع
الحرة ولا تأكل بثدييها فإن الجوع ليس مقصودا لعينه ولكن لكونه مانعا عن الرضاع بأجرة إذ
كانوا يكرهون ذلك أنفا أه (قوله اللهم على الآكام) فيه بيان للمراد بقوله حوالينا والإكام
بكسر الهمزة وقد تفتح وتمد جمع أكمة بفتحات قال ابن البرقي هو التراب المجتمع وقال الداودي هي
أكبر من الكدية وقال القزاز هي التي من حجر واحد وهو قول الخليل وقال الخطابي هي الهضبة
الضخمة وقيل الجبل الصغير وقيل ما ارتفع من الأرض وقال الثعالبي الأكمة أعلى من الرابية
وقيل دونها (قوله والظراب) بكسر المعجمة وآخره موحدة جمع ظرب بكسر الراء وقد تسكن
وقال القزاز هو الجبل المنبسط ليس بالعالي وقال الجوهري الرابية الصغيرة (قوله والأودية) في
رواية مالك بطون الأودية والمراد بها ما يتحصل فيه الماء لينتفع به قالوا ولم تسمع أفعلة جمع فاعل
إلا الأودية جمع واد وفيه نظر وزاد مالك في روايته ورؤوس الجبال قوله فانقطعت أي السماء أو
السحابة الماطرة والمعنى أنها أمسكت عن المطر على المدينة وفي رواية مالك فانجابت عن المدينة
انجياب الثوب أي خرجت عنها كما يخرج الثوب عن لابسه وفي رواية سعيد عن شريك فما هو
إلا أن تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك تمزق السحاب حتى ما نرى منه شيئا والمراد بقوله ما
ترى منه شيئا أي في المدينة ولمسلم في رواية حفص فلقد رأيت السحاب يتمزق كأنه الملاحين
تطوى والملا بضم الميم والقصر وقد يمد جمع ملاءة وهو ثوب معروف وفي رواية قتادة عند المصنف
فلقد رأيت السحاب ينقطع يمينا وشمالا يمطرون أي أهل النواحي ولا يمطر أهل المدينة وله في
الأدب فجعل السحاب يتصدع عن المدينة وزاد فيه يريهم الله كرامة نبيه وإجابة دعوته وله في رواية
ثابت عن أنس فتكشطت أي تكشفت فجعلت تمطر حول المدينة ولا تمطر بالمدينة قطرة فنظرت
إلى المدينة وأنها لمثل الإكليل ولأحمد من هذا الوجه فتقور ما فوق رؤوسنا من السحاب حتى كأنا
في إكليل والإكليل بكسر الهمزة وسكون الكاف كل شئ دار من جوانبه واشتهر لما يوضع على
الرأس فيحيط به وهو من ملابس الملوك كالتاج وفي رواية أسحق عن أنس فما يشير بيده إلى
ناحية من السحاب إلا تفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة والجوبة بفتح الجيم
الموحدة وهي الحفرة المستديرة الواسعة والمراد بها هنا الفرجة في السحاب وقال الخطابي المراد
بالجوبة هنا الترس وضبطها الزين بن المنير تبعا لغيره بنون بدل الموحدة ثم فسره بالشمس إذا ظهرت
في خلال السحاب لكن جزم عياض بأن من قاله بالنون فقد صحف وفي رواية إسحق من الزيادة
أيضا وسال الوادي وادي قناة شهرا وقناة بفتح القاف والنون الخفيفة علم على أرض ذات
مزارع بناحية أحد وواديها أحد أودية المدينة المشهورة قاله الحازمي وذكر محمد بن الحسن
المخزومي في أخبار المدينة بإسناد له أن أول من سماه وادي قناة تبع اليماني لما قدم يثرب قبل
الإسلام وفي رواية له أن تبعا بعث رائدا ينظر إلى مزارع المدينة فقال نظرت فإذا قناة حب
ولا تبن والجرف حب وتبن والحرار يعني جمع حرة بمهملتين لا حب ولا تبن أه وتقدم في الجمعة
من هذا الوجه وسال الوادي قناة وأعرب بالضم على البدل على أن قناة اسم الوادي ولعله من
421

تسمية الشئ باسم ما جاوره وقرأت بخط الرضي الشاطبي قال الفقهاء تقوله بالنصب والتنوين
يتوهمونه قناة من القنوات وليس كذلك أه وهذا الذي ذكره قد جزم به بعض الشراح وقال
هو على التشبيه أي سأل مثل القناة وقوله في الرواية المذكورة الا حدث بالجود هو بفتح الجيم
المطر الغزير وهذا يدل على أن المطر استمر فيما سوى المدينة فقد يشكل بأنه يستلزم أن قول
السائل هلكت الأموال وانقطعت السبل لم يرتفع الاهلاك ولا القطع وهو خلاف مطلوبه
ويمكن الجواب بأن المراد أن المطر استمر حول المدينة من الإكام والظراب وبطون الأودية لا في
الطرق المسلوكة ووقوع المطر في بقعة دون بقعة كثير ولو كانت تجاورها وإذا جاز ذلك جاز أن
يوجد للماشية أماكن تكنها وترعى فيها بحيث لا يضرها ذلك المطر فيزول الإشكال وفي هذا
الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز مكالمة الإمام في الخطبة للحاجة وفيه القيام في الخطبة
وأنها لا تنقطع بالكلام ولا تنقطع بالمطر وفيه قيام الواحد بأمر الجماعة وإنما لم يباشر ذلك بعض
أكابر الصحابة لأنهم كانوا يسلكون الأدب بالتسليم وترك الابتداء بالسؤال ومنه قول أنس كان
يعجبنا أن يجئ الرجل من البادية فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤال الدعاء من أهل
الخير ومن يرجى منه القبول واجابتهم لذلك ومن أدبه بث الحال لهم قبل الطلب لتحصيل الرقة
المقتضية لصحة التوجه فترجى الإجابة عنده وفيه تكرار الدعاء ثلاثا وإدخال دعاء الاستسقاء في
خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر ولا تحويل فيه ولا استقبال والاجتزاء بصلاة الجمعة عن صلاة
الاستسقاء وليس في السياق ما يدل على أنه نواها مع الجمعة وفيه علم من أعلام النبوة في إجابة الله
دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام عقبه أو معه ابتداء في الاستسقاء وانتهاء في الاستصحاء وامتثال
السحاب أمره بمجرد الإشارة وفيه الأدب في الدعاء حيث لم يدع برفع المطر مطلقا لاحتمال الاحتياج
إلى استمراره فاحترز فيه بما يقتضي رفع كلاهما وإبقاء النفع ويستنبط منه أن من أنعم الله عليه
بنعمة لا ينبغي له أن يتسخطها لعارض يعرض فيها بل يسأل الله رفع ذلك العارض وإبقاء النعمة
وفيه أن الدعاء برفع كلاهما لا ينافي التوكل وإن كان مقام الأفضل التفويض لأنه صلى الله
عليه وسلم كان عالما بما وقع لهم من الجدب وأخر السؤال في ذلك تفويضا لربه ثم أجابهم إلى
الدعاء لما سألوه في ذلك بيانا للجواز وتقرير السنة في هذه العبادة الخاصة أشار إلى ذلك بن أبي جمرة
نفع الله به وفيه جواز تبسم الخطيب على المنبر تعجبا من أحوال الناس وجواز الصياح في
المسجد بسبب الحاجة المقتضية لذلك وفيه اليمين لتأكيد الكلام ويحتمل أن يكون ذلك جرى
على اختلفوا أنس بغير قصد اليمين واستدل به على جواز الاستسقاء بغير صلاة مخصوصة وعلى أن
الاستسقاء لا تشرع فيه صلاة فأما الأول فقال به الشافعي وكرهه سفيان الثوري وأما الثاني
فقال به أبو حنيفة كما تقدم وتعقب بأن الذي وقع في هذه القصة مجرد دعاء لا ينافي مشروعية
الصلاة لها وقد بينت في واقعة أخرى كما تقدم واستدل به على الاكتفاء بدعاء الإمام في الاستسقاء
قاله ابن بطال وتعقب بما سيأتي في رواية يحيى بن سعيد ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم يدعون وقد استدل به المصنف في الدعوات على رفع اليدين في كل دعاء وفي الباب
عدة أحاديث جمعها المنذري في جزء مفرد وأورد منها النووي في صفة الصلاة في شرح المهذب
قدر ثلاثين حديثا وسنذكر وجه الجمع بينها وبين قول أنس كان لا يرفع يديه إلا في الاستسقاء بعد
422

أربعة عشر بابا إن شاء الله تعالى وفيه جواز الدعاء بالاستصحاء للحاجة وقد ترجم له البخاري
بعد ذلك (قوله باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة)
أورد فيه حديث أنس المذكور من طريق إسماعيل بن جعفر عن شريك المذكور وقد
تقدمت فوائده في الذي قبله وقوله فيه يوم الجمعة في رواية كريمة يوم جمعة بالتنكير (قوله
باب الاستسقاء على المنبر) أورد فيه الحديث المذكور أيضا من رواية قتادة
عن أنس وقد تقدمت فوائده أيضا (قوله باب من اكتفى بصلاة الجمعة في
الاستسقاء) أورد فيه الحديث المذكور أيضا من طريق مالك عن شريك وقد تقدم ما فيه
أيضا وقوله فيه فدعا فمطرنا في رواية الأصيلي فادع الله بدل فدعا وكل من اللفظين مقدر فيما لم
يذكر فيه وفيه تعقب على من استدل به لمن يقول لا تشرع الصلاة للاستسقاء لأن الظاهر
ما تضمنته الترجمة (قوله باب الدعاء إذا انقطعت السبل من كثرة المطر)
أورد فيه الحديث المذكور أيضا من طريق أخرى عن مالك وقد تقدم ما فيه ومراده بقوله من
كثرة المطر أي وسائر ما ذ كر في الحديث مما يشرع الاستصحاء عند الجوزي وظاهره أن الدعاء بذلك
متوقف على سبق السقيا وكلام الشافعي في الأم يوافقه وزاد أنه لا يسن الخروج للاستصحاء ولا
الصلاة ولا تحويل الرداء بل يدعى بذلك في خطبة الجمعة أو في أعقاب الصلاة وفي هذا تعقب على
من قال من الشافعية إنه ليس قول الدعاء المذكور في أثناء خطبة الاستسقاء لأنه لم ترد به السنة
(قوله باب ما قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحول رداءه الخ) إنما عبر عنه
423

بلفظ قيل مع صحة الخبر لأن الذي قال في الحديث ولم يذكر أنه حول رداءه يحتمل أن يكون هو
الراوي عن أنس أو من دونه فلأجل هذا التردد لم يجزم بالحكم وأيضا فسكوت الراوي عن ذلك
لا يقتضى نفى الوقوع وأما تقييده بقوله يوم الجمعة فليبين أن قوله فيما مضى باب تحويل الرداء
في الاستسقاء أي الذي يقام في المصلى وهذا السياق الذي أورده المصنف لهذا الحديث في هذا
الباب مختصر جدا وسيأتي مطولا من الوجه المذكور بعد أثنى عشر بابا وفيه يخطب على المنبر
يوم الجمعة (قوله باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقى لهم لم يردهم) أورد
فيه الحديث المذكور من وجه آخر عن مالك أيضا قال الزين بن المنير تقدم له باب سؤال الناس
الإمام إذا قحطوا والفرق بين الترجمتين أن الأولى لبيان ما على الناس أن يفعلوه إذا احتاجوا إلى
الاستسقاء والثانية لبيان ما على الإمام من إجابة سؤالهم (قوله باب إذا
استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط) قال الزين بن المنير ظاهر هذه الترجمة منع أهل الذمة
من الاستبداد بالاستسقاء كذا قال ولا يظهر وجه المنع من هذا اللفظ واستشكل بعض
شيوخنا مطابقة حديث ابن مسعود للترجمة لأن الاستشفاع إنما وقع عقب دعاء النبي صلى الله
عليه وسلم عليهم بالقحط ثم سئل أن يدعو برفع ذلك ففعل فنظيره أن يكون إمام المسلمين هو الذي
دعا على الكفار بالجدب فأجيب فجاءه الكفار يسألونه الدعاء بالسقيا انتهى ومحصله أن الترجمة
أعم من الحديث ويمكن أن يقال هي مطابقة لما وردت فيه ويلحق بها بقية الصور إذ لا يظهر
الفرق بين ما إذا استشفعوا بسبب دعائه أو بابتلاء الله لهم بذلك فإن الجامع بينهما ظهور
الخضوع منهم والذلة للمؤمنين في التماسهم منهم الدعاء لهم وذلك من مطالب الشرع ويحتمل أن
يكون ما ذكره شيخنا هو السبب في حذف المصنف جواب إذا من الترجمة ويكون التقدير في
الجواب مثلا أجابهم مطلقا أو أجابهم بشرط أن يكون هو الذي دعا عليهم أو لم يجبهم إلى ذلك
أصلا ولا دلالة فيما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة على مشروعية ذلك لغيره إذ
الظاهر أن ذلك من خصائصه لاطلاعه على المصلحة في ذلك بخلاف من بعده من الأئمة ولعله حذف
جواب إذ الوجود هذه الاحتمالات ويمكن أن يقال إذا رجا إمام المسلمين رجوعهم عن الباطل
أو وجود نفع عام للمسلمين شرع دعاؤه لهم والله أعلم (قوله عن مسروق قال أتيت ابن مسعود)
سيأتي في تفسير الروم بالإسناد المذكور في أوله بينما رجل يحدث في كندة فقال يجئ دخان يوم
القيامة فذكر القصة وفيها ففزعنا فأتيت ابن مسعود الحديث (قوله فقال إن قريشا أبطئوا)
سيأتي في الطريق المذكورة إنكار بن مسعود لما قاله القاص المذكور وسنذكر في تفسير
سورة الدخان ما وقع لنا في تسمية القاص المذكور وأقوال العلماء في المراد بقوله تعالى فارتقب
يوم تأتي السماء بدخان مبين مع بقية شرح هذا الحديث ونقتصر في هذا الباب على ما يتعلق
بالاستسقاء ابتداء وانتهاء (قوله فدعا عليهم) تقدم في أوائل الاستسقاء صفة ما دعا به عليهم وهو
قوله اللهم سبعا كسبع يوسف وهو منصوب بفعل تقديره أسألك أو سلط عليهم وسيأتي في تفسير
سورة يوسف بلفظ اللهم اكفنيهم بسبع كسبع يوسف وفي سورة الدخان اللهم أعنى عليهم إلى آخره
وأفاد الدمياطي أن ابتداء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بذلك كان عقب فتأسف على
ظهره سلى الجزور الذي تقدمت قصته في الطهارة وكان ذلك بمكة قبل الهجرة وقد دعا النبي صلى
424

الله عليه وسلم عليهم بذلك بعدها بالمدينة في القنوت كما تقدم أوائل الاستسقاء من حديث أبي
هرير ولا يلزم من ذلك اتحاد هذا القصص إذ لا مانع أن يدعو بذلك عليهم مرارا والله أعلم (قوله
فجاءه أبو سفيان) يعني الأموي والد معاوية والظاهر أن مجيئه كان قبل الهجرة لقول ابن مسعود
ثم عادوا فذلك قوله يوم نبطش البطشة الكبرى يوم بدر ولينقل أن أبا سفيان قدم المدينة قبل بدر
وعلى هذا فيحتمل أن يكون أبو طالب كان حاضرا ذلك فلذلك قال
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * البيت لكن سيأتي بعد هذا بقليل ما يدل على أن القصة المذكورة
وقعت بالمدينة فإن لم يحمل على التعدد وإلا فهو مشكل جدا والله المستعان (قوله جئت تأمر
بصلة الرحم) يعني والذين هلكوا بدعائك من ذوي رحمك فينبغي أن تصل رحمك بالدعاء لهم ولم يقع
في هذا السياق التصريح بأنه دعا لهم وسيأتي هذا الحديث في تفسير سورة ص بلفظ فكشف عنهم
ثم عادوا وفي سورة الدخان من وجه آخر بلفظ فاستسقى لهم فسقوا ونحوه في رواية أسباط المعلقة
(قوله بدخان مبين الآية) سقط قوله الآية لغير أبي ذر وسيأتي ذكر بقية اختلاف الرواية في
تفسير سورة الدخان (قوله يوم نبطش البطشة الكبرى) زاد الأصيلي بقية الآية (قوله
وزاد أسباط) هو ابن نصر ووهم من زعم أنه أسباط بن محمد (قوله عن منصور) يعني شوال
المذكور قبله إلى بن مسعود وقد وصله الجوزقي والبيهقي من رواية علي بن ثابت عن أسباط
ابن نصر عن منصور وهو بن المعتمر عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود قال لما رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس إدبارا فذكر نحو الذي قبله وزاد فجاءه أبو سفيان
وناس من أهل مكة فقالوا يا محمد إنك تزعم إنك بعثت رحمة وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقوا الغيث الحديث وقد أشاروا بقولهم بعثت رحمة إلى
قوله تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (قوله فسقوا الناس حولهم) كذا في جميع
الروايات في الصحيح بضم السين والقاف وهو على لغة بني الحرث وفي رواية البيهقي المذكورة
فأسقى الناس حولهم وزاد بعد هذا فقال يعني ابن مسعود لقد مرت آية الدخان وهو الجوع الخ
وقد تعقب الداودي وغيره هذه الزيادة ونسبوا أسباط بن نصر إلى الغلط في قوله وشكا الناس
كثرة المطر الخ وزعموا أنه أدخل حديثا في حديث وأن الحديث الذي فيه شكوى كثرة المطر
وقوله اللهم حوالينا لا علينا لم يكن في قصة قريش وإنما هو في القصة التي رواها أنس وليس
هذا التعقب عندي بجيد إذ لا مانع أن يقع ذلك مرتين والدليل على أن أسباط بن نصر لم يغلط
ما سيأتي في تفسير الدخان من رواية أبي معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى في هذا الحديث
فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت قال لمضر إنك لجرئ فاستسقى فسقوا أه
والقائل فقيل يظهر لي أنه أبو سفيان لما ثبت في كثير من طرق هذا الحديث في الصحيحين فجاءه أبو
سفيان ثم وجدت في الدلائل للبيهقي من طريق شبابة عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم على أبي
الجعد عن شرحبيل بن السمط عن كعب بن مرة أو مرة بن كعب قال دعا رسول الله صلى الله عليه
وسلم على مضر فأتاه أبو سفيان فقال أدع الله لقومك فإنهم قد هلكوا ورواه أحمد وابن ماجة من
رواية الأعمش عن عمرو بن مرة بهذا الإسناد عن كعب بن مرة ولم يشك فأبهم أبا سفيان قال جاءه
رجل فقال استسق الله لمضر فقال إنك لجرئ المضر قال يا رسول الله استنصرت الله فنصرك
425

ودعوت الله فأجابك فرفع يديه فقال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا مريئا طبقا عاجلا غير راثب
نافعا غير ضار قال فأجيبوا فما لبثوا أن أتوه فشكوا إليه كثرة المطر فقالوا قد تهدمت البيوت
فرفع يديه وقال اللهم حوالينا لا علينا فجعل السحاب يتقطع يمينا وشمالا فظهر بذلك أن هذا
الرجل المبهم المقول له إنك لجرئ هو أبو سفيان لكن يظهر لي أن فاعل قال يا رسول الله
استنصرت الله الخ هو كعب بن مرة راوي هذا الخبر لما أخرجه أحمد أيضا والحاكم من طريق
شعبة أيضا عن عمرو بن مرة بهذا الإسناد إلى كعب قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على
مضر فأتيته فقلت يا رسول الله إن الله قد نصرك وأعطاك واستجاب لك وإن قومك قد هلكوا
الحديث فعلى هذا كأن أبا سفيان وكعبا حضرا جميعا فكلمه أبو سفيان بشئ وكعب بشئ فدل
ذلك على اتحاد قصتهما وقد ثبت في هذه ما ثبت في تلك من قوله انك لجرئ ومن قوله فقال اللهم
حوالينا لا علينا وغير ذلك وظهر بذلك أن أسباط بن نصر لم يغلط في الزيادة المذكورة ولم ينتقل
من حديث إلى حديث وسياق كعب بن مرة يشعر بأن ذلك وقع في المدينة بقوله استنصرت الله
فنصرك لأن كلا منهما كان بالمدينة بعد الهجرة لكن لا يلزم من ذلك اتحاد هذه القصة مع قصة
أنس بل قصة أنس واقعة أخرى لأن في رواية أنس فلم يزل على المنبر حتى مطروا وفي هذه فما كان
الا جمعة أو نحوها حتى مطروا والسائل في هذه القصة غير السائل في تلك فهما قصتان وقع في
كل منهما طلب الدعاء بالاستسقاء ثم طلب الدعاء بالاستصحاء وإن ثبت أن كعب بن مرة أسلم قبل
الهجرة حمل قوله استنصرت الله فنصرك على النصر بإجابة دعائه عليهم وزال الاشكال المتقدم
والله أعلم وإني ليكثر تعجبي من كثرة إقدام الدمياطي على تغليط ما في الصحيح بمجرد التوهم مع
إمكان التصويب بمزيد التأمل والتنقيب عن الطرق وجميع ما ورد في الباب من اختلاف الألفاظ
فلله الحمد على ما علم وأنعم (قوله باب الدعاء إذا كثر المطر حوالينا لا علينا)
كان التقدير أن يقول حوالينا وتكلف له الكرماني إعرابا آخر وأورد فيه حديث أنس من
طريق ثابت عنه وقد تقدم الكلام عليه مستوفى وإنما أختار لهذه الترجمة رواية ثابت لقوله
فيها وما تمطر بالمدينة قطرة لأن ذلك أبلغ في انكشاف المطر وهذه اللفظة لم أنكر إلا في هذه الرواية
وقوله فيها وانكشطت كذا للأكثر ولكريمة فكشطت على البناء للمجهول (قوله
باب الدعاء في الاستسقاء قائما) أي في الخطبة وغيرها قال ابن بطال الحكمة فيه
كونه حال خشوع وإنابة فيناسبه القيام وقال غيره القيام شعار الاعتناء والاهتمام والدعاء
أهم أعمال الاستسقاء فناسبه القيام ويحتمل أن يكون قام ليراه الناس فيقتدوا بما يصنع
(قوله وقال لنا أبو نعيم) قال الكرماني تبعا لغيره الفرق بين قال لنا وحدثنا أن القول يستعمل
فيما يسمع من الشيخ في مقام المذاكرة والتحديث فيما يسمع في مقام التحمل أه لكن ليس
استعمال البخاري لذلك منحصرا في المذاكرة فإنه يستعمله فيما يكون ظاهره الوقف وفيما يصلح
للمتابعات لتخلص صيغة التحديث لما وضع الكتاب لأجله من الأصول المرفوعة والدليل على
ذلك وجود كثير من الأحاديث التي عبر فيها في الجامع بصيغة القول معبرا فيها بصيغة التحديث
في تصانيفه الخارجة عن الجامع (قوله عن زهير) هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي وأبو إسحق
هو السبيعي (قوله خرج عبد الله بن يزيد الأنصاري) يعني إلى الصحراء يستسقى وذلك حيث كان
426

أميرا على الكوفة من جهة عبد الله بن الزبير في سنة أربع وستين قبل غلبة المختار بن أبي عبيد
عليها ذكر ذلك ابن سعد وغيره وقد روى هذا الحديث قبيصة عن الثوري عن أبي أسحق قال بعث
ابن الزبير إلى عبد الله بن يزيد الخطمي أن استسق بالناس فخرج وخرج الناس معه وفيهم زيد
ابن أرقم والبراء بن عازب أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه وخالفه عبد الرزاق عن الثوري
فقال فيه أن ابن الزبير خرج يستسقى بالناس الحديث وقوله إن ابن الزبير هو الذي فعل ذلك وهم
وإنما الذي فعله هو عبد الله بن يزيد بأمر بن الزبير وقد وافق قبيصة عبد الرحمن بن مهدي عن
الثوري على ذلك (قوله فقام بهم) في رواية أبي الوقت وأبي ذر لهم (قوله فاستسقى) في رواية أبي
الوقت فاستغفر * (فائدة) * أورد القدرة في الجمع هذا الحديث فيما انفرد به البخاري ووهم في
ذلك وسببه أن رواية مسلم وقعت في المغازي ضمن حديث لزيد بن أرقم (قوله ثم صلى ركعتين)
ظاهره أنه أخر الصلاة عن الخطبة وصرح بذلك الثوري في رواية وخالفه شعبة فقال في روايته
عن أبي إسحق ان عبد الله بن يزيد خرج يستسقى بالناس فصلى ركعتين ثم استسقى أخرجه مسلم
وقد تقدم في أوائل الاستسقاء ذكر الاختلاف في ذلك وأن الجمهور ذهبوا إلى تقديم الصلاة وممن
أختار تقديم الخطبة ابن المنذر وصرح الشيخ أبو حامد وغيره بأن هذا الخلاف في الاستحباب
لا في الجواز (قوله ولم يؤذن ولم يقم) قال ابن بطال اجمعوا على أن لا أذان ولا إقامة للاستسقاء
والله أعلم (قوله قال أبو إسحق ورأى عبد الله بن يزيد النبي صلى الله عليه وسلم) كذا للأكثر
وللحموي وحده وروى عبد الله بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجدته كذلك في نسخة
الصغاني فإن كانت روايته محفوظة احتمل أن يكون المراد أنه روى هذا الحديث بعينه والأظهر
أن مراده أنه روي في الجملة فيوافق قوله رأى لأن كلا منهما يثبت له الصحبة أما سماع هذا الحديث
فلا وقوله قال أبو إسحق هو موصول وقد رواه الإسماعيلي من رواية أحمد بن يونس وعلي بن الجعدي
عن زهير وصرحا باتصاله إلى أبي إسحق وكأن السر في إيراد هذا الموقوف هنا كونه يفسر المراد
بقوله في الرواية المرفوعة بعده فدعا الله قائما أي كان على رجليه لا على المنبر والله أعلم (قوله
باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء) أي في صلاتها ونقل ابن بطال أيضا الإجماع عليه
(قوله ثم صلى ركعتين يجهر) في رواية كريمة والأصيلي جهر بلفظ الماضي (قوله
باب كيف حول النبي صلى الله عليه وسلم ظهره إلى الناس) أورد فيه الحديث
المذكور وفيه فحول إلى الناس ظهره وقد استشكل لأن الترجمة لكيفية التحويل والحديث
دال على وقوع التحويل فقط وأجاب الكرماني بأن معناه حوله حال كونه داعيا وحمل الزين بن
المنير قوله كيف على الاستفهام فقال لما كان التحويل المذكور لم يتبين كونه من ناحية اليمين
أو اليسار أحتاج إلى الاستفهام عنه أه والظاهر أنه لما لم يتبين من الخبر ذلك كأنه يقول هو
على التخيير لكن المستفاد من خارج أنه ألتفت بجانبه الأيمن لما ثبت أنه كان يعجبه التيمن في
شأنه كله ثم إن محل هذا التحويل بعد فراغ الموعظة وإرادة الدعاء (قوله ثم حول رداءه)
ظاهره أن الاستقبال وقع سابقا لتحويل الرداء وهو ظاهر كلام الشافعي ووقع في كلام كثير
من الشافعية أنه يحوله حال الاستقبال والفرق بين تحويل الظهر والاستقبال أنه في ابتداء
التحويل وأوسطه يكون منحرفا حتى يبلغ الانحراف غايته فيصير مستقبلا (قوله
427

باب صلاة الاستسقاء ركعتين) هو مجرور على البدل من صلاة المجرور بالإضافة
والتقدير صلاة ركعتين في الاستسقاء أو هو عطف بيان أو منصوب بمقدر وقد تقدم حديث
الباب في باب تحويل الرداء وقوله فيه عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أبي الوقت
سمع النبي صلى الله عليه وسلم (قوله باب الاستسقاء في المصلى) هذه الترجمة
أخص من الترجمة المتقدمة أول الأبواب وهي باب الخروج إلى الاستسقاء لأنه أعم من أن يكون
إلى المصلى ووقع في رواية هذا الباب تعيين الخروج إلى الاستسقاء إلى المصلى بخلاف تلك فناسب
كل رواية ترجمتها (قوله قال سفيان) هو ابن عيينة وهو متصل بالإسناد الأول ووهم من زعم
أنه معلق كالمزى حيث علم على المسعودي في التهذيب علامة التعليق فإنه عند بن ماجة من وجه
آخر عن سفيان عن المسعودي وكذا قول ابن القطان لا ندري عمن أخذه البخاري قال
ولهذا لا يعد أحد المسعودي في رجاله وقد تعقبة ابن المواق بأن الظاهر أنه أخذه عن عبد الله بن
محمد شيخه فيه ولا يلزم من كونهم لم يعدوا المسعودي في رجاله أن لا يكون وصل هذا الموضع عنه لأنه
لم يقصد الرواية عنه وإنما ذكر الزيادة التي زادها استطرادا وهو كما قال (قوله عن أبي بكر) يعني
ابن محمد بن عمرو بن حزم شوال وهو عن عباد بن تميم عن عمه وزعم ابن القطان أيضا أنه لا يدري
عمن أخذ أبو بكر هذه الزيادة أه وقد بين ذلك ما أخرجه بن ماجة وابن خزيمة من طريق
سفيان بن عيينة وفيه بيان كون أبي بكر واها عن عباد بن تميم عن عمه وكذا أخرجه القدرة في
مسنده عن سفيان بن عيينة مبينا قال بن بطال حديث أبي بكر يدل على أن الصلاة قبل الخطبة
لأنه ذكر أنه صلى قبل قلب ردائه قال وهو أضبط للقصة من ولده عبد الله بن أبي بكر حيث ذكر
الخطبة قبل الصلاة (قوله باب استقبال القبلة في الاستسقاء) أي في أثناء
الخطبة التي أنكر من أجله في المصلى (قوله حدثنا محمد) بين أبو ذر في روايته أنه ابن سلام (قوله
حدثنا عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد الثقفي (قوله خرج إلى المصلى يصلي) في رواية المستملى
يدعو (قوله وأنه لما دعا أو أراد أن يدعو) الشك من الراوي ويحتمل أنه يحيى بن سعيد فقد
رواه السراج من طريق يحيى بن أيوب عنه بالشك أيضا ورواه مسلم من رواية سليمان بن بلال
عنه فلم يشك كما تقدم في باب تحويل الردا وكأنه كان يشك فيه تارة ويجزم به أخرى
وتقدم الكلام على بقية فوائده هناك (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف (قوله عبد الله بن
زيد هذا مازني) يعني راوي حديث الاستسقاء (والأول كوفي وهو ابن يزيد) كذا وقعت هذه
الزيادة في رواية الكشميهني وحده هنا وأليق المواضع بها باب الدعاء في الاستسقاء قائما فإن
فيه عن عبد الله بن يزيد حديثا وعن عبد الله بن زيد حديثا فيحسن بيان تغايرهما حيث
ذكرا جميعا وأما هذا الباب فليس فيه لعبد الله بن يزيد ذكر ولعل هذا من يطلق
الكشميهني وكأنه رآه في ورقة مفردة فكتبه في هذا الموضع احتياطا ويمكن أن يكون قوله
والأول أي الذي مضى في باب الدعاء في الاستسقاء هو بن يزيد بزيادة الياء في أول أسلم أبيه
(قوله باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء) تضمنت هذه الترجمة الرد
على من زعم أنه يكتفى بدعاء الإمام في الاستسقاء وقد أشرنا إليه قريبا (قوله وقال أيوب بن سليمان)
428

أي ابن بلال وهو من شيوخ البخاري إلا أنه ذكر هذه الطريق عنه بصيغة التعليق وقد وصلها
الإسماعيلي وأبو نعيم والبيهقي من طريق أبي إسماعيل الترمذي عن أيوب وقد تقدم الكلام على
بقية المتن في باب تحويل الرداء (قوله فأتى الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول
الله بشق المسافر) كذا للأكثر بفتح الموحدة وكسر المعجمة بعدها قاف واختلف في معناه فوقع
في البخار بشق أي مل وحكى الخطابي أنه وقع فيه بشق اشتد أي اشتد عليه كلاهما وقال
الخطابي بشق ليس بشئ وإنما هو لثق يعني بلام ومثلثة بدل الموحدة والشين يقال لثق الطريق
أي صار ذا وحل ولثق الثوب إذا أصابه ندى المطر (قلت) وهو رواية أبي إسماعيل التي ذكرناها قال
الخطابي ويحتمل أن يكون مشق بالميم بدل الموحدة أي صارت الطريق دماءها ومنه مشق الخط والميم
والباء متقاربتان وقال ابن بطال لم أجد لبشق في اللغة معنى وفي نوادر اللحياني نشق بالنون أي
نشب انتهى وفي النون والقاف من مجمل اللغة لابن فارس وكذا في الصحاح نشق الظبي في الحبالة
أي علق فيها ورجل نشأ إذا كان ممن يدخل في أمور لا يتخلص منها ومقتضى كلام هؤلاء أن
الذي وقع في رواية البخاري تصحيف وليس كذلك بل له وجه في اللغة لا كما قالوا ففي المنضد لكراع
بشق بفتح الموحدة تأخر ولم يتقدم فعلى هذا فمعنى بشق هنا ضعف عن السفر وعجز عنه كضعف
الباشق وعجزه عن الصيد لأنه ينفر الصيد ولا يصيد وقال أبو موسى في ذيل الغريبين الباشق طائر
معروف فلو اشتق منه فعل فقيل بشق لما أمتنع قال ويقال بشق الثوب وبشكه قطعه في
خفة فعلى هذا يكون معنى بشق أي قطع به من السير انتهى كلامه وأما ما وقع في بعض
الروايات بثق بموحدة ومثلثة فلم أره في شئ مما اتصل بنا وهو تصحيف فإن البثق الانفجار ولا
معنى له هنا (قوله وقال الأويسي) هو عبد العزيز بن عبد الله ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير
المدني أخو إسماعيل وهذا التعليق ثبت هنا للمستملي وثبت لأبي الوقت وكريمة في آخر الباب الذي
بعده وسقط للباقين رأسا لأنه مذكور عند الجميع في كتاب الدعوات وقد وصله أبو نعيم في
المستخرج كما سيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى (قوله باب رفع الإمام يده
في الاستسقاء) ثبتت هذه الترجمة في رواية الحموي والمستملي قال ابن رشيد مقصوده بتكرير
رفع الإمام يده وإن كانت الترجمة التي قبلها تضمنته لتفيد فائدة زائدة وهي أنه لم يكن يفعل ذلك
إلا في الاستسقاء قال ويحتمل أن يكون قصد التنصيص بالقصد الأول على رفع الإمام يده كما قصد
التنصيص في الترجمة الأولى بالقصد الأول على رفع الناس وإن اندرج معه رفع الإمام قال
ويجوز أن يكون قصد بهذه كيفية رفع الإمام يده لقوله حتى يرى بياض إبطيه انتهى وقال
الزين بن المنير ما محصله لا تكرار في هاتين الترجمتين لأن الأولى لبيان اتباع المأمومين الإمام في
رفع اليدين والثانية لإثبات رفع اليدين للأمام في الاستسقاء (قوله عن سعيد) هو ابن أبي عروبة
(قوله عن قتادة عن أنس) في رواية يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة أن أنسا حدثهم كما سيأتي
في صفة النبي صلى الله عليه وسلم (قوله إلا في الاستسقاء) ظاهره نفى الرفع في كل دعاء غير
الاستسقاء وهو معارض بالأحاديث الثابتة بالرفع في غير الاستسقاء وقد تقدم أنها كثيرة وقد
أفردها المصنف بترجمة في كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث فذهب بعضهم إلى أن العمل
بها أولى وحمل حديث أنس على نفى رؤيته وذلك لا يستلزم نفى رؤية غيره وذهب آخرون إلى
429

تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على صفة مخصوصة إما الرفع البليغ
فيدل عليه قوله حتى يرى بياض إبطيه ويؤيده أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين
في الدعاء إنما المراد به الفساد اليدين وبسطهما عند الدعاء وكأنه عند الاستسقاء مع ذلك زاد فرفعهما
إلى جهة وجهه حتى حاذتاه وبه حينئذ يرى بياض إبطيه وأما صفة اليدين في ذلك فلما رواه
مسلم من رواية ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى
السماء ولأبي داود من حديث أنس أيضا كان يستسقى هكذا ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي
الأرض حتى رأيت بياض إبطيه قال النووي قال العلماء السنة في كل دعاء لرفع البلاء أن يرفع
يديه جاعلا ظهور كفيه إلى السماء وإذا دعا بسؤال شئ وتحصيله أن يجعل كفيه إلى السماء
انتهى وقال غيره الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره للتفاؤل بتقلب
الحال ظهرا لبطن كما قيل في تحويل الرداء أو هو إشارة إلى صفة المسؤول وهو نزول السحاب إلى
الأرض (قوله باب ما يقال) يحتمل أن تكون ما موصولة أو موصوفة أو استفهامية
(قوله إذا مطرت) كذا لأبي ذر من الثلاثي وللباقين أمطرت من الرباعي وهما بمعنى عند الجمهور
وقيل يقال مطر في الخير وأمطر في الشر (قوله وقال ابن عباس كصيب المطر) وصله الطبري من
طريق علي بن أبي طلحة عنه بذلك وهو قول الجمهور وقال بعضهم الصيب السحاب ولعله أطلق
ذلك مجازا قال ابن المنير مناسبة أثر ابن عباس لحديث عائشة لما وقع في حديث الباب المرفوع قوله
صيبا قدم المصنف تفسيره في الترجمة وهذا يقع له كثيرا وقال أخوه الزين وجه المناسبة أن الصيب
لما جرى ذكره في القرآن قرن بأحوال مكروهة ولما ذكر في الحديث وصف بالنفع فأراد أن يبين
بقول ابن عباس أنه المطر وأنه ينقسم إلى نافع وضار (قوله وقال غيره صاب وأصاب يصوب) كذا
وقع في جميع الروايات وقد استشكل من حيث أن يصوب مضارع صاب وأما أصاب فمضارعه يصيب
قال أبو عبيدة الصيب تقديره من الفعل سيد وهو من صاب يصوب فلعله كان في الأصل
وانصاب كما حكاه صاحب المحكم فسقطت النون كما سقطت ينصاب بعد يصوب أو المراد ما حكاه
صاحب الأفعال صاب المطر يصوب إذا نزل فأصاب الأرض فوقع فيه تقديم وتأخير (قوله
حدثنا محمد) هو ابن مقاتل وعبد الله هو بن المبارك وعبيد الله هو بن عمر العمري ونافع مولى ابن
عمر والقاسم بن محمد أي بن أبي بكر الصديق وقد سمع نافع من عائشة ونزل في هذه الرواية عنها
وكذا سمع عبيد الله من القاسم ونزل في هذه الرواية عنه مع أن معمرا قد رواه عن عبيد الله بن عمر
عن القاسم نفسه بإسقاط نافع من السند أخرجه عبد الرزاق عنه (قوله اللهم صيبا نافعا) كذا
في رواية المستملى وسقط اللهم لغيرهما وصيبا منصوب بفعل مقدر أي اجعله ونافعا صفة للصيب
وكأنه احترز بها عن الصيب الضار وهذا الحديث من هذا الوجه مختصر وقد أخرجه مسلم من
رواية عطاء عن عائشة تاما ولفظه كان إذا كان يوم ريح عرف ذلك في وجهه ويقول إذا رأى
المطر رحمة وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق شريح بن هانئ عن عائشة أوضح منه ولفظه
كان إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل فإن كشف حمد الله فإن أمطرت قال اللهم صيبا
نافعا وسيأتي للمصنف في أوائل بدء الخلق من رواية عطاء أيضا عن عائشة مقتصرا على معنى
الشق الأول وفيه أقبل وأدبر وتغير وجهه وفيه وما أدري لعله كما قال قوم عاد هذا عارض
430

الآية وعرف برواية شريح أن الدعاء المذكور يستحب بعد نزول المطر للازدياد من الخير والبركة
مقيدا بدفع ما يحذر من ضرر (قوله تابعه القاسم بن يحيى) أي ابن عطاء بن مقدم المقدمي عن
عبيد الله بن عمر المذكور شوال ولم أقف على هذه الرواية موصولة وقد أخرج البخاري في
التوحيد عن مقدم بن محمد عن عمه القاسم بن يحيى بهذا الإسناد حديثا غير هذا وزعم
مغلطاي أن الدارقطني وصل هذه المتابعة في غرائب الأفراد من رواية يحيى عن عبيد الله
قلت ليس ذلك مطابقا إلا إن كان نسخته سقط منها من متن البخاري لفظ القاسم بن يحيى
(قوله ورواه الأوزاعي وعقيل عن نافع) يعني كذلك فأما رواية الأوزاعي فأخرجها النسائي في
عمل يوم وليلة عن محمود بن خالد عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بهذا ولفظه هنيئا بدل نافعا
ورويناها في الغيلانيات من طريق دحيم عن الوليد وشعيب هو بن إسحاق قالا حدثنا الأوزاعي
حدثني نافع فذكره وكذلك وقع في رواية بن أبي العشرين عن الأوزاعي حدثني نافع أخرجه
ابن ماجة وزال بهذا ما كان يخشى من تدليس الوليد وتسويته وقد اختلف فيه على
الأوزاعي اختلافا كثيرا ذكره الدارقطني في العلل وأرجحها هذه الرواية ويستفاد من رواية
دحيم صحة سماع الأوزاعي عن نافع خلافا لمن نفاه وأما رواية عقيل فذكرها الدارقطني أيضا
قال الكرماني قال أولا تابعه القاسم ثم قال ورواه الأوزاعي فكان تغير الأسلوب لإفادة العموم
في الثاني لأن الرواية أعم من أن تكون على سبيل المتابعة أم لا فيحتمل أن يكونا روياه عن نافع
كما رواه عبيد الله ويحتمل أن يكونا روياه على صفة أخرى انتهى وما أدرى لم ترك احتمال أنه
صنع ذلك للتفنن في العبارة مع أنه الواقع في نفس الأمر لما بينا من أن رواية الجميع متفقة لأن
الخلاف الذي ذكره الدارقطني إنما يرجع إلى إدخال واسطة بين الأوزاعي ونافع أو لا والبخاري
قد قيد رواية الأوزاعي بكونها عن نافع والرواة لم يختلفوا في أن نافعا رواه عن القاسم عن
عائشة فظهر بهذا كونها متابعة لا مخالفة وكذلك رواية عقيل لكن لما كانت متابعة القاسم
أقرب من متابعتهما لأنه تابع في عبيد الله وهما تابعا في شيخه حسن أن يفردها منهما ولما
أفردها تفنن في العبارة (قوله باب من تمطر) بتشديد الطاء أي تعرض لوقوع المطر
وتفعل يأتي لمعان أليقها هنا أنه بمعنى مواصلة العمل في مهملة نحو تفكر ولعله أشار إلى
ما أخرجه مسلم من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال حسر رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه المطر وقال لأنه حديث عهد بربه قال العلماء معناه قريب العهد
بتكوين ربه وكأن المصنف أراد أن يبين أن تحادر المطر على لحيته صلى الله عليه وسلم لم يكن
اتفاقا وإنما كان قصدا فلذلك ترجم بقوله من تمطر أي قصد نزول المطر عليه لأنه لو لم يكن باختياره
لنزل عن المنبر أول ما وكف السقف لكنه تمادى في خطبته حتى كثر نزوله بحيث تحادر على
لحيته صلى الله عليه وسلم وقد مضى الكلام على حديث أنس مستوفى في باب تحويل الرداء
(قوله باب إذا هبت الريح) أي ما يصنع من قول أو فعل قيل وجه دخول هذه
الترجمة في أبواب الاستسقاء أن المطلوب بالاستسقاء نزول المطر والريح في الغالب تعقبه وقد
سبق قريبا التنبيه على ايضاح ما يصنع عند هبوبها ووقع في حديث عائشة الآتي في بدء
الخلق ووقع عند أبي يعلى بإسناد صحيح عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
431

هاجت ريح شديدة قال اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به وأعوذ بك من شر ما أمرت به وهذه
زيادة على رواية حميد يجب قبولها لثقة رواتها وفي الباب عن عائشة عند الترمذي وعن أبي
هرير عند أبي داود والنسائي وعن ابن عباس عند الطبراني وعن غيرهم والتعبير في هذه الرواية
في وصف الريح بالشديدة يخرج الريح الخفيفة والله أعلم وفيه الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء
إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه (قوله باب قول النبي صلى الله
عليه وسلم نصرت بالصبا) قال الزين بن المنير في هذه الترجمة إشارة إلى تخصيص حديث أنس
الذي قبله بما سوى الصبا من جميع يجري الريح لأن قضية نصرها له أن يكون مما يسر بها دون
غيرها ويحتمل أن يكون حديث أنس على عمومه إما بأن يكون نصرها له متأخرا عن ذلك لأن
ذلك وقع في غزوة الأحزاب وهو المراد بقوله تعالى فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها كما جزم به
مجاهد وغيره وإما بأن يكون نصرها له بسبب إهلاك أعدائه فيخشى من هبوبها أن تهلك أحدا
من عصاة أمته وهو كان بهم رؤوفا رحيما صلى الله عليه وسلم وأيضا فالصبا تؤلف للسحاب وتجمعه
فالمطر في الغالب يقع حينئذ وقد وقع في الخبر الماضي أنه كان إذا أمطرت سري عنه وذلك يقتضى
أن تكون الصبا أيضا مما يقع التخوف عند هبوبها فيعكر ذلك على التخصيص المذكور والله
أعلم (قوله حدثنا مسلم) هو بن إبراهيم (قوله بالصبا) بفتح المهملة بعدها موحدة مقصورة يقال
لها القبول بفتح القاف لأنها تقابل باب الكعبة إذ مهبها من مشرق الشمس وضدها الدبور وهي
التي أهلكت بها قوم عاد ومن لطيف المناسبة كون القبول نصرت أهل القبول وكون الدبور
أهلكت أهل الإدبار وأن الدبور أشد من الصبا لما سنذكره في قصة عاد أنها لم يخرج منها إلا قدر
يسير ومع ذلك استأصلتهم قال الله تعالى فهل ترى لهم من باقية ولما علم الله رأفة نبيه صلى الله عليه
وسلم بقومه رجاء أن يسلموا سلط عليهم الصبا فكانت سبب رحيلهم عن المسلمين لما أصابهم بسببها
من الشدة ومع ذلك فلم تهلك منهم أحدا ولم تستأصلهم ومن الرياح أيضا الجنوب والشمال فهذه
الأربع تهب من الجهات الأربع وأي ريح هبت من بين جهتين منها يقال لها النكباء بفتح النون
وسكون الكاف بعدها موحدة ومد وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في بدء الخلق
إن شاء الله تعالى (قوله باب ما قيل في الزلازل والآيات) قيل لما كان هبوب الريح
الشديدة يوجب التخوف المفضى إلى الخشوع والإنابة كانت الزلزلة ونحوها من الآيات أولى
بذلك لا سيما وقد نص في الخبر على أن أكثر الزلازل من أشراط الساعة وقال الزين بن المنير وجه
إدخال هذه الترجمة في أبواب الاستسقاء أن وجود الزلزلة ونحوها يقع غالبا مع نزول المطر وقد
تقدم لنزول المطر دعاء يخصه فأراد المصنف أن يبين أنه لم يثبت على شرطه في القول عند الزلازل
ونحوها شئ وهل يصلي عند وجودها حكى بن المنذر فيه الاختلاف وبه قال أحمد وإسحاق وجماعة
وعلق الشافعي القول به على صحة الحديث عن علي وصح ذلك عن ابن عباس أخرجه عبد
الرزاق وغيره وروى ابن حبان في صحيحه من طريق عبيد بن عمير عن عائشة مرفوعا صلاة الآيات
ست ركعات وأربع سجدات * ثم أورد المصنف في هذا الباب حديثين * أحدهما حديث أبي هريرة
من طريق أبي الزناد عن عبد الرحمن وهو ابن هرمز الأعرج عنه مرفوعا لا تقوم الساعة حتى
يقبض العلم وتكثر الزلازل الحديث وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الفتن فإنه أخرج
432

هذا الحديث هناك مطولا وذكر منه قطعا هنا وفي الزكاة وفي الرقاق واختلف في قوله يتقارب
الزمان فقيل على ظاهره فلا يظهر التفاوت في الليل والنهار بالقصر والطول وقيل المراد قرب يوم
القيامة وقيل تذهب البركة فيذهب اليوم والليلة بسرعة وقيل المراد يتقارب أهل ذلك الزمان في
الشر وعدم الخير وقيل تتقارب صدور الدول وتطول مدة أحد لكثرة الفتن وقال النووي
في شرح قوله حتى يقترب الزمان معناه حتى تقرب القيامة ووهاه الكرماني وقال هو من تحصيل
الحاصل وليس كما قال بل معناه قرب الزمان العام من الزمان الخاص وهو يوم القيامة وعند
قربه يقع ما ذكر من الأمور المنكرة * الحديث الثاني حديث ابن عمر اللهم بارك لنا في شامنا
الحديث وفيه قالوا وفي نجدنا قال هناك الزلازل والفتن هكذا وقع في هذه الروايات التي اتصلت
لنا بصورة الموقوف عن بن عمر قال اللهم بارك لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم وقال القابسي سقط
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من النسخة ولا بد منه لأن مثله لا يقال بالرأي انتهى وهو من رواية
الحسين بن الحسن البصري من آل مالك بن يسار عن عبد الله بن عون عن نافع ورواه أزهر
السمان عن بن عون مصرحا فيه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في كتاب الفتن ويأتي
الكلام عليه أيضا هناك ونذكر فيه من وافق أزهر على التصريح برفعه إن شاء الله تعالى وقوله
فيه قالوا وفي نجدنا قائل ذلك بعض من حضر من الصحابة كما في الحديث الآخر عند الدعاء
للمحلقين قالوا والمقصرين (قوله باب قول الله تعالى وتجعلون رزقكم أنكم
تكذبون قال ابن عباس شكركم) يحتمل أن يكون مراده أن بن عباس قرأها كذلك ويشهد له
ما رواه سعيد بن منصور عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يقرأ
وتجعلون شكركم أنكم تكذبون وهذا إسناد صحيح ومن هذا الوجه أخرجه بن مردويه في
التفسير المسند وروى مسلم من طريق أبي زميل عن ابن عباس قال مطر الناس على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكر نحو حديث زيد بن خالد في الباب وفي آخره فأنزلت هذه الآية فلا أقسم
بمواقع النجوم إلى قوله تكذبون وعرف بهذا مناسبة الترجمة وأثر ابن عباس لحديث زيد بن خالد
وقد روى نحو أثر ابن عباس المعلق مرفوعا من حديث على لكن سياقه يدل على التفسير لا على
القراءة أخرجه عبد بن حميد من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عن علي مرفوعا وتجعلون رزقكم
قال تجعلون شكركم تقولون مطرنا بنوء كذا وقد قيل في القراءة المشهورة حذف تقديره
وتجعلون شكر رزقكم وقال الطبري المعنى وتجعلون الرزق الذي وجب عليكم به الشكر
تكذيبكم به وقيل بل الرزق بمعنى الشكر في لغة أزد شنوءة نقله الطبري عن الهيثم بن عدي (قوله
عن زيد بن خالد الجهني) هكذا يقول صالح بن كيسان لم يختلف عليه في ذلك وخالفه الزهري فرواه عن شيخهما
عبيد الله فقال عن أبي هريرة أخرجه مسلم عقب رواية صالح فصحح الطريقين لأن
عبيد الله سمع من زيد بن خالد وأبي هريرة جميعا عدة أحاديث منها حديث العسيف وحديث الأمة
إذا زنت فلعله سمع هذا منهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وإنما لم يجمعهما لاختلاف
لفظهما كما سنشير إليه وقد صرح صالح بسماعه له من عبيد الله عن أبي عوانة وروى صالح
عن عبيد الله بواسطة الزهري عدة أحاديث منها حديث بن عباس في شاة ميمونة كما تقدم في
الطهارة وحديثه عنه في قصة هرقل كما تقدم في بدء الوحي (قوله صلى لنا) أي لأجلنا أو اللام بمعنى
433

الباء أي صلى بنا وفيه جواز إطلاق ذلك مجازا وإنما الصلاة لله تعالى (قوله بالحديبية) بالمهملة
والتصغير وتخفف للاستشهاد وتثقل يقال سميت بشجرة حدباء هناك (قوله على إثر) بكسر
الهمزة وسكون المثلثة على المشهور وهو ما يعقب الشئ (قوله سماء) أي مطر وأطلق عليه سماء
لكونه ينزل من جهة السماء وكل جهة علو تسمى سماء (قوله كانت من الليل) كذا للأكثر
وللمستملي والحموي من الليلة بالإفراد (قوله فلما انصرف) أي من صلاته أو من مكانه (قوله هل
تدرون) لفظ استفهام معناه التنبيه ووقع في رواية سفيان عن صالح عند النسائي ألم تسمعوا
ما قال ربكم الليلة وهذا من الأحاديث الإلهية وهي تحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم
أخذها عن الله بلا واسطة أو بواسطة (قوله مطرف من عبادي) هذه إضافة عموم بدليل التقسيم
إلى مؤمن وكافر بخلاف مثل قوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان فإنها إضافة تشريف
(قوله مؤمن بي وكافر) يحتمل أن يكون المراد بالكفر هنا كفر الشرك بقرينة مقابلته بالإيمان
ولأحمد من رواية نصر بن عاصم المؤذن عن معاوية المؤذن مرفوعا يكون الناس مجدبين فينزل
الله عليهم رزقا من السماء من رزقه فيصبحون مشركين يقولون مطرنا بنوء كذا ويحتمل أن
يكون المراد به كفر النعمة ويرشد إليه قوله في رواية معمر عن صالح عن سفيان فأما من حمدني
على سقياي وأثنى علي فذلك آمن بي وفي رواية سفيان عند النسائي والإسماعيلي نحوه وقال في
آخره وكفر بي أو قال كفر نعمتي وفي رواية أبي هريرة عند مسلم قال الله ما أنعمت على عبادي
من نعمة إلا مطرف فريق منهم كافرين بها وله في حديث بن عباس مطرف من الناس شاكر ومنهم
كافر وعلى الأول حمل كثير من أهل العلم وأعلى ما وقفت عليه من ذلك كلام الشافعي قال في الأم
من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه مطر
نوء كذا فذلك كفر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك
لنفسه ولا لغيره شيئا ومن قال مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا في وقت كذا فلا يكون كفرا وغيره
من الكلام أحب إلى منه يعني حسما للمادة وعلى ذلك يحمل إطلاق الحديث وحكى ابن قتيبة
في كتاب الأنواء أن العرب كانت في ذلك على مذهبين على نحو ما ذكره الشافعي قال ومعنى النوء
سقوط نجم في المغرب من النجوم الثمانية والعشرين التي هي منازل القمر قال وهو مأخوذ من
ناء إذا سقط وقال آخرون بل النوء طلوع نجم منها وهو مأخوذ من ناء إذا نهض ولا تخالف بين
القولين في الوقت لأن كل نجم منها إذا طلع في المشرق وقع حال طلوعه آخر في المغرب لا يزال ذلك
مستمرا إلى أن تنتهي الثمانية والعشرون بانتهاء السنة فإن لكل واحد منها ثلاثة عشر يوما تقريبا
قال وكانوا في الجاهلية يظنون أن نزول الغيث بواسطة النوء إما بصنعه على زعمهم وإما بعلامته
فأبطل الشرع قولهم وجعله كفرا فإن اعتقد قائل ذلك أن للنوء صنعا في ذلك فكفره كفر
تشريك وإن اعتقد أن ذلك من معي التجربة فليس بشرك لكن يجوز إطلاق الكفر عليه
وإرادة كفر النعمة لأنه لم يقع في شئ من طرق الحديث بين الكفر والشرك واسطة فيحمل
الكفر فيه على المعنيين لتناول الأمرين والله أعلم ولا يرد الساكت لأن المعتقد قد يشكر
بقلبه أو يكفر وعلى هذا فالقول في قوله فأما من قال لما هو أعم من النطق والاعتقاد كما أن الكفر
فيه لما هو أعم من كفر الشرك وكفر النعمة والله أعلم بالصواب (قوله مطرنا بنوء كذا وكذا) في
434

حديث أبي سعيد عند النسائي مطرنا بنوء المجدح بكسر الميم وسكون الجيم وفتح الدال بعدها
مهملة ويقال بضم أوله هو الدبران بفتح مهملة والموحدة بعدها وقيل سمي بذلك لاستدباره
الثريا وهو نجم أحمر صغير منير قال بن قتيبة كل النجوم المذكورة له نوء غير أن بعضها أحمر وأغزر
من بعض ونوء الدبران غير محمود عندهم انتهى وكأن ذلك ورد في الحديث تنبيها على مبالغتهم
في نسبة المطر إلى النوء ولو لم يكن محمودا أو اتفق وقوع ذلك المطر في ذلك الوقت إن كانت القصة
واحدة وفي مغازي الواقدي أن الذي قال في ذلك الوقت مطرنا بنوء الشعرى هو عبد الله بن أبي
المعروف بابن سلول أخرجه من حديث أبي قتادة وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم طرح
الإمام المسئلة على أصحابه وإن كانت لا تدرك إلا بدقة النظر ويستنبط منه أن للولي المتمكن من
النظر في الإشارة أن يأخذ منها عبارات ينسبها إلى الله تعالى كذا قرأت بخط بعض شيوخنا
وكأنه أخذه من استنطاق النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عما قال ربهم وحمل الاستفهام
فيه على الحقيقة لكنهم رضي الله عنهم فهموا خلاف ذلك ولهذا لم يجيبوا إلا بتفويض الأمر
إلى الله ورسوله (قوله باب لا يدري متى يجئ المطر إلا الله تعالى) عقب الترجمة
الماضية بهذه لأن تلك تضمنت أن المطر إنما ينزل بقضاء الله وأنه لا تأثير للكواكب في نزوله وقضية
ذلك أنه لا يعلم أحد متى يجئ إلا هو (قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم خمس
لا يعلمهن إلا الله) هذا طرف من حديث وصله المؤلف في الإيمان وفي تفسير لقمان من طريق
أبي زرعة عن أبي هريرة في سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام لكن يسير في خمس لا يعلمهن
إلا الله ووقع في بعض الروايات في التفسير بلفظ وخمس وروى بن مردويه في التفسير من
طريق يحيى بن أيوب الأسماء عن جده عن أبي زرعة عن أبي هريرة رفعه خمس من الغيب لا يعلمهن
إلا الله إن الله عنده علم الساعة الآية (قوله حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي وسفيان هو
الثوري (قوله مفتاح) في رواية الكشميهني مفاتح (قوله وما يدري أحد متى يجئ المطر) زاد
الإسماعيلي إلا الله أخرجه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري وفيه رد على من زعم أن
لنزول المطر وقتا معينا لا يتخلف عنه وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في تفسير لقمان إن
شاء الله تعالى * (خاتمة) * اشتملت أبواب الاستسقاء من الأحاديث المرفوعة على أربعين حديثا
المعلق منها تسعة والبقية موصولة المكرر فيها وفيما مضى سبعة قرة حديثا والخالص
ثلاثة عشر وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن عمر الذي فيه شعر أبي طالب وحديث
أنس عن عمر في الاستسقاء بالعباس وحديث عبد الله بن زيد في الاستسقاء على رجليه وحديث
عبد الله بن زيد في صفة تحويل الرداء وإن كان أخرج أصله وحديث عائشة في قوله صيبا نافعا
وأصله أيضا فيه وحديث أنس كان إذا هبت الريح الشديدة وسيأتي بيان ما انفرد به من حديث
أبي هريرة في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وفه من الآثار عن الصحابة وغيرهم أثران والله أعلم
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (أبواب الكسوف) *
ثبتت البسملة في رواية كريمة والترجمة في رواية المستملى وفي بعض النسخ كتاب بدل أبواب
435

والكسوف لغة التغير إلى سواد ومنه كسف وجهه وحاله وكسفت الشمس اسودت وذهب
شعاعها واختلف في الكسوف هل هما مترادفان أو لا كما سيأتي قريبا (قوله
باب الصلاة في كسوف الشمس) أي مشروعيتها وهو أمر متفق عليه لكن اختلف في
الحكم وفي الصفة فالجمهور على أنها سنة مؤكدة وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها ولم أره لغيره
إلا ما حكى عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة ونقل الزين بن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها وكذا
نقل بعض مصطفى الحنفية أنها واجبة وسيأتي الكلام على الصفة قريبا (قوله حدثنا خالد) هو ابن
عبد الله الطحان ويونس هو بن عبيد والإسناد كله بصريون وترجمة الحسن عن أبي بكرة متصلة
عند البخاري منقطعة عند أبي حاتم والدارقطني وسيأتى التصريح بالأخبار فيه بعد أربعة أبواب
وهو يؤيد صنيع البخاري (قوله فانكسفت) يقال كسفت الشمس بفتح الكاف جفال بمعنى
وأنكر القزاز انكسفت وكذا الجوهري حيث نسبه للعامة والحديث يرد عليه وحكى كسفت
بضم الكاف وهو نادر (قوله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر رداءه) زاد في اللباس من وجه
آخر عن يونس مستعجلا وللنسائي من رواية يزيد بن زريع عن يونس من العجلة ولمسلم من حديث
أسماء كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع فأخطأ بدرع حتى أدرك
بردائه يعني أنه أراد لبس ردائه فلبس الدرع من شغل خاطره بذلك واستدل به على أن جر الثوب
لا يذم إلا ممن قصد به الخيلاء ووقع في حديث أبي موسى بيان السبب في الفزع كما سيأتي (قوله
فصلى بنا ركعتين) زاد النسائي كما تصلون واستدل به من قال أن صلاة الكسوف كصلاة النافلة
وحمله ابن حبان والبيهقي على أن المعنى كما تصلون في الكسوف لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل
البصرة وقد كان بن عباس علمهم أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان كما روى ذلك الشافعي وابن
أبي شيبة وغيرهما ويؤيد ذلك أن في رواية عبد الوارث عن يونس الآتية في أواخر الكسوف
أن ذلك وقع يوم مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في حديث جابر عند مسلم مثله
وقال فيه ان في كل ركعة ركوعين فدل ذلك على اتحاد القصة وظهر أن رواية أبي بكرة مطلقة وفي
رواية جابر زيادة بيان في صفة الركوع والأخذ بها أولى ووقع في أكثر الطرق عن عائشة أيضا
أن في كل ركعة ركوعين وعند بن خزيمة من حديثها أيضا أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه
السلام (قوله حتى انجلت) استدل به على إطالة الصلاة حتى يقع الانجلاء وأجاب الطحاوي
بأنه قال فيه فصلوا وادعوا فدل على أنه إن سلم من الصلاة قبل الانجلاء يتشاغل بالدعاء حتى
تنجلي وقرره ابن دقيق العيد بأنه جعل الغاية لمجموع الأمرين ولا يلزم من ذلك أن يكون غاية لكل
منهما على انفراده فجاز أن يكون الدعاء ممتدا إلى غاية الانجلاء بعد الصلاة فيصير غاية للمجموع
ولا يلزم منه تطويل الصلاة ولا تكريرها وأما ما وقع عند النسائي من حديث النعمان بن
بشير قال كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين
ويسأل عنها حتى انجلت فإن كان محفوظا احتمل أن يكون معنى قوله ركعتين أي ركوعين
وقد وقع التعبير عن الركوع بالركعة في حديث الحسن خسف القمر وابن عباس بالبصرة
فصلى ركعتين في كل ركعة ركعتان الحديث أخرجه الشافعي وأن يكون السؤال وقع بالإشارة
فلا يلزم التكرار وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي قلابة أنه صلى الله عليه وسلم كان
436

كلما ركع ركعة أرسل رجلا ينظر هل انجلت فتعين الاحتمال المذكور وإن ثبت تعدد القصة
زال الإشكال أصلا (قوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الشمس) زاد في رواية ابن خزيمة
فلما كشف عنا خطبنا فقال واستدل به على أن الانجلاء لا يسقط الخطبة كما سيأتي (قوله
لموت أحد) في رواية عبد الوارث الآتية بيان سبب هذا القول ولفظه وذلك أن أبنا للنبي صلى الله
عليه وسلم يقال له إبراهيم مات فقال الناس في ذلك وفي رواية مبارك بن فضالة عند ابن حبان
فقال الناس إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم ولأحمد وللنسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة
وابن حبان من رواية أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم فخرج فزعا يجر ثوبه حتى أتى المسجد فلم يزل يصلي حتى انجلت فلما انجلت قال
إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء وليس كذلك
الحديث وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في
الأرض وهو نحو قوله في الحديث الماضي في الاستسقاء يقولون مطرنا بنوء كذا قال الخطابي
كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر
فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتقاد باطل وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله ليس لهما
سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه
من الشفقة على أمته وشدة الخوف من ربه وسيأتي لذلك مزيد بيان (قوله فإذا رأيتموها) في
رواية كريمة رأيتموهما بالتثنية وسيأتي القول فيه إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا شهاب بن
عباد) هو العبدي الكوفي من شيوخ البخاري ومسلم ولهم شيخ آخر يقال له شهاب بن عباد
العبدي لكنه بصري وهو أقدم من الكوفي يكون في طبقة شيوخ شيوخه أخرج له البخاري
وحده في الأدب المفرد وإبراهيم بن حميد شيخه هو بن عبد الرحمن الرؤاسي بضم الراء بعدها همزة
خفيفة وفي طبقته إبراهيم بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ولم يخرجوا له وإسماعيل هو
ابن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وهذا الإسناد كله كوفيون (قوله آيتان) أي علامتان من
آيات الله أي الدالة على وحدانية الله وعظيم قدرته أو على تخويف العباد من بأس الله وسطوته
ويؤيده قوله تعالى وما نرسل بالآيات إلا تخويفا وسيأتي قوله صلى الله عليه وسلم يخوف الله
بهما عباده في باب مفرد (قوله فإذا رأيتموها) أي الآية وللكشميهني رأيتموهما بالتثنية
وكذا في رواية الإسماعيلي والمعنى إذا رأيتم كسوف كل منهما لاستحالة وقوع ذلك فيهما معا في
حالة واحدة عادة وإن كان ذلك جائزا في القدرة الإلهية واستدل به على مشروعية الصلاة في
كسوف القمر وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد إن شاء الله تعالى ووقع في رواية ابن المنذر حتى
ينجلي كسوف أيهما انكسف وهو أصرح في المراد وأفاد أبو عوانة أن في بعض الطرق أن ذلك
كان يوم مات إبراهيم وهو كذلك في مسند الشافعي وهو يؤيد ما قدمناه من اتحاد القصة (قوله
فقوموا فصلوا) استدل به على أنه لا وقت لصلاة الكسوف معين لأن الصلاة علقت برؤيته
وهي ممكنة في كل وقت من النهار وبهذا قال الشافعي ومن تبعه واستثنى الحنفية أوقات
الكراهة وهو مشهور مذهب أحمد وعن المالكية وقتها من وقت حل النافلة إلى الزوال وفي
رواية إلى صلاة العصر ورجح الأول بأن المقصود إيقاع هذه العبادة قبل الانجلاء وقد اتفقوا على
437

أنها لا تقضى بعد الانجلاء فلو انحصرت في وقت لأمكن الانجلاء قبله فيفوت المقصود ولم أقف
في شئ من الطرق مع كثرتها على أنه صلى الله عليه وسلم صلاها الأضحى لكن ذلك وقع اتفاقا
ولا يدل على منع ما عداه واتفقت الطرق على أنه بادر إليها (قوله أخبرني عمرو) هو ابن الحرث
المصري وعبد الرحمن بن القاسم هو بن أبي بكر الصديق ونصف رجال هذا الإسناد الأعلى
مدنيون ونصفه الأدنى مصريون (قوله لا يخسفان) بفتح أوله ويجوز الضم وحكى ابن الصلاح
منه وروى ابن خزيمة والبزار من طريق نافع عن ابن عمر قال خسفت الشمس يوم مات إبراهيم
الحديث وفيه فافزعوا إلى الصلاة وإلى ذكر الله وادعوا وتصدقوا (قوله ولا لحياته) استشكلت
هذه الزيادة لأن السياق إنما ورد في حق من ظن أن ذلك لموت إبراهيم ولم يذكروا الحياة والجواب
أن فائدة ذكر الحياة دفع توهم من يقول لا يلزم من نفى كونه سببا وطبقاتها أن لا يكون سببا للايجاد
فعمم الفاء النفي لدفع هذا التوهم (قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو المسندي وهاشم هو أبو
النضر وشيبان هو النحوي (قوله يوم مات إبراهيم) يعني ابن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر
جمهور أهل السير أنه مات في السنة العاشرة من الهجرة فقيل في ربيع الأول وقيل في رمضان
وقيل في ذي الحجة والأكثر على أنها وقعت في عاشر الشهر وقيل في رابعه وقيل في رابع عشره ولا
يصح شئ منها على قول ذي الحجة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذ ذاك بمكة في الحج وقد ثبت أنه
شهد وفاته وكانت بالمدينة بلا خلاف نعم قيل إنه مات سنة تسع فإن ثبت يصح وجزم النووي بأنها
كانت سنة الحديبية ويجاب بأنه كان يومئذ بالحديبية ورجع منها في آخر ذي العقدة فلعلها
كانت في أواخر الشهر وفيه رد على أهل الهيئة لأنهم يزعمون أنه لا يقع في الأوقات المذكورة
وقد فرض الشافعي وقوع العيد والكسوف معا واعترضه بعض من اعتمد على قول أهل الهيئة
وانتدب أصحاب الشافعي لدفع قول المعترض فأصابوا (قوله فإذا رأيتم) أي شيئا من ذلك وفي
رواية الإسماعيلي فإذا رأيتم ذلك وسيأتي من وجه آخر بعد أبواب فإذا رأيتموها * (تنبيه) * ابتدأ
البخاري أبواب الكسوف بالأحاديث المطلقة في الصلاة بغير تقييد بصفة إشارة منه إلى أن ذلك
يعطي أصل الامتثال وإن كان إيقاعها على الصفة المخصوصة عنده أفضل وبهذا قال أكثر
العلماء ووقع لبعض الشافعية كالبندنيجي أن صلاتها ركعتين كالنافلة لا يجزئ والله أعلم
(قوله باب الصدقة في الكسوف) أورد فيه حديث عائشة من رواية هشام بن عروة
عن أبيه أثم عنها ورده بعد باب من رواية بن شهاب عن عروة ثم بعد بابين من رواية عمرة عن
عائشة وعند كل منهم ما ليس عند الآخر وورد الأمر في الأحاديث التي أوردها في الكسوف
بالصلاة والصدقة والذكر والدعاء وغير ذلك وقد قدم منها الأهم فالأهم ووقع الأمر بالصدقة في
رواية هشام دون غيرها فناسب أن يترجم بها ولأن الصدقة تالية الولاء فلذلك جعلها تلو ترجمة
الصلاة في الكسوف (قوله خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى)
استدل به على أنه صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على الوضوء فلهذا لم يحتج إلى الوضوء في تلك
الحال وفيه نظر لأن في السياق حذفا سيأتي في رواية ابن شهاب خسفت الشمس فخرج إلى
المسجد فصف الناس وراءه وفي رواية عمرة فخسفت فرجع ضحى فمر بين الحجر ثم قام يصلي وإذا
ثبتت هذه الأفعال جاز أن يكون حذف أيضا فتوضأ ثم قام يصلي فلا يكون نصا في أنه كان على
438

وضوء (قوله فأطال القيام) في رواية ابن شهاب فاقترأ قراءة طويلة وفي أواخر الصلاة من وجه
آخر عنه فقرأ بسورة طويلة وفي حديث ابن عباس بعد أربعة أبواب فقرأ نحوا من سورة البقرة
في الركعة الأولى ونحوه لأبي داود من طريق سليمان بن يسار عن عروة وزاد فيه أنه قرأ في القيام
الأول من الركعة الثانية نحوا من آل عمران (قوله ثم قام فأطال القيام) في رواية ابن شهاب ثم
قال سمع الله لمن حمده وزاد من وجه آخر عنه في أواخر الكسوف ربنا ولك الحمد واستدل به
على استحباب الذكر المشروع في الاعتدال في أول القيام الثاني من الركعة الأولى واستشكله
بعض متأخري الشافعية من جهة كونه قيام قراءة لا قيام اعتدال بدليل اتفاق العلماء ممن قال
بزيادة الركوع في كل ركعة على قراءة الفاتحة فيه وإن كان محمد بن مسلمة المالكي خالف فيه
والجواب أن صلاة الكسوف جاءت على صفة مخصوصة فلا مدخل للقياس فيها بل كل ما ثبت
أنه صلى الله عليه وسلم فعله فيها كان مشروعا لأنها أصل برأسه وبهذا المعنى رد الجمهور على من
قاسها على صلاة النافلة حتى منع من زيادة الركوع فيها وقد أشار الطحاوي إلى أن قول أصحابه
اجرى على القياس في صلاة النوافل لكن اعترض بأن القياس مع وجود النص يضحل وبأن
صلاة الكسوف أشبه بصلاة العيد ونحوها مما يجمع فيه من مطلق النوافل فامتازت صلاة
الجنازة بترك الركوع والسجود وصلاة العيدين بزيادة التكبيرات وصلاة الخوف بزيادة
الأفعال الكثيرة واستدبار القبلة فكذلك اختصت صلاة الكسوف بزيادة الركوع فالأخذ به
جامع بين العمل بالنص والقياس بخلاف من لم يعمل به (قوله فأطال الركوع) لم أر في شئ
من الطرق بيان ما قال فيه إلا أن العلماء اتفقوا على أنه لا قراءة فيه وإنما فيه الذكر من تسبيح
وتكبير ونحوهما ولم يقع في هذه الرواية ذكر تطويل الاعتدال الذي يقع فيه السجود بعده
ولا تطويل الجلوس بين السجدتين وسيأتي البحث فيه في باب المريض السجود (قوله ثم فعل في
الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى) وقع ذلك مفسرا في رواية عمرة الآتية (قوله
ثم انصرف) أي من الصلاة وقد تجلت الشمس في رواية ابن شهاب انجلت الشمس قبل أن
ينصرف وللنسائي ثم تشهد وسلم (قوله فخطب الناس) فيه مشروعية الخطبة للكسوف
والعجب أن مالكا روى حديث هشام هذا وفيه التصريح بالخطبة ولم يقل به أصحابه وسيأتي
البحث فيه بعد باب واستدل به على أن الانجلاء لا يسقط الخطبة بخلاف ما لو انجلت قبل أن
يشرع في الصلاة فإنه يسقط الصلاة والخطبة فلو انجلت في أثناء الصلاة أتمها على الهيئة
المذكورة عند من قال بها وسيأتي ذكر دليله وعن أصبغ يتمها على هيئة النوافل المعتادة (قوله
فحمد الله وأثنى عليه) زاد النسائي في حديث سمرة وشهد أنه عبد الله ورسوله (قوله فاذكروا
الله) في رواية الكشميهني فادعوا الله (قوله والله ما من أحد) فيه القسم لتأكيد الخبر وإن
كان الثاني غير شاك فيه (قوله ما من أحد أغير) بالنصب على أنه الخبر وعلى أن من زائدة
ويجوز فيه الرفع على لغة تميم أو أغير مخفوض صفة لأحد والخبر محذوف تقديره موجود (قوله
أغير) أفعل تفضيل من الغيرة بفتح الغين المعجمة وهي في اللغة تغير يحصل من الحمية والأنفة وأصلها
في الزوجين والأهلين وكل ذلك محال على الله تعالى لأنه منزه عن كل تغير ونقص فيتعين حمله على
المجاز فقيل لما كانت ثمرة الغيرة صون الحريم ومنعهم وزجر من يقصد إليهم أطلق عليه ذلك
439

لكونه منع من فعل ذلك وزجر فاعله وتوعده فهو من باب تسمية الشئ بما يترتب عليه وقال ابن
فورك المعنى ما أحد أكثر زجرا عن الفواحش من الله وقال غيرة الله ما يغير من حال العاصي
بانتقامه منه في الدنيا والآخرة أو في إحداهما ومنه قوله تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا
ما بأنفسهم وقال ابن دقيق العيد أهل التنزيه في مثل هذا على قولين إما ساكت وإما مؤول على
أن المراد بالغيرة شدة المنع والحماية فهو من مجاز الملازمة وقال الطيبي وغيره وجه اتصال هذا
المعنى بما قبله من قوله فاذكروا الله الخ من جهة أنهم لما أمروا باستدفاع البلاء بالذكر
والدعاء والصلاة والصدقة ناسب ردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء وخص
منها الزنا لأنه أعظمها في ذلك وقيل لما كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي وأشدها تأثيرا في
إثارة النفوس وغلبة الغضب ناسب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذة رب الغيرة
وخالقها سبحانه وتعالى وقوله يا أمة محمد فيه معنى الإشفاق كما يخاطب الوالد ولده إذا أشفق عليه
بقوله يا بني كذا قيل وكان قضية ذلك أن يقول يا أمتي لكن لعدوله عن المضمر إلى المظهر حكمة
وكأنها بسبب كون المقام مقام تحذير وتخويف لما في الإضافة إلى الضمير من الإشعار بالتكريم
ومثله يا فاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئا الحديث وصدر صلى الله عليه وسلم كلامه
باليمين لإرادة التأكيد للخبر وإن كان لا يرتاب في صدقه ولعل تخصيص العيد والأمة بالذكر رعاية
لحسن الأدب مع الله تعالى لتنزهه عن الزوجة والأهل ممن يتعلق بهم الغيرة غالبا ويؤخذ من
قوله يا أمة محمد أن الواعظ ينبغي له حال وعظه أن لا يأتي بكلام فيه تفخيم لنفسه بل يبالغ في
التواضع لأنه أقرب إلى انتفاع من يسمعه (قوله لو تعلمون ما أعلم) أي من عظيم قدرة الله
وانتقامه من أهل الاجرام وقيل معناه لو دام علمكم كما دام علمي لأن علمه متواصل بخلاف
غيره وقيل معناه لو علمتم من سعة رحمة الله وحلمه وغير ذلك ما أعلم لبكيتم على ما فاتكم من ذلك
قوله لضحكتم قليلا قيل معنى القلة هنا العدم والتقدير لتركتم الضحك ولم يقع منكم إلا نادرا
لغلبة الخوف واستيلاء الحزن وحكى بن بطال عن المهلب أن سبب ذلك ما كان عليه الأنصار
من محبة اللهو والغناء وأطال في تقرير ذلك بما لا طائل فيه ولا دليل عليه ومن أين له أن
المخاطب بذلك الأنصار دون غيرهم والقصة كانت في أواخر زمنه صلى الله عليه وسلم حيث
امتلأت المدينة بأهل مكة ووفود العرب وقد بالغ الزين بن المنير في الرد عليه والتشنيع بما
يستغنى عن حكايته وفي الحديث ترجيح التخويف في الخطبة على التوسع في الترخيص لما في ذكر
الرخص من ملاءمة النفوس لما جبلت عليه من الشهوة والطبيب الحاذق يقابل العلة بما يضادها
لا بما يزيدها واستدل به على أن لصلاة الكسوف هيئة تخصها من التطويل الزائد على العادة في
القيام وغيره ومن زيادة ركوع في كل ركعة وقد وافق عائشة على رواية ذلك عبد الله بن عباس
وعبد الله بن عمرو متفق عليهما ومثله عن أسماء بنت أبي بكر كما تقدم في صفة الصلاة وعن جابر
عند مسلم وعن علي عند أحمد وعن أبي هريرة عند النسائي وعن ابن عمر عند البزار وعن أم
سفيان عند الطبراني وفي رواياتهم زيادة رواها الحفاظ الثقات فالأخذ بها أولى من إلغائها
وبذلك قال جمهور أهل العلم من أهل الفتيا وقد وردت الزيادة في ذلك من طرق أخرى فعند
مسلم من وجه آخر عن عائشة وآخر عن جابر أن في كل ركعة ثلاث ركوعات وعنده من وجه آخر
440

عن ابن عباس أن في كل ركعة أربع ركوعات ولأبي داود من حديث أبي بن كعب والبزار من
حديث على أن في كل ركعة خمس ركوعات لا يخلوا غلام إسناد منها عن علة وقد أوضح ذلك البيهقي
وابن عبد البر ونقل صاحب الهدى عن الشافعي وأحمد والبخاري أنهم كانوا يعدون الزيادة على
الركوعين في كل ركعة غلطا من بعض الرواة فإن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض
ويجمعها أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام وإذا اتحدت القصة تعين الأخذ بالراجح وجمع
بعضهم بين هذه الأحاديث بتعدد الواقعة وأن الكسوف وقع مرارا فيكون كل من هذه
الأوجه جائزا وإلى ذلك نحا إسحاق لكن لم تثبت عنده الزيادة على أربع ركوعات وقال ابن
خزيمة وابن المنذر والخطابي وغيرهم من الشافعية يجوز العمل بجميع ما ثبت من ذلك وهو من
الاختلاف المباح وقواه النووي في شرح مسلم وأبدى بعضهم أن حكمة الزيادة في الركوع
والنقص كان بحسب سرعة الانجلاء وبطئه فحين وقع الانجلاء في أول ركوع اقتصر على مثل
النافلة وحيث أبطأ زاد ركوعا وحين زاد في نكحني زاد ثالثا وهكذا إلى غاية ما ورد في ذلك وتعقبه
النووي وغيره بأن إبطاء الانجلاء وعدمه لا يعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى وقد اتفقت
الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء وهذا يدل على أنه مقصود فنفسه منوى من أول
الحال وأجيب باحتمال أن يكون الاعتماد على الركعة الأولى وأما الثانية فهي تبع لها فمهما
اتفق وقوعه في الأولى بسبب بطء الانجلاء يقع مثله في الثانية ليساوي بينهما ومن ثم قال أصبغ
كما تقدم إذا وقع الانجلاء في أثنائها يصلي الثانية كالعادة وعلى هذا فيدخل المصلي فيها على نية
مطلق الصلاة ويزيد في الركوع بحسب الكسوف ولا مانع من ذلك وأجاب بعض الحنفية عن
زيادة الركوع بحمله على رفع الرأس لرؤية الشمس هل انجلت أم لا فإذا لم يرها انجلت رجع إلى
ركوعه ففعل ذلك مرة أو مرارا فظن بعض من رآه يفعل ذلك ركوعا زائدا وتعقب بالأحاديث
الصحيحة الصريحة في أنه أطال القيام بين الركوعين ولو كان الرفع لرؤية الشمس فقط لم يحتج إلى
تطويل ولا سيما الأخبار الصريحة بأنه ذكر ذلك الاعتدال ثم شرع في القراءة فكل ذلك يرد هذا
الحمل ولو كان كما زعم هذا القائل لكان فيه إخراج لفعل الرسول عن العبادة المشروعة أو لزم
منه اثبات هيئة في الصلاة لا عهد بها وهو ما فر منه وفي حديث عائشة من الفوائد غير ما تقدم
المبادرة بالصلاة وسائر ما ذكر عند الكسوف والزجر عن كثرة الضحك والحث على كثرة البكاء
والتحقق بما سيصير إليه المرء من الموت والفناء والاعتبار بآيات الله وفيه الرد على من زعم أن
للكواكب تأثيرا في الأرض لانتفاء ذلك عن الشمس والقمر فكيف بما دونهما وفيه تقديم
الإمام في الموقف وتعديل الصفوف والتكبير بعد الوقوف في موضع الصلاة وبيان ما يخشى
اعتقاده على غير الصواب واهتمام الصحابة بنقل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليقتدى به فيها ومن
حكمة وقوع الكسوف تبيين أنموذج ما سيقع في القيامة وصورة عقاب من لم يذنب والتنبيه
على سلوك طريق الخوف مع الرجاء لوقوع الكسوف بالكوكب ثم كشف ذلك عنه ليكون
المؤمن من ربه على خوف ورجاء وفي الكسوف إشارة إلى تقبيح رأى من يعبد الشمس أو القمر
وحمل بعضهم الأمر في قوله تعالى لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن على
صلاة الكسوف لأنه الوقت الذي يناسب الإعراض عن عبادتهما لما يظهر فيهما من التغيير
441

والنقص المنزه عنه المعبود جل وعلا سبحانه وتعالى (قوله باب النداء بالصلاة
جامعة) هو بالنصب فيهما على الحكاية ونصب الصلاة في الأصل على الإغراء وجامعة على الحال
أي احضروا الصلاة في حال كونها جامعة وقيل برفعهما على أن الصلاة مبتدأ وجامعة خبره
ومعناه ذات جماعة وقيل جامعة صفة والخبر محذوف تقديره فأحضروها (قوله حدثني إسحق)
هو ابن منصور على رأى الجياني أو ابن راهويه على رأى أبي نعيم ويحيى بن صالح من شيوخ
البخاري وربما أخرج عنه بواسطة كهذا (قوله الحبشي) بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة
ووهم من ضبطه بضم أوله وسكون ثانيه (قوله أخبرني أبو سلمة عن عبد الله) في رواية حجاج
الصواف عن يحيى حدثنا أبو سلمة حدثني عبد الله أخرجه ابن خزيمة (قوله نودي) كذا فيه بلفظ
البناء للمفعول وصرح الشيخان في حديث عائشة بان النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا
فنادى بذلك قال بن دقيق العيد هذا الحديث حجة لمن استحب ذلك وقد اتفقوا على أنه لا يؤذن
لها ولا يقام (قوله أن الصلاة) بفتح الهمزة وتخفيف النون وهي المفسرة وروى بتشديد النون
والخبر محذوف تقديره أن الصلاة ذات جماعة حاضرة ويروي برفع جامعة على أنه الخبر وفي
رواية الكشميهني نودي بالصلاة جامعة وفيه ما تقدم في لفظ الترجمة وعن بعض العلماء يجوز
في الصلاة جامعة النصب فيهما والرفع فيهما ويجوز رفع الأول ونصب الثاني وبالعكس (قوله
باب خطبة الإمام في الكسوف) اختلف في الخطبة فيه فاستحبها الشافعي وإسحق
وأكثر أصحاب الحديث قال ابن قدامة لم يبلغنا عن أحمد ذلك وقال صاحب الهداية من
الحنفية ليس في الكسوف خطبة لأنه لم ينقل وتعقب بأن الأحاديث ثبتت فيه وهي ذات كثرة
والمشهور عند المالكية أن لا خطبة لها مع أن مالكا روى الحديث وفيه ذكر الخطبة وأجاب
بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد لها خطبة بخصوصها وإنما أراد أن يبين لهم الرد على من
يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس وتعقب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة
وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث فلم يقتصر على
الإعلام بسبب الكسوف والأصل مشروعية الاتباع والخصائص لا تثبت إلا بدليل وقد
استضعف ابن دقيق العيد التأويل المذكور وقال إن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شئ معين بعد
الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة وجميع ما ذكر من سبب الكسوف وغيره
هو من مقاصد خطبة الكسوف فينبغي التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيذكر الإمام ذلك في
خطبة الكسوف نعم نازع بن قدامة في كون خطبة الكسوف كخطبتي الجمعة والعيدين إذ
ليس في الأحاديث المذكورة ما يقتضى ذلك وإلى ذلك نحا بن المنير في حاشيته ورد على من أنكر
أصل الخطبة لثبوت ذلك صريحا في الأحاديث وذكر أن بعض أصحابهم احتج على ترك الخطبة بأنه
لم ينقل في الحديث أنه صعد المنبر ثم زيفه بأن المنبر ليس شرطا ثم لا يلزم من أنه لم يذكر أنه لم يقع
(قوله وقالت عائشة وأسماء خطب النبي صلى الله عليه وسلم) أما حديث عائشة فقد مضى قبل
بباب في رواية هشام صريحا وأورد المصنف في هذا الباب حديثها من طريق ابن شهاب وليس
فيه التصريح بالخطبة لكنه أراد أن يبين أن الحديث واحد وأن الثناء المذكور في طريق ابن
شهاب كان في الخطبة وأما حديث أسماء وهي بنت أبي بكر أخت عائشة لأبيها فسيأتي الكلام
442

عليه بعد أحد عشر بابا (قوله فصف الناس) بالرفع أي اصطفوا يقال صف القوم إذا صاروا
صفا ويجوز النصب والفاعل محذوف والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم (قوله ثم قال في الركعة
الآخرة مثل ذلك) فيه إطلاق القول على الفعل فقد ذكره من هذا الوجه في الباب الذي يليه
بلفظ ثم فعل (قوله فافزعوا) بفتح الزاي أي التجئوا وتوجهوا وفيه إشارة إلى المبادرة إلى المأمور
به وأن الالتجاء إلى الله عند المخاوف بالدعاء والاستغفار سبب لمحو ما فرط من العصيان يرجى به
زوال المخاوف وأن الذنوب سبب للبلايا والعقوبات العاجلة والآجلة نسأل الله تعالى رحمته
وعفوه وغفرانه (قوله إلى الصلاة) أي المعهودة الخاصة وهي التي تقدم فعلها منه صلى الله
عليه وسلم قبل الخطبة ولم يصب من استدل به على مطلق الصلاة ويستنبط منه أن الجماعة ليست
شرطا في صحتها لأن فيه إشعارا بالمبادرة إلى الصلاة والمسارعة إليها وانتظار الجماعة قد يؤدي إلى
فواتها وإلى إخلاء بعض الوقت من الصلاة (قوله وكان يحدث كثير بن عباس) هو بتقديم
الخبر على الاسم وقد وقع في مسلم من طريق الزبيدي عن الزهري بلفظ وأخبرني كثير بن العباس
صرح برفعه وأخرجه مسلم أيضا والنسائي من طريق عبد الرحمن بن نمر عن الزهري كذلك
وساق المتن بلفظ صلى يوم كسفت الشمس أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات وطوله
الإسماعيلي من هذا الوجه (قوله فقلت لعروة) هو مقول الزهري أيضا (قوله أن أخاك) يعني
عبد الله بن الزبير وصرح به المصنف من وجه آخر كما سيأتي في أواخر الكسوف وللإسماعيلي
فقلت لعروة والله ما فعل ذلك أخوك عبد الله بن الزبير انخسفت الشمس وهو بالمدينة زمن
أراد أن يسير إلى الشام فما صلى إلا مثل الصبح (قوله قال أجل لأنه أخطأ السنة) في رواية
ابن حبان فقال أجل كذلك صنع وأخطأ السنة واستدل به على أن السنة أن يصلي صلاة
الكسوف في كل ركعة ركوعان وتعقب بأن عروة تابعي وعبد الله صحابي فالأخذ بفعله أولى
وأجيب بأن قول عروة وهو تابعي السنة كذا وان قلنا أنه مرسل على الصحيح لكن قد ذكر عروة
مستنده في ذلك وهو خبر عائشة المرفوع فانتفى عنه احتمال كونه موقوفا أو منقطعا فيرجح
المرفوع على الموقوف فلذلك حكم على صنيع أخيه بالخطأ وهو أمر نسبي وإلا فما صنعه عبد
الله يتأدى به أصل السنة وإن كان فيه تقصير بالنسبة إلى كمال السنة ويحتمل أن يكون عبد الله
أخطأ السنة عن غير قصد لأنها لم تبلغه والله أعلم (قوله باب هل يقول كسفت
الشمس أو خسفت) قال الزين بن المنير أتى بلفظ الاستفهام إشعارا منه بأنه لم يترجح عنده في
ذلك شئ (قلت) ولعله أشار إلى ما رواه ابن عيينة عن الزهري عن عروة قال لا تقولوا كسفت
الشمس ولكن قولوا خسفت وهذا موقوف صحيح رواه سعيد بن منصور عنه وأخرجه مسلم عن
يحيى بن يحيى عنه لكن الأحاديث الصحيحة تخالفه لثبوتها بلفظ الكسوف في الشمس من طرق
كثيرة والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر واختاره ثعلب
وذكر الجوهري أنه أفصح وقيل يتعين ذلك وحكى عياض عن بعضهم عكسه وغلطه لثبوته
بالخاء في القمر في القرآن وكأن هذا هو السر في استشهاد المؤلف به في الترجمة وقيل يقال بهما في كل
منهما وبه جاءت الأحاديث ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف لأن الكسوف
التغير إلى سواد والخسوف النقصان أو الذل فإذا قيل في الشمس كسفت أو خسفت لأنه تتغير
443

ويلحقها النقص ساغ وكذلك القمر ولا يلزم من ذلك أن الكسوف والخسوف مترادفان وقيل
بالكاف في الابتداء وبالخاء في الانتهاء وقيل بالكاف لذهاب جميع الضوء وبالخاء لبعضه وقيل
بالخاء لذهاب كل اللون وبالكاف لتغيره (قوله وقال الله عز وجل وخسف القمر) في إيراده
لهذه الآية احتمالان أحدهما أن يكون أراد أن يقال خسف القمر كما جاء في القرآن ولا يقال
كسف وإذا اختص القمر بالخسوف أشعر باختصاص الشمس بالكسوف والثاني أن يكون
أراد أن الذي يتفق للشمس كالذي يتفق للقمر وقد سمي في القرآن بالخاء في القمر فليكن الذي
للشمس كذلك ثم ساق المؤلف حديث بن شهاب عن عروة عن عائشة بلفظ خسفت الشمس
وهذا موافق لما قال عروة لكن روايات غيره بلفظ كسفت كثيرة جدا (قوله فيه ثم سجد سجودا
طويلا) فيه رد على من زعم أنه لا يسن تطويل السجود في الكسوف وسيأتي ذكره في باب مفرد
(قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يخوف الله عباده بالكسوف قاله أبو
موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم) سيأتي حديثه موصولا بعد سبعة أبواب ثم أورد المصنف
حديث أبي بكرة من رواية حماد بن زيد عن يونس وفيه ولكن يخوف الله بهما عباده وفي رواية
الكشميهني ولكن الله يخوف وقد تقدم الكلام عليه في أول الكسوف (قوله لم يذكر عبد
الوارث وشعبة وخالد بن عبد الله وحماد بن سلمة عن يونس يخوف الله بهما عباده) أما رواية عبد
الوارث فأوردها المصنف بعد عشرة أبواب عن أبي معمر عنه وليس فيها ذلك لكنه ثبت من
رواية عبد الوارث من وجه آخر أخرجه النسائي عن عمران بن موسى عن عبد الوارث وذكر
فيه يخوف الله بهما عباده وقال البيهقي لم يذكره أبو معمر وذكره غيره عن عبد الوارث وأما
رواية شعبة فوصلها المصنف في الباب المذكور وليس فيها ذلك وأما رواية خالد بن عبد الله
فسبقت في أول الكسوف وما رواية حماد بن سلمة فوصلها الطبراني من رواية حجاج بن منهال
عنه بلفظ رواية خالد ومعناه وقال فيه فإذا كسف واحد منهما فصلوا وادعوا (قوله وتابعه
أشعث) يعني ابن عبد الملك الحمراني (عن الحسن) يعني في حذف قوله يخوف الله بهما عباده
وقد وصل النسائي هذه الطريق وابن حبان وغيرهما من طرق عن أشعث عن الحسن وليس
فيها ذلك (قوله وتابعه موسى عن مبارك عن الحسن قال أخبرني أبو بكرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم يخوف الله بهما عباده) في رواية غير أبي ذر أن الله تعالى وموسى هو ابن إسماعيل
التبوذكي كما جزم به المزي وقال الدمياطي ومن تبعه هو بن داود الضبي والأول أرجح لأن ابن
إسماعيل معروف في رجال البخاري دون بن داود ولم أنكر لي هذه الرواية إلى الآن من طريق
واحد منهما وقد أخرجه الطبراني من رواية أبى الوليد وابن حبان من رواية هدبة وقاسم بن
أصبغ من رواية سليمان بن حرب كلهم عن مبارك وساق الحديث بتمامه إلا أن رواية هدبة
ليسفيها يخوف الله بهما عباده * (تنبيه) * وقع قوله تابعه أشعث في رواية كريمة عقب متابعة
موسى والصواب تقديمه لما بيناه من خلو رواية أشعث من قوله يخوف الله بهما عباده (قوله
يخوف) فيه رد على من يزعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادى لا يتأخر ولا يتقدم إذ لو كان
444

كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف ويصير بمنزلة الجزر والمد في البحر وقد رد ذلك عليهم ابن العربي
وغير واحد من أهل العلم بما في حديث أبي موسى الآتي حيث قال فقام فزعا يخشى أن تكون
الساعة قالوا فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع ولو كان بالحساب لم يكن للأمر بالعتق
والصدقة والصلاة والذكر معنى فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف وأن كل ما ذكر من
الطاعة يرجى أن يدفع به ما يخشى من أثر ذلك الكسوف ومما نقض ابن العربي وغيره
أنهم يزعمون أن الشمس لا تنكسف على الحقيقة وإنما يحول القمر بينها وبين أهل الأرض عند
اجتماعهما في العقدتين فقال هم يزعمون أن الشمس أضعاف القمر في الجرم فكيف يحجب
الصغير الكبير إذا قابله أم كيف يظلم الكثير بالقليل ولا سيما وهو من جنسه وكيف تحجب الأرض
نور الشمس وهي في زاوية منها لأنهم يزعمون أن الشمس أكبر من الأرض بتسعين ضعفا وقد وقع
في حديث النعمان بن بشير وغيره للكسوف سبب آخر غير ما يزعمه أهل الهيئة وهو ما أخرجه
أحمد والنسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة والحاكم بلفظ أن الشمس والقمر لا ينكسفان
لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله وان الله إذا تجلى لشئ من خلقه خشع له وقد
استشكل الغزالي هذه الزيادة وقال أنها لم تثبت فيجب تكذيب ناقلها قال ولو صحت لكان
تأويلها أهون من مكابرة أمور قطعية لا تصادم أصلا من أصول خالف قال بن بزيزة هذا عجب
منه كيف يسلم دعوى الفلاسفة ويزعم أنها لا تصادم خالف مع أنها مبنية على أن العالم كرى
الشكل وظاهر الشرع يعطي خلاف ذلك ك والثابت من قواعد خالف أن الكسوف أثر
الإرادة القديمة وفعل الفاعل المختار فيخلق في هذين الجرمين النور متى شاء والظلمة متى شاء من
غير توقف على سبب أو ربط باقتراب والحديث الذي رده الغزالي قد أثبته غير واحد من أهل العلم
وهو ثابت من حيث المعنى أيضا لأن النورية والإضاءة من عالم الجمال الحسى فإذا تجلت صفة
الجلال انطمست الأنوار لهيبته ويؤيده قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا الله ويؤيد
هذا الحديث ما رويناه عن طاوس أنه نظر إلى الشمس وقد انكسفت فبكى حتى كاد أن يموت
وقال هي أخوف لله منا وقال بن دقيق العيد ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب
ينافي قوله يخوف الله بهما عباده وليس بشئ لأن لله أفعالا على حسب العادة وأفعالا خارجة
عن ذلك وقدرته حاكمة على كل سبب فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن
بعض وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة وأنه يفعل ما يشاء
إذا وقع شئ غريب حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد وذلك لا يمنع أن يكون هناك
أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب إن كان
حقا في نفس الأمر لا ينافي كون ذلك مخوفا لعباد الله تعالى (قوله باب التعوذ
من عذاب القبر في الكسوف) قال ابن المنير في الحاشية مناسبة التعوذ عند الكسوف أن ظلمة
النهار بالكسوف تشابه ظلمة القبر وإن كان نهارا والشئ بالشئ يذكر فيخاف من هذا كما يخاف
من هذا فيحصل الاتعاظ بهذا في التمسك بما ينجى من غائلة الآخرة ثم ساق المصنف حديث
عائشة من رواية عمرة عنها وإسناده كله مدنيون (قوله عائذا بالله من ذلك) قال ابن السيد هو
منصوب على المصدر الذي يجئ على مثال فاعل كقولهم عوفي عافية أو على الحال المؤكدة
445

النائبة مناب المصدر والعامل فيه محذوف كأنه قال أعوذ بالله عائذا ولم يذكر الفعل لأن الحال
نائبة عنه وروى بالرفع أي أنا عائذ وكأن ذلك كان قبل أن يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على
عذاب القبر كما سيأتي البحث فيه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى (قوله بين ظهراني) بفتح الظاء
المعجمة والنون على التثنية والحجر بضم المهملة وفتح الجيم جمع حجرة بسكون الجيم قيل المراد بين ظهر
الحجر والنون والياء زائدتان وقيل بل الكلمة كلها زائدة والمراد بالحجر بيوت أزواج النبي صلى
الله عليه وسلم (قوله وانصرف فقال ما شاء الله أن يقول) تقدم بيانه في رواية عروة وأنه خطب
وأمر بالصلاة والصدقة والذكر وغير ذلك (قوله باب المريض السجود في
الكسوف) أشار بهذه الترجمة إلى الرد على ما أنكره واستدل بعض المالكية على ترك
إطالته بان الذي شرع فيه الطويل شرع تكراره كالقيام والركوع ولم تشرع الزيادة في
السجود فلا يشرع تطويله وهو قياس في مقابلة النص كما سيأتي بيانه فهو فاسد الاعتبار وأبدى
بعضهم في مناسبة التطويل في القيام والركوع دون السجود أن القائم والراكع يمكنه رؤية
الانجلاء بخلاف الساجد فإن الآية علوية فناسب المريض القيام لها بخلاف السجود ولأن في
تطويل السجود استرخاء الأعضاء فقد يفضى إلى النوم وكل هذا مردود بثبوت الأحاديث
الصحيحة في تطويله ثم أورد المصنف حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من طريق يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة عنه وقد تقدم من وجه آخر مختصرا ووقع في رواية الكشميهني عبد الله بن عمر
بضم أوله وفتح الميم بلا واو وهو وهم (قوله ركعتين في سجدة) المراد بالسجدة هنا الركعة بتمامها
وبالركعتين الركوعان وهو موافق لروايتي عائشة وابن عباس المتقدمتين في أن في كل ركعة
ركوعين وسجودين ولو ترك على ظاهره لاستلزم تثنية الركوع وإفراد السجود ولم يصر إليه أحد
فتعين تأويله (قوله ثم جلس ثم جلى عن الشمس) أي بين جلوسه في التشهد والسلام فتبين قوله في
حديث عائشة ثم انصرف وقد تجلت الشمس (قوله قال وقالت عائشة) القائل هو أبو سلمة في
نقدي ويحتمل أن يكون عبد الله بن عمر فيكون من رواية صحابي عن صحابية ووهم من زعم أنه
معلق فقد أخرجه مسلم وابن خزيمة وغيرهما من رواية أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو وفيه قول
عائشة هذا (قوله ما سجدت سجودا قط كان أطول منها) كذا فيه وفي رواية غيره منه أي من
السجود المذكور زاد مسلم فيه ولا ركعت ركوعا قط كان أطول منه وتقدم في رواية عروة عن
عائشة بلفظ ثم سجد فأطال السجود وفي أوائل صفة الصلاة من حديث أسماء بنت أبي بكر مثله
وللنسائي من وجه آخر عن عبيد الله بن عمرو بلفظ ثم رفع رأسه فسجد وأطال السجود ونحوه
عنده عن أبي هريرة وللشيخين من حديث أبي موسى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط ولأبي
داود والنسائي من حديث سمرة كأطول ما سجد بنا في صلاة وكل هذه الأحاديث ظاهرة في أن
السجود في الكسوف يطول كما يطول القيام والركوع وأبدى بعض المالكية فيه بحثا فقال
لا يلزم من كونه أطال أن يكون بلغ به حد الإطالة في الركوع وكأنه غفل عما رواه مسلم في
حديث جابر بلفظ وسجوده نحو من ركوعه وهذا مذهب أحمد وإسحق وأحد قولي الشافعي
وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه واختاره ابن سريج ثم النووي وتعقبه صاحب المهذب
بأنه لم ينقل في خبر ولم يقل به الشافعي اه ورد عليه في الأمرين معا فإن الشافعي نص عليه في
446

البويطي ولفظه ثم يسجد سجدتين طويلتين يقيم في كل سجدة نحوا مما قام في ركوعه
* (تنبيه) * وقع في حديث جابر الذي أشرت إليه عند مسلم تطويل الاعتدال الذي يليه السجود
ولفظه ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال ثم سجد وقال النووي هي رواية شاذة مخالفة فلا يعمل بها أو
المراد زيادة الطمأنينة في الاعتدال لا إطالته نحو الركوع وتعقب بما رواه النسائي وابن خزيمة
وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو أيضا ففيه ثم ركع فأطال حتى قيل لا يرفع ثم رفع فأطال
حتى قيل لا يسجد ثم سجد فأطال حتى قيل لا يرفع ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل
لا يسجد ثم سجد لفظ ابن خزيمة من طريق الثوري عن عطاء بن السائب عن أبيه عنه والثوري
سمع من عطاء قبل الاختلاط فالحديث صحيح ولم أقف في شئ من الطرق على تطويل الجلوس بين
السجدتين إلا في هذا وقد نقل الغزالي الاتفاق على ترك إطالته فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا
كلام وإلا فهو محجوج بهذه الرواية (قوله باب صلاة الكسوف جماعة) أي
وإن لم يحضر الإمام الراتب فيؤم لهم بعضهم وبه قال الجمهور وعن الثوري إن لم يحضر الإمام
صلوا فرادى (قوله وصلى لهم ابن عباس في صفة زمزم) وصله الشافعي وسعيد بن منصور جميعا
عن سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول سمعت طاوسا يقول كسفت الشمس فصلى بنا ابن
عباس في صفة زمزم ست ركعات في أربع سجدات وهذا موقوف صحيح إلا أن ابن عيينة
خولف فيه رواه ابن جريج عن سليمان فقال ركعتين في كل ركعة أربع ركعات أخرجه عبد
الرزاق عنه وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن غندر عن ابن جريج لكن قال سجدات بدل ركعات
وهو وهم من غندر وروى عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال
رأيت ابن عباس صلى على ظهر زمزم في كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركعتين (قوله في
صفة زمزم) كذا للأكثر بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء وهي معروفة وقال الأزهري الصفة
موضع بهو مظلل وفي نسخة الصغاني بضاد معجمة مفتوحة ومكسورة وهي جانب النهر ولا معنى
لها هنا إلا بطريق التجوز (قوله وجمع علي بن عبد الله بن عباس) لم أقف على أثره هذا موصولا
(قوله وصلى ابن عمر) يحتمل أن يكون بقية أثر على المذكور وقد أخرج بن أبي شيبة معناه عن ابن
عمر (قوله عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس) كذا في الموطأ وفي جميع من أخرجه من طريق
مالك ووقع في رواية اللؤلؤي في سنن أبي داود عن أبي هريرة بدل ابن عباس وهو غلط (قوله ثم
سجد) أي سجدتين (قوله ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول) فيه أن الركعة الثانية
أقصر من الأولى وسيأتي ذلك في باب مفرد (قوله قالوا يا رسول الله) في حديث جابر عند أحمد
بإسناد حسن فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب شيئا صنعته في الصلاة لم تكن تصنعه فذكر نحو
حديث ابن عباس إلا أن في حديث جابر أن ذلك كان في الظهر أو العصر فإن كان محفوظا فهي
قصة أخرى ولعلها القصة التي حكاها أنس وذكر أنها وقعت في صلاة الظهر وقد تقدم سياقه في
باب وقت الظهر إذا زالت الشمس من كتاب المواقيت لكن فيه عرضت على الجنة والنار في
عرض هذا الحائط حسب وأما حديث جابر فهو شبيه بسياق بن عباس في ذكر العنقود وذكر
النساء والله أعلم (قوله رأيناك تناولت) كذا للأكثر بصيغة الماضي وفي رواية الكشميهني
تناول بصيغة المضارع بضم اللام وبحذف إحدى التاءين وأصله تتناول (قوله ثم رأيناك
447

كعكعت) في رواية الكشميهني تكعكعت بزيادة تاء في أوله ومعناه تأخرت يقال كع الرجل إذا
نكص على عقبيه قال الخطابي أصله تكععت فاستثقلوا اجتماع ثلاث عينات فأبدلوا من
أحدها حرفا مكررا ووقع في رواية مسلم ثم رأيناك كففت بفاءين خفيفتين (قوله أني رأيت
الجنة فتناولت منها عنقودا) ظاهره أنها رؤية عين فمنهم من حمله على أن الحجب كشفت له دونها
فرأها على حقيقتها وطويت المسافة بينهما حتى أمكنه أن يتناول منها وهذا أشبه بظاهر هذا
الخبر ويؤيده حديث أسماء الماضي في أوائل صفة الصلاة بلفظ دنت مني الجنة حتى لو اجترأت
عليها لجئتكم بقطف من قطافها ومنهم من حمله على أنها مثلت له في الحائط كما تنطبع الصورة في
المرآة فرأى جميع ما فيها ويؤيده حديث أنس الآتي في التوحيد لقد عرضت على الجنة والنار
آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلى وفي رواية لقد مثلت ولمسلم لقد صورت ولا يرد على هذا
الانطباع إنما هو في الأجسام الثقيلة لأنا نقول هو شرط عادي فيجوز أن تنخرق العادة خصوصا
للنبي صلى الله عليه وسلم لكن هذه قصة أخرى وقعت في صلاة الظهر ولا مانع أن يرى الجنة والنار
مرتين بل مرارا على صور مختلفة وأبعد من قال إن المراد بالرؤية رؤية العلم قال القرطبي
لا إحالة في إبقاء هذه الأمور على ظواهرها لا سيما على مذهب أهل السنة في أن الجنة والنار قد
خلقتا ووجدتا فيرجع إلى أن الله تعالى خلق لنبيه صلى الله عليه وسلم إدراكا خاصا به أدرك به
الجنة والنار على حقيقتهما (قوله ولو أصبته) في رواية مسلم ولو أخذته واستشكل مع قوله
تناولت وأجيب بحمل التناول على تكلف الأخذ لا حقيقة الأخذ وقيل المراد تناولت لنفسي
ولو أخذته لكم حكاه الكرماني وليس بجيد وقيل المراد بقوله تناولت أي وضعت يدي عليه
بحيث كنت قادرا على تحويله لكن لم يقدر لي قطفه ولو أصبته أي لو تمكنت من قطفه ويدل
عليه قوله في حديث عقبة بن عامر عند بن خزيمة أهوى بيده ليتناول شيئا وللمصنف في حديث
أسماء في أوائل الصلاة حتى لو اجترأت عليها وكأنه لم يؤذن له في ذلك فلم يجترئ عليه وقيل الإرادة
مقدرة أي أردت أن أتناول ثم لم أفعل ويؤيده حديث جابر عند مسلم ولقد مددت يدي وأنا أريد
أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي أن لا أفعل ومثله للمصنف من حديث عائشة كما سيأتي في
آخر الصلاة بلفظ حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت ت أتقدم ولعبد
الرزاق من طريق مرسلة أردت أن آخذ منها قطفا لأريكموه فلم يقدر ولأحمد من حديث جابر
فحيل بيني وبينه قال ابن بطال لم يأخذ العنقود لأنه من طعام الجنة وهو لا يفنى والدنيا فانية
لا يجوز أن يؤكل فيها ما لا يفنى وقيل لأنه لو رآه الناس لكان من إيمانهم بالشهادة لا بالغيب
فيخشى أن يقع رفع التوبة فلا ينفع نفسا إيمانها وقيل لأن الجنة جزاء الأعمال والجزاء بها لا يقع
إلا في الآخرة وحكى ابن العربي في قانون التأويل عن بعض شيوخه أنه قال معنى قوله لأكلتم
منه الخ أن يخلق في نفس الآكل مثل الذي أكل دائما بحيث لا يغيب عن ذوقه وتعقب بأنه رأى
فلسفي مبنى على أن دار الآخرة لا حقائق لها وإنما هي أمثال والحق أن ثمار الجنة لا مقطوعة
ولا ممنوعة وإذا قطعت خلقت في الحال فلا مانع أن يخلق الله مثل ذلك في الدنيا إذا شاء والفرق
بين الدارين في وجوب الدوام وجوازه * (فائدة) * بين سعيد بن منصور في روايته من وجه آخر
عن زيد بن أسلم أن التناول المذكور كان حين قيامه الثاني من الركعة الثانية (قوله وأريت
448

النار) في رواية غير أبي ذر ورأيت ووقع في رواية عبد الرزاق المذكورة أن رؤيته النار كانت
قبل رؤيته الجنة وذلك أنه قال فيه عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم النار فتأخر عن مصلاه
حتى أن الناس ليركب بعضهم بعضا وإذا رجع عرضت عليه الجنة فذهب يمشي حتى وقف في
مصلاه ولمسلم من حديث جابر لقد جئ بالنار حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها
وفيه ثم جئ بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت فمقامي وزاد فيه ما من شئ توعدونه إلا
قد رأيته في صلاتي هذه وفي حديث سمرة عند بن خزيمة لقد رأيت منذ قمت أصلى ما أنتم لاقون
في دنياكم وآخرتكم (قوله فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع) المراد باليوم الوقت الذي هو فيه أي
لم أر منظرا مثل منظر رأيته اليوم فحذف المرئي وأدخل التشبيه على اليوم لبشاعة ما رأى فيه
وبعده على المنظر المألوف وقيل الكاف اسم والتقدير ما رأيت مثل منظر هذا اليوم منظرا ووقع
في رواية المستملى والحموي فلم أنظر كاليوم قط أفظع (قوله ورأيت أكثر أهلها النساء) هذا يفسر
وقت الرؤية في قوله لهن في خطبة العيد تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار وقد مضى ذلك
في حديث أبي سعيد في كتاب الحيض وقد تقدم في العيد الإلمام بتسمية القائل أيكفرن (قوله
يكفرن بالله قال يكفرن العشير) كذا للجمهور عن مالك وكذا أخرجه مسلم من رواية حفص
ابن ميسرة عن زيد بن أسلم ووقع في موطأ يحيى بن يحيى الأندلسي قال ويكفرون العشير بزيادة واو
واتفقوا على أن زيادة الواو غلطة منه فإن كان المراد من تغليطه كونه خالف غيره من الرواة فهو
كذلك وأطلق على الشذوذ غلطا وإن كان المراد من تغليطه فساد المعنى فليس كذلك لأن
الجواب طابق السؤال وزاد وذلك أنه أطلق لفظ النساء فعم المؤمنة منهن والكافرة فلما قيل
يكفرن بالله فأجاب ويكفرن العشير الخ وكأنه قال نعم يقع منهن الكفر بالله وغيره لأن منهن من
يكفر بالله ومنهن من يكفر الإحسان وقال بن عبد البر وجه رواية يحيى أن يكون الجواب لم
يقع على وفق سؤال السائل لإحاطة العلم بأن من النساء من يكفر بالله فلم يحتج إلى جوابه لأن
المقصود في الحديث خلافه (قوله يكفرن العشير) قال الكرماني لم يعد كفر العشير بالباء كما عدي
الكفر بالله لأن كفر العشير لا يتضمن معنى الاعتراف (قوله ويكفرن الإحسان) كأنه بيان
لقوله يكفرن العشير لأن المقصود كفر احسان العشير لا كفر ذاته وتقدم تفسير العشير في كتاب
الإيمان والمراد بكفر الإحسان تغطيته أو جحده ويدل عليه آخر الحديث (قوله لو أحسنت إلى
إحداهن الدهر كله) بيان للتغطية المذكورة ولو هنا شرطية لا امتناعية قال الكرماني ويحتمل
أن تكون امتناعية بأن يكون الحكم ثابتا على النقيضين والطرف المسكوت عنه أولى من
المذكور والدهر منصوب على الظرفية والمراد منه مدة عمر الرجل أو الزمان كله مبالغة في
كفرانهن وليس المراد بقوله أحسنت مخاطبة رجل بعينه بل كل من يتأتى منه أن يكون
مخاطبا فهو خاص لفظا عام معنى (قوله شيئا) التنوين فيه للتقليل أي شيئا قليلا لا يوافق غرضها
من أي نوع كان ووقع في حديث جابر ما يدل على أن المرئي في النار من النساء من اتصف بصفات
ذميمة ذكرت ولفظه وأكثر من رأيت فيها من النساء اللاتي إن ائتمن أفشين وإن سئلن بخلن
وإن سألن ألحفن وإن أعطين لم يشكرن الحديث وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم
المبادرة إلى الطاعة عند رؤية ما يحذر منه البرقي البلاء بذكر الله وأنواع طاعته ومعجزة
449

ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه من نصح أمته وتعليمهم ما ينفعهم وتحذيرهم مما
يضرهم ومراجعة المتعلم للعالم فيما لا يدركه فهمه وجواز الاستفهام عن علة الحكم وبيان العالم
ما يحتاج إليه تلميذه وتحريم كفران الحقوق ووجوب شكر المنعم وفيه أن الجنة والنار مخلوقتان
موجودتان اليوم وجواز إطلاق الكفر على ما لا يخرج من الملة وتعذيب أهل التوحيد على
المعاصي وجواز العمل في الصلاة إذا لم يكثر (قوله باب صلاة النساء مع الرجال
في الكسوف) أشار بهذه الترجمة إلى رد قول من منع ذلك وقال يصلين فرادى وهو منقول عن
الثوري وبعض الكوفيين وفي المدونة تصلي المرأة في بيتها وتخرج المتجالة وعن الشافعي يخرج
الجميع إلا من كانت بارعة الجمال وقال القرطبي روى عن مالك أن الكسوف إنما يخاطب به من
يخاطب بالجمعة والمشهور عنه خلاف ذلك وهو إلحاق المصلي في حقهن بحكم المسجد (قوله عن
أسماء بنت أبي بكر) هي جدة فاطمة وهشام لأبويهما (قوله فأشارت أي نعم) وفي رواية
الكشميهني أن نعم بنون بدل التحتانية وقد تقدمت فوائده في باب من أجاب الفتيا بالإشارة من
كتاب العلم وفي باب من لم يتوضأ الا من الغشي المثقل من كتاب الطهارة ويأتي الكلام على
ما يتعلق بالقبر في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى قال الزين بن المنير استدل به ابن بطال على جواز
خروج النساء إلى المسجد لصلاة الكسوف وفيه نظر لأن أسماء إنما صلت في حجرة عائشة لكن
يمكنه أن يتمسك بما ورد في بعض طرقه أن نساء غير أسماء كن بعيدات عنها فعلى هذا فقد كن في
مؤخر المسجد كما جرت عادتهن في سائر الصلوات (قوله باب من أحب العتاقة)
بفتح العين المهملة (في كسوف الشمس) قيده أتباعا للسبب الذي ورد فيه لأن أسماء لما روت
قصة كسوف الشمس وهذا طرف منه إما أن يكون هشام حدث به هكذا فسمعه منه زائدة أو
يكون زائدة اختصره والأول أرجح فسيأتي في كتاب العتق من طريق عثام بن علي عن هشام
بلفظ كنا نؤمر عند الخسوف بالعتاقة (قوله لقد أمر) في رواية معاوية بن عمرو عن زائدة عند
الإسماعيلي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم (قوله باب صلاة
الكسوف في المسجد) أورد فيه حديث عائشة من رواية عمرة عنها وقد تقدم قبل أربعة أبواب
450

من هذا الوجه ولم يقع فيه التصريح بكونها في المسجد لكنه يؤخذ من قولها فيه فمر بين ظهراني
الحجر لأن الحجر بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت لاصقة بالمسجد وقد وقع التصريح
بذلك في رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عمرة عند مسلم ولفظه فخرجت في نسوة بين
ظهراني الحجر في المسجد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم من مركبه حتى أتى إلى مصلاه الذي كان
يصلي فيه الحديث والمركب الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه بسبب موت ابنه إبراهيم
كما تقدم في الباب الأول فلما رجع صلى الله عليه وسلم أتى المسجد ولم يصلها ظاهرا وصح أن السنة
في صلاة الكسوف أن تصلى في المسجد ولولا ذلك لكانت صلاتها في الصحراء أجدر برؤية
الانجلاء والله أعلم (قوله باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته) تقدم
الكلام على ذلك مبسوطا في الباب الأول (قوله رواه أبو بكرة والمغيرة) تقدم حديثهما فيه
(قوله وأبو موسى) سيأتي حديثه في الباب الذي يليه (قوله وابن عباس) تقدم حديثه قبل ثلاثة
أبواب (قوله وابن عمر) تقدم حديثه في الباب الأول وقد ذكر المصنف في الباب أيضا حديث ابن
مسعود وفيه ذلك وقد تقدم في الباب الأول أيضا من وجه آخر وكذا حديث عائشة وفي الباب
ما لم يذكره عن جابر عند مسلم وعن عبد الله بن عمرو والنعمان بن بشير وقبيصة وأبي هريرة كلها
عند النسائي وغيره وعن بن مسعود وسمرة بن جندب ومحمود بن لبيد كلها عند أحمد وغيره وعن
عقبة بن عامر وبلال عند الطبراني وغيره فهذه عدة طرق غالبها على شرط الصحة وهي تفيد القطع
عند من اطلع عليها من أهل الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيجب تكذيب من زعم
أن الكسوف علامة على موت أحد أو حياة أحد (قوله معمر عن الزهري وهشام) ساقه على
لفظ الزهري وقد تقدمت رواية هشام مفردة في الباب الثاني وتقدم الكلام عليه هناك وبين
عبد الرزاق عن معمر أن في رواية هشام من الزيادة فتصدقوا وقد تقدم ذلك أيضا (قوله
باب الذكر في الكسوف رواه ابن عباس) أي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد
تقدم حديثه بلفظ فاذكروا الله (قوله فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا) بكسر الزاي
صفة مشبهة ويجوز الفتح على أنه الحدود بمعنى الصفة (قوله يخشى أن تكون الساعة) بالضم
على أن كان تامة أي يخشى أن تحضر الساعة أو ناقصة والساعة اسمها والخبر محذوف أو العكس
قيل وفيه جواز الإخبار بما يوجبه الظن من شاهد الحال لأن سبب الفزع يخفى عن المشاهد
لصورة الفزع فيحتمل أن يكون الفزع لغير ما ذكر فعلى هذا فيشكل هذا الحديث من حيث أن
للساعة مقدمات كثيرة لم تكن وقعت كفتح البلاد واستخلاف الخلفاء وخروج الخوارج ثم
الأشراط كطلوع الشمس من مغربها والدابة والدجال والدخان وغير ذلك ويجاب عن هذا
باحتمال أن تكون قصة الكسوف وقعت قبل إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العلامات
أو لعله خشي أن يكون ذلك بعض المقدمات أو أن الراوي ظن أن الخشية لذلك وكانت لغيره
كعقوبة تحدث كما كان يخشى عند هبوب الريح هذا حاصل ما ذكره النووي تبعا لغيره وزاد
بعضهم أن المراد بالساعة غير يوم القيامة أي الساعة التي جعلت علامة على أمر من الأمور
451

كموته صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك وفي الأول نظر لأن قصة الكسوف متأخرة جدا فقد تقدم
أن موت إبراهيم كان في العاشرة كما اتفق عليه أهل الأخبار وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم
بكثير من الأشراط والحوادث قبل ذلك وأما الثالث فتحسين الظن بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم
بذلك إلا بتوقيف وأما الرابع فلا يخفى بعده واقربها الثاني فلعله خشي أن يكون الكسوف
مقدمة لبعض الأشراط كطلوع الشمس من مغربها ولا يستحيل أن يتخلل بين الكسوف والطلوع
المذكور أشياء مما ذكر وتقع متتالية بعضها إثر بعض مع استحضار قوله تعالى وما أمر الساعة
إلا كلمح البصر أو هو أقرب ثم ظهر لي أنه يحتمل أن يخرج على مسألة دخول النسخ في الأخبار
فإذا قيل بجواز ذلك زال الإشكال وقيل لعله قدر وقوع الممكن لولا ما أعلمه الله تعالى بأنه لا يقع
قبل الأشراط تعظيما منه لأمر الكسوف ليتبين لمن يقع له من أمته ذلك كيف يخشى ويفزع
لا سيما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط أو أكثرها وقيل لعل حالة استحضار إمكان القدرة
غلبت على استحضار ما تقدم من الشروط لاحتمال أن تكون تلك الأشراط كانت مشروطة
بشرط لم يتقدم ذكره فيقع المخوف بغير أشراط لفقد الشرط والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله هذه
الآيات التي يرسل الله) ثم قال (ولكن يخوف الله بها عباده) موافق لقوله تعالى وما نرسل
بالآيات إلا تخويفا وموافق لما تقدم تقريره في الباب الأول واستدل بذلك على أن الأمر
بالمبادرة إلى الذكر والدعاء والاستغفار وغير ذلك لا يختص بالكسوفين لأن الآيات أعم من
ذلك وقد تقدم القول في ذلك في أواخر الاستسقاء ولم يقع في الرواية ذكر الصلاة فلا حجة
فيه لمن استحبها عند كل آية (قوله إلى ذكر الله) في رواية الكشميهني إلى ذكره والضمير يعود
على الله في قوله يخوف الله بها عباده وفيه الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره لأنه
مما يدفع به البلاء (قوله باب الدعاء في الكسوف) في رواية كريمة وأبي
الوقت في الخسوف (قوله قاله أبو موسى وعائشة) يشير إلى حديث أبي موسى الذي قبله وأما
حديث عائشة فوقع الأمر فيه بالدعاء من طريق هشام عن أبيه وهو في الباب الثاني وورد
الأمر بالدعاء أيضا من حديث أبي بكرة وغيره ومنهم من حمل الذكر والدعاء على الصلاة
لكونهما من أجزائها والأول أولى لأنه جمع بينهما في حديث أبي بكرة حيث قال فصلوا
وادعوا ووقع في حديث ابن عباس عند سعيد بن منصور فاذكروا الله وكبروه وسبحوه
وهللوه وهو من عطف الخاص على العام وقد تقدم الكلام على حديث المغيرة في الباب الأول
(قوله باب قول الإمام في خطبة الكسوف أما بعد) ذكر فيه حديث أسماء
مختصرا معلقا فقال وقال أبو أسامة وقد تقدم مطولا من هذا الوجه في كتاب الجمعة ووقع فيه
هنا في رواية أبي علي بن السكن وهم نبه عليه أبو علي الجياني وذلك أنه أدخل بين هشام وفاطمة
بنت المنذر عروة بن الزبير والصواب حذفه (قلت) لعله كان عنده هشام بن عروة بن الزبير
فتصحفت بن فصارت عن وذلك من الناسخ وإلا فابن السكن من الحفاظ الكبار وفيه تأييد لمن
استحب لصلاة الكسوف خطبة كما تقدم في بابه (قوله باب الصلاة في كسوف
القمر) أورد فيه حديث أبي بكرة من وجهين مختصرا ومطولا واعترض عليه بأن المختصر ليس
452

فيه ذكر القمر لا بالتنصيص ولا بالاحتمال والجواب أنه أراد أن يبين أن المختصر بعض الحديث
المطول وأما المطول فيؤخذ المقصود من قوله وإذا كان ذلك فصلوا بعد قوله أن الشمس والقمر
وقد وقع في بعض طرقه ما هو أصرح من ذلك فعند بن حبان من طريق نوح بن قيس عن يونس
ابن عبيد في هذا الحديث فإذا رأيتم شيئا من ذلك وعنده في حديث عبد الله بن عمرو فإذا انكسف
أحدهما وقد تقدم حديث أبي مسعود بلفظ كسوف أيهما انكسف وفي ذلك رد على من قال
لا تندب الجماعة في كسوف القمر وفرق بوجود المشقة في الليل غالبا دون النهار ووقع عند ابن
حبان من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف القمر ولفظه من طريق النضر بن شميل
عن أشعث شوال في هذا الحديث صلى في كسوف الشمس والقمر ركعتين مثل صلاتكم
وأخرجه الدارقطني أيضا وفي هذا رد على من أطلق كابن رشيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل فيه
ومنهم من أول قوله صلى أي أمر بالصلاة جمعا بين الكلب وقال صاحب الهدى لم ينقل أنه صلى
في كسوف القمر في جماعة لكن حكى بن حبان في السيرة له أن القمر خسف في السنة الخامسة
فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الكسوف وكانت أول صلاة كسوف في الإسلام
وهذا إن ثبت انتفى التأويل المذكور وقد جزم به مغلطاي في سيرته المختصرة وتبعه شيخنا في
نظمها * (تنبيه) * حكى ابن التين أنه وقع في رواية الأصيلي في حديث أبي بكرة هذا انكسف القمر
بدل الشمس وهذا تغيير لا معنى له وكأنه عسرت عليه مطابقة الحديث للترجمة فظن أن يسير مغير
فغيره هو إلى ما ظنه صوابا وليس كذلك (قوله باب الركعة الأولى في الكسوف
أطول) كذا وقع هنا للحموي وللكشميهني ووقع بدله للمستملي باب صب المرأة على رأسها الماء إذا
أطال الإمام القيام في الركعة الأولى قال ابن رشيد وقع في هذا الموضع تخليط من الرواة
وحديث عائشة المذكور مطابق للترجمة الأولى قطعا وأما الثانية فحقها أن تذكر في موضع
آخر وكأن المصنف ترجم بها وأخلى بياضا ليذكر لها حديثا أو طريقا كما جرت عادته فلم يحصل
غرضه فضم بعض الكتابة إلى بعض فنشأ هذا والأليق بها حديث أسماء المذكور قبل سبعة
أبواب فهو نص فيه انتهى ويؤيد ما ذكره ما وقع في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري فإنه
ذكر باب صب المرأة أولا وقال في الحاشية ليس فيه حديث ثم ذكر باب الركعة الأولى أطول
وأورد فيه حديث عائشة وكذا صنع الإسماعيلي في مستخرج فعلى هذا فالذي وقع من صنيع
شيوخ أبي ذر من اقتصار بعضهم على إحدى الترجمتين ليس بجيد أما من اقتصر على الأولى
وهو المستملى فخطأ محض إذ لا تعلق لها بحديث ث عائشة وأما الآخران فمن حيث أنهما حذفا
الترجمة أصلا وكأنهما استشكلاها فحذفاها ولهذا حذفت من رواية كريمة أيضا عن
الكشميهني وكذا من رواية الأكثر (قوله حدثنا أبو أحمد) هو الزبيري وسفيان هو الثوري
وهذا المتن طرف من الحديث الطويل الماضي في باب صلاة الكسوف في المسجد وكأنه مختصر
منه بالمعنى فإنه قال فيه ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول وقال في هذا أربع ركعات
في سجدتين الأولى أطول وقد رواه الإسماعيلي بلفظ الأولى فالأولى أطول وفيه دليل لمن قال
أن القيام الأول من الركعة الثانية يكون دون القيام الثاني من الركعة الأولى وقد قال ابن
بطال إنه لا خلاف أن الركعة الأولى بقيامها وركوعيها تكون أطول من الركعة الثانية
453

بقيامها وركوعيها وقال النووي اتفقوا على أن القيام الثاني وركوعه فيهما أقصر من القيام
الأول وركوعه فيهما واختلفوا في القيام الأول من الثانية وركوعه هل هما أقصر من
القيام الثاني من الأولى وركوعه أو يكونان سواء قيل وسبب هذا الخلاف فهم معنى قوله
وهو دون القيام الأول هل المراد به الأول من الثانية أو يرجع إلى الجميع فيكون كل قيام دون
الذي قبله ورواية الإسماعيلي تعين هذا الثاني ويرجحه أيضا أنه لو كان المراد من قوله القيام
الأول أول قيام من الأولى فقط لكان القيام الثاني والثالث مسكوتا عن مقدارهما فالأول
أكثر فائدة والله أعلم (قوله باب الجهر بالقراءة في الكسوف) أي سواء كان
للشمس أو للقمر (قوله أخبرنا ابن نمر) بفتح النون وكسر الميم اسمه عبد الرحمن وهو دمشقي
وثقه ابن دحيم والذهلي وابن البرقي وآخرون وضعفه بن معين لأنه لم يرو عنه غير الوليد وليس له في
الصحيحين غير هذا الحديث وقد تابعه عليه الأوزاعي وغيره (قوله جهر النبي صلى الله عليه وسلم
في صلاة الخسوف بقراءته) استدل به على الجهر فيها بالنهار وحمله جماعة ممن لم ير بذلك على
كسوف القمر وليس بجيد لأن الإسماعيلي روى هذا الحديث من وجه آخر عن الوليد بلفظ
كسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وكذا رواية الأوزاعي
التي بعده صريحة في الشمس (قوله وقال الأوزاعي وغيره سمعت الزهري الخ) وصله مسلم عن
محمد بن مهران عن الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي وغيره فذكره وأعاد الإسناد إلى الوليد قال
أخبرنا عبد الرحمن بن نمر فذكره وزاد فيه مسلم طريق كثير بن عباس عن أخيه ولم يذكر قصة عبد
الله بن الزبير واستدل بعضهم على ضعف رواية عبد الرحمن بن نمر في الجهر بأن الأوزاعي لم يذكر
في روايته الجهر وهذا ضعيف لأن من ذكر حجة على من لم يذكر لا سيما والذي لم يذكره لم يتعرض
لنفيه وقد ثبت الجهر في رواية الأوزاعي عند أبي داود والحاكم من طريق الوليد بن مزيد عنه
ووافقه سليمان بن كثير وغيره كما ترى (قوله قال أجل) أي نعم وزنا ومعنى وفي رواية
الكشميهني من أجل بسكون الجيم وعلى الأول فقوله أنه أخطأ بكسر همزة إنه وعلى الثاني بفتحها
(قوله تابعه سليمان بن كثير وسفيان بن حسين عن الزهري في الجهر) يعني بإسناد المذكور ورواية
سليمان وصلها أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عنه بلفظ خسفت الشمس على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكبر ثم كبر الناس ثم قرأ فجهر بالقراءة الحديث
ورويناه في مسند أبي داود الطيالسي عن سليمان بن كثير بهذا الإسناد مختصرا أن النبي صلى
الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الكسوف وأما رواية سفيان بن حسين فوصلها الترمذي
والطحاوي بلفظ صلى صلاة الكسوف وجهر بالقراءة فيها وقد تابعهم على ذكر الجهر عن
الزهري عقيل عند الطحاوي وإسحاق بن راشد عند الدارقطني وهذه طرق يعضد بعضها بعضا
يفيد مجموعها الجزم بذلك فلا معنى لتعليل من أعله بتضعيف سفيان بن حسين وغيره فلو لم يرد في
ذلك إلا رواية الأوزاعي لكانت كافية وقد ورد الجهر فيها عن علي مرفوعا وموقوفا أخرجه
ابن خزيمة وغيره وقال به صاحبا أبي حنيفة وأحمد وإسحق بن خزيمة وابن المنذر وغيرهما
محدثي الشافعية وابن العربي من المالكية وقال الطبري يخير بين الجهر والاسرار وقال الأئمة
الثلاثة يسر في الشمس ويجهر في القمر واحتج الشافعي بقول ابن عباس قرأ نحوا من سورة
454

البقرة لأنه لو جهر لم يحتج إلى تقدير وتعقب باحتمال أن يكون بعيدا منه لكن ذكر الشافعي
تعليقا عن ابن عباس أنه صلى بجنب النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف فلم يسمع منه حرفا
ووصله البيهقي من ثلاثة طرق أسانيدها واهية وعلى تقدير صحتها فمثبت الجهر معه قدر زائد
فالأخذ به أولى وأن ثبت التعدد فيكون فعل ذلك لبيان الجواز وهكذا الجواب عن حديث سمرة
عند ابن خزيمة والترمذي لم يسمع له صوتا وأنه إن ثبت لا يدل على نفى الجهر قال ابن العربي الجهر
عندي أولى لأنها صلاة جامعة ينادى لها ويخطب فأشبهت العيد والاستسقاء والله أعلم
* (خاتمة) * اشتملت أبواب الكسوف على أربعين حديثا نصفها موصول ونصفها معلق المكرر
منها فيه وفيما مضى اثنان وثلاثون والخالص ثمانية وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث
أبي بكرة وحديث أسماء في العتاقة ورواية عمرة عن عائشة الأولى أطول لكنه أخرج أصله
وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين خمسة آثار فيها أثر عبد الله بن الزبير وفيها أثر عروة
في تخطئته هما موصولان
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (قوله أبواب سجود القرآن) *
كذا للمستملي ولغيره باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها أي سنة سجود التلاوة وللأصيلي وسنته
وسيأتي ذكر من قال بوجوبها في آخر الأبواب وسقطت البسملة لأبي ذر وقد أجمع العلماء على
أنه يسجد وفي عشرة مواضع وهي متوالية إلا ثانية الحج وص وأضاف مالك ص فقط والشافعي
في القديم ثانية الحج فقط وفي الجديد هي وما في المفصل وهو قول عطاء وعن أحمد مثله في رواية
وفي أخرى مشهورة زيادة ص وهو قول الليث وإسحق وابن وهب وابن حبيب من المالكية وابن
المنذر وابن سريج من الشافعية وعن أبي حنيفة مثله لكن نفى ثانية الحج وهو قول داود ووراء
ذلك أقوال أخرى منها عن عطاء الخراساني الجميع إلا ثانية الحج والانشقاق وقيل باسقاطهما
وإسقاط ص أيضا وقيل الجميع مشروع ولكن العزائم الأعراف وسبحان وثلاث المفصل روى
عن بن مسعود وعن ابن عباس ألم تنزيل وحم تنزيل والنجم وأقرأ وعن سعيد بن جبير مثله
بإسقاط اقرأ وعن عبيد بن عمير مثله لكن بإسقاط النجم وإثبات الأعراف وسبحان وعن علي
ما ورد الأمر فيه بالسجود عزيمة وقيل يشرع السجود عند كل لفظ وقع فيه الأمر بالسجود
أو الحث عليه والثناء على فاعله أو سيق مساق المدح وهذا يبلغ عددا كثيرا وقد أشار إليه أبو محمد
ابن الخشاب في قصيدته الا لغازية (قوله سمعت الأسود) هو ابن يزيد وعبد الله هو ابن مسعود
(قوله وسجد من معه غير شيخ) سماه في تفسير سورة النجم من طريق إسرائيل عن أبي إسحق
أمية بن خلف ووقع في سيرة بن إسحاق أنه الوليد بن المغيرة وفيه نظر لأنه لم يقتل وفي تفسير سند
الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة بالشك وفيه نظر لما أخرجه الطبراني من حديث مخرمة بن
نوفل قال لما أظهر النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام أسلم أهل مكة حتى أنه كان ليقرأ السجدة
فيسجدون فلا يقدر بعضهم أن يسجد من الزحام حتى قدم رؤساء قريش الوليد بن المغيرة وأبو
جهل وغيرهما وكانوا بالطائف فرجعوا وقالوا تدعون دين آبائكم لكن في ثبوت هذا نظر لقول
455

أبي سفيان في الحديث الطويل إنه لم يرتد أحد ممن أسلم ويمكن أن يجمع بان النفي مقيد بمن ارتد
سخطا لا بسبب مراعاة خاطر رؤسائه وروى الطبري من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير أن
الذي رفع التراب فسجد عليه هو سعيد بن العاص بن أمية أبو أحيحة وتبعه النحاس وذكر أبو
حيان شيخ شيوخنا في تفسيره أنه أبو لهب ولم يذكر مستنده وفي مصنف بن أبي شيبة عن أبي
هريرة سجدوا في النجم إلا رجلين من قريش أرادا بذلك الشهرة وللنسائي من حديث المطلب بن
أبي وداعة قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم النجم فسجد وسجد من معه فرفعت رأسي وأبيت
أن أسجد ولم يكن المطلب يومئذ أسلم ومهما ثبت من ذلك فلعل بن مسعود لم يره أو خص واحدا
بذكره لاختصاصه بأخذه الكف من التراب دون غيره وأفاد المصنف في رواية إسرائيل أن النجم
أول سورة أنزلت فيها سجدة وهذا هو السر في بداءة المصنف في هذه الأبواب بهذا الحديث
واستشكل بأن اقرأ باسم ربك أول السور نزولا وفيها أيضا سجدة فهي سابقة على النجم وأجيب
بأن السابق من اقرأ أوائلها وأما بقيتها فنزل بعد ذلك بدليل قصة أبي جهل في نهيه للنبي صلى الله
عليه وسلم عن الصلاة أو الأولية مقيدة بشئ محذوف بينته رواية زكريا بن أبي زائدة عن أبي
إسحق عند بن مردويه بلفظ أن أول سورة استعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم وله
من رواية عبد الكبير بن دينار عن أبي إسحق أول سورة تلاها على المشركين فذكره فيجمع بين
الروايات الثلاث بأن المراد أول سورة فيها سجدة تلاها جهرا على المشركين وسيأتي بقية الكلام
عليه في تفسير سورة النجم إن شاء الله تعالى (قوله باب سجدة تنزيل السجدة)
قال ابن بطال اجمعوا على السجود فيها وإنما اختلفوا في السجود بها في الصلاة انتهى وقد تقدم
الكلام على ذلك وعلى حديث أبي هريرة المذكور في الباب في كتاب الجمعة مستوفى (قوله
باب سجدة ص) أورد فيه حديث ابن عباس ص ليس من عزائم السجود يعني
السجود في ص إلى آخره والمراد بالعزائم ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثل بناء على أن
بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب وقد روى ابن المنذر وغيره عن علي
ابن أبي طالب بإسناد حسن أن العزائم حم والنجم وأقرأ وألم تنزيل وكذا ثبت عن ابن عباس في
الثلاثة الأخر وقيل الأعراف وسبحان وحم وألم أخرجه بن أبي شيبة (قوله وقد رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها) وقع في تفسير ص عند المصنف من طريق مجاهد قال سألت
ابن عباس من أين سجدت في ص ولابن خزيمة من هذا الوجه من أين أخذت سجدة ص ثم اتفقا
فقال ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله فبهداهم اقتده ففي هذا أنه استنبط مشروعية السجود فيها
من الآية وفي الأول أنه أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا تعارض بينهما لاحتمال أن يكون
استفاده من الطريقين وقد وقع في أحاديث الأنبياء من طريق مجاهد في آخره فقال ابن عباس
نبيكم ممن أمر أن يقتدى بهم فاستنبط وجه سجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها من الآية وسبب
ذلك كون السجدة التي في ص إنما وردت بلفظ الركوع فلولا التوقيف ما ظهر أن فيها سجدة
وفي النسائي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا سجدها داود توبة ونحن نسجدها
شكرا فاستدل الشافعي بقوله شكرا على أنه لا يسجد فيها في الصلاة لأن سجود الشاكر لا يشرع
داخل الصلاة ولأبي داود وابن خزيمة والحاكم من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم
456

قرأ وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه ثم قرأها في يوم آخر فتهيأ الناس
للسجود فقال إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تهيأتم فنزل وسجد وسجدوا معه فهذا السياق
يشعر بأن السجود فيها لم يؤكد كما أكد في غيرها واستدل بعض الحنفية من مشروعية السجود
عند قوله وخر راكعا وأناب بأن الركوع عندها ينوب عن السجود فإن شاء المصلي ركع
بها وإن شاء سجد ثم طرده في جميع سجدات التلاوة وبه قال ابن مسعود (قوله
باب سجدة النجم قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم) يأتي موصولا في الذي
يليه والكلام على حديث بن مسعود يأتي في التفسير إن شاء الله تعالى واستدل به على أن من
وضع جبهته على كفه ونحوه لا يعد ساجدا حتى يضعها بالأرض وفيه نظر (قوله
باب سجود المسلمين مع المشركين والمشرك نجس ليس له وضوء) قال ابن التين
روينا قوله نجس بفتح النون والجيم ويجوز كسرها وقال الفراء تسكن الجيم إذا ذكرت
اتباعا في قولهم رجس نجس (قوله وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء) كذا للأكثر وفي
رواية الأصيلي بحذف غير والأول أولى فقد روى ابن أبي شيبة من طريق عبيد بن الحسن
عن رجل زعم أنه كنفسه عن سعيد بن جبير قال كان ابن عمر ينزل عن راحلته فيهريق
الماء ثم يركب فيقرأ السجدة فيسجد وما يتوضأ وأما ما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن الليث عن
نافع عن ابن عمر قال لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر فيجمع بينهما بأنه أراد بقوله طاهر الطهارة
الكبرى أو الثاني على حالة الاختيار والأول على الضرورة وقد اعترض ابن بطال على هذه
الترجمة فقال إن أراد البخاري الاحتجاج لابن عمر بسجود المشركين فلا حجة فيه لأن سجودهم لم
يكن على وجه العبادة وإنما كان لما ألقى الشيطان إلى آخر كلامه قال وإن أراد الرد علي ابن عمر
بقوله والمشرك نجس فهو أشبه بالصواب وأجاب بن رشيد بأن مقصود البخاري تأكيد
مشروعية السجود لأن المشرك قد أقر على السجود وسمى الصحابي فعله سجودا مع عدم أهليته
فالمتأهل لذلك أحرى بأن يسجد على كل حالة ويؤيده أن في حديث بن مسعود أن الذي ما سجد
عوقب بأن قتل كافرا فلعل جميع من وفق للسجود يومئذ ختم له بالحسنى فأسلم لبركة السجود قال
ويحتمل أن يجمع بين الترجمة وأثر بن عمر بأنه يبعد في العادة أن يكون جميع من حضر من
المسلمين كانوا عند قراءة الآية على وضوء لأنهم لم يتأهبوا لذلك وإذا كان كذلك فمن بادر منهم إلى
السجود خوف الفوات بلا وضوء وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك استدل بذلك على
جواز السجود بلا وضوء عند وجود المشقة بالوضوء ويؤيده أن لفظ المتن وسجد معه المسلمون
والمشركون والجن والإنس فسوى ابن عباس في نسبة السجود بين الجميع وفيهم من لا يصح منه
الوضوء فيلزم أن يصح السجود ممن كان بوضوء وممن لم يكن بوضوء والله أعلم والقصة التي أشار إليها
سيحصل لنا إلمام بشئ منها في تفسير سورة الحج إن شاء الله تعالى * (فائدة) * لم يوافق ابن عمر أحد
على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح وأخرجه أيضا
بسند حسن عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأ السجدة ثم يسلم وهو على غير وضوء إلى غير
القبلة وهو يمشي يومئ ايماء (قوله سجد بالنجم) زاد الطبراني في الأوسط من هذا الوجه بمكة
فأفاد اتحاد قصة ابن عباس وابن مسعود (قوله والجن) كأن ابن عباس استند في ذلك إلى إخبار
457

النبي صلى الله عليه وسلم إما مشافهة له وإما بواسطة لأنه لم يحضر القصة لصغره وأيضا فهو من
الأمور التي لا يطلع الإنسان عليها إلا بتوقيف وتجويز أنه كشف له عن ذلك بعيد لأنه لم يحضرها
قطعا (قوله ورواه إبراهيم بن طهمان عن أيوب) يأتي الكلام عليه في تفسير سورة النجم
(قوله باب من قرأ السجدة ولم يسجد) يشير بذلك إلى الرد على من احتج بحديث
الباب على أن المفصل لا سجود فيه كالمالكية أو أن النجم بخصوصها لا سجود فيها كأبي ثور لأن
ترك السجود فيها في هذه الحالة لا يدل على تركه مطلقا لاحتمال أن يكون السبب في الترك إذ ذاك
إما لكونه كان بلا وضوء أو لكون الوقت كان وقت كراهة أو لكون القارئ كان لم يسجد كما سيأتي
تقريره بعد باب أو ترك حينئذ لبيان الجواز وهذا أرجح الاحتمالات وبه جزم الشافعي لأنه لو
كان واجبا لأمره بالسجود ولو بعد ذلك وأما ما رواه أبو داود وغيره من طريق مطر الوراق عن
عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شئ من المفصل منذ تحول إلى
المدينة فقد ضعفه أهل العلم بالحديث لضعف في بعض رواته واختلاف في إسناده وعلى تقدير
ثبوته فرواية من أثبت ذلك أرجح إذ المثبت مقدم على النافي فسيأتي في الباب الذي يليه ثبوت
السجود في إذا السماء انشقت وروى البزار والدارقطني من طريق هشام بن حسان عن ابن
سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه الحديث
رجاله ثقات وروى بن مردويه في التفسير بإسناد حسن عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن
أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه رأى أبا هريرة سجد في خاتمة النجم فسأله فقال إنه رأى رسول الله صلى
الله عليه وسلم يسجد فيها وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن الأسود
ابن يزيد عن عمر أنه سجد في إذا السماء انشقت ومن طريق نافع عن بن عمر أنه سجد فيها وفي هذا
رد على من زعم أن عمل أهل المدينة استمر على ترك السجود في المفصل ويحتمل أن يكون المنفى
المواظبة على ذلك لأن المفصل تكثر قراءته في الصلاة فترك السجود فيه كثيرا لئلا تختلط الصلاة
على من لم يفقه أشار إلى هذه العلة مالك في قوله بترك السجود في المفصل أصلا وقال ابن القصار
الأمر بالسجود في النجم ينصرف إلى الصلاة ورد بفعله صلى الله عليه وسلم كما تقدم قبل وزعم
بعضهم أن عمل أهل المدينة استمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم على ترك السجود فيها وفيه نظر لما
رواه الطبري بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبزي عن عمه أنه قرأ النجم في الصلاة فسجد فيها ثم
قام فقرأ إذا زلزلت ومن طريق إسحاق بن سويد عن نافع عن بن عمر أنه سجد في النجم (قوله
حدثنا يزيد بن خصيفة) بالخاء المعجمة والصاد المهملة مصغر وهو يزيد بن عبد الله بن خصيفة
نسب إلى جده وشيخه ابن قسيط هو يزيد بن عبد الله بن قسيط المذكور في الإسناد الثاني
ورجال الإسنادين معا مدنيون غير شيخي البخاري (قوله أنه سأل زيد بن ثابت فزعم) حذف
المسؤول عنه وظاهر السياق يوهم أن المسؤول عنه السجود في النجم وليس كذلك وقد بينه مسلم
عن علي بن حجر وغيره عن إسماعيل بن جعفر بهذا الإسناد قال سألت زيد بن ثابت عن القراءة مع
الإمام فقال لا قراءة مع الإمام في شئ وزعم أنه قرأ النجم الحديث فحذف المصنف الموقوف لأنه
ليس من غرضه في هذا المكان ولأنه يخالف زيد بن ثابت في ترك القراءة خلف الإمام وفاقا لمن
أوجبها من كبار الصحابة تبعا للحديث الصحيح الدال على ذلك كما تقدم في صفة الصلاة (قوله فزعم)
458

أراد أخبر والزعم يطلق على المحقق قليلا كهذا وعلى المشكوك كثيرا وقد تكرر ذلك ومن
شواهده قول الشاعر * على الله أرزاق العباد كما زعم * ويحتمل أن يكون زعم في هذا
الشعر بمعنى ضمن ومنه الزعيم غارم أي الضامن واستنبط بعضهم من حديث زيد بن ثابت أن
القارئ إذا تلا على الشيخ لا يندب له سجود التلاوة ما لم يسجد الشيخ أدبا مع الشيخ وفيه نظر
* (فائدة) * اتفق ابن أبي ذئب ويزيد بن خصيفة على هذا الإسناد علي ابن قسيط وخالفهما أبو
صخر فرواه عن بن قسيط عن خارجة بن زيد عن أبيه أخرجه أبو داود والطبراني فإن كان محفوظا
حمل على أن لابن قسيط فيه شيخين وزاد أبو صخر في روايته وصليت خلف عمر بن عبد العزيز وأبي
بكر بن حزم فلم يسجدا فيها (قوله باب سجدة إذا السماء انشقت) أورد فيه
حديث أبي هريرة في السجود فيها وهشام هو بن أبي عبد الله الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير
وقوله فسجد بها في رواية الكشميهني فيها والباء للظرف وقول أبي سلمة لم أرك تسجد قيل هو
استفهام إنكار من أبي سلمة يشعر بأن العمل استمر على خلاف ذلك ولذلك أنكره أبو رافع كما
سيأتي بعد ثلاثة أبواب وهذا فيه نظر وعلى التنزيل فيمكن أن يتمسك به من لا يرى السجود بها في
الصلاة أما تركها مطلقا فلا ويدل على بطلان المدعى أن أبا سلمة وأبا رافع لم ينازعا أبا هريرة بعد أن
أعلمهما بالسنة في هذه المسئلة ولا احتجا عليه بالعمل على خلاف ذلك قال ابن عبد البر وأي عمل
يدعى مع مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده (قوله باب
من سجد لسجود القارئ) قال ابن بطال أجمعوا علان القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد
كذا أطلق وسيأتي بعد باب قول من جعل ذلك مشروطا بقصد الاستماع وفي الترجمة إشارة إلى
أن القارئ إذا لم يسجد لم يسجد السامع ويتأيد بما سأذكره (قوله وقال ابن مسعود لتميم بن
حذلم) بفتح المهملة واللام بينهما معجمة ساكنة (قوله إمامنا) زاد الحموي فيها وهذا الأثر
وصله سعيد بن منصور من رواية اني عن إبراهيم قال قال تميم بن حذلم قرأت القرآن على
عبد الله وأنا غلام فمررت بسجدة فقال عبد الله أنت إمامنا فيها وقد روى مرفوعا أخرجه
ابن أبي شيبة من رواية بن عجلان عن زيد بن أسلم أن غلاما قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم
السجدة فانتظر الغلام النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد فلما لم يسجد قال يا رسول الله أليس
في هذه السجدة سجود قال بلى ولكنك كنت إمامنا فيها ولو سجدت لسجدنا رجاله ثقات
إلا أنه مرسل وقد روى عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال بلغني فذكر نحوه أخرجه
البيهقي من رواية ابن وهب عن هشام بن سعد وحفص بن ميسرة معا عن زيد بن أسلم به وجوز
الشافعي أن يكون القارئ المذكور هو زيد بن ثابت لأنه يحكي أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه
وسلم فلم يسجد ولأن عطاء بن يسار روى الحديثين المذكورين انتهى (قوله حدثنا يحيى) هو
القطان وسيأتي الكلام على المتن في الباب الأخير (قوله باب ازدحام الناس
إذا قرأ الإمام السجدة) أي لضيق المكان وكثرة الساجدين (قوله حدثنا بشر بن آدم) هو الضرير
البغدادي بصري الأصل ليس له في البخاري إلا هذا الموضع الواحد وفي طبقته بشر بن آدم بن
يزيد بصري أيضا وهو ابن بنت أزهر السمان وفي كل منهما مقال ورجح ابن عدي أن شيخ البخاري
هنا هو ابن بنت أزهر وعلى كل تقدير فلم يخرج له إلا في المتابعات فسيأتي من طريق أخرى بعد
459

باب ويأتي الكلام عليه ثم وافقه على هذه الرواية عن علي بن مسهر سويد بن سعيد أخرجه
الإسماعيلي (قوله باب من رأى أن الله لم يوجب السجود) أي وحمل الأمر في
قوله اسجدوا على الندب أو على أن المراد به سجود الصلاة أو في الصلاة المكتوبة على الوجوب
وفي سجود التلاوة على الندب على قاعدة الشافعي ومن تابعه في حمل المشترك على معنييه ومن
الأدلة على أن سجود التلاوة ليس بواجب ما أشار إليه الطحاوي من أن الآيات التي في سجود
التلاوة منها ما هو بصيغة الخبر ومنها ما هو بصيغة الأمر وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر
هل فيها سجود أو لا وهي ثانية الحج وخاتمة النجم وأقرأ فلو كان سجود التلاوة واجبا لكان ما ورد
بصيغة الأمر أولى أن يتفق على السجود فيه مما ورد بصيغة الخبر (قوله وقيل لعمران بن حصين)
وصله ابن أبي شيبة بمعناه من طريق مطرف قال سألت عمران بن حصين عن الرجل لا يدري أسمع
السجدة أو لا فقال وسمعها أو لا فما ذا وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن مطرف أن عمران مر
بقاص فقرأ القاص السجدة فمضى عمران ولم يسجد معه إسنادهما صحيح (قوله وقال سلمان) هو
الفارسي (قوله ما لهذا غدونا) هو طرف من أثر وصله عبد الرزاق من طريق أبي عبد الرحمن السلمي
قال مر سلمان على قوم قعود فقرؤوا السجدة فسجدوا فقيل له فقال ليس لهذا غدونا وإسناده صحيح
(قوله وقال عثمان إنما السجدة على من استمعها) وصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن
المسيب أن عثمان مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان فقال عثمان إنما السجود على من
استمع ثم مضى ولم يسجد ورواه بن وهب عن يونس عن ابن شهاب بلفظ إنما السجدة على من
سمعها مختصرا وروى بن أبي شيبة وسعيد بن منصور من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب قال
قال عثمان إنما السجدة على من جلس لها واستمع والطريقان صحيحان (قوله وقال الزهري الخ)
وصله عبد الله بن وهب عن يونس عنه بتمامه وقوله فيه لا يسجد إلا أن يكون طاهرا قيل ليس
بدال على عدم الوجوب لأن المدعى يقول علق فعل السجود من القارئ والسامع على شرط وهو
وجود الطهارة فحيث وجد الشرط لزم لكن موضع الترجمة من هذا الأثر قوله فإن كنت راكبا
فلا عليك حيث كان وجهك لأن هذا دليل النفل والواجب لا يؤدي على الدابة في الأمن (قوله
وكان السائب بن يزيد لا يسجد لسجود القاص) بالصاد المهملة الثقيلة الذي يقص على الناس
الأخبار والمواعظ ولم أقف على هذا الأثر موصولا ومناسبة هذه الآثار للترجمة ظاهرة لأن
الذين يزعمون أن سجود التلاوة واجب لم يفرقوا بين قارئ ومستمع قال صاحب الهداية من
الحنفية السجدة في هذه المواضع أي مواضع سجود التلاوة سوى ثانية الحج واجبة على التالي
والسامع سواء قصد سماع القرآن أو لم يقصد أه وفرق بعض العلماء بين السامع والمستمع بما
دلت عليه هذه الآثار وقال الشافعي في البويطي لا أوكده على السامع كما أوكده على المستمع
وأقوى الأدلة على نفى الوجوب حديث عمر المذكور في هذا الباب (قوله أخبرني أبو بكر بن
أبي مليكة) هو أخو محمد وعثمان بن عبد الرحمن التيمي وثقه أبو حاتم وليس له في البخاري غير هذا
الحديث ولأبيه صحبة ورواية وهو بن عثمان بن عبيد الله بن أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة
وربيعة بن عبد الله بن الهدير هو عم أبي بكر بن المنذر بن عبد الله بن الهدير الراوي عنه
والهدير بلفظ التصغير ذكر ابن سعد أن ربيعة ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له
460

أيضا في البخاري غير هذا الحديث الواحد (قوله عما حضر ربيعة من عمر) متعلق بقوله أخبرني أي
أخبرني راويا عن عثمان عن ربيعة عن قصة حضوره مجلس عمر ووقع عند الإسماعيلي من طريق
حجاج عن ابن جريج أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة أن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أخبره عن
ربيعة بن عبد الله أنه حضر عمر فذكره أه وقوله عبد الرحمن بن عثمان مقلوب والصواب
ما تقدم وكذا أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج (قوله قرأ) أي أنه قرأ يوم الجمعة (قوله أنا نمر
بالسجود) في رواية الكشميهني إنما (قوله ومن لم يسجد فلا أثم عليه) ظاهر في عدم الوجوب (قوله
ولم يسجد عمر) فيه توكيد لبيان جواز ترك السجود بغير ضرورة (قوله وزاد نافع) هو مقول ابن
جريج والخبر متصل بالإسناد الأول وقد بين ذلك عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج أخبرني أبو
بكر بن أبي مليكة فذكره وقال في آخره قال ابن جريج وزادني نافع عن ابن عمر أنه قال لم يفرض
علينا السجود إلا أن نشاء وكذلك رواه الإسماعيلي والبيهقي وغيرهما من طريق حجاج بن محمد
عن ابن جريج فذكر الإسناد الأول قال وقال حجاج قال ابن جريج وزاد نافع فذكره وفي هذا رد
على الحميدي في زعمه أن هذا معلق وكذا علم عليه المزي علامة التعليق وهو وهم وله شاهد من
طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عمر لكنه منقطع بين عروة وعمر * (تنبيه) * قوله في رواية عبد
الرزاق أنه قال الضمير يعود على عمر أشار إلى ذلك الترمذي في جامعه حيث نسب ذلك إلى عمر في
هذه القصة بصيغة الجزم واستدل بقوله لم يفرض على عدم وجوب سجود التلاوة وأجاب بعض
الحنفية على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب بأن نفى الفر ض لا يستلزم نفى الوجوب
وتعقب بأنه اصطلاح لهم حادث وما كان الصحابة يفرقون بينهما ويغنى عن هذا قول عمر ومن
لم يسجد فلا أثم عليه كما سيأتي تقريره واستدل بقوله إلا أن نشاء على أن المرء مخير في السجود فيكون
ليس بواجب وأجاب من أوجبه بان المعنى إلى أن نشاء قراءتها فيجب ولا يخفى بعده ويرده تصريح
عمر بقوله ومن لم يسجد فلا إثم عليه فإن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل مختارا يدل على عدم وجوبه
واستدل به على أن من شرع في السجود وجب عليه إتمامه وأجيب بأنه استثناء منقطع والمعنى
لكن ذلك موكول إلى مشيئة المرء بدليل إطلاقه ومن لم يسجد فلا إثم عليه وفي الحديث من
الفوائد أن للخطيب أن يقرأ القرآن في الخطبة وأنه إذا مر بآية سجدة ينزل إلى الأرض ليسجد
بها إذا لم يتمكن من السجود فوق المنبر وأن ذلك لا يقطع الخطبة ووجه ذلك فعل عمر مع حضور
الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم وعن مالك يمر في خطبته ولا يسجد وهذا الأثر وارد عليه
(قوله باب من قرأ السجدة في الصلاة فسجد بها) أشار بهذه الترجمة إلى من كره
قراءة السجدة في الصلاة المفروضة وهو منقول عن مالك وعنه كراهته في السرية دون الجهرية
وهو قول بعض الحنفية أيضا وغيرهم وحديث أبي هريرة المحتج به في الباب تقدم الكلام عليه في
باب الجهر في العشاء وبينا فيه أن في رواية أبي الأشعث عن معمر التصريح بأن سجود النبي صلى
الله عليه وسلم فيها كان انظر الصلاة وكذا في رواية يزيد بن هارون عن سليمان التيمي في صحيح
أبي عوانة وغيره وفيه حجة على من كره ذلك وقد تقدم النقل عمن زعم أنه لا سجود في إذا السماء
انشقت ولا غيرها من المفصل وأن العمل استمر عليه بدليل إنكار أبي رافع وكذا أنكره أبو سلمة
وبينا أن النقل عن علماء المدينة بخلاف ذلك كعمر وابن عمر وغيرهما من الصحابة والتابعين
461

(قوله حدثني بكر) هو ابن عبد الله المزني (قوله باب من لم يجد موضعا للسجود
مع الإمام من الزحام) أي ماذا يفعل قال ابن بطال لم أجد هذه المسئلة إلا في سجود الفريضة
واختلف السلف فقال عمر يسجد على ظهر أخيه وبه قال الكوفيون وأحمد وإسحق وقال
عطاء والزهري يؤخر حتى يرفعوا وبه قال مالك والجمهور وإذا كان هذا في سجود الفريضة
فيجرى مثله في سجود التلاوة وظاهر صنيع البخاري أنه يذهب إلى أنه يسجد بقدر استطاعته
ولو على ظهر أخيه (قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة التي فيها السجدة) زاد علي بن
مسهر في روايته عن عبيد الله ونحن عنده وقد مضى قبل بباب (قوله فيسجد فنسجد) زاد
الكشميهني معه (قوله لموضع جبهته) يعني من الزحام زاد مسلم في رواية له في غير وقت صلاة ولم
يذكر ابن عمر ما كانوا يصنعون حينئذ ولذلك وقع الاختلاف كما مضى ووقع في الطبراني من
طريق مصعب بن ثابت عن نافع في هذا الحديث أن ذلك كان بمكة لما قرأ النبي صلى الله عليه
وسلم النجم وزاد فيه حتى سجد الرجل على ظهر الرجل وهو يؤيد ما فهمناه عن المصنف والذي
يظهر أن هذا الكلام وقع من بن عمر على سبيل المبالغة في أنه لم يبق أحد إلا سجد وسيأتي حديث
الباب مشعر بأن ذلك وقع مرارا فيحتمل أن تكون رواية الطبراني بينت مبدأ ذلك ويؤيد
ما رواه الطبراني أيضا من رواية المسور بن مخرمة عن أبيه قال أظهر أهل مكة الإسلام يعني في
أول الأمر حتى أن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقرأ السجدة فيسجد وما يستطيع بعضهم أن
يسجد من الزحام حتى قدم رؤساء أهل مكة وكانوا بالطائف فرجعوهم عن الإسلام واستدل به
البخاري على السجود لسجود القارئ كما مضى وعلى الازدحام على ذلك * (خاتمة) * اشتملت
أبواب السجود على خمسة عشر حديثا اثنان منها معلقان المكرر منها فيه وفيما مضى تسعة
أحاديث والخالص ستة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديثي بن عباس في ص وفي النجم
وحديث ابن عمر في التخيير في السجود وفيه من الآثار عن الصحابة وغيرهم سبعة آثار والله أعلم
بالصواب
(بسم الله الرحمن الرحيم)
* (قوله أبواب التقصير) *
ثبتت هذه الترجمة للمستملي وفي رواية أبي الوقت أبواب تقصير الصلاة وثبتت البسملة في رواية
كريمة والأصيلي (قوله باب ما جاء في التقصير) تقول قصرت الصلاة بفتحتين
مخففا قصرا وقصرته بالتشديد تقصيرا وأقصرتها إقصارا والأول أشهر في الاستعمال والمراد به
تخفيف الرباعية إلى ركعتين ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أن لا تقصير في صلاة الصبح ولا
في صلاة المغرب وقال النووي ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح وذهب بعض
السلف إلى أنه يشترط في القصر الخوف في السفر وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو جهاد
وبعضهم كونه سفر طاعة وعن أبي حنيفة والثوري في كل سفر سواء كان طاعة أم معصية
(قوله وكم يقيم حتى يقصر) في هذه الترجمة إشكال لأن الإقامة ليست سببا للقصر ولا القصر
غاية للإقامة قاله الكرماني وأجاب بأن عدد الأيام المذكور سبب لمعرفة جواز القصر فيها
462

ومنع الزيادة عليها وأجاب غيره بأن المعنى وكم إقامته المغياة بالقصر وحاصلة كم يقيم مقصر
وقيل المراد كم يقصر حتى يقيم أي حتى يسمى مقيما فانقلب اللفظ أو حتى هنا بمعنى حين أي كم
يقيم حين يقصر وقيل فاعل يقيم هو المسافر والمراد إقامته في بلد ما غايتها التي إذا حصلت يقصر
(قوله علي بن عاصم) هو ابن سليمان وحصين بالضم هو ابن عبد الرحمن (قوله تسعة عشر) أي
يوما بليلته زاد في المغازي من وجه آخر عن عاصم وحده بمكة وكذا رواه ابن المنذر من طريق عبد
الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة وأخرجه أبو داود من هذا الوجه بلفظ سبعة عشر بتقديم السين
وكذا أخرجه من طريق حفص بن الصالح عن عاصم قال وقال عباد بن منصور عن عكرمة تسع
عشرة كذا ذكرها معلقة وقد وصلها البيهقي ولأبي داود أيضا من حديث عمران بن حصين غزوت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين وله من
طريق ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة
عام الفتح خمسة عشر يقصر الصلاة وجمع البيهقي بين هذا الاختلاف بأن من قال تسع عشرة عد
يومى الدخول والخروج ومن قال سبع عشرة حذفهما ومن قال ثماني عشر عد أحدهما وأما
رواية خمسة عشر فضعفها النووي في الخلاصة وليس بجيد لأن رواتها ثقات ولم ينفرد بها ابن
أسحق فقد أخرجها النسائي من رواية عراك بن مالك عن عبيد الله كذلك وإذا ثبت أنها صحيحة
فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبعة عشر فحذف منها يومى الدخول والخروج
فذكر أنها خمسة عشر واقتضى ذلك أن رواية تسعة عشر أرجح الروايات وبهذا أخذ أسحق بن
راهويه كالغرماء أيضا أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة وأخذ الثوري وأهل الكوفة
برواية خمسة عشر لكونها أقل ما ورد فيحمل ما زاد على أنه وقع اتفاقا وأخذ الشافعي بحديث
عمران بن حصين لكن محله عنده فيمن لم يزمع اشتراط فإنه إذا مضت عليه المدة المذكورة وجب
عليه الإتمام فإن أزمع اشتراط في أول الحال على أربعة أيام أتم على خلاف بين أصحابه في دخول
يومى الدخول والخروج فيها أولا وحجته حديث أنس الذي يليه (قوله فنحن إذا سافرنا تسعة
عشر قصرن وإن زدنا أتممنا) ظاهره أن السفر إذا زاد على تسعة عشر لزم الاتمام وليس ذلك
المراد وقد صرح أبو يعلى عن شيبان عن أبي عوانة في هذا الحديث بالمراد ولفظه إذا سافرنا فأقمنا
في موضع تسعة عشر ويؤيده صدر الحديث وهو قوله أقام وللترمذي من وجه آخر عن عاصم
فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلينا أربعا (قوله في حديث أنس خرجنا من المدينة) في رواية
شعبة عن يحيى بن أبي إسحق عند مسلم إلى الحج (قوله فكان يصلي ركعتين ركعتين) في رواية
البيهقي من طريق علي بن عاصم عن يحيى بن أبي إسحق عن أنس إلا في المغرب (قوله أقمنا بها
عشرا) لا يعارض ذلك حديث بن عباس المذكور لأن حديث بن عباس كان في فتح مكة
وحديث أنس في حجة الوداع وسيأتي بعد باب من حديث ابن عباس قدم النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه لصبح رابعة الحديث ولا شك أنه خرج من مكة صبح الرابع عشر فتكون مدة الإقامة
بمكة وضواحيها عشرة أيام بلياليها كما قال أنس وتكون مدة إقامته بمكة أربعة أيام سواء لأنه خرج
منها في اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى ومن ثم قال الشافعي إن المسافر إذا أقام ببلدة قصر أربعة
أيام وقال أحمد إحدى وعشرين صلاة وأما قول ابن رشيد أراد البخاري أن يبين أن حديث
463

أنس انظر في حديث ابن عباس لأن إقامة عشر انظر في إقامة تسع عشرة فأشار بذلك إلى
أن الأخذ بالزائد متعين ففيه نظر لأن ذلك إنما يجئ على اتحاد القصتين والحق أنهما مختلفان
فالمدة التي في حديث بن عباس يسوغ الاستدلال بها على من لم ينو اشتراط بل كان مترددا متى
يتهيأ له فراغ حاجته يرحل والمدة التي في حديث أنس يستدل بها على من نوى الإقامة لأنه صلى
الله عليه وسلم في أيام الحج كان جازما بالإقامة تلك المدة ووجه الدلالة من حديث ابن عباس لما
كان الأصل في المقيم الإتمام فلما لم يجئ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام في حال السفر أكثر من
تلك المدة جعلها غاية للقصر وقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال كثيرة كما سيأتي وفيه أن
الإقامة في أثناء السفر تسمى إقامة وإطلاق اسم البلد على ما جاورها وقرب منها لأن منى وعرفة
ليسا من مكة أما عرفة فلأنها خارج الحرم فليست من مكة قطعا وأما منى ففيها احتمال والظاهر
أنها ليست من مكة إلا إن قلنا إن اسم مكة يشمل جميع الحرم قال أحمد بن حنبل ليس لحديث
أنس وجه إلا أنه حسب أيام إقامته صلى الله عليه وسلم في حجته منذ دخل مكة إلى أن خرج منها
لا وجه له إلا هذا وقال المحب الطبري أطلق على ذلك إقامة بمكة لأن هذه المواضع مواضع النسك
وهي في حكم التابع لمكة لأنها المقصود بالأصالة لا يتجه سوى ذلك كما قال الإمام أحمد والله أعلم
وزعم الطحاوي أن الشافعي لم يسبق إلى أن المسافر يصير بنية إقامته أربعة أيام مقيما وقد قال
أحمد نحو ما قال الشافعي وهي رواية عن مالك (قوله باب الصلاة بمنى) أي
في أيام الرمي ولم يذكر المصنف حكم المسألة لقوة الخلاف فيها وخص منى بالذكر لأنها المحل الذي
وقع فيها ذلك قديما واختلف السلف في المقيم بمنى هل يقصر أو يتم بناء على أن القصر بها للسفر
أو للنسك واختار الثاني مالك وتعقبه الطحاوي بأنه لو كان كذلك لكان أهل منى يتمون
ولا قائل بذلك وقال بعض المالكية لو لم يجد لأهل مكة القصر بمنى لقال لهم النبي صلى الله عليه
وسلم أتموا وليس بين مكة ومنى مسافة القصر فدل على أنهم قصروا للنسك وأجيب بأن
الترمذي روى من حديث عمران بن حصين أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة ركعتين ويقول
يا أهل مكة أتموا فأنا قوم سفر وكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناء بما تقدم بمكة (قلت)
وهذا ضعيف لأن الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ولو صح فالقصة كانت
في الفتح وقصه منى في حجة الوداع وكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد ولا يخفى أن أصل البحث
مبنى على تسليم أن المسافة التي بين مكة ومنى لا يقصر فيها وهو من محال الخلاف كما سيأتي بعد
باب (قوله بمنى) زاد مسلم في رواية سالم عن أبيه بمنى وغيره (قوله ثم أتمها) في رواية أبي أسامة
عن عبيد الله عند مسلم ثم إن عثمان صلى أربعا فكان بن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا وإذا
صلى وحده صلى ركعتين وسيأتي ذكر السبب في إتمام عثمان بمنى في باب يقصر إذا خرج من
موضعه (قوله أنبأنا أبو إسحق) كذا هو بلفظ الإنباء وهو في عرف المتقدمين بمعنى الإخبار
والتحديث وهذا منه (قوله سمعت حارثة بن وهب) زاد البرقاني في مستخرجه رجلا من
خزاعة أخرجه من طريق أبي الوليد شيخ البخاري فيه (قوله آمن) أفعل تفضيل من الأمن
(قوله ما كان) في رواية الكشميهني والحموي كانت أي حالة كونها آمن أوقاته وفى رواية
مسلم والناس أكثر ما كانوا وله شاهد من حديث ابن عباس عند الترمذي وصححه النسائي
464

بلفظ خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا الله يصلي ركعتين قال الطيبي ما مصدرية ومعناه
الجمع لأن ما أضيف إليه أفعل يكون جمعا والمعنى صلى بنا والحال أنا أكثر أكواننا في سائر
الأوقات أمنا وسيأتي في باب الصلاة بمنى من كتاب الحج عن آدم عن شعبة بلفظ عن أبي إسحق
وقال في روايته ونحن أكثر ما كنا قط وآمنه وكلمة قط متعلقة بمحذوف تقديره ونحن ما كنا أكثر
منا في ذلك الوقت ولا أكثر أمنا وهذا يستدرك به علي ابن مالك حيث قال استعمال قط غير
مسبوقة بالنفي مما يخفى على كثير من النحويين وقد جاء في هذا الحديث بدون النفي وقال
الكرماني قوله وآمنه بالرفع ويجوز النصب بأن يكون فعلا ماضيا وفاعله الله وضمير المفعول
النبي صلى الله عليه وسلم والتقدير وآمن الله نبيه حينئذ ولا يخفى بعد هذا الأعراب وفيه رد على
من زعم أن القصر مختص بالخوف والذي قال ذلك تمسك بقوله تعالى وإذا ضربتم في الأرض
فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أخفتم أن يفتنكم الذين كفروا ولم يأخذ الجمهور
بهذا المفهوم فقيل لأن شرط مفهوم المخالفة أن لا يكون خرج مخرج الغالب وقيل هو من
الأشياء التي شرع الحكم فيها بسبب ثم زال السبب وبقي الحكم كالرمل وقيل المراد بالقصر في
الآية قصر الصلاة في الخوف إلى ركعة وفيه نظر لما رواه مسلم من طريق يعلى بن أمية وله صحبة
أنه سأل عمر عن قصر الصلاة في السفر فقال إنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال
صدقة تصدق الله بها عليكم فهذا ظاهر في أن الصحابة فهموا من ذلك قصر الصلاة في السفر
مطلقا لا قصرها في الخوف خاصة وفي جواب عمر إشارة إلى القول الثاني وروى السراج من
طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حنظلة وهو الحذاء لا يعرف اسمه قال سألت ابن عمر عن
الصلاة في السفر فقال ركعتان فقلت إن الله عز وجل قال إن خفتم ونحن آمنون فقال سنة النبي
صلى الله عليه وسلم وهذا يرجح القول الثاني أيضا (قوله حدثنا إبراهيم) هو النخعي لا التيمي
(قوله صلى بنا عثمان بمنى أربع ركعات) كان ذلك بعد رجوعه من أعمال الحج في حال إقامته
بمنى للرمي كما سيأتي ذلك في رواية عباد بن عبد الله بن الزبير في قصة معاوية بعد بابين (قوله فقيل
ذلك) في رواية أبي ذر والأصيلي فقيل في ذلك (قوله فاسترجع) أي فقال انا لله وإنا إليه
راجعون (قوله ومع عمر ركعتين) زاد الثوري عن الأعمش ثم تفرقت بكم الطرق أخرجه
المصنف في الحج من طريقه (قوله فليت حظى من أربع ركعات ركعتان) لم يقل الأصيلي
ركعات ومن للبدلية مثل قوله تعالى أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة وهذا يدل على أنه كان يرى
الإتمام جائزا وإلا لما كان له حظ من الأربع ولا من غيرها فإنها كانت تكون فاسدة كلها
وإنما استرجع ابن مسعود لما وقع عنده من مخالفة الأولى ويؤيده ما روى أبو داود أن ابن مسعود
صلى أربعا فقيل له عبت على عثمان ثم صليت أربعا فقال الخلاف شر وفي رواية البيهقي إني
لأكره الخلاف ولأحمد من حديث أبي ذر مثل الأول وهذا يدل على أنه لم يكن يعتقد أن القصر
واجب كما قال الحنفية ووافقهم القاضي إسماعيل من المالكية وهي رواية عن مالك وعن أحمد
قال ابن قدامة المشهور عن أحمد أنه على الاختيار والقصر عنده أفضل وهو قول جمهور الصحابة
والتابعين واحتج الشافعي على عدم الوجوب بأن المسافر إذ دخل في صلاة المقيم صلى أربعا
باتفاقهم ولو كان فرضه القصر لم يأتم مسافر بمقيم وقال الطحاوي لما كان الفرض لا بد لمن
465

هو عليه أن يأتي به ولا يتخير في الإتيان ببعضه وكان التخيير مختصا بالتطوع دل على أن المصلي
لا يتخير في الاثنتين والأربع وتعقبه بن بطال بأنا وجدنا واجبا يتخير بين الإتيان بجميعه
أو ببعضه وهو اشتراط بمنى أه ونقل الداودي عن بن مسعود أنه كان يرى القصر فرضا وفيه
نظر لما ذكرته ولو كان كذلك لما تعمد ترك الفرض حيث صلى أربعا وقال أن الخلاف شر ويظهر أثر
الخلاف فيما إذا قام إلى الثالثة عمدا فصلاته عند الجمهور صحيحة وعند الحنفية فاسدة ما لم يكن
جلس للتشهد وسيأتي ذكر السبب في إتمام عثمان بعد بابين إن شاء الله تعالى (قوله
باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته) أي من يوم قدومه إلى أن خرج منها
وقد تقدم بيان ذلك في الكلام على حديث أنس في الباب الذي قبله والمقصود بهذه الترجمة بيان
ما تقدم من أن المحقق فيه نية الإقامة هي مدة المقام بمكة قبل الخروج إلى منى ثم إلى عرفة وهي
أربعة أيام ملفقة لأنه قدم في الرابع وخرج في الثامن فصلى بها إحدى وعشرين صلاة من أول
ظهر الرابع إلى آخر ظهر الثامن وقيل أراد مدة إقامته إلى أن توجه إلى المدينة وهي عشرة كما في
حديث أنس وإن كان لم يصرح في حديث ابن عباس بغايتها فإنها تعرف من الواقع فإن بين
دخوله وخروجه يوم النفر الثاني من منى إلى الأبطح عشرة أيام سواء (قوله عن أبي العالية البراء)
هو بتشديد الراء كان يبري النبل واسمه زياد وقيل غير ذلك وهو غير أبي العالية الرياحي وقد اشتركا
في الرواية عن بن عباس وسيأتي الكلام على هذا الحديث وعلى متابعة عطاء عن جابر في كتاب
الحج إن شاء الله تعالى (قوله باب في كم يقصر الصلاة) يريد بيان المسافة التي
إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر ولا يسوغ له في أقل منها وهي من المواضع التي انتشر
فيها الخلاف جدا فحكى ابن المنذر وغيره فيها نحوا من عشرين قولا فأقل ما قيل في ذلك يوم
وليلة وأكثره ما دام غائبا عن بلده وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام وأورد ما يدل
على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة (قوله وسمى النبي صلى الله عليه وسلم يوما وليلة
سفرا) في رواية أبي ذر السفر يوما وليلة وفي كل منهما تجوز والمعنى سمى مدة اليوم والليلة سفرا
وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب وقد تعقب بأن في بعض طرقه ثلاثة
أيام كما أورده هو من حديث ابن عمر وفي بعضها يوم وليلة وفي بعضها يوم وفي بعضها ليلة وفي بعضها
بريد فإن حمل اليوم المطلق أو الليلة المطلقة على الكامل أي يوم بليلته أو ليلة بيومها قل
الاختلاف واندرج في الثلاث فيكون أقل المسافة يوما وليلة لكن يعكر عليه رواية بريد
ويجاب عنه بما سيأتي قريبا (قوله وكان ابن عمر وابن عباس الخ) وصله ابن المنذر من رواية يزيد
ابن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح أن بن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران
في أربعة برد فما فوق ذلك وروى السراج من طريق عمرو بن دينار عن ابن عمر نحوه وروى
الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن سالم أن ابن عمر كب إلى ذات النصب فقصر الصلاة قال
مالك وبينها وبين المدينة أربعة برد ورواه عبد الرزاق عن مالك هذا فقال بين المدينة وذات
النصب ثمانية عشر ميلا وفي الموطأ عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يقصر في مسيرة
اليوم التام ومن طريق عطاء أن بن عباس سئل أنقصر الصلاة إلى عرفة قال لا ولكن إلى عسفان
أو إلى جدة أو الطائف وقد روى عن ابن عباس مرفوعا أخرجه الدارقطني وابن أبي شيبة من
طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه وعطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
466

قال يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان وهذا إسناد ضعيف
من أجل عبد الوهاب وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال لا تقصروا
الصلاة إلى في اليوم ولا تقصر فيما دون اليوم ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه قال
تقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة أربعة برد يمكن
سرها في يوم وليلة وأما حديث بن عمر الدال على اعتبار الثلاث فأما أن يجمع بينه وبين اختياره
بأن المسافة واحدة ولكن السير يختلف أو أن الحديث المرفوع ما سيق لأجل بيان مسافة
القصر بل لنهى المرأة عن الخروج وحدها ولذلك اختلفت الألفاظ في ذلك ويؤيد ذلك أن
الحكم في نهى المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلا في
يوم تام لتعلق بها النهى بخلاف المسافر فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلا في يومين ليقصر فافترقا
والله أعلم وأقل ما ورد في ذلك لفظ بريد إن كانت محفوظة وسنذكرها في آخر هذا الباب وعلى
هذا ففي تمسك الحنفية بحديث بن عمر على أن أقل مسافة القصر ثلاثة أيام إشكال ولا سيما على
قاعدتهم بأن الاعتبار بما رأى الصحابي لا بما روى فلو كان الحديث عنده لبيان أقل مسافة
القصر لما خالفه وقصر في مسيرة اليوم التام وقد اختلف عن ابن عمر في تحديد ذلك اختلافا غير
ما ذكر فروى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال
له بخيبر وبين المدينة وخيبر ستة وتسعون ميلا وروى وكيع من وجه آخر عن ابن عمر أنه قال
يقصر من المدينة إلى السويداء وبينهما اثنان وسبعون ميلا وروى عبد الرزاق عن مالك عن
ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه سافر إلى ريم فقصر الصلاة قال عبد الرزاق وهي على ثلاثين ميلا
من المدينة وروى ابن أبي شيبة عن وكيع عن مسعر عن محارب سمعت ابن عمر يقول إني لأسافر
الساعة من النهار فأقصر وقال الثوري سمعت جبلة بن سحيم سمعت ابن عمر يقول لو خرجت ميلا
قصرت الصلاة إسناد كل منهما صحيح وهذه أقوال متغايرة جدا فالله أعلم (قوله وهي) أي
الأربعة برد (ستة عشر فرسخا) ذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرب وهو ثلاثة أميال والميل من
الأرض منتهى الفساد البصر لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه وبذلك جزم
الجوهري وقيل حده أن ينظر إلى الشخص في أرض مصطجبة فلا يدري أهو رجل أو امرأة أو هو
ذاهب أو آت قال النووي الميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة قرة إصبعا معترضة
معتدلة والإصبع ست شعيرات معترضة معتدلة أه وهذا الذي قاله هو الأشهر ومنهم من عبر
عن ذلك باثني عشر ألف قدم يقدم الإنسان وقيل وهو أربعة آلاف ذراع وقيل بل ثلاثة آلاف
ذراع نقله صاحب البيان وقيل وخمسمائة صححه ابن عبد البر وقيل هو ألفا ذراع ومنهم من عبر
عن ذلك بألف خطوة للجمل ثم إن الذراع الذي ذكر النووي تحديده قد حرره غيره بذراع الحديد
المستعمل الآن في مصر والحجاز في هذه الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن فعلى
هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعا وهذه
فائدة نفيسة قل من نبه عليها وحكى النووي أن أهل الظاهر ذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة
أميال وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم وأبو داود من حديث أنس قال كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ قصر الصلاة وهو أصح حديث ورد في بيان
ذلك وأصرحه وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر
467

ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن
أنس قال سألت أنسا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين
ركعتين حتى أرجع فقال أنس فذكر الحديث فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن
الموضع الذي يبتدأ القصر منه ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي
يخرج منها ورده القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ فإن الثلاثة أميال مدرجة
فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطا وقد روى ابن أبي شيبة عن حاتم ابن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة
قال قلت لسعيد بن المسيب أأقصر الصلاة وأفطر في بريد من المدينة قال نعم والله أعلم * (تنبيه) *
اختلف في معنى الفرسخ فقيل السكون ذكره بن سيده وقيل السعة وقيل المكان الذي
لا فرجة فيه وقيل الشئ الطويل (قوله حدثنا إسحاق) قال أبو علي الجياني حيث قال البخاري
حدثنا إسحاق فهو إما ابن راهويه وإما بنصر السعدي وإما ابن منصور الكوسج لأن الثلاثة
أخرج عنهم عن أبي أسامة (قلت) لكن إسحق هنا هو بن راهويه لأنه ساق هذا الحديث في مسنده
بهذه الألفاظ سندا ومتنا ومن عادته الإتيان بهذه العبارة دون الأخيرين (قوله حدثكم عبيد
الله) هو ابن عمر العمري واستدل به على أنه لا يشترط في صحة التحمل قول الشيخ نعم في جواب من
قال له حدثكم فلان بكذا وفيه نظر لأن في مسند إسحق في آخره فأقر به أبو أسامة وقال نعم
(قوله لا تسافر المرأة ثلاثة أيام) في رواية مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع مسيرة
ثلاثة ليال والجمع بينهما أن المراد ثلاثة أيام بلياليها أو ثلاث ليال بأيامها (قوله إلا مع ذي محرم)
في رواية أبي ذر والأصيلي إلا معها ذو محرم والمحرم بفتح الميم الحرام والمراد به من لا يحل له نكاحها
ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم وأبي داود إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو
ذو محرم منها أخرجاه من طريق الأعمش عن أبي صالح عنه (قوله تابعه أحمد) هو ابن محمد المروزي
أحد شيوخ البخاري ووهم من زعم أنه أحمد بن حنبل لأنه لم يسمع من عبد الله بن المبارك ونقل
الدارقطني في العلل عن يحيى القطان قال ما أنكرت على عبيد الله بن عمر إلا هذا الحديث ورواه
أخوه عبد الله موقوفا (قلت) وعبد الله ضعيف وقد تابع عبيد الله الضحاك كما تقدم فاعتمده
البخاري لذلك (قوله لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) مفهومه أن النهى المذكور
يختص بالمؤمنات فتخرج الكافرات كتابية كانت أو حربية وقد قال به بعض أهل العلم وأجيب
بأن الإيمان هو الذي يستمر للمتصف به خطاب الفاء فينتفع به وينقاد له فلذلك قيد به أو أن
الوصف ذكر لتأكيد التحريم ولم يقصد به إخراج ما سواه والله أعلم (قوله مسيرة يوم وليلة ليس
معها حرمة) أي محرم واستدل به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم وهو إجماع في غير الحج
والعمرة والخروج من دار الشرك ومنهم من جعل ذلك من شرائط الحج كما سيأتي البحث فيه في
موضعه إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * قال شيخنا ابن الملقن تبعا لشيخه مغلطاي الهاء في قوله مسيرة
يوم وليلة للمرة الواحدة والتقدير أن تسافر مرة واحدة مخصوصة بيوم وليلة ولا سلف له في هذا
الإعراب ومسيرة إنما هي الحدود سار كقوله سيرا مثل عاش معيشة وعيشا (قوله تابعه يحيى بن
أبي كثير وسهيل ومالك عن المقبري) يعني سعيدا (عن أبي هريرة) يعني لم يقولوا عن أبيه فعلى
468

هذا فهي متابعة في المتن لا في الإسناد على أنه قد اختلف على سهيل وعلى مالك فيه وكأن الرواية
التي جزم بها المصنف أرجح عنده عنهم ورجح الدارقطني أنه عن سعيد عن أبي هريرة ليس فيه عن
أبيه كما رواه معظم رواه الموطأ لكن الزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظا وقد وافق
ابن أبي ذئب على قوله عن أبيه الليث بن سعد عند أبي داود والليث وابن أبي ذئب من أثبت الناس
في سعيد فأما رواية يحيى فأخرجها أحمد عن الحسن بن موسى عن شيبان النحوي عنه ولم أجد
عنه فيه اختلافا إلا أن لفظة أن تسافر يوما إلا مع ذي محرم ويحمل قوله يوما على أن المراد به
اليوم بليلته فيوافق رواية ابن أبي ذئب وأما رواية سهيل فذكر ابن عبد البر أنه اضطرب في
إسنادها مكنني وأخرجه ابن خزيمة من طريق خالد الواسطي وحماد بن سلمة وأخرجه أبو داود
وابن حبان والحاكم من طريق جرير كلاهما عن سهيل بن أبي صالح عن سعيد عن أبي هريرة كما
علقه البخاري إلا أن جريرا قال في روايته بريدا بدل يوما وقال بشر بن المفضل عن سهيل عن أبيه
عن أبي هريرة أبدل سعيدا معبد صالح وخالف في اللفظ أيضا فقال تسافر ثلاثا أخرجه مسلم
ويحتمل أن يكون الحديثان معا عند سهيل ومن ثم صحح أبن حبان الطريقين عنه لكن المحفوظ
عن أبي صالح عن أبي سعيد كما تقدمت الإشارة إليه وأما رواية مالك فهي في الموطأ كما قال
البخاري وأخرجها مسلم وأبو داود وغيرهما وهو المشهور عنه ورواها بشر بن عمر الزهراني عنه
فقال عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أخرجه أبو داود والترمذي وأبو عوانة وابن خزيمة من
طريقه وقال ابن خزيمة إنه تفرد به عن مالك وفيه نظر لأن الدارقطني أخرجه في الغرائب من
رواية إسحق بن محمد الفروي عن مالك كذلك وأخرجه الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم
عن مالك والمحفوظ عن مالك ليس فيه قوله عن أبيه والله أعلم (قوله باب يقصر
إذا خرج من موضعه) يعني إذا قصد سفرا تقصر في مثله الصلاة وهي من المسائل المختلف فيها
أيضا قال ابن المنذر أجمعوا على أن لمن يريد السفر أن يقصر إذا خرج عن جميع بيوت القرية
التي يخرج منها واختلفوا فيما قبل الخروج عن البيوت فذهب الجمهور إلى أنه لابد من مفارقة
جميع البيوت وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو كان في منزله ومنهم
من قال إذا ركب قصر إن شاء ورجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنه يقصر إذا فارق البيوت
واختلفوا فيما قبل ذلك فعليه الاتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أن له القصر قال ولا أعلم
النبي صلى الله عليه وسلم قصر في شئ من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة (قوله وخرج على
فقصر وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له هذه الكوفة قال لا حتى ندخل) وصله الحاكم من
رواية الثوري عن وقاء ابن إياس وهو بكسر الواو بعدها قاف ثم مدة عن علي بن ربيعة قال
خرجنا مع علي بن أبي طالب فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت ثم رجعنا فقصرنا الصلاة ونحن
نرى البيوت وأخرجه البيهقي من طريق يزيد بن هارون عن وقاء ابن إياس بلفظ خرجنا مع علي
متوجهين ههنا وأشار بيده إلى الشام فصلى ركعتين ركعتين حتى إذا رجعنا ونظرنا إلى الكوفة
حضرت الصلاة قالوا يا أمير المؤمنين هذه الكوفة أتم الصلاة قال لا حتى ندخلها وفهم ابن بطال
من قوله في التعليق لا حتى ندخلها أنه أمتنع من الصلاة حتى يدخل الكوفة قال لأنه لو صلى فقصر
ساغ له ذلك لكنه أختار أن يتم لاتساع الوقت أه وقد تبين من سياق أثر على أن الأمر على
469

خلاف ما فهمه ابن بطال وأن المراد بقولهم هذه الكوفة أي فأتم الصلاة فقال لا حتى ندخلها
أي لا نزال نقصر حتى ندخلها في حكم المسافرين (قوله في حديث أنس صليت
الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين) في رواية الكشميهني
والعصر بذي الحليفة ركعتين وهي ثابتة في رواية مسلم وكذا في رواية أبي قلابة عن أنس عند
المصنف في الحج واستدل به على استباحة قصر الصلاة في السفر القصير لأن بين المدينة وذي
الحليفة ستة أميال وتعقب بأن ذا الحليفة لم تكن منتهى السفر وإنما خرج إليها حيث كان
قاصدا إلى مكة فاتفق نزوله بها وكانت أول صلاة حضرت بها العصر فقصرها واستمر يقصر إلى
أن رجع ومناسبة أثر على لحديث أنس ثم لحديث عائشة أن حديث على دال على أن القصر
يشرع بفراق الحضر وكونه صلى الله عليه وسلم لم يقصر حتى رأى ذا الحليفة إنما هو لكونه أول
منزل نزله ولم يحضر قبله وقت صلاة ويؤيده حديث عائشة ففيه تعليق الحكم بالسفر والحضر
فحيث وجد السفر شرع القصر وحيث وجد الحضر شرع الإتمام واستدل به على أن من أراد
السفر لا يقصر حتى يبرز من البلد خلافا لمن قال من السلف يقصر ولو في بيته وفيه حجة على
مجاهد في قوله لا يقصر حتى يدخل الليل (قوله في حديث عائشة الصلاة أول ما فرضت) في
رواية الكشميهني الصلوات بصيغة الجمع وأول بالرفع على أنه بدل من الصلاة أو مبتدأ ثان ويجوز
النصب على أنه ظرف أي في أول (قوله ركعتين) في رواية كريمة ركعتين ركعتين (قوله فأقرت
صلاة السفر) تقدم الكلام عليه في أول الصلاة واستدل بقوله فرضت ركعتين على أن صلاة
المسافر لا تجوز إلا مقصورة ورد بأنه معارض بقوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من
الصلاة ولأنه دال على أن الأصل الإتمام ومنهم من حمل قوله عائشة فرضت أي قدرت وقال
الطبري معناه أن المسافر إذا اختار القصر فهو فرضه ومن أدل دليل على تعين تأويل حديث
عائشة هذا كونها كانت تتم في السفر ولذلك أورده الزهري عن عروة (قوله تأولت ما تأول
عثمان) هذا فيه رد على من زعم أن عثمان إنما أتم لكونه تأهل بمكة أو لأنه أمير المؤمنين وكل
موضع له دار أو لأنه عزم على اشتراط بمكة أو لأنه استجد له أرضا بمنى أو لأنه كان يسبق الناس إلى
مكة لأن جميع ذلك منتف في حق عائشة وأكثره لا دليل عليه بل هي ظنون ممن قالها ويرد
الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بزوجاته وقصر والثاني أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان أولى بذلك والثالث أن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام كما سيأتي تقريره في الكلام على
حديث العلاء بن الحضرمي في كتاب المغازي والرابع والخامس لم ينقلا فلا يكفي التخرص في
ذلك والأول وإن كان نقل وأخرجه أحمد والبيهقي من حديث عثمان وأنه لما صلى بمنى أربع
ركعات أنكر الناس عليه فقال إني تأهلت بمكة لما قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول من تأهل ببلدة فإنه يصلي صلاة مقيم فهذا الحديث لا يصح لأنه منقطع وفي رواته من
لا يحتج به ويرده قول عروة إن عائشة تأولت ما تأول عثمان ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلا فدل
على وهن ذلك الخبر ثم ظهر لي أنه يمكن أن يكون مراد عروة بقوله كما تأول عثمان التشبيه بعثمان
في الإتمام بتأويل لا اتحاد تأويلهما ويقويه أن الأسباب اختلفت في تأويل عثمان فتكاثرت
بخلاف تأويل عائشة وقد أخرج بن جرير في تفسير سورة النساء إن عائشة كانت تصلي في السفر
470

أربعا فإذا احتجوا عليها تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حرب وكان يخاف فهل
تخافون أنتم وقد قيل في تأويل عائشة إنما أتمت في سفرها إلى البصرة إلى قتال على والقصر عندها
إنما يكون في سفر طاعة وهذان القولان باطلان لا سيما الثاني ولعل قول عائشة هذا هو
السبب في حديث حارثة بن وهب الماضي قبل ببابين والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى
القصر مختصا بمن كان شاخصا سائرا وأما من أقام في مكان في أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم والحجة
فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال لما قدم علينا معاوية حاجا صلى
بنا الظهر ركعتين بمكة ثم انصرف إلى دار الندوة فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا
لقد عبت أمر ابن عمك أنه كان قد أتم الصلاة قال وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة
صلى بها الظهر والعصر والعشاء أربعا أربعا ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة فإذا فرغ
من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة وقال ابن بطال الوجه الصحيح في ذلك أن عثمان وعائشة كان يريان
أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر من ذلك على أمته فأخذا لأنفسهما بالشدة
أه وهذا رجحه جماعة من آخرهم القرطبي لكن الوجه الذي قبله أولى لتصريح الراوي بالسبب
وأما ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن عثمان إنما أتم الصلاة لأنه نوى الإقامة
بعد الحج فهو مرسل وفيه نظر لأن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام كما سيأتي في الكلام على
حديث العلاء بن الحضرمي في المغازي وصح عن عثمان أنه كان لا يودع النساء إلا على ظهر
راحلته ويسرع الخروج خشية أن يرجع في هجرته وثبت عن عثمان أنه قال لما حاصروه وقال
له المغيرة اركب رواحلك إلى مكة قال لن أفارق دار هجرتي ومع هذا النظر في رواية معمر عن الزهري
فقد روى أيوب على الزهري ما يخالفه فروى الطحاوي وغيره من هذا الوجه عن الزهري قال
إنما صلى عثمان بمنى أربعا لأن الأعراب كانوا كثروا في ذلك العام فأحب أن يعلمهم أن الصلاة
أربع وروى البيهقي من طريق عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عثمان أنه أتم
بمنى ثم خطب فقال إن القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ولكنه حدث
طغام يعني بفتح الطاء والمعجمة فخفت أن يستنوا وعن ابن جريج أن أعرابيا ناداه في منى يا أمير
المؤمنين ما زلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين وهذه طرق يقوي بعضها بعضا ولا مانع
أن يكون هذا أصل سبب الإتمام وليس بمعارض للوجه الذي اخترته بل يقويه من حيث أن
حالة الإقامة في أثناء السفر أقرب إلى قياس الإقامة المطلقة عليها بخلاف السائر وهذا ما أدى
إليه اجتهاد عثمان وأما عائشة فقد جاء عنها سبب الإتمام صريحا وهو فيما أخرجه البيهقي
من طريق هشام بن عروة عن أبيه أنها كانت تصلي في السفر أربعا فقلت لها لو صليت
ركعتين فقالت يا ابن أختي إنه لا يشق على إسناده صحيح وهو دال على أنها تأولت أن القصر
رخصة وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل ويدل على اختيار الجمهور ما رواه أبو يعلى والطبراني
بإسناد جيد عن أبي هريرة أنه سافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر فكلهم
كان يصلي ركعتين من حين يخرج من المدينة إلى مكة حتى يرجع إلى المدينة في السير وفي المقام
بمكة قال الكرماني ما ملخصه تمسك الحنفية بحديث عائشة في أن الفرض في السفر أن يصلي
الرباعية ركعتين وتعقب بأنه لو كان على ظاهره لما أتمت عائشة وعندهم العبرة بما رأى الراوي
471

إذا عارض ما روى ثم ظاهر الحديث مخالف لظاهر القرآن لأنه يدل على أنها فرضت في الأصل
ركعتين واستمرت في السفر وظاهر القرآن أنها كانت أربعا فنقصت ثم إن قولها الصلاة تعم
الخمس وهو مخصوص بخروج المغرب مطلقا والصبح بعدم الزيادة فيها في الحضر قال والعام إذا
خص ضعفت دلالته حتى اختلف في بقاء الاحتجاج به (قوله باب تصلي المغرب
ثلاثا في السفر) أي ولا يدخل القصر فيها ونقل ابن المنذر وغيره فيه الإجماع وأراد المصنف أن
الأحاديث المطلقة في قول الراوي كان يصلي في السفر ركعتين محمولة على المقيدة بأن المغرب
بخلاف ذلك وروى أحمد من طريق ثمامة بن شرحبيل قال خرجت إلى ابن عمر فقلت ما صلاة
المسافر قال ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثا (قوله إذا أعجله السير في السفر) يخرج ما إذا
أعجله السير في الحضر كأن يكون خارج البلد في بستان مثلا (قوله وزاد الليث حدثني يونس)
وصله الإسماعيلي بطوله عن القاسم بن زكريا عن ابن زنجويه عن إبراهيم بن هانئ عن الرمادي
كلاهما عن أبي صالح عن الليث به (قوله وأخر ابن عمر المغرب وكان استصرخ على صفية) بنت
أبي عبيد هي أخت المختار الثقفي وقوله استصرخ بالضم أي استغيث بصوت مرتفع وهو من
الصراخ بالخاء المعجمة والمصرخ المغيث قال الله تعالى ما أنا بمصرخكم (قوله فقلت له الصلاة)
بالنصب على الإغراء (قوله فقلت له الصلاة) فيه ما كانوا عليه من مراعاة أوقات العبادة
وفي قوله سر جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب تنبيه ظاهر سياق المؤلف أن
جميع ما بعد قوله زاد الليث ليس داخلا في رواية شعيب وليس كذلك فإنه أخرج رواية شعيب
بعد ثمانية أبواب وفيها أكثر من ذلك وإنما الزيادة في قصة صفية وصنيع بن عمر خاصة وفي
التصريح بقوله قال عبد الله رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط (قوله حتى سار
ميلين أو ثلاثة) أخرجه المصنف في باب السرعة في السير من كتاب الجهاد من رواية أسلم
مولى عمر قال كنت مع عبد الله بن عمر بطريق مكة فبلغه عن صفية بنت أبي عبيد شدة
وجع فأسرع السير حتى إذا كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعتمة جمع بينهما
فأفادت هذه الرواية تعيين السفر المذكور ووقت انتهاء السير والتصريح بالجمع بين الصلاتين
وأفاد النسائي في رواية أنها كتبت إليه تعلمه بذلك ولمسلم نحوه من رواية نافع عن ابن عمر وفي
رواية لأبي داود من هذا الوجه فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم نزل فصلى الصلاتين
جميعا وللنسائي من هذا الوجه حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب ثم أقام العشاء وقد
توارى الشفق فصلى بنا فهذا محمول على أنها قصة أخرى ويدل عليه أن في أوله خرجت مع ابن عمر
في سفر يريد أرضا لوفي الأول أن ذلك كان بعد رجوعه من مكة فدل على التعدد (قوله وقال
عبد الله) أي ابن عمر (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير) يؤخذ منه تقييد
جواز التأخير بمن كان على ظهر سير وسيأتي الكلام عليه بعد ستة أبواب (قوله يقيم المغرب)
كذا للحموي والأكثر بالقاف وهي موافقة للرواية الآتية وللمستملي والكشميهني يعتم بعين
مهملة ساكنة بعدها مثناة فوقانية مكسورة أي يدخل في العتمة ولكريمة يؤخر وفي الباب
عن عمران بن حصين قال ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صلى ركعتين إلا المغرب صححه
الترمذي وعن علي صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة السفر ركعتين إلا المغرب ثلاثا
472

أخرجه البزار وفيه أيضا عن خزيمة بن ثابت وجابر وغيرهما وعن عائشة كما تقدم في أول الصلاة
(قوله باب صلاة التطوع على الدابة) في رواية كريمة وأبي الوقت على الدواب
بصيغة الجمع قال ابن رشيد أورد فيه الصلاة على الراحلة فيمكن أن يكون ترجم بأعم ليلحق
الحكم بالقياس ويمكن أن يستفاد ذلك من أطلاق حديث جابر المذكور في الباب أه وقد تقدم
في أبواب الوتر قول الزين بن المنير أنه ترجم بالدابة تنبيها على أن لا فرق بينها وبين البعير في الحكم
إلى آخر كلامه وأشرنا هناك إلى ما ورد هنا بعد باب بلفظ الدابة (قوله حدثنا عبد الأعلى) هو ابن
عبد الأعلى (قوله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه) هو العنزي بفتح المهملة والنون بعدها
زاي حليف آل الخطاب كان من المهاجرين الأولين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر
في الجنائز وآخر علقه في الصيام وفي رواية عقيل عن ابن شهاب الآتية بعد باب أن عامر بن ربيعة
أخبره (قوله يصلي على راحلته) بين في رواية عقيل أن ذلك في غير المكتوبة وسيأتي بعد باب
وكذا لمسلم من رواية يونس عن ابن شهاب بلفظ السبحة (قوله حيث توجهت به) هو أعم من قول
جابر في غير القبلة قال ابن التين قوله حيث توجهت به مفهومه أنه يجلس عليها على هيئته التي
يركبها عليها ويستقبل بوجهه ما استقبلته الراحلة فتقديره يصلي على راحلته التي له حيث
توجهت به فعلى هذا يتعلق قوله توجهت به بقوله يصلي ويحتمل أن يتعلق بقوله على راحلته لكن
يؤيد الأول الرواية الآتية يعني رواية عقيل عن بن شهاب بلفظ وهو على الراحلة يسبح قبل أي
وجه توجهت (قوله حدثنا شيبان) هو النحوي ويحيى هو بن أبي كثير ومحمد بن عبد الرحمن هو
ابن ثوبان كما سنبينه بعد باب (قوله وهو راكب) في الرواية الآتية على راحلته نحو المشرق وزاد
وإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة وبين في المغازي من طريق عثمان بن عبد الله
ابن سراقة عن جابر أن ذلك كان في غزوة أنمار وكانت أرضهم قبل المشرق لمن يخرج من المدينة
فتكون القبلة على يسار القاصد إليهم وزاد الترمذي من طريق أبي الزبير عن جابر بلفظ فجئت
وهو يصلي على راحلته نحو المشرق السجود أخفض من الركوع (قوله كان ابن عمر يصلي على
راحلته) يعني في السفر وصرح به في حديث الباب الذي بعده (قوله ويوتر عليها) لا يعارض
ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير أن ابن عمر كان يصلي على الراحلة تطوعا فإذا أراد أن
يوتر نزل فأوتر على الأرض لأنه محمول على أنه فعل كلا من الأمرين ويؤيد رواية الباب ما تقدم
في أبواب الوتر أنه أنكر على سعيد بن يسار نزوله الأرض ليوتر وإنما أنكر عليه مع كونه كان
يعفله لأنه أراد أن يبين له أن النزول ليس بحتم ويحتمل أن يتنزل فعل بن عمر على حالين فحيث أوتر على
الراحلة كان مجدا في السير وحيث نزل فأوتر على الأرض كان بخلاف ذلك (قوله
باب الإيماء على الدابة) أي للركوع والسجود لمن لم يتمكن من ذلك وبهذا قال
الجمهور وروى أشهب عن مالك أن الذي يصلي على الدابة لا يسجد بل يومئ (قوله حدثنا موسى
ابن إسماعيل قال حدثنا عبد العزيز) تقدم هذا الحديث في أبواب الوتر في باب الوتر في السفر عن
موسى هذا عن جويرية بن أسماء فكأن لموسى فيه شيخين فإن الراوي عن ابن عمر في ذلك مغاير
لهذا وزاد في رواية جويرية يومئ إيماء إلا الفرائض
قال ابن دقيق العيد الحديث يدل على
الإيماء مطلقا في الركوع والسجود معا والفقهاء قالوا يكون الإيماء في السجود أخفض من
473

الركوع ليكون البدل على وفق الأصل وليس في لفظ الحديث ما يثبته ولا ينفيه (قلت) إلا أنه
وقع في حديث جابر عند الترمذي كما تقدم (قوله باب ينزل للمكتوبة) أي
لأجلها قال ابن بطال أجمع العلماء على اشتراط ذلك وأنه لا يجوز لأحد أن يصلي الفريضة على
الدابة من غير عذر حاشا ما ذكر في صلاة شدة الخوف وذكر فيه حديث عامر بن ربيعة وقد تقدم
قريبا (قوله يسبح) أي يصلي النافلة وقد تكرر في الحديث كثيرا وسيأتي قريبا حديث عائشة
سبحة الضحى والتسبيح حقيقة في قول سبحان الله فإذا أطلق على الصلاة فهو من باب إطلاق اسم
البعض على الكل أو لأن المصلي منزه لله سبحانه وتعالى بإخلاص العبادة والتسبيح التنزيه
فيكون من باب الملازمة وأما اختصاص ذلك بالنافلة فهو عرف شرعي والله أعلم (قوله وقال
الليث) وصله الإسماعيلي بالاسنادين المذكورين قيل ببابين (قوله حدثنا هشام) هو الدستوائي
ويحيى هو بن أبي كثير قال المهلب هذه الأحاديث تخص قوله تعالى وحيثما كنتم فولوا وجوهكم
شطره وتبين أن قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله في النافلة وقد أخذ بمضمون هذه الأحاديث
فقهاء الأمصار إلا أن أحمد وأبا ثور كانا يستحبان ان يستقل القبلة بالتكبير حال ابتداء الصلاة
والحجة لذلك حديث الجارود بن أبي سبرة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن
يتطوع في السفر استقبل بناقته القبلة ثم صلى حيث وجهت ركابه أخرجه أبو داود وأحمد
والدارقطني واختلفوا في الصلاة على الدواب في السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة فذهب الجمهور
إلى جواز ذلك في كل سفر غير مالك فخصه بالسفر الذي تقصر فيه الصلاة قال الطبري لا أعلم أحدا
وافقه على ذلك (قلت) ولم يتفق على ذلك عنه وحجت أن هذه الأحاديث إنما وردت في أسفاره صلى
الله عليه وسلم ولم ينقل عنه أنه سافر قصيرا فصنع ذلك وحجة الجمهور مطلق الأخبار في ذلك
واحتج الطبري للجمهور من طريق النظر أن الله تعالى جعل التيمم رخصة للمريض والمسافر وقد
أجمعوا على أن من كان خارج المصر على ميل أو أقل ونيته العود إلى منزله لا إلى السفر آخر ولم يجد ماء
أنه يجوز له التيمم وقال فكما جاز له التيمم في هذا القدر جاز له التنفل على الدابة لاشتراكهما في الرخصة
أه وكأن السر فيما ذكر تسير تحصيل النوافل على العباد وتكثيرها تعظيما لأجورهم رحمة من
الله بهم وقد طرد أبو يوسف ومن وافقه التوسعة في ذلك فجوزه في الحضر أيضا وقال به من
الشافعية أبو سعيد الإصطخري واستدل بقوله حيث كان وجهه على أن جهة الطريق تكون بدلا
عن القبلة حتى لا يجوز الانحراف عنها عامدا قاصدا لغير حاجة المسير إلا إن كان سائرا في غير جهة
القبلة فانحرف إلى جهة القبلة فإن ذلك لا يضره على الصحيح واستدل به على أن الوتر غير واجب
عليه صلى الله عليه وسلم لايقاعه إياه على الراحلة كما تقدم البحث فيه في باب الوتر في السفر من
أبواب الوتر واستنبط من دليل التنفل للراكب جواز التنفل للماشي ومنعه مالك مع أنه أجازه
لراكب السفينة (قوله باب صلاة التطوع على الحمار) قال ابن رشيد مقصوده أنه
لا يشترط في التطوع على الدابة أن تكون الدابة طاهرة الفضلات بل الباب في المركوبات واحد
بشرط أن لا يماس النجاسة وقال ابن دقيق العيد يؤخذ من هذا الحديث طهارة عرق الحمار
لأن ملابسته مع التحرز منه متعذر لا سيما إذا طال الزمان في ركوبه واحتمل العرق (قوله حدثنا
حبان) بفتح المهملة وبالموحدة هو ابن هلال (قوله استقبلنا أنس بن مالك) بسكون اللام (قوله
474

حين قدم من الشام) كان أنس قد توجه إلى الشام يشكو من الحجاج وقد ذكرت طرفا من ذلك في
أوائل كتاب الصلاة ووقع في رواية مسلم حين قدم الشام وغلطوه لأن أنس بسيرين إنما تلقاه لما
رجع من الشام فخرج ابن سيرين من البصرة ليتلقاه ويمكن توجيهه بأن يكون المراد بقوله حين
قدم الشام مجرد ذكر الوقت الذي وقع له فيذلك كما تقول فعلت كذا لما حججت قال النووي
رواية مسلم صحيحة ومعناه تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام (قوله فلقيناه بعين التمر) هو
موضع بطريق العراق مما يلي الشام وكانت به وقعة شهيرة في آخر خلافة أبي بكر بين خالد بن
الوليد والأعاجم ووجد بها غلمانا من العرب كانوا رهنا تحت يد كسرى منهم جد الكلبي المفسر
وحمران مولى عثمان وسيرين مولى أنس (قوله رأيتك تصلي لغير القبلة) فيه إشعار بأنه لم فقلنا
الصلاة على الحمار ولا غير ذلك من هيئة أنس في ذلك وإنما أنكر عدم استقبال القبلة فقط وفي
قول أنس لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة يعني ترك استقبال القبلة للمتنفل على
الدابة وهل يؤخذ منه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمار فيه احتمال وقد نازع في ذلك
الإسماعيلي فقال خبر أنس إنما هو في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم راكبا تطوعا لغير القبلة
فافراد الترجمة في الحمار من جهة السنة لا وجه له عندي أه وقد روى السراج من طريق
يحيى بن سعيد عن أنس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو ذاهب إلى خيبر
إسناده حسن وله شاهد عند مسلم من طريق عمرو بن يحيى المازني عن سعيد بن يسار عن ابن عمر
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر فهذا يرجح الاحتمال الذي
أشار إليه البخاري * (فائدة) * لم يبين في هذه الرواية كيفية صلاة أنس وذكره في الموطأ عن يحيى
ابن سعيد قال رأيت أنسا وهو يصلي على حمار وهو متوجه إلى غير القبلة يركع ويسجد إيماء من
غير أن يضع جبهته على شئ (قوله ورواه إبراهيم بن طهمان عن حجاج) يعني ابن حجاج الباهلي
ولم يسق المصنف المتن ولا وقفنا عليه موصولا من طريق إبراهيم نعم وقع عند السراج من طريق
عمرو بن عامر عن الحجاج بن الحجاج بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى على ناقته
حيث توجهت به فعلى هذا كأن أنسا قاس الصلاة على الراحلة بالصلاة على الحمار وفي هذا
الحديث من الفوائد غير ما مضى أن من صلى على موضع فيه نجاسة لا يباشرها بشئ منه أن صلاته
صحيحة لأن الدابة لا تخلو من نجاسة ولو على منفذها وفيه الرجوع إلى أفعاله كالرجوع إلى
أقواله من غير عرضة للاعتراض عليه وفيه تلقى المسافر وسؤال التلميذ شيخه عن مستند فعله
والجواب بالدليل وفيه التلطف في السؤال والعمل بالإشارة لقوله من ذا الجانب (قوله
باب من لم يتطوع في السفر الصلاة) زاد الحموي في روايته وقبلها والأرجح رواية
الأكثر لما سيأتي في الباب الذي بعده وقد تقدم شئ من مباحث هذا الباب في أبواب الوتر
والمقصود هنا بيان أن مطلق قول ابن عمر صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح في السفر
أي يتنفل الرواتب التي قبل الفريضة وبعدها وذلك مستفاد من قوله في الرواية الثانية وكان
لا يزيد في السفر على ركعتين قال ابن دقيق العيد وهذا اللفظ يحتمل أن يريد أن لا يزيد في عدد ركعات
الفرض فيكون كناية عن نفى الإتمام والمراد به الإخبار عن المداومة على القصر ويحتمل أن يريد
لا يزيد نفلا ويمكن أن يريد ما هو أعم من ذلك (قلت) ويدل على هذا الثاني رواية مسلم من الوجه
475

الثاني الذي أخرجه المصنف ولفظه صحبت بن عمر في طريق مكة فصلى لنا الظهر ركعتين ثم أقبل
وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلسنا معه فحانت منه التفاتة فرأى ناسا قياما فقال ما يصنع هؤلاء
قلت يسبحون قال لو كنت مسبحا لأتممت فذكر المرفوع كما ساقه المصنف قال النووي أجابوا
عن قول ابن عمر هذا بأن الفريضة محتمة فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها وأما النافلة فهي إلى خيرة
المصلى فطريق الرفق به أن تكون مشروعة ويخير فيها أه وتعقب بأن مراد ابن عمر بقوله لو
كنت مسبحا لأتممت يعني أنه لو كان مخيرا بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليه
لكنه فهم من القصر التخفيف فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم (قوله حدثني عمر بن محمد)
هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر وحفص هو بن عاصم أي ابن عمر بن الخطاب ويحيى شيخ مسدد هو
القطان (قوله وأبا بكر) معطوف على قوله صحبت رسول الله (قوله وعمر وعثمان
كذلك) أي صحبهم وكانوا لا يزيدون في السفر على ركعتين وفي ذكر عثمان إشكال لأنه كان في
آخر أمره يتم الصلاة كما تقدم قريبا فيحمل على الغالب أو المراد به أنه كان لا يتنفل في أول أمره
ولا في آخره وأنه إنما كان يتم إذا كان نازلا وأما إذا كان سائرا فيقصر فلذلك قيده في هذه
الرواية بالسفر وهذا أولى لما تقدم تقريره في الكلام على تأويل عثمان (قوله باب
من تطوع في السفر في غير دبر الصلاة) هذا مشعر بأن نفى التطوع في السفر محمول على
ما بعد الصلاة خاصة فلا يتناول ما قبلها ولا ما لا تعلق له بها من النوافل المطلقة كالتهجد والوتر
والضحى وغير ذلك والفرق بين ما قبلها وما بعدها أن التطوع قبلها لا يظن أنه منها لأنه ينفصل
عنها بالإقامة وانتظار الإمام غالبا ونحو ذلك بخلاف ما بعدها فإنه في الغالب يتصل بها فقد
يظن أنه منها * (فائدة) * نقل النووي تبعا لغيره أن العلماء اختلفوا في التنفل في السفر على
ثلاثة أقوال المنع مطلقا والجواز مطلقا والفرق بين الرواتب والمطلقة وهو مذهب ابن عمر كما
أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن مجاهد قال صحبت بن عمر من المدينة إلى مكة وكان يصلي
تطوعا على دابته حيثما توجهت به فإذا كانت الفريضة نزل فصلى وأغفلوا قولا رابعا وهو
الفرق بين الليل والنهار في المطلقة وخامسا وهو ما فرغنا من تقريره (قوله وركع النبي صلى الله
عليه وسلم في السفر ركعتي الفجر) قلت ورد ذلك في حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم
عن صلاة الصبح ففيه ثم صلى ركعتين قبل الصبح ثم صلى الصبح كما كان يصلي وله من حديث أبي
هريرة في هذه القصة أيضا ثم دعا بماء فتوضأ ثم صلى سجدتين أي ركعتين ثم أقيمت الصلاة
فصلى صلاة الغداة الحديث ولابن خزيمة والدارقطني من طريق سعيد بن المسيب عن بلال في
هذه القصة فأمر بلالا فأذن ثم توضأ فصلوا ركعتين ثم صلوا الغداة ونحوه للدارقطني من طريق
الحسن عن عمران بن حصين قال صاحب الهدى لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى
سنة الصلاة قبلها ولا بعدها في السفر إلا ما كان من سنة الفجر (قلت) ويرد على إطلاقه ما رواه
أبو داود والترمذي من حديث ث البراء بن عازب قال سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية
عشر سفرا فلم أره ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر وكأنه لم يثبت عنده لكن الترمذي
استغربه ونقل عن البخاري أنه رآه حسنا وقد حمله بعض العلماء على سنة الزوال لا على الراتبة
قبل الظهر والله أعلم (قوله ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى غير
476

أم هانئ) هذا لا يدل على نفى الوقوع لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى إنما نفى ذلك عن نفسه وأما قول
ابن بطال لا حجة في قول بن أبي ليلى وتر عليه الأحاديث الواردة في أنه صلى الضحى وأمر بها ثم ذكر
منها جملة فلا يرد علي بن أبي ليلى شئ منها وسيأتي الكلام على صلاة الضحى في باب مفرد في
أبواب التطوع والمقصود هنا أنه صلى الله عليه وسلم صلاها يوم فتح مكة وقد تقدم في حديث ابن
عباس أنه كان حينئذ يقصر الصلاة المكتوبة وكان حكمه حكم المسافر (قوله وقال الليث حدثني
يونس) قد تقدم قبل ببابين موصولا من رواية الليث عن عقيل ولكن لفظ الكلب مختلف
ورواية يونس هذه وصلها الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عنه (قوله يومئ برأسه) هو تفسير
لقوله يسبح أي يصلي إيماء وقد تقدم في باب الإيماء على الدابة من وجه آخر عن ابن عمر لكن هناك
ذكره موقوفا ثم عقبه بالمرفوع وهذا ذكر مرفوعا ثم عقبه بالموقوف وفائدة ذلك مع أن الحجة قائمة
بالمرفوع أن يبين أن العمل استمر على ذلك ولم يتطرق إليه نسخ ولا معارض ولا راجح وقد اشتملت
أحاديث الباب على يجري ما يتطوع به سوى الراتبة التي بعد المكتوبة فالأول لما قبل المكتوبة
والثاني لما له وقت مخصوص من النوافل كالضحى والثالث لصلاة الليل والرابع لمطلق النوافل
وقد جمع ابن بطال بين ما أختلف عن بن عمر في ذلك بأنه كان يمنع التنفل على الأرض ويقول به
على الدابة وقال النووي تبعا لغيره لعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في رحله
ولا يراه ابن عمر أو لعله تركها في بعض الأوقات لبيان الجواز أه وما جمعنا به تبعا للبخاري فيما
يظهر أظهر والله أعلم (قوله باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء) أورد فيه
ثلاثة أحاديث حديث ابن عمر وهو مقيد بما إذا جد السير وحديث ابن عباس وهو مقيد بما إذا
كان سائرا وحديث أنس وهو مطلق واستعمل المصنف الترجمة مطلقة إشارة إلى العمل بالمطلق
لأن المقيد فرد من أفراده وكأنه رأى جواز الجمع بالسفر سواء كان سائرا أم لا وسواء كان سيرا مجدا
أم لا وهذا مما وقع فيه الاختلاف بين أهل العلم فقال بالإطلاق كثير من الصحابة والتابعين ومن
الفقهاء الثوري والشافعي وأحمد وإسحق وأشهب وقال قوم لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة
ومزدلفة وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه ووقع عند النووي أن الصاحبين
خالفا شيخهما ورد عليه السروجي في شرح الهداية وهو أعرف بمذهبه وسيأتي الكلام على الجمع
بعرفة فكتاب الحج إن شاء الله تعالى وأجابوا عما ورد من الأخبار في ذلك بأن الذي وقع جمع صوري
وهو أنه أخر المغرب مثلا إلى آخر وقتها وعجل العشاء في أول وقتها وتعقبه الخطابي وغيره بأن
الجمع رخصة فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقا من الإتيان بكل صلاة في وقتها لأن أوائل
الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن فضالة ومن الدليل على أن الجمع رخصة
قول ابن عباس أراد أن لا يحرج أمته أخرجه مسلم وأيضا فإن الأخبار جاءت صريحة بالجمع في
وقت إحدى الصلاتين كما سيأتي في الباب الذي يليه وذلك هو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع
ومما يرد الحمل على الجمع الصوري جمع التقديم الآتي ذكره بعد باب وقيل يختص الجمع بمن يجد في
السير قاله الليث وهو القول المشهور عن مالك وقيل يختص بالمسافر دون النازل وهو قول ابن
حبيب وقيل يختص بمن له عذر حكى عن الأوزاعي وقيل يجوز جمع التأخير دون التقديم وهو
مروي عن مالك وأحمد واختاره ابن حزم * (تنبيه) * أورد المصنف ف في أبواب التقصير أبواب
477

الجمع لأنه تقصير بالنسبة إلى الزمان ثم أبواب صلاة المعذور قاعدا لأنه تقصير بالنسبة إلى بعض
صور الأفعال ويجمع الجميع الرخصة للمعذور (قوله في حديث ابن عمر جد به السير) أي
اشتد قاله صاحب المحكم وقال عياض جد به السير أسرع كذا قال وكأنه نسب الإسراع إلى
السير توسعا (قوله وقال إبراهيم بن طهمان) وصله البيهقي من طريق محمد بن عبدوس عن أحمد
ابن حفص النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم المذكور بسنده المذكور إلى ابن عباس بلفظه
(قوله على ظهر سير) كذا للأكثر بالإضافة وفي رواية الكشميهني على ظهر بالتنوين يسير
بلفظ المضارع بتحتانية مفتوحة في أوله قال الطيبي الظهر في قوله ظهر سير للتأكيد كقوله
الصدقة عن ظهر غنى ولفظ الظهر يقع في مثل هذا اتساعا للكلام كأن السير كان مستندا إلى
ظهر قوي من المطي مثل وقال غيره جعل للسير ظهر لأن الراكب ما دام سائرا فكأنه راكب ظهر
(قلت) وفيه جناس التحريف بين الظهر والظهر واستدل به على جواز جمع التأخير وأما جمع
التقديم فسيأتي الكلام عليه بعد باب (قوله وعن حسين) هو معطوف على الذي قبله والتقدير
وقال إبراهيم بن طهمان عن حسين عن يحيى عن حفص وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج
ويحتمل أن يكون علقه عن حسين لا بقيد كونه من رواية إبراهيم بن طهمان عنه (قوله تابعه
علي بن المبارك وحرب) أي ابن شداد (عن يحيى) هو ابن أبي كثير عن حفص أي تابعا حسينا فأما
متابعة حرب فوصلها المصنف في آخر الباب الذي بعده وقد تابعهم معمر عند أحمد وأبان بن
يزيد عند الطحاوي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير (قوله باب هل يؤذن أو
يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء) قال ابن رشيد ليس في حديثي الباب تنصيص على الأذان لكن
في حديث ابن عمر منهما يقيم المغرب فيصليها ولم يرد بالإقامة نفس الأذان وإنما أراد يقيم للمغرب
فعلى هذا فكأن مراده بالترجمة هل يؤذن أو يقتصر على الإقامة وجعل حديث أنس مفسرا
بحديث ابن عمر لأن في حديث ابن عمر حكما زائدا أه ولعل المصنف أشار بذلك إلى ما ورد في
بعض طرق حديث بن عمر ففي الدارقطني من طريق عمر بن محمد بن زيد عن نافع عن ابن عمر في
قصة جمعه بين المغرب والعشاء فنزل فأقام الصلاة وكان لا ينادي بشئ من الصلاة في السفر فقام
فجمع بين المغرب والعشاء ثم رفع الحديث وقال الكرماني لعل الراوي لما أطلق لفظ الصلاة
استفيد منه أن المراد بها التامة بأركانها وشرائطها وسننها ومن جملتها الأذان والإقامة وسبقه
ابن بطال إلى نحو ذلك (قوله يؤخر صلاة المغرب) لم يعين غاية التأخير وبينه مسلم من طريق عبيد
الله بن عمر عن نافع عن بن عمر بأنه بعد أن يغيب الشفق وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن
أيوب وموسى بن عقبة عن نافع فأخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوى من الليل
وللمصنف في الجهاد من طريق أسلم مولى عمر عن ابن عمر في هذه القصة حتى كان بعد غروب
الشفق نزل فصلى المغرب والعشاء جمعا بينهما ولأبي داود من طريق ربيعة عن عبد الله بن
دينار عن ابن عمر في هذه القصة فصار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم نزل فصلى الصلاتين
جمعا وجاءت عن ابن عمر روايات أخرى أنه صلى المغرب في آخر الشفق ثم أقام الصلاة وقد توارى
الشفق فصلى العشاء أخرجه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن نافع ولا تعارض
478

بينه وبين ما سبق لأنه كان في واقعة أخرى (قوله ثم قلما يلبث حتى يقيم العشاء) فيه اثبات
للبث قليل وذلك على نحو ما وقع في الجمع بمزدلفة من إناخة الرواحل ويدل عليه ما تقدم من الطرق
التي فيها جمع بينهما وصلاهما جميعا وفيه حجة على من حمل أحاديث الجمع على الجمع الصوري
قال إمام الحرمين ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق إليها تأويل ودليله من حيث المعنى
الاستنباط من الجمع بعرفة ومزدلفة فإن سببه احتياج الحاج إليه لاشتغالهم بمناسكهم وهذا
المعنى موجود في كل الأسفار ولم تتقيد الرخص كالقصر والفطر بالنسك إلى أن قال ولا يخفى على
منصف أن الجمع أرفق من القصر فإن القائم إلى الصلاة لا يشق عليه ركعتان يضمهما إلى ركعتيه
ورفق الجمع واضح لمشقة النزول على المسافر واحتج به من قال باختصاص الجمع لمن جد به السير
وسيأتي ذلك في الباب الذي بعده (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في
المستخرج ومال أبو علي الجياني إلى أنه إسحق بن منصور وقد تقدم الكلام على حديث أنس في
الباب الذي قبله (قوله باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا أرتحل قبل أن تزيغ
الشمس) في هذا إشارة إلى أن جمع التأخير عند المصنف يختص بمن ارتحل قبل أن يدخل وقت
الظهر (قوله فيه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم) يشير إلى حديثه الماضي قبل
باب فإنه قيد الجمع فيه بما إذا كان على ظهر السير ولا قائل بأنه يصليهما وهو راكب فتعين أن
المراد به جمع التأخير ويؤيده رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده من طريق مقسم عن
بن عباس ففيها التصريح بذلك وإن كان في إسناده مقال لكنه يصلح للمتابعة (قوله حدثنا
حسان الواسطي) هو ابن عبد الله بن سهل الكندي المصري كان أبوه واسطيا فقدم مصر فولد
بها حسان المذكور واستمر بها إلى أن مات (قوله حدثنا المفضل بن فضالة) بفتح الفاء بعدها
معجمة خفيفة من ثقات المصريين وفي الرواة حسان الواسطي آخر لكنه حسان بن حسان يروي
عن شعبة وغيره ضعفه الدارقطني ووهم بعض الناس فزعم أنه شيخ البخاري هنا وليس كذلك
فإنه ليست له رواية عن المصريين (قوله تزيغ) بزاي ومعجمة أي تميل وزاغت مالت وذلك إذا
قام الفئ (قوله ثم يجمع بينهما) أي في وقت العصر وفي رواية قتيبة عن المفضل في الباب
لذي بعده ثم نزل فجمع بينهما ولمسلم من رواية جابر بن إسماعيل عن عقيل يؤخر الظهر إلى وقت
العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق وله من
رواية شبابة عن عقيل حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما (قوله وإذا زاغت) أي قبل أن
يرتحل كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده (قوله باب إذا ارتحل بعد ما زاغت
الشمس صلى الظهر ثم ركب) أورد فيه حديث أنس المذكور قبله وفيه فإذا زاغت الشمس قبل
أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب كذا فيه الظهر فقط وهو المحفوظ عن عقيل في الكتب المشهورة
ومقتضاه أنه كان لا يجمع بين الصلاتين إلا في وقت الثانية منهما وبه احتج من أبى جمع التقديم
كما تقدم ولكن روى إسحق بن راهويه هذا الحديث عن شبابة فقال كان إذا كان في سفر فزالت
الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم أرتحل أخرجه الإسماعيلي وأعل بتفرد إسحق بذلك عن
شبابة ثم تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق وليس ذلك بقادح فإنهما إمامان حافظان وقد وقع نظيره
في الأربعين للحاكم قال حدثنا محمد بن يعقوب هو الأصم حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني هو أحد
479

شيوخ مسلم قال حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي فذكر الحديث وفيه فإن زاغت الشمس قبل أن
يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب قال الحافظ صلاح الدين العلائي هكذا وجدته بعد التتبع
في نسخ كثيرة من الأربعين بزيادة العصر وسند هذه الزيادة جيد انتهى (قلت) وهي متابعة
قوية لرواية إسحق بن راهويه إن كانت ثابتة لكن في ثبوتها نظر لأن البيهقي أخرج هذا
الحديث عن الحاكم بهذا الإسناد مقرونا برواية أبي داود عن قتيبة وقال إن لفظهما سواء
إلا أن في رواية قتيبة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية حسان أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم والمشهور في جمع التقديم ما أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان من
طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل وقد أعله جماعة من أئمة
الحديث بتفرد قتيبة عن الليث وأشار البخاري إلى أن بعض الضعفاء أدخله على قتيبة حكاه
الحاكم في علوم الحديث وله طريق أخرى عن معاذ بن جبل أخرجها أبو داود من رواية
هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل وهشام مختلف فيه وقد خالفه الحفاظ من أصحاب
أبي الزبير كمالك والثوري وقرة بن خالد وغيرهم فلم يذكروا في روايتهم جمع التقديم وورد في جمع
التقديم حديث آخر عن ابن عباس أخرجه أحمد وذكره أبو داود تعليقا والترمذي في بعض
الروايات عنه وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف لكن له شواهد من طريق
حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس لا أعلمه إلا مرفوعا أنه كان إذا نزل منزلا في السفر
فأعجبه أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر ثم يرتحل فإذا لم يتهيأ له المنزل الفساد في السير فسار حتى
ينزل فيجمع بين الظهر والعصر أخرجه البيهقي ورجاله ثقات إلا أنه مشكوك في رفعه والمحفوظ
أنه موقوف وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر مجزوما بوقفه علي بن عباس ولفظه إذا كنتم
سائرين فذكر نحوه وفي حديث أنس استحباب التفرقة في حال الجمع بين ما إذا كان سائرا أو نازلا
وقد استدل به على اختصاص الجمع بمن جد به السير لكن وقع التصريح في حديث معاذ بن جبل
في الموطأ ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة في غزوة تبوك ثم خرج فصلى الظهر والعصر
جميعا ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جمعا قال الشافعي في الأم قوله دخل ثم خرج
لا يكون إلا وهو نازل فينبسط أن يجمع نازلا ومسافرا وقال ابن عبد البر في هذا أوضح دليل على
الرد على من قال لا يجمع إلا من جد به السير وهو قاطع للالتباس انتهى وحكى عياض أن
بعضهم أول قوله ثم دخل أي في الطريق مسافرا ثم خرج أي عن الطريق للصلاة ثم أستبعده
ولا شك في بعده وكأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز وكان أكثر عادته ما دل عليه
حديث أنس والله أعلم ومن ثم قال الشافعية ترك الجمع أفضل وعن مالك رواية أنه مكروه وفي
هذه الأحاديث تخصيص لحديث الأوقات التي بينها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وبينها النبي
صلى الله عليه وسلم للأعرابي حيث قال في آخرها الوقت ما بين هذين وقد تقدمت الإشارة إليه في
المواقيت * (تنبيه) * تقدم الكلام على الجمع بين الصلاتين بعذر المطر أو المرض أو الحاجة
في الحضر في المواقيت في باب وقت الظهر وفي باب وقت المغرب (قوله باب صلاة
القاعد) قال ابن رشيد أطلق الترجمة فيحتمل أن يريد صلاة القاعد للعذر إماما كان
أو مأموما أو منفردا ويؤيده أن أحاديث الباب دالة على التقييد بالعذر ويحتمل أن يريد مطلقا
480

لعذر ولغير عذر ليبين أن ذلك جائز إلا ما دل الإجماع على منعه وهو صلاة الفريضة للصحيح
قاعدا أه (قوله وهو شاك) بالتنوين مخففا من الشكاية وقد تقدم الكلام عليه موضحا في
أبواب الإمامة وكذا على حديث أنس وفيه بيان سبب الشكاية وهما في صلاة الفرض بلا
خلاف وأما حديث عمران ففيه احتمال سنذكره (قوله أخبرنا حسين) هو المعلم كما صرح به
في الباب الذي بعده (قوله وأخبرنا اسحق) في رواية الكشميهني وزاد اسحق والمراد به على
الحالين إسحق بن منصور شيخه في الاسناد الذي قبله (قوله عن عمران بن حصين) في رواية
عفان عن عبد الوارث حدثنا عمران أخرجه الإسماعيلي وفيه غنية عن تكلف ابن حبان
إقامة الدليل على أن بن بريدة عاصر عمران (قوله سمعت أبي) هو عبد الوارث بن سعيد التنوري
وهذه الطريق أنزل من التي قبلها وكذا من التي بعدها بدرجة لكن استفيد منها تصريح ابن
بريدة بقوله حدثني عمران (قوله وكان مبسورا) بسكون الموحدة بعدها مهملة أي كانت
به بواسير كما صرح به بعد باب والبواسير جمع باسور يقال بالموحدة وبالنون أو الذي بالموحدة
ورم في باطن المقعدة والذي بالنون قرحة فاسدة لا تقبل البرء ما دام فيها ذلك الفساد (قوله
عن صلاة الرجل قاعدا) قال الخطابي كنت تأولت هذا الحديث على أن المراد به صلاة
التطوع يعني للقادر لكن قوله من صلى نائما يفسده لأن المضطجع لا يصلي التطوع كما يفعل
القاعد لأني لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في ذلك قال فإن صحت هذه اللفظة
ولم يكن بعض الرواة أدرجها قياسا منه للمضطجع على القاعد كما يتطوع المسافر على راحلته
فالتطوع للقادر على القعود مضطجعا جائز بهذا الحديث قال وفي القياس المتقدم نظر لأن
القعود شكل من أشكال الصلاة بخلاف الاضطجاع قال وقد رأيت الآن أن المراد بحديث
عمران المريض المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة فجعل أجر القاعد على
النصف من أجر القائم ترغيبا له في القيام مع جواز قعوده انتهى وهو حمل متجه ويؤيده صنيع
البخاري حيث أدخل في الباب حديثي عائشة وأنس وهما في صلاة المفترض قطعا وكأنه
أراد أن تكون الترجمة شاملة لأحكام المصلي قاعدا ويتلقى ذلك من الأحاديث التي أوردها
في الباب فمن صلى فرضا قاعدا وكان يشق عليه القيام أجزأه وكان هو ومن صلى قائما سواء كما
دل عليه حديث أنس وعائشة فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام ولو شق عليه كان أفضل
لمزيد أجر تكلف القيام فلا يمتنع أن يكون أجره على ذلك وكما أجره على أصل الصلاة فيصح
أن أجر القاعد على النصف من أجر القائم ومن صلى النفل قاعدا مع القدرة على القيام أجزأه
وكان أجره على النصف من أجر القائم بغير إشكال وأما قول الباجي إن الحديث في المفترض
والمتنقل معا فإن أراد بالمفترض ما قررناه فذاك وإلا فقد أبى ذلك أكثر العلماء وحكى ابن التين
وغيره عن أبي عبيد وابن الماجشون وإسماعيل القاضي وابن شعبان والإسماعيلي والداودي
وغيرهم أنهم حملوا حديث عمران على المتنفل وكذا نقله الترمذي عن الثوري قال وأما المعذور
إذا صلى جالسا فله مثل أجر القائم ثم قال وفي هذا الحديث ما يشهد له يشير إلى ما أخرجه البخاري في
الجهاد من حديث أبي موسى رفعه إذا مرض العبد أو سافر كتب له صالح ما كان يعمل وهو
481

صحيح مقيم ولهذا الحديث شواهد كثيرة سيأتي ذكرها في الكلام عليه إن شاء الله تعالى ويؤيد
ذلك قاعدة تغليب فضل الله تعالى وقبول عذر من له عذر والله أعلم ولا يلزم من اقتصار العلماء
المذكورين في حمل الحديث المذكور على صلاة النافلة أن لا ترد الصورة التي ذكرها الخطابي
وقد ورد في الحديث ما يشهد لها فعند أحمد من طريق ابن جريج عن ابن شهاب عن أنس قال
قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي محمة فحمى الناس فدخل النبي صلى الله عليه وسلم
المسجد والناس يصلون من قعود فقال صلاة القاعد نصف صلاة القائم رجاله ثقات وعند
النسائي متابع له من وجه آخر وهو وارد في المعذور فيحمل على من تكلف القيام مع مشقته
عليه كما بحثه الخطابي وأما نفى الخطابي جواز التنفل مضطجعا فقد تبعه بن بطال على ذلك
وزاد لكن الخلاف ثابت فقد نقله الترمذي شوال إلى الحسن البصري قال إن شاء الرجل
صلى صلاة التطوع قائما وجالسا ومضطجعا وقال به جماعة من أهل العلم وأحد الوجهين
للشافعية وصححه المتأخرون وحكاه عياض وجها عند المالكية أيضا وهو اختيار الأبهري
منهم واحتج بهذا الحديث * (تنبيه) * سؤال عمران عن الرجل خرج مخرج الغالب
فلا مفهوم له بل الرجل والمرأة في ذلك سواء (قوله ومن صلى قاعدا) يستثنى من عمومه النبي
صلى الله عليه وسلم فان صلاته قاعدا لا ينقص أجرها عن صلاته قائما لحديث عبد الله
ابن عمرو قال بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة
فأتيته فوجدته يصلى جالسا فوضعت يدي على رأسي فقال مالك يا عبد الله فأخبرته فقال
أجل ولكني لست كأحد منكم أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وهذا ينبني على أن
المتكلم انظر في عموم خطابه وهو الصحيح وقد عد الشافعية في خصائصه صلى الله عليه وسلم
هذه المسئلة وقال عياض في الكلام على تنفله صلى الله عليه وسلم قاعدا قد علله في حديث
عبد الله بن عمرو بقوله لست كأحد منكم فيكون هذا مما خص به قال ولعله أشار بذلك
إلى من لا عذر له فكأنه قال إني ذو عذر وقد رد النووي هذا الاحتمال قال وهو ضعيف
أو باطل * (فائدة) * لم يبين كيفية القعود فيؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء
المصلى وهو قضية كلام الشافعي في البويطي وقد اختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة يصلي
متربعا وقيل يجلس مفترشا وهو موافق لقول الشافعي في مختصر المزني وصححه الرافعي ومن
تبعه وقيل متوركا وفي كل منها أحاديث وسيأتي الكلام على قوله نائما في الباب الذي يليه
(قوله باب صلاة القاعد بالإيماء) أورد فيه حديث عمران بن حصين أيضا
وليس فيه ذكر الإيماء وإنما فيه مثل ما في الذي قبله ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد قال ابن
رشيد مطابقة الحديث للترجمة من جهة أن من صلى على جنب فقد أحتاج إلى الإيماء انتهى
وليس ذلك بلازم نعم يمكن أن يكون البخاري يختار جواز ذلك ومستنده ترك التفصيل فيه
من الشارع وهو أحد الوجهين للشافعية وعليه شرح الكرماني والأصح عند المتأخرين أنه
لا يجوز للقادر الإيماء للركوع والسجود وإن جاز التنفل مضطجعا بل لابد من الإتيان بالركوع
والسجود حقيقة وقد اعترضه الإسماعيلي فقال ترجم بالإيماء ولم يقع في الحديث إلا ذكر النوم
482

فكأنه صحف قوله نائما يعنى بنون على اسم الفاعل من النوم فظنه بايماء يعنى بموحدة بعدها
مصدرها أومأ فلهذا ترجم بذلك انتهى ولم يصب في ظنه أن البخاري صحفه فقد وقع في رواية كريمة
وغيرها عقب حديث الباب قال أبو عبد الله يعنى البخاري قوله نائما عندي أي مضطجعا فكأن
البخاري كوشف بذلك وهذا التفسير قد وقع مثله في رواية عفان عن عبد الوارث في هذا الحديث
قال عبد الوارث النائم المضطجع أخرجه الإسماعيلي قال الإسماعيلي معنى قوله نائما أي
على جنب أه وقد وقع في رواية الأصيلي على التصحيف أيضا حكاه ابن رشيد ووجهه بأن
معناه من صلى قاعدا أومأ الركوع والسجود وهذا موافق للمشهور عند المالكية أنه يجوز له
الإيماء إذا صلى نفلا قاعدا مع القدرة على الركوع والسجود وهو الذي يتبين من اختيار
البخاري وعلى رواية الأصيلي شرح ابن بطال وأنكر على النسائي ترجمته على هذا الحديث فضل
صلاة القاعد على النائم وادعى أن النسائي صحفه قال وغلطه فيه ظاهر لأنه ثبت الأمر للمصلي إذا
وقع عليه النوم أن يقطع الصلاة وعلل ذلك بأنه لعله يستغفر فيسب نفسه قال فكيف يأمره
بقطع الصلاة ثم يثبت أن له عليها نصف أجر القاعد أه وما تقدم من التعقب على الإسماعيلي
يرد عليه قال شيخنا في شرح الترمذي بعد أن حكى كلام بن بطال لعله هو الذي صحف وإنما ألجأه
إلى ذلك حمل قوله نائما على النوم الحقيقي الذي أمر المصلي إذا وجده بقطع الصلاة وليس ذلك
المراد هنا إنما المراد الاضطجاع كما تقدم تقريره وقد ترجم النسائي فضل صلاة القاعد على النائم
والصواب من الرواية نائما بالنون على اسم الفاعل من النوم والمراد به الاضطجاع كما تقدم ومن
قال غير ذلك فهو الذي صحف والذي غرهم ترجمة البخاري وعسر توجيهها عليهم ولله الحمد على
ما وهب (قوله باب إذا لم يطق) أي الإنسان الصلاة في حال القعود صلى على
جنبه (قوله وقال عطاء إذا لم يقدر) في رواية الكشميهني إن لم يقدر الخ وهذا الأثر وصله عبد
الرزاق عن ابن جريج عن عطاء بمعناه ومطابقته للترجمة من جهة أن الجامع بينهما أن العاجز
عن أداء فرض ينتقل إلى فرض دونه ولا يترك وهو حجة على من زعم أن العاجز عن القعود في
الصلاة تسقط عنه الصلاة وقد حكاه الغزالي عن أبي حنيفة وتعقب بأنه لا يوجد في كتب
الحنفية (قوله عن عبد الله) هو ابن المبارك وسقط ذكره من رواية أبي زيد المروزي ولابد
منه فإن عبدان لم يسمع من إبراهيم بن طهمان والحسين المكتب هو ابن ذكوان المعلم الذي
سبق في الباب قبله قال الترمذي لا نعلم أحدا روى هذا عن حسين إلا إبراهيم وروى أبو أسامة
وعيسى بن يونس وغيرهما عن حسين على اللفظ السابق أه ولا يؤخذ من ذلك تضعيف
رواية إبراهيم كما فهمه بن العربي تبعا لابن بطال ورد على الترمذي بأن رواية إبراهيم توافق
الأصول ورواية غيره تخالفها فتكون رواية إبراهيم أرجح لأن ذلك راجع إلى الترجيح من
حيث المعنى لا من حيث الإسناد وإلا فاتفاق الأكثر على شئ يقتضى أن رواية من خالفهم
تكون شاذة والحق أن الكلب صحيحتان كما صنع البخاري وكل منهما مشتملة على حكم غير
الحكم الذي اشتملت عليه الأخرى والله أعلم (قوله عن الصلاة) المراد عن صلاة المريض بدليل
قوله في أوله كانت بي بواسير وفي رواية وكيع عن إبراهيم بن طهمان سألت عن صلاة المريض
483

أخرجه الترمذي وغيره * (تنبيه) * قال الخطابي لعل هذا الكلام كان جواب فتيا استفتاها
عمران وإلا فليست علة البواسير بمانعة من القيام في الصلاة على ما فيها من الأذى أه
ولا مانع من أن يسأل عن حكم ما لم يعلمه لاحتمال أن يحتاج إليه فيما بعد (قوله فإن لم تستطع)
استدل به من قال لا ينتقل المريض إلى القعود إلا بعد عدم القدرة على القيام وقد حكاه عياض
عن الشافعي وعن مالك وأحمد وإسحق لا يشترط العدم بل وجود المشقة والمعروف عند الشافعية
أن المراد بنفي الاستطاعة وجود المشقة الشديدة بالقيام أو خوف زيادة المرض أو الهلاك
ولا يكتفى بأدنى مشقة ومن المشقة الشديدة دوران الرأس في حق راكب السفينة وخوف
الغرق لو صلى قائما فيها وهل يعد في عدم الاستطاعة من كان كامنا في الجهاد ولو صلى قائما لرآه
العدو فتجوز له الصلاة قاعدا أو لا فيه وجهان للشافعية الأصح الجواز لكن يقضي لكونه
عذرا نادرا واستدل به على تساوى عدم الاستطاعة في القيام والقعود في الانتقال خلافا لمن
فرق بينهما كإمام الحرمين ويدل للجمهور أيضا حديث ابن عباس عند الطبراني بلفظ يصلي قائما
فإن نالته مشقة فجالسا فإن نالته مشقة صلى نائما الحديث فاعتبر في الحالين وجود المشقة ولم
يفرق (قوله فعلى جنب) في حديث على عند الدارقطني على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه
وهو حجة للجمهور في الانتقال من القعود إلى الصلاة على الجنب وعن الحنفية وبعض الشافعية
يستلقي على ظهره ويجعل رجليه إلى القبلة ووقع في حديث على أن حالة الاستلقاء تكون عند
العجز عن حالة الاضطجاع واستدل به من قال لا ينتفل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالة
أخرى كالإشارة بالرأس ثم الإيماء بالطرف ثم إجراء القرآن والذكر على اللسان ثم على القلب
لكون جميع ذلك لم يذكر في الحديث وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية وقال
بعض الشافعية بالترتيب المذكور وجعلوا مناط الصلاة حصول العقل فحيث كان حاضرا العقل
لا يسقط عنه التكليف بها فيأتي بما يستطيعه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر
فأتوا منه ما استطعتم هكذا استدل به الغزالي وتعقبه الرافعي بأن الخبر أمر بالإتيان بما يشتمل
عليه المأمور والقعود لا يشتمل على القيام وكذا ما بعده إلى آخر ما ذكر وأجاب عنه ابن الصلاح
بأنا لا نقول إن الآتي بالقعود آت بما استطاعته من القيام مثلا ولكنا نقول يكون آتيا بما
استطاعه من الصلاة لأن المذكورات يجري لجنس الصلاة بعضها أدنى من بعض فإذا عجز عن
الأعلى وآتى بالأدنى كان آتيا بما استطاع من الصلاة وتعقب بأن كون هذه المذكورات
من الصلاة فرع لمشروعية الصلاة بها وهو محل النزاع * (فائدة) * قال ابن المنير في الحاشية
اتفق لبعض شيوخنا فرع غريب في النقل كثير في الوقوع وهو أن يعجز المريض عن التذكر
ويقدر على الفعل فألهمه الله أن يتخذ من يلقنه فكان يقول أحرم بالصلاة قل الله أكبر أقرا
الفاتحة قل الله أكبر للركوع إلى آخر الصلاة يلقنه ذلك تلقينا وهو يفعل جميع ما يقول له
بالنطق أو بالإيماء رحمه الله (قوله باب إذا صلى قاعدا ثم صح أو وجد خفه تمم ما
بقي) في رواية الكشميهني أتم ما بقي أي لا يستأنف بل يبني عليه إتيانا بالوجه الأتم من القيام ونحوه
وفي هذه الترجمة إشارة إلى الرد على من قال من افتتح الفريضة قاعدا لعجزه عن القيام ثم أطاق
484

القيام وجب عليه الاستئناف وهو محكى عن محمد بن الحسن وخفي ذلك علي ابن المنير حتى قال
أراد البخاري بهذه الترجمة رفع خيال من تخيل أن الصلاة لا تتبعض فيجب الاستئناف على من
صلى قاعدا ثم استطاع القيام (قوله وقال الحسن إن شاء المريض) أي في الفريضة صلى ركعتين
قائما وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة بمعناه ووصله الترمذي أيضا بلفظ آخر وتعقبه ابن التين بأنه
لا وجه للمشيئة هنا لأن القيام لا يسقط عمن قدر عليه إلا إن كان يريد بقوله إن شاء أي بكلفة
كثيرة أه ويظهر أن مراده أن من افتتح الصلاة قاعدا ثم استطاع القيام كان له إتمامها
قائما إن شاء بأن يبني على ما صلى وإن شاء استأنفها فاقتضى ذلك جواز البناء وهو قول الجمهور ثم
أورد المصنف حديث عائشة من رواية مالك بإسنادين له أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي
قاعدا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثلاثين أو أربعين آية قائما ثم ركع وزاد في الطريق الثانية
منهما أنه كان يفعل ذلك في الركعة الثانية وفي الأولى منهما تقييد ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم
لم يصل صلاة الليل قاعدا إلا بعد أن أسن وسيأتي في أثناء صلاة الليل من هذا الوجه بلفظ حتى
إذا كبر وفي رواية عثمان بن أبي سليمان عن أبي سلمة عن عائشة لم يمت حتى كان أكثر صلاته
جالسا وفي حديث حفصة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في سبحته جالسا حتى إذا
كان قبل موته بعام وكان يصلي في سبحته جالسا الحديث أخرجهما مسلم قال ابن التين قيدت
عائشة ذلك بصلاة الليل لتخرج الفريضة وبقولها حتى أسن لتعلم أنه إنما فعل ذلك إبقاء على نفسه
ليستديم الصلاة وأفادت أنه كان يديم القيام وأنه كان لا يجلس عما يطيقه من ذلك وقال ابن
بطال هذه الترجمة تتعلق بالفريضة وحديث عائشة يتعلق بالنافلة ووجه استنباطه أنه لما جاز
في النافلة القعود لغير علة مانعة من القيام وكان عليه الصلاة والسلام يقوم فيها قبل الركوع
كانت الفريضة التي لا يجوز القعود فيها إلا بعدم القدرة على القيام أولى أه والذي يظهر لي
أن الترجمة ليست مختصة بالفريضة بل قوله ثم صح يتعلق بالفريض وقوله أو وجد خفة يتعلق
بالنافلة وهذا الشق مطابق للحديث ويؤخذ ما يتعلق بالشق الآخر بالقياس عليه والجامع
بينهما جواز إيقاع بعض الصلاة قاعدا وبعضها قائما ودل حديث عائشة على جواز القعود
في أثناء صلاة النافلة لمن افتتحها قائما كما يباح له أن يفتتحها قاعدا ثم يقوم إذ لا فرق بين الحالتين
ولا سيما مع وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية خلافا لمن أبى ذلك واستدل به
على أن من افتتح صلاته مضطجعا ثم استطاع الجلوس أو القيام أتمها على ما أدت إليه حاله (قوله
فإذا بقي من قراءته) فيه إشارة إلى أن الذي كان يقرؤه قبل أن يقوم أكثر لأن البقية تطلق
في الغالب على الأقل وفي هذا الحديث أنه لا يشترط لمن افتتح النافلة قاعدا أن يركع قاعدا
أو قائما يركع قائما وسيأتي البحث في ذلك في باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل من
أبواب التهجد (قوله فإذا قضى صلاته نظر الخ) يأتي الكلام عليه في أبواب التطوع في
الكلام على ركعتي الفجر إن شاء الله تعالى * (خاتمة) * اشتملت أبواب التقصير وما معه من
الأحاديث المرفوعة على اثنين وخمسين حديثا المعلق منها ستة عشر حديثا والبقية موصولة
المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وثلاثون والبقية موصولة وافقه مسلم على تخريجها سوى
485

حديث ابن عباس في قدر الإقامة بمكة وحديث جابر في التطوع راكبا إلى غير القبلة وحديث
أنس في الجمع بين المغرب والعشاء وحديث
عمران في صلاة القاعد وفيه من
الآثار الموقوفة على الصحابة
فمن بعدهم ستة
آثار والله
أعلم
* (تم الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث وأوله باب التهجد) *
486