الكتاب: نهج السعادة
المؤلف: الشيخ المحمودي
الجزء: ٦
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٣٨٦ - ١٩٦٦ م
المطبعة: مطبعة النعمان - النجف الأشرف
الناشر: مؤسسة التضامن الفكري - بيروت
ردمك:
ملاحظات:

نهج السعادة
في مستدرك نهج البلاغة
1

نهج السعادة
في
مستدرك نهج البلاغة
(باب المختار من أدعية)
أمير المؤمنين علي عليه السلام
تأليف
محمد باقر المحمودي
مطبعة الآداب في النجف الأشرف
3

الطبعة الأولى
1386 ه‍ - 1966 م
حقوق الطبع محفوظه للمؤلف
4

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله
الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين، إلى قيام
يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو الباب الرابع من كتاب نهج السعادة
(تأليف أبي جعفر محمد باقر المحمودي) في المختار من محاسن
مناجاة أمير المؤمنين وأدعيته التعليمية، أفردته بالذكر ليكون
للسالكين محجة، وللمقتبسين مهجة، وللعارفين منهلا،
وللموحدين مشرعا، وللمريدين بلغة، وللمناجين نسخة، إنه
ولي التوفيق.
5

- 1 -
من دعاء له عليه السلام
في يوم الجمعة (1)
الحمد لله الذي لا من شي كان، ولا من شي
كون ما قد كان، مستشهد (2) بحدوث الأشياء
على أزليته، وبما وسمها به من العجز على قدرته،
وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه.
لم يخل منه مكان فيدرك بأينيته، ولا له
شبه ولا مثال فيوصف بكيفيته، ولم يغب عن
شي فيعلم بحيثيته، مبائن بجميع ما أحدث في
الصفات (3)، وممتنع عن الإدراك بما ابتدع من

(1) ولهذا الدعاء شواهد كثيرة من الأدلة العقلية والنقلية، وتقدم في
المختار 32 من باب الخطب ما يوازيه علوا ومناعة، ونظيره أيضا ما ذكره في
المختار 3 من خطب المستدرك.
(2) كذا في النسخة، وفي غير واحد من نظائره من الخطب (مستشهدا)
الخ، وهو أظهر.
(3) وبما أن صفاته تعالى عين ذاته فلا يجانسه شي، فلا سنخية بينه وبين
الممكنات.
6

تصرف الذوات، وخارج بالكبرياء والعظمة من
جميع تصرف الحالات.
ومحرم على بوارع ثاقبات الفطن تحديده (4)،
وعلى عوامق ثاقبات الفكر تكييفه، وعلى غوامض
سابقات الفطر تصويره (5)، ولا تحويه الأماكن
لعظمته، ولا تذرعه المقادير لجلاله، ولا
تقطعه المقاييس لكبريائه.
ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه، وعن الأفهام
أن تستغرقه، وعن الأذهان أن تمثله.
قد يئست عن استنباط الإحاطة به طوامح
العقول (6)، ونضبت عن الإشارة إليه بالاكتناه

(4) (بوارع) جمع بارع، وهو من كان فائقا في الفضيلة، معنويا كان
أو كان جسمانيا. و (ثاقبات) جمع ثاقبة، وهو المتقد المضي النافذ في الأشياء
الواصل إلى غوره. و (الفطن) جمع الفطنة، وهي الإدراك والفهم، أي حرام
وممنوع على ذوي الإدراك النافذ والمشاعر الفائقة أن يحدوا ذاته تبارك وتعالى.
(5) (العوامق) كأنها جمع عميق، وهو ما كان غوره بعيدا. و (الغوامض)
جمع غامض وغامضة، وهو الذي إذا طلب شيئا يبالغ فيه ليصل إلى كنهه،
وكأنه مأخوذ من قولهم (غمض السيف في اللحم) غاب فيه.
(6) (طوامح) جمع طامح، من قولهم: طمح - (من باب منع) طمحا
وطماحا وطموحا - كفلسا ورماحا وفلوسا - بصره إليه، أي ارتفع ونظر إليه شديدا،
وطمح ببصره إليه: أي استشرف له، أي ان الأبصار المرتفعة من
العقول قد يئست عن الإحاطة به تبارك وتعالى.
7

بحار العلوم (7)، ورجعت بالصغر عن السمو إلى
وصف قدرته لطائف الخصوم (8).
واحد لا من عدد، ودائم لا بأمد، وقائم
لا بعمد. ليس بجنس فتعادله الأجناس، ولا
بشبح فتضارعه الأشباح، ولا كالأشياء فتقع
عليه الصفات.
قد ضلت العقول في أمواج تيار ادراكه،
وتحيرت الأوهام عن إحاطة ذكر أزليته،
وحصرت الأفهام عن استشعار وصف قدرته،
وغرقت الأذهان في لجج بحار أفلاك ملكوته.
مقتدر بالآلاء، وممتنع بالكبرياء، ومتملك
على الأشياء، فلا دهر يخلقه، ولا وصف يحيط به.
قد خضعت له رقاب الصعاب في محل تخوم
قرارها، وأذعنت له رواصن الأسباب في منتهى

(7) يقال: نضب - (من باب ضرب ونصر) نضبا ونضوبا - كفلسا
وفلوسا - الماء: نفذ. ونضب الماء: أي غار في الأرض. ونضب عنه
البحر: أي نزح ماؤه ونشف، أي ان بحار العلوم قد يبست وانعدم ماؤها ولم
يكف للإشارة إليه تعالى.
(8) كذا في النسخة، ولعله بمعنى الحجج والبراهين، من اخصمه:
لقنه حجة حتى خصم مخاصمه.
8

شواهق أقطار ها (9).
مستشهد بكلية الأجناس على ربوبيته (10)،
وبعجزها على قدرته، وبفطورها على قدمته (11)
وبزوالها على بقائه، فلا لها محيص عن إدراكه،
ولا خروج عن إحاطته بها، ولا احتجاب عن
إحصائه لها، ولا امتناع من قدرته عليها.
كفى بإتقان الصنع آية، وبتركيب الطبع
عليه دلالة، وبحدوث الفطر عليه قدمة،

(9) (الرواصن) جمع راصن، وهو الشئ المتقن. والظاهر أن المراد
من (الأسباب) هنا الجبال. و (شواهق) جمع شاهق، وهو الجبل المرتفع،
أو مطلق ما له ارتفاع وعلو. و (الأقطار) جمع قطر، وهو جانب الشئ،
أي ان شواهق الجبال المرتفعة المستحكمة خاضعة لله تعالى ناطقة باحتياجها
وافتقارها إلى عظيم مقامه ورفيع سماحه.
(10) إذ كل جنس زوج تركيبي، والزوج يحتاج إلى المزوج، والتركيب
محتاج إلى المؤلف والمركب.
(11) (الفطور) بمعنى الاختراع، وشق الشئ من العدم إلى الوجود، وهي جمع
الفطر - كفلس - أو الفطرة - كإربة -. و (القدمة) - كحرمة
وعمرة -: السابقة والتقدم في الامر، ويجوز أيضا أن يكون بكسر أولها،
على أن تكون مؤنث قدم - كحبر - وهو الزمان القديم، يقال (كان كذا
قدما) أي في الزمان القديم.
9

وباحكام الصنعة عليه عبرة، فليس إليه حد
منسوب، ولا له مثل مضروب، تعالى عن ضرب
الأمثال له والصفات المخلوقة علوا كبيرا.
وسبحان الله الذي خلق الدنيا للفناء والبيود (12)
والآخرة للبقاء والخلود، وسبحان الله الذي
لا ينقصه ما أعطى فأسنى، وان جاز المدى في المنى،
وبلغ الغاية القصوى، ولا يجور في حكمه إذا
قضى. وسبحان الله الذي لا يرد ما قضى، ولا يضرف
ما أمضى (13)، ولا يمنع ما أعطى، ولا يهفو (14)
ولا ينسى، ولا يعجل بل يمهل ويعفو، ويغفر
ويرحم ويصبر، ولا يسأل عما يفعل وهم
يسألون.
ولا إله إلا الله الشاكر للمطيع له، المملي
للمشرك به، القريب ممن دعاه على حال بعده،

(12) يقال: باد - (من باب باع) بيدا وبيادا وبيودا وبيدودة
- كبيت وبيات وبيوت وبيتوتة - أي هلك وباد.
(13) كذا في النسخة، ولعل الصواب (ولا يصرف) - بالصاد المهملة -
وعليه فهو تأكيد لسابقه، أي لا يصرفه أحد عن مضي ارادته.
(14) من هفا يهفو هفوا وهفوة وهفوانا - كعفوا ودعوة وضربانا - أي
زل، وهذا كقوله تعالى: (لا يضل ربي ولا ينسى).
10

والبر الرحيم بمن لجاء إلى ظله واعتصم بحبله.
ولا إله إلا الله المجيب لمن ناداه بأخفض صوته،
السميع لمن ناجاه لأغمض سره، الرؤف بمن
رجاه لتفريج همه، القريب ممن دعاه لتنفيس
كربه وغمه. ولا إله إلا الله الحليم عمن ألحد في
آياته، وانحرف عن بيناته، ودان بالجحود في
كل حالاته.
والله أكبر القاهر للإضداد المتعالي عن الأنداد،
المتفرد بالمنة على جميع العباد. والله أكبر المحتجب
بالملكوت والعزة، المتوحد بالجبروت والقدرة،
المتردي بالكبرياء والعظمة، والله أكبر المتقدس
بدوام السلطان، والغالب بالحجة والبرهان، ونفاذ
المشية في كل حين وأوان.
اللهم صل على محمد وآل محمد عبدك
ورسولك، وأعطه اليوم الوسائل وأشرف العطاء،
وأعظم الحباء (15)، وأقرب المنازل، وأسعد الحدود،
وأقر الأعين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وأعطه
الوسيلة والفضيلة، والمكان الرفيع والغبطة،

(15) الحباء: العطاء، فالعطف تفسيري.
11

وشرف المنتهى، والنصيب الأوفى، والغاية
القصوى، والرفيع الأعلى، حتى يرضى، وزده
بعد الرضا.
اللهم صل على محمد وآل محمد، الذين أمرت
بطاعتهم، وأذهبت عنهم الرجس وطهرتهم
تطهيرا.
اللهم صل على محمد وآل محمد، الذين
ألهمتهم علمك، واستحفظتهم كتبك،
واسترعيتهم عبادك (16).
اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ونبيك
وحبيبك وخليلك، وسيد الأولين والآخرين،
من الأنبياء والمرسلين، والخلق أجمعين. وعلى
آله الطيبين الطاهرين، الذين أمرت بطاعتهم،
وأوجبت علينا حقهم ومودتهم (17).
اللهم إني أسألك سؤال وجل من عقابك،
حاذر من نقمتك، فزع إليك منك، لم يجد
لفاقته مجيرا غيرك، ولا آمنا لخوفه غير فنائك،

(16) أي جعلتهم راعيا وواليا وإماما على عبادك.
(17) هذا لا ينافي كون الدعاء من أمير المؤمنين عليه السلام، إذ أغلب
دعواته عليه السلام كانت تعليمية.
12

وتطولك يا سيدي ومولاي على طول معصيتي
لك، أقصدني إليك، وان كانت سبقتني الذنوب
وحالت بيني وبينك، لأنك عماد المعتمد،
ورصد المرتصد، لا تنقصك المواهب، ولا تغيظك
المطالب، فلك المنن العظام، والنعم الجسام.
يامن لا تنقص خزائنه، ولا يبيد ملكه،
ولا تراه العيون، ولا تعزب منه حركة ولا
سكون. لم تزل سيدي ولا تزال، لا يتوارى
عنك متوار في كنين أرض ولا سماء ولا تخوم،
تكفلت بالأرزاق يا رزاق، وتقدست عن أن
تتناولك الصفات، وتعززت عن أن تحيط بك
تصاريف اللغات، ولم تكن مستحدثا فتوجد منتقلا
عن حالة إلى حالة، بل أنت الفرد الأول والأخر
ذو العز القاهر، جزيل العطاء، سابغ النعماء، أحق
من تجاوز وعفى عمن ظلم وأساء بكل لسان (18).
إلهي عبدك يحمد، وفي الشدائد عليك يعتمد،
فلك الحمد والمجد، لأنك المالك الأبد، والرب السرمد
أتقنت (19) إنشاء البرايا فأحكمتها بلطف

(18) أي في جميع ما حرك لسانه وتكلم.
(19) وفي النسخة (وأتقنت) - الخ.
13

التدبير، وتعاليت في ارتفاع شأنك عن أن ينفذ
فيك حكم التغيير (20)، أو يحتال منك بحال يصفك
به الملحد إلى تبديل، أو يوجد في الزيادة والنقصان
مساغ في اختلاف التحويل، أو تلتثق (21) سحائب
الإحاطة بك في بحور همم الأحلام، أو تمثل لك
منها جبلة تضل فيها رويات الأوهام.
فلك الحمد مولاي، انقاد الخلق مستحذئين
باقرار الربوبية (22)، ومعترفين خاضعين لك
بالعبودية.
سبحانك ما أعظم شأنك، وأعلى مكانك،
وأنطق بالصدق برهانك، وأنفذ أمرك، وأحسن
تقديرك، سمكت السماء فرفعتها، ومهدت الأرض
ففرشتها، فأخرجت منها ماءا ثجاجا، ونباتا
رجراجا (23)، فسبحك نباتها، وجرت بأمرك مياهها

(20) وفي النسخة (وتعاليت في ارتفاع شأنك عن أن ينفذ فيه حكم
التغيير) - الخ.
(21) تلتثق: بمعنى تتبلل وتصير نديا.
(22) كأن معني مستحذئين متلبسين، أي انقادوا لك وهم متلبسون باقرار
الربوبية لك.
(23) أي متحركا مضطربا للوصول إلى منازله التي قدرت له.
14

وقامت على مستقر المشية كما أمرتهما (24).
فيا من تعزز بالبقاء، وقهر عباده بالفناء
أكرم مثواي، فإنك خير منتجع لكشف الضر.
يامن هو مأمول في كل عسر، ومرتجى لكل
يسر، بك أنزلت اليوم حاجتي، وإليك أبتهل
فلا تردني خائبا مما رجوت، ولا تحجب دعائي
عنك إذ فتحته لي، قد دعوت (25)، فصل على
محمد وآل محمد، وسكن روعتي، واستر عورتي
وارزقني من فضلك الواسع رزقا واسعا سائغا هنيئا
مريئا لذيذا في عافية.
اللهم اجعل خير أيامي يوم ألقاك، واغفر لي
خطاياي فقد أوحشتني، وتجاوز عن ذنوبي فقد
أوبقتني، فإنك مجيب منيب رقيب قريب قادر
غافر قاهر رحيم كريم قيوم، وذلك عليك
يسير وأنت أحسن الخالقين.
اللهم افترضت علي للآباء والأمهات حقوقا
فعظمتهن، وأنت أولى من حط الأوزار وخففها

(24) كذا في النسخة، ومقتضى السياق اما تثنية (قامت) واما افراد
(أمرتهما).
(25) كذا في النسخة، ولعل الصواب (إذ فتحته لي فدعوت).
15

وأدى الحقوق عن عبيده، فاحتملهن عني إليهما
واغفر لهما كما رجاك موحد مع المؤمنين والمؤمنات
والإخوان والأخوات، وألحقنا وإياهم بالأبرار،
وأبح لنا ولهم جناتك مع النجباء الأخيار، انك
سميع الدعاء قريب مجيب لما تشاء. وصلى الله
على سيدنا محمد وآله وسلم كثيرا (26).
أقول: هذا الدعاء رواه في الصحيفة الأولى العلوية ص 329،
لمؤلفه المتبحر الشيخ عبد الله بن الحاج صالح بن جمعة (27)
ابن علي بن أحمد بن ناصر بن محمد بن عبد الله السماهيجي
الاصبعي البحراني المتوفى ببهبهان تاسع جميدي الثانية سنة 1135 ه‍

(26) قد تم بيد مؤلفه الفقير محمد باقر بن ميرزا محمد المحمودي
المرودشتي
في الساعة العاشرة من يوم الاثنين، وهو اليوم الثامن أو التاسع من شهر الله المعظم
من سنة 1382 هجرية النبوية عليه الصلاة والسلام. اللهم إني إليك أشكو ضعف
بصري، وقلة ناصري، وصولة الزمان، وطغيان اللئام، وتخاذل أهل الايمان.
اللهم انصرنا بظهور حجتك، وأعنا بسلطان أوليائك، واعززنا باتفاق الكلمة
والتعاون على البر والتقوى. اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام
وأهله، وتذل بها النفاق وأهله. آمين رب العالمين.
(27) (ابن شعبان) كما في إجازة السيد عبد الله التستري والصحيفة
العلوية، والدرة السنية في جوابات مسائل الدشتستانية، ونخبة الواجبات بخط يد
صاحب الترجمة.
16

كتب الإجازة الكبيرة للشيخ ناصر في بهبهان في سنة 1128
وذكر فيها تصانيفه القريبة من الخمسين ومشايخه الخمسة:
الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي، والشيخ محمد بن يوسف
ابن علي بن كنبار، والسيد محمد بن علي بن حيدر المكي العاملي،
والشيخ محمود بن عبد السلام المعنى البحراني، والشيخ أحمد بن
حسن الساري.
وعد في أول الإجازة سبعة من معاصريه المشاركين معه
في القراءة على شيخه الأول الماحوزي، وهم أكابر تلاميذه
الفقهاء المتبحرين، وهم: الشيخ أحمد بن إبراهيم العصفوري
والد صاحب الحدائق، والشيخ محمد بن يوسف الذي عده من
مشايخه أيضا، والشيخ أحمد بن عبد الله بن حمال البلادي،
والشيخ عبد الله بن علي بن أحمد البلادي المتوفى بشيراز، والشيخ
حسين بن محمد بن جعفر الماحوزي شيخ صاحب الحدائق،
والشيخ يوسف بن علي بن فرج المنوي، والشيخ علي بن عبد الله
ابن عبد الصمد المقشاعي.
وترجم له في اللؤلؤة ونجوم السماء والروضات مفصلا،
والسيد عبد الله التستري عقد له في اجازته الكبيرة فصلا مستقلا
وزاد في أجداده (شعبان) بين جمعة وعلي، وحكى عن خطه
أنه ولد سنة 1086، وذكر أنه رأى بخطه إجازة لتلميذه الشيخ
محمد بن عبد المطلب البحراني مع الثناء الكثير عليه على ظهر
17

كتابه جواهر البحرين، وعد من تصانيفه (النفحة العنبرية في
جوابات المسائل التسترية) التي سألها عنه المولى الصالح مقصود
علي بن النجار التستري أخو الشيخ علي الآتي ترجمته،
وعد من مشايخه غير من ذكر الشيخ أبو الحسن الشريف والشيخ
أحمد بن إسماعيل الجزائري والشيخ علي بن جعفر بن علي بن
سليمان البحراني والمولى محمد قاسم الأصبهاني الهزارجريبي
والشيخ ناصر بن محمد الخطي، فهؤلاء الخمسة مع الخمسة
السابقة عشرة كاملة.
والشيخ ناصر هذا هو الذي كتب له الإجازة المبسوطة مصرحا في
أولها أنه استجاز منه فأجازه، فتكون إجازته للشيخ ناصر من المدبج.
وله أيضا إجازة للشيخ جمال الدين يوسف بن محمد قاسم
الجزيني (28) العاملي الآتي ذكره، وأخرى للشيخ ياسين كتبها
في آخر (منية الممارسين) في أجوبة مسائله.
ورأيت بخطه عند الحاج سيد هاشم السبزواري (الرسالة
العلوية) في أجوبة ثلاث مسائل كلامية، فرغ منها 29، شوال
سنة 1122، وكتب بخطه على ظهرها أيضا أن مالكها كاتبها،
وصك خاتمه: (أدخلني في عبادك الصالحين). (29).

(28) (الجيراني) في نسخة الإجازة.
(29) نقلت الترجمة بطولها من كتاب الكواكب المنتثرة في القرن الثاني بعد
العشرة المخطوط، للشيخ آغا بزرك الطهراني مد ظله ص 116.
18

- 2 -
ومن دعاء له عليه السلام
حين توجه عليه السلام إلى اليمن
اللهم إني أتوجه إليك بلا ثقة مني بغيرك،
ولا رجاء يأوي بي إلا إليك، ولا قوة أتكل عليها
ولا حيلة ألجأ إليها (1) إلا طلب فضلك، والتعرض
لرحمتك، والسكون، إلى أحسن عادتك، وأنت
أعلم بما سبق لي في وجهي هذا مما أحب وأكره،
فإنما أوقعت علي فيه قدرتك، فمحمود فيه
بلاؤك منتصح فيه قضاؤك، فأنت تمحو ما تشاء
وتثبت، وعندك أم الكتاب.
اللهم فاصرف عني مقادير كل بلاء، ومقاصد
كل لاواء، وابسط علي كنفا من رحمتك، وسعة
من فضلك، ولطفا من عفوك، حتى لا أحب تعجيل
ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت، وذلك مع ما أسألك

(1) كذا في النسخة، ولعل الأصح: ألتجئ إليها.
19

أن تحفظني في أهلي وولدي وصروف حزانتي بأفضل
ما خلفت به غائبا من المؤمنين في تحصين كل
غورة، وستر كل سيئة، وحط كل معصية،
وكفاية كل مكروه، وارزقني شكرك وذكرك
على ذلك، وحسن عبادتك، والرضا بقضائك يا ولي
المؤمنين، واجعلني وولدي وما خولتني ورزقتني
من المؤمنين والمؤمنات في حماك الذي لا يستباح،
وذمتك التي لا تخفر، وجوارك الذي لا يرام،
وأمانك الذي لا ينقض، وسترك الذي لا يهتك،
فإنه من كان في حماك وذمتك وجوارك وأمانك
وسترك كان آمنا محفوظا، ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم.
الصحيفة الأولى العلوية ص 184.
20

- 3 -
ومن دعاء له عليه السلام
في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله
شيخ الطائفة قدس الله روحه [عن الشيخ المفيد وأحمد
ابن عبدون، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن شيبان] (1)
عن علي بن حاتم، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن عمار،
عن الحسين بن عبد الله العبدوي (2) والحسن بن محمد، قالا:
حدثنا أحمد بن عبد الله بن ربيعة الهاشمي، قال: حدثني محمد
ابن عيسى بن محمد، عن علي بن عبد الله، عن أبيه، عن
جده، عن الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين عليهم السلام:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على طيب
المرسلين، محمد بن عبد الله المنتجب الفاتق الراتق (3)

(1) بين القوسين مأخوذ من الرقم 38، من مشيخة التهذيب: 10 / 80.
(2) نسخة في الجميع (ابن عبيد الله العدوي) - كذا في هامش النسخة
المطبوعة.
(3) وفي البحار: (وصلى الله على أطيب المرسلين) الخ، وهو أظهر.
وفي الصحيفة العلوية: (وصلى الله على طيب المرسلين محمد بن عبد المطلب المنتجب الفاتق الراتق) الخ.
21

اللهم فخص محمدا صلى الله عليه وآله بالذكر
المحمود، والحوض المورود (4).
اللهم آت (5) محمدا صلواتك عليه وآله الوسيلة
والرفعة والفضيلة، واجعل في المصطفين محبته،
وفي العليين درجته، وفي المقربين كرامته.
اللهم أعط محمدا صلواتك عليه وآله من كل
كرامة أفضل تلك الكرامة، ومن كل نعيم أوسع
ذلك النعيم، ومن كل عطاء أجزل ذلك العطاء،
ومن كل يسر أنضر (6) ذلك اليسر، ومن كل
قسم أوفر ذلك القسم، حتى لا يكون أحد من
خلقك أقرب منه مجلسا، ولا أرفع منه عندك
ذكرا ومنزلة، ولا أعظم عليك حقا، ولا أقرب

(4) وفي البحار: (اللهم اعط) الخ. وفي الصحيفة: (بالذكر المحمود،
والمنهل المشهود، والحوض المورود) الخ.
(5) وفي البحار: (اللهم اعط محمدا) الخ. وفي الصحيفة: (اللهم آت
محمدا صلى الله عليه وآله الوسيلة والرفعة والفضيلة، وفي المصطفين محبته) الخ.
(6) كذا في التهذيب والبحار، وفي الصحيفة العلوية: (أنصر) بالصاد
المهملة.
22

وسيلة من محمد صلواتك عليه وآله، إمام الخير
وقائده والداعي إليه، والبركة على جميع العباد
والبلاد، ورحمة للعالمين.
اللهم اجمع بيننا وبين محمد (7) صلواتك عليه
وآله في برد العيش، وتروح الروح (8)، وقرار
النعمة، وشهوة الأنفس (9)، ومنى الشهوات، ونعم
اللذات، ورجاء الفضيلة (10)، وشهود الطمأنينة،
وسؤدد الكرامة، وقرة العين، ونضرة النعيم،
وبهجة لا تشبه بهجات الدنيا (11).
نشهد أنه قد بلغ الرسالة، وأدى النصيحة،
واجتهد للأمة، وأوذي في جنبك، وجاهد في
سبيلك وعبدك حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه

(7) في الصحيفة: (اللهم أجمع بيننا وبين محمد وآل محمد، صلواتك
عليه وآله، في برد العيش وبرد الروح) الخ.
(8) كذا في النسخة وفي البحار: (وبرد الروح) الخ.
(9) وفي البحار: (وشهود الأنفس) الخ.
(10) وفي الصحيفة: (ورخاء الفضيلة) الخ.
(11) وفي الصحيفة: (ونضرة النعيم، وتمام النعمة، وبهجة لا تشبهه
بهجات الدنيا) الخ.
23

وآله الطيبين (12).
اللهم رب البلد الحرام، والركن والمقام (13)،
ورب المشعر الحرام، ورب الحل والحرام، بلغ
روح محمد صلى الله عليه وآله عنا السلام.
اللهم صل على ملائكتك المقربين، وعلى أنبيائك
ورسلك أجمعين، وصل اللهم على الحفظة الكرام
الكاتبين (14)، وعلى أهل طاعتك من أهل السماوات
السبع، وأهل الأرضين السبع (15)، من المؤمنين
أجمعين.
الحديث 11، من باب الدعاء بين الركعات في نوافل
شهر رمضان، من كتاب تهذيب الأحكام: 3 / 82 ط النجف.
ورواه أيضا في أعمال ليالي القدر من كتاب الصوم من
البحار: 20 / 263 / س 1 ط الكمباني، عن مجموعة عتيقة
(فيها أدب الكاتب للصولي، وفي آخرها كتاب الجواهر لإبراهيم
ابن إسحاق الصولي) عن الإمام الحسين، عن أمير المؤمنين

(12) وفي البحار: (فصل اللهم عليه وآله الطيبين) - الخ.
(13) وفي البحار والصحيفة العلوية: (ورب الركن والمقام) - الخ.
(14) وفي الصحيفة: (وصل على الحفظة الكرام الكاتبين) - الخ.
(15) ومثله في الصحيفة العلوية، وفي البحار: (وأهل الأرضين من
المؤمنين أجمعين).
24

عليهما السلام. ورواه أيضا في المختار 11 من الصحيفة العلوية 51
ومن قوله (ع): (اللهم فخص محمدا) الخ ذكره عليه
السلام في الخطبة الغراء باختلاف طفيف لفظي وزيادات فراجع
خطب نهج السعادة.
- 4 -
ومن دعاء له عليه السلام
إذا نظر إلى الهلال
أيها الخلق المطيع لله، الدائر السريع، المتردد
في منازل التقدير، المتصرف في فلك التدبير (1)،
آمنت بمن نور بك الظلم، وأوضح بك البهم (2)،
وجعلك آية من آيات ملكه، وعلامة من علامات

(1) وفي الصحيفة الأولى العلوية: (أيها الخلق المطيع، الدائب السريع،
المتردد في فلك التدبير، المتصرف في منازل التقدير) - الخ.
(2) (البهم) جمع البهمة - بضم الباء وسكون الهاء -: الخطة الشديدة،
مشكلات الأمور.
25

سلطانه، فامتهنك (3) بالزيادة والنقصان، والطلوع
والأفول والإنارة والكسوف، في كل ذلك أنت
له مطيع، وإلى إرادته سريع.
سبحانه فما أعجب ما دبر في أمرك، وألطف
ما صنع في شأنك جعلك مفتاح شهر لأمر حادث (4).
جعلك الله هلال بركة لا تمحقه الأيام،
وطهارة لا تدنسه الأعوام، هلال أمنة من الآفات
وسلامة من السيئات، هلال سعد لا نحس فيه،
ويمن لا نكد فيه، ويسر لا يمازجه عسر،
وخير لا يشوبه شر، هلال أمن وايمان، ونعمة
واحسان، وسلامة وإسلام.
اللهم اجعلنا من أرضى من طلع عليه، وأزكى
من نظر إليه، وأسعد من تعبد لك فيه.
اللهم وفقنا للتوبة، واعصمنا من الحوبة،

(3) وفي الصحيفة السجادية والعلوية: (وامتهنك) - الخ.
(4) وفي الصحيفة: (سبحانه ما أحسن ما دبر، وأتقن ما صنع في ملكه،
وجعلك الله هلال شهر حادث لأمر حادث، جعلك الله هلال أمن وإيمان،
وسلامة وإسلام، هلال أمنة من العاهات، وسلامة من السيئات، اللهم اجعلنا
أهدى من طلع عليه، وأزكى من نظر إليه، وصلى الله على محمد وآله، وافعل
بي كذا وكذا يا أرحم الراحمين).
26

وأوزعنا شكر النعمة، وألبسنا خير العافية، وأتمم
علينا باستكمال طاعتك فيه المنة لك، إنك المنان الحميد.
المختار 3 من الباب 7 من دستور معالم الحكم ص 130.
ونقله باختصار في المختار 30 من الصحيفة العلوية ص 116،
وقريب منه جدا في الدعاء (43) من الصحيفة السجادية، وما
رواه معنعنا الشيخ الطوسي (ره) في الحديث 54 من الجز (17)
من الأمالي ص 316.
- 5 -
ومن دعاء له عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
مناجاته عليه السلام مع الله تبارك وتعالى
أخبرني المولى السيد الإمام السعيد، حجة الحق، علي بن
فضل الله الحسني رضي الله عنه، قال: أخبرني مولاي ووالدي
نور الله قبره، قال: أخبرني علي بن الحسين بن محمد كتابة، قال:
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الخليدي، قال: أخبرني الشيخ
27

أبو الحسن علي بن نصر القطامي رضي الله عنه، قال: حدثني
أحمد بن الحسن بن أحمد بن داود الوثابي القاساني عن أبيه،
عن علي بن محمد بن شيرة القاساني، عن مولانا أبي محمد الحسن
ابن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، صلوات الله عليهم بسر
من رأى [بسر مري خ ل] سنة ستين ومائتين بهذه المناجاة
لأمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم:
إلهي صل على محمد وآل محمد، وارحمني إذا
انقطع من الدنيا أثري، وامتحى (1) من المخلوقين
ذكري، وصرت في المنسيين كمن قد نسي.
إلهي كبرت سني، ورق جلدي، ودق عظمي
ونال الدهر مني، واقترب أجلي، ونفدت أيامي،
وذهبت شهوتي، وبقيت تبعتي، وامتحت محاسني
وبلي جسمي، وتقطعت أوصالي، وتفرقت أعضائي.
الهي أفحمتني ذنوبي، وقطعت مقالتي، فلا
حجة لي ولا عذر، فأنا المقر بجرمي، المعترف
بإسأتي، الأسير بذنبي، المرتهن بعملي، المتهور
في بحور خطيئتي، المتحير عن قصدي، المنقطع

(1) يقال: متح الماء متحا: نزحه. ومتح الشئ: أي قلعه وقطعه،
وهو من باب منع.
28

بي، فصل على محمد وآل محمد وارحمني برحمتك
وتجاوز عني (2).
إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي،
فقد كبر في جنب رجائك أملي.
إلهي كيف أنقلب بالخيبة من عندك محروما،
وقد كان ظني بجودك أن تقلبني بالنجاة مرحوما.
إلهي إذ لم أسلط على حسن ظني بك قنوط
الآيسين، فلا تبطل صدق رجائي لك بين الآملين.
إلهي عظم جرمي إذ كنت المبارز به، وكبر
ذنبي إذ كنت المطالب به، إلا أني إذا ذكرت
كبير جرمي وعظيم غفرانك وجدت الحاصل لي
من بينهما عفو رضوانك.
إلهي ان دعاني إلى النار بذنبي مخشي عقابك
فقد ناداني إلى الجنة بالرجاء حسن ثوابك.
الهي ان أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك،
فقد آنستني باليقين مكارم عطفك.
إلهي ان أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك،
فقد أنبهتني المعرفة يا سيدي بكريم آلائك.
إلهي ان عزب لبي عن تقويم ما يصلحني،

(2) وفي غيره من بعض الطرق: (وتجاوز عني بمغفرتك).
29

فما عزب إيقاني بنظرك لي فيما ينفعني.
إلهي ان انقرضت بغير ما أحببت من السعي
أيامي، فبالإيمان أمضتها الماضيات من أعوامي.
إلهي جئتك ملهوفا قد ألبست عدم فاقتي،
وأقامني مقام الأذلاء بين يديك ضر حاجتي (3).
إلهي كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤالك،
وجدت بالمعروف فاخلطني بأهل نوالك (4).
إلهي مسكنتي لا يجبرها إلا عطاؤك، وأمنيتي
لا يغنيها إلا جزاؤك.
إلهي أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا
وعن التعرض لسواك بالمسألة عادلا، وليس من
جميل امتنانك رد سائل ملهوف، ومضطر
لانتظار خيرك المألوف.
إلهي أقمت على قنطرة من قناطر الأخطار، مبلوا
بالأعمال والاعتبار، فأنا الهالك ان لم تعن عليها (5)

(3) ومثله في المختار (11)، وفي رواية القضاعي: (قد ألبست عدمي
وفاقتي، وأقامني مقام الأذلين بين يديك ذل حاجتي).
(4) وفي رواية القضاعي: (وجد بمعروفك فاخلطني بأهل نوالك).
(5) الضمير عائد إلى النفس المدلول عليها بقوله: (أقمت وأنا)، وفي
بعض طرق الدعاء: (إلهي أقمت نفسي على قنطرة من قناطر الأخطار).
30

بتخفيف الأثقال.
إلهي أمن أهل الشقاء خلقتني فأطيل بكائي أم
من أهل السعادة خلقتني فأبشر رجائي
إلهي ان حرمتني رؤية محمد صلى الله عليه
وآله في دار السلام، وأعدمتني تطواف الوصفاء
من الخدام، أو صرفت وجه تأميلي بالخيبة في
المقام (6) فغير ذلك منتني نفسي منك يا ذا الفضل
والإنعام.
إلهي وعزتك لو قرنتني في الأصفاد طول
الأيام، ومنعتني سيبك من بين الأنام، وحلت بيني
وبين الأبرار، ما قطعت رجائي منك، ولا صرفت
انتظاري للعفو عنك (7).
إلهي لو لم تهدني للإسلام ما اهتديت، ولو
لم ترزقني الإيمان بك ما آمنت، ولو لم تطلق
لساني بدعائك ما دعوت، ولو لم تعرفني حلاوة
معرفتك ما عرفت، ولو لم تبين لي شديد عقابك
ما استجرت.

(6) كذا في النسخة، والصواب: (أو صرفت وجه تأميلي بالخيبة في
دار المقام) الخ، كما يأتي.
(7) عند متعلق بقوله: (صرفت) أو (انتظاري).
31

إلهي ان أقعدني التخلف عن السبق مع الأبرار
فقد أقامتني الثقة بك على مدارج الأخيار.
إلهي قلب حشوته من محبتك في دار الدنيا
كيف تطلع عليه نار محرقة في لظى.
إلهي نفس أعززتها بتأييد إيمانك، كيف تذلها
بين أطباق نيرانك.
إلهي لسان كسوته من تماجيدك (8) أنيق أثوابها
كيف تهوي إليه من النار مشعلات التهابها.
إلهي كل مكروب إليك يلتجئ، وكل محزون
إليك يرتجي.
إلهي سمع العابدون لجزيل ثوابك فخشعوا (9)
وسمع الزاهدون بعظيم جزائك فقنعوا، وسمع
المذنبون بسعة رحمتك فرغبوا، وسمع المولون
عن القصد بجودك فرجعوا، وسمع المجرمون
بكرم عفوك فطمعوا، حتى ازدحمت عصائب
العصاة من عبادك، وعجت إليك منهم عجيج

(8) التماجيد جمع للتمجيد، وهو المجد والسؤدد والعظمة، والأنيق
- كعقيق -: الحسن المعجب.
(9) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (وكل محزون إليك يرتجى،
سمع العائذون لجزيل ثوابك فخشعوا) الخ.
32

الضجيج بالدعاء في بلادك، ولكل أمل ساق صاحبه
إليك محتاجا، ولكل قلب تركه وجيب خوف
المنع منك مهتاجا (10)، وأنت المسؤول الذي لا تسود
لديه وجوه المطالب، ولم ترد بنزيله قطيعات
[فظيعات خ ل] المعاطب.
إلهي وان أخطأت طريق النظر لنفسي بما فيه
كرامتها، فقد أصبت طريق الفزع إليك بما فيه
سلامتها.
إلهي ان كانت نفسي استسعدتني متمردة على
ما يرديها، فقد أسعدتها الآن بدعائك على ما
ينجيها (11).
إلهي ان عداني الإجتهاد في ابتغاء منفعتي، فلم
يعدني برك لي فيما فيه مصلحتي.
إلهي ان قسطت في الحكم على نفسي بما فيه
حسرتها فقد أقسطت بتعريفي إياها من رحمتك
إشفاق رأفتها.
إلهي ان أجحف بي قلة الزاد في المسير إليك، فقد

(10) الوجيب: خفقان القلب واضطرابه، ومهتاجا: أي ثائرا ومتحركا،
من قولهم: (اهتاج اهتياجا) الشئ: أي ثار.
(11) وفي غيره من الطرق: (فقد استسعدتها الآن بدعائك) الخ.
33

وصلته بذخائر ما أعددته من فضل تعويلي عليك.
إلهي إذا ذكرت رحمتك ضحكت إليها وجوه وسائلي، وإذا ذكرت سخطتك بكت إليها عيون
مسائلي.
إلهي فأفض بسجل من سجالك على عبد آيس
قد أتلفه الظماء، وأمط بجودك عن خيط جيده
كلال الونى (12).
إلهي أدعوك دعاء من لم يرج غيرك بدعائه،
[و] أرجوك رجاء من لم يقصد غيرك برجائه.
إلهي كيف أرد عارض تطلعي إلى نوالك، وإنما
أنا في استرزاقي لهذا البدن أحد عيالك.
إلهي كيف أسكت بالإفحام لسان ضراعتي،
وقد أقلقني ما أبهم علي من مصير عاقبتي.
إلهي وقد علمت حاجة نفسي إلى ما تكفلت
لي به من الرزق في حياتي، وعرفت قلة استغنائي
عنه من الجنة بعد وفاتي، فيا من سمح لي به

(1) أمط أمر من الإماطة بمعنى الإزالة، والكلال - بفتح الكاف -:
التعب والاعياء، وونى كالوناء - مهموزا -: الفتور والضعف. وفي المختار
العشرين: (فأفض بسجل من سجالك على عبد قد أيبس ريقه متلف الظماء،
وأنت بجودك عنه كلالة الونى).
34

متفضلا في العاجل، لا تمنعنيه يوم فاقتي إليه في
الآجل، فمن شواهد نعماء الكريم استتمام نعمائه
ومن محاسن آلاء الجواد استكمال آلائه.
إلهي لولا ما جهلت من أمري ما شكوت
عثراتي، ولولا ما ذكرت من التفريط ما سفحت عبراتي
إلهي صل على محمد وآل محمد، وامح مثبتات
العثرات بمرسلات العبرات، وهب كثير السيئات
لقليل الحسنات.
إلهي ان كنت لا ترحم إلا المجدين في طاعتك
فإلى من يفزع المقصرون، وان كنت لا تقبل
إلا من المجتهدين فإلى من يلتجي المخلطون،
وإن كنت لا تكرم إلا أهل الاحسان، فكيف
يصنع المسيئون، وإن كان لا يفوز يوم الحشر إلا
المتقون، فبم يستغيث المذنبون (13).
إلهي إن كان لا يجوز على الصراط إلا من أجازته
براءة عمله، فأنى بالجواز لمن لم يتب إليك قبل
انقضاء أجله.
إلهي ان لم تجد إلا على من عمر بالزهد مكنون

(13) كذا في النسخة، والصواب: (فبمن يستغيث المذنبون) كما في
غيره من الطرق..
35

سريرته، فمن للمضطر الذي لم يرضه [بين
العالمين سعي نقيبته.
إلهي انهملت عبراتي حين ذكرت عثراتي،
وما لها] (14) لا تنهمل ولا أدري إلى ما يكون
مصيري، وعلى ماذا يهجم عند البلاغ مسيري،
وأرى نفسي تخاتلني، وأيامي تخادعني وقد
خفقت فوق رأسي أجنحة الموت، ورمقتني من
قريب أعين الفوت، فما عذري وقد حشا مسامعي
رافع الصوت.
إلهي لقد رجوت ممن ألبسني بين الأحياء ثوب
عافيته، ألا يعريني منه بين الأموات بجود رأفته
[و] لقد رجوت ممن تولاني في حياتي بإحسانه
أن يشفعه لي عند وفاتي بغفرانه.
يا أنيس كل غريب، آنس في القبر غربتي،
ويا ثاني كل وحيد، إرحم في القبر وحدتي،
ويا عالم السر والنجوى ويا كاشف الضر والبلوى
كيف نظرك لي بين سكان الثرى وكيف صنيعك
إلي في دار الوحشة والبلى، فقد كنت بي لطيفا
أيام حياة الدنيا.

(14) بين القوسين كان ساقطا من الأصل وذكرناه طبقا لغيره من الطرق.
36

يا أفضل المنعمين في نعمائه، كثرت أياديك
عندي فعجزت عن إحصائها، وضقت ذرعا في
شكري لك بجزائها فلك الحمد على ما أوليت،
ولك الشكر على ما أبليت.
يا خير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج،
بذمة الإسلام أتوسل إليك، وبحرمة القرآن أعتمد
عليك، وبحق محمد وآل محمد أتقرب إليك،
فصل على محمد وآل محمد واعرف ذمتي التي بها
رجوت قضاء حاجتي، يا أرحم الراحمين.
أقول: هذا الدعاء والمختار (20) من هذا الباب وجده بعض
الأخيار في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام بخراسان (وتاريخ
كتابتهما قديم جدا) وطبعا في إيران باسم المناجاة الإلهيات قبل
سنتين، ولعل مبدأ الطبع سنة 1383 ه‍، ولهما مصادر وشواهد
أخر كما تطلع عليها فيما سيأتي من هذا الباب إن شاء الله تعالى.
37

- 6 -
ومن دعاء له عليه السلام
دعاؤه عليه السلام إذا سبح الله ومجده
وكان من دعائه عليه السلام في تسبيح الله وتمجيده:
سبحان من إذا تناهت العقول في وصفه كانت
حائرة عن درك السبيل إليه، وتبارك من إذا
غرقت الفطن في تكييفه لم يكن لها طريق إليه
غير الدلالة عليه.
كنز الفوائد ص 239، ط 1.
38

- 7 -
ومن دعاء له عليه السلام
في الفخر بعبوديته لله عز وجل
العلامة الكراجكي رحمه الله قال: أخبرني شيخي أبو عبد الله
الحسين بن عبيد الله بن علي الواسطي رضي الله عنه، عن
التلعكبري، عن محمد بن همام بن سهيل، عن جعفر بن محمد
ابن مالك، عن محمد بن الحسن الزيات، عن الحسن بن محبوب،
عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر
عليه السلام: كان من دعاء أمير المؤمنين صلوات الله عليه:
إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى
بي فخرا أن تكون لي ربا (1).
إلهي أنت لي كما أحب، وفقني كما [لما
خ ل] تحب.
الحديث الأخير من الجز الأول من كنز الفوائد ص 181، ط 1
ورواه عنه في البحار: 2، من 19، 88، س 12، عكسا،

(1) وفي رواية ابن أبي الحديد: (إلهي كفاني فخرا أن تكون لي ربا،
وكفاني عزا أن أكون لك عبدا، أنت كما أريد، فاجعلني كما تريد).
39

وللدعاء سند آخر يأتي في المختار 136، من باب المسانيد من
القصار، ورواه أيضا ابن أبي الحديد في المختار الثاني مما
استدركه على قصار نهج البلاغة.
- 8 -
ومن دعاء له عليه السلام
وكان يقرؤه في القنوت
اللهم إليك شخصت الأبصار، ونقلت الأقدام
ورفعت الأيدي، ومدت الأعناق، وأنت دعيت
بالألسن، وإليك سرهم ونجواهم في الأعمال،
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير
الفاتحين.
اللهم انا نشكو إليك غيبة نبينا، وقلة عددنا
وكثرة عدونا، وتظاهر الأعداء علينا، ووقوع
الفتن بنا، ففرج ذلك اللهم بعدل تظهره، وإمام
حق تعرفه، آمين رب العالمين.
40

قال العلامة المجلسي (ره): قال ابن أبي عقيل (ره):
وبلغني أن (الامام) الصادق عليه السلام كان يأمر شيعته أن
يقنتوا بهذا بعد كلمات الفرج.
الحديث 32، من الباب 52، من صلاة البحار: 18 / 379
س 14 ط الكمباني، وللدعاء طرق كثيرة تقف عليها فيما سيأتي
إن شاء الله تعالى.
- 9 -
ومن دعاء له عليه السلام
كان يدعو به بعد الثمان ركعات من صلاة الليل
اللهم إني أسألك بحرمة من عاذ بك منك،
ولجاء إلى عزتك، واستظل بفيئك، واعتصم بحبلك
ولم يثق إلا بك.
يا جزيل العطايا، يا مطلق الأسارى، يامن
سمى نفسه من جوده وهابا، أدعوك رهبا ورغبا،
وخوفا وطمعا، وإلحاحا وإحافا، وتضرعا وتملقا
وقائما وقاعدا، وراكعا وساجدا، وراكبا وماشيا،
وذاهبا وجائيا، وفي كل حالاتي، وأسألك أن تصلي
41

على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا (1).
البلد الأمين. كما في الحديث 90 من باب كيفية صلاة
الليل من البحار: 18 / 584 ط الكمباني.
وأيضا روى رحمه الله في البحار هذا الدعاء - مع زيادة
بقدره - عن الإمام الرضا عليه السلام.
- 10 -
ومن دعاء له عليه السلام
وكان عليه السلام كثيرا ما يقول إذا فرغ من صلاة الليل
أشهد أن السماوات والأرض وما بينهما آيات
تدل عليك، وشواهد تشهد بما إليه دعوت،
كل ما يؤدي عنك الحجة (2) ويشهد لك بالربوبية
موسوم بآثار نعمتك ومعالم تدبيرك، علوت
بها عن خلقك، فأوصلت إلى القلوب من معرفتك

(1) كذا وكذا: إشارة وكناية عن الحاجة المطلوبة للداعي.
(2) وفي بعض النسخ: (كل من يؤدي عنك الحجة) الخ. وفي رواية
الزرندي: (كل يؤدي عنك حجة) الخ.
42

ما آنسها من وحشة الفكر، وكفاها رجم الإحتجاج (3)
فهي مع معرفتها بك وولهها إليك، شاهدة
بأنك لا تأخذك الأوهام، ولا تدركك العقول
ولا الأبصار.
[و] أعوذ بك أن أشير بقلب أو لسان أو يد
إلى غيرك، لا إله إلا أنت واحدا أحدا فردا صمدا،
ونحن لك مسلمون.
المختار الأول مما استدركه ابن أبي الحديد على قصار نهج
البلاغة، وقريب منه ما رواه الزرندي كما سيجئ إن شاء
الله تعالى.

(3) أي الاحتجاجات الظنية، والرجم: هو أن يتكلم الرجل بالظن.
43

- 11 -
ومن دعاء له عليه السلام
مناجاته " ع " برواية الكفعمي (ره)
إلهي صل على محمد وآل محمد، وارحمني إذا
انقطع من الدنيا أثري، وامتحى (1) من المخلوقين
ذكري، وصرت في المنسيين كمن قد نسي.
إلهي كبرت سني، ورق جلدي، ودق عظمي،
ونال الدهر مني (2)، واقترب أجلي، ونفدت أيامي،
وذهبت شهواتي، وبقيت تبعاتي.
إلهي ارحمني إذا تغيرت صورتي، وامتحت
محاسني (3)، وبلي جسمي، وتقطعت أوصالي،
وتفرقت أعضائي.

(1) يقال: متح - (من باب منع) متحا الماء: نزحه. والشئ:
قلعه وقطعه.
(2) أي هضمني وأخذ مني مقصوده.
(3) أي أزيلت وسلبت مني محاسني.
44

إلهي أفحمتني ذنوبي، وقطعت (4) مقالتي،
فلا حجة لي ولا عذر، فأنا المقر بجرمي المعترف
بإساءتي، الأسير بذنبي، المرتهن بعملي، المتهور
في بحور خطيئتي (5) المتحير عن قصدي، المنقطع
بي، فصل على محمد وآل محمد، وارحمني برحمتك
وتجاوز عني يا كريم بفضلك.
إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي، فقد
كبر في جنب رجائك أملي (6).
إلهي كيف أنقلب بالخيبة من عندك محروما،
وكان ظني بك وبجودك أن تقلبني بالنجاة
مرحوما (7).
إلهي لم أسلط على حسن ظني بك قنوط الآيسين
ولا تبطل صدق رجائي لك بين الآملين (8).

(4) وقال في حاشية البحار: وفي بعض النسخ: " وانقطعت ".
(5) أي الساقط في بحور الخطايا، والواقع في أبحر الجنايات بقلة مبالاتي
وكثرة جساراتي.
(6) وهنا في نسخة البحار سقط.
(7) يقال: قلب الشئ وقلبه وأقلبه - من باب ضرب وفعل وأفعل -:
حوله عن وجهه أو حالته.
(8) كذا في النسخة، والصواب: (فلا تبطل صدق رجائي) الخ، كما
تقدم ويأتي.
45

إلهي عظم جرمي إذ كنت المبارز به، وكبر
ذنبي إذ كنت المطالب به، إلا أني إذا ذكرت
كبير جرمي، وعظيم غفرانك وجدت الحاصل
لي من بينهما عفو رضوانك.
إلهي إن دعاني إلى النار بذنبي مخشي عقابك
فقد ناداني إلى الجنة بالرجاء حسن ثوابك.
إلهي إن أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك،
فقد آنستني باليقين مكارم عطفك.
إ لهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك،
فقد أنبهتني المعرفة يا سيدي بكريم آلائك.
إ لهي إن عزب لبي عن تقويم ما يصلحني فما
عزب إيقاني بنظرك لي فيما ينفعني (9).
إلهي إن انقرضت بغير ما أحببت من السعي
أيامي، فبالإيمان أمضتها [أمضيت خ ل] الماضيات
من أعوامي.

(9) كذا في النسخة المطبوعة من البلد الأمين، وفي البحار: (فما أعزب
ايقاني بنظرك لي فيما ينفعني) يقال: فلان أعزب: بعد، فهو بمعنى عزب
المجرد، ويحتمل كون ما في البحار من غلط النساخ، ويؤيده عدم موافقته
لمصدر
البحار - وهو البلد الأمين - ولسائر طرق الدعاء، إذ في الجميع: (وعزب
ايقاني).
46

إلهي جئتك ملهوفا، قد ألبست عدم فاقتي،
وأقامني مقام الأذلاء بين يديك ضر حاجتي (10).
إلهي كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤالك،
وجدت بالمعروف فاخلطني بأهل نوالك.
إلهي مسكنتي لا يجبرها إلا عطاؤك، وأمنيتي
لا يغنيها إلا جزاؤك.
إلهي أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا
وعن التعرض لسواك بالمسألة عادلا، وليس من
جميل امتنانك رد سائل ملهوف، ومضطر لانتظار
خيرك المألوف.
إلهي أقمت على قنطرة من قناطر الأخطار،
مبلوا بالأعمال والاعتبار، فأنا الهالك ان لم تعن
علينا بتخفيف الأثقال (11).

(10) هذا هو الظاهر الموافق لجميع طرق الدعاء ومنها البلد الأمين
الذي
أخذ عنه في البحار. وفي النسخة المطبوعة من البحار: (وأقامتني مقام الأذلاء)
وتأنيث الفعل - بناء على نسخة البحار - لإسناده إلى المضاف إلى المؤنث، وهو
شائع. قال ابن مالك في ألفيته:
وربما أكسب ثان أولا تأنيثا إن كان لحذف مؤهلا
(11) كذا في النسخة، وفي طرق أخر غير هذا: (فأنا الهالك إن لم
تعن عليها) الخ. وفي بعض الطرق: (إن لم تعن عليها بتخفيف الآصار).
وفى المختار (20): (إن أم تعن عليها بتخفيف الأوزار) (12) يقال: طوفه تطويفا وتطوافا: طاف به، وطاف يطوف طوفا
وطوافا وطوفانا - كرمضان - بالمكان وحوله: دار حوله. والوصفاء جمع الوصيف -
كالسفراء والسفير - وهو الغلام دون المراهق، والمؤنث وصيفة، والجمع وصائف.
47

إلهي أمن أهل الشقاء خلقتني فأطيل بكائي
أم من أهل السعادة خلقتني فأبشر رجائي.
إلهي إن حرمتني رؤية محمد صلى الله عليه
وآله في دار السلام، وأعدمتني تطواف الوصفاء
من الخدام (12)، وصرفت وجه تأميلي بالخيبة في
دار المقام، فغير ذلك منتني نفسي منك، يا ذا الفضل
والإنعام.
إلهي وعزتك وجلالك لو قرنتني في الأصفاد
طول الأيام، ومنعتني سيبك من بين الأنام، وحلت
بيني وبين الكرام، ما قطعت رجائي منك، ولا
صرفت وجه انتظاري للعفو عنك (13).
إلهي لو لم تهدني إلى الاسلام ما اهتديت، ولو
لم ترزقني الإيمان بك ما آمنت، ولو لم تطلق
لساني بدعائك ما دعوت، ولو لم تعرفني حلاوة

(13) قوله: (عنك) متعلق بكلمة: (صرفت) أو بلفظة:
(إنتظاري).
48

معرفتك ما عرفت، ولو لم تبين لي شديد عقابك
ما استجرت.
إلهي أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو التوحيد
ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك وهو الكفر،
فاغفر لي ما بينهما.
إلهي أحب طاعتك وإن قصرت عنها، وأكره
معصيتك وإن ركبتها فتفضل علي بالجنة وإن لم
أكن من أهلها، وخلصني من النار وإن استوجبتها.
إلهي إن أقعدني التخلف [إن قعدني التخلف
خ ل] عن السبق مع الأبرار، فقد أقامتني الثقة بك
على مدارج الأخيار.
إلهي قلب حشوته من محبتك في دار الدنيا،
كيف تطلع عليه نار محرقة في لظى.
إلهي نفس أعززتها بتأييد إيمانك كيف تذلها
بين أطباق نيرانك.
إلهي لسان كسوته من تماجيدك أنيق [أبين
خ ل] أثوابها (14)، كيف تهوي إليه من النار
مشتعلات التهابها.

(14) وفي رواية القضاعي: (إلهي لسانا كسوته من وحدانيتك أنقى
أثوابها). أقول: التماجيد جمع تمجيد - كتماثيل وتفاصيل جمعا تمثيل وتفصيل
بمعنى العز والرفعة والأنيق - على وزن الغريق -: الشئ الحسن المعجب،
إي إن لسانا قد تلبس بالألفاظ الرشيقة الدالة على عز جلالك ورفعة كمالك،
كيف تميل إليه وتستولي عليه المشتعلات من لهب النار.
49

إلهي كل مكروب إليك يلتجي، وكل محزن
إياك يرتجي.
إلهي سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا،
وسمع الزاهدون بسعة رحمتك فقنعوا، وسمع
المولون عن القصد بجودك فرجعوا، وسمع
المجرمون بسعة غفرانك فطمعوا، وسمع المؤمنون
بكرم عفوك وفضل عوارفك فرغبوا (15) حتى
ازدحمت مولاي ببابك عصائب العصاة من عبادك
وعجت إليك منهم عجيج الضجيج بالدعاء في
بلادك، ولكل أمل قد ساق صاحبه إليك محتاجا
وقلب تركه وجيب خوف المنع منك مهتاجا (16)

(15) العوارف - جمع العارفة - وهي المعروف، أي الجود والعطية وما
يبذل ويعطى لمنتظر النوال ومتوقعه.
(16) الوجيب: الخفقان والاضطراب. يقال: وجب يجب - من
باب وعد يعد - وجبا ووجيبا ووجبانا القلب: خفق. ويقال: هاج يهيج
هيجا وهيجانا وهياجا - بالكسر -: ثار. والإبل: عطشت. والنبت: يبس.
واهتاج وتهيج: اثار.
50

وأنت المسؤول الذي لا تسود لديه وجوه المطالب
ولم تزرأ بنزيله فظيعات المعاطب (17).
إلهي إن أخطأت طريق النظر لنفسي بما فيه
كرامتها، فقد أصبت طريق الفزع إليك بما
فيه سلامتها.
إلهي إن كانت نفسي استسعدتني متمردة على
ما يرديها، فقد استسعدتها الآن بدعائك على
ما ينجيها.
إلهي إن عداني الإجتهاد في ابتغاء منفعتي، فلم
يعدني برك بي فيما فيه مصلحتي.
إلهي إن قسطت (18) في الحكم على نفسي بما فيه
حسرتها، فقد أقسطت الآن بتعريفي إياها من
رحمتك إفاق رأفتك (19).
لهي إن أجحف بي قلة الزاد في المسير إليك،

(17) كذا في النسخة، وفي البلد الأمين المختار (20): (ولم تزر بنزيله
قطيعات المعاطب). وفي المختار الخامس: (ولم ترد بنزيله قطيعات [فظيعات
خ ل] المعاطب). وفي رواية القضاعي: (ولا يرد نائله قاطعات المعاطب).
(18) وفي نسخة البحار: (إن بسطت).
(19) هذا هو الصواب. وفي النسخة المطبوعة من البلد الأمين: (إشفاق
رأفتها).
51

فقد وصلته الآن بذخائر ما أعددته من فضل
تعويلي عليك.
إلهي إذا ذكرت رحمتك ضحكت إليها وجوه
وسائلي، وإذا ذكرت سخطك بكت لها عيون
مسائلي.
إلهي فأفض بسجل من سجالك على عبد آيس
[بائس خ ل] قد أتلفه الظماء، وأحاط بخيط جيده
كلال الونى (20).
إلهي أدعوك دعاء من لم يرج غيرك بدعائه،
وأرجوك رجاء من لم يقصد غيرك برجائه.
إلهي كيف أرد عارض تطلعي إلى نوالك، وإنما
أنا في استرزاقي لهذا البدن أحد عيالك.
إلهي كيف أسكت بالإفحام لسان ضراعتي،
وقد أقلقني ما أبهم علي من مصير عاقبتي.
إلهي قد علمت حاجة نفسي إلى ما تكفلت لها
به من الرزق في حياتي، وعرفت قلة استغنائي
عنه من الجنة بعد وفاتي، فيا من سمح لي به
متفضلا في العاجل، لا تمنعنيه يوم فاقتي إليه
في الآجل، فمن شواهد نعماء الكريم استتمام

(20) الوني - كفتى ويمد أيضا -: التعب والفترة.
52

نعمائه، ومن محاسن آلاء الجواد استكمال آلائه.
إلهي لولا ما جهلت من أمري ما شكوت
عثراتي، ولولا ما ذكرت من الإفراط [التفريط
خ ل] ما سفحت عبراتي.
إلهي صل على محمد وآل محمد، وامح مثبتات
العثرات بمرسلات العبرات، وهب لي كثير
السيئات لقليل الحسنات.
إلهي إن كنت لا ترحم إلا المجدين في طاعتك
فإلى من يفزع المقصرون، وإن كنت لا تقبل إلا
من المجتهدين، فإلى من يلتجئ المفرطون، وإن
كنت لا تكرم إلا أهل الإحسان، فكيف يصنع
المسيئون، وإن كان لا يفوز يوم الحشر إلا المتقون
فبمن يستغيث المذنبون [المجرمون خ ل].
إلهي إن كان لا يجوز على الصراط إلا من أجازته
براءة عمله، فأنى بالجواز لمن لم يتب إليك قبل
انقضاء أجله.
إلهي إن لم تجد إلا على من قد عمر بالزهد
مكنون سريرته، فمن للمضطر الذي لم يرضه
بين العالمين سعي نقيبته.
53

إلهي إن حجبت عن موحديك نظر تغمدك (21)
لجناياتهم، أوقعهم غضبك بين المشركين في
كرباتهم.
إلهي إن لم تنلنا يد احسانك يوم الورود،
اختلطنا في الجزاء بذوي الجحود.
اللهم فأوجب لنا بالإسلام مذخور هباتك،
واستصف ما كدرته الجرائر منا بصفو صلاتك.
إلهي ارحمنا غرباء إذا تضمنتنا بطون لحودنا
وغميت باللبن سقوف بيوتنا، وأضجعنا مساكين
على الإيمان في قبورنا، وخلفنا فرادى في أضيق
المضاجع، وصرعتنا المنايا في أعجب المصارع،
وصرنا في دار قوم كأنها مأهولة وهي منهم
بلاقع (22).
إلهي ارحمنا إذا جئناك عراة حفاة، مغبرة من
ثرى الأجداث رؤوسنا، وشاحبة من تراب الملاحيد
وجوهنا، وخاشعة من أفزاع القيامة أبصارنا،

(21) كذا في البحار والبلد الأمين المطبوع، وفي المختار (20): (نظر
تعمدك) الخ، وفي المختار (33) (نظر تعمد) الخ.
(22) كذا في النسخة، وفي غيره من الطرق: (وصرنا في ديار قوم)
وهو أظهر.
54

وذابلة من شدة العطش شفاهنا، وجائعة لطول
المقام بطوننا، وبادية هنالك للعيون سوأتنا وموقرة من ثقل الأوزار ظهورنا، ومشغولين
بما قد دهانا (23) عن أهالينا وأولادنا، فلا تضعف
المصائب علينا بإعراض وجهك عنا (24) وسلب
عائدة ما مثله الرجاء منا.
إلهي ما حنت هذه العيون إلى بكائها، ولا جادت
متشربة بمائها، ولا أسهدها بنحيب الثاكلات
فقد عزائها (25)، إلا لما أسلفته من عمدها وخطائها
وما دعاها إليه عواقب بلائها، وأنت القادر يا عزيز
على كشف غمائها.
إلهي إن كنا مجرمين فانا نبكي على إضاعتنا
من حرمتك ما تستوجبه، وإن كنا محرومين
فإنا نبكي إذ فاتنا من جودك ما نطلبه.

(23) يقال: دهاه دهيا: أي أصابه أمر عظيم.
(24) وفي البحار: (باعراض وجهك الكريم).
(25) كذا في البحار، وفي البلد الأمين: (ولا جادت متسربة بمائها)
وفي المختار العشرين: (ولا جادت منشربة بمائها، ولا أسهرها) الخ، وفي
رواية القضاعي: (ولا جادت متسربة بمائها، ولا شهرت بنحيب المثكلات
فقد عزائها) الخ.
55

إلهي شب (26) حلاوة ما يستعذبه لساني من
النطق في بلاغته، بزهادة ما يعرفه قلبي من النصح.
في دلالته.
إلهي أمرت بالمعروف وأنت أولى به من
المأمورين، وأمرت بصلة السؤال وأنت خير
المسؤولين.
إلهي كيف ينقل بنا اليأس إلى الإمساك عما
لهجنا بطلابه (27) وقد ادرعنا من تأميلنا إياك
أسبغ ثوابه.
إلهي إذا هزت الرهبة أقنان مخافتنا، انقلعت
من الأصول أشجارها، وإذا تنسمت أرواح الرغبة
منا أغصان رجائنا أينعت بتلقيح البشارة أثمارها.
إلهي إذا تلونا من صفاتك شديد العقاب أسفنا (28)
وإذا تلونا منها الغفور الرحيم فرحنا فنحن
بين أمرين فلا سخطتك تؤيسنا، ولا رحمتك

(26) ومثله في المختار العشرين، وفي رواية القضاعي: (إلهي ثبت)
الخ.
(27) يقال: طالبه مطالبة وطلابا - على زنة ضراب -: طلبه بحق.
والاسم الطلب - محركة - والطلبة - بالكسر -.
(28) ومثله في المختار (20)، وفي رواية القضاعي: (إذا تلونا من
صفاتك شديد العقاب أشفقنا) الخ.
56

تؤمننا (29).
إلهي إن قصر ت مساعينا عن استحقاق نظرتك،
فما قصرت رحمتك بنا عن دفاع نقمتك.
إلهي إنك لم تزل علينا بحظوظ صنائعك
منعما، ولنا من بين الأقاليم مكرما، وتلك عادتك
اللطيفة في أهل الخيفة، في سالفات الدهور
وغابراتها، وخاليات الليالي وباقياتها.
إلهي اجعل ما حبوتنا به من نور هدايتك
درجات نرقى بها إلى ما عرفتنا من جنتك (30).
إلهي كيف تفرح بصحبة الدنيا صدورنا،
وكيف تلتئم (31) في غمراتها أمورنا، وكيف
يخلص لنا فيها سرورنا، وكيف يملكنا باللهو
واللعب غرورنا، وقد دعتنا باقتراب الآجال قبورنا.

(29) هذا هو الظاهر، وفي البلد الأمين والبحار: (فلا سخطتك تؤمننا
ولا رحمتك تؤيسنا).
وفي المختار العشرين: (فلا سخطك تؤمننا، ولا رحمتك تؤيسنا).
وفي رواية القضاعي: (لا يؤمننا سخطك، ولا تؤيسنا رحمتك) الخ.
(30) وفي الصحيفة العلوية: (ما عرفتنا من رحمتك) الخ.
(31) وفي بعض الطرق: (وكيف تلتام) الخ، وفي رواية القضاعي:
(وكيف تلتئم في عمرانها أمورنا) الخ.
57

إلهي كيف نبتهج في دار حفرت لنا فيها
حفائر صرعتها، وفتلت بأيدي المنايا (32) حبائل
غدرتها، وجرعتنا مكرهين جرع مرارتها، ودلتنا
النفس (33) على انقطاع عيشتها، لولا ما صغت
إليه [أصغت إليه خ ل] (34) هذه النفوس من
رفائغ لذتها، وافتتانها بالفانيا من فواحش زينتها.
إلهي فإليك نلتجئ من مكائد خدعتها، وبك
نستعين على عبور قنطرتها، وبك نستفطم
الجوارح عن أخلاف شهوتها، وبك نستكشف
جلابيب حيرتها، وبك نقوم من القلوب استصعاب
جهالتها.

(32) كذا في النسخة، وفي رواية القضاعي: (إلهي كيف نبتهج بدار
حفرت لنا فيها حفائر صرعتها، وقلبتنا بأيدي المنايا) الخ.
وفي البحار: (إلهي كيف ينتهج) وكأنه من الأغلاط المطبعية.
(33) وفي رواية القضاعي: (ودلتنا العبر على انقطاع) الخ.
(34) وفي البحار: (لولا ما صنعت [أضيفت خ ل] إليه) الخ،
ورفائغ اللذات: الواسعة الطيبة منها. ويحتمل قريبا أن يراد (هنا) من رفائغ اللذات
أرذلها وأخسها لإطلاق الرفغ على ألام موضع في الوادي، وكل مجتمع وسخ في
الجسم، وعلى رذال الناس وأوباشهم. خ
58

إلهي كيف للدور أن تمنع (35) من فيها من
طوارق الرزايا، وقد أصيب في كل دار سهم من
أسهم المنايا.
إلهي ما تتفجع أنفسنا من النقلة عن الديار،
إن لم توحشنا هنالك من مرافقة الأبرار (36).
إلهي ما تضيرنا (37) فرقة الإخوان والقرابات،
ان قربتنا منك يا ذا العطيات.
إلهي ما تجف من ماء الرجاء مجاري لهواتنا،
إن لم تحم طير الأشائم بحياض رغباتنا.
إلهي أن عذبتني فعبد خلقته لما أردته فعذبته،
وإن رحمتني فعبد وجدته مسيئا فأنجيته.
إلهي لا سبيل إلى الاحتراس من الذئب إلا

(35) كذا في البحار ورواية القضاعي، وفي المختار العشرين والبلد
الأمين:
(كيف للدور بأن تمنع) الخ.
(36) ومثله في المختار العشرين، وفي رواية القضاعي: (إلهي ما نفجع
بأنفسنا) الخ.
(37) وفي المختار العشرين ورواية القضاعي: (إلهي ما تضرنا) الخ،
وهما بمعنى واحد، يقال: ضاره يضيره ضيرا: أضر به. وقوله: (قربتنا)
يصح أن يكون خطابا لله تعالى، ويصح كونه مغايبا وفاعله الضمير العائد إلى
(فرقة) فالتاء للتأنيث، هو أظهر.
59

بعصمتك، ولا وصول إلى عمل الخيرات إلا بمشيتك
فكيف لي بإفادة ما أسلفتني فيه مشيتك، وكيف
لي بالاحتراس من الذنب ان لم [ما لم خ ل] تدركني
فيه عصمتك.
إلهي أنت دللتني على سؤال الجنة قبل معرفتها
فأقبلت النفس بعد العرفان على مسألتها، أفتدل
على خيرك السؤال ثم تمنعهم النوال، وأنت الكريم
المحمود في كل ما تصنعه، يا ذا الجلال والإكرام.
إلهي إن كنت غير مستوجب لما أرجو من
رحمتك فأنت أهل التفضل علي بكرمك، فالكريم
ليس يصنع كل معروف عند من يستوجبه (38).
إلهي إن كنت غير مستأهل لما أرجو من رحمتك
فأنت أهل أن تجود على المذنبين بسعة رحمتك.
إلهي إن كان ذنبي قد أخافني، فان حسن ظني
بك قد أجارني.

(38) وفي رواية القضاعي: (إلهي إن كنت لم أستحق معروفك ولم
استوجبه فكن أهل التفضل به علي فالكريم لم يضع معروفه عند كل من
يستوجبه)
أي إن الكريم لا يقصر صنعه المعروف على المستحقين فقط، ولم يخص وضع
معروفه وانعامه على من كان مستوجبا له، بل يبتدئ بالكرم ويجود بالنعم على
الجميع المستوجبين وغيرهم.
60

إلهي ليس تشبه مسألتي مسألة السائلين، لأن
السائل إذا منع امتنع عن السؤال، وأنا لا غناء
[لا غنى خ ل] بي عما سألتك على كل حال.
إلهي ارض عني فإن لم ترض عني فاعف عني
فقد يعفو السيد عن عبده وهو عنه غير راض.
إلهي كيف أدعوك وأنا أنا، أم كيف أيأس
منك وأنت أنت.
إلهي إن نفسي (39) قائمة بين يديك، وقد
أظلها حسن توكلي عليك، فصنعت بها ما يشبهك
وتغمدتني بعفوك.
إلهي إن كان قد دنى أجلي، ولم يقربني منك
عملي فقد جعلت الاعتراف بالذنب إليك وسائل
عللي، فإن عفوت فمن أولى منك بذلك، وإن
عذبت فمن أعدل منك في الحكم هنالك.
إلهي إني جرت على نفسي في النظر لها وبقي
نظرك لها فالويل لها إن لم تسلم به (40).

(39) وفي بعض الطرق: (إلهي كأني بنفسي قائمة بين يديك) وكأنه
أظهر.
(40) ومثله في المختار العشرين، وفي البحار: (إلهي إني إن جرت)،
وفي مناجاته عليه السلام في شهر شعبان: (إلهي قد جرت على نفسي في النظر
لها، فلها الويل ان لم تغفر لها).
61

إلهي إنك لم تزل بي بارا أيام حياتي، فلا تقطع
برك عني بعد وفاتي.
الهي كيف أيأس من حسن نظرك لي بعد
مماتي، وأنت لم تولني إلا الجميل في أيام حياتي.
إلهي إن ذنوبي قد أخافتني [أخافني خ ل] ومحبتي
لك قد أجارتني، فتول من أمري ما أنت أهله،
وعد بفضلك على من غمره جهله، يامن لا تخفى
عليه خافية، صل على محمد وآل محمد، واغفر
لي ما قد خفي على الناس من أمري.
إلهي سترت علي في الدنيا ذنوبا ولم تظهرها،
وأنا إلى سترها يوم القيامة أحوج، وقد أحسنت
بي إذ لم تظهرها للعصابة من المسلمين، فلا تفضحني
بها يوم القيامة على رؤوس العالمين.
إلهي جودك بسط أملي وشكرك قبل عملي
فسرني بلقائك عند اقتراب أجلي.
إلهي ليس اعتذاري إليك اعتذار من يستغني
عن قبول عذره، فاقبل عذري يا خير من اعتذر
إليه المسيئون (41).

(41) وفي مناجاته عليه السلام في شهر شعبان: (الهي اعتذاري إليك
اعتذار من لم يستغن عن قبول عذره، فاقبل عذري يا أكرم من اعتذر إليه
المسيئون).
62

إلهي لا تردني في حاجة قد أفنيت عمري في
طلبها منك وهي المغفرة.
إلهي إنك لو أردت إهانتي لم تهدني، ولو
أردت فضيحتي لم تسترني، فمتعني بما له قد
هديتني وأدم لي ما به سترتني.
إلهي ما وصفت من بلاء ابتليتنيه، أو إحسان
أوليتنيه فكل ذلك بمنك فعلته، وعفوك تمام
ذلك أن أتممته (42).
إلهي لولا ما قرفت من الذنوب ما فرقت
عقابك (43) ولولا ما عرفت من كرمك ما رجوت
ثوابك، وأنت أولى الأكرمين بتحقيق أمل الآملين
وأرحم من استرحم في تجاوزه عن المذنبين.
إلهي نفسي تمنيني بأنك تغفر لي فأكرم بها
أمنية بشرت بعفوك، فصدق بكرمك مبشرات
تمنتها (44) وهب لي بجودك مبشرات تمنيها،
وهب لي بجودك مدبرات تجنيها (45).

(42) كذا.
(43) هذا هو الصواب، وفي البلد الأمين، (لولا ما فرقت) الخ.
(44) كذا في البحار، وفي البلد الأمين: (مبشرات تمنيها) الخ.
(45) كذا في البحار، وفي البلد الأمين: (مدمرات تجنيها) الخ.
63

إلهي ألقتني الحسنات بين جودك وكرمك،
وألقتني السيئات بين عفوك ومغفرتك، وقد
رجوت أن لا يضيع بين ذين وذين (46) مسيئ
ومحسن.
إلهي إذا شهد لي الإيمان بتوحيدك، وانطلق
لساني بتمجيدك، ودلني القرآن على فواضل
جودك فكيف لا يبتهج رجائي بحسن موعودك.
إلهي تتابع إحسانك إلي يدلني على حسن نظرك
لي، فكيف يشقى امرء حسن له منك النظر.
إلهي إن نظرت إلي بالهلكة عيون سخطتك،
فما نامت عن استنقاذي منها عيون رحمتك.
إلهي إن عرضني ذنبي لعقابك، فقد أدناني
رجائي من ثوابك (47).
إلهي إن عفوت فبفضلك، وإن عذبت فبعدلك
فيا من لا يرجى إلا فضله، ولا يخاف إلا عدله
صل على محمد وآل محمد، وامنن علينا بفضلك

(46) أي بين القاء الحسنات بين الجود والكرم، وإلقاء السيئات بين
العفو والمغفرة.
(47) ومثله في المختار (33) وقريب منه في المختار (20).
64

ولا تستقص علينا في عدلك (48).
إلهي خلقت لي جسما وجعلت لي فيه آلات
أطيعك بها وأعصيك، وأغضبك بها وأرضيك،
وجعلت لي من نفسي داعية إلى الشهوات، وأسكنتني
دارا قد ملئت من الآفات، ثم قلت لي انزجر،
فبك أنزجر، وبك أعتصم، وبك أستجير، وبك
أحترز، وأستوقفك لما يرضيك (49) وأسألك
يا مولاي فان سؤالي لا يحفيك (50).
إلهي أدعوك دعاء ملح لا يمل دعاء مولاه،
وأتضرع إليك تضرع من قد أقر على نفسه بالحجة
في دعواه.
إلهي لو عرفت اعتذارا من الذنب في التنصل
أبلغ من الاعتراف به لأتيته، فهب لي ذنبي
بالاعتراف، ولا تردني بالخيبة عند الانصراف.
إلهي سعت نفسي إليك لنفسي تستوهبها،

(48) لعل المراد من الاستقصاء في العدل المداقة في جميع الأعمال،
وعدم المسامحة والمعاملة فيها على وفق العفو والرحمة.
(49) أي اطلب منك التوفيق إلى ما هو مرضي لك.
(50) من قولهم: احفاه إحفاء: برح به في الإلحاح، أي أتبعه
وآذاه اذى شديدا.
65

وفتحت أفواه آمالها نحو نظرة منك لا تستوجبها،
فهب لها ما سألت، وجد عليها بما طلبت، فإنك
أكرم الأكرمين بتحقيق أمل الآملين.
إلهي قد أصبت من الذنوب ما قد عرفت،
وأسرفت على نفسي بما قد علمت، فاجعلني عبدا
إما طائعا فأكرمته، وإما عاصيا فرحمته.
إلهي كأني بنفسي قد أضجعت في حفرتها،
وانصرف عنها المشيعون من جيرتها (51)، وبكى
الغريب عليها لغربتها، وجاد بالدموع عليها
المشفقون من عشيرتها، وناديها من شفير القبر
ذوو مودتها، ورحمها المعادي لها في الحياة عند
صرعتها، ولم يخف على الناظرين إليها عند ذلك
ضر فاقتها، ولا على من رآها قد توسدت الثرى
عجز حيلتها، فقلت ملائكتي فريد نآى عنه
الأقربون، ووحيد جفاه الأهلون، نزل بي قريبا
وأصبح في اللحد غريبا، وقد كان لي في دار الدنيا داعيا
ولنظري إليه في هذا اليوم راجيا، فتحسن عند ذلك
ضيافتي، وتكون أرحم بي من أهلي وقرابتي.

(51) كذا في البحار، وفي البلد الأمين المطبوع: (وانصرف عنها
المتبعون من جيرتها).
66

إلهي لو طبقت ذنوبي ما بين السماء إلى الأرض
وخرقت النجوم، وبلغت أسفل الثرى ما ردني
اليأس عن توقع غفرانك، ولا صرفني القنوط
عن انتظار رضوانك.
إلهي دعوتك بالدعاء الذي علمتنيه، فلا تحرمني
جزاءك الذي وعدتنيه، فمن النعمة أن هديتني
لحسن دعائك، ومن تمامها أن توجب لي محمود
جزائك.
إلهي وعزتك وجلالك لقد أحببتك محبة
استقرت حلاوتها في قلبي، وما تنعقد ضمائر
موحديك على أنك تبغض محبيك.
إلهي أنتظر عفوك كما ينتظره المذنبون،
ولست أيأس من رحمتك التي يتوقعها المحسنون.
إلهي لا تغضب علي فلست أقوى لغضبك،
ولا تسخط علي فلست أقوم لسخطك.
إلهي أللنار ربتني أمي فليتها لم تربني، أم
للشقاء ولدتني فليتها لم تلدني.
إلهي انهملت عبراتي حين ذكرت عثراتي،
وما لها لا تنهمل ولا أدري إلى ما يكون مصيري
وعلى ماذا يهجم عند البلاغ مسيري، وأرى نفسي
67

تخاتلني وأيامي تخادعني، وقد خفقت فوق رأسي
أجنحة الموت، ورمقتني من قريب أعين الفوت،
فما عذري وقد حشا مسامعي رافع الصوت.
إلهي لقد رجوت من ألبسني بين الاحياء ثوب
عافيته أن لا يعريني منه بين الأموات بجود رأفته
ولقد رجوت ممن تولاني في حياتي بإحسانه
أن يشفعه لي عند وفاتي بغفرانه، يا أنيس كل
غريب، آنس في القبر غربتي، ويا ثاني كل
وحيد، ارحم في القبر وحدتي، ويا عالم السر
والنجوى، ويا كاشف الضر والبلوى، كيف نظرك
لي بين سكان الثرى، وكيف صنيعك إلي في دار
الوحشة والبلى، فقد كنت بي لطيفا أيام حياة
الدنيا، يا أفضل المنعمين في آلائه، وأنعم المفضلين
في نعمائه.
[إلهي خ ل] كثرت أياديك عندي فعجزت عن
إحصائها، وضقت [بالأمر خ ل] ذرعا في شكري لك
بجزائها، فلك الحمد على ما أوليت، ولك الشكر
على ما أبليت، يا خير من دعاه داع، وأفضل من
رجاه راج بذمة الإسلام أتوسل إليك، وبحرمة
القرآن أعتمد عليك، وبحق محمد وآل محمد
68

أتقرب إليك، فصل على محمد وآل محمد واعرف
ذمتي التي بها رجوت قضاء حاجتي برحمتك
يا أرحم الراحمين.
البلد الأمين 311، والبحار: 2، من 19، 90. والدعاء (22)
من الصحيفة الأولى 67. وقريب من في الدعاء (6) من الصحيفة
الثانية 35.
وهذا الدعاء يشترك في كثير من فقراته مع الدعاء (63) من
الصحيفة الرابعة السجادية 155، وكذلك المختار 65، المعروف
بالمناجاة الإنجيلية.
- 12 -
ومن دعاء له عليه السلام
في التسليم لامر الله تعالى
الكليني برد الله حياته، عن عدة من أصحابنا، عن سهل
ابن زياد، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب،
عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السلام، قال: كان
أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول:
اللهم من علي بالتوكل عليك، والتفويض
إليك، والرضا بقدرتك، والتسليم لأمرك، حتى
69

لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت
يا رب العالمين.
الحديث 14، من الباب 59، من الكتاب 6، من الكافي 580.
ورواه أيضا زيد الزراد (ره) في أصله، كما في المختار
(10) من الصحيفة الثانية.
- 13 -
ومن دعاء له عليه السلام
في طلب الصبر على البلية
اللهم إن ابتليتني فصبرني والعافية أحب إلي
البحار: 20، 262، ط الكمباني، عن مجلد عتيق، وكان
في المجلد كتاب أدب الكاتب للصولي. وكتاب الجواهر لإبراهيم
ابن إسحاق الصولي.
ورواه في التهذيب: 3، 81، عن الإمام الباقر عليه السلام
مع زيادات كثيرة.
70

- 14 -
ومن دعاء له عليه السلام
في العياذ بالله من البلية الداعية إلى المعاصي
محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (ره) عن أبيه، عن
هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال: حدثني (الإمام
الصادق) جعفر (بن) محمد، عن أبيه، قال: كان علي (عليه
السلام) يقول في دعائه:
اللهم إني أعوذ بك أن تبتليني ببلية تدعوني
ضرورتها على أن أتغوث بشئ من معاصيك،
[إلى أن أتعرض لمعصية من معاصيك خ ل].
اللهم ولا تجعل بي حاجة إلى أحد من شرار
خلقك ولئامهم، فإن جعلت لي [بي خ ل] حاجة
إلى أحد [من خ ل] خلقك فاجعلها إلى أحسنهم
وجها وخلقا، وأسخاهم بها نفسا، وأطلقهم بها
لسانا وأسمحهم بها كفا، وأقلهم بها علي امتنانا.
الحديث 1 من قرب الإسناد، ورواه عنه في المختار 66،
من الصحيفة الثانية 166، والذيل مذكور في المختار 135،
من كلمه عليه السلام في تحف العقول 151.
71

- 15 -
ومن دعاء له عليه السلام
في استجابة الدعاء عند الطلب
محمد بن يعقوب رضوان الله عليه، عن علي بن إبراهيم
عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، قال: قال
لي ابتداءا منه أبو عبد الله عليه السلام: يا معاوية أما علمت أن
رجلا أتى أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فشكى الإبطاء عليه
في الجواب في دعائه، فقال له: فأين أنت عن الدعاء سريع
الإجابة، فقال له الرجل: ما هو؟ قال: قل:
اللهم إني أسألك باسمك العظيم الأعظم،
الأجل الأكرم، المخزون المكنون، النور الحق،
البرهان المبين، الذي هو نور مع نور، ونور
من نور، ونور في نور، ونور على نور، ونور
فوق كل نور، ونور يضي به كل ظلمة،
ويكسر به كل شدة، وكل شيطان مريد، وكل
جبار عنيد، ولا تقر به أرض ولا تقوم به
72

سماء (1)، ويأمن كل خائف، ويبطل به سحر كل
ساحر، وبغي كل باغ، وحسد كل حاسد،
ويتصدع لعظمته البر والفاجر، وتستقل به الفلك
حين يتكلم به الملك (2)، فلا يكون للموج عليه
سبيل، وهو اسمك الأعظم الأعظم، الأجل الأجل،
النور الأكبر، الذي سميت به نفسك، واستويت
به على عرشك، وأتوجه إليك بمحمد وأهل بيته
[و] أسألك بك وبهم أن تصلي على محمد وآل
محمد، وأن تفعل بي كذا وكذا.
الحديث 17، من الباب الأخير من كتاب الدعاء من
الكافي 2 - 582.

(1) قال السيد الداماد (ره): الجار والمجرور في قوله: (لا تقربه أرض
ولا تقوم به سماء) غير متعلق بالفعل المذكور، بل بفعل آخر مقدر، والتقدير:
إذا دعيت به لا تقر أرض، وإذا دعيت به لا تقوم سماء، أو الباء بمعنى مع، أي
لا تقر معه أرض ولا تقوم معه سماء، واما لا تقوم له - باللام موضع الباء -
فمعناه: لا تنهض لمقاومته ومعارضته.
(2) في بعض النسخ: (ويستقر به الفلك حتى يتكلم به الملك).
73

- 16 -
ومن دعاء له عليه السلام
في طلب الزهد عن الدنيا
اللهم إني أسألك سلوا عن الدنيا ومقتالها
فإن خيرها زهيد، وشرها عتيد، وصفوها يتكدر
وجديدها يخلق، وما فات فيها لم يرجع، وما
نيل فيها فتنة، إلا من أصابته منك عصمة،
وشملته منك رحمة، فلا تجعلني ممن رضي بها
واطمأن إليها، ووثق بها، فإن من اطمأن إليها
خانته، ومن وثق بها غرته.
الباب 3، من إرشاد القلوب ص 36.
74

- 17 -
ومن دعاء له عليه السلام
قال الديلمي: وكان عليه السلام يقول في دعائه:
اللهم توفني فقيرا، ولا تتوفني غنيا، واحشرني
في زمرة المساكين.
إرشاد القلوب ص 26، باب الزهد.
- 18 -
ومن دعاء له عليه السلام
في الاستعاذة بالله من معاداة أوليائه
قال معلم الأمة الشيخ المفيد (ره): حدثنا أبو علي أحمد بن
محمد الصولي بمسجد براثا، سنة اثنتين وخمسين وثلاث مأة،
قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدثني محمد
75

ابن زكريا الغلابي، قال: حدثني قيس بن حفص الدورقي،
قال: حدثنا حسين الأشقر، عن عمر بن الغفار، عن إسحاق
ابن الفضل الهاشمي، قال: كان من دعاء أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب (عليه السلام):
اللهم إني أعوذ بك أن أعادي لك وليا أو
أوالي لك عدوا أو أرضى لك سخطا أبدا.
اللهم من صليت عليه فصلواتنا عليه، ومن
لعنته فلعنتنا عليه.
اللهم من كان في موته فرج لنا ولجميع
المسلمين فأرحنا منه، وأبدل لنا من هو خير لنا
حتى ترينا من علم الإجابة ما نتعرفه في أدياننا
ومعايشنا يا أرحم الراحمين.
الحديث الأخير من المجلس 20، من أمالي الشيخ المفيد
(ره) ورواه عنه السيد ابن طاوس (ره) في كتاب المجتنى
المخطوط ص 9، ورواه السماهيجي (ره) في الدعاء (66) من
الصحيفة العلوية ص 163.
76

- 19 -
ومن دعاء له عليه السلام
في أداء الدين
اللهم يا فارج الهم، ومنفس الغم، ومذهب
الأحزان، ومجيب دعوة المضطرين، يا رحمان الدنيا
والآخرة ورحيمهما، أنت رحماني ورحمان كل
شئ، فارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من
سواك، وتقضي بها عني الدين كله.
المختار 63، من الصحيفة الأولى ص 162.
- 20 -
ومن دعاء له عليه السلام
وهو المعروف بالمناجاة الإلهيات
قال السيد الإمام ضياء الدين حجة الإسلام، أبو الرضا
فضل الله بن علي بن عبد الله الحسني الراوندي قدس الله روحه
77

أخبرني الدهخداه السعيد أبو الحسن علي بن يحيى الراوندي
رحمة الله عليه، قال علي بن الحسن بن محمد بن أحمد الباز كز زي
قلت: ونقلت من نسخته بخطه، قال: أخبرني أبو الحسن علي
ابن محمد الخليدي القاساني، يوم الأحد تاسع شهر رمضان من
سنة ثمان وثمانين وثلاث مأة، قال: حدثني علي بن نصير القطامي
يوم الثلاثاء، غرة شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاث مأة، قال:
حدثني أحمد بن الحسن بن أحمد بن داود القاساني الوسابي (1)
بجرجان، سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مأة، قال: حدثني أبي
عن علي بن محمد بن شيرة الوثابي القاساني المعروف بالأعز،
عن الإمام المعصوم المؤيد، الموسوم بأبي محمد الحسن بن علي
ابن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، عن أبيه عن آبائه
عن أمير المؤمنين عليه السلام بهذه المناجاة، وذلك بسر من رأى
سنة ستين ومأتين، وهي هذه:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد، وارحمني
إذا انقطع من الدنيا أثري، وانمحى من المخلوقين
ذكري، وصرت في المنسيين كمن قد نسي قبلي.

(1) كذا في النسخة، ولعل الصواب: الوثابي.
78

إلهي كبرت سني، ورق جلدي، ودق عظمي
ونال الدهر مني، واقترب أجلي، ونفدت أيامي،
وذهبت شهوتي وبقيت تبعتي، وانمحت محاسني
وبلي جسمي (2) وتقطعت أوصالي، وتفرقت
أعضائي.
إلهي أفحمتني ذنوبي، وقطعت مقالتي، فلا
حجة لي ولا عذر، فأنا المقر بجرمي، المعترف
بإساءتي، الأسير بذنبي، المرتهن بعملي، المتهور
في بحور خطيئتي، المتحير عن قصدي، المنقطع
بي، فصل على محمد وآل محمد، وارحمني برحمتك،
وتجاوز عني بمغفرتك.
إلهي كيف أنقلب بالخيبة من عندك محروما،
وقد كان ظني بجودك أن تقلبني بالنجاة مرحوما
إلهي لم أسلط على حسن ظني بك قنوط (3)
الآيسين، فلا تبطل صدق رجائي لك بين الآملين
إلهي عظم جرمي إذ كنت المبارز به، وكبر

(2) يقال: بلي يبلى - من باب علم - بلى وبلاء - كعدي وسلاما -
الثوب: رث، فهو بال وبلي.
(3) وفي المختار (5): (إلهي إذ لم أسلط) الخ.
79

ذنبي إذ كنت المطالب به (4) إلا أني إذا ذكرت
كبر جرمي وعظم غفرانك وجدت الحاصل لي
من بينهما عفو رضوانك.
إلهي إن دعاني إلى النار مخشي عقابك، فقد
ناداني إلى الجنة بالرجاء حسن ثوابك.
إلهي إن أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك،
فقد آنستني باليقين مكارم عطفك.
إلهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك
فقد أنبهتني المعرفة يا سيدي بكريم آلائك.
إلهي إن عزب لبي عن تقويم ما يصلحني،
فما عزب إيقاني بنظرك لي فيما ينفعني.
إلهي إن انقرضت بغير ما أحببت من السعي
أيامي، فبالإيمان أمضتها الماضيات من أعوامي.
إلهي جئتك ملهوفا قد ألبست عدم فاقتي،
وأقامني مقام الأذلاء بين يديك ضر حاجتي.

(4) إن كان الضمير المتصل بكان في كلتا الفقرتين للخطاب - كما هو
الظاهر - فقوله عليه السلام: (المبارز) اسم مفعول، و (المطالب) اسم
فاعل، وإن كان الضمير المتصل في الموردين للمتكلم، فالأول اسم فاعل والثاني
اسم مفعول، وإن فرق بينهما - بأن يقرأ أحدهما على الخطاب والثاني على التكلم -
فيراعى المعنى في (المبارز به) و (المطالب به).
80

إلهي كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤالك،
وجدت بالمعروف فألحقني بأهل نوالك.
إلهي مسكنتي لا يجبرها إلا عطاؤك، وأمنيتي
لا يغنيها إلا جزاؤك.
إلهي أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا
وعن التعرض لسواك بالمسألة عادلا، وليس من
جميل رد سائل ملهوف، ومضطر لانتظار خيرك
مألوف (5).
إلهي أقمت نفسي على قنطرة الأخطار (6) مبلوا
بالأعمال والاعتبار، فأنا الهالك إن لم تعن عليها
بتخفيف الأوزار.
إلهي أمن أهل الشقاء خلقتني فأطيل بكائي،
أم من أهل السعادة خلقتني فأبشر رجائي.
إلهي إن حرمتني رؤية محمد صلى الله عليه
وآله في دار السلام، وأعدمتني طواف الوصفاء
من الخدام، وصرفت وجه تأميلي بالخيبة في دار

(5) وفي المختار الخامس والحادي عشر: (وليس من جميل امتنانك
رد سائل ملهوف، ومضطر لانتظار خيرك المألوف).
(6) وفي المختار (5 و 11): (إلهي أقمت نفسي على قنطرة من قناطر
الأخطار) الخ.
81

المقام، فغير ذلك منتني نفسي منك يا ذا الفضل
[والإنعام].
إلهي وعزتك لو قرنتني في الأصفاد طول
الأيام ومنعتني سيبك من بين الأنام، ودللت
على فضائحي عيون الأشهاد، وحلت بيني وبين
الأبرار، ما قطعت رجائي منك، ولا صرفت
وجه انتظاري للعفو عنك (7).
إلهي لو لم تهدني للإسلام ما اهتديت، ولو لم
ترزقني الإيمان بك ما آمنت، ولو لم تطلق لساني
بدعائك ما دعوت، ولو لم تعرفني حلاوة
معرفتك ما عرفت، ولو لم تبين لي شديد عقابك ما استجرت.
إلهي أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو
التوحيد (8)، ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك
وهو الكفر، فاغفر لي ما بينهما.
إلهي أحب طاعتك وإن قصرت عنها، وأكره
معصيتك وان ركبتها، فتفضل علي بالجنة

(7) قوله عليه السلام: (عنك) متعلق بقوله: (صرفت)، وقوله:
(للعفو) متعلق بكلمة (انتظاري).
(8) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (إلهي أطعت) الخ.
82

وإن لم أكن أهلها، وخلصني من النار وإن كنت
استوجبتها.
إلهي إن أقعدني التخلف عن السبق مع الأبرار
فقد أقامتني الثقة بك على مدارج الأخيار.
إلهي قلب حشوته من محبتك في دار الدنيا،
كيف تطلع عليه نار محرقة في لظى.
إلهي نفس أعززتها بتأييد إيمانك كيف تذلها
بين أطباق نيرانك.
إلهي لسان كسوته من تماجيدك أنيق (9) أثوابها
كيف تهوي إليه من النار مشعلات التهابها.
إلهي كل مكروب إليك يلتجي وكل محزون
إياك يرتجي.
إلهي سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا،
وسمع الزاهدون بعظيم جزائك فقنعوا، وسمع
المذنبون بسعة رحمتك فرغبوا، وسمع المولون
عن القصد بجودك فرجعوا، وسمع المجرمون
بكرم عفوك فطمعوا، حتى ازدحمت عصائب
العصاة من عبادك، وعجت إليك منهم عجيج

(9) تماجيد - كتقاويم وتفاسير - جمع تمجيد: بمعنى التعظيم. وأنيق
- كأليف وعريف -: الشئ الحسن المعجب.
83

الضجيج بالدعاء في بلادك، ولكل أمل ساق
صاحبه إليك محتاجا، ولكل قلب تركه وجيب
خوف المنع منك مهتاجا (10)، وأنت المسؤول الذي
لا تسود لديه وجوه المطالب، ولم تزر بنزيله
قطيعات المعاطب (11).
إلهي إن أخطأت طريق النظر لنفسي بما فيه
كرامتها، فقد أصبت طريق الفزع إليك بما فيه
سلامتها.
إلهي إن كانت نفسي استسعدتني متمردة على
ما يرديها، فقد استسعدتها الآن بدعائك على
ما ينجيها.

(10) وفي رواية القضاعي: (ولكل قلب تركه يا رب وجيف الخوف
منك مهتاجا) وهما بمعنى واحد.
(11) كذا في النسخة، وفي المختار (11): (وأنت المسؤول الذي
لا تسود لديه وجوه المطالب، ولم تزرا بنزيله فظيعات) الخ.
وفي المختار الخامس: (ولم ترد بنزيله قطيعات (فظيعات) المعاطب).
وفي رواية القضاعي: (ولا يرد نائله قاطعات المعاطب)، ولا يبعد
أن يكون المجزوم - هنا - مضارع زار - من باب قال - أي إن قطيعات لا تزور
بنزيل الله، أي إن الله تعالى لا تعاطب نزيله. فيكون موافقا لما في المختار الخامس.
84

إلهي إن عداني الاجتهاد في انبغاء (12) منفعتي،
فلم يعدني برك بما فيه مصلحتي.
إلهي إن قسطت في الحكم على نفسي بما فيه
حسرتها، فقد أقسطت الآن بتعريفي إياها من
رحمتك إشفاق رأفتها.
إلهي إن أجحف بي قلة الزاد في المسير إليك،
فقد وصلته بذخائر ما أعددته من فضل تعويلي
عليك.
إلهي إذا ذكرت رحمتك ضحكت إليها وجوه
وسائلي، وإذا ذكرت سخطك بكت لها عيون
مسائلي.
إلهي فأفض بسجل من سجالك على عبد قد
أيبس ريقه متلف الظماء، وأمت بجودك عنه
كلالة الونى (13).

(12) كذا في النسخة، يقال: (انبغى انبغاءا) الشئ: أي تيسر،
ويحتمل قويا غلط النسخة، والأصل: (إن عداني الإجتهاد في ابتغاء منفعتي)
الخ، كما في غير هذا الطريق.
(13) وفي المختار الخامس: (إلهي فأفض بسجل من سجالك على عبد
آيس قد أتلفه الظماء، وأمط بجودك عن خيط جيده كلال الونى). أقول:
الإماتة والإماطة بمعنى الإذهاب والإزالة. ويقال: كل - من باب فر - كلا
وكله وكلالا وكلالة وكلولا وكلولة - كضربا وضربة وسحابة وحلولا
وحلولة -: تعب وأعيا، فهو كال. ويقال: ونى بنى - من باب وقى - وونى
يونى - من باب وجل - ونيا وونيا ووناء وونيه وونى كضربا
وحربا وإناء وفدبه وعدة وعصا -: فتر وضعف وكل.
85

إلهي أدعوك دعاء من لم يرج غيرك بدعائه
وأرجوك رجاء من لم يقصد غيرك برجائه.
إلهي كيف أرد عارض تطلعي إلى نوالك،
وإما أنا في استرزاقي لهذا البدن أحد عيالك.
إلهي كيف أسكت بالإفحام لسان ضراعتي،
وقد أقلقني ما أبهم علي من مصير عاقبتي.
إلهي قد علمت حاجة نفسي إلى ما تكفلت لي
به من الرزق في حياتي، وعرفت قلة استغنائي
عنه من الجنة بعد وفاتي، فيا من سمح لي به
متفضلا في العاجل، لا تمنعنيه يوم فاقتي إليه
في الآجل، فمن شواهد نعماء الكريم استتمام
نعمائه، ومن محاسن آلاء الجواد استكمال آلائه.
إلهي لولا ما جهلت من أمري ما شكوت
عثراتي، ولولا ما ذكرت من التفريط ما سفحت
عبراتي.
إلهي صل على محمد وآل محمد وامح متعبات
86

العثرات، بمرسلات العبرات، وهب لي كثير
السيئات، لقليل الحسنات، ان الحسنات يذهبن
السيئات.
إلهي إن كنت لا ترحم إلا المجدين في طاعتك
فإلى من يفزع المقصرون، وإن كنت لا تقبل إلا
من المجتهدين، فإلى من يلتجئ المفرطون، وإن
كنت لا تكرم إلا أهل الإحسان فكيف يصنع
المسيئون وإن كان لا يفوز يوم الحشر إلا المتقون
فبمن يستغيث المذنبون.
إلهي وإن كان لا يجوز على الصراط إلا من
أجازته براءة عمله (14)، فأنى بالجواز لمن لم يتب
إليك قبل انقضاء أجله.
إلهي إن لم تجد إلا [على ظ] من عمر بالزهد
مكنون سريرته، فمن للمضطر الذي لم يرضه
بين العالمين سعي تقيته (15).
إلهي إن حجبت عن موحديك نظر تعمدك
لجناياتهم، أوقعهم غضبك بين المشركين في
كرباتهم.

(14) براءة عمله (ص)، كذا في الأصل.
(15) كذا في النسخة، وفي غيرها من الطرق: (سعي نقيبته) وهو أظهر.
87

إلهي إن [لم] تنلنا يد إحسانك يوم الورود (16)
اختلطنا في الجزاء بذوي الجحود.
إلهي فأوجب لنا بالإسلام مذخور هباتك،
واستصف ما كدرته الجرائر منا بصفو صلاتك.
إلهي ارحمنا غرباء إذا تضمنتنا بطون لحودنا
وغميت باللبن سقوف بيوتنا، وأضجعنا مساكين
على الأيمان في قبورنا، وخلفنا فرادى في أضيق
المضاجع، وصرعتنا المنايا في أعجب المصارع،
وصرنا في ديار قوم كأنها مأهولة وهي منهم
بلاقع (17).
إلهي إذا جئناك عراتا حفاتا مغبرة من ثرى
الأجداث رؤوسنا، وشاحبة من تراب الملاحيد
وجوهنا (18).
وخاشعة من أهوال القيامة أبصارنا، وذابلة من
شدة العطش شفاهنا، وجائعة لطول المقام بطوننا،

(16) أي يوم القيامة والعرض على الله تعالى.
(17) أي قفراء خالية عن الأهل والأنيس.
(18) الثرى: التراب. والأجداث: القبور. وشاحبة: متغيرة.
والملاحيد (لعله) جمع الملحودة: وهي الشق الذي يوضع فيه الميت من
جانب القبر.
88

وبادية هنالك للعيون سوأتنا، وموصرة من ثقل
الأوزار ظهورنا، ومشغولين بما قد دهانا (19) عن
أهالينا وأولادنا، فلا تضاعف المصائب علينا
بإعراض وجهك الكريم عنا، وسلب عائدة ما مثله
الرجاء منا.
إلهي ما حنت هذه العيون إلي بكائها، ولا جادت
منشربة بمائها، ولا أسهرها بنحيب الثاكلات (20)
فقد عزائها، إلا ما أسلفته من عمدها وخطائها،
وما دعاها إليه عواقب بلائها، وأنت القادر
يا عزيز على كشف غمائها.
لهي إن كنا مجرمين فإنا نبكي على إضاعتنا
من حرمتك ما نستوجبه، وإن كنا محرومين فإنا
نبكي إذ فاتنا من جودك ما نطلبه.
إلهي شب (21) حلاوة ما يستعذبه لساني من

(19) موصرة: ثقيلة، أو مكسرة. ودهانا: أصابنا من الداهية.
(20) كذا في النسخة، وفي المختار الحادي عشر: (ولا جادت متشربة
بمائها، ولا أسهدها) الخ. وفي رواية القضاعي: (ولا جادت متسربة بمائها
ولا شهرت بنحيب المثكلات فقد عزائها) الخ، ولعله أظهر.
(21) ومثله في المختار الحادي عشر، وفي رواية القضاعي: (إلهي
ثبت) الخ.
89

المنطق (22) في بلاغته، بزهادة ما يرفعه قلبي
من النصح في دلالته.
إلهي أمرت بالمعروف وأنت أولى به [من]
المأمورين، وأمرت بصلة السؤال وأنت خير
المسؤولين.
إلهي كيف ينقل بنا اليأس عن الإمساك عما
لهجنا بطلا به، وقد ادرعنا من تأميلنا إياك أسبغ
أثوابه.
إلهي إذا هزت الرهبة أفنان مخافتنا، انقلعت
من الأصول أشجارها، وإذا تنسمت أرواح الرغبة
أغصان رجائنا أينعت بتلقيح البشارة أثمارها.
إلهي إذا تلونا من صفاتك شديد العقاب أسفنا (23)
وإذا تلونا منها الغفور الرحيم فرحنا، فنحن
بين أمرين، فلا سخطك يؤمننا، ولا رحمتك
تؤيسنا (24).
إلهي إن قصرت مساعينا عن استحقاق نظرتك

(22) كذا في النسخة، وفي غيره من الطرق (من النطق).
(23) وهكذا في المختار الحادي عشر، وفي رواية القضاعي: (إذا تلونا
من صفاتك شديد العقاب أشفقنا) الخ.
(24) وفي رواية القضاعي: (لا يؤمننا سخطك، ولا تؤيسنا رحمتك).
90

فما قصرت رحمتك بنا عن دفاع نقمتك.
إلهي إنك لم تزل بحظوظ صنائعك علينا
منعما ولنا من بين الأقاليم مكرما، وتلك عادتك
اللطيفة، في أهل الخيفة، في سالفات الدهور
وغابراتها، وخاليات الليالي وباقياتها.
إلهي فاجعل ما حبوتنا به من نور هدايتك،
درجات نرقى بها إلى غرفات جنتك.
إلهي كيف تفرح بصحبة الدنيا صدورنا،
وكيف تلتام في غمراتها أمورنا، وكيف يخلص
لنا فيها أمورنا (25)، وكيف يملكنا باللهو واللعب
غرورنا، وقد دعتنا باقتراب الآجال قبورنا.
إلهي كيف نبتهج بدار قد حفرت فيها
حفائر صرعتها، وقتلتنا بأيدي المنايا (26) حبائل
غدرتها، وجرعتنا مكرهين جرع مرارتها،
ودلتنا النفس على انقطاع عيشتها، لولا ما أصغت

(25) وفي غير هذا الطريق: (وكيف تلتئم) الخ (وكيف يخلص فيها
سرورنا) الخ.
(26) وفي غير هذا الطريق: (وفتلت بأيدي المنايا حبائل غدرتها) ولعله
أظهر، وفي رواية القضاعي: (وقلبتنا بأيدي المنايا) الخ (ودلتنا العبر على
انقطاع عيشتها).
91

إليه النفوس من رفائغ لذتها (27)، وافتتانها
بالفانيات من فواحش زينتها.
إلهي فإليك نلتجئ من مكائد خدعتها، وبك
نستعين على عبور قنطرتها، وبك نستفطم
الجوارح من أخلاف (28) شهوتها، وبك نستكشف
من جلابيب حيرتها، وبك نقوم من القلوب
استصعاب جهالتها.
إلهي كيف للدور بأن تمنع من فيها من طوارق
الرزايا، وقد أصيب في كل دار سهم من أسهم
المنايا.
إلهي ما تتفجع أنفسنا من النقلة عن الديار،
إن لم توحشنا هنالك من مرافقة الأبرار.
إلهي ما تضرنا فرقة الإخوان والقرابات، ان
قربتنا منك يا ذا العطيات.
إلهي ما تجف من ماء الرجاء مجاري لهواتنا،
إن لم تحم طير الأشائم بحياض رغباتنا (29).

(27) رفائغ اللذة: هناؤها الواسعة منها، أو أردؤها وألأمها، أو
الوسخة منها.
(28) وفي رواية القضاعي: (وبك نستعصم الجوارح).
(29) اللهوات جمع اللهاة - بفتح اللام - وهي اللحمة المشرفة على الحلق
في أقصى سقف الفم. وحام يحوم حوما وحومانا - كرمضان - على الشئ
وحوله: داربه. والأشائم - جمع أشأم - وهو من يأتي بالشؤم: ضد
اليمن والبركة.
92

إلهي إن عذبتني فعبد خلقته لما أردته فعذبته
بعدلك، وان رحمتني فعبد وجدته مسيئا فأنجيته
برحمتك.
إلهي لا سبيل إلى الاحتراس من الذنب إلا
بعصمتك، ولا وصول إلى عمل الخيرات إلا
بمشيتك، فكيف لي بإفادة ما أسلمتني فيه مشيتك،
وكيف لي بالاحتراس من الذنب ما لم تدركني
فيه عصمتك.
إلهي أنت دللتني على سؤال الجنة قبل معرفتها
فأقبلت النفس بعد العرفان على مسألتها، أفتدل
على خيرك السؤال، ثم تمنعهم النوال، وأنت
المحمود في كل ما تصنعه يا ذا الجلال.
إلهي ان كنت غير مستأهل لما أرجو من
رحمتك فأنت أهل أن تجود على المذنبين بفضل
سعتك.
إلهي إن كان ذنبي قد أخافني، فان حسن ظني
بك قد أجارني.
93

إلهي كأني بنفسي قائمة بين يديك، وقد
أظلها حسن توكلي عليك، فصنعت بي ما يشبهك،
وتغمدتني بعفوك.
إلهي ما أشوقني إلى لقائك، وأعظم رجائي
لجزائك، وأنت الكريم الذي لا يخيب لديك أمل
الآملين، ولا يبطل عندك شوق الشائقين.
إلهي إن كان قد دنا أجلي، ولم يقربني منك
عملي، فقد جعلت الاعتراف بالذنب إليك وسائل
عللي.
إلهي ان عفوت فمن أولى منك بذلك، وإن
عذبت فمن أعدل في الحكم منك هنالك.
إلهي جرت على نفسي في النظر لها (30)، وبقي
نظرك لها، فالويل لها إن لم تسلم به (31).
إلهي إنك لم تزل بي بارا أيام حياتي، فلا تقطع
برك عني بعد وفاتي.
إلهي كيف أيأس من حسن نظرك لي بعد
مماتي، وأنت لم تولني إلا الجميل أيام حياتي.

(30) وفي غيره من بعض الطرق: (إلهي إني جرت على نفسي) الخ.
(31) ومثله في المختار الحادي عشر، وفي مناجاته عليه السلام في شهر
شعبان: (إلهي قد جرت على نفسي في النظر لها، فلها الويل ان لم تغفر لها).
94

إلهي إن ذنوبي قد أخافتني، ومحبتي لك قد
أجارتني، فتول من أمري ما أنت أهله (32) وعد
بفضلك على من غمره جهله، يامن لا تخفى عليه
خافية، ولا تغيب عنه غائبة، صل على محمد وآل
محمد، واغفر لي ما قد خفي على الناس من أمري.
إلهي سترت علي في الدنيا ذنوبا ولم تظهرها
لعصابة من المؤمنين، وأنا إلى سترها يوم القيامة
أحوج، وقد أحسنت بي إذ لم تظهرها للعصابة
من المسلمين، فلا تفضحني بها يوم القيامة على
رؤوس العالمين.
إلهي جودك بسط أملي وشكرك قبل عملي، فصل
على محمد وآل محمد، وسرني بلقائك عند
اقتراب أجلي.
إلهي ليس اعتذاري إليك اعتذار من يستغني
عن قبول عذره، فاقبل عذري يا خير من اعتذر
إليه المسيئون (33).

(32) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (فتول من أمرك) ا لخ.
(33) ومثله في المختار الحادي عشر، وفي مناجاته عليه السلام في شهر
شعبان: (إلهي اعتذاري إليك اعتذار من لم يستغن عن قبول عذره، فاقبل
عذري يا أكرم من اعتذر إليه المسيئون).
95

إلهي لا تردني عن حاجة قد أفنيت عمري في
طلبها منك.
إلهي وعزتك لئن طالبتني بجرمي لأطالبنك
بعفوك، ولئن واخذتني بجهلي لأطالبنك
بحلمك، ولئن جازيتني بلؤمي لأطالبنك
بكرمك، ولئن أدخلتني النار لأعرفن أهلها أني
كنت أحبك.
إلهي إنك لو أردت فضيحتي لم تسترني،
فمتعني بما له هديتني، وأدم لي ما به سترتني
إلهي ما وصفت من بلاء أبليتنيه، أو إحسان
أوليتنيه، فكل ذلك بمنك مما قد فعلته، وعفوك
تمام ذلك أن أتممته.
إلهي لولا ما اقترفت من الذنوب ما فرقت
عقابك، ولولا ما عرفت من كرمك ما رجوت
ثوابك، وأنت أولى الأكرمين، بتحقيق أمل
الآملين، وأرحم من استرحم في تجاوزه عن
المذنبين.
إلهي نفسي تمنيني بأنك تغفر لي فأكرم بها
أمنية بشرت بعفوك، وصدق بكرمك مبشرات
تمنيها، وهب لها بجودك مدمرات تجنيها.
96

إلهي ألقتني الحسنات بين جودك وكرمك،
وألقتني السيئات بين عفوك ومغفرتك، وقد
رجوت أن لا يضيع بين ذين وذين مسئ
ومحسن.
إلهي إذا شهد إيماني بتوحيدك، وانطلق لساني
بتمجيدك، ودلني القرآن على فواضل جودك،
فكيف لا يبتهج رجائي بحسن موعودك.
إلهي تتابع إحسانك إلي يدلني على حسن نظرك،
فكيف يشقى امرؤ حسن له منك النظر.
إلهي إن نظرت إلي بالهلكة عيون سخطتك،
فما نامت عن استنقاذي منها عيون رحمتك.
إلهي إن عرضني ذنبي لعقابك، فقد أدناني
رجائي لك من ثوابك.
إلهي إن عفوت فبفضلك، وان عذبت فبعدلك
فيا من لا يرجى إلا فضله، ولا يخشى إلا عدله،
صل على محمد وآل محمد، وامنن علينا بفضلك
ولا تستقص علينا في عدلك.
إلهي خلقت لي جسما وجعلت فيه آلات
أطيعك بها وأعصيك، وأغضبك بها وأرضيك،
وجعلت لي من نفسي داعية إلى الشهوات،
97

وأسكنتني دارا قد ملئت من الآفات، ثم قلت لي
انزجر.
إلهي بك أنزجر، وبك أعتصم، وبك أحترز
من الذنوب فاحفظني، وبك أستجير من النار
فأجرني، وأستوفقك لما يرضيك، وأسألك فإن
سؤالي لا يحفيك، أدعوك دعاء ملح لا يمل دعاؤه
مولاه (33) وأتضرع إليك ضراعة من قد أقر
على نفسه بالحجة في دعواه.
إلهي لو عرفت اعتذارا من الذنب في التنصل
أبلغ من الاعتراف به لأتيته، ولو عرفت مجتلبا
لحاجتي منك ألطف من الاستخذاء لك لفعلته (34)
فصل على محمد وآل محمد، وهب لي ذنبي
بالاعتراف، ولا تردني في طلبتي بالخيبة عند
الانصراف.
إلهي سعت نفسي إليك لنفسي تستوهبها،
وفتحت أفواه آمالها نحو نظرة منك برحمة
لا تستوجبها، فهب لها ما سألت. وجد لها بما
طلبت، فإنك أكرم الأكرمين، بتحقيق أمل

(33) وفي المختار (11): (أدعوك دعاء ملح لا يمل دعاء مولاه).
(34) الاستخذاء: الخضوع والانقياد.
98

الآملين، وأرحم من استرحم في تجاوزه عن
المذنبين.
إلهي قد أصبت من الذنوب ما قد عرفت،
وأسرفت على نفسي بما قد علمت، فاجعلني
عبدا إما طائعا فأكرمته، وإما عاصيا فرحمته.
إلهي كأني بنفسي قد أضجعت في حفرتها،
وانصرف عنها المشيعون من جيرتها، وبكى الغريب
عليها لغربتها، وجاد بالدموع عليها المشفقون
من عشيرتها، وناداها من شفير القبر ذوو مودتها،
ورحمها المعادي لها في الحياة عند صرعتها، ولم
يخف على الناظرين إليها عند ذلك عدم فاقتها،
ولا على من رآها قد توسدت الثرى عجز حيلتها،
فقلت ملائكتي فريد قد نآى عنه الأقربون،
ووحيد جفاه الأهلون، نزل بي قريبا، وأصبح
في اللحد غريبا، وقد كان لي في دار الدنيا داعيا
ولنظرتي له في هذا اليوم راجيا، فتحسن عند
ذلك ضيافتي، وتكون أشفق علي من أهلي
وقرابتي.
إلهي لو طبقت ذنوبي ما بين السماء إلى الأرض
99

وخرقت التخوم (35)، وبلغت أسافل الثرى، ما ردني
اليأس عن توقع غفرانك، ولا صرفني القنوط
عن انتظار رضوانك.
إلهي دعوتك بالدعاء الذي علمتنيه، فلا
تحرمني جزاءك الذي وعدتنيه، فمن النعمة أن
هديتني بحسن دعائك، ومن تمامها أن توجب لي محمود جزائك.
إلهي وعزتك وجلالك لقد أحببتك محبة
استقرت حلاوتها في قلبي وصدري، وما تنعقد
ضمائر موحديك على أنك تبغض محبيك.
إلهي لا تشبه مسألتي مسائل السائلين، لأن
السائل إذا منع امتنع من السؤال، وأنا لا غنى بي
عما سألتك على كل حال.
إلهي لا تغضب علي فلست أقوى على غضبك،
ولا تسخط علي فلست أقوم لسخطك.
إلهي أخاف عقوبتك كما يخافها المذنبون،
وأنتظر عفوك كما ينتظره المجرمون، ولست
أيأس من رحمتك التي يتوقعها المحسنون.
إلهي أللنار ربتني أمي فليتها لم تربني، أم

(35) وفي المختار (11، و 33): (وخرقت النجوم) الخ.
100

للشقاء ولدتني فليتها لم تلدني.
إلهي انهملت عبراتي حين ذكرت عثراتي،
وما لها لا تنهمل وما أدري إلى ما يكون مصيري،
وعلى ماذا يهجم عند البلاغ مسيري، وأرى نفسي
تخاتلني، وأيامي تخادعني، وقد خفقت فوق
رأسي أجنحة الموت، ورمقتني من قريب أعين
الفوت، فما عذري وقد حشا مسامعي رافع
الصوت (36).
إلهي قد رجوت ممن تولاني في حياتي بإحسانه
أن يتغمدني عند وفاتي بغفرانه، ولقد رجوت
ممن ألبسني بين الاحياء ثوب عافيته، أن لا يعريني
منه بين الأموات بجود رأفته.
إلهي أمرتني فقصرت، ونهيتني فركبت،
فهذه يدي بما جنت، وهذه ناصيتي بما أتت،
إن تعذبني فلك السبيل، وإن تعف عني فإنك
أهل التقوى وأهل المغفرة يا أرحم الراحمين.
يا أنيس كل غريب، آنس في القبر غربتي،
ويا ثاني كل وحيد، ارحم في القبر وحدتي،

(36) ومثله في المختار ال‍ (11)، وفي رواية القضاعي: (فما عذري وقد
أوجس في مسامعي رافع الصوت).
101

ويا عالم السر والنجوى، ويا كاشف الضر والبلوى
كيف نظرك لي من بين سكان الثرى، وكيف
صنيعك إلي في دار الوحشة والبلى، فقد كنت بي
لطيفا أيام حياة الدنيا.
يا أفضل المنعمين في نعمائه، وأنعم المفضلين
في آلائه.
إلهي كثرت أياديك عندي فعجزت عن احصائها،
وضقت ذرعا في شكري لك بجزائها، فلك
الحمد على ما أوليت، ولك الشكر على ما أبليت.
يا خير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج،
فبذمة الإسلام أتوسل إليك، وبحرمة القرآن
أعتمد عليك، وبمحمد وآل محمد أتشفع إليك،
صل على محمد وآل محمد، واعرف لي ذمتي
التي بها رجوت قضاء حاجتي، وارحمني برحمتك
يا قريب يا مجيب، انك على كل شي قدير،
وبكل شي محيط، يا أرحم الراحمين.
102

- 21 -
ومن دعاء له عليه السلام
في أيام رجب
على ما في الصحيفة العلوية الثانية ص 228 في الدعاء (113)
بشرح يطول ذكره:
اللهم يا ذا المنن السابغة، والآلاء الوازعة،
والرحمة الواسعة، والقدرة الجامعة، والنعم
الجسيمة، والمواهب العظيمة، والأيادي الجميلة،
والعطايا الجزيلة.
يامن لا ينعت بتمثيل، ولا يمثل بنظير،
ولا يغلب بظهير.
يامن خلق فرزق، وألهم فأنطق، وابتدع
فشرع، وعلا فارتفع، وقدر فأحسن، وصور
فأتقن، واحتج فأبلغ، وأنعم فأسبغ، وأعطى
فأجزل، ومنح فأفضل.
يامن سما في العز ففات خواطر الأبصار، ودنى
103

في اللطف فجاز هواجس الأفكار. يامن توحد بالملك فلا ند له في ملكوت
سلطانه، وتفرد بالكبرياء والآلاء فلا ضد له في
جبروت شأنه.
يامن حارت في كبرياء هيبته دقائق لطائف
الأوهام، وانحسرت دون إدراك عظمته خطائف
أبصار الأنام.
يامن عنت الوجوه لهيبته، وخضعت الرقاب
لعظمته، ووجلت القلوب من خيفته.
أسألك بهذه المدحة التي لا تنبغي إلا لك،
وبما وأيت به على نفسك لداعيك من المؤمنين
وبما ضمنت فيه على نفسك للداعين، يا أسمع
السامعين، ويا أبصر المبصرين، ويا أنظر الناظرين،
ويا أسرع الحاسبين، ويا أحكم الحاكمين، ويا
أرحم الراحمين، صل على محمد وآل محمد خاتم
النبيين، وعلى أهل بيته الطاهرين الأخيار. وأن
تقسم لي في شهرنا هذا خير ما قسمت، وأن
تختم لي في قضائك خير ما ختمت، وتختم
لي بالسعادة فيمن ختمت، وأحيني ما أحييتني
موفورا، وأمتني مسرورا ومغفورا، وتول أنت
104

نجاتي من مسألة البرزخ، وادرأ عني منكرا
ونكيرا، وأر عيني مبشرا وبشيرا، واجعل لي إلى
رضوانك وجنانك مصيرا، وعيشا قريرا، وملكا
كبيرا، وصلى الله على محمد وآله بكرة وأصيلا،
يا أرحم الراحمين.
اللهم إني أسألك بعقد [بمعاقد خ ل] عزك
على أركان عرشك، ومنتهى رحمتك من كتابك،
واسمك الأعظم الأعظم، وذكرك الأعلى الأعلى،
وكلماتك التامات كلها أن تصلي على محمد وآله
وأسألك ما كان أوفى بعهدك، وأقضى لحقك،
وأرضى لنفسك، وخيرا في المعاد عندك والمعاد
إليك، وأن تعطيني جميع ما أحب، وتصرف
عني جميع ما أكره، إنك على كل شي قدير،
برحمتك يا أرحم الراحمين.
105

- 22 -
ومن دعاء له عليه السلام
في الغايات التي يطلب الدنيا لأجلها
عن حماد بن إبراهيم، قال: إن علي بن أبي طالب عليه السلام جمع
الدنيا والآخرة في خمس كلمات كان عليه السلام يقولها:
اللهم إني أسألك من الدنيا وما فيها ما أسدد
به لساني، وأحصن به فرجي، وأؤدي به أمانتي،
وأصل به رحمي، وأتجر به لآخرتي.
المختار الرابع من كلمه عليه السلام في نظم درر السمطين ص 151.
ورواه أيضا أمين الإسلام الطبرسي (ره) في كنوز النجاح. كما في الدعاء
(14) من الصحيفة الثانية العلوية.
- 23 -
ومن دعاء له عليه السلام
عند ختم القرآن الكريم
اللهم اشرح بالقرآن صدري، واستعمل بالقرآن
106

بدني، ونور بالقرآن بصري، وأطلق بالقرآن
لساني، وأعني عليه ما أبقيتني فإنه لا حول ولا
قوة إلا بك.
مصباح المتهجد للسيد ابن طاوس رحمه الله، ورواه عنه في الحديث
الأخير من الباب 26، من البحار: 19 / 53، ورواه عنه أيضا في الصحيفة
العلوية الأولى ص 212.
- 24 -
ومن دعاء له عليه السلام
في يوم الأربعاء
الحمد لله الذي مرضاته في الطلبة إليه،
والتماس ما لديه، وسخطه في ترك الإلحاح في
المسألة عليه (1)، وسبحان الله شاهد كل نجوى
بعلمه، ومبائن كل ذي جسم بنفسه، ولا إله

(1) كأنه مقتبس من قوله تعالى في الآية (60) من سورة المؤمن:
(وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون
جهنم داخرين).
107

إلا الله الذي لا يدرك بالعيون والأبصار، ولا
يجهل بالعقول والألباب، ولا يخلق من الضمير (2)
ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والله
أكبر المتجلل عن صفات المخلوقين، المطلع على
ما في قلوب الخلائق أجمعين.
اللهم إني أسألك سؤال من لا يمل دعاء ربه،
وأتضرع إليك تضرع غريق يرجو كشف كربه،
وأبتهل إليك ابتهال تائب من ذنوبه وخطاياه،
وأنت الرؤوف الذي ملكت الخلائق كلهم،
وفطرتهم أجناسا مختلفات الألوان والأقدار على
مشيتك، وقدرت آجالهم وأرزاقهم، فلم يتعاظمك
خلق خلق حتى كونته كما شئت مختلفا مما شئت.
فتعاليت وتجبرت عن اتخاذ وزير، وتعززت
عن موازرة شريك، وتنزهت عن اتخاذ الأبناء،
وتقدست عن ملامسة النساء.
فليست الأبصار بمدركة لك، وليست
الأوهام بواقعة عليك، وليس لك شريك ولا ند
ولا عديل ولا نظير.
وأنت الفرد الواحد الدائم، الأول الأخر،

(2) كذا في النسخة.
108

والعالم الأحد الصمد القائم الذي لم تلد ولم تولد،
ولم يكن لك كفوا أحد.
لا تنال بوصف، ولا تدرك بوهم، ولا
يغيرك في مر الدهور صرف.
كنت أزليا لم تزل ولا تزال، وعلمك بالأشياء
في الخفاء كعلمك بها في الإجهار والإعلان.
فيا من ذلت لعظمته العظماء، وخضعت لعزته
الرؤساء، ومن كلت عن بلوغ ذاته ألسن البلغاء
ومن أحكم تدبير الأشياء، واستعجمت عن إدراكه
عبارة علوم العلماء (3).
يا سيدي أتعذبني بالنار وأنت أملي، أو تسلطها
علي بعد إقراري لك بالتوحيد، وخضوعي وخشوعي
لك بالسجود، أو تلجلج لساني في الموقف،
وقد مهدت لي بمنك سبل الوصول إلى التسبيح
والتحميد والتمجيد.
فيا غاية الطالبين، وأمان الخائفين، وعماد
الملهوفين، وغياث المستغيثين، وجار المستجيرين،
وكاشف ضر المكروبين، ورب العالمين، وأرحم
الراحمين، صل على محمد وآل محمد، وتب علي

(3) أي إن عبارة علوم العلماء قاصرة عن إدراكه تعالى.
109

وألبسني العافية، وارزقني من فضلك رزقا واسعا
واجعلني من التوابين.
اللهم إن كنت كتبتني شقيا عندك فاني أسألك
بمعاقد العز من رحمتك، [و] بالكبرياء والعظمة
التي لا يقاومها متكبر، ولا عظيم، أن تصلي
على محمد وآل محمد، وأن تحولني سعيدا، فإنك
تجري الأمور على إرادتك، وتجير ولا يجار
عليك، وأنت على كل شي قدير، وأنت الرؤف الرحيم
الخبير، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك
إنك أنت علام الغيوب، فالطف بي فقديما لطفت
بمسرف على نفسه، فامنن علي فقد مننت على
غريق في بحور خطيئته، هائما أسلمته للحتوف
كثرة زلله (4).
وتطول علي يا متطولا على المذنبين بالصفح
والعفو، فإنك لم تزل آخذ بالفضل على الخاطئين
والصفح على الآثام، حلول دار البوار (5).
يا عالم الخفيات والأسرار، يا جبار يا قهار،
وما ألزمتنيه مولاي من فرض الاباء والأمهات

(4) الهائم: المتحير. والحتوف جمع الحتف - كفلوس وفلس -: الموت
(5) أي لكراهتك حلول عبادك دار البوار
110

وواجب حقوقهم مع الإخوان والأخوات، فاحتمل
ذلك عني إليهم وأده يا ذا الجلال والإكرام،
واغفر للمؤمنين والمؤمنات إنك على كل شئ
قدير.
الصحيفة الأولى العلوية ص 350.
- 25 -
ومن دعاء له عليه السلام
في يوم الخميس
الحمد لله الذي له في كل نفس من الأنفاس
وخطرة من الخطرات منا منن لا تحصى، وفي كل
لحظة من اللحظات نعم لا تنسى، وفي كل حال
من الحالات عائدة لا تخفى، وسبحان الله الذي
يقهر القوي، وينصر الضعيف، ويجبر الكسير،
ويغني الفقير، ويقبل اليسير، ويعطي الكثير،
وهو على كل شي قدير.
ولا إله إلا الله السابغ النعمة، البالغ الحكمة،
الدامغ الحجة، الواسع الرحمة، المانح العصمة.
111

والله أكبر ذو السلطان المنيع، والبنيان الرفيع،
والانشاء البديع، والحساب السريع، وصلى الله
على محمد خير النبيين، وآله الطاهرين، وسلم
تسليما.
اللهم إني أسألك سؤال الخائف من وقفة
الموقف، الوجل من العرض، المشفق من الخشية
لبوائق القيامة، المأخوذ على الغرة، النادم على
الخطيئة، المسؤول المحاسب المثاب المعاقب، الذي
لم يكنه مكان (1) عنك، ولا وجد مفرا إلا إليك
مستظلا [متنصلا خ ل] ملتجأ من سيئ عمله،
مقرا بعظيم ذنوبه، قد أحاطت به الهموم، وضاقت
عليه وحائب النجوم (2)، موقن بالموت، مبادر (3)
بالتوبة قبل الفوت إن مننت بها عليه وعفوت،
فأنت إلهي رجائي إذا ضاق عني الرجاء، وملجائي
إذا لم أجد فناء للالتجاء، توحدت يا سيدي بالعز
والعلاء، وتفردت بالوحدانية والبقاء، فأنت

(1) هذا هو الصواب: وفي النسخة: (لم يكنه مكاف) الخ.
(2) وفي نسخة: (رحائب التخوم).
(3) كأنهما خبران لمبتدأ محذوف، والجملة منصوبة المحل على الحالية.
ويمكن أن يكونا مجرورين عطفا على قوله: (الخائف من وقفة الموقف).
112

[وأنت خ ل] المتعزز المتفرد بالمجد، فلك ربي
الحمد، لا يواري منك مكان، ولا يغيرك دهر
ولا زمان، ألفت بقدرتك الفلق وأثبت بكرمك
دياجي الغسق (4)، وأجريت المياه من الصم الصياخيد
عذبا وفراتا وأجاجا، وأهمزت من المعصرات ماء
ثجاجا (5)، وجعلت الشمس للبرية سراجا وهاجا،
والقمر والنجوم أبراجا، من غير أن تمارس فيما
ابتدأت لغوبا ولا علاجا.

(4) وفي الهامش هكذا: (ألفت بقدرتك الفرق، وفلقت بقدرتك
الفلق). أقول: وفي دعاء الصباح (ألفت بقدرتك الفرق، وفلقت بلطفك
الفلق، وأنرت بكرمك دياجي الغسق، وأنهرت المياه من الصم الصياخيد عذبا
وأجاجا، وأنزلت من المعصرات ماء ثجاجا)، الخ. أقول: (الصم - كقفل -
جمع أصم كأسد وأسد وأحمر وحمر، والأصم: هو الشئ الصلب المصمت،
والصياخيد جمع الصيخود، وهي الصخرة العظيمة الصلبة التي لا تحرك من مكانها
ولا يعمل فيها الحديد، فالصياخيد بيان للصم.
(5) أهمزت - بالزاء المعجمة - بمعنى دفعت وغمزت. ويحتمل كونه
بالراء المهملة - كما في دعاء الصباح: (وانهرت المياه) أي أجريته وأسلته بدفع
وقوة. والمعصرات قيل: هي السحائب حان لها أن تمطر. والمحكي عن ابن عباس
انها الرياح. وعليه فلفظة (من) بمعنى الباء، أي أهمرت وأجريت بالمعصرات ماء
متدافقا، أو ماء سيالا على القولين في معنى الثج.
113

وأنت إله كل شي وخالقه، وجبار كل
مخلوق ورازقه.
فالعزيز من أعززت، والذليل من أذللت،
والسعيد من أسعدت، والشقي من أشقيت، والغني
من أغنيت، والفقير من أفقرت.
أنت وليي ومولاي وعليك رزقي، وبيدك
ناصيتي، فصل على محمد وآل محمد، وافعل بي
ما أنت أهله، وعد بفضلك على عبد قد غمره
جهله واستولى عليه التسويف، حتى سالم الأيام،
فارتكب المحارم والآثام، فاجعلني سيدي عبدا
يفزع إلى التوبة، فإنها مفزع المذنبين، وأغنني
بجودك الواسع عن المخلوقين، ولا تحوجني إلى
شرار العالمين، وهب لي عفوك في موقف يوم
القيامة [الدين خ ل] فإنك أرحم الراحمين، وأجود
الأجودين، وأكرم الأكرمين.
يامن له الأسماء الحسنى، والأمثال العليا،
وجبار السماوات والأرضين، إليك قصدت راجيا
فلا ترد يدي عن سني مواهبك صفرا (6)، إنك جواد

(6) السني: الرفيع. والمواهب جمع الموهبة: العطايا. وصفرا:
أي خاليا.
114

مفضال، يا رؤوفا بالعباد وهو لهم بالمرصاد، أسألك
أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجزل
ثوابي، وتحسن مآبي، وتستر عيوبي، وتغفر ذنوبي،
وتنقذني مولاي بفضلك من أليم العقاب، إنك
جواد كريم وهاب، فقد ألقتني السيئات والحسنات
بين ثواب وعقاب، وقد رجوت أن تكون بلطفك
تتعمد عبدك المقر بفوادح (7) العيوب بجودك وكرمك
يا غافر الذنوب، وتصفح (8) عن زلله، فليس
لي سيدي رب أرتجيه غيرك، ولا إله أسأله جبر
فاقتي ومسكنتي سواك، فلا تردني منك بالخيبة
يا مقيل العثرات، وكاشف الكربات.
إلهي فسرني فاني لست بأول من سررته،
يا ولي النعم، وشديد النقم، ودائم المجد والكرم،
واخصصني منك بمغفرة لا يقارنها شقاء، وسعادة
لا يدانيها أذى، وألهمني تقاك ومحبتك، وجنبني
موبقات معصيتك، ولا تجعل للنار علي سلطانا
إنك أهل التقوى وأهل المغفرة، وقد دعوتك

(7) الفوادح جمع الفادح، وهو الشئ الثقيل. ويجمع الفادحة بمعنى
النازلة
أيضا على الفوادح، وكلاهما محتمل، ويمكن أيضا ارجاع الثاني إلى المعنى الأول.
(8) هو بحذف تاء الخطاب عطف على قوله: (تتعمد).
115

وتكفلت بالإجابة، فلا تخيب سائلك، ولا تخذل
طالبك، ولا ترد آملك يا خير مأمول، وأسألك
برأفتك ورحمتك وفردانيتك وربوبيتك.
يامن هو على كل شئ قدير وبكل شئ
محيط، فاكفني ما أهمني من أمر دنياي وآخرتي
فإنك سميع الدعاء، لطيف لما تشاء، وأدرجني
درج من أوجبت له حلول دار كرامتك، مع
أصفيائك وأهل اختصاصك بجزيل مواهبك،
في درجات جناتك، مع الذين أنعمت عليهم من
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن
أولئك رفيقا.
وما افترضت علي فاحتمله عني إلى من
أوجبت حقوقه من الاباء والأمهات، والإخوة
والأخوات، واغفر لي ولهم مع المؤمنين
والمؤمنات، إنك قريب مجيب، واسع البركات،
وذلك عليك يسير، يا أرحم الراحمين، وصلى
الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما.
الصحيفة العلوية الأولى ص 354.
116

- 26 -
ومن دعاء له عليه السلام
وهو المختار السادس والعشرين من أدعيته عليه السلام
الحمد لله أول محمود، وآخر معبود، وأقرب
موجود، البدئ بلا معلوم لأزليته (1) ولا آخر
لأوليته، والكائن قبل الكون بغير كيان،
والموجود في كل مكان بغير عيان، والقريب
من كل نجوى بغير تدان.
علنت عنده الغيوب (2)، وضلت في عظمته
القلوب، فلا الأبصار تدرك عظمته، ولا القلوب
على احتجابه تنكر معرفته.
تمثل في القلوب بغير مثال تحده الأوهام،

(1) أي لا حد ولا أمد له حتى يكون معلوما.
(2) فلا كلي ولا جزئي ألا وقد أحاط به خبرا بجميع خصوصياته
ومشخصاته في أزل الآزال، فالأشياء إنما توصف بالغيب بالنسبة إلى الممكنات
المحجوبة تحت ستار الإمكان والافتقار، وأما الخالق الواجب فهو متعال عن صفة
النقص.
117

أو تدركه الأحلام، ثم جعل من نفسه دليلا
على تكبره عن الضد والند والشكل والمثل،
فالوحدانية آية الربوبية، والموت الآتي على خلقه
مخبر عن خلقه وقدرته، ثم خلقهم من نطفة
ولم يكونوا شيئا، دليلا على إعادتهم خلقا جديدا
بعد فنائهم، كما خلقهم أول مرة (3).
والحمد لله رب العالمين الذي لم يضره
بالمعصية المتكبرون، ولم ينفعه بالطاعة المتعبدون،
الحليم عن الجبابرة المدعين، والممهل للزاعمين
له شريكا في ملكوته، الدائم في سلطانه بغير
أمد، والباقي في ملكه بعد انقضاء الأبد، والفرد
الواحد الصمد، والمتكبر عن الصاحبة والولد،
رافع السماء بغير أمد، ومجري السحاب بغير صفد،
قاهر الخلق بغير عدد، لكن الله الأحد الفرد
الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا
أحد.
والحمد لله الذي لم يخل من فضله المقيمون

(3) كذا في نسخة البحار، وفي النسخة المخطوطة من مهج الدعوات
لصاحب الذريعة دام ظله: (ثم خلقهم من نطفة - ولم يكونوا شيئا - دليل على
اعادتهم خلقا جديدا بعد فنائهم) الخ، وهو أظهر.
118

على معصيته، ولم يجازه لأصغر نعمه المجتهدون
في طاعته، الغني الذي لا يضن برزقه على جاحده (4)
ولا ينقض عطاياه أرزاق خلقه، خالق الخلق
ومغنيه، ومعيده ومبديه ومعافيه، عالم ما أكنته
السرائر، وأخبته الضمائر (5) واختلفت به الألسن
وآنسته الأرض (6) الحي الذي لا يموت، والقيوم
الذي لا ينام، والدائم الذي لا يزول، والعدل
الذي لا يجور، والصافح عن الكبائر بفضله،
والمعذب من عذب بعدله، لم يخف الفوت فحلم
وعلم الفقر إليه فرحم، وقال في محكم كتابه:
(ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها
من دابة) (7).
أحمده حمدا أستزيده في نعمته وأستجير به
من نقمته، وأتقرب إليه بالتصديق لنبيه المصطفى
لوحيه، المتخير لرسالته، المختص بشفاعته،

(4) لا يضن: أي لا يبخل برزقه على جاحديه فيقطعه عنهم.
(5) خبت - (من باب ضرب) خبتا ذكره، أي خفي، وفي المختار 28،
من الباب الأول من المستدرك: (وأخفته الضمائر).
(6) ولعله كناية عما يكون ويوجد في الأرض، يقال: آنسه فلان: ألفه.
(7) الآية الأخيرة: (45) من سورة فاطر: 35.
119

القائم بحقه، محمد صلى الله عليه وآله، وعلى
أصحابه، وعلى النبيين والمرسلين، والملائكة
أجمعين، وسلم تسليما.
إلهي درست الآمال، وتغيرت الأحوال،
وكذبت الألسن، وأخلفت العدات إلا عدتك،
فإنك وعدت مغفرة وفضلا.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وأعطني
من فضلك، وأعذني من الشيطان الرجيم، سبحانك
وبحمدك، ما أعظمك وأحلمك وأكرمك، وسع
بفضلك حلمك تمرد المستكبرين (8) واستغرقت
نعمتك شكر الشاكرين، وعظم حلمك عن احصاء
المحصين (9) وجل طولك عن وصف الواصفين،
كيف لولا فضلك حلمت (10) عمن خلقته من
نطفة ولم يك شيئا، فربيته بطيب رزقك،

(8) كذا في البحار، وفي النسخة المخطوطة من مهج الدعوات: (وسع
حلمك تمرد المستكبرين) وهو الظاهر.
(9) وفي المخطوط من مهج الدعوات: (وعظم فضلك) الخ، وفي هامشه:
(حلمك).
(10) كذا في النسخة، والسياق يمس إلى كلمتي الواو وما النافية، أي:
ولولا فضلك ما حلمت عمن خلقت.
120

وأنشأته في تواتر نعمتك، ومكنت له في مهاد
أرضك، ودعوته إلى طاعتك فاستنجد على عصيانك
بإحسانك، وجحدك وعبد (11) غيرك في سلطانك
كيف لولا حلمك أمهلتني (12) وقد شملتني
بسترك، وأكرمتني بمعرفتك، وأطلقت لساني
بشكرك، وهديتني السبيل إلى طاعتك، وسهلتني
المسلك إلى كرامتك، وأحضرتني سبيل قربتك،
فكان جزاؤك مني أن كافأتك عن الإحسان بالإساءة
حريصا على ما أسخطك، منتقلا فيما أستحق به
المزيد من نقمتك (13)، سريعا إلى ما أبعد رضاك،
مغتبطا بعزة الأمل، معرضا عن زواجر الأجل،
لم ينفعني حلمك عني (14) وقد أتاني توعدك بأخذ
القوة مني حتى دعوتك على عظيم الخطيئة،

(11) هذا هو الصواب الموافق للمخطوط من المهج، وفي البحار:
(وعبدك).
(12) كذا في البحار والمخطوط من مهج الدعوات، والظاهر أن الواو
وما النافية ساقطتان من الكلام، كما تقدم نظيره.
(13) كذا في البحار ومتن المخطوط من مهج الدعوات، وفي هامشه
(مستقلا).
(14) كذا في البحار، وفي المخطوط من المهج: (لم يقنعني).
121

أستزيدك في نعمك غير متأهب لما قد أشرفت
عليه من نقمتك [نقمك خ ل] مستبطأ لمزيدك،
ومتسخطا لميسور رزقك، مقتضيا جوائزك بعمل
الفجار، كالمراصد رحمتك بعمل الأبرار، [و]
مجتهدا أتمني عليك العظائم، كالمدل الآمن من
قصاص الجرائم، فإنا لله وإنا إليه راجعون،
مصيبة عظم رزؤها وجل عقابها، بل كيف
لولا أملي ووعدك الصفح عن زللي أرجو إقالتك
وقد هاجرتك بالكبائر (15) مستخفيا عن أصاغر
خلقك، فلا أنا راقبتك وأنت معي ولا راعيت
حرمة سترك علي، بأي وجه ألقاك وبأي لسان
أناجيك، وقد نقضت العهود والأيمان بعد
توكيدها، وجعلتك علي كفيلا، ثم دعوتك
مقتحما في الخطيئة فأجبتني، ودعوتني وإليك
فقري فلم أجب، فواسوأتاه وقبح ضيعاه، أية
جرأة تجرأت وأي تغرير غررت نفسي.
سبحانك فبك أتقرب إليك، وبحقك أقسم
عليك، ومنك أهرب إليك، بنفسي استخففت

(15) كذا في البحار، وفي المخطوط من مهج الدعوات: (وقد جاهرتك
بالكبائر) وهو أظهر.
122

عند معصيتي لا بنفسك، وبجهلي اغتررت
لا بحلمك، وحقي أضعت لا عظيم حقك،
ونفسي ظلمت، ولرحمتك الآن رجوت (16)،
وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت
وتضرعت (17) فارحم إليك فقري وفاقتي وكبوتي
لحر وجهي وحيرتي في سوأة ذنوبي إنك أرحم
الراحمين.
يا أسمع مدعو وخير مرجو، وأحلم مغض (18)
وأقرب مستغاث، أدعوك مستغيثا بك استغاثة
المتحير المستيئس من إغاثة خلقك، فعد بلطفك
على ضعفي، واغفر بسعة رحمتك كبائر ذنوبي (19)
وهب لي عاجل صنعك انك أوسع الواهبين،
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
يا الله يا أحد يا الله يا صمد، يامن لم يلد ولم

(16) كذا في البحار، وفي المخطوط من المهج: (وبرحمتك) الخ.
(17) هذا هو الظاهر الموافق للبحار وهامش المخطوط من مهج الدعوات،
وفي متن المهج المخطوط: (وإليك أنيب وتضرعت).
(18) مغض مأخوذ من الإغضاء بمعنى التجاوز عن زلل العبيد، والصفح
عن خطيئاتهم، وفي البحار: (واحلم مقض).
(19) وفي المخطوط من مهج الدعوات: (واغفو لي) الخ.
123

يولد ولم يكن له كفوا أحد (20).
اللهم أعيتني المطالب (21)، وضاقت علي
المذاهب، وأقصاني الأباعد، وملني الأقارب،
وأنت الرجاء إذا انقطع الرجاء، والمستعان إذا عظم
البلاء، واللجاء في الشدة والرخاء، فنفس كربة
نفس إذا ذكرها القنوط مساويها أيأست [آيست خ ل]
من رحمتك، لا تؤيسني من رحمتك يا أرحم
الراحمين.
مهج الدعوات للسيد ابن طاوس رحمه الله، ورواه عنه في البحار:
2، من 19، 132، ط الكمباني.
- 27 -
ومن دعاء له عليه السلام
اللهم لك الحمد كله، وبيدك الخير كله،
وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره، وأنت

(20) كذا في المخطوط من المهج، وكلمة (أحد) ساقطة من نسخة البحار
(21) كذا في المخطوط من المهج، ولفظة (اللهم) ساقطة من البحار.
124

منتهى الشأن كله.
اللهم لك الحمد على عفوك بعد قدرتك،
ولك الحمد على غفرانك بعد غضبك.
اللهم لك الحمد رفيع الدرجات، مجيب
الدعوات، منزل البركات، من فوق سبع سماوات
معطي السؤلات، ومبدل السيئات حسنات وجاعل
الحسنات درجات، والمخرج إلى النور من الظلمات.
اللهم لك الحمد غافر الذنب، وقابل التوب،
شديد العقاب والطول (1)، لا إله إلا أنت، وإليك
المصير.
اللهم لك الحمد في الليل إذا يغشى، ولك الحمد
في النهار إذا تجلى، ولك الحمد في الآخرة، والأولى.
اللهم لك الحمد في الليل إذا عسعس، ولك
الحمد في الصبح إذا تنفس، ولك الحمد عند طلوع
الشمس وعند غروبها، ولك الحمد على نعمك
التي لا تحصى عددا، ولا تنقضي مددا سرمدا (2).
اللهم لك الحمد فيما مضى ولك الحمد فيما بقي.

(1) كذا في النسخة، ولا يبعد كون الأصل هكذا: (شديد العقاب ذي
الطول) كما في الآية الثالثة من سورة المؤمن: 40.
(2) كذا.
125

اللهم أنت ثقتي، في كل أمر، وعدتي في كل
حاجة، وصاحبي في كل طلبة، وأنسي في كل
وحشة، وعصمتي عند كل هلكة.
اللهم صل على محمد وآل محمد ووسع لي
رزقي، وبارك لي فيما آتيتني، واقض عني ديني،
وأصلح لي شأني، إنك رؤوف رحيم، لا إله إلا
الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله رب العالمين،
لا إله إلا الله رب العرش العظيم.
اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم
مغفرتك، والغنيمة من كل خير، والسلامة من
كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار.
اللهم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا
فرجته، ولا غما إلا كشفته، ولا سقما إلا شفيته،
ولا دينا إلا قضيته، ولا خوفا إلا أمنته، ولا
حاجة إلا قضيتها بمنك ولطفك برحمتك
يا أرحم الراحمين.
البحار: 18، 436، ط الكمباني.
126

- 28 -
ومن دعاء له عليه السلام
المعروف بدعاء الصباح
قال السيد ابن الباقي (ره): وكان أمير المؤمنين عليه السلام يدعو به
بعد ركعتي الفجر.
وقال الشريف يحيى بن قاسم العلوي: ظفرت بسفينة (1) طويلة
مكتوب فيها بخط سيدي وجدي أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين،
ليث بني غالب علي بن أبي طالب عليه أفضل التحيات، وكان في آخرها:
كتبه علي بن أبي طالب في آخر نهار الخميس، حادي عشر شهر ذي الحجة
سنة خمس وعشرين من الهجرة. ونقلته في السابع والعشرين من ذي القعدة
سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، من خطه المبارك، وكان مكتوبا بالقلم الكوفي
على الرق، وكانت صورة المكتوب هكذا:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا دعاء علمني رسول الله صلى الله عليه وآله
(وكان يدعو به في كل صباح):

(1) كذا في البحار، ولا يبعد أن يكون المراد بالسفينة الجلد، بقرينة ما ذكر
في اللغة من أن السفن: جلد خشن يجعل على قوائم السيوف، واعتياد الكتابة في
الأعصار القديمة على الجلود. ويحتمل كون النسخة ملحونة، والأصل هكذا:
ظفرت بنسخة طويلة الخ. وقال العلامة الرازي دام ظله: المراد من السفينة الطومار.
127

اللهم يامن دلع لسان الصباح بنطق تبلجه (2)
وسرح قطع الليل المظلم [المدلهم خ ل] بغياهب
تلجلجه (3) وأتقن صنع الفلك الدوار في مقادير
تبرجه، وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه.
يامن دل على ذاته بذاته، وتنزه عن مجانسة
مخلوقاته، وجل عن ملائمة كيفياته.
يامن قرب من خطرات الظنون، وبعد عن
لحظات العيون (4) وعلم بما كان قبل أن يكون (5)

(2) دلع: أي أخرج، يقال: دلع لسانه فاندلع أي أخرجه فخرج.
ودلع لسانه أي خرج، فهو يجي لازما ومتعديا. والمراد بلسان الصباح الشمس
عند طلوعها، أو النور المرتفع عن الأفق قبل طلوعها. والتبلج: الإضاءة والإشراق
والإضافة بيانية، أي بنطق هو إشراق ذلك اللسان.
(3) سرح - من باب منع وفعل -: أرسل. وغياهب جمع غيهب وهو
الظلمة. والتلجلج: التردد والاضطراب.
(4) قال العلامة المجلسي (ره): وفي بعض النسخ: (وكان بلا كيف
مكنون) أي مستور عن العقول فكيف بالكيف الظاهر، و (لا كيف) ههنا بمنزلة
كلمة واحدة، ولذا صارت مجرورة بحرف الجر.
(5) والكون المستعمل ههنا تام، أي تعلق علمه بما وجد في الخارج قبل
أن يوجد فيه، وذلك لأن لجميع الأشياء صورا علمية أزلية في ذات الحق. وبهذا
وأمثاله مما هو من بديهيات الشريعة يتضح جهل من يدعي العلم، ويقول بعدم علمه
تعالى بالأشياء قبل وجودها.
128

يامن أرقدني في مهاد أمنه وأمانه، وأيقظني
إلى ما منحني به من مننه واحسانه، وكف أكف
السوء عني بيده وسلطانه.
صل اللهم على الدليل إليك في الليل الأليل (6)
والماسك من أسبابك بحبل الشرف الأطول،
والناصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل (7) والثابت
القدم على زحاليفها في الزمن الأول (8) وعلى آله

(6) أي البالغ في الظلمة، وهذا مثل قولهم: ظل ظليل، وعرب عرباء
والمراد به زمان انقطاع العلم والمعرفة.
(7) الناصع: الخالص من كل شي، يقال: أبيض ناصع وأصفر ناصع
أي خالص البياض والصفرة، ونصع الأمر: وضح وبان. وذرى الشئ
- بالضم -: أعاليه، والواحدة ذروة - بكسر الذال - وذروة - بالضم أيضا -
أعلى السنام، وفلان يذري حسبه أي يمدحه ويرفع شأنه. والكاهل: ما بين
الكتفين. والأعبل: الضخم الغليظ، يقال فلان عبل الذراعين: ضخمهما.
(8) الزحاليف - بالفاء لغة أهل العالية، وبالقاف في لغة بني تميم - جمع
الزحلفة - كدحرجة بضم الزاء أيضا -: آثار تزلج الصبيان من فوق التل إلى
أسفله، وقال ابن الأعرابي: الزحلوفة مكان منحدر يملس لأنهم يزحلفون فيه،
والضمير في قوله: (زحاليفها) إما راجع إلى القدم فإنها مؤنث سماعي، أو
راجع إلى الجاهلية وأهلها بقرينة في الزمن الأول، أي كان (ص) ثابت القدم في
الحق عند مزالق الجاهلية وفتنها.
129

الأخيار المصطفين الأبرار.
وافتح اللهم لنا مصاريع الصباح بمفاتيح
الرحمة والفلاح (9).
وألبسني اللهم من أفضل خلع الهداية والصلاح.
واغرس [واغزر خ ل] اللهم بعظمتك في
شرب جناني ينابيع الخشوع.
وأجر اللهم لهيبتك من آماقي زفرات الدموع (10)
وأدب اللهم نزق الخرق مني بأزمة القنوع (11)

(9) مصاريع جمع مصراع، ومصراع الباب معروف.
(10) الموق - على زنة بوق وسوق - من العين: طرفها مما يلي الأنف
- واللحاظ طرفها الذي يلي الأذن - والجمع آماق وأماق - كآبار وأبار في
جمع البئر -.
والزفرات جمع الزفرة - بالكسر - وهي القربة، ومنه قيل للإماء اللواتي
يحملن القرب: زوافر. والدموع جمع الدمعة: ماء العين.
(11) النزق: الخفة والطيش. والخرق - بالضم وبالتحريك -: ضد
الرفق، والحمق، والجهل، والأزمة جمع الزمام وهو الخيط الذي في البرة أو في
الخشاش ثم يشد في طرفه المقود. وقد يسمى المقود زماما، والخشاش - بالكسر -
الذي في أنف البعير وهو من خشب. والبرة - كالكرة -: حلقة من صفر.
والخزامة من شعر. والقنوع بضم القاف: رضا الانسان بما قسم له. وقد شبه
عليه السلام الطيش الناشي من غلظة الطبيعة بحيوان يحتاج إلى أن يؤدب بالأزمة.
130

إلهي إن لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق،
فمن السالك بي إليك في واضح الطريق، وإن
أسلمتني أناتك لقائد الأمل والمنى، فمن المقيل
عثراتي من كبوات الهوى (12)، وإن خذلني نصرك
عند محاربة النفس والشيطان، فقد وكلني
خذلانك إلى حيث النصب والحرمان.
إلهي أتراني ما أتيتك إلا من حيث الآمال،
أم علقت بأطراف حبالك إلا حين باعدتني ذنوبي
عن دار الوصال، فبئس المطية التي امتطت نفسي
من هواها (13)، فواها لها لما سولت لها ظنونها

(12) الأناة - على زنة القناة -: الحلم، ويقال: تأنى في الأمر:
ترفق وانتظر. والقائد: الذي يسوق الدابة من أمامها.
والأمل: الرجاء. والمنى - بالضم - جمع منية، وهي الصورة الحاصلة
في النفس من تمني الشئ. والمقيل من الإقالة بمعنى فسخ العقد. والعثرات جمع
عثرة وهي الزلة. والكبوات: السقطات. يقال كبا بوجهه عليه: سقط.
والهوى - بالقصر - الميل النفساني الداعي إلى ما لا ينبغي، وجمعه أهواء.
(13) قال المجلسي الوجيه (ره): وفي بعض النسخ: (إلا حين باعدت
بي). وفي بعضها: (أبعدتني من دار الوصال). وفي بعض النسخ: (عن
صربة الوصال). وفي القاموس: الصرب - بالكسر -: البيوت القليلة من
ضعفي الاعراب. وقال: مطا الدابة: جدت في السير وأسرعت. والمطية: *
131

ومناها، وتبا لها لجرأتها على سيدها وموليها.
إلهي قرعت باب رحمتك بيد رجائي، وهربت
إليك لاجئا من فرط أهوائي، وعلقت بأطراف
حبالك أنامل ولائي، فاصفح اللهم عما كنت
أجرمته من زللي وخطائي، وأقلني من صرعة
ردائي، فإنك سيدي ومولاي ومعتمدي ورجائي
وأنت غاية مطلوبي ومناي، في منقلبي ومثواي.
إلهي كيف تطرد مسكينا التجاء إليك من الذنوب
هاربا، أم كيف تخيب مسترشدا قصد إلى جنابك
ساعيا، أم كيف ترد ظمآن ورد إلى حياضك
شاربا، كلا وحياضك مترعة في ضنك المحول، وبابك
مفتوح للطلب والوغول (14)، وأنت غاية المسؤول

الدابة تمطو في سيرها. وامتطاها وإمطاها: جعلها مطية. قوله عليه السلام:
(من هواها) بيان للمطية، والضمير للنفس.
(14) مترعة - على صيغة المفعول - ممتلية، يقال: ترع - ترعا
- من باب علم، والمصدر على وزن الفرح - الحوض أو الكوز: إمتلأ، فهو
ترع. والضنك: الضيق. والمحول جمع المحل وهو الجدب، أعني انقطاع المطر
ويبس الأرض من الكلاء. يقال أرض جدبة وجدوب كما يقال: محل ومحول،
يريدون بالواحد الجمع. والوغول: الدخول على القوم في شرابهم والشرب
معهم من دون أن يدعى إليه.
132

ونهاية المأمول.
إلهي هذه أزمة نفسي عقلتها بعقال مشيتك،
وهذه أعباء ذنوبي درأتها (15) بعفوك ورحمتك،
وهذه أهوائي المضلة وكلتها إلى جناب لطفك
ورأفتك.
فاجعل اللهم صباحي هذا نازلا علي بضياء
الهدى وبالسلامة في الدين والدنيا، ومسائي جنة
من كيد العدى، ووقاية من مرديات الهوى (16)
إنك قادر على ما تشاء، تؤتي الملك من تشاء،
وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل
من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شي قدير.
تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل،

(15) الضمير في (عقلتها) راجع إلى الأزمة، يقال عقلت البعير عقلا
- من باب نصر وضرب -: ثنيت وظيفة مع ذراعه وشددتهما معا في وسط
الذراع بحبل هو العقال. والأعباء جمع العبؤ، وهو الثقيل من كل شئ.
ودرأتها: دفعتها.
(16) الوقاية: حفظ الشئ مما يضره، وقد يطلق على ما به ذلك الحفظ.
قال المجلسي الوجيه (ره): وهو المراد ههنا. ومرديات الهوى: المهالك الناشئة
من هوى النفس. يقال: ردي - ردى - من باب علم، والمصدر كعصا -:
هلك. وردى الرجل وأرداه - من باب فعل وأفعل -: أهلكه.
133

وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي
وترزق من تشاء بغير حساب (لا إله إلا أنت).
سبحانك اللهم وبحمدك من ذا يعرف قدرك
فلا يخافك، ومن ذا يعلم ما أنت فلا يهابك،
ألفت بقدرتك الفرق، وفلقت بلطفك الفلق (17)
وأنرت بكرمك دياجي الغسق (18)، وأنهرت المياه
من الصم الصياخيد عذبا وأجاجا، وأنزلت من
المعصرات ماء ثجاجا (19)، وجعلت الشمس والقمر

(17) وعن اختيار السيد ابن الباقي: (ألفت بمشيتك الفرق، وفلقت
بقدرتك الفلق). قال الراغب: المؤلف: ما جمع من أجزاء مختلفة ورتب
ترتيبا قدم فيه ما حقه أن يقدم، وأخر فيه ما حقه أن يؤخر. والفرق:
الأمور المفترقة المخالفة في المهيات والصفات، أو الجماعات المختلفة المبائنة في
الأنساب والصفات.
والفلق: شق الشئ وإبانة بعضه عن بعض، والفلق - محركا -: الصبح
وقيل: هو ما يفلق عنه أي يفرق عنه، فعل بمعنى مفعول، وهو يعم جميع
الممكنات، فإنه سبحانه فلق ظلمة العدم بنور الايجاد.
(18) أنرت: أضأت. ودياجي الغسق: حنادسه أي ظلماته، والغسق:
شدة ظلام الليل. وقيل: ظلمة أوله، وفسر بنصفه أيضا.
(19) أنهرت المياه: أرسلتها وأجريتها. قال المجلسي (ره): وفي بعض
النسخ: (أهمرت). والهمر: الصب. وحجر أصم: صلب مصمت. وصخرة
صيخود: شديدة. والمعصرات: السحائب التي تعطر بالمطر، ويقال:
مطر ثجاج: إذا انسب جدا.
134

للبرية سراجا وهاجا، من غير أن تمارس فيما
ابتدأت به لغوبا ولا علاجا (20).
فيا من توحد بالعز والبقاء، وقهر عباده
بالموت والفناء، صل على محمد وآله الأتقياء،
واسمع ندائي، واستجب دعائي، وحقق بفضلك
أملي ورجائي، يا خير من دعي لكشف الضر
والمأمول، لكل [في كل خ ل] عسر ويسر بك
أنزلت حاجتي، فلا تردني من سني [باب خ ل]
مواهبك خائبا، يا كريم يا كريم يا كريم برحمتك

(20) السراج يطلق على كل مضي متقد، فجعل الشمس والقمر سراجا
كناية عن خلقهما مضيئا متوقدا لمصالح الخليقة. والوهاج من أبنية المبالغة أي
كثير الاتقاد، من قولهم: (وهج النار وهجا ووهيجا ووهجانا) اتقدت،
والفعل من باب وعد، والمصدر على زنة الوعد والوعيد ورمضان. وقوله
عليه السلام: (من غير أن تمارس) الخ. الممارسة: المزاولة. واللغب واللغوب:
الاعياء والفتور. والعلاج: الممارسة في الشئ من جهة أسبابه، والحيلة في
تحصيله بوسائل. ومراده عليه السلام نفي التعب والتمسك بالوسائل عن الله
تعالى في خلق الموجودات والكائنات، بل إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له
كن فيكون.
135

يا أرحم الراحمين، وصلى الله على خير خلقه
محمد وآله أجمعين (21).
ثم يسجد ويقول (22):
إلهي قلبي محجوب، ونفسي معيوبة، وعقلي
مغلوب، وهوائي غالب، وطاعتي قليلة، ومعصيتي
كثيرة، ولساني مقر ومعترف بالذنوب، فكيف
حيلتي يا ستار العيوب، ويا علام الغيوب، ويا
كاشف الكروب، اغفر ذنوبي كلها بحرمة محمد
وآل محمد، يا غفار يا غفار يا غفار، برحمتك
يا أرحم الراحمين.
البحار: - 18، 656، و ج 2، من - 19، 135، ط الكمباني

(21) وفي المجلد الثامن عشر من البحار بعد قوله عليه السلام: (يا كريم
يا كريم يا كريم) هكذا: (ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
(22) قال المجلسي الوجيه (ره) في الثامن عشر من البحار 610، بعد
ختام الدعاء: ثم اعلم أن السجود والدعاء فيه غير موجود في أكثر النسخ وفي بعضها
موجود، وكان في اختيار السيد ابن الباقي مكتوبا على الهامش هكذا:
(إلهي قلبي محجوب، وعقلي مغلوب، ونفسي معيوبة، ولساني مقر
بالذنوب، وأنت ستار العيوب، فاغفر لي ذنوبي يا غفار الذنوب، يا شديد
العقاب، يا غفور يا شكور يا حليم اقض حاجتي بحق الصادق رسولك الكريم
وآله الطاهرين، برحمتك يا أرحم الراحمين).
136

والمختار 62. من الصحيفة الأولى 157.
أقول: قال العلامة المجلسي (أعلى الله في المقربين مجالسه):
هذا الدعاء من الأدعية المشهورة، ولم أجده في الكتب المعتبرة إلا في
مصباح السيد ابن الباقي (ره)، ووجدت منه نسخة قراءة المولى الفاضل
مولانا درويش محمد الأصبهاني جد والدي من قبل أمه (23)، على العلامة
مروج المذهب نور الدين علي بن عبد العالي الكركي قدس الله روحه فأجازه،
وهذه صورته:

(23) قال العلامة الرازي دام ظله في احياء الداثر من مآثر من في القرن
العاشر (المخطوط 130): المولى كمال الدين درويش محمد بن الشيخ حسن
العاملي الاصفهاني النطنزي المدفون بها في مقبرته المشهورة، كان من تلاميذ
الشهيد
الثاني في بلاده، ولما جاء إلى أصفهان استجاز من المحقق الكركي فكتب له إجازة
تاريخها سنة 939.
أقول: ثم ذكر دام ظله صورة الإجازة من البحار: 18، ص 606،
والمجلد التاسع عشر 136، كما ذكرناه في المتن، ثم قال: ويروي عنه جماعة: منهم
ولده الشيخ المولى محمد قاسم بن درويش محمد، والشيخ يونس الجزائري،
والقاضي معز الدين محمد، والقاضي أبو الشرف الاصفهاني، والشيخ عبد الله
ابن جابر بن عبد الله العاملي، وهؤلاء كلهم من مشايخ سبط صاحب الترجمة المولى
محمد تقي المجلسي (ره) ذكرهم في أول لوامعه، أي شرحه على الفقيه - إلى آخر
ما حرره دام بقاه من نقل صورة إجازة الكركي له رحمهما الله من إجازات البحار
بمثل ما تقدم من المجلد التاسع عشر -.
137

(الحمد لله، قرأ علي هذا الدعاء والذي قبله (24) عمدة الفضلاء
الأخيار الصلحاء الأبرار مولانا كمال الدين، درويش محمد الاصفهاني بلغه
الله ذروة الأماني قراءة تصحيح، كتبه الفقير علي بن عبد العالي في سنة
تسع وثلاثين وتسعمأة حامدا مصليا).
ووجدت في بعض الكتب سندا آخر له هكذا: قال الشريف يحيى
ابن قاسم العلوي - إلى آخر ما مر في صدر الدعاء -.

(24) ولعدم وجود النسخة المقروءة عليه عندنا، لم يعلم الدعاء المذكور
قبله.
138

- 29 -
ومن دعاء له عليه السلام
في شهر شعبان المعظم برواية ابن خالويه (ره) (1)
اللهم صل على محمد و [على] آل محمد (2)،
[واسمع دعائي إذا دعوتك خ ل] واسمع ندائي إذا
ناديتك، وأقبل علي إذا ناجيتك، فقد هربت إليك،
ووقفت بين يديك مستكينا لك، متضرعا إليك
راجيا لما لديك، تراني وتعلم ما في نفسي، وتخبر

(1) قال النجاشي رضوان الله تعالى عليه في فهرسته ص 191 علي
ابن محمد بن يوسف بن مهجور أبو الحسن الفارسي المعروف بابن خالويه. شيخ
من أصحابنا ثقة، سمع الحديث فأكثر، ابتعت أكثر كتبه، له كتاب عمل رجب
وكتاب عمل شعبان وكتاب عمل شهر رمضان، أخبرنا عنه عدة من أصحابنا.
أقول - وفاقا للعلامة الرازي دام ظله في هامشه على كتاب الاقبال -: الظاهر
أن راوي هذه المناجاة هو ابن خالويه هذا الذي ذكره النجاشي (ره) لا ابن خالويه
الحسين بن محمد المكنى بأبي عبد الله كما اختاره السيد ابن طاوس (ره) في الاقبال
تبعا لابن النجار في تذييله على تاريخ بغداد.
(2) كذا في البحار، وفي الاقبال: (اللهم صل على محمد وآل محمد) الخ.
139

حاجتي (3) وتعرف ضميري، ولا يخفى عليك
أمر منقلبي ومثواي ما أريد أن أبدئ به من
منطقي وأتفوه [وأتنوه خ ل] به من طلبتي،
وأرجوه لعاقبتي (4) وقد جرت مقاديرك علي
يا سيدي فيما يكون مني إلى آخر عمري من
سريرتي وعلانيتي، وبيدك لا بيد غيرك زيادتي
ونقصي ونفعي وضري.
إلهي إن حرمتني فمن ذا الذي يرزقني، وإن
خذلتني فمن ذا الذي ينصرني.
إلهي أعوذ بك من غضبك وحلول سخطك.
إلهي إن كنت غير مستأهل لرحمتك فأنت
أهل أن تجود علي بفضل سعتك.
إلهي كأني بنفسي واقفة بين يديك، وقد

(3) أقول: هذا هو الظاهر من السياق، المؤيد بعطف (تعلم)
عليه، دون ما في بعض الكتب من ضبط الكلام هكذا: (راجيا لما لديك ثوابي)
فإنه غير مستقيم إلا بتكلف، وكذا عطف (تعلم) على هذا التقدير يحتاج إلى
التكلف. وأما نسخة البحار فهي غير مقروءة - هنا - وأما ما في الاقبال فهكذا:
(راجيا لما لديك ثوابي [تراني خ ل] وتعلم حاجتي) الخ. قوله: (وتخبر حاجتي)
- هو من باب نصر وشرف ومنع - أي تعلم حاجتي بكنهها وحقيقتها.
(4) كذا في الاقبال، وفي البحار: (وأرجوه لعاقبة أمري [لعاقبتي خ ل]) الخ.
140

أظلها حسن توكلي عليك، فقلت [ففعلت خ ل]
ما أنت أهله وتغمدتني بعفوك.
إلهي فإن [ان خ ل] عفوت فمن أولى منك بذلك،
وإن كان قد دنا أجلي ولم يدنني [يدن خ ل] منك
عملي فقد جعلت الإقرار بالذنب إليك وسيلتي (5).
إلهي قد جرت على نفسي في النظر لها فلها
الويل إن لم تغفر لها (6).
إلهي لم يزل برك علي أيام حياتي، فلا تقطع
برك عني في مماتي.
إلهي كيف آيس من حسن نظرك لي بعد مماتي
وأنت لم تولني [لم تولني خ ل] إلا الجميل في حياتي (7).
إلهي تول من أمري ما أنت أهله وعد بفضلك

(5) وفي مناجاته عليه السلام برواية القضاعي: (إلهي إن كان دنا أجلي،
ولم يقربني منك عملي، فقد جعلت الاعتراف بالذنب وسائل عللي، فان عفوت
فمن أولى منك بذلك، وإن عذبت فمن أعدل منك في الحكم هنالك) الخ.
(6) هذا هو الظاهر، وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (إلهي إني جرت
على نفسي في النظر لها وبقي نظرك لها، فالويل لها إن لم تسلم به).
(7) ومثله في المختار (33)، وفي الصحيفة الثانية والمختار (11، و 20):
(إلهي كيف أيأس من حسن نظرك لي من بعد مماتي، وأنت لم تولني إلا الجميل
في أيام حياتي) وفي المختار (20): (وأنت لم تولني إلا الجميل أيام حياتي).
141

على مذنب قد غمره جهله (8).
إلهي قد سترت علي ذنوبا في الدنيا وأنا أحوج
إلى سترها علي منك في الأخرى.
إلهي قد أحسنت إلي إذ لم تظهرها لأحد من
عبادك الصالحين، فلا تفضحني يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.
إلهي جودك بسط أملي، وعفوك أفضل من
عملي.
إلهي فسرني بلقائك يوم تقضي فيه بين
عبادك.
إلهي اعتذاري إليك إعتذار من لم يستغن عن
قبول عذره، فاقبل عذري (9) يا أكرم من اعتذر
إليه المسيئون (10).

(8) هذا هو الصواب، وفي نسخة (وعد علي بفضلك على مذنب قد
غمره جهله). وقريب منه في المختار (33).
(9) وفي هامش الاقبال بتصحيح العلامة الحاج آقا بزرك الطهراني الرازي
دام ظله هكذا: (فاقبل عذري [يا كريم خ ل] يا أكرم) الخ.
(10) وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (إلهي ليس اعتذاري
إليك اعتذار من يستغنى عن قبول عذره، فاقبل عذري يا خير من اعتذر إليه
المسيئون).
142

إلهي لا ترد حاجتي، ولا تخيب طمعي، ولا
تقطع منك رجائي وأملي.
إلهي لو أردت هواني لم تهدني، ولو أردت
فضيحتي لم تعافني.
إلهي ما أظنك تردني في حاجة قد أفنيت عمري
في طلبها منك.
إلهي فلك الحمد أبدا أبدا دائما سرمدا، يزيد
ولا يبيد كما تحب وترضى.
إلهي إن أخذتني بجرمي أخذتك بعفوك، وإن
أخذتني بذنوبي أخذتك بمغفرتك (11)، وإن
أدخلتني النار أعلمت أهلها أني أحبك.
إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد
كبر في جنب رجائك أملي.
إلهي كيف أنقلب من عندك بالخيبة محروما
وقد كان حسن ظني بجودك أن تقلبني بالنجاة
مرحوما.
إلهي وقد أفنيت عمري في شرة السهو عنك،
وأبليت شبابي في سكرة التباعد منك.
إلهي فلم أستيقظ أيام اغتراري بك وركوني

(11) وفي الاقبال: (بمعرفتك [بمغفرتك خ ل]).
143

إلى سبيل سخطك (12).
إلهي وأنا عبدك وابن عبدك قائم بين يديك
متوسل بكرمك إليك (13).
إلهي أنا عبد أتنصل إليك مما كنت أواجهك
به من قلة استحيائي من نظرك، وأطلب العفو
منك إذ العفو نعت لكرمك (14).
إلهي لم يكن لي حول فأنتقل به عن معصيتك
إلا في وقت أيقظتني لمحبتك، وكما أردت أن
أكون كنت، فشكرتك بادخالي في كرمك،
ولتطهير قلبي من أوساخ الغفلة عنك.
إلهي أنظر إلي نظر من ناديته فأجابك،
واستعملته بمعونتك فأطاعك، يا قريبا لا يبعد
عن المغتر به، ويا جوادا لا يبخل عمن رجا ثوابه.
إلهي هب لي قلبا يدنيه منك شوقه، ولسانا
يرفع إليك (15) صدقه، ونظرا يقربه منك حقه.

(12) وفي نسخة البحار: (وتكوني [وركوبي خ ل] إلى سبيل سخطك).
(13) وفي نسخة البحار: (إلهي وأنا عبدك وابن عبديك) الخ.
(14) كذا في البحار ومتن الإقبال، وفي هامش المصحح من نسخة الإقبال
للعلامة الرازي دام ظله: (إذ العفو نعت من كرمك خ ل).
(15) وفي هامش الإقبال بتصحيح العلامة الرازي: (ولسانا يرفعه خ ل).
144

إلهي إن من تعرف بك غير مجهول، ومن لاذ
بك غير مخذول ومن، أقبلت عليه غير مملوك
[مملول خ ل].
إلهي إن من انتهج بك المستنير، وإن من
اعتصم بك لمستجير، وقد لذت بك يا إلهي (16)
فلا تخيب ظني رحمتك ولا تحجبني عن
رأفتك.
إلهي أقمني في أهل ولايتك مقام من رجا
الزيادة من محبتك.
إلهي وألهمني ولها بذكرك إلى ذكرك، وهمتي
في روح (17) نجاح أسمائك ومحل قدسك.
إلهي بك عليك إلا ألحقتني بمحل أهل طاعتك
والمثوى الصالح من مرضاتك، فاني لا أقدر لنفسي
دفعا ولا أملك لها نفعا.
إلهي أنا عبدك الضعيف المذنب، ومملوكك
المنيب [المعيب خ ل] فلا تجعلني ممن صرفت عنه

(16) يا سيدي - خ ل.
(17) وفي البحار: (وهمتي إلى روح نجاح أسمائك). وفي هامش
الإقبال: (وهمني خ ل). والظاهر أنه محرف وصوابه: (وهمي). وفي
هامش المصحح للعلامة الرازي: (واجعل همتي إلى روح) الخ.
145

وجهك، وحجبه سهوه عن عفوك.
إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر
أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق
أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن
العظمة، وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك.
إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك، ولاحظته
فصعق لجلالك، فناجيته سرا وعمل لك جهرا.
إلهي لم أسلط على حسن ظني قنوط الإياس (18)
ولا انقطع رجائي من جميل كرمك (19).
إلهي إن كانت الخطايا قد أسقطتني لديك،
فاصفح عني بحسن توكلي عليك.
إلهي إن حطتني الذنوب من مكارم لطفك،
فقد نبهني اليقين إلى كرم عطفك.
إلهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك
فقد نبهتني المعرفة بكرم آلائك.
إلهي إن دعاني إلى النار عظيم عقابك فقد

(18) الإياس - كالقياس -: القنوط وقطع الرجاء، يقال: أيس -
إياسا منه: قنط وقطع الرجاء، فهو آئس، والفعل من باب علم.
(19) كذا في البحار والاقبال، وكتب العلامة الرازي دام ظله على هامش
النسخة المصححة بيده الشريفة: (ولا أقطع رجائي خ ل).
146

دعاني إلى الجنة جزيل ثوابك.
إلهي فلك أسأل، وإليك أبتهل وأرغب،
وأسألك أتصلي على محمد وآل محمد، وأن
تجعلني ممن يديم ذكرك ولا ينقض عهدك، ولا
يغفل عن شكرك، ولا يستخف بأمرك.
إلهي وألحقني بنور عزك الأبهج (20)، فأكون
لك عارفا، وعن سواك منحرفا، ومنك خائفا
مراقبا (21)، يا ذا الجلال والاكرام، وصلى الله على
محمد رسوله وآله الطاهرين وسلم [تسليما
كثيرا] (32).
الإقبال للسيد ابن طاوس (ره) ص 181، والبحار القسم الثاني
من المجلد (19) ص 89 ط الكمباني نقلا عن الكتاب العتيق.

(20) وفي البحار: (الهي وأتحفني بنور عزك الأبهج).
(21) وفي البحار: (ومنك خائفا مترقبا).
(22) بين القوسين غير موجودة في نسخة البحار.
147

- 30 -
ومن دعاء له عليه السلام
علمه لكميل بن زياد النخعي رحمه الله
قال السيد ابن طاوس رفع الله مقامه: روينا باسنادنا إلى جدي
أبي جعفر الطوسي رضوان الله عليه، أنه روى أن كميل بن زياد (ره)
رأى أمير المؤمنين عليه السلام ساجدا يدعو بهذا الدعاء ليلة النصف من
شعبان.
ووجدت في رواية أخرى ما هذا لفظها: قال كميل بن زياد (ره)
كنت جالسا مع مولاي أمير المؤمنين صلوات الله عليه في مسجد البصرة
ومعه جماعة من أصحابه، فقال بعضهم: ما معنى قول الله عز وجل:
(فيها يفرق كل أمر حكيم)؟ قال عليه السلام: هي ليلة النصف من
شعبان، والذي نفس علي بيده انه ما من عبد إلا وجميع ما يجري عليه
من خير وشر مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلى آخر السنة، في
مثل تلك الليلة المقبلة، وما من عبد يحييها ويدعو بدعاء الخضر عليه السلام
إلا أجيب له، فلما انصرف طرقته ليلا، فقال عليه السلام: ما جاء بك
يا كميل؟ قلت: يا أمير المؤمنين دعاء الخضر عليه السلام. فقال:
اجلس يا كميل إذا حفظت هذا الدعاء فادع به كل ليلة جمعة، أو في
148

كل شهر مرة، أو في السنة مرة، أو في عمرك مرة تكف وتنصر وترزق،
ولن تعدم المغفرة.
يا كميل أوجب لك طول الصحبة لنا أن نجود لك بما سألت، ثم
قال اكتب:
اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل
شئ، وبقوتك التي قهرت بها كل شئ، وخضع
لها كل شئ، وذل لها كل شئ، وبجبروتك
التي غلبت بها كل شئ، وبعزتك التي لا يقوم
لها شئ، وبعظمتك التي ملأت كل شئ،
وبسلطانك الذي علا كل شئ، وبوجهك الباقي
بعد فناء كل شئ، وبأسمائك التي ملأت [غلبت
خ ل] أركان كل شئ، وبعلمك الذي أحاط بكل
شئ، وبنور وجهك الذي أضاء له كل شئ،
يا نور يا قدوس يا أول الأولين ويا آخر الأخرين.
اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم (1)

(1) روى الصدوق (ره) معنعنا في الحديث الأول من الباب 127،
من معاني الأخبار 269، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (الذنوب التي
تغير النعم البغي، والذنوب التي تورث الندم القتل، والتي تنزل النقم الظلم،
والتي تهتك العصم - وهي الستور - شرب الخمور، والتي تحبس الرزق الزنا، والتي
تعجل الفناء قطيعة الرحم، والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء، عقوق الوالدين)
ورواه أيضا الشيخ الكليني (ره) معنعنا في الباب 179، من أصول الكافي
2، 447.
وأيضا روى في كتاب الكافي معنعنا عن الإمام الصادق عليه السلام قال:
كان أبى عليه السلام يقول: نعوذ بالله من الذنوب التي تعجل الفناء، وتقرب
الآجال، وتخلى الديار: وهي قطيعة الرحم، والعقوق، وترك البر.
وفى معاني الأخبار للشيخ الصدوق معنعنا عن أبي خالد الكابلي قال:
سمعت زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام يقول: الذنوب التي تغير
النعم: البغي على الناس، والزوال عن العادة في الخير، واصطناع المعروف،
وكفران النعم، وترك الشكر، قال الله عز وجل: (ان الله لا يغير ما بقوم
حتى يغيروا ما بأنفسهم).
والذنوب التي تورث الندم: قتل النفس التي حرم الله، قال الله تعالى:
(ولا تقتلوا النفس التي حرم الله) وقال عز وجل في قصة قابيل حين قتل أخاه
هابيل فعجز عن دفنه: (فسولت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من النادمين)
وترك صلة القرابة حتى يستغنوا، وترك الصلاة يخرج وقتها، وترك الوصية،
ورد المظالم، ومنع الزكاة حتى يحضر الموت وينغلق اللسان.
والذنوب التي تنزل النقم: عصيان العارف بالبغي، والتطاول على الناس،
والاستهزاء بهم، والسخرية منهم.
والذنوب التي تدفع القسم: إظهار الافتقار، والنوم عن العتمة وعن
صلاة الغداة، واستحقار النعم، وشكوى المعبود عز وجل.
والذنوب التي تهتك العصم: شرب الخمر، واللعب بالقمار، وتعاطي
ما يضحك الناس من اللغو والمزاح، وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب.
والذنوب التي تنزل البلاء: ترك إغاثة الملهوف، وترك معاونة المظلوم،
وتضييع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والذنوب التي تديل الأعداء: المجاهرة بالظلم، واعلان الفجور، وإباحة
المحظور، وعصيان الأخيار، والانطباع للأشرار.
والذنوب التي تعجل الفناء: قطيعة الرحم، واليمين الفاجرة، والأقوال
الكاذبة، والزنا، وسد طرق المسلمين، وادعاء الإمامة بغير حق.
والذنوب التي تقطع الرجاء: اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله،
والثقة بغير الله، والتكذيب بوعد الله عز وجل.
والذنوب التي تظلم الهواء: السحر، والكهانة، والايمان بالنجوم،
والتكذيب بالقدر، وعقوق الوالدين.
والذنوب التي تكشف الغطاء: الاستدانة بغير نية الأداء، والاسراف في
النفقة على الباطل، والبخل على الأهل والولد وذوي الأرحام، وسوء الخلق،
وقلة الصبر، واستعمال الضجر والكسل، والاستهانة بأهل الدين.
والذنوب التي ترد الدعاء: سوء النية، وخبث السريرة، والنفاق مع
الاخوان، وترك التصديق بالإجابة، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب
أوقاتها، وترك التقرب إلى الله عز وجل بالبر والصدقة، واستعمال البذاء
والفحش في القول.
والذنوب التي تحبس غيث السماء: جور الحكام في القضاء، وشهادة الزور،
وكتمان الشهادة، ومنع الزكاة والقرض والماعون، وقساوة القلب على أهل
الفقر والفاقة، وظلم اليتيم والأرملة، وانتهار السائل ورده بالليل.
149

اللهم اغفر الذنوب التي تنزل النقم، اللهم
150

اغفر لي الذنوب التي تغير النعم، اللهم اغفر لي
151

الذنوب التي تحبس الدعاء، اللهم اغفر لي الذنوب
التي تنزل البلاء، اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته
وكل خطيئة أخطأتها.
اللهم إني أتقرب إليك بذكرك، وأستشفع بك
إلى نفسك، وأسألك بجودك أن تدنيني من قربك
وأن توزعني شكرك، وأن تلهمني ذكرك.
اللهم إني أسألك سؤال خاضع متذلل خاشع
أن تسامحني وترحمني وتجعلني بقسمك راضيا
وفي جميع الأحوال متواضعا.
اللهم وأسألك سؤال من اشتدت فاقته، وأنزل
بك عند الشدائد حاجته، وعظم فيما عندك
رغبته.
اللهم عظم سلطانك وعلا مكانك، وخفي
مكرك، وظهر أمرك، وغلب قهرك وجرت قدرتك
ولا يمكن الفرار من حكومتك.
اللهم لا أجد لذنوبي غافرا، ولا لقبائحي ساترا
152

ولا لشئ من عملي القبح بالحسن مبدلا غيرك،
لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، ظلمت
نفسي وتجرأت بجهلي، وسكنت إلى قديم ذكرك
لي، ومنك علي.
اللهم مولاي كم من قبيح سترته، وكم من
فادح من البلاء أقلته، وكم من عثار وقيته،
وكم من مكروه دفعته، وكم من ثناء جميل
لست أهلا له نشرته.
اللهم عظم بلائي، وأفرط بي سوء حالي،
وقصرت بي أعمالي، وقعدت بي أغلالي، وحبسني
عن نفعي بعد أملي [آمالي خ ل] وخدعتني الدنيا
بغرورها، ونفسي بجنايتها [بخيانتها خ ل] ومطالي
يا سيدي فأسألك بعزتك أن لا يحجب عنك دعائي
سوء عملي وفعالي، ولا تفضحني بخفي ما اطلعت
عليه من سري، ولا تعاجلني بالعقوبة على ما
عملته في خلواتي من سوء فعلي وإساءتي ودوام
تفريطي وجهالتي وكثرة شهواتي وغفلتي، وكن
اللهم بعزتك لي في كل الأحوال (2) رؤوفا، وعلي

(2) وفي بعض النسخ: (وكن اللهم بعزتك لي في الأحوال كلها
رؤوفا) الخ.
153

في جميع الأمور عطوفا.
إلهي وربي من لي غيرك أسأله كشف ضري
والنظر في أمري.
إلهي ومولاي أجريت علي حكما اتبعت فيه
هوى نفسي، ولم أحترس فيه من تزيين عدوي
فغرني بما أهوى، وأسعده على ذلك القضاء،
فتجاوزت بما جرى علي من ذلك بعض حدودك (3)
وخالفت بعض أوامرك، فلك الحمد (4) علي في جميع
ذلك، ولا حجة لي فيما جرى علي فيه قضاؤك
وألزمني حكمك وبلاؤك، وقد أتيتك يا إلهي
بعد تقصيري واسرافي على نفسي معتذرا نادما
منكسرا مستقيلا مستغفرا منيبا مقرا مذعنا معترفا
لا أجد مفرا مما كان مني، ولا مفزعا أتوجه إليه
في أمري، غير قبولك عذري، وإدخالك إياي
في سعة رحمتك (5).

(3) وفي بعض النسخ: (من نقض حدودك) الخ.
(4) كذا في جميع النسخ، واحتمل بعض الأكابر أن الصواب: (فلك
الحجة علي) الخ. قال: وإنما اشتبه الأمر على الرواة للتشابه بين الحمد والحجة
في الخط الكوفي. أقول: ويؤيد ما أفاده المقابلة.
(5) وفي بعض النسخ: (في سعة من رحمتك).
154

اللهم [إلهي خ ل] فاقبل عذري، وارحم شدة
ضري وفكني من شد وثاقي، يا رب ارحم ضعف
بدني، ورقة جلدي، ودقة عظمي، يامن بدء
خلقي وذكري وتربيتي وبري وتغذيتي، هبني
لابتداء كرمك وسالف برك بي، يا إلهي وسيدي
وربي أتراك معذبي بنارك بعد توحيدك، وبعد
ما انطوى عليه قلبي من معرفتك ولهج به لساني
من ذكرك، واعتقده ضميري من حبك، وبعد
صدق اعترافي ودعائي خاضعا لربوبيتك، هيهات
أنت أكرم من أن تضيع من ربيته، أو تبعد
[تبعد خ ل] من أدنيته، أو تشرد من آويته، أو
تسلم إلى البلاء من كفيته ورحمته، وليت
شعري يا سيدي وإلهي ومولاي أتسلط النار على
وجوه خرت لعظمتك ساجدة، وعلى ألسن
نطقت بتوحيدك صادقة، وبشكرك مادحة، وعلى
قلوب اعترفت بإلهيتك محققة، وعلى ضمائر
حوت من العلم بك حتى صارت خاشعة، وعلى
جوارح سعت إلى أوطان تعبدك طائعة، وأشارت
باستغفارك مذعنة، ما هكذا الظن بك، ولا أخبرنا
بفضلك عنك يا كريم يا رب، وأنت تعلم
155

ضعفي عن قليل من بلاء الدنيا وعقوباتها، وما
يجري فيها من المكاره على أهلها، على أن ذلك
بلاء ومكروه قليل مكثه، يسير بقاؤه، قصير
مدته، فكيف احتمالي لبلاء الآخرة وجليل
[وحلول خ ل] وقوع المكاره فيها وهو بلاء تطول
مدته ويدوم مقامه، ولا يخفف عن أهله، لأنه
لا يكون إلا عن غضبك وانتقامك وسخطك،
وهذا ما لا تقوم له السماوات والأرض، يا سيدي
فكيف لي [بي خ ل] وأنا عبدك الضعيف الذليل
الحقير المسكين، يا إلهي وربي وسيدي ومولاي
لأي الأمور إليك أشكو، ولما منها أضج وأبكي
لأليم العذاب وشدته، أم لطول البلاء ومدته،
فلئن صيرتني للعقوبات مع أعدائك وجمعت بيني
وبين أهل بلائك، وفرقت بيني وبين أحبائك
وأوليائك، فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي وربي
صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك،
وهبني [يا الهي خ ل] صبرت على حر نارك فكيف
أصبر عن النظر إلى كرامتك، أم كيف أسكن
في النار ورجائي عفوك، فبعزتك يا سيدي ومولاي
أقسم صادقا، لئن تركتني ناطقا لأضجن إليك
156

بين أهلها ضجيج الآملين [الألمين خ ل] ولأصرخن
إليك صراخ المستصرخين، ولأبكين إليك بكاء
الفاقدين، ولأنادينك أين كنت يا ولي المؤمنين،
يا غاية آمال العارفين، يا غياث المستغيثين، يا
حبيب قلوب الصادقين، ويا إله العالمين، أفتراك
سبحانك يا إلهي وبحمدك تسمع فيها صوت عبد
مسلم سجن [يسجن خ ل] فيها بمخالفته، وذاق
طعم عذابها بمعصيته، وحبس بين أطباقها
بجرمه وجريرته، وهو يضج إليك ضجيج
مؤمل لرحمتك، ويناديك بلسان أهل توحيدك،
ويتوسل إليك بربوبيتك، يا مولاي فكيف
يبقى في العذاب وهو يرجو ما سلف من حلمك،
أم كيف تؤلمه النار وهو يأمل فضلك ورحمتك،
أم كيف يحرقه لهيبها وأنت تسمع صوته وترى
مكانه، أم كيف يشتمل عليه زفيرها وأنت
تعلم ضعفه، أم كيف يتقلقل بين أطباقها وأنت
تعلم صدقه، أم كيف تزجره زبانيتها وهو
يناديك يا ربه، أم كيف يرجو فضلك في عقته
منها فتتركه فيها، هيهات ما ذلك الظن بك ولا
المعروف من فضلك، ولا مشبه لما عاملت به
157

الموحدين من برك وإحسانك، فباليقين أقطع
لولا ما حكمت به من تعذيب جاحديك، وقضيت
به من إخلاد معانديك، لجعلت النار كلها بردا
وسلاما، وما كان لأحد فيها مقرا ولا مقاما،
لكنك تقدست أسماؤك أقسمت أن تملأها من
الكافرين، من الجنة والناس أجمعين، وأن تخلد
فيها المعاندين، وأنت جل ثناؤك قلت - مبتدئا
وتطولت بالأنعام متكرما -: (أفمن كان مؤمنا
كمن كان فاسقا لا يستوون) (6).
إلهي وسيدي فأسألك - بالقدرة التي قدرتها
وبالقضية التي حتمتها وحكمتها، وغلبت من
عليه أجريتها - أن تهب لي في هذه الليلة، وفي
هذه الساعة، كل جرم أجرمته، وكل ذنب
أذنبته، وكل قبيح أسررته، وكل جهل عملته،
كتمته أو أعلنته، أخفيته أو أظهرته، وكل
سيئة أمرت باثباتها الكرام الكاتبين الذين وكلتهم
بحفظ ما يكون مني، وجعلتهم شهودا علي مع
جوارحي، وكنت أنت الرقيب علي من ورائهم،
والشاهد لما خفي عنهم، وبرحمتك أخفيته،

(6) الآية (17) من سورة السجدة: 32.
158

وبفضلك سترته، وأن توفر حظي من كل خير
أنزلته [تنزله خ ل] أو احسان فضلته [تفضله
خ ل] أو بر نشرته [تنشره خ ل] أو رزق بسطته
[تبسطه خ ل] أو ذنب تغفره، أو خطأ تستره،
يا رب يا رب يا رب، يا إلهي وسيدي ومولاي
ومالك رقي، يامن بيده ناصيتي، يا عليما بضري
[بفقري خ ل] ومسكنتي، يا خبيرا بفقري وفاقتي
يا رب يا رب يا رب، أسألك - بحقك وقدسك
وأعظم صفاتك وأسمائك - أن تجعل أوقاتي من
الليل والنهار بذكرك معمورة، وبخدمتك
موصولة، وأعمالي عندك مقبولة، حتى تكون
أعمالي وأورادي [وارادتي خ ل] كلها وردا واحدا
وحالي في خدمتك سرمدا، يا سيدي يامن عليه
معولي، يامن إليه شكوت أحوالي، يا رب يا رب
يا رب، قو على خدمتك جوارحي، واشدد على
العزيمة جوانحي، وهب لي الجد في خشيتك،
والدوام في الاتصال بخدمتك، حتى أسرح إليك
في ميادين السابقين، وأسرع إليك في البارزين
[في المبادرين خ ل] وأشتاق إلى قربك في المشتاقين
وأدنو منك دنو المخلصين، وأخافك مخافة
159

الموقنين، وأجتمع في جوارك مع المؤمنين.
اللهم ومن أرادني بسوء فأرده ومن كادني
فكده، واجعلني من أحسن عبيدك نصيبا عندك،
وأقربهم منزلة منك، وأخصهم زلفة لديك،
فإنه لا ينال ذلك إلا بفضلك، وجد لي بجودك
واعطف علي بمجدك، واحفظني برحمتك،
واجعل لساني بذكرك لهجا، وقلبي بحبك متيما
ومن علي بحسن اجابتك، وأقلني عثرتي، واغفر
زلتي، فإنك قضيت على عبادك بعبادتك، وأمرتهم
بدعائك، وضمنت لهم الإجابة، فإليك يا رب
نصبت وجهي، وإليك يا رب مددت يدي،
فبعزتك استجب لي دعائي، وبلغني مناي، ولا
تقطع من فضلك رجائي، واكفني شر الجن والإنس
من أعدائي.
يا سريع الرضا، اغفر لمن لا يملك إلا الدعاء،
فإنك فعال لما تشاء.
يامن اسمه دواء، وذكره شفاء، وطاعته
غنى، إرحم من رأس ماله الرجاء، وسلاحه البكاء.
يا سابغ النعم، يا دافع النقم، يا نور المستوحشين
في الظلم، يا عالما لا يعلم، صل على محمد وآل
160

محمد، وافعل بي ما أنت أهله، ولا تفعل بي
ما أنا أهله، وصلى الله على رسوله والأئمة الميامين
من آله [أهله خ ل] وسلم تسليما [كثيرا خ ل].
أقول: هذا الدعاء مما يواظب عليه في ليالي الجمعة ألوف وملايين
من صلحاء شيعة أهل البيت عليهم السلام في جميع الأعصار والأقطار،
كدعاء الصباح فإنه أيضا ورد عمار الليل، وزهاد الطائفة المحقة في
كل صباح.
- 31 -
ومن دعاء له عليه السلام
إذا أهل هلال شهر رمضان
ثقة الاسلام الكليني عليه الرحمة والرضوان، عن أحمد بن محمد،
عن علي بن الحسين، عن علي بن أسباط، عن الحكم بن مسكين، قال:
حدثنا عمر بن شمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان
أمير المؤمنين صلوات الله عليه إذا أهل هلال شهر رمضان، أقبل إلى
القبلة ثم قال:
اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة
والإسلام، والعافية المجللة.
161

اللهم ارزقنا صيامه وقيامه، وتلاوة القرآن
فيه.
اللهم سلمه لنا، وتسلمه منا، وسلمنا فيه.
الحديث 4، من الباب 5، من كتاب الصيام من الكافي 4 ص 73
وقريب منه في الكافي أيضا ما رواه عن الرسول الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم.
- 32 -
ومن دعاء له عليه السلام
في يوم المباهلة على ما في الاقبال
قال عليه السلام بعد قراءة آية الكرسي وآية الشهادة (1) وآية
الملك (2) وآخر سورة الحشر (لو أنزلنا) - الخ:
هو الله الذي لا يعرف له سمي، وهو الله الرجاء
والمرتجى واللجاء والملتجى، وإليه المشتكى، ومنه
الفرج والرخاء، وهو سميع الدعاء.
اللهم إني أسألك [يا الله] بحق الاسم الرفيع

(1) إلى قوله: (لا إله إلا هو العزيز الحكيم).
(2) إلى قوله تعالى: (وترزق من تشاء بغير حساب).
162

عندك، العالي المنيع الذي اخترته لنفسك واختصصته
لذكرك، ومنعته جميع خلقك، وأفردته عن كل
شئ دونك، وجعلته دليلا عليك، وسببا إليك،
وهو أعظم الأسماء، وأجل الأقسام، وأفخر الأشياء
وأكبر الغنائم، وأوفق الدعائم، لا يخيب راجيه
ولا يرد داعيه، ولا يضعف من اعتمد عليه
ولجأ إليه.
وأسألك يا الله بالربوبية التي تفردت بها أن
تقيني النار بقدرتك، وتدخلني الجنة برحمتك،
يا نور أنت نور السماوات والأرض قد استضاء
بنورك أهل سماواتك وأرضك، فأسألك أن تجعل
لي نورا في سمعي وبصري أستضئ به في الدنيا
والآخرة.
يا عظيم أنت رب العرش العظيم، بعظمتك
استعنت فارفعني وألحقني درجة الصالحين.
يا كريم بكرمك تعرضت وبه تمسكت وعليه
تمسكت [توكلت خ ل] واعتمدت فأكرمني
بكرامتك، وأنزل علي رحمتك وبركاتك،
وقربني من جوارك، وألبسني من مهابتك
وبهائك، وأنلني من رحمتك وجزيل عطائك.
163

يا كبير لا تصعر خدي، ولا تسلط علي من
لا يرحمني، وارفع ذكري، وشرف مقامي،
وأعل في عليين درجتي.
يا متعالي أسألك بعلوك أن ترفعني ولا تضعني
ولا تذلني بمن هو أرفع مني، ولا تسلط علي
من هو دوني، وأسكن خوفك قلبي (1).
يا حي أسألك بحياتك التي لا تموت أن
تهون علي الموت، وأن تحييني حياة طيبة،
وتوفني مع الأبرار.
يا قيوم أنت القائم على كل نفس بما كسبت،
والمقيم بكل شئ، اجعلني ممن يطيعك، ويقوم
بأمرك وحقك، ولا يغفل عن ذكرك.
يا رحمن ارحمني برحمتك، وجد علي
بفضلك وجودك، ونجني من عقابك، وأجرني
من عذابك.
يا رحيم تعطف على ضري برحمتك، وجد
علي بجودك ورأفتك، وخلصني من عظيم
جرمي برحمتك، فإنك الشفيق الرفيق، ومن
لجاء إليك فقد استمسك بالعروة الوثقى والركن

(1) كذا في النسخة.
164

الوثيق.
يا ملك من ملكك أطلب، ومن خزائنك التي
لا تنفد أسأل فأعطني ملك الدنيا والآخرة، فإنه
لا يعجزك ولا ينقصك شئ، ولا يؤثر فيما
عندك.
يا قدوس أنت الطاهر المقدس، فطهر قلبي،
وفرغني لذكرك، وعلمني ما ينفعني، وزدني
علما إلى ما علمتني.
يا جبار بقوتك أعني على الجبارين، واجبرني
يا جابر العظم الكسير، وكل جبار خاضع لك.
يا متكبر اكنفني بركنك، وحل بيني وبين
البغاة من خلقك بكبريائك، يا عزيز أعزني
بطاعتك ولا تذلني بالمعاصي فأهون عندك وعند
خلقك.
يا حليم عد علي بحلمك، واسترني بعفوك
واجعلني مؤديا لحقك، ولا تفضحني يوم الوقوف
بين يديك.
يا عليم أنت العالم بحالي وسري وجهري
وخطأي وعمدي، فاصفح لي عما خفي عن خلقك
من أمري.
165

يا حكيم أسألك بما أحكمت به الأشياء
فاتقنتها أن تحكم لي بالإجابة فيما أسألك، وأرغب
فيه إليك.
يا سلام سلمني من مظالم العباد، ومن عذاب
القبر، وأهوال يوم القيامة.
يا مؤمن آمني من كل خوف، وارحم ضري
ومقامي، واكفني ما أهمني من أمر دنياي وآخرتي.
يا مهيمن خذ بناصيتي إلى رضاك، واجعلني
بطاعتك معصوما عن طاعة من سواك.
يا بارئ أنت بارئ الأشياء على غير مثال،
أسألك أن تجعلني من الصادقين المبرورين عندك.
يا مصور صورتني فأحسنت صورتي،
وخلقتني فأكملت خلقي، فتمم أحسن ما أنعمت
به علي، ولا تشوه خلقي يوم القيامة.
يا قدير بقدرتك قدرت وقدرتني على الأشياء
فأسألك أن تحسن على أمور الدنيا والآخرة معونتي
وتنجيني من سوء أقدارك.
يا غني أغنني بغنائك، وأوسع علي في عطائك،
واشفني بشفائك، ولا تبعدني من سلامتك.
يا حميد لك الحمد كله، وبيدك الأمر كله،
166

ومنك الخير كله.
اللهم ألهمني الشكر على ما أعطيتني، يا مجيد
أنت المجيد وحدك، لا يفوتك شئ ولا يؤدك شئ
فاجعلني ممن يقدسك ويمجدك ويثني عليك.
يا أحد أنت الله الفرد الأحد الصمد لم تلد ولم
تولد ولم يكن لك كفوا أحد، فكن لي اللهم
جارا ومؤنسا وحصنا منيعا.
يا وتر أنت وتر كل شئ، ولا يعدلك شئ
فاجعل عاقبة أمري إلى خير، واجعل خير أيامي
يوم ألقاك، يا صمد، يامن لا تأخذه سنة ولا
نوم، ولا يخفى عليه خافية في ظلمات البر
والبحر، احفظني في تقلبي ونومي ويقظتي.
يا سميع اسمع صوتي، وارحم صرختي، يا سميع
يا مجيب.
يا بصير قد أحاط بكل شئ علمك، ونفذ
فيه علمك، وكله بعينك فانظر إلي برحمتك،
ولا تعرض عني بوجهك.
يا رؤوف أنت أرأف بي من أبي وأمي، ولولا
رأفتك لما عطفا علي، فتمم نعمتك علي ولا
تنغصني ما أعطيتني.
167

يا لطيف ألطف لي بلطفك الخفي من حيث
أعلم ومن حيث لا أعلم، إنك أنت علام الغيوب.
يا حفيظ احفظني في نفسي وأهلي ومالي
وولدي، وما حضرته ووعيته وغبت عنه من
أمري بما حفظت به السماوات والأرضين وما
بينهما إنك على كل شي قدير.
يا غفور اغفر لي ذنوبي، واستر عيوبي،
ولا تفضحني بسرائري إنك أرحم الراحمين.
يا ودود اجعل لي منك مودة ورحمة في
الدنيا والآخرة، واجعل لي ذلك في صدور
المؤمنين.
يا ذا العرش المجيد اجعلني من المسبحين
الممجدين لك في آناء الليل وأطراف النهار،
وبالغدو والآصال، وأعني على ذلك.
يا مبدئ أنت بدأت الأشياء كما تريد،
وأنت المبدئ المعيد الفعال لما تريد، فاجعل لي
الخيرة في البدء، والعاقبة في الأمور.
يا معيد أنت تعيد الأشياء كما بدأتها أول
مرة، أسألك إعادة الصحة والمال وجليل الأحوال
إلي، والتفضل بذلك.
168

يا رقيب احرسني برقبتك (1)، وأعني بحفظك
واكنفني بفضلك، ولا تكلني إلى غيرك.
يا شكور أنت المشكور على ما رغبت (2)
وغذيت ووهبت وأعطيت وأغنيت، فاجعلني
لك من الشاكرين، ولالآئك من الحامدين.
يا باعث ابعثني شهيدا صديقا رضيا عزيزا
مغتبطا مسرورا مشكورا محبورا.
يا وارث ترث الأرض ومن عليها والسماوات
وسكانها وجميع ما خلقت، فورثني حلما وعلما
إنك خير الوارثين.
يا محيي أحيني حياة طيبة بجودك، وألهمني
شكرك وذكرك أبدا ما أبقيتني، وآتني في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقني عذاب النار.
يا محسن عد علي اللهم بإحسانك، وضاعف
عندي نعمتك وجميل بلائك.
يا مميت هون علي سكرات الموت وغصصه،
وبارك لي فيه عند نزوله، ولا تجعلني من

(1) يقال: رقبه - (من باب نصر) رقوبا ورقوبا ورقابة ورقبانا
ورقبة ورقبة: حرسه.
(2) كذا في النسخة.
169

النادمين عند مفارقة الدنيا.
يا مجمل لا تبغضني بما أعطيتني (3)، ولا
تمنعني ما رزقتني، ولا تحرمني ما وعدتني،
وجملني بطاعتك.
يا منعم تمم نعمتك علي، وآنسني بها،
واجعلني من الشاكرين لك عليها.
يا مفضل بفضلك أعيش ولك أرجو وعليك
أعتمد، فأوسع علي من فضلك، وارزقني من
حلال رزقك، أنت الأول والآخر والظاهر والباطن
وأنت على كل شي قدير، فاجعلني أول التائبين
وممن يروى من حوض نبيك يوم القيامة.
يا آخر أنت الآخر، وكل شئ هالك إلا وجهك
تعاليت علوا كبيرا.
يا ظاهر أنت الظاهر على كل شئ مكنون،
والعالم بكل شئ مكتوم، فأسألك أن تظهر من
أموري أحبها إليك.
يا باطن أنت تبطن في الأشياء مثل ما تظهره
فيها، وأنت علام الغيوب، فأسألك اللهم أن تصلح
ظاهري وباطني بقدرتك.

(3) كذا.
170

يا قاهر أنت الذي قهرت الأشياء بقدرتك،
فكل جبار دونك (1) ونواصي الخلق كلهم بيدك
وكلهم واقف بين يديك وخاضع لك.
يا وهاب هب لي من لدنك رحمة وعلما ومالا
وولدا طيبا إنك أنت الوهاب. يا فتاح افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني فيها
وأعذني من الشيطان الرجيم وافتح لي من فضلك
يا رزاق ارزقني من فضلك وزدني من عطائك
وسعة ما عندك، وأغنني عن خلقك.
يا خلاق أنت خلقت الأشياء بغير نصب ولا
لغوب، خلقتني خلقا سويا حسنا جميلا، وفضلتني
على كثير ممن خلقت تفضيلا.
يا قاضي أنت تقضي في خلقك بما تريد،
فاقض لي بالحسنى، وجنبني الردى، واختم لي
بالحسنى في الآخرة والأولى.
يا حنان تحنن علي برأفتك، وتفضل علي
برزقك ورحمتك، واقبض عني يد كل جبار
عنيد وشيطان مريد، وأخرجني بعزتك من حلق
المضيق إلى فرجك القريب.

(1) كذا.
171

يا منان امنن علي بالعافية في الدنيا والآخرة
ولا تسلبنيها أبدا ما أبقيتني.
يا ذا الجلال والإكرام اغفر لي بجلالك وكرمك
مغفرة بها تحل عني قيود ذنوبي، وتغفر لي
سيئاتي إنك على كل شي قدير.
يا جواد أنت الجواد الكريم الذي لا تبخل،
والمعطي الذي لا تنكل، فجد علي بكرمك،
واجعلني شاكرا لأنعامك.
يا قوي خلقت السماوات [والأرضين] وما
بينهما وما فيهما وحدك لا شريك لك بغير
نصب ولا لغوب، فقوني على أمري بقوتك.
يا شديد اشدد أزري، وأعني على أمري،
وكن لي من كل حاجة قاضيا.
يا غالب غلبت كل غلاب بقدرتك، فأغلب
بالي وهوائي حتى تردهما إلى طاعتك، وأغلب
بعزتك من بغى علي ورام حربي.
يا ديان أنت تحشر الخلق وعليك العرض،
وكل يدين لك ويقر لك بالربوبية، فاغفر لي
الذنوب بعزتك.
يا ذكور اذكرني في الأولين والشهداء
172

الصالحين، وعند كل خير تقسمه.
يا خفي أنت تعلم السر وأخفى وهو ظاهر
عندك فاغفر لي ما خفي على الناس من أمري،
ولا تهتكني يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.
يا جليل جللت عن الأشياء فكلها صغيرة
عندك، فأعطني من جلائل نعمتك ولا تحرمني
فضلك.
يا منقذ أنقذني من الهلاك، واكشف عني
غماء الضلالات، وخلصني من كل موبقة،
وفرج عني كل ملمة.
يا رفيع ارتفعت عن أن يبلغك وصف أو
يدركك، نعت أو يقاس بك قياس، فارفعني
في عليين.
يا قابض كل شي في قبضتك محيط به
قدرتك، فاجعلني في ضمانك وحفظك، يدي
عن خير أفعله (1).
يا باسط ابسط يدي بالخيرات، وأعطني
بقدرتك أعلى الدرجات.
يا واسع وسعت كل شئ رحمة وعلما،

(1) كذا في المطبوع من نسخة الاقبال.
173

فوسع علي في رزقي.
يا شفيق [أنت ظ] أشفق على خلقك من آبائهم
وأمهاتهم، وأرأف بهم، فاجعلني شفيقا رفيقا،
وكن بي شفيقا رفيقا برحمتك.
يا رفيق ارفق بي إذا أخطأت، وتجاوز عني
إذا أسأت، وأمر ملك الموت وأعوانه - عليهم
السلام - أن يرفقوا بروحي إذا أخرجوها عن
جسدي، ولا تعذبني بالنار.
يا منشئ أنشأت كل شئ كما أردت،
وخلقت ما أحببت، فبتلك القدرة أنشئني سعيدا
مسعودا في الدنيا والآخرة، وأنشئ ذريتي وما
زرعت وبذرت في أرضك، وأنشئ معاشي ورزقي
وبارك لي فيهما برحمتك.
يا بديع أنت بديع السماوات والأرض ومبدعهما
وليس لك شبه، ولا يلحقك وصف، ولا يحيط
بك فهم.
يا منيع لا تمنعني ما أطلب من رحمتك
وفضلك، وامنع عني كل محذور ومخوف.
يا تواب اقبل توبتي، وارحم عبرتي، واصفح
عن خطيئتي، ولا تحرمني ثواب عملي.
174

يا قريب قربني من جوارك، واجعلني في
حفظك وكنفك ولا تبعدني عنك برحمتك.
يا مجيب أجيب دعائي وتقبله مني، ولا
تحرمني الثواب كما وعدتني.
يا منعم بدأت بالنعم قبل استحقاقها وقبل
السؤال بها، فكذلك إتمامها بالكمال والزيادة من
فضلك يا ذا الإفضال.
يا مفضل لولا فضلك هلكنا، فلا تقصر
عنا فضلك، يا منان فامنن علينا بالدوام يا ذا
الإحسان (1).
يا معروف بعلم الغيب والكرم والجود، أنت
المعروف أنت الذي لا تجهل، ومعروفك ظاهر
لا ينكل (2) فلا تسلبنا ما أودعتناه من معروفك
برحمتك.
يا خبير خبرت الأشياء قبل كونها، وخلقتها
على علم منك بها، فأنت أولها وآخرها، فزدني
خبرا بما ألهمتنيه من شكرك وبصيرة يا خبير.
يا معطي أعطني من جليل عطائك، وبارك لي

(1) كذا.
(2) كذا في المطبوع من نسخة الإقبال.
175

في قضائك، وأسكني برحمتك في جوارك.
يا معين أعني على أمور الدنيا والآخرة بقوتك
ولا تكلني إلى غيرك (3).
يا ستار استر عيوبي، واغفر ذنوبي، واحفظني
في مشهدي ومغيبي.
يا شهيد أشهدك اللهم وجميع خلقك
وملائكتك أنه لا إله إلا أنت وحدك لا شريك
لك، فاكتب هذه الشهادة عندك ونجني بها من
عذابك (4).
يا فاطر أنت فاطر السماوات والأرض وما
بينهما وما فيهما، فكن لي في الدنيا والآخرة،
وتوفني مسلما وألحقني بالصالحين.
يا مرشد أرشدني إلى الخير بعزتك، وجنبني
السيئات بعصمتك، ولا تخزني يوم القيامة.
يا سيد السادات ومولى الموالي إليك مصير
كل شئ، فانظر إلي بعين عفوك.
يا سيد أنت سيدي وعمادي ومعتمدي
وذخري وذخيرتي وكهفي فلا تخذلني.

(3) كذا.
(4) كذا.
176

يا محيط أحاط بكل شي علمك، ووسعت
كل شي رحمتك، فاجعلني في ضمانك، وحطني
من كل سوء بقدرتك.
يا مجير أجرني من عقابك، وآمني من عذابك،
اللهم إني خائف وإني مستجير بك فأجرني من
النار برحمتك يا أهل التقوى وأهل المغفرة.
يا عدل أنت أعدل الحاكمين وأرحم الراحمين
فالطف لنا برحمتك، وآتنا شيئا بقدرتك (1)،
ووفقنا لطاعتك، ولا تبتلينا بما لا طاقة لنا به،
وخلصنا من مظالم العباد، وأجرنا من ظلم الظالمين
وغشم الغاشمين بقدرتك وإنك على كل شي قدير.
اللهم اسمع دعائي، واقبل ثنائي، وعجل
إجابتي، وآتني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقني برحمتك عذاب النار، وصلى الله على خيرته
من خلقه محمد وعترته الطاهرين (1).
إقبال الأعمال (للسيد ابن طاوس قدس الله نفسه) ص 747.

(1) كذا في المطبوع من نسخة الإقبال.
(2) كذا في المطبوع من نسخة الإقبال.
177

- 33 -
ومن دعاء له عليه السلام
وهو مناجاته برواية القضاعي
قال القاضي القضاعي: أخبرني أبو عبد الله محمد بن منصور بن
شيكا التستري مجيزا، قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن غراب، قال:
حدثني القاضي أحمد بن محمد، قال: حدثنا القاضي موسى بن إسحاق،
قال: حدثنا عبد الله بن أبي شبه (1)، قال: حدثنا محمد بن فضيل،
عن عبد الله الأسدي، قال: كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول
في مناجاته:
إلهي لولا ما جهلت من أمري ما شكوت
عثراتي، ولولا ما ذكرت من الإفراط ما سفحت
عبراتي.
إلهي فامح مثبتات العثرات بمرسلات العبرات،
وهب كثير السيئات لقليل الحسنات.
إلهي إن كنت لا ترحم إلا المجدين في طاعتك
فإلى من يفزع المقصرون، وإن كنت لا تقبل

(1) كذا في النسخة المطبوعة في مصر.
178

إلا من المجتهدين، فإلى من يلتجئ المخطئون،
وإن كنت لا تكرم إلا أهل الإحسان، فكيف
يصنع المسيئون، وإن كان لا يفوز يوم الحشر
إلا المتقون، فبمن يستغيث المذنبون.
إلهي إن كان لا يجوز على الصراط إلا من
أجازته براءة عمله فأنى بالجواز لمن لم يتب
إليك قبل حلول أجله.
إلهي إن حجب عن موحديك نظر تعمد (2)
لجناياتهم، أوقعهم غضبك بين المشركين في
كرباتهم.
إلهي فأوجب لنا بالإسلام مذخور هباتك،
وستصف لنا ما كدرته الجرائم بصفح صلاتك.
إلهي ارحم غربتنا إذا تضمنتنا بطون لحودنا
وعميت علينا باللبن سقوف بيوتنا، وأضجعنا
على الايمان في قبورنا، وخلفنا فرادى في أضيق
المضاجع، وصرعتنا المنايا في أنكر المصارع،
وصرنا في ديار قوم كأنها مأهولة وهي منهم
بلاقع.

(2) وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (إلهي إن حجبت عن موحديك
نظر تعمدك لجناياتهم) الخ، وهو الظاهر.
179

إلهي فإذا جئناك عراة مغبرة من ثرى الأجداث
رؤوسنا، وشاحبة من تراب الملاحد وجوهنا (3)،
وخاشعة من أهوال القيامة أبصارنا، وجائعة من
طول القيام بطوننا، وبادية هناك للعيون سوأتنا
ومثقلة من أعباء الأوزار ظهورنا، ومشغولين
بما قد دهانا عن أهلينا وأولادنا، فلا تضاعف
علينا المصائب بإعراض وجهك الكريم عنا،
وسلب عائدة ما مثله الرجاء منا.
إلهي ما حنت هذه العيون إلى بكائها، ولا جادت
متسربة بمائها (4) ولا شهرت بنحيب المثكلات
فقد عزائها، إلا لما سلف من نفورها وإبائها،
وما دعاها إليه عواقب بلائها، وأنت القادر
يا كريم على كشف غمائها.

(3) كذا في النسخة، وفي غيره من الطرق: (وشاحبة من تراب الملاحيد
وجوهنا) وكأنه جمع الملحودة بمعنى الشق في جانب القبر الذي يوضع فيه الميت.
ولم أر فيما عندي من كتب اللغة من يذكر أن اللحد أو الملحودة يجمع على
الملاحد أو الملاحيد.
(4) كذا في النسخة، وفي المختار الحادي عشر: (ولا جادت متشربة بمائها، ولا
أشهدها بنحيب الثاكلات فقد عزائها) الخ. وفي المختار العشرين:
(ولا جادت منشربة بمائها، ولا أسهرها بنحيب الثاكلات) الخ.
180

إلهي ثبت (5) حلاوة ما يستعذبه لساني من
النطق في بلاغته، بزهادة ما يرفعه قلبي من
النصح في دلالته.
إلهي أمرت بالمعروف وأنت أولى به من
المأمورين، وأمرت بصلة السؤال وأنت خير
المسؤولين.
إلهي كيف يقبل بنا اليأس عن الإمساك [عما]
لهجنا بطلابه (6)، وقد ادرعنا من تأميلنا إياك
أسبغ أثوابه.
إلهي إذا تلونا من صفاتك شديد العقاب أشفقنا (7)
وإذا تلونا منها الغفور الرحيم فرحنا، فنحن بين
أمرين، لا يؤمننا سخطك ولا تؤيسنا رحمتك (8).

(5) كذا في النسخة، وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (إلهي شب
حلاوة ما يستعذبه لساني) الخ.
(6) كذا في النسخة، وفي المختار الحادي عشر: (إلهي كيف ينقل بنا
اليأس إلى الإمساك عما لهجنا بطلابه).
(7) وفي المختار (11، و 20): (إذا تلونا من صفاتك شديد العقاب
أسفنا) الخ.
(8) كذا في النسخة، وفي المختار العشرين: (فلا سخطك تؤمننا، ولا
رحمتك تؤيسنا) والصواب ما في المختار (11) من قوله: (فلا سخطتك تؤيسنا،
ولا رحمتك تؤمننا).
181

إلهي إن قصرت بنا مساعينا عن استحقاق
نظرك، فما قصرت رحمتك بنا عن دفاع نقمتك.
إلهي كيف تفرح بصحبة الدنيا صدورنا،
وكيف تلتئم في عمرانها أمورنا، وكيف
يخلص (9) فيها سرورنا، وكيف يملكنا باللهو
واللعب غرورنا، وقد دعتنا باقتراب آجالنا قبورنا.
إلهي كيف نبتهج بدار حفرت لنا فيها حفائر
صرعتها، وقلبتنا بأيدي المنايا حبائل غدرتها،
وجرعتنا مكرهين جرع مرارتها، ودلتنا العبر
على انقطاع عيشتها (10).
إلهي فإليك نلتجي من مكائد خدعتها، وبك
نستعين على عبور قنطرتها، وبك نستعصم (11)
الجوارح على أخلاف شهوتها، وبك نستكشف
جلابيب حيرتها، وبك يقوم من القلوب استصعاب

(9) وفي المختار (11): (وكيف تلتئم في غمراتها أمورنا، وكيف يخلص
لنا فيها سرورنا) الخ، وفي المختار (20): (وكيف تلتام في غمراتها أمورنا،
وكيف يخلص لنا فيها أمورنا) الخ.
(10) وفي المختار (11): (ودلتنا النفس على انقطاع عيشتها).
(11) وفي غيره: (وبك نستفطم الجوارح) الخ.
182

جهالتها (12).
إلهي كيف للدور أن تمنع من فيها من طوارق
الرزايا، وقد أصيب في كل دار سهم من أسهم
المنايا.
إلهي ما نفجع بأنفسنا عن الديار، إن لم توحشنا
هناك مرافقة الأبرار (13).
إلهي ما تضرنا فرقة الإخوان والقرابات، إذا
قربتنا منك يا ذا العطيات.
إلهي ارحمني إذا انقطع من الدنيا أثري، وامحي
من المخلوقين ذكري، وصرت في المنسيين كمن
قد نسي.
إلهي كبرت سني، ودق عظمي، ورق جلدي
ونال الدهر مني، واقترب أجلي، ونفدت أيامي،
وذهبت شهوتي، وبقيت تبعتي، وامتحت
محاسني، وبلي جسمي، وتقطعت أوصالي،
وتفرقت أعضائي.

(12) وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (وبك نقوم من القلوب
استصعاب جهالتها).
(13) وفي المختار (11 و 20): (إلهي ما تتفجع أنفسنا من النقلة عن الديار،
إن لم توحشنا هنالك من مرافقة الأبرار) الخ.
183

إلهي فارحمني (14).
إلهي أفحمتني ذنوبي، وانقطعت مقالتي فلا
حجة لي ولا عذر، فأنا المقر بجرمي، والمعترف
بإساءتي والأسير بذنبي، والمرتهن بعملي، المتهور
في خطيئتي، المتحير عن قصدي، المنقطع بي.
إلهي فصل على محمد وآل محمد، وارحمني
برحمتك، وتجاوز عني (15).
إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي،
فقد كبر في جنب رجائك أملي.
إلهي كيف أنقلب بالخيبة من عندك محروما،
وكان ظني بجودك أن تقلبني مرحوما، كلا إني
لم أسلط على حسن ظني بك قنوط ظن الآيسين،
فلا تبطل صدق رجائي لك بين الآملين.
إلهي إن كنا مرحومين فانا نبكي على ما ضيعناه
في طاعتك ما تستوجبه، وإن كنا محرومين فإنا
نبكي إذ فاتنا من جوارك ما نطلبه.

(14) كذا في النسخة، وفي المختار الحادي عشر: (إلهي فارحمني إذا
تغيرت صورتي، وامتحت محاسني وبلي جسمي وتقطعت أوصالي وتفرقت
أعضائي) الخ.
(15) وفي المختار الحادي عشر: (وتجاوز عني يا كريم بفضلك).
184

إلهي عظم جرمي إذ كنت المبارز به، وكبر
ذنبي إذ كنت المطالب به، إلا أني إذا ذكرت
كثرة ذنوبي وعظيم غفرانك وجدت الحاصل لي
بينهما عفو رضوانك.
إلهي إن أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك،
فقد آنسني اليقين بمكارم عطفك.
إلهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك،
فقد أنبهتني المعرفة بكريم آلائك.
إلهي إن عزب لبي عن تقويم ما يصلحني،
فما عزب إيقاني بنظرك لي فيما ينفعني.
إلهي جئتك ملهوفا قد ألبست عدمي وفاقتي
وأقامني مقام الأذلين بين يديك ذل حاجتي (16).
إلهي كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤالك،
وجد بمعروفك فاخلطني بأهل نوالك (17).
إلهي أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا
وعن التعرض لغيرك بالمسألة عادلا، وليس من
جميل امتنانك أن ترد سائلا ملهوفا، ومضطرا

(16) وفي المختار الحادي عشر: (قد ألبست عدم فاقتي، وأقامني مقام
الأذلا بين يديك ضر حاجتي)، ومثله في المختار الخامس.
(17) وفي المختار الخامس: (وجدت بالمعروف) الخ.
185

لانتظار أمرك مألوفا.
إلهي أقمت على قنطرة الأخطار (18) مبلوا
بالأعمال والاعتبار، فأنا الهالك ان لم تعن عليها
بتخفيف الآصار (19).
إلهي أمن أهل الشقاء خلقتني فأطيل بكائي،
أم من أهل السعادة فأبشر رجائي.
إلهي لو لم تهدني إلى الاسلام ما اهتديت،
ولو لم تطلق لساني بدعائك ما دعوت، ولو لم
ترزقني الإيمان بك ما آمنت، ولو لم تعرفني
حلاوة نعمتك ما عرفت، ولو لم تبين شديد
عقابك ما استجرت.
إلهي إن أقعدني التخلف عن السبق مع الأبرار
فقد أقامتني الثقة بك على مدارج الأخيار.
إلهي نفسا أعززتها بتأييد إيمانك، كيف تذلها
بين أطباق نيرانك.

(18) وفي المختار (11، و 20): (إلهي أقمت على قنطرة من قناطر
الأخطار) الخ.
(19) - جمع الأصر مثلث الفاء -: الأثقال، الذنوب. وفي المختار
الحادي عشر: (إن تعن علينا بتخفيف الأثقال) وفي المختار العشرين: (إن لم
تعن عليها بتخفيف الأوزار).
186

إلهي لسانا كسوته من وحدانيتك أنقى أثوابها
كيف تهوي إليه من النار شعلات التهابها (20).
إلهي كل مكروب فإليك يلتجي، وكل محزون
فإياك يرتجي.
إلهي سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا،
وسمع المذنبون بسعة رحمتك فقنعوا، وسمع
المولون عن القصد بجودك فرجعوا، وسمع
المجرمون بسعة غفرانك فطمعوا، حتى ازدحمت
عصائب العصاة من عبادك ببابك، وعج منهم
إليك عجيج الضجيج بالدعاء في بلادك، ولكل
أمل ساق صاحبه إليك محتاجا، ولكل قلب تركه
يا رب وجيف الخوف منك مهتاجا (21)، فأنت
المسؤول الذي لا تسود لديه وجوه المطالب، ولا

(20) وفي المختار الحادي عشر: (إلهي لسان كسوته من تماجيدك أنيق
[أبين خ ل] أثوابها، كيف تهوي إليه من النار مشتعلات التهابها).
(21) كذا في النسخة، وفي غيره من الطرق: (ولكل قلب تركه وجيب
خوف المنع منك مهتاجا) الخ. أقول: الوجيف والوجيب بمعنى واحد، يقال:
وجب يجب وجبا ووجيبا ووجبانا القلب: رجف وخفق. ووجف يجف
وجفا ووجيفا القلب: خفق. والشئ: اضطرب، فهو جاف وواجف.
وكلاهما من باب وعد.
187

يرد نائله قاطعات المعاطب (22).
إلهي إن أخطأت طريق النظر لنفسي بما فيه
كرامتها فقد أصبت طريق الفزع إليك بما فيه
سلامتها.
إلهي إن كانت نفسي استسعدتني متمردة
على ما يرديها، فقد استسعدتها الآن بدعائك على
ما ينجيها.
إلهي إن قسطت في الحكم على نفسي بما فيه
حسرتها فقد أقسطت في تعريفي إياها من رحمتك
أسباب رأفتها.
إلهي إن قطعني قلة الزاد في المسير إليك، فقد
وصلته بذخائر ما أعددته من فضل تعويلي
عليك.
إلهي إذا ذكرت رحمتك ضحكت لها عيون
وسائلي، وإذا ذكرت سخطك بكت له عيون
مسائلي.

(22) وفي المختار الخامس: (وأنت المسؤول الذي لا تسود لديه وجوه
المطالب، ولم ترد بنزيله قطيعات [فظيعات خ ل] المعاطب) الخ. وفي المختار
(11): (ولم تزرأ بنزيله فظيعات المعاتب). وفي المختار العشرين: (ولم تزر
بنزيله قطيعات المعاطب).
188

إلهي أدعوك دعاء من لم يرج غيرك في دعائه
وأرجوك رجاء من لم يقصد غيرك في رجائه.
إلهي كيف أسكت بالإفحام لسان ضراعتي،
وقد أقلقني ما أبهم علي من مصير عاقبتي.
إلهي قد علمت حاجة جسمي إلى ما تكفلت
له من الرزق في حياتي، وعرفت قلة استغنائي
عنه في الجنة بعد وفاتي، فيا من سمح لي به
متفضلا في العاجل، لا تمنعنيه يوم فاقتي إليه
في الآجل.
إلهي إن عذبتني فعبد خلقته لما أردت فعذبته،
وإن رحمتني فعبد ألفيته مسيئا فأنجيته.
إلهي لا احتراس من الذنب إلا بعصمتك، ولا
وصول إلى عمل الخيرات إلا بمشيتك، وكيف
لي بإفادة ما سلبتني فيه مشيتك (22)، وكيف لي
باحتراس من الذنب ما لم تدركني فيه عصمتك (24)

(23) وفي المختار الحادي عشر: (فكيف لي بإفادة ما أسلفتني فيه
مشيتك) الخ، وفي المختار العشرين: (فكيف لي بإفادة ما أسلمتني فيه
مشيتك) الخ.
(24) وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (وكيف لي بالاحتراس من
الذنب ما لم تدركني فيه عصمتك).
189

إلهي أنت دللتني على سؤال الجنة قبل معرفتها
فأقبلت النفس بعد العرفان على مسألتها، أفتدل
على خيرك السؤال ثم تمنعه، وأنت الكريم
المحمود في كل ما تصنعه، يا ذا الجلال والإكرام.
إلهي إن كنت غير مستأهل لما أرجو من
رحمتك، فأنت أهل أن تجود على المذنبين بفضل
سعتك.
إلهي نفسي قائمة بين يديك، وقد أظلها
حسن توكلها عليك، فاصنع بي ما أنت أهله
وتغمدني برحمتك (25).
إلهي إن كان دنا أجلي ولم يقربني منك عملي
فقد جعلت الاعتراف بالذنب وسائل عللي، فان
عفوت فمن أولى منك بذلك، وان عذبت فمن
أعدل منك في الحكم هنالك.
إلهي إنك لم تزل بارا بي أيام حياتي فلا تقطع
برك بي بعد وفاتي.

(25) وفي المختار الحادي عشر: (إلهي إن نفسي قائمة بين يديك، وقد
أظلها حسن توكلي عليك، فصنعت بها ما يشبهك، وتغمدتني بعفوك).
وفي المختار العشرين: (إلهي كأني بنفسي قائمة بين يديك، وقد أظلها
حسن توكلي عليك، فصنعت بي ما يشبهك، وتغمدتني بعفوك).
190

إلهي كيف آيس من حسن نظرك بعد مماتي (26)
وأنت لم تولني إلا الجميل في حياتي.
إلهي إن ذنوبي قد أخافتني، ومحبتي لك قد
أجارتني، فتول من أمري ما أنت أهله، وعد
بفضلك على من غمره جهله، يامن لا تخفى
عليه خافية، صل على محمد وعلى آل محمد،
واغفر لي ما خفي عن الناس من أمري.
إلهي ليس اعتذاري إليك اعتذار من يستغني
عن قبول عذره، فاقبل عذري يا خير من اعتذر
إليه المسيئون.
إلهي إنك لو أردت إهانتي لم تهدني، ولو
أردت فضيحتي لم تعافني، فمتعني بما له هديتني
وأدم لي ما به سترتني.
إلهي لولا ما اقترفت من الذنوب ما خفت
عقابك، ولولا ما عرفت من كرمك ما رجوت
ثوابك، وأنت أكرم الأكرمين بتحقيق آمال

(26) كذا في النسخة، ومثله في مناجاة الشعبانية، وفي المختار الحادي
عشر
والعشرين: (إلهي كيف أيأس من حسن نظرك لي بعد مماتي وأنت لم تولني إلا
الجميل في أيام حياتي)، وفي المختار العشرين: (وأنت لم تولني إلا الجميل
أيام حياتي).
191

الآملين، وأرحم من استرحم في تجاوزه عن
المذنبين (27).
إلهي نفسي تمنيني بأنك تغفر لي فأكرم بها
أمنيتي، فقد بشرت بعفوك وصدق كرمك
مبشرات تمنيها، وهب لي بجودك مقصرات
تجنيها (28).
إلهي ألقتني الحسنات بين جودك وكرمك،
وألقتني السيئات بين عفوك ومغفرتك، وقد
رجوت أن لا يضيع بين ذين وذين مسئ
ومحسن.
إلهي إذا شهد لي الإيمان بتوحيدك، وانطلق
لساني بتمجيدك، ودلني القرآن على فضائل
جودك، فكيف لا يبتهج رجائي بحسن موعدك (29).

(27) وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (وأنت أولى الأكرمين بتحقيق
أمل الآملين) الخ.
(28) كذا في النسخة، وفي المختار الحادي عشر: (فأكرم بها أمنية بشرت
بعفوك، فصدق بكرمك مبشرات تمنتها [تمنيها خ ل] وهب لي بجودك مدبرات
[مدمرات خ ل] تجنيها). وفي المختار العشرين: (فأكرم بها أمنية بشرت بعفوك
وصدق بكرمك مبشرات تمنيها، وهب لها بجودك مدمرات تجنيها)).
(29) كذا في النسخة، والصواب: (بحسن موعودك) كما تقدم.
192

إلهي تتابع إحسانك يدلني على حسن نظرك،
فكيف يشقى امرؤ أوليته منك حسن النظر.
إلهي إن نظرت إلي بالهلكة عيون سخطك،
فما نامت عن استنقاذي منها عيون رحمتك.
إلهي إن عرضني ذنبي لعقابك فقد أدناني
رجائي من ثوابك (30).
إلهي إن غفرت فبفضلك، وإن عذبت فبعدلك،
فيا من لا يرجى إلا فضله، ولا يخاف إلا عدله
صل على محمد وآل محمد، وامنن علي بفضلك
ولا تستقص علي عدلك (31).
إلهي خلقت لي جسما، وجعلت لي فيه آلات
أطيعك بها وأعصيك، وأغضبك بها وأرضيك،
وجعلت لي من نفسي داعيا إلى الشهوات، وأسكنتني
دارا ملئت من الآفات، وقلت لي: ازدجر فبك
أعتصم، وبك أحترز، وأستوفقك لما يرضيك،
وأسألك فان سؤالي لا يحفيك (32).

(30) ومثله في المختار الحادي عشر، وقريب منه جدا في المختار
العشرين.
(31) وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (ولا تستقص علينا في عدلك).
(32) استوفقك: أي أطلب توفيقك إياي للأعمال التي ترضيك، وأسألك
وأطلب منك جميع الخيرات، فان الطلب منك والسؤال عنك لا يحفيك
أي لا يجهدك -، فان إتعاب الطلب وإجهاد السؤال للمسؤول عنه إما
لكونه بخيلا أو لقصوره وعدم مكنته لإجابته الطالب والسائل، والله تعالى أكرم
الأكرمين، وأغنى من جميع العالمين، وأقدر القادرين.
193

إلهي لو عرفت اعتذارا وتنصلا هو أبلغ من
الاعتراف به لأتيته، فهب لي ذنبي بالاعتراف،
ولا تردني في طلبي بالخيبة عند الانصراف.
إلهي كأني بنفسي قد اضطجعت في حفرتها،
وانصرف عنها المشيعون من عشيرتها، وناداها
من شفير القبر ذوو مودتها، ورحمها المعادي لها
في الحياة عند صرعتها، ولم يخف على الناظرين
إليها ذل فاقتها، ولا على من رآها قد توسدت
الثرى عجز حيلتها.
فقلت: ملائكتي قريب نآى عنه الأقربون،
وبعيد جفاه الأهلون، وخذله المأملون، نزل بي
قريبا، وأصبح في اللحد غريبا، وقد كان لي في
دار الدنيا راعيا، ولنظري إليه في هذا اليوم
راجيا، فتحسن عند ذلك ضيافتي، وتكون أشفق
علي من أهلي وقرابتي.
إلهي سترت علي في الدنيا ذنوبا ولم تظهرها
فلا تفضحني يوم ألقاك على رؤوس العالمين،
194

واسترها علي هناك يا أرحم الراحمين.
إلهي لو طبقت ذنوبي بين السماء والأرض،
وخرقت النجوم، وبلغت أسفل الثرى، ماردني
اليأس عن توقع غفرانك، ولا صرفني القنوط
عن انتظار رضوانك.
إلهي سعت نفسي إليك لنفسي تستوهبها،
وفتحت أفواه أملها تستوجبها (33)، فهب لها
ما سألت وجد لها بما طلبت، فإنك أكرم الأكرمين
بتحقيق أمل الآملين.
إلهي قد أصبت من الذنوب ما [قد] عرفت،
وأسرفت على نفسي بما قد علمت، فاجعلني عبدا
لك إما طائعا أكرمتني، وإما عاصيا فرحمتني.
إلهي دعوتك بالدعاء الذي علمتني، فلا
تحرمني من حبائك الذي عرفتني، فمن النعمة
أن هديتني لحسن دعائك، ومن تمامها أن توجب
لي محمود جزائك.
إلهي انتظرت عفوك كما ينتظره المسيئون،

(33) كذا في النسخة، وفيه سقط بين، والصواب: (وفتحت أفواه
آمالها نحو نظرة منك [برحمة] لا تستوجبها، فهب لها ما سألت) الخ، كما في
المختار (11، و 20).
195

ولست أيأس من رحمتك التي يتوقعها المحسنون.
الهي جودك بسط أملي، وشكرك قبل عملي،
فصل على محمد وعلى آل محمد، وبشرني بلقائك
وأعظم رجائي لجزائك.
إلهي أنت الكريم الذي لا يخيب لديك أمل
الآملين، ولا يبطل عندك سبق السابقين.
إلهي إن كنت لم أستحق معروفك ولم أستوجبه
فكن أهل التفضل به علي، فالكريم لم يضع
معروفه عند كل من يستوجبه (34).
إلهي مسكنتي لا يجبرها إلا عطاؤك، وأمنيتي
لا يغنيها إلا نعماؤك.
إلهي أستوفقك لما يدنيني منك، وأعوذ بك
مما يصرفني عنك.
إلهي أحب الأمور إلى نفسي، وأعودها علي
منفعة ما أرشدتها بهدايتك إليه، ودللتها
برحمتك عليه، فاستعملها بذلك عني إذ أنت

(34) وفي المختار الحادي عشر: (إلهي إن كنت غير مستوجب لما أرجو
من رحمتك، فأنت أهل التفضل علي بكرمك، فالكريم ليس يصنع كل معروف
عند من يستوجبه) أي ليس شأن الكريم أن يصنع أو يضع معروفه عند كل من
يستوجبه فقط بل يعمم المستوجبين وغيرهم جميعا.
196

أرحم بها مني.
إلهي أرجوك رجاء من (35)، وأخافك خوف
من يرجو ثوابك، فقني بالخوف شر ما أحذر،
وأعطني بالرجاء خير ما أحاذر.
إلهي انتظرت عفوك كما ينتظر المذنبون،
ولست آيسا من رحمتك التي يتوقعها المحسنون.
إلهي مددت إليك يدا بالذنوب مأسورة،
وعينا بالرجاء مذرورة، وحقيق لمن دعاك بالندم
تذللا، أن تجيب له بالكرم تفضلا.
إلهي إن عرضتني ذنوبي لعقابك، فقد أدناني
رجائي من ثوابك.
إلهي لم أسلط على حسن ظني بك قنوط الآيسين
فلا تبطل صدق رجائي بك بين الآملين.
إلهي إن انقرضت بغير ما أحببت من السعي
أيامي، فبالإيمان أمضتها الماضيات من أعوامي.
إلهي إن أخطأت طريق النظر لنفسي بما فيه
كرامتها فقد أصبت طريق الفزع إليك بما فيه
سلامتها.

(35) كذا في النسخة، وفيه سقط بين، ولعل الأصل هكذا: (إلهي
أرجوك رجاء من يخاف عقابك) الخ.
197

إلهي ما أضيق الطريق على من لم تكن أنت
دليله، وما أوحش المسلك على من لم تكن أنت
أنيسه.
إلهي انهملت عبراتي حين ذكرت خطيئاتي،
وما لها لا تنهمل ولا أدري ما يكون إليه مصيري
أو ماذا يهجم عليه عند البلاغ مسيري (36)، وأرى
نفسي تخاتلني، وأيامي تخادعني، وقد خفقت
فوق رأسي أجنحة الموت، ورمتني من قريب
أعين الفوت (37) فما عذري وقد أوجس في مسامعي
رافع الصوت (38).
لقد رجوت ممن ألبسني بين الأحياء ثوب
عافيته (39) أن لا يعرني منه بين الأموات بجود

(36) وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (إلهي انهملت عبراتي حين
ذكرت عثراتي، وما لها لا تنهمل ولا أدري [وما أدري خ ل] إلى ما يكون
مصيري، وعلى ماذا يهجم عند البلاغ مسيري) الخ.
(37) وفي المختار (11، و 20): (ورمقتني من قريب) الخ.
(38) وفي المختار (11، و 20): (فما عذري وقد حشا مسامعي) الخ.
(39) وهنا أيضا سقط، وفي المختار (5 و 11) هكذا: (إلهي لقد رجوت
ممن ألبسني بين الأحياء ثوب عافيته، أن لا يعريني منه بين الأموات بجود رأفته،
ولقد رجوت ممن تولاني في حياتي باحسانه، أن يشفعه لي عند وفاتي بغفرانه)
وفى المختار (20) هكذا: (إلهي قد رجوت ممن تولاني في حياتي باحسانه:
أن يتغمدني عند. وفاتي بغفرانه: ولقد رجوت ممن ألبسني بين الأحياء ثوب عافيته
أن لا يعريني منه بين الأموات بجود رأفته).
198

رأفته، ولقد رجوت حين تولاني باقي حياتي
بإحسانه، أن يسعفني عند وفاتي بغفرانه.
يا أنيس كل غريب، آنس في القبر وحشتي،
ويا ثاني كل وحيد، ارحم في القبر وحدتي،
يا عالم السر وأخفى، ويا كاشف الضر والبلوى،
كيف نظرك لي من بين ساكني الثرى، وكيف
صنعك بي في دار الوحشة والبلى، فقد كنت بي
لطيفا أيام حياة الدنيا (40).
يا أفضل المنعمين في آلائه، وأنعم المفضلين
في نعمائه، كثرت عندي أياديك فعجزت عن
احصائها، وضقت ذرعا في شكري لك بجزائها،
فلك الحمد على ما أوليت، ولك الشكر على
ما أبليت.
يا خير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج
بذمة الإسلام أقبلت إليك، وبحرمة القرآن أعتمد
عليك، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أتقرب

(40) وفي المختار (5 و 11، و 20): (وكيف صنيعك إلي) الخ.
199

إليك، فصل على محمد وعلى آل محمد، واعرف
لي ذمتي التي بها رجوت قضاء حاجتي، واستعملني
بطاعتك، واختم لي بخير، وأعتقني من النار،
وأسكني الجنة، ولا تفضحني بسريرتي حيا ولا
ميتا، وهب لي الذنوب التي فيما بيني وبينك،
وأرض عبادك عني في مظالمهم قبلي، واجعلني
ممن رضيت عنه، فحرمته على النار والعذاب.
وأصلح لي كل أموري التي دعوتك فيها في
الآخرة والدنيا.
يا حنان يا منان، يا ذا الجلال والإكرام، يا
حي يا قيوم، يامن له الخلق والأمر، تباركت
يا أحسن الخالقين، يا رحيم يا كريم يا قدير،
صل على محمد وعلى آله الطيبين، وعليه وعليهم
السلام ورحمة الله وبركاته، إنه حميد مجيد.
المختار ما قبل الأخير من الباب الثامن من دستور معالم الحكم 158،
طبع مصر.
وقد علم مما تقدم أن هذه المناجاة بحسب الصناعة قد بلغت فوق
حد الاستفاضة، مع أن متنه بنفسه برهان قاطع على صدوره من
أمير المؤمنين عليه السلام.
200

- 34 -
ومن دعاء له عليه السلام
إلهي توعرت الطرق وقل السالكون، فكن
أنيسي في وحدتي وجليسي في خلوتي، فإليك
أشكو فقري وفاقتي، وبك أنزلت ضري
ومسكنتي، لأنك غاية أمنيتي، ومنتهى بلوغ
طلبتي.
فيا فرحة لقلوب الواصلين، ويا حياة لنفوس
العارفين، ويا نهاية شوق المحبين، أنت الذي
بفنائك حطت الرحال، وإليك قصدت الآمال،
وعليك كان صدق الإتكال.
فيا من تفرد بالكمال، وتسربل بالجمال،
وتعزز بالجلال، وجاد بالإفضال، لا تحرمنا
منك النوال.
إلهي بك لاذت القلوب، لأنك غاية كل محبوب،
وبك استجارت فرقا من العيوب، وأنت الذي
علمت فحلمت، ونظرت فرحمت، وخبرت
201

فسترت، وغضبت فغفرت، فهل مؤمل غيرك
فيرجى، أم هل رب سواك فيخشى، أم هل معبود
سواك فيدعى، أم هل قدم عند الشدائد إلا وهي
إليك تسعى، فوعزتك (1) يا سرور الأرواح، ويا
منتهى غاية الأفراح، اني لا أملك غير ذلي
ومسكنتي لديك، وفقري وصدق توكلي عليك
فأنا الهارب منك إليك، وأنا الطالب منك ما لا يخفى
عليك، فإن عفوت فبفضلك، وإن عاقبت
فبعدلك، وإن مننت فبجودك، وإن تجاوزت
فبدوام خلودك.
إلهي بجلال كبريائك أقسمت، وبدوام خلود
بقائك آليت، أني لا برحت مقيما ببابك حتى
تؤمنني من سطوات عذابك، ولا أقنع بالصفح
عن سطوات عذابك حتى أروح بجزيل ثوابك.
إلهي عجبا لقلوب سكنت إلى الدنيا، وتروحت
بروح المنى، وقد علمت أن ملكها زائل،
ونعيمها راحل، وظلها آفل، وسندها مائل،
وحسن نضارة بهجتها حائل، وحقيقتها باطل،
كيف لا يشتاق إلى روح ملكوت السماء، وأنى

(1) وفي البحار: (فوعز عزك يا سرور الأرواح) الخ.
202

لهم ذلك، وقد شغلهم حب المهالك، وأضلهم
الهوى عن سبيل المسالك.
إلهي اجعلنا ممن هام بذكرك لبه (2)، وطار
من شوقه إليك قلبه، فاحتوثه عليه دواعي
محبتك (3) فحصل أسيرا في قبضتك.
إلهي كيف أثني - وبدء الثناء منك - عليك
وأنت الذي لا يعبر عن ذاته نطق، ولا يعيه
سمع، ولا يحويه قلب، ولا يدركه وهم، ولا
يصحبه عزم، ولا يخطر على بال، فأوزعني
شكرك، ولا تؤمني مكرك، ولا تنسني ذكرك،
وجد بما أنت أولى أن تجود به، يا أرحم
الراحمين.
الحديث السابع عشر من الباب 25، من البحار: 2، من 19،
94 ط الكمباني، نقلا عن أصل قديم، استظهر العلامة النوري (ره)
انه للتلعكبري (ره).

(2) هام يهيم هياما: عطش. والهيام - بضم الهاء -: أشد العطش.
(3) كذا في النسخة، يقال: أحاث الشئ: أثاره. والأظهر أن يقرأ
كلمة (فاحتوشه) بالشين المعجمة - وان لم يساعده رسم الخط - لا بالثاء.
203

- 35 -
ومن دعاء له عليه السلام
في الشدائد، ونوازل الحوادث، المعروف بدعاء اليماني (1)
اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنا (2) عبدك
ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي الذنوب
لا إله إلا أنت، يا غفور.
اللهم إني أحمدك وأنت للحمد أهل على
ما خصصتني به من مواهب الرغائب، ووصل إلي
من فضائل الصنائع، وعلى ما أوليتني به
وتوليتني به من رضوانك، وأنلتني من منك
الواصل إلي، ومن الدفاع عني، والتوفيق لي،
والإجابة لدعائي حتى أناجيك راغبا وأدعوك
مصافيا، وحتى أرجوك فأجدك في المواطن كلها
لي جابرا، وفي أموري ناظرا، ولذنوبي غافرا،
ولعوراتي ساترا، لم أعدم خيرك طرفة عين منذ

(1) وللدعاء طرق ومصادر تأتي الإشارة إليها عند الختام فلا تذهل.
(2) وفي البحار: (اللهم أنت الملك الحق الذي لا إله إلا أنت وأنا
عبدك) الخ.
204

أنزلتني دار الاختيار (3) لتنظر ماذا أقدم لدار
القرار، فأنا عتيقك اللهم - من جميع المصائب -
واللوازب والغموم التي ساورتني فيها الهموم
بمعاريض القضاء (4) ومصروف جهد البلاء، لا أذكر
منك إلا الجميل، ولا أرى منك غير التفضيل،
خيرك لي شامل، وفضلك علي متواتر، ونعمك
عندي متصلة سوابغ، لم تحقق حذاري (5)، بل
صدقت رجائي، وصاحبت أسفاري، وأكرمت
إحضاري، وشفيت أمراضي، وعافيت أوصابي (6)
وأحسنت منقلبي ومثواي، ولم تشمت بي أعدائي
ورميت من رماني، وكفيتني شر من عاداني.
اللهم كم من عدو انتضى علي سيف

(3) وفي البحار: (مذ أنزلتني دار الاختبار) الخ.
(4) اللوازب: الشدائد الثابتة اللاصقة، وهو جمع للازب. ويقال:
ساوره سوارا ومساورة: واثبه أو وثب عليه. ومعاريض القضاء: ما يحل
ويعرض على الانسان أو في معرض الحلول والنزول، كأنه جمع معراض.
(5) أي ما أترقب وأتوقع حصوله من جزاء أعمالي السيئة لم تحققه، بل
حققت وصدقت ما أرجوه منك من العفو والمغفرة.
(6) الأوصاب: الأمراض والأوجاع الدائمة، وما يعرض الجسم من
الفتور والتعب والنحول.
205

عداوته (7)، وشحذ لقتلي ظبة مديته (8)، وأرهف
لي شبا حده (9)، وداف لي قواتل سمومه (10)، وسدد
لي صوائب سهامه، وأضمر أن يسومني المكروه
ويجرعني ذعاف مرارته (11)، فنظرت - يا إلهي -
إلى ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن
الإنتصار ممن قصدني بمحاربته، ووحدتي في

(7) يقال: انتضى السيف: استله من غمده. وألفاظ هذا الدعاء كثيرة
الدوران على ألسنة المعصومين (ع) كما في دعاء جوشن الصغير والدعاء (49) من
الصحيفة السجادية وغيرهما.
(8) شحذ - شحذا السكين - كشحثه شحثا -: أحده وسنه، فالسكين
شحوذ وشحيذ، والفعل من باب منع. والظبة - كثبة وكرة -: حد السيف أو
السنان ونحوهما من آلات القطع، جمع ظباة وظبى وظبون وظبون وأظب
- كهداة وهدى وشئون وعضون وفلس -. والمدية - مثلث الميم -: الشفرة
الكبيرة، جمع مدى ومدى ومديات.
(9) رهف السيف وأرهفه - من باب منع وأفعل -: رققه. والشباة
- على وزن القناة - من كل شى: حد طرفه. والشباة من السيف: قدر ما يقطع
به، جمع شبا وشبوات.
(10) داف يدوف دوفا، وأداف الدواء والسم: أذابه في الماء وضربه
فيه ليخثر.
(11) الذعف والذعاف - كسهم وغراب -: السم الذي يقتل من ساعته.
206

كثير من ناواني وأرصد لي (12) فيما لم أعمل فيه
فكري في الإنتصار من مثله، فأيدتني يا رب
بعونك، وشددت أيدي بنصرك، ثم فللت لي
حده، وصيرته بعد جمع عديده وحده،
وأعليت كعبي عليه، ورددته حسيرا لم يشف
غليله، ولم تبرد حرارة غيظه (13)، وقد عض
علي شواه وآب موليا قد أخلقت سراياه وأخلقت
آماله (14).
اللهم وكم من باغ بغى علي بمكائده،

(12) كذا في البحار، وهو الصواب المؤيد بما في الدعاء (49) من
الصحيفة
الكاملة، ودعاء جوشن الصغير. وفي النسخة المطبوعة من الصحيفة العلوية هكذا:
(وحدني في كثير من ناواني وأرصدني). وفي الصحيفة السجادية: (ووحدتي
في كثير عدد من ناواني وأرصد لي بالبلاء فيما لم أعمل فيه فكري) الخ. وفي دعاء
الجوشن: (ووحدتي في كثير ممن ناواني وأرصد لي فيما لم أعمل فكري في
الإرصاد
لهم بمثله) الخ.
(13) وفي دعاء جوشن: (ولم تبرد حزازات غيظه).
(14) وفي البحار: (وقد عض على شواه، قد أخلفت سراياه وأخلفت
آماله) الخ. وفي الصحيفة السجادية: (قد عض على شواه وأدبر موليا قد
أخلفت سراياه). وفي دعاء الجوشن: (وقد عض علي أنامله وأدبر موليا قد
أخفقت سراياه).
207

ونصب [لي] شرك مصائده (15)، وضباء إلي ضباء السبع
لطريدته (16)، وانتهز فرصته واللحاق بفريسته،
وهو يظهر بشاشة الملق، ويبسط إلي وجها طلقا (17)
فلما رأيت يا الهي دغل سريرته، وقبح طويته
أنكسته لام رأسه في زبيته، وأركسته في مهوى
حفرته [حفيرته خ ل البحار] وأنكصته على عقبه
ورميته بحجره، ونكأته بمشقصته (18) وخنقته

(15) وفي دعاء الجوشن: (وكم من باغ بغاني بمكائده، ونصب لي أشراك
مصائده) الخ. وفي الصحيفة السجادية: (وكم من باغ بغاني بمكائده ونصب لي
شرك مصائده) الخ.
(16) وفي البحار: (وأضبأ إلي ضبوء السبع) وفي الصحيفة السجادية
ودعاء الجوشن: (وأضبأ إلي اضباء السبع لطريدته) الخ.
(17) كذا في الصحيفة العلوية، وفي البحار: (وانتهز فرصته واللحاق
لفريسته، وهو مظهر بشاشة الملق) الخ. وفي دعاء الجوشن: (وهو يظهر بشاشة
الملق، ويبسط [لي خ ل] وجها غير طلق). وفي الصحيفة السجادية: (وأضبأ
إلي اضباء السبع لطريدته انتظارا لانتهاز الفرصة لفريسته، وهو يظهر لي بشاشة
الملق، وينظرني على شدة الحنق) الخ.
(18) أي قتلته أو جرحته وأثخنته بمشقصه، وهو على زنة منبر: نصل
عريض أو سهم فيه نصل عريض، وجمعه مشاقص. يقال: نكأ العدو وفي العدو:
قتل فيهم وجرح وأثخن. وفي البحار: (ونكأته بمشقصه).
208

بوتره، ورددت كيده في نحره، وربقته بندامته
فاستخذل وتضاءل بعد نخوته، ونجع وانقمع
بعد استطالته ذليلا مأسورا في حبائله التي كان
يحب أن يراني فيها، وقد كنت (19) لولا رحمتك
أن يحل في ما حل بساحته
فالحمد لرب مقتدر لا ينازع، ولولي ذي
أناة لا يعجل، وقيوم لا يغفل، وحليم لا يجهل
ناديتك يا إلهي مستجيرا بك، واثقا بسرعة إجابتك
متوكلا على ما لم أزل أعرفه من حسن دفاعك
عني، عالما أنه لا يضطهد من آوى إلى ظل
كنفك (20)، ولا تقرع القوارع من لجأ إلى معقل
الإنتصار بك، فخلصتني يا رب بقدرتك،
ونجيتني من بأسه بتطولك ومنك.
اللهم وكم من سحائب مكروه جليتها،
وسماء نعمة أمطرتها، وجداول كرامة أجريتها،

(19) كذا في المطبوع من الصحيفة العلوية، وفي البحار: (وقد كدت)
وهو الظاهر، ومثله في دعاء الجوشن، وفي الصحيفة الكاملة: (وقد كاد أن يحل
بي لولا رحمتك ما حل بساحته).
(20) كذا في الصحيفة العلوية والسجادية ودعاء الجوشن، وفي البحار:
(لم يضطهد من آوى إلى ظل كفايتك) الخ.
209

وأعين أحداث طمستها، وناشئ رحمة نشرتها،
وغواشي كرب فرجتها، وغيم بلاء كشفتها،
وجنة عافية ألبستها، وأمور حادثة قدرتها،
لم تعجز [ك خ ل] إذ طلبتها، فلم تمتنع إذ
أردتها (21).
اللهم وكم من حاسد سوء تولني بحسده،
وسلقني بحد لسانه، ووحرني بغرف عينه (22)
وجعل عرضي غرضا لمراميه، وقلدني خلالا لم
تزل فيه، كفيتني أمره.
اللهم وكم من ظن حسن حققت، وعدم
إملاق جبرت وأوسعت (23)، ومن صرعة أقمت،
ومن كربة نفست، ومن مسكنة حولت، ومن
نعمة خولت، لا تسأل عما تفعل، ولا بما
أعطيت تبخل، ولقد سئلت فبذلت، ولم تسأل
فابتدأت، واستميح فضلك فما أكديت، أبيت

(21) هذا هو الصواب الموافق لما في البحار ودعاء الجوشن، وفي
الصحيفة
العلوية ضبط قوله عليه السلام: (لم تعجزك) وقوله: (فلم تمتنع) بصيغة الغيبة.
(22) كذا في الصحيفة العلوية، وفي البحار: (بغرب [بقرف خ ل]
عينه). وفي الصحيفة السجادية: (ووحرني بقرف عيوبه).
(23) وفي البحار: (وعدم إملاق ضررني جبرت وأوسعت).
210

إلا إنعاما وامتنانا وتطولا، وأبيت إلا تقحما على
معاصيك، وانتهاكا لحرماتك، وتعديا لحدودك،
وغفلة عن وعيدك، وطاعة لعدوي وعدوك،
لم تمتنع عن إتمام إحسانك، وتتابع امتنانك،
ولم يحجرني ذلك عن ارتكاب مساخطك.
اللهم فهذا مقام المعترف بك [لك خ ل]
بالتقصير، عن أداء حقك، الشاهد على نفسه
بسبوغ نعمتك وحسن كفايتك، فهب لي اللهم
يا إلهي ما أصل به إلى رحمتك، وأتخذه سلما
أعرج فيه إلى مرضاتك، وآمن به من عقابك،
فإنك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد، وأنت
على كل شئ قدير.
اللهم فحمدي (24) لك متواصل، وثنائي
عليك دائم من الدهر إلى الدهر، بألوان التسبيح،
وفنون التقديس، خالصا لذكرك، ومرضيا [لك]
بناصح التوحيد، ومحض التمجيد (25) وطول

(24) وفي البحار: (اللهم حمدي لك متواصل) الخ.
(25) وفي البحار: (ومرضيا لك بناصح التوحيد، ومحض التحميد) الخ
أقول: ناصح التوحيد: خالصه غير المشوب بالشرك، وهو مأخوذ من النصوح
بمعنى الخلوص.
211

التعديد، في إكذاب أهل التنديد، لم تعن في
قدرتك (26)، ولم تشارك في إلهيتك، ولم تعاين إذا
حبست الأشياء على العزائم المختلفات (27) وفطرت
الخلائق على صنوف الهيئات، ولا خرقت الأوهام
حجب الغيوب إليك، فاعتقدت منك محذوذا في
عظمتك (28)، ولا كيفية في أزليتك، ولا ممكنا
في قدمك.
ولا يبلغك بعد الهمم، ولا ينالك غوص
الفتن، ولا ينتهي إليك نظر الناظرين في مجد
جبروتك وعظيم قدرتك.
ارتفعت عن صفة المخلوقين صفة قدرتك،
وعلا عن ذلك كبرياء عظمتك، ولا ينقص (29)
ما أردت أن يزداد، ولا يزداد ما أردت أن ينقص،
ولا أحد شهدك حين فطرت الخلق، ولا ضد
حضرك حين برأت النفوس.
كلت الألسن عن تفسير صفتك، وانحسرت

(26) وفي البحار: (لم تعن في شي من قدرتك) الخ.
(27) وفي البحار: (ولم تعابن ذ حبست الأشياء) الخ.
(28) وفي البحار: (فاعتقدت منك محمودا) الخ.
(29) وفي البحار في الموردين: (ولا ينتقص) الخ.
212

العقول عن كنه معرفتك (30).
وكيف تدركك الصفات، أو تحويك الجهات
وأنت الجبار القدوس الذي لم تزل أزليا دائما في
الغيوب، وحدك ليس فيها غيرك، ولم يكن لها
سواك.
حارت في ملكوتك عميقات مذاهب التفكير،
وحسر عن إدراكك بصر البصير، وتواضعت
الملوك لهيبتك، وعنت الوجوه بذل الاستكانة
لعزتك، وانقاد كل شئ لعظمتك، واستسلم
كل شئ لقدرتك، وخضعت الرقاب لسلطانك،
وضل [فضل خ ل] هنالك التدبير في تصاريف
الصفات لك، فمن تفكر في ذلك رجع طرفه
إليه حسيرا، وعقله مبهوتا مبهورا، وفكره
متحيرا.
اللهم فلك الحمد متواترا متواليا (31) متسقا
مستوثقا يدوم ولا يبيد، غير مفقودة في الملكوت،
ولا مطموس في العالم، ولا منتقص في العرفان.

(30) وفي البحار: (كلت الألسن عن تبيين صفتك).
(31) وفي البحار: (اللهم فلك الحمد حمدا متواترا) الخ.
213

فلك الحمد حمدا لا يحصى (32) في الليل إذا
أدبر، وفي الصبح إذا أسفر، وفي البر والبحار (33)
والغدو والأصال، والعشي والإبكار، والظهيرة
والأسحار.
اللهم بتوفيقك أحضرتني النجاة، وجعلتني
بمنك (34) في ولاية العصمة، ولم تكلفني فوق
طاقتي إذ لم ترض عني إلا بطاعتي، فليس شكري
وإن رأيت منه في المقال (35) وبالغت منه في الفعال
ببالغ أداء حقك، ولا مكاف فضلك، لأنك أنت
الله لا إله إلا أنت، لم تغب عنك غائبة، ولا
تخفى عليك خافية، ولا تضل لك في ظلم
الخفيات ضالة، إنما أمرك إذا أردت شيئا أن
تقول كن فيكون.

(32) وفي البحار: (فلك الحمد حمدا لا تحصى مكارمه في الليل إذا
أدبر) الخ.
(33) وفي البحار: (في البر والبحر وبالغداة والآصال).
(34) ومثله في البحار غير أن فيه (وجعلتني منك في ولاية العصمة).
(35) كذا في الصحيفة والبحار، ولا يبعد أن يكون الصواب: (وإن
دأبت منه في المقال) أي وان داومت بحمدك مقالي فلست ببالغ أداء حقك،
فعلى هذا فهو مأخوذ من الدأب والدؤب.
214

اللهم لك الحمد مثل ما حمدت به نفسك،
وحمدك به الحامدون، ومجدك به الممجدون،
وكبرك به المكبرون، وعظمك به المعظمون،
حتى يكون لك مني وحدي في كل طرفة عين
وأقل من ذلك، مثل حمد جميع الحامدين (36)،
وتوحيد أصناف المخلصين، وتقديس أحبائك
العارفين، وثناء جميع المهللين، ومثل ما أنت
عارف به ومحمود به من جميع خلقك، من
الحيوان والجماد.
وأرغب إليك اللهم في شكر ما أنطقتني به
من حمدك، فما أيسر ما كلفتني به من ذلك،
وأعظم ما وعدتني على شكرك.
ابتدأتني بالنعم فضلا وطولا، وأمرتني بالشكر
حقا وعدلا، ووعدتني عليه أضعافا ومزيدا،
وأعطيتني من رزقك اعتبارا وامتحانا (37)،
وسألتني منه قرضا يسيرا صغيرا، وأعطيتني عليه
عطاء كثيرا، وعافيتني من جهد البلاء، ولا [ولم ظ]

(36) وفي البحار: (مثل حمد الحامدين).
(37) وفي البحار بعد ذلك هكذا: (وسألتني منه قرضا يسيرا صغيرا،
ووعدتني عليه أضعافا ومزيدا وعطاء كثيرا، وعافيتني من جهد البلاء) الخ.
215

تسلمني للسوء من بلائك، ومنحتني العافية،
وأوليتني بالبسطة والرخاء.
وضاعفت لي الفضل، مع ما وعدتني به من
المحلة الشريفة، وبشرتني به من الدرجة الرفيعة
المنيعة، واصطفيتني بأعظم النبيين دعوة،
وأفضلهم شفاعة محمد صلى الله عليه وآله.
اللهم اغفر لي ما لا يسعه إلا مغفرتك، ولا
يمحقه إلا عفوك، وهب لي في يومي هذا وساعتي
هذه يقينا يهون علي مصيبات الدنيا وأحزانها،
ويشوق إليك، ويرغب فيما عندك (38) واكتب
لي المغفرة، وبلغني الكرامة، وأرزقني شكر
ما أنعمت به علي، فإنك أنت الله الواحد (39) الرفيع
البدئ السميع العليم الذي ليس لأمرك مدفع
ولا عن قضائك ممتنع.
وأشهد أنك أنت الله ربي ورب كل شئ (40)
فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة،

(38) وفي البحار: (ويشوقني إليك، ويرغبني فيما عندك) الخ.
(39) وفي البحار: (فإنك أنت الله الواحد الرفيع البدئ البديع السميع
العليم) الخ.
(40) وفي البحار: (وأشهد انك ربي ورب كل شي) الخ.
216

العلي الكبير (41).
اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة
في الرشد، وإلهام الشكر على نعمتك وأعوذ بك
من جور كل جائر، وبغي كل باغ، وحسد
كل حاسد.
اللهم بك أصول على الأعداء، وإياك أرجو
ولاية الأحباء، مع ما لا أستطيع احصاءه من
فوائد فضلك، وأصناف رفدك، وأنواع رزقك،
فإنك أنت الله لا إله إلا أنت، الفاشي في الخلق
حمدك، الباسط بالجود يدك (42)، لا تضاد في
حكمك، ولا تنازع في ملكك، ولا تراجع في
أمرك، تملك من الأنام ما شئت، ولا يملكون
إلا ما تريد.
[اللهم ظ] أنت المنعم المفضل القادر القاهر،
المقدس في نور القدس، ترديت بالعز والمجد،
وتعظمت بالقدرة والكبرياء، وغشيت النور
بالبهاء، وجللت البهاء بالمهابة.
اللهم لك الحمد العظيم، والمن القديم، والسلطان

(41) وفي البحار: (العلي الكبير المتعال).
(42) وفي البحار: (الباسط بالحق يدك) الخ.
217

الشامخ، والجود الواسع (43)، والقدرة المقتدرة،
والحمد المتتابع الذي لا ينفد بالشكر سرمدا،
ولا ينقضي أبدا، إذ جعلتني من أفاضل بني آدم،
وجعلتني سميعا بصيرا صحيحا سويا معافا، لم
تشغلني بنقصان في بدني، ولا بآفة في جوارحي
ولا عاهة في نفسي ولا في عقلي، ولم يمنعك
كرامتك إياي وحسن صنيعك عندي (44) وفضل
نعمائك علي إذ وسعت علي في دنياي، وفضلتها
على كثير (45) من أهلها تفضيلا، وجعلتني سميعا
أعي ما كلفتني، بصيرا أرى قدرتك فيما ظهر
لي، واسترعيتني واستودعتني قلبا يشهد بعظمتك
ولسانا ناطقا بتوحيدك، فإني لفضلك علي حامد
ولتوفيقك إياي بجهدي [بحمدك خ ل] شاكر
وبحقك شاهد، وإليك في ملمي ومهمي ضارع
لأنك حي قبل كل حي، وحي بعد كل ميت،
وحي ترث الأرض ومن عليها وأنت خير الوارثين.

(43) وفي البحار: (والحول الواسع) الخ.
(44) وفي البحار: (وحسن صنعك عندي) الخ.
(45) وفي البحار: (إذ وسعت علي في الدنيا، وفضلتني على كثير من
أهلها تفضيلا) الخ.
218

اللهم لا تقطع عني خيرك، في كل وقت (46)
ولا تنزل بي عقوبات النقم، ولا تغير ما بي من
النعم (47)، ولا تخلني (48) من وثيق العصم.
فلو لم أذكر من إحسانك إلي، وإنعامك علي
إلا عفوك عني والاستجابة لدعائي حين رفعت
رأسي بتحميدك وتمجيدك، لا في تقديرك جزيل
حظي حين وفرته انتقص ملكك، ولا في قسمة
الأرزاق حين قترت علي توفر ملكك (49).
اللهم لك الحمد عدد ما أحاط به علمك (50)
وعدد ما وسعته رحمتك، وأضعاف ذلك كله،
حمدا واصلا متواترا موازنا لآلائك وأسمائك (51)
اللهم فتمم إحسانك إلي فيما بي من عمري

(46) وفي البحار: (اللهم لم تقطع) الخ.
(47) وفي النسخة وكذا البحار: ولم تنزل بي - وكذا التالي -.
(48) وفي النسخة والبحار: (ولا أخليتني من وثيق العصم). وهو من باب
عطف فعل الماضي لفظا على الماضي معنى، ومنه يعلم أن قوله: (لا تقطع) من
غلط النسخة، وصوابه: (ولم تقطع) وكذا ما عطف عليه.
(49) وفي البحار: (توفير ملكك).
(50) وزاد في البحار: (وعدد ما أدركته قدرتك) الخ.
(51) وفي البحار: (حمدا واصلا متواترا متوازيا لآلائك) الخ.
219

كما أحسنت [إلي] فيما منه مضى، فإني أتوسل
إليك بتوحيدك وتهليلك وتمجيدك وتكبيرك
وتعظيمك، وأسألك باسمك الذي خلقته من
ذلك فلا يخرج منك إلا إليك، وأسألك باسمك
الروح المكنون المخزون الحي الحي الحي، وبه
وبه وبه، وبك [وبك وبك] (52) أن لا تحرمني
رفدك وفوائد كراماتك (53) ولا تولني غيرك
بك، ولا تسلمني إلى عدوي، ولا تكلني إلى
نفسي وأحسن إلي أتم الإحسان، عاجلا وآجلا،
وحسن في العاجلة عملي، وبلغني فيها أملي، وفي
الآجلة خير منقلبي (54)، فإنه لا يفقرك كثرة
ما يتدفق به فضلك (55) وسيب العطايا من مننك،
ولا ينقص جودك تقصيري في شكر نعمتك،
ولا تجم خزائن نعمتك النعم (56) ولا ينقص عظيم
مواهبك من سعتك الاعطاء، ولا يؤثر في جودك

(52) بين القوسين مأخوذ من البحار، والسياق يقتضيه.
(53) وفي البحار: (وفوائد كرامتك).
(54) وفي البحار: (وفي الآجلة والخير في منقلبي).
(55) وفي البحار: (فإنه لا يفقرك كثرة ما يندفق به فضلك).
(56) كذا في البحار، وفي الصحيفة: (ولا تجم خزائن نعمتك المنيع).
220

العظيم الفاضل الجليل منحك، ولا تخاف ضيم
إملاق فتكدي (57) ولا يلحقك خوف عدم فينقص
فيض ملكك [وفضلك].
اللهم ارزقنا (58) قلبا خاشعا، ويقينا صادقا،
وبالحق صادعا (59) ولا تؤمني مكرك، ولا تنسني
ذكرك، ولا تهتك عني سترك، ولا تولني
غيرك، ولا تقنطني من رحمتك، بل تغمدني
بفوائدك، ولا تمنعني جميل عوائدك، وكن
لي في كل وحشة أنيسا، وفي كل جزع حصنا (60)
ومن كل هلكة غياثا، ونجني من كل بلاء
وخطاء، واعصمني من كل زلل (61) وتمم لي
فوائدك، وقني من وعيدك، واصرف عني أليم
عذابك، وتدمير تنكيلك، وشرفني بحفظ

(57) يقال: كدا يكدي كديا - من باب رمى - وأكدى اكداء الرجل:
بخل.
(58) وفي البحار: (اللهم ارزقني قلبا خاشعا).
(59) كذا في البحار، وهو الصواب، وفي النسخة: (وبالحق صادقا) الخ.
(60) كذا في النسخة، وفي البحار: (وفي كل جزع حصينا).
(61) وفي البحار: (ونجني من كل بلا، واعصمني من كل زلل
وخطاء) الخ.
221

كتابك، وأصلحني (62) وأصلح ديني ودنياي
وآخرتي وأهلي وولدي ووسع رزقي، وأدره
علي، وأقبل علي ولا تعرض عني.
اللهم ارفعني ولا تضعني، وارحمني ولا تعذبني
وانصرني ولا تخذلني، وآثرني ولا تؤثر علي،
واجعل لي من أمري يسرا وفرجا، وعجل إجابتي،
واستنقذني مما قد نزل بي، إنك على كل شي
قدير وذلك عليك يسير، وأنت الجواد الكريم.
المختار 54، من الصحيفة العلوية الأولى 137.
وقريب منه جدا في البحار: 2، من 19، 256، عن مهج الدعوات.
وقال المجلسي (ره) بعد ذكر الدعاء: ولنا سند آخر عال جدا لهذا
الدعاء ولا يخلو من غرابة، فإني أرويه عن والدي عن بعض الصالحين عن
مولانا القائم عليه السلام بلا واسطة، وشرح ذلك أن...
أقول: لدعاء اليماني طرق كثيرة، وصور مختلفة ذكر بعضها في
مهج الدعوات والبحار: 2، من 19، ص 250 وما بعدها فراجع.

(62) وفي البحار: (وأصلح لي ديني ودنياي) الخ.
222

- 36 -
ومن دعاء له عليه السلام
في الاستجارة بالله تعالى شأنه
اللهم أنت ربي وأنا عبدك آمنت بك مخلصا
لك على عهدك ووعدك، ما استطعت أتوب إليك
على عهدك من سوء عملي، وأستغفرك لذنوبي
التي لا يغفرها غيرك.
أصبح ذلي مستجيرا بعزتك، وأصبح فقري
مستجيرا بغناك، وأصبح جهلي مستجيرا بحلمك،
وأصبحت قلة حيلتي مستجيرة بقدرتك، وأصبح
خوفي مستجيرا بأمانك، وأصبح دائي مستجيرا
بدوائك، وأصبح سقمي مستجيرا بشفائك،
وأصبح حيني مستجيرا بقضائك (1)، وأصبح ضعفي
مستجيرا بقوتك، وأصبح ذنبي مستجيرا بمغفرتك
وأصبح وجهي الفاني البالي مستجيرا بوجهك الباقي
الدائم الذي لا يبلى ولا يفنى.
يامن لا يواري منه ليل داج، ولا سماء ذات

(1) الحين - كويل -: الهلاك.
223

أبراج، ولا حجب ذات ارتجاج، ولا ما في قعر
بحر عجاج.
يا دافع السطوات، يا كاشف الكربات، يا منزل
البركات من فوق سبع سماوات، أسألك يا فتاح
يا نفاح يا مرتاح، يامن بيده خزائن كل مفتاح،
أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد الطيبين
الطاهرين، [و] أن تفتح لي خير الدنيا والآخرة،
وأن تحجب عني فتنة الموكل بي.
ولا تسلطه علي فيهلكني، ولا تكلني إلى
أحد طرفة فيعجز عني، ولا تحرمني الجنة
وارحمني وتوفني مسلما، وألحقني بالصالحين،
واكففني بالحلال عن الحرام، وبالطيب عن الخبيث
يا أرحم الراحمين.
اللهم خلقت القلوب على إرادتك، وفطرت
العقول على معرفتك، فتململت الأفئدة من
مخافتك، وصرخت القلوب بالوله إليك، وتقاصر
وسع قدر العقول عن الثناء عليك، وانقطعت
الألفاظ عن مقدار محاسنك، وكلت الألسن عن
احصاء نعمك، فإذا ولجت بطرق البحث عن
نعتك بهرتها حيرة البحر عن إدراك وصفك،
224

فهي تتردد في التقصير عن مجاوزة ما حددت
لها، إذ ليس لها أن تتجاوز ما أمرتها، فهي
بالاقتدار على ما مكنتها تحمدك بما أنهيت
إليها، والألسن منبسطة بما تملي عليها، ولك
على كل من استعبدت من خلقك أن لا يملوا من
حمدك، وان قصرت المحامد عن شكرك، بما
أسديت إليها من نعمك، فحمدك بمبلغ طاقة
جهدهم الحامدون، واعتصم برجاء عفوك
المقصرون، وأوجس بالربوبية لك الخائفون،
وقصد بالرغبة إليك الطالبون، وانتسب إلى فضلك
المحسنون، وكل يتفيؤ في ظلال تأميل عفوك،
ويتضال بالذل لخوفك (2)، ويعترف بالتقصير
في شكرك، فلم يمنعك صدوف من صدف عن
طاعتك، ولا عكوف من عكف على معصيتك،
أن أسبغت عليهم النعم، وأجزلت لهم القسم،
وصرفت عنهم النقم، وخوفتهم عواقب الندم،
وضاعفت لمن أحسن، وأوجبت على المحسنين
شكر توفيقك للاحسان، وعلى المسي شكر
تعطفك بالامتنان، ووعدت محسنهم الزيادة في

(2) كذا في النسخة.
225

الإحسان منك.
فسبحانك تثيب ما بدؤه منك، وانتسابه
إليك، والقوة عليه بك، والإحسان فيه منك،
والتوكل في التوفيق له عليك، فلك الحمد، حمد
من علم أن الحمد لك، وأن بدءه منك، ومعاده
إليك، حمدا لا يقصر عن بلوغ الرضا منك، حمد
من قصدك بحمده، واستحق المزيد منك في
نعمه، ولك مؤيدات من عونك، ورحمة تخص
بها من أحببت من خلقك، فصل على محمد وآله.
واخصصنا من رحمتك ومؤيدات لطفك
أوجبها للإقالات، وأعصمها من الإضاعات، وأنجاها
من الهلكات، وأرشدها إلى الهدايات، وأوقاها
من الآفات، وأوفرها من الحسنات، وآثرها بالبركات
وأزيدها في القسم، وأسبغها للنعم، وأسترها
للعيوب، وأسرها للغيوب، وأغفرها للذنوب،
إنك قريب مجيب.
وصل على خيرتك من خلقك، وصفوتك
من بريتك، وأمينك على وحيك بأفضل الصلوات،
وبارك عليهم بأفضل البركات، بما بلغ عنك
من الرسالات، وصدع بأمرك ودعى إليك، وأفصح
226

بالدلائل عليك، بالحق المبين حتى أتاه اليقين،
وصلى الله عليه في الأولين، وصلى الله عليه في
الآخرين وعلى آله وأهل بيته الطاهرين، واخلفه
فيهم بأحسن ما خلفت به أحدا من المرسلين،
بك يا أرحم الراحمين.
اللهم ولك إرادات لا تعارض دون بلوغها
الغايات، قد انقطع معارضتها بعجز الاستطاعات،
عن الرد لها دون النهايات، فأية إرادة جعلتها
إرادة لعفوك، وسببا لنيل فضلك، واستنزالا
لخيرك.
فصل على محمد وأهل بيت محمد، وصلها
اللهم بدوام، وأيدها بتمام، إنك واسع الحباء،
كريم العطاء، مجيب النداء، سميع الدعاء.
الدعاء (53) من الصحيفة الأولى 129.
227

- 36 -
ومن دعاء له عليه السلام
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رفع الله مقامه، عن عدة من
أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن ميمون، عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول:
اللهم إني أعوذ بك من الاحتلام، ومن
سوء الأحلام، وأن يلعب بي الشيطان، في اليقظة
والمنام.
الحديث الخامس من الباب 48، من كتاب الدعاء من الكافي 2، 536.
- 37 -
ومن دعاء له عليه السلام
قبل استفتاح الصلاة وبعدها
ثقة الاسلام الكليني نور الله تربته، عن محمد بن يحيى، عن أحمد
ابن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله
عليه السلام، قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول:
228

من قال هذا القول؟ (قبل أن يستفتح الصلاة، كان مع محمد
وآل محمد):
اللهم إني أتوجه إليك بمحمد وآل محمد،
وأقدمهم بين يدي صلواتي، وأتقرب بهم إليك
فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة، ومن
المقربين.
[اللهم فكما] مننت علي بمعرفتهم، فاختم
لي بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم، فإنها السعادة
واختم لي بها فإنك على كل شئ قدير.
ثم تصلي فإذا انصرفت قلت:
اللهم اجعلني مع محمد وآل محمد في كل
عافية وبلا واجعلني مع محمد وآل محمد في
كل مثوى ومنقلب.
اللهم اجعل محياي محياهم، ومماتي مماتهم،
واجعلني معهم في المواطن كلها، ولا تفرق بيني
وبينهم إنك على كل شئ قدير.
الحديث الأول من الباب 50، من كتاب الدعاء من الكافي: 2، 544.
229

- 38 -
ومن دعاء له عليه السلام
في أدبار الصلوات
ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه، عن محمد بن يحيى
عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي عبد الله البرقي، عن عيسى بن
عبد الله القمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين صلوات
الله عليه إذا فرغ من الزوال يقول:
اللهم إني أتقرب إليك بجودك وكرمك،
وأتقرب إليك بملائكتك المقربين، وأنبيائك
المرسلين وبك.
اللهم أنت الغني عني وبي الفاقة إليك، أنت
الغني وأنا الفقير إليك، أقلتني عثرتي، وسترت
علي ذنوبي فاقض اليوم حاجتي، ولا تعذبني
بقبيح ما تعلم مني، بل عفوك [فان عفوك خ ل]
وجودك يسعني.
ثم يخر ساجدا ويقول:
يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة، يا بر يا رحيم
أنت أبر من أبي وأمي ومن جميع الخلائق،
230

أقبلني (1) بقضاء حاجتي، مجابا دعائي، مرحوما
صوتي قد كشفت أنواع البلاء عني.
الحديث الأول من الباب 51، من كتاب الدعاء من الكافي:
2، 545.
- 39 -
ومن دعاء له عليه السلام
في الاستسقاء
قال القاضي القضاعي: أخبرنا حمزة بن عبد الله، قال: أخبرنا
الحسين بن خالويه، قال: حدثنا ابن دريد، قال: حدثنا السكن بن
سعيد، عن محمد بن عباد الكلبي عن أبيه، قال: حدثنا حوثرة بن
الهرماس (وكان شيخا هما (2) وذكر وفود بني دارم (3) إلى أمير المؤمنين
علي صلوات الله عليه، وذكر حديث الاستسقاء بطوله) وقال - فيه -:

(1) كذا في النسخة.
(2) أي كبير السن، معمرا.
(3) أي ورودهم، ويصح أن يجعل الوفود (هنا) مصدرا لوفد - من
باب وعد - كما يصح جعله جمع الوافد: وهم الذين يقصدون الأمراء والكبراء
فيردون عليهم.
231

فقام إليه منا رجل من حسل (4)، فقال: يا أمير المؤمنين: جادتك
الأنواء، وضفا لديك البلاء، ونممت بك الآلاء (5)، وكشفت بيمينك
اللأوء (6) أتتك عمائم من أفناء دارم، تطوي إليك سهوب الاملاء بالحراجيج
الابلاء (7) تبثك أزبات الألواء، ولزبات الشهباء، تزدلف بك، وتستمطر
بغرتك وتستدفع البلوى بسنتك (8).
وقام إليه أبو سرادق فتكلم بكلام قال في آخره: أنت ربيع الأيام،
وعصرة الأنام، ومصباح الظلام، وغاية المعدام، والسيد الهمام، والامام

(4) في هامش الأصل: (جعل بن حسل)، كذا في هامش المطبوع بمصر
(5) جادتك - إلى آخره - دعاء منهم لأمير المؤمنين (ع) والأنواء جمع
النوء - كأقوام وقوم - وهو النجم الطالع بالمشرق عند سقوط مقابله بالمغرب،
وكانت العرب تعتقد أنه لابد من المطر عند طلوع النجوم المعينة، وأنه من فعل
النجم. (ضفا لديك) أي عم وكثر لديك.
(6) اللاواء: الشدة، أي زالت ببركتك الشدائد.
(7) أتتك عمائم من أفناء دارم: أي جاءتك جماعات متفرقة من قبيلة
بني دارم. والسهوب: النواحي. والأملاء: المفاوز. والحراجيج: النياق الطويلة
والابلاء: القوية على السفر.
(8) تبثك: تشكو إليك وتظهر لك شكواها. والأزبات: الشدائد،
وكذلك اللزبات. والشهباء: السنة التي لا مطر فيها، تزدلف بك: أي تتقرب
بك. وتستمطر بغرتك: أي تطلب المطر من الله بجاهك ووجهك الكريم،
المبيض.
232

القمقام، لا معتصر عنك، ولا معتصم دونك. فقال أمير المؤمنين صلوات
الله عليه:
الحمد لله، والصلاة على خير خلق الله، وسلام
على المصطفين من عباد الله.
يا قنبر ناد الصلاة جامعة، ثم نهض مضجرا
بنصيف مزبرق (4) كأنما غرته البدر لتمه، يكاد
يعشي الناظرين، يؤم المسجد، فصلى ثم دنا من
القبر فهينم بكلمات لم أوجسهن (5) ثم قام قانتا
فقال صلوات الله عليه وسلامه:
اللهم رب السبع الطباق، والرقع الوثاق (6)،
خالق الخلق، وباسط الرزق، عالم الخفيات،
وكاشف الكربات، ومجيب الدعوات، وقابل

(4) النصيف: الثوب. والمزبرق: الملون.
(5) يعشي: أي يجعل أبصار الناظرين كليلة. وفي نسخة: (يغشي
الناظرين)). فهينم: أي جعل يقرأ كلمات بصوت خفي. لم أوجسهن: لم
أسمعهن.
(6) الرقع الوثاق: السماوات المحكمات، وسميت بالرقع لان كل سماء ترقع
بالتي فوقها كما يرقع الثوب بالرقعة - كذا قيل. وبهامش الأصل ما نصه:
(الرقع. الوثاق، يعني طباق السماء، كل سماء منها رقعت التي تليها كما يرقع
الثوب بالرقعة، ويقال: الرقيع اسم الدنيا لأنها رقعت بالأنوار التي فيها).
233

الحسنات، وغافر السيئات، ومقيل العثرات، ومنزل
البركات، من فوق سبع سماوات، بعلمك من خزائن
رحمتك، وأكناف كرامتك، على شاكري آلائك،
وكافري نعمائك من عبادك، وقطان بلادك (7)
رأفة منك لهم، ونعمة عليهم، أنت غاية الطالبين
وملاذ الهاربين، أتاك ملأ من عبيدك بإزاء قبر
نبيك، تزدلف إليك بعبدك (8)، وتشكو ما أنت
أعلم به.
اللهم فإنا نسألك بك، فلا شئ أعظم منك،
وبما استقل به عرشك، من عظمتك التي وسعت
كل شئ، السماء والأرض (9) وملأت البر والبحر
أن تصلي على محمد خاتم النبيين، وسيد الأولين
والآخرين.

(7) الآلاء: النعماء. والقطان: السكنة.
(8) أي تتقرب إليك بوسيلة عبدك وذريعته، والظاهر أن المراد بالعبد
الذي تقربوا إلى الله به هو نفس أمير المؤمنين (ع). وإن أريد به النبي (ص)
فيكون شاهدا آخر لما يدعيه الإمامية الإثنى عشرية.
(9) بما استقل: أي بما ارتفع به عرشك. و (من) بيان لما الموصولة،
كما أن (السماء والأرض) بدل لقوله: (كل شئ): وقوله: (ملأت) عطف
على (وسعت).
234

اللهم كاشف الضر، ومزيل الأزل (10) أزل
عن عبادك ما قد غشيهم من آياتك، وبرح بهم (11)
من عقابك، إنه لا يكشف السوء إلا أنت، إنك
رؤوف رحيم.
الحديث الأخير من الباب الثامن من دستور معالم الحكم ص 179،
ط مصر.
- 40 -
ومن دعاء له عليه السلام
إذا أراد أن يأكل الطعام
أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد أبو عبد الله البرقي (ره) عن بعض
أصحابنا، عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب، أو غيره رفعه، قال:
كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول:
اللهم إن هذا من عطائك، فبارك لنا فيه
وسوغناه، واخلف لنا خلفا لما أكلناه أو شربناه

(10) الأزل - كضرب -: الضيق والشدة. والأزل - كحبر -: الداهية.
يقال: أزل - أزلا وتأزل - من باب ضرب وتفعل -: وقع في ضيق وشدة،
فهو أزل - كفرح وكتف -.
(11) يقال: برح بهم: أي بلغ بهم الغاية في الجهد والمشقة.
235

من غير حول منا ولا قوة.
رزقت فأحسنت، فلك الحمد، ربنا اجعلنا
من الشاكرين.
رواه مع المختار التالي في الحديث (378) من كتاب المآكل من محاسن
البرقي (ره) ص 436 ط 1، ورواه عنه في البحار: 14، 886، ط الكمباني.
- 41 -
ومن دعاء له عليه السلام
إذا فرغ من أكل الطعام
الحمد لله الذي كفانا وأكرمنا وحملنا في البر
والبحر، ورزقنا من الطيبات، وفضلنا على كثير
ممن خلق تفضيلا.
الحمد لله الذي كفانا المئونة، وأسبغ علينا.
- 42 -
ومن دعاء له عليه السلام
وهو تسبيحه عليه السلام في اليوم الثاني من كل شهر
سبحان من تعالى جده وتقدست أسماؤه،
236

سبحان من هو إلى غاية يدوم بقاؤه، سبحان من
استنار بنور حجابه درر سمائه، سبحان من قامت
له السماوات بلا عمد، سبحان من تعظم بالكبرياء،
والنور سناؤه، سبحان من توحد بالوحدانية
جلاله، سبحان من لبس البهاء والفخر رداءه،
سبحان من استوى على عرشه بوحدانيته.
(أقول): هذا الدعاء هو المختار الأخير من الصحيفة العلوية نقلا
عن دعوات السيد فضل الله الراوندي، قال: تسبيح علي عليه السلام
في اليوم الثاني من كل شهر...
وقد رواه أيضا في بحار الأنوار في القسم الثاني من ج 19 ص 124
عن دعوات الراوندي (ره).
- 43 -
ومن دعاء له عليه السلام
في الاستعاذة بالله من المكاره
اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي
وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين إلى من
تكلني إلى عدو يتجهمني (1) أم إلى قريب ملكته

(1) يقال: جهمه - من باب علم ومنع - وتجهمه وله: استقبله بوجه
عبوس كريه.
237

أمري، إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي غير أن
عافيتك أوسع علي.
أعوذ بنور وجهك الكريم - الذي أضاءت له
السماوات، وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه
أمر الدنيا والآخرة - أن تحل علي غضبك،
أو تنزل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى (2)
ولا قوة إلا بك.
القسم الثاني من المجلد (19) من البحار، ص 130، س 8 عكسا
نقلا عن اختيار السيد ابن الباقي.
- 44 -
ومن دعاء له عليه السلام
في تحميد الله تعالى على انعامه، والاستعاذة به من المكاره
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لم يصبح بي ميتا ولا سقيما،
ولا مضروبا على عنقي بسوء، ولا مأخوذا بسوء

(2) العتبى - المراد منه هنا -: العتاب والمعتبة.
238

عملي، ولا مقطوعا دابري، ولا مرتدا عن ديني،
ولا منكرا لربي، ولا مستوحشا من إيماني، ولا
ملببا على عنقي، ولا معذبا بعذاب الأمم من قبلي،
أصبحت عبدا مملوكا ظالما لنفسي، لك الحجة
علي ولا حجة لي، لا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني
ولا أتقي إلا ما وقيتني.
اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك، أو
أضل في هداك، أو أضام في سلطانك، أو أضطهد
والأمر لك.
اللهم اجعل نفسي أول كريمة ترتجعها من
ودائعك.
اللهم إنا نعوذ بك أن نذهب عن قولك،
أو نفتتن عن دينك، أو تتابع بنا أهواؤنا دون
الهدى الذي جاء من عندك، وصلى الله على محمد
وآله.
القسم الثاني من المجلد التاسع عشر من البحار ص 130، س 5 عكسا
نقلا عن اختيار السيد ابن الباقي (ره). وقريب منه جدا في المختار (212)
من الباب الأول من نهج البلاغة. ورواه أيضا في الدعاء (60) من
الصحيفة الأولى ص 155.
239

- 45 -
ومن دعاء له عليه السلام
أنشأه عليه السلام نظما على ما في الصحيفة العلوية
لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلى * تباركت تعطي من تشاء وتمنع
إلهي وخلاقي وحرزي وموئلي * إليك لدى الإعسار واليسر أفزع
إلهي لئن جلت وجمت خطيئتي * فعفوك عن ذنبي أجل وأوسع
إلهي لئن أعطيت نفسي سؤلها * فها أنا في روض الندامة أرتع
الهي ترى حالي وفقري وفاقتي * وأنت مناجاتي الخفية تسمع
إلهي فلا تقطع رجائي ولا تزغ * فؤادي فلي في سيب جودك مطمع
إلهي لئن خيبتني أو طردتني * فمن ذا الذي أرجو ومن ذا أشفع
240

إلهي أجر ني من عذابك إنني * أسير ذليل خائف لك خضع
إلهي فآنسني بتلقين حجتي * إذا كان لي في القبر مثوى ومضجع
إلهي لئن عذبتني ألف حجة * فحبل رجائي منك لا يتقطع
إلهي أذقني طعم عفوك يوم لا * بنون ولا مال هنالك ينفع
إلهي لئن لم ترعني كنت ضائعا * وإن كنت ترعاني فلست أضيع
إلهي إذا لم تعف عن غير محسن * فمن لمسئ بالهوى يتمتع
إلهي لئن فرطت في طلب التقى * فها أنا إثر العفو أقفو وأتبع
إلهي لئن أخطأت جهلا فطالما * رجوتك حتى قيل ما هو يجزع
إلهي ذنوبي بذت الطود واعتلت (1) * وصفحك عن ذنبي أجل وأرفع

(1) وفي الهدى والنور: (ذنوبي بدت كالطود).
241

إلهي ينجي ذكر طولك لوعتي * وذكر خطايا العين مني يدمع
إلهي أقلني عثرتي وامح حوبتي * فإني مقر خائف متضرع
إلهي أنلني منك روحا وراحة * فلست سوى أبواب فضلك أقرع
إلهي لئن أقصيتني أو أهنتني * فما حيلتي يا رب أم كيف أصنع
إلهي حليف الحب في الليل ساهر * يناجي ويدعو والمغفل يهجع (1)
إلهي وهذا الخلق ما بين نائم * ومنتبه في ليله يتضرع
وكلهم يرجو نوالك راجيا * لرحمتك العظمى وفي الخلد يطمع
إلهي يمنيني رجائي سلامة * وقبح خطيئاتي علي يشنع
إلهي فإن تعفو فعفوك منقذي * وإلا فبالذنب المدمر أصرع

(2) وفي الهدي والنور: (يناجي ويدعو والمغفل هاجع).
242

إلهي بحق الهاشمي محمد * وحرمة أطهارهم لك خضع
إلهي بحق المصطفى وابن عمه * وحرمة أبرارهم لك خشع
إلهي فأنشرني على دين أحمد * منيبا تقيا قانتا لك أخضع
ولا تحرمني يا إلهي وسيدي * شفاعته الكبرى فذاك المشفع
وصل عليهم ما دعاك موحد * وناجاك أخيار ببابك ركع
الدعاء (23) من الصحيفة الأولى العلوية ص 88، ونقله أيضا في
كتاب الهدى والنور ص 91، مع تغيير طفيف في بعض الألفاظ، ونقص
الأبيات الأربعة الأخيرة، ولكونه غير معدود من أهل العلم - كما يعلم
جليا من محتويات كتابه - لم يذكر مأخذ الدعاء ومصدره، ولكن من
المقطوع انه غير مأخوذ من كتب الشيعة، لان دأب إخواننا من أهل
السنة لم يجر على مطالعة كتب الشيعة كما هو غير خفي على المتدبر.
243

- 46 -
ومن دعاء له عليه السلام
كان يدعو به في سجوده
الشيخ الصدوق قدس الله نفسه، عن جعفر بن محمد بن مسرور،
عن الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن ابن أبي عمير
عن أبان بن عثمان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال:
كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول في سجوده:
أناجيك يا سيدي كما يناجي العبد الذليل
مولاه، وأطلب إليك طلب من يعلم أنك تعطي
ولا ينقص مما عندك شئ، وأستغفرك استغفار
من يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وأتوكل
عليك توكل من يعلم أنك على كل شي قدير.
الحديث السابع من المجلس (44) من أمالي الصدوق، والحديث 63،
من باب سجدة الشكر من البحار: 18، 483 س 14، عكسا، ط الكمباني
نقلا عن الأمالي.
244

- 47 -
ومن دعاء له عليه السلام
في دبر الصلوات الخمس
صدوق الشريعة وعلم الشيعة الشيخ الصدوق قدس الله نفسه، عن
محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم
ابن هاشم، وأحمد بن محمد بن عيسى معا، عن علي بن الحكم، عن أبيه،
عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام
قال: من أحب أن يخرج من الدنيا وقد خلص من الذنوب كما يخلص
الذهب لا كدر فيه، وليس أحد يطالبه بمظلمة، فليقرأ في دبر الصلوات
الخمس، نسبة الله (1) عز وجل: (قل هو الله أحد) اثنى عشر مرة،
ثم يبسط يده ويقول:
اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون،
الطاهر الطهر المبارك، وأسألك باسمك العظيم،

(1) قال المجلسي الوجيه (ره): قوله عليه السلام: (وليس أحد يطالبه
بمظلمة) الخ، يحتمل كونه بطريق الإسقاط عنه، واعطاء العوض لأصحاب
الحقوق، أو بأن يوفقه الله في حياته لرد المظالم، (ونسبة الله) سورة
التوحيد، وإنما سميت بها، لأن اليهود لما سألوا رسول الله (ص) عن
نسبة الرب تعالى نزلت.
245

وسلطانك القديم، يا واهب العطايا، يا مطلق
الأسارى، يا فكاك الرقاب من النار، صل على
محمد وآل محمد، وفك رقبتي من النار،
وأخرجني من الدنيا آمنا، وأدخلني الجنة سالما،
واجعل دعائي أوله فلاحا، وأوسطه نجاحا، وآخره
صلاحا، انك أنت علام الغيوب.
ثم قال عليه السلام: هذا من المخبيات (1)، مما علمني رسول الله (ص)
وأمرني أن اعلم الحسن والحسين.
الباب 73، من معاني الأخبار 139، ورواه عنه في البحار:
18، 434، س 15، في الحديث 21، من الباب 57، ورواه أيضا
عن فلاح السائل، عن أبي المفضل محمد بن عبد الله، عن سعيد بن أحمد
ابن موسى، عن علي بن الحسن بن فضال، عن علي بن الحكم بن الزبير
عن أبيه، مثل ما ذكره الصدوق (ره) إلا باختلاف طفيف.
وأيضا رواه عن الشيخ (ره) في المصباح مرسلا بمثل ما في فلاح
السائل.
أقول: ورواه أيضا في الحديث (187) من الباب السابع - باب
عدد فصول الأذان والإقامة - من التهذيب: 2، ص 108، مرسلا.
وأيضا رواه السماهيجي (ره) في الصحيفة الأولى 198.

(1) المخيبات: المستورات. قال في المجمع: وفي الحديث: (هذا من
المخيبات مما علمني ربي) أي المستورات التي لم تظهر لكل أحد
246

- 48 -
ومن دعاء له عليه السلام
بعد الفرائض من الصلوات
شيخ الطائفة طيب الله رمسه، عن أحمد بن علي الرازي، عن علي
ابن عابد الرازي، عن الحسن بن وجنا النصيبي، عن أبي نعيم محمد بن
أحمد الأنصاري، عن الإمام الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه، قال:
كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول بعد صلاة الفريضة:
إليك رفعت الأصوات، ودعيت الدعوة،
ولك عنت الوجوه، ولك خضعت الرقاب، وإليك
التحاكم في الأعمال.
يا خير من سئل، ويا خير من أعطى، يا صادق
يا بارئ، يامن لا يخلف الميعاد، يامن أمر
بالدعاء وتكفل الإجابة، يامن قال: أدعوني
أستجب لكم، يامن قال: وإذا سألك عبادي
عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني،
فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون،
ويا من قال: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم
لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا
247

إنه هو الغفور الرحيم.
لبيك وسعديك، ها أنا ذا بين يديك،
المسرف على نفسي (1)، وأنت القائل: لا تقنطوا
من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا.
ورواه في اكمال الدين عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن
جعفر بن أحمد العلوي، عن علي بن أحمد العقيقي، عن أبي نعيم الأنصاري
مثله إلى قوله: (هو الغفور الرحيم).
وكذلك في مصباح الشيخ (ره) والبلد الأمين، وجنة الأمان،
وفيها: (المسرف على نفسي وأنت القائل يا عبادي الذي أسرفوا على
أنفسهم) إلى قوله: (الغفور الرحيم).
الحديث 33، من الباب 57، من صلاة البحار: 18، 425، س 6
ط الكمباني. ثم قال: أوردناه بأسانيده في باب من رأى القائم (ع).
يعني المجلد الثالث عشر من بحار الأنوار ص 105، ط الكمباني.
أقول: ورواه أيضا بأسانيده عن كتاب إكمال الدين، والكتاب
العتيق في أواخر الباب (35) من القسم الثاني من التاسع عشر من البحار،
119، ط الكمباني.

(1) كذا في النسخة، ولعل المراد: إني قائم بين يديك في حالة اشرافي
واطلاعي على نفسي بسوء العمل وقبح الروية.
248

- 49 -
ومن دعاء له عليه السلام
عند إرادة التزويج
أخبرنا محمد بن عبد الله، قال: أخبرنا محمد، قال: حدثني موسى
قال: حدثنا أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده
عن علي عليه السلام قال: من أراد منكم التزويج، فليصل ركعتين،
وليقرأ فيهما فاتحه الكتاب وياسين، فإذا فرغ من الصلاة فليحمد الله تعالى
وليثن عليه وليقل:
اللهم ارزقني زوجة [صالحة خ ل] ودودا
ولودا شكورا [قنوعا خ ل] غيورا، إن أحسنت
شكرت، وإن أسأت غفرت، وإن ذكرت الله
تعالى أعانت، وان نسيت ذكرت، وإن خرجت
من عندها حفظت، وإن دخلت عليها سرتني،
وإن أمرتها أطاعتني، وإن أقسمت عليها أبرت
قسمي (1) وإن غضبت عليها أرضتني. يا ذا الجلال
والإكرام، هب لي ذلك فإنما أسألكه ولا أجد
إلا ما مننت وأعطيت.

(1) أبرت قسمي: أي أمضته على الصدق.
249

قال عليه السلام: من فعل ذلك أعطاه الله ما سأل.
ورواه السيد فضل الله الراوندي في نوادره عنه (ع) باختلاف ما.
- 50 -
ومن دعاء له عليه السلام
لما مر على القبور
جعفر بن محمد بن قولويه (ره) عن أبيه وعلي بن الحسين (رحمهم
الله) وغيرهما، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي
عن أبيه عن هارون بن الجهم، عن المفضل بن صالح، عن الحسن بن
طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: مر علي أمير المؤمنين عليه السلام
على القبور فأخذ في الجادة، ثم قال عن يمينه (1):
السلام عليكم يا أهل القبور من أهل القصور
أنتم لنا فرط (2)، ونحن لكم تبع، وإنا إن شاء
الله بكم لاحقون.

(1) أي توجه إلى يمينه، أو أشار إلى يمينه، أو أخذ في الالتفات إلى
يمينه.
وعلى التقادير فكلمة (عن) بمعنى إلى.
(2) الفرط - محركا -: الجلد الذكي الناصح الذي يتقدم قومه - أو يقدمه
قومه - إلى الماء للتحفظ على المصالح، والتوقي عن المضار، ويستوي فيه الواحد
والجمع فيقال: (رجل فرط) و (قوم فرط).
250

ثم التفت عن يساره وقال مثل ذلك.
الحديث 16، من الباب 105. من كامل الزيارات 323، ونقله
عنه في الدعاء (47) من الصحيفة الثانية العلوية.
- 51 -
ومن دعاء له عليه السلام
في بيان عناية الله لأوليائه، وشدة انقطاعهم إليه تعالى
اللهم إنك آنس الآنسين لأوليائك (1)،
وأحضرهم بالكفاية للمتوكلين عليك، تشاهدهم
في سرائرهم، وتطلع عليهم في ضمائرهم،
وتعلم مبلغ بصائرهم، فأسرارهم لك مكشوفة
وقلوبهم إليك ملهوفة (2) إن أوحشتهم الغربة
آنسهم ذكرك، وإن صبت عليهم المصائب لجأوا
إلى الاستجارة بك، علما بأن أزمة الأمور بيدك،
ومصادرها عن قضائك.

(1) آنس - اسم تفضيل - مأخوذ من الانس بمعنى الألفة وسكون القلب،
أي إن ألفة أوليائك بك أشد وأعظم من كل ألفة فلا أنس عندهم كالأنس بك.
(2) أي مستغيثة متحسرة، يطلبون منك غياثهم، ويحنون إليك حنان
اللهفان.
251

اللهم إن فههت عن مسألتي، أو عميت عن
طلبتي (3)، فدلني على مصالحي، وخذ بقلبي على
مراشدي، فليس ذلك بنكر من هداياتك، ولا
ببدع من كفاياتك (4).
اللهم احملني على عفوك، ولا تحملني على
عدلك.
المختار 222، من الباب الأول من النهج.
ورواه مع زيادات كثيرة في الدعاء (16) من الصحيفة العلوية الأولى
ص 57. وقريب منه عن الإمام السجاد (ع) كما في الدعاء (140) من
الصحيفة الخامسة 360 نقلا عن مصباح الشيخ، وانه (ع) كان يقرؤه
بعد الركعتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة من نوافل يوم الجمعة.

(3) وفي الصحيفة: (اللهم فان فههت عن مسألتي، أو عمهت عن
طلبتي) الخ، يقال فهه: - كفرح -: لم يتمكن من بيان مراده ومسألته، وقوله (ع)
(عميت) أي ما اهتديت إلى مقصودي، وحيل بيني وبينه بحجاب، قيل: ويروى
مكانه: (أو عمهت عن طلبتي). والطلبة - بكسر الطاء -: المطلوب.
(4) المراشد جمع مرشد وهو مواضع الرشد، والنكر - بضم النون وسكون الكاف -:
المنكر. والبدع - بكسر الباء وسكون الدال -: الأمر الغريب غير
المأنوس، وهذه القطعة رواها في المختار 987 مما استدركه ابن أبي الحديد على
قصار النهج.
252

- 52 -
ومن دعاء له عليه السلام
الموسوم بتسبيح أمير المؤمنين عليه السلام
جعفر بن قولويه عليه الرحمة والرضوان، عن محمد بن جعفر، عن
محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن أبي
سعيد المدائني، عن أبي عبد الله عليه السلام، إنه قال في خبر (1) يا أبا سعيد
تسبيح علي عليه السلام:
سبحان الذي لا تنفد خزائنه، سبحان الذي
لا تبيد معالمه، سبحان الذي لا يفنى ما عنده،
سبحان الذي لا يشرك أحد في حكمه، سبحان
الذي لا اضمحلال لفخره، سبحان الذي لا انقطاع
لمدته، سبحانه الذي لا اله غيره.
الحديث 11، من الباب 79، من كامل الزيارات 214. ونقله
عنه في الدعاء (5) من الصحيفة العلوية الثانية ص 34 ورواه أيضا شيخ
الطائفة رحمه الله في مصباح المتهجد 202.

(1) هذا أخذناه من المحدث النوري (ره) وهو رحمه الله قد لخصه.
253

- 53 -
ومن دعاء له عليه السلام
عند ختم القرآن المجيد
الشيخ هاشم بن محمد في مصباح الأنوار، عن الحسين بن أحمد،
عن الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، عن الحسن بن أحمد المقري، عن علي بن
أحمد الحمامي، عن زيد بن علي بن هلال، عن محمد بن عقبة،
عن جعفر بن محمد العنبري، عن زكريا بن أبي صمصامة، عن زر بن حبيش
قال: قرأت القرآن من أوله إلى آخره في المسجد الجامع بالكوفة على
أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فلما بلغت الحواميم، قال لي أمير المؤمنين
عليه السلام: قد بلغت عرائس القرآن، فلما بلغت رأس العشرين (من
حمعسق): (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما
يشاؤن عند ربهم ذلك الفضل الكبير) بكى أمير المؤمنين عليه السلام حتى
علا نحيبه ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: يأزر أمن على دعائي ثم قال:
اللهم إني أسألك إخبات المخبتين، وإخلاص
الموقنين، ومرافقة الأبرار، واستحقاق حقائق
الإيمان، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل
إثم، ووجوب رحمتك، وعزائم مغفرتك،
254

والفوز بالجنة، والنجاة من النار.
ثم قال عليه السلام: إذا ختمت (القرآن) فادع بهذه، فان حبيبي
رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن.
الصحيفة العلوية الثانية ص 202، ورواه أيضا عن الحسن بن الفضل
الطبرسي (ره) في مكارم الأخلاق عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه،
باختلاف ما.
ورواه أيضا معنعنا في الحديث (13) من الباب السابع: باب علم
أمير المؤمنين عليه السلام من مناقب الخوارزمي 42.
ورواه في الحديث (1، 2) من الباب (26) من القسم الأول من
المجلد (19) من البحار 52، عن مصباح الأنوار، ومكارم الأخلاق.
- 54 -
ومن دعاء له عليه السلام
في التماس الرزق من الله تعالى
اللهم صن وجهي باليسار، ولا تبتذل جاهي
بالاقتار، فأسترزق طالبي رزقك، وأستعطف
شرار خلقك، وأبتلى بحمد من أعطاني، وأفتتن
بذم من منعني، وأنت من وراء ذلك ولي
255

الاعطاء والمنع، إنك على كل شي قدير.
اللهم اجعل نفسي أول كريمة تنتزعها من
كرائمي، وأول وديعة ترتجعها من ودائع
نعمك عندي.
البحار: القسم الثاني من ج 19، ص 268، س 13، عن دعوات
الراوندي. وقريب منه في المختار (220) من باب الخطب من النهج،
وقريب منه أيضا في الدعاء العشرين (وهو دعاء مكارم الأخلاق) من
الصحيفة السجادية، والدعاء (57) من الصحيفة الأولى ص 154، وقريب
منه في المختار (763) مما استدركه ابن أبي الحديد على قصار نهج البلاغة.
- 55 -
ومن دعاء له عليه السلام
لفتح أبواب الرزق لمن تغلقت عليه
(قال عليه السلام): من تعذر عليه رزقه، وتغلقت عليه المطالب
في معاشه، ثم كتب له هذا الكلام في رق ظبي، أو قطعة من آدم وعلقه
عليه، أو جعله في بعض ثيابه التي يلبسها فلم يفارقه وسع الله رزقه،
وفتح عليه الأبواب في المطالب في معاشه من حيث لا يحتسب:
اللهم لا طاقة لفلان بن فلان بالجهد، ولا
صبر له على البلاء، ولا قوة له على الفقر والفاقة.
256

اللهم فصل على محمد وآل محمد، ولا تحظر
على فلان بن فلان رزقك، ولا تقتر عليه سعة
ما عندك، ولا تحرمه فضلك، ولا تحسمه من
جزيل قسمك (1)، ولا تكله إلى خلقك ولا إلى
نفسه فيعجز عنها، ويضعف عن القيام فيما
يصلحه ويصلح ما قبله، بل تفرد بلم شعثه،
وتولي كفايته، وانظر إليه في جميع أموره،
إنك إن وكلته إلى خلقك لم ينفعوه، وإن ألجأته
إلى أقربائه حرموه، وإن أعطوه أعطوه قليلا
نكدا (2)، وإن منعوه منعوه كثيرا، وإن بخلوا بخلوا
وهم للبخل أهل.
اللهم أغن فلان بن فلان من فضلك، ولا تبخله (3)

(1) يقال: حسمه الشئ - من باب ضرب -: منعه إياه.
(2) أي عطاء يكدر عيشه عليه، يقال: نكد العيش ينكد نكدا - من
باب علم، والمصدر على وزن فرس -: اشتد وعسر.
(3) كذا في نسخة البحار، وفي المخطوط من نسخة مهج الدعوات لصاحب
الذريعة مد ظله: (ولا تحله). يقال: بخل عليه وعنه بخلا وبخلا - من باب
علم وشرف، والمصدر على زنة فرس وقفل -: أمسك ومنع. ويقال: حل -
حلا - كمد يمد مدا - العقدة: فكها ونقضها فانحلت، والظاهر أن الصواب
هو ما في المخطوط من مهج الدعوات - ومعناه: اجعلني ملفوفا بفضلك
ومشدودا برحمتك، ولا تحل رحمتك عنى، ولا تفك فضلك منى - دون ما في
البحار، إذا لم أجد هذه المادة متعدية.
257

منه فإنه مضطر إليك، فقير إلى ما في يديك،
وأنت غني عنه، وأنت به خبير عليم، ومن
يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره،
قد جعل الله لكل شي قدرا، إن مع العسر يسرا
ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث
لا يحتسب.
مهج الدعوات للسيد ابن طاوس (ره)، ورواه عنه في الحديث (22)
من الباب (110) من البحار القسم الثاني من 19 ص 69 2 نقلا عنه.
ونقله أيضا في الدعاء (52) من الصحيفة الأولى 128.
- 56 -
ومن دعاء له عليه السلام
لدفع من يقيم على الظلم ولا يرتدع عنه
السيد ابن طاوس (ره) في كتاب المجتنى 4، عن كتاب دفع الهموم
والأحزان لأحمد بن داود النعماني (ره) قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام
من ظلم وأقام ظالمه على ظلمه لا يرجع عنه، فليغص الماء على نفسه (1)،
أو يسبغ الوضوء ويصلي ركعتين ثم يقول:

(1) كذا في النسخة، ولعل الصواب: فليفض الماء.
258

اللهم إن فلان بن فلان ظلمني واعتدى
علي، ونصب لي وأمضني وأرمضني وأذلني
وأخلقني (2). اللهم فكله إلى نفسه وهد ركنه، وعجل
جائحته، واسلبه نعمتك عنده، واقطع رزقه،
وابتر عمره، وامح أثره، وسلط عليه عدوه،
وخذه من مأمنه كما ظلمني واعتدى علي، ونصب
لي، وأمض وأرمض وأذل وأخلق.
ورواه السماهيجي (ره) في الدعاء (67) من الصحيفة العلوية 163.
- 57 -
ومن دعاء له عليه السلام
الموسوم بالجامعة
عبد الله بن محمد بن مهران، عن أيوب، عن عمرو بن شمر، عن
جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن الحسين عليه السلام،

(2) يقال: أمضه الأمر: أحرقه وشق عليه، وأمضه الجرح والكلام
- ونحوهما -: أوجعه. ومثله مض - من باب منع ومد. ويقال: أرمض الشئ
أحرقه. وأرمض الرجل: أوجعه. وأرمض الأمر فلانا: أحرقه غيظا.
259

قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من اشتكى حلقه، وكثر سعاله،
واشتد يبسه فليعوذ بهذه الكلمات، [وكان عليه السلام يسميها الجامعة]:
اللهم أنت رجائي، وأنت ثقتي وعمادي،
وغياثي ورفعتي وجمالي، وأنت مفزع المفزعين
ليس للهاربين مهرب إلا إليك، ولا للعالمين
معول إلا عليك، ولا للراغبين مرغب إلا لديك
ولا للمظلومين ناصر إلا أنت، ولا لذي الحوائج
مقصد إلا إليك، ولا للطالبين عطاء إلا من
لدنك، ولا للتائبين متاب (1) إلا إليك، وليس
الرزق والخير والفتوح إلا بيدك، حزنتني الأمور
الفادحة (2)، وأعيتني المسالك الضيقة، وأحوشتني
الأوجاع الموجعة (3)، ولم أجد فتح باب الفرج إلا

(1) المتاب: المرجع، يقال: تاب يتوب توبا وتوبة وتابة ومتابا وتتوبة
إلى الله: رجع عن معصيته إليه وندم، فهو تائب. وتاب الله عليه: غفر له، ورجع
إليه بفضله، فالله تواب.
(2) الأمور الفادحة: الثقيلة الشاقة.
(3) أي إن الأوجاع الموجعة أحاطت علي وجعلتني في وسطهن لإهلاكي،
يقال: أحوش احواشا وأحاش إحاشة واستحوش استحواشا الصيد: جاء من
حواليه ليدفعه إلى الحبالة. واحتوش القوم الصيد: أنفره بعضهم على بعض.
واحتوش القوم الرجل وعليه: أحدقوا به وجعلوه في وسطهم.
260

بيدك، فأقمت تلقاء وجهك (4)، واستفتحت
عليك بالدعاء إغلاقه، فافتح يا رب للمستفتح،
واستجب للداعي، وفرج الكرب، واكشف الضر
وسد الفقر، وأجل الحزن، وانف الهم واستنقذني
من الهلكة، فإني قد أشفيت عليها (5)، ولا أجد
لخلاصي منها غيرك، يا الله يا من يجيب المضطر
إذا دعاه ويكشف السوء، ارحمني واكشف ما بي
من غم وكرب ووجع وداء، رب ان لم تفعل
لم أرج فرجي من عند غيرك، فارحمني يا أرحم
الراحمين، هذا مكان البائس الفقير، هذا مكان
المستغيث، هذا مكان المستجير، هذا مكان
المكروب الضرير، هذا مكان الملهوف المستعيذ،
هذا مكان العبد المشفق الهالك الغرق الخائف الوجل،
هذا مكان من انتبه من رقدته، واستيقظ من

(4) يقال: جلس تلقاء وجهه: مقابله وتجاهه، وهذا كناية عن اليأس عن
غير الله وقصر الرجاء عليه تعالى.
(5) يقال: أجل الرجل فلانا - من باب ضرب - كأجله تأجيلا:
حبسه ومنعه. ويقال: نفى الكرب عنه - من باب رمى -: نحاه وأزاله
ودفعه عنه. ويقال: أشفى المريض على الموت: أشرف عليه. وأشفى الأسير
على القتل: قاربه.
261

غفلته، وأفرق من علته وشدة وجعه (6)، وخاف
من خطيئته، واعترف بذنبه، وأخبت إلى ربه،
وبكى من حذره، واستغفر واستعبر واستقال
واستعفى والله إلى ربه، ورهب من سطوته، وأرسل
من عبرته، ورجا وبكى ودعا، ونادى رب إني
مسني الضر [يلامى] (7) قد ترى مكاني وتسمع
كلامي، وتعلم سريرتي (8) وعلانيتي وتعلم
حاجتي، وتحيط بما عندي، ولا يخفى عليك شي
من أمري من علانيتي وما أبدي، وما يكنه صدري.
فأسألك بأنك تلي التدبير، وتقبل المعاذير،
وتمضي المقادير، سؤال من أساء واعترف، وظلم
نفسه واقترف، وندم على ما سلف، وأناب إلى
ربه وأسف، ولاذ بفنائه وعكف، وأناخ رخاه
وعطف (9)، وتبتل إلى مقيل عثرته، وقابل

(6) أي أفاق من علته التي أسكرته فأنسته ذكر ربه، يقال: أفرق المريض
من مرضه: أي أفاق وبري.
(7) كذا في النسخة.
(8) ويساعد رسم الخط على قرأته (سرائري).
(9) كذا في النسخة، ولعل الصواب: (وأناخ رجاه وعطف) أي عطف
رجاءه إليك وانصرف عن غيرك، فأناخ رجاءه وأمله بفنائك.
262

توبته وغافر حوبته (10) وراحم عبرته، وكاشف
كربته، وشافي علته، أن ترحم تجاوري بك (11)
وتضرعي إليك، وتغفر لي جميع ما أخطأته من
كتابك وأحصاه كتابك (12)، وما مضى من علمك
من ذنوبي وخطاياي (13) وجرائري في خلواتي
وفجراتي وسيئاتي وهفواتي وهناتي (14)، وجميع

(10) يقال: بتل وتبتل إلى الله: أي انقطع عن غيره ولاذ به تعالى.
والمقيل: الذي يوافقك على فسخ المعاملة ورجوع كل عوض إلى محله وصاحبه
كما
كان قبل المعاملة. والعثرة: الخطيئة. والحوبة: الذنب.
(11) أي التجائي واستجارتي وعياذي بك.
(12) كذا في النسخة ولعل المراد من قوله: (وما أخطأته من كتابك)
ما يقرؤه القاري من القرآن الكريم على نحو الغلط لعدم اهتمامه بالقرآن، ويحتمل
قويا أن يراد منه الأخطاء العملية - دون القولية - وهو عدم ائتماره بأوامر القرآن
مسامحة وكسلا عن التحفظ على أوامر الله ونواهيه. وقوله عليه السلام: (وما
أحصاه كتابك) يصح أن يقرأ مصدرا - ويراد اللوح المحفوظ، أو ما كتبه
الحفظة من أعمال المكلف - ويصح أيضا أن يقرأ بضم الكاف على أنه جمع كاتب.
(13) كلمة (من) في قوله: (من علمك) بمعنى في، وفي قوله (من
ذنوبي) بيان لقوله: (ما أخطأته. وما مضى من علمك).
(14) الهفوات: الزلات. جمع الهفوة: السقطة. والهناة: الداهية،
والجمع هنوات - محركة كالهفوات -.
263

ما تشهد به حفظتك، وكتبته ملائكتك في الصغر
وبعد البلوغ والشيب والشباب، بالليل والنهار،
والغدو والآصال وبالعشي والأبكار والضحى والأسحار
في الحضر والسفر، في الخلا والملا، وأن تجاوز
عن سيئاتي في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي
كانوا يوعدون.
اللهم بحق محمد وآله أن تكشف [اكشف
خ ل] عني العلل الغاشية في جسمي وفي شعري
وبشري وعروقي وعصبي وجوارحي، فان ذلك
لا يكشفها غيرك، يا أرحم الراحمين، ويا مجيب
دعوة المضطرين.
الحديث الأول من باب الدعاء للسل والسعال من القسم الثاني من
البحار: 19، ص 209 ط الكمباني.
- 58 -
ومن دعاء له عليه السلام
في المناجاة
العلامة النوري (ره) في الدعاء العشرين من الصحيفة الثانية العلوية
عن جماعة من أصحابنا منهم الشيخ الصدوق (ره) في الخصال، عن الحسن
264

ابن حمزة العلوي، عن يوسف بن محمد الطبري، عن سهل بن نجدة (1)
قال: حدثنا وكيع، عن زكريا بن أبي زائدة، عن عامر الشعبي، قال:
تكلم أمير المؤمنين عليه السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة،
وأيتمن جواهر الحكمة (2)، وقطعن جميع الأنام أن يلحقوا
بواحدة منهن، ثلاث منها في المناجاة وثلاث منها في الحكمة، وثلاث
منها في الأدب، فأما اللاتي في المناجاة فقال عليه السلام:
إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى
بي فخرا أن تكون لي ربا، أنت كما أحب،
فاجعلني كما تحب - الخ (3).
الحديث (14) من أبواب التسعة من الخصال ص 45.

(1) وفي نسخة الخصال: (عن سهل بن نحرة).
(2) يقال: فقأت عين الشر: قلعتها وعورتها. وأيتمت الصبي: جعلته
يتيما بقتل أبيه أو بفقده. ولا يخفى أن الشعبي قد أفتى بمقدار علمه بكلمات
أمير المؤمنين، فلو كان له أقل خبرة لكان ينبغي له أن يقول مكان قوله: (تسع
كلمات): تسعة آلاف كلمة الخ، بل جل كلم أمير المؤمنين عليه السلام - وهي
غير محصورة - عور بلاغة البلغاء، وأيتم جواهر الحكم، فلا أب لجواهر الحكم
حتى يستولد الحكم، ولا عين لبلاغة غيره حتى تعد من محاسن الشيم.
(3) وتتمة الرواية ذكرناها في الباب الخامس من كتابنا هذا.
265

- 59 -
ومن دعاء له عليه السلام
اللهم إني أسألك يا رب الأرباب الفانية،
والأجساد البالية، أسألك بطاعة الأرواح
الراجعة إلى أجسادها، وبطاعة الأجساد الملتئمة إلى
أعضائها، وبانشقاق القبور عن أهلها، وبدعوتك
الصادقة فيهم، وأخذك بالحق بينهم، إذا برز
الخلائق ينتظرون قضاءك، ويرون سلطانك،
ويخافون بطشك، ويرجون رحمتك، يوم لا يغني
مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون، إلا من رحم
الله إنه هو العزيز الرحيم.
أسألك يا رحمان أن تجعل النور في بصري
واليقين في قلبي، وذكرك بالليل والنهار على لساني
أبدا ما أبقيتني إنك على كل شي قدير.
قال الحافظ الجليل محمد بن شهرآشوب: فسمعها الأعمى (1) فحفظها

(1) الألف واللام للعهد الذكري، إذ تقدم في كلامه ذكر ضرير وأعمى
منكرا.
266

[وحفظها خ ل] ورجع إلى بيته الذي يأويه، فتطهر للصلاة وصلى، ثم دعا
بها فلما بلغ إلى قوله: (أن تجعل النور في بصري) ارتد الأعمى بصيرا
بإذن الله تعالى.
المناقب: 2، ص 119، ط النجف، والبحار: 2، من 19،
205 س 3 عكسا.
والدعاء (25) من الصحيفة الثانية العلوية.
- 60 -
ومن دعاء له عليه السلام
علمها لأصحابه وأمرهم أن يدعو بها حين يدخلون السوق
صدوق الشريعة وحافظ الشيعة محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه،
عن سعد بن عبد الله، عن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيى،
عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام عن أبي جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام في حديث
الأربعمائة أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لأصحابه: إذ اشتريتم ما تحتاجون
اليه من السوق (1) فقولوا حين تدخلونه:
أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له،
وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله.

(1) وفي تحف العقول: إذا دخلتم الأسواق لحاجة فقولوا - الخ.
267

اللهم إني أعوذ بك من صفقة خاسرة، ويمين
فاجرة، وأعوذ بك من بوار الأيم (1).
الخصال ص 169، والمختار (29) من الصحيفة الثانية، وحديث
الأربعمائة من تحف العقول 122.
- 61 -
ومن دعاء له عليه السلام
في الاستسقاء
أخبرنا محمد (2)، حدثني موسى، حدثنا أبي عن أبيه، عن جده جعفر
ابن محمد عن أبيه عليهم السلام أن عليا عليه السلام كان إذا استسقى دعا بهذا

(1) وفي تحف العقول: وأعوذ بك من بواء الإثم. وبوار الأيم: كسادها.
والأيم من لا زوج لها، وعدم الرغبة فيها هو كسادها.
(2) محمد هذا هو: محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي، من مشايخ الإجازة، وهو
يروي كتاب الجعفريات [المسمى بالأشعثيات أيضا] عن سبط الإمام الكاظم
عليه السلام موسى، عن أبيه إسماعيل ابن الإمام موسى عليه السلام عن أبيه عن
آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله، وهكذا شأن جميع أخبار الشيعة المروية عن
النبي صلى الله عليه وآله بواسطة أحد الأئمة الإثنى عشر عليهم السلام، فإنهم (ع)
بينوا في كثير من المقامات لكثير من أجلة الرواة، بأنا إذا نقلنا عن جدنا النبي
صلى الله عليه وآله فالواسطة بيننا وبينه صلى الله عليه وآله هم آباؤنا لا غير،
وهو صلى الله عليه وآله يروى عن جبرائيل عن الله تبارك تعالى، ونعم ما قيل:
فوال أناسا قولهم وحديثهم * روى جدنا عن جبرائيل عن الباري
268

الدعاء (2):
اللهم انشر علينا رحمتك بالغيث العميق،
والسحاب الفتيق (3)، ومن على عبادك بينوع الثمرة،
وأحي عبادك وبلادك ببلوغ الزهرة (4).

(2) كذا في الصحيفة الثانية العلوية، وفي الجعفريات المطبوعة: (ان عليا
عليه السلام كان إذا استسقى يدعو بهذا الدعاء) - الخ.
(3) كذا في الصحيفة العلوية، وفي متن الجعفريات المطبوعة هكذا: (اللهم
انشر علينا رحمتك بالغيث المعبق) - الخ. وفي هامش الجعفريات: (العميق خ ل
البعيق - خ ل). وفي المحكي عن بعض نسخ نوادر الراوندي: (البعيق)، وفي
الصحيفة السجادية: (اللهم اسقنا الغيث، وانشر علينا رحمتك بغيثك المغدق من
السحاب المنساق لنبات أرضك المونق في جميع الآفاق) الخ. أقول: الغيث العميق
هو المنبسط على جميع النواحي. ويقال: بعق المطر - من باب نصر ومنع - بعاقا
الأرض: نزل عليها بغزارة فشقها، ويقال: تبعق وانبعق وابتعق السحاب:
انبعج وتفجر بالمطر. والبعاق - كغراب -: سحاب يسقط مطره وبشدة. والسحاب
الفتيق الذي ينشق وينكشف عن مطر.
(4) وفي الصحيفة السجادية (وامنن على عبادك بايناع الثمرة، وأحي
بلادك ببلوغ الزهرة). يقال: ينع الثمر - ينعا وينعا وينوعا، والفعل من باب
ضرب ومنع -: أدرك وطاب وحان قطافه. ومثله أينع الثمر.
269

وأشهد ملائكتك الكرام السفرة سقيا [بسقيا
خ ل] منك نافعا (5) دائما غزره، واسعا دره، وابلا
سريعا عاجلا [وحيا خ ل] (6) تحيي به ما قد مات،
وترد به ما قد فات، وتخرج به ما هو آت،
وتوسع لنا به في الأقوات، سحابا متراكما هنيئا
مريئا طبقا مجللا (7) غير ملث ودقه ولا خلب

(5) كذا في الجعفريات، وفي المستدرك (بسقيا). وفي الصحيفة العلوية:
(بسقي). أقول السقي - كفلس: اعطاء الماء للشرب، وهو مصدر سقى - من
باب رمى -. والسقيا - كرقبى -: الحظ من الماء والنصيب منه.
(6) كذا في الصحيفة العلوية، وفي الجعفريات والمستدرك: (وابلا سريعا
وجلا) - الخ. والظاهر أنه من أغلاط النساخ. وفي الصحيفة السجادية: (وأشهد
ملائكتك الكرام بسقي منك نافع دائم غزره، واسع دره، وابل سريع عاجل
تحيى به ما قد مات، وترد به ما قد فات، وتخرج به ما هو آت، وتوسع به في
الأقوات) - الخ. أقول: الغزر - كفلس وقفل -: الكثير. وهذا المعنى غير ملائم
لهذا التركيب، إلا أن يراد لازمه، وهو الخير والبركة، كما أنه هو المراد من
سعة الدر. والوابل: المطر الشديد. والوحي - كحفي -: السريع العجل، يقال
(موت وحي): عاجل، و (ذكاة وحية): عاجلة. والقتل بالسيف أوحى:
أسرع.
(7) كذا في الجعفريات والصحيفة العلوية، وفي المستدرك: (سحابا
متراكبا) وفي الصحيفة السجادية: (طبقا مجلجلا) أقول: قوله عليه السلام:
(طبقا) -. بالتحريك - أي عاما شاملا كثيرا يطبق الأرض ويغطيها. وقوله:
(مجللا) بصيغة اسم الفاعل، يقال جلل المطر الأرض أي عمها وطبقها. والشئ
أي غطاه: وعلى هذا فهو تأكيد لقوله، (طبقا).
270

برقه (8).
اللهم اسقنا غيثا مريعا ممرعا [عديما خ ل] عريضا
واسعا غزيرا تروي به البهم، وتجبر به النهم (9).

(8) كذا في الصحيفة العلوية، ومثله في الصحيفة السجادية، وفي المطبوع
من الجعفريات: (غير ملط [مضر خ ل] ودقه) وفى المستدرك: (غير ملط
ودقه) وفي هامشه نقلا عن نوادر الراوندي: (غير مضر ودقه) الخ. يقال:
ألث السحاب: دام، وأصله من ألث فلان بالمكان: إذا أقام فيه ولا يبرح.
والودق: المطر. والبرق الخلب: الذي يطمع الناس المطر ولا مطر فيه، وهو من
الخلابة - بالكسر -: الخديعة بحلو القول، قال الشاعر:
لم يكن برقك برقا خلبا
ان خير البرق ما الغيث معه
(9) كذا في الصحيفة العلوية عدى قوله: (عديما خ ل) فإنه ليس فيه،
وفي المستدرك: (اللهم اسقنا غيثا مريعا ممرعا عديما واسعا غزيرا يرو به البهم،
ويجبر به النهم) الخ، وفي الجعفريات: (اللهم اسقنا غيثا مريعا ممرعا عديما واسعا عزيزا
يرو به البهم، ويجبر به النهم) الخ. وفي هامش العلوية حاكيا عن نوادر الراوندي:
(اللهم اسقنا غيثا مريعا عريضا واسعا غزيرا ترد به النهيض، وتجبر به المهيض
اللهم خ ل) أقول: ومثله في الصحيفة السجادية، إلا أن فيها: (اللهم اسقنا
غيثا مغيثا مريعا ممرعا) الخ. أقول: البهم - على زنة سهم وسبب -: أولاد المعز
والضأن والبقر. وهو جمع البهمة - بسكون الهاء وتحريكها -. والنهم - كالنهامة
على زنة سبب وسحابة -: أفرط الشهوة في الطعام وأن لا تملي عين الآكل
ولا يشبع.
271

[اللهم] اسقنا سقيا تسيل منه الرضا [الظراب
خ ل] (10) وتملأ منه الجباب، وتفجر منه الأنهار،

(10) كذا في الصحيفة العلوية، وفي الجعفريات والمستدرك: (تسيل منه
الرضاب ويملأ منه) الخ. وفي الصحيفة السجادية: (اللهم اسقنا سقيا تسيل منه
الظراب وتملأ منه الجباب، وتفجر به الأنهار، وتنبت به الأشجار، وترخص به
الأسعار في جميع الأمصار، وتنعش به البهائم والخلق، وتكمل لنا به طيبات
الرزق، وتنبت لنا به الزرع، وتدر به الضرع) الخ. أقول: لم أجد معنى مناسبا
يفسر به (الرضاب) على ما في الجعفريات والمستدرك، والذي يخطر بالبال قويا
انه من سهو النساخ وتحريفهم، والصواب: (الضراب) - على زنة كتاب -
ويؤيده ما في الصحيفة السجادية المنقولة عن محققي علمائنا خلفا عن سلف،
وصالحا عن صالح، بخلاف كتاب الجعفريات، فإنه مع صحته واعتباره في حد
ذاته - لم يمسسه إنس ولا جان، إلا فئة قليلة من الملأ الأعلى الذين ألهمهم الله
البحث والتنقيب حول الآثار المنقولة عن النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم، إلا
أن نسخهم المصححة لم تصل الينا، بل أتلفتها يد العدوان، وريب الزمان. والحاصل أن
الصواب هو: (الظراب) وهو جمع ظرب - ككتف - وهو ما ارتفع من الأرض،
- ويعبر عنه في اللغة الفارسية ب‍ (بست) على زنة بخت وتخت -. وقيل: هو
الجبل الصغير المنبسط على الأرض. وقيل: هو رؤوس الجبال. والجباب
ككتاب وضراب -: جمع الجب، وهو البئر العادية القديمة، ووجه تخصصية
أنه لا يشبع بالأمطار القليلة، بل يبلع الماء ويقول: هل من مزيد، فإذا صار مملوءا
بالماء، فالمطر هو المطلوب لمعاشر المرزقين.
ثم لا يخفى ان جل الأفعال الآتية يصح أن تقرأ معلوما ومجهولا، وفى
بعضها أن يكون متعديا ولازما.
272

وتنبت به الأشجار، وترخص به الأسعار في جميع
الأمصار، وتنعش به البهائم والخلق وتنبت به الزرع
وتدر به الضرع، وتزيدنا به قوة إلى قوتك (11).
اللهم لا تجعل ظله علينا سموما، ولا تجعل
برده علينا حسوما، ولا تجعل ضره (12) علينا
رجوما، ولا ماءه علينا أجاجا.
اللهم ارزقنا من بركات السماوات والأرض (13).

(11) وفي الجعفريات: (وتزدنا به قوة إلى قوتك [قوتنا خ ل]).
وفي هامش المستدرك نقلا عن نوادر الراوندي: (وتزيدنا به قوة إلى قوتنا).
(12) وفي هامش المستدرك حاكيا عن النوادر: (ولا تجعل صعقه علينا
رجوما) الخ. ومثله في هامش الصحيفة العلوية، إلا أنه عقبه ب‍ (خ ل). وفي
الصحيفة السجادية: (اللهم لا تجعل ظله علينا سموما، وبرده علينا حسوما،
ولا تجعل صوبه علينا رجوما، ولا تجعل ماءه علينا أجاجا) الخ.
(13) وفي الصحيفة السجادية: (اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقنا
من بركات السماوات والأرض، إنك على كل شي قدير).
273

الجعفريات ص 49 الطبعة الأولى. ورواه عنه وعن نوادر الراوندي
رحمه الله في الدعاء السادس والثلاثين من الصحيفة الثانية العلوية ص 132،
وكذلك في الحديث الثاني من الباب الأول من صلاة الاستسقاء من مستدرك
الوسائل ج 1، ص 438، ط 2. وقريب منه جدا في الدعاء التاسع عشر
من الصحيفة الكاملة السجادية، وتقدمت أيضا في الباب الأول من كتابنا
هذا خطبة له عليه السلام قد اشتملت على أكثر ألفاظ هذا الدعاء،
وكذلك المختار (113) من الباب الأول من نهج البلاغة متضمن لبعض ألفاظ
هذا الدعاء.
- 62 -
ومن دعاء له عليه السلام
عن سعيد بن زيد، قال: كان علي عليه السلام يقول:
اللهم إني أشهدك أن السماوات والأرض وما
بينهما آيات تدل عليك، وشواهد تشهد لك
بما ادعيت، كل يؤدي عنك حجة، ويشهد
بالربوبية (1)، موسومة بآثار قدرتك ومعالم

(1) وفي رواية ابن أبي الحديد: (كل من [ما خ ل] يؤدي عنك الحجة،
ويشهد لك بالربوبية موسوم بآثار نعمتك ومعالم تدبيرك) الخ.
274

تدبيرك، الذي تجليت به لخلقك فأوصلت إلى
القلوب من معرفتك ما آنسها من الوحشة منك (1)
مع معرفتك، شاهدة لك بأنك لا تحدك الصفات
ولا يدركك الأوهام، وأن حظ المتفكر فيك
الإقرار لك بالوحدانية.
وأعوذ بك أن أضل أو أزل أو أسير بروح
أو بدن إلى غيرك.
المختار (3) من كلمه عليه السلام في نظم درر السمطين 150.
- 63 -
ومن دعاء له عليه السلام
هارون بن موسى التلعكبري رضوان الله عليه (2)، قال: حدثنا
إسحاق بن محمد بن مروان الكوفي، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب،
عن خالد بن سعيد، عن عامر الشعبي، عن عدي بن حاتم الطائي، قال:

(1) وفي رواية ابن أبي الحديد: (فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما
آنسها
من وحشة الفكر، وكفاها رجم الاحتجاج، فهي مع معرفتها بك، وولهها إليك
شاهدة بأنك لا تأخذك الأوهام) الخ.
(2) هذا على ما استظهره العلامة النوري (ره) في الصحيفة الثانية 170.
275

دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فوجدته قائما
يصلي متغيرا لونه، فلم أر مصليا بعد رسول الله صلى الله علي وآله أتم
ركوعا ولا سجودا منه، فسعيت نحوه، فلما سمع بحسي أشار إلي بيده،
فوقفت حتى صلى ركعتين أوجزهما وأكملهما ثم سلم ثم سجد سجدة أطالها
فقلت في نفسي: نام والله، فرفع رأسه ثم قال:
لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله إيمانا
وتصديقا، لا إله إلا الله تعبدا ورقا.
يا معز المؤمنين بسلطانه، يا مذل الجبارين
بعظمته، أنت كهفي حين تعييني المذاهب عند
حلول النوائب، فتضيق علي الأرض برحبها،
أنت خلقتني يا سيدي رحمة منك لي، ولولا
رحمتك لكنت من الهالكين، وأنت مؤيدي
بالنصر على أعدائي ولولا نصرك لكنت من المغلوبين.
يا منشئ البركات من مواضعها، ومرسل
الرحمة من معادنها.
فيا من خص نفسه بالعز والرحمة، فأولياؤه
بعزه يعتزون، ويا من وضع له الملوك نير المذلة
على أعناقهم (2) فهم من سطواته خائفون.

(2) النير - بكسر النون كعير ومير -: الخشبة المعترضة في عنق الثورين -
حين
يستعملون لبقر الأرض والزرع - والجمع أنيار - كأعياد في جمع العيد - ونيران.
والمراد هنا معناه الكنائي، وهو كون الملوك محتاجين إليه تعالى، ومقهورين بأيدي
حوادثه الجارية عليهم، مثل مقهورية الثورين تحت يد الزراع والأكارين.
276

أسألك بكبريائك التي شققتها من عظمتك،
وبعظمتك التي استويت بها على عرشك، وعلوت
[فعلوت خ ل] بها في خلقك، وكلهم خاضع
ذليل لعزتك، صل على محمد وآله، وافعل بي
أولى الأمرين، تباركت يا أرحم الراحمين.
قال عدي بن حاتم الطائي: ثم التفت إلي أمير المؤمنين بكله
فقال: أسمعت ما قلت أنا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: والذي
فلق الحبة وبري النسمة، ما دعا به مكروب، ولا توسل إلى الله به
محروب ولا مسلوب إلا نفس الله خناقه، وحل وثاقه، وفرج همه،
ويسر غمه، وحقيق على من بلغه أن يتحفظه. قال عدي: فما تركت
الدعاء منذ سمعته عن أمير المؤمنين عليه السلام حتى الآن.
كتاب الصلاة من البحار: 18، 483 س 3، الحديث 61، من
باب سجدة الشكر. والمختار (70) من الصحيفة الثانية.
277

- 64 -
ومن دعاء له عليه السلام
عند الصباح
ثقة الإسلام الكليني رضوان الله عليه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه
عن حماد بن عيسى، عن عبد الله بن ميمون، عن أبي عبد الله عليه السلام
أن عليا صلوات الله عليه وآله كان إذا أصبح يقول:
سبحان الله الملك القدوس، سبحان الله الملك
القدوس، سبحان الله الملك القدوس.
اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، ومن
تحويل عافيتك، ومن فجأة نقمتك، ومن درك
الشقاء، ومن شر ما سبق في الليل (1).
اللهم إني أسألك بعزة ملكك، وشدة قوتك،
وبعظيم سلطانك، وبقدرتك على خلقك.
ثم سل حاجتك (2).

(1) أي ما قدر في الليل من البلايا النازلة في النهار، أو ما سبق مني في
الليل بلا تدبر وتفكر في عاقبته. وفي الطريق الثاني: (ومن شر ما سبق في
الكتاب) الخ. قال المجلسي (ره): وهو أظهر.
(2) كأنه معطوف على المفهوم من السابق، فان النقل عن أمير المؤمنين
عليه السلام متضمن لأمر المخاطب بقوله مثله، فكأنه قال: فقل هذا ثم سل
حاجتك - كذا أفاده المجلسي الوجيه.
278

الحديث 16، من الباب 47، من كتاب الدعاء من أصول الكافي:
2، 527. ورواه أيضا في الحديث 30، من الباب عن البرقي، عن عبد الرحمان بن
حماد، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري، قال: سمعت
أبا الحسن عليه السلام يقول: إذا أمسيت فنظرت إلى الشمس في غروب
وإدبار فقل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا - إلى
آخر الدعاء - ثم قال عليه السلام: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول
إذا أصبح: سبحان الله الملك القدوس - ثلاثا - اللهم إني أعوذ بك من
زوال نعمتك - الخ.
ورواه المجلسي الوجيه (ره) في الحديث (78) من باب الأدعية
والأذكار عند الصباح والمساء (وهو الباب 63) من صلاة البحار: 18،
497، س 21، ط الكمباني. ورواه السماهيجي (ره) في الدعاء (59)
من الصحيفة العلوية 154.
279

- 65 -
ومن دعاء له عليه السلام
علم فيه الناس الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
عن ابن قتيبة في غريب الحديث (1) عن سلامة الكندي قال: كان
علي عليه السلام يعلمنا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول:
اللهم داحي المدحوات (2) وبارئ المسموكات (3)

(1) وللدعاء مصادر وثيقة أخرى نذكرها بعد الختام.
(2) الداحي: الباسط. والمدحوات: المبسوطات الممهدات، والمراد منها
الأرضون. قال ابن قتيبة - وورد في بعض الأخبار أيضا -: وكان الله تعالى
خلقها ربوة ثم بسطها، قال سبحانه في الآية (30) من سورة النازعات:
(والأرض بعد ذلك دحاها). وكل شئ بسطته فقد دحوته، ومنه قيل لموضع
بيض النعامة: أدحى. لأنها تدحو - أي توسعه - للبيض. ووزنه أفعول.
(3) وفي النهج والصحيفة العلوية: (وداعم المسموكات) أقول: داعم
المسموكات: أي جاعلها ذا سند ودعامة تحفظها عن الميل إلى أحد الجوانب.
والبارئ: الموجد الذي يبرى وينشئ الشئ من كتم العدم. والمسموكات:
المرفوعات، وكل شئ رفعته وأعليته فقد سمكته. وسمك البيت والحائط: ارتفاعه
قال الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول
280

وجبار القلوب على فطراتها شقيها وسعيدها (4)
اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك ورأفة

(4) وفي نهج البلاغة: (وجابل القلوب على فطرتها) وهو أظهر، وقوله:
(شقيها وسعيدها) بدل من القلوب، والجابل: الخالق، يقال: جبله الله على
الكرم - من باب ضرب ونصر -: فطره وخلقه عليه. وجبار القلوب على فطراتها
- كما في رواية ابن قتيبة وغيره - من قولهم: جبرت العظم فجبر من باب نصر -
إذا كان مكسورا فأقمته وأصلحته، أي أقام القلوب شقيها وسعيدها، وأثبتها على
ما فطرها عليه من معرفته والاقرار به.
قال ابن قتيبة: فإن كان يجوز أن يقال من أجبرت فلانا على الأمر: أنا
جبار له، وكان هذا محفوظا، فيجوز أن يجعل قوله عليه السلام: (جبار القلوب))
من ذلك، وهو أحسن في المعنى.
والفطرة - بكسر فسكون - كالعبرة: الصفة الطبيعية التي يكون عليها كل
موجود في بد وجوده وبحسب طبعه، وهي للانسان حالته خاليا من الآراء والأهواء
والعقائد، وهو بها يكون كاسبا محضا، فحسن اختياره يهديه ويسوقه إلى السعادة
وسوء تصرفه يضلله في طرق الشقاوة، وجمع الفطرة الفطر - كعبرة وعبر
وكسرة وكسر - والفطرات - بفتح الطاء - جمع فطر التي هي جمع الفطرة
- ككسرات جمع كسر التي هي جمع كسرة - قال في لسان العرب: وفي حديث
علي رضي الله عنه (وجبار القلوب على فطراتها) أي على خلقها، جمع فطر
وفطر جمع فطرة، وهي جمع فطرة ككسرة وكسرات، بفتح طاء الجميع،
يقال: فطرات وفطرات وفطرات.
281

تحياتك (5) على محمد عبدك ورسولك، الفاتح
لما أغلق، والخاتم لما سبق (6) والمعلن الحق بالحق،
والدامغ جيشات الأباطيل (7) كما حملته فاضطلع
بأمرك لطاعتك مستوفزا في مرضاتك (8) لغير

(5) وفي دستور معالم الحكم: (ورأفة تحننك) والشرائف جمع شريفة
مؤنث الشريف بمعنى ذي العلى والشرف، والنوامي جمع نامية مؤنث النامي، وهي
التي تنمو وتكثر وترتفع.
(6) وفي النهج والصحيفة العلوية: (الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق)
أي الخاتم لما تقدمه من النبوات، والفاتح لما أغلقه الضلال من طريق الهداية
والرشاد.
(7) وفي النهج: (والدافع جيشات الأباطيل، والدامغ صولات الأضاليل)
وفي الصحيفة العلوية: (والدافع خبيثات الأباطيل، والدامغ صولات الأضاليل)
أقول: الدامغ مأخوذ من دمغه - من باب نصر ومنع - إذا شجه حتى بلغت الشجة
دماغه فأبطله ومحقه، إذ الدماغ مقتل فإذا أصيب هلك صاحبه. وجيشات جمع
جيشة - بفتح فسكون - مأخوذ من (جاشت القدر) إذا ارتفع غليانها وطمى ماؤها.
والأباطيل جمع باطل - كأضاليل جمع ضلال - على غير قياس. أي قمع ما ارتفع من
الأباطيل، وأهلكها بسطوع البرهان وظهور الحجة.
(8) وفي النهج: (كما حمل فاضطلع قائما بأمرك). وفي دستور معالم
الحكم: (كما حمل فاضطلع بأمرك لطاعتك) أي أعلن الحق بالحق، وقمع الباطل
كما حمل تلك الأعمال الجليلة بتحمله أعباء الرسالة، فاضطلع أي نهض بها قويا،
والضلاعة: القوة، وقد تكون الكاف في قوله: (كما حملته) للتعليل كما في قوله:
فقلت له أبا الملحاء خذها * كما أوسعتنا بغيا وعدوا
ومستوفزا: مسارعا مستعجلا: وهو حال عن المستتر في (فاضطلع)
282

نكل في قدم ولا وهن في عزم (9) داعيا
لوحيك حافظا لعهدك، ماضيا على نفاذ أمرك،
حتى أورى قبسا لقابس (10) آلاء الله تصل بأهله

(9) وفي النهج: (غير نأكل عن قدم، ولا واه في عزم، واعيا لوحيك
حافظا على عهدك) وهو أظهر. وفي دستور معالم الحكم مثل ما في المتن عدا قوله:
(واعيا لوحيك) فإنه بالواو كما في النهج. وقال ابن قتيبة: النكل والنكول
- كفلس وفلوس - مصدران لقولهم: نكل فلان عن الامر - من باب نصر -:
تأخر ورجع على عقبيه، فهذا هو المشهور، ونكل - بالكسر - ينكل نكلا - بضم
فسكون - قليلة. وقال أيضا: القدم: التقدم. قال أبو زيد: رجل مقدام إذا كان
شجاعا فالقدم يجوز أن يكون بمعنى التقدم وبمعنى المتقدم. أقول: والأظهر ما في
النهج من ضبط (قدم) - على زنة قفل وعنق - وهو المضي إلى الامام، يقال:
مضى قدما: أي لم يعرج ولم ينثن. واللام في قوله: (لغير نكل) متعلقة بقوله:
(مستوفزا) أي استوفز لغير نكول، بل للخوف منك والخضوع لك.
(10) وفي نهج البلاغة: (حتى أورى قبس القابس، وأضاء الطريق للخابط،
وهديت به القلوب بعد خوضات الفتن، وأقام موضحات الأعلام) وفي دستور
معالم الحكم: (حتى أورى قبسا لقابس، وأنار علما لحابس) يقال: ورى الزند:
- كوعى - ووري - كولي - يري ورياو ورياورية - كوعدا وبعدا وعدة -:
خرجت ناره، فهو وار. وأوريته ووريته واستوريته: اتقدته. والقبس:
شعلة من النار. والقابس: الذي يطلب النار يقال: قبست نارا فأقبسني.
283

أسبابه (11) به هديت القلوب بعد خوضات الفتن
والإثم (12) موضحات الأعلام ونائرات الأحكام
ومنيرات الإسلام، فهو أمينك المأمون، وخازن
علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك
نعمة ورسولك بالحق رحمة (13).
اللهم افسح له مفسحا في عدلك (14) واجزه

(11) قال ابن أبي الحديد: تقدير الكلام: حتى أورى قبسا لقابس تصل
أسباب ذلك القبس آلاء الله ونعمه بأهله المؤمنين به.
(12) وفي الصحيفة العلوية: (وهديت به القلوب بعد خوضات الفتن
والآثام، وأقام موضحات الأعلام، ونيرات الأحكام) وما في النهج أظهر.
وعلى نسخة ابن قتيبة وكذا القضاعي يكون قوله: (موضحات ونائرات ومنيرات)
حالا عن الضمير المجرور في قوله: (به) الراجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.
وقال ابن قتيبة: قوله: (به هديت القلوب بعد الكفر والفتن موضحات
الأعلام): أي هديته لموضحات الأعلام.
(13) وفي الصحيفة العلوية: (ورسولك إلى الخلق) وفي النهج: (وبعيثك
بالحق ورسولك إلى الخلق) والبعيث فعيل بمعنى المفعول - كحبيب وذبيح - كما
أن الشهيد - فعيل - بمعنى الفاعل.
(14) وفي النهج والصحيفة: (اللهم افسح له مفسحا في ظلك)، وفي
دستور معالم الحكم: (اللهم افسح له مفسحا في عدلك أوعدنك)، قال ابن قتيبة:
أي دار عدلك يعنى يوم القيامة. ومن روى (في عدنك) بالنون أراد جنة عدن
284

مضاعفات الخير من فضلك، مهنآت غير
مكدرات من فوز ثوابك المحلول، وجزل عطائك
المعلول (15).
اللهم أعل على بناء البانين بناءه، وأكرم
مثواه لديك ونزله، وأتمم له نوره واجزه من
ابتعاثك له مقبول الشهادة [و] مرضي المقالة (16)

(15) وفي دستور معالم الحكم: (وجزيل عطائك المعلول) أقول: الظاهر
أن قوله: (ومن فوز) بيان أو بدل لقوله: (مضاعفات الخير) ولعل المراد من
الثواب المحلول الثواب الذي قد صار محققا فعليا وحل بعامله وأثيب عامله به.
ويقال: عطاء جزل وجزيل: عظيم كثير.
وقال ابن قتيبة: (المعلول) من العلل وهو الشرب بعد الشرب، فالشرب
الأول نهل، والثاني علل، يريد أن عطاءه عز وجل مضاعف كأنه يعل عباده،
أي يعطيهم عطاء بعد عطاء.
(16) وفي النهج - وقريب منه جدا في الصحيفة -: (وأكرم لديك
منزلته، وأتمم له نوره، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة ومرضي المقالة،
ذا منطق عدل وخطة فصل. اللهم اجمع بيننا وبينه في برد العيش وقرار النعمة،
ومنى الشهوات، وأهواء اللذات، ورخاء الدعة، ومنتهى الطمأنينة، وتحف
الكرامة).
285

ذا منطق عدل، وخطة فصل، وبرهان عظيم.
رواه ابن أبي الحديد في غريب كلامه عليه السلام من شرح نهج البلاغة:
19، ص 134، عن ابن قتيبة، ورواه المجلسي (ره) في باب الصلوات
الكبيرة: (23) من المجلد الثاني من تاسع عشر من البحار 86، عن الثقفي
رحمه الله في الغارات رفعه عن أبي سلام الكندي، ورواه القاضي القضاعي
في المختار الأول من الباب السادس من دستور معالم الحكم ص 119.
ورواه أيضا في المختار (69) من خطب نهج البلاغة، ورواه أيضا في
الدعاء الثاني عشر من الصحيفة الأولى العلوية ص 53. وقريب منه ما ذكرناه
بسند آخر في خطب نهج السعادة فراجع.
- 66 -
ومن دعاء له عليه السلام
وكان عليه السلام يقسم ما في بيت المال
ثم يأمر بكنسه ثم يصلي فيه ثم يقول
اللهم إني أعوذ بك من ذنب تحبط العمل،
وأعوذ بك من ذنب يورث الندم، وأعوذ بك
من ذنب يهتك العصمة، وأعوذ بك من ذنب
يحبس القسم (1).

(1) وفي مستدرك البحار: 17، ص 422 س 5 عكسا عن نزهة الناظر
عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الذنوب تغير النعم: البغي يوجب الندم
القتل ينزل النقم: الظلم يهتك العصم: شرب الخمر يحبس الرزق، الزنا يعجل
الفناء قطيعة الرحم تحجب الدعاء: عقوق الوالدين يبتر العمر - الخ.
في كتب الاختصاص: 238، ط 2: عن عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: الذنوب التي تغير النعم البغي، والذنوب التي تورث
الندم القتل، والذنوب التي تنزل النقم الظلم، والذنوب التي تهتك الستر شرب
الخمر، والذنوب التي تحبس الرزق الزنا، والذنوب التي تعجل الفناء قطيعة الرحم،
والذنوب التي تظلم الهواء وتحبس الدعاء عقوق الوالدين.
أقول: فد تقدم في التعليق على دعاء الكميل ص 149: ما ينفع هنا.
286

الحديث العاشر من الباب (25) من القسم الثاني من التاسع عشر من
البحار، ص 88، س 20، ط الكمباني، نقلا عن دعوات الراوندي (ره)
ورواه عنه أيضا في الدعاء (65) من الصحيفة العلوية ص 166.
- 67 -
ومن دعاء له عليه السلام
في الصباح
اللهم أحيني وأمتني على الكتاب والسنة،
وسلمني من الأهواء والبدعة، والزيغ والشبهة،
287

واعصمني من الحيرة والضلالة، والحمق والجهالة،
ومن سوء البلاء والفتنة، وقلة الفهم والمعرفة،
واتصال الغفلة بطول المدة، وغلبة الشهوة، إنك
لطيف لما تشاء يا أرحم الراحمين.
الصحيفة الثانية ص 196، عن كنور النجاح للطبرسي (ره).
- 68 -
ومن دعاء له عليه السلام
عند النظر إلى الشمس
أيتها الشمس البديعة التصوير، المعجزة التقدير
التي جعلت سراجا للأبصار، نفعا بسكان الأمصار
شروقك حياة، وغروبك وفاة، إن طلعت بأمر
عزيز، وإن رجعت إلى مستقر حريز (1) أسأل
الذي زين السماء، وألبسك الضياء، وصدع
لك أركان المطالع (2)، وحجبك بالشعاع الا مع،

(1) التقدير: (ان طلعت طلعت بأمر عزيز) وكذا الكلام في تاليه.
(2) يقال صدع الشئ صدعا - من باب منع -: شقه ولم يفترق. وصدع
القوم: فرقهم. وصدع الأمر: كشفه وبينه. وصدع الشئ تصديعا - من باب
فعل -: شقه. وصدع النهر أو الفلات: قطعهما.
288

فلا يشرف بك [شي ظ] إلا امتحق (3)، ولا
يواجهك بشر إلا احترق -، أن يهب لنا بك من
الصحة ودفع العلة، ورد الغربة (4) وكشف الكربة
وأن يقينا من الزلل، ومتابعة الهوى، ومصاحبة
الردى، وأن يمن علينا من العمر بأطوله، ومن
العمل بأفضله، وأن يجعلك لقضاء جديد سعيد
يؤذن بلباس الصحة، ويضمن دفاع النقمة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وأتمم
علينا آلاءك التي أوليتنيها (5)، واحرس علينا
عوارفك التي أسديتنيها (6)، إنك ولي الإحسان،
وواهب الامتنان، ذو الطول الشديد، فعال لما

(3) يقال: امتحق الشئ: اضمحل وبطل وامحى. وامتحق الحر
الشئ: أحرقه. وامتحق النبات: يبس واحترق بشدة الحر. وامتحق الرجل:
قارب الموت. والشئ: ذهب خيره وبركته.
(4) كذا في النسخة، ولعله بالتحريك جمع للغريب، وإنما سكن الراء
للموازنة.
(5) يقال: أولاه معروفا: صنعه إليه. ويقال في التعجب: ما أولاه
بالمعروف.
(6) يقال: أسدى اسداء إليه: أحسن. يقال: ألحم ما أسديت، أي تمم
ما ابتدأته من الإحسان.
289

يريد، والحمد لله رب العالمين، وهو حسبنا
ونعم الوكيل.
قال شيخنا النوري (ره): وجدت في ظهر نسخة عتيقة من كتاب
لب اللباب للشيخ السعيد القطب الراوندي (ره) كتبت فيما يقرب من
عصره (هذا الدعاء) مرويا عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
وقال السيد رضي الدين علي بن طاوس (ره) في الفصل الخامس
والعشرين من كتاب جمال الأسبوع - بعد ذكر دعاء يفتح به كل يوم
جمعة بعد طلوع الشمس - ما لفظه: وقد تقدم في تعقيب الصبح من
عمل اليوم والليلة دعاء عند النظر إلى الشمس، مروي عن مولانا علي
صلوات الله عليه، فان شئت فادع به يوم الجمعة فإنه حيث أشرنا إليه.
والجز الذي أشار (السيد (ره) إليه، من كتاب عمل اليوم والليلة المسمى
بفلاح السائل مفقود، والظاهر - بل المقطوع - أن ما أشار إليه هو هذا
الدعاء.
- 69 -
ومن دعاء له عليه السلام
في الاقرار بالعبودية لله وتعداد بعض ما أنعم الله عليه
اللهم إني عبدك ووليك، اخترتني وارتضيتني
ورفعتني وكرمتني بما أورثتني من مقام
290

أصفيائك، وخلافة أوليائك، وأغنيتني وأفقرت
الناس في دينهم ودنياهم إلي، وأعززتني وأذللت
العباد إلي، وأسكنت قلبي نورك ولم تحوجني إلى
غيرك، وأنعمت علي وأنعمت بي ولم تجعل
منة علي لأحد سواك، وأقمتني لإحياء حقك،
والشهادة على خلقك، ولا أرضى ولا أسخط إلا
لرضاك وسخطك، ولا أقول إلا حقا، ولا أنطق
إلا صدقا.
مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 1، 320.
ورواه عنه في الحديث 5، من الباب 99 من البحار: 9 وفي ط
الحديث ج 41 ص 6، وأيضا رواه عنه في الصحيفة الثانية ص 51.
- 70 -
ومن دعاء له عليه السلام
على طلحة والزبير
اللهم إن طلحة بن عبيد الله أعطاني صفقة
يمينه طائعا ثم نكث بيعتي، اللهم فعاجله ولا
تمهله، اللهم وإن الزبير بن العوام قطع قرابتي
291

ونكث عهدي وظاهر عدوي وهو يعلم أنه ظالم
لي فاكفنيه كيف شئت وأنى شئت (1).
أعثم الكوفي في كتاب الفتوح كما في مناقب آل أبي طالب: 2، ص 112
ط النجف في أول فصل إجابة دعواته عليه السلام.
- 71 -
ومن دعاء له عليه السلام
لما قدم البصرة فصلى أربع
ركعات في الموضع المعروف بالزاوية
المسعودي (ره) عن أبي خليفة الفضل بن حباب الجمحي، عن
ابن عائشة، عن معن بن عيسى، عن المنذر بن الجارود، قال: لما قدم
علي (رض) البصرة دخل مما يلي الطف - ثم وصف كيفية وروده مع
عسكره في كلام طويل، ثم قال: - فساروا حتى نزلوا الموضع المعروف
بالزاوية، فصلى أربع ركعات وعفر خديه على التراب، وقد خالط
ذلك دموعه، ثم رفع يديه يدعو و (يقول):
اللهم رب السماوات وما أظلت، والأرضين
وما أقلت، ورب العرش العظيم، هذه البصرة،

(1) وفي الطبري وكثير من المصادر: اللهم فاحلل ما عقدا ولا تبرم ما
أحكما
في أنفسهما، وأرهما المساءة فيما قد عملا.
292

أسألك من خيرها وأعوذ بك من شرها.
اللهم أنزلنا فيها منزل (1) وأنت خير المنزلين.
اللهم إن هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي،
وبغوا علي ونكثوا بيعتي.
اللهم احقن دماء المسلمين.
ثم أمر عليه السلام جنده أن لا يبدأوهم بالقتال، حتى جاء عبد الله
ابن بديل بن ورقاء الخزاعي من الميمنة، بأخ له مقتول، وجاء قوم من
الميسرة بمن قتل بسهم. مروج الذهب: 2 ص 370 ط مصر.
وليعلم أن ما عدا الدعاء تلخيص ونقل بالمعنى.
- 72 -
ومن دعاء له عليه السلام
وكان يعلمه أصحابه
عن الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (رح) في فضائل
علي عليه السلام من تصنيفه، عن عاصم بن صميرة، أن عليا (ع) كان
يعلمهم هذه الكلمات:
إلهي عظم حلمك فعفوت، فلك الحمد،
وتبسطت يدك فأعطيت فلك الحمد، ربنا وجهك

(1) كذا في النسخة، والصواب: اللهم أنزلنا فيها خير منزل الخ.
293

أكرم الوجوه، وجاهك خير الجاه، وعطيتك أبلغ
العطية، تطاع ربنا فتشكر، ونعصي ربنا فتغفر
وتجيب المضطر، وتكشف الضر، وتشفي من
السقم، وتنجي من الكرب، وتقبل التوبة،
وتغفر الذنب، لا يجزي بآلائك أحد، ولا يحصي
نعمك قول قائل.
المختار الأول مما اختار من كلمه (ع) في نظم درر السمطين 150، ط 1.
- 73 -
ومن دعاء له عليه السلام
في يوم الجمل
روى القاضي نعمان في كتاب شرح الأخبار، عن الإمام الصادق
عليه السلام أنه لما تواقف الناس يوم الجمل، خرج أمير المؤمنين عليه السلام
حتى وقف بين الصفين، ثم رفع يده نحو السماء ثم قال:
يا خير من أفضت إليه القلوب، ودعي
بالألسن، يا حسن البلا، يا جزيل العطاء، أحكم
بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير الحاكمين.
الحديث 12، من الباب (46) من كتاب الجهاد من المستدرك:
2، 264.
294

- 74 -
ومن دعاء له عليه السلام
ذا لقي العدو
اللهم إنك أنت عصمتي وناصري ومانعي (1)
اللهم بك أصول، وبك أقاتل.
الحديث 16، من الباب 7، من كتاب الجهاد من الدعائم: 1، 371.
- 75 -
ومن دعاء له عليه السلام
في يوم الجمل
حين أصر القوم على القتال، وقتلوا مسلما، وهو ناشر للقرآن
الكريم، وقائل: هذا كتاب الله وأمير المؤمنين يدعوكم إلى ما فيه،
فقالت عائشة: أشجروه بالرماح، فتبادروا إليه وطعنوه من كل جانب،
فرفع أمير المؤمنين عليه السلام يديه إلى السماء وقال:
اللهم إليك شخصت الأبصار، وبسطت

(1) كذا في المستدرك: 2، 264 في الحديث 10، من الباب 46، من
كتاب الجهاد، وفي دعائم الإسلام: ومعيني.
295

الأيدي، وأفضت القلوب، وتقربت إليك بالأعمال،
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير
الفاتحين.
كتاب الجمل، 182، ط النجف، وقريب منه رويناه عن كتاب
دعائم الإسلام.
- 76 -
ومن دعاء له عليه السلام
إذا أراد القتال
المجلسي الوجيه (ره) عن مجموعة لبعض القدماء، عن الإمام الصادق
عن أبيه، عن الإمام السجاد، عن أمير المؤمنين عليهم السلام انه دعا
بهذا الدعاء:
اللهم إنك أعلمت سبيلا من سبلك، فجعلت
فيه رضاك، وندبت إليه أولياءك، وجعلته أشرف
سبلك عندك ثوابا، وأكرمها لديك مآبا، وأحبها إليك
مسلكا، ثم اشتريت فيه من المؤمنين أنفسهم
وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيلك
فيقتلون ويقتلون وعدا عليك حقا، فاجعلني
ممن اشترى فيه منك نفسه، ثم وفى لك بيعته
296

الذي بايعك عليه غير ناكث ولا ناقض عهدك،
ولا مبدلا تبديلا، إلا استنجازا لوعدك، واستيجابا
لمحبتك، وتقربا إليك، فصل على محمد وآله،
واجعله خاتمة عملي، وارزقني فيه لك وبك
مشهدا توجب لي به الرضا، وتحط عني به الخطايا
في الأحياء المرزوقين بأيدي العداة العصاة، تحت
لواء الحق وراية الهدى، ماض على نصرتهم قدما
غير مول دبرا، ولا محدث شكا، أعوذ بك عند
ذلك من الذنب المحبط للأعمال.
البحار، ج 20 ص 262، ط الكمباني والصحيفة الأولى ص 179.
وللدعاء مصادر وثيقة تأتي الإشارة إليها.
- 77 -
ومن دعاء له عليه السلام
في الاستسقاء
العلامة النوري رحمه الله عن كتاب فقه الرضا، قال: وكان
أمير المؤمنين عليه السلام يدعو عند الاستسقاء بهذا الدعاء:
يا مغيثنا ومغنينا ومعيننا على ديننا ودنيانا
بالذي تنشر علينا من الرزق، نزل بنا عظيم
297

لا يقدر على تفريجه غير منزله، عجل على العباد
فرجه (1) فقد أشرفت الأبدان على الهلاك، فإذا
هلكت الأبدان هلك الدين، يا ديان العباد ومقدر
أمورهم بمقادير أرزاقهم لا تحل بيننا وبين
رزقك وما أصبحنا فيه من كرامتك، معترفين (2)
قد أصيب من لا ذنب له من خلقك بذنوبنا،
ارحمنا بمن جعلته أهلا لاستجابة دعائه حين
سألك، يا رحيم لا تحبس عنا ما في السماء،
وانشر علينا نعمك وعد علينا برحمتك، وابسط
علينا كنفك، وعد علينا بقبولك واسقنا الغيث
ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين،
ولا تؤاخذنا بما فعل المبطلون، وعافنا يا رب
من النقمة في الدين، وشماتة القوم الكافرين،
يا ذا النفع والنصر (3) إنك إن أحببتنا فبجودك
وكرمك، ولإتمام ما بنا من نعمائك، وإن تردنا
فبلا ذنب منك لنا (4) ولكن بجنايتنا على أنفسنا

(1) كذا في النسخة.
(2) كذا في النسخة، والظاهر إن الأصل كان هكذا: (معترفين بأنه) الخ.
(3) كذا في النسخة.
(4) وفي نسخة: (وإن تردنا فبجنايتنا) ولعله أظهر.
298

فاعف عنا قبل أن تصرفنا وقلنا واقلبنا بإنجاح
الحاجة يا الله.
الحديث الرابع من باب صلاة الاستسقاء من مستدرك الوسائل: 1
ص 438.
- 78 -
ومن دعاء له عليه السلام
لما شخص من النخيلة قاصدا للشام
نصر بن مزاحم عن عمرو بن شمر، وعمر بن سعد، ومحمد بن
عبد الله، قال عمر: حدثني رجل من الأنصار، عن الحارث بن كعب
الوالبي، عن عبد الرحمان بن عبيد بن أبي الكنود، قال: لما أراد علي
الشخوص من النخيلة - س - (1) فدعا بدابته فجاءته، فلما وضع رجله في
الركاب قال: (بسم الله) فلما جلس على ظهرها قال: (سبحان الذي
سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون) ثم قال:
اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر (2)،

(1) لفظة (س) إشارة إلى ما أسقطناه من الكلم الفاصلة بين السند والدعاء
فتذكر.
(2) الوعثاء - كالحمراء -: المشقة. والكآبة - على زنة الراحة والكعبة
والسحابة: الحزن والغم. والمنقلب - مصدر بمعنى -: الرجوع.
299

وكآبة المنقلب، والحيرة بعد اليقين، وسوء
المنظر في الأهل والمال والولد.
اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في
الأهل، ولا يجمعهما غيرك، لأن المستخلف
لا يكون مستصحبا، والمستصحب لا يكون
مستخلفا.
كتاب صفين 132، ط مصر وفي ط ص 149.
والمختار (46) من الباب الأول من النهج، ونقله ابن أبي الحديد
في شرحه ج 2 ص 166، عن كتاب صفين. ثم قال: ورواه غيره أيضا
من أصحاب السيرة، والصحيفة الأولى ص 184، ورواه أيضا المجلسي (ره)
عن كتاب صفين وشرح ابن أبي الحديد في البحار: 8 ص 479.
- 79 -
ومن دعاء له عليه السلام
عند الشخوص عن النخيلة والمسير إلى الشام
الحمد لله كلما وقب ليل وغسق (1)، والحمد
لله كلما لاح نجم وخفق (2)، والحمد لله غير

(1) وقب الليل: دخل. وغسق الليل: اشتدت ظلمته.
(2) يقال: لاح النجم: ظهر. وخفق النجم: غاب واستتر.
300

مفقود الأنعام، ولا مكافا الإفضال، وأشهد أن
لا اله إلا الله ونحن على ذلكم من الشاهدين،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه
وآله وسلم - الخ.
المختار (48) من خطب نهج البلاغة، وكتاب صفين ص 131، ط مصر.
- 80 -
ومن دعاء له عليه السلام
إذا برز للسفر
أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمدا
رسول الله عبده ورسوله، الحمد لله الذي هدانا
للإسلام، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس،
سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين.
اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة
المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد.
اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في
الأهل، والمستعان في الأمر، اطو لنا البعد، وسهل
لنا الحزونة، واكفنا المهم، إنك على كل شئ
قدير. دعائم الإسلام 347، في الحديث 7، من باب ذكر آداب السفر.
301

- 81 -
ومن دعاء له عليه السلام
إذا وضع رجله في الغرز
الشهيد الأول محمد بن مكي بن محمد بن حامد رفع الله درجاته،
قال: أخبرنا جماعة من أشياخنا عن الشيخ الإمام صفي الدين أبي الفضائل
عبد المؤمن بن عبد الحق الخطيب البغدادي، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد
ابن إسحاق بن عبد الله المعروف بابن قاضي اليمن إجازة، عن عتيق بن
سلامة السلماني، عن الحافظ محمد بن أبي القاسم بن علي بن هبة الله بن
عساكر.
وحدثني السيد النسابة العلامة الفقيه المؤرخ تاج الدين أبو عبد الله
محمد بن معية الحسيني من لفظه، قال: أخبرني جلال الدين محمد بن
محمد الكوفي الواعظ إجازة، قال: أخبرنا تاج الدين علي بن النجيب
المعروف بابن الساعي المؤرخ، أنبأنا الحافظ ابن عساكر، أنبأنا الشريف
أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين
ابن علي بن حمزة بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين
عليهما السلام قرأت عليه بالكوفة بمجسد أبي إسحاق السبيعي في ذي القعدة
سنة إحدى وخمسمائة، أنبأنا أبو الفرج محمد بن أحمد بن محمد بن علان
المعروف بابن الخازن المعدل، أنبأنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله
302

ابن الحسين الجعفي، أنبأنا أبو جعفر محمد بن جعفر بن محمد بن رباح
الأشجعي، أنبأنا علي بن منذر (يعني الطريقي) أنبأنا محمد بن فضل، عن
يحيى بن عبد الله الأجلح الكندي، الكوفي، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله
السبيعي الهمداني الكوفي، عن أبي زهير الحرث بن عبد الله الأعور الهمداني
الكوفي، عن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه
إنه خرج من باب القصر فوضع رجله في الغرز فقال: بسم الله، فلما
استوى على الدابة قال:
الحمد لله الذي أكرمنا وحملنا في البر والبحر،
ورزقنا من الطيبات، وفضلنا على كثير ممن خلق
تفضيلا.
سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين،
وانا إلى ربنا لمنقلبون، رب اغفر لي ذنوبي إنه
لا يغفر الذنوب إلا أنت.
ثم قال عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
إن الله ليعجب بعبده إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت.
وقريب منه في دعائم الإسلام: 1، 346، مرسلا، وكما في المختار
(58) من الصحيفة 207. وقريب منه أيضا في الحديث (32) من الجز
الثامن عشر من أمالي الشيخ (ره) ص 328، معنعنا.
303

- 82 -
ومن دعاء له عليه السلام
يقرأ في السفر كل يوم
حكي عن حاشية جنة الأمان للكفعمي (ره) أنه وجد هذا الدعاء
منقولا عن أمير المؤمنين عليه السلام وانه يقرأ في السفر كل يوم مرة:
اللهم أسعدنا بهذه الحركة، وامددنا باليمن
والبركة، وقنا سوء القدر، واكفنا مهمات السفر
وقرب لنا البعد والنأي، وسهل علينا السير والسري
ووفقنا لطي المراحل، وأنزلنا خير المنازل،
واحفظ مخلفينا، واجمع بيننا وبينهم بأحسن
آمالنا وأمانينا (1)، سالمين غانمين تائبين، برحمتك
يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد
وآله الطاهرين.

(1) وربما يقرأ بالتخفيف، للازدواج مع قوله مخلفينا.
304

- 83 -
ومن دعاء له عليه السلام
إذا عثرت دابته
الحميري عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، قال: حدثني
(الإمام الصادق) جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: كان علي عليه السلام
إذا عثرت دابته قال:
اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، ومن
تحويل عافيتك، ومن فجأة نقمتك.
قرب الإسناد.
- 84 -
ومن دعاء له عليه السلام
عقيب قريضة العصر
نصر بن مزاحم المنقري، عن عمرو بن خالد عن أبي الحسين (1)
زيد بن علي، عن آبائه عن علي عليهم السلام، قال: خرج علي وهو
يريد صفين حتى إذا قطع النهر أمر مناديه فنادى بالصلاة، فتقدم فصلى

(1) وفي الصحيفة العلوية الثانية 11، عن الحسين بن زيد بن علي - الخ.
305

ركعتين، حتى إذا قضى الصلاة أقبل على الناس بوجهه فقال: أيها الناس
ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم الصلاة، فانا قوم سفر [على سفر خ ل]
ألا ومن صحبنا فلا يصومن المفروض، والصلاة [المفروضة] ركعتان.
قال نصر (2): ثم خرج عليه السلام حتى أتى دير أبي موسى وهو من
الكوفة على فرسخين، فصلى بها العصر، فلما انصرف من الصلاة قال:
سبحان [الله] ذي الطول والنعم، سبحان الله
ذي القدرة والإفضال، أسأله (3) الرضا بقضائه،
والعمل بطاعته، والإنابة إلى أمره، إنه سميع
الدعاء (4).

(2) المستفاد من العلامة النوري (ره) أن نصر يروي هذا الدعاء عن
أمير المؤمنين عليه السلام بالسند الذي ذكرناه، وصريح كتاب صفين الطبعة الثانية
سنة 1382، بمصر بتحقيق عبد السلام محمد هارون أن هذا الدعاء يرويه صاحب
كتاب صفين عن عمر بن سعد، عن رجل من الأنصار عن الحارث بن كعب الوالبي،
عن عبد الرحمان بن عبيد بن أبي الكنود من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.
وأما شرح ابن أبي الحديد والبحار فلا يأبيان عن كل واحد من الأمرين ولا
مجموعهما، بل ولا جميع طرق نصر في كتاب صفين، وضيق الوقت لم يساعدني
على بذل الوسع، فعليك بالتأمل.
(3) كذا في البحار نقلا عن كتاب صفين، وفي كتاب صفين الطبعة المتقدمة
وشرح ابن أبي الحديد حاكيا عنه: (أسأل الله الرضا بقضائه) الخ.
(4) كذا في البحار وشرح ابن أبي الحديد، وفي كتاب صفين: (فإنه سميع الدعاء).
306

كتاب صفين ط مصر، ص 134، وفي ط ص 150، وشرح المختار (46)
من خطب النهج لابن أبي الحديد، ج 2 ص 167، نقلا عن كتاب صفين
قال: ورواه غيره من رواة السيرة أيضا. والبحار: 8، ص 479 نقلا عنهما.
- 85 -
ومن دعاء له عليه السلام
بعد فريضة المغرب
وبالسند المتقدم قال نصر: ثم خرج [أمير المؤمنين عليه السلام من
دير أبي موسى] حتى نزل على شاطئ نرس (1) بين موضع حمام أبي بردة
وحمام عمر، فصلى بالناس المغرب، فلما انصرف قال:
الحمد لله الذي يولج الليل في النهار، ويولج
النهار في الليل، والحمد لله كلما وقب ليل وغسق
والحمد لله كلما لاح نجم وخفق.
كتاب صفين 134، وفي ط ص 151، وشرح ابن أبي الحديد: 2
ص 167، قال: ورواه أيضا غيره من رواة السيرة، وبحار الأنوار: 8
ص 479 ط الكمباني.

(1) نرس - بالفتح ثم السكون وآخره سين مهملة -: نهر حفره نرسي
ابن بهرام، بنواحي الكوفة، مأخذه من الفرات، وعليه عدة قرى - كذا عن
مراصد الاطلاع - ومعجم البلدان.
307

- 86 -
ومن دعاء له عليه السلام
إذا أراد المسير إلى الحرب
نصر بن مزاحم المنقري (ره) عن عمرو بن شمر، عن عمران، عن
سلام بن سويد، قال: كان علي إذا أراد أن يسير إلى الحرب، قعد
على دابته وقال:
الحمد لله رب العالمين على نعمه علينا وفضله
العظيم، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له
مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون.
ثم يوجه دابته إلى القبلة، ثم يرفع يديه إلى السماء ثم يقول:
اللهم إليك نقلت الأقدام، وأفضت القلوب،
ورفعت الأيدي، وشخصت الأبصار (1).

(1) يقال: أفضى إليه إفضاء: وصل. وأفضى إليه بسره: أعلمه به.
وأفضى به إلى كذا: بلغ وانتهى به إليه. ويقال: شخص - شخوصا - من
باب منع - الشئ: ارتفع. وشخص بصره: فتح عينه فلم يطرف. وشخص
الميت بصره وببصره: رفعه.
ثم الظاهر أن كلمة: (اللهم إنا) ساقطة من قوله: (نشكو إليك غيبة نبينا)
كما يؤيده ثبوتها في نهج البلاغة، والمختار 93 و 96 من هذا الباب من كتابنا هذا.
308

نشكو إليك غيبة نبينا، وكثرة عدونا،
وتشتت أهوائنا، ربنا افتح بيننا وبين قومنا
بالحق وأنت خير الفاتحين.
كتاب صفين 231، ط مصر، وقريب منه في المختار (16) من
الباب الثاني من نهج البلاغة.
- 87 -
ومن دعاء له عليه السلام
في بد القتال يوم صفين لما زحفوا باللواء
بسم الله الرحمن الرحيم، لا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم.
اللهم إياك نعبد وإياك نستعين، يا الله يا رحمان
يا رحيم، يا أحد يا صمد، يا إله محمد، إليك
نقلت الأقدام، وأفضت القلوب، وشخصت
الأبصار، ومدت الأعناق، وطلبت الحوائج،
ورفعت الأيدي.
اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير
الفاتحين، لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله
والله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر.
309

كتاب صفين لعبد العزيز الجلودي البصري، كما في البحار: 2، من
19، ص 133.
والدعاء (19) من الباب (46) من كتاب الجهاد من مستدرك الوسائل
2 ص 265 نقلا عن مهج الدعوات.
ورواه في الدعاء (70) من الصحيفة الأولى العلوية 165.
- 88 -
ومن دعاء له عليه السلام
إذا سار إلى القتال
نصر بن مزاحم المنقري، عن عمر وبن شمر، عن جابر، عن تميم
قال: كان علي عليه السلام - إذا سار إلى القتال - ذكر اسم الله حين
يركب، ثم يقول:
الحمد لله على نعمه علينا وفضله العظيم،
سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين،
وإنا إلى ربنا لمنقلبون (1).
ثم يستقبل القبلة ويرفع يديه إلى الله ثم يقول:
اللهم إليك نقلت الأقدام، وأتعبت الأبدان،
وأفضت القلوب، ورفعت الأيدي، وشخصت

(1) اقتباس من الآية (13) من سورة الزخرف: 43.
310

الأبصار، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت
خير الفاتحين (2).
[ثم يقول للجند:] سيروا على بركة الله، ثم يقول:
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر،
يا الله يا أحد يا صمد، يا رب محمد، بسم الله
الرحمن الرحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم، [الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم،
مالك يوم الدين] إياك نعبد وإياك نستعين،
اللهم كف عنا بأس الظالمين.
[قال] فكان هذا شعاره بصفين.
كتاب صفين ص 130، ط مصر، ورواه عنه بمغايرة طفيفة ابن
أبي الحديد في شرح المختار (65) من الباب الأول من نهج البلاغة ج 5
ص 176، الطبعة الثانية بمصر.

(2) (ربنا افتح) أي اقض واحكم. (وأنت خير الفاتحين) أي أنت
خير الحاكمين والقاضين بالحق. والكلام اقتباس من الآية (89) من سورة
الأعراف: 7.
311

- 89 -
ومن دعاء له عليه السلام
إذا أراد القتال
ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني الرازي، قدس الله نفسه، عن
عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد، عن ابن
القداح، عن أبيه ميمون، عن أبي عبد الله عليه السلام، أن أمير المؤمنين
عليه السلام، كان إذا أراد القتال قال:
اللهم إنك أعلمت سبيلا من سبلك جعلت
فيه رضاك، وندبت إليه أولياءك، وجعلته
أشرف سبلك عندك ثوابا، وأكرمها لديك مآبا،
وأحبها إليك مسلكا، ثم اشتريت فيه من المؤمنين
أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في
سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليك حقا (1)
فاجعلني ممن اشترى فيه منك نفسه، ثم
وفى لك ببيعه الذي بايعك عليه، غير ناكث
ولا ناقض عهده، ولا مبدلا تبديلا (2)، بل استيجابا

(1) والكلام اقتباس من الآية (112) من سورة التوبة: 9.
(2) كذا في النسخة، وفي غير واحد من المصادر: (ولا مبدل تبديلا).
312

لمحبتك وتقربا به إليك، فاجعله خاتمة عملي،
وصير فيه فناء عمري، وارزقني فيه لك وبه مشهدا
توجب لي به منك الرضا، وتحط به عني الخطايا
وتجعلني في الأحياء المرزوقين، بأيدي العداة
والعصاة، تحت لواء الحق وراية الهدى، ماضيا
على نصرتهم قدما (3)، غير مول دبرا، ولا
محدث شكا.
اللهم وأعوذ بك عند ذلك من الجبن عند
موارد الأهوال، ومن الضعف عند مساورة
الأبطال، ومن الذنب المحبط للأعمال، فأحجم
من شك، أو أمضي بغير يقين، فيكون سعيي
في تباب (4)، وعملي غير مقبول.
الحديث الأول من الباب (20) من كتاب الجهاد، من الكافي: 5، 46.
ونقله عنه في البحار: 8، 625، س 10. ورواه أيضا العياشي (ره)

(3) أي ذاهبا وسائرا أمام الجيش الذي تحت لواء الحق وراية الهدى
لأجل
نصرتهم غير معرج على شئ. والقدم: المضي إلى الأمام، يقال: مضى قدما
أي لم يعرج ولم ينثن. ويوصف به المذكر والمؤنث.
(4) (مساورة الأبطال): مواثبتهم ومقاتلتهم. (فأحجم من شك) أي
أكف عن القتال من أجل الشك، يقال: أحجم عن الشئ: كف أو نكص
هيبة. والتباب: الخسارة والهلاك والنقص
313

في الحديث (143) من تفسيره لسورة البراءة ج 2 ص 113، إلى قوله:
(ولا مبدل تبديلا) وصرح بأنه مختصر، ورواه عنه في البحار: ج 21 ص 98
وكذلك في البرهان: 2 ص 167. وأيضا رواه عنه في مستدرك الوسائل
ج 2 ص 263، في الحديث الأول من الباب (46) من كتاب الجهاد.
ورواه أيضا في الدعاء (84) من الصحيفة الأولى العلوية باختلاف طفيف.
- 90 -
ومن دعاء له عليه السلام
دعا به يوم صفين
حسين بن سعيد الأهوازي رحمه الله في كتاب الدعاء والذكر باسناده
عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان من دعاء
أمير المؤمنين صلوات الله عليه يوم صفين:
اللهم رب هذا السقف المرفوع المكفوف
المحفوظ الذي جعلته مغيض الليل والنهار (1)،
وجعلت فيها مجاري الشمس والقمر، ومنازل

(1) وفي النهج: اللهم رب السقف المرفوع، والجو المكفوف، الذي
جعلته مغيضا لليل والنهار الخ. أقول: المغيض: المغيب. وقيل: المغيض مأخوذ
من غاض الماء: إذا نقص، كأن هذا الجو منبع الضياء، والظلام، وهو مغيضها
كما يغيض الماء في البئر.
314

الكواكب والنجوم، وجعلت ساكنه سبطا من
الملائكة لا يسأمون العبادة، ورب هذه الأرض
التي جعلتها قرارا للناس والأنعام والهوام وما نعلم
ما لا نعلم مما يرى ومما لا يرى من خلقك العظيم،
ورب الجبال التي جعلتها للأرض أوتادا وللخلق متاعا
ورب البحر المسجور المحيط بالعالم، ورب السحاب
المسخر بين السماء والأرض، ورب الفلك التي
تجري في البحر بما ينفع الناس، إن أظفرتنا على
عدونا فجنبنا الكبر، وسددنا للرشد، وان
أظفرتهم علينا فارزقنا الشهادة، واعصم بقية
أصحابي من الفتنة (2).

(2) ومثله في رواية نصر بن مزاحم، وفي نهج البلاغة: (وان أظهرتهم
علينا فارزقنا الشهادة، واعصمنا من الفتنة، أين المانع للذمار والغائر عند نزول
الحقائق من أهل الحفاظ العار وراؤكم، والجنة أمامكم).
أقول: الذمار - كحمار -: ما يلزم الرجل حفظه من الأهل والعشيرة وما
ينتسب إليه، والغائر مأخوذ من قولهم: (غار على امرأته أو قرينه) إذا تغيظ
واستشاط غضبا أن يمسها أجنبي. والحقائق - هنا -: النوازل الثابتة التي لا تقلع إلا
بعلو الهمة، وسمو العزيمة. و (من) بيانية، والحفاظ: الوفاء ورعاية الذمم.
وقوله عليه السلام: (العار وراؤكم والجنة أمامكم). ما أفصحه من كلام وأجوده
من ذيل يقصر البيان عن تبيين لطافته، ويقصر البنان عن شرح مزاياه وكتابة
ما فيه، شدة لصوقه واتصاله بما قبله، وما فيه من المعنى البديع. والظاهر أن
المراد من العار هو معناه المطلق الشامل للعامل الشرعي، من ترك الواجب،
أو ارتكاب محرم - لا خصوص معناه العرفي اللحوظ عند سواد الناس - وذلك
لكون إرادة الاطلاق أو في للغرض الباعث على الحث والتحضيض، والبعث
والتحريض
315

القسم الثاني من المجلد التاسع عشر من البحار، ص 135، ط الكمباني
ونقله أيضا السيد الرضي (ره) في المختار (166) أو المختار (169) من
باب الخطب من نهج البلاغة، مع مزايا بديعة وذيل لطيف، وله أيضا
مصادر أخر تأتي.
- 91 -
ومن دعاء له عليه السلام
في المعنى المتقدم برواية أخرى
الطبري - في وقعة صفين في السنة (37) من الهجرة من تاريخه
ج 4 ص 10 - عن أبي مخنف، قال: حدثني مالك بن أعين، عن زيد
ابن وهب الجهني، أن عليا عليه السلام خرج إليهم غداة الأربعاء،
فاستقبلهم فقال:
اللهم رب السقف المرفوع المحفوظ المكفوف
الذي جعلته مغيضا لليل والنهار، وجعلت فيه
316

مجرى الشمس والقمر ومنازل النجوم، وجعلت
سكانه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة، ورب
هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام والهوام
والأنعام، وما لا يحصى مما يرى ومما لا يرى من
خلقك العظيم، ورب الفلك التي تجري في البحر
بما ينفع الناس، ورب السحاب المسخر بين السماء
والأرض، ورب البحر المسجور المحيط بالعالم،
ورب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا
وللخلق متاعا، إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا
البغي، وسددنا للحق، وإن أظهرتهم علينا
فارزقني الشهادة، واعصم بقية أصحابي من الفتنة.

وقريب منه جدا رواه في كتاب صفين 232 لنصر بن مزاحم،
عن عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي، عن مالك بن أعين، عن زيد
ابن وهب، عنه عليه السلام.
ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار (65) من خطب النهج
ج 5 ص 177.
317

- 92 -
ومن دعاء له عليه السلام
علمه لأصحابه لما بلغه منهم ما يكرهه من سب أهل الشام
نصر بن مزاحم في كتاب صفين 102، عن عمر بن سعد، عن
عبد الرحمان، عن الحارث بن حصيرة، عن عبد الله بن شريك، قال:
خرج حجر بن عدي وعمر بن الحمق يظهر إن البراءة واللعن من أهل
الشام، فأرسل اليهما علي عليه السلام أن كفا عما يبلغني عنكما. فأتياه
فقالا: يا أمير المؤمنين ألسنا محقين؟ قال: بلى [قالا: أو ليسوا مبطلين؟
قال: بلى] قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟ قال:
كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين،
تشتمون وتتبرؤون، ولكن لو وصفتم مساوي
أعمالهم فقلتم: من سيرتهم كذا وكذا، ومن
عملهم كذا وكذا، كان أصوب في القول، وأبلغ
في العذر، و [لو قلتم] مكان لعنكم إياهم
وبرأتكم منهم:
اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات
بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف
الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من
318

لهج به (1).
ورواه أيضا في المختار (203) من خطب نهج البلاغة، وفي الصحيفة
العلوية الأولى ص 180. وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص 163،
ط النجف.
- 93 -
ومن دعاء له عليه السلام
قاله يوم صفين
نصر بن مزاحم (ره) عن قيس بن الربيع، عن عبد الواحد بن
حسان العجلي عمن حدثه عن علي عليه السلام إنه سمع يقول يوم صفين:
اللهم إليك رفعت الأبصار، وبسطت الأيدي
[ونقلت الأقدام] ودعت الألسن، وأفضت القلوب
وتحوكم إليك في الأعمال، فاحكم بيننا وبينهم
بالحق وأنت خير الفاتحين.

(1) يقال: ارعوى عن الجهل ارعواء: كف عنه ورجع. ولهج بالشئ
لهجا - من باب علم، والمصدر على زنة فرس -: أغرى به فثابر عليه، فهو
لهج - ككتف - ولاهج. وليعلم أن المقصود الأصلي من نقل كلامه عليه السلام
- هنا - هو هذا الذيل - أعني قوله: (اللهم احقن دماءنا) إلى آخره - وإنما
ذكرنا الكلام بأجمعه، لاشتماله صدرا وذيلا على آداب عالية، ومكارم سامية.
319

اللهم انا نشكو إليك غيبة نبينا، وقلة عددنا،
وكثرة عدونا، وتشتت أهوائنا، وشدة الزمان،
وظهور الفتن.
أعنا عليهم بفتح تعجله (1) ونصر تعز به
سلطان الحق وتظهره.
كتاب صفين ص 231 ط مصر. ورواه عنه ابن أبي الحديد في
شرح المختار (65) من خطب نهج البلاغة ج 5 ص 176.
- 94 -
ومن دعاء له عليه السلام
علمه لابن عباس (ره)) في ليلة الهرير لتسكن روعته
قال العلامة المجلسي أعلى الله في المقربين مجالسه، قال السيد: وجدت
في الجز الرابع من كتاب رفع الهموم والأحزان، لأحمد بن داود النعمان
(قال:) قال ابن عباس: قلت لأمير المؤمنين عليه السلام ليلة صفين:
أما ترى الأعداء قد أحدقوا بنا؟ قال عليه السلام: وقد راعك هذا.
قلت: نعم. فقال: قل:
اللهم إني أعوذ بك من أن أضام في سلطانك.
اللهم إني أعوذ بك أن أضل في هداك.

(1) كذا في النسخة، وما أحوج السياق إلى كلمة: (اللهم).
320

اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك.
اللهم إني أعوذ بك أن أضيع في سلامتك.
اللهم إني أعوذ بك أن أغلب والأمر لك
وإليك.
البحار: 2، من 19، 135، ط الكمباني. ورواه أيضا في الدعاء
(68) من الصحيفة الأولى العلوية 154.
- 95 -
ومن دعاء له عليه السلام
المعروف بدعاء الكرب
وقد دعا به عليه السلام في يوم الهرير
قال السيد ابن طاوس قدس الله نفسه: روينا باسنادنا إلى سعد بن
عبد الله في كتاب الدعاء، قال: حدثني محمد بن عبد الله المسمعي، عن
عبد الله بن عبد الرحمان الأصم.
وحدثني موسى بن جعفر بن وهب البغدادي، عن محمد بن الحسن
ابن شمون [كذا] عن عبد الله بن عبد الرحمان، عن أبي جعفر محمد بن
النعمان الأحول، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دعا أمير المؤمنين
عليه السلام يوم الهرير حين اشتد على أوليائه الأمر، دعاء الكرب:
اللهم لا تحبب إلي ما أبغضت، ولا تبغض
321

إلي ما أحببت.
اللهم إني أعوذ بك أن أرضى سخطك أو أسخط
رضاك، أو أرد قضاءك، أو أعدو قولك، أو
أناصح أعداءك، أو أعدو أمرك فيهم.
اللهم ما كان من عمل أو قول يقربني من
رضوانك، ويباعدني من سخطك فصبرني له
واحملني عليه يا أرحم الراحمين.
اللهم إني أسألك لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا،
ويقينا صادقا، وإيمانا خالصا، وجسدا متواضعا،
وارزقني منك حبا، وأدخل قلبي منك رعبا.
اللهم فإن ترحمني فقد حسن ظني بك، وإن
تعذبني فبظلمي وجوري وجرمي وإسرافي على
نفسي، فلا عذر لي إن اعتذرت، ولا مكافات
أحتسب بها.
اللهم إذا حضرت الآجال، ونفدت الأيام،
وكان لابد من لقائك فأوجب لي من الجنة منزلا
يغبطني به الأولون والآخرون، لا حسرة بعدها
ولا رفيق بعد رفيقها في أكرمها منزلا.
اللهم ألبسني خشوع الإيمان بالعز، قبل الذل
في النار.
322

أثني عليك رب أحسن الثناء، لأن بلاءك
عندي أحسن البلاء (1).
اللهم فأذقني من عونك وتأييدك وتوفيقك
ورفدك، وارزقني شوقا إلى لقائك، ونصرا في
نصرك حتى أجد حلاوة ذلك في قلبي، واعزم
لي على أرشد أموري، فقد ترى موقفي وموقف
أصحابي، ولا يخفى عليك شئ من أمري.
اللهم أسألك النصر الذي نصرت به رسولك،
وفرقت به بين الحق والباطل، حتى أقمت دينك
وأفلجت به حجتك، يامن هو في كل مقام.
البحار: 2، من 19، ص 134، س 5. ورواه أيضا في الدعاء
(72) من الصحيفة الأولى ص 167.
- 96 -
ومن دعاء له عليه السلام
في يوم الهرير أيضا
نصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن عمير الأنصاري
قال: والله لكأني أسمع عليا يوم الهرير - حين سار أهل الشام، وذلك

(1) المراد من البلا - هنا - النعمة.
323

بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بينها وبين عك ولخم وجذام والأشعريين
بأمر عظيم تشيب منه النواصي، من حين استقلت الشمس حتى قام قائم
الظهيرة، ثم إن عليا - قال: حتى متى نخلي بين هذين الحيين قد فنيا
وأنتم وقوف تنظرون إليهم، أما تخافون مقت الله. ثم انفتل إلى القبلة
ورفع يديه إلى الله ثم نادى:
يا الله يا رحمان [يا رحيم] يا واحد [يا أحد]
يا صمد، يا الله يا إله محمد.
اللهم إليك نقلت الأقدام، وأفضت القلوب
ورفعت الأيدي، وامتدت الأعناق، وشخصت
الأبصار، وطلبت الحوائج.
[اللهم انا نشكو إليك غيبة نبينا صلى الله
عليه [وآله] (1) وكثرة عدونا، وتشتت أهوائنا،
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير
الفاتحين.
كتاب صفين ص 477، ط مصر، ورواه عنه في البحار: 8 ص 503.

(1) كذا في ترجمة تاريخ أعثم الكوفي، وأما البحار فلم يذكر الصلوات
- هنا - أصلا، لا على النبي ولا على آله، وأما ابن أبي الحديد فلم أقف الآن مورد
روايته عن كتاب صفين حتى يستشهد به، وأما كتاب صفين المطبوع بمصر في
سنة 1382 فإنه ذكر الصلاة على النبي من غير عطف (الال) وهذا مما أخذوه
من ابن الزبير وأشباهه قديما وجروا عليه كتبا وقولا.
324

وقريب منه جدا ما رواه أعثم الكوفي إلا أنه قال: دعا به أمير المؤمنين
عليه السلام في ليلة الهرير، كما في ترجمة تاريخ الأعثم ص 283.
- 97 -
ومن دعاء له عليه السلام
إذ مر على القبور
نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن عبد الرحمان بن جندب،
قال: لما رجع أمير المؤمنين عليه السلام من صفين وجاز دور بني عوف،
وكنا معه إذا نحن عن ايماننا بقبور سبعة أو ثمانية، فقال أمير المؤمنين
عليه السلام: ما هذه القبور. فقال له قدامة بن عجلان الأزدي:
يا أمير المؤمنين ان خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك فأوصى أن يدفن
في الظهر، وكان الناس يدفنون في دورهم وأفنيتهم، فدفن الناس إلى
جنبه، فقال عليه السلام: رحم الله خبابا فقد أسلم راغبا وهاجر طائعا
وعاش مجاهدا، وابتلي في جسمه أحوالا ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا،
فجاء حتى وقف عليهم فقال:
عليكم السلام يا أهل الديار الموحشة، والمحال
المقفرة (1)، من المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين

(1) وفي النهج بعده هكذا: والقبور المظلمة، يا أهل التربة، يا أهل
الغربة، [يا أهل الوحدة] يا أهل الوحشة، أنتم لنا فرط سابق ونحن لكم تبع.
لاحق، أما الدور فقد سكنت، وأما الأزواج فقد نكحت، وأما الأموال
فقد قسمت، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير
الزاد التقوى أقول: وقريب منه ذكرناه في باب القصار من نهج السعادة عن مصادر أخر.
325

والمسلمات، أنتم لنا سلف وفرط، ونحن لكم
تبع وعما قليل لاحقون.
اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم،
ثم قال عليه السلام:
الحمد لله الذي جعل الأرض كفاتا أحياء
وأمواتا.
الحمد لله الذي منها خلقنا، وفيها يعيدنا،
وعليها يحشرنا.
طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب،
وقنع بالكفاف، ورضي عن الله بذلك.
كتاب صفين 530 ط مصر، ونقله عنه في البحار: 8، 506، س 3
عكسا، ط الكمباني، ورواه عنه أيضا في الدعاء (48) من الصحيفة الثانية
العلوية، وقريب منه مع زيادات جيدة في المختار (130) من قصار نهج
البلاغة. وقريب منه في عنوان: (القول عند المقابر) من كتاب الدرة
في التعازي والمراثي من العقد الفريد: 2، 153، ط 2.
326

- 98 -
ومن دعاء له عليه السلام
على ابن حجبة واليه على الري
لما أخذ ما في بيت المال والتحق بمعاوية
اللهم إن ابن حجبة هرب بمال المسلمين،
وناصبنا مع القوم الظالمين.
اللهم اكفنا كيده، واجزه جزاء الغادرين..
ترجمة يزيد بن حجبة من تاريخ الشام: 62 ص 1073، نقلا عن
المدائني.
- 99 -
ومن دعاء له عليه السلام
على قريش
الشعبي عن شريح بن هاني قال: قال علي عليه السلام:
اللهم إني أستعديك على قريش، فإنهم قطعوا
رحمي، وأصغوا إنائي (1) وصغروا عظيم منزلتي

(1) يقال: اصغي فلان إناء فلان: أماله ونقصه حقه.
327

وأجمعوا على منازعتي.
شرح المختار (57) من خطب نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: 4
ص 103، ولهذا الدعاء صور مختلفة - طولا وقصرا - ومصادر كثيرة تقف
عليها في باب الخطب من نهج السعادة.
- 100 -
ومن دعاء له عليه السلام
عندما حث الناس على الجهاد فتقاعدوا عنه
اللهم أيما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة
غير الجائرة، والمصلحة في الدين والدنيا غير
المفسدة، فأبى بعد سمعه لها إلا النكوص عن نصرتك،
والإبطاء عن إعزاز دينك، فإنا نستشهدك عليه
بأكبر الشاهدين شهادة (1)، ونستشهد عليه جميع
من أسكنته أرضك وسماواتك (2)، ثم أنت بعده
المغني عن نصره (3) والأخذ له بذنبه.

(1) وفي الصحيفة العلوية: والابطاء على اعزاز دينك، فانا نستشهدك عليه
يا أكبر الشاهدين شهادة - الخ.
(2) وفي الصحيفة: ونستشهد عليه جميع ما أسكنته أرضك - الخ.
(3) وفي الصحيفة: ثم أنت بعد الغنى عن نصره والآخذ بذنبه.
328

المختار (209) من الباب الأول من النهج. ورواه أيضا في الصحيفة
الأولى ص 180.
- 101 -
ومن دعاء له عليه السلام
دعا به على بسر بن أرطاة
اللهم ان بسرا باع دينه بالدنيا وانتهك
محارمك، وكانت طاعة مخلوق فاجر، آثر عنده
مما عندك.
اللهم فلا تمته حتى تسلبه عقله، ولا توجب
له رحمتك، ولا ساعة من نهار.
اللهم العن بسرا وعمرا ومعاوية، وليحل
عليهم غضبك، ولتنزل بهم نقمتك، وليصبهم
بأسك، ورجزك الذي لا ترده عن القوم المجرمين.
شرح المختار (25) من خطب النهج، من شرح ابن أبي الحديد
18، والغدير: 11 ص 28، وقريب منه في الإرشاد 152، ومناقب
ابن شهرآشوب 1، 434.
329

- 102 -
ومن دعاء له عليه السلام
على الخوارج
الحميري (ره) عن هارون بن مسلم، عن ابن صدقة، عن (الإمام
الصادق) جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، قال: إن عليا
(أمير المؤمنين عليه السلام) كان يدعو على الخوارج فيقول في دعائه:
اللهم رب البيت المعمور، والسقف المرفوع،
والبحر المسجور، والكتاب المسطور، أسألك الظفر
على هؤلاء الذين نبذوا كتابك وراء ظهورهم،
وفارقوا أمة أحمد عليه السلام عتوا عليك.
الحديث (37) من كتاب قرب الإسناد، ص 8. ورواه عنه في
البحار: 8، ص 609، س 5 عكسا.
- 103 -
ومن دعاء له عليه السلام
شيخ الطائفة نضر الله وجهه، [عن الشيخ المفيد، وأحمد بن عبدون
330

عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن شيبان القزويني] عن علي بن حاتم،
عن محمد بن جعفر، عن محمد بن عمرو، عن علي بن محمد، عن جعفر
ابن محمد، عن عبد الله بن ميمون، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد،
عن علي بن الحسين، عن أمير المؤمنين عليهم السلام:
اللهم إنك أعلنت سبيلا من سبلك فجعلت
فيه رضاك، وندبت إليه أولياءك، وجعلته أشرف
سبلك عندك ثوابا، وأكرمها لديك مآبا، وأحبها
إليك مسلكا، ثم اشتريت فيه من المؤمنين
أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في
سبيلك فيقتلون ويقتلون وعدا عليك حقا،
فاجعلني ممن اشترى فيه منك نفسه ثم وفى
ببيعك الذي بايعك عليه، غير ناكث ولا
ناقض عهدا، ولا مبدل تبديلا (1) إلا استنجازا
لموعودك، واستيجابا لمحبتك. وتقربا به إليك.
فصل على محمد وآله واجعله خاتمة عملي،
وارزقني فيه لك وبك مشهدا توجب لي به
الرضا وتحط عني به الخطايا، اجعلني في الأحياء
المرزوقين بأيدي العداة العصاة، تحت لواء الحق
وراية الهدى ماض على نصرتهم قدما، غير مول

(1) ومثله عن العياشي وبعض المصادر، وفي الكافي: (ولا مبدلا تبديلا).
331

دبرا، ولا محدث شكا، وأعوذ بك عند ذلك من
الذنب المحبط للأعمال.
الحديث (9) من باب الدعاء بين الركعات في شهر رمضان، من
التهذيب: 3، 81، ط النجف وله مصادر أخر قد تقدم.
- 104 -
ومن دعاء له عليه السلام
على قريش
عن جابر، عن أبي الطفيل، قال: سمعت عليا عليه السلام يقول:
اللهم إني أستعديك على قريش (1) فإنهم قطعوا
رحمي وغصبوني حقي، وأجمعوا على منازعتي
أمرا كنت أولى به، ثم قالوا: ان من الحق أن
تأخذه، ومن الحق أن تتركه (2).

(1) أي استغيث بك وأطلب منك النصرة عليهم، يقال: استعدى الرجل:
استنصره واستعان به. وفي المختار (170) من خطب النهج: (اللهم أستعينك على
قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على
منازعتي أمرا هو لي، ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تتركه.
(2) وقال محمد عبده مفتي الديار المصرية في شرح ذيل الكلام: إنهم
اعترفوا بفضله وأنه أجدرهم بالقيام به ففي الحق أن يأخذه، ثم لما اختار المقدم
في الشورى غيره عقدوا له الأمر، وقالوا الامام: في الحق أن تتركه. فتناقض
حكمهم بالحقية في القضيتين، ولا يكون الحق في الأخذ إلا لمن توافرت فيه شروطه.
332

شرح المختار (57) من خطب نهج البلاغة من ابن أبي الحديد: 4، 104
وللكلام مصادر وثيقة وصور عديدة نذكرها في باب شكايته (ع) عن قريش.
- 105 -
ومن دعاء له عليه السلام
لم يزل يدعو به لما حضرته الوفاة صلوات الله عليه
اللهم اكفنا عدوك الرجيم
اللهم إني أشهدك أنك لا إله إلا أنت، وأنك
الواحد الصمد، ولم تلد ولم تولد ولم يكن لك
[له خ ل] كفوا أحد، فلك الحمد عدد نعمائك
لدي، وإحسانك عندي، فاغفر لي وارحمني
وأنت خير الراحمين.
- ولم يزل يقول -:
لا إله إلا الله وحدك لا شريك لك، وأن محمدا
عبدك ورسولك (1) عدة لهذا الموقف وما بعده

(1) وفي بعض النسخ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده
ورسوله - الخ.
333

من المواقف.
اللهم اجز محمدا عنا خيرا، واجز محمدا عنا
خير الجزاء، وبلغه منا أفضل السلام.
اللهم ألحقني به ولا تحل بيني وبينه، إنك
سميع الدعاء رؤوف [غفور خ ل] رحيم.
ثم نظر عليه السلام إلى أهل بيته فقال:
حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم
نبيكم، وأستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام (2).
ثم لم يزل يقول:
لا إله إلا الله محمد رسول الله.
حتى قبض صلوات الله عليه ورحمته ورضوانه [وبركاته خ ل] ليلة
احدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة.
المجلد الثاني من دعائم الاسلام ص 354، ط 1، بمصر.
ثم باب الدعاء من نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة
بيد مؤلفه الفقير محمد باقر المحمودي

(1) ولهذا الذيل مصادر كثيرة وثيقة، فعليك بالمراجعة إلى باب الوصايا
من كتابنا هذا لكي تطلع على حقيقة الحال.
334