الكتاب: فتح الباري
المؤلف: ابن حجر
الجزء: ٩
الوفاة: ٨٥٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع:
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

فتح الباري
شرح
صحيح البخاري
للامام الحافظ
شهاب الدين ابن حجر العسقلاني
رحمه الله تعالى
الجزء التاسع
دار المعرفة
للطباعة والنشر
بيروت - لبنان
1

(بسم الله الرحمن الرحيم)
* (كتاب فضائل القرآن) *
ثبتت البسملة وكتاب لأبي ذر ووقع لغيره فضائل القرآن حسب * (قوله باب كيف
نزل الوحي وأول ما نزل) كذا لأبي ذر نزل بلفظ الفعل الماضي ولغيره كيف نزول الوحي
بصيغة الجمع وقد تقدم البحث في كيفية نزوله في حديث عائشة أن الحرث بن هشام سأل النبي
صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي في أول الصحيح وكذا أول نزوله في حديثها أول ما بدئ
به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة لكن التعبير بأول ما نزل أخص
من التعبير بأول ما بدئ لان النزول يقتضى وجود من ينزل به وأول ذلك مجئ الملك له عيانا
مبلغا عن الله بما شاء من الوحي وايحاء الوحي أعم من أن يكون بانزال أو بالهام سواء وقع ذلك في
النوم أو في اليقظة واما انتزاع ذلك من أحاديث الباب فسأذكره إن شاء الله تعالى عند شرح كل
حديث منها (قوله قال ابن عباس المهيمن الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله) تقدم بيان
هذا الأثر وذكره من وصله في تفسير سورة المائدة وهو يتعلق بأصل الترجمة وهى فضائل القرآن
وتوجيه كلام ابن عباس ان القرآن تضمن تصديق جميع ما أنزل قبله لان الاحكام التي فيه اما
مقررة لما سبق واما ناسخة وذلك يستدعى اثبات المنسوخ واما مجددة وكل ذلك دال على تفضيل
المجدد ثم ذكر المنصف في الباب ستة أحاديث * الأول والثاني حديثا ابن عباس وعائشة معا
(قوله عن شيبان) هو ابن عبد الرحمن * ويحيى هو ابن أبي كثير * وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن
2

(قوله لبث النبي صلى الله وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشر سنين)
كذا للكشميهني ولغيره وبالمدينة عشرا بابها المعدود وهذا ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم عاش
ستين سنة إذا انضم إلى المشهور انه بعث على رأس الأربعين لكن يمكن أن يكون الراوي ألغى
الكسر كما تقدم بيانه في الوفاة النبوية فان كل من روى عنه أنه عاش ستين سنة أو أكثر من ثلاث
وستين جاء عنه أنه عاش ثلاث وستين فالمعتد انه عاش ثلاثا وستين وما يخالف ذلك اما أن يحمل على الغاء الكسر في السنين واما على جبر الكسر في الشهور وأما حديث الباب فيمكن أن يجمع
بينه وبين المشهور بوجه آخر وهو أنه بعث على رأس الأربعين فكانت مدة وحى المنام ستة أشهر
إلى أن نزل عليه الملك في شهر رمضان من غير فترة ثم فتر الوحي ثم تواتر وتتابع فكانت مدة تواتره
وتتابعه بمكة عشر سنين من غير فترة أو أنه على رأس الأربعين قرن به ميكائيل
أو إسرافيل فكان
يلقى إليه الكلمة أو الشئ مدة ثلاث سنين كما جاء من وجه مرسل ثم قرن به جبريل فكان ينزل عليه
بالقرآن مدة عشر سنين بمكة ويؤخذ من هذا الحديث مما يتعلق بالترجمة انه نزل مفرقا ولم ينزل
جملة واحدة ولعله أشار إلى ما أخرجه النسائي وأبو عبيد والحاكم من وجه آخر عن ابن عباس
قال أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة
وقرأ وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث الآية وفى رواية للحاكم والبيهقي في الدلائل
فرق في السنين وفى أخرى صحيحة لابن أبي شيبة والحاكم أيضا وضع في بيت العزة في السماء الدنيا
فجعل جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم واسناده صحيح ووقع في المنهاج الحليمي ان
جبريل كان ينزل منه من اللوح المحفوظ في ليلة القدر إلى السماء الدنيا قدر ما ينزل به على النبي
صلى الله عليه وسلم في تلك السنة إلى ليلة القدر التي تليها إلى أن أنزله كله في عشرين ليلة من
عشرين سنة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وهذا أورده ابن الأنباري من طريق ضعيفة
ومنقطعة أيضا وما تقدم من أنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم أنزل بعد
ذلك مفرقا هو الصحيح المعتمد وحكى الماوردي في تفسير ليلة القدر أنه نزل من اللوح المحفوظ
جملة واحدة وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة وان جبريل نجمه على النبي صلى
الله عليه وسلم في عشرين سنة وهذا أيضا غريب والمعتمد أن جبريل كان يعارض النبي صلى
الله عليه وسلم في رمضان بما ينزل به عليه في طول السنة كذا جزم به الشعبي فيما أخرجه عنه
أبو عبيد وابن أبي شيبة باسناد صحيح وسيأتى مزيد لذلك بعد ثلاثة أبواب وقد تقدم في بدء الوحي
أن أول نزل جبريل بالقرآن كان في شهر رمضان وسيأتى في هذا الكتاب أن جبريل كان
يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في شهر رمضان وفى ذلك حكمتان
إحداهما تعاهده والاخرى تبقية ما لم ينسخ منه ورفح ما نسخ فكان رمضان ظرفا لانزاله جملة وتفصيلا وعرضا
واحكاما وقد أخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال أنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه والزبور لثمان
عشرة خلت منه والقرآن لأربع وعشرين خلت من شهر رمضان وهذا كله مطابق لقوله تعالى
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ولقوله تعالى انا أنزلناه في ليلة القدر فيحتمل أن تكون
ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا ثم أنزل في اليوم الرابع
3

والعشرين إلى الأرض أول اقرأ باسم ربك ويستفاد من حديث الباب أن القرآن نزل كله بمكة
والمدينة خاصة وهو كذلك لكن نزل كثير منه في غير الحرمين حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم
في سفر حج أو عمرة أو غزاة ولكن الاصطلاح أن كل ما نزل قبل الهجرة فهو مكي وما نزل بعد
الهجرة فهو مدني سواء نزل في البلد حال الإقامة أو في غيرها حال السفر وسيأتى مزيد لذلك
في باب تأليف القرآن * الحديث الثالث (قوله حدثنا معتمر) هو ابن سليمان التميمي (قوله قال
أنبئت أن جبريل) فاعل قال هو أبو عثمان النهدي (قوله أنبئت) بضم أوله على البناء للمجهول
وقد عينه في آخر الحديث ووقع عند مسلم في أوله زيادة حذفها البخاري عمدا لكنها موقوفة
ولعدم تعلقها بالباب وهى عن أبي عثمان عن سلمان قال لا تكونن ان استطعت أول من يدخل
السوق الحديث موقوف وقد أورده البرقاني في مستخرجه من طريق عاصم عن أبي عثمان
عن سلمان مرفوعا (قوله فقال لام سلمة من هذا) فاعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم استفهم
أم سلمة عن الذي كان يحدثه هل فطنت لكونه ملكا أو لا (قوله أو كما قال) يريد أن الراوي شك
في اللفظ مع بقاء المعنى في ذهنه وهذه الكلمة كثر استعمال المحدثين لها في مثل ذلك قال
الداودي هذا السؤال انما وقع بعد ذهاب جبريل وظاهر سياق الحديث يخالفه كذا قال
ولم يظهر لي ما ادعاه من الظهور بل هو محتمل للامرين (قوله قالت هذا دحية) أي ابن خليفة
الكلبي الصحابي المشهور وقد تقدم ذكره في حديث أبي سفيان الطويل في قصة هرقل أول
الكتاب وكان موصوفا بالجمال وكان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم غالبا على صورته
(قوله فلما قام) أي النبي صلى الله عليه وسلم أي قام ذاهبا إلى المسجد وهذا يدل على أنه لم
ينكر عليها ظنته من أنه دحية اكتفاء بما سيقع منه في الخطبة مما يوضح لها المقصود (قوله
ما حسبته الا إياه) هذا كلام أم سلمة وعند مسلم فقالت أم سلمة أيمن الله ما حسبته الا إياه وأيمن
من حروف القسم وفيها لغات قد تقدم بيانها (قوله حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه
وسلم يخبر بخبر جبريل أو كما قال) في رواية مسلم يخبرنا خبرنا وهو تصحيف نبه عليه عياض قال
النووي وهو الموجود في نسخ بلادنا (قلت) ولم أر هذا الحديث في شئ من المسانيد الا من
هذا الطريق فهو من غرائب الصحيح ولم أقف في شئ من الروايات على بيان هذا الخبر في أي
قصة ويحتمل أن يكون في قصة بني قريظة فقد وقع في دلائل البيهقي وفى الغيلانيات من رواية
عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها رأت النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم يكلم رجلا وهو
راكب فلما دخل قلت من هذا الذي كنت تكلمه قال بمن تشبهينه قلت بدحية
بن خليفة قال ذاك
جبريل أمرني أن أمضى إلى بني قريظة (قوله قال أبى) بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة
والقائل هو معتمر بن سليمان وقوله فقلت لأبي عثمان أي النهدي الذي حدثه بالحديث وقوله ممن
سمعت هذا قال من أسامة بن زيد فيه الاستفسار عن اسم من أبهم من الرواة ولو كان الذي أبهم
ثقة معتمدا وفائدته احتمال أن لا يكون عند السامع كذلك ففي بيانه رفع لهذا الا الاحتمال قال
عياض وغيره وفى هذا الحديث ان للملك أن يتصور على صورة الآدمي وأن له هو في ذاته صورة
لا يستطيع الآدمي أن يراه فيها لضعف القوى البشرية الا من يشاء الله أن يقويه على ذلك
ولهذا كان غالب ما يأتي جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الرجل كما تقدم في بدء
4

الوحي وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا ولم ير جبريل على صورته التي خلق عليها الا مرتين كما ثبت في
الصحيحين ومن هنا يتبين وجه دخول حديث أسامة هذا في هذا الباب قالوا وفيه فضيلة لام سلمة
ولدحية وفيه نظر لان أكثر الصحابة رأوا جبريل في صورة الرجل لما جاء فسأله عن الايمان
والاسلام والاحسان ولان اتفاق الشبه لا يستلزم اثبات فضيلة معنوية وغايته أن يكون له
مزية في حسن الصورة حسب وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن قطن حين قال إن الدجال أشبه
الناس به فقال أيضرني شبهة قال لا * الحديث الرابع (قوله عن أبيه) هو أبو سعيد المقبري
كيسان وقد سمع سعيد المقبري الكثير من أبي هريرة وسمع من أبيه عن أبي هريرة ووقع
الأمران في الصحيحين وهو دال على تثبت سعيد وتحريه (قوله ما من الأنبياء نبي الا أعطى) هذا
دال على أن النبي لا بد له من معجزة تقتضى ايمان من شاهدها تصدقه ولا يضره من أصر على
المعاندة (قوله من الآيات) أي المعجزات الخوارق (قوله ما مثله آمن عليه البشر) ما موصولة
وقعت مفعولا ثانيا لأعطى ومثله مبتدأ وآمن خبره والمثل يطلق ويراد به عين الشئ وما يساويه
والمعنى أن كل نبي أعطى آية أو أكثر من شأن من يشاهدها من البشر أن يؤمن به لأجلها وعليه
بمعنى اللام أو الباء الموحدة والنكتة في التعبير بها تضمنها معنى الغلبة أي يؤمن بذلك مغلوبا
عليه بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه لكن قد يجحد فيعاند كما قال الله تعالى وجحدوا بها
واستيقنتها أنفسهم ظلما وقال الطيبى الراجع إلى الموصول ضمير المجرور في عليه وهو حال أي
مغلوبا عليه في التحدي والمراد بالآيات المعجزات وموقع المثل موقعه من قوله فأتوا بسورة مثله
أي على صفته من البيان وعلو الطبقة في البلاغة * (تنبيه) * قوله آمن وقع في رواية حكاها ابن
قرقول أو من بضم الهمزة ثم واو وسيأتى في كتاب الاعتصام قال وكتبها بعضهم بالياء الأخيرة بدل
الواو في رواية القابسي أمن بغير مد من الأمان والأول هو المعروف (قوله وانما كان الذي أوتيته
وحيا أوحاه الله إلى) أي ان معجزتي التي تحديت بها الوحي الذي أنزل على وهو القرآن لما اشتمل عليه من الاعجاز الواضح وليس المراد حصر معجزاته فيه ولا أنه لم يؤت من المعجزات ما أوتى من تقدمه بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اختص بها دون غيره لان كل نبي أعطى معجزة خاصة به
لم يعطها بعينها غيره تحدى بها قومه وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه كما كان السحر
فاشيا عند فرعون فجاءه موسى بالعصا على صورة ما يصنع السحرة لكنها تلقفت ما صنعوا
ولم يقع ذلك بعينه لغيره وكذلك احياء عيسى الموتى وابراء الأكمه والأبرص لكون الأطباء
والحكماء كانوا في ذلك الزمان في غاية الظهور فأتاهم من جنس عملهم بما لم تصل قدرتهم إليه ولهذا لما كان العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم في الغاية من البلاغة جاءهم
بالقرآن الذي تحداهم أن يأتوا بسورة مثله فلم يقدروا على ذلك وقيل المراد أن القرآن ليس له
مثل لا صورة ولا حقيقة بخلاف غيره من المعجزات فإنها لا تخلوا عن مثل وقيل المراد أن كل نبي
أعطى من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله صورة أو حقيقة والقرآن لم يؤت أحد قبله مثله فلهذا
أردفه بقوله فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا وقيل المراد أن الذي أوتيته لا يتطرق إليه تخييل
وانما هو كلام معجز لا يقدر أحد أن يأتي بما يتخيل من التشبيه به بخلاف غيره فإنه قد يقع في
معجزاتهم ما يقدر الساحر أن يخيل شبهه فيحتاج من يميز بينهما إلى نظر والنظر عرضة للخطأ فقد
5

يخطئ الناظر فيظن تساويهما وقيل المراد ان معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض اعصارهم
فلم يشاهدها الا من حضرها ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقة للعادة في أسلوبه
وبلاغته واخباره بالمغيبات فلا يمر عصر من الاعصار الا ويظهر فيه شئ مما أخبر به أنه سيكون يدل
على صحة دعواه وهذا أقوى المحتملات وتكميله في الذي بعده وقيل المعنى أن المعجزات الماضية
كانت حسية تشاهد بالابصار كناقة صالح وعصا موسى ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة فيكون
من يتبعه لأجلها أكثر لان الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده والذي يشاهد
بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمرا (قلت) ويمكن نظم هذا الأقوال كلها في كلام
واحد فان محصلها لا ينافي بعضه بعضا (قوله فارجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة) رتب
هذا الكلام على ما تقدم من معجزة القرآن المستمرة لكثرة فائدته وعمون نفعه لاشتماله على
الدعوة والحجة والاخبار بما سيكون فعم نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد ومن سيوجد فحسن
ترتيب الرجوى المذكورة على ذلك وهذه الرجوى قد تحققت فإنه أكثر الأنبياء تبعا وسيأتى
بيان ذلك واضحا في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى وتعلق هذا الحديث بالترجمة من جهة أن
القرآن انما نزل بالوحي الذي يأتي به الملك لا بالمنام ولا بالالهام وقد جمع بعضهم اعجاز القرآن في أربعة أشياء * أحدها حسن تأليفه والتئام كلمه مع الايجاز والبلاغة * ثانيها صورة سياقه وأسلوبه المخالف لأساليب كلام أهل البصلاغة من العرب نظما ونثرا حتى حارت فيه عقولهم ولم يهتدوا
إلى الاتيان بشئ مثله مع توفر دواعيهم على تحصيل ذلك وتقريعه لهم على العجز عنه * ثالثها
ما اشتمل عليه من الاخبار عما مضى من أحوال الأمم السالفة والشرائع الدائة مما كان لا يعلم
منه بعضه الا النادر من أهل الكتاب * رابعها الاخبار بما سيأتي من الكوائن التي وقع بعضها في
العصر النبوي وبعضها بعده ومن غير هذه الأربعة آيات وردت بتعجيز قوم في قضايا أنهم
لا يفعلونها فعجزوا عنها مع توفر دواعيهم على تكذيبه كتمنى اليهود الموت ومنها الروعة التي تحصل لسامعه ومنها أن قارئه لا يمل من ترداده وسامعه لا يمجه ولا يزداد بكثرة التكرار الا طراوة ولذاذة
ومنها أنه آية باقية لا تعدم ما بقيت الدنيا ومنها جمعه لعلوم ومعارف لا تنقضى عجائبها ولا تنتهى
فوائدها اه‍ ملخصا من كلام عياض وغيره * الحديث الخامس (قوله حدثنا عمرو بن محمد) هو الناقد وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج وكذا أخرجه مسلم عن عمرو بن محمد الناقد وغيره عن
يعقوب بن إبراهيم ووقع في الأطراف لخلف حدثنا عمرو بن علي الفلاس ورأيت في نسخة معتمدة
من رواية النسفي عن البخاري حدثنا عمرو بن خالد وأظنه تصحيفا والأول هو المعتمد فان الثلاثة
وان كانوا معروفين من شيوخ البخاري لكن الناقد أخص من غيره بالرواية عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد ورواية صالح بن كيسان عن ابن شهاب من رواية الاقران بل صالح بن كيسان
أكبر سنا من ابن شهاب وأقدم سماعا وإبراهيم بن سعد قد سمع من ابن شهاب كما سيأتي تصريحه
بتحديثه له في الحديث الآتي بعد باب واحد (قوله إن الله تابع على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل
وفاته) كذا للأكثر وفى رواية أبي ذر ان الله تابع على رسوله الوحي قبل وفاته أي أكثر انزاله قرب
وفاته صلى الله عليه وسلم والسر في ذلك أن الوفود بعد فتح مكة كثروا وكثر سؤالهم عن الاحكام
فكثر النزول بسبب ذلك ووقع لي سبب تحديث أنس بذلك من رواية الدراوردي عن الإمامي عن
6

الزهري سألت أنس بن مالك هل فتر الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت قال أكثر
ما كان وأجمه أورده ابن يونس في تاريخ مصر في ترجمة محمد بن سعيد بن أبي مريم (قوله حتى
توفاه أكثر ما كان الوحي) أي الزمان الذي وقعت فيه وفاته كان نزول الوحي فيه أكثر من غيره
من الأزمنة (قوله ثم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد) فيه اظهار ما تضمنته الغاية في قوله
حتى توفاه الله وهذا الذي وقع أخيرا على خلاف ما وقع أولا فان الوحي في أول البعثة فتر فترة ثم
كثر وفى أثناء النزول بمكة لم ينزل من السور الطوال الا القليل ثم بعد الهجرة نزلت السور
الطوال المشتملة على غالب الاحكام الا أنه كان الزمن الأخير من الحياة النبوية أكثر الأزمنة
نزولا بالسبب المتقدم وبهذا تظهر مناسبة هذا الحديث للتجرمة لتضمنه الإشارة إلى كيفية
النزول * الحديث السادس (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري وقد تقدم شرح الحديث قريبا في
سورة والضحى ووجه ايراده في هذا الباب الإشارة إلى أن تأخير النزول أحيانا انما كان يقع
لحكمة تقتضى ذلك لا لقصد تركه أصلا فكان نزوله على انحاء شتى تارة يتتابع وتارة يتارخى وفى
انزاله مفرقا وجوه من الحكمة منها تسهيل حفظه لأنه لو نزل جملة واحدة على أمة أمية لا يقرأ
غالبهم ولا يكتب لشق عليهم حفظه وأشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله ردا على الكفار وقالوا
لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك أي أنزلناه مفرقا لنثبت به فؤادك وبقوله تعالى وقرآنا
فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ومنها ما يستلزمه من الشرف له والعناية به
لكثرة تردد رسول
ربه إليه يعلمه بأحكام ما يقع له وأجوبة ما يسئل عنه من الاحكام والحوادث ومنها انه أنزل على
سبعة أحرف فناسب أن ينزل مفرقا إذ لو نزل دفعة واحدة لشق بيانها عادة ومنها ان الله قدر أن
ينسخ من أحكامه ما شاء فكان انزاله مفرقا لينفصل الناسخ من المنسوخ أولى من انزالهما معا
وقد ضبط النقلة ترتيب نزول السور كما سيأتي في باب تأليف القرآن ولم يضبطوا من ترتيب نزول
الآيات الا قليلا وقد تقدم في تفسير اقرأ باسم ربك انها أول سورة نزلت ومع ذلك فنزل من أولها
أولا خمس آيات ثم نزل باقيها بعد ذلك وكذلك سورة المدثر التي نزلت بعدها نزل أولها أولا ثم نزل
سائرها بعد وأوضح من ذلك ما أخرجه أصحاب السنن الثلاثة وصححه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس عن عثمان قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الآيات فيقول ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى * (قوله باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب قرآنا عربيا بلسان عربي مبين) في رواية أبي ذر
لقول الله تعالى قرآنا إلى آخره وأما نزوله بلغة قريش فمذكور في الباب من قول عثمان وقد
أخرج أبو داود من طريق كعب الأنصاري أن عمر كتب إلى ابن مسعود أن القرآن نزل بلسان قريش فأقرئ الناس بلغة قريش لا بلغة هذيل وأما عطف العرب عليه فمن عطف العام
على الخاص لان قريشا من العرب وأما ما ذكره من الآيتين فهو حجة لذلك وقد أخرج ابن أبي
داود في المصافب من طريق أخرى عن عمر قال إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلسان مضر اه‍
ومضر هو ابن نزار بن معد بن عدنان واليه ينتهى أنساب قريش وقيس وهذيل وغيرهم وقال
القاضي أبو بكر بن الباقلاني معنى قول عثمان نزل القرآن بلسان قريش أي معظمه وأنه لم تقم
دلالة قاطعة على أن جميعه بلسان قريش فان ظاهر قوله تعالى انا جعلناه قرآنا عربيا انه نزل
7

بجميع ألسنة العرب ومن زعم أنه أراد مضر دون ربيعة أو هما دون اليمن أو قريشا دون غيرهم
فعليه البيان لان اسم العرب يتناول الجميع تناولا واحدا ولو ساغت هذه الدعوى لساغ للآخر
أن يقول نزل بلسان بني هاشم مثلا لانهم أقرب نسبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من سائر قريش
وقال أبو شامة يحتمل أن يكون قوله نزل بلسان قريش أي ابتداء نزوله ثم أبيح أن يقرأ بلغة غيرهم
كما سيأتي تقريره في باب أنزل القرآن على سبعة أحرف اه‍ وتكملته أن يقال إنه نزل أولا
بلسان قريش أحد الأحرف السبعة ثم نزل بالأحرف السبعة المأذون في قرائتها تسهيلا وتيسيرا
كما سيأتي بيانه فلما جمع عثمان الناس على حرف واحد رأى أن الحرف الذي نزل القرآن أولا
بلسانه أولى الأحرف فحمل الناس عليه لكونه لسان النبي صلى الله عليه وسلم ولما له من الأولية
المذكورة وعليه يحمل كلام عمر لابن مسعود أيضا (قوله وأخبرني) في رواية أبى ذكر فأخبرني
أنس بن مالك قال فأمر عثمان وهو معطوف على شئ محذوف يأتي بيانه في الباب الذي بعده
فاقتصر المصنف من الحديث على موضع الحاجة منه وهو قول عثمان فاكتبوه بلسانهم أي
قريش (قوله أن ينسخوها في المصاحف) كذا للأكثر والضمير للسور أو للآيات أو الصحف التي
أحضرت من بيت حفصة وللكشميهني أن ينسخوا ما في المصاحف أي ينقلوا الذي فيها إلى
مصاحف أخرى والأول هو المعتمد لأنه كان في صحف لا مصاحف (قوله وقال مسدد حدثنا
يحيى) في رواية أبي ذر يحيى بن سعيد وهو القطان وهذا الحديث وقع لنا موصولا في وراية
مسدد من رواية معاذ بن المثنى عنه كما بينته في تعليق التعليق (قوله إن يعلى) هو ابن أمية
والد صفوان (قوله كان يقول ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) هذا صورته مرسل
لان صفوان بن يعلى ما حضر القصة وقد أورده في كتاب العمرة من كتاب الحج بالاسناد الآخر
المذكور هنا عن أبي نعيم عن همام فقال فيه عن صفوان بن يعلى عن أبيه فوضح انه ساقه هنا على
لفظ رواية ابن جريج وقد أخرجه أبو نعيم من طريق محمد بن خلاد عن يحيى بن سعيد بنحو اللفظ
الذي ساقه المصنف هنا وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الحج وقد خفى وجه دخوله
في هذا الباب على كثير من الأئمة حتى قال ابن كثير في تفسيره ذكر هذا الحديث في الترجمة التي
قبل هذه أظهر وأبين فلعل ذلك وقع من بعض النساخ وقيل بل أشار المصنف بذلك إلى أن قوله
تعالى وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه لا يستلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أرسل
بلسان قريش فقط لكونهم قومه بل أرسل بلسان جميع العرب لأنه أرسل إليهم كلهم بدليل انه
خاطب الاعرابى الذي سأله بما يفهمه بعد ان نزل الوحي عليه بجواب مسئلته فدل على أن الوحي
كان ينزل عليه بما يفهمه السائل من العرب قرشيا كان أو غير قرشي والوحي أعم من أن يكون
قرآنا يتلى أو لا يتلى قال ابن بطال مناسبة الحديث للترجمة أن الوحي كله متلوا كان أو غير متلو
انما نزل بلسان العرب ولا يرد على هذا كونه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة عربا وعجما
وغبرهم لان اللسان الذي نزل عليه به الوحي عربي وهو يبلغه إلى طوائف العرب وهم يترجمونه
لغير العرب بألسنتهم ولذا قال ابن المنير كان ادخال هذا الحديث في الباب الذي قبله أليق لكن
لعله قصد التنبيه على أن الوحي بالقرآن والسنة كان على صفة واحدة ولسان واحد * (قوله
باب جمع القرآن) المراد بالجمع هنا جمع مخصوص وهو جمع متفرقة في صحف ثم جمع
8

تلك الصحف في مصحف واحد مرتب السور وسيأتي بعد ثلاثة أبواب باب تأليف القرآن والمراد
به هناك تأليف الآيات في السورة الواحدة أو ترتيب السور في المصحف ((قوله عبيد بن
السباق) بفتح المهملة وتشديد الموحدة مدني يكنى أبا سعيد ذكره مسلم في الطبقة الأولى من
التابعين لكن لم أر له رواية عن أقدم من سهل بن حنيف الذي مات في خلافة على وحديثه عنه
عند أبي داود وغيره وليس له في البخاري سوى هذا الحديث لكنه كرره في التفسير والاحكام
والتوحيد وغيرها مطولا ومختصرا (قوله 2 عن زيد بن ثابت) هذا هو الصحيح عن الزهري ان قصة
زيد بن ثابت مع أبي بكر وعمر عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت وقصة حذيفة مع عثمان عن
أنس بن مالك وقصة فقد زيد بن ثابت الآية من سورة الأحزاب في رواية عبيد بن السباق عن
خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه وقد رواه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن الزهري فادرج قصة آية
سورة الأحزاب في رواية عبيد بن السباق وأغرب عمارة بن غزية فرواه عن الزهري فقال عن
خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه وساق القصص الثلاث بطولها قصة زيد مع أبي بكر وعمر ثم قصة
حذيفة مع عثمان أيضا ثم قصة فقد زيد بن ثابت الآية من سورة الأحزاب أخرجه الطبري وبين
الخطيب في المدرج ان ذلك وهم منه وانه أدرج بعض الأسانيد على بعض (قوله أرسل إلى أبو
بكر الصديق) لم أقف على اسم الرسول إليه بذلك ورينا في الجزء الأول من فوائد الدير عاقولى
قال حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد عن زيد بن ثابت قال
قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شئ (قوله مقتل أهل اليمامة) أي عقب قتل
أهل اليمامة والمراد بأهل اليمامة هنا من قتل بها من الصحابة في الوقعة مع مسيلمة الكذاب وكان
من شأنها ان مسيلمة ادعى النبوة وقوى أمره بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بارتداد كثير من
العرب فجهز إليه أبو بكر الصديق خالد بن الوليد في جمع كثير من الصحابة فحاربوه أشد محاربة إلى أن
خذله الله وقتله وقتل في غضون ذلك من الصحابة جماعة كثيرة قيل سبعمائة وقيل أكثر (قوله قد
استحر) بسين مهملة ساكنة ومثناة مفتوحة بعدها حاء مهملة مفتوحة ثم راء ثقيلة أي اشتد
وكثر وهو استفعل من الحر لان المكروه غالبا يضاف إلى الحر كما أن المحبوب يضاف إلى البرد
يقولون أسخن الله عينه وأقر عينه ووقع من تسمية القراء الذين أراد عمر في رواية سفيان بن
عيينة المذكور قبل سالم مولى أبى حذيفة ولفظه فلما قتل سالم مولى أبى حذيفة خشى عمر أن
يذهب القرآن فجاء إلى أبى بكر وسيأتى أن سالما أحد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ
القرآن عنه (قوله بالقراء بالمواطن) أي في المواطن أي الأماكن التي يقع فيها القتال مع الكفار
ووقع في رواية شعيب عن الزهري في المواطن وفى رواية سفيان وأنا أخشى أن لا يلقى المسلمون
زحفا آخر الا استحر القتل بأهل القرآن (قوله فيذهب كثير من القرآن) في رواية يعقوب بن
إبراهيم بن سعد عن أبيه من الزيادة الا أن يجمعوه وفى رواية شعيب قبل أن يقتل الباقون وهذا
يدل على أن كثيرا ممن قتل في وقعة اليمامة كان قد حفظ القرآن لكن يمكن أن يكون المراد أن
مجموعهم جمعه لا ان كل فرد فرد جمعه وسيأتى مزيد بيان لذلك في باب من جمع القرآن إن شاء الله
تعالى (قوله قلت لعمر) هو خطاب أبى بكر لعمر حكاه ثانيا لزيد بن ثابت لما أرسل إليه وهو كلام
من يؤثر الاتباع وينفر من الابتداع (قوله لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم) تقدم من
9

رواية سفيان بن عيينة تصريح زيد بن ثابت بذلك وفى رواية عمارة بن غزية فنفر منها أبو بكر وقال
أفعل ما لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الخطابي وغيره يحتمل أن يكون صلى الله عليه
وسلم انما لم يجمع القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما
انقضى نزوله بوفاته صلى الله عليه وسلم ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء لوعد الصادق بضمان
حفظه على هذه الأمة المحمدية زادها الله شرفا فكان ابتداء ذلك على يد الصديق رضي الله عنه
بمشورة عمر ويؤيده ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف باسناد حسن عن عبد خير قال سمعت
عليا يقول أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رحمة الله على أبى بكر هو أول من جمع كتاب الله
وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكتبوا عنى
شيئا غير القرآن الحديث فلا ينافي ذلك لان الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة وقد
كان القرآن كله كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب
السور وأما ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف من طريق ابن سيرين قال قال على لما مات رسول
الله صلى الله عليه وسلم آليت أن لا آخذ على ردائي الا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن فجمعه
فإسناده ضعيف لانقطاعه وعلى تقدير أن يكون محفوظا فمراده بجمعه حفظه في صدره قال
والذي وقع في بعض طرقه حتى جمعته بين اللوحين وهم من رواية (قلت) وما تقدم من رواية عبد
خير عن علي أصح فهو المعتمد ووقع عند ابن أبي داود أيضا بيان السبب في إشارة عمر بن الخطاب
بذلك فأخرج من طريق الحسن ان عمر سأل عن آية من كتاب الله فقيل كانت مع فلان فقتل يوم
اليمامة فقال انا لله وأمر بجمع القرآن فكان أول من جمعه في المصحف وهذا منقطع فإن كان
محفوظا حمل على أن المراد بقوله فكان أول من جمعه أي أشار بجمعه في خلافة أبى بكر فنسب
الجمع إليه لذلك وقد تسول لبعض الروافض انه يتوجه الاعتراض على أبى بكر بما فعله من جمع
القرآن في المصحف فقال كيف جار أن يفعل شيئا لم يفعله الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام
والجواب انه لم يفعل ذلك الا بطريق الاجتهاد السائغ الناشئ عن النصح منه لله ولرسوله ولكتابه
ولأئمة المسلمين وعامتهم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابة القرآن ونهى أن يكتب معه
غيره فلم يأمر أبو بكر الا بكتابة ما كان مكتوبا ولذلك توقف زيد عن كتابة الآية من آخر سورة براءة
حتى وجدها مكتوبة مع أنه كان يستحضرها هو ومن ذكر معه وإذا تأمل المنصف ما فعله أبو بكر
من ذلك جزم بأنه يعد في فضائله وينوه بعظيم منقبته لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم من سن سنة
حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها فما جمع القرآن أحد بعده الا وكان له مثل أجره إلى يوم القيامة
وقد كان لأبي بكر من الاعتناء بقراءة القرآن ما اختار معه أن يرد على ابن الدغنة جواره ويرضى
بجوار الله ورسوله وقد تقدمت القصة مبسوطة في فضائله وقد أعلم الله تعالى في القرآن بأنه مجموع
في الصحف في قوله يتلو صحفا مطهرة الآية وكان القرآن مكتوبا في الصحف لكن كانت مفرقة فجمعها
أبو بكر في مكان واحد ثم كانت بعده محفوظة إلى أن أمر عثمان بالنسخ منها فنسخ منها عدة
مصاحف وأرسل بها إلى الأمصار كما سيأتي بيان ذلك (قوله قال زيد) أي ابن ثابت (قال أبو بكر)
أي قال لي (انك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي
ذكر له أربع صفات مقتضية
خصوصيته بذلك كونه شابا فيكون أنشط لما يطلب منه وكونه عاقلا فيكون أوعى له وكونه لا يتهم
10

فتركن النفس إليه وكونه كان يكتب الوحي فيكون أكثر ممارسة له وهذه الصفات التي اجتمعت
له قد توجد في غيره لكن مفرقة وقال ابن بطال عن المهلب هذا يدل على أن العقل أصل الخصال المحمودة لأنه لم يصف زيدا بأكثر من العقل وجعله سببا لائتمانه ورفع التهمة عنه كذا قال وفيه
نظر وسيأتي مزيد البحث فيه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى ووقع في رواية سفيان بن عيينة
فقال أبو بكر أما إذا عزمت على هذا فأرسل إلى زيد بن ثابت فادعه فإنه كان شابا حدثا نقيا يكتب
الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فادعه حتى يجمعه معنا قال زيد بن ثابت
فارسلا إلى فأتيتهما فقالا لي انا نريد أن نجمع القرآن في شئ فاجمعه معنا وفى رواية عمارة بن غزية
فقال لي أبو بكر ان هذا دعاني إلى أمر وأنت كاتب الوحي فان تك معه اتبعتكما وان توافقني
لا أفعل فاقتضى قول عمر فنفرت من ذلك فقال عمر كلمه وما عليكما لو فعلتما قال فنظرنا فقلنا لا شئ
والله ما علينا قال ابن بطال انما نفر أبو بكر أولا ثم زيد بن ثابت ثانيا لأنهما لم يجدا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فعله فكرها أن يحلا أنفسهما محل من يزيد احتياطه للدين على احتياط الرسول
فلما نبههما عمر على فائدة ذلك وانه خشية أن يتغير الحال في المستقبل إذا لم يجمع القرآن فيصير إلى
حالة الخفاء بعد الشهرة رجعا إليه قال ودل ذلك على أن فعل الرسول إذا تجرد عن القرائن
وكذا تركه لا يدل على وجوب ولا تحريم انتهى وليس ذلك من الزيادة على احتياط الرسول بل هو
مستمد من القواعد التي مهدها الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن الباقلاني كان الذي فعله أبو
بكر من ذلك فرض كفاية بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم لا تكتبوا عنى شيئا غير القرآن مع قوله
تعالى ان علينا جمعه وقرآنه وقوله إن هذا لفى الصحف الأولى وقوله رسول من الله يتلو صحفا
مطهرة قال فكل أمر يرجع لإحصائه وحفظه فهو واجب على الكفاية وكان ذلك من النصيحة
لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم قال وقد فهم عمر أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم جمعه
لا دلالة فيه على المنع ورجع إليه أبو بكر لما رأى وجه الإصابة في ذلك وانه ليس في المنقول ولا في
المعقول ما ينافيه وما يترتب من ترك جمعه من ضياع بعضه ثم تابعهما زيد بن ثابت وسائر
الصحابة على تصويب ذلك (قوله فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل على مما
أمرني به
كأنه جمع أولا باعتبار أبى بكر ومن وافقه وأفرد باعتبار انه الآمر وحده بذلك ووقع
في رواية شعيب عن الزهري لو كلفى بالافراد أيضا وانما قال زيد بن ثابت ذلك لما خشيه من
التقصير في احصاء ما أمر بجمعه لكن الله تعالى يسر له ذلك كما قال تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر
(قوله فتتبعت القرآن أجمعه) أي من الأشياء التي عندي وعند غيري (قوله من العسب) بضم
المهملتين ثم موحدة جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف
العريض وقيل العسيب طرف الجريدة العريض الذي لم ينبت عليه الخوص والذي ينبت عليه
الخوص هو السعف ووقع في رواية ابن عيينة عن ابن شهاب القصب والعسب والكرانيف
وجرائد النخل ووقع في رواية شعيب من الرقاع جمع رقعة وقد يكون من جلد أو ورق أو كاغد وفى
رواية عمارة بن غزية وقطع الأديم وفى رواية ابن أبي داود من طريق أبى داود الطيالسي عن
إبراهيم بن سعد والصحف (قوله واللخاف) بكسر اللام ثم خاء معجمة خفيفة وآخره فاء جمع لخفة
بفتح اللام وسكون المعجمة ووقع في رواية أبى داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد واللخف بضمتين
وفى آخره فاء قال أبو داود الطيالسي في روايته هي الحجارة الرقاق وقال الخطابي صفائح الحجارة
11

الرقاق قال الأصمعي فيها عرض ودقة وسيأتى للمصنف في الاحكام عن أبي ثابت أحد شيوخه انه
فسره بالخزف بفتح المعجمة والزاي ثم فاء وهى الآنية التي تصنع من الطين المشوى ووقع في رواية
شعيب والأكتاف جمع كتف وهو العظم الذي للبعير أو الشاة كانوا إذا جف كتبوا فيه وفى رواية
عمارة بن غزية وكسر الأكتاف وفى رواية ابن مجمع عن ابن شهاب عند ابن أبي داود والاضلاع
وعنده من وجه آخر والأقتاب بقاف ومثناة وآخره موحدة جمع قتب بفتحتين وهو الخشب الذي
يوضع على ظهر البعير ليركب عليه وعند ابن أبي داود أيضا في المصاحف من طريق يحيى بن عبد
الرحمن بن حاطب قال قام عمر فقال من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن
فليأت به وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب قال وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى
يشهد شاهدان وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفى بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من
تلقاه سماعا مع كون زيد كان يحفظه وكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط وعند ابن أبي داود
أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه ان أبا بكر قال لعمر ولزيد اقعدا على باب المسجد فمن جاء كما
بشاهدين على شئ من كتاب الله فاكتباه ورجاله ثقات مع انقطاعه وكأن المراد بالشاهدين الحفظ
والكتاب أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه
وسلم أو المراد انهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن وكان غرضهم أن
لا يكتب الا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لا من مجرد الحفظ (قوله وصدور
الرجال) أي حديث لا أجد ذلك مكتوبا أو الواو بمعنى مع أي أكتبه من المكتوب الموافق
للمحفوظ في الصدر (قوله حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري) وقع في
رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد مع خزيمة بن ثابت أخرجه أحمد والترمذي
ووقع في رواية شعيب عن الزهري كما تقدم في سورة التوبة مع خزيمة الأنصاري وقد أخرجه
الطبراني في مسند الشاميين من طريق أبى اليمان عن شعيب فقال فيه خزيمة بن ثابت الأنصاري
وكذا أخرجه ابن أبي داود من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب وقول من قال عن إبراهيم بن
سعد مع أبي خزيمة أصح وقد تقدم البحث فيه في تفسير سورة التوبة وان الذي وجد معه آخر
سورة التوبة غير الذي وجد معه الآية التي في الأحزاب فالأول اختلف الرواة فيه على الزهري
فمن قائل مع خزيمة ومن قائل مع أبي خزيمة ومن شاك فيه يقول خزيمة أو أبى خزيمة والأرجح أن
الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية والذي وجد معه الآية من الأحزاب خزيمة
وأبو خزيمة قيل هو ابن أوس بن يزيد بن أصرم مشهور بكنيته دون اسمه وقيل هو الحرث بن
خزيمة وأما خزيمة فهو ابن ثابت ذو الشهادتين كما تقدم صريحا في سورة الأحزاب وأخرج ابن أبي
داود من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال أتى الحرث
ابن خزيمة بهاتين الآتين من آخر سورة براءة فقال اشهد أنى سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه
وسلم ووعيتهما فقال عمر وأنا أشهد لقد سمعتهما ثم قال لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة
فانظروا سورة من القرآن فالحقوها في آخرها فهذا إن كان محفوظا احتمل أن يكون قول زيد بن
ثابت وجدتها مع أبي خزيمة لم أجدها مع غيره أي أول ما كتبت ثم جاء الحرث بن خزمية بعد ذلك
أو ان أبا خزيمة هو الحرث بن خزيمة لا ابن أوس وأما قول عمر لو كانت ثلاث آيات فظاهره أنهم
12

كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم وسائر الأخبار تدل على أنهم لم يفعلوا شيا من ذلك
الا بتوقيف نعم ترتيب السور بعضها اثر بعض كان يقع بعضه منهم بالاجتهاد كما سيأتي في باب
تأليف القرآن (قوله لم أجدها مع أحد غيره) أي مكتوبة لما تقدم من أنه كان لا يكتفى بالحفظ
دون الكتابة ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن لا تكون تواترت عند من لم يتلقها من
النبي صلى الله عليه وسلم وانما كان زيد يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة ولعلهم لما وجدها
زيد عند أبي خزيمة تذكروها كما تذكرها زيد وفائدة التتبع المبالغة في الاستظهار والوقوف
عندما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قال الخطابي هذا مما يخفى معناه ويوهم انه كان
يكتفى في اثبات الآية بخبر الشخص الواحد وليس كذلك فقد اجتمع في هذه الآية زيد بن ثابت
وأبو خزيمة وعمر وحكى ابن التين عن الداودي قال لم يتفرد بها أبو خزيمة بل شاركه زيد بن ثابت
فعلى هذا تثبت برجلين اه‍ وكأنه ظن أن قولهم لا يثبت القرآن بخبر الواحد أي الشخص
الواحد وليس كما ظن بل المراد بخبر الواحد خلاف الخبر المتواتر فلو بلغت رواة الخبر عددا كثيرا
وفقد شيئا من شروط المتواتر لم يخرج عن كونه خبر الواحد والحق ان المراد بالنفي نفى وجودها
مكتوبة لا نفى كونها محفوظة وقد وقع عند ابن أبي داود من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن
حاطب فجاء خزيمة بن ثابت فقال انى رأيتكم تركتم آيتين فلم تكتبوهما قالوا وما هما قال
تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة فقال
عثمان وأنا أشهد فكيف ترى أن نجعلهما قال اختم بهما آخر ما نزل من القرآن ومن طريق
أبى العالية انهم لما جمعوا القرآن في خلافة أبى بكر كان الذي يملى عليهم أبي بن كعب فلما انتهوا
من براءة إلى قوله لا يفقهون ظنوا أن هذا آخر ما نزل منها فقال أبي بن كعب أقرأني رسول
الله صلى الله عليه وسلم آيتين بعدهن لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة (قوله
فكانت الصحف) أي التي جمعها زيد بن ثابت (قوله عند أبي بكر حتى توفاه الله) في موطأ ابن
وهب عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال جمع أبو بكر القرآن في قراطيس وكان
سال زيد بن ثابت في ذلك فأبى حتى استعان عليه بعمر ففعل وعند موسى بن عقبة في المغازي
عن ابن شهاب قال لما أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر وخاف أن يهلك من القراء طائفة
فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد أبى بكر في الورق فكان أبو بكر أول من
جمع القرآن في الصحف وهذا كله أصح مما وقع في رواية عمارة بن غزية أن زيد بن ثابت قال فأمرني
أبو بكر فكتبت في قطع الأديم والعسب فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبت ذلك في صحيفة واحدة
فكانت عنده وانما كان في الأديم والعسب أولا قبل أن يجمع في عهد أبى بكر ثم جمع في الصحف
في عهد أبى بكر كما دلت عليه الأخبار الصحيحة المترادفة (قوله ثم عند حفصة بنت عمر) أي بعد عمر
في خلافة عثمان إلى أن شرع عثمان في كتابة المصحف وانما كان ذلك عند حفصة لأنها كانت
وصية عمر فاستمر ما كان عنده عندها حتى طلبه منها من له طلب ذلك (قوله حدثنا موسى) هو
ابن إسماعيل وإبراهيم هو ابن سعد وهذا الاسناد إلى ابن شهاب هو الذي قبله بعينه أعاده إشارة إلى
أنهما حديثان لابن شهاب في قصتين مختلفين وان اتفقتا في كتابة القرآن وجمعه وعن ابن شهاب
قصة ثالثة كما بيناه عن خارجة بن زيد عن أبيه في قصة الآية التي من الأحزاب وقد ذكرها في آخر
13

هذه القصة الثانية هنا وقد أخرجه المصنف من طريق شعيب عن ابن شهاب مفرقا فاخرج القصة
الأولى في تفسير التوبة وأخرج الثانية قبل هذا بباب لكن باختصار وأخرجها الطبراني في
مسند الشاميين وابن أبي داود في المصاحف والخطيب في الدرج من طريق أبى اليمان بتمامه
وأخرج المصنف الثالثة في تفسير سورة الأحزاب كما تقدم قال الخطيب روى إبراهيم بن سعد
عن ابن شهاب القصص الثلاث ثم ساقها من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب مساقا واحدا
مفصلا للأسانيد المذكورة قال وروى القصص الثلاث شعيب عن ابن شهاب وروى قصة آخر
التوبة مفردا يونس بن يزيد (قلت) وروايته تأتى عقب هذا باختصار وقد أخرجها ابن أبي داود
من وجه آخر عن يونس مطولة وفاته رواية سفيان بن عيينة لها عن ابن شهاب أيضا وقد بينت
ذلك قبل قال وروى قصة آية الأحزاب معمر وهشام بن الغاز ومعاوية بن يحيى ثلاثتهم عن ابن
شهاب ثم ساقها عنهم (قلت) وفاته رواية ابن أبي عتيق لها عن ابن شهاب و هي عند المصنف في
الجهاد (قوله حدثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه) في رواية يونس عن ابن شهاب ثم
أخبرني أنس بن مالك (قوله أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح
أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق) في رواية الكشميهني في أهل العراق والمراد أن أرمينية
فتحت في خلافة عثمان وكان أمير العسكر من أهل العراق سلمان بن ربيعة الباهلي وكان عثمان
أمر أهل الشام وأهل العراق أن يجتمعوا على ذلك وكان أمير أهل الشام على ذلك العسكر حبيب
ابن مسلمة الفهري وكان حذيفة من جملة من غزا معهم وكان هو على أهل المدائن وهى من جملة
أعمال العراق ووقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد وكان يغازي أهل الشام
في فرج أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق قال ابن أبي داود الفرج الثغر وفى رواية يعقوب
ابن إبراهيم بن سعد عن أبيه أن حذيفة قدم على عثمان وكان يغزو مع أهل العراق قبل أرمينية
في غزوهم ذلك الفرج مع من اجتمع من أهل العراق وأهل الشام وفى رواية يونس بن يزيد اجتمع
لغزو أذربيجان وأرمينية أهل الشام وأهل العراق وأرمينية بفتح الهمزة عند ابن السمعاني
وبكسرها عند غيره وبه جزم الجواليقي وتبعه ابن الصلاح ثم النووي وقال ابن الجوزي من ضمها
فقد غلط وبسكون الراء وكسر الميم بعدها تحتانية ساكنة ثم نون مكسورة ثم تحتانية مفتوحة
خفيفة وقد تثقل قاله ياقوت والنسبة إليها أرمنى بفتح الهمزة ضبطها الجوهري وقال ابن قرقول
بالتخفيف لا غير وحكى ضم الهمزة وغلط وانما المضموم همزتها أرمية والنسبة إليها أرموى وهى
بلدة أخرى من بلاد أذربيجان وأما أرمينية فهي مدينة عظيمة من نواحي خلاط ومد الأصيلي
والمهلب أوله وزاد المهلب الدال وكسر الراء وتقديم الموحدة تشتمل على بلاد كثيرة وهى من
ناحية الشمال قال ابن السمعاني هي من جهة بلاد الروم يضرب بحسنها وطيب هوائها وكثرة
مائها وشجرها المثل وقيل إنها من بناء أرمين من ولد يافث بن نوح وأذربيجان بفتح الهمزة
والذال المعجمة وسكون الراء وقيل بسكون الذال وفتح الراء وبكسر الموحدة بعدها تحتانية
ساكنة ثم جيم خفيفة وآخره نون وحكى ابن مكي كسر أوله وضبطها صاحب المطابع ونقله عن ابن الاعرابى بسكون الذال وفتح الراء بلد كبير من نواحي جبال العراق غربي
وهى الآن تبريز وقصباتها وهى تلى أرمينية من جهة غربيها واتفق غزوهما في سنة واحدة
14

واجتمع في غزوة كل منهما أهل الشام وأهل العراق والذي ذكرته الأشهر في ضبطها وقد تمد
الهمزة وقد تكسر وقد تحذف وقد تفتح الموحدة وقد يزاد بعدها ألف مع مد الأولى حكاه
الهجري وأنكره الجواليقي ويؤكده انهم نسبوا إليها آذرى بالمد اقتصارا على الركن الأول كما قالوا في النسبة إلى بعلبك بعلى وكانت هذه القصة في سنة خمس وعشرين في السنة الثالثة أو
الثانية من خلافة عثمان وقد أخرج ابن أبي داود من طريق أبى اسحق عن مصعب بن سعد بن أبي
وقاص قال خطب عثمان فقال يا أيها الناس انما قبض نبيكم منذ خمس عشرة سنة وقد
اختلفتم في القراءة الحديث في جمع القرآن وكانت خلافة عثمان بعد قتل عمر وكان قتل عمر في
أواخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة
سنة الا ثلاثة أشهر فإن كان قوله خمس عشرة سنة أي كاملة فيكون ذلك بعد مضى سنتين وثلاثة
أشهر من خلافته لكن وقع في رواية أخرى له منذ ثلاث عشرة سنة فيجمع بينهما بالغاء الكسر
في هذه وجبره في الأولى فيكون ذلك بعد مضى سنة واحدة من خلافته فيكون ذلك في أواخر
سنة أربع وعشرين وأوائل سنة خمس وعشرين وهو الوقت الذي ذكر أهل التاريخ ان أرمينية
فتحت فيه وذل في أول ولاية الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة من قبل عثمان وغفل
بعض من أدركناه فزعم أن ذلك كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر لذلك مستندا (قوله فأفزع
حذيفة اختلافهم في القراءة) في رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه فيتنازعون في القرآن
حتى سمع حذيفة من اختلافهم ما ذعره وفى رواية يونس فتذاكروا القرآن فاختلفوا فيه حتى
كاد يكون بينهم فتنة وفى رواية عمارة بن غزية أن حذيفة قدم من غزوة فلم يدخل بيته حتى أتى
عثمان فقال يا أمير المؤمنين أدرك الناس قال وما ذاك قال غزوت فرج أرمينية فإذا أهل الشام
يقرؤن بقراءة أبي بن كعب فيأتون بما لم يسمع أهل العراق وإذا أهل العراق يقرؤن بقراءة عبد
الله بن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام فيكفر بعضهم بعضا وأخرج ابن أبي داود أيضا من
طريق يزيد بن معاوية النخعي قال انى لفى المسجد زمن الوليد بن عقبة في حلقة فيها حذيفة فسمع
رجلا يقول قراءة عبد الله بن مسعود وسمع آخر يقول قراءة أبى موسى الأشعري فغضب ثم قام
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال هكذا كان من قبلكم اختلفوا والله لأركبن إلى أمير المؤمنين ومن
طريق أخرى عنه ان اثنين اختلفا في آية من سورة البقرة قرأ هذا وأتموا الحج والعمرة لله وقرأ
هذا وأتموا الحج والعمرة للبيت فغضب حذيفة واحمرت عيناه ومن طريق أبى الشعثاء قال قال
حذيفة يقول أهل الكوفة قراءة ابن مسعود ويقول أهل البصرة قراءة أبى موسى والله لئن
قدمت على أمير المؤمنين لآمرنه ان يجعلها قراءة واحدة ومن طريق أخرى أن ابن مسعود قال
لحذيفة بلغني عنك كذا قال نعم كرهت أن يقال قراءة فلان وقراءة فلان فيختلفون كما اختلف
أهل الكتاب وهذه القصة لحذيفة يظهر لي انها متقدمة على القصة التي وقعت له في القراءة
فكأنه لما رأى الاختلاف أيضا بين أهل الشام والعراق اشتد خوفه فركب إلى عثمان وصادف
أن عثمان أيضا كان وقع له نحو ذلك فأخرج ابن أبي داود أيضا في المصاحف من طريق أبى قلابة
قال لما كان في خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل والمعلم يعلم قراءة الرجل فجعل الغلمان
يتلقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين حتى كفر بعضهم بعضا فبلغ ذلك عثمان فخطب
15

فقال أنتم عندي تختلفون فمن نأى عنى من الأمصار أشد اختلافا فكأنه والله أعلم لما جاءه
حذيفة وأعلمه باختلاف أهل الأمصار تحقق عنده ما ظنه من ذلك وفى رواية مصعب بن سعد
فقال عثمان تمترون في القرآن تقولون قراءة أبى قراءة عبد الله ويقول الآخر والله ما تقيم قراءتك
ومن طريق محمد بن سيرين قال كان الرجل يقرأ حتى يقول الرجل لصاحبه كفرت بما تقول فرفع
ذلك إلى عثمان فتعاظم في نفسه وعند ابن أبي داود أيضا من رواية بكير بن الأشج ان ناسا
بالعراق يسال أحدهم عن الآية فإذا قرأها قال ألا انى أكفر بهذه ففشا ذلك في الناس فكلم
عثمان في ذلك (قوله فأرسل عثمان إلى حفصة ان أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف)
في رواية يونس بن يزيد فاستخرج الصحيفة التي كان أبو بكر أمر زيدا بجمعها فنسخ منها
مصاحف فبعث بها إلى الآفاق والفرق بين الصحف والمصحف ان الصحف الأوراق المجردة التي
جمع فيها القرآن في عهد أبى بكر وكانت سورا مفرقة كل سورة مرتبة بآياتها على حدة لكن لم
يرتب بعضها اثر بعض فلما نسخت ورتب بعضها اثر بعض صارت مصحفا وقد جاء عن عثمان انه
انما فعل ذلك بعد ان استشار الصحابة فاخرج ابن أبي داود باسناد صحيح من طريق سويد بن
غفلة قال قال على لا تقولوا في عثمان الا خيرا فوالله ما فعل الذي في المصاحف الا عن
ملا منا قال ما تقولون في هذه القراءة فقد بلغني ان بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك وهذا
يكاد أن يكون كفرا قلنا فما ترى قال أرى ان نجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون
فرقة ولا اختلاف قلنا فنعم ما رأيت (قوله فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن
العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام فنسخوها في المصاحف) وعند ابن أبي داود من طريق
محمد بن سيرين قال جمع عثمان اثنى عشر رجلا من قريش والأنصار منهم أبي بن كعب وأرسل إلى
الرقعة التي في بيت عمر قال فحدثني كثير بن أفلح وكان ممن يكتب قال فكانوا إذا اختلفوا في
الشئ أخروه قال ابن سيرين أظنه ليكتبوه على العرضة الأخيرة وفى رواية مصعب بن سعد فقال
عثمان من أكتب الناس قالوا كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت قال فأي الناس
أعرب وفى رواية أفصح قالوا سعيد بن العاص قال عثمان فليمل سعيد وليكتب زيد ومن طريق
سعيد بن عبد العزيز ان عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص
ابن أمية لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل أبوه العاصي يوم بدر مشركا
ومات جده سعيد بن العاص قبل بدر مشركا (قلت) وقد أدرك سعيد بن العاص هذا من حياة
النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين قاله ابن سعد وعدوه لذلك في الصحابة وحديثه عن عثمان
وعائشة في صحيح مسلم واستعمله عثمان على الكوفة ومعاوية على المدينة وكان من أجواد
قريش وحلمائها وكان معاوية يقول لكل قوم كريم وكريمنا سعيد وكانت وفاته بالمدينة سنة
سبع أو ثمان أو تسع وخمسين ووقع في رواية عمارة بن غزية أبان بن سعيد بن العاص بدل سعيد
قال الخطيب ووهم عمارة في ذلك لان أبان قتل بالشام في خلافة عمر ولا مدخل له في هذه القصة
والذي أقامه عثمان في ذلك هو سعيد بن العاص ابن أخي أبان المذكور اه‍ ووقع من تسمية
بقية من كتب أو أملا عند ابن أبي داود مفرقا جماعة منهم مالك بن أبي عامر جد مالك بن أنس
من روايته ومن رواية أبى قلابة عنه ومنهم كثير بن أفلح كما تقدم ومنهم أبي بن كعب كما ذكرنا
16

ومنهم انس بن مالك وعبد الله بن عباس وقع ذلك في رواية إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن ابن
شهاب في أصل حديث الباب فهؤلاء تسعة عرفنا تسميتهم من الاثني عشر وقد أخرج ابن أبي داود
من طريق عبد الله بن مغفل وجابر بن سمرة قال قال عمر بن الخطاب لا يملين في مصاحفنا الا علمان
قريش وثقيف وليس في الذين سميناهم أحد من ثقيف بل كلهم اما قريشي أو انصارى وكأن
ابتداء الامر كان لزيد وسعيد للمعنى المذكور فيهما في رواية مصعب ثم احتاجوا إلى من يساعد
في الكتابة بحسب الحاجة إلى عدد المصاحف التي ترسل إلى الآفاق فأضافوا إلى زيد من ذكر ثم
استظهروا بأبي بن كعب في الاملاء وقد شق على ابن مسعود صرفه عن كتابة المصحف حتى قال
ما أخرجه الترمذي في آخر حديث إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب من طريق عبد الرحمن بن مهدي
عنه قال ابن شهاب فأخبرني عبيد الله بن عتبة بن مسعود ان عبد الله بن مسعود كره
لزيد بن ثابت نسخ المصاحف وقال يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ كتابة المصاحف ويتولاها رجل
والله لقد أسلمت وانه لفى صلب رجل كافر يريد زيد بن ثابت وأخرج ابن أبي داود من طريق خمير بن
مالك بالخاء مصغر سمعت ابن مسعود يقول لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين
سورة وان زيد بن ثابت لصبي من الصبيان ومن طريق أبى وائل عن ابن مسعود بضعا وسبعين
سورة ومن طريق زر بن حبيش عنه مثله وزاد وان لزيد بن ثابت روايتين والعذر لعثمان في ذلك
أنه فعله بالمدينة وعبد الله بالكوفة ولم يؤخر ما عزم عليه من ذلك إلى أن يرسل إليه ويحضر وأيضا فان عثمان انما أراد نسخ الصحف التي كانت جمعت في عهد أبى بكر وأن يجعلها مصحفا واحد
وكان الذي نسخ ذلك في عهد أبى بكر هو زيد بن ثابت كما تقدم لكونه كان كاتب الوحي فكانت
له في ذلك أولية ليست لغيره وقد أخرج الترمذي في آخر الحديث المذكور عن ابن شهاب قال
بلغني انه كره ذلك من مقالة عبد الله بن مسعود رجال من أفاضل الصحابة (قوله وقال عثمان
للرهط القرشيين الثلاثة) يعنى سعيد أو عبد الله وعبد الرحمن لان سعيدا أموي وعبد الله
أسدى وعبد الرحمن مخزومي وكلها من بطون قريش (قوله في شئ من القرآن) في رواية شعيب
في عربية من عربية القرآن وزاد الترمذي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد
في حديث الباب قال ابن شهاب فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه فقال القرشيون التابوت
وقال زيد التابوه فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال اكتبوه التابوت فإنه نزل بلسان قريش وهذه
الزيادة أدرجها إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع في روايته عن ابن شهاب في حديث زيد بن ثابت قال
الخطيب وانما رواها ابن شهاب مرسلة (قوله حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان
الصحف إلى حفصة) زاد أبو عبيد وابن أبي داود من طريق شعيب عن ابن شهاب قال أخبرني
سالم بن عبد الله بن عمر قال كان مروان يرسل إلى حفصة يعنى حين كان أمير المدينة من جهة
معاوية يسألها الصحف التي كتب منها القرآن فتأبى أن تعطيه قال سالم فلما توفيت حفصة
ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه تلك الصحف فأرسل بها
إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشققت وقال انما فعلت هذا لانى خشيت ان طال بالناس
زمان ان يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب ووقع في رواية أبى عبد فمزقت قال أبو عبيد لم يسمع
ان مروان مزق الصحف الا في هذه الرواية (قلت) قد أخرجه ابن أبي داود من طريق يونس
17

ابن يزيد عن ابن شهاب نحوه وفيه فلما كان مروان أمير المدينة أرسل إلى حفصة يسألها الصحف
فمنعته إياها قال فحدثني سالم بن عبد الله قال لما توفيت حفصة فذكره وقال فيه فشققها وحرقها
ووقعت هذه الزيادة في رواية عمارة بن عزية أيضا باختصار لكن أدرجها أيضا في حديث زيد
ابن ثابت وقال فيه فغسلها غسلا وعند ابن أبي داود من رواية مالك عن ابن شهاب عن سالم
أو خارجة ان أبا بكر لما جمع القرآن سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فذكر الحديث مختصرا إلى أن
قال فأرسل عثمان إلى حفصة فطلبها فابت حتى عادها ليردنها إليها فنسخ منها ثم ردها فلم تزل
عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها ويجمع بأنه صنع بالصحف جميع ذلك من تشقيق ثم
غسل ثم تحريق ويحتمل أن يكون بالخاء المعجمة فيكون مزقها ثم غسلها والله أعلم (قوله فأرسل
إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا) في رواية شعيب فأرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف
واختلفوا في عدة المصاحف والتي أرسل بها عثمان إلى الآفاق فالمشهور أنها خمسة وأخرج ابن أبي
داود في كتاب المصاحف من طريق حمزة الزيات قال أرسل عثمان أربعة مصاحف وبعث منها
إلى الكوفة بمصحف فوقع عند رجل من مراد فبقى حتى كتبت مصحفي عليه قال ابن أبي داود
سمعت أبا حاتم السجستاني يقول كتبت سبعة مصاحف إلى مكة والى الشام والى اليمن والى
البحرين والى البصرة والى الكوفة وحبس بالمدينة واحدا وأخرج باسناد صحيح إلى إبراهيم
النخعي قال قال لي رجل من أهل الشام مصحفنا ومصحف أهل البصرة أضبط من مصحف أهل
الكوفة قلت لم قال لان عثمان بعث إلى الكوفة لما بلغه من اختلافهم بمصحف قبل أن
يعرض وبقى مصحفنا ومصحف أهل البصرة حتى عرضا (قوله وأمر بما سواه من القرآن في كل
صحيفة أو مصحف أن يحرق) في رواية الأكثر أن يخرق بالخاء المعجمة والمروزي بالمهملة ورواه
الأصيلي بالوجهين والمعجمة أثبت وفى رواية الإسماعيلي أن تمحى أو تحرق وقد وقع في رواية شعيب
عند ابن أبي داود والطبراني وغيرهما وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل
به قال فذلك زمان حرقت المصاحف بالعراق بالنار وفى رواية سويد بن غفلة عن علي قال لا تقولوا
لعثمان في احراق المصاحف الا خيرا وفى رواية بكير بن الأشج فأمر بجمع المصاحف فأحرقها ثم
بث في الأجناد التي كتب ومن طريق مصعب بن سعد قال أدركت الناس متوافرين حين حرق
عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك أو قال لم ينكر ذلك منه أحد وفى رواية أبى قلابة فلما فرغ عثمان
من المصحف كتب إلى أهل الأمصار انى قد صنعت كذا وكذا ومحوت ما عندي فامحوا ما عندكم
والمحو أعم أن يكون بالغسل أو التحريق وأكثر الروايات صريح في التحريق فهو الذي وقع
ويحتمل وقوع كل منهما بحسب ما رأى من كان بيده شئ من ذلك وقد جزم عياض بأنهم غسلوها
بالماء ثم أحرقوها مبالغة في اذهابها قال ابن بطال في هذا الحديث جواز تحريق الكتب التي فيها
اسم الله بالنار وأن ذلك اكرام لها وصون عن وطئها بالاقدام وقد أخرج عبد الرزاق من طريق
طاوس أنه كان يحرق الرسائل التي فيها البسملة إذا اجتمعت وكذا فعل عروة وكرهه إبراهيم وقال
ابن عطية الرواية بالحاء المهملة أصح وهذا الحكم هو الذي وقع في ذلك الوقت وأما الآن فالغسل
أولى لما دعت الحاجة إلى ازالته وقوله وأمر بما سواه أي بما سوى المصحف الذي استكتبه
والمصاحف التي نقلت منه وسوى الصحف التي كانت عند حفصة وردها إليها ولهذا استدرك
18

مروان الامر بعدها وأعدمها أيضا خشية أن يقع لاحد منها توهم أن فيها ما يخالف المصحف
الذي استقر عليه الامر كما تقدم واستدل بتحريق عثمان الصحف على القائلين بقدم الحروف
والأصوات لأنه لا يلزم من كون كلام الله قديما أن تكون الأسطر المكتوبة في الورق قديمة ولو
كانت هي عين كلام الله لم يستجز الصحابة احراقها والله أعلم (قوله قال ابن شهاب وأخبرني
خارجة الخ) هذه هي القصة الثالثة وهى موصولة إلى ابن شهاب بالاسناد المذكور كما تقدم بيانه
واضحا وقد تقدمت موصولة مفردة في الجهاد وفى تفسير سورة الأحزاب وظاهر حديث زيد بن
ثابت هذا أنه فقد آية الأحزاب من الصحف التي كان نسخها في خلافة أبى بكر حتى وجدها مع
خزيمة بن ثابت ووقع في رواية إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن ابن شهاب ان فقده إياها انما كان
في خلافة أبى بكر وهو وهم منه والصحيح ما في الصحيح وان الذي فقده في خلافة أبى بكر الآيتان
من آخر براءة وأما التي في الأحزاب ففقدها لما كتب المصحف في خلافة عثمان وجزم ابن كثير بما
وقع في رواية ابن مجمع وليس كذلك والله أعلم قال ابن التين وغيره الفرق بين جمع أبى بكر وبين جمع
عثمان ان جمع أبى بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شئ بذهاب حملته لأنه لم يكن مجموعا في
موضع واحد فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم
وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرؤه بلغاتهم على اتساع اللغات
فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشى من تفاقم الامر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف
واحد مرتبا لسوره كما سيأتي في باب تأليف القرآن واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش
محتجا بأنه نزل بلغتهم وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الامر
فرأى أن الحاجة إلى ذلك انتهت فاقتصر على لغة واحدة وكانت لغة قريش أرجح اللغات فاقتصر
عليها وسيأتى زيد بيان لذلك بعد باب واحد * (تنبيه) * قال ابن معين لم يرو أحد حديث جمع
القرآن أحسن من سياق إبراهيم بن سعد وقد روى مالك طرفا منه عن ابن شهاب * (قوله
باب كاتب النبي صلى الله عليه وسلم) قال ابن كثير ترجم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم
ولم يذكر سوى حديث زيد بن ثابت وهذا عجيب فكأنه لم يقع له على شرطه غير هذا ثم أشار إلى أنه
استوفى بيان ذلك في السيرة النبوية (قلت) لم أقف في شئ من النسخ الا بلفظ كاتب بالافراد وهو
مطابق لحديث الباب نعم قد كتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة غير زيد بن ثابت أما
بمكة فلجميع ما نزل بها لان زيد بن ثابت انما أسلم بعد الهجرة وأما بالمدينة فأكثر ما كان يكتب
زيد ولكثرة تعاطيه ذلك أطلق عليه الكاتب بلام العهد كما في حديث البراء بن عازب ثاني حديثي
الباب ولهذا قال له أبو بكر انك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زيد بن
ثابت ربما غاب فكتب الوحي غيره وقد كتب له قبل زيد بن ثابت أبي بن كعب وهو أول من كتب
له بالمدينة وأول من كتب له بمكة من قريش عبد الله بن سعد بن أبي سرح ثم ارتد ثم عاد إلى الاسلام
يوم الفتح وممن كتب له في الجملة الخلفاء الأربعة والزبير بن العوام وخالد وأبان ابنا سعيد بن
العاص بن أمية وحنظلة بن الربيع الأسدي ومعيقيب بن أبي فاطمة وعبد الله بن الأرقم
الزهري وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن رواحة في آخرين وروى أحمد وأصحاب السنن
الثلاثة وصححه ابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عباس عن عثمان بن عفان قال
19

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه من السور ذوات العدد
فكان إذا نزل عليه الشئ يدعو بعض من يكتب عنده فيقول ضعوا هذا في السورة التي
يذكر فيها كذا الحديث ثم ذكر المصنف في الباب حديثين * الأول حديث زيد بن ثابت
في قصته مع أبي بكر في جمع القرآن أورد منه طرفا وغرضه منه قول أبى بكر لزيد انك كنت
تكتب الوحي وقد مضى البحث فيه مستوفى في الباب الذي قبله * الثاني حديث البراء وهو
ابن عازب لما نزلت لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله قال النبي
صلى الله عليه وسلم ادع لي زيدا وقد تقدم في تفسير سورة النساء بلفظ ادع لي فلانا من رواية
إسرائيل أيضا وفى رواية غيره ادع لي زيدا أيضا وتقدمت القصة هناك من حديث زيد بن
ثابت نفسه ووقع هنا فنزلت مكانها لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل
الله غير أولى الضرر هكذا وقع بتأخير لفظ غير أولى الضرر والذي في التلاوة غير أولى الضرر قبل
والمجاهدون في سبيل الله وقد تقدم على الصواب من وجه آخر عن إسرائيل * (قوله
باب أنزل القرآن على سبعة أحرف) أي على سبعة أوجه يجوز أن يقرأ بكل وجه منها
وليس المراد ان كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة أوجه بل الراد ان غاية ما انتهى إليه عدد
القراءات في الكلمة الواحدة إلى سبعة فان قيل فإنها نجد بعض الكلمات يقرأ على أكثر من سبعة
أوجه فالجواب ان غالب ذلك اما لا يثبت الزيادة واما أن يكون من قبيل الاختلاف في كيفية
الأداء كما في المد والإمالة ونحوهما وقيل ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بل المراد التسهيل والتيسير ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد كما يطلق السبعين في العشرات
والسبعمائة في المئين ولا يراد العدد المعين والى هذا جنح عياض ومن تبعه وذكر القرطبي عن ابن
حبان أنه بلغ الاختلاف في معنى الأحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولا ولم يذكر القرطبي منها
سوى خمسة وقال المنذري أكثرها غير مختار ولم أقف على كلام ابن حبان في هذا بعد تتبعي مظانه
من صحيحه وسأذكر ما انتهى إلى من أقوال العلماء في ذلك مع بيان المقبول منها والمردود إن شاء الله
تعالى في آخر هذا الباب ثم ذكر المصنف في الباب حديثين * أحدهما حديث ابن عباس (قوله
حدثنا سعيد بن عفير) بالمهملة والفاء مصغر وهو سعيد بن كثير بن عفير ينسب إلى جده وهو من
حفاظ المصريين وثقاتهم (قوله أن ابن عباس رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال) هذا مما لم يصرح ابن عباس بسماعه له من النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه سمعه من أبى
ابن كعب فقد أخرج النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي
ابن كعب نحوه والحديث مشهور عن أبي أخرجه مسلم وغيره من حديثه كما سأذكره (قوله أقرأني
جبريل على حرف) في أول حديث النسائي عن أبي بن كعب أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم
سورة فبينما أنا في المسجد إذ سمعت رجلا يقرؤها يخالف قراءتي الحديث ولمسلم من طريق عبد
الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب قال كنت في المسجد فدخل رجل يصلى فقرأ قراءة أنكرتها
عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقلت ان هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه
فأمرهما فقرأ فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما قال فسقط في نفسي ولا إذ كنت في الجاهلية
20

فضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله فرقا فقال لي يا أبى أرسل إلى أن أقرأ القرآن
على حرف الحديث وعند الطبري في هذا الحديث فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان حتى
احمر وجهي فضرب في صدري وقال اللهم اخسأ عنه الشيطان وعند الطبري من وجه آخر عن أبي
أن ذلك وقع بينه وبين ابن مسعود وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلاكما محسن قال أبى
فقلت ما كلانا أحسن ولا أجمل قال فضرب في صدري الحديث وبين مسلم من وجه آخر عن
ابن أبي ليلى عن أبي المكان الذي نزل فيه ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه ان النبي صلى
الله عليه وسلم كان عند اضاة بنى غفار فأتاه جبريل فقال أن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن
على حرف الحديث وبين الطبري من هذه الطريق أن السورة المذكورة سورة النحل (قوله
فراجعته) في رواية مسلم عن أبي فرددت إليه أن هون على أمتي وفى رواية له ان أمتي لا تطيق ذلك
ولابى داود من وجه آخر عن أبي فقال لي الملك الذي معي قل على حرفين حتى بلغت سبعة أحرف
وفى رواية للنسائي من طريق أنس عن أبي بن كعب ان جبريل وميكائيل أتياني فقال جبريل
اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل استزده ولأحمد من حديث أبي بكرة نحوه (قوله فلم أزل
أستزيده ويزيدني
في حديث أبي ثم أتاه الثانية فقال على حرفين ثم أتاه الثالثة فقال على ثلاثة
أحرف ثم جاءه الرابعة فقال إن الله يأمرك ان تقرئ أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤا
عليه فقد أصابوا وفى رواية للطبري على سبعة أحرف من سبعة أبواب من الجنة وفى أخرى له
من قرأ حرفا منها فهو كما قرأ وفى رواية أبى داود ثم قال ليس منها الا شاف كاف ان قلت سميعا
عليما عزيزا حكيما ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب وللترمذي من وجه آخر أنه
صلى الله عليه وسلم قال يا جبريل انى بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام
والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط الحديث وفى حديث أبي بكرة عند أحمد كلها كاف
شاف كقولك هلم وتعال ما لم تختم الحديث وهذه الأحاديث تقوى أن المراد بالأحرف اللغات أو
القراءات أي أنزل القرآن على سبعة لغات أو قراءات والأحرف جمع حرف مثل فلس وأفلس
فعلى الأول يكون المعنى على سبعة أوجه من اللغات لان أحد معاني الحرف في اللغة الوجه
كقوله تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف وعلى الثاني يكون المراد من اطلاق الحرف
على الكلمة مجازا لكونه بعضها * الحديث الثاني (قوله أن المسور بن مخرمة) أي ابن نوفل
الزهري كذا رواه عقيل ويونس وشعيب وابن أخي الزهري عن الزهري واقتصر مالك عنه على
عروة فلم يذكر المسور في اسناده واقتصر عبد الاعلى عن معمر عن الزهري فيما أخرجه النسائي
عن المسور بن مخرمة فلم يذكر عبد الرحمن وذكره عبد الرزاق عن معمر أخرجه الترمذي
وأخرجه مسلم من طريقه لكن أحال به قال كرواية يونس وكأنه أخرجه من طريق ابن وهب
عن يونس فذكرهما وذكره المصنف في المحاربة عن الليث عن يونس تعليقا (قوله وعبد الرحمن بن
عبد) هو بالتنوين غير مضاف لشئ (قوله القارى) بتشديد الياء التحتانية نسبة إلى القارة بطن
من خزيمة بن مدركة والقارة لقب واسمه اثيع بالمثلثة مصغر بن مليح بالتصغير وآخره مهملة ابن
الهون بضم الهاء ابن خزيمة وقيل بل القارة هو الديش بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها
معجمة من ذرية أثيع المذكور وليس هو منسوبا إلى القراءة وكانوا قد حالفوا بنى زهرة وسكنوا
21

معهم بالمدينة بعد الاسلام وكان عبد الرحمن من كبار التابعين وقد ذكر في الصحابة لكونه أتى به
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير أخرج ذلك البغوي في مسند الصحابة باسناد لا بأس به ومات
سنة ثمان وثمانين في قول الأكثر وقيل سنة ثمانين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وقد
ذكره في الاشخاص وله عنده حديث آخر عن عمر في الصيام (قوله سمعت هشام بن حكيم) أي ابن حزام الأسدي له ولأبيه صحبة وكان اسلامهما يوم الفتح وكان لهشام فضل ومات قبل
أبيه وليس له في البخاري رواية وأخرج له مسلم حديثا واحدا مرفوعا من رواية عروة عنه وهذا
يدل على أنه تأخر إلى خلافة عثمان وعلى ووهم من زعم أنه استشهد في خلافة أبى بكر أو عمر
وأخرج ابن سعد عن معن بن عيسى عن مالك عن الزهري كان هشام بن حكيم يأمر بالمعروف
فكان عمر يقول إذا بلغه الشئ أما ما عشت أنا وهشام فلا يكون ذلك (قوله يقرأ سورة
الفرقان) كذا للجميع وكذا في سائر طرق الحديث في المسانيد والجوامع وذكر بعض الشراح
أنه وقع عند الخطيب في المبهمات سورة الأحزاب بدل الفرقان وهو غلط من النسخة التي وقف
عليها فان الذي في كتاب الخطيب الفرقان كما في رواية غيره (قوله فكدت أساوره) بالسين المهملة
أي آخذ برأسه قاله الجرجاني وقال غيره أواثبه وهو أشبه قال النابغة
- فبت كأني ساورتني ضئيلة * من الرقش في أنيابها السم ناقع -
أي واثبتنى وفى بانت سعاد * إذا يساور قرنا لا يحل له * أن يترك القرن الا وهو مخذول *
ووقع عند الكشميهني والقابسي في رواية شعيب الآتية بعد أبواب أثاوره بالمثلثة عوض
المهملة قال عياض والمعروف الأول (قلت) لكن معناها أيضا صحيح ووقع في رواية مالك أن أعجل
عليه (قوله فتصبرت) في رواية مالك ثم أمهلته حتى انصرف أي من الصلاة لقوله في هذه الرواية
حتى سلم (قوله فلببته بردائه) بفتح اللام وموحدتين الأولى مشددة والثانية ساكنة أي جمعت
عليه ثيابه عند لبته لئلا يتفلت منى وكان عمر شديدا في الامر بالمعروف وفعل ذلك عن اجتهاد منه
لظنه أن هشاما خالف الصواب ولهذا لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل قال له أرسله
(قوله كذبت) فيه اطلاق ذلك على غلبة الظن أو المراد بقوله كذبت أي أخطأت لان أهل الحجاز
يطلقون الكذب في موضع الخطا (قوله فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها) هذا قاله
عمر استدلالا على ما ذهب إليه من تخطئة هشام وانما ساغ له ذلك لرسوخ قدمه في الاسلام
وسابقته بخلاف هشام فإنه كان قريب العهد بالاسلام فخشى عمر من ذلك أن لا يكون أتقن
القراءة بخلاف نفسه فإنه كان قد أتقن ما سمع وكان سبب اختلاف قراءتهما أن عمر حفظ هذه
السورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قديما ثم لم يسمع ما نزل فيها بخلاف ما حفظه وشاهده
ولان هشاما من مسلمة الفتح فكان النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه على ما نزل أخيرا فنشأ
اختلافهما من ذلك ومبادرة عمر للانكار محمولة على أنه لم يكن سمع حديث أنزل القرآن على
سبعة أحرف الا في هذه الواقعة (قوله فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) كأنه
لما لببه بردائه صار يجره به فلهذا صار قائدا له ولولا ذلك لكان يسوقه ولهذا قال له النبي صلى الله
عليه وسلم لما وصلا إليه أرسله (قوله إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) هذا أورده النبي صلى
الله عليه وسلم تطمينا لعمر لئلا ينكر تصويب الشيئين المختلفين وقد وقع عند الطبري من طريق
22

إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده قال قرأ رجل فغير عليه عمر فاختصما عند النبي
صلى الله عليه وسلم فقال الرجل ألم تقرئني يا رسول الله قال بلى قال فوقع في صدر عمر شئ عرفه
النبي صلى الله وسلم في وجهه قال فضرب في صدره وقال أبعد شيطانا قالها ثلاثا ثم قال يا عمر
القرآن كله صواب ما لم تجعل رحمة عذابا أو عذابا رحمة ومن طريق ابن عمر سمع عمر رجلا يقرأ فذكر
نحوه ولم يذكر فوقع في صدر عمر لكن قال في آخره أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف
شاف ووقع لجماعة من الصحابة نظير ما وقع لعمر مع هشام منها لأبي بن كعب مع ابن مسعود في
سورة النحل كما تقدم ومنها ما أخرجه أحمد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو أن رجلا
قرأ آية من القرآن فقال له عمرو انما هي كذا وكذا فذكرا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن
هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا فيه اسناده حسن ولأحمد
أيضا وأبى عبيد والطبري من حديث أبي جهم بن الصمة أن رجلين اختلفا في آية من القرآن
كلاهما يزعم أنه تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحو حديث عمرو بن العاص
وللطبري والطبراني عن زيد بن أرقم قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أقرأني
ابن مسعود سورة أقرأنيها زيد وأقرأنيها أبي بن كعب فاختلفت قراءتهم فبقراءة أيهم آخذ
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى إلى جنبه فقال على ليقرأ كل انسان منكم كما علم فإنه
حسن جميل ولابن حبان والحاكم من حديث ابن مسعود أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم
سورة
سورة من آل حم فرحت إلى المسجد فقلت لرجل أقرأها فإذا هو يقرأ حروفا ما أقرأها فقال
أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فتغير
وجهه وقال انما أهلك من كان قبلكم الاختلاف ثم أسر إلى علي شيئا فقال على أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم قال فانطلقنا وكل رجل منا يقرأ حروفا
لا يقرأها صاحبه وأصل هذا سيأتي في آخر حديث في كتاب فضائل القرآن وقد اختلف العلماء
في المراد بالأحرف السبعة على أقوال كثيرة بلغها أبو حاتم بن حبان إلى خمسة وثلاثين قولا وقال
المنذري أكثرها غير مختار (قوله فاقرؤا ما تيسر منه) أي من المنزل وفيه إشارة إلى الحكمة في
التعدد المذكور وأنه للتيسير على القارئ وهذا يقوى قول من قال المراد بالأحرف تأدية المعنى
باللفظ المرادف ولو كان من لغة واحدة لان لغة هشام بلسان قريش وكذلك عمر ومع ذلك فقد
اختلفت قراءتهما نبه على ذلك ابن عبد البر ونقل عن أكثر أهل العلم ان هذا هو المراد بالأحرف
السبعة وذهب أبو عبيد وآخرون إلى أن المراد اختلاف اللغات وهو اختيار ابن عطية وتعقب
بأن لغات العرب أكثر من سبعة وأجيب بأن المراد أفصحها فجاء عن أبي صالح عن ابن عباس قال
نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغة العجز من هوازن قال والعجز سعد بن بكر وجشم
ابن بكر ونصر بن معاوية وثقيف وهؤلاء كلهم من هوازن ويقال لهم عليا هوازن ولهذا قال
أبو عمرو بن العلاء أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم يعنى بنى دارم وأخرج أبو عبيد من وجه
آخر عن ابن عباس قال نزل القرآن بلغة الكعبيين كعب قريش وكعب خزاعة قيل وكيف ذاك
قال لان الدار واحدة يعنى ان خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم وقال أبو حاتم
السجستاني نزل بلغة قريش وهذيل وتيم الرباب والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر
23

واستنكره ابن قتيبة واحتج بقوله تعالى وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه فعلى هذا فتكون
اللغات السبع في بطون قريش وبذلك جزم أبو علي الأهوازي وقال أبو عبيد ليس المراد ان كل
كلمة تقرأ على سبع لغات بل اللغات السبع مفرقة فيه فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل
وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن وغيرهم قال وبعض اللغات أسعد بها من بعض وأكثر
نصيبا وقيل نزل بلغة مضر خاصة لقول عمر نزل القرآن بلغة مضر وعين بعضهم فيما حكاه ابن
عبد البر السبع من مضر أنهم هذيل وكنانة وقيس وضبة وتيم الرباب وأسد بن خزيمة وقريش
فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات ونقل أبو شامة عن بعض الشيوخ أنه قال أنزل القرآن
أولا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء ثم أبيح للعرب أن يقرؤه بلغاتهم التي جرت
عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والاعراب ولم يكلف أحد منهم الانتقال من لغته
إلى لغة أخرى للمشقة ولما كان فيهم من الحمية ولطلب تسهيل فهم المراد كل ذلك مع اتفاق
المعنى وعلى هذا يتنزل اختلافهم في القراءة كما تقدم وتصويب رسول الله صلى الله عليه وسلم
كلا منهم (قلت) وتتمة ذلك أن يقال إن الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي أي ان كل أحد يغير
الكلمة بمرادفها في لغته بل المراعى في ذلك السماع من النبي صلى الله عليه وسلم ويشير إلى ذلك
قول كل من عمر وهشام في حديث الباب أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم لكن ثبت عن غير
واحد من الصحابة انه كان يقرأ بالمرادف ولم لم مسموعا له ومن ثم أنكر عمر على ابن مسعود
قراءته عنى حين أي حتى حين وكتب إليه ان القرآن لم ينزل بلغة هذيل فأقرئ الناس بلغة قريش
ولا تقرئهم بلغة هذيل وكان ذلك قبل أن يجمع عثمان الناس على قراءة واحدة قال ابن عبد البر بعد
ان أخرجه من طريق أبى داود بسنده يحتمل أن يكون هذا من عمر على سبيل الاختيار لا ان
الذي قرأ به ابن مسعود لا يجوز قال وإذا أبيحت قراءته على سبعة أوجه أنزلت جاز الاختيار فيما
أنزل قال أبو شامة ويحتمل أن يكون مراد عمر ثم عثمان بقولهما نزل بلسان قريش ان ذلك
كان أول نزوله ثم إن الله تعالى سهله على الناس فجوز لهم أن يقرؤه على لغاتهم على أن لا يخرج
ذلك عن لغات العرب لكونه بلسان عربي مبين فأما من أراد قراءته من غير العرب فالاختيار له
أن يقرأه بلسان قريش لأنه الأولى وعلى هذا يحمل ما كتب به عمر إلى ابن مسعود لان جميع
اللغات بالنسبة لغير العربي مستوية في التعبير فإذا لابد من واحدة فلتكن بلغة النبي صلى الله
عليه وسلم وأما العربي المجبول على لغته فلو كلف قراءته بلغة قريش لعسر عليه التحول مع إباحة
الله له أن يقرأه بلغته ويشير إلى هذا قوله في حديث أبي كما تقدم هون على أمتي وقوله إن أمتي
لا تطيق ذلك وكأنه انتهى عند السبع لعلمه أنه لا تحتاج لفظة من ألفاظه إلى أكثر من ذلك
العدد غالبا وليس المراد كما تقدم ان كل لفظة منه تقرأ على سبعة أوجه قال ابن عبد البر وهذا مجمع
عليه بل هو غير ممكن بل لا يوجد في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه الا الشئ القليل مثل عبد
الطاغوت وقد أنكر ابن قتيبة أن يكون في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه ورد عليه ابن
الأنباري بمثل عبد الطاغوت ولا تقل لهما أف وجبريل ويدل على ما قرره انه أنزل أولا بلسان
قريش ثم سهل على الأمة أن يقرؤه بغير لسان قريش وذلك بعد ان كثر دخول العرب في الاسلام
فقد ثبت ان ورود التخفيف بذلك كان بعد الهجرة كما تقدم في حديث أبي بن كعب أن جبريل لقى
24

النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند أضاة بنى غفار فقال إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على
حرف فقال أسال الله معافاته ومغفرته فان أمتي لا تطيق ذلك الحديث أخرجه مسلم وأضاة بنى
غفار هي بفتح الهمزة والضاد المعجمة بغير همز وآخره تاء تأنيث هو مستنقع الماء كالغدير وجمعه
أضا كعصا وقيل بالمد والهمز مثل اناء وهو موضع بالمدينة النبوية ينسب إلى بنى غفار بكسر
المعجمة وتخفيف الفاء لانهم نزلوا عنده وحاصل ما ذهب إليه هؤلاء ان معنى قوله أنزل القرآن على
سبعة أحرف أي أنزل موسعا على القارئ أن يقرأه على سبعة أوجه أي يقرأ بأي حرف أراد منها
على البدل من صاحبه كأنه قال أنزل على هذا الشرط أو على هذه التوسعة وذلك لتسهيل قراءته
إذ لو أخذوا بأن يقرؤه على حرف واحد لشق عليهم كما تقدم قال ابن قتيبة في أول تفسير المشكل
له كان من تيسير الله ان أمر نبيه أن يقرأ كل قوم بلغتهم فالهذلي يقرأ عتى حين يريد حتى حين
والأسدي يقرأ تعلمون بكسر أوله والتميمي يهمز والقرشي لا يهمز قال ولو أراد كل فريق منهم أن
يزول عن لغته وما جرى عليه لسانه طفلا وناشئا وكهلا لشق عليه غاية المشقة فيسر عليهم ذلك
بمنه ولو كان المراد أن كل كلمة منه تقرأ على سبعة أوجه لقال مثلا أنزل سبعة أحرف وانما
المراد أن يأتي في الكلمة وجه أو وجهان أو ثلاثة أو أكثر إلى سبعة وقال ابن عبد البر أنكر
أكثر أهل العلم أن يكون معنى الأحرف اللغات لما تقدم من اختلاف هشام وعمر ولغتهما
واحدة قالوا وانما المعنى سبعة أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة نحو أقبل وتعال وهلم ثم
ساق الأحاديث الماضية الدالة على ذلك (قلت) ويمكن الجمع بين القولين بان يكون المراد
بالأحرف تغاير الألفاظ مع اتفاق المعنى مع انحصار ذلك في سبع لغات لكن لاختلاف القولين
فائدة أخرى وهى ما نبه عليه أبو عمرو الداني أن الأحرف السبعة ليست متفرقة في القرآن كلها
ولا موجودة فيه في ختمة واحدة فإذا قرأ القارئ برواية واحدة فإنما قرأ ببعض الأحرف السبعة
لا بكلها وهذا انما يتأتى على القول بأن المراد بالأحرف اللغات وأما وقول من يقول بالقول
الآخر فيتأتى ذلك في ختمة واحدة لا ريب بل يمكن على ذلك القول إن تحصل الأوجه السبعة
في بعض القرآن كما تقدم وقد حمل ابن قتيبة وغيره العدد المذكور على الوجوه التي يقع بها التغاير
في سبعة أشياء * الأول ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل ولا يضار كاتب ولا شهيد
بنصب الراء ورفعها * الثاني ما يتغير بتغير الفعل مثل بعد بين أسفارنا وباعد بين أسفارنا بصيغة
الطلب والفعل الماضي * الثالث ما يتغير بنقط بعض الحروف المهملة مثل ثم ننشرها بالراء والزاي
* الرابع ما يتغير بابدال حرف قريب من مخرج الآخر مثل طلح منضود في قراءة على وطلع
منضود * الخامس ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل وجاءت سكرة الموت بالحق في قراءة أبى بكر
الصديق وطلحة بن مصرف وزين العابدين وجاءت سكرة الحق بالموت * السادس ما يتغير بزيادة
أو نقصان كما تقدم في التفسير عن ابن مسعود وأبى الدرداء والليل إذا يغشى والنهار إذا تخلى
والذكر والأنثى هذا في النقصان واما في الزيادة فكما تقدم في تفسير تبت يدا أبى لهب في حديث
ابن عباس وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين * السابع ما يتغير بابدال كلمة بكلمة
ترادفها مثل العهن المنفوش في قراءة ابن مسعود وسعيد بن جبير كالصوف المنفوش وهذا
وجه حسن لكن استبعده قاسم بن ثابت في الدلائل لكون الرخصة في القراءات انما وقعت
25

وأكثرهم يومئذ لا يكتب ولا يعرف الرسم وانما كانوا يعرفون الحروف بمخارجها قال واما ما وجد
من الحروف المتباينة المخرج المتفقة الصورة مثل ننشرها وننشزها فان السبب في ذلك تقارب
معانيها واتفق تشابه صورتها في الخط (قلت) ولا يلزم من ذلك توهين ما ذهب إليه ابن قتيبة
لاحتمال أن يكون الانحصار المذكور في ذلك وقع اتفاقا وانما اطلع عليه بالاستقراء وفى ذلك
من الحكمة البالغة ما لا يخفى وقال أبو الفضل الرازي الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه في
الاختلاف الأول اختلاف الأسماء من افراد وتثنية وجمع أو تذكير وتأنيث الثاني اختلاف
تصريف الافعال من ماض ومضارع وأمر الثالث وجوه الاعراب الرابع النقص والزيادة
الخامس التقديم والتأخير السادس الابدال السابع اختلاف اللغات كالفتح والإمالة والترقيق
والتفخيم والادغام والاظهار ونحو ذلك (قلت) وقد أخذ كلام ابن قتيبة ونقحه وذهب قوم إلى أن
السبعة أحرف سبعة أصناف من الكلام واحتجوا بحديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على
سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه
وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه
وقولوا آمنا به كل من عند ربنا أخرجه أبو عبيد وغيره قال ابن عبد البر هذا حديث لا يثبت لأنه
من رواية أبى سلمة بن عبد الرحمن عن ابن مسعود ولم يلق ابن مسعود وقد رده قوم من أهل النظر
منهم أبو جعفر أحمد بن أبي عمران (قلت) وأطنب الطبري في مقدمة تفسيره في الرد على من قال به
وحاصله أنه يستحيل أن يجتمع في الحرف الواحد هذه الأوجه السبعة وقد صح الحديث المذكور
ابن حبان والحاكم وفى تصحيحه نظر لانقطاعه بين أبى سلمة وابن مسعود وقد أخرجه البيهقي من
وجه آخر عن الزهري عن أبي سلمة مرسلا وقال هذا مرسل جيد ثم قال إن صح فمعنى قوله في هذا
الحديث سبعة أحرف أي سبعة أوجه كما فسرت في الحديث وليس المراد الأحرف السبعة التي
تقدم ذكرها في الأحاديث الأخرى لان سياق تلك الأحاديث يأبى حملها على هذا بل هي ظاهرة في
أن المراد أن الكلمة الواحدة تقرأ على وجهين وثلاثة وأربعة إلى سبعة تهوينا وتيسيرا والشئ
الواحد لا يكون حراما وحلالا في حالة واحدة وقال أبو علي الأهوازي وأبو العلاء الهمداني
قوله زاجر وآمر استئناف كلام آخر أي هو زاجر أي القرآن ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة
وانما توهم ذلك من توهمه من جهة الاتفاق في العدد ويؤيده أنه جاء في بعض طرقه زاجرا وآمرا
الخ بالنصب أي نزل على هذه الصفة من الأبواب السبعة وقال أبو شامة يحتمل أن يكون التفسير
المذكور للأبواب لا للأحرف أي هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه وأنزله الله على
هذه الأصناف لم يقتصر منها على صنف واحد كغيره من الكتب (قلت) وما يوضح أن قوله زاجر
وآمر الخ ليس تفسيرا للأحرف السبعة ما وقع في مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب عقب
حديث ابن عباس الأول من حديثي هذا الباب قال ابن شهاب بلغني أن تلك الأحرف السبعة
انما هي في الامر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام قال أبو شامة وقد اختلف
السلف في الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن هل هي مجموعة في المصحف الذي بأيدي الناس
اليوم أوليس فيه الا حرف واحد منها مال ابن الباقلاني إلى الأول وصرح الطبري وجماعة
26

بالثاني وهو المعتمد وقد أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أبي الطاهر بن أبي السرح قال سألت
ابن عيينة عن اختلاف قراءة المدنيين والعراقيين هل هي الأحرف السبعة قال لا وانما الأحرف
السبعة مثل هلم وتعال وأقبل أي ذلك قلت أجزأك قال وقال لي ابن وهب مثله والحق أن الذي
جمع في المصحف هو المتفق على انزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وفيه
بعض ما اختلف فيه الأحرف السبعة لا جميعها كما وقع في المصحف المكي تجرى من تحتها الأنهار
في آخر براءة وفى غيره بحذف من وكذا ما وقع من اختلاف مصاحف الأمصار من عدة واوات
ثابتة في بعضها دون بعض وعدة هاءات وعدة لامات ونحو ذلك وهو محمول على أنه نزل بالامرين
معا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته لشخصين أو اعلم بذلك شخصا واحدا وأمره باثباتهما على
الوجهين وما عدا ذلك من القراءات مما لا يوافق الرسم فهو مما كانت القراءة جوزت به توسعة
على الناس وتسهيلا فلما آل الحال إلى ما وقع من الاختلاف في زمن عثمان وكفر بعضهم بعضا
اختار الاقتصار على اللفظ المأذون في كتابته وتركوا الباقي قال الطبري وصار ما اتفق عليه
الصحابة من الاقتصار كمن اقتصر مما خير فيه على خصلة واحدة لان أمرهم بالقراءة على الأوجه
المذكورة لم يكن على سبيل الايجاب بل على سبيل الرخصة (قلت) ويدل عليه قوله صلى الله
عليه وسلم في حديث الباب فاقرءوا ما تيسر منه وقد قرر الطبري ذلك تقرير أطنب فيه ووهى
من قال بخلافه ووافقه على ذلك جماعة منهم أبو العباس بن عمار في شرح الهداية وقال أصح
ما عليه الحذاق أن الذي يقرأ الآن بعض الحروف السبعة المأذون في قراءتها لا كلها وضابطه
ما وافق رسم المصحف فاما ما خالفه مثل أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ومثل إذا جاء فتح
الله والنصر فهو من تلك القراءات التي تركت ان صح السند بها ولا يكفي صحة سندها في اثبات
كونها قرآنا ولا سيما والكثير منها ما يحتمل أن يكون من التأويل الذي قرن إلى التنزيل فصار
يظن أنه منه وقال البغوي في شرح السنة المصحف الذي استقر عليه الامر هو آخر العرضات
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر عثمان بنسخه في المصاحف وجمع الناس عليه وأذهب
ما سوى ذلك قطعا لمادة الخلاف فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر
ما نسخ ووقع فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم وقال أبو شامة ظن قوم
أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث وهى خلاف اجماع أهل العلم
قاطبة وانما يظن ذلك بعض أهل الجهل وقال ابن عمار أيضا لقد فعل مسبع هذه السبعة
مالا ينبغي له واشكل الامر على العامة بابهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي
المذكورة في الخبر وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل الشبهة ووقع له أيضا في
اقتصاره عن كل امام على راويين أنه صار من سمع قراءة راو ثالث غيرهما أبطلها وقد تكون هي
أشهر وأصح وأظهر وربما بالغ من لا يفهم فخطأ أو كفر وقال أبو بكر بن العربي ليست هذه
السبعة متعينة للجواز حتى لا يجوز غيرها كقراءة أبى جعفر وشيبة والأعمش ونحوهم فان هؤلاء
مثلهم أو فوقهم وكذا قال غير واحد منهم مكي بن أبي طالب وأبو العلاء الهمداني وغيرهم من أئمة
القراء وقال أبو حيان ليس في كتاب ابن مجاهد ومن تبعه من القراءات المشهورة الا النزر اليسير
فهذا أبو عمرو بن العلاء اشتهر عنه سبعة عشر راويا ثم ساق أسماءهم واقتصر في كتاب ابن مجاهد
27

على اليزيدي واشتهر عن اليزيدي عشرة أنفس فكيف يقتصر على السوسي والدوري وليس
لهما مزية على غيرهما لان الجميع مشتركون في الضبط والاتقان والاشتراك في الاخذ قال
ولا أعرف لهذا سببا الا ما قضى من نقص العلم فاقتصر هؤلاء على السبعة ثم اقتصر من بعدهم
من السبعة على النزر اليسير وقال أبو شامة لم يرد ابن مجاهد ما نسب إليه بل أخطأ من نسب إليه
ذلك وقد بالغ أبو طاهر بن أبي هاشم صاحبه في الرد على من نسب إليه ان مراده بالقراءات السبع
الأحرف السبعة المذكورة في الحديث قال ابن أبي هاشم ان السبب في اختلاف القراءات
السبع وغيرها أن الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه
أهل تلك الجهة وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل قال فثبت أهل كل ناحية على
ما كانوا تلقوه سماعا عن الصحابة بشرط موافقة الخط وتركوا ما يخالف الخط امتثالا لأمر
عثمان الذي وافقه عليه الصحابة لما رأوا في ذلك من الاحتياط للقرآن فمن ثم نشأ الاختلاف بين
قراء الأمصار مع كونهم متمسكين بحرف واحد من السبعة وقال مكي بن أبي طالب هذه القراءات
التي يقرأ بها اليوم وصحت رواياتها عن الأئمة جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ثم
ساق نحو ما تقدم قال وأما من ظن أن قراءة هؤلاء القراء كنافع وعاصم هي الأحرف السبعة التي
في الحديث فقد غلط غلطا عظيما قال ويلزم من هذا أن ما خرج عن قراءة هؤلاء السبعة مما ثبت
عن الأئمة غيرهم ووافق خط المصحف أن لا يكون قرآنا وهذا غلط عظيم فان الذين صنفوا
القراءات من الأئمة المتقدمين كأبى عبيد القاسم بن سلام وأبى حاتم السجستاني وأبى جعفر
الطبري وإسماعيل بن إسحاق والقاضي قد ذكروا أضعاف هؤلاء (قلت) اقتصر أبو عبيد في كتابه
على خمسة عشر رجلا من كل مصر ثلاثة أنفس فذكر من مكة ابن كثير وابن محيصن وحميدا
الأعرج ومن أهل المدينة أبا جعفر وشيبة ونافعا ومن أهل البصرة أبا عمرو وعيسى بن عمر
وعبد الله بن أبي إسحاق ومن أهل الكوفة يحيى بن وثاب وعاصما والأعمش ومن أهل الشام
عبد الله بن عامر ويحيى بن الحرث قال وذهب عنى اسم الثالث ولم يذكر في الكوفيين حمزة ولا
الكسائي بل قال إن جمهور أهل الكوفة بعد الثلاثة صاروا إلى قراءة حمزة ولم يجتمع عليه
جماعتهم قال وأما الكسائي فكان يتخير القراءات فأخذ من قراءة الكوفيين بعضا وترك بعضا
وقال بعد ان ساق أسماء من نقلت عنه القراءة من الصحابة والتابعين فهؤلاء هم الذين يحكى عنهم
عظم القراءة وإن كان الغالب عليهم الفقه والحديث قال ثم قام بعدهم بالقراءات قوم ليست لهم
أسنانهم ولا تقدمهم غير أنهم تجردوا للقراءة واشتدت عنايتهم بها وطلبهم لها حتى صاروا بذلك
أئمة يقتدى الناس بهم فيها فذكرهم وذكر أبو حاتم زيادة على عشرين رجلا ولم يذكر فيهم ابن
عامر ولا حمزة ولا الكسائي وذكر الطبري في كتابه اثنين وعشرين رجلا قال مكي وكان الناس
على رأس المائتين بالبصرة على قراءة أبى عمرو ويعقوب وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم
وبالشام على قراءة ابن عامر وبمكة على قراءة ابن كثير وبالمدينة على قراءة نافع واستمروا على ذلك
فلما كان على رأس الثلاثمائة أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب قال والسبب في
الاقتصار على السبعة مع أن في أئمة القراء من هو أجل منهم قدرا ومثلهم أكثر من عددهم أن
الرواة عن الأئمة كانوا كثيرا جدا فلما تقاصرت الهمم اقتصروا مما يوافق خط المصحف على
28

ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به فنظروا إلى من اشتهر بالثقة والأمانة وطول العمر في ملازمة
القراءة والاتفاق على الاخذ عنه فافردوا من كل مصر إماما واحدا ولم يتركوا مع ذلك نقل
ما كان عليه الأئمة غير هؤلاء من القراءات ولا القراءة به كقراءة يعقوب وعاصم الجحدري وأبى
جعفر وشيبة وغيرهم قال وممن اختار من القراءات كما اختار الكسائي أبو عبيد وأبو حاتم والمفضل
وأبو جعفر الطبري وغيرهم وذلك واضح في تصانيفهم في ذلك وقد صنف ابن جبير المكي وكان
قبل ابن مجاهد كتابا في القراءات فاقتصر على خمسة اختار من كل مصر إماما وانما اقتصر
على ذلك لان المصاحف التي أرسلها عثمان كانت خمسة إلى هذه الأمصار ويقال انه وجه بسبعة
هذه الخمسة ومصحفا إلى اليمن ومصحفا إلى البحرين لكن لم نسمع لهذين المصحفين خبرا وأراد ابن
مجاهد وغيره مراعاة عدد المصاحف فاستبدلوا من غير البحرين واليمن قارئين يكمل بهما العدد
فصادف ذلك موافقة العدد الذي ورد الخبر بها وهو أن القرآن أنزل على سبعة أحرف فوقع
ذلك لمن لم يعرف أصل المسئلة ولم يكن له فطنة فظن أن المراد بالقراءات السبع الأحرف السبعة
ولا سيما وقد كثر استعمالهم الحرف في موضع القراءة فقالوا قرأ بحرف نافع بحرف ابن كثير
فتأكد الظن بذلك وليس الامر كما ظنه والأصل المعتمد عليه عند الأئمة في ذلك أنه الذي يصح
سنده في السماع ويستقيم وجهه في العربية ويوافق خط المصحف وربما زاد بعضهم الاتفاق
عليه ونعني بالاتفاق كما قال مكي بن أبي طالب ما اتفق عليه قراء المدينة والكوفة ولا سيما إذا
اتفق نافع وعاصم قال وربما أرادوا بالاتفاق ما اتفق عليه أهل الحرمين قال وأصح القراءات
سندا نافع وعاصم وأفصحها أبو عمرو والكسائي وقال 3 ابن السمعاني القراءات في الشافي التمسك
بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة وانما هو من جمع بعض المتأخرين
فانتشر رأيهم أنه لا تجوز الزيادة على ذلك قال وقد صنف غيره في السبع أيضا فذكر شيئا كثيرا
من الروايات عنهم غير ما في كتابه فلم يقل أحد انه لا تجوز القراءة بذلك لخلو ذلك المصحف
عنه وقال أبو الفضل الرازي في اللوائح بعد ان ذكر الشبهة التي من أجلها ظن الأغبياء ان
أحرف الأئمة السبعة هي المشار إليها في الحديث وان الأئمة بعد ابن مجاهد جعلوا القراءات
ثمانية أو عشرة لأجل ذلك قال واقتفيت أثرهم لأجل ذلك وأقول لو اختار امام من أئمة القراء
حروفا وجرد طريقا في القراءة بشرط الاختيار لم يكن ذلك خارجا عن الأحرف السبعة وقال
الكواشي كل ما صح سنده واستقام وجهه في العربية ووافق لفظه خط المصحف الامام فهو
من السبعة المنصوصة فعلى هذا الأصل بنى قبول القراءات عن سبعة كانوا أو سبعة آلاف
ومتى فقد شرط من الثلاثة فهو الشاذ (قلت) وانما أوسعت القول في هذا لما تجدد في هذه
الأعصار المتأخرة من توهم أن القراءات المشهورة منحصرة في مثل التيسير والشاطبية
وقد اشتد انكار أئمة هذا الشأن على من ظن ذلك كأبى شامة وأبى حيان وآخر من صرح بذلك
السبكي فقال في شرح المنهاج عند الكلام على القراءة بالشاذ صرح كثير من الفقهاء بأن ما عدا
السبعة شاذ توهما منه انحصار المشهور فيها والحق أن الخارج عن السبعة على قسمين الأول
ما يخالف رسم المصحف فلا شك في أنه ليس بقرآن والثاني مالا يخالف رسم المصحف وهو على قسمين
أيضا الأول ما ورد من طريق غريبة فهذا ملحق بالأول والثاني ما اشتهر عند أئمة هذا الشأن
29

القراءة به قديما وحديثا فهذا لا وجه للمنع منه كقراءة يعقوب وأبى جعفر وغيرهما ثم نقل كلام
البغوي وقال هو أولى من يعتمد عليه في ذلك فإنه فقيه محدث مقرئ ثم قال وهذا التفصيل بعينه
وارد في الروايات عن السبعة فان عنهم شيئا كثيرا من الشواذ وهو الذي لم يأت الا من طريق
غريبة وان اشتهرت القراءة من ذلك المنفرد وكذا قال أبو شامة ونحن وان قلنا إن القراءات
الصحيحة إليهم نسبت وعنهم نقلت فلا يلزم ان جميع ما نقل عنهم بهذه الصفة بل فيه الضعيف
لخروجه عن الأركان الثلاثة ولهذا ترى كتب المصنفين مختلفة في ذلك فالاعتماد في غير ذلك على
الضابط المتفق عليه * (فصل) * لم أقف في شئ من طرق حديث عمر على تعيين الأحرف التي
اختلف فيها عمر وهشام من سورة الفرقان وقد زعم بعضهم فيما حكاه ابن التين انه ليس في هذه
السورة عند القراء خلاف فيما ينقص من خط المصحف سوى قوله وجعل فيها سراجا وقرئ
سرجا جمع سراج قال وباقي ما فيها من الخلاف لا يخالف خط المصحف (قلت) وقد تتبع أبو عمر
ابن عبد البر ما اختلف فيه القراء من ذلك من لدن الصحابة ومن بعدهم من هذه السورة فأوردته
ملخصا وزدت عليه قدر ما ذكره وزيادة على ذلك وفيه تعقب على ما حكاه ابن التين في سبعة
مواضع أو أكثر * قوله تبارك الذي نزل الفرقان قرأ أبو الجوزاء وأبو السوار أنزل بألف
* قوله على عبده قرأ عبد الله بن الزبير وعاصم الجحدري على عباده ومعاذ أبو حليمة وأبو نهيك
على عبيده * قوله وقالوا أساطير الأولين اكتتبها قرأ طلحة بن مصرف ورويت عن إبراهيم
النخعي بضم المثناة الأولى وكسر الثانية مبنيا للمفعول وإذا ابتدأ ضم أوله * قوله ملك فيكون
قرأ عاصم الجحدري وأبو المتوكل ويحيى بن يعمر فيكون بضم النون * قوله أو تكون له جنة
قرأ الأعمش وأبو حصين يكون بالتحتانية * قوله يأكل منها قرأ الكوفيون سوى عاصم نأكل
بالنون ونقله في الكامل عن القاسم وابن سعد وابن مقسم * قوله ويجعل لك قصورا قرأ
ابن كثير وابن عامر وحميد وتابعهم أبو بكر وشيبان عن عاصم وكذا محبوب عن أبي عمرو وورش
يجعل برفع اللام والباقون بالجزم عطفا على محل جعل وقيل لادغامها وهذا يجرى على طريقة
أبى عمرو بن العلاء وقرأ بنصب اللام عمر بن ذر وابن أبي عبلة وطلحة بن سليمان وعبد الله بن موسى
وذكرها الفراء جوازا على اضمار ان ولم ينقلها وضعفها ابن جنى * قوله مكانا ضيقا قرأ ابن
كثير والأعمش وعلي بن نصر ومسلمة بن محارب بالتخفيف ونقلها عقبة بن يسار عن أبي عمر أيضا
* قوله مقرنين قرأ عاصم الجحدري ومحمد بن السميفع مقرنون * قوله ثبورا قرأ المذكوران
بفتح المثلثة * قوله ويوم نحشرهم قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم وأبو جعفر ويعقوب والأعرج
والجحدري وكذا الحسن وقتادة والأعمش على اختلاف عنهم بالتحتانية وقرأ 3 الأعرج
بكسر الشين قال ابن جنى وهى قوية في القياس متروكة في الاستعمال * قوله وما يعبدون من
دون الله قرأ ابن مسعود وأبو نهيك وعمر بن ذر وما يعبدون من دوننا * قوله فيقول قرأ
ابن عامر وطلحة بن مصرف وسلام وابن حسان وطلحة بن سليمان وعيسى بن عمر وكذا الحسن
وقتادة على اختلاف عنهما ورويت عن عبد الوارث عن أبي عمرو بالنون * قوله ما كان
ينبغي قرأ أبو عيسى الأسواري وعاصم الجحدري بضم الياء وفتح الغين * قوله إن نتخذ قرأ
أبو الدرداء وزيد بن ثابت والباقر وأخوه زيد وجعفر الصادق ونصر بن علقمة ومكحول وشيبة
30

وحفص بن حميد وأبو جعفر القارئ وأبو حاتم السجستاني والزعفراني وروى عن مجاهد وأبو
رجاء والحسن بضم أوله وفتح الخاء على البناء للفعول وأنكرها أبو عبيد وزعم القراء ان أبا
جعفر تفرد بها * قوله فقد كذبوكم حكى القرطبي انها قرئت بالتخفيف * قوله بما تقولون
قرأ ابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير والأعمش وحميد بن قيس وابن جريج وعمر بن ذر وأبو
حياة ورويت عن قنبل بالتحتانية * قوله فما يستطيعون قرأ حفص في الأكثر عنه عن
عاصم بالفوقانية وكذا الأعمش وطلحة بن مصرف وأبو حياة * قوله ومن يظلم منكم نذقه قرئ
يذقه بالتحتانية * قوله الا انهم قرئ أنهم بفتح الهمزة والأصل لانهم فحذفت اللام نقل هذا
والذي قبله من اعراب السمين * قوله ويمشون قرأ على وابن مسعود وابنه عبد الرحمن وأبو
عبد الرحمن السلمي بفتح الميم وتشديد الشين مبنيا للفاعل وللمفعول أيضا * قوله حجرا محجورا
قرأ الحسن والضحاك وقتادة وأبو رجاء والأعمش حجرا بضم أوله وهى لغة وحكى أبو البقاء الفتح
عن بعض المصريين ولم أر من نقلها قراءة * قوله ويوم تشقق قرأ الكوفيون وأبو عمرو
والحسن في المشهور عنهما وعمرو بن ميمون ونعيم بن ميسرة بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد
ووافقهم عبد الوارث ومعاذ عن أبي عمرو وكذا محبوب وكذا الحمصي من الشاميين في نقل
الهذلي * قوله ونزل الملائكة قرأ الأكثر بضم النون وتشديد الزاي وفتح اللام الملائكة
بالرفع وقرأ خارجة بن مصعب عن أبي عمرو ورويت عن معاذ أبى حليمة بتخفيف الزاي وضم
اللام والأصل تنزل الملائكة فحذفت تخفيفا وقرأ أبو رجاء ويحيى بن يعمر وعمر بن ذر ورويت
عن ابن مسعود ونقلها ابن مقسم عن المكي واختارها الهذلي بفتح النون وتشديد الزاي وفتح
اللام على البناء للفاعل الملائكة بالنصب وقرأ جناح بن حبيش والخفاف عن أبي عمرو
بالتخفيف الملائكة بالرفع على البناء للفاعل ورويت عن الخفاف على البناء للمفعول أيضا
وقرأ ابن كثير في المشهور عنه وشعيب عن أبي عمرو وننزل بنونين الثانية خفيفة الملائكة
بالنصب وقرئ بالتشديد عن ابن كثير أيضا وقرأ هارون عن أبي عمرو بمثناة أوله وفتح النون وكسر
الزاي الثقيلة الملائكة بالرفع أي تنزل ما أمرت به وروى عن أبي بن كعب مثله لكن بفتح الزاي
وقرأ أبو السمال وأبو الأشهب كالمشهور عن ابن كثير لكن بألف أوله وعن أبي بن كعب نزلت
بفتح وتخفيف وزيادة مثناة في آخره وعنه مثله لكن بضم أوله مشددا وعنه تنزلت بمثناة في أوله
وفى آخره بوزن تفعلت * قوله يا ليتني اتخذت قرأ أبو عمرو بفتح الياء الأخيرة من ليتني * قوله
يا ويلتي قرأ الحسن بكسر المثناة بالإضافة ومنهم من أمال * قوله إن قومي اتخذوا قرأ أبو عمرو
وروح وأهل مكة الا رواية ابن مجاهد عن قنبل بفتح الياء من قومي * قوله لنثبت قرأ ابن
مسعود بالتحتانية بدل النون وكذا روى عن حميد بن قيس وأبى حصين وأبى عمران الجوني
* قوله فدمرناهم قرأ على ومسلمة بن محارب فدمر انهم بكسر الميم وفتح الراء وكسر النون
الثقيلة بينهما ألف تثنية وعن علي بغير نون والخطاب لموسى وهرون * قوله وعادا وثمود قرأ
حمزة ويعقوب وحفص وثمود بغير صرف
قوله أمطرت قرأ معاذ أبو حليمة وزيد بن علي وأبو
نهيك مطرت بضم أوله وكسر الطاء مبنيا للمفعول وقرأ ابن مسعود أمطروا وعنه أمطرناهم
* قوله مطر السوء قرأ أبو السمال وأبو العالية وعاصم الجحدري بضم السين وأبو السمال
31

أيضا مثله بغير همز وقرأ على وحفيده زين العابدين وجعفر بن محمد بن زين العابدين بفتح السين
وتشديد الواو بلا همز وكذا قرأ الضحاك لكن بالتخفيف * قوله هزوا قرأ حمزة وإسماعيل بن
جعفر والمفضل باسكان الزاي وحفص بالضم بغير همز * قوله أهذا الذي بعث الله قرأ ابن
مسعود وأبى بن كعب اختاره الله من بيننا * قوله عن آلهتنا قرأ ابن مسعود أبى عن عبادة
آلهتنا * قوله أرأيت من اتخذ إلهه قرأ ابن مسعود بمد الهمزة وكسر اللام والتنوين بصيغة
الجمع وقرأ الأعرج بكسر أوله وفتح اللام بعدها ألف وهاء تأنيث وهو اسم الشمس وعنه بضم
أوله أيضا * قوله أم تحسب قرأ الشامي بفتح السين * قوله أو يعقلون قرأ ابن مسعود
أو يبصرون * قوله وهو الذي أرسل قرأ ابن مسعود جعل * قوله الرياح قرأ ابن كثير
وابن محيصن والحسن الريح * قوله نشرا قرأ ابن عامر وقتادة وأبو رجاء وعمرو بن ميمون
بسكون الشين وتابعهم هارون الأعور وخارجة بن مصعب كلاهما عن أبي عمرو وقرأ
الكوفيون سوى عاصم وطائفة بفتح أوله ثم السكون وكذا قرأ الحسن وجعفر بن محمد والعلاء
ابن شبابة وقرأ عاصم بموحدة بدل النون وتابعه عيسى الهمداني وأبان بن ثعلب وقرأ أبو عبد
الرحمن السلمي في رواية وابن السميفع بضم الموحدة مقصور بوزن حبلى * قوله لنحيي به قرأ
ابن مسعود لننشر به * قوله ميتا قرأ أبو جعفر بالتشديد * قوله ونسقيه قرأ أبو عمرو وأبو
حياة وابن أبي عبلة بفتح النون وهى رواية عن أبي عمرو وعاصم والأعمش * قوله وأناسي
قرأ يحيى بن الحرث بتخفيف آخره وهى رواية عن الكسائي وعن أبي بكر بن عياش وعن قتيبة
الميال وذكرها الفراء جوازا لا نقلا * قوله ولقد صرفناه قرأ عكرمة بتخفيف الراء * قوله
ليذكروا قرأ الكوفيون سوى عاصم بسكون الدال مخففا * قوله وهذا ملح قرأ أبو حصين
وأبو الجوزاء وأبو المتوكل وأبو حياة وعمر بن ذر ونقلها الهذلي عن طلحة بن مصرف ورويت
عن الكسائي وقتيبة الميال بفتح الميم وكسر اللام واستنكرها أبو حاتم السجستاني وقال ابن
جنى يجوز أن يكون أراد مالح فحذف الألف تخفيفا قال مع أن مالح ليست فصيحة * قوله وحجرا
تقدم * قوله الرحمن فاسال به قرأ زيد بن علي بجر النون نعتا للحي وابن معدان بالنصب قال
على المدح * قوله فاسأل به قرأ المكيون والكسائي وخلف وأبان بن يزيد وإسماعيل بن جعفر
ورويت عن أبي عمرو وعن نافع فسل به بغير همز * قوله لما تأمرنا قرأ الكوفيون
بالتحتانية لكن اختلف عن حفص وقرأ ابن مسعود لما تأمرنا به * قوله سراجا قرأ
الكوفيون سوى عاصم سرجا بضمتين لكن سكن الراء الأعمش ويحيى بن وثاب وأبان بن ثعلب
والشيرازي * قوله وقمرا قرأ الأعمش وأبو حصين والحسن ورويت عن عاصم بضم القاف
وسكون الميم وعن الأعمش أيضا فتح أوله * قوله إن يذكر قرأ حمزة بالتخفيف وأبى بن كعب
يتذكر ورويت عن علي وابن مسعود وقرأها أيضا إبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب والأعمش
وطلحة بن مصرف وعيسى الهمداني والباقر وأبوه وعبد الله بن إدريس ونعيم بن ميسرة * قوله
وعباد الرحمن قرأ أبي بن كعب بضم العين وتشديد الموحدة والحسن بضمتين بغير ألف وأبو المتوكل
وأبو نهيك وأبو الجوزاء بفتح ثم كسر ثم تحتانية ساكنة * قوله يمشون قرأ على ومعاذ القارئ
وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو المتوكل وأبو نهيك وابن السميفع بالتشديد مبنيا للفاعل وعاصم
32

الجحدري وعيسى بن عمر مبنيا للمفعول * قوله سجدا قرأ إبراهيم النخعي سجودا * قوله
ومقاما قرأ أبو زيد بفتح الميم * قوله ولم يقتروا قرأ ابن عامر والمدنيون وهى رواية أبى
عبد الرحمن السلمي عن علي وعن الحسن وأبى رجاء ونعيم بن ميسرة والمفضل والأزرق والجعفي
وهى رواية عن أبي بكر بضم أوله من الرباعي وأنكرها أبو حاتم وقرأ الكوفيون الا من تقدم
منهم وأبو عمرو في رواية بفتح أوله وضم التاء وقرأ عاصم الجحدري وأبو حياة عيسى بن عمر وهى
رواية عن أبي عمرو أيضا بضم أوله وفتح القاف وتشديد التاء والباقون بفتح أوله وكسر التاء
* قوله قواما قرأ حسان بن عبد الرحمن صاحب عائشة بكسر القاف وأبو حصين وعيس بن
عمر بتشديد الواو مع فتح القاف * قوله يلق أثاما قرأ ابن مسعود وأبو رجاء يلقى باشباع القاف
وقرأ عمر بن ذر بضم أوله وفتح اللام وتشديد القاف بغير اشباع * قوله يضاعف قرأ أبو بكر
عن عاصم برفع الفاء وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو جعفر وشيبة ويعقوب يضعف بالتشديد وقرأ
طلحة بن سليمان بالنون العذاب بالنصب * قوله ويخلد قرأ ابن عامر والأعمش وأبو بكر عن
عاصم بالرفع وقرأ أبو حياة بضم أوله وفتح الخاء وتشديد اللام ورويت عن الجعفي عن شعبة
ورويت عن أبي عمرو لكن بتخفيف اللام وقرأ طلحة بن مصرف ومعاذ القارئ وابن المتوكل
وأبو نهيك وعاصم الجحدري بالمثناة مع الجزم على الخطاب * قوله فيه مهانا قرأ ابن كثير
باشباع الهاء من فيه حيث جاء وتابعه حفص عن عاصم هنا فقط * قوله وذريتنا قرأ أبو عمرو
والكوفيون سوى رواية عن عاصم بالافراد والباقون بالجمع * قوله قرة أعين قرأ أبو الدرداء
وابن مسعود وأبو هريرة وأبو المتوكل وأبو نهيك وحميد بن قيس وعمر بن ذر قرأت بصيغة الجمع
* قوله يجزون الغرفة قرأ ابن مسعود يجزون الجنة * قوله ويلقون فيها قرأ الكوفيون
سوى حفص وابن معدان بفتح أوله وسكون اللام وكذا قرأ النميري عن المفضل * قوله فقد
كذبتم قرأ ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير فقد كذب الكافرون وحكى الواقدي عن
بعضهم تخفيف الذال * قوله فسوف يكون قرأ أبو السمال وأبو المتوكل وعيسى بن عمر
وأبان بن تغلب بالفوقانية * قوله لزاما قرأ أبو السمال بفتح اللام أسنده أبو حاتم السجستاني
عن أبي زيد عنه ونقلها الهذلي عن أبان بن تغلب قال أبو عمر بن عبد البر بعد ان أورد بعض
ما أوردته هذا ما في سورة الفرقان من الحروف التي بأيدي أهل العلم بالقرآن والله أعلم بما أنكر
منها عمر على هشام وما قرأ به عمر فقد أن يمكن أن يكون هنالك حروف أخرى لم تصل إلى وليس كل من
قرأ بشئ نقل ذلك عنه ولكن ان فات من ذلك شئ فهو النزر اليسير كذا قال والذي ذكرناه يزيد
على ما ذكره مثله أو أكثر ولكنا لا نتقلد عهدة ذلك ومع ذلك فنقول يحتمل أن تكون بقيت أشياء
لم نطلع عليها على انى تركت أشياء مما يتعلق بصفة الأداء من الهمز والمد والروم والاشمام ونحو
ذلك ثم بعد كتابتي هذا واسماعه وقف على الكتاب الكبير المسمى بالجامع الأكبر والبحر الأزخر
تأليف شيخ شيوخنا أبى القاسم عيسى بن عبد العزيز اللخمي الذي ذكر أنه جمع فيه سبعة آلاف
رواية من طريق غير مالا يليق وهو في نحو ثلاثين مجلدة فالتقطت منه ما لم يتقدم ذكره من
الاختلاف فقارب قدر ما كنت ذكرته أولا وقد أوردته على ترتيب السورة * قوله ليكون
للعالمين نذيرا قرأ أدهم السدوسي بالمثناة فوق * قوله واتخذوا من دونه آلهة قرأ سعيد بن
33

يوسف بكسر الهمزة وفتح اللام بعدها ألف * قوله ويمشى قرأ العلاء بن شبابة وموسى بن إسحاق
بضم أوله وفتح الميم وتشديد الشين المفتوحة ونقل عن الحجاج بضم أوله وسكون الميم
وبالسين المهملة المكسورة وقالوا هو تصحيف * قوله إن تتبعون قرأ ابن أنعم بتحتانية أوله
وكذا محمد بن جعفر بفتح المثناة الأولى وسكون الثانية * قوله فلا يستطيعون قرأ زهير بن
أحمد بمثناة من فوق * قوله جنة يأكل منها قرأ سالم بن عامر جنات بصيغة الجمع * قوله مكانا
ضيقا مقرنين قرأ عبد الله بن سلام مقرنين بالتخفيف وقرأ سهل مقرنون بالتخفيف مع الواو
* قوله أم جنة الخلد قرأ أبو هشام أم جنات بصيغة الجمع * قوله عبادي هؤلاء قرأها
الوليد بن مسلم بتحريك الياء * قوله نسوا الذكر قرأ أبو مالك بضم النون وتشديد السين
* قوله فما يستطيعون صرفا قرأ ابن مسعود فما يستطيعون لكم وأبى بن كعب فما
يستطيعون لك حكى ذلك أحمد بن يحيى بن مالك عن عبد الوهاب عن هارون الأعور وروى عن
ابن الأصبهاني عن أبي بكر بن عياش وعن يوسف بن سعيد عن خلف بن تميم عن زائدة كلاهما عن
الأعمش بزيادة لكم أيضا * قوله ومن يظلم منكم قرأ يحيى بن واضح ومن يكذب بدل يظلم
ووزنها وقرأها أيضا هارون الأعور يكذب بالتشديد * قوله عذابا كبيرا قرأ شعيب عن أبي
حمزة بالمثلثة بدل الموحدة * قوله لولا أنزل قرأ جعفر بن محمد بفتح الهمزة والزاي ونصب
الملائكة * قوله عتوا كبيرا قرئ عتيا بتحتانية بدل الواو وقرأ أبو إسحاق الكوفي كثيرا بالمثلثة
بدل الموحدة * قوله يوم يرون الملائكة قرأ عبد الرحمن بن عبد الله ترون بالمثناة من فوق
* قوله ويقولون قرأ هشيم عن يونس وتقولون بالمثناة من فوق أيضا * قوله وقدمنا قرأ سعيد
ابن إسماعيل بفتح الدال * قوله إلى ما عملوا من عمل قرأ الوكيعي من عمل صالح بزيادة صالح
* قوله هباء قرأ محارب بضم الهاء مع المد وقرأ نصر بن يوسف بالضم والقصر والتنوين وقرأ
ابن دينار كذلك لكن بفتح الهاء * قوله مستقرا قرأ طلحة بن موسى بكسر القاف * قوله
ويوم تشقق قرأ أبو ضمام ويوم بالرفع والتنوين وأبو وجرة بالرفع بلا تنوين وقرأ عصمة عن
الأعمش يوم يرون السماء تشقق بحذف الواو وزيادة يرون * قوله الملك يومئذ قرأ سليمان
ابن إبراهيم الملك بفتح الميم وكسر اللام * قوله الحق قرأ أبو جعفر بن يزيد بنصب الحق * قوله
يا ليتني اتخذت قرأ عامر بن نصير تخذت * قوله وقالوا لولا نزل عليه القرآن قرأ المعلى عن
الجحدري بفتح النون والزاي مخففا وقرأ زيد بن علي وعبيد الله بن خليد كذلك لكن مثقلا * قوله
وقوم نوح قرأها الحسن بن محمد بن أبي سعدان عن أبيه بالرفع * قوله وجعلناهم للناس آية
قرأ حامد الرامهرمزي آيات بالجمع * قوله ولقد أتوا على القرية قرأ سورة بن إبراهيم القريات
بالجمع وقرأ بهرام القرية بالتصغير مثقلا * قوله أفلم يكونوا يرونها قرأ أبو حمزة عن شعبة بالمثناة
من فوق فيهما * قوله وسوف يعلمون حين يرون قرأ عثمان بن المبارك بالمثناة من فوق فيهما
* قوله أم تحسب قرأ حمزة بن حمزة بضم التحتانية وفتح السين المهملة * قوله سباتا قرأ يوسف
ابن أحمد بكسر المهملة أوله وقال معناه الراحة * قوله جهادا كبيرا قرأ محمد بن الحنفية بالمثلثة
* قوله مرج البحرين قرأ ابن عرفة مرج بتشديد الراء * قوله هذا عذب قرأ الحسن بن محمد
ابن أبي سعدان بكسر الذال المعجمة * قوله فجعله نسبا قرأ الحجاج بن يوسف سببا بمهملة ثم
34

موحدتين * قوله أنسجد قرأ أبو المتوكل بالتاء المثناة من فوق * قوله وهو الذي جعل الليل
والنهار خلفة قرأ الحسن بن محمد بن أبي سعدان عن أبيه خلفه بفتح الخاء وبالهاء ضمير يعود على
الليل * قوله على الأرض هونا قرأ ابن السميفع بضم الهاء * قوله قالوا سلاما قرأ حمزة بن عروة
سلما بكسر السين وسكون اللام * قوله بين ذلك قرأ جعفر بن الياس بضم النون وقال هو
اسم كان * قوله لا يدعون قرأ جعفر بن محمد بتشديد الدال * قوله ولا يقتلون قرأ ابن
جامع بضم أوله وفتح القاف وتشديد التاء المكسورة وقرأها معاذ كذلك لكن بألف قبل المثناة
* قوله أثاما قرأ عبد الله بن صالح العجلي عن حمزة اثما بكسر أوله وسكون ثانيه بغير ألف قبل
الميم وروى عن ابن مسعود بصيغة الجمع آثاما * قوله يبدل الله قرأ عبد الحميد عن أبي بكر
وابن أبي عبلة وأبان وابن مجالد عن عاصم وأبو عمارة والبرهمي عن الأعمش بسكون الموحدة
* قوله لا يشهدون الزور قرأ أبو المظفر بنون بدل الراء * قوله ذكروا بآيات ربهم قرأ تميم بن
زياد بفتح الذال والكاف * قوله بآيات ربهم قرأ سليمان بن يزيد بآية بالافراد * قوله قرة
أعين قرأ معروف بن حكيم قرة عين بالافراد وكذا أبو صالح من رواية الكلبي عنه لكن قال
قرأت عين * قوله واجعلنا للمتقين قرأ جعفر بن محمد واجعل لنا من المتقين إماما * قوله
يجزون قرأ أبى في رواية يجازون * قوله الغرفة قرأ أبو حامد الغرفات * قوله تحية قرأ
ابن عمير تحيات بالجمع * قوله وسلاما قرأ الحرث وسلما في الموضعين * قوله مستقرا ومقاما
قرأ عمير بن عمران ومقاما بفتح الميم * قوله فقد كذبتم قرأ عبد ربه بن سعيد بتخفيف الذال
فهذه ستة وخمسون موضعا ليس فيها من المشهور شئ فليضف إلى ما ذكرته أولا فتكون جملتها
نحوا من مائة وثلاثين موضعا والله أعلم واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم فاقرؤا ما تيسر منه
على جواز القراءة بكل ما ثبت من القرآن بالشروط المتقدمة وهى شروط لابد من اعتبارها فمتى
اختل شرط منها لم تكن تلك القراءة معتمدة وقد قرر ذلك أبو شامة في الوجيز تقريرا بليغا وقال
لا يقطع بالقراءة بأنها منزلة من عند الله الا إذا اتفقت الطرق عن ذلك الامام الذي قام بامامة
المصر بالقراءة وأجمع أهل عصره ومن بعدهم على إمامته في ذلك قال أما إذا اختلفت الطرق عنه
فلا فلو اشتملت الآية الواحدة على قراآت مختلفة مع وجود الشرط المذكور جازت القراءة بها
بشرط أن لا يختل المعنى ولا يتغير الاعراب وذكر أبو شامة في الوجيز أن فتوى وردت من العجم
لدمشق سألوا عن قارئ يقرأ عشرا من القرآن فيخلط القراءات فأجاب ابن الحاجب وابن الصلاح
وغير واحد من أئمة ذلك العصر بالجواز بالشروط التي ذكرناها كمن يقرأ مثلا فتلقى آدم من ربه
كلمات فلا يقرأ لابن كثير بنصب آدم ولابى عمرو بنصب كلمات وكمن يقرأ نغفر لكم بالنون
خطاياتكم بالرفع قال أبو شامة لا شك في منع مثل هذا وما عداه فجائز والله أعلم وقد شاع في
زماننا من طائفة من القراء انكار ذلك حتى صرح بعضهم بتحريمه فظن كثير من الفقهاء ان لهم
في ذلك معتمدا فتابعوهم وقالوا أهل كل فن أدرى بفنهم وهذا ذهول ممن قاله فان علم الحلال
والحرام انما يتلقى من الفقهاء والذي منع ذلك من القراء انما هو محمول على ما إذا قرأ برواية
خاصة فإنه متى خلطها كان كاذبا على ذلك القارئ الخاص الذي شرع في اقراء روايته فمن أقرأ
رواية لم يحسن أن ينتقل عنها إلى رواية أخرى كما قاله الشيخ محى الدين وذلك من الأولوية لا على
35

الحتم أما المنع على الاطلاق فلا والله أعلم * (قوله باب تأليف القرآن) أي جمع
آيات السورة الواحدة أو جمع السور مرتبة في المصحف (قوله إن ابن جرير أخبرهم قال
وأخبرني يوسف) كذا عندهم وما عرفت ماذا عطف عليه ثم رأيت الواو ساقطة في رواية النسفي
وكذا ما وقفت عليه من طرق هذا الحديث (قوله إذ جاءها عراقي) أي رجل من أهل العراق
ولم أقف على اسمه (قوله أي الكفن خير قالت ويحك وما يضرك) لعل هذا العراقي كان سمع
حديث سمرة المرفوع البسوا من ثيابكم البياض وكفنوا فيها موتاكم فإنها أطهره وأطيب وهو
عند الترمذي مصححا وأخرجه أيضا عن ابن عباس فلعل العراقي سمعه فأراد أن يستثبت عائشة
في ذلك وكان أهل العراق اشتهروا بالتعنت في السؤال فلهذا قالت له عائشة وما يضرك تعنى أي
كفن كفنت فيه أجزأ وقول ابن عرم للذي سأله عن دم البعوض مشهور حيث قال انظروا إلى
أهل العراق يسألون عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله
لعلى أؤلف عليه القرآن فإنه يقرأ غير مؤلف) قال ابن كثير كأن قصة هذا العراقي كانت قبل أن
يرسل عثمان المصحف إلى الآفاق كذا قال وفيه نظر فان يوسف بن ماهك لم يدرك زمان أرسل
عثمان المصاحف إلى الآفاق فقد ذكر المزي ان روايته عن أبي بن كعب مرسلة وأبى عاش بعد
ارسال المصاحف على الصحيح وقد صرح يوسف في هذا الحديث أنه كان عند عائشة حين سألها
هذا العراقي والذي يظهر لي أن هذا العراقي كان ممن يأخذ بقراءة ابن مسعود وكان ابن مسعود لما
حضر مصحف عثمان إلى الكوفة لم يوافق على الرجوع عن قراءته ولا على اعدام مصحفه كما سيأتي
بيانه بعد الباب الذي يلي هذا فكان تأليف مصحفه مغايرا لتأليف مصحف عثمان ولا شك ان
تأليف المصحف العثماني أكثر مناسبة من غيره فلهذا أطلق العراقي انه غير مؤلف وهذا كله على أن
السؤال انما وقع عن ترتيب السور ويدل على ذلك قولها له وما يضرك أية قرأت قبل ويحتمل أن
يكون أراد تفصيل آيات كل سورة لقوله في آخر الحديث فأملت عليه آي السور أي آيات كل سورة
كأن تقول له سورة كذا مثلا كذا كذا آية الأولى كذا الثانية الخ وهذا يرجع إلى اختلاف عدد
الآيات وفيه اختلاف بين المدني والشامي والبصري وقد اعتنى أئمة القراء بجمع ذلك وبيان
الخلاف فيه والأول أظهر ويحتمل أن يكون السؤال وقع عن الامرين والله أعلم قال ابن بطال
لا نعلم أحدا قال بوجود ترتيب السور في القراءة لا داخل الصلاة ولا خارجها بل يجوز أن يقرأ
الكهف قبل البقرة والحج قبل الكهف مثل وأما ما جاء عن السلف من النهى عن قراءة القرآن
منكوسا فالمراد به أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها وكان جماعة يصنعون ذلك في القصيدة من
الشعر مبالغة في حفظها وتذليلا للسانه في سردها فمنع السلف ذلك في القرآن فهو حرام فيه وقال
القاضي عياض في شرح حديث حذيفة ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاته في الليل
بسورة النساء قبل آل عمران هو كذلك في مصحف أبي بن كعب وفيه حجة لمن يقول إن ترتيب السور
اجتهاد وليس بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول جمهور العلماء واختاره القاضي
الباقلاني قال وترتيب السور ليس بواجب في التلاوة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التعليم
فلذلك اختلفت المصاحف فلما كتب مصحف عثمان رتبوه على ما هو عليه الآن فلذلك اختلف
ترتيب مصاحف الصحابة ثم ذكر نحو كلام ابن بطال ثم قال ولا خلاف ان ترتيب آيات كل سورة على
36

ما هي عليه الآن في المصحف توقيف من الله تعالى وعلى ذلك نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه
وسلم (قوله انما نزل أول ما نزل منه سورة من المفعل فيها ذكر الجنة والنار) هذا ظاهره مغاير لما تقدم
ان أول شئ نزل اقرأ باسم ربك وليس فيها ذكر الجنة والنار فلعل من مقدرة أي من أول ما نزل
أو المراد سورة المدثر فإنها أول ما نزل بعد فترة الوحي وفى آخرها ذكر الجنة والنار فلعل آخرها
نزل قبل نزول بقية سورة اقرأ فان الذي نزل أولا من اقرأ كما تقدم خمس آيات فقط (قوله حتى إذا
ثاب) بالمثلثة ثم الموحدة أي رجع (قوله نزل الحلال والحرام) أشارت إلى الحكمة الإلهية في
ترتيب التنزيل وان أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة
وللكافر والعاصي بالنار فلما اطمانت النفوس على ذلك أنزلت الاحكام ولهذا قالت ولو نزل
أول شئ لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف
وسيأتى بيان المراد بالمفصل في الحديث الرابع (قوله لقد نزل بمكة الخ) أشارت بذلك إلى تقوية
ما ظهر لها من الحكمة المذكورة وقد تقدم نزول سورة القمر وليس فيها شئ من الاحكام
على نزول سورة البقرة والنساء مع كثرة ما اشتملتا عليه من الاحكام وأشارت بقولها وانا عنده
أي بالمدينة لان دخولها عليه انما كان بعد الهجرة اتفاقا وقد تقدم ذلك في مناقبها وفى
الحديث رد على النحاس في زعمه ان سورة النساء مكية مستندا إلى قوله تعالى ان الله يأمركم
ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها نزلت بمكة اتفاقا في قصة مفتاح الكعبة لكنها حجة واهية فلا
يلزم من نزول آية أو آيات من سورة طويلة بمكة إذا نزل معظمها بالمدينة أن تكون مكية بل
الأرجح أن جميع ما نزل بعد الهجرة معدود من المدني وقد اعتنى بعض الأئمة ببيان ما نزل من
الآيات المدنية في السور المكية وقد أخرج ابن الضريس في فضائل القرآن من طريق عثمان
ابن عطاء الخراساني عن أبيه عن ابن عباس أن الذي نزل بالمدينة البقرة ثم آل عمران ثم الأنفال
ثم الأحزاب ثم المائدة ثم الممتحنة والنساء ثم إذا زلزلت ثم الحديد ثم القتال ثم الرعد ثم الرحمن
ثم الانسان ثم الطلاق ثم إذا جاء نصر الله ثم النور ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحريم
ثم الجاثية ثم التغابن ثم الصف ثم الفتح ثم براءة وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أن سورة
الكوثر مدنية فهو المعتمد واختلف في الفاتحة والرحمن والمطففين وإذا زلزلت والعاديات
والقدر وأرأيت والاخلاص والمعوذتين وكذا اختلف مما تقدم في الصف والجمعة والتغابن
وهذا بيان ما نزل بعد الهجرة من الآيات مما في المكي فمن ذلك الأعراف نزل بالمدينة منها
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إلى وإذ أخذ ربك * يونس نزل منها بالمدينة فان كنت
في شك آيتان وقيل ومنهم من يؤمن به آية وقيل من رأس أربعين إلى آخرها مدني * هود ثلاث
آيات ولعلك تارك أفمن كان على بينة من ربه وأقم الصلاة طرفي النهار * النحل ثم إن ربك للذين
هاجروا الآية وان عاقبتم إلى آخر السورة * الاسراء وان كادوا ليستفزونك وقال رب أدخلني وإذ
قلنا لك ان ربك أحاط بالناس ويسئلونك عن الروح قل آمنوا به أو لا تؤمنوا * الكهف مكية الا
أولها إلى جرزا وآخرها من أن الذين آمنوا مريم آية السجدة الحج من أولها إلى شديد ومن
كان يظن وان الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله وأذن للذين يقاتلون ولولا دفع الله وليعلم الذين أوتو العلم والذين هاجروا وما بعدها وموضع السجدتين وهذان خصمان الفرقان والذين
37

يدعون مع الله الها آخر إلى رحيما الشعراء آخرها من والشعراء يتبعهم القصص الذين
آتيناهم الكتاب إلى الجاهلين وان الذي فرض عليك القرآن العنكبوت من أولها إلى ويعلم
المنافقين لقمان ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام ألم تنزيل أفمن كان مؤمنا وقيل من تتجافى
سبا ويرى الذين أوتوا العلم الزمر قل يا عبادي إلى يشعرون المؤمن ان الذين يجادلون في آيات
الله والتي تليها الشورى أم يقولون افترى وهو الذي يقبل التوبة إلى شديد الجاثية قل للذين
آمنوا يغفروا الأحقاف قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وقوله فاصبر ق ولقد خلقانا
السماوات إلى لغوب النجم الذين يجتنبون إلى اتقى الرحمن يسأله من في السماوات والأرض
الواقعة وتجعلون رزقكم ن من انا بلوناهم إلى يعلمون ومن فاصبر لحكم ربك إلى الصالحين
المرسلات وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون فهذا ما نزل بالمدينة من آيات من سور تقدم نزولها بمكة
وقد بين ذلك حديث ابن عباس عن عثمان قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينزل
عليه الآيات فيقول ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا واما عكس ذلك وهو نزول شئ من سورة
بمكة تأخر نزول تلك السورة إلى المدينة فلم أره الا نادرا فقد اتفقوا على أن الأنفال مدنية لكن
قيل إن قوله تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية نزلت بمكة ثم نزلت سورة الأنفال بالمدينة وهذا
غريب جدا نعم نزل من السور المدنية التي تقدم ذكرها بمكة ثم نزلت سورة الأنفال بعد الهجرة
في العمرة والفتح والحج ومواضع متعددة في الغزوات كتبوك وغيرها أشياء كثيرة كلها تسمى
المدني اصطلاحا والله أعلم * الحديث الثاني حديث ابن مسعود تقدم شرحه في تفسير سبحان
وفى الأنبياء والغرض منه هنا أن هذه السور نزلن بمكة وانها مرتبة في مصحف ابن مسعود كما هي
في مصحف عثمان ومع تقديمهن في النزول فهن مؤخرات في ترتيب المصاحف والمراد بالعتاق وهو
بكسر المهملة أنهن من قديم ما نزل * الحديث الثالث حديث البراء تعلمت سورة سبح اسم ربك
الاعلى قبل ان يقدم النبي صلى الله عليه وسلم هو طرف من حديث تقدم شرحه في أحاديث
الهجرة والغرض منه ان هذه السورة متقدمة النزول وهى في أواخر المصحف مع ذلك * الحديث
الرابع حديث ابن مسعود أيضا (قوله شقيق) هو ابن سلمة وهو أبو وائل مشهور بكنيته
أكثر من اسمه وفى رواية أبى داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش سمعت أبا وائل أخرجه
الترمذي (قوله قال عبد الله) سيأتي في باب الترتيل بلفظ غدونا على عبد الله وهو ابن مسعود
(قوله لقد تعلمت النظائر) تقدم شرحه مستوفى في باب الجمع بين سورتين في الصلاة من أبواب
صفة الصلاة وفيه أسماء السور المذكورة وان فيه دلالة على أن تأليف مصحف ابن مسعود على
غير تأليف العثماني وكان أوله الفاتحة ثم البقرة ثم النساء ثم آل عمران ولم يكن على ترتيب النزول
ويقال ان مصحف على كان على ترتيب النزول أوله اقرأ ثم المدثر ثم ن والقلم ثم المزمل ثم تبت ثم
التكوير ثم سبح وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني والله أعلم وأما ترتيب المصحف على ما هو عليه
الآن فقال القاضي أبو بكر الباقلاني يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر
بترتيبه هكذا ويحتمل أن يكون من اجتهاد الصحابة ثم رجح الأول بما سيأتي في الباب الذي بعد
هذا انه كان النبي صلى الله عليه وسلم يعارض به جبريل في كل سنة فالذي يظهر أنه عارضه به
هكذا على هذا الترتيب وبه جزم ابن الأنباري وفيه نظر بل الذي يظهر انه كان يعارضه به على
38

ترتيب النزول نعم ترتيب بعض السور على بعض أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفا وإن كان
بعضه من اجتهاد بعض الصحابة وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم من
حديث ابن عباس قال قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهى من المثاني والى
براءة وهى من المبين فقرنتم بهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم وضعتموهما في
السبع الطوال فقال عثمان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينزل عليه السورة ذات
العدد فإذا نزل عليه الشئ يعنى منها دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في
السورة التي يذكر فيها كذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وبراءة من آخر القرآن
وكان قصتها شبيهة بها فظننت انها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا انها منها
اه‍ فهذا يدل على أن ترتيب الآيات في كل سورة كان توقيفا ولما لم يفصح النبي صلى الله
عليه وسلم بأمر براءة أضافها عثمان إلى الأنفال اجتهادا منه رضى الله تعالى عنه ونقل صاحب
الاقناع أن البسملة لبراءة ثابتة في مصحف ابن مسعود قال ولا يؤخذ بهذا وكان من علامة
ابتداء السورة نزول بسم الله الرحمن الرحيم أول ما ينزل شئ منها كما أخرجه أبو داود وصححه
ابن حبان والحاكم من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان النبي
صلى الله عليه وسلم لا يعلم ختم السورة حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم وفى رواية فإذا نزلت
بسم الله الرحمن الرحيم علموا أن السورة قد انقضت ومما يدل على أن ترتيب المصحف كان توقيفا
ما أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما عن أوس بن أبي أوس حذيفة الثقفي قال كنت في الوفد الذين
أسلموا من ثقيف فذكر الحديث وفيه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طرأ على حزبي من
القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه قال فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا
كيف تحزبون القرآن قالوا نحزبه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور واحدى عشرة
وثلاث عشرة وحزب المفصل من ق حتى تختم (قلت) فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في
المصحف الآن كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن لذي كان مرتبا حينئذ حزب
المفصل خاصة بخلاف ما عداه فيحتمل أن يكون كان فيه تقديم وتأخير كما ثبت من حديث
حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ النساء بعد البقرة قبل آل عمران ويستفاد من هذا الحديث
حديث أوس أن الراجح في المفصل أنه من أول سورة ق إلى آخر القرآن لكنه مبني على أن الفاتحة
لم تعد في الثلث الأول فأنه يلزم من عدها أن يكون أول المفصل من الحجرات وبه جزم جماعة من
الأئمة وقد نقلنا الاختلاف في تحديده في باب الجهر بالقراءة في المغرب من أبواب صفة الصلاة
والله أعلم * (قوله باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم) بكسر الراء من العرض وهو بفتح العين وسكون الراء أي يقرأ والمراد يستعرضه ما أقرأه إياه (قوله
وقال مسروق عن عائشة عن فاطمة قالت أسر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ان جبريل كان
يعارضني بالقرآن) هذا طرف من حديث وصله بتمامه في علامات النبوة وتقدم شرحه في باب
الوفاة النبوية من آخر المغازي وتقدم بيان فائدة المعارضة في الباب الذي قبله والمعارضة مفاعلة
من الجانبين كأن كلا منهما كان تارة يقرأ والآخر يستمع (قوله وانه عارضني) في رواية
السرخسي وانى عارضني (قوله إبراهيم بن سعد عن الزهري) تقدم في الصيام من وجه آخر عن
39

إبراهيم بن سعد قال أنبأنا الزهري وإبراهيم بن سعد سمع من الزهري ومن صالح بن كيسان عن
الزهري وروايته على الصفتين تكررت في هذا الكتاب كثيرا وقد تقدمت فوائد حديث ابن
عباس هذا في بدء الوحي فنذكر هنا نكتا مما لم يتقدم (قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود
الناس) فيه احتراس بليغ لئلا يتخيل من قوله وأجود ما يكون في رمضان أن الأجودية خاصة
منه برمضان فأثبت له الأجودية المطلقة أولا ثم عطف عليها زيادة ذلك في رمضان (قوله وأجود
ما يكون في رمضان) تقدم في بدء الوحي من وجه آخر عن الزهري بلفظ وكان أجود ما يكون في
رمضان وتقدم أن المشهور في ضبط أجود انه بالرفع وأن النصب موجه وهذه الرواية مما تؤيد
الرفع (قوله لان جبريل كان يلقاه) فيه بيان سبب الأجودية المذكورة وهى أبين من الرواية التي
في بدء الوحي بلفظ وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل (قوله في كل ليلة في شهر
رمضان حتى ينسلخ) أي رمضان وهذا ظاهر في أنه كان يلقاه كذلك في كل رمضان منذ أنزل
عليه القرآن ولا يختص ذلك برمضانات الهجرة وإن كان صيام شهر رمضان انما فرض بعد
الهجرة لأنه كان يسمى رمضان قبل أن يفرض صيامه (قوله يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم القرآن) هذا عكس ما وقع في الترجمة لان فيها أن جبريل كان يعرض على النبي صلى الله عليه
وسلم وفى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض على جبريل وتقدم في بدء الوحي بلفظ وكان
يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فيحمل على أن كلا منهما كان يعرض على الآخر
ويؤيده ما وقع في رواية أبي هريرة آخر أحاديث الباب كما سأوضحه وفى الحديث اطلاق القرآن
على بعضه وعلى معظمه لان أول رمضان من بعد البعثة لم يكن نزل من القرآن الا بعضه ثم كذلك
كل رمضان بعده إلى رمضان الأخير فكان قد نزل كله الا ما تأخر نزوله بعد رمضان المذكور وكان
في سنة عشر إلى أن مات النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة ومما نزل في
تلك المدة قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم فإنها نزلت يوم عرفة والنبي صلى الله عليه وسلم بها
بالاتفاق وقد تقدم في هذا الكتاب وكأن الذي نزل في تلك الأيام لما كان قليلا بالنسبة لما تقدم
اغتفر أمر معارضته فيستفاد من ذلك أن القرآن يطلق على البعض مجازا ومن ثم لا يحنث من
حلف ليقرأن القرآن فقرأ بعضه الا ان قصد الجميع واختلف في العرضة الأخيرة هل كانت
بجميع الأحرف المأذون في قراءتها أو بحرف واحد منها وعلى الثاني فهل هو الحرف الذي جمع
عليه عثمان جميع الناس أو غيره وقد روى أحمد وابن أبي داود والطبري من طريق عبيدة
ابن عمرو السلماني أن الذي جمع عليه عثمان الناس يوافق العرضة الأخيرة ومن طريق محمد بن
سيرين قال كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن الحديث نحو حديث ابن
عباس وزاد في آخره فيرون ان قراءتنا أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة وعند الحاكم نحوه
من حديث سمرة واسناده حسن وقد صححه هو ولفظه عرض القرآن على رسول الله صلى الله
عليه وسلم عرضات ويقولون ان قراءتنا هذه هي العرضة الأخيرة ومن طريق مجاهد عن ابن
عباس قال أي القراءتين ترون كان آخر القراءة قالوا قراءة زيد بن ثابت فقال لا ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن كل سنة على جبريل فلما كان في السنة التي قبض فيها
عرضه عليه مرتين وكانت قراءة ابن مسعود آخرهما وهذا يغاير حديث سمرة ومن وافقه وعند
40

مسدد في مسنده من طريق إبراهيم النخعي أن ابن عباس سمع رجلا يقول الحرف الأول فقال
ما الحرف الأول قال إن عمر بعث ابن مسعود إلى الكوفة معلما فأخذوا بقراءته فغير عثمان
القراءة فهم يدعون قراءة ابن مسعود الحرف الأول فقال ابن عباس انه لآخر حرف عرض
به النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل وأخرج النسائي من طريق أبى ظبيان قال قال لي ابن
عباس أي القراءتين تقرأ قلت القراءة الأولى قراءة ابن أم عبد يعنى عبد الله بن مسعود قال بل
هي الأخيرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض على جبريل الحديث وفى آخره فحضر
ذلك ابن مسعود فعلم ما نسخ من ذلك وما بدل واسناده صحيح ويمكن الجمع بين القولين بأن تكون
العرضتان الأخيرتان وقعتا بالحرفين المذكورين فيصح اطلاق الآخرية على كل منهما (قوله
أجود بالخير من الريح المرسلة) فيه جواز المبالغة في التشبيه وجواز تشبيه المعنوي بالمحسوس
ليقرب لفهم سامعه وذلك أنه أثبت له أولا وصف الأجودية ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبه
جوده بالريح المرسلة بل جعله أبلغ في ذلك منها لان الريح قد تسكن وفيه الاحتراس لان
الريح منها العقيم الضارة ومنها المبشرة بالخير فوصفها بالمرسلة ليعين الثانية وأشار إلى قوله تعالى
وهو الذي يرسل الرياح مبشرات 2 والله الذي أرسل الرياح ونحو ذلك فالريح المرسلة تستمر مدة
ارسالها وكذا كان عمله صلى الله عليه وسلم في رمضان ديمة لا ينقطع وفيه استعمال أفعل
التفضيل في الاسناد الحقيقي والمجازى لان الجود من النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة ومن
الريح مجاز فكأنه استعار للريح جودا باعتبار مجيئها بالخير فأنزلها منزل من جاد وفى تقديم
معمول أجود على المفضل عليه نكتة لطيفة وهى انه لو أخره لظن تعلقه بالمرسلة وهذا وإن كان
لا يتغير به المعنى المراد بالوصف من الأجودية الا أنه تفوت فيه المبالغة لان المراد وصفه بزيادة
الأجودية على الريح المرسلة مطلقا وفى الحديث من الفوائد غير ما سبق تعميم شهر رمضان
لاختصاصه بابتداء نزول القرآن فيه ثم معارضته ما نزل منه فيه ويلزم من ذلك كثرة نزول
جبريل فيه وفى كثرة نزوله من توارد الخيرات والبركات مالا يحصى ويستفاد منه أن فضل الزمان
انما يحصل بزيادة العبادة وفيه أن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير وفيه استحباب تكثير
العبادة في آخر العمر ومذاكرة الفاضل بالخير والعلم وإن كان هو لا يخفى عليه ذلك لزيادة
التذكرة والاتعاظ وفيه أن ليل رمضان أفضل من نهاره وأن المقصود من التلاوة الحضور
والفهم لان الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية ويحتمل
أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاء فيقرأ كل
ليلة جزأ في جزء من الليلة والسبب في ذلك ما كان يشتغل به في كل ليلة من سوى ذلك من
تهجد بالصلاة ومن راحة بدن ومن تعاهد أهل ولعله كان يعيد ذلك الجزء مرارا بحسب تعدد
الحروف المأذون في قراءتها ولتستوعب بركة القرآن جميع الشهر ولولا التصريح بأنه كان يعرضه
مرة واحدة وفى السنة الأخيرة عرضه مرتين لجاز أنه كان يعرض جميع ما نزل عليه كل ليلة ثم
يعيده في بقية الليالي وقد أخرج أبو عبيد من طريق داود بن أبي هند قال قلت للشعبي قوله تعالى
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن اما كان ينزل عليه في سائر السنة قال بلى ولكن جبريل
كان يعارض مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ما أنزل الله فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء
41

ففي هذا إشارة إلى الحكمة في التقسيط الذي أشرت إليه لتفصيل ما ذكره من المحكم والمنسوخ
ويؤيده أيضا الرواية الماضية في بدء الخلق بلفظ فيدارسه القرآن فان ظاهره ان كلا منهما كان
يقرأ على الآخر وهى موافقة لقوله يعارضه فيستدعى ذلك زمانا زائدا على ما لو قرأ الواحد
ولا يعارض ذلك قوله تعالى سنقرئك فلا تنسى إذا قلنا إن لا نافية كما هو المشهور وقول الأكثر
لان المعنى انه إذا أقرأه فلا ينسى ما أقرأه ومن جملة الأقراء مدارسة جبريل أو المراد أن المنفى بقوله
فلا تنسى النسيان الذي لا ذكر بعده لا النسيان الذي يعقبه الذكر في الحال حتى لو قدر أنه نسى
شيئا فإنه يذكره إياه في الحال وسيأتى مزيد بيان لذلك في باب نسيان القرآن إن شاء الله تعالى وقد
تقدمت بقية فوائد حديث ابن عباس في بدء الوحي (قوله حدثنا خالد بن يزيد) هو الكاهلي وأبو
بكر هو ابن عياش بالتحتانية والمعجمة وأبو حصين بفتح أوله عثمان بن عاصم وذكوان هو أبو صالح
السمان (قوله كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم) كذا لهم بضم أوله على البناء
للمجهول وفى بعضها بفتح أوله بحذف الفاعل فالمحذوف هو جبريل صرح به إسرائيل في روايته
عن أبي حصين أخرجه الإسماعيلي ولفظه كان جبريل يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم
القرآن في كل رمضان والى هذه الرواية أشار المصنف في الترجمة (قوله القرآن كل عام مرة) سقط
لفظ القرآن لغير الكشميهني زاد إسرائيل عند الإسماعيلي فيصبح وهو أجود بالخير من الريح
المرسلة وهذه الزيادة غريبة في حديث أبي هريرة وانما هي محفوظة من حديث ابن عباس
(قوله فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه) في رواية إسرائيل عرضتين وقد تقدم ذكر
الحكمة في تكرار العرض في السنة الأخيرة ويحتمل أيضا أن يكون السر في ذلك أن رمضان من
السنة الأولى لم يقع فيه مدارسة لوقوع ابتداء النزول في رمضان ثم فتر الوحي ثم تتابع فوقعت
المدارسة في السنة الأخيرة مرتين ليستوى عدد السنين والعرض (قوله وكان يعتكف في كل
عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه) ظاهره أنه اعتكف عشرين يوما من
رمضان وهو مناسب لفعل جبريل حيث ضاعف عرض القرآن في تلك السنة ويحتمل أن يكون
السبب ما تقدم في الاعتكاف أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف عشرا فسافر عاما فلم
يعتكف فاعتكف من قابل عشرين يوما وهذا انما يتأتى في سفر وقع في شهر رمضان وكان
رمضان من سنة تسع دخل وهو صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهذا بخلاف القصة المتقدمة
في كتاب الصيام انه شرع في الاعتكاف في أول العشر الأخير فلما رأى ما صنع أزواجه من
ضرب الأخبية تركه ثم اعتكف عشرا في شوال اتحاد القصة ويحتمل أيضا أن تكون
القصة التي في حديث الباب هي التي أوردها مسلم وأصلها عند البخاري من حديث أبي سعيد
قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور العشر التي في وسط الشهر فإذا استقبل إحدى
وعشرين رجع فأقام في شهر جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها ثم قال انى كنت أجاور
هذه العشر الوسط ثم بدا لي أن أجاور العشر الأواخر فجاور العشر الأخير الحديث
فيكون المراد بالعشرين العشر الأوسط والعشر الأخير * (قوله باب القراء من
أصحاب رسول الله عليه وسلم) أي الذين اشتهروا بحفظ القرآن والتصدي لتعليمه
وهذا اللفظ كان في عرف السلف أيضا لمن تفقه في القرآن وذكره فيه ستة أحاديث * الأول
42

عن عمرو وهو ابن مرة وقد نسبه المصنف في المناقب من هذا الوجه وذهل الكرماني فقال هو
عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي وليس كما قال (قوله عن مسروق) جاء عن إبراهيم وهو
النخعي فيه شيخ آخر أخرجه الحاكم من طريق أبي سعيد المؤدب عن الأعمش عن إبراهيم عن
علقمة عن عبد الله وهو مقلوب فان المحفوظ في هذا عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق
كما تقدم في المناقب ويحتمل أن يكون إبراهيم حمله عن شيخين والأعمش حمله عن شيخين (قوله
خذوا القرآن من أربعة) أي تعلموه منهم والأربعة المذكورون اثنان من المهاجرين
وهما المبدأ بهما واثنان من الأنصار وسالم هو ابن معقل مولى أبى حذيفة ومعاذ هو ابن جبل
وقد تقدم هذا الحديث في مناقب سالم مولى أبى حذيفة من هذا الوجه وفى أوله ذكر عبد الله بن
مسعود عند عبد الله بن عمرو فقال ذلك رجل لا أزال أحبه بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة فبدأ به فذكر حديث الباب ويستفاد منه محبة من يكون
ما هرا في القرآن وأن البداءة بالرجل في الذكر على غيره في أمر اشترك فيه مع غيره يدل على تقدمه
فيه وتقدم بقية شرحه هناك وقال الكرماني يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد الاعلام بما
يكون بعده أي أن هؤلاء الأربعة يبقون حتى ينفردوا بذلك وتعقب بأنهم لم ينفردوا بل الذين
مهروا في تجويد القرآن بعد العصر النبوي أضعاف المذكورين وقد قتل سالم مولى أبى
حذيفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم في وقعة اليمامة ومات معاذ في خلافة عمر ومات أبى وابن
مسعود في خلافة عثمان وقد تأخر زيد بن ثابت وانتهت إليه الرياسة في القراءة وعاش بعدهم
زمانا طويلا فالظاهر أنه أمر بالأخذ عنهم في الوقت الذي صدر فيه ذلك القول ولا يلزم من ذلك
أن لا يكون أحد في ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن بل كان الذين يحفظون مثل الذين
حفظوه وأزيد منهم جماعة من الصحابة وقد تقدم في غزوة بئر معونة أن الذين قتلوا بها من الصحابة
كان يقال لهم القراء وكانوا سبعين رجلا * الحديث الثاني (قوله حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي
) كذا للأكثر وحكى الجياني أنه وقع في رواية الأصيلي عن الجرجاني حدثنا حفص بن عمر
حدثنا أبي وهو خطأ مقلوب وليس لحفص بن عمر أب يروى عنه في الصحيح وانما هو عمر بن حفص
ابن غياث بالغين المعجمة والتحتانية والمثلثة وكان أبوه قاضى الكوفة وقد أخرج أبو نعيم الحديث
المذكور في المستخرج من طريق سهل بن بحر عن عمر بن حفص بن غياث ونسبه ثم قال أخرجه
البخاري عن عمر بن حفص (قوله حدثنا شقيق بن سلمة) في رواية مسلم والنسائي جميعا عن إسحاق
عن عبدة عن الأعمش عن أبي وائل وهو شقيق المذكور وجاء عن الأعمش فيه شيخ آخر أخرجه
النسائي عن الحسن بن إسماعيل عن عبدة بن سليمان عنه عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم 2 عن
ابن مسعود فإن كان محفوظا احتمل أن يكون للأعمش فيه طريقان والا فإسحاق وهو ابن
راهويه أتقن من الحسن بن إسماعيل مع أن المحفوظ عن أبي إسحاق فيه ما أخرجه أحمد وابن أبي
داود من طريق الثوري وإسرائيل وغيرهما عن أبي إسحاق عن خمير بالخاء المعجمة مصغر عن ابن
مسعود فحصل الشذوذ في رواية الحسن بن إسماعيل في موضعين (قوله خطبنا عبد الله بن مسعود
فقال والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة) زاد عاصم عن بدر
عن عبد الله وأخذت بقية القرآن عن أصحابه وعند إسحاق بن راهويه في روايته المذكورة
43

في أوله ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم قال على قراءة من تأمرونني أن أقرأ وقد قرأت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفى رواية النسائي وأبو عوانة وابن أبي داود
من طريق ابن شهاب عن الأعمش عن أبي وائل فان خطبنا عبد الله بن مسعود على المنبر فقال
ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة غلوا مصاحفكم وكيف تأمرونني ان أقرأ على قراءة زيد بن
ثابت وقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله وفى رواية خمير بن مالك المذكورة بيان
السبب في قول ابن مسعود هذا ولفظه لما أمر بالمصاحف أن تغير ساء ذلك عبد الله بن مسعود
فقال من استطاع وقال في آخره أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى رواية
له فقال انى غال مصحفي فمن استطاع أن يغل مصحفه فليفعل وعند الحاكم من طريق أبى ميسرة
قال رحت فإذا أنا بالأشعري وحذيفة وابن مسعود فقال ابن مسعود والله لا أدفعه يعنى مصحفه
أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره (قوله والله لقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنى من أعلمهم بكتاب الله) وقع في رواية عبدة وأبى شهاب جميعا عن الأعمش أنى أعلمهم بكتاب
الله بحذف من وزاد ولو أعلم أن أحدا أعلم منى لرحلت إليه وهذا لا ينفى اثبات من فإنه نفى الأعلمية
ولم ينف المساواة وسيأتي مزيد لذلك في الحديث الرابع (قوله وما أنا بخيرهم) يستفاد منه أن
الزيادة في صفة من صفات الفضل لا تقتضى الأفضلية المطلقة فالأعلمية بكتاب الله لا تستلزم
الأعلمية المطلقة بل يحتمل أن يكون غيره أعلم منه بعلوم أخرى فلهذا قال وما أنا بخيرهم وسيأتى
في هذا بحث في باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه إن شاء الله تعالى (قوله قال شقيق) أي بالاسناد
المذكور (فجلست في الحلق) بفتح المهملة واللام (فما سمعت رادا يقول غير ذلك) يعنى لم يسمع
من يخالف ابن مسعود يقول غير ذلك أو المراد من يرد قوله دلك ووقع في رواية مسلم قال شقيق
فجلست في حلق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما سمعت أحدا يرد ذلك ولا يعيبه وفى رواية أبى
شهاب فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق فما أحد ينكر ما قال وهذا يخصص عموم قوله أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم بمن كان منهم بالكوفة ولا يعارض ذلك ما أخرجه ابن أبي داود من طريق
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود فذكر نحو حديث
الباب وفيه قال الزهري فبلغني أن ذلك كرهه من قول ابن مسعود رجال من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم لأنه محمول على أن الذين كرهوا ذلك من غير الصحابة الذين شاهدهم شقيق
بالكوفة ويحتمل اختلاف الجهة فالذي نفى شقيق أن أحدا رده أو عابه وصف ابن مسعود بأنه
أعلمهم بالقرآن والذي أثبته الزهري ما يتعلق بأمره بغل المصاحف وكأن مراد ابن مسعود بغل
المصاحف كتمها واخفاؤها لئلا تخرج فتعدم وكأن ابن مسعود رأى خلاف ما رأى عثمان ومن
وافقه في الاقتصار على قراءة واحدة والغاء ما عدا ذلك أو كان لا ينكر الاقتصار لما في عدمه من
الاختلاف بل كان يريد أن تكون قراءته هي التي يعول عليها دون غيرها لما له من المزية في ذلك
مما ليس لغيره كما يؤخذ ذلك من ظاهر كلامه فلما فاته ذلك ورأى أن الاقتصار على قراءة زيد ترجيح
بغير مرجح عنده اختار استمرار القراءة على ما كانت عليه على أن ابن أبي داود ترجم باب رضى ابن
مسعود بعد ذلك بما صنع عثمان لكن لم يورد ما يصرح بمطابقة ما ترجم به * الحديث الثالث (قوله
كنا بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف هذا ظاهره أن علقمة حضر القصة وكذا أخرجه
44

الإسماعيلي عن أبي خليفة عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه وأخرجه أبو نعيم من طريق يوسف
القاضي عن محمد بن كثير فقال فيه عن علقمة قال كان عبد الله بحمص وقد أخرجه مسلم
من طريق 2 جرير عن الأعمش ولفظه عن عبد الله بن مسعود قال كنت بحمص فقرأت فذكر
الحديث وهذا يقتضى أن علقمة لم يحضر القصة وانما نقلها عن ابن مسعود وكذا أخرجه أبو
عوانة من طرق عن الأعمش ولفظه كنت جالسا بحمص وعند أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش
قال عن عبد الله أنه قرأ سورة يوسف ورواية أبى معاوية عند مسلم لكن أحال بها (قوله فقال) رجل ما هكذا أنزلت) لم أقف على اسمه وقد قيل إنه نهيك بن سنان الذي تقدمت له مع ابن مسعود
في القرآن قصة غير هذه لكن لم أر ذلك صريحا وفى رواية مسلم فقال لي بعض القوم اقرأ علينا
فقرأت عليهم سورة يوسف فقال رجل من القوم ما هكذا أنزلت فإن كان السائل هو القائل والا
ففيه مبهم آخر (قوله فقال قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية مسلم فقلت ويحك
والله لقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله ووجد منه ريح الخمر) هي جملة حالية ووقع
في رواية مسلم فبينما أنا أكلمه إذ وجدت منه ريح الخمر (قوله فضربه الحد) في رواية مسلم
فقلت لا تبرح حتى أجلدك قال فجلدته قال النووي هذا محمول على أن ابن مسعود كانت له
ولاية إقامة الحدود نيابة عن الامام اما عموما واما خصوصا وعلى أن الرجل اعترف بشربها
بلا عذر والا فلا يجب الحد بمجرد ريحها وعلى أن التكذيب كان بانكار بعضه جاهلا إذ لو
كذب به حقيقة لكفر فقد أجمعوا على أن من جحد حرفا مجمعا عليه من القرآن كفر اه‍
والاحتمال الأول جيد ويحتمل أيضا أن يكون قوله فضربه الحد أي رفعه إلى الأمير فضربه
فأسند الضرب إلى نفسه مجازا لكونه كان سببا فيه وقال القرطبي انما أقام عليه الحد لأنه جعل
له ذلك من له الولاية أو لأنه رأى أنه قام عن الامام بواجب أو لأنه كان ذلك في زمان ولايته الكوفة
فإنه وليها في زمن عمر وصدرا من خلافة عثمان انتهى والاحتمال الثاني موجه وفى الأخير غفلة
عما في أول الخير ان ذلك كان بحمص ولم يلها ابن مسعود وانما دخلها غازيا وكان ذلك في خلافة
عمر وأما الجواب الثاني عن الرائحة فيرده النقل عن ابن مسعود انه كان يرى وجوب الحد
بمجرد وجود الرائحة وقد وقع مثل ذلك لعثمان في قصة الوليد بن عقبة ووقع عند الإسماعيلي اثر
هذا الحديث النقل عن علي أنه أنكر على ابن مسعود جلده الرجل بالرائحة وحدها إذ لم يقر ولم
يشهد عليه وقال القرطبي في الحديث حجة على من يمنع وجوب الحد بالرائحة كالحنفية وقد قال
به مالك وأصحابه وجماعة من أهل الحجاز (قلت) والمسئلة خلافية شهيرة وللمانع أن يقول إذا احتمل
ان يكون أقر سقط الاستدلال بذلك ولما حكى الموفق في المغنى الخلاف في وجوب الحد بمجرد
الرائحة اختار أن لا يحد بالرائحة وحدها بل لا بد معها من قرينة كأن يوجد سكران أو يتقيأها
ونحوه أن يوجد جماعة شهروا بالفسق ويوجد معهم خمر ويوجد من أحدهم رائحة الخمر
وحكى ابن المنذر عن بعض السلف ان الذي يجب عليه الحد بمجرد الرائحة من يكون مشهورا
بادمان شرب الخمر وقيل بنحو هذا التفصيل فيمن شك وهو في الصلاة هل خرج منه ريح أولا فان
قارن ذلك وجود رائحة دل ذلك على وجود الحدث فيتوضأ وإن كان في الصلاة فلينصرف
ويحمل ما ورد من ترك الوضوء مع الشك على ما إذا تجرد الظن عن القرينة وسيكون لنا عودة إلى
45

هذه المسئلة في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى وأما الجواب عن الثالث فجيد أيضا لكن يحتمل أن
يكون ابن مسعود كان لا يرى بمؤاخذة السكران بما يصدر منه من الكلام في حل سكره وقال
القرطبي يحتمل أن يكون الرجل كذب ابن مسعود ولم يكذب بالقرآن وهو الذي يظهر من قوله
ما هكذا أنزلت فان ظاهره انه أثبت انزالها ونفى الكيفية التي أوردها ابن مسعود وقال الرجل
ذلك اما جهلا منه أو قلة حفظ أو عدم تثبت بعثه عليه السكر وسيأتى مزيد بحث في ذلك في كتاب
الطلاق إن شاء الله تعالى * الحديث الرابع (قوله حدثنا مسلم) هو أبو الضحى الكوفي وقع كذلك
في رواية أبى حمزة عن الأعمش عند الإسماعيلي وفى طبقة مسلم هذا رجلان من أهل الكوفة
يقال لكل منهما مسلم أحدهما يقال له الأعور والآخر يقال له البطين فالأول هو مسلم بن كيسان
والثاني مسلم بن عمران ولم أر لواحد منهما رواية عن مسروق فإذا أطلق مسلم عن مسروق
عرف انه هو أبو الضحى ولو اشتركوا في أن الأعمش روى عن الثلاثة (قوله عبد الله) في رواية
قطبة عن الأعمش عند مسلم عن عبد الله بن مسعود (قوله والله) في رواية جرير عن الأعمش
عند ابن أبي داود قال عبد الله لما صنع بالمصاحف ما صنع والله إلى آخره (قوله فيمن أنزلت) في
رواية الكشميهني فيما أنزلت ومثله في رواية قطبة وجرير (قوله ولو أعلم أحدا أعلم منى بكتاب الله
تبلغه الإبل
في رواية الكشميهني تبلغنيه وهى رواية جرير (قوله لركبت إليه) تقدم في
الحديث الثاني بلفظ لرحلت إليه ولابى عبيد من طريق ابن سيرين نبئت أن ابن مسعود قال لو
أعلم أحدا تبلغنيه الإبل أحدث عهدا بالعرضة الأخيرة منى لأتيته أو قال لتكلفت ان آتيه
وكأنه احترز بقوله تبلغنيه الإبل عمن لا يصل إليه على الرواحل اما لكونه كان لا يركب البحر
فقيد بالبر أو لأنه كان جازما بأنه لا أحد يفوقه في ذلك من البشر فاحترز عن سكان السماء وفى
الحديث جواز ذكر الانسان نفسه بما فيه من الفضيلة بقدر الحاجة ويحمل ما ورد من ذم ذلك
على من وقع ذلك منه فخرا أو اعجابا * الحديث الخامس حديث أنس ذكره من وجهين (قوله
سألت أنس بن مالك من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال أربعة كلهم من
الأنصار) في رواية الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في أول الحديث افتخر الحيان
الأوس والخزرج فقال الأوس منا أربعة من اهتز له العرش سعد بن معاذ ومن عدلت شهادته
شهادة رجلين خزيمة بن ثابت ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر ومن حمته الدبر عاصم بن
ثابت فقال الخزرج منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم فذكرهم (قوله وأبو زيد) تقدم في
مناقب زيد بن ثابت من طريق شعبة عن قتادة قلت لأنس من أبو زيد قال أحد عمومتي وتقدم بيان
الاختلاف في اسم أبى زيد هناك وجوزت هناك أن لا يكون لقول أنس أربعة مفهوم لكن رواية
سعيد التي ذكرتها الآن من عند الطبري صريحة في الحصر وسعيد ثبت في قتادة ويحتمل مع ذلك
ان مراد أنس لم يجمعه غيرهم أي من الأوس بقرينة المفاخرة المذكورة ولم يرد نفى ذلك عن
المهاجرين ثم في رواية سعيد أن ذلك من قول الخزرج ولم يفصح باسم قائل ذلك لكن لما أورده
أنس ولم يتعقبه كان كأنه قائل به ولا سيما وهو من الخزرج وقد أجاب القاضي أبو بكر الباقلاني
وغيره عن حديث أنس هذا بأجوبة * أحدهما أنه لا مفهوم له فلا يلزم أن لا يكون غيرهم جمعه
* ثانيها المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها الا أولئك * ثالثها لم يجمع ما نسخ
46

منه بعد تلاوته وما لم ينسخ الا أولئك وهو قريب من الثاني * رابعها أن المراد بجمعه تلقيه من
في رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بواسطة بخلاف غيرهم فيحتمل أن يكون تلقى بعضه بالواسطة
* خامسها أنهم تصدوا لالقائه وتعليمه فاشتهروا به وخفى حال غيرهم عمن عرف حالهم فحصر ذلك
فيهم بحسب علمه وليس الامر في نفس الامر كذلك أو يكون السبب في خفائهم أنهم خافوا غائلة
الرياء والعجب وأمن ذلك من أظهره * سادسها المراد المراد بالجمع الكتابة فلا ينفى أن يكون غيرهم جمعه
حفظا عن ظهر قلب وأما هؤلاء فجمعوه كتابة وحفظوه عن ظهر قلب * سابعها المراد أن أحدا
لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أولئك بخلاف
غيرهم فلم يفصح بذلك لان أحدا منهم لم يكمله الا عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
نزلت آخر آية منه فلعل هذه الآية الأخيرة وما أشبهها ما حضرها الا أولئك الأربعة ممن جمع
جميع القرآن قبلها وإن كان قد حضرها من لم يجمع غيرها الجمع البين * ثامنها ان المراد بجمعه
السمع والطاعة له والعمل بموجبه وقد أخرج أحمد في الزهد من طريق أبى الزاهد به ان رجلا أتى
أبا الدرداء فقال إن ابني جمع القرآن فقال اللهم غفرا انما جمع القرآن من سمع له وأطاع وفى غالب
هذه الاحتمالات تكلف ولا سيما الأخير وقد أومأت قبل هذا إلى احتمال آخر وهو أن المراد اثبات
ذلك للخزرج دون الأوس فقط فلا ينفى ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين ومن جاء بعدهم ويحتمل أن يقال انما اقتصر عليهم أنس لتعلق غرضه بهم ولا يخفى بعده والذي يظهر من كثير من
الأحاديث ان أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تقدم في المبعث
انه بنى مسجدا بفناء داره فكان يقرأ فيه القرآن وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك وهذا
مما لا يرتاب فيه مع شدة حرص أبى بكر على تلقى القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وفراغ باله له
وهما بمكة وكثرة ملازمة كل منهما للآخر حتى قالت عائشة كما تقدم في الهجرة انه صلى الله
عليه وسلم كان يأتيهم بكرة وعشية وقد صحح مسلم حديث يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله
وتقدمت الإشارة إليه وتقدم انه صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم في مكانه لما مرض فيدل
على أنه كان أقرأهم وتقدم عن علي أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله
عليه وسلم وأخرج النسائي باسناد صحيح عن عبد الله بن عمر قال جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة
فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقرأه في شهر الحديث وأصله في الصحيح وتقدم في الحديث الذي
مضى ذكر ابن مسعود وسالم مولى أبى حذيفة وكل هؤلاء من المهاجرين وقد ذكر أبو عبيد القراء
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة وطلحة وسعدا وابن
مسعود وحذيفة وسالما وأبا هريرة وعبد الله بن السائب والعبادلة ومن النساء عائشة وحفصة
وأم سلمة ولكن بعض هؤلاء انما أكمله بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يرد على الحصر المذكور
في حديث أنس وعد ابن أبي داود في كتاب الشريعة من المهاجرين أيضا تميم بن أوس الداري
وعقبة بن عامر ومن الأنصار عبادة بن الصامت ومعاذا الذي يكنى أبا حليمة ومجمع بن حارثة وفضالة
ابن عبيد ومسلمة بن مخلد وغيرهم وصرح بأن بعضهم انما جمعه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وممن
جمعه أيضا أبو موسى الأشعري ذكره أبو عمرو الداني وعد بعض المتأخرين من القراء عمرو بن
العاص وسعد بن عباد وأم ورقة (قوله تابعه الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن ثمامة عن
47

أنس) هذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن الفضل بن موسى به ثم أخرجه المصنف
من طريق عبد الله بن المثنى حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس قال مات النبي صلى الله عليه وسلم
ولم يجمع القرآن غير أربعة فذكر الحديث فخالف رواية قتادة من وجهين أحدهما التصريح
بصيغة الحصر في الأربعة ثانيهما ذكر أبى الدرداء بدل أبي بن كعب فاما الأول فقد تقدم الجواب
عنه من عدة أوجه وقد استنكره جماعة من الأئمة المازري لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم
أن يكون الواقع في نفس الامر كذلك لان التقدير انه لا يعلم أن سواهم جمعه والا فكيف
الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد وهذا لا يتم الا إن كان لقى كل واد منهم على
انفراده وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا في غاية
البعد في العادة وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك قال وقد تمسك بقول
أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا متمسك لهم فيه فانا لا نسلم حمله على ظاهره سلمناه ولكن من أين
لهم أن الواقع في نفس الامر كذلك سلمناه لكن لا يلزم من كون كل واحد من الجم الغفير لم
يحفظه كله أن لا يكون حفظ مجموعه الجم الغفير وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد
جميعه بل إذا حفظ الكل ولو على التوزيع كفى واستدل القرطبي على ذلك ببعض ما تقدم
من أنه قتل يوم اليمامة سبعون من القراء وقتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل
هذا العدد قال وانما خص أنس الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم أو لكونهم كانوا في
ذهنه دون غيرهم وأما الوجه الثاني من المخالفة فقال الإسماعيلي هذان الحديثان مختلفان ولا
يجوزان في الصحيح مع تباينهما بل الصحيح أحدهما وجزم البيهقي بان ذكر أبى الدرداء وهم
والصواب أبي بن كعب وقال الداودي لا أرى ذكر أبى الدرداء محفوظا (قلت) وقد أشار البخاري
إلى عدم الترجيح باستواء الطرفين فطريق قتادة على شرطه وقد وافقه عليها ثمامة في أحدى
الروايتين عنه وطريق ثابت أيضا على شرطه وقد وافقه عليها أيضا ثمامة في الرواية الأخرى لكن
مخرج الرواية عن ثابت وثمامة بموافقته وقد وقع عن عبد الله بن المثنى وفيه مقال وإن كان عند
البخاري مقبولا لكن لا تعادل روايته رواية قتادة ويرجح رواية قتادة حديث عمر في ذكر أبي بن
كعب وهو خاتمة أحاديث الباب ولعل البخاري أشار باخراجه إلى ذلك لتصريح عمر بترجيحه في
القراءة على غيره ويحتمل أن يكون أنس حدث بهذا الحديث في وقتين فذكر مرة أبي بن كعب
ومرة بدله أبا الدرداء وقد روى ابن أبي داود من طريق محمد بن كعب القرظي قال جمع القرآن على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبى بن
كعب وأبو الدرداء وأبو أيوب الأنصاري واسناده حسن مع ارساله وهو شاهد جيد لحديث عبد
الله بن المثنى في ذكر أبى الدرداء وان خالفه في العدد والمعدود ومن طريق الشعبي قال جمع القرآن
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة منهم أبو الدرداء ومعاذ وأبو زيد وزيد بن ثابت وهؤلاء
الأربعة هم الذين ذكروا في رواية عبد الله بن المثنى واسناده صحيح مع ارساله فلله در البخاري
ما أكثرا اطلاعه وقد تبين بهذه الرواية المرسلة قوة رواية عبد الله بن المثنى وأن لروايته أصلا
والله أعلم وقال الكرماني لعل السامع كان يعتقد أن هؤلاء الأربعة لم يجمعوا وكان أبو الدرداء
ممن جمع فقال أنس ذلك ردا عليه وأتى بصيغة الحصر ادعاء ومبالغة ولا يلزم منه النفي عن غيرهم
48

بطريق الحقيقة والله أعلم (قوله وأبو زيد قال ونحن ورثناه) القائل ذلك هو أنس وقد تقدم وفى
مناقب زيد بن ثابت قال قتادة قلت ومن أبو زيد قال أحد عمومتي وتقدم في غزوة بدر من
وجه آخر عن قتادة عن أنس قال مات أبو زيد وكان بدريا ولم يترك عقبا وقال أنس نحن ورثناه
وقوله أحد عمومتي يرد قول من سمى أبا زيد المذكور سعد بن عبيد بن النعمان أحد بنى عمرو بن
عوف لان أنسا خزرجي وسعد بن عبيد أوسى وإذا كان كذلك احتمل أن يكون سعد بن عبيد
ممن جمع ولم يطلع أنس على ذلك وقد قال أبو أحمد العسكري لم يجمعه من الأوس غيره وقال
محمد بن حبيب في المحبر سعد بن عبيد ونسبه كان أحد من جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه
وسلم ووقع في رواية الشعبي التي أشرت إليها المغايرة بين سعد بن عبيد وبين أبى زيد فإنه ذكرهما
جميعا فدل على أنه غير المراد في حديث أنس وقد ذكر ابن أبي داود فيمن جمع القرآن قيس بن أبي
صعصعة وهو خزرجي وتقدم انه يكنى أبا زيد وسعد بن المنذر بن أوس بن زهير وهو خزرجي أيضا
لكن لم أر التصريح بأنه يكنى أبا زيد ثم وجدت عند ابن أبي داود ما يرفع الاشكال من أصله فإنه
روى باسناد على شرط البخاري إلى ثمامة عن أنس ان أبا زيد الذي جمع القرآن اسمه قيس بن
السكن قال وكان رجلا منا من بنى عدى بن النجار أحد عمومتي ومات ولم يدع عقبا ونحن ورثناه
قال ابن أبي داود حدثنا أنس بن خالد الأنصاري قال هو قيس بن السكن من زعوراء من بنى عدى
ابن النجار قال ابن أبي داود مات قريبا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فذهب علمه ولم يؤخذ
عنه وكان عقبيا بدريا * الحديث السادس (قوله يحيى) هو القطان وسفيان هو الثوري (قوله
عن حبيب بن أبي ثابت) عند الإسماعيلي حدثنا حبيب (قوله أبى أقرؤنا) كذا للأكثر وبه
جزم المزي في الأطراف فقال ليس في رواية صدقة ذكر على (قلت) وقد ثبت في رواية النسفي
عن البخاري فأول الحديث عنده على أقضانا وأبى أقرؤنا وقد ألحق الدمياطي في نسخته في
حديث الباب ذكر على وليس بجيد لأنه ساقط من رواية الفربري التي عليها مدار روايته وقد
تقدم في تفسير البقرة عن عمرو بن علي عن يحيى القطان بسنده هذا وفيه ذكر على عند الجميع
(قوله من لحن أبى) أي من قراءته ولحن القول فحواء ومعناه والمراد به هنا القول وكان أبي بن
كعب لا يرجع عما حفظه من القرآن الذي تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أخبره غيره
ان تلاوته نسخت لأنه إذا سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم حصل عنده القطع به فلا
يزول عنه باخبار غيره أن تلاوته نسخت وقد استدل عليه عمر بالآية الدالة على النسخ وهو من
أوضح الاستدلال في ذلك وقد تقدم بقية شرحه في التفسير * (قوله باب فضل فاتحة
الكتاب) ذكره فيه حديثين * أحدهما حديث أبي سعيد بن المعلى في أنها أعظم سورة في القرآن
والمراد بالعظم عظم القدر بالثواب المرتب على قراءتها وإن كان غرها أطول منها وذلك لما
اشتملت عليه من المعاني المناسبة لذلك وقد تقدم شرح ذلك مبسوطا في أول التفسير * ثانيهما
49

حديث أبي سعيد الخدري في الرقية بفاتحة الكتاب وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الإجارة
وهو ظاهر الدلالة على فضل الفاتحة قال القرطبي اختصت الفاتحة بأنها مبدأ القرآن وحاوية
لجميع علومه لاحتوائها على الثناء على الله والاقرار بعبادته والاخلاص له وسؤال الهداية منه
والإشارة إلى الاعتراف بالعجز عن القيام بنعمه والى شأن المعاد وبيان عاقبة الجاحدين إلى غير
ذلك مما يقتضى أنها كلها موضع الرقية وذكر الروياني في البحر ان البسملة أفضل آيات القرآن
وتعقب بحديث آية الكرسي وهو الصحيح (قوله وقال أبو معمر حدثنا عبد الوارث الخ) أراد بهذا
التعليق التصريح بالتحديث من محمد بن سيرين لهشام ومن معبد لمحمد فإنه في الاسناد الذي ساقه
أولا بالعنعنة في الموضعين وقد وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن أبي معمر
كذلك وذكر أبو علي الجياني انه وقع عند القابسي عن أبي زيد السند إلى محمد بن سيرين وحدثني
معبد بن سيرين بواو العطف قال والصواب حذفها * (قوله باب فضل سورة البقرة)
أورد فيه حديثين * الأول (قوله عن سليمان) هو الأعمش ولشعبة فيه شيخ آخر وهو منصور
أخرجه أبو داود عن حفص بن عمر عن شعبة عنه وأخرجه النسائي من طريق يزيد بن زريع عن
شعبة كذلك وجمع غندر عن شعبة فأخرجه مسلم عن أبي موسى وبندار وأخرجه النسائي عن
بشر بن خالد ثلاثتهم عن غندر أما الأولان فقالا عنه عن شعبة عن منصور وأما بشر فقال عنه
عن شعبة عن الأعمش وكذا أخرجه أحمد عن غندر (قوله عن عبد الرحمن) هو ابن يزيد النخعي
(قوله عن أبي مسعود) في رواية أحمد عن غندر عن عبد الرحمن بن يزيد عن علقمة عن أبي
مسعود وقال في آخره قال عبد الرحمن ولقيت أبا مسعود فحدثني به وسيأتى نحوه للمصنف من
وجه آخر في باب كم يقرأ من القرآن وأخرجه في باب من لم ير بأسا أن يقول سورة كذا من وجه
آخر عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن وعلقمة جميعهما عن أبي مسعود فكأن إبراهيم
حمله عن علقمة أيضا بعد ان حدثه به عبد الرحمن عنه كما لقى عبد الرحمن أبا مسعود فحمله عنه بعد
ان حدثه به علقمة وأبو مسعود هذا عقبة بن عمرو الأنصاري البدري الذي تقدم بيان حاله
في غزوة بدر من المغازي ووقع في رواية عبدوس بدله ابن مسعود وكذا عند الأصيلي عن أبي زيد
المروزي 2 وصوبه الأصيلي فأخطأ في ذلك بل هو تصحيف قال أبو علي الجياني الصواب عن أبي
مسعود وهو عقبة بن عمرو (قلت) وقد أخرجه أحمد من وجه آخر عن الأعمش فقال فيه عن عقبة
ابن عمرو (قوله من قرأ بالآيتين) كذا اقتصر البخاري من المتن على هذا القدر ثم حول السند إلى
طريق منصور عن إبراهيم بالسند المذكور وأكمل المتن فقال من آخر السورة البقرة في ليلة كفتاه
وقد أخرجه أحمد عن حجاج بن محمد عن شعبة فقال فيه من سورة البقرة لم يقل آخر فلعل هذا هو
السر في تحويل السند ليسوقه على لفظ منصور على أنه وقع في رواية غندر عند أحمد بلفظ من قرأ
الآيتين الأخيرتين فعلى هذا فيكون اللفظ الذي ساقه البخاري لفظ منصور وليس بينه وبين
لفظ الأعمش الذي حوله عنه مغايرة في المعنى والله أعلم (قوله من آخر سورة البقرة) يعنى من
قوله تعالى آمن الرسول إلى آخر السورة وآخر الآية الأولى المصير ومن ثم إلى آخر السورة آية
واحدة وأما ما اكتسبت فليست رأس آية باتفاق العادين وقد أخرج علي بن سعيد العسكري
في ثواب القرآن حديث الباب من طريق عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن علقمة بن قيس عن
50

عقبة بن عمرو بلفظ من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتا آمن الرسول إلى آخر السورة ومن
حديث النعمان بن بشير رفعه ان الله كتب كتابا أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة وقال في
آخره آمن الرسول وأصله عند الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم ولابى عبيد في
فضائل القرآن من مرسل جبير بن نفير نحوه وزاد فأقرؤهما وعلموهما أبناءكم ونساءكم فإنهما
قرآن وصلاة ودعاء (قوله كفتاه) أي أجزأتا عنه من قيام الليل بالقرآن وقيل أجزأتا عنه
عن قراءة القرآن مطلقا سواء كان داخل الصلاة أم خارجها وقيل معناه أجزأتاه فيما يتعلق
بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الايمان والأعمال اجمالا وقيل معناه كفتاه كل سوء وقيل كفتاه
شر الشيطان وقيل دفعتا عنه شر الإنس والجن وقيل معناه كفتاه ما حصل له بسببهما من
الثواب عن طلب شئ آخر وكأنهما اختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل
انقيادهم إلى الله وابتهالهم ورجوعهم إليه وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم وذكر
الكرماني عن النووي أنه قال كفتاه عن قراءة سورة الكهف وآية الكرسي كذا نقل عنه جازما
به ولم يقل ذلك النووي وانما قال ما نصه قيل معناه كفتاه من قايم الليل وقيل من الشيطان
وقيل من الآفات ويحتمل من الجميع هذا آخر كلامه وكأن سبب الوهم ان عند النووي عقب
هذا باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي فلعل النسخة التي وقعت للكرماني سقط منها لفظ
باب وصحفت فضل فصارت وقيل واقتصر النووي في الاذكار على الأول والثالث نقلا ثم قال قلت
ويجوز أن يراد الأولان انتهى وعلى هذا فأقول يجوز أن يراد جميع ما تقدم والله أعلم والوجه
الال ورد صريحا من طريق عاصم عن علقمة عن أبي مسعود رفعه من قرأ خاتمة البقرة
أجزأت عنه قيام ليلة ويؤيد الرابع حديث النعمان بن بشير رفعه ان الله كتب كتابا وأنزل
منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار فيقر بها الشيطان ثلاث ليال أخرجه الحاكم
وصححه وفى حديث معاذ لما أمسك الجنى وآية ذلك أنه لا يقرأ أحد منكم خاتمة سورة البقرة
فيدخل أحد منها بيته تلك الليلة أخرجه الحاكم أيضا * الحديث الثاني حديث أبي هريرة تقدم
شرحه في الوكالة وقوله في آخره صدقك وهو كذوب هو من التتميم البليغ لأنه لما أوهم مدحه
بوصفه الصدق في قوله صدق استدرك نفى الصدق عنه بصيغة مبالغة والمعنى صدقك في هذا
القول مع أن عادته الكذب المستمر وهو كقولهم قد يصدق الكذوب وقوله ذاك شيطان كذا
للأكثر وتقدم في الوكالة انه وقع هنا ذاك الشيطان واللام فيه للجنس أو العهد الذهني من الوارد
ان لكل آدمي شيطانا وكل به أو اللام بدل من الضمير كأنه قال ذاك شيطانك أو المراد الشيطان
المذكور في الحديث الآخر حيث قال في الحديث ولا يقربك شيطان وشرحه الطيبى على هذا
فقال هو أي قوله فلا يقربك شيطان مطلق شائع في جنسه والثاني فرد من افراد ذلك الجنس وقد
استشكل الجمع بين هذه القصة وبين حديث أبي هريرة أيضا الماضي في الصلاة وفى التفسير
وغيرهما انه صلى الله عليه وسلم قال إن شيطانا تفلت على البارحة الحديث وفيه ولولا دعوة أخي
سليمان لأصبح مربوطا بسارية وتقرير الاشكال انه صلى الله عليه وسلم امتنع من امساكه من أجل
دعوة سليمان عليه السلام حيث قال وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي قال الله تعالى فسخرنا
له الريح ثم قال والشياطين وفى حديث الباب ان أبا هريرة أمسك الشيطان الذي رآه وأراد حمله
51

إلى النبي صلى الله عليه وسلم والجواب انه يحتمل أن يكون المراد بالشيطان الذي هم النبي صلى الله
عليه وسلم أن يوثقه هو رأس الشياطين الذي يلزم من التمكن منه التمكن منهم فيضاهى حينئذ
ما حصل لسليمان عليه السلام من تسخير الشياطين فيما يريد والتوثق منهم والمراد بالشيطان
في حديث الباب اما شيطانه بخصوصه أو آخر في الجملة لأنه يلزم من تمكنه منه اتباع غيره من
الشياطين في ذلك التمكن أو الشيطان الذي هم النبي صلى الله عليه وسلم بربطه تبدى له في صفته
التي خلق عليها وكذلك كانوا في خدمة سليمان عليه السلام على هيئتهم واما الذي تبدى لأبي
هريرة في حديث الباب فكان على هيئة الآدميين فلم يكن في امساكه مضاهاة لملك سليمان
والعلم عند الله تعالى * (قوله باب فضل الكهف) في رواية أبى الوقت فضل
سورة الكهف وسقط لفظ باب في هذا والذي قبله والثلاثة بعده لغير أبي ذر (قوله حدثنا زهير)
هو ابن معاوية (قوله عن البراء) في رواية الترمذي من طريق شعبة عن أبي إسحاق سمعت البراء
(قوله كان رجل) قيل هو أسيد بن حضير كما سيأتي من حديثه نفسه بعد ثلاثة أبواب لكن فيه
أنه كان يقرأ سورة البقرة وفى هذا أنه كان يقرأ سورة الكهف وهذا ظاهره التعدد وقد وقع
قريب من القصة التي لأسيد لثابت بن قيس بن شماس لكن في سورة البقرة أيضا وأخرج أبو
داود من طريق مرسلة قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ألم تر ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة
تزهر بمصابيح قال فلعله قرأ سورة البقرة فسئل قال قرأت سورة البقرة ويحتمل أن يكون قرأ سورة
البقرة وسورة الكهف جميعا أو من كل منهما (قوله بشطنين) جمع شطن بفتح المعجمة وهو الحبل
وقيل بشرط طوله وكأنه كان شديد الصعوبة (قوله وجعل فرسه ينفر) بنون وفاء ومهملة وقد وقع
في رواية لمسلم تنقز بقاف وزاي وخطأه عياض فإن كان من حديث الرواية فذاك والا فمعناها
هنا واضح (قوله تلك السكينة) بمهملة وزن عظيمة وحكى ابن قرقول والصغاني فيها كسر أولها
والتشديد بلفظ المرادف للمدية وقد نسبه ابن قرقول للحربي وانه حكاه عن بعض أهل اللغة
وتكرر لفظ السكينة في القرآن والحديث فروى الطبري وغيره عن علي قال هي ريح هفافة لها
وجه كوجه الانسان وقيل لها رأسان وعن مجاهد لها رأس كرأس الهر وعن الربيع بن أنس
لعينها شعاع وعن السدى السكينة طست من ذهب من الجنة يغسل فيها قلوب الأنبياء وعن أبي
مالك قال هي التي ألقى فيها موسى الألواح والتوراة والعصى وعن وهب بن منبه هي روح
من الله وعن الضحاك بن مزاحم قال هي الرحمة وعنه هي سكون القلب وهذا اختيار الطبري
وقيل هي الطمأنينة وقيل الوقار وقيل الملائكة ذكره الصغاني والذي يظهر أنها مقولة
بالاشتراك على هذه المعاني فيحمل كل موضع وردت فيه على ما يليق به والذي يليق بحديث
الباب هو الأول وليس قول وهب ببعيد وأما قوله فأنزل الله سكينته عليه وقوله هو الذي أنزل
السكينة في قلوب المؤمنين فيحتمل الأول ويحتمل قول وهب والضحاك فقد أخرج المنصف
حديث الباب في تفسير سورة الفتح كذلك وأما التي في قوله تعالى فيه سكنية من ربكم فيحتمل
قول السدى وأبى مالك وقال النووي المختار أنها شئ من المخلوقات فيه طمأنينة ورحمة ومعه
الملائكة (قوله تنزلت) في رواية الكشميهني تنزل بضم اللام بغير تاء والأصل تتنزل وفى رواية
الترمذي نزلت مع القرآن أو على القرآن * (قوله باب فضل سورة الفتح) في رواية
52

غير أبي ذر فضل سورة الفتح بغير باب (قوله عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يسير في بعض أسفاره) تقدم في غزوة الفتح وفى التفسير أن هذا السياق صورته
الارسال وان الإسماعيلي والبزار أخرجاه من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن مالك بصريح
الاتصال ولفظه عن أبيه عن عمر ثم وجدته في التفسير من جامع الترمذي من هذا الوجه فقال
عن أبيه سمعت عمر ثم قال حديث حسن غريب وقد رواه بعضهم عن مالك فأرسله فأشار إلى
الطريق التي أخرجها البخاري وما وافقها وقد بينت في المقدمة أن في أثناء السياق ما يدل على
أنه من رواية أسلم عن عمر لقوله فيه قال عمر فحركت بعيري إلى آخره وتقدمت بقية شرحه في
تفسير الفتح * (قوله باب فضل قل هو الله أحد فيه عمرة عن عائشة عن
النبي صلى الله عليه وسلم) هو طرف من حديث أوله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على
سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد الحديث وفى آخره أخبروه أن الله
يحبه وسيأتى موصولا في أول كتاب التوحيد بتمامه وتقدم في صفة الصلاة من وجه آخر عن
أنس وبينت هناك الاختلاف في تسميته وذكرت فيه بعض فوائده وأحلت ببقية شرحه على
كتاب التوحيد وذهل الكرماني فقال قوله فيه عمرة أي روت عن عائشة حديثا في فضل سورة
الاخلاص ولما لم يكن على شرطه لم يذكره بنصه واكتفى بالإشارة إليه اجمالا كذا قال وغفل عما
في كتاب التوحيد والله أعلم (قوله عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة)
هذا هو المحفوظ وكذا هو في الموطأ ورواه أبو صفوان الأموي عن مالك فقال عن عبد الله بن
عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه أخرجه الدارقطني وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق
ابن أبي عمر عن أبيه ومعن من طريق يحيى القطان ثلاثتهم عن مالك وقال بعده ان الصواب
عبد الرحمن بن عبد الله كما في الأصل وكذا قال الدارقطني وأخرجه النسائي أيضا من وجه آخر
عن إسماعيل بن جعفر عن مالك كذلك وقال بعده الصواب عبد الرحمن بن عبد الله وقد تقدم مثل
هذا الاختلاف في حديث آخر عن مالك في كتاب الاذان (قوله أن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو
الله أحد يرددها) القارئ هو قتادة بن النعمان أخرج أحمد من طريق أبى الهيثم عن أبي سعيد
قال يأت قتادة بن النعمان يقرأ من الليل كله قل هو الله أحد لا يزيد عليها الحديث والذي سمعه
لعله أبو سعيد راوي الحديث لأنه أخوه لامه وكانا متجاورين وبذلك جزم ابن عبد البر فكأنه
أبهم نفسه وأخاه وقد أخرج الدارقطني من طريق إسحاق بن الطباع عن مالك في هذا الحديث
بلفظ ان لي جارا يقوم باليل فما يقرأ الا بقل هو الله أحد (قوله يقرأ قل هو الله أحد) في
رواية محمد بن جهضم يقرأ قل هو الله أحد كلها يرددها (قوله وكان الرجل) أي السائل (قوله
يتقالها) بتشديد اللام وأصله يتقا للها أي يعتقد أنها قليلة وفى رواية ابن الطباع المذكورة كأنه
يقللها وفى رواية يحيى القطان عن مالك فكأنه استقلها والمراد استقلال العمل لا التنقيص
(قوله وزاد أبو معمر) قال الدمياطي هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري وخالفه المزي
تبعا لابن عساكر فجزما بأنه إسماعيل بن إبراهيم الهذلي وهو الصواب وإن كان كل من المنقري
والهذلي يكنى أبا معمر وكلاهما من شيوخ البخاري لكن هذا الحديث انما يعرف بالهذلي بل
لا يعرف للمنقري عن إسماعيل بن جعفر شيئا وقد وصله النسائي والإسماعيلي من طرق عن أبي
53

معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي (قوله حدثنا إسماعيل بن جعفر عن مالك) هو من رواية
الاقران (قوله أخبرني أخي قتادة بن النعمان) هو أخوه لامه أمهما أنيسة بنت عمرو بن قيس بن
مالك من بنى النجار (قوله فلما أصبحنا أتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) يعنى نحو
الحديث الذي قبله ولفظه عند الإسماعيلي فقال يا رسول الله ان فلانا قام الليلة يقرأ من السحر
قل هو الله أحد فساق السورة يرددها لا يزيد عليها وكان الرجل يتقالها فقال النبي صلى الله عليه
وسلم انها لتعدل ثلث القرآن (قوله إبراهيم) هو النخعي والضحاك المشرقي بكسر الميم وسكون
المعجمة وفتح الراء نسبة إلى مشرق بن زيد بن جشم بن حاشد بطن من همدان قيده العسكري وقال
من فتح الميم فقد صحف كأنه يشير إلى قوله ابن أبي حاتم مشرق موضع وقد ضبطه بفتح الميم
وكسر الراء الدارقطني وابن ماكولا وتبعهما ابن السمعاني في موضع ثم غفل فذكره بكسر الميم
كما قال العسكري لكن جعل قافه فاء وتعقبه ابن الأثير فأصاب والضحاك المذكور هو ابن
شراحيل ويقال شرحبيل وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر يأتي في كتاب الأدب
قرنه فيه بأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي سعيد الخدري وحكى البزار أن بعضهم زعم أنه
الضحاك بن مزاحم وهو غلط (قوله أيعجز أحدكم) بكسر الجيم (قوله أن يقرأ ثلث القرآن في
ليلة) لعل هذه قصة أخرى غير قصة قتادة بن النعمان وقد أخرج أحمد والنسائي من حديث أبي
مسعود الأنصاري مثل حديث أبي سعيد بهذا (قوله فقال الله الواحد الصمد ثلث القرآن) عند
الإسماعيلي من رواية أبى خالد الأحمر عن الأعمش فقال يقرأ قل هو الله أحد فهي ثلث القرآن
فكأن رواية الباب بالمعنى وقد وقع في حديث أبي مسعود المذكور نظير ذلك ويحتمل أن يكون
سمى السورة بهذا الاسم لاشتمالها على الصفتين المذكورتين أو يكون بعض رواته كان يقرؤها
كذلك فقد جاء عن عمر أنه كان يقرأ الله أحد الله الصمد بغير قل في أولها (قوله قال الفربري سمعت
أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراق أبى عبد الله يقول قال أبو عبد الله عن إبراهيم مرسل وعن الضحاك
المشرقي مسند) ثبت هذا عند أبي ذر عن شيوخه والمراد أن رواية إبراهيم النخعي عن أبي سعيد
منقطعة ورواية الضحاك عنه متصلة وأبو عبد الله المذكور هو البخاري المصنف وكأن الفربري
ما سمع هذا الكلام منه فحمله عن أبي جعفر عنه وأبو جعفر كان يورق للبخاري أن ينسخ له وكان
من الملازمين له والعارفين به والمكثرين عنه وقد ذكر الفربري عنه في الحج والمظالم والاعتصام
وغيرها فوائد عن البخاري ويؤخذ من هذا الكلام أن البخاري كان يطلق على المنقطع لفظ
المرسل وعلى المتصل لفظ المسند والمشهور في الاستعمال أن المرسل ما يضيفه التابعي إلى النبي
صلى الله عليه وسلم والمسند ما يضيفه الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشرط أن يكون
ظاهر الاسناد إليه الاتصال وهذا الثاني لا ينافي ما أطلقه المصنف (قوله ثلث القرآن) حمله
بعض العلماء على ظاهره فقال هي ثلث باعتبار معاني القرآن لأنه أحكام وأخبار وتوحيد وقد
اشتملت هي على القسم الثالث فكانت ثلثا بهذا الاعتبار ويستأنس لهذا بما أخرجه أبو
عبيدة من حديث أبي الدرداء قال جزأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو
الله أحد جزأ من أجزاء القرآن وقال القرطبي اشتملت هذه السورة على اسمين من أسماء الله
تعالى يتضمنان جميع أوصاف الكمال لم يوجدا في غيرها من السور وهما الاحد الصمد لأنهما
54

يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال وبيان ذلك أن الاحد
يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال لأنه
الذي انتهى إليه سودده فكان مرجع الطلب منه واليه ولا يتم ذلك على وجه التحقيق الا لمن حاز
جمع خصال الكمال وذلك لا يصلح الا لله تعالى فلما اشتملت هذه السورة على معرفة الذات
المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام المعرفة بصفات الذات وصفات الفعل ثلثا اه‍ وقال غيره
تضمنت هذه السورة توجيه الاعتقاد وصدق المعرفة وما يجب اثباته لله من الأحدية المنافية
لمطلق الشركة والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص ونفى الولد والوالد
المقرر لكمال المعنى ونفى الكفء المتضمن لنفى الشبيه والنظير وهذه مجامع التوحيد الاعتقادي
ولذلك عادلت ثلث القرآن لان القرآن خبر وانشاء والانشاء أمر ونهى وإباحة والخبر خبر عن
الخالق وخبر عن خلقه فأخلصت سورة الاخلاص الخبر عن الله وخلصت قارئها من الشرك
الاعتقادي ومنهم من حمل المثلية على تحصيل الثواب فقال معنى كونها ثلث القرآن أن ثواب
قراءتها يحصل للقارئ مثل ثواب من قرأ ثلث القرآن وقيل مثله بغير تضعيف وهى دعوى بغير
دليل ويؤيد الاطلاق ما أخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء فذكر نحو حديث أبي سعيد الأخير
وقال فيه قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ولمسلم أيضا من حديث أبي هريرة قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم احشدوا فسأقرأ عليكم ثلث القرآن فخرج فقرأ قل هو الله أحد ثم قال
ألا انها تعدل ثلث القرآن ولابى عبيد من حديث أبي بن كعب من قرأ قل هو الله أحد فكأنما
قرأ ثلث القرآن وإذا حمل ذلك على ظاهره فهل ذلك لثلث من القرآن معين أو لأي ثلث فرض
منه فيه نظر ويلزم على الثاني أن من قرأها ثلاثا كان كمن قرأ ختمة كاملة وقيل المراد من عمل
بما تضمنته من الاخلاص والتوحيد كان كمن قرأ ثلث القرآن وادعى بعضهم أن قوله تعدل ثلث
القرآن يختص بصاحب الواقعة لأنه لما رددها في ليلته كان كمن قرأ ثلث القرآن بغير ترديد قال
القابسي ولعل الرجل الذي جرى له ذلك لم يكن يحفظ غيرها فلذلك استقل علمه فقال له الشارع
ذلك ترغيبا له في عمل الخير وان قل وقال ابن عبد البر من لم يتأول هذا الحديث أخلص ممن أجاب
فيه بالرأي وفى الحديث اثبات فضل قل هو الله أحد وقد قال بعض العلماء انها تضاهى كلمة
التوحيد لما اشتملت عليه من الجمل المثبتة والنافية مع زيادة تعليل ومعنى النفي فيها أنه الخالق
الرزاق المعبود لأنه ليس فوقه من يمنعه كالوالد ولا من يساويه في ذلك كالكفء ولا من يعينه
على ذلك كالولد وفيه القاء العالم المسائل على أصحابه واستعمال اللفظ في غير ما يتبادر للفهم لان
المتبادر من اطلاق ثلث القرآن أن المراد ثلث حجمه المكتوب مثلا وقد ظهر أن ذلك غير مراد
* (تنبيه) * أخرج الترمذي والحاكم وأبو الشيخ من حديث ابن عباس رفعه إذا زلزلت تعدل
نصف القرآن والكافرون تعدل ربع القرآن وأخرج الترمذي أيضا وابن أبي شيبة وأبو الشيخ
من طريق سلمة بن وردان عن أنس أن الكافرون والنصر تعدل كل منهما ربع القرآن وإذا
زلزت تعدل ربع القرآن زادت ابن أبي شيبة وأبو الشيخ وآية الكرسي تعدل ربع القرآن وهو
حديث ضعيف لضعف سلمة وان حسنه الترمذي فلعله تساهل فيه لكونه من فضائل الأعمال
وكذا صحح الحاكم حديث ابن عباس وفى سنده يمان بن المغيرة وهو ضعيف عندهم * (قوله
55

باب فضل المعوذات) أي الاخلاص والفلق والناس وقد كنت جوزت في باب الوفاة
النبوية لمن كتاب المغازي أن الجمع فيه بناء على أن أقل الجمع اثنان ثم ظهر من حديث هذا الباب
أنه على الظاهر وأن المراد بأنه كان يقرأ بالمعوذات أي السور الثلاث وذكر سورة الاخلاص
معهما تغليبا لما اشتملت عليه من صفة الرب وان لم يصرح فيها بلفظ التعويذ وقد أخرج
أصحاب السنن الثلاثة وأحمد وابن خزيمة وابن حبان من حديث عقبة بن عامر قال قال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس تعوذ
بهن فإنه لم يتعوذ بمثلهن وفى لفظ اقرأ المعوذات دبر كل صلاة فذكرهن (قوله كان إذا اشتكى
يقرأ على نفسه بالمعوذات) الحديث تقدم في الوفاة النبوية من طريق عبد الله بن المبارك عن
يونس عن ابن شهاب وأحلت بشرحه على كتاب الطب ورواية عقيل عن ابن شهاب في هذا
الباب وان اتحد سندها بالذي قبله من ابن شهاب فصاعدا لكن فيها أنه كان يقرأ المعوذات عند
النوم فهي مغايرة لحديث مالك المذكور فالذي يترجح انهما حديثان عند ابن شهاب بسند واحد
عن بعض الرواة عنه ما ليس عند بعض فأما مالك ومعمر ويونس وزياد بن سعد عند مسلم فلم
تختلف الرواة عنهم في أن ذلك كان عند الوجع ومنهم من قيده بمرض الموت ومنهم من زاد فيه فعل
عائشة ولم يفسر أحد منهم المعوذات وأما عقيل فلم تختلف الرواة عنه في ذلك عند النوم ووقع في
رواية يونس من طريق سليمان بن بلال عنه أن فعل عائشة كان بأمره صلى الله عليه وسلم وسيأتى
في كتاب الطب وقد جعلهما أبو مسعود حديثا واحد وتعقبه أبو العباس لطرقي وفرق بينهما
خلف وتبعه المزي والله أعلم وسيأتى شرحه في كتاب الطب إن شاء الله تعالى * (قوله باب
نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن) كذا جمع بين السكينة والملائكة ولم يقع في
حديث الباب ذكر السكينة ولا في حديث البراء الماضي في فضل سورة الكهف ذكر الملائكة
فلعل المصنف كان يرى أنهما قصة واحدة ولعله أشار إلى أن المراد بالظلة في حديث الباب
السكينة لكن ابن بطال جزم بأن الظلة السحابة وأن الملائكة كانت فيها ومعها السكينة قال
ابن بطال قضية الترجمة أن السكينة تنزل أبدا مع الملائكة وقد تقدم بيان الخلاف في السكينة
ما هي وما قال النووي في ذلك (قوله وقال الليث الخ) وصله أبو عبيد في فضائل القرآن عن يحيى
ابن بكير عن الليث بالاسنادين جميعا (قوله حدثني يزيد بن الهاد) هو ابن أسامة بن عبد الله بن
شداد بن الهاد (قوله عن محمد بن إبراهيم) هو التيمي وهو من صغار التابعين ولم يدرك أسيد بن
حضير فروايته عنه منقطعه لكن الاعتماد في وصل الحديث المذكور على الاسناد الثاني قال
الإسماعيلي محمد بن إبراهيم عن أسيد بن حضير مرسل وعبد الله بن خباب عن أبي سعيد متصل ثم
ساقه من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن يزيد بن الهاد بالاسنادين جميعا وقال هذه
الطريق على شرط البخاري (قلت) وجاء عن الليث فيه اسناد ثالث أخرجه النسائي من طريق
شعيب بن الليث وداود بن منصور كلاهما عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد عن ابن أبي هلال
عن يزيد بن الهاد بالاسناد الثاني فقط وأخرجه مسلم والنسائي أيضا من طريق إبراهيم بن
سعد عن يزيد بن الهاد بالاسناد الثاني لكن وقع في روايته عن أبي سعيد عن أسيد بن حضير
وفى لفظ عن أبي سعيد أن أسيد بن حضير قال لكن في سياقه ما يدل على أن أبا سعيد انما حمله عن
56

أسيد فإنه قال في أثنائه قال أسيد فخشيت أن يطا يحيى فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فالحديث من مسند أسيد بن حضير وليحيى بن بكير فيه عن الليث اسناد آخر أخرجه أبو عبيد
أيضا من هذا الوجه فقال عن ابن شهاب عن أبي بن كعب بن مالك عن أسيد بن حضير (قوله بينما
هو يقرأ من الليل سورة البقرة
في رواية ابن أبي ليلى عن أسيد بن حضير بينا أنا أقرأ سورة فلما
انتهيت إلى آخرها أخرجه أبو عبيد ويستفاد منه أنه ختم السورة التي ابتدأ بها ووقع في رواية
إبراهيم بن سعد المذكورة بينما هو يقرأ في مربده أي في المكان الذي في التمر وفى رواية أبي بن
كعب المذكورة أنه كان يقرأ على ظهر بيته وهذا مغاير للقصة التي فيها أنه كان في مربده وفى
حديث الباب أن ابنه كان إلى جانبه وفرسه مربوطة فخشى أن تطأه وهذا كله مخالف لكونه
كان حينئذ على ظهر البيت الا أن يراد بظهر البيت خارجه لا أعلاه فتتحد القصتان (قوله إذ
جالت الفرس فسكت فسكنت) في رواية إبراهيم بن سعد أن ذلك تكرر ثلاث مرار وهو يقرأ
وفى رواية ابن أبي ليلى سمعت رجة من خلفي حتى ظننت أن فرسى تنطلق (قوله فلما اجتره) بجيم
ومثناة وراء ثقيلة والضمير لولده أي اجتر ولده من المكان الذي هو فيه حتى لا تطأه الفرس ووقع في
رواية القابسي أخره بمعجمة ثقيلة وراء خفيفة أي عن الموضع الذي كان به خشية عليه (قوله رفع
رأسه إلى السماء حتى ما يراها) كذا فيه باختصار وقد أورده أبو عبيد كاملا ولفظه رفع رأسه
إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها وفى رواية
إبراهيم بن سعد فقمت إليها فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السرج فعرجت في الجو حتى
ما أراها (قوله اقرأ يا ابن حضير) أي كان ينبغي أن تسمر على قراءتك وليس أمرا له بالقراءة في حالة
التحديث وكأنه استحضر صورة الحال فصار كأنه حاضر عنده لما رأى ما رأى فكأنه يقول
استمر على قراءتك لتستمر لك البركة بنزول الملائكة واستماعها لقراءتك وفهم أسيد ذلك فأجاب
بعذره في قطع القراءة وهو قوله خفت أن تطأ يحيى أي خشيت أن استمريت على القراءة أن تطأ
الفرس ولدى ودل سياق الحديث على محافظة أسيد على خشوعه في صلاته لأنه كان يمكنه أول
ما جالت الفرس أن يرفع رأسه وكأنه كان بلغه حديث النهى عن رفع المصلى رأسه إلى السماء فلم
يرفعها حتى اشتد به الخطب ويحتمل أن يكون رفع رأسه بعد انقضاء صلاته فلهذا تمادى به الحال
ثلاث مرات ووقع في رواية ابن أبي ليلى المذكورة اقرأ أبا عتيك وهى كنية أسيد (قوله دنت
لصوتك) في رواية إبراهيم بن سعد تستمع لك وفى رواية ابن كعب المذكورة وكان أسيد حسن الصوت وفى رواية يحيى بن أيوب عن يزيد بن الهاد عند الإسماعيلي أيضا اقرأ أسيد فقد أوتيت
من مزامير آل داود وفى هذه الزايدة إشارة إلى الباعث على استماع الملائكة لقراءته (قوله ولو
قرأت) في رواية ابن أبي ليلى أما انك لو مضيت (قوله ما يتوارى 2 منهم) في رواية إبراهيم بن سعد
ما تستتر منهم وفى رواية ابن أبي ليلى لرأيت الأعاجيب قال النووي في هذا الحديث جواز رؤية
آحاد الأمة للملائكة كذا أطلق وهو صحيح لكن الذي يظهر التقييد بالصالح مثلا والحسن
الصوت قال وفيه فضيلة القراءة وأنها سبب نزول الرحمة وحضور الملائكة (قلت) الحكم
المذكور أعم من الدليل فالذي في الرواية انما نشأ عن قراءة خاصة من صورة خاصة بصفة خاصة
ويحتمل من الخصوصية ما لم يذكر والا لو كان على الاطلاق لحصل ذلك لكل قارئ وقد أشار في
57

آخر الحديث بقوله ما يتوارى منهم إلى أن الملائكة لاستغراقهم في الاستماع كانوا يستمرون على
عدم الاختفاء الذي هو من شأنهم وفيه منقبة لا يد بن حضير وفضل قراءة سورة البقرة في صلاة
الليل وفضل الخشوع في الصلاة وان التشاغل بشئ من أمور الدنيا ولو كان من المباح قد يفوت
الخير الكثير فكيف لو كان بغير الامر المباح * (قوله باب من قال لم يترك النبي صلى
الله عليه وسلم الا ما بين الدفتين) أي ما في المصحف وليس المراد أنه ترك القرآن مجموعا بين الدفتين
لان ذلك يخالف ما تقدم من جمع أبى بكر ثم عثمان وهذه الترجمة للمرد على من زعم أن كثيرا من
القرآن ذهب لذهاب حملته وهو شئ اختلقه الروافض لتصحيح دعواهم أن التنصيص على امامة
على واستحقاقه الخلافة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم كان ثابتا في القرآن وأن الصحابة
كتموه وهى دعوى باطلة لانهم لم يكتموا مثل أنت عندي بمنزلة هارون من موسى وغيرها من
الظواهر التي قد يتمسك بها من يدعى إمامته كما لم يكتموا ما يعارض ذلك أو يخصص عمومه أو يقيد
مطلقة وقد تلطف المصنف في الاستدلال على الرافضة بما أخرجه عن أحد أئمتهم الذين يدعون
إمامته وهو محمد بن الحنفية وهو ابن علي بن أبي طالب فلو كان هناك شئ ما يتعلق بأبيه لكان هو
أحق الناس بالاطلاع عليه وكذلك ابن عباس فإنه ابن عم على وأشد الناس له لزوما واطلاعا على
حاله (قوله عن عبد العزيز بن رفيع) في رواية علي بن المديني عن سفيان حدثنا عبد العزيز
أخرجه أبو نعيم في المستخرج (قوله دخلت أنا وشداد بن معقل) هو الأسدي الكوفي تابعي كبير
من أصحاب ابن مسعود وعلى ولم يقع له في رواية البخاري ذكر الا في هذا الموضع وأبوه بالمهملة
والقاف وقد أخرج البخاري في خلق أفعال العباد من طريق عبد العزيز بن رفيع عن شداد بن
معقل عن عبد الله بن مسعود حديثا غير هذا (قوله أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شئ) في
رواية الإسماعيلي شيئا سوى القرآن (قوله الا ما بين الدفتين) بالفاء تثنية دفة بفتح أوله وهو
اللوح ووقع في رواية الإسماعيلي بين اللوحين (قوله قال ودخلنا) القائل هو عبد العزيز
ووقع عند الإسماعيلي لم يدع الا ما في هذا المصحف أي لم يدع من القرآن ما يتلى الا ما هو داخل
المصحف الموجود ولا يرد على هذا ما تقدم في كتاب العلم عن علي أنه قال ما عندنا الا كتاب الله وما في
هذه الصحيفة لان عليا أراد الاحكام التي كتبها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينف أن عنده
أشياء أخر من الاحكام التي لم يكن كتبها وأما جواب ابن عباس وابن الحنفية فإنما أرادا من
القرآن الذي يتلى أو أرادا مما يتعلق بالإمامة أي لم يترك شيئا يتعلق بأحكام الإمامة الا ما هو بأيدي
الناس ويؤيد ذلك ما ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنسخت
تلاوتها وبقى حكمها أو لم يبق مثل حديث عمر الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وحديث
أنس في قصة القراء الذين قتلوا في بئر معونة قال فأنزل الله فيهم قرآنا بلغوا عنا قومنا انا لقد
لقينا ربنا وحديث أبي بن كعب كانت الأحزاب قدر البقرة وحديث حذيفة ما يقرؤن ربعها
يعنى براءة وكلها أحاديث صحيحة وقد أخرج ابن الضريس من حديث ابن عمر أنه كان يكره أن يقول
الرجل قرأت القرآن كله ويقول إن منه قرآنا قد رفع وليس في شئ من ذلك ما يعارض
حديث الباب لان جميع ذلك مما نسخت تلاوته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم (قوله
باب فضل القرآن على سائر الكلام) هذه الترجمة لفظ حديث أخرج الترمذي معناه
58

من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرب عز وجل من
شغله القرآن عن ذكرى وعن مسئلتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين وفضل كلام الله على سائر
الكلام كفضل الله على خلقه ورجاله ثقات الا عطية العوفي ففيه ضعف وأخرجه ابن عدي
من رواية شهر بن حوشب عن أبي هريرة مرفوعا فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على
خلقه وفى اسناده عمر بن سعيد الأشج وهو ضعيف وأخرجه ابن الضريس من وجه آخر عن
شهر بن حوشب مرسلا ورجاله لا بأس بهم وأخرجه يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده من
حديث عمر بن الخطاب وفى اسناده صفوان بن أبي الصهباء مختلف فيه وأخرجه ابن الضريس
أيضا من طريق الجراح بن الضحاك عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رفعه
خيركم من تعلم القرآن وعلمه ثم قال وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه
وذلك أنه منه وحديث عثمان هذا سيأتي بعد أبواب بدون هذه الزيادة وقد بين العسكري انها
من قول أبى عبد الرحمن السلمي وقال المصنف في خلق أفعال العباد وقال أبو عبد الرحمن السلمي
فذكره وأشار في خلق أفعال العباد إلى أنه لا يصح مرفوعا وأخرجه العسكري أيضا عن طاوس
والحسن من قولهما ثم ذكر المصنف في الباب حديثين * أحدهما حديث أبي موسى (قوله مثل
الذي يقرأ القرآن كالاترجة) بضم الهمزة والراء بينهما مثناة ساكنة وآخره جيم ثقيلة وقد
تخفف ويزاد قبلها نون ساكنة ويقال بحذف الألف مع الوجهين فتلك أربع لغات وتبلغ مع
التخفيف إلى ثمانية (قوله طعمها طيب وريحها طيب) قيل خص صفة الايمان بالطعم وصفة
التلاوة بالريح لان الايمان ألزم للمؤمن من القرآن إذ يمكن حصول الايمان بدون القراءة
وكذلك العطم ألزم للجوهر من الريح فقد يذهب ريح الجوهر ويبقى طعمه ثم قيل الحكمة في
تخصيص الأترجة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعم والريح كالتفاحة لأنه
يتداوى بقشرها وهو مفرح بالخاصية ويستخرج من حبها دهن له منافع وقيل إن الجن لا تقرب
البيت الذي فيه الأترج فناسب أن يمثل به القرآن الذي لا تقر به الشياطين وغلاف حبه أبيض
فيناسب قلب المؤمن وفيها أيضا من المزايا كبر جرمها وحسن منظرها وتفريح لونها ولين ملمسها
وفى أكلها مع الالتذاذ طيب نكهة ودباغ معدة وجودة هضم ولها منافع أخرى مذكورة في
المفردات ووقع في رواية شعبة عن قتادة كما سيأتي بعد أبواب المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل
به وهى زيادة مفسرة للمراد وأن التمثيل وقع بالذي يقرأ القرآن ولا يخالف ما اشتمل عليه من
أمر ونهى لا مطلق التلاوة فان قيل لو كان كذلك لكثرة التقسيم كأن يقال الذي يقرأ ويعمل
وعكسه والذي يعمل ولا يقرأ وعكسه والأقسام الأربعة ممكنة في غير المنافق وأما المنافق فليس
له الا قسمان فقط لأنه لا اعتبار بعمله إذا كان نفاقه نفاق كفر وكأن الجواب عن ذلك أن الذي
حذف من التمثيل قسمان الذي يقرأ ولا يعمل والذي لا يعمل ولا يقرأ وهما شبيهان بحال
المنافق فيمكن تشبيه الأول بالريحانة والثاني بالحنظلة فاكتفى بذكر المنافق والقسمان
الآخران قد ذكرا (قوله ولا ريح فيها) في رواية شعبة لها (قوله ومثل الفاجر الذي يقرأ) في
رواية شعبة ومثل المنافق في الموضعين (قوله ولا ريح لها) في رواية شعبة وريحها مر
واستشكلت هذه الرواية من جهة أن المرارة من أوصاف الطعوم فكيف يوصف بها الريح
59

وأجيب بأن ريحها لما كان كريها أستعير له وصف المرارة وأطلق الزركشي هنا أن هذه الرواية
وهم وأن الصواب ما في رواية هذا الباب ولا ريح لها ثم قال في كتاب الأطعمة لما جاء فيه ولا ريح
لها هذا أصوب من رواية الترمذي طعمها مر وريحها مر ثم ذكر توجيهها وكأنه ما استحضر أنها
في هذا الكتاب وتلكم عليها فلذلك نسبها للترمذي وفى الحديث فضيلة حامل القرآن وضرب
المثل للتقريب للفهم وأن المقصود من تلاوة القرآن العمل بما دل عليه * الحديث الثاني حديث
ابن عمر انما أجلكم في أجل من قبلكم الحديث وقد تقدم شرحه مستوفى في المواقيت من
كتاب الصلاة ومطابقة الحديث الأول للترجمة من جهة ثبوت فضل قارئ القرآن على غيره
فيستلزم فضل القرآن على سائر الكلام كما فضل الأترج على سائر الفواكه ومناسبة الحديث
الثاني من جهة ثبوت فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم وثبوت الفضل لها بما ثبت من فضل
كتابها الذي أمرت بالعمل به * (قوله باب الوصاة بكتاب الله) في رواية الكشميهني
الوصية وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الوصايا وتقدم فيه حديث الباب مشروحا وقوله فيه
أوصى بكتاب الله بعد قوله لا حين قال له هل أوصى بشئ ظاهرهما التخالف وليس كذلك
لأنه نفى ما يتعلق بالامارة ونحو ذلك لا مطلق الوصية والمراد بالوصية بكتاب الله حفظه حسا ومعنى
فيكرم ويصان ولا يسافر به إلى أرض العدو ويتبع ما فيه فيعمل بأوامره ويجتنب نواهيه
ويداوم تلاوته وتعلمه وتعليمه ونحوه ذلك * (قوله باب من لم يتغن بالقرآن) هذه
الترجمة لفظ حديث أورده المصنف في الاحكام من طريق ابن جريج عن ابن شهاب بسند
حديث البا بلفظ من لم يتغن بالقرآن فليس منا وهو في السنن من حديث سعد بن أبي وقاص
وغيره (قوله وقوله تعالى أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) أشار بهذه الآية إلى
ترجيح تفسير ابن عيينة يتغنى يستغنى كما سيأتي في هذا الباب عنه وأخرجه أبو داود عن ابن عيينة
ووكيع جميعا وقد بين إسحاق بن راهويه عن ابن عيينة انه استغناء خاص وكذا قال أحمد عن
وكيع يستغنى به عن أخبار الأمم الماضية وقد أخرج الطبري وغيره من طريق عمرو ابن دينار
عن يحيى بن جعدة قال جاء ناس من المسلمين بكتب وقد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود فقال
النبي صلى الله عليه وسلم كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى
غيرهم فنزل أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم وقد خفى وجه مناسبة تلاوة هذه الآية
هنا على كثير من الناس كابن كثير فنفى أن يكون لذكرها وجه على أن ابن بطال مع تقدمه قد
أشار إلى المناسبة فقال قال أهل التأويل في هذه الآية فذكر أثر يحيى بن جعدة مختصرا قال
فالمراد بالآية الاستغناء عن أخبار الأمم الماضية وليس المراد الاستغناء الذي هو ضد الفقر قال
واتباع البخاري الترجمة بالآية يدل على أنه يذهب إلى ذلك وقال ابن التين يفهم من الترجمة أن
المراد بالتغني الاستغناء لكونه أتبعه الآية التي تتضمن لانكار على من لم يستغن بالقرآن عن
غيره فحمله على الاكتفاء به وعدم الافتقار إلى غيره وحمله على ضد الفقر من جملة ذلك (قوله
عن أبي هريرة) في رواية شعيب عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة أنه سمع أبا هريرة أخرجه
الإسماعيلي (قوله لم يأذن الله لنبي) كذا لهم بنون وموحدة وعند الإسماعيلي لشئ بشين معجمة
وكذا عند مسلم من جميع طرقه ووقع في رواية سفيان التي تلى هذه في الأصل كالجمهور وفى
60

رواية الكشميهني كرواية عقيل (قوله ما أذن لنبي) كذا للأكثر وعند أبي ذر للنبي بزيادة اللام
فإن كانت محفوظة فهي للجنس ووهم من ظنها للعهد ونوهم أي المراد نبينا محمد صلى الله عليه
وسلم فقال ما أدن للنبي صلى الله عليه وسلم وشرحه على ذلك (قوله أن يتغنى) كذا لهم وأخرجه
أبو نعيم من وجه آخر عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه بدون أن وزعم ابن الجوزي أن الصواب
حذف أن وأن اثباتها وهم من بعض الرواة لانهم كانوا يروون بالمعنى فربما ظن بعضهم المساواة
فوقع في الخطا لان الحديث لو كان بلفظ أن لكان من الاذن بكسر الهمزة وسكون الذال بمعنى
الإباحة والاطلاق وليس ذلك مرادا هنا وانما هو من الاذن بفتحتين وهو الاستماع وقوله أذن
أي استمع والحاصل أن لفظ أذن بفتحة ثم كسرة في الماضي وكذا في المضارع مشترك بين
الاطلاق والاستماع تقول أذنت آذن بالمد فان أردت الاطلاق فالمصدر بكسرة ثم سكون وان
أردت الاستماع فالمصدر بفتحتين قال عدى بن زيد - أيها القلب تعلل بددن * ان همى في سماع وأذن -
أي في سماع واستماع وقال القرطبي أصل الاذن بفتحتين أن المستمع يميل باذنه إلى جهة من يسمعه
وهذا المعنى في حق الله لا يراد به ظاهره وانما هو على سبيل التوسع على ما جرى به عرف المخاطب
والمراد به حق الله تعالى اكرام القارئ واجزال ثوابه لان ذلك ثمرة الاصغاء ووقع عند مسلم من
طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة في هذا الحديث ما أذن لشئ كأنه بفتحتين ومثله عند ابن أبي
داود من طريق محمد بن أبي حفصة عن عمرو بن دينار عن أبي سلمة وعند أحمد وابن ماجة والحاكم
وصححه من حديث فضالة بن عبيد الله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب
القينة إلى قينته (قلت) ومع ذلك كله فليس ما أنكره ابن الجوزي بمنكر بل هو موجه وقد وقع
عند مسلم في رواية أخرى كذلك ووجهها عياض بأن المراد الحث على ذلك والامر به (قوله وقال
صاحب له يجهر به) الضمير في له لأبي سلمة والصاحب المذكور هو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن
زيد بن الخطاب بينه الزبيدي عن ابن شهاب في هذا الحديث أخرجه ابن أبي داود عن محمد بن
يحيى الذهلي في الزهريات من طريقه بلفظ ما أذن الله لشئ ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن قال
ابن شهاب وأخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن عن أبي سلمة يتغنى بالقرآن يجهر به فكأن هذا
التفسير لم يسمعه ابن شهاب من أبى سلمة وسمعه من عبد الحميد عنه فكان تارة يسميه وتارة يبهمه
وقد أدرجه عبد الرزاق عن معمر عنه قال الذهلي وهو غير محفوظ في حديث معمر وقد رواه
عبد الاعلى عن معمر بدون هذه الزيادة (قلت) وهى ثابتة عن أبي سلمة من وجه آخر أخرجه
مسلم من طريق الازاعى عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ما أذن
الله لشئ كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به وكذا ثبت عنده من رواية محمد بن إبراهيم التيمي
عن أبي سلمة (قوله عن سفيان) هو ابن عيينة (قوله عن الزهري) هو ابن شهاب المذكور
في الطريق الأولى ونقل ابن أبي داود عن علي بن المديني شيخ البخاري فيه قال لم يقل لنا سفيان قط
في هذا الحديث حدثنا ابن شهاب (قلت) قد رواه الحميدي في مسنده عن سفيان قال سمعت
الزهري ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج والحميدي من أعرف الناس بحديث سفيان
وأكثرهم تثبتا عنه للسماع من شويخهم (قوله قال سفيان تفسيره يستغنى به) كذا فسره
61

سفيان ويمكن ان يستأنس بما أخرجه أبو داود وابن الضريس وصححه أبو عوانة عن ابن أبي
مليكة عن عبيد الله بن أبي نهيك قال لقيني سعد بن أبي وقاص وأنا في السوق فقال تجار كسبة
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس منا من لم يتغن بالقرآن وقد ارتضى أبو عبيد
تفسير يتغنى بيستغنى وقال إنه جائز في كلام العرب وأنشد الأعشى
- وكنت امرأ زمنا بالعراق * خفيف المناخ طويل التغني -
أي كثير الاستغناء وقال المغيرة بن حيناء
- كلانا غنى عن أخيه حياته * ونحن إذا متنا أشد تغانيا -
قال فعلى هذا يكون المعنى من لم يستغن بالقرآن عن الاكثار من الدنيا فليس منا أي على طريقتنا
واحتج أبو عبيد أيضا بقول ابن مسعود من قرأ سورة آل عمران فهو غنى ونحو ذلك وقال ابن
الجوزي اختلفوا في معنى قوله يتغنى على أربعة أقوال أحدا تحسين الصوت والثاني الاستغناء
والثالث التحزن قاله الشافعي والرابع التشاغل به تقول العرب تغنى بالمكان أقام به (قلت) وفيه
قول آخر حكاه ابن الأنباري في الزاهر قال المراد به التلذذ والتسحلاء له كما يستلذ أهل الطرب
بالغناء فأطلق عليه تغنيا من حيث إنه يفعل عنده ما يفعل عند الغناء وهو كقول النابغة
- بكاء حمامة تدعو هديلا * مفجعة هلى فنن تغنى -
أطلق على صوتها غناء لأنه يطرب كما يطرب الغناء وان لم يكن غناء حقيقة وهو كقولهم العمائم
تيجان العرب لكونها تقوم مقام التيجان وفيه قول آخر حسن وهو أن يجعله هجيراه كما يجعل
المسافر والفارغ هجيراه الغناء قال ابن الاعرابى كانت العرب إذا ركبت الإبل تتغنى وإذا جلست
في أفنيتها وفى أكثر أحوالها فلما نزل القرآن أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هجيراهم
القراءة مكان التغني ويؤيد القول الرابع بين الأعشى المتقدم فإنه أراد بوله طويل التغني
طول الإقامة لا الاستغناء لأنه أليق بوصف الطول من الاستغناء يعنى انه كان ملازما لوطنه
بين أهله كانوا يتمدحون بذلك كما قال حسان
- أولاد جفنة حول قبر أبيهم * قبر ابن مارية الكريم المفضل -
أراد أنهم لا يحتاجون إلى الانتجاع ولا يبرحون من أوطانهم فيكون معنى الحديث الحث على
ملازمة القرآن وأن لا يتعدى إلى غيره وهو يؤل من حيث المعنى إلى ما اختاره البخاري من
تخصيص الاستغناء وانه يستغنى به عن غيره من الكتب وقيل المراد من لم يغنه القرآن وينفعه
في ايمانه ويصدق بما فيه من وعد ووعيد وقيل معناه من لم يرتح لقراءته وسماعه وليس المراد ما
اختاره أبو عبيد انه يحصل به الغنى دون الفقر لكن الذي اختاره أبو عبيد غير مدفوع إذا أريد به
الغنى المعنوي وهو غنى النفس وهو القناعة لا الغنى المحسوس الذي هو ضد الفقر لان ذلك
لا يحصل بمجرد ملازمة القراءة الا إن كان ذلك بالخاصية وسياق الحديث يأبى الحمل على ذلك فان
فيه إشارة إلى الحث على تكلف ذلك وفى توجيهه تكلف كأنه قال ليس منا من لم يتطلب الغنى
بملازمة تلاوته وأما الذي نقله عن الشافعي فلم أره صريحا عنه في تفسير الخبر وانما قال في مختصر
المزنى وأحب أن يقرأ حدرا وتحزينا انتهى قال أهل اللغة حدرت القراءة أدرجتها ولم أمططها وقرأ
فلان تحزينا إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين وقد روى ابن أبي داود باسناد حسن عن أبي
62

هريرة انه قرأ سورة فحزنها شبه الرثى وأخرجه أبو عوانة عن الليث بن سعد قال يتغنى به يتحزن به
ويرقق به قلبه وذكر الطبري عن الشافعي انه سئل عن تأويل ابن عيينة التغني بالاستغناء فلم
يرتضه وقال لو أراد الاستغناء لقال لم يستغن وانما أراد تحسين الصوت قال ابن بطال وبذلك
فسره ابن أبي مليكة وعبد الله بن المبارك والنضر بن شميل ويؤيده رواية عبد الاعلى عن معمر
عن ابن شهاب في حديث الباب بلفظ ما أذن لنبي في الترنم في القرآن أخرجه الطبري وعنده في
رواية عبد الرزاق عن معمر ما أذن لنبي حسن الصوت وهذا اللفظ عند مسلم من رواية محمد بن
إبراهيم التيمي عن أبي سلمة وعند ابن أبي داود والطحاوي من رواية عمرو بن دينار عن أبي سلمة عن أبي
هريرة حسن الترنم بالقرآن قال الطبري والترنم لا يكون الا بالصوت إذا حسنه القارئ
وطرب به قال ولو كان معناه الاستغناء لما كان لذكر الصوت ولا لذكر الجهر معنى وأخرج ابن
ماجة والكجي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد مرفوعا الله أشد أذنا أي
استماعا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته والقينة المغنية وروى
ابن أبي شيبة من حديث عقبة بن عامر رفعه تعلموا القرآن وغنوا به وأفشوه كذا وقع عنده
والمشهور عند غيره في الحديث وتغنوا به والمعروف في كلام العرب ان التغني الترجيع بالصوت
كما قال حسان
- تغن بالشعر اما أنت قائله * ان الغناء بهذا الشعر مضمار -
قال ولا نعلم في كلام تغنى بمعنى استغنى ولا في أشعارهم وبيت الأعشى لا حجة فيه لأنه أراد
طول الإقامة ومنه قوله تعالى كأن لم يغنوا فيها وقال وبيت المغيرة أيضا لا حجة فيه لان التغاني
تفاعل بين اثنين وليس هو بمعنى تغنى قال وانما يأتي تغنى من الغنى الذي هو ضد الفقر بمعنى تفعل
أي يظهر خلاف ما عنده وهذا فاسد المعنى (قلت) ويمكن أن يكون بمعنى تكلفه أي تطلبه وحمل
نفسه عليه ولو شق عليه كما تقدم قريبا ويؤيده حديث فإن لم تبكوا فتباكوا وهو في حديث
سعد بن أبي وقاص عند أبي عوانة وأما انكاره أن يكون تغنى بمعنى استغنى في كلام العرب
فمردود ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وقد تقدم في الجهاد في حديث الخيل ورجل ربطها تعففا
وتغنيا وهذا من الاستغناء بلا ريب والمراد به يطلب الغنى بها عن الناس بقرينة قوله تعففا
وممن أنكر تفسير يتغنى بيستغنى أيضا الإسماعيلي فقال الاستغناء به لا يحتاج إلى استماع لان
الاستماع أمر خاص زائد على الاكتفاء به وأيضا فالاكتفاء به عن غيره أمر واجب على الجميع
ومن لم يفعل ذلك خرج عن الطاعة ثم ساق من وجه آخر عن ابن عيينة قال يقولون إذا رفع
صوته فقد تغنى (قلت) الذي نقل عنه انه بمعنى يستغنى أتقن لحديثه وقد نقل أبو داود عنه مثله
ويمكن الجمع بينهما بأن تفسير يستغنى من جهته ويرفع عن غيره وقال عمر بن شبة ذكرت لأبي
عاصم النبيل تفسير ابن عيينة فقال لم يصنع شيئا حدثني ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير قال
فقال لم يصنع شيئا حدثني ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير قال
كان داود عليه السلام يتغنى يعنى حين يقرأ ويبكى ويبكى وعن ابن عباس ان داود كان يقرأ
الزبور بسبعين لحنا ويقرأ قراءة يطرب منها المحموم وكان إذا أراد أن يبكى نفسه لم تبق دابة في بر
ولا بحر لا أنصتت له واستمعت وبكت وسيأتى حديث ان أبا موسى أعطى مزمارا من مزامير
داود في باب حسن الصوت بالقراءة وفى الجملة ما فسر به ابن عيينة ليس بمدفوع وإن كانت ظواهر
63

الأخبار ترجح أن المراد تحسين الصوت ويؤيده قوله يجهر به فإنها إن كانت مرفوعة قامت الحجة
وإن كانت غير مرفوعة فالراوي أعرف بمعنى الخبر من غيره ولا سيما إذا كان فقها وقد جزم الحليمي
بأنها من قول أبي هريرة والعرب تقول سمعت فلانا يتغنى بكذا أي يجهر به وقال أبو عاصم أخذ
بيدي ابن جريج فأوقفني على أشعب فقال غن ابن أخي ما بلغ من طمعك فذكر قصة فقوله غن
أي أخبرني جهرا صريحا ومنه قول ذي الرمة
- أحب المكان الفقر من أجل انني * به أتغنى باسمها غير معجمي -
أي أجهر ولا أكنى والحاصل انه يمكن الجمع بين أكثر التأويلات المذكورة وهو أنه يحسن به
صوته جاهرا به مترنما على طريق التحزن متغنيا به عن غيره من الأخبار طالبا به غنى النفس
راجيا به غنى اليد وقد نظمت ذلك في بيتين
- تغن بالقرآن حسن به * الصوت حزينا جاهرا رنم -
- واستغن عن كتب الألى طالبا * غنى يد والنفس ثم الزم - وسيأتى ما يتعلق بحسن الصوت بالقرآن في ترجمة مفردة ولا شك ان النفوس تميل إلى سماع
القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم لان للتطريب تأثيرا في رقة القلب واجراء الدمع وكان
بين السلف اختلاف في جواز القرآن بالألحان أما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على
غيره لا نزاع في ذلك فحكى عبد الوهاب المالكي عن مالك تحريم القراءة بالألحان وحكاه أبو
الطيب الطبري والماوردي وابن حمدان الحنبلي عن جماعة من أهل العلم وحكى ابن بطال
وعياض والقرطبي من المالكية والماوردي والبندنيجي والغزالي من الشافعية وصاحب
الذخيرة من الحنفية الكراهية واختاره أبو يعلى وابن عقيل من الحنابلة وحكى ابن بطال عن
جماعة من الصحابة والتابعين الجواز وهو المنصوص للشافعي ونقله الطحاوي عن الحنفية وقال
الفوراني من الشافعية في الإباحة يجوز بل يستحب ومحل هذا الاختلاف إذا لم يختل بشئ من
الحروف عن مخرجه فلو تغير قال النووي في التبيان أجمعوا على تحريمه ولفظه أجمع العلماء على
استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حد القراءة التمطيط فان خرج حتى زاد حرفا
أو أخفاه حرم قال وأما القراءة بالألحان فقد نص الشافعي في موضع على كراهته وقال في موضع
آخر لا بأس به فقال أصحابه ليس على اختلاف قولين بل على اختلاف حالين فإن لم يخرج بالألحان
على المنهج القويم جاز والا حرم وحكى الماوردي عن الشافعي أن القراءة بالألحان إذا انتهت
إلى اخراج بعض الألفاظ عن مخارجها حرم وكذا حكى ابن حمدان الحنبلي في الرعاية وقال
الغزالي والبندنيجي وصاحب الذخيرة من الحنفية ان لم يفرط في التمطيط الذي يشوش النظم
استحب والا فلا وأغرب الرافعي فحكى عن أمالي السرخسي انه لا يضر التمطيط مطلقا وحكاه
ابن حمدان رواية عن الحنابلة وهذا شذوذ لا يعرج عليه والذي يتحصل من الأدلة أن حسن
الصوت مطلوب فإن لم يكن حسنا فليحسنه ما استطاع كما قال ابن أبي مليكة أحد رواة
الحديث وقد أخرج ذلك عنه أبو داود باسناد صحيح ومن جملة تحسينه أن يراعى فيه قوانين النغم
فان الحسن الصوت يزداد حسنا بذلك وان خرج عنها أثر ذلك في حسنه وغير الحسن ربما انجبر
بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات فان خرج عنها لم يف تحسين الصوت
64

بقبح الأداء ولعل هذا مستند من كره القراءة بالانغام لان الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعى
الأداء فان وجد من يراعيهما معا فلا شك في أنه أرجح من غيره لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين
الصوت ويجنب الممنوع من حرمة الأداء والله أعلم * (قوله باب اغتباط صاحب
القرآن) تقدم في أوائل كتاب العلم باب الاغتباط في العلم والحكمة وذكرت هنالك تفسير الغبطة
والفرق بينها وبين الحسد وان الحسد في الحديث أطلق عليها مجازا وذكرت كثيرا من مباحث
المتن هناك وقال الإسماعيلي هنا ترجمة الباب اغتباط صاحب القرآن وهذا فعل صاحب
القرآن فهو الذي يغتبط وإذا كان يغتبط بفعل نفسه كان معناه انه يسر ويرتاح بعمل نفسه
وهذا ليس مطابقا (قلت) ويمكن الجواب بان مراد البخاري بأن الحديث لما كان دالا على أن
غير صاحب القرآن يغتبط صاحب القرآن بما أعطيه من العمل بالقرآن فاغتباط صاحب
القرآن بعمل نفسه أولى إذا سمع هذه المباشرة الواردة في حديث الصادق (قوله لا حسد) أي
لا رخصة في الحسد الا في خصلتين أو لا يحسن الحسد ان حسن أو أطلق الحسد مبالغة في الحث
على تحصيل الخصلتين كأنه قيل لو لم يحصلا الا بالطريق المذموم لكان ما فيهما من الفضل حاملا
على الاقدام على تحصيلهما به فكيف والطريق المحمود يمكن تحصيلهما به وهو من جنس قوله
تعالى فاستبقوا الخيرات فان حقيقة السبق أن يتقدم على غيره في المطلوب (قوله الا على اثنتين)
في حديث ابن مسعود الماضي وكذا في حديث أبي هريرة المذكور تلو هذا الا في اثنتين تقول
حسدته على كذا أي على وجود ذلك له وأما حسدته في كذا فمعناه حسدته في شأن كذا وكأنها
سببية (قوله وقام به آناء الليل) كذا في النسخ التي وقفت عليها من البخاري وفى مستخرج
أبى نعيم من طريق أبى بكر بن زنجويه عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه آناء الليل وآناء النهار وكذا
أخرجه الإسماعيلي من طريق إسحاق بن يسار عن أبي اليمان وكذا هو عند مسلم من وجه آخر
عن الزهري وقد تقدم في العلم أن المراد بالقيام به العمل به تلاوة وطاعة (قوله حدثنا علي بن
إبراهيم) هو الواسطي في قول الأكثر واسم جده عبد المجيد اليشكري وهو ثقة متقن عاش بعد
البخاري نحو عشرين سنة وقيل ابن اشكاب وهو علي بن الحسين بن إبراهيم بن اشكاب نسب إلى
جده وبهذا جزم ابن عدي وقيل علي بن عبد الله بن إبراهيم نسب إلى جده وهو قول الدارقطني
وأبى عبد الله بن منده وسيأتى في النكاح رواية الفربري عن علي بن عبد الله بن إبراهيم عن
حجاج بن محمد وقال الحاكم قيل هو علي بن إبراهيم المروزي وهو مجهول وقيل الواسطي (قوله
روح) هو ابن عبادة وقد تابعه بشر بن منصور وابن أبي عدى والنضر بن شميل كلهم عن شعبة
قال الإسماعيلي رفعه هؤلاء ووقفه غندر عن شعبة (قوله سليمان) هو الأعمش (قال
سمعت ذكوان) هو أبو صالح السمان (قلت) ولشعبة عن الأعمش فيه شيخ آخر أخرجه أحمد عن
محمد بن جعفر غندر عن شعبة عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن أبي كبشة الأنماري (قلت)
وقد أشرت إلى متن أبى كبشة في كتاب العلم وسياقه أتم من سياق أبي هريرة وأخرجه أبو عوانة
في صحيحه أيضا من طريق أبى زيد الهروي عن شعبة وأخرجه أيضا من طريق جرير عن
الأعمش بالاسنادين معا وهو ظاهر في أنهما حديثان متغايران سندا ومتنا اجتمعا لشعبة وجرير
معا عن الأعمش وأشار أبو عوانة إلى أن مسلما لم يخرج حديث أبي هريرة لهذه العلة وليس ذلك
65

بواضح لأنها ليست علة قادحة (قوله فهو يهلكه في الحق) فيه احتراس بليغ كأنه لما أوهم
الانفاق في التبذير من جهة عموم الاهلاك قيده بالحق والله أعلم (قوله باب
خيركم من تعلم القرآن وعلمه
كذا ترجم بلفظ المتن وكأنه أشار إلى ترجيح الرواية بالواو (قوله عن
سعد بن عبيدة) كذا يقول شعبة يدخل بين علقمة بن مرثد وأبى عبد الرحمن سعد بن عبيدة
وخالفه سفيان الثوري فقال عن علقمة عن أبي عبد الرحمن ولم يذكر سعد بن عبيدة وقد أطنب
الحافظ أبو العلاء العطار في كتابه الهادي في القرآن في تخريج طرقه فذكر ممن تابع شعبة ومن
تابع سفيان جمعا كثيرا وأخرجه أبو بكر بن أبي داود في أول الشريعة له وأكثر من تخريج
طرقه أيضا ورجح الحفاظ رواية الثوري وعدوا رواية شعبة من المزيد في متصل الأسانيد وقال
الترمذي كأن رواية سفيان أصح من رواية شعبة وأما البخاري فاخرج الطريقين فكأنه
ترجح عنده أنهما جميعا محفوظان فيحمل على أن علقمة سمعه أولا من سعد ثم لقى أبا عبد الرحمن
فحدثه به أو سمعه مع سعد من أبى عبد الرحمن فثبته فيه سعد ويؤيد ذلك ما في رواية سعد بن
عبيدة من الزيادة الموقوفة وهى قول أبى عبد الرحمن فذلك الذي أقعدني هذا المقعد كما سيأتي
البحث فيه وقد شذت رواية عن الثوري بذكر سعد بن عبيدة فيه قال الترمذي حدثنا محمد بن
بشار حدثنا يحيى القطان حدثنا سفيان وشعبة عن علقمة عن سعد بن عبيدة به وقال النسائي
أنبأنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن شعبة وسفيان أن علقمة حدثهما عن سعد قال
الترمذي قال محمد بن بشار أصحاب سفيان لا يذكرون فيه سعد بن عبيدة وهو الصحيح اه‍ وهكذا
حكم علي بن المديني على يحيى القطان فيه بالوهم وقال ابن عدي جمع يحيى القطان بن شعبة
وسفيان فالثوري لا يذكر في اسناده سعد بن عبيدة وهذا مما عد في خطا يحيى القطان على الثوري
وقال في موضع آخر حمل يحيى القطان رواية الثوري على رواية شعبة فساق الحديث عنهما
وحمل إحدى الروايتين على الأخرى فساقه على لفظ شعبة والى ذلك أشار الدارقطني وتعقب بأنه
فصل بين لفظيهما في رواية النسائي فقال قال شعبة خيركم وقال سفيان أفضلكم (قلت) وهو
تعقب واه إذا لا يلزم من تفصيله للفظهما في المتن أن يكون فصل لفظهما في الاسناد قال ابن عدي
يقال إن يحيى القطان لم يخطئ قط الا في هذا الحديث وذكر الدارقطني أن خلاد بن يحيى تابع
يحيى القطان عن الثوري على زيادة سعد بن عبيدة وهى رواية شاذة وأخرج ابن عدي من طريق
يحيى بن آدم عن الثوري وقيس بن الربع وفى رواية عن يحيى بن آدم عن شعبة وقيس بن الربيع
جميعا عن علقمة عن سعد بن عبيدة قال وكذا رواه سعيد بن سالم القداح عن الثوري ومحمد بن
أبان كلاهما عن علقمة بزيادة سعد وزاد في اسناده رجلا آخر كما سأبينه وكل هذه الروايات وهم
والصواب عن الثوري بدون ذكر سعد وعن شعبة باثباته (قوله عن عثمان) في رواية شريك عن
عاصم بن بهدلة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود أخرجه ابن أبي داود بلفظ خيركم من
قرأ القرآن وأقرأه وذكره الدارقطني وقال الصحيح عن أبي عبد الرحمن عن عثمان وفى رواية
خلاد بن يحيى عن الثوري بسنده قال عن أبي عبد الرحمن عن أبان بن عثمان عن عثمان قال
الدارقطني هذا وهم فإن كان محفوظا احتمل أن يكون السلمي أخذه عن أبان بن عثمان عن عثمان
ثم لقى عثمان فأخذه عنه وتعقب بأن أبا عبد الرحمن أكثر من أبان وأبان اختلف في سماعه من
66

أبيه أشد مما اختلف في سماع أبى عبد الرحمن من عثمان فبعد هذا الاحتمال وجاء من وجه آخر
كذلك أخرجه ابن أبي داود من طريق سعيد بن سلام عن محمد بن أبان سمعت علقمة يحدث عن أبي
عبد الرحمن عن أبان بن عثمان عن عثمان فذكره وقال تفرد به سعيد بن سلام يعنى عن محمد
ابن أبان (قلت) وسعيد ضعيف وقد قال أحمد حدثنا حجاج بن محمد عن شعبة قال لم يسمع أبو
عبد الرحمن السلمي من عثمان وكذا نقله أبو عوانة في صحيحه عن شعبة ثم قال اختلف أهل
التمييز في سماع أبى عبد الرحمن من عثمان ونقل ابن أبي داود عن يحيى بن معين مثل ما قال
شعبة وذكر الحافظ أبو العلاء أن مسلما سكت عن اخراج هذا الحديث في صحيحه (قلت) قد
وقع في بعض الطرق التصريح بتحديث عثمان لأبي عبد الرحمن وذلك فيما أخرجه ابن عدي في
ترجمة عبد الله بن محمد بن أبي مريم من طريق ابن جريج عن عبد الكريم عن أبي عبد الرحمن
حدثني عثمان وفى اسناده مقال لكن ظهر لي أن البخاري اعتمد في وصله وفى ترجيح لقاء أبى
عبد الرحمن لعثمان على ما وقع في رواية شعبة عن سعد بن عبيدة من الزيادة وهى أن أبا عبد
الرحمن أقرأ من زمن عثمان إلى زمن الحجاج وان الذي حمله على ذلك هو الحديث المذكور فدل
على أنه سمعه في ذلك الزمان وإذا سمعه في ذلك الزمان ولم يوصف بالتدليس اقتضى ذلك سماعه
ممن عنعنه عنه وهو عثمان رضي الله عنه ولا سيما مع ما اشتهر بين القراء أنه قرأ القرآن على عثمان
واسندوا ذلك عنه من رواية عاصم بن أبي النجود وغيرهم فكان هذا أولى من قول من قال إنه
لم يسمع منه (قوله خيركم من تعلم القرآن وعلمه) كذا للأكثر وللسرخسي أو علمه وهى للتنويع
لا للشك وكذا لأحمد عن غندر عن شعبة وزاد في أوله ان وأكثر الرواة عن شعبة يقولونه بالواو
وكذا وقع عند أحمد عن بهز وعند أبى داود عن حفص بن عمر كلاهما عن شعبة وكذا أخرجه
الترمذي من حديث على وهى أظهر من حيث المعنى لان التي بأو تقتضى اثبات الخيرية
المذكورة لمن فعل أحد الامرين فيلزم أن من تعلم القرآن ولو لم يعلمه غيره أن يكون خيرا ممن عمل
بما فيه مثلا وان لم يتعلمه ولا يقال يلزم على رواية الواو أيضا أن من تعلمه وعلمه غيره ان يكون
أفضل ممن عمل بما فيه من غير أن يتعلمه ولم يعلمه غيره لأنا نقول يحتمل أن يكون المراد بالخيرية من
جهة حصول التعليم بعد العلم والذي يعلم غيره يحصل له النفع المتعدى بخلاف من يعمل فقط بل
من أشرف العمل تعليم الغير فمعلم غيره يستلزم أن يكون تعلمه وتعليمه لغيره عمل وتحصيل نفع متعد
ولا يقال لو كان المعنى حصول النفع المتعدى لاشترك كل من علم غيره علما ما في ذلك لأنا نقول
القرآن أشرف العلوم فيكون من تعلمه وعلمه لغيره أشرف ممن تعلم غير القرآن وان علمه فيثبت
المدعى ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره جامع بين النفع القاصر
والنفع المتعدى ولهذا كان أفضل وهو من جملة من عنى سبحانه وتعالى بقوله ومن أحسن قولا
ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين والدعاء إلى الله يقع بأمور شتى من جملتها تعليم
القرآن وهو أشرف الجميع وعكسه الكافر المانع لغيره من الاسلام كما قال تعالى فمن أظلم ممن
كذب بآيات الله وصدف عنها فان قيل فيلزم على هذا أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه قلنا
لا لان المخاطبين بذلك كانوا فقهاء النفوس لانهم كانوا أهل اللسان فكانوا يدرون معاني القرآن
بالسليقة أكثر مما يدريها من بعدهم بالاكتساب فكان الفقه لهم سجية فمن كان في مثل شأنهم
67

شاركهم في ذلك لا من كان قارئا أو مقرئا محضا لا يفهم شيئا من معاني ما يقرؤه أو يقرئه فان قيل
فيلزم أن يكون المقرئ أفضل ممن هو أعظم غناء في الاسلام بالمجاهدة والرباط والامر بالمعروف
والنهى عن المنكر مثلا قلنا حرف المسئلة يدور على النفع المعتدى فمن كان حصوله عنده أكثر
كان أفضل فلعل من مضمرة في الخبر ولا بد مع ذلك من مراعاة الاخلاص في كل صنف منهم
ويحتمل أن تكون الخيرية وان أطلقت لكنها مقيدة بناس مخصوصين خوطبوا بذلك كان
اللائق بحالهم ذلك أو المراد خير المتعلمين من يعلم غيره لا من يقتصر على نفسه أو المراد مراعاة
الحيثية لان القرآن خير الكلام فمتعلمه خير من متعلم غيره بالنسبة إلى خيرية القرآن وكيفما كان
فهو مخصوص بمن علم وتعلم بحيث يكون قد علم ما يجب عليه عينا (قوله قال وأقرأ أبو عبد الرحمن
في امرة عثمان حتى كان الحجاج
أي حتى ولى الحجاج على العراق (قلت) بين أول خلافة عثمان
وآخر ولاية الحجاج اثنتان وسبعون سنة الا ثلاثة أشهر وبين آخر خلافة عثمان وأول ولاية الحجاج
العراق ثمان وثلاثون سنة ولم أقف على تعيين ابتداء اقراء أبى عبد الرحمن وآخره فالله أعلم بمقدار
ذلك ويعرف من الذي ذكرته أقصى المدة وأدناها والقائل واقرأ الخ هو سعد بن عبيدة
فإنني لم أر هذه الزيادة الا من رواية شعبة عن علقمة وقائل وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا
هو أبو عبد الرحمن وحكى الكرماني أنه وقع في بعض نسخ البخاري قال سعد بن عبيدة وأقرأني
أبو عبد الرحمن قال وهى أنسب لقوله وذاك الذي أقعدني الخ أي أن اقراءه إياي هو الذي
حملني على أن قعدت هذا المقعد الجليل اه‍ والذي في معظم النسخ وأقرأ بحذف المفعول وهو
الصواب وكأن الكرماني ظن أن قائل وذاك الذي أقعدني هو سعد بن عبيدة وليس كذلك بل
قائله أبو عبد الرحمن ولو كان كما ظن للزم أن تكون المدة الطويلة سيقت لبيان زمان اقراء أبى
عبد الرحمن لسعد بن عبيدة وليس كذلك بل انما سيقت لبيان طول مدته لاقراء الناس القرآن
وأيضا فكان يلزم أن يكون سعد بن عبيدة قرأ على أبى عبد الرحمن من زمن عثمان وسعد لم يدرك
زمان عثمان فان أكبر شيخ له المغيرة بن شعبة وقد عاش بعد عثمان خمس عشرة سنة وكان يلزم أيضا
أن تكون الإشارة بقوله وذلك إلى صنيع أبى عبد الرحمن وليس كذلك بل الإشارة بقوله ذلك إلى
الحديث المرفوع أي أن الحديث الذي حدث به عثمان في أفضلية من تعلم القرآن وعلمه حمل أبا عبد
الرحمن أن قعد يعلم الناس القرآن لتحصيل تلك الفضيلة وقد وقع الذي حملنا كلامه عليه صريحا
في رواية أحمد عن محمد بن جعفر وحجاج بن محمد جميعا عن شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن
عبيدة قال قال أبو عبد الرحمن فذاك الذي أقعدني هذا المقعد وكذا أخرجه الترمذي من رواية
أبى داود الطيالسي عن شعبة وقال فيه مقعدي هذا قال وعلم أبو عبد الرحمن القرآن في زمن
عثمان حتى بلغ الحجاج وعند أبى عوانة من طريق بشر بن أبي عمرو وأبى غياث وأبى الوليد ثلاثتهم
عن شعبة بلفظ قال أبو عبد الرحمن فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا وكان يعلم القرآن والإشارة
بذلك إلى الحديث كما قررته واسناده إليه اسناد مجازى ويحتمل أن تكون الإشارة به إلى عثمان
وقد وقع في رواية أبى عوانة أيضا عن يوسف بن مسلم عن حجاج بن محمد بلفظ قال أبو عبد الرحمن
وهو الذي اجلسنى هذا المجلس وهو محتمل أيضا (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري وعلقمة بن
مرثد بمثلثة بوزن جعفر ومنهم من ضبطه بكسر المثلثة وهو من ثقات أهل الكوفة من طبقة
68

الأعمش وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الجنائز من روايته عن سعد بن عبيدة
أيضا وثالث في مناقب الصحابة وقد تقدما (قوله إن أفضلكم من تعلم القرآن أو علمه) كذا
ثبت عندهم بلفظ أو وفى رواية الترمذي من طريق بشر بن السرى عن سفيان خيركم أو
أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه فاختلف في رواية سفيان أيضا في أن الرواية بأو أو بالواو وقد
تقدم توجيهه وفى الحديث الحث على تعليم القرآن وقد سئل الثوري عن الجهاد وأقراء القرآن
فرجح الثاني واحتج بهذا الحديث أخرجه ابن أبي داود وأخرج عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه
كان يقرئ القرآن خمس آيات خمس آيات وأسند من وجه آخر عن أبي العالية مثل ذلك وذكر أن
جبريل كان ينزل به كذلك وهو مرسل وشاهده ما قدمته في تفسير المدثر وفى تفسير سورة
اقرأ ثم ذكر المصنف طرفا من حديث سهل بن سعد في قصة التي وهبت نفسها قال ابن بطال وجه
ادخاله في هذا الباب أنه صلى الله عليه وسلم زوجه المرأة لحرمة القرآن وتعقبه ابن التين بان
السياق يدل على أنه زوجها له على أن يعلمها وسيأتى البحث فيه مع استيفاء شرحه في كتاب
النكاح وقال غيره وجه دخوله أن فضل القرآن ظهر على صاحبه في العاجل بأن قام له مقام
المال الذي يتوصل به إلى بلوغ الغرض واما نفعه في الآجل فظاهر لا خفاء به (قوله وهبت
نفسها لله ولرسوله) في رواية الحموي وللرسول (قوله ما معك من القرآن قال كذا وكذا) ووقع
في الباب الذي يلي هذا سورة كذا وسورة كذا وسيأتى بيان ذلك عند شرحه إن شاء الله تعالى
* (قوله باب القراءة عن ظهر القلب ذكر فيه حديث سهل في الواهبة مطولا
وهو ظاهر فيما ترجم له لقوله فيه أتقرؤهن عن ظهر قلبك قال نعم فدل على فضل القراءة عن ظهر
القلب لأنها أمكن في التوصل إلى التعليم وقال ابن كثير إن كان البخاري أراد بهذا الحديث
الدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل من تلاوته نظرا من المصحف ففيه نظر لأنها ففيه نظر لأنها
قضية عين فيحتمل أن يكون الرجل كان لا يحسن الكتابة وعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلا
يدل ذلك على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل في حق من يحسن ومن لا يحسن وأيضا فان سياق
هذا الحديث انما هو لاستثبات أنه يحفظ تلك السور عن ظهر قلب ليتمكن من تعليمه لزوجته
وليس المراد أن هذا أفضل من التلاوة نظرا ولا لعدمه (قلت) ولا يرد على البخاري شئ مما ذكر
لان المراد بقوله باب القراءة عن ظهر قلب مشروعيتها أو استحبابها والحديث مطابق لما ترجم به
ولم يتعرض لكونها أفضل من القراءة نظرا وقد صرح كثير من العلماء بأن القراءة من المصحف
نظرا أفضل من القراءة عن ظهر قلب وأخرج أبو عبيد في فضائل القرآن من طريق عبيد الله بن
عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رفعه قال فضل قراءة القرآن نظرا على من
يقرؤه ظهرا كفضل الفريضة على النافلة واسناده ضعيف ومن طريق ابن مسعود موقوفا
أديموا النظر في المصحف واسناده صحيح ومن حيث المعنى أن القراءة في المصحف أسلم من الغلط
لكن القراءة عن ظهر قلب أبعد من الرياء وأمكن للخشوع والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف
69

الأحوال والاشخاص وأخرج ابن أبي داود باسناد صحيح عن أبي أمامة اقرأوا القرآن ولا تغرنكم
هذه المصاحف المعلقة فان الله لا يعذب قلبا وعى القرآن وزعم ابن بطال أن في قوله أتقرؤهن عن
ظهر قلب ردا لما تأوله الشافعي في انكاح الرجل على أن صداقها أجرة تعليمها كذا قال ولا دلالة
فيه لما ذكر بل ظاهر سياقه أنه استثبته كما تقدم والله أعلم * (قوله باب استذكار
القرآن) أي طلب ذكره بضم الذال (وتعاهده) أي تجديد العهد به بملازمة تلاوته وذكر في الباب
ثلاثة أحاديث * الأول (قوله انما مثل صاحب القرآن) أي مع القرآن والمراد بالصاحب الذي
ألفه قال عياض المؤالفة المصاحبة وهو كقوله أصحاب الجنة وقوله ألفه أي ألف تلاوته وهو
أعم من أن يألفها نظرا من المصحف أو عن ظهر قلب فان الذي يداوم على ذلك يذل له لسانه ويسهل
عليه قراءته فإذا هجره ثقلت عليه القراءة وشقت عليه وقوله انما يقتضى الحصر على الراجح
لكنه حصر مخصوص بالنسبة إلى الحفظ والنسيان بالتلاوة والترك (قوله كمثل صاحب الإبل
المعقلة) أي مع الإبل المعقلة والمعقلة بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد القاف أي المشدودة
بالعقال وهو الحبل الذي يشد في ركبة البعير شبة درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي
يخشى منه الشراد فما زال التعاهد موجودا فالحفظ موجود كما أن البعير ما دام مشدودا بالعقال
فهو محفوظ وخص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الانسى نفورا وفى تحصيلها بعد استمكان
نفورها صعوبة (قوله إن عاهد عليها أمسكها) أي استمر امساكه لها وفى رواية أيوب عن نافع
عند مسلم فان عقلها حفظها) قوله وان أطلقها ذهبت) أي انفلتت وفى رواية عبيد الله بن عمر
عن نافع عند مسلم ان تعاهدها صاحبها فعقلها أمسكها وان أطلق عقلها ذهبت وفى رواية
موسى بن عقبة عن نافع إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإذا لم يقم به نسيه
* الحديث الثاني (قوله حدثنا محمد بن عرعرة) بعين مهملة مفتوحة وراء ساكنة مكررتين
ومنصور هو ابن المعتمر وأبو وائل هو شقيق ابن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود وسيأتى في الرواية
المعلقة التصريح بسماع شقيق له من ابن مسعود (قوله بئس ما لأحدهم أن يقول) قال القرطبي
بئس هي أخت نعم فالأولى للذم والاخرى للمدح وهما فعلان غير متصرفين يرفعان الفاعل
ظاهرا أو مضمرا الا أنه إذا كان ظاهرا لم يكن في الامر العام الا بالألف واللام للجنس أو مضاف
إلى ما هما فيه حتى يشتمل على الموصوف بأحدهما ولا بد من ذكره تعينا كقوله نعم الرجل زيد
وبئس الرجل عمرو فإن كان الفاعل مضمرا فلا بد من ذكر اسم نكرة بنصب على التفسير للضمير
كقوله نعم رجلا زيد وقد يكون هذا التفسير ما على ما نص عليه سيبويه كما في هذا الحديث وكما في
قوله تعالى فنعما هي وقال الطيبى وما نكرة موصوفة وأن يقول مخصوص بالذم أي بئس شيئا
كان الرجل يقول (قوله نسيت) بفتح النون وتخفيف السين اتفاقا (قوله آية كيت وكيت) قال القرطبي كيت وكيت يعبر بهما عن الجمل الكثيرة والحديث الطويل ومثلهما ذيت وذيت
وقال ثعلب كيت للأفعال وذيت للأسماء وحكى ابن التين عن الداودي أن هذه الكلمة مثل
كذا الا أنها خاصة بالمؤنث وهذا من مفردات الداودي (قوله بل هو نسى) بضم النون وتشديد
المهملة المكسورة قال القرطبي رواه بعض رواة مسلم مخففا (قلت) وكذا هو في مسند أبى يعلى
وكذا أخرجه ابن أبي داود في كتاب الشريعة من طرق متعددة مضبوطة بخط موثوق به على كل
70

سين علامة التخفيف وقال عياض كان الكناني يعنى أبا الوليد الوقشي لا يجيز في هذا غير التخفيف
(قلت) والتثقيل هو الذي وقع في جميع الروايات في البخاري وكذا في أكثر الروايات في غيره
ويؤيده ما وقع في رواية أبى عبيد في الغريب بعد قوله كيت وكيت ليس هو نسى ولكنه نسى
الأول بفتح النون وتخفيف السين والثاني بضم النون وتثقيل السين قال القرطبي التثقيل
معناه أنه عوقب بوقوع النسيان عليه لتفريطه في معاهدته واستذكاره قال ومعنى التخفيف
أن الرجل ترك غير ملتفت إليه وهو كقوله تعالى نسوا الله فنسيهم أي تركهم في العذاب أو
تركهم من الرحمة واختلف في متعلق الذم من قوله بئس على أوجه * الأول قيل هو على نسبة
الانسان إلى نفسه النسيان وهو لا صنع له فيه فإذا نسبه إلى نفسه أوهم انه انفرد بفعله فكان
ينبغي أن يقول أنسيت أو نسيت بالتثقيل على البناء للمجهول فيهما أي ان الله هو الذي أنساني
كما قال وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وقال أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون وبهذا الوجه
جزم ابن بطال فقال أراد أن يجرى على ألسن العباد نسبة الافعال إلى خالقها لما في ذلك من
الاقرار له بالعبودية والاستسلام لقدرته وذلك أولى من نسبة الافعال إلى مكتسبها مع أن نسبتها
إلى مكتسبها جائز بدليل الكتاب والسنة ثم ذكر الحديث الآتي في باب نسيان القرآن قال
وقد أضاف موسى عليه السلام النسيان مرة إلى نفسه ومرة إلى الشيطان فقال انى نسيت الحوت
وما أنسانيه الا الشيطان ولكل إضافة منها معنى صحيح فالإضافة إلى الله بمعنى أنه خالق الافعال
كلها والى النفس لان الانسان هو المكتسب لها والى الشيطان بمعنى الوسوسة اه‍ ووقع له ذهول
فيما نسبه لموسى وانما هو كلام فتاه وقال القرطبي ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب النسيان
إلى نفسه يعنى كما سيأتي في باب نسيان القرآن وكذا نسبه يوشع إلى نفسه حيث قال نسيت
الحوت وموسى إلى نفسه حيث قال لا تؤاخذني بما نسيت وقد سيق قول الصحابة ربنا لا تؤاخذنا
ان نسينا مساق المدح قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله فالذي
يظهر أن ذلك ليس متعلق الذم وجنح إلى اختيار الوجه الثاني وهو كالأول لكن سبب الذم
ما فيه من الاشعار بعدم الاعتناء بالقرآن إذ لا يقع النسيان الا بترك التعاهد وكثرة الغفلة فلو
تعاهده بتلاوته والقيام به في الصلاة لدام حفظه وتذكره فإذا قال الانسان نسيت الآية الفلانية
فكأنه شهد على نفسه بالتفريط فيكون متعلق الذم ترك الاستذكار والتعاهد لأنه الذي يورث
النسيان * الوجه الثالث قال الإسماعيلي يحتمل أن يكون كره له أن يقول نسيت بمعنى تركت
لا بمعنى السهو العارض كما قال تعالى نسوا الله فنسيهم وهذا اختيار أبى عبيد وطائفة * الوجه
الرابع قال الإسماعيلي أيضا يحتمل أن يكون فاعل نسيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قال
لا يقل أحد عنى انى نسيت آية كذا فان الله هو الذي نساني ذلك لحكمة نسخه ورفع تلاوته
وليس لي في ذلك صنع بل الله هو الذي ينسيني لما تنسخ تلاوته وهو كقوله تعالى سنقرئك فلا
تنسى الا ما شاء الله فان المراد بالمنسى ما ينسخ تلاوته فينسى الله نبيه ما يريد نسخ تلاوته * الوجه
الخامس قال الخطابي يحتمل أن يكون ذلك خاصا بزمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان من
ضروب النسخ نسيان الشئ الذي ينزل ثم ينسخ منه بعد نزوله الشئ فيذهب رسمه وترفع تلاوته
ويسقط حفظه عن حملته فيقول القائل نسيت آية كذا فنهوا عن ذلك لئلا يتوهم على محكم
71

القرآن الضياع وأشار لهم إلى أن الذي يقع من ذلك انما هو بإذن الله لما رآه من الحكمة
والمصلحة * الوجه السادس قال الإسماعيلي وفيه وجه آخر وهو أن النسيان الذي هو خلاف
الذكر اضافته إلى صاحبه مجاز لأنه عارض له لا عن قصد منه لأنه لو قصد نسيان الشئ لكان ذاكرا
له في حال قصده فهو كما قال ما مات فلان ولكن أميت (قلت) وهو قريب من الوجه الأول وأرجح
الأوجه الوجه الثاني ويؤيده عطف الامر باستذكار القرآن عليه وقال عياض أولى ما يتأول
عليه ذم الحال لا ذم القول أي بئس الحال حال من حفظه ثم غفل عنه حتى نسيه وقال النووي
الكراهة فيه للتنزيه (قوله واستذكروا القرآن) أي واظبوا على تلاوته واطلبوا من أنفسكم
المذاكرة به قال الطيبى وهو عطف من حيث المعنى على قوله بئس ما لأحدكم أي لا تقصروا في معاهدته واستذكروه وزاد ابن أبي داود من طريق عاصم عن أبي وائل في هذا الموضع فان هذا
القرآن وحشى وكذا أخرجها من طريق المسيب بن رافع عن ابن مسعود (قوله فإنه أشد تفصيا)
بفتح الفاء وكسر الصاد المهملة الثقيلة بعدها تحتانية خفيفة أي تفلتا وتخلصا تقول تفصيت
كذا أي أحطت بتفاصيله والاسم الفصة ووقع في حديث عقبة بن عامر بلفظ تفلتا وكذا
وقعت عند مسلم في حديث أبي موسى ثالث أحاديث الباب ونصب على التمييز وفى هذا الحديث
زيادة على حديث ابن عمر لان في حديث ابن عمر تشبيه أحد الامرين بالآخر وفى هذا أن هذا أبلغ
في النفور من الإبل ولذا أفصح به في الحديث الثالث حيث قال لهو أشد تفصيا من الإبل في
عقلها لان من شأن الإبل تطلب التفلت ما أمكنها فمتى لم يتعاهدها برباطها تفلتت فكذلك حافظ
القرآن ان لم يتعاهده تفلت بل هو أشد في ذلك وقال ابن بطال هذا الحديث يوافق الآيتين قوله
تعالى انا سنلقى عليك قولا ثقيلا وقوله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر فمن أقبل عليه بالمحافظة
والتعاهد يسر له ومن أعرض عنه تفلت منه (قوله حدثنا عثمان) هو ابن أبي شيبة وجرير هو
ابن عبد الحميد ومنصور هو المذكور في الاسناد الذي قبله وهذه الطريق ثبتت عند الكشميهني
وحده وثبتت أيضا في رواية النسفي وقوله مثله الضمير للحديث الذي قبله وهو يشعر بأن سياق
جرير مساو لسياق شعبة وقد أخرجه مسلم عن عثمان بن أبي شيبة مقرونا بإسحاق بن راهويه
وزهير بن حرب ثلاثتهم عن جرير ولفظه مساو للفظ شعبة المذكور الا أنه قال استذكروا بغير
واو وقال فلهو أشد بدل قوله فإنه وزاد بعد قوله من النعم بعقلها وقد أخرجه الإسماعيلي عن
الحسن بن سفيان عن عثمان بن أبي شيبة باثبات الواو وقال في آخره من عقله وهذه الزيادة ثابتة
عنده في حديث شعبة أيضا من رواية غندر عنه بلفظ بئسما لأحدكم أو لأحدهم أن يقول انى
نسيت آية كيت وكيت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو نسى ويقول استذكروا القرآن
الخ وكذا ثبتت عنده في رواية الأعمش عن شقيق بن سلمة عن ابن مسعود (قوله تابعه بشر
عن ابن المبارك عن شعبة) يريد أن عبد الله بن المبارك تابع محمد بن عرعرة في رواية هذا الحديث
عن شعبة وبشر هو ابن محمد المروزي شيخ البخاري قد أخرج عنه في بدء الوحي وغيره ونسبة
المتابعة إليه مجازية وقد يوهم أنه تفرد بذلك عن ابن المبارك وليس كذلك فان الإسماعيلي أخرج
الحديث من طريق حبان بن موسى عن ابن المبارك ويوهم أيضا أن ابن عرعرة وابن المبارك انفردا
بذلك عن شعبة وليس كذلك لما ذكر فيه من رواية غندر وقد أخرجها أحمد أيضا عنه وأخرجه
72

عن حجاج بن محمد وأبى داود الطيالسي كلاهما عن شعبة وكذا أخرجه الترمذي من رواية
الطيالسي (قوله وتابعه ابن جريج عن عبدة عن شقيق سمعت عبد الله) أما عبدة فهو بسكون
الموحدة وهو ابن أبي لبابة بضم اللام وموحدتين مخففا وشقيق هو أبو وائل وعبد الله هو ابن
مسعود وهذه المتابعة وصلها مسلم من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج قال حدثني عبدة
ابن أبي لبابة عن شقيق بن سلمة سمعت عبد الله بن مسعود فذكر الحديث إلى قوله بل هو نسى ولم
يذكر ما بعده وكذا أخرجه أحمد عن عبد الرزاق وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق محمد بن جحادة
عن عبدة وكأن البخاري أراد بايراد هذه المتابعة دفع تعليل من أعل الخبر برواية حماد بن زيد
وأبى الأحوص له عن منصور موقوفة على ابن مسعود قال الإسماعيلي روى حماد بن زيد عن
منصور وعاصم الحديثين معا موقوفين وكذا رواهما أبو الأحوص عن منصور وأما ابن عيينة
فأسند الأول ووقف الثاني قال ورفعهما جميعا إبراهيم بن طهمان وعبيدة بن حميد عن منصور
وهو ظاهر سياق سفيان الثوري (قلت) ورواية عبيدة أخرجها ابن أبي داود ورواية سفيان
ستأتي عند المصنف قريبا مرفوعا لكن اقتصر على الحديث الأول وأخرج ابن أبي داود من
طريق أبى بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله مرفوعا الحديثين معا وفى رواية
عبدة بن أبي لبابة تصريح ابن مسعود بقوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يقوى
رواية من رفعه عن منصور والله أعلم * الحديث الثالث (قوله عن بريد) بالموحدة هو ابن
عبد الله بن أبي بردة وشيخه أبو بردة هو جده المذكور وأبو موسى هو الأشعري (قوله في عقلها)
بضمتين ويجوز سكون القاف جمع عقال بكسر أوله وهو الحبل ووقع في رواية الكشميهني من
عقلها وذكر الكرماني انه وقع في بعض النسخ من عللها بلامين ولم أقف على هذه الرواية بل هي
تصحيف ووقع في رواية الإسماعيلي بعقلها قال القرطبي من رواه من عقلها فهو على الأصل الذي يقتضيه التعدي من لفظ التفلت وأما من رواه بالباء أو بالفاء فيحتمل أن يكون بمعنى من
أو للمصاحبة أو الظرفية والحاصل تشبيه من يتفلت منه القرآن بالناقة التي تفلتت من عقالها
وبقيت متعلقة به كذا قال والتحرير أن التشبيه وقع بين ثلاثة بثلاثة فحامل القرآن شبه بصاحب
الناقة والقرآن بالناقة والحفظ بالربط قال الطيبى ليس بين القرآن والناقة مناسبة لأنه قديم
وهى حادثة لكن وقع التشبيه في المعنى وفى هذه الأحاديث الحض على محافظة القرآن بدوام
دراسته وتكرار تلاوته وضرب الأمثال لايضاح المقاصد وفى الأخير القسم عند الخبر المقطوع
بصدقة مبالغة في تثبيته في صدور سامعيه وحكى ابن التين عن الداودي ان في حديث ابن
مسعود حجة لمن قال فيمن ادعى عليه بمال فأنكر وحلف ثم قامت عليه البينة فقال كنت نسيت
أو ادعى بينة أو ابراء أو التمس يمين المدعى أن ذلك يكون له ويعذر في ذلك كذا قال * (قوله
باب القراءة على الدابة) أي لراكبها وكأنه أشار إلى الرد على من كره ذلك وقد نقله
ابن أبي داود عن بعض السلف وتقدم البحث في كتاب الطهارة في قراءة القرآن في الحمام وغيرها
وقال ابن بطال انما أراد بهذه الترجمة أن في القراءة على الدابة سنة موجودة وأصل هذه السنة
قوله تعالى لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه الآية ثم ذكر المصنف
حديث عبد الله بن مغفل مختصرا وقد تقدم بتمامه في تفسير سورة الفتح ويأتي بعد أبواب
73

* (قوله باب تعليم الصبيان القرآن) كأنه أشار إلى الرد على من كره ذلك وقد جاءت
كراهية ذلك عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وأسنده ابن أبي داود عنهما ولفظ إبراهيم كانوا
يكرهون أن يعلموا الغلام القرآن حتى يعقل وكلام سعيد بن جبير يدل على أن كراهة ذلك من
جهة حصول الملال له ولفظه عند ابن أبي داود أيضا كانوا يحبون أن يكون يقرأ الصبى بعد
حين وأخرج باسناد صحيح عن الأشعث بن قيس انه قدم غلاما صغيرا فعابوا عليه فقال ما قدمته
ولكن قدمه القرآن وحجة من أجاز ذلك أنه أدعى إلى ثبوته ورسوخه عنده كما يقال التعلم في
الصغر كالنقش في الحجر وكلام سعيد بن جبير يدل على أنه يستحب أن يترك الصبى أولا مرفها ثم
يؤخذ الجد على التدريج والحق أن ذلك يختلف بالاشخاص والله وأعلم (قوله عن سعيد بن جبير
قال إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم قال وقال ابن عباس توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم) كذا فيه تفسير المفصل بالمحكم من كلام سعيد بن جبير
وهو دال على أن الضمير في قوله في الرواية الأخرى فقلت له وما المحكم لسعيد بن جبير وفاعل
قلت هو أبو بشر بخلاف ما يتبادر أن الضمير لابن عباس وفاعل قلت سعيد بن جبير ويحتمل أن
يكون كل منهما سأل شيخه عن ذلك والمراد بالمحكم الذي ليس فيه منسوخ ويطلق المحكم على
ضد المتشابه وهو اصطلاح أهل الأصول والمراد بالمفصل السور التي كثرت فصلوها وهى من
الحجرات إلى آخر القرآن على الصحيح ولعل المصنف أشار في الترجمة إلى قول ابن عباس سلوني عن
التفسير فانى حفظت القرآن وأنا صغير أخرجه ابن سعيد وغيره باسناد صحيح عنه وقد استشكل
عياض قول ابن عباس توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين بما تقدم في الصلاة
من وجه آخر عن ابن عباس انه كان في حجة الوداع ناهز الاحتلام وسيأتى في الاستئذان من وجه
آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وأنا ختين وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك وعنه أيضا انه
كان عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ابن خمس عشرة سنة وسبق إلى استشكال ذلك الإسماعيلي
فقال حديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس يعنى الذي مضى في الصلاة يخالف هذا
وبالغ الداودي فقال حديث أبي بشر يعنى الذي في هذا الباب وهم وأجاب عياض بأنه يحتمل أن
يكون قوله وأنا ابن عشر سنين راجع إلى حفظ القرآن لا إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ويكون
تقدير الكلام توفى النبي صلى الله عليه وسلم وقد جمعت المحكم وأنا ابن عشر سنين ففيه تقديم
وتأخير وقد قال عمرو بن علي الفلاس الصحيح عندنا ان ابن عباس كان له عند وفاة النبي صلى الله
عليه وسلم ثلاث عشرة سنة قد استكملها ونحوه لأبي عبيد وأسند البيهقي عن مصعب الزبيري
انه كان ابن أربع عشرة وبه جزم الشافعي في الام ثم حكى أنه قيل ست عشرة وحكى قول ثلاث
عشرة وهو المشهور وأورد البيهقي عن أبي العالية عن ابن عباس قرأت المحكم على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن اثنتي عشرة فهذه ستة أقوال ولو ورد إحدى عشرة لكانت سبعة
لأنها من عشر إلى ست عشرة (قلت) والأصل فيه قول الزبير بن بكار وغيره من أهل النسب ان
ولادة ابن عباس كانت قبل الهجر بثلاث سنين وبنو هاشم في الشعب وذلك قبل وفاة أبى طالب
ونحوه لأبي عبيد ويمكن الجمع بين مختلف الروايات الا ست عشرة وثنتي عشرة فان كلا منهما
لم يثبت سنده والأشهر بأن يكون ناهز الاحتلام لما قارب ثلاث عشرة ثم بلغ لما استكملها
74

ودخل في التي بعدها فاطلاق خمس عشرة بالنظر إلى جبر الكسرين واطلاق العشر والثلاث
عشرة بالنظر إلى الغاء الكسر واطلاق أربع عشرة بجبر أحدهما وسيأتى مزيد لهذا في باب
الختان بعد الكبر من كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى واختلف في أول المفصل مع الاتفاق
على أنه آخر جزء من القرآن على عشرة أقوال ذكرتها في باب الجهر بالقراءة في المغرب وذكرت
قولا شاذا انه جميع القرآن * (قوله باب نسيان القرآن وهل يقول نسيت آية
كذا وكذا) كأنه يريد أن النهى عن قول نسيت آية كذا وكذا ليس للزجر عن هذا اللفظ بل
للزجر عن تعاطى أسباب النسيان المقتضية لقول هذا اللفظ ويحتمل أن ينزل المنع والإباحة على
حالتين فمن نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر ديني كالجهاد لم يمتنع عليه قول ذلك لان النسيان لم ينشأ
عن اهمال ديني وعلى ذلك يحمل ما ورد من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من نسبة النسيان
إلى نفسه ومن نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر دنيوي ولا سيما إن كان محظورا امتنع عليه لتعاطيه
أسباب النسيان (قوله وقول الله تعالى سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله) هو مصير منه إلى اختيار
ما عليه الأكثر أن لا في قوله فلا تنسى نافية وأن الله أخبره أنه لا ينسى ما أقرأه إياه وقد قيل إن لا
ناهية وانما وقع الاشباع في السين لتناسب رؤس الآى والأول أكثر واختلف في الاستثناء
فقال الفراء هو للتبرك وليس هناك شئ استثنى وعن الحسن وقتادة الا ما شاء الله أي قضى أن
ترفع تلاوته وعن ابن عباس الا ما أراد الله أن ينسيكه لتسن وقيل لما جبلت عليه من الطباع
البشرية لكن سنذكره بعد وقيل المعنى فلا تنسى أي لا تترك العمل به الا ما أراد الله أن ينسخه
فتترك العمل به (قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا) أي صوت رجل وقد تقدم بيان
اسمه في كتاب الشهادات (قوله لقد أذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا) لم أقف على تعيين
الآيات المذكورة وأغرب من زعم أن المراد بذلك إحدى وعشرون آية لان ابن عبد الحكم قال
فيمن أقر أن عليه كذا وكذا درهما أنه يلزمه أحد وعشرون درهما وقال الداودي يكون مقرا
بدرهمين لأنه أقل ما يقع عليه ذلك قال فان قال له على كذا درهما كان مقرا بدرهم واحد (قوله
في الطريق الثانية حدثنا عيسى) هو ابن يونس بن أبي إسحاق (قوله عن هشام وقال أسقطتهن)
يعنى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بالمتن المذكور وزاد فيه هذه اللفظة وهى أسقطتهن
وقد تقدم في الشهادات من هذا الوجه بلفظ فقال رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهن
من سورة كذا وكذا (قوله تابعه علي بن مسهر وعبدة عن هشام) كذا للأكثر ولابى ذر عن
الكشميهني تابعه علي بن مسهر عن عبدة وهو غلط فان عبدة رفيق علي بن مسهر لا شيخه وقد
أخرج المصنف طريق علي بن مسهر في آخر الباب الذي يلي هذا بلفظ أسقطتها وأخرج طريق
عبدة وهو ابن سليمان في الدعوات ولفظه مثل لفظ علي بن مسهر سواء (قوله في الرواية الثالثة
كنت أنسيتها) هي مفسرة لقوله أسقطتها فكأنه قال أسقطتها نسيانا لا عمدا وفى رواية معمر
عن هشام عند الإسماعيلي كنت نسيتها بفتح النون ليس قبلها همزة قال الإسماعيلي النسيان
من النبي صلى الله عليه وسلم لشئ من القرآن يكون على قسمين أحدهما نسيانه الذي يتذكره عن
قرب وذلك قائم بالطباع البشرية وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود في
السهو انما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون والثاني أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته
75

وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله قال فأما القسم الأول
فعارض سريع الزوال لظاهر قوله تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون وأما الثاني فداخل
في قوله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها على قراءة من قرأ بضم أوله من غير همزة (قلت) وقد تقدم
توجيه هذه القراءة وبيان من قرأ بها في تفسير البقرة وفى الحديث حجة لمن أجاز النسيان على النبي
صلى الله عليه وسلم فيما ليس طريقه البلاغ مطلقا وكذا فيما طريقه البلاغ لكن بشرطين
أحدهما انه بعدما يقع منه تبليغه والآخر أنه لا يستمر على نسيانه بل يحصل له تذكرة اما بنفسه
واما بغيره وهل يشترط في هذا الفور قولان فاما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلا
وزعم بعض الأصوليين وبعض الصوفية أنه لا يقع منه نسيان أصلا وانما يقع منه صورته ليسن
قال عياض لم يقل به من الأصوليين أحد الا أبا المظفر الأسفرايني وهو قول ضعيف وفى
الحديث أيضا جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل وفى المسجد والدعاء لمن حصل له من جهته خير
وان لم يقصد المحصول منه ذلك واختلف السلف في نسيان القرآن فمنهم من جعل ذلك من الكبائر
وأخرج أبو عبيد من طريق الضحاك بن مزاحم موقوفا قال ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه
الا بذنب أحدثه لان الله يقول وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم ونسيان القرآن من
أعظم المصائب واحتجوا أيضا بما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أنس مرفوعا عرضت
على ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها في اسناده ضعف وقد
أخرج ابن أبي داود من وجه آخر مرسل نحوه ولفظه أعظم من حامل القرآن وتاركه ومن طريق
أبى العالية موقوفا كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه
واسناده جيد ومن طريق ابن سيرين باسناد صحيح في الذي ينسى القرآن كانوا يكرهونه
ويقولون فيه قولا شديدا ولابى داود عن سعد بن عبادة مرفوعا من قرأ القرآن ثم نسيه لقى الله
وهو أجذم وفى اسناده أيضا مقال وقد قال به من الشافعية أبو المكارم الروياني واحتج بأن
الاعراض عن التلاوة يتسبب عنه نسيان القرآن ونسيانه يدل على عدم الاعتناء به والتهاون
بأمره وقال القرطبي من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته بالنسبة إلى من لم يحفظه فإذا
أخل بهذه الرتبة الدينية حتى تزحزح عنها أن يعاقب على ذلك فان ترك معاهدة القرآن
يفضى إلى الرجوع إلى الجهل والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد وقال إسحاق بن راهويه يكره
للرجل أن يمر عليه أربعون يوما لا يقرأ فيها القرآن ثم ذكر حديث عبد الله ابن مسعود بئس ما
لأحدكم أن يقول نسيت آية كيت وكيت وقد تقدم شرحه قريبا وسفيان في السند هو
الثوري واختلف في معنى أجذم فقيل مقطوع اليد وقيل مقطوع الحجة وقيل مقطوع السبب
من الخير وقيل خالي اليد من الخير وهى متقاربة وقيل يحشر مجذوما حقيقة ويؤيده أن في
رواية زائدة بن قدامة عند عبد بن حميد أتى الله يوم القيامة وهو مجذوم وفيه جواز قول المرء
أسقطت آية كذا من سورة كذا إذا وقع ذلك منه وقد أخرج ابن أبي داود من طريق أبى
عبد الرحمن السلمي قال لا تقل أسقطت كذا بل قل أغفلت وهو أدب حسن وليس واجبا
* (قوله باب من لم ير بأسا أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا) أشار بذلك
إلى الرد على من كره ذلك وقال لا يقال الا السورة التي يذكر فيها كذا وقد تقدم في الحج من طريق
76

الأعمش انه سمع الحجاج بن يوسف على المنبر يقول السورة التي يذكر فيها كذا وانه رد عليه بحديث
أبى مسعود قال عياض حديث أبي مسعود حجة في جواز قول سورة البقرة ونحوها وقد اختلف
في هذا فأجازه بعضهم وكرهه بعضهم وقال تقول السورة التي تذكر فيها البقرة (قلت) وقد تقدم
في أبواب الرمي من كتاب الحج أن إبراهيم النخعي أنكر قول الحجاج لا تقولوا سورة البقرة وفى
رواية مسلم أنها سنة وأورد حديث أبي مسعود وأقوى من هذا في الحجة ما أورده المصنف من
لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم
قال النووي في الاذكار يجوز أن يقول سورة البقرة إلى أن قال وسورة العنكبوت وكذلك
الباقي ولا كراهة في ذلك وقال بعض السلف يكره ذلك والصواب الأول وهو قول الجماهير
والأحاديث فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر وكذلك عن الصحابة فمن
بعدهم (قلت) وقد جاء فيما يوافق ما ذهب إليه البعض المشار إليه حديث مرفوع عن أنس
رفعه لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذلك القرآن كله أخرجه
أبو الحسين بن قانع في فوائده والطبراني في الأوسط وفى سنده عبيس بن ميمون العطار وهو
ضعيف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ونقل عن أحمد أنه قال هو حديث منكر (قلت)
وقد تقدم في باب تأليف القرآن حديث يزيد الفارسي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يقول ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا قال ابن كثير في تفسيره ولا شك أن ذلك أحوط
ولكن استقر الاجماع على الجواز في المصاحف والتفاسير (قلت) وقد تمسك بالاحتياط
المذكور جماعة من المفسرين منهم أبو محمد بن أبي حاتم ومن المتقدمين الكلبي وعبد الرزاق
ونقله القرطبي في تفسيره عن الحكيم الترمذي أن من حرمة القرآن أن لا يقال سورة كذا
كقولك سورة البقرة وسورة النحل وسورة النساء وانما يقال السورة التي يذكر فيها كذا وتعقبه
القرطبي بأن حديث أبي مسعود يعارضه ويمكن أن يقال لا معارضة مع امكان الجمع فيكون
حديث أبي مسعود ومن وافقه دالا على الجواز وحديث أنس ان ثبت محمول على أنه خلاف
الأولى والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث تشهد لما ترجم له * أحدها حديث أبي
مسعود في الآيتين من آخر سورة البقرة وقد تقدم شرحه قريبا * الثاني حديث عمر سمعت هشام
ابن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان وقد تقدم شرحه في باب أنزل القرآن على سبعة أحرف
* الثالث حديث عائشة المذكور في الباب قبله وقد تقدم التنبيه عليه * (قوله باب
الترتيل في القراءة) أي تبيين حروفها والتأني في أدائها ليكون أدعى إلى فهم معانيها (قوله وقوله
تعالى ورتل القرآن ترتيلا) كأنه يشير إلى ما ورد عن السلف في تفسيرها فعند الطبري بسند
صحيح عن مجاهد في قوله تعالى ورتل القران قال بعضه اثر بعض على تؤدة وعن قتادة قال بينه
بيانا والامر بذلك ان لم يكن للوجوب يكون مستحبا (قوله وقوله تعالى وقرآنا فرقناه لتقرأه على
الناس على مكث) سيأتي توجيهه (قوله وما يكره أن يهذ كهذ الشعر) كأنه يشير إلى أن استحباب
الترتيل لا يستلزم كراهة الاسراع وانما الذي يكره الهذ وهو الاسراع المفرط بحيث يخفى كثير
من الحروف أو لا تخرج من مخارجها وقد ذكر في الباب انكار ابن مسعود على من يهذ القراءة
كهذ الشعر ودليل جواز الاسراع ما تقدم في أحاديث الأنبياء من حديث أبي هريرة رفعه خفف
77

على داود القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فيفرغ من القرآن قبل أن تسرح (قوله فيها يفرق
يفصل) هو تفسير أبى عبيدة (قوله قال ابن عباس فرقناه فصلناه) وصله ابن جريج من طريق على
ابن أبي طلحة عنه وعند أبى عبيد من طريق مجاهد أن رجلا سأله عن رجل قرأ البقرة وآل عمران
ورجل قرأ البقرة فقط قيامهما واحد وركوعهما واحد وسجودهما واحد فقال الذي قرأ
البقرة فقط أفضل ثم تلى وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ومن طريق أبى حمزة قلت
لابن عباس انى سريع القراءة وانى لأقرأ القرآن في ثلاث فقال لأن أقرأ البقرة أرتلها فأتدبرها
خير من أن أقرأ كما تقول وعند ابن أبي داود من طريق أخرى عن أبي حمزة قلت لابن عباس
انى رجل سريع القراءة انى لأقرأ القرآن في ليلة فقال ابن عباس لأن أقرأ سورة أحب إلى أن
كنت لا بد فاعلا فأقرأ قراءة تسمعها أذنيك ويوعها قلبك والتحقيق أن لكل من الاسراع والترتيل
جهة فضل بشرط أن يكون المسرع لا يخل بشئ من الحروف والحركات والسكون الواجبات
فلا يمتنع أن يفضل أحدهما الآخر وأن يستويا فان من رتل وتأمل كمن تصدق بجوهرة واحدة
مثمنة ومن أسرع كمن تصدق بعدة جواهر لكن قيمتها قيمة الواحدة وقد تكون قيمة الواحدة
أكثر من قيمة الأخريات وقد يكون بالعكس ثم ذكر المصنف في الباب حديثين * أحدهما حديث
ابن مسعود (قوله حدثنا واصل) هو ابن حيان بمهملة وتحتانية ثقيلة الأحدب الكوفي ووقع
صريحا عند الإسماعيلي وزعم خلف في الأطراف انه واصل مولى أبى عيينة بن المهلب وغلطوه
في ذلك فان مولى أبى عيينة بصرى وروايته عن البصريين وليست له رواية عن الكوفيين وأبو
وائل شيخ واصل هذا كوفي (قوله عن أبي وائل عن عبد الله قال غدونا على عبد الله) أي ابن
مسعود (فقال رجل قرأت المفصل) كذا أورده مختصرا وقد أخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه
منه البخاري فزاد في أوله غدونا على عبد الله بن مسعود يوما بعد ما صلينا الغداة فسلمنا بالباب
فأذن لنا فمكثنا بالباب هنيهة فخرجت الجارية فقالت الا تدخلون فدخلنا فإذا هو جالس يسبح
فقال ما منعكم أن تدخلوا وقد أذن لكم قلنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم قال ظننتم بآل أم عبد
غفلة فقال رجل من القوم قرأت المفصل البارحة كله فقال عبد الله هذا كهذ الشعر ولأحمد
من طريق الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود أن رجلا أتاه فقال قرأت المفصل في ركعة
فقال بل هذذت كهذ الشعر وكنثر الدقل وهذا الرجل هو نهيك بن سنان كما أخرجه مسلم من
طريق منصور عن أبي وائل في هذا الحديث وقوله هذا بفتح الهاء وبالذال المعجمة المنونة قال
الخطابي معناه سرعة القراءة بغير تأمل كما ينشد الشعر وأصل الهذ سرعة الدفع وعند سعيد بن
منصور من طريق يسار عن أبي وائل عن عبد الله أنه قال في هذه القصة انما فصل لتفصلوه (قوله
ثماني عشرة) تقدم في باب تأليف القرآن من طريق الأعمش عن شقيق فقال فيه عشرين سورة
من أول المفصل والجمع بينهما أن الثمان عشرة غير سورة الدخان والتي معها واطلاق المفصل
على الجميع تغليبا والا فالدخان ليست من المفصل على المرجح لكن يحتمل أن يكون تأليف ابن
مسعود على خلاف تاليف غيره فان في آخر رواية الأعمش على تأليف ابن مسعود آخرهن حم
الدخان وعم فعلى هذا لا تغليب (قوله من آل حاميم) أي السورة التي أولها حم وقيل يريد حم
نفسها كما في حديث أبي موسى أنه أوتى مزمارا من مزامير آل داود يعنى داود نفسه قال
78

الخطابي قوله آل داود يريد به داود نفسه وهو كقوله تعالى أدخلوا آل فرعون أشد العذاب
وتعقبه ابن التين بأن دليله يخالف تأويله قال وانما يتم مراده لو كان الذي يدخل أشد العذاب
فرعون وحده وقال الكرماني لولا أن هذا الحرف ورد في الكتابة منفصلا يعنى آل وحدها وحم
وحدها لجاز أن تكون الألف واللام التي لتعريف الجنس والتقدير وسورتين من الحواميم
(قلت) لكن الرواية أيضا ليست فيها واو نعم في رواية الأعمش المذكورة آخرهن من الحواميم
وهو يؤيد الاحتمال المذكور الله أعلم وأغرب الداودي فقال قوله من آل حاميم من كلام أبى
وائل والا فان أول المفصل عند ابن مسعود من أول الجاثية اه‍ وهذا انما يرد لو كان ترتيب
مصحف ابن مسعود كترتيب المصحف العثماني والامر بخلاف ذلك فان ترتيب السور في مصحف
ابن مسعود يغاير الترتيب في المصحف العثماني فلعل هذا منها ويكون أول المفصل عنده أول
الجاثية والدخان متأخرة في ترتيبه عن الجاثية لا مانع من ذلك وقد أجاب النووي على طريق
التنزل بأن المراد بقوله عشرين من أول المفصل أي معظم العشرين * الحديث الثاني حديث ابن
عباس في نزول قوله تعالى لا تحرك به لسانك لتعجل به وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير القيامة
وجرير المذكور في اسناده هو ابن عبد الحميد بخلاف الذي في الباب بعده وقوله فيه وكان مما
يحرك به لسانه وشفتيه كذا للأكثر وتقدم توجيهه في بدء الوحي ووقع عند المستملى هنا وكان ممن
يحرك ويتعين أن يكون من فيه للتبعيض ومن موصولة والله أعلم وشاهد الترجمة منه النهى
عن تعجيله بالتلاوة فإنه يقتضى استحباب التأني فيه وهو المناسب للترتيل وفى الباب حديث
حفصة أم المؤمنين أخرجه مسلم في أثناء حديث وفيه كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتل السورة
حتى تكون أطول من أطول منها وقد تقدم في أواخر المغازي حديث علقمة أنه قرأ على ابن
مسعود فقال رتل فداك أبي وأمي فإنه زينة القرآن وان هذه الزيادة وقعت عند أبي نعيم في
المستخرج وأخرجها ابن أبي داود أيضا والله أعلم * (قوله باب مد القراءة) المد عند
القراءة على ضربين أصلى وهو اشباع الحرف الذي بعده ألف أو واو أو ياء وغير أصلى وهو ما إذا
أعقب الحرف الذي هذه صفته همزة وهو متصل ومنفصل فالمتصل ما كان من نفس الكلمة
والمنفصل ما كان بكلمة أخرى فالأول يؤتى فيه بالألف والواو والياء ممكنات من غير زيادة والثاني
يزاد في تمكين الألف والواو والياء زيادة على المد الذي لا يمكن النطق بها الا به من غير اسراف
والمذهب الأعدل أنه يمد كل حرف منها ضعفي ما كان يمده أولا وقد يزاد على ذلك قليلا وما أفرط
فهو غير محمود والمراد من الترجمة الضرب الأول (قوله في الرواية الثانية حدثنا عمرو بن عاصم)
وقع في بعض النسخ عمرو بن حفص وهو غلط ظاهر (قوله سئل أنس) ظهر من الرواية الأولى أن
قتادة الراوي هو السائل وقوله في الرواية الأولى كان يمد مدا بين في الرواية الثانية المراد بقوله
يمد بسم الله إلى آخره يمد اللام التي قبل الهاء من الجلالة والميم التي قبل النون من الرحمن والحاء
من الرحيم وقوله 2 في الرواية الأولى كانت مدا أي كانت ذات مد ووقع عند أبي نعيم من طريق أبى
النعمان عن جرير بن حازم في هذه الرواية كان يمد صوته مدا وكذا أخرجه الإسماعيلي من ثلاثة
طرق أخرى عن جرير بن حازم وكذا أخرجه ابن أبي داود من وجه آخر عن جرير وفى رواية له
كان يمد قراءته وأفاد أنه لم يرو هذا الحديث عن قتادة الا جرير بن حازم وهمام بن يحيى وقوله
79

في الثانية يمد ببسم الله كذا وقع بموحدة قبل الموحدة التي في بسم الله كأنه حكى لفظ بسم الله كما
حكى لفظ الرحمن في قوله ويمد بالرحمن أو جعله كالكلمة الواحدة علما لذلك ووقع عند أبي نعيم
من طريق الحسن الحلواني عن عمرو بن عاصم شيخ البخاري فيه يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم
من غير موحدة في الثلاثة وأخرجه ابن أبي داود عن يعقوب بن إسحاق عن عمرو بن عاصم عن
همام وجرير جميعا عن قتادة بلفظ يمد ببسم الله الرحمن الرحيم باثبات الموحدة في أوله أيضا وزاد
في الاسناد جريرا مع همام في رواية عمرو بن عاصم وأخرج ابن أبي داود من طريق قطبة بن مالك
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر ق فمر بهذا الحرف لها طلع نضيد فمد نضيد وهو
شاهد جيد لحديث أنس وأصله عند مسلم والترمذي والنسائي من حديث قطبة نفسه * (تنبيه) *
استدل بعضهم بهذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في
الصلاة ورام بذلك معارضة حديث أنس أيضا المخرج في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان
لا يقرءها في الصلاة وفى الاستدلال لذلك بحديث الباب نظر وقد أوضحته فيما كتبته من النكت
على علوم الحديث لابن الصلاح وحاصله أنه لا يلزم من وصفه بأنه كان إذا قرأ البسملة يمد فيها أن
يكون قرأ البسملة في أول الفاتحة في كل ركعة ولأنه انما ورد بصورة المثال فلا تتعين البسملة
والعلم عند الله تعالى * (قوله باب الترجيع) هو تقارب ضروب الحركات في القراءة
وأصله الترديد وترجيع الصوت ترديده في الحلق وقد فسره كما سيأتي في حديث عبد الله بن مغفل
المذكور في هذا الباب في كتاب التوحيد بقوله أاأ بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم همزة
أخرى ثم قالوا يحتمل أمرين أحدهما أن ذلك حدث من هز الناقة والآخر أنه أشبع المد في
موضعه فحدث ذلك وهذا الثاني أشبه بالسياق فان في بعض طرقه لولا أن يجتمع الناس لقرأت
لكم بذلك اللحن أي النغم وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع فأخرج الترمذي في الشمائل
والنسائي وابن ماجة وابن أبي داود واللفظ له من حديث أم هانئ كنت أسمع صوت النبي صلى
الله عليه وسلم وهو يقرأ وأنا نائمة على فراشي يرجع القرآن والذي يظهر أن في الترجيع قدرا
زائدا على الترتيل فعند ابن أبي داود من طريق أبى اسحق عن علقمة قال بت مع عبد الله بن
مسعود في داره فنام ثم قام فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيه لا يرفع صوته ويسمع من حوله
ويرتل ولا يرجع وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة معنى الترجيع تحسين التلاوة لا ترجيع الغناء
لان القراءة بترجيع الغناء تنافى الخشوع الذي هو مقصود التلاوة قال وفى الحديث ملازمته
صلى الله عليه وسلم للعبادة لأنه حالة ركوبه الناقة وهو يسير لم يترك العبادة بالتلاوة وفى جهره
بذلك ارشاد إلى أن الجهر بالعبادة قد يكون في بعض المواضع أفضل من الاسرار وهو عند
التعليم وايقاظ الغافل ونحو ذلك * (قوله باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن)
كذا لأبي ذر وسقط قوله للقرآن لغيره وقد تقدم في باب من لم يتغن بالقرآن نقل الاجماع على
استحباب سماع القرآن من ذي الصوت الحسن وأخرج ابن أبي داود من طريق ابن أبي مسجعة
قال كان عمر يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم (قوله حدثنا محمد بن
خلف أبو بكر) هو الحدادي بالمهملات وفتح أوله والتثقيل بغدادي مقرئ من صغار شيوخ
البخاري وعاش بعد البخاري خمس سنين وأبو يحيى الحماني بكسر المهملة وتشديد الميم اسمه
80

عبد الحميد بن عبد الرحمن الكوفي وهو والد يحيى بن عبد الحميد الكوفي الحافظ صاحب المسند
وليس لمحمد بن خلف ولا لشيخه أبى يحيى في البخاري الا هذا الموضع وقد أدرك البخاري أبا يحيى
بالسن لكنه لم يلقه (قوله حدثني بريد) في رواية الكشميهني سمعت بريد بن عبد الله (قوله يا أبا
موسى لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود) كذا وقع عنده مختصرا عن طريق بريد وأخرجه
مسلم من طريق طلحة بن يحيى عن أبي بردة بلفظ لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة الحديث
وأخرجه أبو يعلى من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه بزيادة فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم
وعائشة مرا بابى موسى وهو يقرأ في بيته فقاما يستمعان لقراءته ثم إنهما مضيا فلما أصبح لقى أبو
موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا موسى مررت بك فذكر الحديث فقال أما انى لو
علمت بمكانك لحبرته لك تحبيرا ولابن سعد من حديث أنس باسناد على شرط مسلم ان أبا موسى قام
ليلة يصلى فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صوته وكان حلو الصوت فقمن يستمعن فلما أصبح
قيل له فقال لو علمت لحبرته لهن تحبيرا وللروياني من طريق مالك بن مغول عن عبد الله بن بريدة
عن أبيه نحو سياق سعيد بن أبي بردة وقال فيه لو علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع
قراءتي لحبرتها تحبيرا وأصلها عند أحمد وعند الدارمي من طريق الزهري عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لأبي موسى وكان حسن الصوت بالقرآن
لقد أوتى هذا من مزامير آل داود فكان المصنف أشار إلى هذه الطريق في الترجمة وأصل هذا
الحديث عند النسائي من طريق عمرو بن الحرث عن الزهري موصولا بذكر أبي هريرة فيه
ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع قراءة أبى موسى فقال لقد أوتى من مزامير آل داود وقد
اختلف فيه على الزهري فقال معمر وسفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة أخرجه النسائي
وقال الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب مرسلا ولابى يعلى من طريق عبد الرحمن بن
عوسجة عن البراء سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت أبى موسى فقال كان صوت هذا من
مزامير آل داود وأخرج ابن أبي داود من طريق أبى عثمان النهدي قال دخلت دار أبى موسى
الأشعري فما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا نأى أحسن من صوته سنده صحيح وهو في الحلية لأبي
نعيم والصنج بفتح المهملة وسكون النون بعدها جيم هو آلة تتخذ من نحاس كالطبقين يضرب
أحدهما بالآخر والبربط بالموحدتين بينهما راء ساكنة ثم طاء مهملة بوزن جعفر هو آلة تشبه
العود فارسي معرب والناي بنون بغير همز هو المزمار قال الخطابي قوله آل داود يريد داود نفسه
لأنه لم ينقل ان أحدا من أولاد داود ولا من أقاربه كان أعطى من حسن الصوت ما أعطى
(قلت) ويؤيده ما أورده من الطريق الأخرى وقد تقدم في باب من لم يتغن بالقرآن ما نقل عن
السلف في صفة صوت داود والمزاد بالمزمار الصوت الحسن وأصله الآلة أطلق اسمه على
الصوت للمشابهة وفى الحديث دلالة بينة على أن القراءة غير المقروء وسيأتي مزيد بحث في ذلك
في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى * (قوله باب من أحب أن يستمع القرآن من
غيره) في رواية الكشميهني القراءة ذكر فيه حديث ابن مسعود قال لي النبي صلى الله عليه وسلم
اقرأ على القرآن أورده مختصرا ثم أورده مطولا في الباب الذي بعده باب قول المقرئ للقارئ
حسبك والمراد بالقرآن بعض القرآن والذي في معظم الروايات اقرأ على ليس فيه لفظ القرآن بل
81

أطلق فيصدق بالبعض قال ابن بطال يحتمل أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض
القرآن سنة ويحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه وذلك أن المستمع أقوى على التدبر ونفسه
أخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغال بالقراءة واحكامها وهذا بخلاف قراءته هو صلى الله عليه
وسلم على أبي بن كعب كما تقدم في المناقب وغيرها فإنه أراد أن يعلمه كيفية أداء القراءة ومخارج
الحروف ونحو ذلك ويأتي شرح الحديث بعد أبواب في باب البكاء عند قراءة القرآن * (قوله
باب في كم يقرأ القرآن وقول الله تعالى فاقرؤا ما تيسر منه) كأنه أشار إلى الرد على من
قال أقل ما يجزئ من القراءة في كل يوم وليلة جزء من أربعين جزأ من القرآن وهو منقول عن إسحاق
ابن راهويه والحنابلة لان عموم قوله فاقرؤا ما تيسر منه يشمل أقل من ذلك فمن ادعى التحديد
فعليه البيان وقد أخرج أبو داود من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو في كم يقرأ القرآن قال في
أربعين يوما ثم قال في شهر الحديث ولا دلالة فيه على المدعى (قوله حدثنا على) هو ابن المديني
وسفيان هو ابن عيينة وابن شبرمة هو عبد الله قاضى الكوفة ولم يخرج له البخاري الا في موضع
واحد يأتي في الأدب شاهدا وأخرج من كلامه غير ذلك (قوله كم يكفي الرجل من القرآن) أي في
الصلاة (قوله قال على) هو ابن المديني وهو موصول من تتمة الخبر المذكور ومنصور هو ابن
المعتمر وإبراهيم هو النخعي وقد تقدم نقل الاختلاف في روايته لهذا الحديث عن عبد الرحمن
ابن يزيد وعن علقمة في باب فضل سورة البقرة وتقدم بيان المراد بقوله كفتاه وما استدل به ابن
عيينة انما يجئ على أحد ما قيل في تأويل كفتاه أي في القيام في الصلاة بالليل وقد خفيت
مناسبة حديث أبي مسعود بالترجمة على ابن كثير والذي يظهر انها من جهة أن الآية المترجم بها
تناسب ما استدل به ابن عيينة من حديث أبي مسعود والجامع بينهما أن كلا من الآية والحديث
يدل على الاكتفاء بخلاف ما قال ابن شبرمة (قوله حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي
ومغيرة هو ابن مقسم (قوله أنكحني أبى) أي زوجني وهو محمول على أنه كان المشير عليه بذلك
والا فعبد الله بن عمرو حينئذ كان رجلا كاملا ويحتمل أن يكون قام عنه بالصداق ونحو ذلك
(قوله امرأة ذات حسب) في رواية أحمد عن هشيم عن مغيرة وحصين عن مجاهد في هذا الحديث
امرأة من قريش أخرجه النسائي من هذا الوجه وهى أم محمد بنت محمية بفتح الميم وسكون
المهملة وكسر الميم بعدها تحتانية مفتوحة خفيفة ابن جزء الزبيدي حليف قريش ذكرها الزبير
وغيره (قوله كنته) بفتح الكاف وتشديد النون هي زوج الولد (قوله نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا
فراشا) قال ابن مالك يستفاد منه وقوع التمييز بعد فاعل نعم الظاهر وقد منعه سيبويه وأجازه المبرد
وقال الكرماني يحتمل أن يكون التقدير نعم الرجل من الرجال قال وقد تفيد النكرة في الاثبات
التعميم كما في قوله تعالى علمت نفس ما أحضرت قال ويحتمل أن يكون من التجريد كأنه جرد من
رجل موصوف بكذا وكذا رجلا فقال نعم الرجل المجرد من كذا رجل صفته كذا (قوله لم يطأ لنا
فراشا) أي لم يضاجعنا حتى يطأ فراشنا (قوله ولم يفتش لنا كنفا) كذا للأكثر بفاء ومثناة ثقيلة
وشين معجمة وفى رواية أحمد والنسائي والكشميهني ولم يغش بغين معجمة ساكنة بعدها شين معجمة
وكنفا بفتح الكاف النون بعدها فاء هو الستر والجانب وأرادت بذلك الكناية عن عدم جماعه
لها لان عادة الرجل ان يدخل يده مع زوجته في دواخل أمرها وقال الكرماني يحتمل أن يكون
82

المراد بالكنف الكنيف وأرادت انه لم يطعم عندها حتى يحتاج إلى أن يفتش عن موضع قضاء
الحاجة كذا قال والأول أولى وزاد في رواية هشيم فاقبل على يلومني فقال أنكحتك امرأة من
قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني (قوله فلما
طال ذلك) أي على عمرو ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وكأنه تأنى في شكواه رجاء أن يتدارك
فلما تمادى على حاله خشى أن يلحقه اثم بتضييع حق الزوجة فشكاه (قوله فقال القنى) أي قال
لعبد الله بن عمرو وفى رواية هشيم فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويجمع بينهما بأنه أرسل إليه
أولا ثم لقيه اتفاقا فقال له اجتمع بي (قوله فقال كيف تصوم قلت أصوم كل يوم) تقدم ما يتعلق
بالصوم في كتاب الصوم مشروحا وقوله في هذه الرواية صم ثلاثة أيام في الجمعة قلت أطيق أكثر
من ذلك قال صم يوما وأفطر يومين قلت أطيق أكثر من ذلك قال الداودي هذا وهم من الراوي
لان ثلاثة أيام من الجمعة أكثر من فطر يومين وصيام يوم وهو انما يدرجه من الصيام القليل
إلى الصيام الكثير (قلت) وهو اعتراض متجه فلعله وقع من الراوي فيه تقديم وتأخير وقد
سلمت رواية هشيم من ذلك فان لفظه صم في كل شهر ثلاثة أيام قلت انى أقوى أكثر من ذلك فلم
يزل يرفعني حتى قال صم يوما وأفطر يوما (قوله واقرأ في كل سبع ليال مرة) أي اختم في كل سبع
فليتني قبلت كذا وقع في هذه الرواية اختصارا وفى غيرها مراجعات كثيرة في ذلك كما سأبينه
(قوله فكان يقرأ) هو كلام مجاهد يصف صنيع عبد الله بن عمرو لما كبر وقد وقع مصرحا به
في رواية هشيم (قوله على بعض أهله) أي على من تيسر منهم وانما كان يصنع ذلك بالنهار
ليتذكر ما يقرأ به في قيام الليل خشية أن يكون خفى عليه شئ منه بالنسيان (قوله وإذا أراد أن
يتقوى أفطر أياما إلى آخره) يؤخذ منه أن الأفضل لمن أراد أن يصوم صوم داود أن يصوم يوما
ويفطر يوما دائما ويؤخذ من صنيع عبد الله بن عمرو أن من أفطر من ذلك وصام قدر ما أفطر
أنه يجزئ عنه صيام يوم وافطار يوم (قوله وقال بعضهم في ثلاث أو في سبع) كذا لأبي ذر
ولغيره في ثلاث وفى خمس وسقط ذلك للنسفي وكان المصنف أشار بذلك إلى رواية شعبة عن
مغيرة بهذا الاسناد فقال اقرأ القرآن في كل شهر قال انى أطيق أكثر من ذلك فما زال حتى قال في
ثلاث فان الخمس تؤخذ منه بطريق التضمن وقد تقدم للمصنف في كتاب الصيام ثم وجدت في
مسند الدارمي من طريق أبى فروة عن عبد الله بن عمرو قال قلت يا رسول الله في كم أختم القرآن
قال اختمه في شهر قلت انى أطيق قال اختمه في خمسة وعشرين قلت انى أطيق قال اختمه في
عشرين قلت انى أطيق قال اختمه في خمس عشرة قلت انى أطيق قال اختمه في خمس قلت انى
أطيق قال لا وأبو فروة هذا هو الجهني واسمه عروة بن الحرث وهو كوفي ثقة ووقع في رواية هشيم
المذكورة قال فاقرأه في كل شهر قلت انى أجدني أقوى من ذلك قال فاقرأه في كل عشرة أيام
قلت انى أجدني أقوى من ذلك قال أحدهما اما حصين واما مغيرة قال فاقرأه في كل ثلاث وعند
أبى داود والترمذي مصححا من طريق يزيد بن عبد الله بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو مرفوعا
لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث وشاهده عند سعيد بن منصور باسناد صحيح من وجه آخر
عن ابن مسعود اقرؤا القرآن في سبع ولا تقرؤه في أقل من ثلاث ولابى عبيد من طريق الطيب
ابن سلمان عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يختم القرآن في أقل من ثلاث
83

وهذا اختيار أحمد وأبى عبيد وإسحاق بن راهويه وغيرهم وثبت عن كثير من السلف انهم قرؤا
القرآن في دون ذلك قال النووي والاختيار أن ذلك يختلف بالاشخاص فمن كان من أهل الفهم
وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر واستخراج
المعاني وكذا من كان له شغل بالعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يستحب له
أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه ومن لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار
ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرؤه هذرمة والله أعلم (قوله وأكثرهم) أي أكثر الرواة
عن عبد الله بن عمرو (قوله على سبع) كأنه يشير إلى رواية أبى سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن
عمرو الموصولة عقب هذا فان في آخره ولا يزد على ذلك أي لا يغير الحال المذكورة إلى حالة أخرى
فأطلق الزيادة والمراد النقص والزيادة هنا بطريق التدلي أي لا يقرؤه في أقل من سبع ولابى
داود والترمذي والنسائي من طريق وهب بن منبه عن عبد الله بن عمرو أنه سأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم في كم يقرأ القرآن قال في أربعين يوما ثم قال في شهر ثم قال في عشرين ثم قال في
خمس عشرة ثم قال في عشر ثم قال في سبع ثم لم ينزل عن سبع وهذا إن كان محفوظا احتمل في
الجمع بينه وبين رواية أبى فروة تعدد القصة فلا مانع أن يتعدد قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد
الله بن عمرو ذلك تأكيدا ويؤيده الاختلاف الواقع في السياق وكأن النهى عن الزيادة ليس
على التحريم كما أن الامر في جميع ذلك ليس للوجوب وعرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها
السياق وهو النظر إلى عجزه عن سوى ذلك في الحال أو في المآل وأغرب بعض الظاهرية فقال
يحرم أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث وقال النووي أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك وانما
هو بحسب النشاط والقوة فعلى هذا يختلف باختلاف الأحوال والاشخاص والله أعلم (قوله
عن يحيى) هو ابن أبي كثير ومحمد بن عبد الرحمن وقع في الاسناد الثاني انه مولى زهرة وهو محمد بن
عبد الرحمن بن ثوبان فقد ذكر ابن حبان في الثقات انه مولى الأخنس بن شريق الثقفي وكان
الأخنس ينسب زهريا لأنه كان من حلفائهم وجزم جماعة بان ابن ثوبان عامري فلعله كان ينسب
عامريا بالأصالة وزهريا بالحلف ونحو ذلك والله أعلم * (تنبيه) * هذا التعليق وهو قوله وقال
بعضهم الخ ذهلت عن تخريجه في تعليق التعليق وقد يسر الله تعالى بتحريره هنا ولله الحمد (قوله في
كم تقرأ القرآن) كذا اقتصر البخاري في الاسناد العالي على بعض المتن ثم حوله إلى الاسناد الآخر
واسحق شيخه فيه هو ابن منصور وعبيد الله هو ابن موسى وهو من شيوخ البخاري الا أنه ربما
حدث عنه بواسطة كما هنا (قوله عن أبي سلمة قال وأحسبني قال سمعت أنا من أبى سلمة) قائل
ذلك هو يحيى بن أبي كثير قال الإسماعيلي خالف أبان بن يزيد العطار شيبان بن عبد الرحمن في هذا
الاسناد عن يحيى بن أبي كثير ثم ساقه من وجهين عن أبان عن يحيى عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي
سلمة وزاد في سياقه بعد قوله أقرأه في شهر قال انى أجد قوة قال في عشرين قال انى أجد قوة
قال في عشر قال انى أجد قوة قال في سبع ولا تزد على ذلك قال الإسماعيلي ورواه عكرمة بن
عمار عن يحيى قال حدثنا أبو سلمة بغير واسطة وساقه من طريقه قلت كأن يحيى بن أبي كثير
كان يتوقف في تحديث أبى سلمة له ثم تذكر أنه حدثه به أو بالعكس كان يصرح بتحديثه ثم توقف
ونحقق أنه سمعه بواسطة محمد بن عبد الرحمن ولا يقدح في ذلك مخالفة أبان لان شيبان أحفظ
84

من أبان أو كان عند يحيى عنهما ويؤيده اختلاف سياقهما وقد تقدم في الصيام من طريق
الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة مصرحا بالسماع بغير توقف لكن لبعض الحديث في قصة الصيام
حسب قال الإسماعيلي قصة الصيام لم تختلف على يحيى في روايته إياها عن أبي سلمة عن عبد الله
ابن عمرو بغير واسطة * (تنبيه) * المراد بالقرآن في حديث الباب جميعه ولا يرد على هذا ان
القصة وقعت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بمدة وذلك قبل أن ينزل بعض القرآن الذي تأخر
نزوله لأنا نقول سلمنا ذلك لكن العبرة بما دل عليه الاطلاق وهو الذي فهم الصحابي فكان يقول
ليتني لو قبلت الرخصة ولا شك انه بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أضاف الذي نزل آخرا إلى
ما نزل أولا فالمراد بالقرآن جميع ما كان نزل إذ ذاك وهو معظمه ووقعت الإشارة إلى أن ما نزل
بعد ذلك يوزع بقسطه والله أعلم * (قوله باب البكاء عند قراءة القرآن) قال
النووي البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين وشعار الصالحين قال الله تعالى ويخرون
للأذقان يبكون خروا سجدا وبكيا والأحاديث فيه كثيرة قال الغزالي يستحب البكاء مع القراءة
وعندها وطريق تحصيله أن يحصر قلبه الحزن والخوف بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد
والوثائق والعهود ثم ينظر تقصيره في ذلك فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد ذلك وانه من أعظم
المصائب ثم ذكر المصنف في الباب حديث ابن مسعود المذكور في تفسير سورة النساء وساق المتن
هناك على لفظ شيخه صدقة بن الفضل المروزي وساقه هنا على لفظ شيخه مسدد كلاهما عن
يحيى القطان وعرف من هنا المراد بقوله بعض الحديث عن عمرو بن مرة وحاصله ان الأعمش سمع
الحديث المذكور من إبراهيم النخعي وسمع بعضه من عمرو بن مرة عن إبراهيم وقد أوضحت ذلك في
تفسير سورة النساء أيضا ويظهر لي ان القدر الذي عند الأعمش عن عمرو بن مرة من هذا الحديث
من قوله فقرأت النساء إلى آخر الحديث وأما ما قبله إلى قوله إن أسمعه من غيري فهو عند الأعمش
عن إبراهيم كما هو في الطريق الثانية في هذا الباب وكذا أخرجه المصنف من وجه آخر عن
الأعمش قبل ببابين وتقدم قبل بباب واحد عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري
مقتصرا على طريق الأعمش عن إبراهيم من غير تبيين التفصيل الذي في رواية يحيى القطان عن
الثوري وهو يقتضى ان في رواية الفريابي ادراجا وقوله في هذه الرواية وعن أبيه هو معطوف
على قوله عن سليمان وهو الأعمش وحاصله أن سفيان الثوري روى هذا الحديث عن الأعمش
ورواه أيضا عن أبيه وهو سعيد بن مسروق الثوري عن أبي الضحى ورواية إبراهيم عن عبيدة بن
عمرة عن ابن مسعود موصولة ورواية أبى الضحى عن عبد الله بن مسعود منقطعة ووقع في رواية
أبى الأحوص عن سعيد بن مسروق عن أبي الضحى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد
الله بن مسعود فذكره وهذا أشد انقطاعا أخرجه سعيد بن منصور وقوله اقرأ على وقع في رواية
علي بن مسهر عن الأعمش بلفظ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر اقرأ على ووقع
في رواية محمد بن فضالة الظفري ان ذلك كان وهو صلى الله عليه وسلم في بنى ظفر أخرجه ابن أبي حاتم
والطبراني وغيرهما من طريق يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم
في بنى ظفر ومعه ابن مسعود وناس من أصحابه فأمر قارئا فقرأ فأتى على هذه الآية فكيف إذا
جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فبكى حتى ضرب لحياه ووجنتاه فقال يا رب
85

هذا على من انا بين ظهريه فكيف بمن لم أره وأخرج ابن المبارك في الزهد من طريق سعيد
ابن المسيب قال ليس من يوم الا يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم
بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم ففي هذا المرسل ما يرفع الاشكال الذي تضمنه حديث
ابن فضالة والله أعلم قال ابن بطال انما بكى صلى الله عليه وسلم عند تلاوته هذه الآية لأنه مثل
لنفسه أهوال يوم القيامة وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لامته بالتصديق وسؤاله الشفاعة
لأهل الموقف وهو أمر يحق له طول البكاء انتهى والذي يظهر انه بكى رحمة لامته لأنه علم أنه لا بد
أن يشهد عليهم بعملهم وعملهم قد لا يكون مستقيما فقد يفضى إلى تعذيبهم والله أعلم
* (قوله باب اثم من راءى بقراءة القرآن أو تأكل به) كذا للأكثر وفى رواية رأيا
بتحتانية بدل الهمزة وتأكل أي طلب الاكل وقوله أو فجر به للأكثر بالجيم وحكى ابن التين ان
في رواية بالخاء المعجمة ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث * أحدها حديث على في ذكر الخوارج وقد
تقدم في علامات النبوة وأغرب الداودي فزعم أنه وقع هنا عن سويد بن غفلة قال سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم قال واختلف في صحبه سويد والصحيح ما هنا انه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم
كذا قال معتمدا على الغلط الذي نشأ له عن السقط والذي في جميع نسخ صحيح البخاري عن سويد
ابن غفلة عن علي رضي الله عنه قال سمعت وكذا في جميع المسانيد وهو حديث مشهور لسويد
ابن غفلة عن علي ولم يسمع سويد من النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح وقد قيل إنه صلى مع النبي
صلى الله عليه وسلم ولا يصح والذي يصح انه قدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وصح سماعه من الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة وصح انه أدى صدقة ماله في
حياة النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو نعيم مات سنة ثمانين وقال أبو عبيد سنة إحدى وقال عمرو
ابن علي سنة اثنتين وبلغ مائة وثلاثين سنة وهو جعفي يكنى أبا أمية نزل الكوفة ومات بها
وسيأتى البحث في قتال الخوارج في كتاب المحاربين وقوله الأحلام أي العقول وقوله يقولون
من قول خير البرية هو من المقلوب والمراد من قول خير البرية أي من قول الله وهو المناسب
للترجمة وقوله لا يجاوز حناجرهم قال الداودي يريد أنهم تعلقوا بشئ منه (قلت) إن كان
مراده بالتعلق الحفظ فقط دون العلم بمدلوله فعسى أن يتم له مراده والا فالذي فهمه الأئمة من
السياق ان المراد ان الايمان لم يرسخ في قلوبهم لان ما وقف عند الحلقوم فلم يتجاوزه لا يصل
إلى القلب وقد وقع في حديث حذيفة نحو حديث أبي سعيد من الزيارة لا يجاوز تراقيهم
ولا تعيه قلوبهم * الحديث الثاني حديث أبي سلمة عن أبي سعيد في ذكر الخوارج أيضا
وسيأتى شرحه أيضا في استتابة المرتدين وتقدم من وجه آخر في علامات النبوة ومناسبة
هذين الحديثين للترجمة ان القراءة إذا كانت لغير الله فهي للرياء أو للتأكل به ونحو ذلك
فالأحاديث الثلاثة دالة لأركان الترجمة لان منهم من رأيا به واليه الإشارة في حديث أبي موسى
ومنهم من تأكل به وهو مخرج من حديثه أيضا ومنهم من فجر به وهو مخرج من حديث على
وأبى سعيد وقد أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن من وجه آخر عن أبي سعيد وصححه الحاكم
رفعه تعلموا القرآن واسألوا الله به قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا فان القرآن يتعلمه ثلاثة
نفر رجل يباهى به ورجل يستأكل به ورجل يقرؤه لله وعند ابن أبي شيبة من حديث ابن
86

عباس موقوفا لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فان ذلك يوقع الشك في قلوبكم وأخرج أحمد
وأبو يعلى من حديث عبد الرحمن بن شبل رفعه اقرؤا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تحفوا عنه
ولا تأكلوا به الحديث وسنده قوى وأخرج أبو عبيد عن عبد الله بن مسعود سيجئ زمان
يسئل فيه بالقرآن فإذا سألوكم فلا تعطوهم * الحديث الثالث حديث أبي موسى الذي تقدم
مشروحا في باب فضل القرآن على سائر الكلام وهو ظاهر فيما ترجم له ووقع هنا عند الإسماعيلي
من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة بسنده قال شعبة وحدثني شبل يعنى ابن عزرة انه سمع أنس بن
مالك بهذا (قلت) وهو حديث آخر أخرجه أبو داود في مثل الجليس الصالح والجليس السوء
* (قوله باب اقرؤا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم) أي اجتمعت (قوله فإذا
اختلفتم أي في فهم معانيه (فقوموا عنه) أي تفرقوا لئلا يتمادى بكم الاختلاف إلى الشر قال
عياض يحتمل أن يكون النهى خاصا بزمنه صلى الله عليه وسلم لئلا يكون ذلك سببا لنزول
ما يسؤهم كما في قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم ويحتمل أن يكون المعنى اقرؤا
والزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه فإذا وقع الاختلاف أو عرض عارض شبهة يقتضى
المنازعة الداعية إلى الافتراق فاتركوا القراءة وتمسكوا بالمحكم الموجب للألفة وأعرضوا عن
المتشابه المؤدى إلى الفرقة وهو كقوله صلى الله عليه وسلم فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه
فاحذروهم ويحتمل انه ينهى عن القراءة إذا وقع الاختلاف في كيفية الأداء بأن يتفرقوا عند
الاختلاف ويستمر كل منهم على قراءته ومثله ما تقدم عن ابن مسعود لما وقع بينه وبين الصحابيين
الآخرين الاختلاف في الأداء فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال كلكم محسن وبهذه
النكتة تظهر الحكمة في ذكر حديث ابن مسعود عقيب حديث جندب (قوله تابعه الحرث
ابن عبيد وسعيد بن زيد عن أبي عمران) أي في رفع الحديث فأما متابعة الحرث وهو ابن قدامة
الأيادي فوصلها الدارمي عن أبي غسان مالك بن إسماعيل عنه ولفظه مثل رواية حماد بن زيد وأما
متابعة سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن زيد فوصلها الحسن بن سفيان في مسنده من طريق أبى
هشام المخزومي عنه قال سمعت أبا عمران قال حدثنا جندب فذكر الحديث مرفوعا وفى آخره فإذا
اختلفتم فيه فقوموا (قوله ولم يرفعه حماد بن سلمة وأبان) يعنى ابن يزيد العطار أما رواية حماد
ابن سلمة فلم تقع لي موصولة وأما رواية أبان فوقعت في صحيح مسلم من طريق حبان بن هلال عنه
ولفظه قال لنا جندب ونحن غلمان فذكره لكن مرفوعا أيضا فلعله وقع للمصنف من وجه آخر
عنه موقوفا (قوله وقال غندر عن شعبة عن أبي عمران سمعت جندبا قوله) وصله الإسماعيلي
من طريق بندار عن غندر (قوله وقال ابن عون عن أبي عمران عن عبد الله بن الصامت عن عمر
قوله) ابن عون هو عبد الله البصري الامام المشهور وهو من أقران أبى عمران وروايته هذه
وصلها أبو عبيد عن معاذ بن معاذ عنه وأخرجها النسائي من وجه آخر عنه (قوله وجندب
أصح وأكثر) أي أصح اسنادا وأكثر طرقا وهو كما قال فان الجم الغفير رووه عن أبي عمران
عن جندب الا انهم اختلفوا عليه في رفعه ووقفه والذين رفعوه ثقات حفاظ فالحكم لهم وأما
رواية ابن عون فشاذة لم يتابع عليها قال أبو بكر بن أبي داود لم يخطئ ابن عون قط الا في هذا
والصواب عن جندب انتهى ويحتمل أن يكون ابن عون حفظه ويكون لأبي عمران فيه شيخ آخر
87

وانما توارد الرواة على طريق جندب لعلوها والتصريح يرفعها وقد أخرج مسلم من وجه آخر
عن أبي عمران هذا حديثا آخر في المعنى أخرجه من طريق حماد عن أبي عمران الجوني عن
عبد الله بن رباح عن عبد الله بن عمر قال هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسمع رجلين اختلفا
في آية فخرج يعرف الغضب في وجهه فقال انما هلك من كان قبلكم بالاختلاف في الكتاب وهذا
مما يقوى أن يكون لطريق ابن عون أصل والله أعلم (قوله النزال) بفتح النون وتشديد الزاي
وآخره لام (ابن سبرة) بفتح المهملة وسكون الموحدة الهلالي تابعي كبير قد قيل إنه له صحبة وذهل
المزي فجزم في الأطراف بأن له صحبة وجزم في التهذيب بأن له رواية عن أبي بكر الصديق مرسلة
(قوله إنه سمع رجلا يقرأ آية سمع النبي صلى الله عليه وسلم قرأ خلافها) هذا الرجل يحتمل أن يكون
هو أبي بن كعب فقد أخرج الطبري من حديث أبي بن كعب انه سمع ابن مسعود يقرأ آية قرأ
خلافها وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كلا كما محسن الحديث وقد تقدم في باب أنزل
القرآن على سبعة أحرف بيان عدة ألفاظ لهذا الحديث (قوله فاقرآ) بصيغة الامر للاثنين
(قوله أكبر على) هذا الشك من شعبة وقد أخرجه أبو عبيد عن حجاج بن محمد عن شعبة قال
أكبر علمي انى سمعته وحدثني عنه مسعود فذكره (قوله فان من كان قبلكم اختلفوا فاهلكهم)
في رواية المستملى فأهلكوا بضم أوله وعند ابن حبان والحاكم من طريق زر بن حبيش عن ابن
مسعود في هذه القصة انما أهلك من كان قبلكم الاختلاف وقد تقدم القول في معنى الاختلاف
في حديث جندب الذي قبله وفى رواية زر المذكورة من الفائدة ان السورة التي اختلف فيها أبى
وابن مسعود كانت من آل حم وفى المبهمات للخطيب انها الأحقاف ووقع عند عبد الله بن أحمد
في زيادات المسند في هذا الحديث ان اختلافهم كان في عددها هل هي خمس وثلاثون آية أو ست
وثلاثون الحديث وفى هذا الحديث والذي قبله الحض على الجماعة والألفة والتحذير من
الفرقة والاختلاف والنهى عن المراء في القرآن بغير حق ومن شر ذلك ان تظهر دلالة الآية على
شئ يخالف الرأي فيتوسل بالنظر وتدقيقه إلى تأويلها وحملها على ذلك الرأي ويقع اللجاج في
ذلك والمناضلة عليه * (خاتمة) * اشتمل كتاب فضائل القرآن من الأحاديث المرفوعة على تسعة
وتسعين حديثا المعلق منها وما التحق به من المتابعات تسعة عشر حديثا والباقي موصولة المكرر
منها فيه وفيما مضى ثلاثة وسبعون حديثا والباقي خالص وافقه مسلم على تخريجها سوى
حديث أنس فيمن جمع القرآن وحديث قتادة بن النعمان في فضل قل هو الله أحد وحديث أبي
سعيد في ذلك وحديثه أيضا أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن وحديث عائشة في قراءة المعوذات
عند النوم وحديث ابن عباس في قراءته المفصل وحديثه لم يترك الا ما بين الدفتين وحديث أبي
هريرة لا حسد الا في اثنتين وحديث عثمان ان خيركم من تعلم القرآن وحديث أنس كانت
قراءته مدا وحديث عبد الله بن مسعود انه سمع رجلا يقرأ آية وفيه من الآثار عن الصحابة فمن
بعدهم سبعة آثار والله أعلم
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (كتاب النكاح) *
88

كذا للنسفي وعن رواية الفربري تأخير البسملة والنكاح في اللغة الضم والتداخل وتجوز من
قال إنه الضم وقال الفراء النكح بضم ثم سكون اسم الفرج ويجوز كسر أوله وكثر استعماله في
الوطء وسمى به العقد لكونه سببه قال أبو القاسم الزجاجي هو حقيقة فيهما وقال الفارس إذا
قالوا نكح فلانة أو بنت فلان فالمراد العقد وإذا قالوا نكح زوجته فالمراد الوطء وقال آخرون
أصله لزوم شئ لشئ مستعليا عليه ويكون في المحسوسات وفى المعاني قالوا نكح المطر الأرض
ونكح النعاس عينه ونكحت القمح في الأرض إذا حرثتها وبذرته فيها ونكحت الحصاة أخفاف
الإبل وفى الشرع حقيقة في العقد مجاز في الوطء على الصحيح والحجة في ذلك كثرة وروده
في الكتاب والسنة للعقد حتى قيل إنه لم يرد في القرآن الا للعقد ولا يرد مثل قوله حتى تنكح زوجا
غيره لان شرط الوطء في التحليل انما ثبت بالسنة والا فالعقد لا بد منه لان قوله حتى تنكح معناه
حتى تتزوج أي يعقد عليها ومفهومه ان ذلك كاف بمجرده لكن بينت السنة أن لا عبرة بمفهوم
الغاية بل لا بد بعد العقد من ذوق العسيلة كما أنه لا بد بعد ذلك من التطليق ثم العدة نعم أفاد أبو
الحسن بن فارس ان النكاح لم يرد في القرآن الا للتزويج الا في قوله تعالى وابتلوا اليتامى حتى إذا
بلغوا النكاح فان المراد به الحلم والله أعلم وفى وجه للشافعية كقول الحنفية انه حقيقة في الوطء
مجاز في العقد وقيل مقول بالاشتراك على كل منهما وبه جزم الزجاجي وهذا الذي يترجح في نظري
وإن كان أكثر ما يستعمل في العقد ورجح بعضهم الأول بأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباح
ذكره فيبعد أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعه لما لا يستفظعه فدل على أنه في الأصل
للعقد وهذا يتوقف على تسليم المدعى اها كلها كنايات وقد جمع اسم النكاح ابن القطاع فزادت
على الألف * (قوله باب الترغيب في النكاح لقوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم
من النساء) زاد الأصيلي وأبو الوقت الآية ووجه الاستدلال انها صيغة أمر تقتضى الطلب
وأقل درجاته الندب فثبت الترغيب وقال القرطبي لا دلالة فيه لان الآية سيقت لبيان ما يجوز
الجمع بينه من اعداد النساء ويحتمل أن يكون البخاري انتزع ذلك من الامر بنكاح الطيب مع
ورود النهى عن ترك الطيب ونسبه فاعله إلى الاعتداء في قوله تعالى لا تحرموا طيبات ما أحل
الله لكم ولا تعتدوا وقد اختلف في النكاح فقال الشافعية ليس عبادة ولهذا لو نذره لم ينعقد
وقال الحنفية هو عبادة والتحقيق ان الصورة التي يستحب فيها النكاح كما سيأتي بيانه تستلزم أن
يكون حينئذ عبادة فمن نفى نظر إليه في حد ذاته ومن أثبت نظر إلى الصورة المخصوصة ثم ذكر
المصنف في الباب حديثين * الأول حديث أنس وهو من المتفق عليه لكن من طريقين إلى أنس
(قوله جاء ثلاثة رهط) كذا في رواية حميد وفى رواية ثابت عند مسلم ان نفرا من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم ولا منافاة بينهما فالرهط من ثلاثة إلى عشرة والنفر من ثلاثة إلى تسعة وكل
منهما اسم جمع لا واحد له من لفظه ووقع في مرسل سعيد بن المسيب عند عبد الرزاق ان الثلاثة
المذكورين هم علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص وعثمان بن مظعون وعند ابن
مردويه من طريق الحسن العدني كان على في أناس ممن أرادوا أن يحرموا الشهوات فنزلت
الآية في المائدة ووقع في أسباب الواحدي بغير اسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر
الناس وخوفهم فاجتمع عشرة من الصحابة وهم أبو بكر وعمر وعلى وابن مسعود وأبو ذر وسالم
89

مولى أبى حذيفة والمقداد وسلمان وعبد الله بن عمرو بن العاص ومعقل بن مقرن في بيت عثمان
ابن مظعون فاتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش ولا يأكلوا
اللحم ولا يقربوا النساء ويجبوا مذاكيرهم فإن كان هذا محفوظا احتمل أن يكون الرهط الثلاثة
هم الذين باشروا السؤال فنسب ذلك إليهم بخصوصهم تارة ونسب تارة للجميع لاشتراكهم في
طلبه ويؤيد أنهم كانوا أكثر من ثلاثة في الجملة ما روى مسلم من طريق سعيد بن هشام انه قدم
المدينة فأراد أن يبيع عقاره فيجعله في سبيل الله ويجاهد الروم حتى يموت فلقى ناسا بالمدينة
فنهوه عن ذلك وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم
فلما حدثوه ذلك راجع امرأته وكان قد طلقها يعنى بسبب ذلك لكن في عد عبد الله بن عمرو معهم
نظر لان عثمان بن مظعون مات قبل أن يهاجر عبد الله فيما أحسب (قوله يسألون عن عبادة
النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية مسلم عن علقمة في السر (قوله كأنهم تقالوها) بتشديد اللام
المضمومة أي استقلوها وأصل تقالوها تقاللوها أي رأى كل منهم انها قليلة (قوله فقالوا وأين
نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له) في رواية الحموي والكشميهني وقد غفر له بضم أوله
والمعنى ان من لم يعلم بحصول ذلك له يحتاج إلى المبالغة في العبادة عسى أن يحصل بخلاف من
حصل له لكن قد بين النبي صلى الله عليه وسلم ان ذلك ليس بلازم فأشار إلى هذا بأنه أشدهم
خشية وذلك بالنسبة لمقام العبودية في جانب الربوبية وأشار في حديث عائشة والمغيرة كما تقدم
في صلاة الليل إلى معنى آخر بقوله أفلا أكون عبدا شكورا (قوله فقال أحدهم أما أنا فأنا أصلى
الليل أبدا) هو قيد لليل لا لأصلى وقوله فلا أتزوج أبدا أكد المصلى ومعتزل النساء بالتأبيد ولم
يؤكد الصيام لأنه لا بد له من فطر الليالي وكذا أيام العيد ووقع في رواية مسلم فقال بعضهم
لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أنام على الفراش وظاهره مما يؤكد
زيادة عدد القائلين لان ترك أكل اللحم أخص من مداومة الصيام واستغراق الليل بالصلاة
أخص من ترك النوم على الفراش ويمكن التوفيق بضروب من التجوز (قوله فجاء إليهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال أنتم الذين قلتم) في رواية مسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد
الله وأثنى عليه وقال ما بال أقوام قالوا كذا ويجمع بأنه منع من ذلك عموما جهرا مع عدم تعيينهم
وخصوصا فيما بينه وبينهم رفقا بهم وسترا لهم (قوله أما والله) بتخفيف الميم حرف تنبيه
بخلاف قوله في أول الخبر أما أنا فإنها بتشديد الميم للتقسيم (قوله انى لأخشاكم لله وأتقاكم له)
فيه إشارة إلى رد ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره
فأعلمهم انه مع كونه يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشددون وانما كان
كذلك لان المشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره وخير العمل ما داوم
عليه صاحبه وقد أرشد إلى ذلك في قوله في الحديث الآخر المنيب لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى
وسيأتى مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى وتقدم في كتاب العلم شئ منه (قوله لكني)
استدراك من شئ محذوف دل عليه السياق أي أنا وأنتم بالنسبة إلى العبودية سواء لكن أنا أعمل
كذا (قوله فمن رغب عن سنتي فليس منى) المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض والرغبة
عن الشئ الاعراض عنه إلى غيره والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس منى ولمح
90

بذلك إلى طريق الرهبانية فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى وقد عابهم بأنهم
ما وفوه بما التزموه وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم
وينام ليتقوى على القيام ويتزوج لكسر الشهوة واعفاف النفس وتكثير النسل وقوله فليس
منى إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه فمعنى فليس منى أي على طريقتي ولا
يلزم أن يخرج عن الملة وإن كان اعراضا وتنطعا يفضى إلى اعتقاد أرجحية عمله فمعنى فليس منى
ليس على ملتي لان اعتقاد ذلك نوع من الكفر وفى الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب
فيه وفيه تتبع أحوال الأكابر للتأسي بأفعالهم وانه إذا تعذرت معرفته من الرجال جاز
استكشافه من النساء وان من عزم على عمل بر واحتاج إلى اظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن
ذلك ممنوعا وفيه تقديم الحمد والثناء على الله عند القاء مسائل العلم وبيان الاحكام للمكلفين
وإزالة الشبهة عن المجتهدين وان المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب وقال
الطبري فيه الرد على من منع استعمال الحلال من الأطعمة والملابس وآثر غليظ الثياب وخشن
المأكل قال عياض هذا مما اختلف فيه السلف فمنهم من نحا إلى ما قال الطبري ومنهم من عكس
واحتج بقوله تعالى أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا قال والحق ان هذه الآية في الكفار وقد
أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالامرين (قلت) لا يدل ذلك لاحد الفريقين إن كان المراد
المداومة على أحد الصفتين والحق ان ملازمة استعمال الطيبات تفضى إلى الترفه والبطر
ولا يأمن من الوقوع في الشبهات لان من اعتاد ذلك قد لا يجده أحيانا فلا يستطيع الانتقال
عنه فيقع في المحظور كما أن منع تناول ذلك أحيانا يفضى إلى التنطع المنهى عنه ويرد عليه صريح
قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق كما أن الاخذ بالتشديد في
العبادة يفضى إلى الملل القاطع لأصلها وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلا وترك التنفل
يفضى إلى ايثار البطالة وعدم النشاط إلى العبادة وخير الأمور الوسط وفى قوله انى لأخشاكم
لله مع ما انضم إليه إشارة إلى ذلك وفيه أيضا إشارة إلى أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم
قدرا من مجرد العبادة البدنية والله أعلم * الحديث الثاني (قوله حدثنا على سمع حسان بن
إبراهيم) لم أر عليا هذا منسوبا في شئ من الروايات ولا نبه عليه أبو علي الغساني ولا نسبه أبو نعيم
كعادته لكن جزم المزي تبعا لأبي مسعود بأنه علي بن المديني وكان الحامل على ذلك شهرة علي بن
المديني في شيوخ البخاري فإذا أطلق اسمه كان الحمل عليه أولى من غيره والا فقد روى عن
حسان ممن يسمى عليا علي بن حجر وهو من شيوخ البخاري أيضا وكان حسان المذكور قاضى
كرمان ووثقه ابن معين وغيره ولكن له افراد قال ابن عدي هو من أهل الصدق الا أنه ربما غلط
(قلت) ولم أر له في البخاري شيا انفرد به وقد أدركه بالسن الا أنه لم يلقه لأنه مات سنة ست ومائتين
قبل أن يرتحل البخاري وقد تقدم شرح الحديث المذكور فيه مستوفى في تفسير سورة النساء
* (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض
للبصر وأحصن للفرج) وقع في رواية السرخسي لأنه والأول أولى لأنه بقية لفظ الحديث
وإن كان تصرف فيه فاختصر منه لفظ منكم وكأنه أشار إلى أن الشفاهي لا يخص وهو كذلك
اتفاقا وانما الخلاف هل يعم نصا أو استنباطا ثم رأيته في الصيام أخرجه من وجه آخر عن الأعمش
91

بلفظ من استطاع الباءة كما ترجم به ليس فيه منكم (قوله وهل يتزوج من لا أرب له في
النكاح) كأنه يشير إلى ما وقع بين ابن مسعود وعثمان فعرض عليه عثمان فأجابه بالحديث
فاحتمل أن يكون أرب فيه له فلم يوافقه واحتمل أن يكون وافقه وان لم ينقل ذلك ولعله رمز إلى
ما بين العلماء فيمن لا يتوق إلى النكاح هل يندب إليه أم لا وسأذكر ذلك بعد (قوله حدثني
إبراهيم) هو النخعي وهذا الاسناد مما ذكر أنه أصح الأسانيد وهى ترجمة الأعمش عن إبراهيم
النخعي عن علقمة عن ابن مسعود وللأعمش في هذا الحديث اسناد آخر ذكره المصنف في الباب
الذي يليه باسناده بعينه إلى الأعمش (قوله كنت مع عبد الله) يعنى ابن مسعود (قوله فلقيه)
عثمان بمنى) كذا وقع في أكثر لروايات وفى رواية زيد بن أبي أنيسة عن الأعمش عند ابن حبان
بالمدينة وهى شاذة (قوله فقال يا أبا عبد الرحمن) هي كنية ابن مسعود وظن ابن المنير أن
المخاطب بذلك ابن عمر لأنها كنيته المشهورة وأكد ذلك عنده انه وقع في نسخته من شرح ابن
بطال عقب الترجمة فيه ابن عمر لقيه عثمان بمنى وقص الحديث فكتب ابن المنير في حاشيته هذا
يدل على أن ابن عمر شدد على نفسه في زمن الشباب لأنه كان في زمن عثمان شابا كذا قال
ولا مدخل لابن عمر في هذه القصة أصلا بل القصة والحديث لابن مسعود مع أن دعوى ان ابن
عمر كان شابا إذ ذاك فيه نظر لما سأبينه قريبا فإنه كان إذ ذاك جاوز الثلاثين (قوله فخليا) كذا
للأكثر وفى رواية الأصيلي فخلوا قال ابن التين وهى الصواب لأنه واوى يعنى من الخلوة مثل
دعوا قال الله تعالى فلما أثقلت دعوا الله انتهى ووقع في رواية جرير عن الأعمش عند مسلم
إذ لقيه عثمان فقال هلم يا أبا عبد الرحمن فاستخلاه (قوله فقال عثمان هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكرا تذكرك ما كنت تعهد) لعل عثمان رأى به قشفا ورثاثة هيئة فحمل
ذلك على فقده الزوجة التي ترفهه ووقع في رواية أبى معاوية عند أحمد ومسلم لعلها أن تذكرك
ما مضى من زمانك وفى رواية جرير عن الأعمش عند مسلم لعلك يرجع إليك من نفسك ما كنت
تعهد وفى رواية زيد بن أبي أنيسة عند ابن حبان لعلها أن تذكرك ما فاتك ويؤخذ منه ان
معاشرة الزوجة الشابة تزيد في القوة والنشاط بخلاف عكسها فبالعكس (قوله فلما رأى
عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إلى فقال يا علقمة فانتهيت إليه وهو يقول أما لئن قلت
ذلك لقد) هكذا عند الأكثر أن مراجعة عثمان لابن مسعود في أمر التزويج كانت قبل
استدعائه لعلقمة ووقع في رواية جرير عند مسلم وزيد بن أبي أنيسة عند ابن حبان بالعكس
ولفظ جرير بعد قوله فاتسخلاه فلما رأى عبد الله ان ليس له حاجة قال لي تعال يا علقمة قال فجئت
فقال له عثمان ألا نزوجك وفى رواية زيد فلقى عثمان فأخذ بيده فقاما وتنحيت عنهما فلما رأى
عبد الله أن ليست له حاجة يسرها قال ادن يا علقمة فانتهيت إليه وهو يقول ألا نزوجك ويحتمل
في الجمع بين الروايتين أن يكون عثمان أعاد على ابن مسعود ما كان قال له بعد أن استدعى علقمة
لكونه فهم منه إرادة اعلام علقمة بما كانا فيه (قوله لقد قال لنا النبي صلى الله عليه
وسلم يا معشر الشباب) في رواية زيد لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شبابا فقال لنا وفى
رواية عبد الرحمن بن يزيد في الباب الذي يليه دخلت مع علقمة والأسود على عبد الله فقال
عبد الله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد شيئا فقال لنا يا معشر الشباب وفى رواية جرير
92

عن الأعمش عند مسلم في هذه الطريق قال عبد الرحمن وأنا يومئذ شاب فحدث بحديث رأيت
أنه حدث به من أجلى وفى رواية وكيع عن الأعمش وانا أحدث القوم (قوله يا معشر الشباب) المعشر جماعة يشملهم وصف ما والشباب جمع شاب ويجمع أيضا على شببة وشبان بضم أوله
والتثقيل وذكر الأزهري أنه لم يجمع فاعل على فعال غيره وأصله الحركة والنشاط وهو اسم لمن بلغ
إلى أن يكمل ثلاثين هكذا أطلق الشافعية وقال القرطبي في المفهم يقال له حدث إلى ستة عشرة
سنة ثم شاب إلى اثنتين وثلاثين ثم كهل وكذا ذكر الزمخشري في الشباب أنه من لدن البلوغ إلى
اثنتين وثلاثين وقال ابن شاس المالكي في الجواهر إلى أربعين وقال النووي الأصح المختار أن
الشاب من بلغ ولم يجاوز الثلاثين ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين ثم هو شيخ وقال الروياني
وطائفة من جاوز الثلاثين سمى شيخا زاد ابن قتيبة إلى أن يبلغ الخمسين وقال أبو إسحاق الأسفرايني
عن الأصحاب المرجع في ذلك إلى اللغة وأما بياض الشعر فيختلف باختلاف الأمزجة (قوله من
استطاع منكم الباءة) خص الشباب بالخطاب لان الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح
بخلاف الشيوخ وإن كان المعنى معتبرا إذا وجد السبب في الكهول والشيوخ أيضا (قوله
الباءة) بالهمز وتاء تأنيث ممدود وفيها لغة أخرى بغير همز ولا مد وقد يهمز ويمد بلا هاء ويقال لها
أيضا الباهة كالأول لكن بهاء بدل الهمزة وقيل بالمد القدرة على مؤن النكاح وبالقصر
الوطء قال الخطابي المراد بالباءة النكاح وأصله الموضع الذي يتبوؤه ويأوى إليه وقال المازري
اشتق العقد على المرأة من أصل الباءة لان من شان من يتزوج المرأة أن يبوأها منزلا وقال
النووي اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد
معناها اللغوي وهو الجماع فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهى مؤن
النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع
شر منيه كما يقطعه الوجاء وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء
ولا ينفكون عنها غالبا والقول الثاني أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها
وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته والذي
حمل القائلين بهذا على ما قالوه قوله ومن لم يستطع فعليه بالصوم قالوا والعاجز عن الجماع لا يحتاج
إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن وانفصل القائلون بالأول عن ذلك
بالتقدير المذكور انتهى والتعليل المذكور للمازري وأجاب عنه عياض بأنه لا يبعد أن يختلف
الاستطاعتان فيكون المراد بقوله من استطاع الباءة أي بلغ الجماع وقدر عليه فليتزوج ويكون
قوله ومن لم يستطع أي من لم يقدر على التزويج (قلت) وتهيأ له هذا لحذف المفعول في المنفى
فيحتمل أن يكون المراد ومن لم يستطع الباءة أو من لم يستطع التزويج وقد وقع كل منهما صريحا فعند
الترمذي في رواية عبد الرحمن بن يزيد من طريق الثوري عن الأعمش ومن لم يستطع منكم الباءة
وعند الإسماعيلي من هذا الوجه من طريق أبى عوانة عن الأعمش ومن استطاع منكم أن يتزوج
فليتزوج ويؤيده ما وقع في رواية للنسائي من طريق أبى معشر عن إبراهيم النخعي من كان ذا
طول فلينكح ومثله لابن ماجة من حديث عائشة وللبزار من حديث أنس وأما تعليل المازري
فيعكر عليه قوله في الرواية الأخرى التي في الباب الذي يليه بلفظ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
93

شبابا لا نجد شيا فإنه يدل على أن المراد بالباءة الجماع ولا مانع من الحمل على المعنى الأعم بان يراد
بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج والجواب عما استشكله المازري انه يجوز ان يرشد
من لا يستطيع الجماع من الشباب لفرط حياء أو عدم شهوة أو عنه مثلا إلى ما يهيئ له استمرار
تلك الحالة لان الشباب مظنة ثوران الشهوة الداعية إلى الجماع فلا يلزم من كسرها في حالة ان
يستمر كسرها فلهذا أرشد إلى ما يستمر به الكسر المذكور فيكون قسم الشباب إلى قسمين قسم
يتوقون إليه ولهم اقتدار عليه فندبهم إلى التزويج دفعا للمحذور بخلاف الآخرين فندبهم
إلى أمر تستمر به حالتهم لان ذلك أرفق بهم للعلة التي ذكرت في رواية عبد الرحمن بن يزيد وهى
أنهم كانوا لا يجدون شيئا ويستفاد منه أن الذي لا يجد أهبة النكاح وهو تائق إليه يندب له
التزويج دفعا للمحذور (قوله فليتزوج) زاد في كتاب الصيام من طريق أبى حمزة عن الأعمش
هنا فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج وكذا ثبتت هذه الزيادة عند جميع من أخرج الحديث
المذكور من طريق الأعمش بهذا الاسناد وكذا ثبت باسناده الآخر في الباب الذي يليه ويغلب
على ظني أن حذفها من قبل حفص بن غياث شيخ شيخ البخاري وانما آثر البخاري روايته على
رواية غيره لوقوع التصريح فيها من الأعمش بالتحديث فاغتفر له اختصار المتن لهذه المصلحة
وقوله أغض أي أشد غضا وأحصن أي أشد احصانا له ومنعا من الوقوع في الفاحشة وما ألطف
ما وقع لمسلم حيث ذكر عقب حديث ابن مسعود هذا بيسير حديث جابر رفعه إذا أحدكم أعجبته
المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فان ذلك يرد ما في نفسه فان فيه إشارة إلى
المراد من حديث الباب وقال ابن دقيق العيد يحتمل أن تكون أفعل على بابها فان التقوى سبب
لغض البصر وتحصين الفرج وفى معارضتها الشهوية الداعية وبعد حصول التزويج يضعف
هذا العارض فيكون أغض وأحصن مما لم يكن لان وقوع الفعل مع ضعف الداعي أندر من
وقوعه مع وجود الداعي ويحتمل أن يكون أفعل فيه لغير المبالغة بل اخبار عن الواقع فقط (قوله
ومن لم يستطع فعليه بالصوم) في رواية مغيرة عن إبراهيم عند الطبراني ومن لم يقدر على ذلك
فعليه بالصوم قال المازري فيه اغراء بالغائب ومن أصول النحويين أن لا يغرى الغائب وقد جاء
شاذا قول بعضهم عليه رجلا ليسنى على جهة الاغراء وتعقبه عياض بأن هذا الكلام موجود
لابن قتيبة والزجاجي ولكن فيه غلط من أوجه أما أولا فمن التعبير بقوله لا اغراء بالغائب
والصواب فيه اغراء الغائب فأما الاغراء بالغائب لجائز ونص سيبويه أنه لا يجوز دونه زيدا
ولا يجوز عليه زيدا عند إرادة غير المخاطب وانما جاز للحاضر لما فيه من دلالة الحال بخلاف
الغائب فلا يجوز لعدم حضوره ومعرفته بالحالة الدالة على المراد وأما ثانيا فان المثال ما فيه
حقيقة الاغراء وإن كانت صورته فلم يرد القائل تبليغ الغائب وانما أراد الاخبار عن نفسه
بأنه قليل المبالاة بالغائب ومثله قولهم إليك عنى أي اجعل شغلك بنفسك ولم يرد أن يغريه به
وانما مراده دعني وكن كمن شغل عنى وأما ثالثا فليس في الحديث اغراء الغائب بل الخطاب
للحاضرين الذين خاطبهم أولا بقوله من استطاع منكم فالهاء في قوله فعليه ليست للغائب وانما
هي للحاضر المبهم إذ لا يصح خطابه بالكاف ونظير هذا قوله كتب عليكم القصاص في القتلى إلى
أن قال فمن عفى له من أخيه شئ ومثله لو قلت لاثنين من قام منكما فله درهم فالهاء للمبهم من
94

المخاطبين لا لغائب اه‍ ملخصا ملخصا وقد استحسنه القرطبي وهو حسن بالغ وقد تفطن له الطيبى فقال
قال أبو عبيد قوله فعليه بالصوم اغراء غائب ولا تكاد العرب تغرى الا الشاهد تقول عليك زيدا
ولا تقول عليه زيدا الا في هذا الحديث قال وجوابه أنه لما كان الضمير الغائب راجعا إلى لفظه
من وهى عبارة عن المخاطبين في قوله يا معشر الشباب وبيان لقوله منكم جاز قوله عليه لأنه بمنزلة
الخطاب وقد أجاب بعضهم بأن ايراد هذا اللفظ في مثال اغراء الغائب هو باعتبار اللفظ وجواب
عياض باعتبار المعنى وأكثر كلام العرب اعتبار اللفظ كذا قال والحق مع عياض فان الألفاظ
توابع للمعاني ولا معنى لاعتبار اللفظ مجردا هنا (قوله بالصوم) عدل عن قوله فعليه بالجوع
وقلة ما يثير الشهوة ويستدعى طغيان الماء من الطعام والشراب إلى ذكر الصوم إذ ما جاء
لتحصيل عبادة هي برأسها مطلوبة وفيه إشارة إلى أن المطلوب من الصوم في الأصل كسر الشهوة
(قوله فإنه) أي الصوم (قوله له وجاء) بكسر الواو والمد أصله الغمز ومنه وجىء في عنقه إذا غمزه
دافعا له ووجأه بالسيف إذا طعنه به ووجأ أنثييه غمزهما حتى رضهما ووقع في رواية ابن حبان
المذكورة فإنه له وجاء وهو الاخصاء وهى زيادة مدرجة في الخبر لم تقع الا في طريق زيد بن أبي
أنيسة هذه وتفسير الوجاء بالاخصاء فيه نظر فان الوجاء رض الأنثيين والاخصاء سلهما واطلاق
الوجاء على الصيام من مجاز المشابهة وقال أبو عبيد قال بعضهم وجا بفتح الواو مقصور والأول
أكثر وقال أبو زيد لا يقال وجاء الا فيما لم يبرأ وكان قريب العهد بذلك واستدل بهذا الحديث
على أن من لم يستطع الجماع فالمطلوب منه ترك التزويج لأنه أرشده إلى ما ينافيه ويضعف دواعيه
وأطلق بعضهم أنه يكره في حقه وقد قسم العلماء الرجل في التزويج إلى أقسام الأول التائق إليه
القادر على مؤنه الخائف على نفسه فهذا يندب له النكاح عند الجميع وزاد الحنابلة في رواية
أنه يجب بذلك قال أبو عوانة الأسفرايني من الشافعية وصرح به في صحيحه ونقله المصيصي في
شرح مختصر الجويني وجها وهو قول داود وأتباعه ورد عليهم عياض ومن تبعه بوجهين
* أحدهما أن الآية التي احتجوا بها خيرت بين النكاح والتسرى يعنى قوله تعالى فواحدة أو
ما ملكت أيمانكم قالوا والتسرى ليس واجبا اتفاقا فيكون التزويج غير واجب إذ لا يقع
التخيير بين واجب ومندوب وهذا الرد متعقب فان الذين قالوا بوجوبه قيدوه بما إذا لم يندفع
التوقان بالتسرى فإذا لم يندفع تعين التزويج وقد صرح بذلك ابن حزم فقال وفرض على كل
قادر على الوطء ان وجد ما يتزوج به أو يتسرى أن يفعل أحدهما فان عجز عن ذلك فليكثر من
الصوم وهو قول جماعة من السلف * الوجه الثاني أن الواجب عندهم العقد لا الوطء والعقد
بمجرده لا يدفع مشقة التوقان قال فما ذهبوا إليه لم يتناوله الحديث وما تناوله الحديث لم يذهبوا
إليه كذا قال وقد صرح أكثر المخالفين بوجوب الوطء فاندفع الايراد وقال ابن بطال احتج من لم
يوجبه بقوله صلى الله عليه وسلم ومن لم يستطع فعليه بالصوم قال فلما كان الصوم الذي هو بدله
ليس بواجب فمبدله مثله وتعقب بأن الامر بالصوم مرتب على عدم الاستطاعة ولا استحالة أن
يقول القائل أوجبت عليك كذا فإن لم تستطع فأندبك إلى كذا والمشهور عن أحمد أنه لا يجب
للقادر للتائق الا إذا خشى العنت وعلى هذه الرواية اقتصر ابن هبيرة وقال المازري الذي نطق به
مذهب مالك أنه مندوب وقد يجب عندنا في حتى من لا ينكف عن الزنا الا به وقال القرطبي
95

المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه عن العزوبة بحيث لا يرتفع عنه ذلك الا بالتزويج
لا يختلف في وجوب التزويج عليه ونبه ابن الرفعة على صورة يحب فيها وهى ما إذا نذره حيث
كان مستحبا وقال ابن دقيق العيد قسم بعض الفقهاء النكاح إلى الأحكام الخمسة وجعل
الوجوب فيما إذا خاف العنت وقدر على النكاح وتعذر التسري وكذا حكاه القرطبي عن بعض
علمائهم وهو المازري قال فالوجوب في حق من لا ينكف عن الزنا الا به كما تقدم قال والتحريم في
حق من يخل بالزوجة في الوطء والانفاق مع عدم قدرته عليه وتوقانه إليه والكراهة في حق
مثل هذا حيث لا اضرار بالزوجة فان انقطع بذلك عن شئ من أفعال الطاعة من عبادة أو
اشتغال بالعلم اشتدت الكراهة وقيل الكراهة فيما إذا كان ذلك في حال العزوبة أجمع منه في
حال التزويج والاستحباب فيما إذا حصل به معنى مقصودا من كسر شهوة واعفاف نفس
وتحصين فرج ونحو ذلك والإباحة فيما انتفت الدواعي والموانع ومنهم ممن استمر بدعوى
الاستحباب فيمن هذه صفته للظواهر الواردة في الترغيب فيه قال عياض هو مندوب في حق كل
من يرجى منه النسل ولو لم يكن له في الوطء شهوة لقوله صلى الله عليه وسلم فانى مكاثر بكم
ولظواهر الحض على النكاح والامر به وكذا في حق من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير
الوطء فأما من لا ينسل ولا أرب له في النساء ولا في الاستمتاع فهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة
بذلك ورضيت وقد يقال إنه مندوب أيضا لعموم قوله لا رهبانية في الاسلام وقال الغزالي في
الاحياء من اجتمعت له فوائد النكاح وانتفت عنه آفاته فالمستحب في حقه التزويج ومن لا
فالترك له أفضل ومن تعارض الامر في حقه فليجتهد ويعمل بالراجح (قلت) الأحاديث
الواردة في ذلك كثيرة فأما حديث فانى مكاثر بكم فصح من حديث أنس بلفظ تزوجوا الودود
الولود فانى مكاثر بكم يوم القيامة أخرجه ابن حبان وذكره الشافعي بلاغا عن ابن عمر بلفظ
تناكحوا تكاثروا فانى أباهى بكم الأمم وللبيهقي من حديث أبي أمامة تزوجوا فانى مكاثر
بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية النصارى وورد فانى مكاثر بكم أيضا من حديث الصنابحي
ابن الأعسر ومعقل بن يسار وسهل بن حنيف وحرملة بن النعمان وعائشة وعياض بن
غنم ومعاوية بن حيده وغيرهم وأما حديث لا رهبانية في الاسلام فلم أره بهذا اللفظ لكن في
حديث سعد بن أبي وقاص عند الطبراني ان الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة وعن ابن
عباس رفعه لا صرورة في الاسلام أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم وفى الباب حديث
النهى عن التبتل وسيأتى في باب مفرد وحديث من كان موسرا فلم ينكح فليس منا أخرجه
الدارمي والبيهقي من حديث ابن أبي نجيح وجزم بأنه مرسل وقد أورده البغوي في معجم الصحابة
وحديث طاوس قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد انما يمنعك من التزويج عجز أو فجور أخرجه
ابن أبي شيبة وغيره وقد تقدم في الباب الأول الإشارة إلى حديث عائشة النكاح سنتي فمن رغب
عن سنتي فليس منى وأخرج الحاكم من حديث أنس رفعه من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه
على شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني وهذه الأحاديث وإن كان في الكثير منها ضعف
فمجموعها يدل على أن لما يحصل به المقصود من الترغيب في التزويج أصلا لكن في حق من يتأتى
منه النسل كما تقدم والله أعلم وفى الحديث أيضا ارشاد العاجز عن مؤن النكاح إلى الصوم لان
96

شهوة النكاح تابعة لشهوة الاكل تقوى بقوته وتضعف بضعفه واستدل به الخطابي على جواز
المعالجة لقطع شهوة النكاح بالأدوية وحكاه البغوي في شرح السنة وينبغي أن يحمل على دواء
يسكن الشهوة دون ما يقطعها أصالة لأنه قد يقدر بعد فيندم لفوات ذلك في حقه وقد صرح
الشافعية بأنه لا يكسرها بالكافور ونحوه والحجة فيه أنهم اتفقوا على منع الجب والخصاء
فيلحق بذلك ما في معناه من التداوي بالقطع أصلا واستدل به الخطابي أيضا على أن المقصود من
النكاح الوطء ولهذا شرع الخيار في العنة وفيه الحث على غض البصر وتحصين الفرج بكل
ممكن وعدم التكليف بغير المستطاع ويؤخذ منه أن حظوظ النفوس والشهوات لا تتقدم على
أحكام الشرع بل هي دائرة معها واستنبط القرافي من قوله فإنه له وجاء ان التشريك في العبادة
لا يقدح فيها بخلاف الرياء لأنه أمر بالصوم الذي هو قربه وهو بهذا القصد صحيح مثاب عليه
ومع ذلك فأرشد إليه لتحصيل غض البصر وكف الفرج عن الوقوع في المحرم اه‍ فان أراد
تشريك عبادة بعبادة أخرى فهو كذلك وليس محل النزاع وان أراد تشريك العبادة بأمر مباح
فليس في الحديث ما يساعده واستدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لأنه أرشد عند العجز
عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة فلو كان الاستمناء مباحا لكان الارشاد إليه أسهل
وتعقب دعوى كونه أسهل لان الترك أسهل من الفعل وقد أباح الاستمناء طائفة من العلماء وهو
عند الحنابلة وبعد الحنفية لأجل تسكين الشهوة وفى قول عثمان لابن مسعود ألا نزوجك
شابة استحباب نكاح الشابة ولا سيما إن كانت بكرا وسيأتى بسط القول فيه بعد أبواب
* (قوله باب من لم يستطع الباءة فليصم) أورد فيه حديث ابن مسعود المذكور
في الباب قبله وهذا اللفظ ورد في رواية الثوري عن الأعمش في حديث الباب فعند الترمذي
عنه بلفظ فمن لم يستطع الباءة فعليه بالصوم وعند النسائي عنه بلفظ ومن لا فليصم وقد تقدمت
مباحثه في الباب الذي قبله * (قوله باب كثرة النساء) يعنى لمن قدر على العدل بينهن
ذكر فيه ثلاثة أحاديث * الحديث الأول حديث عطاء قال حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة
زاد مسلم من طريق محمد بن بكر عن ابن جريح زوج النبي صلى الله عليه وسلم (قوله بسرف) بفتح
المهملة وكسر الراء بعدها فاء مكان معروف بظاهر مكة تقدم بيانه في الحج وأخرج ابن سعد
باسناد صحيح عن يزيد بن الأصم قال دفنا ميمونة بسرف في الظلة التي بنى بها فيها رسول الله صلى الله
عليه وسلم ومن وجه آخر عن يزيد بن الأصم قال صلى عليها ابن عباس ونزل في قبرها عبد الرحمن
ابن خالد بن الوليد (قلت) وهى خالة أبيه وعبيد الله الخولاني (قلت) وكان في حجرها ويزيد بن
الأصم (قلت) وهى خالته كما هي خالة ابن عباس (قوله فإذا رفعتم نعشها) بعين مهملة وشين معجمة
السرير الذي يوضع عليه الميت (قوله فلا تزعزعوها) بزاءين معجمتين وعينين مهملتين والزعزعة
تحريك الشئ الذي يرفع وقوله ولا تزلزلوها الزلزلة الاضطراب (قوله وارفقوا) إشارة إلى أن
مراده السير الوسط المعتدل ويستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته
وفيه حديث كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا أخرجه أبو داود وابن ماجة وصححه ابن حبان
(قوله فإنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم 2 تسع نسوة) أي عند موته وهن سودة وعائشة
وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش وأم حبيبة وجويرية وصفية وميمونة هذا ترتيب تزويجه
97

إياهن رضى الله عنهن ومات وهن في عصمته واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرية وهل
ماتت قبله أو لا (قوله كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة) زاد مسلم في روايته قال عطاء التي
لا يقسم لها صفية بنت حيى بن أخطب قال عياض قال الطحاوي هذا وهم وصوابه سودة كما تقدم
أنها وهبت يومها لعائشة وانما غلط فيه ابن جريج راويه عن عطاء كذا قال قال عياض قد
ذكروا في قوله تعالى ترجى من تشاء منهن انه آوى عائشة وحفصة وزينب وأم سلمة فكان
يستوفى لهن القسم وأرجأ سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية فكان يقسم لهن ما شاء
قال فيحتمل أن تكون رواية ابن جريج صحيحة ويكون ذلك في آخر أمره حيث آوى الجميع
فكان يقسم لجميعهن الا لصفية (قلت) قد أخرج ابن سعد من ثلاثة طرق أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يقسم لصفية كما يقسم لنسائه لكن في الأسانيد الثلاثة الواقدي وليس بحجة وقد
تعصب مغلطاي للواقدي فقل كلام من قواه ووثقه وسكت عن ذكر من وهاه واتهمه وهم
أكثر عددا وأشد اتقانا وأقوى معرفة به من الأولين ومن جملة ما قواه به أن الشافعي روى عنه
وقد أسند البيهقي عن الشافعي أنه كذبه ولا يقال فكيف روى عنه لأنا نقول رواية العدل
ليست بمجردها توثيقا فقد روى أبو حنيفة عن جابر الجعفي وثبت عنه أنه قال ما رأيت أكذب
منه فيترجح أن مراد ابن عباس بالتي لا يقسم لها سودة كما قاله الطحاوي لحديث عائشة أن سودة
وهبت يومها لعائشة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة وسيأتى في
باب مفرد وهو قبل كتاب الطلاق بأربعة وعشرين بابا ويأتي بسط القصة هناك إن شاء الله تعالى
لكن يحتمل أن يقال لا يلزم من أنه كان لا يبيت عند سودة أن لا يقسم لها بل كان يقسم لها لكن
يبيت عند عائشة لما وقع من تلك الهبة نعم يجوز نفى القسم عنها مجازا والراجح عندي ما ثبت في
الصحيح ولعل البخاري حذف هذه الزيادة عمدا وقد وقع عند مسلم أيضا فيه زيادة أخرى من
رواية عبد الرزاق عن ابن جريج قال عطاء كانت آخرهن موتا ماتت بالمدينة كذا قال فاما
كونها آخرهن موتا فقد وافق عليه ابن سعد وغيره قالوا وكانت وفاتها سنة إحدى وستين
وخالفهم آخرون فقالوا ماتت سنة ست وخمسين ويعكر عليه أن أم سلمة عاشت إلى قتل الحسين
ابن علي وكان قتله يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وقيل بل ماتت أم سلمة سنة تسع وخمسين
والأول أرجح ويحتمل أن تكونا ماتتا في سنة واحدة لكن تأخرت ميمونة وقد قيل أيضا انها ماتت
سنة ثلاث وستين وقيل سنة ست وستين وعلى هذا لا ترديد في آخريتها في ذلك وأما قوله وماتت
بالمدينة فقد تكلم عليه عياض فقال ظاهره أنه أراد ميمونة وكيف يلتئم مع قوله في أول الحديث
انها ماتت بسرف وسرف من مكة بلا خلاف فيكون قوله بالمدينة وهما (قلت) يحتمل أن يريد
بالمدينة البلد وهى مكة والذي في أول الحديث أنهم حضروا جنازتها بسرف ولا يلزم من ذلك
أنها ماتت بسرف فيحتمل أن تكون ماتت داخل مكة وأوصت أن تدفن بالمكان الذي دخل
بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فنفذ ابن عباس وصيتها ويؤيد ذلك أن ابن سعد لما ذكر
حديث ابن جريج هذا قال بعده وقال غير ابن جريج في هذا الحديث توفيت بمكة لحملها ابن
عباس حتى دفنها بسرف * الحديث الثاني حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف
على نسائه في ليلة واحدة بغسل واحد وله تسع نسوة وتقدم شرحه في كتاب الغسل وهو ظاهر فيما
98

ترجم له وقد اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم الزيادة على أربع نسوة يجمع
بينهن واختلفوا هل للزيادة انتهاء أو لا وفيه دلالة على أن القسم لم يكن واجبا عليه وسيأتى
البحث فيه في بابه وقوله وقال لي خليفة إلى آخره قصد به بيان تصريح قتادة بتحديث أنس له بذلك
* الحديث الثالث (قوله حدثنا علي بن الحكم الأنصاري) هو المروزي مات سنة ست وعشرين
(قوله عن رقبة) بفتح القاف والموحدة هو ابن مصقلة بصاد مهملة ساكنة ثم قاف ويقال
بالسين المهملة بدل الصاد وطلحة هو ابن مصرف اليامي بتحتانية مخففا (قوله قال لي ابن عباس
هل تزوجت قلت لا) زاد فيه أحمد بن منيع في مسنده من طريق أخرى عن سعيد بن جبير قال
لي ابن عباس وذلك قبل أن يخرج وجهي أي قبل أن يلتحى هل تزوجت قلت لا وما أريد ذلك يومى
هذا وفى رواية سعيد بن منصور من طريق أبى بشر عن سعيد بن جبير قال لي ابن عباس هل
تزوجت قلت ما ذاك في الحديث (قوله فان خير هذه الأمة أكثرها نساء) قيد بهذه الأمة ليخرج
مثل سليمان عليه السلام فإنه كان أكثر نساء كما تقدم في ترجمته وكذلك أبوه داود ووقع عند
الطبراني من طريق أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس تزوجوا فان خيرنا كان أكثرنا نساء
قيل المعنى خير أمة محمد من كان أكثر نساء من غيره ممن يتساوى معه فيما عدا ذلك من الفضائل
والذي يظهر أن مراد ابن عباس بالخير النبي صلى الله عليه وسلم وبالأمة اخصاء أصحابه وكأنه أشار
إلى أن ترك التزويج مرجوح إذ لو كان راجحا ما آثر النبي صلى الله عليه وسلم غيره وكان مع كونه
أخشى الناس لله وأعلمهم به يكثر التزويج لمصلحة تبليغ الأحكام التي لا يطلع عليها الرجال
ولاظهار المعجزة البالغة في خرق العادة لكونه كان لا يجد ما يشبع به من القوت غالبا وان وجد
كان يؤثر بأكثره ويصوم كثيرا ويواصل ومع ذلك فكان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة
ولا يطاق ذلك الا مع قوة البدن وقوة البدن كما تقدم في أول أحاديث الباب تابعة لما يقوم به
من استعمال المقويات من مأكول ومشروب وهى عنده نادرة أو معدومة ووقع في الشفاء
أن العرب كانت تمدح بكثرة النكاح لدلالته على الرجولية إلى أن قال ولم تشغله كثرتهن عن عبادة
ربه بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن وكأنه أراد
بالتحصين قصر طرفهن عليه فلا يتطلعن إلى غيره بخلاف العزبة فان العفيفة تتطلع بالطبع
البشرى إلى التزويج وذلك هو الوصف اللائق بهن والذي تحصل من كلام أهل العلم في الحكمة
في استكثاره من النساء عشرة أوجه تقدمت الإشارة إلى بعضها * أحدها أن يكثر من يشاهد
أحواله الباطنة فينتفى عنه ما يظن به المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك * ثانيها لتتشرف به
قبائل العرب بمصاهرته فيهم * ثالثها للزيادة في تألفهم لذلك * رابعها للزيادة في التكليف حيث
كلف أن لا يشغله ما حبب إليه منهن عن المبالغة في التبليغ * خامسها لتكثر عشيرته من جهة
نسائه فتزاد أعوانه على من يحاربه * سادسها نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال
لان أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفى مثله * سابعها الاطلاع على محاسن أخلاقه
الباطنة فقد تزوج أم حبيبة وأبوها إذ ذاك يعاديه وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها فلو لم
يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن * ثامنها
ما تقدم مبسوطا من خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل من المأكول والمشروب وكثرة
99

الصيام والوصال وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته
فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم * تاسعها وعاشرها ما تقدم نقله عن صاحب
الشفاء من تحصينهن والقيام بحقوقهن والله أعلم ووقع عند أحمد بن منيع من الزيادة في آخره
اما انه يستخرج من صلبك من كان مستودعا وفى الحديث الحض على التزويج وترك الرهبانية
* (قوله باب من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فله ما نوى) ذكر فيه حديث عمر بلفظ
العمل بالنية وانما لامرئ ما نوى وقد تقدم شرحه مستوفى في أول الكتاب وما ترجم به من الهجرة
منصوص في الحديث ومن عمل الخير مستنبط لان الهجرة من جملة أعمال الخير فكما عمم في الخير
في شق المطلوب وتممه بلفظ فهجرته إلى ما هاجر إليه فكذلك شق الطلب يشمل أعمال الخير
هجرة أو حجا مثلا أو صلاة أو صدقة وقصة مهاجر أم قيس أوردها الطبراني مسندة والآجري في
كتاب الشريعة بغير اسناد ويدخل في قوله أو عمل خيرا ما وقع من أم سليم في امتناعها من التزويج
بأبي طلحة حتى يسلم وهو في الحديث الذي أخرجه النسائي بسند صحيح عن أنس قال خطب أبو
طلحة أم سليم فقالت والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن
أتزوجك فان تسلم فذاك مهرى فأسلم فكان ذلك مهرها الحديث ووجه دخوله أن أم سليم رغبت
في تزويج أبى طلحة ومنعها من ذلك كفره فتوصلت إلى بلوغ غرضها ببذل نفسها فظفرت
بالخيرين وقد استشكله بعضهم بأن تحريم المسلمات على الكفار انما وقع في زمن الحديبية
وهو بعد قصة تزوج أبى طلحة بأم سليم بمدة ويمكن الجواب بأن ابتداء تزوج الكافر بالمسلمة كان
سابقا على الآية والذي دلت عليه الآية الاستمرار فلذلك وقع التفريق بعد ان لم يكن ولا يحفظ
بعد الهجرة ان مسلمة ابتدأت بتزوج كافر والله أعلم * (قوله باب تزويج
المعسر الذي معه القرآن والاسلام فيه سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعنى حديث
سهل بن سعد في قصة التي وهبت نفسها وما ترجم به مأخوذ من قوله التمس ولو خاتما من حديد
فالتمس فلم يجد شيئا ومع ذلك زوجه قال الكرماني لم يسق حديث سهل هنا لأنه ساقه قبل وبعد
اكتفاء بذكره أو لان شيخه لم يروه له في سياق هذه الترجمة اه‍ والثاني بعيد جدا فلم أجد من قال إن
البخاري يتقيد في تراجم كتابه بما يترجم به مشايخه بل الذي صرح به الجمهور أن غالب تراجمه
من تصرفه فلا وجه لهذا الاحتمال وقد لهج الكرماني به في مواضع وليس بشئ ثم ذكر طرفا من
حديث ابن مسعود كنا نغزو وليس لنا نساء فقلنا يا رسول الله نستخصي فنهانا عن ذلك وقد تلطف
المصنف في استنباطه الحكم كأنه يقول لما نهاهم عن الاختصاء مع احتياجهم إلى النساء وهم
مع ذلك لا شئ لهم كما صرح به في نفس هذا الخبر كما سيأتي تاما بعد باب واحد وكان كل منهم لا بد
وأن يكون حفظ شيئا من القرآن فتعين التزويج بما معهم من القرآن فحكمة الترجمة من
حديث سهل بالتنصيص ومن حديث ابن مسعود بالاستدلال وقد أغرب المهلب فقال في قوله
تزويج المعسر دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزوج الرجل على أن يعلم المرأة القرآن إذ
لو كان كذلك ما سماه معسرا قال وكذا قوله والاسلام لان الواهبة كانت مسلمة اه‍ والذي
يظهر أن مراد البخاري المعسر من المال بدليل قول ابن مسعود وليس لنا شئ والله أعلم * (قوله
باب قول الرجل لأخيه انظر أي زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها) هذه الترجمة لفظ
100

حديث عبد الرحمن بن عوف في البيوع (قوله رواه عبد الرحمن بن عوف) وصله في البيوع عن
عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن
جده قال قال عبد الرحمن بن عوف وأورده في فضائل الأنصار عن إسماعيل بن أبي أويس عن
إبراهيم وقال في روايته انظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها وهو
معنى ما ساقه موصولا في الباب عن أنس بلفظ فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله ويأتي في
الوليمة من حديث أنس بلفظ أقاسمك مالي وأنزل لك عن إحدى امرأتي وسيأتى بقية شرح
الحديث المذكور في أبواب الوليمة وفيه ما كانوا عليه من الايثار حتى بالنفس والاهل وفيه جواز
نظر الرجل إلى المرأة عند إرادة تزويجها وجواز المواعدة بطلاق المرأة وسقوط الغيرة في مثل ذلك
وتنزه الرجل عما يبذل له من مثل ذلك وترجيح الاكتساب بنفسه بتجارة أو صناعة وفيه مباشرة
الكبار التجارة بأنفسهم مع وجود من يكفيهم ذلك من وكيل وغيره وقد أخرج الزبير بن بكار في
الموفقيات من حديث أم سلمة قالت خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه تاجرا إلى بصرى في
عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما منع أبا بكر حبه لملازمة النبي صلى الله عليه وسلم ولا منع النبي صلى
الله عليه وسلم حبه لقرب أبى بكر عن ذلك لمحبتهم في التجارة هذا أو معناه وبقية الحديث في قصة
سويبط بن حرملة والنعمان وأصلها عند ابن ماجة وقد تقدم بيان البحث في أفضل الكسب
بما يغنى عن اعادته والله أعلم * (قوله باب ما يكره من التبتل) المراد بالتبتل هنا
الانقطاع عن النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة وأما المأمور به في قوله تعالى وتبتل إليه
تبتيلا فقد فسره مجاهد فقال أخلص له اخلاصا وهو تفسير معنى والا فأصل التبتل الانقطاع
والمعنى انقطع إليه انقطاعا لكن ما كانت حقيقة الانقطاع إلى الله انما تقع باخلاص العبادة
له فسرها بذلك ومنه صدقة بتلة أي منقطعة عن الملك ومريم البتول لانقطاعها عن التزويج
إلى العبادة وقيل لفاطمة البتول اما لانقطاعها عن الأزواج غير على أو لانقطاعها عن نظرائها
في الحسن والشرف (قوله والخصاء) هو الشق على الأنثيين وانتزاعهما وانما قال ما يكره من
التبتل والخصاء للإشارة إلى أن الذي يكره من التبتل هو الذي يفضى إلى التنطع وتحريم ما أحل
الله وليس التبتل من أصله مكروها وعطف الخصاء عليه لان بعضه يجوز في الحيوان المأكول
ثم أورد المصنف ثلاثة أحاديث * أحدها حديث سعد بن أبي وقاص في قصة عثمان بن مظعون
أورده من طريقين إلى ابن شهاب الزهري وقد أورده مسلم من طريق عقيل عن ابن شهاب بلفظ أراد
عثمان بن مظعون أن يتبتل فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف أن معنى (قوله رد على
عثمان أي لم يأذن له بل نهاه وأخرج الطبراني من حديث عثمان بن مظعون نفسه أنه قال
يا رسول الله انى رجل يشق على العزوبة فاذن لي في الخصاء قال لا ولكن عليك بالصيام الحديث
ومن طريق سعيد بن العاص أن عثمان قال يا رسول الله ائذن لي في الاختصاء فقال إن الله قد
أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة فيحتمل أن يكون الذي طلبه عثمان هو الاختصاء حقيقة فعبر
عنه الراوي بالتبتل لأنه ينشأ عنه فلذلك قال ولو أذن له لاختصينا ويحتمل عكسه وهو أن المراد
بقول سعد ولو أذن له لاختصينا لفعلنا فعل من يختصى وهو الانقطاع عن النساء قال الطبري
التبتل الذي أراده عثمان بن مظعون تحريم النساء والطيب وكل ما يلتذ به فلهذا نزل في حقه يا أيها
101

الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم وقد تقدم في الباب الأول من كتاب النكاح تسمية
من أراد ذلك مع عثمان بن مظعون ومن وافقه وكان عثمان من السابقين إلى الاسلام وقد
تقدمت قصته مع لبيد بن ربيعة في كتاب المبعث وتقدمت قصة وفاته في كتاب الجنائز وكانت في
ذي الحجة سنة اثنتين من الهجرة وهو أول من دفن بالبقيع وقال الطيبى قوله ولو أذن له لاختصينا
كان الظاهر أن يقول ولو أذن له لتبتلنا لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله لاختصينا لإرادة
المبالغة أي لبالغنا في التبتل حتى يفضى بنا الامر إلى الاختصاء ولم يرد به حقيقة الاختصاء لأنه
حرام وقيل بل هو على ظاهره وكان ذلك قبل النهى عن الاختصاء ويؤيده توارد استئذان جماعة
من الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كأبى هريرة وابن مسعود وغيرهما وانما كان التعبير
بالخصاء أبلغ من التعبير بالتبتل لان وجود الآلة يقتضى استمرار وجود الشهوة ووجود الشهوة
ينافي المراد من التبتل فيتعين الخصاء طريقا إلى تحصيل المطلوب وغايته أن فيه ألما عظيما في
العاجل يغتفر في جنب ما يندفع به في الآجل فهو كقطع الإصبع إذا وقعت في اليد الأكلة صيانة
لبقية اليد وليس الهلاك بالخصاء محققا بل هو نادر ويشهد له كثرة وجوده في البهائم مع بقائها
وعلى هذا فلعل الراوي عبر بالخصاء عن الجب لأنه هو الذي يحصل المقصود والحكمة في منعهم
من الاختصاء إرادة تكثير النسل ليستمر جهاد الكفار والا لو أذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه
فينقطع النسل فيقل المسلمون بانقطاعه وتكثر الكفار فهو خلاف المقصود من البعثة المحمدية
* الحديث الثاني (قوله جرير) هو ابن عبد الحميد وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم
وعبد الله هو ابن مسعود وقد تقدم قبل بباب من وجه آخر عن إسماعيل بلفظ عن ابن مسعود
ووقع عند الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن جرير بلفظ سمعت عبد الله وكذا لمسلم
من وجه آخر عن إسماعيل (قوله الا نستخصي) أي ألا نستدعى من يفعل بنا الخصاء أو نعالج ذلك
بأنفسنا وقوله فنهانا عن ذلك هو نهى تحريم بلا خلاف في بني آدم لما تقدم وفيه أيضا من المفاسد
تعذيب النفس والتشويه مع ادخال الضرر الذي قد يفضى إلى الهلاك وفيه ابطال معنى
الرجولية وتغيير خلق الله وكفر النعمة لان خلق الشخص رجلا من النعم العظيمة فإذا أزال ذلك
فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال قال القرطبي الخصاء في غير بني آدم ممنوع في الحيوان
الا لمنفعة حاصلة في ذلك كتطييب اللحم أو قطع ضرر عنه وقال النووي يحرم خصاء الحيوان غير
المأكول مطلقا واما المأكول فيجوز في صغيره دون كبيره وما أظنه يدفع ما ذكره القرطبي من
إباحة ذلك في الحيوان الكبير عند إزالة الضرر (قوله ثم رخص لنا) في الرواية السابقة في تفسير
المائدة ثم رخص لنا بعد ذلك (قوله أن ننكح المرأة بالثوب) أي إلى أجل في نكاح المتعة (قوله
ثم قرأ) في رواية مسلم ثم قرأ علينا عبد الله وكذا وقع عند الإسماعيلي في تفسير المائدة (قوله
يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم الآية) ساق الإسماعيلي إلى قوله المعتدين
وظاهر استشهاد ابن مسعود بهذه الآية هنا يشعر بأنه كان يرى بجواز المتعة فقال القرطبي لعله
لم يكن حينئذ بلغه الناسخ ثم بلغه فرجع بعد (قلت) يؤيده ما ذكره الإسماعيلي أنه وقع في رواية
أبى معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد ففعله ثم ترك ذلك قال وفى رواية لابن عيينة عن إسماعيل ثم جاء
تحريمها بعد وفى رواية معمر عن إسماعيل ثم نسخ وسيأتى مزيد البحث في حكم المتعة بعد أربعة
102

وعشرين بابا * الحديث الثالث (قوله قال أصبغ) كذا في جميع الروايات التي وقفت عليها
وكلام أبى نعيم في المستخرج يشعر بأنه قال فيه حديثا وقد وصله جعفر الفريابي في كتاب القدر
والجوزقي في الجمع بين الصحيحين والإسماعيلي من طرق عن أصبغ وأخرجه أبو نعيم من طريق
حرملة عن ابن وهب وذكر مغلطاي أنه وقع عند الطبري رواه البخاري عن أصبغ بن محمد وهو
غلط هو اصبغ بن الفرج ليس في آبائه محمد (قوله انى رجل شاب وأنا أخاف) في رواية الكشميهني
وانى أخاف وكذا في رواية حرملة (قوله العنت) بفتح المهملة والنون ثم مثناة هو الزنا
هنا ويطلق على الاثم والفجور والامر الشاق والمكروه وقال ابن الأنباري أصل العنت الشدة
قوله ولا أجد 2 ما أتزوج النساء فسكت عنى) كذا وقع وفى رواية حرملة ولا أجد ما أتزوج
النساء فائذن لي أختصي وبهذا يرتفع الاشكال عن مطابقة الجواب للسؤال (قوله جف القلم
بما أنت لاق) أي نفذ المقدور بما كتب في اللوح المحفوظ فبقى القلم الذي كتب به جافا لا مداد
فيه لفراغ ما كتب به قال عياض كتابة الله ولوحه وقلمه من غيب علمه الذي نؤمن به ونكل علمه
إليه (قوله فاختص على ذلك أو ذر) في رواية الطبري وحكاها الحميدي في الجمع ووقعت في
المصابيح فاقتصر على ذلك أو ذر قال الطيبى معناه اقتصر على الذي أمرتك به أو اتركه وافعل
ما ذكرت من الخصاء اه‍ واما اللفظ الذي وقع في الأصل فمعناه فافعل ما ذكرت أو اتركه واتبع
ما أمرتك به وعلى الروايتين فليس الامر فيه لطلب الفعل بل هو للتهديد وهو كقوله تعالى وقل
الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والمعنى ان فعلت أو لم تفعل فلا بد من نفوذ القدر
وليس فيه تعرص لحكم الخصاء ومحصل الجواب أن جميع الأمور بتقدير الله في الأزل فالخصاء
وتركه سواء فان الذي قدر لا بد أن يقع وقوله على ذلك هي متعلقة بمقدر أي اختص حال
استعلائك على العلم بان كل شئ بقضاء الله وقدره وليس اذنا في الخصاء بل فيه إشارة إلى النهى عن
ذلك كأنه قال إذا علمت أن كل شئ بقضاء الله فلا فائدة في الاختصاء وقد تقدم أنه صلى الله عليه
وسلم نهى عثمان بن مظعون لما استأذنه في ذلك وكانت وفاته قبل هجرة أبي هريرة بمدة وأخرج
الطبراني من حديث ابن عباس قال شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العزوبة فقال
ألا أختصي قال ليس منا من خصى أو اختصى وفى الحديث ذم الاختصاء وقد تقدم ما فيه وأن
القدر إذا نفذ لا تنفع الحيل وفيه مشروعية شكوى الشخص ما يقع له للكبير ولو كان مما
يستهجن ويستقبح وفيه إشارة إلى أن من لم يجد الصداق لا يتعرض للتزويج وفيه جواز تكرار
الشكوى إلى ثلاث والجواب لمن لا يقنع بالسكوت وجواز السكوت عن الجواب لمن يظن به
أنه يفهم المراد من مجرد السكوت وفيه استحباب أن يقدم طالب الحاجة بين يدي حاجته عذره في
السؤال وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به ويؤخذ منه أن مهما أمكن المكلف
فعل شئ من الأسباب المشروعة لا يتوكل الا بعد عملها لئلا يخالف الحكمة فإذا لم يقدر عليه
وطن نفسه على الرضا بما قدره عليه مولاه ولا يتكلف من الأسباب ما لا طاقة به له وفيه أن
الأسباب إذا لم تصادف القدر لا تجدى فان قيل لم لم يؤمر أبو هريرة بالصيام لكسر شهوته كان
أمر غيره فالجواب أن أبا هريرة كان الغالب من حاله ملازمة الصيام لأنه كان من أهل الصفة
(قلت) ويحتمل أن يكون أبو هريرة سمع يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج
103

الحديث لكنه انما سأل عن ذلك في حال الغزو كما وقع لابن مسعود وكانوا في حال الغزو
يؤثرون الفطر على الصيام للتقوى على القتال فأداه اجتهاده إلى حسم مادة الشهوة بالاختصاء
كما ظهر لعثمان فمنعه صلى الله عليه وسلم من ذلك وانما لم يرشده إلى المتعة التي رخص فيها
لغيره لأنه ذكر أنه لا يجد شيا ومن لم يجد شيئا أصلا لا ثوبا ولا غيره فكيف يستمتع والتي يستمتع
بها لا بد لها من شئ * (قوله باب نكاح الابكار) جمع بكر وهى التي لم توطأ
واستمرت على حالتها الأولى (قوله وقال ابن أبي مليكة قال ابن عباس لعائشة لم ينكح
النبي صلى الله عليه وسلم بكرا غيرك) هذا طرف من حديث وصله المصنف في تفسير سورة
النور وقد تقدم الكلام عليه هناك (قوله حدثني أخي) هو عبد الحميد وسليمان هو ابن
بلال (قوله فيه شجرة قد أكل منها ووجدت شجرا لم يؤكل منها) كذا لأبي ذر ولغيره
ووجدت شجرة وذكره الحميدي بلفظ فيه شجرة قد أكل منها وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج
بصيغة الجمع وهو أصوب لقوله بعد في أيها أي في أي الشجر ولو أراد الموضعين لقال في أيهما
(قوله ترتع) بضم أوله أرتع بعيره إذا تركه يرعى ما شاء ورتع البعير في المرعى إذا أكل
ما شاء ورتعه الله أي أنبت له ما يرعاه على سعة (قوله قال في التي لم يرتع منها) في رواية أبى
نعيم قال في الشجرة التي وهو أوضح وقوله يعنى إلى آخره زاد أبو نعيم قبل هذا قالت فأناهيه
بكسر الهاء وفتح التحتانية وسكون الهاء وهى للسكت وفى هذا الحديث مشروعية ضرب
المثل وتشبيه شئ موصوف بصفة بمثله مسلوب الصفة وفيه بلاغة عائشة وحسن تأنيها في
الأمور ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم في التي لم يرتع منها أي أوثر ذلك في الاختيار على غيره فلا
يرد على ذلك كون الواقع منه أن الذي تزوج من الثيبات أكثر ويحتمل أن تكون عائشة كنت
بذلك عن المحبة بل عن أدق من ذلك ثم ذكر المصنف حديث عائشة أيضا أريتك في المنام وسيأتى
شرحه بعد ستة وعشرين بابا ووقع في رواية الترمذي أن الملك الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه
وسلم بصورتها جبريل * (قوله باب تزويج الثيبات) جمع ثيبة بمثلثة ثم تحتانية
ثقيلة مكسورة ثم موحدة ضد البكر (قوله وقالت أم حبيبة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم
لا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكن) هذا طرف من حديث سيأتي موصولا بعد عشرة أبواب
واستنبط المصنف الترجمة من قوله بناتكن لأنه خاطب بذلك نساءه فاقتضى أن لهن بنات من
غيره فيستلزم انهن ثيبات كما هو الأكثر الغالب ثم ذكر المصنف حديث جابر في قصة بعيره وقد
تقدم شرحه في الشروط فيما يتعلق بذلك (قوله ما يعجلك) بضم أوله أي ما سبب اسراعك (قوله
كنت حديث عهد بعرس) أي قريب عهد بالدخول على الزوجة وفى رواية عطاء عن جابر في
الوكالة فلما دنونا من المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والاكرام أخذت
أرتحل قال أين تريد قلت تزوجت وفى رواية أبى عقيل عن أبي المتوكل عن جابر من أحب
أن يتعجل إلى أهله فليتعجل أخرجه مسلم (قوله قال أبكرا أم ثيبا قلت ثيبا) هو منصوب بفعل
محذوف تقديره أتزوجت وتزوجت وكذا وقع في ثاني حديثي الباب فقلت تزوجت ثيبا في
رواية الكشميهني في الوكالة من طريق وهب بن كيسان عن جابر قال أتزوجت قلت نعم قال بكرا
أم ثيبا قلت ثيبا وفى المغازي عن قتيبة عن سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر بلفظ هل نكحت
104

يا جابر قلت نعم قال ماذا أبكرا أم ثيبا قلت لا بل ثيبا ووقع عند أحمد عن سفيان في هذا الحديث
قلت ثيب وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره التي تزوجتها ثيب وكذا وقع لمسلم من طريق عطاء عن
جابر (قوله فهلا جارية) في رواية وهب بن كيسان أفلا جارية وهما بالنصب أي فهلا
تزوجت وفى رواية يعقوب الدورقي عن هشام باسناد حديث الباب هلا بكرا وسيأتى قبيل
أبواب الطلاق وكذا لمسلم من طريق عطاء عن جابر وهو معنى رواية محارب المذكورة في الباب
بلفظ العذارى وهو جمع عذراء بالمد (قوله تلاعبها وتلاعبك) زاد في رواية النفقات وتضاحكها
وتضاحكك وهو مما يؤيد أنه من اللعب ووقع عند الطبراني من حديث كعب بن عجرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لرجل فذكر نحو حديث جابر وقال فيه وتعضها وتعضك ووقع في رواية
لأبي عبيدة تذاعبها وتذاعبك بالذال المعجمة بدل اللام وأما ما وقع في رواية محارب بن دثار عن
جابر ثاني حديث الباب بلفظ مالك وللعذارى ولعابها فقد ضبطه الأكثر بكسر اللام وهو مصدر
من الملاعبة أيضا يقال لاعب لعابا وملاعبة مثل قاتل قتالا ومقاتلة ووقع في رواية المستملى
بضم اللام والمراد به الريق وفيه إشارة إلى مص لسانها ورشف شفتيها وذلك يقع عند الملاعبة
والتقبيل وليس هو ببعيد كما قال القرطبي ويؤيد انه بمعنى آخر غير المعنى الأول قول شعبة في
الباب انه عرض ذلك على عمرو بن دينار فقال اللفظ الموافق للجماعة وفى رواية مسلم التلويح
بانكار عمرو رواية محارب بهذا اللفظ ولفظه انما قال جابر تلاعبها وتلاعبك فلو كانت
الروايتان متحدتين في المعنى لما أنكر عمرو ذلك لأنه كان ممن يجيز الرواية بالمعنى ووقع في رواية
وهب بن كيسان من الزيادة قلت كن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن
وتقوم عليهن أي في غير ذلك من مصالحهن وهو من العام بعد الخاص وفى رواية عمرو عن جابر
الآتية في النفقات هلك أبى وترك سبع بنات أو تسع بنات فتزوجت ثيبا كرهت أن أجيئهن
بمثلهن فقال بارك الله لك أو قال خيرا وفى رواية سفيان عن عمرو في المغازي وترك تسع بنات كن
لي تسع أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن
قال أصبت وفى رواية ابن جريج عن عطاء وغيره عن جابر فأردت أن أنكح امرأة قد جربت
خلا منها قال فذلك وقد تقدم التوفيق بين مختلف الروايات في عدد أخوات جابر في المغازي ولم
أقف على تسميتهن وأما امرأة جابر المذكورة فاسمها سهلة بنت مسعود بن أوس بن مالك
الأنصارية الأوسية ذكره ابن سعد (قوله فلما ذهبنا لندخل قال أمهلوا حتى تدخلوا ليلا أي
عشاء) كذا هنا ويعارضه الحديث الآخر الآتي قبل أبواب الطلاق لا يطرق أحدكم أهله ليلا
وهو من طريق الشعبي عن جابر أيضا ويجمع بينهما ان الذي في الباب لمن علم خبر مجيئه والعلم
بوصوله والآتي لمن قدم بغتة ويؤيده قوله في الطريق الأخرى يتخونهم بذلك وسيأتى مزيد بحث
فيه هناك وفى الحديث الحث على نكاح البكر وقد ورد بأصرح من ذلك عند ابن ماجة من طريق
عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة عن أبيه عن جده بلفظ عليكم بالابكار فإنهن
أعذب أفواها وانتق أرحاما أي أكثر حركة والنتق بنون ومثناه الحركة ويقال أيضا للرمي فلعله
يريد أنها كثيرة الأولاد وأخرج الطبراني من حديث ابن مسعود نحوه وزاد وأرضى باليسير
ولا يعارضه الحديث السابق عليكم بالولود من جهة ان كونها بكرا لا يعرف به كونها كثيرة
105

الولادة فان الجواب عن ذلك ان البكر مظنة فيكون المراد بالولود من هي كثيرة الولادة بالتجربة
أو بالمظنة وأما من جربت فظهرت عقيما وكذا الآيسة فالخبران متفقان على مرجوحيتهما وفيه
فضيلة لجابر لشفقته على أخواته وايثاره مصلحتهن على حظ نفسه ويؤخذ منه أنه إذا تزاحمت
مصلحتان قدم أهمهما لان النبي صلى الله عليه وسلم صوب فعل جابر ودعا له لأجل ذلك ويؤخذ
منه الدعاء لمن فعل خيرا وان لم يتعلق بالداعي وفيه سؤال الامام أصحابه عن أمورهم وتفقده
أحوالهم وارشاده إلى مصالحهم وتنبيههم على وجه المصلحة ولو كان في باب النكاح وفيما يستحيا
من ذكره وفيه مشروعية خدمة المرأة زوجها ومن كان منه بسبيل من ولد وأخ وعائلة وانه
لا حرج على الرجل في قصده ذلك من امرأته وإن كان ذلك لا يجب عليها لكن يؤخذ منه ان
العادة جارية بذلك فلذلك لم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم وقوله في الرواية المتقدمة خرقاء بفتح
الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها قاف هي التي لا تعمل بيدها شيئا وهى تأنيث الأخرق وهو
الجاهل بمصلحة نفسه وغيره (قوله تمشط الشعثة) بفتح المعجمة وكسر العين المهملة ثم مثلثة أطلق
عليها ذلك لان التي يغيب زوجها في مظنة عدم التزين (قوله تستحد) بحاء مهملة أي تستعمل
الحديدة وهى الموسى والمغيبة بضم الميم وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة مفتوحة
أي التي غاب عنها زوجها والمراد إزالة الشعر عنها وعبر بالاستحداد لأنه الغالب استعماله في إزالة
الشعر وليس في ذلك منع ازالته بغير الموسى والله أعلم * (قوله في الرواية الثانية تزوجت فقال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تزوجت) هذا ظاهره ان السؤال وقع عقب تزوجه وليس كذلك
لما دل عليه سياق الحديث الذي قبله وقد تقدم في الكلام على حديث جمل جابر في كتاب الشروط
في آخره أن بين تزوجه والسؤال الذي دار بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك مدة طويلة
* (قوله باب تزويج الصغار من الكبار) أي في السن (قوله عن يزيد) هو ابن أبي
حبيب وعراك بكسر المهملة وتخفيف الراء ثم كاف هو ابن مالك تابعي شهير وعروة هو ابن الزبير
(قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة) قال الإسماعيلي ليس في الرواية ما ترجم به
الباب وصغر عائشة عن كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم من غير هذا الخبر ثم الخبر الذي
أورده مرسل فإن كان يدخل مثل هذا في الصحيح فيلزمه في غيره من المراسيل قلت الجواب عن
الأول يمكن أن يؤخذ من قول أبى بكر انما أنا أخوك فان الغالب في بنت الأخ أن تكون أصغر
من عمها وأيضا فيكفي ما ذكر في مطابقة الحديث للترجمة ولو كان معلوما من خارج وعن الثاني انه
وإن كان صورة سياقه الارسال فهو من رواية عروة في قصة وقعت لخالته عائشة وجده لأمه أبى
بكر فالظاهر أنه حمل ذلك عن خالته عائشة أو عن أمة أسماء بنت أبي بكر وقد قال ابن عبد البر إذا
علم لقاء الراوي لمن أخبر عنه ولم يكن مدلسا حمل ذلك على سماعه ممن أخبر عنه ولو لم يأت بصيغة
تدل على ذلك ومن أمثلة ذلك رواية مالك عن ابن شهاب عن عروة في قصة سالم مولى أبى حذيفة
قال ابن عبد البر هذا يدخل في المسند للقاء عروة عائشة وغيرها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم
وللقائه سهلة زوج أبى حذيفة أيضا وأما الالزام فالجواب عنه أن القصة المذكورة لا تشتمل
على حكم متأصل فوقع فيها التساهل في صريح الاتصال فلا يلزم من ذلك ايراد جميع المراسيل
في الكتاب للصحيح نعم الجمهور على أن السياق المذكور مرسل وقد صرح بذلك الدارقطني وأبو
106

مسعود وأبو نعيم والحميدي وقال ابن بطال يجوز تزويج الصغيرة بالكبير اجماعا ولو كانت في المهد
لكن لا يمكن منها حتى تصلح للوطء فرمز بهذا إلى أن لا فائدة للترجمة لأنه أمر مجمع عليه قال
ويؤخذ من الحديث ان الأب يزوج البكر الصغيرة بغير استئذانها (قلت) كأنه أخذ ذلك من عدم
ذكره وليس بواضح الدلالة بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الامر باستئذان البكر وهو الظاهر
فان القصة وقعت بمكة قبل الهجرة وقول أبى بكر انما أنا أخوك حصر مخصوص بالنسبة إلى
تحريم نكاح بنت الأخ وقوله صلى الله عليه وسلم في الجواب أنت أخي في دين الله وكتابه إشارة إلى
قوله تعالى انما المؤمنون اخوة ونحو ذلك وقوله وهى لي حلال معناه وهى مع كونها بنت أخي
يحل لي نكاحها لان الاخوة المانعة من ذلك اخوة النسب والرضاع لا اخوة الدين وقال مغلطاي
في صحة هذا الحديث نظر لان الخلة لأبي بكر انما كانت بالمدينة وخطبة عائشة كانت بمكة
فكيف يلتئم قوله انما أنا أخوك وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم ما باشر الخطبة بنفسه كما أخرجه
ابن أبي عاصم من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم
أرسل خولة بنت حكيم إلى أبى بكر يخطب عائشة فقال لها أبو بكر وهل تصلح له انما هي بنت
أخيه فرجعت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لها ارجعي فقولي له أنت أخي في
الاسلام وابنتك تصلح لي فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال ادعى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجاء فأنكحه قلت اعتراضه الثاني الاعتراض الأول من وجهين إذ المذكور في الحديث
الاخوة وهى اخوة الدين والذي اعترض به الخلة وهى أخص من الاخوة ثم الذي وقع بالمدينة
انما هو قوله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا الحديث الماضي في المناقب من رواية أبي سعيد
فليس فيه اثبات الخلة الا بالقوة لا بالفعل الوجه الثاني ان في الثاني اثبات ما نفاه في
الأول والجواب عن اعتراضه بالمباشرة امكان الجمع بأنه خاطب بذلك بعد أن راسله * (قوله
باب إلى من ينكح وأي النساء خير وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير ايجاب)
اشتملت الترجمة على ثلاثة أحكام وتناول الأول والثاني من حديث الباب واضح وان الذي يريد
التزويج ينبغي أن ينكح إلى قريش لان نساءهن خير النساء وهو الحكم الثاني وأما الثالث
فيؤخذ منه بطريق اللزوم لان من ثبت انهن خير من غيرهن استحب تخيرهن للأولاد وقد ورد
في الحكم الثالث حديث صريح أخرجه ابن ماجة وصححه الحاكم من حديث عائشة مرفوعا
تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأخرجه أبو نعيم من حديث عمر أيضا وفى اسناده مقال
ويقوى أحد الاسنادين بالآخر (قوله خير نساء ركبن الإبل) تقدم في أواخر أحاديث الأنبياء في
ذكر مريم عليها السلام قول أبي هريرة في آخره ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط فكأنه أراد
اخراج مريم من هذا التفضيل لأنها لم تركب بعيرا قط فلا يكون فيه تفضيل نساء قريش عليها
ولا يشك ان لمريم فضلا وانها أفضل من جميع نساء قريش ان ثبت انها نبية أو من أكثرهن ان لم
تكن نبية وقد تقدم بيان ذلك في المناقب في حديث خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة وان
معناها ان كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها ويحتمل أن لا يحتاج في اخراج مريم من
هذا التفضيل إلى الاستنباط من قوله ركبن الإبل لان تفضيل الجملة لا يستلزم ثبوت كل فرد فرد
منها فان قوله ركبن الإبل إشارة إلى العرب لانهم الذين يكثر منهم ركوب الإبل وقد عرف ان
107

العرب خير من غيرهم مطلقا في الجملة فيستفاد منه تفضيلهن مطلقا على نساء غيرهن مطلقا
ويمكن أن يقال أيضا ان الظاهر أن الحديث سيق في معرض الترغيب في نكاح القرشيات فليس
فيه التعرض لمريم ولا لغيرها ممن انقضى زمنهن (قوله صالح نساء قريش) كذا للأكثر بالافراد
وفى رواية غير الكشميهني صلح بضم أوله وتشديد اللام بصيغة الجمع وسيأتى في أواخر النفقات
من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ نساء قريش والمطلق محمول على المقيد فالمحكوم له بالخيرية
الصالحات من نساء قريش لا على العموم والمراد بالصلاح هنا صلاح الدين وحسن المخالطة مع
الزوج ونحو ذلك (قوله أحناه) بسكون المهملة بعدها نون أكثره شفقة والحانية على ولدها
هي التي تقوم عليهم في حال يتمهم فلا تتزوج فان تزوجت فليست بحانية قاله الهروي وجاء
الضمير مذكرا وكان القياس احناهن وكأنه ذكر باعتبار اللفظ أو الجنس أو الشخص
أو الانسان وجاء نحو ذلك في حديث أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها
وأحسنه خلقا بالافراد في الثاني وحديث ابن عباس في قول أبي سفيان عندي أحسن العرب
وأجمله أم حبيبة بالافراد في الثاني أيضا قال أبو حاتم السجستاني لا يكادون يتكلمون به الا مفردا
(قوله على ولده) في رواية الكشميهني على ولد بلا ضمير وهو أوجه ووقع في رواية لمسلم على يتيم
وفى أخرى على طفل والتقييد باليتم والصغر يحتمل أن يكون معتبرا ويحتمل أن يكون من ذكر
بعض افراد العموم لان صفة الحنو على الولد ثابتة لها لكن ذكرت الحالتان لكونهما أظهر في
ذلك (قوله وأرعاه على زوج) أي أحفظ وأصون لما له بالأمانة فيه والصيانة له وترك التبذير
في الانفاق (قوله في ذات يده) أي في ماله المضاف إليه ومنه قولهم فلان قليل ذات اليد أي
قليل المال وفى الحديث الحث على نكاح الاشراف خصوصا القرشيات ومقتضاه انه كلما كان
نسبها أعلى تأكد الاستحباب ويؤخذ منه اعتبار الكفاءة في النسب وان غير القرشيات ليس
كفأ لهن وفضل الحنو والشفقة وحسن التربية والقيام على الأولاد وحفظ مال الزوج
وحسن التدبير فيه ويؤخذ منه مشروعية انفاق الزوج على زوجته وسيأتى في أواخر النفقات
بيان سبب هذا الحديث * (قوله باب اتخاذ السراري) جمع سرية بضم
السين وكسر الراء الثقيلة ثم تحتانية ثقيلة وقد تكسر السين أيضا سميت بذلك لأنها
معتقة من التسرر وأصله من السر وهو من أسماء الجماع ويقال له الاستسرار أيضا أو أطلق
عليها ذلك لأنها في الغالب يكتم أمرها عن الزوجة والمراد بالاتخاذ الاقتناء وقد ورد الامر بذلك
صريحا في حديث أبي الدرداء مرفوعا عليكم بالسراري فإنهن مباركات الأرحام أخرجه
الطبراني واسناده واه ولأحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا انكحوا
أمهات الأولاد فانى أباهى بكم يوم القيامة واسناده أصلح من الأول لكنه ليس بصريح في
التسري (قوله ومن أعتق جارية ثم تزوجها) عطف هذا الحكم على الاقتناء لأنه قد يقع
بعد التسري وقبله وأول أحاديث الباب منطبق على هذا الشق الثاني ثم ذكر في الباب ثلاثة
أحاديث * الأول حديث أبي موسى وقد تقدم شرحه في كتاب العلم وقوله في هذه الطريق أيما
رجل كانت عنده وليدة أي أمة وأصلها ما ولد من الإماء في ملك الرجل ثم أطلق ذلك على كل
أمة (قوله فله أجران) ذكر ممن يحصل لهم تضعيف الاجر مرتين ثلاثة أصناف متزوج
108

الأمة بعد عتقها ومؤمن أهل الكتاب وقد تقدم البحث فيه في كتاب العلم والمملوك الذي
يؤدى حق الله وحق مواليه وقد تقدم في العتق ووقع في حديث أبي أمامة رفعه عند الطبراني
أربعة يؤتون أجرهم مرتين فذكر الثلاثة كالذي هنا وزاد أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم وتقدم في التفسير حديث الماهر بالقرآن والذي يقرأ وهو عليه شاق وحديث زينب
امرأة ابن مسعود في التي تتصدق على قريبها لها أجران أجر الصدقة وأجر الصلة وقد
تقدم في الزكاة وحديث عمرو بن العاص في الحاكم إذا أصاب له أجران وسيأتى في الاحكام
وحديث جرير من سن سنة حسنة وحديث أبي هريرة من دعا إلى هدى وحديث أبي مسعود
من دل على خير والثلاثة بمعنى وهن في الصحيحين ومن ذلك حديث أبي سعيد في الذي تيمم ثم
وجد الماء فأعاد الصلاة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لك الاجر مرتين أخرجه أبو داود وقد
يحصل بمزيد التتبع أكثر من ذلك وكل هذا دال على أن لا مفهوم للعدد المذكور في حديث أبي
موسى وفيه دليل على مزيد فضل من أعتق أمته ثم تزوجها سواء أعتقها ابتداء لله أو لسبب وقد
بالغ قوم فكرهوه فكأنهم لم يبلغهم الخبر فمن ذلك ما وقع في رواية هشيم عن صالح بن صالح
الراوي المذكور وفيه قال رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال إن من قبلنا من أهل
خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته فقال الشعبي فذكر
هذا الحديث وأخرج الطبراني باسناد رجاله ثقات عن ابن مسعود أنه كان يقول ذلك وأخرج
سعيد بن منصور عن ابن عمر مثله وعند ابن أبي شيبة باسناد صحيح عن أنس أنه سئل عنه فقال إذا
أعتق أمته لله فلا يعود فيها ومن طريق سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي انهما كرها ذلك
وأخرج أيضا من طريق عطاء والحسن انهما كانا لا يريان بذلك بأسا (قوله وقال أبو بكر) هو
ابن عياش بتحتانية وآخره معجمة وأبو حصين هو عثمان بن عاصم (عن أبي بردة) هو ابن أبي موسى
وهذا الاسناد مسلسل بالكوفيين وبالكنى (قوله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها ثم
أصدقها) كأنه أشار بهذه الرواية إلى أن المراد بالتزويج في الرواية الأخرى أن يقع بمهر جديد
سوى العتق لا كما وقع في قصة صفية كما سيأتي في الباب الذي بعده فافادت هذه الطريق ثبوت
الصداق فإنه لم يقع التصريح به في الطريق الأولى بل ظاهرها أن يكون العتق نفس المهر وقد
وصل طريق أبى بكر بن عياش هذه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه فقال حدثنا أبو بكر الخياط
فذكره باسناده بلفظ إذا أعتق الرجل أمته ثم أمهرها مهرا جديدا كان له أجران وكأن أبا بكر كان
يتعانى الخياطة في وقت وهو أحد الحفاظ المشهورين في الحديث والقراء المذكورين في القراءة
وأحد الرواة عن عاصم وله اختيار وقد احتج به البخاري ووصله من طريقه أيضا الحسن بن سفيان
وأبو بكر البزار في مسنديهما عنه وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن ولفظه عنده ثم تزوجها بمهر
جديد وكذا أخرجه يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده عن أبي بكر بهذا اللفظ ولم يقع لابن حزم
الا من رواية الحماني فضعف هذه الزيادة به ولم يصب وذكر أبو نعيم أن أبا بكر تفرد بها عن أبي حصين
وذكر الإسماعيلي أن فيه اضطرابا على أبى بكر بن عياش كأنه عنى في سياق المتن لا في الاسناد
وليس ذلك الاختلاف اضطرابا لأنه يرجع إلى معنى واحد وهو ذكر المهر واستدل به على أن
عتق الأمة لا يكون نفس الصداق ولا دلالة فيه بل هو شرط لما يترتب عليه الأجران المذكوران
109

وليس قيدا في الجواز * (تنبيه) * وقع في رواية أبى زيد المروزي عن أبي بردة عن أبيه عن أبي
موسى والصواب ما عند الجماعة عن أبيه أبى موسى بحذف عن التي قبل أبى موسى * الحديث الثاني (قوله حدثنا سعيد بن تليد * بفتح المثناة وكسر اللام الخفيفة وسكون التحتانية بعدها
مهملة مصري مشهور وكذا شيخه وبقية الاسناد إلى أبي هريرة من أهل البصرة ومحمد هو ابن
سيرين وقوله في الرواية الثانية عن أيوب عن محمد كذا للأكثر ووقع لأبي ذر بدله عن مجاهد وهو
خطأ وقد تقدم في أحاديث الأنبياء عن محمد بن محبوب عن حماد بن زيد على الصواب لكنه ساقه
هناك موقوفا واختلف هنا الرواة فوقع في رواية كريمة والنسفي موقوفا أيضا ولغيرهما مرفوعا
وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه موقوفا وكذا ذكر أبو نعيم
أنه وقع هنا البخاري موقوفا وبذلك جزم الحميدي وأظنه الصواب في رواية حماد عن أيوب وان
ذلك هو السر في ايراد رواية جرير بن حازم مع كونها نازلة ولكن الحديث في الأصل ثابت الرفع
لكن ابن سيرين كان يقف كثيرا من حديثه تخفيفا وأغرب المزي فعزا رواية حماد هذه هنا إلى
رواية ابن رميح عن الفربري وغفل عن ثبوتها في رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما من الرواة من
طريق الفربري حتى في رواية أبى الوقت وهى ثابتة أيضا في رواية النسفي فما أدرى ما وجه
تخصيص ذلك برواية ابن رميح (قوله لم يكذب إبراهيم الا ثلاث كذبات الحديث) ساقه مختصرا
هنا وقد تقدم شرحه مستوفى في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء قال ابن المنير مطابقة حديث
هاجر للترجمة أنها كانت مملوكة وقد صح أن إبراهيم أولدها بعد أن ملكها فهي سرية (قلت) ان
أراد أن ذلك وقع صريحا في الصحيح فليس بصحيح وانما الذي في الصحيح ان سارة ملكتها وأن
إبراهيم أولدها إسماعيل وكونه ما كان بالذي يستولد أمة امرأته الا بملك مأخوذ من خارج * الحديث غير الذي في الصحيح وقد ساقه أبو يعلى في مسنده من طريق هشام بن حسان عن محمد
ابن سيرين عن أبي هريرة في هذا الحديث قال في آخره فاستوهبها إبراهيم من سارة فوهبتها له
ووقع في حديث حارثة بن مضرب عن علي عند الفاكهي أن إبراهيم استوهب هاجر من سارة
فوهبتها له وشرطت عليه أن لا يسرها فالتزم ذلك ثم غارت منها فكان ذلك السبب في تحويلها
مع ابنها إلى مكة وقد تقدم شئ من ذلك في أحاديث الأنبياء
الحديث الثالث حديث أنس قال
أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثا الحديث وفيه فقال المسلمون إحدى
أمهات المؤمنين أو مما ملكت يمينه ووقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم فقال
الناس لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد وشاهد الترجمة منه تردد الصحابة في صفية هل هي
زوجة أو سرية فيطابق أحد ركني الترجمة قال بعض الشراح دل تردد الصحابة في صفية هل
هي زوجة أو سرية على أن عتقها لم يكن نفس الصداق كذا قال وهو متعقب بان التردد انما كان
في أول الحال ثم ظهر بعد ذلك أنها زوجة وليس فيه دلالة لما ذكر واستدل به على صحة النكاح
بغير شهود لأنه لو حضر في تزويج صفية شهود لما خفى عن الصحابة حتى يترددوا ولا دلالة فيه أيضا
لاحتمال أن الذين حضروا التزويج غير الذين ترددوا وعلى تسليم أن يكون الجميع ترددوا فذلك
مذكور من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يتزوج بلا ولى ولا شهود كما وقع في قصة زينب بنت
جحش وقد سبق شرح أول الحديث في غزوة خيبر من كتاب المغازي ويأتي ما يتعلق بالعتق في الذي
110

بعده * (قوله باب من جعل عتق الأمة صداقها) كذا أورده غير جازم بالحكم
وقد أخذ بظاهره من القدماء سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وطاوس والزهري ومن فقهاء
الأمصار الثوري وأبو يوسف وأحمد واسحق قالوا إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها
صح العقد والعتق والمهر على ظاهر الحديث وأجاب الباقون عن ظاهر الحديث بأجوبة أقربها
إلى لفظ الحديث أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجبت له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها
بها ويؤيده قوله في رواية عبد العزيز بن صهيب سمعت أنسا قال سبى النبي صلى الله عليه وسلم
صفية فاعتقها وتزوجها فقال ثابت لأنس ما أصدقها قال نفسها فاعتقها هكذا أخرجه
المصنف في المغازي وفى رواية حماد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس في حديث قال وصارت صفية
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها فقال عبد العزيز لثابت يا أبا محمد
أنت سألت أنسا ما أمهرها قال أمهرها نفسها فتبسم فهو ظاهر جدا في أن المجعول مهرا هو نفس
العتق فالتأويل الأول لا باس به فإنه لا منافاة بينه وبين القواعد حتى لو كانت القيمة مجهولة فان
في صحة العقد بالشرط المذكور وجها عند الشافعية وقال آخرون بل جعل نفس العتق المهر
ولكنه من خصائصه وممن جزم بذلك الماوردي وقال آخرون قوله أعتقها وتزوجها معناه
أعتقها ثم تزوجها فما لم يعلم أنه ساق لها صداقا قال أصدقها نفسها أي لم يصدقها شيا فيما
أعلم ولم ينف أصل الصداق ومن ثم قال أبو الطيب الطبري من الشافعية وابن المرابط من
المالكية ومن تبعهما انه قول أنس قاله ظنا من قبل نفسه ولم يرفعه وربما تأيد ذلك عندهم
بما أخرجه البيهقي من حديث أميمة ويقال أمة الله بنت رزينة عن أمها أن النبي صلى الله
عليه وسلم أعتق صفية وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة وكان أتى بها مسبية من قريظة والنضير
وهذا لا يقوم به حجة لضعف اسناده ويعارضه ما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث
صفية نفسها قالت أعتقني النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقى صداقي وهذا موافق لحديث
أنس وفيه رد على من قال إن أنسا قال ذلك بناء على ما ظنه وقد خالف هذا الحديث أيضا ما عليه
كافة أهل السير أن صفية من سبى خيبر ويحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها بغير مهر
فلزمها الوفاء بذلك وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره وقيل يحتمل أنه أعتقها بغير
عوض وتزوجها بغير مهر في الحال ولا في المآل قال ابن الصلاح معناه أن العتق يحل محل
الصداق وان لم يكن صداقا قال وهذا كقولهم الجوع زاد من لا زاد له قال وهذا الوجه أصح
الأوجه وأقربها إلى لفظ الحديث وتبعه النووي في الروضة ومن المستغربات قول الترمذي بعد
ان أخرج الحديث وهو قول الشافعي وأحمد واسحق قال وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها
صداقها حتى يجعل لها مهرا سوى العتق والقول الأول أصح وكذا نقل ابن حزم عن الشافعي
والمعروف عند الشافعية أن ذلك لا يصح لكن لعل مراد من نقله عنه صورة الاحتمال الأول
ولا سيما نص الشافعي على أن من أعتق أمته على أن يتزوجها فقبلت عتقت ولم يلزمها أن تتزوج
به لكن يلزمها له قيمتها لأنه لم يرض بعتقها مجانا فصار كسائر الشروط الفاسدة فان رضيت
وتزوجته على مهر يتفقان عليه كان لها ذلك المسمى وعليه له قيمتها فان اتحدا تقاصا وممن قال
بقول أحمد من الشافعية ابن حبان صرح بذلك في صحيحه قال ابن دقيق العيد الظاهر مع أحمد
111

ومن وافقه والقياس مع الآخرين فيتردد الحال بين ظن نشأ عن قياس وبين ظن نشأ عن
ظاهر الخبر مع ما تحتمله الواقعة من الخصوصية وهى وإن كانت على خلاف الأصل لكن يتقوى
ذلك بكثرة خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح وخصوصا خصوصيته بتزويج الواهبة
من قوله تعالى وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي الآية ومن جزم بان ذلك كان من الخصائص
يحيى بن أكتم فيما أخرجه البيهقي قال وكذا نقله المزنى عن الشافعي قال وموضع الخصوصية
أنه أعتقها مطلقا وتزوجها بغير مهر ولا ولى ولا شهود وهذا بخلاف غيره وقد أخرج عبد الرزاق
جواز ذلك عن علي وجماعة من التابعين ومن طريق إبراهيم النخعي قال كانوا يكرهون أن يعتق
أمته ثم يتزوجها ولا يرون بأسا أن يجعل عتقها صداقها وقال القرطبي منع من ذلك مالك وأبو
حنيفة لاستحالته وتقرر استحالته بوجهين أحدهما أن عقدها على نفسها اما أن يقع قبل
عتقها وهو محال لتناقض الحكمين الحرية والرق فان الحرية حكمها الاستقلال والرق ضده
وأما بعد العتق فلزوال حكم الجبر عنها بالعتق فيجوز أن لا ترضى وحينئذ لا تنكح الا برضاها الوجه
الثاني أنا إذا جعلنا العتق صداقا فاما أن يتقرر العتق حالة الرق وهو محال لتناقضهما أو حالة
الحرية فيلزم سبقيته على العقد فيلزم وجود العتق حالة فرض عدمه وهو محال لان الصداق
لا بد أن يتقدم تقرره على الزوج اما نصا واما حكما حتى تملك الزوجة طلبه فان اعتلوا بنكاح
التفويض فقد تحرزنا عنه بقولنا حكما فإنها وان لم يتعين لها حالة العقد شئ لكنها تملك المطالبة
فثبت أنه يثبت لها حالة العقد شئ تطالب به الزوج ولا يتأتى مثل ذلك في العتق فاستحال أن يكون
صداقا وتعقب ما ادعاه من الاستحالة بجواز تعليق الصداق على شرط إذا وجد استحقته المرأة
كأن يقول تزوجتك على ما سيستحق لي عند فلان وهو كذا فإذا حل المال الذي وقع العقد
عليه استحقته وقد أخرج الطحاوي من طريق نافع عن ابن عمر في قصة جويرية بنت الحرث
أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عتقها صداقها وهو مما يتأيد به حديث أنس لكن أخرج
أبو داود من طريق عروة عن عائشة في قصة جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما جاءت
تستعين به في كتابتها هل لك أن أقضى عنك كتابتك وأتزوجك قالت قد فعلت وقد استشكله
ابن حزم بأنه يلزم منه إن كان أدى عنها كتابتها أن يصير ولاؤها لمكاتبها وأجيب بأنه ليس في
الحديث التصريح بذلك لان معنى قولها قد فعلت رضيت فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم
عوض ثابت بن قيس عنها فصارت له فاعتقها وتزوجها كما صنع في قصة صفية أو يكون ثابت
لما بلغته رغبة النبي صلى الله عليه وسلم وهبها له وفى الحديث أن للسيد تزويج أمته إذا أعتقها من
نفسه ولا يحتاج إلى ولى ولا حاكم وفيه اختلاف يأتي في باب إذا كان الولي هو الخاطب بعد نيف
وعشرين بابا قال ابن الجوزي فان قيل ثواب العتق عظيم فكيف قوته حيث جعله مهرا وكان
يمكن جعل المهر غيره فالجواب ان صفية بنت ملك ومثلها لا يقنع الا بالمهر الكثير ولم يكن عنده
صلى الله عليه وسلم إذا ذاك ما يرضيها ولم ير أن يقتصر فجعل صداقها نفسها وذلك عندها
أشرف من المال الكثير * (قوله باب تزويج المعسر) تقدم في أوائل كتاب
النكاح باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والاسلام وهذه الترجمة أخص من تلك
وعلق هناك حديث سهل الذي أورده في هذا الباب مبسوطا وسيأتى شرحه بعد ثلاثين بابا
112

(قوله لقوله تعالى ان يكونو فقراء يغنهم الله من فضله) هو تعليل لحكم الترجمة ومحصله ان الفقر
في الحال لا يمنع التزويج لاحتمال حصول المال في المآل والله أعلم * (قوله باب
الأكفاء في الدين) جمع كفء بضم أوله وسكون الفاء بعدها همزة المثل والنظير واعتبار الكفاءة
في الدين متفق عليه فلا تحل المسلمة لكافر أصلا (قوله وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا
وصهرا الآية) قال الفراء النسب من لا يحل نكاحه والصهر من يحل نكاحه فكأن المصنف
لما رأى الحصر وقع بالقسمين صلح التمسك بالعموم لوجود الصلاحية الا ما دل الدليل على اعتباره
وهو استثناء الكافر وقد جزم بان اعتبار الكفاءة مختص بالدين مالك ونقل عن ابن عمر وابن
مسعود ومن التابعين عن محمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز واعتبر الكفاءة في النسب الجمهور
وقال أبو حنيفة قريش أكفاء بعضهم بعضا والعرب كذلك وليس أحد من العرب كفء لقريش
كما ليس أحد من غير العرب كفأ للعرب وهو وجه للشافعية والصحيح تقديم بني هاشم والمطلب
على غيرهم ومن عدا هؤلاء اكفاء بعضهم لبعض وقال الثوري إذا نكح المولى العربية يفسخ
النكاح وبه قال أحمد في رواية وتوسط الشافعي فقال ليس نكاح غير الأكفاء حراما فأرد به
النكاح وانما هو تقصير بالمرأة والأولياء فإذا رضوا صح ويكون حقا لهم تركوه فلو رضوا الا
واحدا فله فسخه وذكر أن المعنى في اشتراط الولاية في النكاح كيلا تضيع المرأة نفسها في غير
كفء انتهى ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث وأما ما أخرجه البزار من حديث معاذ
رفعه العرب بعضهم اكفاء بعض والموالي بعضهم اكفاء بعض فإسناده ضعيف واحتج البيهقي
بحديث واثلة مرفوعا ان الله اصطفى بنى كنانة من بنى إسماعيل الحديث وهو صحيح أخرجه مسلم
لكن في الاحتجاج به لذلك نظر لكن ضم بعضهم إليه حديث قدموا قريشا ولا تقدموها ونقل
ابن المنذر عن البويطي ان الشافعي قال الكفاءة في الدين وهو كذلك في مختصر البويطي قال
الرافعي وهو خلاف مشهور ونقل الابزي عن الربيع ان رجلا سأل الشافعي عنه فقال أنا
عربي لا تسألني عن هذا ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث * الحديث الأول حديث عائشة
(قوله أن أبا حذيفة) اسمه مهشم على المشهور وقيل هاشم وقيل غير ذلك وهو خال معاوية بن أبي
سفيان (قوله تبنى) بفتح المثناة والموحدة وتشديد النون بعدها ألف أي اتخذه ولدا وسالم
هو ابن معقل مولى أبى حذيفة ولم يكن مولاه وانما كان يلازمه بل كان من حلفائه كما وقع في
رواية لمسلم وكان استشهاد أبى حذيفة وسالم جميعا يوم اليمامة في خلافة أبى بكر (قوله
وأنكحه) أي زوجه (هندا) كذا في هذه الرواية ووقع عند مالك فاطمة فلعل لها اسمين والوليد
ابن عتبة أحد من قتل ببدر كافرا وقوله بنت أخيه فتح الهمزة وكسر المعجمة ثم تحتانية هو الصحيح
وحكى ابن التين ان في بعض الروايات بضم الهمزة وسكون الخاء ثم مثناة وهو غلط (قوله وهو
مولى امرأة من الأنصار) تقدم بيان اسمها في غزوة بدر (قوله كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم
113

زيدا) أي ابن حارثة وقد تقدم خبره بذلك في تفسير سورة الأحزاب (قوله فمن لم يعلم له أب) بضم
أول يعلم وفتح اللام على البناء للمجهول (قوله كان مولى وأخا في الدين) لعل في هذا إشارة إلى
قولهم مولى أبى حذيفة وان سالما لما نزلت ادعوهم لآبائهم كان ممن لا يعلم له أب فقيل له مولى
أبى حذيفة (قوله انا كنا ترى) بفتح النون أي نعتقد (قوله سالما ولدا) زاد البرقاني من
طريق أبى اليمان شيخ البخاري فيه وأبو داود من رواية يونس عن الزهري فكان يأوى معي ومع
أبى حذيفة في بيت واحد فيراني فضلا وفضلا بضم الفاء والمعجمة أي متبذلة في ثياب المهنة يقال
تفضلت المرأة إذا فعلت ذلك هذا قوله الخطابي وتبعه ابن الأثير وزاد وكانت في ثوب واحد
وقال ابن عبد البر قال الخليل رجل فضل متوشح في ثوب واحد يخالف بين طرفيه قال فعلى هذا
فمعنى الحديث انه كان يدخل عليها وهى منكشف بعضها وعن ابن وهب فضل مكشوفة الرأس
والصدر وقيل الفضل الذي عليه ثوب واحد ولا ازار تحته وقال صاحب الصحاح تفضلت
المرأة في بيتها إذا كانت في ثوب واحد كقميص لا كمين له (قوله وقد أنزل الله فيه ما قد علمت)
أي الآية التي ساقها قبل وهى ادعوهم لآبائهم وقوله وما جعل أدعياءكم أبناءكم (قوله فذكر
الحديث) ساق بقيته البرقاني وأبو داود فكيف ترى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضعيه
فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة فبذلك كانت عائشة تأمر بنات اخوتها
وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرا خمس
رضعات ثم يدخل عليها وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهم بتلك
الرضاعة أحدا من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة والله ما ندري لعلها رخصة من رسول
الله صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس ووقع عند الإسماعيلي من طريق فياض بن زهير عن أبي
اليمان فيه مع عروة أبو عائد الله بن ربيعة ومع عائشة أم سلمة وقال في آخره لم يذكرهما البخاري في
اسناده (قلت) وقد أخرجه النسائي عن عمران بن بكار عن أبي اليمان مختصرا كرواية البخاري
وأخرجه البخاري في غزوة بدر من طريق عقيل عن الزهري كذلك واختصر المتن أيضا وأخرجه
النسائي من طريق يحيى بن سعيد عن الزهري فقال عن عروة وابن عبد الله بن ربيعة كلاهما
عن عائشة وأم سلمة وأخرجه أبو داود من طريق يونس كما ترى وأخرجه عبد الرزاق عن معمر
والنسائي من طريق جعفر بن ربيعة والذهلي من طريق ابن اخى الزهري كلهم عن الزهري كما قال
عقيل وكذا أخرجه مالك وابن اسحق عن الزهري لكنه عند أكثر الرواة عن مالك مرسل
وخالف الجميع عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري فقال عن عروة وعمرة كلاهما عن عائشة
أخرجه الطبراني قال الذهلي في الزهريات هذه الروايات كلها عندنا محفوظة الا رواية ابن مسافر
فإنها غير محفوظة أي ذكر عمرة في اسناده قال والرجل المذكور مع عروة لا أعرفه الا انني أتوهم
انه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة فان أمه أم كلثوم بنت أبي بكر فهو ابن أخت
عائشة كما أن عروة ابن أختها وقد روى عنه الزهري حديثين غير هذا قال وهو برواية يحيى بن
سعيد أشبه حيث قال ابن عبد الله بن أبي ربيعة فنسبه لجده وأما قول شعيب أبو عائد الله فهو
مجهول (قلت) لعلها كنية إبراهيم المذكور وقد نقل المزي في التهذيب قول الذهلي هذا وأقره
وخالف في الأطراف فقال أظنه الحرث بن عبد الله بن أبي ربيعة يعنى عم إبراهيم المذكور
114

والذي أظن أن قول الذهلي أشبه بالصواب ثم ظهر لي انه أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة فان هذا
الحديث بعينه عند مسلم من طريقه من وجه آخر فهذا هو المعتمد وكأن ما عداه تصحيف والله
أعلم وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق القاسم بن محمد عن عائشة ومن طريق زينب بنت
أم سلمة عن أم سلمة فله أصل من حديثهما ففي رواية للقاسم عنده جاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو
فقالت يا رسول الله ان في وجه أبى حذيفة من دخول سالم وهو حليفه فقال أرضعيه فقالت
وكيف أرضعه وهو رجل كبير فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد علمت أنه رجل كبير
وفى لفظ فقالت إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال وانه يدخل علينا وانى أظن أن في نفس أبى حذيفة
شيئا من ذلك فقال أرضعيه تحرمي عليه فرجعت إليه فقالت انى قد أرضعته فذهب الذي في نفس
أبى حذيفة وفى بعض طرق حديث زينب قالت أم سلمة لعائشة انه يدخل عليك الغلام الذي
ما أحب أن يدخل على فقالت أما لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة ان امرأة أبى حذيفة
فذكرت الحديث مختصرا وفى رواية الغلام الذي قد استغنى عن الرضاعة وفيها فقال أرضعيه
قالت إنه ذو لحية فقال أرضعيه يذهب ما في وجه أبى حذيفة قالت فوالله ما عرفته في وجه أبى
حذيفة وفى لفظ عن أم سلمة أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحدا
بتلك الرضاعة وقلن لعائشة والله ما نرى هذا الا رخصة لسالم فما هو بداخل علينا أحد بهذه
الرضاعة ولا رائينا (قلت) وهذا العموم مخصوص بغير حفصة كما سيأتي في أبواب الرضاع ونذكر
هناك حكم هذه المسئلة أعنى ارضاع الكبير إن شاء الله تعالى * الحديث الثاني حديث عائشة
في قصة ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب الهاشمية بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم في الاشتراط
في الحج وقد تقدم البحث فيه في أبواب المحصر من كتاب الحج وقوله في هذا الحديث ما أجدني
أي ما أجد نفسي واتحاد الفاعل والمفعول مع كونهما ضميرين لشئ واحد من خصائص أفعال
القلوب وفى الحديث جواز اليمين في درج الكلام بغير قصد وفيه ان المرأة لا يجب عليها أن تستأمر
زوجها في حج الفرض كذا قيل ولا يلزم من كونه لا يجوز له منعها أن يسقط عنها استئذانه (قوله في
آخره وكانت تحت المقداد بن الأسود (ظاهر سياقه انه من كلام عائشة ويحتمل انه من كلام عروة
وهذا القدر هو المقصود من هذا الحديث في هذا الباب فان المقداد وهو ابن عمرو الكندي نسب
إلى الأسود بن عبد يغوث الزهري لكونه تبناه فكان من حلفاء قريش وتزوج ضباعة وهى
هاشمية فلولا أن الكفاءة لا تعتبر بالنسب لما جاز له أن يتزوجها لأنها فوقه في النسب والذي يعتبر
الكفاءة في النسب أن يجيب بأنها رضيت هي وأولياؤها فسقط حقهم من الكفاءة وهو جواب
صحيح ان ثبت أصل اعتبار الكفاءة في النسب * الحديث الثالث حديث أبي هريرة (قوله تنكح
المرأة لأربع) أي لأجل أربع (قوله لمالها ولحسبها) بفتح المهملتين ثم موحدة أي شرفها والحسب
في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب مأخوذ من الحساب لانهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم
ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره وقيل المراد بالحسب هنا الفعال
الحسنة وقيل المال وهو مردود لذكر المال قبله وذكره معطوفا عليه وقد وقع في مرسل يحيى بن
جعدة عند سعيد بن منصور على دينها ومالها وعلى حسبها ونسبها وذكر النسب على هذا تأكيد
ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة الا ان تعارض نسيبة غير دينة
115

وغير نسيبة دنية فيقدم ذات الدين وهكذا في كل الصفات وأما قول بعض الشافعية يستحب
أن لا تكون المرأة ذات قرابة قريبة فإن كان مستندا إلى الخبر فلا أصل له أو إلى التجربة وهو أن
الغالب ان الولد بين القريبين يكون أحمق فهو متجه وأما ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن
حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه ان أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال فيحتمل
أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن
لا نسب له ومنه حديث سمرة رفعه الحسب المال والكرم التقوى أخرجه أحمد والترمذي
وصححه هو والحاكم وبهذا الحديث تمسك من اعتبر الكفاءة بالمال وسيأتى في الباب الذي بعده
أو ان من شأن أهل الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو كان وضيعا وضعه من كان مقلا ولو كان
رفيع النسب كما هو موجود مشاهد فعلى الاحتمال الأول يمكن أن يؤخذ من الحديث اعتبار
الكفاءة بالمال كما سيأتي البحث فيه لا على الثاني لكونه سيق في الانكار على من يفعل ذلك وقد
أخرج مسلم الحديث من طريق عطاء عن جابر وليس فيه ذكر الحسب اقتصر على الدين والمال
والجمال (قوله وجمالها) يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة الا ان تعارض الجميلة الغير دينة
والغير جميلة الدينة نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات
ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق (قوله فاظفر بذات الدين) في حديث جابر فعليك بذات
الدين والمعنى ان اللائق بذى الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شئ لا سيما فيما
تطول صحبته فامره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية وقد وقع
في حديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجة رفعه لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن
يرديهن أي يهلكهن ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن
على الدين ولأمة سوداء ذات دين أفضل (قوله تربت يداك) أي لصقتا بالتراب وهى كناية عن
الفقر وهو خبر بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته وبهذا جزم صاحب العمدة زاد غيره ان
صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه وحكى ابن
العربي ان معناه استغنت ورد بان المعروف أترب إذا استغنى وترب إذا افتقر ووجه بان الغنى
الناشئ عن المال تراب لان جميع ما في الدنيا تراب ولا يخفى بعده وقيل معناه ضعف عقلك وقيل
افتقرت من العلم وقيل فيه تقدير شرط أي وقع لك ذلك ان لم تفعل ورجحه ابن العربي وقيل معنى
افتقرت خابت وصحفه بعضهم فقال له بالثاء المثلثة ووجهه بأن معنى ثربت تفرقت وهو مثل
حديث نهى عن الصلاة إذا صارت الشمس كالأثارب وهو جمع ثروب وأثرب مثل فلوس وأفلس
وهى جمع ثرب بفتح أوله وسكون الراء وهو الشحم الرقيق المتفرق الذي يغشى الكرش وسيأتى
مزيد لذلك في كتاب الأدب قال القرطبي معنى الحديث ان هذه الخصال الأربع هي التي يرغب
في نكاح المرأة لأجلها فهو خبر عما في الوجود من ذلك لا أنه وقع الامر بذلك بل ظاهره إباحة
النكاح لقصد كل من ذلك لكن قصد الدين أولى قال ولا يظن من هذا الحديث ان هذه الأربع
تؤخذ منها الكفاءة أي تنحصر فيها فان ذلك لم يقل به أحد فيما علمت وان كانوا اختلفوا في
الكفاءة ما هي وقال المهلب في هذا الحديث دليل على أن للزوج الاستمتاع بمال الزوجة فان
طابت نفسها بذلك حل له والا فله من ذلك قدر ما بذل لها من الصداق وتعقب بان هذا التفصيل
116

ليس في الحديث ولم ينحصر قصد نكاح المرأة لأجل مالها في استمتاع الزوج بل قد يقصد تزويج
ذات الغنى لما عساه يحصل له منها من ولد فيعود إليه ذلك المال بطريق الإرث ان وقع أو لكونها
تستغنى بمالها عن كثرة مطالبته بما يحتاج إليه النساء ونحو ذلك وأعجب منه استدلال بعض
المالكية به على أن للرجل أن يحجر على امرأته في مالها قال لأنه انما تزوج لأجل المال فليس
لها تفويته عليه ولا يخفى وجه الرد عليه والله أعلم * الحديث الرابع حديث سهل وهو ابن سعد
(قوله ابن أبي حازم) هو عبد العزيز (قوله مر رجل) لم أقف على اسمه (قوله حرى) بفتح
المهملة وكسر الراء وتشديد التحتانية أي حقيق وجدير (قوله يشفع) بضم أوله وتشديد الفاء
المفتوحة أي تقبل شفاعته (قوله فمر رجل من فقراء المسلمين) لم أقف على اسمه وفى مسند
الروياني وفتوح مصر لابن عبد الحكم ومسند الصحابة الذين دخلوا مصر من طريق أبى سالم
الجيشاني عن أبي ذر انه جعيل بن سراقة (قوله فمر رجل) في رواية الرقاق قال فسكت النبي
صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل (قوله فقال) وقع في طريق أخرى تأتى في الرقاق بلفظ فقال
لرجل عنده جالس ما رأيك في هذا وكأنه جمع هنا باعتبار ان الجالسين عنده كانوا جماعة لكن
المجيب واحد وقد سمى من المجيبين أبو ذر فيما أخرجه ابن حبان من طريق عبد الرحمن بن جبير بن
نفير عن أبيه عنه (قوله أن لا يسمع) زاد في رواية الرقاق أن لا يسمع لقوله (قوله هذا) أي
الفقير (خير من ملء الأرض مثل هذا) أي الغنى وملء بالهمز ويجوز في مثل النصب والجر قال
الكرماني إن كان الأول كافرا فوجهه ظاهر والا فيكون ذلك معلوما لرسول الله صلى الله عليه
وسلم بالوحي (قلت) يعرف المراد من الطريق الأخرى التي ستأتي في كتاب الرقاق بلفظ قال
رجل من اشراف الناس هذا والله حرى الخ فحاصل الجواب انه أطلق تفضيل الفقير
المذكور على الغنى المذكور ولا يلزم من ذلك تفضيل كل غنى على كل فقير وقد ترجم عليه
المصنف في كتاب الرقاق فضل المقر ويأتي البحث في هذه المسئلة هناك إن شاء الله تعالى
* (قوله باب الأكفاء في المال وتزويج المقل المثرية) أما اعتبار الكفاءة بالمال
فمختلف فيه عند من يشترط الكفاءة والأشهر عند الشافعية أنه لا يعتبر ونقل صاحب الافصاح
عن الشافعي أنه قال الكفاءة في الدين والمال والنسب وجزم باعتباره أبو الطيب والصيمري
وجماعة واعتبره الماوردي في أهل الأمصار وخص الخلاف باهل البوادي والقرى المتفاخرين
بالنسب دون المال وأما المثرية فبضم الميم وسكون المثلثة وكسر الراء وفتح التحتانية هي التي لها
ثراء بفتح أوله والمد وهو الغنى ويؤخذ ذلك من حديث عائشة الذي في الباب من عموم التقسيم
فيه لاشتماله على المثرى والمقل من الرجال والمثرية والمقلة من النساء فدل على جواز ذلك ولكنه
لا يرد على من يشترطه لاحتمال اضمار رضا المرأة ورضا الأولياء وقد تقدم شرح الحديث في
تفسير سورة النساء ومضى من وجه آخر في أوائل النكاح واستدل به على أن للولي أن يزوج
محجورته من نفسه وسيأتى البحث فيه قريبا وفيه ان للولي حقا في التزويج لان الله خاطب
117

الأولياء بذلك والله أعلم * (قوله باب ما يتقى من شؤم المرأة) الشؤم بضم المعجمة
بعدها واو ساكنة وقد تهمز وهو ضد اليمن يقال تشاءمت بكذا وتيمنت بكذا (قوله وقوله تعالى
ان من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم) كأنه يشير إلى اختصاص الشؤم ببعض النساء دون
بعض مما دلت عليه الآية من التبعيض وذكر في الباب حديث ابن عمر من وجهين وحديث
سهل من وجه آخر وقد تقدم شرحهما مبسوطا في كتاب الجهاد وقد جاء في بعض
الأحاديث ما لعله يفسر ذلك وهو ما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث سعد
مرفوعا من سعادة ابن آدم ثلاثة المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح ومن شقاوة
ابن آدم ثلاثة المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء وفى رواية لابن حبان المركب الهني
والمسكن الواسع وفى رواية للحاكم وثلاثة من الشقاء المرأة تراها فتسؤك وتحمل لسانها عليك
والدابة تكون قطوفا فان ضربتها أتعبتك وان تركتها لم تلحق أصحابك والدار تكون ضيقة قليلة
المرافق وللطبراني من حديث أسماء ان من شقاء المرء في الدنيا سوء الدار والمرأة والدابة وفيه سوء
الدار ضيق ساحتها وخبث جيرانها وسوء الدابة منعها ظهرها وسوء طبعها وسوء المرأة عقم رحمها
وسوء خلقها (قوله عن أسامة بن زيد) زاد مسلم من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه مع أسامة
سعيد بن زيد وقد قال الترمذي لا نعلم أحدا قال فيه عن سعيد بن زيد غير معتمر بن سليمان
(قوله ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) قال الشيخ تقى الدين السبكي في ايراد
البخاري هذا الحديث عقب حديثي ابن عمر وسهل بعد ذكر الآية في الترجمة إشارة إلى تخصيص
الشؤم بمن تحصل منها العداوة والفتنة لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكعبها أو أن لها
تأثيرا في ذلك وهو شئ لا يقول به أحد من العلماء ومن قال إنها سبب في ذلك فهو جاهل وقد أطلق
الشارع على من ينسب المطر إلى النوء الكفر فكيف بمن ينسب ما يقع من الشر إلى المرأة مما ليس
لها فيه مدخل وانما يتفق موافقة قضاء وقدر فتنفر النفس من ذلك فمن وقع له ذلك فلا يضره
أن يتركها من غير أن يعتقد نسبة الفعل إليها (قلت) وقد تقدم تقرير ذلك في كتاب الجهاد وفى
الحديث أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن ويشهد له قوله تعالى زين للناس حب
الشهوات من النساء فجعلهن من عين الشهوات وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى انهن
الأصل في ذلك ويقع في المشاهدة حب الرجل ولد من امرأته التي هي عنده أكثر من حبه ولده
من غيرها ومن أمثلة ذلك قصة النعمان بن بشير في الهبة وقد قال بعض الحكماء النساء شر كلهن
وأشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن ومع أنها ناقصة العقل والدين تحمل الرجل على تعاطى ما فيه
نقص العقل والدين كشغله عن طلب أمور الدين وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشد
الفساد وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد في أثناء حديث واتقوا النساء فان أول فتنة بني إسرائيل
كانت في النساء * (قوله باب الحرة تحت العبد) أي جواز تزويج
العبد الحرة ان رضيت به وأورد فيه طرقا من قصة بريرة حيث خيرت حين عتقت وسيأتى شرحه
مستوفى في كتاب الطلاق وهو مصير من المصنف إلى أن زوج بريرة حين عتقت كان عبدا
118

وسيأتي البحث فيه هناك إن شاء الله تعالى * (قوله باب لا يتزوج أكثر من أربع لقوله
تعالى مثنى وثلاث ورباع) أما حكم الترجمة فبالاجماع الا قول من لا يعتد بخلافه من رافضي
ونحوه وأما انتزاعه من الآية فلأن الظاهر منها التخيير بين الاعداد المذكورة بدليل قوله تعالى
في الآية نفسها فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة ولان من قال جاء القوم مثنى وثلاث ورباع
أراد أنهم جاؤوا اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة فالمراد تبيين حقيقة مجيئهم وانهم لم يجيئوا
جملة ولا فرادى وعلى هذا فمعنى الآية انكحوا اثنتين اثنتين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة فالمراد
الجميع لا المجموع ولو أريد مجموع العدد المذكور لكان قوله مثلا تسعا أرشق وأبلغ وأيضا فان لفظ
مثنى معدول عن اثنين اثنين كما تقدم تقريره في تفسير سورة النساء فدل ايراده أن المراد التخيير
بين الاعداد المذكورة واحتجاجهم بأن الواو للجمع لا يفيد مع وجود القرينة الدالة على عدم
الجمع وبكونه صلى الله عليه وسلم جمع بين تسع معارض بأمره صلى الله عليه وسلم من أسلم على
أكثر من أربع بمفارقة من زاد على الأربع وقد وقع ذلك لغيلان بن سلمة وغيره كما خرج في كتب
السنن فدل على خصوصيته صلى الله عليه وسلم بذلك وقوله أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع تقدم
الكلام عليه في تفسير فاطر وهو ظاهر في أن المراد به تنويع الاعداد لا أن لكل واحد من
الملائكة مجموع العدد المذكور (قوله وقال علي بن الحسين) أي ابن علي بن أبي طالب (يعنى
مثنى أو ثلاث أو رباع) أراد أن الواو بمعنى أو فهي للتنويع أو هي عاطفة على العامل والتقدير
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وانكحوا ما طاب من النساء ثلاث الخ وهذا من
أحسن الأدلة في الرد على الرافضة لكونه من تفسير زين العابدين وهو من أئمتهم الذين يرجعون
إلى قولهم ويعتقدون عصمتهم ثم ساق المصنف طرفا من حديث عائشة في تفسير قوله تعالى وان
خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى وقد سبق قبل هذا بباب أتم سياقا من الذي هنا وبالله التوفيق
* (قوله باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)
هذه الترجمة وثلاث تراجم بعدها تتعلق بأحكام الرضاعة ووقع هنا في بعض الشروح كتاب
الرضاع ولم أره في شئ من الأصول وأشار بقوله ويحرم الخ أن الذي في الآية بيان بعض من يحرم
بالرضاعة وقد بينت ذلك السنة ووقع في رواية الكشميهني ويحرم من الرضاعة ثم ذكر
في الباب ثلاثة أحاديث * الأول حديث عائشة (قوله عن عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن
عمرو بن حزم الأنصاري وقد رواه هشام بن عروة عنه وهو من أقرانه لكنه اختصره فاقتصر على
المتن دون القصة أخرجه مسلم (قوله وانها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة) أي بنت
عمر أم المؤمنين ولم أقف على اسم هذا الرجل (قوله أراه) أي أظنه (قوله فلانا لعم حفصة) اللام
بمعنى عن أي قال ذلك عن عم حفصة ولم أقف على اسمه أيضا (قوله قالت عائشة) فيه التفات
وكان السياق يقتضى أن يقول قلت (قوله لو كان فلان حيا) لم أقف على اسمه أيضا ووهم من
فسره بأفلح أخي أبى القعيس لان أبا القعيس والد عائشة من الرضاعة واما أفلح فهو أخوه وهو
عمها من الرضاعة كما سيأتي أنه عاش حتى جاء يستأذن على عائشة فأمرها النبي صلى الله عليه
وسلم أن تأذن له بعد ان امتنعت وقولها هنا لو كان حيا يدل على أنه كان مات فيحتمل أن يكون
أخا لهما آخر ويحتمل أن تكون ظنت أنه مات لبعد عهدها به ثم قدم بعد ذلك فاستأذن وقال
119

ابن التين سئل الشيخ أبو الحسن عن قول عائشة لو كان فلان حيا أين هو من الحديث الآخر الذي
فيه فأبيت ان آذن له فالأول ذكرت أنه ميت والثاني ذكرت أنه حي فقال هما عمان من الرضاعة
أحدهما رضع مع أبي بكر الصديق وهو الذي قالت فيه لو كان حيا والآخر أخو أبيها من
الرضاعة (قلت) الثاني ظاهر من الحديث والأول حسن محتمل وقد ارتضاه عياض الا أنه يحتاج
إلى نقل لكونه جزم به قال وقال ابن أبي حازم أرى أن المرأة التي أرضعت عائشة امرأة أخي
الذي استأذن عليها (قلت) وهذا بين في الحديث الثاني لا يحتاج إلى ظن ولا هو مشكل انما المشكل
كونها سألت عن الأول ثم توقفت في الثاني وقد أجاب عنه القرطبي قال هما سؤالان وقعا
مرتين في زمنين عن رجلين وتكرر منها ذلك اما لأنها نسيت القصة الأولى وأما لأنها جوزت تغير
الحكم فأدت السؤال اه‍ وتمامه أن يقال السؤال الأول كان قبل الوقوع والثاني بعد
الوقوع فلا استبعاد في تجويز ما ذكر من نسيان أو تجويز النسخ ويؤخذ من كلام عياض
جواب آخر وهو أن أحد العمين كان أعلى والآخر أدنى أو أحدهما كان شقيقا والآخر لأب
فقط أو لأم فقط أو أرضعتها زوجة أخيه بعد موته والآخر في حياته وقال ابن المرابط حديث
عم حفصة قبل حديث عم عائشة وهما متعارضان في الظاهر لا في المعنى لان عم حفصة أرضعته
المرأة مع عمر فالرضاعة فيهما من قبل المرأة وعم عائشة انما هو من قبل الفحل كانت امرأة أبى
القعيس أرضعتها فجاء أخوه يستأذن عليها فابت فأخبرها الشاعر أن لبن الفحل يحرم كما يحرم من
قبل المرأة اه‍ فكأنه جوز أن يكون عم عائشة الذي سألت عنه في قصة عم حفصة كان نظير
عم حفصة في ذلك فلذلك سألت ثانيا في قصة أبى القعيس وهذا إن كان وجده منقولا فلا محيد
عنه ولا فهو حمل حسن والله أعلم (قوله الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة) أي وتبيح ما تبيح وهو
بالاجماع فيما يتعلق بتحريم النكاح وتوابعه وانتشار الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة
وتنزيلهم منزلة الأقارب في جواز النظر والخلوة والمسافرة ولكن لا يترتب عليه باقي أحكام
الأمومة من التوارث ووجوب الانفاق والعتق بالملك والشهادة والعقل واسقاط القصاص
قال القرطبي ووقع في رواية ما تحرم الولادة وفى رواية ما يحرم من النسب وهو دال على جواز
نقل الرواية بالمعنى قال ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال اللفظين في وقتين قلت الثاني هو
المعتمد فان الحديثين مختلفان في القصة والسبب والراوي وانما يأتي ما قال إذا اتحد ذلك وقد وقع
عند أحمد من وجه آخر عن عائشة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب من خال أو عم أو أخ قال
القرطبي في الحديث دلالة على أن الرضاع ينشر الحرمة بين الرضيع والمرضعة وزوجها يعنى
الذي وقع الارضاع بين ولده منها أو السيد فتحرم على الصبى لأنها تصير أمه وأمها لأنها جدته
فصاعدا وأختها لأنها خالته وبنتها لأنها أخته وبنت بنتها فنازلا لأنها بنت أخته وبنت صاحب
اللبن لأنها أخته وبنت بنته فنازلا لأنها بنت أخته وأمه فصاعدا لأنها جدته وأخته لأنها عمته
ولا يتعدى التحريم إلى أحد من قرابة الرضيع فليست أخته من الرضاعة أختا لأخيه ولا بنتا
لأبيه إذ لا رضاع بينهم والحكمة في ذلك أن سبب التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وزوجها
وهو اللبن فإذا اغتذى به الرضيع صار جزأ من اجزائهما فانتشر التحريم بينهم بخلاف قرابات
الرضيع لأنه ليس بينهم وبين المرضعة ولا زوجها نسب ولا سبب والله أعلم * الحديث الثاني
120

حديث ابن عباس (قوله عن جابر بن زيد) هو أبو الشعثاء البصري مشهور بكنيته وأما جابر بن
يزيد الكوفي فأول اسم أبيه تحتانية وليس له في الصحيح شئ (قوله قيل للنبي صلى الله عليه وسلم)
القائل له ذلك هو علي بن أبي طالب كما أخرجه مسلم من حديثه قال قلت يا رسول الله مالك تنوق
في قريش وتدعنا قال وعندكم شئ قلت نعم ابنة حمزة الحديث وقوله تنوق ضبط بفتح المثناة
والنون وتشديد الواو بعدها قاف أي تختار مشتق من النيقة بكسر النون وسكون التحتانية
بعدها قاف وهى الخيار من الشئ يقال تنوق تنوقا أي بالغ في اختيار الشئ وانتقائه وعند بعض
رواة مسلم تتوق بمثناة مضمومة بدل النون وسكون الواو من التوق أي تميل وتشتهى ووقع عند
سعيد بن منصور من طريق سعيد بن المسيب قال على يا رسول الله ألا تتزوج بنت عملك حمزة
فإنها من أحسن فتاة في قريش وكأن عليا لم يعلم بان حمزة رضيع النبي صلى الله عليه وسلم أو جوز
الخصوصية أو كان ذلك قبل تقرير الحكم قال القرطبي وبعيد أن يقال عن علي لم يعلم بتحريم ذلك
(قوله إنها ابنة أخي من الرضاعة) زاد همام عن قتادة ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب
وقد تقدم من طريقه في كتاب الشهادات وكذا عند مسلم من طريق سعيد عن قتادة وهو المطابق
للفظ الترجمة قال العلماء يستثنى من عموم قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أربع نسوة
يحرمن في النسب مطلقا وفى الرضاع قد لا يحرمن الأولى أم الأخ في النسب حرام لأنها اما أم
واما زوج أب وفى الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الأخ فلا تحرم على أخيه الثانية أم الحفيد
حرام في النسب لأنها اما بنت أو زوج ابن وفى الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الحفيد فلا تحرم
على جده الثالثة جدة الولد في النسب حرام لأنها أما أم أو أم زوجة وفى الرضاع قد تكون
أجنبية أرضعت الولد فيجوز لوالده أن يتزوجها الرابعة أخت الولد حرام في النسب لأنها بنت
أو ربيبة وفى الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الولد فلا تحرم على الوالد وهذه الصور الأربع
اقتصر عليها جماعة ولم يستثن الجمهور شيئا من ذلك وفى التحقيق لا يستثنى شئ من ذلك لأنهن لم
يحرمن من جهة النسب وانما حرمن من جهة المصاهرة واستدرك بعض المتأخرين أم العم وأم
العمة وأم الخال وأم الخالة فإنهن يحرمن في النسب لا في الرضاع وليس ذلك على عمومه والله أعلم
قال مصعب الزبيري كان ثويبة يعنى الآتي ذكرها في الحديث الذي بعده أرضعت النبي صلى
الله عليه وسلم بعدما أرضعت حمزة ثم أرضعت أبا سلمة (قلت) وبنت حمزة تقدم ذكرها وتسميتها
في كتاب المغازي في شرح حديث البراء بن عازب في قوله فتبعتهم بنت حمزة تنادى يا عم الحديث
وجملة ما تحصل لنا من الخلاف في اسمها سبعة أقوال امامة وعمارة 3 وسلمى وعائشة وفاطمة
وأمة الله ويعلى وحكى المزي في أسمائها أم الفضل لكن صرح ابن بشكوال بأنها كنية الحديث
الثالث حديث أم حبيبة وهى زوج النبي صلى الله عليه وسلم (قوله انكح أختي) أي تزوج
قوله بنت أبي سفيان) في رواية يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب عند مسلم والنسائي في هذا
الحديث انكح أختي عزة بنت أبي سفيان ولابن ماجة من هذا الوجه انكح أختي عزة وفى
رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث عند الطبراني انها قالت يا رسول الله هل لك في
حمنة بنت أبي سفيان قال أصنع ماذا قالت تنكحها وقد أخرجه المصنف بعد أبواب من رواية
هشام لكن لم يسم بنت أبي سفيان ولفظه فقال فأفعل ماذا وفيه شاهد على جواز تقديم الفعل
121

على ما الاستفهامية خلافا لمن أنكره من النحاة وعند أبى موسى في الذيل درة بنت أبي سفيان
وهذا وقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان عن هشام وأخرجه أبو نعيم والبيهقي من طريق
الحميدي وقالا أخرجه البخاري عن الحميدي وهو كما قالا قد أخرجه عنه لكن حذف هذا الاسم
وكأنه عمدا وكذا وقع في هذه الرواية زينب بنت أم سلمة وحذفه البخاري أيضا منها ثم نبه على أن
الصواب درة وسيأتى بعد أربعة أبواب جزم المنذري بأن اسمها حمنة كما في الطبري وقال
عياض لا نعلم لعزة ذكرا في بنات أبي سفيان الا في رواية يزيد بن أبي حبيب وقال أبو موسى الأشهر
فيها عزة (قوله أو تحبين ذلك) هو استفهام تعجب من كونها تطلب أن يتزوج غيرها مع ما طبع
عليه النساء من الغيرة (قوله لست لك بمخلية) بضم الميم وسكون المعجمة وكسر اللام اسم فاعل
من أخلى يخلى أي لست بمنفردة بك ولا خالية من ضرة وقال بعضهم هو بوزن فاعل الأخلاء
متعديا ولازما من أخليت بمعنى خلوت من الضرة أي لست بمتفرغة ولا خالية من ضرة وفى
بعض الروايات بفتح اللام بلفظ المفعول حكاها الكرماني وقال عياض مخلية أي منفردة يقال
أخل أمرك واخل به أي انفرد به وقال صاحب النهاية معناه لم أجدك خاليا من الزوجات وليس
هو من قولهم امرأة مخلية إذا خلت من الأزواج (قوله وأحب من شاركني) مرفوع بالابتداء
أي إلى وفى رواية هشام الآتية قريبا من شركني بغير ألف وكذا في الباب الذي بعده وكذا عند
مسلم (قوله في خير) كذا للأكثر بالتنكير أي أي خير كان وفى رواية هشام في الخير قيل المراد
به صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتضمنة لسعادة الدارين الساترة لما لعله يعرض من الغيرة
التي جرت بها العادة بين الزوجات لكن في رواية هشام المذكورة وأحب من شركني فيك أختي
فعرف أن المراد بالخير ذاته صلى الله عليه وسلم (قوله فانا نحدث) بضم أوله وفتح الحاء على البناء
للمجهول وفى رواية هشام المذكورة قلت بلغني وفى رواية عقيل في الباب الذي بعدها قلت
يا رسول الله فوالله انا لنتحدث وفى رواية وهب عن هشام عند أبي داود فوالله لقد أخبرت (قوله
انك تريد أن تنكح) في رواية هشام الآتية بلغني انك تخطب ولم أقف على اسم من أخبر بذلك
ولعله كان من المنافقين فإنه قد ظهر أن الخبر لا أصل له وهذا مما يستدل به على ضعف المراسيل
(قوله بنت أبي سلمة) في رواية عقيل الآتية وكذا أخرجه الطبراني من طريق ابن أخي الزهري
عن الزهري ومن طريق معمر عن هشام بن عروة عن أبيه ومن طريق عراك عن زينب بنت أم
سلمة درة بنت أبي سلمة وهى بضم المهملة وتشديد الراء وفى رواية حكاها عياض وخطأها بفتح
المعجمة وعند أبى داود من طريق هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة درة أو ذرة على الشك شك
زهير راويه عن هشام ووقع عند البيهقي من رواية الحميدي عن سفيان عن هشام بلغني أنك
تخطب زينب بنت أبي سلمة وقد تقدم التنبيه على خطئه ووقع عند أبي موسى في ذيل المعرفة حمنة
بنت أبي سلمة وهو خطأ وقوله بنت أم سلمة هو استفهام استثبات لرفع الاشكال أو استفهام انكار
والمعنى أنها إن كانت بنت أبي سلمة من أم سلمة فيكون تحريمها من وجهين كما سيأتي بيانه وإن كانت
من غيرها فمن وجه واحد وكأن أم حبيبة لم تطلع على تحريم ذلك اما لان ذلك كان قبل
نزول آية التحريم واما بعد ذلك وظنت أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال
لكرماني والاحتمال الثاني هو المعتمد والأول يدفعه سياق الحديث وكأن أم حبيبه استدلت
122

على جواز الجمع بين الأختين بجواز الجمع بين المرأة وابنتها بطريق الأولى لان الربيبة حرمت على
التأييد والأخت حرمت في صورة الجمع فقط فأجابها صلى الله عليه وسلم بان ذلك لا يحل وأن الذي
بلغها من ذلك ليس بحق وانها تحرم عليه من جهتين (قوله لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت
لي) قال القرطبي فيه تعليل الحكم بعلتين فإنه علل تحريمها بكونها ربيبة وبكونها بنت أخ من
الرضاعة كذا قال والذي يظهر أنه نبه على أنها لو كان بها مانع واحد لكفى في التحريم فكيف
وبها مانعان فليس من التعليل بعلتين في شئ لان كل وصفين يجوز أن يضاف الحكم إلى كل
منهما لو انفرد فاما أن يتعاقبا فيضاف الحكم إلى الأول منهما كما في السببين إذا اجتمعا ومثاله
لو أحدث ثم أحدث بغير تخلل طهارة فالحدث الثاني لم يعمل شيئا أو يضاف الحكم إلى الثاني كما
في اجتماع السبب والمباشرة وقد يضاف إلى أشبههما وأنسبهما سواء كان الأول أم الثاني فعلى
كل تقدير لا يضاف إليهما جميعا وان قدر أنه يوجد فالإضافة إلى المجموع ويكون كل منهما جزء
علة لا علة مستقلة فلا يجتمع علتان على معلول واحد هذا الذي يظهر والمسئلة مشهورة في
الأصول وفيها خلاف قال القرطبي والصحيح جوازه لهذا الحديث وغيره وفى الحديث إشارة إلى
أن التحريم بالربيبة أشد من التحريم بالرضاعة وقوله ربيبتي أي بنت زوجتي مشتقة من الرب
وهو الاصلاح لأنه يقوم بأمرها وقيل من التربية وهو غلط من جهة الاشتقاق وقوله في حجري
راعى فيه لفظ الآية والا فلا مفهوم له كذا عند الجمهور وأنه خرج مخرج الغالب وسيأتى البحث
فيه في باب مفرد وفى رواية عراك عن زينب بنت أم سلمة عند الطبراني لو أنى لم انكح أم سلمة
ما حلت لي ان أباها أخي من الرضاعة ووقع في رواية ابن عيينة عن هشام والله لو لم تكن ربيبتي
ما حلت لي فذكر ابن حزم أن منهم من احتج به على أن لا فرق بين اشتراط كونها في الحجر أو لا وهو
ضعيف لان القصة واحدة والذين زادوا فيها لفظ في حجري حفاظ أثبات (قوله أرضعتني وأبا
سلمة) أي وأرضعت أبا سلمة وهو من تقديم المفعول على الفاعل (قوله ثويبة) بمثلثة وموحدة
مصغر كانت مولاة لأبي لهب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الحديث
(قوله فلا تعرضن) بفتح أوله وسكون العين وكسر الراء بعدها معجمة ساكنة ثم نون على الخطاب لجماعة النساء وبكسر المعجمة وتشديد النون خطاب لام حبيبة وحدها والأول أوجه وقال ابن
التين ضبط بضم الضاد في بعض الأمهات ولا أعلم له وجها لأنه إن كان الخطاب لجماعة النساء وهو
الابين فهو بسكون الضاد لأنه فعل مستقبل مبنى على أصله ولو أدخلت عليه التأكيد فشددت
النون لكان تعرضنان لأنه يجتمع ثلاث نونات فيفرق بينهن بألف وإن كان الخطاب لام حبيبة
خاصة فتكون الضاد مكسورة والنون مشددة وقال القرطبي جاء بلفظ الجمع وإن كانت القصة
لاثنين وهما أم حبيبة وأم سلمة ردعا وزجرا أن تعود واحدة منهما أو غيرهما إلى مثل ذلك وهذا كما
لو رأى رجل امرأة تكلم رجلا فقال لها أتكلمين الرجال فإنه مستعمل شائع وكان لام سلمة من
الأخوات قريبة زوج زمعة بن الأسود وقريبة الصغرى زوج عمر ثم معاوية وعزة بنت أبي أمية
زوج منبه بن الحجاج ولها من البنات زينب راوية الخبر ودرة التي قيل إنها مخطوبة وكان لام
حبيبة من الأخوات هند زوج الحرث بن نوفل وجويرية زوج السائب بن أبي حبيش وأميمة
زوج صفوان بن أمية وأم الحكم زوج عبد الله بن عثمان وصخرة زوج سعيد بن الأخنس
123

وميمونة زوج عروة بن مسعود ولها من البنات حبيبة وقد روت عنه الحديث ولها صحبة وكان
لغيرهما من أمهات المؤمنين من الأخوات أم كلثوم وأم حبيبة ابنتا زمعة أختا سودة وأسماء
أخت عائشة وزينب بنت عمر أخت حفصة وغيرهن والله أعلم (قوله قال عروة هو بالاسناد
المذكور وقد علق المصنف طرفا منه في آخر النفقات فقال قال شعيب عن الزهري قال عروة
فذكره وأخرجه الإسماعيلي من طريق الذهلي عن أبي اليمان باسناده (قوله وثويبة مولاة لأبي
لهب (قلت) ذكرها ابن منده في الصحابة وقال اختلف في اسلامها وقال أبو نعيم لا نعلم أحدا ذكر
اسلامها غيره والذي في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرمها وكانت تدخل عليه بعد
ما تزوج خديجة وكان يرسل إليها الصلة من المدينة إلى أن كان بعد فتح خيبر ماتت ومات ابنها
مسروح (قوله وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم) ظاهره أن عتقه لها
كان قبل ارضاعها والذي في السير يخالفه وهو أن أبا لهب أعتقها قبل الهجرة وذلك بعد
الارضاع بدهر طويل وحكى السهيلي أيضا أن عتقها كان قبل الارضاع وسأذكر كلامه (قوله
أريه) بضم الهمزة وكسر الراء وفتح التحتانية على البناء للمجهول (قوله بعض أهله) بالرفع على
أنه النائب عن الفاعل وذكر السهيلي أن العباس قال لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول
في شر حال فقال ما لقيت بعدكم راحة الا أن العذاب يخفف عنى كل يوم اثنين قال وذلك أن النبي
صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فاعتقها (قوله بشر حيبة)
بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة أي سوء حال وقال ابن فارس أصلها الحوبة
وهى المسكنة والحاجة فالياء في حيبة منقلبة عن واو لانكسار ما قبلها ووقع في شرح السنة
للبغوي بفتح الحاء ووقع عند المستملى بفتح الخاء المعجمة أي في حالة خائبة من كل خير وقال ابن
الجوزي هو تصحيف وقال القرطبي يروى بالمعجمة ووجدته في نسخة معتمدة بكسر المهملة وهو
المعروف وحكى في المشارق عن رواية المستملى بالجيم ولا أظنه الا تصحيفا وهو تصحيف كما قال
(قوله ماذا لقيت) أي بعد الموت (قوله لم ألق بعدكم غير انى) كذا في الأصول بحذف المفعول
وفى رواية الإسماعيلي لم ألق بعدكم رخاء وعند عبد الرزاق عن معمر عن الزهري لم ألق بعدكم
راحة قال ابن بطال سقط المفعول من رواية البخاري ولا يستقيم الكلام الا به (قوله غير انى
سقيت في هذه) كذا في الأصول بالحذف أيضا ووقع في رواية عبد الرزاق المذكورة وأشار إلى
النقرة التي تحت ابهامه وفى رواية الإسماعيلي المذكورة وأشار إلى النقرة التي بين الابهام
والتي تليها من الأصابع وللبيهقي في الدلائل من طريق 3 كذا مثله بلفظ يعنى النقرة الخ
وفى ذلك إشارة إلى حقارة ما سقى من الماء (قوله بعتاقتي) بفتح العين في رواية عبد الرزاق
بعتقي وهو أوجه والوجه الأولى أن يقول باعتاقي لان المراد التخليص من الرق وفى الحديث
دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة لكنه مخالف لظاهر القرآن قال الله
تعالى وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا وأجيب أولا بأن الخبر مرسل أرسله
عروة ولم يذكر من حدثه به وعلى تقدير أن يكون موصولا فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه
ولعل الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد فلا يحتج به وثانيا على تقدير القبول فيحتمل أن يكون
ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا من ذلك بدليل قصة أبى طالب كما تقدم أنه خفف عنه
124

فنقل من الغمرات إلى الضحضاح وقال البيهقي ما ورد من بطلان الخير للكفار فمعناه أنهم لا يكون
لهم التخلص من النار ولا دخول الجنة ويجوز أن يخفف عنهم من العذاب الذي يستوجبونه
على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر بما عملوه من الخيرات وأما عياض فقال انعقد الاجماع
على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب وإن كان بعضهم أشد
عذابا من بعض (قلت) وهذا لا يرد الاحتمال الذي ذكره البيهقي فان جميع ما ورد من ذلك فيما
يتعلق بذنب الكفر وأما ذنب غير الكفر فما المانع من تخفيفه وقال القرطبي هذا التخفيف
خاص بهذا وبمن ورد النص فيه وقال ابن المنير في الحاشية هنا قضيتان إحداهما محال وهى
اعتبار طاعة الكافر مع كفره لان شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح وهذا مفقود من الكافر
الثانية إثابة الكافر على بعض الأعمال تفضلا من الله تعالى وهذا لا يحيله العقل فإذا تقرر ذلك لم
يكن عتق أبى لهب لثويبة قربة معتبرة ويجوز أن يتفضل الله عليه بما شاء كما تفضل على أبى طالب
والمتبع في ذلك التوقيف نفيا واثباتا (قلت) وتتمة هذا أن يقع التفضل المذكور اكراما لمن وقع
من الكافر البر له ونحو ذلك والله أعلم * (قوله باب من قال لارضاع بعد حولين لقوله
عز وجل حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) أشار بهذا إلى قول الحنفية ان أقصى مدة الرضاع
ثلاثون شهرا وحجتهم قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا أي المدة المذكورة لكل من الحمل
والفصال وهذا تأويل غريب والمشهور عند الجمهور أنها تقدير مدة أقل الحمل وأكثر مدة
الرضاع والى ذلك صار أبو يوسف ومحمد بن الحسن ويؤيد ذلك ان أبا حنيفة لا يقول إن أقصى
الحمل سنتان ونصف وعند المالكية رواية توافق قول الحنفية لكن منزعهم في ذلك أنه يغتفر
بعد الحولين مدة يدمن الطفل فيها على الفطام لان العادة أن الصبى لا يفطم دفعة واحدة بل على
التدريج في أيام قليلات فللأيام التي يحاول فيها فطامه حكم الحولين ثم اختلفوا في تقدير تلك
المدة قيل يغتفر نصف سنة وقيل شهران وقيل شهر ونحوه وقيل أيام يسيره وقيل شهر وقيل لا يزاد
على الحولين وهى رواية ابن وهب عن مالك وبه قال الجمهور ومن حجتهم حديث ابن عباس رفعه
لا رضاع الا ما كان في الحولين أخرجه الدارقطني وقال لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل
وهو ثقة حافظ وأخرجه ابن عدي وقال غير الهيثم يوقفه على ابن عباس وهو المحفوظ وعندهم متى
وقع الرضاع بعد الحولين ولو بلحظة لم يترتب عليه حكم وعند الشافعية لو ابتدأ الوضع في أثناء
الشهر جبر المنكسر من شهر آخر ثلاثين يوما وقال زفر يستمر إلى ثلاث سنين إذا كان يجتزئ
باللبن ولا يجتزئ بالطعام وحكى ابن عبد البر عنه أنه يشترط مع ذلك أن يكون يجتزئ باللبن وحكى
عن الأوزاعي مثله لكن قال بشرط أن لا يفطم فمتى فطم ولو قبل الحولين فما رضع بعده لا يكون
رضاعا (قوله وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره) هذا مصير منه إلى التمسك بالعموم الوارد في
الاخبار مثل حديث الباب وغيره وهذا قول مالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث
وهو المشهور عند أحمد وذهب آخرون إلى أن الذي يحرم ما زاد على الرضعة الواحدة ثم اختلفوا
فجاء عن عائشة عشر رضعات أخرجه مالك في الموطأ وعن حفصة كذلك وجاء عن عائشة أيضا
سبع رضعات أخرجه ابن أبي خيثمة باسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير عنها وعبد الرزاق من
طريق عروة كانت عائشة تقول لا يحرم دون سبع رضعات أو خمس رضعات وجاء عن عائشة
125

أيضا خمس رضعات فعند مسلم عنها كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسخت
بخمس رضعات معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ وعند عبد الرزاق
باسناد صحيح عنها قالت لا يحرم دون خمس رضعات معلومات والى هذا ذهب الشافعي وهى رواية
عن أحمد وقال به ابن حزم وذهب أحمد في رواية واسحق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وداود
وأتباعه الا ابن حزم إلى أن الذي يحرم ثلاث رضعات لقوله صلى الله عليه وسلم لا تحرم الرضعة
والرضعتان فان مفهومة أن الثلاث تحرم وأغرب القرطبي فقال لم يقل به الا داود ويخرج
مما أخرجه البيهقي عن زيد بن ثابت باسناد صحيح أنه يقول لا تحرم الرضعة والرضعتان والثلاث
وأن الأربع هي التي تحرم والثابت من الأحاديث حديث عائشة في الخمس وأما حديث لا تحرم
الرضعة والرضعتان فلعله مثال لما دون الخمس والا فالتحريم بالثلاث فما فوقها انما يؤخذ من
الحديث بالمفهوم وقد عارضه مفهوم الحديث الآخر المخرج عند مسلم وهو الخمس فمفهوم
لا تحرم المصة ولا المصتان أن الثلاث تحرم ومفهوم خمس رضعات أن الذي دون الأربع لا يحرم
فتعارضا فيرجع إلى الترجيح بين المفهومين وحديث الخمس جاء من طرق صحيحة وحديث
المصتان جاء أيضا من طرق صحيحة لكن قد قال بعضهم انه مضطرب لأنه اختلف فيه هل هو عن
عائشة أو عن الزبير أو عن ابن الزبير أو عن أم الفضل لكن لم يقدح الاضطراب عند مسلم
فأخرجه من حديث أم الفضل زوج العباس أن رجلا من بنى عامر قال يا رسول الله هل تحرم
الرضعة الواحدة قال لا وفى رواية له عنها لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان قال
القرطبي هو أنص ما في الباب الا أنه يمكن حمله على ما إذا لم يتحقق وصوله إلى جوف الرضيع
وقوى مذهب الجمهور بأن الاخبار اختلفت في العدد وعائشة التي روت ذلك قد اختلف عليها
فيما يعتبر من ذلك فوجب الرجوع إلى أقل ما ينطلق عليه الاسم ويعضده من حيث النظر أنه
معنى طارئ يقتضى تأييد التحريم فلا يشترط فيه العدد كالصهر أو يقال مائع يلج الباطن فيحرم
فلا يشترط فيه العدد كالمنى والله أعلم وأيضا فقول عائشة عشر رضعات معلومات ثم نسخن
بخمس معلومات فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ لا ينتهض للاحتجاج على الأصح
من قولي الأصوليين لان القرآن لا يثبت الا بالتواتر والراوي روى هذا على أنه قرآن لا خبر فلم
يثبت كونه قرآنا ولا ذكر الراوي أنه خبر ليقبل قوله فيه والله أعلم (قوله عن الأشعث) هو ابن أبي
الشعثاء واسمه سليم بن الأسود المحاربي الكوفي (قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها
وعندها رجل) لم أقف على اسمه وأظنه ابنا لأبي القعيس وغلط من قال هو عبد الله بن يزيد رضيع
عائشة لان عبد الله هذا تابعي باتفاق الأئمة وكأن أمه التي أرضعت عائشة عاشت بعد النبي صلى
الله عليه وسلم فولدته فلهذا قيل له رضيع عائشة (قوله فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذلك) كذا فيه
ووقع في رواية مسلم من طريق أبى الأحوص عن أشعث وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه
ورأيت الغضب في وجهه وفى رواية أبى داود عن حفص بن عمر عن شعبة فشق ذلك عليه وتغير
وجهه وتقدم من رواية سفيان الماضية في الشهادات فقال يا عائشة من هذا (قوله فقالت إنه
أخي) في رواية غندر عن شعبة انه أخي من الرضاعة أخرجه الإسماعيلي وقد أخرجه أحمد عن
غندر بدونها وتقدم في الشهادات من طريق سفيان الثوري عن أشعث فذكرها وكذا ذكرها أبو
داود في روايته من طريق شعبة وسفيان جميعا عن الأشعث (قوله أنظرن ما أخواتكن) في رواية
126

الكشميهني من اخوانكن وهى أوجه والمعنى تأملن ما وقع من ذلك هل هو رضاع صحيح بشرطه
من وقوعه في زمن الرضاعة ومقدار الارتضاع فان الحكم الذي ينشأ من الرضاع انما يكون إذا
وقع الرضاع المشترط قال المهلب معناه انظرن ما سبب هذه الاخوة فان حرمة الرضاع انما هي
في الصغر حتى تسد الرضاعة المجاعة وقال أبو عبيد معناه ان الذي جاع كان طعامه الذي يشبعه
اللبن من الرضاع لا حيث يكون الغداء بغير الرضاع (قوله فإنما الرضاعة من المجاعة) فيه تعليل
الباعث على امعان النظر والفكر لان الرضاعة تثبت النسب وتجعل الرضيع محرما وقوله من
المجاعة أي الرضاعة التي تثبت بها الحرمة وتحل بها الخلوة هي حيث يكون الرضيع طفلا لسد
اللبن جوعته لان معدته ضعيفة يكفيها اللبن وينبت بذلك لحمه فيصير كجزء من المرضعة فيشترك
في الحرمة مع أولادها فكأنه قال لا رضاعة معتبرة الا المغنية عن المجاعة أو المطعمة من المجاعة
كقوله تعالى أطعمهم من جوع ومن شواهده حديث ابن مسعود لا رضاع الا ما شد العظم
وأنبت اللحم أخرجه أبو داود مرفوعا وموقوفا وحديث أم سلمة لا يحرم من الرضاع الا ما فتق
الأمعاء أخرجه الترمذي وصححه ويمكن أن يستدل به على أن الرضعة الواحدة لا تحرم لأنها
لا تغنى من جوع وإذا كان يحتاج إلى تقدير فأولى ما يؤخذ به ما قدرته الشريعة وهو خمس
رضعات واستدل به على أن التغذية بلبن المرضعة يحرم سواء كان بشرب أم أكل بأي صفة كان
حتى الوجور والسعوط والثرد والطبخ وغير ذلك إذا وقع ذل بالشرط المذكور من العدد لان
ذلك يطرد الجوع وهو موجود في جميع ما ذكر فيوافق الخبر والمعنى وبهذا قال الجمهور لكن
استثنى الحنفية الحقنة وخالف في ذلك الليث وأهل الظاهر فقالوا ان الرضاعة المحرمة انما
تكون بالتقام الثدي ومص اللبن منه وأورد على ابن حزم أنه يلزم على قولهم اشكال في التقام
سالم ثدي سهلة وهى أجنبية منه فان عياضا أجاب عن الاشكال باحتمال أنها حلبته ثم شربه
من غير أن يمس ثديها قال النووي وهو احتمال حسن لكنه لا يفيد ابن حزم لأنه لا يكتفى في
الرضاع الا بالتقام الثدي لكن أجاب النووي بأنه عفى عن ذلك للحاجة واما ابن حزم فاستدل
بقصة سالم على جواز مس الأجنبي ثدي الأجنبية والتقام ثديها إذا أراد أن يرتضع منها مطلقا
واستدل به على أن الرضاعة انما تعتبر في حال الصغر لأنها الحال الذي يمكن طرد الجوع فيها باللبن
بخلاف حال الكبر وضابط ذلك تمام الحولين كما تقدم في الترجمة وعليه دل حديث ابن عباس
المذكور وحديث أم سلمة لا رضاع الا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام وصححه الترمذي وابن
حبان قال القرطبي في قوله فإنما الرضاعة من المجاعة تثبيت قاعدة كلية صريحة في اعتبار
الرضاع في الزمن الذي يستغنى به الرضيع عن الطعام باللبن ويعتضد بقوله تعالى لمن أراد أن
يتم الرضاعة فإنه يدل على أن هذه المدة أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة المعتبر شرعا فما زاد
عليه لا يحتاج إليه عادة فلا يعتبر شرعا إذ لا حكم للنادر وفى اعتبار ارضاع الكبير انتهاك حرمة المرأة بارتضاع الأجنبي منها لاطلاعه على عورتها ولو بالتقامه ثديها (قلت) وهذا
الأخير على الغالب وعلى مذهب من يشترط التقام الثدي وقد تقدم قبل خمسة أبواب أن
عائشة كانت لا تفرق في حكم الرضاع بين حال الصغر والكبر وقد استشكل ذلك مع كون هذا
الحديث من روايتها واحتجت هي بقصة سالم مولى أبى حذيفة فلعلها فهمت من قوله انما
127

الرضاعة من المجاعة اعتبار مقدار ما يسد الجوعة من لبن المرضعة لمن يرتضع منها وذلك أعم من
أن يكون المرتضع صغيرا أو كبيرا فلا يكون الحديث نصا في منع اعتبار رضاع الكبير وحديث
ابن عباس مع تقدير ثبوته ليس نصا في ذلك ولا حديث أم سلمة لجواز أن يكون المراد أن الرضاع
بعد الفطام ممنوع ثم لو وقع رتب عليه حكم التحريم فما في الأحاديث المذكورة ما يدفع هذا
الاحتمال لهذا عملت عائشة بذلك وحكاه النووي تبعا لابن الصباغ وغيره عن داود وفيه نظر
وكذا نقل القرطبي عن داود أن رضاع الكبير يفيد رفع الاحتجاب منه ومال إلى هذا القول ابن
المواز من المالكية وفى نسبة ذلك لداود نظر فان ابن حزم ذكر عن داود أنه مع الجمهور وكذا نقل
غيره من أهل الظاهر وهم أخبر بمذهب صاحبهم وانما الذي نصر مذهب عائشة هذا وبالغ في ذلك
هو ابن حزم ونقله عن علي وهو من رواية الحرث الأعور عنه ولذلك ضعفه ابن عبد البر وقال عبد
الرزاق عن ابن جريج قال رجل لعطاء ان امرأة سقتني من لبنها بعدما كبرت أفأنكحها قال لا
قال ابن جريج فقلت له هذا رأيك قال نعم كانت عائشة تأمر بذلك بنات أخيها وهو قول الليث بن
سعد وقال ابن عبد البر لم يختلف عنه في ذلك (قلت) وذكر الطبري في تهذيب الآثار في مسند على
هذه المسئلة وساق باسناده الصحيح عن حفصة مثل قول عائشة وهو مما يخص به عموم قول أم سلمة
أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا أخرجه مسلم
وغيره ونقله الطبري أيضا عن عبد الله بن الزبير والقاسم بن محمد وعروة في آخرين وفيه تعقب على
القرطبي حيث خص الجواز بعد عائشة بداود وذهب الجمهور إلى اعتبار الصغر في الرضاع المحرم
وقد تقدم ضبطه وأجابوا عن قصة سالم بأجوبة منها أنه حكم منسوخ وبه جزم المحب الطبري في
أحكامه وقرره بعضهم بأن قصة سالم كانت في أوائل الهجرة والأحاديث الدالة على اعتبار الحولين
من رواية أحداث الصحابة فدل على تأخرها وهو مستند ضعيف إذ لا يلزم من تأخر اسلام الراوي
ولا صغره أن لا يكون ما رواه متقدما وأيضا ففي سياق قصة سالم ما يشعر بسبق الحكم باعتبار
الحولين لقول امرأة أبى حذيفة في بعض طرقه حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم أرضعيه
قالت وكيف أرضعه وهو رجل كبير فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد علمت أنه رجل
كبير وفى رواية لمسلم قالت إنه ذو لحية قال أرضعيه وهذا يعشر بأنها كانت تعرف أن الصغر
معتبر في الرضاع المحرم ومنها دعوى الخصوصية بسالم وامرأة أبى حذيفة والأصل فيه قول
أم سلمة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما ترى هذا الا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله
عليه وسلم لسالم خاصة وقرره ابن الصباغ وغيره بأن أصل قصة سالم ما كان وقع من التبني الذين
أدى إلى اختلاط سالم بسهلة فلما نزل الاحتجاب ومنعوا من التبني شق ذلك على سهلة فوقع
الترخيص لها في ذلك لرفع ما حصل لها من المشقة وهذا فيه نظر لأنه يقتضى الحاق من يساوى
سهلة في المشقة والاحتجاج بها فتنفى الخصوصية ويثبت مذهب المخالف لكن يفيد الاحتجاج
وقرره آخرون بأن الأصل أن الرضاع لا يحرم فلما ثبت ذلك في الصغر خولف الأصل له وبقى
ما عداه على الأصل وقصة سالم واقعة عين يطرقها احتمال الخصوصية فيجب الوقوف عن
الاحتجاج بها ورأيت بخط تاج الدين السبكي أنه رأى في تصنيف لمحمد بن خليل الأندلسي في هذه
المسئلة أنه توقف في أن عائشة وان صح عنها الفتيا بذلك لكن لم يقع منها ادخال أحد من
128

الأجانب بتلك الرضاعة قال تاج الدين ظاهر الأحاديث ترد عليه وليس عندي فيه قول
جازم لا من قطع ولا من ظن غالب كذا قال وفيه غفلة عما ثبت عند أبي داود في هذه القصة
فكانت عائشة تأمر بنات أخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها ويراها وإن كان كبيرا خمس رضعات ثم يدخل عليها واسناده صحيح وهو صريح فأي ظن غالب وراء هذا
والله سبحانه وتعالى أعلم وفى الحديث أيضا جواز دخول من اعترفت المرأة بالرضاعة معه عليها
وانه يصير أخا لها وقبول قولها فيمن اعترفت به وان الزوج يسأل زوجته عن سبب ادخال الرجال
بيته والاحتياط في ذلك والنظر فيه وفى قصة سالم جواز الارشاد إلى الحيل وقال ابن الرفعة يؤخذ
منه جواز تعاطى ما يحصل الحل في المستقبل وإن كان ليس حلالا في الحال * (قوله
باب لبن الفحل) بفتح الفاء وسكون المهملة أي الرجل ونسبة اللبن إليه مجازية لكونه
السبب فيه (قوله عن ابن شهاب) لمالك فيه شيخ آخر وهو هشام بن عروة وسياقه للحديث
عن عروة أتم وسيأتى قبيل كتاب الطلاق (قوله إن أفلح أخا أبى القعيس) بقاف وعين وسين
مهملتين مصغر وتقدم في الشهادات من طريق الحكم عن عروة استأذن على أفلح فلم آذن له وفى
رواية مسلم من هذا الوجه أفلح بن قعيس والمحفوظ أفلح أخو أبى القعيس ويحتمل أن يكون اسم
أبيه قعيسا أو اسم جده فنسب إليه فتكون كنية أبى القعيس وافقت اسم أبيه أو اسم جده
ويؤيد ما وقع في الأدب من طريق عقيل عن الزهري بلفظ فان أخا بنى القعيس وكذا وقع عند
النسائي عن طريق وهب بن كيسان عن عروة وقد مضى في تفسير الأحزاب من طريق شعيب
عن ابن شهاب بلفظ ان أفلح أخا أبى القعيس وكذا المسلم من طريق يونس ومعمر عن الزهري
وهو المحفوظ عن أصحاب الزهري لكن وقع عند مسلم من رواية ابن عيينة عن الزهري أفلح بن أبي
القعيس وكذا لأبي داود من طريق الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه ولمسلم من طريق ابن
جريج عن عطاء أخبرني عروة أن عائشة قالت استأذن على عمى من الرضاعة أبو الجعد قال
فقال لي هشام انما هو أبو القعيس وكذا وقع عند مسلم من طريق أبى معاوية عن هشام استأذن
عليها أبو القعيس وسائر للرواة عن هشام قالوا أفلح آخر أبى القعيس كما هو المشهور وكذا قال
سائر أصحاب عروة ووقع عند سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد ان أبا قعيس أتى عائشة
يستأذن عليها وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق القاسم عن أبي قعيس والمحفوظ أن الذي
استأذن هو أفلح وأبو القعيس هو أخوه قال القرطبي كل ما جاء من الروايات وهم الا من قال أفلح
أخو أبى القعيس أو قال أبو الجعد لأنها كنية أفلح (قلت) وإذا تدبرت ما حررت عرفت ان كثيرا
من الروايات لا وهم فيه ولم يخطئ عطاء في قوله أبو الجعد فإنه يحتمل أن يكون حفظ كنية أفلح
وأما اسم أبى القعيس فلم أقف عليه الا في كلام الدارقطني فقال هو وائل بن أفلح الأشعري وحكى
هذا ابن عبد البر ثم حكى أيضا ان اسمه الجعد فعلى هذا يكون أخوه وافق اسمه اسم أبيه ويحتمل
أن يكون أبو القعيس نسب لجده ويكون اسمه وائل بن قعيس بن أفلح بن القعيس وأخوه أفلح
ابن قعيس بن أفلح أبو الجعد قال ابن عبد البر في الاستيعاب لا أعلم لأبي القعيس ذكرا الا في هذا
الحديث (قوله وهو عمها من الرضاعة) فيه التفات وكان السياق يقتضى أن يقول وهو عمى
وكذا وقع عند النسائي من طريق معن عن مالك وفى رواية يونس عن الزهري عند مسلم وكان
أبو القعيس أخا عائشة من الرضاعة (قوله فأبيت ان آذن له) في رواية عراك الماضية في
129

الشهادات فقال أتحتجبين منى وأنا عمك وفى رواية شعيب عن الزهري كما مضى في تفسير سورة
الأحزاب فقلت لا آذن له حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فان أخاه أبا القعيس ليس هو
أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أبى القعيس وفى رواية معمر عن الزهري عند مسلم وكان
أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة (قوله فأمرني ان آذن له) في رواية شعيب ائذني
له فإنه عمك تربت يمينك وفى رواية سفيان يداك أو يمينك وقد تقدم شرح هذه اللفظة في باب
الأكفاء في الدين وفى رواية مالك عن هشام بن عروة انه عمك فليج عليك وفى رواية الحكم
صدق أفلح ائذني له ووقع في رواية سفيان الثوري عن هشام عند أبي داود دخل على أفلح
فاستترت عنه فقال أتستترين منى وأنا عملك قلت من أين قال أرضعتك امرأة أخي قلت انما
أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل الحديث ويجمع بأنه دخل عليها أولا فاستترت ودار بينهما
الكلام ثم جاء يستأذن ظنا منه أنها قبلت قوله فلم تأذن له حتى تستأذن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ووقع في رواية شعيب في آخره من الزيادة قال عروة فبذلك كانت عائشة تقول حرموا
من الرضاع ما يحرم من النسب ووقع في رواية سفيان بن عيينة ما تحرمون من النسب وهذا
ظاهره الوقف وقد أخرجه مسلم من طريق يزيد بن أبي حبيب عن عراك عن عروة في هذه
القصة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تحتجبي منه فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب وقد
تقدمت هذه الزيادة عن عائشة أيضا مرفوعة من وجه آخر في أول أبواب الرضاع وفى الحديث
ان لبن الفحل يحرم فتنتشر الحرمة لمن ارتضع الصغير بلبنه فلا تحل له بنت زوج المرأة التي
أرضعته من غيرها مثلا وفيه خلاف قديم حكى عن ابن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وزينب
بنت أم سلمة وغيرهم ونقله ابن بطال عن عائشة وفيه نظر ومن التابعين عن سعيد بن المسيب وأبى
سلمة والقاسم وسالم وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والشعبي وإبراهيم النخعي وأبى قلابة وأياس
ابن معاوية أخرجها ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وعن ابن سيرين
نبئت أن ناسا من أهل المدينة اختلفوا فيه وعن زينب بنت أبي سلمة أنها سألت والصحابة
متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئا وقال به من الفقهاء
ربيعة الرأي وإبراهيم بن علية وابن بنت الشافعي وداود واتباعه وأغرب عياض ومن تبعه في
تخصيصهم ذلك بداود وإبراهيم مع وجود الرواية عمن ذكرنا بذلك وحجتهم في ذلك قوله تعالى
وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ولم يذكر العمة ولا البنت كما ذكرهما في النسب وأجيبوا بان تخصيص
الشئ بالذكر لا يدل على نفى الحكم عما عداه ولا سيما وقد جاءت الأحاديث الصحيحة واحتج بعضهم
من حيث النظر بان اللبن لا ينفصل من الرجل وانما ينفصل من المرأة فكيف تنتشر الحرمة إلى
الرجل والجواب أنه قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه وأيضا فان سبب اللبن هو ماء الرجل
والمرأة معا فوجب أن يكون الرضاع منهما كالجد لما كان سبب الولد أوجب تحريم ولد الولد به
لتعلقه بولده والى هذا أشار ابن عباس بقوله في هذه المسئلة اللقاح واحد أخرجه ابن أبي شيبة
وأيضا فان الوطء يدر اللبن فللفحل فيه نصيب وذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وفقهاء
الأمصار كالأوزاعي في أهل الشام والثوري وأبي حنيفة وصاحبيه في أهل الكوفة وابن جريج
في أهل مكة ومالك في أهل المدينة والشافعي وأحمد واسحق وأبى ثور وأتباعهم إلى أن لبن الفحل
130

يحرم وحجتهم هذا الحديث الصحيح وألزم الشافعي المالكية في هذه المسئلة برد أصلهم بتقديم عمل
أهل المدينة ولو خالف الحديث الصحيح إذا كان من الآحاء لما رواه عن عبد العزيز بن محمد عن
ربيعة من أن لبن الفحل لا يحرم قال عبد العزيز بن محمد وهذا رأى فقهائنا الا الزهري فقال
الشافعي لا نعلم شيئا من علم الخاصة أولى بأن يكون عاما ظاهرا من هذا وقد تركوه للخبر الوارد
فيلزمهم على هذا اما أن يردوا هذا الخبر وهم ولم يردوه أو يردوا ما خالف الخبر وعلى كل حال هو
المطلوب قال القاضي عبد الوهاب يتصور تجريد لبن الفحل برجل له امرأتان ترضع إحداهما
صبيا والاخرى صبية فالجمهور قالوا يحرم على الصبى تزويج الصبية وقال من خالفهم يجوز
واستدل به على أن من ادعى الرضاع وصدقه الرضيع يثبت حكم الرضاع بينهما ولا يحتاج إلى بينة
لان أفلح ادعى وصدقته عائشة وأذن الشارع بمجرد ذلك وتعقب باحتمال أن يكون الشارع اطلع
على ذلك من غير دعوى أفلح وتسليم عائشة واستدل به على أن قليل الرضاع يحرم كما يحرم كثيرة
لعدم الاستفصال فيه ولا حجة فيه لأن عدم الذكر لا يدل على العدم المحض وفيه ان من شك في
حكم يتوقف عن العمل حتى يسأل العلماء عنه وان من اشتبه عليه الشئ طالب المدعى ببيانه
ليرجع إليه أحدهما وان العالم إذا سئل يصدق من قال الصواب فيها وفيه وجوب احتجاب المرأة
من الرجال الأجانب ومشروعة استئذان المحرم على محرمه وان المرأة لا تأذن في بيت الرجل
الا باذنه وفيه جواز التسمية بأفلح ويؤخذ منه ان المستفتى إذا بادر بالتعليل قبل سماع الفتوى
أنكر عليه لقوله لها تربت يمينك فان فيه إشارة إلى أنه كان من حقها ان تسأل عن الحكم فقط
ولا تعلل وألزم به بعضهم من أطلق من الحنفية القائلين ان الصحابي إذا روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم حديثا وصح عنه ثم صح عنه العمل بخلافه ان العمل بما رأى لا بما روى لان عائشة صح
عنها ان لا اعتبار بلبن الفحل ذكره مالك في الموطأ وسعيد بن منصور في السنن وأبو عبيد في كتاب
النكاح باسناد حسن وأخذ الجمهور ومنهم الحنفية بخلاف ذلك وعملوا بروايتها في قصة أخي أبى
القعيس وحرموه بلبن الفحل فكان يلزمهم على قاعدتهم أن يتبعوا عمل عائشة ويعرضوا عن
روايتها ولو كان روى هذا الحكم غير عائشة لكان لهم معذرة لكنه لم يروه غيرها وهو الزام
قوى * (قوله باب شهادة المرضعة) أي وحدها وقد تقدم بيان الاختلاف في
ذلك في كتاب الشهادات وأغرب ابن بطال هنا فنقل الاجماع على أن شهادة المرأة وحدها لا تجوز
في الرضاع وشبهه وهو عجيب منه فإنه قول جماعة من السلف حتى أن عند المالكية رواية انها
تقبل وحدها لكن بشرط فشو ذلك في الجيران (قوله علي بن عبد الله) هو ابن المديني وإسماعيل
ابن إبراهيم هو المعروف بابن علية وعبيد بن أبي مريم مكي ماله في الصحيح سوى هذا الحديث
ولا أعرف من حاله شيا الا ان ابن حبان ذكره في ثقات التابعين وقد أوضحت في الشهادات بيان
الاختلاف في اسناده على ابن أبي مليكة وان العمدة فيه على سماع ابن أبي مليكة له من عقبة بن
الحرث نفسه وتقدم تسمية المرأة المعبر عنها هنا بفلانة بنت فلان وتسمية أبيها وأما المرضعة
السوداء فما عرفت اسمها بعد (قوله فاعرض عنى) في رواية المستملى فأعرض عنه وفيه
التفات (قوله دعها عنك وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى يحكى أيوب) يعنى يحكى إشارة
أيوب والقائل على والحاكي إسماعيل والمراد حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث أشار
131

بيده وقال بلسانه دعها عنك فحكى ذلك كل راو لمن دونه واستدل به على أن الرضاعة لا يشترط
فيها عدد الرضعات وفيه نظر لأنه لا يلزم من عدم ذكرها عدم الاشتراط لاحتمال أن يكون ذلك
قبل تقرير حكم اشتراط العدد أو بعد اشتهاره فلم يحتج لذكره في كل واقعة وقد تقدم بيان
الاختلاف في ذلك ويؤخذ من الحديث عند من يقول إن الامر بفراقها لم يكن لتحريمها عليه
بقول المرضعة بل للاحتياط أن يحتاط من يريد أن يتزوج أو يزوج ثم اطلع على أمر فيه خلاف
بين العلماء كمن زنى بها أو باشرها بشهوة أو زنى بها أصله أو فرعه أو خلقت من زناه بأمها أو شك في
تحريمها عليه بصهر أو قرابة ونحو ذلك والله أعلم * (قوله باب ما يحل من النساء
وما يحرم وقوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم الآية إلى عليما حكيما) كذا لأبي ذر
وساق في رواية كريمة إلى قوله وبنات الأخت ثم قال إلى قوله عليما حكيما وذلك يشتمل الآيتين
فان الأولى إلى قوله غفور رحيما (قوله وقال أنس والمحصنات من النساء ذوات الأزواج
الحرائر حرام الا ما ملكت أيمانكم لا يرى بأسا أن ينزع الرجل جاريته) وفى رواية الكشميهني
جارية (من عبده) وصله إسماعيل القاضي في كتاب أحكام القرآن باسناد صحيح من طريق سليمان
التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك أنه قال في قوله تعالى والمحصنات ذوات الأزواج الحرائر
الا ما ملكت أيمانكم فإذا هو لا يرى بما ملك اليمين بأسا أن ينزع الرجل الجارية من عبده
فيطأها وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق أخرى عن التيمي بلفظ ذوات البعول وكان يقول
بيعها طلاقها والأكثر على أن المراد بالمحصنات ذوات الأزواج يعنى انهن حرام وان المراد
بالاستثناء في قوله الا ما ملكت أيمانكم المسبيات إذا كن متزوجات فإنهن حلال لمن سباهن
(قوله وقال) أي قال الله عز وجل (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) أشار بهذا إلى التنبيه
على من حرم نكاحها زائدا على ما في الآيتين فذكر المشركة وقد استثنيت الكتابية والزائدة على
الرابعة فدل ذلك على أن العدد الذي في قول ابن عباس الذي بعده لا مفهوم له وانما أراد حصر ما
في الآيتين (قوله وقال ابن عباس ما زاد على أربع فهو حرام كأمه وابنته وأخته) وصله
الفريابي وعبد بن حميد باسناد صحيح عنه ولفظه في قوله تعالى والمحصنات من النساء الا ما ملكت
أيمانكم لا يحل له أن يتزوج فوق أربع نسوة فما زاد منهن فهن عليه حرام والباقي مثله
وأخرجه البيهقي (قوله وقال لنا أحمد بن حنبل) هذا فيما قيل أخذه المصنف عن الإمام أحمد
في المذاكرة أو الإجازة والذي ظهر لي بالاستقراء أنه انما استعمل هذه الصيغة في الموقوفات
وربما استعملها فيما فيه قصور ما عن شرطه والذي هنا من الشق الأول وليس للمصنف في هذا
الكتاب عن أحمد رواية الا في هذا الموضع وأخرج عنه في آخر المغازي حديثا بواسطة وكأنه لم
يكثر عنه لأنه في رحلته القديمة لقى كثيرا من مشايخ أحمد فاستغنى بهم وفى رحلته الأخيرة كان
أحمد قد قطع التحديث فكان لا يحدث الا نادرا فمن ثم أكثر البخاري عن علي بن المديني دون أحمد
وسفيان المذكور في هذا الاسناد هو الثوري وحبيب هو ابن أبي ثابت (قوله حرم من
النسب سبع ومن الصهر سبع) في رواية ابن مهدي عن سفيان عند الإسماعيلي حرم عليكم
وفى لفظ حرمت عليكم (قوله ثم قرأ حرمت عليكم أمهاتكم) الآية في رواية يزيد بن هارون
عن سفيان عند الإسماعيلي قرأ الآيتين والى هذه الرواية أشار المصنف بقوله في الترجمة إلى عليما
132

حكيما فإنها آخر الآيتين ووقع عند الطبراني من طريق عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس في
آخر الحديث ثم قرأ حرمت عليكم أمهاتكم حتى بلغ وبنات الأخ وبنات الأخت ثم قال هذا
النسب ثم قرأ وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم حتى بلغ وأن تجمعوا بين الأختين وقرأ ولا تنكحوا
ما نكح آباؤكم من النساء فقال هذا الصهر انتهى فإذا جمع بين الروايتين كانت الجملة خمس عشرة
امرأة وفى تسمية ما هو بالرضاع صهرا تجوز وكذلك امرأة الغير وجميعهن على التأييد الا الجمع
بين الأختين وامرأة الغير ويلتحق بمن ذكر موطوءة الجد وان علا وأم الام ولو علت وكذا أم الأب
وبنت الابن ولو سفلت وكذا بنت البنت وبنت بنت الأخت ولو سفلت وكذا بنت بنت الأخ وبنت
ابن الأخ والأخت وعمة الأب ولو علت وكذا عمة الام وخالة الام ولو علت وكذا خالة الأب وجدة
الزوجة ولو علت وبنت الربيبة ولو سفلت وكذا بنت الربيب وزوجة ابن الابن وابن البنت والجمع
بين المرأة وعمتها أو خالتها وسيأتى في باب مفرد ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وتقدم في
باب مفرد وبيان ما قيل إنه يستثنى من ذلك (قوله وجمع عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب
(بين بنت على وامرأة على) كأنه أشار بذلك إلى دفع من يتخيل ان العلة في منع الجمع بين الأختين
ما يقع بينهما من القطيعة فيطرده إلى كل قريبتين ولو بالصهارة فمن ذلك الجمع بين المرأة وبنت
زوجها والأثر المذكور وصله البغوي في الجعديات من طريق عبد الرحمن بن مهران أنه قال
جمع عبد الله بن جعفر بين زينب بنت على وامرأة على ليلى بنت مسعود وأخرجه سعيد بن منصور
من وجه آخر فقال ليلى بنت مسعود النهشلية وأم كلثوم بنت على لفاطمة فكانتا امرأتيه وقوله
لفاطمة أي من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعارض بين الروايتين في زينب وأم
كلثوم لأنه تزوجهما واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته وقد وقع ذلك مبينا عند ابن سعد
(قوله وقال ابن سيرين لا باس به) وصله سعيد بن منصور عنه بسند صحيح وأخرجه ابن أبي
شيبة مطولا من طريق أيوب عن عكرمة بن خالد أن عبد الله بن صفوان تزوج امرأة رجل من
ثقيف وابنته أي من غيرها قال أيوب فسئل عن ذلك ابن سيرين فلم ير به بأسا وقال نبئت أن رجلا
كان بمصر اسمه جبلة جمع بين امرأة رجل وبنته من غيرها وأخرج الدارقطني من طريق أيوب
أيضا عن ابن سيرين ان رجلا من أهل مصر كانت له صحبة يقال له جبلة فذكره (قوله وكرهه
الحسن مرة ثم قال لا بأس به) وصله الدارقطني في آخر الأثر الذي قبله بلفظ وكان الحسن يكرهه
وأخرجه أبو عبيد في كتاب النكاح من طريق سلمة بن علقمة قال انى لجالس عند الحسن إذا سأله
رجل عن الجمع بين البنت وامرأة زوجها فكرهه فقال له بعضهم يا أبا سعيد هل ترى به بأسا فنظر
ساعة ثم قال ما أرى به بأسا وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة انه كرهه وعن سليمان بن يسار ومجاهد
والشعبي انهم قالوا لا باس به (قوله وجمع الحسن بن الحسن بن علي بين بنتي عم في ليلة) وصله
عبد الرزاق وأبو عبيد من طريق عمرو بن دينار بهذا وزاد في ليلة واحدة بنت محمد بن علي وبنت
عمر بن علي فقال محمد بن علي هو أحب إلينا منهما وأخرج عبد الرزاق أيضا والشافعي من وجه
آخر عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي فلم ينسب المرأتين ولم يذكر قول محمد بن علي وزاد
فأصبح النساء لا يدرين أين يذهبن (قوله وكرهه جابر بن زيد للقطيعة) وصله أبو عبيد من
طريقه وأخرج عبد الرزاق نحوه عن قتادة وزاد وليس بحرام (قوله وليس فيه تحريم لقوله
133

تعالى وأحل لكم ما رواء ذلكم) هذا من تفقه المصنف وقد صرح به قتادة قبله كما ترى وقد قال
ابن المنذر لا أعلم أحدا أبطل هذا النكاح قال وكان يلزم من يقول بدخول القياس في مثل هذا
أن يحرمه وقد أشار جابر بن زيد إلى العلة بقوله للقطيعة أي لأجل وقوع القطيعة بينهما لما
يوجبه التنافس بين الضرتين في العادة وسيأتى التصريح بهذه العلة في حديث النهى عن الجمع
بين المرأة وعمتها بل جاء ذلك منصوصا في جميع القرابات فأخرج أبو داود وابن أبي شيبة من
مرسل عيسى بن طلحة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة
القطيعة وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر
وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن وقد نقل العمل بذلك عن ابن أبي
ليلى وعن زفر أيضا ولكن انعقد الاجماع على خلافه نقله ابن عبد البر وابن حزم وغيرهما (قوله
وقال عكرمة عن ابن عباس إذا زنى بأخت امرأته لم تحرم عليه امرأته) هذا مصير من ابن عباس
إلى أن المراد بالنهى عن الجمع بين الأختين إذا كان الجمع بعقد التزويج وهذا الأثر وصله عبد
الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في رجل زنى بأخت امرأته قال تخطى حرمة إلى
حرمة ولم تحرم عليه امرأته قال ابن جريج وبلغني عن عكرمة مثله وأخرجه ابن أبي شيبة من
طريق قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس قال جاوز حرمتين إلى حرمة ولم تحرم عليه امرأته
وهذا قول الجمهور وخالفت فيه طائفة كما سيجئ (قوله ويروى عن يحيى الكندي عن الشعبي
وأبى جعفر فيمن يلعب بالصبى ان أدخله فيه فلا يتزوجن امه) في رواية أبي ذر عن المستملى وابن
جعفر بدل قوله وأبى جعفر والأول هو المعتمد وكذا وقع في رواية أبى نصر بن مهدي عن المستملى
كالجماعة وهكذا وصله وكيع في مصنفه عن سفيان الثوري عن يحيى (قوله ويحيى هذا
غير معروف ولم يتابع عليه) انتهى وهو ابن قيس وروى أيضا عن شريح روى عنه الثوري
وأبو عوانة وشريك فقول المصنف غير معروف أي غير معروف العدالة والا فاسم الجهالة
ارتفع عنه برواية هؤلاء وقد ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا وذكره
ابن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح والقول الذي رواه يحيى هذا قد نسب إلى سفيان
الثوري والأوزاعي وبه قال أحمد وزاد وكذا لو تلوط بابى امرأته أو بأخيها أو بشخص ثم ولد
للشخص بنت فان كلا منهن تحرم على الواطئ لكونها بنت أو أخت من نكحه وخالف ذلك
الجمهور فخصوه بالمرأة المعقود عليها وهو ظاهر القرآن لقوله وأمهات نسائكم وان تجمعوا بين
الأختين والذكر ليس من النساء ولا أختا وعند الشافعية فيمن تزوج امرأة فلاط بها هل
تحرم عليه بنتها أم لا وجهان والله أعلم (قوله وقال عكرمة عن ابن عباس إذا زنى بها لا تحرم
عليه امرأته) وصله البيهقي من طريق هشام عن قتادة عن عكرمة بلفظ في رجل غشى أم
امرأته قال تخطى حرمتين ولا تحرم عليه امرأته واسناده صحيح وفى الباب حديث مرفوع
أخرجه الدارقطني والطبراني من حديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يتبع
المرأة حراما ثم ينكح ابنتها أو البنت ثم ينكح أمها قال لا يحرم الحرام الحلال انما يحرم ما كان
بنكاح حلال وفى اسنادهما عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك وقد أخرج ابن ماجة
طرفا منه من حديث ابن عمر لا يحرم الحرام الحلال واسناده أصلح من الأول (قوله وبذكر عن
134

أبى نصر عن ابن عباس أنه حرمه
وصله الثوري في جامعه من طريقه ولفظه ان رجلا قال إنه
أصاب أم امرأته فقال له ابن عباس حرمت عليك امرأتك وذلك بعد أن ولدت منه سبعة أولاد
كلهم بلغ مبالغ الرجال (قوله وأبو نصر هذا لم يعرف بسماعه من ابن عباس) كذا للأكثر وفى
رواية ابن المهدى عن المستملى لا يعرف سماعه وهى أوجه وأبو نصر هذا بصرى أسدى وثقه
أبو زرعة وفى الباب حديث ضعيف أخرجه ابن أبي شيبة من حديث أم هانئ مرفوعا من نظر إلى
فرج امرأة لم تحل له أمها ولا بنتها واسناده مجهول قاله البيهقي (قوله ويروى عن عمران بن حصين
والحسن وجابر بن زيد وبعض أهل العراق أنها تحرم عليه) أما قول عمران فوصله عبد الرزاق
من طريق الحسن البصري عنه قال فيمن فجر بأم امرأته حرمتا عليه جميعا ولا بأس باسناده
وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة عن عمران وهو منقطع وأما قول جابر بن زيد والحسن
فوصله ابن أبي شيبة من طريق قتادة عنهما قال حرمت عليه امرأته قال قتادة لا تحرم غير أنه
لا يغشى امرأته حتى تنقضى عدة التي زنى بها وأخرجه أبو عبيد من وجه آخر عن الحسن بلفظ
إذا فجر بأم امرأته أو ابنة امرأته حرمت عليه امرأته وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
قال قال يحيى بن يعمر للشعبي والله ما حرم حرام قط حلالا قط فقال الشعبي بلى لو صببت خمرا
على ما حرم شرب ذلك الماء قال قتادة وكان الحسن يقول مثل قول الشعبي وأما قوله وقال بعض
أهل العراق فلعله عنى به الثوري فإنه ممن قال بذلك من أهل العراق وقد أخرج ابن أبي شيبة
من طريق حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج
امرأة وبنتها ومن طريق مغيرة عن إبراهيم وعامر هو الشعبي في رجل وقع على أم امرأته قال
حرمتا عليه كلتاهما وهو قول أبي حنيفة وأصحابه قالوا إذا زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها
وبه قال من غير أهل العراق عطاء والأوزاعي وأحمد واسحق وهى رواية عن مالك وأبى ذلك
الجمهور وحجتهم ان النكاح في الشرع انما يطلق على المعقود عليها لا على مجرد الوطء وأيضا
فالزنا لا صداق فيه ولا عدة ولا ميراث قال ابن عبد البر وقد أجمع أهل الفتوى من الأمصار على أنه
لا يحرم على الزاني تزوج من زنى بها فنكاح أمها وابنتها أجوز (قوله وقال أبو هريرة لا تحرم
عليه حتى يلزق بالأرض يعنى حتى يجامع) قال ابن التين يلزق بفتح أوله وضبطه غيره بالضم وهو
أوجه وبالفتح لازم وبالضم متعد يقال لزق به لزوقا وألزقه بغيره وهو كناية عن الجماع كما قال المصنف
وكأنه أشار إلى خلاف الحنفية فإنهم قالوا تحرم عليه امرأته بمجرد لمس أمها والنظر إلى فرجها
فالحاصل أن ظاهر كلام أبي هريرة انها لا تحرم الا ان وقع الجماع فيكون في المسئلة ثلاثة آراء
فمذهب الجمهور لا تحرم الا بالجماع مع العقد والحنفية وهو قول عن الشافعي تلتحق المباشرة
بشهوة بالجماع لكونه استمتاعا ومحل ذلك إذا كانت المباشرة بسبب مباح أما المحرم فلا يؤثر كالزنا
والمذهب الثالث إذا وقع الجماع حلالا أو زنا أثر بخلاف مقدماته (قوله وجوزه سعيد بن
المسيب وعروة والزهري) أي أجازوا للرجل أن يقيم مع امرأته ولو زنى بأمها أو أختها سواء
فعل مقدمات الجماع أو جامع ولذلك أجازوا له أن يتزوج بنت أو أم من فعل بها ذلك وقد روى
عبد الرزاق من طريق الحرث بن عبد الرحمن قال سألت سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن
الرجل يزنى بالمرأة هل تحل له أمها فقالا لا يحرم الحرام الحلال وعن معمر عن الزهري مثله وعند
135

البيهقي من طريق يونس بن يزيد عن الزهري انه سئل عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج ابنتها فقال
قال بعض العلماء لا يفسد الله حلالا بحرام (قوله وقال الزهري قال على لا يحرم وهذا مرسل)
أما قول الزهري فوصله البيهقي من طرق يحيى بن أيوب عن عقيل عنه انه سئل عن رجل وطئ أم
امرأته فقال قال علي بن أبي طالب لا يحرم الحرام الحلال وأما قوله وهذا مرسل ففي رواية
الكشميهني وهو مرسل أي منقطع فأطلق المرسل على المنقطع كما تقدم في فضائل القرآن
والخطب فيه سهل والله أعلم * (قوله باب وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم
اللاتي دخلتم بهن) هذه الترجمة معقودة لتفسير الربيبة وتفسير المراد بالدخول فاما الربيبة فهي
بنت امرأة الرجل قيل لها ذلك لأنها مربوبة وغلط من قال هو من التربية وأما الدخول ففيه
قولان أحدهما ان المراد به الجماع وهو أصح قولي الشافعي والقول الآخر وهو قول الأئمة
الثلاثة المراد به الخلوة (قوله وقال ابن عباس الدخول والمسيس واللماس هو الجماع) تقدم
ذكر من وصله عنه في تفسير المائدة وفيه زيادة وروى عبد الرزاق من طريق بكر بن عبد الله
المزنى قال قال ابن عباس الدخول والتغشي والافضاء والمباشرة والرفث واللمس الجماع الا ان
الله حيى كريم يكنى بما شاء عما شاء (قوله ومن قال بنات ولدها هن من بناتها في التحريم) سقط
من هنا إلى آخر الترجمة من رواية أبي ذر عن السرخسي وقد تقدم حكم ذلك في الباب الذي قبله
(قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم لام حبيبة الخ) قد وصله في الباب ووجه الدلالة من عموم
قوله بناتكن لان بنت الابن بنت (قوله وكذلك حلائل ولد الأبناء هن حلائل الأبناء) أي
مثلهن في التحريم وهذا بالاتفاق فكذلك بنات الأبناء وبنات البنات (قوله وهل تسمى
الربيبة وان لم تكن في حجره) أشار بهذا إلى أن التقييد بقوله في حجوركم هل هو للغالب أو يعتبر فيه
مفهوم المخالفة وقد ذهب الجمهور إلى الأول وفيه خلاف قديم أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر
وغيرهما من طريق إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس قال كانت عندي امرأة قد ولدت لي فماتت
فوجدت عليها فلقيت علي بن أبي طالب قال لي مالك فأخبرته فقال ألها ابنة يعنى من غيرك قلت
نعم قال كانت في حجرك قلت لا هي في الطائف قال فانكحها قلت فأين قوله تعالى وربائبكم قال إنها
لم تكن في حجرك وقد دفع بعض المتأخرين هذا الأثر وادعى نفى نبوعه بان إبراهيم بن عبيد
لا يعرف وهو عجيب فان الأثر المذكور عند ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق إبراهيم بن عبيد بن
رفاعة وإبراهيم ثقة تابعي معروف وأبوه وجده صحابيان والأثر صحيح عن علي وكذا صح عن عمر
انه أفتى من سأله إذ تزوج بنت رجل كانت تحته جدتها ولم تكن البنت في حجره أخرجه أبو عبيد
وهذا وإن كان الجمهور على خلافه فقد احتج أبو عبيد للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم فلا
تعرضن على بناتكن قال فعم ولم يقيد بالحجر وهذا فيه نظر لأن المطلق محمول على المقيد ولولا
الاجماع الحادث في المسئلة وندرة المخالف لكان الاخذ به أولى لان التحريم جاء مشروطا بأمرين
أن تكون في الحجر وأن يكون الذي يريد التزويج قد دخل بالام فلا تحرم بوجود أحد الشرطين
واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي وهذا وقع في بعض طرق
الحديث كما تقدم وفى أكثر طرقه لو لم تكن ربيبتي في حجري فقيد بالحجر كما قيد به القرآن فقوى
اعتباره والله أعلم (قوله ودفع النبي صلى الله عليه وسلم ربيبة له إلى من يكفلها) هذا طرف
136

من حديث وصله البزار والحاكم من طريق أبى اسحق عن فروة بن نوفل الأشجعي عن أبيه وكان
النبي صلى الله عليه وسلم دفع إليه زينب بنت أم سلمة وقال انما أنت ظئري قال فذهب بها ثم جاء
فقال ما فعلت الجويرية قال عند أمها يعنى من الرضاعة وجئت لتعلمني فذكر حديثا فيما يقرأ
عند النوم وأصله عند أصحاب السنن الثلاثة بدون القصة وأصل قصة زينب بنت أم سلمة عند أحمد
وصححه ابن حبان من طريق أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث أن أم سلمة أخبرته أنها لما قدمت
المدينة فذكرت القصة في هجرتها ثم موت أبى سلمة قالت فلما وضعت زينب جاءني رسول الله صلى
الله عليه وسلم فخطبني الحديث وفيه فجعل يأتينا فيقول أين زناب حتى جاء عمار هو ابن ياسر
فاختلجها وقال هذه تمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وكانت ترضعها فجاء النبي صلى الله
عليه وسلم فقال أين زناب فقالت قريبة بنت أبي أمية وهى أخت أم سلمة وافقتها عندما أخذها
عمار بن ياسر فقال النبي صلى الله عليه وسلم انى آتيكم الليلة وفى رواية لأحمد فجاء عمار وكان أخاها
لامها يعنى أم سلمة فدخل عليها فانتشطها من حجرها وقال دعى هذه المقبوحة الحديث (قوله
وسمى النبي صلى الله عليه وسلم ابن ابنته ابنا) هذا طرف من حديث تقدم موصولا في المناقب من
حديث أبي بكرة وفيه ان ابني هذا سيد يعنى الحسن بن علي وأشار المصنف بهذا إلى تقوية
ما تقدم ذكره في الترجمة أن بنت ابن الزوجة في حكم بنت الزوجة ثم ساق حديث أم حبيبة قلت
يا رسول الله هل لك في بنت أبي سفيان وقد تقدم شرحه مستوفى قبل هذا وقوله أرضعتني وأباها
ثويبة هو بفتح الهمزة والموحدة الخفيفة وثويبة بالرفع الفاعل والضمير لبنت أم سلمة والمعنى
أرضعتني ثويبة وأرضعت والد درة بنت أبي سلمة وقد تقدم في الباب الماضي التصريح بذلك فقال
أرضعتني وأبا سلمة وانما نبهت على ذلك لان صاحب المشارق نقل أن بعض الرواة عن أبي ذر
رواها بكسر الهمزة وتشديد التحتانية فصحف ويكفى في الرد عليه قوله الرواية في الأخرى انها
ابنة أخي من الرضاعة ووقع في رواية لمسلم أرضعتني وأباها أبا سلمة (قوله وقال الليث حدثنا
هشام درة بنت أم سلمة) يعنى أن الليث رواه عن هشام بن عروة بالاسناد المذكور فسمى بنت
أم سلمة درة وكأنه رمز بذلك إلى غلط من سماها زينب وقد قدمت أنها في رواية الحميدي عن سفيان وأن المصنف أخرجه عن الحميدي فلم يسمها وقد ذكر المصنف الحديث أيضا في
الباب الذي بعده من طريق الليث أيضا عن ابن شهاب عن عروة فسماها أيضا درة * (قوله
باب وأن تجمعوا بين الأختين) أورد فيه حديث أم حبيبة المذكور لقوله فلا تعرضن
على بناتكن ولا أخواتكن والجمع بين الأختين في التزويج حرام بالاجماع سواء كانتا شقيقتين
أم من أب أم من أم وسواء النسب والرضاع واختلف فيما إذا كانتا بملك اليمين فأجازه بعض السلف
وهو رواية عن أحمد والجمهور وفقهاء الأمصار على المنع ونظيره الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها
وحكاه الثوري عن الشيعة * (قوله باب لا تنكح المرأة على عمتها) أي ولا على
خالتها وهذا اللفظ رواية أبى بكر أبى شيبة عن عبد الله بن المبارك باسناد حديث الباب وكذا
هو عند مسلم من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ومن طريق هشام بن حسان
عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة (قوله عاصم) هو ابن سليمان البصري الأحول (قوله الشعبي
137

سمع جابرا) كذا قال عاصم وحده (قوله وقال داود وابن عون عن الشعبي عن أبي هريرة) أما
رواية داود هو ابن أبي هند فوصلها أبو داود والترمذي والدارمي من طريقه قال حدثنا عامر
هو الشعبي أنبانا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو المرأة
على خالتها أو العمة على بنت أخيها أو الخالة على بنت أختها لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى
على الصغرى لفظ الدارمي والترمذي نحوه ولفظ أبى داود لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن داود بن أبي هند فقال عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فكأن
لداود فيه شيخين وهو محفوظ لابن سيرين عن أبي هريرة من غير هذا الوجه وأما رواية ابن عون
وهو عبد الله فوصلها النسائي من طريق خالد بن الحرث عنه بلفظ لا تزوج المرأة على عمتها ولا
على خالتها ووقع لنا في فوائد أبى محمد بن أبي شريح من وجه آخر عن ابن عون بلفظ نهى أن
تنكح المرأة على ابنة أخيها أو ابنة أختها والذي يظهر أن الطريقين محفوظان وقد رواه حماد بن
سلمة عن عاصم عن الشعبي عن جابر أو أبي هريرة لكن نقل البيهقي عن الشافعي ان هذا الحديث
لم يرو من وجه يثبته أهل الحديث الا عن أبي هريرة وروى من وجوه لا يثبتها أهل العلم بالحديث
قال البيهقي هو كما قال قد جاء من حديث على وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو
وأنس وأبى سعيد وعائشة وليس فيها شئ على شرط الصحيح وانما اتفقا على اثبات حديث أبي
هريرة وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبي عن جابر وبين الاختلاف على الشعبي فيه قال
والحفاظ يرون رواية عاصم خطأ والصواب رواية ابن عون وداود بن أبي هند اه‍ وهذا
الاختلاف لم يقدح عند البخاري لان الشعبي أشهر بجابر منه بأبي هريرة وللحديث طرق أخرى
عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر والحديث
محفوظ أيضا من أوجه عن أبي هريرة فلكل من الطريقين ما يعضده وقول من نقل البيهقي عنهم
تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي وابن حبان وغيرهما له وكفى بتخريج البخاري له
موصولا قوة قال ابن عبد البر كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة
يعنى من وجه يصح وكأنه لم يصحح حديث الشعبي عن جابر وصححه عن أبي هريرة والحديثان
جميعا صحيحان وأما من نقل البيهقي أنهم رووه من الصحابة غير هذين فقد ذكر مثل ذلك الترمذي
بقوله وفى الباب لكن لم يذكر ابن مسعود ولا ابن عباس ولا أنسا وزاد بدلهم أبا موسى وأبا أمامة
وسمرة ووقع لي أيضا من حديث أبي الدرداء ومن حديث عتاب بن أسيد ومن حديث سعد بن أبي
وقاص ومن حدث زينب امرأة ابن مسعود فصار عدة من رواه غير الأولين ثلاثة عشر
نفسا وأحاديثهم موجودة عند ابن أبي شيبة وأحمد وأبى داود والنسائي وابن ماجة وأبى يعلى
والبزار والطبراني وابن حبان وغيرهم ولولا خشية التطويل لأوردتها مفصلة لكن في لفظ
حديث ابن عباس عند ابن أبي داود أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين
وفى روايته عند ابن حبان نهى أن تزوج المرأة على العمة والخالة وقال إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن
أرحامكن قال الشافعي تحريم الجمع بين من ذكر هو قول من لقيته من المفتين لا اختلاف
بينهم في ذلك وقال الترمذي بعد تخريجه العمل على هذا عند عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا
أنه لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ولا أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها وقال
138

ابن المنذر لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم وانما قال بالجواز فرقة من الخوارج وإذا ثبت
الحكم بالسنة واتفق أهل العلم على القول به لم يضره خلاف من خالفه وكذا نقل الاجماع ابن
عبد البر وابن حزم والقرطبي والنووي لكن استثنى ابن حزم عثمان البتي وهو أحد الفقهاء
القدماء من أهل البصرة وهو بفتح الموحدة وتشديد المثناة واستثنى النووي طائفة من
الخوارج والشيعة واستثنى القرطبي الخوارج ولفظه اختار الخوارج الجمع بين الأختين وبين
المرأة وعمتها وخالتها ولا يعتد بخلافهم لانهم مرقوا من الدين اه‍ وفى نقله عنهم جواز الجمع بين
الأختين غلط بين فان عمدتهم التمسك بأدلة القرآن لا يخالفونها البتة وانما يردون الأحاديث
لاعتقادهم عدم الثقة بنقلتها وتحريم الجمع بين الأختين بنصوص القرآن ونقل ابن دقيق العيد
تحريم الجمع بين المرأة وعمتها عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف (قوله لا يجمع ولا ينكح) كله في
الروايات بالرفع على الخبر عن المشروعية وهو يتضمن النهى قاله القرطبي (قوله على عمتها)
ظاهره تخصيص المنع بما إذا تزوج إحداهما على الأخرى ويؤخذ منه منع تزويجهما معا
فان جمع بينها بعقد بطلا أو مرتبا بطل الثاني (قوله في الرواية الأخيرة فنرى) بضم النون أي
نظن وبفتحها أي نعتقد (قوله خالة أبيها بتلك المنزلة) أي من التحريم (قوله لان عروة حدثني
الخ) في أخذ هذا الحكم من هذا الحديث نظر وكأنه أراد الحاق ما يحرم بالصهر بما يحرم بالنسب
كما يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب ولما كانت خالة الأب من الرضاع لا يحل نكاحها فكذلك خالة
الأب لا يجمع بينها وبين بنت ابن أخيها وقد تقدم شرح حديث عائشة المذكور قال النووي
احتج الجمهور بهذه الأحاديث وخصوا بها عموم القرآن في قوله تعالى وأحل لكم ما رواء ذلكم
وقد ذهب الجمهور إلى جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الآحاد وانفصل صاحب الهداية من
الحنفية عن ذلك بأن هذا من الأحاديث المشهورة التي تجوز الزيادة على الكتاب بمثلها والله أعلم
* (قوله باب الشغار) بمعجمتين مكسور الأول (قوله نهى عن الشغار) في
رواية ابن وهب عن مالك نهى عن نكاح الشغار ذكره ابن عبد البر وهو مراد من حذفه (قوله
والشغار أن يزوج الرجل ابنته الخ) قال ابن عبد البر ذكر تفسير الشغار جميع رواة مالك
عنه (قلت) ولا يرد على اطلاقه أن أبا داود أخرجه عن القعنبي فلم يذكر التفسير وكذا أخرجه
الترمذي من طريق معن بن عيسى لأنهما اختصرا ذلك في تصنيفهما والا فقد أخرجه
النسائي من طريق معن بالتفسير وكذا أخرجه الخطيب في المدرج من طريق القعنبي نعم
اختلف الرواة عن مالك فيمن ينسب إليه تفسير الشغار فالأكثر لم ينسبوه لاحد ولهذا قال
الشافعي فيما حكاه البيهقي في المعرفة لا أدرى التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن ابن عمر
أو عن نافع أو عن مالك ونسبه محرز بن عون وغيره لمالك قال الخطيب تفسير الشغار ليس من
كلام النبي صلى الله عليه وسلم وانما هو قول مالك وصل بالمتن المرفوع وقد بين ذلك ابن مهدي
والقعنبي ومحرز بن عون ثم ساقه كذلك عنهم ورواية محرز بن عون عند الإسماعيلي والدارقطني
في الموطآت وأخرجه الدارقطني أيضا من طريق خالد بن مخلد عن مالك قال سمعت أن الشغار
أن يزوج الرجل إلى آخره وهذا دال على أن التفسير من منقول مالك لا من مقوله ووقع عند
المصنف كما سيأتي في كتاب ترك الحيل من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع في هذا الحديث تفسير
139

الشغار من قول نافع ولفظه قال عبيد الله بن عمر قلت لنافع ما الشغار فذكره فلعل مالكا أيضا
نقله عن نافع وقال أبو الوليد الباجي الظاهر أنه من جملة الحديث وعليه يحمل حتى يتبين أنه من
قول الراوي وهو نافع قلت قد تبين ذلك ولكن لا يلزم من كونه لم يرفعه أن لا يكون في نفس الامر
مرفوعا فقد ثبت ذلك من غير روايته فعند مسلم من رواية أبى أسامة وابن نمير عن عبيد الله بن
عمر أيضا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مثله سواء قال وزاد ابن نمير والشغار أن يقول
الرجل للرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي وزوجني أختك وأزوجك أختي وهذا يحتمل أن يكون
من كلام عبيد الله بن عمر فيرجع إلى نافع ويحتمل أن يكون تلقاه عن أبي الزناد ويؤيد الاحتمال
الثاني وروده في حديث أنس وجابر وغيرهما أيضا فأخرج عبد الرزاق عن معمر عن ثابت وأبان
عن أنس مرفوعا لا شغار في الاسلام والشغار أن يزوج الرجل الرجل أخته بأخته وروى
البيهقي من طريق نافع بن يزيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا نهى عن الشغار
والشغار أن ينكح هذه بهذه بغير صداق بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه وأخرج
أبو الشيخ في كتاب النكاح من حديث أبي ريحانة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المشاغرة
والمشاغرة أن يقول زوج هذا من هذه وهذه من هذا بلا مهر قال القرطبي تفسير الشغار صحيح
موافق لما ذكره أهل اللغة فإن كان مرفوعا فهو المقصود وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضا
لأنه أعلم بالمقال وأقعد بالحال اه‍ وقد اختلف الفقهاء هل يعتبر في الشغار الممنوع ظاهر
الحديث في تفسيره فان فيه وصفين أحدهما تزويج كل من الوليين وليته للآخر بشرط أن
يتزوجه وليته والثاني خلو بضع كل منهما من الصداق فمنهم من اعتبرهما معا حتى لا يمنع مثلا إذا
زوج كل منهما الآخر بغير شرط وان لم يذكر الصداق أو زوج كل منهما الآخر بالشرط وذكر
الصداق وذهب أكثر الشافعية إلى أن علة النهى الاشتراك في البضع لان بضع كل منهما يصير
مورد العقد وجعل البضع صداقا مخالف لا يراد عقد النكاح وليس المقتضى للبطلان ترك ذكر
الصداق لان النكاح يصح بدون تسمية الصداق واختلفوا فيما إذا لم يصرحا بذكر البضع
فالأصح عندهم الصحة ولكن وجد نص الشافعي على خلافه ولفظه إذا زوج الرجل ابنته أو
المرأة يلي أمرها من كانت لآخر على أن صداق كل واحدة بضع الأخرى أو على أن ينكحه
الأخرى ولم يسم أحد منهما لواحدة منهما صداقا فهذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو منسوخ هكذا ساقه البيهقي باسناده الصحيح عن الشافعي قال وهو الموافق
للتفسير المنقول في الحديث واختلف نص الشافعي فيما إذا سمى مع ذلك مهرا فنص في الاملاء
على البطلان وظاهر نصه في المختصر الصحة وعلى ذلك اقتصر في النقل عن الشافعي من ينقل
الخلاف من أهل المذاهب وقال الفقال العلة في البطلان التعليق والتوقيف فكأنه يقول
لا ينعقد لك نكاح بنتي حتى ينعقد لي نكاح بنتك وقال الخطابي كان ابن أبي هريرة يشبهه برجل
تزوج مرأة ويستثنى عضوا من أعضائها وهو مما لا خلاف في فساده وتقرير ذلك أنه يزوج
وليته ويستثنى بضعها حيث يجعله صداقا للأخرى وقال الغزالي في الوسيط صورته الكاملة أن
يقول زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك على أن يكون بضع كل واحدة منهما صداقا
للأخرى ومهما انعقد نكاح ابنتي انعقد نكاح ابنتك قال شيخنا في شرح الترمذي ينبغي أن
140

يزاد ولا يكون مع البضع شئ آخر ليكون متفقا على تحريمه في المذهب ونقل الخرقي أن أحمد
نص على أن علة البطلان ترك ذكر المهر ورجح ابن تيمية في المحرر أن العلة التشريك في البضع
وقال ابن دقيق العيد ما نص عليه أحمد هو ظاهر التفسير المذكور في الحديث لقوله فيه
ولا صداق بينهما فإنه يشعر بأن جهة الفساد ذلك وإن كان يحتمل أن يكون ذلك ذكر لملازمته
لجهة الفساد ثم قال وعلى الجملة ففيه شعور بأن عدم الصداق له مدخل في النهى ويؤيده
حديث أبي ريحانة الذي تقدم ذكره وقال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز
ولكن اختلفوا في صحته فالجمهور على البطلان وفى رواية عن مالك يفسخ قبل الدخول لا بعده
وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وذهب الحنفية إلى صحته ووجوب مهر المثل وهو قول الزهري
ومكحول والثوري والليث ورواية عن أحمد واسحق وأبى ثور وهو قول على مذهب الشافعي
لاختلاف الجهة لكن قال الشافعي ان النساء محرمات الا ما أحل الله أو ملك يمين فإذا ورد النهى
عن نكاح تأكد التحريم * (تنبيه) * ذكر البنت في تفسير الشغار مثال وقد تقدم في رواية
أخرى ذكر الأخت قال النووي أجمعوا على أن غير البنات من الأخوات وبنات الأخ وغيرهن
كالبنات في ذلك والله أعلم * (قوله باب هل للمرأة أن تهب نفسها لاحد) أي فيحل
له نكاحها بذلك وهذا يتناول صورتين إحداهما مجرد الهبة من غير ذكر مهر والثاني العقد
بلفظ الهبة فالصورة الأولى ذهب الجمهور إلى بطلان النكاح وأجازه الحنفية والأوزاعي ولكن
قالوا يجب مهر المثل وقال الأوزاعي ان تزوج بلفظ الهبة وشرط أن لا مهر لم يصح النكاح
وحجة الجمهور قوله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين فعدوا ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم
وأنه يتزوج بلفظ الهبة بغير مهر في الحال ولا في المآل وأجاب المجيزون عن ذلك بأن المراد أن
الواهبة تختص به لا مطلق الهبة والصورة الثانية ذهب الشافعية وطائفة إلى أن النكاح لا يصح
الا بلفظ النكاح أو التزويج لأنهما الصريحان اللذان ورد بهما القرآن والحديث وذهب
الأكثر إلى أنه يصح بالكنايات واحتج الطحاوي لهم بالقياس على الطلاق فإنه يجوز بصرائحه
وبكناياته مع القصد (قوله حدثنا هشام) هو ابن عروة عن أبيه (قال كانت خولة) هذا مرسل
لان عروة لم يدرك زمن القصة لكن السياق يشعر بأنه حمله عن عائشة وقد دكر المصنف عقب
هذه الطريق رواية من صرح فيه بذكر عائشة تعليقا وقد تقدم في تفسير الأحزاب من طريق أبى
أسامة عن هشام كذلك موصولا (قوله بنت حكيم) أي ابن أمية بن الأوقص السلمية وكانت
زوج عثمان بن مظعون وهى من السابقات إلى الاسلام وأمها من بنى أمية (قوله من اللائي
وهبن) وكذا وقع في رواية أبى أسامة المذكورة قالت كنت أغار من اللائي وهبن أنفسهن وهذا
يشعر بتعدد الواهبات وقد تقدم تفسيرهن في تفسير سورة الأحزاب ووقع في رواية أبي سعيد المؤدب
الآتي ذكرها في المعلقات عن عروة عن عائشة قالت التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم
خولة بنت حكيم وهذا محمول على تأويل أنها السابقة إلى ذلك أو نحو ذلك من الوجوه التي
لا تقتضى الحصر المطلق (قوله فقالت عائشة أما تستحى المرأة أن تهب نفسها) وفى رواية محمد بن
بشر الموصولة عن عائشة أنها كانت تعير اللائي وهبن أنفسهن (قوله أن تهب نفسها) زاد في
رواية محمد بن بشر بغير صداق (قوله فلما نزلت ترجئ من تشاء) في رواية عبيدة بن سليمان فأنزل
141

الله ترجئ وهذا أظهر في أن نزول الآية بهذا السبب قال القرطبي حملت عائشة على هذا التقبيح
الغيرة التي طبعت عليها النساء والا فقد علمت أن الله أباح لنبيه ذلك وأن جميع النساء لو ملكن له
رقهن لكان قليلا (قوله ما أرى ربك الا يسارع في هواك) في رواية محمد بن بشر انى لأرى ربك
يسارع لك في هواك أي في رضاك قال القرطبي هذا قول أبرزه الدلال والغيرة وهو من نوع قولها
ما أحمد كما ولا أحمد الا الله والا فإضافة الهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تحمل على ظاهره لأنه
لا ينطق عن الهوى ولا يفعل بالهوى ولو قالت إلى مرضاتك لكان أليق ولكن الغيرة يغتفر
لأجلها اطلاق مثله ذلك (قوله رواه أبو سعيد المؤدب ومحمد بن بشر وعبدة عن هشام عن أبيه
عن عائشة يزيد بعضهم على بعض) أما رواية أبي سعيد واسمه محمد بن مسلم بن أبي الوضاح فوصلها
ابن مردويه في التفسير والبيهقي من طريق منصور بن أبي مزاحم عنه مختصرا كما نبهت عليه
قالت التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم حسب وأما رواية محمد بن بشر
فوصلها الإمام أحمد عنه بتمام الحديث وقد بينت ما فيه من زيادة وفائدة وأما رواية عبدة وهو
ابن سليمان فوصلها مسلم وابن ماجة من طريقه وهى نحو رواية محمد بن بشر * (قوله
باب نكاح المحرم) كأنه يحتج إلى الجواز لأنه لم يذكر في الباب شيئا غير حديث ابن عباس
في ذلك ولم يخرج حديث المنع كأنه لم يصح عنده على شرطه (قوله أخبرنا عمرو) هو ابن دينار وجابر
ابن زيد هو أبو الشعثاء (قوله تزوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم) تقدم في أواخر الحج من
طريق الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس بلفظ تزوج ميمونة وهو محرم وفى رواية عطاء المذكورة
عن ابن عباس عند النسائي تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم جعلت أمرها
إلى العباس فأنكحها إياه وتقدم في عمرة القضاء من رواية عكرمة بلفظ حديث الأوزاعي وزاد
وبنا بها وهى حلال وماتت بسرف قال الأثرم قلت لأحمد ان أبا ثور يقول بأي شئ يدفع حديث
ابن عباس أي مع صحته قال فقال الله المستعان ابن المسيب يقول وهم ابن عباس وميمونة تقول
تزوجني وهو حلال اه‍ وقد عارض حديث ابن عباس حديث عثمان لا ينكح المحرم ولا ينكح
أخرجه مسلم ويجمع بينه وبين حديث ابن عباس بحمل حديث ابن عباس على أنه من خصائص
النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن عبد البر اختلفت الآثار في هذا الحكم لكن الرواية أنه
تزوجها وهو حلال جاءت من طرق شتى وحديث ابن عباس صحيح الاسناد لكن الوهم إلى
الواحد أقرب إلى الوهم من الجماعة فأقل أحوال الخبرين أن يتعارضا فتطلب الحجة من غيرهما
وحديث عثمان صحيح في منع نكاح المحرم فهو المعتمد اه‍ وقد تقدم في أواخر كتاب الحج
البحث في ذلك ملخصا وان منهم من حمل حديث عثمان على الوطء وتعقب بأنه ثبت فيه لا ينكح
بفتح أوله ولا ينكح بضم أوله ولا يخطب ووقع في صحيح ابن حبان زيادة ولا يخطب عليه ويترجح
حديث عثمان بأنه تقعيد قاعدة وحديث ابن عباس واقعة عين تحتمل أنواعا من الاحتمالات
فمنها أن ابن عباس كان يرى أن من قلد الهدى يصير محرما كما تقدم تقرير ذلك عنه في كتاب الحج
والنبي صلى الله عليه وسلم كان قلد الهدى في عمرته تلك التي تزوج فيها ميمونة فيكون اطلاقه أنه
صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم أي عقد عليها بعد أن قلد الهدى وان لم يكن تلبس بالاحرام وذلك أنه كان أرسل إليها أبا رافع يخطبها فجعلت أمرها إلى العباس فزوجها من النبي صلى الله
142

عليه وسلم وقد أخرج الترمذي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من طريق مطر الوراق عن
ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج
ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول بينهما قال الترمذي لا نعلم أحدا أسنده
غير حماد بن زيد عن مطر ورواه مالك عن ربيعة عن سليمان مرسلا ومنها أن قول ابن عباس تزوج
ميمونة وهو محرم أي داخل الحرام أو في الشهر الحرام قال الأعشى * قتلوا كسرى بليل محرما *
أي في الشهر الحرام وقال آخر * قتلوا ابن عفان الخليفة محرما * أي في البلد الحرام والى هذا
التأويل جنح ابن حبان فجزم به في صحيحه وعارض حديث ابن عباس أيضا حديث يزيد بن الأصم
أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال أخرجه مسلم من طريق الزهري قال وكانت
خالته كما كانت خالة ابن عباس وأخرج مسلم من وجه آخر عن يزيد بن الأصم قال حدثتني ميمونة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال قال وكانت خالتي وخالة ابن عباس وأما أثر ابن
المسيب الذي أشار إليه أحمد فأخرجه أبو داود وأخرج البيهقي من طريق الأوزاعي عن عطاء عن
ابن عباس الحديث قال وقال سعيد بن المسيب ذهل ابن عباس وإن كانت خالته ما تزوجها الا
بعد ما أحل قال الطبري الصواب من القول عندنا أن نكاح المحرم فاسد لصحة حديث عثمان
وأما قصة ميمونة فتعارضت الاخبار فيها ثم ساق من طريق أيوب قال أنبئت أن الاختلاف في
زواج ميمونة انما وقع لان النبي صلى الله عليه وسلم كان بعث إلى العباس لينكحها إياه فأنكحه
فقال بعضهم أنكحها قبل أن يحرم النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم بعد ما أحرم وقد ثبت أن
عمر وعليا وغيرهما من الصحابة فرقوا بين محرم نكح وبين امرأته ولا يكون هذا الا عن ثبت
* (تنبيه) * قدمت في الحج أن حديث ابن عباس جاء مثله صحيحا عن عائشة وأبي هريرة فأما
حديث عائشة فأخرجه النسائي من طريق أبى سلمة عنه وأخرجه الطحاوي والبزار من طريق
مسروق عنها وصححه ابن حبان وأكثر ما أعل بالارسال وليس ذلك بقادح فيه وقال النسائي
أخبرنا عمرو بن علي أنبأنا أبو عاصم عن عثمان بن الأسود عن ابن أبي مليكة عن عائشة مثله قال
عمرو بن علي قلت لأبي عاصم أنت أمليت علينا من الرقعة ليس فيه عائشة فقال دع عائشة حتى
أنظر فيه وهذا اسناد صحيح لولا هذه القصة لكن هو شاهد قوى أيضا وأما حديث أبي هريرة
أخرجه الدارقطني وفى اسناده كامل أبو العلاء وفيه ضعف لكنه يعتضد بحديثي ابن عباس
وعائشة وفيه رد على قول ابن عبد البر أن ابن عباس تفرد من بين الصحابة بأن النبي صلى الله عليه
وسلم تزوج وهو محرم وجاء عن الشعبي ومجاهد مرسلا مثله أخرجهما ابن أبي شيبة وأخرج
الطحاوي من طريق عبد الله بن محمد بن أبي بكر قال سألت أنسا عن نكاح المحرم فقال لا بأس به
وهل هو الا كالبيع واسناده قوى لكنه قياس في مقابل النص فلا عبرة به وكأن أنسا لم يبلغه حديث
عثمان * (قوله باب نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيرا) يعنى
تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة وقوله في الترجمة أخيرا يفهم منه أنه كان مباحا
وأن النهى عنه وقع في آخر الامر وليس في أحاديث الباب التي أوردها التصريح بذلك لكن
قال في آخر الباب ان عليا بين أنه منسوخ وقد وردت عدة أحاديث صحيحة صريحة بالنهى عنها
بعد الاذن فيها وأقرب ما فيها عهدا بالوفاة النبوية ما أخرجه أبو داود من طريق الزهري قال كنا
143

عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء فقال رجل يقال له ربيع بن سبرة أشهد على أبى
أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع وسأذكر الاختلاف في
حديث سبرة هذا وهو ابن معبد بعد هذا الحديث الأول (قوله أخبرني الحسن بن محمد بن علي)
أي ابن أبي طالب وأبوه محمد هو الذي يعرف بابن الحنفية وأخوه عبد الله بن محمد أما الحسن
فأخرج له البخاري غير هذا منها ما تقدم له في الغسل من روايته عن جابر ويأتي له في هذا الباب آخر
عن جابر وسلمة بن الأكوع وأما أخوه عبد الله بن محمد فكنيته أبو هاشم وليس له في البخاري
سوى هذا الحديث ووثقه ابن سعد والنسائي والعجلي وقد تقدمت له طريق أخرى في غزوة
خيبر من كتاب المغازي وتأتى أخرى في كتاب الذبائح وأخرى في ترك الحيل وقرنه في المواضع
الثلاثة بأخيه الحسن وذكر في التاريخ عن ابن عيينة عن الزهري أخبرنا الحسن وعبد الله ابنا
محمد بن علي وكان الحسن أوثقهما ولأحمد عن سفيان وكان الحسن أرضاهما إلى أنفسنا وكان
عبد الله يتبع السبئية اه‍ والسبئية بمهملة ثم موحدة ينسبون إلى عبد الله بن سبا وهو من
رؤساء الروافض وكان المختار ابن أبي عبيد على رأيه ولما غلب على الكوفة وتتبع قتلة الحسين
فقتلهم أحبته الشيعة ثم فارقه أكثرهم لما ظهر منه من الأكاذيب وكان من رأى السبئية موالاة
محمد بن علي بن أبي طالب وكانوا يزعمون أنه المهدى وأنه لا يموت حتى يخرج في آخر الزمان ومنهم
من أقر بموته وزعم أن الامر بعده صار إلى ابنه أبى هاشم هذا ومات أبو هاشم في آخر ولاية
سليمان عبد الملك سنة ثمان أو تسع وتسعين (قوله عن أبيهما) في رواية الدارقطني في
الموطآت من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك عن الزهري أن عبد الله والحسن ابني
محمد أخبراه أن أباهما محمد بن علي بن أبي طالب أخبرهما (قوله أن عليا قال لابن عباس) سيأتي
بيان تحديثه له بهذا الحديث في ترك الحيل بلفظ ان عليا قيل له ان ابن عباس لا يرى بمتعة النساء
بأسا وفى رواية الثوري ويحيى بن سعيد كلاهما عن مالك عند الدارقطني أن عليا سمع ابن عباس
وهو يفتى في متعة النساء فقال أما علمت وأخرجه سعيد بن منصور عن هشيم عن يحيى بن سعيد
عن الزهري بدون ذكر مالك ولفظه ان عليا مر بابن عباس وهو يفتى في متعة النساء أنه لا بأس
بها ولمسلم من طريق جويرية عن مالك بسنده أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان انك رجل
تائه وفى رواية الدارقطني من طريق الثوري أيضا تكلم على وابن عباس في متعة النساء فقال له
على انك امرؤ تائه ولمسلم من جه آخر أنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال له مهلا يا ابن
عباس ولأحمد من طريق معمر رخص في متعة النساء (قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عن المتعة) في رواية أحمد عن سفيان نهى عن نكاح المتعة (قوله وعن لحوم الحمر الأهلية زمن
خيبر) هكذا لجميع الرواة عن الزهري خيبر بالمعجمة أوله والراء آخره الا ما رواه عبد الوهاب
الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث فإنه قال حنين بمهملة أوله ونونين أخرجه
النسائي والدارقطني ونبها على أنه وهم تفرد به عبد الوهاب وأخرجه الدارقطني من طريق
أخرى عن يحيى بن سعيد فقال خيبر على الصواب وأغرب من ذلك رواية إسحاق بن راشد عن
الزهري عنه بلفظ نهى في غزوة تبوك عن نكاح المتعة وهو خطأ أيضا (قوله زمن خيبر) الظاهر
أنه ظرف للامرين وحكى البيهقي عن الحميدي أن سفيان بن عيينة كان يقول قوله يوم خيبر
144

يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة قال البيهقي وما قاله محتمل يعنى في روايته هذه وأما غيره فصرح أن
الظرف يتعلق بالمتعة وقد مضى في غزوة خيبر من كتاب المغازي ويأتي في الذبائح من طريق مالك
بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية
وهكذا أخرجه مسلم من رواية ابن عيينة أيضا وسيأتى في ترك الحيل في رواية عبيد الله بن عمر عن
الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وكذا أخرجه مسلم وزاد من طريقة
فقال مهلا يا ابن عباس ولأحمد من طريق معمر بسنده أنه بلغه أن ابن عباس رخص في متعة
النساء فقال له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية
وأخرجه مسلم من رواية يونس بن يزيد عن الزهري مثل رواية مالك والدارقطني من طريق ابن
وهب عن مالك ويونس وأسامة بن زيد ثلاثتهم عن الزهري كذلك وذكر السهيلي أن ابن عيينة رواه عن الزهري بلفظ نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر وعن المتعة بعد ذلك أو في غير ذلك
اليوم اه‍ وهذا اللفظ الذي ذكره لم أره من رواية ابن عيينة فقد أخرجه أحمد وابن أبي عمر
والحميدي واسحق في مسانيدهم عن ابن عيينة باللفظ الذي أخرجه البخاري من طريقه لكن منهم
من زاد لفظ نكاح كما بينته وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وإبراهيم بن
موسى والعباس بن الوليد وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وزهير
ابن حرب جميعا عن ابن عيينة بمثل لفظ مالك وكذا أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة لكن
قال زمن بدل يوم قال السهيلي ويتصل بهذا الحديث تنبيه على اشكال لان فيه النهى عن نكاح
المتعة يوم خيبر وهذا شئ لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر قال فالذي يظهر انه وقع
تقديم وتأخير في لفظ الزهري وهذا الذي قاله سبقه إليه غيره في النقل عن ابن عيينة فذكر ابن
عبد البر من طريق قاسم بن أصبغ أن الحميدي ذكر عن ابن عيينة أن النهى زمن خيبر عن لحوم
الحمر الأهلية وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر ثم راجعت مسند الحميدي من طريق قاسم بن
أصبغ عن أبي إسماعيل السلمي عنه فقال بعد سياق الحديث قال ابن عيينة يعنى أنه نهى عن
لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر ولا يعنى نكاح المتعة قال ابن عبد البر وعلى هذا أكثر الناس وقال
البيهقي يشبه أن يكون كما قال لصحة الحديث في أنه صلى الله عليه وسلم رخص فيها بعد ذلك ثم نهى
عنها فلا يتم احتجاج على الا إذا وقع النهى أخيرا لتقوم به الحجة على ابن عباس وقال أبو عوانة
في صحيحه سمعت أهل العلم يقولون معنى حديث على أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر وأما المتعة
فسكت عنها وانما نهى عنها يوم الفتح اه‍ والحامل لهؤلاء على هذا ما ثبت من الرخصة فيها بعد
زمن خيبر كما أشار إليه البيهقي لكن يمكن الانفصال عن ذلك بأن عليا لم تبلغه الرخصة فيها يوم
الفتح لوقوع النهى عنها عن قرب كما سيأتي بيانه ويؤيد ظاهر حديث على ما أخرجه أبو عوانة
وصححه من طريق سالم بن عبد الله أن رجلا سأل ابن عمر عن المتعة فقال حرام فقال إن فلانا
يقول فيها فقال والله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين
قال السهيلي وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة فأغرب ما روى في ذلك رواية من قال
في غزوة تبوك ثم رواية الحسن أن ذلك كان في عمرة القضاء والمشهور في تحريمها أن ذلك كان
في غزوة الفتح كما أخرجه مسلم من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه وفى رواية عن الربيع
145

أخرجها أبو داود أنه كان في حجة الوداع قال ومن قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو
موافق لمن قال عام الفتح اه‍ فتحصل مما أشار إليه ستة مواطن خيبر ثم عمرة القضاء ثم الفتح ثم
أوطاس ثم تبوك ثم حجة الوداع وبقى عليه حنين لأنها وقعت في رواية قد نبهت عليها قبل فأما أن
يكون ذهل عنها أو تركها عمدا لخطأ رواتها أو لكون غزوة أوطاس وحنين واحدة فاما رواية
تبوك فأخرجها إسحاق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم لما نزل بثنية الوداع رأى مصابيح وسمع نساء يبكين فقال ما هذا فقالوا يا رسول الله
نساء كانوا تمتعوا منهن فقال هدم المتعة النكاح والطلاق والميراث وأخرجه الحازمي من
حديث جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة
مما يلي الشام جاءت نسوة قد كنا تمتعنا بهن يطفن برحالنا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا
ذلك له قال فغضب وقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة فتوادعنا يومئذ فسميت
ثنية الوداع وأما رواية الحسن وهو البصري فأخرجها عبد الرزاق من طريقه وزاد ما كانت
قبلها ولا بعدها وهذه الزيادة منكرة من راويها عمرو بن عبيد وهو ساقط الحديث وقد أخرجه
سعيد بن منصور من طريق صحيحة عن الحسن بدون هذه الزيادة وأما غزوة الفتح فثبتت في صحيح مسلم كما قال وأما أوطاس فثبتت في مسلم أيضا من حديث سلمة بن الأكوع وأما حجة الوداع
فوقع عند أبي داود من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه وأما قوله لا مخالفة بين أوطاس والفتح
ففيه نظر لان الفتح كان في رمضان ثم خرجوا إلى أوطاس في شوال وفى سياق مسلم أنهم لم يخرجوا
من مكة حتى حرمت ولفظه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح فأذن لنا في متعة
النساء فخرجت أنا ورجل من قومي فذكر قصة المرأة إلى أن قال ثم استمتعت منها فلم أخرج حتى
حرمها وفى لفظ له رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما بين الركن والباب وهو يقول بمثل
حديث ابن نمير وكان تقدم في حديث ابن نمير أنه قال يا أيها الناس انى قد كنت أذنت لكم في
الاستمتاع من النساء وان الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة وفى رواية أمرنا بالمتعة عام الفتح حين
دخلنا مكة ثم لم نخرج حتى نهانا عنها وفى رواية له أمر أصحابه بالتمتع من النساء فذكر القصة
قال فكن معنا ثلاثا ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقهن وفى لفظ فقال إنها حرام
من يومكم هذا إلى يوم القيامة فأما أوطاس فلفظ مسلم رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها وظاهر الحديثين المغايرة لكن يحتمل أن يكون أطلق
على عام الفتح عام أوطاس لتقاربهما ولو وقع في سياقه أنهم تمتعوا من النساء في غزوة أوطاس لما
حسن هذا الجمع نعم ويبعد أن يقع الاذن في غزوة أوطاس بعد ان يقع التصريح قبلها في غزوة
الفتح بأنها حرمت إلى يوم القيامة وإذا تقرر ذلك فلا يصح من الروايات شئ بغير علة الا غزوة الفتح
وأما غزوة خيبر وإن كانت طرق الحديث فيها صحيحة ففيها من كلام أهل العلم ما تقدم وأما عمرة
القضاء فلا يصح الأثر فيها لكونه من مرسل الحسن ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل
أحد وعلى تقدير ثبوته فلعله أراد أيام خيبر لأنهما كانا في سنة واحدة كما في الفتح وأوطاس
سواء وأما قصة تبوك فليس في حديث أبي هريرة التصريح بأنهم استمتعوا منهن في تلك الحالة
فيحتمل أن يكون ذلك وقع قديما ثم وقع التوديع منهن حينئذ والنهى أو كان النهى وقع قديما
146

فلم يبلغ بعضهم فاستمر على الرخصة فلذلك قرن النهى بالغضب لتقدم النهى في ذلك على أن في
حديث أي هريرة مقالا فإنه من رواية مؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار وفى كل منهما مقال
وأما حديث جابر فلا يصح فإنه من طريق عباد بن كثير هو متروك وأما حجة الوداع فهو
اختلاف على الربيع بن سبرة والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر فإن كان حفظه فليس في
سياق أبى داود سوى مجرد النهى فلعله صلى الله عليه وسلم أراد إعادة النهى ليشيع ويسمعه من
لم يسمعه قبل ذلك فلم يبق من المواطن كما قلنا صحيحا صريحا سوى غزوة خيبر وغزوة الفتح وفى
غزوة خيبر من كلام أهل العلم ما تقدم وزاد ابن القيم في الهدى أن الصحابة لم يكونوا يستمتعون
باليهوديات يعنى فيقوى أن النهى لم يقع يوم خيبر أو لم يقع هناك نكاح متعة لكن يمكن أن
يجاب بان يهود خيبر كانوا يصاهرون الأوس والخزرج قبل الاسلام فيجوز أن يكون هناك من
نسائهم من وقع التمتع بهن فلا ينهض الاستدلال بما قال قال الماوردي في الحاوي في تعيين
موضع تحريم المتعة وجهان أحدهما أن التحريم تكرر ليكون أظهر وأنشر حتى يعمله من لم يكن
علمه لأنه قد يحضر في بعض المواطن من لا يحضر في غيرها والثاني أنها أبيحت مرارا ولهذا قال
في المرة الأخيرة إلى يوم القيامة إشارة إلى أن التحريم الماضي كان مؤذنا بأن الإباحة تعقبه
بخلاف هذا فإنه تحريم مؤبد لا تعقبه إباحة أصلا وهذا الثاني هو المعتمد ويرد الأول التصريح
بالاذن فيها في الموطن المتأخر عن الموطن الذي وقع التصريح فيه بتحريمها كما في غزوة خيبر ثم
الفتح وقال النووي الصواب أن تحريمها واباحتها وقعا مرتين فكانت مباحة قبل خيبر ثم
حرمت فيها ثم أبيحت عام الفتح وهو عام أوطاس ثم حرمت تحريما مؤبدا قال ولا مانع من تكرير
الإباحة ونقل غيره عن الشافعي أن المتعة نسخت مرتين وقد تقدم في أوائل النكاح حديث ابن
مسعود في سبب الاذن في نكاح المتعة وأنهم كانوا إذا غزوا اشتدت عليهم العزبة فأذن لهم في
الاستمتاع فلعل النهى كان يتكرر في كل موطن بعد الاذن فلما وقع في المرة الأخيرة أنها حرمت
إلى يوم القيامة لم يقع بعد ذلك اذن والله أعلم والحكمة في جمع على بين النهى عن الحمر والمتعة أن
ابن عباس كان يرخص في الامرين معا وسيأتى النقل عنه في الرخصة في الحمر الأهلية في أوائل
كتاب الأطعمة فرد عليه على في الامرين معا وأن ذلك يوم خيبر فاما أن يكون على ظاهره
وأن النهى عنهما وقع في زمن واحد واما أن يكون الاذن الذي وقع عام الفتح لم يبلغ عليا لقصر
مدة الاذن وهو ثلاثة أيام كما تقدم والحديث في قصة تبوك على نسخ الجواز في السفر لأنه نهى
عنها في أوائل انشاء السفر مع أنه كان سفرا بعيدا والمشقة فيه شديدة كما صرح به في الحديث في
توبة كعب وكان علة الإباحة وهى الحاجة الشديدة اتتهت من بعد فتح خيبر وما بعدها والله أعلم
والجواب عن قول السهيلي انه لم يكن في خيبر نساء يستمتع بهن ظاهر مما بينته من الجواب عن
قول ابن القيم لم تكن الصحابة يتمتعون باليهوديات وأيضا فيقال كما تقدم لم يقع في الحديث
التصريح بأنهم استمتعوا في خيبر وانما فيه مجرد النهى فيؤخذ منه أن التمتع من النساء كان
حلالا وسبب تحليله ما تقدم في حديث ابن مسعود حيث قال كنا نغزو وليس لنا شئ ثم قال
فرخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب فأشار إلى سبب ذلك وهو الحاجة مع قلة الشئ وكذا في
حديث سهل بن سعد الذي أخرجه ابن عبد البر بلفظ انما رخص النبي صلى الله عليه وسلم في
147

المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة ثم نهى عنها فلما فتحت خيبر وسع عليهم من المال ومن السبى
فناسب النهى عن المتعة لارتفاع سبب الإباحة وكان ذلك من تمام شكر نعمة الله على التوسعة
بعد الضيق أو كانت الإباحة انما تقع في المغازي التي يكون في المسافة إليها بعد ومشقة وخيبر
بخلاف ذلك لأنها بقرب المدينة فوقع النهى عن المتعة فيها إشارة إلى ذلك من غير تقدم اذن فيها
ثم لما عادوا إلى سفرة بعيدة المدة وهى غزاة الفتح وشقت عليهم العزوبة أذن لهم في المتعة لكن
مقيدا بثلاثة أيام فقط دفعا للحاجة ثم نهاهم بعد انقضائها عنها كما سيأتي من رواية سلمة وهكذا
يجاب عن كل سفرة ثبت فيها النهى بعد الاذن وأما حجة الوداع فالذي يظهر أنه وقع فيها النهى
مجردا ان ثبت الخبر في ذلك لان الصحابة حجوا فيها بنسائهم بعد أن وسع عليهم فلم يكونوا في شدة
ولا طول عزبة والا فمخرج حديث سبرة راوية هو من طريق ابنه الربيع عنه وقد اختلف عليه
في تعيينها والحديث واحد في قصة واحدة فتعين الترجيح والطريق التي أخرجها مسلم مصرحة
بأنها في زمن الفتح أرجح فتعين المصير إليها والله أعلم * الحديث الثاني (قوله عن أبي جمرة) هو
الضبعي بالجيم والراء ورأيته بخط بعض من شرح هذا الكتاب بالمهملة والزاي وهو تصحيف (قوله
سمعت ابن عباس يسئل) بضم أوله (قوله فرخص) أي فيها وثبتت في رواية الإسماعيلي (قوله
فقال له مولى له) لم أقف على اسمه صريحا وأظنه عكرمة (قوله انما ذلك في الحال الشديد وفى
النساء قلة أو نحوه) في رواية الإسماعيلي انما كان ذلك في الجهاد والنساء قليل (قوله فقال ابن
عباس نعم) في رواية الإسماعيلي صدق وعند مسلم من طريق الزهري عن خالد بن المهاجر أو ابن أبي
عمرة الأنصاري قال رجل يعنى لابن عباس وصرح به البيهقي في روايته انما كانت يعنى
المتعة رخصة في أول الاسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ويؤيده ما أخرجه
الخطابي والفاكهي من طريق سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس لقد سارت بفتياك الركبان
وقال فيه الشعراء يعنى في المتعة فقال والله ما بهذا أفتيت وما هي الا كالميتة لا تحل الا لمضطر
وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن سعيد بن جبير وزاد في آخره ألا انما هي كالميتة والدم ولحم
الخنزير وأخرجه محمد بن خلف المعروف بوكيع في كتاب الغرر من الاخبار باسناد أحسن منه
عن سعيد بن جبير بالقصة لكن ليس في آخره قول ابن عباس المذكور وفى حديث سهل بن سعد
الذي أشرت إليه قريبا نحوه فهذه أخبار تقوى بعضها ببعض وحاصلها أن المتعة انما رخص
فيها بسبب العزبة في حال السفر وهو يوافق حديث ابن مسعود الماضي في أوائل النكاح وأخرج
البيهقي من حديث أبي ذر باسناد حسن انما كانت المتعة لحربنا وخوفنا وأما ما أخرجه
الترمذي من طريق محمد بن كعب عن ابن عباس قال انما كانت المتعة في أول الاسلام كان
الرجل يقدم البلد ليس له فيها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يقيم فتحفظ له متاعه فإسناده ضعيف
وهو شاذ مخالف لما تقدم من علة اباحتها * الحديث الثالث (قوله قال عمرو) هو ابن دينار في
رواية الإسماعيلي من طريق ابن أبي الوزير عن سفيان عن عمرو بن دينار وهو غريب من حديث
ابن عيينة قل من رواه من أصحابه عنه وانما أخرجه البخاري مع كونه معنعنا لوروده عن عمرو
ابن دينار من غير طريق سفيان نبه على ذلك الإسماعيلي وهو كما قال قد أخرجه مسلم من طريق
شعبة وروح بن القاسم وأخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج كلهم عن عمرو (قوله عن الحسن
148

ابن محمد) أي ابن علي بن أبي طالب ووقع في رواية ابن جريج الحسن بن محمد بن علي وهو الماضي
ذكره في الحديث الأول وفى رواية شعبة المذكورة عن عمرو سمعت الحسن بن محمد (قوله عن
جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع) في رواية روح بن القاسم تقديم سلمة على جابر وقد أدركهما
الحسن بن محمد جميعا لكن روايته عن جابر أشهر (قوله كنا في جيش) لم أقف على تعيينه لكن
عند مسلم من طريق أبى العميس عن اياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال رخص رسول الله
صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها * (تنبيه) * ضبط جيش في جميع
الروايات بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة وحكى الكرماني أن في بعض الروايات حنين
بالمهملة ونونين باسم مكان الوقعة المشهورة ولم أقف عليه (قوله فأتانا رسول رسول الله صلى الله
عليه وسلم) لم أقف على اسمه لكن في رواية شعبة خرج علينا منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيشبه أن يكون هو بلال (قوله إنه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا) زاد شعبة في روايته
يعنى متعة النساء وضبط فاستمتعوا بفتح المثناة وكسرها بلفظ الامر وبلفظ الفعل الماضي وقد
أخرج مسلم حديث جابر من طرق أخرى منها عن أبي نضرة عن جابر أنه سئل عن المتعة فقال
فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طريق عطاء عن جابر استمتعنا على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وأخرج عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني
أبو الزبير سمعت جابرا نحوه وزاد حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث وقصة عمر بن حريث
أخرجها عبد الرزاق في مصنفه بهذا الاسناد عن جابر قال قدم عمرو بن حريث الكوفة فاستمتع
بمولاة فأتى بها عمرو حبلى فسأله فاعترف قال فذلك حين نهى عنها عمر قال البيهقي في رواية سلمة
ابن الأكوع التي حكيناها عن تخريج مسلم ثم نهى عنها ضبطناه نهى بفتح النون ورأيته
في رواية معتمدة نهى بالألف قال فان قيل بل هي بضم النون والمراد بالناهي في حديث سلمة عمر كما في
حديث جابر قلنا هو محتمل لكن ثبت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها في حديث الربيع
ابن سبرة بن معبد عن أبيه بعد الاذن فيه ولم نجد عنه الاذن فيه بعد النهى عنه فنهى عمر موافق
لنهيه صلى الله عليه وسلم (قلت) وتمامه أن يقال لعل جابرا ومن نقل عنه استمرارهم على ذلك
بعده صلى الله عليه وسلم إلى أن نهى عنها عمر لم يبلغهم النهى ومما يستفاد أيضا أن عمر لم ينه عنها
اجتهادا وانما نهى عنها مستندا إلى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وقع التصريح عنه
بذلك فيما أخرجه ابن ماجة من طريق أبى بكر بن حفص عن ابن عمر قال لما ولى عمر خطب فقال إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها وأخرج ابن المنذر والبيهقي من
طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال صعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما بال رجال
ينكحون هذه المتعة بعد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وفى حديث أبي هريرة الذي
أشرت إليه في صحيح ابن حبان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هدم المتعة النكاح والطلاق
والعدة والميراث وله شاهد صحيح عن سعيد بن المسيب أخرجه البيهقي * الحديث الرابع
تقدمت له طريق في الذي قبله (قوله وقال ابن أبي ذئب الخ) وصله الطبراني والإسماعيلي وأبو
نعيم من طرق عن ابن أبي ذئب (قوله أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال) وقع
في رواية المستملى بعشرة بالموحدة المكسورة بدل الفاء المفتوحة وبالفاء أصح وهى رواية
149

الإسماعيلي وغيره والمعنى أن اطلاق الاجل محمول على التقييد بثلاثة أيام بلياليهن (قوله فان
أحبا) أي بعد انقضاء الثلاث (أن يتزايدا) أي في المدة يعنى تزايدا ووقع في رواية الإسماعيلي
التصريح بذلك وكذا في قوله أن يتتاركا أي يتفارقا تتاركا وفى رواية أبى نعيم أن يتناقضا تناقضا
والمراد به التفارق (قوله فما أدرى أشئ كان لنا خاصة أم للناس عامة) ووقع في حديث أبي ذر
التصريح بالاختصاص أخرجه البيهقي عنه قال انما أحلت لنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم متعة النساء ثلاثة أيام ثم نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله وقد بينه على عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه منسوخ) يريد بذلك تصريح على عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهى عنها
بعد الاذن فيها وقد بسطناه في الحديث الأول وأخرج عبد الرزاق من وجه آخر عن علي قال نسخ
رمضان كل صوم ونسخ المتعة الطلاق والعدة والميراث وقد اختلف السلف في نكاح المتعة قال
ابن المنذر جاء عن الأوائل الرخصة فيها ولا أعلم اليوم أحدا يجيزها الا بعض الرافضة ولا معنى
لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله وقال عياض ثم وقع الاجماع من جميع العلماء على تحريمها
الا الروافض وأما ابن عباس فروى عنه أنه أباحها وروى عنه أنه رجع عن ذلك قال ابن بطال
روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة وروى عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة وإجازة
المتعة عنه أصح وهو مذهب الشيعة قال وأجمعوا على أنه متى وقع الآن أبطل سواء كان قبل
الدخول أم بعده الا قول زفر انه جعلها كالشروط الفاسدة ويرده قوله صلى الله عليه وسلم فمن
كان عنده منهن شئ فليخل سبيلها (قلت) وهو في حديث الربيع بن سبرة عن أبيه عند مسلم وقال
الخطابي تحريم المتعة كالاجماع الا عن بعض الشيعة ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في
المختلفات إلى علي وآل بيته فقد صح عن علي أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل
عن المتعة فقال هي الزنا بعينه قال الخطابي ويحكى عن ابن جريج جوازها اه‍ وقد نقل أبو عوانة
في صحيحه عن ابن جريج أنه رجع عنها بعد أن روى بالبصرة في اباحتها ثمانية عشر حديثا وقال ابن
دقيق العيد ما حكاه بعض الحنفية عن مالك من الجواز خطأ فقد بالغ المالكية في منع النكاح
المؤقت حتى ابطلوا توقيت الحل بسببه فقالوا لو علق على وقت لا بد من مجيئه وقع الطلاق الآن
لأنه توقيت للحل فيكون في معنى نكاح المتعة قال عياض وأجمعوا على أن شرط البطلان
التصريح بالشرط فلو نوى عند العقد أن يفارق بعد مدة صح نكاحه الا الأوزاعي فأبطله
واختلفوا هل يحد ناكح المتعة أو يعزر على قولين مأخذهما أن الاتفاق بعد الخلاف هل
يرفع الخلاف المتقدم وقال القرطبي الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل
وأنه حرم ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها الا من لا يلتفت إليه من الروافض وجزم جماعة
من الأئمة بتفرد ابن عباس باباحتها فهي من المسئلة المشهورة وهى ندرة المخالف ولكن قال ابن
عبد البر أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن على اباحتها ثم اتفق فقهاء الأمصار على تحريمها
وقال ابن حزم ثبت على اباحتها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ومعاوية وأبو سعيد
وابن عباس وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف وجابر وعمرو بن حريث ورواه جابر عن جميع
الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر قال ومن
التابعين طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة (قلت) وفى جميع ما أطلقه نظر أما ابن
150

مسعود فمستنده فيه الحديث الماضي في أوائل النكاح وقد بينت فيه ما نقله الإسماعيلي من
الزيادة فيه المصرحة عنه بالتحريم وقد أخرجه أبو عوانة من طريق أبى معاوية عن إسماعيل بن أبي
خالد وفى آخره ففعلنا ثم ترك ذلك وأما معاوية فأخرجه عبد الرزاق من طريق صفوان بن يعلى بن
أمية أخبرني يعلى ان معاوية استمتع بامرأة بالطائف واسناده صحيح لكن في رواية أبى الزبير عن
جابر عند عبد الرزاق أيضا أن ذلك كان قديما ولفظه استمتع معاوية مقدمة الطائف بمولاة لبنى
الحضرمي يقال لها معانة قال جابر ثم عاشت معانة إلى خلافة معاوية فكان يرسل إليها بجائزة
كل عام وقد كان معاوية متبعا لعمر مقتديا به فلا يشك أنه عمل بقوله بعد النهى ومن ثم قال
الطحاوي خطب عمر فنهى عن المتعة ونقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه ذلك
منكر وفى هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه وأما أبو سعيد فأخرج عبد الرزاق عن ابن
جريج أن عطاء قال أخبرني من شئت عن أبي سعيد قال لقد كان أحدنا يستمتع بملء القدح
سويقا وهذا مع كونه ضعيفا للجهل بأحد رواته ليس فيه التصريح بأنه كان بعد النبي صلى الله
عليه وسلم وأما ابن عباس فتقدم النقل عنه والاختلاف هل رجع أو لا وأما سلمة ومعبد فقصتهما
واجدة اختلف فيها هل وقعت لهذا أو لهذا فروى عبد الرزاق بسند صحيح عن عمرو بن دينار عن
طاوس عن ابن عباس قال لم يرع عمر الا أم اراكه قد خرجت حبلى فسألها عمر فقالت استمتع بي
سلمة بن أمية وأخرج من طريق أبى الزبير عن طاوس فسماه معبد بن أمية وأما جابر فمستنده قوله
فعلناها وقد بينته قبل ووقع في رواية أبى نصرة عن جابر عند مسلم فنهانا عمر فلم نفعله بعد فإن كان
قوله فعلنا يعم جميع الصحابة فقوله ثم لم نعد يعم جميع الصحابة فيكون اجماعا وقد ظهر أن
مستنده الأحاديث الصحيحة التي بيناها وأما عمرو بن حريث وكذا قوله رواه جابر عن جميع
الصحابة فعجيب وانما قال جابر فعلناها وذلك لا يقتضى تعميم جميع الصحابة بل يصدق على فعل
نفسه وحده وأما ما ذكره عن التابعين فهو عند عبد الرزاق عنهم بأسانيد صحيحة وقد ثبت عن
جابر عند مسلم فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عمر فلم نعد لها فهذا يرد عده جابرا
فيمن ثبت على تحليلها وقد اعترف ابن حزم مع ذلك بتحريمها لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم أنها
حرام إلى يوم القيامة قال فأمنا بهذا القول نسخ التحريم والله أعلم * (قوله باب
عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح) قال ابن المنير في الحاشية من لطائف البخاري أنه لما علم
الخصوصية في قصة الواهبة استنبط من الحديث ما لا خصوصية فيه وهو جواز عرض المرأة
نفسها على الرجل الصالح رغبة في صلاحه فيجوز لها ذلك وإذا رغب فيها تزوجها بشرطه (قوله
حدثنا مرحوم) زاد أبو ذر بن عبد العزيز بن مهران وهو بصرى مولى آل أبي سفيان ثقة مات
سنة سبع وثمانين ومائة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وقد أورده عنه في كتاب الأدب
أيضا وذكر البزار أنه تفرد به عن ثابت (قوله وعنده ابنة له) لم أقف على اسمها وأظنها أمينة
بالتصغير (قوله جاءت امرأة) لم أقف على تعينها وأشبه من رأيت بقصتها ممن تقدم ذكر اسمهن في
الواهبات ليلى بنت قيس بن الخطيم ويظهر لي أن صاحبة هذه القصة غير التي في حديث سهل
(قوله وا سوأتاه) أصل السوءة وهى بفتح المهملة وسكون الواو بعدها همزة الفعلة
القبيحة وتطلق على الفرج والمراد هنا الأول والألف للندبة والهاء للسكت ثم ذكر المصنف
151

حديث سهل أبى سعد في قصة الواهبة مطولا وسيأتى شرحه بعد ستة عشر بابا وفى الحديثين جواز
عرض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه وأن لا غضاضة عليها في ذلك وأن الذي تعرض
المرأة نفسها عليه بالاختيار لكن لا ينبغي أن يصرح لها بالرد بل يكتفى السكوت وقال المهلب فيه
أن على الرجل أن لا ينكحها الا إذا وجد في نفسه رغبة فيها ولذلك صعد النظر فيها وصوبه انتهى
وليس في القصة دلالة لما ذكره قال وفيه جواز سكوت العالم ومن سئل حاجة إذا لم يرد الاسعاف
وأن ذلك ألين في صرف السائل وأأدب من الرد بالقول * (قوله باب عرض
الانسان ابنته أو أخته على أهل الخير) أورد عرض البنت في الحديث الأول وعرض الأخت
في الحديث الثاني (قوله حين تأيمت) بهمزة مفتوحة وتحتانية ثقيلة أي صارت أيما وهى التي
يموت زوجها أو تبين منه وتنقضي عدتها وأكثر ما تطلق على من مات زوجها وقال ابن بطال
العرب تطلق على كل امرأة لا زوج لها وكل رجل لا امرأة له أيما زاد في المشارق وإن كان بكرا
وسيأتي مزيدا لهذا في باب لا ينكح الأب وغيره البكر ولا الثيب الا برضاها (قوله من خنيس)
بخاء معجمة ونون وسين مهملة مصغر (قوله ابن حذافة) عند أحمد عن عبد الرزاق عن معمر
عن ابن شهاب وهى رواية يونس عن الزهري ابن حذافة أو حذيفة والصواب حذافة وهو
أخو عبد الله بن حذافة الذي تقدم ذكره في المغازي ومن الرواة من فتح أول خنيس وكسر ثانيه
والأول هو المشهور بالتصغير وعند معمر كالأول لكن بحاء مهملة وموحدة وشين معجمة وقال
الدارقطني اختلف على عبد الرزاق فروى عنه على الصواب وروى عنه بالشك (قوله وكان
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية معمر كما سيأتي بعد أبواب من أهل بدر (قوله
فتوفى بالمدينة) قالوا مات بعد غزوة أحد من جراحة أصابته بها وقيل بل بعد بدر ولعله أولى
فإنهم قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بعد خمسة وعشرين شهرا من الهجرة وفى رواية
بعد ثلاثين شهرا وفى رواية بعد عشرين شهرا وكانت أحد بعد بدر بأكثر من ثلاثين شهرا
ولكنه يصح على قول من قال بعد ثلاثين على الغاء الكسر وجزم ابن سعد بأنه مات عقب قدوم
النبي صلى الله عليه وسلم من بدر وبه جزم ابن سيد الناس وهو قول ابن عبد البر انه شهد أحدا
ومات من جراحة بها وكانت حفصة أسن من أخيها عبد الله فإنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين
وعبد الله ولد بعد البعثة بثلاث أو أربع (قوله فقال عمر بن الخطاب) أعاد ذلك لوقوع الفصل
والا فقوله أولا ان عمر بن الخطاب لا بد له من تقدير قال ووقع في رواية معمر عند النسائي وأحمد عن
ابن عمر عن عمر قال تأيمت حفصة (قوله أتيت عثمان فعرضت عليه حفصة فقال سأنظر في أمرى
إلى أن قال قد بدا لي أن لا أتزوج) هذا هو الصحيح ووقع في رواية ربعي بن حراش عن عثمان عند
الطبري وصححه هو والحاكم أن عثمان خطب إلى عمر بنته فرده فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
فلما راح إليه عمر قال يا عمر الا أدلك على ختن خير من عثمان وأدل عثمان على ختن خير منك قال
نعم يا نبي الله قال تزوجني بنتك وأزوج عثمان بنتي قال الحافظ الضياء اسناده لا بأس به لكن في
الصحيح أن عمر عرض على عثمان حفصة فرد عليه قد بدا لي أن لا أتزوج (قلت) أخرج ابن سعد
من مرسل الحسن نحو حديث ربعي ومن مرسل سعيد بن المسيب أتم منه وزاد في آخره فخار الله
لهما جميعا ويحتمل في الجمع بينهما أن يكون عثمان خطب أولا إلى عمر فرده كما في رواية ربعي
152

وسبب رده يحتمل أن يكون من جهتها وهى انها لم ترغب في التزوج عن قرب من وفاة زوجها
ويحتمل غير ذلك من الأسباب التي لا غضاضة فيها على عثمان في رد عمر له ثم لما ارتفع السبب بادر
عمر فعرضها على عثمان رعاية لخاطره كما في حديث الباب ولعل عثمان بلغه ما بلغ أبا بكر من ذكر
النبي صلى الله عليه وسلم لها فصنع كما صنع من ترك افشاء ذلك ورد على عمر بجميل ووقع في
رواية ابن سعد فقال عثمان مالي في النساء من حاجة وذكر ابن سعد عن الواقدي بسند له أن عمر
عرض حفصة على عثمان حين توفيت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان يومئذ يريد
أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) وهذا مما يؤيد أن موت خنيس كان بعد بدر فان رقية
ماتت ليالي بدر وتخلف عثمان عن بدر لتمريضها وقد أخرج اسحق في مسنده وابن سعد من
مرسل سعيد بن المسيب قال تأيمت حفصة من زوجها وتأيم عثمان من رقية فمر عمر بعثمان وهو
حزين فقال هل لك في حفصة فقد انقضت عدتها من فلان واستشكل أيضا بأنه لو كان مات بعد
أحد للزم أن لا تنقضى عدتها الا في سنة أربع وأجيب باحتمال أن تكون وضعت عقب وفاته
ولو سقطا فحلت (قوله سأنظر في أمرى) أي أتفكر ويستعمل النظر أيضا بمعنى الرأفة لكن
تعديته باللام وبمعنى الرؤية وهو الأصل ويعدى بالى وقد يأبى بغير صلة وهو بمعنى الانتظار
(قوله قال عمر فلقيت أبا بكر) هذا يشعر بأنه عقب رد عثمان له بعرضها على أبى بكر (قوله
فصمت أبو بكر) أي سكت وزنا ومعنى وقوله بعد ذلك فلم يرجع إلى شيئا تأكيد لرفع المجاز
لاحتمال أن يظن أنه صمت زمانا ثم تكلم وهو بفتح الياء من يرجع (قوله وكنت أوجد عليه)
أي أشد موجدة أي غضبا على أبى بكر من غضبى على عثمان وذلك لامرين أحدهما ما كان
بينهما من أكيد المودة ولان النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بينهما وأما عثمان فلعله كان تقدم
من عمر رده فلم يعتب عليه حيث لم يجبه لما سبق منه في حقه والثاني لكون عثمان أجابه أولا ثم
اعتذر له ثانيا ولكون أبى بكر لم يعد عليه جوابا ووقع في رواية ابن سعد فغضب على أبى بكر
وقال فيها كنت أشد غضبا حين سكت منى على عثمان (قوله لقد وجدت على) في رواية
الكشميهني لعلك وجدت وهى أوجه (قوله فلم أرجع) بكسر الجيم أي أعد عليك الجواب
(قوله الا انى كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها) في رواية ابن سعد فقال أبو
بكر ان النبي صلى الله عليه وسلم قد كان ذكر منها شيئا وكان سرا (قوله فلم أكن لأفشى سر
رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية ابن سعد وكرهت ان أفشى سر رسول الله صلى الله
عليه وسلم (قوله ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتها) في رواية معمر المذكورة
نكحتها وفيه أنه لولا هذا العذر لقبلها فيستفاد منه عذره في كونه لم يقل كما قال عثمان قد
بدا لي أن لا أتزوج وفيه فضل كتمان السر فإذا أظهره صاحبه ارتفع الحرج عمن سمعه وفيه
عتاب الرجل لأخيه وعتبه عليه واعتذاره إليه وقد جبلت الطباع البشرية على ذلك ويحتمل
أن يكون سبب كتمان أبى بكر ذلك أنه خشى أن يبدو لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن
لا يتزوجها فيقع في قلب عمر انكسار ولعل اطلاع أبى بكر على أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد
خطبة حفصة كان باخباره له صلى الله عليه وسلم اما على سبيل الاستشارة واما لأنه كان لا يكتم
عنه شيئا مما يريده حتى ولا ما في العادة عليه غضاضة وهو كون ابنته عائشة عنده ولم يمنعه ذلك من
153

اطلاعه على ما يريد لوثوقه بايثاره إياه على نفسه ولهذا اطلع أبو بكر على ذلك قبل اطلاع عمر الذي
يقع الكلام معه في الخطبة ويؤخذ منه ان الصغير لا ينبغي له أن يخطب امرأة أراد الكبير أن
يتزوجها ولو لم تقع الخطبة فضلا عن الركون وفيه الرخصة في تزويج من عرض النبي صلى الله
عليه وسلم بخطبتها أو أراد أن يتزوجها لقول الصديق لو تركها لقبلتها وفيه عرض الانسان بنته
وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه لما فيه من النفع العائد على المعروضة
عليه وانه لا استحياء في ذلك وفيه انه لا باس بعرضها عليه ولو كان متزوجا لان أبا بكر كان حينئذ
متزوجا وفيه ان من حلف لا يفشى سر فلان فافشى فلان سر نفسه ثم تحدث به الحالف لا يحنث
لان صاحب السر هو الذي أفشاه فلم يكن الافشاء من قبل الحالف وهذا بخلاف ما لو حدث
واحد آخر بشئ واستحلفه ليكتمه فلقيه رجل فذكر له أن صاحب الحديث حدثه بمثل ما حدثه به
فأظهر التعجب وقال ما ظننت انه حدث بذلك غيري فان هذا يحنث لان تحليفه وقع على أنه يكتم
انه حدثه وقد أفشاه وفيه ان الأب يخطب إليه بنته الثيب كما يخطب إليه البكر ولا تخطب إلى
نفسها كذا قال ابن بطال وقوله لا تخطب إلى نفسها ليس في الخبر ما يدل عليه قال وفيه أنه
يزوج بنته الثيب من غير أن يستامرها إذا علم أنها لا تكره ذلك وكان الخاطب كفؤا لها وليس
في الحديث تصريح بالنفي المذكور الا أنه يؤخذ من غيره وقد ترجم له النسائي انكاح الرجل بنته
الكبيرة فان أراد بالرضا لم يخالف القواعد وان أراد بالاجبار فقد يمنع والله أعلم ثم ذكر المصنف
طرفا من حديث أم حبيبة في قصة بنت أم سلمة وقد تقدم شرحه قريبا ولم يذكر فيه هنا مقصود
الترجمة استغناء بالإشارة إليه وهو قولها أنكح أختي بنت أبي سفيان والله أعلم * (قوله
باب قول الله عز وجل ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في
أنفسكم علم الله الآية إلى قوله غفور حليم) كذا للأكثر وحذف ما بعد أكننتم من رواية أبي ذر
ووقع في شرح ابن بطال سياق الآية والتي بعدها إلى قوله أجله الآية قال ابن التين تضمنت الآية أربعة أحكام اثنان مباحان التعريض والاكنان واثنان ممنوعان النكاح في العدة والمواعدة فيها
(قوله أضمرتم في أنفسكم وكل شئ صنته وأضمرته فهو مكنون) كذا للجميع وعند أبي ذر بعده إلى
آخر الآية والتفسير المذكور لأبي عبيدة (قوله وقال لي طلق) هو ابن غنام بفتح المعجمة وتشديد
النون (قوله عن ابن عباس فيما عرضتم) أي أنه قال في تفسير هذه الآية (قوله يقول انى
أريد التزويج الخ) وهو تفسير للتعريض المذكور في الآية قال الزمخشري التعريض أن
يذكر المتكلم شيئا يدل به على شئ لم يذكره وتعقب بأن هذا التعريف لا يخرج المجاز وأجاب سعد
الدين بأنه لم يقصد التعريف ثم حقق التعريض بأنه ذكر شئ مقصود بلفظ حقيقي أو مجازى
أو كنائي ليدل به على شئ آخر لم يذكر في الكلام مثل أن يذكر المجئ للتسليم ومراده التقاضي
فالسلام مقصوده والتقاضي عرض أي أميل إليه الكلام عن عرض أي جانب وامتاز عن
الكناية فلم يشتمل على جميع أقسامها والحاصل انهما يجتمعان ويفترقان فمثل جئت لاسلم عليك
كناية وتعريض ومثل طويل النجاد كناية لا تعريض ومثل آذيتني فستعرف خطابا لغير المؤذى
تعريض بتهديد المؤذى لا كناية انتهى ملخصا وهو تحقيق بالغ (قوله ولوددت انه ييسر) بضم
التحتانية وفتح أخرى مثلها بعدها وفتح المهملة وفى رواية الكشميهني يسر بتحتانية واحدة
154

وكسر المهملة وهكذا اقتصر المصنف في هذا الباب على حديث ابن عباس الموقوف وفى الباب
حديث صحيح مرفوع وهو قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس إذا حللت فآذنيني وهو عند
مسلم وفى لفظ لا تفوتينا بنفسك أخرجه أبو داود واتفق العلماء على أن المراد بهذا الحكم من مات
عنها زوجها واختلفوا في المعتدة من الطلاق البائن وكذا من وقف نكاحها وأما الرجعية فقال
الشافعي لا يجوز لاحد أن يعرض لها بالخطبة فيها والحاصل ان التصريح بالخطبة حرام لجميع
المعتدات والتعريض مباح للأولى حرام في الأخيرة مختلف فيه في البائن (قوله وقال القاسم)
يعنى ابن محمد (انك على كريمة) أي يقول ذلك وهو تفسير آخر للتعريض وكلها أمثلة ولهذا
قال في آخره أو نحو هذا وهذا الأثر وصله مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه انه كان يقول
في قول الله عز وجل ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أن يقول الرجل للمرأة وهى
في عدتها من وفاة زوجها انك إلى آخره وقوله في الأمثلة انى فيك لراغب يدل على أن تصريحه
بالرغبة فيها لا يمتنع ولا يكون صريحا في خطبتها حتى يصرح بمتعلق الرغبة كان يقول انى في
نكاحك لراغب وقد نص الشافعي على أن ذلك من صور التعريض أعنى ما ذكره القاسم وأما
ما مثلت به فحكى الروياني فيه وجها وعبر النووي في الروضة بقوله رب راغب فيك فأوهم انه لا
يصرح بالرغبة مطلقا وليس كذلك وأخرج البيهقي من طريق مجاهد من صور التصريح
لا تسبقيني بنفسك فانى ناكحك ولو لم يقل فانى ناكحك فهو من صور التعريض لحديث فاطمة
بنت قيس كما بينته قريبا وقد ذكر الرافعي من صور التصريح لا تفوتي على نفسك وتعقبوه
وروى الدارقطني من طريق عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن عمته سكينة قالت استأذن
على أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ولم تنقض عدتي من مهلك زوجي فقال قد عرفت قرابتي من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن على وموضعي في العرب فقلت غفر الله لك يا أبا جعفر أنت رجل
يؤخذ عنك تخطبني في عدتي قال انما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن على
(قوله وقال عطاء يعرض ولا يبوح) أي لا يصرح (يقول إن لي حاجة وأبشري) (قوله نافقة)
بنون وفاء وقاف أي رائجة بالتحتانية والجيم (قوله ولا تعد شيئا) بكسر المهملة وتخفيف الدال
وأثر عطاء هذا وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه مفرقا وأخرجه الطبري من طريق ابن المبارك
عن ابن جريج قال قلت لعطاء كيف يقول الخاطب قال يعرض تعريضا ولا يبوح بشئ فذكر
مثله إلى قوله ولا تعد شيئا (قوله وان واعدت رجلا في عدتها ثم نكحها) أي تزوجها (بعد) أي
عند انقضاء العدة (لم يفرق بينهما) أي لم يقدح ذلك في صحة النكاح وان وقع الاثم وذكر
عبد الرزاق عن ابن جريج عقب أثر عطاء قال وبلغني عن ابن عباس قال خير لك أن تفارقها
واختلف فيمن صرح بالخطبة في العدة لكن لم يعقد الا بعد انقضائها فقال مالك يفارقها دخل
بها أو لم يدخل وقال الشافعي صح العقد وان ارتكب النهى بالتصريح المذكور لاختلاف
الجهة وقال المهلب علة المنع من التصريح في العدة أن ذلك ذريعة إلى الموافقة في العدة التي
هي محبوسة فيها على ماء الميت أو المطلق انتهى وتعقب بان هذه العلة تصلح أن تكون لمنع العقد
لا لمجرد التصريح الا أن يقال التصريح ذريعة إلى العقد والعقد ذريعة إلى الوقاع وقد
اختلفوا لو وقع العقد في العدة ودخل فاتفقوا على أنه يفرق بينهما وقال مالك والليث والأوزاعي
155

لا يحل له نكاحها بعد وقال الباقون بل يحل له إذا انقضت العدة أن يتزوجها إذا شاء (قوله وقال
الحسن لا تواعدوهن سرا الزنا) وصله عبد بن حميد من طريق عمران بن حدير عنه بلفظه وأخرجه
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن قال هو الفاحشة قال قتادة قوله سرا أي لا تأخذ
عهدها في عدتها أن لا تتزوج غيره وأخرجه إسماعيل القاضي في الاحكام وقال هذا أحسن من
قول من فسره بالزنا لان ما قبل الكلام وما بعده لا يدل عليه ويجوز في اللغة أن يسمى الجماع سرا
فلذلك يجوز اطلاقه على العقد ولا شك أن المواعدة على ذلك تزيد على التعريض المأذون فيه
واستدل بالآية على أن التعريض في القذف لا يوجب الحد لان خطبة المعتدة حرام وفرق فيها
بين التصريح والتعريض فمنع التصريح وأجيز التعريض مع أن المقصود مفهوم منهما
فكذلك يفرق في ايجاب حد القذف بين التصريح والتعريض واعترض ابن بطال فقال يلزم
الشافعية على هذا أن يقولوا بإباحة التعريض بالقذف وهذا ليس بلازم لان المراد أن التعريض
دون التصريح في الافهام فلا يلتحق به في ايجاب الحد لان للذي يعرض أن يقول لم أرد القذف
بخلاف المصرح (قوله ويذكر عن ابن عباس حتى يبلغ الكتاب أجله انقضاء العدة) وصله
الطبري من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى ولا تعزموا عقدة النكاح حتى
يبلغ الكتاب أجله يقول حتى تنقضى العدة * (قوله باب النظر إلى المرأة قبل
التزويج) استنبط البخاري جواز ذلك من حديثي الباب لكون التصريح الوارد في ذلك ليس
على شرطه وقد ورد ذلك في أحاديث أصحها حديث أبي هريرة قال رجل انه تزوج امرأة من
الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظرت إليها قال لا قال فاذهب فانظر إليها فان في
أعين الأنصار شيئا أخرجه مسلم والنسائي وفى لفظ له صحيح أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة فذكره
قال الغزالي في الاحياء اختلف في المراد بقوله شيئا فقيل عمش وقيل صغر (قلت) الثاني وقع في
رواية أبى عوانة في مستخرجه فهو المعتمد وهذا الرجل يحتمل أن يكون المغيرة فقد أخرج الترمذي
والنسائي من حديثه انه خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انظر إليها فإنه أحرى أن
يدوم بينكما وصححه ابن حبان وأخرج أبو داود والحاكم من حديث جابر مرفوعا إذا خطب أحدكم
المرأة فان استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل وسنده حسن وله شاهد من حديث
محمد بن مسلمة وصححه ابن حبان والحاكم وأخرجه أحمد وابن ماجة ومن حديث أبي حميد أخرجه
أحمد والبزار ثم ذكر المصنف فيه حديثين * الأول حديث عائشة (قوله أريتك) بضم الهمزة (في
المنام) زاد في رواية أبى أسامة في أوائل النكاح مرتين (قوله يجئ بك الملك) وقع في رواية
أبى أسامة إذا رجل يحملك فكأن الملك تمثل له حينئذ رجلا ووقع في رواية ابن حبان من طريق
أخرى عن عائشة جاء بي جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله في سرقة من حرير)
السرقة بفتح المهملة والراء والقاف هي القطعة ووقع في رواية ابن حبان في خرقة حرير وقال
الداودي السرقة الثوب فان أراد تفسيره هنا فصحيح والا فالسرقة أعم وأغرب المهلب فقال
السرقة كالكلة أو كالبرقع وعند الآجري من وجه آخر عن عائشة لقد نزل جبريل بصورتي في
راحته حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني ويجمع بين هذا وبين ما قبله بان المراد
أن صورتها كانت في الخرقة والخرقة في راحته ويحتمل أن يكون نزل بالكيفيتين لقولها في نفس
156

الخبر نزل مرتين (قوله فكشفت عن وجهك الثوب) في رواية أبى أسامة فاكشفها فعبر
بلفظ المضارع استحضارا لصورة الحال قال ابن المنير يحتمل أن يكون رأى منها ما يجوز للخاطب
أن يراه ويكون الضمير في اكشفها للسرقة أي أكشفها عن الوجه وكأنه حمله على ذلك أن رؤيا
الأنبياء وحى وان عصمتهم في المنام كاليقظة وسيأتي في اللباس في الكلام على تحريم التصوير ما
يتعلق بشئ من هذا وقال أيضا في الاحتجاج بهذا الحديث للترجمة نظر لان عائشة كانت إذ ذاك
في سن الطفولية فلا عورة فيها البتة ولكن يستأنس به في الجملة في أن النظر إلى المرأة قبل العقد
فيه مصلحة ترجع إلى العقد (قوله فإذا أنت هي) في رواية الكشميهني فإذا هي أنت وكذا
تقدم من رواية أبى أسامة (قوله يمضه) بضم أوله قال عياض يحتمل أن يكون ذلك قبل البعثة فلا
اشكال فيه وإن كان بعدها ففيه ثلاث احتمالات أحدها التردد هل هي زوجته في الدنيا والآخرة
أو في الآخرة فقط ثانيها انه لفظ شك لا يراد به ظاهره وهو أبلغ في التحقق ويسمى في البلاغة
مزج الشك باليقين * ثالثها وجه التردد هل هي رؤيا وحى على ظاهرها وحقيقتها أو هي رؤيا
وحى لها تعبير وكلا الامرين جائز في حق الأنبياء (قلت) الأخير هو المعتمد وبه جزم السهيلي عن
ابن العربي ثم قال وتفسيره باحتمال غيرها لا ارضاه والأول يرده أن السياق يقتضى أنها كانت
قد وجدت فان ظاهر قوله فإذا هي أنت مشعر بأنه كان قد رآها وعرفها قبل ذلك والواقع أنها
ولدت بعد البعثة ويرد أول الاحتمالات الثلاث رواية ابن حبان في آخر حديث الباب هي
زوجتك في الدنيا والآخرة والثاني بعيد والله أعلم * الحديث الثاني حديث سهل في قصة الواهبة
والشاهد منه للترجمة قوله فيه فصعد النظر إليها وصوبه وسيأتى شرحه في باب التزويج على
القرآن وبغير صداق (قوله ثم طأطأ رأسه) وذكر الحديث كله كذا في رواية أبي ذر عن السرخسي
وساق الباقون الحديث بطوله قال الجمهور لا بأس أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة قالوا ولا ينظر
إلى غير وجهها وكفيها وقال الأوزاعي يجتهد وينظر إلى ما يريد منها الا العورة وقال ابن حزم
ينظر إلى ما أقبل منها وما أدبر منها وعن أحمد ثلاث روايات * الأولى كالجمهور * والثانية ينظر
إلى ما يظهر غالبا * والثالثة ينظر إليها متجردة وقال الجمهور أيضا يجوز أن ينظر أيها إذا أراد ذلك
بغير اذنها وعن مالك رواية يشترط اذنها ونقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة
قبل العقد بحال لأنها حينئذ أجنبية ورد عليهم بالأحاديث المذكورة * (قوله باب
من قال لا نكاح الا بولي) استنبط المصنف هذا الحكم من الآيات والأحاديث التي ساقها
لكون الحديث الوارد بلفظ الترجمة على غير شرطه والمشهور فيه حديث أبي موسى مرفوعا
بلفظه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم لكن قال الترمذي بعد
ان ذكر الاختلاف فيه وأن من جملة من وصله إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه
ومن جملة من أرسله شعبة وسفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة ليس فيه أبو موسى رواية
ومن رواه موصولا أصح لانهم سمعوه في أوقات مختلفة وشعبة وسفيان وان كانا أحفظ وأثبت
من جميع من رواه عن أبي إسحاق لكنهما سمعاه في وقت واحد ثم ساق من طريق أبى داود
الطيالسي عن شعبة قال سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق أسمعت أبا بردة يقول قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بولي قال نعم قال وإسرائيل ثبت في أبى اسحق ثم ساق من
157

طريق ابن مهدي قال ما فاتني الذي فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق الا لما اتكلت به على
إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم وأخرج ابن عدي عن عبد الرحمن بن مهدي قال إسرائيل في أبى
اسحق أثبت من شعبة وسفيان وأسند الحاكم من طريق علي بن المديني ومن طريق البخاري
والذهلي وغيرهم انهم صححوا حديث إسرائيل ومن تأمل ما ذكرته عرف أن الذين صححوا وصله
لم يستندوا في ذلك إلى كونه زيادة ثقة فقط بل للقرائن المذكورة المقتضية لترجيح رواية
إسرائيل الذي وصله على غيره وسأشير إلى بقية طرق هذا الحديث بعد ثلاثة أبواب على أن في
الاستدلال بهذه الصيغة في منع النكاح بغير ولى نظرا لأنها تحتاج إلى تقدير فمن قدره نفى الصحة
استقام له ومن قدره نفى الكمال عكر عليه فيحتاج إلى تأييد الاحتمال الأول بالأدلة المذكورة في
الباب وما بعده (قوله لقول الله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن) أي
لا تمنعوهن وسيأتي في حديث معقل آخر أحاديث الباب بيان سبب نزول هذه الآية ووجه
الاحتجاج منها للترجمة (قوله فدخل فيه الثيب وكذلك البكر) ثبت هذا في رواية الكشميهني
وعليه شرح ابن بطال وهو ظاهر لعموم لفظ النساء (قوله وقال ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا)
ووجه الاحتجاج من الآية والتي بعدها أنه تعالى خاطب بانكاح الرجال ولم يخاطب به النساء
فكأنه قال لا تنكحوا أيها الأولياء مولياتكم للمشركين (قوله وقال وأنكحوا الأيامى منكم)
والأيامى جمع أيم وسيأتى القول فيه بعد ثلاثة أبواب ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث
* الأول حديث عائشة ذكره من طريق ابن وهب ومن طريق عنبسة بن خالد جميعا عن يونس بن
يزيد عن ابن شهاب الزهري وقوله وقال يحيى بن سليمان هو الجعفي من شيوخ البخاري وقد ساقه
المصنف على لفظ عنبسة وأما لفظ ابن وهب فلم أره من رواية يحيى بن سليمان إلى الآن لكن
أخرجه الدارقطني من طريق أصبغ وأبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن
وهب والإسماعيلي والجوزقي من طريق عثمان بن صالح ثلاثتهم عن ابن وهب (قوله على أربعة
انحاء) جمع نحو أي ضرب وزنا ومعنى ويطلق النحو أيضا على الجهة والنوع وعلى العلم المعروف
اصطلاحا (قوله أربعة) قال الداودي وغيره بقى عليها انحاء لم تذكرها * الأول نكاح الخدن وهو
في قوله تعالى ولا متخذات أخدان كانوا يقولون ما استتر فلا باس به وما ظهر فهو لوم * الثاني
نكاح المتعة وقد تقدم بيانه * الثالث نكاح البدل وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة
كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي
وأزيدك ولكن اسناده ضعيف جدا (قلت) والأول لا يرد لأنها أرادت ذكر بيان نكاح من
لا زوج لها أو من أذن لها زوجها في ذلك والثاني يحتمل أن لا يرد لان الممنوع منه كونه مقدرا
بوقت لا أن عدم الولي فيه شرط وعدم ورود الثالث أظهر من الجميع (قوله وليته أو ابنته) هو
للتنويع لا للشك (قوله فيصدقها) بضم أوله (ثم ينكحها) أي يعين صداقها ويسمى مقداره ثم
يعقد عليها (قوله ونكاح الآخر) وكذا لأبي ذر بالإضافة أي ونكاح الصنف الآخر وهو من
إضافة الشئ لنفسه على رأى الكوفيين ووقع في رواية الباقين ونكاح آخر بالتنوين بغير لام
وهو الأشهر في الاستعمال (قوله إذا طهرت من طمثها) بفتح المهملة وسكون الميم بعدها
مثلثة أي حيضها وكان السر في ذلك أن يسرع علوقها منه (قوله فاستبضعي منه) بموحدة بعدها
158

ضاد معجمة أي اطلبي منه المباضعة وهو الجماع ووقع في رواية أصبغ عند الدارقطني استرضعي
براء بدل الموحدة قال راويه محمد بن إسحاق الصغاني الأول هو الصواب يعنى بالموحدة والمعنى
اطلبي منه الجماع لتحملي منه والمباضعة المجامعة مشتقة من البضع وهو الفرج (قوله وانما يفعل
ذلك رغبة في نجابة الولد) أي اكتسابا من ماء الفحل لانهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم
ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرم أو غير ذلك (قوله فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع)
بالنصب والتقدير يسمى وبالرفع أي هو (قوله ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة) تقدم
تفسير الرهط في أوائل الكتاب ولما كان هذا النكاح يجتمع عليه أكثر من واحد كان لا بد من
ضبط العدد الزائد لئلا ينتشر (قوله كلهم يصيبها) أي يطؤها والظاهر أن ذلك انما يكون عن
رضا منها وتواطئ بينهم وبينها (قوله ومر ليال) كذا لأبي ذر وفى رواية غيره ومر عليها ليال
(قوله قد عرفتم) كذا للأكثر بصيغة الجمع وفى رواية الكشميهني عرفت على خطاب الواحد (قوله
وقد ولدت) بالضم لأنه كلامها (قوله فهو ابنك) أي إن كان ذكرا فلو كانت أنثى لقالت هي ابنتك
لكن يحتمل أن يكون لا تفعل ذلك الا إذا كان ذكرا لما عرف من كراهتهم في البنت وقد كان
منهم من يقتل بنته التي يتحقق أنها بنت فضلا عمن تجئ بهذه الصفة (قوله فيلحق به ولدها)
كذا لأبي ذر ولغيره فيلتحق بزيادة مثناة (قوله لا يستطيع أن يمتنع به) في رواية الكشميهني منه
(قوله ونكاح الرابع) تقدم توجيهه (قوله لا تمنع من جاءها) وللأكثر لا تمتنع ممن جاءها (قوله
وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما) بفتح اللام أي علامة وأخرج الفاكهي
من طريق ابن أبي مليكة قال تبرز عمر بأجياد فدعا بماء فاتته أم مهزول وهى من البغايا التسع
اللاتي كن في الجاهلية فقالت هذا ماء ولكنه في اناء لم يدبغ فقال هلم فان الله جعل الماء طهورا
ومن طريق القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر أن امرأة كانت يقال لها أم مهزول تسافح في
الجاهلية فأراد بعض الصحابة ان يتزوجها فنزلت الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة ومن طريق
مجاهد في هذه الآية قال هن بغايا كن في الجاهلية معلومات لهن رايات يعرفن بها ومن طريق
عاصم بن المنذر عن عروة بن الزبير مثله وزاد كرايات البيطار وقد ساق هشام بن الكلبي في كتاب
المثالب أسامي صواحبات الرايات في الجاهلية فسمى منهن أكثر من عشر نسوة مشهورات
تركت ذكرهن اختيارا (قوله لمن أرادهن) في رواية الكشميهني فمن أرادهن (قوله القافة) جمع
قائف بقاف ثم فاء وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية (قوله فالتاطه) في رواية)
الكشميهني فالتاط بغير مثناة أي استلحقته به وأصل اللوط بفتح اللام اللصوق (قوله هدم نكاح
الجاهلية) في رواية الدارقطني نكاح أهل الجاهلية (قوله كله) دخل فيه ما ذكرت
وما استدرك عليها (قوله الا نكاح الناس اليوم) أي الذي بدأت بذكره وهو أن يخطب الرجل
إلى الرجل فيزوجه احتج بهذا على اشتراط الولي وتعقب بأن عائشة وهى التي روت هذا الحديث
كانت تجيز النكاح بغير ولى كما روى مالك أنها زوجت بنت عبد الرحمن أخيها وهو غائب فلما
قدم قال مثلي يفتات عليه في بناته وأجيب بأنه لم يرد في الخبر التصريح بأنها باشرت العقد فقد
يحتمل أن تكون البنت المذكورة ثيبا ودعت إلى كفء وأبوها غائب فانتقلت الولاية إلى الولي
الابعد أو إلى السلطان وقد صح عن عائشة أنها أنكحت رجلا من بنى أخيها فضربت بينهم بستر ثم
159

تكلمت حتى إذا لم يبق الا العقد أمرت رجلا فأنكح ثم قالت ليس إلى النساء نكاح أخرجه عبد
الرزاق * الحديث الثاني (قوله حدثنا يحيى) هو ابن موسى أو ابن جعفر كما بينته في المقدمة
وساق الحديث عن عائشة مختصرا وقد تقدم شرحه في كتاب التفسير * الحديث الثالث حديث
ابن عمر تأيمت حفصة تقدم شرحه قريبا ووجه الدلالة منه اعتبار الولي في الجملة * الحديث
الرابع حديث معقل بن يسار (قوله حدثنا أحمد بن أبي عمر) وهو النيسابوري قاضيها يكنى أبا على
واسم أبى عمر حفص بن عبد الله بن راشد (قوله حدثني إبراهيم) هو ابن طهمان ويونس هو ابن
عبيد والحسن هو البصري (قوله فلا تعضلوهن) أي في تفسير هذه الآية ووقع في تفسير الطبري
من حديث ابن عباس انها نزلت في ولى النكاح أن يضار وليته فيمنعها من النكاح (قوله حدثني
معقل بن يسار انها نزلت فيه) هذا صريح في رفع هذا الحديث ووصله وقد تقدم في تفسير البقرة
معلقا لإبراهيم بن طهمان وموصولا أيضا لعباد بن راشد عن الحسن وبصورة الارسال من طريق
عبد الوارث بن سعيد عن يونس وقويت رواية إبراهيم بن طهمان بوصله بمتابعة عباد بن راشد
على تصريح الحسن بقوله حدثني معقل بن يسار (قوله زوجت أختا لي) اسمها جميل بالجيم
مصغر بنت يسار وقع في تفسير الطبري من طريق ابن جريج وبه جزم ابن ماكولا وسماها ابن
فتحون كذلك لكن بغير تصغير وسيأتى مستنده وقيل اسمها ليلى حكاه السهيلي في مبهمات
القرآن وتبعه البدري وقيل فاطمة وقع ذلك عند ابن إسحاق ويحتمل التعدد بأن يكون لها اسمان
ولقب أو لقبان واسم (قوله من رجل) قيل هو أبو البداح بن عاصم الأنصاري هكذا وقع في
أحكام القرآن لإسماعيل القاضي من طريق ابن جريج أخبرني عبد الله بن معقل أن جميل بنت
يسار أخت معقل كانت تحت أبى البداح بن عاصم فطلقها فانقضت عدتها فخطبها وذكر ذلك أبو
موسى في ذيل الصحابة وذكره أيضا الثعلبي ولفظه نزلت في جميلة بنت يسار أخت معقل وكانت
تحت أبى البداح بن عاصم بن عدي بن العجلان
واستشكله الذهلي بأن البداح تابعي على
الصواب فيحتمل أن يكون صحابيا آخر وجزم بعض المتأخرين بأنه البداح بن عاصم وكنيته أبو
عمرو فإن كان محفوظا فهو أخو البداح التابعي ووقع لنا في كتاب المجاز للشيخ عز الدين بن عبد
السلام أن اسم زوجها عبد الله بن رواحة ووقع في رواية عباد بن راشد عن الحسن عند البزار
والدارقطني فاتانى ابن عم لي فخطبها مع الخطاب وفى هذا نظر لان معقل بن يسار مزنى وأبو
البداح انصارى فيحتمل أنه ابن عمه لامه أو من الرضاعة (قوله حتى إذا نقضت عدتها) في رواية
عباد بن راشد فاصطحبا ما شاء الله ثم طلقها طلاقا له رجعة ثم تركها حتى انقضت عدتها فخطبها
(قوله فجاء يخطبها) أي من وليها وهو أخوها كما قال أولا زوجت أختا لي من رجل (قوله
وأفرشتك) أي جعلتها لك فراشا في روايتي الثعلبي وأفرشتك كريمتي وآثرتك بها على قومي وهذا
مما يبعد أنه ابن عمه (قوله لا والله لا تعود إليك أبدا) في رواية عباد بن راشد لا أزوجك أبدا زاد
الثعلبي وحمزة آنفا وهو بفتح الهمزة والنون والفاء (قوله وكان رجلا لا بأس به) في رواية الثعلبي
وكان رجل صدق قال ابن التين أي كان جيدا وهذا مما غيرته العامة فكنوا به عمن لا خير فيه كذا
قال ووقع في رواية مبارك بن فضالة عن الحسن عند أبي مسلم الكجي قال الحسن علم الله حاجة
الرجل إلى امرأته وحاجة المرأة إلى زوجها فأنزل الله هذه الآية (قوله فأنزل الله هذه الآية
160

فلا تعضلوهن) هذا صريح في نزول هذه الآية في هذه القصة ولا يمنع ذلك كون ظاهر الخطاب
في السياق للأزواج حيث وقع فيها وإذا طلقتم النساء لكن قوله في بقيتها أن ينكحن أزواجهن
ظاهر في أن العضل يتعلق بالأولياء وقد تقدم في التفسير بيان العضل الذي يتعلق بالأولياء في قوله
تعالى لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن فيستدل في كل مكان بما يليق به (قوله
فقلت الآن أفعل يا رسول الله قال فزوجها إياه) أي أعادها إليه بعقد جديد وفى رواية أبى نعيم
في المستخرج فقلت الآن أقبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى رواية أبى مسلم الكجي من
طريق مبارك بن فضالة عن الحسن فسمع ذلك معقل بن يسار فقال سمعا لربى وطاعة فدعا زوجها
فزوجها إياه ومن رواية الثعلبي فانى أو من بالله فأنكحها إياه وكفر عن يمينه وفى رواية عباد بن
راشد فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه قال الثعلبي ثم هذا قول أكثر المفسرين وعن السدى
نزلت في جابر بن عبد الله زوج بنت عمه فطلقها زوجها تطليقة وانقضت عدتها ثم أراد تزويجها
وكانت المرأة تريده فأبى جابر فنزلت قال ابن بطال اختلفوا في الولي فقال الجمهور ومنهم مالك
والثوري والليث والشافعي وغيرهم الأولياء في النكاح هم العصبة وليس للخال ولا والد الام
ولا الاخوة من الام ونحو هؤلاء ولاية وعن الحنفية هم من الأولياء واحتج الأبهري بأن الذي
يرث الولاء هم العصبة دون ذوي الأرحام قال فذلك عقدة النكاح واختلفوا فيما إذا مات الأب
فأوصى رجلا على أولاده هل يكون أولى من الولي القريب في عقدة النكاح أو مثله أو لا ولاية له
فقال ربيعة وأبو حنيفة ومالك الوصي أولى واحتج لهم بأن الأب لو جعل ذلك لرجل بعينه في
حياته لم يكن لاحد من الأولياء أن يعترض عليه فكذلك بعد موته وتعقب بأن الولاية انتقلت
بالموت فلا يقاس بحال الحياة وقد اختلف العلماء في اشتراط الولي في النكاح فذهب الجمهور إلى
ذلك وقالوا لا تزوج المرأة نفسها أصلا واحتجوا بالأحاديث المذكورة ومن أقواها هذا السبب
المذكور في نزول الآية المذكورة وهى أصرح دليل على اعتبار الولي والا لما كان لعضله معنى
ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلى أخيها ومن كان أمره إليه لا يقال إن غيره منعه منه
وذكر ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك وعن مالك رواية أنها إن كانت
غير شريفة زوجت نفسها وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يشترط الولي أصلا ويجوز أن تزوج نفسها
ولو بغير اذن وليها إذا تزوجت كفؤا واحتج بالقياس على البيع فإنها تستقل به وحمل الأحاديث
الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة وخص بهذا القياس عمومها وهو عمل سائغ في الأصول
وهو جواز تخصيص العموم بالقياس لكن حديث معقل المذكور رفع هذا القياس ويدل على
اشتراط الولي في النكاح دون غيره ليندفع عن موليته العار باختيار الكفء وانفصل بعضهم عن
هذا الايراد بالتزامهم اشتراط الولي ولكن لا يمنع ذلك تزويجها نفسها ويتوقف ذلك على اجازة
الولي كما قالوا في البيع وهو مذهب الأوزاعي وقال أبو ثور نحوه لكن قال يشترط اذن الولي لها في
تزويج نفسها وتعقب بأن اذن الولي لا يصح الا لمن ينوب عنه والمرأة لا تنوب عنه في ذلك لان الحق
لها ولو أذن لها في انكاح نفسها صارت كمن أذن لها في البيع من نفسها ولا يصح وفى حديث معقل
أن الولي إذا عضل لا يزوج السلطان الا بعد أن يأمره بالرجوع عن العضل فان أجاب فذاك وان
أصر زوج عليه الحاكم والله أعلم * (قوله باب إذا كان الولي) أي في النكاح
161

هو الخاطب) أي هل يزوج نفسه أو يحتاج إلى ولى آخر قال ابن المنير ذكر في الترجمة ما يدل على
الجواز والمنع معا ليكل الامر في ذلك إلى نظر المجتهد كذا قال وكأنه أخذه من تركه الجزم بالحكم
لكن الذي يظهر من صنيعه أنه يرى الجواز فان الآثار التي فيها أمر الولي غيره أن يزوجه ليس
فيها التصريح بالمنع من تزويجه نفسه وقد أورد في الترجمة أثر عطاء الدال على الجواز وإن كان
الأولى عنده أن لا يتولى أحد طرفي العقد وقد اختلف السلف في ذلك فقال الأوزاعي وربيعة
والثوري ومالك وأبو حنيفة وأكثر أصحابه والليث يزوج الولي نفسه ووافقهم أبو ثور وعن
مالك لو قالت الثيب لوليها زوجني بمن رأيت فزوجها من نفسه أو ممن اختار لزمها ذلك ولو لم تعلم
عين الزوج وقال الشافعي يزوجهما السلطان أو ولى آخر مثله أو أقعد منه ووافقه زفر وداود
وحجتهم ان الولاية شرط في العقد فلا يكون الناكح منكحا كما لا يبيع من نفسه (قوله وخطب
المغيرة بن شعبة امرأة هو أولي الناس بها فأمر رجلا فزوجه) هذا الأثر وصله وكيع في مصنفه
والبيهقي من طريقه عن الثوري عن عبد الملك بن عمير أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة
وهو وليها فجعل أمرها إلى رجل المغيرة أولى منه فزوجه وأخرجه عبد الرزاق عن الثوري وقال
فيه فامر أبعد منه فزوجه وأخرجه سعيد بن منصور من طريق الشعبي ولفظه ان المغيرة خطب
بنت عمه عروة بن مسعود فأرسل إلى عبد الله بن أبي عقيل فقال زوجنيها فقال ما كنت لافعل
أنت أمير البلد وابن عمها فأرسل المغيرة إلى عثمان بن أبي العاص فزوجها منه انتهى والمغيرة هو
ابن شعبة بن مسعود بن معتب من ولد عوف بن ثقيف فهي بنت عمه لحا وعبد الله بن أبي عقيل هو
ابن عمهما معا أيضا لان جده هو مسعود المذكور وأما عثمان بن أبي العاص فهو وإن كان ثقفيا
أيضا لكنه لا يجتمع معهم الا في جدهم الاعلى ثقيف لأنه من ولد جشم بن ثقيف فوضح ان المراد
بقوله هو أولى الناس وعرف اسم الرجل المبهم في الأثر المعلق (قوله وقال عبد الرحمن بن عوف
لام حكيم بنت قارظ أتجعلين أمرك إلى قالت نعم فقال فقد تزوجتك) وصله ابن سعد من طريق
ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد ان أم حكيم بنت قارظ قالت لعبد الرحمن بن عوف انه قد خطبني
غير واحد فزوجني أيهم رأيت قال وتجعلين ذلك إلى فقالت نعم قال قد تزوجتك قال ابن أبي ذئب
فجاز نكاحه وقد ذكر ابن سعد أم حكيم في النساء اللواتي لم يروين عن النبي صلى الله عليه وسلم
وروين عن أزواجه ولم يزد في التعريف بها على ما في هذا الخبر وذكرها في تسمية أزواج عبدا الرحمن
ابن عوف في ترجمته فنسبها فقال أم حكيم بنت قارظ بن خالد بن عبيد حليف بنى زهرة (قوله وقال
عطاء ليشهد انى قد نكحتك أو ليأمر رجلا من عشيرتها) وصله عبد الرزاق عن ابن جريج قال
قلت لعطاء امرأة خطبها ابن عم لها لا رجل لها غيره قال فلتشهد ان فلانا خطبها وانى أشهدكم
انى قد نكحته أو لتامر رجلا من عشيرتها (قوله وقال سهل قالت امرأة للنبي صلى الله عليه
وسلم أهب لك نفسي فقال رجل يا رسول الله ان لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها) هذا طرف من
حديث الواهبة وقد تقدم موصولا في باب تزويج المعسر وفى باب النظر إلى المرأة قبل التزويج
وغيرهما ووصله في الباب بلفظ آخر وأقربها إلى لفظ هذا التعليق رواية يعقوب بن عبد الرحمن
عن أبي حازم بلفظ ان امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله جئت
لأهب لك نفسي وفيه فقام رجل من أصحابه فقال أي رسول الله مثله ثم ذكر المصنف حديث
162

عائشة في قوله تعالى ويستفتونك في النساء أورده مختصرا وقد تقدم شرحه مستوفى في التفسير
ووجه الدلالة منه ان قوله فرغب عنها أن يتزوجها أعم من أن يتولى ذلك بنفسه أو يأمر غيره
فيزوجه وبه احتج محمد بن الحسن على الجواز لان الله لما عاتب الأولياء في تزويج من كانت
من أهل المال والجمال بدون سنتها من الصداق وعاتبهم على ترك تزويج من كانت قليلة
المال والجمال دل على أن الولي يصح منه تزويجها من نفسه إذ لا يعاتب أحد على ترك
ما هو حرام عليه ودل ذلك أيضا على أنه يتزوجها ولو كانت صغيرة لأنه أمر أن يقسط لها في
الصداق ولو كانت بالغا لما منع أن يتزوجها بما تراضيا عليه فعلم أن المراد من لا أمر لها في نفسها
وقد أجيب باحتمال أن يكون المراد بذلك السفيهة فلا أثر لرضاها بدون مهر مثلها كالبكر ثم ذكر
المصنف حديث سهل بن سعد في الواهبة وسيأتى شرحه قريبا ووجه الاخذ منه الاطلاق أيضا
لكن انفصل من منع ذلك بأنه معدود من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن يزوج نفسه وبغير
ولى ولا شهود ولا استئذان وبلفظ الهبة كما يأتي تقريره وقوله فيه فلم يردها بسكون الدال من
الإرادة وحكى بعض الشراح تشديد الدال وفتح أوله وهو محتمل * (قوله باب
انكاح الرجل ولده الصغار) ضبط ولده بضم الواو وسكون اللام على الجمع وهو واضح وبفتحهما
على أنه اسم جنس وهو أعم من الذكور والإناث (قوله لقول الله تعالى واللائي لم يحضن فجعل
عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ) أي فدل على أن نكاحها قبل البلوغ جائز وهو استنباط حسن
لكن ليس في الآية تخصيص ذلك بالوالد ولا بالبكر ويمكن أن يقال الأصل في الابضاع التحريم
الا ما دل عليه الدليل وقد ورد حديث عائشة في تزويج أبى بكر لها وهى دون البلوغ فبقى ما عداه
على الأصل ولهذا السر أورد حديث عائشة قال المهلب أجمعوا انه يجوز للأب تزويج ابنته
الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها الا ان الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ وحكى
ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقا ان الأب لا يزوج بنته البكر الصغيرة حتى تبلغ وتأذن وزعم أن
تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهى بنت ست سنين كان من خصائصه ومقابله تجويز
الحسن والنخعي للأب اجبار بنته كبيرة كانت أو صغيرة بكرا كانت أو ثيبا * (تنبيه) * وقع في
حديث عائشة من هذا الوجه ادراج يظهر من الطريق التي في الباب الذي بعده * (قوله
باب تزويج الأب ابنته من الامام) في هذه الترجمة إشارة إلى أن الولي الخاص يقدم
على الولي العام وقد اختلف فيه عن المالكية (قولة وقال عمر الخ) هو طرف من حديثه الذي
تقدم موصولا قريبا ثم ذكر حديث عائشة وقوله فيه قال هشام يعنى ابن عروة وهو موصول
بالاسناد المذكور وقوله وأنبئت إلى آخره لم يسم من أنبأه بذلك ويشبه أن يكون حمله عن
امرأته فاطمة بنت المنذر عن جدتها أسماء قال ابن بطال دل حديث الباب على أن الأب أولى في
تزويج ابنته من الامام وان السلطان ولى من لا ولى لها وان الولي من شروط النكاح (قلت) ولا
دلالة في الحديثين على اشتراط شئ من ذلك وانما فيهما وقوع ذلك ولا يلزم منه منع ما عداه وانما
يؤخذ ذلك من أدلة أخرى وقال وفيه ان النهى عن انكاح البكر حتى تستأذن مخصوص بالبالغ
حتى يتصور منها الاذن وأما الصغيرة فلا اذن لها وسيأتى الكلام على ذلك في باب مفرد * (قوله
باب السلطان ولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم زوجناكها بما معك من القرآن)
163

ثم ساق حديث سهل بن سعد في الواهبة من طريق مالك بلفظ زوجتكها بالافراد وقد وقع في
رواية أبي ذر من هذا الوجه بلفظ زوجناكها بنون التعظيم وقد ورد التصريح بأن السلطان
ولى في حديث عائشة المرفوع أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل الحديث وفيه
والسلطان ولى من لا ولى لها أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه أبو عوانة وابن خزيمة
وابن حبان والحاكم لكنه لما لم يكن على شرطه استنبطه من قصة الواهبة وعند الطبراني من
حديث ابن عباس رفعه لا نكاح الا بولي والسلطان ولى من لا ولى له وفى اسناده الحجاج بن
أرطاه وفيه مقال وأخرجه سفيان في جامعه ومن طريقه الطبراني في الأوسط باسناد آخر حسن
عن ابن عباس بلفظ لا نكاح الا بولي مرشد أو سلطان * (قوله باب لا ينكح
الأب وغيره البكر والثيب الا برضاهما
في هذه الترجمة أربع صور تزويج الأب البكر وتزويج
الأب الثيب وتزويج غير الأب البكر وتزويج غير الأب الثيب وإذا اعتبرت الكبر والصغر
زادت الصور فالثيب البالغ لا يزوجها الأب ولا غيره الا برضاها اتفاقا الا من شذ كما تقدم
والبكر الصغيرة يزوجها أبوها اتفاقا الا من شذ كما تقدم والثيب غير البالغ اختلف فيها فقال
مالك وأبو حنيفة يزوجها أبوها كما يزوج البكر وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد لا يزوجها إذا
زالت البكارة بالوطء لا بغيره والعلة عندهم ان إزالة البكارة تزيل الحياء الذي في البكر والبكر
البالغ يزوجها أبوها وكذا غيره من الأولياء واختلف في استثمارها والحديث دال على أنه
لا اجبار للأب عليها إذا امتنعت وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم وسأذكر مزيد بحث فيه وقد
ألحق الشافعي الجد بالأب وقال أبو حنيفة والأوزاعي في الثيب الصغيرة يزوجها كل ولى فإذا
بلغت ثبت الخيار وقال أحمد إذا بلغت تسما جاز للأولياء غير الأب نكاحها وكأنه أقام المظنة
مقام المئنة وعن مالك يلتحق بالأب في ذلك وصى الأب دون بقية الأولياء لأنه أقامه مقامه كما
تقدمت الإشارة إليه ثم إن الترجمة معقودة لاشتراط رضا المزوجة بكرا كانت أو ثيبا صغيرة
كانت أو كبيرة وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث لكن تستثنى الصغيرة من حيث المعنى لأنها
لا عبارة لها (قوله حدثنا هشام) هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير (قوله عن أبي سلمة في رواية
مسلم من طريق خالد بن الحرث عن هشام عن يحيى حدثنا أبو سلمة (قوله لا تنكح) بكسر الحاء
للنهي وبرفعها للخبر وهو أبلغ في المنع وتقدم تفسير الأيم في باب عرض الانسان ابنته وظاهر هذا
الحديث ان الأيم هي الثيب التي فارقت زوجها بموت أو طلاق لمقابلتها بالبكر وهذا هو الأصل في
الأيم ومنه قولهم الغزو مأيمة أي يقتل الرجال فتصير النساء أيامى وقد تطلق على من لا زوج لها
أصلا ونقله عياض عن إبراهيم الحربي وإسماعيل القاضي وغيرهما انه يطلق على كل من لا زوج
لها صغيرة كانت أو كبيرة بكرا كانت أو ثيبا وحكى الماوردي القولين لأهل اللغة وقد وقع في
رواية الأوزاعي عن يحيى في هذا الحديث عند ابن المنذر والدارمي والدارقطني لا تنكح الثيب
ووقع عند ابن المنذر في رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه في هذا الحديث النيب تشاور (قوله
حتى تستأمر) أصل الاستثمار طلب الامر فالمعنى لا يعقد عليها حتى يطلب الامر منها ويؤخذ
من قوله تستأمر انه لا يعقد الا بعد أن تأمر بذلك وليس فيه دلالة على عدم اشتراط الولي في
حقها بل فيه اشعار باشتراطه (قوله ولا تنكح البكر حتى تستأذن) كذا وقع في هذه الرواية
164

التفرقة بين الثيب والبكر فعبر للثيب بالاستئمار وللبكر بالاستئذان فيؤخذ منه فرق بينهما من
جهة ان الاستئمار يدل على تأكيد المشاورة وجعل الامر إلى المستأمرة ولهذا يحتاج الولي
إلى صريح اذنها في العقد فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقا والبكر بخلاف ذلك والاذن دائر
بين القول والسكوت بخلاف الامر فإنه صريح في القول وانما جعل السكوت اذنا في حق البكر
لأنها قد تستحى أن تفصح (قوله قالوا يا رسول الله) في رواية عمر بن أبي سلمة قلنا وحديث عائشة
صريح في أنها هي السائلة عن ذلك (قوله وكيف اذنها) في حديث عائشة قلت إن البكر تستحى
وستأتى ألفاظه * الحديث الثاني (قوله حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق) أي ابن قرة الهلالي
أبو حفص المصري أصله كوفي سمع من مالك والليث ويحيى بن أيوب وغيرهم روى عنه القدماء
مثل يحيى بن معين واسحق الكوسج وأبى عبيد وإبراهيم بن هانئ وهو من قدماء شيوخ البخاري
ولم أر له عنه في الجامع الا هذا الحديث وقد وثقه العجلي والدارقطني ومات سنة تسع عشرة
ومائتين (قوله حدثنا الليث) في رواية الكشميهني أنبأنا (قوله عن أبي عمرو مولى عائشة) في رواية
ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ذكوان وسيأتى في ترك الحيل ويأتي في الاكراه من هذا الوجه
بلفظ عن أبي عمرو هو ذكوان (قوله أنها قالت يا رسول الله ان البكر تستحى) هكذا أورده من
طريق الليث مختصرا ووقع في رواية ابن جريج في ترك الحيل قالت قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم البكر تستأذن قلت فذكر مثله وفى الاكراه بلفظ قلت يا رسول الله تستأمر النساء في
أبضاعهن قال نعم قلت فان البكر تستأمر فتستحي فتسكت وفى رواية مسلم من هذا الوجه سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها أتستأمر أم لا قال نعم تستأمر قلت
فإنها تستحى (قوله قال رضاها صمتها) في رواية ابن جريج قال سكاتها اذنها وفى لفظ له قال اذنها
صماتها وفى رواية مسلم من طريق ابن جريج أيضا قال فذلك اذنها إذا هي سكتت ودلت رواية
البخاري على أن المراد بالجارية في رواية مسلم البكر دون الثيب وعند مسلم أيضا من حديث ابن
عباس والبكر تستأذن في نفسها وأذنها صماتها وفى لفظ له والبكر يستأذنها أبوها في نفسها
قال ابن المنذر يستحب اعلام البكر أن سكوتها اذن لكن لو قالت بعد العقد ما علمت أن صمتي
اذن لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور وأبطله بعض المالكية وقال ابن شعبان منهم يقال لها ذلك
ثلاثا ان رضيت فاسكتي وان كرهت فانطقي وقال بعضهم يطال المقام عندها لئلا تخجل فيمنعها
ذلك من المسارعة واختلفوا فيما إذا لم تتكلم بل ظهرت منها قرينة السخط أو الرضا بالتبسم
مثلا أو البكاء فعند المالكية ان نفرت أو بكت أو قامت أو ظهر منها ما يدل على الكراهة لم تزوج
وعند الشافعية لا أثر لشئ من ذلك في المنع الا أن قرنت مع البكاء الصياح ونحوه وفرق بعضهم
بين الدمع فإن كان حارا دل على المنع وإن كان باردا دل على الرضا قال وفى هذا الحديث إشارة
إلى أن البكر التي أمر باستئذانها هي البالغ إذ لا معنى لاستئذان من لا تدرى ما الاذن ومن
يستوى سكوتها وسخطها ونقل ابن عبد البر عن مالك أن سكوت البكر اليتيمة قبل
اذنها وتفويضها لا يكون رضا منها بخلاف ما إذا كان بعد تفويضها إلى وليها وخص بعض
الشافعية الاكتفاء بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الأب والجد دون غيرهما لأنها تستحى
منهما أكثر من غيرهما والصحيح الذي عليه الجمهور استعمال الحديث في جميع الابكار بالنسبة
165

لجميع الأولياء واختلفوا في الأب يزوج البكر البالغ بغير اذنها فقال الأوزاعي والثوري
والحنفية ووافقهم أبو ثور يشترط استئذانها فلو عقد عليها بغير استئذان لم يصح وقال
الآخرون يجوز للأب أن يزوجها ولو كانت بالغا بغير استيذان وهو قول ابن أبي ليلى ومالك
والليث والشافعي وأحمد واسحق ومن حجتهم مفهوم حديث الباب لأنه جعل الثيب أحق بنفسها
من وليها فدل على أن ولى البكر أحق بها منها واحتج بعضهم بحديث يونس بن أبي إسحاق عن أبي
بردة عن أبي موسى مرفوعا تستأمر اليتيمة في نفسها فان سكتت فهو اذنها قال فقيد ذلك باليتيمة
فيحمل المطلق عليه وفيه نظر لحديث ابن عباس الذي ذكرته بلفظ يستأذنها أبوها فنص على
ذكر الأب وأجاب الشافعي بان المؤامرة قد تكون عن استطابة النفس ويؤيده حديث ابن عمر
رفعه وأمروا النساء في بناتهن أخرجه أبو داود قال الشافعي لا خلاف أنه ليس للام أمر لكنه
على معنى استطابة النفس وقال البيهقي زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة قال
الشافعي زادها ابن عيينة في حديثه وكان ابن عمر والقاسم وسالم يزوجون الابكار لا يستأمرونهن
قال البيهقي والمحفوظ في حديث ابن عباس البكر تستأمر ورواه صالح بن كيسان بلفظ واليتيمة
تستأمر وكذلك رواه أبو بردة عن أبي موسى ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فدل على
أن المراد بالبكر اليتيمة (قلت) وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ بلفظ الأب ولو قال قائل بل المراد باليتيمة البكر لم يدفع وتستأمر بضم أوله يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات ويبقى
النظر في أن الاستئمار هل هو شرط في صحة العقد أو مستحب على معنى اسطابة النفس كما قال
الشافعي كل من الامرين محتمل وسيأتي مزيد بحث فيه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى
واستدل به على أن الصغيرة الثيب لا اجبار عليها لعموم كونها أحق بنفسها من وليها وعلى أن
من زالت بكارتها بوطء ولو كان زنا لا اجبار عليها لأب ولا غيره لعموم قوله الثيب أحق بنفسها
وقال أبو حنيفة هي كالبكر وخالفه حتى صاحباه واحتج له بان علة الاكتفاء بسكوت البكر هو
الحياء وهو باق في هذه لان المسئلة مفروضة فيمن زالت بكارتها يوطئ لا فيمن اتخذت الزنا ديدنا
وعادة وأجيب بأن الحديث نص على أن الحياء يتعلق بالبكر وقابلها بالثيب فدل على أن
حكمهما مختلف وهذه ثيب لغة وشرعا بدليل أنه لو أوصى بعتق كل ثيب في ملكه دخلت اجماعا
وأما بقاء حيائها كالبكر فممنوع لأنها تستحى من ذكر وقوع الفجور منها وأما ثبوت الحياء من
أصل النكاح فليست فيه كالبكر التي لم تجربه قط والله أعلم واستدل به لمن قال إن للثيب أن
تتزوج بغير ولى ولكنها لا تزوج نفسها بل تجعل أمرها إلى رجل فيزوجها حكاه ابن حزم عن
داود وتعقبه بحديث عائشة أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل وهو حديث صحيح
كما تقدم وهو يبين أن معنى قوله أحق بنفسها من وليها أنه لا ينفذ عليها أمره بغير اذنها ولا يجبرها فإذا أرادت أن تتزوج لم يجر لها الا بإذن وليها واستدل به على أن البكر إذا أعلنت بالمنع لم يجز
النكاح والى هذا أشار المصنف في الترجمة وان أعلنت بالرضا فيجوز بطرق الأولى وشذ بعض
أهل الظاهر فقال لا يجوز أيضا وقوفا عند ظاهر قوله واذنها أن تسكت (قوله باب إذا
زوج الرجل ابنته وهى كارهة فنكاحه مردود) هكذا أطلق فشمل البكر والثيب لكن حديث الباب
مصرح فيه بالثيوبة فكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما سأبينه ورد النكاح إذا كانت ثيبا
166

فزوجت بغير رضاها اجماع الا ما نقل عن الحسن أنه أجاز اجبار الأب للثيب ولو كرهت كما تقدم
وعن النخعي إن كانت في عياله جاز والا رد واختلفوا إذا وقع العقد بغير رضاها فقالت الحنفية
ان اجازته جاز وعن المالكية ان اجازته عن قرب جاز ولا فلا ورده الباقون مطلقا (قوله ومجمع)
بضم الميم وفتح الجيم وكسر الميم الثقيلة ثم عين مهملة (قوله ابني يزيد بن جارية) بالجيم أي ابن
عامر بن العطاف الأنصاري الأوسي من بنى عمرو بن عوف وهو ابن أخي مجمع بن جارية الصحابي
الذي جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج له أصحاب السنن وقد وهم من زعم
أنهما واحد ومنه قيل إن لمجمع بن يزيد صحبة وليس كذلك وانما الصحبة لعمه مجمع بن جارية وليس
لمجمع بن يزيد في البخاري سوى هذا الحديث وقد قرنه فيه بأخيه عبد الرحمن بن يزيد وعبد الرحمن
ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيما جزم به العسكري وغيره وهو أخو عاصم بن عمر بن
الخطاب لامه قال ابن سعد ولى القضاء لعمر بن عبد العزيز يعنى لما كان أمير المدينة ومات سنة
ثلاث وتسعين وقيل سنة ثمان ووثقه جماعة وما له في البخاري أيضا سوى هذا الحديث وقد وافق
مالكا على اسناد هذا الحديث سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم وان اختلف الرواة
عنهما في وصل هذا الحديث عن خنساء وفى ارساله حيث قال بعضهم عن عبد الرحمن ومجمع
أن خنساء زوجت وكذا اختلفوا عنهما في نسب عبد الرحمن ومجمع فمنهم من أسقط يزيد وقال
ابني جارية والصواب وصله واثبات يزيد في نسبهما وقد أخرج طريق ابن عيينة المصنف في ترك
الحيل
بصورة الارسال كما سيأتي وأخرجها أحمد عنه كذلك وأوردها الطبراني من طريقه
موصولة وأخرجه الدارقطني في الموطآت من طريق معلى بن منصور عن مالك بصورة الارسال
أيضا والأكثر وصلوه عنه وخالفهما معا سفيان الثوري في راو من السند فقال عن عبد الرحمن
ابن القاسم عن عبد الله بن يزيد بن وديعة عن خنساء أخرجه النسائي في الكبرى والطبراني من
طريق ابن المبارك عنه وهى رواية شاذة لكن يبعد أن يكون لعبد الرحمن بن القاسم فيه شيخان
وعبد الله بن يزيد بن وديعة هذا لم أر من ترجم له ولم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم ولا ابن حبان
الا عبد الله بن وديعة بن خدام الذي روى عن سلمان الفارسي في غسل الجمعة وعنه المقبري وهو
تابعي غير مشهور الا في هذا الحديث ووثقه الدارقطني وابن حبان وقد ذكره ابن منده في الصحابة وخطأه أبو نعيم في ذلك وأظن شيخ عبد الرحمن بن القاسم ابن أخيه وعبد الله بن يزيد بن وديعة
هذا ممن أغفله المزي ومن تبعه فلم يذكروه في رجال الكتب الستة (قوله عن خنساء بنت خدام)
بمعجمة ثم نون ثم مهملة وزن حمراء وأبوها بكسر المعجمة وتخفيف المهملة قيل اسم أبيه وديعة
والصحيح أن اسم أبيه خالد ووديعة اسم جده فيما أحسب وقع ذلك في رواية لأحمد من طريق محمد بن إسحاق
عن الحجاج بن السائب مرسلا في هذه القصة ولكن قال في تسميتها خناس بتخفيف النون
وزن فلان ووقع في رواية الدارقطني والطبراني وابن السكن خنساء ووصل الحديث عنها فقال
عن حجاج بن السائب بن أبي لبابة عن أبيه عن جدته خنساء وخناس مشتق من خنساء كما يقال
في زينب زناب وكنية خدام والد خنساء أبو وديعة كناه أبو نعيم وقد وقع ذلك عند عبد الرزاق
من حديث ابن عباس أن خداما أبا وديعة أنكح ابنته رجلا الحديث ووقع عند المستغفري من
طريق ربيعة بن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية أن وديعة بن خدام زوج ابنته وهو وهم في اسمه
167

ولعله كان أن خداما أبا وديعة فانقلب وقد ذكرت في كتاب الصحابة ما يدل على أن لوديعة ابن
خدام أيضا صحبة وله قصة مع عمر في ميراث سالم مولى أبى حذيفة ذكرها البخاري في تاريخه وقد
أطلت في هذا الموضع لكن جر الكلام بعضه بعضا ولا يخلو من فائدة (قوله إن أباها زوجها
وهى ثيب فكرهت ذلك) ووقع في رواية الثوري المذكورة قالت أنكحي أبى وأنا كارهة وأنا
بكر والأول أرجح فقد ذكر الحديث الإسماعيلي من طريق شعبة عن يحيى بن سعيد عن القاسم
فقال في روايته وأنا أريد أن أتزوج عم ولدى وكذا أخرج عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن
عبد الرحمن الجحشي عن أبي بكر بن محمد أن رجلا من الأنصار تزوج خنساء بنت خدام فقتل عنها
يوم أحد فأنكحها أبوها رجلا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أبى أنكحني وان عم
ولدى أحب إلى فهذا يدل على انها كانت ولدت من زوجها الأول واستفدنا من هذه الرواية
نسبة زوجها الأول واسمه أنيس بن قتادة سماه الواقدي في روايته من وجه آخر عن خنساء
ووقع في المبهمات للقطب القسطلاني ان اسمه أسير وانه استشهد ببدر ولم يذكر له مستندا وأما
الثاني الذي كرهته فلم أقف على اسمه الا ان الواقدي ذكر باسناد له أنه من بنى مزينة ووقع في
رواية ابن إسحاق عن الحجاج بن السائب بن أبي لبابة عن أبيه عنها أنه من بنى عمرو بن عوف
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس ان خداما أبا وديعة أنكح
ابنته رجلا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا تكرهوهن فنكحت بعد ذلك أبا لبابة وكانت ثيبا
وروى الطبراني باسناد آخر عن ابن عباس فذكر نحو القصة قال فيه فنزعها من زوجها وكانت
ثيبا فنكحت بعده أبا لبابة وروى عبد الرزاق أيضا عن الثوري عن أبي الحويرث عن نافع بن
جبير قال تأيمت خنساء فزوجها أبوها الحديث نحوه وفيه فرد نكاحه ونكحت أبا لبابة وهذه
أسانيد تقوى بعضها ببعض وكلها دالة على أنها كانت ثيبا نعم أخرج النسائي من طريق الأوزاعي
عن عطاء عن جابر أن رجلا زوج ابنته وهى بكر من غير أمرها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم
ففرق بينهما وهذا سند ظاهره الصحة ولكن له علة أخرجه النسائي من وجه آخر عن الأوزاعي
فأدخل بينه وبين عطاء إبراهيم بن مرة وفيه مقال وأرسله فلم يذكر في اسناده جابرا وأخرج
النسائي أيضا وابن ماجة من طريق جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن جارية
بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهى كارهة فخيرها ورجاله ثقات
لكن قال أبو حاتم وأبو زرعة انه خطأ وأن الصواب ارساله وقد أخرجه الطبراني والدارقطني
من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم رد نكاح بكر وثيب أنكحهما أبوهما وهما كارهتان قال الدارقطني تفرد به عبد الملك
الدماري وفيه ضعف والصواب عن يحيى بن أبي كثير عن المهاجر بن عكرمة مرسل وقال البيهقي
ان ثبت الحديث في البكر حمل على أنها زوجت بغير كفء والله أعلم (قلت) وهذا الجواب هو
المعتمد فإنها واقعة عين فلا يثبت الحكم فيها تعميما وأما الطعن في الحديث فلا معنى له فان طرقه
تقوى بعضها ببعض ولقصة خنساء بنت خدام طريق أخرى أخرجها الدارقطني والطبراني من
طريق هشيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهى
كارهة فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ولم يقل فيه بكرا ولا ثيبا قال الدارقطني رواه
168

أبو عوانة عن عمر مرسلا لم يذكر أبا هريرة (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن راهويه ويزيد هو ابن
هارون ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري (قوله أن رجلا يدعى خداما أنكح ابنة له نحوه) ساق أحمد
لفظه عن يزيد بن هارون بهذا الاسناد ان رجلا منهم يدعى خداما أنكح ابنته فكرهت نكاح
أبيها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فرد عنها نكاح أبيها فتزوجت أبا لبابة بن
عبد المنذر فذكر يحيى بن سعيد انه بلغه انها كانت ثيبا وهذا يوافق ما تقدم وكذا أخرجه ابن
ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون وأخرجه الإسماعيلي من طرق عن يزيد كذلك
وأخرجه الطبراني والإسماعيلي من طريق محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد نحوه وأخرجه
الطبراني من طريق عيسى بن يونس عن يحيى كذلك وأخرجه أحمد عن أبي معاوية عن يحيى
كذلك لكن اقتصر على ذكر مجمع بن يزيد والذي بلغ يحيى ذلك يحتمل أن يكون عبد الرحمن بن
القاسم فسيأتي في ترك الحيل من طريق ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن القاسم ان امرأة من
ولد جعفر تخوفت أن يزوجها وليها وهى كارهة فأرسلت إلى شيخين من الأنصار عبد الرحمن
ومجمع ابني جارية قالا فلا تخشين فان خنساء بنت خدام أنكحها أبوها وهى كارهة فرد النبي صلى
الله عليه وسلم ذلك قال سفيان وأما عبد الرحمن بن القاسم فسمعته يقول عن أبيه ان خنساء
انتهى وقد أخرجه الطبراني من وجه آخر عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن عن أبيه عن
خنساء موصولا والمرأة التي من ولد جعفر هي أم جعفر بنت القاسم بن محمد بن عبد الله بن جعفر
ابن أبي طالب ووليها هو عم أبيها معاوية بن عبد الله بن جعفر أخرجه المستغفري من طريق يزيد
ابن الهاد عن ربيعة باسناده انها تأيمت من زوجها حمزة بن عبد الله بن الزبير فأرسلت إلى القاسم
ابن محمد والى عبد الرحمن بن يزيد فقالت انى لا آمن معاوية أن يضعني حيث لا يوافقني فقال لها
عبد الرحمن ليس له ذلك ولو صنع ذلك لم يجز فذكر الحديث الا أنه لم يضبط اسم والد خنساء ولا سمى
بنته كما قدمته وكنت ذكرت في المقدمة في تسمية المرأة من ولد جعفر ومن ذكر معها غير الذي هنا
والمذكور هنا هو المعتمد وقد حصل من تحرير ذلك ما لا أظن أنه يزاد عليه فلله الحمد على جميع مننه
* (قوله باب تزويج اليتيمة لقول الله تعالى وان خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى
فانكحوا) ذكر فيه حديث عائشة في تفسير الآية المذكورة وقد تقدم شرحه في التفسير وفيه
دلالة على تزويج الولي غير الأب التي دون البلوغ بكرا كانت أو ثيبا لان حقيقة اليتيمة من كانت
دون البلوغ ولا أب لها وقد أذن في تزويجها بشرط أن لا يبخس من صداقها فيحتاج من منع
ذلك إلى دليل قوى وقد احتج بعض الشافعية بحديث لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر قال فان قيل
الصغيرة لا تستأمر قلنا فيه إشارة إلى تأخير تزويجها حتى تبلغ فتصير أهلا للاستئمار فان قيل
لا تكون بعد البلوغ يتيمة قلنا التقدير لا تنكح اليتيمة حتى تبلغ فتستأمر جمعا بين الأدلة (قوله
وإذا قال للولي زوجني فلانة فمكث ساعة أو قال ما معك فقال معي كذا وكذا أو لبثا ثم قال
زوجتكها فهو جائز فيه سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعنى حديث الواهبة وقد تقدم مرارا
ويأتي شرحه قريبا ومراده منه ان التفريق بين الايجاب والقبول إذا كان في المجلس لا يضر
ولو تخلل بينهما كلام آخر وفى أخذه من هذا الحديث نظر لأنها واقعة عين يطرقها احتمال أن
يكون قبل عقب الايجاب (قوله حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري وقال الليث حدثني
169

عقيل عن ابن شهاب) تقدم طريق الليث موصولا في باب الأكفاء في المال وساق المتن هناك
على لفظه وهنا على لفظ شعيب وقد أفرده بالذكر في كتاب الوصايا كما تقدم والله أعلم * (قوله
باب إذا قال الخاطب زوجني فلانة فقال قد زوجتك بكذا وكذا جاز النكاح وان لم
يقل للزوج أرضيت أو قبلت) في رواية الكشميهني إذا قال الخاطب للولي وبه يتم الكلام وهو
الفاعل في قوله وان لم يقل وأورد المصنف فيه حديث سهل بن سعد في قصة الواهبة أيضا وهذه
الترجمة معقودة لمسئلة هل يقوم الالتماس مقام القبول فيصير كما لو تقدم القبول على الايجاب
كان يقول تزوجت فلانة على كذا فيقول الولي زوجتكها بذلك أو لابد من إعادة القبول
فاستنبط المصنف من قصة الواهبة انه لم ينقل بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم زوجتكها بما
معك من القرآن ان الرجل قال قد قبلت لكن اعترضه المهلب فقال بساط الكلام في هذه
القصة أغنى عن توقيف الخاطب على القبول لما تقدم من المراوضة والطلب والمعاودة في ذلك
فمن كان في مثل حال هذا الرجل الراغب لم يحتج إلى تصريح منه بالقبول لسبق العلم برغبته
بخلاف غيره ممن لم تقم القرائن على رضاه انتهى وغايته انه يسلم الاستدلال لكن يخصه بخاطب
دون خاطب وقد قدمت في الذي قبله وجه الخدش في أصل الاستدلال (قوله في هذه الرواية فقال
ما لي اليوم في النساء من حاجة) فيه اشكال من جهة ان في حديث فصعد النظر إليها وصوبه فهذا
دال على أنه كان يريد التزويج لو أعجبته فكان معنى الحديث ما لي في النساء إذا كن بهذه الصفة
من حاجة ويحتمل أن يكون جواز النظر مطلقا من خصائصه وان لم يرد التزويج وتكون فائدته
احتمال انها تعجبه فيتزوجها مع استغنائه حينئذ عن زيادة على من عنده من النساء صلى الله
عليه وسلم * (قوله باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع) كذا أورده
بلفظ أو يدع وذكره في الباب عن أبي هريرة بلفظ أو يترك وأخرجه مسلم من حديث عقبة بن
عامر بلفظ حتى يذر وقد أخرجه أبو الشيخ في كتاب النكاح من طريق عبد الوارث عن هشام بن
حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ حتى ينكح أو يدع واسناده صحيح (قوله نهى النبي صلى
الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض) تقدم شرحه في البيوع والبحث في اختصاص
ذلك بالمسلم وهذا اللفظ لا يعارض ذلك من جهة ان المخاطبين هم المسلمون (قوله ولا يخطب) بالجزم
على النهى أي وقال لا يخطب ويجوز الرفع على أنه نفى وسياق ذلك بصيغة الخبر أبلغ في المنع
ويجوز النصب عطفا على قوله يبيع على أن لا في قوله ولا يخطب زائدة ويؤيد الرفع قوله في
رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عند مسلم ولا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب برفع العين
170

من يبيع والباء من يخطب واثبات التحتانية في يبيع (قوله أو يأذن له الخاطب) أي حتى يأذن
الأول للثاني (قوله في حديث أبي هريرة الليث عن جعفر بن ربيعة) لليث فيه اسناد آخر أخرجه
مسلم من طريقه عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة عن عقبة بن عامر في قصة
الخطبة فقط وسأذكر لفظه (قوله قال قال أبو هريرة يأثر) بفتح أوله وضم المثلثة تقول أثرت
الحديث آثره بالمد اثرا بفتح أوله ثم سكون إذا ذكرته عن غيرك ووقع عند النسائي من طريق
محمد بن يحيى بن حبان 2 عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره
مختصرا (قوله إياكم والظن الخ) يأتي من وجه آخر عن أبي هريرة في كتاب الأدب مع شرحه وقد
أخرجه البيهقي من طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه فزاد في
المتن زيادات ذكرها البخاري مفرقة لكن من غير هذا الوجه قال الجمهور هذا النهى للتحريم
وقال الخطابي هذا النهى للتأديب وليس بنهى تحريم يبطل العقد عند أكثر الفقهاء كذا قال
ولا ملازمة بين كونه للتحريم وبين البطلان عند الجمهور بل هو عندهم للتحريم ولا يبطل العقد
بل حكى النووي ان النهى فيه للتحريم بالاجماع ولكن اختلفوا في شروطه فقال الشافعية
والحنابلة محل التحريم ما إذا صرحت المخطوبة أو وليها الذي أذنت له حيث يكون اذنها معتبرا
بالإجابة فلو وقع التصريح بالرد فلا تحريم فلو لم يعلم الثاني بالحال فيجوز الهجوم على الخطبة
لان الأصل الإباحة وعند الحنابلة في ذلك روايتان وان وقعت الإجابة بالتعريض كقولها
لا رغبة عنك فقولان عند الشافعية الأصح وهو قول المالكية والحنفية لا يحرم أيضا وإذا لم ترد
ولم تقبل فيجوز والحجة فيه قول فاطمة خطبني معاوية وأبو جهم فلم ينكر النبي صلى الله عليه
وسلم ذلك عليهما بل خطبها لأسامة وأشار النووي وغيره إلى أنه لا حجة فيه لاحتمال أن يكون
خطبا معا أو لم يعلم الثاني بخطبة الأول والنبي صلى الله عليه وسلم أشار بأسامة ولم يخطب وعلى
تقدير أن يكون خطب فكأنه لما ذكر لها ما في معاوية وأبى جهم ظهر منها الرغبة عنهما فخطبها
لأسامة وحكى الترمذي عن الشافعي ان معنى حديث الباب إذا خطب الرجل المرأة فرضيت به
وركنت إليه فليس لأحد أن يخطب على خطبته فإذا لم يعلم برضاها ولا ركونها فلا بأس أن يخطبها
والحجة فيه قصة فاطمة بنت قيس فإنها لم تخبره برضاها بواحد منهما ولو أخبرته بذلك لم يشر عليها
بغير من اختارت فلو لم توجد منها إجابة ولا رد فقطع بعض الشافعية بالجواز ومنهم من أجرى
القولين ونص الشافعي في البكر على أن سكوتها رضا بالخاطب وعن بعض المالكية لا تمنع
الخطبة الا على خطبة من وقع بينهما التراضي على الصداق وإذا وجدت شروط التحريم ووقع
العقد للثاني فقال الجمهور يصح مع ارتكاب التحريم وقال داود يفسخ النكاح قبل الدخول
وبعده وعند المالكية خلاف كالقولين وقال بعضهم يفسخ قبله لا بعده وحجة الجمهور
ان المنهى عنه الخطبة والخطبة ليست شرطا في صحة النكاح فلا يفسخ النكاح بوقوعها
غير صحيحة وحكى الطبري ان بعض العلماء قال إن هذا النهى منسوخ بقصة فاطمة بنت قيس
ثم رده وغلطه بأنها جاءت مستشيرة فأشير عليها بما هو الأولى ولم يكن هناك خطبة على خطبة
كما تقدم ثم إن دعوى النسخ في مثل هذا غلط لان الشارع أشار إلى علة النهى في حديث
عقبة بن عامر بالاخوة وهى صفة لازمة وعلة مطلوبة للدوام فلا يصح أن يلحقها النسخ والله
171

أعلم واستدل به على أن الخاطب الأول إذا أذن للخاطب الثاني في التزويج ارتفع التحريم
ولكن هل يختص ذلك بالمأذون له أو يتعدى لغيره لان مجرد الاذن الصادر من الخاطب الأول
دال على اعراضه عن تزويج تلك المرأة وباعراضه يجوز لغيره أن يخطبها الظاهر الثاني فيكون
الجواز للمأذون له بالتنصيص ولغير المأذون له بالالحاق ويؤيده قوله في الحديث الثاني من
الباب أو يترك وصرح الروياني من الشافعية بأن محل التحريم إذا كانت الخطبة من الأول
جائزة فإن كانت ممنوعة كخطبة المعتدة لم يضر الثاني بعد انقضاء العدة أن يخطبها وهو واضح
لان الأول لم يثبت له بذلك حق واستدل بقوله على خطبة أخيه أن محل التحريم إذا كان
الخاطب مسلما فلو خطب الذمي ذمية فأراد المسلم أن يخطبها جاز له ذلك مطلقا وهو قول
الأوزاعي ووافقه من الشافعية ابن المنذر وابن جويرية والخطابي ويؤيده قوله في أول حديث
عقبة بن عامر عند مسلم المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب
على خطبته حتى يذر وقال الخطابي قطع الله الاخوة بين الكافر والمسلم فيختص النهى بالمسلم
وقال ابن المنذر الأصل في هذا الإباحة حتى يرد المنع وقد ورد المنع مقيدا بالمسلم فبقى ما عدا ذلك
على أصل الإباحة وذهب الجمهور إلى الحاق الذمي بالمسلم في ذلك وأن التعبير بأخيه خرج على
الغالب فلا مفهوم له وهو كقوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم وكقوله وربائبكم اللاتي في حجوركم
ونحو ذلك وبناه بعضهم على أن هذا المنهى عنه هل هو من حقوق العقد واحترامه أو من
حقوق المتعاقدين فعلى الأول فالراجح ما قال الخطابي وعلى الثاني فالراجح ما قال غيره وقريب من
هذا البناء اختلافهم في ثبوت الشفعة للكافر فمن جعلها من حقوق الملك أثبتها له ومن جعلها
من حقوق المالك منع وقريب من هذا البحث ما نقل عن ابن القاسم صاحب مالك أن الخاطب
الأول إذا كان فاسقا جاز للعفيف أن يخطب على خطبته ورجحه ابن العربي منهم وهو متجه فيما
إذا كانت المخطوبة عفيفة فيكون الفاسق غير كفء لها فتكون خطبته كلا خطبة ولم يعتبر
الجمهور ذلك إذا صدرت منها علامة القبول وقد أطلق بعضهم الاجماع على خلاف هذا القول
ويلتحق بهذا ما حكاه بعضهم من الجواز إذا لم يكن الخاطب الأول أهلا في العادة لخطبة تلك
المرأة كما لو خطب سوقي بنت ملك وهذا يرجع إلى التكافؤ واستدل به على تحريم خطبة المرأة على
خطبة امرأة أخرى الحاقا لحكم النساء بحكم الرجال وصورته أن ترغب أمرة في رجل
وتدعوه إلى تزويجها فيجيبها كما تقدم فتجئ امرأة أخرى فتدعوه وترغبه في نفسها وتزهده في
التي قبلها وقد صرحوا باستحباب خطبة أهل الفضل من الرجال ولا يخفى أن محل هذا إذا كان
المخطوب عزم أن لا يتزوج الا بواحدة فاما إذا جمع بينهما فلا تحريم وسيأتى بعد ستة أبواب في
باب الشروط التي لا تحل في النكاح مزيد بحث في هذا (قوله حتى ينكح) أي حتى يتزوج
الخاطب الأول فيحصل اليأس المحض وقوله أو يترك أي الخاطب الأول التزويج فيجوز
حينئذ للثاني الخطبة فالغايتان مختلفتان الأولى ترجع إلى اليأس والثانية ترجع إلى الرجاء
ونظير الأولى قوله تعالى حتى يلج الجمل في سم الخياط * (قوله باب تفسير ترك
الخطبة) ذكر فيه طرفا من حديث عمر حين تأيمت حفصة وفى آخره قول أبى بكر الصديق رضي الله عنه
ولو تركها لقبلتها وقد تقدم شرحه مستوفى قبل أبواب قال ابن بطال ما ملخصه تقدم
172

في الباب الذي قبله تفسير ترك الخطبة صريحا في قوله حتى ينكح أو يترك وحديث عمر في قصة
حفصة لا يظهر منه تفسير ترك الخطبة لان عمر لم يكن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب
حفصة قال ولكنه قصد معنى دقيقا يدل على ثقوب ذهنه ورسوخه في الاستنباط وذلك أن أبا
بكر علم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب إلى عمر أنه لا يرده بل يرغب فيه ويشكر الله على
ما أنعم الله عليه به من ذلك فقام علم أبى بكر بهذا الحال مقام الركون والتراضي فكانه يقول كل
من علم أنه لا يصرف إذا خطب لا ينبغي لاحد أن يخطب على خطبته وقال ابن المنير الذي يظهر لي
أن البخاري أراد أن يحقق امتناع الخطبة على الخطبة مطلقا لان أبا بكر امتنع ولم يكن انبرم
الامر بين الخاطب والولي فكيف لو انبرم وتراكنا فكأنه استدلال منه بالأولى (قلت) وما أبداه
ابن بطال أدق وأولى والله أعلم (قوله تابعه يونس وموسى بن عقبة وابن أبي عتيق عن الزهري)
أي باسناده أما متابعة يونس وهو ابن يزيد فوصلها الدارقطني في العلل من طريق أصبغ عن ابن
وهب عنه وأما متابعة الآخرين فوصلها الذهلي في الزهريات من طريق سليمان بن بلال عنهما
وقد تقدم للمصنف هذا الحديث من رواية معمر من رواية صالح بن كيسان أيضا عن الزهري
أيضا * (قوله باب الخطبة) بضم أوله أي عند العقد ذكر فيه حديث ابن عمر جاء
رجلان من المشرق فخطبا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان من البيان لسحرا وفى رواية
الكشميهني سحرا بغير لام وهو طرف من حديث سيأتي بتمامه في الطب مع شرحه قال ابن التين
أدخل هذا الحديث في كتاب النكاح وليس هو موضعه قال والبيان نوعان * الأول ما يبين به
المراد * والثاني تحسين اللفظ حتى يستميل قلوب السامعين والثاني هو الذي يشبه بالسحر
والمذموم منه ما يقصد به الباطل وشبهه بالسحر لان السحر صرف الشئ عن حقيقته (قلت) فمن
هنا تؤخذ المناسبة ويعرف أنه ذكره في موضعه وكأنه أشار إلى أن الخطبة وإن كانت مشروعة
في النكاح فينبغي أن تكون مقتصدة ولا يكون فيها ما يقتضى صرف الحق إلى الباطل بتحسين
الكلام والعرب تطلق لفظ السحر على الصرف تقول ما سحرك عن كذا أي ما صرفك عنه
وأخرجه أبو داود من حديث صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده رفعه ان من البيان
سحرا قال فقال صعصعة بن صوحان صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يكون عليه
الحق وهو ألحن بالحجة من صاحب الحق فيسحر الناس ببيانه فيذهب بالحق وقال المهلب وجه
ادخال هذا الحديث في هذه الترجمة أن الخطبة في النكاح انما شرعت للخاطب ليسهل أمره
فشبه حسن التوصل إلى الحاجة بحسن الكلام فيها باستنزال المرغوب إليه بالبيان بالسحر وانما
كان كذلك لان النفوس طبعت على الانفة من ذكر الموليات في أمر النكاح فكان حسن
التوصل لرفع تلك الانفة وجها من وجوه السحر الذي يصرف الشئ إلى غيره وورد في تفسير
خطبة النكاح أحاديث من أشهرها ما أخرجه أصحاب السنن وصححه أبو عوانة وابن حبان عن ابن
مسعود مرفوعا ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره الحديث قال الترمذي حسن رواه
الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود وقال شعبة عن أبي إسحاق عن أبي
عبيدة عن أبيه قال فكلا الحديثين صحيح لان إسرائيل رواه عن أبي إسحاق فجمعهما قال وقد
قال أهل العلم ان النكاح جائز بغير خطبة وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم اه‍ وقد
173

شرطه في النكاح بعض أهل الظاهر وهو شاذ * (قوله باب ضرب الدف في
النكاح والوليمة) يجوز في الدف ضم الدال وفتحها وقوله والوليمة معطوف على النكاح أي
ضرب الدف في الوليمة وهو من العام بعد الخاص ويحتمل أن يريد وليمة النكاح خاصة وان ضرب
الدف يشرع في النكاح عند العقد وعند الدخول مثلا وعند الوليمة كذلك والأول أشبه وكأنه
أشار بذلك إلى ما في بعض طرقه على ما سأبينه (قوله حدثنا خالد بن ذكوان) هو المدني يكنى أبا
الحسن وهو من صغار التابعين (قوله جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على) في رواية
الكشميهني فدخل على ووقع عند ابن ماجة في أوله قصة من طريق حماد بن سلمة عن أبي الحسين
واسمه خالد المدني قال كنا بالمدينة يوم عاشوراء والجواري يضربن بالدف ويتغنين فدخلنا على
الربيع بنت معوذ فذكرنا ذلك لها فقالت دخل على الحديث هكذا أخرجه من طريق يزيد بن
هارون عنه وأخرجه الطبراني من طريق عن حماد بن سلمة فقال عن أبي جعفر الخطمي بدل أبى
الحسين (قوله حين بنى على) في رواية حماد بن سلمة صبيحة عرسي والبناء الدخول بالزوجة وبين
ابن سعد أنها تزوجت حينئذ اياس بن البكير الليثي وانها ولدت له محمد بن اياس قيل له صحبة (قوله
كمجلسك) بكسر اللام أي مكانك قال الكرماني هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب أو كان
قبل نزول آية الحجاب أو جاز النظر للحاجة أو عند الامن من الفتنة اه‍ والأخير هو المعتمد والذي
وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر
إليها وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه
ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية وجوز الكرماني أن تكون الرواية مجلسك بفتح اللام أي
جلوسك ولا اشكال فيها (قوله فجعلت جويريات لنا) لم أقف على اسمهن ووقع في رواية حماد بن
سلمة بلفظ جاريتان تغنيان فيحتمل أن تكون الثنتان هما المغنيتان ومعهما من يتبعهما أو
يساعدهما في ضرب الدف من غير غناء وسيأتى في باب النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها
زيادة في هذا (قوله ويندبن) من الندبة بضم النون وهى ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه
وتعديد محاسنه بالكرم والشجاعة ونحوها (قوله من قتل من آبائي يوم بدر) تقدم بيان ذلك في
المغازي وان الذي قتل من آبائها انما قتل بأحد وآباؤها الذين شهدوا بدرا معوذ ومعاذ وعوف
وأحدهم أبوها والاخران عماها أطلقت الأبوة عليهما تغليبا (قوله فقال دعى هذه) أي اتركي
ما يتعلق بمدحي الذي فيه الاطراء المنهى عنه زاد في رواية حماد بن سلمة لا يعلم ما في غد الا الله فأشار
إلى علة المنع (قوله وقولي بالذي كنت تقولين) فيه إشارة إلى جواز سماع المدح والمرثية مما ليس
فيه مبالغة تفضى إلى الغلو وأخرج الطبراني في الأوسط باسناد حسن من حديث عائشة أن
النبي صلى الله عليه وسلم مر بنساء من الأنصار في عرس لهن وهن يغنين
- وأهدى لها كبشا تنحنح في المربد * وزوجك في البادئ وتعلم ما في غد -
فقال لا يعلم ما في غد الا الله قال المهلب في هذا الحديث اعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح
وفيه اقبال الامام إلى العرس وإن كان فيه لهو ما لم يخرج عن حد المباح وفيه جواز مدح الرجل
في وجهه ما لم يخرج إلى ما ليس فيه وأغرب ابن التين فقال انما نهاها لان مدحه حق والمطلوب
في النكاح اللهو فلما أدخلت الجد في اللهو منعها كذا قال وتمام الخبر الذي أشرت إليه يرد عليه
174

وسياق القصة يشعر بأنهما لو استمرتا على المراثي لم ينههما وغالب حسن المراثي جد لا لهو وانما
أنكر عليها ما ذكر من الاطراء حيث أطلق علم الغيب له وهو صفة تختص بالله تعالى كما قال تعالى
قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب الا الله وقوله لنبيه قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا
الا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وسائر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يخبر به من الغيوب باعلام الله تعالى إياه لا أنه يستقل بعلم ذلك كما قال تعالى عالم الغيب فلا يظهر
على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول وسيأتى مزيد بحث في مسئلة الغناء في العرس بعد اثنى
عشر بابا * (قوله باب قول الله تعالى وآتوا النساء صدقاتهن نحلة وكثرة المهر وأدنى
ما يجوز من الصداق وقوله تعالى وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا وقوله جل ذكره أو
تفرضوا لهن فريضة) هذه الترجمة معقودة لان المهر لا يتقدر أقله والمخالف في ذلك المالكية
والحنفية ووجه الاستدلال مما ذكره الاطلاق من قوله صدقاتهن ومن قوله فريضة وقوله في
حديث سهل ولو خاتما من حديد وأما قوله وكثرة المهر فهو بالجر عطف على قول الله في الآية التي
تلاها وهو قوله وآتيتم إحداهن قنطارا فيه إشارة إلى جواز كثرة المهر وقد استدلت بذلك المرأة
التي نازعت عمر رضى الله تعالى عنه في ذلك وهو ما أخرجه عبد الرزاق من طريق عبد الرحمن
السلمي قال قال عمر لا تغالوا في مهور النساء فقالت امرأة ليس ذلك لك يا عمر ان الله يقول وآتيتم
إحداهن قنطارا من ذهب قال وكذلك هي في قراءة ابن مسعود فقال عمر امرأة خاصمت عمر
فخصمته وأخرجه الزبير بن بكار من وجه آخر منقطع فقال عمر امرأة أصابت ورجل أخطأ
وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن مسروق عن عمر فذكره متصلا مطولا وأصل قول عمر
لا تغالوا في صدقات النساء عند أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم لكن ليس فيه قصة المرأة
ومحصل الاختلاف أنه أقل ما يتمول وقيل أقله ما يجب فيه القطع وقيل أربعون وقيل خمسون
وأقل ما يجب فيه القطع مختلف فيه فقيل ثلاثة دراهم وقيل خمسة وقيل عشرة (قوله وقال سهل
قال النبي صلى الله عليه وسلم ولو خاتما من حديد) هذا طرف من حديث الواهبة وسيأتى شرحه
مستوفى بعد هذا ويأتي مزيد في هذه المسئلة بعد قليل أيضا ثم ذكر حديث أنس في قصة تزويج
عبد الرحمن بن عوف وفيه قوله تزوجت امرأة على وزن هو نواة وسيأتى شرحه مستوفى في باب
الوليمة ولو بشاة بعد بضعة عشر بابا (قوله وعن قتادة عن أنس) هو معطوف على قوله عن عبد
العزيز بن صهيب وهو من رواية شعبة عنهما فبين أن عبد العزيز بن صهيب أطلق عن أنس
النواة وقتادة زاد أنها من ذهب ويحتمل أن يكون قوله وعن قتادة معلقا وقد أخرج الإسماعيلي
الحديث عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب بطريق عبد العزيز فقط وأخرج طريق قتادة
من رواية علي بن الجعد وعاصم بن علي كلاهما عن شعبة وكذا صنع أبو نعيم أخرج من رواية
سليمان طريق عبد العزيز وحده وأخرج طريق قتادة من رواية أبى داود الطيالسي عن شعبة
والله أعلم * (قوله باب التزويج على القرآن وبغير صداق) أي على تعليم القرآن
وبغير صداق مالي عيني ويحتمل غير ذلك كما سيأتي البحث فيه (قوله حدثنا سفيان) هو ابن عيينة
وقد ذكره المصنف من رواية سفيان الثوري بعد هذا لكن باختصار وأخرجه ابن ماجة من
روايته أتم منه والإسماعيلي أتم من ابن ماجة والطبراني مقرونا برواية معمر وأخرج رواية ابن
175

عيينة أيضا مسلم والنسائي وهذا الحديث مداره على أبى حازم سلمة بن دينار المدني وهو من صغار
التابعين حدث به كبار الأئمة عنه مثل مالك وقد تقدمت روايته في الوكالة وقبل أبواب هنا ويأتي
في التوحيد وأخرجه أيضا أبو داود والترمذي والنسائي والثوري كما ذكرته وحماد بن زيد وروايته
في فضائل القرآن وتقدمت قبل أبواب هنا أيضا وأخرجها مسلم وفضيل بن سليمان ومحمد بن
مطرف أبى غسان وقد تقدمت روايتهما قريبا في النكاح لم يخرجهما مسلم ويعقوب بن عبد
الرحمن الإسكندراني وعبد العزيز بن أبي حازم وروايتهما في النكاح أيضا ويعقوب أيضا في
فضائل القرآن وعبد العزيز يأتي في اللباس وأخرجها مسلم وعبد العزيز بن محمد الدراوردي
وزائدة بن قدامة وروايتهما عند مسلم ومعمر وروايته عند أحمد والطبراني وهشام بن سعد
وروايته في صحيح أبى عوانة والطبراني ومبشر بن مبشر وروايته عند الطبراني وعبد الملك
ابن جريج وروايته عند أبي الشيخ في كتاب النكاح وقد روى طرفا منه سعيد بن المسيب عن
سهل بن سعد أخرجه الطبراني وجاءت القصة أيضا من حديث أبي هريرة عند أبي داود باختصار
والنسائي مطولا وابن مسعود عند الدارقطني ومن حديث ابن عباس عند أبي عمر بن حياة في
فوائده وضميره جد حسين بن عبد الله عند الطبراني وجاءت مختصرة من حديث أنس كما تقدم قبل
أبواب وعند الترمذي طرف منه آخر ومن حديث أبي أمامة عند تمام في فوائده ومن حديث
جابر وابن عباس عند أبي الشيخ في كتاب النكاح وسأذكر ما في هذه الروايات من فائدة زائدة إن شاء الله
تعالى (قوله عن سهل بن سعد) 2 في رواية ابن جريج حدثني أبو حازم أن سهل بن سعد
أخبره (قوله انى لفى القوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قامت امرأة) في رواية فضيل
ابن سليمان كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوسا فجاءته امرأة وفى رواية هشام بن سعد بينما
نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم أتت إليه امرأة وكذا في معظم الروايات أن امرأة جاءت إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ويمكن رد رواية سفيان إليها بأن يكون معنى قوله قامت وقفت والمراد
أنها جاءت إلى أن وقفت عندهم لا أنها كانت جالسة في المجلس فقامت وفى رواية سفيان الثوري
عند الإسماعيلي جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فأفاد تعيين المكان
الذي وقعت فيه القصة وهذه المرأة لم أقف على اسمها ووقع في الاحكام لابن القصاع أنها خولة
بنت حكيم أو أم شريك وهذا نقل من اسم الواهبة الوارد في قوله تعالى وامرأة مؤمنة ان وهبت
نفسها للنبي وقد تقدم بيان اسمها في تفسير الأحزاب وما يدل على تعدد الواهبة (قوله فقالت
يا رسول الله انها قد وهبت نفسها لك) كذا فيه على طريق الالتفات وكذا في رواية حماد بن زيد
لكن قال إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله وكان السياق يقتضى أن تقول انى قد وهبت نفسي
لك وبهذا اللفظ وقع في رواية مالك وكذا في رواية زائدة عند الطبراني وفى رواية يعقوب وكذا
الثوري عند الإسماعيلي فقالت يا رسول الله جئت أهب نفسي لك وفى رواية فضيل بن سليمان
فجاءته امرأة تعرض نفسها عليه وفى كل هذه الرويات حذف مضاف تقديره أمر نفسي أو
نحوه والا فالحقيقة غير مرادة لان رقبة الحر لا تملك فكأنها قالت أتزوجك من غير عوض
(قوله فر فيها رأيك) كذا للأكثر براء واحدة مفتوحة بعدها فاء التعقيب وهى فعل أمر من الرأي
ولبعضهم بهمزة ساكنة بعد الراء وكل صواب ووقع باثبات الهمزة في حديث ابن مسعود أيضا
176

(قوله فلم يجبها شيا) في رواية معمر والثوري وزائدة فصمت وفى رواية يعقوب وابن أبي حازم
وهشام بن سعد فنظر إليها فصعد النظر إليها وصوبه وهو بتشديد العين من صعد والواو من صوب
والمراد أنه نظر أعلاها وأسفلها والتشديد اما للمبالغة في التأمل واما للتكرير وبالثاني جزم
القرطبي في المفهم قال أي نظر أعلاها وأسفلها مرارا ووقع في رواية فضيل بن سليمان فخفض
فيها البصر ورفعه وهما بالتشديد أيضا ووقع في رواية الكشميهني من هذا الوجه النظر بدل
البصر وقال في هذه الرواية ثم طأطأ رأسه وهو بمعنى قوله فصمت وقال في رواية فضيل بن سليمان
فلم يردها وقد قدمت ضبط هذه اللفظة في باب إذا كان الولي هو الخاطب (قوله ثم قامت فقالت)
وقع هذا في رواية المستملى والكشميهني وسياق لفظها كالأول وعندهما أيضا ثم قامت الثالثة
وسياقها كذلك وفى رواية معمر والثوري معا عند الطبراني فصمت ثم عرضت نفسها عليه فصمت
فلقد رأيتها قائمة مليا تعرض نفسها عليه وهو صامت وفى رواية مالك فقامت طويلا ومثله
للثوري عنه وهو نعت مصدر محذوف أي قياما طويلا أو لظرف محذوف أي زمانا طويلا وفى
رواية مبشر فقامت حتى رثينا لها من طول القيام زاد في رواية يعقوب وابن أي حازم فلما رأت
المرأة انه لم يقض فيها شيا جلست ووقع في رواية حماد بن زيد انها وهبت نفسها لله ولرسوله فقال
ما لي في النساء حاجة ويجمع بينها وبين ما تقدم أنه قال ذلك في آخر الحال فكأنه صمت أولا لتفهم
انه لم يردها فلما أعادت الطلب أفصح لها بالواقع ووقع في حديث أبي هريرة عند النسائي جاءت
امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضت نفسها عليه فقال لها اجلسي فجلست ساعة ثم
قامت فقال اجلسي بارك الله فيك أما نحن فلا حاجة لنا فيك فيؤخذ منه وفور أدب المرأة مع
شدة رغبتها لأنها لم تبالغ في الالحاح في الطلب وفهمت من السكوت عدم الرغبة لكنها لما لم تيأس
من الرد جلست تنتظر الفرج وسكوته صلى الله عليه وسلم اما حياء من مواجهتها بالرد وكان صلى
الله عليه وسلم شديد الحياء جدا كما تقدم في صفته انه كان أشد حياء من العذراء في خدرها واما
انتظارا للوحي واما تفكرا في جواب يناسب المقام (قوله فقام رجل) في رواية فضيل بن سليمان
من أصحابه ولم أقف على اسمه لكن وقع في رواية معمر والثوري عند الطبراني فقام رجل أحسبه
من الأنصار وفى رواية زائدة عنده فقال رجل من الأنصار ووقع في حديث ابن مسعود فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينكح هذه فقام رجل (قوله فقال يا رسول الله أنكحنيها) في
رواية مالك زوجنيها ان لم يكن لك بها حاجة ونحوه ليعقوب وابن أبي حازم ومعمر والثوري
وزائدة ولا يعارض هذا قوله في حديث حماد بن زيد لا حاجة لي لجواز أن تتجدد الرغبة فيها بعد أن
لم تكن (قوله قال هل عندك من شئ) زاد في رواية مالك تصدقها وفى حديث ابن مسعود ألك
مال (قوله قال لا) في رواية يعقوب وابن أبي حازم قال لا والله يا رسول الله زاد في رواية هشام
ابن سعد قال فلا بد لها من شئ وفى رواية الثوري عند الإسماعيلي عندك شئ قال لا قال إنه لا يصلح
ووقع في حديث أبي هريرة عند النسائي بعد قوله لا حاجة لي ولكن تملكيني أمرك قالت نعم
فنظر في وجوه القوم فدعا رجلا فقال انى أريد أن أزوجك هذا ان رضيت قالت ما رضيت لي
فقد رضيت وهذا إن كانت القصة متحدة يحتمل أن يكون وقع نظره في وجوه القوم بعد أن سأله
الرجل أن يزوجها له فاسترضاها أولا ثم تكلم معه في الصداق وإن كانت القصة متعددة فلا
177

اشكال ووقع في حديث ابن عباس في فوائد أبى عمر بن حياة أن رجلا قال إن هذه امرأة
رضيت بي فزوجها منى قال فما مهرها قال ما عندي شئ قال أمهرها ما قل أو كثر قال والذي بعثك
بالحق ما أملك شيئا وهذه الاظهر فيها التعدد (قوله قال اذهب فاطلب ولو خاتما من حديد) في
رواية يعقوب وابن أبي حازم وابن جريج اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا فذهب ثم رجع فقال
لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا قال انظر ولو خاتما من حديد فذهب ثم رجع فقال لا والله
يا رسول الله ولا خاتما من حديد وكذا وقع في رواية مالك ثم ذهب يطلب مرتين لكن باختصار
وفى رواية هشام بن سعد فذهب فالتمس فلم يجد شيئا فرجع فقال لم أجد شيئا فقال له اذهب فالتمس
وقال فيه فقال ولا خاتم من حديد لم أجده ثم جلس ووقع في خاتم النصب على المفعولية 2 لالتمس
والرفع على تقدير ما حصل لي ولا خاتم ولو في قوله ولو خاتما تقليلية قال عياض ووهم من زعم
خلاف ذلك ووقع في حديث أبي هريرة قال قم إلى النساء فقام إليهن فلم يجد عندهن شيئا والمراد
بالنساء أهل الرجل كما دلت عليه رواية يعقوب (قوله قال هل معك من القرآن شئ) كذا وقع
في رواية سفيان بن عيينة باختصار ذكر الازار وثبت ذكره في رواية مالك وجماعة منهم من قدم
ذكره على الامر بالتماس الشئ أو الخاتم ومنهم من أخره ففي رواية مالك قال هل عندك من شئ
تصدقها إياه قال ما عندي الا إزاري هذا فقال ازارك ان أعطيتها جلست لا ازار لك فالتمس شيئا
ويجوز في قوله ازارك الرفع على الابتداء والجملة الشرطية الخبر والمفعول الثاني محذوف
تقديره إياه وثبت كذلك في رواية ويجوز النصب على أنه مفعول ثان لأعطيتها والإزار يذكر
ويؤنث وقد جاء هنا مذكرا ووقع في رواية يعقوب وابن أبي حازم بعد قوله اذهب إلى أهلك إلى أن
قال ولا خاتما من حديد ولكن هذا إزاري قال سهل أي ابن سعد الراوي ما له رداء فلها نصفه قال
ما تصنع بازارك ان لبسته الحديث ووقع للقرطبي في هذه الرواية وهم فإنه ظن أن قوله فلها
نصفه من كلام سهل بن سعد فشرحه بما نصه وقول سهل ما له رداء فلها نصفه ظاهره لو كان له رداء
لشركها النبي صلى الله عليه وسلم فيه وهذا بعيد إذ ليس في كلام النبي ولا الرجل ما يدل على شئ
من ذلك قال ويمكن أن يقال إن مراد سهل انه لو كان عليه رداء مضاف إلى الازار لكان للمرأة
نصف ما عليه الذي هو اما الرداء واما الازار لتعليله المنع بقوله ان لبسته لم يكن عليها منه شئ وان
لبسته لم يكن عليك منه شئ فكأنه قال لو كان عليك ثوب تنفرد أنت بلبسه وثوب آخر تأخذه
هي تنفرد بلبسه لكان لها أخذه فأما إذا لم يكن ذلك فلا انتهى وقد أخذ كلامه هذا بعض
المتأخرين فذكره ملخصا وهو كلام صحيح لكنه مبنى على الفهم الذي دخله الوهم والذي قال فلها
نصفه هو الرجل صاحب القصة وكلام سهل انما هو قوله ما له رداء فقط وهى جملة معترضة وتقدير
الكلام ولكن هذا إزاري فلها نصفه وقد جاء ذلك صريحا في رواية أبى غسان محمد بن مطرف
ولفظه ولكن هذا إزاري ولها نصفه قال سهل وما له رداء ووقع في رواية الثوري عند الإسماعيلي
فقام رجل عليه ازار وليس عليه رداء ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ان لبسته إلى آخره أي
ان لبسته كاملا والا فمن المعلوم من ضيق حالهم وقلة الثياب عندهم انها لو لبسته بعد أن تشقه لم
يسترها ويحتمل أن يكون المراد بالنفي نفى الكمال لان العرب قد تنفى جملة الشئ إذا انتفى كماله
والمعنى لو شققته بينكما نصفين لم يحصل كمال سترك بالنصف إذا لبسته ولا هي وفى رواية معمر عند
178

الطبراني والله ما وجدت والله شيا غير ثوبي هذا أشققه بيني وبينها قال ما في ثوبك فضل عنك وفى
رواية فضيل بن سليمان ولكني أشق بردتي هذه فأعطيها النصف وآخذ النصف وفى رواية
الدراوردي قال ما أملك الا إزاري هذا قال أرأيت ان لبسته فأي شئ تلبس وفى رواية مبشر هذه
الشملة التي على ليس عندي غيرها وفى رواية هشام بن سعد ما عليه الا ثوب واحد عاقد طرفيه على
عنقه وفى حديث ابن عباس وجابر والله ما لي ثوب الا هذا الذي على وكل هذا مما يرجح الاحتمال
الأول والله أعلم ووقع في رواية حماد بن زيد فقال أعطها ثوبا قال لا أجد قال أعطها ولو خاتما
من حديد فاعتل له ومعنى قوله فاعتل له أي اعتذر بعدم وجدانه كما دلت عليه رواية غيره ووقع
في رواية أبى غسان قبل قوله هل معك من القرآن شئ فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه
النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه أو دعى له وفى رواية الثوري عند الإسماعيلي فقام طويلا ثم ولى
فقال النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل وفى رواية عبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب مثله لكن
قال فرآه النبي صلى الله عليه وسلم موليا فأمر به فدعا له فلما جاء قال ماذا معك من القرآن ويحتمل
أن يكون هذا بعد قوله كما في رواية مالك هل معك من القرآن شئ فاستفهمه حينئذ عن كميته
ووقع الأمران في رواية معمر قال فهل تقرأ من القرآن شيئا قال نعم قال ماذا قال سورة كذا
وعرف بهذا المراد بالمعية وان معناها الحفظ عن ظهر قلبه وقد تقدم تقرير ذلك في فضائل
القرآن وبيان من زاد فيه أتقرؤهن عن ظهر قلبك وكذا وقع في رواية الثوري عند الإسماعيلي
قال معي سورة كذا ومعي سورة كذا قال عن ظهر قلبك قال نعم (قوله سورة كذا وسورة
كذا) زاد مالك تسميتها وفى رواية يعقوب وابن أبي حازم عدهن وفى رواية أبى غسان لسور
يعددها وفى رواية سعيد بن المسيب عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا
امرأة على سورتين من القرآن يعلمها إياهما ووقع في حديث أبي هريرة قال ما تحفظ من القرآن
قال سورة البقرة أو التي تليها كذا في كتابي أبى داود والنسائي بلفظ أو وزعم بعض من لقيناه انه
عند أبي داود بالواو وعند النسائي بلفظ أو ووقع في حديث ابن مسعود قال نعم سورة البقرة
وسورة المفصل وفى حديث ضميرة أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا على سورة البقرة
لم يكن عنده شئ وفى حديث أبي أمامة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه امرأة على
سورة من المفصل جعلها مهرها وأدخلها عليه وقال علمها وفى حديث أبي هريرة المذكور فعلمها
عشرين آية وهى امرأتك وفى حديث ابن عباس أزوجها منك على أن تعلمها أربع أو خمس
سور من كتاب الله وفى مرسل أبى النعمان الأزدي عند سعيد بن منصور زوج رسول الله صلى
الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن وفى حديث ابن عباس وجابر هل تقرأ من القرآن شيئا
قال نعم انا أعطيناك الكوثر قال أصدقها إياها ويجمع بين هذه الألفاظ بان بعض الرواة حفظ
ما لم يحفظ بعض أو أن القصص متعددة (قوله اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن)
في رواية زائدة مثله لكن قال في آخره فعلمها من القرآن وفى رواية مالك قال له قد زوجتكها بما
معك من القرآن ومثله في رواية الدراوردي عند إسحاق بن راهويه وكذا في رواية فضيل بن سليمان
ومبشر وفى رواية الثوري عند ابن ماجة قد زوجتكها على ما معك من القرآن ومثله في رواية
هشام بن سعد وفى رواية الثوري عند الإسماعيلي أنكحتكها بما معك من القرآن وفى رواية
179

الثوري ومعمر عند الطبراني قد ملكتكها بما معك القرآن وكذا في رواية يعقوب وابن أبي حازم
وابن جريج وحماد بن زيد في إحدى الروايتين عنه وفى رواية معمر عند أحمد قد أملكتكها
والباقي مثله وقال في أخرى فرأيته يمضى وهى تتبعه وفى رواية أبى غسان أمكناكها والباقي مثله
وفى حديث ابن مسعود قد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله عوضتها فتزوجها
الرجل على ذلك وفى هذا الحديث من الفوائد أشياء غير ما ترجم به الخباري في كتاب الوكالة وفضائل
القرآن وعدة تراجم في كتاب النكاح وقد بينت في كل واحد توجيه الترجمة ومطابقتها للحديث
ووجه الاستنباط منها وترجم عليه أيضا في كتاب اللباس والتوحيد كما سيأتي تقريره وفيه أيضا أن
لا حد لأقل المهر قال ابن المنذر فيه رد على من زعم أن أقل المهر عشرة دراهم وكذا من قال ربع
دينار قال لان خاتما من حديد لا يساوى ذلك وقال المازري تعلق به من أجاز النكاح بأقل من ربع
دينار لأنه خرج مخرج التعليل ولكن مالك قاسه على القطع في السرقة قال عياض تفرد بهذا
مالك عن الحجازيين لكن مستنده الالتفات إلى قوله تعالى ان تبتغوا بأموالكم وبقوله ومن لم
يستطع منكم طولا فإنه يدل على أن المراد ماله بال من المال وأقله ما استبيح به قطع العضو المحترم
قال وأجازه الكافة بما تراضى عليه الزوجان أو من العقد إليه بما فيه منفعة كالسوط والنعل
وإن كانت قيمته أقل من درهم وبه قال يحيى بن سعيد الأنصاري وأبو الزناد وربيعة وابن أبي ذئب
وغيرهم من أهل المدينة غير مالك ومن تبعه وابن جريج ومسلم بن خالد وغيرهما من أهل مكة
والأوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصر والثوري وابن أبي ليلى وغيرهما من العراقيين
غير أبي حنيفة ومن تبعه والشافعي وداود وفقهاء أصحاب الحديث وابن وهب من المالكية
وقال أبو حنيفة أقله عشرة وابن شبرمة أقله خمسة ومالك أقله ثلاثة أو ربع دينار بناء على
اختلافهم في مقدار ما يجب فيه القطع وقد قال الدراوردي لمالك لما سمعه يذكر هذه المسئلة
تعرقت يا أبا عبد الله أي سلكت سبيل أهل العراق في قياسهم مقدار الصداق على مقدار نصاب
السرقة وقال القرطبي استدل من قاسه بنصاب السرقة بأنه عضو آدمي محترم فلا يستباح بأقل
من كذا قياسا على يد السارق وتعقبه الجمهور بأنه قياس في مقابل النص فلا يصح وبأن اليد تقطع
وتبين ولا كذلك الفرج وبأن القدر المسروق يجب على السارق رده مع القطع ولا كذلك
الصداق وقد ضعف جماعة من المالكية أيضا هذا القياس فقال أبو الحسن اللخمي قياس قدر
الصداق بنصاب السرقة ليس بالبين لان اليد انما قطعت في ربع دينار نكالا للمعصية والنكاح
مستباح بوجه جائز ونحوه لأبي عبد الله بن الفخار منهم نعم قوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا
يدل على أن صداق الحرة لا بد وأن يكون ما ينطلق عليه اسم مال له قدر ليحصل الفرق بينه وبين
مهر الأمة وأما قوله تعالى ان تبتغوا بأموالكم فإنه يدل على اشتراط ما يسمى مالا في الجملة قل
أو كثر وقد حده بعض المالكية بما تجب فيه الزكاة وهو أقوى من قياسه على نصاب السرقة
وأقوى من ذلك رده إلى المتعارف وقال ابن العربي وزن الخاتم من الحديد لا يساوى ربع دينار
وهو مما لا جواب عنه ولا عذر فيه لكن المحققين من أصحابنا نظروا إلى قوله تعالى ومن لم يستطع
منكم طولا فمنع الله القادر على الطول من نكاح الأمة فلو كان الطول درهما ما تعذر على
أحد ثم تعقبه بأن ثلاثة دراهم كذلك يعنى فلا حجة فيه للتحديد ولا سيما مع الاختلاف في المراد
180

بالطول وفيه أن الهبة في النكاح خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم لقول الرجل زوجنيها ولم يقل
هبها لي ولقولها هي وهبت نفسي لك وسكت صلى الله عليه وسلم على ذلك فدل على جوازه له خاصة
مع قوله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين وفيه جواز انعقاد نكاحه صلى الله عليه وسلم بلفظ
الهبة دون غيره من الأمة على أحد الوجهين للشافعية والآخر لا بد من لفظ النكاح أو التزويج
وسيأتى البحث فيه وفيه أن الامام يزوج من ليس لها ولى خاص لمن يراه كفؤا لها ولكن لا بد من
رضاها بذلك وقال الداودي ليس في الخبر أنه استأذنها ولا أنها وكلته وانما هو من قوله تعالى النبي
أولى بالمؤمنين من أنفسهم يعنى فيكون خاصا به صلى الله عليه وسلم أنه يزوج من شاء من النساء
بغير استئذانها لمن شاء وبنحوه قال ابن أبي زيد وأجاب ابن بطال بأنها لما قالت له وهبت نفسي
لك كان كالاذن منها في تزويجها لمن أراد لأنها لا تملك حقيقة فيصير المعنى جعلت لك أن
تتصرف في تزويجي اه‍ ولو راجعا حديث أبي هريرة لما احتاجا إلى هذا التكلف فان فيه كما
قدمته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمرأة انى أريد أن أزوجك هذا ان رضيت فقالت
ما رضيت فقد رضيت وفيه جواز تأمل محاسن المرأة لإرادة تزويجها وان لم تتقدم الرغبة في
تزويجها ولا وقعت خطبتها لأنه صلى الله عليه وسلم صعد فيها النظر وصوبه وفى الصيغة ما يدل
على المبالغة في ذلك ولم يتقدم منه رغبة فيها ولا خطبة ثم قال لا حاجة لي في النساء ولو لم يقصد أنه
إذا رأى منها ما يعجبه أنه يقبلها ما كان للمبالغة في تأملها فائدة ويمكن الانفصال عن ذلك
بدعوى الخصوصية له لمحل العصمة والذي تحرر عندنا أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحرم عليه
النظر إلى المؤمنات الأجنبيات بخلاف غيره وسلك ابن العربي في الجواب مسلكا آخر فقال
يحتمل أن ذلك قبل الحجاب أو بعده لكنها كانت متلففة وسياق الحديث يبعد ما قال وفيه أن
الهبة لا تتم الا بالقبول لأنها لما قالت وهبت نفسي لك ولم يقل قبلت لم يتم مقصودها ولو قبلها
لصارت زوجا له ولذلك لم ينكر على القائل زوجنيها وفيه جواز الخطبة على خطبة من خطب إذا لم
يقع بينهما ركون ولا سيما إذا لاحت مخايل الرد قاله أبو الوليد الباجي وتعقبه عياض وغيره بأنه لم
يتقدم عليها خطبة لاحد ولا ميل بل هي أرادت أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت
نفسها مجانا مبالغة منها في تحصيل مقصودها فلم يقبل ولما قال ليس لي حاجة في النساء عرف
الرجل أنه لم يقبلها فقال زوجنيها ثم بالغ في الاحتراز فقال إن لم يكن لك بها حاجة وانما قال ذلك
بعد تصريحه بنفي الحاجة لاحتمال أن يبدو له بعد ذلك ما يدعوه إلى اجابتها فكان ذلك دالا على
وفور فطنة الصحابي المذكور وحسن أدبه (قلت) ويحتمل أن يكون الباجي أشار إلى أن الحكم
الذي ذكره يستنبط من هذه القصة لان الصحابي لو فهم أن للنبي صلى الله عليه وسلم فيها رغبة
لم يطلبها فكذلك من فهم أن له رغبة في تزويج امرأة لا يصلح لغيره أن يزاحمه فيها حتى يظهر عدم
رغبته فيها اما بالتصريح أو ما في حكمه وفيه أن النكاح لا بد فيه من الصداق لقوله هل عندك من
شئ تصدقها وقد أجمعوا على أنه لا يجوز لاحد أن يطأ فرجا وهب له دون الرقبة بغير صداق وفيه
أن الأولى أن يذكر الصداق في العقد لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة فلو عقد بغير ذكر صداق صح
ووجب لها مهر المثل بالدخول على الصحيح وقيل بالعقد ووجه كونه أنفع لها أنه يثبت لها نصف
المسمى أن لو طلقت قبل الدخول وفيه استحباب تعجيل تسليم المهر وفيه جواز الحلف بغير
181

استحلاف للتأكيد لكنه يكره لغير ضرورة وفى قوله أعندك شئ فقال لا دليل على تخصيص العموم
بالقرينة لان لفظ شئ يشمل الخطير والتافه وهو كان لا يعدم شيئا تافها كالنواة ونحوها لكنه
فهم أن المراد ما له قيمة في الجملة فلذلك نفى أن يكون عنده ونقل عياض الاجماع على أن مثل
الشئ الذي لا يتمول ولا له قيمة لا يكون صداقا ولا يحل به النكاح فان ثبت نقله فقد خرق هذا
الاجماع أبو محمد بن حزم فقال يجوز بكل ما يسمى شيا ولو كان حبة من شعير ويؤيد ما ذهب إليه
الكافة قوله صلى الله عليه وسلم التمس ولو خاتما من حديد لأنه أورده مورد التقليل بالنسبة لما فوقه
ولا شك أن الخاتم من الحديد له قيمة وهو أعلى خطرا من النواة وحبة الشعير ومساق الخبر يدل على
أنه لا شئ دونه يستحل به البضع وقد وردت أحاديث في أقل الصداق لا يثبت منها شئ منها عند
ابن أبي شيبة من طريق أبى لبيبة رفعه من استحل بدرهم في النكاح فقد استحل ومنها عند أبي
داود عن جابر رفعه من أعطى في صداق امرأة سويقا أو تمرا فقد استحل وعند الترمذي من
حديث عامر بن ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز نكاح امرأة على نعلين وعند الدارقطني
من حديث أبي سعيد في أثناء حديث المهر ولو على سواك من أراك وأقوى شئ ورد في ذلك
حديث جابر عند مسلم كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى نهى عنها عمر قال البيهقي انما نهى عمر عن النكاح إلى أجل لا عن قدر الصداق وهو كما
قال وفيه دليل للجمهور لجواز النكاح بالخاتم الحديد وما هو نظير قيمته قال ابن العربي من
المالكية كما تقدم لا شك ان خاتم الحديد لا يساوى ربع دينار وهذا لا جواب عنه لأحد
ولا عذر فيه وانفصل بعض المالكية عن هذا الايراد مع قوته بأجوبة منها أن قوله ولو
خاتما من حديد خرج مخرج المبالغة في طلب التيسير عليه ولم يرد عين الخاتم الحديد ولا قدر قيمته
حقيقة لأنه لما قال لا أجد شيا عرف أنه فهم ان المراد بالشئ ما له قيمة فقيل له ولو أقل ما له قيمة
كخاتم الحديد ومثله تصدقوا ولو بظلف محرق ولو بفرسن شاة مع أن الظلف والفرسن لا ينتفع
به ولا يتصدق به ومنها احتمال أنه طلب منه ما يعجل نقده قبل الدخول لا أن ذلك جميع
الصداق وهذا جواب ابن القصار وهذا يلزم منه الرد عليهم حيث استحبوا تقديم ربع دينار
أو قيمته قبل الدخول لا أقل ومنها دعوى اختصاص الرجل المذكور بهذا القدر دون غيره
وهذا جواب الأبهري وتعقب بأن الخصوصية تحتاج إلى دليل خاص ومنها احتمال أن تكون
قيمته إذ ذاك ثلاثة دراهم أو ربع دينار وقد وقع عند الحاكم والطبراني من طريق الثوري عن أبي
حازم عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا بخاتم من حديد فصه فضة
واستدل به على جواز اتخاذ الخاتم من الحديد وسيأتى البحث فيه في كتاب اللباس إن شاء الله
تعالى وعلى وجوب تعجيل الصداق قبل الدخول إذ لو ساغ تأخيره لسأله هل يقدر على تحصيل
ما يمهرها بعد أن يدخل عليها ويتقرر ذلك في ذمته ويمكن الانفصال عن ذلك بأنه صلى الله عليه
وسلم أشار بالأولى والحامل على هذا التأويل ثبوت جواز نكاح المفوضة وثبوت جواز النكاح
على مسمى في الذمة والله أعلم وفيه أن اصداق ما يتمول يخرجه عن يد مالكه حتى أن من أصدق
جارية مثلا حرم عليه وطؤها وكذا استخدامها بغير اذن من أصدقها وأن صحة المبيع تتوقف على
صحة تسليمه فلا يصح ما تعذر اما حسا كالطير في الهواء واما شرعا كالمرهون وكذا الذي لو زال
182

ازاره لانكشفت عورته كذا قال عياض وفيه نظر واستدل به على جواز جعل المنفعة
صداقا ولو كان تعليم القرآن قال المازري هذا ينبنى على أن الباء للتعويض كقولك بعتك ثوبي
بدينار وهذا هو الظاهر والا لو كانت بمعنى اللام على معنى تكريمه لكونه حاملا للقرآن لصارت
المرأة بمعنى الموهوبة والموهوبة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم اه‍ وانفصل الأبهري وقبله
الطحاوي ومن تبعهما كأبى محمد بن أبي زيد عن ذلك بأن هذا خاص بذلك الرجل لكون النبي
صلى الله عليه وسلم كان يجوز له نكاح الواهبة فكذلك يجوز له أن ينكحها لمن شاء بغير صداق
ونحوه للداودي وقال أنكاحها إياه بغير صداق لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وقواه بعضهم بأنه
لما قال له ملكتكها لم يشاورها ولا استأذنها وهذا ضعيف لأنها هي أولا فوضت أمرها إلى
النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في رواية الباب فر في رأيك وغير ذلك من ألفاظ الخبر التي
ذكرناها فلذلك لم يحتج إلى مراجعتها في تقدير المهر وصارت كمن قالت لوليها زوجني بما ترى من
قليل الصداق وكثيره واحتج لهذا القول بما أخرجه سعيد بن منصور من مرسل أبى النعمان
الأزدي قال زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن وقال لا تكون
لاحد بعدك مهرا وهذا مع ارساله فيه من لا يعرف وأخرج أبو داود من طريق مكحول قال ليس
هذا لاحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج أبو عوانة من طريق الليث بن سعد نحوه وقال
عياض يحتمل قوله بما معك من القرآن وجهين أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن أو مقدارا
معينا منه ويكون ذلك صداقها وقد جاء هذا التفسير عن مالك ويؤيده قوله في بعض طرقه
الصحيحة فعلمها من القرآن كما تقدم وعين في حديث أبي هريرة مقدار ما يعلمها وهو عشرون آية
ويحتمل أن تكون الباء بمعنى اللام أي لأجل ما معك من القرآن فأكرمه بأن زوجه المرأة بلا
مهر لأجل كونه حافظا للقرآن أو لبعضه ونظيره قصة أبى طلحة مع أم سليم وذلك فيما أخرجه
النسائي وصححه من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال خطب أبو طلحة أم سليم
فقالت والله ما مثلك يرد ولكنك كافر وأنا مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك فان تسلم فذاك مهرى
ولا أسألك غيره فأسلم فكان ذلك مهرها وأخرج النسائي من طريق عبد الله بن عبيد الله بن أبي
طلحة عن أنس قال تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الاسلام فذكر القصة وقال في
آخره فكان ذلك صداق ما بينهما ترجم عليه النسائي التزويج على الاسلام ثم ترجم على حديث
سهل التزويج على سورة من القرآن فكأنه مال إلى ترجيح الاحتمال الثاني ويؤيد أن الباء
للتعويض لا للسببية ما أخرجه ابن أبي شيبة والترمذي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه
وسلم سأل رجلا من أصحابه يا فلان هل تزوجت قال لا وليس عندي ما أتزوج به قال أليس معك
قل هو الله أحد الحديث واستدل الطحاوي للقول الثاني من طريق النظر بأن النكاح إذا وقع
على مجهول كان كما لم يسم فيحتاج إلى الرجوع إلى المعلوم قال والأصل المجمع عليه لو أن رجلا
استأجر رجلا على أن يعلمه سورة من القرآن بدرهم لم يصح لان الإجارة لا تصح الا على عمل معين
كغسل الثوب أو وقت معين والتعليم قد لا يعلم مقدار وقته فقد يتعلم في زمان يسير وقد يحتاج
إلى زمان طويل ولهذا لو باعه داره على أن يعلمه سورة من القرآن لم يصح قال فإذا كان التعليم
لا تملك به الأعيان لا تملك به المنافع والجواب عما ذكره أن المشروط تعليمه معين كما تقدم في بعض
183

طرقه وأما الاحتجاج بالجهل بمدة التعليم فيحتمل أن يقال اغتفر ذلك في باب الزوجين لان الأصل
استمرار عشرتهما ولان مقدار تعليم عشرين آية لا يختلف فيه أفهام النساء غالبا خصوصا مع
كونها عربية من أهل لسان الذي يتزوجها كما تقدم وانفصل بعضهم بأنه زوجها إياه لأجل ما معه
من القرآن الذي حفظه وسكت عن المهر فيكون ثابتا لها في ذمته إذا أيسر كنكاح التفويض
وان ثبت حديث ابن عباس المتقدم حيث قال فيه فإذا رزقك الله فعوضها كان فيه تقوية
لهذا القول لكنه غير ثابت وقال بعضهم يحتمل أن يكون زوجه لأجل ما حفظه من القرآن
وأصدق عنه كما كفر عن الذي وقع على امرأته في رمضان ويكون ذكر القرآن وتعليمه على سبيل
التحريض على تعلم القرآن وتعليمه وتنويها بفضل أهله قالوا ومما يدل على أنه لم يجعل التعليم
صداقا أنه لم يقع معرفة الزوج بفهم المرأة وهل فيها قابلية التعليم بسرعة أو ببطء ونحو ذلك
مما تتفاوت فيه الأغراض والجواب عن ذلك قد تقدم في بحث الطحاوي ويؤيد قول الجمهور
قوله صلى الله عليه وسلم أولا هل معك شئ تصدقها ولو قصد استكشاف فضله لسأله عن نسبه
وطريقته ونحو ذلك فان قيل كيف يصح جعل تعليمها القرآن مهرا وقد لا تتعلم أجيب كما يصح
جعل تعليمها الكتابة مهرا وقد لا تتعلم وانما وقع الاختلاف عند من أجاز جعل المنفعة مهرا هل
يشترط أن يعلم حذق المتعلم أولا كما تقدم وفيه جواز كون الإجارة صداقا ولو كانت المصدوقة
المستأجرة فتقوم المنفعة من الإجارة مقام الصداق وهو قول الشافعي واسحق والحسن بن صالح
وعند المالكية فيه خلاف ومنعه الحنفية في الحر وأجازوه في العبد الا في الإجارة في تعليم
القرآن فمنعوه مطلقا بناء على أصلهم في أن أخذ الأجرة على تعليم القرآن لا يجوز وقد نقل
عياض جواز الاستئجار لتعليم القرآن عن العلماء كافة الا الحنفية وقال ابن العربي من العلماء
من قال زوجه على أن يعلمها من القرآن فكأنها كانت اجارة وهذا كرهه مالك ومنعه أبو
حنيفة وقال ابن القاسم يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده قال والصحيح جوازه بالتعليم وقد
روى يحيى بن مضر عن مالك في هذه القصة أن ذلك أجرة على تعليمها وبذلك جاز أخذ الأجرة على
تعليم القرآن وبالوجهين قال الشافعي واسحق وإذا جاز أن يؤخذ عنه العوض جاز أن يكون
عوضا وقد أجازه مالك من إحدى الجهتين فيلزم أن يجيزه من الجهة الأخرى وقال القرطبي
قوله علمها نص في الامر بالتعليم والسياق يشهد بأن ذلك لأجل النكاح فلا يلتفت لقول من
قال إن ذلك كان اكراما للرجل فان الحديث يصرح بخلافه وقولهم إن الباء بمعنى اللام ليس
بصحيح لغة ولا مساقا واستدل به على أن من قال زوجني فلانة فقال زوجتكها بكذا كفى ذلك
ولا يحتاج إلى قول الزوج قبلت قاله أبو بكر الرازي من الحنفية وذكره الرافعي من الشافعية وقد
استشكل من جهة طول الفصل بين الاستيجاب والايجاب وفراق الرجل المجلس لالتماس
ما يصدقها إياه وأجاب المهلب بأن بساط القصة أغنى عن ذلك وكذا كل راغب في التزويج إذا
استوجب فأجيب بشئ معين وسكت كفى إذا ظهر قرينة القبول والا فيشترط معرفة رضاه
بالقدر المذكور واستدل به على جواز ثبوت العقد بدون لفظ النكاح والتزويج وخالف ذلك
الشافعي ومن المالكية ابن دينار وغيره والمشهور عن المالكية جوازه بكل لفظ دل على معناه
إذا قرن بذكر الصداق أو قصد النكاح كالتمليك والهبة والصدقة والبيع ولا يصح عندهم بلفظ
184

الإجارة ولا العارية ولا الوصية واختلف عندهم في الاحلال والإباحة واجازه الحنفية بكل لفظ
يقتضى التأييد مع القصد وموضع الدليل من هذا الحديث ورود قوله صلى الله عليه وسلم
ملكتكها لكن ورد أيضا بلفظ زوجتكها قال ابن دقيق العيد هذه لفظة واحدة في قصة
واحدة واختلف فيها مع اتحاد مخرج الحديث فالظاهر أن الواقع من النبي صلى الله عليه وسلم
أحد الألفاظ المذكورة فالصواب في مثل هذا النظر إلى الترجيح وقد نقل عن الدارقطني أن
الصواب رواية من روى زوجتكها وانهم أكثر وأحفظ قال وقال بعض المتأخرين يحتمل
صحة اللفظين ويكون قال لفظ التزويج أولا ثم قال اذهب فقد ملكتكها بالتزويج السابق
قال ابن دقيق العيد وهذا بعيد لان سياق الحديث يقتضى تعيين لفظة قبلت لا تعددها وانها هي
التي انعقد بها النكاح وما ذكره يقتضى وقوع أمر آخر انعقد به النكاح والذي قاله بعيد
جدا وأيضا فلخصمه أن يعكس ويدعى أن العقد وقع بلفظ التمليك ثم قال زوجتكها بالتمليك
السابق قال ثم إنه لم يتعرض لرواية أمكناكها مع ثبوتها وكل هذا يقتضى تعين المصير إلى الترجيح
اه‍ وأشار بالمتأخر إلى النووي فإنه كذلك قال في شرح مسلم وقد قال ابن التين لا يجوز أن يكون
النبي صلى الله عليه وسلم عقد بلفظ التمليك والتزويج معا في وقت واحد فليس أحد اللفظين بأولى
من الآخر فسقط الاحتجاج به هذا على تقدير تساوى الروايتين فكيف مع الترجيح قال
ومن زعم أن معمرا وهم فيه ورد عليه أن البخاري أخرجه في غير موضع من رواية غير معمر مثل
معمر اه‍ وزعم ابن الجوزي في التحقيق أن رواية أبى غسان أنكحتكها ورواية الباقين
زوجتكها الا ثلاثة أنفس وهم معمر ويعقوب وابن أبي حازم قال ومعمر كثير الغلط والآخران
لم يكونا حافظين اه‍ وقد غلط في رواية أبى غسان فإنها بلفظ أمكناكها في جميع نسخ البخاري نعم
وقعت بلفظ زوجتكها عند الإسماعيلي من طريق حسين بن محمد عن أبي غسان والبخاري
أخرجه عن سعيد بن أبي مريم عن أبي غسان بلفظ أمكناكها وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج
من طريق يحيى بن عثمان بن صالح عن سعيد شيخ البخاري فيه بلفظ أنكحتكها فهذه ثلاثة
ألفاظ عن أبي غسان ورواية أنكحتكها في البخاري لابن عيينة كما حررته وما ذكره من الطعن
في الثلاثة مردود ولا سيما عبد العزيز فان روايته تترجح بكون الحديث عن أبيه وآل المرء أعرف
بحديثه من غيرهم نعم الذي تحرر مما قدمته أن الذين رووه بلفظ التزويج أكثر عددا ممن رواه بغير
لفظ التزويج ولا سيما وفيهم من الحفاظ مثل مالك ورواية سفيان بن عيينة أنكحتكها مساوية
لروايتهم ومثلها رواية زائدة وعد ابن الجوزي فيمن رواه بلفظ التزويج حماد بن زيد وروايته
بهذا اللفظ في فضائل القرآن وأما في النكاح فبلفظ ملكتكها وقد تبع الحافظ صلاح الدين
العلائي ابن الجوزي فقال في ترجيح رواية التزويج ولا سيما وفيهم مالك وحماد بن زيد اه‍ وقد
تحرر أنه اختلف على حماد فيها كما اختلف على الثوري فظهر أن رواية التمليك وقعت في إحدى
الروايتين عن الثوري وفى رواية عبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن وحماد بن زيد
وفى رواية معمر ملكتكها وهى بمعناها وانفرد أبو غسان برواية أمكناكها وأخلق بها أن
تكون تصحيفا من ملكناكها فرواية التزويج أو الانكاح أرجح وعلى تقدير أن تساوى
الروايات يقف الاستدلال بها لكل من الفريقين وقد قال البغوي في شرح السنة لا حجة في هذا
185

الحديث لمن أجاز انعقاد النكاح بلفظ التمليك لأن العقد كان واحدا فلم يكن اللفظ الا واحدا
واختلف الرواة في اللفظ الواقع والذي يظهر أنه كان بلفظ التزويج على وفق قول الخاطب
زوجنيها إذ هو الغالب في أمر العقود إذ قلما يختلف فيه لفظ المتعاقدين ومن روى بلفظ غير
لفظ التزويج لم يقصد مراعاة اللفظ الذي انعقد به العقد وانما أراد الخبر عن جريان العقد على
تعليم القرآن وقيل إن بعضهم رواه بلفظ الامكان وقد اتفقوا على أن هذا العقد بهذا اللفظ
لا يصح كذا قال وما ذكر كاف في دفع احتجاج المخالف بانعقاد النكاح بالتمليك ونحوه وقال
العلائي من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذه الألفاظ كلها تلك الساعة فلم يبق الا أن
يكون قال لفظة منها وعبر عنه بقية الرواة بالمعنى فمن قال بان النكاح ينعقد بلفظ التمليك ثم
احتج بمجيئه في هذا الحديث إذا عورض ببقية الألفاظ لم ينتهض احتجاجه فان جزم بأنه هو الذي
تلفظ به النبي صلى الله عليه وسلم ومن قال غيره ذكره بالمعنى قلبه عليه مخالفه وادعى ضد دعواه
فلم يبق الا الترجيح بأمر خارجي ولكن القلب إلى ترجيح رواية التزويج أميل لكونها رواية
الأكثرين ولقرينة قول الرجل الخاطب زوجنيها يا رسول الله (قلت) وقد تقدم النقل عن
الدارقطني أنه رجح رواية من قال زوجتكها وبالغ ابن التين فقال أجمع أهل الحديث على أن
الصحيح رواية زوجتكها وان رواية ملكتكها وهم وتعلق بعض المتأخرين بان الذين اختلفوا
في هذه اللفظة أئمة فلولا أن هذه الألفاظ عندهم مترادفة ما عبروا بها فدل على أن كل لفظ منها
يقوم مقام الآخر عند ذلك الامام وهذا لا يكفي في الاحتجاج بجواز انعقاد النكاح بكل لفظة
منها الا أن ذلك لا يدفع مطالبتهم بدليل الحصر في اللفظين مع الاتفاق على ايقاع الطلاق
بالكنايات بشرطها ولا حصر في الصريح وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن النكاح ينعقد بكل
لفظ يدل عليه وهو قول الحنفية والمالكية واحدى الروايتين عن أحمد واختلف الترجيح في
مذهبه فأكثر نصوصه تدل على موافقة الجمهور واختار بن حامد وأتباعه الرواية الأخرى
الموافقة للشافعية واستدل ابن عقيل منهم لصحة الرواية الأولى بحديث أعتق صفية وجعل
عتقها صداقها فان أحمد نص على أن من قال عتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها أنه ينعقد
نكاحها بذلك واشترط من ذهب إلى الرواية الأخرى بأنه لا بد أن يقول في مثل هذه الصورة
تزوجتها وهى زيادة على ما في الخبر وعلى نص أحمد وأصوله يشهد بأن العقود تنعقد بما يدل على
مقصودها من قول أو فعل وفيه أن من رغب في تزويج من هو أعلى قدرا منه لا لوم عليه لأنه بصدد
أن يجاب الا إن كان مما تقطع العادة برده كالسوقي يخطب من السلطان بنته أو أخته وان من
رغبت في تزويج من هو أعلى منها لا عار عليها أصلا ولا سيما إن كان هناك غرض صحيح أو قصد
صالح اما لفضل ديني في المخطوب أو لهوى فيه يخشى من السكوت عنه الوقوع في محذور واستدل
به على صحة قول من جعل عتق الأمة عوضا عن بضعها كذا ذكره الخطابي ولفظه ان من أعتق
أمة كان له أن يتزوجها ويجعل عتقها عوضا عن بضعها وفى أخذه من هذا الحديث بعد وقد تقدم
البحث فيه مفصلا قبل هذا وفيه أن سكوت من عقد عليها وهى ساكتة لازم إذا لم يمنع من كلامها
خوف أو حياء أو غيرهما وفيه جواز نكاح المرأة دون أن تسأل هل لها ولى خاص أو لا ودون أن
تسأل هل هي في عصمة رجل أو في عدته قال الخطابي ذهب إلى ذلك جماعة حملا على ظاهر الحال
186

ولكن الحكام يحتاطون في ذلك ويسألونها (قلت) وفى أخذ هذا الحكم من هذه القصة نظر
لاحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على جلية أمرها أو أخبره بذلك من حضر
مجلسه ممن يعرفها ومع هذا الاحتمال لا ينتهض الاستدلال به وقد نص الشافعي على أنه ليس
للحاكم أن يزوج امرأة حتى يشهد عدلان أنها ليس لها ولى خاص ولا أنها في عصمة رجل ولا في
عدته لكن اختلف أصحابه هل هذا على سبيل الاشتراط أو الاحتياط والثاني المصحح عندهم
وفيه أنه لا يشترط في صحة العقد تقدم الخطبة إذ لم يقع في شئ من طرق هذا الحديث وقوع حمد
ولا تشهد ولا غيرهما من أركان الخطبة وخالف في ذلك الظاهرية فجعلوها واجبة ووافقهم من
الشافعية أبو عوانة فترجم في صحيحه باب وجوب الخطبة عند العقد وفيه أن الكفاءة في الحرية
وفى الدين وفى النسب لا في المال لان الرجل كان لا شئ له وقد رضيت به كذا قاله ابن بطال
وما أدرى من أين له ان المرأة كانت ذات مال وفيه أن طالب الحاجة لا ينبغي له أن يلح في طلبها بل
يطلبها برفق وتأن ويدخل في ذلك طالب الدنيا والدين من مستفت وسائل وباحث عن علم وفيه
أن الفقير يجوز له نكاح من علمت بحاله ورضيت به إذا كان واجدا للمهر وكان عاجزا عن غيره من
الحقوق لان المراجعة وقعت في وجدان المهر وفقده لا في قدر زائد قاله الباحي وتعقب باحتمال
أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع من حال الرجل على أنه يقدر على اكتساب قوته وقوت
امرأته ولا سيما مع ما كان عليه أهل ذلك العصر من قلة الشئ والقناعة باليسير واستدل به على
صحة النكاح بغير شهود ورد بأن ذلك وقع بحضرة جماعة من الصحابة كما تقدم ظاهرا في أول
الحديث وقال ابن حبيب هو منسوخ بحديث لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل وتعقب واستدل
به على صحة النكاح بغير ولى وتعقب باحتمال أنه لم يكن لها ولى خاص والامام ولى من لا ولى له
واستدل به على جواز استمتاع الرجل بشورة امرأته وما يشترى بصداقها لقوله ان لبسته مع أن
النصف لها ولم يمنعه مع ذلك من الاستمتاع بنصفه الذي وجب لها بل جوز له لبسه كله وانما وقع
المنع لكونه لم يكن له ثوب آخر قاله أبو محمد بن أبي زيد وتعقبه عياض وغيره بأن السياق يرشد
إلى أن المراد تعذر الاكتفاء بنصف الازار لا في إباحة لبسه كله وما المانع أن يكون المراد ان كلا
منهما يلبسه مهياة لثبوت حقه فيه لكن لما لم يكن للرجل ما يستتر به إذا جاءت نوبتها في لبسه
قال له ان لبسته جلست ولا ازار لك وفيه نظر الامام في مصالح رعيته وارشاده إلى ما يصلحهم وفى
الحديث أيضا المراوضة في الصداق وخطبة المرء لنفسه وأنه لا يجب اعفاف المسلم بالنكاح كوجوب اطعامه الطعام والشراب قال ابن التين بعد ان ذكر فوائد الحديث فهذه إحدى
وعشرون فائدة بوب البخاري على أكثرها (قلت) وقد فصلت ما ترجم به البخاري من غيره ومن
تأمل ما جمعته هنا علم أنه يزيد على ما ذكره مقدار ما ذكر أو أكثر ووقع التنصيص على أن النبي
صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة بخاتم من حديد وهذا هو النكتة في ذكر الخاتم دون غيره
من العروض أخرجه البغوي في معجم الصحابة من طريق القعنبي عن حسين بن عبد الله بن ضميرة
عن أبيه عن جده أن رجلا قال يا رسول الله أنكحني فلانة قال ما تصدقها قال ما معي شئ قال
لمن هذا الخاتم قال لي قال فاعطها إياه فانكحه وهذا وإن كان ضعيف السند لكنه يدخل في
مثل هذه الأمهات * (قوله باب المهر بالعروض وخاتم من حديد) العروض
187

بضم العين والراء المهملتين جمع عرض بفتح أوله وسكون ثانية والضاد معجمة ما يقابل النقد
وقوله بعده وخاتم من حديد هو من الخاص بعد العام فان الخاتم من حديد من جملة العروض
والترجمة مأخوذة من حديث الباب للخاتم بالتنصيص والعروض بالالحاق وتقدم في أوائل
النكاح حديث ابن مسعود فأرخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب وتقدم في الباب قبله عدة
أحاديث في ذلك (قوله حدثنا يحيى) هو ابن موسى كما صرح به ابن السكن وسفيان هو الثوري
(قوله قال لرجل تزوج ولو بخاتم من حديد) هذا مختصر من الحديث الطويل الذي قبله وقد
ذكرت من ساقه عن الثوري مطولا وهو عبد الرزاق لكنه قرنه في روايته بمعمر وأخرجه ابن
ماجة من رواية سفيان الثوري أتم مما هنا وقد ذكرت ما في روايته من فائدة زائدة في الحديث
الذي قبله وتقدم من الكلام فيه ما يغنى عن اعادته والله أعلم * (قوله باب
الشروط في النكاح) أي التي تحل وتعتبر وقد ترجم في كتاب الشروط الشروط في المهر عند عقدة
النكاح وأورد الأثر المعلق والحديث الموصول المذكور هنا (قوله وقال عمر مقاطع الحقوق
عند الشروط) وصله سعيد بن منصور من طريق إسماعيل بن عبيد الله وهو ابن أبي المهاجر عن عبد
الرحمن بن غنم قال كنت مع عمر حيث تمس ركبتي ركبته فجاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين تزوجت
هذه وشرطت لها دارها وانى أجمع لأمري أو لشأني أن انتقل إلى أرض كذا وكذا فقال لها
شرطها فقال الرجل هلك الرجال إذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها الا طلقت فقال عمر المؤمنون
على شروطهم عند مقاطع حقوقهم وتقدم في الشروط من وجه آخر عن ابن أبي المهاجر نحوه
وقال في آخره فقال عمر ان مقاطع الحقوق عند الشروط ولها ما اشترطت (قوله وقال المسور
ابن مخرمة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صهرا له فاثنى عليه) تقدم موصولا في المناقب في
ذكر أبى العاص بن الربيع وهو الصهر المذكور وبينت هناك نسبه والمراد بقوله حدثني
فصدقني وسيأتى شرحه مستوفى في أبواب الغيرة في أواخر كتاب النكاح والغرض منه هنا ثناء
النبي صلى الله عليه وسلم عليه لأجل وفائه بما شرط له (قوله حدثنا أبو الوليد) هو الطيالسي
(قوله عن يزيد بن أبي حبيب) تقدم في الشروط عن عبد الله بن يوسف عن الليث حدثني يزيد بن أبي
حبيب (قوله عن أبي الخير) هو مرثد بن عبد الله اليزني وعقبة هو ابن عامر الجهني (قوله
أحق ما أوفيتم من الشروط ان توفوا به) في رواية عبد الله بن يوسف أحق الشروط ان توفوا به
وفى رواية مسلم من طريق عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب أنه أحق الشروط أن
يوفى به (قوله ما استحللتم به الفروج) أي أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح لان أمره أحوط
وبابه أضيق وقال الخطابي الشروط في النكاح مختلفة فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا وهو ما أمر
الله به من امساك بمعروف أو تسريح باحسان وعليه حمل بعضهم هذا الحديث ومنها ما لا يوفى به
اتفاقا كسؤال طلاق أختها وسيأتى حكمه في الباب الذي يليه ومنها ما اختلف فيه كاشتراط
أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله وعند الشافعية الشروط في
النكاح على ضربين منها ما يرجع إلى الصداق فيجب الوفاء به وما يكون خارجا عنه فيختلف
الحكم فيه فمنه ما يتعلق بحق الزوج وسيأتى بيانه ومنه ما يشترطه العاقد لنفسه خارجا عن
الصداق وبعضهم يسميه الحلوان فقيل هو للمرأة مطلقا وهو قول عطاء وجماعة من التابعين وبه
188

قال الثوري وأبو عبيد وقيل هو لمن شرطه قاله مسروق وعلي بن الحسين وقيل يختص ذلك بالأب دون غيره من الأولياء وقال الشافعي ان وقع في نفس العقد وجب للمرأة مهر مثلها وان
وقع خارجا عنه لم يجب وقال مالك ان وقع في حال العقد فهو من جملة المهر أو خارجا عنه فهو لمن
وهب له وجاء ذلك في حديث مرفوع أخرجه النسائي من طريق ابن جريج عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما امرأة نكحت على
صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها فما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه
وأحق ما أكرم به الرجل ابنته أو أخته وأخرجه البيهقي من طريق حجاج بن أرطاة عن عمرو بن
شعيب عن عروة عن عائشة نحوه وقال الترمذي بعد تخريجه والعمل على هذا عند بعض أهل
العلم من الصحابة منهم عمر قال إذا تزوج الرجل المرأة وشرط أن لا يخرجها لزم وبه يقول
الشافعي وأحمد واسحق كذا قال والنقل في هذا عن الشافعي غريب بل الحديث عندهم محمول
على الشروط التي لا تنافى مقتضى النكاح بل تكون من مقتضياته ومقاصده كاشتراط العشرة
بالمعروف والانفاق والكسوة والسكنى وأن لا يقصر في شئ من حقها من قسمة ونحوها
وكشرطه عليها أن لا تخرج الا باذنه ولا تمنعه نفسها ولا تتصرف في متاعه الا برضاه ونحو ذلك
وأما شرط ينافي مقتضى النكاح كأن لا يقسم لها أو لا يتسرى عليها أو لا ينفق أو نحو ذلك فلا
يجب الوفاء به بل إن وقع في صلب العقد كفى وصح النكاح بمهر المثل وفى وجه يجب المسمى ولا أثر
للشرط وفى قول للشافعي يبطل النكاح وقال أحمد وجماعة يجب الوفاء بالشرط مطلقا وقد
استشكل ابن دقيق العيد حمل الحديث على الشروط التي هي من مقتضيات النكاح قال تلك
الأمور لا تؤثر الشروط في ايجابها فلا تشتد الحاجة إلى تعليق الحكم باشتراطها وسياق
الحديث يقتضى خلاف ذلك لان لفظ أحق الشروط يقتضى أن يكون بعض الشروط يقتضى
الوفاء بها وبعضها أشد اقتضاء والشروط التي هي من مقتضى العقد مستوية في وجوب الوفاء
بها قال الترمذي وقال على سبق شرط الله شرطها قال وهو قول الثوري وبعض أهل الكوفة
والمراد في الحديث الشروط الجائزة لا المنهى عنها اه‍ وقد اختلف عن عمر فروى ابن وهب
باسناد جيد عن عبيد بن السباق أن رجلا تزوج امرأة فشرط لها أن لا يخرجها من دارها
فارتفعوا إلى عمر فوضع الشرط وقال المرأة مع زوجها قال أبو عبيد تضادت الروايات عن
عمر في هذا وقد قال بالقول الأول عمرو بن العاص ومن التابعين طاوس وأبو الشعثاء وهو قول
الأوزاعي وقال الليث والثوري والجمهور بقول على حتى لو كان صداق مثلها مائة مثلا فرضيت
بخمسين على أن لا يخرجها فله اخراجها ولا يلزمه الا المسمى وقالت الحنفية لها أن ترجع عليه
بما نقصته له من الصداق وقال الشافعي يصح النكاح ويلغو الشرط ويلزمه مهر المثل وعنه
يصح وتستحق الكل وقال أبو عبيد والذي نأخذ به انا نأمره بالوفاء بشرطه من غير أن يحكم عليه
بذلك قال وقد أجمعوا على أنها لو اشترطت عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك الشرط فكذلك
هذا ومما يقوى حمل حديث عقبة على الندب ما سيأتي في حديث عائشة في قصة بريرة كل شرط
ليس في كتاب الله فهو باطل والوطء والاسكان وغيرهما من حقوق الزوج إذا شرط عليه اسقاط
شئ منها كان شرطا ليس في كتاب الله فيبطل وقد تقدم في البيوع الإشارة إلى حديث المسلمون
189

عند شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا وحديث المسلمون عند شروطهم ما وفق الحق
وأخرج الطبراني في الصغير باسناد حسن عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم مبشر
بنت البراء بن معرور فقالت انى شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده فقال النبي صلى الله عليه وسلم
ان هذا لا يصلح وقد ترجم المحب الطبري على هذا الحديث استحباب تقدمة شئ من المهر قبل
الدخول وفى انتزاعه من الحديث المذكور غموض والله أعلم * (قوله باب
الشروط التي لا تحل في النكاح) في هذه الترجمة إشارة إلى تخصيص الحديث الماضي في عموم
الحث على الوفاء بالشرط بما يباح لا بما نهى عنه لان الشروط الفاسدة لا يحل الوفاء بها فلا
يناسب الحث عليها (قوله وقال ابن مسعود لا تشترط المرأة طلاق أختها) كذا أورده معلقا
عن ابن مسعود وسأبين أن هذا اللفظ بعينه وقع في بعض طرق الحديث المرفوع عن أبي
هريرة ولعله لما لم يقع له اللفظ مرفوعا أشار إليه في المعلق ايذانا بان المعنى واحد (قوله
لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإنما لها ما قدر لها) هكذا أورده البخاري
بهذا اللفظ وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق ابن الجنيد عن عبيد الله بن موسى شيخ
البخاري فيه بلفظ لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكفئ اناءها وكذلك أخرجه البيهقي
من طريق أبى حاتم الرازي عن عبيد الله بن موسى لكن قال لا ينبغي بدل لا يصلح وقال لتكفئ
وأخرجه الإسماعيلي من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه بلفظ ابن الجنيد لكن قال
لتكفئ فهذا هو المحفوظ من هذا الوجه من رواية أبى سلمة عن أبي هريرة وأخرج البيهقي من
طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة في
حديث طويل أوله إياكم والظن وفيه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ اناء صاحبتها
ولتنكح فإنما لها ما قدر لها وهذا قريب من اللفظ الذي أورده البخاري هنا وقد أخرج البخاري
من أول الحديث إلى قوله حتى ينكح أو يترك ونبهت على ذلك فيما تقدم قريبا في باب لا يخطب
على خطبة أخيه فاما أن يكون عبيد الله بن موسى حدث به على اللفظين أو انتقل الذهن من متن
إلى متن وسيأتي في كتاب القدر من رواية أبى الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ لا تسأل المرأة
طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإنما لها ما قدر لها وتقدم في البيوع من رواية الزهري
عن ابن المسيب عن أبي هريرة في حديث أوله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر
لباد وفى آخره ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في انائها (قوله لا يحل) ظاهر في تحريم ذلك
وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك كريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة
الزوج ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج أو للزوج منها
أو يكون سؤالها ذلك بعوض وللزوج رغبة في ذلك فيكون كالخلع مع الأجنبي إلى غير ذلك
من المقاصد المختلفة وقال ابن حبيب حمل العلماء هذا النهى على الندب فلو فعل ذلك لم يفسخ
النكاح وتعقبه ابن بطال بان نفى الحل صريح في التحريم ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح وانما
فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق أخرى ولترض بما قسم الله لها (قوله أختها) قال
النووي معنى هذا الحديث نهى المرأة الأجنبية ان تسأل رجلا طلاق زوجته وأن يتزوجها
هي فيصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك بقوله تكتفى ما في
190

صحفتها قال والمراد بأختها غيرها سواء كانت أختها من النسب أو الرضاع أو الدين ويلحق بذلك
الكافرة في الحكم وان لم تكن أختا في الدين اما لان المراد الغالب أو انها أختها في الجنس الآدمي
وحمل ابن عبد البر الأخت هنا على الضرة فقال فيه من الفقه انه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها
أن يطلق ضرتها لتنفرد به وهذا يمكن في الرواية التي وقعت بلفظ لا تسأل المرأة طلاق أختها وأما
الرواية التي فيها لفظ الشرط فظاهرها انها في الأجنبية ويؤيده قوله فيها ولتنكح أي ولتتزوج
الزوج المذكور من غير أن يشترط أن يطلق إلى قبلها وعلى هذا فالمراد هنا بالأخت الأخت في
الدين ويؤيده زيادة ابن حبان في آخره من طريق أبى كثير عن أبي هريرة بلفظ لا تسأل المرأة طلاق
أختها لتستفرغ صحفتها فان المسلمة أخت المسلمة وقد تقدم في باب لا يخطب الرجل على خطبة
أخيه نقل الخلاف عن الأوزاعي وبعض الشافعية ان ذلك مخصوص بالمسلمة وبه جزم أبو الشيخ في
كتاب النكاح ويأتي مثله هنا ويجئ على رأى ابن القاسم أن يستثنى ما إذا كان المسؤول طلاقها
فاسقة وعند الجمهور لا فرق (قوله لتستفرغ صحفتها) يفسر المراد بقوله تكتفئ وهو بالهمز
افتعال من كفأت الاناء إذا قلبته وأفرغت ما فيه وكذا يكفأ وهو بفتح أوله وسكون الكاف
وبالهمز وجاء أكفأت الاناء إذا أملته وهو في رواية ابن المسيب لتكفئ بضم أوله من أكفأت
وهى بمعنى أملته ويقال بمعنى أكببته أيضا والمراد بالصحفة ما يحصل من الزوج كما تقدم من كلام
النووي وقال صاحب النهاية الصحفة اناء كالقصعة المبسوطة قال وهذا مثل يريد الاستئثار
عليها بحظها فيكون كمن قلب اناء غيره في انائه وقال الطيبى هذه استعارة مستملحة تمثيلية شبه
النصيب والبخت بالصحفة وحظوظها وتمتعاتها بما يوضع في الصحفة من الأطعمة اللذيذة وشبه
الافتراق المسبب عن الطلاق باستفراغ الصحفة عن تلك الأطعمة ثم أدخل المشبه في جنس
المشبه به واستعمل في المشبه ما كان مستعملا في المشبه به (قوله ولتنكح) 2 بكسر اللام وباسكانها
وبسكون الحاء على الامر ويحتمل النصب عطفا على قوله لتكتفئ فيكون تعليلا لسؤال طلاقها
ويتعين على هذا كسر اللام ثم يحتمل أن المراد ولتنكح ذلك الرجل من غير أن تتعرض لاخراج
الضرة من عصمته بل تكل الامر في ذلك إلى ما يقدره الله ولهذا ختم بقوله فإنما لها ما قدر لها
إشارة إلى أنها وان سألت ذلك وألحت فيه واشترطته فإنه لا يقع من ذلك الا ما قدره الله فينبغي أن
لا تتعرض هي لهذا المحذور الذي لا يقع منه شئ بمجرد ارادتها وهذا مما يؤيد ان الأخت من
النسب أو الرضاع لا تدخل في هذا ويحتمل أن يكون المراد ولتنكح غيره وتعرض عن هذا الرجل
أو المراد ما يشمل الامرين والمعنى ولتنكح من تيسر لها فإن كانت التي قبلها أجنبية فلتنكح
الرجل المذكور وإن كانت أختها فلتنكح غيره والله أعلم * (قوله باب الصفرة
للمتزوج) كذا قيده بالمتزوج إشارة إلى الجمع بين حديث الباب وحديث النهى عن التزعفر
للرجال وسيأتى البحث فيه بعد أبواب (قوله رواه عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه
وسلم) يشير إلى حديثه الذي تقدم موصولا في أول البيوع قال لما قدمنا المدينة فذكر الحديث
بطوله وفيه جاء عبد الرحمن بن عوف وعليه أثر صفرة فقال تزوجت قال نعم وأورد المصنف هذه
القصة في هذا الباب من طريق مالك عن حميد مختصرة وسيأتى شرحها في باب الوليمة ولو بشاة
مستوفى إن شاء الله تعالى * (قوله باب) كذا لهم بغير ترجمة وسقط لفظ باب من
191

رواية النسفي وكذا من شرح ابن بطال ثم استشكله بان الحديث المذكور لا يتعلق بترجمة الصفرة
للمتزوج وأجيب بما ثبت في أكثر الروايات من لفظ باب والسؤال باق فان الاتيان بلفظ باب
وإن كان بغير ترجمة لكنه كالفصل من الباب الذي قبله كما تقرر غير مرة والحديث المذكور هنا
حديث أنس أولم النبي صلى الله عليه وسلم بزينب يعنى بنت جحش أورده مختصرا وقد تقدم مطولا
في تفسير سورة الأحزاب مع شرحه ومناسبته للترجمة من جهة انه لم يقع في قصة تزويج زينب بنت
جحش ذكر للصفرة فكأنه يقول الصفرة للمتزوج من الجائز لا من المشروط لكل متزوج
* (قوله باب كيف يدعى للمتزوج) ذكر فيه قصة تزويج عبد الرحمن بن
عوف مختصرة من طريق ثابت عن أنس وفيه قال بارك الله لك قال ابن بطال انما أراد بهذا
الباب والله أعلم رد قول العامة عند العرس بالرفاء والبنين فكأنه أشار إلى تضعيفه ونحو
ذلك كحديث معاذ بن جبل انه شهد املاك رجل من الأنصار فخطب رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأنكح الأنصاري وقال على الألفة والخير والبركة والطير الميمون والسعة في الرزق
الحديث أخرجه الطبراني في الكبير بسند ضعيف وأخرجه في الأوسط بسند أضعف
منه وأخرجه أبو عمرو البرقاني في كتاب معاشرة الاهلين من حديث أنس وزاد فيه والرفاء
والبنين وفى سنده أبان العبدي وهو ضعيف وأقوى من ذلك ما أخرجه أصحاب السنن وصححه
الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفأ انسانا قال بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير
وقوله رفأ بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز معناه دعا له في موضع قولهم بالرفاء والبنين وكانت كلمة
تقولها أهل الجاهلية فورد النهى عنها كما روى بقى بن مخلد من طريق غالب عن الحسن عن
رجل من بنى تميم قال كنا نقول في الجاهلية بالرفاء والبنين فلما جاء الاسلام علمنا نبينا قال قولوا بارك
الله لكم وبارك فيكم وبارك عليكم وأخرج النسائي والطبراني من طريق أخرى عن الحسن عن
عقيل بن أبي طالب انه قدم البصرة فتزوج امرأة فقالوا له بالرفاء والبنين فقال لا تقولوا هكذا
وقولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لهم وبارك عليهم ورجاله ثقات الا ان
الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال ودل حديث أبي هريرة على أن اللفظ كان مشهورا عندهم
غالبا حتى سمى كل دعاء للمتزوج ترفية واختلف في علة النهى عن ذلك فقيل لأنه لا حمد فيه
ولا ثناء ولا ذكر لله وقيل لما فيه من الإشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر وأما الرفاء
فمعناه الالتئام من رفأت الثوب وروفوته رفوا ورفاء وهو دعاء للزوج بالالتئام والائتلاف فلا
كراهة فيه وقال ابن المنير الذي يظهر انه صلى الله عليه وسلم كره اللفظ لما فيه من موافقة
الجاهلية لانهم كانوا يقولونه تفاؤلا لا دعاء فيظهر انه لو قيل للمتزوج بصورة الدعاء لم يكره كأن
يقول اللهم ألف بينهما وارزقهما بنين صالحين مثلا أو ألف الله بينكما ورزقكما ولدا ذكرا ونحو
ذلك وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عمر بن قيس الماضي قال شهدت شريحا وأتاه رجل
من أهل الشام فقال انى تزوجت امرأة فقال بالرفاء والبنين الحديث وأخرجه عبد الرزاق من
طريق عدى بن أرطاة قال حدثت شريحا انى تزوجت امرأة فقال بالرفاء والبنين فهو محمول على
أن شريحا لم يبلغه النهى عن ذلك ودل صنيع المؤلف على أن الدعاء للمتزوج بالبركة هو المشروع
192

ولا شك أنها لفظة جامعة يدخل فيها كل مقصود من ولد وغيره ويؤيد ذلك ما تقدم من حديث
جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له تزوجت بكرا أو ثيبا قال له بارك الله لك والأحاديث في
ذلك معروفة * (قوله باب الدعاء للنسوة اللاتي يهدين العروس وللعروس) في رواية
الكشميهني للنساء بدل النسوة وأورد فيه حديث عائشة تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم
فاتتني أمي فأدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار فقلن على الخير والبركة وهو مختصر من حديث
مطول تقدم بتمامه بهذا السند بعينه في باب تزويج عائشة قبيل أبواب الهجرة إلى المدينة
وظاهر هذا الحديث مخالف للترجمة فان فيه دعاء النسوة لمن أهدى العروس لا الدعاء لهن وقد
استشكله ابن التين فقال لم يذكر في الباب الدعاء للنسوة ولعله أراد كيف صفة دعائهن للعروس
لكن اللفظ لا يساعد على ذلك وقال الكرماني الام هي الهادية للعروس المجهزة فهن دعون لها
ولمن معها وللعروس حيث قلن على الخير جئتن أو قدمتن على الخير قال ويحتمل أن تكون اللام
في النسوة للاختصاص أي الدعاء المختص بالنسوة اللاتي يهدين ولكن يلزم منه المخالفة بين اللام
التي للعروس لأنها بمعنى المدعو لها والتي في النسوة لأنها الداعية وفى جواز مثله خلاف انتهى
والجواب الأول أحسن ما توجه به الترجمة وحاصله أن مراد البخاري بالنسوة من يهدى العروس
سواء كن قليلا أو كثيرا وان من حضر ذلك يدعو لمن أحضر العروس ولم يرد الدعاء للنسوة
الحاضرات في البيت قبل أن تأتى العروس ويحتمل أن تكون اللام بمعنى الباء على حذف أي
المختص بالنسوة ويحتمل أن الألف واللام بدل من المضاف إليه والتقدير دعاء النسوة الداعيات
للنسوة المهديات ويحتمل أن تكون بمعنى من أي الدعاء الصادر من النسوة وعند أبى الشيخ في
كتاب النكاح من طريق يزيد بن حفصة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجوار
بناحية بنى جدرة وهن يقلن فحيونا نحييكم فقال قلن حيانا الله وحياكم فهذا فيه دعاء للنسوة
اللاتي يهدين العروس وقوله يهدين بفتح أوله من الهداية وبضمه من الهدية ولما كانت العروس
تجهز من عند أهلها إلى الزوج احتاجت إلى من يهديها الطريق إليه أو أطلقت عليها انها هدية
فالضبط بالوجهين على هذين المعنيين وأما قوله وللعروس فهو اسم لزوجين عند أول
اجتماعهما يشمل الرجل والمرأة وهو داخل في قول النسوة على الخير والبركة فان ذلك يشمل
المرأة وزوجها ولعله أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث عائشة كما نبهت عليه هناك وفيه أن
أمها لما أجلستها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت هؤلاء أهلك يا رسول الله بارك الله
لك فيهم وقوله في حديث الباب فإذا نسوة من الأنصار سمى منهن أسماء بنت يزيد بن السكن
الأنصارية فقد أخرج جعفر المستغفري من طريق يحيى بن أبي كثير عن كلاب بن تلاد عن تلاد
عن أسماء مقينة عائشة قالت لما أقعدنا عائشة لتجليها على رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا
فقرب إلينا تمرا ولبنا الحديث وأخرج أحمد والطبراني هذه القصة من حديث أسماء بنت يزيد بن
السكن ووقع في رواية للطبراني أسماء بنت عميس ولا يصح لأنها حينئذ كانت مع زوجها جعفر
ابن أبي طالب بالحبشة والمقينة بقاف ونون التي تزين العروس عند دخولها على زوجها * (قوله
باب من أحب البناء) أي بزوجته التي لم يدخل بها (قبل الغزو) أي إذا حضر الجهاد
ليكون فكره مجتمعا ذكر فيه حديث أبي هريرة الماضي في كتاب الجهاد ثم في فرض الخمس وقد
193

شرحته فيه وبينت الاختلاف في اسم النبي الذي غزا هل هو يوشع أو داود قال ابن المنير يستفاد
منه الرد على العامة في تقديمهم الحج على الزواج ظنا منهم ان التعفف انما يتأكد بعد الحج بل
الأولى أن يتعفف ثم يحج * (قوله باب من بنى بامرأة وهى بنت تسع سنين) ذكر
فيه حديث عائشة في ذلك وقد تقدم شرحه في مناقبها * (قوله باب البناء) أي
بالمرأة (في السفر) ذكر فيه حديث أنس في قصة صفية بنت حيى وقد تقدم في أول النكاح وقوله
ثلاثا يبنى عليه بصفية أي تجلى عليه وفيه إشارة إلى أن سنة الإقامة عند الثيب لا تختص بالحضر
ولا تتقيد بمن له امرأة غيرها ويؤخذ منه جواز تأخير اشغال العامة للشغل الخاص إذا كان
لا يفوت به غرض والاهتمام بوليمة العرس وإقامة سنة النكاح باعلامه وغير ذلك مما تقدم
ويأتي إن شاء الله تعالى * (قوله باب البناء بالنهار بغير مركب ولا نيران) ذكر فيه
طرفا من حديث عائشة في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بها وأشار بقوله بالنهار إلى أن الدخول
على الزوجة لا يختص بالليل وبقوله وبغير مركب ولا نيران إلى ما أخرجه سعيد بن منصور ومن
طريقه أبو الشيخ في كتاب النكاح من طريق عروة بن رويم ان عبد الله بن قرظ الثمالي وكان
عامل عمر على حمص مرت به عروس وهم يوقدون النيران بين يديها فضربهم بدرته حتى تفرقوا
عن عروسهم ثم خطب فقال إن عروسكم أوقدوا النيران وتشبهوا بالكفرة والله مطفئ نورهم
* (قوله باب الأنماط ونحوه 2 للنساء) أي من الكلل والأستار والفرش وما في
معناه والانماط جمع نمط بفتح النون والميم تقدم بيانه في علامات النبوة وقوله ونحوه أعاد الضمير
مفردا على مفرد الأنماط وتقدم بيان وجه الاستدلال على الجواز من هذا الحديث ولعل
المصنف أشار إلى ما أخرجه مسلم من حديث عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في
غزاته فأخذت نمطا فنشرته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهة في وجهه فجذبه منه حتى
هتكه فقال إن الله لم يأمرنا ان نكسو الحجارة والطين قال فقطعت منه وسادتين فلم يعب ذلك
على فيؤخذ منه ان الأنماط لا يكره اتخاذها لذاتها بل ما يصنع بها وسيأتى البحث في ستر الجدر في
باب هل يرجع إذا رأى منكرا من أبواب الوليمة قال ابن بطال يؤخذ من الحديث ان المشورة للمرأة
دون الرجل لقول جابر لامرأته أخرى عنى أنماطك كذا قال ولا دلالة في ذلك لأنها كانت
لامرأة جابر حقيقة فلذلك أضافها لها والا ففي نفس الحديث انه ستكون لكم أنماط فأضافها
إلى أعم من ذلك وهو الذي استدلت به امرأة جابر على الجواز قال وفيه ان مشورة النساء للبيوت
من الامر القديم المتعارف كذا قال ويعكر عليه حديث عائشة وسيأتى البحث فيه * (قوله
باب النسوة التي يهدين المرأة إلى زوجها) في رواية الكشميهني اللاتي بصيغة الجمع
وهو أولى (قوله ودعائهن بالبركة) ثبتت هذه الزيادة في رواية أبي ذر وحده وسقطت لغيره ولم
يذكر هنا الإسماعيلي ولا أبو نعيم ولا وقع في حديث عائشة الذي ذكره المصنف في الباب ما يتعلق
194

بها لكن إن كانت محفوظة فلعله أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث عائشة وذلك فيما أخرجه
أبو الشيخ في كتاب النكاح من طريق بهية عن عائشة أنها زوجت يتيمة كانت في حجرها رجلا من
الأنصار قالت وكنت فيمن أهداها إلى زوجها فلما رجعنا قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما قلتم يا عائشة قالت قلت سلمنا ودعونا الله بالبركة ثم انصرفنا (قوله إنها زفت امرأة إلى رجل من
الأنصار) لم أقف على اسمها صريحا وقد تقدم أن المرأة كانت يتيمة في حجر عائشة وكذا للطبراني
في الأوسط من طريق شريك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ووقع عند ابن ماجة من
حديث ابن عباس أنكحت عائشة قرابة لها ولابى الشيخ من حديث جابر أن عائشة زوجت بنت
أخيها أو ذات قرابة منها وفى أمالي المحاملي من وجه آخر عن جابر نكح بعض أهل الأنصار بعض
أهل عائشة فاهدتها إلى قباء وكنت ذكرت في المقدمة تبعا لابن الأثير في أسد الغابة فإنه قال إن اسم
هذه اليتيمة المذكورة في حديث عائشة الفارعة بنت أسعد بن زرارة وان اسم زوجها نبيط بن
جابر الأنصاري وقال في ترجمة الفارعة ان أباها أسعد بن زرارة أوصى بها إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيط بن جابر ثم ساق من طريق المعافى بن عمران
الموصلي حديث عائشة الذي ذكرته أولا من طريق بهية عنها ثم قال هذه اليتيمة هي الفارعة
المذكورة كذا قال وهو محتمل لكن منع من تفسيرها بها ما وقع من الزيادة انها كانت قرابة
عائشة فيجوز التعدد ولا يبعد تفسير المبهمة في حديث الباب بالفارعة إذ ليس فيه تقييد بكونها
قرابة عائشة (قوله ما كان معكم لهو) في رواية شريك فقال فهل بعثتم معها جارية تضرب
بالدف وتغنى قلت تقول ماذا قال تقول
- أتيناكم أتيناكم * فحيانا وحياكم -
- ولولا الذهب الحمر * ما حلت بواديكم -
- ولولا الحنطة السمرا * ما سمنت عذاريكم -
وفى حديث جابر بعضه وفى حديث ابن عباس أوله إلى قوله وحياكم (قوله فان الأنصار يعجبهم
اللهو) في حديث ابن عباس وجابر قوم فيهم غزل وفى حديث جابر عند المحاملي أدركيها يا زينب
امرأة كانت تغنى بالمدينة ويستفاد منه تسمية المغنية الثانية في القصة التي وقعت في حديث
عائشة الماضي في العيدين حيث جاء فيه دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وكنت ذكرت هناك
ان اسم إحداهما حمامة كما ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب العيدين له باسناد حسن وانى لم أقف على
اسم الأخرى وقد جوزت الآن أن تكون هي زينب هذه وأخرج النسائي من طريق عامر بن
سعد عن قرظة بن كعب وأبى مسعود الأنصاريين قال إنه رخص لنا في اللهو عند العرس
الحديث وصححه الحاكم وللطبراني من حديث السائب بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقيل له أترخص في هذا قال نعم انه نكاح لا سفاح أشيدوا النكاح وفى حديث عبد الله بن الزبير
عند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم أعلنوا النكاح زاد الترمذي وابن ماجة من حديث عائشة
واضربوا عليه بالدف وسنده ضعيف ولأحمد والترمذي والنسائي من حديث محمد بن حاطب
فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف واستدل بقوله واضربوا على أن ذلك لا يختص
بالنساء لكنه ضعيف والأحاديث القوية فيها الاذن في ذلك للنساء فلا يلتحق بهن الرجال
195

لعموم النهى عن التشبه بهن * (قوله باب الهدية للعروس) أي صبيحة
بنائه باهله (قوله وقال إبراهيم) بن طهمان (عن أبي عثمان واسمه الجعد عن أنس بن مالك
قال مر بنا في مسجد بنى رفاعة) يعنى بالبصرة قال (فسمعته يقول كان النبي صلى الله عليه
وسلم إذا مر بجنبات أم سليم) كذا فيه والجنبات بفتح الجيم والنون ثم موحدة جمع جنبة
وهى الناحية (قوله دخل عليها فسلم عليها) هذا القدر من هذا الحديث مما تفرد به إبراهيم
ابن طهمان عن أبي عثمان في هذا الحديث وشاركه في بقيته جعفر بن سليمان ومعمر بن راشد
كلاهما عن أبي عثمان أخرجه مسلم من حديثهما ولم يقع لي موصولا من حديث
إبراهيم بن طهمان الا أن بعض من لقيناه من الشراح زعم أن النسائي أخرجه عن أحمد
ابن حفص بن عبد الله بن راشد عن أبيه عنه ولم أقف على ذلك بعد (قوله كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم عروسا بزينب) يعنى بنت جحش وقد تقدم بيان آيته صلى الله عليه وسلم في تكثير
الطعام واضحا في علامات النبوة وقد استشكل عياض ما وقع في هذا الحديث من أن الوليمة بزينب
بنت جحش كانت من الحيس الذي أهدته أم سليم وان المشهور من الروايات أنه أو لم عليها بالخبز
واللحم ولم يقع في القصة تكثير ذلك الطعام وانما فيه أشبع المسلمين خبزا ولحما وذكر في حديث
الباب أن أنسا قال فقال لي ادع رجالا سماهم وادع من لقيت وأنه أدخلهم ووضع صلى الله عليه
وسلم يده على تلك الحيسة وتكلم بما شاء الله ثم جعل يدعو عشرة عشرة حتى تصدعوا كلهم
عنها يعنى تفرقوا قال عياض هذا وهم من راوية وتركيب قصة على أخرى وتعقبه القرطبي
بأنه لا مانع من الجمع بين الروايتين والأولى أن يقال لا وهم في ذلك فلعل الذين دعوا إلى الخبز
واللحم فأكلوا حتى شبعوا وذهبوا لم يرجعوا ولما بقى النفر الذين كانوا يتحدثون جاء أنس بالحيسة
فأمر بأن يدعو ناسا آخرين ومن لقى فدخلوا فأكلوا أيضا حتى شبعوا واستمر أولئك النفر
يتحدثون وهو جمع لا بأس به وأولى منه أن يقال إن حضور الحيسة صادف حضور الخبز واللحم
فأكلوا كلهم من كل ذلك وعجبت من انكار عياض وقوع تكثير الطعام في قصة الخبز واللحم مع
أن أنسا يقول إنه أولم عليها بشاة كما سيأتي قريبا ويقول إنه أشبع المسلمين خبزا ولحما وما الذي
يكون قدر الشاة حتى يشبع المسلمين جميعا وهم يومئذ نحو الألف لولا البركة التي حصلت من
جملة آياته صلى الله عليه وسلم في تكثير الطعام وقوله فيه وبقى نفر يتحدثون تقدم بيان عدتهم
في تفسير سورة الأحزاب وقوله وجعلت أغتم هو من الغم وسببه ما فهمه من النبي صلى الله عليه
وسلم من حيائه من أن يأمرهم بالقيام ومن غفلتهم بالتحدث عن العمل عما يليق من التخفيف
حينئذ وقوله في آخره قال أبو عثمان قال أنس انه خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين تقدم
بيانه قبل قليل وسيأتى الالمام به أيضا في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى * (قوله باب
استعارة الثياب للعروس وغيرها) أي وغير الثياب ذكر فيه حديث عائشة أنها استعارت من أسماء
196

قلادة وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب التيمم ووجه الاستدلال به من جهة المعنى الجامع بين
القلادة وغيرها من أنواع الملبوس الذي يتزين به للزوج أعم من أن يكون عند العرس أو بعده
وقد تقدم في كتاب الهبة لعائشة حديث أخص من هذا وهو قولها كان لي منهن أي من الدروع
القطنية درع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كانت امرأة تقين بالمدينة أي تتزين
الا أرسلت إلى تستعيره وترجم عليه الاستعارة للعرس عند البناء وينبغي استحضار هذه الترجمة
وحديثها هنا * (قوله باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله) أي جامع (قوله عن
شيبان) هو ابن عبد الرحمن النحوي ومنصور وهو ابن المعتمر وفى الاسناد ثلاثة من التابعين في نسق
هو أولهم (قوله أما لو أن أحدهم) كذا للكشميهني هنا ولغيره بحذف أن وتقدم في بدء الخلق
من رواية همام عن منصور بحذف لو ولفظه أما ان أحدكم إذا أتى أهله وفى رواية جرير عن
منصور عند أبي داود وغيره لو أن أحدكم إذا أراد ان يأتي أهله وهى مفسرة لغيرها من الروايات
دالة على أن القول قبل الشروع (قوله حين يأتي أهله) في رواية إسرائيل عن منصور عند
الإسماعيلي اما ان أحدكم لو يقول حين يجامع أهله وهو ظاهر في أن القول يكون مع الفعل
لكن يمكن حمله على المجاز وعنده في رواية روح ابن القاسم عن منصور لو أن أحدهم إذا جامع
امرأته ذكر الله (قوله بسم الله اللهم جنبني) في رواية روح ذكر الله ثم قال اللهم جنبني وفى
رواية شعبة عن منصور في بدء الخلق جنبني بالافراد أيضا وفى رواية همام جنبنا (قوله
الشيطان) في حديث أبي أمامة عند الطبراني جنبني وجنب ما رزقتني من الشيطان الرجيم
(قوله ثم قدر بينهما ولد 2 أو قضى ولد) كذا بالشك وزاد في رواية الكشميهني ثم قدر بينهما في ذلك
أي الحال ولد وفى رواية سفيان بن عيينة عن منصور فان قضى الله بينهما ولدا ومثله في رواية
إسرائيل وفى رواية شعبة فإن كان بينهما ولد ولمسلم من طريقه فإنه ان يقدر بينهما ولد في ذلك
وفى رواية جرير ثم قدر أن يكون والباقي مثله ونحوه في رواية روح بن القاسم وفى رواية همام
فرزقا ولدا (قوله لم يضره شيطان أبدا) كذا بالتنكير ومثله في رواية جرير وفى رواية شعبة عند
مسلم وأحمد لم يسلط عليه الشيطان أو لم يضره الشيطان وتقدم في بدء الخلق من رواية همام
وكذا في رواية سفيان بن عيينة وإسرائيل وروح بن القاسم بلفظ الشيطان واللام للعهد
المذكور في لفظ الدعاء ولأحمد عن عبد العزيز العمى عن منصور لم يضر ذلك الولد الشيطان أبدا
وفى مرسل الحسن عن عبد الرزاق إذا أتى الرجل أهله فليقل بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا
ولا تجعل للشيطان نصيبا فيما رزقتنا فكان يرجى ان حملت أن يكون ولدا صالحا واختلف في
الضرر المنفى بعد الاتفاق على ما نقل عياض على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر وإن كان
ظاهرا في الحمل على عموم الأحوال من صيغة النفي مع التأبيد وكان سبب ذلك ما تقدم في بدء
الخلق أن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد الا من استثنى فان في هذا الطعن نوع
ضرر في الجملة مع أن ذلك سبب صراخه ثم اختلفوا فقيل المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة
التسمية بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم ان عبادي ليس لك عليهم سلطان ويؤيده
مرسل الحسن المذكور وقيل المراد لم يطعن في بطنه وهو بعيد لمنابذته ظاهر الحديث المتقدم
وليس تخصيصه بأولى من تخصيص هذا وقيل المراد لم يصرعه وقيل لم يضره في بدنه وقال ابن
197

دقيق العيد يحتمل أن لا يضره في دينه أيضا ولكن يبعده انتفاء العصمة وتعقب بان اختصاص
من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية
عمدا وان لم يكن ذلك واجبا له وقال الداودي معنى لم يضره أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر
وليس المراد عصمته منه عن المعصية وقيل لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد ان
الذي يجامع ولا يسمى يلتف الشيطان على احليله فيجامع معه ولعل هذا أقرب الأجوبة ويتأيد
الحمل على الأول بأن الكثير ممن يعرف هذا الفضل العظيم يذهل عنه عند إرادة المواقعة والقليل
الذي قد يستحضره ويفعله لا يقع معه الحمل فإذا كان ذلك نادرا لم يبعد وفى الحديث من الفوائد
أيضا استحباب التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك حتى في حالة الملاذ كالوقاع وقد ترجم عليه
المصنف في كتاب الطهارة وتقدم ما فيه وفيه الاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان والتبرك
باسمه والاستعاذة به من جميع الأسواء وفيه الاستشعار بأنه الميسر لذلك العمل والمعين عليه
وفيه إشارة إلى أن الشيطان ملازم لابن آدم لا ينطرد عنه الا إذا ذكر الله وفيه رد على منع المحدث
أن يذكر الله ويخدش فيه الرواية المتقدمة إذا أراد أن يأتي وهو نظير ما وقع من القول عند
الخلاء وقد ذكر المصنف ذلك وأشار إلى الرواية التي فيها إذا أراد أن يدخل وتقدم البحث فيه في
كتاب الطهارة بما يغنى عن اعادته * (قوله باب الوليمة حق) هذه الترجمة لفظ
حديث أخرجه الطبراني من حديث وحشى بن حرب رفعه الوليمة حق والثانية معروف
والثالثة فخر ولمسلم من طريق الزهري عن الأعرج وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال
شر الطعام طعام الوليمة يدعى الغنى ويترك المسكين وهى حق الحديث ولابى الشيخ والطبراني
في الأوسط من طريق مجاهد عن أبي هريرة رفعه الوليمة حق وسنة فمن دعى فلم يجب فقد عصى
الحديث وسأذكر حديث زهير بن عثمان في ذلك وشواهده بعد ثلاثة أبواب وروى أحمد من
حديث بريدة قال لما خطب على فاطمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه لا بد للعروس من
وليمة وسنده لا بأس به قال ابن بطال قوله الوليمة حق أي ليست بباطل بل يندب إليها وهى سنة
فضيلة وليس المراد بالحق الوجوب ثم قال ولا أعلم أحدا أوجبها كذا قال وغفل عن رواية في
مذهبه بوجوبها نقلها القرطبي وقال إن مشهور المذهب أنها مندوبة وابن التين عن أحمد
لكن الذي في المغنى أنها سنة بل وافق ابن بطال في نفى الخلاف بين أهل العلم في ذلك قال وقال
بعض الشافعية هي واجبة لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها عبد الرحمن بن عوف ولان
الإجابة إليها واجبة فكانت واجبة وأجاب بأنه طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة والامر
محمول على الاستحباب بدليل ما ذكرناه ولكونه أمره بشاة وهى غير واجبة اتفاقا وأما البناء
فلا أصل له (قلت) وسأذكر مزيدا في باب إجابة الداعي قريبا والبعض الذي أشار إليه من
الشافعية هو وجه معروف عندهم وقد جزم به سليم الرازي وقال إنه ظاهر نص الام ونقله عن
النص أيضا الشيخ أبو إسحاق في المهذب وهو قول أهل الظاهر كما صرح به ابن حزم وأما سائر
الدعوات غيرها فسيأتي البحث فيه بعد ثلاثة أبواب (قوله وقال عبد الرحمن بن عوف قال لي
النبي صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة) هذا طرف من حديث طويل وصله المصنف في أول
البيوع من حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه ومن حديث أنس أيضا وسأذكر شرحه مستوفى
198

إن شاء الله تعالى في الباب الذي يليه والمراد منه ورود صيغة الامر بالوليمة وأنه لو رخص في تركها
لما وقع الامر باستدراكها بعد انقضاء الدخول وقد اختلف السلف في وقتها هل هو عند العقد
أو عقبة أو عند الدخول أو عقبة أو موسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول على أقوال قال
النووي اختلفوا فحكى عياض أن الأصح عند المالكية استحبابه بعد الدخول وعن جماعة
منهم أنه عند العقد عند ابن حبيب عند العقد وبعد الدخول وقال في موضع آخر يجوز قبل
الدخول وبعده وذكر ابن السبكي أن أباه قال لم أر في كلام الأصحاب تعيين وقتها وأنه استنبط من
قول البغوي ضرب الدف في النكاح جائز في العقد والزفاف قبل وبعد قريبا منه أن وقتها موسع
من حين العقد قال والمنقول من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنها بعد الدخول كأنه يشير إلى
قصة زينب بنت جحش وقد ترجم عليه البيهقي في وقت الوليمة اه‍ وما نفاه من تصريح الأصحاب
متعقب بان الماوردي صرح بأنها عند الدخول وحديث أنس في هذا الباب صريح في أنها بعد
الدخول لقوله فيه أصبح عروسا بزينب فدعا القوم واستحب بعض المالكية أن تكون عند
البناء ويقع الدخول عقبها وعليه عمل الناس اليوم ويؤيد كونه للدخول لا للاملاك أن
الصحابة بعد الوليمة ترددوا هل هي زوجة أو سرية فلو كانت الوليمة عند الاملاك لعرفوا أنها
زوجة لان السرية لا وليمة لها فدل على أنها عند الدخول أو بعده (قوله في حديث أنس مقدم
النبي صلى الله عليه وسلم) بالنصب على الظرف أي زمان قدومه وسيأتي في الأشربة من طريق
شعيب عن الزهري عن أنس قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين ومات وأنا
ابن عشرين وتقدم قبل بابين في الحديث المعلق عن أبي عثمان عن أنس أنه خدم النبي صلى الله
عليه وسلم عشر سنين ويأتي في كتاب الأدب من طريق سلام بن مسكين عن ثابت عن أنس قال
خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أف قط الحديث ولمسلم من رواية
إسحاق بن أبي طلحة عن أنس في حديث آخره قال أنس والله لقد خدمته تسع سنين ولا منافاة بين
الروايتين فان مدة خدمته كانت تسع سنين وبعض أشهر فألغى الزيادة تارة وجبر الكسر أخرى
(قوله فكن أمهاتي) يعنى أمه وخالته ومن في معناهما وان ثبت كون مليكة جدته فهي مرادة
هنا لا محالة (قوله يواظبنني) كذا للأكثر بظاء مشالة وموحدة ثم نونين من المواظبة وللكشميهني
بطاء مهملة بعدها تحتانية مهموزة بدل الموحدة من المواطأة وهى الموافقة وفى رواية
الإسماعيلي يوطنني بتشديد الطاء المهملة ونونين الأولى مشددة بغير ألف بعد الواو ولا حرف
آخر بعد الطاء من التوطين وفى لفظ له مثله لكن بهمزة ساكنة بعدها النونان من التوطئة
تقول وطأته على كذا أي حرضته عليه (قوله وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب) تقدم البحث
فيه وبسط شرحه في تفسير سورة الأحزاب * (قوله باب الوليمة ولو بشاة) أي
لمن كان موسرا كما سيأتي البحث فيه وذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث كلها عن أنس
* الأول والثاني قصة عبد الرحمن بن عوف قطعها قطعتين (قوله حدثنا على) هو ابن المديني
وسفيان هو ابن عيينة وقد صرح بتحديث حميد له وسماع حميد عن أنس فأمن تدليسهما لكنه
فرقه حديثين فذكر في الأول سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن عن قدر الصداق
وفى الثاني أول القصة قال لما قدموا المدينة نزل المهاجرون على الأنصار وعبر في هذا بقوله
199

وعن حميد قال سمعت أنسا وفى رواية الكشميهني أنه سمع أنسا كما قال في الذي قبله وهذا
معطوف فيما جزم به المزي وغيره على الأول ويحتمل أن يكون معلقا والأول هو المعتمد وقد
أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن خلاد عن سفيان حدثنا حميد سمعت
أنسا وساق الحديثين معا وأخرجه الحميدي في مسنده ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج عن
سفيان بالحديث كله مفرقا وقال في كل منهما حدثنا حميد أنه سمع أنسا وقد أخرجه ابن أبي
عمر في مسنده عن سفيان ومن طريقه الإسماعيلي فقال عن حميد عن أنس وساق الجميع حديثا
واحدا وقدم القصة الثانية على الأولى كما في رواية غير سفيان فقد تقدم في أوائل النكاح من
طريق الثوري وفى باب الصفرة للمتزوج من رواية مالك وفى فضل الأنصار من طريق إسماعيل
ابن جعفر وفى أول البيوع من رواية زهير بن معاوية ويأتي في الأدب من رواية يحيى
القطان كلهم عن حميد وأخرجه محمد بن سعد في الطبقات عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن
حميد وتقدم في باب ما يدعنى للمتزوج من رواية ثابت وفى باب وآتوا النساء صدقاتهن من رواية
عبد العزيز بن صهيب وقتادة كلهم عن أنس وأورده في أول كتاب البيوع من حديث عبد الرحمن
ابن عوف نفسه وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة وتقدم في البيوع في الكلام على حديث
أنس بيان من زاد في روايته فجعله من حديث أنس عن عبد الرحمن بن عوف وأكثر الطرق
تجعله من مسند أنس والذي يظهر من مجموع الطرق أنه حضر القصة وانما نقل عن عبد الرحمن
منها ما لم يقع له عن النبي صلى الله عليه وسلم (قوله لما قدموا المدينة) أي النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه وفى رواية ابن سعد لما قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة (قوله نزل المهاجرون
على الأنصار) تقدم بيان ذلك في أول الهجرة (قوله فنزل عبد الرحمن بن عوف على سعد بن
الربيع) في رواية زهير لما قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه
وبين سعد بن الربيع الأنصاري وفى رواية إسماعيل بن جعفر قدم علينا عبد الرحمن فآخى ونحوه
في حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه وفى رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن حميد عند
النسائي والطبراني آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار فآخى بين سعد وعبد
الرحمن وفى رواية إسماعيل بن جعفر قدم علينا عبد الرحمن بن عوف فآخى زاد زهير في روايته
وكان سعد ذاغنا وفى رواية إسماعيل بن جعفر لقد علمت الأنصار أنى من أكثرها مالا وكان
كثير المال وفى حديث عبد الرحمن انى أكثر الأنصار مالا وقد تقدمت ترجمة سعد بن الربيع
في فضائل الأنصار وقصة موته في غزوة أحد ووقع عند عبد بن حميد من طريق ثابت عن أنس
أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان فقال عثمان لعبد
الرحمن ان لي حائطين الحديث وهو وهم من رواية عمارة بن زاذان (قوله قال أفأسمك مالي
وأنزل لك عن إحدى امرأتي) في رواية ابن سعد فانطلق به سعد إلى منزله فدعا بطعام فأكلا
وقال لي امرأتان وأنت أخي لا امرأة لك فأنزل عن إحداهما فتتزوجها قال لا والله قال هلم إلى
حديقتي أشاطركها قال فقال لا وفى رواية الثوري فعرض عليه أن يقاسمه أهله وماله وفى
رواية إسماعيل بن جعفر ولى امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها فإذا حلت تزوجها وفى
حديث عبد الرحمن بن عوف فأقسم لك نصف مالي وانظر أي زوجتي هويت فأنزل لك عنها
200

فإذا حلت تزوجتها ونحوه في رواية يحيى بن سعيد وفى لفظ فانظر أعجبهما إليك فسمها لي
فأطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها وفى رواية حماد بن سلمة عن ثابت عند أحمد فقال له سعد
أي آخى أنا أكثر أهل المدينة ما لا فانظر شطر مالي فخذه وتحتي امرأتان فانظر أيهما أعجب
إليك حتى أطلقها ولم أقف على اسم امرأتي سعد بن الربيع الا أن ابن سعد ذكر أنه كان له من
الولد أم سعد واسمها جميلة وأمها عمرة بنت حزم وتزوج زيد بن ثابت أم سعد فولدت له ابنه
خارجة فيؤخذ من هذا تسمية إحدى امرأتي سعد وأخرج الطبراني في التفسير قصة
مجئ امرأة سعد بن الربيع بابنتي سعد لما استشهد فقالت إن عمهما أخذ ميراثهما فنزلت آية
المواريث وسماها إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسند له مرسل عمرة بنت حزم (قوله بارك
الله في أهلك ومالك) في حديث عبد الرحمن لا حاجة لي في ذلك هل من سوق فيه تجارة قال
سوق بنى قينقاع وقد تقدم ضبط قينقاع في أول البيوع وكذا في رواية زهير دلوني على السوق زاد
في رواية حماد فدلوه (قوله فخرج إلى السوق فباع واشترى فأصاب شيئا من أقط وسمن) في رواية
حماد فاشترى وباع فربح فجاء بشئ من سمن وأقط وفى رواية الثوري دلنى على السوق فربح
شيئا من أقط وسمن وفيه حذف بينته الرواية الأخرى وفى رواية زهير فما رجع حتى استفضل
أقطا وسمنا فأتى به أهل منزله ونحوه ليحيى بن سعيد وكذا لأحمد عن ابن علية عن حميد (قوله
فتزوج) زاد في حديث عبد الرحمن بن عوف ثم تابع الغدو يعنى إلى السوق في رواية زهير
فمكثنا ما شاء الله ثم جاء وعليه وضر صفرة ونحوه لابن علية وفى رواية الثوري والأنصاري فلقيه
النبي صلى الله عليه وسلم زاد ابن سعد في سكة من سكك المدينة وعليه وضر من صفرة وفى رواية
حماد بن زيد عن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر وفى
رواية حماد بن سلمة وعليه ردع زعفران وفى رواية معمر عن نابت عند أحمد وعليه وضر من
خلوق وأول حديث مالك أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر
صفرة ونحوه في رواية عبد الرحمن نفسه وفى رواية عبد العزيز بن صهيب فرأى النبي صلى
الله عليه وسلم بشاشة العرس والوضر بفتح الواو والضاد المعجمة وآخره راء هو في الأصل الأثر
والردع بمهملات مفتوح الأول ساكن الثاني هو أثر الزعفران والمراد بالصفرة صفرة الخلوق
والخلوق طيب يصنع من زعفران وغيره (قوله في أول الرواية الأولى سأل النبي صلى الله عليه
وسلم عبد الرحمن بن عوف وتزوج امرأة من الأنصار) هذه الجملة حالية أي سأله حين تزوج
وهذه المرأة جزم الزبير بن بكار في كتاب النسب أنها بنت أبي الحيسر أنس بن رافع بن امرئ
القيس بن زيد بن عبد الأشهل وفى ترجمة عبد الرحمن بن عوف من طبقات ابن سعد أنها بنت أبي
الحشاش وساق نسبه وأظنهما ثنتين فان في رواية الزبير قال ولدت لعبد الرحمن القاسم
وعبد الله وفى رواية ابن سعد ولدت له إسماعيل وعبد الله وذكر ابن القداح في نسب الأوس
أنها أم اياس بنت أبي الحيسر بفتح المهملتين بينهما تحتانية ساكنة وآخره راء واسمه أنس بن
رافع الأوسي وفى رواية مالك فسأله فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار وفى رواية زهير
وابن علية وابن سعد وغيرهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مهيم ومعناه ما شأنك أو ما هذا
وهى كلمة استفهام مبنية على السكون وهل هي بسيطة أو مركبة قولان لأهل اللغة وقال
201

ابن مالك هي اسم فعل بمعنى أخبر ووقع في رواية للطبراني في الأوسط فقال له مهيم وكانت كلمته
إذا أراد أن يسال عن الشئ ووقع في رواية ابن السكن مهين بنون آخره بدل الميم والأول
هو المعروف ووقع في رواية حماد بن زيد عن ثابت عند المصنف وكذا في رواية عبد العزيز
ابن صهيب عند أبي عوانة قال ما هذا وقال في جوابه تزوجت امرأة من الأنصار وللطبراني في
الأوسط من حديث أبي هريرة بسند فيه ضعف أن عبد الرحمن بن عوف أتى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقد خضب بالصفرة فقال ما هذا الخضاب أعرست قال نعم الحديث (قوله كم
أصدقتها) كذا في رواية حماد بن سلمة ومعمر عن ثابت وفى رواية الطبراني على كم وفى رواية
الثوري وزهير ما سقت إليها وكذا في رواية عبد الرحمن نفسه وفى رواية مالك كم سقت إليها
(قوله وزن نواة) بنصب النون على تقدير فعل أي أصدقتها ويجوز الرفع على تقدير مبتدأ أي
الذي أصدقتها هو (قوله من ذهب) كذا وقع الجزم به في رواية ابن عيينة والثوري وكذا
في رواية حماد بن سلمة عن ثابت وحميد وفى رواية زهير وابن علية نواة من ذهب أو وزن نواة
من ذهب وكذا في رواية عبد الرحمن نفسه بالشك وفى رواية شعبة عن عبد العزيز بن
صهيب على وزن نواة وعن قتادة على وزن نواة من ذهب ومثل الأخير في رواية حماد بن زيد
عن ثابت وكذا أخرجه مسلم من طريق أبى عوانة عن قتادة ولمسلم من رواية شعبة عن أبي
حمزة عن أنس على وزن نواة قال فقال رجل من ولد عبد الرحمن من ذهب ورجح الداودي
رواية من قال على نواة من ذهب واستنكر رواية من روى وزن نواة واستنكاره هو المنكر لان
الذين جزموا بذلك أئمة حفاظ قال عياض لا وهم في الرواية لأنها إن كانت نواة تمر أو غيره أو كان
للنواة قدر معلوم صلح أن يقال في كل ذلك وزن نواة واختلف في المراد بقوله نواة فقيل المراد
واحدة نوى التمر كما يوزن بنوى الخروب وأن القيمة عنها يومئذ كانت خمسة دراهم وقيل كان
قدرها يومئذ ربع دينار ورد بان نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معيارا لما يوزن
به وقيل لفظ النواة من ذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق وجزم به الخطابي واختاره
الأزهري ونقله عياض عن أكثر العلماء ويؤيده أن في رواية للبيهقي من طريق سعيد بن بشر
عن قتادة وزن نواة من ذهب قومت خمسة دراهم وقيل وزنها من الذهب خمسة دراهم حكاه
ابن قتيبة وجزم به ابن فارس وجعله البيضاوي الظاهر واستبعد لأنه يستلزم أن يكون ثلاثة
مثاقيل ونصفا ووقع في رواية حجاج بن أرطاة عن قتادة عند البيهقي قومت ثلاثة دراهم وثلثا
واسناده ضعيف ولكن جزم به أحمد وقيل ثلاثة ونصف وقيل ثلاثة وربع وعن بعض
المالكية النواة عند أهل المدينة ربع دينار ويؤيد هذا ما وقع عند الطبراني في الأوسط في
آخر حديث قال أنس جاء وزنها ربع دينار وقد قال الشافعي النواة ربع النش والنش نصف أوقية
والأوقية أربعون درهما فيكون خمسة دراهم وكذا قال أبو عبيد أن عبد الرحمن بن عوف
دفع خمسة دراهم وهى تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية وبه جزم أبو عوانة وآخرون
(قوله في آخر الرواية الثانية فقال النبي صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة) ليست لو هذه
الامتناعية وانما هي التي للتقليل وزاد في رواية حماد بن زيد فقال بارك الله لك قبل قوله أولم
وكذا في رواية حماد بن سلمة عن ثابت وحميد وزاد في آخر الحديث قال عبد الرحمن فقلد رأيتني
202

ولو رفعت حجرا لرجوت ان أصيب ذهبا أو فضة فكأنه قال ذلك إشارة إلى إجابة الدعوة النبوية
بأن يبارك الله له ووقع في حديث أبي هريرة بعد قوله أعرست قال نعم قال أولمت قال لا فرمى
إليه رسول الله صلى الله عيه وسلم بنواة من ذهب فقال أولم ولو بشاة وهذا لو صح كان فيه أن
الشاة من اعانة النبي صلى الله عليه وسلم وكان يعكر على من استدل به على أن الشاة أقل ما يشرع
للموسر ولكن الاسناد ضعيف كما تقدم وفى رواية معمر عن ثابت قال أنس فلقد رأيته
قسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف (قلت) مات عن أربع نسوة فيكون
جميع تركته ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف وهذا بالنسبة لتركة الزبير التي تقدم شرحها في فرض
الخمس قليل جدا فيحتمل أن تكون هذه دنانير وتلك دراهم لان كثرة مال عبد الرحمن مشهورة
جدا واستدل به على توكيد أمر الوليمة وقد تقدم البحث فيه وعلى أنها تكون بعد الدخول
ولا دلالة فيه وانما فيه أنها تستدرك إذا فاتت بعد الدخول وعلى أن الشاة أقل ما تجزئ عن
الموسر ولولا ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه كما سيأتي بأقل من الشاة لكان
يمكن أن يستدل به على أن الشاة أقل ما تجزئ في الوليمة ومع ذلك فلا بد من تقييده بالقادر عليها
وأيضا فيعكر على الاستدلال أنه خطاب واحد وفيه اختلاف هل يستلزم العموم أو لا وقد
أشار إلى ذلك الشافعي فيما نقله البيهقي عنه قال لا أعلمه أمر بذلك غير عبد الرحمن ولا أعلمه أنه
صلى الله عليه وسلم ترك الوليمة فجعل ذلك مستندا في كون الوليمة ليست بحتم ويستفاد من
السياق طلب تكثير الوليمة لمن يقدر قال عياض وأجمعوا على أن لا حد لأكثرها وأما أقلها
فكذلك ومهما تيسر أجزأ والمستحب أنها على قدر حال الزوج وقد تيسر على الموسر الشاة
فما فوقها وسيأتى البحث في تكرارها في الأيام بعد قليل وفى الحديث أيضا منقبة لسعد بن
الربيع في ايثاره على نفسه بما ذكر ولعبد الرحمن بن عوف في تنزهه عن شئ يستلزم الحياء
والمروءة اجتنابه ولو كان محتاجا إليه وفيه استحباب المؤاخاة وحسن الايثار من الغنى للفقير
حتى بإحدى زوجتيه واستحباب رد مثل ذلك على من آثر به لما يغلب في العادة من تكلف مثل
ذلك فلو تحقق أنه لم يتكلف جاز وفيه أن من ترك ذلك بقصد صحيح عوضه الله خيرا منه وفيه
استحباب التكسب وان لا نقص على من يتعاطى من ذلك ما يليق بمروءة مثله وكراهة قبول ما يتوقع
منه الذل من هبة وغيرها وان العيش من عمل المرء بتجارة أو حرفة أولى لنزاهة الأخلاق من
العيش بالهبة ونحوها وفيه استحباب الدعاء للمتزوج وسؤال الامام والكبير أصحابه وأتباعه
عن أحوالهم ولا سيما إذا رأى منهم ما لم يعهد وجواز خروج العروس وعليه أثر العرس من
خلوق وغيره واستدل به على جواز التزعفر للعروس وخص به عموم النهى عن التزعفر للرجال
كما سيأتي بيانه في كتاب اللباس وتعقب باحتمال أن تكون تلك الصفرة كانت في ثيابه دون
جسده وهذا الجواب للمالكية على طريقتهم في جوازه في الثوب دون البدن وقد نقل ذلك
مالك عن علماء المدينة وفيه حديث أبي موسى رفعه لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شئ من
خلوق أخرجه أبو داود فان مفهومه أن ما عدا الجسد لا يتناوله الوعيد ومنع من ذلك أبو حنيفة
والشافعي ومن تبعهما في الثوب أيضا وتمسكوا بالأحاديث الواردة في ذلك وهى صحيحة وفيها
ما هو صريح في المدعى كما سيأتي بيانه وعلى هذا فأجيب عن قصة عبد الرحمن بأجوبة * أحدها
203

أن ذلك كان قبل النهى وهذا يحتاج إلى تاريخ ويؤيده أن سياق قصة عبد الرحمن يشعر
بأنها كانت في أوائل الهجرة وأكثر من روى النهى ممن تأخرت هجرته * ثانيها أن أثر الصفرة
التي كانت على عبد الرحمن تعلقت به من جهة زوجته فكان ذلك غير مقصود له ورجحه
النووي وعزاه للمحققين وجعله البيضاوي أصلا رد إليه أحد الاحتمالين أبداهما في قوله مهيم
فقال معناه ما السبب في الذي أراه عليك فلذلك أجاب بأنه تزوج قال ويحتمل أن يكون استفهام
انكار لما تقدم من النهى عن التضمخ بالخلوق فأجاب بقوله تزوجت أي فتعلق بي منها ولم
أقصد إليه * ثالثها أنه كان قد احتاج إلى التطيب للدخول على أهله فلم يجد من طيب الرجال
حينئذ شيئا فتطيب من طيب المرأة وصادف أنه كان فيه صفرة فاستباح القليل منه عند عدم
غيره جمعا بين الدليلين وقد ورد الامر في التطيب للجمعة ولو من طيب المرأة فبقى أثر ذلك عليه
* رابعها كان يسيرا ولم يبق الا أثره فلذلك لم ينكر * خامسها وبه جزم الباجي أن الذي يكره من
ذلك ما كان من زعفران وغيره من أنواع الطيب وأما ما كان ليس بطيب فهو جائز * سادسها أن
النهى عن التزعفر للرجال ليس على التحريم بدلالة تقريره لعبد الرحمن بن عوف في هذا الحديث
سابعها أن العروس يستثنى من ذلك ولا سيما إذا كان شابا ذكر ذلك أبو عبيد قال وكانوا
يرخصون للشاب في ذلك أيام عرسه قال وقيل كان في أول الاسلام من تزوج لبس ثوبا
مصبوغا علامة لزواجه ليعان على وليمة عرسه قال وهذا غير معروف (قلت) وفى استفهام النبي
صلى الله عليه وسلم له عن ذلك دلالة على أنه لا يختص بالتزويج لكن وقع في بعض طرقه عند أبي
عوانة من طريق شعبة عن حميد بلفظ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأى على بشاشة
العرس فقال أتزوجت قلت تزوجت امرأة من الأنصار فقد يتمسك بهذا السياق للمدعى
ولكن القصة واحدة وفى أكثر الروايات أنه قال له مهيم أو ما هذا فهو المعتمد وبشاشة العرس
أثره وحسنه أو فرحه وسروره يقال بش فلان بفلان أي أقبل عليه فرحا به ملطفا به واستدل
به على أن النكاح لا بد فيه من صداق لاستفهامه على الكمية ولم يقل هل أصدقتها أولا ويشعر
ظاهره بأنه يحتاج إلى تقدير لاطلاق لفظ كم الموضوعة للتقدير كذا قال بعض المالكية وفيه
نظر لاحتمال أن يكون المراد الاستخبار عن الكثرة أو القلة فيخبره بعد ذلك بما يليق بحال مثله
فلما قال له القدر لم ينكر عليه بل أقره واستدل به على استحباب تقليل الصداق لان عبد الرحمن
ابن عوف كان من مياسير الصحابة وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على اصداقه وزن نواة من
ذهب وتعقب بأن ذلك كان في أول الأمر حين قدم المدينة وانما حصل له اليسار بعد ذلك من
ملازمة التجارة حتى ظهرت منه من الإعانة في بعض الغزوات ما اشتهر وذلك ببركة دعاء النبي صلى
الله عليه وسلم له كما تقدم واستدل به على جواز المواعدة لمن يريد أن يتزوج بها إذا طلقها
زوجها وأوفت العدة لقول سعد بن الربيع انظر أي زوجتي أعجب إليك حتى أطلقها فإذا
انقضت عدتها تزوجتها ووقع تقرير ذلك ويعكر على هذا أنه لم ينقل أن المرأة علمت بذلك ولا سيما
ولم يقع تعيينها لكن الاطلاع على أحوالهم إذ ذاك يقتضى انهما علمتا معا لان ذلك كان قبل
نزول آية الحجاب فكانوا يجتمعون ولولا وثوق سعد بن الربيع من كل منهما بالرضا ما جزم بذلك
وقال ابن المنير لا يستلزم المواعدة بين الرجلين وقوع المواعدة بين الأجنبي والمرأة لأنها إذا منع
204

وهى في العدة من خطبتها تصريحا ففي هذا يكون بطريق الأولى لأنها إذا طلقت دخلت العدة
قطعا قال ولكنها وان اطلعت على ذلك فهي بعد انقضاء عدتها بالخيار والنهى انما وقع عن
المواعدة بين الأجنبي والمرأة أو وليها لا مع أجنبي آخر وفيه جواز نظر الرجل إلى المرأة قبل
أن يتزوجها * (تنبيه) * حقه أن يذكر في مكانه من كتاب الأدب لكن تعجلته هنا لتكميل فوائد
الحديث وذلك أن البخاري ترجم في كتاب الأدب باب الاخاء والحلف ثم ساق حديث الباب من
طريق يحيى بن سعيد القطان عن حميد واختصره فاقتصر منه على قوله عن أنس قال لما قدم علينا
عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم أولم ولو بشاة فرأى ذلك المحب الطبري فظن أنه حديث مستقل فترجم في أبواب
الوليمة ذكر الوليمة للاخاء ثم ساق هذا الحديث بهذا اللفظ وقال أخرجه البخاري وكون هذا طرفا
من حديث الباب لا يخفى على من له أدنى ممارسة بهذا الفن والبخاري يصنع ذلك كثيرا والامر
لعبد الرحمن بن عوف بالوليمة انما كان لأجل الزواج لا لأجل الاخاء وقد تعرض المحب لشئ
من ذلك لكنه أبداه احتمالا ولا يحتمل جريان هذا لاحتمال ممن يكون محدثا فالله أعلم بالصواب
* الحديث الثالث حديث ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شئ من نسائه ما أولم على زينب
هي بنت جحش كما في الباب الذي بعده وحماد المذكور في اسناده هو ابن زيد وهذا الذي ذكره
بحسب الاتفاق لا التحديد كما سأبينه في الباب الذي بعده وقد يؤخذ من عبارة صاحب
النبيه من الشافعية أن الشاة حد لأكثر الوليمة لأنه قال وأكملها شاة لكن نقل عياض الاجماع
على أنه لا حد لأكثرها وقال ابن أبي عصرون أقلها للموسر شاة وهذا موافق لحديث عبد
الرحمن بن عوف الماضي وقد تقدم ما فيه * الحديث الرابع (قوله حدثنا عبد الوارث) في
رواية الكشميهني عن عبد الوارث وشعيب هو ابن الحبحاب وقد تقدم شرح الحديث في باب
من جعل عتق الأمة صداقها وقوله في آخره وأولم عليها بحيس تقدم في باب اتخاذ السراري
من طريق حميد عن أنس أنه أمر بالانطاع فالقى فيها من التمر والأقط والسمن فكانت وليمته
ولا مخالفة بينهما لأن هذه من أجزاء الحيس قال أهل اللغة الحيس يؤخذ التمر فينزع نواه ويخلط
بالأقط أو الدقيق أو السويق اه‍ ولو جعل فيه السمن لم يخرج عن كونه حيسا * الحديث
الخامس (قوله زهير) هو ابن معاوية الجعفي (قوله عن بيان) هو ابن بشر الأحمسي ووقع
في رواية ابن خزيمة عن موسى بن عبد الرحمن المسروقي عن مالك بن إسماعيل شيخ البخاري فيه
عن زهير حدثنا بيان (قوله بامرأة) يغلب على الظن أنها زينب بنت جحش لما تقدم قريبا في
رواية أبى عثمان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه يدعو رجالا إلى الطعام ثم تبين ذلك
واضحا من رواية الترمذي لهذا الحديث تاما من طريق أخرى عن بيان بن بشر فزاد بعد قوله
إلى الطعام فما أكلوا وخرجوا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلين جالسين فذكر
قصة نزول يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية وهذا في قصة زينب بنت جحش
لا محالة كما قدم سياقه مطولا وشرحه في تفسير الأحزاب * (قوله باب من أولم
على بعض نسائه أكثر من بعض
ذكر فيه حديث أنس في زينب بنت جحش أولم عليها بشاة وهو
ظاهر فيما ترجم لما يقتضيه سياقه وأشار ابن بطال إلى أن ذلك لم يقع قصد التفضيل بعض النساء
205

على بعض بل باعتبار ما اتفق وانه لو وجد الشاة في كل منهن لأولم بها لأنه كان أجود الناس
ولكن كان لا يبالغ فيما يتعلق بأمور الدنيا في التأنق وجوز غيره أن يكون فعل ذلك لبيان الجواز
وقال الكرماني لعل السبب في تفضيل زينب في الوليمة على غيرها كان للشكر لله على ما أنعم به
عليه من تزويجه إياها بالوحي (قلت) ونفى أنس أن يكون لم يؤلم على غير زينب بأكثر مما أولم عليها
محمول على ما انتهى إليه علمه أو لما وقع من البركة في وليمتها حيث أشبع المسلمين خبرا ولحما من
الشاة الواحدة والا فالذي يظهر أنه لما أولم على ميمونة بنت الحرث لما تزوجها في عمرة القضية
بمكة وطلب من أهل مكة أن يحضروا وليمتها فامتنعوا أن يكون ما أولم به عليها أكثر من شاة
لوجود التوسعة عليه في تلك الحالة لان ذلك كان بعد فتح خيبر وقد وسع الله على المسلمين منذ
فتحها عليهم وقال ابن المنير يؤخذ من تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص
بعضهن دون بعض بالاتحاف والالطاف والهدايا (قلت) وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب
الهبة * (قوله باب من أولم بأقل من شاة) هذه الترجمة وإن كان حكمها مستفادا
من التي قبلها لكن الذي وقع في هذه بالتنصيص (قوله حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي
كما جزم به الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما ومن تبعهما وسفيان هو الثوري لما سيأتي
من كلام أهل النقد وجوز الكرماني أن يكون سفيان هو ابن عيينة ومحمد بن يوسف هو
البيكندي وأيد ذلك بأن السفيانين رويا عن منصور بن عبد الرحمن والمجزوم به عندنا أنه
الفريابي عن الثوري قال البرقاني روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي ووكيع والفريابي
وروح بن عبادة عن الثوري فجعلوه من رواية صفية بنت شيبة ورواه أبو أحمد الزبيري
ومؤمل بن إسماعيل ويحيى بن اليمان عن الثوري فقالوا فيه عن صفية بنت شيبة عن عائشة قال
والأول أصح وصفية ليست بصحابية وحديثها مرسل قال وقد نصر النسائي قول من لم يقل
عن عائشة وأورده عن بندار عن ابن مهدي وقال إنه مرسل اه‍ ورواية وكيع أخرجها
ابن أبي شيبة في مصنفه عنه وأصلح في بعض النسخ بذكر عائشة وهو وهم من فاعله وأخرجه
الإسماعيلي من رواية يزيد بن أبي حكيم العدني وأخرجه إسماعيل القاضي في كتاب أخلاق
النبي صلى الله عليه وسلم عن محمد بن كثير العبدي كلاهما عن الثوري كما قال الفريابي وأخرجه
الإسماعيلي أيضا من رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الثوري بذكر عائشة فيه وزعم
ابن المواق أن النسائي أخرجه من رواية يحيى بن آدم عن الثوري وقال ليس هو بدون الفريابي
كذا قال ولم يخرجه النسائي الا من رواية يحيى بن اليمان وهو ضعيف وكذلك مؤمل بن إسماعيل
في حديثه عن الثوري ضعف وأقوى من زاد فيه عائشة أبو أحمد الزبيري أخرجه أحمد في
مسنده عنه ويحيى بن أبي زائدة والذين لم يذكروا فيه عائشة أكثر عددا وأحفظ وأعرف
بحديث الثوري ممن زاد فالذي يظهر على قواعد المحدثين أنه من المزيد في متصل الأسانيد وذكر
الإسماعيلي أن عمر بن محمد بن الحسن بن التل رواه عن أبيه عن الثوري فقال فيه عن منصور
ابن صفية عن صفية بنت حيى قال وهو غلط لا شك فيه ويحتمل أن يكون مراد بعض من
أطلق أنه مرسل يعنى من مراسيل الصحابة لان صفية بنت شيبة ما حضرت قصة زواج المرأة
المذكورة في الحديث لأنها كانت بمكة طفلة أو لم تولد بعد وتزويج المرأة كان بالمدينة كما سيأتي
206

بيانه وأما جزم البرقاني بأنه إذا كان بدون ذكر عائشة يكون مرسلا فسبقه إلى ذلك النسائي
ثم الدارقطني فقال هذا من الأحاديث التي تعد فيما أخرج البخاري من المراسيل وكذا جزم
ابن سعد وابن حبان بأن صفية بنت شيبة تابعية لكن ذكر المزي في الأطراف أن البخاري
أخرج في كتاب الحج عقب حديث أبي هريرة وابن عباس في تحريم مكة قال وقال أبان بن
صالح عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله قال
ووصله ابن ماجة من هذا الوجه (قلت) وكذا وصله البخاري في التاريخ ثم قال المزي لو صح هذا
لكان صريحا في صحبتها لكن أبان بن صالح ضعيف كذا أطلق هنا ولم ينقل في ترجمة أبان بن
صالح في التهذيب تضعيفه عن أحد بل نقل توثيقه عن يحيى بن معين وأبى حاتم وأي زرعة وغيرهم
وقال الذهبي في مختصر التهذيب ما رأيت أحدا ضعف أبان بن صالح وكأنه لم يقف على قول ابن
عبد البر في التمهيد لما ذكر حديث جابر في استقبال قاضى الحاجة القبلة من رواية أبان بن صالح
المذكور هذا ليس صحيحا لان أبان بن صالح ضعيف كذا قال وكأنه التبس عليه بابان بن أبي
عياش البصري صاحب أنس فإنه ضعيف باتفاق وهو أشهر وأكثر حديثا ورواه من أبان بن صالح
ولهذا لما ذكر ابن حزم الحديث المذكور عن جابر قال أبان بن صالح ليس بالمشهور (قلت) ولكن
يكفي توثيق ابن معين ومن ذكر له وقد روى عنه أيضا ابن جريج وأسامة بن زيد الليثي وغيرهما
وأشهر من روى عنه محمد بن إسحاق وقد ذكر المزي أيضا حديث صفية بنت شيبة قالت طاف النبي
صلى الله عليه وسلم على بعير يستلم الحجر 2 بمحجن وأنا أنظر إليه أخرجه أبو داود وابن ماجة قال
المزي هذا يضعف قول من أنكر أن يكون لها رؤية فان اسناده حسن (قلت) وإذا ثبتت رؤيتها له
صلى الله عليه وسلم وضبطت ذلك فما المانع أن تسمع خطبته ولو كانت صغيرة (قوله عن منصور بن
صفية) هي أمه واسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة بن الحرث بن طلحة بن أبي طلحة القرشي العبدري
الحجى قتل جده الاعلى الحرث يوم أحد كافرا وكذا أبوه طلحة بن أبي طلحة ولجده الأدنى طلحة بن
الحرث رؤبة وقد أغفل ذكره من صنف في الصحابة وهو وارد عليهم ووقع في رجال البخاري
للكلاباذى انه منصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن عمر بن عبد الرحمن التيمي ووهم في ذلك كما نبه عليه
الرضى الشاطبي فيما قرأت بخطه (قوله أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه) لم أقف على
تعيين اسمها صريحا وأقرب ما يفسر به أم سلمة فقد أخرج ابن سعد عن شيخه الواقدي بسند له إلى
أم سلمة قالت لما خطبني النبي صلى الله عليه وسلم فذكر قصة تزويجه بها فادخلنى بيت زينب
بنت خزيمة فإذا جرة فيها شئ من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرية وأخذت شيئا من اهالة
فأدمته فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج ابن سعد أيضا وأحمد باسناد صحيح
إلى أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث أن أم سلمة أخبرته فذكر قصة خطبتها وتزويجها وفيه قالت
فأخذت ثفالى 3 وأخرجت حبات من شعير كانت في جرتي وأخرجت شحما فعصدته له ثم بات ثم
أصبح الحديث وأخرجه النسائي أيضا لكن لم يذكر المقصود هنا وأصله في مسلم من وجه آخر بدونه
وأما ما أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق شريك عن حميد عن أنس قال أولم رسول الله صلى
الله عليه وسلم على أم سلمة بتمر وسمن فهو وهم من شريك لأنه كان سيئ الحفظ أو من الراوي عنه
وهو جندل بن والق فان مسلما والبزار ضعفاه وقواه أبو حاتم الرازي والبستي وانما هو المحفوظ من
207

حديث حميد عن أنس أن ذلك في قصة صفية كذلك أخرجه النسائي من رواية سليمان بن بلال
وغيره عن حميد عن أنس مختصرا وقد تقدم مطولا في أوائل النكاح للبخاري من وجه آخر عن
حميد عن أنس وأخرج أصحاب السنن من رواية الزهري عن أنس نحوه في قصة صفية ويحتمل أن
يكون المراد بنسائه ما هو أعم من أزواجه أي من ينسب إليه من النساء في الجملة فقد أخرج
الطبراني من حديث أسماء بنت عميس قالت لقد أولم على بفاطمة فما كانت وليمة في ذلك الزمان
أفضل من وليمته رهن درعه عند يهودي بشطر شعير ولا شك أن المدين نصف الصاع فكأنه قال
شطر صاع فينطبق على القصة التي في الباب ويكون نسبة الوليمة إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم مجازية اما لكونه الذي وفى اليهودي ثمن شعيره أو لغير ذلك (قوله بمدين من شعير) كذا
وقع في رواية كل من رواه عن الثوري فيما وقفت عليه ممن قدمت ذكره الا عبد الرحمن بن مهدي
فوقع في روايته بصاعين من شعير أخرجه النسائي والإسماعيلي من روايته وهو وإن كان
أحفظ من رواه عن الثوري لكن العدد الكثير أولى بالضبط من الواحد كما قال الشافعي
في غير هذا والله أعلم * (قوله باب حق إجابة الوليمة والدعوة) كذا عطف
الدعوة على الوليمة فأشار بذلك إلى أن الوليمة مختصة بطعام العرس ويكون عطف الدعوة عليها
من العام بعد الخاص وقد تقدم بيان الاختلاف في وقته وأما اختصاص اسم الوليمة به فهو قول
أهل اللغة فيما نقله عنهم ابن عبد البر وهو المنقول عن الخليل بن أحمد وثعلب وغيرهما وجزم به
الجوهري وابن الأثير وقال صاحب المحكم الوليمة طعام العرس والاملاك وقيل كل طعام صنع
لعرس وغيره وقال عياض في المشارق الوليمة طعام النكاح وقيل الاملاك وقيل طعام العرس
خاصة وقال الشافعي وأصحابه تقع الوليمة على كل دعوة تتخذ لسرور حادث من نكاح أو ختان
وغيرهما لكن الأشهر استعمالها عند الاطلاق في النكاح وتقيد في غيره فيقال وليمة الختان
ونحو ذلك وقال الأزهري الوليمة مأخوذة من الولم وهو الجمع وزنا ومعنى لان الزوجين يجتمعان
وقال ابن الاعرابى أصلها من تتميم الشئ واجتماعه وجزم الماوردي ثم القرطبي بأنها لا تطلق في
غير طعام العرس الا بقرينة وأما الدعوة فهي أعم من الوليمة وهى بفتح الدال على المشهور وضمها
قطرب في مثلثته وغلطوه في ذلك على ما قال النووي قال ودعوة النسب بكسر الدال وعكس
ذلك بنو تيم الرباب ففتحوا دال دعوة النسب وكسروا دال دعوة الطعام انتهى وما نسبه لبنى تيم
الرباب نسبه صاحبا الصحاح والمحكم لبنى عدى الرباب فالله أعلم وذكر النووي تبعا لعياض أن
الولائم ثمانية الاعذار بعين مهملة وذال معجمة للختان والعقيقة للولادة والخرس بضم المعجمة
وسكون الراء ثم سين مهملة لسلامة المرأة من الطلق وقيل هو طعام الولادة والعقيقة تختص
بيوم السابع والنقيعة لقدوم المسافر مشتقة من النقع وهو الغبار والوكيرة للسكن المتجدد
مأخوذ من الوكر وهو المأوى والمستقر والوضيمة بضاد معجمة لما يتخذ عند المصيبة والمأدبة لما
يتخذ بلا سبب ودالها مضمومة ويجوز فتحها انتهى والاعذار يقال فيه أيضا العذرة بضم ثم سكون
والخرس يقال فيه أيضا بالصاد المهملة بدل السين وقد تزاد في آخرها هاء فيقال خرسه وخرصه
وقيل إنها لسلامة المرأة من الطلق وأما التي للولادة بمعنى الفرح بالمولود فهي العقيقة واختلف
في النقيعة هل التي يصنعها القادم من السفر أو تصنع له قولان وقيل النقيعة التي يصنعها
208

القادم والتي تصنع له تسمى التحفة وقيل إن الوليمة خاص بطعام الدخول وأما طعام الاملاك
فيسمى الشندخ بضم المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة وقد تضم وآخره خاء معجمة مأخوذ
من قوله فرس شندخ أي يتقدم غيره سمى طعام الاملاك بذلك لأنه يتقدم الدخول وأغرب
شيخنا في التدريب فقال الولائم سبع وهو وليمة الاملاك وهو التزوج ويقال لها النقيعة بنون
وقاف ووليمة الدخول وهو العرس وقل من غاير بينهما انتهى وموضع اغرابه تسمية وليمة الاملاك
نقيعة ثم رأيته تبع في ذلك المنذري في حواشيه وقد شذ بذلك وقد فاتهم ذكر الحذاق بكسر المهملة
وتخفيف الدال المعجمة وآخره قاف الطعام الذي يتخذ عند حذق الصبى ذكره ابن الصباغ في
الشامل وقال ابن الرفعة هو الذي يصنع عند الختم أي ختم القرآن كذا قيده ويحتمل ختم قدر
مقصود منه ويحتمل أن يطرد ذلك في حذقه لكل صناعة وذكر المحاملي في الرونق في الولائم العتيرة
بفتح المهملة ثم مثناة مكسورة وهى شاة تذبح في أول رجب وتعقب بأنها في معنى الأضحية فلا
معنى لذكرها مع الولائم وسيأتى حكمها في أواخر كتاب العقيقة والا فلتذكر في الأضحية وأما
المأدبة ففيها تفصيل لأنها إن كانت لقوم مخصوصين فهي النقري بفتح النون والقاف مقصور
وإن كانت عامة فهي الجفلى بجيم وفاء بوزن الأول قال الشاعر
- نحن في المشتاة ندعو الجفلى * لا ترى الآدب منا ينتقر -
وصف قومه بالجود وأنهم إذا صنعوا مأدبة دعوا إليها عموما لا خصوصا وخص الشتاء لأنها مظنة
قلة الشئ وكثرة احتياج من يدعى والآدب بوزن اسم الفاعل من المأدبة وينتقر مشتق من النقري
وقد وقع في آخر حديث أبي هريرة الذي أوله الوليمة حق وسنة كما أشرت إليه في باب الوليمة حق
قال والخرس والاعذار والتوكير أنت فيه بالخيار وفيه تفسير ذلك وظاهر سياقه الرفع ويحتمل
الوقف وفى مسند أحمد من حديث عثمان بن أبي العاص في وليمة الختان لم يكن يدعى لها واما قول
المصنف حق إجابة فيشير إلى وجوب الإجابة وقد نقل ابن عبد البر ثم عياض ثم النووي الاتفاق
على القول بوجوب الإجابة لوليمة العرس وفيه نظر نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب وصرح
جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك وعن بعض الشافعية والحنابلة
أنها مستحبة وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب وكلام صاحب الهداية يقتضى الوجوب
مع تصريحه بأنها سنة فكانه أراد أنها وجبت بالسنة وليست فرضا كما عرف من قاعدتهم وعن
بعض الشافعية والحنابلة هي فرض كفاية وحكى ابن دقيق العيد في شرح الالمام أن محل
ذلك إذا عمت الدعوة أما لو خص كل واحد بالدعوة فان الإجابة تتعين وشرط وجوبها أن يكون
الداعي مكلفا حرا رشيدا وأن لا يخص الأغنياء دون الفقراء وسيأتي البحث فيه في الباب الذي
يليه وأن لا يظهر قصد التودد لشخص بعينه لرغبة فيه أو رهبة منه وأن يكون الداعي مسلما على
الأصح وأن يختص باليوم الأول على المشهور وسيأتي البحث فيه وأن لا يسبق فمن سبق تعينت
الإجابة له دون الثاني وان جاءا معا قدم الأقرب رحما على الأقرب جوارا على الأصح فان استويا
أقرع وأن لا يكون هناك من يتأذى بحضوره من منكر وغيره كما سيأتي البحث فيه بعد أربعة
أبواب وأن لا يكون له عذر وضبطه الماوردي بما يرخص به في ترك الجماعة هذا كله في وليمة
العرس فاما الدعوة في غير العرس فسيأتي البحث فيها بعد بابين (قوله ومن أولم سبعة أيام ونحوه)
209

يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت لما تزوج أبى دعا الصحابة
سبعة أيام فلما كان يوم الأنصار دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما فكان أبى صائما
فلما طعموا دعا أبى وأثنى وأخرجه البيهقي من وجه آخر أتم سياقا منه وأخرجه عبد الرزاق
من وجه آخر إلى حفصة وقال فيه ثمانية أيام واليه أشار المصنف بقوله ونحوه لان القصة
واحدة وهذا وان لم يذكره المصنف لكنه جنح إلى ترجيحه لاطلاق الامر بإجابة الدعوة بغير تقييد
كما سيظهر من كلامه الذي سأذكره وقد نبه على ذلك ابن المنير (قوله ولم يوقت النبي صلى الله عليه
وسلم يوما ولا يومين) أي لم يجعل للوليمة وقتا معينا يختص به الايجاب أو الاستحباب وأخذ ذلك
من الاطلاق وقد أفصح بمراده في تاريخه فإنه أورد في ترجمة زهير بن عثمان الحديث الذي أخرجه
أبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل من ثقيف كان يثنى
عليه ان لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدرى ما اسمه يقوله قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم الوليمة أول يوم حق * والثاني معروف * والثالث رياء وسمعة قال البخاري لا يصح اسناده
ولا يصح له صحبة يعنى لزهير قال وقال ابن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعى أحدكم
إلى الوليمة فليجب ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها وهذا أصح قال وقال ابن سيرين عن أبيه انه
لما بنى باهله أولم سبعة أيام فدعا في ذلك أبي بن كعب فاجابه اه‍ وقد خالف يونس بن عبيد
قتادة في اسناده فرواه عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أو معضلا لم يذكر عبد الله
ابن عثمان ولا زهيرا أخرجه النسائي ورجحه على الموصول وأشار أبو حاتم إلى ترجيحه ثم أخرج
النسائي عقبه حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام على صفية ثلاثة أيام حتى
أعرس بها فأشار إلى تضعيفه أو إلى تخصيصه وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو يعلى بسند حسن
عن أنس قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية وجعل عتقها صداقها وجعل الوليمة ثلاثة
أيام الحديث وقد وجدنا لحديث زهير بن عثمان شواهد منها عن أبي هريرة مثله أخرجه ابن
ماجة وفيه عبد الملك بن حسين وهو ضعيف جدا وله طريق أخرى عن أبي هريرة أشرت إليها في
باب الوليمة حق وعن أنس مثله أخرجه ابن عدي والبيهقي وفيه بكر بن خنيس وهو ضعيف وله
طريق أخرى ذكر ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عن حديث رواه مروان بن معاوية عن عوف عن
الحسن عن أنس نحوه فقال انما هو عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل وعن ابن
مسعود أخرجه الترمذي بلفظ طعام أول يوم حق وطعام يوم الثاني سنة وطعام يوم الثالث
سمعة ومن سمع سمع الله به وقال لا نعرفه الا من حديث زياد بن عبد الله البكائي وهو كثير الغرائب
والمناكير (قلت) وشيخه فيه عطاء بن السائب وسماع زياد منه بعد اختلاطه فهذه علته وعن
ابن عباس رفعه طعام في العرس يوم سنة وطعام يومين فضل وطعام ثلاثة أيام رياء وسمعة
أخرجه الطبراني بسند ضعيف وهذه الأحاديث وإن كان كل منها لا يخلو عن مقال فمجموعها يدل
على أن للحديث أصلا وقد وقع في رواية أبى داود والدارمي في آخر حديث زهير بن عثمان قال
قتادة بلغني عن سعيد بن المسيب أنه دعى أول يوم وأجاب ودعى ثاني يوم فأجاب ودعى ثالث يوم
فلم يجب وقال أهل رياء وسمعة فكأنه بلغه الحديث فعمل بظاهره ان ثبت ذلك عنه وقد عمل به
الشافعية والحنابلة قال النووي إذا أولم ثلاثا فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة وفى الثاني
210

لا تجب قطعا ولا يكون استحبابها فيه كاستحبابها في اليوم الأول وقد حكى صاحب التعجيز في
وجوبها في اليوم الثاني وجهين وقال في شرحه أصحهما الوجوب وبه قطع الجرجاني لوصفه بأنه
معروف أو سنة واعتبر الحنابلة الوجوب في اليوم الأول وأما الثاني فقالوا سنة تمسكا بظاهر لفظ
حديث ابن مسعود وفيه بحث وأما الكراهة في اليوم الثالث فاطلقه بعضهم لظاهر الخبر
وقال العمراني انما تكره إذا كان المدعو في الثالث هو المدعو في الأول وكذا صوره الروياني
واستبعده بعض المتأخرين وليس ببعيد لأن اطلاق كونه رياء وسمعة يشعر بان ذلك صنع
للمباهاة وإذا كثر الناس فدعا في كل يوم فرقة لم يكن في ذلك مباهاة غالبا والى ما جنح إليه
البخاري ذهب المالكية قال عياض استحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعا قال وقال
بعضهم محله إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله ولم يكرر عليهم وهذا شبيه بما تقدم عن الروياني وإذا
حملنا الامر في كراهة الثالث على ما إذا كان هناك رياء وسمعة ومباهاة كان الرابع وما بعده
كذلك فيمكن حمل ما وقع من السلف من الزيادة على اليومين عند الامن من ذلك وانما أطلق
ذلك على الثالث لكونه الغالب والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث * أحدها
حديث ابن عمر أورده من طريق مالك عن نافع بلفظ إذا دعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها وسيأتى
البحث فيه بعد بابين وقوله فليأتها أي فليأت مكانها والتقدير إذا دعى إلى مكان وليمة فليأتها
ولا يضر إعادة الضمير مؤنثا * ثانيها حديث أبي موسى أورده لقوله فيه وأجيبوا الداعي وقد
تقدم في الجهاد قال ابن التين قوله وأجيبوا الداعي يريد إلى وليمة العرس كما دل عليه حديث ابن
عمر الذي قبله يعنى في تخصيص الامر بالاتيان بالدعاء إلى الوليمة وقال الكرماني قوله الداعي عام
وقد قال الجمهور تجب في وليمة النكاح وتستحب في غيرها فيلزم استعمال اللفظ في الايجاب
والندب وهو ممتنع قال والجواب ان الشافعي أجازه وحمله غيره على عموم المجاز اه‍ ويحتمل أن
يكون هذا اللفظ وإن كان عاما فالمراد به خاص وأما استحباب إجابة طعام غير العرس فمن دليل
آخر * ثالثها حديث البراء بن عازب أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا وفى آخره وإجابة
الداعي أورده من طريق أبى الأحوص عن الأشعث وهو ابن أبي الشعثاء سليم المحاربي ثم قال
بعده تابعه أبو عوانة والشيباني عن أشعث في افشاء السلام فأما متابعة أبى عوانة فوصلها
المؤلف في الأشربة عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن أشعث بن سليم به وأما متابعة
الشيباني وهو أبو إسحاق فوصلها المؤلف في كتاب الاستئذان عن قتيبة عن جرير عن الشيباني
عن أشعث بن أبي الشعثاء به وسيأتى شرحه مستوفى في أواخر كتاب الأدب إن شاء الله تعالى
وقد أخرجه في مواضع أخرى من غير رواية هؤلاء الثلاثة فذكره بلفظ رد السلام بدل افشاء
السلام فهذه نكتة الاقتصار * رابعها حديث سهل بن سعد (قوله حدثنا عبد العزيز بن أبي
حازم عن أبيه) في رواية المستملى عن أبي حازم وذكر الكرماني أنه وقع في رواية عن عبد العزيز
ابن أبي حازم عن سهل وهو سهو إذ لا بد من واسطة بينهما أما أبوه أو غيره (قلت) لعل الرواية عن
عبد العزيز عن أبي حازم فتصحفت عن فصارت ابن وسيأتى شرح الحديث بعد خمسة أبواب
* (قوله باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله) أورد فيه حديث ابن شهاب
عن الأعرج عن أبي هريرة انه كان يقول شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء
211

ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق معن بن عيسى
عن مالك المساكين بدل الفقراء وأول هذا الحديث موقوف ولكن آخره يقتضى رفعه ذكر ذلك
ابن بطال قال ومثله حديث أبي الشعثاء ان أبا هريرة أبصر رجلا خارجا من المسجد بعد الاذان
فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم
قال ومثل هذا لا يكون رأيا ولهذا أدخله الأئمة في مسانيدهم
انتهى وذكر ابن عبد البر أن جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه وقال فيه روح بن القاسم عن مالك
بسنده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وكذا أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق
إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن مالك وقد أخرجه مسلم من رواية معمر وسفيان بن عيينة عن
الزهري شيخ مالك كما قال مالك ومن رواية أبى الزناد عن الأعرج كذلك والأعرج شيخ الزهري فيه
هو عبد الرحمن كما وقع في رواية سفيان قال سألت الزهري فقال حدثني عبد الرحمن الأعرج انه سمع
أبا هريرة فذكره ولسفيان فيه شيخ آخر باسناد آخر إلى أبي هريرة صرح فيه برفعه إلى النبي صلى
الله عليه وسلم أخرجه مسلم أيضا من طريق سفيان سمعت زياد بن سعد يقول سمعت ثابتا الأعرج
يحدث عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكر نحوه وكذا أخرجه أبو الشيخ من
طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا صريحا وأخرج له شاهدا من حديث ابن عمر كذلك
والذي يظهر أن اللام في الدعوة للعهد من الوليمة المذكورة أولا وقد تقدم ان الوليمة إذا أطلقت
حملت على طعام العرس بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد وقوله يدعى لها الأغنياء أي أنها تكون
شر الطعام إذا كانت بهذه الصفة ولهذا قال ابن مسعود إذا خص الغنى وترك الفقير أمرنا أن
لا نجيب قال قال ابن بطال وإذا ميز الداعي بين الأغنياء والفقراء فأطعم كلا على حدة لم يكن به بأس
وقد فعله ابن عمر وقال البيضاوي من مقدره كما يقال شر الناس من أكل وحده أي من شرهم
وانما سماه شرا لما ذكر عقبه فكأنه قال شر الطعام الذي شأنه كذا وقال الطيبى اللام في الوليمة
للعهد الخارجي إذ كان من عادة الجاهلية أن يدعوا الأغنياء ويتركوا الفقراء وقوله يدعى إلى آخره
استئناف وبيان لكونها شر الطعام وقوله ومن ترك إلى آخره حال والعامل يدعى أي يدعى
الأغنياء والحال أن الإجابة واجبة فيكون دعاؤه سببا لاكل المدعو شر الطعام ويشهد له ما ذكره
ابن بطال أن ابن حبيب روى عن أي هريرة أنه كان يقول أنتم العاصون في الدعوة تدعون من لا
يأتي وتدعون من يأتي يعنى بالأول الأغنياء وبالثاني الفقراء (قوله شر الطعام) في رواية مسلم عن
يحيى بن يحيى عن مالك بئس الطعام والأول رواية الأكثر وكذا في بقية الطرق (قوله يدعى
لها الأغنياء) في رواية ثابت الأعرج يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها والجملة في موضع
الحال لطعام الوليمة فلو دعا الداعي عاما لم يكن طعامه شر الطعام ووقع في رواية الطبراني من
حديث ابن عباس بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجيعان (قوله
ومن ترك الدعوة) أي ترك إجابة الدعوة وفى رواية ابن عمر المذكورة ومن دعى فلم يجب وهو
تفسير للرواية الأخرى (قوله فقد عصى الله ورسوله) هذا دليل وجوب الإجابة لان العصيان
لا يطلق الا على ترك الواجب ووقع في رواية لابن عمر عند أبي عوانة من دعى إلى وليمة فلم يأتها
فقد عصى الله ورسوله * (قوله باب من أجاب إلى كراع) بضم الكاف وتخفيف الراء
وآخره عين مهملة هو مستدق الساق من الرجل ومن حد الرسغ من اليد وهو من البقر والغنم
212

بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير وقيل الكراع ما دون الكعب من الدواب وقال ابن فارس
كراع كل شئ طرفه (قوله حدثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان وأبو حمزة بالمهملة والزاي هو
اليشكري (قوله عن أبي حازم) تقدم في الهبة من رواية شعبة عن الأعمش وهو لا يروى عن
مشايخه الا ما ظهر له سماعهم فيه وأبو حازم هذا هو سلمان بسكون اللام مولى عزة بفتح المهملة
وتشديد الزاي ووهم من زعم أنه سلمة بن دينار الراوي عن سهل بن سعد المقدم ذكره قريبا فإنهما
وان كانا مدنيين لكن راوي حديث الباب أكبر من ابن دينار (قوله ولو أهدى إلى كراع لقبلت)
كذا للأكثر من أصحاب الأعمش وتقدم في الهبة من طريق شعبة عن الأعمش بلفظ ذراع وكراع
بالتغيير والذراع أفضل من الكراع وفى المثل أنفق العبد كراعا وطلب ذراعا وقد زعم بعض
الشراح وكذا وقع للغزالي أن المراد بالكراع في هذا الحديث المكان المعروف بكراع الغميم بفتح
المعجمة هو موضع بين مكة والمدينة تقدم ذكره في المغازي وزعم أنه أطلق ذلك على سبيل المبالغة
في الإجابة ولو بعد المكان لكن المبالغة في الإجابة مع حقارة الشئ أوضح في المراد ولهذا ذهب
الجمهور إلى أن المراد بالكراع هنا كراع الشاة وقد تقدم توجيه ذلك في أوائل الهبة في حديث
يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة وأغرب الغزالي في الاحياء فذكر الحديث بلفظ
ولو دعيت إلى كرع الغميم ولا أصل لهذه الزيادة وقد أخرج الترمذي من حديث أنس وصححه
مرفوعا لو أهدى إلى كراع لقبلت ولو دعيت لمثله لأجبت وأخرج الطبراني من حديث أم حكيم
بنت وادع أنها قالت يا رسول الله أتكره الهدية فقال ما أقبح رد الهدية فذكر الحديث ويستفاد
سببه من هذه الرواية وفى الحديث دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وجبره
لقلوب الناس وعلى قبول الهدية وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله ولو علم أن الذي يدعوه إليه شئ
قليل قال المهلب لا يبعث على الدعوة إلى الطعام الا صدق المحبة وسرور الداعي بأكل المدعو من
طعامه والتحبب إليه بالمؤاكلة وتوكيد الذمام معه بها فلذلك حض صلى الله عليه وسلم على
الإجابة ولو نزر المدعو إليه وفيه الحض على المواصلة والتحاب والتآلف وإجابة الدعوة لما قل
أو كثر وقبول الهدية كذلك * (قوله باب إجابة الداعي في العرس وغيره) ذكر
فيه حديث ابن عمر أجيبوا هذه الدعوة وهذه اللام يحتمل أن تكون للعهد والمراد وليمة العرس
ويؤيده رواية ابن عمر الأخرى إذا دعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها وقد تقرر أن الحديث الواحد
إذا تعددت ألفاظه وأمكن حمل بعضها على بعض تعين ذلك ويحتمل أن تكون اللام الغموم وهو
الذي فهمه راوي الحديث فكان يأتي الدعوة للعرس ولغيره (قوله حدثنا علي بن عبد الله بن
إبراهيم) هو البغدادي أخرج عنه البخاري هنا فقط وقد تقدم في فضائل القرآن روايته عن علي
ابن إبراهيم عن روح بن عبادة فقيل هو هذا نسبه إلى جده وقيل غيره كما تقدم بيانه وذكر أبو عمرو
والمستملى أن البخاري لما حدث عن علي بن عبد الله بن إبراهيم هذا سئل عنه فقال متقن (قوله
عن نافع) في رواية فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة حدثني نافع أخرجه الإسماعيلي (قوله
قال كان عبد الله) القائل هو نافع وقد أخرج مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن عبد الله بن
عمر العمرى عن نافع بلفظ إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب وأخرجه مسلم وأبو داود من
طريق أيوب عن نافع بلفظ إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو نحوه ولمسلم من طريق
213

الزبيدي عن نافع بلفظ من دعى إلى عرس أو نحوه فليجب وهذا يؤيد ما فهمه ابن عمر وأن الامر
بالإجابة لا يختص بطعام العرس وقد أخذ بظاهر الحديث بعض الشافعية فقال بوجوب الإجابة
إلى الدعوة مطلقا عرسا كان أو غيره بشرطه ونقله ابن عبد البر عن عبيد الله بن الحسن العنبري
قاضى البصرة وزعم ابن حزم انه قول جمهور الصحابة والتابعين ويعكر عليه ما نقلناه عن عثمان
ابن أبي العاص وهو من مشاهير الصحابة أنه قال في وليمة الختان لم يكن يدعى لها لكن يمكن
الانفصال عنه بان ذلك لا يمنع القول بالوجوب لو دعوا وعند عبد الرزاق باسناد صحيح عن ابن عمر
انه دعا لطعام فقال رجل من القوم اعفنى فقال ابن عمر انه لا عافية لك من هذا فقم وأخرج
الشافعي وعبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عباس أن ابن صفوان دعاه فقال انى مشغول وان لم
تعفني جئته وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور
الشافعية وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الاجماع ولفظ الشافعي اتيان دعوة الوليمة حق والوليمة
التي تعرف وليمة العرس وكل دعوة دعى إليها رجل وليمة فلا أرخص لاحد في تركها ولو تركها لم
يتبين لي أنه عاص في تركها كما تبين لي في وليمة العرس (قوله في العرس وغير العرس وهو صائم)
في رواية مسلم عن هارون بن عبد الله عن حجاج بن محمد ويأتيها وهو صائم ولابى عوانة من وجه
آخر عن نافع وكان ابن عمر يجيب صائما ومفطرا ووقع عند أبي داود من طريق أبى أسامة عن
عبيد الله بن عمر عن نافع في آخر الحديث المرفوع فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليدع
ولمسلم من حديث أبي هريرة فإن كان صائما فليصل ووقع في رواية هشام بن حسان في آخره
والصلاة الدعاء وهو من تفسير هشام راويه يؤيده الرواية الأخرى وحمله بعض الشراح على
ظاهره فقال إن كان صائما فليشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها ويحصل لأهل المنزل والحاضرين
بركتها وفيه نظر لعموم قوله لا صلاة بحضرة طعام لكن يمكن تخصيصه بغير الصائم وقد تقدم في باب
حق إجابة الوليمة أن أبي بن كعب لما حضر الوليمة وهو صائم أثنى ودعا وعند أبى عوانة من طريق
عمر بن محمد عن نافع كان ابن عمر إذا دعى أجاب فإن كان مفطرا أكل وإن كان صائما دعا لهم
وبرك ثم انصرف وفى الحضور فوائد أخرى كالتبرك بالمدعو التجمل به والانتفاع بإشارته
والصيانة عما لا يحصل له الصيانة لو لم يحضر وفى الاخلال بالإجابة تفويت ذلك ولا يخفى ما يقع
للداعي من ذلك من التشويش وعرف من قوله فليدع لهم حصول المقصود من الإجابة بذلك وأن
المدعو لا يجب عليه الاكل وهل يستحب له أن يفطر إن كان صومه تطوعا قال أكثر الشافعية
وبعض الحنابلة إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالأفضل الفطر والا فالصوم وأطلق
الروياني وابن الفراء استحباب الفطر وهذا على رأى من يجوز الخروج من صوم النفل وأما من
يوجبه فلا يجوز عنده الفطر كما في صوم الفرض ويبعد اطلاق استحباب الفطر مع وجود
الخلاف ولا سيما إن كان وقت الافطار قد قرب ويؤخذ من فعل ابن عمر أن الصوم ليس عذرا في
ترك الإجابة ولا سيما مع ورود الامر للصائم بالحضور والدعاء نعم لو اعتذر به المدعو فقبل الداعي عذره
لكونه يشق عليه أن لا يأكل إذا حضر أو لغير ذلك كان ذلك عذرا له في التأخر ووقع في حديث
جابر عند مسلم إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب فان شاء طعم وان شاء ترك فيؤخذ منه أن المفطر
ولو حضر لا يجب عليه الاكل وهو أصح الوجهين عند الشافعية وقال ابن الحاجب في مختصره
214

ووجوب أكل المفطر محتمل وصرح الحنابلة بعدم الوجوب واختار النووي الوجوب وبه قال
أهل الظاهر والحجة لهم قوله في إحدى روايات ابن عمر عند مسلم فإن كان مفطرا فليطعم قال
النووي وتحمل رواية جابر على من كان صائما ويؤيده رواية ابن ماجة فيه بلفظ من دعى إلى
طعام وهو صائم فليجب فان شاء طعم وان شاء ترك ويتعين حمله على من كان صائما نفلا ويكون
فيه حجة لمن استحب له أن يخرج من صيامه لذلك ويؤيده ما أخرجه الطيالسي والطبراني في
الأوسط عن أبي سعيد قال دعا رجل إلى طعام فقال رجل انى صائم فقال النبي صلى الله عليه
وسلم دعاكم أخاكم وتكلف لكم أفطر وصم يوما مكانه ان شئت في اسناده راو ضعيف لكنه توبع
والله أعلم * (قوله باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس) كأنه ترجم بهذا
لئلا يتخيل أحد كراهة ذلك فأراد انه مشروع بغير كراهة (قوله حدثنا عبد الرحمن بن المبارك)
هو العيشي بالتحتانية والشين وليس هو أخا عبد الله بن المبارك المشهور وعبد الوارث هو ابن
سعيد والاسناد كله بصريون (قوله فقام ممتنا) بضم الميم بعدها ميم ساكنة ومثناة مفتوحة
ونون ثقيلة بعدها ألف أي قام قياما قويا مأخوذ من المنة بضم الميم وهى القوة أي قام إليهم
مسرعا مشتدا في ذلك فرحا بهم وقال أبو مروان بن سراج ورجحه القرطبي انه من الامتنان
لان من قام له النبي صلى الله عليه وأكرمه بذلك فقد امتن عليه بشئ لا أعظم منه قال
ويؤيده قوله بعد ذلك أنتم أحب الناس إلى ونقل ابن بطال عن القابسي قال قوله ممتنا يعنى
متفضلا عليهم بذلك فكأنه قال يمتن عليهم بمحبته ووقع في رواية أخرى متينا بوزن عظيم أي
قام قياما مستويا منتصبا طويلا ووقع في رواية ابن السكن فقام يمشى قال عياض وهو تصحيف
(قلت) ويؤيد التأويل الأول ما تقدم في فضائل الأنصار عن أبي معمر عن عبد الوارث بسند حديث
الباب بلفظ فقام ممثلا بضم أوله وسكون الميم الثانية بعدها مثلثة مكسورة وقد تفتح وضبط
أيضا بفتح الميم الثانية تشديد المثلثة والمعنى منتصبا قائما قال ابن التين كذا وقع في البخاري
والذي في اللغة مثل بفتح أوله وضم المثلثة وبفتحها قائما يمثل بضم المثلثة مثولا فهو ماثل إذا
انتصب قائما قال عياص وجاء هنا ممثلا يعنى بالتشديد أي مكلفا نفسه ذلك اه‍ ووقع في رواية
الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن إبراهيم بن الحجاج عن عبد الوارث فقام النبي صلى الله
عليه وسلم لهم مثيلا بوزن عظيم وهو فعيل من ماثل وعن إبراهيم بن هاشم عن إبراهيم بن الحجاج
مثله وزاد يعنى ماثلا (قوله اللهم أنتم من أحب الناس إلى) زاد في رواية أبى معمر قالها ثلاث
مرات وتقديم لفظ اللهم يقع للتبرك أو للاستشهاد بالله في صدقه ووقع في رواية مسلم من
طريق ابن علية عن عبد العزيز اللهم انهم والباقي مثله وأعادها ثلاث مرات وقد اتفقا كما
تقدم في فضائل القرآن على رواية هشام بن زيد عن أنس جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ومعها صبي لها فكلمها وقال والذي نفسي بيده انكم لأحب الناس إلى
مرتين وفى رواية تأتى في كتاب النذور ثلاث مرات ومن في هذه الرواية مقدرة بدليل رواية
حديث الباب * (قوله باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة) هكذا أورد الترجمة
بصورة الاستفهام ولم يبت الحكم لما فيها من الاحتمال كما سأبينه إن شاء الله تعالى (قوله
ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع) كذا في رواية المستملى والأصيلي والقابسي وعبدوس
215

وفى رواية الباقين أبو مسعود والأول تصحيف فيما أظن فإنني لم أر الأثر المعلق الا عن أبي مسعود
عقبة بن عمرو وأخرجه البيهقي من طريق عدى بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي مسعود أن رجلا
صنع طعاما فدعاه فقال أفى البيت صورة قال نعم فأبى أن يدخل حتى تكسر الصورة وسنده صحيح
وخالد بن سعد هو مولى أبى مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري ولا أعرف له عن عبد الله بن مسعود
رواية ويحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد الله بن مسعود أيضا لكن لم أقف عليه (قوله ودعا ابن
عمر أبا أيوب فرأى في البيت سترا على الجدار فقال ابن عمر غلبنا عليه النساء فقال من كنت
أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك والله لا أطعم لكم طعاما فرجع) وصله أحمد في كتاب الورع
ومسدد في مسنده ومن طريقه الطبراني من رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم
ابن عبد الله بن عمر قال أعرست في عهد أبى فآذن أبى الناس فكان أبو أيوب فيمن آدنا وقد ستروا
بيتي ببجاد أخضر فأقبل أبو أيوب فاطلع فرآه فقال يا عبد الله أتسترون الجدر فقال أبى واستحيا
غلبنا عليه النساء يا أبا أيوب فقال من خشيت أن تغلبه النساء فذكره ووقع لنا من وجه آخر
من طريق الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سالم بمعناه وفيه فاقبل أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم يدخلون الأول فالأول حتى أقبل أبو أيوب وفيه فقال عبد الله أقسمت عليك لترجعن
فقال وأنا أعزم على نفسي أن لا أدخل يومى هذا ثم انصرف وقد وقع نحو ذلك لابن عمر فيما بعد
فأنكره وأزال ما أنكر ولم يرجع كما صنع أبو أيوب فروينا في كتاب الزهد لأحمد من طريق عبد
الله بن عتبة قال دخل ابن عمر بيت رجل دعاه إلى عرس فإذا بيته قد ستر بالكرور فقال ابن عمر
يا فلان متى تحولت الكعبة في بيتك ثم قال لنفر معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ليهتك
كل رجل ما يليه وأخرج ابن وهب ومن طريقه البيهقي أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر دعى
لعرس فرأى البيت قد ستر فرجع فسئل فذكر قصة أبى أيوب ثم ذكر المصنف حديث عائشة
في الصور وسيأتى شرحه وبيان حكم الصور مستوفى في كتاب اللباس وموضع الترجمة منه
قولها قام على الباب فلم يدخل قال ابن بطال فيه أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر
مما نهى الله ورسوله عنه لما في ذلك من اظهار الرضا بها ونقل مذاهب القدماء في ذلك
وحاصله إن كان هناك محرم وقدر على ازالته فأزاله فلا باس وان لم يقدر فليرجع وإن كان مما يكره
كراهة تنزيه فلا يخفى الورع ومما يؤيد ذلك ما وقع في قصة ابن عمر من اختلاف الصحابة في دخول
البيت الذي سترت جدره ولو كان حراما ما قعد الذين قعدوا ولا فعله ابن عمر فيحمل فعل أبى أيوب
على كراهة التنزيه جمعا بين الفعلين ويحتمل أن يكون أبو أيوب كان يرى التحريم والذين
لم ينكروا كانوا يرون الإباحة وقد فصل العلماء ذلك على ما أشرت إليه قالوا إن كان لهوا مما
اختلف فيه فيجوز الحضور والأولى الترك وإن كان حراما كشرب الخمر نظر فإن كان المدعو ممن
إذا حضر رفع لأجله فليحضر وان لم يكن كذلك ففيه للشافعية وجهان أحدهما يحضر وينكر
بحسب قدرته وإن كان الأولى أن لا يحضر قال البيهقي وهو ظاهر نص الشافعي وعليه جرى
العراقيون من أصحابه وقال صاحب الهداية من الحنفية لا باس أن يقعد ويأكل إذا لم يكن
يقتدى به فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج لما فيه من شين الدين وفتح باب المعصية وحكى
عن أبي حنيفة أنه قعد وهو محمول على أنه وقع له ذلك قبل أن يصير مقتدى به قال وهذا كله بعد
216

الحضور فان علم قبله لم تلزمه الإجابة والوجه الثاني للشافعية تحريم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر
وصححه المراوزة فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم فإن لم ينتهوا فليخرج الا ان خاف على نفسه من
ذلك وعلى ذلك جرى الحنابلة وكذا اعتبر المالكية في وجوب الإجابة أن لا يكون هناك منكر
وإذا كان من أهل الهيئة لا ينبغي له أن يحضر موضعا فيه لهو أصلا حكاه ابن بطال وغيره عن
مالك ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجابة
طعام الفاسقين أخرجه الطبراني في الأوسط ويؤيده مع وجود الامر المحرم ما أخرجه النسائي
من حديث جابر مرفوعا من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر
واسناده جيد وأخرجه الترمذي من وجه آخر فيه ضعف عن جابر وأبو داود من حديث ابن عمر
بسند فيه انقطاع وأحمد من حديث عمر وأما حكم ستر البيوت والجدران ففي جوازه اختلاف
قديم وجزم جمهور الشافعية بالكراهة وصرح الشيخ أبو نصر المقدسي منهم بالتحريم واحتج
بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين
وجذب الستر حتى هتكه وأخرجه مسلم قال البيهقي هذه اللفظة تدل على كراهة ستر الجدار
وإن كان في بعض ألفاظ الحديث أن المنع كان بسبب الصورة وقال غيره ليس في السياق ما يدل
على التحريم وانما فيه نفى الامر بذلك ونفى الامر لا يستلزم ثبوت النهى لكن يمكن أن يحتج
بفعله صلى الله عليه وسلم في هتكه وجاء النهى عن ستر الجدر صريحا منها في حديث ابن عباس
عند أبي داود وغيره ولا تستروا الجدر بالثياب وفى اسناده ضعف وله شاهد مرسل عن علي بن
الحسين أخرجه ابن وهب ثم البيهقي من طريقه وعند سعيد بن منصور من حديث سلمان
موقوفا أنه أنكر ستر البيت وقال أمحموم بيتكم أو تحولت الكعبة عندكم قال لا أدخله حتى
يهتك وتقدم قريبا خبر أبي أيوب وابن عمر في ذلك وأخرج الحاكم والبيهقي من حديث محمد بن
كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه رأى بيتا مستورا فقعد وبكى وذكر حديثا عن النبي صلى
الله عليه وسلم فيه كيف بكم إذا سترتم بيوتكم الحديث وأصله في النسائي * (قوله
باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس) أي بنفسها ذكر فيه حديث
سهل بن سعد في قصة عرس أبى أسيد وترجم عليه في الذي بعده النقيع والشراب الذي لا يسكر
في العرس وتقدم قبل أبواب في إجابة الدعوة (قوله عن سهل) في الرواية التي بعدها سمعت
سهل بن سعد (قوله لما عرس) كذا وقع بتشديد الراء وقد أنكره الجوهري فقال اعرس ولا تقل
عرس (قوله أبو أسيد) في الرواية الماضية دعا أبو أسيد النبي صلى الله عليه وسلم في عرسه
وزاد في هذه الرواية وأصحابه ولم يقع ذلك في الروايتين الأخريين (قوله فما صنع لهم طعاما
ولا قربه إليهم الا امرأته أم أسيد) بضم الهمزة وهى ممن وافقت كنيتها كنية زوجها واسمها
سلامة بنت وهيب (قوله بلت تمرات) بموحدة ثم لام ثقيلة أي أنقعت كما في الرواية التي بعدها
وانما ضبطته لانى رأيته في شرح ابن التين ثلاث بلفظ العدد وهو تصحيف وزاد في الرواية
التي بعدها فقالت أو قال كذا بالشك لغير الكشميهني وله فقالت أو ما تدرون بالجزم وتقدم
في الرواية الماضية قال سهل وهى المعتمدة فالحديث من رواية سهل وليس لام أسيد فيه رواية
وعلى هذا فقوله أتدرون ما أنقعت يكون بفتح العين وسكون التاء في الموضعين وعلى رواية
217

الكشميهني يكون بسكون العين وضم التاء (قوله في تور) بالمثناة اناء يكون من نحاس وغيره
وقد بين هنا أنه كان من حجارة (قوله أماثته) بمثلثة ثم مثناة قال ابن التين كذا وقع رباعيا
وأهل اللغة يقولونه ثلاثيا ماثته بغير ألف أي مرسته بيدها يقال ماثه يموثه ويميثه بالواو وبالياء
وقال الخليل مثت الملح في الماء ميثا أذبته وقد انماث هو اه‍ وقد أثبت الهروي اللغتين ماثه
وأماثه ثلاثيا ورباعيا (قوله تحفة بذلك) كذا للمستملى والسرخسي تحفة بوزن لقمة وللاصيلى
مثله وعنه بوزن تخصه وهو كذلك لابن السكن بالخاء والصاد الثقيلة وكذا هو لمسلم وفى رواية
الكشميهني أتحفته بذلك وفى رواية النسفي تتحفه بذلك وفى الحديث جواز خدمة المرأة
زوجها ومن يدعوه ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر
وجواز استخدام الرجل امرأته في مثل ذلك وشرب ما لا يسكر في الوليمة وفيه جواز ايثار كبير
القوم في الوليمة بشئ دون من معه * (قوله باب النقيع والشراب الذي لا يسكر
في العرس) تقدم في الذي قبله وقوله الذي لا يسكر استنبطه من قرب العهد بالنقع لقوله أنقعته
من الليل لأنه في مثل هذه المدة من أثناء الليل إلى أثناء النهار لا يتخمر وإذا لم يتخمر لم يسكر
* (قوله باب المداراة) هو بغير همز بمعنى المحاملة والملاينة وأما بالهمز فمعناه
المدافعة وليس مرادا هنا وقوله مع النساء وقول النبي صلى الله عليه وسلم انما المرأة كالضلع
أورده في الباب عن أبي هريرة بلفظ المرأة كالضلع وقد أخرجه الإسماعيلي من الوجه الذي
أخرجه منه البخاري بلفظ انما في أوله وذلك أن البخاري قال حدثنا عبد العزيز بن عبد الله وهو
الأويسي قال حدثني مالك وأخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن خالد بن
مخلد ومن طريق إسحاق بن إبراهيم بن سويد عن الأويسي كلاهما عن مالك وأوله انما وكذا
أخرجه الدارقطني من طريق أبى إسماعيل الترمذي عن الأويسي وأخرجه من طريق خالد بن مخلد
وأوله ان المرأة وكذا أخرجه مسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد بلفظ ان المرأة خلقت من
ضلع لن تستقيم لك على طريقة (قوله عن أبي الزناد عن الأعرج) في رواية سعيد بن داود عند
الدارقطني في الغرائب عن مالك أخبرني أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز وهو الأعرج أخبره
أنه سمع أبا هريرة وساق المتن بنحو لفظ سفيان لكن قال على خليقة واحدة انما هي كالضلع
الحديث ووقع لنا بلفظ المداراة من حديث سمرة رفعه خلقت المرأة من ضلع فان تقمها
تكسرها فدارها تعش بها أخرجه ابن حبان والحاكم والطبراني في الأوسط وقوله وفيها عوج
بكسر العين وفتح الواو بعدها جيم للأكثر وبالفتح لبعضهم وقال أهل اللغة العوج بالفتح في كل
منتصب كالحائط والعود وشبهه وبالكسر ما كان في بساط أو أرض أو معاش أو دين ونقل ابن
قرقول عن أهل اللغة أن الفتح في الشخص المرئي والكسر فيما ليس بمرئى وقال القرطبي بالفتح
في الأجسام وبالكسر في المعاني وهو نحو الذي قبله وانفرد أبو عمرو الشيباني فقال كلاهما
بالكسر ومصدرهما بالفتح * (قوله باب الوصاة بالنساء) بفتح الواو والصاد المهملة
مقصور وهى لغة في الوصية كما تقدم وفى بعض الروايات الوصاية (قوله عن ميسرة) هو ابن عمار
الأشجعي وقد تقدم ذكره في بدء الخلق وأبو حازم هو الأشجعي سلمان مولى عزة بمهملة مفتوحة ثم زاي
ثقيلة (قوله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذى جاره واستوصوا بالنساء خيرا) الحديث
218

هما حديثان يأتي شرح الأول منهما في كتاب الأدب وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة
عن حسين بن علي الجعفي شيخ شيخ البخاري فيه فلم يذكر الحديث الأول وذكر بدله من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فإذا شهد امرؤ فليتكلم بخير أو ليسكت والذي يظهر أنها أحاديث كانت عند
حسين الجعفي عن زائدة بهذا الاسناد فربما جمع وربما أفرد وربما استوعب وربما اقتصر وقد
تقدم في بدء الخلق من وجه آخر عن حسين بن علي مقتصرا على الثاني وكذا أخرجه النسائي عن
القاسم بن زكريا عن حسين بن علي وأخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن إسحاق بن أبي
إسرائيل عن حسين بن علي بالأحاديث الثلاثة وزاد ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فليحسن قرى ضيفه الحديث (قوله فإنهن خلقن من ضلع
بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وقد
تسكن وكان فيه إشارة إلى ما أخرجه ابن إسحاق في المبتدا عن ابن عباس أن حواء خلقت من
ضلع آدم الأقصر الأيسر وهو نائم وكذا أخرجه ابن أبي حازم وغيره من حديث مجاهد
وأغرب النووي فعزاه للفقهاء أو بعضهم فكان المعنى أن النساء خلقن من أصل خلق من شئ
معوج وهذا لا يخالف الحديث الماضي من تشبيه المرأة بالضلع بل يستفاد من هذا نكتة
التشبيه وانها عوجاء مثله لكون أصلها منه وقد تقدم شئ من ذلك في كتاب بدء الخلق (قوله
وان أعوج شئ في الضلع أعلاه) ذكر ذلك تأكيدا لمعنى الكسر لان الإقامة أمرها أظهر في
الجهة العليا أو إشارة إلى أنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع مبالغة في اثبات هذه الصفة لهن
ويحتمل أن يكون ضرب ذلك مثلا لاعلى المرأة لان أعلاها رأسها وفيه لسانها وهو الذي يحصل
منه الأذى واستعمل أعوج وإن كان من العيوب لأنه أفعل للصفة أو أنه شاذ وانما يمتنع عند
الالتباس بالصفة فإذا تميز عنه بالقرينة جاز البناء (قوله فان ذهبت تقيمه كسرته) الضمير للضلع
لا لأعلى الضلع وفى الرواية التي قبله ان أقمتها كسرتها والضمير أيضا للضلع وهو يذكر ويؤنث
ويحتمل أن يكون للمرأة ويؤيده قوله بعده وان استمتعت بها ويحتمل أن يكون المراد بكسره
الطلاق وقد وقع ذلك صريحا في رواية سفيان عن أبي الزناد عند مسلم وان ذهبت تقيمها
كسرتها وكسرها طلاقها (قوله وان تركته لم يزل أعوج) أي وان لم تقمه وقوله فاستوصوا
أي أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها قاله البيضاوي والحامل على هذا التقدير
أن الاستيصاء استفعال وظاهره طلب الوصية وليس هو المراد وقد تقدم له توجيهات أخر في بدء
الخلق (قوله بالنساء خيرا) كأن فيه رمزا إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه
فيستمر على عوجه والى هذا أشار المؤلف باتباعه بالترجمة التي بعده باب قوا أنفسكم وأهليكم نارا
فيؤخذ منه أن لا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطى
المعصية بمباشرتها أو ترك الواجب وانما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة وفى
الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وفيه سياسة النساء بأخذ العفو
منهن والصبر على عوجهن وان من رام تقويمهن فإنه الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للانسان عن امرأة
يسكن إليها ويستعين بها على معاشه فكأنه قال الاستمتاع بها لا يتم الا بالصبر عليها (قوله حدثنا
سفيان) هو الثوري (قوله عن عبد الله بن دينار (قوله كنا نتقى) أي نتجنب وقد بين سبب ذلك
بقوله هيبة أن ينزل فينا شئ أي من القرآن ووقع صريحا في رواية ابن مهدي عن الثوري عند ابن
219

ماجة و قوله فلما توفى يشعر بان الذي كانوا يتركونه كان من المباح لكن الذي يدخل تحت البراءة
الأصلية فكانوا يخافون أن ينزل في ذلك منع أو تحريم وبعد الوفاة النبوية أمنوا ذلك ففعلوه
تمسكا بالبراءة الأصلية (قوله باب قوا أنفسكم وأهليكم نارا) تقدم تفسيرها في تفسير
سورة التحريم وأورد فيه حديث ابن عمر كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ومطابقته ظاهرة
لان أهل المرء ونفسه من جملة رعيته وهو مسؤول عنهم لأنه أمر ان يحرص على وقايتهم من النار
وامتثال أوامر الله واجتناب مناهيه وسيأتى شرح الحديث في أول كتاب الأحكام مستوفى
إن شاء الله تعالى * (قوله باب حسن المعاشرة مع الأهل) قال ابن المنير نبه بهذه
الترجمة على أن ايراد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحكاية يعنى حديث أم زرع ليس خليا عن
فائدة شرعية وهى الاحسان في معاشرة الأهل (قلت) وليس فيما ساقه البخاري التصريح بأن
النبي صلى الله عليه وسلم أورد الحكاية وسيأتى بيان الاختلاف في رفعه ووقفه وليست الفائدة
من الحديث محصورة فيما ذكر بل سيأتي له فوائد أخرى منها ما ترجم عليه النسائي والترمذي
وقد شرح حديث أم زرع إسماعيل بن أبي أويس شيخ البخاري روينا ذلك في جزء إبراهيم
ابن ديزيل الحافظ من روايته عنه وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث وذكر أنه نقله
عن عدة من أهل العلم لا يحفظ عددهم وتعقب عليه فيه مواضع أبو سعيد الضرير النيسابوري
وأبو محمد بن قتيبة كل منهما في تأليف مفرد والخطابي في شرح البخاري وثابت بن قاسم
وشرحه أيضا الزبير بن بكار ثم أحمد بن عبيد بن ناصح ثم أبو بكر بن الأنباري ثم اسحق الكاذي
في جزء مفرد وذكر أنه جمعه عن يعقوب بن السكيت وعن أبي عبيدة وعن غيرهما ثم أبو القاسم
عبد الحكيم بن حبان المصري ثم الزمخشري في الفائق ثم القاضي عياض وهو أجمعها وأوسعها
وأخذ منه غالب الشراح بعده وقد لخصت جميع ما ذكروه (قوله حدثنا سليمان بن عبد الرحمن)
في رواية أبي ذر حدثني وهو المعروف بابن بنت شرحبيل الدمشقي (وعلي بن حجر) بضم المهملة
وسكون الجيم وعيسى بن يونس أي ابن أبي إسحاق السبيعي ووقع منسوبا كذلك عن
الإسماعيلي (قوله حدثنا هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة) في رواية مسلم وأبى يعلى عن أحمد
ابن جناب بجيم ونون خفيفة عن عيسى بن يونس عن هشام أخبرني أخي عبد الله بن عروة وهذا
من نوادر ما وقع لهشام بن عروة في حديثه عن أبيه حيث أدخل بينهما أخا له واسطة ومثله
ما سيأتي في اللباس من طريق وهيب عن هشام بن عروة عن أخيه عثمان عن عروة ومضت له في
الهبة رواية بواسطة اثنين بينه وبين أبيه ولم يختلف على عيسى بن يونس في اسناده وسياقه لكن
حكى عياض عن أحمد بن داود الحراني أنه رواه عن عيسى فقال في أوله عن عائشة عن النبي صلى
الله عليه وسلم وساقه بطوله مرفوعا كله وكذا حكاه أبو عبيد أنه بلغه عن عيسى بن يونس
وتابع عيسى بن يونس على رواية مفصلا فيما حكاه الخطيب سويد بن عبد العزيز وكذا سعيد
ابن سلمة عن أبي الحسام كلاهما عن هشام وستأتى روايته تعليقا وأذكر من وصلها عند الفراغ
من شرح الحديث وخالفهم الهيثم بن عدي فيما أخرجه الدارقطني في الجزء الثاني من الافراد
فرواه عن هشام بن عروة عن أخيه يحيى بن عروة عن أبيه وخطأه الدارقطني في العلل وصوب أنه
عبد الله بن عروة وقال عقبة بن خالد وعباد بن منصور وروايتهما عند النسائي والدراوردي
220

وعبد الله بن مصعب وروايتهما عند الزبير بن بكار وأبو أويس فيما أخرجه ابنه عنه وعبد
الرحمن بن أبي الزناد وروايته عند الطبراني وأبو معاوية وروايته عند أبي عوانة في صحيحه
كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه بغير واسطة وأدخل بينهما واسطة أيضا عقبة بن خالد أيضا فرواه عن
هشام بن عروة عن يزيد بن رومان عن عروة لكن اقتصر على المرفوع وبين ذلك البزار قال الدارقطني
وليس ذلك بمدفوع فقد رواه أبو أويس أيضا وإبراهيم بن أبي يحيى عن يزيد بن رومان اه‍ ورواه
عن عروة أيضا حفيده عمر بن عبد الله بن عروة وأبو الزناد وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل
الا أنه كان يقتصر على المرفوع منه وينكر على هشام بن عروة سياقه بطوله ويقول انما كان
عروة يحدثنا بذلك في السفر بقطعة منه ذكره أبو عبيد الآجري في أسئلته عن أبي داود (قلت) ولعل
هذا هو السبب في ترك أحمد تخريجه في مسنده مع كبره وقد حدث به الطبراني عن عبد الله بن أحمد
لكن عن غير أبيه وقال العقيلي قال أبو الأسود لم يرفعه الا هشام بن عروة (قلت) المرفوع منه في
الصحيحين كنت لك كأبى زرع لام زرع وباقيه من قول عائشة وجاء خارج الصحيح مرفوعا كله من
رواية عباد بن منصور عند النسائي وساقه بسياق لا يقبل التأويل ولفظه قال لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم كنت لك كأبى زرع لام زرع قالت عائشة بأبي وأمي يا رسول الله ومن كان أبو زرع
قال اجتمع نساء فساق الحديث كله وجاء مرفوعا أيضا من رواية عبد الله بن مصعب والدراوردي
عند الزبير بن بكار وكذا رواه أبو معشر عن هشام وغيره من أهل المدينة عن عروة وهى رواية
الهيثم بن عدي أيضا وكذا أخرجه النسائي من رواية القاسم بن عبد الواحد عن عمر بن عبد الله بن
عروة وقد قدمت ذكر رواية أحمد بن داود عن عيسى بن يونس كذلك قال عياض وكذا ظاهر
رواية حنبل بن إسحاق عن موسى بن إسماعيل عن سعيد بن سلمة بسنده المتقدم فان أوله عنده قال
لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت لك كأبى زرع لام زرع ثم أنشأ يحدث حديث أم زرع
قال عياض يحتمل أن يكون فاعل أنشأ هو عروة فلا يكون مرفوعا وأخذ القرطبي هذا الاحتمال
فجزم به وزعم أن ما عداه وهم وسبقه إلى ذلك ابن الجوزي لكن يعكر عليه أن في بعض طرقه
الصحيحة ثم أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث وذلك في رواية القاسم بن عبد الواحد التي
أشرت إليها ولفظه كنت لك كأبى زرع لام زرع ثم أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث
فانتفى الاحتمال ويقوى رفع جميعه أن التشبيه المتفق على رفعه يقتضى أن يكون النبي صلى الله
عليه وسلم سمع القصة وعرفها فأقرها فيكون كله مرفوعا من هذه الحيثية ويكون المراد بقول
الدارقطني والخطيب وغيرهما من النقاد أن المرفوع منه ما ثبت في الصحيحين والباقي موقوف
من قول عائشة هو أن الذي تلفظ به النبي صلى الله وسلم لما سمع القصة من عائشة هو التشبيه
فقط ولم يريدوا أنه ليس بمرفوع حكما ويكون من عكس ذلك فنسب قص القصة من ابتدائها إلى
انتهائها إلى النبي صلى الله عليه وسلم واهما كما سيأتي بيانه (قوله جلس إحدى عشرة) قال ابن
التين التقدير جلس جماعة إحدى عشرة وهو مثل وقال نسوة في المدينة وفى رواية أبى عوانة
جلست وفى رواية أبى على الطبري في مسلم جلسن بالنون وفى رواية للنسائي اجتمع وفى رواية
أبى عبيد اجتمعت وفى رواية أبى يعلى اجتمعن قال القرطبي زيادة النون على لغة أكلوني البراغيث
وقد أثبتها جماعة من أئمة العربية واستشهدوا لها بقوله تعالى وأسروا النجوى الذين ظلموا وقوله
221

تعالى فعموا وصموا كثير منهم وحديث يتعاقبون فيكم ملائكة وقول الشاعر
* - بحوران يعصرون السليط أقاربه * - وقوله
- يلومونني في اشتراء النخيل * قومي فكلهم يعذل - وقد تكلف بعض النحاة رد هذه اللغة إلى اللغة المشهورة وهى أن لا يلحق علامة الجمع ولا التثنية
ولا التأنيث في الفعل إذا تقدم على الأسماء وخرج لها وجوها وتقديرات في غالبها نظر ولا يحتاج
إلى ذلك بعد ثبوتها نقلا وصحتها استعمالا والله أعلم وقال عياض الأشهر ما وقع في الصحيحين وهو
توحيد الفعل مع الجمع قال سيبويه حذف اكتفاء بما ظهر تقول مثلا قام قومك فلو تقدم الاسم لم
يحذف فتقول قومك قام بل قاموا ومما يوجه ما وقع هنا أن يكون إحدى عشرة بدل من الضمير
في اجتمعن والنون على هذا ضمير لا حرف علامة أو على أنه خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل من هن
فقيل إحدى عشرة أو باضمار أعنى وذكر عياض أن في بعض الروايات إحدى عشرة نسوة قال
فإن كان بالنصب احتاج إلى اضمار أعنى أو بالرفع فهو بدل من إحدى عشرة ومنه قوله تعالى
وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا قال الفارسي هو بدل من قطعناهم وليس بتمييز اه‍ وقد جوز غيره
أن يكون تمييزا بتأويل يطول شرحه ووقع لهذا الحديث سبب عند النسائي من طريق عمر بن
عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة قالت فخرت بمال أبى في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية وفيه
فقال النبي صلى الله عليه وسلم اسكتي يا عائشة فانى كنت لك كأبى زرع لام زرع ووقع له سبب آخر
فيما أخرجه أبو القاسم عبد الحكيم بن حبان بسند له مرسل من طريق سعيد بن عفير عن القاسم بن
الحسن عن عمرو بن الحرث عن الأسود بن جبر المغافري قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
على عائشة وفاطمة وقد جرى بينهما كلام فقال ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي ان مثلي ومثلك
كأبى زرع مع أم زرع فقالت يا رسول الله حدثنا عنهما فقال كانت قرية فيها إحدى عشرة امرأة
وكان الرجال خلوفا فقلن تعالين نتذاكر أزواجنا بما فيهم ولا نكذب ووقع في رواية أبى معاوية عن
هشام بن عروة عند أبي عوانة في صحيحه بلفظ كان رجل يكنى أبا زرع وامرأته أم زرع فتقول
أحسن لي أبو زرع وأعطاني أبو زرع وأكرمني أبو زرع وفعل بي أبو زرع ووقع في رواية الزبير بن
بكار دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي بعض نسائه فقال يخصني بذلك يا عائشة أنا
لك كأبى زرع لام زرع قلت يا رسول الله ما حديث أبي زرع وأم زرع قال إن قرية من قرى اليمن كان
بها بطن من بطون اليمن وكان منهن إحدى عشرة امرأة وأنهن خرجن إلى مجلس فقلن تعالين
فلنذكر بعولتنا بما فيهم ولا نكذب فيستفاد من هذه الرواية معرفة جهة قبيلتهن وبلادهن
لكن وقع في رواية الهيثم انهن كن بمكة وأفاد أبو محمد بن حزم فيما نقله عياض انهن كن من
خثعم وهو يوافق رواية الزبير انهن من أهل اليمن ووقع في رواية ابن أبي أويس عن أبيه انهن
كن في الجاهلية وكذا عند النسائي في رواية عقبة بن خالد عن هشام وحكى عياض ثم النووي
قول الخطيب في المبهمات لا أعلم أحدا سمى النسوة المذكورات في حديث أم زرع الا من
الطريق الذي أذكره وهو غريب جدا ثم ساقه من طريق الزبير بن بكار (قلت) وقد ساقه أيضا
أبو القاسم عبد الحكيم المذكور من الطريق المرسلة التي قدمت ذكرها فإنه ساقه من طريق
الزبير بن بكار بسنده ثم ساقه من الطريق المرسلة وقال فذكر الحديث نحوه وسمى ابن دريد في
الوشاح أم زرع عاتكة ثم قال النووي وفيه يعنى سياق الزبير بن بكار أن الثانية اسمها عمرة بنت
222

عمرو واسم الثالثة حبى بضم المهملة وتشديد الموحدة مقصور بنت كعب والرابعة مهدد بنت أبي
هزومة والخامسة كبشة والسادسة هند والسابعة حبى بنت علقمة والثامنة بنت أوس
ابن عبد 2 والعاشرة كبشة بنت الأرقم اه‍ ولم يسم الأولى ولا التاسعة ولا أزواجهن ولا ابنت
أبى زرع ولا أمه ولا الجارية ولا المرأة التي تزوجها أبو زرع ولا الرجل الذي تزوجته أم زرع
وقد تبعه جماعة من الشراح بعده وكلامهم يوهم أن ترتيبهن في رواية الزبير كترتيب رواية
الصحيحين وليس كذلك فان الأولى عند الزبير وهى التي لم يسمها هي الرابعة هنا والثانية في رواية
الزبير هي الثامنة هنا والثالثة عند الزبير هي العاشرة هنا والرابعة عند الزبير هي الأولى هنا
والخامسة عنده هي التاسعة هنا والسادسة عنده هي السابعة هنا والسابعة عنده هي الخامسة
هنا والثامنة عنده هي السادسة هنا والتاسعة عنده هي الثانية هنا والعاشرة عنده هي الثالثة
هنا وقد اختلف كثير من رواة الحديث في ترتيبهن ولا ضير في ذلك ولا أثر للتقديم والتأخير فيه
إذ لم يقع تسميتهن نعم في رواية سعيد بن سلمة مناسبة وهى سياق الخمسة اللاتي ذممن أزواجهن على
حدة والخمسة اللاتي مدحن أزواجهن على حدة وسأشير إلى ترتيبهن في الكلام على قول
السادسة هنا وقد أشار إلى ذلك في قول عروة عند ذكر الخامسة فهؤلاء خمس يشكون وانما
نبهت على رواية الزبير بخصوصها لما فيها من التسمية مع المخالفة في سياق الاعداد فيظن من
لم يقف على حقيقة ذلك أن الثانية التي سميت عمرة بنت عمرو هي التي قالت زوجي لا أبث خبره
وليس كذلك بل هي التي قالت زوجي المس مس أرنب وهكذا الخ فللتنبيه عليه فائدة من هذه
الحيثية (قوله فتعاهدن وتعاقدن) أي ألزمن أنفسهن عهدا وعقدن على الصدق
من ضمائرهن عقدا (قوله أن لا يكتمن) في رواية أبى أويس وعقبة أن يتصادقن بينهن ولا
يكتمن وفى رواية سعيد بن سلمة عند الطبراني أن ينعتن أزواجهن ويصدقن وفى رواية الزبير
فتبايعن على ذلك (قوله قالت الأولى زوجي لحم جمل غث) بفتح المعجمة وتشديد المثلثة ويجوز
جره صفة للجمل ورفعه صفة للحم قال ابن الجوزي المشهور في الرواية الخفض وقال ابن ناصر
الجيد الرفع ونقله عن التبريزي وغيره والغث الهزيل الذي يستغث من هزاله أي يستترك
ويستكره مأخوذ من قولهم غث الجرح غثا وغثيثا إذا سال منه القيح واستغثه صاحبه ومنه
أغث الحديث ومنه غث فلان في خلقه وكثر استعماله في مقابلة السمين فيقال للحديث المختلط
فيه الغث والسمين (قوله على رأس جبل) في رواية أبى عبيد والترمذي وعر وفى رواية الزبير بن
بكار وعث وهى أوفق للسجع والأول ظاهر أي كثير الضجر شديد الغلظة يصعب الرقي إليه
والوعث بالمثلثة الصعب المرتقى بحيث توحل فيه الاقدام فلا يتخلص منه ويشق فيه المشي ومنه
وعثاء السفر (قوله لا سهل) بالفتح بلا تنوين وكذا ولا سمين ويجوز فيهما الرفع على خبر مبتدأ
مضمر أي لا هو سهل ولا سمين ويجوز الجر على أنهما صفة جمل وجبل ووقع في رواية عقبة بن
خالد عن هشام عند النسائي بالنصب منونا فيهما لا سهلا ولا سمينا وفى رواية عمر بن عبد الله
ابن عروة عنده لا بالسمين ولا بالسهل قال عياض أحسن الأوجه عندي الرفع في الكلمتين من
جهة سياق الكلام وتصحيح المعنى لا من جهة تقويم اللفظ وذلك أنها أودعت كلامها تشبيه شيئين
بشيئين شبهت زوجها باللحم الغث وشبهت سوء خلقه بالجبل الوعر ثم فسرت ما أجملت فكأنها
223

قالت لا الجبل سهل فلا يشق ارتقاؤه لاخذ اللحم ولو كان هزيلا لان الشئ المزهود فيه قد يؤخذ
إذا وجد بغبر نصب ثم قالت ولا اللحم سمين فيتحمل المشقة في صعود الجبل لأجل تحصيله (قوله
فيرتقى) أي فيصعد فيه وهو وصف للجبل وفى رواية للطبراني لا سهل فيرتقى إليه (قوله ولا سمين
فينتقل) في رواية أبى عبيد فينتقى وهذا وصف اللحم والأول من الانتقال أي أنه لهزاله
لا يرغب أحد فيه؟؟؟ فينتقل إليه يقال انتقلت الشئ أي نقلته ومعنى ينتقى ليس له نقى يستخرج
والنقي المخ يقال نقوت العظم ونقيته وانتقيته إذا استخرجت مخه وقد كثر استعماله في اختيار
الجيد من الردئ قال عياض أرادت أنه ليس له نقى فيطلب لأجل ما فيه من النقي وليس المراد أنه
فيه نقى يطلب استخراجه قالوا آخر ما يبقى في الجمل مخ عظم المفاصل ومخ العين وإذا نفدا لم يبق
فيه خير قالوا وصفته بقلة الخير وبعده مع القلة فشبهته باللحم الذي صغرت عظامه عن النقي
وخبث طعمه وريحه مع كونه في مرتقى يشق الوصول إليه فلا يرغب أحد في طلبه لينقله إليه
مع توفر دواعي أكثر الناس على تناول الشئ المبذول مجانا وقال النووي فسره الجمهور بأنه
قليل الخير من أوجه منها كونه كلحم الجمل لا كلحم الضأن مثلا ومنها أنه مع ذلك مهزول ردئ
ويؤيده قول أبي سعيد الضرير ليس في اللحوم أشد غثاثة من لحم الجمل لأنه يجمع خبث الطعم
وخبث الريح ومنها أنه صعب التناول لا يوصل إليه الا بمشقة شديدة وذهب الخطابي إلى
أن تشبيهها بالجبل الوعر إشارة إلى سوء خلقه وأنه يترفع ويتكبر ويسمو بنفسه فوق موضعها
فيجمع البخل وسوء الخلق وقال عياض شبهت وعورة خلقه بالجبل وبعد خيره ببعد اللحم
على رأس الجبل والزهد فيما يرجى منه مع قلته وتعذره بالزهد في لحم الجمل الهزيل فأعطت
التشبيه حقه ووفته قسطه (قوله قالت الثانية زوجي لا أبث خبره) بالموحدة ثم المثلثة وفى
رواية حكاها عياض أنث بالنون بدل الموحدة أي لا أظهر حديثه وعلى رواية النون فمرادها
حديثه الذي لا خير فيه لان النث بالنون أكثر ما يستعمل في الشر ووقع في رواية للطبراني
لا أنم بنون وميم من النميمة (قوله انى أخاف أن لا أذره) أي أخاف أن لا أترك من خبره شيئا
فالضمير للخبر أي أنه لطوله وكثرته ان بدأته لم أقدر على تكميله فاكتفت بالإشارة إلى معايبه
خشية أن يطول الخطب بايراد جميعها ووقع في رواية عباد بن منصور عند النسائي أخشى
أن لا أذره من سوء وهذا تفسير ابن السكيت ويؤيده أن في رواية عقبة بن خالد انى أخاف
أن لا أذره أذكره وأذكر عجره وبجره وقال غيره الضمير لزوجها وعليه يعود ضمير عجره وبجره
بلا شك كأنها خشيت إذا ذكرت ما فيه أن يبلغه فيفارقها فكأنها قالت أخاف أن لا أقدر على
تركه لعلاقتي به وأولادي منه وأذره بمعنى أفارقه فاكتفت بالإشارة إلى أن له معائب وفاء بما
التزمته من الصدق وسكتت عن تفسيرها للمعنى الذي اعتذرت به ووقع في رواية الزبير
زوجي من لا أذكره ولا أبث خبره والأول أليق بالسجع (قوله عجره وبجره) بضم أوله وفتح الجيم
فيهما الأول بعين مهملة والثاني بموحدة جمع عجرة وبجرة بضم ثم سكون فالعجر تعقد
العصب والعروق في الجسد حتى تصير ناتئة والبجر مثلها الا أنها مختصة بالتي تكون في
البطن قاله الأصمعي وغيره وقال ابن الاعرابى العجرة نفخة في الظهر والبجرة نفخة في السرة
وقال ابن أبي أويس العجر العقد التي تكون في البطن واللسان والبجر العيوب وقيل العجر
224

في الجنب والبطن والبجر في السرة هذا أصلهما ثم استعملا في الهموم والأحزان ومنه
قول على يوم الجمل أشكو إلى الله عجري وبجري وقال الأصمعي استعملا في المعايب وبه
جزم ابن حبيب وأبو عبيد الهروي وقال أبو عبيد بن سلام ثم ابن السكيت استعملا
فيما يكتمه المرء ويخفيه عن غيره وبه جزم المبرد قال الخطاب أرادت عيوبه الظاهرة وأسراره
الكامنة قال ولعله كان مستور الظاهر ردئ الباطن وقال أبو سعيد الضرير عنت أن زوجها
كثير المعايب متعقد النفس عن المكارم وقال الأخفش العجر العقد تكون في سائر البدن
والبجر تكون في القلب وقال ابن فارس يقال في المثل أفضيت إليه بعجري وبجري أي بأمري
كله (قوله قالت الثالثة زوجي العشنق) بفتح المهملة ثم المعجمة وتشديد النون المفتوحة وآخره
قاف قال أبو عبيد وجماعة هو الطويل زاد الثعالبي المذموم الطول وقال الخليل هو الطويل
العنق وقال ابن أبي أويس الصقر من الرجال المقدام الجرئ وحكى ابن الأنباري عن ابن قتيبة
أنه قال هو القصير ثم قال كأنه عنده من الأضداد قال ولم أره لغيره انتهى والذي يظهر أنه تصحف
عليه بما قال ابن أبي أويس قاله عياض وقد قال ابن حبيب هو المقدام على ما يريد الشرس في
أموره وقيل السئ الخلق وقال الأصمعي أرادت أنه ليس عنده أكثر من طوله بغير نفع وقال
غيره هو المستكره الطول وقيل ذمته بالطول لان الطول في الغالب دليل السفه وعلل ببعد الدماغ
عن القلب وأغرب من قال مدحته بالطول لان العرب تتمدح بذلك وتعقب بان سياقها يقتضى
أنها ذمته وأجاب عنه ابن الأنباري باحتمال أن تكون أرادت مدح خلقه وذم خلقه فكأنها
قالت له منظر بلا مخبر وهو محتمل وقال أبو سعيد الضرير الصحيح أن العشنق الطويل النجيب
الذي يملك أمر نفسه ولا تحكم النساء فيه بل يحكم فيهن بما شاء فزوجته تهابه أن تنطق بحضرته
فهي تسكت على مضض قال الزمخشري وهى من الشكاية البليغة انتهى ويؤيده ما وقع في
رواية يعقوب بن السكيت من الزيادة في آخره وهو على حد السنان المذلق بفتح المعجمة وتشديد
اللام أي المجرد بوزنه ومعناه تشير إلى أنها منه على حذر ويحتمل أن تكون أرادت بهذا أنه
أهوج لا يستقر على حال كالسنان الشديدة الحدة (قوله إن أنطق أطلق وان أسكت أعلق) أي
ان ذكرت عيوبه فيبلغه طلقني وان سكت عنها فانا عنده معلقة لا ذات زوج ولا أيم كما وقع في تفسير
قوله تعالى فتذروها كالمعلقة فكأنها قالت أنا عنده لا ذات بعل فانتفع به ولا مطلقة فأتفرغ لغيره
فهي كالمعلقة بين العلو والسفل لا تستقر بأحدهما هكذا توارد عليه أكثر الشراح تبعا لأبي
عبيد وفى الشق الثاني عندي نظر لأنه لو كان ذلك مرادها لانطلقت ليطلقها فتستريح والذي
يظهر لي أيضا أنها أرادت وصف سوء حالها عنده فأشارت إلى سوء خلقه وعدم احتماله لكلامها
ان شكت له حالها وأنها تعلم أنها متى ذكرت له شيئا من ذلك بادر إلى طلاقها وهى لا تؤثر تطليقه
لمحبتها فيه ثم عبرت بالجملة الثانية إشارة إلى أنها ان سكتت صابرة على تلك الحال كانت عنده
كالمعلقة التي لا ذات زوج ولا أيم ويحتمل أن يكون قولها أعلق مشتقا من علاقة الحب أو من
علاقة الوصلة أي ان نطقت طلقني وان سكت استمر لي زوجة وأنا لا أوثر تطليقه لي فلذلك
أسكت قال عياض أوضحت بقولها على حد السنان المذلق مرادها بقولها قبل ان أسكت
أعلق وان أنطق أطلق أي أنها ان حادت عن السنان سقطت فهلكت وان استمرت عليه
225

أهلكها (قوله قالت الرابعة زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة) بالفتح بغير
تنوين مبنية مع لا على الفتح وجاء الرفع مع التنوين فيها وهى رواية أبى عبيد قال أبو البقاء وكأنه
أشبع بالمعنى أي ليس فيه حر فهو اسم ليس وخبرها محذوف قال ويقويه ما وقع من التكرير
كذا قال وقد وقع في القراءات المشهورة البناء على الفتح في الجميع والرفع مع التنوين وفتح
البعض ورفع البعض وذلك في مثل قوله تعالى لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ومثل فلا رفث ولا
فسوق ولا جدال في الحج ووقع في رواية عمر بن عبد الله عند النسائي ولا برد بدل ولا قر زاد في
رواية الهيثم ولا خامة بالخاء المعجمة أي لا ثقل عنده تصف زوجها بذلك وانه لين الجانب خفيف
الوطاءة على الصاحب ويحتمل أن يكون ذلك من بقية صفة الليل وفى رواية الزبير بن بكار
والغيث غيث غمامة قال أبو عبيد أرادت انه لا شر فيه يخاف وقال ابن الأنباري أرادت بقولها
ولا مخافة أي أن أهل تهامة لا يخافون لتحصنهم بجبالها أو أرادت وصف زوجها بأنه حامى الذمار
مانع لداره وجاره ولا مخافة عند من يأوى إليه ثم وصفته بالجود وقال غيره قد ضربوا المثل بليل
تهامة في الطيب لأنها بلاد حارة في غالب الزمان وليس فيها رياح باردة فإذا كان الليل كان وهج
الحر ساكنا فيطيب الليل لأهلها بالنسبة لما كانوا فيه من أذى حر النهار فوصفت زوجها بجميل
العشرة واعتدال الحال وسلامة الباطن فكأنها قالت لا أذى عنده ولا مكروه وأنا آمنة منه فلا
أخاف من شره ولا ملل عنده فيسأم من عشرتي أوليس بسئ الخلق فأسأم من عشرته فأنا لذيذة
العيش عنده كلذة أهل تهامة بليلهم المعتدل (قوله قالت الخامسة زوجي ان دخل فهد وان
خرج أسد ولا يسأل عما عهد) قال أبو عبيد فهد بفتح الفاء وكسر الهاء مشتق من الفهد وصفته
بالغفلة عند دخول البيت على وجه المدح له وقال ابن حبيب شبهته في لينه وغفلته بالفهد لأنه
يوصف بالحياء وقلة الشر وكثرة النوم وقوله أسد بفتح الألف وكسر السين مشتق من الأسد أي
يصير بين الناس مثل الأسد وقال ابن السكيت تصفه بالنشاط في الغزو وقال ابن أبي أويس
معناه ان دخل البيت وثب على وثوب الفهد وان خرج كان في الاقدام مثل الأسد فعلى هذا
يحتمل قوله وثب على المدح والذم فالأول تشير إلى كثرة جماعة لها إذا دخل فينطوى تحت ذلك
تمدحها بأنها محبوبة لديه بحيث لا يصبر عنها إذا رآها والذم اما من جهة أنه غليظ الطبع ليست
عنده مداعبة ولا ملاعبة قبل المواقعة بل يثبت وثوبا كالوحش أو من جهة أنه كان سئ الخلق
يبطش بها ويضربها وإذا خرج على الناس كان أمره أشد في الجرأة والاقدام والمهابة كالأسد
قال عياض فيه مطابقة بين خرج ودخل لفظية وبين فهد وأسد معنوية ويسمى أيضا المقابلة
وقولها ولا يسأل عما عهد يحتمل المدح والذم أيضا فالمدح بمعنى انه شديد الكرم كثير التغاضي
لا يتفقد ما ذهب من ماله وإذا جاء بشئ لبيته لا يسال عنه بعد ذلك أو لا يلتفت إلى ما يرى في
البيت من المعايب بل يسامح ويغضى ويحتمل الذم بمعنى انه غير مبال بحالها حتى لو عرف أنها
مريضة أو معوزة وغاب ثم جاء لا يسال عن شئ من ذلك ولا يتفقد حال أهله ولا بيته بل إن عرضت
له بشئ من ذلك وثب عليها بالبطش والضرب وأكثر الشراح شرحوه على المدح فالتمثيل بالفهد
من جهة كثرة التكرم أو الوثوب وبالأسد من جهة الشجاعة وبعدم السؤال من جهة المسامحة
وقال عياض حمله الأكثر على الاشتقاق من خلق الفهد اما من جهة قوة وثوبه واما من كثرة
226

نومه ولهذا ضربوا المثل به فقالوا أنوم من فهد قال ويحتمل أن يكون من جهة كثرة كسبه لانهم
قالوا في المثل أيضا أكسب من فهد وأصله ان الفهود الهرمة تجتمع على فهد منها فتى فيتصيد
عليها كل يوم حتى يشبعها فكأنها قالت إذا دخل المنزل دخل معه بالكسب لأهله كما يجئ الفهد
لمن يلوذ به من الفهود الهرمة ثم لما كان في وصفها له بخلق الفهد ما قد يحتمل الذم من جهة كثرة
النوم رفعت اللبس بوصفها له بخلق الأسد فأفصحت ان الأول سجية كرم ونزاهة شمائل ومسامحة
في العشرة لا سجية جبن وجور في الطبع قال عياض وقد قلب الوصف بعض الرواة يعنى كما وقع
في رواية الزبير بن بكار فقال إذا دخل أسد وإذا خرج فهد فإن كان محفوظا فمعناه انه إذا خرج إلى
مجلسه كان على غاية الرزانة والوقار وحسن السمت أو على الغاية من تحصيل الكسب وإذا
دخل منزله كان متفضلا مواسيا لان الأسد يوصف بأنه إذا افترس أكل من فريسته بعضا وترك
الباقي لمن حوله من الوحوش ولم يهاوشهم عليها وزاد في رواية الزبير بن بكار في آخره ولا يرفع
اليوم لغد يعنى لا يدخر ما حصل عنده اليوم من أجل الغد فكنت بذلك عن غاية جوده ويحتمل
أن يكون المراد انه يأخذ بالحزم في جميع أموره فلا يؤخر ما يجب عمله اليوم إلى غده (قوله
قالت السادسة زوجي ان أكل لف وان شرب اشتف وان اضطجع التف ولا يولج الكف ليعلم
البث) في رواية عمر بن عبد الله عند النسائي إذا أكل اقتف وفيه وإذا نام بدل اضطجع وزاد وإذا
ذبح اغتث أي تحرى الغث وهو الهزيل كما تقدم في شرح كلام الأولى وفى رواية الطبراني ولا
يدخل بدل يولج وإذا رقد بدل اضطجع وفى رواية الترمذي والطبراني فيعلم بالفاء بدل اللام في
رواية غيره والمراد باللف الاكثار منه واستقصاؤه حتى لا يترك منه شيئا وقال أبو عبيد الاكثار مع
التخليط يقال لف الكتيبة بالأخرى إذا خلطها في الحرب ومنه اللفيف من الناس فأرادت أنه
يخلط صنوف الطعام من نهمته وشرهه ثم لا يبقى منه شيئا وحكى عياض رواية من رواه رف
بالراء بدل اللام قال وهى بمعناها ورواية من رواه اقتف بالقاف قال ومعناه التجميع قال الخليل
قفاف كل شئ جماعة واستيعابه ومنه سميت القفة لجمعها ما وضع فيها والاشتفاف في الشرب
استقصاؤه مأخوذ من الشفافة بالضم والتخفيف وهى البقية تبقى في الاناء فإذا شربها الذي شرب
الاناء قيل اشتفها ومنهم من رواها بالمهملة وهى بمعناها وقوله التف أي رقد ناحية وتلفف
بكسائه وحده وانقبض عن أهله اعراضا فهي كئيبة حزينة لذلك ولذلك قالت ولا يولج الكف
ليعلم البث أي لا يمد يده ليعلم ما هي عليه من الحزن فيزيله ويحتمل أن تكون أرادت أنه ينام نوم
العاجز الفشل الكسل والمراد بالبث الحزن ويقال شدة الحزن ويطلق البث أيضا على
الشكوى وعلى المرض وعلى الامر الذي لا يصبر عليه فأرادت أنه لا يسأل عن الامر الذي يقع
اهتمامها به فوصفته بقلة الشفيقة عليها وانه أن لو رآها عليلة لم يدخل يده في ثوبها ليتفقد خبرها
كعادة الأجانب فضلا عن الأزواج أو هو كناية عن ترك الملاعبة أو عن ترك الجماع كما سيأتي وقد
اختلفوا في هذا فقال أبو عبيد كان في جسدها عيب فكان لا يدخل يده في ثوبها ليلمس ذلك
العيب لئلا يشق عليها فمدحته بذلك وقد تعقبه كل من جاء بعده الا النادر وقالوا انما شكت منه
وذمته واستقصرت حظها منه ودل على ذلك قولها قبل وإذا اضطجع التف كأنها قالت إنه
يتجنبها ولا يدنيها منه ولا يدخل يده في جنبها فيلمسها ولا يباشرها ولا يكون منه ما يكون من
227

الرجال فيعلم بذلك محبتها له وحزنها لقلة حظها منه وقد جمعت في وصفها له بين اللوم والبخل
والنهمة والمهانة وسوء العشرة مع أهله فان العرب تذم بكثرة الأكل والشرب وتتمدح بقلتهما
وبكثرة الجماع لدلالتها على صحة الذكورية والفحولية وانتصر ابن الأنباري لأبي عبيد فقال
لا مانع من أن تجمع المرأة بين مثالب زوجها ومناقبه لأنهن كن تعاهدن أن لا يكتمن من صفاتهم
شيئا فمنهن من وصفت زوجها بالخير في جميع أموره ومنهن من وصفته بضد ذلك ومنهن من
جمعت وارتضى القرطبي هذا الانتصار واستدل عياض للجمهور بما وقع في رواية سعيد بن سلمة
عن أبي الحسام أن عروة ذكر هذه في الخمس اللاتي يشكون أزواجهن فإنه ذكر في روايته الثلاث
المذكورات هنا أولا على الولاء ثم السابعة المذكورة عقب هذا ثم السادسة هذه فهي خامسة
عنده والسابعة رابعة قال ويؤيد أيضا قول الجمهور كثرة استعمال العرب لهذه الكناية عن
ترك الجماع والملاعبة وقد سبق في فضائل القرآن في قصة عمرو بن العاص مع زوج ابنه عبد الله
ابن عمرو حيث سألها عن حالها مع زوجها فقال هو كخير الرجال من رجل لم يفتش لنا كنفا
وسبق أيضا في حديث الإفك قول صفوان بن المعطل ما كشفت كنف أنثى قط فعبر عن الاشتغال
بالنساء بكشف الكنف وهو الغطاء ويحتمل أن يكون معنى قولها ولا يولج الكف كناية عن ترك
تفقده أمورها وما تهتم به من مصالحها وهو كقولهم لم يدخل يده في الامر أي لم يشتغل به ولم
يتفقده وهذا الذي ذكره احتمالا جزم بمعناه ابن أبي أويس فإنه قال معناه لا ينظر في أمر أهله ولا
يبالي أن يجوعوا وقال أحمد بن عبيد بن ناصح معناه لا يتفقد أموري ليعلم ما أكرهه فيزيله يقال
ما أدخل يده في الامر أي لم يتفقده (قوله قالت السابعة زوجي غياياء أو عياياء) كذلك في الصحيحين
بفتح المعجمة بعدها تحتانية خفيفة ثم أخرى بعد الألف الأولى والتي بعدها بمهملة وهو شك من
راوي الخبر عيسى بن يونس وقد صرح بذلك أبو يعلى في روايته عن أحمد بن خباب عنه ووقع
في رواية عمر بن عبد الله عند النسائي غياياء بمعجمة بغير شك والغياياء الطباقاء الأحمق الذي ينطبق
عليه أمره وقال أبو عبيد العياياء بالمهملة الذي لا يضرب ولا يلقح من الإبل وبالمعجمة ليس بشئ
والطباقاء الأحمق الفدم وقال ابن فارس الطباقاء الذي لا يحسن الضراب فعلى هذا يكون تأكيدا
لاختلاف اللفظ كقولهم بعدا وسحقا وقال الداودي قوله غياياء بالمعجمة مأخوذ من الغى بفتح
المعجمة وبالمهملة مأخوذ من العى بكسر المهملة وقال أبو عبيد العياياء بالمهملة العيى الذي تعييه
مباضعة النساء وأراه مبالغة من العى في ذلك وقال ابن السكيت هو العيى الذي لا يهتدى وقال
عياض وغيره الغياياء بالمعجمة يحتمل أن يكون مشتقا من الغياية وهو كل شئ أظل الشخص فوق
رأسه فكأنه مغطى عليه من جهله وهذا الذي ذكره احتمالا جزم به الزمخشري في الفائق وقال
النووي قال عياض وغيره غياياء بالمعجمة صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهى الظلمة وكل ما أظل
الشخص ومعناه لا يهتدى إلى مسلك أو انها وصفته بثقل الروح وأنه كالظل المتكاثف الظلمة
الذي لا اشراق فيه أو انها أرادت أنه غطيت عليه أموره أو يكون غياياء من الغى وهو الانهماك
في الشر أو من الغى الذي هو الخيبة قال تعالى فسوف يلقون غيا وقال ابن الاعرابى الطباقاء
المطبق عليه حمقا وقال ابن دريد الذي تنطبق عليه أموره وعن الجاحظ الثقيل الصدر عند
الجماع ينطبق صدره على صدر المرأة فيرتفع سفله عنها وقد ذمت امرأة امرأ القيس فقالت
228

له ثقيل الصدر خفيف العجز سريع الإراقة بطئ الإفاقة قال عياض ولا منافاة بين وصفها له
بالعجز عند الجماع وبين وصفها بثقل الصدر فيه لاحتمال تنزيله على حالتين كل منهما مذموم
أو يكون اطباق صدره من جملة عيبه وعجزه وتعاطيه ما لا قدرة له عليه لكن كل ذلك يرد على
من فسر عياياء بأنه العنين وقولها كل داء له داء أي كل شئ تفرق في الناس من المعايب موجود
فيه وقال الزمخشري يحتمل أن يكون قولها له داء خبرا لكل أي أن كل داء تفرق في الناس فهو
فيه ويحتمل أن يكون له صفة لداء وداء خير لكل أي كل داء فيه في غاية التناهى كما يقال إن زيدا لزيد
وان هذا الفرس لفرس قال عياض وفيه من لطيف الوحي والإشارة الغاية لأنه انطوى تحت
هذه الكلمة كلام كثير وقولها شجك بمعجمة أوله وجيم ثقيلة أي جرحك في رأسك وجراحات
الرأس تسمى شجاجا وقولها أو فلك بفاء ثم لام ثقيلة أي جرح جسدك ومنه قول الشاعر
بهن فلول * أي ثلم جمع ثلمة ويحتمل أن يكون المراد نزع منك كل ما عندك أو كسرك بسلاطة
لسانه وشدة خصومته زاد ابن السكيت في روايته أو بجك بموحدة ثم جيم أي طعنك في جراحتك
فشقتها والبج شق القرحة وقيل هو الطعنة وقولها أو جمع كلالك وقع في رواية الزبير ان
حدثته سبك وان مازحته فلك والا جمع كلا لك وهى توضح أن أو في رواية الأصيلي للتقسيم
لا للتخيير وقال الزمخشري يحتمل أن تكون أرادت أنه ضروب للنساء فإذا ضرب اما أن يكسر
عظما أو يشج رأسها أو يجمعهما ويحتمل أن يريد بالفل الطرد والابعاد وبالشج الكسر
عند الضرب وإن كان الشج انما يستعمل في جراحة الرأس قال عياض وصفته بالحمق
والتناهي في سوء العشرة وجمع النقائص بأن يعجز عن قضاء وطرها مع الأذى فإذا حدثته سبها
وإذا مازحته شجها وإذا أغضبته كسر عضوا من أعضائها أو شق جلدها أو أغار على مالها أو جمع
كل ذلك من الضرب والجرح وكسر العضو وموجع الكلام وأخذ المال (قوله قالت الثامنة
زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب) زاد الزبير في روايته وأنا أغلبه والناس يغلب وكذا
في رواية عقبة عند النسائي وفى رواية عمر عنده وكذا الطبراني لكن بلفظ وتغلبه بنون
الجمع والأرنب دويبة لينة المس ناعمة الوبر جدا والزرنب بوزن الأرنب لكن أوله زاي وهو نبت
طيب الريح وقيل هو شجرة عظيمة بالشام بجبل لبنان لا تثمر لها ورق بين الخضرة والصفرة
كذا ذكره عياض واستنكره ابن البيطار وغيره من أصحاب المفردات وقيل هو حشيشة
دقيقة طيبة الرائحة وليست ببلاد العرب وان كانوا ذكروها قال الشاعر
- يابأبى أنت وفوك الأشنب * كأنما ذر عليه الزرنب -
وقيل هو الزعفران وليس بشئ واللام في المس والريح نائبة عن الضمير أي مسه وريحه أو فيهما
حذف تقديره الريح منه والمس منه كقولهم السمن منوان بدرهم وصفته بأنه لين الجسد ناعمة
ويحتمل أن تكون كنت بذلك عن حسن خلقه ولين عريكته بأنه طيب العرق لكثرة نظافته
واستعماله الطيب تظرفا ويحتمل أن تكون كنت بذلك عن طيب حديثه أو طيب الثناء عليه
لجميل معاشرته وأما قولها وأنا أغلبه والناس يغلب فوصفته مع جميل عشرته لها وصبره عليها
بالشجاعة وهو كما قال معاوية يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام قال عياض هذا من التشبيه بغير
أداة وفيه حسن المناسبة والموازنة والتسجيع وأما قولها والناس يغلب ففيه نوع من
229

البديع يسمى التنميم لأنها لو اقتصرت على قولها وأنا أغلبه لظن أنه جبان ضعيف فلما قالت
والناس يغلب دل على أن غلبها إياه انما هو من كرم سجاياه فتممت بهذه الكلمة المبالغة في حسن
أوصافه (قوله قالت التاسعة زوجي رفيع العماد طويل النجاد عظيم الرماد قريب البيت من
الناد) زاد الزبير بن بكار في روايته لا يشبع ليله يضاف ولا ينام ليله يخاف وصفته بطول البيت
وعلوه فان بيوت الاشراف كذلك يعلونها ويضربونها في المواضع المرتفعة ليقصدهم
الطارقون والوافدون فطول بيوتهم اما لزيادة شرفهم أو لطول قاماتهم وبيوت غيرهم قصار
وقد لهج الشعراء بمدح الأول وذم الثاني كقوله * قصار البيوت لا ترى صهواتها * وقال آخر
- إذا دخلوا بيوتهم أكبوا * على الركبات من قصر العماد -
ومن لازم طول البيت أن يكون متسعا فيدل على كثرة الحاشية والغاشية وقيل كنت بذلك عن
شرفه ورفعة قدره والنجاد بكسر النون وجيم خفيفة حمالة السيف تريد أنه طويل القامة
يحتاج إلى طول نجاده وفى ضمن كلامها أنه صاحب سيف فأشارت إلى شجاعته وكانت العرب
تتمادح بالطول وتذم بالقصر وقولها عظيم الرماد تعنى أن نار قراه للأضياف لا تطفئ لنهتدى
الضيفان إليها فيصير رماد النار كثيرا لذلك وقولها قريب البيت من الناد وقفت عليها بالسكون
لمؤاخاة السجع والنادى والندى مجلس القوم وصفته بالشرف في قومه فهم إذا تفاوضوا
واشتوروا في أمر أتوا فجلسوا قريبا من بيته فاعتمدوا على رأيه وامتثلوا أمره أو أنه وضع بيته في
وسط الناس ليسهل لقاؤه ويكون أقرب إلى الوارد وطالب القرى قال زهير
- بسط البيوت لكي يكون مظنة * من حيث توضع جفنة المسترفد -
ويحتمل أن تريد أن أهل النادي إذا أتوه لم يصعب عليهم لقاؤه لكونه لا يحتجب عنهم ولا يتباعد
منهم بل يقرب ويتلقاهم ويبادر لاكرامهم وضد من يتوارى بأطراف الحلل واغوار المنازل
ويبعد عن سمت الضيف لئلا يهتدوا إلى مكانه فإذا استبعدوا موضعه صدوا عنه ومالوا إلى غيره
ومحصل كلامها أنها وصفته بالسيادة والكرم وحسن الخلق وطيب المعاشرة (قوله قالت
العاشرة زوجي مالك وما مالك مالك خير من ذلك له ابل كثيرات المبارك قليلات المسارح وإذا
سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك) وقع في رواية عمر بن عبد الله عند النسائي والزبير
المبارح بدل المبارك وفى رواية أبى يعلى المزاهر بصيغة الجمع وعند الزبير الضيف بدل المزهر
والمبارك بفتحتين جمع مبرك وهو موضع نزول الإبل والمسارح جمع مسرح وهو الموضع الذي
تطلق لترعى فيه والمزهر بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الهاء آلة من آلات اللهو وقيل هي العود
وقيل دف مربع وأنكر أبو سعيد الضرير تفسير المزهر بالعود فقال ما كانت العرب تعرف
العود الا من خالط الحضر منهم وانما هو بضم الميم وكسر الهاء وهو الذي يوقد النار فيزهرها
للضيف فإذا سمعت الإبل صوته ومعمعان النار عرفت أن ضيفا طرق فتيقنت الهلاك وتعقبه
عياض بأن الناس كلهم رووه بكسر الميم وفتح الهاء ثم قال ومن الذي أخبره أن مالكا المذكور
لم يخالط الحضر ولا سيما مع ما جاء في بعض طرق هذا الحديث انهن كن من قرية من قرى اليمن
وفى الأخرى انهن من أهل مكة وقد كثر ذكر المزهر في أشعار العرب جاهليتها واسلامها بدويها
وحضريها اه‍ ويرد عليه أيضا وروده بصيغة الجمع فإنه بعينه للآلة ووقع في رواية يعقوب
230

ابن السكيت وابن الأنباري من الزيادة وهو امام القوم في المهالك فجمعت في وصفها له بين
الثروة والكرم وكثرة القرى والاستعداد له والمبالغة في صفاته ووصفته أيضا مع ذلك بالشجاعة
لان المراد بالمهالك الحروب وهو لثقته بشجاعته يتقدم رفقته وقيل أرادت أنه هاد في السبل
الخفية عالم بالطرق في البيداء فالمراد على هذا بالمهالك المفاوز والأول أليق والله أعلم وما في قولها
وما مالك استفهامية يقال للتعظيم والتعجب والمعنى وأي شئ هو مالك ما أعظمه وأكرمه وتكرير
الاسم أدخل في باب التعظيم وقولها مالك خير من ذلك زيادة في الاعظام وتفسير لبعض الابهام
وأنه خير مما أشير إليه من ثناء وطيب ذكر وفوق ما اعتقد فيه من سؤدد وفخر وهو أجل ممن أصفه
لشهرة فضله وهذا بناء على أن الإشارة بقولها ذلك إلى ما تعتقده فيه من صفات المدح ويحتمل
أن يكون المراد مالك خير من كل مالك والتعميم يستفاد من المقام كما قيل تمرة خير من جرادة أي
كل تمرة خير من كل جرادة وهذا إشارة إلى ما في ذهن المخاطب أي مالك خير مما في ذهنك من
مالك الأموال وهو خير مما سأصفه به ويحتمل أن تكون الإشارة إلى ما تقدم من الثناء على
الذين قبله وأن مالكا أجمع من الذين قبله لخصال السيادة والفضل ومعنى قولها قليلات المسارح
أنه لاستعداده للضيفان بها لا يوجه منهن إلى المسارح الا قليلا ويترك سائرهن بفنائه فان
فأجاءه ضيف وجد عنده ما يقريه به من لحومها وألبانها ومنه قول الشاعر
- حبسنا ولم نسرح لكي لا يلومنا * على حكمه صبرا معودة الحبس -
ويحتمل أن تريد بقولها قليلات المسارح الإشارة إلى كثرة طروق الضيفان فاليوم الذي يطرقه
الضيف فيه لا تسرح حتى يأخذ منها حاجته للضيفان واليوم الذي لا يطرقه فيه أحد أو يكون
هو فيه غائبا تسرح كلها فأيام الطروق أكثر من أيام عدمه فهي لذلك قليلات المسارح وبهذا
يندفع اعتراض من قال لو كانت قليلات المسارح لكانت في غاية الهزال وقيل المراد بكثرة
المبارك أنها كثيرا ما تثار فتحلب ثم تترك فتكثر مباركها لذلك وقال ابن السكيت ان المراد
أن مباركها على العطايا والحمالات وأداء الحقوق وقرى الأضياف كثيرة وانما يسرح منها ما فضل
عن ذلك فالحاصل أنها في الأصل كثيرة ولذلك كانت مباركها كثيرة ثم إذا سرحت صارت
قليلة لأجل ما ذهب منها وأما رواية من روى عظيمات المبارك فيحتمل أن يكون المعنى أنها
من سمنها وعظم جثتها تعظم مباركها وقيل المراد أنها إذا بركت كانت كثيرة لكثر من ينضم
إليها ممن يلتمس القرى وإذا سرحت سرحت وحدها فكانت قليلة بالنسبة لذلك ويحتمل أن
يكون المراد بقلة مسارحها قلة الأمكنة التي ترعى فيها من الأرض وأنها لا تمكن من الرعى
الا بقرب المنازل لئلا يشق طلبها إذا احتيج إليها ويكون ما قرب من المنزل كثير الخصب لئلا تهزل
ووقع في رواية سعيد بن سلمة عند الطبراني أبو مالك وما أبو مالك ذو ابل كثيرة المسالك قليلة المبارك
قال عياض ان لم تكن هذه الرواية وهما فالمعنى أنها كثيرة في حال رعيها إذا ذهبت قليلة
في حال مباركها إذا قامت لكثرة ما ينحر منها وما يسلك منها فيه من مسالك الجود من رفد ومعونة
وحمل وحمالة ونحو ذلك وأما قولها أيقن انهن هوالك فالمعنى انه كثرت عادته بنحر الإبل لقرى
الضيفان ومن عادته أن بسقيهم ويلهيهم أو يتلقاهم بالغناء مبالغة في الفرح بهم صارت الإبل إذا
سمعت صوت الغناء عرفت أنها تنحر ويحتمل أنها لم ترد فهم الإبل لهلاكها ولكن لما كان ذلك
231

يعرفه من يعقل أضيف إلى الإبل والأول أولى (قوله قالت الحادية عشرة) قال النووي وفى
بعض النسخ الحادي عشرة وفى بعضها الحادية عشر والصحيح الأول وفى رواية الزبير وهى أم
زرع بنت أكيمل بن ساعدة (قوله زوجي أبو زرع) في رواية النسائي نكحت أبا زرع (قوله
فما أبو زرع) في رواية أبي ذر وما أبو زرع وهو المحفوظ للأكثر زاد الطبراني في رواية صاحب
نعم وزرع (قوله أناس) بفتح الهمزة وتخفيف النون وبعد الألف مهملة أي حرك (قوله من
حلى) بضم المهملة وكسر اللام (أذنى) بالتثنية والمراد أنه ملأ أذنيها بما جرت عادة النساء من
التحلي به من قرط وشنف من ذهب ولؤلؤ ونحو ذلك وقال ابن السكيت أناس أي أثقل حتى
تدلى واضطرب والنوس حركة كل شئ متدل وقد تقدم حديث ابن عمر أنه دخل على حفصة
ونوساتها تنطف مع شرح المراد به في المغازي ووقع في رواية ابن السكيت أذني وفرعي بالتثنية
قال عياض يحتمل أن تريد بالفرعين اليدين لأنهما كالفرعين من الجسد تعنى أنه حلى أذنيها
ومعصميها أو أرادت العنق واليدين وأقامت اليدين مقام فرع واحد أو أرادت اليدين
والرجلين كذلك أو الغديرتين وقرني الرأس فقد جرت عادة المترفات بتنظيم غدائرهن وتحلية
نواصيهن وقرونهن ووقع في رواية ابن أبي أويس فرعى بالافراد أي حلى رأسي فصار يتدلى من
كثرته وثقله والعرب تسمى شعر الرأس فرعا قال امرؤ القيس * وفرع يغشى المتن أسود فاحم *
(قوله وملأ من شحم عضدي) قال أبو عبيد لم ترد العضد وحده وانما أرادت الجسد كله
لان العضد إذا سمنت سمن سائر الجسد وخصت العضد لأنه أقرب ما يلي بصر الانسان من
جسده (قوله وبجحني) بموحدة ثم جيم خفيفة وفى رواية للنسائي ثقيلة ثم مهملة (قوله
فبجحت) بسكون المثناة وفى رواية لمسلم فتبجحت إلى بالتشديد نفسي هذا هو المشهور في
الروايات وفى رواية للنسائي وبجح نفسي فبجحت إلى وفى أخرى له ولابى عبيد فبجحت بضم
التاء والى بالتخفيف والمعنى أنه فرحها ففرحت وقال ابن الأنباري المعنى عظمني فعظمت إلى
نفسي وقال ابن السكيت المعنى فخرني ففخرت وقال ابن أبي أويس معناه وسع على وترفني
(قوله وجدني في أهل غنيمة) بالمعجمة والنون مصغر (قوله بشق) بكسر المعجمة قال الخطابي
هكذا الرواية والصواب بفتح الشين وهو موضع بعينه وكذا قال أبو عبيد وصوبه الهروي
وقال ابن الأنباري هو بالفتح والكسر موضع وقال ابن أبي أويس وابن حبيب هو بالكسر
والمراد شق جبل كانوا فيه لقلتهم وسعهم سكنى شق الجبل أي ناحيته وعلى رواية الفتح فالمراد
شق في الجبل كالغار ونحوه وقال ابن قتيبة وصوبه نفطويه المعنى بالشق بالكسر انهم كانوا
في شظف من العيش يقال هو بشق من العيش أي بشطف وجهد ومنه لم تكونوا بالغيه الا بشق
الأنفس وبهذا جزم الزمخشري وضعف غيره (قوله فجعلني في أهل صهيل) أي خيل (وأطيط)
أي ابل زاد في رواية النسائي وجامل وهو جمع جمل والمراد اسم فاعل لمالك الجمال كقوله لابن
وتامر وأصل الأطيط صوت أعواد المحامل والرجال على الجمال فأرادت أنهم أصحاب محامل
تشير بذلك إلى رفاهيتهم ويطلق الأطيط على كل صوت نشأ عن ضغط كما في حديث باب الجنة
ليأتين عليه زمان وله أطيط ويقال المراد بالاطيط صوت الجوف من الجوع (قوله ودائس) اسم
فاعل من الدوس وفى رواية للنسائي ودياس قال ابن السكيت الدائس الذي يدوس الطعام
232

وقال أبو عبيد تأوله بعضهم من دياس الطعام وهو دراسة وأهل العراق يقولون الدياس وأهل
الشام الدراس فكأنها أرادت أنهم أصحاب زرع وقال أبو سعيد المراد أن عندهم طعاما منتقى
وهم في دياس شئ آخر فخيرهم متصل (قوله ومنق) بكسر النون وتشديد القاف قال أبو عبيد
لا أدرى معناه وأظنه بالفتح من تنقى الطعام وقال ابن أبي أويس المنق بالكسر نقيق أصوات
المواشي تصف كثرة ماله وقال أبو سعيد الضرير هو بالكسر من نقيقة الدجاج يقال أنق الرجل إذا
كان له دجاج قال القرطبي لا يقال لشئ من أصوات المواشي نق وانما يقال نق الضفدع والعقرب
والدجاج ويقال في الهر بقلة وأما قول أبي سعيد فبعيد لان العرب لا تتمدح بالدجاج ولا تذكرها
في الأموال وهذا الذي أنكره القرطبي لم يرده أبو سعيد وانما أراد ما فهمه الزمخشري فقال كأنها
أرادت من يطرد الدجاج عن الحب فينق وحكى الهروي أن المنق بالفتح الغربال وعن بعض المغاربة يجوز أن يكون بسكون النون وتخفيف القاف أي له انعام ذات نقى أي سمان والحاصل
أنها ذكرت انه نقلها من شظف عيش أهلها إلى الثروة الواسعة من الخيل والإبل والزرع وغير
ذلك ومن أمثالهم ان كنت كاذبا فحلبت قاعدا أي صار مالك غنما يحلبها القاعد وبالضد أهل
الإبل والخيل (قوله فعنده أقول) في رواية للنسائي أنطق وفى رواية الزبير أتكلم (قوله
فلا أقبح) أي فلا يقال لي قبحك الله أو لا يقبح قولي ولا يرد على أي لكثرة اكرامه لها وتدللها عليه
لا يرد لها قولا ولا يقبح عليها ما تأتى به ووقع في رواية الزبير فبينما أنا عنده أنام إلى آخره (قوله
وأرقد فأتصبح) أي أنام الصبحة وهى نوم أول النهار فلا أوقظ إشارة إلى أن لها من يكفيها مؤنة بيتها
ومهنة أهلها (قوله وأشرب فأتقنح) كذا وقع بالقاف والنون الثقيلة ثم المهملة قال عياض
لم يقع في الصحيحين الا بالنون ورواه الأكثر في غيرهما بالميم (قلت) وسيأتي بيان ذلك في آخر الكلام
على هذا الحديث حيث نقل البخاري أن بعضهم رواه بالميم قال أبو عبيد أتقمح أي أروى حتى
لا أحب الشرب مأخوذ من الناقة القامح وهى التي ترد الحوض فلا تشرب وترفع رأسها ريا
وأما بالنون فلا أعرفه انتهى وأثبت بعضهم ان معنى اتقنه ح بمعنى أتقمح لان النون والميم يتعاقبان
مثل امتقع لونه وانتقع وحكى شمر عن أبي زيد التقنح الشرب بعد الري وقال ابن حبيب الري بعد
الري وقال أبو سعيد هو الشرب على مهل لكثرة اللبن لأنها كانت آمنة من قلته فلا تبادر إليه
مخافة عجزه وقال أبو حنيفة الدينوري قنحت من الشراب تكارهت عليه بعد الري وحكى القالي
قنحت الإبل تقنح بفتح النون في الماضي والمستقبل قنحا بسكون النون وبفتحها أيضا إذا
تكارهت الشرب بعد الري وقال أبو زيد وابن السكيت أكثر كلامهم تقنحت تقنحا بالتشديد
وقال ابن السكيت معنى قولها فأتقنح أي لا يقطع على شربي فتوارد هؤلاء كلهم على أن المعنى
أنها تشرب حتى لا تجد مساغا أو انها لا يقلل مشروبها ولا يقطع عليها حتى تتم شهوتها منه
وأغرب أبو عبيد فقال لا أراها قالت ذلك الا لعزة الماء عندهم أي فلذلك فخرت بالري من الماء
وتعقبوه بأن السياق ليس فيه التقييد بالماء فيحتمل أن تريد أنواع الأشربة من لبن وخمر ونبيذ
وسويق وغير ذلك ووقع في رواية الإسماعيلي عن البغوي فأتفتح بالفاء والمثناة قال عياض ان
لم يكن وهما فمعناه التكبر والزهو يقال في فلان فتحة إذا تاه وتكبر ويكون ذلك تحصل لها من
نشأة الشراب أو يكون راجعا إلى جميع ما تقدم أشارت به إلى عزتها عنده وكثرة الخير لديها فهي
233

تزهو لذلك أو معنى أتقنح كناية عن سمن جسمها ووقع في رواية الهيثم وآكل فأتمنح أي أطعم غيري
يقال منحه يمنحه إذا أعطاه وأتت بالألفاظ كلها بوزن أتفعل إشارة إلى تكرار الفعل وملازمته
ومطالبة نفسها أو غيرها بذلك فان ثبتت هذه الرواية والا ففي الاقتصار على ذكر الشرب إشارة
إلى أن المراد به اللبن لأنه هو الذي يقوم مقام الشراب والطعام (قوله أم أبى زرع فما أم أبى زرع
عكومها رداح وبيتها فساح) في رواية أبى عبيد فياح بتحتانية خفيفة من فاح يفيح إذا اتسع
ووقع في رواية أبى العباس العذرى فيما حكاه عياض أم زرع وما أم زرع بحذف أداة الكنية قال
عياض وعلى هذا فتكون كنت بذلك عن نفسها (قلت) والأول هو الذي تظافرت به الروايات
وهو المعتمد وأما قوله فما أم أبى زرع فتقدم بيانه في قول العاشرة والعكوم بضم المهملة جمع عكم
بكسرها وسكون الكاف هي الاعدال والاحمال التي تجمع فيها الأمتعة وقيل هي نمط تجعل
المرأة فيها ذخيرتها حكاه الزمخشري ورداح بكسر الراء وبفتحها وآخره مهملة أي عظام كثيرة
الحشو قاله أبو عبيد وقال الهروي معناه ثقيلة يقال للكتيبة الكبيرة رداح إذا كانت بطيئة
السير لكثرة من فيها ويقال للمرأة إذا كانت عظيمة الكفل ثقيلة الورك رداح وقال ابن حبيب
انما هو رداح أي ملأى قال عياض رأيته مضبوطا وذكر أنه سمعه من ابن أبي أويس كذلك قال
وليس كما قاله شارح العراقيين قال عياض وما أدرى ما أنكره ابن حبيب مع أنه فسره بما فسره به
أبو عبيد مع مساعدة سائر الرواة له قال ويحتمل أن يكون مراده أن يضبطها بكسر الراء لا بفتحها
جمع رادح كقائم وقيام ويصح أن يكون رداح خبر عكوم فيخبر عن الجمع بالجمع ويصح أن يكون
خبر المبتدا محذوف أي عكومها كلها رداح على أن رداح واحد جمعه ردح بضمتين وقد سمع الخبر
عن الجمع بالواحد مثل أدرع دلاص فيحتمل أن يكون هذا منه ومنه أولياؤهم الطاغوت أشار
إلى ذلك عياض قال ويحتمل أن يكون مصدرا مثل طلاق وكمال أو على حذف المضاف أي
عكومها ذات رداح قال الزمخشري لو جاءت الرواية في عكوم بفتح العين لكان الوجه على أن
يكون المراد بها الجفنة التي لا تزول عن مكانها اما لعظمها واما لان القرى متصل دائم من
قولهم ورد ولم يعكم أي لم يقف أو التي كثر طعامها وتراكم كما يقال اعتكم الشئ وارتكم قال
والرداح حينئذ تكون واقعة في مصابها من كون الجفنة موصوفة بها وفساح بفتح الفاء
والمهملة أي واسع يقال بيت فسيح وفساح وفياح بمعناه ومنهم من شدد الياء مبالغة والمعنى أنها
وصفت والدة زوجها بأنها كثيرة الآلات والأثاث والقماش واسعة المال كبيرة البيت اما حقيقة فيدل ذلك على عظم الثروة واما كناية عن كثرة الخير ورغد العيش والبر بمن ينزل بهم
لانهم يقولون فلان رحب المنزل أي يكرم من ينزل عليه وأشارت بوصف والدة زوجها إلى أن
زوجها كثير البر لامه وانه لم يطعن في السن لان ذلك هو الغالب ممن يكون له والدة توصف
بمثل ذلك (قوله ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع مضجعه كمسل شطبة ويشبعه ذراع الجفرة)
زاد في رواية لابن الأنباري وترويه فيقة اليعرة ويميس في حلق النترة فأما مسل الشطبة
فقال أبو عبيد أصل الشطبة ما شطب من الجريد وهو سعفه فيشق منه قضبان رقاق تنسج منه
الحصر وقال ابن السكيت الشطبة من سدى الحصير وقال ابن حبيب هي العود المحدد كالمسلة
وقال ابن الاعرابى أرادت بمسل الشطبة سيفا سل من غمده فمضجعه الذي ينام فيه في الصغر
234

كقدر مسل شطبة واحدة أما على ما قال الأولون فعلى قدر ما يسل من الحصير فيبقى مكانه
فارغا وأما على قول ابن الاعرابى فيكون كغمد السيف وقال أبو سعيد الضرير شبهته بسيف
مسلول ذي شطب وسيوف اليمن كلها ذات شطب وقد شبهت العرب الرجال بالسيوف اما
لخشونة الجانب وشدة المهابة واما لجمال الرونق وكمال اللألاء واما لكمال صورتها في اعتدالها
واستوائها وقال الزمخشري المسل مصدر بمعنى السل يقام مقام المسلول والمعنى كمسلول
الشطبة وأما الجفرة بفتح الجيم وسكون الفاء فهي الأنثى من ولد المعز إذا كان ابن أربعة أشهر وفصل
عن أمه وأخذ في الرعى قاله أبو عبيد وغيره وقال ابن الأنباري وابن دريد ويقال لولد الضأن أيضا
إذا كان ثنيا وقال الخليل الجفر من أولاد الشاء ما استجفر أي صار له بطن والفيقة بكسر الفاء
وسكون التحتانية بعدها قاف ما يجتمع في الضرع بين الحلبتين والفواق بضم الفاء الزمان الذي
بين الحلبتين واليعرة بفتح التحتانية وسكون المهملة بعدها راء العناق ويميس بالمهملة أي يتبختر
والمراد يحلق النترة وهى بالنون المفتوحة ثم المثناة الساكنة الدرع اللطيفة أو القصيرة وقيل
اللينة الملمس وقيل الواسعة والحاصل أنها وصفته بهيف القد وأنه ليس ببطين ولا جافى قليل
الأكل والشرب ملازم لآلة الحرب يختال في موضع القتال وكل ذلك مما تتمادح به العرب
ويظهر لي أنها وصفته بأنه خفيف الوطأة عليها لان زوج الأب غالبا يستثقل ولده من غيرها
فكان هذا يخفف عنها فإذا دخل بيتها فانفق أنه قال فيه مثلا لم يضطجع الا قدر ما يسل السيف
من غمده ثم يستيقظ مبالغة في التخفيف عنها وكذا قولها يشبعه ذراع الجفرة انه لا يحتاج
ما عندها بالاكل فضلا عن الاخذ بل لو طعم عندها لاقتنع باليسير الذي يسد الرمق من المأكول
والمشروب (قوله بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع) في رواية مسلم وما بالواو بدل الفاء (قوله
طوع أبيها وطوع أمها) أي أنها بارة بهما زاد في رواية الزبير وزين أهلها ونسائها أي يتجملون
بها وفى رواية للنسائي زين أمها وزين أبيها بدل طوع في الموضعين وفى رواية للطبراني وقرة عين
لامها وأبيها وزين لأهلها وزاد الكاذي في روايته عن ابن السكيت وصفر ردائها وزاد في رواية قباء
هضيمة الحشا جائلة الوشاح عكناء فعماء نجلاء دعجاء رجاء قنواء مؤنقة مفنقة (قوله وملء كسائها
كناية عن كمال شخصها ونعمة جسمها (قوله وغيظ جارتها) في رواية سعيد بن سلمة عند مسلم
وعقر جارتها بفتح المهملة وسكون القاف أي دهشها أو قتلها وفى رواية للنسائي والطبراني وحير
جارتها بالمهملة ثم التحتانية من الحيرة وفى آخره له وحين جارتها بفتح المهملة وسكون التحتانية
بعدها نون أي هلاكها وفى رواية الهيثم بن عدي وعبر جارتها بضم المهملة وسكون الموحدة وهو
من العبرة بالفتح أي تبكى حسدا لما تراه منها أو بالكسر أي تعتبر بذلك وفى رواية سعيد بن سلمة
وحبر نسائها واختلف في ضبطه فقيل بالمهملة والموحدة من التحبير وقيل بالمعجمة والتحتانية من
الخيرية والمراد بجارتها ضرتها أو هو على حقيقته لان الجارات من شأنهن ذلك ويؤيد الأول
ان في رواية حنبل وغير جارتها بالغين المعجمة وسكون التحتانية من الغيرة وسيأتى قريبا قول عمر
لحفصة لا يغرنك أن كانت جارتك أضوأ منك يعنى عائشة وقولها صفر بكسر الصاد المهملة
وسكون الفاء أي خال فارغ والمعنى أن رداءها كالفارغ الخالي لأنه لا يمس من جسمها شيئا لان
ردفها وكتفيها يمنع مسه من خلفها شيئا من جسمها ونهدها يمنع مسه شيئا من مقدمها وفى كلام
235

ابن أبي أويس وغيره معنى قولها صفر ردائها تصفها بأنها خفيفة موضع التردية وهو أعلى بدنها
ومعنى قوله ملء كسائها أي ممتلئة موضع الأزرة وهو أسفل بدنها والصفر الشئ الفارغ قال
عياض والأولى أنه أراد أن امتلاء منكبيها وقيام نهديها يرفعان الرداء عن أعلى جسدها فهو
لا يمسه فيصير كالفارغ منها بخلاف أسفلها ومنه قول الشاعر
- أبت الروادف والنهود لقمصها * من أن تمس بطونها وظهورها - وقولها قباء بفتح القاف وبتشديد الموحدة أي ضامرة البطن وهضيمة الحشا هو بمعنى الذي قبله
وجائلة الوشاح أي يدور وشاحها لضمور بطنها وعكناء أي ذات أعكان وفعماء بالمهملة أي ممتلئة
الجسم ونجلاء بنون وجيم أي واسعة العين ودعجاء أي شديدة سواد العين ورجاء بتشديد الجيم أي
كبيرة الكفل ترتج من عظمه إن كانت الرواية بالراء فإن كانت بالزاي فالمراد في حاجبيها تقويس 3
ومؤنقة بنون ثقيلة وقاف ومفنقة بوزنه أي مغذية بالعيش الناعم وكلها أوصاف حسان وفى رواية
ابن الأنباري برود الظل أي أنها حسنة العشرة كريمة الجوار وفى الالى بتشديد التحتانية والألى
بكسر الهمزة أي العهد أو القرابة كريم الخل بكسر المعجمة أي الصاحب زوجا كان أو غيره وانما
ذكرت هذه الأوصاف مع أن الموصوف مؤنث لأنها ذهبت به مذهب التشبيه أي هي كرجل في
هذه الأوصاف أو حملته على المعنى كشخص أو شئ ومنه قول عروة بن حرام
* وعفراء عنى المعرض المتواني * قال الزمخشري ويحتمل أن يكون بعض الرواة نقل هذه الصفة
من الابن إلى البنت وفى أكثر هذه الأوصاف رد على الزجاجي في انكاره مثل قولهم مررت برجل
حسن وجهه وزعم أن سيبويه انفرد بإجازة مثل ذلك وهو ممتنع لأنه أضاف الشئ إلى نفسه قال
القرطبي أخطأ الزجاجي في مواضع في منعه وتعليله وتخطئته ودعواه الشذوذ وقد نقل ابن
خروف أن القائلين به لا يحصى عددهم وكيف يخطئ من تمسك بالسماع الصحيح كما جاء في هذا
الحديث الصحيح المتفق على صحته وكما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم شئن أصابعه (تنبيه)
سقط من رواية الزبير ذكر ابن أبي زرع ووصف بنت أبي زرع فجعل وصف ابن أبي زرع لبنت أبى
زرع ورواية الجماعة أولى وأتم (قوله جارية أبى زرع فما جارية أبى زرع) في رواية الطبراني خادم
أبى زرع وفى رواية الزبير وليد أبى زرع والوليد الخادم يطلق على الذكر والأنثى (قوله لا تبث
حديثنا تبثيثا) بالموحدة ثم المثلثة وفى رواية بالنون بدل الموحدة وهما بمعنى بث الحديث ونث
الحديث أظهره ويقال بالنون في الشر خاصة كما تقدم في كلام الأولى 4 وقال ابن الاعرابى النثاث
المغتاب ووقع في رواية الزبير ولا تخرج (قوله ولا تنقث) بتشديد القاف بعدها مثلثة أي تسرع
فيه بالخيانة تذهبه بالسرقة كذا في البخاري وضبطه عياض في مسلم بفتح أوله وسكون النون
وضم القاف قال وجاء تنقيثا مصدرا على غير الأصل وهو جائز كما في قوله تعالى فتقبلها ربها بقبول
حسن وأنبتها نباتا حسنا ووقع عند مسلم في الطريق التي بعد هذه وهى رواية سعيد بن سلمة ولا تنقث
بالتشديد كما في رواية البخاري انتهى وضبطه الزمخشري بالفاء الثقيلة بدل القاف وقال في شرحه
النفث والتفل بمعنى وأرادت المبالغة في براءتها من الخيانة فيحتمل إن كان محفوظا أن تكون
إحدى الروايتين في مسلم بالقاف كما في رواية البخاري والاخرى بالفاء والميرة بكسر الميم وسكون
التحتانية بعدها راء الزاد وأصله ما يحصله البدوي من الحضر ويحمله إلى منزله لينتفع به أهله
236

وقال أبو سعيد التنقيث اخراج ما في منزل أهلها إلى غيرهم وقال ابن حبيب معناه لا تفسده
ويؤيده أن رواية الزبير ولا تفسد وذكر مسلم ان في رواية سعيد بن سلمة بالفاء في الموضعين
وفى رواية أبى عبيد ولا تنقل وكذا للزبير عن عمه مصعب ولابى عوانة ولا تنتقل وفى رواية عن
ابن الأنباري ولا تغث بمعجمة ومثلثة أي تفسد وأصله من الغثة بالضم وهى الوسوسة وفى رواية
للنسائي ولا تفتش ميرتنا تفشيشا بفاء ومعجمتين من الافشاش طلب الاكل من هنا وهنا ويقال
فش ما على الخوان إذا أكله أجمع ووقع عند الخطابي ولا تفسد ميرتنا تغشيشا بمعجمات وقال
مأخوذ من غشيش الخبر إذا فسد تريد أنها تحسن مراعاة الطعام وتتعاهده بأن تطعم منه أولا
طريا ولا تغفله فيفسد وقال القرطبي فسره الخطابي بأنها لا تفسد الطعام المخبوز بل تتعهده
بأن تطعمهم منه أولا فأولا وتبعه المازري وهذا انما يتمشى على الرواية التي وقعت للخطابي وأما
على رواية الصحيح ولا تملأ فلا يستقيم وانما معناه أنها تتعهده بالتنظيف والحاصل أن الرواية
في الأولى كما في الأصل ولا تنقث ميرتنا تنقيثا وعند الخطابي ولا تفسد ميرتنا تغشيشا بالغين
المعجمة واتفقتا في الثانية على ولا تملأ بيتنا تعشيشا وهى بالعين المهملة وعلى رواية الخطابي هي
أقعد بالسجع أعنى تعشيشا من تنقيثا والله أعلم (قوله ولا تملأ بيتنا تعشيشا) بالمهملة ثم معجمتين
أي أنها مصلحة للبيت مهتمة بتنظيفه والقاء كناسته وابعادها منه وأنها لا تكتفى بقم كناسته
وتركها في جوانبه كأنها الأعشاش وفى رواية الطبراني ولا تعش بدل ولا تملأ ووقع في
رواية سعيد بن سلمة التي علقها البخاري بعد بالغين المعجمة بدل المهملة وهو من الغش ضد
الخالص أي لا تملؤه بالخيانة بل هي ملازمة للنصيحة فيما هي فيه وقال بعضهم هو كناية عن عفة
فرجها والمراد أنها لا تملأ البيت وسخا بأطفالها من الزنا وقال بعضهم كناية عن وصفها بأنها
لا تأتيهم بشر ولا تهمة وقال الزمخشري في تعشيشا بالعين المهملة يحتمل أن يكون من عششت
النخلة إذا قل سعفها أي لا تملؤه اختزالا وتقليلا لما فيه ووقع في رواية الهيثم ولا تنجث
أخبارنا تنجيثا بنون وجيم ومثلثة أي تستخرجها وأصل التنجثة ما يخرج من البئر من تراب
ويقال أيضا بالموحدة بدل الجيم زاد الحرث بن أبي أسامة عن محمد بن جعفر الوركاني عن عيسى
ابن يونس قالت عائشة حتى ذكرت كلب أبى زرع وكذا ذكره الإسماعيلي عن البغوي عن
الوركاني وزاد الهيثم بن عدي في روايته ضيف أبى زرع فما ضيف أبى زرع في شبع ورى
ورتع * طهاة أبى زرع فما طهاة أبى زرع لا تفتر ولا تعدى تقدح قدرا وتنصب أخرى فتلحق
الآخرة بالأولى * مال أبى زرع فما مال أبى زرع على الجمم معكوس وعلى العفاة محبوس وقوله رى
ورتع بفتح الراء وبالمثناة أي تنعم ومسرة والطهاة بضم المهملة الطباخون وقوله لا تفتر بالفاء
الساكنة ثم المثناة المضمومة أي لا تسكن ولا تضعف وقوله ولا تعدى بمهملة أي تصرف وتقدح
بالقاف والحاء المهملة أي تفرق وتنصب أي ترفع على النار والجمم بالجيم جمع جمة هم القوم
يسألون في الدية ومعكوس أي مردود والعفاة السائلون ومحبوس أي موقوف عليهم (قوله
قالت خرج أبو زرع) في رواية النسائي خرج من عندي وفى رواية الحرث بن أبي أسامة ثم خرج
من عندي (قوله والأوطاب تمخض) الأوطاب جمع وطب بفتح أوله وهو وعاء اللبن وذكر أبو
سعيد أن جمعه على أو طاب على خلاف قياس العربية لان فعلا لا يجمع على أفعال بل على فعال
237

وتعقب بأنه قال الخليل جمع الوطب وطاب وأوطاب وقد جمع فرد على أفراد فبطل الحصر الذي
ادعاه نعم القياس في فعل أفعل في القلة وفعال أو فعول في الكثرة قال عياض ورأيت في
رواية حمزة عن النسائي والاطاب بغير واو فإن كان مضبوطا فهو على ابدال الواو همزة كما قالوا
أكاف ووكاف قال يعقوب بن السكيت أرادت أنه يبكر بخروجه من منزلها غدوة وقت قيام
الخدم والعبيد لاشغالهم وانطوى في خبرها كثرة خير داره وغزر لبنه وأن عندهم ما يكفيهم
ويفضل حتى يمخضوه ويستخرجوا زبده ويحتمل أن يكون أنها أرادت أن الوقت الذي خرج فيه
كان في زمن الخصب وطيب الربيع (قلت) وكان سبب ذكر ذلك توطئة للباعث على رؤية أبى
زرع للمرأة على الحالة التي رآها عليها أي أنها من مخض اللبن تعبت فاستقلت تستريح فرآها أبو
زرع على ذلك (قوله فلقى امرأة معها ولدان لها كالفهدين) في رواية الطبراني فابصر امرأة لها
ابنان كالفهدين وفى رواية ابن الأنباري كالصقرين وفى رواية الكاذي كالشبلين ووقع في
رواية إسماعيل ابن أبي أويس سارين حسنين نفيسين وفائدة وصفها لهما التنبيه على أسباب
تزويج أبى زرع لها لانهم كانوا يرغبون في أن تكون أولادهم من النساء المنجبات فلذلك
حرص أبو زرع عليها لما رآها وفى رواية للنسائي فإذا هو بأم غلامين ووصفها لهما بذلك
للإشارة إلى صغر سنهما واشتداد خلقهما وتواردت الروايات على أنهما ابناها الا ما رواه أبو
معاوية عن هشام فإنه قال فمر على جارية معها أخواها قال عياض يتأول بأن المراد أنهما
ولداها ولكنهما جعلا أخويها في حسن الصورة وكمال الخلقة فان حمل على ظاهره كان أدل على
صغر سنها ويؤيده قوله في رواية غندر فمر بجارية شابة كذا قال وليس لغندر في هذا الحديث
رواية وانما هذه رواية الحرث بن أبي أسامة عن محمد بن جعفر وهو الوركاني ولم يدرك الحرث
محمد بن جعفر غندرا ويؤيد أنه الوركاني أن غندرا ما له رواية عن عيسى بن يونس وقد أخرجه
الإسماعيلي عن البغوي عن محمد بن جعفر الوركاني ولكن لم يسق لفظه ثم إن كونهما أخويها
يدل على صغر سنها فيه نظر لاحتمال أن يكونا من أبيها وولدا له بعد أن طعن في السن وهى بكر
أولاده فلا تكون شابة ويمكن الجمع بين كونهما أخويها وولديها بأن تكون لما وضعت ولديها
كانت أمها ترضع فأرضعتهما (قوله يلعبان من تحت خصرها برمانتين) في رواية الحرث من
تحت درعها وفى رواية الهيثم من تحت صدرها قال أبو عبيد يريد أنها ذات كفل عظيم فإذا
استلقت ارتفع كفلها بها من الأرض حتى يصير تحتها فجوة تجرى فيها الرمانة قال وذهب بعض
الناس إلى الثديين وليس هذا موضعه اه‍ وأشار بذلك إلى ما جزم به إسماعيل بن أبي أويس
ويؤيد قول أبى عبيد ما وقع في رواية أبى معاوية وهى مستلقية على قفاها ومعهما رمانة يرميان
بها من تحتها فتخرج من الجانب الآخر من عظم أليتيها لكن رجح عياض تأويل الرمانتين
بالنهدين من جهة أن سياق أبى معاوية هذا لا يشبه كلام أم زرع قال فلعله من كلام بعض
رواته أورده على سبيل التفسير الذي ظنه فأدرج في الخبر والا لم تجر العادة بلعب الصبيان
ورميهم الرمان تحت أصلاب أمهاتهم وما الحامل لها على الاستلقاء حتى يصنعان ذلك ويرى
الرجال منها ذلك بل الأشبه أن يكون قولها يلعبان من تحت خصرها أو صدرها أي أن ذلك
مكان الولدين منها وأنهما كانا في حضنيها أو جنبيها وفى تشبيه النهدين بالرمانتين إشارة إلى صغر
238

سنها وانها لم تترهل حتى تنكسر ثدياها وتتدلى اه‍ وما رده ليس ببعيد أما نفى العادة فمسلم لكن
من أين له أن ذلك لم يقع اتفاقا بأن تكون لما استلقت وولداها معها شغلتهما عنها بالرمانة
يلعبان بها ليتركاها تستريح فاتفق أنهما لعبا بالهيئة التي حكيت وأما الحامل لها على الاستلقاء
فقد قدمت احتمال أن يكون من التعب الذي حصل لها من المخض وقد يقع ذلك للشخص
فيستلقى في غير موضع الاستلقاء والأصل عدم الادراج الذي تخيله وإن كان ما اختاره من أن
المراد بالرمانة ثديها أولى لأنه أدخل في وصف المرأة بصغر سنها والله أعلم (قوله فطلقني ونكحها)
في رواية الحرث فأعجبته فطلقني وفى رواية أبى معاوية فخطبها أبو زرع فتزوجها فلم تزل به
حتى طلق أم زرع فأفاد السبب في رغبة أبى زرع فيها ثم في تطليقه أم زرع (قوله فنكحت بعده
رجلا) في رواية النسائي فاستبدلت وكل بدل أعور وهو مثل معناه أن البدل من الشئ غالبا
لا يقوم مقام المبدل منه بل هو دونه وأنزل منه والمراد بالأعور المعيب قال ثعلب الأعور الردئ
من كل شئ كما يقال كلمة عوراء أي قبيحة وهذا انما هو على الغالب وبالنسبة فأخبرت أم زرع
أن الزوج الثاني لم يسد مسد أبى زرع (قوله سريا) بمهملة ثم راء ثم تحتانية ثقيلة أي من سراة
الناس وهم كبراؤهم في حسن الصورة والهيئة والسري من كل شئ خياره وفسره الحربي بالسخي
ووقع في رواية الزبير شابا سريا (قوله ركب شريا
بمعجمة ثم راء ثم تحتانية ثقيلة قال ابن السكيت
تعنى فرسا خيارا فائقا وفى رواية الحرث ركب فرسا عربيا وفى رواية الزبير أعوجيا وهو
منسوب إلى أعوج فرس مشهور تنسب إليه العرب جياد الخيل كان لبنى كندة ثم لبنى سليم ثم
لبنى هلال وقيل لبنى غنى وقيل لبنى كلاب وكل هذه القبائل بعد كندة من قيس قال ابن خالويه
كان لبعض ملوك كندة فغزا قوما من قيس فقتلوه وأخذوا فرسه وقيل إنه ركب صغيرا رطبا
قبل أن يشتد فاعوج وكبر على ذلك والشرى الذي يستشري في سيره أي يمضى فيه بلا فتور
وشرى الرجل في الامر إذا لج فيه وتمادى وشرى البرق إذا كثر لمعانه (قوله وأخذ خطيا) بفتح
الخاء المعجمة وكسر الطاء المهملة نسبة إلى الخط صفة موصوف وهو الرمح ووقع في رواية
الحرث وأخذ رمحا خطيا والخط موضع بنواحي البحرين تجلب منه الرماح ويقال أصلها من
الهند تحمل في البحر إلى الخط المكان المذكور وقيل إن سفينة في أول الزمان كانت مملوءة رماحا
قذفها البحر إلى الخط فخرجت رماحها فيها فنسبت إليها وقيل إن الرماح إذا كانت على جانب
البحر تصير كالخط بين البر والبحر فقيل لها الخطية لذلك وقيل الخط منبت الرماح قال عياض
ولا يصح وقيل الخط الساحل وكل ساحل خط (قوله وأراح) بمهملتين من الرواح ومعناه أتى بها
إلى المراح وهو موضع مبيت الماشية قال ابن أبي أويس معناه أنه غزا فغنم فأتى بالنعم الكثيرة
(قوله على) بالتشديد وفى رواية الطبراني وأراح على بيتي (قوله نعما) بفتحتين وهو جمع
لا واحد له من لفظه وهو الإبل خاصة ويطلق على جميع المواشي إذا كان فيها ابل وفى رواية
حكاها عياض نعما بكسر أوله جمع نعمة والأشهر الأول (قوله ثريا) بمثلثة أي كثيرة والثرى
المال الكثير من الإبل وغيرها يقال أثرى فلان فلانا إذا كثره فكان في شئ من الأشياء أكثر منه
وذكر ثريا وإن كان وصف مؤنث لمراعاة السجع ولان كل ما ليس تأنيثه حقيقيا يجوز فيه
التذكير والتأنيث (قوله وأعطاني من كل رائحة) براء وتحتانية ومهملة في رواية لمسلم ذابحة
239

بمعجمة ثم موحدة ثم مهملة أي مذبوحة مثل عيشة راضية أي مرضية فالمعنى أعطاني من كل شئ
يذبح زوجا وفى رواية الطبراني من كل سائمة والسائمة الراعية والرائحة الآتية وقت الرواح
وهو آخر النهار (قوله زوجا) أي اثنين من كل شئ من الحيوان الذي يرعى والزوج يطلق على
الاثنين وعلى الواحد أيضا وأرادت بذلك كثرة ما أعطاها وأنه لم يقتصر على الفرد من ذلك (قوله
وقال كلي أم زرع وميري أهلك) أي صليهم وأوسعي عليهم بالميرة بكسر الميم وهى الطعام
والحاصل أنها وصفته بالسودد في ذاته والشجاعة والفضل والجود بكونه أباح لها أن تأكل
ما شاءت من ماله وتهدى منه ما شاءت لأهلها مبالغة في اكرامها ومع ذلك فكانت أحواله عندها
محتقرة بالنسبة لأبي زرع وكان سبب ذلك أن أبا زرع كان أول أزواجها فسكنت محبته في قلبها
كما قيل * ما الحب الا للحبيب الأول زاد * أبو معاوية في روايته فتزوجها رجل آخر فأكرمها
أيضا فكانت تقول أكرمني وفعل بي وتقول في آخر ذلك لو جمع ذلك كله (قوله قالت فلو
جمعت في رواية الهيثم فجمعت ذلك كله وفى رواية الطبراني فقلت لو كان هذا أجمع في أصغر
(قوله كل شئ) في رواية للنسائي كل الذي (قوله أعطانيه) في رواية مسلم أعطاني بلا هاء (قوله
ما بلغ أصغر آنية أبى زرع) في رواية ابن أبي أويس ما ملأ اناء من آنية أبى زرع وفى رواية
للنسائي ما بلغت اناء وفى رواية الطبراني فلو جمعت كل شئ أصبته منه فجعلته في أصغر وعاء من
أوعية أبى زرع ما ملأه لان الاناء أو الوعاء لا يسع ما ذكرت أنه أعطاها من أصناف النعم ويظهر
لي حمله على معنى غير مستحيل وهى أنها أرادت أن الذي أعطاها جملة أراد أنها توزعه على المدة إلى
أن يجئ أوان الغزو فلو وزعته لكان حظ كل يوم مثلا لا يملأ أصغر آنية أبى زرع التي كان يطبخ
فيها في كل يوم على الدوام والاستمرار بغير نقص ولا قطع (قوله قالت عائشة قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم) في رواية الترمذي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد الكاذي في روايته
يا عائش وفى رواية ابن أبي أويس يا عائشة (قوله كنت لك) في رواية للنسائي فكنت لك وفى
رواية الزبير أنا لك وهى تفسير المراد برواية كنت كما جاء في تفسير قوله تعالى كنتم خير أمة أي أنتم
ومنه من كان في المهد أي من هو في المهد ويحتمل أن يكون كان هنا على بابها والمراد بها الاتصال
كما في قوله تعالى وكان الله غفورا رحيما إذ المراد بيان زمان ماض في الجملة أي كنت لك في سابق
علم الله (قوله كأبى زرع لأم زرع) زاد في رواية الهيثم ابن عدي في الألفة والوفاء لا في الفرقة
والجلاء وزاد الزبير في آخره الا أنه طلقها وانى لا أطلقك ومثله في رواية للطبراني وزاد
النسائي في رواية له والطبراني قالت عائشة يا رسول الله بل أنت خير من أبى زرع وفى أول رواية
الزبير بأبي وأمي لانت خير لي من أبى زرع لام زرع وكأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك تطيبا لها
وطمأنينة لقلبها ودفعا لايهام عموم التشبيه بجملة أحوال أبى زرع إذ لم يكن فيه ما تذمه النساء
سوى ذلك وقد وقع الافصاح بذلك وأجابت هي عن ذلك جواب مثلها في فضلها وعلمها
* (تنبيه) * وقع عند أبي يعلى عن سويد بن سعيد عن سفيان بن عيينة عن داود بن شابور عن عمر بن
عبد الله بن عروة عن جده عروة عن عائشة أنها حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي
زرع وأم زرع وذكرت شعر أبى زرع في أم زرع كذا فيه ولم يسق لفظه ولم أقف في شئ من
طرقه على هذا الشعر وأخرجه أبو عوانة من طريق عبد الله بن عمران والطبراني من طريق ابن
240

أبى عمر كلاهما عن ابن عيينة باسناده ولم يسق لفظه أيضا (قوله قال سعيد بن سلمة) هو ابن أبي
الحسام وهو مدني صدوق ما له في البخاري الا هذا الموضع (قوله قال هشام) هو ابن عروة يعنى
بهذا الاسناد وقد وصله مسلم عن الحسن بن علي عن موسى بن إسماعيل عنه ولم يسق لفظه بتمامه
بل ذكر أن عنده عيانا ولم يشك وأنه قال وصفر ردائها وخير نسائها وعقر جارتها وقال ولا تنقث
ميرتنا تنقيثا وقال وأعطاني من كل رائحة وقد بينت ذلك كله وهذا الذي نبه عليه البخاري من
قوله ولا تعشش بيتنا تعشيشا اختلف في ضبطه فقيل بالغين المعجمة وقيل بالمهملة وقد تقدم بيانه
وقد وصله أبو عوانة في صحيحه والطبراني بطوله واسناده موافق لعيسى بن يونس وأشرت إلى
ما في روايته من المخالفة فيما تقدم مفصلا وذكر الجياني أنه وقع عند أبي زيد المروزي بلفظ قال
سعيد بن سلمة عن أبي سلمة وعشش بيتنا تعشيشا وهو خطا في السند والمتن والصواب ولا تعشش
وقال موسى حدثنا سعيد عن هشام (قوله قال أبو عبد الله وقال بعضهم فاتقمح بالميم وهذا أصح)
أبو عبد الله المذكور هو البخاري المصنف وهو يوضح أن الذي وقع في أصل روايته اتقنح بالنون
وقد رواه اتقمح بالميم من طريق عيسى بن يونس أيضا النسائي وأبو يعلى وابن حبان والجوزقي
وغيرهم وكذا وقع في رواية سعيد بن سلمة المذكورة وفى رواية أبى عبيد أيضا وقد تقدم
بيان الاختلاف في ضبطها ومعناها وفى هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم حسن عشرة
المرء أهله بالتأنيس والمحادثة بالأمور المباحة ما لم يفض ذلك إلى ما يمنع وفيه المزح أحيانا وبسط
النفس به ومداعبة الرجل أهله واعلامه بمحبته لها ما لم يؤد ذلك إلى مفسدة تترتب على ذلك من
تجنيها عليه واعراضها عنه وفيه منع الفخر بالمال وبيان جواز ذكر الفضل بأمور الدين واخبار
الرجل أهله بصورة حاله معهم وتذكيرهم بذلك لا سيما عند وجود ما طعن عليه من كفر
الاحسان وفيه ذكر المرأة احسان زوجها وفيه اكرام الرجل بعض نسائه بحضور ضرائرها
بما يخصها به من قول أو فعل ومحله عند السلامة من الميل المفضى إلى الجور وقد تقدم في
أبواب الهبة جواز تخصيص بعض الزوجات بالتحف واللطف إذا استوفى للأخرى حقها وفيه
جواز تحدث الرجل مع زوجته في غير نوبتها وفيه الحديث عن الأمم الخالية وضرب الأمثال
بهم اعتبارا وجواز الانبساط بذكر طرف الاخبار ومستطابات النوادر تنشيطا للنفوس
وفيه حض النساء على الوفاء لبعولتهن وقصر الطرف عليهم والشكر لجميلهم ووصف المرأة
زوجها بما تعرفه من حسن وسوء وجواز المبالغة في الأوصاف ومحله إذا لم يصر ذلك ديدنا لأنه
يفضى إلى خرم المروءة وفيه تفسير ما يجمله المخبر من الخبر اما بالسؤال عنه واما ابتداء من تلقاء
نفسه وفيه أن ذكر المرء بما فيه من العيب جائز إذا قصد التنفير عن ذلك الفعل ولا يكون ذلك
غيبة أشار إلى ذلك الخطابي وتعقبه أبو عبد الله التميمي شيخ عياض بأن الاستدلال بذلك
انما يتم أن لو كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع المرأة تغتاب زوجها فأقرها وأما الحكاية عمن
ليس بحاضر فليس كذلك وانما هو نظير من قال في الناس شخص بشئ ولعل هذا هو الذي أراده
الخطابي فلا تعقب عليه وقال المازري قال بعضهم ذكر بعض هؤلاء النسوة أزواجهن
بما يكرهون ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم وأسمائهم قال المازري وانما
يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان من تحدث عنده بهذا الحديث سمع كلامهن في اغتياب
241

أزواجهن فأقرهن على ذلك فاما والواقع خلاف ذلك وهو أن عائشة حكت قصة عن نساء
مجهولات غائبات فلا ولو أن امرأة وصفت زوجها بما يكرهه لكان غيبة محرمة على من يقوله
ويسمعه الا إن كانت في مقام الشكوى منه عند الحاكم وهذا في حق المعين فأما المجهول الذي
لا يعرف فلا حرج في سماع الكلام فيه لأنه لا يتأذى الا إذا عرف ان من ذكر عنده يعرفه ثم إن
هؤلاء الرجال مجهولون لا تعرف أسماؤهم ولا أعيانهم فضلا عن أسمائهم ولم يثبت للنسوة
اسلام حتى يجرى عليهن حكم الغيبة فبطل الاستدلال به لما ذكر وفيه تقوية لمن كره نكاح من
كان لها زوج لما ظهر من اعتراف أم زرع باكرام زوجها الثاني لها بقدر طاقته ومع ذلك
فحقرته وصغرته بالنسبة إلى الزوج الأول وفيه أن الحب يستر الإساءة لان أبا زرع مع إساءته
لها بتطليقها لم يمنعها ذلك من المبالغة في وصفه إلى أن بلغت حد الافراط والغلو وقد وقع في
بعض طرقه إشارة إلى أن أبا زرع ندم على طلاقها وقال في ذلك شعرا ففي رواية عمر بن عبد الله
ابن عروة عن جده عن عائشة أنها حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي زرع وأم زرع
وذكرت شعر أبى زرع على أم زرع وفيه جواز وصف النساء ومحاسنهن للرجل لكن محله إذا
كن مجهولات والذي يمنع من ذلك وصف المرأة المعينة بحضرة الرجل أو ان يذكر من وصفها
ما لا يجوز للرجال تعمد النظر إليه وفيه أن التشبيه لا يستلزم مساواة المشبه بالمشبه به من كل
جهة لقوله صلى الله عليه وسلم كنت لك كأبى زرع والمراد ما بينه بقوله في رواية الهيثم
في الألفة إلى آخره لا في جميع ما وصف به أبو زرع من الثروة الزائدة والابن والخادم وغير ذلك
وما لم يذكر من أمور الدين كلها وفيه أن كناية الطلاق لا توقعه الا مع مصاحبة النية فإنه صلى الله
عليه وسلم تشبه بأبي زرع وأبو زرع قد طلق فلم يستلزم ذلك وقوع الطلاق لكونه لم يقصد إليه
وفيه جواز التأسي بأهل الفضل من كل أمة لان أم زرع أخبرت عن أبي زرع بجميل عشرته
فأمتثله النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال المهلب واعترضه عياض فأجاد وهو أنه ليس في السياق
ما يقتضى أنه تأسى به بل فيه أنه أخبر أن حاله معها مثل حال أم زرع نعم ما استنبطه صحيح باعتبار
أن الخبر إذا سيق وظهر من الشارع تقريره مع الاستحسان له جاز التأسي به ونحو مما قاله المهلب
قول آخر ان فيه قبول خبر الواحد لان أم زرع أخبرت بحال أبى زرع فأمتثله النبي صلى الله
عليه وسلم وتعقبه عياض أيضا فأجاد نعم يؤخذ منه القبول بطريق أن النبي صلى الله عليه وسلم
أقره ولم ينكره وفيه جواز قول بأبي وأمي ومعناه فداك أبي وأمي وسيأتى تقريره في كتاب
الأدب إن شاء الله تعالى وفيه مدح الرجل في وجهه إذا علم أن ذلك لا يفسده وفيه جواز القول
للمتزوج بالرفاء والبنين ان ثبتت اللفظة الزائدة أخيرا وقد تقدم البحث فيه قبل بأبواب وفيه أن
من شان النساء إذا تحدثن أن لا يكون حديثهن غالبا الا في الرجال وهذا بخلاف الرجال فان غالب
حديثهم انما هو فيما يتعلق بأمور المعاش وفيه جواز الكلام بالألفاظ الغريبة واستعمال السجع
في الكلام إذا لم يكن مكلفا قال عياض ما ملخصه في كلام هؤلاء النسوة من فصاحة الألفاظ
وبلاغة العبارة والبديع ما لا مزيد عليه ولا سيما كلام أم زرع فإنه مع كثرة فصوله وقلة فضوله
مجتاز الكلمات واضح السمات نير النسمات قد قدرت ألفاظه قدر معانيه وقررت قواعده
وشيدت مبانيه وفى كلامهن ولا سيما الأولى والعاشرة أيضا من فنون التشبيه والاستعارة
242

والكناية والإشارة والموازنة والترصيع والمناسبة والتوشيع والمبالغة والتسجيع والتوليد
وضرب المثل وأنواع المجانسة والزام ما لا يلزم والايغال والمقابلة والمطابقة والاحتراس
وحسن التفسير والترديد وغرابة التقسيم وغير ذلك أشياء ظاهرة لمن تأملها وقد أشرنا إلى بعضها
فيما تقدم وكمل ذلك أن غالب ذلك أفرغ في قالب الانسجام وأتى به الخاطر بغير تكلف وجاء
لفظه تابعا لمعناه منقادا له غير مستكره ولا منافر والله يمن على من يشاء بما شاء لا اله الا هو (قوله
حدثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (قوله قدر الجارية الحديثة السن) أي القريبة العهد
بالصغر وقد بينت في شرح المتن في العيدين أنها كانت يومئذ بنت خمس عشرة سنة أو أزيد
ووقع عند مسلم من رواية عمرو بن الحرث عن الزهري الجارية العربة وهى بفتح المهملة وكسر
الراء بعدها موحدة وتقدم تفسيره في صفة الجنة من بدء الخلق * (قوله باب
موعظة الرجل ابنته لحال زوجها) أي لأجل زوجها (قوله عن ابن عباس قال لم أزل حريصا
على أن أسال عمر) في رواية عبيد بن حنين الماضية في تفسير التحريم عن ابن عباس مكثت
سنة أريد أو أسأل عمر (قوله عن المرأتين) في رواية عبيد عن آية (قوله اللتين) كذا في جميع
النسخ ووقع عند ابن التين التي بالافراد وخطأها فقال الصواب اللتين بالتثنية (قلت) ولو
كانت محفوظة لأمكن توجيهها (قوله حتى حج وحججت معه) في رواية عبيد فما أستطيع
أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجا وفى رواية يزيد بن رومان عند ابن مردويه عن ابن عباس
أردت أن أسال عمر فكنت أهابه حتى حججنا معه فلما قضينا حجنا قال مرحبا بابن عم رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما حاجتك (قوله وعدل) أي عن الطريق الجادة المسلوكة إلى طريق
لا يسلك غالبا ليقضى حاجته ووقع في رواية عبيد فخرجت معه فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق
عدل إلى الأراك لحاجة له وبين مسلم في رواية عبيد بن حنين من طريق حماد بن سلمة وابن عيينة
أن المكان المذكور هو مر الظهران وقد تقدم ضبطه في المغازي (قوله وعدلت معه بأداوة
فتبرز) أي قضى حاجته وتقدم ضبط الإداوة وتفسيرها في كتاب الطهارة وأصل تبرز من
البراز وهو الموضع الخالي البارز عن البيوت ثم أطلق على نفس الفعل وفى رواية حماد بن سلمة
المذكورة عند الطيالسي فدخل عمر الأراك فقضى حاجته وقعدت له حتى خرج فيؤخذ منه
أن المسافر إذا لم يجد الفضاء لقضاء حاجته استتر بما يمكنه الستر به من شجر البادية (قوله
فسكبت على يديه منها فتوضأ) في رواية عقيل عن الزهري الماضية في المظالم فسكبت من
الإداوة (قوله فقلت له يا أمير المؤمنين من المرأتان) في رواية الطيالسي فقلت يا أمير المؤمنين
أريد أن أسالك عن حديث منذ سنة فتمنعني هيبتك أن أسألك وتقدم في التفسير من رواية
عبيد بن حنين فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي
صلى الله عليه وسلم من أزواجه قال تلك حفصة وعائشة فقلت والله ان كنت لأريد أن أسألك
عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك قال فلا تفعل ما ظننت أن عندي من علم فاسألني فإن كان
لي علم خبرتك به وفى رواية يزيد بن رومان المذكورة فقال ما تسأل عنه أحدا أعلم بذلك منى
(قوله اللتان) كذا في الأصول وحكى ابن التين أنه وقع عنده التي بالافراد قال والصواب اللتان
بالتثنية وقوله قال الله تعالى ان تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما أي قال الله تعالى لهما ان تتوبا
243

من التعاون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل عليه قوله بعد وان تظاهرا عليه أي تتعاونا
كما تقدم تفسيره في تفسير السورة ومعنى تظاهرهما أنهما تعاونتا حتى حرم رسول الله صلى الله
عليه وسلم على نفسه ما حرم كما سيأتي بيانه وقوله قلوبكما كثر استعمالهم في موضع التثنية بلفظ
الجمع كقولهم وضعا رحالهما أي رحلي راحلتيهما (قوله واعجبا لك يا ابن عباس) تقدم شرحه في
العلم وأن عمر تعجب من ابن عباس مع شهرته بعلم التفسير كيف خفى عليه هذا القدر مع شهرته
وعظمته في نفس عمر وتقديمه في العلم على غيره كما تقدم بيان ذلك واضحا في تفسير سورة النصر
ومع ما كان ابن عباس مشهورا به من الحرص على طلب العلم ومداخلة كبار الصحابة وأمهات
المؤمنين فيه أو تعجب من حرصه على طلب فنون التفسير حتى معرفة المبهم ووقع في الكشاف
كأنه كره ما سأله عنه (قلت) وقد جزم بذلك الزهري في هذه القصة بعينها فيما أخرجه مسلم من
طريق معمر عنه قال بعد قوله قال عمر واعجبا لك يا ابن عباس قال الزهري كره والله ما سأله عنه ولم
يكتمه واستبعد القرطبي ما فهمه الزهري ولا بعد فيه (قلت) ويجوز في عجبا التنوين وعدمه قال
ابن مالك وافى قوله واعجبا إن كان منونا فهو اسم فعل بمعنى أعجب ومثله واها ووى وقوله بعده عجبا
جئ بها تعجبا توكيدا وإن كان بغير تنوين فالأصل فيه واعجبى فأبدلت الكسرة فتحة فصارت
الياء ألفا كقولهم يا أسفا ويا حسرتا وفيه شاهد لجواز استعمال وا في منادى غير مندوب وهو
مذهب المبرد وهو مذهب صحيح اه‍ ووقع في رواية معمر واعجبى لك (قوله عائشة وحفصة)
كذا في أكثر الروايات ووقع في رواية حماد بن سلمة وحده عنه حفصة وأم سلمة كذا حكاه
عنه مسلم وقد أخرجه الطيالسي في مسنده عنه فقال عائشة وحفصة مثل الجماعة * (تنبيه) *
هذا هو المعتمد أن ابن عباس هو المبتدئ بسؤال عمر عن ذلك ووقع عند ابن مردويه من وجه
آخر ضعيف عن عمران بن الحكم السلمي حدثني ابن عباس قال كنا نسير فلحقنا عمر ونحن نتحدث
في شأن حفصة وعائشة فسكتا حين لحقنا فعزم علينا أن نخبره فقلنا تذاكرنا شأن عائشة
وحفصة وسودة فذكر طرفا من هذا الحديث وليس بتمامه ويمكن الجمع بأن هذه القصة كانت
سابقة ولم يتمكن ابن عباس من سؤال عمر عن شرح القصة على وجهها الا في الحال الثاني (قوله ثم استقبل عمر الحديث يسوقه) أي القصة التي كانت سبب نزول الآية المسؤول عنها
(قوله كنت أنا وجار لي من الأنصار) تقدم بيانه في العلم ومضى في المظالم بلفظ انى كنت وجار لي
بالرفع ويجوز فيه النصب عطفا على الضمير المنصوب في قوله انى (قوله في بنى أمية بن زيد) أي
ابن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف من الأوس (قوله وهم من عوالي المدينة) أي السكان
ووقع في رواية عقيل وهى أي القربة والعوالي جمع عالية وهى قرى بقرب المدينة مما يلي
المشرق وكانت منازل الأوس واسم الجار المذكور أوس بن خولي بن عبد الله بن الحرث
الأنصاري سماه ابن سعد من وجه آخر عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكر حديثا وفيه وكان
عمر مؤاخيا أوس بن خولي لا يسمع شيئا الا حدثه ولا يسمع عمر شيا الا حدئه فهذا هو المعتمد وأما
ما تقدم في العلم عمن قال إنه عتبان بن مالك فهو من تركيب ابن بشكوال فإنه جوز أن يكون
الجار المذكور عتبان لان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين عمر لكن لا يلزم من الاخاء أن
يتجاورا والاخذ بالنص مقدم على الاخذ بالاستنباط وقد صرحت الرواية المذكورة عن ابن
244

سعد أن عمر كان مؤاخيا لأوس فهذا بمعنى الصداقة لا بمعنى الاخاء الذي كانوا يتوارثون به ثم نسخ
وقد صرح به ابن سعد بان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أوس بن خولي وشجاع بن وهب كما
صرح به بأنه آخى بين عمر وعتبان بن مالك فتبين ان معنى قوله كان مؤاخيا أي مصادقا ويؤيد ذلك
ان في رواية عبيد بن حنين وكان لي صاحب من الأنصار (قوله فإذا نزلت) الظاهر أن إذا شرطية
ويجوز أن تكون ظرفية (قوله جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره) أي من
الحوادث الكائنة عند النبي صلى الله عليه وسلم وفى رواية ابن سعد المذكورة لا يسمع شيئا الا
حدثه به ولا يسمع عمر شيئا الا حدثه به وسيأتى في خبر الواحد في رواية عبيد بن حنين بلفظ إذا غاب
وشهدت أتيته بما يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى رواية الطيالسي يحضر رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا غبت وأحضره إذا غاب ويخبرني وأخبره (قوله وكنا معشر قريش نغلب
النساء) أي نحكم عليهن ولا يحكمن علينا بخلاف الأنصار فكانوا بالعكس من ذلك وفى رواية
يزيد بن رومان كنا ونحن بمكة لا يكلم أحد امرأته الا إذا كانت له حاجة قضى منها حاجته وفى
رواية عبيد بن حنين ما نعد للنساء أمراء وفى رواية الطيالسي كنا لا نعتد بالنساء ولا ندخلهن في
أمورنا (قوله فطفق) بكسر الفاء وقد تفتح أي جعل أو أخذ والمعنى انهن أخذن في تعلم ذلك
(قوله من أدب نساء الأنصار) أي من سيرتهن وطريقتهن وفى الرواية التي في المظالم من أرب بالراء
وهو العقل وفى رواية معمر عند مسلم يتعلمن من نسائهم وفى رواية يزيد بن رومان فلما قدمنا المدينة
تزوجنا من نساء الأنصار فجعلن يكلمننا ويراجعننا (قوله فسخبت) بسين مهملة ثم خاء معجمة
ثم موحدة وفى رواية 2 الكشميهني بالصاد المهملة بدل السين وهما بمعنى والصخب والسخب
الزجر من الغضب ووقع في رواية عقيل عن الزهري الماضية في المظالم فصحت بحاء مهملة من
الصياح وهو رفع الصوت ووقع في رواية عبيد بن حنين فبينما أنا في أمر أتأمره أي أتفكر
فيه وأقدره فقالت امرأتي لو صنعت كذا وكذا (قوله فأنكرت أن تراجعني) أي تراددني
في القول وتناظرني فيه ووقع في رواية عبيد بن حنين فقلت لها وما تكلفك في أمر أريده
فقالت لي عجبا لك يا ابن الخطاب ما تريد أن تراجع وسيأتى في اللباس من هذا الوجه بلفظ فلما جاء
الاسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك حقا علينا من غير أن ندخلهن في شئ من أمورنا وكان بيني
وبين امرأتي كلام فاغلظت لي وفى رواية يزيد بن رومان فقمت إليها بقضيب فضربتها به فقالت
يا عجبا لك يا ابن الخطاب (قوله ولم) بكسر اللام وفتح الميم (قوله تنكر أن أراجعك فوالله ان
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وان إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل) في رواية عبيد
ابن حنين وان ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان ووقع في
المظالم بلفظ غضبانا وفيه نظر وفى روايته التي في اللباس قالت تقول لي هذا وابنتك تؤذى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وفى رواية الطيالسي فقلت متى كنت تدخلين في أمورنا فقالت يا ابن
الخطاب ما يستطيع أحد أن يكلمك وابنتك تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل
غضبان (قوله لتهجره اليوم حتى الليل) النصب فيهما وبالجر في الليل أيضا أي من أول النهار إلى
أن يدخل الليل ويحتمل أن يكون المراد حتى أنها لتهجره الليل مضافا إلى اليوم (قوله فقلت لها
قد خاب) كذا للأكثر خاب بخاء معجمة ثم موحدة وفى رواية عقيل فقلت قد جاءت من فعلت ذلك
245

منهن بعظيم بالجيم ثم مثناة فعل ماض من المجئ وهذا هو الصواب في هذه الرواية التي فيها بعظيم
وأما سائر الروايات ففيها خابت وخسرت فخابت بالخاء المعجمة لعطف وخسرت عليها وقد أغفل
من جزم أن الصواب بالجيم والمثناة مطلقا (قوله من فعل ذلك) وفى رواية أخرى من فعلت
فالتذكير بالنظر إلى اللفظ والتأنيث بالنظر إلى المعنى (قوله ثم جمعت على ثيابي) أي لبستها جميعها
فيه ايماء إلى أن العادة أن الشخص يضع في البيت بعض ثيابه فإذا خرج إلى الناس لبسها (قوله
فدخلت على حفصة) يعنى ابنته وبدأ بها لمنزلتها منه (قوله قالت نعم) في رواية عبيد بن حنين انا
لنراجعه وفى رواية حماد بن سلمة فقلت الا تتقين الله (قوله أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فتهلكي) كذا هو بالنصب للأكثر ووقع في رواية عقيل فتهلكين وهو على تقدير
محذوف وتقدم في باب المعرفة 3 من كتاب المظالم أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين قال
أبو علي الصدفي الصواب أفتأمنين وفى آخره فتهلكي كذا قال وليس بخطا لامكان توجيهه وفى رواية
عبيد بن حنين فتهلكن بسكون الكاف على خطاب جماعة النساء وعنده فقلت تعلمين وهو بتشديد
اللام انى أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله (قوله لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم) أي
لا تطلبي منه الكثير وفى رواية يزيد بن رومان لا تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فان رسول
الله ليس عنده دنانير ولا دراهم فما كان لك من حاجة حتى دهنة فسليني (قوله ولا تراجعيه في شئ)
أي لا ترادديه في الكلام ولا تردى عليه قوله (قوله ولا تهجريه) أي ولو هجرك (قوله ما بدا لك) أي
ظهر لك (قوله ولا يغرنك أن) بفتح الألف وبكسرها أيضا (قوله جارتك) أي ضرتك أو هو على
حقيقته لأنها كانت مجاورة لها والأولى أن يحمل اللفظ هنا على معنييه لصلاحيته لكل منهما
والعرب تطلق على الضرة جارة لتجاورهما المعنوي لكونهما عند شخص واحد وان لم يكن حسيا
وقد تقدم شئ من هذا في أواخر شرح حديث أم زرع ووقع في حديث حمل بن مالك كنت بين
جاريتين يعنى ضرتين فإنه فسره في الرواية الأخرى فقال امرأتين وكان ابن سيرين يكره تسميتها
ضرة ويقول إنها لا تضر ولا تنفع ولا تذهب من رزق الأخرى بشئ وانما هي جارة والعرب تسمى
صاحب الرجل وخليطه جارا وتسمى الزوجة أيضا جارة لمخالطتها الرجل وقال الرقطي اختار عمر
تسميتها جارة أدبا منه أن يضاف لفظ الضرر إلى أحد من أمهات المؤمنين (قوله أوضأ)
من الوضاءة ووقع في رواية معمر أوسم بالمهملة من الوسامة وهى العلامة والمراد أجمل كان الجمال
وسمه أي أعلمه بعلامة (قوله وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم) المعنى لا تغتري بكون عائشة
تفعل ما نهيتك عنه فلا يؤاخذها بذلك فإنها تدل بجمالها ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم فيها فلا
تغتري أنت بذلك لاحتمال أن لا تكوني عنده في تلك المنزلة فلا يكون لك من الادلال مثل الذي لها
ووقع في رواية عبيد بن حنين أبين من هذا ولفظه ولا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها حب رسول
الله صلى الله عليه وسلم إياها ووقع في رواية سليمان بن بلال عند مسلم أعجبها حسنها وحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم بواو العطف وهى أبين وفى رواية الطيالسي لا تغتري بحسن عائشة وحب
رسول الله إياها وعند ابن سعد في رواية أخرى انه ليس لك مثل حظوة عائشة ولا حسن زينب يعنى
بنت جحش والذي وقع في رواية سليمان بن بلال والطيالسي يؤيد ما حكاه السهيلي عن بعض
المشايخ أنه جعله من باب حذف حرف العطف واستحسنه من سمعه وكتبوه حاشية قال السهيلي
246

وليس كما قال بل هو مرفوع على البدل من الفاعل الذي في أول الكلام وهو هذه من قوله
لا يغرنك هذه فهذه فاعل والتي نعت وحب بدل اشتمال كما تقول أعجبني يوم الجمعة صوم فيه
وسرني زيد حب الناس له اه‍ وثبوت الواو يرد على رده وقد قال عياض يجوز في حب الرفع على
أنه عطف بيان أو بدل اشتمال أو على حذف حرف العطف قال وضبطه بعضهم بالنصب على نزع
الخافض وقال ابن التين حب فاعل وحسنها بالنصب مفعول من أجله والتقدير أعجبها حب
رسول الله إياها من أجل حسنها قال والضمير الذي يلي أعجبها منصوب فلا يصح بدل الحسن منه
ولا الحب وزاد عبيد في هذه الرواية ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها يعنى لان
أم عمر كانت مخزومية مثل أم سلمة وهى أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة ووالدة عمر حنتمة بنت
هاشم بن المغيرة فهي بنت عم أمه وفى رواية يزيد بن رومان ودخلت على أم سلمة وكانت خالتي
وكأنه أطلق عليها خالة لكونها في درجة أمه وهى بنت عمها ويحتمل أن تكون ارتضعت معها
أو أختها من أمها (قوله دخلت في كل شئ) 2 يعنى من أمور الناس وأرادت الغالب بدليل
قولها حتى تبتغى أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه فان ذلك قد دخل في عموم
قولها كل شئ لكنها لم ترده (قوله فأخذتني والله أخذا) أي منعتني من الذي كنت أريده
تقول أخذ فلان على يد فلان أي منعه عما يريد أن يفعله (قوله كسرتني عن بعض ما كنت
أجد) أي أخذتني بلسانها أخذا دفعتني عن مقصدي وكلامي وفى رواية لابن سعد فقالت أم
سلمة أي والله انا لنكلمه فان تحمل ذلك فهو أولى به وان نهانا عنه كان أطوع عندنا منك قال عمر
فندمت على كلامي لهن وفى رواية يزيد بن رومان ما يمنعنا أن نغار على رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأزواجكم يغرن عليكم وكان الحامل لعمر على ما وقع منه شدة شفقته وعظم نصيحته فكان
يبسط على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له افعل كذا ولا تفعل كذا كقوله أحجب نساءك وقوله
لا تصل على عبد الله بن أبي وغير ذلك وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل ذلك لعلمه بصحة نصيحته
وقوته في الاسلام وقد أخرج المصنف في تفسير سورة البقرة من حديث أنس عن عمر قال وافقت
الله في ثلاث الحديث وفيه وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه فدخلت عليهن
فقلت لئن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيرا منكن حتى أتيت إحدى نسائه فقالت يا عمر أما في
رسول الله ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت وهذه المرأة هي زينب بنت جحش كما أخرج الخطيب
في المبهمات وجوز بعضهم أنها أم سلمة لكلامها المذكور في رواية ابن عباس عن عمر هنا لكن
التعدد أولى فان في بعض طرق هذا الحديث عند أحمد وابن مردويه وبلغني ما كان من
أمهات المؤمنين فاستقريتهن أقول لتكفن الحديث ويؤيد التعدد اختلاف الألفاظ في
جوابي أم سلمة وزينب والله أعلم (قوله وكنا قد تحدثنا أن غسان تنعل الخيل) في المظالم بلفظ تنعل
النعال أي تستعمل النعال وهى نعال الخيل ويحتمل أن يكون بالموحدة ثم المعجمة ويؤيده لفظ
الخيل في هذه الرواية وتنعل في الموضعين بفتح أوله وأنكر الجوهري ذلك في الدابة فقال أنعلت
الدابة ولا تقل نعلت فيكون على هذا بضم أوله وحكى عياض في تنعل الخيل الوجهين وغفل
بعض المتأخرين فرد عليه وقال الموجود في البخاري تنعل النعال فاعتمد على الرواية التي في
المظالم ولم يستحضر التي هنا وهى التي تكلم عليها عياض (قوله لتغزونا) وقع في رواية عبيد بن
247

حنين ونحن نتخوف ملكا من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا فقد امتلأت صدورنا
منه وفى روايته التي في اللباس وكان من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فد استقام له فلم يبق
الا ملك غسان بالشام كنا نخاف أن يأتينا وفى رواية الطيالسي ولم يكن أحد أخوف عندنا من
أن يغزونا ملك من ملوك غسان (قوله فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فرجع إلينا عشاء
فضرب بابى ضربا شديدا وقال أثم هو) أي في البيت وذلك لبطء اجابتهم له فظن أنه خرج من البيت
وفى رواية عقيل أنائم هو وهى أولى (قوله ففزعت) أي خفت من شدة ضرب الباب بخلاف
العادة (قوله فخرجت إليه فقال قد حدث اليوم أمر عظيم قلت ما هو أجاء غسان) في رواية
معمر أجاءت وفى رواية عبيد بن حنين أجاء الغساني وقد تقدمت تسميته في كتاب العلم (قوله
لا بل أعظم من ذلك وأهول) هو بالنسبة إلى عمر لكون حفصة بنته منهن (قوله طلق رسول الله
صلى الله عليه وسلم نساءه) كذا وقع في جميع الطرق عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور طلق
بالجزم ووقع في رواية عمرة عن عائشة عند ابن سعد فقال الأنصاري أمر عظيم فقال عمر لعل
الحرث بن أبي شمر سار إلينا فقال الأنصاري أعظم من ذلك قال ما هو قال ما أرى رسول الله صلى
الله عليه وسلم الا قد طلق نساءه وأخرج نحوه من رواية الزهري عن عروة عن عائشة وسمى
الأنصاري أوس بن خولي كما تقدم ووقع قوله طلق مقرونا بالظن (قوله وقال عبيد بن حنين سمع
ابن عباس عن عمر) يعنى بهذا الحديث (فقال) يعنى الأنصاري (اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم
أزواجه) لم يذكر البخاري هنا من رواية عبيد بن حنين الا هذا القدر وأما ما بعده وهو قوله فقلت
خابت حفصة وخسرت فهو بقية رواية ابن أبي ثور لان هذا التعليق قد وصله المؤلف في تفسير
سورة التحريم بلفظ فقلت جاء الغساني فقال بل أشد من ذلك اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم
أزواجه فقلت رغم أنف حفصة وعائشة وظن بعض الناس أن من قوله اعتزل إلى آخر الحديث
من سياق الطريق المعلق وليس كذلك لما بينته والموقع في ذلك ايراد البخاري بهذه اللفظة المعلقة
عن عبيد بن حنين في أثناء المتن المساق من رواية ابن أبي ثور فصار الظاهر أنه تحول إلى سياق
عبيد بن حنين وقد سلم من هذا الاشكال النسفي فلم يسق المتن ولا القدر المعلق بل قال فذكر
الحديث واجترأ بما وقع من طريق ابن أبي ثور في المظالم ومن طريق عبيد بن حنين في تفسير
التحريم ووقع في مستخرج أبى نعيم ذكر القدر المعلق عن عبيد بن حنين في آخر الحديث
ولا اشكال فيه وكان البخاري أراد أن يبين أن هذا اللفظ وهو طلق نساءه لم تتفق الروايات عليه
فلعل بعضهم رواها بالمعنى نعم وقع عند مسلم من طريق سماك بن زميل عن ابن عباس أن عمر قال
فدخلت المسجد فإذا الناس يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وعند ابن مردويه
من طريق سلمة بن كهيل عن ابن عباس أن عمر قال لقيني عبد الله بن عمر ببعض طرق المدينة
فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه وهذا إن كان محفوظا حمل على أن ابن عمر لاقي أباه
وهو جاء من منزله فأخبره بمثل ما أخبره به الأنصاري ولعل الجزم وقع من إشاعة بعض أهل
النفاق فتناقله الناس وأصله ما وقع من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه ولم تجر عادته بذلك
فظنوا أنه طلقهن ولذلك لم يعاتب عمر الأنصاري على ما جزم له به من وقوع ذلك وقد وقع في
حديث سماك بن الوليد عند مسلم في آخره ونزلت هذه الآية وإذا جاءهم أمر من الأمن
248

أو الخوف أذاعوا به إلى قوله يستنبطونه منهم قال فكنت أنا استنبط ذلك الامر والمعنى لو ردوه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون هو المخبر به أو إلى أولي الأمر كأكابر الصحابة لعلموه لفهم
المراد منه باستخراجهم بالفهم والتلطف ما يخفى عن غيرهم وعلى هذا فالمراد بالإذاعة قولهم
واشاعتهم انه طلق نساءه بغير تحقق ولا تثبت حتى شفى عمر في الاطلاع على حقيقة ذلك
وفى المراد بالمذاع وفى الآية أقوال أخرى ليس هذا موضع بسطها (قوله خابت حفصة
وخسرت) انما خصها بالذكر لمكانتها منه لكونها بنته ولكونه كان قريب العهد بتحذيرها من
وقوع ذلك ووقع في رواية عبيد بن حنين فقلت رغم أنف حفصة وعائشة وكأنه خصهما
بالذكر لكونهما كانتا السبب في ذلك كما سيأتي بيانه (قوله قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون)
بكسر الشين من يوشك أي يقرب وذلك لما كان تقدم له من أن مراجعتهن قد تفضى إلى
الغضب المفضى إلى الفرقة (قوله فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم) في
رواية سماك دخلت المسجد فإذا الناس ينكثون الحصا ويقولون طلق رسول الله صلى الله
عليه وسلم نساءه وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب كذا في هذه الرواية وهو غلط بين فان نزول
الحجاب كان في أول زواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش كما تقدم بيانه واضحا في تفسير
سورة الأحزاب وهذه القصة كانت سبب نزول آية التخيير وكانت زينب بنت جحش فيمن خير
وقد تقدم ذكر عمر لها في قوله ولا حسن زينب بنت جحش وسيأتى بعد ثمانية أبواب من طريق
أبى الضحى عن ابن عباس قال أصبحنا يوما ونساء النبي صلى الله عليه وسلم يبكين فخرجت إلى
المسجد فجاء عمر فصعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غرفة له فذكر هذه القصة مختصرا
فحضور ابن عباس ومشاهدته لذلك يقتضى تأخر هذه القصة عن الحجاب فان بين الحجاب وانتقال
بن عباس إلى المدينة مع أبويه نحو أربع سنين لانهم قدموا بعد فتح مكة فآية التخيير على هذا
نزلت سنة تسع لان الفتح كان سنة ثمان والحجاب كان سنة أربع أو خمس وهذا من رواية
عكرمة بن عمار بالاسناد الذي خرج به مسلم أيضا قول أبي سفيان عندي أجمل العرب أم حبيبة
أزوجكها قال نعم وأنكره الأئمة وبالغ ابن حزم في انكاره وأجابوا بتأويلات بعيدة ولم يتعرض
لهذا الموضع وهو نظير ذلك الموضع والله الموفق وأحسن محامله عندي أن يكون الراوي لما رأى
قول عمر انه دخل على عائشة ظن أن ذلك كان قبل الحجاب فجزم به لكن جوابه أنه لا يلزم من
الدخول رفع الحجاب فقد يدخل من الباب وتخاطبه من وراء الحجاب كما لا يلزم من وهم الراوي
في لفظة من الحديث أن يطرح حديثه كله وقد وقع في هذه الرواية موضع آخر مشكل وهو
قوله في آخر الحديث بعد قوله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فنزل رسول الله عليه وسلم
ونزلت أتشبث بالجذع ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشى على الأرض ما يمسه بيده
فقلت يا رسول الله انما كنت في الغرفة تسعا وعشرين فان ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم
نزل عقب ما خاطبه عمر فيلزم منه أن يكون عمر تأخر كلامه معه تسعا وعشرين يوما وسياق غيره
ظاهر في أنه تكلم معه في ذلك اليوم وكيف يمهل عمر تسعا وعشرين يوما لا يتكلم في ذلك وهو
مصرح بأنه لم يصبر ساعة في المسجد حتى يقوم ويرجع إلى الغرفة ويستأذن ولكن تأويل هذا
سهل وهو أن يحمل قوله فنزل أي بعد أن مضت المدة ويستفاد منه أنه كان يتردد إلى النبي صلى
249

الله عليه وسلم في تلك المدة التي حلف عليها فاتفق أنه كان عنده عند ارادته النزول فنزل معه ثم
خشى أن يكون نسى فذكره كما ذكرته عائشة كما سيأتي ومما يؤيد تأخر قصة التخيير ما تقدم من
قول عمر في رواية عبيد بن حنين التي قدمت الإشارة إليها في المظالم وكان من حول رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد استقام له الا ملك غسان بالشام فان الاستقامة التي أشار إليها انما وقعت
بعد فتح مكة وقد مضى في غزوة الفتح من حديث عمرو بن سلمة الجرمي وكانت العرب تلوم
باسلامهم الفتح فيقولون اتركوه وقومه فان ظهر عليهم فهو نبي فلما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم
باسلامهم اه‍ والفتح كان في رمضان سنة ثمان ورجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في
أواخر ذي القعدة منها فلهذا كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود لكثرة من وفد عليه من العرب
فظهر أن استقامة من حوله صلى الله عليه وسلم انما كانت بعد الفتح فاقتضى ذلك أن التخيير
كان في أول سنة تسع كما قدمته وممن جزم بأن آية التخيير كانت سنة تسع الدمياطي وأتباعه وهو
المعتمد (قوله ودخلت على حفصة فإذا هي تبكى) في رواية سماك أنه دخل أولا على عائشة
فقال يا بنت أبي بكر أقد بلغ من شأنك أن تؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ما لي ولك
يا ابن الخطاب عليك بعيبتك وهى بعين مهملة مفتوحة وتحتانية ساكنة بعدها موحدة ثم مثناة
أي عليك بخاصتك وموضع سرك وأصل العيبة الوعاء الذي تجعل فيه الثياب ونفيس المتاع
فأطلقت عائشة على حفصة أنها عيبة عمر بطريق التشبيه ومرادها عليك بوعظ ابنتك (قوله
ألم أكن حذرتك) زاد في رواية سماك لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك ولولا أنا
لطلقك فبكت أشد البكاء لما اجتمع عندها من الحزن على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما
تتوقعه من شدة غضب أبيها عليها وقد قال لها فيما أخرجه ابن مردويه والله إن كان طلقك
لا أكلمك أبدا وأخرج ابن سعد والدارمي والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم
راجعها ولابن سعد مثله من حديث ابن عباس عن عمر واسناده حسن ومن طريق قيس بن زيد
مثله وزاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان جبريل أتاني فقال لي راجع حفصة فإنها صوامة
قوامة وهى زوجتك في الجنة وقيس مختلف في صحبته ونحوه عنده من مرسل محمد بن سيرين
(قوله ها هو ذا معتزل في المشربة) في رواية سماك فقلت لها أين رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت هو في خزانته في المشربة وقد تقدم ضبط المشربة وتفسيرها في كتاب المظالم وانها بضم
الراء وبفتحها وجمعها مشارب ومشربات (قوله فخرجت فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكى
بعضهم) لم أقف على تسميتهم وفى رواية سماك بن الوليد دخلت المسجد فإذا الناس ينكثون
بالحصا أي يضربون به الأرض كفعل المهموم المفكر (قوله ثم غلبني ما أجد) أي من شغل قلبه
بما بلغه من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وأن ذلك لا يكون الا عن غضب منه ولاحتمال
صحة ما أشيع من تطليق نساءه ومن جملتهن حفصة بنت عمر فتنقطع الوصلة بينهما وفى ذلك من
المشقة عليه ما لا يخفى (قوله فقلت لغلام له أسود) في رواية عبيد بن حنين فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في
مشربة يرقى عليها بعجلة وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسود على رأس العجلة واسم هذا
الغلام رباح بفتح الراء وتخفيف الموحدة سماه سماك في روايته ولفظه فدخلت فإذا أنا برباح
غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على أسكفة المشربة مدلى رجليه على نقير من خشب
250

وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر وعرف بهذا تفسير العجلة المذكورة
في رواية غيره وسيأتى في حديث أبي الضحى الذي أشرت إليه بحث في ذلك والأسكفة في روايته
بضم الهمزة والكاف بينهما مهملة ثم فاء مشددة هي عتبة الباب السفلى وقوله على نقير بنون
ثم قاف بوزن عظيم أي منقور ووقع في بعض روايات مسلم بفاء بدل النون وهو الذي جعلت
فيه فقر كالدرج (قوله استأذن لعمر) في رواية عبيد بن حنين فقلت له قل هذا عمر بن الخطاب
(قوله فصمت) بفتح الميم أي سكت وفى رواية سماك فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلى فلم يقل
شيئا واتفقت الروايتان على أنه أعاد الذهاب والمجئ ثلاث مرات لكن ليس ذلك صريحا في
رواية سماك بل ظاهر روايته أنه أعاد الاستئذان فقط ولم يقع شئ من ذلك في رواية عبيد بن
حنين ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم في المرتين
الأولتين كان نائما أو ظن أن عمر جاء يستعطفه على أزواجه لكون حفصة ابنته منهن (قوله
فنكست منصرفا) 2 أي رجعت إلى ورائي (فإذا الغلام يدعوني) وفى رواية معمر فوليت مدبرا
وفى رواية سماك ثم رفعت صوتي فقلت يا رباح استأذن لي فانى أظن أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ظن أنى جئت من أجل حفصة والله لئن أمرني بضرب عنقها لأضربن عنقها وهذا يقوى
الاحتمال الثاني لأنه لما صرح في حق ابنته بما قال كان أبعد أن يستعطفه لضرائرها (قوله فإذا
هو مضطجع على رمال) بكسر الراء وقد تضم وفى رواية معمر على رمل بسكون الميم والمراد به
النسج تقول رملت الحصير وأرملته إذا نسجته وحصير مرمول أي منسوج والمراد هنا أن سريره
كان مرمولا بما يرمل به الحصير ووقع في رواية أخرى على رمال سرير ووقع في رواية سماك
على حصير وقد أثر الحصير في جنبه وكأنه أطلق عليه حصيرا تغليبا وقال الخطابي رمال الحصير
ضلوعه المتداخلة بمنزلة الخيوط في الثوب فكأنه عنده اسم جمع وقوله ليس بينه وبينه فراش قد
أثر الرمال بجنبه يؤيد ما قدمته أنه أطلق على نسج السرير حصيرا
قوله فقلت وأنا قائم أطلقت
نساءك فرفع إلى بصره فقال لا فقلت الله أكبر) قال الكرماني لما ظن الأنصاري أن الاعتزال
طلاق أو ناشئ عن طلاق فأخبر عمر بوقوع الطلاق جازما به فلما استفسر عمر عن ذلك فلم يجد له
حقيقة كبر تعجبا من ذلك اه‍ ويحتمل أن يكون كبر الله حامدا له على ما أنعم به عليه من عدم وقوع
الطلاق وفى حديث أم سلمة عند ابن سعد فكبر عمر تكبيرة سمعناها ونحن في بيوتنا فعلمنا أن عمر
سأله أطلقت نساءك فقال لا فكبر حتى جاءنا الخبر بعد ووقع في رواية سماك فقلت يا رسول
الله أطلقتهن قال لا قلت انى دخلت المسجد والمسلمون ينكثون الحصا يقولون طلق رسول
الله صلى الله عليه وسلم نساءه أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن قال نعم ان شئت وفيه فقمت
على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق نساءه (قوله ثم قلت وأنا قائم أستأنس يا رسول الله
لو رأيتني) يحتمل أن يكون قوله استفهاما بطريق الاستئذان ويحتمل أن يكون حالا من القول
المذكور بعده وهو ظاهر سياق هذه الرواية وجزم القرطبي بأنه للاستفهام فيكون أصله
بهمزتين تسهل إحداهما وقد تحذف تخفيفا ومعناه أنبسط في الحديث واستأذن في ذلك
لقرينة الحال التي كان فيها لعلمه بأن بنته كانت السبب في ذلك فخشى أن يلحقه هو شئ من
المعتية فبقى كالمنقبض عن الابتداء بالحديث حتى استأذن فيه قوله يا رسول الله لو رأيتني وكنا
251

معشر قريش نغلب النساء فساق ما تقدم وكذا في رواية عقيل ووقع في رواية معمر أن قوله
أستأنس بعد سياق القصة ولفظه فقلت الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش فساق
القصة فقلت أستأنس يا رسول الله قال نعم وهذا يعين الاحتمال الأول وهو أنه استأذن في
الاستئناس فلما أذن له فيه جلس (قوله ثم قلت يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة إلى قوله
فتبسم تبسمة) أخرى الجملة حالية أي حال دخولي عليها وفى رواية عبيد بن حنين فذكرت له الذي
قلت لحفصة وأم سلمة والذي ردت على أم سلمة فضحك وفى رواية سماك فلم أزل أحدثه حتى تحسر
الغضب عن وجهه وحتى كشر فضحك وكان من أحسن الناس ثغرا صلى الله عليه وسلم وقوله
تحسر بمهملتين أي تكشف وزنا ومعنى وقوله كشر بفتح الكاف والمعجمة أي أبدى أسنانه ضاحكا
قال ابن السكيت كشر وتبسم وابتسم وافتر بمعنى فإذا زاد قيل قهقه وكركر وقد جاء في صفته
صلى الله عليه وسلم كان ضحكه تبسما (قوله فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمة) بتشديد
السين وللكشميهني تبسيمة (قوله فرفعت بصرى في بيته) أي نظرت فيه (قوله غير أهبة ثلاثة)
في رواية الكشميهني ثلاث الأهبة بفتح الهمزة والهاء وبضمها أيضا بمعنى الاهب والهاء فيه
للمبالغة وهو جمع اهاب على غير قياس وهو الجلد قبل الدباغ وقيل هو الجلد مطلقا دبغ أو لم يدبغ
والذي يظهر أن المراد به هنا جلد شرع في دبغه ولم يكمل لقوله في رواية سماك بن الوليد فإذا
أفيق معلق والافيق بوزن عظيم الجلد الذي لم يتم دباغه يقال أدم وأديم وأفق وأفيق واهاب
وأهب وعماد وعمود وعمد ولم يجئ فعيل وفعول على فعل بفتحتين في الجمع الا هذه الأحرف
والأكثر أن يجئ فعل بضمتين وزاد في رواية عبيد بن حنين وان عند رجليه قرظا بقاف وظاء
معجمة مصبوبا بموحدتين وفى رواية أبي ذر مصبورا براء
قال النووي ووقع في بعض الأصول
مضبورا بضاد معجمة وهى لغة والمراد بالمصبور بالمهملة والمعجمة المجموع ولا ينافي كونه مصبوبا بل
المراد أنه غير منتثر وإن كان في غير وعاء بل هو مصبوب مجتمع وفى رواية سماك فنظرت في خزانة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ومثلها قرظا في ناحية الغرفة
(قوله ادع الله فليوسع على أمتك) في رواية عبيد بن حنين فبكيت فقال وما يبكيك فقلت
يا رسول الله ان كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله وفى رواية سماك فابتدرت
عيناي فقال ما يبكيك يا ابن الخطاب فقلت وما لي لا أبكى وهذا الحصير قد أثر في جنبك وهذه
خزانتك لا أرى فيها الا ما أرى وذاك قيصر وكسرى في الأنهار والثمار وأنت رسول الله
وصفوته (قوله فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكئا فقال أو في هذا أنت يا ابن
الخطاب) في رواية معمر عند مسلم أو في شك أنت يا ابن الخطاب وكذا في رواية عقيل الماضية
في كتاب المظالم والمعنى أأنت في شك في أن التوسع في الآخرة خير من التوسع في الدنيا وهذا يشعر
بأنه صلى الله عليه وسلم ظن أنه بكى من جهة الامر الذي كان فيه وهو غضب النبي صلى الله عليه
وسلم على نسائه حتى اعتزلهن فلما ذكر له أمر الدنيا أجابه بما أجابه (قوله إن أولئك قوم قد عجلوا
طيباتهم في الحياة الدنيا) وفى رواية عبيد بن حنين ألا ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة
وفى رواية له لهما بالتثنية على إرادة كسرى وقيصر لتخصيصهما بالذكر والاخرى بإرادتهما ومن
تبعهما أو كان على مثل حالهما زاد في رواية سماك فقلت بلى (قوله فقلت يا رسول الله استغفر لي)
252

أي عن جراءتي بهذا القول بحضرتك أو عن اعتقادي أن التجملات الدنيوية مرغوب فيها أو
عن إرادتي ما فيه مشابهة الكفار في ملابسهم ومعايشهم (قوله فاعتزل النبي صلى الله عليه
وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث الذي أفشته 2 حفصة إلى عائشة) كذا في هذه الطريق لم يفسر
الحديث المذكور الذي أفشته حفصة وفيه أيضا وكان قال ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة
موجدته عليهن حين عاتبه الله وهذا أيضا مبهم ولم أره مفسرا وكان اعتزاله في المشربة كما في
حديث ابن عباس عن عمر فأفاد محمد بن الحسن المخزومي في كتابه أخبار المدينة بسند له مرسل
أنه صلى الله عليه وسلم كان يبيت في المشربة ويقيل عند أراكة على خلوة بئر كانت هناك وليس
في شئ من الطرق عن الزهري باسناد حديث الباب الا ما رواه ابن إسحاق كما أشرت إليه في تفسير
سورة التحريم والمراد بالمعاتبة قوله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآيات وقد اختلف في
الذي حرم على نفسه وعوتب على تحريمه كما اختلف في سبب حلفه على أن لا يدخل على نسائه على
أقوال فالذي في الصحيحين أنه العسل كما مضى في سورة التحريم مختصرا من طريق عبيد بن عمير
عن عائشة وسيأتى بأبسط منه في كتاب الطلاق وذكرت في التفسير قولا آخر أنه في تحريم
جاريته مارية وذكرت هناك كثيرا من طرقه ووقع في رواية يزيد بن رومان عن عائشة عند ابن
مردويه ما يجمع القولين وفيه أن حفصة أهديت لها عكة فيها عسل وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا دخل عليها حبسته حتى تلعقه أو تسقيه منها فقالت عائشة لجارية عندها حبشية
يقال لها خضراء إذا دخل على حفصة فانظري ما يصنع فأخبرتها الجارية بشأن العسل فأرسلت
إلى صواحبها فقالت إذ ادخل عليكن فقلن انا نجد منك ريح مغافير فقال هو عسل والله
لا أطعمه أبدا فلما كان يوم حفصة استأذنته أن تأتى أباها فأذن لها فذهبت فأرسل إلى جاريته
مارية فأدخلها بيت حفصة قالت حفصة فرجعت فوجدت الباب مغلقا فخرج ووجهه يقطر
وحفصة تبكى فعاتبته فقال أشهدك أنها على حرام انظري لا تخبري بهذا امرأة وهى عندك
أمانة فلما خرج قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقال ألا أبشرك ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد حرم أمته فنزلت وعند ابن سعد من طريق شعبة مولى ابن عباس عنه
خرجت حفصة من بيتها يوم عائشة فدخل رسول الله بجاريته القبطية بيت حفصة فجاءت
فرقبته حتى خرجت الجارية فقالت له أما انى قد رأيت ما صنعت قال فاكتمي على وهى حرام
فانطلقت حفصة إلى عائشة فأخبرتها فقالت له عائشة أما يومى فتعرس فيه بالقبطية وبسلم
لنسائك سائر أيامهن فنزلت الآية وجاء في ذلك ذكر قول ثالث أخرجه ابن مردويه من طريق
الضحاك عن ابن عباس قال دخلت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم بيتها فوجدت معه
مارية فقال لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة ان أباك يلي هذا الامر بعد أبي بكر إذا أنا مت
فذهبت إلى عائشة فأخبرتها فقالت له عائشة ذلك والتمست منه أن يحرم مارية فحرمها ثم جاء
إلى حفصة فقال أمرتك أن لا تخبري عائشة فأخبرتها فعاتبها ولم يعاتبها على أمر الخلافة فلهذا
قال الله تعالى عرف بعضه وأعرض عن بعض وأخرج الطبراني في الأوسط وفى عشرة النساء عن أبي
هريرة نحوه بتمامه وفى كل منهما ضعف وجاء في سبب غضبه منهن وحلفه أن لا يدخل عليهن
شهرا قصة أخرى فأخرج ابن سعد من طريق عمرة عن عائشة قالت أهديت لرسول الله صلى الله
253

عليه وسلم هدية فأرسل إلى كل امرأة من نسائه نصيبها فلم ترض زينب بنت جحش بنصيبها فزادها
مرة أخرى فلم ترض فقالت عائشة لقد أقمأت وجهك ترد عليك الهدية فقال لأنتن أهون على الله
من أن تقمئننى لا أدخل عليكن شهرا الحديث ومن طريق الزهري عن عروة عن عائشة نحوه
وفيه ذبح ذبحا فقسمه بين أزواجه فأرسل إلى زينب بنصيبها فردته فقال زيدوها ثلاثا كل ذلك
ترده فذكر نحوه وفيه قول آخر أخرجه مسلم من حديث جابر قال جاء أبو بكر والناس جلوس
بباب النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤذن لاحد منهم فاذن لأبي بكر فدخل ثم جاء عمر فاستأذن فاذن
له فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وحوله نساؤه فذكر الحديث وفيه هن حولي كما ترى
يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة وقام عمر إلى حفصة ثم اعتزلهن شهرا فذكر نزول آية
التخيير ويحتمل أن يكون مجموع هذه الأشياء كان سببا لاعتزالهن وهذا هو اللائق بمكارم أخلاقه
صلى الله عليه وسلم وسعة صدره وكثرة صفحه وأن ذلك لم يقع منه حتى تكرر موجبه منهن صلى
الله عليه وسلم ورضى عنهن وقصر ابن الجوزي فنسب قصة الذبح لابن حبيب بغير اسناد وهى
مسندة عند ابن سعد وأبهم قصة النفقة وهى في صحيح مسلم والراجح من الأقوال كلها قصة مارية
لاختصاص عائشة وحفصة بها بخلاف العسل فإنه اجتمع فيه جماعة منهن كما سيأتي ويحتمل
أن تكون الأسباب جميعها اجتمعت فأشير إلى أهمها ويؤيده شمول الحلف للجميع ولو كان
مثلا في قصة مارية فقط لاختص بحفصة وعائشة ومن اللطائف أن الحكمة في الشهر مع أن
مشروعية الهجر ثلاثة أيام أن عدتهن كانت تسعة فإذا ضربت في ثلاثة كانت سبعة
وعشرين واليومان لمارية لكونها كانت أمة فنقصت عن الحرائر والله أعلم (قوله فاعتزل
النبي نساءه من أجل ذلك الحديث الذي أفشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة) العدد
متعلق بقوله فاعتزل نساءه (قوله وكان قال ما أنا بداخل عليهن شهرا) في رواية حماد بن سلمة
عند مسلم في طريق عبيد بن حنين وكان آلى منهن شهرا أي حلف أو أقسم وليس المراد به الايلاء
الذي في عرف الفقهاء اتفاقا وسيأتى بعد سبعة أبواب من حديث أنس قال آلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا وهذا موافق للفظ رواية حماد بن سلمة هنا وإن كان أكثر
الرواة في حديث عمر لم يعبروا بلفظ الايلاء (قوله من شدة موجدته عليهن) أي غضبه (قوله
دخل على عائشة) فيه أن من غاب عن أزواجه ثم حضر يبدأ بمن شاء منهن ولا يلزمه أن يبدأ من
حيث بلغ ولا أن يقرع كذا قيل ويحتمل أن تكون البداءة بعائشة لكونه اتفق أنه كان يومها
(قوله فقالت له عائشة يا رسول الله انك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا) تقدم أن في
رواية سماك بن الوليد أن عمر ذكره صلى الله عليه وسلم بذلك ولا منافاة بينهما لان في سياق حديث عمر
أنه ذكره بذلك عند نزوله من الغرفة وعائشة ذكرته بذلك حين دخل عليها فكأنهما تواردا على
ذلك وقد أخرج مسلم من حديث جابر في هذه القصة قال فقلنا فظاهر هذا السياق يوهم أنه من تتمة
حديث عمر فيكون عمر حضر ذلك من عائشة وهو محتمل عندي لكن يقوى أن يكون هذا من
تعاليق الزهري في هذه الطريق فان هذا القدر عنده عن عروة عن عائشة أخرجه مسلم من رواية
معمر عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم أنه لا يدخل على نسائه شهرا قال الزهري فأخبرني عروة
عن عائشة قالت فذكره (قوله وانما أصبحت من تسع وعشرين ليلة) في رواية عقيل
254

لتسع باللام وفى رواية السرخسي فيها بتسع بالموحدة وهى متقاربة قال الإسماعيلي من
هنا إلى آخر الحديث وقع مدرجا في رواية شعيب عن الزهري ووقع مفصلا في رواية معمر
قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت لما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (قلت) ونسبة الادراج إلى شعيب فيه نظر فقد
تقدم في المظالم من رواية عقيل عن الزهري كذلك وأخرج مسلم طريق معمر كما قال
الإسماعيلي مفصلة والله أعلم وقد تقدم في تفسير الأحزاب أن البخاري حكى الاختلاف
على الزهري في قصة التخيير هل هي عن عروة عن عائشة أو عن أبي سلمة عن عائشة (قوله
فقال الشهر تسع وعشرون ليلة وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة) في هذا إشارة إلى
تأويل الكلام الذي قبله وأنه لا يراد به الحصر أو ان اللام في قوله الشهر للعهد من الشهر المحلوف
عليه ولا يلزم من ذلك أن تكون الشهور كلها كذلك وقد أنكرت عائشة على ابن عمر روايته
المطلقة أن الشهر تسع وعشرون فأخرج أحمد من طريق يحيى بن عبد الرحمن عن ابن عمر
رفعه الشهر تسع وعشرون قال فذكروا ذلك لعائشة فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن انما
قال الشهر قد يكون تسعا وعشرين وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن عمر بهذا اللفظ الأخير
الذي جزمت به عائشة وبينته قبل هذا عند الكلام على ما وقع في رواية سماك بن الوليد من
الاشكال (قوله قالت عائشة ثم أنزل الله آية التخيير) في رواية عقيل فأنزلت وسيأتي الكلام
عليه مستوفى في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى وفى الحديث سؤال العالم عن بعض أمور
أهله وإن كان عليه فيه غضاضة إذا كان في ذلك سنة تنقل ومسئلة تحفظ قاله المهلب قال
وفيه توقير العالم ومهابته عن استفسار ما يخشى من تغيره عند ذكره وترقب خلوات العالم
ليسأل عما لعله لو سئل عنه بحضرة الناس أنكره على السائل ويؤخذ من ذلك مراعاة المروءة
وفيه ان شدة الوطأة على النساء مذموم لان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة الأنصار في
نسائهم وترك سيرة قومه وفيه تأديب الرجل ابنته وقرابته بالقول لأجل اصلاحها لزوجها
وفيه سياق القصة على وجهها وان لم يسأل السائل عن ذلك إذا كان في ذلك مصلحة من زيادة
شرح وبيان وخصوصا إذا كان العالم يعلم أن الطالب يؤثر ذلك وفيه مهابة الطالب للعالم
وتواضع العالم له وصبره على مسائلته وإن كان عليه في شئ من ذلك غضاضة وفيه جواز ضرب
الباب ودقه إذا لم يسمع الداخل بغير ذلك ودخول الآباء على البنات ولو كان بغير اذن الزوج
والتنقيب عن أحوالهن لا سيما ما يتعلق بالمتزوجات وفيه حسن تلطف ابن عباس وشدة حرصه
على الاطلاع على فنون التفسير وفيه طلب علو الاسناد لان ابن عباس أقام مدة طويلة ينتظر
خلوة عمر ليأخذ عنه وكان يمكنه يأخذ ذلك بواسطة عنه ممن لا يهاب سؤاله كما كان يهاب عمر وفيه
حرص الصحابة على طلب العلم والضبط بأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه أن طالب العلم
يجعل لنفسه وقتا يتفرغ فيه لأمر معاشه وحال أهله وفيه البحث في العلم في الطرق والخلوات
وفى حال القعود والمشي وفيه ايثار الاستجمار في الاسفار وابقاء الماء للوضوء وفيه ذكر العالم
ما يقع من نفسه وأهله بما يترتب عليه فائدة دينية وإن كان في ذلك حكاية ما يستهجن وجواز
ذكر العمل الصالح لسياق الحديث على وجهه وبيان ذكر وقت التحمل وفيه الصبر على الزوجات
255

والاغضاء عن خطابهن والصفح عما يقع منهن من زلل في حق المرء دون ما يكون من حق الله تعالى
وفيه جواز اتخاذ الحاكم عند الخلوة بوابا بمنع من يدخل إليه بغير اذنه ويكون قول أنس الماضي
في كتاب الجنائز في المرأة التي وعظها النبي صلى الله عليه وسلم فلم تعرفه ثم جاءت إليه فلم تجد له
بوابين محمولا على الأوقات التي يجلس فيها للناس قال المهلب وفيه ان للامام أن يحتجب عن
بطانته وخاصته عند الامر يطرقه من جهة أهله حتى يذهب غيظه ويخرج إلى الناس وهو
منبسط إليهم فان الكبير إذا احتجب لم يحسن الدخول إليه بغير اذن ولو كان الذي يريد أن يدخل
جليل القدر عظيم المنزلة عنده وفيه الرفق بالأصهار والحياء منهم إذا وقع للرجل من أهله
ما يقتضى معاتبتهم وفيه أن السكوت قد يكون أبلغ من الكلام وأفضل في بعض الأحايين لأنه
عليه الصلاة والسلام لو أمر غلامه برد عمر لم يجز لعمر العود إلى الاستئذان مرة بعد أخرى فلما
سكت فهم عمر من ذلك أنه لم يؤثر رده مطلقا أشار إلى ذلك المهلب وفيه أن الحاجب إذا علم منع
الاذن بسكوت المحجوب لم يأذن وفيه مشروعية الاستئذان على الانسان وإن كان وحده
لاحتمال أن يكون على حالة يكره الاطلاع عليها وفيه جواز تكرار الاستئذان لمن لم يؤذن له إذا
رجا حصول الاذن وأن لا يتجاوز به ثلاث مرات كما سيأتي ايضاحه في كتاب الاستئذان في قصة أبى
موسى مع عمر والاستدراك على عمر من هذه القصة لان الذي وقع من الاذن له في المرة الثالثة وقع
اتفاقا ولو لم يؤذن له فالذي يظهر أنه كان يعود إلى الاستئذان لأنه صرح كما سيأتي بأنه لم يبلغه ذلك
الحكم وفيه ان كل لذة أو شهوة قضاها المرء في الدنيا فهو استعجال له من نعيم الآخرة وأنه لو ترك
ذلك لادخر له في الآخرة أشار إلى ذلك الطبري واستنبط منه بعضهم ايثار الفقر على الغنى وخصه
الطبري بمن لم يصرفه في وجوهه ويفرقه في سبله التي أمر الله بوضعه فيها قال وأما من فعل ذلك
فهو من منازل الامتحان والصبر على المحن مع الشكر أفضل من الصبر على الضراء وحده انتهى
قال عياض هذه القصة مما يحتج به من يفضل الفقير على الغنى لما في مفهوم قوله إن من تنعم في
الدنيا يفوته في الآخرة بمقداره قال وحاوله الآخرون بأن المراد من الآية أن حظ الكفار هو
ما نالوه من نعيم الدنيا إذ لاحظ لهم في الآخرة انتهى وفى الجواب نظر وهى مسئلة اختلف فيها
السلف والخلف وهى طويلة الذيل سيكون لنا بها المام إن شاء الله تعالى في كتاب الرقاق وفيه
ان المرء إذا رأى صاحبه مهموما استحب له أن يحدثه بما يزيل همه ويطيب نفسه لقول عمر
لأقولن شيئا يضحك النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب أن يكون ذلك بعد استئذان الكبير في ذلك
كما فعل عمر وفيه جواز الاستعانة في الوضوء بالصب على المتوضئ وخدمة الصغير الكبير وإن كان
الصغير أشرف نسبا من الكبير وفيه التجمل بالثوب والعمامة عند لقاء الأكابر وفيه
تذكير الحالف بيمينه إذا وقع منه ما ظاهره نسيانها لا سيما ممن له تعلق بذلك لان عائشة خشيت
أن يكون صلى الله عليه وسلم نسى مقدار ما حلف عليه وهو شهر والشهر ثلاثون يوما أو تسعة
وعشرون يوما فلما نزل في تسعة وعشرين ظنت انه ذهل عن القدر أو أن الشهر لم يهل فأعلمها أن
الشهر استهل فان الذي كان الحلف وقع فيه جاء تسعا وعشرين يوما وفيه تقوية لقول من قال إن
يمينه صلى الله عليه وسلم اتفق أنها كانت في أول الشهر ولهذا اقتصر على تسعة وعشرين
والا فلو اتفق ذلك في أثناء الشهر فالجمهور على أنه لا يقع البر الا بثلاثين وذهبت طائفة
256

في الاكتفاء بتسعة وعشرين أخذا بأقل ما ينطلق عليه الاسم قال ابن بطال يؤخذ منه أن من حلف على فعل شئ يبر بفعل أقل ما ينطلق عليه الاسم والقصة محمولة عند الشافعي ومالك على
أنه دخل أول الهلال وخرج به فلو دخل في أثناء الشهر لم يبر الا بثلاثين وفيه سكنى الغرفة ذات
الدرج واتخاذ الخزانة لأثاث البيت والأمتعة وفيه التناوب في مجلس العالم إذا لم تتيسر
المواظبة على حضوره لشاغل شرعي من أمر ديني أو دنيوي وفيه قبول خبر الواحد ولو كان
الآخذ فاضلا والمأخوذ عنه مفضولا ورواية الكبير عن الصغير وان الاخبار التي تشاع ولو كثر
ناقلوها ان لم يكن مرجعها إلى أمر حسي من مشاهدة أو سماع لا تستلزم الصدق فان جزم
الأنصاري في رواية بوقوع التطليق وكذا جزم الناس الذين رآهم عمر عند المنبر بذلك محمول على
أنهم شاع بينهم ذلك من شخص بناء على التوهم الذي توهمه من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم
نساءه فظن لكونه لم تجر عادته بذلك أنه طلقهن فأشاع أنه طلقهن فشاع ذلك فتحدث الناس به
وأخلق بهذا الذي ابتدأ بإشاعة ذلك أن يكون من المنافقين كما تقدم وفيه الاكتفاء بمعرفة
الحكم بأخذه عن القرين مع امكان أخذه عاليا عمن أخذه عنه القرين وأن الرغبة في العلو حيث
لا يعوق عنه عائق شرعي ويمكن أن يكون المراد بذلك أن يستفيد منه أصول ما يقع في غيبته ثم
يسأل عنه بعد ذلك مشافهة وهذا أحد فوائد كتابة أطراف الحديث وفيه ما كان الصحابة
عليه من محبة الاطلاع على أحوال النبي صلى الله عليه وسلم جلت أو قلت واهتمامهم بما يهتم له
لاطلاق الأنصاري اعتزاله نساءه الذي أشعر عنده بأنه طلقهن المقتضى وقوع غمه صلى الله عليه
وسلم بذلك أعظم من طروق ملك الشام الغساني بجيوشه المدينة لغزو من بها وكان ذلك بالنظر إلى
أن الأنصاري كان يتحقق أن عدوهم ولو طرقهم مغلوب ومهزوم واحتمال خلاف ذلك ضعيف
بخلاف الذي وقع بما توهمه من التطليق الذي يتحقق معه حصول الغم وكانوا في الطرف الأقصى
من رعاية خاطره صلى الله عليه وسلم أن يحصل له تشويش ولو قل والقلق لما يقلقه والغضب لما
يغضبه والهم لما يهمه رضي الله عنهم وفيه ان الغضب والحزن يحمل الرجل الوقور على ترك
التأني المألوف منه لقول عمر ثم غلبني ما أجد ثلاث مرات وفيه شدة الفزع والجزع للأمور
المهمة وجواز نظر الانسان إلى نواحي بيت صاحبه وما فيه إذا علم أنه لا يكره ذلك وبهذا يجمع
بين ما وقع لعمر وبين ما ورد من النهى عن فضول النظر أشار إلى ذلك النووي ويحتمل أن يكون
نظر عمر في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقع أولا اتفاقا فرأى الشعير والقرظ مثلا فاستقله فرفع
رأسه لينظر هل هناك شئ أنفس منه فلم ير الا الاهب فقال ما قال ويكون النهى محمولا على من
تعمد النظر في ذلك والتفتيش ابتداء وفيه كراهة سخط النعمة واحتقار ما أنعم الله به ولو كان قليلا
والاستغفار من وقوع ذلك وطلب الاستغفار من أهل الفضل وايثار القناعة وعدم الالتفات
إلى ما خص به الغير من أمور الدنيا الفانية وفيه المعاقبة على افشاء السر بما يليق بمن أفشاه * (قوله باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعا) هذا الأصل لم يذكره البخاري في كتاب
الصيام وذكره أبو مسعود في أفراد البخاري من حديث أبي هريرة وليس كذلك فان مسلما ذكره في
أثناء حديث في كتاب الزكاة ووقع للمزي في الأطراف فيه وهم بينته فيما كتبته عليه (قوله
لا تصوم) كذا للأكثر وهو بلفظ الخبر والمراد به النهى وأغرب ابن التين والقرطبي فخطأ رواية
257

الرفع ووقع في رواية المستملى لا تصومن بزيادة نون التوكيد ولمسلم من طريق عبد الرزاق عن
معمر بلفظ لا تصم وسيأتى شرحه مستوفى بعد باب واحد * (قوله باب إذا باتت
المرأة مهاجرة فراش زوجها) أي بغير سبب لم يجز لها ذلك (قوله حدثنا محمد بن بشار) هو
بندار وذكر أبو علي الجياني أنه وقع في بعض النسخ عن أبي زيد المروزي بن سنان بمهملة ثم
نونين وهو غلط (قوله عن سليمان) هو الأعمش وأبو حازم هو سلمان الأشجعي وقوله في الرواية
الثانية عن زرارة هو ابن أبي أوفى قاضى البصرة يكنى أبا حاجب له عن أبي هريرة في الصحيحين
حديثان فقط هذا وآخر مضى في العتق وله في البخاري عن عمران بن حصين حديث آخر يأتي في
الديات وتقدم له في تفسير عبس حديث من روايته عن سعد بن هشام عن عائشة وهذا جميع ما له
في الصحيح وكلها من رواية قتادة عنه (قوله إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه) قال ابن أبي جمرة
الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع ويقويه قوله الولد للفراش أي لمن يطأ في الفراش والكناية
عن الأشياء التي يستحيى منها كثيرة في القرآن والسنة قال وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما
إذا وقع منها ذلك ليلا لقوله حتى تصبح وكأن السر تأكد ذلك الشأن في الليل وقوة الباعث عليه
ولا يلزم من ذلك أنه يجوز لها الامتناع في النهار وانما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك اه‍
وقد وقع في رواية يزيد بن كيسان عن أبي حازم عند مسلم بلفظ والذي نفسي بيده ما من رجل
يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه الا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها ولابن
خزيمة وابن حبان من حديث جابر رفعه ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا يصعد لهم إلى السماء حسنة
العبد الآبق حتى يرجع والسكران حتى يصح والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى فهذه
الاطلاقات تتناول الليل والنهار (قوله فابت أن تجئ) زاد أبو عوانة عن الأعمش كما تقدم في
بدء الخلق فبات غضبان عليها وبهذه الزيادة يتجه وقوع اللعن لأنها حينئذ يتحقق ثبوت معصيتها
بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فإنه يكون اما لأنه عذرها واما لأنه ترك حقه من ذلك وأما قوله في
رواية زرارة إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها فليس هو على ظاهره في لفظ المفاعلة بل المراد
أنها هي التي هجرت وقد تأتي لفظ المفاعلة ويراد بها نفس الفعل ولا يتجه عليها اللوم الا إذا بدأت
هي بالهجر فغضب هو لذلك أو هجرها وهى ظالمة فلم تستنصل من ذنبها وهجرته أما لو بدأ هو بهجرها
ظالما لها فلا ووقع في رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة إذا باتت المرأة هاجرة بلفظ اسم
الفاعل (قوله لعنتها الملائكة حتى تصبح) في رواية زرارة حتى ترجع وهى أكثر فائدة والأولى
محمولة على الغالب كما تقدم وللطبراني من حديث ابن عمر رفعه اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤسهما
عبد أبق وامرأة غضب زوجها حتى ترجع وصححه الحاكم قال المهلب هذا الحديث يوجب أن
منع الحقوق في الأبدان كانت أو في الأموال مما يوجب سخط الله الا أن يتغمدها بعفوه وفيه
جواز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الارهاب عليه لئلا يواقع الفعل فإذا واقعه فإنما يدعى
له بالتوبة والهداية (قلت) ليس هذا التقييد مستفادا من هذا الحديث بل من أدلة أخرى وقد
ارتضى بعض مشايخنا ما ذكره المهلب من الاستدلال بهذا الحديث على جواز لعن العاصي
المعين وفيه نظر والحق أن من منع اللعن أراد به معناه اللغوي وهو الابعاد من الرحمة وهذا
لا يليق أن يدعى به على المسلم بل يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية والذي
258

أجازه أراد به معناه العرفي وهو مطلق السب ولا يخفى أن محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به
وينزجر وأما حديث الباب فليس فيه الا أن الملائكة تفعل ذلك ولا يلزم منه جوازه على
الاطلاق وفيه أن الملائكة تدعو على أهل المعصية ما داموا فيها وذلك يدل على أنهم يدعون
لأهل الطاعة ما داموا فيها كذا قال المهلب وفيه نظر أيضا قال ابن أبي جمرة وهل الملائكة التي
تلعنها هم الحفظة أو غيرهم يحتمل الامرين (قلت) يحتمل أن يكون بعض الملائكة موكلا بذلك
ويرشد إلى التعميم قوله في رواية مسلم الذي في السماء إن كان المراد به سكانها قال وفيه دليل على
قبول دعاء الملائكة من خير أو شر لكونه صلى الله عليه وسلم خوف بذلك وفيه الارشاد إلى
مساعدة الزوج وطلب مرضاته وفيه أن صبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة قال
وفيه أن أقوى التشويشات على الرجل داعية النكاح ولذلك حض الشارع النساء على مساعدة
الرجال في ذلك اه‍ أو السبب فيه الحض على التناسل ويرشد إليه الأحاديث الواردة في الترغيب
في ذلك كما تقدم في أوائل النكاح قال وفيه إشارة إلى ملازمة طاعة الله والصبر على عبادته جزاء
على مراعاته لعبده حيث لم يترك شيئا من حقوقه الا جعل له من يقوم به حتى جعل ملائكته تلعن
من أغضب عبده بمنع شهوة من شهواته فعلى العبد أن يوفى حقوق ربه التي طلبها منه والا فما أقبح
الجفاء من الفقير المحتاج إلى الغنى الكثير الاحسان اه‍ ملخصا من كلام ابن أبي جمرة رحمه الله
* (قوله باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لاحد الا باذنه) المراد ببيت زوجها
سكنة سواء كان ملكه أولا (قوله عن الأعرج) كذا يقول شعيب عن أبي الزناد وقال ابن
عيينة عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة وقد بينه المصنف بعد (قوله
لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها) يلتحق به السيد بالنسبة لامته التي يحل له وطؤها ووقع في رواية
همام وبعلها وهى أفيد لان ابن حزم نقل عن أهل اللغة أن البعل اسم للزوج والسيد فان ثبت
والا ألحق السيد بالزوج للاشتراك في المعنى (قوله شاهد) أي حاضر (قوله الا باذنه) يعنى في
غير صيام أيام رمضان وكذا في غير رمضان من الواجب إذا تضيق الوقت وقد خصه المصنف في
الترجمة الماضية قبل باب بالتطوع وكأنه تلقاه من رواية الحسن بن علي عن عبد الرزاق فان فيها
لا تصوم المرأة غير رمضان وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا في أثناء حديث
ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعا الا باذنه فان فعلت لم يقبل منها وقد قدمت
اختلاف الروايات في لفظ ولا تصوم ودلت رواية الباب على تحريم الصوم المذكور عليها وهو قول
الجمهور قال النووي في شرح المهذب وقال بعض أصحابنا يكره والصحيح الأول قال فلو صامت
بغير اذنه صح وأثمت لاختلاف الجهة وأمر قبوله إلى الله قاله العمراني قال النووي ومقتضى
المذهب عدم الثواب ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهى ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك
بل هو أبلغ لأنه يدل على تأكد الامر فيه فيكون تأكده بحمله على التحريم قال النووي في
شرح مسلم وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت وحقه واجب على الفور
فلا يفوته بالتطوع ولا بواجب على التراخي وانما لم يجز لها الصوم بغير اذنه وإذا أراد الاستمتاع
بها جاز ويفسد صومها لان العادة أن المسلم يهاب انتهاك الصوم بالافساد ولا شك أن الأولى له
خلاف ذلك ان لم يثبت دليل كراهته نعم لو كان مسافرا فمفهوم الحديث في تقييده بالشاهد يقتضى
259

جواز التطوع لها إذا كان زوجها مسافرا فلو صامت وقدم في أثناء الصيام فله افساد صومها
ذلك من غير كراهة وفى معنى الغيبة أن يكون مريضا بحيث لا يستطيع الجماع وحمل المهلب
النهى المذكور على التنزيه فقال هو من حسن المعاشرة ولها أن تفعل من غير الفرائض بغير
اذنه ما لا يضره ولا يمنعه من واجباته وليس له أن يبطل شيئا من طاعة الله إذا دخلت فيه بغير اذنه
اه‍ وهو خلاف الظاهر وفى الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير لان
واجب حقه والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع (قوله ولا تأذن في بيته) زاد مسلم
من طريق همام عن أبي هريرة وهو شاهد الا باذنه وهذا القيد لا مفهوم له بل خرج مخرج الغالب
والا فغيبة الزوج لا تقتضى الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته بل يتأكد حينئذ عليها المنع
لثبوت الأحاديث الواردة في النهى عن الدخول على المغيبات أي من غاب عنها زوجها ويحتمل
أن يكون له مفهوم وذلك أنه إذا حضر تيسر استئذانه وإذا غاب تعذر فلو دعت الضرورة إلى
الدخول عليها لم تفتقر إلى استذانه لتعذره ثم هذا كله فيما يتعلق بالدخول عليها أما مطلق دخول
البيت بأن تأذن لشخص في دخول موضع من حقوق الدار التي هي فيها أو إلى دار منفردة عن
سكنها فالذي يظهر أنه ملتحق بالأول وقال النووي في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتات على
الزوج بالاذن في بيته الا باذنه وهو محمول على ما لا نعلم رضا الزوج به أما لو علمت رضا الزوج بذلك
فلا حرج عليها كمن جرت عادته بادخال الضيفان موضعا معدا لهم سواء كان حاضرا أم غائبا فلا
يفتقر ادخالهم إلى اذن خاص لذلك وحاصله أنه لا بد من اعتبار اذنه تفصيلا أو اجمالا (قوله الا
باذنه) أي الصريح وهل يقوم ما يقترن به علامة رضاه مقام التصريح بالرضا فيه نظر (قوله وما
أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدى إليه شطره) أي نصفه والمراد نصف الاجر كما جاء واضحا
في رواية همام عن أبي هريرة في البيوع ويأتي في النفقات بلفظ إذا أنفقت المرأة من كسب
زوجها عن غير أمره فله نصف أجره في رواية أبى داود فلها نصف أجره وأغرب الخطابي فحمل
قوله يؤدى إليه شطره على المال المنفق وأنه يلزم المرأة إذا أنفقت بغير أمر زوجها زيادة على
الواجب لها أن تغرم القدر الزائد وأن هذا هو المراد بالشطر في الخبر لان الشطر يطلق على النصف
وعلى الجزء قال ونفقتها معاوضة فتقدر بما يوازيها من الفرض وترد الفضل عن مقدار الواجب
وانما جاز لها في قدر الواجب لقصة هند خذي من ماله بالمعروف اه‍ وما ذكرناه من الرواية
الأخرى يرد عليه وقد استشعر الايراد فحمل الحديث الآخر على معنى آخر وجعلهما حديثين
مختلفي الدلالة والحق أنهما حديث واحد رويا بألفاظ مختلفة وأما تقييده بقوله عن غير أمره
فقال النووي عن غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين ولا ينفى ذلك وجود اذن سابق عام
يتناول هذا القدر وغيره اما بالصريح واما بالعرف قال ويتعين هذا التأويل لجعل الاجر بينهما
نصفين ومعلوم أنها إذا أنفقت من ماله بغير اذنه لا الصريح ولا المأخوذ من العرف لا يكون لها
أجر بل عليها وزر فيتعين تأويله قال واعلم هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضا المالك
به عرفا فان زاد على ذلك لم يجز ويؤيده قوله يعنى كما مر في حديث عائشة في كتاب الزكاة والبيوع
إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة فأشار إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة قال
ونبه بالطعام أيضا على ذلك لأنه مما يسمح به عادة بخلاف النقدين في حق كثير من الناس وكثير
260

من الأحوال (قلت) وقد تقدمت في شرح حديث عائشة في الزكاة مباحث لطيفة وأجوبة
في هذا ويحتمل أن يكون المراد بالتنصيف في حديث الباب الحمل على المال الذي يعطيه
الرجل في نفقة المرأة فإذا أنفقت منه بغير علمه كان الاجر بينهما للرجل لكونه الأصل في اكتسابه
ولكونه يؤجر على ما ينفقه على أهله كما ثبت من حديث سعد بن أبي وقاص وغيره وللمرأة
لكونه من النفقة التي تختص بها ويؤيد هذا الحمل ما أخرجه أبو داود عقب حديث أبي هريرة
هذا قال في المرأة تصدق من بيت زوجها قال لا الا من قوتها والاجر بينهما ولا يحل لها أن تصدق
من مال زوجها الا باذنه قال أبو داود في رواية أبى الحسن بن العبد عقبه هذا يضعف حديث
همام اه‍ ومراده أنه يضعف حمله على التعميم أما الجمع بينهما بما دل عليه هذا الثاني فلا واما
ما أخرجه أبو داود وابن خزيمة من حديث سعد قال قالت امرأة يا نبي الله انا كل على آبائنا
وأزواجنا وأبنائنا فما يحل لنا من أموالهم قال الرطب تأكلنه وتهدينه وأخرج الترمذي وابن
ماجة عن أبي أمامة رفعه لا تنفق امرأة شيا من بيت زوجها الا باذنه قيل ولا الطعام قال ذاك
أفضل أموالنا وظاهرهما التعارض ويمكن الجمع بان المراد بالرطب ما يتسارع إليه الفساد فأذن
فيه بخلاف غيره ولو كان طعاما والله أعلم (قوله ورواه أبو الزناد أيضا عن موسى عن أبيه عن أبي
هريرة في الصوم) يشير إلى أن رواية شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج اشتملت على ثلاثة
أحكام وان لأبي الزناد في أحد الثلاثة وهو صيام المرأة اسنادا آخر وموسى المذكور هو ابن أبي
عثمان وأبوه أبو عثمان يقال له التبان بمثناة ثم موحدة ثقيلة واسمه سعد ويقال عمران وهو مولى
المغيرة بن شعبة ليس له في البخاري سوى هذا الموضع وقد وصل حديثه المذكور أحمد والنسائي
والدارمي والحاكم من طريق الثوري عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان بقصة الصوم فقط
والدارمي أيضا وابن خزيمة وأبو عوانة وابن حبان من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد
عن الأعرج به قال أبو عوانة في رواية علي بن المديني حدثنا به سفيان بعد ذلك عن أبي الزناد
عن موسى بن أبي عثمان فراجعته فيه فثبت على موسى ورجع عن الأعرج ورويناه عاليا
في جزء إسماعيل بن نجيد من رواية المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وفى الحديث حجة
على المالكية في تجويز دخول الأب ونحوه بيت المرأة بغير اذن زوجها وأجابوا عن الحديث
بأنه معارض بصلة الرحم وأن بين الحديثين عموما وخصوصا وجهيا فيحتاج إلى مرجح ويمكن أن
يقال صلة الرحم انما تندب بما يملكه الواصل والتصرف في بيت الزوج لا تملكه المرأة الا بإذن
الزوج فكما لأهلها أن لا تصلهم بماله الا باذنه فاذنها لهم في دخول البيت كذلك * (قوله
باب) كذا لهم بغير ترجمة وأورد فيه حديث أسامة لقوله فيه وقفت على باب النار
فإذا عامة من دخلها النساء وسقط للنسفي لفظ باب فصار الحديث الذي فيه من جملة الباب الذي
قبله ومناسبته له من جهة الإشارة إلى أن النساء غالبا يرتكبن النهى المذكور ومن ثم كن أكثر
من دخل النار والله أعلم * (قوله باب كفران العشير وهو الزوج 2 والعشير هو الخليط
من المعاشرة) أي أن لفظ العشير يطلق بإزاء شيئين فالمراد به هنا الزوج والمراد به في الآية وهى
قوله تعالى ولبئس العشير المخالط وهذا تفسير أبى عبيدة قال في قوله تعالى لبئس المولى ولبئس
العشير المولى هنا ابن العم والعشير المخالط المعاشر وقد تقدم شئ من هذا في كتاب الايمان
261

ثم ذكر فيه حديث ابن عباس في خسوف الشمس بطوله وقد تقدم شرحه مستوفى في آخر أبواب
الكسوف وقوله فيه لو أحسنت إلى إحداهن الدهر فيه إشارة إلى وجود سبب التعذيب لأنها
بذلك كالمصرة على كفر النعمة والإصرار على المعصية من أسباب العذاب أشار إلى ذلك المهلب
وذكر بعده حديث عمران بن حصين بمعنى حديث أسامة الماضي في الباب قبله وقوله تابعه أيوب
وسلم بن زرير يعنى أنهما تابعا عوفا عن أبي رجاء وهو العطاردي في رواية هذا الحديث عن
عمران بن حصين وسيأتى في باب فضل الفقر من الرقاق أن حماد بن نجيح وصخر بن جويرية خالفا في
ذلك عن أبي رجاء فقالا عنه عن ابن عباس ومتابعة أيوب وصلها النسائي واختلف فيه على أيوب
فقال عبد الوارث عنه هكذا وقال الثقفي وابن علية وغيرهما عن أيوب عن أبي رجاء عن ابن
عباس وأما متابعة سلم بن زرير فوصلها المصنف في صفة الجنة من بدء الخلق وفى باب فضل الفقر
من الرقاق ويأتي شرح الحديث مع حديث أسامة في باب صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق
إن شاء الله تعالى * (قوله باب لزوجك عليك حق قاله أبو جحيفة عن النبي
صلى الله عليه وسلم) وهو طرف من حديثه في قصة سلمان وأبى الدرداء وقد مضى موصولا مشروحا
في كتاب الصيام ثم ذكر بعده حديث عبد الله بن عمرو في ذلك وقد تقدم شرحه أيضا قال ابن
بطال لما ذكر في الباب قبله حق الزوج على الزوجة ذكر في هذا عكسه وأنه لا ينبغي له أن يجهد
بنفسه في العبادة حتى يضعف عن القيام بحقها من جماع واكتساب واختلف العلماء فيمن كف
عن جماع زوجته فقال مالك إن كان بغير ضرورة ألزم به أو يفرق بينهما ونحوه عن أحمد والمشهور
عند الشافعية أنه لا يجب عليه وقيل يجب مرة وعن بعض السلف في كل أربع ليلة وعن بعضهم
في كل طهر مرة * (قوله باب المرأة راعية في بيت زوجها) ذكر فيه حديث ابن
عمر وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى * (قوله باب قول
الله تعالى الرجال قوامون على النساء) إلى هنا عند أبي ذر زاد غيره بما فضل الله بعضهم على بعض
إلى قوله عليا كبيرا وبسياق الآية تظهر مطابقة الترجمة لان المراد منها قوله تعالى فعظوهن
واهجروهن في المضاجع فهو الذي يطابق قوله آلى النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا لان
مقتضاه أنه هجرهن وخفى ذلك على الإسماعيلي فقال لم يتضح لي دخول هذا الحديث في هذا
الباب ولا تفسير الآية التي ذكرها وقد تقدم شرح حديث أنس المذكور قريبا في آخر حديث عمر
الطويل وقوله فيه انك آليت شهرا في رواية المستملى والكشميهني آليت على شهر وقوله فقيل
يا رسول الله قائل ذلك كعائشة كما تقدم واضحا في آخر حديث عمر المذكور وتقدم فيه أن عمر
262

وغيره أيضا سألوه عن ذلك * (قوله باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في
غير بيوتهن) كأنه يشير إلى أن قوله واهجروهن في المضاجع لا مفهوم له وأنه تجوز الهجرة فيما
زاد على ذلك كما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من هجره لأزواجه في المشربة وللعلماء في ذلك اختلاف أذكره بعد (قوله ويذكر عن معاوية بن حيدة) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتانية صحابي
مشهور وهو جد بهز بن حكيم بن معاوية (قوله رفعه ولا تهجر الا في البيت) في رواية الكشميهني
غير أن لا تهجر الا في البيت وهذا طرف من حديث طويل أخرجه أحمد وأبو داود والخرائطي
في مكارم الأخلاق وابن منده في غرائب شعبة كلهم من رواية أبى قزعة سويد عن حكيم بن
معاوية عن أبيه وفيه ما حق المرأة على الزوج قال يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى
ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا يهجر الا في البيت (قوله والأول أصح) يعنى حديث أنس أصح من
حديث معاوية بن حيدة وهو كذلك ولكن يمكن الجمع بينهما كما سأذكره واقتضى صنيعه أن
هذه الطريق تصلح للاحتجاج بها وإن كانت دون غيرها في الصحة وانما صدرها بصيغة التمريض
إشارة إلى انحطاط رتبتها ووقع في شرح الكرماني قوله ويذكر عن معاوية بن حيدة رفعه
ولا تهجر الا في البيت أي ويذكر عن معاوية ولا تهجر الا في البيت مرفوعا إلى النبي صلى الله
عليه وسلم والأول أي الهجرة في غير البيوت أصح اسنادا وفى بعضها أي بعض النسخ من
البخاري غير أن لا تهجر الا في البيت قال فحينئذ ففاعل يذكر هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه
في غير بيوتهن أي ويذكر عن معاوية رفعه غير أن لا تهجر أي رويت قصة الهجرة عنه مرفوعة
الا أنه قال لا تهجر الا في البيت وهذا الذي تلمحه غلط محض فان معاوية بن حيدة ما روى قصة
هجر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه ولا يوجد هذا في شئ من المسانيد ولا الاجزاء وليس مراد
البخاري ما ذكره وانما مراده حكاية ما ورد في سياق حديث معاوية بن حيدة فان في بعض طرقه
ولا يقبح ولا يضرب الوجه غير أن لا يهجر الا في البيت فظن الكرماني أن الاستثناء من تصرف
البخاري وليس كذلك بل هو حكاية منه عما ورد من لفظ الحديث والله أعلم قال المهلب هذا
الذي أشار إليه البخاري كأنه أراد أن تستن الناس بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من الهجر
في غير البيوت رفقا بالنساء لان هجرانهن مع الإقامة معهن في البيوت آلم لأنفسهن وأوجع
لقلوبهن بما يقع من الاعراض في تلك الحال ولما في الغيبة من الأعين من التسلية عن الرجال
قال وليس ذلك بواجب لان الله قد أمر بهجرانهن في المضاجع فضلا عن البيوت وتعقبه ابن
المنير بأن البخاري لم يرد ما فهمه وانما أراد أن الهجران يجوز أن يكون في البيوت وفى غير
البيوت وأن الحصر المذكور في حديث معاوية بن حيدة غير معمول به بل يجوز الهجر في غير
البيوت كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم اه‍ والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال فربما
كان الهجران في البيوت أشد من الهجران في غيرها وبالعكس بل الغالب أن الهجران في غير
البيوت آلم للنفوس وخصوصا النساء لضعف نفوسهن واختلف أهل التفسير في المراد بالهجران
فالجمهور على أنه ترك الدخول عليهن والإقامة عندهن على ظاهر الآية وهو من الهجران وهو
البعد وظاهره أنه لا يضاجعها وقيل المعنى يضاجعها ويوليها ظهره وقيل يمتنع من جماعها وقيل
يجامعها ولا يكلمها وقيل اهجروهن مشتق من الهجر بضم الهاء وهو الكلام القبيح أي أغلظوا
263

لهن في القول وقيل مشتق من الهجار وهو الحبل الذي يشد به البعير يقال هجر البعير أي ربطه
فالمعنى أوثقوهن في البيوت واضربوهن قاله الطبري وقواه واستدل له ووهاه ابن العربي فأجاد
ثم ذكر في الباب حديثين الأول حديث أم سلمة (قوله عكرمة بن عبد الرحمن بن الحرث) أي ابن
هشام بن المغيرة وهو أخو أبى بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة وليس له في البخاري سوى
هذا الحديث وقد أخرجه في الصيام عن أبي عاصم وحده به وقوله في هذه الطريق لا يدخل على
بعض نسائه كذا في هذه الرواية وهو يشعر بان اللاتي أقسم أن لا يدخل عليهن هن من وقع منهن
ما وقع من سبب القسم لا جميع النسوة لكن اتفق أنه في تلك الحالة انفكت رجله كما في حديث
أنس المتقدم في أوائل الصيام فاستمر مقيما في المشربة ذلك الشهر كله وهو يؤيد أن سبب القسم
ما تقدم في مارية فإنها تقتضى اختصاص بعض النسوة دون بعض بخلاف قصة العسل
فإنهن اشتركن فيها الا صاحبة العسل وإن كانت إحداهن بدأت بذلك وكذلك قصة طلب النفقة
والغيرة فإنهن اجتمعن فيها * الحديث الثاني (قوله أبو يعفور) بفتح التحتانية وسكون المهملة
وضم الفاء وسكون الواو وآخره راء هو الأصغر واسمه عبد الرحمن بن عبيد كوفي ثقة ليس له في
البخاري الا هذا الحديث وآخر تقدم في آخر ليلة القدر حدث به أيضا عن أبي الضحى (قوله
تذاكرنا عند أبي الضحى فقال حدثنا ابن عباس) لم يذكر ما تذاكروا به وقد أخرجه النسائي عن
أحمد بن عبد الحكم عن مروان بن معاوية بالاسناد الذي أخرجه البخاري فأوضحه ولفظه
تذاكرنا الشهر فقال بعضنا ثلاثين وقال بعضنا تسعا وعشرين فقال أبو الضحى حدثنا ابن
عباس وكذا أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن مروان بن معاوية وقال فيه تذاكرنا الشهر عند أبي
الضحى (قوله فدخلت المسجد 2 فإذا هو ملآن من الناس) هذا ظاهر في حضور ابن عباس
هذه القصة وحديثه الطويل بل الذي مضى قريبا يشعر بأنه ما عرف القصة الا من عمر لكن يحتمل
أن يكون عرفها مجملة ففصلها عمر له لما سأله عن المتظاهرتين (قوله في غرفة) في رواية النسائي
في علية بمهملة مضمومة وقد تكسر وبلام ثم تحتانية ثقيلتين هي المكان العالي وهى الغرفة
وتقدم أنها كانت مشربة وفسرت فيما مضى وزاد الإسماعيلي من طريق عبد الرحيم بن سليمان
عن أبي يعفور في غرفة ليس عنده فيها الا بلال (قوله فناداه فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم)
كذا في جميع الأصول التي وقفت عليها من البخاري بحذف فاعل فناداه فان الضمير لعمر وهو
الذي دخل وقد وقع ذلك مبينا في رواية أبى نعيم ولفظه بعد قوله فسلم فلم يجبه أحد فانصرف
فناداه بلال فدخل ومثله للنسائي لكن قال فنادى بلال بحذف المفعول وهو الضمير في رواية
غيره وعند الإسماعيلي فسلم فلم يحبه أحد فانحط فدعاه بلال فسلم ثم دخل وقد تقدم في الحديث
الطويل أن في رواية سماك بن الوليد عن ابن عباس عن عمر عند مسلم أن اسم الغلام الذي اذن
له رباح فلولا قوله في هذه الرواية ليس عنده فيها الا بلال لجوزت أن يكونا جميعا كانا عنده لكن
يجوز أن يكون الحصر للعندية الداخلة ويكون رباح كان على أسكفة الباب كما تقدم وعند الاذن
ناداه بلال فاسمعه رباح فيجتمع الخبران (قوله فقال لا ولكن آليت منهن شهرا) أي حلفت أن
لا أدخل عليهن شهرا كما تقدم بيانه واضحا في شرح حديث عمر المطول * (قوله باب
ما يكره من ضرب النساء) فيه إشارة إلى أن ضربهن لا يباح مطلقا بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو
264

تحريم على ما سنفصله (قوله وقول الله تعالى واضربوهن أي ضربا غير مبرح) هذا التفسير منتزع
من المفهوم من حديث الباب من قوله ضرب العبد كما سأوضحه وقد جاء ذلك صريحا في حديث
عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا طويلا
وفيه فان فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح الحديث أخرجه أصحاب
السنن وصححه الترمذي واللفظ له وفى حديث جابر الطويل عند مسلم فان فعلن فاضربوهن
ضربا غير مبرح (قلت) وسبق التنصيص في حديث معاوية بن حيدة على النهى عن ضرب
الوجه (قوله سفيان) هو الثوري وهشام هو ابن عروة وعبد الله بن زمعة تقدم بيان نسبه
في تفسير سورة والشمس (قوله لا يجلد أحدكم) كذا في نسخ البخاري بصيغة النهى وقد أخرجه
الإسماعيلي من رواية أحمد بن سفيان النسائي عن الفريابي وهو محمد بن يوسف شيخ البخاري فيه
بصيغة الخبر وليس في أوله صيغة النهى وكذا أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن الفريابي وكذا
توارد عليه أصحاب هشام بن عروة وتقدم في التفسير من رواية وهيب ويأتي في الأدب من رواية
ابن عيينة وكذا أخرجه أحمد عن ابن عيينة وعن وكيع وعن أبي معاوية وعن ابن نمير وأخرجه
مسلم وابن ماجة من رواية ابن نمير والترمذي والنسائي من رواية عبدة بن سليمان ففي رواية أبى
معاوية وعبدة الام يجلد وفى رواية وكيع وابن نمير علام يجلد وفى رواية ابن عيينة
وعظهم في النساء فقال يضرب أحدكم امرأته وهو موافق لرواية أحمد بن سفيان وليس عند
واحد منهم صيغة النهى (قوله جلد العبد) بالنصب أي مثل جلد العبد وفى إحدى روايتي
ابن نمير عند مسلم ضرب الأمة وللنسائي من طريق ابن عيينة كما يضرب العبد والأمة وفى رواية
أحمد بن سفيان جلد البعير أو العبد وسيأتى في الأدب من رواية ابن عيينة ضرب الفحل أو العبد
والمراد بالفحل البعير وفى حديث لقيط بن صبرة عند أبي داود ولا تضرب ظعينتك ضربك
أمتك (قوله ثم يجامعها) في رواية أبى معاوية ولعله أن يضاجعها وهى رواية الأكثر وفى
رواية لابن عيينة في الأدب ثم لعله يعانقها وقوله في آخر اليوم في رواية ابن عيينة عند أحمد من
آخر الليل وله عند النسائي آخر النهار وفى رواية ابن نمير والأكثر في آخر يومه وفى رواية وكيع
آخر الليل أو من آخر الليل وكلها متقاربة وفى الحديث جواز تأديب الرقيق بالضرب الشديد
والايماء إلى جواز ضرب النساء دون ذلك واليه أشار المصنف بقوله غير مبرح وفى سياقه استبعاد
وقوع الامرين من العاقل أن يبالغ في ضرب امرأته ثم يجامعها من بقية يومه أو ليلته والمجامعة
أو المضاجعة انما تستحسن مع ميل النفس والرغبة في العشرة والمجلود غالبا ينفر ممن جلده
فوقعت الإشارة إلى ذم ذلك وأنه إن كان ولا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير بحيث لا يحصل
منه الفور التام فلا يفرط في الضرب ولا يفرط في التأديب قال المهلب بين صلى الله عليه وسلم
بقوله جلد العبد ان ضرب الرقيق فوق ضرب الحر لتباين حالتيهما ولان ضرب المرأة انما أبيح من
أجل عصيانها زوجها فيما يجب من حقه عليها اه‍ وقد جاء النهى عن ضرب النساء مطلقا
فعند أحمد وأبى داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث اياس بن عبد الله بن أبي
ذباب بضم المعجمة وبموحدتين الأولى خفيفة رفعه لا تضربوا إماء الله فجاء عمر فقال قد ذئر النساء
على أزواجهن فاذن لهم فضربوهن فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير فقال
265

لقد أطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون امرأة كلهن يشكين أزواجهن ولا تجدون
أولئك خياركم وله شاهد من حديث ابن عباس في صحيح ابن حبان وآخر مرسل من حديث
أم كلثوم بنت أبي بكر عند البيهقي وقوله ذئر بفتح المعجمة وكسر الهمزة بعدها راء أي نشز بنون
ومعجمة وزاي وقيل معناه غضب واستب قال الشافعي يحتمل أن يكون النهى على الاختيار
والاذن فيه على الإباحة ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن ثم أذن بعد نزولها فيه وفى
قوله لن يضرب خياركم دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا
رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته فان اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ومهما أمكن
الوصول إلى الغرض بالايهام لا يعدل إلى الفعل لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن
المعاشرة المطلوبة في الزوجية الا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله وقد أخرج النسائي في
الباب حديث عائشة ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة له ولا خادما قط ولا ضرب بيده
شيا قط الا في سبيل الله صلى الله عليه وسلم أو تنتهك حرمات الله فينتقم لله وسيأتي مزيد في ذلك
في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى * (قوله باب لا تطيع المرأة زوجها 2 في معصية
الله) لما كان الذي قبله يشعر بندب المرأة إلى طاعة زوجها في كل ما يرومه خصص ذلك بما
لا يكون فيه معصية الله فلو دعاها الزوج إلى معصية فعليها أن تمتنع فان أدبها على ذلك كان الاثم
عليه ثم ذكر فيه طرفا من حديث التي طلبت أن تصل شعر ابنتها وسيأتى شرحه في كتاب اللباس
إن شاء الله تعالى (قوله إنه قد لعن الموصلات) كذا بالبناء للمجهول والموصلات بتشديد
الصاد المكسورة ويجوز فتحها وفى رواية الكشميهني الموصولات وهو يؤيد رواية الفتح
* (قوله باب وأن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا) ليس في رواية أبي ذر
أو اعراضا وقد تقدم الباب وحديثه في تفسير سورة النساء وسياقه هنا أتم وذكرت هناك سبب
نزولها وفيمن نزلت واختلف السلف فيما إذا تراضيا على أن لا قسمة لها هل لها ان ترجع في ذلك فقال
الثوري والشافعي وأحمد وأخرجه البيهقي عن علي وحكاه ابن المنذر عن عبيدة بن عمرو وإبراهيم
ومجاهد وغيرهم ان رجعت فعليه أن يقسم لها وان شاء فارقها وعن الحسن ليس لها أن تنقض
وهو قياس قول مالك في الانظار والعارية والله أعلم * (قوله باب العزل) أي
النزع بعد الايلاج لينزل خارج الفرج والمراد هنا بيان حكمة وذكر فيه حديثين الأول حديث
جابر (قوله يحيى بن سعيد) هو القطان (قوله عن ابن جريج عن عطاء عن جابر كنا نعزل
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية أحمد عن يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج
عن عطاء أنه سمع جابرا سئل عن العزل فقال كنا نصنعه (قوله حدثنا علي بن عبد الله حدثنا
سفيان) هو ابن عيينة (قال قال عمرو) هو ابن دينار (أخبرني عطاء أنه سمع جابرا يقول) هذا مما
نزل فيه عمرو بن دينار فإنه سمع الكثير من جابر نفسه ثم أدخل في هذا بينهما واسطة وقد تواردت
الروايات من أصحاب سفيان على ذلك الا ما وقع في مسند أحمد في النسخ المتأخرة فإنه ليس في
الاسناد عطاء لكنه أخرجه أبو نعيم من طريق المسند باثباته وهو المعتمد (قوله كنا نعزل
والقرآن ينزل وعن عمرو عن عطاء عن جابر كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
والقرآن ينزل) وقع في رواية الكشميهني كان يعزل بضم أوله وفتح الزاي على البناء للمجهول وكأن
266

ابن عيينة حدث به مرتين فمرة ذكر فيها الاخبار والسماع فلم يقل فيها على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ومرة ذكره بالعنعنة فذكرها وقد أخرجه الإسماعيلي من طرق عن سفيان صرح فيها
بالتحديث قال حدثنا عمرو بن دينار وزاد ابن أبي عمر في روايته عن سفيان على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم وزاد إبراهيم بن موسى في روايته عن سفيان أنه قال حين روى هذا الحديث
أي لو كان حراما لنزل فيه وقد أخرج مسلم هذه الزيادة عن إسحاق بن راهويه عن سفيان فساقه
بلفظ كنا نعزل والقرآن ينزل قال سفيان لو كان شيا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن فهذا ظاهر في
أن سفيان قاله استنباطا وأوهم كلام صاحب العمدة ومن تبعه أن هذه الزيادة من نفس
الحديث فادرجها وليس الامر كذلك فانى تتبعته من المسانيد فوجدت أكثر رواته عن
سفيان لا يذكرون هذه الزيادة وشرحه ابن دقيق العيد على ما وقع في العمدة فقال استدلال
جابر بالتقرير من الله غريب ويمكن أن يكون استدل بتقرير الرسول لكنه مشروط بعلمه بذلك
انتهى ويكفى في علمه به قول الصحابي انه فعله في عهده والمسئلة مشهورة في الأصول وفى علم
الحديث وهى أن الصحابي إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع عند
الأكثر لأن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم
إياه عن الاحكام وإذا لم يضفه فله حكم الرفع عند قوم وهذا من الأول فان جابرا صرح بوقوعه في
عهده صلى الله عليه وسلم وقد وردت عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك والذي يظهر لي أن الذي
استنبط ذلك سواء كان هو جابرا أو سفيان أراد بنزول القرآن ما يقرأ أعم من المتعبد بتلاوته
أو غيره مما يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه يقول فعلناه في زمن التشريع ولو كان
حراما لم نقر عليه والى ذلك يشير قول ابن عمر كنا نتقى الكلام والانبساط إلى نسائنا هيبة أن ينزل
فينا شئ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تكلمنا وانبسطنا
أخرجه البخاري وقد أخرجه مسلم أيضا من طريق أبى الزبير عن جابر قال كنا نعزل على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا ومن وجه آخر عن أبي
الزبير عن جابر أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا
أكره أن تحمل فقال اعزل عنها ان شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها فلبث الرجل ثم أتاه فقال ن
الجارية قد حبلت قال قد أخبرتك ووقعت هذه القصة عنده من طريق سفيان بن عيينة باسناد
له آخر إلى جابر وفى آخره فقال أنا عبد الله ورسوله وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن أبي شيبة بسند
آخر على شرط الشيخين بمعناه ففي هذه الطرق ما أغنى عن الاستنباط فان في إحداها التصريح
باطلاعه صلى الله عليه وسلم وفى الأخرى اذنه في ذلك وإن كان السياق يشعر بأنه خلاف الأولى
كما سأذكر البحث فيه * الحديث الثاني حديث أبي سعيد (قوله جويرية) هو ابن أسماء الضبعي
يشارك مالكا في الرواية عن نافع وتفرد عنه بهذا الحديث وبغيره وهو من الثقات الاثبات قال
الدارقطني بعد أن أخرجه من طريقه صحيح غريب تفرد به جويرية عن مالك (قلت) ولم أره الا من
رواية ابن أخيه عبد الله بن محمد بن أسماء عنه (قوله عن الزهري) لمالك فيه اسناد آخر
أخرجه المصنف في العتق وأبو داود وابن حبان من طريق عنه عن ربيعة عن محمد بن يحيى بن حبان
عن ابن محيريز وكذا هو في الموطأ (قوله عن ابن محيريز) بحاء مهملة ثم راء ثم زاي مصغرا اسمه
267

عبد الله ووقع كذلك في رواية يونس كما سيأتي في القدر عن الزهري أخبرني عبد الله بن محيريز
الجمحي وهو مدني سكن الشام ومحيريز أبوه هو ابن جنادة بن وهب وهو من رهط أبى محذورة
المؤذن وكان يتيما في حجره ووافق مالكا على هذا السند شعيب كما مضى في البيوع ويونس
كما سيأتي في القدر وعقيل والزبيدي كلاهما عند النسائي وخالفهم معمر فقال عن الزهري عن
عطاء بن يزيد عن أبي سعيد أخرجه النسائي وخالف الجميع إبراهيم بن سعد فقال عن الزهري
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد أخرجه النسائي أيضا قال النسائي رواية مالك
ومن وافقه أولى بالصواب (قوله عن أبي سعيد) في رواية يونس أن أبا سعيد الخدري أخبره وفى
رواية ربيعة في المغازي عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أنه قال دخلت المسجد فرأيت
أبا سعيد الخدري فجلست إليه فسألته عن العزل كذا عند البخاري ووقع عند مسلم من هذا
الوجه دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد فسأله أبو صرمة فقال يا أبا سعيد هل سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل وأبو صرمة بكسر المهملة وسكون الراء اسمه مالك وقيل
قيس صحابي مشهور من الأنصار وقد وقع في رواية للنسائي من طريق الضحاك بن عثمان عن
محمد بن يحيى عن ابن محيريز عن أبي سعيد وأبى صرمة قالا أصبنا سبايا والمحفوظ الأول (قوله
أصبنا سبيا) في رواية شعيب في البيوع ويونس المذكورة انه بينما هو جالس عند النبي صلى
الله عليه وسلم زاد يونس جاء رجل من الأنصار وفى رواية ربيعة المذكورة خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في غزوة بنى المصطلق فسبينا كرائم العرب وطالت علينا العزبة ورغبنا في
الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا
لا نسأله فسألناه (قوله فكنا نعزل) في رواية يونس وشعيب فقال انا نصيب سبيا ونحب المال
فكيف ترى في العزل ووقع عند مسلم من طريق عبد الرحمن بن بشر عن أبي سعيد قال ذكر
العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وما ذلكم قالوا الرجل تكون له المرأة ترضع له
فيصيب منها ويكره أن تحمل منه والرجل تكون له الأمة فيصيب منها ويكره أن تحمل منه ففي
هذه الرواية إشارة إلى أن سبب العزل شيئان أحدهما كراهة مجئ الولد من الأمة وهو اما أنفة
من ذلك واما لئلا يتعذر بيع الأمة إذا صارت أم ولد واما لغير ذلك كما سأذكره بعد والثاني كراهة
أن تحمل الموطوءة وهى ترضع فيضر ذلك بالولد المرضع (قوله أو انكم لتفعلون) هذا الاستفهام
يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم ما كان اطلع على فعلهم ذلك ففيه تعقب على من قال إن قول
الصحابي كنا نفعل كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوع معتلا بان الظاهر اطلاع
النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ففي هذا الخبر أنهم فعلوا العزل ولم يعلم به حتى سألوه عنه نعم
للقائل أن يقول كانت دواعيهم متوفرة على سؤاله عن أمور الدين فإذا فعلوا الشئ وعلموا أنه لم
يطلع عليه بادروا إلى سؤاله عن الحكم فيه فيكون الظهور من هذه الحيثية ووقع في رواية
ربيعة لا عليكم أن لا تفعلوا ووقع في رواية مسلم من طريق أخرى عن محمد بن سيرين عن
عبد الرحمن بن بشر عن أبي سعيد لا عليكم أن لا تفعلوا ذلك قال ابن سيرين قوله لا عليكم أقرب
إلى النهى وله من طريق ابن عون عن محمد بن سيرين نحوه دون قول محمد قال ابن عون فحدثت به
الحسن فقال والله لكأن هذا زجر قال القرطبي كأن هؤلاء فهموا من لا النهى عما سألوه عنه
268

فكأن عندهم بعد لا حذفا تقديره لا تعزلوا وعليكم أن لا تفعلوا ويكون قوله وعليكم الخ
تأكيدا للنهي وتعقب بأن الأصل عدم هذا التقدير وانما معناه ليس عليكم أن تتركوا وهو
الذي يساوى أن لا تفعلوا وقال غيره قوله لا عليكم أن لا تفعلوا أي لا حرج عليكم أن لا تفعلوا
ففيه نفى الحرج عن عدم الفعل فافهم ثبوت الحرج في فعل العزل ولو كان المراد نفى الحرج عن
الفعل لقال لا عليكم أن تفعلوا الا ان ادعى أن لا زائدة فيقال الأصل عدم ذلك ووقع في رواية
مجاهد الآتية في التوحيد تعليقا ووصلها مسلم وغيره ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال ولم يفعل ذلك أحدكم ولم يقل لا يفعل ذلك فأشار إلى أنه لم يصرح لهم بالنهى وانما
أشار أن الأولى ترك ذلك لان العزل انما كان خشية حصول الولد فلا فائدة في ذلك لان الله إن كان
قدر خلق الولد لم يمنع العزل ذلك فقد يسبق الماء ولا يشعر العازل فيحصل العلوق ويلحقه الولد
ولا راد لما قضى الله والفرار من حصول الولد يكون لأسباب منه خشية علوق الزوجة الأمة لئلا
يصير الولد رقيقا أو خشية دخول الضرر على الولد المرضع إذا كانت الموطوءة ترضعه أو فرارا من
كثرة العيال إذا كان الرجل مقلا فيرغب عن قلة الولد لئلا يتضرر بتحصيل الكسب وكل ذلك
لا يغنى شيئا وقد أخرج أحمد والبزار وصححه ابن حبان من حديث أنس أن رجلا سال عن
العزل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله
منها ولدا وله شاهدان في الكبير للطبراني عن ابن عباس وفى الأوسط له عن ابن مسعود
وسيأتي مزيد لذلك في كتاب القدر إن شاء الله تعالى وليس في جميع الصور التي يقع العزل
بسببها ما يكون العزل فيه راجحا سوى الصورة المتقدمة من عند مسلم في طريق عبد الرحمن بن بشر
عن أبي سعيد وهى خشية أن يضر الحمل بالولد المرضع لأنه مما جرب فضر غالبا لكن وقع في بقية
الحديث عند مسلم أن العزل بسبب ذلك لا يفيد لاحتمال أن يقع الحمل بغير الاختيار ووقع عند
مسلم في حديث أسامة بن زيد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى أعزل عن
امرأتي شفقة على ولدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان كذلك فلا ما ضر ذلك فارس
ولا الروم وفى العزل أيضا ادخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها وقد اختلف السلف في
حكم العزل قال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة الا باذنها لان الجماع
من حقها ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف الا ما لا يلحقه عزل ووافقه في نقل هذا الاجماع
ابن هبيرة وتعقب بان المعروف عند الشافعية أن المرأة لا حق لها في الجماع أصلا ثم في خصوص
هذه المسئلة عند الشافعية خلاف مشهور في جواز العزل عن الحرة بغير اذنها قال الغزالي وغيره
يجوز وهو المصحح عند المتأخرين واحتج الجمهور لذلك بحديث عن عمر أخرجه أحمد وابن
ماجة بلفظ نهى عن العزل عن الحرة الا باذنها وفى اسناده ابن لهيعة والوجه الآخر للشافعية
الجزم بالمنع إذا امتنعت وفيما إذا رضيت وجهان أصحهما الجواز وهذا كله في الحرة وأما الأمة
فإن كانت زوجة فهي مرتبة على الحرة ان جاز فيها ففي الأمة أولى وان امتنع فوجهان أصحهما
الجواز تحرزا من ارقاق الولد وإن كانت سرية جاز بلا خلاف عندهم الا في وجه حكاه الروياني
في المنع مطلقا كمذهب ابن حزم وإن كانت السرية مستولدة فالراجح الجواز فيه مطلقا لأنها
ليست راسخة في الفراش وقيل حكمها حكم الأمة المزوجة هذا واتفقت المذاهب الثلاثة على
269

أن الحرة لا يعزل عنها الا باذنها وأن الأمة يعزل عنها بغير اذنها واختلفوا في المزوجة فعند
المالكية يحتاج إلى اذن سيدها وهو قول أبي حنيفة والراجح عن أحمد وقال أبو يوسف ومحمد
الاذن لها وهى رواية عن أحمد وعنه باذنها وعنه يباح العزل مطلقا وعنه المنع مطلقا والذي
احتج به من جنح إلى التفصيل لا يصح الا عند عبد الرزاق عنه بسند صحيح عن ابن عباس قال
تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الأمة السرية فإن كانت أمة تحت حر فعليه أن يستامرها
وهذا نص في المسئلة فلو كان مرفوعا لم يجز العدول عنه وقد استنكر ابن العربي القول بمنع
العزل عمن يقول بأن المرأة لا حق لها في الوطء ونقل عن مالك أن لها حق المطالبة به إذا قصد
بتركه اضرارها وعن الشافعي وأبي حنيفة لا حق لها فيه الا في وطئه واحدة يستقر بها المهر
قال فإذا كان الامر كذلك فكيف يكون لها حق في العزل فان خصوه بالوطئة الأولى فيمكن
والا فلا يسوغ فيما بعد ذلك الا على مذهب مالك بالشرط المذكور اه‍ وما نقله عن الشافعي
غريب والمعروف عند أصحابه أنه لا حق لها أصلا نعم جزم ابن حزم بوجوب الوطء وبتحريم العزل
واستند إلى حديث جذامة بنت وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل فقال ذلك
الوأد الخفى أخرجه مسلم وهذا معارض بحديثين أحدهما أخرجه الترمذي والنسائي وصححه
من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر قال كانت لنا
جواري وكنا نعزل فقالت اليهود ان تلك الموؤدة الصغرى فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
ذلك فقال كذبت اليهود لو أراد الله خلقه لم تستطع رده وأخرجه النسائي من طريق هشام
وعلي بن المبارك وغيرهما عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي مطيع بن رفاعة عن أبي سعيد
نحوه ومن طريق أبى عامر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه ومن طريق
سليمان الأحول أنه سمع عمرو بن دينار يسال أبا سلمة بن عبد الرحمن عن العزل فقال زعم أبو سعيد
فذكر نحوه قال فسألت أبا سلمة أسمعته من أبي سعيد قال لا ولكن أخبرني رجل عنه والحديث
الثاني في النسائي من وجه آخر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهذه طرق يقوى
بعضها ببعض وجمع بينها وبين حديث جذامة بحمل حديث جذامة على التنزيه وهذه طريقة
البيهقي ومنهم من ضعف حديث جذامة بأنه معارض بما هو أكثر طرقا منه وكيف يصرح
بتكذيب اليهود في ذلك ثم يثبته وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم والحديث صحيح لا ريب
فيه والجمع ممكن ومنهم من ادعى أنه منسوخ ورد بعدم معرفة التاريخ وقال الطحاوي يحتمل أن
يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الامر أولا من موافقة أهل الكتاب وكان صلى الله
عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم أعلمه الله بالحكم فكذب اليهود فيما
كانوا يقولونه وتعقبه ابن رشد ثم ابن العربي بأنه لا يجزم بشئ تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم فيه
ومنهم من رجح حديث جذامة بثبوته في الصحيح وضعف مقابله بأنه حديث واحد اختلف في
اسناده فاضطرب ورد بأن الاختلاف انما يقدح حيث لا يقوى بعض الوجوه فمتى قوى بعضها عمل
به وهو هنا كذلك والجمع ممكن ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بان أحاديث غيرها موافق
أصل الإباحة وحديثها يدل على المنع قال فمن ادعى أنه أبيح بعد أن منع فعليه البيان وتعقب
بان حديثها ليس صريحا في المنع إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون
270

حراما وخصه بعضهم بالعزل عن الحامل لزوال المعنى الذي كان يحذره الذي يعزل من حصول
الحمل لكن فيه تضييع الحمل لان المنى يغذوه فقد يؤدى العزل إلى موته أو إلى ضعفه المفضى إلى
موته فيكون وأدا خفيا وجمعوا أيضا بين تكذيب اليهود في قولهم الموؤدة الصغرى وبين اثبات
كونه وأدا خفيا في حديث جذامة بان قولهم الموؤدة الصغرى يقتضى أنه وأد ظاهر لكنه
صغير بالنسبة إلى دفن المولود بعد وضعه حيا فلا يعارض قوله إن العزل وأد خفى فإنه يدل على أنه
ليس في حكم الظاهر أصلا فلا يترتب عليه حكم وانما جعله وأدا من جهة اشتراكهما في قطع
الولادة وقال بعضهم قوله الوأد الخفى ورد على طريق التشبيه لأنه قطع طريق الولادة قبل مجيئه
فأشبه قتل الولد بعد مجيئه قال ابن القيم الذي كذبت فيه اليهود زعمهم أن العزل لا يتصور معه
الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فأكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه
وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة وانما سماه وأدا خفيا في حديث جذامة لان الرجل انما يعزل
هربا من الحمل فاجرى قصده لذلك مجرى الوأد لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع
فيه القصد والفعل والعزل يتعلق بالقصد صرفا فلذلك وصفه بكونه خفيا فهذه عدة أجوبة
يقف معها الاستدلال بحديث جذامة على المنع وقد جنح إلى المنع من الشافعية ابن حبان فقال
في صحيحه ذكر الخبر الدال على أن هذا الفعل مزجور عنه لا يباح استعماله ثم ساق حديث أبي ذر
رفعه ضعه في حلاله وجنبه حرامه وأقرره فان شاء الله أحياه وان شاء أماته ولك أجر اه‍
ولا دلالة فيما ساقه على ما ادعاه من التحريم بل هو أمر ارشاد لما دلت عليه بقية الاخبار والله
أعلم ومن عند عبد الرزاق وجه آخر عن ابن عباس أنه أنكر أن يكون العزل وأدا وقال المنى
يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم يكسى لحما قال والعزل قبل ذلك كله وأخرج الطحاوي
من طريق عبد الله بن عدي بن الخيار عن علي نحوه في قصة حرب عند عمر وسنده جيد واختلفوا
في علة النهى عن العزل فقيل لتفويت حق المرأة وقيل لمعاندة القدر وهذا الثاني هو الذي
يقتضيه معظم الأخبار الواردة في ذلك والأول مبنى على صحة الخبر المفرق بين الحرة والأمة وقال
امام الحرمين موضع المنع أنه ينزع بقصد الانزال خارج الفرج خشية العلوق ومتى فقد ذلك
لم يمنع وكأنه راعى سبب المنع فإذا فقد بقى أصل الإباحة فله أن ينزع متى شاء حتى لو نزع فأنزل
خارج الفرج اتفاقا لم يتعلق به النهى والله أعلم وينتزع من حكم العزل حكم معالجة المرأة
اسقاط النطفة قبل نفخ الروح فمن قال بالمنع هناك ففي هذه أولى ومن قال بالجواز يمكن أن
يلتحق به هذا ويمكن أن يفرق بأنه أشد لان العزل لم يقع فيه تعاطى السبب ومعالجة السقط تقع
بعد تعاطى السبب ويلتحق بهذه المسئلة تعاطى المرأة ما يقطع الحبل من أصله وقد أفتى بعض
متأخري الشافعية بالمنع وهو مشكل على قولهم بإباحة العزل مطلقا والله أعلم واستدل بقوله في
حديث أبي سعيد وأصبنا كرائم العرب وطالت علينا العزبة وأردنا أن نستمتع وأحببنا الفداء لمن
أجاز استرقاق العرب وقد تقدم بيانه في باب من ملك من العرب رقيقا في كتاب العتق ولمن أجاز
وطء المشركات بملك اليمن وان لم يكن من أهل الكتاب لان بنى المصطلق كانوا أهل أوثان وقد
انفصل عنه من منع باحتمال أن يكونوا ممن دان بدين أهل الكتاب وهو باطل وباحتمال أن
يكون ذلك في أول الأمر ثم نسخ وفيه نظر إذ النسخ لا يثبت بالاحتمال وباحتمال أن تكون
271

المسبيات أسلمن قبل الوطء وهذا لا يتم مع قوله في الحديث وأحببنا الفداء فان المسلمة لا تعاد
للمشرك نعم يمكن حمل الفداء على معنى أخص وهو انهن يفدين أنفسهن فيعتقن من الرق
ولا يلزم منه اعادتهن للمشركين وحمله بعضهم على إرادة الثمن لان الفداء المتخوف من فوته هو
الثمن ويؤيد هذا الحمل قوله في الرواية الأخرى فقال يا رسول الله انا أصبنا سبيا ونحب الأثمان
فكيف ترى في العزل وهذا أقوى من جميع ما تقدم والله أعلم * (قوله باب
القرعة بين النساء إذا أراد سفرا) تقدم في حديث الإفك في التفسير مثل ذلك من حديث عائشة
أيضا وساق المصنف في الباب قصة أخرى ولعلها كانت أيضا في تلك السفرة ولكن بينت في
شرح حديث الإفك في التفسير أنه لم يكن معه في غزوة المريسيع الا عائشة وقد تقدم في الهبة
والشهادات مثل ذلك في أول حديث آخر عن عائشة أيضا (قوله ابن أبي مليكة عن القاسم)
هو ابن محمد بن أبي بكر وابن أبي مليكة يروى عن عائشة تارة بالواسطة وتارة بغيرها (قوله إذا أراد
سفرا) مفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر وليس على عمومه بل لتعين القرعة من يسافر
بها وتجرى القرعة أيضا فيما إذا أراد أن يقسم بين زوجاته فلا يبدأ بأيهن شاء بل يقرع بينهن
فيبدأ بالتي تخرج لها القرعة الا أن يرضين بشئ فيجوز بلا قرعة (قوله أقرع بين نسائه) زاد ابن
سعد من وجه آخر عن القاسم عن عائشة فكان إذا خرج سهم غيري عرف فيه الكراهية
واستدل به على مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك كما تقدم في أواخر الشهادات
والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة قال عياض هو مشهور عن مالك وأصحابه
لأنه من باب الخطر والقمار وحكى عن الحنفية اجازتها اه‍ وقد قالوا به في مسئلة الباب واحتج
من منع من المالكية بان بعض النسوة قد تكون أنفع في السفر من غيرها فلو خرجت القرعة
للتي لا نفع بها في السفر لأضر بحال الرجل وكذا بالعكس قد يكون بعض النساء أقوم ببيت
الرجل من الأخرى وقال القرطبي ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف أحوال النساء وتختص
مشروعية القرعة بما إذا اتفقت أحوالهن لئلا تخرج واحدة معه فيكون ترجيحا بغير مرجح
اه‍ وفيه مراعاة للمذهب مع الامن من رد الحديث أصلا لحمله على التخصيص فكأنه خصص
العموم بالمعنى (قوله فطارت القرعة لعائشة وحفصة) أي في سفرة من السفرات والمراد بقولها
طارت أي حصلت وطير كل انسان نصيبه وقد تقدم في الجنائز قول أم العلاء لما اقتسم الأنصار
المهاجرين قالت وطار لنا عثمان بن مظعون أي حصل في نصيبنا من المهاجرين (قوله وكان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث) استدل به المهلب على أن القسم
لم يكن واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم ولا دلالة فيه لان عماد القسم الليل في الحضر وأما في
السفر فعماد القسم فيه النزول وأما حالة السير فليست منه لا ليلا ولا نهارا وقد أخرج أبو داود
والبيهقي واللفظ له من طريق ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قل يوم الا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا جميعا فيقبل ويلمس ما دون الوقاع فإذا جاء إلى التي
هو يومها بات عندها (قوله فقالت حفصة) أي لعائشة (قوله ألا تركبين الليلة بعيري الخ)
كأن عائشة أجابت إلى ذلك لما شوقتها إليه من النظر إلى ما لم تكن هي تنظر وهذا مشعر بأنهما لم
يكونا حال السير متقاربتين بل كانت كل واحدة منهما من جهة كما جرت العادة من السير
272

قطارين والا فلو كانتا معا لم تختص إحداهما بنظر ما لم تنظره الأخرى ويحتمل أن تريد بالنظر
وطأة البعير وجودة سيره (قوله فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه) في رواية
حكاها الكرماني وعليها وكأنه على إرادة الناقة (قوله فسلم عليها) لم يذكر في الخبر أنه تحدث
معها فيحتمل أن يكون ألهم ما وقع ويحتمل أن يكون وقع ذلك اتفاقا ويحتمل أن يكون تحدث
ولم ينقل (قوله وافتقدته عائشة) أي حالة المسايرة لان قطع المألوف صعب (قوله فلما نزلوا
جعلت رجليها بين الإذخر) كأنها لما عرفت أنها الجانية فيما أجابت إليه حفصة عاتبت نفسها
على تلك الجناية والإذخر نبت معروف توجد فيه الهوام غالبا في البرية (قوله وتقول رب سلط)
في رواية المستملى يا رب سلط باثبات حرف النداء وهى رواية مسلم (قوله تلدغني) بالغين المعجمة
(قوله ولا أستطيع أن أقول له شيئا) قال الكرماني الظاهر أنه كلام حفصة ويحتمل أن يكون
كلام عائشة ولم يظهر لي هذا الظاهر بل هو كلام عائشة وقد وقع في رواية مسلم في جميع ما وقفت
عليه من طرقه الا ما سأذكره بعد قوله تلدغني رسولك لا أستطيع أن أقول له شيئا ورسولك
بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو رسولك ويجوز النصب على تقدير فعل وانما لم
تتعرض لحفصة لأنها هي التي أجابتها طائعة فعادت على نفسها باللوم ووقع عند الإسماعيلي من
وجهين عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بعد قوله تلدغني ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر
ولا أستطيع أن أقول له شيئا وعلى هذا فيحتمل أن يكون المراد بالقول في قولها أن أقول أي
أحكى له الواقعة لأنه ما كان يعذرني في ذلك وظاهر رواية غيره تفهم أن مرادها بالقول أنها
لا تستطيع أن تقول في حقه شيئا كما تقدم قال الداودي يحتمل أن تكون المسايرة في ليلة عائشة
ولذلك غلبت عليها الغيرة فدعت على نفسها بالموت وتعقب بأنه يلزم منه أنه يوجب القسم في
المسايرة وليس كذلك إذ لو كان لما كان يخص عائشة بالمسايرة دون حفصة حتى تحتاج حفصة
تتحيل على عائشة ولا يتجه القسم في حالة السير الا إذا كانت الخلوة لا تحصل الا فيه بان يركب
معها في الهودج وعند النزول يجتمع الكل في الخيمة فيكون حينئذ عماد القسم السير أما المسايرة
فلا وهذا كله مبنى على أن القسم كان واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يدل عليه
معظم الاخبار ويؤيد القول بالقرعة أنهم اتفقوا على أن مدة السفر لا يحاسب بها المقيمة بل
يبتدئ إذا رجع بالقسم فيما يستقبل فلو سافر بمن شاء بغير قرعة فقدم بعضهن في القسم للزم منه إذا
رجع أن يوفى من تخلفت حقها وقد نقل ابن المنذر الاجماع على أن ذلك لا يجب فظهر أن للقرعة
فائدة وهى أن لا يؤثر بعضهن بالتشهي لما يترتب على ذلك من ترك العدل بينهن وقد قال
الشافعي في القديم لو كان المسافر يقسم لمن خلف لما كان للقرعة معنى بل معناها أن تصير هذه
الأيام لمن خرج سهمها خالصة انتهى ولا يخفى أن محل الاطلاق في ترك القضاء في السفر ما دام
اسم السفر موجودا فلو سافر إلى بلدة فأقام بها زمانا طويلا ثم سافر راجعا فعليه قضاء مدة
الإقامة وفى مدة الرجوع خلاف عند الشافعية والمعنى في سقوط القضاء أن التي سافرت وفازت
بالصحبة لحقها من تعب السفر ومشقته ما يقابل ذلك والمقيمة عكسها في الامرين معا * (قوله
باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها) من يتعلق بيومها لا يهب أي يومها الذي
يختص بها (قوله وكيف يقسم ذلك) قال العلماء إذا وهبت يومها لضرتها قسم الزوج لها يوم
273

ضرتها فإن كان تاليا ليومها فذاك والا لم يقدمه عن رتبته في القسم الا برضا من بقى وقالوا إذا
وهبت المرأة يومها لضرتها فان قبل الزوج لم يكن للموهوبة أن تمتنع وان لم يقبل لم يكره على
ذلك وإذا وهبت يومها لزوجها ولم تتعرض للضرة فهل له أن يخص واحدة إن كان عنده أكثر
من اثنتين أو يوزعه بين من بقى وللواهبة في جميع الأحوال الرجوع عن ذلك متى أحبت لكن
فيما يستقبل لا فيما مضى وأطلق ابن بطال أنه لم يكن لسودة الرجوع في يومها الذي وهبته
لعائشة (قوله حدثنا مالك بن إسماعيل) هو أبو غسان النهدي وزهير هو ابن معاوية (قوله أن
سودة بنت زمعة) هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكان تزوجها وهو بمكة بعد موت خديجة
ودخل عليها بها وهاجرت معه ووقع لمسلم من طريق شريك عن هشام في آخر حديث الباب قالت
عائشة وكانت أول امرأة تزوجها بعدي ومعناه عقد عليها بعد أن عقد على عائشة وأما دخوله
عليها فكان قبل دخوله على عائشة بالاتفاق وقد نبه على ذلك ابن الجوزي (قوله وهبت يومها
لعائشة) تقدم في الهبة من طريق الزهري عن عروة بلفظ يومها وليلتها وزاد في آخره تبتغى بذلك
رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية مسلم من طريق عقبة بن خالد عن هشام لما أن
كبرت سودة وهبت وله نحوه من رواية جرير عن هشام وأخرج أبو داود هذا الحديث وزاد فيه
بيان سببه أوضح من رواية مسلم فروى عن أحمد بن يونس عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام
ابن عروة بالسند المذكور كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم
الحديث وفيه ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله
عليه وسلم يا رسول الله يومى لعائشة فقبل ذلك منها ففيها وأشباهها نزلت وان امرأة خافت من
بعلها نشوزا الآية وتابعه ابن سعد عن الواقدي عن ابن أبي الزناد في وصله ورواه سعيد بن
منصور عن ابن أبي الزناد مرسلا لم يذكر فيه عن عائشة وعند الترمذي من حديث ابن عباس
موصولا نحوه وكذا قال عبد الرزاق عن معمر بمعنى ذلك فتواردت هذه الروايات على أنها
خشيت الطلاق فوهبت وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم بن أبي بزة مرسلا
ان النبي صلى الله عليه وسلم طلقها فقعدت له على طريقه فقالت والذي بعثك بالحق ما لي في
الرجال حاجة ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة فأنشدك بالذي أنزل عليك الكتاب
هل طلقتني لموجدة وجدتها على قال لا قالت فأنشدك لما راجعتني فراجعها قالت فانى قد
جعلت يومى وليلتي لعائشة حبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله وكان النبي صلى الله عليه
وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة) في رواية جرير عن هشام عند مسلم فكان يقسم
لعائشة يومين يومها ويوم سودة وقد بينت كلامهم في كيفية هذا القسم أول الباب * (قوله
باب العدل بين النساء ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) أشار بذكر الآية إلى أن
المنفى فيها العدل بينهن من كل جهة وبالحديث إلى أن المراد بالعدل التسوية بينهن بما يليق بكل
منهن فإذا وفى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والايواء إليها لم يضره ما زاد على ذلك من ميل
قلب أو تبرع بتحفة وقد روى الأربعة وصححه ابن حبان والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن
أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين
نسائه فيعدل ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك قال الترمذي يعنى به
274

الحب والمودة كذلك فسره أهل العلم قال الترمذي رواه غير واحد عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي
قلابة مرسلا وهو أصح من رواية حماد بن سلمة وقد أخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس في قوله ولن تستطيعوا الآية قال في الحب والجماع وعن عبيدة بن عمرو السماني
مثله (قوله بشر) هو ابن المفضل وخالد هو ابن مهران الحذاء (قوله ولو شئت أن أقول قال
النبي صلى الله عليه وسلم ولكن قال السنة) في رواية مسلم وأبى داود من طريق هشيم عن خالد
في آخر الحديث قال خالد لو شئت أن أقول رفعه لصدقت ولكنه قال السنة فبين أنه قول خالد وهو
ابن مهران الحذاء راويه عن أبي قلابة وقد اختلف على سفيان الثوري في تعيين قائل ذلك هل
هو خالد أو شيخه أبو قلابة ويأتي بيان ذلك في الباب الذي يليه مع شرح الحديث * (قوله
باب إذا تزوج الثيب على البكر) أي أو عكس كيف يصنع (قوله حدثنا يوسف
ابن راشد) هو يوسف بن موسى بن راشد نسب لجده (قوله حدثنا أبو أسامة عن سفيان) في
رواية نعيم من طريق حمزة بن عون عن أبي أسامة حدثنا سفيان (قوله حدثنا أيوب) هو
السختياني وخالد هو الحذاء (قوله عن أبي قلابة) أي انهما جميعا روياه عن أبي قلابة لكن الذي
يظهر أنه ساقه على لفظ خالد (قوله قال من السنة) أي سنة النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي يتبادر للفهم من قول الصحابي وقد مضى في الحج قول سلام بن عبد الله بن عمر لما سأله الزهري عن
قول ابن عمر للحجاج ان كنت تريد السنة هل تريد سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقال له سالم وهل
يعنون بذلك الا سنته (قوله إذا تزوج الرجل البكر على الثيب) أي يكون عنده امرأة فيتزوج
معها بكرا كما سيأتي البحث عنه (قوله أقام عندها سبعا وقسم ثم قال أقام عندها ثلاثا ثم قسم)
كذا في البخاري بالواو في الأولى وبلفظ ثم في الثانية ووقع عند الإسماعيلي وأبى نعيم من طريق
حمزة بن عون عن أبي أسامة بلفظ ثم في الموضعين (قوله قال أبو قلابة ولو شئت لقلت ان أنسا رفعه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم) كأنه يشير إلى أنه لو صرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكان
صادقا ويكون روى بالمعنى وهو جائز عنده لكنه رأى أن المحافظة على اللفظ أولى وقال ابن دقيق
العيد قول أبى قلابة يحتمل وجهين أحدهما أن يكون ظن أنه سمعه عن أنس مرفوعا لفظا فتحرز
عنه تورعا والثاني أن يكون رأى أن قول أنس من السنة في حكم المرفوع فلو عبر عنه بأنه مرفوع
على حسب اعتقاده لصح لأنه في حكم المرفوع قال والأول أقرب لان قوله من السنة يقتضى أن
يكون مرفوعا بطريق اجتهادي محتمل وقوله أنه رفعه نص في رفعه وليس للراوي أن ينقل ما هو
ظاهر محتمل إلى ما هو نص غير محتمل انتهى وهو بحث متجه ولم يصب من رده بان الأكثر على
أن قول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع لاتجاه الفرق بين ما هو مرفوع وما هو
في حكم المرفوع لكن باب الرواية بالمعنى متسع وقد وافق هذه الرواية ابن علية عن خالد في نسبة
هذا القول إلى أبى قلابة أخرجه الإسماعيلي ونسبه بشر بن المفضل وهشيم إلى خالد ولا منافاة
بينهما كما تقدم لاحتمال أن يكون كل منهما قال ذلك (قوله وقال عبد الرزاق أخبرنا سفيان
عن أيوب وخالد) يعنى بهذا الاسناد والمتن (قوله قال خالد ولو شئت لقلت رفعه إلى النبي صلى
الله عليه وسلم) كأن البخاري أراد أن يبين أن الرواية عن سفيان الثوري اختلفت في نسبة هذا
القول هل هو قول أبى قلابة أو قول خالد ويظهر لي أن هذه الزيادة في رواية خالد عن أبي قلابة
275

دون رواية أيوب ويؤيده أنه أخرجه في الباب الذي قبله من وجه آخر عن خالد وذكر الزيادة في
صدر الحديث وقد وصل طريق عبد الرزاق المذكورة مسلم فقال حدثني محمد بن رافع حدثنا
عبد الرزاق ولفظه من السنة أن يقيم عند البكر سبعا قال خالد إلى آخره وقد رواه أبو داود
الحفري والقاسم بن يزيد الجرمي عن الثوري عنهما أخرجه الإسماعيلي ورواه عبد الله بن الوليد
العدني عن سفيان كذلك أخرجه البيهقي وشذ أبو قلابة الرقاشي فرواه عن أبي عاصم عن سفيان
عن خالد وأيوب جميعا وقال فيه قال صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو عوانة في صحيحه عنه
وقال حدثناه الصغاني عن أبي قلابة وقال هو غريب لا أعلم من قاله غير أبى قلابة انتهى وقد
أخرج الإسماعيلي من طريق أيوب من رواية عبد الوهاب الثقفي عنه عن أبي قلابة عن أنس قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرح برفعه وهو يؤيد ما ذكرته أن السياق في رواية سفيان
لخالد ورواية أيوب هذه إن كانت محفوظة احتمل أن يكون أبو قلابة لما حدث به أيوب جزم برفعه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وأخرجه ابن حبان أيضا عنه عن
عبد الجبار بن العلاء عن سفيان بن عيينة عن أيوب وصرح برفعه وأخرجه الدارمي والدارقطني
من طريق محمد بن إسحاق عن أيوب مثله فبينت ان رواية خالد هي التي قال فيها من السنة
وأن رواية أيوب قال فيها قال النبي صلى الله عليه وسلم واستدل به على أن هذا العدل يختص
بمن له زوجة قبل الجديدة وقال ابن عبد البر جمهور العلماء على أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف
وسواء كان عنده زوجة أم لا وحكى النووي أنه يستحب إذا لم يكن عنده غيرها والا فيجب وهذا
يوافق كلام أكثر الأصحاب واختار النووي أن لا فرق واطلاق الشافعي يعضده ولكن يشهد
للأول قوله في حديث الباب إذا تزوج البكر على الثيب ويمكن أن يتمسك للآخر بسياق بشر عن
خالد الذي في الباب قبله فإنه قال إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا الحديث ولم يقيده بما إذا تزوجها
على غيرها لكن القاعدة أن المطلق محمول على المقيد بل ثبت في رواية خالد التقييد فعند مسلم من
طريق هشيم عن خالد إذا تزوج البكر على الثيب الحديث ويؤيده أيضا قوله في حديث الباب ثم
قسم لان القسم انما يكون لمن عنده زوجة أخرى وفيه حجة على الكوفيين في قولهم إن البكر
والثيب سواء في الثلاث وعلى الأوزاعي في قوله للبكر ثلاث وللثيب يومان وفيه حديث
مرفوع عن عائشة أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جدا وخص من عموم حديث الباب ما لو
أرادت الثيب أن يكمل لها السبع فإنه إذا أجابها سقط حقها من الثلاث وقضى السبع لغيرها
لما أخرجه مسلم من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها
ثلاثا وقال إنه ليس بك على أهلك هوان ان شئت سبعت لك وان سبعت لك سبعت لنسائي وفى
رواية له ان شئت ثلثت ثم درت قالت ثلث وحكى الشيخ أبو إسحاق في المهذب وجهين في أنه يقضى
السبع أو الأربع المزيدة والذي قطع به الأكثر ان اختارت السبع قضاها كلها وان أقامها
بغير اختيارها قضى الأربع المزيدة * (تنبيه) * يكره أن يتأخر في السبع أو الثلاث عن صلاة
الجماعة وسائر أعمال البر التي كان يفعلها نص عليه الشافعي وقال الرافعي هذا في النهار أما
في الليل فلا لان المندوب لا يترك له الواجب وقد قال الأصحاب يسوى بين الزوجات في الخروج
إلى الجماعة وفى سائر أعمال البر فيخرج في ليالي الكل أو لا يخرج أصلا فان خصص حرم عليه
276

وعدوا هذا من الاعذار في ترك الجماعة وقال ابن دقيق العيد أفرط بعض الفقهاء فجعل مقامه
عندها عذرا في اسقاط الجمعة وبالغ في التشنيع وأجيب بأنه قياس قول من يقول بوجوب المقام
عندها وهو قول الشافعية ورواه ابن القاسم عن مالك وعنه يستحب وهو وجه للشافعية
فعلى الأصح يتعارض عنده الواجبان فقدم حق الآدمي هذا توجيهه فليس بشنيع وإن كان
مرجوحا وتجب الموالاة في السبع وفى الثلاث فلو فرق لم يحسب على الراجح لان الحشمة لا تزول
به ثم لا فرق في ذلك بين الحرة والأمة وقيل هي على النصف من الحرة ويجبر الكسر
* (قوله باب من طاف على نسائه في غسل واحد) ذكر فيه حديث أنس في ذلك
وقد تقدم سندا ومتنا في كتاب الغسل مع شرحه وفوائده والاختلاف على قتادة في كونهن
تسعا أو إحدى عشرة وبيان الجمع بين الحديثين وتعلق به من قال إن القسم لم يكن واجبا عليه
وتقدم أن ابن العربي نقل أنه كانت له ساعة من النهار لا يجب عليه فيها القسم وهى بعد العصر
وقلت انى لم أجد لذلك دليلا ثم وجدت حديث عائشة الذي في الباب بعد هذا بلفظ كان إذا
انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن الحديث وليس فيه بقية ما ذكر من أن
تلك الساعة هي التي لم يكن القسم واجبا عليه فيها 2 وأنه ترك اتيان نسائه كلهن في ساعة واحدة
على تلك الساعة ويرد عليه قوله في حديث أنس كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وقد
تقدمت له توجيهات غير هذه هناك وذكر عياض في الشفا أن الحكمة في طوافه عليهن في الليلة
الواحدة كان لتحصينهن وكأنه أراد به عدم تشوقهن للأزواج إذ الاحصان له معان منها الاسلام
والحرية والعفة والذي يظهر أن ذلك انما كان لإرادة العدل بينهن في ذلك وان لم يكن واجبا
كما تقدم شئ من ذلك في باب كثرة النساء وفى التعليل الذي ذكره نظر لأنهن حرم عليهن التزويج
بعده وعاش بعضهن بعده خمسين سنة فما دونها وزادت آخرهن موتا على ذلك * (قوله
باب دخول الرجل على نسائه في اليوم) ذكر فيه طرفا من حديث عائشة كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من العصر دخل على نسائه الحديث وسيأتي بأتم من هذا
في باب لم تحرم ما أحل الله لك من كتاب الطلاق وقوله فيدنو من إحداهن زاد فيه ابن أبي الزناد
عن هشام بن عروة بغير وقاع وقد بينته في باب القرعة بين النساء وهو مما يؤكد الرد على ابن العربي
فيما ادعاه * (قوله باب إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرض في بيت بعضهن
فاذن له) ذكر فيه حديث عائشة في ذلك وقد تقدم شرحه في الوفاة النبوية في آخر المغازي
والغرض منه هنا أن القسم لهن يسقط باذنهن في ذلك فكأنهن وهبن أيامهن تلك للتي هو في
بيتها وقد تقدم في بعض طرقه التصريح بذلك * (قوله باب حب الرجل بعض
نسائه أفضل من بعض) ذكر فيه طرفا من حديث ابن عباس عن عمر الذي تقدم في باب موعظة
277

الرجل ابنته وهو ظاهر فيما ترجم له وقد تقدم شرحه هناك (قوله باب المتشبع
بما لم ينل وما ينهى من افتخار الضرة) أشار بهذا إلى ما ذكره أبو عبيد في تفسير الخبر قال قوله
المتشبع أي المتزين بما ليس عنده يتكثر بذلك ويتزين بالباطل كالمرأة تكون عند الرجل ولها
ضرة فتدعى من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده تريد بذلك غيظ ضرتها وكذلك هذا في الرجال
قال وأما قوله كلابس ثوبي زور فإنه الرجل يلبس الثياب المشبهة لثياب الزهاد يوهم أنه منهم
ويظهر من التخشع والتقشف أكثر مما في قلبه منه قال وفيه وجه آخر أن يكون المراد بالثياب
الأنفس كقولهم فلان نقى الثوب إذا كان بريئا من الدنس وفلان دنس الثوب إذا كان مغموصا
عليه في دينه وقال الخطابي الثوب مثل ومعناه أنه صاحب زور وكذب كما يقال لمن وصف بالبراءة
من الأدناس طاهر الثوب والمراد به نفس الرجل وقال أبو سعيد الضرير المراد به أن شاهد الزور
قد يستعير ثوبين يتجمل بهما ليوهم أنه مقبول الشهادة اه‍ وهذا نقله الخطابي عن نعيم بن
حماد قال كان يكون في الحي الرجل له هيئة وشارة فإذا احتيج إلى شهادة زور لبس ثوبيه وأقبل
فشهد فقبل لنيل هيئته وحسن ثوبيه فيقال أمضاها بثوبيه يعنى الشهادة فأضيف الزور إليهما
فقبل كلابس ثوبي زور وأما حكم التثنية في قوله ثوبي زور فللإشارة إلى أن كذب المتحلى مثنى
لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ وعلى غيره بما لم يعط وكذلك شاهد الزور يظلم نفسه ويظلم المشهود
عليه وقال الداودي في التثنية إشارة إلى أنه كالذي قال الزور مرتين مبالغة في التحذير من ذلك
وقيل إن بعضهم كان يجعل في الكم كما آخر يوهم أن الثوب ثوبان قاله ابن المنير (قلت) ونحو
ذلك ما في زماننا هذا فيما يعمل في الأطواق والمعنى الأول أليق وقال ابن التين هو أن يلبس ثوبي
وديعة أو عارية يظن الناس أنهما له ولباسهما لا يدوم ويفتضح بكذبه وأراد بذلك تنفير المرأة عما
ذكرت خوفا من الفساد بين زوجها وضرتها ويورث بينهما البغضاء فيصير كالسحر الذي يفرق
بين المرء وزوجه وقال الزمخشري في الفائق المتشبع أي المتشبه بالشبعان وليس به واستعير
للتحلي بفضيلة لم يرزقها وشبه بلابس ثوبي زور أي ذي زور وهو الذي يتزيا بزي أهل الصلاح
رياء وأضاف الثوبين إليه لأنهما كالملبوسين وأراد بالتثنية أن المتحلى بما ليس فيه كمن لبس
ثوبي الزور ارتدى بأحدهما واتزر بالآخر كما قيل * إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا * فالإشارة بالإزار
والرداء إلى أنه متصف بالزور من رأسه إلى قدمه ويحتمل أن تكون التثنية إشارة إلى أنه حصل
بالتشبع حالتان مذمومتان فقدان ما يتشبع به واظهار الباطل وقال المطرزي هو الذي يرى أنه
شبعان وليس كذلك (قوله عن هشام) هو ابن عروة بن الزبير ويحيى في الرواية الثانية هو ابن
سعيد القطان وأفاد تصريح هشام بتحديث فاطمة وهى بنت المنذر بن الزبير وهى بنت عمه
وزوجته وأسماء هي بنت أبي بكر الصديق جدتهما معا وقد اتفق الأكثر من أصحاب هشام على
هذا الاسناد وانفرد معمر والمبارك بن فضالة بروايته عن هشام بن عروة فقالا عن أبيه عن عائشة
وأخرجه النسائي من طريق معمر وقال إنه خطا والصواب حديث أسماء وذكر الدارقطني في
التتبع أن مسلما أخرجه من رواية عبدة بن سليمان ووكيع كلاهما عن هشام بن عروة مثل
رواية معمر قال وهذا لا يصح واحتاج أن أنظر في كتاب مسلم فانى وجدته في رقعة والصواب عن
عبدة ووكيع عن فاطمة عن أسماء لا عن عروة عن عائشة وكذا قال سائر أصحاب هشام (قلت)
278

هو ثابت في النسخ الصحيحة عن مسلم في كتاب اللباس أورده عن ابن نمير عن عبدة ووكيع عن
هشام عن أبيه عن عائشة ثم أورده عن ابن نمير عن عبدة وحده عن هشام عن فاطمة عن أسماء
فاقتضى أنه عند عبدة على الوجهين وعند وكيع بطريق عائشة فقط ثم أورده مسلم من طريق
أبى معاوية ومن طريق أبى أسامة كلاهما عن هشام عن فاطمة وكذا أورده النسائي عن محمد
ابن آدم وأبو عوانة في صحيحه من طريق أبى بكر بن أبي شيبة كلاهما عن عبدة عن هشام وكذا
هو في مسند ابن أبي شيبة وأخرجه أبو عوانة أيضا من طريق أبى ضمرة ومن طريق علي بن
مسهر وأخرجه ابن حبان من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي وأبو نعيم في المستخرج من
طريق مرجى بن رجاء كلهم عن هشام عن فاطمة فالظاهر أن المحفوظ عن عبدة عن هشام عن
فاطمة وأما وكيع فقد أخرج روايته الجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم الطوسي عنه مثل
ما وقع عند مسلم فليضم إلى معمر ومبارك بن فضالة ويستدرك على الدارقطني (قوله إن امرأة
قالت) لم أقف على تعيين هذه المرأة ولا على تعيين زوجها (قوله إن لي ضرة) في رواية
الإسماعيلي ان لي جارة وهى الضرة كما تقدم (قوله إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني) في
رواية مسلم من حديث عائشة ان امرأة قالت يا رسول الله أقول إن زوجي أعطاني ما لم يعطني
(قوله المتشبع بما لم يعط) في رواية معمر بما لم يعطه * (قوله باب الغيرة) بفتح
المعجمة وسكون التحتانية بعدها راء قال عياض وغيره هي مشتقة من تغير القلب وهيجان
الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين هذا في حق
الآدمي وأما في حق الله فقال الخطابي أحسن ما يفسر به ما فسر به في حديث أبي هريرة يعنى
الآتي في هذا الباب وهو قوله وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه قال عياض ويحتمل أن
تكون الغيرة في حق الله الإشارة إلى تغير حال فاعل ذلك وقيل الغيرة في الأصل الحمية والأنفة
وهو تفسير بلازم التغير فيرجع إلى الغضب وقد نسب سبحانه وتعالى إلى نفسه في كتابه الغضب
والرضا وقال ابن العربي التغير محال على الله بالدلالة القطعية فيجب تأويله بلازمه كالوعيد
أو ايقاع العقوبة بالفاعل ونحو ذلك اه‍ وقد تقدم في كتاب الكسوف شئ من هذا ينبغي
استحضاره هنا ثم قال ومن أشرف وجوه غيرته تعالى اختصاصه قوما بعصمته يعنى فمن ادعى
شيا من ذلك لنفسه عاقبة قال وأشد الآدميين غيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان يغار
لله ولدينه ولهذا كان لا ينتقم لنفسه اه‍ وأورد المصنف في الباب تسعة أحاديث * الحديث
الأول (قوله وقال وراد) بفتح الواو وتشديد الراء هو كاتب المغيرة بن شعبة ومولاه وحديثه
هذا المعلق عن المغيرة سيأتي موصولا في كتاب الحدود من طريق عبد الملك بن عمير عنه بلفظه
لكن فيه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم واختصرها هنا ويأتي أيضا في كتاب التوحيد من
هذا الوجه أتم سياقا وأغفل المزي التنبيه على هذا التعليق في النكاح (قوله قال سعد بن عبادة)
هو سيد الخزرج واحد نقبائهم (قوله لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته) عند مسلم من حديث أبي
هريرة ولفظه قال سعد يا رسول الله لو وجدت مع أهلي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء قال
نعم وزاد في رواية من هذا الوجه قال كلا والذي بعثك بالحق ان كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك
وفى حديث ابن عباس عند أحمد واللفظ له وأبى داود والحاكم لما نزلت هذه الآية والذين يرمون
279

المحصنات الآية قال سعد بن عبادة أهكذا أنزلت فلو وجدت لكاع متفخذها رجل لم يكن لي أن
أحركه ولا أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله لا آتي بأربعة شهداء حتى يقضى حاجته فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم قالوا يا رسول الله لا تلمه
فإنه رجل غيور والله ما تزوج امرأة قط الا عذراء ولا طلق امرأة فاجترأ رجل منا أن يتزوجها
من شدة غيرته فقال سعد والله انى لاعلم يا رسول الله أنها لحق وأنها من عند الله ولكني عجبت
(قوله غير مصفح) قال عياض هو بكسر الفاء وسكون الصاد المهملة قال ورويناه أيضا بفتح الفاء
فمن فتح جعله وصفا للسيف وحالا منه ومن كسر جعله وصفا للضارب وحالا منه اه‍ وزعم ابن
التين أنه وقع في سائر الأمهات بتشديد الفاء وهو من صفح السيف أي عرضه وحده ويقال له غرار
بالغين المعجمة وللسيف صفحان وحدان وأراد أنه يضربه بحده لا بعرضه والذي يضرب بالحد
يقصد إلى القتل بخلاف الذي يضرب بالصفح فإنه يقصد التأديب ووقع عند مسلم من رواية أبى
عوانة غير مصفح عنه وهذه يترجح فيها كسر الفاء ويجوز الفتح أيضا على البناء للمجهول وقد
أنكرها ابن الجوزي وقال ظن الراوي أنه من الصفح الذي هو بمعنى العفو وليس كذلك انما هو
من صفح السيف (قلت) ويمكن توجيهها على المعنى الأول والصفح والصفحة بمعنى وقد أورده
مسلم من طريق زائدة عن عبد الملك بن عمير وبين أنه ليس في روايته لفظة عنه وكذا سائر من
رواه عن أبي عوانة في البخاري وغيره لم يذكروها (قوله أتعجبون من غيرة سعد) تمسك بهذا
التقرير من أجاز فعل ما قال سعد وقال إن وقع ذلك ذهب دم المقتول هدرا نقل ذلك عن ابن
المواز من المالكية وسيأتى بسط ذلك وبيانه في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى * الحديث
الثاني (قوله شقيق) هو أبو وائل الأسدي وعبد الله هو ابن مسعود (قوله ما من أحد أغير من
الله) من زائدة بدليل الحديث الذي بعده ويجوز في أغير الرفع والنصب على اللغتين الحجازية
والتميمية في ما ويجوز في النصب أن يكون أغير في موضع خفض على النعت لاحد وفى الرفع
أن يكون صفة لاحد والخبر محذوف في الحالين تقديره موجود ونحوه والكلام على غيرة الله
ذكر في الذي قبله وبقية شرح الحديث يأتي في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * وقع
عند الإسماعيلي قبل حديث ابن مسعود ترجمة صورتها في الغيرة والمدح وما رأيت ذلك في شئ
من نسخ البخاري * الحديث الثالث حديث عائشة (قوله يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يزنى
عبده أو أمته تزني) كذا وقع عنده هنا عن عبد الله بن سلمة وهو القعنبي عن مالك ووقع في سائر
الروايات عن مالك أو تزني أمته على وزان الذي قبله وقد تقدم في كتاب الكسوف عن عبد الله
ابن مسلمة هذا بهذا الاسناد كالجماعة فيظهر أنه من سبق القلم هنا أو لعل لفظة تزني سقطت غلطا
من الأصل ثم ألحقت فاخرها الناسخ عن محلها وهذا القدر الذي أورده المصنف من هذا الحديث
هو طرف من الخطبة المذكورة في كتاب الكسوف وقد تقدم شرحه مستوفى هناك بحمد
الله تعالى * الحديث الرابع (قوله عن يحيى) هو ابن أبي كثير (قوله عن أبي سلمة) هو ابن عبد
الرحمن (قوله أن عروة) في رواية حجاج بن أبي عثمان عن يحيى بن أبي كثير عند مسلم حدثني
عروة ورواية أبى سلمة عن عروة من رواية القرين عن القرين لأنهما متقاربان في السن واللقاء
وإن كان عروة أسن من أبى سلمة قليلا (قوله عن أمه أسماء) هي بنت أبي بكر ووقع في رواية مسلم
280

المذكورة أن أسماء بنت أبي بكر الصديق حدثته (قوله لا شئ أغير من الله) في رواية حجاج
المذكورة ليس شئ أغير من الله وهما بمعنى * الحديث الخامس (قوله وعن يحيى أن أبا سلمة حدثه
أن أبا هريرة حدثه) هكذا أورده وهو معطوف على السند الذي قبله فهو موصول ولم يسق
البخاري المتن من رواية همام بل تحول إلى رواية شيبان فساقه على روايته والذي يظهر أن
لفظهما واحد وقد وقع في رواية حجاج بن أبي عثمان عند مسلم بتقديم حديث أبي سلمة عن
عروة على حديثه عن أبي هريرة عكس ما وقع في رواية همام عند البخاري وأورده مسلم أيضا من
رواية حرب بن شداد عن يحيى بحديث أبي هريرة فقط مثل ما أورده البخاري من رواية شيبان
عن يحيى ثم أورده مسلم من رواية هشام الدستوائي عن يحيى بحديث أسماء فقط فكأن يحيى
كان يجمعهما تارة ويفرد أخرى وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية الأوزاعي عن يحيى بحديث
أسماء فقط وزاد في أوله على المنبر (قوله إن الله يغار) زاد في رواية حجاج عند مسلم وان المؤمن
يغار (قوله وغيرة الله ان يأتي المؤمن ما حرم الله) كذا للأكثر وكذا هو عند مسلم لكن بلفظ
ما حرم عليه على البناء للفاعل وزيادة عليه والضمير للمؤمن ووقع في رواية أبي ذر وغيرة الله
أن لا يأتي بزيادة لا وكذا رأيتها ثابتة في رواية النسفي وأفرط الصغاني فقال كذا للجميع
والصواب حذف لا كذا قال وما أدرى ما أراد بالجميع بل أكثر رواة البخاري على حذفها وفاقا
لمن رواه غير البخاري كمسلم والترمذي وغيرهما وقد وجهها الكرماني وغيره بما حاصله ان غيرة
الله ليست هي الاتيان ولا عدمه فلا بد من تقدير مثل لان لا يأتي أي غيرة الله على النهى عن
الاتيان أو نحو ذلك وقال الطيبى التقدير غيرة الله ثابتة لأجل أن لا يأتي قال الكرماني وعلى
تقدير أن لا يستقيم المعنى باثبات لا فذلك دليل على زيادتها وقد عهدت زيادتها في الكلام كثيرا
مثل قوله ما منعك أن لا تسجد لئلا يعلم أهل الكتاب وغير ذلك * الحديث السادس (قوله حدثني
محمود) هو ابن غيلان المروزي (قوله أخبرني أبي عن أسماء) هي أمه المقدم ذكرها قبل
(قوله تزوجني الزبير) أي ابن العوام (وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شئ غير ناضح وغير
فرسه) أما عطف المملوك على المال فعلى أن المراد بالمال الإبل أو الأراضي التي تزرع وهو
استعمال معروف للعرب يطلقون المال على كل من ذلك والمراد بالمملوك على هذا الرقيق من
العبيد والإماء وقولها بعد ذلك ولا شئ من عطف العام على الخاص يشمل كل ما يتملك أو يتمول
لكن الظاهر أنها لم ترد ادخال مالا بد له منه من مسكن وملبس ومطعم ورأس مال تجارة ودل
سياقها على أن الأرض التي يأتي ذكرها لم تكن مملوكة للزبير وانما كانت أقطاعا فهو يملك
منفعتها لا رقبتها ولذلك لم تستثنها كما استثنت الفرس والناضح وفى استثنائها الناضح والفرس
نظر استشكله الداودي لان تزويجها كان بمكة قبل الهجرة وهاجرت وهى حامل بعبد الله بن
الزبير كما تقدم ذلك صريحا في كتاب الهجرة والناضح وهو الجمل الذي يسقى عليه الماء انما حصل له
بسبب الأرض التي أقطعها قال الداودي ولم يكن له بمكة فرس ولا ناضح والجواب منع هذا النفي
وأنه لا مانع أن يكون الفرس والجمل كانا له بمكة قبل أن يهاجر فقد ثبت أنه كان في يوم بدر على
فرس ولم يكن قبل بدر غزوة حصلت لهم منها غنيمة والجمل يحتمل أن يكون كان له بمكة ولما قدم به
المدينة وأقطع الأرض المذكورة أعده لسقيها وكان ينتفع به قبل ذلك في غير السقى فلا اشكال
281

(قوله فكنت أعلف فرسه) زاد مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة وأكفيه مؤنته وأسوسه
وأدق النوى لناضحه وأعلفه ولمسلم أيضا من طريق ابن أبي مليكة عن أسماء كنت أخدم الزبير
خدمة البيت وكان له فرس وكنت أسوسه فلم يكن من خدمته شئ أشد على من سياسة الفرس
كنت أحش له وأقوم عليه (قوله وأستقي الماء) كذا للأكثر وللسرخسي وأسقى بغير مثناه
وهو على حذف المفعول أي وأسقى الفرس أو الناضح الماء والأول أشمل معنى وأكثر فائدة (قوله
وأخرز) بخاء معجمة ثم راء ثم زاي (غربه) بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة هو الدلو (قوله
وأعجن) أي الدقيق وهو يؤيد ما حملنا عليه المال إذ لو كان المراد نفى أنواع المال لانتفى الدقيق
الذي يعجن لكن ليس ذلك مرادها وقد تقدم في حديث الهجرة أن الزبير لاقي النبي صلى الله
عليه وسلم وأبا بكر راجعا من الشام بتجارة وأنه كساهما ثيابا (قوله ولم أكن أحسن أخبز
فكان يخبز جارات لي) في رواية مسلم فكان يخبز لي وهذا محمول على أن في كلامها شيئا محذوفا
تقديره تزوجني الزبير بمكة وهو بالصفة المذكورة واستمر على ذلك حتى قدمنا المدينة وكنت
أصنع كذا إلى آخره لان النسوة من الأنصار انما جاورنها بعد قدومها المدينة قطعا وكذلك
ما سيأتي من حكاية نقلها النوى من أرض الزبير (قوله وكن نسوة صدق) اضافتهن إلى الصدق
مبالغة في تلبسهن به في حسن العشرة والوفاء بالعهد (قوله وكنت أنقل النوى من أرض
الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم) تقدم في كتاب فرض الخمس بيان حال الأرض
المذكورة وانها كانت مما أفاء الله على رسوله من أموال بنى النضير وكان ذلك في أوائل قدومه
المدينة كما تقدم بيان ذلك هناك (قوله وهى منى) أي من مكان سكناها (قوله فدعاني ثم قال
أخ أخ) بكسر الهمزة وسكون الخاء كلمة تقال للبعير لمن أراد أن ينيخه (قوله ليحملني خلفه)
كأنها فهمت ذلك من قرينة الحال والا فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد أن يركبها وما
معها ويركب هو شيئا آخر غير ذلك (قوله فاستحييت ان أسير مع الرجال) هذا بنته على ما فهمته
من الارتداف والا فعلى الاحتمال الآخر ما تتعين المرافقة (قوله وذكرت الزبير وغيرته وكان
أغير الناس) هو بالنسبة إلى من علمته أي أرادت تفضيله على أبناء جنسه في ذلك أو من مرادة
ثم رأيتها ثابتة في رواية الإسماعيلي ولفظه وكان من أغير الناس (قوله والله لحملك 2 النوى على
رأسك كان أشد على من ركوبك معه) كذا للأكثر وفى رواية السرخسي كان أشد عليك
وسقطت هذه اللفظة من رواية مسلم ووجه المفاضلة التي أشار إليها الزبير أن ركوبها مع النبي
صلى الله عليه وسلم لا ينشأ منه كبير أمر من الغيرة لأنها أخت امرأته فهي في تلك الحالة لا يحل له
تزويجها ان لو كانت خلية من الزوج وجواز أن يقع لها ما وقع لزينب بنت جحش بعيد جدا
لأنه يزيد عليه لزوم فراقه لأختها فما بقى الا احتمال أن يقع لها عن بعض الرجال مزاحمة بغير
قصد وأن ينكشف منها حالة السير ما لا تريد انكشافه ونحو ذلك وهذا كله أخف مما تحقق من
تبذلها بحمل النوى على رأسها من مكان بعيد لأنه قد يتوهم خسة النفس ودناءة الهمة وقلة الغيرة
ولكن كان السبب الحامل على الصبر على ذلك شغل زوجها وأبيها بالجهاد وغيره مما يأمرهم به
النبي صلى الله عليه وسلم ويقيمهم فيه وكانوا لا يتفرغون للقيام بأمور البيت بأن يتعاطوا ذلك
بأنفسهم ولضيق ما بأيديهم عن استخدام من يقوم بذلك عنهم فانحصر الامر في نسائهم فكن
282

يكفينهم مؤنة المنزل ومن فيه ليتوفروا هم على ما هم فيه من نصر الاسلام مع ما ينضم إلى ذلك
من العادة المانعة من تسمية ذلك عارا محضا (قوله حتى أرسل إلى (2) أبو بكر بخادم تكفيني
سياسة الفرس فكأنما أعتقني) في رواية مسلم فكفتني وهى أوجه لان الأولى تقتضى أنه
أرسلها لذلك خاصة بخلاف رواية مسلم وقد وقع عنده في رواية ابن أبي مليكة جاء النبي صلى الله
عليه وسلم سبى فأعطاها خادما قالت كفتني سياسة الفرس فألقت عنى مؤنته ويجمع بين
الروايتين بان السبى لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا بكر منه خادما يرسله إلى ابنته
أسماء فصدق أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المعطى ولكن وصل ذلك إليها بواسطة ووقع عنده
في هذه الرواية أنها باعتها بعد ذلك وتصدقت بثمنها وهو محمول على أنها استغنت عنه بغيرها
واستدل بهذه القصة على أن على المرأة القيام بجميع ما يحتاج إليه زوجها من الخدمة واليه
ذهب أبو ثور وحمله الباقون على أنها تطوعت بذلك ولم يكن لازما أشار إليه المهلب وغيره والذي
يظهر أن هذه الواقعة وأمثالها كانت في حال ضرورة كما تقدم فلا يطرد الحكم في غيرها ممن
لم يكن في مثل حالهم وقد تقدم أن فاطمة سيدة نساء العالمين شكت ما تلقى يداها من الرحى
وسألت أباها خادما فدلها على خير من ذلك وهو ذكر الله تعالى والذي يترجح حمل الامر في ذلك على
عوائد للبلاد فإنها مختلفة في هذا الباب قال المهلب وفيه أن المرأة الشريفة إذا تطوعت بخدمة
زوجها بشئ لا يلزمها لم ينكر عليها ذلك أب ولا سلطان وتعقب بأنه بناه على ما أصله من أن ذلك
كان تطوعا ولخصمه أن يعكس فيقول لو لم يكن لازما ما سكت أبوها مثلا على ذلك مع ما فيه من
المشقة عليه وعليها ولا أقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع عظمة الصديق عنده قال وفيه
جواز ارتداف المرأة خلف الرجل في موكب الرجال قال وليس في الحديث أنها استترت ولا أن
النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك فيؤخذ منه أن الحجاب انما هو في حق أزواج النبي صلى الله
عليه وسلم خاصة اه‍ والذي يظهر أن القصة كانت قبل نزول الحجاب ومشروعيته وقد قالت
عائشة كما تقدم في تفسير سورة النور لما نزلت وليضربن بخمرهن على جيوبهن أخذن أزرهن
من قبل الحواشي فشققنهن فاختمرن بها ولم تزل عادة النساء قديما وحديثا يسترن وجوههن عن
الأجانب والذي ذكر عياض ان الذي اختص به أمهات المؤمنين ستر شخوصهن زيادة على ستر
أجسامهن وقد ذكرت البحث معه في ذلك في غير هذا الموضع قال المهلب وفيه غيرة الرجل عند
ابتذال أهله فيما يشق من الخدمة وأنفة نفسه من ذلك لا سيما إذا كانت ذات حسب انتهى
وفيه منقبة لأسماء وللزبير ولابى بكر ولنساء الأنصار * الحديث السابع (قوله حدثنا على)
هو ابن المديني وابن علية اسمه إسماعيل وقوله عن أنس تقدم في المظالم بيان من صرح عن حميد
بسماعه له من أنس وكذا تسمية المرأتين المذكورتين وأن التي كانت في بيتها هي عائشة وأن التي
هي أرسلت الطعام زينب بنت جحش وقيل غير ذلك (قوله غارت أمكم) الخطاب لمن حضر والمراد
بالام هي التي كسرت الصحفة وهى من أمهات المؤمنين كما تقدم بيانه وأغرب
الداودي فقال المراد بقوله أمكم سارة وكأن معنى الكلام عنده لا تتعجبوا مما وقع من هذه
من الغيرة فقد غارت قبل ذلك أمكم حتى أخرج إبراهيم ولده إسماعيل وهو طفل مع أمه
إلى واد غير ذي زرع وهذا وإن كان له بعض توجيه لكن المراد خلافه وان المراد كاسرة
283

الصحفة وعلى هذا حمله جميع من شرح هذا الحديث وقالوا فيه إشارة إلى عدم مؤاخذة
الغيراء بما يصدر منها لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبا بشدة الغضب الذي أثارته
الغيرة وقد أخرج أبو يعلى بسند لا بأس به عن عائشة مرفوعا ان الغيراء لا تبصر أسفل
الوادي من أعلاه قاله في قصة وعن ابن مسعود رفعه ان الله كتب الغيرة على النساء فمن
صبر منهن كان لها أجر شهيد أخرجه البزار وأشار إلى صحته ورجاله ثقات لكن اختلف في
عبيد بن الصباح منهم وفى اطلاق الداودي على سارة أنها أم المخاطبين نظر أيضا فإنهم ان
كانوا من بنى إسماعيل فأمهم هاجر لا سارة ويبعد أن يكونوا من بني إسرائيل حتى يصح أن أمهم
سارة * الحديث الثامن (قوله معتمر) هو ابن سليمان التيمي وعبيد الله هو ابن عمر العمرى وقد
تقدم الحديث عن جابر مطولا في مناقب عمر مع شرحه * الحديث التاسع (قوله بينما أنا نائم
رأيتني في الجنة) هذا يعين أحد الاحتمالين في الحديث الذي قبله حيث قال فيه دخلت الجنة أو
أتيت الجنة وانه يحتمل أن ذلك كان في اليقظة أو في النوم فبين هذا الحديث أن ذلك كان في النوم
(قوله فإذا امرأة تتوضأ) تقدم النقل عن الخطابي في زعمه أن هذه اللفظة تصحيف وأن القرطبي
عزا هذا الكلام لابن قتيبة وهو كذلك أورده في غريب الحديث من طريق أخرى عن الزهري
عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وتلقاه عنه الخطابي فذكره في شرح البخاري وارتضاه ابن
بطال فقال يشبه أن تكون هذه الرواية الصواب وتتوضأ تصحيف لان الحور طاهرات لا وضوء
عليهن وكذا كل من دخل الجنة لا تلزمه طهارة وقد قدمت البحث مع الخطابي في هذا في مناقب
عمر بما أغنى عن اعادته وقد استدل الداودي بهذا الحديث على أن الحور في الجنة يتوضأن
ويصلين (قلت) ولا يلزم من كون الجنة لا تكليف فيها بالعبادة أن لا يصدر من أحد من العباد
باختياره ما شاء من أنواع العبادة ثم قال ابن بطال يؤخذ من الحديث أن من علم من صاحبه خلقا
لا ينبغي أن يتعرض لما ينافره اه‍ وفيه أن من نسب إلى من اتصف بصفة صلاح ما يغير ذلك ينكر
عليه وفيه أن الجنة موجودة وكذلك الحور وقد تقدم تقرير ذلك في بدء الخلق وسائر فوائده
تقدمت في مناقب عمر * (قوله باب غيرة الناس ووجدهن) هذه الترجمة أخص
من التي قبلها والوجد بفتح الواو الغضب ولم يبت المصنف حكم الترجمة لان ذلك يختلف
باختلاف الأحوال والاشخاص وأصل الغيرة غير مكتسب للنساء لكن إذا أفرطت في ذلك
بقدر زائد عليه تلام وضابط ذلك ما ورد في الحديث الآخر عن جابر بن عتيك الأنصاري رفعه
ان من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله فاما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في الريبة وأما الغيرة
التي يبغض فالغيرة في غير ريبة وهذا التفصيل يتمحض في حق الرجال لضرورة امتناع اجتماع
زوجين للمرأة بطريق الحل وأما المرأة فحيث غارت من زوجها في ارتكاب محرم اما بالزنا مثلا واما
بنقص حقها وجوره عليها لضرتها وايثارها عليها فإذا تحققت ذلك أو ظهرت القرائن فيه فهي
غير مشروعة فلو وقع ذلك بمجرد التوهم عن غير دليل فهي الغيرة في غيرة ريبة وأما إذا كان الزوج
مقسطا عادلا وأدى لكل من الضرتين حقها فالغيرة منهما إن كانت لما في الطباع البشرية التي
لم يسلم منها أحد من النساء فتعذر فيها ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل وعلى هذا يحمل
ما جاء عن السلف الصالح من النساء في ذلك ثم ذكر المصنف في الباب حديثين عن عائشة أحدهما
284

(قوله حدثنا عبيد) في رواية أبي ذر حدثني بالافراد (قوله انى لاعلم إذا كنت عنى راضية
الخ) يؤخذ منه استقراء الرجل حال المرأة من فعلها وقولها فيما يتعلق بالميل إليه وعدمه والحكم
بما تقتضيه القرائن في ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم جزم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها لاسمه
وسكوتها فبنى على تغير الحالتين من الذكر والسكوت تغير الحالتين من الرضا والغضب ويحتمل
أن يكون انضم إلى ذلك شئ آخر أصرح منه لكن لم ينقل وقول عائشة أجل يا رسول الله ما أهجر
الا اسمك قال الطيبى هذا الحصر لطيف جدا لأنها أخبرت أنها إذا كانت في حال الغضب الذي
يسلب العاقل اختياره لا تتغير عن المحبة المستقرة فهو كما قيل
- انى لأمنحك الصدود واننى * قسما إليك مع الصدود لأميل -
وقال ابن المنير مرادها أنها كانت تترك التسمية اللفظية ولا يترك قلبها التعليق بذاته الكريمة
مودة ومحبة اه‍ وفى اختيار عائشة ذكر إبراهيم عليه الصلاة والسلام دون غيره من الأنبياء
دلالة على مزيد فطنتها لان النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس به كما نص عليه القرآن فلما لم يكن
لها بد من هجر الاسم الشريف أبدلته بمن هو منه بسبيل حتى لا تخرج عن دائرة التعلق في الجملة
وقال المهلب يستدل بقول عائشة على أن الاسم غير المسمى إذا لو كان الاسم عين المسمى لكانت
بهجره تهجر ذاته وليس كذلك ثم أطال في تقرير هذه المسئلة ومحل البحث فيها كتاب التوحيد
حيث ذكرها المصنف أعان الله تعالى على الوصول إلى ذلك بحوله وقوته * ثانيهما (قوله حدثني
أحمد بن أبي رجاء) هو أبو الوليد الهروي واسم أبى رجاء عبد الله بن أيوب (قوله ما غرت على امرأة) بينت سبب ذلك وأنه كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وهى وان لم تكن موجودة وقد
أمنت مشاركتها لها فيه لكن ذلك يقتضى ترجيحها عنده فهو الذي هيج الغضب الذي يثير
الغيرة بحيث قالت ما تقدم في مناقب خديجة أبدلك الله خيرا منها فقال ما ابدلنى الله خيرا منها
ومع ذلك فلم ينقل أنه واخذ عائشة لقيام معذرتها بالغيرة التي جبل عليها النساء وقد تقدمت
مباحث الحديث في كتاب المناقب مستوفاة * (قوله باب ذب الرجل عن ابنته
في الغيرة والانصاف) أي في دفع الغيرة عنها وطلب الانصاف لها (قوله عن ابن أبي مليكة عن
المسور) كذا رواه الليث وتابعه عمرو بن دينار وغير واحد وخالفهم أيوب فقال عن ابن أبي مليكة
عن عبد الله بن الزبير أخرجه الترمذي وقال حسن وذكر الاختلاف فيه ثم قال يحتمل أن يكون
ابن أبي مليكة حمله عنهما جميعا اه‍ والذي يظهر ترجيح رواية الليث لكونه توبع ولكون
الحديث قد جاء عن المسور من غير رواية ابن أبي مليكة فقد تقدم في فرض الخمس وفى المناقب
من طريق الزهري عن علي بن الحسين بن علي عن المسور وزاد فيه في الخمس قصة سيف النبي
صلى الله عليه وسلم وذلك سبب تحديث المسور لعلي بن الحسين بهذا الحديث وقد ذكرت ما
يتعلق بقصة السيف عنه هناك ولا أزال أتعجب من المسور كيف بالغ في تعصبه لعلي بن الحسين
حتى قال إنه لو أودع عنده السيف لا يمكن أحدا منه حتى تزهق روحه رعاية لكونه ابن ابن فاطمة
محتجا بحديث الباب ولم يراع خاطره في أن ظاهر سياق الحديث المذكور غضاضة على علي بن
الحسين لما فيه من ايهام غض من جده علي بن أبي طالب حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل
على فاطمة حتى اقتضى أن يقع من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك من الانكار ما وقع بل أتعجب
285

من المسور تعجبا آخر أبلغ من ذلك وهو أن يبذل نفسه دون السيف رعاية لخاطر ولد ابن فاطمة
وما بذل نفسه دون ابن فاطمة نفسه أعنى الحسين والد على الذي وقعت له معه القصة حتى قتل
بأيدي ظلمة الولاة لكن يحتمل أن يكون عذره أن الحسين لما خرج إلى العراق ما كان المسور
وغيره من أهل الحجاز يظنون أن أمره يئول إلى ما آل إليه والله أعلم وقد تقدم في فرض الخمس
وجه المناسبة بين قصة السيف وقصة الخطبة بما يغنى عن اعادته (قوله سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر) في رواية الزهري عن علي بن حسين عن المسور الماضية في
فرض الخمس يخطب الناس على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم قال ابن سيد الناس هذا غلط
والصواب ما وقع عند الإسماعيلي بلفظ كالمحتلم أخرجه من طريق يحيى بن معين عن يعقوب بن
إبراهيم بسنده المذكور إلى علي بن الحسين قال والمسور لم يحتلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
لأنه ولد بعد ابن الزبير فيكون عمره عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين (قلت) كذا جزم
به وفيه نظر فان الصحيح ان ابن الزبير ولد في السنة الأولى فيكون عمره عند الوفاة النبوية تسع
سنين فيجوز أن يكون احتلم في أول سنى الامكان أو يحمل قوله محتلم على المبالغة والمراد التشبيه
فتلتئم الروايتان والا فابن ثمان سنين لا يقال له محتلم ولا كالمحتلم الا أن يريد بالتشبيه أنه كان
كالمحتلم في الحذق والفهم والحفظ والله أعلم (قوله إن بنى هشام بن المغيرة) وقع في رواية مسلم
هاشم بن المغيرة والصواب هشام لأنه جد المخطوبة (قوله استأذنوا) في رواية الكشميهني
استأذنوني (في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب) هكذا في رواية ابن أبي مليكة أن سبب الخطبة
استئذان بنى هشام بن المغيرة وفى رواية الزهري عن علي بن الحسين بسبب آخر ولفظه أن عليا
خطب بنت أبي جهل على فاطمة فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن
قومك يتحدثون كذا في رواية شعيب وفى رواية عبد الله بن أبي زياد عنه في صحيح ابن حبان
فبلغ ذلك فاطمة فقالت إن الناس يزعمون أنك لا تغضب لبناتك وهذا على ناكح بنت أبي جهل
هكذا أطلقت عليه اسم فاعل مجازا لكونه أراد ذلك وصمم عليه فنزلته منزلة من فعله ووقع في
رواية عبيد الله بن أبي زياد خطب ولا اشكال فيها قال المسور فقام النبي صلى الله عليه وسلم فذكر
الحديث ووقع عند الحاكم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حنظلة أن عليا خطب بنت أبي
جهل فقال له أهلها لا نزوجك على فاطمة (قلت) فكأن ذلك كان سبب استئذانهم وجاء أيضا
أن عليا استأذن بنفسه فأخرج الحاكم باسناد صحيح إلى سويد بن غفلة وهو أحد المخضرمين
ممن أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه قال خطب على بنت أبي جهل إلى عمها الحرث بن
هشام فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فقال أعن حسبها تسألني فقال لا ولكن أتأمرني بها قال
لا فاطمة مضغة منى ولا أحسب الا أنها تحزن أو تجزع فقال على لا آتي شيئا تكرهه ولعل هذا
الاستئذان وقع بعد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بما خطب ولم يحضر على الخطبة المذكورة
فاستشار فلما قال له لا لم يتعرض بعد ذلك لطلبها ولهذا جاء آخر حديث شعيب عن الزهري
فترك على الخطبة وهى بكسر الخاء المعجمة ووقع عند ابن أبي داود من طريق معمر عن الزهري عن
عروة فسكت على عن ذلك النكاح (قوله فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن) كرر ذلك تأكيدا وفيه
إشارة إلى تأييد مدة منع الاذن وكأنه أراد رفع المجاز لاحتمال أن يحمل النفي على مدة بعينها
286

فقال ثم لا آذن أي ولو مضت المدة المفروضة تقديرا لا آذن بعدها ثم كذلك أبدا وفيه إشارة إلى
ما في حديث الزهري من أن بنى هشام بن المغيرة استأذنوا وبنو هشام هم أعمام بنت أبي جهل
لأنه أبو الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة وقد أسلم أخوه الحرث بن هشام وسلمة بن هشام عام الفتح
وحسن اسلامهما ويؤيد ذلك جوابهما المتقدم لعلى وممن يدخل في اطلاق بنى هشام بن المغيرة
عكرمة بن أبي جهل بن هشام وقد أسلم أيضا وحسن اسلامه واسم المخطوبة تقدم بيانه في باب
ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب المناقب وأنه تزوجها عتاب بن أسيد بن أبي العيص
لما تركها على وتقدم هناك زيادة في رواية الزهري في ذكر أبى العاص بن الربيع والكلام على
قوله صلى الله عليه وسلم حدثني فصدقني ووعدني ووفى لي وتوجيه ما وقع من على في هذه
القصة أغنى عن اعادته (قوله الا أن يريد ابن أبي طالب ان يطلق ابنتي وينكح ابنتهم) هذا محمول
على أن بعض من يبغض عليا وشى به أنه مصمم على ذلك والا فلا يظن به أنه يستمر على الخطبة بعد
أن استشار النبي صلى الله عليه وسلم فمنعه وسياق سويد بن غفلة يدل على أن ذلك وقع قبل أن تعلم به
فاطمة فكأنه لما قيل لها ذلك وشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أعلمه على أنه ترك
أنكر عليه ذلك وزاد في رواية الزهري وانى لست أحرم حلالا ولا أحلل حراما ولكن والله
لا تجمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل أبدا وفى رواية مسلم مكانا واحدا أبدا وفى
رواية شعيب عند رجل واحد أبدا قال ابن التين أصح ما تحمل عليه هذه القصة أن النبي صلى الله
عليه وسلم حرم على على أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبى جهل لأنه علل بأن ذلك يؤذيه وأذيته
حرام بالاتفاق ومعنى قوله لا أحرم حلالا أي هي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة واما الجمع بينهما
الذي يستلزم تأذى النبي صلى الله عليه وسلم لتأذى فاطمة به فلا وزعم غيره أن السياق يشعر
بان ذلك مباح لعلى لكنه منعه النبي صلى الله عليه وسلم رعاية لخاطر فاطمة وقبل هو ذلك
امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم والذي يظهر لي أنه لا يبعد أن يعد في خصائص النبي صلى الله
عليه وسلم أن لا يتزوج على بناته ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بفاطمة عليها السلام (قوله
فإنما هي بضعة منى) بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة أي قطعة ووقع في حديث سويد بن
غفلة كما تقدم مضغة بضم الميم وبغين معجمة والسبب فيه ما تقدم في المناقب أنها كانت أصيبت
بأمها ثم بأخواتها واحدة بعد واحدة فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الامر ممن تفضى
إليه بسرها إذا حصلت لها الغيرة (قوله يربيني ما أرا بها) كذا هنا من اراب رباعيا وفى رواية
مسلم ما رابها من راب ثلاثيا وزاد في رواية الزهري وأنا أتخوف أن تفتن في دينها يعنى أنها
لا تصبر على الغيرة فيقع منها في حق زوجها في حال الغضب ما لا يليق بحالها في الدين وفى رواية
شعيب وأنا أكره ان يسوأها أي تزويج غيرها عليها وفى رواته مسلم من هذا الوجه أن يفتنوها
وهى بمعنى أن تفتن (قوله ويؤذيني ما آذاها) في رواية أبى حنظلة فمن آذاها فقد آذاني وفى
حديث عبد الله بن الزبير يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها وهو بنون ومهملة وموحدة من
النصب بفتحتين وهو التعب وفى رواية عبيد الله بن أبي رافع عن المسور يقبضني ما يقبضها
ويبسطني ما يبسطها أخرجها الحاكم ويؤخذ من هذا الحديث أن فاطمة لو رضيت بذلك لم
يمنع على من التزويج بها أو بغيرها وفى الحديث تحريم أذى من يتأذى النبي صلى الله عليه وسلم
287

بتأذيه لان أذى النبي صلى الله عليه وسلم حرام اتفاقا قليله وكثيره وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذى
فاطمة فكل من وقع منه في حق فاطمة شئ فتأذت به فهو يؤذى النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة
هذا الخبر الصحيح ولا شئ أعظم في ادخال الأذى عليها من قتل ولدها ولهذا عرف بالاستقراء
معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وفيه حجة لمن يقول بسد
الذريعة لان تزويج ما زاد على الواحدة حلال للرجال ما لم يجاوز الأربع ومع ذلك فقد منع
من ذلك في الحال لما يترتب عليه من الضرر في المآل وفيه بقاء عار الآباء في أعقابهم لقوله بنت
عدو الله فان فيه اشعارا بأن للوصف تأثيرا في المنع مع أنها هي كانت مسلمة حسنة الاسلام وقد
احتج به من منع كفاءة من مس أباه الرق ثم أعتق بمن لم يمس أباها الرق ومن مسه الرق بمن لم يمسها
هي بل مس أباها فقط وفيه أن الغيراء إذا خشى عليها أن تفتن في دينها كان لوليها أن يسعى في
إزالة ذلك كما في حكم الناشز كذا قيل وفيه نظر ويمكن أن يزاد فيه شرط أن لا يكون عندها من
تتسلى به ويخفف عنها الحملة كما تقدم ومن هنا يؤخذ جواب من استشكل اختصاص فاطمة
بذلك مع أن الغيرة على النبي صلى الله عليه وسلم أقرب إلى خشية الافتتان في الدين ومع ذلك
فكان صلى الله عليه وسلم يستكثر من الزوجات وتوجد منهن الغيرة كما في هذه الأحاديث ومع ذلك
ما راعى ذلك صلى الله عليه وسلم في حقهن كما راعاه في حق فاطمة ومحصل الجواب أن فاطمة
كانت إذ ذاك كما تقدم فاقدة من تركن إليه من يؤنسها ويزيل وحشتها من أم أو أخت بخلاف
أمهات المؤمنين فان كل واحدة منهن كانت ترجع إلى من يحصل لها معه ذلك وزيادة عليه وهو
زوجهن صلى الله عليه وسلم لما كان عنده من الملاطفة وتطييب القلوب وجبر الخواطر بحيث
أن كل واحدة منهن ترضى منه لحسن خلقه وجميل خلقه بجميع ما يصدر منه بحيث لو وجد
ما يخشى وجوده من الغيرة لزال عن قرب وقيل فيه حجة لمن منع الجمع بين الحرة والأمة ويؤخذ
من الحديث اكرام من ينتسب إلى الخير أو الشرف أو الديانة * (قوله باب يقل
الرجال ويكثر النساء) أي في آخر الزمان (قوله وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم
وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون نسوة) في رواية الكشميهني امرأة والأول على حذف
الموصوف وقوله يلذن به قبل لكونهن نساءه وسراريه أو لكونهن قراباته أو من الجميع
وروى علي بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية من حديث حذيفة قال إذا عمت الفتنة ميز الله
أولياءه حتى يتبع الرجل خمسون امرأة تقول يا عبد الله استرنى يا عبد الله آوني وقد تقدم
حديث أبي موسى موصولا في باب الصدقة قبل الرد من كتاب الزكاة في حديث أوله ليأتين على
الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة الحديث (قوله حدثنا هشام) هو الدستوائي كذا للأكثر
ووقع في رواية أبى أحمد الجرجاني همام والأول أولى وهمام وهشام كلاهما من شيوخ حفص
ابن عمر المذكور وهو الحوضي وسيأتى في الأشربة عن مسلم بن إبراهيم عن هشام (قوله إن
من اشراط الساعة) الحديث تقدم في كتاب العلم من رواية شعبة عن قتادة كذلك
(قوله حتى يكون لخمسين امرأة) هذا لا ينافي الذي قبله لان الأربعين داخلة في الخمسين ولعل
العدد بعينه غير مراد بل أريد المبالغة في كثرة النساء بالنسبة للرجال ويحتمل أن يجمع بينهما بان
الأربعين عدد من يلذن به والخمسين عدد من يتبعه وهو أعم من أنهن يلذن به فلا منافاة
288

(قوله القيم الواحد) أي الذي يقوم بأمورهن ويحتمل أن يكنى به عن اتباعهن له لطلب النكاح
حلالا أو حراما وفى الحديث الاخبار بما سيقع فوقع كما أخبر والصحيح من ذلك ما ورد مطلقا
وأما ما ورد مقدرا بوقت معين فقال أحمد لا يصح منه شئ وقد تقدم كثير من مباحث هذا
الحديث في كتاب العلم * (قوله باب لا يخلون رجل بامرأة الا ذو محرم والدخول
على المغيبة) يجوز في لام الدخول الخفض والرفع وأحد ركني الترجمة أورده المصنف صريحا في
الباب والثاني يؤخذ بطريق الاستنباط من أحاديث الباب وقد ورد في حديث مرفوع
صريحا أخرجه الترمذي من حديث جابر رفعه لا تدخلوا على المغيبات فان الشيطان يجرى
من ابن آدم مجرى الدم ورجاله موثقون لكن مجالد بن سعيد مختلف فيه ولمسلم من حديث عبد
الله بن عمرو مرفوعا لا يدخل رجل على مغيبة الا ومعه رجل أو اثنان ذكره في أثناء حديث والمغيبة
بضم الميم ثم غين معجمة مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم موحدة من غاب عنها زوجها يقال أغابت
المرأة إذا غاب زوجها ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما (قوله عن يزيد بن أبي حبيب)
في رواية مسلم من طريق ابن وهب عن الليث وعمرو بن الحرث وحياة وغيرهم أن يزيد بن أبي حبيب
حدثهم (قوله عن أبي الخير) هو مرثد بن عبد الله اليزني (قوله عقبة بن عامر) في رواية ابن
وهب عند أبي نعيم في المستخرج سمعت عقبة بن عامر (قوله إياكم والدخول) بالنصب على
التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليحترز عنه كما قيل إياك والأسد وقوله إياكم مفعول
بفعل مضمر تقديره اتقوا وتقدير الكلام اتقوا أنفسكم ان تدخلوا على النساء والنساء أن
يدخلن عليكم ووقع في رواية ابن وهب بلفظ لا تدخلوا على النساء وتضمن منع الدخول منع
الخلوة بها بطريق الأولى (قوله فقال رجل من الأنصار) لم أقف على تسميته (قوله أفرأيت
الحمو) زاد ابن وهب في روايته عند مسلم سمعت الليث يقول الحمو أخو الزوج وما أشبهه من
أقارب الزوج ابن العم ونحوه ووقع عند الترمذي بعد تخريج الحديث قال الترمذي يقال هو
أخو الزوج كره له أن يخلو بها قال ومعنى الحديث على نحو ما روى لا يخلون رجل بامرأة فان ثالثهما
الشيطان اه‍ وهذا الحديث الذي أشار إليه أخرجه أحمد من حديث عامر بن ربيعة وقال
النووي اتفق أهل العلم باللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه
وابن عمه ونحوهم وان الأختان أقارب زوجة الرجل وأن الاصهار تقع على النوعين اه‍ وقد
اقتصر أبو عبيد وتبعه ابن فارس والداودي على أن الحمو أبو الزوجة زاد ابن فارس وأبو الزوج
يعنى أن والد الزوج حمو المرأة ووالد الزوجة حمو الرجل وهذا الذي عليه عرف الناس اليوم
وقال الأصمعي وتبعه الطبري والخطابي ما نقله النووي وكذا نقل عن الخليل ويؤيده قول عائشة
ما كان بيني وبين على الا ما كان بين المرأة وأحمائها وقد قال النووي المراد في الحديث أقارب
الزوج غير آبائه وأبنائه لانهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت قال وانما
المراد الأخ وابن الأخ والعم وابن العم وابن الأخت ونحوهم مما يحل لها تزويجه لو لم تكن متزوجة
وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي
اه‍ وقد جزم الترمذي وغيره كما تقدم وتبعه المازري بأن الحمو أبو الزوج وأشار المازري إلى أنه
ذكر للنبيه على منع غيره بطريق الأولى وتبعه ابن الأثير في النهاية ورده النووي فقال هذا كلام
289

فاسد مردود لا يجوز حمل الحديث عليه اه‍ وسيظهر في كلام الأئمة في تفسير المراد يقوله الحمو
الموت ما تبين منه أن كلام المازري ليس بفاسد واختلف في ضبط الحمو فصرح القرطبي بأن
الذي وقع في هذا الحديث حمء بالهمز وأما الخطابي فضبطه بواو بغير همز لأنه قال وزن دلو وهو
الذي اقتصر عليه أبو عبيد الهروي وابن الأثير وغيرهما وهو الذي ثبت عندنا في روايات
البخاري وفيه لغتان أخريان إحداهما حم بوزن أخ والاخرى حمى بوزن عصا ويخرج من ضبط
المهموز بتحريك الميم لغة أخرى خامسة حكاها صاحب المحكم (قوله الحمو الموت) قيل المراد أن
الخلوة بالحمو قد تؤدى إلى هلاك الدين ان وقعت المعصية أو إلى الموت ان وقعت المعصية
ووجب الرجم أو إلى هلاك المرأة بفراق زوجها إذا حملته الغيرة على تطليقها أشار إلى ذلك كله
القرطبي وقال الطبري المعنى أن خلوة الرجل بامرأة أخيه أو ابن أخيه تنزل منزلة الموت والعرب
تصف الشئ المكروه بالموت قال ابن الاعرابى هي كلمة تقولها العرب مثلا كما تقول الأسد الموت
أي لقاؤه فيه الموت والمعنى احذروه كما تحذرون الموت وقال صاحب مجمع الغرائب يحتمل أن
يكون المراد أن المرأة إذا خلت فهي محل الآفة ولا يؤمن عليها أحد فليكن حموها الموت أي
لا يجوز لاحد أن يخلو بها الا الموت كما قيل نعم الصهر القبر وهذا لائق بكمال الغيرة والحمية وقال أبو
عبيد معنى قوله الحمو الموت أي فليمت ولا يفعل هذا وتعقبه النووي فقال هذا كلام فاسد وانما
المراد أن الخلوة بقريب الزوج أكثر من الخلوة بغيره والشر يتوقع منه أكثر من غيره والفتنة
به أمكن لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة بها من غير نكير عليه بخلاف الأجنبي وقال
عياض معناه أن الخلوة بالاحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين فجعله كهلاك الموت وأورد
الكلام مورد التغليظ وقال القرطبي في المفهم المعنى أن دخول قريب الزوج على امرأة الزوج
يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة أي فهو محرم معلوم التحريم وانما بالغ في الزجر عنه وشبهه
بالموت لتسامح الناس به من جهة الزوج والزوجة لالفهم بذلك حتى كأنه ليس بأجنبي من
المرأة فخرج هذا مخرج قول العرب الأسد الموت والحرب الموت أي لقاؤه يفضى إلى الموت
وكذلك دخوله على المرأة قد يفضى إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو إلى
الرجم ان وقعت الفاحشة وقال ابن الأثير في النهاية المعنى أن خلوة المحرم بها أشد من خلوة غيره
من الأجانب لأنه ربما حسن لها أشياء وحملها على أمور تثقل على الزوج من التماس ما ليس
في وسعه فتسوء العشرة بين الزوجين بذلك ولان الزوج قد لا يؤثر أن يطلع والد زوجته أو أخوها
على باطن حاله ولا على ما اشتمل عليه اه‍ فكأنه قال الحمو الموت أي لا بد منه ولا يمكن حجبه عنها
كما أنه لا بد من الموت وأشار إلى هذا الأخير الشيخ تقى الدين في شرح العمدة * (تنبيه) * محرم المرأة
من حرم عليه نكاحها على التأييد الا أم الموطوءة بشبهة والملاعنة فإنهما حرامان على التأييد
ولا محرمية هناك وكذا أمهات المؤمنين وأخرجهن بعضهم بقوله في التعريف بسبب مباح
لا لحرمتها وخرج بقيد التأبيد أخت المرأة وعمتها وخالتها وبنتها إذا عقد على الام ولم يدخل بها
* الحديث الثاني (قوله سفيان) هو ابن عيينة وقوله حدثنا عمرو هو ابن دينار وقد وقع في الجهاد
بعض هذا الحديث عن أبي نعيم عن سفيان عن ابن جريج عن عمرو بن دينار وسفيان المذكور
هو الثوري لا ابن عيينة وقد تقدمت مباحث الحديث المذكور مستوفاة في أواخر كتاب الحج
290

وسياقه هناك أتم والله أعلم * (قوله باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس)
أي لا يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم بل بحيث لا يسمعون كلامهما إذا كان بما يخافت
به كالشئ الذي تستحى المرأة من ذكره بين الناس وأخذ المصنف قوله في الترجمة عند الناس من
قوله في بعض طرق الحديث فخلا بها في بعض الطرق أو في بعض السكك وهى الطرق المسلوكة
التي لا تنفك عن مرور الناس غالبا (قوله عن هشام) هو ابن زيد بن أنس وقد تقدم في فضائل
الأنصار من طريق بهز بن أسد عن شعبة أخبرني هشام بن زيد وكذا وقع في رواية مسلم (قوله
جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية بهز بن أسد ومعها صبي لها
فكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله فخلا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في بعض
الطرق قال المهلب لم يرد أنس أنه خلا بها بحيث غاب عن أبصار من كان معه وانما خلا بها بحيث
لا يسمع من حضر شكواها ولا ما دار بينهما من الكلام ولهذا سمع أنس آخر الكلام فنقله ولم
ينقل ما دار بينهما لأنه لم يسمعه اه‍ ووقع عند مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس
أن امرأة كان في عقلها شئ قالت يا رسول الله ان لي إليك حاجة فقال يا أم فلان انظري أي
السكك شئت حتى أقضى لك حاجتك وأخرج أبو داود نحو هذا السياق من طريق حميد عن أنس
لكن ليس فيه أنه كان في عقلها شئ (قوله فقال والله انكم لأحب الناس إلى) زاد في رواية بهز
مرتين وأخرجه في الايمان والنذور من طريق وهب بن جرير عن شعبة بلفظ ثلاث مرات وفى
الحديث منقبة للأنصار وقد تقدم في فضائل الأنصار توجيه قوله أنتم أحب الناس إلى وقد
تقدم فيه حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس
مثل هذا اللفظ أيضا في حديث آخر وفيه سعة
حلمه وتواضعه صلى الله عليه وسلم وصبره على قضاء حوائج الصغير والكبير وفيه أن مفاوضة
المرأة الأجنبية سرا لا يقدح في الدين عند أمن الفتنة ولكن الامر كما قالت عائشة وأيكم يملك
اربه كما كان صلى الله عليه وسلم يملك اربه * (قوله أبى ما ينهى من دخول
المتشبهين بالنساء على المرأة) أي بغير اذن زوجها وحيث تكون مسافرة مثلا (قوله حدثنا عبدة)
هو ابن سليمان (عن هشام) هو ابن عروة (عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة) في رواية
سفيان عن هشام في غزوة الطائف عن أمها أم سلمة هكذا قال أكثر أصحاب هشام بن عروة وهو
المحفوظ وسيأتى في اللباس من طريق زهير بن معاوية عن هشام أن عروة أخبره أن زينب بنت
أم سلمة أخبرته أن أم سلمة أخبرتها وخالفهم حماد بن سلمة عن هشام فقال عن أبيه عن عمرو بن أبي
سلمة وقال معمر هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ورواه معمر أيضا عن الزهري عن عروة
وأرسله مالك فلم يذكر فوق عروة أحدا أخرجها النسائي ورواية معمر عن الزهري عند مسلم
وأبى داود أيضا (قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وفى البيت) أي التي هي فيه (قوله
مخنث) تقدم في غزوة الطائف أن اسمه هيت وان ابن عيينة ذكره عن ابن جريج بغير اسناد وذكر
ابن حبيب في الواضحة عن حبيب كاتب مالك قال قلت لمالك ان سفيان بن عيينة زاد في حديث
بنت غيلان أن المخنث هيت وليس في كتابك هيت فقال صدق هو كذلك وأخرج الجوزجاني في
تاريخه من طريق الزهري عن علي بن الحسين بن علي قال كان مخنث يدخل على أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم يقال له هيت وأخرج أبو يعلى وأبو عوانة وابن حبان كلهم من طريق يونس
291

عن الزهري عن عروة عن عائشة أن هيتا كان يدخل الحديث وروى المستغفري من مرسل
محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى هيتا في كلمتين تكلم بهما من أمر النساء قال
لعبد الرحمن بن أبي بكر إذا أفتحتم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فذكر نحو حديث الباب
وزاد اشتد غضب الله على قوم رغبوا عن خلق الله وتشبهوا بالنساء وروى ابن أبي شيبة
والدورقي وأبو يعلى والبزار من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن اسم المخنث هيت
أيضا لكن ذكر فيه قصة أخرى وذكر ابن إسحاق في المغازي أن اسم المخنث في حديث الباب
مانع وهو مثناة وقيل بنون فروى عن محمد بن إبراهيم التيمي قال كان مع النبي صلى الله عليه وسلم
في غزوة الطائف مولى لخالته فاختة بنت عمرو بن عائد مخنث يقال له ماتع يدخل على نساء النبي
صلى الله عليه وسلم ويكون في بيته لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يفطن لشئ من أمر
النساء مما يفطن له الرجال ولا أن له إربة في ذلك فسمعه يقول لخالد بن الوليد يا خالد ان افتتحتم
الطائف فلا تنفلتن منك بادية بنت غيلان بن سلمة فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك منه لا أرى هذا الخبيث يفطن لما أسمع ثم قال لنسائه
لا تدخلن هذا عليكن فحجب عن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكى أبو موسى المديني في
كون ماتع لقب هيت أو بالعكس أو انهما اثنان خلافا وجزم الواقدي بالتعدد فإنه قال كان
هيت مولى عبد الله بن أبي أمية وكان ماتع مولى فاختة وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفاهما
معا إلى الحمى وذكر الباوردي في الصحابة من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن حفص أن
عائشة قالت لمخنث كان بالمدينة يقال له أنه يفتح الهمزة وتشديد النون الا تدلنا على امرأة تخطبها
على عبد الرحمن بن أبي بكر قال بلى فوصف امرأة تقبل بأربع وتدبر بثمان فسمعه النبي صلى الله
عليه وسلم فقال يا أنة اخرج من المدينة إلى حمراء الأسد وليكن بها منزلك والراجح أن اسم
المذكور في حديث الباب هيت ولا يمتنع أن يتواردوا في الوصف المذكور وقد تقدم في غزوة
الطائف ضبط هيت ووقع في أول رواية الزهري عن عروة عن عائشة عند مسلم كان يدخل على
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث وكانوا يعدونه من غير أولى الإربة فدخل النبي صلى الله
عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة الحديث وعرف من حديث الباب تسمية
المرأة وأنها أم سلمة والمخنث بكسر النون وبفتحها من يشبه خلقه النساء في حركاته وكلامه وغير
ذلك فإن كان من أصل الخلقة لم يكن عليه لوم وعليه ان يتكلف إزالة ذلك وإن كان بقصد منه
وتكلف له فهو المذموم ويطلق عليه اسم مخنث سواء فعل الفاحشة أو لم يفعل قال ابن حبيب
المخنث هو المؤنث من الرجال وان لم تعرف منه الفاحشة مأخوذ من التكسر في المشي وغيره
وسيأتى في كتاب الأدب لعن من فعل ذلك وأخرج أبو داود من حديث أبي هريرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم أتى بمخنث قد خضب يديه ورجليه فقيل يا رسول الله ان هذا يتشبه بالنساء فنفاه
إلى النقيع فقيل ألا تقتله فقال انى نهيت عن قتل المصلين (قوله فقال لاخى أم سلمة) تقدم شرح
حاله في غزوة الطائف ووقع في مرسل ابن المنكدر أنه قال ذلك لعبد الرحمن بن أبي بكر فيحمل
على تعدد القول منه لكل منهما لاخى عائشة ولأخي أم سلمة والعجب أنه لم يقدر أن المرأة الموصوفة
حصلت لواحد منهما لان الطائف لم يفتح حينئذ وقتل عبد الله بن أبي أمية في حال الحصار ولما أسلم
292

غيلان بن سلمة وأسلمت بنته بادية تزوجها عبد الرحمن بن عوف فقدر أنها استحيضت عنده
وسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المستحاضة وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في كتاب الطهارة
وتزوج عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجودي وقصته معها مشهورة وقد وقع حديث في سعد
ابن أبي وقاص أنه خطب امرأة بمكة فقال من يخبرني عنها فقال مخنث يقال له هيت أنا أصفها
لك فهذه قصص وقعت لهيت (قوله إن فتح الله لكم الطائف غدا) وقع في رواية أبى أسامة عن
هشام في أوله وهو محاصر الطائف يومئذ وقد تقدم ذلك في غزوة الطائف واضحا (قوله 2 فعليك)
هو اغراء معناه احرص على تحصيلها والزمها (قوله غيلان) في رواية حماد بن سلمة لو قد فتحت
لكم الطائف لقد أريتك بادية بنت غيلان واختلف في ضبط بادية فالأكثر بموحدة ثم تحتانية
وقيل بنون بدل التحتانية حكاه أبو نعيم ولبادية ذكر في المغازي ذكر ابن إسحاق أن خولة بنت
حكيم قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ان فتح الله عليك الطائف أعطني حلى بادية بنت غيلان
وكانت من أحلى نساء ثقيف وغيلان هو ابن سلمة بن معتب بمهملة ثم مثناة ثقيلة ثم موحدة
ابن مالك الثقفي وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعا
وكان من رؤساء ثقيف وعاش إلى أواخر خلافة عمر رضي الله عنه (قوله تقبل بأربع وتدبر
بثمان) قال ابن حبيب عن مالك معناه أن أعكانها ينعطف بعضها على بعض وهى في بطنها أربع
طرائق وتبلغ أطرافها إلى خاصرتها في كل جانب أربع ولارادة العكن ذكر الأربع والثمان
فلو أراد الأطراف لقال بثمانية ثم رأيت في باب اخراج المتشبهين بالنساء من البيوت عقب هذا
الحديث من وجه آخر عن هشام بن عروة في غير رواية أبي ذر قال أبو عبد الله تقبل بأربع يعنى
بأربع عكن بطنها فهي تقبل بهن وقوله وتدبر بثمان يعنى أطراف هذه العكن الأربع
لأنها محيطة بالجنب حين يتجعد ثم قال وانما قال بثمان ولم يقل بثمانية وواحد الأطراف مذكر
لأنه لم يقل ثمانية أطراف اه‍ وحاصله أن لقوله ثمان بدون الهاء توجيهين اما لكونه لم يصرح
بلفظ الأطراف واما لأنه أراد العكن وتفسير مالك المذكور تبعه فيه الجمهور قال الخطابي
يريد أن لها في بطنها أربع عكن فإذا أقبلت رؤيت مواضعها بارزة متكسرا بعضها على
بعض وإذا أدبرت كانت أطراف هذه العكن الأربع عند منقطع جنبيها ثمانية وحاصله أنه
وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون الا للسمينة من النساء
وجرت عادة الرجال غالبا في الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة وعلى هذا فقوله في حديث سعد
ان أقبلت قلت تمشى بست وان أدبرت قلت تمشى بأربع كأنه يعنى يديها ورجليها وطرفي
ذاك منها مقبلة ورد فيها مدبرة وانما نقص إذا أدبرت لان الثديين يحتجبان حينئذ وذكر
ابن الكلبي في الصفة المذكور زيادة بعد قوله وتدبر بثمان بثغر كالأقحوان ان قعدت تثنت
وان تكلمت تغنت وبين رجليها مثل الاناء المكفوء مع شعر آخر وزاد المديني من طريق
يزيد بن رومان عن عروة مرسلا في هذه القصة أسفلها كئيب وأعلاها عسيب (قوله
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخلن هذا عليكم) في رواية الكشميهني عليكن وهى
رواية مسلم وزاد في آخر رواية الزهري عن عروة عن عائشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم
لا أرى هذا يعرف ما ههنا لا يدخل عليكن قالت فحجبوه وزاد أبو يعلى في ورايته من طريق
293

يونس عن الزهري في آخره وأخرجه فكان بالبيداء يدخل كل يوم جمعة يستطعم وزاد ابن الكلبي
في حديثه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد غلغلت النظر إليها يا عدو الله ثم أجلاه عن المدينة
إلى الحمى ووقع في حديث سعد الذي أشرت إليه أنه خطب امرأة بمكة فقالت هيت أنا أنعتها لك
إذا أقبلت قلت تمشى بست وإذا أدبرت قلت تمشى بأربع وكان يدخل على سودة فقال النبي صلى
الله عليه وسلم ما أراه الا منكرا فمنعه ولما قدم المدينة نفاه وفى رواية يزيد بن رومان المذكورة
فقال النبي صلى الله عليه وسلم مالك قاتلك الله ان كنت لأحسبك من غير أولى الإربة من الرجال
وسيره إلى خاخ بمعجمتين وقد ضبطت في حديث على في قصة المرأة التي حملت كتاب حاطب إلى قريش
قال المهلب انما حجبه عن الدخول إلى النساء لما سمعه يصف المرأة بهذه الصفة التي تهيج قلوب
الرجال فمنعه لئلا يصف الأزواج للناس فيسقط معنى الحجاب اه‍ وفى سياق الحديث ما يشعر
بأنه حجبه لذاته أيضا لقوله لا أرى هذا يعرف ما ههنا ولقوله وكانوا يعدونه من غير أولى الإربة فلما
ذكر الوصف المذكور دل على أنه من أولى الإربة فنفاه لذلك ويستفاد منه حجب النساء عمن يفطن
لمحاسنهن وهذا الحديث أصل في ابعاد من يستراب به في أمر من الأمور قال المهلب وفيه حجة لمن
أجاز بيع العين الموصوفة بدون الرؤية لقيام الصفة مقام الرؤية في هذا الحديث وتعقبه ابن المنير
بأن من اقتصر في بيع جارية على ما وقع في الحديث من الصفة لم يكف في صحة البيع اتفاقا فلا دلالة
فيه (قلت) انما أراد المهلب أنه يستفاد منه أن الوصف يقوم مقام الرؤية فإذا استوعب الوصف
حتى قام مقام الرؤية المعتبرة أجزأ هذا مراده وانتزاعه من الحديث ظاهر وفى الحديث أيضا
تعزير من يتشبه بالنساء بالاخراج من البيوت والنفي إذا تعين ذلك طريقا لردعه وظاهر الامر وجوب
ذلك وتشبه النساء بالرجال والرجال من قاصد مختار حرام اتفاقا وسيأتى لعن من فعل ذلك
في كتاب اللباس * (قوله باب نظر المرأة إلى الحبشة ونحوهم من غير ريبة)
وظاهر الترجمة أن المصنف كان يذهب إلى جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف عكسه وهو مسئلة
شهيرة واختلف الترجيح فيها عند الشافعية وحديث الباب يساعد من أجاز وقد تقدم أبواب
العيدين جواب النووي عن ذلك بأن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ أو كان قبل الحجاب وقواه
بقوله في هذه الرواية فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن لكن تقدم ما يعكر عليه وان في بعض
طرقه ان ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة وأن قدومهم كان سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشرة
سنة فكانت بالغة وكان ذلك بعد الحجاب وحجة من منع حديث أم سلمة الحديث المشهور أفعمياوان
أنتما وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها
واسناده قوى وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة فان من
يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد لا ترد روايته والجمع بين الحديثين
احتمال تقدم الواقعة أو أن يكون في قصة الحديث الذي ذكره نبهان شئ يمنع النساء من رؤيته
لكون ابن أم مكتوم كان أعمى فلعله كان منه شئ ينكشف ولا يشعر به ويقوى الجواز استمرار
العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال
ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء فدل على تغاير الحكم بين الطائفتين وبهذا احتج
الغزالي على الجواز فقال لسنا نقول إن وجه الرجل في حقها عورة كوجه المرأة في حقه بل
294

هو كوجه الأمرد في حق الرجل فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط وان لم تكن فتنة فلا إذ لم
تزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات فلو استووا لأمر الرجال
بالتنقب أو منعن من الخروج اه‍ وتقدمت سائر مباحث حديث الباب في أبواب العيدين
* (قوله باب خروج النساء لحوائجهن) قال الداودي في صيغة هذا الجمع نظر لان
جمع الحاجة حاجات وجمع الجمع حاج ولا يقال حوائج وتعقبه ابن التين فأجاد وقال الحوائج جمع
حاجة أيضا ودعوى ان حاج جمع الجمع ليس بصحيح وذكر المصنف في الباب حديث عائشة خرجت
سودة لحاجتها وقد تقدم شرحه وتوجيه الجمع بينه وبين حديثها الاخر في نزول الحجاب في تفسير
سورة الأحزاب وذكرت هناك التعقب على عياض في زعمه ان أمهات المؤمنين كان يحرم عليهن
ابراز أشخاصهن ولو كن منتقبات متلففات والحاصل في رد قوله كثرة الأخبار الواردة انهن كن
يحججن ويطفن ويخرجن إلى المساجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده * (قوله
باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره) قال ابن التين ترجم
بالخروج إلى المسجد وغيره واقتصر في الباب على حديث المسجد وأجاب الكرماني بأنه قاسه
عليه والجامع بينهما ظاهر ويشترط في الجميع أمن الفتنة وقد تقدمت مباحث حديث ابن عمر في
ذلك في كتاب الصلاة * (قوله باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء في
الرضاع) ذكر فيه حديث عائشة قالت جاء عمى من الرضاعة فاستأذن على وقد تقدمت مباحثه
مستوفاة في أوائل النكاح وهو أصل في أن للرضاع حكم النسب من إباحة الدخول على النساء
وغير ذلك من الاحكام * (قوله باب لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها) كذا
استعمل لفظ الحديث في الترجمة بغير زيادة وذكر الحديث من وجهين منصور عن أبي وائل عن
عبد الله بن مسعود والأعمش حدثني شقيق سمعت عبد الله وهو ابن مسعود وشقيق هو أبو وائل
(قوله لا تباشر المرأة المرأة) زاد النسائي في روايته في الثوب الواحد (قوله فتنعتها لزوجها كأنه
ينظر إليها) قال القابسي هذا أصل لمالك في سد الذرائع فان الحكمة في هذا النهى خشية أن
يعجب الزوج الوصف المذكور فيفضى ذلك إلى تطليق الواصفة أو الافتتان بالموصوفة
ووقع في رواية النسائي من طريق مسروق عن ابن مسعود بلفظ لا تباشر المرأة المرأة ولا الرجل
الرجل وهذه الزيادة ثبتت في حديث ابن عباس عنده وعند مسلم وأصحاب السنن من حديث أبي
سعيد بأبسط من هذا ولفظه لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة
ولا يفض الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا تفضى المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد قال
النووي فيه تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة وهذا مما لا خلاف فيه
وكذا الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالاجماع ونبه صلى الله عليه وسلم بنظر
الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة على ذلك بطريق الأولى ويستثنى الزوجان
فلكل منهما النظر إلى عورة صاحبه الا أن في السوأة اختلافا والأصح الجواز لكن يكره حيث
لا سبب وأما المحارم فالصحيح أنه يباح نظر بعضهم إلى بعض لما فوق السرة وتحت الركبة قال
وجميع ما ذكرنا من التحريم حيث لا حاجة ومن الجواز حيث لا شهوة وفى الحديث تحريم ملاقاة
بشرتي الرجلين بغير حائل الا عند ضرورة ويستثنى المصافحة ويحرم لمس عورة غيره بأي موضع
295

من بدنه كان بالاتفاق قال النووي ومما تعم به البلوى ويتساهل فيه كثير من الناس الاجتماع في
الحمام فيجب على من فيه أن يصون نظره ويده وغيرهما عن عورة غيره وأن يصون عورته عن
بصر غيره ويجب الانكار على من فعل ذلك لمن قدر عليه ولا يسقط الانكار بظن عدم القبول الا
ان خاف على نفسه أو غيره فتنة وقد تقدم كثير من مسائل هذا الباب في كتاب الطهارة * (قوله
باب قول الرجل لأطوفن الليلة على نسائي) تقدم في كتاب الطهارة باب من دار على نسائه
في غسل واحد وهو قريب من معنى هذه الترجمة والحكم في الشريعة المحمدية أن ذلك لا يجوز في
الزوجات الا ان ابتدأ الرجل القسم بان تزوج دفعة واحدة أو يقدم من سفر وكذا يجوز إذا
أذن له ورضين بذلك (قوله حدثنا محمود) هو ابن غيلان وقد رواه عن عبد الرزاق شيخه عبد
ابن حميد عند مسلم وعباس العنبري عند النسائي فقالا تسعين امرأة وتقدم في ترجمة سليمان بن
داود عليهما السلام من أحاديث الأنبياء بيان الاختلاف في ذلك مستوفى وكيفية الجمع بين
المختلف مع شرح بقية الحديث قال ابن التين قوله في هذه الرواية لم يحنث أي لم يتخلف مراده
لان الحنث لا يكون الا عن يمين قال ويحتمل أن يكون سليمان حلف على ذلك (قلت) أو نزل
التأكيد المستفاد من قوله لأطوفن منزلة اليمين واستدل به على جواز الاستثناء بعد تخلل الكلام
اليسير وفيه نظر سيأتي ايضاحه في كتاب الايمان والنذور إن شاء الله تعالى وقال ابن الرفعة
يستفاد منه أن اتصال الاستثناء بالحلف يؤثر فيه وان لم يقصده قبل فراغ اليمين * (قوله
باب لا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة مخافة أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم) كذا بالميم
في يتخونهم وعثراتهم وقال ابن التين الصواب بالنون فيهما قلت بل ورد في الصحيح بالميم فيهما على
ما سأذكره وتوجيهه ظاهر وهذه الترجمة لفظ الحديث الذي أورده في الباب في بعض طرقه لكن
اختلف في ادراجه فاقتصر البخاري على القدر المتفق على رفعه واستعمل بقيته في الترجمة فقد
جاء من رواية وكيع عن سفيان الثوري عن محارب عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة
عنه وأخرجه النسائي من رواية أبى نعيم عن سفيان كذلك وأخرجه أبو عوانة من وجه آخر
عن سفيان كذلك وأخرجه مسلم من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به لكن قال في آخره
قال سفيان لا أدرى هذا في الحديث أم لا يعنى يتخونهم أو يطلب عثراتهم ثم ساقه مسلم من
رواية شعبة عن محارب مقتصرا على المرفوع كرواية البخاري وقوله عثراتهم بفتح المهملة
والمثلثة جمع عثرة وهى الزلة ووقع عند أحمد والترمذي في رواية من طريق أخرى عن الشعبي
عن جابر بلفظ لا تلجوا على المغيبات فان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم (قوله يكره أن
يأتي الرجل أهله طروقا) في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يطرق أهله ليلا وكان
يأتيهم غدوة أو عشية أخرجه مسلم قال أهل اللغة الطروق بالضم المجئ بالليل من سفر أو من غيره
على غفلة ويقال لكل آت بالليل طارق ولا يقال بالنهار الا مجازا كما تقدم تقريره في أواخر الحج في
الكلام على الرواية الثانية حيث قال لا يطرق أهله ليلا ومنه حديث طرق عليا وفاطمة وقال
بعض أهل اللغة أصل الطروق الدفع والضر وبذلك سميت الطريق لان المارة تدقها بأرجلها
وسمى الآتي بالليل طارقا لأنه يحتاج غالبا إلى دق الباب وقيل أصل الطروق السكون ومنه
296

أطرق رأسه فلما كان الليل يسكن فيه سمى الآتي فيه طارقا وقوله في طريق عاصم عن الشعبي
عن جابر إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا التقييد فيه بطول الغيبة يشير إلى أن علة
النهى انما توجد حينئذ فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما فلما كان الذي يخرج لحاجته مثلا
نهارا ويرجع ليلا لا يتأتى له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة كان طول الغيبة مظنة الامن
من الهجوم فيقع للذي يهجم بعد طول الغيبة غالبا ما يكره اما أن يجد أهله على غير أهبة من التنظف
والتزين المطلوب من المرأة فيكون ذلك سبب النفرة بينهما وقد أشار إلى ذلك بقوله في حديث الباب
الذي بعده بقوله كي تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة ويؤخذ منه كراهة مباشرة المرأة في الحالة
التي تكون فيها غير متنظفة لئلا يطلع منها على ما يكون سببا لنفرته منها واما أن يجدها على حالة
غير مرضية والشرع محرض على الستر وقد أشار إلى ذلك بقوله أن يتخونهم ويتطلب عثراتهم
فعلى هذا من أعلم أهله بوصوله وأنه يقدم في وقت كذا مثلا لا يتناوله هذا النهى وقد صرح
بذلك ابن خزيمة في صحيحه ثم ساق من حديث ابن عمر قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة
فقال لا تطرقوا النساء وأرسل من يؤذن الناس انهم قادمون قال ابن أبي جمرة نفع الله به فيه
النهى عن طروق المسافر أهله على غرة من غير تقدم اعلام منه لهم بقدومه والسبب في ذلك
ما وقعت إليه الإشارة في الحديث قال وقد خالف بعضهم فرأى عند أهله رجلا فعوقب بذلك على
مخالفته اه‍ وأشار بذلك إلى حديث أخرجه ابن خزيمة عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن تطرق النساء ليلا فطرق رجلان كلاهما وجد مع امرأته ما يكره وأخرجه
من حديث ابن عباس نحوه وقال فيه فكلاهما وجد مع امرأته رجلا ووقع في حديث
محارب عن جابر أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلا وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلا فأشار
إليها بالسيف فلما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا أخرجه أبو عوانة
في صحيحه وفى الحديث الحث على التواد والتحاب خصوصا بين الزوجين لان الشارع راعى ذلك
بين الزوجين مع اطلاع كل منهما على ما جرت العادة بستره حتى أن كل واحد منهما لا يخفى عنه
من عيوب الآخر شئ في الغالب ومع ذلك فنهى عن الطروق لئلا يطلع على ما تنفر نفسه عنه
فيكون مراعاة ذلك في غير الزوجين بطريق الأولى ويؤخذ منه أن الاستحداد ونحوه مما تتزين
به المرأة ليس داخلا في النهى عن تغيير الخلقة وفيه التحريض على ترك التعرض لما يوجب سوء
الظن بالمسلم * (قوله باب طلب الولد) أي بالاستكثار من جماع الزوجة أو المراد
الحث على قصد الاستيلاد بالجماع لا الاقتصار على مجرد اللذة وليس ذلك في حديث الباب صريحا
لكن البخاري أشار إلى تفسير الكيس كما سأذكره وقد أخرج أبو عمرو النوقاني في كتاب معاشرة
الاهلين من وجه آخر عن محارب رفعه قال اطلبوا الولد والتمسوه فإنه ثمرة القلوب وقره الأعين
وإياكم والعاقر وهو مرسل قوى الاسناد (قوله عن سيار) بفتح المهملة وتشديد التحتانية وقد
تقدم في باب تزويج الثيبات عن أبي النعمان عن هشيم قال حدثنا سيار وكذا في الباب الذي
بعده وحدثنا يعقوب الدورقي حدثنا هشيم أنبأنا سيار (قوله عن الشعبي) رواية أبى عوانة
من طريق شريح بن النعمان عن هشيم حدثنا سيار حدثنا الشعبي ولأحمد من وجه آخر
سمعت الشعبي (قوله 2 قفلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) بفتح القاف وتخفيف الفاء أي رجعنا
297

وقد تقدم شرحه في باب تزويج الثيبات (قوله حتى تدخلوا ليلا أي عشاء) هذا التفسير في نفس
الخبر وفيه إشارة إلى الجمع بين هذا الامر بالدخول ليلا والنهى عن الطروق ليلا بأن المراد
بالامر الدخول في أول الليل وبالنهي الدخول في أثنائه وقد تقدم في أواخر أبواب العمرة في
طريق الجمع بينهما أن الامر بالدخول ليلا لمن أعلم أهله بقدومه فاستعدوا له والنهى عمن لم
يفعل ذلك (قوله وحدثني الثقة أنه قال في هذا الحديث الكيس الكيس يا جابر يعنى الولد)
القائل وحدثني هو هشيم قال الإسماعيلي كأن البخاري أشار إلى أن هشيما حمل هذه الزيادة
عن شعبة لأنه أورد طريق شعبة على اثر حديث هشيم وأغرب الكرماني فقال القائل وحدثني
هو هشيم أو البخاري اه‍ وهو جار على ظاهر اللفظ والمعتمد أن القائل هشيم كما أشار إليه
الإسماعيلي (قوله إذا دخلت ليلا فلا تدخل على أهلك) معنى الدخول الأول القدوم أي إذا
دخلت البلد فلا تدخل البيت (قوله قال قال) في رواية النسائي عن أحمد بن عبد الله بن الحكم
عن محمد بن جعفر قال وقال باثبات الواو وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر ولفظه قال وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت فعليك بالكيس الكيس (قوله تابعه عبيد الله عن
وهب عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكيس
عبيد الله هو ابن عمر العمرى ووهب
هو ابن كيسان والمتابع في الحقيقة هو وهب لكنه نسبها إلى عبيد الله لتفرده بذلك عن وهب
نعم قد روى محمد بن إسحاق عن وهب بن كيسان هذا الحديث مطولا وفيه مقصود الباب لكن
بلفظ آخر كما سأبينه ورواية عبيد الله بن عمر تقدمت موصولة في أوائل البيوع في أثناء حديث
أوله كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فأبطأ بي جملي فذكر الحديث في قصة الجمل بطولها
وفيه قصة تزويج جابر وقوله أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك وفيه أما انك قادم فإذا قدمت
فالكيس الكيس وقوله فالكيس بالفتح فيهما على الاغراء وقيل على التحذير من ترك الجماع قال
الخطابي الكيس هنا بمعنى الحذر وقد يكون الكيس بمعنى الرفق وحسن التأني وقال ابن الاعرابى
الكيس العقل كأنه جعل طلب الولد عقلا وقال غيره أراد الحذر من العجز عن الجماع فكأنه حث
على الجماع (قلت) جزم ابن حبان في صحيحه بعد تخريج هذا الحديث بأن الكيس الجماع وتوجيهه
على ما ذكر ويؤيده قوله في رواية محمد بن إسحاق فإذا قدمت فاعمل عملا كيسا وفيه قال جابر
فدخلنا حين أمسينا فقلت للمرأة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أعمل عملا كيسا
قالت سمعا وطاعة فدونك قال فبت معها حتى أصبحت أخرجه ابن خزيمة في صحيحه قال عياض
فسر البخاري وغيره الكيس بطلب الولد والنسل وهو صحيح قال صاحب الافعال كأس الرجل
في عمله حذق وكاس ولد ولدا كيسا وقال الكسائي كأس الرجل ولد له ولد كيس اه‍ وأصل
الكيس العقل كما ذكر الخطابي لكنه بمجردة ليس المراد هنا والشاهد لكون الكيس يراد به
العقل قول الشاعر
- وانما الشعر لب المرء يعرضه * على الرجال فان كيسا وان حمقا -
فقابله بالحمق وهو ضد العقل ومنه حديث الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق
من أتبع نفسه هواها وأما حديث كل شئ بقدر حتى العجز والكيس فالمراد به الفطنة * (قوله
باب تسحد المغيبة وتمتشط الشعثة) ضبط ذلك في أواخر أبواب العمرة وتقدم شرح
298

الحديث في الباب الذي قبله * (قوله باب ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن) في رواية
أبي ذر إلى قوله عورات النساء وبهذه الزيادة تظهر المطابقة بين الحديث والترجمة (قوله
سفيان) هو ابن عيينة (قوله عن أبي حازم) هو سلمة بن دينار ووقع في رواية علي بن عبد الله
عن سفيان حدثنا أبو حازم تقدم في أواخر الجهاد (قوله اختلف الناس الخ) فيه اشعار بان
الصحابة والتابعين كانوا يتبعون أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في كل شئ حتى في مثل هذا
فان الذي يداوى به الجرح لا يختلف الحكم فيه إذا كان طاهرا ومع ذلك فترددوا فيه حتى
سألوا من شاهد ذلك قوله وكان من آخر 2 من بقى من الصحابة بالمدينة) فيه احتراز عمن بقى
من الصحابة بالمدينة وبغير المدينة فأما المدينة فكان بها في آخر حياة سهل بن سعد محمود بن
الربيع ومحمود بن لبيد وكلاهما له رؤية وعد في الصحابة وأما من الصحابة الذين ثبت سماعهم من
النبي صلى الله عليه وسلم فما كان بقى بالمدينة حينئذ الا سهل بن سعد على الصحيح وأما بغير المدينة
فبقى أنس بن مالك بالبصرة وغيره بغيرها وقد استوعبت الكلام على ذلك في الكلام على علوم
الحديث لابن صلاح (قوله ما بقى للناس أحد أعلم به منى) ظاهره أنه نفى أن يكون بقى أحد أعلم منه
فلا ينفى أن يكون بقى مثله ولكن كثر استعمال هذا التركيب في نفى المثل أيضا وقد تقدم الكلام
على شرح الحديث في باب غزوة أحد والغرض منه هنا كون فاطمة عليها السلام باشرت ذلك
من أبيها صلى الله عليه وسلم فيطابق الآية وهى جواز ابداء المرأة زينتها لأبيها وسائر من ذكر في
الآية وقد استشكل مغلطاي الاحتجاج بقصة فاطمة هذه لأنها صدرت قبل الحجاب وأجيب
بان التمسك منها بالاستصحاب ونزول الآية كان متراخيا عن ذلك وقد وقع مطابقا فان قيل لم
يذكر في الآية العم والخال فالجواب أنه استغنى عن ذكرهما بالإشارة إليهما لان العم منزل منزلة
الأب والخال منزلة الام وقيل لأنهما ينعتانها لولديهما قاله عكرمة والشعبي وكرها لذلك أن
تضع المرأة خمارها عند عمها وخالها أخرجه ابن أبي شيبة عنهما وخالفهما الجمهور (قوله فأخذ
حصير فخرق) بضم المهملة وتشديد الراء وضبطه بعضهم بالتخفيف * (قوله باب
والذين لم يبلغوا الحلم) كذا للجميع والمراد بيان حكمهم بالنسبة إلى الدخول على النساء ورؤيتهم إياهن (قوله حدثنا أحمد بن محمد) هو المروزي وعبد الله هو ابن المبارك وسفيان هو
الثوري (قوله ولولا مكاني منه أي منزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم (قوله يعنى من صغره) فيه
التفات ووقع في رواية السرخسي من صغرى وهو على الأصل (قوله فرأيتهن يهوين) بكسر
الواو وبفتح أوله هوى بفتح الواو ويهوى بكسرها (قوله إلى آذانهن وحلوقهن) أي يخرجن
الحلى (قوله يدفعن) أي ذلك (إلى بلال) (قوله ثم ارتفع هو وبلال إلى بيته) أي رجع وقد تقدم
شرح الحديث مستوفى في كتاب العيدين والحجة منه هنا مشاهدة ابن عباس ما وقع من النساء
حينئذ وكان صغيرا فلم يحتجبن منه وأما بلال فكان من ملك اليمن كذا أجاب بعض الشراح
وفيه نظر لأنه كان حينئذ حرا والجواب أنه يجوز أن لا يكون في تلك الحالة يشاهدهن مسفرات
وقد أخذ بعض الظاهرية بظاهره فقال يجوز للأجنبي رؤية وجه الأجنبية وكفيها واحتج بأن
جابرا روى الحديث وبلال بسط ثوبه للاخذ منهن وظاهر الحال أنه لا يتأتى ذلك الا بظهور
وجوههن وأكفهن * (قوله باب طعن الرجل ابنته في الخاصرة عند العتاب)
299

زاد ابن بطال في شرحه هنا وقول الرجل لصاحبه هل أعرستم الليلة قال ابن المنير ذكر فيه حديث
عائشة في قصة أبى بكر معها وهو مطابق للركن الأول من الترجمة قال ويستفاد الركن الثاني
منها من جهة أن الجامع بينهما أن كلا الامرين مستثنى في بعض الحالات فامساك الرجل
خاصرة ابنته ممنوع في غير حالة التأديب وسؤال الرجل عما جرى له مع أهله ممنوع في غير حالة
المباسطة أو التسلية أو الباشرة (قلت) وجدت هذه الزيادة في نسخة الصغاني مقدمة ولفظه باب
قول الرجل إلى آخره وبعده وطعن الرجل إلى آخره والذي يظهر لي أن المصنف أخلى بياضا
ليكتب فيه الحديث الذي أشار إليه وهو هل أعرستم أو شيئا مما يدل عليه وقد وقع ذلك في قصة
أبى طلحة وأم سليم عند موت ولديهما وكتمها ذلك عنه حتى تعشى وبات معها فأخبر بذلك أبو طلحة
النبي صلى الله عليه وسلم فقال أعرستم الليلة قال نعم وسيأتى بهذا اللفظ في أوائل كتاب العقيقة
وقوله يطعن وهو بضم العين وسيأتي بقية شرحه في كتاب الحدود في باب من أدب أهله دون
السلطان * (خاتمة) * اشتمل كتاب النكاح من الأحاديث المرفوعة على مائتين وثمانية وعشرين
حديثا المعلق منها والمتابعات خمسة وأربعون والبقية موصولة والمكرر منه فيه وفيما مضى مائة
واثنان وستون حديثا والخالص ستة وستون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى اثنين
وعشرين حديثا وهى حديث ابن عباس خير هذه الأمة أكثرها نساء وحديث أبي هريرة انى
شاب أخاف العنت وحديث عائشة لو نزلت واديا وحديث خطب عائشة فقال أبو بكر انما أنا
أخوك وحديث أبي هريرة تنكح المرأة لأربع وحديث سهل مر رجل فقالوا هذا حرى ان
خطب أن ينكح وحديث ابن عباس حرم من النسب سبع وحديث دفع النبي صلى الله عليه وسلم
ربيبته إلى من يكفلها وهو معلق وحديث جابر في الجمع بين المرأة وعمتها وحديث ابن عباس في
المتعة وحيث سلمة أيما رجل وامرأة توافقا الحديث في المتعة معلق وحديث ابن عباس في
تفسير التعريض بالخطبة وحديث عائشة كان النكاح على أربعة انحاء وحديث خنساء بنت
خدام في تزويجها وحديث الربيع بنت معوذ في ذكر الضرب بالدف صبيحة العرس وحديث
عائشة فان الأنصار يعجبهم اللهو وحديث أنس كان إذا مر بجنبات أم سليم دخل عليها وهو
معلق وبقيته متفق عليه وحديث صفية بنت شيبة في الوليمة وحديث لم يوقت النبي صلى الله
عليه وسلم يعنى في الوليمة وهو معلق وحديث أبي هريرة في اكرام الجار وحديث معاوية بن
حيدة لا هجر الا في البيت وهو معلق وحديث ابن عباس في قصة هجر النساء وفيه من الآثار عن
الصحابة والتابعين ستة وثلاثون أثرا والله سبحانه وتعالى أعلم
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم *
* (كتاب الطلاق) *
الطلاق في اللغة حل الوثاق مشتق من الاطلاق وهو الارسال والترك وفلان طلق اليد بالخير أي كثير البذل وفى الشرع حل عقدة التزويج فقط وهو موافق لبعض أفراد مدلوله
اللغوي قال امام الحرمين هو لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره وطلقت المرأة بفتح الطاء وضم اللام
وبفتحها أيضا وهو أفصح وطلقت أيضا بضم أوله وكسر اللام الثقيلة فان خففت فهو خاص
بالولادة والمضارع فيهما بضم اللام والمصدر في الولادة طلقا ساكنة اللام فهي طالق فيهما ثم
300

الطلاق قد يكون حراما أو مكروها أو واجبا أو مندوبا أو جائزا أما الأول ففيما إذا كان بدعيا وله
صور وأما الثاني ففيما إذا وقع بغير سبب مع استقامة الحال وأما الثالث ففي صور منها الشقاق
إذا رأى ذلك الحكمان وأما الرابع ففيما إذا كانت غير عفيفة وأما الخامس فنفاه النووي
وصوره غيره بما إذا كان لا يريدها ولا تطيب نفسه أن يتحمل مؤنتها من غير حصول غرض
الاستمتاع فقد صرح الامام أن الطلاق في هذه الصورة لا يكره (قوله وقول الله تعالى يا أيها النبي
إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة) أما قوله تعالى إذ طلقتم النساء فخطاب
للنبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الجمع تعظيما أو على إرادة ضم أمته إليه والتقدير يا أيها النبي وأمته
وقيل هو على اضمار قل أي قل لامتك والثاني أليق فخص النبي عليه الصلاة والسلام بالنداء لأنه
امام أمته اعتبارا بتقدمه وعم بالخطاب كما يقال لأمير القوم يا فلان افعلوا كذا وقوله إذا طلقتم
أي إذا أردتم التطليق جزما ولا يمكن حمله على ظاهره وقوله لعدتهن أي عند ابتداء شروعهن في
العدة واللام للتوقيت كما يقال لقيته لليلة بقيت من الشهر قال مجاهد في قوله تعالى يا أيها النبي إذا
طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن قال ابن عباس في قبل عدتهن أخرجه الطبري بسند صحيح
ومن وجه آخر أنه قرأها كذلك وكذا وقع عند مسلم من رواية أبى الزبير عن ابن عمر في آخر حديثه
قال ابن عمر وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل
عدتهن ونقلت هذه القراءة أيضا عن أبي وعثمان وجابر وعلي بن الحسين وغيرهم وسيأتى في حديث
ابن عمر في الباب مزيد بيان في ذلك (قوله أحصيناه حفظناه) هو تفسير أبى عبيدة وأخرج
الطبري معناه عن السدى والمراد الامر بحفظ ابتداء وقت العدة لئلا يلتبس الامر بطول العدة
فتتأذى بذلك المرأة (قوله وطلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع) روى الطبري بسند
صحيح عن ابن مسعود في قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن قال في الطهر من غير جماع وأخرجه عن
جمع من الصحابة ومن بعدهم كذلك وهو عند الترمذي أيضا (قوله ويشهد شاهدين) مأخوذ
من قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم وهو واضح وكأنه لمح بما أخرجه ابن مردويه عن ابن
عباس قال كان نفر من المهاجرين يطلقون لغير عدة ويراجعون بغير شهود فنزلت وقد قسم
الفقهاء الطلاق إلى سنى وبدعى والى قسم ثالث لا وصف له فالأول ما تقدم والثاني أن يطلق في
الحيض أو في طهر جامعها فيه ولم يتبين أمرها أحملت أم لا ومنهم من أضاف له أن يزيد على طلقة
ومنهم من أضاف له الخلع والثالث تطليق الصغيرة والآيسة والحامل التي قربت ولادتها وكذا
إذا وقع السؤال منها في وجه بشرط أن تكون عالمة بالامر وكذا إذا وقع الخلع بسؤالها وقلنا انه
طلاق ويستثنى من تحريم طلاق الحائض صور منها ما لو كانت حاملا ورأت الدم وقلنا الحامل
تحيض فلا يكون طلاقها بدعيا ولا سيما ان وقع بقرب الولادة ومنها إذا طلق الحاكم على المولى
واتفق وقوع ذلك في الحيض وكذا في صورة الحكمين إذا تعين ذلك طريقا لرفع الشقاق وكذلك
الخلع والله أعلم (قوله أنه طلق امرأته) في مسلم من رواية الليث عن نافع أن ابن عمر طلق امرأة له
وعنده من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر طلقت امرأتي وكذا في رواية شعبة عن أنس
ابن سيرين عن ابن عمر قال النووي في تهذيبه اسمها آمنة بنت غفار قاله ابن باطيش ونقله عن
النووي جماعة ممن بعده منهم الذهبي في تجريد الصحابة لكن قال في مبهماته فكأنه أراد مبهمات
301

التهذيب وأوردها الذهبي في آمنة بالمد وكسر الميم ثم نون وأبوها غفار ضبطه ابن يقظة بكسر المعجمة
وتخفيف الفاء ولكني رأيت مستند ابن باطيش في أحاديث قتيبة جمع سعيد العيار بسند فيه ابن
لهيعة أن ابن عمر طلق امرأته آمنة بنت عمار كذا رأيتها في بعض الأصول بمهملة مفتوحة ثم ميم
ثقيلة والأول أولى وأقوى من ذلك ما رأيته في مسند أحمد قال حدثنا يونس حدثنا الليث
عن نافع أن عبد الله طلق امرأته وهى حائض فقال عمر يا رسول الله ان عبد الله طلق امرأته
النوار فأمره أن يراجعها الحديث وهذا الاسناد على شرط الشيخين ويونس شيخ أحمد هو ابن
محمد المؤدب من رجالهما وقد أخرجه الشيخان عن قتيبة عن الليث ولكن لم تسم عندهما
ويمكن الجمع بأن يكون اسمها آمنة ولقبها النوار (قوله وهى حائض) في رواية قاسم بن
أصبغ من طريق عبد الحميد بن جعفر عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهى في دمها حائض
وعند البيهقي من طريق ميمون بن مهران عن ابن عمر أنه طلق امرأته في حيضها (قوله على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا في رواية مالك ومثله عند مسلم من رواية أبى الزبير عن ابن
عمر وأكثر الرواة لم يذكروا ذلك استغناء بما في الخبر أن عمر سأل عن ذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم فاستلزم أن ذلك وقع في عهده وزاد الليث عن نافع تطليقة واحدة أخرجه مسلم وقال
في آخره جود الليث في قوله تطليقة واحدة اه‍ وكذا وقع عند مسلم من طريق محمد بن سيرين
قال مكثت عشرين سنة يحدثني من لا أتهم أن ابن عمر طلق امرأته ثلاثا وهى حائض فأمر أن
يراجعها فكنت لا أتهمهم ولا أعرف وجه الحديث حتى لقيت أبا غلاب يونس بن جبير وكان
ذا ثبت فحدثني أنه سأل ابن عمر فحدثه أنه طلق امرأته تطليقة وهى حائض وأخرجه الدارقطني
والبيهقي من طريق الشعبي قال طلق ابن عمر امرأته وهى حائض واحدة ومن طريق عطاء
الخراساني عن الحسن عن ابن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهى حائض (قوله فسأل عمر بن
الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك
في رواية ابن أبي ذئب عن نافع فأتى عمر النبي
صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك أخرجه الدارقطني وكذا سيأتي للمصنف من رواية قتادة عن
يونس بن جبير عن ابن عمر وكذا عند مسلم من رواية يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن يونس بن
جبير وكذا عنده في رواية طاوس عن ابن عمر وكذا في رواية الشعبي المذكورة وزاد فيه الزهري
في روايته كما تقدم في التفسير عن سالم أن ابن عمر أخبره فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولم أر هذه الزيادة في رواية غير سالم وهو أجل من روى الحديث عن ابن عمر وفيه اشعار بأن
الطلاق في الحيض كان تقدم النهى عنه والا لم يقع التغيظ على أمر لم يسبق النهى عنه ولا يعكر
على ذلك مبادرة عمر بالسؤال عن ذلك لاحتمال أن يكون عرف حكم الطلاق في الحيض
وأنه منهى عنه ولم يعرف ماذا يصنع من وقع له ذلك قال ابن العربي سؤال عمر محتمل لان يكون
أنهم لم يروا قبلها مثلها فسأل ليعلم ويحتمل أن يكون لما رأى في القرآن قوله فطلقوهن لعدتهن
وقوله يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء أراد أن يعلم أن هذا قرء أم لا ويحتمل أن يكون سمع من النبي
صلى الله عليه وسلم النهى فجاء ليسأل عن الحكم بعد ذلك وقال ابن دقيق العيد وتغيظ النبي صلى
الله عليه وسلم اما لان المعنى الذي يقتضى المنع كان ظاهرا فكان مقتضى الحال التثبت في ذلك
أو لأنه كان مقتضى الحال مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك إذا عزم عليه (قوله مره
302

فليراجعها) قال ابن دقيق العيد يتعلق به مسئلة أصولية وهى أن الأمر بالامر بالشئ هل هو
أمر بذلك أم لا فإنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر مره فأمره بأن يأمره (قلت) هذه المسئلة ذكرها
ابن الحاجب فقال الامر بالامر بالشئ ليس أمرا بذلك الشئ لنا لو كان لكان مر عبدك بكذا
تعديا ولكان يناقض قولك للعبد لا تفعل قالوا فهم ذلك من أمر الله ورسوله ومن قول الملك لوزيره
قل لفلان افعل قلنا للعلم بأنه مبلغ (قلت) والحاصل أن النفي انما هو حيث تجرد الامر وأما إذا
وجدت قرينة تدل على أن الآمر الأول أمر المأمور الأول أن يبلغ المأمور الثاني فلا وينبغي
أن ينزل كلام الفريقين على هذا التفصيل فيرتفع الخلاف ومنهم من فرق بين الامرين فقال إن
كان الآمر الأول بحيث يسوغ له الحكم على المأمور الثاني فهو آمر له والا فلا وهذا قوى وهو
مستفاد من الدليل الذي استدل به ابن الحاجب على النفي لأنه لا يكون متعديا الا إذا أمر من
لا حكم له عليه لئلا يصير متصرفا في ملك غيره بغير اذنه والشارع حاكم على الآمر والمأمور فوجد
فيه سلطان التكليف على الفريقين ومنه قوله تعالى وأمر أهلك بالصلاة فان كل أحد يفهم منه
أمر الله لأهل بيته بالصلاة ومثله حديث الباب فان عمر انما استفتى النبي صلى الله عليه وسلم عن
ذلك ليمتثل ما يأمره به ويلزم ابنه به فمن مثل بهذا الحديث لهذه المسئلة فهو غالط فان القرينة
واضحة في أن عمر في هذه الكائنة كان مأمورا بالتبليغ ولهذا وقع في رواية أيوب عن نافع
فأمره أن يراجعها وفى رواية أنس بن سيرين ويونس بن جبير وطاوس عن ابن عمر وفى رواية
الزهري عن سالم فليراجعها وفى رواية لمسلم فراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله عليه
وسلم وفى رواية أبى الزبير عن ابن عمر ليراجعها وفى رواية الليث عن نافع عن ابن عمر فان النبي
صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا وقد اقتضى كلام سليم الرازي في التقريب أنه يجب على الثاني
الفعل جزما وانما الخلاف في تسميته آمرا فرجع الخلاف عنده لفظيا وقال الفخر الرازي في
المحصول الحق ان الله تعالى إذا قال لزيد أوجبت على عمرو كذا وقال لعمر كلما أوجب عليك زيد
فهو واجب عليك كان الأمر بالامر بالشئ أمر بالشئ (قلت) وهذا يمكن أن يؤخذ منه التفرقة
بين الامر الصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن غيره فمهما أمر الرسول أحدا أن يأمر
به غيره وجب لان الله أوجب طاعته وهو أوجب طاعة أميره كما ثبت في الصحيح من أطاعني فقد
أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني وأما غيره ممن بعده فلا وفيهم تظهر صورة التعدي التي
أشار إليها ابن الحاجب وقال ابن دقيق العيد لا ينبغي أن يتردد في اقتضاء ذلك الطلب وانما ينبغي
أن ينظر في أن لوازم صيغة الامر هل هي لوازم صيغة الامر بالامر أو لا بمعنى أنهما يستويان في
الدلالة على الطلب من وجه واحد أو لا (قلت) وهو حسن فان أصل المسئلة التي انبنى عليها هذا
الخلاف حديث مروا أولادكم بالصلاة لسبع فان الأولاد ليسوا بمكلفين فلا يتجه عليهم الوجوب
وانما الطلب متوجه على أوليائهم أن يعلموهم ذلك فهو مطلوب من الأولاد بهذه الطريق وليس
مساويا للامر الأول وهذا انما عرض من أمر خارج وهو امتناع توجه الامر على غير المكلف
وهو بخلاف القصة التي في حديث الباب والحاصل أن الخطاب إذا توجه لمكلف أن يأمر
مكلفا آخر بفعل شئ كان المكلف الأول مبلغا محضا والثاني مأمور من قبل الشارع
وهذا كقوله لمالك بن الحويرث وأصحابه ومروهم بصلاة كذا في حين كذا وقوله لرسول ابنته صلى
303

الله عليه وسلم مرها فلتصبر ولتحتسب ونظائره كثيرة فإذا أمر الأول الثاني بذلك فلم يمتثله كان
عاصيا وان توجه الخطاب من الشارع لمكلف أن يأمر غير مكلف أو توجه الخطاب من غير
الشارع بأمر من له عليه الامر أن يأمر من لا أمر للأول عليه لم يكن الأمر بالامر بالشئ أمرا
بالشئ فالصورة الأولى هي التي نشأ عنه الاختلاف وهو أمر أولياء الصبيان أن يأمروا الصبيان
والصورة الثانية هي التي يتصور فيها أن يكون الأمر متعديا بأمره للأول أن يأمر الثاني فهذا
فصل الخطاب في هذه المسئلة والله المستعان واختلف في وجوب المراجعة فذهب إليه مالك
وأحمد في رواية والمشهور عنه وهو قول الجمهور انها مستحبة واحتجوا بأن ابتداء النكاح
لا يجب فاستدامته كذلك لكن صحيح صاحب الهداية من الحنفية أنها واجبة والحجة لمن قال
بالوجوب ورود الامر بها ولان الطلاق لما كان محرما في الحيض كانت استدامة النكاح فيه
واجبة فلو تمادى الذي طلق في الحيض حتى طهرت قال مالك وأكثر أصحابه يجبر على الرجعة
أيضا وقال أشهب منهم إذا طهرت انتهى الامر بالرجعة واتفقوا على أنها إذا انقضت عدتها أن
لا رجعة وأنه لو طلق في طهر قد مسها فيه لا يؤمر بمراجعتها كذا نقله ابن بطال وغيره لكن
الخلاف فيه ثابت قد حكاه الحناطي من الشافعية وجها واتفقوا على أنه لو طلق قبل الدخول
وهى حائض لم يؤمر بالمراجعة الا ما نقل عن زفر فطرد الباب (قوله ثم ليمسكها) أي يستمر بها في
عصمته (قوله حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر) في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع ثم ليدعها حتى
تطهر ثم تحيض حيضة أخرى فإذا طهرت فليطلقها ونحوه في رواية الليث وأيوب عن نافع وكذا
عند مسلم من رواية عبد الله بن دينار وكذا عندهما من رواية الزهري عن سالم وعند مسلم من
رواية محمد بن عبد الرحمن عن سالم بلفظ مرة فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا قال الشافعي
غير نافع انما روى حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ثم إن شاء أمسك وان شاء طلق رواه
يونس بن جبير وأنس بن سيرين وسالم قلت وهو كما قال لكن رواية الزهري عن سالم موافقة لرواية
نافع وقد نبه على ذلك أبو داود والزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظا وقد اختلف في
الحكمة في ذلك فقال الشافعي يحتمل أن يكون أراد بذلك أي بما في رواية نافع أن يستبرئها بعد
الحيضة التي طلقها فيها بطهر تام ثم حيض تام ليكون تطليقها وهى تعلم عدتها اما بحمل
أو بحيض أو ليكون تطليقها بعد علمه بالحمل وهو غير جاهل بما صنع إذ يرغب فيمسك للحمل
أو ليكون إن كانت سألت الطلاق غير حامل أن تكف عنه وقيل الحكمة فيه أن لا تصير الرجعة
لغرض الطلاق فإذا أمسكها زمانا يحل له فيه طلاقها ظهرت فائدة الرجعة لأنه قد يطول مقامه
معها فقد يجامعها فيذهب ما في نفسه من سبب طلاقها فيمسكها وقيل إن الطهر الذي يلي
الحيض الذي طلقها فيه كقرء واحد فلو طلقها فيه لكان كمن طلق في الحيض وهو ممتنع من
الطلاق في الحيض فلزم أن يتأخر إلى الطهر الثاني واختلف في جواز تطليقها في الطهر الذي يلي
الحيضة التي وقع فيها الطلاق والرجعة وفيه للشافعية وجهان أصحهما المنع وبه قطع المتولى
وهو الذي يقتضيه ظاهر الزيادة التي في الحديث وعبارة الغزالي في الوسيط وتبعه مجلي هل يجوز
أن يطلق في هذا الطهر وجهان وكلام المالكية يقتضى أن التأخير مستحب وقال ابن تيمية
في المحرر ولا يطلقها في الطهر المتعقب له فإنه بدعة وعنه أي عن أحمد جواز ذلك وفى كتب
304

الحنفية عن أبي حنيفة الجواز وعن أبي يوسف ومحمد المنع ووجه الجواز أن التحريم انما كان
لأجل الحيض فإذا طهرت زال موجب التحريم فجاز طلاقها في هذا الطهر كما يجوز في الطهر الذي
بعده وكما يجوز طلاقها في الطهر ان لم يتقدم طلاق في الحيض وقد ذكرنا حجج المانعين ومنها أنه
لو طلقها عقب تلك الحيضة كان قد راجعها ليطلقها وهذا عكس مقصود الرجعة فإنها شرعت
لإيواء المرأة ولهذا سماها امساكا فأمره أن يمسكها في ذلك الطهر وأن لا يطلق فيه حتى تحيض
حيضة أخرى ثم تطهر لتكون الرجعة للامساك لا للطلاق ويؤيد ذلك أن الشارع أكد هذا
المعنى حيث أمر بأن يمسكها في الطهر الذي يلي الحيض الذي طلقها فيه لقوله في رواية عبد الحميد ابن جعفر مره أن يراجعها فإذا طهرت مسها حتى إذا طهرت أخرى فان شاء طلقها وان شاء
أمسكها فإذا كان قد أمره بأن يمسكها في ذلك الطهر فكيف يبيح له أن يطلقها فيه وقد ثبت
النهى عن الطلاق في طهر جامعها فيه (قوله ثم إن شاء أمسك بعد وان شاء طلق قبل أن يمس)
في رواية أيوب ثم يطلقها قبل أن يمسها وفى رواية عبيد الله بن عمر فإذا طهرت فليطلقها قبل أن
يجامعها أو يمسكها ونحوه في رواية الليث وفى رواية الزهري عن سالم فان بدا له أن يطلقها
فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها وفى رواية محمد بن عبد الرحمن عن سالم ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا
وتمسك بهذه الزيادة من استثنى من تحريم الطلاق في طهر جامع فيه ما إذا ظهر الحمل فإنه لا يحرم
والحكمة فيه انه إذا ظهر الحمل فقد أقدم على ذلك على بصيرة فلا يندم على الطلاق وأيضا فان
زمن الحمل زمن الرغبة في الوطء فاقدامه على الطلاق فيه يدل على رغبته عنها ومحل ذلك أن
يكون الحمل من المطلق فلو كان من غيره بأن نكح حاملا من زنى ووطئها ثم طلقها أو وطئت
منكوحة بشبهة ثم حملت منه فطلقها زوجها فان الطلاق يكون بدعيا لان عدة الطلاق تقع بعد
وضع الحمل والنقاء من النفاس فلا تشرع عقب الطلاق في العدة كما في الحامل منه قال الخطابي
في قوله ثم إن شاء أمسك وان شاء طلق دليل على أن من قال لزوجته وهى حائض إذا طهرت فأنت
طالق لا يكون مطلقا للسنة لأن المطلق للسنة هو الذي يكون مخيرا عند وقوع طلاقه بين ايقاع
الطلاق وتركه واستدل بقوله قبل أن يمس على أن الطلاق في طهر جامع فيه حرام وبه صرح
الجمهور فلو طلق هل يجبر على الرجعة كما يجبر عليها إذا طلقها وهى حائض طرده بعض المالكية
فيهما والمشهور عنهم اجباره في الحائض دون الطاهر وقالوا فيما إذا طلقها وهى حائض يجبر على
الرجعة فان امتنع أدبه الحاكم فان أصر ارتجع الحاكم عليه وهل يجوز له وطؤها بذلك روايتان
لهم أصحهما الجواز وعن داود يجبر على الرجعة إذا طلقها حائضا ولا يجبر إذا طلقها نفساء وهو
جمود ووقع في رواية مسلم من طريق محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن ابن عمر ثم
ليطلقها طاهرا أو حاملا وفى روايته من طريق ابن أخي الزهري عن الزهري فان بدا له أن يطلقها
فليطلقها طاهرا من حيضها واختلف الفقهاء في المراد بقوله طاهرا هل المراد به انقطاع الدم
أو التطهر بالغسل على قولين وهما روايتان عن أحمد والراجح الثاني لما أخرجه النسائي من
طريق معتمر بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع في هذه القصة قال مر عبد الله فليراجعها فإذا
اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وان شاء أن يمسكها فليمسكها وهذا مفسر
لقوله فإذا طهرت فليحمل عليه ويتفرع من هذا أن العدة هل تنقضى بانقطاع الدم وترتفع الرجعة
305

أو لا بد من الاغتسال فيه خلاف أيضا والحاصل أن الاحكام المرتبة على الحيض نوعان الأول
يزول بانقطاع الدم كصحة الغسل والصوم وترتب الصلاة في الذمة والثاني لا يزول الا بالغسل كصحة
الصلاة والطواف وجواز اللبث في المسجد فهل يكون الطلاق من النوع الأول أو من الثاني
وتمسك بقوله ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا من ذهب إلى أن طلاق الحامل سنى وهو قول الجمهور
وعن أحمد رواية أنه ليس بسنى ولا يدعى (قوله فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء)
أي أذن وهذا بيان لمراد الآية وهى قوله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن
وصرح معمر في روايته عن أيوب عن نافع بان هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم وفى
رواية أبى الزبير عند مسلم قال ابن عمر وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء
الآية واستدل به من ذهب إلى أن الأقراء الاطهار للامر بطلاقها في الطهر وقوله فطلقوهن
لعدتهن أي وقت ابتداء عدتهن وقد جعل للمطلقة تربص ثلاثة قروء فلما نهى عن الطلاق في
الحيض وقال إن الطلاق في الطهر هو الطلاق المأذون فيه علم أن الأقراء الاطهار قاله ابن
عبد البر وسأذكر بقية فوائد حديث ابن عمر في الباب الذي يلي هذا إن شاء الله تعالى * (قوله
باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق) كذا بت الحكم بالمسئلة وفيها خلاف قديم
عن طاوس وعن خلاس بن عمرو وغيرهما أنه لا يقع ومن ثم نشا سؤال من سأل ابن عمر عن ذلك
(قوله شعبة عن أنس بن سيرين قال سمعت ابن عمر قال طلق ابن عمر امرأته وهى حائض فذكر ذلك
عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ليراجعها قلت تحتسب قال فمه) القائل قلت هو أنس بن سيرين
والمقول له ابن عمر بين ذلك أحمد في روايته عن محمد بن جعفر عن شعبة وكذا أخرجه مسلم من
طريق محمد بن جعفر وقد ساقه مسلم من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن ابن سيرين مطولا
كما سأذكره بعد ذلك (قوله وعن قتادة عن يونس بن جبير) هو معطوف على قوله عن أنس بن
سيرين فهو موصول وهو من رواية شعبة عن قتادة ولقد أفرده مسلم من رواية محمد بن جعفر عن
شعبة عن قتادة سمعت يونس بن جبير (قوله عن ابن عمر قال مرة فليراجعها) هكذا اختصره
ومراده أن يونس بن جبير حكى القصة نحو ما ذكرها أنس بن سيرين سوى ما بين من سياقه (قوله
قلت تحتسب) هو بضم أوله والقائل هو يونس بن جبير (قوله قال أرأيته) في رواية الكشميهني
أرأيت ان عجز واستحمق وقد اختصره البخاري اكتفاء بسياق أنس بن سيرين وقد ساقه مسلم
حيث أفرده ولفظه سمعت ابن عمر يقول طلقت امرأتي وهى حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه
وسلم فذكر ذلك له فقال ليراجعها فإذا طهرت فان شاء فليطلقها قال قلت لابن عمر أفيحسب بها
قال ما يمنعه أرأيت ان عجز واستحمق وقال أحمد حدثنا محمد بن جعفر وعبد الله بن بكير قالا حدثنا
شعبة فذكره أتم منه وفى أوله أنه سأل ابن عمر عن رجل طلق امرأته وهى حائض وفيه فقال مره
فليراجعها ثم إن بدا له طلاقها طلقها في قبل عدتها وفى قبل طهرها قال قلت لابن عمر أفتحتسب
طلاقها ذلك طلاقا قال نعم أرأيت ان عجز واستحمق وقد ساقه البخاري في آخر الباب الذي بعد هذا
نحو هذا السياق من رواية همام عن قتادة بطوله وفيه قلت فهل عد ذلك طلاقا قال أرأيت ان عجز
واستحمق وسيأتى في أبواب العدد في باب مراجعة الحائض من طريق محمد بن سيرين عن يونس بن
جبير مختصرا وفيه قلت فتعتد بتلك التطليقة قال أرأيت ان عجز واستحمق وأخرجه مسلم من
306

وجه آخر عن محمد بن سيرين مطولا ولفظه فقلت له إذا طلق الرجل امرأته وهى حائض أيعتد
بتلك التطليقة قال فمه أو ان عجز واستحمق وفى رواية له فقلت أفتحتسب عليه والباقي مثله وقوله
فمه أصله فما وهو استفهام فيه اكتفاء أي فما يكون ان لم تحتسب ويحتمل أن تكون الهاء أصلية
وهى كلمة تقال للزجر أي كف عن هذا الكلام فإنه لا بد من وقوع الطلاق بذلك قال ابن عبد البر
قول ابن عمر فمه معناه فأي شئ يكون إذا لم يعتد بها انكارا لقول السائل أيعتد بها فكأنه قال
وهل من ذلك بد وقوله أرأيت ان عجز واستحمق أي ان عجز عن فرض فلم يقمه أو استحمق فلم يأت
به أيكون ذلك عذرا له وقال الخطابي في الكلام حذف أي أرأيت ان عجز واستحمق أيسقط عنه
الطلاق حمقه أو يبطله عجزه وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه وقال الكرماني يحتمل أن يكون
ان نافية بمعنى ما أي لم يعجز ابن عمر ولا استحمق لأنه ليس بطفل ولا مجنون قال وإن كانت الرواية
بفتح ألف أن فمعناه أظهر والتاء من استحمق مفتوحة قاله ابن الخشاب وقال المعنى فعل فعلا
يصيره أحمق عاجزا فيسقط عنه حكم الطلاق عجزه أو حمقه والسين والتاء فيه إشارة إلى أنه تكلف
الحمق بما فعله من تطليق امرأته وهى حائض وقد وقع في بعض الأصول بضم التاء مبنيا للمجهول
أي أن الناس استحمقوه بما فعل وهو موجه وقال المهلب معنى قوله إن عجز واستحمق يعنى عجز
في المراجعة التي أمر بها عن ايقاع الطلاق أو فقد عقله فلم تمكن منه الرجعة أتبقى المرأة معلقة
لا ذات بعل ولا مطلقة وقد نهى الله عن ذلك فلا بد أن تحتسب بتلك التطليقة التي أوقعها على غير
وجهها كما أنه لو عجز عن فرض آخر لله فلم يقمه واستحمق فلم يأت به ما كان يعذر بذلك ويسقط
عنه (قوله حدثنا أبو معمر) كذا في رواية أبي ذر وهو ظاهر كلام أبى نعيم في المستخرج
وللباقين وقال أبو معمر وبه جزم الإسماعيلي وسقط هذا الحديث من رواية النسفي أصلا (قوله
عن ابن عمر قال حسبت على بتطليقة) هو بضم أوله من الحساب وقد أخرجه أبو نعيم من طريق
عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه مثل ما أخرجه البخاري مختصرا وزاد يعنى حين طلق امرأته
فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال النووي شذ بعض أهل الظاهر فقال إذا طلق
الحائض لم يقع الطلاق لأنه غير مأذون فيه فأشبه طلاق الأجنبية وحكاه الخطابي عن الخوارج
والروافض وقال ابن عبد البر لا يخالف في ذلك الا أهل البدع والضلال يعنى الآن قال وروى
مثله عن بعض التابعين وهو شذوذ وحكاه ابن العربي وغيره عن ابن علية يعنى إبراهيم بن إسماعيل
ابن علية الذي قال الشافعي في حقه إبراهيم ضال جلس في باب الضوال يضل الناس وكان بمصر
وله مسائل ينفرد بها وكان من فقهاء المعتزلة وقد غلط فيه من ظن أن المنقول عنه المسائل الشاذة
أبوه وحاشاه فإنه من كبار أهل السنة وكان النووي أراد ببعض الظاهرية ابن حزم فإنه ممن جرد
القول بذلك وانتصر له وبالغ وأجاب عن أمر ابن عمر بالمراجعة بان ابن عمر كان اجتنبها فامره أن
يعيدها إليه على ما كانت عليه من المعاشرة فحمل المراجعة على معناها اللغوي وتعقب بان
الحمل على الحقيقة الشرعية مقدم على اللغوية اتفاقا وأجاب عن قول ابن عمر حسبت على
بتطليقة بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعقب
بأنه مثل قول الصحابي أمرنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا فإنه ينصرف إلى من له
الامر حينئذ وهو النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال بعض الشراح وعندي أنه لا ينبغي أن يجئ
307

فيه الخلاف الذي في قول الصحابي أمرنا بكذا فان ذاك محله حيث يكون اطلاع النبي صلى الله
عليه وسلم على ذلك ليس صريحا وليس كذلك في قصة ابن عمر هذه فان النبي صلى الله عليه وسلم هو
الآمر بالمراجعة وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك وإذا أخبر ابن عمر أن
الذي وقع منه حسبت عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي صلى الله
عليه وسلم بعيدا جدا مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في
القصة شيئا برأيه وهو ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تغيظ من صنيعه كيف لم يشاوره فيما
يفعل في القصة المذكورة وقد أخرج ابن وهب في مسنده عن ابن أبي ذئب أن نافعا أخبره أن
ابن عمر طلق امرأته وهى حائض فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال مره
فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر قال ابن أبي ذئب في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
وهى واحدة قال ابن أبي ذئب وحدثني حنظلة بن أبي سفيان أنه سمع سالما يحدث عن أبيه عن
النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأخرجه الدارقطني من طريق يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب
وابن اسحق جميعا عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي واحدة وهذا نص في
موضع الخلاف فيجب المصير إليه وقد أورده بعض العلماء على ابن حزم فأجابه بأن قوله هي
واحدة لعله ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فألزمه بأنه نقض أصله لان الأصل لا يدفع
بالاحتمال وعند الدارقطني في رواية شعبة عن أنس بن سيرين عن ابن عمر في القصة فقال عمر
يا رسول الله أفتحتسب بتلك التطليقة قال نعم ورجاله إلى شعبة ثقات وعنده من طريق سعيد بن
عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رجلا قال انى طلقت امرأتي
البتة وهى حائض فقال عصيت ربك وفارقت امرأتك قال فان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمر ابن عمر أن يراجع امرأة قال إنه أمر ابن عمر أن يراجعها بطلاق بقى له وأنت لم تبق ما ترتجع به
امرأتك وفى هذا السياق رد على من حمل الرجعة في قصة ابن عمر على المعنى اللغوي وقد وافق
ابن حزم على ذلك من المتأخرين ابن تيمية وله كلام طويل في تقرير ذلك والانتصار له وأعظم
ما احتجوا به ما وقع في رواية أبى الزبير عن ابن عمر عند مسلم وأبى داود والنسائي وفيه فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعها فردها وقال إذا طهرت فليطلق أو يمسك لفظ مسلم
وللنسائي وأبى داود فردها على زاد أبو داود ولم يرها شيئا واسناده على شرط الصحيح فان مسلما
أخرجه من رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج وساقه على لفظه ثم أخرجه من رواية أبى عاصم عنه
وقال نحو هذه القصة ثم أخرجه من رواية عبد الرزاق عن ابن جريج قال مثل حديث حجاج
وفيه بعض الزيادة فأشار إلى هذه الزيادة ولعله طوى ذكرها عمدا وقد أخرج أحمد الحديث
عن روح بن عبادة عبادة عن ابن جريج فذكرها فلا يتخيل انفراد عبد الرزاق بها قال أبو داود روى
هذا الحديث عن ابن عمر جماعة وأحاديثهم كلها على خلاف ما قال أبو الزبير وقال ابن عبد البر
قوله ولم يرها شيئا منكر لم يقله غير أبى الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف بمن هو أثبت
منه ولو صح فمعناه عندي والله أعلم ولم يرها شيئا مستقيما لكونها لم تقع على السنة وقال الخطابي
قال أهل الحديث لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا وقد يحتمل أن يكون معناه ولم يرها شيئا
تحرم معه المراجعة أو لم يرها شيئا جائزا في السنة ماضيا في الاختيار وإن كان لازما له مع الكراهة
308

ونقل البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه ذكر رواية أبى الزبير فقال نافع أثبت من أبى الزبير
والأثبت من الحديثين أولى أن يؤخذ به إذا تخالفا وقد وافق نافعا غيره من أهل الثبت قال
وبسط الشافعي القول في ذلك وحمل قوله لم يرها شيا على أنه لم يعدها شيئا صوابا غير خطا بل يؤمر
صاحبه أن لا يقيم عليه لأنه أمره بالمراجعة ولو كان طلقها طاهرا لم يؤمر بذلك فهو كما يقال
للرجل إذا أخطأ في فعله أو أخطأ في جوابه لم يصنع شيئا أي لم يصنع شيئا صوابا قال ابن عبد البر
واحتج بعض من ذهب إلى أن الطلاق لا يقع بما روى عن الشعبي قال إذا طلق الرجل امرأته
وهى حائض لم يعتد بها في قول ابن عمر قال ابن عبد البر وليس معناه ما ذهب إليه وانما معناه لم
تعتد المرأة بتلك الحيضة في العدة كما روى ذلك عنه منصوصا أنه قال يقع عليها الطلاق ولا تعتد
بتلك الحيضة اه‍ وقد روى عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر نحوا مما
نقله ابن عبد البر عن الشعبي أخرجه ابن حزم باسناد صحيح والجواب عنه مثله وروى سعيد بن
منصور من طريق عبد الله بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهى حائض فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ليس ذلك بشئ وهذه متابعات لأبي الزبير الا أنها قابلة للتأويل وهو أولى من
الغاء الصريح في قول ابن عمر أنها حسبت عليه بتطليقة وهذا الجمع الذي ذكره ابن عبد البر وغيره
يتعين وهو أولى من تغليط بعض الثقات وأما قول ابن عمر انها حسبت عليه بتطليقة فإنه وان لم
يصرح برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فان فيه تسليم أن ابن عمر قال إنها حسبت عليه
فكيف يجتمع مع هذا قوله إنه لم يعتد بها أو لم يرها شيئا على المعنى الذي ذهب إليه المخالف لأنه ان
جعل الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم لزم منه أن ابن عمر خالف ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم
في هذه القصة بخصوصها لأنه قال إنها حسبت عليه بتطليقة فيكون من حسبها عليه خالف كونه
لم يرها شيئا وكيف يظن به ذلك مع اهتمامه واهتمام أبيه بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك
ليفعل ما يأمره به وان جعل الضمير في لم يعتد بها أو لم يرها لابن عمر لزم منه التناقض في القصة
الواحدة فيفتقر إلى الترجيح ولا شك أن الاخذ بما رواه الأكثر والاحفظ أولى من مقابله عند
تعذر الجمع عند الجمهور والله أعلم واحتج ابن القيم لترجيح ما ذهب إليه شيخه بأقيسة ترجع إلى
مسئلة أن النهى يقتضى الفساد فقال الطلاق ينقسم إلى حلال وحرام فالقياس أن حرامه
باطل كالنكاح وسائر العقود وأيضا فكما أن النهى يقتضى التحريم فكذلك يقتضى الفساد
وأيضا فهو طلاق منع منه الشرع فأفاد منعه عدم جواز ايقاعه فكذلك يفيد عدم نفوذه والا
لم يكن للمنع فائدة لان الزوج لو وكل رجلا أن يطلق امرأته على وجه فطلقها على غير الوجه
المأذون فيه لم ينفذ فكذلك لم يأذن الشارع للمكلف في الطلاق الا إذا كان مباحا فإذا طلق
طلاقا محرما لم يصح وأيضا فكلما حرمه الله من العقود مطلوب الاعدام فالحكم ببطلان
ما حرمه أقرب إلى تحصيل هذا المطلوب من تصحيحه ومعلوم أن الحلال المأذون فيه ليس
كالحرام الممنوع منه ثم أطال من هذا الجنس بمعارضات كثيرة لا تنهض مع التنصيص على
صريح الامر بالرجعة فإنها فرع وقوع الطلاق على تصريح صاحب القصة بأنها حسبت عليه
تطليقة والقياس في معارضة النص فاسد الاعتبار والله أعلم وقد عورض بقياس أحسن من
قياسه فقال ابن عبد البر ليس الطلاق من أعمال البر التي يتقرب بها وانما هو إزالة عصمة فيها حق
309

آدمي فكيفما أوقعه وقع سواء أجر في ذلك أم أثم ولو لزم المطيع ولم يلزم العاصي لكان العاصي
أخف حالا من المطيع ثم قال ابن القيم لم يرد التصريح بأن ابن عمر احتسب بتلك التطليقة الا في
رواية سعيد بن جبير عنه عند البخاري وليس فيها تصريح بالرفع قال فانفراد سعيد بن جبير بذلك
كانفراد أبى الزبير بقوله لم يرها شيئا فأما ان يتساقطا واما أن ترجح رواية أبى الزبير لتصريحها
بالرفع وتحمل رواية سعيد بن جبير على أن أباه هو الذي حسبها عليه بعد موت النبي صلى الله عليه
وسلم في الوقت الذي ألزم الناس فيه بالطلاق الثلاث بعد أن كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
لا يحتسب عليهم به ثلاثا إذا كان بلفظ واحد (قلت) وغفل رحمه الله عما ثبت في صحيح مسلم من
رواية أنس بن سيرين على وفاق ما روى سعيد بن جبير وفى سياقه ما يشعر بأنه انما راجعها في زمن
النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه سألت ابن عمر عن امرأته التي طلق فقال طلقتها وهى حائض
فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال مرة فليراجعها فإذا طهرت فليطلقها لطهرها قال
فراجعتها ثم طلقتها لطهرها قلت فاعتددت بتلك التطليقة وهى حائض فقال مالي لا أعتد بها وان
كنت عجزت واستحمقت وعند مسلم أيضا من طريق ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن سالم في
حديث الباب وكان عبد الله بن عمر طلقها تطليقة فحسبت من طلاقها فراجعها كما أمره رسول
الله صلى الله عليه وسلم وله من رواية الزبيدي عن ابن شهاب قال ابن عمر فراجعتها وحسبت لها
التطليقة التي طلقتها وعند الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج أنهم أرسلوا إلى نافع يسألونه
هل حسبت تطليقة ابن عمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال نعم وفى حديث ابن عمر من
الفوائد غير ما تقدم أن الرجعة يستقل بها الزوج دون الولي ورضا المرأة لأنه جعل ذلك إليه
دون غيره وهو كقوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن في ذلك وفيه أن الأب يقوم عن ابنه البالغ
الرشيد في الأمور التي تقع له مما يحتشم الابن من ذكره ويتلقى عنه ما لعله يلحقه من العتاب على فعله
شفقة منه وبرا وفيه أن طلاق الطاهرة لا يكره لأنه أنكر ايقاعه في الحيض لا في غيره ولقوله في
اخر الحديث فان شاء أمسك وان شاء طلق وفيه أن الحامل لا تحيض لقوله في طريق سالم المتقدمة
ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا فحرم صلى الله عليه وسلم الطلاق في زمن الحيض وأباحه في زمن الحمل
فدل على أنهما لا يجتمعان وأجيب بأن حيض الحامل لما لم يكن له تأثير في تطويل العدة ولا
تخفيفها لأنها بوضع الحمل فأباح الشارع طلاقها حاملا مطلقا وأما غير الحامل ففرق بين
الحائض والطاهر لان الحيض يؤثر في العدة فالفرق بين الحامل وغيرها انما هو بسبب الحمل
لا بسبب الحيض ولا الطهر وفيه أن الأقراء في العدة هي الاطهار وسيأتى تقرير ذلك في كتاب
العدة وفيه تحريم الطلاق في طهر جامعها فيه وبه قال الجمهور وقال المالكية لا يحرم وفى
رواية كالجمهور ورجحها الفاكهاني لكونه شرط في الاذن في الطلاق عدم المسيس والمعلق
بالشرط معدوم عند عدمه * (قوله باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته
بالطلاق) كذا للجميع وحذف ابن بطال من الترجمة قوله من طلق فكأنه لم يظهر له وجهه وأظن
المصنف قصد اثبات مشروعية جواز الطلاق وحمل حديث أبغض الحلال إلى الله الطلاق على
ما إذا وقع من غير سبب وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره وأعل بالارسال وأما المواجهة
فأشار إلى أنها خلاف الأولى لان ترك المواجهة أرفق وألطف الا ان احتيج إلى ذكر ذلك ثم ذكر
310

المصنف في الباب ثلاثة أحاديث * أحدها حديث عائشة (قوله أن ابنة الجون) زاد في نسخة
الصغاني الكلبية وهو بعيد على ما سأبينه ووقع في كتاب الصحابة لأبي نعيم من طريق عبيد بن
القاسم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن عمرة بنت الجون تعوذت من رسول الله صلى
الله عليه وسلم حيث أدخلت عليه قال لقد عذت بمعاذ الحديث وعبيد متروك والصحيح أن اسمها
أميمة بنت النعمان بن شراحيل كما في حديث أبي أسيد وقال مرة أميمة بنت شراحيل فنسبت
لجدها وقيل اسمها أسماء كما سأبينه في حديث أبي أسيد مع شرحه مستوفى وروى ابن سعد
عن الواقدي عن ابن أخي الزهري عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت تزوج النبي صلى الله
عليه وسلم الكلابية فذكر مثل حديث الباب وقوله الكلابية غلط وانما هي الكندية فكأنما
الكمة تصحفت نعم للكلابية قصة أخرى ذكرها ابن سعد أيضا بهذا السند إلى الزهري وقال
اسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان فاستعاذت منه فطلقها فكانت تلقط البعر وتقول أنا
الشقية قال وتوفيت سنة ستين ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن الكندية لما
وقع التخيير اختارت قومها ففارقها فكانت تقول أنا الشقية ومن طريق سعيد بن أبي هند أنها
استعاذت منه فأعاذها ومن طريق الكلبي اسمها العالية بنت ظبيان بن عمرو وحكى ابن سعد
أيضا أن اسمها عمرة بنت يزيد بن عبيد وقيل بنت يزيد بن الجون وأشار ابن سعد إلى أنها واحدة
اختلف في اسمها والصحيح أن التي استعاذت منه هي الجونية وروى ابن سعد من طريق سعيد
ابن عبد الرحمن بن أبزي قال لم تستعذ منه امرأة غيرها (قلت) وهو الذي يغلب على الظن لان
ذلك انما وقع للمستعيذة بالخديعة المذكورة فيبعد أن يخدع أخرى بعدها بمثل ما خدعت به
بعد شيوع الخبر بذلك قال ابن عبد البر أجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج الجونية
واختلفوا في سبب فراقه فقال قتادة لما دخل عليها دعاها فقالت تعال أنت فطلقها وقيل كان
بها وضح كالعامرية قال وزعم بعضهم أنها قالت أعوذ بالله منك فقال قد عذت بمعاذ وقد أعاذك
الله منى فطلقها قال وهذا باطل انما قال له هذا امرأة من بنى العنبر وكانت جميلة فخاف نساؤه
أن تغلبهن عليه فقلن لها انه يعجبه أن يقال له نعوذ بالله منك ففعلت فطلقها كذا قال وما أدرى
لم حكم ببطلان ذلك مع كثرة الروايات الواردة فيه وثبوته في حديث عائشة في صحيح البخاري
وسيأتى مزيد لذلك في الحديث الذي بعده والقول الذي نسبه لقتادة ذكر مثله أبو سعيد
النيسابوري عن شرقي بن قطامي (قوله رواه حجاج بن أبي منيع عن جده) هو حجاج بن يوسف بن أبي
منيع وأبو منيع هو عبيد الله بن أبي زياد الوصافي بفتح الواو وتشديد المهملة وبالفاء وكان
تكون بحلب ولم يخرج له البخاري الا معلقا وكذا لجده وهذه الطريق وصلها الذهلي في الزهريات
ورواه ابن أبي ذئب أيضا عن الزهري نحوه وزاد في آخره قال الزهري جعلها تطليقة أخرجه
البيهقي وقوله الحقي بأهلك بكسر الألف من الحقي وفتح الحاء بخلاف قوله في الحديث الثاني
ألحقها فإنه بفتح الهمزة وكسر الحاء * ثانيها (قوله حدثنا عبد الرحمن بن غسيل) كذا في رواية
الأكثر بغير ألف ولام وفى رواية النسفي ابن الغسيل وهو أوجه ولعلها كانت ابن غسيل
الملائكة فسقط لفظ الملائكة والألف واللام بدل الإضافة وعبد الرحمن ينسب إلى جد أبيه
وهو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاري وحنظلة هو غسيل
311

الملائكة استشهد بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة وقصته مشهورة ووقع في رواية الجرجاني
عبد الرحيم والصواب عبد الرحمن كما نبه عليه الجياني (قوله إلى حائط يقال له الشوط) بفتح المعجمة
وسكون الواو بعدها مهملة وقيل معجمة هو بستان في المدينة معروف (قوله حتى انتهينا إلى
حائطين جلسنا بينهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجلسوا ههنا ودخل) أي إلى الحائط في رواية
لابن سعد عن أبي أسيد قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بنى الجون فأمرني
أن آتيه بها فأتيته بها فأنزلتها بالشوط من وراء ذباب في أطم ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم
فأخبرته فخرج يمشى ونحن معه وذباب بضم المعجمة وموحدتين مخففا جبل معروف بالمدينة
والأطم الحصون وهو الأجم أيضا والجمع آطام وآجام كعنق وأعناق وفى رواية لابن سعد أن
النعمان بن الجون الكندي أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما فقال ألا أزوجك أجمل أيم في
العرب فتزوجها وبعث معه أبا أسيد الساعدي قال أبو أسيد فأنزلتها في بنى ساعدة فدخل عليها
نساء الحي فرحين بها وخرجن فذكرن من جمالها (قوله فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت
النعمان بن شراحيل) هو بالتنوين في الكل وأميمة بالرفع اما بدلا عن الجونية واما عطف بيان
وظن بعض الشراح أنه بالإضافة فقال في الكلام على الرواية التي بعدها تزوج رسول الله صلى
الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل ولعل التي نزلت في بيتها بنت أخيها وهو مردود فان مخرج
الطريقين واحد وانما جاء الوهم من إعادة لفظ في بيت وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده
عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه فقال في بيت في النخل أميمة الخ وجزم هشام بن الكلبي بأنها
أسماء بنت النعمان بن شراحيل بن الأسود بن الجون الكندية وكذا جزم بتسميتها أسماء محمد
ابن إسحاق ومحمد بن حبيب وغيرهما فلعل اسمها أسماء ولقبها أميمة ووقع في المغازي رواية
يونس بن بكير عن ابن إسحاق أسماء بنت كعب الجونية فلعل في نسبها من اسمه كعب نسبها إليه
وقيل هي أسماء بنت الأسود بن الحرث بن النعمان (قوله ومعها دايتها حاضنة لها) الداية بالتحتانية
الظئر المرضع وهى معربة ولم أقف على تسمية هذه الحاضنة (قوله هي نفسك لي الخ) السوقة بضم
السين المهملة يقال للواحد من الرعية والجمع قيل لهم ذلك لان الملك يسوقهم فيساقون إليه
ويصرفهم على مراده واما أهل السوق فالواحد منهم سوقي قال ابن المنير هذا من بقية
ما كان فيها من الجاهلية والسوقة عندهم من ليس بملك كائنا من كان فكأنها استبعدت أن
يتزوج الملكة من ليس بملك وكان صلى الله عليه وسلم قد خير أن يكون ملكا نبيا فاختار أن يكون
عبدا نبيا تواضعا منه صلى الله عليه وسلم لربه ولم يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم بكلامها
معذرة لها لقرب عهدها بجاهليتها وقال غيره يحتمل أنها لم تعرفه صلى الله عليه وسلم فخاطبته بذلك
وسياق القصة من مجموع طرقها يأبى هذا الاحتمال نعم سيأتي في أواخر الأشربة من طريق أبى
حازم عن سهل بن سعد قال ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب فامر أبا أسيد
الساعدي أن يرسل إليها فقدمت فنزلت في أجم بنى ساعدة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى
جاء بها فدخل عليها فإذا امرأة منكسة رأسها فلما كلمها قالت أعوذ بالله منك قال لقد أعذتك
منى فقالوا لها أتدرين من هذا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليخطبك قالت كنت أنا أشقى
من ذلك فإن كانت القصة واحدة فلا يكون قوله في حديث الباب ألحقها بأهلها ولا قوله
312

في حديث عائشة الحقي بأهلك تطليقا ويتعين أنها لم تعرفه وإن كانت القصة متعددة ولا مانع من
ذلك فلعل هذه المرأة هي الكلابية التي وقع فيها الاضطراب وقد ذكر ابن سعد بسند فيه العزرمي
الضعيف عن ابن عمر قال كان في نساء النبي صلى الله عليه وسلم سنا بنت سفيان بن عوف بن كعب
ابن أبي بكر بن كلاب قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا أسيد الساعدي يخطب عليه
امرأة من بنى عامر يقال لها عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر قال ابن
سعد اختلف علينا اسم الكلابية فقيل فاطمة بنت الضحاك بن سفيان وقيل عمرة بنت يزيد بن
عبيد وقيل سنا بنت سفيان بن عوف وقيل العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف فقال بعضهم
هي واحدة اختلف في اسمها وقال بعضهم بل كن جمعا ولكن لكل واحدة منهن قصة غير قصة
صاحبتها ثم ترجم الجونية فقال أسماء بنت النعمان ثم أخرج من طريق عبد الواحد بن أبي عون
قال قدم النعمان بن أبي الجون الكندي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما فقال يا رسول الله
ألا أزوجك أجمل أيم في العرب كانت تحت ابن عم لها فتوفى وقد رغبت فيك قال نعم قال فابعث
من يحملها إليك فبعث معه أبا أسيد الساعدي قال أبو أسيد فأقمت ثلاثة أيام ثم تحملت معي في
محفة فأقبلت بها حتى قدمت المدينة فأنزلتها في بنى ساعدة ووجهت إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو في بنى عمرو بن عوف فأخبرته الحديث قال ابن أبي عون وكان ذلك في ربيع الأول سنة
تسع ثم أخرج من طريق أخرى عن عمر بن الحكم عن أبي أسيد قال بعثني رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى الجونية فحملتها حتى نزلت بها في أطم بنى ساعدة ثم جئت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأخبرته فخرج يمشى على رجليه حتى جاءها الحديث ومن طريق سعيد بن عبد الرحمن بن
أبزى قال اسم الجونية أسماء بنت النعمان بن أبي الجون قيل لها استعيذي منه فإنه أحظى لك
عنده وخدعت لما رؤى من جمالها وذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حملها على ما قالت
فقال انهن صواحب يوسف وكيدهن فهذه تتنزل قصتها على حديث أبي حازم عن سهل بن سعد
وأما القصة التي في حديث الباب من رواية عائشة فيمكن أن تنزل على هذه أيضا فإنه ليس فيها الا
الاستعاذة والقصة التي في حديث أبي أسيد فيها أشياء مغايرة لهذه القصة فيقوى التعدد ويقوى
أن التي في حديث أبي أسيد اسمها أميمة والتي في حديث سهل اسمها أسماء والله أعلم وأميمة كان
قد عقد عليها ثم فارقها وهذه لم يعقد عليها بل جاء ليخطبها فقط (قوله فأهوى بيده) أي أمالها
إليها ووقع في رواية ابن سعد فأهوى إليها ليقبلها وكان إذا اختلى النساء أقعى وقبل وفى رواية
لابن سعد فدخل عليها داخل من النساء وكانت من أجمل النساء فقالت انك من الملوك فان كنت
تريدين أن تحظى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا جاءك فاستعيذي منه ووقع عنده عن
هشام بن محمد بن عبد الرحمن بن الغسيل باسناد حديث الباب أن عائشة وحفصة دخلتا عليها أول
ما قدمت فمشطتاها وخضبناها وقالت لها إحداهما ان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة
إذا دخل عليها أن تقول أعوذ بالله منك (قوله فقال قد عذت بمعاذ) وهو بفتح الميم ما يستعاذ به
أو اسم مكان العوذ والتنوين فيه للتعظيم وفى رواية ابن سعد فقال بكمه على وجهه وقال عذت
معاذا ثلاث مرات وفى أخرى له فقال أمن عائذ الله (قوله ثم خرج علينا فقال يا أبا أسيد اكسها
رازقيين) براء ثم زاي ثم قاف بالتثنية صفة موصوف محذوف للعلم به والرازقية ثياب من كتان
313

بيض طوال قاله أبو عبيدة وقال غيره يكون في داخل بياضها زرقة والرازقي الصفيق قال ابن
التين متعها بذلك اما وجوبا واما تفضلا (قلت) وسيأتى حكم المتعة في كتاب النفقات (قوله
وألحقها بأهلها) قال ابن بطال ليس في هذا أنه واجهها بالطلاق وتعقبه ابن المنير بأن ذلك ثبت
في حديث عائشة أول أحاديث الباب فيحمل على أنه قال لها الحقي بأهلك ثم لما خرج إلى أبى
أسيد قال له ألحقها بأهلها فلا منافاة فالأول قصد به الطلاق والثاني أراد به حقيقة اللفظ وهو
أن يعيدها إلى أهلها لان أبا أسيد هو الذي كان أحضرها كما ذكرناه ووقع في رواية لابن سعد
عن أبي أسيد قال فأمرني فرددتها إلى قومها وفى أخرى له فلما وصلت بها تصايحوا وقال إنك
لغير مباركة فما دهاك قالت خدعت قال فتوفيت في خلافة عثمان قال وحدثني هشام بن محمد عن أبي
خيثمة زهير بن معاوية أنها ماتت كمدا ثم روى بسند فيه الكلبي أن المهاجر بن أبي أمية
تزوجها فأراد عمر معاقبتها فقالت ما ضرب على الحجاب ولا سميت أم المؤمنين فكف عنها وعن
الواقدي سمعت من يقول إن عكرمة بن أبي جهل خلف عليها قال وليس ذلك بثبت ولعل ابن
بطال أراد أنه لم يواجهها بلفظ الطلاق وقد أخرج ابن سعد من طريق هشام بن عروة عن أبيه
أن الوليد بن عبد الملك كتب إليه يسأله فكتب إليه ما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم كندية
الا أخت بنى الجون فملكها فلما قدمت المدينة نظر إليها فطلقها ولم يبن بها فقوله فطلقها يحتمل أن
يكون باللفظ المذكور قبل ويحتمل أن يكون واجهها بلفظ الطلاق ولعل هذا هو السر في ايراد
الترجمة بلفظ الاستفهام دون بت الحكم واعترض بعضهم بأنه لم يتزوجها إذ لم يجر ذكر صورة
العقد وامتنعت أن تهب له نفسها فكيف يطلقها والجواب أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن
يزوج من نفسه بغير اذن المرأة وبغير اذن وليها فكان مجرد ارساله إليها واحضارها ورغبته فيها
كافيا في ذلك ويكون قوله هبى لي نفسك تطييبا لخاطرها واستمالة لقلبها ويؤيده قوله في رواية
لابن سعد أنه اتفق مع أبيها على مقدار صداقها وان أباها قال له انها رغبت فيك وخطبت إليك
(قوله وقال الحسين بن الوليد النيسابوري عن عبد الرحمن) هو ابن الغسيل (عن عباس بن
سهل عن أبيه وأبى أسيد) هذا التعليق وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبى أحمد الفراء عن
الحسين ومراد البخاري منه أن الحسين بن الوليد شارك أبا نعيم في روايته لهذا الحديث عن
عبد الرحمن بن الغسيل لكن اختلفا في شيخ عبد الرحمن فقال أبو نعيم حمزة وقال الحسين عباس
ابن سهل ثم ساقه من طريق ثالثة عن عبد الرحمن فبين أنه عند عبد الرحمن بالاسنادين لكن
طريق أبى أسيد عن حمزة ابنه عنه وطريق سهل بن سعد عن ابن عباس ابنه عنه وكان حمزة حذف
في رواية الحسين بن الوليد فصار الحديث من رواية عباس بن سهل عن أبي أسيد وليس كذلك
والتحرير ما وقع في الرواية الثالثة وهى رواية إبراهيم بن أبي الوزير واسم أبى الوزير عمر بن
مطرف وهو حجازي نزل البصرة وقد أدركه البخاري ولم يلقه فحدث عنه بواسطة وذكره في تاريخه
فقال مات بعد أبي عاصم سنة اثنتي عشرة وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وقد وافقه على
إقامة اسناده أبو أحمد الزبيري أخرجه أحمد في مسنده عنه * (تنبيهان) * الأول قال القاضي
عياض في أوائل كتاب الجهاد من شرح مسلم قال البخاري في تاريخه الحسين بن الوليد بن علي
النيسابوري القرشي مات سنة ثلاث ومائتين ولم يذكر في باب الحسن مكبرا من اسمه الحسن بن
314

الوليد وذكر في صحيحه في كتاب الطلاق الحسن بن الوليد النيسابوري عن عبد الرحمن عن عباس
ابن سهل عن أبيه وأبى أسيد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل كذا ذكره
مكبرا (قلت) لم أره في شئ من النسخ المعتمدة من البخاري الا مصغرا ويؤيده اقتصاره عليه في تاريخه
والله أعلم * الثاني وقع في رواية أبى أحمد الجرجاني في السند الأول عن حمزة بن أبي أسيد عن
عباس بن سهل عن أبيه وهو خطأ سقطت الواو من قوله وعن عباس وقد ثبتت عند جميع الرواة
وفى الحديث أن من قال لامرأته الحقي بأهلك وأراد الطلاق طلقت فإن لم يرد الطلاق لم تطلق
على ما وقع في حديث كعب بن مالك الطويل في قصة توبته أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل
إليه أن يعتزل امرأته قال لها الحقي بأهلك فكوني فيهم حتى يقضى الله هذا الامر وقد مضى
الكلام عليه مستوفى في شرحه * الحديث الثالث حديث ابن عمر في طلاق امرأته وقد مضى
شرحه مستوفى قبل وقوله في هذه الرواية أتعرف ابن عمر انما قال له ذلك مع أنه يعرف أنه يعرفه
وهو الذي يخاطبه ليقرره على اتباع السنة وعلى القبول من ناقلها وأنه يلزم العامة الاقتداء
بمشاهير العلماء فقرره على ما يلزمه من ذلك لا انه ظن أنه لا يعرفه قال ابن المنير ليس فيه مواجهة
ابن عمر المرأة بالطلاق وانما فيه طلق ابن عمر امرأته لكن الظاهر من حاله المواجهة لأنه انما
طلقها عن شقاق اه‍ ولم يذكر مستنده في الشقاق المذكور فقد يحتمل أن لا يكون عن شقاق
بل عن سبب آخر وقد روى أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق حمزة
ابن عبد الله بن عمر عن أبيه قال كان تحتي امرأة أحبها وكان عمر يكرهها فقال طلقها فأتيت النبي
صلى الله عليه وسلم فقال أطع أباك فيحتمل أن تكون هي هذه ولعل عمر لما أمره بطلاقها وشاور
النبي صلى الله عليه وسلم فامتثل أمره اتفق أن الطلاق وقع وهى في الحيض فعلم عمر بذلك فكان
ذلك هو السر في توليه السؤال عن ذلك لكونه وقع من قبله * (قوله باب من
جوز الطلاق الثلاث) كذا لأبي ذر وللأكثر ما أجاز وفى الترجمة إشارة إلى أن من السلف من
لم يجز وقوع الطلاق الثلاث فيحتمل أن يكون مراده بالمنع من كره البينونة الكبرى وهى بايقاع
الثلاث أعم من أن تكون مجموعة أو مفرقة ويمكن أن يتمسك له بحديث أبغض الحلال إلى الله
الطلاق وقد تقدم في أوائل الطلاق وأخرج سعيد بن منصور عن أنس أن عمر كان إذا أتى برجل
طلق امرأته ثلاثا أوجع ظهره وسنده صحيح ويحتمل أن يكون مراده بعدم الجواز من قال لا يقع
الطلاق إذا أوقعها مجموعة للنهي عنه وهو قول للشيعة وبعض أهل الظاهر وطرد بعضهم ذلك
في كل طلاق منهى كطلاق الحائض وهو شذوذ وذهب كثير منهم إلى وقوعه مع منع جوازه
واحتج له بعضهم بحديث محمود بن لبيد قال أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته
ثلاث تطليقات جميعا فقام مغضبا فقال أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم الحديث أخرجه
النسائي ورجاله ثقات لكن محمود بن لبيد ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت له منه
سماع وان ذكره بعضهم في الصحابة فلأجل الرؤية وقد ترجم له أحمد في مسنده وأخرج
له عدة أحاديث ليس فيها شئ صرح فيه بالسماع وقد قال النسائي بعد تخريجه لا أعلم
أحدا رواه غير مخرمة بن بكير يعنى ابن الأشج عن أبيه اه‍ ورواية مخرمة عن أبيه
عند مسلم في عدة أحاديث وقد قيل إنه لم يسمع من أبيه وعلى تقدير صحة حديث محمود
315

فليس فيه بيان أنه هل أمضى عليه الثلاث مع انكاره عليه ايقاعها مجموعة أو لا فأقل أحواله أن
يدل على تحريم ذلك وان لزم وقد تقدم في الكلام على حديث ابن عمر في طلاق الحائض
أنه قال لمن طلق ثلاثا مجموعة عصيت ربك وبانت منك امرأتك وله ألفاظ أخرى نحو هذه
عند عبد الرزاق وغيره وأخرج أبو داود بسند صحيح من طريق مجاهد قال كنت
عند ابن عباس فجاءه رجل فقال إنه طلق امرأته ثلاثا فسكت حتى ظننت أنه سيردها إليه فقال
ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول يا ابن عباس يا ابن عباس ان الله قال ومن يتق الله يجعل له
مخرجا وانك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجا عصيت ربك وبانت منك امرأتك وأخرج أبو داود له
متابعات عن ابن عباس بنحوه ومن القائلين بالتحريم واللزوم من قال إذا طلق ثلاثا مجموعة وقعت
واحدة وهو قول محمد بن إسحاق صاحب المغازي واحتج بما رواه عن داود بن الحصين عن عكرمة
عن ابن عباس قال طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديد
فسأله النبي صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها قال ثلاثا في مجلس واحد فقال النبي صلى الله
عليه وسلم انما تلك واحدة فارتجعها ان شئت فارتجعها وأخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه من
طريق محمد بن إسحاق وهذا الحديث نص في المسئلة لا يقبل التأويل الذي في غيره من الروايات
الآتي ذكرها وقد أجابوا عنه بأربعة أشياء * أحدها أن محمد بن إسحاق وشيخه مختلف فيهما وأجيب
بأنهم احتجوا في عدة من الاحكام بمثل هذا الاسناد كحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رد على
أبى العاص بن الربيع زينب ابنته بالنكاح الأول وليس كل مختلف فيه مردودا
والثاني
معارضته بفتوى ابن عباس بوقوع الثلاث كما تقدم من رواية مجاهد وغيره فلا يظن بابن عباس
أنه كان عنده هذا الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يفتى بخلافه الا بمرجح ظهر له وراوى
الخبر أخبر من غيره بما روى وأجيب بان الاعتبار برواية الراوي لا برأيه لما يطرق رأيه من
احتمال النسيان وغير ذلك وأما كونه تمسك بمرجح فلم ينحصر في المرفوع لاحتمال التمسك
بتخصيص أو تقييد أو تأويل وليس قول مجتهد حجة على مجتهد آخر * الثالث أن أبا داود رجح أن
ركانة انما طلق امرأته البتة كما أخرجه هو من طريق آل بيت ركانة وهو تعليل قوى لجواز أن
يكون بعض رواته حمل البتة على الثلاث فقال طلقها ثلاثا فبهذه النكتة يقف الاستدلال
بحديث ابن عباس * الرابع أنه مذهب شاذ فلا يعمل به وأجيب بأنه نقل عن علي وابن مسعود
وعبد الرحمن بن عوف والزبير مثله نقل ذلك ابن مغيث في كتاب الوثائق له وعزاه لمحمد بن وضاح
ونقل الغنوي ذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن تقى بن مخلد ومحمد بن عبد السلام
الخشني وغيرهما ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار
ويتعجب من ابن التين حيث جزم بأن لزوم الثلاث لا اختلاف فيه وانما الاختلاف في التحريم
مع ثبوت الاختلاف كما ترى ويقوى حديث ابن إسحاق المذكور ما أخرجه مسلم من طريق
عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال كان الطلاق على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن
الخطاب ان الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم ومن
طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء قال لابن عباس أتعلم
316

أنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وثلاثا من
امارة عمر قال ابن عباس نعم ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس
أن أبا الصهباء قال لابن عباس ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
واحدة قال قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم وهذه الطريق
الأخيرة أخرجها أبو داود لكن لم يسم إبراهيم بن ميسرة وقال بدله عن غير واحد ولفظ المتن أما
علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأة ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة الحديث فتمسك
بهذا السياق من أعل الحديث وقال انما قال ابن عباس ذلك في غير المدخول بها وهذا أحد
الأجوبة عن هذا الحديث وهى متعددة وهو جواب إسحاق بن راهويه وجماعة وبه جزم زكريا
الساجي من الشافعية ووجهوه بأن غير المدخول بها تبين إذا قال لها زوجها أنت طالق فإذا قال
ثلاثا لغا العدد لوقوعه بعد البينونة وتعقبه القرطبي بأن قوله أنت طالق ثلاثا كلام متصل غير
منفصل فكيف يصح جعله كلمتين وتعطى كل كلمة حكما وقال النووي أنت طالق معناه أنت ذات
الطلاق وهذا اللفظ يصح تفسيره بالواحدة وبالثلاث وغير ذلك * الجواب الثاني دعوى شذوذ
رواية طاوس وهى طريقة البيهقي فإنه ساق الروايات عن ابن عباس بلزوم الثلاث ثم نقل عن
ابن المنذر أنه لا يظن بابن عباس أنه يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ويفتى بخلافه فيتعين
المصير إلى الترجيح والاخذ بقول الأكثر أولى من الاخذ بقول الواحد إذا خالفهم وقال ابن
العربي هذا حديث مختلف في صحته فكيف يقدم على الاجماع قال ويعارضه حديث محمود بن
لبيد يعنى الذي تقدم أن النسائي أخرجه فان فيه التصريح بأن الرجل طلق ثلاثا مجموعة ولم يرده
النبي صلى الله عليه وسلم بل أمضاه كذا قال وليس في سياق الخبر تعرض لامضاء ذلك ولا لرده
* الجواب الثالث دعوى النسخ فنقل البيهقي عن الشافعي أنه قال يشبه أن يكون ابن عباس
علم شيئا نسخ ذلك قال البيهقي ويقويه ما أخرجه أبو داود من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن
ابن عباس قال كان الرجل إذا طلق امرأة فهو أحق برجعتها وان طلقها ثلاثا فنسخ ذلك وقد
أنكر المازري ادعاء النسخ فقال زعم بعضهم أن هذا الحكم منسوخ وهو غلط فان عمر لا ينسخ
ولو نسخ وحاشاه لبادر الصحابة إلى انكاره وان أراد القائل أنه نسخ في زمن النبي صلى الله عليه
وسلم فلا يمتنع لكن يخرج عن ظاهر الحديث لأنه لو كان كذلك لم يجز للراوي أن يخبر ببقاء الحكم
في خلافة أبى بكر وبعض خلافة عمر فان قيل فقد يجمع الصحابة ويقبل منهم ذلك قلنا انما يقبل
ذلك لأنه يستدل باجماعهم على ناسخ وأما أنهم ينسخون من تلقاء أنفسهم فمعاذ الله لأنه اجماع
على الخطا وهم معصومون عن ذلك فان قيل فلعل النسخ انما ظهر في زمن عمر قلنا هذا أيضا غلط
لأنه يكون قد حصل الاجماع على الخطا في زمن أبى بكر وليس انقراض العصر شرطا في صحة
الاجماع على الراجح (قلت) نقل النووي هذا الفصل في شرح مسلم وأقره وهو متعقب في مواضع
* أحدها ان الذي ادعى نسخ الحكم لم يقل ان عمر هو الذي نسخ حتى يلزم منه ما ذكر وانما قال
ما تقدم يشبه أن يكون علم شيئا من ذلك نسخ أي اطلع على ناسخ للحكم الذي رواه مرفوعا ولذلك
أفتى بخلافه وقد سلم المازري في أثناء كلامه أن اجماعهم يدل على ناسخ وهذا هو مراد من ادعى
النسخ * الثاني انكاره الخروج عن الظاهر عجيب فان الذي يحاول الجمع بالتأويل يرتكب
317

خلاف الظاهر حتما * الثالث أن تغليطه من قال المراد ظهور النسخ عجيب أيضا لان المراد
بظهوره انتشاره وكلام ابن عباس أنه كان يفعل في زمن أبى بكر محمول على أن الذي كان يفعله
من لم يبلغه النسخ فلا يلزم ما ذكر من اجماعهم على الخطا وما أشار إليه من مسئلة انقراض
العصر لا يجئ هنا لان عصر الصحابة لم ينقرض في زمن أبى بكر بل ولا عمر فان المراد بالعصر
الطبقة من المجتهدين وهم في زمن أبى بكر وعمر بل وبعدهما طبقة واحدة * الجواب الرابع دعوى
الاضطراب قال القرطبي في المفهم وقع فيه مع الاختلاف علي بن عباس الاضطراب في لفظه
وظاهر سياقه يقتضى النقل عن جميعهم أن معظمهم كانوا يرون ذلك والعادة في مثل هذا أن
يفشو الحكم وينتشر فكيف ينفرد به واحد عن واحد قال فهذا الوجه يقتضى التوقف عن
العمل بظاهره ان لم يقتض القطع ببطلانه * الجواب الخامس دعوى أنه ورد في صورة خاصة
فقال ابن سريج وغيره يشبه أن يكون ورد في تكرير اللفظ كأن يقول أنت طالق أنت طالق
أنت طالق وكانوا أولا على سلامة صدورهم يقبل منهم أنهم أرادوا التأكيد فلما كثر الناس
في زمن عمر وكثر فيهم الخداع ونحوه مما يمنع قبول من ادعى التأكيد حمل عمر اللفظ على ظاهر
التكرار فأمضاء عليهم وهذا الجواب ارتضاه القرطبي وقواه بقول عمر ان الناس استعجلوا في
أمر كانت لهم فيه أناة وكذا قال النووي ان هذا أصح الأجوبة * الجواب السادس تأويل
قوله واحدة وهو أن معنى قوله كان الثلاث واحدة ان الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
كانوا يطلقون واحدة فلما كان زمن عمر كانوا يطلقون ثلاثا ومحصله ان المعنى أن الطلاق الموقع
في عهد عمر ثلاثا كان يوقع قبل ذلك واحدة لانهم كانوا لا يستعملون الثلاث أصلا أو كانوا
يستعملونها نادرا وأما في عصر عمر فكثر استعمالهم لها ومعنى قوله فأمضاه عليهم وأجازه وغير
ذلك أنه صنع فيه من الحكم بايقاع الطلاق ما كان يصنع قبله ورجح هذا التأويل ابن العربي
ونسبه إلى أبى زرعة الرازي وكذا أورده البيهقي باسناده الصحيح إلى أبى زرعة أنه قال معنى هذا
الحديث عندي أن ما تطلقون أنتم ثلاثا كانوا يطلقون واحدة قال النووي وعلى هذا فيكون
الخبر وقع عن اختلاف عادة الناس خاصة لا عن تغير الحكم في الواحدة فالله أعلم * الجواب
السابع دعوى وقفة فقال بعضهم ليس في هذا السياق ان ذلك كان يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم
فيقره والحجة انما هي في تقريره وتعقب بأن قول الصحابي كنا نفعل كذا في عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم في حكم الرفع على الراجح حملا على أنه اطلع على ذلك فأقره لتوفر دواعيهم على
السؤال عن جليل الاحكام وحقيرها * الجواب الثامن حمل قوله ثلاثا على أن المراد بها
لفظ البتة كما تقدم في حديث ركانة سواء وهو من رواية ابن عباس أيضا وهو قوى ويؤيده
ادخال البخاري في هذا الباب الآثار التي فيها البتة والأحاديث التي فيها التصريح بالثلاث كأنه
يشير إلى عدم الفرق بينهما وأن البتة إذا أطلقت حمل على الثلاث الا ان أراد المطلق واحدة
فيقبل فكان بعض رواته حمل لفظ البتة على الثلاث لاشتهار التسوية بينهما فرواها بلفظ
الثلاث وانما المراد لفظ البتة وكانوا في العصر الأول يقبلون ممن قال أردت بالبتة الواحدة فلما
كان عهد عمر أمضى الثلاث في ظاهر الحكم قال القرطبي وحجة الجمهور في اللزوم من حيث
النظر ظاهرة جدا وهو أن المطلقة ثلاثا لا تحل للمطلق حتى تنكح زوجا غيره ولا فرق بين مجموعها
318

ومفرقها لغة وشرعا وما يتخيل من الفرق صوري ألغاه الشرع اتفاقا في النكاح والعتق
والأقارير فلو قال الولي أنكحتك هؤلاء الثلاث في كلمة واحدة انعقد كما لو قال أنكحتك هذه
وهذه وهذه وكذا في العتق والاقرار وغير ذلك من الاحكام واحتج من قال إن الثلاث إذا
وقعت مجموعة حملت على الواحدة بأن من قال أحلف بالله ثلاثا لا يعد حلفه الا يمينا واحدة
فليكن المطلق مثله وتعقب باختلاف الصيغتين فان المطلق ينشئ طلاق امرأته وقد جعل
أمد طلاقها ثلاثا فإذا قال أنت طالق ثلاثا فكأنه قال أنت طالق جميع الطلاق وأما الحالف
فلا أمد لعدد أيمانه فافترقا وفى الجملة فالذي وقع في هذه المسئلة نظير ما وقع في مسئلة المتعة
سواء أعنى قول جابر انها كانت تفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وصدر من خلافة
عمر قال ثم نهانا عمر عنها فانتهينا فالراجح في الموضعين تحريم المتعة وايقاع الثلاث للاجماع الذي
انعقد في عهد عمر على ذلك ولا يحفظ أن أحدا في عهد عمر خالفه في واحدة منهما وقد دل اجماعهم
على وجود ناسخ وإن كان خفى عن بعضهم قبل ذلك حتى ظهر لجميعهم في عهد عمر فالمخالف بعد هذا
الاجماع منابذ له والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد الاتفاق والله أعلم وقد
أطلت في هذا الموضع لالتماس من التمس ذلك منى والله المستعان (قوله لقول الله تعالى الطلاق
مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) قد استشكل وجه استدلال المصنف بهذه الآية
على ما ترجم به من تجويز الطلاق الثلاث والذي يظهر لي أنه إن كان أراد بالترجمة مطلق وجود
الثلاث مفرقة كانت أو مجموعة فالآية واردة على المانع لأنها دلت على مشروعية ذلك من غير
نكير وإن كان أراد تجويز الثلاث مجموعة وهو الاظهر فأشار بالآية إلى أنها مما احتج به المخالف
للمنع من الوقوع لان ظاهرها أن الطلاق المشروع لا يكون بالثلاث دفعة بل على الترتيب
المذكور فأشار إلى أن الاستدلال بذلك على منع جميع الثلاث غير متجه إذ ليس في السياق المنع
من غير الكيفية المذكورة بل انعقد الاجماع على أن ايقاع المرتين ليس شرطا ولا راجحا بل
اتفقوا على أن ايقاع الواحدة أرجح من ايقاع الثنتين كما تقدم تقريره في الكلام على حديث
ابن عمر فالحاصل أن مراده دفع دليل المخالف بالآية لا الاحتجاج بها لتجويز الثلاث هذا الذي
ترجح عندي وقال الكرماني وجه استدلاله بالآية أنه تعالى قال الطلاق مرتان فدل على جواز
جمع الثنتين وإذا جاز جمع الثنتين دفعة جاز جمع الثلاث دفعة كذا قال وهو قياس مع وضوح
الفارق لان جمع الثنتين لا يستلزم البينونة الكبرى بل تبقى له الرجعة إن كانت رجعية وتجديد
العقد بغير انتظار عدة إن كانت بائنا بخلاف جمع الثلاث ثم قال الكرماني أو التسريح باحسان
عام يتناول ايقاع الثلاث دفعة (قلت) وهذا لا باس به لكن التسريح في سياق الآية انما هو
فيما بعد ايقاع الثنتين فلا يتناول ايقاع الطلاقات الثلاث فان معنى قوله تعالى الطلاق مرتان
فيما ذكر أهل العلم بالتفسير أي أكثر الطلاق الذي يكون بعده الامساك أو التسريح مرتان ثم
حينئذ اما أن يختار استمرار العصمة فيمسك الزوجة أو المفارقة فيسرحها بالطلقة الثالثة وهذا
التأويل نقله الطبري وغيره عن الجمهور ونقلوا عن السدى والضحاك أن المراد بالتسريح في
الآية ترك الرجعة حتى تنقضى العدة فتحصل البينونة ويرجح الأول ما أخرجه الطبري وغيره
من طريق إسماعيل بن سميع عن أبي رزين قال قال رجل يا رسول الله الطلاق مرتان فأين
319

الثالثة قال امساك بمعروف أو تسريح باحسان وسنده حسن لكنه مرسل لان أبا رزين
لا صحبة له وقد وصله الدارقطني من وجه آخر عن إسماعيل فقال عن أنس لكنه شاذ والأول
هو المحفوظ وقد رجح الكيا الهراسي من الشافعية في كتاب أحكام القرآن له قول السدى
ودفع الخبر لكونه مرسلا وأطال في تقرير ذلك بما حاصله أن فيه زيادة فائدة وهى بيان حال
المطلقة وانها تبين إذا انقضت عدتها قال وتؤخذ الطلقة الثالثة من قوله تعالى فان طلقها اه‍
والأخذ بالحديث أولى فإنه مرسل حسن يعتضد بما أخرجه الطبري من حديث ابن عباس
بسند صحيح قال إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في الثالثة فاما أن يمسكها فيحسن
صحبتها أو يسرحها فلا يظلمها من حقها شيئا وقال القرطبي في تفسيره ترجم البخاري على هذه
الآية من أجاز الطلاق الثلاث لقوله تعالى الطلاق مرتان وهذه إشارة منه إلى أن هذا العدد انما
هو بطريق الفسحة لهم فمن ضيق على نفسه لزمه كذا قال ولم يظهر لي وجه اللزوم المذكور والله
المستعان (قوله وقال ابن الزبير لا أرى أن ترث مبتوتة) كذا لأبي ذر ولغيره مبتوتة بزيادة ضمير
للرجل وكأنه حذف العلم به وهذا التعليق عن عبد الله بن الزبير وصله الشافعي وعبد الرزاق من
طريق ابن أبي مليكة قال سألت عبد الله بن الزبير عن الرجل يطلق امرأته فيبتها ثم يموت وهى في
عدتها قال أما عثمان فورثها وأما أنا فلا أرى أن أورثها لبينونته إياها (قوله وقال الشعبي ترثه)
وصله سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي في رجل طلق ثلاثا في
مرضه قال تعتد عدة المتوفى عنها زوجها وترثه ما كانت في العدة (قوله وقال ابن شبرمة) هو
عبد الله قاضى الكوفة (قوله تزوج) بفتح أوله وضم آخره وهو استفهام محذوف الأداة (قوله
إذا انقضت العدة قال نعم) هذا ظاهره أن الخطاب دار بين الشعبي وابن شبرمة لكن الذي رأيت
في سنن سعيد بن منصور أنه كان مع غيره فقال سعيد حدثنا حماد بن زيد عن أبي هاشم في الرجل
يطلق امرأة وهو مريض ان مات في مرضه ذلك ورثته فقال له ابن شبرمة أرأيت ان انقضت
العدة (قوله قال أرأيت ان مات الزوج الآخر فرجع عن ذلك) هكذا وقع عند البخاري مختصرا
والذي في رواية سعيد بن منصور المذكورة فقال ابن شبرمة أتتزوج قال نعم قال فان مات هذا ومات
الأول أترث زوجين قال لا فرجع إلى العدة فقال ترثه ما كانت في العدة ولعله سقط ذكر الشعبي من
الرواية وأبو هاشم المذكور هو الرماني بضم الراء وتشديد الميم اسمه يحيى وهو واسطى كان يتردد إلى
الكوفة وهو ثقة ومحل المسئلة المذكورة كتاب الفرائض وانما ذكرت هنا استطرادا والمبتوتة
بموحدة ومثناتين من قيل لها أنت طالق البتة وتطلق على من أبينت بالثلاث ثم أورد المصنف
في الباب ثلاثة أحاديث * الحديث الأول حديث سهل بن سعد في قصة المتلاعنين وسيأتى شرحه
مستوفى في كتاب اللعان والغرض منه هنا قوله في آخر الحديث فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول
الله صلى الله عليه وسلم الحديث وقد تعقب بأن المفارقة في الملاعنة وقعت بنفس اللعان فلم
يصادف تطليقه إياها ثلاثا موقعا وأجيب بأن الاحتجاج به من كون النبي صلى الله عليه وسلم لم
ينكر عليه ايقاع الثلاث مجموعة فلو كان ممنوعا لأنكره ولو وقعت الفرقة بنفس اللعان
* الحديث الثاني حديث عائشة في قصة رفاعة القرظي وامرأته وسيأتى شرحه مستوفى في باب
إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجت بعد العدة زوجا غيره فلم يمسها وشاهد الترجمة منه قوله فبت طلاق
320

فإنه ظاهر في أنه قال لها أنت طالق البتة ويحتمل أن يكون المراد أنه طلقها طلاقا حصل به قطع
عصمتها منه وهو أعم من أن يكون طلقها ثلاثا مجموعة أو مفرقة ويؤيد الثاني أنه سيأتي في كتاب
الأدب من وجه آخر أنها قالت طلقني آخر ثلاث تطليقات وهذا يرجح أن المراد بالترجمة بيان من
أجاز الطلاق الثلاث ولم يكرهه ويحتمل أن يكون مراد الترجمة أعم من ذلك وكل حديث يدل على
حكم فرد من ذلك * الحديث الثالث حديث عائشة أيضا أن رجلا طلق امرأته ثلاثا فسئل النبي
صلى الله عليه وسلم أتحل للأول قال لا الحديث وهو وإن كان مختصرا من قصة رفاعة فقد ذكرت
توجيه المراد به وإن كان في قصة أخرى فالتمسك بظاهر قوله طلقها ثلاثا فإنه ظاهر في كونها
مجموعة وسيأتى في شرح قصة رفاعة أن غيره وقع له مع امرأة نظير ما وقع لرفاعة فليس التعدد في
ذلك ببعيد * (قوله باب من خير أزواجه وقول الله تعالى قل لازواجك ان
كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها) تقدم في تفسير الأحزاب بيان سبب التخيير المذكور وفيماذا
وقع التخيير ومتى كان التخيير وأذكر هنا بيان حكم من خير امرأته مع بقية شرح حديث الباب
ووقع هنا في نسخة الصغاني قبل حديث مسروق عن عائشة حديث أبي سلمة عنها في المعنى قال
فيه حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري ح وقال الليث حدثنا يونس عن ابن شهاب أخبرني
أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه
الحديث وساقه على لفظ يونس وقد تقدم الطريقان في تفسير سورة الأحزاب وساق رواية
شعيب وأولها أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء لها حين أمره الله بتخيير
أزواجه الحديث ثم ساق رواية الليث معلقة أيضا في ترجمة أخرى (قوله حدثنا عمر بن حفص)
أي ابن غياث الكوفي وقوله مسلم هو ابن صبيح بالتصغير أبو الضحى مشهور بكنيته أكثر من اسمه
وفى طبقته مسلم البطين وهو من رجال البخاري لكنه وان روى عنه الأعمش لا يروى عن مسروق
وفى طبقتهما مسلم بن كيسان الأعور وليس هو من رجال الصحيح ولا له رواية عن مسروق
(قوله خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية الشعبي عن مسروق خير نساءه أخرجه
مسلم (قوله فاخترنا الله ورسوله فلم يعد) بتشديد الدال وضم العين من العدد وفى رواية فلم يعدد
بفك الادغام وفى أخرى فلم يعتد بسكون العين وفتح المثناة وتشديد الدال من الاعتداد وقوله فلم
321

يعد ذلك علينا شيئا في رواية مسلم فلم يعده طلاقا (قوله إسماعيل) هو ابن أبي خالد (قوله سالت
عائشة عن الخيرة) بكسر المعجمة وفتح التحتانية بمعنى الخيار (قوله أفكان طلاقا) هو استفهام
انكار ولأحمد عن وكيع عن إسماعيل فهل كان طلاقا وكذا للنسائي من رواية يحيى القطان عن
إسماعيل (قوله قال مسروق لا أبالى أخيرتها واحدة أو مائة بعد أن تختارني) هو موصول بالاسناد
المذكور وقد أخرجه مسلم من رواية علي بن مسهر عن إسماعيل فقدم كلام مسروق المذكور
ولفظه عن مسروق قال ما أبالى فذكر مثله وزاد أو ألفا ولقد سألت عائشة فذكر حديثها وبقول
عائشة المذكور يقول جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار وهو أن من خير زوجته
فاختارته لا يقع عليه بذلك طلاق لكن اختلفوا فيما إذا اختارت نفسها هل يقع طلقة واحدة
رجعية أو بائنا أو يقع ثلاثا وحكى الترمذي عن علي أن اختارت نفسها فواحدة بائنة وان
اختارت زوجها فواحدة رجعية وعن زيد بن ثابت ان اختارت نفسها فثلاث وان اختارت
زوجها فواحدة بائنة وعن عمر وابن مسعود ان اختارت نفسها فواحدة بائنة وعنهما رجعية
وان اختارت زوجها فلا شئ ويؤيد قول الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين فلو
كان اختيارها لزوجها طلاقا لاتحدا فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق واختيارها
لزوجها بمعنى البقاء في العصمة وقد اخرج ابن أبي شيبة من طريق زاذان قال كنا جلوسا عند على
فسئل عن الخيار فقال سألني عنه عمر فقلت ان اختارت نفسها فواحدة بائن وان اختارت
زوجها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت إن اختارت زوجها فلا شئ قال فلم أجد بدا من متابعته
فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف قال على وأرسل عمر إلى زيد بن ثابت فقال فذكر مثل
ما حكاه عنه الترمذي وأخرج ابن أبي شيبة من طرق عن علي نظير ما حكاه عنه زاذان من اختياره
وأخذ مالك يقول زيد بن ثابت واحتج بعض أتباعه لكونها إذا اختارت نفسها يقع ثلاثا بأن
معنى الخيار بت أحد الامرين اما الاخذ واما الترك فلو قلنا إذا اختارت نفسها تكون طلقة
رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ لأنها تكون بعد في أسر الزوج وتكون كمن خير بين شيئين فاختار
غيرهما وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وابن مسعود فما إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة ولا يرد
عليه الايراد السابق وقال الشافعي التخيير كناية فإذا خير الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين
أن تطلق منه وبين أن تستمر في عصمته فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت فلو قالت
لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدقت ويؤخذ من هذا أنه لو وقع التصريح في التخيير بالتطليق
أن الطلاق يقع جزما نبه على ذلك شيخنا حافظ الوقت أبو الفضل العراقي في شرح الترمذي ونبه
صاحب الهداية من الحنفية على اشتراط ذكر النفس في التخيير فلو قال مثلا اختاري فقالت
اخترت لم يكن تخييرا بين الطلاق وعدمه وهو ظاهر لكن محله الاطلاق فلو قصد ذلك بهذا اللفظ
ساغ وقال صاحب الهداية أيضا ان قال اختاري ينوى به الطلاق فلها أن تطلق نفسها ويقع
بائنا فلو لم ينوى فهو باطل وكذا لو قال اختاري فقالت اخترت فلو نوى فقالت اخترت نفسي
وقعت طلقة رجعية وقال الخطابي يؤخذ من قول عائشة فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقا أنها
لو اختارت نفسها لكان ذلك طلاقا ووافقه القرطبي في المفهم فقال في الحديث ان المخيرة إذا
اختارت نفسها أن نفس ذلك الاختيار يكون طلاقا من غير احتياج إلى نطق بلفظ يدل على
322

الطلاق قال وهو مقتبس من مفهوم قول عائشة المذكور (قلت) لكن ظاهر الآية أن ذلك
بمجرده لا يكون طلاقا بل لا بد من انشاء الزوج الطلاق لان فيها فتعالين أمتعكن وأسرحكن أي
بعد الاختيار ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم واختلفوا في التخيير هل هو بمعنى التمليك
أو بمعنى التوكيل وللشافعي فيه قولان المصحح عند أصحابه أنه تمليك وهو قول المالكية بشرط
مبادرتها له حتى لو أخرت بقدر ما ينقطع القبول عن الايجاب في العقد ثم طلقت لم يقع وفى وجه
لا يضر التأخير ما داما في المجلس وبه جزم ابن القاص وهو الذي رجحه المالكية والحنفية وهو
قول الثوري والليث والأوزاعي وقال ابن المنذر الراجح انه لا يتقيد ولا يشترط فيه الفور بل متى
طلقت نفذ وهو قول الحسن والزهري وبه قال أبو عبيد ومحمد بن نصر من الشافعية والطحاوي
من الحنفية وتمسكوا بحديث الباب حيث وقع فيه انى ذاكر لك أمرا فلا تعجلي حتى تستأمري
أبويك الحديث فإنه ظاهر في أنه فسح لها إذ اخبرها أن لا تختار شيئا حتى تستأذن أبويها ثم تفعل
ما يشيران به عليها وذلك يقتضى عدم اشتراط الفور في جواب التخيير (قلت) ويمكن أن يقال
يشترط الفور أو ما داما في المجلس عند الاطلاق فأما لو صرح الزوج بالفسحة في تأخيره بسبب
يقتضى ذلك فيتراخى وهذا الذي وقع في قصة عائشة ولا يلزم من ذلك أن يكون كل خيار كذلك
والله أعلم * (قوله باب إذا قال فارقتك أو سرحتك أو الخلية أو البرية أو ما عنى به
الطلاق فهو على نيته) هكذا بت المصنف الحكم في هذه المسئلة فاقتضى أن لا صريح عنده الا
لفظ الطلاق أو ما تصرف منه وهو قول الشافعي في القديم ونص في الجديد على أن الصريح لفظ
الطلاق والفراق والسراح لورود ذلك في القرآن بمعنى الطلاق وحجة القديم أنه ورد في القرآن
لفظ الفراق والسراح لغير الطلاق بخلاف الطلاق فإنه لم يرد الا للطلاق وقد رجح جماعة القديم
كالطبري في العدة والمحاملي وغيرهما وهو قول الحنفية واختاره القاضي عبد الوهاب من
المالكية وحكى الدارمي عن ابن خير أن أن من لم يعرف الا الطلاق فهو صريح في حقه فقط وهو
تفصيل قوى ونحوه للروياني فإنه قال لو قال عربي فارقتك ولم يعرف أنها صريحة لا يكون
صريحا في حقه واتفقوا على أن لفظ الطلاق وما تصرف منه صريح لكن أخرج أبو عبيد في
غريب الحديث من طريق عبد الله بن شهاب الخولاني عن عمر أنه رفع إليه رجل قالت له امرأته
شبهني فقال كأنك ظبية قالت لا قال كأنك حمامة قالت لا أرضى حتى تقول أنت خلية طالق
فقالها فقال له عمر خذ بيدها فهي امرأتك قال أبو عبيد قوله خلية طالق أي ناقة كانت معقولة
ثم أطلقت من عقالها وخلى عنه فتسمى خلية لأنها خليت عن العقال وطالق لأنها طلقت منه
فأراد الرجل أنها تشبه الناقة ولم يقصد الطلاق بمعنى الفراق أصلا فأسقط عنه عمر الطلاق قال
أبو عبيد وهذا أصل لكل من تكلم بشئ من ألفاظ الطلاق ولم يرد الفراق بل أراد غيره فالقول
قوله فيه فيما بينه وبين الله تعالى اه‍ والى هذا ذهب الجمهور لكن المشكل من قصة عمر كونه
رفع إليه وهو حاكم فإن كان أجراه مجرى الفتيا ولم يكن هناك حكم فيوافق والا فهو من النوادر
وقد نقل الخطابي الاجماع على خلافه لكن أثبت غيره الخلاف وعزاه لداود وفى البويطي
ما يقتضيه وحكاه الروياني ولكن أوله الجمهور وشرطوا قصد لفظ الطلاق لمعنى الطلاق ليخرج
العجمي مثلا إذا لقن كلمة الطلاق فقالها وهو لا يعرف معناها أو العربي بالعكس وشرطوا مع النطق
323

بلفظ الطلاق تعمد ذلك احترازا عما يسبق به اللسان والاختيار ليخرج المكره لكن ان أكره
فقالها مع القصد إلى الطلاق وقع في الأصح (قوله وقول الله تعالى وسرحوهن سراحا جميلا)
كأنه يشير إلى أن في هذه الآية لفظ التسريح بمعنى الارسال لا بمعنى الطلاق لأنه أمر من طلق
قبل الدخول أن يمتع ثم يسرح وليس المراد من الآية تطليقها بعد التطليق قطعا (قوله وقال
وأسرحكن) يعنى قوله تعالى يا أيها النبي قل لازواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين
أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا والتسريح في هذه الآية محتمل للتطليق والارسال وإذا كانت
صالحة للامرين انتفى أن تكون صريحة في الطلاق وذلك راجع إلى الاختلاف فيما خير به النبي
صلى الله عليه وسلم نساءه هل كان في الطلاق والإقامة فإذا اختارت نفسها طلقت وان اختارت
الإقامة لم تطلق كما تقدم تقريره في الباب قبله أو كان في التخيير بين الدنيا والآخرة فمن اختارت
الدنيا طلقها ثم متعها ثم سرحها ومن اختارت الآخرة أقرها في عصمته (قوله وقال تعالى فامساك
بمعروف أو تسريح باحسان) تقدم في الباب قبله بيان الاختلاف في المراد بالتسريح هنا وأن
الراجح أن المراد به التطليق (قوله وقال أو فارقوهن بمعروف) يريد أن هذه الآية وردت بلفظ
الفراق في موضع ورودها في البقرة بلفظ السراح والحكم فيهما واحد لأنه ورد في الموضعين
بعد وقوع الطلاق فليس المراد به الطلاق بل الارسال وقد اختلف السلف قديما وحديثا في
هذه المسئلة فجاء عن علي بأسانيد يعضد بعضها بعضا وأخرجها ابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهما
قال البرية والخلية والبائن والحرام وألبت ثلاث ثلاث وبه قال مالك وابن أبي ليلى والأوزاعي
لكن قال في الخلية انها واحدة رجعية ونقله عن الزهري وعن زيد بن ثابت في البرية والبتة
والحرام ثلاث ثلاث وعن ابن عمر في الخلية والبرية ثلاث وبه قال قتادة ومثله عن الزهري
في البرية فقط واحتج بعض المالكية بأن قول الرجل لامرأته أنت بائن وبتة وبتلة وخلية
وبرية يتضمن ايقاع الطلاق لان معناه أنت طالق منى طلاقا تبينين به منى أو تبت أي يقطع
عصمتك منى والبتلة بمعناه أو تخلين به من زوجيتي
أو تبرين منها قال وهذا لا يكون في المدخول
بها الا ثلاثا إذا لم يكن هناك خلع وتعقب بأن الحمل على ذلك ليس صريحا والعصمة الثابتة
لا ترفع بالاحتمال وبأن من يقول إن من قال لزوجته أنت طالق طلقة بائنة إذا لم يكن هناك
خلع انها تقع رجعية مع التصريح كيف لا يقول يلغو مع التقدير وبأن كل لفظة من
المذكورات إذا قصد بها الطلاق ووقع وانقضت العدة أنه يتم المعنى المذكور فلم ينحصر الامر
فيما ذكروا وانما النظر عند الاطلاق فالذي يترجح أن الألفاظ المذكورات وما في معناها كنايات
لا يقع الطلاق بها الا مع القصد إليه وضابط ذلك ان كل كلام أفهم الفرقة ولو مع دقته يقع به
الطلاق مع القصد فأما إذا لم يفهم الفرقة من اللفظ فلا يقع الطلاق ولو قصد إليه كما لو قال كلي
أو اشربي أو نحو ذلك وهذا تحرير مذهب الشافعي في ذلك وقاله قبله الشعبي وعطاء وعمرو بن
دينار وغيرهم وبهذا قال الأوزاعي وأصحاب الرأي واحتج لهم الطحاوي بحديث أبي هريرة
الآتي قريبا تجاوز الله عن أمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم فإنه يدل على
أن النية وحدها لا تؤثر إذا تجردت عن الكلام أو الفعل وقال مالك إذا خاطبها بأي لفظ كان
وقصد الطلاق طلقت حتى لو قال يا فلانة يريد به الطلاق فهو طلاق وبه قال الحسن بن صالح
324

ابن حيى (قوله وقالت عائشة قد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن أبوى لم يكونا يأمراني بفراقه)
هذا التعليق طرف من حديث التخيير وقد تقدم عن عائشة في آخر حديث عمر في باب
موعظة الرجل ابنته من كتاب النكاح وبيان الاختلاف على الزهري في اسناده وأرادت
عائشة بالفراق هنا الطلاق جزما ولا نزاع في الحمل عليه إذا قصد إليه وانما النزاع في الاطلاق 2 إذا
تقدم * (قوله باب من قال لامرأته أنت على حرام وقال الحسن نيته) أي يحمل على
نيته وهذا التعليق وصله البيهقي ووقع لنا عاليا في جزء محمد بن عبد الله الأنصاري شيخ البخاري
قال حدثنا الأشعث عن الحسن في الحرام ان نوى يمينا فيمين وان طلاقا فطلاق وأخرجه
عبد الرزاق من وجه آخر عن الحسن وبهذا قال النخعي والشافعي واسحق وروى نحوه عن ابن
مسعود وابن عمر وطاوس وبه قال النووي لكن قال إن نوى واحدة فهي بائن وقال الحنفية
مثله لكن قالوا إن نوى ثنتين فهي واحدة بائنة وان لم ينو طلاقا فهي يمين ويصير موليا وهو
عجيب والأول أعجب وقال الأوزاعي وأبو ثور يمين الحرام يكفر وروى نحوه عن أبي بكر وعمر
وعائشة وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس واحتج أبو ثور بظاهر قوله تعالى لم تحرم ما أحل الله لك
وسيأتى بيانه في الباب الذي بعده وقال أبو قلابة وسعيد بن جبير من قال لامرأته أنت على حرام
لزمته كفارة الظهار ومثله عن أحمد وقال الطحاوي يحتمل أنهم أرادوا أن من أراد به الظهار
كان مظاهرا وان لم ينوه كان عليه كفارة يمين مغلظة وهى كفارة الظهار لا أنه يصير مظاهرا ظهارا
حقيقة وفيه بعد وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يكون مظاهرا ولو أراده وروى عن علي وزيد
ابن ثابت وابن عمر والحكم وابن أبي ليلى في الحرام ثلاث تطليقات ولا يسئل عن نيته وبه قال
مالك وعن مسروق والشعبي وربيعة لا شئ فيه وبه قال أصبغ من المالكية وفى المسئلة
اختلاف كثير عن السلف بلغها القرطبي المفسر إلى ثمانية عشر قولا وزاد غيره عليها وفى مذهب
مالك فيها تفاصيل أيضا يطول استيعابها قال القرطبي قال بعض علمائنا سبب الاختلاف
أنه لم يقع في القرآن صريحا ولا في السنة نص ظاهر صحيح يعتمد عليه في حكم هذه المسئلة
فتجاذبها العلماء فمن تمسك بالبراءة الأصلية قال لا يلزمه شئ ومن قال إنها يمين أخذ بظاهر قوله
تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم بعد قوله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ومن قال
تجب الكفارة وليست بيمين بناه على أن معنى اليمين التحريم فوقعت الكفارة على المعنى ومن
قال تقع به طلقة رجعية حمل اللفظ على أقل وجوهه الظاهرة وأقل ما تحرم به المرأة طلقة تحرم
الوطء ما لم يرتجعها ومن قال بائنة فلاستمرار التحريم بها ما لم يجدد العقد ومن قال ثلاث حمل
اللفظ على منتهى وجوهه ومن قال ظهار نظر إلى معنى التحريم وقطع النظر عن الطلاق
فانحصر الامر عنده في الظهار والله أعلم (قوله وقال أهل العلم إذا طلق ثلاثا فقد حرمت عليه
فسموه حراما بالطلاق والفراق) أي فلا بد أن يصرح القائل بالطلاق أو يقصد إليه فلو أطلق
أو نوى غير الطلاق فهو محل النظر (قوله وليس هذا كالذي يحرم الطعام لأنه لا يقال للطعام
الحل حرام ويقال للمطلقة حرام وقال في الطلاق ثلاثا لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا
غيره) قال المهلب من نعم الله على هذه الأمة فيما خفف عنهم أن من قبلهم كانوا إذا حرموا على
أنفسهم شيئا حرم عليهم كما وقع ليعقوب عليه السلام فخفف الله ذلك عن هذه الأمة ونهاهم أن
325

يحرموا على أنفسهم شيا مما أحل لهم فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل
الله لكم اه‍ وأظن البخاري أشار إلى ما تقدم عن أصبغ وغيره ممن سوى بين الزوجة وبين
الطعام والشراب كما تقدم نقله عنهم فبين أن الشيئين وان استويا من جهة فقد يفترقان من
جهة أخرى فالزوجة إذا حرمها الرجل على نفسه وأراد بذلك تطليقها حرمت والطعام
والشراب إذا حرمه على نفسه لم يحرم ولهذا احتج باتفاقهم على أن المرأة بالطلقة الثالثة تحرم
على الزوج لقوله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وورد عن ابن عباس ما يؤيد
ذلك فأخرج يزيد بن هارون في كتاب النكاح ومن طريقه البيهقي بسند صحيح عن يوسف بن ماهك
أن أعرابيا أتى ابن عباس فقال انى جعلت امرأتي حراما قال ليست عليك بحرام قال أرأيت
قول الله تعالى كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل الا ما حرم إسرائيل على نفسه الآية فقال ابن
عباس ان إسرائيل كان به عرق النساء فجعل على نفسه ان شفاه الله أن لا يأكل العروق من كل
شئ وليست بحرام يعنى على هذه الأمة وقد اختلف العلماء فيمن حرم على نفسه شيئا فقال الشافعي
ان حرم زوجته أو أمته ولم يقصد الطلاق ولا الظهار ولا العتق فعليه كفارة يمين وان حرم طعاما
أو شرابا فلفو وقال أحمد عليه في الجميع كفارة يمين وتقدم بيان بقية الاختلاف في الباب الذي
قبله قال البيهقي بعد أن أخرج الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجة بسند رجاله ثقات من
طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
من نسائه وحرم فجعل الحرام حلالا وجعل في اليمين كفارة قال فان في هذا الخبر تقوية لقول من
قال إن لفظ الحرام لا يكون باطلاقه طلاقا ولا ظهارا ولا يمينا (قوله وقال الليث عن نافع قال
كان ابن عمر إذا سئل عمن طلق ثلاثا قال لو طلقت مرة أو مرتين فان النبي صلى الله عليه وسلم
أمرني بهذا فان طلقتها ثلاثا حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك) كذا للأكثر وفى رواية
الكشميهني فان طلقها وحرمت عليه بضمير الغائب في الموضعين وهذا الحديث مختصر من قصة
تطليق ابن عمر امرأته وقد سبق شرحه في أول الطلاق وظن ابن التين أن هذا جملة الخبر
فاستشكل على مذهب مالك قوله إن الجمع بين تطليقتين بدعة قال والنبي صلى الله عليه وسلم
لا يأمر بالبدعة وجوابه أن الإشارة في قول ابن عمر فان النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بذلك إلى
ما أمره من ارتجاع امرأته في آخر الحديث ولم يرد ابن عمر أنه أمره أن يطلق امرأته مرة أو
مرتين وانما هو كلام ابن عمر ففصل لسائله حال المطلق وقد روينا الحديث المذكور من
طريق الليث التي علقها البخاري مطولا موصولا عاليا في جزء أبى الجهم العلاء بن موسى الباهلي
رواية أبى القاسم البغوي عنه عن الليث وفى أوله قصة ابن عمر في طلاق امرأته وبعده قال نافع
وكان ابن عمر الخ وأخرج مسلم الحديث من طريق الليث لكن ليس بتمامه وقال الكرماني
قوله لو طلقت جزاؤه محذوف تقديره لكان خيرا أو هو للتمني فلا يحتاج إلى جواب وليس كما قال
بل الجواب لكان لك الرجعة لقوله فان النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا والتقدير فإن كان
في طهر لم يجامعها فيه كان طلاق سنة وان وقع في الحيض كان طلاق بدعة ومطلق البدعة
ينبغي أن يبادر إلى الرجعة ولهذا قال فان النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا أي بالمراجعة لما
طلقت الحائض وقسيم ذلك قوله وان طلقت ثلاثا وكأن ابن عمر ألحق الجمع بين المرتين بالواحدة
326

فسوى بينهما والا فالذي وقع منه انما هو واحدة كما تقدم بيانه صريحا هناك وأراد البخاري
بايراد هذا هنا الاستشهاد بقول ابن عمر حرمت عليك فسماها حراما بالتطليق ثلاثا كأنه يريد
أنها لا تصير حراما بمجرد قوله أنت على حرام حتى يريد به الطلاق أو يطلقها بائنا وخفى هذا على
الشيخ مغلطاي ومن تبعه فنفوا مناسبة هذا الحديث للترجمة ولكن عرج شيخنا ابن الملقن
تلويحا على شئ مما أشرت إليه ثم ذكر المصنف حديث عائشة في قصة امرأة رفاعة لقوله فيه
لا تحلين لزوجك الأول حتى يذوق الآخر عسيلتك وسيأتى شرحه قريبا وقوله في هذه الرواية
فلم يقربني الا هنة واحدة هو بلفظ حرف الاستثناء والتي بعده بفتح الهاء وتخفيف النون وحكى
الهروي تشديدها وقد أنكره الأزهري قبله وقال الخليل هي كلمة يكنى بها عن الشئ يستحيا
من ذكره باسمه قال ابن التين معناه لم يطأني الا مرة واحدة يقال هن امرأته إذا غشيها ونقل
الكرماني أنه في أكثر النسخ بموحدة ثقيلة أي مرة والذي ذكر صاحب المشارق أن الذي رواه
بالموحدة هو ابن السكن قال وعند الكافة بالنون وحكى في معنى هبة بالموحدة ما تقدم وهو
أن المراد بها مرة واحدة قال وقيل المراد بالهبة الوقعة يقال حدر هبة السيف أي وقعته وقيل
هي من هب إذا احتاج إلى الجماع يقال هب التيس يهب هبيبا * (تنبيه) * زعم ابن بطال أن
البخاري يرى أن التحريم يتنزل منزلة الطلاق الثلاث وشرح كلامه على ذلك فقال بعد أن ساق
الاختلاف في المسئلة وفى قول مسروق ما أبالى حرمت امرأتي أو جفنة ثريد وقول الشعبي
أنت على حرام أهون من فعلى هذا القول شذوذ وعليه رد البخاري قال واحتج ذهب أن
من حرم زوجته أنها ثلاث تطليقات بالاجماع على أن من طلق امرأته ثلاثا أنها تحرم عليه قال
فلما كانت الثلاث تحرمها كان التحريم ثلاثا قال والى هذه الحجة أشار البخاري بايراد حديث
رفاعة لأنه طلق امرأته ثلاثا فلم تحل له مراجعتها الا بعد زوج فكذلك من حرم على نفسه
امرأته فهو كمن طلقها اه‍ وفيما قاله نظر والذي يظهر من مذهب البخاري أن الحرام ينصرف
إلى نية القائل ولذلك صدر الباب بقول الحسن البصري وهذه عادته في موضع الاختلاف
مهما صدر به من النقل عن صحابي أو تابعي فهو اختياره وحاشا البخاري أن يستدل بكون
الثلاث تحرم أن كل تحريم له حكم الثلاث مع ظهور منع الحصر لان الطلقة الواحدة تحرم غير
المدخول بها مطلقا والبائن تحرم المدخول بها الا بعد عقد جديد وكذلك الرجعية إذا انقضت
عدتها فلم ينحصر التحريم في الثلاث وأيضا فالتحريم أعم من التطليق ثلاثا فكيف يستدل
بالأعم على الأخص ومما يؤيد ما اخترناه أولا تعقيب البخاري الباب بترجمة لم تحرم ما أحل
الله لك وساق فيه قول ابن عباس إذا حرم امرأته فليس بشئ كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
* (قوله باب لم تحرم ما أحل الله لك) كذا للأكثر وسقط من رواية النسفي لفظ
باب ووقع بدله قوله تعالى (قوله حدثني الحسن بن الصباح) هو البزار آخره راء مهملة وهو
واسطى نزل بغداد وثقه الجمهور ولينه النسائي قليلا وأخرج عنه البخاري في الايمان
والصلاة وغيرهما فلم يكثر وأخرج البخاري عن الحسن بن الصباح الزعفراني لكن إذا وقع
هكذا يكون نسب لجده فهو الحسن بن محمد بن الصباح وهو المروى عنه في الحديث الثاني من هذا
الباب وفى الرواة من شيوخ البخاري ومن في طبقتهم محمد بن الصباح الدولابي أخرج عنه
327

البخاري في الصلاة والبيوع وغيرهما وليس هو أخا للحسن بن الصباح ومحمد بن الصباح
الجرجرائي أخرج عنه أبو داود وابن ماجة وهو غير الدولابي وعبد الله بن الصباح العطار أخرج
عنه البخاري في البيوع وغيره وليس أحد من هؤلاء أخا للآخر (قوله سمع الربيع بن نافع) أي
أنه سمع ولفظ أنه يحذف خطا وينطق به وقل من نبه عليه كما وقع التنبيه على لفظ قال والربيع
ابن نافع هو أبو توبة بفتح المثناة وسكون الواو بعدها موحدة مشهور بكنيته أكثر من اسمه حلبي
نزل طرسوس أخرج عنه الستة الا الترمذي بواسطة الا أبا داود فأخرج عنه الكثير بغير
واسطة وأخرج عنه بواسطة أيضا وأدركه البخاري ولكن لم أر له عنه في هذا الكتاب شيئا بغير
واسطة وأخرج عنه بواسطة الا الموضع المتقدم في المزارعة فإنه قال فيه قال الربيع بن نافع
ولم يقل حدثنا فما أدرى لقيه أو لم يلقه وليس له عنده الا هذا الموضعان (قوله حدثنا معاوية)
هو ابن سلام بتشديد الام وشيخه يحيى ومن فوقه ثلاثة من التابعين في نسق (قوله إذا حرم
امرأته ليس بشئ) كذا للكشميهني وللأكثر ليست أي الكلمة وهى قوله أنت على حرام
أو محرمة أو نحو ذلك (قوله وقال) أي ابن عباس مستدلا على ما ذهب إليه بقوله تعالى (لقد كان
لكم في رسول الله أسوة حسنة) يشير بذلك إلى قصة التحريم وقد وقع بسط ذلك في تفسير سورة
التحريم وذكرت في باب موعظة الرجل ابنته في كتاب النكاح في شرح الحديث المطول في ذلك
من رواية ابن عباس عن عمر بيان الاختلاف هل المراد تحريم العسل أو تحريم مارية وأنه قيل
في السبب غير ذلك واستوعبت ما يتعلق بوجه الجمع بين تلك الأقوال بحمد الله تعالى وقد أخرج
النسائي بسند صحيح عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به حفصة
وعائشة حتى حرمها فأنزل الله تعالى هذه الآية يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك وهذا أصح
طرق هذا السبب وله شاهد مرسل أخرجه الطبري بسند صحيح عن زيد بن أسلم التابعي الشهير قال
أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم إبراهيم ولده في بيت بعض نسائه فقالت يا رسول الله في
بيتي وعلى فراشي فجعلها عليه حراما فقالت يا رسول الله كيف تحرم عليك الحلال فحلف لها بالله
لا يصيبها فنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك قال زيد بن أسلم فقول الرجل لامرأته أنت
على حرام لغو وانما تلزمه كفارة يمين ان حلف وقوله ليس بشئ يحتمل أن يريد بالنفي التطليق
ويحتمل أن يريد به ما هو أعم من ذلك والأول أقرب ويؤيده ما تقدم في التفسير من طريق هشام
الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير بهذا الاسناد موضعها في الحرام يكفر وأخرجه الإسماعيلي
من طريق محمد بن المبارك الصوري عن معاوية بن سلام باسناد حديث الباب بلفظ إذا حرم
الرجل امرأته فإنما هي يمين يكفرها فعرف أن المراد بقوله ليس بشئ أي ليس بطلاق وأخرج
النسائي وابن مردويه من طريق سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلا جاءه
فقال انى جعلت امرأتي على حراما قال كذبت ما هي عليك بحرام ثم تلا يا أيها النبي لم تحرم
ما أحل الله لك ثم قال له عليك رقبة اه‍ وكأنه أشار عليه بالرقبة لأنه عرف أنه موسر فأنه فأراد أن
يكفر بالأغلظ من كفارة اليمين لا أنه تعين عليه عتق الرقبة ويدل عليه ما تقدم عنه من التصريح
بكفارة اليمين ثم ذكر المصنف حديث عائشة في قصة شرب النبي صلى الله عليه وسلم العسل عند
بعض نسائه فأورده من وجهين أحدهما من طريق عبيد بن عمير عن عائشة وفيه أن شرب
328

العسل كان عند زينب بنت جحش والثاني من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وفيه
أن شرب العسل كان عند حفصة بنت عمر فهذا ما في الصحيحين وأخرج ابن مردويه من طريق
ابن أبي مليكة عن ابن عباس ان شرب العسل كان عند سودة وأن عائشة وحفصة هما اللتان
تواطأتا على وفق ما في رواية عبيد بن عمير وان اختلفا في صاحبة العسل وطريق الجمع بين هذا
الاختلاف الحمل على التعدد فلا يمتنع تعدد السبب للامر الواحد فان جنح إلى الترجيح فرواية
عبيد بن عمير أثبت لموافقة ابن عباس لها على أن المتظاهرتين حفصة وعائشة على ما تقدم في
التفسير وفى الطلاق من جزم عمر بذلك فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرن في التظاهر
لعائشة لكن يمكن تعدد القصة في شرب العسل وتحريمه واختصاص النزول بالقصة التي فيها
أن عائشة وحفصة هما المتظاهرتان ويمكن أن تكون القصة التي وقع فيها شرب العسل عند
حفصة كانت سابقة ويؤيد هذا الحمل أنه لم يقع في طريق هشام بن عروة التي فيها أن شرب
العسل كان عند حفصة تعرض للآية ولا لذكر سبب النزول والراجح أيضا أن صاحبة العسل
زينب لا سودة لان طريق عبيد بن عمير أثبت من طريق ابن أبي مليكة بكثير ولا جائز أن تتحد
بطريق هشام بن عروة لان فيها أن سودة كانت ممن وافق عائشة على قولها أجد ريح مغافير
ويرجحه أيضا ما مضى في كتاب الهبة عن عائشة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن حزبين أنا
وسودة وحفصة وصفية في حزب وزينب بنت جحش وأم سلمة والباقيات في حزب فهذا يرجح أن
زينب هي صاحبة العسل ولهذا غارت عائشة منها لكونها من غير حزبها والله أعلم وهذا أولى
من جزم الداودي بأن تسمية التي شربت العسل حفصة غلط وانما هي صفية بنت حيى أو زينب
بنت جحش وممن جنح إلى الترجيح عياض ومنه تلقف القرطبي وكذا نقله النووي عن عياض
وأقره فقال عياض رواية عبيد بن عمير أولى لموافقتها ظاهر كتاب الله لان فيه وان تظاهرا عليه
فهما ثنتان لا أكثر ولحديث ابن عباس عن عمر قال فكأن الأسماء انقلبت على راوي الرواية
الأخرى وتعقب الكرماني مقالة عياض فأجاد فقال متى جوزنا هذا ارتفع الوثوق بأكثر
الروايات وقال القرطبي الرواية التي فيها ان المتظاهرات عائشة وسودة وصفية ليست بصحيحة
لأنها مخالفة للتلاوة لمجيئها بلفظ خطاب الاثنين ولو كانت كذلك لجاءت بخطاب جماعة المؤنث ثم
نقل عن الأصيلي وغيره أن رواية عبيد بن عمير أصح واولى وما المانع أن تكون قصة حفصة سابقة
فلما قيل له ما قيل ترك الشرب من غير تصريح بتحريم ولم ينزل في ذلك شئ ثم لما شرب في بيت زينب
تظاهرت عائشة وحفصة على ذلك القول فحرم حينئذ العسل فنزلت الآية قال وأما ذكر سودة مع
الجزم بالتثنية فيمن تظاهر منهن فباعتبار أنها كانت كالتابعة لعائشة ولهذا وهبت يومها لها فإن كان
ذلك قبل الهبة فلا اعتراض بدخوله عليها وإن كان بعده فلا يمتنع هبتها يومها لعائشة ان
يتردد إلى سودة (قلت) لا حاجة إلى الاعتذار عن ذلك فان ذكر سودة انما جاء في قصة شرب
العسل عند حفصة ولا تثنية فيه ولا نزول على ما تقدم من الجمع الذي ذكره وأما قصة العسل عند
زينب بنت جحش فقد صرح فيه بأن عائشة قالت تواطأت أنا وحفصة فهو مطابق لما جزم به
عمر من أن المتظاهرتين عائشة وحفصة وموافق لظاهر الآية والله أعلم ووجدت لقصة شرب
العسل عند حفصة شاهدا في تفسير ابن مردويه من طريق يزيد بن رومان عن ابن عباس ورواته
329

لا بأس بهم وقد أشرت إلى غالب ألفاظه ووقع في تفسير السدى أن شرب العسل كان عند
أم سلمة أخرجه الطبري وغيره وهو مرجوح لارساله وشذوذه والله أعلم (قوله حدثنا حجاج)
هو ابن محمد المصيصي (قوله زعم عطاء) هو ابن أبي رباح وأهل الحجاز يطلقون الزعم على مطلق
القول ووقع في رواية هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء وقد مضى في التفسير (قوله إن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا) في رواية هشام
يشرب عسلا عند زينب ثم يمكث عندها ولا مغايرة بينهما لان الواو لا ترتب (قوله فتواصيت)
كذا هنا بالصاد من المواصاة وفى رواية هشام فتواطيت بالطاء من المواطأة وأصله تواطأت
بالهمز فسهلت الهمزة فصارت ياء وثبت كذلك في رواية أبي ذر (قوله أن أيتنا دخل) في
رواية أحمد عن حجاج بن محمد أن أيتنا ما دخل بزيادة ما وهى زائدة (قوله انى لأجد منك ريح
مغافير أكلت مغافير
في رواية هشام بتقديم أكلت مغافير وتأخير انى أجد وأكلت استفهام
محذوف الأداة والمغافير بالغين المعجمة والفاء وباثبات التحتانية بعد الفاء في جميع نسخ البخاري
ووقع في بعض النسخ عن مسلم في بعض المواضع من الحديث بحذفها قال عياض والصواب
اثباتها لأنها عوض من الواو التي في المفرد وانما حذفت في ضرورة الشعر اه‍ ومراده بالمفرد
أن المغافير جمع مغفور بضم أوله ويقال بثاء مثلثة بدل الفاء حكاه أبو حنيفة الدينوري في
النبات قال ابن قتيبة ليس في الكلام مفعول بضم أوله الا مغفور ومغزول بالغين المعجمة من
أسماء الكمأة ومنخور بالخاء المعجمة من أسماء الانف ومغلوق بالغين المعجمة واحد المغاليق قال
والمغفور صمغ حلو له رائحة كريهة وذكر البخاري أن المغفور شبيه بالصمغ يكون في الرمث
بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة وهو من الشجر التي ترعاها الإبل وهو من الحمض وفى
الصمغ المذكور حلاوة يقال أغفر الرمث إذا ظهر ذلك فيه وذكر أبو زيد الأنصاري ان
المغفور يكون أيضا في العشر بضم المهملة وفتح المعجمة وفى الثمام والسلم والطلح واختلف في ميم
مغفور فقيل زائدة وهو قول الفراء وعند الجمهور أنها من أصل الكلمة ويقال له أيضا مغفار
بكسر أوله ومغفر بضم أوله وبفتحه وبكسره عن الكسائي والفاء مفتوحة في الجميع وقال
عياض زعم المهلب أن رائحة المغافير والعرفط حسنة وهو خلاف ما يقتضيه الحديث وخلاف
ما قاله أهل اللغة اه‍ ولعل المهلب قال خبيثة بمعجمة ثم موحدة ثم تحتانية ثم مثلثة فتصحفت
أو استند إلى ما نقل عن الخليل وقد نسبه ابن بطال إلى العين أن العرفط شجر العضاه والعضاه
كل شجر له شوك وإذا استيك به كانت له رائحة حسنة تشبه رائحة طيب النبيذ اه‍ وعلى هذا
فيكون ريح عيدان العرفط طيبا وريح الصمغ الذي يسيل منه غير طيبة ولا منافاة في ذلك
ولا تصحيف وقد حكى القرطبي في المفهم أن رائحة ورق العرفط طيبة فإذا رعته الإبل خبثت
رائحته وهذا طريق آخر في الجمع حسن جدا (قوله فدخل على إحداهما) لم أقف على تعيينها
وأظنها حفصة (قوله فقال لا بأس شربت عسلا) كذا وقع هنا في رواية أبي ذر عن شيوخه
ووقع للباقين لا بل شربت عسلا وكذا وقع في كتاب الأيمان والنذور للجميع حيث ساقه
المصنف من هذا الوجه اسنادا ومتنا وكذا أخرجه أحمد عن حجاج ومسلم وأصحاب السنن
والمستخرجات من طريق حجاج فظهر أن لفظه بأس هنا مغيرة من لفظة بل وفى رواية هشام فقال
330

لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش (قوله ولن أعود له) زاد في رواية هشام وقد
حلفت لا تخبري بذلك أحدا وبهذه الزيادة تظهر مناسبة قوله في رواية حجاج بن محمد فنزلت يا أيها
النبي لم تحرم ما أحل الله لك قال عياض حذفت هذه الزيادة من رواية حجاج بن محمد فصار النظم
مشكلا فزال الاشكال برواية هشام بن يوسف واستدل القرطبي وغيره بقوله حلفت على أن
الكفارة التي أشير إليها في قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم هي عن اليمين التي أشار إليها
بقوله حلفت فتكون الكفارة لأجل اليمين لا لمجرد التحريم وهو استدلال قوى لمن يقول إن
التحريم لغو لا كفارة فيه بمجرده وحمل بعضهم قوله حلفت على التحريم ولا يخفى بعده والله أعلم
(قوله إن تتوبا إلى أي تلا من أول السورة إلى هذا الموضع (فقال لعائشة وحفصة) أي
الخطاب لهما ووقع في رواية غير أبي ذر فنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله إن
تتوبا إلى الله وهذا أوضح من رواية أبي ذر (قوله وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا لقوله
بل شربت عسلا) هذا القدر بقية الحديث وكنت أظنه من ترجمة البخاري على ظاهر ما سأذكره
عن رواية النسفي حتى وجدته مذكورا في آخر الحديث عند مسلم وكأن المعنى وأما المراد بقوله
تعالى وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فهو لأجل قوله بل شربت عسلا والنكتة فيه أن
هذه الآية داخلة في الآيات الماضية لأنها قبل قوله إن تتوبا إلى الله واتفقت الروايات عن
البخاري على هذا الا النسفي فوقع عنده بعد قوله فنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك
ما صورته قوله تعالى ان تتوبا إلى الله لعائشة وحفصة وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا
لقوله بل شربت عسلا فجعل بقية الحديث ترجمة للحديث الذي يليه والصواب ما وقع عند
الجماعة لموافقة مسلم وغيره على أن ذلك من بقية حديث ابن عمير (قوله كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يحب العسل والحلوى) قد أفرد هذا القدر من هذا الحديث كما سيأتي في الأطعمة
وفى الأشربة وفى غيرهما من طريق أبى أسامة عن هشام بن عروة وهو عنده بتقديم الحلوى
على العسل ولتقديم كل منهما على الآخر جهة من جهات التقديم فتقديم العسل لشرفه ولأنه
أصل من أصول الحلوى ولأنه مفرد والحلوى مركبة وتقديم الحلوى لشمولها وتنوعها لأنها تتخذ
من العسل ومن غيره وليس ذلك من عطف العام على الخاص كما زعم بعضهم وانما العام الذي
يدخل الجميع فيه الحلو بضم أوله وليس بعد الواو شئ ووقعت الحلواء في أكثر الروايات عن أبي
أسامة بالمد وفى بعضها بالقصر وهى رواية علي بن مسهر وذكرت عائشة هذا القدر في أول الحديث
تمهيدا لما سيذكره من قصة العسل وسأذكر ما يتعلق بالحلوى والعسل مبسوطا في كتاب الأطعمة
إن شاء الله تعالى (قوله وكان إذا انصرف من العصر) كذا للأكثر وخالفهم حماد بن سلمة عن
هشام بن عروة فقال الفجر أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن أبي النعمان عن حماد ويساعده
رواية يزيد بن رومان عن ابن عباس ففيها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح
جلس في مصلاه وجلس الناس حوله حتى تطلع الشمس ثم يدخل على نسائه امرأة امرأة يسلم
عليهن ويدعو لهن فإذا كان يوم إحداهن كان عندها الحديث أخرجه ابن مردويه ويمكن
الجمع بأن الذي كان يقع في أول النهار سلاما ودعاء محضا والذي في آخره معه جلوس واستئناس
ومحادثة لكن المحفوظ في حديث عائشة ذكر العصر ورواية حماد بن سلمة شاذة (قوله
331

دخل على نسائه) في رواية أبى أسامة أجاز إلى نسائه أي مشى ويجئ بمعنى قطع المسافة ومنه
فأكون أنا وأمتى أول من يجيز أي أول من يقطع مسافة الصراط (قوله فيدنو منهن) أي
فيقبل ويباشر من غير جماع كما في الرواية الأخرى (قوله فاحتبس) أي أقام زاد أبو أسامة عندها
(قوله فسألت عن ذلك) ووقع في حديث ابن عباس بيان ذلك ولفظه فأنكرت عائشة احتباسه
عند حفصة فقالت لجويرية حبشية عندها يقال لها خضراء إذا دخل على حفصة فادخلي عليها
فانظري ما يصنع (قوله أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل) لم أقف على اسم هذه المرأة ووقع في
حديث ابن عباس أنها أهديت لحفصة عكة فها عسل من الطائف (قوله فقلت لسودة بنت زمعة
انه سيدنو منك) في رواية أبى أسامة فذكرت ذلك لسودة وقلت لها انه إذا دخل عليك سيدنو منك
وفى رواية حماد بن سلمة إذا دخل على إحداكن فلتأخذ بأنفها فإذا قال ما شأنك فقولي
ريح المغافير وقد تقدم شرح المغافير قبل (قوله سقتني حفصة شربة عسل) في رواية حماد بن سلمة
انما هي عسيلة سقتنيها حفصة (قوله جرست) بفتح الجيم والراء بعدها مهملة أي رعت نحل
هذا العسل الذي شربته الشجر المعروف بالعرفط وأصل الجرس الصوت الخفى ومنه في حديث
صفة الجنة يسمع جرس الطير ولا يقال جرس بمعنى رعى الا للنحل وقال الخليل جرست النحل
العسل تجرسه جرسا إذا لحسته وفى رواية حماد بن سلمة جرست نحلها العرفط إذا والضمير
للعسيلة على ما وقع في روايته (قوله العرفط) بضم المهملة والفاء بينهما راء ساكنة وآخره طاء
مهملة وهو الشجر الذي صمغه المغافير قال ابن قتيبة هو نبات مر له ورقة عريضة تفرش بالأرض
وله شوكة وثمرة بيضاء كالقطن مثل زر القميص وهو خبيث الرائحة (قلت) وقد تقدم في حكاية
عياض عن المهلب ما يتعلق برائحة العرفط والبحث معه فيه قبل (قوله وقولي أنت يا صفية)
أي بنت حيى أم المؤمنين وفى رواية أبى أسامة وقوليه أنت يا صفية أي قولي الكلام الذي علمته
لسودة زاد أبو أسامة في روايته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح
أي الغير الطيب وفى رواية يزيد بن رومان عن ابن عباس وكان أشد شئ عليه أن يوجد منه ريح
سيئ وفى رواية حماد بن سلمة وكان يكره أن يوجد منه ريح كريهة لأنه يأتيه الملك وفى رواية ابن أبي
مليكة عن ابن عباس وكان يعجبه أن يوجد منه الريح الطيب (قوله قالت تقول سودة فوالله
ما هو الا ان قام على الباب فأردت أن أبادئه بالذي أمرتني به فرقا منك) أي خوفا وفى رواية أبى
أسامة فلما دخل على سودة قالت تقول سودة والله لقد كدت أن أبادره بالذي قلت لي وضبط أبادئه
في أكثر الروايات بالموحدة من المبادأة وهى بالهمزة وفى بعضها بالنون بغير همزة من المناداة واما
أبادره في رواية أبى أسامة من المبادرة ووقع فيها عند الكشميهني والأصيلي وأبى الوقت كالأول
بالهمز بدل الراء وفى رواية ابن عساكر بالنون (قوله فلما دار إلى قلت نحو ذلك فما دار إلى
صفية قالت له مثل ذلك) كذا في هذه الرواية بلفظ نحو عند اسناد القول لعائشة وبلفظ مثل
عند اسناده لصفية ولعل السر فيه أن عائشة لما كانت المبتكرة لذلك عبرت عنه بأي لفظ حسن
ببالها حينئذ فلهذا قالت نحو ولم تقل مثل وأما صفية فإنها مأمورة بقول شئ فليس لها فيه
تصرف إذ لو تصرفت فيه لخشيت من غضب الآمرة لها فلهذا عبرت عنه بلفظ مثل هذا الذي
ظهر لي في الفرق أولا ثم راجعت سياق أبى أسامة فوجدته عبر بالمثل في الموضعين فغلب على
332

الظن أن تغيير ذلك من تصرف الرواة والله أعلم (قوله فلما دار إلى حفصة) أي في اليوم الثاني
(قوله لا حاجة لي فيه) كأنه اجتنبه لما وقع عنده من توارد النسوة الثلاث على أنه نشأت من
شربه له ريح منكرة فتركه حسما للمادة (قوله تقول سودة) زاد ابن أبي أسامة في روايته سبحان
الله (قوله والله لقد حرمناه) بتخفيف الراء أي منعناه (قوله قلت لها اسكتي) كأنها خشيت أن
يفشو ذلك فيظهر ما دبرته من كيدها لحفصة وفى الحديث من الفوائد ما جبل عليه النساء من
الغيرة وان الغيراء تعذر فيما يقع منها من الاحتيال فيما يدفع عنها ترفع ضرتها عليها بأي وجه كان
وترجم عليه المصنف في كتاب ترك الحيل ما يكره من احتيال المرأة من الزوج والضرائر وفيه
الاخذ بالحزم في الأمور وترك ما يشتبه الامر فيه من المباح خشية من الوقوع في المحذور وفيه
ما يشهد بعلو مرتبة عائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت ضرتها تهابها وتطيعها في كل
شئ تأمرها به حتى في مثل هذا الامر مع الزوج الذي هو أرفع الناس قدرا وفيه إشارة إلى ورع
سودة لما ظهر منها من التندم على ما فعلت لأنها وافقت أولا على دفع ترفع حفصة عليهن بمزيد
الجلوس عندها بسبب العسل ورأت أن التوصل إلى بلوغ المراد من ذلك لحسم مادة شرب
العسل الذي هو سبب الإقامة لكن أنكرت بعد ذلك أنه يترتب عليه منع النبي صلى الله عليه وسلم
من أمر كان يشتهيه وهو شرب العسل مع ما تقدم من اعتراف عائشة الآمرة لها بذلك في صدر
الحديث فأخذت سودة تتعجب مما وقع منهن في ذلك ولم تجسر على التصريح بالانكار
ولا راجعت عائشة بعد ذلك لما قالت لها اسكتي بل أطاعتها وسكتت لما تقدم من اعتذارها في
أنها كانت تهابها وانما كانت تهابها لما تعلم من مزيد حب النبي صلى الله عليه وسلم لها أكثر
منهن فخشيت إذا خالفتها أن تغضبها وإذا أغضبتها لا تأمن أن تغير عليها خاطر النبي صلى الله عليه
وسلم ولا تحتمل ذلك فهذا معنى خوفها منها وفيه أن عماد القسم الليل وأن النهار يجوز الاجتماع
فيه بالجميع لكن بشرط أن لا تقع المجامعة الا مع التي هو في نوبتها كما تقدم تقريره وفيه استعمال
الكنايات فيما يستحيا من ذكره لقوله في الحديث فيدنو منهن والمراد فيقبل ونحو ذلك ويحقق
ذلك قول عائشة لسودة إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له انى أجد كذا وهذا انما يتحقق
بقرب الفم من الانف ولا سيما إذا لم تكن الرائحة طافحة بل المقام يقتضى أن الرائحة لم تكن
طافحة لأنها لو كانت طافحة لكانت بحيث يدركها النبي صلى الله عليه وسلم ولأنكر عليها عدم
وجودها منه فلما أقر على ذلك دل على ما قررناه أنها لو قدر وجودها لكانت خفية وإذا كانت
خفية لم تدرك بمجرد المجالسة والمحادثة من غير قرب الفم من الانف والله أعلم * (قوله
باب لا طلاق قبل نكاح وقول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم
طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا
جميلا) سقط من رواية أبي ذر لا طلاق قبل نكاح وثبت عنده باب يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم
المؤمنات فساق من الآية إلى قوله من عدة وحذف الباقي وقال الآية واقتصر النسفي على
قوله باب يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات الآية قال ابن التين احتجاج البخاري بهذه الآية
على عدم الوقوع لا دلالة فيه وقال
ابن المنير ليس فيها دليل لأنها اخبار عن صورة وقع فيه الطلاق
بعد النكاح ولا حصر هناك وليس في السياق ما يقتضيه (قلت) المحتج بالآية لذلك قبل البخاري
333

ترجمان القرآن عبد الله بن عباس كما سأذكره (قوله وقال ابن عباس جعل الله الطلاق بعد
النكاح) هذا التعليق طرف من أثر أخرجه أحمد فيما رواه عنه حرب من مسائله من طريق قتادة
عن عكرمة عنه وقال سنده جيد وأخرج الحاكم من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن
عباس قال ما قالها ابن مسعود وان يكن قالها فزلة من عالم في الرجل يقول إذا تزوجت فلانة فهي
طالق قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ولم يقل إذا طلقتم
المؤمنات ثم نكحتموهن وروى ابن خزيمة والبيهقي من طريقه من وجه آخر عن سعيد بن
جبير سئل ابن عباس عن الرجل يقول إذا تزوجت فلانة فهي طالق قال ليس بشئ انما الطلاق
لما ملك قالوا فابن مسعود قال إذا وقت وقتا فهو كما قال قال يرحم الله أبا عبد الرحمن لو كان كما قال
لقال الله إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن وروى عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الاعلى
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال سأله مروان عن نسيب له وقت امرأة ان تزوجها فهي طالق
فقال ابن عباس لا طلاق حتى تنكح ولا عتق حتى تملك وأخرج ابن أبي حاتم من طريق آدم
مولى خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيمن قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق ليس بشئ
من أجل أن الله يقول يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات الآية وأخرجه ابن أبي شيبة من
هذا الوجه بنحوه ورويناه مرفوعا في فوائد أبي إسحاق بن أبي ثابت بسنده إلى أبى أمية أيوب بن
سليمان قال حججت سنة ثلاث عشرة ومائة فدخلت على عطاء فسئل عن رجل عرضت عليه
امرأة ليتزوجها فقال هي يوم أتزوجها طالق البتة قال لا طلاق فيما لا يملك عقدته يأثر ذلك عن
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفى اسناده من لا يعرف (قوله وروى في ذلك عن علي
وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبى بكر بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبان بن
عثمان وعلي بن حسين وشريح وسعيد بن جبير والقاسم وسالم وطاوس والحسن وعكرمة وعطاء
وعامر بن سعد وجابر بن زيد ونافع بن جبير ومحمد بن كعب وسليمان بن يسار ومجاهد والقاسم بن عبد
الرحمن وعمرو بن هرم والشعبي انها لا تطلق) قلت اقتصر البخاري في هذا الباب على الآثار التي
ساقها فيه ولم يذكر فيه خبرا مرفوعا صريحا رمزا منه إلى ما سأبينه في ضمنها من ذلك فأما الأثر
عن علي في ذلك فرواه عبد الرزاق من طريق الحسن البصري قال سأل رجل عليا قال قلت إن
تزوجت فلانة فهي طالق فقال على ليس بشئ ورجاله ثقات الا أن الحسن لم يسمع من على
وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن الحسن عن علي ومن طريق النزال بن سبرة عن علي وقد روى
مرفوعا أيضا أخرجه البيهقي وأبو داود من طريق سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش أنه سمع خاله
عبد الله بن أبي أحمد بن جحش يقول قال علي بن أبي طالب حفظت من رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا طلاق الا من بعد نكاح ولا يتم بعد احتلام الحديث لفظ البيهقي ورواية أبى داود
مختصرة وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عن علي مطولا وأخرجه ابن ماجة مختصرا
وفى سنده ضعف وأما سعيد بن المسيب فرواه عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد الكريم
الجزري أنه سأل سعيد بن المسيب سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح عن طلاق الرجل ما لم ينكح
فكلهم قال لا طلاق قبل أن ينكح ان سماها وان لم يسمها واسناده صحيح وروى سعيد بن
منصور من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال لا طلاق قبل نكاح وسنده صحيح
334

أيضا ويأتي له طريق أخرى مع مجاهد وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا محمد بن خالد قال
جاء رجل إلى سعيد بن المسيب فقال ما تقول في رجل قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فقال له
سعيد كم أصدقتها قال له الرجل لم يتزوجها بعد فكيف يصدقها فقال له سعيد فكيف يطلق من
لم يتزوج وأما عروة ابن الزبير فقال سعيد بن منصور حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة أن أباه
كان يقول كل طلاق أو عتق قبل الملك فهو باطل وهذا سند صحيح وأما أبو بكر بن عبد الرحمن
وعبيد الله بن عبد الله فجاء في أثر واحد مجموعا عن سعيد بن المسيب والثلاثة المذكورين بعده
وزيادة أبى سلمة بن عبد الرحمن فرواه يعقوب بن سفيان والبيهقي من طريقه من رواية يزيد بن
الهاد عن المنذر بن علي بن أبي الحكم أن ابن أخيه خطب ابنت عمه فتشاجروا في بعض الامر
فقال الفتى هي طالق ان نكحتها حتى آكل الغضيض قال والغضيض طلع النخل الذكر ثم ندموا
على ما كان من الامر فقال المنذر أنا آتيكم بالبيان من ذلك فانطلق إلى سعيد بن المسيب فذكر
له فقال ابن المسيب ليس عليه شئ طلق ما لم يملك قال ثم انى سألت عروة بن الزبير فقال مثل ذلك
ثم سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن فقال مثل ذلك ثم سألت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام
فقال مثل ذلك ثم سألت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فقال مثل ذلك ثم سألت عمر بن
عبدا لعزيز فقال هل سألت أحدا قلت نعم فسماهم قال ثم رجعت إلى القوم فأخبرتهم وقد روى
عن عروة مرفوعا فذكر الترمذي في العلل أنه سأل البخاري أي حديث في الباب أصح فقال
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديث هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن
عائشة قلت إن البشر بن السرى وغيره قالوا عن هشام بن سعد عن الزهري عن عروة مرسلا
قال فان حماد بن خالد رواه عن هشام بن سعد فوصله (قلت) أخرجه ابن أبي شيبة عن حماد بن خالد
كذلك وخالفهم علي بن الحسين بن واقد فرواه عن هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن المسور
ابن مخرمة مرفوعا أخرجه ابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه لكن هشام بن سعد اخرجا له في
المتابعات ففيه ضعف وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في مناكيره وله طريق أخرى عن عروة عن
عائشة أخرجه الدارقطني من طريق معمر بن بكار السعدي عن إبراهيم بن سعد عن الزهري
فذكره بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا سفيان على نجران فذكر قصة وفى آخره فكان
فيما عهد إلى أبي سفيان أوصاه بتقوى الله وقال لا يطلقن رجل ما لم ينكح ولا يعتق ما لم يملك
ولا نذر في معصية الله ومعمر ليس بالحافظ وأخرجه الدارقطني أيضا من رواية الوليد بن سلمة
الأردني عن يونس عن الزهري والوليد واه ولما أورد الترمذي في الجامع حديث عمرو بن شعيب
قال ليس بصحيح وفى الباب عن علي ومعاذ وجابر وابن عباس وعائشة وقد ذكرت في أثناء
الكلام على تخريج أقوال من علق عنهم البخاري في هذا الباب روايات هؤلاء المرفوعة وفات
الترمذي أنه ورد من حديث المسور بن مخرمة وعائشة كما تقدم ومن حديث عبد الله بن عمرو
من حديث أبي ثعلبة الخشني فحديث ابن عمر يأتي ذكره في أثر سعيد بن جبير وحديث أبي ثعلبة
أخرجه الدارقطني بسند شامي فيه بقية بن الوليد وقد عنعنه وأظن فيه ارسالا أيضا وأما أبان
ابن عثمان فلم أقف إلى الآن على الاسناد إليه بذلك وأما علي بن الحسين فرويناه في الغيلانيات
من طريق شعبة عن الحكم هو ابن عتيبة سمعت علي بن الحسين يقول لا طلاق الا بعد
335

نكاح وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن غندر عن شعبة وروينا في فوائد عبد الله بن أيوب
المخرمي من طريق أبى اسحق السبيعي عن علي بن الحسين مثله وكلا السندين صحيح وله طريق
أخرى عنه يأتي مع سعيد بن جبير ورواه سعيد بن منصور عن حماد بن شعيب عن حبيب بن أبي
ثابت قال جاء رجل إلى علي بن الحسين فقال انى قلت يوم أتزوج فلانة فهي طلاق فقرأ هذه
الآية يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن قال علي بن
الحسين لا أرى الطلاق الا بعد نكاح وأما شريح فرواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من
طريق سعيد بن جبير عنه قال لا طلاق قبل نكاح وسنده صحيح ولفظ ابن أبي شيبة في رجل قال يوم
أتزوج فلانة فهي طالق ثلاثا وأما سعيد بن جبير فرواه أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير
عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير في الرجل يقول يوم أتزوج فلانة فهي طلاق قال
ليس بشئ انما الطلاق بعد النكاح وسنده صحيح وله طريق أخرى تأتى مع مجاهد وقال سعيد بن
منصور حدثنا سفيان عن سليمان بن أبي المغيرة سألت سعيد بن جبير وعلي بن حسين عن الطلاق
قبل النكاح فلم يرياه شيئا وقد روى مرفوعا أخرجه الدارقطني من طريق أبى هاشم الرماني
عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن رجل قال يوم أتزوج فلانة
فهي طالق فقال طلق ما لا يملك وفى سنده أبو خالد الواسطي وهو واه ولحديث ابن عمر طريق
أخرى أخرجها ابن عدي من رواية عاصم بن هلال عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رفعه لا طلاق
الا بعد نكاح قال ابن عدي قال ابن صاعد لما حدث به لا أعلم له علة (قلت) استنكروه على ابن
صاعد ولا ذنب له فيه وانما علته ضعف حفظ عاصم وأما القاسم وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق
وسالم وهو ابن عبد الله بن عمر فرواه أبو عبيد في كتاب النكاح له عن هشيم ويزيد بن هارون كلاهما
عن يحيى بن سعيد قال كان القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز لا يرون الطلاق
قبل النكاح وهذا اسناد صحيح أيضا وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر عن سالم والقاسم وقوعه
في المعينة وقال ابن أبي شيبة حدثنا حفص هو ابن غياث عن حنظلة قال سئل القاسم وسالم عن
رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق قالا هي كما قال وعن أبي أسامة عن عمر بن حمزة أنه سأل سالما
والقاسم وأبا بكر بن عبد الرحمن وأبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعبد الله بن عبد الرحمن عن
رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق البتة فقال كلهم لا يتزوجها وهو محمول على الكراهة
دون التحريم لما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق جرير بن حازم عن يحيى بن
سعيد أن القاسم سئل عن ذلك فكرهه فهذا طريق التوفيق بين ما نقل عنه من ذلك وأما طاوس
فأخرجه عبد الرزاق عن معمر قال كتب الوليد بن يزيد إلى أمراء الأنصار أن يكتبوا إليه
بالطلاق قبل النكاح وكان قد ابتلى بذلك فكتب إلى عامله باليمن فدعا ابن طاوس وإسماعيل بن
شروس وسماك بن الفضل فأخبرهم ابن طاوس عن أبيه وإسماعيل بن شروس عن عطاء وسماك
ابن الفضل عن وهب بن منبه أنهم قالوا لا طلاق قبل النكاح قال سماك من عنده انما النكاح
عقدة تعقد والطلاق يحلها فكيف يحل عقدة قبل أن تعقد وأخرجه سعيد بن منصور من
طريق خصيف وابن أبي شيبة من طريق الليث بن أبي سليم كلاهما عن عطاء وطاوس جميعا
وقد روى مرفوعا قال عبد الرزاق عن الثوري عن ابن المنكدر عمن سمع طاوسا يحدث عن
336

النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا طلاق لمن لم ينكح وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن
الثوري وهذا مرسل وفيه راو لم يسم وقيل فيه عن طاوس عن ابن عباس أخرجه الدارقطني
وابن عدي بسندين ضعيفين عن طاوس وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق ابن جريج عن
عمرو بن شعيب عن طاوس عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طلاق الا بعد
نكاح ولا عتق الا بعد ملك ورجاله ثقات الا أنه منقطع بين طاوس ومعاذ وقد اختلف فيه
على عمرو بن شعيب فرواه عامر الأحول ومطر الوراق وعبد الرحمن بن الحرث وحسين المعلم كلهم
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والأربعة ثقات وأحاديثهم في السنن ومن ثم صححه
من يقوى حديث عمرو بن شعيب وهو قوى لكن فيه علة الاختلاف وقد اختلف عليه فيه
اختلافا آخر فأخرج سعيد بن منصور من وجه آخر عن عمرو بن شعيب أنه سئل عن ذلك فقال
كان أبى عرض على امرأة يزوجنيها فأبيت أن أتزوجها وقلت هي طالق البتة يوم أتزوجها
ثم ندمت فقدمت المدينة فسألت سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير فقالا قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا طلاق الا بعد نكاح وهذا يشعر بأن من قال فيه عن أبيه عن جده سلك الجادة والا
فلو كان عنده عن أبيه عن جده لما أحتاج أن يرحل فيه إلى المدينة ويكتفى فيه بحديث مرسل
وقد تقدم أن الترمذي حكى عن البخاري أن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أصح شئ
في الباب وكذلك نقل ما هنا عن الإمام أحمد فالله اعلم وأما الحسن فقال عبد الرزاق عن معمر عن
الحسن وقتادة قالا لا طلاق قبل النكاح ولا عتق قبل الملك وعن هشام عن الحسن مثله وأخرج
ابن منصور عن هشيم عن منصور ويونس عن الحسن أنه كان يقول لا طلاق الا بعد الملك وقال
ابن أبي شيبة حدثنا خلف بن خليفة سألت منصورا عمن قال يوم أتزوجها فهي طالق فقال كان
الحسن لا يراه طلاقا وأما عكرمة فرواه أبو بكر الأثرم عن الفضل بن دكين عن سويد بن نجيح قال
سألت عكرمة مولى ابن عباس قلت رجل قالوا له تزوج فلانة قال هي يوم أتزوجها طالق كذا
وكذا قال انما الطلاق بعد النكاح وأما عطاء فتقدم مع طاوس ويأتي له طريق مع مجاهد وجاء
من طريقه مرفوعا أخرجه الطبراني في الأوسط عن موسى بن هارون حدثنا محمد بن المنهال
حدثنا أبو بكر الحنفي ابن أبي ذئب عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لا طلاق الا بعد النكاح ولا عتق الا بعد ملك قال الطبراني لم يروه عن ابن أبي ذئب الا أبو بكر الحنفي
ووكيع ولا رواه عن أبي بكر الحنفي الا محمد بن المنهال اه‍ وأخرجه أبو يعلى عن محمد بن المنهال
أيضا وصرح فيه بتحديث عطاء من ابن أبي ذئب ولذلك قال أيوب بن سويد عن ابن أبي ذئب
حدثنا عطاء لكن أيوب بن سويد ضعيف وكذا أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق محمد بن
سنان القزاز عن أبي بكر الحنفي وصرح فيه بتحديث عطاء لابن أبي ذئب وتحديث جابر لعطاء
وفى كل من ذلك نظر والمحفوظ فيه العنعنة فقد أخرجه الطيالسي في مسنده عن ابن أبي ذئب
عمن سمع عطاء وكذلك رويناه في الغيلانيات من طريق حسين بن محمد المروزي عن ابن أبي ذئب
وكذلك أخرجه أبو قرة في السنن عن ابن أبي ذئب ورواية وكيع التي أشار إليها الطبراني
أخرجها ابن أبي شيبة عنه عن ابن أبي ذئب عن عطاء وعن محمد بن المنكدر عن جابر قال لا طلاق
قبل نكاح ولرواية محمد بن المنكدر عن جابر طريق أخرى أخرجها البيهقي من طريق صدقة بن
337

عبد الله قال جئت محمد بن المنكدر وأنا مغضب فقلت أنت أحللت للوليد بن يزيد أم سلمة قاما
أنا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول لا طلاق لمن لا ينكح ولا عتق لمن لا يملك وأما عامر بن سعد فهو البجلي الكوفي من كبار
التابعين وجزم الكرماني في شرحه بأنه ابن سعد بن أبي وقاص وفيه نظر وأما جابر بن زيد وهو
أبو الشعثاء البصري فأخرجه سعيد بن منصور من طريقه وفى سنده رجل لم يسم وأما نافع بن
جبير أي ابن مطعم ومحمد بن كعب أي القرظي فأخرجه ابن أبي شيبة عن جعفر بن عون عن
أسامة بن زيد عنهما قالا لا طلاق الا بعد نكاح وأما سليمان بن يسار فأخرجه سعيد بن منصور عن
عتاب بن بشير عن خصيف عن سليمان بن يسار أنه حلف في امرأة ان أتزوجها فهي طالق فتزوجها
فأخبر بذلك عمر بن عبد العزيز وهو أمير على المدينة فأرسل إليه بلغني أنك حلفت في كذا قال نعم
قال أفلا تخلى سبيلها قال لا فتركه عمر ولم يفرق بينهما وأما مجاهد فرواه ابن أبي شيبة من طريق
الحسن بن الرماح سألت سعيد بن المسيب ومجاهدا وعطاء عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي
طالق فكلهم قال ليس بشئ زاد سعيدا يكون سيل قبل مطر وقد روى عن مجاهد خلافه
أخرجه أبو عبيد من طريق خصيف أن أمير مكة قال لامرأته كل امرأة أتزوجها فهي طالق
قال خصيف فذكرت ذلك لمجاهد وقلت له ان سعيد بن جبير قال ليس بشئ طلق ما لم يملك
قال فكره ذلك مجاهد وعابه وأما القاسم بن عبد الرحمن وهو ابن عبد الله بن مسعود فرواه ابن أبي
شيبة عن وكيع عن معروف بن واصل قال سألت القاسم بن عبد الرحمن فقال لا طلاق الا بعد
نكاح وأما عمرو بن هرم وهو الأزدي من اتباع التابعين فلم أقف على مقالته موصولة الا أن في كلام
بعض الشراح أن أبا عبيد أخرجه من طريقه وأما الشعبي فرواه وكيع في مصنفه عن إسماعيل
ابن أبي خالد عن الشعبي قال إن قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فليس بشئ وإذا وقت لزمه
وكذلك أخرجه عبد الرزاق عن الثوري عن زكريا بن أبي زائدة وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي
قال إذا عمم فليس بشئ وممن رأى وقوعه في المعينة دون التعميم غير من تقدم إبراهيم النخعي
أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن منصور عنه قال إذا وقت وقع وباسناده إذا قال
كل فليس بشئ ومن طريق حماد بن أبي سليمان مثل قول إبراهيم وأخرجه من طريق الأسود
ابن يزيد عن ابن مسعود والى ذلك أشار ابن عباس كما تقدم فابن مسعود أقدم من أفتى بالوقوع
وتبعه من أخذ بمذهبه كالنخعي ثم حماد وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة عن القاسم أنه قال هي طالق
واحتج بأن عمر سئل عمن قال يوم أتزوج فهي على كظهر أمي قال لا يتزوجها حتى يكفر فلا يصح عنه فإنه من رواية عبد الله بن عمر العمرى عن القاسم والعمرى ضعيف والقاسم لم يدرك عمر
وكأن البخاري تبع أحمد في تكثير النقل عن التابعين فقد ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في
العلل أن سفيان بن وكيع حدثه قال أحفظ عن أحمد منذ أربعين سنة أنه سئل عن الطلاق قبل
النكاح فقال يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي وابن عباس وعلي بن حسين وابن
المسيب ونيف وعشرين من التابعين أنهم لم يروا به بأسا قال عبد الله فسألت أبى عن ذلك فقال أنا
قلته (قلت) وقد تجوز البخاري في نسبة جميع من ذكر عنهم إلى القول بعدم الوقوع مطلقا مع أن
بعضهم يفصل وبعضهم يختلف عليه ولعل ذلك هو النكتة في تصديره النقل عنهم بصيغة التمريض
338

وهذه المسئلة من الخلافيات الشهيرة وللعلماء فيها مذاهب الوقوع مطلقا وعدم الوقوع مطلقا
والتفصيل بين ما إذا عين أو عمم ومنهم من توقف فقال بعدم الوقوع الجمهور كما تقدم وهو قول
الشافعي وابن مهدى وأحمد واسحق وداود وأتباعهم وجمهور أصحاب الحديث وقال بالوقوع
مطلقا أبو حنيفة وأصحابه وقال بالتفصيل ربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى ومن
قبلهم ممن تقدم ذكره وهو ابن مسعود وأتباعه ومالك في المشهور عنه وعنه عدم الوقوع مطلقا
ولو عين وعن ابن القاسم مثله وعنه أنه توقف وكذا عن الثوري وأبى عبيد وقال جمهور المالكية
بالتفصيل فان سمى امرأة أو طائفة أو قبيلة أو مكانا أو زمانا يمكن أن يعيش إليه لزمه الطلاق
والعتق وجاء عن عطاء مذهب آخر مفصل بين أن يشرط ذلك في عقد نكاح امرأته أولا فان
شرطه لم يصح تزويج من عينها والا صح أخرجه ابن أبي شيبة وتأول الزهري ومن تبعه قوله
لا طلاق قبل نكاح أنه محمول على من لم يتزوج أصلا فإذا قيل له مثلا تزوج فلانة فقال هي طالق
البتة لم يقع بذلك شئ وهو الذي ورد فيه الحديث وأما إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فان
الطلاق انما يقع حين تزوجها وما ادعاء من التأويل ترده الآثار الصريحة عن سعيد بن
المسيب وغيره من مشايخ الزهري في أنهم أرادوا عدم وقوع الطلاق عمن قال إن تزوجت
فهي طالق سواء خصص أم عمم أنه لا يقع ولشهرة الاختلاف كره أحمد مطلقا وقال إن تزوج
لا آمره أن يفارق وكذا قال اسحق في المعينة قال البيهقي بعد أن أخرج كثيرا من الاخبار ثم من
الآثار الواردة في عدم الوقوع هذه الآثار تدل على أن معظم الصحابة والتابعين فهموا من
الاخبار أن الطلاق أو العتاق الذي علق قبل النكاح والملك لا يعمل بعد وقوعهما وان تأويل
المخالف في حمله عدم الوقوع على ما إذا وقع قبل الملك والوقوع فيما إذا وقع بعده ليس بشئ لان
كل أحد يعلم بعدم الوقوع قبل وجود عقد النكاح أو الملك فلا يبقى في الاخبار فائدة بخلاف
ما إذا حملناه على ظاهره فان فيه فائدة وهو الاعلام بعدم الوقوع ولو بعد وجود العقد فهذا
يرجح ما ذهبنا إليه من حمل الاخبار على ظاهرها والله أعلم وأشار البيهقي بذلك إلى ما تقدم عن
الزهري والى ما ذكره مالك في الموطأ أن قوما بالمدينة كانوا يقولون إذا حلف الرجل بطلاق
امرأة قبل أن ينكحها ثم حنث لزم إذا نحكها حكاه ابن بطال قال وتأولوا حديث
لا طلاق قبل نكاح على من يقول امرأة فلان طالق وعورض من ألزم بذلك بالاتفاق على
أن من قال لامرأة إذا قدم فلان فأذني لوليك أن يزوجنيك فقالت إذا قدم فلان فقد أذنت
لوليي في ذلك أن فلانا إذا قدم لم ينعقد التزويج حتى تنشئ عقدا جديدا وعلى أن من باع
سلعة لا يملكها ثم دخلت في ملكه لم يلزم ذلك البيع ولو قال لامرأته ان طلقتك فقد راجعتك
فطلقها لا تكون مرتجعة فكذلك الطلاق ومما احتج به من أوقع الطلاق قوله تعالى
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود قال والتعليق عقد التزمه بقوله وربطه بنيته وعلقه بشرطه
فان وجد الشرط نفذ واحتج آخر بقوله تعالى يوفون بالنذر وآخر بمشروعية الوصية وكل ذلك
لا حجة فيه لان الطلاق ليس من العقود والنذر يتقرب به إلى الله بخلاف الطلاق فإنه أبغض
الحلال إلى الله ومن ثم فرق أحمد بين تعليق العتق وتعليق الطلاق فأوقعه في العتق دون الطلاق
ويؤيده أن من قال لله على عتق لزمه ولو قال لله على طلاق كان لغوا والوصية انما تنفذ بعد
339

الموت ولو علق الحي الطلاق بما بعد الموت لم ينفذ واحتج بعضهم بصحة تعليق الطلاق وأن من
قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت طالق فدخلت طلقت والجواب أن الطلاق حق ملك الزوج
فله أن ينجزه ويؤجله وأن يعلقه بشرط وأن يجعله بيد غيره كما يتصرف المالك في ملكه فإذا لم يكن
زوجا فأي شئ ملك حتى يتصرف وقال ابن العربي من المالكية الأصل في الطلاق أن يكون
في المنكوحة المقيدة بقيد النكاح وهو الذي يقتضيه مطلق اللفظ لكن الورع يقتضى التوقف
عن المرأة التي يقال فيها ذلك وإن كان الأصل تجويزه والغاء التعليق قال ونظر مالك ومن قال
بقوله في مسئلة الفرق بين المعينة وغيرها أنه إذا عم سد على نفسه باب النكاح الذي ندب الله إليه
فعارض عنده المشروع فسقط قال وهذا على أصل مختلف فيه وهو تخصيص الأدلة بالمصالح
والا فلو كان هذا لازما في الخصوص للزم في العموم والله أعلم * (قوله باب إذا
قال لامرأته وهو مكره هذه أختي فلا شئ عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم لسارة
هذه أختي وذلك في ذات الله) قال ابن بطال أراد بذلك رد من كره أن يقول لامرأته يا أختي وقد
روى عبد الرزاق من طريق أبى تميمة الهجيمي مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يقول
لامرأته يا أخية فزجره قال ابن بطال ومن ثم قال جماعة من العلماء يصير بذلك مظاهرا إذا قصد
ذلك فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى اجتناب اللفظ المشكل قال وليس بين هذا الحديث وبين
قصة إبراهيم معارضة لان إبراهيم انما أراد بها أخته في الدين فمن قال ذلك ونوى اخوة الدين لم
يضره (قلت) حديث أبي تميمة مرسل وقد أخرجه أبو داود من طرق مرسلة وفى بعضها عن أبي
تميمة عن رجل من قومه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهذا متصل وذكر أبو داود قبله حديث أبي
هريرة في قصة إبراهيم وسارة فكأنه وافق البخاري وقد قيد البخاري بكون قائل ذلك إذا كان
مكرها لم يضره وتعقبه بعض الشراح بأنه لم يقع في قصة إبراهيم اكراه وهو كذلك لكن
لا تعقب على البخاري لأنه أراد بذكر قصة إبراهيم الاستدلال على أن من قال ذلك في حالة الاكراه
لا يضره قياسا على ما وقع في قصة إبراهيم لأنه انما قال ذلك خوفا من الملك أن يغلبه على سارة
وكان من شأنهم أن لا يقربوا الخلية الا بخطبة ورضا بخلاف المتزوجة فكانوا يغتصبونها من
زوجها إذا أحيوا ذلك كما تقدم تقريره في الكلام على الحديث في المناقب فلخوف إبراهيم على
سارة قال إنها أخته وتأول اخوة الدين والله أعلم * (تنبيه) * أورد النسفي في هذا الباب جميع ما في
الترجمة التي بعده وعكس ذلك أبو نعيم في المستخرج والله أعلم * (قوله باب الطلاق
في الاغلاق والكره والسكران والمجنون وأمرهما والغلط والنسيان في الطلاق والشرك
وغيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى) اشتملت هذه الترجمة
على أحكام يجمعها أن الحكم انما يتوجه على العاقل المختار العامد الذاكر وشمل ذلك
الاستدلال بالحديث لان غير العاقل المختار لا نية له فيما يقول أو يفعل وكذلك الغالط والناسي
والذي يكره على الشئ وحديث الأعمال بهذا اللفظ وصله المؤلف في كتاب الايمان أول الكتاب
ووصله بألفاظ أخرى في أماكن أخرى وتقدم شرحه مستوفى هناك وقوله الاغلاق هو بكسر
الهمزة وسكون المعجمة الاكراه على المشهور قيل له ذلك لان المكره يتغلق عليه أمره ويتضيق
عليه تصرفه وقيل هو العمل في الغضب وبالأول جزم أبو عبيد وجماعة والى الثاني أشار أبو داود
340

فإنه أخرج حديث عائشة لا طلاق ولا اعتاق في اغلاق قال أبو داود والغلاق أظنه الغضب
وترجم على الحديث الطلاق على غيظ ووقع عنده بغير ألف في أوله وحكى البيهقي أنه روى
على الوجهين ووقع عند ابن ماجة في هذا الحديث الاغلاق بالألف وترجم عليه طلاق المكره
فإن كانت الرواية بغير ألف هي الراجحة فهو غير الاغلاق قال المطرزي قولهم إياك والغلق أي
الضجر والغضب ورد الفارسي في مجمع الغرائب على من قال الاغلاق الغضب وغلطه في ذلك وقال إن
طلاق الناس غالبا انما هو في حال الغضب وقال ابن المرابط الاغلاق حرج النفس وليس
كل من وقع له فارق عقله ولو جاز عدم وقوع طلاق الغضبان لكان لكل أحد أن يقول فيما جناه
كنت غضبانا اه‍ وأراد بذلك الرد على من ذهب إلى أن الطلاق في الغضب لا يقع وهو مروى
عن بعض متأخري الحنابلة ولم يوجد عن أحد من متقدميهم الا ما أشار إليه أبو داود وأما قوله في
المطالع الاغلاق الاكراه وهو من أغلقت الباب وقيل الغضب واليه ذهب أهل العراق فليس
بمعروف عن الحنفية وعرف بعلة الاختلاف المطلق اطلاق أهل العراق على الحنفية وإذا أطلقه
الفقيه الشافعي فمراده مقابل المراوزة منهم ثم قال وقيل معناه النهى عن ايقاع الطلاق البدعي
مطلقا والمراد النفي عن فعله لا النفي لحكمه كأنه يقول بل يطلق للسنة كما أمره الله وقول
البخاري والكره هو في النسخ بضم الكاف وسكون الراء وفى عطفه على الاغلاق نظر الا إن كان
يذهب إلى أن الاغلاق الغضب ويحتمل أن يكون قبل الكاف ميم لأنه عطف عليه السكران
فيكون التقدير باب حكم الطلاق في الاغلاق وحكم المكره والسكران والمجنون الخ وقد
اختلف السلف في طلاق المكره فروى ابن أبي شيبة وغيره عن إبراهيم النخعي أنه يقع قال لأنه
شئ افتدى به نفسه وبه قال أهل الرأي وعن إبراهيم النخعي تفصيل آخر ان روى المكرة لم
يقع والا وقع وقال الشعبي ان أكرهه اللصوص وقع وان أكرهه السلطان فلا أخرجه ابن أبي
شيبة ووجه بأن اللصوص من شأنهم أن يقتلوا من يخالفهم غالبا بخلاف السلطان وذهب
الجمهور إلى عدم اعتبار ما يقع فيه واحتج عطاء بآية النحل الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان
قال عطاء الشرك أعظم من الطلاق أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح وقرره الشافعي بأن
الله لما وضع الكفر عمن تلفظ به حال الاكراه وأسقط عنه أحكام الكفر فكذلك يسقط عن
المكره ما دون الكفر لان الأعظم إذا سقط سقط ما هو دونه بطريق الأولى والى هذه النكتة أشار
البخاري بعطف الشرك على الطلاق في الترجمة وأما قوله والسكران فسيأتي ذكر حكمه في
الكلام على أثر عثمان في هذا الباب وقد يأتي السكران في كلامه وفعله بما لا يأتي به وهو صاح
لقوله تعالى حتى تعلموا ما تقولون فان فيها دلالة على أن من علم ما يقول لا يكون سكرانا وأما
المجنون فسيأتي في أثر على مع عمر وقوله وأمرهما فمعناه على حكمهما واحد أو يختلف وقوله
والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره أي إذا وقع من المكلف ما يقتضى الشرك غلطا أو
نسيانا هل يحكم عليه به وإذا كان لا يحكم عليه به فليكن الطلاق كذلك وقوله وغيره أي وغير
الشرك مما هو دونه وذكر شيخنا ابن الملقن أنه في بعض النسخ والشك بدل الشرك قال وهو
الصواب وتبعه الزركشي لكن قال وهو أليق وكأن مناسبة لفظ الشرك خفيت عليهما ولم أره
في شئ من النسخ التي وقفت عليها بلفظ الشك فان ثبتت فتكون معطوفة على النسيان لا على
341

الطلاق ثم رأيت سلف شيخنا وهو قول ابن بطال وقع في كثير من النسخ والنسيان في الطلاق
والشرك وهو خطأ والصواب والشك مكان الشرك اه‍ ففهم شيخنا من قوله في كثير من النسخ أن
في بعضها بلفظ الشك فجزم بذلك واختلف السلف في طلاق الناسي فكان الحسن يراه كالعمد الا ان
اشترط فقال الا ان أنسى أخرجه ابن أبي شيبة وأخرج ابن أبي شيبة أيضا عن عطاء أنه كان لا يراه
شيئا ويحتج بالحديث المرفوع الآتي كما سأقرره بعد وهو قول الجمهور وكذلك اختلف في طلاق
المخطئ فذهب الجمهور إلى أنه لا يقع وعن الحنفية ممن أراد أن يقول لامرأته شيئا فسبقه لسانه
فقال أنت طالق يلزمه الطلاق وأشار البخاري بقوله الغلط والنسيان إلى الحديث الوارد عن ابن
عباس مرفوعا ان الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فإنه سوى بين
الثلاثة في التجاوز فمن حمل التجاوز على رفع الاثم خاصة دون الوقوع في الاكراه لزم أن يقول مثل
ذلك في النسيان والحديث قد أخرجه ابن ماجة وصححه ابن حبان واختلف أيضا في طلاق
المشرك فجاء عن الحسن وقتادة وربيعة أنه لا يقع ونسب إلى مالك وداود وذهب الجمهور إلى أنه
يقع كما يصح نكاحه وعتقه وغير ذلك من أحكامه (قوله وتلا الشعبي لا تؤاخذنا ان نسينا أو
أخطأنا) رويناه موصولا في فوائد هناد بن السرى الصغير من رواية سليم مولى الشعبي عنه
بمعناه (قوله وما لا يجوز من اقرار الموسوس) بمهملتين والواو الأولى مفتوحة والثانية مكسورة
(قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم الذي أقر على نفسه أبك جنون) هو طرف من حديث
ذكره المصنف في هذا الباب بلفظ هل بك جنون وأورده في الحدود ويأتي شرحه هناك مستوفى
إن شاء الله تعالى ووقع في بعض طرقه ذكر السكر (قوله وقال على بقر حمزة خواصر شارفي)
الحديث هو طرف من الحديث الطويل في قصة الشارفين وقد تقدم شرحه مستوفى في غزوة بدر
من كتاب المغازي وبقر بفتح الموحدة وتخفيف القاف أي شق والخواصر بمعجمة ثم مهملة جمع
خاصرة وقوله في آخره انه ثمل بفتح المثلثة وكسر الميم بعدها لام أي سكران وهو من أقوى أدلة
من لم يؤاخذ السكران بما يقع منه في حال سكره من طلاق وغيره واعترض المهلب بأن الخمر حينئذ
كانت مباحة قال فبذلك سقط عنه حكم ما نطق به في تلك الحال قال وبسبب هذه القصة كان
تحريم الخمر اه‍ وفيما قاله نظر أما أولا فان الاحتجاج من هذه القصة انما هو بعدم مؤاخذة
السكران بما يصدر منه ولا يفترق الحال بين أن يكون الشرب مباحا أو لا وأما ثانيا فدعواه أن
تحريم الخمر كان بسبب قصة الشارفين ليس بصحيح فان قصة الشارفين كانت قبل أحد اتفاقا لان
حمزة استشهد بأحد وكان ذلك بين بدر وأحد عند تزويج على بفاطمة وقد ثبت في الصحيح أن جماعة
اصطبحوا الخمر يوم أحد واستشهدوا ذلك اليوم فكان تحريم الخمر بعد أحد لهذا الحديث الصحيح
(قوله وقال عثمان ليس لمجنون ولا لسكران طلاق) وصله ابن أبي شيبة عن شبابة ورويناه في
الجزء الرابع من تاريخ أبى زرعة الدمشقي عن آدم بن أبي اياس كلاهما عن ابن أبي ذئب عن
الزهري قال قال رجل لعمر بن عبد العزيز طلقت امرأتي وأنا سكران فكان رأى عمر بن عبد
العزيز مع رأينا أن يجلده ويفرق بينه وبين امرأته حتى حدثه أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه
أنه قال ليس على المجنون ولا على السكران طلاق فقال عمر تأمرونني وهذا يحدثني عن عثمان
فجلده ورد إليه امرأته وذكر البخاري أثر عثمان ثم ابن عباس استظهارا لما دل عليه حديث على
342

في قصة حمزة وذهب إلى عدم وقوع طلاق السكران أيضا أبو الشعثاء وعطاء وطاوس وعكرمة
والقاسم وعمر بن عبد العزيز ذكره ابن أبي شيبة عنهم بأسانيد صحيحة وبه قال ربيعة والليث
واسحق والمزني واختاره الطحاوي واحتج بأنهم اجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع قال
والسكران معتوه بسكره وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم
والزهري والشعبي وبه قال الأوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وعن الشافعي قولان
المصحح منهما وقوعه والخلاف عند الحنابلة لكن الترجيح بالعكس وقال ابن المرابط إذا
تيقنا ذهاب عقل السكران لم يلزمه طلاق والا لزمه وقد جعل الله حد السكر الذي تبطل به
الصلاة أن لا يعلم ما يقول وهذا التفصيل لا يأباه من يقول بعدم طلاقه وانما استدل
من قال بوقوعه مطلقا بأنه عاص بفعله لم يزل عنه الخطاب بذلك ولا الاثم لأنه يؤمر بقضاء
الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر أو فيه وأجاب الطحاوي بأنه لا تختلف
أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته أو من جهة غيره إذ لا فرق بين من
عجز عن القيام في الصلاة بسبب من قبل الله أو من قبل نفسه كمن كسر رجل نفسه فإنه يسقط عنه
فرض القيام وتعقب بأن القيام انتقل إلى بدل وهو القعود فافترقا وأجاب ابن المنذر عن
الاحتجاج بقضاء الصلوات بأن النائم يجب عليه قضاء الصلاة ولا يقع طلاقه فافترقا وقال ابن
بطال الأصل في السكران العقل والسكر شئ طرأ على عقله فمهما وقع منه من كلام مفهوم فهو
محمول على الأصل حتى يثبت ذهاب عقله (قوله وقال ابن عباس طلاق السكران والمستكره
ليس بجائز) وصله ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور جميعا عن هشيم عن عبد الله بن طلحة الخزاعي
عن أبي يزيد المزنى عن عكرمة عن ابن عباس قال ليس لسكران ولا لمضطهد طلاق المضطهد
بضاد معجمة ساكنة ثم طاء مهملة مفتوحة ثم هاء ثم مهملة هو المغلوب المقهور وقوله ليس بجائز
أي بواقع إذ لا عقل للسكران المغلوب على عقله ولا اختيار للمستكره (قوله وقال عقبة بن عامر
لا يجوز طلاق الموسوس) أي لا يقع لان الوسوسة حديث النفس ولا مؤاخذة بما يقع في
النفس كما سيأتي (قوله وقال عطاء إذا بدأ بالطلاق فله شرطه) تقدم مشروحا في باب الشروط
في الطلاق وتقدم عن عطاء وسعيد بن المسيب والحسن وبينت من وصله عنهم ومن خالف
في ذلك (قوله وقال نافع طلق رجل امرأة البتة ان خرجت فقال ابن عمر ان خرجت فقد بتت
منه وان لم تخرج فليس بشئ) أما قوله البتة فإنه بالنصب على المصدر قال الكرماني هنا قال
النجاة قطع همزة البتة بمعزل عن القياس اه‍ وفى دعوى أنها تقال بالقطع نظر فان ألف البتة
ألف وصل قطعا والذي قاله أهل اللغة البتة القطع وهو تفسيرها بمرادفها لا أن المراد أنها تقال
بالقطع وأما قوله بتت فبضم الموحدة وتشديد المثناة المفتوحة على البناء للمجهول ومناسبة
ذكر هذا هنا وإن كانت المسائل المتعلقة بالبتة تقدمت موافقة ابن عمر للجمهور في أن لا فرق في
الشرط بين أن يتقدم أو يتأخر وبهذا تظهر مناسبة أثر عطاء وكذا ما بعد هذا وقد أخرج سعيد
ابن منصور من وجه صحيح عن ابن عمر أنه قال في الخلية والبتة ثلاث ثلاث (قوله وقال الزهري
فيمن قال إن لم أفعل كذا وكذا فامرأتي طالق ثلاثا يسأل عما قال وعقد عليه قلبه حين حلف بتلك
اليمن فان سمى أجلا أراده وعقد عليه قلبه حين حلف جعل ذلك في دينه وأمانته) أي يدين فيما
343

بينه وبين الله تعالى أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مختصرا ولفظه في الرجلين
يحلفان بالطلاق والعتاقة على أمر يختلفان فيه ولم يقم على واحد منهما بينة على قوله قال
يدينان ويحملان من ذلك ما تحملا وعن معمر عمن سمع الحسن مثله (قوله وقال إبراهيم
ان قال لا حاجة لي فيك نيته) أي ان قصد طلاقا طلقت والا فلا قال ابن أبي شيبة حدثنا
حفص هو ابن غياث عن إسماعيل عن إبراهيم في رجل قال لامرأته لا حاجة في فيك قال نيته وعن
وكيع عن شعبة سألت الحكم وحمادا قالا إن نوى طلاقا فواحدة وهو أحق بها (قوله وطلاق
كل قوم بلسانهم) وصله ابن أبي شيبة قال حدثنا إدريس قال حدثنا ابن أبي إدريس وجرير
فالأول عن مطرف والثاني عن المغيرة كلاهما عن إبراهيم قال طلاق العجمي بلسانه جائز
ومن طريق سعيد بن جبير قال إذا طلق الرجل بالفارسية يلزمه (قوله وقال قتادة إذا قال إذا
حملت فأنت طالق ثلاثا يغشاها عند كل طهر مرة فان استبان حملها فقد بانت منه) وصله ابن أبي
شيبة عن عبد الاعلى عن سعيد بن أبي عروة عن قتادة مثله لكن قال عند كل طهر مرة ثم
يمسك حتى تطهر وذكر بقيته نحوه ومن طريق أشعث عن الحسن يغشاها إذا طهرت من
الحيض ثم يمسك عنها إلى مثل ذلك وقال ابن سيرين يغشاها حتى تحمل وبهذا قال الجمهور
واختلفت الرواية عن مالك ففي رواية ابن القاسم ان وطئها مرة بعد التعليق طلقت سواء
استبان بها حملها أم لا وان وطئها في الطهر الذي قال لها ذلك بعد الوطء طلقت مكانها وتعقبه
الطحاوي بالاتفاق على أن مثل ذلك إذا وقع في تعليق العتق لا يقع الا إذا وجد الشرط قال
فكذلك الطلاق فليكن (قوله وقال الحسن إذا قال الحقي بأهلك نيته) وصله عبد الرزاق بلفظ
هو ما نوى وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر عن الحسن في رجل قال لامرأته اخرجي استبرئي
اذهبي لا حاجة لي فيك هي تطليقة ان نوى الطلاق (قوله وقال ابن عباس الطلاق عن وطر
والعتاق ما أريد به وجه الله) أي أنه لا ينبغي للرجل أن يطلق امرأته الا عند الحاجة كالنشوز
بخلاف العتق فإنه مطلوب دائما والوطر بفتحتين الحاجة قال أهل اللغة ولا يبنى منها فعل (قوله
وقال الزهري ان قال ما أنت بامرأتي نيته وان نوى طلاقا فهو ما نوى) وصله ابن أبي شيبة عن
عبد الاعلى عن معمر عن الزهري في رجل قال لامرأته لست لي بامرأة قال هو ما نوى ومن
طريق قتادة إذا واجهها به وأراد الطلاق فهي واحدة وعن إبراهيم ان كرر ذلك مرارا ما أراه
أراد الا الطلاق وعن قتادة ان أراد طلاقا فأطلقت وتوقف سعيد بن المسيب وقال الليث هي
كذبة وقال أبو يوسف ومحمد لا يقع بذلك طلاق (قوله وقال على ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاثة عن
المجنون حتى يفيق وعن الصبى حتى يدرك وعن النائم حتى يستيقظ) وصله البغوي في الجعديات
عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس أن عمر أتى بمجنونة قد زنت
وهى حبلى فأراد أن يرجمها فقال له على أما بلغك أن القلم قد وضع عن ثلاثة فذكره وتابعه ابن
نمير ووكيع وغير واحد عن الأعمش ورواه جرير بن حازم عن الأعمش فصرح فيه بالرفع
أخرجه أبو داود وابن حبان من طريقه وأخرجه النسائي من وجهين آخرين عن أبي ظبيان
مرفوعا وموقوفا لكن لم يذكر فيهما ابن عباس جعله عن أبي ظبيان عن علي ورجح الموقوف
على المرفوع وأخذ بمقتضى هذا الحديث الجمهور لكن اختلفوا في ايقاع طلاق الصبى فعن
344

ابن المسيب والحسن يلزمه إذا عقل وميز وحده عند أحمد ان يطيق الصيام ويحصى الصلاة وعند
عطاء إذا بلغ اثنى عشرة سنة وعن مالك رواية إذا ناهز الاحتلام (قوله وقال على وكل طلاق
جائز الاطلاق المعتوه) وصله البغوي في الجعديات عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن
إبراهيم النخعي عن عابس بن ربيعة أن عليا قال كل طلاق جائز الاطلاق المعتوه وهكذا أخرجه
سعيد بن منصور عن جماعة من أصحاب الأعمش عنه صرح في بعضها بسماع عابس بن ربيعة من
على وقد ورد فيه حديث مرفوع أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة مثل قول على وزاد
في آخره المغلوب على عقله وهو من رواية عطاء بن عجلان وهو ضعيف جدا والمراد بالمعتوه وهو
بفتح الميم وسكون المهملة وضم المثناة وسكون الواو بعدها هاء الناقص العقل فيدخل فيه
الطفل والمجنون والسكران والجمهور على عدم اعتبار ما يصدر منه وفيه خلاف قديم ذكر ابن أبي
شيبة من طريق نافع أن المحبر بن عبد الرحمن طلق امرأته وكان معتوها فأمرها ابن عمر بالعدة
فقيل له انه معتوه فقال انى لم أسمع الله استثنى للمعتوه طلاقا ولا غيره وذكر ابن أبي شيبة عن
الشعبي وإبراهيم وغير واحد مثل قول على (قوله حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم وهشام
هو الدستوائي (قوله عن زرارة) تقدم القول فيه في أوائل العتق وذكرت فيه بعض فوائده ويأتي
بقيتها في كتاب الايمان والنذور وقوله ما حدثت به أنفسها بالفتح على المفعولية وذكر المطرزي
عن أهل اللغة انهم يقولونه بالضم يريدون بغير اختيارها وقد أسند الإسماعيلي عن عبد الرحمن
ابن مهدي قال ليس عند قتادة حديث أحسن من هذا وهذا الحديث حجة في أن الموسوس
لا يقع طلاقه والمعتوه والمجنون أولى منه بذلك واحتج الطحاوي بهذا الحديث للجمهور فيمن قال
لامرأته أنت طلاق ونوى في نفسه ثلاثا أنه لا يقع الا واحدة خلافا للشافعي ومن وافقه قال
لان الخبر دل على أنه لا يجوز وقوع الطلاق بنية لا لفظ معها وتعقب بأنه لفظ بالطلاق ونوى
الفرقة التامة فهي نية صحبها لفظ واحتج به أيضا لمن قال فيمن قال لامرأته يا فلانة ونوى بذلك
طلاقها انها لا تطلق خلافا لمالك وغيره لان الطلاق لا يقع بالنية دون اللفظ ولم يأت بصيغة
لا صريحة ولا كناية واستدل به على أن من كتب الطلاق طلقت امرأة لأنه عزم بقلبه وعمل
بكتابته وهو قول الجمهور وشرط مالك فيه الاشهاد على ذلك واحتج من قال إذا طلق في نفسه
طلقت وهو مروى عن ابن سيرين والزهري وعن مالك رواية ذكرها أشهب عنه وقواها ابن
العربي بأن من اعتقد الكفر بقلبه كفر ومن أصر على المعصية أثم وكذلك من رأى بعمله
واعجب وكذا من قذف مسلما بقلبه وكل ذلك من أعمال القلب دون اللسان وأجيب بأن
العفو عن حديث النفس من فضائل هذه الأمة والمصر على الكفر ليس منهم وبأن المصر على
المعصية الاثم من تقدم له عمل المعصية لا من لم يعمل معصية قط وأما الرياء والعجب وغير ذلك
فكله متعلق بالاعمال واحتج الخطابي بالاجماع على أن من عزم على الظهار لا يصير مظاهرا قال
وكذلك الطلاق وكذا لو حدث نفسه بالقذف لم يكن قاذفا ولو كان حديث النفس يؤثر لأبطل
الصلاة وقد دل الحديث الصحيح على أن ترك الحديث مندوب فلو وقع لم تبطل وتقدم البحث في
الصلاة في ذلك في قول عمر انى لأجهز جيشي وأنا في الصلاة * الحديث الثاني حديث جابر في قصة
الذي أقر بالزنا فرجم ذكرها من طريق يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر وسيأتى شرحه
345

مستوفى في كتاب الحدود والمراد منه ما أشار إليه في الترجمة من قوله هل بك جنون فان مقتضاه
أنه لو كان مجنونا لم يعمل باقراره ومعنى الاستفهام هل كان بك جنون أو هل تجن تارة وتفيق تارة
وذلك أنه كان حين المخاطبة مفيقا ويحتمل أن يكون وجه له الخطاب والمراد استفهام من حضر
ممن يعرف حاله وسيأتى بسط ذلك إن شاء الله تعالى * الحديث الثالث حديث أبي هريرة في القصة
المذكورة أوردها من طريق شعيب عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب جميعا عن أبي هريرة
وسيأتى شرحها أيضا في الحدود وقوله في هذه الرواية ان الآخر قد زنى بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة
أي المتأخر عن السعادة وقيل معناه الأرذل (قوله وقال قتادة إذا طلق في نفسه فليس بشئ) وصله
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة والحسن قالا من طلق سرا في نفسه فليس طلاقه ذلك بشئ وهذا
قول الجمهور وخالفهم ابن سيرين وابن شهاب فقالا تطلق وهى رواية عن مالك * (تنبيه) * وقع
هذا الأثر عن قتادة في رواية النسفي عقب حديث قتادة المرفوع المذكور هنا بعد فلما ساقه من
طريق قتادة عن زرارة عن أبي هريرة فذكر الحديث المرفوع قال بعده قال قتادة فذكره ثم ذكر
المصنف في الباب ثلاثة أحاديث * الحديث الأول (قوله وعن الزهري قال فأخبرني من سمع جابر
ابن عبد الله) هو معطوف على قوله شعيب عن الزهري الخ وقد تقدم من رواية يونس عن الزهري
عن أبي سلمة فيحتمل أن يكون أبهمه لما حدث به شعيبا ويحتمل أن يكون هذا القدر عنده عن
غير أبى سلمة فأدرج في رواية يونس عنه وقوله في هذه الزيادة أذلقته بذال معجمة وقاف أي أصابته
بحدها وقوله جمز بفتح الجيم والميم وبزاي أي أسرع هاربا * (قوله باب الخلع)
بضم المعجمة وسكون اللام وهو في اللغة فراق الزوجة على مال مأخوذ من خلع الثوب لأن المرأة
لباس الرجل معنى وضم مصدره تفرقة بين الحسى والمعنوي وذكر أبو بكر بن دريد في أماليه أنه
أول خلع كان في الدنيا أن عامر بن الظرب بفتح المعجمة وكسر الراء ثم موحدة زوج ابنته من ابن
أخيه عامر بن الحرث بن الظرب فلما دخلت عليه نفرت منه فشكا إلى أبيها فقال لا أجمع عليك
فراق أهلك ومالك وقد خلعتها منك بما أعطيتها قال فزعم العلماء أن هذا كان أول خلع في العرب
اه‍ وأما أول خلع في الاسلام فسيأتي ذكره بعد قليل ويسمى أيضا فدية وافتداء وأجمع العلماء
على مشروعيته الا بكر بن عبد الله المزنى التابعي المشهور فإنه قال لا يحل للرجل أن يأخذ من
امرأته في مقابل فراقها شيئا لقوله تعالى فلا تأخذوا منه شيئا فأوردوا عليه فلا جناح عليهما فيما
افتدت به فادعى نسخها بآية النساء أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عنه وتعقب مع شذوذه
بقوله تعالى في النساء أيضا فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه وبقوله فيها فلا جناح عليهما
أن يصالحا الآية وبالحديث وكأنه لم يثبت عنده أو لم يبلغه وانعقد الاجماع بعده على اعتباره وأن
آية النساء مخصوصة بآية البقرة وبآيتي النساء الآخرتين وضابطه شرعا فراق الرجل زوجته
ببذل قابل للعوض يحصل لجهة الزوج وهو مكروه الا في حال مخافة أن لا يقيما أو واحد منهما
ما أمر به وقد ينشأ ذلك عن كراهة العشرة اما لسوء خلق أو خلق وكذا ترفع الكراهة إذا احتاجا
إليه خشية حنث يؤل إلى البينونة الكبرى (قوله وكيف الطلاق فيه) أي هل يقع الطلاق
بمجرده أو لا يقع حتى يذكر الطلاق اما باللفظ واما بالنية وللعلماء فيما إذا وقع الخلع مجردا عن
الطلاق لفظا ونية ثلاثة آراء وهى أقوال للشافعي * أحدها ما نص عليه في أكثر كتبه الجديدة
346

أن الخلع طلاق وهو قول الجمهور فإذا وقع بلفظ الخلع وما تصرف منه نقص العدد وكذا ان وقع
بغير لفظه مقرونا بنيته وقد نص الشافعي في الاملاء على أنه من صرائح الطلاق وحجة الجمهور أنه
لفظ لا يملكه الا الزوج فكان طلاقا ولو كان فسخا لما جاز على غير الصداق كالإقالة لكن
الجمهور على جوازه بما قل وكثر فدل على أنه طلاق والثاني وهو قول الشافعي في القديم وذكره في
أحكام القرآن من الجديد أنه فسخ وليس بطلاق وصح ذلك عن ابن عباس أخرجه عبد الرزاق وعن
ابن الزبير وروى عن عثمان وعلى وعكرمة وطاوس وهو مشهور مذهب أحمد وسأذكر في الكلام
على شرح حديث الباب ما يقويه وقد استشكله إسماعيل القاضي بالاتفاق على أن من جعل
أمر المرأة بيدها ونوى الطلاق فطلقت نفسها طلقت وتعقب بأن محل الخلاف ما إذا لم يقع لفظ
طلاق ولا نية وانما وقع لفظ الخلع صريحا أو ما قام مقامه من الألفاظ مع النية فإنه لا يكون فسخا
تقع به الفرقة ولا يقع به طلاق واختلف الشافعية فيما إذا نوى بالخلع الطلاق وفرعنا على أنه فسخ
هل يقع الطلاق أو لا ورجح الامام عدم الوقوع واحتج بأنه صريح في بابه وجد نفاذا في محله فلا
ينصرف بالنية إلى غيره وصرح أبو حامد والأكثر بوقوع الطلاق ونقله الخوارزمي عن نص
القديم قال هو فسخ لا ينقص عدد الطلاق الا أن ينويا به الطلاق ويخدش فيما اختاره الامام
أن الطحاوي نقل الاجماع على أنه إذا نوى بالخلع الطلاق وقع الطلاق وأن محل الخلاف فيما إذا
لم يصرح بالطلاق ولم ينوه والثالث إذا لم ينو الطلاق لا يقع به فرقة أصلا ونص عليه في الام وقواه
السبكي من المتأخرين وذكر محمد بن نصر المروزي في كتاب اختلاف العلماء أنه آخر قولي الشافعي
(قوله وقوله عز وجل ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) زاد غير أبي ذر إلى قوله الظالمون وعند النسفي بعد قوله يخافا الآية وبذكر ذلك يتبين تمام المراد
وهو بقوله فلا جناح عليهما فيما افتدت به وتمسك بالشرط من قوله فان خفتم من منع الخلع الا
إذا حصل الشقاق من الزوجين معا وسأذكر في الكلام على أثر طاوس بيان ذلك (قوله وأجاز عمر
الخلع دون السلطان) أي بغير اذنه وصله ابن أبي شيبة من طريق خيثمة بن عبد الرحمن قال أتى بشر
ابن مروان في خلع كان بين رجل وامرأة فلم يجزه فقال له عبد الله بن شهاب الخولاني قد أتى عمر في
خلع فأجازه وأشار المصنف إلى خلاف في ذلك أخرجه سعيد بن منصور حدثنا هشيم أنبأنا يونس
عن الحسن البصري قال لا يجوز الخلع دون السلطان وقال حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن
محمد بن سيرين كانوا يقولون فذكر مثله وأختاره أبو عبيد واستدل بقوله تعالى فان خفتم أن
لا يقيما حدود الله وبقوله تعالى وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها
قال فجعل الخوف لغير الزوجين ولم يقل فان خافا وقوى ذلك بقراءة حمزة في آية الباب الا أن يخافا
بضم أوله على البناء للمجهول قال والمراد الولاة ورده النحاس بأنه قول لا يساعده الاعراب ولا
اللفظ ولا المعنى والطحاوي بأنه شاذ مخالف لما عليه الجم الغفير ومن حيث النظر ان الطلاق
جائز دون الحاكم فكذلك الخلع ثم الذي ذهب إليه مبنى على أن وجود الشقاق شرط في الخلع
والجمهور على خلافه وأجابوا عن الآية بأنها جرت على حكم الغالب وقد أنكر قتادة هذا على
الحسن فأخرج سعيد بن أبي عروبة في كتاب النكاح عن قتادة عن الحسن فذكره قال قتادة ما أخذ
الحسن هذا الا عن زياد يعنى حيث كان أمير العراق لمعاوية (قلت) وزياد ليس أهلا أن يقتدى به
347

(قوله وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها) العقاص بكسر المهملة وتخفيف القاف وآخره) صاد مهملة جمع عقصة وهو ما يربط به شعر الرأس بعد جمعه وأثر عثمان هذا رويناه موصولا في
أمالي أبى القاسم بن بشران من طريق شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ
قالت اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك عثمان وأخرجه البيهقي من طريق
روح بن القاسم عن ابن عقيل مطولا وقال في آخره فدفعت إليه كل شئ حتى أجفت الباب بيني
وبينه وهذا يدل على أن معنى دون سوى أي أجاز للرجل أن يأخذ من المرأة في الخلع ما سوى
عقاص رأسها وقال سعيد بن منصور حدثنا هشام عن مغيرة عن إبراهيم كان يقال الخلع ما دون
عقاص رأسها وعن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يأخذ من المختلعة حتى عقاصها ومن
طريق قبيصة بن ذوئب إذا خلعها جاز أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ثم تلا فلا جناح عليهما
فيما افتدت به وسنده صحيح ووجدت أثر عثمان بلفظ آخر أخرجه ابن سعد في ترجمة الربيع
بنت معوذ من طبقات النساء قال أنبأنا يحيى بن عباد حدثنا فليح بن سليمان حدثني عبد الله
ابن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ قالت كان بيني وبين ابن عمى كلام وكان زوجها
قالت فقلت له لك كل شئ وفارقني قال قد فعلت فأخذ والله كل شئ حتى فراشي فجئت عثمان
وهو محصور فقال الشرط أملك خذ كل شئ حتى عقاص رأسها قال ابن بطال ذهب الجمهور
إلى أنه يجوز للرجل أن يأخذ في الخلع أكثر مما أعطاه وقال مالك لم أر أحدا ممن يقتدى به
يمنع ذلك لكنه ليس من مكارم الأخلاق وسيأتى ذكر حجة القائلين بعدم الزيادة في الكلام
على حديث الباب (قوله وقال طاوس الا أن يخافا الا يقيما حدود الله فيما افترض لكل
واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة ولم يقل قول السفهاء لا يحل حتى تقول
لا أغتسل لك من جنابة) هذا التعليق اختصره البخاري من أثر وصله عبد الرزاق قال أنبأنا ابن
جريج أخبرني ابن طاوس وقلت له ما كان أبوك يقول في الفداء قال كان يقول ما قال الله تعالى
الا أن يخافا ان لا يقيما حدود الله ولم يكن يقول قول السفهاء لا يحل حتى تقول لا أغتسل لك من
جنابة ولكنه يقول الا أن يخافا ان لا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه
في العشرة والصحبة قال ابن التين ظاهر سياق البخاري ان قوله ولم يقل الخ من كلامه ولكن قد نقل
الكلام المذكور عن ابن جريج قال ولا يبعد أن يكون ظهر له ما ظهر لابن جريج (قلت) وكأنه لم
يقف على الأثر موصولا فتكلف ما قال والذي قال ولم يقل هو ابن طاوس والمحكى عنه النفي هو
أبوه طاوس وأشار ابن طاوس بذلك إلى ما جاء عن غير طاوس وان الفداء لا يجوز حتى تعصى المرأة
الرجل فيما يرومه منها حتى تقول لا أغتسل لك من جنابة وهو منقول عن الشعبي وغيره أخرج
سعيد بن منصور عن هشيم أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن امرأة قالت لزوجها لا أطيع
لك أمرا ولا أبر لك قسما ولا أغتسل لك من جنابة قال إذا كرهته فليأخذ منها وليخل عنها وأخرج
ابن أبي شيبة عن وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن في قوله الا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله
قال ذلك في الخلع إذا قالت لا أغتسل لك من جنابة ومن طريق حميد بن عبد الرحمن قال يطيب
الخلع إذا قالت لا أغتسل لك من جنابة نحوه ومن طريق على نحوه ولكن بسند واه والظاهر أن
المنقول في ذلك عن الحسن وغيره ما هو الا على سبيل المثال ولا يتعين شرطا في جواز الخلع والله أعلم
348

وقد جاء عن غير طاوس نحو قوله فروى ابن أبي شيبة من طريق القاسم انه سئل عن قوله تعالى
الا أن يخافا ان لا يقيما حدود الله قال فيما افترض عليهما في العشرة والصحبة ومن طريق هشام بن
عروة عن أبيه أنه كان يقول لا يحل له الفداء حتى يكون الفساد من قبلها ولم يكن يقول لا يحل
له حتى تقول لا أبر لك قسما ولا أغتسل لك من جنابة (قوله حدثني أزهر بن جميل) هو بصرى
يكنى أبا محمد مات سنة إحدى وخمسين ومائتين ولم يخرج عنه البخاري في الجامع غير هذا الموضع
وقد أخرجه النسائي أيضا عنه وذكر البخاري أنه لم يتابع على ذكر ابن عباس فيه كما سيأتي لكن
جاء الحديث موصولا من طريق أخرى كما ذكره في الباب أيضا (قوله حدثنا خالد) هو ابن مهران
الحذاء (قوله أن امرأة ثابت بن قيس) أي ابن شماس بمعجمة ثم مهملة خطيب الأنصار تقدم
ذكره في المناقب وأبهم في هذه الطريق اسم المرأة وفى الطرق التي بعدها وسميت في آخر الباب
في طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلا جميلة ووقع في الرواية الثانية ان أخت
عبد الله بن أبي يعنى كبير الخزرج ورأس النفاق الذي تقدم خبره في تفسير سورة براءة وفى
تفسير سورة المنافقين فظاهره انها جميلة بنت أبي ويؤيده ان في رواية قتادة عن عكرمة عن ابن
عباس ان جميلة بنت سلول جاءت الحديث أخرجه ابن ماجة والبيهقي وسلول امرأة اختلف فيها
هل هي أم أبى أو امرأته ووقع في رواية النسائي والطبراني من حديث الربيع بنت معوذ أن
ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها وهى جميلة بنت عبد الله بن أبي فأتى أخوها
يشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وبذلك جزم ابن سعد في الطبقات فقال جميلة
بنت عبد الله بن أبي أسلمت وبايعت وكانت تحت حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة فقتل عنها
بأحد وهى حامل فولدت له عبد الله بن حنظلة فخلف عليها ثابت بن قيس فولدت له ابنه محمدا ثم
اختلعت منه فتزوجها مالك بن الدخشم ثم خبيب بن اساف ووقع في رواية حجاج بن محمد عن ابن
جريج أخبرني أبو الزبير أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي ابن
سلول وكان أصدقها حديقة فكرهته الحديث أخرجه الدارقطني والبيهقي وسنده قوى مع ارساله
ولا تنافى بينه وبين الذي قبله لاحتمال أن يكون لها اسمان أو أحدهما لقب وان لم يؤخذ بهذا
الجمع فالموصول أصح وقد اعتضد بقول أهل النسب ان اسمها جميلة وبه جزم الدمياطي وذكر أنها
كانت أخت عبد الله بن عبد الله بن أبي شقيقة أمهما خولة بنت المنذر بن حرام قال الدمياطي
والذي وقع في البخاري من أنها بنت أبي وهم (قلت) ولا يليق اطلاق كونه وهما فان الذي وقع
فيه أخت عبد الله بن أبي وهى أخت عبد الله بلا شك لكن نسب أخوها في هذه الرواية إلى جده
أبى كما نسبت هي في رواية قتادة إلى جدتها سلول فبهذا يجمع بين المختلف من ذلك وأما ابن الأثير
وتبعه النووي فجزما بان قول من قال إنها بنت عبد الله بن أبي وهم وان الصواب أنها أخت
عبد الله بن أبي وليس كما قالا بل الجمع أولى وجمع بعضهم باتحاد اسم المرأة وعمتها وان ثابتا خالع
الثنتين واحدة بعد أخرى ولا يخفى بعده ولا سيما مع اتحاد المخرج وقد كثرت نسبة الشخص إلى
جده إذا كان مشهورا والأصل عدم التعدد حتى يثبت صريحا وجاء في اسم امرأة ثابت بن
قيس قولان آخران أحدهما أنها مريم المغالية أخرجه النسائي وابن ماجة من طريق محمد بن إسحاق
حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن الربيع بنت معوذ قالت اختلعت من
349

زوجي فذكرت قصة فيها وانما تبع عثمان في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مريم المغالية
وكانت تحت ثابت بن قيس فاختلعت منه واسناده جيد قال البيهقي اضطرب الحديث في تسمية
امرأة ثابت ويمكن أن يكون الخلع تعدد من ثابت انتهى وتسميتها مريم يمكن رده للأول لان
المغالية وهى بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة نسبة إلى مغالة وهى امرأة من الخزرج ولدت
لعمرو بن مالك بن النجار ولده عديا فبنو عدى بن النجار يعرفون كلهم بيني مغالة ومنهم عبد الله
ابن أبي وحسان بن ثابت وجماعة من الخزرج فإذا كان آل عبد الله بن أبي من بن مغالة فيكون
الوهم وقع في اسمها أو يكون مريم اسما ثالثا أو بعضها لقب لها والقول الثاني في اسمها أنها حبيبة
بنت سهل أخرجه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن
حبيبة بنت سهل أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وان رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج إلى الصبح فوجد حبيبة عند بابه في الغلس قال من هذه قالت أنا حبيبة بنت سهل قال ما شأنك
قالت لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها الحديث وأخرجه أصحاب السنن الثلاثة وصححه ابن خزيمة
وابن حبان من هذا الوجه وأخرجه أبو داود من طريق عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن
عمرة عن عائشة أن حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت قال ابن عبد البر اختلف في امرأة ثابت بن
قيس فذكر البصريون أنها جميلة بنت أبي وذكر المدنيون أنها حبيبة بنت سهل (قلت) والذي
يظهر أنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين
بخلاف ما وقع من الاختلاف في تسمية جميلة ونسبها فان سياق قصتها متقارب فأمكن رد
الاختلاف فيه إلى الوفاق وسأبين اختلاف القصتين عند سياق ألفاظ قصة جميلة وقد أخرج
البزار من حديث عمر قال أول مختلعة في الاسلام حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس
الحديث وهذا على تقدير التعدد يقتضى ان ثابتا تزوج حبيبة قبل جميلة ولو لم يكن في ثبوت
ما ذكره البصريون الا كون محمد بن ثابت بن قيس من جميلة لكان دليلا على صحة تزوج ثابت
بجميلة * (تنبيه) * وقع لأب الجوزي في تنقيحه أنها سهلة بنت حبيب فما أظنه الا مقلوبا
والصواب حبيبة بنت سهل وقد ترجم لها ابن سعد في الطبقات فقال بنت سهل بن ثعلبة بن
الحرث وساق نسبها إلى مالك بن النجار وأخرج حديثها عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال
كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس وكان في خلقه شدة فذكر نحو حديث مالك وزاد في
آخره وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هم ان يتزوجها ثم كره ذلك لغيرة الأنصار وكره أن
يسوءهم في نسائهم (قوله أنت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس) في
رواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب وهى التي علقت هنا ووصلها الإسماعيلي جاءت امرأة ثابت
ابن قيس بن شماس الأنصاري وفى رواية سعيد عن قتادة عن عكرمة في هذه القصة فقالت بأبي
وأمي أخرجها البيهقي (قوله ما أعتب عليه) بضم المثناة من فوق ويجوز كسرها من العتاب يقال
عتبت على فلان أعتب عتبا والاسم المعتبة والعتاب هو الخطاب بالادلال وفى رواية بكسر العين
بعدها تحتانية ساكنة من العيب وهى أليق بالمراد (قوله في خلق ولا دين) بضم الخاء المعجمة واللام
ويجوز اسكانها أي لا أريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه زاد في رواية أيوب المذكورة
ولكني لا أطيقه كذا فيه لم يذكر مميز عدم الطاقة وبينه الإسماعيلي في روايته ثم البيهقي بلفظ
350

لا أطيقه بغضا وهذا ظاهره انه لم يصنع بها شيئا يقتضى الشكوى منه بسببه لكن تقدم من رواية
النسائي انه كسر يدها فيحمل على انها أرادت انه سيئ الخلق لكنها ما تعيبه بذلك بل بشئ آخر
وكذا وقع في قصة حبيبة بنت سهل عند أبي داود أنه ضربها فكسر بعضها لكن لم تشكه واحدة
منهما بسبب ذلك بل وقع التصريح بسبب آخر وهو انه كان دميم الخلقة ففي حديث عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده عند ابن ماجة كانت حبيبة بنت سهل عند ثابت بن قيس وكان رجلا دميما
فقالت والله لولا مخافة الله إذا دخل على لبصقت في وجهه وأخرج عبد الرزاق عن معمر قال
بلغني أنها قالت يا رسول الله بي من الجمال ما ترى وثابت رجل دميم وفى رواية معتمر بن سليمان عن
فضيل عن أبي جرير عن عكرمة عن ابن عباس أول خلع كان في الاسلام امرأة ثابت بن قيس
أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدا انى رفعت
جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها فقال
أتردين عليه حديقته قالت نعم وان شاء زدته ففرق بينهما (قوله ولكني أكره الكفر في الاسلام)
أي أكره ان أقمت عنده ان أقع فيما يتقضى الكفر وانتفى أنها أرادت أن يحملها على الكفر
ويأمرها به نفاقا بقولها لا أعتب عليه في دين فتعين الحمل على ما قلناه ورواية جرير بن حازم في
أواخر الباب تؤيد ذلك حيث جاء فيها الا انى أخاف الكفر وكأنها أشارت إلى أنها قد تحملها شدة
كراهتها له على اظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه وهى كانت تعرف ان ذلك حرام لكن
خشيت أن يحملها شدة البغض على الوقوع فيه ويحتمل أن تريد بالكفر كفران العشير إذ هو
تقصير المرأة في حق الزوج وقال الطيبى المعنى أخاف على نفسي في الاسلام ما ينافي حكمه من
نشوز وفرك وغيره مما يتوقع من الشابة الجميلة المبغضة لزوجها إذا كان بالضد منها فأطلقت
على ما ينافي مقتضى الاسلام الكفر ويحتمل أن يكون في كلامها اضمار أي أكره لوازم الكفر
من المعادة والشقاق والخصومة ووقع في رواية إبراهيم بن طهمان ولكني لا أطيقه وفى رواية
المستملى ولكن وقد تقدم ما فيه (قوله أتردين) في رواية إبراهيم بن طهمان فتردين والفاء عاطفة
على مقدر محذوف وفى رواية جرير بن حازم تردين وهى استفهام محذوف الأداة كما دلت عليه
الرواية الأخرى (قوله حديقته) أي بستانه ووقع في حديث عمر انه كان أصدقها الحديقة
المذكورة ولفظه وكان تزوجها على حديقة نخل (قوله قالت نعم) زاد في حديث عمر فقال
ثابت أيطيب ذلك يا رسول الله قال نعم (قوله اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) هو أمر ارشاد
واصلاح لا ايجاب ووقع في رواية جرير بن حازم فردت عليه وأمره بفراقها واستدل بهذا
السياق على أن الخلع ليس بطلاق وفيه نظر فليس في الحديث ما يثبت ذلك ولا ما ينفيه فان قوله
طلقها الخ يحتمل أن يراد طلقها على ذلك فيكون طلاقا صريحا على عوض وليس البحث فيه انما
الاختلاف فيما إذا وقع لفظ الخلع أو ما كان في حكمه من غير تعرض لطلاق بصراحة ولا كتابة
هل يكون الخلع طلاقا أو فسخا وكذلك ليس فيه التصريح بان الخلع وقع قبل الطلاق أو بالعكس
نعم في رواية خالد المرسلة ثانية أحاديث الباب فردتها وأمره فطلقها وليس صريحا في تقديم
العطية على الامر بالطلاق بل يحتمل أيضا أن يكون المراد أن أعطتك طلقها وليس فيه أيضا
351

التصريح بوقوع صيغة الخلع ووقع في مرسل أبى الزبير عند الدارقطني فأخذها له وخلى
سبيلها وفى حديث حبيبة بنت سهل فاخذها منها وجلست في أهلها لكن معظم الروايات في
الباب تسميته خلعا ففي رواية عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس أنها اختلعت من زوجها
أخرجه أبو داود والترمذي (قوله قال أبو عبد الله) هو البخاري (قوله لا يتابع فيه عن ابن
عباس) أي لا يتابع أزهر بن جميل على ذكر ابن عباس في هذا الحديث بل أرسله غيره ومراده بذلك
خصوص طريق خالد الحذاء عن عكرمة ولهذا عقبه برواية خالد وهو ابن عبد الله الطحان عن خالد
وهو الحذاء عن عكرمة مرسلا ثم برواية إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء مرسلا وعن أيوب
موصولا ورواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب الموصولة وصلها الإسماعيلي (قوله حدثنا قراد)
بضم القاف وتخفيف الراء وآخره دال مهملة وهو لقب واسمه عبد الرحمن بن غزوان بفتح المعجمة
وسكون الزاي وأبو نوح كنيته وهو من كبار الحافظ وثقوه ولكن خطئوه في حديث واحد حدث
به عن الليث خولف فيه وليس له في البخاري سوى هذا الموضع ووقع عنده في آخره فردت عليه
وأمره ففارقها كذا فيه فردت عليه بحذف المفعول والمراد الحديقة التي وقع ذكرها ووقع عند
الإسماعيلي من هذا الوجه فأمره أن يأخذ ما أعطاها ويخلى سبيلها (قوله في هذه الرواية
لا أطيقه) تقدم بيانه وهو في جميع النسخ بالقاف وذكر الكرماني أن في بعضها أطيعه بالعين
المهملة وهو تصحيف ثم أشار البخاري إلى أنه اختلف على أيوب أيضا في وصل الخبر وارساله فاتفق
إبراهيم بن طهمان وجرير بن حازم على وصله وخالفهما حماد بن زيد فقال عن أيوب عن عكرمة
مرسلا ويؤخذ من اخراج البخاري هذا الحديث في الصحيح فوائد منها أن الأكثر إذا وصلوا
وأرسل الأقل قدم الواصل ولو كان الذي أرسل أحفظ ولا يلزم منه أنه تقدم رواية الواصل على
المرسل دائما ومنها أن الراوي إذا لم يكن في الدرجة العليا من الضبط ووافقه من هو مثله اعتضد
وقاومت الروايتان رواية الضابط المتقن ومنها أن أحاديث الصحيح متفاوتة المرتبة إلى صحيح
وأصح وفى الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن الشقاق إذا حصل من قبل المرأة فقط جاز الخلع
والفدية ولا يتقيد ذلك بوجوده منهما جميعا وأن ذلك يشرع إذا كرهت المرأة عشرة الرجل ولو لم
يكرهها ولم ير منها ما يقتضى فراقها وقال أبو قلابة ومحمد بن سيرين لا يجوز له أخذ الفدية منها الا
أن يرى على بطنها رجلا أخرجه ابن أبي شيبة وكأنهما لم يبلغهما الحديث واستدل ابن سيرين
بظاهر قوله تعالى الا أن يأتين بفاحشة مبينة وتعقب بأن آية البقرة فسرت المراد بذلك مع ما دل
عليه الحديث ثم ظهر لي لما قاله ابن سيرين توجيه وهو تخصيصه بما إذا كان ذلك من قبل الرجل
بأن يكرهها وهى لا تكرهه فيضاجرها لتفتدى منه فوقع النهى عن ذلك الا أن يراها على فاحشة
ولا يجد بينة ولا يحب أن يفضحها فيجوز حينئذ أن يفتدى منها ويأخذ منها ما تراضيا عليه
ويطلقها فليس في ذلك مخالفة للحديث لان الحديث ورد فيما إذا كانت الكراهة من قبلها
واختار بن المنذر أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق بينهما جميعا وان وقع من أحدهما لا يندفع الاثم
وهو قوى موافق لظاهر الآيتين ولا يخالف ما ورد فيه وبه قال طاوس والشعبي وجماعة من
التابعين وأجاب الطبري وغيره عن ظاهر الآية بأن المرأة إذا لم تقم بحقوق الزوج التي أمرت بها
352

كان ذلك منفرا للزوج عنها غالبا ومقتضيا لبغضه لها فنسبت المخافة إليهما لذلك وعن الحديث
بأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفسر ثابتا هل أنت كارهها كما كرهتك أم لا وفيه أن المرأة إذا سألت
زوجها الطلاق على مال فطلقها وقع الطلاق فإن لم يقع الطلاق صريحا ولا نوياه ففيه الخلاف
المتقدم من قبل واستدل لمن قال بأنه فسخ بما وقع في بعض طرق حديث الباب من الزيادة ففي
رواية عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس عند أبي داود والترمذي في قصة امرأة ثابت بن
قيس فأمرها أن تعتد بحيضة وعند أبى داود والنسائي وابن ماجة من حديث الربيع بنت معوذ
أن عثمان أمرها أن تعتد بحيضة قال وتبع عثمان في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم في امرأة ثابت بن قيس وفى رواية للنسائي والطبري من حديث الربيع بنت معوذ
أن ثابت بن قيس ضرب امرأته فذكر نحو حديث الباب وقال في آخره خذ الذي لها وخل
سبيلها قال نعم فأمرها أن تتربص حيضة وتلحق بأهلها قال الخطابي في هذا أقوى دليل لمن
قال إن الخلع فسخ وليس بطلاق إذ لو كان طلاقا لم تكتف بحيضة للعدة اه‍ وقد قال الإمام أحمد
ان الخلع فسخ وقال في رواية وانها لا تحل لغير زوجها حتى يمضى ثلاثة أقراء فلم يكن عنده
بين كونه فسخا وبين النقص من العدة تلازم واستدل به على أن الفدية لا تكون الا
بما أعطى الرجل المرأة عينا أو قدرها لقوله صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته وقد وقع
في رواية سعيد عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في آخر حديث الباب عند ابن ماجة والبيهقي
فأمره أن يأخذ منها ولا يزداد وفى رواية عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد قال أيوب لا أحفظ
ولا تزدد ورواه ابن جريج عن عطاء مرسلا ففي رواية ابن المبارك وعبد الوهاب عنه أما الزيادة
فلا زاد ابن المبارك عن مالك وفى رواية الثوري وكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطى ذكر ذلك
كله البيهقي قال ووصله الوليد بن مسلم عن ابن جريج بذكر ابن عباس فيه أخرجه أبو الشيخ
قال وهو غير محفوظ يعنى الصواب ارساله وفى مرسل أبى الزبير عند الدارقطني والبيهقي
أتردين عليه حديقته التي أعطاك قالت نعم وزيادة قال النبي صلى الله عليه وسلم أما الزيادة فلا
ولكن حديقته قالت نعم فأخذ ماله وخلى سبيلها ورجال اسناده ثقات وقد وقع في بعض
طرقه سمعه أبو الزبير من غير واحد فإن كان فيهم صحابي فهو صحيح والا فيعتضد بما سبق لكن
ليس فيه دلالة على الشرط فقد يكون ذلك وقع على سبيل الإشارة رفقا بها وأخرج عبد الرزاق
عن علي لا يأخذ منها فوق ما أعطاها وعن طاوس وعطاء والزهري مثله وهو قول أبي حنيفة
وأحمد واسحق وأخرج إسماعيل ابن إسحاق عن ميمون بن مهران من أخذ أكثر مما أعطى لم
يسرح باحسان ومقابل هذا ما أخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال
ما أحب أن يأخذ منها ما أعطاها ليدع لها شيئا وقال مالك لم أزل أسمع أن الفدية تجوز بالصداق
وبأكثر منه لقوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به ولحديث حبيبة بنت سهل فإذا كان
النشوز من قبلها حل للزوج ما أخذ منها برضاها وإن كان من قبله لم يحل له ويرد عليها ان أخذ
وتمضى الفرقة وقال الشافعي إذا كانت غير مؤدية لحقه كارهة له حل له أن يأخذ فإنه يجوز أن
يأخذ منها ما طابت به نفسا بغير سبب فبالسبب أولى وقال إسماعيل القاضي ادعى بعضهم أن المراد
بقوله تعالى فيما افتدت به أي بالصداق وهو مردود لأنه لم يقيد في الآية بذلك وفيه أن الخلع
353

جائز في الحيض لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها أحائض هي أم لا لكن يجوز أن يكون ترك
ذلك لسبق العلم به أو كان قبل تقريره فلا دلالة فيه لمن يخصه من منع طلاق الحائض وهذا كله
تفريع على أن الخلع طلاق وفيه أن الأخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلب طلاق زوجها
محمولة على ما إذا لم يكن بسبب يقتضى ذلك لحديث ثوبان أيما امرأة سالت زوجها الطلاق
فحرام عليها رائحة الجنة رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان ويدل على تخصيصه
قوله في بعض طرقه من غير ما بأس ولحديث أبي هريرة المنتزعات والمختلعات هن المنافقات أخرجه
احمد والنسائي وفى صحته نظر لان الحسن عند الأكثر لم يسمع من أبي هريرة لكن وقع في رواية
النسائي قال الحسن لم أسمع من أبي هريرة غير هذا الحديث وقد تأوله بعضهم على أنه أراد لم يسمع
هذا الا من حديث أبي هريرة وهو تكلف وما المانع أن يكون سمع هذا منه فقط وصار يرسل
عنه غير ذلك فتكون قصته في ذلك كقصته مع سمرة في حديث العقيقة كما يأتي في بابه إن شاء الله
تعالى وقد أخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عن الحسن مرسلا لم يذكر فيه أبا هريرة
وفيه أن الصحابي إذا أفتى بخلاف ما روى أن المعتبر ما رواه لا ما رآه لان ابن عباس روى قصة
امرأة ثابت بن قيس الدالة على أن الخلع طلاق وكان يفتى بأن الخلع ليس بطلاق لكن ادعى ابن
عبد البر شذوذ ذلك عن ابن عباس إذ لا يعرف له أحد نقل عنه أنه فسخ وليس بطلاق الا طاوس
وفيه نظر لان طاوسا ثقة حافظ ففيه فلا يضره تفرده وقد تلقى العلماء ذلك بالقبول ولا أعلم من
ذكر الاختلاف في المسئلة الا وجزم ان ابن عباس كان يراه فسخا نعم أخرج إسماعيل القاضي
بسند صحيح عن ابن أبي نجيح ان طاوسا لما قال إن الخلع ليس بطلاق أنكره عليه أهل مكة
فاعتذر وقال انما قاله ابن عباس قال إسماعيل لا نعلم أحدا قاله غيره اه‍ ولكن الشأن في كون
قصة ثابت صريحة في كون الخلع طلاقا * (تكميل) * نقل ابن عبد البر عن مالك أن المختلعة
هي التي اختلعت من جميع مالها وان المفتدية التي افتدت ببعض مالها وان المبارئة التي بارأت
زوجها قبل الدخول قال ابن عبد البر وقد يستعمل بعض ذلك موضع بعض * (قوله
باب الشقاق وهل يشير بالخلع عند الضرورة وقوله تعالى وان خفتم شقاق
بينهما الآية) كذا لأبي ذر والنسفي ولكن وقع عنده الضرر وزاد غيرهما فابعثوا حكما من أهله
وحكما من أهلها إلى قوله خبيرا قال ابن بطال أجمع العلماء على أن المخاطب بقوله تعالى وان
خفتم شقاق بينهما الحكام وان المراد بقوله ان يريدا اصلاحا الحكمان وان الحكمين يكون
أحدهما من جهة الرجل والآخر من جهة المرأة الا أن لا يوجد من أهلهما من يصلح فيجوز أن
يكون من الأجانب ممن يصلح لذلك وأنهما إذا اختلفا لم ينفذ قولهما وان اتفقا نفذ في الجمع بينهما
من غير توكيل واختلفوا فيما إذا اتفقا على الفرقة فقال مالك والأوزاعي وإسحاق ينفذ بغير
توكيل ولا اذن من الزوجين وقال الكوفيون والشافعي وأحمد يحتاجان إلى الاذن فأما مالك
ومن تابعه فألحقوه بالعنين والمولى فان الحاكم يطلق عليهما فكذلك هذا وأيضا فلما كان المخاطب
بذلك الحكام وان الارسال إليهم دل على أن بلوغ الغاية من الجمع أو التفريق إليهم وجرى
الباقون على الأصل وهو أن الطلاق بيد الزوج فان أذن في ذلك والا طلق عليه الحاكم ثم ذكر
طرفا من حديث المسور في خطبة على بنت أبي جهل وقد تقدمت الإشارة إليه في النكاح
354

واعترضه ابن التين بأنه ليس فيه دلالة على ما ترجم به ونقل ابن بطال قبله عن المهلب قال انما
حاول البخاري بايراده أن يجعل قول النبي صلى الله عليه وسلم فلا آذن خلعا ولا يقوى ذلك لأنه
قال في الخبر الا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي فدل على الطلاق فان أراد أن يستدل
بالطلاق على الخلع فهو ضعيف وانما يؤخذ منه الحكم بقطع الذرائع وقال ابن المنير في الحاشية
يمكن أن يؤخذ من كونه صلى الله عليه وسلم أشار بقوله فلا آذن إلى أن عليا يترك الخطبة فإذا ساغ
جواز الإشارة بعدم النكاح التحق به جواز الإشارة بقطع النكاح وقال الكرماني تؤخذ
مطابقة الترجمة من كون فاطمة ما كانت ترضى بذلك فكان الشقاق بينها وبين على متوقعا
فأراد صلى الله عليه وسلم دفع وقوعه بمنع على من ذلك بطريق الايماء والإشارة وهى مناسبة
جيدة ويؤخذ من الآية ومن الحديث العمل بسد الذرائع لان الله تعالى أمر ببعثة الحكمين
عند خوف الشقاق قبل وقوعه كذا قال المهلب ويحتمل أن يكون المراد بالخوف وجود علامات
الشقاق المقتضى لاستمرار النكد وسوء المعاشرة * (قوله باب لا يكون بيع
الأمة طلاقا) في رواية المستملى طلاقها ثم أورد فيه قصة بريرة قال ابن التين لم يأت في الباب
بشئ مما يدل عليه التبويب لكن لو كانت عصمتها عليه باقية ما خيرت بعد عتقها لان شراء عائشة
كان العتق بازائه وهذا الذي قاله عجيب أما أولا فان الترجمة مطابقة فان العتق إذا لم يستلزم
الطلاق فالبيع بطريق الأولى وأيضا فان التخيير الذي جر إلى الفراق لم يقع الا بسبب العتق
لا بسبب البيع وأما ثانيا فإنها لو طلقت بمجرد البيع لم يكن للتخيير فائدة وأما ثالثا فان آخر كلامه
يرد أوله فإنه يثبت ما نفاه من المطابقة قال ابن بطال اختلف السلف هل يكون بيع الأمة طلاقا
فقال الجمهور لا يكون بيعها طلاقا وروى عن ابن مسعود وابن عباس وأبى بن كعب ومن التابعين
عن سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد قالوا يكون طلاقا وتمسكوا بظاهر قوله تعالى والمحصنات
من النساء الا ما ملكت أيمانكم وحجة الجمهور حيث الباب وهو أن بريرة عتقت فخيرت في
زوجها فلو كان طلاقها يقع بمجرد البيع لم يكن للتخيير معنى ومن حيث النظر أنه عقد على
منفعة فلا يبطله بيع الرقبة كما في العين المؤجرة والآية نزلت في المسبيات فهن المراد بملك اليمين
على ما ثبت في الصحيح من سبب نزولها اه‍ ملخصا وما نقله عن الصحابة أخرجه ابن أبي شيبة
بأسانيد فيها انقطاع وفيه عن جابر وأنس أيضا وما نقله عن التابعين فيه بأسانيد صحيحة وفيه
أيضا عن عكرمة والشعبي نحوه وأخرجه سعيد بن منصور عن ابن عباس بسند صحيح وروى
حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال إذا زوج عبدة بأمته فالطلاق بيد العبد وإذا اشترى
أمة لها زوج فالطلاق بيد المشترى وأخرج سعيد بن منصور من طريق الحسن قال اباق العبد
طلاقه وحديث عائشة في قصة بريرة أورده المصنف في أول الصلاة وفى عدة أبواب مطولا
ومختصرا وطريق ربيعة التي أوردها هنا أوردها موصولة من طريق مالك عنه عن القاسم
عن عائشة وأوردها في الأطعمة من طريق إسماعيل بن جعفر عنه عن القاسم مرسلا ولا يضر
ارساله لان مالكا أحفظ من إسماعيل وأتقن وقد وافقه أسامة بن زيد وغير واحد عن القاسم
وكذلك رواه عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة لكن صدره بقصة اشتراط الذين باعوها
على عائشة ان يكون لهم الولاء وقد تقدم مستوفى في كتاب العتق وكذا رواه عروة وعمرة
355

والأسود وأيمن المكي عن عائشة وكذا رواه نافع عن ابن عمر أن عائشة ومنهم من قال عن ابن
عمر عن عائشة وروى قصة البرمة واللحم أنس وتقدم حديثه في الهبة ويأتي وروى ابن عباس
قصة تخييرها لما عتقت كما يأتي بعد وطرقه كلها صحيحة (قوله كان في بريرة) تقدم ذكرها
وضبط اسمها في أواخر العتق وقيل إنها نبطية بفتح النون والموحدة وقيل إنها قبطية بكسر
القاف وسكون الموحدة وقيل إن اسم أبيها صفوان وأن له صحبة واختلف في مواليها ففي رواية
أسامة بن زيد وعبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن عائشة أن بريرة كانت لناس من الأنصار
وكذا عند النسائي من رواية سماك عن عبد الرحمن ووقع في بعض الشروح لآل أبى لهب
وهو وهم من قائله انتقل وهمه من أيمن أحد رواة قصة بريرة عن عائشة إلى بريرة وقيل لآل بنى
هلال أخرجه الترمذي من رواية جرير عن هشام بن عروة (قوله ثلاث سنن) وفى رواية هشام
ابن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ثلاث قضيات وفى حديث ابن عباس عند أحمد وأبى
داود قضى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أربع قضيات فذكر نحو حديث عائشة وزاد وأمرها أن تعتد عدة الحرة أخرجه الدارقطني وهذه الزيادة لم تقع في حديث عائشة فلذلك اقتصرت
على ثلاث لكن أخرج ابن ماجة من طريق الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن
عائشة قالت أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض وهذا مثل حديث ابن عباس في قوله تعتد عدة
الحرة ويخالف ما وقع في رواية أخرى عن ابن عباس تعتد بحيضة وقد تقدم البحث في عدة المختلعة
وان من قال الخلع فسخ قال تعتد بحيضة وهنا ليس اختيار العتيقة نفسها طلاقا فكان القياس
ان تعتد بحيضة لكن الحديث الذي أخرجه ابن ماجة على شرط الشيخين بل هو في أعلى درجات
الصحة وقد أخرج أبو يعلى والبيهقي من طريق أبى معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عدة بريرة عدة المطلقة وهو شاهد قوى لان أبا معشر وإن كان
فيه ضعف لكن يصلح في المتابعات وأخرج ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن عثمان وابن عمر
وزيد بن ثابت وآخرين أن الأمة إذا عتقت تحت العبد فطلاقها طلاق عبد وعدتها عدة حرة
وقد قدمت في العتق أن العلماء صنفوا في قصة بريرة تصانيف وأن بعضهم أوصلها إلى أربعمائة
فائدة ولا يخالف ذلك قول عائشة ثلاث سنن لان مراد عائشة ما وقع من الاحكام فيها مقصودا
خاصة لكن لما كان كل حكم منها يشتمل على تقعيد قاعة يستنبط العالم الفطن منها فوائد جمة
وقع التكثر من هذه الحيثية وانضم إلى ذلك ما وقع في سياق القصة غير مقصود فان في ذلك أيضا
فوائد تؤخذ بطريق التنصيص أو الاستنباط أو اقتصر على الثلاث أو الأربع لكونها أظهر
ما فيها وما عداها انما يؤخذ بطريق الاستنباط أو لأنها أهم والحاجة إليها أمس قال القاضي
عياض معنى ثلاث أو أربع أنها شرعت في قصتها وما يظهر فيها مما سوى ذلك فكان قد علم من
غير قصتها وهذا أولى من قول من قال ليس في كلام عائشة حصر ومفهوم العدد ليس بحجة
وما أشبه ذلك من الاعتذارات التي لا تدفع سؤال ما الحكمة في الاقتصار على ذلك (قوله إنها
أعتقت فخيرت) زاد في رواية إسماعيل بن جعفر في أن تقر تحت زوجها أو تفارقه وتقر بفتح القاف
وتشديد الراء أي تدوم وتقدم في العتق من طريق الأسود عن عائشة فدعاها النبي صلى الله
عليه وسلم فخيرها من زوجها فاختارت نفسها وفى رواية للدارقطني من طريق أبان بن صالح عن
356

هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة اذهبي فقد عتق معك
بضعك زاد ابن سعد من طريق الشعبي مرسلا فاختاري ويأتي تمام ذلك في شرح الباب الذي
بعد هذا ببابين (قوله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق) هذه السنة الثانية
وقد تقدم بيان سببها مستوفى في العتق والشروط وفى رواية نافع عن ابن عمر الماضية وكذا
في عدة طرق عن عائشة انما الولاء لمن أعتق ويستفاد منه أن كلمة انما تفيد الحصر والا لما لزم
من اثبات الولاء للمعتق نفيه عن غيره وهو الذي أريد من الخبر ويؤخذ منه أنه لا ولاء للانسان
على أحد بغير العتق فينتفى من أسلم على يده أحد وسيأتى البحث فيه في الفرائض وأنه لا ولاء
للملتقط خلافا لإسحاق ولا لمن خالف انسانا خلافا لطائفة من السلف وبه قال أبو حنيفة
ويؤخذ من عمومه أن الحربي لو أعتق عبدا ثم أسلما أنه ستمر ولاؤه له وبه قال الشافعي وقال ابن
عبد البر انه قياس قول مالك ووافق على ذلك أبو يوسف وخالف أصحابه فإنهم قالوا للعتيق في
هذه الصورة أن يتولى من يشاء (قوله ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية إسماعيل
ابن جعفر بيت عائشة (قوله والبرمة تفور بلحم فقرب إليه خبز وأدم) في رواية إسماعيل بن
جعفر فدعا بالغداء فأتى بخبر (قوله ألم أر البرمة فيها لحم قالوا بلى ولكن ذاك لحم تصدق به على
بريرة وأنت لا تأكل الصدقة) وقع في رواية الأسود عن عائشة في الزكاة وأتى النبي صلى الله
عليه وسلم بلحم فقالوا هذا ما تصدق به على بريرة وكذا في حديث أنس في الهبة ويجمع بينهما
بأنه لما سأل عنه أتى به وقيل له ذلك ووقع في رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة في
كتاب الهبة فأهدى لها لحم فقيل هذا تصدق به على بريرة فإن كان الضمير لبريرة فكأنه أطلق على
الصدقة عليها هدية لها وإن كان لعائشة فلأن بريرة لما تصدقوا عليها باللحم أهدت منه لعائشة
ويؤيده ما وقع في رواية أسامة بن زيد عن القاسم عند أحمد وابن ماجة ودخل على رسول الله
صلى الله عليه وسلم والمرجل يفور بلحم فقال من أين لك هذا قلت أهدته لنا بريرة وتصدق به
عليها وعند أحمد ومسلم من طريق أبى معاوية عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم عن
أبيه عن عائشة وكان الناس يتصدقون عليها فتهدى لنا وقد تقدم في الزكاة ما يتعلق بهذا المعنى
واللحم المذكور وقع في بعض الشروح أنه كان لحم بقر وفيه نظر بل جاء عن عائشة تصدق على
مولاتي بشاة من الصدقة فهو أولى أن يؤخذ به ووقع بعد قوله هو عليها صدقة ولنا هدية من رواية
أبى معاوية المذكورة فكلوه وسأذكر فوائده بعد بابين إن شاء الله تعالى * (قوله باب
خيار الأمة تحت العبد) يعنى إذا عتقت وهذا مصير من البخاري إلى ترجيح قول من قال إن
زوج بريرة كان عبدا وقد ترجم في أوائل النكاح بحديث عائشة في قصة بريرة باب الحرة تحت
العبد وهو جزم منه أيضا بأنه كان عبدا ويأتي بيان ذلك في الباب الذي يليه واعترض عليه هناك
ابن المنير بأنه ليس في حديث الباب ان زوجها كان عبدا واثبات الخيار لها لا يدل لان المخالف
يدعى أن لا فرق في ذلك بين الحر والعبد والجواب أن البخاري جرى على عادته من الإشارة إلى
ما في بعض طرق الحديث الذي يورده ولا شك أن قصة بريرة لم تتعدد وقد رجح عنده أن زوجها
كان عبدا فلذلك جزم به واقتضت الترجمة بطريق المفهوم ان الأمة إذا كانت تحت حر فعتقت
لم يكن لها خيار وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب الجمهور إلى ذلك وذهب الكوفيون إلى
357

اثبات الخيار لمن عتقت سواء كانت تحت حر أم عبد وتمسكوا بحديث الأسود بن يزيد عن عائشة
ان زوج بريرة كان حرا وقد اختلف فيه على راويه هل هو من قول الأسود أو رواه عن
عائشة أو هو قول غيره كما سأبينه قال إبراهيم بن أبي طالب أحد حفاظ الحديث وهو من أقران
مسلم فيما أخرجه البيهقي عنه خالف الأسود الناس في زوج بريرة وقال الإمام أحمد انما يصح
أنه كان حرا عن الأسود وحده وما جاء عن غيره فليس بذاك وصح عن ابن عباس وغيره أنه كان عبدا
ورواه علماء المدينة وإذا روى علماء المدينة شيئا وعملوا به فهو أصح شئ وإذا عتقت الأمة تحت
الحر فعقدها المتفق على صحته لا يفسخ بأمر مختلف فيه اه‍ وسيأتى مزيد لهذا بعد بابين وحاول
بعض الحنفية ترجيح رواية من قال كان حرا على رواية من قال كان عبدا فقال الرق تعقبه الحرية
بلا عكس وهو كما قال لكن محل طريق الجمع إذا تساوت الروايات في القوة أما مع التفرد في مقابلة
الاجتماع فتكون الرواية المنفردة شاذة والشاذ مردود ولهذا لم يعتبر الجمهور طريق الجمع بين
الروايتين مع قولهم إنه لا يصار إلى الترجيح مع امكان الجمع والذي يتحصل من كلام محققيهم وقد
أكثر منه الشافعي ومن تبعه أن محل الجمع إذا لم يظهر الغلط في إحدى الروايتين ومنهم من
شرط التساوي في القوة قال ابن بطال أجمع العلماء أن الأمة إذا عتقت تحت عبد فان لها
الخيار والمعنى فيه ظاهر لان العبد غير مكافئ للحرة في أكثر الاحكام فإذا عتقت ثبت لها
الخيار من البقاء في عصمته أو المفارقة لأنها في وقت العقد عليها لم تكن من أهل الاختيار واحتج
من قال إن لها الخيار ولو كانت تحت حر بأنها عند التزويج لم يكن لها رأى لاتفاقهم على أن
لمولاها أن يزوجها بغير رضاها فإذا عتقت تجدد لها حال لم يكن قبل ذلك وعارضهم الآخرون
بأن ذلك لو كان مؤثرا لثبت الخيار للبكر إذا زوجها أبوها ثم بلغت رشيدة وليس كذلك فكذلك
الأمة تحت الحر فإنه لم يحدث لها بالعتق حال ترتفع به عن الحر فكانت كالكتابية تسلم تحت
المسلم واختلف في التي تختار الفراق هل يكون ذلك طلاقا أو فسخا فقال مالك والأوزاعي
والليث تكون طلقة بائنة وثبت مثله عن الحسن وابن سيرين أخرجه ابن أبي شيبة وقال
الباقون يكون فسخا لا طلاقا (قوله عن ابن عباس قال رأيته عبدا يعنى زوج بريرة) هكذا
أورده مختصرا من هذا الوجه وهو لفظ شعبة وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق مربع عن أبي
الوليد شيخ البخاري فيه عن شعبة وحده وزاد الإسماعيلي من طريق عبد الصمد عن شعبة
رأيته يبكى وفى رواية له لقد رأيته يتبعها وأما لفظ همام فأخرجه أبو داود من طريق عفان عنه
بلفظ ان زوج بريرة كان عبدا أسود يسمى مغيثا فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد
وساقه أحمد عن عفان عن همام مطولا وفيه أنها تعتد عدة الحرة ثم أورد البخاري الحديث
من وجهين عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال في أحدهما ذاك مغيث عبد بنى فلان يعنى
زوج بريرة وفى الأخرى كان زوج بريرة عبدا أسود يقال له مغيث وهكذا جاء من غير وجه أن
اسمه مغيث وضبط في البخاري بضم أوله وكسر المعجمة ثم تحتانية ساكنة ثم مثلثة ووقع عند
العسكري بفتح المهملة وتشديد التحتانية وآخره موحدة والأول أثبت وبه جزم ابن ماكولا
وغيره ووقع عند المستغفري في الصحابة من طريق محمد بن عجلان عن يحيى بن عروة عن عروة عن
عائشة في قصة بريرة أن اسم زوج بريرة مقسم وما أظنه الا تصحيفا (قوله عبدا لبنى فلان) عند
358

الترمذي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن أيوب كان عبدا أسود لبنى المغيرة وفى رواية هشيم
عن سعيد بن منصور وكان عبدا لآل المغيرة من بنى مخزوم ووقع في المعرفة لابن مندة مغيث
مولى أحمد بن جحش ثم ساق الحديث من طريق سعيد بن أبي عروبة مثل ما وقع في الترمذي لكن
عند أبي داود بسند فيه ابن إسحاق وهى عند مغيث عبد لآل أبى أحمد وقال ابن عبد البر مولى بنى
مطيع والأول أثبت لصحة اسناده ويبعد الجمع لان بنى المغيرة من آل مخزوم كما في رواية هشيم وبنى
جحش من أسد بن خزيمة وبنى مطيع من آل عدى بن كعب ويمكن أن يدعى أنه كان مشتركا بينهم
على بعده أو انتقل * (قوله باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة) أي
عند بريرة لترجع إلى عصمته قال ابن المنير موقع هذه الترجمة من الفقه تسويغ الشفاعة للحاكم
عند الخصم في خصمه أن يحط عنه أو يسقط ونحو ذلك وتعقب بأن قصة بريرة لم تقع الشفاعة
فيها عند الترافع وفيه نظر لان ظاهر حديث الباب أنه بعد الحكم لكن لم يصرح بالترافع إذ رؤية
ابن عباس لزوجها يبكى وقول العباس 3 وبعده لو راجعته فيحتمل أن يكون القول عند الترافع
لان الواو لا تقتضى الترتيب (قوله حدثني محمد) هو ابن سلام على ما بينت في المقدمة وقد أخرجه
النسائي عن محمد بن بشار وابن ماجة عن محمد بن المثنى ومحمد بن خلاد الباهلي قالوا حدثنا عبد
الوهاب الثقفي وابن بشار وابن المثنى من شيوخ البخاري فيحتمل أن يكون المراد أحدهما (قوله
حدثنا عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد الثقفي وخالد شيخه هو الحذاء وقد سبق في الباب الذي قبله
عن قتيبة عن عبد الوهاب وهو الثقفي هذا عن أيوب فكان له فيه شيخين لكن رواية خالد الحذاء
أتم سياقا كما ترى وطريق أيوب أخرجها الإسماعيلي من طريق محمد بن الوليد البصري عن عبد
الوهاب الثقفي وطريق خالد أخرجها من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقي عن الثقفي أيضا وساقه
عنهما نحو ما وقع عند البخاري (قوله يطوف خلفها يبكى) في رواية وهيب عن أيوب في الباب
الذي قبله يتبعها في سكك المدينة يبكى عليها والسكك بكسر المهملة وفتح الكاف جمع سكة وهى
الطرق ووقع في رواية سعيد بن أبي عروبة في طرق المدينة ونواحيها وان دموعه تسيل على
لحيته يترضاها لتختاره فلم تفعل وهذا ظاهره أن سؤاله لها كان قبل الفرقة وظاهر قول النبي صلى
الله عليه وسلم في رواية الباب لو راجعته أن ذلك كان بعد الفرقة وبه جزم ابن بطال فقال لو كان
قبل الفرقة لقال لو اخترته (قلت) ويحتمل أن يكون وقع له ذلك قبل وبعد وقد تمسك برواية
سعيد من لم يشترط الفور في الخيار هنا وسيأتى البحث فيه بعد (قوله يا عباس) هو ابن عبد المطلب
والدراوى الحديث وتقدم ما فيه وفى رواية ابن ماجة فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس
يا عباس وعند سعيد بن منصور عن هشيم قال أنبأنا خالد هو الحذاء بسنده أن العباس كان كلم
النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب إليها في ذلك وفيه دلالة على أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة
التاسعة أو العاشرة لان العباس انما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف وكان ذلك في
أواخر سنة ثمان ويؤيده أيضا قول ابن عباس انه شاهد ذلك وهو انما قدم المدينة مع أبويه
ويؤيد تأخر قصتها أيضا بخلاف قول من زعم أنها كانت قبل الإفك أن عائشة في ذلك الزمان
كانت صغيرة فيبعد وقوع تلك الأمور والمراجعة والمسارعة إلى الشراء والعتق منها يومئذ
وأيضا فقول عائشة ان شاء مواليك أن أعدها لهم عدة واحدة فيه إشارة إلى وقوع ذلك في
359

آخر الامر لانهم كانوا في أول الأمر في غاية الضيق ثم حصل لهم التوسع بعد الفتح وفى كل ذلك
رد على من زعم أن قصتها كانت متقدمة قبل قصة الإفك وحمله على ذلك وقوع ذكرها في حديث
الإفك وقد قدمت الجواب عن ذلك هناك ثم رأيت الشيخ تقى الدين السبكي استشكل القصة
ثم جوز أنها كانت تخدم عائشة قبل شرائها أو اشترتها وأخرت عتقها إلى بعد الفتح أو دام حزن
زوجها عليها مدة طويلة أو كان حصل الفسخ وطلب أن ترده بعقد جديد أو كانت لعائشة ثم باعتها
ثم استعادتها بعد الكتابة اه‍ وأقوى الاحتمالات الأول كما ترى (قوله لو راجعته) كذا في
الأصول بمثناة واحدة ووقع في رواية ابن ماجة لو راجعتيه باثبات تحتانية ساكنة بعد المثناة
وهى لغة ضعيفة وزاد ابن ماجة فإنه أبو ولدك وظاهره أنه كان له منها ولد (قوله تأمرني) زاد
الإسماعيلي قال لا وفيه اشعار بان الامر لا ينحصر في صيغة أفعل لأنه خاطبها بقوله لو راجعته
فقالت أتأمرني أي تريد بهذا القول الامر فيجب على وعند ابن مسعود من مرسل ابن سيرين
بسند صحيح فقالت يا رسول الله أشئ واجب على قال لا (قوله قال انما أنا أشفع) في رواية ابن
ماجة انما أشفع أي أقول ذلك على سبيل الشفاعة له لا على سبيل الحتم عليك (قوله فلا حاجة لي
فيه) أي فإذا لم تلزمني بذلك لا أختار العود إليه وقد وقع في الباب الذي بعده لو أعطاني كذا وكذا
ما كنت عنده * (قوله باب) كذا لهم بغير ترجمة وهو من متعلقات ما قبله
وأورد فيه قصة بريرة عن عبد الله بن رجاء عن شعبة عن الحكم وهو ابن عتيبة بمثناة وموحدة
مصغر عن إبراهيم وهو النخعي عن الأسود وهو ابن يزيد أن عائشة أرادت أن تشترى بريرة فساق
القصة مختصرة وصورة سياقه الارسال لكن أورده في كفارات الأيمان مختصرا عن سليمان بن
حرب عن شعبة فقال فيه عن الأسود عن عائشة وكذا أورده في الفرائض عن حفص بن عمر عن
شعبة وزاد في آخره قال الحكم وكان زوجها حرا ثم أورده بعده من طريق منصور عن
إبراهيم عن الأسود أن عائشة فساق نحو سياق الباب وزاد فيه وخيرت فاختارت نفسها وقالت
لو أعطيت كذا وكذا ما كنت معه قال الأسود وكان زوجها حرا قال البخاري قول الأسود
منقطع وقول ابن عباس رأيته عبدا أصح وقال في الذي قبله في قول الحكم نحو ذلك وقد أورد
البخاري عقب رواية عبد الله بن رجاء هذه عن آدم عن شعبة ولم يسق لفظه لكن قال وزاد
فخيرت من زوجها وقد أورده في الزكاة عن آدم بهذا الاسناد فلم يذكر هذه الزيادة وقد أخرجه
البيهقي من وجه آخر عن آدم شيخ البخاري فيه فجعل الزيادة من قول إبراهيم ولفظه في آخره قال
الحكم قال إبراهيم وكان زوجها حرا فخيرت من زوجها فظهر أن هذه الزيادة مدرجة وحذفها
في الزكاة لذلك وانما أوردها هنا مشيرا إلى أن أصل التخيير في قصة بريرة ثابت من طريق
أخرى وقد قال الدارقطني في العلل لم يختلف على عروة عن عائشة أنه كان عبدا وكذا قال جعفر
ابن محمد بن علي عن أبيه عن عائشة وأبو الأسود وأسامة بن زيد عن القاسم (قلت) وقع لبعض
الرواة فيه غلط فأخرج قاسم بن أصبغ في مصنفه وابن حزم من طريقه قال أنبأنا أحمد بن يزيد
المعلم حدثنا موسى بن معاوية عن جرير عن هشام عن أبيه عن عائشة كان زوج بريرة حرا وهذا
وهم من موسى أو من أحمد فان الحفاظ من أصحاب هشام ومن أصحاب جرير قالوا كان عبدا
منهم إسحاق بن راهويه وحديثه عند النسائي وعثمان بن أبي شيبة وحديثه عند أبي داود وعلى
360

ابن حجر وحديثه عند الترمذي وأصله عند مسلم وأحال به على رواية أبى أسامة عن هشام وفيه أنه
كان عبدا قال الدارقطني وكذا قال أبو معاوية عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم
عن أبيه (قلت) ورواه شعبة عن عبد الرحمن فقال كان حرا ثم رجع عبد الرحمن فقال ما أدرى
وقد تقدم في العتق قال الدارقطني وقال عمران بن حدير عن عكرمة عن عائشة كان حرا وهو وهم
(قلت) في شيئين في قوله حر وفى قوله عن عائشة وانما هو من رواية عكرمة عن ابن عباس ولم
يختلف على ابن عباس في أنه كان عبدا وكذا جزم به الترمذي عن ابن عمر وحديثه عند الشافعي
والدارقطني وغيرهما وكذا أخرجه النسائي من حديث صفية بنت أبي عبيد قالت كان زوج
بريرة عبدا وسنده صحيح وقال النووي يؤيد قول من قال إنه كان عبدا قول عائشة كان عبدا
ولو كان حرا لم يخبرها فأخبرت وهى صاحبة القصة بأنه كان عبدا ثم عللت بقولها ولو كان حرا
لم يخيرها ومثل هذا لا يكاد أحد يقوله الا توقيفا وتعقب بأن هذه الزيادة في رواية جرير عن
هشام بن عروة في آخر الحديث وهى مدرجة من قول عروة بين ذلك في رواية مالك وأبى داود
والنسائي نعم وقع في رواية أسامة بن زيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت
كانت بريرة مكاتب لأناس من الأنصار وكانت تحت عبد الحديث أخرجه أحمد وابن ماجة
والبيهقي وأسامة فيه مقال وأما دعوى أن ذلك لا يقال الا بتوقيف فمردودة فان للاجتهاد فيه مجالا
وقد تقدم قريبا توجيهه من حيث النظر أيضا قال الدارقطني وقال إبراهيم عن الأسود عن عائشة
كان حرا (قلت) وأصرح ما رأيته في ذلك رواية أبى معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن
الأسود عن عائشة قالت كان زوج بريرة حرا فلما عتقت خيرت الحديث أخرجه أحمد عنه
وأخرج ابن أبي شيبة عن إدريس عن الأعمش بهذا السند عن عائشة قالت كان زوج بريرة حرا
ومن وجه آخر عن النخعي عن الأسود أن عائشة حدثته أن زوج بريرة كان حرا حين أعتقت
فدلت الروايات المفصلة التي قدمتها آنفا على أنه مدرج من قول الأسود أو من دونه فيكون من
أمثلة ما أدرج في أول الخبر وهو نادر فان الأكثر أن يكون في آخره ودونه أن يقع في وسطه وعلى
تقدير أن يكون موصولا فترجح رواية من قال كان عبدا بالكثرة وأيضا فآل المرء أعرف بحديثه
فان القاسم ابن أخي عائشة وعروة بن أختها وتابعهما غيرهما فروايتهما أولى من رواية الأسود
فإنهما أقعد بعائشة وأعلم بحديثها والله أعلم ويترجح أيضا بأن عائشة كانت تذهب إلى أن الأمة
إذا عتقت تحت الحر لا خيار لها وهذا بخلاف ما روى العراقيون عنها فكان يلزم على أصل
مذهبهم أن يأخذوا بقولها ويدعوا ما روى عنها لا سيما وقد اختلف عنها فيه وادعى بعضهم
أنه يمكن الجمع بين الروايتين بحمل قول من قال كان عبدا على اعتبار ما كان عليه ثم أعتق
فلذلك قال من قال كان حرا ويرد هذا الجمع ما تقدم من قول عروة كان عبدا ولو كان حرا لم تخير
وأخرجه الترمذي بلفظ ان زوج بريرة كان عبدا أسود يوم أعتقت فهذا يعارض الرواية
المتقدمة عن الأسود ويعارض الاحتمال المذكور احتمال أن يكون من قال كان حرا أراد
ما آل إليه أمره وإذا تعارضا اسنادا واحتمالا احتيج إلى الترجيح ورواية الأكثر يرجح بها
وكذلك الأحفظ وكذلك الألزم وكل ذلك موجود في جانب من قال كان عبدا وفى قصة بريرة من
الفوائد وقد تقدم بعضها في المساجد وفى الزكاة والكثير منها في العتق جواز المكاتبة بالسنة
361

تقريرا لحكم الكتاب وقد روى ابن أبي شيبة في الأوائل بسند صحيح انها أول كتابة كانت
في الاسلام ويرد عليه قصة سلمان فيجمع بأن أوليته في الرجال وأولية بريرة في النساء وقد قيل إن
أول مكاتب في الاسلام أبو أمية عبد عمر وادعى الروياني أن الكتابة لم تكن تعرف في
الجاهلية وخولف ويؤخذ من مشروعية نجوم الكتابة البيع إلى أجل والاستقراض ونحو
ذلك وفيه الحاق الإماء بالعبيد لان الآية ظاهرة في الذكور وفيه جوز كتابة أحد الزوجين
الرقيقين ويلحق به جواز بيع أحدهما دون الآخر وجواز كتابة من لا مال له ولا حرفة كذا قيل
وفيه نظر لأنه لا يلزم من طلبها من عائشة الإعانة على حالها أن يكون لا مال لها ولا حرفة وفيه جواز
بيع المكاتب إذا رضى ولم يعجز نفسه إذا وقع التراضي بذلك وحمله من منع على أنها عجزت نفسها
قبل البيع ويحتاج إلى دليل وقيل انما وقع البيع على نجوم الكتابة وهو بعيد جدا ويؤخذ منه
أن المكاتب عبد ما بقى عليه شئ فيتفرع مه اجراء أحكام الرقيق كلها في النكاح والجنايات
والحدود وغيرها وقد أكثر بسردها من ذكرنا أنهم جمعوا الفوائد المستنبطة من حديث بريرة ومن
ذلك أن من أدى أكثر نجومه لا يعتق تغليبا لحكم الأكثر وان من أدى من النجوم بقدر قيمته
لا يعتق وأن من أدى بعض نجومه لم يعتق منه بقدر ما أدى لان النبي صلى الله عليه وسلم أذن
في شراء بريرة من غير استفصال وفيه جواز بيع المكاتب والرقيق بشرط العتق وأن بيع
الأمة المزوجة ليس طلاقا كما تقدم تقريره قريبا وان عتقها ليس طلاقا ولا فسخا لثبوت التخيير
فلو طلقت بذلك واحدة لكان لزوجها الرجعة ولم يتوقف على اذنها أو ثلاثا لم يقل لها لو راجعته
لأنها ما كانت تحل له الا بعد زوج آخر وان بيعها لا يبيح لمشتريها وطأها لان تخييرها يدل على بقاء
علقة العصمة وأن سيد المكاتب لا يمنعه من الاكتساب وأن اكتسابه من حين الكتابة يكون
له جواز سؤال المكاتب من يعينه على بعض نجومه وان لم تحل وان ذلك لا يقتضى تعجيزه
وجواز سؤال ما لا يضطر السائل إليه في الحال وجواز الاستعانة بالمرأة المزوجة وجواز تصرفها
في مالها بغير اذن زوجها وبذل المال في طلب الاجر حتى في الشراء بالزيادة على ثمن المثل بقصد
التقرب بالعتق ويؤخذ منه جواز شراء من يكون مطلق التصرف السلعة بأكثر من ثمنها لان
عائشة بذلت نقدا ما جعلوه نسيئة في تسع سنين لحصول الرغبة في النقد أكثر من النسيئة وجواز
السؤال في الجملة لمن يتوقع الاحتياج إليه فتحمل الأخبار الواردة في الزجر عن السؤال على
الأولوية وفيه جواز سعى المرقوق في فكاك رقبته ولو كان بسؤال من يشترى ليعتق وان أضر
ذلك بسيده لتشوف الشارع إلى العتق وفيه بطلان الشروط الفاسدة في المعاملات وصحة
الشروط المشروعة لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وقد
تقدم بسطه في الشروط ويؤخذ منه أن من استثنى خدمة المرقوق عند بيعه لم يصح شرطه وان
من شرط شرطا فاسدا لم يستحق العقوبة الا ان علم بتحريمه وأصر عليه وان سيد المكاتب لا يمنعه
من السعي في تحصيل مال الكتابة ولو كان حقه في الخدمة ثابتا وان المكاتب إذا أدى نجومه من
الصدقة لم يردها السيد وإذا أدى نجومه قبل حلولها كذلك ويؤخذ منه أنه يعتق أخذا من قول
موالى بريرة ان شاءت ان تحتسب عليك فان ظاهره في قبول تعجيل ما اتفقوا على تأجيله ومن
لازمه حصول العتق ويؤخذ منه أيضا أن من تبرع عن المكاتب بما عليه عتق واستدل به على
362

عدم وجوب الوضع عن المكاتب لقول عائشة أعدها لهم عدة واحدة ولم ينكر وأجيب بجواز
قصد دفعهم لها بعد القبض وفيه جواز ابطال الكتابة وفسخ عقدها إذا تراضى السيد والعبد
وإن كان فيه ابطال التحرير لتقرير بريرة على السعي بين عائشة ومواليها في فسخ كتابتها
لتشتريها عائشة وفيه ثبوت الولاء للمعتق والرد على من خالفه ويؤخذ من ذلك عدة مسائل
كعتق السائبة واللقيط والحليف ونحو ذلك كثر بها العدد من تكلم على حديث بريرة وفيه
مشروعية الخطبة في الامر المهم والقيام فيها وتقدمة الحمد والثناء وقول اما بعد عند ابتداء
الكلام في الحاجة وأن من وقع منه ما ينكر استحب عدم تعيينه وأن استعمال السجع في
الكلام لا يكره الا إذا قصد إليه ووقع مكلفا وفيه جواز اليمين فيما لا تجب فيه ولا سيما عند
العزم على فعل الشئ وأن لغو اليمين لا كفارة فيه لان عائشة حلفت أن لا تشترط ثم قال لها النبي
صلى الله عليه وسلم اشترطي ولم ينقل كفارة وفيه مناجاة الاثنين بحضرة الثالث في الامر يستحى
منه المناجى ويعلم أن من ناجاه يعلم الثالث به ويستثنى ذلك من النهى الوارد فيه وفيه جواز
سؤال الثالث عن المناجاة المذكورة إذا ظن أن له تعلقا به وجواز اظهار السر في ذلك ولا سيما
إن كان فيه مصلحة للمناجى وفيه جواز المساومة في المعاملة والتوكيل فيها ولو للرقيق واستخدام
الرقيق في الامر الذي يتعلق بمواليه وان لم يأذنوا في ذلك بخصوصه وفيه ثبوت الولاء للمرأة المعتقة
فيستثنى من عموم الولاء لحمة كلحمة النسب فان الولاء لا ينتقل إلى المرأة بالإرث بخلاف النسب
وفيه أن الكافر يرث ولاء عتيقه المسلم وإن كان لا يرث قريبه المسلم وأن الولاء لا يباع ولا يوهب
وقد تقدم في باب مفرد في العتق ويؤخذ منه أن معنى قوله في الرواية الأخرى الولاء لمن أعطى
الورق أن المراد بالمعطى المالك لا من باشر الاعطاء مطلقا فلا يدخل الوكيل ويؤيده قوله في رواية
الثوري عند أحمد لمن أعطى الورق وولى النعمة وفيه ثبوت الخيار للأمة إذا عتقت على التفصيل
المتقدم وأن خيارها يكون على الفور لقوله في بعض طرقه انها عتقت فدعاها فخيرها فاختارت
نفسها وللعلماء في ذلك أقوال * أحدها وهو قول الشافعي انه على الفور وعنه يمتد خيارها ثلاثا
وقيل بقيامها من مجلس الحاكم وقيل من مجلسها وهما عن أهل الرأي وقيل يمتد أبدا وهو قول
مالك والأوزاعي وأحمد وأحد أقوال الشافعي واتفقوا على أنه ان مكنته من وطئها سقط خيارها
وتمسك من قال به بما جاء في بعض طرقه وهو عند أبي داود من طريق ابن إسحاق بأسانيد عن
عائشة أن بريرة أعتقت فذكر الحديث وفى آخره ان قربك فلا خيار لك وروى مالك بسند
صحيح عن حفصة أنها أفتت بذلك وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر مثله قال ابن عبد البر
لا أعلم لهما مخالفا من الصحابة وقال به جمع من التابعين منهم الفقهاء السبعة واختلف فيما لو
وطئها قبل علمها بأن لها الخيار هل يسقط أو لا على قولين للعلماء أصحهما عند الحنابلة لا فرق
وعند الشافعية تعذر بالجهل وفى رواية الدارقطني ان وطئك فلا خيار لك ويؤخذ من هذه
الزيادة أن المرأة إذا وجدت بزوجها عيبا ثم مكنته من الوطء بطل خيارها وفيه أن الخيار
فسخ لا يملك الزوج فيه رجعة وتمسك من قال له الرجعة بقول النبي صلى الله عليه وسلم لو راجعته
ولا حجة فيه والا لما كان لها اختيار فتعين حمل المراجعة في الحديث على معناها اللغوي والمراد
رجوعها إلى عصمته ومنه قوله تعالى فلا جناح عليهما أن يتراجعا مع أنها في المطلق ثلاثا وفيه
363

ابطال قول من زعم استحالة أن يحب أحد الشخصين الآخر والآخر يبغضه لقول النبي صلى الله
عليه وسلم ألا تعجب من حب مغيت بريرة ومن بغض بريرة مغيثا نعم يؤخذ منه أن ذلك هو الأكثر
الأغلب ومن ثم وقع التعجب لأنه على خلاف المعتاد وجوز الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به
أن يكون ذلك مما ظهر من كثرة استمال مغيث لها بأنواع من الاستمالات كاظهاره حبها وتردده
خلفها وبكائه عليها مع ما ينضم إلى ذلك من استمالته لها بالقول الحسن والوعد الجميل والعادة في
مثل ذلك أن يميل القلب ولو كان نافرا فلما خالفت العادة وقع التعجب ولا يلزم منه ما قال الأولون
وفيه أن المرء إذا خير بين مباحين فآثر ما ينفعه لم يلم ولو أضر ذلك برفيقه وفيه اعتبار الكفاءة في
الحرية وفيه سقوط الكفاءة برضا المرأة التي لا ولى لها وان من خير امرأته فاختارت فراقه وقع
وانفسخ النكاح بينهما وقد تقدم وأنها لو اختارت البقاء معه لم ينقص عدد الطلاق وكثر
بعض من تكلم على حديث بريرة هنا في سرد تفاريع التخيير وفيه أن المرأة إذا ثبت لها الخيار
فقالت لا حاجة لي به ترتب على ذلك حكم الفراق كذا قيل وهو مبنى على أن ذلك وقع قبل
اختيارها الفراق ولم يقع الا بهذا الكلام وفيه من النظر ما تقدم وفيه جواز دخول النساء
الأجانب بيت الرجل سواء كان فيه أم لا وفيه أن المكاتبة لا يلحقها في العتق ولدها ولا زوجها
وفيه تحريم الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا وجواز التطوع منها على ما يلحق به في
تحريم صدقة الفرض كأزواجه ومواليه وأن موالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا تحرم
عليهن الصدقة وان حرمت على الأزواج وجواز أكل الغنى ما تصدق به على الفقير إذا أهداه له
وبالبيع أولى وجواز قبول الغنى هدية الفقير وفيه الفرق بين الصدقة والهدية في الحكم وفيه
نصح أهل الرجل له في الأمور كلها وجواز أكل الانسان من طعام من يسر بأكله منه ولو لم يأذن
له فيه بخصوصه وبأن الأمة إذا عتقت جاز لها التصرف بنفسها في أمورها ولا حجر لمعتقها عليها
إذا كانت رشيدة وأنها تتصرف في كسبها دون اذن زوجها إن كان لها زوج وفيه جواز الصدقة
على من يمونه غيره لان عائشة كانت تمون بريرة ولم ينكر عليها قبولها الصدقة وأن لمن أهدى لأهله
شئ أن يشرك نفسه معهم في الاخبار عن ذلك لقوله وهو لنا هدية وأن من حرمت عليه الصدقة
جاز له أكل عينها إذا تغير حكمها وأنه يجوز للمرأة أن تدخل إلى بيت زوجها ما لا يملكه بغير
علمه وأن تتصرف في بيته بالطبخ وغيره بآلاته ووقوده وجواز أكل المرء ما يجده في بيته إذا غلب
الحل في العادة وأنه ينبغي تعريفه بما يخشى توقفه عنه واستحباب السؤال عما يستفاد به علم
أو أدب أو بيان حكم أو رفع شبهة وقد يجب وسؤال الرجل عما لم يعهده في بيته وأن هدية
الأدنى للأعلى لا تستلزم الإثابة مطلقا وقبول الهدية وان نذر قدرها جبر للمهدى وأن الهدية
تملك بوضعها في بيت المهدى له ولا يحتاج إلى التصريح بالقبول وان لمن تصدق عليه بصدقة
أن يتصرف فيها بما شاء ولا ينقص أجر المتصدق وأنه لا يجب السؤال عن أصل المال الواصل
إذا لم يكن فيه شبهة ولا عن الذبيحة إذا ذبحت بين المسلمين وأن من تصدق عليه قليل لا يتسخطه
وفيه مشاورة المرأة زوجها في التصرفات وسؤال العالم عن الأمور الدينية واعلام العالم
بالحكم لمن رآه يتعاطى أسبابه ولو لم يسأل ومشاورة المرأة إذا ثبت لها حكم التخيير في فراق
زوجها أو الإقامة عنده وأن على الذي يشاور بذل النصيحة وفيه جواز مخالفة المشير فيما يشير
364

به في غير الواجب واستحباب شفاعة الحاكم في الرفق بالخصم حيث لا ضرر ولا الزام ولا لوم على
من خالف ولا غضب ولو عظم قدر الشافع وترجم له النسائي شفاعة الحاكم في الخصوم قبل فصل
الحكم ولا يجب على المشفوع عنده القبول ويؤخذ منه أن التصميم في الشفاعة لا يسوغ فيما
تشق الإجابة فيه على المسؤول بل يكون على وجه العرض والترغيب وفيه جواز الشفاعة قبل
أن يسألها المشفوع له لأنه لم ينقل أن مغيثا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له كذا قيل وقد
قدمت أن في بعض الطرق أن العباس هو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فيحتمل أن
يكون مغيث سأل العباس في ذلك ويحتمل أن يكون العباس ابتدأ ذلك من قبل نفسه شفقة منه
على مغيث ويؤخذ منه استحباب ادخال السرور على قلب المؤمن وقال الشيخ أبو محمد بن أبي
جمرة نفع الله به فيه أن الشافع يؤجر ولو لم تحصل اجابته وأن المشفوع عنده إذا كان دون قدر
الشافع لم تمتنع الشفاعة قال وفيه تنبيه الصاحب صاحبه على الاعتبار بآيات الله وأحكامه
لتعجيب النبي صلى الله عليه وسلم العباس من حب مغيث بريرة قال ويؤخذ منه أن نظره صلى
الله عليه وسلم كان كله بحضور وفكر وان كلما خالف العادة يتعجب منه ويعتبر به وفيه حسن
أدب بريرة لأنها لم تفصح برد الشفاعة وانما قالت لا حاجة لي فيه وفيه أن فرط الحب يذهب
الحياء لما ذكر من حال مغيث وغلبة الوجد عليه حتى لم يستطع كتمان حبها وفى ترك النكير عليه
بيان جواز قبول عذر من كان في مثل حاله ممن يقع منه ما لا يليق بمنصبه إذا وقع بغير اختياره
ويستنبط من هذا معذرة أهل المحبة في الله إذا حصل لهم الوجد من سماع ما يفهمون منه
الإشارة إلى أحوالهم حيث يظهر منهم ما لا يصدر عن اختيار من الرقص ونحوه وفيه استحباب
الاصلاح بين المتنافرين سواء كانا زوجين أم لا وتأكيد الحرمة بين الزوجين إذا كان بينهما ولد
لقوله صلى الله عليه وسلم أنه أبو ولدك ويؤخذ منه أن الشافع يذكر للمشفوع عنده ما يبعث على
قبوله من مقتضى الشفاعة والحامل عليها وفيه جواز شراء الأمة دون ولدها وأن الولد يثبت
بالفراش والحكم بظاهر الامر في ذلك (قلت) ولم أقف على تسمية أحد من أولاد بريرة والكلام
محتمل لان يريد به أنه أبو ولدها بالقوة لكنه خلاف الظاهر وفيه جواز نسبة الولد إلى أمه وفيه أن
المرأة الثيب لا اجبار عليها ولو كانت معتوقة وجواز خطبة الكبير والشريف لمن هو دونه وفيه
حسن الأدب في المخاطبة حتى من الأعلى مع الأدنى وحسن التلطف في الشفاعة وفيه أن للعبد
أن يخطب مطلقته بغير اذن سيده وأن خطبة المعتدة لا تحرم على الأجنبي إذا خطبها لمطلقها وأن
فسخ النكاح لا رجعة فيه الا بنكاح جديد وأن الحب والبغض بين الزوجين لا لوم فيه على واحد
منهما لأنه بغير اختيار وجواز بكاء المحب على فراق حبيبه وعلى ما يفوته من الأمور الدنيوية
ومن الدينية بطريق الأولى وأنه لا عار على الرجل في اظهار حبه لزوجته وأن المرأة إذا أبغضت
الزوج لم يكن لوليها اكراهها على عشرته إذا أحبته لم يكن لوليها التفريق بينهما وجواز ميل
الرجل إلى امرأة يطمع في تزويجها أو رجعتها وجواز كلام الرجل لمطلقته في الطرق
واستعطافه لها واتباعها أين سلكت كذلك ولا يخفى أن محل الجواز عند أمن الفتنة وجواز
الاخبار عما يظهر من حال المرء وان لم تفصح به لقوله صلى الله عليه وسلم للعباس ما قال وفيه جواز
رد الشافع المنة على المشفوع إليه بقبول شفاعته لان قول بريرة للنبي صلى الله عليه وسلم
365

أتأمرني ظاهر في أنه لو قال نعم لقبلت شفاعته فلما قال لا علم أنه رد عليها ما فهم من المنة في امتثال
الامر كذا قبل وهو متكلف بل يؤخذ منه أن بريرة علمت أن أمره واجب الامتثال فلما أعرض
عليها ما عرض استفصلت هل هو أمر فيجب عليها امتثاله أو مشورة فتتخير فيها وفيه أن كلام
الحاكم بين الخصوم في مشورة وشفاعة ونحوهما ليس حكما وفيه أنه يجوز لمن سئل قضاء حاجة
أن يشترط على الطالب ما يعود عليه نفعه لان عائشة شرطت أن يكون لها الولاء إذا أدت الثمن
دفعة واحدة وفيه جواز أداء الدين على المدين وأنه يبرأ بأداء غيره عنه وافتاء الرجل زوجته فيما لها
فيه حظ وغرض إذا كان حقا وجواز حكم الحاكم لزوجته بالحق وجواز قول مشترى الرقيق
اشتريته لأعتقه ترغيبا للبائع في تسهيل البيع وجواز المعاملة بالدراهم والدنانير عددا إذا كان
قدرها معلوما لقولها أعدها ولقولها تسع أواق ويستنبط منه جواز بيع المعاطاة وفيه جواز
عقد البيع بالكتابة لقوله خذيها ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في حديث الهجرة قد
أخذتها بالثمن وفيه أن حق الله مقدم على حق الآدمي لقوله شرط الله أحق وأوثق ومثله
الحديث الآخر دين الله أحق أن يقضى وفيه جواز الاشتراك في الرقيق لتكرر ذكر أهل بريرة
في الحديث وفى رواية كانت لناس من الأنصار ويحتمل مع ذلك الوحدة واطلاق ما في الخبر على
المجاز وفيه أن الأيدي ظاهرة في الملك وأن مشترى السلعة لا يسأل عن أصلها إذا لم تكن ريبة
وفيه استحباب اظهار أحكام العقد للعالم بها إذا كان العاقد يجهلها وفيه أن حكم الحاكم لا يغير
الحكم الشرعي فلا يحل حراما ولا عكسه وفيه قبول خير الواحد الثقة وخير العبد والأمة
وروايتهما وفيه أن البيان بالفعل أقوى من القول وجواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة
والمبادرة إليه عند الحاجة وفيه أن الحاجة إذا اقتضت بان حكم عام وجب اعلانه أو ندب
بحسب الحال وفيه جواز الرواية بالمعنى والاختصار من الحديث والاقتصار على بعضه بحسب
الحاجة فان الواقعة واحدة وقد رويت بألفاظ مختلفة وزاد بعض الرواة ما لم يذكر الآخر ولم
يقدح ذلك في صحته عند أحد من العلماء وفيه أن العدة بالنساء لما تقدم من حديث ابن عباس
أنها أمرت أن تعتد عدة الحرة ولو كان بالرجال لأمرت أن تعتد بعدة الإماء وفيه أن عدة الأمة
إذا عتقت تحت عبد فاختارت نفسها ثلاثة قروء وأما ما وقع في بعض طرقه تعتد بحيضة فهو
مرجوح ويحتمل أن أصله تعتد بحيض فيكون المراء جنس ما تستبرئ به رحمها لا الوحدة وفيه
تسمية الاحكام سننا وإن كان بعضها واجبا وأن تسمية ما دون الواجب سنة اصطلاح
حادث وفيه جواز جبر السيد أمته على تزويج من لا تختاره اما لسوء خلقه أو خلقه وهى بالضد
من ذلك فقد قيل إن بريرة كانت جميلة غير سوداء بخلاف زوجها وقد زوجت منه وظهر عدم
اختيارها لذلك بعد عتقها وفيه أن أحد الزوجين قد يبغض الآخر ولا يظهر له ذلك ويحتمل أن
تكون بريرة مع بغضها مغيثا كانت تصبر على حكم الله عليها في ذلك ولا تعامله بما يقتضيه
البغض إلى أن فرج الله عنها وفيه تنبيه صاحب الحق على ما وجب له إذا جهله واستقلال
المكاتب بتعجيز نفسه واطلاق الأهل على السادة واطلاق العبيد على الأرقاء وجواز تسمية
العبد مغيثا وأن مال الكتابة لا حد لأكثره وان للمعتق أن يقبل الهدية من معتقه ولا يقدح ذلك
في ثواب العتق وجواز الهدية لأهل الرجل بغير استئذانه وقبول المرأة ذلك حيث لا ريبة وفيه
366

سؤال الرجل عما لم يعهده في بيته ولا يرد على هذا ما تقدم في قصة أم زرع حيث وقع في سياق المدح
ولا يسأل عما عهد لان معناه كما تقدم ولا يسأل عن شئ عهده وفات فلا يقول لأهله أين ذهب
وهنا سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شئ رآه وعاينه ثم أحضر له غيره فسال عن سبب ذلك لان
يعلم أنهم لا يتركون احضاره له شحا عليه بل لتوهم تحريمه فأراد أن يبين لهم الجواز وقال ابن دقيق
العيد فيه دلالة على تبسط الانسان في السؤال عن أحوال منزله وما عهده فيه قبل والأول أظهر
وعندي أنه مبنى على خلاف ما انبتى عليه الأول لان الأول بنى على أنه علم حقيقة الامر في اللحم
وأنه مما تصدق به على بريرة والثاني بنى على أنه لم يتحقق من أين هو فجائز أن يكون مما أهدى
لأهل بيته من بعض ألزامها كأقاربها مثلا ولم يتعين الأول وفيه أنه لا يجب السؤال عن أصل
المال الواصل إليه إذا لم يظن تحريمه أو تظهر فيه شبهة إذا لم يسأل صلى الله عليه وسلم عمن تصدق
على بريرة ولا عن حاله كذا قيل وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أرسل إلى بريرة بالصدقة
فلم يتم هذا * (قوله باب قول الله سبحانه ولا تنكحوا المشركات) كذا للأكثر
وساق في رواية كريمة إلى قوله ولو أعجبتكم ولم يبت البخاري حكم المسئلة لقيام الاحتمال
عنده في تأويلها فالأكثر أنها على العموم وأنها خصت بآية المائدة وعن بعض السلف أن
المراد بالمشركات هنا عبدة الأوثان والمجوس حكاه ابن المنذر وغيره ثم أورد المصنف فيه
قول ابن عمر في نكاح النصرانية وقوله لا أعلم من الاشراك شيئا أكثر من أن تقول المرأة ربها
عيسى وهذا مصير منه إلى استمرار حكم عموم آية البقرة فكأنه يرى أن آية المائدة منسوخة
وبه جزم إبراهيم الحربي ورده النحاس فحمله على التورع كما سيأتي وذهب الجمهور إلى أن عموم
آية البقرة خص بآية المائدة وهى قوله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فبقى سائر
المشركات على أصل التحريم وعن الشافعي قول آخر أن عموم آية البقرة أريد به خصوص آية
المائدة وأطلق ابن عباس أن آية البقرة منسوخة بآية المائدة وقد قيل إن ابن عمر شذ بذلك فقال
ابن المنذر لا يحفظ عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك اه‍ لكن أخرج ابن أبي شيبة بسند
حسن أن عطاء كره نكاح اليهوديات والنصرانيات وقال كان ذلك والمسلمات قليل وهذا ظاهر
في أنه خص الإباحة بحال دون حال وقال أبو عبيد المسلمون اليوم على الرخصة وروى عن
عمر أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن وزعم ابن المرابط تبعا للنحاس وغيره أن هذا
مراد ابن عمر أيضا لكنه خلاف ظاهر السياق لكن الذي احتج به ابن عمر يقتضى تخصيص المنع
بمن يشرك من أهل الكتاب لا من يوحد وله أن يحمل آية الحل على من لم يبدل دينه منهم وقد
فصل كثير من العلماء كالشافعية بين من دخل آباؤها في ذلك الدين قبل التحريف أو النسخ أو بعد
ذلك وهو من جنس مذهب ابن عمر بل يمكن أن يحمل عليه وتقدم بحث في ذلك في الكلام على
حديث هرقل في كتاب الايمان فذهب الجمهور إلى تحريم النساء المجوسيات وجاء عن حذيفة أنه
تسرى بمجوسية أخرجه ابن أبي شيبة وأورده أيضا عن سعيد بن المسيب وطائفة وبه قال أبو
ثور وقال ابن بطال هو محجوج بالجماعة والتنزيل وأجيب بأنه لا اجماع مع ثبوت الخلاف عن
بعض الصحابة والتابعين وأما التنزيل فظاهره أن المجوس ليسوا أهل كتاب لقوله تعالى أن تقولوا
انما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا لكن لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية من
367

المجوس دل على أنهم أهل كتاب فكان القياس أن تجرى عليهم بقية أحكام الكتابيين لكن
أجيب عن أخذ الجزية من المجوس أنهم اتبعوا فيهم الخير ولم يرد مثل ذلك في النكاح والذبائح
وسيأتي تعرض لذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى * (قوله باب نكاح من
أسلم من المشركات وعدتهن) أي قدرها والجمهور على أنها تعتد عدة الحرة وعن أبي حنيفة يكفي
أن تستبرأ بحيضة (قوله أنبأنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (قوله وقال عطاء) هو معطوف
على شئ محذوف كأنه كان في جملة أحاديث حدث بها ابن جريج عن عطاء ثم قال وقال عطاء
كما قال بعد فراغه من الحديث قال وقال عطاء فذكر الحديث الثاني بعد سياقه ما أشار
إليه من أنه مثل حديث مجاهد وفى هذا الحديث بهذا الاسناد علة كالتي تقدمت في تفسير
سورة نوح وقد قدمت الجواب عنها وحاصلها أن أبا مسعود الدمشقي ومن تبعه جزموا بأن عطاء
المذكور هو الخراساني وأن ابن جرير لم يسمع منه التفسير وانما أخذه عن أبيه عثمان عنه
وعثمان ضعيف وعطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس وحاصل الجواب جواز أن يكون
الحديث عند ابن جريج بالاسنادين لان مثل ذلك لا يخفى على البخاري مع تشدده في شرط
الاتصال مع كون الذي نبه على العلة المذكورة هو علي بن المديني شيخ البخاري المشهور به وعليه
يعول غالبا في هذا الفن خصوصا علل الحديث وقد ضاق مخرج هذا الحديث على الإسماعيلي ثم
على أبى نعيم فلم يخرجاه الا من طريق البخاري نفسه (قوله لم تخطب) بضم أوله (حتى تحيض
وتطهر) تمسك بظاهره الحنفية وأجاب الجمهور بأن المراد تحيض ثلاث حيض لأنها صارت
باسلامها وهجرتها من الحرائر بخلاف ما لو سبيت وقوله فان هاجر زوجها معها يأتي الكلام عليه
في الباب الذي بعده (قوله وان هاجر عبد منهم) أي من أهل الحرب (قوله ثم ذكر من أهل العهد
مثل حديث مجاهد) يحتمل أن يعنى بحديث مجاهد الذي وصفه بالمثلية الكلام المذكور بعد هذا
وهو قوله وان هاجر عبد أو أمة للمشركين إلى آخره ويحتمل أن يريد به كلاما آخر يتعلق بنساء أهل
العهد وهو أولى لأنه قسم المشركين إلى قسمين أهل حرب وأهل عهد وذكر حكم نساء أهل الحرب
ثم حكم أرقائهم فكأنه أحال بحكم نساء أهل العهد على حديث مجاهد ثم عقبه بذكر حكم أرقائهم
وحديث مجاهد في ذلك وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله وان فاتكم شئ من
أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم أي ان أصبتم مغنما من قريش فاعطوا الذين ذهبت أزواجهم
مثل ما أنفقوا عوضا وسيأتى بسط هذا في الباب الذي يليه (قوله وقال عطاء عن ابن عباس) هو
موصول بالاسناد المذكور أولا عن ابن جريج كما بينته قبل (قوله كانت قريبة) بالقاف والموحدة
مصغرة في أكثر النسخ وضبطها الدمياطي بفتح القاف وتبعه الذهبي وكذلك هو في نسخة معتمدة
من طبقات ابن سعد وكذا للكشميهني في حديث عائشة الماضي في الشروط وللأكثر بالتصغير
كالذي هنا وحكى ابن التين في هذا الاسم الوجهين وقال شيخنا في القاموس بالتصغير وقد تفتع
(قوله ابنة أبى أمية) أي ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهى أخت أم سلمة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم وهذا ظاهر في أنها لم تكن أسلمت في هذا الوقت وهو ما بين عمرة الحديبية وفتح
مكة وفيه نظر لأنه ثبت في النسائي بسند صحيح من طريق أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن
هشام عن أم سلمة في قصة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بها ففيه وكانت أم سلمة ترضع زينب بنتها
368

فجاء عمار فأخذها فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال أين زناب فقالت قريبة بنت أبي أمية
صادفها عندها أخذها عمار الحديث فهذا يقتضى أنها هاجرت قديما لان تزويج النبي صلى الله
عليه وسلم بأم سلمة كان بعد أحد وقبل الحديبية بثلاث سنين أو أكثر لكن يحتمل أن تكون جاءت
إلى المدينة زائرة لأختها قبل أن تسلم أو كانت مقيمة عند زوجها عمر على دينها قبل أن تنزل الآية
وليس في مجرد كونها كانت حاضرة عند تزويج أختها أن تكون حينئذ مسلمة لكن يرده أن
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري لما نزلت ولا تمسكوا بعصم الكوافر فذكر القصة وفيها فطلق
عمر امرأتين كانتا له بمكة فهذا يرد انها كانت مقيمة ولا يرد أنها جاءت زائرة ويحتمل أن يكون لام
سلمة أختان كل منهما تسمى قريبة تقدم اسلام أحداهما وهى التي كانت حاضرة عند تزويج
أم سلمة وتأخر اسلام الأخرى وهى المذكورة هنا ويؤيد هذا الثاني أن ابن سعد قال في الطبقات
قريبة الصغرى بنت أبي أمية أخت أم سلمة تزوجها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فولدت له
عبد الله وحفصة وأم حكيم وساق بسند صحيح أن قريبة قالت لعبد الرحمن وكان في خلقه شدة
لقد حذروني منك قال فأمرك بيدك قالت لا اختار على ابن الصديق أحدا فأقام عليها وتقدم
في الشروط من وجه آخر في هذه القصة في آخر حديث الزهري عن عروة عن مروان والمسور
فذكر الحديث ثم قال وبلغنا ان عمر طلق امرأتين كانتا له في الشرك قريبة وابنت أبى جرول
فتزوج قريبة معاوية وتزوج الأخرى أبو جهم بن حذيفة وهو مطابق لما هنا وزائد عليه وتقدم
من وجه آخر مثله لكن قال وتزوج الأخرى صفوان بن أمية فيمكن الجمع بأن يكون أحدهما
تزوج قبل الآخر وأما بنت أبي جرول فوقع في المغازي الكبرى لابن اسحق حدثني الزهري
عن عروة أنها أم كلثوم بنت عمرو بن جرول فكأن أباها كنى باسم والده وجرول بفتح الجيم وقد
بينت في آخر الحديث الطويل في الشروط أن القائل وبلغنا هو الزهري وبينت هناك من وصله
عنه من الرواة وأخرج ابن أبي حاتم بسند حسن من رواية بنى طلحة مسلسلا بهم عن موسى
ابن طلحة عن أبيه قال لما نزلت هذه الآية ولا تمسكوا بعصم الكوافر طلقت امرأتي أروى بنت
ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وطلق عمر قريبة وأم كلثوم بنت جرول وقد روى الطبري من
طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال قال الزهري لما نزلت هذه الآية طلق عمر قريبة
وأم كلثوم وطلق طلحة أروى بنت ربيعة فرق بينهما الاسلام حتى نزلت ولا تمسكوا بعصم
الكوافر ثم تزوجها بعد ان أسلمت خالد بن سعيد بن العاصي واختلف في ترك رد النساء إلى أهل
مكة مع وقوع الصلح بينهم وبين المسلمين في الحديبية على أن من جاء منهم إلى المسلمين ردوه ومن
جاء من المسلمين إليهم لم يردوه هل نسخ حكم النساء من ذلك فمنع المسلمون من ردهن أو لم يدخلن في
أصل الصلح أو هو عام أريد به الخصوص وبين ذلك عند نزول الآية وقد تمسك من قال بالثاني بما
وقع في بعض طرقه على أن لا يأتيك منا رجل الا رددته فمفهومه ان النساء لم يدخلن وقد أخرج
ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان ان المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم رد علينا من
هاجر من نسائنا فان شرطنا أن من أتاك منا أن ترده علينا فقال كان الشرط في الرجال ولم يكن
في النساء وهذا لو ثبت كان قاطعا للنزاع لكن يؤيد الأول والثالث ما تقدم في أول الشروط أن أم
كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط لما هاجرت جاء أهلها يسألون ردها فلم يردها لما نزلت إذا جاءكم
369

المؤمنات مهاجرات الآية والمراد قوله فيها فلا ترجعوهن إلى الكفار وذكر ابن الطلاع في
أحكامه أن سبيعة الأسلمية هاجرت فأقبل زوجها في طلبها فنزلت الآية فرد على زوجها مهرها
والذي أنفق عليها ولم يردها واستشكل هذا بما في الصحيح أن سبيعة الأسلمية مات عنها سعد بن
خولة وهو ممن شهد بدرا في حجة الوداع فإنه دال على أنها تقدمت هجرتها وهجرة زوجها ويمكن
الجمع بان يكون سعد بن خولة انما تزوجها بعد ان هاجرت ويكون الزوج الذي جاء في طلبها ولم
ترد عليه آخر لم يسلم يومئذ وقد ذكرت في أول الشروط أسماء عدة ممن هاجر من نساء الكفار في
هذه القصة * (قوله باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي) كذا
اقتصر على ذكر النصرانية وهو مثال والا فاليهودية كذلك فلو عبر بالكتابية لكان أشمل وكأنه
راعى لفظ الأثر المنقول في ذلك ولم يجزم بالحكم لاشكاله بل أورد الترجمة مورد السؤال فقط وقد
جرت عادته أن دليل الحكم إذا كان محتملا لا يجزم بالحكم والمراد بالترجمة بيان حكم اسلام المرأة
قبل زوجها هل تقع الفرقة بينهما بمجرد اسلامها أو يثبت لها الخيار أو يوقف في العدة فان أسلم
استمر النكاح والا وقعت الفرقة بينهما وفيه خلاف مشهور وتفاصيل يطول شرحها وميل
البخاري إلى أن الفرقة تقع بمجرد الاسلام كما سأبينه (قوله وقال عبد الوارث عن خالد) هو الحذاء
عن عكرمة عن ابن عباس لم يقع لي موصولا عن عبد الوارث لكن أخرج ابن أبي شيبة عن عباد بن
العوام عن خالد الحذاء نحوه (قوله إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه) وهو
عام في المدخول بها وغيرها ولكن قوله حرمت عليه ليس بصريح في المراد ووقع في رواية ابن أبي
شيبة فهي أملك بنفسها وأخرج الطحاوي من طريق أيوب عن عكرمة عن ابن عباس في اليهودية
أو النصرانية تكون تحت اليهودي أو النصراني فتسلم فقال يفرق بينهما الاسلام يعلو ولا يعلى
عليه وسنده صحيح (قوله وقال داود) هو ابن أبي الفرات واسم أبى الفرات عمرو بن الفرات
وإبراهيم الصائغ هو ابن ميمون (قوله سئل عطاء) هو ابن أبي رباح (عن امرأة من أهل العهد
أسلمت ثم أسلم زوجها في العدة أهي امرأته قال لا الا أن تشاء هي بنكاح جديد وصداق) وصله ابن أبي
شيبة من وجه آخر عن عطاء بمعناه وهو ظاهر في أن الفرقة تقع باسلام أحد الزوجين ولا تنتظر
انقضاء العدة (قوله وقال مجاهد إذا أسلم في العدة يتزوجها) وصله الطبري من طريق ابن أبي
نجيح عنه (قوله وقال الله الخ) هذا ظاهر في اختياره القول الماضي فإنه كلام البخاري وهو
استدلال منه لتقوية قول عطاء المذكور في هذا الباب وهو معارض في الظاهر لروايته عن ابن
عباس في الباب الذي قبله وهى قوله لم تخطب حتى تحيض وتطهر ويمكن الجمع بينهما لأنه كما
يحتمل أن يريد بقوله لم تخطب حتى تحيض وتطهر انتظار اسلام زوجها ما دامت في عدتها يحتمل
أيضا أن تأخير الخطبة انما هو لكون المعتدة لا تخطب ما دامت في العدة فعلى هذا الثاني لا يبقى
بين الخبرين تعارض وبظاهر قول ابن عباس في هذا وعطاء قال طاوس والثوري وفقهاء
الكوفة ووافقهم أبو ثور واختاره ابن المنذر واليه جنح البخاري وشرط أهل الكوفة ومن
وافقهم أن يعرض على زوجها الاسلام في تلك المدة فيمتنع ان كانا معا في دار الاسلام وبقول
مجاهد قال قتادة ومالك والشافعي وأحمد واسحق وأبو عبيد واحتج الشافعي بقصة أبي سفيان
لما أسلم عام الفتح بمر الظهران في ليلة دخول المسلمين مكة في الفتح كما تقدم في المغازي فإنه لما دخل
370

مكة أخذت امرأته هند بنت عقبة بلحيته وأنكرت عليه اسلامه فأشار عليها بالاسلام فأسلمت
بعد ولم يفرق بينهما ولا ذكر تجديد عقد وكذا وقع لجماعة من الصحابة أسلمت نساؤهم قبلهم كحكيم
ابن حزام وعكرمة بن أبي جهل وغيرهما ولم ينقل انه جددت عقود أنكحتهم وذلك مشهور عند
أهل المغازي لا اختلاف بينهم في ذلك الا انه محمول عند الأكثر على أن اسلام الرجل وقع قبل
انقضاء عدة المرأة التي أسلمت قبله وأما ما أخرج مالك في الموطأ عن الزهري قال لم يبلغنا ان
امرأة هاجرت وزوجها مقيم بدار الحرب الا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها فهذا محتمل
للقولين لان الفرقة يحتمل أن تكون قاطعة ويحتمل أن تكون موقوفة وأخرج حماد بن سلمة
وعبد الرزاق في مصنفيهما باسناد صحيح عن عبد الله بن يزيد الخطمي ان نصرانيا أسلمت امرأته
فخيرها عمر ان شاءت فارقته وان شاءت أقامت عليه (قوله وقال الحسن وقتادة في مجوسيين
أسلما هما على نكاحهما فإذا سبق أحدهما صاحبه) بالاسلام (لا سبيل له عليها) أما أثر الحسن
فوصله ابن أبي شيبة بسند صحيح عنه بلفظ فان أسلما أحدهما قبل صاحبه فقد انقطع ما بينهما من
النكاح ومن وجه آخر صحيح عنه بلفظ فقد بانت منه وأما أثر قتادة فوصله ابن أبي شيبة أيضا
بسند صحيح عنه بلفظ فإذا سبق أحدهما صاحبه بالاسلام فلا سبيل له عليها الا بخطبة وأخرج
أيضا عن عكرمة وكتاب عمر بن عبد العزيز نحو ذلك (قوله وقال ابن جريج قلت لعطاء امرأة
من المشركين جاءت إلى المسلمين أيعاوض زوجها منها) وقع في رواية ابن عساكر أيعاض بغير
واو وقوله (لقوله تعالى وآتوهم ما أنفقوا قال لا انما كان ذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم
وبين أهل العهد) وصله عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء أرأيت اليوم امرأة من أهل
الشرك فذكره سواء وعن معمر عن الزهري نحو قول مجاهد الآتي وزاد وقد انقطع ذلك يوم الفتح
فلا يعاوض زوجها منها بشئ (قوله وقال مجاهد هذا كله في صلح بين النبي صلى الله عليه وسلم
وبين قريش) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى واسألوا ما أنفقتم
وليسألوا ما أنفقوا قال من ذهب من أزواج المسلمين إلى الكفار فليعطهم الكفار صدقاتهن
وليمسكوهن ومن ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فكذلك
هذا كله في صلح كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش وقد تقدم في أواخر الشروط من
وجه آخر عن الزهري قال بلغنا أن الكفار لما أبوا أن يقروا بما أنفق المسلمون على أزواجهم
أي أبوا أن يعملوا بالحكم المذكور في الآية وهو ان المرأة إذا جاءت من المشركين إلى المسلمين
مسلمة لم يردها المسلمون إلى زوجها المشرك بل يعطونه ما أنفق عليها من صداق ونحوه وكذا
بعكسه فامتثل المسلمون ذلك وأعطوهم وأبى المشركون أن يمتثلوا ذلك فحبسوا من جاءت إليهم
مشركة ولم يعطوا زوجها المسلم ما أنفق عليها فلهذا نزلت وان فاتكم شئ من أزواجكم إلى
الكفار فعاقبتم قال والعقب ما يؤدى المسلمون إلى من هاجرت امرأته من الكفار إلى الكفار
وأخرج هذا الأثر للطبري من طريق يونس عن الزهري وفيه فلو ذهبت امرأة من أزواج
المؤمنين إلى المشركين رد المؤمنون إلى زوجها النفقة التي أنفق عليها من العقب الذي بأيديهم
الذي أمروا أن يردوه على المشركين من نفقاتهم التي أنفقوا على أزواجهم اللاتي آمن وهاجرن
ثم ردوا إلى المشركين فضلا إن كان بقى لهم ووقع في الأصل فأمر أن يعطى من ذهب له زوج
371

من المسلمين ما أنفق من صداق نساء الكفار اللاتي هاجرن ومعناه أن العقب المذكور في قوله
فعاقبتم أي أصبتم من صدقات المشركات عوض ما فات من صدقات المسلمات وهذا تفسير
الزهري وقال مجاهد أي أصبتم غنيمة فاعطوا منها وبه صرح جماعة من التابعين كما أخرجه
الطبري لكن حمله على ما إذا لم يحصل من الجهة الأولى شئ وهو حمل حسن وقوله في آخر الخبر
المذكور وما يعلم أن أحدا من المهاجرات ارتدت بعد ايمانها وهذا النفي لا يرده ظاهر ما دلت
عليه الآية والقصة لان مضمون القصة أن بعض أزواج المسلمين ذهبت إلى زوجها الكافر فأبى
أن يعطى زوجها المسلم ما أنفق عليها فعلى تقدير أن تكون مسلمة فالنفي مخصوص بالمهاجرات
فيحتمل كون من وقع منها ذلك من غير المهاجرات كالاعرابيات مثلا أو الحصر على عمومه فتكون
نزلت في المرأة المشركة إذا كانت تحت مسلم مثلا فهربت منه إلى الكفار ويؤيده رواية
يونس الماضية وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أشعث عن الحسن في قوله تعالى وان فاتكم شئ
من أزواجكم قال نزلت في أم الحكم بنت أبي سفيان ارتدت فتزوجها رجل ثقفي ولم ترتد امرأة
من قريش غيرها ثم أسلمت مع ثقيف حين أسلموا فان ثبت هذا استثنى من الحصر المذكور في
حديث الزهري لان أم الحكم هي أخت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في
حديث ابن عباس أنها كانت تحت عياض بن غنم وظاهر سياقه أنها كانت عند نزول قوله
تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر مشركة وان عياض بن غنم فارقها لذلك فتزوجها عبد الله بن
عثمان الثقفي فهذا أصح من رواية الحسن * (تنبيه) * استطرد البخاري من أصل ترجمة الباب
إلى شئ مما يتعلق بشرح آية الامتحان فذكر أثر عطاء فيما يتعلق بالمعاوضة المشار إليها في الآية
بقوله تعالى وان فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم ثم ذكر أثر مجاهد المقوى لدعوى
عطاء أن ذلك كان خاصا بذلك العهد الذي وقع بين المسلمين وبين قريش وأن ذلك انقطع يوم الفتح
وكأنه أشار بذلك إلى أن الذي وقع في ذلك الوقت من تقرير المسلمة تحت المشرك لانتظار اسلامه
ما دامت في العدة منسوخ لما دلت عليه هذه الآثار من اختصاص ذلك بأولئك وان الحكم
بعد ذلك فيمن أسلمت أن لا تقر تحت زوجها المشرك أصلا ولو أسلم وهى في العدة وقد ورد في أصل
المسئلة حديثان متعارضان أحدهما أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني داود
ابن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبى
العاص وكان اسلامها قبل اسلامه بست سنين على النكاح الأول ولم يحدث شيئا وأخرجه
أصحاب السنن الا النسائي وقال الترمذي لا بأس باسناده وصححه الحاكم ووقع في رواية بعضهم
بعد سنتين وفى أخرى بعد ثلاث وهو اختلاف جمع بينه على أن المراد بالست ما بين هجرة زينب
واسلامه وهو بين في المغازي فإنه أسر ببدر فأرسلت زينب من مكة في فدائه فأطلق لها بغير فداء
وشرط النبي صلى الله عليه وسلم عليه أن يرسل له زينب فوفى له بذلك واليه الإشارة في الحديث
الصحيح بقوله صلى الله عليه وسلم في حقه حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي والمراد بالسنتين أو
الثلاث ما بين نزول قوله تعالى لا هن حل لهم وقدومه مسلما فان بينهما سنتين وأشهرا الحديث
الثاني أخرجه الترمذي وابن ماجة من رواية حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبى العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح
372

جديد قال الترمذي وفى اسناده مقال ثم أخرج عن يزيد بن هارون انه حدث بالحديثين عن ابن إسحاق
وعن حجاج بن أرطاة ثم قال يزيد حديث ابن عباس أقوى اسنادا والعمل على حديث
عمرو بن شعيب يريد عمل أهل العراق وقال الترمذي في حديث ابن عباس لا يعرف وجهه وأشار
بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه
المدة ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسئلة تحت المشرك إذا تأخر اسلامه عن اسلامها حتى
انقضت عدتها وممن نقل الاجماع في ذلك ابن عبد البر وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه
ورده بالاجماع المذكور وتعقب بثبوت الخلاف فيه قديما وهو منقول عن علي وعن إبراهيم
النخعي أخرجه ابن أبي شيبة عنهما بطرق قوية وبه أفتى حماد شيخ أبي حنيفة وأجاب الخطابي عن
الاشكال بأن بقاء العدة في تلك المدة ممكن وان لم تجر العادة غالبا به ولا سيما إذا كانت المدة انما
هي سنتان وأشهر فان الحيض قد يبطئ عن ذوات الأقراء لعارض علة أحيانا وبحاصل هذا أجاب
البيهقي وهو أولى ما يعتمد في ذلك وحكى الترمذي في العلل المفرد عن البخاري أن حديث ابن عباس
أصح من حديث عمرو بن شعيب وعلته تدليس حجاج بن أرطاة وله علة أشد من ذلك وهى ما ذكره
أبو عبيد في كتاب النكاح عن يحيى القطان أن حجاجا لم يسمعه من عمرو بن شعيب وانما حمله عن
العزرمي والعزرمي ضعيف جدا وكذا قال أحمد بعد تخريجه قال والعزرمي لا يساوى حديثه شيئا
قال والصحيح أنهما أقرا على النكاح الأول وجنح ابن عبد البر إلى ترجيح حديث ما دل عليه حديث
عمرو بن شعيب وان حديث ابن عباس لا يخالفه قال والجمع بين الحديثين أولى من الغاء أحدهما
فحمل قوله في حديث ابن عباس بالنكاح الأول أي بشروطه وان معنى قوله لم يحدث شيئا أي لم يزد
على ذلك شيئا قال وحديث عمرو بن شعيب تعضده الأصول وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد ومهر
جديد والاخذ بالصريح أولى من الاخذ بالمحتمل ويؤيده مذهب ابن عباس المحكي عنه في أول
الباب فإنه موافق لما دل عليه حديث عمرو بن شعيب فإن كانت الرواية المخرجة عنه في السنن
ثابتة فلعله كان يرى تخصيص ما وقع في قصة أبى العاص بذلك العهد كما جاء ذلك عن أتباعه
كعطاء ومجاهد ولهذا أفتى بخلاف ظاهر ما جاء عنه في ذلك الحديث على أن الخطابي قال في
اسناد حديث ابن عباس هذه نسخة ضعفها علي بن المديني وغيره من علماء الحديث يشير إلى أنه
من رواية داود بن الحصين عن عكرمة قال وفى حديث عمرو بن شعيب زيادة ليست في حديث ابن
عباس والمثبت مقدم على النافي غير أن الأئمة رجحوا اسناد حديث ابن عباس اه‍ والمعتمد ترجيح
اسناد حديث ابن عباس على حديث عمرو بن شعيب لما تقدم ولا مكان حمل حديث ابن عباس
على وجه ممكن وادعى الطحاوي أن حديث ابن عباس منسوخ وان النبي صلى الله عليه وسلم
رد ابنته على أبى العاص بعد رجوعه من بدر لما أسر فيها ثم افتدى وأطلق وأسند ذلك عن الزهري
وفيه نظر فان ثبت عنه فهو مؤول لأنها كانت مستقرة عنده بمكة وهى التي أرسلت في افتدائه
كما هو مشهور في المغازي فيكون معنى قوله ردها أقرها وكان ذلك قبل التحريم والثابت أنه لما
أطلق اشترط عليه أن يرسلها ففعل كما تقدم وانما ردها عليه حقيقة بعد اسلامه ثم حكى الطحاوي
عن بعض أصحابهم أنه جمع بين الحديثين بطريق أخرى وهى أن عبد الله بن عمرو كان قد اطلع
على تحريم نكاح الكفار بعد إن كان جائزا فلذلك قال ردها عليه بنكاح جديد ولم يطلع ابن
373

عباس على ذلك فلذلك قال ردها بالنكاح الأول وتعقب بأنه لا يظن بالصحابة أن يجزموا بحكم
بناء على أن البناء بشئ قد يكون الامر بخلافه وكيف يظن بابن عباس أن يشتبه عليه نزول آية
الممتحنة والمنقول من طرق كثيرة عنه يقتضى اطلاعه على الحكم المذكور وهو تحريم استقرار
المسلمة تحت الكافر فلو قدر اشتباهه عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز استمرار الاشتباه
عليه بعده حتى يحدث به بعد دهر طويل وهو يوم حدث به يكاد أن يكون أعلم أهل عصره
وأحسن المسالك في هذين الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة وحمله على تطاول
العدة فيما بين نزول آية التحريم واسلام أبى العاص ولا مانع من ذلك من حيث العادة فضلا عن
مطلق الجواز وأغرب ابن حزم فقال ما ملخصه ان قوله ردها إليه بعد كذا مراده جمع بينهما والا
فاسلام أبى العاص كان قبل الحديبية وذلك قبل أن ينزل تحريم المسلمة على المشرك هكذا زعم
وهو مخالف لما أطبق عليه أهل المغازي أن اسلامه كان في الهدنة بعد نزول آية التحريم وقد
سلك بعض المتأخرين فيه مسلكا آخر فقرأت في السيرة النبوية للعماد بن كثير بعد ذكر بعض
ما تقدم قال وقال آخرون بل الظاهر انقضاء عدتها وضعف رواية من قال جدد عقدها وانما
يستفاد منه أن المرأة إذا أسلمت وتأخر اسلام زوجها أن نكاحها لا ينفسخ بمجرد ذلك بل تتخير
بين أن تتزوج غيره أو تتربص إلى أن يسلم فيستمر عقده عليها وحاصله أنها زوجته ما لم تتزوج
ودليل ذلك ما وقع في حديث الباب في عموم قوله فان هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه والله
أعلم ثم ذكر البخاري حديث عائشة في شأن الامتحان وبيانه لشدة تعلقه بأصل المسألة (قوله
وقال إبراهيم بن المنذر حدثني ابن وهب) ذكر أبو مسعود أنه وصله عن إبراهيم بن المنذر وقد
وصله أيضا الذهلي في الزهريات عن إبراهيم بن المنذر وسيأتى اللفظ في البخاري كرواية يونس فان
مسلما أخرجه عن أبي الطاهر بن السرح عن ابن وهب كذلك وأما لفظ رواية عقيل فتقدمت
في أول الشروط وأشار الإسماعيلي إلى أن رواية عقيل المذكورة في الباب لا تخالفها (قوله
كانت المؤمنات إذا هاجرن) أي من مكة إلى المدينة قبل عام الفتح (قوله يمتحنهن بقول الله
تعالى) أي يختبرهن فيما يتعلق بالايمان فيما يرجع إلى ظاهر الحال دون الاطلاع على ما في
القلوب والى ذلك الإشارة بقوله تعالى الله أعلم بايمانهن (قوله مهاجرات) جمع مهاجرة
والمهاجرة بفتح الجيم المغاضبة قال الأزهري أصل الهجرة خروج البدوي من البادية إلى
القرية وإقامته بها والمراد بها ههنا خروج النسوة من مكة إلى المدينة مسلمات (قوله إلى آخر
الآية) يحتمل الآية بعينها وآخرها والله عليم حكيم ويحتمل أن يريد بالآية القصة وآخرها غفور
رحيم وهذا هو المعتمد فقد تقدم في أوائل الشروط من طريق عقيل وحده عن ابن شهاب عقب
حديثه عن عروة عن المسور ومروان قال عروة فأخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يمتحنهن بهذه الآية يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات إلى غفور رحيم وكذا
وقع في رواية ابن أخي الزهري عن الزهري في تفسير الممتحنة (قوله قالت عائشة) هو موصول
بالاسناد المذكور (قوله فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة) يشير إلى شرط
الايمان وأوضح من هذا ما أخرجه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال كان امتحانهن
أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأما ما أخرجه الطبري أيضا والبزار من طريق
374

أبى نصر عن ابن عباس كان يمتحنهن والله ما خرجت من بغض زوج والله ما خرجت رغبة عن
أرض إلى أرض والله ما خرجت التماس دنيا والله ما خرجت الا حبا لله ولرسوله ومن طريق
ابن أبي نجيح عن مجاهد نحو هذا ولفظه فاسألوهن عما جاء بهن فإن كان من غضب على أزواجهن
أو سخطه أو غيره ولم يؤمن فارجعوهن إلى أزواجهن ومن طريق قتادة كانت محنتهن أن
يستحلفن بالله ما أخرجكن نشوز وانما أخرجكن الا حب الاسلام وأهله فإذا قلن ذلك قبل
منهن فكل ذلك لا ينافي رواية العوفي لاشتمالها على زيادة لم يذكرها (قوله انطلقن فقد بايعتكن
بينته بعد ذلك بقولها في آخر الحديث (فقد بايعتكن كلاما) أي كلاما يقوله ووقع في رواية
عقيل المذكورة كلاما يكلمها به ولا يبايع بضرب اليد على اليد كما كان يبايع الرجال وقد
أوضحت ذلك بقولها ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط زاد في رواية عقيل
في المبايعة غير أنه بايعهن بالكلام وقد تقدم في تفسير الممتحنة وفى غير موضع حديث ابن عباس
وفيه حتى أتى النساء فقال يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الآية كلها ثم قال حين فرغ
أنتن على ذلك فقالت امرأة منهن نعم وقد ورد ما قد يخالف ذلك ولعلها أشارت إلى رده وقد
تقدم بيان ذلك مستوفى في تفسير سورة الممتحنة واختلف في استمرار حكم امتحان من هاجر
من المؤمنات فقيل منسوخ بل ادعى بعضهم الاجماع على نسخه والله أعلم * (قوله
باب قول الله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) كذا للأكثر وساق
في رواية كريمة إلى سميع عليم ووقع في شرح ابن بطال باب الايلاء وقوله تعالى إلى آخره
ووقع لأبي ذر والنسفي بعد قوله فان فاؤا رجعوا وهذا تفسير أبى عبيدة قاله في هذه الآية قال
فان فاؤا أي رجعوا عن اليمين فاء يفئ فيأ وفيوأ اه‍ وأخرج الطبري عن إبراهيم النخعي قال
الفئ الرجوع باللسان ومثله عن أبي قلابة وعن سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة الفئ
الرجوع بالقلب واللسان لمن به مانع عن الجماع وفى غيره بالجماع ومن طريق أصحاب ابن مسعود
منهم علقمة مثله ومن طريق سعيد بن المسيب أيضا ان حلف أن لا يكلم امرأته يوما أو شهرا فهو
ايلاء الا إن كان يجامعها وهو لا يكلمها فليس بمول ومن طريق الحكم عن مقسم عن ابن عباس
الفئ الجماع وعن مسروق وسعيد بن جبير والشعبي مثله والأسانيد بكل ذلك عنهم قوية قال
الطبري اختلافهم في هذا من اختلافهم في تعريف الايلاء فمن خصه بترك الجماع قال لا يفئ
الا بفعل الجماع ومن قال الايلاء الحلف على ترك كلامها أو على أن يغيظها أو يسوأها أو نحو
ذلك لم يشترط في الفئ الجماع بل رجوعه بفعل ما حلف أن لا يفعله ونقل عن ابن شهاب لا يكون
الايلاء الا أن يحلف المرء بالله فيما يريد أن يضار به امرأته من اعتزالها فإذا لم يقصد الاضرار
لم يكن ايلاء ومن طريق على وابن عباس والحسن وطائفة لا ايلاء الا في غضب فإذا حلف أن لا
يطأها بسبب كالخوف على الولد الذي يرضع منها من الغيلة فلا ايلاء ومن طريق الشعبي كل يمين
حالت بين الرجل وبين امرأته فهي ايلاء ومن طريق القاسم وسالم فيمن قال لامرأته ان كلمتك
سنة فأنت طالق ان مضت أربعة أشهر ولم يكلمها طلقت وان كلمها قبل سنة فهي طالق ومن
طريق يزيد بن الأصم أن ابن عباس قال له ما فعلت امرأتك لعهدي بها سيئة الخلق قال لقد
خرجت وما أكلمها قال أدركها قبل أن يمضى أربعة أشهر فان مضت فهي تطليقة ومن طريق
375

أبي بن كعب أنه قرأ للذين يؤلون من نسائهم يقسمون قال الفراء التقدير على نسائهم ومن بمعنى
على وقال غيره بل فيه حذف تقديره يقسمون على الامتناع من نسائهم والايلاء مشتق من
الألية بالتشديد وهى اليمين والجمع ألايا بالتخفيف وزن عطايا قال الشاعر
- قليل الألايا حافظ ليمينه * فان سبقت منه الألية برت -
فجمع بين المفرد والجمع ثم ذكر البخاري حديث أنس آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من
نسائه الحديث وادخاله في هذا الباب على طريقة من لا يشترط في الايلاء ذكر الجماع ولهذا قال
ابن العربي ليس في هذا الباب يعنى من المرفوع سوى هذه الآية وهذا الحديث اه‍ وأنكر
شيخنا في التدريب ادخال هذا الحديث في هذا الباب فقال الايلاء المعقود له الباب حرام يأثم به
من علم بحاله فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم اه‍ وهو مبنى على اشتراط ترك الجماع
فيه وقد كنت أطلقت في أوائل الصلاة والمظالم أن المراد بقول أنس آلى أي حلف وليس المراد
به الايلاء العرفي في كتب الفقه اتفاقا ثم ظهر لي أن فيه الخلاف قديما فليقيد ذلك بأنه على
رأى معظم الفقهاء فإنه لم ينقل عن أحد من فقهاء الأمصار أن الايلاء ينعقد حكمة بغير ذكر
ترك الجماع الا عن حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة وإن كان ذلك قد ورد عن بعض من تقدمه
كما تقدم وفى كونه حراما أيضا خلاف وقد جزم ابن بطال وجماعة بأنه صلى الله عليه وسلم
امتنع من جماع نسائه في ذلك الشهر ولم أقف على نقل صريح في ذلك فإنه لا يلزم من ترك دخوله
عليهن أن لا تدخل إحداهن عليه في المكان الذي اعتزل فيه الا إن كان المذكور من المسجد فيتم
استلزام عدم الدخول عليهن مع استمرار الإقامة في المسجد العزم على ترك الوطء لامتناع الوطء
في المسجد وقد تقدم في النكاح في آخر حديث عمر مثل حديث أنس في أنه آلى من نسائه شهرا
ومن حديث أم سلمة أيضا آلى من نسائه شهرا ومن حديث ابن عباس أقسم أن لا يدخل عليهن
شهرا ومن حديث جابر عند مسلم اعتزل نساءه شهرا وأخرج الترمذي من طريق الشعبي عن
مسروق عن عائشة قالت آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرم فجعل الحرام حلالا
ورجاله موثقون لكن رجح الترمذي ارساله على وصله وقد يتمسك بقوله حرم من ادعى أنه
امتنع من جماعهن لكن تقدم البيان الواضح أن المراد بالتحريم تحريم شرب العسل أو تحريم
وطء مارية سريته فلا يتم الاستدلال لذلك بحديث عائشة وأقوى ما يستدل به لفظ اعتزل مع
ما فيه (قوله حدثنا إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه) هو أبو بكر بن عبد الحميد بن أبي أويس
عبد الله بن عبد الله الأصبحي بن عم مالك وسليمان هو ابن بلال وقد نزل البخاري في هذا الاسناد
بالنسبة لحميد درجتين لأنه أخرج في كتابه عن بعض أصحابه بلا واسطة كمحمد بن عبد الله
الأنصاري ودرجة بالنسبة لسليمان بن بلال فإنه أخرج عنه الكثير بواسطة واحد فقط وقد
تقدم في هذا الحديث بعينه في الصيام وفى النكاح كذلك والنكتة في اختيار هذا الاسناد النازل
التصريح فيه عن حميد بسماعه له من أنس وقد تقدم بيان قوله آلى من نسائه شهرا وشرحه
في أواخر الكلام على شرح حديث عمر في المتظاهرتين في النكاح ووقع في حديث أنس هذا
في أوائل الصلاة زيادة قصة مشهورة سقوطه صلى الله عليه وسلم عن الفرس وصلاته بأصحابه
جالسا وتقدم شرح الزيادة هناك ومن أحكام الايلاء أيضا عند الجمهور أن يحلف على أربعة
376

أشهر فصاعدا فان حلف على أنقص منها لم يكن موليا وقال اسحق ان حلف أن لا يطأ على يوم
فصاعدا ثم لم يطأها حتى مضت أربعة أشهر كان ايلاء وجاء عن بعض التابعين مثله وأنكره الأكثر
وصنيع البخاري ثم الترمذي في ادخال حديث أنس في باب الايلاء يقتضى موافقة اسحق في
ذلك وحمل هؤلاء قوله تعالى تربص أربعة أشهر على المدة التي تضرب للمولى فان فاء بعدها والا
ألزم بالطلاق وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء إذا حلف أن لا يقرب امرأته سمى
أجلا أو لم يسمه فان مضت أربعة أشهر يعنى ألزم حكم الايلاء وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن
البصري إذا قال لامرأته والله لا أقربها الليلة فتركها أربعة أشهر من أجل يمينه تلك فهو ايلاء
وأخرج الطبري من حديث ابن عباس كان ايلاء الجاهلية السنة والسنتين فوقت الله لهم أربعة
أشهر فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء (قوله إن ابن عمر رضي الله عنهما كان
يقول في الايلاء الذي سمى الله تعالى لا يحل لاحد بعد الاجل) الذي يحلف عليه بالامتناع من
زوجته (الا أن يمسك بالمعروف أو يعزم بالطلاق كما أمر الله عز وجل) هو قول الجمهور في أن المدة
إذا انقضت يخير الحالف فاما ان يفئ واما ان يطلق وذهب الكوفيون إلى أنه ان فاء بالجماع قبل
انقضاء المدة استمرت عصمته وان مضت المدة وقع الطلاق بنفس مضى المدة قياسا على العدة
لأنه لا تربص على المرأة بعد انقضائها وتعقب بأن ظاهر القرآن التفصيل في الايلاء بعد مضى المدة
بخلاف العدة فإنها شرعت في الأصل للبائنة والمتوفى عنها بعد انقطاع عصمتها لبراءة الرحم فلم
يبق بعد مضى المدة تفصيل وأخرج الطبري بسند صحيح عن ابن مسعود وبسند آخر لا بأس به عن علي
ان مضت أربعة أشهر ولم يفئ طلقت طلقة بائنة وبسند حسن عن علي وزيد بن ثابت مثله وعن
جماعة من التابعين من الكوفيين ومن غيرهم كابن الحنفية وقبيصة بن ذؤيب وعطاء والحسن
وابن سيرين مثله ومن طريق سعيد بن المسيب وأبى بكر بن عبد الرحمن وربيعة ومكحول
والزهري والأوزاعي تطلق لكن طلقة رجعية وأخرج سعيد بن منصور من طريق جابر بن زيد
إذا آلى فمضت أربعة أشهر طلقت بائنا ولا عدة عليها وأخرج إسماعيل القاضي في أحكام القرآن
بسند صحيح عن ابن عباس مثله وأخرج سعيد بن منصور من طريق مسروق إذا مضت الأربعة
بانت بطلقة وتعتد بثلاث حيض وأخرج إسماعيل من وجه آخر عن مسروق عن ابن مسعود
مثله وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي قلابة أن النعمان بن بشير آلى من امرأته فقال
ابن مسعود إذا مضت أربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقة * (تنبيه) * سقط أثر ابن عمر هذا وأثره
المذكور بعد ذلك وكذا ما بعده إلى آخر الباب من رواية النسفي وثبت للباقين (قوله وقال لي
إسماعيل) هو ابن أبي أويس المذكور قبل وفى بعض الروايات قال إسماعيل مجردا وبه جزم بعض
الحفاظ فعلم عليه علامة التعليق والأول المعتمد وهو ثابت في رواية أبي ذر وغيره (قوله إذا مضت
أربعة أشهر يوقف) في رواية الكشميهني يوقفه (حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق) كذا
وقع من هذا الوجه مختصرا وهو في الموطأ عن مالك أخصر منه وأخرجه الإسماعيلي من طريق معن
ابن عيسى عن مالك بلفظ أنه كان يقول أيما رجل آلى من امرته فإذا مضت أربعة أشهر يوقف
حتى يطلق أو يفئ ولا يقع عليه طلاق إذا مضت حتى يوقف وكذا أخرجه الشافعي عن مالك
وزاد فاما أن يطلق واما أن يفئ وهذا تفسير للآية من ابن عمر وتفسر الصحابة في مثل هذا له حكم
377

الرفع عند الشيخين البخاري ومسلم كما نقله الحاكم فيكون فيه ترجيح لمن قال يوقف (قوله ويذكر
ذلك) أي الايقاف (عن عثمان وعلى وأبى الدرداء وعائشة واثنى عشر رجلا من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم) أما قول عثمان فوصله الشافعي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق من طريق طاوس
أن عثمان بن عفان كان يوقف المولى فاما أن يفئ واما أن يطلق وفى سماع طاوس من عثمان نظر
لكن قد أخرجه إسماعيل القاضي في الاحكام من وجه آخر منقطع عن عثمان أنه كان لا يرى الايلاء
شيئا وان مضت أربعة أشهر حتى يوقف ومن طريق سعيد بن جبير عن عمر نحوه وهذا منقطع
أيضا والطريقان عن عثمان يعضد أحدهما الآخر وجاء عن عثمان خلافه فأخرج عبد
الرزاق والدارقطني من طريق عطاء الخراساني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عثمان وزيد بن ثابت
إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة وقد سئل أحمد عن ذلك فرجح رواية طاوس وأما
قول على فوصله الشافعي وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عمرو بن سلمة أن عليا وقف المولى
وسنده صحيح وأخرج مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحو قول ابن عمر إذا مضت
الأربعة أشهر لم يقع عليه الطلاق حتى يوقف فاما أن يطلق واما أن يفئ وهذا منقطع يعتضد
بالذي قبله وأخرج سعيد بن منصور من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى شهدت عليا أوقف رجلا
عند الأربعة بالرحبة اما أن يفئ واما أن يطلق وسنده صحيح أيضا وأخرج إسماعيل القاضي من
وجه آخر عن علي نحوه وزاد في آخره ويجبر على ذلك وأما قول أبى الدرداء فوصله ابن أبي شيبة
وإسماعيل القاضي من طريق سعيد بن المسيب أن أبا الدرداء قال يوقف في الايلاء عند انقضاء
الأربعة فاما أن يطلق واما أن يفئ وسنده صحيح ان ثبت سماع سعيد بن المسيب من أبى الدرداء
وأما قول عائشة فأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن أبا الدرداء وعائشة قالا فذكر مثله
وهذا منقطع وأخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح عن عائشة بلفظ انها كانت لا ترى الايلاء
شيئا حتى يوقف وللشافعي عنها نحوه وسنده صحيح أيضا وأما الرواية بذلك عن اثنى عشر رجلا
من الصحابة فأخرجها البخاري في التاريخ من طريق عبد ربه بن سعيد عن ثابت بن عبيد مولى
زيد بن ثابت عن اثنى عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا الايلاء لا يكون
طلاقا حتى يوقف وأخرجه الشافعي من هذا الوجه فقال بضعة عشر وأخرج إسماعيل القاضي
من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن سليمان بن يسار قال أدركت بضعة عشر رجلا من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا الايلاء لا يكون طلاقا حتى يوقف وأخرج الدارقطني
من طريق سهل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال سألت اثنى عشر رجلا من الصحابة عن الرجل يولى
فقالوا ليس عليه شئ حتى تمضى أربعة أشهر فيوقف فان فاء والا طلق وأخرج إسماعيل من وجه
آخر عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال أدركنا الناس يقفون الايلاء إذا مضت الأربعة
وهو قول مالك والشافعي وأحمد واسحق وسائر أصحاب الحديث الا أن للمالكية والشافعية بعد
ذلك تفاريع يطول شرحها منها أن الجمهور ذهبوا إلى أن الطلاق يكون فيه رجعيا لكن قال
مالك لا تصح رجعته الا ان جامع في العدة وقال الشافعي ظاهر كتاب الله تعالى على أن له أربعة
أشهر ومن كانت له أربعة أشهر أجلا فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضى فإذا انقضت فعليه أحد
أمرين اما أن يفئ واما أن يطلق فلهذا قلنا لا يلزمه الطلاق بمجرد مضى المدة حتى يحدث رجوعا
378

أو طلاقا ثم رجح قول الوقف بان أكثر الصحابة قال به والترجيح قد يقع بالأكثر مع موافقة ظاهر
القرآن ونقل ابن المنذر عن بعض الأئمة قال لم يجد في شئ من الأدلة أن العزيمة على الطلاق تكون
طلاقا ولو جاز لكان العزم على الفئ يكون فيأ ولا قائل به وكذلك ليس في شئ من اللغة أن اليمين
التي لا ينوى بها الطلاق تقتضى طلاقا وقال غيره العطف على الأربعة أشهر بالفاء يدل على أن
التخيير بعد مضى المدة والذي يتبادر من لفظ التربص أن المراد به المدة المضروبة ليقع التخيير
بعدها وقال غيره جعل الله الفئ والطلاق معلقين بفعل المولى بعد المدة وهو من قوله تعالى فان
فاؤا وان عزموا فلا يتجه قول من قال إن الطلاق يقع بمجرد مضى المدة والله أعلم * (قوله
باب حكم المفقود في أهله وماله) كذا أطلق ولم يفصح بالحكم ودخول حكم الأهل
يتعلق بأبواب الطلاق بخلاف المال لكن ذكره معه استطرادا (قوله وقال ابن المسيب إذا
فقد في الصف عند القتال تربص امرأته سنة) وصله عبد الرزاق أتم منه عن الثوري عن داود بن أبي
هند عنه قال إذا فقد في الصف تربصت امرأته سنة وإذا فقد في غير الصف فأربع سنين وقوله
في الأصل تربص بفتح أوله على حذف إحدى التاءين واتفقت النسخ والشروح والمستخرجات على
قوله سنة الا ابن التين فوقع عنده ستة أشهر ولفظ ستة تصحيف ولفظ أشهر زيادة والى قول سعيد بن
المسيب في هذا ذهب مالك لكن فرق بين ما إذا وقع القتال في دار الحرب أو في دار الاسلام (قوله
واشترى ابن مسعود جارية فالتمس صاحبها سنة فلم يجده وفقد فأخذ يعطى الدرهم والدرهمين
وقال اللهم عن فلان فان أتى فلان فلي وعلى) وقع في رواية الأكثر أتى بالمثناة بمعنى جاء وللكشميهني
بالموحدة من الامتناع وسقط هذا التعليق من رواية أبي ذر عن السرخسي وقد وصله سفيان
ابن عيينة في جامعة رواية سعيد بن عبد الرحمن عنه وأخرجه أيضا سعيد بن منصور عنه بسند له
جيد أن ابن مسعود اشترى جارية بسبعمائة درهم فاما غاب صاحبها واما تركها فنشده حولا فلم
يجده فخرج بها إلى مساكين عند سدة بابه فجعل يقبض ويعطى ويقول اللهم عن صاحبها فان
أتى فمنى وعلى الغرم وأخرجه الطبراني من هذا الوجه أيضا وفيه أبى بالموحدة (قوله وقال هكذا
فافعلوا باللقطة) يشير إلى أنه انتزع فعله في ذلك من حكم اللقطة للامر بتعريفها سنة والتصرف
فيها بعد ذلك فان جاء صاحبها غرمها له فرأى ابن مسعود أن يجعل التصرف صدقة فان أجازها
صاحبها إذا جاء حصل له أجرها وان لم يجزها كان الاجر للمتصدق وعليه الغرم لصاحبها والى ذلك
أشار بقوله فلي وعلى أي فلي الثواب وعلى الغرامة وغفل بعض الشراح فقال معنى قوله فلي
وعلى لي الثواب وعلى العقاب أي انهما مكتسبان له بفعله والذي قلته أولى لأنه ثبت مفسرا في
رواية ابن عيينة كما ترى وأما قوله في رواية الباب فلي فمعناه فلي ثواب الصدقة وانما حذفه للعلم به
(قوله وقال ابن عباس نحوه) ثبت هذا التعليق في رواية أبي ذر فقط عن المستملى والكشميهني
خاصة وقد وصله سعيد بن منصور من طريق عبد العزيز بن رفيع عن أبيه أنه ابتاع ثوبا من رجل
بمكة فضل منه في الزحام قال فأتيت ابن عباس فقال إذا كان العام المقبل فانشد الرجل في المكان
الذي اشتريت منه فان قدرت عليه والا تصدق بها فان جاء فخيره بين الصدقة واعطاء الدراهم
وأخرج دعلج في مسند ابن عباس له بسند صحيح عن ابن عباس قال انظر هذه الضوال فشد يدك
بها عاما فان جاء ربها فادفعها إليه والا فجاهد بها وتصدق فان جاء فخيره بين الاجر والمال (قوله
379

وقال الزهري في الأسير يعلم مكانه لا تتزوج امرأته ولا يقسم ماله فإذا انقطع خبره فسنته سنة
المفقود) وصله ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي قال سألت الزهري عن الأسير في أرض العدو
متى تزوج امرأته فقال لا تزوج ما علمت أنه حي ومن وجه آخر عن الزهري قال يوقف مال
الأسير وامرأته حتى يسلما أو يموتا وأما قوله فسنته سنة المفقود فان مذهب الزهري في امرأة
المفقود أنها تربص أربع سنين وقد أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة بأسانيد
صحيحة عن عمر منها لعبد الرزاق من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا
بذلك وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن ابن عمر وابن عباس قالا تنتظر امرأة المفقود
أربع سنين وثبت أيضا عن عثمان وابن مسعود في رواية وعن جمع من التابعين كالنخعي
وعطاء والزهري ومكحول والشعبي واتفق أكثرهم على أن التأجيل من يوم ترفع أمرها
للحاكم وعلى أنها تعتد عدة الوفاة بعد مضى الأربع سنين واتفقوا أيضا على أنها ان تزوجت
فجاء الزوج الأول خير بين زوجته وبين الصداق وقال أكثرهم إذا اختار أول الصداق غرمه
له الثاني ولم يفرق أكثرهم بين أحوال الفقد الا ما تقدم عن سعيد بن المسيب وفرق مالك بين
من فقد في الحرب فتؤجل الاجل المذكور وبين من فقد في غير الحرب فلا تؤجل بل تنتظر مضى
العمر الذي يغلب على الظن أنه لا يعيش أكثر منه وقال أحمد واسحق من غاب عن أهله فلم يعلم
خبره لا تأجيل فيه وانما يؤجل من فقد في الحرب أو في البحر أو في نحو ذلك وجاء عن علي إذا فقدت
المرأة زوجها لم تزوج حتى يقدم أو يموت أخرجه أبو عبيد في كتاب النكاح وقال عبد الرزاق
بلغني عن ابن مسعود أنه وافق عليا في امرأة المفقود أنها تنتظره أبدا وأخرج أبو عبيد أيضا
بسند حسن عن علي لو تزوجت فهي امرأة الأول دخل بها الثاني أو لم يدخل وأخرج سعيد
ابن منصور عن الشعبي إذا تزوجت فبلغها أن الأول حي فرق بينها وبين الثاني واعتدت منه فان
مات الأول اعتدت منه أيضا وورثته ومن طريق النخعي لا تزوج حتى يستبين أمره وهو قول
فقهاء الكوفة والشافعي وبعض أصحاب الحديث واختار ابن المنذر التأجيل لاتفاق خمسة
من الصحابة عليه والله أعلم (قوله حدثنا علي بن عبد الله) هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة
(قوله عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري وفى رواية الحميدي عن سفيان حدثنا يحيى بن سعيد
(قوله عن يزيد مولى المنبعث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل) في رواية الحميدي سمعت يزيد
مولى المنبعث قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديث اللقطة وهذا صورته
الارسال ولهذا قال بعد فراغ المتن قال سفيان فلقيت ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سفيان
ولم أحفظ عنه شيئا غير هذا فقلت أرأيت حديث يزيد مولى المنبعث في أمر الضالة هو عن زيد بن
خالد قال نعم قال سفيان قال يحيى يعنى ابن سعيد الذي حدثه مرسلا ويقول ربيعة عن يزيد
مولى المنبعث عن زيد بن خالد قال سفيان فلقيت ربيعة فقلت له أي قلت له كلام الذي تقدم
وهو قوله أرأيت حديث يزيد إلى آخره وحاصل ذلك أن يحيى بن سعيد حدث به يزيد مولى
المنبعث مرسلا ثم ذكر لسفيان أن ربيعة يحدث به عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد
فيوصله فحمل ذلك سفيان على أن لقى ربيعة فسأله عن ذلك فاعترف له به وقد أخرجه
الإسماعيلي من وجه آخر عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن يزيد مرسلا وعن ربيعة موصولا
380

وساقه بسياقة واحدة وما وقع في روية ابن المديني من التفصيل أتقن وأضبط فإنه دل على أن
السياق ليحيى بن سعيد وأن ربيعة لم يحدث سفيان الا باسناده فقط وأخرجه النسائي عن إسحاق
ابن إسماعيل عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن ربيعة قال سفيان فلقيت ربيعة فقال حدثني به
يزيد عن زيد وهذا أيضا فيه ايهام ورواية ابن المديني أوضح وقد وافقه الحميدي ولفظه قال
سفيان فأتيت ربيعة فقلت له الحديث الذي يحدثه يزيد مولى المنبعث في اللقطة هو عن زيد بن
خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم قال سفيان وكنت أكرهه للرأي أي لأجل كثرة فتواه
بالرأي قال فلذلك لم أسأله الا عن اسناده وهذا السبب في قلة رواية سفيان عن ربيعة أولى من
السبب الذي أبداه ابن التين فقال كان قصد سفيان لطلب الحديث أكثر من قصده لطلب الفقه
وكان الفقه عند ربيعة أكثر منه عند الزهري فلذلك أكثر عنه سفيان دون ربيعة مع أن الزهري
تقدمت وفاته على وفاة ربيعة بنحو عشر سنين بل أكثر اه‍ واقتضى قول سفيان بن عيينة
هذا أن يحيى بن سعيد ما سمعه من شيخه يزيد مولى المنبعث موصولا وانما وصله له ربيعة ولكن
تقدم الحديث في اللقطة من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن يزيد عن زيد موصولا
فلعل يحيى بن سعيد لما حدث به ابن عيينة ما كان يتذكر وصله أو دله لسليمان بن بلال حين
حدثه به موصولا وانما سمع وصله من ربيعة فأسقط ربيعة وقد أخرجه مسلم من رواية سليمان
ابن بلال موصولا أيضا ومن رواية حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد وربيعة جميعا عن يزيد عن زيد
موصولا وهذا يقتضى أنه حمل إحدى الروايتين على الأخرى وقد تقدم شرح حديث اللقطة
مستوفى في بابها وأراد المصنف بذكره ههنا الإشارة إلى أن التصرف في مال الغير إذا غاب جائز
ما لم يكن المال مما لا يخشى ضياعه كما دل عليه التفصيل بين الإبل والغنم وقال ابن المنير لما
تعارضت الآثار في هذه المسئلة وجب الرجوع إلى الحديث المرفوع فكان فيه أن ضالة الغنم
يجوز التصرف فيها قبل تحقق وفاة صاحبها فكان الحاق المال المفقود بها متجها وفيه أن ضالة
الإبل لا يتعرض لها لاستقلالها بأمر نفسها فاقتضى أن الزوجة كذلك لا يتعرض لها حتى
يتحقق خبر وفاته فالضابط أن كل شئ يخشى ضياعه يجوز التصرف فيه صونا له عن الضياع
ومالا فلا وأكثر أهل العلم على أن حكم ضالة الغنم حكم المال في وجوب تعويضه لصاحبه
إذا حضر والله أعلم * (قوله باب الظهار) بكسر المعجمة هو قول الرجل لامرأته
أنت على كظهر أمي وانما خص الظهر بذلك دون سائر الأعضاء لأنه محل الركوب غالبا ولذلك
سمى المركوب ظهرا فشبهت الزوجة بذلك لأنها مركوب الرجل فلو أضاف لغير الظهر كالبطن
مثلا كان ظهارا على الأظهر عند الشافعية واختلف فيما إذا لم يعين الام كأن قال كظهر
أختي مثلا فعن الشافعي في القديم لا يكون ظهارا بل يختص بالام كما ورد في القرآن وكذا في
حديث خولة التي ظاهر منها أوس وقال في الجديد يكون ظهارا وهو قول الجمهور لكن اختلفوا
فيمن لم تحرم على التأبيد فقال الشافعي لا يكون ظهارا وعن مالك هو ظهار وعن أحمد روايتان
كالمذهبين فلو قال كظهر أبى مثلا فليس بظهار عند الجمهور وعند أحمد رواية أنه ظهار وطرده
في كل من يحرم عليه وطؤه حتى في البهيمة ويقع الظهار بكل لفظ يدل على تحريم الزوجة لكن
بشرط اقترانه بالنية وتجب الكفارة على قائله كما قال الله تعالى لكن بشرط العود عند الجمهور
381

وعند الثوري وروى عن مجاهد تجب الكفارة بمجرد الظهار (قوله وقول الله تعالى قد سمع الله
قول التي تجادلك في زوجها إلى قوله فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) كذا لأبي ذر والأكثر
وساق في رواية كريمة الآيات إلى الموضع المذكور وهو قوله فاطعام ستين مسكينا واستدل
بقوله تعالى وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا على أن الظهار حرام وقد ذكر المصنف في
الباب آثار اقتصر على الآية وعليها وكأنه أشار بذكر الآية إلى الحديث المرفوع الوارد في سبب
ذلك وقد ذكر بعض طرقه تعليقا في أوائل كتاب التوحيد من حديث عائشة وسيأتى ذكره وفيه
تسمية المظاهر وتسمية المجادلة وهى التي ظاهر منها وأن الراجح أنها خولة بنت ثعلبة وأنه أول
ظهار كان في الاسلام كما أخرجه الطبراني وابن مردويه من حديث ابن عباس قال كان الظهار في
الجاهلية يحرم النساء فكان أول من ظاهر في الاسلام أوس بن الصامت وكات امرأته خولة
الحديث وقال الشافعي سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول كان أهل الجاهلية يطلقون
بثلاث الظهار والايلاء والطلاق فأقر الله الطلاق طلاقا وحكم في الايلاء والظهار بما بين في
القرآن انتهى وجاء من حديث خولة بنت ثعلبة نفسها عند أبي داود قالت ظاهر منى زوجي أوس
ابن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه الحديث وأخرج أصحاب السنن من
حديث سلمة بن صخر أنه ظاهر من امرأته وقد تقدمت الإشارة إلى حديثه في كتاب الصيام في قصة
المجامع في رمضان وأن الأصح ان قصته كانت نهارا ولابى داود والترمذي من حديث ابن عباس
أن رجلا ظاهر من امرأته فوقع عليها قبل أن يكفر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فاعتزلها حتى
تكفر عنك وفى رواية أبى داود فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله وأسانيد هذه الأحاديث
حسان وحكم كفارة الظهار منصوص بالقرآن واختلف السلف في أحكامه في مواضع ألم
البخاري ببعضها في الآثار التي أوردها في الباب واستدل بآية الظهار وبآية اللعان على القول
بالعموم ولو ورد في سبب خاص واتفقوا على دخول السبب وأن أوس بن الصامت شملة حكم
الظهار لكن استشكله السبكي من جهة تقدم السبب وتأخر النزول فكيف ينعطف على ما مضى
مع أن الآية لا تشمل الا من وجد منه الظهار بعد نزولها لان الفاء في قوله تعالى فتحرير رقبة يدل
على أن المبتدأ تضمن معنى الشرط والخبر تضمن معنى الجزاء ومعنى الشرط مستقبل وأجاب
عنه بان دخول الفاء في الخبر يستدعى العموم في كل مظاهر وذلك يشمل الحاضر والمستقبل
قال وأما دلالة الفاء على الاختصاص بالمستقبل ففيه نظر كذا قال ويمكن أن يحتج للالحاق
بالاجماع (قوله وقال لي إسماعيل) هو ابن أبي أويس كذا للأكثر ووقع في رواية النسفي
وقال إسماعيل بدون حرف الجر والأول أولى وهو موصول فعند جماعة انه يستعمل هذه الصيغة
فيما تحمله عن شيوخه مذاكرة والذي ظهر لي بالاستقراء أنه انما يستعمل ذلك فيما يورده موصولا
من الموقوفات أو مما لا يكون من المرفوعات على شرطه وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من
طريق القعنبي عن مالك انه سأل ابن شهاب فذكر مثله وزاد وهو عليه واجب (قوله قال مالك)
هو موصول بالاسناد المذكور (قوله وصيام العبد شهران) يحتمل أن يكون ابن شهاب الذي
نقل مالك عنه ان ظهار العبد نحو ظهار الحر كان يعطى العبد في ذلك جميع أحكام الحر ويحتمل
أن يكون أراد بالتشبيه مطلق صحة الظهار من العبد كما يصح من الحر ولا يلزم أن يعطى جميع
382

أحكامه لكن نقل ابن بطال الاجماع على أن العبد إذا ظاهر لزمه وأن كفارته بالصيام شهران
كالحر نعم اختلفوا في الاطعام والعتق فقال الكوفيون والشافعي لا يجزئه الا الصيام فقط
وقال ابن القاسم عن مالك ان أطعم بإذن مولاه أجزأه وما ادعاه من الاجماع مردود فقد نقل
الشيخ الموفق في المغنى عن بعضهم انه لا يصح ظهار العبد لان الله تعالى قال فتحرير رقبة والعبد
لا يملك الرقاب وتعقبه بأن تحرير الرقبة انما هو على من يجدها فكان كالمعسر ففرضه الصيام
وأما ما ذكره من قدر صيامه فقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن إبراهيم لو صام
شهرا أجزأ عنه وعن الحسن يصوم شهرين وعن ابن جريج عن عطاء في رجل ظاهر من زوجة
أمة قال شطر الصوم (قوله وقال الحسن بن الحر
كذا للأكثر وفى رواية أبي ذر عن المستملى
الحسن بن حي وفى رواية وقال الحسن فقط فأما الحسن بن الحر فهو بضم المهملة وتشديد
الراء ابن الحكم النخعي الكوفي نزيل دمشق ثقة عندهم وليس له في البخاري ذكر الا في هذا
الموضع ان ثبت ذلك وأما الحسن بن حي فبفتح المهملة وتشديد التحتانية نسب لجد أبيه وهو
الحسن بن صالح بن صالح بن حي واسم حي حيان كوفي ثقة فقيه عابد من طبقة سفيان الثوري
وقد تقدم ذكر أبيه في أوائل هذا الكتاب وقد أخرج الطحاوي في كتاب اختلاف العلماء هذا
الأثر عن الحسن بن حي وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن إبراهيم النخعي قال الظهار من
الأمة كالظهار من الحرة وقد وقع لنا الكلام المذكور من قول الحسن البصري وذلك فيما
أخرجه ابن الاعرابى في معجمه من طريق همام سئل قتادة عن رجل ظاهر من سريته فقال
قال الحسن وابن المسيب وعطاء وسليمان بن يسار مثل ظهار الحرة وهو قول الفقهاء السبعة وبه
قال مالك وربيعة والثوري والليث واحتجوا بأنه فرج حلال فيحرم بالتحريم وأخرج سعيد بن
منصور بسند صحيح عن الحسن ان وطئها فهو ظهار وان لم يكن وطئها فلا ظهار عليه وهو قول
الأوزاعي (قوله وقال عكرمة ان ظاهر من أمته فليس بشئ انما الظهار من النساء) وصله
إسماعيل القاضي بسند لا بأس به وجاء أيضا عن مجاهد مثله أخرجه سعيد بن منصور من رواية
داود بن أبي هند سألت مجاهدا عن الظهار من الأمة فكأنه لم يره شيئا فقلت أليس الله يقول من
نسائهم أفليست من النساء فقال قال الله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم أوليس
العبيد من الرجال أفتجوز شهادة العبيد وقد جاء عن عكرمة خلافه قال عبد الرزاق أنبأنا ابن
جريج أخبرني الحكم بن أبان عن عكرمة مولى ابن عباس قال يكفر عن ظهار الأمة مثل كفارة
الحرة وبقول عكرمة الأول قال الكوفيون والشافعي والجمهور واحتجوا بقوله تعالى من
نسائهم وليست الأمة من النساء واحتجوا أيضا بقول ابن عباس ان الظهار كان طلاقا ثم أحل
بالكفارة فكما لاحظ للأمة في الطلاق لاحظ لها في الظهار ويحتمل أن يكون المنقول عن عكرمة في
الأمة المزوجة فلا يكون بين قوليه اختلاف (قوله وفى العربية لما قالوا أي فيما قالوا) أي يستعمل
في كلام العرب عاد لكذا بمعنى عاد فيه وأبطله (قوله وفى نقض ما قالوا) كذا للأكثر بنون وقاف
وفى رواية الأصيلي والكشميهني بعض بموحدة ثم مهملة والأول أصح والمعنى انه يأتي بفعل
ينقض قوله الأول وقد اختلف العلماء هل يشترط الفعل فلا يجوز له وطؤها الا بعد أن يكفر أو
يكفي العزم على وطئها أو العزم على امساكها وترك فراقها والأول قول الليث والثاني قول
383

الحنفية ومالك وحكى عنه أنه الوطء بعينه بشرط أن يقدم عليه الكفارة وحكى عنه العزم
على الامساك والوطء معا وعليه أكثر أصحابه والثالث قول الشافعي ومن تبعه وثم قول رابع
سنذكره هنا (قوله وهذا أولى لان الله تعالى لم يدل على المنكر وقول الزور) هذا كلام البخاري
ومراده الرد على من زعم أن شرط العود هنا أن يقع بالقول وهو إعادة لفظ الظهار فأشار إلى هذا
القول وجزم بأنه مرجوح وإن كان هو ظاهر الآية وهو قول أهل الظاهر وقد روى ذلك عن أبي
العالية وبكير بن الأشج من التابعين وبه قال الفراء النحوي ومعنى قوله ثم يعودون لما قالوا
أي إلى قول ما قالوا وقد بالغ ابن العربي في انكاره ونسب قائله إلى الجهل لان الله تعالى وصفه بأنه
منكر من القول وزور فكيف يقال إذا أعاد القول المحرم المنكر يجب عليه أن يكفر ثم تحل له المرأة
انتهى والى هذا أشار البخاري بقوله لان الله لم يدل على المنكر والزور وقال إسماعيل القاضي
لما وقع بعد قوله ثم يعودون فتحرير رقبة دل على أن المراد وقوع ضد ما وقع منه من المظاهرة
فان رجلا لو قال إذا أردت أن تمس فأعتق رقبة قبل أن تمس لكان كلاما صحيحا بخلاف ما لو
قال إذا لم ترد أن تمس فأعتق رقبة قبل أن تمس وقد جرى بحث بين أبى العباس بن سريج ومحمد بن
داود الظاهري فاحتج عليه ابن سريج بالاجماع فأنكره ابن داود وقال الذين خالفوا القرآن
لا أعد خلافهم خلافا وأنكر ابن العربي أن يصح عن بكير بن الأشج واختلف المعربون في معنى
اللام في قوله لما قالوا فقيل معناها ثم يعودون إلى الجماع فتحرير رقبة لما قالوا أي فعليهم تحرير
رقبة من أجل ما قالوا فادعوا أن اللام في قوله لما قالوا متعلق بالمحذوف وهو قوله عليهم قاله
الأخفش وقيل المعنى الذين كانوا يظاهرون في الجاهلية ثم يعودون لما قالوا أي إلى المظاهرة في
الاسلام وقيل اللام بمعنى عن أي يرجعون عن قولهم وهذا موافق قول من يوجب الكفارة
بمجرد وقوع كلمة الظهار وقال ابن بطال يشبه أن تكون ما بمعنى من أي اللواتي قالوا لهن أنتن
علينا كظهور أمهاتنا قال ويجوز أن يكون قالوا بتقدير المصدر أي يعودون للقول فسمى
المقول فيهن باسم المصدر وهو القول كما قالوا درهم ضرب الأمير وهو مضروب الأمير والله
أعلم بالصواب * (قوله باب الإشارة في الطلاق والأمور) أي الحكمية وغيرها
وذكر فيه عدة أحاديث معلقة وموصولة * أولها قوله وقال ابن عمر هو طرف من حديث تقدم
موصولا في الجنائز وفيه قصة لسعد بن عبادة وفيها ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه ثانيها وقال
كعب بن مالك هو أيضا طرف من حديث تقدم موصولا في الملازمة وفيها وأشار إلى أن خذ النصف
* ثالثها وقالت أسماء هي بنت أبي بكر (قوله صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف) الحديث
تقدم موصولا في كتاب الايمان بلفظ فأشارت إلى السماء وفيه فأشارت برأسها أي نعم وفى صلاة
الكسوف بمعناه وفى صلاة السهو باختصار * رابعها وقال أنس أومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى
أبى بكر أن يتقدم هو طرف من حديث ابن عباس خامسها وقال ابن عباس هو طرف من حديث
تقدم موصلا في العلم في باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس وفيه وأومأ بيده ولا حرج
* سادسها وقال أبو قتادة هو أيضا طرف من حديث تقدم موصولا في باب لا يشير المحرم إلى الصيد
من كتاب الحج وفيه أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها * الحديث السابع (قوله أبو عامر) هو
العقدي وإبراهيم شيخه جزم المزي بأنه ابن طهمان وزعم بعض الشراح أنه أبو إسحاق الفزاري
384

والأول أرجح وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي بكير عن إبراهيم بن طهمان عن
خالد وهو الحذاء وتقدم الحديث مشروحا في كتاب الحج وفيه كلما أتى على الركن أشار إليه
* الثامن (قوله وقالت زينب) هي بنت جحش أم المؤمنين (قوله مثل هذه وهذه وعقد تسعين)
تقدم في أحاديث الأنبياء وعلامات النبوة موصولا ويأتي في الفتن لكن بلفظ وحلق بإصبعه
الابهام والتي تليها وهى صورة عقد التسعين وسيأتى في الفتن من حديث أبي هريرة بلفظ
وعقد تسعين ووجه ادخاله في الترجمة أن العقد على صفة مخصوصة لإرادة عدد معلوم يتنزل منزلة
الإشارة المفهمة فإذا اكتفى بها عن النطق مع القدرة عليه دل على اعتبار الإشارة ممن لا يقدر
على النطق بطريق الأولى * التاسع (قوله سلمة بن علقمة) بفتح المهملة واللام شيخ ثقة وهو بصرى
وكذا سائر رواة هذا الاسناد وقد يلتبس بمسلمة بن علقمة شيخ بصرى أيضا لكن في أول اسمه
زيادة ميم والمهملة ساكنة وهو دون سلمة بن علقمة في الطبقة والثقة (قوله وقال بيده) أي أشار
بها وهو من اطلاق القول على الفعل (قوله ووضع أنملته على بطن الوسطى والخنصر قلنا
يزهدها) أي يقللها بين أبو مسلم الكجي في روايته عن مسدد شيخ البخاري أن الذي فعل ذلك هو
بشر بن المفضل راويه عن سلمة بن علقمة فعلى هذا ففي سياق البخاري ادراج وقد قيل إن المراد
بوضع الأنملة في وسط الكف الإشارة إلى أن ساعة الجمعة في وسط يوم الجمعة وبوضعها على الخنصر
الإشارة إلى أنها في آخر النهار لان الخنصر آخر أصابع الكف وقد تقدم بسط الأقاويل في تعيين
وقتها في كتاب الجمعة * الحديث العاشر (قوله وقال الأويسي) هو عبد العزيز بن عبد الله شيخ
البخاري أخرج عنه الكثير في العلم وفى غيره وقد أورده أبو نعيم في المستخرج من طريق
يعقوب بن سفيان عنه ويأتي في الديات من وجه آخر عن شعبة مع شرحه وقوله فيه أوضاحا
جمع وضح بفتح أوله والمعجمة ثم مهملة هو البياض والمراد هنا حلى من فضة وقوله وضح براء
مهملة ثم ضاد وخاء معجمتين أي كسر رأسها وهى في آخر رمق أي نفس وزنا ومعنى وقوله أصمت
بضم أوله أي وقع بها الصمت أي خرس في لسانها مع حضور ذهنها وفيه فأشارت أن لا وفيه
فأشارت أن نعم * الحديث الحادي عشر حديث ابن عمر في ذكر الفتن يأتي شرحه في الفتن وفيه
وأشار إلى المشرق * الحديث الثاني عشر حديث عبد الله بن أبي أوفى (قوله فاجدح لي
بجيم
385

ثم مهملة أي حرك السويق بعود ليذوب في الماء وقد تقدم شرحه في باب متى يحل فطر الصائم
من حديث عبد الله بن أبي أوفى من كتاب الصيام والمراد منه هنا قوله ثم أومأ بيده قبل المشرق
* الثالث عشر حديث أبي عثمان وهو النهدي عن ابن مسعود (قوله ليرجع) بفتح أوله وكسر
الجيم وقائمكم بالنصب على المفعولية وقوله وليس أن يقول هو من اطلاق القول على الفعل
وقوله كأنه يعنى الصبح أو الفجر شك من الراوي وتقدم في باب الاذان قبل الفجر من كتاب
الصلاة بلفظ يقول الفجر بغير شك (قوله وأظهر يزيد) هو ابن زريع راوية (قوله ثم مد
إحداهما من الأخرى) تقدم في الاذان على كيفية أخرى ووقع عند مسلم بلفظ ليس الفجر
المعترض ولكن المستطيل وبه يظهر المراد من الإشارة المذكورة * الحديث الرابع عشر
(قوله وقال الليث) تقدم التنبيه على اسناده في أوائل الزكاة مع شرحه وقوله هنا جبتان بجيم
ثم موحدة وقوله الا مادت بتشديد الدال من المد وأصله ماددت فأدغمت وذكره ابن بطال بلفظ
مارت براء خفيفة بدل الدال ونقل عن الخليل مار الشئ تمور مورا إذا تردد وقوله من لدن
ثدييهما كذا لأبي ذر بالتثنية ولغيره ثديهما بصيغة الجمع قال ابن التين وهو الصواب فان لكل
رجل ثديين فيكون لهما أربعة كذا قال وليست الرواية بالتثنية خطأ بل هي موجهة والتقدير
ثديي كل منهما وقوله تجن بفتح أوله وضم الجيم قيده ابن التين قال ويجوز بضم أوله وكسر الجيم
من الرباعي (قلت) وهو الثابت في معظم الروايات وموضع الترجمة منه قوله فيه ويشير بإصبعه
إلى حلقه قال ابن بطال ذهب الجمهور إلى أن الإشارة إذا كانت مفهمة تتنزل منزلة النطق
وخالفه الحنفية في بعض ذلك ولعل البخاري رد عليهم بهذه الأحاديث التي جعل فيها النبي صلى
الله عليه وسلم الإشارة قائمة مقام النطق وإذا جازت الإشارة في أحكام مختلفة في الديانة فهي
لمن لا يمكنه النطق أجوز وقال ابن المنير أراد البخاري أن الإشارة بالطلاق وغيره من الأخرس
وغيره التي يفهم منها الأصل والعدد نافذ كاللفظ اه‍ ويظهر لي أن البخاري أورد هذه الترجمة
وأحاديثها توطئة لما يذكره من البحث في الباب الذي يليه مع من فرق بين لعان الأخرس وطلاقه
والله أعلم وقد اختلف العلماء في الإشارة المفهمة فأما في حقوق الله فقالوا يكفي ولو من القادر
على النطق وأما في حقوق الآدميين كالعقود الاقرار والوصية ونحو ذلك فاختلف العلماء فيمن
اعتقل لسانه ثالثها عن أبي حنيفة إن كان مأيوسا من نطقه وعن بعض الحنابلة ان اتصل بالموت
ورجحه الطحاوي وعن الأوزاعي ان سبقه كلام ونقل عن مكحول ان قال فلان حر ثم أصمت فقيل
له وفلان فأومأ صح وأما القادر على النطق فلا تقوم إشارته مقام نطقه عند الأكثرين واختلف
هل يقوم مقام النية كما لو طلق امرأته فقيل له كم طلقة فأشار بإصبعه * (قوله باب
اللعان) هو مأخوذ من اللعن لان الملاعن يقول لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين
واختير لفظ اللعن دون الغضب في التسمية لأنه قول الرجل وهو الذي بدئ به في الآية وهو أيضا
يبدأ به وله أن يرجع عنه فيسقط عن المرأة بغير عكس وقيل سمى لعانا لان اللعن الطرد والابعاد
وهو مشترك بينهما وانما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها لان الرجل إذا
كان كاذبا لم يصل ذنبه إلى أكثر من القذف وإن كانت هي كاذبة فذنبها أعظم لما فيه من تلويث
الفراش والتعرض لالحاق من ليس من الزوج به فتنتشر المحرمية وتثبت الولاية أو الميراث لمن
386

لا يستحقهما واللعان والالتعان والملاعنة بمعنى ويقال تلاعنا والتعنا ولاعن الحاكم بينهما
والرجل ملاعن والمرأة ملاعنة لوقوعه غالبا من الجانبين وأجمعوا على مشروعية اللعان وعلى
أنه لا يجوز مع عدم التحقق واختلف في وجوبه على الزوج لكن لو تحقق أن الولد ليس منه قوى
الوجوب (قوله وقول الله تعالى والذين يرمون أزواجهم إلى قوله إن كان من الصادقين) كذا
للأكثر وساق في رواية كريمة الآيات كلها وكأن البخاري تمسك بعموم قوله تعالى يرمون لأنه
أعم من أن يكون باللفظ أو بالإشارة المفهمة وقد تمسك غيره للجمهور بها في أنه لا يشترط في
الالتعان أن يقول الرجل رأيتها تزني ولا أن ينفى حملها إن كانت حاملا أو ولدها إن كانت
وضعت خلافا لمالك بل يكتفى أن يقول إنها زانية أو زنت ويؤيده أن الله شرع حد القذف على
الأجنبي برمى المحصنة ثم شرع اللعان برمى الزوجة فلو أن أجنبيا قال يا زانية وجب عليه حد
القذف فكذلك حكم اللعان وأوردوا على المالكية الاتفاق على مشروعية اللعان للأعمى
فانفصل عنه ابن القصار بأن شرطه أن يقول لمست فرجه في فرجها والله أعلم (قوله فإذا قذف
الأخرس امرأته بكتابة) بمثناة ثم موحدة وعند الكشميهني بكتاب بلا هاء (قوله أو إشارة أو ايماء
معروف فهو كالمتكلم لان النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز الإشارة في الفرائض) أي في الأمور
المفروضة (قوله وهو قول بعض أهل الحجاز وأهل العلم) أي من غيرهم وخالف الحنفية
والأوزاعي واسحق وهى رواية عن أحمد اختارها بعض المتأخرين (قوله وقال الله تعالى
فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا) أخرج ابن أبي حاتم من طريق ميمون بن
مهران قال لما قالوا لمريم لقد جئت شيئا فريا إلى آخره أشارت إلى عيسى أن كلموه فقالوا تأمرنا
أن نكلم من هو في المهد زيادة على ما جاءت به من الداهية ووجه الاستدلال به أن مريم كانت
نذرت أن لا تتكلم فكانت في حكم الأخرس فأشارت إشارة مفهمة اكتفوا بها عن معاودة
سؤالها وان كانوا أنكروا عليها ما أشارت به وقد ثبت من حديث أبي بن كعب وأنس بن مالك أن
معنى قوله تعالى انى نذرت للرحمن صوما أي صمتا أخرجه الطبراني وغيره (قوله وقال الضحاك)
أي ابن مزاحم (الا رمزا إشارة) وصله عبد بن حميد وأبو حذيفة في تفسير سفيان الثوري
ولفظهما عنه في قوله تعالى آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام الا رمزا فاستثنى الرمز من الكلام
فدل على أن له حكمه وأغرب الكرماني فقال الضحاك هو ابن شراحيل الهمداني فلم يصب فان
المشهور بالتفسير هو ابن مزاحم وقد وجد الأثر المذكور عنه مصرحا أنه ابن مزاحم واما ابن
شراحيل ويقال ابن شرحبيل فهو من التابعين لكن لمن ينقلوا عنه شيئا من التفسير بل له عند
البخاري حديثان فقط أحدهما في فضائل القرآن والآخر في استتابة المرتدين وكلاهما من
روايته عن أبي سعيد الخدري قال الرمز الإشارة (قوله وقال بعض الناس لا حد ولا لعان) أي
بالإشارة من الأخرس وغيره (ثم زعم أن طلق بكتابة أو إشارة أو ايماء جاز) كذا لأبي ذر ولغيره ان
الطلاق بكتابة الخ (قوله وليس بين الطلاق والقذف فرق فان قال القذف لا يكون الا بكلام قيل
له كذلك الطلاق لا يكون الا بكلام) أي وأنت وافقت على وقوعه بغير الكلام فيلزمك مثله في
اللعان والحد (قوله والا بطل الطلاق والقذف وكذلك العتق) يعنى اما أن يقال باعتبار الإشارة
فيها كلها أو بترك اعتبارها فتبطل كلها بالإشارة والا فالتفرقة بينهما بغير دليل تحكم وقد
387

وافقه بعض الحنفية على هذا البحث وقال القياس بطلان الجميع لكن عملنا به في غير اللعان
والحد استحسانا ومنهم من قال منعناه في اللعان والحد للشبهة لأنه يتعلق بالصريح كالقذف فلا
يكتفى فيه بالإشارة لأنها غير صريحة وهذه عمدة من وافق الحنفية من الحنابلة وغيرهم ورده
ابن التين بأن المسئلة مفروضة فيما إذا كانت الإشارة مفهمة افهاما واضحا لا يبقى معه ريبة
ومن حجتهم أيضا أن القذف يتعلق بصريح الزنا دون معناه بدليل أن من قال لآخر وطئت
وطأ حراما لم يكن قذفا لاحتمال أن يكون وطئ وطء شبهة فاعتقد القائل أنه حرام والإشارة
لا يتضح بها التفصيل بين المعنيين ولذلك لا يجب الحد في التعريض وأجاب ابن القصار بالنقض
عليهم بنفوذ القذف بغير اللسان العربي وهو ضعيف ونقض غيره بالقتل فإنه ينقسم إلى عمد
وشبه عمد وخطا ويتميز بالإشارة وهو قوى واحتجوا أيضا بأن اللعان شهادة وشهادة الأخرس
مردودة بالاجماع وتعقب بأن مالكا ذكر قبولها فلا اجماع وبأن اللعان عند الأكثر يمين كما
سيأتي البحث فيه (قوله وكذلك الأصم يلاعن) أي إذا أشير إليه حتى فهم قال المهلب في أمره
اشكال لكن قد يرتفع بترداد الإشارة إلى أن تفهم معرفة ذلك عنه (قلت) والاطلاع على معرفته
بذلك سهل لأنه يعرف من نطقه (قوله وقال الشعبي وقتادة إذا قال أنت طالق فأشار بأصابعه
تبين منه بإشارته) وصله ابن أبي شيبة بلفظ سئل الشعبي فقال سئل رجل مرة أطلقت امرأتك
قال فأومأ بيده بأربع أصابع ولم يتكلم ففارق امرأته قال ابن التين معناه أنه عبر عما نواه
من العدد بالإشارة فاعتدوا عليه بذلك (قوله وقال إبراهيم الأخرس إذا كتب الطلاق بيده لزمه)
وصله ابن أبي شيبة بلفظه وأخرجه الأثرم عن ابن أبي شيبة كذلك وأخرجه عبد الرزاق بلفظ
الرجل يكتب الطلاق ولا يلفظ به أنه كان يراه لازما ونقل ابن التين عن مالك أن الأخرس إذا
كتب الطلاق أو نواه لزمه وقال الشافعي لا يكون طلاقا يعنى أن كلا منهما على انفراده لا يكون
طلاقا أما لو جمعهما فان الشافعي يقول بالوقوع سواء كان ناطقا أم أخرس (قوله وقال حماد
الأخرس والأصم ان قال برأسه جاز) هو حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة فكأن البخاري
أراد الزام الكوفيين بقول شيخهم ولا يخفى أن محل الجواز حيث يسبق ما ينطبق عليه من
الايماء بالرأس الجواب ثم ذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث تتعلق بالإشارة أيضا * الحديث
الأول منها حديث أنس في فضل دور الأنصار وقد تقدم شرحه في المناقب فإنه أورده هناك من
وجه آخر عن أنس عن أبي أسيد الساعدي وأورده هنا عن أنس بغير واسطة والطريقان
صحيحان وفى زيادة أنس هذه الإشارة وليست في روايته عن أبي أسيد وفى رواية عن أبي أسيد
من الزيادة قصة لسعد بن عبادة كما تقدم والمقصود من الحديث هنا قوله ثم قال بيده فقبض
أصابعه ثم بسطهن كالرامي بيده ففيه استعمال الإشارة المفهمة مقرونة بالنطق وقوله كالرامي
بيده أي كالذي يكون بيده الشئ قد ضم أصابعه عليه ثم رماه فانتشرت * الثاني حديث سهل
(قوله قال أبو حازم) كذا وقع عنده وأخرجه الإسماعيلي من وجهين عن سفيان بلفظ عن أبي
حازم وصرح الحميدي عن سفيان بالتحديث فقال في روايته حدثنا أبو حازم أنه سمع سهلا
أخرجه أبو نعيم (قوله كهذه من هذه أو كهاتين) شك من الراوي واقتصر الحميدي على قوله
كهذه من هذه (قوله 2 وفرق وأشار سفيان بالسبابة) سيأتي شرحه مستوفى في كتاب الرقاق
388

إن شاء الله تعالى قال الكرماني قد انقضى من يوم بعثته إلى يومنا هذا يعنى سنة سبع وستين
وسبعمائة سبعمائة وثمانون سنة فكيف تكون المقاربة وأجاب الخطابي أن المراد أن
الذي بقى بالنسبة إلى ما مضى قدر فضل الوسطى إلى السبابة (قلت) وسيأتى البحث في ذلك
حيث أشرت إليه * الثالث حديث ابن عمر الشهر هكذا وهكذا وهكذا تقدم شرحه مستوفى في
كتاب الصيام * والرابع حديث أبي مسعود وهو عقبة بن عمرو ووقع في رواية القابسي
والكشميهني ابن مسعود قال عياض وهو وهم وهو كما قال فقد تقدم كذلك في بدء الخلق والمناقب
والمغازي من طرق عن إسماعيل وهو ابن أبي خالد عن قيس وهو ابن أبي حازم وصرح في بدء الخلق
باسمه ولفظه حدثني قيس عن عقبة بن عمرو أبى مسعود وقد تقدم شرحه في ذكر الجن في بدء الخلق
وبقية شرحه في أول المناقب * الخامس حديث سهل في فضل كافل اليتيم وسيأتى شرحه في كتاب
الأدب إن شاء الله تعالى وقوله فيه بالسبابة في رواية الكشميهني بالسباحة وهما بمعنى * (قوله باب إذا عرض بنفي الولد) بتشديد الراء من التعريض وهو ذكر شئ يفهم منه
شئ آخر لم يذكر ويفارق الكناية بأنها ذكر شئ بغير لفظه الموضوع يقوم مقامه وترجم البخاري
لهذا الحديث في الحدود ما جاء في التعريض وكأنه أخذه من قوله في بعض طرقه يعرض بنفيه
وقد اعترضه ابن المنير فقال ذكر ترجمة التعريض عقب ترجمة الإشارة لاشتراكهما في افهام
المقصود لكن كلامه يشعر بالغاء حكم التعريض فيتناقض مذهبه في الإشارة والجواب أن
الإشارة المعتبرة هي التي لا يفهم منها الا المعنى المقصود بخلاف التعريض فان الاحتمال فيه اما
راجح واما مساو فافترقا قال الشافعي في الام ظاهر قول الاعرابى أنه اتهم امرأته لكن لما كان
لقوله وجه غير القذف لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم فيه بحكم القذف فدل ذلك على أنه
لا حد في التعريض ومما يدل على أن التعريض لا يعطى حكم التصريح الاذن بخطبة المعتدة
بالتعريض لا بالتصريح فلا يجوز والله أعلم (قوله عن ابن شهاب) قال الدارقطني أخرجه
أبو مصعب في الموطأ عن مالك وتابعه جماعة من الرواة خارج الموطأ ثم ساقه من رواية محمد بن
الحسن عن مالك أنا الزهري ومن طريق عبد الله بن محمد بن أسماء عن مالك ومن طريق ابن وهب
أخبرني ابن أبي ذئب ومالك كلاهما عن ابن شهاب وطريق ابن وهب هذه أخرجها أبو داود (قوله
2 ان سعيد بن المسيب أخبره) كذا لأكثر أصحاب الزهري وخالفهم يونس فقال عنه وعن أبي سلمة
عن أبي هريرة وسيأتى في كتاب الاعتصام من طريق ابن وهب عنه وهو مصير من البخاري إلى
أنه عند الزهري عن سعيد وأبى سلمة معا وقد وافقه مسلم على ذلك ويؤيده رواية يحيى بن الضحاك
عن الأوزاعي عن الزهري عنهما جميعا وقد أطلق الدارقطني أن المحفوظ رواية مالك ومن تابعه
وهو محمول على العمل بالترجيح وأما طريق الجمع فهو ما صنعه البخاري ويتأيد أيضا بأن عقيلا
رواه عن الزهري قال بلغنا عن أبي هريرة فان ذلك يشعر بأنه عنده عن غير واحد والا لو كان
عن واحد فقط كسعيد مثلا لاقتصر عليه (قوله أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم) في
رواية أبى مصعب جاء أعرابي وكذا سيأتي في الحدود عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك وللنسائي
جاء رجل من أهل البادية وكذا في رواية أشهب عن مالك عند الدارقطني وفى رواية ابن وهب التي
عند أبي داود أن أعرابيا من بنى فزارة وكذا عند مسلم وأصحاب السنن من رواية سفيان بن عيينة
389

عن ابن شهاب واسم هذا الاعرابى ضمضم بن قتادة أخرج حديثه عبد الغنى بن سعيد في المبهمات
له من طريق قطبة بنت عمرو بن هرم أن مدلوكا حدثها أن ضمضم بن قتادة ولد له مولود أسود من
امرأة من بنى عجل فشكى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل لك من ابل (قوله أتى النبي صلى
الله عليه وسلم) في رواية ابن أبي ذئب صرخ بالنبي صلى الله عليه وسلم (قوله فقال يا رسول الله 2 ان
امرأتي ولدت غلاما أسود) لم أقف على اسم المرأة ولا على اسم الغلام وزاد في رواية يونس وانى
أنكرته أي استنكرته بقلبي ولم يرد أنه أنكر كونه ابنه بلسانه والا لكان تصريحا بالنفي
لا تعريضا ووجه التعريض أنه قال غلاما أسود أي وأنا أبيض فكيف يكون منى ووقع في رواية
معمر عن الزهري عند مسلم وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه ويؤخذ منه أن التعريض بالقذف
ليس قذفا وبه قال الجمهور واستدل الشافعي بهذا الحديث لذلك وعن المالكية يجب به الحد
إذا كان مفهوما وأجابوا عن الحديث بما سيأتي بيانه في آخر شرحه وقال ابن دقيق العيد في
الاستدلال بالحديث نظر لان المستفتى لا يجب عليه حد ولا تعزير (قلت) وفى هذا الاطلاق نظر
لأنه قد يستفتى بلفظ لا يقتضى القذف وبلفظ يقتضيه فمن الأول أن يقول مثلا إذا كان زوج
المرأة أبيض فأتت بولد أسود ما الحكم ومن الثاني أن يقول مثلا ان امرأتي أتت بولد أسود وأنا
أبيض فيكون تعريضا أو يزيد فيه مثلا زنت فيكون تصريحا والذي ورد في حديث الباب هو
الثاني فيتم الاستدلال وقد نبه الخطابي على عكس هذا فقال لا يلزم الزوج إذا صرح بان الولد الذي
وضعته امرأته ليس منه حد قذف لجواز أن يريد أنها وطئت بشبهة أو وضعته من الزوج الذي
قبله إذا كان ذلك ممكنا (قوله قال فما ألوانها قال حمر) في رواية محمد بن مصعب عن مالك عند
الدارقطني قال رمك والأرمك الأبيض إلى حمرة وقد تقدم تفسيره في شرح حديث جمل جابر
في الشروط (قوله فهل فيها من أورق) بوزن أحمر (قوله إن فيها لورقا) 2 بضم الواو بوزن حمر
والأورق الذي فيه سواد ليس بحالك بل يميل إلى الغبرة ومنه قيل للحمامة ورقاء (قوله فانى ذلك)
بفتح النون الثقيلة أي من أين أتاها اللون الذي خالفها هل هو بسبب فحل من غير لونها طرأ عليها
أو لأمر آخر (قوله لعل نزعه عرق) في رواية كريمة لعله ولا اشكال فيها بخلاف الأول فجزم
جمع بأن الصواب النصب أي لعل عرقا نزعه وقال الصغاني ويحتمل أن يكون في الأصل لعله
فسقطت الهاء ووجهه ابن مالك باحتمال انه حذف منه ضمير الشأن ويؤيد توجيهه ما وقع في
رواية كريمة والمعنى يحتمل أن يكون في أصولها ما هو باللون المذكور فاجتذبه إليه فجاء على
لونه وادعى الداودي أن لعل هنا للتحقيق (قوله ولعل ابنك هذا نزعه) كذا في رواية أبي ذر بحذف
الفاعل ولغيره نزعة عرق وكذا في سائر الروايات والمراد بالعرق الأصل من النسب شبهة بعرق
الشجرة ومنه قولهم فلان عريق في الأصالة أي ان أصله متناسب وكذا معرق في الكرم أو اللؤم
وأصل النزع الجذب وقد يطلق على الميل ومنه ما وقع في قصة عبد الله بن سلام حين سئل عن شبه
الولد بأبيه أو بأمه نزع إلى أبيه أو إلى أمه وفى الحديث ضرب المثل وتشبيه المجهول بالمعلوم
تقريبا لفهم السائل واستدل به لصحة العمل بالقياس قال الخطابي هو أصل في قياس الشبه وقال
ابن العربي فيه دليل على صحة القياس والاعتبار بالنظير وتوقف فيه ابن دقيق العيد فقال هو
تشبيه في أمر وجودي والنزاع انما هو في التشبيه في الأحكام الشرعية من طريق واحدة قوية
390

وفيه أن الزوج لا يجوز له الانتفاء من ولده بمجرد الظن وأن الولد يلحق به ولو خالف لونه لون أمه وقال
القرطبي تبعا لابن رشد لا خلاف في أنه لا يحل نفى الولد باختلاف الألوان المتقاربة كالأدمة
والسمرة ولا في البياض والسواد إذا كان قد أقر بالوطء ولم تمض مدة الاستبراء وكأنه أراد في
مذهبه والا فالخلاف ثابت عند الشافعية بتفصيل فقالوا ان لم ينضم إليه قرينة زنا لم يجز النفي
فان اتهمها فأتت بولد على لون الرجل الذي اتهمها به جاز النفي على الصحيح وفى حديث ابن
عباس الآتي في اللعان ما يقويه وعند الحنابلة يجوز النفي مع القرينة مطلقا والخلاف انما هو
عند عدمها وهو عكس تريب الخلاف عند الشافعية وفيه تقديم حكم الفراش على ما يشعر به
مخالفة الشبه وفيه الاحتياط للأنساب وابقائها مع الامكان والزجر عن تحقيق ظن السوء وقال
القرطبي يؤخذ منه منع التسلسل وان الحوادث لا بد لها أن تستند إلى أول ليس بحادث وفيه
أن التعريض بالقذف لا يثبت حكم القذف حتى يقع التصريح خلافا للمالكية وأجاب بعض
المالكية ان التعريض الذي يجب به القذف عندهم هو ما يفهم منه القذف كما يفهم من
التصريح وهذا الحديث لا حجة فيه لدفع ذلك فان الرجل لم يرد قذفا بل جاء سائلا مستفتيا عن
الحكم لما وقع له من الريبة فلما ضرب له المثل أذعن وقال المهلب التعريض إذا كان على سبيل
السؤال لا حد فيه وانما يجب الحد في التعريض إذا كان على سبل المواجهة والمشاتمة وقال
ابن المنير الفرق بين الزوج والأجنبي في التعريض أن الأجنبي يقصد الأذية المحضة والزوج
قد يعذر بالنسبة إلى صيانة النسب والله أعلم * (قوله باب احلاف الملاعن) ذكر
فيه حديث ابن عمر من رواية جويرية بن أسماء عن نافع مختصرا بلفظ فأحلفهما وكذا سيأتي
بعد ستة أبواب من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع وتقدم في تفسير النور من وجه آخر عن
عبيد الله بن عمر بلفظ لاعن بين رجل وامرأة والمراد بالاحلاف هنا النطق بكلمات اللعان وقد
تمسك به من قال إن اللعان يمين وهو قول مالك والشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة اللعان شهادة
وهو وجه للشافعية وقيل شهادة فيها شائبة اليمين وقيل بالعكس ومن ثم قال بعض العلماء ليس
بيمين ولا شهادة وانبنى على الخلاف أن اللعان يشرع بين كل زوجين مسلمين أو كافرين حرين
أو عبدين عدلين أو فاسقين بناء على أنه يمين فمن صح يمينه صح لعانه وقيل لا يصح اللعان الا من
زوجين حرين مسلمين لان اللعان شهادة ولا يصح من محدود في قذف وهذا الحديث حجة للأولين
لتسوية الراوي بين لاعن وحلف ويؤيده أن اليمين ما دل على حث أو منع أو تحقيق خبر وهو
هنا كذلك ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق حديث ابن عباس فقال له احلف بالله
الذي لا اله الا هو انى لصادق يقول ذلك أربع مرات أخرجه الحاكم والبيهقي من رواية جرير بن
حازم عن أيوب عن عكرمة عنه وسيأتى قريبا لولا الايمان لكان لي ولها شأن واعتل بعض الحنفية
بأنها لو كانت يمينا لما تكررت وأجيب بأنها خرجت عن القياس تغليظا لحرمة الفروج كما خرجت
القسامة لحرمة الأنفس وبأنها لو كانت شهادة لم تكرر أيضا والذي تحرر لي أنها من حيث الجزم
بنفي الكذب واثبات الصدق يمين لكن أطلق عليها شهادة لاشتراط أن لا يكتفى في ذلك بالظن بل
لا بد من وجود علم كل منهما بالامرين علما يصح معه أن يشهد به ويؤيد كونها يمينا أن الشخص
لو قال أشهد بالله لقد كان كذا لعد حالفا وقد قال القفال في محاسن الشريعة كررت أيمان
391

اللعان لأنها أقيمت مقام أربع شهود في غيره ليقام عليها الحد ومن ثم سميت شهادات * (قوله
باب يبدأ الرجل بالتلاعن) ذكر فيه حديث ابن عباس في قصة هلال بن أمية مختصرا
وكأنه أخذ الترجمة من قوله ثم قامت فشهدت فإنه ظاهر في أن الرجل يقدم قبل المرأة في الملاعنة
وقد ورد ذلك صريحا من حديث ابن عمر كما سأذكره في باب صداق الملاعنة وبه قال الشافعي ومن
تبعه وأشهب من المالكية ورجحه ابن العربي وقال ابن القاسم لو ابتدأت به المرأة صح واعتد به
وهو قول أبي حنيفة واحتجوا بأن الله عطفه بالواو وهى لا تقتضى الترتيب واحتج للأولين بأن
اللعان شرع لدفع الحد عن الرجل ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لهلال البينة والا حد في
ظهرك فلو بدئ بالمرأة لكان دفعا لأمر لم يثبت وبأن الرجل يمكنه أن يرجع بعد أن يلتعن كما تقدم
فيندفع عن المرأة بخلاف ما لو بدأت به المرأة (قوله 2 عن عكرمة عن ابن عباس) كذا وصله هشام
ابن حسان عن عكرمة وتابعه عباد بن منصور عن عكرمة أخرجه أبو داود في السنن وساقه أبو
داود الطيالسي في مسنده مطولا واختلف على أيوب فرواه جرير بن حازم عنه موصولا أخرجه
الحاكم والبيهقي في الخلافيات وغيرها وكذا أخرجه النسائي وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن
مردويه من رواية حماد بن زيد عن أيوب موصولا وأخرجه الطبري من طريق حماد مرسلا قال
الترمذي سألت محمدا عن هذا الاختلاف فقال حديث عكرمة عن ابن عباس في هذا محفوظ
(قوله أن هلال بن أمية قذف امرأته فجاء فشهد) كذا أورده هنا مختصرا وتقدم في تفسير النور
مطولا وفيه شرح قوله البينة أو حد في ظهرك وفيه قول هلال لينزلن الله ما يبرئ ظهري من الجلد
فنزلت ووقع فيه أنه اتهمهما بشريك بن سحماء ووقع في رواية مسلم من حديث أنس أن شريك
ابن سحماء كان أخا للبراء بن مالك لامه وهو مشكل فان أم البراء هي أم أنس بن مالك وهى أم سليم
ولم تكن سحماء ولا تسمى سحماء فلعل شريكا كان أخاه من الرضاعة وقد وقع عند البيهقي في
الخلافيات من مرسل محمد بن سيرين أن شريكا كان يأوى إلى منزل هلال وفى تفسير مقاتل أن
والدة شريك التي يقال لها سحماء كانت حبشية وقيل كانت يمانية وعند الحاكم من مرسل ابن
سيرين كانت أمة سوداء واسم والد شريك عبدة بن مغيث بن الجد بن العجلان وحكى عبد الغنى
ابن سعيد وأبو نعيم في الصحابة أن لفظ شريك صفة لا اسم وأنه كان شريكا لرجل يهودي يقال له
ابن سحماء وحكى البيهقي في المعرفة عن الشافعي أن شريك بن سحماء كان يهوديا وأشار عياض
إلى بطلان هذا القول وجزم بذلك النووي تبعا له وقال كان صحابيا وكذا عده جمع في الصحابة
فيجوز أن يكون أسلم بعد ذلك ويعكر على هذا قول ابن الكلبي انه شهد أحدا وكذا قول غيره
أن أباه شهد بدرا وأحدا فالله أعلم (قوله في هذه الرواية فجاء فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم
يقول الله يعلم أن أحدكما كاذب) ظاهره ان هذا الكلام صدر منه صلى الله عليه وسلم في حال
ملاعنتهما بخلاف من زعم أنه قاله بعد فراغهما وزاد في تفسير النور من هذا الوجه بعد قوله
فشهدت فلما كان عند الخامسة وقفوها وقالوا انها موجبة ووقع عند النسائي في هذه القصة
فأمر رجلا أن يضع يده عند الخامسة على فيه ثم على فيها وقال إنها موجبة قال ابن عباس
فتلكأت ونكصت حتى قلنا إنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت وفيه أيضا
قوله صلى الله عليه وسلم أبصروها فان جاءت إلى آخره وسأذكر شرحه في باب التلاعن
392

في المسجد * (قوله باب اللعان) تقدم معنى اللعان قبل وهو ينقسم إلى واجب
ومكروه وحرام فالأول أن يراها تزني أو أقرت بالزنا فصدقها وذلك في طهر لم يجامعها فيه ثم
اعتزلها مدة العدة فأتت بولد لزمه قذفها لنفى الولد لئلا يلحقه فيترتب عليه المفاسد الثاني أن يرى
أجنبيا يدخل عليها بحيث يغلب على ظنه أنه زنى بها فيجوز له أن يلاعن لكن لو ترك لكان أولى
للستر لأنه يمكنه فراقها بالطلاق الثالث ما عدا ذلك لكن لو استفاض فوجهان لأصحاب
الشافعي وأحمد فمن أجاز تمسك بحديث انظروا فان جاءت به فجعل الشبه دالا على نفيه منه ولا
حجة فيه لأنه سبق اللعان في الصورة المذكورة كما سيأتي ومن منع تمسك بحديث الذي أنكر شبه
ولده به (قوله ومن طلق) أي بعد أن لاعن في هذه الترجمة إشارة إلى الخلاف هل تقع الفرقة في
اللعان بنفس اللعان أو بايقاع الحاكم بعد الفراغ أو بايقاع الزوج فذهب مالك والشافعي ومن
تبعهما إلى أن الفرقة تقع بنفس اللعان قال مالك وغالب أصحابه بعد فراغ المرأة وقال الشافعي
وأتباعه وسحنون من المالكية بعد فراغ الزوج واعتل بأن التعان المرأة انما شرع لدفع الحد
عنها بخلاف الرجل فإنه يزيد على ذلك فيه حقه نفى النسب ولحاق الولد وزوال الفراش وتظهر
فائدة الخلاف في التوارث لو مات أحدهما عقب فراغ الرجل وفيما إذا علق طلاق امرأة بفراق
أخرى ثم لاعن الأخرى وقال الثوري وأبو حنيفة وأتباعهما لا تقع الفرقة حتى يوقعها عليهما
الحاكم واحتجوا بظاهر ما ورقع في أحاديث اللعان كما سيأتي بيانه وعن أحمد روايتان وسيأتى
مزيد بحث في ذلك بعد خمسة أبواب وذهب عثمان البتي أنه لا تقع الفرقة حتى يوقعها الزوج
واعتل بأن الفرقة لم تذكر في القرآن ولان ظاهر الأحاديث أن الزوج هو الذي طلق ابتداء
ويقال ان عثمان تفرد بذلك لكن نقل الطبري عن أبي الشعثاء جابر بن زيد البصري أحد أصحاب
ابن عباس من فقهاء التابعين نحوه ومقابله قول أبى عبيد أن الفرقة بين الزوجين تقع بنفس
القذف ولو لم يقع اللعان وكأنه مفرع على وجوب اللعان على من تحقق ذلك من المرأة فإذا أخل
به عوقب بالفرقة تغليظا عليه (قوله عن ابن شهاب) في رواية الشافعي عن مالك حدثني ابن
شهاب (قوله أن عويمرا العجلاني) في رواية القعنبي عن مالك عويمر بن أشقر وكذا أخرجه
أبو داود وأبو عوانة من طريق عياض بن عبد الله الفهري عن الزهري ووقع في الاستيعاب
عويمر بن أبيض وعند الخطيب في المبهمات عويمر بن الحرث وهذا هو المعتمد فان الطبري نسبه
في تهذيب الآثار فقال هو عويمر بن الحرث بن زيد بن الجد بن عجلان فلعل أباه كان يلقب أشقر
أو أبيض وفى الصحابة ابن أشقر آخر وهو مازني أخرج له ابن ماجة واتفقت الروايات عن ابن
شهاب على أنه في مسند سهل الا ما أخرجه النسائي من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة وإبراهيم بن
سعد كلاهما عن الزهري فقال فيه عن سهل عن عاصم بن عدي قال كان عويمر رجلا من بنى
العجلان فقال أي عاصم فذكر الحديث والمحفوظ الأول وسيأتى عن سهل أنه حضر القصة
فسيأتي في الحدود من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري قال قال سهل بن سعد شهدت
المتلاعنين وأنا ابن خمس عشرة سنة ووقع في نسخة أبى اليمان عن شعيب عن الزهري عن
سهل بن سعد قال توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة فهذا يدل على أن
قصة اللعان كانت في السنة الأخيرة من زمان النبي صلى الله عليه وسلم لكن جزم الطبري وأبو
393

حاتم وابن حبان بأن اللعان كان في شعبان سنة تسع وجزم به غير واحد من المتأخرين ووقع في
حديث عبد الله بن جعفر عند الدارقطني أن قصة اللعان كانت بمنصرف النبي صلى الله عليه
وسلم من تبوك وهو قريب من قول الطبري ومن وافقه لكن في اسناده الواقدي فلا بد من
تأويل أحد القولين فان أمكن والا فطريق شعيب أصح ومما يوهن رواية الواقدي ما اتفق
عليه أهل السير أن التوجه إلى تبوك كان في رجب وما ثبت في الصحيحين أن هلال بن أمية أحد
الثلاثة الذين تيب عليهم وفى قصته أن امرأته استأذنت له النبي صلى الله عليه وسلم أن تخدمه
فأذن لها بشرط أن لا يقربها فقالت إنه لا حراك به وفيه أن ذلك كان بعد أن مضى لهم أربعون يوما
فكيف تقع قصة اللعان في الشهر الذي انصرفوا فيه من تبوك ويقع لهلال مع كونه فيما ذكر من
الشغل بنفسه وهجران الناس له وغير ذلك وقد ثبت في حديث ابن عباس أن آية اللعان نزلت في
حقه وكذا عند مسلم من حديث أنس أنه أول من لاعن في الاسلام ووقع في رواية عباد بن
منصور في حديث ابن عباس عند أبي داود وأحمد حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين
تيب عليهم فوجد عند أهله رجلا الحديث فهذا يدل على أن قصة اللعان تأخرت عن قصة تبوك
والذي يظهر أن القصة كانت متأخرة ولعلها كانت في شعبان سنة عشر لا تسع وكانت الوفاة
النبوية في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة باتفاق فيلتئم حينئذ مع حديث سهل بن سعد
ووقع عند مسلم من حديث ابن مسعود كنا ليلة جمعة في المسجد إذا جاء رجل من الأنصار فذكر
القصة في اللعان باختصار فعين اليوم لكن لم يعين الشهر ولا السنة (قوله جاء إلى عاصم بن عدي)
أي ابن الجد بن العجلان العجلاني وهو ابن عم والد عويمر وفى رواية الأوزاعي عن الزهري التي
مضت في التفسير وكان عاصم سيد بنى عجلان والجد بفتح الجيم وتشديد الدال والعجلان بفتح
المهملة وسكون الجيم هو ابن حارثة بن ضبيعة من بنى بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة وكان
العجلان حالف بنى عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس من الأنصار في الجاهلية وسكن المدينة
فدخلوا في الأنصار وقد ذكر ابن الكلبي أن امرأة عويمر هي بنت عاصم المذكور وأن اسمها
خولة وقال ابن منده في كتاب الصحابة خولة بنت عاصم التي قذفها زوجها فلاعن النبي صلى الله
عليه وسلم بينهما لها ذكر ولا تعرف لها رواية وتبعه أبو نعيم ولم يذكرا سلفهما في ذلك وكأنه ابن
الكلبي وذكر مقاتل بن سليمان فيما حكاه القرطبي أنها خولة بنت قيس وذكر ابن مردويه أنها
بنت أخي عاصم فأخرج من طريق الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عاصم بن عدي لما
نزلت والذين يرمون المحصنات قال يا رسول الله أين لاحدنا أربعة شهداء فابتلى به في بنت أخيه
وفى سنده مع ارساله ضعف وأخرج ابن أبي حاتم في التفسير عن مقاتل بن حيان قال لما سأل
عاصم عن ذلك ابتلى به في أهل بيته فأتاه ابن عمه تحته ابنة عمه رماها بابن عمة المرأة والزوج
والحليل ثلاثتهم بنو عم عاصم وعن ابن مردويه في مرسل ابن أبي ليلى المذكور أن الرجل الذي
رمى عويمر امرأته به هو شريك بن سحماء وهو يشهد لصحة هذه الرواية لأنه ابن عم عويمر كما بينت
نسبه في الباب الماضي وكذا في مرسل مقاتل بن حيان عند أبي حاتم فقال الزوج لعاصم يا ابن عم
أقسم بالله لقد رأيت شريك بن سحماء على بطنها وانها لحبلى وما قربتها منذ أربعة أشهر وفى
حديث عبد الله بن جعفر عند الدارقطني لاعن بين عويمر العجلاني وأمرته فأنكر حملها الذي
394

في بطنها وقال هو لابن سحماء ولا يمتنع أن يتهم شريك بن سحماء بالمرأتين معا وأما قول ابن
الصباغ في الشامل ان المزنى ذكر في المختصر أن العجلاني قذف زوجته بشريك بن سحماء وهو
سهو في النقل وانما القاذف بشريك هلال بن أمية فكأنه لم يعرف مستند المزنى في ذلك وإذا جاء
الخبر من طرق متعددة فان بعضها يعضد بعضا والجمع ممكن فيتعين المصير إليه فهو أولى من
التغليط (قوله أرأيت رجلا) أي أخبرني عن حكم رجل (قوله وجد مع امرأته رجلا) كذا
اقتصر على قوله مع فاستعمل الكناية فان مراده معية خاصة ومراده أن يكون وجده عند الرؤية
(قوله أيقتله فتقتلونه) أي قصاصا لتقدم علمه بحكم القصاص لعموم قوله تعالى النفس بالنفس
لكن طرقه احتمال أن يخص من ذلك ما يقع بالسبب الذي لا يقدر على الصبر عليه غالبا من الغيرة
التي في طبع البشر ولأجل هذا قال أم كيف يفعل وقد تقدم في أول باب الغيرة استشكال سعد
ابن عبادة مثل ذلك وقوله لو رأيته لضربته بالسيف غير مصفح وتقدم في تفسير النور قول النبي
صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية لما سأله عن مثل ذلك البينة والا حد في ظهرك وذلك كله قبل
أن ينزل اللعان وقد اختلف العلماء فيمن وجد مع امرأته رجلا فتحقق الامر فقتله هل يقتل به
فمنع الجمهور الاقدام وقالوا يقتص منه الا أن يأتي ببينة الزنا أو على المقتول بالاعتراف أو يعترف
به ورثته فلا يقتل القاتل به بشرط أن يكون المقتول محصنا وقيل بل يقتل به لأنه ليس له أن يقيم
الحد بغير اذن الامام وقال بعض السلف بل لا يقتل أصلا ويعزر فيما فعله إذا ظهرت أمارات
صدقه وشرط أحمد واسحق ومن تبعهما أن يأتي بشاهدين أنه قتله بسبب ذلك ووافقهم ابن
القاسم وابن حبيب من المالكية لكن زاد أن يكون المقتول قد أحصن قال القرطبي ظاهر
تقرير عويمر على ما قال يؤيد قولهم كذا قال والله أعلم وقوله أم كيف يفعل يحتمل أن تكون أم
متصلة والتقدير أم يصبر على ما به من المضض ويحتمل أن تكون منقطعة بمعنى الاضراب أي بل
هناك حكم آخر لا نعرفه ويريد أن يطلع عليه فلذلك قال سل لي يا عاصم وانما خص عاصما بذلك لما
تقدم من أنه كان كبير قومه وصهره على ابنته أو ابنة أخيه ولعله كان اطلع على مخايل ما سأل عنه
لكن لم يتحققه فلذلك لم يفصح به أو اطلع حقيقة لكن خشى إذا صرح به من العقوبة التي
تضمنها من رمى المحصنة بغير بينة أشار إلى ذلك ابن العربي قال ويحتمل أن يكون لم يقع له شئ من
ذلك لكن اتفق أنه وقع في نفسه إرادة الاطلاع على الحكم فابتلى به كما يقال البلاء موكل
بالمنطق ومن ثم قال إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به وقد وقع في حديث ابن عمر عند مسلم في
قصة العجلاني فقال أرأيت ان وجد رجل مع امرأته رجلا فان تكلم به تكلم بأمر عظيم وان
سكت سكت على مثل ذلك وفى حديث ابن مسعود عنده أيضا ان تكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه
وان سكت سكت على غيظ وهذه أتم الروايات في هذا المعنى (قوله فكره رسول الله صلى الله عليه
وسلم المسائل وعابها حتى كبر) بفتح الكاف وضم الموحدة أي عظم وزنا ومعنى وسببه أن
الحامل لعاصم على السؤال غيره فاختص هو بالانكار عليه ولهذا قال لعويمر لما رجع فاستفهمه
عن الجواب لم تأتني بخبر * (تنبيهان) * الأول تقدم في تفسر النور أن النووي نقل عن الواحدي
أن عاصما أحد من لاعن وتقدم انكار ذلك ثم وقفت على مستنده وهو مذكور في معاني
القرآن للفراء لكنه غلط * الثاني وقع في السيرة لابن حبان في حوادث سنة تسع ثم لاعن بين عويمر
395

ابن الحرث العجلاني وهو الذي يقال له عاصم وبين امرأته بعد العصر في المسجد وقد أنكر
بعض شيوخنا قوله وهو الذي يقال له عاصم والذي يظهر لي أنه تحريف وكأنه كان في الأصل
الذي سأل له عاصم والله أعلم وسبب كراهة ذلك ما قال الشافعي كانت المسائل فيما لم ينزل فيه حكم
زمن نزول الوحي ممنوعة لئلا ينزل الوحي بالتحريم فيما لم يكن قبل ذلك محرما فيحرم ويشهد
له الحديث المخرج في الصحيح أعظم الناس جرما من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسئلته وقال
النووي المراد كراهة المسائل التي لا يحتاج إليها لا سيما ما كان فيه هتك ستر مسلم أو إشاعة فاحشة
أو شناعة عليه وليس المراد المسائل المحتاج إليها إذا وقعت فقد كان المسلمون يسألون عن النوازل
فيجيبهم صلى الله عليه وسلم بغير كراهة فلما كان في سؤال عاصم شناعة ويترتب عليه تسليط اليهود
والمنافقين على أعراض المسلمين كره مسئلته وربما كان في المسئلة تضييق وكان صلى الله عليه
وسلم يحب التيسير على أمته وشواهد ذلك في الأحاديث كثيرة وفى حديث جابر ما نزلت آية اللعان
الا لكثرة السؤال أخرجه الخطيب في المبهمات من طريق مجالد عن عامر عنه (قوله فقال
عويمر والله لا انتهى) في رواية الكشميهني ما انتهى أي ما أرجع عن السؤال ولو نهيت عنه زاد
ابن أبي ذئب في روايته عن ابن شهاب في هذا الحديث كما سيأتي في الاعتصام فأنزل الله القرآن
خلف عاصم أي بعد أن رجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى رواية ابن جريج في
الباب الذي بعد هذا فأنزل الله في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر الملاعنة وفى رواية إبراهيم بن
سعد فأتاه فوجده قد أنزل الله عليه (قوله فاقبل عويمر حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم)
بالنصب (وسط الناس) بفتح السين وبسكونها (قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل
الله فيك وفى صاحبتك) ظاهر هذا السياق أنه كان تقدم منه إشارة إلى خصوص ما وقع له مع
امرأته فيترجح أحد الاحتمالات التي أشار إليها ابن العربي لكن ظهر لي من بقية الطرق أن
في السياق اختصارا ويوضح ذلك ما وقع في حديث ابن عمر في قصة العجلاني بعد قوله إن تكلم
تكلم بأمر عظيم وان سكت سكت على مثل ذلك فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان
بعد ذلك أتاه فقال إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به فدل على أنه لم يذكر امرأته الا بعد ان
انصرف ثم عاد ووقع في حديث ابن مسعود أن الرجل لما قال وان سكت سكت على غيظ قال
النبي صلى الله عليه وسلم اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان وهذا ظاهره أن الآية نزلت
عقب السؤال لكن يحتمل أن يتخلل بين الدعاء والنزول زمن بحيث يذهب عاصم ويعود عويمر
وهذا كله ظاهر جدا في أن القصة نزلت بسبب عويمر ويعارضه ما تقدم في تفسير النور من
حديث ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه
وسلم البينة أو حد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق انني لصادق ولينزلن الله في ما يبرئ
ظهري من الحد فنزل جبريل فأنزل عليه والذين يرمون أزواجهم الحديث وفى رواية عباد بن
منصور عن عكرمة عن ابن عباس في هذا الحديث عند أبي داود فقال هلال وانى لأرجو
أن يجعل الله لي فرجا قال فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك إذا نزل عليه الوحي وفى
حديث أنس عند مسلم أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا البراء بن مالك
لامه وكان أول رجل لاعن في الاسلام فهذا يدل على أن الآية نزلت بسبب هلال وقد قدمت
396

اختلاف أهل العلم في الراجح من ذلك وبينت كيفية الجمع بينهما في تفسير سورة النور بأن يكون
هلال سأل أولا ثم سأل عويمر فنزلت في شأنهما معا وظهر لي الآن احتمال أن يكون عاصم سأل
قبل النزول ثم جاء هلال بعده فنزلت عند سؤاله فجاء عويمر في المرة الثانية التي قال فيها أن الذي
سألتك عنه قد ابتليت به فوجد الآية نزلت في شأن هلال فاعلمه صلى الله عليه وسلم بأنها
نزلت فيه يعنى أنها نزلت في كل من وقع له ذلك لان ذلك لا يختص بهلال وكذا يجاب على سياق
حديث ابن مسعود يحتمل أنه لما شرع يدعو بعد توجه العجلاني جاء هلال فذكر قصته فنزلت فجاء
عويمر فقال قد نزل فيك وفى صاحبتك (قوله فاذهب فأت بها) يعنى فذهب فأتى بها واستدل به
على أن اللعان يكون عند الحاكم وبأمره فلو تراضيا بمن يلاعن بينهما فلاعن لم يصح لان في اللعان
من التغليظ ما يقتضى أن يختص به الحكام وفى حديث ابن عمر فتلاهن عليه أي الآيات التي في
سورة النور ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة قال لا والذي
بعثك بالحق ما كذبت عليها ثم دعاها فوعظها وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من
عذاب الآخرة قالت والذي بعثك بالحق انه لكاذب (قوله قال سهل) هو موصول بالاسناد
المبدأ به (قوله فتلاعنا) فيه حذف تقديره فذهب فأتى بها فسألها فأنكرت فأمر باللعان
فتلاعنا (قوله وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد ابن جريج كما في الباب الذي
بعده في المسجد وزاد ابن إسحاق في روايته عن ابن شهاب في هذا الحديث بعد العصر أخرجه
أحمد وفى حديث عبد الله بن جعفر بعد العصر عند المنبر وسنده ضعيف واستدل بمجموع ذلك
على أن اللعان يكون بحضرة الحكام وبمجمع من الناس وهو أحد أنواع التغليظ * ثانيها الزمان
* ثالثها المكان وهذا التغليظ مستحب وقيل واجب * (تنبيه) * لم أر في شئ من طرق حديث سهل
صفة تلاعنهما الا ما في رواية الأوزاعي الماضية في التفسير فإنه قال فأمرهما بالملاعنة بما سمى
الله في كتابه وظاهره انهما لم يزيدا على ما في الآية وحديث ابن عمر عند مسلم صريح في ذلك فان
فيه فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان
من الكاذبين ثم ثنى بالمرأة الحديث وحديث ابن مسعود نحوه لكن زاد فيه فذهبت لتلتعن
فقال النبي صلى الله عليه وسلم مه فأبت فالتعنت وفى حديث أنس عند أبي يعلى وأصله في مسلم
فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتشهد بالله انك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا فشهد بذلك
أربعا ثم قال له في الخامسة ولعنة الله عليك ان كنت من الكاذبين ففعل ثم دعاها فذكر نحوه
فلما كان في الخامسة سكتت سكتة حتى ظنوا أنها ستعترف ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم
فمضت على القول وفى حديث ابن عباس من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عنه عند أبي داود
والنسائي وابن أبي حاتم فدعا الرجل فشهد أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين فأمر به فأمسك
على فيه فوعظه فقال كل شئ أهون عليك من لعنة الله ثم أرسله فقال لعنة الله عليه إن كان من
الكاذبين وقال في المرأة نحو ذلك وهذه الطريق لم يسم فيها الزوج ولا الزوجة بخلاف حديث
أنس فصرح فيه بأنها في قصة هلال بن أمية فإن كانت القصة واحدة وقع الوهم في تسمية
الملاعن كما جزم به غير واحد ممن ذكرته في التفسير فهذه زيادة من ثقة فتعتمد وإن كانت متعددة
فقد ثبت بعضها في قصة امرأة هلال كما ذكرته في آخر باب يبدأ الرجل بالتلاعن (قوله فلما فرغا من
397

تلاعنهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها) في رواية الأوزاعي ان حبستها فقد
ظلمتها (قوله فطلقها ثلاثا) في رواية ابن إسحاق ظلمتها ان أمسكتها فهي الطلاق فهي الطلاق فهي
الطلاق وقد تفرد بهذه الزيادة ولم يتابع عليها وكأنه رواه بالمعنى لاعتقاده منع جمع الطلقات
الثلاث بكلمة واحدة وقد تقدم البحث فيه من قبل في أوائل الطلاق واستدل بقوله طلقها
ثلاثا أن الفرقة بين المتلاعنين تتوقف على تطليق الرجل كما تقدم نقله عن عثمان البتي
وأجيب بقوله في حديث ابن عمر فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين فان حديث سهل
وحديث ابن عمر في قصة واحدة وظاهر حديث ابن عمر ان الفرقة وقعت بتفريق النبي صلى
الله عليه وسلم وقد وقع في شرح مسلم للنووي قوله كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها هو
كلام مستقل وقوله فطلقها أي ثم عقب قوله ذلك بطلاقها وذلك لأنه ظن أن اللعان لا يحرمها
عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال هي طالق ثلاثا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا سبيل لك
عليها أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقك انتهى وهو يوهم ان قوله لا سبيل لك عليها وقع منه
صلى الله عليه وسلم عقب قول الملاعن هي طالق ثلاثا وأنه موجود كذلك في حديث سهل
ابن سعد الذي شرحه وليس كذلك فان قوله لا سبيل لك عليها لم يقع في حديث سهل وانما وقع
في حديث ابن عمر عقب قوله الله يعلم أن أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها وفيه قال يا رسول الله
مالي الحديث كذا في الصحيحين وظهر من ذلك أن قوله لا سبيل لك عليها انما استدل من
استدل به من أصحابنا لوقوع الفرقة بنفس الطلاق من عموم لفظه لا من خصوص السياق
والله أعلم (قوله قال ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين) زاد أبو داود عن القعنبي عن مالك
فكانت تلك وهى إشارة إلى الفرقة وفى رواية ابن جريج في الباب بعده فطلقها ثلاثا قبل أن
يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغا من التلاعن ففارقها عند النبي صلى الله عليه وسلم
فقال ذلك تفريق بين كل متلاعنين كذا للمستملى وللباقين فكان ذلك تفريقا وللكشميهني فصار
بدل فكان وأخرجه مسلم من طريق ابن جريج بلفظ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك التفريق
بين كل متلاعنين وهو يؤيد رواية المستملى ومن طريق يونس عن ابن شهاب قال بمثل حديث
مالك قال مسلم لكن أدرج قوله وكان فراقه إياها يعد سنة بين المتلاعنين وكذا ذكر الدارقطني في
غرائب مالك اختلاف الرواة على ابن شهاب ثم على مالك في تعيين من قال فكان فراقها سنة هل
هو من قول سهل أو من قول ابن شهاب وذكر ذلك الشافعي وأشار إلى أن نسبته إلى ابن شهاب
لا تمنع نسبته إلى سهل ويؤيده ما وقع عند أبي داود من طريق عياض بن عبد الله الفهري عن ابن
شهاب عن سهل قال فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفذه رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكان ما صنع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة قال سهل حضرت هذا
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان
أبدا فقوله فمضت السنة ظاهر في أنه من تمام قول سهل ويحتمل انه من قول ابن شهاب ويؤيده
ان ابن جريج كما في الباب الذي بعده أورد قول ابن شهاب في ذلك بعد ذكر حديث سهل فقال بعد
قوله ذلك تفريق بين كل متلاعنين قال ابن جريج قال ابن شهاب كانت السنة بعدهما أن يفرق
بين المتلاعنين ثم وجدت في نسخة الصغاني في آخر الحديث قال أبو عبد الله قوله ذلك تفريق بين
398

المتلاعنين من قول الزهري وليس من الحديث انتهى وهو خلاف ظاهر سياق ابن جريج فكان
المصنف رأى أنه مدرج فنبه عليه * (قوله باب التلاعن في المسجد) أشار
بهذه الترجمة إلى خلاف الحنفية أن اللعان لا يتعين في المسجد وانما يكون حيث كان الامام
أو حيث شاء (قوله حدثنا يحيى) هو ابن جعفر (قوله أخبرني ابن شهاب عن الملاعنة وعن
السنة فيها عن حديث سهل بن سعد أخي بنى ساعدة) وقع عند الطبري في أول الاسناد زيادة فإنه
أخرج من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عكرمة في هذه الآية والذي يرمون أزواجهم
نزلت في هلال بن أمية فذكره مختصرا قال ابن جريج وأخبرني ابن شهاب فذكره فكان ابن
جريج أشار إلى بيان الاختلاف في الذي نزل ذلك فيه وقد ذكرت ما في رواية ابن جريج من
الفائدة في الباب الذي قبله (قوله قال وكانت حاملا وكان ابنها يدعى لامه قال ثم جرت السنة في
ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله لها) 1 هذه الأقوال كلها أقوال ابن شهاب وهو موصول
إليه بالسند المبدأ به وقد وصله سويد بن سعيد عن مالك عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قال
الدارقطني في غرائب مالك لا أعلم أحدا رواه عن مالك غيره (قلت) وقد تقدم في التفسير من
طريق فليح بن سليمان عن الزهري عن سهل فذكر قصة المتلاعنين مختصرة وفيه ففارقها فكانت
سنة أن يفرق بين المتلاعنين وكانت حاملا إلى قوله ما فرض الله لها وظاهره انه من قول سهل مع
احتمال أن يكون من قول ابن شهاب كما تقدم وهذا صريح في أن اللعان بينهما وقع وهى حامل
ويتأيد بما في رواية العباس بن سهل بن سعد عن أبيه عند أبي داود فقال النبي صلى الله عليه وسلم
لعاصم بن عدي أمسك المرأة عندك حتى تلد وتقدم في أثناء الباب الذي قبله من مرسل مقاتل بن
حيان ومن حديث عبد الله بن جعفر أيضا التصريح بذلك (قوله قال ابن جريج عن ابن شهاب عن
سهل بن سعد الساعدي في هذا الحديث) هو موصول بالسند المبدأ به (قوله إن جاءت به أحمر)
في رواية أبى داود من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أحيمر بالتصغير وفى مرسل سعيد
ابن المسيب عند الشافعي أشقر قال ثعلب المراد بالأحمر الأبيض لان الحمرة انما تبدو في البياض
قال والعرب لا تطلق الأبيض في اللون وانما تقوله في نعت الطاهر والنقى والكريم ونحو ذلك
(قوله قصيرا كأنه وحرة) بفتح الواو المهملة دويبة تترامى على الطعام واللحم فتفسده وهى من
نوع الوزع (قوله فلا أراها الا صدقت) في رواية عباس بن سهل عن أبيه عند أبي داود فهو
لأبيه الذي انتفى منه (قوله وان جاءت به أسود أعين ذا أليتين) أي عظيمتين ويوضحه ما في رواية أبى
داود المذكورة من طريق إبراهيم بن سعد أدعج العينين عظيم الأليتين ومثله في رواية الأوزاعي
الماضية في التفسير وزاد خدلج الساقين والدعج شدة سواد الحدقة والأعين الكبير العين وفى رواية
عباس بن سهل المذكورة وان ولدته قطط الشعر أسود اللسان فهو لابن سحماء والقطط تفلفل
الشعر (قوله فجاءت به على المكروه من ذلك) في رواية الأوزاعي فجاءت به على النعت الذي نعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر وفى رواية عباس المذكورة قال عاصم فلما وقع
أخذته إلى فإذا رأسه مثل فروة الحمل الصغير ثم أخذت بفقميه فإذا هو مثل النبعة واستقبلني
لسانه أسود مثل التمرة فقلت صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم والحمل بفتح المهملة والميم ولد
الضأن والنبعة واحدة النبع بفتح النون وسكون الموحدة بعدها مهملة وهو شجر يتخذ منه
399

القسي والسهام ولون قشره أحمر إلى الصفرة * (قوله باب قول النبي صلى الله عليه
وسلم لو كنت راجما بغير بينة) أي من أنكر والا فالمعترف أيضا يرجم (قوله عن يحيى بن سعيد) هو
الأنصاري (قوله عن عبد الرحمن بن القاسم) في رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد
أخبرني عبد الرحمن بن القاسم وسيأتى بعد ستة أبواب (قوله عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر
الصديق وهو والد عبد الرحمن راوية عنه ووقع في رواية النسائي عن أبيه (قوله عن ابن عباس) أنه
ذكر التلاعن) يعنى أنه قال ذكر فحذف لفظ قال وصرح بذلك في رواية سليمان الآتية وقوله
ذكر بضم أوله على البناء للمجهول وقوله التلاعن وقع في رواية سليمان المتلاعنات والمراد
ذكر حكم الرجل يرمى امرأته بالزنا فعبر عنه بالتلاعن باعتبار ما آل إليه الامر بعد نزول الآية
(قوله فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا ثم انصرف) قال الكرماني معنى قوله قولا أي كلاما
لا يليق به كعجب النفس والنخوة والمبالغة في الغيرة وعدم المراد إلى إرادة الله وقدرته (قلت) وكل
ذلك بمعزل عن الواقع وانما المراد بقول عاصم ما تقدم في حديث سهل بن سعد انه سأل عن الحكم
الذي أمره عويمر أن يسأل له عنه وانما جزمت بذلك لأنه تبين لي ان حديثي سهيل بن سعد وابن
عباس من رواية القاسم بن محمد عنه في قصة واحدة بخلاف رواية عكرمة عن ابن عباس فإنها في
قصة أخرى كما تقدم في تفسير النور عن ابن عبد البر أن القاسم روى قصة اللعان عن ابن عباس
كما رواه سهل بن سعد وغيره في أن الملاعن عويمر وبينت هناك توجيهه وعلى هذا فالقول المبهم
عن عاصم في رواية القاسم هذه هو قوله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه
الحديث ولا مانع أن يروى ابن عباس القصتين معا ويؤيد التعدد اختلاف السياقين وخلو
أحدهما عما وقع في الآخر وما وقع بين القصتين من المغايرة كما أبينه (قوله فأتاه رجل من قومه)
هو عويمر كما تقدم ولا يمكن تفسيره بهلال بن أمية لأنه لا قرابة بينه وبين عاصم لأنه هلال بن
أمية بن عامر بن عبد قيس من بنى واقف وهو مالك بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس فلا يجتمع
مع بنى عمرو بن عوف الذي ينتهى عاصم إلى حلفهم الا في مالك بن الأوس لان عمرو بن عوف
هو ابن مالك (قوله فقال عاصم ما ابتليت بهذا الا لقولي) تقدم بيان المراد من ذلك لان عويمر
ابن عمر وكانت تحته بنت عاصم أو بنت أخيه فلذلك أضاف ذلك إلى نفسه بقوله ما ابتليت
وقوله الا بقولي أي بسؤالي عما لم يقع كأنه قال فعوقبت بوقوع ذلك في آل بيتي وزعم الداودي
ان معناه أنه قال مثلا لو وجدت أحدا يفعل ذلك لقتلته أو عير أحدا بذلك فابتلى به وكلامه
أيضا بمعزل عن الواقع فقد وقع في مرسل مقاتل بن حيان عند ابن أبي حاتم فقال عاصم إنا لله وإنا إليه
راجعون هذا والله بسؤالي عن هذا الامر بين الناس فابتليت به والذي كان قال لو رأيته
لضربته بالسيف هو سعد بن عبادة كما تقدم في باب الغيرة وقد أورد الطبري من طريق أيوب عن
عكرمة مرسلا ووصله ابن مردويه بذكر ابن عباس قال لما نزلت والذين يرمون المحصنات قال
سعد بن عبادة ان أنا رأيت لكاع يفجر بها رجل فذكر القصة وفيه فوالله ما لبثوا الا يسيرا حتى جاء
هلال بن أمية فذكر قصته وهو عند أبي داود في رواية عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس
فوضح أن قول عاصم كان في قصة عويمر وقول سعد بن عبادة كان في قصة هلال فالكلامان
مختلفان وهو مما يؤيد تعدد القصة ويؤيد التعدد أيضا أنه وقع في آخر حديث ابن عباس عند
400

الحاكم قال ابن عباس فما كان بالمدينة أكثر غاشية منه وعند أبى داود وغيره قال عكرمة فكان
بعد ذلك أميرا على مصر وما يدعى لأب فهذا يدل على أن ولد الملاعنة عاش بعد النبي صلى الله عليه
وسلم زمانا وقوله على مصر أي من الأمصار وظن بعض شيوخنا انه أراد مصر البلد المشهور فقال
فيه نظر لان أمراء مصر معروفون معدودون ليس فيهم هذا ووقع في حديث عبد الله بن جعفر
عند ابن سعد في الطبقات أن ولد الملاعنة عاش بعد ذلك سنتين ومات فهذا أيضا مما يقوى التعدد
والله أعلم (قوله وكان ذلك الرجل) أي الذي رمى امرأته (قوله مصفرا) بضم أوله وسكون الصاد
المهملة وفتح الفاء وتشديد الراء أي قوى الصفرة وهذا لا يخالف قوله في حديث سهل انه كان
أحمر أو أشقر لان ذاك لونه الأصلي والصفرة عارضة وقوله قليل اللحم أي نحيف الجسم وقوله
سبط الشعر بفتح المهملة وكسر الموحدة هو ضد الجعودة (قوله وكان الذي ادعى عليه أنه وجده
عند أهله آدم) بالمد أي لونه قريب من السواد (قوله خدلا) بفتح المعجمة ثم المهملة وتشديد اللام
أي ممتلئ الساقين وقال أبو الحسين بن فارس ممتلئ الأعضاء وقال الطبري لا يكون الا مع غلظ
العظم مع اللحم (قوله كثير اللحم) أي في جميع جسده يحتمل أن تكون صفة شارحة لقوله خدلا
بناء على أن الخدل الممتلئ البدن وأما على قول من قال إنه الممتلئ الساق فيكون فيه تعميم بعد
تخصيص وزاد في رواية سليمان بن بلال الآتية جعدا قططا وقد تقدم تفسيره في شرح حديث
سهل قريبا وهذه الصفة موافقة للتي في حديث سهل بن سعد حيث فيه عظيم الأليتين خدلج
الساقين الخ (قوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم بين) يأتي الكلام عليه بعد أربعة أبواب
(قوله فجاءت) في رواية سليمان بن بلال فوضعت (قوله فلاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما)
هذا ظاهره ان الملاعنة بينهما تأخرت حتى وضعت فيحمل على أن قوله فلاعن معقب بقوله
فذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته واعترض قوله وكان ذلك
الرجل الخ والحامل على ذلك ما قدمناه من الأدلة على أن رواية القاسم هذه موافقة الحديث سهل
ابن سعد (قوله لو كنت راجما بغير بينة) 2 تمسك به من قال إن نكول المرأة عن اللعان لا يوجب
عليها الحد وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي واحتجوا بأن الحدود لا تثبت بالنكول وبأن
قوله صلى الله عليه وسلم لو كنت راجما لم يقع بسبب اللعان فقط وقال أحمد إذا امتنعت تحبس
وأهاب ان أقول ترجم لأنها لو أقرت صريحا ثم رجعت لم ترجم فكيف ترجم إذا أبت الالتعان
(قوله فقال رجل لابن عباس في المجلس) يأتي بيانه في باب قول الإمام اللهم بين قريبا (قوله قال
أبو صالح وعبد الله بن يوسف آدم خدلا) يعنى بسكون الدال ويقال بفتحها مخففا في الوجهين
وبالسكون ذكره هل اللغة وأبو صالح هذا هو عبد الله بن صالح كاتب الليث وقد وقع في بعض
النسخ عن أبي ذر وقال لنا أبو صالح ورواية عبد الله بن يوسف وصلها المؤلف في الحدود * (قوله
باب صداق الملاعنة) أي بيان الحكم فيه وقد انعقد الاجماع على أن المدخول بها
تستحق جميعه واختلف في غير المدخول بها فالجمهور على أن لها النصف كغيرها من المطلقات
قبل الدخول وقيل بل لها جميعه قاله أبو الزناد والحكم وحماد وقيل لا شئ لها أصلا قاله الزهري
وروى عن مالك (قوله أخبرنا إسماعيل) هو المعروف بابن علية (قوله قلت لابن عمر رجل قذف
امرأة) أي ما الحكم فيه وقد أورده مسلم من وجه آخر عن سعيد بن جبير فزاد في أوله قال
401

لم يفرق المصعب يعنى ابن الزبير بين المتلاعنين أي حيث كان أميرا على العراق قال سعد فذكرت
ذلك لابن عمر ومن وجه آخر عن سعيد سئلت عن المتلاعنين في امرأة مصعب بن الزبير فما دريت
ما أقول فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكة الحديث وفيه فقلت يا أبا عبد الرحمن المتلاعنان أيفرق
بينهما قال سبحان الله نعم ان أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان وعرف من قوله بمكة أن في
الرواية التي قبلها حذفا تقديره فسافرت إلى مكة فذكرت ذلك لابن عمر ووقع في رواية عبد
الرزاق عن معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير قال كنا بالكوفة نختلف في الملاعنة يقول بعضنا
يفرق بينهما ويقول بعضنا لا يفرق ويؤخذ منه أن الخلاف في ذلك كان قديما وقد استمر عثمان
البتي من فقهاء البصرة على أن اللعان لا يقتضى الفرقة كما تقدم نقله عنه وكأنه لم يبلغه حديث
ابن عمر (قوله فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوى بنى العجلان) سيأتي البحث فيه بعد
باب وتقدمت تسميتهما في حديث سهل بن سعد ووقع في رواية أبى أحمد الجرجاني بين أحد بنى
العجلان بحاء ودال مهملتين وهو تصحيف (قوله وقال الله يعلم أن أحدكما لكاذب) كذا للمستملى
وسقطت اللام لغيره (قوله فهل منكما تائب فأبيا) ظاهره أن ذلك كان قبل صدور اللعان بينهما
وسيأتى أيضا (قوله قال أيوب) هو موصول بالسند المبدأ به (قوله فقال لي عمرو بن دينار ان في
الحديث شيئا لا أراك تحدثه قال قال الرجل مالي قال قيل لا مال لك إلى آخره) حاصله أن عمرو بن
دينار وأيوب سمعا الحديث جميعا من سعيد بن جبير فحفظ فيه عمرو ما لم يحفظه أيوب وقد بين ذلك
سفيان بن عيينة حيث رواه عنهما جميعا في الباب الذي بعد هذا فوقع في روايته عن عمرو بسنده
قال النبي صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال
مالي قال لا مال لك أما معنى قوله لا سبيل لك أي لا تسليط وأما قوله مالي فإنه فاعل فعل محذوف
كأنه لما سمع لا سبيل لك عليها قال أيذهب مالي والمراد به الصداق قال ابن العربي قوله مالي أي
الصداق الذي دفعته إليها فأجيب بأنك استوفيته بدخولك عليها وتمكينها لك من نفسها ثم أوضح
له ذلك بتقسيم مستوعب فقال إن كنت صادقا فيما ادعيته عليها فقد استوفيت حقك منها قبل
ذلك وان كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك من مطالبتها لئلا تجمع عليها الظلم في عرضها
ومطالبتها بمال قبضته منك قبضا صحيحا تستحقه وعرف من هذه الرواية اسم القائل لا مال لك
حيث أبهم في حديث الباب بلفظ قيل لا مال لك مع أن النسائي رواه عن زياد بن أيوب عن ابن
علية بلفظ قال لا مال لك وقوله فقد دخلت بها فسره في رواية سفيان بلفظ فهو بما استحللت من
فرجها وقوله فهو أبعد منك كذا عند النسائي أيضا ووقع عند الإسماعيلي من رواية عثمان
ابن أبي شيبة عن ابن علية فهو أبعد لك وسيأتى قبل كتاب النفقات سواء من طريق عمرو بن دينار
عن سعيد بن جبير بلفظ فذلك أبعد وأبعد لك منها وكرر لفظ أبعد تأكيدا قوله ذلك الإشارة إلى
الكذب لأنه مع الصدق يبعد عليه استحقاق إعادة المال ففي الكذب أبعد ويستفاد من قوله
فهو بما استحللت من فرجها أن الملاعنة لو أكذبت نفسها بعد اللعان وأقرت بالزنا وجب عليها
الحد لكن لا يسقط مهرها * (قوله باب قول الإمام للمتلاعنين ان أحدكما
كاذب) فيه تغليب المذكر على المؤنث وقال عياض وتبعه النووي في قوله أحدكما رد على من قال
من النحاة ان لفظ أحد لا يستعمل الا في النفي وعلى من قال منهم لا يستعمل الا في الوصف وأنها
402

لا توضع موضع واحد ولا توقع موقعه وقد أجازه المبرد وجاء في هذا الحديث في غير وصف ولا نفى
وبمعنى واحد اه‍ قال الفاكهي هذا من أعجب ما وقع للقاضي مع براعته وحذقه فان الذي
قاله النحاة انما هو في أحد التي للعموم نحو ما في الدار من أحد وما جاءني من أحد وأما أحد بمعنى
واحد فلا خلاف في استعمالها في الاثبات نحو قل هو الله أحد ونحو فشهادة أحدهم ونحو
أحدكما كاذب (قوله فهل منكما من تائب) يحتمل أن يكون ارشادا لا أنه لم يحصل منهما ولا من
أحدهما اعتراف ولان الزوج لو أكذب نفسه كانت توبة منه (قوله سفيان قال عمرو) وهو ابن
دينار وفى رواية الحميدي عن سفيان أنبانا عمرو فذكره وقد بينت ما فيه في الذي قبله (قوله قال
سفيان حفظته من عمرو) هذا كلام علي بن عبد الله يريد بيان سماع سفيان له من عمرو (قوله
وقال أيوب) هو موصول بالسند المبدأ به وليس بتعليق وحاصله أن الحديث كان عند سفيان عن
عمرو بن دينار وعن أيوب جميعا عن ابن عمر وقد وقع في رواية الحميدي عن سفيان قال وحدثنا
أيوب في مجلس عمرو بن دينار فحدثه عمرو بحديثه هذا فقال له أيوب أنت أحسن حديثا منى وقد
بينت في الذي قبله سبب ذلك وهو أن فيه عند عمرو ما ليس عند أيوب (قوله فقال بإصبعيه) هو من
اطلاق القول على الفعل وقوله وفرق سفيان 2 بين السبابة والوسطى جملة معترضة أراد بها بيان
الكيفية والذي يظهر أنه لا يجزم بذلك الا عن توقيف وقوله فرق النبي صلى الله عليه وسلم إلى
آخره هو جواب السؤال (قوله وقال الله يعلم أن أحدكما كاذب) قال عياض ظاهره أنه قال هذا
الكلام بعد فراغهما من اللعان فيؤخذ منه عرض التوبة على المذنب ولو بطريق الاجمال وأنه
يلزم من كذبه التوبة من ذلك وقال الداودي قال ذلك قبل اللعان تحذيرا لهما منه والأول أظهر
وأولى بسياق الكلام (قلت) والذي قاله الداودي أولى من جهة أخرى وهى مشروعية
الموعظة قبل الوقوع في المعصية بل هو أحرى مما بعد الوقوع واما سياق الكلام فمحتمل في رواية
ابن عمر للامرين وأما حديث ابن عباس فسياقه ظاهر فيما قال الداودي ففي رواية جرير بن حازم
عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عند الطبري والحاكم والبيهقي في قصة هلال بن أمية قال
فدعاهما حين نزلت آية الملاعنة فقال الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب فقال هلال
والله انى لصادق الحديث وقد قدمت أن حديث ابن عباس من رواية عكرمة في قصة غير
القصة التي في حديث سهل بن سعد وابن عمر فيصح الأمران معا باعتبار التعدد * (قوله
باب التفريق بين المتلاعنين) ثبتت هذه الترجمة للمستملى وذكرها الإسماعيلي وثبت
عند النسفي باب بلا ترجمة وسقط ذلك للباقين والأول أنسب وفيه حديث ابن عمر من طريق
عبيد الله بن عمر العمرى عن نافع من وجهين ولفظ الأول فرق بين رجل وامرأة قذفها فأحلفهما
ولفظ الثاني لاعن بين رجل وامرأة فأحلفهما ويؤخذ منه أن اطلاق يحيى بن معين وغيره تخطئة
الرواية بلفظ فرق بين المتلاعنين انما المراد به في حديث سهل بن سعد بخصوصه فقد أخرجه أبو
داود من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عنه بهذا اللفظ وقال بعده لم يتابع ابن عيينة على
ذلك أحد ثم أخرج من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر فرق
رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بنى العجلان قال ابن عبد البر لعل ابن عيينة دخل عليه
حديث في حديث وذكر ابن أبي خيثمة أن يحيى بن معين سئل عن الحديث فقال إنه غلط قال ابن
403

عبد البر ان أراد من حديث سهل فسهل والا فهو مردود (قلت) تقدم أيضا في حديث سهل من
طريق ابن جريج فكانت سنة في المتلاعنين لا يجتمعان أبدا ولكن ظاهر سياقه أنه من كلام
الزهري فيكون مرسلا وقد بينت من وصله وأرسله في باب اللعان ومن طلق وعلى تقدير ذلك فقد
ثبت هذا اللفظ من هذا الوجه فتمسك به من قال إن الفرقة بين المتلاعنين لا تقع بنفس اللعان
حتى يوقعها الحاكم ورواية ابن جريج المذكورة تؤيد أن الفرقة تقع بنفس اللعان وعلى تقدير
ارسالها فقد جاء عن ابن عمر بلفظه عند الدارقطني ويتأيد بذلك قول من حمل التفريق في
حديث الباب على أنه بيان حكم لا ايقاع فرقه واحتجوا أيضا بقوله في الرواية الأخرى لا سبيل
لك عليها وتعقب بأن ذلك وقع جوابا لسؤال الرجل عن ماله الذي أخذته منه وأجيب بأن
العبرة بعموم اللفظ وهو نكرة في سياق النفي فيشمل المال والبدن ويقتضي نفى تسليطه عليها
بوجه من الوجوه ووقع في آخر حديث ابن عباس عند أبي داود وقضى أن ليس عليه نفقه
ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها وهو ظاهر في أن الفرقة وقعت بينهما
بنفس اللعان ويستفاد منه أن قوله في حديث سهل فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى
الله عليه وسلم بفراقها أن الرجل انما طلقها قبل أن يعلم أن الفرقة تقع بنفس اللعان فبادر إلى
تطليقها لشدة نفرته منها واستدل بقوله لا يجتمعان أبدا على أن فرقة اللعان على التأبيد وأن
الملاعن لو أكذب نفسه لم يحل له أن يتزوجها بعد وقال بعضهم يجوز له أن يتزوجها وانما يقع
باللعان طلقة واحدة بائنة هذا قول حماد وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وصح عن سعيد بن المسيب
قالوا ويكون الملاعن إذا أكذب نفسه خاطبا من الخطاب وعن الشعبي والضحاك إذا أكذب
نفسه ردت إليه امرأته قال ابن عبد البر هذا عندي قول ثالث (قلت) ويحتمل أن يكون معنى
قوله ردت إليه أي بعد العقد الجديد فيوافق الذي قبله قال ابن السمعاني لم أقف على دليل لتأييد
الفرقة من حيث النظر وانما المتبع في ذلك النص وقال ابن عبد البر أبدى بعض أصحابنا له فائدة
وهو أن لا يجتمع ملعون مع غير ملعون لان أحدهما ملعون في الجملة بخلاف ما إذا تزوجت المرأة
غير الملاعن فإنه لا يتحقق وتعقب بأنه لو كان كذلك لامتنع عليهما معا التزويج لأنه يتحقق ان
أحدهما ملعون ويمكن أن يجاب بأن في هذه الصورة افترقا في الجملة قال السمعاني وقد أورد
بعض الحنفية أن قوله المتلاعنان يقتضى أن فرقة التأبيد يشترط لها أن يقع التلاعن من
الزوجين والشافعية يكتفون في التأبيد بلعان الزوج فقط كما تقدم وأجاب بأنه لما كان لعانه
بسبب لعانها وصريح لفظ اللعن يوجد في جانبه دونها سمى الموجود منه ملاعنة ولان لعانه
سبب في اثبات الزنا عليها فيستلزم انتفاء نسب الولدية فينتفى الفراش فإذا انتفى الفراش انقطع
النكاح فان قيل إذا أكذب الملاعن نفسه يلزم ارتفاع الملاعنة حكما وإذا ارتفعت صارت
المرأة محل استمتاع قلنا اللعان عندكم شهادة والشاهد إذا رجع بعد الحكم لم يرتفع الحكم وأما
عندنا فهو يمين واليمين إذا صارت حجة وتعلق بها الحكم لا ترتفع فإذا أكذب نفسه فقد زعم أنه لم
يوجد منه ما يسقط الحد عنه فيجب عليه الحد ولا يرتفع موجب اللعان * (قوله باب
يلحق الولد بالملاعنة) أي إذا انتفى الزوج منه قبل الوضع أو بعده (قوله أن النبي صلى الله عليه
وسلم لاعن بين رجل وامرأته فانتفى من ولدها) قال الطيبى الفاء سببية أي الملاعنة سبب
404

الانتفاء فان أراد أن الملاعنة سبب ثبوت الانتفاء فجيد وان أراد أن الملاعنة سبب وجود الانتفاء
فليس كذلك فإنه ان لم يتعرض لنفى الولد في الملاعنة لم ينتف والحديث في الموطأ بلفظ وانتفى
بالواو لا بالفاء وذكر ابن عبد البر أن بعض الرواة عن مالك ذكره بلفظ وانتقل يعنى بقاف بدل
الفاء ولام آخره وكأنه تصحيف وإن كان محفوظا فمعناه قريب من الأول وقد تقدم الحديث
في تفسير النور من وجه آخر عن نافع بلفظ ان رجلا رمى امرأته وانتفى من ولدها فأمرهما
النبي صلى الله عليه وسلم فتلاعنا فوضح أن الانتفاء سبب الملاعنة لا العكس واستدل بهذا
الحديث على مشروعية اللعان لنفى الولد وعن أحمد ينتفى الولد بمجرد اللعان ولو لم يتعرض الرجل
لذكره في اللعان وفيه نظر لأنه لو استحلقه لحقه وانما يؤثر لعان الرجل دفع حد القذف عنه وثبوت
زنا المرأة ثم يرتفع عنها الحد بالتعانها وقال الشافعي ان نفى الولد في الملاعنة انتفى وان لم يتعرض له
فله أن يعيد اللعان لانتفائه ولا إعادة على المرأة وان أمكنه الرفع إلى الحاكم فاخر بغير عذر حتى
ولدت لم يكن له أن ينفيه كما في الشفعة واستدل به على أنه لا يشترط في نفى الحمل تصريح الرجل
بأنها ولدت من زنا ولا أنه استبرأها بحيضة وعن المالكية يشترط ذلك واحتج بعض من خالفهم
بأنه نفى الحمل عنه من غير أن يتعرض لذلك بخلاف اللعان الناشئ عن قذفها واحتج الشافعي بأن
الحامل قد تحيض فلا معنى لاشتراط الاستبراء قال ابن العربي ليس عن هذا جواب مقنع (قوله
ففرق بينهما وألحق الولد بالمرأة) قال الدارقطني تفرد مالك بهذه الزيادة قال ابن عبد البر ذكروا
أن مالكا تفرد بهذه اللفظة في حديث ابن عمر وقد جاءت من أوجه أخرى في حديث سهل بن سعد
كما تقدم من رواية يونس عن الزهري عند أبي داود بلفظ ثم خرجت حاملا فكان الولد إلى أمه
ومن رواية الأوزاعي عن الزهري وكان الولد يدعى إلى أمه ومعنى قوله ألحق الولد بأمه أي صيره
لها وحدها ونفاه عن الزوج فلا توارث بينهما وأما أمه فترث منه ما فرض الله لها كما وقع صريحا
في حديث سهل بن سعد كما تقدم في شرح حديثه في آخره وكان ابنها يدعى لامه ثم جرت السنة في
ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله لها وقيل معنى الحاقه بأمه أنه صيرها له أبا وأما فترث
جميع ماله إذا لم يكن له وارث آخر من ولد ونحوه وهو قول ابن مسعود وواثلة وطائفة ورواية عن أحمد
وروى أيضا عن ابن القاسم وعنه معناه أن عصبة أمه تصير عصبة له وهو قول على وابن
عمر والمشهور عن أحمد وقيل ترثه أمه واخوته منها بالفرض والرد وهو قول أبى عبيد ومحمد بن
الحسن ورواية عن أحمد قال فإن لم يرثه ذو فرض بحال فعصبته عصبة أمه واستدل به على أن الولد
المنفى باللعان لو كان بنتا حل للملاعن نكاحها وهو وجه شاذ لبعض الشافعية والأصح كقول
الجمهور أنها تحرم لأنها ربيبته في الجملة * (قوله باب قول الإمام اللهم بين) قال
ابن العربي ليس معنى هذا الدعاء طلب ثبوت صدق أحدهما فقط بل معناه أن تلد ليظهر الشبه
ولا يمتنع دلالتها بموت الولد مثلا فلا يظهر البيان والحكمة فيه ردع من شاهد ذلك عن التلبس
بمثل ما وقع لما يترتب على ذلك من القبح ولو اندرأ الحد (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس
ويحيى بن سعيد هو الأنصاري (قوله أخبرني عبد الرحمن بن القاسم) ثبتت هذه الرواية وكذا
رواية الليث السابقة قبل أربعة أبواب أن رواية ابن جريج عن يحيى بن سعيد عن القاسم التي
أخرجها الشافعي وغيره وقعت فيها تسوية ويحيى وإن كان سمع من القاسم لكنه ما سمع هذا
405

الحديث الا من ولده عبد الرحمن عنه (قوله فوضعت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجد
عندها فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما) ظاهره أن الملاعنة تأخرت إلى وضع المرأة
لكن قد أوضحت أن رواية ابن عباس هذه هي في القصة التي في حديث سهل بن سعد وتقدم قبل
من حديث سهل أن اللعان وقع بينهما قبل أن تضع فعلى هذا تكون الفاء في قوله فلاعن معقبة
بقله فأخبره بالذي وجد عليه امرأته وأما قوله وكان ذلك الرجل مصفرا إلى آخره فهو كلام
اعترض بين الجملتين ويحتمل على بعد أن تكون الملاعنة وقعت مرة بسبب القذف وأخرى
بسبب الانتفاء والله أعلم (قوله فقال رجل لابن عباس) هذا السائل هو عبد الله بن شداد بن الهاد
وهو ابن خالة ابن عباس سماه أبو الزناد عن القاسم بن محمد في هذا الحديث كما سيأتي في كتاب الحدود
(قوله كانت 2 تظهر في الاسلام السوء) أي كانت تعلن بالفاحشة ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة
ولا اعتراف قال الداودي فيه جواز عيب من يسلك مسالك السوء وتعقب بأن ابن عباس لم
يسمها فان أراد اظهار العيب على الابهام فمحتمل وقد مضى في التفسير في رواية عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لولا ما مضى من كتاب الله
لكان لي ولها شأن أي لولا
ما سبق من حكم الله أي أن اللعان يدفع الحد عن المرأة لأقمت عليها الحد من أجل الشبه الظاهر
بالذي رميت به ويستفاد منه أنه صلى الله عليه وسلم كان يحكم بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه وحى
خاص فإذا أنزل الوحي بالحكم في تلك المسئلة قطع النظر وعمل بما نزل وأجرى الامر على الظاهر
ولو قامت قرينة تقتضى خلاف الظاهر وفى أحاديث اللعان من الفوائد غير ما تقدم أن المفتى إذا
سئل عن واقعه ولم يعلم حكمها ورجا أن يجد فيها نصا لا يبادر إلى الاجتهاد فيها وفيه الرحلة في
المسئلة النازلة لان سعيد بن جبير رحل من العراق إلى مكة من أجل مسئلة الملاعنة وفيه اتيان
العالم في منزله ولو كان في قائلته إذا عرف الآتي أنه لا يشق عليه وفيه تعظيم العالم ومخاطبته بكنيته
وفيه التسبيح عند التعجب واشعار بسعة علم سعيد بن جبير لان ابن عمر عجب من خفاء مثل هذا
الحكم عليه ويحتمل أن يكون تعجبه لعلمه بأن الحكم المذكور كان مشهورا من قبل فتعجب كيف
خفى على بعض الناس وفيه بيان أوليات الأشياء والعناية بمعرفتها لقول ابن عمر أول من سال عن
ذلك فلان وقول أنس أول لعان كان وفيه أن البلاء موكل بالمنطق وأنه ان لم يقع بالناطق وقع بمن
له به وصلة وأن الحاكم يردع الخصم عن التمادي على الباطل بالموعظة والتذكير والتحذير
ويكرر ذلك ليكون أبلغ وفيه ارتكاب أخف المفسدتين بترك أثقلهما لان مفسدة الصبر
على خلاف ما توجبه الغيرة مع قبحه وشدته أسهل من الاقدام على القتل الذي يؤدى إلى
الاقتصاص من القاتل وقد نهج له الشارع سبيلا إلى الراحة منها اما بالطلاق واما باللعان وفيه
أن الاستفهام بأرأيت كان قديما وأن خبر الواحد يعمل به إذا كان ثقة وأنه يسن للحاكم وعظ
المتلاعنين عند إرادة التلاعن ويتأكد عند الخامسة ونقل ابن دقيق العيد عن الفقهاء أنهم
خصوه بالمرأة عند إرادة تلفظها بالغضب واستشكله بما في حديث ابن عمر لكن قد صرح جماعة
من الشافعية وغيرهم باستحباب وعظهما معا وفيه ذكر الدليل مع بيان الحكم وفيه كراهة
المسائل التي يترتب عليها هتك المسلم أو التوصل إلى أذيته بأي سبب كان وفى كلام الشافعي إشارة
إلى أن كراهة ذلك كانت خاصة بزمنه صلى الله عليه وسلم من أجل نزول الوحي لئلا تقع المسئلة
406

عن شئ مباح فيقع التحريم بسبب المسئلة وقد ثبت في الصحيح أعظم المسلمين جرما من سأل عن شئ
لم يحرم فحرم من أجل مسئلته وقد استمر جماعة من السلف على كراهة السؤال عما لم يقع لكن
عمل الأكثر على خلافه فلا يحصى ما فرعه الفقهاء من المسائل قبل وقوعها وفيه أن الصحابة
كانوا يسألون عن الحكم الذي لم ينزل فيه وحى وفيه أن للعالم إذا كره السؤال أن يعيبه
ويهجنه وأن من لقى شيئا من المكروه بسبب غيره يعاتبه عليه وأن المحتاج إلى معرفة الحكم
لا يرده كراهة العالم لما سأل عنه ولا غضبه عليه ولا جفاؤه له بل يعاود ملاطفته إلى أن يقضى
حاجته وأن السؤال عما يلزم من أمور الدين مشروع سرا وجهرا وأن لا عيب في ذلك على السائل
ولو كان مما يستقبح وفيه التحريض على التوبة والعمل بالستر وانحصار الحق في أحد الجانبين
عند تعذر الواسطة لقوله أن أحدكما كاذب وأن الخصمين المتكاذبين لا يعاقب واحد منهما وان
أحاط العلم بكذب أحدهما لا بعينه وفيه أن اللعان إذا وقع سقط حد القذف عن الملاعن
للمرأة وللذي رميت به لأنه صرح في بعض طرقه بتسمية المقذوف ومع ذلك لم ينقل أن القاذف
حد قال الداودي لم يقل به مالك لأنه لم يبلغه الحديث ولو بلغه لقال به وأجاب بعض من قال
يحد من المالكية والحنفية بأن المقذوف لم يطلب وهو حقه فلذلك لم ينقل أن القاذف حد لان
الحد سقط من أصله باللعان وذكر عياض أن بعض أصحابهم اعتذر عن ذلك بأن شريكا كان
يهوديا وقد بينت ما فيه في باب يبدأ الرجل بالتلاعن وفيه أنه ليس على الامام أن يعلم المقذوف
بما وقع من قاذفه وفيه أن الحامل تلاعن قبل الوضع لقوله في الحديث انظروا فان جاءت به الخ
كما تقدم في حديث سهل وفى حديث ابن عباس وعند مسلم من حديث ابن مسعود فجاء يعنى
الرجل هو وامرأته فتلاعنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلها أن تجئ به أسود جعدا فجاءت به
أسود جعدا وبه قال الجمهور خلافا لمن أبى ذلك من أهل الرأي معتلا بأن الحمل لا يعلم لأنه قد
يكون نفخة وحجة الجمهور أن اللعان شرع لدفع حد القذف عن الرجل ودفع حد الرجم عن
المرأة فلا فرق بين أن تكون حاملا أو حائلا ولذلك يشرع اللعان مع الآيسة وقد اختلف في
الصغيرة فالجمهور على أن الرجل إذا قذفها فله أن يلتعن لدفع حد القذف عنه دونها واستدل به
على أن لا كفارة في اليمين الغموس لأنها لو وجبت لبينت في هذه القصة وتعقب بأنه لم يتعين
الحانث وأجيب بأنه لو كان واجبا لبينه مجملا بأن يقول مثلا فليكفر الحانث منكما عن يمينه كما
أرشد أحدهما إلى التوبة وفى قوله عليه السلام البينة والا حد في ظهرك دلالة على أن القاذف
لو عجز عن البينة فطلب تحليف المقذوف لا يجاب لان الحصر المذكور لم يتغير منه الا زيادة
مشروعية اللعان وفيه جواز ذكر الأوصاف المذمومة عند الضرورة الداعية إلى ذلك
ولا يكون ذلك من الغيبة المحرمة واستدل به على أن اللعان لا يشرع الا لمن ليست له بينة وفيه
نظر لأنه لو استطاع إقامة البينة على زناها ساغ له أن يلاعنها لنفى الولد لأنه لا ينحصر في الزنا وبه
قال مالك والشافعي ومن تبعهما وفيه أن الحكم يتعلق بالظاهر وأمر السرائر موكول إلى الله
تعالى قال ابن التين وبه احتج الشافعي على قبول توبة الزنديق وفيه نظر لان الحكم يتعلق بالظاهر
فيما لا يتعلق فيه حكم للباطن والزنديق قد علم باطنه بما تقدم فلا يقبل منه ظاهر ما يبديه بعد ذلك
كذا قال وحجة الشافعي ظاهرة لأنه صلى الله عليه وسلم قد تحقق أن أحدهما كاذب وكان قادرا
407

على الاطلاع على عين الكاذب لكن أخبر أن الحكم بظاهر الشرع يقتضى أنه لا ينقب عن
البواطن وقد لاحت القرائن بتعيين الكاذب في المتلاعنين ومع ذلك فأجراهما على حكم الظاهر
ولم يعاقب المرأة ويستفاد منه أن الحاكم لا يكتفى بالمظنة والإشارة في الحدود إذا خالفت الحكم
الظاهر كيمين المدعى عليه إذا أنكر ولا بينة واستدل به الشافعي على ابطال الاستحسان لقوله
لولا الأيمان لكان لي ولها شأن وفيه أن الحاكم إذا بذل وسعه واستوفى الشرائط لا ينقض
حكمه الا ان ظهر عليه اخلال شرط أو تفريط في سبب وفيه أن اللعان يشرع في كل امرأة
دخل بها أو لم يدخل ونقل فيه ابن المنذر الاجماع وفى صداق غير المدخول بها خلاف للحنابلة
تقدمت الإشارة إليه في بابه فلو نكح فاسدا أو طلق بائنا فولدت فأراد نفى الولد فله الملاعنة وقال
أبو حنيفة يلحقه الولد ولا نفى ولا لعان لأنها أجنبية وكذا لو قذفها ثم أبانها بثلاث فله اللعان وقال
أبو حنيفة لا وقد أخرج ابن أبي شيبة عن هشيم عن مغيرة قال الشعبي إذا طلقها ثلاثا فوضعت
فانتفى منه فله أن يلاعن فقال له الحرث ان الله يقول والذين يرمون أزواجهم أفتراها له زوجة
فقال الشعبي انى لاستحى من الله إذا رأيت الحق أن لا أرجع إليه فلو التعن ثلاث مرات فقط
فالتعنت المرأة مثله ففرق الحاكم بينهما لم تقع الفرقة عند الجمهور لان ظاهر القرآن أن الحد
وجب عليهما وأنه لا يندفع الا بما ذكر فيتعين الاتيان بجميعه وقال أبو حنيفة أخطأ السنة
وتحصل الفرقة لأنه أتى بالأكثر فتعلق به الحكم واستدل به على أن الالتعان ينتفى به الحمل
خلافا لأبي حنيفة ورواية عن أحمد لقوله انظروا فان جاءت به الخ فان الحديث ظاهر في أنها
كانت حاملا وقد ألحق الولد مع ذلك بأمه وفيه جواز الحلف على ما يغلب على الظن ويكون
المستند التمسك بالأصل أو قوة الرجاء من الله عند تحقق الصدق لقول من سأله هلال والله
ليجلدنك ولقول هلال والله لا يضربني وقد علم أنى رأيت حتى استفتيت وفيه أن اليمين التي يعتد
بها في الحكم ما يقع بعد اذن الحاكم لان هلالا قال والله انى لصادق ثم لم يحتسب بها من كلمات
اللعان الخمس وتمسك به من قال بالغاء حكم القافة وتعقب بأن الغاء حكم الشبه هنا انما وقع
حيث عارضه حكم الظاهر بالشرع وانما يعتبر حكم القافة حيث لا يوجد ظاهر يتمسك به ويقع
الاشتباه فيرجع حينئذ إلى القافة والله أعلم * (قوله باب إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجت
بعد العدة زوجا غيره فلم يمسها) أي هل تحل للأول ان طلقها الثاني بغير مسيس * (تنبيه) * لم يفرد
كتاب العدة عن كتاب اللعان فيما وقفت عليه من النسخ ووقع في شرح ابن بطال قبل الباب الذي
يلي هذا وهو باب واللائي يئسن من المحيض كتاب العدة ولبعضهم أبواب العدة والأولى اثبات
ذلك هنا فان هذا الباب لا تعلق له باللعان لان الملاعنة لا تعود للذي لاعن منها ولو تزوجت غيره
سواء جامعها أم لم يجامع (قوله يحيى) هو ابن سعيد القطان وهشام هو ابن عروة وقوله حدثني
عثمان بن أبي شيبة الخ ساقه على لفظ عبدة وانما احتاج إلى رواية يحيى لتصريح هشام في روايته
بقوله حدثني أبي (قوله أن رفاعة القرظي) هو رفاعة القرظي ابن سموأل بفتح المهملة والميم
وسكون الواو بعدها همزة ثم لام والقرظي بالقاف والظاء المعجمة وقد تقدم ضبط قريظة والنضير
في أوائل المغازي (قوله تزوج امرأة) في رواية عمرو بن علي عند الإسماعيلي امرأة من بني قريظة
وسماها مالك من حديث عبد الرحمن بن الزبير نفسه كما أخرجه ابن وهب والطبراني
408

والدارقطني في الغرائب موصولا وهو في الموطأ مرسل تميمة بنت وهب وهى بمثناة واختلف
هل هي بفتحها أو بالتصغير والثاني أرجح ووقع مجزوما به في النكاح لسعيد بن أبي
عروبة من روايته عن قتادة وقيل اسمها سهيمة بسين مهملة مصغر أخرجه أبو نعيم
وكأنه تصحيف وعند ابن منده أميمة بألف أخرجها من طريق أبى صالح عن ابن عباس
وسمى أباها الحرث وهى واحدة اختلف في التلفظ باسمها والراجح الأول (قوله ثم طلقها فتزوجت
آخر) سماه مالك في روايته عبد الرحمن بن الزبير وأبوه بفتح الزاي واتفقت الروايات كلها عن
هشام بن عروة أن الزوج الأول رفاعة والثاني عبد الرحمن وكذا قال عبد الوهاب بن عطاء
عن سعيد بن أبي عروبة في كتاب النكاح له عن قتادة أن تميمة بنت أبي عبيد القرظية كانت تحت
رفاعة فطلقها فخلف عليها عبد الرحمن بن الزبير وتسميته لأبيها لا تنافى رواية مالك فلعل اسمه
وهب وكنيته أبو عبيد الا ما وقع عند ابن إسحاق في المغازي من رواية سلمة بن الفضل عنه وتفرد
به عنه عن هشام عن أبيه قال كانت امرأة من قريظة يقال لها تميمة تحت عبد الرحمن بن الزبير
فطلقها فتزوجها رفاعة ثم فارقها فأرادت أن ترجع إلى عبد الرحمن بن الزبير وهو مع ارساله
مقلوب والمحفوظ ما اتفق عليه الجماعة عن هشام وقد وقع لامرأة أخرى قريب من قصتها
فأخرج النسائي من طريق سليمان بن يسار عن عبد الله بن العباس أي ابن عبد المطلب أن
الغميصاء أو الرميصاء أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو من زوجها أنه لا يصل إليها فلم يلبث
ان جاء فقال إنها كاذبة ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول فقال ليس ذلك لها حتى تذوق
عسيلته ورجاله ثقات لكن اختلف فيه على سليمان بن يسار ووقع عند شيخنا في شرح الترمذي
عبد الله بن عباس مكبر وتعقب على ابن عساكر والمزي أنهما لم يذكرا هذا الحديث في الأطراف
ولا تعقب عليهما فإنهما ذكراه في مسند عبيد الله بالتصغير وهو الصواب وقد اختلف في
سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم الا أنه ولد في عصره فذكر كذلك في الصحابة واسم زوج
الغميصاء هذه عمرو بن حزم أخرجه الطبراني وأبو مسلم الكجي وأبو نعيم في الصحابة من طريق
حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن عمرو بن حزم طلق الغميصاء فتزوجها رجل
قبل أن يمسها فأرادت أن ترجع إلى زوجها الأول الحديث ولم أعرف اسم زوجها الثاني
ووقعت لثالثة قصة أخرى مع رفاعة رجل آخر غير الأول والزوج الثاني عبد الرحمن بن الزبير
أيضا أخرجه مقاتل بن حيان في تفسيره ومن طريقه ابن شاهين في الصحابة ثم أبو موسى في قوله
تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره قال نزلت في عائشة بنت عبد الرحمن بن عقيل
النضرية كانت تحت رفاعة بن وهب بن عتيك وهو ابن عمها فطلقها طلاقا بائنا فتزوجت بعده
عبد الرحمن بن الزبير ثم طلقها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إنه طلقني قبل أن يمسني
أفأرجع إلى ابن عمى زوجي الأول قال لا الحديث وهذا الحديث إن كان محفوظا فالواضح من
سياقه أنها قصة أخرى وان كلا من رفاعة القرظي ورفاعة النضري وقع له مع زوجة له طلاق
فتزوج كلا منهما عبد الرحمن بن الزبير فطلقها قبل أن يمسها فالحكم في قصتهما متحد مع تغاير
الأشخاص وبهذا يتبين خطأ من وجد بينهما ظنا منه أن رفاعة بن سموأل هو رفاعة بن وهب
فقال اختلف في امرأة رفاعة على خمسة أقوال فذكر الاختلاف في النطق بتميمة وضم إليها
409

عائشة والتحقيق ما تقدم ووقعت لأبى ركانة قصة أخرى سأذكرها آخر هذا الباب (قوله فأتت
النبي صلى الله عليه وسلم) في الكلام حذف تقديره يظهر من الروايات الأخرى فعند المصنف من
طريق أبى معاوية عن هشام فتزوجت زوجا غيره فلم يصل منها إلى شئ يريده وعند أبى عوانة
من طريق الدراوردي عن هشام فنكحها عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها وكذا في رواية
مالك ابن عبد الرحمن بن الزبير نفسه وزاد فلم يستطع أن يمسها وقوله فاعترض بضم المثناة
وآخره ضاد معجمة أي حصل له عارض حال بينه وبين اتيانها اما من الجن واما من المرض (قوله
فذكرت له أنه لا يأتيها) وقع في رواية أبى معاوية عن هشام فلم يقربني الا هنة واحدة ولم يصل منى
إلى شئ والهنة بفتح الهاء وتخفيف النون المرة الواحدة الحقيرة (قوله وانه ليس معه الا مثل
هدبة) بضم الهاء وسكون المهملة بعدها موحدة مفتوحة هو طرف الثوب الذي لم ينسج مأخوذ
من هدب العين وهو شعر الجفن وأرادت أن ذكره يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار
واستدل به على أن وطء الزوج الثاني لا يكون محللا ارتجاع الزوج الأول للمرأة الا إن كان
حال وطئه منتشرا فلو كان ذكره أشل أو كان هو عنينا أو طفلا لم يكف على أصح قولي العلماء وهو
الأصح عند الشافعية أيضا (قوله فقال لا) هكذا وقع من هذا الوجه مختصرا ووقع في رواية
أبى معاوية عن هشام بن عروة كما تقدم قريبا في باب من قال لامرأته أنت على حرام ولم يكن معه
الا مثل الهدبة فلم يقربني الا هنة واحدة ولم يصل منى إلى شئ أفأحل لزوجي الأول فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا تحلين لزوجك الأول الحديث وفى رواية الزهري عن عروة كما تقدم
أيضا في أوائل الطلاق وانما معه مثل الهدبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلك تريدين
أن ترجعي إلى رفاعة لا الحديث وسيأتى في اللباس من طريق أيوب عن عكرمة أن رفاعة طلق
امرأته فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير قالت عائشة فجاءت وعليها خمار أخضر فشكت إليها أي
إلى عائشة من زوجها وأرتها خضرة بجلدها فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والنساء
يبصرن بعضهن بعضا قالت عائشة ما رأيت ما يلقى المؤمنات لجلدها أشد خضرة من ثوبها وسمع
زوجها فجاء ومعه ابنان له من غيرها قالت والله مالي إليه من ذنب الا أن ما معه ليس بأغنى عنى
من هذه وأخذت هدبة من ثوبها فقال كذبت والله يا رسول الله انى لأنفضها نفض الأديم
ولكنها ناشزة تريد رفاعة قال فإن كان ذلك لم تحل له الحديث وكأن هذه المراجعة بينهما هي
التي حملت خالد بن سعيد بن العاص على قوله الذي وقع في رواية الزهري عن عروة فان في آخر
الحديث كما سيأتي في كتاب اللباس من طريق شعيب عنه قال فسمع خالد بن سعيد قولها وهو
بالباب فقال يا أبا بكر ألا تنهى هذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما يزيد
رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم وفيه ما كان الصحابة عليه من سلوك الأدب بحضرة
النبي صلى الله عليه وسلم وانكارهم على من خالف ذلك بفعله أو قوله لقول خالد بن سعيد لأبي بكر
الصديق وهو جالس ألا تنتهى هذه وانما قال خالد ذلك لأنه كان خارج الحجرة فاحتمل عنده أن
يكون هناك ما يمنعه من مباشرة نهيها بنفسه بأمر به أبا بكر لكونه كان جالسا عند النبي صلى الله
عليه وسلم مشاهدا لصورة الحال ولذلك لما رأى أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم عند
مقالتها لم يزجرها وتبسمه صلى الله عليه وسلم كان تعجبا منها اما لتصريحها بما يستحى النساء من
410

التصريح به غالبا واما لضعف عقل النساء لكون الحامل لها على ذلك شدة بغضها في الزوج
الثاني ومحبتها في الرجوع إلى الزوج الأول ويستفاد منه جواز وقوع ذلك * (تنبيه) * وقع
في جميع الطرق من قول خالد بن سعيد لأبي بكر ألا تنهى هذه عما تجهر به أي ترفع به صوتها
وذكره الداودي بلفظ تهجر بتقديم التاء على الجيم والهجر بضم الهاء الفحش من القول
والمعنى هنا عليه لكن الثابت في الروايات ما ذكرته وذكر عياض أنه وقع كذلك في غير الصحيح
وتقدم البحث في الشهادات مع من استدل بكلام خالد هذا لجواز الشهادة على الصوت (قوله
حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) كذا في الموضعين بالتصغير واختلف في توجيهه فقيل هي
تصغير العسل لان العسل مؤنث جزم به القزاز ثم قال وأحسب التذكير لغة وقال الأزهري
يذكر ويؤنث وقيل لان العرب إذا حقرت الشئ أدخلت فيه هاء التأنيث ومن ذلك قولهم
دريهمات فجمعوا الدرهم جمع المؤنث عند إرادة التحقير وقالوا أيضا في تصغير هند هنيدة وقيل
التأنيث باعتبار الوطأة إشارة إلى أنها تكفى في المقصود من تحليلها للزوج الأول وقيل المراد
قطعة من العسل والتصغير التقليل إشارة إلى أن
القدر القليل كاف في تحصيل الحل قال
الأزهري الصواب أن معنى العسيلة حلاوة الجماع الذي يحصل بتغييب الحشفة في الفرج وأنث
تشبيها بقطعة من عسل وقال الداودي صغرت لشدة شبهها بالعسل وقيل معنى العسيلة النطفة
وهذا يوافق قول الحسن البصري وقال جمهور العلماء ذوق العسيلة كناية عن المجامعة وهو
تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة وزاد الحسن البصري حصول الانزال وهذا الشرط انفرد
به عن الجماعة قاله ابن المنذر وآخرون وقال ابن بطال شذ الحسن في هذا وخالفه سائر الفقهاء
وقالوا يكفي من ذلك ما يوجب الحد ويحصن الشخص ويوجب كمال الصداق ويفسد الحج
والصوم قال أبو عبد العسيلة لذة الجماع والعرب تسمى كل شئ تستلذه عسلا وهو في التشديد
يقابل قول سعيد بن المسيب في الرخصة ويرد قول الحسن ان الانزال لو كان شرطا لكان كافيا
وليس كذلك لان كلا منهما إذا كان بعيد العهد بالجماع مثلا أنزل قبل تمام الايلاج وإذا أنزل
كل منهما قبل تمام الايلاج لم يذق عسيلة صاحبه لا ان فسرت العسيلة بالامناء ولا بلذة الجماع
قال ابن المنذر أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول الا سعيد بن المسيب ثم ساق بسنده
الصحيح عنه قال يقول الناس لا تحل للأول حتى يجامعها الثاني وأنا أقول إذا تزوجها تزويجا
صحيحا لا يريد بذلك احلالها للأول فلا بأس أن يتزوجها الأول وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة
وسعيد بن منصور وفيه تعقب على من استبعد صحته عن سعيد قال ابن المنذر وهذا القول لا نعلم
أحدا وافقه عليه الا طائفة من الخوارج ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن (قلت)
سياق كلامه يشرع بذلك وفيه دلالة على ضعف الخبر الوارد في ذلك وهو ما أخرجه النسائي من
رواية شعبة عن علقمة بن مرثد عن سالم بن رزين عن سالم بن عبد الله عن سعيد بن المسيب عن
ابن عمر رفعه في الرجل تكون له المرأة فيطلقها ثم يتزوجها آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها فترجع
إلى الأول فقال لا حتى تذوق العسيلة وقد أخرجه النسائي أيضا من رواية سفيان الثوري
عن علقمة بن مرثد فقال عن رزين بن سليمان الأحمري عن ابن عمر نحوه قال النسائي هذا أولى
بالصواب وانما قال ذلك لان الثوري أتقن وأحفظ من شعبة وروايته أولى بالصواب من وجهين
411

* أحدهما ان شيخ علقمة شيخهما هو رزين بن سليمان كما قال الثوري لا سالم بن رزين كما قال
شعبة فقد رواه جماعة عن علقمة كذلك منهم غيلان بن جامع أحد الثقات * ثانيهما أن الحديث
لو كان عند سعيد بن المسيب عن ابن عمر مرفوعا ما نسبه إلى مقالة الناس الذين خالفهم ويؤخذ
من كلام ابن المنذر ان نقل أبى جعفر النحاس في معاني القرآن وتبعه عبد الوهاب المالكي في
شرح الرسالة القول بذلك عن سعيد بن جبير وهم وأعجب منه أن أبا حبان جزم به عن السعيدين
سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ولا يعرف له سند عن سعيد بن جبير في شئ من المصنفات وكفى
قول ابن المنذر حجة في ذلك وحكى ابن الجوزي عن داود أنه وافق سعيد بن المسيب على ذلك
قال القرطبي ويستفاد من الحديث على قول الجمهور أن الحكم يتعلق بأقل ما ينطلق عليه
الاسم خلافا لمن قال لا بد من حصول جميعه وفى قوله حي تذوقي عسيلته إلى آخره اشعار
بامكان ذلك لكن قولها ليس معه الا مثل هذه الهدبة ظاهر في تعذر الجماع المشترط فأجاب
الكرماني بأن مرادها بالهدبة التشبيه بها في الدقة والرقة لا في الرخاوة وعدم الحركة واستبعد
ما قال وسياق الخبر يعطى بأنها شكت منه عدم الانتشار ولا يمنع من ذلك قوله صلى الله عليه
وسلم حتى تذوقي لأنه علقه على الامكان وهو جائز الوقوع فكأنه قال اصبري حتى يتأتى منه ذلك
وان تفارقا فلا بد لها من إرادة الرجوع إلى رفاعة من زوج آخر يحصل لها منه ذلك واستدل
باطلاق وجود الذوق منهما لاشتراط علم الزوجين به حتى لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم يكف ولو
أنزل هو وبالغ ابن المنذر فنقله عن جميع الفقهاء وتعقب وقال القرطبي فيه حجة لاحد القولين
في أنه لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم تحل وجزم ابن القاسم بأن وطء المجنون يحلل وخالفه
أشهب واستدل به على جواز رجوعها لزوجها الأول إذا حصل الجماع من الثاني لكن شرط
المالكية ونقل عن عثمان وزيد بن ثابت أن لا يكون في ذلك مخادعة من الزوج الثاني
ولا إرادة تحليلها للأول وقال الأكثر ان شرط ذلك في العقد فسد والا فلا واتفقوا على أنه إذا
كان في نكاح فاسد لم يحلل وشذ الحكم فقال يكفي وأن من تزوج أمة ثم بت طلاقها ثم ملكها
لم يحل له أن يطأها حتى تتزوج غيره وقال ابن عباس وبعض أصحابه والحسن البصري تحل له
بملك اليمين واختلفوا فيما إذا وطئها حائضا أو بعد أن طهرت قبل أن تطهر أو أحدهما صائم
أو محرم وقال ابن حزم أخذ الحنفية بالشرط الذي في هذا الحديث عن عائشة وهو زائد على
ظاهر القرآن ولم يأخذوا بحديثها في اشتراط خمس رضعات لأنه زائد على ما في القرآن فيلزمهم
الاخذ به أو ترك حديث الباب وأجابوا بأن النكاح عندهم حقيقة في الوطء فالحديث موافق
لظاهر القرآن واستدل بقولها بت طلاقي على أن البتة ثلاث تطليقات وهو عجب ممن استدل
به فان البت بمعنى القطع والمراد به قطع العصمة وهو أعم من أن يكون بالثلاث مجموعة أو بوقوع
الثالثة التي هي آخر ثلاث تطليقات وسيأتى في اللباس صريحا أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات
فبطل الاحتجاج به ونقل ابن العربي عن بعضهم أنه أورد على حديث الباب ما ملخصه أنه يلزم
من القول به اما الزيادة يخبر الواحد على ما في القرآن فيستلزم نسخ القرآن بالسنة التي لم تتواتر
أو حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين مع ما فيه من الالباس * والجواب عن الأول أن الشرط
إذا كان من مقتضيات اللفظ لم تكن اضافته نسخا ولا زيادة وعن الثاني أن النكاح في الآية
412

أضيف إليها وهى لا تتولى العقد بمجردها فتعين أن المراد به في حقها الوطء ومن شرطه اتفاقا أن
يكون وطأ مباحا فيحتاج إلى سبق العقد ويمكن أن يقال لما كان اللفظ محتملا للمعنيين بينت
السنة أنه لا بد من حصولهما فاستدل به على أن المرأة لاحق لها في الجماع لأن هذه المرأة شكت
أن زوجها لا يطؤها وان ذكره لا ينتشر وانه ليس معه ما يغنى عنها ولم يفسخ النبي صلى الله عليه
وسلم نكاحها بذلك ومن ثم قال إبراهيم بن إسماعيل بن علية وداود بن علي لا يفسخ بالعنة
ولا يضرب للعنين أجل وقال ابن المنذر اختلفوا في المرأة تطالب الرجل بالجماع فقال الأكثر ان
وطئها بعد أن دخل بها مرة واحدة لم يؤجل أجل العنين وهو قول الأوزاعي والثوري وأبي حنيفة
ومالك والشافعي واسحق وقال أبو ثور ان ترك جماعها لعلة أجل له سنة وإن كان لغير علة
فلا تأجيل وقال عياض اتفق كافة العلماء على أن للمرأة حقا في الجماع فيثبت الخيار لها إذا
تزوجت المجبوب والممسوح جاهلة بهما ويضرب للعنين أجل سنة لاحتمال زوال ما به وأما
استدلال داود ومن يقول بقوله بقصة امرأة رفاعة فلا حجة فيها لان في بعض طرقه أن الزوج
الثاني كان أيضا طلقها كما وقع عند مسلم صريحا من طريق القاسم عن عائشة قالت طلق رجل
امرأته ثلاثا فتزوجها رجل آخر فطلقها قبل أن يدخل بها فأراد زوجها الأول أن يتزوجها
فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا الحديث وأصله عند البخاري وقد تقدم في
أوائل الطلاق ووقع في حديث الزهري عن عروة كما سيأتي في اللباس في آخر الحديث بعد
قوله لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك قال ففارقته بعد زاد ابن جريج عن الزهري في هذا
الحديث أنها جاءت بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إنه يعنى زوجها الثاني مسها
فمنعها أن ترجع إلى زوجها الأول وصرح مقاتل بن حيان في تفسيره مرسلا أنها قالت يا رسول
الله انه كان مسني فقال كذبت بقولك الأول فلن أصدقك في الآخر وأنها أتت أبا بكر ثم عمر
فمنعاها وكذا وقعت هذه الزيادة الأخيرة في رواية ابن جريج المذكورة أخرجها عبد الرزاق
عنه ووقع عند مالك في الموطأ عن المسور بن رفاعة عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير زاد
خارج الموطأ فيما رواه ابن وهب عنه وتابعه إبراهيم بن طهمان عن مالك عند الدارقطني في
الغرائب عن أبيه أن رفاعة طلق امرأته تميمة بنت وهب ثلاثا فنكحها عبد الرحمن فاعترض عنها
فلم يستطع أن يمسها ففارقها فأراد رفاعة أن يتزوجها الحديث ووقع عند أبي داود من طريق
الأسود عن عائشة سئل رسول الله صلى الله عيه وسلم عن رجل طلق امرأته فتزوجت غيره
فدخل بها وطلقها قبل أن يواقعها أتحل للأول قال لا الحديث وأخرج الطبري وابن أبي شيبة
من حديث أبي هريرة نحوه والطبري أيضا والبيهقي من حديث أنس كذلك وكذا وقع في رواية
حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن عمرو بن حزم طلق الغميصاء فنكحها رجل
فطلقها قبل أن يمسها فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق
عسيلته وأخرجه الطبراني ورواته ثقات فإن كان حماد بن سلمة حفظه فهو حديث آخر
لعائشة في قصة أخرى غير قصة امرأة رفاعة وله شاهد من حديث عبيد الله بالتصغير ابن عباس
عند السنائي في ذكره الغميصاء لكن سياقه يشبه سياق قصة رفاعة كما تقدم في أول شرح هذا
الحديث وقد قدمت أنه وقع لكل من رفاعة بن سموأل ورفاعة بن وهب أنه طلق امرأته وان
413

كلا منهما تزوجها عبد الرحمن بن الزبير وان كلا منهما شكت أنه ليس معه الا مثل الهدبة
فلعل إحدى المرأتين شكته قبل أن يفارقها والاخرى بعد أن فارقها ويحتمل أن تكون القصة
واحدة ووقع الوهم من بعض الرواة في التسمية أو في النسبة وتكون المرأة شكت مرتين من
قبل المفارقة ومن بعدها والله أعلم وأما ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس قال طلق عبد
يزيد أبو ركانة أم ركانة ونكح امرأة من مزينة فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ما يغنى
عنى الا كما تغنى هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه قال فقال النبي صلى الله
عليه وسلم لعبد يزيد طلقها وراجع أم ركانة ففعل فليس فيه حجة لمسئلة العنين والله أعلم
بالصواب * (قوله باب واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم) سقط
لفظ باب لأبي ذر وكريمة وثبت للباقين ووقع عند ابن بطال كتاب العدة باب قول الله إلى آخره
والعدة اسم لمدة تتربص بها المرأة عن التزويج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها اما بالولادة أو بالأقراء
أو الأشهر (قوله قال مجاهد ان لم تعلموا يحضن أو لا يحضن) أي فسر قوله تعالى ان ارتبتم أي
لم تعلموا وقوله واللائي قعدن عن الحيض أي حكمهن حكم اللائي يئسن وقوله واللائي لم
يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر أي ان حكم اللائي لم يحضن أصلا ورأسا حكمهن في العدة حكم
اللائي يئسن فكان تقدير الآية واللائي لم يحضن كذلك لأنها وقعت بعد قوله فعدتهن ثلاثة
أشهر وأثر مجاهد هذا وصله الفريابي وتقدم بيانه في تفسير سورة الطلاق وأخرج ابن أبي حاتم
من طريق يونس عن الزهري قال الارتياب والله أعلم في المرأة التي تشك في قعودها عن الولد وفى
حيضها أتحيض أو لا وتشك في انقطاع حيضها بعد إن كانت تحيض وتشك في صغرها هل بلغت
المحيض أم لا وتشك في حملها أبلغت أن تحمل أو لا فما ارتبتم فيه من ذلك فالعدة فيه ثلاثة أشهر
وهذا الذي جزم به الزهري مختلف فيه فيمن انقطع حيضها بعد إن كانت تحيض فذهب أكثر
فقهاء الأمصار إلى أنها تنتظر الحيض إلى أن تدخل في السن الذي لا يحيض فيه مثلها فتعتد
حينئذ تسعة أشهر وعن مالك والأوزاعي تربص تسعة أشهر فان حاضت والا اعتدت ثلاثة
وعن الأوزاعي إن كانت شابة فسنة وحجة الشافعي والجمهور ظاهر القرآن فإنه صريح في الحكم
للآيسة والصغيرة واما التي تحيض ويتأخر حيضها فليست آيسة لكن لمالك في قوله سلف وهو عمر
فقد صح عنه ذلك وذهب الجمهور إلى أن المعنى في قوله إن ارتبتم أي في الحكم لا في اليأس (قوله
أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته) أي ابن عبد الأسد المخزومي وقد تقدم الحديث في تفسير الطلاق
من رواية أبى سلمة بن عبد الرحمن عن كريب عن أم سلمة وذلك لما وقعت المراجعة بينه وبين ابن
عباس في ذلك وتقدم بيان ذلك مشروحا هناك وقد رواه مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي
سلمة وفيه فدخل أبو سلمة على أم سلمة أورده المصنف هنا مختصرا وأورد القصة من وجهين آخرين
باختصار أيضا * الطريق الأولى طريق الأعرج أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن زينب بنت أبي
سلمة أخبرته عن أمها أم سلمة كذا رواه الأعرج عن أبي سلمة ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي
سلمة عن كريب عن أم سلمة كما تقدم في تفسير سورة الطلاق وفيه قصة لأبي سلمة مع ابن عباس وأبي هريرة
وأخرجه مسلم من طريق سليمان بن يسار أن ابن عباس وأبا سلمة اجتمعا عند أبي هريرة
فبعثوا كريبا إلى أم سلمة يسألها عن ذلك فذكرت القصة وهو شاهد لرواية الأعرج وأخرجه
414

مالك في الموطأ عن عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة قال دخلت على أم سلمة وأخرجه النسائي من
طريق داود بن أبي عاصم أن أبا سلمة أخبره فذكر قصته مع ابن عباس وأبي هريرة قال فأخبرني
رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه أحمد من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بن
إبراهيم التيمي عن أبي سلمة قال دخلت على سبيعة وهذا الاختلاف على أبى سلمة لا يقدح في صحة
الخبر فان لأبي سلمة اعتناء بالقصة من حين تنازع هو وابن عباس فيها فكأنه لما بلغه الخبر من
كريب عن أم سلمة لم يقتنع بذلك حتى دخل عليها ثم دخل على سبيعة صاحبة القصة نفسها
ثم تحملها عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الرجل يحتمل أن يكون
هو المسور بن مخرمة كما يأتي في الطريق الثالثة ويحتمل أن يكون أبا هريرة فان في آخر الحديث
عند النسائي فقال أبو هريرة أشهد على ذلك فيحتمل أن يكون أبو سلمة أبهمه أولا لما قال أخبرني
رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ما أخرجه عبد بن حميد من رواية صالح
ابن أبي حسان عن أبي سلمة فذكر قصته مع ابن عباس وأبي هريرة قال فأرسلوا إلى عائشة
فذكرت حديث سبيعة فهو شاذ وصالح بن أبي حسان مختلف فيه ولعل هذا هو سبب الوهم الذي
حكاه الحميدي عن ابن مسعود وذكرته في تفسير الطلاق ووقع في رواية أبان العطار عن يحيى
ابن أبي كثير في هذا الحديث أن ابن عباس احتج بقوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون
أزواجا وان أبا سلمة قال له يا ابن عباس أقال الله آخر الأجلين أرأيت لو مضت أربعة أشهر وعشر
ولم تضع أتتزوج فقال لغلامه اذهب إلى أم سلمة * الطريق الثانية (قوله الليث عن يزيد) قال
الدمياطي في حواشيه هو ابن عبد الله بن الهاد ووهم في ذلك وانما هو ابن أبي حبيب كذا أخرجه
أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه وكذا
أخرجه الطبراني من طريق عبد الله بن صالح عن الليث (قوله أن ابن شهاب كتب إليه) هو حجة
في جواز الرواية بالمكاتبة وقد سبق في غزوة بدر من المغازي معلقا عن الليث عن يونس عن ابن
شهاب أتم سياقا مما هنا ووصله مسلم من طريق ابن وهب عن يونس كذلك ووافقه الزبيدي
عن ابن شهاب أخرجه ابن حبان وأخرجه الطبراني من طريق عقيل عن ابن شهاب فخالف
في بعض رواته (قوله عن أبيه) هو عبد الله بن عتبة بن مسعود وقد سلف في تفسير الطلاق أن
ابن سيرين حدث به عن عبد الله بن عتبة عن سبيعة فيحتمل أن يكون عبد الله بن عتبة لقى سبيعة
بعد أن كان بلغه عنها ممن سيذكر من الوسائط ويحتمل أن يكون أرسله عنها لابن سيرين وأخرجه
أحمد من طريق قتادة عن خلاس عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود أن
سبيعة بنت الحرث الحديث (قوله أنه كتب إلى ابن الأرقم) جزم جمع من الشراح أنه عبد الله
ابن الأرقم الزهري الصحابي المشهور ووهموا في ذلك وانما هو ولده عمر بن عبد الله كذلك وقع واضحا
مفسرا في رواية يونس وليس لعمر المذكور في الصحيحين سوى هذا الحديث الواحد ووقع في
رواية عقيل عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه كتب إليه أن الق سبيعة
فسلها كيف قضى لها قال فأخبرني زفر بن أوس بن الحدثان أن سبيعة أخبرته والقائل أخبرني
زفر هو عبيد الله بن عبد الله بين ذلك النسائي في روايته من طريق أبى زيد بن أنيسة عن يزيد بن أبي
حبيب عن ابن شهاب ووضح بذلك أن لابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فيه طريقين
415

* الطريق الثالثة رواية هشام بن عروة عن أبية عن المسور بن مخرمة ان سبيعة الأسلمية نفست
وهذا يحتمل أن يكون المسور حمله أو أرسله عن سبيعة أو حضر القصة فإنه حفظ خطبة النبي صلى
الله عليه وسلم في شأن فاطمة الزهراء وكانت قبل قصة سبيعة فلعله حضر قصة سبيعة أيضا (قوله
في الطريق الأولى أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة) هي بمهملة وموحدة ثم مهملة تصغير سبع
ووقع في المغازي سبيعة بنت الحرث وذكرها ابن سعد في المهاجرات ووقع في رواية لابن اسحق
عند أحمد سبيعة بنت أبي برزة الأسلمي فإن كان محفوظا فهو أبو برزة آخر غير الصحابي المشهور
وهو اما كنية للحرث والد سبيعة أو نسبت في الرواية المذكورة إلى جد لها (قوله كانت تحت
زوجها) تقدم في غزوة بدر أيضا تسميته سعد بن خولة وفيه أنه من بنى عامر بن لؤي وثبت فيه
أنه كان من حلفائهم (قوله توفى عنها) تقدم هناك أنه توفى في حجة الوداع ونقل ابن عبد البر
الاتفاق على ذلك وفى ذلك نظر فقد ذكر محمد بن سعد أنه مات قبل الفتح وذكر الطبري أنه مات سنة
سبع وقد ذكرت شيئا من ذلك في كتاب الوصايا وتقدم في تفسير الطلاق أنه قتل ومعظم الروايات
على أنه مات وهو المعتمد ووقع للكرماني لعل سبيعة قالت قتل بناء على ظن منها في ذلك فتبين
أنه لم يقتل وهذا الجمع يمجه السمع وإذا ظنت سبيعة أنه قتل ثم تبين لها أنه لم يقتل فكيف تجزم بعد
دهر طويل بأنه قتل فالمعتمد أن الرواية التي فيها قتل إن كانت محفوظة ترجحت لأنها لا تنافى مات
أو توفى وان لم يكن في نفس الامر قتل فهي رواية شاذة (قوله فخطبها أبو السنابل) بمهملة ونون
ثم موحدة جمع سنبلة اختلف في اسمه فقيل عمرو قاله ابن البرقي عن ابن هشام عمن يثق به عن
الزهري وقيل عامر روى عن ابن إسحاق وقيل حبة بموحدة بعد المهملة وقيل بنون وقيل
لبيدريه وقيل أصرم وقيل عبد الله ووقع في بعض الشروح وقيل بغيض (قلت) وهو
غلط والسبب فيه أن بعض الأئمة سئل عن اسمه فقال بغيض يسأل عن بفيض فظن الشارح
أنه اسمه وليس كذلك لان في بقية الخبر اسمه لبيدريه وجزم العسكري بأن اسمه كنيته وبعكك
بموحدة ثم مهملة ثم كافين بوزن جعفر بن الحرث بن عميلة بن السباق بن عبد الدار وكذا نسبه
ابن إسحاق وقيل هو ابن بعكك بن الحجاج بن الحرث بن السباق نقل ذلك عن ابن الكلبي ابن
عبد البر قال وكان من المؤلفة وسكن الكوفة وكان شاعرا ونقل الترمذي عن البخاري أنه
قال لا يعلم أن أبا السنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال لكن جزم ابن سعد أنه
بقى بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمنا وقال ابن منده في الصحابة عداده في أهل الكوفة وكذا
قال أبو نعيم أنه سكن الكوفة وفيه نظر لان خليفة قال أقام بمكة حتى مات وتبعه ابن عبد
البر ويؤيد كونه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم قول ابن البرقي أن أبا السنابل تزوج سبيعة
بعد ذلك وأولدها سنابل بن أبي السنابل ومقتضى ذلك أن يكون أبو السنابل عاش بعد النبي
صلى الله عليه وسلم لأنه وقع في رواية عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة أنها تزوجت الشاب وكذا
في رواية داود بن أبي عاصم أنها تزوجت فتى من قومها وتقدم أن قصتها كانت بعد حجة الوداع
فيحتاج إن كان الشاب دخل عليها ثم طلقها إلى زمان عدة منه ثم إلى زمان الحمل حتى تضع وتلد
سنابل حتى صار أبوه يكنى به أبا السنابل وقد أفاد محمد بن وضاح فيما حكاه ابن بشكوال وغيره عنه
أن اسم الشاب الذي خطب سبيعة هو وأبو السنابل فأثرته على أبى السنابل أبو البشر بن الحرث
416

وضبطه بكسر الموحة وسكون المعجمة وقد أخرج الترمذي والنسائي قصة سبيعة من رواية
الأسود عند أبي السنابل بسند على شرط الشيخين إلى الأسود وهو من كبار التابعين من أصحاب
ابن مسعود ولم يوصف بالتدليس فالحديث صحيح على شرط مسلم لكن البخاري على قاعدته
في اشتراط ثبوت اللقاء ولو مرة فلهذا قال ما نقله الترمذي (قوله فأبت أن تنكحه) وقع في رواية
الموطأ فخطبها رجلان أحدهما شاب وكهل فحطت إلى الشاب فقال الكهل لم تحلى وكان
أهلها غيبا فرجا أن يؤثروه بها (قوله فقالت والله ما يصلح أن تنكحيه حتى تعتدي آخر
الأجلين فمكثت قريبا من عشر ليال ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال انكحي) قال
عياض هكذا وقع عند جميعهم فقالت والله ما يصلح الا لابن السكن فعنده فقال مكان فقالت
وهو الصواب (قلت) وكذا في الأصل الذي عندنا من رواية أبي ذر عن مشايخه بل قال ابن التين
انه عند جميعهم فقال الا عند القابسي فقالت بزيادة التاء وهذا أقرب مما قال عياض ثم قال
عياض والحديث مبتور نقص منه قولها فنفست بعد ليال فخطبت الخ (قلت) قد ثبت المحذوف
في رواية ابن ملحان التي أشرت إليها عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه ولفظه فمكثت قريبا من
عشرين ليلة ثم نفست وقد وقع للبخاري اختصار المتن في الطريق الثانية بأبلغ من هذا فإنه اقتصر
منه على قوله إنه كتب إلى ابن أرقم أن يسال سبيعة الأسلمية كيف أفتاها النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت أفتاني إذا حللت أن أنكح فأبهم اسم ابن أرقم ونسبه إلى جده كما نبهت عليه وطوى ذكر
أكثر القصة وتقديره فأتاها فسألها فأخبرته فكتب إليه الجواب انى سألتها فذكرت القصة وفى
آخرها فقالت إلى آخره وقد وقع بيانه واضحا في تفسير الطلاق من رواية يونس عن الزهري وفيه
فكتب عمر بن عبد الله بن الأرقم إلى عبد الله بن عتبة يخبره أن سبيعة بنت الحرث أخبرته أنها
كانت تحت سعد بن خولة فتوفى عنها في حجة الوداع وهى حامل فلم تنشب أن وضعت حملها فلما
تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بنى عبد الدار
فقال مالي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح فإنك والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة
أشهر وعشر قالت سبيعة فلما قال لي ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت فاتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج ان بدا لي
وقوله في هذه الطريق الثانية فمكثت قريبا من عشر ليال ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم قد
يخالف في الظاهر قوله في رواية الزهري المذكورة فلما قال لي ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت
فإنه ظاهر في أنها توجهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مساء اليوم الذي قال لها فيه أبو
السنابل ما قال ويمكن الجمع بينهما أن يحمل قولها حين أمسيت على إرادة وقت توجهها ولا يلزم
منه أن يكون ذلك في اليوم الذي قال لها فيه ما قال (قوله في الرواية الثالثة ان سبيعة نفست)
بضم النون وكسر الفاء أي ولدت (قوله بعد وفاة زوجها بليال) كذا أبهم المدة وكذا في رواية
سليمان بن يسار عند مسلم مثله وفى رواية الزهري فلم تنشب أن وضعت ووقع في رواية محمد بن
إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن سبيعة عند أحمد فلم أمكث الا شهرين حتى وضعت وفى رواية
داود بن أبي عاصم فولدت لأدنى من أربعة أشهر وهذا أيضا مبهم وفى رواية يحيى بن أبي كثير
الماضية في تفسير الطلاق فوضعت بعد موته بأربعين ليلة كذا في رواية شيبان عنه وفى
417

رواية حجاج الصواف عند النسائي بعشرين ليلة ووقع عند ابن أبي حاتم من رواية أيوب عن
يحيى بعشرين ليلة أو خمس عشرة ووقعت في رواية الأسود فوضعت بعد وفاة زوجها بثلاثة
وعشرين يوما أو خمسة وعشرين يوما كذا عند الترمذي والنسائي وعند ابن ماجة ببضع
وعشرين ليلة وكأن الراوي ألغى الشك وأتى بلفظ يشمل الامرين ووقع في رواية عبد ربه بن
سعيد بنصف شهر وكذا في رواية شعبة بلفظ خمسة عشر نصف شهر وكذا في حديث ابن مسعود
عند أحمد والجمع بين هذه الروايات متعذر لاتحاد القصة ولعل هذا هو السر في ابهام من أبهم المدة
إذ محل الخلاف أن تضع لدون أربعة أشهر وعشر وهو هنا كذلك فأقل ما قيل في هذه الروايات
نصف شهر وأما ما وقع في بعض الشروح أن في البخاري رواية عشر ليال وفى رواية للطبراني
ثمان أو سبع فهو في مدة اقامتها بعد الوضع إلى أن استفتت النبي صلى الله عليه وسلم لا في مدة
بقية الحمل وأكثر ما قيل فيه بالتصريح شهرين وبغيره دون أربعة أشهر وقد قال جمهور العلماء من
السلف وأئمة الفتوى في الأمصار ان الحامل إذا مات عنها زوجها تحل بوضع الحمل وتنقضي
عدة الوفاة وخالف في ذلك على فقال تعتد آخر الأجلين ومعناه أنها ان وضعت قبل مضى أربعة
أشهر وعشر تربصت إلى انقضائها ولا تحل بمجرد الوضع وان انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى
الوضع أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن علي بسند صحيح وبه قال ابن عباس كما في هذه
القصة ويقال انه رجع عنه ويقويه أن المنقول عن أتباعه وفاق الجماعة في ذلك وتقدم في تفسير
الطلاق أن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنكر على ابن سيرين القول بانقضاء عدتها بالوضع وأنكر أن
يكون ابن مسعود قال بذلك وقد ثبت عن ابن مسعود من عدة طرق أنه كان يوافق الجماعة حتى
كان يقول من شاء لاعنته على ذلك ويظهر من مجموع الطرق في قصة سبيعة أن أبا السنابل رجع
عن فتواه أو لا أنها لا تحل حتى تمضى مدة عدة الوفاة لأنه قد روى قصة سبيعة ورد النبي صلى الله
عليه وسلم ما أفتاها أبو السنابل به
من أنها لا تحل حتى يمضى لها أربعة أشهر وعشر ولم يرد عن أبي
السنابل تصريح في حكمها لو انقضت المدة قبل الوضع هل كان يقول بظاهر اطلاقه من انقضاء
العدة أو لا لكن نقل غير واحد الاجماع على أنها لا تنقضى في هذه الحالة الثانية حتى تضع وقد
وافق سحنون من المالكية عليا نقله المازري وغيره وهو شذوذ مردود لأنه احداث خلاف بعد
استقرار الاجماع والسبب الحامل له الحرص على العمل بالآيتين اللتين تعارض عمومهما
فقوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا عام
في كل من مات عنها زوجها يشمل الحامل وغيرها وقوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن
يضعن حملهن عام أيضا يشمل المطلقة والمتوفى عنها فجمع أولئك بين العمومين بقصر الثانية على
المطلقة بقرينة ذكر عدد المطلقات كالآيسة والصغيرة قبلهما ثم لم يهملوا ما تناولته الآية
الثانية من العموم لكن قصروه على من مضت عليها المدة ولم تضع فكان تخصيص بعض العموم
أولى وأقرب إلى العمل بمقتضى الآيتين من الغاء أحدهما في حق بعض من شمله العموم قال
القرطبي هذا نظر حسن فان الجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول لكن حديث سبيعة
نص بأنها تحل بوضع الحمل فكان فيه بيان للمراد بقوله تعالى يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر
وعشرا أنه في حق من لم تضع والى ذلك أشار ابن مسعود بقوله ان آية الطلاق نزلت بعد آية
418

البقرة وفهم بعضهم منه أنه يرى نخخ الأولى بالأخيرة وليس ذلك مراده وانما يعنى أنها مخصصة
لها فإنها أخرجت منها بعض متناولاتها وقال ابن عبد البر لولا حديث سبيعة لكان القول ما قال
على وابن عباس لأنهما عدتان مجتمعان بصفتين وقد اجتمعتا في الحامل المتوفى عنها زوجها
فلا تخرج من عدتها الا بيقين واليقين آخر الأجلين وقد اتفق الفقهاء من أهل الحجاز والعراق
أن أم الولد لو كانت متزوجة فمات زوجها ومات سيدها معا أن عليها أن تأتى بالعدة والاستبراء
بأن تتربص أربعة أشهر وعشرا فيها حيضة أو بعدها ويترجح قول الجمهور أيضا بأن الآيتين وان
كانتا عامتين من وجه خاصتين من وجه فكان الاحتياط أن لا تنقضى العدة الا بآخر الأجلين
لكن لما كان المعنى المقصور الأصلي من العدة براءة الرحم ولا سيما فيمن تحيض يحصل المطلوب
بالوضع ووافق ما دل عليه حديث سبيعة ويقويه قول ابن مسعود في تأخر نزول آية الطلاق عن
آية البقرة واستدل بقوله فأفتاني بأني حللت حين وضعت حملي بأنه يجوز العقد عليها إذا
وضعت ولو لم تطهر من دم النفاس وبه قال الجمهور والى ذلك أشار ابن شهاب في آخر حديثه عند
مسلم بقوله ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها غير أنه لا يقربها زوجها حتى
تطهر وقال الشعبي والحسن والنخعي وحماد بن سلمة لا تنكح حتى تطهر قال القرطبي وحديث
سبيعة حجة عليهم ولا حجة لهم في قوله في بعض طرقه فلما تعلت من نفاسها لان لفظ تعلت كما يجوز
أن يكون معناه طهرت جاز أن يكون استعلت من ألم النفاس وعلى تقدير تسليم الأول فلا حجة
فيه أيضا لأنها حكاية واقعة سبيعة والحجة انما هو في قول النبي صلى الله عليه وسلم انها حلت حين
وضعت كما في حديث الزهري المتقدم ذكره وفى رواية معمر عن الزهري حللت حين وضعت
حملك وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي بن كعب أن امرأته أم الطفيل قالت لعمر قد أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيعة أن تنكح إذا وضعت وهو ظاهر القرآن في قوله تعالى أن
يضعن حملهن فعلق الحل بحين الوضع وقصره عليه ولم يقل إذا طهرت ولا إذا انقطع دمك فصح
ما قال الجمهور وفى قصة سبيعة من الفوائد أن الصحابة كانوا يفتون في حياة النبي صلى الله عليه
وسلم وان المفتى إذا كان له ميل إلى الشئ لا ينبغي له أن يفتى فيه لئلا يحمله الميل إليه على ترجيح ما
هو مرجوح كما وقع لأبي السنابل حيث أفتى سبيعة أنها لا تحل بالوضع لكونه كان خطبها فمنعته
ورجا أنها إذا قبلت ذلك منه وانتظرت مضى المدة حضر أهلها فرغبوها في زواجه دون غيره
وفيه ما كان في سبيعة من الشهامة والفطنة حيث ترددت فيما أفتاها به حتى حملها ذلك على
استيضاح الحكم من الشارع وهكذا ينبغي لمن ارتاب في فتوى المفتى أو حكم الحاكم في
مواضع الاجتهاد أن يبحث عن النص في تلك المسئلة ولعل ما وقع من أبى السنابل من ذلك هو
السر في اطلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كذب في الفتوى المذكورة كما أخرجه أحمد من
حديث ابن مسعود على أن الخطا قد يطلق عليه الكذب وهو في كلام أهل الحجاز كثير وحمله
بعض العلماء على ظاهره فقال انما كذبه لأنه كان عالما بالقصة وأفتى بخلافه حكاه ابن داود عن
الشافعي في شرح المختصر وهو بعيد وفيه الرجوع في الوقائع إلى الأعلم ومباشرة المرأة السؤال
عما ينزل بها ولو كان مما يستحى النساء من مثله لكن خروجها من منزلها ليلا يكون أستر لها كما
فعلت سبيعة وفيه أن الحامل تنقضى عدتها بالوضع على أي صفة كان من مضغة أو من علقة
419

سواء استبان خلق الآدمي أم لا لأنه صلى الله عليه وسلم رتب الحل على الوضع من غير تفصيل
وتوقف ابن دقيق العيد فيه من جهة أن الغالب في اطلاق وضع الحامل هو الحمل التام المتخلق وأما
خروج المضغة أو العلقة فهو نادر والحمل على الغالب أقوى ولهذا نقل عن الشافعي قول بأن
العدة لا تنقضى بوضع قطعة لحم ليس فيها صورة بينة ولا خفية وأجيب عن الجمهور بأن المقصود
في انقضاء العدة براءة الرحم وهو حاصل بخروج المضغة أو العلقة بخلاف أم الولد فان المقصود
منها الولادة وما لا يصدق عليه أنه أصل آدمي لا يقال فيه ولدت وفيه جواز تجمل المرأة بعد
انقضاء عدتها لمن يخطبها لان في رواية الزهري التي في المغازي فقال مالي أراك تجملت للخطاب
وفى رواية ابن إسحاق فتهيأت للنكاح واختضبت وفى رواية معمر عن الزهري عند أحمد فلقيها
أبو السنابل وقد اكتحلت وفى رواية الأسود فتطيبت وتصنعت وذكر الكرماني أنه وقع في
بعض طرق حيث سبيعة أن زوجها مات وهى حالة وفى معظمها حامل وهو الأشهر لان الحمل
من صفات النساء فلا يحتاج إلى علامة التأنيث ووجه الأول أنه أريد بأنها ذات حمل بالفعل كما
قيل في قوله تعالى تذهل كل مرضعة فلو أريد أن الارضاع من شأنها لقيل كل مرضع اه‍ والذي
وقفنا عليه في جميع الروايات وهى حامل وفى كلام أبى السنابل لست بناكح واستدل به على
أن المرأة لا يجب عليها التزويج لقولها في الخبر من طريق الزهري وأمرني بالتزويج ان بدا لي وهو
مبين للمراد من قوله في رواية سليمان بن يسار وأمرها بالتزويج فيكون معناه وأذن لها وكذا
ما وقع في الطريق الأولى من الباب فقال انكحي وفى رواية ابن إسحاق عند أحمد فقد حللت
فتزوجي ووقع في رواية الأسود عن أبي السنابل عند ابن ماجة في آخره فقال إن وجدت زوجا
صالحا فتزوجي وفى حديث ابن مسعود عند أحمد إذا أتاك أحد ترضينه وفيه أن الثيب لا تزوج
الا برضاها من ترضاه ولا اجبار لاحد عليها وقد تقدم بيانه في غير هذا الحديث * (قوله
باب قول الله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) سقط لفظ باب لأبي ذر
والمراد بالمطلقات هنا ذوات الحيض كما دلت عليه آية سورة الطلاق المذكورة قبل والمراد
بالتربص الانتظار وهو خبر بمعنى الامر وقرأ الجمهور قروء بالهمز وعن نافع بتشديد الواو بغير همز
(قوله وقال إبراهيم) هو النخعي (فيمن تزوج في العدة فحاضت عنده ثلاث حيض بانت من الأول
ولا تحتسب به لمن بعده وقال الزهري تحتسب وهذا أحب إلى سفيان) زاد في نسخة الصغاني يعنى
قول الزهري وصله ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان وهو الثوري عن مغيرة عن
إبراهيم في رجل طلق فحاضت فتزوجها رجل فحاضت قال بانت من الأول ولا تحتسب للذي بعده
وعن سفيان عن معمر عن الزهري تحتسب قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا ممن قال الأقراء
الاطهار يقول هذا غير الزهري قال ويلزم على قوله إن المعتدة لا تحل حتى تدخل في الحيضة
الرابعة وقد اتفق علماء المدينة من الصحابة فمن بعدهم وكذا الشافعي ومالك وأحمد واتباعهم على
أنها إذا طعنت في الحيضة الثالثة طهرت بشرط أن يقع طلاقها في الطهر واما لو وقع في الحيض لم
تعتد بتلك الحيضة وذهب الجمهور إلى أن من اجتمعت عليها عدتان أنها تعتد عدتين وعن الحنفية
ورواية عن مالك يكفي لها عدة واحدة كقول الزهري والله أعلم (قوله وقال معمر يقال أقرأت المرأة
الخ) معمر هو أبو عبيدة بن المثنى وقد تقدم بيان ذلك عنه في أوائل تفسير سورة النور وقوله
420

بسلى بكسر الموحدة وفتح المهملة والتنوين بغير همز السلى هو غشاء الولد وقال الأخفش أقرأت
المرأة إذا صارت ذات حيض والقرء انقضاء الحيض ويقال هو الحيض نفسه ويقال هو من
الأضداد ومراد أبى عبيدة أن القرء يكون بمعنى الطهر وبمعنى الحيض وبمعنى الضم والجمع وهو
كذلك وجزم به ابن بطال وقال لما احتملت الآية واختلف العلماء في المراد بالأقراء فيها ترجح قول
من قال إن الأقراء الاطهار بحديث ابن عمر حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق في
الطهر وقال في حديثه فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء فدل على أن المراد بالأقراء
الاطهار والله أعلم (قوله قصة فاطمة بنت قيس) كذا لأكثر ولبعضهم باب وبه جزم ابن بطال
والإسماعيلي وفاطمة هي بنت قيس بن خالد من بنى محارب بن فهر بن مالك وهى أخت الضحاك بن
قيس الذي ولى العراق ليزيد بن معاوية وقتل بمرج راهط وهو من صغار الصحابة وهى أسن منه
وكانت من المهاجرات الأول وكان لها عقل وجمال وتزوجها أبو عمرو بن حفص ويقال أبو حفص
ابن عمرو بن المغيرة المخزومي وهو ابن عم خالد بن الوليد بن المغيرة فخرج مع علي لما بعثه النبي صلى
الله عليه وسلم إلى اليمن فبعث إليها بتطليقة ثالثة بقيت لها وأمر ابني عميه الحرث بن هشام وعياش
ابن أبي ربيعة أن يدفعا لها تمرا وشعيرا فاستقلت ذلك وشكت إلى النبي صلى الله عيه وسلم فقال
لها ليس لك سكنى ولا نفقة هكذا أخرج مسلم قصتها من طرق متعددة عنها ولم أرها في البخاري
وانما ترجم لها كما ترى وأورد أشياء من قصتها بطريق الإشارة إليها ووهم صاحب العمدة وأورد
حديثها بطوله في المتفق واتفقت الروايات عن فاطمة على كثرتها عنها أنها بانت بالطلاق ووقع
في آخر صحيح مسلم في حديث الجساسة عن فاطمة بنت قيس نكحت ابن المغيرة وهو من خيار شباب
قريش يومئذ فأصيب في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما تأيمت خطبني أبو جهم
الحديث وهذه الرواية وهم ولكن أولها بعضهم على أن المراد أصيب بجراحة أو أصيب في ماله
أو نحو ذلك حكاه النووي وغيره والذي يظهر أن المراد بقولها أصيب أي مات على ظاهره وكان
في بعث على إلى اليمن فيصدق أنه أصيب في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في طاعة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من ذلك أن تكون بينونتها منه بالموت بل بالطلاق السابق
على الموت فقد ذهب جمع جم إلى أنه مات مع علي باليمن وذلك بعد أن أرسل إليها بطلاقها فإذا
جمع بين الروايتين استقام هذه التأويل وارتفع الوهم ولكن يبعد بذلك قول من قال إنه بقى إلى
خلافة عمر (قوله وقول الله عز وجل واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن الآية) كذا
للأكثر وللنسفي بعد قوله بيوتهن إلى قوله بعد عسر يسرا وساق الآيات كلها إلى يسرا في
رواية كريمة (قوله إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله يحيى بن سعيد بن العاص) أي ابن سعيد
ابن العاص بن أمية وكان أبوه أمير المدينة لمعاوية ويحيى هو أخو عمرو بن سعيد المعروف
بالأشدق (قوله طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم) هي بنت أخي مروان الذي كان أمير المدينة
أيضا لمعاوية حينئذ وولى الخلافة بعد ذلك واسمها عمرة فيما قيل وسيأتى في الخبر الثالث أنه طلقها
البتة (قوله قال مروان في حديث سليمان ان عبد الرحمن غلبني) وهو موصول بالاسناد المذكور
إلى يحيى بن سعيد وهو الذي فصل بين حديثي شيخيه فساق ما اتفقنا عليه ثم بين لفظ سليمان وهو
ابن يسار وحده ولفظ القاسم بن محمد وحده وقول مروان ان عبد الرحمن غلبني أي لم يطعني
421

في ردها إلى بيتها وقيل مراده غلبني بالحجة لأنه احتج بالشر الذي كان بينهما (قوله قالت لا يضرك
أن لا تذكر حديث فاطمة) أي لأنه لا حجة فيه لجواز انتقال المطلقة من منزلها بغير سبب (قوله
فقال مروان بن الحكم إن كان بك شر) أي إن كان عندك أن سبب خروج فاطمة ما وقع بينها
وبين أقارب زوجها من الشر فهذا السبب موجود ولذلك قال فحسبك ما بين هذين من الشر وهذا
مصير من مروان إلى الرجوع عن رد خبر فاطمة فقد كان أنكر ذلك على فاطمة بنت قيس كما
أخرجه النسائي من طريق شعيب عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عمرو
ابن عثمان بن عفان طلق بنت سعيد بن زيد البتة وأمها حزمة بنت قيس فأمرتها خالتها فاطمة بنت
قيس بالانتقال فسمع بذلك مروان فأنكر فذكرت أن خالتها أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أفتاها بذلك فأرسل مروان قبيصة بن ذؤيب إلى فاطمة يسألها عن ذلك فذكرت الحديث
وأخرجه مسلم من طريق معمر عن الزهري دون ما في أوله وزاد فقال مروان لم يسمع هذا الحديث
الا من امرأة فسنأخذ بالعمصة التي وجدنا عليها الناس وسيأتى له طريق أخرى في الباب الذي
بعده فكأن مروان أنكر الخروج مطلقا ثم رجع إلى الجواز بشرط وجود عارض يقتضى جواز
خروجها من منزل الطلاق كما سيأتي (قوله حدثنا محمد بن بشار) كذا في الروايات التي اتصلت
لنا من طريق الفربري وكذا أخرجه الإسماعيلي من ابن عبد الكريم عن بندار وهو محمد
ابن بشار وقال المزي في الأطراف أخرجه البخاري عن محمد غير منسوب وهو محمد بن بشار كذا
نسبه أبو مسعود (قلت) ولم أره غير منسوب الا في رواية النسفي عن البخاري وكأنه وقع كذلك في
أطراف خلف ومنها نقل المزي ولم أنبه على هذا الموضع في المقدمة اعتمادا على ما اتصل لنا من
الروايات إلى الفربري (قوله عن عائشة أنها قالت ما لفاطمة ألا تتقى الله يعنى في قولها لا سكنى
ولا نفقة) وقع في رواية مسلم من هذا الوجه ما لفاطمة خير أن تذكر هذا كأنها تشير إلى أن سبب
الاذن في انتقال فاطمة ما تقدم في الخبر الذي قبله ويؤيده ما أخرج النسائي من طريق ميمون
ابن مهران قال قدمت المدينة فقلت لسعيد بن المسيب ان فاطمة بنت قيس طلقت فخرجت من
بيتها فقال إنها كانت لسنة ولابى داود من طريق سليمان بن يسار انما كان ذلك من سوء الخلق
(قوله سفيان) هو الثوري (قوله قال عروة) أي ابن الزبير (لعائشة ألم ترى إلى فلانة بنت
الحكم) نسبها إلى جدها وهى بنت عبد الرحمن بن الحكم كما في الطريق الأولى (قوله فقالت بئس
ما صنعت) في رواية الكشميهني ما صنع أي زوجها في تمكينها من ذلك أو أبوها في موافقتها ولهذا
أرسلت عائشة إلى مروان عمها وهو الأمير أن يردها إلى منزل الطلاق (قوله ألم تسمعي قول
فاطمة) يحتمل أن يكون فاعل قال هو عروة (قوله قالت أما انه ليس لها خير في ذكر هذا الحديث)
في رواية مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه تزوج يحيى بن سعيد بن العاص بنت عبد
الرحمن بن الحكم فطلقها وأخرجها فأتيت عائشة فأخبرتها فقالت ما لفاطمة خير في أن تذكر
هذا الحديث كأنها تشير إلى ما تقدم وأن الشخص لا ينبغي له أن يذكر شيئا عليه فيه غضاضة
(قوله وزاد ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عابت عائشة أشد العيب وقالت إن فاطمة
كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم) وصله أبو
داود من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد بلفظ لقد عابت وزاد يعنى فاطمة بنت
422

قيس وقوله وحش بفتح الواو وسكون المهملة بعدها معجمة أي خال لا أنيس به ولرواية ابن أبي
الزناد هذه شاهد من رواية أبى أسامة عن هشام بن عروة لكن قال عن أبيه عن فاطمة بنت قيس
قالت قلت يا رسول الله ان زوجي طلقني ثلاثا فأخاف أن يقتحم على فأمرها فتحولت وقد أخذ
البخاري الترجمة من مجموع ما ورد في قصة فاطمة فرتب الجواز على أحد الامرين اما خشية
الاقتحام عليها واما أن يقع منها على أهل مطلقها فحش من القول ولم ير بين الامرين في قصة
فاطمة معارضة لاحتمال وقوعهما معا في شأنها وقال ابن المنير ذكر البخاري في الترجمة علتين
وذكر في الباب واحدة فقط وكأنه أومأ إلى الأخرى اما لورودها على غير شرط واما لان الخوف
عليها إذا اقتضى خروجها فمثله الخوف منها بل لعله أولى في جواز اخراجها فما صح عنده معنى
العلة الأخرى ضمنها الترجمة وتعقب بأن الاقتصار في بعض طرق الحديث على بعضه لا يمنع قبول
بعض آخر إذا صح طريقه فلا مانع أن يكون أصل شكواها ما تقدم من استقلال النفقة وانه
اتفق أنه بدا منها بسبب ذلك شر لاصهارها واطلع النبي صلى الله عليه وسلم عليه من قبلهم وخشي
عليها ان استمرت هناك أن يتركوها بغير أنيس فأمرت بالانتقال (قلت) ولعل البخاري أشار
بالثاني إلى ما ذكره في الباب قبله من قول مروان لعائشة إن كان بك شر فإنه يومئ إلى أن السبب
في ترك أمرها بملازمة السكن ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشر وقال ابن دقيق العيد
سياق الحديث يقتضى أن سبب الحكم انها اختلفت مع الوكيل بسبب استقلالها ما أعطاها
وانها لما قال لها الوكيل لا نفقة لك سألت النبي صلى الله عليه وسلم فأجابها بأنها لا نفقة لها
ولا سكنى فاقتضى أن التعليل انما هو بسبب ما جرى من الاختلاف لا بسبب الاقتحام والبذاءة
فان قام دليل أقوى من هذا الظاهر عمل به (قلت) المتفق عليه في جميع طرقه ان الاختلاف كان
في النفقة ثم اختلفت الروايات ففي بعضها فقال لا نفقة لك ولا سكنى وفى بعضها أنه لما قال لها
لا نفقة لك استأذنته في الانتقال فأذن لها وكلها في صحيح مسلم فإذا جمعت ألفاظ الحديث من
جميع طرقه خرج منها أن سبب استئذانها في الانتقال ما ذكر من الخوف عليها ومنها واستقام
الاستدلال حينئذ على أن السكنى لم تسقط لذاتها وانما سقطت للسبب المذكور نعم كانت فاطمة
بنت قيس تجزم باسقاط سكنى البائن ونفقتها وتستدل لذلك كما سيأتي ذكره ولهذا كانت عائشة
تنكر عليها * (تنبيه) * طعن أبو محمد بن حزم في رواية ابن أبي الزناد المعلقة فقال عبد الرحمن بن أبي
الزناد ضعيف جدا وحكم على روايته هذه بالبطلان وتعقب بأنه مختلف فيه ومن طعن فيه
لم يذكر ما يدل على تركه فضلا عن بطلان روايته وقد جزم يحيى بن معين بأنه أثبت الناس في هشام
ابن عروة وهذا من روايته عن هشام فلله در البخاري ما أكثر استحضاره وأحسن تصرفه في
الحديث والفقه وقد اختلف السلف في نفقة المطلقة البائن وسكناها فقال الجمهور لا نفقة لها
ولها السكنى واحتجوا لاثبات السكنى بقوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم
ولاسقاط النفقة بمفهوم قوله تعالى وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فان
مفهومه أن غير الحامل لا نفقة لها والا لم يكن لتخصيصها بالذكر معنى والسياق يفهم أنها في غير
الرجعية لان نفقة الرجعية واجبة لو لم تكن حاملا وذهب أحمد واسحق وأبو ثور إلى أنه
لا نفقة لها ولا سكنى على ظاهر حديث فاطمة بنت قيس ونازعوا في تناول الآية الأولى
423

المطلقة البائن وقد احتجت فاطمة بنت قيس صاحبة القصة على مروان حين بلغها انكاره
بقولها بيني وبينكم كتاب الله قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن إلى قوله يحدث بعد ذلك أمرا
قالت هذا لمن كانت له مراجعة فأي أمر يحدث بعد الثلاث وإذا لم يكن لها نفقة وليست حاملا
فعلى م يحبسونها وقد وافق فاطمة على أن المراد بقوله تعالى يحدث بعد ذلك أمر المراجعة
قتادة والحسن والسدي والضحاك أخرجه الطبري عنهم ولم يحك عن أحد غيرهم خلافة وحكى
غيره أن المراد بالامر ما يأتي من قبل الله تعالى من نسخ أو تخصيص أو نحو ذلك فلم ينحصر ذلك في
المراجعة وأما ما أخرجه أحمد من طريق الشعبي عن فاطمة في آخر حديثها مرفوعا انما السكنى
والنفقة لمن يملك الرجعة فهو في أكثر الروايات موقوف عليها وقد بين الخطيب في المدرج أن
مجالد بن سعيد تفرد برفعه وهو ضعيف ومن أدخله في رواية غير مجالد عن الشعبي فقد أدرجه
وهو كما قال وقد تابع بعض الرواة عن الشعبي في رفعه مجالدا لكنه أضعف منه وأما قولها إذا
لم يكن لها نفقة فعلى م يحبسونها فأجاب بعض العلماء عنه بأن السكنى التي تتبعها النفقة هو حال
الزوجية الذي يمكن معه الاستمتاع ولو كانت رجعية وأما السكنى بعد البينونة فهو حق لله تعالى
بدليل أن الزوجين لو اتفقا على اسقاط العدة لم تسقط بخلاف الرجعية فدل على أن لا ملازمة
بين السكنى والنفقة وقد قال بمثل قول فاطمة أحمد واسحق وأبو ثور وداود وأتباعهم وذهب
أهل الكوفة من الحنفية وغيرهم إلى أن لها النفقة والكسوة وأجابوا عن الآية بأنه تعالى انما قيد
النفقة بحالة الحمل ليدل على ايجابها في غير حالة الحمل بطريق الأولى لان مدة الحمل تطول غالبا
ورده ابن السمعاني بمنع العلة في طول مدة الحمل بل تكون مدة الحمل أقصر من غيرها تارة
وأطول أخرى فلا أولوية وبأن قياس الحائل على الحامل فاسد لأنه يتضمن اسقاط تقييد ورد
به النص في القرآن والسنة وأما قول بعضهم أن حديث فاطمة أنكره السلف عليها كما تقدم من
كلام عائشة وكما أخرج مسلم من طريق أبى اسحق كنت مع الأسود بن يزيد في المسجد فحدث
الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة
فأخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به وقال ويلك تحدث بهذا قال عمر لا ندع كتاب ربنا وسنة
نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن
فالجواب عنه ان الدارقطني قال قوله في حديث عمر وسنة نبينا غير محفوظ والمحفوظ لا ندع
كتاب ربنا وكأن الحامل له على ذلك أن أكثر الروايات ليست فيها هذه الزيادة لكن ذلك لا يرد
رواية النفقة ولعل عمر أراد بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ما دلت عليه أحكامه من اتباع كتاب
الله لا أنه أراد سنة مخصوصة في هذا ولقد كان الحق ينطق على لسان عمر فان قوله لا ندري حفظت
أو نسيت قد ظهر مصداقه في أنها أطلقت في موضع التقييد أو عممت في موضع التخصيص كما
تقدم بيانه وأيضا فليس في كلام عمر ما يقتضى ايجاب النفقة وانما أنكر اسقاط السكنى وادعى
بعض الحنفية أن في بعض طرق حديث عمر للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة ورده ابن السمعاني
بأنه من قول بعض المجازفين فلا تحل روايته وقد أنكر أحمد ثبوت ذلك عن عمر أصلا ولعله أراد
ما ورد من طريق إبراهيم النخعي عن عمر لكونه لم يلقه وقد بالغ الطحاوي في تقرير مذهبه فقال
خالفت فاطمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لان عمر روى خلاف ما روت فخرج المعنى الذي
424

أنكر عليها عمر خروجا صحيحا وبطل حديث فاطمة فلم يجب العمل به أصلا وعمدته على ما ذكر من
المخالفة ما روى عمر بن الخطاب فإنه أورده من طريق إبراهيم النخعي عن عمر قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول لها السكنى ولنفقة وهذا منقطع لا تقوم به حجة * (قوله باب
المطلقة إذا خشى عليها في مسكن زوجها أن يقتحم عليها أو تبدو على أهلها بفاحشة) في
رواية الكشميهني على أهله والاقتحام الهجوم على الشخص بغير اذن والبذاء بالموحدة
والمعجمة القول الفاحش (قوله حبان) بكسر أوله والموحدة هو ابن موسى وعبد الله هو ابن
المبارك (قوله أن عائشة أنكرت ذلك على فاطمة) كذا أورده من طريق ابن جريج عن ابن
شهاب مختصرا وأورده مسلم من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن
أخبره أن فاطمة بنت قيس أخبرته أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه في خروجها
من بيتها فأمرها أن تنتقل إلى ابن أم مكتوم الأعمى فأبى مروان أن يصدق في خروج المطلقة من
بيتها وقال عروة ان عائشة أنكرت ذلك على فاطمة بنت قيس * (قوله باب قول
الله ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن * من الحيض والحمل) كذا للأكثر وهو
تفسير مجاهد وفصل أبو ذر بين أرحامهن وبين من بدائرة إشارة إلى أنه أريد به التفسير لا انها قراءة
وسقط حرف من للنسفي وأخرج الطبري عن طائفة أن المراد به الحيض وعن آخرين الحمل وعن
مجاهد كلاهما والمقصود من الآية أن أمر العدة لما دار على الحيض والطهر والاطلاع على
ذلك يقع من جهة النساء غالبا جعلت المرأة مؤتمنة على ذلك وقال إسماعيل القاضي دلت الآية ان
المرأة المعتدة مؤتمنة على رحمها من الحمل والحيض الا أن تأتى من ذلك بما يعرف كذبها فيه وقد
أخرج الحاكم في المستدرك من حديث أبي بن كعب ان من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها
هكذا أخرجه موقوفا في تفسير سورة الأحزاب ورجاله رجال الصحيح وقد تقدم بيان مدة أكثر
الحيض وأقله في كتاب الحيض والاختلاف في ذلك ثم ذكر المصنف حديث عائشة في قول النبي
صلى الله عليه وسلم لصفية لما حاضت في أيام منى انك لحابستنا وقد تقدم شرحه في كتاب الحج قال
المهلب فيه شاهد لتصديق النساء فيما يدعينه من الحيض لكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن
يؤخر السفر ويحبس من معه لأجل حيض صفية ولم يمتحنها في ذلك ولا أكذبها وقال ابن المنير لما
رتب النبي صلى الله عليه وسلم على مجرد قول صفية انها حائض تأخيره السفر أخذ منه تعدى
الحكم إلى الزوج فتصدق المرأة في الحيض والحمل باعتبار رجعة الزوج وسقوطها والحاق الحمل به
* (قوله باب وبعولتهن أحق بردهن * في العدة وكيف يراجع المرأة إذا طلقها واحدة
أو ثنتين وقوله فلا تعضلوهن) كذا للأكثر وفصل أبو ذر أيضا بين قوله بردهن وبين قوله في العدة
بدائرة إشارة إلى أن المراد بأحقية الرجعة من كانت في العدة وهو قول مجاهد وطائفة من أهل
التفسير وسقط قوله فلا تعضلوهن من رواية النسفي ثم ذكر المصنف الباب حديثين أحدهما
حديث معقل بن يسار في تزويج أخته أورده من طريقين الأولى قوله حدثني محمد كذا للجميع
غير منسوب وهو ابن سلام وعبد الوهاب شيخه هو ابن عبد المجيد الثقفي ويونس هو ابن عبيد
البصري * الطريق الثانية من طريق سعيد وهو ابن أبي عروبة عن قتادة قال في روايته حدثنا
الحسن أن معقل بن يسار كانت أخته تحت رجل وقال في رواية يونس عن الحسن زوج معقل
425

أخته وقد تقدم هذا الحديث وشرحه في باب لا نكاح الا بولي من كتاب النكاح وبينت هناك من
وصله وأرسله وتقدم في تفسير البقرة أيضا موصولا ومرسلا وقوله فحمى بوزن علم بكسر ثانيه
وقوله أنفا بفتح الهمزة والنون منون أي ترك الفعل غيظا وترفعا وقوله فترك الحمية بالتشديد
وقوله واستقاد لأمر الله كذا للأكثر بقاف أي أعطى مقادته والمعنى أطاع وامتثل وفى رواية
الكشميهني واستراد براء بدل القاف من الرود وهو الطلب أو المعنى أراد رجوعها ورضى به ونقل
ابن التين عن رواية القابسي 2 واستقاد بتشديد الدال ورده بان المفاعلة لا تجتمع مع سين الاستفعال
* الحديث الثاني حديث ابن عمر في طلاق الحائض وتقدم شرحه مستوفى في أول كتاب الطلاق
وقوله وزاد فيه غيره عن الليث تقدم بيانه في أول الطلاق أيضا حيث قال فيه وقال الليث الخ وفيه
تسمية الغير المذكور وقال ابن بطال ما ملخصه المراجعة على ضربين اما في العدة فهي على ما في
حديث ابن عمر لان النبي صلى الله عليه وسلم أمره بمراجعتها ولم يذكر أنه احتاج إلى عقد جديد واما
بعد العدة فعلى ما في حديث معقل وقد أجمعوا على أن الحر إذا طلق الحرة بعد الدخول بها تطليقة
أو تطليقتين فهو أحق برجعتها ولو كرهت المرأة ذلك فإن لم يراجع حتى انقضت العدة فتصير
أجنبية فلا تحل له الا بنكاح مستأنف واختلف السلف فيما يكون به الرجل مراجعا فقال
الأوزاعي إذا جامعها فقد راجعها وجاء ذلك عن بعض التابعين وبه قال مالك واسحق بشرط
أن ينوى به الرجعة وقال الكوفيون كالأوزاعي وزادوا ولو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة
وقال الشافعي لا تكون الرجعة الا بالكلام وانبنى على هذا الخلاف جواز الوطء وتحريمه
وحجة الشافعي أن الطلاق مزيل للنكاح وأقرب ما يظهر ذلك في حل الوطء وعدمه لان الحل
معنى يجوز أن يرجع في النكاح ويعود كما في اسلام أحد المشركين ثم اسلام الآخر في العدة وكما
يرتفع بالصوم والاحرام والحيض ثم يعود بزوال هذه المعاني وحجة من أجاز أن النكاح لو زال
لم تعد المرأة الا بعقد جديد وبصحة الخلع في الرجعية ولوقوع الطلقة الثانية والجواب عن كل ذلك
أن النكاح ما زال أصله وانما زال وصفه وقال ابن السمعاني الحق أن القياس يقتضى أن الطلاق
إذا وقع زال النكاح كالعتق لكن الشرع أثبت الرجعة في النكاح دون العتق فافترقا * (قوله
باب مراجعة الحائض) ذكر فيه حديث ابن عمر في ذلك وهو ظاهر فيما ترجم له وقد
تقدم شرحه مستوفى في أوائل الطلاق * (قوله باب تحد) بضم أوله وكسر ثانيه من
الرباعي ويجوز بفتحة ثم ضمة من الثلاثي وقد تقدم بيان ذلك في باب احداد المرأة على غير زوجها
من كتاب الجنائز قال أهل اللغة أصل الاحداد المنع ومنه سمى البواب حدادا لمنعه الداخل
وسميت العقوبة حدا لأنها تردع عن المعصية وقال ابن درستويه معنى الاحداد منع المعتدة
نفسها الزينة وبدنها الطيب ومنع الخطاب خطبتها والطمع فيها كما منع الحد المعصية وقال
الفراء سمى الحديد حديدا للامتناع به أو لامتناعه على محاوله ومنه تحديد النظر بمعنى امتناع
تقلبه في الجهات ويروى بالجيم حكاه الخطابي قال يروى بالحاء والجيم وبالحاء أشهر والجيم مأخوذ
من جددت الشئ إذا قطعته فكأن المرأة انقطعت عن الزينة وقال أبو حاتم أنكر الأصمعي حدت
ولم يعرف الا أحدت وقال الفراء كان القدماء يؤثرون أحدت والاخرى أكثر ما في كلام العرب
426

(قوله وقال الزهري لا أرى أن تقرب الصبية الطيب) أي إذا كانت ذات زوج فمات عنها وقوله
لان عليها العدة أظنه من تصرف المصنف فان أثر الزهري وصله ابن وهب في موطئه عن يونس
عنه بدونها وأصله عند عبد الرزاق عن معمر عنه باختصار وفى التعليل إشارة إلى أن سبب الحاق
الصبية بالبالغ في الاحداد وجوب العدة على كل منهما اتفاقا وبذلك احتج الشافعي أيضا
واحتج أيضا بأنه يحرم العقد عليها بل خطبتها في العدة واحتج غيره بقوله في حديث أم سلمة في
الباب أفنكحلها فإنه يشعر بأنها كانت صغيرة إذ لو كانت كبير لقالت أفتكتحل هي وفى
الاستدلال به نظر لاحتمال أن يكون معنى قولها أفنكحلها أي أفمكنها من الاكتحال (قوله
عن زينب بنت أبي سلمة) أي ابن عبد الأسد وهى بنت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهى
ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم وزعم ابن التين أنها لا رواية لها عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كذا قال وقد أخرج لها مسلم حديثها كان اسمى برة فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم
زينب الحديث وأخرج لها البخاري حديثا تقدم في أوائل السيرة النبوية (قوله أنها أخبرته
هذه الأحاديث الثلاثة) تقدم منها الحديثان الأولان في كتاب الجنائز مع كثير من شرحهما
والكلام على قوله في الأول حين توفى أبوها وفى الثاني حين توفى أخوها وأنه سمى في بعض الموطآت
عبد الله وكذا هو في صحيح ابن حبان من طريق أبى مصعب وان المعروف أن عبد الله بن جحش
قتل بأحد شهيدا وزينب بنت أبي سلمة يومئذ طفلة فيستحيل أن تكون دخلت على زينب بنت
جحش في تلك الحالة وأنه يجوز أن يكون عبيد الله المصغر فان دخول زينب بنت أبي سلمة عند بلوغ
الخبر إلى المدينة بوفاته كان وهى مميزة وأن يكون أبا أحمد بن جحش فان اسمه عبد بغير إضافة لأنه
مات في خلافة عمر فيجوز أن يكون مات قبل زينب لكن ورد ما يدل على أنه حضر دفنها ويلزم
على الامرين أن يكون وقع في الاسم تغيير أو الميت كان أخا زينب بنت جحش من أمها أو من
الرضاعة (قوله لا يحل) استدل به على تحريم الاحداد على غير الزوج وهو واضح وعلى وجوب
الاحداد المدة المذكورة على الزوج واستشكل بأن الاستثناء وقع بعد النفي فيدل على الحل
فوق الثلاث على الزوج لا على الوجوب وأجيب بأن الوجوب استفيد من دليل آخر كالاجماع
ورد بأن المنقول عن الحسن البصري أن الاحداد لا يجب أخرجه ابن أبي شيبة ونقل الخلال
بسنده عن أحمد عن هشيم عن داود عن الشعبي أنه كان لا يعرف الاحداد قال أحمد ما كان
بالعراق أشد تبحرا من هذين يعنى الحسن والشعبي قال وخفى ذلك عليهما اه‍ ومخالفتهما
لا تقدح في الاحتجاج وإن كان فيها رد على من ادعى الاجماع وفى أثر الشعبي تعقب على ابن
المنذر حيث نفى الخلاف في المسئلة الا عن الحسن وأيضا فحديث التي شكت عينها وهو ثالث
أحاديث الباب دال على الوجوب والا لم يمتنع التداوي المباح وأجيب أيضا بأن السياق يدل
على الوجوب فان كل ما منع منه إذا دل دليل على جوازه كان ذلك الدليل دالا بعينه على الوجوب
كالختان والزيادة على الركوع في الكسوف ونحو ذلك (قوله لامرأة) تمسك بمفهومه
الحنفية فقالوا لا يجب الاحداد على الصغيرة وذهب الجمهور إلى وجوب الاحداد عليها كما تجب
العدة وأجابوا عن التقييد بالمرأة أنه خرج مخرج الغالب وعن كونها غير مكلفة بأن الولي هو
المخاطب بمنعها مما تمنع منه المعتدة ودخل في عموم قوله امرأة المدخول بها وغير المدخول بها
427

حرة كانت أو أمة ولو كانت مبعضة أو مكاتبة أو أم ولد إذا مات عنها زوجها لا سيدها لتقييده
بالزوج في الخبر خلافا للحنفية (قوله تؤمن بالله واليوم الآخر) استدل به الحنفية بأن
لا احداد على الذمية للتقييد بالايمان وبه قال بعض المالكية وأبو ثور وترجم عليه النسائي
بذلك وأجاب الجمهور بأنه ذكر تأكيدا للمبالغة في الزجر فلا مفهوم له كما يقال هذا طريق المسلمين
وقد يسلكه غيرهم وأيضا فالاحداد من حق الزوج وهو ملتحق بالعدة في حفظ النسب فتدخل
الكافرة في ذلك بالمعنى كما دخل الكافر في النهى عن السوم على سوم أخيه ولأنه حق للزوجية
فأشبه النفقة والسكنى ونقل السبكي في فتاويه عن بعضهم أن الذمية داخلة في قوله تؤمن بالله
واليوم الآخر ورد على قائله وبين فساد شبهته فأجاد وقال النووي قيد بوصف الايمان لان
المتصف به هو الذي ينقاد للشرع قال ابن دقيق العيد والأول أولى وفى رواية عند المالكية أن
الذمية المتوفى عنها تعتد بالأقراء قال ابن العربي هو قول من قال لا احداد عليها (قوله على ميت)
استدل به لمن قال لا احداد على امرأة المفقود لأنه لم تتحقق وفاته خلافا للمالكية (قوله الا على
زوج) أخذ من هذا الحصر أن لا يزاد على الثلاث في غير الزوج أبا كان أو غيره واما ما أخرجه
أبو داود في المراسيل من رواية عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للمرأة أن
تحد على أبيها سبعة أيام وعلى من سواه ثلاثة أيام فلو صلح لكان خصوص الأب يخرج من هذا
العموم لكنه مرسل أو معضل لان جل رواية عمرو بن شعيب عن التابعين ولم يرو عن أحد من
الصحابة الا الشئ اليسير عن بعض صغار الصحابة ووهم بعض الشراح فتعقب على أبى داود
تخريجه في المراسيل فقال عمرو بن شعيب ليس تابعيا فلا يخرج حديثه في المراسيل وهذا التعقب
مردود لما قلناه ولاحتمال أن يكون أبو داود كان لا يخص المراسيل برواية التابعي كما هو منقول
عن غيره أيضا واستدل به للأصح عند الشافعية في أن لا احداد على المطلقة فأما الرجعية فلا
احداد عليها اجماعا وانما الاختلاف في البائن فقال الجمهور لا احداد وقالت الحنفية وأبو عبيد
وأبو ثور عليها الاحداد قياسا على المتوفى عنها وبه قال بعض الشافعية والمالكية واحتج
الأولون بأن الاحداد شرع لان تركه من التطيب واللبس والتزين يدعو إلى الجماع فمنعت المرأة
منه زجرا لها عن ذلك فكان ذلك ظاهرا في حق الميت لأنه يمنعه الموت عن منع المعتدة منه عن
التزويج ولا تراعيه هي ولا تخاف منه بخلاف المطلق الحي في كل ذلك ومن ثم وجبت العدة على
كل متوفى عنها وان لم تكن مدخولا بها بخلاف المطلقة قبل الدخول فلا احداد عليها اتفاقا وبأن
المطلقة البائن يمكنها العود إلى الزوج بعينه بعقد جديد وتعقب بأن الملاعنة لا احداد عليها
وأجيب بأن تركه لفقدان الزوج بعينه لا لفقدان الزوجية واستدل به على جواز الاحداد على
غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها وتحريمه فيمزاد عليها وكأن هذا القدر أبيح لأجل
حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية ولهذا تناولت أم حبيبة وزينب بنت جحش رضي الله عنهما
الطيب لتخرجا عن عهدة الاحداد وصرحت كل منهما بأنها لم تتطيب لحاجة إشارة إلى
أن آثار الحزن باقية عندها لكنها لم يسعها الا امتثال الامر (قوله أربعة أشهر وعشرا) قبل
الحكمة فيه أن الولد يتكامل تخليقه وتنفخ فيه الروح بعد مضى مائة وعشرين يوما وهى زيادة على
أربعة أشهر بنقصان الأهلة فجبر الكسر إلى العقد على طريق الاحتياط وذكر العشر مؤنثا لإرادة
428

الليالي والمراد مع أيامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشرة وعن الأوزاعي
وبعض السلف تنقضى بمضي الليالي العشر بعد مضى الأشهر وتحل في أول اليوم العاشر
واستثنيت الحامل كما تقدم شرح حالها قبل في الكلام على حديث سبيعة بنت الحرث وقد ورد
في حديث قوى الاسناد أخرجه أحمد وصححه ابن حبان عن أسماء بنت عميس قالت دخل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر بن أبي طالب فقال لا تحدى بعد يومك
هذا لفظ أحمد وفى رواية له ولابن حبان والطحاوي لما أصيب جعفر أتانا النبي صلى الله عليه
وسلم فقال تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت قال شيخنا في شرح الترمذي ظاهره أنه لا يجب الاحداد
على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث لان أسماء بنت عميس كانت زوج جعفر بن أبي طالب بالاتفاق
وهى والدة أولاده عبد الله ومحمد وعون وغيرهم قال بل ظاهر النهى أن الاحداد لا يجوز وأجاب
بأن هذا الحديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة وقد أجمعوا على خلافة قال ويحتمل أن يقال إن
جعفرا قتل شهيدا والشهداء أحياء عند ربهم قال وهذا ضعيف لأنه لم يرد في حق غير جعفر من
الشهداء ممن قطع بأنهم شهداء كما قطع لجعفر كحمزة بن عبد المطلب عمه وكعبد الله بن عمرو بن حرام
والد جابر اه‍ كلام شيخنا ملخصا وأجاب الطحاوي بأنه منسوخ وأن الاحداد كان على المعتدة
في بعض عدتها في وقت ثم أمرت بالاحداد أربعة أشهر وعشرا ثم ساق أحاديث الباب وليس فيها
ما يدل على ما ادعاه من النسخ لكنه يكثر من ادعاء النسخ بالاحتمال فجرى على عادته ويحتمل وراء
ذلك أجوبة أخرى * أحدها أن يكون المراد بالاحداد المقيد بالثلاث قدرا زائدا على الاحداد
المعروف فعلته أسماء مبالغة في حزنها على جعفر فنهاها عن ذلك بعد الثلاث * ثانيها أنها كانت
حاملا فوضعت بعد ثلاث فانقضت العدة فنهاها بعدها عن الاحداد ولا يمنع ذلك قوله في الرواية
الأخرى ثلاثا لأنه يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم اطلع على أن عدتها تنقضى عند الثلاث
* ثالثها لعله كان أبانها بالطلاق قبل استشهاده فلم يكن عليها احداد * رابعها أن البيهقي أعل
الحديث بالانقطاع فقال لم يثبت سماع عبد الله بن شداد من أسماء وهذا تعليل مدفوع فقد
صححه أحمد لكنه قال إنه مخالف للأحاديث الصحيحة في الاحداد (قلت) وهو مصير منه إلى أنه يعله
بالشذوذ وذكر الأثرم أن أحمد سئل عن حديث حنظلة عن سالم عن ابن عمر رفعه لا احداد فوق
ثلاث فقال هذا منكر والمعروف عن ابن عمر من رأيه اه‍ وهذا يحتمل أن يكون لغير المرأة المعتدة
فلا نكارة فيه بخلاف حديث أسماء والله أعلم وأغرب ابن حبان فساق الحديث بلفظ تسلمي
بالميم بدل الموحدة وفسره بأنه أمرها بالتسليم لأمر الله ولا مفهوم لتقييدها بالثلاث بل الحكمة
فيه كون القلق يكون في ابتداء الامر أشد فلذلك قيدها بالثلاث هذا معنى كلامه فصحف
الكلمة وتكلف لتأويلها وقد وقع في رواية البيهقي وغيره فأمرني رسول الله صلى الله عليه
وسلم ان اتسلب ثلاثا فتبين خطؤه (قوله قالت زينب وسمعت أم سلمة) هو موصول بالاسناد
المذكور وهو الحديث الثالث ووقع في الموطأ سمعت أمي أم سلمة زاد عبد الرزاق عن مالك
بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم (قوله جاءت امرأة) زاد النسائي من طريق الليث
عن حميد بن نافع من قريش وسماها ابن وهب في موطئه وأخرجه إسماعيل القاضي في أحكامه
من طريق عاتكة بنت نعيم بن عبد الله أخرجه ابن وهب عن أبي الأسود النوفلي عن القاسم
429

ابن محمد عن زينب عن أمها أم سلمة أن عاتكة بنت نعيم بن عبد الله أتت تستفتي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالت إن ابنتي توفى عنها زوجها وكانت تحت المغيرة المخزومي وهى تحد وتشتكي
عينها الحديث وهكذا أخرجه الطبراني من رواية عمران بن هارون الرملي عن ابن لهيعة لكنه
قال بنت نعيم ولم يسمها وأخرجه ابن منده في المعرفة من طريق عثمان بن صالح عن عبد الله بن
عقبة عن محمد بن عبد الرحمن عن حميد بن نافع عن زينب عن أمها عن عاتكة بنت نعيم أخت عبد
الله بن نعيم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن ابنتها توفى زوجها الحديث و عبد
الله بن عقبة هو ابن لهيعة نسبه لجده ومحمد بن عبد الرحمن هو أبو الأسود فإن كان محفوظا فلابن
لهيعة طريقان ولم تسم البنت التي توفى زوجها ولم تنسب فيما وقفت عليه وأما المغيرة
المخزومي فلم أقف على اسم أبيه وقد أغفله ابن منده في الصحابة وكذا أبو موسى في الذيل عليه
وكذا ابن عبد البر لكن استدركه ابن فتحون عليه (قوله وقد اشتكت عينها) قال ابن دقيق العيد
يجوز فيه وجهان ضم النون على الفاعلية على أن تكون العين هي المشتكية وفتحها على أن يكون
في اشتكت ضمير الفاعل وهى المرأة ورجح هذا ووقع في بعض الروايات عيناها يعنى وهو يرجح
الضم وهذه الرواية في مسلم وعلى الضم اقتصر النووي وهو الأرجح والذي رجح الأول هو
المنذري (قوله أفنكحلها) بضم الحاء (قوله لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا) في رواية شعبة
عن حميد بن نافع فقال لا تكتحل قال النووي فيه دليل على تحريم الاكتحال على الحادة سواء
احتاجت إليه أم لا وجاء في حديث أم سلمة في الموطأ وغيره اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار ووجه
الجمع أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل وإذا احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل مع أن الأولى تركه فان
فعلت مسحته بالنهار قال وتأول بعضهم حديث الباب على أنه لم يتحقق الخوف على عينها وتعقب
بأن في حديث شعبة المذكور فخشوا على عينيها وفى رواية ابن منده المقدم ذكرها رمدت رمدا
شديدا وقد خشيت على بصرها وفى رواية الطبراني أنها قالت في المرة الثانية انها تشتكى عينها
فوق ما يظن فقال لا وفى رواية القاسم بن أصبغ أخرجها ابن حزم انى أخشى أن تفقئ عينها
قال لا وان انفقأت وسنده صحيح وبمثل ذلك أفتت أسماء بنت عميس أخرجه ابن أبي شيبة
وبهذا قال مالك في رواية عنه بمنعه مطلقا وعنه يجوز إذا خافت على عينها بما لا طيب فيه وبه
قال الشافعية مقيدا بالليل وأجابوا عن قصة المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل
كالتضميد بالصبر ونحوه وقد أخرج ابن أبي شيبة عن صفية بنت أبي عبيد أنها أحدت على ابن
عمر فلم تكتحل حتى كادت عيناها تزيغان فكانت تقطر فيهما الصبر ومنهم من تأول النهى على
كحل مخصوص وهو ما يقتضى التزين به لان محض التداوي قد يحصل بما لا زينة فيه فلم ينحصر
فيما فيه زينة وقالت طائفة من العلماء يجوز ذلك ولو كان فيه طيب وحملوا النهى على التنزيه
جمعا بين الأدلة (قوله انما هي أربعة أشهر وعشرا) كذا في الأصل بالنصب على حكاية لفظ
القرآن ولبعضهم بالرفع وهو واضح قال ابن دقيق العيد فيه إشارة إلى تقليل المدة بالنسبة لما كان
قبل ذلك وتهوين الصبر عليها ولهذا قال بعده وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمى بالبعرة على
رأس الحول وفى التقييد بالجاهلية إشارة إلى أن الحكم في الاسلام صار بخلافه وهو كذلك
بالنسبة لما وصف من الصنيع لكن التقدير بالحول استمر في الاسلام بنص قوله تعالى وصية
430

لأزواجهم متاعا إلى الحول ثم نسخت بالآية التي قبل وهى يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا
(قوله قال حميد) هو ابن نافع راوي الحديث وهو موصول بالاسناد المبدوء به (قوله فقلت
لزينب) هي بنت أبي سلمة (وما ترمى بالبعرة) أي بيني لي المراد بهذا الكلام الذي خوطبت به هذه
المرأة (قوله كانت المرأة إذا توفى عنها زوجها دخلت حفشا الخ) هكذا في هذه الرواية لم تسنده
زينب ووقع في رواية شعبة في الباب الذي يليه مرفوعا كله لكنه باختصار ولفظه فقال
لا تكتحل قد كانت إحداكن تمكث في شر احلاسها أو شر بيتها فإذا كان حول فمر كلب رمت
ببعرة فلا حتى تمضى أربعة أشهر وعشر وهذا لا يقتضى ادراج رواية الباب لان شعبة من
أحفظ الناس فلا يقضى على روايته برواية غيره بالاحتمال ولعل الموقوف ما في رواية الباب
من الزيادة التي ليست في رواية شعبة والحفش بكسر المهملة وسكون الفاء بعدها معجمة فسره
أبو داود في روايته من طريق مالك البيت الصغير وعند النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك
الحفش الخص بضم المعجمة بعدها مهملة وهو أخص من الذي قبله وقال الشافعي الحفش
البيت الذليل الشعث البناء وقيل هو شئ من خوص يشبه القفة تجمع فيه المعتدة متاعها من
غزل أو نحوه وظاهر سياق القصة يأبى هذا خصوصا رواية شعبة وكذا وقع في رواية للنسائي عمدت
إلى شر بيت لها فجلست فيه ولعل أصل الحفش ما ذكر ثم استعمل في البيت الصغير الحقير على
طريق الاستعارة والاحلاس في رواية شعبة بمهملتين جمع حلس بكسر ثم سكون وهو الثوب
أو الكساء الرقيق يكون تحت البرذعة المراد أن الراوي شك في أي اللفظين وقع وصف ثيابها
أو وصف مكانها وقد ذكرا معا في رواية الباب (قوله حتى يمر بها) في رواية الكشميهني لها (قوله ثم
تؤتى بدابة) بالتنوين (حمار) بالجر والتنوين على البدل وقوله أو شاة أو طائر للتنويع لا للشك
واطلاق الدابة على ما ذكر هو بطريق الحقيقة اللغوية لا العرفية (قوله فتفتض) بفاء ثم
مثناة ثم ضاد معجمة ثقيلة فسره مالك في آخر الحديث فقال تمسح به جلدها وأصل الفض الكسر
أي تكسر ما كانت فيه وتخرج منه بما تفعله بالدابة ووقع في رواية للنسائي تقبص بقاف ثم
موحدة ثم مهملة خفيفة وهى رواية الشافعي والقبص الاخذ بأطراف الأنامل قال الأصبهاني
وابن الأثير هو كناية عن الاسراع أي تذهب بعدو وسرعة إلى منزل أبويها لكثرة حيائها لقبح
منظرها أو لشدة شوقها إلى التزويج لبعد عهدها به والباء في قولها به سببية والضبط الأول أشهر
قال ابن قتيبة سألت الحجازيين عن الافتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تمس ماء ولا تقلم ظفرا
ولا تزيل شعرا ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر
تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش بعد ما تفتض به (قلت) وهذا لا يخالف تفسير مالك لكنه
أخص منه لأنه أطلق الجلد وتبين ان المراد به جلد القبل وقال ابن وهب معناه انها تمسح يدها
على الدابة وعلى ظهره وقيل المراد تمسح به ثم تفتض أي تغتسل والافتضاض الاغتسال بالماء
العذب لإزالة الوسخ وإرادة النقاء حتى تصير بيضاء نقية كالفضة ومن ثم قال الأخفش معناه
تتنظف فتنتق من الوسخ فتشبه الفضة في نقائها وبياضها والغرض بذلك الإشارة إلى اهلاك ما
هي فيه ومن الرمي الانفصال منه بالكلية (تنبيه) جوز الكرماني أن تكون الباء في قوله فتفتض
به للتعدية أو تكون زائدة أي تفتض الطائر بأن تكسر بعض أعضائه انتهى ويرده ما تقدم من
431

تفسير الافتضاض صريحا (قوله ثم تخرج فتعطى بعرة) بفتح الموحدة وسكون المهملة ويجوز
فتحها (قوله فترمى بها) في رواية مطرف وابن الماجشون عن مالك ترمى ببعرة من بعر الغنم
أو الإبل فترمى بها امامها فيكون ذلك احلالا لها وفى رواية ابن وهب فترمى ببعرة من بعر الغنم
من وراء ظهرها ووقع في رواية شعبة الآتية فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة وظاهره أن
رميها البعرة يتوقف على مرور الكلب سواء طال زمن انتظار مروره أم قصر وبه جزم بعض
الشراح وقيل ترمى بها من عرض من كلب أو غيره ترى من حضرها أن مقامها حولا أهون
عليها من بعرة ترمى بها كلبا أو غيره وقال عياض يمكن الجمع بأن الكلب إذا مر افتضت به ثم
رمت البعرة (قلت) ولا يخفى بعده والزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظا فإنه
لا منافاة بين الروايتين حتى يحتاج إلى الجمع واختلف في المراد برمى البعرة فقيل هو إشارة إلى
أنها رمت العدة رمى البعرة وقيل إشارة إلى أن العفل الذي فعلته من التربص والصبر على
البلاء الذي كانت فيه لما انقضى كان عندها بمنزلة البعرة التي رمتها استحقارا له وتعظيما لحق
زوجها وقيل بل ترميها على سبيل التفاؤل بعدم عودها إلى مثل ذلك * (قوله باب
الكحل للحادة) كذا وقع من الثلاثي ولو كان من الرباعي لقال المحدة قال ابن التين الصواب الحاد
بلا هاء لأنه نعت للمؤنث كطالق وحائض (قلت) لكنه جائز فليس بخطا وإن كان الآخر أرجح
ذكر فيه حديث أم سلمة الماضي في الباب قبله وكذا حديث أم حبيبة أوردهما من طريق شعبة
باختصار وقد تقدم ما فيه قبل وقوله لا تكتحل في رواية المستملى بلا تاء بين الكاف والحاء
ثم أورد حديث أم عطية مختصرا وفى الباب الذي يليه مطولا وقوله الا بزوج في رواية
الكشميهني الا على زوج * (قوله باب القسط للحادة عند الطهر) أي عند طهرها
من المحيض إذا كانت ممن تحيض (قوله كنا ننهى) بضم أوله وقد صرح برفعه في الباب الذي
بعده (قوله ولا نلبس ثوبا مصبوغا الا ثوب عصب) بمهملتين مفتوحة ثم ساكنة ثم موحدة
وهو بالإضافة وهى برود اليمن يعصب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسج معصوبا فيخرج موشى
لبقاء ما عصب به أبيض لم ينصبغ وانما يعصب السدى دون اللحمة وقال صاحب المنتهى العصب
هو المفتول من برود اليمن وذكر أبو موسى المدني في ذيل الغريب عن بعض أهل اليمن أنه من دابة
بحرية تسمى فرس فرعون يتخذ منها الخرز وغيره ويكون أبيض وهذا غريب وأغرب منه قول
السهيلي انه نبات لا ينبت الا باليمن وعزاه لأبي حنيفة الدينوري وأغرب منه قول الداودي المراد
بالثوب العصب الخضرة وهى الحبرة وليس له سلف في أن العصب الأخضر قال ابن المنذر أجمع
العلماء على أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة ولا المصبغة الا ما صبغ بسواد فرخص فيه
مالك والشافعي لكونه لا يتخذ للزينة بل هو من لباس الحزن وكره عروة العصب أيضا وكره مالك
غليظه قال النووي الأصح عند أصحابنا تحريمه مطلقا وهذا الحديث حجة لمن أجازه وقال ابن
دقيق العيد يؤخذ من مفهوم الحديث جواز ما ليس بمصبوغ وهى الثياب البيض ومنع بعض
المالكية المرتفع منها الذي يتزين به وكذلك الأسود إذا كان مما يتزين به قال النووي ورخص
أصحابنا فيما لا يتزين به ولو كان مصبوغا واختلف في الحرير فالأصح عند الشافعية منعه مطلقا
مصبوغا أو غير مصبوغ لأنه أبيح للنساء للتزين به والحادة ممنوعة من التزين فكان في حقها
432

كالرجال وفى التحلي بالذهب والفضة وباللؤلؤ ونحوه وجهان الأصح جوازه وفيه نظر من جهة
المعنى في المقصود بلبسه وفى المقصود بالاحداد فإنه عند تأملها يترجح المنع والله أعلم (قوله وقد
رخص لنا) بضم أوله أيضا وقد صرح برفعه في الباب الذي بعده (قوله عند الطهر إذا اغتسلت
إحدانا من محيضها) في رواية الكشميهني حيضها وفى الذي بعده ولا تمس طيبا الا أدنى طهرها
إذا طهرت (قوله في نبذة) بضم النون وسكون الموحدة بعدها معجمة أي قطعة وتطلق على الشئ
اليسير (قوله من كست أظفار) كذا فيه بالكاف وبالإضافة وفى الذي بعده من قسط
وأظفار بقاف وواو عاطفة وهو أوجه وخطأ عياض الأول وقد تقدم بيانه في كتاب الحيض
وقال بعده قال أبو عبد الله وهو البخاري القسط والكست مثل الكافور والقافور أي يجوز
في كل منهما الكاف والقاف وزاد القسط أنه يقال بالتاء المثناة بدل الطاء فأراد المثلية في
الحرف الأول فقط قال النووي القسط والأظفار نوعان معروفان من البخور وليسا من مقصود
الطيب رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب
(قلت) المقصود من التطيب بهما أن يخلطا في أجزاء أخر من غيرهما ثم تسحق فتصير طيبا
والمقصود بهما هنا كما قال الشيخ ان تتبع بهما أثر الدم لإزالة الرائحة لا للتطيب وزعم الداودي
أن المراد انها تسحق القسط وتلقيه في الماء آخر غسلها لتذهب رائحة الحيض ورده عياض بأن
ظاهر الحديث يأباه وأنه لا يحصل منه رائحة طيبة الا من التبخر به كذا قال وفيه نظر واستدل
به على جواز استعمال ما فيه منفعة لها من جنس ما منعت منه إذا لم يكن للتزين أو التطيب
كالتدهن بالزيت في شعر الرأس أو غيره * (قوله باب تلبس الحادة ثياب العصب)
ذكر فيه حديث أم عطية مصرحا برفعه وزاد في أوله لا يحل لامرأة الحديث مثل حديث أم
حبيبة الماضي قبله وزاد بعد قوله الا على زوج فإنها لا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا الا ثوب
عصب وقد تقدم شرحه في الذي قبله ووقع فيه فوق ثلاث وتقدم في حديث أم حبيبة في
الطريق الأولى ثلاث ليال وفى الطريق الثانية ثلاثة أيام وجمع بإرادة الليالي بأيامها ويحمل
المطلق هنا على المقيد الأول ولذلك أنث وهو محمول أيضا على أن المراد ثلاث ليال بأيامها وذهب
الأوزاعي إلى أنها تحد ثلاث ليال فقط فان مات في أول الليل أقلعت في أول اليوم الثالث وان
مات في أثناء الليل أو في أول النهار أو في أثنائه لم تقلع الا في صبيحة اليوم الرابع ولا تلفيق (قوله
وقال الأنصاري) هو محمد بن عبد الله بن المثنى شيخ البخاري وقد أخرج عنه الكثير بواسطة
وبلا واسطة وهشام هو الدستوائي المذكور في الذي قبله (قوله نهى النبي صلى الله عليه وسلم
ولا تمس طيبا) كذا أورده مختصرا وهو في الأصل مثل الحديث الذي قبله وقد وصله البيهقي
من طريق أبى حاتم الرازي عن الأنصاري بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تحد
المرأة فوق ثلاثة أيام الا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا
الا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا (قوله الا أدنى طهرها) أي عند قرب طهرها أو أقل
طهرها وقد تقدم شرحه قبل ثم ذكر المصنف حديث أم حبيبة من طريق سفيان وهو الثوري
عن عبد الله بن أبي بكر وهو ابن محمد بن عمرو بن حزم شيخ مالك فيه وقد مضى شرحه أيضا * (قوله باب والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا إلى قوله خبير) كذا لأبي ذر
433

والأكثر وساق في رواية كريمة الآية بكمالها (قوله حدثني إسحاق بن منصور) تقدم في تفسير
البقرة هذا الحديث بهذا السند وبينت هناك ما قيل فيه من تعليق وغيره ووقع هناك اسحق غير
منسوب وفسر بابن راهويه وقد ظهر من هذه الطريق أنه ابن منصور ولعله كان عنده عنهما جميعا
وقوله كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجبا كذا لأبي ذر عن الكشميهني وذكر واجبا
اما لأنه صفة محذوف أي أمر واجبا أو ضمن العدة معنى الاعتداد وفى رواية كريمة واجب
على أنه خبر مبتدأ محذوف قال ابن بطال ذهب مجاهد إلى أن الآية وهى قوله تعالى يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا نزلت قبل الآية التي فيها وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير
اخراج كما هي قبلها في التلاوة وكأن الحامل له على ذلك استشكال أن يكون الناسخ قبل
المنسوخ فرأى أن استعمالها ممكن بحكم غير متدافع لجواز أن يوجب الله على المعتدة تربص
أربعة أشهر وعشر ويوجب على أهلها أن تبقى عندهم سبعة أشهر وعشرين ليلة تمام الحول
ان أقامت عندهم اه‍ ملخصا قال وهو قول لم يقله أحد من المفسرين غيره ولا تابعه عليها من
الفقهاء أحد وأطبقوا على أن آية الحول منسوخة وان السكنى تبع للعدة فلما نسخ الحول في
العدة بالأربعة أشهر وعشر نسخت السكنى أيضا وقال ابن عبد البر لم يختلف العلماء أن العدة
بالحول نسخت إلى أربعة أشهر وعشر وانما اختلفوا في قوله غير اخراج فالجمهور على أنه نسخ
أيضا وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد فذكر حديث الباب قال ولم يتابع على ذلك ولا قال أحد
من علماء المسلمين من الصحابة والتابعين به في مدة العدة بل روى ابن جريج عن مجاهد في قدرها
مثل ما عليه الناس فارتفع الخلاف واختص ما نقل عن مجاهد وغيره بمدة السكنى على أنه أيضا
شاذ لا يعول عليه والله أعلم * (قوله باب مهر البغى والنكاح الفاسد) البغى
بكسر المعجمة وتشديد التحتانية بوزن فعيل من البغاء وهو الزنا يستوى في لفظه المذكر والمؤنث
قال الكرماني وقيل وزنه فعول لان أصله بغوي أبدلت الواو ياء ثم كسرت الغين لأجل الياء
التي بعدها والتقدير ومهر من نكحت في النكاح الفاسد أي بشبهة من اخلال شرط أو نحو
ذلك (قوله وقال الحسن) هو البصري (إذا تزوج محرمة) بتشديد الراء وللمستملى بفتح الميم والراء
وسكون الحاء بينهما وبالضمير وبهذا الثاني جزم ابن التين وقال أي ذا محرمة (قوله وهو لا يشعر)
احتراز عما إذا تعمد وبهذا القيد ومفهومه يطابق الترجمة وقال ابن بطال اختلف العلماء فيها على
قولين فمنهم من قال لها المسمى ومنهم من قال لها مهر المثل وهم الأكثر (قوله فرق بينهما) بضم
أوله (قوله وليس لها غيره ثم قال بعد لها صداقها) هذا الأثر وصله ابن أبي شيبة عن هشيم عن
يونس عن الحسن مثله إلى قوله وليس لها غيره ومن طريق مطر الوراق عن الحسن نحوه وقال
لها صداقها أي صداق مثلها ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث * الأول حديث أبي
مسعود وهو عقبة بن عمرو الأنصاري في النهى عن ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغى
434

وقوله عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن هو ابن الحرث بن هشام في رواية الحميدي عن
سفيان حدثنا الزهري أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن * الثاني حديث أبي جحيفة في لعن الواشمة
الحديث وفيه ونهى عن ثمن الكلب وكسب البغى ولعن المصورين * الثالث حديث أبي هريرة
في النهى عن كسب الإماء وقد تقدم شرح الأحاديث الثلاثة في آخر البيوع قال ابن بطال
قال الجمهور من عقد على محرم وهو عالم بالتحريم وجب عليه الحد للاجماع على تحريم العقد فلم
يكن هناك شبهة يدرأ بها الحد وعن أبي حنيفة العقد شبهة واحتج له بما لو وطئ جارية له فيها
شركة فإنها محرمة عليه بالاتفاق ولا حد عليه للشبهة وأجيب بأن حصته من الملك اقتضت
حصول الشبهة بخلاف المحرم له فلا ملك له فيها أصلا فافترقا ومن ثم قال ابن القاسم من المالكية
يجب الحد في وطء الحرة ولا يجب في المملوكة والله أعلم * (قوله باب المهر للمدخول
عليها) أي وجوبه أو استحقاقه وقوله وكيف الدخول يشير إلى الخلاف فيه وقد تمسك بقوله
في حديث الباب فقد دخلت بها على أن من أغلق بابا وأرخى سترا على المرأة فقد وجب لها
الصداق وعليها العدة وبذلك قال الليث والأوزاعي وأهل الكوفة وأحمد وجاء ذلك عن عمر وعلى
وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وابن عمر قال الكوفيون الخلوة الصحيحة يجب معها المهر كاملا
سواء وطئ أم لم يطأ الا إن كان أحدهما مريضا أو صائما أو محرما أو كانت حائضا فلها النصف
وعليها العدة كاملة واحتجوا أيضا بأن الغالب عند اغلاق الباب وارخاء الستر على المرأة وقوع الجماع
فأقيمت المظنة مقام لمئنة لما جبلت عليه النفوس في تلك الحالة من عدم الصبر عن الوقاع
غالبا لغلبة الشهوة وتوفر الداعية وذهب الشافعي وطائفة إلى أن المهر لا يجب كاملا الا بالجماع
واحتج بقوله تعالى وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم
وقال ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها وجاء ذلك عن ابن مسعود
وابن عباس وشريح والشعبي وابن سيرين والجواب عن حديث الباب أنه ثبت في الرواية
الأخرى في حديث الباب فهو بما استحللت من فرجها فلم يكن في قوله دخلت عليها حجة لمن قال إن
مجرد الدخول يكفي وقال مالك إذا دخل بالمرأة في بيته صدقت عليه وان دخل بها في بيتها
صدق عليها ونقله عن ابن المسيب وعن مالك رواية أخرى كقول الكوفيين (قوله أو طلقها
قبل الدخول) قال ابن بطال التقدير أو كيف طلاقها فاكتفى بذكر الفعل عن ذكر المصدر لدلالته
عليه (قلت) ويحتمل أن يكون التقدير أو كيف الحكم إذا طلقها قبل الدخول (قوله والمسيس)
ثبت هذا في رواية النسفي والتقدير وكيف المسيس وهو معطوف على الدخول أي إذا طلقها
قبل الدخول وقبل المسيس ثم ذكر فيه حديث ابن عمر من رواية سعيد بن جبير عنه في قصة
الملاعنة وقد تقدم شرحه مستوفى في أبواب اللعان * (قوله باب المتعة للتي
لم يفرض لها لقوله تعالى لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة
إلى قوله بصير) كذا للأكثر وساق ذلك في رواية كريمة وساق ابن بطال في شرحه إلى قوله وعلى
الموسع قدره ثم قال إلى قوله تعقلون ولم أر ذلك لغيره وهو بعيد أيضا لان المصنف قال بعد ذلك
وقوله تعالى وللمطلقات متاع بالمعروف وتقييده في الترجمة بالتي لم يفرض لها قد استدل له بقوله
في الآية أو تفرضوا لهن فريضة وهو مصير منه إلى أن أر للتنويع فنفى الجناح عمن طلقت قبل
435

المسيس فلا متعة لها لأنها نقصت عن المسمى فكيف يثبت لها قدر زائد عمن فرض لها
قدر معلوم مع وجود المسيس وهذا أحد قولي العلماء وأحد قولي الشافعي أيضا وعن أبي
حنيفة تختص المتعة بمن طلقها قبل الدخول لم يسم لها صداقا وقال الليث لا تجب المتعة
أصلا وبه قال مالك واحتج له بعض أتباعه بأنها لم تقدر وتعقب بأن عدم التقدير لا يمنع
الوجوب كنفقة القريب واحتج بعضهم بأن شريحا يقول متع ان كنت محسنا متع ان كنت
متقيا ولا دلالة فيه على ترك الوجوب وذهبت طائفة من السلف إلى أن لكل مطلقة متعة من غير
استثناء وعن الشافعي مثله وهو الراجح وكذا تجب في كل فرقة الا في فرقة وقعت بسبب منها
(قوله وقوله تعالى للمطلقات متاع بالمعروف) تمسك به من قال بالعموم وخصه من فصل بما
تقدم في الآية الأولى (قوله ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الملاعنة متعة حين طلقها
زوجها) قد تقدمت أحاديث اللعان مستوفاة الطرق وليس في شئ منها للمتعة ذكر فكأنه تمسك
في ترك المتعة للملاعنة بالعدم وهو مبنى على أن الفرقة لا تقع بنفس اللعان فاما من قال إنها تقع
بنفس اللعان فأجاب عن قوله في الحديث فطلقها بأن ذلك كان قبل علمه بالحكم كما تقدم تقريره
وحينئذ فلم تدخل الملاعنة في عمرم المطلقات ثم ذكر حديثا ابن عمر في قصة الملاعن وقوله فيه
وان كنت كاذبا وقع في رواية الكشميهني وان كنت كذبت عليها * (خاتمة) * اشتمل كتاب الطلاق
وتوابعه من اللعان والظهار وغير ذلك من الأحاديث المرفوعة على مائة وثمانية عشر حديثا
المعلق منها ستة وعشرون حديثا والباقي موصول المكرر منه فيه وفيما مضى اثنان وتسعون
حديثا والخالص ستة وعشرون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة
وحديث أبي أسيد وحديث سهل بن سعد ثلاثتها في قصة الجونية وحديث على ألم تعلم أن القلم
رفع عن النائم الحديث وهو معلق وحديث ابن عباس في قصة ثابت بن قيس في الخلع وحديثه
في زوج بريرة وحديثه كان المشركون على منزلتين وحديث ابن عمر في نكاح الذمية وحديثه
في تفسير الايلاء وحديث المسور في شأن سبيعة وحديث عائشة كانت فاطمة بنت قيس في
مكان وحش وهو معلق وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم تسعون أثرا والله أعلم * (قوله بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (كتاب النفقات وفضل النفقة على الأهل
كذا لكريمة وقد تقدم في رواية أبي ذر والنسفي كتاب النفقات ثم البسملة ثم قال باب
فضل النفقة على الأهل وسقط لفظ باب لأبي ذر (قوله وقول الله عز وجل ويسألونك ماذا
ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة) كذا للجميع
ووقع النسفي عند قوله قل العفو وقد قرأ الأكثر قل العفو بالنصب أي تنفقون العفو أو أنفقوا
العفو وقرأ أبو عمرو وقبله الحسن وقتادة قل العفو بالرفع أي هو العفو ومثله قولهم ماذا
ركبت أفرس أم بعير يجوز الرفع والنصب (قوله وقال الحسن العفو الفضل) وصله عبد بن
حميد وعبد الله بن أحمد في زيادات الزهد بسند صحيح عن الحسن البصري وزاد ولا لوم على
الكفاف وأخرج عبد بن حميد أيضا من وجه آخر عن الحسن قال أن لا تجهد مالك ثم تقعد تسأل
436

الناس فعرف بهذا المراد بقوله الفضل أي ما لا يؤثر في المال فيمحقه وقد أخرج ابن أبي حاتم
من مرسل يحيى بن أبي كثير بسند صحيح إليه أنه بلغه أن معاذ بن جبل وثعلبة سألا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالا ان لنا أرقاء وأهلين فما تنفق من أموالنا فنزلت وبهذا يتبين مراد البخاري
من ايرادها في هذا الباب وقد جاء عن ابن عباس وجماعة أن المراد بالعفو ما فضل عن الأهل
أخرجه ابن أبي حاتم أيضا ومن طريق مجاهد قال العفو الصدقة المفروضة ومن طريق علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس العفو ما لا يتبين في المال وكان هذا قبل أن تفرض الصدقة فلما اختلفت
هذه الأقوال كان ما جاء من السبب في نزولها أولى أن يؤخذ به ولو كان مرسلا ثم ذكر في الباب
أربعة أحاديث * الأول حديث أبي مسعود الأنصاري وهو عقبة بن عمرو (قوله عن عدى بن
ثابت) تقدم في الايمان من وجه آخر عن شعبة أخبرني عدى بن ثابت (قوله عن أبي مسعود
الأنصاري فقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال عن النبي صلى الله عليه وسلم) القائل فقلت
هو شعبة بينه الإسماعيلي في رواية له من طريق علي بن الجعد عن شعبة فذكره إلى أن قال عن أبي
مسعود فقال قال شعبة قلت قال عن النبي صلى الله عليه قال نعم وتقدم في كتاب الايمان
عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير مراجعة وذكر المتن مثله وفى المغازي عن مسلم
ابن إبراهيم عن شعبة عن عدى عن عبد الله بن يزيد أنه سمع أبا مسعود البدري عن النبي صلى الله
عليه وسلم وذكر المتن مختصرا ليس فيه وهو يحتسبها وهذا مقيد لمطلق ما جاء في أن الانفاق على
الأهل صدقة كحديث سعد رابع أحاديث الباب حيث قال فيه ومهما أنفقت فهو لك صدقة
والمراد بالاحتساب القصد إلى طلب الاجر والمراد بالصدقة الثواب واطلاقها عليه مجاز وقرينته
الاجماع على جواز الانفاق على الزوجة الهاشمية مثلا وهو من مجاز التشبيه والمراد به أصل
الثواب لا في كميته ولا كيفيته ويستفاد منه أن الاجر لا يحصل بالعمل الا مقرونا بالنية ولهذا
أدخل البخاري حديث أبي مسعود المذكور في باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة وحذف
المقدار من قوله إذا أنفق لإرادة التعميم ليشمل الكثير والقليل وقوله على أهله يحتمل أن يشمل
الزوجة والأقارب ويحتمل أن يختص الزوجة ويلحق به من عداها بطريق الأولى لان الثواب
إذا ثبت فيما هو واجب فثبوته فيما ليس بواجب أولى وقال الطبري ما ملخصه الانفاق على الأهل
واجب والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها
صدقة بل هي أفضل من صدقة التطوع وقال المهلب النفقة على الأهل واجبة بالاجماع وانما
سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجرا لهم فيه وقد عرفوا ما في
الصدقة من الاجر فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل الا بعد أن يكفوهم
ترغيبا لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع وقال ابن المنير تسمية النفقة صدقة من
جنس تسمية الصداق نحلة فلما كان احتياج المرأة إلى الرجل كاحتياجه إليها في اللذة والتأنيس
والتحصين وطلب الولد كان الأصل أن لا يجب لها عليه شئ الا أن الله خص الرجل بالفضل على
المرأة بالقيام عليها ورفعه عليها بذلك درجة فمن ثم جاز اطلاق النحلة على الصداق والصدقة على
النفقة * الحديث الثاني (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس وهذا الحديث ليس في الموطأ
وهو على شرط شيخنا في تقريب الأسانيد لكنه لما لم يكن في الموطأ لم يخرجه كانظاره لكنه
437

أخرجه من رواية همام عن أبي هريرة وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن
القاسم وأبو نعيم من طريق عبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك (قوله قال الله أنفق يا ابن آدم
أنفق عليك) أنفق الأولى بفتح أوله وسكون القاف بصيغة الامر بالانفاق والثانية بضم أوله
وسكون القاف على الجواب بصيغة المضارع وهو وعد بالخلف ومنه قوله تعالى وما أنفقتم من
شئ فهو يخلفه وقد تقدم القدر المذكور من هذا الحديث في تفسير سورة هود من طريق شعيب
ابن أبي حمزة عن أبي الزناد في أثناء حديث ولفظه قال الله أنفق أنفق عليك وقال يد الله ملآى
الحديث وهذا الحديث الثاني أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق سعيد بن داود عن
مالك وقال صحيح تفرد به سعيد عن مالك وأخرج مسلم الأول من طريق همام عن أبي هريرة
بلفظ ان الله تعالى قال لي أنفق أنفق عليك الحديث وفرقه البخاري كما سيأتي في كتاب
التوحيد وليس في روايته قال لي فدل على أن المراد بقوله في رواية الباب يا ابن آدم النبي صلى الله
عليه وسلم ويحتمل أن يراد جنس بني آدم ويكون تخصيصه صلى الله عليه وسلم بإضافته إلى نفسه
لكونه رأس الناس فتوجه الخطاب إليه ليعمل به ويبلغ أمته وفى ترك تقييد النفقة بشئ معين
ما يرشد إلى أن الحث على الانفاق يشمل جميع أنواع الخير وسيأتى شرح حديث شعيب مبسوطا
في التوحيد إن شاء الله تعالى * الحديث الثالث (قوله عن ثور بن زيد) في رواية محمد بن الحسن
في الموطأ عن مالك أخبرني ثور (قوله الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) كذا
قال جميع أصحاب مالك عنه في الموطأ وغيره وأكثرهم ساقه على لفظ رواية مالك عن صفوان
ابن سليم به مرسلا ثم قال وعن ثور بسنده مثله وسيأتى في كتاب الأدب عن إسماعيل بن أبي أويس
عن مالك كذلك واقتصر أبو قرة موسى بن طارق على رواية مالك عن ثور فقال الساعي على
الأرملة والمسكين له صدقة بين ذلك الدارقطني في الموطآت (قوله أو القائل الليل الصائم النهار)
هكذا للجميع عن مالك بالشك لكن لأكثرهم مثل معن بن عيسى وابن وهب وابن بكير في آخرين
بلفظ أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل وقد أخرجه ابن ماجة من رواية الدراوردي عن ثور
بمثل هذا اللفظ لكن قاله بالواو لا بلفظ أو وسيأتى في الأدب من رواية القعنبي عن مالك بلفظ
وأحسبه قال كالقائم لا يفتر والصائم لا يفطر شك القعنبي وقد ذكره الأكثر بالشك عن مالك
لكن بمعناه فيحمل اختصاص القعنبي باللفظ الذي أورده ومعنى الساعي الذي يذهب ويجئ
في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين والأرملة بالراء المهملة التي لا زوج لها والمسكين تقدم بيانه
في كتاب الزكاة وقوله القائم الليل يجوز في الليل الحركات الثلاث كما في قولهم الحسن الوجه
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة امكان اتصاف الأهل أي الأقارب بالصفتين المذكورتين
فإذا ثبت هذا الفضل لمن ينفق على من ليس له بقريب ممن اتصف بالوصفين فالمنفق على
المتصف أولى * الحديث الرابع حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث وقد تقدم شرحه
في الوصايا والمراد منه هنا قوله ومهما أنفقت فهو لك صدقة حتى اللقمة ترفعها في امرأتك
وقد أخرج مسلم من حديث مجاهد عن أبي هريرة رفعه دينار أعطيته مسكينا ودينار أعطيته
في رقبة ودينار أعطيته في سبيل الله ودينار أنفقته على أهلك قال الدينار الذي أنفقته على أهلك
أعظم أجرا ومن حديث أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رفعه أفضل دينار ينفقه الرجل
438

دينار ينفقه على عياله ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل
الله قال أبو قلابة بدأ بالعيال وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عياله يعفهم وينفعهم
الله به قال الطبري البداءة في الانفاق بالعيال يتناول النفس لان نفس المرء من جملة عياله بل
هي أعظم حقا عليه من بقية عياله إذ ليس لأحد احياء غيره باتلاف نفسه ثم الانفاق على عياله
كذلك * (قوله باب وجوب النفقة على الأهل والعيال) الظاهر أن المراد
بالأهل في الترجمة الزوجة وعطف العيال عليها من العام بعد الخاص أو المراد بالأهل
الزوجة والأقارب والمراد بالعيال الزوجة والخدم فتكون الزوجة ذكرت مرتين تأكيدا
لحقها ووجوب نفقة الزوجة تقدم دليله أول النفقات ومن السنة حديث جابر عند مسلم
ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ومن جهة المعنى أنها محبوسة عن التكسب لحق
الزوج وانعقد الاجماع على الوجوب لكن اختلفوا في تقديرها فذهب الجمهور إلى أنها
بالكفاية والشافعي وطائفة كما قال ابن المنذر إلى أنها بالامداد ووافق الجمهور من الشافعية
أصحاب الحديث كابن خزيمة وابن المنذر ومن غيرهم أبو الفضل بن عبدان وقال الروياني في
الحلية هو القياس وقال النووي في شرح مسلم ما سيأتي في باب إذا لم ينفق الرجل فالمرأة ان
تأخذ بعد سبعة أبواب وتمسك بعض الشافعية بأنها لو قدرت بالحاجة لسقطت نفقة المريضة
والغنية في بعض الأيام فوجب الحاقها بما يشبه الدوام وهو الكفارة لاشتراكهما في الاستقرار في
الذمة ويقويه قوله تعالى من أوسط ما تطعمون أهليكم فاعتبروا الكفارة بها والامداد معتبرة
في الكفارة ويخدش في هذا الدليل أنهم صححوا الاعتياض عنه وبأنها لو أكلت معه على العادة
سقطت بخلاف الكفارة فيهما والراجح من حيث الدليل أن الواجب الكفاية ولا سيما وقد نقل
بعض الأئمة الاجماع الفعلي في زمن الصحابة والتابعين على ذلك ولا يحفظ عن أحد منهم خلافه
(قوله أفضل الصدقة ما ترك غنى) تقدم شرحه في أول الزكاة وبيان اختلاف ألفاظه وكذا قوله
واليد العليا وقوله وابدأ بمن تعول أي بمن يجب عليك نفقته يقال عال الرجل أهله إذا مانهم أي
قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة وهو أمر بتقديم ما يجب على ما لا يجب وقال ابن المنذر
اختلف في نفقة من بلغ من الأولاد ولا مال له ولا كسب فأوجبت طائفة النفقة لجميع الأولاد
أطفالا كانوا أو بالغين إناثا وذكرانا إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها وذهب الجمهور إلى أن
الواجب أن ينفق عليهم حتى يبلغ الذكر أو تتزوج الأنثى ثم لا نفقة على الأب الا ان كانوا زمني فإن كانت
لهم أموال فلا وجوب على الأب وألحق الشافعي ولد الولد وان سفل بالولد في ذلك وقوله
تقول المرأة وقع في رواية النسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح به فقيل
من أعول يا رسول الله قال امرأتك الحديث وهو وهم والصواب ما أخرجه هو من وجه آخر عن
ابن عجلان به وفيه فسئل أبو هريرة من تعول يا أبا هريرة وقد تمسك بهذا بعض الشراح وغفل عن
الرواية الأخرى ورجح ما فهمه بما أخرجه الدارقطني من طريق عاصم عن أبي صالح عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المرأة تقول لزوجها أطعمني ولا حجة فيه لان في حفظ
عاصم شيئا والصواب التفصيل وكذا وقع للإسماعيلي من طريق أبى معاوية عن الأعمش بسند
حديث الباب قال أبو هريرة تقول امرأتك الخ وهو معنى قوله في آخر حديث الباب لا هذا من كيس
439

أبي هريرة ووقع في رواية الإسماعيلي المذكورة قالوا يا أبا هريرة شئ تقول من رأيك أو من قول
رسول الله صلى الله عيه وسلم قال هذا من كيسي وقوله من كيسي هو بكسر الكاف للأكثر أي
من حاصله إشارة إلى أنه من استنباطه مما فهمه من الحديث المرفوع مع الواقع ووقع في رواية
الأصيلي بفتح الكاف أي من فطنته (قوله تقول المرأة اما أن تطعمني) في رواية النسائي عن
محمد بن عبد العزيز عن حفص بن غياث بسند حديث الباب اما أن تنفق على (قوله ويقول العبد
أطعمني واستعملني) في رواية الإسماعيلي ويقول خادمك أطعمني والا فبعني (قوله ويقول
الابن أطعمني إلى من تدعني) في رواية النسائي والإسماعيلي تكلني وهو بمعناه واستدل به على أن
من كان من الأولاد له مال أو حرفة لا تجب نفقته على الأب لان الذي يقول إلى من تدعني انما هو
من لا يرجع إلى شئ سوى نفقة الأب ومن له حرفة أو مال لا يحتاج إلى قول ذلك واستدل بقوله
اما أن تطعمني واما ان تطلقني من قال يفرق بين الرجل وامرأته إذا أعسر بالنفقة واختارت
فراقه وهو قول جمهور العلماء وقال الكوفيون يلزمها الصبر وتتعلق النفقة بذمته واستدل
الجمهور بقوله تعالى ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا وأجاب المخالف بأنه لو كان الفراق واجبا
لما جاز الابقاء إذا رضيت ورد عليه بأن الاجماع دل على جواز الابقاء إذا رضيت فبقى ما عداه على
عموم النهى وطعن بعضهم في الاستدلال بالآية المذكورة بأن ابن عباس وجماعة من التابعين
قالوا نزلت فيمن كان يطلق فإذا كادت العدة تقضى راجع والجواب أن من قاعدتهم ان العبرة
بعموم اللفظ حتى تمسكوا بحديث جابر بن سمره اسكنوا في الصلاة لترك رفع اليدين عند الركوع
مع أنه انما ورد في الإشارة بالأيدي في التشهد بالسلام على فلان وفلان وهنا تمسكوا بالسبب
واستدل للجمهور أيضا بالقياس على الرقيق والحيوان فان من أعسر بالانفاق عليه أجبر على
بيعه اتفاقا والله أعلم * (قوله باب حبس الرجل قوت سنة على أهله وكيف نفقات
العيال) ذكر فيه حديث عمر وهو مطابق لركن الترجمة الأول وأما الركن الثاني وهو كيفية
النفقة على العيال فلم يظهر لي أولا وجه أخذه من الحديث ولا رأيت من تعرض له ثم رأيت أنه
يمكن أن يؤخذ منه دليل التقدير لان مقدار نفقة السنة إذا عرف عرف منه توزيعها على أيام
السنة فيعرف حصة كل يوم من ذلك فكأنه قال لكل واحدة في كل يوم قدر معين من المغل
المذكور والأصل في الاطلاق التسوية (قوله حدثني محمد بن سلام) كذا في رواية كريمة
وللأكثر حدثني محمد حسب (قوله قال لي معمر قال لي الثوري) هذا الحديث مما فات ابن
عيينة سماعه من الزهري فرواه عنه بواسطة معمر وقد رواه أيضا عن عمرو بن دينار عن الزهري
بأتم من سياق معمر وتقدم في تفسير سورة الحشر وأخرجه الحميدي وأحمد في مسنديهما عن
سفيان عن معمر وعمرو بن دينار جميعا عن الزهري وقد أخرج مسلم رواية معمر وحدها عن يحيى
ابن يحيى عن سفيان عن معمر عن الزهري ولكنه لم يسق لفظه وقد أخرج إسحاق بن راهويه
رواية معمر منفردة عن سفيان عنه عن الزهري بلفظ كان ينفق على أهله نفقة سنة من مال بنى
النضير ويجعل ما بقى في الكراع والسلاح وقد أخرج مسلم الحديث مطولا من رواية عبد الرزاق
عن معمر عن الزهري وفى كل من الاسنادين رواية الاقران فان ابن عيينة عن معمر قرينان
وعمرو بن دينار عن الزهري كذلك ويؤخذ منه المذاكرة بالعلم والقاء العالم بالمسئلة على نظيره
440

ليستخرج ما عنده من الحفظ وتثبت معمر وانصافه لكونه اعترف أنه لا يستحضر إذ ذاك في
المسئلة شيئا ثم لما تذكرها أخبر بالواقعة كما هي ولم يأنف مما تقدم (قوله كان يبيع نخل بنى
النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم) كذا أورده مختصرا ثم ساق المصنف الحديث بطوله من طريق
عقيل عن ابن شهاب الزهري وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل فرض الخمس قال ابن دقيق
العيد في الحديث جواز الادخار للأهل قوت سنة وفى السياق ما يؤخذ منه الجمع بينه وبين حديث
كان لا يدخر شيئا لغد فيحمل على الادخار لنفسه وحديث الباب على الادخار لغيره ولو كان له في ذلك
مشاركة لكن المعنى انهم المقصد بالادخار دونه حتى لو لم يوجدوا لم يدخر قال والمتكلمون على
لسان الطريقة جعلوا أو بعضهم ما زاد على السنة خارجا عن طريقة التوكل انتهى وفيه إشارة
إلى الرد على الطبري حيث استدل بالحديث على جواز الادخار مطلقا خلافا لمن منع ذلك وفى الذي
نقله الشيخ تقييد بالسنة اتباعا للخبر الوارد لكن استدلال الطبري قوى بل التقييد بالسنة انما
جاء من ضرورة الواقع لان الذي كان يدخر لم يكن يحصل الا من السنة إلى السنة لأنه كان اما تمرا
واما شعيرا فلو قدر أن شيئا مما يدخر كان لا يحصل الا من سنتين إلى سنتين لاقتضى الحال جواز
الادخار لأجل ذلك والله أعلم ومع كونه صلى الله عليه وسلم كان يحتبس قوت سنة لعياله فكان في
طول السنة ربما استجره منهم لمن يرد عليه ويعوضهم عنه ولذلك مات صلى الله عليه وسلم ودرعه
مرهونة على شعير اقترضه قوتا لأهله واختلف في جواز ادخار القوت لمن يشتريه من السوق قال
عياض اجازه قوم واحتجوا بهذا الحديث ولا حجة فيه لأنه انما كان من مغل الأرض ومنعه قوم
الا إن كان لا يضر بالسعر وهو متجه ارفاقا بالناس ثم محل هذا الاختلاف إذا لم يكن في حال
الضيق والا فلا يجوز الادخار في تلك الحالة أصلا * (قوله باب نفقة المرأة إذا
غاب عنها زوجها ونفقة الولد) ذكر فيه حديث عائشة في قصة هند امرأة أبي سفيان وسيأتى
441

شرحه بعد أربعة أبواب وحديث أبي هريرة إذا أنفقت المراة من كسب زوجها وقد مر شرحه
في أواخر النكاح * (تنبيه) * وقعت هذه الترجمة وحديثها متأخرة عن الباب الذي بعده عند
النسفي * (قوله باب والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين إلى قوله بصير)
كذا لأبي ذر والأكثر وفى رواية كريمة إلى قوله بما تعملون بصير (وقال وحمله وفصاله ثلاثون
شهرا وقال وان تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته) قيل دلت الآية الأولى على
ايجاب الانفاق على المرضعة من أجل ارضاعها الولد كانت في العصمة أم لا وفى الثانية
الإشارة إلى قدر المدة التي يجب ذلك فيها وفى الثالثة الإشارة إلى مقدار الانفاق وأنه بالنظر لحال
المنفق وفيها أيضا الإشارة إلى أن الارضاع لا يتحتم على الام وقد تقدم في أوائل النكاح في باب
لا رضاع بعد حولين البحث في معنى قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وأخرج الطبري
عن ابن عباس أن ارضاع الحولين مختص بمن وضعت لستة أشهر فمهما وضعت لأكثر من ستة
أشهر نقص من مدة الحولين تمسكا بقوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وتعقب بمن زاد حملها
على ثلاثين شهرا فإنه يلزم اسقاط مدة الرضاعة ولا قائل به والصحيح أنها محمولة على الغالب وأخذ
من الآية الأولى والثانية أن من ولد لستة أشهر فما فوقها التحق بالزوج (قوله وقال يونس)
هو ابن يزيد وهذا الأثر وصله ابن وهب في جامعه عن يونس قال قال ابن شهاب فذكره إلى قوله
وتشاور وأخرجه ابن جرير من طريق عقيل عن ابن شهاب نحوه وقوله ضرارا لها إلى غيرها
يتعلق بمنعها أي منعها ينتهى إلى رضاع غيرها فإذا رضيت فليس له ذلك ووقع في رواية عقيل
الوالدات أحق برضاع أولادهن وليس لوالدة أن تضار ولدها فتأبى رضاعه وهى تعطى عليه
ما يعطى غيرها ولى للمولود له أن ينزع ولده منها ضرارا لها وهى تقبل من الاجر ما يعطى غيرها
فان أرادا فصال الولد عن تراض منهما وتشاور دون الحولين فلا بأس (قوله في آخر الكلام
فصاله فطامه
هو تفسير ابن عباس أخرجه الطبري عنه وعن السدى وغيرهما والفصال
مصدر يقال فاصلته أفاصله مفاصلة وفصالا إذا فارقته من خلطة كانت بينهما وفصال الولد
منعه من شرب اللبن قال ابن بطال قوله تعالى والوالدات يرضعن لفظه لفظ الخبر ومعناه الامر لما
فيه من الالزام كقولك حسبك درهم أي اكتف بدرهم قال ولا يجب على الوالدة ارضاع ولدها إذا
كان أبوه حيا موسرا بدليل قوله تعالى فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن قال وان تعاسرتم
فسترضع له أخرى فدل على أنه لا يجب عليها ارضاع ولدها ودل على أن قوله والوالدات يرضعن
أولادهن سيق لمبلغ غاية الرضاعة التي مع اختلاف الوالدين في رضاع المولود جعلت حدا فاصلا
(قلت) وهذا أحد القولين عن ابن عباس أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه وعن
ابن عباس أنه مختص بمن ولدت لستة أشهر كما تقدم قريبا أخرجه الطبري أيضا بسند صحيح الا أنه
اختلف في وصله أو وقفه على عكرمة وعن ابن عباس قول ثالث أن الحولين لغاية الارضاع وأن
لا رضاع بعدهما أخرجه الطبري أيضا ورجاله ثقات الا أنه منقطع بين الزهري وابن عباس
ثم أخرج باسناد صحيح عن ابن مسعود قال ما كان من رضاعة بعد الحولين فلا رضاع وعن ابن
عباس أيضا بسند صحيح مثله ثم أسند عن قتادة قال كان ارضاعها الحولين فرضا ثم خفف بقوله
تعالى لمن أراد أن يتم الرضاعة والقول الثاني هو الذي عول عليه البخاري ولهذا عقب الآية
442

الأولى بالآية الثانية وهى قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وما جزم به ابن بطال من أن الخبر
بمعنى الامر هو قول الأكثر لكن ذهب جماعة إلى أنها خبر عن المشروعية فان بعض الوالدات
يجب عليهن ذلك وبعضهن لا يجب كما سيأتي بيانه فليس الامر على عمومه وهذا هو السر في
العدول عن التصريح بالالزام كأن يقال وعلى الوالدات ارضاع أولادهن كما جاء بعده وعلى
الوارث مثل ذلك قال ابن بطال وأكثر أهل التفسير على أن المراد بالوالدات هنا المبتوتات
المطلقات وأجمع العلماء على أن أجرة الرضاع على الزوج إذا خرجت المطلقة من العدة والام بعد
البينونة أولى بالرضاعة الا ان وجد الأب من يرضع له بدون ما سألت الا أن لا يقبل الولد غيرها فتجير
بأجرة مثلها وهو موافق للمنقول هنا عن الزهري واختلفوا في المتزوجة فقال الشافعي وأكثر
الكوفيين لا يلزمها ارضاع ولدها وقال مالك وابن أبي ليلى من الكوفيين تجبر على ارضاع ولدها
ما دامت متزوجة بوالده واحتج القائلون بأنها لا تجبر بأن ذلك إن كان لحرمة الولد فلا يتجه لأنها
لا تجبر عليه إذا كانت مطلقة ثلاثا باجماع مع أن حرمة الولدية موجودة وإن كان لحرمة الزوج
لم يتجه أيضا لأنه لو أراد أن يستخدمها في حق نفسه لم يكن له ذلك ففي حق غيره أولى اه‍ ويمكن أن
يقال إن ذلك لحرمتهما جميعا وقد تقدم كثير من مباحث الرضاع في أوائل النكاح والله أعلم
* (قوله باب عمل المرأة في بيت زوجها) أورد فيه حديث على في طلب فاطمة
الخادم والحجة منه قوله فيه تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى وقد تقدم الحديث في أوائل
فرض الخمس وان شرحه يأتي في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وسأذكر شيئا مما يتعلق بهذا
الباب في الباب الذي يليه ويستفاد من قوله ألا أدلكما على خير مما سألتما أن الذي يلازم ذكر الله
يعطى قوة أعظم من القوة التي يعملها له الخادم أو تسهل الأمور عليه بحيث يكون تعاطيه
أموره أسهل من تعاطى الخادم لها هكذا استنبطه بعضهم من الحديث والذي يظهر أن المراد
ان نفع التسبيح مختص بالدار الآخرة ونفع الخادم مختص بالدار الدنيا والآخرة خير وأبقى
* (قوله باب خادم المرأة) أي هل يشرع ويلزم الزوج اخدامها ذكر فيه حديث
على المذكور في الذي قبله وسياقه أخصر منه قال الطبري يؤخذ منه أن كل من كانت لها طاقة
من النساء على خدمة بيتها في خبز أو طحن أو غير ذلك ان ذلك لا يلزم الزوج إذا كان معروفا أن
مثلها يلي ذلك بنفسه ووجه الاخذ أن فاطمة لما سألت أباها صلى الله عليه وسلم الخادم لم يأمر
زوجها بأن يكفيها ذلك اما باخدامها خادما أو باستئجار من يقوم بذلك أو بتعاطي ذلك بنفسه
ولو كانت كفاية ذلك إلى علي لأمره به كما أمره أن يسوق إليها صداقها قبل الدخول مع أن سوق
الصداق ليس بواجب إذا رضيت المرأة أن تؤخره فكيف يأمره بما ليس بواجب عليه ويترك أن
يأمره بالواجب وحكى ابن حبيب عن أصبغ وابن الماجشون عن مالك أن خدمة البيت تلزم
المرأة ولو كانت الزوجة ذات قدر وشرف إذا كان الزوج معسرا قال ولذلك ألزم النبي صلى الله
عليه وسلم فاطمة بالخدمة الباطنة وعليا بالخدمة الظاهرة وحكى ابن بطال أن بعض الشيوخ
قال لا نعلم في شئ من الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على فاطمة بالخدمة الباطنة وانما
جرى الامر بينهم على ما تعارفوه من حسن العشرة وجميل الأخلاق وأما أن تجبر المرأة على شئ
من الخدمة فلا أصل له بل الاجماع منعقد على أن على الزوج مؤنة الزوجة كلها ونقل
443

الطحاوي الاجماع على أن الزوج ليس له اخراج خادم المرأة من بيته فدل على أنه يلزمه نفقة
الخادم على حسب الحاجة إليه وقال الشافعي والكوفيون يفرض لها ولخادمها النفقة
إذا كانت ممن تخدم وقال مالك والليث ومحمد بن الحسن يفرض لها ولخادمها إذا كانت خطيرة
وشذ أهل الظاهر فقالوا ليس على الزوج أن يخدمها ولو كانت بنت الخليفة وحجة الجماعة قوله ت
عالي وعاشروهن بالمعروف وإذا احتاجت إلى من يخدمها فامتنع لم يعاشرها بالمعروف وقد
تقدم كثير من مباحث هذا الباب في باب الغيرة من أواخر النكاح في شرح حديث أسماء بنت أبي
بكر في ذلك * (قوله باب خدمة الرجل في أهله) أي بنفسه (قوله كان
يكون) سقط لفظ يكون من رواية المستملى والسرخسي وقد تقدم ضبط المهنة وأنه بفتح اليم
ويجوز كسرها في كتاب الصلاة وقال ابن التين ضبط في الأمهات بكسر الميم وضبطه الهروي
بالفتح وحكى الأزهري عن شمر عن مشايخه أن كسرها خطأ (قوله فإذا سمع الاذان خرج)
تقدم شرحه مع شرح بقية الحديث مستوفى في أبواب فضل الجماعة من كتاب الصلاة
* (تنبيه) * وقع هنا للنسفي وحده ترجمة نصها باب هل لي من أجر في بنى أبى سلمة وبعده الحديث
الآتي في باب وعلى الوارث مثل ذلك بسنده ومتنه والراجح ما عند الجماعة * (قوله
باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف) أخذ
المصنف هذه الترجمة من حديث الباب بطريق الأولى لأنه دل على جواز الاخذ لتكملة النفقة
فكذا يدل على جواز أخذ جميع النفقة عند الامتناع (قوله يحيى) هو ابن سعيد القطان وهشام
هو ابن عروة (قوله أن هندا بنت عتبة) كذا في هذه الرواية هندا بالصرف ووقع في رواية
الزهري عن عروة الماضية في المظالم بغير صرف هند بنت عتبة بن ربيعة أي ابن عبد شمس بن عبد
مناف وفى رواية الشافعي عن أنس بن عياض عن هشام أن هندا أم معاوية وكانت هند لما قتل
أبوها عتبة وعمها شيبة وأخوها الوليد يوم بدر شق عليها فلما كان يوم أحد وقتل حمزة فرحت بذلك
وعمدت إلى بطنه فشقتها وأخذت كبده فلاكتها ثم لفظتها فلما كان يوم الفتح ودخل أبو سفيان
مكة مسلما بعد ان أسرته خيل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة فأجاره العباس غضبت هند
لأجل اسلامه وأخذت بلحيته ثم إنها بعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم بمكة جاءت فأسلمت
وبايعت وقد تقدم في أواخر المناقب أنها قالت له يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض من أهل
خباء أحب إلى أن يذلوا من أهل خبائك وما على ظهر الأرض اليوم خباء أحب إلى أن يعزوا
من أهل خبائك فقال أيضا والذي نفسي بيده ثم قالت يا رسول الله ان أبا سفيان الخ وذكر ابن
عبد البر انها ماتت في المحرم سنة أربع عشرة يوم مات أبو قحافة والد أبى بكر الصديق وأخرج ابن
سعد في الطبقات ما يدل على أنها عاشت بعد ذلك فروى عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عبد الله
ابن أبي بكر بن حزم أن عمر استعمل معاوية على عمل أخيه فلم يزل واليا لعمر حتى قتل واستخلف
عثمان فأقره على عمله وأفرده بولاية الشام جميعا وشخص أبو سفيان إلى معاوية ومعه ابناه عتبة
وعنبسة فكتبت هند إلى معاوية قد قدم عليك أبوك وأخواك فاحمل أباك على فرس وأعطه
أربعة آلاف درهم واحمل عتبة على بغل وأعطه ألفى درهم واحمل عنبسة على حمار وأعطه
ألف درهم ففعل ذلك فقال أبو سفيان أشهد بالله ان هذا عن رأى هند (قلت) كان عتبة منها
444

وعنبسة من غيرها أمة عاتكة بنت أبي أزيهر الأزدي وفى الأمثال للميداني أنها عاشت بعد وفاة
أبي سفيان فإنه ذكر قصة فيها أن رجلا سأل معاوية أن يزوجه أمه فقال إنها قعدت عن الولد
وكانت وفاة أبي سفيان في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين (قوله إن أبا سفيان) هو صخر بن حرب بن
أمية بن عبد شمس زوجها وكان قد رأس في قريش بعد وقعة بدر وسار بهم في أحد وساق الأحزاب
يوم الخندق ثم أسلم ليلة الفتح كما تقدم مبسوطا في المغازي (قوله رجل شحيح) تقدم قبل بثلاثة
أبواب رجل مسيك واختلف في ضبطه فالأكثر بكسر الميم وتشديد السين على المبالغة وقيل بوزن
شحيح قال النووي هذا هو الأصح من حيث اللغة وإن كان الأول أشهر في الرواية ولم يظهر لي كون
الثاني أصح فان الآخر مستعمل كثيرا مثل شريب وسكير وإن كان المخفف أيضا فيه نوع مبالغة
لكن المشدد أبلغ وقد تقدمت عبارة النهاية في كتاب الاشخاص حيث قال المشهور في كتب
اللغة الفتح والتخفيف وفى كتب المحدثين الكسر والتشديد والشح البخل مع حرص والشح أعم
من البخل لان البخل يختص بمنع المال والشح بكل شئ وقيل الشح لازم كالطبع والبخل غير لازم
قال القرطبي لم ترد هند وصف أبي سفيان بالشح في جميع أحواله وانما وصفت حالها معه وأنه كان
يقتر عليها وعلى أولادها وهذا لا يستلزم البخل مطلقا فان كثيرا من الرؤساء يفعل ذلك مع أهله
ويؤثر الأجانب استئلافا لهم (قلت) وورد في بعض الطرق لقول هند هذا سبب يأتي ذكره قريبا
(قوله الا ما أخذت منه وهو لا يعلم) زاد الشافعي في روايته سرا فهل على في ذلك من شئ ووقع
في رواية الزهري فهل على حرج ان أطعم من الذي له عيالنا (قوله فقال خذي ما يكفيك وولدك
بالمعروف) في رواية شعيب عن الزهري التي تقدمت في المظالم لا حرج عليك أن تطعميهم
بالمعروف قال القرطبي قوله خذي أمر إباحة بدليل قوله لا حرج والمراد بالمعروف القدر الذي
عرف بالعادة أنه الكفاية قال وهذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظا لكنها مقيدة معنى كأنه قال إن
صح ما ذكرت وقال غيره يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم علم صدقها فيما ذكرت فاستغنى عن
التقييد واستدل بهذا الحديث على جواز ذكر الانسان بما لا يعجبه إذا كان على وجه الاستفتاء
والاشتكاء ونحو ذلك وهو أحد المواضع التي تباح فيها الغيبة وفيه من الفوائد جواز ذكر
الانسان بالتعظيم كاللقب والكنية كذا قيل وفيه نظر لان أبا سفيان كان مشهورا
بكنيته دون اسمه فلا يدل قولها ان أبا سفيان على إرادة التعظيم وفيه جواز استماع كلام
أحد الخصمين في غيبة الآخر وفيه أن من نسب إلى نفسه أمرا عليه فيه غضاضة فليقرنه بما
يقيم عذره في ذلك وفيه جواز سماع كلام الأجنبية عند الحكم والافتاء عند من يقول إن
صوتها عورة ويقول جاز هنا للضرورة وفيه أن القول قول الزوجة في قبض النفقة لأنه لو كان
القول قول الزوج انه منفق لكلفت هذه البينة على اثبات عدم الكفاية وأجاب المازري عنه
بأنه من باب تعليق الفتيا لا القضاء وفيه وجوب نفقة الزوجة وأنها مقدرة بالكفاية وهو قول
أكثر العلماء وهو قول للشافعي حكاه الجويني والمشهور عن الشافعي أنه قدرها بالامداد فعلى
الموسر كل يوم مدان والمتوسط مد ونصف والمعسر مد وتقريرها بالامداد رواية عن مالك أيضا
قال النووي في شرح مسلم وهذا الحديث حجة على أصحابنا (قلت) وليس صريحا في الرد عليهم
لكن التقدير بالامداد محتاج إلى دليل فان ثبت حملت الكفاية في حديث الباب على القدر
445

المقدر بالامداد فكأنه كان يعطيها وهو موسر ما يعطى المتوسط فأذن لها في أخذ التكملة وقد
تقدم الاختلاف في ذلك في باب وجوب النفقة على الأهل وفيه اعتبار النفقة بحال الزوجة
وهو قول الحنفية واختار الخصاف منهم أنها معتبرة بحال الزوجين معا قال صاحب الهداية
وعليه الفتوى والحجة فيه ضم قوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته الآية إلى هذا الحديث وذهبت
الشافعية إلى اعتبار حال الزوج تمسكا بالآية وهو قول بعض الحنفية وفيه وجوب نفقة الأولاد
بشرط الحاجة والأصح عند الشافعية اعتبار الصغر أو الزمانة وفيه وجوب نفقة خادم المرأة على
الزوج قال الخطابي لان أبا سفيان كان رئيس قومه ويبعد أن يمنع زوجته وأولاده النفقة
فكأنه كان يعطيها قدر كفايتها وولدها دون من يخدمهم فأضافت ذلك إلى نفسها لان خادمها
داخل في جملتها (قلت) ويحتمل أن يتمسك لذلك بقوله في بعض طرقه أن أطعم من الذي له عيالنا
واستدل به على وجوب نفقة الابن على الأب ولو كان الابن كبيرا وتعقب بأنها واقعة عين
ولا عموم في الافعال فيحتمل أن يكون المراد بقولها بنى بعضهم أي من كان صغيرا أو كبيرا زمنا
لا جميعهم واستدل به على أن من له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه جاز له أن يأخذ من ماله
قدر حقه بغير اذنه وهو قول الشافعي وجماعة وتسمى مسئلة الظفر والراجح عندهم لا يأخذ غير
جنس حقه الا إذا تعذر جنس حقه وعن أبي حنيفة المنع وعنه يأخذ جنس حقه ولا يأخذ من
غير جنس حقه الا أحد النقدين بدل الآخر وعن مالك ثلاث روايات كهذه الآراء وعن أحمد
المنع مطلقا وقد تقدمت الإشارة إلى شئ من ذلك في كتاب الاشخاص والملازمة قال الخطابي
يؤخذ من حديث هند جواز أخذ الجنس وغير الجنس لان منزل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه
من النفقة والكسوة وسائر المرافق اللازمة وقد أطلق لها الاذن في أخذ الكفاية من ماله
قال ويدل على صحة ذلك قولها في رواية أخرى وانه لا يدخل على بيتي ما يكفيني وولدي (قلت)
ولا دلالة فيه لما ادعاه من أن بيت الشحيح لا يحتوى على كل ما يحتاج إليه لأنها نفت الكفاية
مطلقا فتناول جنس ما يحتاج إليه وما لا يحتاج إليه ودعواه أن منزل الشحيح كذلك مسلمة
لكن من أين له أن منزل أبي سفيان كان كذلك والذي يظهر من سياق القصة أن منزله كان فيه كل ما
يحتاج إليه الا أنه كان لا يمكنها الا من القدر الذي أشارت إليه فاستأذنت أن تأخذ زيادة على ذلك
بغير علمه وقد وجه ابن المنير قوله إن في قصة هند دلالة على أن لصاحب الحق أن يأخذ من غير
جنس حقه بحيث يحتاج إلى التقويم لأنه عليه الصلاة والسلام أذن لهند أن تفرض لنفسها
وعيالها قدر الواجب وهذا هو التقويم بعينه بل هو أدق منه وأعسر واستدل به على أن للمرأة
مدخلا في القيام على أولادها وكفالتهم والانفاق عليهم وفيه اعتماد العرف في الأمور التي
لا تحديد فيها من قبل الشرع وقال القرطبي فيه اعتبار العرف في الشرعيات خلافا لمن أنكر
ذلك لفظا وعمل به معنى كالشافعية كذا قال والشافعية انما أنكروا العمل بالعرف إذا عارضه
النص الشرعي أو لم يرشد النص الشرعي إلى العرف واستدل به الخطابي على جواز القضاء على
الغائب وسيأتى في كتاب الأحكام ان البخاري ترجم القضاء على الغائب وأورد هذا الحديث
من طريق سفيان الثوري عن هشام بلفظ ان أبا سفيان رجل شحيح فأحتاج أن آخذ من ماله قال
خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وذكر النووي أن جمعا من العلماء من أصحاب الشافعي ومن
446

غيرهم استدلوا بهذا الحديث لذلك حتى قال الرافعي في القضاء على الغائب احتج أصحابنا على
الحنفية في منعهم القضاء على الغائب بقصة هند وكان ذلك قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم على
زوجها وهو غائب قال النووي ولا يصح الاستدلال لأن هذه القصة كانت بمكة وكان أبو سفيان
حاضرا بها وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبا عن البلد أو مستترا لا يقدر عليه أو متعززا
ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجودا فلا يكون قضاء على الغائب بل هو افتاء وقد وقع في كلام
الرافعي في عدة مواضع أنه كان افتاء اه‍ واستدل بعضهم على أنه كان غائبا بقول هند
لا يعطيني إذ لو كان حاضرا لقالت لا ينفق على لان الزوج هو الذي يباشر الانفاق وهذا ضعيف
لجواز أن يكون عادته أن يعطيها جملة ويأذن لها في الانفاق مفرقا نعم قول النووي ان أبا سفيان
كان حاضرا بمكة حق وقد سبقه إلى الجزم بذلك السهيلي بل أورد أخص من ذلك وهو أن أبا
سفيان كان جالسا معها في المجلس لكن لم يسق اسناده وقد ظفرت به في طبقات ابن سعد أخرجه
بسند رجاله رجال الصحيح الا أنه مرسل عن الشعبي أن هندا لما بايعت وجاء قوله ولا يسرقن
قالت قد كنت أصبت من مال أبي سفيان فقال أبو سفيان فما أصبت من مالي فهو حلال لك
(قلت) ويمكن تعدد القصة وأن هذا وقع لما بايعت ثم جاءت مرة أخرى فسألت عن الحكم
وتكون فهمت من الأول احلال أبي سفيان لها ما مضى فسألت عما يستقبل لكن يشكل على
ذلك ما أخرجه ابن منده في المعرفة من طريق عبد الله بن محمد بن زاذان عن هشام بن عروة عن
أبيه قال قالت هند لأبي سفيان انى أريد أن أبايع قال فان فعلت فاذهبي معك برجل من قومك
فذهبت إلى عثمان فذهب معها فدخلت منتقبة فقال بايعي أن لا تشركي الحديث وفيه فلما
فرغت قالت يا رسول الله ان أبا سفيان رجل بخيل الحديث قال ما تقول يا أبا سفيان قال اما يابسا
فلا واما رطبا فأحله وذكر أبو نعيم في المعرفة أن عبد الله تفرد به بهذا السياق وهو ضعيف وأول
حديثه يقتضى أن أبا سفيان لم يكن معها وآخره يدل على أنه كان حاضرا لكن يحتمل أن يكون
كل منهما توجه وحده أو أرسل إليه لما اشتكت منه ويؤيد هذا الاحتمال الثاني ما أخرجه
الحاكم في تفسير الممتحنة من المستدرك عن فاطمة بنت عتبة أن أبا حذيفة بن عتبة ذهب بها
وبأختها هند يبايعان فلما اشترط ولا يسرقن قالت هند لا أبايعك على السرقة انى أسرق من
زوجي فكف حتى أرسل إلى أبي سفيان يتحلل لها منه فقال اما الرطب فنعم واما اليابس فلا
والذي يظهر لي أن البخاري لم يرد أن قصة هند كانت قضاء على أبي سفيان وهو غائب بل استدل
بها على صحة القضاء على الغائب ولو لم يكن ذلك قضاء على غائب بشرطه بل لما كان أبو سفيان غير
حاضر معها في المجلس وأذن لها أن تأخذ من ماله بغير اذنه قدر كفايتها كان في ذلك نوع قضاء على
الغائب فيحتاج من منعه أن يجيب عن هذا وقد انبنى على هذا خلاف يتفرع منه وهو أن الأب
إذا غاب أو امتنع من الانفاق على ولده الصغير أذن القاضي للام إذا كانت فيها أهلية ذلك في
الاخذ من مال الأب ان أمكن أو في الاستقراض عليه والانفاق على الصغير وهل لها الاستقلال
بذلك بغير اذن القاضي وجهان ينبنيان على الخلاف في قصة هند فإن كانت افتاء جاز لها الاخذ
بغير اذن وإن كانت قضاء فلا يجوز الا بإذن القاضي ومما رجح به أنه كان قضاء لا فتيا التعبير بصيغة
الامر حيث قال لها خذي ولو كان فتيا لقال مثلا لا حرج عليك إذا أخذت ولان الأغلب من
447

تصرفاته صلى الله عليه وسلم انما هو الحكم ومما رجح به أنه كان فتوى وقوع الاستفهام في
القصة في قولها هل على جناح ولأنه فوض تقدير الاستحقاق إليها ولو كان قضاء لم يفوضه إلى
المدعى ولأنه لم يستحلفها على ما ادعته ولا كلفها البينة والجواب أن في ترك تحليفها أو تكليفها
البينة حجة لمن أجاز للقاضي أن يحكم بعلمه فكأنه صلى الله عليه وسلم علم صدقها في كل ما ادعت به
وعن الاستفهام أنه لا استحالة فيه من طالب الحكم وعن تفويض قدر الاستحقاق أن المراد
الموكول إلى العرف كما تقدم وسيأتى بيان المذاهب في القضاء على الغائب في كتاب الأحكام
إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * أشكل على بعضهم استدلال البخاري بهذا الحديث على مسئلة
الظفر في كتاب الاشخاص حيث ترجم له قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه واستدلاله به
على جواز القضاء على الغائب لان الاستدلال به على مسئلة الظفر لا تكون الا على القول بأن
مسئلة هند كانت على طريق الفتوى والاستدلال به على مسئلة القضاء على الغائب لا يكون
الا على القول بأنها كانت حكما والجواب أن يقال كل حكم يصدر من الشارع فإنه ينزل منزلة
الافتاء بذلك الحكم في مثل تلك الواقعة فيصح الاستدلال بهذه القصة للمسئلتين والله أعلم وقد
وقع هذا الباب مقدما على بابين عند أبي نعيم في المستخرج * (قوله باب حفظ المرأة
زوجها في ذات يده والنفقة) المراد بذات اليد المال وعطف النفقة عليه من عطف الخاص على
العام ووقع في شرح ابن بطال والنفقة عليه وزيادة لفظة عليه غير محتاج إليها في هذا الموضع
وليست من حديث الباب في شئ (قوله حدثنا ابن طاوس) اسمه عبد الله (قوله عن أبيه وأبو
الزناد) هو عطف على ابن طاوس لا على طاوس وحاصله أن لسفيان بن عيينة فيه اسنادين إلى أبي هريرة
ووقع في مسند الحميدي عن سفيان وحدثنا أبو الزناد وأخرجه أبو نعيم من طريقه (قوله
خير نساء ركبن الإبل نساء قريش وقال الآخر صالح نساء قريش) في رواية الكشميهني صلح
بضم الصاد وتشديد اللام بعدها مهملة وهى صيغة جمع وحاصله أن أحد شيخي سفيان اقتصر
على نساء قريش وزاد الآخر صالح ووقع عند مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان قال أحدهما صالح
نساء قريش وقال الآخر نساء قريش ولم أره عن سفيان الا مبهما لكن ظهر من رواية شعيب
عن أبي الزناد الماضية في أول النكاح ومن رواية معمر عن ابن طاوس عند مسلم أن الذي زاد
لفظة صالح هو ابن طاوس ووقع في أوله عند مسلم من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة بيان سبب الحديث ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ بنت أبي طالب
فقالت يا رسول الله انى قد كبرت ولى عيال فذكر الحديث وله أحناه على بمهملة ثم نون من
الحنو وهو العطف والشفقة وأرعاه من الرعاية وهى الابقاء قال ابن التين الحانية عند أهل اللغة
التي تقيم على ولدها فلا تتزوج فان تزوجت فليست بحانية (قوله في ذات يده) قال قاسم بن ثابت
في الدلائل ذات يده وذات بيننا ونحو ذلك صفة لمحذوف مؤنث كأنه يعنى الحال التي هي بينهم
والمراد بذات يده ماله ومكسبه واما قولهم لقيته ذات يوم فالمراد لقاة أو مرة فلما حذف الموصوف
وبقيت الصفة صارت كالحال (قوله ويذكر عن معاوية وابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم) أما حديث معاوية وهو ابن أبي سفيان فأخرجه أحمد والطبراني من طريق زيد بن أبي
غياث عن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثل رواية ابن طاوس في جملة
448

أحاديث ورجاله موثقون وفى بعضهم مقال لا يقدح وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد
أيضا من طريق شهر بن حوشب حدثني ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب امرأة من
قومه يقال لها سودة وكان لها خمسة صبيان أو ستة من بعل لها مات فقالت له ما يمنعني منك الا أن
لا تكون أحب البرية إلى الا انى أكرمك أن تضغو هذه الصبية عند رأسك فقال لها يرحمك الله
ان خير نساء ركبن أعجاز الإبل صالح نساء قريش الحديث وسنده حسن وله طريق أخرى
أخرجها قاسم بن ثابت في الدلائل من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس باختصار
القصة وهذه المرأة يحتمل أن تكون أم هانئ المذكورة في حديث أبي هريرة فلعلها كانت تلقب
سودة فان المشهور أن اسمها فاختة وقيل غير ذلك ويحتمل أن تكون امرأة أخرى وليست
سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فان النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها قديما بمكة
بعد موت خديجة ودخل بها قبل أن يدخل بعائشة ومات وهى في عصمته وقد تقدم ذلك واضحا
وتقدم شرح المتن مستوفى في أوائل كتاب النكاح * (قوله باب كسوة المرأة
بالمعروف) هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه مسلم من حديث جابر المطول في صفة الحج ومن
جملته في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة اتقوا الله في النساء ولهن عليكم رزقهن
وكسوتهن بالمعروف ولما لم يكن على شرط البخاري أشار إليه واستنبط الحكم من حديث آخر
على شرطه فأورد حديث على في الحلة السيراء وقلة فشققتها بين نسائي قال ابن المنير وجه
المطابقة أن الذي حصل لزوجته فاطمة عليها السلام من الحلة قطعة فرضيت بها اقتصادا
بحسب الحال لا اسرافا واما حكم المسئلة فقال ابن بطال أجمع العلماء على أن للمرأة مع النفقة
على الزوج كسوتها وجوبا وذكر بعضهم أنه يلزمه أن يكسوها من الثياب كذا والصحيح في ذلك
أن لا يحمل أهل البلدان على نمط واحد وأن على أهل كل بلد ما يجرى في عادتهم بقدر ما يطيقه
الزوج على قدر الكفاية لها وعلى قدر يسره وعسره اه‍ وأشار بذلك إلى الرد على الشافعية وقد
تقدم البحث في ذلك في النفقة قريبا والكسوة في معناها وحديث على سيأتي شرحه مستوفى
في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى وقوله آتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمد أي أعطى ثم ضمن
أعطى معنى أهدى أو أرسل بذلك عداه بالى وهى بالتشديد وقد وقع في رواية النسفي بعث وفى
رواية ابن عبدوس أهدى ولا تضمين فيها ومن قرأ إلى بالتخفيف بلفظ حرف الجر واتى بمعنى جاء
لزمه أن يقول حلة سيراء بالرفع ويكون في الكلام حذف تقديره فأعطانيها فلبستها إلى آخره قال
ابن التين ضبط عند الشيخ أبى الحسن أتى بالقصر أي جاء فيحتمل أن يكون المعنى جاءني النبي صلى
الله عليه وسلم بحلة فحذف ضمير المتكلم وحذف الباء فانتصبت والحلة ازار ورداء والسيراء بكسر
المهملة وفتح التحتانية وبالمد من أنواع الحرير وقوله بين نسائي يوهم زوجاته وليس كذلك فإنه
لم يكن له حينئذ زوجة الا فاطمة فالمراد بنسائه زوجته مع أقاربه وقد جاء في رواية بين الفواطم
* (قوله باب عون المرأة زوجها في ولده) سقط في ولده من رواية النسفي وذكر
فيه حديث جابر في تزويجه الثيب لتقوم على أخواته وتصلحهن وكأنه استنبط قيام المرأة على
ولد زوجها من قيام امرأة جابر على أخواته ووجه ذلك منه بطريق الأولى قال ابن بطال وعون
المرأة زوجها في ولده ليس بواجب عليها وانما هو من جميل العشرة ومن شيمة صالحات النساء
449

وقد تقدم الكلام على خدمة المرأة زوجها هل تجب عليها أم لا قريبا * (قوله باب
نفقة المعسر على أهله) ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة الذي وقع على امرأته في رمضان وقد
تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصيام قال ابن بطال وجه أخذ الترجمة منه أنه صلى الله
عليه وسلم أباح له اطعام أهله التمر ولم يقل له ان ذلك يجزيك عن الكفارة لأنه قد تعين عليه فرض
النفقة على أهله بوجود التمر وهو ألزم له من الكفارة كذا قال وهو يشبه الدعوى فيحتاج إلى
دليل والذي يظهر أن الاخذ من جهة اهتمام الرجل بنفقة أهله حيث قال لما قيل له تصدق به
فقال أعلى أفقر منا فلولا اهتمامه بنفقة أهله لبادر وتصدق * (قوله باب وعلى
الوارث مثل ذلك وهل على المرأة منه شئ وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم الآية) كذا لأبي
ذر ولغيره بعد قوله أبكم إلى قوله صراط مستقيم قال ابن بطال ما ملخصه اختلف السلف في المراد
بقوله وعلى الوارث مثل ذلك فقال ابن عباس عليه أن لا يضار وبه قال الشعبي ومجاهد والجمهور
قالوا ولا غرم على أحد من الورثة ولا يلزمه نفقة ولد الموروث وقال آخرون على من يرث الأب
مثل ما كان على الأب من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له ثم اختلفوا في المراد بالوارث فقال
الحسن والنخعي هو كل من يرث الأب من الرجال والنساء وهو قول أحمد واسحق وقال أبو حنيفة
وأصحابه هو من كان ذا رحم محرم للمولود دون غيره وقال قبيصة بن ذؤيب هو المولود نفسه وقال
زيد بن ثابت إذا خلف أما وعما فعلى كل منهما ارضاع الولد بقدر ما يرث وبه قال الثوري قال
ابن بطال والى هذا القول أشار البخاري بقوله وعلى وهل على المرأة منه شئ ثم أشار إلى رده
بقوله تعالى وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم فنزل المرأة من الوارث منزلة الا بكم من
المتكلم اه‍ وقد أخرج الطبري هذه الأقوال عن قائلها وسبب الاختلاف حمل المثلية
في قوله مثل ذلك على جميع ما تقدم أو على بعضه والذي تقدم الارضاع والانفاق والكسوة
وعدم الاضرار قال ابن العربي قالت طائفة لا يرجع إلى الجميع بل إلى الأخير وهذا هو
الأصل فمن ادعى أنه يرجع إلى الجميع فعليه الدليل لان الإشارة بالافراد وأقرب مذكور هو
عدم الاضرار فرجح الحمل عليه ثم اورد حديث أم سلمة في سؤالها هل لها أجر في الانفاق
على أولادها من أبى سلمة ولم يكن لهم مال فأخبرها أن لها أجرا فدل على أن نفقة بنيها
لا تجب عليها إذ لو وجبت عليها لبين لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وكذا قصة هند بنت عتبة
فإنه أذن لها في أخذ نفقة بنيها من مال الأب فدل على أنها تجب عليه دونها فأراد البخاري أنه
لما لم يلزم الأمهات نفقة الأولاد في حياة الآباء فالحكم بذلك مستمر بعد الآباء ويقويه قوله تعالى
وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن أي رزق الأمهات وكسوتهن من أجل الرضاع للأبناء فكيف
يجب لهن في أول الآية وتجب عليهن نفقة الأبناء في آخرها وأما قول قبيصة فيرده أن الوارث
لفظ يشمل الولد وغيره فلا يخص به وارث دون آخر الا بحجة ولو كان الولد هو المراد لقيل وعلى
المولود وأما قول الحنفية فيلزم منه أن النفقة تجب على الخال لابن أخته ولا تجب على العم لابن
أخيه وهو تفصيل لا دلالة عليه من الكتاب ولا السنة ولا القياس قاله إسماعيل القاضي وأما قول
الحسن ومن تابعه فتعقب بقوله تعالى وان كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن
فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن فلما وجب على الأب الانفاق على من يرضع ولده ليغذى
450

ويربى فكذلك يجب عليه إذا فطم فيغذيه بالطعام كما كان يغذيه بالرضاع ما دام صغيرا ولو وجب
مثل ذلك على الوارث لوجب إذا مات عن الحامل أنه يلزم العصبة بالانفاق عليها لأجل ما في بطنها
وكذا يلزم الحنفية الزام كل ذي رحم محرم وقال ابن المنير انما قصر البخاري الرد على من زعم أن
الام يجب عليها نفقة ولدها وارضاعه بعد أبيه لدخولها في الوارث فبين أن الام كانت كلا على
الأب واجبة النفقة عليه ومن هو كل بالأصالة لا يقدر على شئ غالبا كيف يتوجه عليه أن ينفق
على غيره وحديث أم سلمة صريح في أن انفاقها على أولادها كان على سبيل الفضل والتطوع
فدل على أن لا وجوب عليها وأما قصة هند فظاهرة في سقوط النفقة عنها في حياة الأب
فيستصحب هذا الأصل بعد وفاة الأب وتعقب بأنه لا يلزم من السقوط عنها في حياة الأب
السقوط عنها بعد فقده والا فقد القيام بمصالح الولد بفقده فيحتمل أن يكون مراد البخاري من
الحديث الأول وهو حديث أم سلمة في انفاقها على أولادها الجزء الأول من الترجمة وهو أن وارث
الأب كالأم يلزمه نفقة المولود بعد موت الأب ومن الحديث الثاني الجزء الثاني وهو أنه ليس على
المرأة شئ عند وجود الأب وليس فيه تعرض لما بعد الأب والله أعلم * (قوله باب قول
النبي صلى الله عليه وسلم من ترك كلا) بفتح الكاف والتشديد والتنوين (أو ضياعا) بفتح الضاد
المعجمة (فإلى) بالتشديد ذكر فيه حديث أبي هريرة بلفظ من توفى من المؤمنين فترك دينا فعلى
قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته وأما لفظ الترجمة فأورده في الاستقراض من طريق أبى حازم عن أبي
هريرة بلفظ من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فالينا ومن طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة
عن أبي هريرة ومن ترك دنيا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه والضياع تقدم ضبطه وتفسيره في
الكفالة وفى الاستقراض وتقدم شرح الحديث في الكفالة وفى تفسير الأحزاب ويأتي بقية
الكلام عليه في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى وأراد المصنف بادخاله في أبواب النفقات
الإشارة إلى أن من مات وله أولاد ولم يترك لهم شيئا فان نفقتهم تجب في بيت مال المسلمين والله أعلم * (قوله باب المراضع من المواليات وغيرهن) كذا للجميع قال ابن التين ضبط
في رواية بضم الميم وبفتحها في أخرى والأول أولى لأنه اسم فاعل من والت توالى (قلت) وليس كما
قال بل المضبوط في معظم الروايات بالفتح وهو من الموالى لا من الموالاة وقال ابن بطال كان
الأولى أن يقول الموليات جمع مولاة وأما المواليات فهو جمع الجمع جمع مولى جمع التكسير ثم جمع
موالى جمع السلامة بالألف والتاء فصار مواليات ثم ذكر حديث أم حبيبة في قولها انكح أختي
وفى قوله صلى الله عليه وسلم لما ذكرت له درة بنت أبي سلمة فقال بنت أم سلمة وانما استثبتها في ذلك
ليرتب عليه الحكم لان بنت أبي سلمة من غير أم سلمة تحل له لو لم يكن أبو سلمة رضيعه لأنها ليست
ربيبة بخلاف بنت أبي سلمة من أم سلمة وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب النكاح وقوله
في آخره قال شعيب عن الزهري قال عروة ثويبة أعتقها أبو لهب تقدم هذا التعليق موصولا في
جملة الحديث الذي أشرت إليه في أوائل النكاح وسياق مرسل عروة أتم مما هنا وتقدم شرحه
وأراد بذكره هنا ايضاح أن ثويبة كانت مولاة ليطابق الترجمة ووجه ايرادها في أبواب
النفقات الإشارة إلى أن ارضاع الام ليس متحتما بل لها أن ترضع ولها أن تمتنع فإذا امتنعت كان
للأب أو الولي ارضاع الولد بالأجنبية حرة كانت أو أمة متبرعة كانت أو بأجرة والأجرة تدخل
451

في النفقة وقال ابن بطال كانت العرب تكره رضاع الإماء وترغب في رضاع العربية لنجابة الولد
فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد رضع من غير العرب وأنجب وأن رضاع الإماء لا يهجن اه‍
وهو معنى حسن الا أنه لا يفيد الجواب عن السؤال الذي أوردته وكذا قول ابن المنير أشار
المصنف إلى أن حرمة الرضاع تنتشر سواء كانت المرضعة حرة أم أمة والله أعلم * (خاتمة) * اشتمل
كتاب النفقات من الأحاديث المرفوعة على خمسة وعشرين حديثا المعلق منها ثلاثة وجميعها
مكرر الا ثلاثة أحاديث وهى حديث أبي هريرة الساعي على الأرملة وحديث ابن عباس
ومعاوية في نساء قريش وهما معلقان وافقه مسلم على تخريج حديث أبي هريرة دونهما وفيه
من الآثار الموقوفة عن الصحابة والتابعين ثلاثة آثار أثر الحسن في أوله وأثر الزهري في
الوالدات يرضعن وأثر أبي هريرة المتصل بحديث أفضل الصدقة ما ترك عن غنى الحديث وفيه
تقول المرأة اما أن تعطيني واما أن تطلقني الخ وبين في آخره أنه من كلام أبي هريرة فهو
موقوف متصل الاسناد وهو من أفراده عن مسلم بخلاف غالب الآثار التي يوردها فإنها معلقة
والله أعلم
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (كتاب الأطعمة) * وقول الله تعالى كلوا من طيبات ما رزقناكم الآية وقوله انفقوا من طيبات ما كسبتم وقوله كلوا
من الطيبات واعملوا صالحا) كذا في أكثر الروايات في الآية الثانية انفقوا على وفق التلاوة
ووقع في رواية النسفي كلوا بدل انفقوا وهكذا في بعض الروايات عن أبي الوقت وفى قليل من
غيرها وعليها شرح ابن بطال وأنكرها وتبعه من بعده حتى زعم عياض أنها كذلك للجميع ولم
أرها في رواية أبي ذر الا على وفق التلاوة كما ذكرت وكذا في نسخة معتمدة من رواية كريمة ويؤيد
ذلك أن المصنف ترجم بهذه الآية وحدها في كتاب البيوع فقال باب قوله انفقوا من طيبات
ما كسبتم كذا وقع على وفق التلاوة للجميع الا النسفي وعليه شرح ابن بطال أيضا وفى بعض
النسخ من رواية أبى الوقت وزعم عياض أنه وقع للجميع كلوا الا أبا ذر عن المستملى فقال انفقوا وتقدم هناك التنبيه على أنه وقع على الصواب في كتاب الزكاة حيث ترجم باب صدقة
الكسب والتجارة لقول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ولا اختلاف بين
الرواة في ذلك ويحسن التمسك به في أن التغيير فيما عداه من النساخ والطيبات جمع طيبة وهى
تطلق على المستلذ مما لا ضرر فيه وعلى النظيف وعلى ما لا أذى فيه وعلى الحلال فمن الأول قوله
تعالى يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وهذا هو الراجح في تفسيرها إذ لو كان المراد
الحلال لم يزد الجواب على السؤال ومن الثاني فتيمموا صعيدا طيبا ومن الثالث هذا يوم طيب
وهذه ليلة طيبة ومن الرابع الآية الثانية في الترجمة فقد تقدم في تفسيرها في الزكاة أن
المراد بالتجارة الحلال وجاء أيضا ما يدل على أن المراد بها الجيد لاقترانها بالنهى عن الانفاق من
الخبيث والمراد به الردئ كذلك فسره ابن عباس وورد فيه حديث مرفوع ذكره في باب
تعليق القنو في المسجد من أوائل الصلاة من حديث عوف بن مالك وأوضح منه فيما يتعلق بهذه
452

الترجمة ما أخرجه الترمذي من حديث البراء قال كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي بالقنو فيعلقه
في المسجد وكان بعض من لا يرغب في الخير يأتي بالقنو من الحشف والشيص فيعلقه فنزلت هذه
الآية ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون فكنا بعد ذلك يجئ الرجل بصالح ما عنده ولابى داود من
حديث سهل بن حنيف فكان الناس يتيممون شرار تمارهم ثم يخرجونها في الصدقة فنزلت هذه
الآية وليس بين تفسير الطيب في هذه الآية بالحلال وبما يستلذ منافاة ونظيرها قوله تعالى يحل
لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وقد جعلها الشافعي أصلا في تحريم ما تستخبثه العرب
مما لم يرد فيه نص بشرط سيأتي بيانه وكأن المصنف حيث أورد هذه الآيات لمح بالحديث الذي
أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس ان الله طيب
لا يقبل الا طيبا وان الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال يا أيها الرسل كلوا من
الطيبات واعملوا صالحا وقال يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم الحديث وهو
من رواية فضيل بن مرزوق وقد قال الترمذي انه تفرد به وهو ممن انفرد مسلم بالاحتجاج به دون
البخاري وقد وثقه ابن معين وقال أبو حاتم يهم كثيرا ولا يحتج به وضعفه النسائي وقال ابن حبان
كان يخطئ على الثقات وقال الحاكم عيب على مسلم اخراجه فكأن الحديث لما لم يكن على شرط
البخاري اقتصر على ايراده في الترجمة قال ابن بطال لم يختلف أهل التأويل في قوله تعالى يا أيها
الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم أنها نزلت فيمن حرم على نفسه لذيذ الطعام
واللذات المباحة ثم ذكر المصنف ثلاثة أحاديث تتعلق بالجوع والشبع * الأول حديث أبي
موسى (قوله أطعموا الجائع وعودوا المريض) الحديث تقدم في الوليمة من كتاب النكاح
بلفظ أجيبوا الداعي بدل اطعموا الجائع ومخرجهما واحد وكأن بعض الرواة حفظ ما لم
يحفظ الاخر قال الكرماني الامر هنا للندب وقد يكون واجبا في بعض الأحوال اه‍
ويؤخذ من الامر باطعام الجائع جواز الشبع لأنه ما دام قبل الشبع فصفة الجوع قائمة به والامر
باطعامه مستمر (قوله وفكوا العاني) أي خلصوا الأسير من فككت الشئ فانفك (قوله قال
سفيان والعاني الأسير) تقدم بيان من أدرجه في النكاح وقيل للأسير عان من عنى يعنو إذا
خضع * الحديث الثاني حديث أبي هريرة (قوله ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض)
في رواية مسلم من طريق يزيد بن كيسان عن أبي حازم بلفظ ما شبع محمد وأهله ثلاثة أيام تباعا أي
متوالية وسيأتي بعد هذا من حديث عائشة التقييد أيضا بثلاث لكن فيه من خبز البر وعند مسلم
ثلاث ليال ويؤخذ منها ان المراد بالأيام هنا بلياليها كما أن المراد بالليالي هناك بأيامها وان الشبع
المنفى بقيد التوالي لا مطلقا ولمسلم والترمذي من طريق الأسود عن عائشة ما شبع من خبر شعير
يومين متتابعين ويؤخذ مقصوده من جواز الشبع في الجملة من المفهوم والذي يظهر أن سبب عدم
شبعهم غالبا كان بسبب قلة الشئ عندهم على أنهم كانوا قد يجدون ولكن يؤثرون على أنفسهم
وسيأتى بعد هذا وفى الرقاق أيضا من وجه آخر عن أبي هريرة خرج النبي صلى الله عليه وسلم من
الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير ويأتي بسط القول في شرحه في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى
* الحديث الثالث (قوله وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال أصابني جهد شديد) هو موصول
بالاسناد الذي قبله وذكر محدث الديار الحلبية برهان الدين أن شيخنا الشيخ سراج الدين البلقيني
453

استشكل هذا التركيب وقال قوله وعن أبي حازم لا يصح عطفه على قوله عن أبيه لأنه يلزم منه
اسقاط فضيل فيكون منقطعا إذ يصير التقدير عن أبيه وعن أبي حازم قال ولا يصح عطفه على قوله
وعن أبي حازم لان المحدث الذي لم يعين هو محمد بن فضيل فيلزم الانقطاع أيضا قال وكان اللائق
أن يقول وبه إلى أبى حازم انتهى وكأنه تلقفه من شيخنا في مجلس بسماعه للبخاري والا فلم يسمع
بأن الشيخ شرح هذا الموضع والأول مسلم والثاني مردود لأنه لا مانع من عطف الراوي لحديث
على الراوي بعينه لحديث آخر فكأن يوسف قال حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي حازم
بكذا وعن أبي حازم بكذا واللائق الذي ذكره صحيح لكنه لا يتعين بل لو قال وبه إلى أبيه عن أبي حازم
لصح أو حذف قوله عن أبيه فقال وبه عن أبي حازم لصح وحدثنا تكون به مقدرة والمقدر في حكم
الملفوظ وأوضح منه أن قوله وعن أبي حازم معطوف على قوله حدثنا محمد بن فضيل الخ فحذف
ما بينهما للعلم به وزعم بعض الشراح أن هذا متعلق وليس كما قال فقد أخرجه أبو يعلى عن عبد الله
ابن عمر بن أبان عن محمد بن فضيل بسند البخاري فيه فظهر أنه معطوف على السند المذكور كما قلته أولا ولله الحمد (قوله أصابني جهد شديد) أي من الجوع والجهد تقدم انه بالضم وبالفتح
بمعنى والمراد به المشقة وهو في كل شئ بحسبه (قوله فاستقرأته آية) أي سألته ان يقرأ على آية من
القرآن معينة على طريق الاستفادة وفى غالب النسخ فاستقريته بغير همز وهو جائز على التسهيل
وإن كان أصله الهمزة (قوله فدخل داره وفتحها على) أي قرأها على وأفهمني إياها ووقع في
ترجمة أبي هريرة في الحلية لأبي نعيم من وجه آخر عن أبي هريرة أن الآية المذكورة من سورة
آل عمران وفيه فقلت له أقرأني وأنا لا أريد القراءة وانما أريد الاطعام وكأنه سهل الهمزة فلم
يفطن عمر لمراده (قوله فخررت لوجهي من الجهد) أي الذي أشار إليه أولا وهو شدة الجوع
ووقع في الرواية التي في الحلية أنه كان يومئذ صائما وانه لم يجد ما يفطر عليه (قوله فأمر لي بعس)
بضم العين المهملة بعدها مهملة هو القدح الكبير (قوله حتى استوى بطني) أي استقام من
امتلائه من اللبن (قوله كالقدح) بكسر القاف وسكون الدال بعدها حاء مهملة هو السهم الذي
لا ريش له وسيأتى لأبي هريرة قصة في شرب اللبن مطولة في كتاب الرقاق وفيها أنه قال اشرب فقال
لا أجد له مساغا ويستفاد منه جواز الشبع ولو حمل المراد بنفي المساغ على ما جرت به عادته لا انه
أراد انه زاد على الشبع والله أعلم * (تنبيه) * ذكر لي محدث الديار الحلبية برهان الدين ان
شيخنا سراج الدين البلقيني قال ليس في هذه الأحاديث الثلاثة ما يدل على الأطعمة المترجم عليها
المتلو فيها الآيات المذكورة (قلت) وهو ظاهر إذا كان المراد مجرد ذكر أنواع الأطعمة أما إذا
كان المراد بها ذلك وما يتعلق به من أحوالها وصفاتها فالمناسبة ظاهرة لان من جملة أحوالها
الناشئة عنها الشبع والجوع ومن جملة صفاتها الحل والحرمة والمستلذ والمستخبث ومما ينشأ
عنها الاطعام وتركه وكل ذلك ظاهر من الأحاديث الثلاثة وأما الآيات فإنها تضمنت الاذن
في تناول الطيبات فكأنه أشار بالأحاديث إلى أن ذلك لا يختص بنوع من الحلال ولا المستلذ
ولا بحالة الشبع ولا بسد الرمق بل بتناول ذلك بحسب الوجدان وبحسب الحاجة والله أعلم
(قوله تولى ذلك) أي باشره من اشباعي ودفع الجوع عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكى
الكرماني أن في رواية تولى الله ذلك قال ومن على هذا مفعول وعلى الأول فاعل انتهى ويكون
454

تولى على الثاني بمعنى ولى (قوله ولأنا أقرأ لها منك) فيه اشعار بان عمر لما قرأها عليه توقف
فيها أو في شئ منها حتى ساغ لأبي هريرة ما قال ولذلك أقره عمر على قوله (قوله أدخلتك) أي الدار
وأطعمتك (قوله حمر النعم) أي الإبل وللحمر منها فضل على غيرها من أنواعها وقد تقدم
في المناقب البحث في تخصيصها بالذكر والمراد به وتقدم من وجه آخر عن أبي هريرة كنت
استقرئ الرجل الآية وهى معي كي ينقلب معي فيطعمني قال ابن بطال فيه أنه كان من عادتهم
إذا استقرأ أحدهم صاحبه القرآن أن يحمله إلى منزله ويطعمه ما تيسر ويحمل ما وقع من عمر
على أنه كان له شغل عاقه عن ذلك أو لم يكن عنده ما يطعمه حينئذ انتهى ويبعد الأخير تأسف عمر
على فوت ذلك وذكر لي محدث الديار الحلبية أن شيخنا سراج الدين البلقيني استبعد قول أبي هريرة
لعمر لأنا أقرأ لها منك يا عمر من وجهين أحدهما مهابة عمر والثاني عدم اطلاع أبي هريرة
على أن عمر لم يكن يقرؤها مثله (قلت) عجبت من هذا الاعتراض فإنه يتضمن الطعن على بعض
رواة الحديث المذكور بالغلط مع وضوح توجيهه أما الأول فان أبا هريرة خاطب عمر بذلك في
حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفى حالة كان عمر فيها في صورة الخجلان منه فجسر عليه وأما الثاني
فيعكس ويقال وما كان أبو هريرة ليقول ذلك لا بعد اطلاعه فلعله سمعها من لفظ رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين أنزلت وما سمعها عمر مثلا الا بواسطة * (قوله باب التسمية
على الطعام والاكل باليمين) المراد بالتسمية على الطعام قول بسم الله في ابتداء الاكل وأصرح
ما ورد في صفة التسمية ما أخرجه أبو داود والترمذي من طريق أم كلثوم عن عائشة مرفوعا إذا
أكل أحدكم طعاما فليقل بسم الله فان نسى في أوله فليقل بسم الله في أوله وآخره وله شاهد من
حديث أمية بن مخشى عند أبي داود والنسائي وأما قول النووي في أدب الاكل من الاذكار
صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته والأفضل أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم فان قال بسم
الله كفاه وحصلت السنة فلم أر لما ادعاه من الأفضلية دليلا خاصا وأما ما ذكره الغزالي في آداب
الاكل من الاحياء أنه لو قال في كل لقمة بسم الله كان حسنا وانه يستحب أن يقول مع الأولى
بسم الله ومع الثانية بسم الله الرحمن ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم فلم أر لاستحباب ذلك
دليلا والتكرار قد بين هو وجهه بقوله حتى لا يشغله الاكل عن ذكر الله وأما قوله والاكل باليمين
فيأتي البحث فيه وهو يتناول من يتعاطى ذلك بنفسه وكذا غيره بأن يحتاج إلى أن يلقمه غيره
ولكنه بيمينه لا بشماله (قوله أخبرنا سفيان قال الوليد بن كثير أخبرني) كذا وقع هنا وهو من
تأخير الصيغة عن الراوي وهو جائز وقد أخرجه الحميدي في مسنده وأبو نعيم في المستخرج من
طريقه عن سفيان قال حدثنا الوليد بن كثير وأخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن
سفيان عن الوليد بالعنعنة ثم قال في آخره فسألوه عن اسناده فقال حدثني الوليد بن كثير ولعل هذا
هو السر في سياق علي بن عبد الله له على هذه الكيفية ولسفيان بن عيينة في هذا الحديث سند
آخر أخرجه النسائي عن محمد بن منصور وابن ماجة عن محمد بن الصباح كلاهما عن سفيان عن
هشام عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة وقد اختلف على هشام في سنده فكأن البخاري عرج عن هذه
الطريق لذلك (قوله عمر بن أبي سلمة) أي ابن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم
واسم أبى سلمة عبد الله وأم عمر المذكور هي أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك جاء في آخر
455

الباب الذي يليه وصفه بأنه ربيب النبي صلى الله عليه وسلم (قوله كنت غلاما) أي دون البلوغ
يقال للصبي من حين يولد إلى أن يبلغ الحلم غلام وقد ذكر ابن عبد البر أنه ولد في السنة الثانية من
الهجرة إلى المدينة بأرض الحبشة وتبعه غير واحد وفيه نظر بل الصواب أنه ولد قبل ذلك فقد صح
في حديث عبد الله بن الزبير أنه قال كنت أنا وعمر بن أبي سلمة مع النسوة يوم الخندق وكان أكبر
منى بسنتين انتهى ومولد ابن الزبير في السنة الأولى على الصحيح فيكون مولد عمر قبل الهجرة بسنتين
(قوله في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم أي في تربيته وتحت
نظره وانه يربيه في حضنه تربية الولد قال عياض الحجر يطلق على الحضن وعلى الثوب فيجوز فيه
الفتح والكسر وإذا أريد به معنى الحضانة فبالفتح لا غير فان أريد به المنع من التصرف فبالفتح في
المصدر وبالكسر في الاسم لا غير (قوله وكانت يدي تطيش في الصحفة) أي عند الاكل ومعنى
تطيش وهو بالطاء المهملة والشين المعجمة بوزن تطير تتحرك فتميل إلى نواحي القصعة ولا تقتصر على
موضع واحد قاله الطيبى قال والأصل اطيش بيدي فأسند الطيش إلى يده مبالغة وقال غيره معنى
تطيش تخف وتسرع وسيأتى في الباب الذي يليه بلفظ أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاما
فجعلت آكل من نواحي الصحفة وهو يفسر المراد والصحفة ما تشبع خمسة ونحوها وهى أكبر من
القصعة ووقع في رواية الترمذي من طريق عروة عن عمر بن أبي سلمة أنه دخل على رسول الله صلى
الله عليه وسلم وعنده طعام فقال ادن يا بنى ويأتي في الرواية التي في آخر الباب الذي يليه أتى النبي
صلى الله عليه وسلم بطعام وعنده ربيبه والجمع بينهما أن مجئ الطعام وافق دخوله (قوله يا غلام سم
الله) قال النووي أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله وفى نقل الاجماع على
الاستحباب نظر الا ان أريد بالاستحباب أنه راجح الفعل والا فقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك وهو
قضية القول بايجاب الاكل باليمين لان صيغة الامر بالجميع واحدة (قوله وكل بيمينك ومما يليك)
قال شيخنا في شرح الترمذي حمله أكثر الشافعية على الندب وبه جزم الغزالي ثم النووي لكن
نص الشافعي في الرسالة وفى موضع آخر من الام على الوجوب (قلت) وكذا ذكره عنه الصيرفي
في شرح الرسالة ونقل البويطي في مختصره ان الاكل من رأس الثريد والتعريس على الطريق
والقرآن في التمر وغير ذلك مما ورد الامر بضده حرام ومثل البيضاوي في منهاجه للندب بقوله
صلى الله عليه وسلم كل مما يليك وتعقبه تاج الدين السبكي في شرحه بأن الشافعي نص في غير
موضع على أن من أكل مما لا يليه عالما بالنهى كان عاصيا آثما قال وقد جمع والدي نظائر هذه
المسئلة في كتاب له سماه كشف اللبس عن المسائل الخمس ونصر القول بأن الامر فيها للوجوب
(قلت) ويدل على وجوب الاكل باليمين ورود الوعيد في الاكل بالشمال ففي صحيح مسلم من
حديث سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يأكل بشماله فقال كل بيمينك
قال لا أستطيع قال لا استطعت فما رفعها إلى فيه بعد وأخرج الطبراني من حديث سبيعة
الأسلمية من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سبيعة الأسلمية تأكل بشمالها
فقال أخذها داء غزة فقال إن بها قرحة قال وان فمرت بغزة فأصابها طاعون فماتت واخرج محمد
ابن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر وسنده حسن وثبت النهى عن الاكل
بالشمال وأنه من عمل الشيطان من حديث ابن عمر ومن حديث جابر عند مسلم وعند أحمد بسند
456

حسن عن عائشة رفعته من أكل بشماله أكل معه الشيطان الحديث ونقل الطيبى ان معنى قوله إن
الشيطان يأكل بشماله أي يحمل أولياءه من الانس على ذلك ليضاد به عباد الله الصالحين قال
الطيبى وتحريره لا تأكلوا بالشمال فان فعلتم كنتم من أولياء الشيطان فان الشيطان يحمل أولياءه
على ذلك انتهى وفيه عدول عن الظاهر والأولى حمل الخبر على ظاهره وان الشيطان يأكل حقيقة
لان العقل لا يحيل ذلك وقد ثبت الخبر به فلا يحتاج إلى تأويله وحكى القرطبي في ذلك احتمالين
ثم قال والقدرة صالحة ثم ذكر من عند مسلم ان الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه
قال وهذا عبارة عن تناوله وقيل معناه استحسانه رفع البركة من ذلك الطعام إذا لم يذكر اسم الله
قال القرطبي وقوله صلى الله عليه وسلم فان الشيطان يأكل بشماله ظاهره أن من فعل ذلك تشبه
بالشيطان وأبعد وتعسف من أعاد الضمير في شماله على الآكل قال النووي في هذه الأحاديث
استحباب الأكل والشرب باليمين وكراهة ذلك بالشمال وكذلك كل أخذ وعطاء كما وقع في بعض
طرق حديث ابن عمر وهذا إذا لم يكن عذر من مرض أو جراحة فإن كان فلا كراهة كذا قال
وأجاب عن الاشكال في الدعاء على الرجل الذي فعل ذلك واعتذر فلم يقبل عذره بان عياضا ادعى
أنه كان منافقا وتعقبه النووي بأن جماعة ذكروه في الصحابة وسموه بسرا بضم الموحدة وسكون
المهملة واحتج عياض بما ورد في خبره أن الذي حمله على ذلك الكبر ورده النووي بأن الكبر
والمخالفة لا يقتضى النفاق لكنه معصية إن كان الامر أمر ايجاب (قلت) ولم ينفصل عن
اختياره أن الامر أمر ندب وقد صرح ابن العربي باثم من أكل بشماله واحتج بأن كل فعل
ينسب إلى الشيطان حرام وقال القرطبي هذا الامر على جهة الندب لأنه من باب تشريف اليمين
على الشمال لأنها أقوى في الغالب وأسبق للأعمال وأمكن في الاشغال وهى مشتقة من اليمن
وقد شرف الله أصحاب الجنة إذ نسبهم إلى اليمين وعكسه في أصحاب الشمال قال وعلى الجملة فاليمين
وما نسب إليها وما اشتق منها محمود لغة وشرعا ودينا والشمال على نقيض ذلك وإذا تقرر ذلك فمن
الآداب المناسبة لمكارم الأخلاق والسيرة الحسنة عند الفضلاء اختصاص اليمن بالاعمال
الشريفة والأحوال النظيفة وقال أيضا كل هذه الأوامر من المحاسن المكملة والمكارم
المستحسنة والأصل فيما كان من هذا الترغيب والندب قال وقوله كل مما يليك
محله ما إذا كان الطعام نوعا واحدا لان كل أحد كالحائز لما يليه من الطعام فأخذ الغير له
تعد عليه مع ما فيه من تقذر النفس مما خاضت فيه الأيدي ولما فيه من اظهار الحرص
والنهم وهو مع ذلك سوء أدب بغير فائدة أما إذا اختلفت الأنواع فقد أباح ذلك العلماء كذا
قال (قوله فما زالت تلك طعمتي بعد) بكسر الطاء أي صفة أكلي أي لزمت ذلك وصار عادة لي
قال الكرماني وفى بعض الروايات بالضم يقال طعم إذا أكل والطعمة الأكلة والمراد جميع
ما تقدم من الابتداء بالتسمية والاكل باليمين والاكل مما يليه وقوله بعد بالضم على البناء أي استمر
ذلك من صنيعي في الاكل وفى الحديث أنه ينبغي اجتناب الأعمال التي تشبه أعمال الشياطين
والكفار وان للشيطان يدين وأنه يأكل ويشرب ويأخذ ويعطى وفيه جواز الدعاء على من
خالف الحكم الشرعي وفيه الامر بالمعروف والنهى عن المنكر حتى في حال الاكل وفيه
استحباب تعليم أدب الأكل والشرب وفيه منقبة لعمر بن أبي سلمة لامتثاله الامر ومواظبته
457

على مقتضاه * (قوله باب الاكل مما يليه وقال أنس قال النبي صلى الله عليه
وسلم اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه) هذا التعليق طرف من حديث الجعد أبى عثمان
عن أنس في قصة الوليمة على زينب بنت جحش وقد تقدم في باب الهدية للعروس في أوائل النكاح
معلقا من طريق إبراهيم بن طهمان عن الجعد وفيه ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون
ويقول لهم اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه وقد ذكرت هناك من وصله وسيأتى أصله
موصولا بعد بابين من وجه آخر عن أنس لكن ليس فيه مقصود الترجمة وعزاه شيخنا ابن الملقن
تبعا لمغلطاي لتخريج ابن أبي عاصم في الأطعمة من طريق بكر وثابت عن أنس وهو ذهول منهما
فليس في الحديث المذكور مقصود الترجمة وهو عند أبي يعلى والبزار أيضا من الوجه الذي
أخرجه ابن أبي عاصم (قوله حدثني محمد بن جعفر) يعنى ابن أبي كثير المدني وحلحلة بمهملتين
مفتوحتين بينهما لام ساكنة ثم لام مفتوحة (قوله عن وهب بن كيسان أبى نعيم قال أتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم) كذا رواه أصحاب مالك في الموطأ عنه وصورته الارسال وقد وصله خالد
ابن مخلد ويحيى بن صالح الوحاظي فقالا عن مالك عن وهب ابن كيسان عن عمر بن أبي سلمة
وخالف الجميع إسحاق بن إبراهيم الحنيني أحد الضعفاء فقال عن مالك عن وهب بن كيسان عن
جابر وهو منكر وانما استجاز البخاري اخراجه وإن كان المحفوظ فيه عن مالك الارسال لأنه
تبين بالطريق الذي قبله صحة سماع وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة واقتضى ذلك أن مالكا
قصر باسناده حيث لم يصرح بوصله وهو في الأصل موصول ولعله وصله مرة فحفظ ذلك عنه خالد
ويحيى بن صالح وهما ثقتان أخرج ذلك الدارقطني في الغرائب عنهما واقتصر ابن عبد البر في
التمهيد على ذكر رواية خالد بن مخلد وحده * (قوله باب من تتبع حوالي القصعة
مع صاحبه) حوالي بفتح اللام وسكون التحتانية أي جوانب يقال رأيت الناس حوله وحوليه
وحواليه واللام مفتوحة في الجميع ولا يجوز كسرها (قوله إذا لم يعرف منه كراهية) ذكر فيه
حديث أنس في تتبع النبي صلى الله عليه وسلم الدباء من الصحفة وهذا ظاهره يعارض الذي قبله
في الامر بالاكل مما يليه فجمع البخاري بينهما بحمل الجواز على ما إذا علم رضا من يأكل معه
ورمز بذلك إلى تضعيف حديث عكراش الذي أخرجه الترمذي حيث جاء فيه التفصيل بين
ما إذا كان لونا واحدا فلا يتعدى ما يليه أو أكثر من لون فيجوز وقد حمل بعض الشراح فعله صلى
الله عليه وسلم في هذا الحديث على ذلك فقال كان الطعام مشتملا على مرق ودباء وقديد فكان
يأكل مما يعجبه وهو الدباء ويترك ما لا يعجبه وهو القديد وحمله الكرماني كما تقدم له في باب الخياط
من كتاب البيع على أن الطعام كان للنبي صلى الله عليه وسلم وحده قال فلو كان له ولغيره لكان
المستحب أن يأكل مما يليه (قلت) ان أراد بالوحدة أن غيره لم يأكل معه فمردود لان أنسا أكل معه
وان أراد به المالك وأذن لأنس أن يأكل معه فليطرده في كل مالك ومضيف وما أظن أحدا يوافقه
عليه وقد نقل ابن بطال عن مالك جوابا يجمع الجوابين المذكورين فقال إن المؤاكل لأهله
وخدمه يباح له أن يتبع شهوته حيث رآها إذا علم أن ذلك لا يكره منه فإذا علم كراهتهم لذلك لم
يأكل الا ما يليه وقال أيضا أما جالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطعام لأنه علم أن أحدا
لا يتكره ذلك منه ولا يتقذره بل كانوا يتبركون بريقه ومماسة يده بل كانوا يتبادرون إلى نخامته
458

فيتدلكون بها فكذلك من لم يتقذر من مؤاكله يجوز له أن تجول يده في الصحفة وقال ابن التين
إذا أكل المرء مع خادمه وكان في الطعام نوع منفرد جاز له أن ينفرد به وقال في موضع آخر انما
فعل ذلك لأنه كان يأكل وحده فسيأتي في رواية أن الخياط أقبل على عمله (قلت) هي رواية ثمامة
عن أنس كما سيأتي بعد أبواب لكن لا يثبت المدعى لان أنسا أكل معه النبي صلى الله عليه وسلم
(قوله إن خياطا) لم أقف على اسمه لكن في رواية ثمامة عن أنس انه كان غلام النبي صلى الله عليه
وسلم وفى لفظ ان مولى له خياطا دعاه (قوله لطعام صنعه) كان الطعام المذكور ثريدا كما سأبينه
(قوله قال أنس فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يتتبع الدباء) هكذا أورده
مختصرا وأخرجه مسلم عن قتيبة شيخ البخاري فيه بتمامه وقد تقدم في البيوع عن عبد الله بن
يوسف عن مالك بالزيادة ولفظه فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا ومرقا فيه دباء
وقديد وأفاد شيخنا ابن الملقن عن مستخرج الإسماعيلي أن الخبز المذكور كان خبز شعير وغفل عما
أورده البخاري في باب المرق كما سيأتي عن عبد الله بن مسلمة عن مالك بلفظ خبز شعير والثاني مثله
وكذا أورده بعد باب آخر عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك بتمامه وهو عند مسلم عن قتيبة
أيضا وقد أفرد البخاري لكل واحدة ترجمة وهى المرق والدباء والثريد والقديد (قوله الدباء) بضم
الدال المهملة وتشديد الموحدة ممدود ويجوز القصر حكاه القزاز وأنكره القرطبي هو القرع
وقيل خاص بالمستدير منه ووقع في شرح المهذب للنووي أنه القرع اليابس وما أظنه الا سهوا
وهو اليقطين أيضا واحده دباة ودبة وكلام أبى عبيد الهروي يقتضى أن الهمزة زائدة فإنه أخرجه
في دبب وأما الجوهري فأخرجه في المعتل على أن همزته منقلبة وهو أشبه بالصواب لكن قال
الزمخشري لا ندري هي منقلبة عن واو أو ياء ويأتي في رواية ثمامة عن أنس فلما رأيت ذلك جعلت
أجمعه بين يديه وفى رواية حميد عن أنس فجعلت أجمعه وأدنيه منه (قوله فلم أزل أحب الدباء من
يومئذ) في رواية ثمامة قال أنس لا أزال أحب الدباء بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
صنع ما صنع وفى رواية مسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس فجعلت ألقيه إليه
ولا أطعمه وله من طريق معمر عن ثابت وعاصم عن أنس فذكر الحديث قال ثابت فسمعت
أنسا يقول فما صنع لي طعام بعد أقدر على أن يصنع فيه دباء الا صنع ولابن ماجة بسند صحيح
عن حميد عن أنس قال بعثت معي أم سليم بمكتل فيه رطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم
أجده وخرج قريبا إلى مولى له دعاه فصنع له طعاما فاتيته وهو يأكل فدعاني فأكلت معه قال
وصنع له ثريدة بلحم وقرع فإذا هو يعجبه القرع فجعلت أجمعه فأدنيه منه الحديث وأخرج مسلم
بعضه من هذا الوجه بلفظ كان يعجبه القرع وللنسائي كان يحب القرع ويقول إنها شجرة أخي
يونس ويجمع بين قوله في هذه الرواية فلم أجده وبين حديث الباب ذهبت مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه أطلق المعية باعتبار ما آل إليه الحال ويحتمل تعدد القصة على بعد وفى الحديث
جواز أكل الشريف طعام من دونه من محترف وغيره وإجابة دعوته ومؤاكلة الخادم وبيان
ما كان في النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع واللطف بأصحابه وتعاهدهم بالمجئ إلى منازلهم
وفيه الإجابة إلى الطعام ولو كان قليلا ومناولة الضيفان بعضهم بعضا مما وضع بين أيديهم وانما
يمتنع من يأخذ من قدام الآخر شيئا لنفسه أو لغيره وسيأتى البحث فيه في باب مفرد وفيه جواز
459

ترك المضيف الاكل مع الضيف لان في رواية ثمامة عن أنس في حديث الباب أن الخياط قدم لهم
الطعام ثم أقبل على عمله فيؤخذ جواز ذلك من تقرير النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون
الطعام كان قليلا فآثرهم به ويحتمل أن يكون كان مكتفيا من الطعام أو كان صائما أو كان شغله قد
تحتم عليه تكميله وفيه الحرص على التشبه بأهل الخير والاقتداء بهم في المطاعم وغيرها
وفيه فضيلة ظاهرة لأنس لاقتفائه أثر النبي صلى الله عليه وسلم حتى في الأشياء الجبلية وكان
يأخذ نفسه باتباعه فيها رضي الله عنه (قوله قال عمر بن أبي سلمة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم كل بيمينك) كذا ثبت هذا التعليق في رواية أبي ذر عن الحموي والكشميهني وسقط للباقين وهو
الأشبه وقد مضى موصولا قبل باب والذي يظهر لي أن محله بعد الترجمة التي تليه * (قوله
باب التيمن في الاكل وغيره) ذكر فيه حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يحب التيمن الحديث وهو ظاهر فيما ترجم له وظن بعضهم أن في هذه الترجمة تكرارا لأنه تقدم في
قوله باب التسمية على الطعام والاكل باليمين وقد أجاب عنه ابن بطال بأن هذه الترجمة أعم من
الأولى لان الأولى لفعل الاكل فقط وهذه لجميع الافعال فيدخل فيه الأكل والشرب بطريق
التعميم اه‍ ومن جملة العموم عموم متعلقات الاكل كالاكل من جهة اليمين وتقديم من على
اليمين في الاتحاف ونحوه على من على الشمال وغير ذلك (قوله وكان قال بواسط قبل هذا في شأنه
كله) القائل هو شعبة والمقول عنه أنه قال بواسط هو أشعث وهو ابن أبي الشعثاء وقد تقدم
بيان ذلك مع مباحث الحديث في باب التيمن من كتاب الوضوء وقال الكرماني قال بعض
المشايخ القائل بواسط هو أشعث كذا نقل وليس بصواب ممن قال * (قوله باب
من أكل حتى شبع) ذكر فيه ثلاثة أحاديث * الأول حديث أنس في تكثير الطعام ببركة النبي
صلى الله عليه وسلم وقد تقدم شرحه في علامات النبوة وفيه فأكلوا حتى شبعوا * الثاني
460

حديث عبد الرحمن بن أبي بكر في اطعام القوم من سواد بطن الشاة وكانوا ثلاثين ومائة رجل
وفيه فأكلنا أجمعون وشبعنا وقد تقدم شرحه في كتاب الهبة * الثالث حديث عائشة توفى
النبي صلى الله عليه وسلم حين شبعنا من الأسودين التمر والماء وفيه إشارة إلى أن شبعهم لم يقع
قبل زمان وفاته قاله الكرماني (قلت) لكن ظاهره غير مراد وقد تقدم في غزوة خيبر من
طريق عكرمة عن عائشة قالت لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر ومن حديث ابن عمر قال
ما شبعنا حتى فتحنا خيبر فالمراد أنه صلى الله عليه وسلم شبع حين شبعوا واستمر شبعهم وابتداؤه
من فتح خيبر وذلك قبل موته صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين ومراد عائشة بما أشارت إليه من
الشبع هو من التمر خاصة دون الماء لكن قرنته به إشارة إلى أن تمام الشبع حصل بجمعهما
فكان الواو فيه بمعنى مع لا أن الماء وحده يوجد الشبع منه ولما عبرت عن التمر بوصف واحد
وهو السواد عبرت عن الشبع والري بفعل واحد وهو الشبع وقوله في حديث أنس عن أبي
طلحة سمعت صوت النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع كأنه لم يسمع في صوته لما
تكلم إذ ذاك الفخامة المألوفة منه فحمل ذلك على الجوع بقرينة الحال التي كانوا فيها وفيه رد على
دعوى ابن حبان أنه لم يكن يجوع واحتج بحديث أبيت يطعمني ربى ويسقيني وتعقب بالحمل على
تعدد الحال فكان يجوع أحيانا ليتأسى به أصحابه ولا سيما من لا يجد مددا وأدركه ألم الجوع صبر
فضوعف له وقد بسطت هذا في مكان آخر ويؤخذ من قصة أبى طلحة أن من أدب من يضيف أن
يخرج مع الضيف إلى باب الدار تكرمة له قال ابن بطال في هذه الأحاديث جواز الشبع وإن كان
تركه أحيانا أفضل وقد ورد عن سلمان وأبى جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أكثر الناس
شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في الآخرة قال الطبري غير أن الشبع وإن كان مباحا فان له حدا
ينتهى إليه وما زاد على ذلك فهو سرف والمطلق منه ما أعان الآكل على طاعة ربه ولم يشغله ثقله
عن أداء ما وجب عليه اه‍ وحديث سلمان الذي أشار إليه أخرجه ابن ماجة بسند لين
وأخرج عن ابن عمر نحوه وفى سنده مقال أيضا وأخرج البزار نحوه من حديث أبي جحيفة
بسند ضعيف قال القرطبي في المفهم لما ذكر قصة أبى الهيثم إذ ذبح للنبي صلى الله عليه وسلم
ولصاحبيه الشاة فأكلوا حتى شبعوا وفيه دليل على جواز الشبع وما جاء من النهى عنه محمول
على الشبع الذي يثقل المعدة ويثبط صاحبه عن القيام للعبادة ويفضى إلى البطر والأشر
والنوم والكسل وقد تنتهى كراهته إلى التحريم بحسب ما يترتب عليه من المفسدة وذكر
الكرماني تبعا لابن المنير أن الشبع المذكور محمول على شبعهم المعتاد منهم وهو أن الثلث
للطعام والثلث للشراب والثلث للنفس ويحتاج في دعوى أن تلك عادتهم إلى نقل خاص وانما
ورد في ذلك حديث حسن أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وصححه الحاكم من حديث
المقدام بن معد يكرب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن
حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فان غلب الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث
للنفس قال القرطبي في شرح الأسماء لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة وقال
الغزالي قبله في باب كسر الشهوتين من الاحياء ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة فقال ما سمعت
كلاما في قلة الاكل أحكم من هذا ولا شك في أن أثر الحكمة في الحديث المذكور واضح وانما
461

خص الثلاثة بالذكر لأنها أسباب حياة الحيوان ولأنه لا يدخل البطن سواها وهل المراد بالثلث
التساوي على ظاهر الخبر أو التقسيم إلى ثلاثة أقسام متقاربة محل احتمال والأول أولى
ويحتمل أن يكون لمح بذكر الثلث إلى قوله في الحديث الآخر الثلث كثير وقال ابن المنير ذكر
البخاري في الأشربة في باب شرب اللبن للبركة حديث أنس وفيه قوله فجعلت لا آلو ما جعلت في
بطني منه فيحتمل أن يكون الشبع المشار إليه في أحاديث الباب من ذلك لأنه طعام بركة (قلت)
وهو محتمل الا في حديث عائشة ثالث أحاديث الباب فان المراد به الشبع المعتاد لهم والله أعلم
واختلف في حد الجوع على رأيين ذكرهما في الاحياء أحدهما أن يشتهى الخبز وحده فمتى طلب
الأدم فليس بجائع ثانيهما أنه إذا وقع ريقه على الأرض لم يقع عليه الذباب وذكر أن
مراتب الشبع تنحصر في سبعة الأول ما تقوم به الحياة الثاني أن يزيد حتى يصوم ويصلى عن
قيام وهذان واجبان الثالث أن يزيد حتى يقوى على أداء النوافل الرابع أن يزيد حتى يقدر على
التكسب وهذان مستحبان الخامس أن يملأ الثلث وهذا جائز السادس أن يزيد على ذلك
وبه يثقل البدن ويكثر النوم وهذا مكروه السابع أن يزيد حتى يتضرر وهى البطنة المنهى
عنها وهذا حرام اه‍ ويمكن دخول الثالث في الرابع والأول في الثاني والله أعلم * (تنبيه) *
وقع في سياق السند معتمر وهو ابن سليمان التيمي عن أبيه قال وحدثني أبو عثمان أيضا فزعم
الكرماني أن ظاهره أن أباه حدث عن غير أبى عثمان ثم قال وحدث أبو عثمان أيضا (قلت)
وليس ذلك المراد وانما أراد أن أبا عثمان حدثه بحديث سابق على هذا ثم حدثه بهذا فلذلك قال
أيضا أي حدث بحديث بعد حديث * (قوله باب ليس على الأعمى حرج) إلى
هنا للأكثر وساق في رواية أبي ذر الصنفين الآخرين ثم قال الآية وأراد بقية الآية التي في
سورة النور لا التي في الفتح لأنها المناسبة لأبواب الأطعمة ويؤيد ذلك أنه وقع عند الإسماعيلي
إلى قوله لعلكم تعقلون وكذا لبعض رواة الصحيح (قوله والنهد والاجتماع على الطعام) ثبتت
هذه الترجمة في رواية المستملى وحده والنهد بكسر النون وسكون الهاء تقدم تفسيره في أول
الشركة حيث قال باب الشركة في الطعام والنهد وتقدم هناك يأن حكمه وذكر فيه عدة
أحاديث في ذلك ثم ذكر حديث سويد بن النعمان وفيه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام
فلم يؤت الا بسويق الحديث وليس هو ظاهرا في المراد من النهد لاحتمال أن يكون ما جئ
بالسويق الا من جهة واحدة لكن مناسبته لأصل الترجمة ظاهرة في اجتماعهم على لوك
السويق من غير تمييز بين أعمى وبصير وبين صحيح ومريض وحكى ابن بطال عن المهلب قال
مناسبة الآية لحديث سويد ما ذكره أهل التفسير أنهم كانوا إذا اجتمعوا للاكل عزل الأعمى على
حدة والأعرج على حدة والمريض على حدة لتقصيرهم عن أكل الأصحاء فكانوا يتحرجون أن
يتفضلوا عليهم وهذا عن ابن الكلبي وقال عطاء بن يزيد كان الأعمى يتحرج أن يأكل طعام غيره
لجعله يده في غير موضعها والأعرج كذلك لاتساعه في موضع الاكل والمريض لرائحته فنزلت هذه
الآية فأباح لهم الاكل مع غيرهم وفى حديث سويد معنى الآية لانهم جعلوا أيديهم فيما حضر
من الزاد سواء مع أنه لا يمكن أن يكون أكلهم بالسواء لاختلاف أحوال الناس في ذلك وقد
سوغ لهم الشارع ذلك مع ما فيه من الزيادة والنقصان فكان مباحا والله أعلم اه‍ كلامه
462

وقد جاء في سبب نزول الآية أثر آخر من وجه صحيح قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد كان الرجل يذهب الأعمى أو الأعرج أو المريض إلى بيت أبيه أو أخيه
أو قريبه فكان الزمنى يتحرجون من ذلك ويقولون انما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم
فنزلت الآية رخصة لهم وقال ابن المنير موضع المطابقة من الترجمة وسط الآية وهى قوله
تعالى ليس علكيم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا وهى أصل في جواز أكل المخارجة ولهذا
ذكر في الترجمة النهد والله أعلم * (قوله باب الخبز المرقق والاكل على الخوان
والسفرة) أما الخبز المرقق فقال عياض قوله مرققا أي ملينا محسنا كخبز الحوارى وشبهه
والترقيق التليين ولم يكن عندهم مناخل وقد يكون المرقق الرقيق الموسع اه‍ وهذا هو
المتعارف وبه جزم ابن الأثير قال الرقاق الرقيق مثل طوال وطويل وهو الرغيف الواسع
الرقيق وأغرب ابن التين فقال هو السميد وما يصنع منه من كعك وغيره وقال ابن الجوزي هو
الخفيف كأنه مأخوذ من الرقاق وهى الخشبة التي يرقق بها واما الخوان فالمشهور فيه كسر
المعجمة ويجوز ضمها وفيه لغة ثالثة اخوان بكسر الهمزة وسكون الخاء وسئل ثعلب هل يسمى
الخوان لأنه يتخون ما عليه أي ينتقص فقال ما يبعد قال الجواليقي والصحيح أنه أعجمي معرب
ويجمع على اخوته في القلة وخون مضموم الأول في الكثرة وقال غيره الخوان المائدة ما لم يكن
عليها طعام واما السفرة فاشتهرت لما يوضع عليها الطعام وأصلها الطعام نفسه (قوله كنا عند
أنس وعنده خباز له) لم أقف على تسميته ووقع عند الإسماعيلي عن قتادة كنا نأتى أنسا
وخبازه قائم زاد ابن ماجة وخوانه موضوع فيقول كلوا وفى الطبراني من طريق راشد بن أبي
راشد قال كان لأنس غلام يعمل له النقانق ويطبخ له لونين طعاما ويخبز له الحوارى ويعجنه
بالسمن اه‍ والحوارى بضم المهملة وتشديد الواو وفتح الراء الخالص الذي ينخل مرة بعد مرة
(قوله ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزا مرققا ولا شاة مسموطة) المسموط الذي أزيل شعره
بالماء المسخن وشوى بجلده أو يطبخ وانما يصنع ذلك في الصغير السن الطري وهو من فعل
المترفين من وجهين أحدهما المبادرة إلى ذبح ما لو بقى لازداد ثمنه وثانيهما أن المسلوخ ينتفع
بجلده في اللبس وغيره والسمط يفسده وقد جرى ابن بطال على أن المسموط المشوى فقال ما ملخصه
يجمع بين هذا وبين حديث عمرو بن أمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة
وحديث أم سلمة الذي أخرجه الترمذي أنها قربت للنبي صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل
منه بأن يقال يحتمل أن يكون لم يتفق أن تسمط له شاة بكمالها لأنه قد احتز من الكتف مرة ومن
الجنب أخرى وذلك لحم مسموط أو يقال إن أنسا قال لا أعلم ولم يقطع به ومن علم حجة على من لم
يعلم وتعقبه ابن المنير بأنه ليس في حز الكتف ما يدل على أن الشاة كانت مسموطة بل انما حزها
لان العرب كانت عادتها غالبا أنها لا تنضج اللحم فاحتيج إلى الحز قال ولعل ابن بطال لما رأى
البخاري ترجم بعد هذا باب شاة مسموطة والكتف والجنب ظن أن مقصوده اثبات أنه أكل
السميط (قلت) ولا يلزم أيضا من كونها مشوية واحتز من كتفها أو جنبها أن تكون مسموطة
فان شئ المسلوخ أكثر من شئ المسموط لكن قد ثبت أنه أكل الكراع وهو لا يؤكل الا مسموطا
وهذا لا يرد على أنس في نفى رواية الشاة المسموطة وقد وافقه أبو هريرة على نفى أكل الرقاق
463

أخرجه ابن ماجة من طريق ابن عطاء عن أبيه عن أبي هريرة أنه زار قومه فأتوه برقاق فبكى
وقال ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بعينه قال الطيبى قول أنس ما أعلم رأى النبي صلى
الله عليه وسلم الخ نفى العلم وأراد نفى المعلوم وهو من باب نفى الشئ بنفي لازمه وانما صح هذا من
أنس لطول لزومه النبي صلى الله عليه وسلم وعدم مفارقته له إلى أن مات (قوله عن يونس قال عن علي
هو الإسكاف) على هو شيخ البخاري فيه وهو ابن المديني ومراده أن يونس وقع في السند غير
منسوب فنسبه على ليتميز فان في طبقته يونس بن عبيد البصري أحد الثقات المكثرين وقد
وقع في رواية ابن ماجة عن محمد بن مثنى عن معاذ بن هشام عن أبيه عن يونس بن أبي الفرات
الإسكاف وليس ليونس هذا في البخاري الا هذا الحديث الواحد وهو بصرى وثقة أحمد وابن
معين وغيرهما وقال ابن عدي ليس بالمشهور وقال ابن سعد كان معروفا وله أحاديث وقال ابن
حبان لا يجوز أن يحتج به كذا قال ومن وثقه أعرف بحاله من ابن حبان والراوي عنه هشام هو
الدستوائي وهو من المكثرين عن قتادة وكأنه لم يسمع منه هذا وفى الحديث رواية الاقران لان
هشاما ويونس من طبقة واحدة وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وصرح بالتحديث كما
سيأتي في الرقاق لكن ذكر ابن عدي أن يزيد بن زريع رواه عن سعيد فقال عن يونس عن قتادة
فيحتمل أن يكون سمعه أولا عن قتادة بواسطة ثم حمله عنه بغير واسطة فكان يحدث به على
الوجهين (قوله عن أنس) هذا هو المحفوظ ورواه سعيد بن بشر عن قتادة فقال عن الحسن قال
دخلنا على عاصم بن حدرة فقال ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان قط الحديث أخرجه
ابن منده في المعرفة فإن كان سعيد بن بشر حفظه فهو حديث آخر لقتادة لاختلاف مساق
الخبرين (قوله على سكرجة) بضم السين والكاف والراء الثقيلة بعدها جيم مفتوحة قال
عياض كذا قيدناه ونقل عن ابن مكي أنه صوب فتح الراء (قلت) وبهذا جزم التوربشتي وزاد
لأنه فارسي معرب والراء في الأصل مفتوحة ولا حجة في ذلك لان الاسم الأعجمي إذا نطقت به
العرب لم تبقه على أصله غالبا وقال ابن الجوزي قاله لنا شيخنا أبو منصور اللغوي يعنى الجواليقي
بفتح الراء قال وكان بعض أهل اللغة يقول الصواب اسكرجة وهى فارسية معربة وترجمتها مقرب
الخل وقد تكلمت بها العرب قال أبو علي فان حقرت حذفت الجيم والراء وقلت اسكره ويجوز
اشباع الكاف حتى تزيد ياء وقياس ما ذكره سيبويه في بريهم بريهيم ان يقال في سكيرجة سكيريجة
والذي سبق أولى قال ابن مكي وهى صحاف صغار يؤكل فيها ومنها الكبير والصغير فالكبيرة
تحمل قدر ست أواق وقيل ما بين ثلثي أوقية إلى أوقية قال ومعنى ذلك أن العجم كانت تستعمله في
الكواميخ والجوارش للتشهي والهضم وأغرب الداودي فقال السكرجة قصعة مدهونة ونقل
ابن قرقول عن غيره أنها قصعة ذات قوائم من عود كمائدة صغيرة والأول أولى قال شيخنا في شرح
الترمذي تركه الاكل في السكرجة اما لكونها لم تكن تصنع عندهم إذ ذاك أو استصغارا لها
لان عادتهم الاجتماع على الاكل أو لأنها كما تقدم كانت تعد لوضع الأشياء التي تعين على الهضم
ولم يكونوا غالبا يشبعون فلم يكن لهم حاجة بالهضم (قوله قيل لقتادة) القائل هو الراوي (قوله
فعلام) كذا للأكثر وقع في رواية المستملى بالاشباع (قوله يأكلون) كذا عدل عن الواحد
إلى الجمع إشارة إلى أن ذلك لم يكن مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وحده بل كان أصحابه يقتفون
464

أثره ويقتدون بفعله (قوله على السفر) جمع سفرة وقد تقدم بيانها في الكلام على حديث
عائشة الطويل في الهجرة إلى المدينة وان أصلها الطعام الذي يتخذه المسافر وأكثر ما يننغ في
جلد فنقل اسم الطعام إلى ما يوضع فيه كما سميت المزادة راوية ثم ذكر المصنف حديث أنس في
قصة صفية فساقه مختصرا وقد ساقه في غزوة خيبر بالاسناد الذي أورده هنا بعينه أتم من سياقه
هنا ولفظه أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى عليه بصفية وزاد فيه
أيضا بين قوله إلى وليمته وبين قوله أمر بالانطاع وما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها الا أن
أمر فذكره وزاد بعد قوله والسمن فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين الحديث وقد تقدم
شرحه مستوفى هناك (قوله وقال عمرو عن أنس بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم ثم صنع حيسا في
نطع) هو أيضا طرف من حديث وصله المؤلف في المغازي مطولا من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى
المطلب عن أنس بن مالك بتمامه (قوله هشام عن أبيه وعن وهب بن كيسان) هشام هو ابن عروة
حمل هذا الحديث عن أبيه وعن وهب بن كيسان وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق
أحمد بن يونس عن أبي معاوية فقال فيه عن هشام عن وهب بن كيسان فقط وتقدم أصل هذا
الحديث في باب الهجرة إلى المدينة من طريق أبى أسامة عن هشام عن أبيه وعن امرأته فاطمة
بنت المنذر كلاهما عن أسماء وهو محمول على أن هشاما حمله عن أبيه وعن امرأته وعن وهب
ابن كيسان ولعل عنده عن بعضهم ما ليس عند الآخر فان الرواية التي تقدمت ليس فيها قوله
يعيرون وهو بالعين المهملة من العار وابن الزبير هو عبد الله والمراد بأهل الشام عسكر الحجاج
ابن يوسف حيث كانوا يقاتلونه من قبل عبد الملك بن مروان أو عسكر الحصين بن نمير الذين قاتلوه
قبل ذلك من قبل يزيد بن معاوية (قوله يعيرونك بالنطاقين) قيل الأفصح أن يعدى التعيير
بنفسه تقول عيرته كذا وقد سمع هكذا مثل ما هنا (قوله وهل تدرى ما كان النطاقين) كذا أورده
بعض الشراح وتعقبه بأن الصواب النطاقان بالرفع وأنا لم أقف عليه في النسخ الا بالرفع فان
ثبت رواية بغير الألف أمكن توجيهها ويحتمل أن يكون كان في الأصل وهل تدرى ما كان
شأن النطاقين فسقط لفظ شأن أو نحوه (قوله انما كان نطاقي شققته نصفين فأوكيت) تقدم في
الهجرة إلى المدينة أن أبا بكر الصديق هو الذي أمرها بذلك لما هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة (قوله يقول أيها) كذا للأكثر ولبعضهم ابنها بموحدة ونون وهو تصحيف وقد وجه
بأنه مقول الراوي والضمير لأسماء وابنها هو ابن الزبير وأغرب ابن التين فقال هو في سائر الروايات
ابنها وذكره الخطابي بلفظ أيها اه‍ وقوله والآلة في رواية أحمد بن يونس أيها ورب الكعبة قال
الخطابي أيها بكسر الهمزة وبالتنوين معناها الاعتراف بما كانوا يقولونه والتقرير له تقول
العرب في استدعاء القول من الانسان أيها وايه بغير تنوين وتعقب بأن الذي ذكره ثعلب وغيره
إذا استزدت من الكلام قلت آية وإذا أمرت بقطعه قلت أيها اه‍ وليس هذا الاعتراض
بجيد لان غير ثعلب قد جزم بأن أيها كلمة استزادة وارتضاه وحرره بعضهم فقال أيها بالتنوين
للاستزادة وبغير التنوين لقطع الكلام وقد تأتى أيضا بمعنى كيف (قوله تلك شكاة ظاهر عنك
عارها) شكاة بفتح الشين المعجمة معناه رفع الصوت بالقول القبيح ولبعضهم بكسر الشين والأول
أولى وهو مصدر شكا يشكو شكاية وشكوى وشكاة وظاهر أي زائل قال الخطابي أي
465

ارتفع عنك فلم يعلق بك والظهور يطلق على الصعود والارتفاع ومن هذا قول الله تعالى فما
اسطاعوا أن يظهروه أي يعلوا عليه ومنه ومعارج عليها يظهرون قال وتمثل ابن الزبير
بمصراع بيت لأبي ذؤيب الهذلي وأوله * - وعيرها الواشون انى أحبها * يعنى لا بأس بهذا
القول ولا عار فيه - قال مغلطاي وبعد بيت الهذلي
- فان أعتذر منها فانى مكذب * وان يعتذر يردد عليك اعتذارها -
وأول هذه القصيدة
- هل الدهر الا ليلة ونهارها * والا طلوع الشمس ثم غيارها -
- أبى القلب الا أم عمرو فأصبحت * تحرق ناري بالشكاة ونارها -
وبعده * وعيرها الواشون انى أحبها - البيت وهى قصيدة تزيد على ثلاثين بيتا وتردد ابن قتيبة
هل أنشأ ابن الزبير هذا المصراع أو أنشده متمثلا به والذي جزم به غيره الثاني وهو المعتمد لان
هذا مثل مشهور وكان ابن الزبير يكثر التمثل بالشعر وقلما أنشأه ثم ذكر حديث ابن عباس
في أكل خالد الضب على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتى شرحه بعد في كتاب
الصيد والذبائح وقوله على مائدته أي الشئ الذي يوضع على الأرض صيانة للطعام كالمنديل
والطبق وغير ذلك ولا يعارض هذا حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أكل على الخوان
لان الخوان أخص من المائدة ونفى الأخص لا يستلزم نفى الأعم وهذا أولى من جواب بعض
الشراح بأن أنسا انما نفى علمه قال ولا يعارضه قول من علم واختلف في المائدة فقال الزجاج
هي عندي من ماد يميد إذا تحرك وقال غيره من ماد يميد إذا أعطى قال أبو عبيد وهى فاعلة
بمعنى مفعولة من العطاء قال الشاعر * وكنت للمنتجعين مائدا * * (قوله باب
السويق) ذكر فيه حديث سويد بن النعمان وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة * (قوله
باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل حتى يسمى له فيعلم ما هو) كذا في
جميع النسخ التي وقفت عليها بالإضافة وشرحه الزركشي على أنه باب بالتنوين فقال قال ابن
التين انما كان يسأل لان العرب كانت لا تعاف شيئا من المآكل لقلتها عندهم وكان هو صلى الله
عليه وسلم قد يعاف بعض الشئ فلذلك كان يسأل (قلت) ويحتمل أن يكون سبب السؤال انه
صلى الله عليه وسلم ما كان يكثر الكون في البادية فلم يكن له خبرة بكثير من الحيوانات أو لان
الشرع ورد بتحريم بعض الحيوانات وإباحة بعضها وكانوا لا يحرمون منها شيئا وربما أتوا به مشويا
أو مطبوخا فلا يتميز عن غيره الا بالسؤال عنه ثم أورد فيه حديث ابن عباس في قصة الضب وسيأتى
شرحه في كتاب الصيد والذبائح ووقع فيه فقالت امرأة من النسوة الحضور كذا وقع بلفظ جمع
466

المذكر وكأنه باعتبار الاشخاص وفيه أخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدمتن له وهذه
المرأة ورد التصريح بأنها ميمونة أم المؤمنين في رواية الطبراني ولفظه فقالت ميمونة أخبروا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو فلما أخبروه تركه وعند مسلم من وجه آخر عن ابن عباس فقالت
ميمونة يا رسول الله انه لحم ضب فكف يده * (قوله باب طعام الواحد يكفي الاثنين)
أورد فيه حديث أبي هريرة طعام الاثنين يكفي الثلاثة وطعام الثلاثة يكفي الأربعة واستشكل
الجمع بين الترجمة والحديث فان قضية الترجمة مرجعها النصف وقضية الحديث مرجعها الثلث
ثم الربع وأجيب بأنه أشار بالترجمة إلى لفظ حديث آخر ورد ليس على شرطه وبأن الجامع بين
الحديثين أن مطلق طعام القليل يكفي الكثير لكن أقصاه الضعف وكونه يكفي مثله لا ينفى أن
يكفي دونه نعم كون طعام الواحد يكفي الاثنين يؤخذ منه أن طعام الاثنين يكفي الثلاثة بطريق
الأولى بخلاف عكسه ونقل عن إسحاق بن راهويه عن جرير قال معنى الحديث أن الطعام الذي
يشبع الواحد يكفي قوت الاثنين ويشبع الاثنين قوت الأربعة وقال المهلب المراد بهذه
الأحاديث الحض على المكارم والتقنع بالكفاية يعنى وليس المراد الحصر في مقدار الكفاية
وانما المراد المواساة وانه ينبغي للاثنين ادخال ثالث لطعامهما وادخال رابع أيضا بحسب من
يحضر وقد وقع في حديث عمر عند ابن ماجة بلفظ طعام الواحد يكفي الاثنين وان طعام الاثنين
يكفي الثلاثة والأربعة وان طعام الأربعة يكفي الخمسة والستة ووقع في حديث عبد الرحمن بن أبي
بكر في قصة أضياف أبى بكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم من كان عنده طعام اثنين
فليذهب بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس وعند الطبراني من
حديث ابن عمر ما يرشد إلى العلة في ذلك وأوله كلوا جميعا ولا تفرقوا فان طعام الواحد يكفي
الاثنين الحديث فيؤخذ منه أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع وأن الجمع كلما كثر ازدادت
البركة وقد أشار الترمذي إلى حديث ابن عمر وعند البزار من حديث سمرة نحو حديث عمر وزاد
في آخره ويد الله على الجماعة وقال ابن المنذر يؤخذ من حديث أبي هريرة استحباب الاجتماع
على الطعام وأن لا يأكل المرء وحده انتهى وفى الحديث أيضا الإشارة إلى أن المواساة إذا حصلت
حصلت معها البركة فتعم الحاضرين وفيه انه لا ينبغي للمرء أن يستحقر ما عنده فيمتنع من تقديمه
فان القليل قد يحصل به الاكتفاء بمعنى حصول سد الرمق وقيام البنية لا حقيقة الشبع وقال
ابن المنير ورد حديث بلفظ الترجمة لكنه لم يوافق شرط البخاري فاستقرأ معناه من حديث
الباب لان من أمكنه ترك الثلث أمكنه ترك النصف لتقاربهما انتهى وتعقبه مغلطاي بأن
الترمذي أخرج الحديث من طريق أبي سفيان عن جابر وهو على شرط البخاري انتهى وليس كما
زعم فان البخاري وإن كان أخرج لأبي سفيان لكن أخرج له مقرونا بأبي صالح عن جابر ثلاثة
أحاديث فقط فليس على شرطه ثم لا أدرى لم خصه بتخريج الترمذي مع أن مسلما أخرجه من
طريق الأعمش عن أبي سفيان أيضا ولعل ابن المنير اعتمد على ما ذكره ابن بطال أن ابن وهب روى
الحديث بلفظ الترجمة عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر وابن لهيعة ليس من شرط البخاري
قطعا لكن يرد عليه أن ابن بطال قصر بنسبه الحديث والا فقد أخرجه مسلم أيضا من طريق ابن
جريج ومن طريق سفيان الثوري كلاهما عن أبي الزبير عن جابر وصرح بطريق ابن جريج
467

بسماع أبى الزبير عن جابر فالحديث صحيح لكن لا على شرط البخاري والله أعلم وفى الباب عن ابن
عمر وسمرة كما تقدم وفيه عن ابن مسعود أيضا في الطبراني * (قوله باب المؤمن يأكل
في معي واحد) المعى بكسر الميم مقصور وفى لغة حكاها في المحكم بسكون العين بعدها تحتانية والجمع
أمعاء ممدود وهى المصارين وقد وقع في شعر القطامي بلفظ الافراد في الجمع فقال في أبيات له حكاها
أبو حاتم * حوالب غزرا ومعي جياعا * وهو كقوله تعالى ثم يخرجكم طفلا وانما عدى يأكل
بفي لأنه بمعنى يوقع الاكل فيها ويجعلها ظرفا للمأكول ومنه قوله تعالى انما يأكلون في بطونهم
أي ملء بطونهم قال أبو حاتم السجستاني المعى مذكر ولم أسمع من أثق به يؤنثه فيقول معي واحدة
لكن قد رواه من لا يوثق به (قوله حدثنا عبد الصمد) هو ابن عبد الوارث ووقع في رواية أبى نعيم
في المستخرج منسوبا (قوله عن واقد بن محمد) هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر (قوله فأدخلت
رجلا يأكل معه فأكل كثيرا) لعله أبو نهيك المذكور بعد قليل ووقع في رواية مسلم فجعل ابن
عمر يضع بين يديه ويضع بين يديه فجعل يأكل أكلا كثيرا (قوله لا تدخل هذا على) وذكر
الحديث هكذا حمل ابن عمر الحديث على ظاهره ولعله كره دخوله عليه لما رآه متصفا بصفة
وصف بها الكافر * (قوله باب المؤمن يأكل في معي واحد فيه أبو هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم) كذا ثبت هذا الكلام في رواية أبي ذر عن السرخسي وحده وليس هو
في رواية أبى الوقت عن الداودي عن السرخسي ووقع في رواية النسفي ضم الحديث الذي
قبله إلى ترجمة طعام الواحد يكفي الاثنين وايراد هذه الترجمة لحديث ابن عمر بطرقه وحديث أبي
هريرة بطريقيه ولم يذكر فيها التعليق وهذا أوجه فإنه ليس لإعادة الترجمة بلفظها معنى وكذا
ذكر حديث أبي هريرة في الترجمة ثم ايراده فيها موصولا من وجهين (قوله عبدة) هو ابن سليمان
وعبيد الله هو ابن عمر العمرى (قوله وان الكافر أو المنافق فلا أدرى أيهما قال عبيد الله) هذا
الشك من عبدة وقد أخرجه مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر بلفظ الكافر بغير
شك وكذا رواه عمرو بن دينار كما يأتي في الباب وكذا هو في رواية غير ابن عمر ممن روى الحديث من
الصحابة الا أنه ورد عند الطبراني في رواية له من حديث سمرة بلفظ المنافق بدل الكافر (قوله
وقال ابن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريقه ووقع لنا
في الموطأ من روايته عن مالك ولفظه المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء
وأخرجه الإسماعيلي من طريق ابن وهب أخبرني مالك وغير واحد أن نافعا حدثهم فذكره بلفظ
المسلم فظهر أن مراد البخاري بقوله مثله أي مثل أصل الحديث لا خصوص الشك الواقع في
رواية عبيد الله بن عمر عن نافع (قوله سفيان) هو ابن عيينة (قوله عن عمرو) هو ابن دينار
ووقع التصريح بتحديثه لسفيان في رواية الحميدي في مسنده ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج
(قوله كان أبو نهيك) بفتح النون وكسر الهاء (رجلا أكولا) في رواية الحميدي قيل لابن عمران
أبا نهيك رجل من أهل مكة يأكل أكلا كثيرا (قوله فقال فأنا أومن بالله ورسوله) في رواية
الحميدي فقال الرجل أنا أومن بالله الخ ومن ثم أطبق العلماء على حمل الحديث على غير ظاهره كما
سيأتي ايضاحه (قوله في حديث أبي هريرة يأكل المسلم في معي واحد) في رواية مسلم من وجه
468

آخر عن أبي هريرة المؤمن يشرب في معي واحد الحديث (قوله في الطريق الأخرى عن أبي
حازم) هو سلمان بسكون اللام الأشجعي وليس هو سلمة بن دينار الزاهد فإنه أصغر من الأشجعي ولم
يدرك أبا هريرة (قوله أن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا فأسلم) وقع في رواية مسلم من طريق أبى
صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف وهو كافر فأمر له بشاة فحلبت
فشرب حلابها ثم أخرى ثم أخرى حتى شرب حلاب سبع شياه ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له بشاة
فشرب حلابها ثم بأخرى فلم يستتمها الحديث وهذا الرجل يشبه أن يكون جهجاه الغفاري
فأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والبزار والطبراني من طريقه أنه قدم في نفر من قومه يريدون
الاسلام فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فلما سلم قال ليأخذ كل رجل بيد جليسه
فلم يبق غيري فكنت رجلا عظيما طويلا لا يقدم على أحد فذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى منزله فحلب لي عنزا فأتيت عليه ثم حلب لي آخر حتى حلب لي سبعة أعنز فأتيت عليها ثم أتيت
بصنيع برمة فأتيت عليها فقالت أم أيمن أجاع الله من أجاع رسول الله فقال مه يا أم أيمن أكل
رزقه ورزقنا على الله فلما كانت الليلة الثانية وصلينا المغرب صنع ما صنع في التي قبلها فحلب لي
عنزا ورويت وشبعت فقالت أم أيمن أليس هذا ضيفنا قال إنه أكل في معي واحد الليلة وهو
مؤمن وأكل قبل ذلك في سبعة أمعاء الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد
وفى اسناد الجميع موسى بن عبيدة وهو ضعيف وأخرج الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن عمرو
قال جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سبعة رجال فأخذ كل رجل من الصحابة رجلا وأخذ النبي
صلى الله عليه وسلم رجلا فقال له ما اسمك قال أبو غزوان قال فحلب له سبع شياه فشرب لبنها كله
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لك يا أبا غزوان أن تسلم قال نعم فأسلم فمسح رسول الله صلى الله
عليه وسلم صدره فلما أصبح حلب له شاة واحدة فلم يتم لبنها فقال مالك يا أبا غزوان قال والذي بعثك
نبيا لقد رويت قال إنك أمس كان لك سبعة أمعاء وليس لك اليوم الا معي واحد وهذه الطريق
أقوى من طريق جهجاه ويحتمل أن تكون تلك كنيته لكن يقوى التعدد أن أحمد أخرج
من حديث أبي بصرة الغفاري قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجرت قبل أن أسلم
فحلب لي شويهة كان يحلبها لأهله فشربتها فلما أصبحت أسلمت حلب لي فشربت منها فرويت
فقال أرويت قلت قد رويت ما لا رويت قبل اليوم الحديث وهذا لا يفسر به المبهم في حديث
الباب وإن كان المعنى واحدا لكن ليس في قصته خصوص العدد ولأحمد أيضا وأبى مسلم الكجي
وقاسم بن ثابت في الدلائل والبغوي في الصحابة من طريق محمد بن معن بن نضلة الغفاري حدثني
جدي نضلة بن عمرو قال أقبلت في لقاح لي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم
أخذت علبة فجلبت فيها فشربتها فقلت يا رسول الله ان كنت لأشربها مرارا لا أمتلئ وفى لفظ
ان كنت لأشرب السبعة فما امتلئ فذكر الحديث وهذا أيضا لا ينبغي أن يفسر به مبهم حديث
الباب لاختلاف السياق ووقع في كلام النووي تبعا لعياض أنه نضرة بن نضرة الغفاري وذكر
ابن إسحاق في السيرة من حديث أبي هريرة في قصة ثمامة بن أثال أنه لما أسر ثم أسلم وقعت له قصة
تشبه قصة جهجاه فيجوز أن يفسر به وبه صدر المازري كلامه واختلف في معنى الحديث
فقيل ليس المراد به ظاهره وانما هو مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها
469

فكأن المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معي واحد والكافر لشدة رغبته فيها واستكثاره
منها يأكل في سبعة أمعاء فليس المراد حقيقة الأمعاء ولا خصوص الاكل وانما المراد التقلل
من الدنيا والاستكثار منها فكأنه عبر عن تناول الدنيا بالاكل وعن أسباب ذلك بالأمعاء ووجه
العلاقة ظاهر وقيل المعنى أن المؤمن يأكل الحلال والكافر يأكل الحرام والحلال أقل من
الحرام في الوجود نقله ابن التين ونقل الطحاوي نحو الذي قبله عن أبي جعفر بن أبي عمران فقال
حمل قوم هذا الحديث على الرغبة في الدنيا كما تقول فلان يأكل الدنيا أكلا أي يرغب فيها
ويحرص عليها فمعنى المؤمن يأكل في معي واحد أي يزهد فيها فلا يتناول منها الا قليلا والكافر في
سبعة أي يرغب فيها فيستكثر منها وقيل المراد حض المؤمن على قلة الاكل إذا علم أن كثرة
الاكل صفة الكافر فان نفس المؤمن تنفر من الاتصاف بصفة الكافر ويدل على أن كثرة
الاكل من صفة الكفار قوله تعالى والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام وقيل بل
هو على ظاهره ثم اختلفوا في ذلك على أقوال * أحدها أنه ورد في شخص بعينه واللام عهدية
لا جنسية جزم بذلك ابن عبد البر فقال لا سبيل إلى حمله على العموم لان المشاهدة تدفعه فكم
من كافر يكون أقل أكلا من مؤمن وعكسه وكم من كافر أسلم فلم يتغير مقدار أكله قال
وحديث أبي هريرة يدل على أنه ورد في رجل بعينه ولذلك عقب به مالك الحديث المطلق وكذا
البخاري فكأنه قال هذا إذا كان كافرا كان يأكل في سبعة أمعاء فلما أسلم عوفي وبورك له في
نفسه فكفاه جزء من سبعة أجزاء مما كان يكفيه وهو كافر اه‍ وقد سبقه إلى ذلك الطحاوي في
مشكل الآثار فقال قيل إن هذا الحديث كان في كافر مخصوص وهو الذي شرب حلاب
السبع شياه قال وليس للحديث عندنا محمل غير هذا الوجه والسابق إلى ذلك أولا أبو عبيدة وقد
تعقب هذا الحمل بأن ابن عمر راوي الحديث فهم منه العموم فلذلك منع الذي رآه يأكل كثيرا من
الدخول عليه واحتج بالحديث ثم كيف يتأتى حمله على شخص بعينه مع ما تقدم من ترجيح تعدد
الواقعة ويورد الحديث المذكور عقب كل واحدة منها في حق الذي وقع له نحو ذلك * القول الثاني
أن الحديث خرج مخرج الغالب وليست حقيقة العدد مرادة قالوا تخصيص السبعة للمبالغة
في التكثير كما في قوله تعالى والبحر يمده من بعده سبعة أبحر والمعنى أن من شأن المؤمن التقلل
من الاكل لاشتغاله بأسباب العبادة ولعلمه بان مقصود الشرع من الاكل ما يسد الجوع
ويمسك الرمق ويعين على العبادة ولخشيته أيضا من حساب ما زاد على ذلك والكافر بخلاف
ذلك كله فإنه لا يقف مع مقصود الشرع بل هو تابع لشهوة نفسه مسترسل فيها غير خائف من
تبعات الحرام فصار أكل المؤمن لما ذكرته إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه يقدر السبع منه
ولا يلزم من هذا اطراده في حق كل مؤمن وكافر فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرا
اما بحسب العادة واما لعارض يعرض له من مرض باطن أو لغير ذلك ويكون في الكفار من
يأكل قليلا اما لمراعاة الصحة على رأى الأطباء واما للرياضة على رأى الرهبان واما لعارض
كضعف المعدة قال الطيبى ومحصل القول أن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع
بالبلغة بخلاف الكافر فإذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا الوصف لا يقدح في الحديث
ومن هذا قوله تعالى الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة الآية وقد يوجد من الزاني نكاح
470

الحرة ومن الزانية نكاح الحر * القول الثالث أن المراد بالمؤمن في هذا الحديث التام الايمان
لان من حسن اسلامه وكمل ايمانه اشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت وما بعده فيمنعه
شدة الخوف وكثرة الفكر والاشفاق على نفسه من استيفاء شهوته كما ورد في حديث لأبي
أمامة رفعه من كثر تفكره قل طعمه ومن قل تفكره كثر طعمه وقسا قلبه ويشير إلى ذلك
حديث أبي سعيد الصحيح ان هذا المال حلوة خضرة فمن أخذه باشراف نفس كان كالذي
يأكل ولا يشبع فدل على أن المراد بالمؤمن من يقتصد في مطعمه وأما الكافر فمن شأنه الشره
فيأكل بالنهم كما تأكل البهيمة ولا يأكل بالمصلحة لقيام البنية وقد رد هذا الخطابي وقال قد
ذكر عن غير واحد من أفاضل السلف الاكل الكثير فلم يكن ذلك نقصا في ايمانهم * الرابع
أن المراد أن المؤمن يسمى الله تعالى عند طعامه وشرابه فلا يشركه الشيطان فيكفيه
القليل والكافر لا يسمى فيشركه الشيطان كما تقدم تقريره قبل وفى صحيح مسلم في حديث
مرفوع ان الشيطان يستحل الطعام ان لم يذكر اسم الله تعالى عليه * الخامس أن المؤمن
يقل حرصه على الطعام فيبارك له فيه وفى مأكله فيشبع من القليل والكافر طامح
البصر إلى المأكل كالانعام فلا يشبعه القليل وهذا يمكن ضمه إلى الذي قبله ويجعلان جوابا
واحدا مركبا * السادس قال النووي المختار أن المراد أن بعض المؤمنين يأكل في معي
واحد وأن أكثر الكفار يأكلون في سبعة أمعاء ولا يلزم أن يكون كل واحد من السبعة
مثل معي المؤمن اه‍ ويدل على تفاوت الأمعاء ما ذكره عياض عن أهل التشريح أن أمعاء
الانسان سبعة المعدة ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها البواب ثم الصائم ثم الرقيق والثلاثة
رقاق ثم الأعور والقولون والمستقيم وكلها غلاظ فيكون المعنى أن الكافر لكونه
يأكل بشرهه لا يشبعه الا ملء أمعائه السبعة والمؤمن يشبعه ملء معي واحد ونقل
الكرماني عن الأطباء في تسمية الأمعاء السبعة انها المعدة ثم ثلاثة متصلة بها رقاق وهى
الاثنا عشري والصائم والقولون ثم ثلاثة غلاظ وهى الفانفى بنون وفاءين أو قافين والمستقيم
والعور * السابع قال النووي يحتمل أن يريد بالسبعة في الكافر صفات هي الحرص والشره
وطول الأمل والطمع وسوء الطبع والحسد وحب السمن وبالواحد في المؤمن سد خلته
* الثامن قال القرطبي شهوات الطعام سبع شهوة الطبع وشهوة النفس وشهوة العين وشهوة
الفم وشهوة الاذن وشهوة الانف وشهوة الجوع وهى الضرورية التي يأكل بها المؤمن وأما
الكافر فيأكل بالجميع ثم رأيت أصل ما ذكره في كلام القاضي أبى بكر بن العربي ملخصا وهو أن
الأمعاء السبعة كناية عن الحواس الخمس والشهوة والحاجة قال العلماء يؤخذ من الحديث
الحض على التقلل من الدنيا والحث على الزهد فيها والقناعة بما تيسر منها وقد كان العقلاء في
الجاهلية والاسلام يتمدحون بقلة الاكل ويذمون كثرة الاكل كما تقدم في حديث أم زرع
أنها قالت في معرض المدح لابن أبي زرع ويشبعه ذراع الجفرة وقال حاتم الطائي
- وفانك ان أعطيت بطنك سؤله * وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا -
وسيأتى مزيد لهذا في الباب الذي يليه وقال ابن التين قيل إن الناس في الاكل على ثلاث
طبقات طائفة تأكل كل مطعوم من حاجة وغير حاجة وهذا فعل أهل الجهل وطائفة تأكل عند
471

الجوع بقدر ما يسد الجوع حسب وطائفة يجوعون أنفسهم يقصدون بذلك قمع شهوة النفس
وإذا أكلوا أكلوا ما يسد الرمق اه‍ ملخصا وهو صحيح لكنه لم يتعرض لتنزيل الحديث عليه
وهو لائق بالقول الثاني * (قوله باب الاكل متكئا) أي ما حكمه وانما لم
يجزم به لأنه لم يأت فيه نهى صريح (قوله حدثنا مسعر) كذا أخرجه البخاري عن أبي نعيم
وأخرجه أحمد عن أبي نعيم فقال حدثنا سفيان هو الثوري فكأن لأبي نعيم فيه شيخين (قوله
عن علي بن الأقمر) أي ابن عمرو بن الحرث بن معاوية الهمداني بسكون الميم الوادعي الكوفي
ثقة عند الجميع وما له في البخاري سوى هذه الحديث (قوله سمعت أبا جحيفة) في رواية
سفيان عن علي بن الأقمر عن عون بن أبي جحيفة وهذا يوضح أن رواية رقية لهذا الحديث
عن علي بن الأقمر عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه من المزيد في متصل الأسانيد لتصريح على
ابن الأقمر في رواية مسعر بسماعه له من أبى جحيفة بدون واسطة ويحتمل أن يكون سمعه من
عون أولا عن أبيه ثم لقى أباه أو سمعه من أبى جحيفة وثبته فيه عون (قوله انى لا آكل متكئا)
ذكر في الطريق التي بعدها له سببا مختصرا ولفظه فقال لرجل عنده لا آكل وأنا متكئ قال
الكرماني اللفظ الثاني أبلغ من الأول في الاثبات واما في النفي فالأول أبلغ اه‍ وكان سبب هذا
الحديث قصة الاعرابى المذكور في حديث عبد الله بن بسر عند ابن ماجة والطبراني باسناد
حسن قال أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فجثى على ركبتيه يأكل فقال له اعرابى ما هذه
الجلسة فقال إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا قال ابن بطال انما فعل النبي
صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا لله ثم ذكر من طريق أيوب عن الزهري قال أتى النبي صلى الله
عليه وسلم ملك لم يأته قبلها فقال إن ربك يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا قال فنظر إلى
جبريل كالمستشير له فأومأ إليه أن تواضع فقال بل عبدا نبيا قال فما أكل متكئا اه‍ وهذا
مرسل أو معضل وقد وصله النسائي من طريق الزبيدي عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن
عباس قال كان ابن عباس يحدث فذكر نحوه وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن
العاص قال ما رؤى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد
قال ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم متكئا الا مرة ثم نزع فقال اللهم إني عبدك ورسولك وهذا
مرسل ويمكن الجمع بأن تلك المرة التي في أثر مجاهد ما اطلع عليها عبد الله بن عمرو فقد أخرج ابن
شاهين في ناسخه من مرسل عطاء بن يسار أن جبريل رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا
فنهاه ومن حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهاه جبريل عن الاكل متكئا لم يأكل
متكئا بعد ذلك واختلف في صفة الاتكاء فقيل أن يتمكن في الجلوس للاكل على أي صفة
كان وقيل أن يميل على أحد شقيه وقيل أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض قال الخطابي
تحسب العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطاء الذي
تحته قال ومعنى الحديث انى لا أقعد متكئا على الوطاء عند الاكل فعل من يستكثر من الطعام
فانى لا آكل الا البلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزا وفى حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم
أكل تمرا وهو مقع وفى رواية وهو محتفر والمراد الجلوس على وركيه غير متمكن وأخرج ابن عدي
بسند ضعيف زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الاكل
472

قال مالك هو نوع من الاتكاء (قلت) وفى هذا إشارة من مالك إلى كراهة كل ما يعد الآكل فيه
متكئا ولا يختص بصفة بعينها وجزم ابن الجوزي في تفسير الاتكاء بأنه الميل على أحد
الشقين ولم يلتفت لانكار الخطابي ذلك وحكى ابن الأثير في النهاية أن من فسر الاتكاء بالميل
على أحد الشقين تأوله على مذهب الطب بأنه لا ينحدر في مجارى الطعام سهلا ولا يسيغه هنيئا
وربما تأذى به واختلف السلف في حكم الاكل متكئا فزعم ابن القاص أن ذلك من الخصائص
النبوية وتعقبه البيهقي فقال قد يكره لغيره أيضا لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من
ملوك العجم قال فإن كان بالمرء مانع لا يتمكن معه من الاكل الا متكئا لم يكن في ذلك كراهة ثم
ساق عن جماعة من السلف انهم أكلوا كذلك وأشار إلى حمل ذلك عنهم على الضرورة وفى الحمل
نظر وقد اخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين
وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقا وإذا ثبت كونه مكروها أو خلاف الأولى فالمستحب في
صفة الجلوس للآكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس
على اليسرى واستثنى الغزالي من كراهة الاكل مضطجعا أكل البقل واختلف في علة
الكراهة وأقوى ما ورد في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال كانوا
يكرهون أن يأكلوا اتكاءة مخافة أن تعظم بطونهم والى ذلك يشير بقية ما ورد فيه من الاخبار
فهو المعتمد ووجه الكراهة فيه ظاهر وكذلك ما أشار إليه ابن الأثير من جهة الطب والله أعلم
* (قوله باب الشواء) بكسر المعجمة وبالمد معروف (قوله وقول الله تعالى فجاء بعجل
حنيذ) كذا في الأصل وهو سبق قلم والتلاوة ان جاء 2 كما سيأتي (قوله مشوى) كذا ثبت قوله
مشوى في رواية السرخسي وأورده النسفي بلفظ أي مشوى وهو تفسير أبى عبيدة قال في قوله
تعالى فما لبث ان جاء بعجل حنيذ أي محنوذ وهو المشوى مثل قتيل في مقتول وروى الطبري عن
وهب بن منبه عن سفيان الثوري مثله وعن ابن عباس أخص منه قال حنيذ أي نضيج ومن
طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد الحنيذ المشوى النضيج ومن طرق عن قتادة والضحاك وابن
اسحق مثله ومن طريق السدى قال الحنيذ المشوى في الرضف أي الحجارة المحماة وعن مجاهد
والضحاك نحوه وهذا أخص من جهة أخرى وبه جزم الخليل صاحب اللغة ومن طريق شمر بن
عطية قال الحنيذ قال الذي يقطر ماؤه بعد أن يشوى وهذا أخص من جهة أخرى والله أعلم ثم
ذكر المصنف حديث ابن عباس في قصة خالد بن الوليد في الضب وسيأتى شرحها في كتاب الصيد
والذبائح إن شاء الله تعالى وأشار ابن بطال إلى أن أخذ الحكم للترجمة ظاهر من جهة أنه صلى الله
عليه وسلم أهوى ليأكل ثم لم يمتنع الا لكونه ضبا فلو كان غير ضب لاكل (قوله في آخره وقال
مالك عن ابن شهاب بضب محنوذ) يأتي موصولا في الذبائح من طريق مالك * (قوله باب
الخزيرة) بخاء معجمة مفتوحة ثم زاي مكسورة وبعد التحتانية الساكنة راء هي ما يتخذ من الدقيق
على هيئة العصيدة لكنه أرق منها قاله الطبري وقال ابن فارس دقيق يخلط بشحم وقال القتبي
وتبعه الجوهري الخزيرة أن يؤخذ اللحم فيقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير فإذا نضج در عليه
الدقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة وقيل مرق يصفى من بلالة النخالة ثم يطبخ وقيل حساء
من دقيق ودسم (قوله قال النضر) هو ابن شميل النحوي اللغوي المحدث المشهور (قوله
473

الخزيرة) يعنى بالاعجام (من النخالة والحريرة) يعنى بالاهمال (من اللبن) وهذا الذي قاله النضر
وافقه عليه أبو الهيثم لكن قال من الدقيق بدل اللبن وهذا هو المعروف ويحتمل أن يكون معنى
اللبن أنها تشبه اللبن في البياض لشدة تصفيتها والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث عتبان بن مالك في
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وقد تقدم شرحه مستوفى في باب المساجد في البيوت في
أوائل كتاب الصلاة والغرض منه قوله وحبسناه على خزير صنعناه أي منعناه من الرجوع عن
منزلنا لأجل خزير صنعناه له ليأكل منه (قوله أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك
وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم)
كدا في الأصول المعتمدة ونقل الكرماني أن في بعض النسخ عن عتبان وهو أوضح قال وللأول
وجه وهو أن يكون ان الثانية توكيدا كقوله تعالى أيعدكم انكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما
انكم مخرجون (قلت) فيصير التقدير أن عتبان أتى النبي صلى الله عليه وسلم وما بينهما أشياء
اعترضت فيصح كما قال لكن يبقى ظاهره أنه من مسند محمود بن الربيع فيكون مرسلا لأنه ذكر
قصة ما أدركها وهذا بخلاف ما لو قال إن عتبان بن مالك قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فإنه
يساوى ما لوا قال عن عتبان أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى بيان ذلك بأوضح من هذا في
الباب المذكور (قوله قال ابن شهاب ثم سألت الحصين) هو موصول بالاسناد المذكور
والحصين بمهملتين مصغر وقد قدمت في الصلاة أن القابسي رواه بضاد معجمة ولم يوافق على ذلك
ونقل ابن التين عن الشيخ أبى عمران قال لم يدخل البخاري في جامعه الحضير يعنى بالمهملة ثم الضاد
وآخره راء وأدخل الحصين بمهملتين ونون يشير بذلك إلى أن مسلما أخرج لاسيد بن حضير ولم
يخرج له البخاري وهذا قصور ممن قاله فان أسيد بن حضير وان لم يخرج له البخاري من روايته
موصولا لكنه علق عنه ووقع ذكره عنده في غير موضع فلا يليق نفى ادخاله في كتابه على أنه قلما
يلتبس من أجل تفريق النون وانما اللبس الحصين بمهملتين ونون وهم جماعة في الأسماء
والكنى والآباء والحضين مثله لكن بضاد معجمة وهو واحد أخرج له مسلم وهو حضين بن منذر
أبو ساسان له صحبة وقد نبه على وهم القابسي في ذلك عياض وأضاف إليه الأصيلي فقال قال
القابسي ليس في البخاري بالضاد المعجمة سوى الحضين بن محمد قال عياض وكذا وجدت الأصيلي
قيده في أصله وهو وهم والصواب ما للجماعة بصاد مهملة اه‍ وما نسبه إلى الأصيلي ليس بمحقق
لان النقطة فوق الحرف لا يتعين أن تكون من كاتب الأصل بخلاف القابسي فإنه أفصح به حتى
قال أبو لبيد الوقشي كذا قرئ عليه قالوا وهو خطأ والله أعلم * (قوله باب الأقط)
بفتح الهمزة وكسر القاف وقد تسكن بعدها طاء مهملة وهو جبن اللبن المستخرج زبده وقد
تقدم تفسيره في باب زكاة الفطر وغيره (قوله وقال حميد الخ) تقدم موصولا في باب الخبز المرقق
474

(قوله وقال عمرو بن أبي عمرو عن أنس) تقدم أيضا في الباب المذكور لكن معلقا وبينت الموضع
الذي وصله فيه مع شرحه ثم ذكر طرفا من حديث ابن عباس في الضب لقوله فيه أهدت خالتي
ضبابا واقطا ولبنا وسيأتي شرحه في الذبائح * (قوله باب السلق) بكسر السين
المهملة نوع من البقل معروف فيه تحليل لسدد الكبد ومنه صنف أسود يعقل البطن ثم
ذكر المصنف حديث سهل بن سعد في قصة العجوز التي كانت تصنع لهم أصول السلق في قدر يوم
الجمعة وقد تقدم شرحه في كتاب الجمعة وأحيل بشئ منه على كتاب الاستئذان وقد فرقه
البخاري حديثين من رواية أبى غسان عن أبي حازم ووقع هنا من الزيادة في آخر الحديث والله
ما فيه شحم ولا ودك وتقدم في تلك الرواية أن السلق يكون عرقه أي عوضا عن عرقه فان العرق
بفتح العين وسكون الراء بعدها قاف العظم عليه بقية اللحم فإن لم يكن عليه لحم فهو عراق وقد
صرح في هذه الرواية بأنه لم يكن فيه شحم ولاودك وهو بفتح الواو والمهملة بعدها كاف وهو
الدسم وزنا ومعنى وعطفه على الشحم من عطف الأعم على الأخص والله أعلم وفى الحديث
ما كان السلف عليه من الاقتصاد والصبر على قلة الشئ إلى أن فتح الله تعالى لهم الفتوح العظيمة
فمنهم من تبسط في المباحات منها ومنهم من اقتصر على الدون مع القدرة زهدا وورعا * (قوله
باب النهش وانتشال اللحم) النهش بفتح النون وسكون الهاء بعدها شين معجمة
أو مهملة وهما بمعنى عند الأصمعي وبه جزم الجوهري وهو القبض على اللحم بالفم وازالته
عن العظم أو غيره وقيل بالمعجمة هذا وبالمهملة تناوله بمقدم الفم وقيل النهس بالمهملة للقبض
على اللحم ونتره عند الاكل قال شيخنا في شرح الترمذي الامر فيه محمول على الارشاد فإنه
علله بكونه أهنأ وأمرأ أي أشد هناء ومراءة ويقال هنئ صار هنيئا ومرئ صار مريئا وهو
أن لا يثقل على المعدة وينهضم عنها قال ولم يثبت النهى عن قطع اللحم بالسكين بل ثبت الحز
من الكتف فيختلف باختلاف اللحم كما إذا عسر نهشه بالسن قطع بالسكين وكذا إذا لم تحضر
السكين وكذا يختلف بحسب العجلة والتأني والله أعلم والانتشال بالمعجمة التناول والقطع
والاقتلاع يقال نشلت اللحم من المرق أخرجته منه ونشلت اللحم إذا أخذت بيدك عضوا
فتركت ما عليه وأكثر ما يستعمل في أخذ اللحم قبل أن ينضج ويسمى اللحم نشيلا وقال
الإسماعيلي ذكر الانتشال مع النهش والانتشال التناول والاستخراج ولا يسمى نهشا حتى
يتناول من اللحم (قلت) فحاصله ان النهش بعد الانتشال ولم يقع في شئ من الطريقين اللذين ساقهما
البخاري بلفظ النهش وانما ذكره بالمعنى حيث قال تعرق كتفا أي تناول اللحم الذي عليه بفمه
وهذا هو النهش كما تقدم ولعل البخاري أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف الحديث الذي سأذكره
في الباب الذي يلي الباب الذي بعد هذا في النهى عن قطع اللحم بالسكين (قوله عن محمد) هو ابن
سيرين ووقع منسوبا في رواية الإسماعيلي قال ابن بطال لا يصح لابن سيرين سماع من ابن
عباس ولا من ابن عمر (قلت) سبق إلى ذلك يحيى بن معين وكذا قال عبد الله بن أحمد عن أبيه لم
يسمع محمد بن سيرين من ابن عباس يقول بلغنا وقال ابن المديني قال شعبة أحاديث محمد بن سيرين
عن عبد الله بن عباس انما سمعها من عكرمة لقيه أيام المختار (قلت) وكذا قال خالد الحذاء
كل شئ يقول ابن سيرين ثبت عن ابن عباس سمعه من عكرمة اه‍ واعتماد البخاري في هذا المتن انما
475

هو على السند الثاني وقد ذكرت أن ابن الطباع أدخل في الأول عكرمة بين ابن سيرين وابن عباس
وكأن البخاري أشار بايراد السند الثاني إلى ما ذكرت من أن ابن سيرين لم يسمع من ابن عباس
(قلت) وما له في البخاري عن ابن عباس غير هذا الحديث وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد
ابن عيسى بن الطباع عن حماد بن زيد فأدخل بين محمد بن سيرين وابن عباس عكرمة وانما صح عنده
لمجيئه بالطريق الأخرى الثانية فأورده على الوجه الذي سمعه (قوله تعرق رسول الله صلى الله عليه
وسلم كنفا) في رواية عطاء بن يسار عن ابن عباس كما تقدم في الطهارة أكل كتفا وعند مسلم من طريق
محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس أتى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية خبز ولحم فأكل ثلاث لقم
الحديث فأفادت تعيين جهة اللحم ومقدار ما أكل منه (قوله وعن أيوب) هو معطوف على
السند الذي قبله وأخطأ من زعم أنه معلق وقد أورده أبو نعيم في المستخرج من طريق الفضل
ابن الحباب عن الحجبي وهو عبد الله بن عبد الوهاب شيخ البخاري فيه بالسند المذكور حاصله أن
الحديث عند حماد بن زيد عن أيوب بسندين على لفظين أحدهما عن ابن سيرين باللفظ الأول
والثاني عنه عن عكرمة وعاصم الأحول باللفظ الثاني ومفاد الحديثين واحد وهو ترك ايجاب
الوضوء مما مست النار قال الإسماعيلي وصله إبراهيم بن زياد وأحمد بن إبراهيم الموصلي وعارم
ويحيى بن غيلان والحوضي كلهم عن حماد بن زيد وأرسله محمد بن عبيد بن حساب فلم يذكر فيه ابن
عباس (قلت) ووصله صحيح اتفاقا لانهم أكثر وأحفظ وقد وصلوا وأرسل فالحكم لهم عليه وقد
وصله آخرون غير من سمى عن حماد بن زيد والله أعلم * (قوله باب تعرق العضد)
مضى تفسير التعرق وأما العضد فهو العظم الذي بين الكتف والمرفق وذكر المصنف حديث أبي
قتادة في قصة الحمار الوحشي وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب الحج وأبو حازم المدني
في اسناده هو سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد ومراده منه قوله في آخره فناولته العضد فأكلها
حتى تعرقها أي حتى لم يبق على عظمها لحما وقوله في آخره قال محمد بن جعفر وحدثني زيد بن أسلم
هو معطوف على السند الذي قبله والحاصل أن لمحمد بن جعفر أي ابن أبي كثير شيخ شيخ البخاري
فيه اسنادين ووقع النسفي والأكثر قال ابن جعفر غير مسمى وفى رواية أبي ذر عن الكشميهني
قال أبو جعفر فإن كان محمد بن جعفر يكنى أبا جعفر صحت رواية الكشميهني والا فهو ابن لا أب
والله أعلم * (قوله باب قطع اللحم بالسكين) ذكر فيه حديث عمرو بن أمية أنه رأى
النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة الحديث وقد تقدم مشروحا في كتاب الطهارة
ومعنى يحتز يقطع وأخرج أصحاب السنن الثلاثة من حديث المغيرة بن شعبة بت عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكان يحز لي من جنب حتى أذن بلال فطرح السكين وقال ما له تربت يداه
قال ابن بطال هذا الحديث يرد حديث أبي معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رفعته
لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنيع الأعاجم وانهشوه فإنه أهنأ وأمرأ قال أبو داود هو
476

حديث ليس بالقوى (قلت) له شاهد من حديث صفوان بن أمية أخرجه الترمذي بلفظ انهشوا
اللحم نهشا فإنه أهنأ وأمرأ وقال لا نعرفه الا من حديث عبد الكريم اه‍ وعبد الكريم هو أبو
أمية بن أبي المخارق ضعيف لكن أخرجه ابن أبي عاصم من وجه آخر عن صفوان بن أمية فهو
حسن لكن ليس فيه ما زاده أبو معشر من التصريح بالنهى عن قطع اللحم بالسكين وأكثر ما في
حديث صفوان أن النهش أولى وقد وقع في أول حديث الشفاعة الطويل الماضي في التفسير
من طريق أبى زرعة عن أبي هريرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم بلحم الذراع فنهش منها نهشة
الحديث * (قوله باب ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما) أي مباحا أما
الحرام فكان يعيبه ويذمه وينهى عنه وذهب بعضهم إلى أن العيب إن كان من جهة الخلقة
كره وإن كان من جهة الصنعة لم يكره قال لان صنعة الله لا تعاب وصنعة الآدميين تعاب (قلت)
والذي يظهر التعميم فان فيه كسر قلب الصانع قال النووي من آداب الطعام المتأكدة أن
لا يعاب كقوله مالح حامض قليل الملح غليظ رقيق غير ناضج ونحو ذلك (قوله عن أبي حازم) هو
الأشجعي وللأعمش فيه شيخ آخر أخرجه مسلم من طريق أبى معاوية عنه عن أبي يحيى مولى
جعدة عن أبي هريرة وأخرجه أيضا من طريق أبى معاوية وجماعة عن الأعمش عن أبي حازم
واقتصر البخاري على أبى حازم لكونه على شرطه دون أبى يحيى وأبو يحيى مولى جعدة بن هبيرة
المخزومي مدني ماله عند مسلم سوى هذا الحديث وقد أشار أبو بكر بن أبي شيبة فيما رواه ابن ماجة
عنه إلى أن أبا معاوية تفرد بقوله عن الأعمش عن أبي يحيى فقال لما أورده من طريقه يخالفه
فيه بقوله عن أبي حازم وذكره الدارقطني فيما انتقد على مسلم وأجاب عياض بأنه من الأحاديث
المعللة التي ذكر مسلم في خطبه كتابه أنه يوردها ويبين علتها كذا قال والتحقيق أن هذا لا علة فيه
لرواية أبى معاوية الوجهين جميعا وانما كان يأتي هذا لو اقتصر على أبى يحيى فيكون حينئذ شاذا
أما بعد ان وافق الجماعة على أبى حازم فتكون زيادة محضة حفظها أبو معاوية دون بقية أصحاب
الأعمش وهو من أحفظهم عنه فيقبل والله أعلم (قوله وان كرهه تركه) يعنى مثل ما وقع له في الضب
ووقع في رواية أبى يحيى وان لم يشتهه سكت أي عن عيبه قال ابن بطال هذا من حسن الأدب
لان المرء قد لا يشتهى الشئ ويشتهيه غيره وكل مأذون في أكله من قبل الشرع ليس فيه عيب
* (قوله باب النفخ في الشعير) أي بعد طحنه لتطير منه قشوره وكأنه نبه بهذه الترجمة
على أن النهى عن النفخ في الطعام خاص بالطعام المطبوخ (قوله أبو غسان) هو محمد بن مطرف
وأبو حازم هو سلمة بن دينار وهو غير الذي قبله وهو أصغر منه وان اشتركا في كون كل منهما
تابعيا (قوله النقي) بفتح النون أي خبر الدقيق الحوارى وهو النظيف الأبيض وفى حديث
البعث يحشر الناس على أرض عفراء كقرصة النقي وذكره في الباب الذي بعده من وجه آخر
عن أبي حازم أتم منه (قوله قال لا) هو موافق لحديث أنس المتقدم ما رأى مرققا قط (قوله
فهل كنتم تنخلون الشعير) أي بعد طحنه (قوله ولكن كنا ننفخه) ذكره في الباب الذي بعده بلفظ
هل كانت لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل قال ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم
منخلا من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله تعالى وأظنه احترز عما قبل البعثة لكونه صلى الله عليه
وسلم كان سافر في تلك المدة إلى الشام تاجرا وكانت الشام إذ ذاك مع الروم والخبز النقي عندهم
477

كثير وكذا المناخل وغيرها من آلات الترفه فلا ريب أنه رأى ذلك عندهم فأما بعد البعثة فلم يكن
الا بمكة والطائف والمدينة ووصل إلى تبوك وهى من أطراف الشام لكن لم يفتحها ولا طالت
اقامته بها وقول الكرماني نخلت الدقيق أي غربلته الأولى أن يقول أي أخرجت منه
النخالة * (قوله باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون) أي في
زمانه صلى الله عليه وسلم وذكر فيه ستة أحاديث * الأول حديث أبي هريرة في قسمة التمر وسيأتى
شرحه في باب بعد باب القثاء والرطب وقوله في هذه الرواية شدت من مضاغي بفتح الميم وقد
تكسر وتخفيف الضاد المعجمة وبعد الألف غين معجمة هو ما يمضغ أو هو المضغ نفسه ومراده أنها
كانت فيها قوة عند مضغها فطال مضغه لها كالعلك وسيأتى بعد أبواب بلفظ هي أشدهن
لضرسي * الثاني حديث إسماعيل وهو ابن خالد عن قيس وهو ابن أبي حازم عن سعد وهو ابن أبي
وقاص ووقع في شرح ابن بطال وتبعه ابن الملقن عن قيس بن سعد عن أبيه كأنه توهمه قيس بن
سعد بن عبادة وهو غلط فاحش فقد مضى الحديث في مناقب سعد من طريق قيس وهو ابن أبي
حازم سمعت سعدا ووقع في رواية مسلم عن قيس سمعت سعد بن أبي وقاص (قوله رأيتني سابع سبعة
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا فيه إشارة إلى قدم اسلامه وقد تقدم بيان ذلك في مناقبه
من كتاب المناقب ووقع عند ابن أبي خيثمة أن السبعة المذكورين أبو بكر وعثمان وعلى وزيد
ابن حارثة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وكان اسلام الأربعة بدعاء أبى بكر
لهم إلى الاسلام في أوائل البعثة وأما على وزيد بن حارثة فاسلما مع النبي صلى الله عليه وسلم أول
ما بعث (قوله الا ورق الحبلة أو الحبلة) * الأول بفتح المهملة وسكون الموحدة * والثاني بضمهما
وقيل غير ذلك والمراد به ثمر العضاه وثمر السمر وهو يشبه اللوبيا وقيل المراد عروق الشجر وسيأتى
بسطه في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى * الثالث حديث سهل في النقي والمناخل تقدم في
الباب الذي قبله وقوله في آخره وما بقى ثريناه بمثلثة وراء ثقيلة أي بللناه بالماء (قوله فأكلناه)
يحتمل أن يريد أكلوه بغير عجن ولا خبز ويحتمل أنه أشار بذلك إلى عجنه بعد البل وخبزه ثم أكله
والمنخل من الأدوات التي جاءت بضم أولها * الرابع حديث أبي هريرة أنه مر بقوم بين أيديهم
شاة مصلية أي مشوية والصلاة بالكسر والمد الشئ (قوله فدعوه فأبى أن يأكل) ليس
هذا من ترك إجابة الدعوة لأنه في الوليمة لا في كل الطعام وكأن أبا هريرة استحضر حينئذ ما كان
النبي صلى الله عليه وسلم فيه من شدة العيش فزهد في أكل الشاة ولذلك قال خرج ولم يشبع
478

من خبز الشعير وقد مضت الإشارة إلى ذلك في أول الأطعمة ويأتي مزيد له في كتاب الرقاق
* الخامس حديث أنس في الخوان والسكرجة تقدم شرحه قريبا * السادس حديث عائشة
في طعام البر تقدمت الإشارة إليه في أول الأطعمة ويأتي في الرقاق أيضا إن شاء الله تعالى
* (قوله باب التلبينة) بفتح المثناة وسكون اللام وكسر الموحدة بعدها تحتانية
ساكنة ثم نون طعام يتخذ من دقيق أو نخالة وربما جعل فيها عسل سميت بذلك لشبهها باللبن في
البياض والرقة والنافع منه ما كان رقيقا نضيجا لا غليظا نيأ وقوله مجمة بفتح الجيم والميم الثقيلة
أي مكان الاستراحة ورويت بضم الميم أي مريحة والجمام بكسر الجيم الراحة وجم الفرس إذا
ذهب اعياؤه وسيأتى شرح حديث عائشة في كتاب الطب إن شاء الله تعالى * (قوله
باب الثريد) بفتح المثلثة وكسر الراء معروف وهو أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون
معه اللحم ومن أمثالهم الثريد أحمد اللحمين وربما كان أنفع وأقوى من نفس اللحم النضيج إذا
ثرد بمرقته وذكر المصنف فيه ثلاثة أحاديث * الأول والثاني عن أبي موسى وأنس في فضل
عائشة وقد تقدما في المناقب وفى أحاديث الأنبياء في ترجمة موسى عليه السلام عند ذكر
امرأة فرعون وفى ترجمة مريم والجملي في اسناد حديث أبي موسى بفتح الجيم وتخفيف الميم
نسبة إلى بنى جمل حي من مراد وقد تقدم شرح الحديث هناك وتقرير فضل الثريد وورد فيه
أخص من هذا فعند أحمد من حديث أبي هريرة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة في
السحور والثريد وفى سنده ضعف وللطبراني من حديث سلمان رفعه البركة في ثلاثة الجماعة
والسحور والثريد وأبو طوالة في حديث أنس هو عبد الله بن عبد الرحمن بن حزم وزعم عياض
انه وقع في رواية أبي ذر هنا عن ابن أبي طوالة وهو خطأ ولم أره في النسخة التي عندنا من طريق
أبي ذر الا على الصواب وذكر القابسي حدثنا خالد بن عبد الله بن أبي طوالة وهو تصحيف وانما هو
عن أبي طوالة * ثالثها حديث أنس في الخياط (قوله سمع أبا حاتم) هو أشهل بن حاتم البصري
ووقع في نسخة الصغاني تسميته وتسمية أبيه في الأصل وفى نسخة حدثنا أشهل ابن حاتم وابن عون
هو عبد الله (قوله على غلام له خياط) تقدم أنه لم يسم وتقدم شرح الحديث في باب من تتبع
حوالي القصعة * (قوله باب شاة مسموطة والكتف والجنب) ذكر فيه حديث
أنس وفيه ولا رأى شاة سميطة وفى رواية الكشميهني مسموطة وحديث عمرو بن أمية يحتز من
كتف شاة وقد تقدما قريبا وأما الجنب فأشار به إلى حديث أم سلمة أنها قربت إلى النبي إلى الله
عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه ثم قام إلى الصلاة أخرجه الترمذي وصححه وتقدم في باب قطع
اللحم بالسكين الإشارة إلى حديث المغيرة بن شعبة وفيه عند أبي داود والنسائي ضفت النبي صلى
479

الله عليه سلم فأمر بجنب فشوى فأخذ الشفرة فجعل يحتز لي بها منه قال ابن بطال يجمع بين هذا
الحديث وكذا حديث عمرو بن أمية وبين قول أنس أنه صلى الله عليه وسلم ما رأى شاة مسموطة
فذكر ما تقدم في باب الخبز المرقق وقد مضى البحث فيه مستوفى * (قوله باب ما كان
السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم) ليس في شئ من أحاديث الباب للطعام
ذكر وانما يؤخذ منها بطريق الالحاق أو من مقتضى قول عائشة ما شبع من خبز البر المادوم ثلاثا
فإنه لا يلزم من نفى كونه مأدوما نفى كونه مطلقا وفى وجود ذلك ثلاثا مطلقا دلالة على جواز تناوله
وابقائه في البيوت ويحتمل أن يكون المراد بالطعام ما يطعم فيدخل فيه كل أدام (قوله وقالت
عائشة وأسماء صنعنا للنبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر سفرة) تقدم حديث عائشة موصولا
في باب الهجرة إلى المدينة مطولا وحديث أسماء تقدم في الجهاد وسبق الكلام فيه قريبا ثم ذكر
فيه حديثين * أحدهما عن عائشة (قوله عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه) هو عابس بمهملة ثم
موحدة ثم مهملة ابن ربيعة النخعي الكوفي تابعي كبير ويلتبس به عابس بن ربيعة الغطيفي صحابي
ذكره ابن يونس وقال له صحبة وشهد فتح مصر ولم أجد لهم عنه رواية (قوله قالت ما فعله الا في عام
جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغنى الفقير) بينت عائشة في هذا الحديث أن النهى عن ادخار لحوم
الأضاحي بعد ثلاث نسخ وان سبب النهى كان خاصا بذلك العام للعلة التي ذكرتها وسيأتى بسط
هذا في أواخر كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى وعرض البخاري منه قولها وان كنا لنرفع الكراع
الخ فان فيه بيان جواز ادخار اللحم وأكل القديد وثبت أن سبب ذلك قلة اللحم عندهم بحيث انهم
لم يكونوا يشبعون من خبز البر ثلاثة أيام متوالية (قوله وقال ابن كثير) هو محمد وهو من مشايخ
البخاري وغرضه تصريح سفيان وهو الثوري بأخبار عبد الرحمن بن عابس له به وقد وصله
الطبراني في الكبير عن معاذ بن المثنى عن محمد بن كثير به (قوله في حديث جابر حدثنا سفيان)
هو ابن عيينة وسفيان الذي قبله في حديث عائشة هو الثوري كما بينته (قوله تابعه محمد عن ابن
عيينة) قيل إن محمدا هذا هو ابن سلام وقد وقع لي الحديث في مسند محمد بن يحيى بن أبي عمر
عن سفيان ولفظه كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل وكنا نتزود لحوم
الهدى إلى المدينة (قوله وقال ابن جريج الخ) وصل المصنف أصل الحديث في باب ما يؤكل من
البدن من كتاب الحج ولفظه كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث فرخص لنا النبي صلى الله
عليه وسلم فقال كلوا وتزودوا ولم يذكر هذه الزيادة وقد ذكرها مسلم في روايته عن محمد بن
حاتم عن يحيى بن سعيد بالسند الذي أخرجه به البخاري فقال بعد قوله كلوا وتزودوا قلت لعطاء
أقال جابر حتى جئنا المدينة قال نعم كذا وقع عنده بخلاف ما وقع عند البخاري قال لا والذي
وقع عند البخاري هو المعتمد فان أحمد أخرجه في مسنده عن يحيى بن سعيد كذلك وكذلك أخرجه
النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد وقد نبه على اختلاف البخاري ومسلم في هذه اللفظة
الحميدي في جمعه وتبعه عياض ولم يذكرا ترجيحا وأغفل ذلك شراح البخاري أصلا فيما وقفت
عليه ثم ليس المراد بقوله لا نفى الحكم بل مراده أن جابرا لم يصرح باستمرار ذلك منهم حتى قدموا
فيكون على هذا معنى قوله في رواية عمرو بن دينار عن عطاء كنا نتزود لحوم الهدى إلى المدينة
أي لتوجهنا إلى المدينة ولا يلزم من ذلك بقاؤها معهم حتى يصلوا المدينة والله أعلم لكن قد
480

أخرج مسلم من حديث ثوبان قال ذبح النبي صلى الله عليه وسلم أضحيته ثم قال لي يا ثوبان أصلح لحم
هذه فلم أزل أطعمه منه حتى قدم المدينة قال ابن بطال في الحديث رد على من زعم من الصوفية
أنه لا يجوز ادخار طعام لغد وان اسم الولاية لا يستحق لمن ادخر شيئا ولو قل وان من ادخر أساء
الظن بالله وفى هذه الأحاديث كفاية في الرد على من زعم ذلك * (قوله باب الحيس)
بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها مهملة تقدم تفسيره مع شرح حديث الباب في قصة صفية
في غزوة خيبر من كتاب المغازي وأصل الحيس ما يتخذ من التمر والأقط والسمن وقد يجعل عوض
الأقط الفتيت أو الدقيق وقوله فيه وضلع الدين بفتح الضاد المعجمة واللام أي ثقله وحكى ابن التين
سكون اللام وفسره بالميل ويأتي مزيد لشرح هذا الداء في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى
وقوله يحوى بحاء مهملة واو ثقيلة أي يجعل لها حوية وهو كساء محشو يدار حول سنام الراحلة
يحفظ راكبها من السقوط ويستريح بالاستناد إليه (قوله ثم أقبل حتى بدا له أحد) تقدم الكلام
عليه في أواخر الحج وقوله مثل ما حرم به إبراهيم مكة قال الكرماني مثل منصوب بنزع الخافض
أي بمثل ما حرم به وليست لفظة به زائدة * (قوله باب الاكل في اناء مفضض) أي
الذي جعلت فيه الفضة كذا اقتصر من الآنية على هذا والاكل في جميع الآنية مباح الا اناء
الذهب واناء الفضة واختلف في الاناء الذي فيه شئ من ذلك اما بالتضبيب واما بالخلط واما
بالطلاء وحديث حذيفة الذي ساقه في الباب فيه النهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة
ويؤخذ منع الاكل بطريق الالحاق وهذا بالنسبة لحديث حذيفة وقد ورد في حديث أم سلمة
عند مسلم كما سيأتي التنبيه عليه في كتاب الأشربة ذكر الاكل فيكون المنع منه بالنص أيضا وهذا
في الذي جميعه من ذهب أو فضة اما المخلوط أو المضبب أو المموه وهو المطلى فورد فيه حديث
أخرجه الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر رفعه من شرب في آنية الذهب والفضة أو اناء فيه شئ من
ذلك فإنما يجرجر في جوفه نار جهنم قال البيهقي المشهور عن ابن عمر موقوف عليه ثم أخرجه
كذلك وهو عند ابن أبي شيبة من طريق أخرى عنه أنه كان لا يشرب من قدح فيه حلقة فضة
ولا ضبة فضة ومن طريق أخرى عنه أنه كان يكره ذلك وفى الأوسط للطبراني من حيث أم عطية
نهى رسول الله صلى الله عيه وسلم عن تفضيض الاقداح ثم رخص فيه للنساء قال مغلطاي
لا يطابق الحديث الترجمة الا إن كان الاناء الذي سقى فيه حذيفة كان مضببا فان الضبة موضع
الشفة عند الشرب وأجاب الكرماني بأن لفظ مفضض وإن كان ظاهرا فيما فيه فضة لكنه
يشمل ما إذا كان متخذا كله من فضة والنهى عن الشرب في آنية الفضة يلحق به الاكل للعلة
الجامعة فيطابق الحديث الترجمة والله أعلم * (قوله باب ذكر الطعام) ذكر فيه
481

ثلاثة أحاديث * أحدها حديث أبي موسى مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن وقد سبق شرحه في
فضائل القرآن والغرض منه تكرار ذكر الطعم فيه والطعام يطلق بمعنى الطعم * ثانيها حديث
أنس في فضل عائشة وقد مضى التنبيه عليه قريبا وذكر فيه الطعام * ثالثها حديث أبي هريرة
السفر قطعة من العذاب ذكره لقوله فيه يمنع أحدكم نومه وطعامه وقد مضى شرحه في أواخر
أبواب العمرة بعد كتاب الحج قال ابن بطال معنى هذه الترجمة إباحة أكل الطعام الطيب وان
الزهد ليس في خلاف ذلك فان في تشبيه المؤمن بما طعمه طيب وتشبيه الكافر بما طعمه مر
ترغيبا في أكل الطعام الطيب والحلو قال وانما كره السلف الادمان على أكل الطيبات خشية
أن يصير ذلك عادة فلا تصبر النفس على فقدها قال وأما حديث أبي هريرة ففيه إشارة إلى أن
الآدمي لا بد له في الدنيا من طعام يقيم به جسده ويقوى به على طاعة ربه وان الله جل وعلا جمبل
النفوس على ذلك لقوام الحياة لكن المؤمن يأخذ من ذلك بقدر ايثاره أمر الآخرة على الدنيا
وزعم مغلطاي أن ابن بطال قال قبل حديث أبي هريرة ما معناه ليس فيه ذكر الطعام قال
مغلطاي قوله ليس فيه ذكر الطعام ذهول شديد فان لفظ المتن يمنع أحدكم نومه وطعامه اه‍ وتعقبه
صاحبه الشيخ سراح الدين بن الملقن بأنه لا ذهول فان عبارة ابن بطال ليس فيه ذكر أفضل الطعام
ولا أدناه وهو كما قال فلم يذهل * (قوله باب الأدم) بضم الهمزة والدال المهملة ويجوز
اسكانها جمع أدام وقيل هو بالاسكان المفرد وبالضم الجمع ذكر فيه حديث عائشة في قصة بريرة
وفيه فأتى بأدم من أدم البيت وفيه ذكر اللحم الذي تصدق به على بريرة وقد مضى شرحه
مستوفى في الكلام على قصة بريرة في الطلاق وحكى ابن بطال عن الطبري قال دلت القصة على
ايثاره عليه الصلاة والسلام اللحم إذا وجد إليه السبيل ثم ذكر حديث بريرة رفعه سيد الادام في
الدنيا والآخرة اللحم واما ما ورد عن عمر وغيره من السلف من ايثار أكل غير اللحم على اللحم
فاما لقمع النفس عن تعاطى الشهوات والادمان عليها واما لكراهة الاسراف والاسراع في
تبذير المال لقلة الشئ عندهم إذ ذاك ثم ذكر حديث جابر لما أضاف النبي صلى الله عليه وسلم
وذبح له الشاة فلما قدمها إليه قال له كأنك قد علمت حبنا للحم وكان ذلك لقلة الشئ عندهم فكان
حبهم له لذلك اه‍ ملخصا وحديث بريرة أخرجه ابن ماجة وحديث جابر أخرجه أحمد مطولا
من طريق نبيح العنزي عنه وأصله في الصحيح بدون الزيادة وقد اختلف الناس في الأدم فالجمهور
أنه ما يؤكل به الخبز بما يطيبه سواء كان مرقا أم لا واشترط أبو حنيفة وأبو يوسف الاصطناع
وسيأتى بسط ذلك في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى ووقع في حديث عائشة فقال
أهلها ولنا الولاء هو معطوف على محذوف تقديره نبيعها ولنا الولاء وفيه فقال لو شئت شرطتيه
باثبات التحتانية وهى ناشئة عن اشباع حركة المثناة وفيه وأعتقت فخيرت بين أن تقر تحت زوجها
أو تفارقه قال ابن التين يصح أن يكون أصله من وقر فتكون الراء مخففة يعنى والقاف مكسورة
يقال وقرت أقر إذا جلست مستقرا والمحذوف فاء الفعل قال ويصح أن تكون القاف
مفتوحة يعنى مع تشديد الراء من قولهم قررت بالمكان أقر يقال بفتح القاف ويجوز بكسرها
من قر يقر اه‍ ملخصا والثالث هو المحفوظ في الرواية * (تنبيه) * أورد البخاري هذا الحديث
هنا من طريق إسماعيل بن جعفر عن ربيعة عن القاسم بن محمد قال كان في بريرة ثلاث سنن
482

وساق الحديث وليس فيه أنه أسنده عن عائشة وتعقبه الإسماعيلي فقال هذا الحديث الذي
صححه مرسل وهو كما قال من ظاهر سياقه لكن البخاري اعتمد على ايراده موصولا من طريق
مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة كما تقدم في النكاح والطلاق ولكنه جرى على عادته من
تجنب ايراد الحديث على هيئته كلها في باب آخر وقد بينت وصل هذا الحديث في باب لا يكون
بيع الأمة طلاقا من كتاب الطلاق والله أعلم * (قوله باب الحلوى والعسل) كذا
لأبي ذر مقصور ولغيره ممدود وهما لغتان قال ابن ولاد هي عند الأصمعي بالقصر تكتب بالياء وعند
الفراء بالمد تكتب بالألف وقيل تمد وتقصر وقال الليث الأكثر على المد وهو كل حلو يؤكل
وقال الخطابي اسم الحلوى لا يقع الا على ما دخلته الصنعة وفى المخصص لابن سيده هي ما عولج
من الطعام بحلاوة وقد تطلق على الفاكهة (قوله يحب الحلوى والعسل) كذا في الرواية للجميع
بالقصر وقد تقدم في أبواب الطلاق بالوجهين وهو طرف من حديث تقدم في قصة التخيير قال
ابن بطال الحلوى والعسل من جملة الطيبات المذكورة في قوله تعالى كلوا من الطيبات وفيه
تقوية لقول من قال المراد به المستلذ من المباحات ودخل في معنى هذا الحديث كل ما يشابه
الحلوى والعسل من أنواع المآكل اللذيذة كما تقدم تقريره في أول كتاب الأطعمة وقال
الخطابي وتبعه ابن التين لم يكن حبه صلى الله عليه وسلم لها على معنى كثرة التشهي لها وشدة
نزاع النفس إليها وانما كان ينال منها إذا أحضرت إليه نيلا صالحا فيعلم بذلك أنها تعجبه ويؤخذ
منه جواز اتخاذ الأطعمة من أنواع شتى وكان بعض أهل الورع يكره ذلك ولا يرخص أن يأكل
من الحلاوة الا ما كان حلوه بطبعه كالتمر والعسل وهذا الحديث يرد عليه وانما تورع عن ذلك من
السلف من آثر تأخير تناول الطيبات إلى الآخرة مع القدرة على ذلك في الدنيا تواضعا لا شحا
ووقع في كتاب فقه اللغة للثعالبي أن حلوى النبي صلى لله عليه وسلم التي كان يحبها هي المجيع
بالجيم وزن عظيم وهو تمر يعجن بلبن وسيأتى في باب الجمع بين لونين ذكر من روى حديث أنه كان
يحب الزبد والتمر وفيه رد على من زعم أن المراد بالحلوى أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب كل يوم
قدح عسل يمزج بالماء وأما الحلوى المصنوعة فما كان يعرفها وقيل المراد بالحلوى الفالوذج
لا المعقودة على النار والله أعلم (قوله حدثنا عبد الرحمن بن شيبة) هو عبد الرحمن بن عبد الملك بن
محمد بن شيبة الحزامي بالمهملة والزاي المدني نسبة إلى جد أبيه وغلط بعضهم فقال عبد الرحمن
ابن أبي شيبة ولفظ أبى زيادة على سبيل الغلط المحض وما لعبد الرحمن في البخاري سوى موضعين
هذا أحدهما (قوله ابن أبي الفديك) هو محمد ابن إسماعيل وأكثر ما يرد بغير ألف ولام (قوله كنت
ألزم) تقدم هذا الحديث في المناقب من وجه آخر عن ابن أبي ذئب وأوله يقول الناس أكثر أبو
هريرة الحديث (قوله لشبع بطني) في رواية الكشميهني بشبع بالموحدة والمعنى مختلف فان
الذي بالباء يشعر بالمعاوضة لكن رواية اللام لا تنفيها (قوله ولا ألبس الحرير) كذا هنا للجميع
وتقدم في المناقب بلفظ الحبير بالموحدة بدل الراء الأولى وتقدم أنه للكشميهني براءين وقال
عياض هو بالموحدة في رواية القابسي والأصيلي وعبدوس وكذا لأبي ذر عن الحموي
وكذا هو للنسفي وللباقين براءين كالذي هنا ورجح عياض الرواية بالموحدة وقال هو الثوب المحبر
وهو المزين الملون مأخوذ من التحبير وهو التحسين وقيل الحبير ثوب وشى مخطط وقيل هو الجديد
483

وانما كانت رواية الحرير مرجوحة لان السياق يشعر بأن أبا هريرة كان يفعل ذلك بعد أن كان
لا يفعله وهو كان لا يلبس الحرير لا أولا ولا آخرا بخلاف أكله الخمير ولبسه الحبير فإنه صار يفعله
بعد أن كان لا يجده (قوله ولا يخدمني فلان وفلانة) يحتمل أن يكون أبو هريرة هو الذي كنى
وقصد الابهام لإرادة التعظيم والتهويل ويحتمل أن يكون سمى معينا وكنى عنه الراوي وقد
أخرج ابن سعد من طريق أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال ولقد رأيتني وانى لأجير لابن
عفان وبنت غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي أسوق بهم إذا ارتحلوا وأخدمهم إذا نزلوا فقالت
لي يوما لتردن حافيا ولتركبن قائما فزوجنيها الله تعالى فقلت لها لتردن حافية ولتركبن قائمة وسنده
صحيح وهو في آخر حديث أخرجه البخاري والترمذي بدون هذه الزيادة وأخرج ابن سعد
أيضا وابن ماجة من طريق سليم بن حيان سمعت أبي يقول سمعت أبا هريرة يقول نشأت يتيما
وهاجرت مسكينا وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان الحديث (قوله وأستقرئ الرجل الآية وهى
معي) تقدم شرح قصته في ذلك مع عمر في أوائل الأطعمة وقصته في ذلك مع جعفر في كتاب
المناقب (قوله وخير الناس للمساكين جعفر) تقدم شرحه في المناقب ووقع في رواية
الإسماعيلي من الزيادة في هذا الحديث من طريق إبراهيم المخزومي عن سعيد المقبري عن أبي
هريرة وكان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يكنيه أبا المساكين (قلت) وإبراهيم المخزومي هو ابن الفضل ويقال ابن إسحاق المخزومي
مدني ضعيف ليس من شرط هذا الكتاب وقد أوردت هذه الزيادة في المناقب عن الترمذي وهى
من رواية إبراهيم أيضا وأشار إلى ضعف إبراهيم قال ابن المنير مناسبة حديث أبي هريرة للترجمة
أن الحلوى تطلق على الشئ الحلو ولما كانت العكة يكون فيها غالبا العسل وربما جاء مصرحا به
في بعض طرقه ناسب التبويب (قلت) إذا كان ورد في بعض طرقه العسل طابق الترجمة لأنها
مشتملة على ذكر الحلوى والعسل معا فيؤخذ من الحديث أحد ركني الترجمة ولا يشترط أن يشتمل
كل حديث في الباب على جميع ما تضمنته الترجمة بل يكفي التوزيع واطلاق الحلوى على كل
شئ حلو خلاف العرف وقد جزم الخطابي بخلافة كما تقدم فهو المعتمد (قوله فنشتفها) قيده
عياض بالشين المعجمة والفاء ورجح ابن التين أنه بالقاف لان معنى الذي بالفاء أن يشرب ما في الاناء
كما تقدم والمراد هنا أنهم لعقوا ما في العكة بعد أن قطعوها ليتمكنوا من ذلك * (قوله
باب الدباء) ذكر فيه حديث أنس في قصة الخياط من طريق ثمامة عن أنس وقد
تقدم شرحه وضبطه وتقدمت الإشارة إلى موضع شرحه قريبا وأخرج الترمذي والنسائي
وابن ماجة من طريق حكيم بن جابر عن أبيه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته
وعنده هذا الدباء فقلت ما هذا قال القرع وهو الدباء نكثر به طعامنا * (قوله باب
الرجل يتكلف الطعام لاخوانه) قال الكرماني وجه التكلف من حديث الباب أنه حصر
العدد بقوله خامس خمسة ولولا تكلفه لما حصر وسبق إلى نحو ذلك ابن التين وزاد أن التحديد
ينافي البركة ولذلك لما لم يحدد أبو طلحة حصلت في طعامه البركة حتى وسع العدد الكثير (قوله عن أبي
وائل عن أبي مسعود) في رواية أبى أسامة عن الأعمش حدثنا شقيق وهو أبو وائل حدثنا أبو
مسعود وسيأتى بعد اثنين وعشرين بابا وللأعمش فيه شيخ آخر نبهت عليه في أوائل البيوع
484

أخرجه مسلم من طريق زهير وغيره عن أبي سفيان عن جابر مقرونا برواية أبى وائل عن أبي
مسعود وهو عقبة ابن عمرو ووقع في بعض النسخ المتأخرة عن ابن مسعود وهو تصحيف (قوله
كان من الأنصار رجل يقال له أبو شعيب) لم أقف على اسمه وقد تقدم في أوائل البيوع أن ابن نمير
عند أحمد والمحاملي رواه عن الأعمش فقال فيه عن أبي مسعود عن أبي شعيب جعله من مسند أبى
شعيب (قوله وكان له غلام لحام) لم أقف على اسمه وقد تقدم في البيوع من طريق حفص بن
غياث عن الأعمش بلفظ قصاب ومضى تفسيره (قوله فقال اصنع لي طعاما أدعو رسول الله
صلى الله عليه وسلم خامس خمسة) زاد في رواية حفص واجعل لي طعاما يكفي خمسة فانى أريد أن
أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عرفت في وجهه الجوع وفى رواية أبى أسامة اجعل لي
طعيما وفى رواية جرير عن الأعمش عند مسلم اصنع لنا طعاما لخمسة نفر (قوله فدعا النبي صلى
الله عليه وسلم خامس خمسة) في الكلام حذف تقديره فصنع فدعاه وصرح بذلك في رواية أبى
أسامة ووقع في رواية أبى معاوية عن الأعمش عند مسلم والترمذي وساق لفظها فدعاه
وجلساءه الذين معه وكأنهم كانوا أربعة وهو خامسهم يقال خامس أربعة وخامس خمسة بمعنى
قال الله تعالى ثاني اثنين وقال ثالث ثلاثة وفى حديث ابن مسعود رابع أربعة ومعنى خامس
أربعة أي زائد عليهم وخامس خمسة أي أحدهم والأجود نصب خامس على الحال ويجوز الرفع
على تقدير حذف أي وهو خامس أو وأنا خامس والجملة حينئذ حالية (قوله فتبعهم رجل) في
رواية أبى عوانة عن الأعمش في المظالم فاتبعهم وهى بالتشديد بمعنى تبعهم وكذا في رواية جرير
وأبى معاوية وذكرها الداودي بهمزة قطع وتكلف ابن التين في توجيهها ووقع في رواية حفص
ابن غياث فجاء معهم رجل (قوله وهذا رجل تبعنا) في رواية أبى عوانة وجرير اتبعنا بالتشديد وفى
رواية أبى معاوية لم يكن معنا حين دعوتنا (قوله فان شئت أذنت له وان شئت تركته) في رواية
أبى عوانة وان شئت أن يرجع رجع وفى رواية جرير وان شئت رجع وفى رواية أبى معاوية
فإنه اتبعنا ولم يكن معنا حين دعوتنا فان أذنت له دخل (قوله بل أذنت له) في رواية أبى أسامة
لا بل أذنت له وفى رواية جرير لا بل أذنت له يا رسول الله وفى رواية أبى معاوية فقد أذنا له فليدخل
ولم أقف على اسم هذا الرجل في شئ من طرق هذا الحديث ولا على اسم واحد من الربعة وفى
الحديث من الفوائد جواز الاكتساب بصنعة الجزارة واستعمال العبد فيما يطيق من الصنائع
وانتفاعه بكسبه منها وفيه مشروعية الضيافة وتأكد استحبابها لمن غلبت حاجته لذلك وفيه
أن من صنع طعاما لغيره فهو بالخيار بين أن يرسله إليه أو يدعوه إلى منزله وأن من دعا أحدا
استحب أن يدعو معه من يرى من أخصائه وأهل مجالسته وفيه الحكم بالدليل لقوله انى
عرفت في وجهه الجوع وأن الصحابة كانوا يديمون النظر إلى وجهه تبركا به وكان منهم من لا يطيل
النظر في وجهه حياء منه كما صرح به عمرو بن العاص فيما أخرجه مسلم وفيه أنه كان صلى الله
عليه وسلم يجوع أحيانا وفيه إجابة الامام والشريف والكبير دعوة من دونهم وأكلهم طعام
ذي الحرفة غير الرفيعة كالجزار وأن تعاطى مثل تلك الحرفة لا يضع قدر من يتوفى فيها ما يكره
ولا تسقط بمجرد تعاطيها شهادته وأن من صنع طعاما لجماعة فليكن على قدرهم ان لم يقدر على
أكثر ولا ينقص من قدرهم مستندا إلى أن طعام الواحد يكفي الاثنين وفيه أن من دعا قوما
485

متصفين بصفة ثم طرأ عليهم من لم يكن معهم حينئذ أنه لا يدخل في عموم الدعوة وان قال قوم انه
يدخل في الهدية كما تقدم أن جلساء المرء شركاؤه فيما يهدى إليه وأن من تطفل في الدعوة كان
لصاحب الدعوة الاختيار في حرمانه فان دخل بغير اذنه كان له اخراجه وأن من قصد
التطفيل لم يمنع ابتداء لان الرجل تبع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرده لاحتمال أن تطيب نفس
صاحب الدعوة بالاذن له وينبغي أن يكون هذا الحديث أصلا في جواز التطفيل لكن يقيد بمن
احتاج إليه وقد جمع الخطيب في اخبار الطفيليين جزءا فيه عدة فوائد منها أن الطفيلي منسوب
إلى رجل كان يقال له طفيل من بنى عبد الله بن غطفان كثر منه الاتيان إلى الولائم بغير دعوة
فسمى طفيل العرائس فسمى من اتصف بعد بصفته طفيليا وكانت العرب تسميه الوارش بشين
معجمة وتقول لمن يتبع المدعو بغير دعوة ضيفن بنون زائدة قال الكرماني في هذه التسمية مناسبة
اللفظ للمعنى في التبعية من حيث إنه تابع للضيف والنون تابعة للكلمة واستدل به على
منع استتباع المدعو غيره الا إذا علم من الداعي الرضا بذلك وأن الطفيلي يأكل حراما ولنصر
ابن علي الجهضمي في ذلك قصة جرت له مع طفيلي واحتج نصر بحديث ابن عمر رفعه من دخل
بغير دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا وهو حديث ضعيف أخرجه أبو داود واحتج عليه
الطفيلي بأشياء يؤخذ منها تقييد المنع بمن لا يحتاج إلى ذلك ممن يتطفل وبمن يتكره
صاحب الطعام الدخول إليه اما لقلة الشئ أو استثقال الداخل وهو يوافق قول الشافعية
لا يجوز التطفيل الا لمن كان بينه وبين صاحب الدار انبساط وفيه أن المدعو لا يمتنع من الإجابة
إذا امتنع الداعي من الاذن لبعض من صحبه وأما ما أخرجه مسلم من حديث أنس أن فارسيا
كان طيب المرق صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ثم دعاه فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهذه
لعائشة قال لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا فيجاب عنه بأن الدعوة لم تكن لوليمة وانما صنع
الفارسي طعاما بقدر ما يكفي الواحد فخشى ان أذن لعائشة أن لا يكفي النبي صلى الله عليه وسلم
ويحتمل أن يكون الفرق أن عائشة كانت حاضرة عند الدعوة بخلاف الرجل وأيضا فالمستحب
للداعي أن يدعو خواص المدعو معه كما فعل اللحام بخلاف الفارسي فلذلك امتنع من الإجابة
الا أن يدعوها أو علم حاجة عائشة لذلك الطعام بعينه أو أحب أن تأكل معه منه لأنه كان
موصوفا بالجودة ولم يعلم مثله في قصة اللحام وأما قصة أبى طلحة حيث دعا النبي صلى الله عليه
وسلم إلى العصيدة كما تقدم في علامات النبوة فقال لمن معه قوموا فأجاب عنه المازري أنه يحتمل
أن يكون علم رضا أبى طلحة فلم يستأذنه ولم يعلم رضا أبى شعيب فاستأذنه ولان الذي أكله القوم
عند أبي طلحة كان مما خرق الله فيه العادة لنبيه صلى الله عليه وسلم فكان جل ما أكلوه من
البركة التي لا صنيع لأبي طلحة فيها فلم يفتقر إلى استئذانه أو لأنه لم يكن بينه وبين القصاب من
المودة ما بينه وبين أبى طلحة أو لان أبا طلحة صنع الطعام للنبي صلى الله عليه وسلم فتصرف فيه
كيف أراد وأبو شعيب صنعه له ولنفسه ولذلك حدد بعدد معين ليكون ما يفضل عنهم له ولعياله
مثلا واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فاستأذنه لذلك لأنه أخبر بما يصلح نفسه وعياله وفيه
أنه ينبغي لمن استؤذن في مثل ذلك أن يأذن للطارئ كما فعل أبو شعيب وذلك من مكارم الأخلاق
ولعله سمع الحديث الماضي طعام الواحد يكفي الاثنين أو رجا أن يعم الزائد بركة النبي صلى الله
486

عليه وسلم وانما استأذنه النبي صلى الله عليه وسلم تطييبا لنفسه ولعله علم أنه لا يمنع الطارئ
وأما توقف الفارسي في الاذن لعائشة ثلاثا وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من اجابته فأجاب
عياض بأنه لعله انما صنع قدر ما يكفي النبي صلى الله عليه وسلم وحده وعلم حاجته لذلك فلو تبعه
غيره لم يسد حاجته والنبي صلى الله عليه وسلم اعتمد على ما ألف من امداد الله تعالى له بالبركة وما
اعتاده من الايثار على نفسه ومن مكارم الأخلاق مع أهله وكان من شأنه أن لا يراجع بعد ثلاث
فلذلك رجع الفارسي عن المنع وفى قوله صلى الله عليه وسلم انه اتبعنا رجل لم يكن معنا حين
دعوتنا إشارة إلى أنه لو كان معهم حالة الدعوة لم يحتج إلى الاستئذان عليه فيؤخذ منه أن الداعي
لو قال لرسوله ادع فلانا وجلساءه جاز لكل من كان جليسا له أن يحضر معه وإن كان ذلك لا يستحب
أو لا يجب حيث قلنا بوجوبه الا بالتعيين وفيه أنه لا ينبغي أن يظهر الداعي الإجابة وفى نفسه
الكراهة لئلا يطعم ما تكرهه نفسه ولئلا يجمع الرياء والبخل وصفة ذي الوجهين كذا استدل به
عياض وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بأنه ليس في الحديث ما يدل على ذلك بل فيه مطلق
الاستئذان والاذن ولم يكلفه أن يطلع على رضاه بقلبه قال وعلى تقدير أن يكون الداعي يكره
ذلك في نفسه فينبغي له مجاهدة نفسه على دفع تلك الكراهة وما ذكره من أن النفس تكون بذلك
طيبة لا شك أنه أولى لكن ليس في سياق هذه القصة ذلك فكأنه أخذه من غير هذا الحديث
والتعقب عليه واضح لأنه ساقه مساق من يستنبطه من حديث الباب وليس ذلك فيه وفى قوله
صلى الله عليه وسلم اتبعنا رجل فأبهمه ولم يعينه أدب حسن لئلا ينكسر خاطر الرجل ولا بد أن
ينضم إلى هذا أنه اطلع على أن الداعي لا يرده والا فكان يتعين في ثاني الحال فيحصل كسر
خاطره وأيضا ففي رواية لمسلم ان هذا اتبعنا ويجمع بين الروايتين بأنه أبهمه لفظا وعينه إشارة
وفيه نوع رفق به بحسب الطاقة * (تنبيه) * وقع هنا عند أبي ذر عن المستملى وحده قال محمد بن
يوسف وهو الفريابي سمعت محمد إسماعيل هو البخاري يقول إذا كان القوم على المائدة فليس
لهم أن يناولوا من مائدة إلى مائدة أخرى ولكن يناول بعضهم بعضا في تلك المائدة أو يدعوا أي
يتركوا وكأنه استنبط ذلك من استئذان النبي صلى الله عليه وسلم الداعي في الرجل الطارئ ووجه
أخذه منه أن الذين دعوا صار لهم بالدعوة عموم اذن بالتصرف في الطعام المدعو إليه بخلاف من لم
يدع فيتنزل من وضع بين يديه الشئ منزلة من دعى له أو ينزل الشئ الذي وضع بين يدي غيره منزلة
من لم يدع إليه وأغفل من وقفت على كلامه من الشراح التنبيه على ذلك * (قوله باب
من أضاف رجلا وأقبل هو على عمله) أشار بهذه الترجمة إلى أنه لا يتحتم على الداعي ان يأكل مع
المدعو وأورد فيه حديث أنس في قصة الخياط وقد تقدم شرحه مستوفى وقد تعقبه الإسماعيلي
بأن قوله وأقبل على عمله ليس فيه فائدة قال وانما أراد البخاري ايراده من رواية النضر بن شميل
عن ابن عون (قلت) بل لترجمته فائدة ولا مانع من إرادة الفائدتين الاسنادية والمتنية ومع اعتراف
الإسماعيلي بغرابة الحديث من حديث النضر فإنما أخرجه من رواية أزهر عن ابن عون فكأنه
لم يقع له من حديث النضر وقال ابن بطال لا أعلم في اشتراط أكل الداعي مع الضيف الا أنه أبسط
لوجهه وأذهب لاحتشامه فمن فعل فهو أبلغ في قرى الضيف ومن ترك فجائز وقد تقدم في قصة
أضياف أبى بكر انهم امتنعوا أن يأكلوا حتى يأكل معهم وانه أنكر ذلك * (قوله باب
487

المرق) أورد فيه حديث أنس المذكور قبل وهو ظاهر فيما ترجم له قال ابن التين في قصة الخياط
روايات فيما أحضر ففي بعضها قرب مرقا وفى بعضها قديدا وفى أخرى خبز شعير وفى أخرى ثريدا
قال والزيادة من الثقة مقبولة قال الداودي وانما كان ذلك لانهم لم يكونوا يكتبون فربما غفل
الراوي عندما يحدث عن كلمة يعنى ويحفظها غيره من الثقات فيعتمد عليها (قلت) أتم الروايات
ما وقع في هذا الباب عن مالك فقرب خبز شعير ومرقا فيه دباء وقديد فلم يفتها الا ذكر الثريد وفى
خصوص التنصيص على المرق حديث صريح ليس على شرط البخاري أخرجه النسائي
والترمذي وصححه وكذلك ابن حبان عن أبي ذر رفعه فيه وإذا طبخت قدرا فأكثر مرقته
واغرف لجارك منه وعند أحمد والبزار من حديث جابر نحوه وفى الباب عن جابر في حديثه
الطويل في صفة الحج عند مسلم وأصحاب السنن ثم أخذ من كل بدنة بضعة وجعلت في قدر
وطبخت فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى من لحمها وشربا من مرقها * (قوله
باب القديد) ذكر فيه حديث أنس المذكور وهو ظاهر فيه وحديث عائشة ما فعله
الا في عام جاع الناس أراد أن يطعم الغنى الفقير الحديث (قلت) وهو مختصر من حديثها الماضي
في باب ما كان السلف يدخرون وقد تقدم قريبا وأوله سؤال التابعي عن النهى عن الاكل من
لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأجابت بذلك فيعرف منه أن مرجع الضمير في قولها ما فعله إلى النهى
عن ذلك * (قوله باب من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا قال ابن المبارك
لا بأس أن يناول بعضهم بعضا ولا يناول من هذه المائدة إلى مائدة أخرى) تقدم هذا المعنى قريبا
والأثر فيه عن ابن المبارك موصول عنه في كتاب البر والصلة له ثم ذكر فيه حديث أنس في قصة
الخياط وفيه وقال ثمامة عن أنس فجعلت أجمع الدباء بين يديه وصله قبل بابين من طريق ثمامة
وقد تقدم في باب من تتبع حوالي القصعة أن في رواية حميد عن أنس فجعلت أجمعه فأدنيه منه
وهو المطابق للترجمة لأنه لا فرق بين أن يناوله من اناء إلى اناء أو يضم ذلك إليه في نفس الاناء الذي
يأكل منه قال ابن بطال انما جاز أن يناول بعضهم بعضا في مائدة واحدة لان ذلك الطعام قدم لهم
بأعيانهم فلهم أن يأكلوه كله وهم فيه شركاء وقد تقدم الامر بأكل كل واحد مما يليه فمن
ناول صاحبه مما بين يديه فكأنه آثره بنصيبه مع ما له فيه معه من المشاركة وهذا بخلاف من كان
على مائدة أخرى فإنه وإن كان للمناول حق فيما بين يديه لكن لا حق للآخر في تناوله منه إذ
لا شركة له فيه وقد أشار الإسماعيلي إلى أن قصة الخياط لا حجة فيها لجواز المناولة لأنه طعام اتخذ
للنبي صلى الله عليه وسلم وقصد به والذي جمع له الدباء بين يديه خادمه يعنى فلا حجة في ذلك لجواز
مناولة الضيفان بعضهم بعضا مطلقا * (قوله باب القثاء بالرطب) أي أكلهما
معا وقد ترجم له بعد سبعة أبواب الجمع بين اللونين (قوله عن أبيه) هو سعد بن إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف من صغار التابعين وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب من صغار الصحابة
488

(قوله رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء) قال الكرماني في الحديث أكل
الرطب بالقثاء والترجمة بالعكس وأجاب بأن الباء للمصاحبة أو للملاصقة فكل منهما مصاحب
للآخر أو ملاصق (قلت) وقد وقعت الترجمة في رواية النسفي على وفق لفظ الحديث وهو عند مسلم
عن يحيى بن يحيى وعبد الله بن عون جميعا عن إبراهيم بن سعد بسند البخاري فيه بلفظ يأكل
القثاء بالرطب كلفظ الترجمة وكذلك أخرجه الترمذي وسيأتى الكلام على الحديث في باب
الجمع بين اللونين * (قوله باب) كذا هو في رواية الجميع بغير ترجمة وسقط عند
الإسماعيلي فاعترض بأنه ليس فيه للرطب والقثاء ذكر والذي أظنه أنه أراد أن يترجم به للتمر
وحده أو لنوع منه وذكر فيه حديث أبي هريرة قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا فأصابني
سبع تمرات إحداهن حشفة وهو من رواية عباس الجريري عن أبي عثمان النهدي عنه وقد تقدم
قبل بثمانية أبواب ثم ساقه من رواية عاصم الأحول عن أبي عثمان بلفظ فأصابني خمس تمرات
أربع تمر وحشفة قال ابن التين اما أن تكون إحدى الروايتين وهما أو يكون ذلك وقع مرتين
(قلت) الثاني بعيد لاتحاد المخرج وأجاب الكرماني بأن لا منافاة إذ التخصيص بالعدد لا ينفى الزائد
وفيه نظر والا لما كان لذكره فائدة والأولى أن يقال إن القسمة أولا اتفقت خمسا خمسا ثم فضلت
فضلة فقسمت ثنتين ثنتين فذكر أحد الراويين مبتدأ الامر والآخر منتهاه وقد وقع في الحديث
اختلاف أشد من هذا فان الترمذي أخرجه من طريق شعبة عن عباس الجريري بلفظ أصابهم
جوع فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم تمرة تمرة وأخرجه النسائي من هذا الوجه بلفظ قسم
سبع تمرات بين سبعة أنا فيهم وابن ماجة وأحمد من هذا الوجه بلفظ أصابهم جوع وهم سبعة
فأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم سبع تمرات لكل انسان تمرة وهذه الروايات متقاربة المعنى
ومخالفة لرواية حماد بن زيد عن ابن عباس وكأنها رجحت عند البخاري على رواية شعبة فاقتصر
عليها وأيدها برواية عاصم لأنها توافقها من حيثية الزيادة على الواحدة في الجملة (قوله في
الرواية الأولى) تضيفت بضاد معجمة وفاء أي نزلت به ضيفا وقوله سبعا أي سبع ليال (قوله
فكان هو وامرأته) تقدم أنها بسرة بضم الموحدة وسكون المهملة بنت غزوان بفتح الغين المعجمة
وسكون الزاي وهى صحابية أخت عتبة الصحابي الجليل أمير البصرة (قوله وخادمه) لم أقف على
اسمها (قوله يعتقبون) بالقاف أي يتناوبون قيام الليل وقوله أثلاثا أي كل واحد منهم يقوم
ثلث الليل فمن بدأ إذا فرغ من ثلثه أيقظ الآخر (قوله وسمعته يقول) القائل أبو عثمان النهدي
والمسموع أبو هريرة ووقع عند أحمد والإسماعيلي في هذه الرواية بعد قوله ثم يوقظ هذا قلت
يا أبا هريرة كيف تصوم قال أما أنا فأصوم من أول الشهر ثلاثا فان حدث لي حدث كان لي أجر
شهر قال وسمعته يقول قسم وكأن البخاري حذف هذه الزيادة لكونها موقوفة وقد أخرج بهذا
الاسناد في الصلاة التحريض على صيام ثلاثة أيام من كل شهر مرفوعا وأخرجه في الصيام من
وجه آخر عن أبي عثمان وهو السبب في سؤال أبى عثمان أبا هريرة عن كيفية صومه يعنى من
أي الشهر تصوم الثلاث المذكورة وقد سبق بيان ذلك في كتاب الصيام (قوله إحداهن
حشفة) زاد في الرواية الماضية فلم يكن فيهن تمرة أعجب إلى منها الحديث وقد تقدم شرحه هناك
(قوله في الرواية الثانية أربع تمر) بالرفع والتنوين فيهما وهو واضح وفى رواية أربع تمرة بزيادة
489

هاء في آخره أي كل واحدة من الأربع تمرة قال الكرماني فان وقع بالإضافة والجر فشاذ على
خلاف القياس وانما جاء في مثل ثلاثمائة وأربعمائة (قوله وحشفة) بمهملة ثم معجمة مفتوحتين
ثم فاء أي رديئة والحشف ردئ التمر وذلك أن تيبس الرطبة في النخلة قبل أن ينتهى طيبها وقيل
لها حشفة ليبسها وقيل مراده صلبة قال عياض فعلى هذا فهو بسكون الشين (قلت) بل
الثابت في الروايات بالتحريك ولا منافاة بين كونها رديئة وصلبة * (تنبيه) * أخرج الإسماعيلي
طريق عاصم من حديث أبي يعلى عن محمد بن بكار عن إسماعيل بن زكريا بسند البخاري فيه وزاد
في آخره قال أبو هريرة ان أبخل الناس من بخل بالسلام وأعجز الناس من عجز عن الدعاء وهذا
موقوف صحيح عن أبي هريرة وكأن البخاري حذفه لكونه موقوفا ولعدم تعلقه بالباب وقد روى
مرفوعا والله أعلم * (قوله باب الرطب والتمر) كذا للجميع فيما وقفت عليه
الا ابن بطال ففيه باب الرطب بالتمر وقع فيه بموحدة بدل الواو ووقع لعياض في باب ح ل أن
في البخاري باب أكل التمر بالرطب وليس في حديثي الباب ما يدل لذلك أصلا (قوله وقول الله
تعالى وهزي إليك بجذع النخلة الآية) وروى عبد بن حميد من طريق شقيق بن سلمة قال لو علم الله
أن شيئا للنفساء خير من الرطب لأمر مريم به ومن طريق عمرو بن ميمون قال ليس للنفساء خير
من الرطب أو التمر ومن طريق الربيع بن خيثم قال ليس للنفساء مثل الرطب ولا للمريض مثل
العسل أسانيدها صحيحة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو يعلى من حديث على رفعه قال أطعموا
نفساءكم الولد الرطب فإن لم يكن رطب فتمر وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت
تحتها مريم وفى اسناده ضعف وقد قرأ الجمهور تساقط بتشديد السين وأصله تتساقط وقراءة حمزة
وهى رواية عن أبي عمرو التخفيف على حذف إحدى التاءين وفيها قراآت أخرى في الشواذ
ثم ذكر فيه حديثين * الأول حديث عائشة (قوله وقال محمد بن يوسف) هو الفريابي شيخ
البخاري وسفيان هو الثوري وقد تقدم الحديث وشرحه في أوائل الأطعمة من طريق أخرى
عن منصور وهو ابن عبد الرحمن بن طلحة العبدري ثم الشيبي الحجبي وأمه هي صفية بنت شيبة من
صغار الصحابة وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق ومن رواية ابن مهدي كلاهما عن سفيان
الثوري مثله وأخرجه مسلم من رواية أبى أحمد الزبيري عن سفيان بلفظ وما شبعنا والصواب
رواية الجماعة فقد أخرجه أحمد ومسلم أيضا من طريق داود بن عبد الرحمن عن منصور بلفظ حين
شبع الناس واطلاق الأسود على الماء من باب التغليب وكذا اطلاق الشبع موضع الري
والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فتسميهما معا باسم الأشهر منهما وأما التسوية بين الماء
والتمر مع أن الماء كان عندهم متيسرا لان الري منه لا يحصل بدون الشبع من الطعام لمضرة
شرب الماء صرفا بغير أكل لكنها قرنت بينهما لعدم التمتع بأحدهما إذا فات ذلك من الآخر ثم
عبرت عن الامرين الشبع والري بفعل أحدهما كما عبرت عن التمر والماء بوصف أحدهما وقد
تقدم شئ من هذا في باب من أكل حتى شبع * الثاني حديث جابر (قوله أبو غسان) هو محمد بن
مطرف وأبو حازم هو سلمة بن دينار (قوله عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة)
هو المخزومي واسم أبى ربيعة عمرو ويقال حذيفة وكان يلقب ذا الرمحين وعبد الله بن أبي ربيعة
من مسلمة الفتح وولى الجند من بلاد اليمن لعمر فلم يزل بها إلى أن جاء سنة حصر عثمان لينصره
490

فسقط عن راحلته فمات ولإبراهيم عنه رواية في النسائي قال أبو حاتم انها مرسلة وليس
لإبراهيم في البخاري سوى هذا الحديث وأمه أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وله رواية عن أمه
وخالته عائشة (قوله كان بالمدينة يهودي) لم أقف على اسمه (قوله وكان يسلفني في تمرى إلى
الجذاذ) بكسر الجيم ويجوز فتحها والذال معجمة ويجوز اهمالها أي زمن قطع تمر النخل وهو
الصرام وقد استشكل الإسماعيلي ذلك وأشار إلى شذوذ هذه الرواية فقال هذه القصة
يعنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في النخل بالبركة رواها الثقات المعروفون فيما كان على والد
جابر من الدين وكذا قال ابن التين الذي في أكثر الأحاديث ان الدين كان على والد جابر قال
الإسماعيلي والسلف إلى الجداد مما لا يجيزه البخاري وغيره وفى هذا الاسناد نظر (قلت)
ليس في الاسناد من ينظر في حاله سوى إبراهيم وقد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين وروى
عنه أيضا ولده إسماعيل والزهري واما ابن القطان فقال لا يعرف حاله واما السلف إلى الجداد
فيعارضه الامر بالسلم إلى أجل معلوم فيحمل على أنه وقع في الاقتصار على الجداد اختصار
وان الوقت كان في أصل العقد معينا واما الشذوذ الذي أشار إليه فيندفع بالتعدد فان في
السياق اختلافا ظاهرا فهو محمول على أنه صلى الله عليه وسلم برك في النخل المخلف عن والد جابر
حتى وفى ما كان على أبيه من التمر كما تقدم بيان طرقه واختلاف ألفاظه في علامات النبوة ثم برك
أيضا في النخل المختص بجابر فيما كان عليه هو من الدين والله أعلم (قوله وكانت لجابر الأرض
التي بطريق رومة) فيه التفات أو هو مدرج من كلام الراوي لكن يرده ويعضد الأول ان في
رواية أبى نعيم في المستخرج من طريق الرمادي عن سعيد بن أبي مريم شيخ البخاري فيه وكانت
لي الأرض التي بطريق رومة ورومة بضم الراء وسكون الواو هي البئر التي اشتراها عثمان رضي الله عنه
وسبلها وهى في نفس المدينة وقد قيل إن رومة رجل من بنى غفار كانت له البئر قبل أن
يشتريها عثمان نسبت إليه ونقل الكرماني أن في بعض الروايات دومة بدال بدل الراء قال ولعلها
دومة الجندل (قلت) وهو باطل فان دومة الجندل لم تكن إذ ذاك فتحت حتى يمكن أن يكون
لجابر فيها أرض وأيضا ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى إلى أرض جابر وأطعمه من
رطبها ونام فيها وقام فبرك فيها حتى أوفاه فلو كانت بطريق دومة الجندل لاحتاج إلى السفر لان
بين دومة الجندل وبين المدينة عشر مراحل كما بينه أبو عبيد البكري وقد أشار صاحب المطالع
إلى أن دومة هذه هي بئر رومة التي اشتراها عثمان وسبلها وهى داخل المدينة فكأن أرض جابر
كانت بين المسجد النبوي ورومة (قوله فجلست فخلا عاما) قال عياض كذا للقابسي وأبي ذر
وأكثر الرواة الجيم واللام قال وكان أبو مروان بن سراج يصوب هذه الرواية الا أنه يضبطها
فجلست أي بسكون السين وضم التاء على انها مخاطبة جابر وتفسيره أي تأخرت عن القضاء فخلا
بفاء وخاء معجمة ولام مشددة من التخلية أو مخففة من الخلو أي تأخر السلف عاما قال عياض
لكن ذكر الأرض أول الحديث يدل على أن الخبر عن الأرض لا عن نفسه انتهى فاقتضى ذلك أن
ضبط الرواية عند عياض بفتح السين المهملة وسكون التاء والضمير للأرض وبعده نخلا بنون ثم
معجمة ساكنة أي تأخرت الأرض عن الأثمار من جهة النخل قال ووقع للأصيلي فحبست بحاء
مهملة ثم موحدة وعند أبى الهيثم فخاست بعد الخاء المعجمة ألف أي خالفت معهودها وحملها
491

يقال خاس عهده إذا خانه أو تغير عن عادته وخاس الشئ إذا تغير قال وهذه الرواية أثبتها (قلت)
وحكى غيره خنست بخاء معجمة ثم نون أي تأخرت ووقع في رواية أبى نعيم في المستخرج بهذه
الصورة فما أدرى بحاء مهملة ثم موحدة أو بمعجمة ثم نون وفى رواية الإسماعيلي فخنست على
عاما وأظنها بمعجمة ثم سين مهملة ثقيلة وبعدها على بفتحتين وتشديد التحتانية فكأن الذي وقع في
الأصل بصورة نخلا وكذا فخلا تصحيف من هذه اللفظة وهى على كتب الياء بألف ثم حرف العين
والعلم عند الله ووقع في رواية أبي ذر عن المستملى قال محمد بن يوسف هو الفربري قال أبو جعفر
محمد بن أبي حاتم وراق البخاري قال محمد بن إسماعيل وهو البخاري فحلا ليس عندي مقيدا أي
مضبوطا ثم قال فخلا ليس فيه شك (قلت) وقد تقدم توجيهه لكني وجدته في النسخة بجيم
وبالخاء المعجمة أظهر (قوله ولم أجد) بفتح الهمزة وكسر الجيم وتشديد الدال (قوله أستنظره) أي استمهله (إلى قابل) أي إلى عام ثان (قوله فأخبر) بضم الهمزة وكسر الموحدة وفتح الراء على
الفعل الماضي المبنى للمجهول ويحتمل أن يكون بضم الراء على صيغة المضارعة والفاعل جابر
وذكره كذلك مبالغة في استحضار صورة الحال ووقع في رواية أبى نعيم في المستخرج فأخبرت
(قوله فيقول أبا القاسم لا أنظره) كذا فيه بحذف أداة النداء (قوله أين عريشك) أي المكان
الذي اتخذته في البستان لتستظل به وتقيل فيه وسيأتى الكلام عليه في آخر الحديث (قوله
فجئته بقبضة أخرى) أي من رطب (قوله فقام في الرطاب في النخل الثانية) أي المرة الثانية
وفى رواية أبى نعيم فقام فطاف بدل قوله في الرطاب (قوله ثم قال يا جابر جذ) فعل أمر بالجذاذ
(واقض) أي أوف (قوله فقال أشهد أنى رسول الله) قال ذلك صلى الله عليه وسلم لما فيه من
خرق العادة الظاهر من ايفاء الكثير من القليل الذي لم يكن يظن أنه يوفى منه البعض فضلا عن
الكل فضلا عن أن تفضل فضلة فضلا عن أن يفضل قدر الذي كان عليه من الدين (قوله عرش
وعريش بناء وقال ابن عباس معروشات ما يعرش من الكرم وغير ذلك يقال عروشها أبنيتها)
ثبت هذا في رواية المستملى والنقل عن ابن عباس في ذلك تقدم موصولا في أول سورة الأنعام
وفيه النقل عن غيره بأن المعروش من الكرم ما يقوم على ساق وغير المعروش ما يبسط على وجه
الأرض وقوله عرش وعريش بناء هو تفسير أبى عبيدة وقد تقدم نقله عنه في تفسير الأعراف
وقوله عروشها أبنيتها هو تفسير قوله خاوية على عروشها وهو تفسير أبى عبيدة أيضا والمراد هنا
تفسير عرش جابر الذي رقد النبي صلى الله عليه وسلم فالأكثر على أن المراد به ما يستظل به
وقيل المراد به السرير قال ابن التين في الحديث أنهم كانوا لا يخلون من دين لقلة الشئ إذ ذاك
عندهم وان الاستعاذة من الدين أريد بها الكثير منه أو ما لا يجد له وفاء ومن ثم مات النبي صلى الله
عليه وسلم ودرعه مرهونة على شعير أخذه لأهله وفيه زيارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ودخول
البساتين والقيلولة فيها والاستظلال بظلالها والشافعة في انظار الواجد غير العين التي استحقت
عليه ليكون أرفق به * (قوله باب أكل الجمار) بضم الجيم وتشديد الميم ذكر فيه
492

حديث ابن عمر في النخلة وقد تقدم شرحه في كتاب العلم مستوفى وتقدم الكلام على خصوص
الترجمة بأكل الجمار في كتاب البيوع (قوله باب العجوة) بفتح العين المهملة وسكون
الجيم نوع من التمر معروف (قوله حدثنا جمعة) بضم الجيم وسكون الميم (ابن عبد الله) أي ابن
زياد بن شداد السلمي أبو بكر البلخي يقال إن اسمه يحيى وجمعه لقبه ويقال له أيضا أبو خاقان كان من
أئمة الرأي أولا ثم صار من أئمة الحديث قاله ابن حبان في الثقات ومات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين
وما له في البخاري بل ولا في الكتب الستة سوى هذا الحديث وسيأتى شرح حديث العجوة في كتاب
الطب إن شاء الله تعالى وقوله هنا من تصبح كل يوم سبع تمرات وقع في نسخة الصغاني بزيادة
الباء في أوله فقال بسبع * (قوله باب القرآن) بكسر القاف وتخفيف الراء أي
ضم تمرة إلى تمرة لمن أكل مع جماعة (قوله جبلة) بفتح الجيم والموحدة الخفيفة (قوله ابن سحيم)
بمهملتين مصغر كوفي تابعي ثقة ما له في البخاري عن غير ابن عمر رضي الله عنهما شئ (قوله أصابنا
عام سنة) بالإضافة أي عام قحط وقع في رواية أبى داود الطيالسي في مسنده عن شعبة أصابتنا
مخمصة (قوله مع ابن الزبير) يعنى عبد الله لما كان خليفة وتقدم في المظالم من وجه آخر عن شعبة
بلفظ كنا بالمدينة في بعض أهل العراق (قوله فرزقنا تمرا) أي أعطانا في أرزاقنا تمرا وهو القدر الذي
يصرف لهم في كل سنة من مال الخراج وغيره بدل النقد تمرا لقلة النقد إذ ذاك بسبب المجاعة التي
حصلت (قوله ويقول لا تقارنوا) في رواية أبى الوليد في الشركة فيقول لا تقرنوا وكذا لأبي داود
الطيالسي في مسنده (قوله عن الاقران) كذا لأكثر الرواة وقد أوضحت في كتاب الحج أن اللغة
الفصحى بغير ألف وقد أخرجه أبو داود الطيالسي بلفظ القرآن وكذلك قال أحمد عن حجاج بن
محمد عن شعبة وقال عن محمد بن جعفر عن شعبة الاقران قال القرطبي ووقع عند جميع رواة مسلم
الاقران وفى ترجمة أبى داود باب الاقران في التمر وليست هذه اللفظة معروفة وأقرن من الرباعي
وقرن من الثلاثي وهو الصواب قال الفراء قرن بين الحج والعمرة ولا يقال أقرن وانما يقال أقرن
لما قوى عليه وأطاقه ومنه قوله تعالى وما كنا له مقرنين قال لكن جاء في اللغة أقرن الدم في
العرق أي كثر فيحمل حمل الاقران في الخبر على ذلك فيكون معناه أنه نهى عن الاكثار من أكل
التمر إذا كان مع غيره ويرجع معناه إلى القرآن المذكور (قلت) لكن يصير أعم منه والحق
أن هذه اللفظة من اختلاف الرواة وقد ميز أحمد بين من رواه بلفظ أقرن وبلفظ قرن من أصحاب
شعبة وكذا قال الطيالسي عن شعبة القران ووقع في رواية الشيباني الاقران وفى رواية مسعر
القران (قوله ثم يقول الا أن يستأذن الرجل أخاه) أي فإذا أذن له في ذلك جاز والمراد بالأخ رفيقه
الذي اشترك معه في ذلك التمر (قوله قال شعبة الاذن من قول ابن عمر) هو موصول بالسند الذي
قبله وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة مدرجا وكذا تقدم في الشركة عن أبي
الوليد وللإسماعيلي وأصله لمسلم كذلك عن معاذ بن معاذ وكذا أخرجه أحمد عن يزيد وبهز
وغيرهما عن شعبة وتابع آدم على فصل الموقوف من المرفوع شبابة بن سوار عن شعبة أخرجه
الخطيب من طريقه مثل ما ساقه آدم إلى قوله الاقران قال ابن عمر الا أن يستأذن الرجل منكم
أخاه وكذا قال عاصم بن علي عن شعبة أرى الاذن من قول ابن عمر أخرجه الخطيب وقد فصله
أيضا عن شعبة سعيد بن عامر الضبعي فقال في روايته قال شعبة الا أن يستأذن أحدكم أخاه هو
493

من قول ابن عمر أخرجه الخطيب أيضا الا أن سعيدا أخطأ في اسم التابعي فقال عن شعبة عن
عبد الله بن دينار عن ابن عمر والمحفوظ جبلة بن سحيم كما قال الجماعة والحاصل أن أصحاب شعبة
اختلفوا فأكثرهم رواه عنه مدرجا وطائفة منهم رووا عنه التردد في كون هذه الزيادة مرفوعة
أو موقوفة وشبابة فصل عنه وآدم جزم عنه بان الزيادة من قول ابن عمر وتابعه سعيد بن عامر الا أنه
خالف في التابعي فلما اختلفوا على شعبة وتعارض جزمه وتردده وكان الذي رووا عنه التردد أكثر
نظرنا فيمن رواه غيره من التابعين فرأيناه قد ورد عن سفيان الثوري وابن اسحق الشيباني
ومسعر وزيد بن أبي أنيسة فاما الثوري فتقدمت روايته في الشركة ولفظه نهى أن يقرن
الرجل بين التمرتين جميعا حتى يستأذن أصحابه وهذا ظاهره الرفع مع احتمال الادراج وأما
رواية الشيباني فأخرجها أحمد وأبو داود بلفظ نهى عن الاقران الا أن تستأذن أصحابك والقول
فيها كالقول في رواية الثوري وأما رواية زيد بن أبي أنيسة فاخرجها ابن حبان في النوع
الثامن والخمسين من القسم الثاني من صحيحه بلفظ من أكل مع قوم من تمر فلا يقرن فان أراد أن
يفعل ذلك فليستأذنهم فان أذنوا فليفعل وهذا أظهر في الرفع مع احتمال الادراج أيضا ثم نظرنا
فيمن رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير ابن عمر فوجدناه عن أبي هريرة وسياقه يقتضى أن
الامر بالاستئذان مرفوع وذلك أن اسحق في مسنده ومن طريقه ابن حبان أخرجا من
طريق الشعبي عن أبي هريرة قال كنت في أصحاب الصفة فبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم تمر عجوة فكب بيننا فكنا نأكل الثنتين من الجوع فجعل أصحابنا إذا قرن أحدهم قال صاحبه
انى قد قرنت فأقرنوا وهذا الفعل منهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دال على أنه كان مشروعا
لهم معروفا وقول الصحابي كنا نفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كذا له حكم الرفع عند
الجمهور وأصرح منه ما أخرجه البزار من هذا الوجه ولفظه قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
تمرا بين أصحابه فكان بعضهم يقرن فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن الا بإذن أصحابه
فالذي ترجح عندي أن لا ادراج فيه وقد اعتمد البخاري هذه الزيادة وترجم عليها في كتاب المظالم وفى
الشركة ولا يلزم من كون ابن عمر ذكر الاذن مرة غير مرفوع أن لا يكون مستنده فيه الرفع وقد
ورد أنه استفتى في ذلك فأفتى والمفتى قد لا ينشط في فتواه إلى بيان المستند فأخرج النسائي من
طريق مسعر عن صلة قال سئل ابن عمر عن قران التمر قال لا تقرن الا أن تستأذن أصحابك فيحمل
على أنه لما حدث بالقصة ذكرها كلها مرفوعة ولما استفتى أفتى بالحكم الذي حفظه على وقفه
ولم يصرح حينئذ برفعه والله أعلم وقد اختلف في حكم المسئلة قال النووي اختلفوا في هذا
النهى هل هو على التحريم أو الكراهة والصواب التفصيل فإن كان الطعام مشتركا بينهم فالقران
حرام الا برضاهم ويحصل بتصريحهم أو بما يقوم مقامه من قرينة حال بحيث يغلب على الظن
ذلك فإن كان الطعام لغيرهم حرم وإن كان لأحدهم وأذن لهم في الاكل اشترط رضاه ويحرم لغيره
ويجوز له هو الا أنه يستحب أن يستأذن الآكلين معه وحسن للمضيف أن لا يقرن ليساوى
ضيفه الا إن كان الشئ كثيرا يفضل عنهم مع أن الأدب في الاكل مطلقا ترك ما يقتضى الشره
الا أن يكون مستعجلا يريد الاسراع لشغل آخر وذكر الخطابي أن شرط هذا الاستئذان انما
كان في زمنهم حيث كانوا في قلة من الشئ فأما اليوم مع اتساع الحال فلا يحتاج إلى استئذان
494

وتعقبه النووي بان الصواب التفصيل لان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كيف وهو
غير ثابت (قلت) حديث أبي هريرة الذي قدمته يرشد إليه وهو قوى وقصة ابن الزبير في حديث
الباب كذلك وقال ابن الأثير في النهاية انما وقع النهى عن القرآن لان فيه شرها وذلك يزرى
بصاحبه أو لان فيه غبنا برفيقه وقيل انما نهى عنه لما كانوا فيه من شدة العيش وقلة الشئ
وكانوا مع ذلك يواسون من القليل وإذا اجتمعوا ربما آثر بعضهم بعضا وقد يكون فيهم من اشتد
جوعه حتى يحمله ذلك على القرن بين التمرتين أو تعظيم اللقمة فارشدهم إلى الاستئذان في ذلك
تطييبا لنفوس الباقين وأما قصة جبلة بن سحيم فظاهرها أنها من أجل الغبن ولكون ملكهم
فيه سواء وروى نحوه عن أبي هريرة في أصحاب الصفة انتهى وقد أخرج ابن شاهين في الناسخ
والمنسوخ وهو في مسند البزار من طريق ابن بريدة عن أبيه رفعه كنت نهيتكم عن القرآن في
التمر وان الله وسع عليكم فأقرنوا فلعل النووي أشار إلى هذا الحديث فان في اسناده ضعفا قال
الحازمي حديث النهى أصح وأشهر الا أن الخطب فيه يسير لأنه ليس من باب العبادات وانما هو
من قبيل المصالح الدنيوية فيكتفى فيه بمثل ذلك ويعضده اجماع الأمة على جواز ذلك كذا قال
ومراده بالجواز في حال كون الشخص مالكا لذلك المأكول ولو بطريق الاذن له فيه كما قرره
النووي والا فلم يجز أحد من العلماء أن يستأثر أحد بمال غيره بغير أذنه حتى لو قامت قرينة تدل
على أن الذي وضع الطعام بين الضيفان لا يرضيه استئثار بعضهم على بعض حرم الاستئثار جزما
وانما تقع المكارمة في ذلك إذا قامت قرينة الرضا وذكر أبو موسى المديني في ذيل الغريبين عن
عائشة وجابر استقباح القرآن لما فيه من الشره والطمع المزري بصاحبه وقال مالك ليس بجميل
أن يأكل أكثر من رفقته * (تنبيه) * في معنى التمر الرطب وكذا الزبيب والعنب ونحوهما
لوضوح العلة الجامعة قال القرطبي حمل أهل الظاهر هذا النهى على التحريم وهو سهو منهم
وجهل بمساق الحديث وبالمعنى وحمله الجمهور على حال المشاركة في الاكل والاجتماع عليه بدليل
فهم ابن عمر راويه وهو أفهم للمقال وأقعد بالحال وقد اختلف العلماء فيمن يوضع الطعام بين يديه
متى يملكه فقيل بالوضع وقيل بالرفع إلى فيه وقيل غير ذلك فعلى الأول فملكهم فيه سواء فلا يجوز
أن يقرن الا بأذن الباقين وعلى الثاني يجوز أن يقرن لكن التفصيل الذي تقدم هو الذي تقتضيه
القواعد الفقهية نعم ما يوضع بين يدي الضيفان وكذلك النثار في الأعراس سبيله في العرف سبيل
المكارمة لا التشاح لاختلاف الناس في مقدار الاكل وفى الاحتياج إلى التناول من الشئ ولو
حمل الامر على تساوى السهمان بينهم لضاق الامر على الواضع والموضوع له ولما ساغ لمن
لا يكفيه اليسير أن يتناول أكثر من نصيب من يشبعه اليسير ولما لم يتشاح الناس في ذلك وجرى
عملهم على المسامحة فيه عرف أن الامر في ذلك ليس على الاطلاق في كل حالة والله أعلم
* (قوله باب القثاء) يأتي شرح حديثه في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى * (قوله
باب بركة النخلة) ذكر فيه حديث ابن عمر مختصرا وقد تقدم التنبيه عليه قريبا وانه
مر شرحه مستوفى في كتاب العلم * (قوله باب جمع اللونين أو الطعامين بمرة) أي
في حالة واحدة ورأيت في بعض الشروح بمرة مرة ولم أر التكرار في الأصول ولعل البخاري لمح إلى
تضعيف حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى باناء أو بقعب فيه لبن وعسل فقال أدمان
495

في اناء لا آكله ولا أحرمه أخرجه الطبراني وفيه راو مجهول (قوله عبد الله) هو ابن المبارك
وقد تقدم اخراج البخاري لهذا الحديث قبل هذا الباب سواء وكذا فيما قبله بأبواب بأعلى من
هذا درجة والسبب في ذلك أن مداره على إبراهيم بن سعد قال الترمذي صحيح غريب لا نعرفه
الا من حديثه (قوله يأكل الرطب بالقثاء) وقع في رواية الطبراني كيفية اكله لهما فاخرج
في الأوسط من حديث عبد الله بن جعفر قال رأيت في يمين النبي صلى الله عليه وسلم قثاء وفى شماله
رطبا وهو يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة وفى سنده ضعف وأخرج فيه وهو في الطب لأبي نعيم من
حديث أنس كان يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره فيأكل الرطب بالبطيخ وكان أحب
الفاكهة إليه وسنده ضعيف أيضا وأخرج النسائي بسند صحيح عن حميد عن أنس رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرطب والخربز وهو بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وكسر
الموحدة بعدها زاي نوع من البطيخ الأصفر وقد تكبر القثاء فتصفر من شدة الحر فتصير كالخربز
كما شاهدته كذلك بالحجاز وفى هذا تعقب على من زعم أن المراد بالبطيخ في الحديث الأخضر واعتل
بأن في الأصفر حرارة كما في الرطب وقد ورد التعليل بان أحدهما يطفئ حرارة الآخر والجواب
عن ذلك بان في الأصفر بالنسبة للرطب برودة وإن كان فيه لحلاوته طرف حرارة والله أعلم وفى
النسائي أيضا بسند صحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل البطيخ بالرطب وفى رواية
له جمع بين البطيخ والرطب جميعا وأخرج ابن ماجة عن عائشة أرادت أمي تعالجني للسمنة
لتدخلني على النبي صلى الله عليه وسلم فما استقام لها ذلك حتى أكلت الرطب بالقثاء فسمنت
كأحسن سمنة وللنسائي من حديثها لما تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم عالجوني بغير شئ
فاطعموني القثاء بالتمر فسمنت عليه كأحسن الشحم وعند أبى نعيم في الطب من وجه آخر عن
عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبويها بذلك ولابن ماجة من حديث ابني بسر ان النبي
صلى الله عليه وسلم كان يحب الزبد والتمر الحديث ولأحمد من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه
قال دخلت على رجل وهو يتمجع لبنا بتمر فقال ادن فان رسول الله صلى الله عليه وسلم سماهما
الأطيبين واسناده قوى قال النووي في حديث الباب جواز أكل الشيئين من الفاكهة
وغيرها معا وجواز أكل طعامين معا ويؤخذ منه جواز التوسع في المطاعم ولا خلاف
بين العلماء في جواز ذلك وما نقل عن السلف من خلاف هذا محمول على الكراهة منعا لاعتياد
التوسع والترفة والاكثار لغير مصلحة دينية وقال القرطبي يؤخذ منه جواز مراعاة صفات
الأطعمة وطبائعها واستعمالها على الوجه اللائق بها على قاعدة الطب لان في الرطب حرارة
وفى القثاء برودة فإذا أكلا معا اعتدلا وهذا أصل كبير في المركبات من الأدوية وترجم أبو نعيم
في الطب باب الأشياء التي تؤكل مع الرطب ليذهب ضرره فساق هذا الحديث لكن لم يذكر
الزيادة التي ترجم بها وهى عند أبي داود في حديث عائشة بلفظ كان يأكل البطيخ بالرطب فيقول
يكسر حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بحر هذا والطبيخ بتقديم الطاء لغة في البطيخ بوزنه والمراد به
الأصفر بدليل ورود الحديث بلفظ الخربز بدل البطيخ وكان يكثر وجوده بأرض الحجاز بخلاف
البطيخ الأخضر * (تنبيه) * سقطت هذه الترجمة وحديثها من رواية النسفي ولم يذكرهما
الإسماعيلي أيضا * (قوله باب من أدخل الضيفان عشرة عشرة والجلوس
على الطعام عشرة عشرة) أي إذا احتيج إلى ذلك لضيق الطعام أو مكان الجلوس عليه
496

(قوله عن الجعد أبى عثمان عن أنس وعن هشام عن محمد عن أنس وعن سنان أبى ربيعة عن
أنس) هذه الأسانيد الثلاثة لحماد بن زيد وهشام هو ابن حسان ومحمد هو ابن سيرين وسنان
أبو ربيعة قال عياض وقع في رواية ابن السكن سنان بن أبي ربيعة وهو خطأ وانما هو سنان
أبو ربيعة وأبو ربيعة كنيته (قلت) الخطأ فيه ممن دون ابن السكن وسنان هو ابن ربيعة وهو
أبو ربيعة وافقت كنيته اسم أبيه وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وهو مقرون بغيره
وقد تكلم فيه ابن معين وأبو حاتم وقال ابن عدي له أحاديث قليلة وأرجو أنه لا بأس به (قوله
جشته) بجيم وشين معجمة أي جعلته جشيشا والجشيش دقيق غير ناعم (قوله خطيفة) بخاء
معجمة وطاء مهملة وزن عصيدة ومعناه كذا تقدم الجزم به في علامات النبوة وقيل أصله أن
يؤخذ لبن ويدر عليه دقيق ويطبخ ويلعقها الناس فيخطفونها بالأصابع والملاعق فسميت بذلك
وهى فعيلة بمعنى مفعولة وقد تقدم شرح هذه القصة مستوفى في علامات النبوة وسياق الحديث
هناك أتم مما هنا وقوله في هذه الرواية انما هو شئ صنعته أم سليم أي هو شئ قليل لان الذي
يتولى صنعته امرأة بمفردها لا يكون كثيرا في العادة وقد قدمت في علامات النبوة أن في بعض
روايات مسلم ما يدل على أن في سياق الباب هنا اختصارا مثل قوله في رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي
طلحة عن أنس فقال أبو طلحة يا رسول الله انما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ولم يكن عندنا
ما يشبع من أرى وفى رواية عمرو بن عبد الله عن أنس فقال أبو طلحة انما هو قرص فقال إن الله
سيبارك فيه قال ابن بطال الاجتماع على الطعام من أسباب البركة وقد روى أبو داود من حديث
وحشى بن حرب رفعه اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم قال وانما أدخلهم
عشرة عشرة والله أعلم لأنها كانت قصعة واحدة ولا يمكن الجماعة الكثيرة ان يقدروا على
التناول منها مع قلة الطعام فجعلهم عشرة عشرة ليتمكنوا من الاكل ولا يزدحموا قال وليس في
الحديث المنع عن اجتماع أكثر من عشرة على الطعام * (قوله باب ما يكره من
الثوم والبقول) أي التي لها رائحة كريهة وهل النهى عن دخول المسجد لآكلها على التعميم
أو على من أكل النئ منها دون المطبوخ وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الصلاة ثم ذكر المصنف ثلاثة
أحاديث * أحدها (قوله فيه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) تقدم في أواخر صفة الصلاة
قبيل كتاب الجمعة من رواية نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر من
أكل من هذه الشجرة يعنى الثوم فلا يقربن مسجدنا ووقع لنا سبب هذا الحديث فأخرج عثمان
ابن سعيد الدارمي في كتاب الأطعمة من رواية أبى عمرو هو بشر بن حرب عنه قال جاء قوم مجلس
النبي صلى الله عليه وسلم وقد أكلوا الثوم والبصل فكأنه تأذى بذلك فقال فذكره * ثانيها حديث
أنس أورده عن مسدد وتقدم في الصلاة عن أبي معمر كلاهما عن عبد الوارث وهو ابن سعيد
عن عبد العزيز هو ابن صهيب * ثالثها حديث جابر وقد تقدم أيضا هناك موصولا ومعلقا وفيه
ذكر البقول ولكنه اختصره هنا وقوله كل فانى أناجي من لا تناجى فيه اباحته لغيره صلى الله
عليه وسلم حيث لا يتأذى به المصلون جمعا بين الأحاديث واختلف في حقه هو صلى الله عليه وسلم
فقيل كان ذلك محرما عليه والأصح أنه مكروه لعموم قوله لا في جواب أحرام هو وحجة الأول أن
العلة في المنع ملازمة الملك له صلى الله عليه وسلم وأنه ما من ساعة الا وملك يمكن أن يلقاه فيها وفى
497

هذه الأحاديث بيان جواز أكل الثوم والبصل والكراث الا أن من أكلها يكره له حضور المسجد
وقد ألحق بها الفقهاء ما في معناها من البقول الكريهة الرائحة كالفجل وقد ورد فيه حديث في
الطبراني وقيده عياض بمن يتجشى منه وألحق به بعض الشافعية الشديد البخر ومن به جراحة
تفوح رائحتها واختلف في الكراهية فالجمهور على التنزيه وعن الظاهرية التحريم وأغرب
عياض فنقل عن أهل الظاهر تحريم تناول هذه الأشياء مطلقا لأنها تمنع حضور الجماعة والجماعة
فرض عين ولكن صرح ابن حزم بالجواز ثم يحرم على من يتعاطى ذلك حضور المسجد وهو أعلم
بمذهبه من غيره * (قوله باب الكباث) بفتح الكاف وتخفيف الموحدة وبعد الألف
مثلثة (قوله وهو ورق الأراك) كذا وقع في رواية أبي ذر عن مشايخه وقال كذا في الرواية
والصواب تمر الأراك انتهى ووقع للنسفي ثمر الأراك وللباقين على الوجهين ووقع عند
الإسماعيلي وأبى نعيم وابن بطال ورق الأراك وتعقبه الإسماعيلي فقال انما هو ثمر الأراك وهو
البرير يعنى بموحدة وزن الحرير فإذا اسود فهو الكباث وقال ابن بطال الكباث ثمر الأراك الغض
منه والبرير ثمرة الرطب واليابس وقال ابن التين قوله ورق الأراك ليس بصحيح والذي في اللغة
أنه ثمر الأراك وقيل هو نضيجه فإذا كان طريا فهو موز وقيل عكس ذلك وان الكباث الطري
وقال أبو عبيد هو ثمر الأراك إذا يبس وليس له عجم قال أبو زياد يشبه التين يأكله الناس والإبل
والغنم وقال أبو عمرو هو حار كأن فيه ملحا انتهى وقال عياض الكباث ثمر الأراك وقيل نضيجه
وقيل غضه قال شيخنا ابن الملقن والذي رأيناه من نسخ البخاري وهو ثمر الأراك على الصواب
كذا قال وقال الكرماني وقع في نسخة البخاري وهو ورق الأراك قيل وهو خلاف
اللغة (قوله بمر الظهران) بتشديد الراء قبلها ميم مفتوحة والظاء معجمة بلفظ تثنية الظهر
مكان معروف على مرحلة من مكة (قوله نجنى) أي نقتطف (قوله فإنه أطيب) كذا وقع هنا
وهو لغة بمعنى أطيب وهو مقلوبه كما قالوا جذب وجبذ (قوله فقيل أكنت ترعى الغنم) في
السؤال اختصار والتقدير أكنت ترعى الغنم حتى عرفت أطيب الكباث لان راعى الغنم يكثر
تردده تحت الأشجار لطلب المرعى منها والاستظلال تحتها وقد تقدم بيان ذلك في قصة موسى من
أحاديث الأنبياء وتقدم الكلام على الحكمة في رعى الأنبياء الغنم في أوائل الإجارة وأفاد ابن
التين عن الداودي أن الحكمة في اختصاصها بذلك لكونها لا تركب فلا تزهو نفس راكبها قال
وفيه إباحة أكل ثمر الشجر الذي لا يملك قال ابن بطال كان هذا في أول الاسلام عند عدم
الأقوات فإذ قد أغنى الله عباده بالحنطة والحبوب الكثيرة وسعة الرزق فلا حاجة بهم إلى ثمر
الأراك (قلت) ان أراد بهذا الكلام الإشارة إلى كراهة تناوله فليس بمسلم ولا يلزم من وجود
ما ذكر منع ما أبيح بغير ثمن بل كثير من أهل الورع لهم رغبة في مثل هذه المباحات أكثر من تناول
ما يشترى والله أعلم * (تكملة) * أخرج البيهقي هذا الحديث في كتاب الدلائل من طريق عبيد
ابن شريك عن يحيى بن بكير بسنده الماضي في أحاديث الأنبياء إلى جابر فذكر هذا الحديث وقال
في آخره وقال إن ذلك كان يوم بدر يوم جمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان قال البيهقي رواه
البخاري عن يحيى بن بكير دون التاريخ يعنى دون قوله إن ذلك كان الخ وهو كما قال ولعل هذه
الزيادة من ابن شهاب أحد رواته * (قوله باب المضمضة بعد الطعام) ذكر فيه
498

حديث سويد بن النعمان في المضمضة بعد السويق وساقه بسند واحد بلفظين قال في أحدهما فأكلنا وزاد في الآخر فلكناه وقد تقدم باسناده ومتنه في أوائل الأطعمة وقال في آخره
هناك قال سمعته منه عودا على بدء وقال في آخره هنا قال سفيان كأنك تسمعه من يحيى بن سعيد
وهو محمول على أن عليا وهو ابن المديني سمعه من سفيان مرارا فربما غير في بعضها بعض الألفاظ
* (قوله باب لعق الأصابع ومصها قبل أن تمسح بالمنديل) كذا قيده بالمنديل
وأشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرق الحديث كما أخرجه مسلم من طريق سفيان الثوري عن أبي
الزبير عن جابر بلفظ فلا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه لكن حديث جابر المذكور في
الباب الذي يليه صريح في أنهم لم يكن لهم مناديل ومفهومه يدل على أنهم لو كانت لهم مناديل
لمسحوا بها فيحمل حديث النهى على من وجد ولا مفهوم له بل الحكم كذلك لو مسح بغير
المنديل وأما قوله في الترجمة ومصها فيشير إلى ما وقع في بعض طرقه عن جابر أيضا وذلك فيما
أخرجه ابن أبي شيبة من رواية أبي سفيان عنه بلفظ إذا طعم أحدكم فلا يمسح يده حتى يمصها وذكر
القفال في محاسن الشريعة أن المراد بالمنديل هنا المنديل المعد لإزالة الزهومة لا المنديل المعد
للمسح بعد الغسل (قوله عن عمرو بن دينار عن عطاء) في رواية الحميدي ومن طريقه
الإسماعيلي حدثنا عمر بن دينار أخبرني عطاء (قوله عن ابن عباس) في رواية ابن جريج عند
مسلم سمعت عطاء سمعت ابن عباس زاد ابن أبي عمر في روايته عن سفيان سمعت عمر بن قيس يسأل
عمرو بن دينار عن هذا الحديث فقال هو عن ابن عباس قال فان عطاء حدثناه عن جابر قال
حفظناه عن عطاء عن ابن عباس قبل أن يقدم علينا جابر اه‍ وهذا إن كان عمر بن قيس حفظه
احتمل أن يكون عطاء سمعه من جابر بعد أن سمعه من ابن عباس ويؤيده ثبوته من حديث جابر
عند مسلم وإن كان من غير طريق عطاء وفى سياقه زيادة ليست في حديث ابن عباس ففي أوله إذا
وقعت لقمة أحدكم فليمط ما كان بها من أذى ولا يدعها للشيطان ثم ذكر حديث الباب وفى آخره
زيادة أيضا سأذكرها فلعل ذلك سبب أخذ عطاء له عن جابر (قوله إذا أكل أحدكم) زاد مسلم عن أبي
بكر بن أبي شيبة وآخرين عن سفيان طعاما وفى رواية ابن جريج إذا أكل أحدكم من الطعام
(قوله فلا يمسح يده) في حديث كعب بن مالك عند مسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل
بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها فيحتمل أن يكون أطلق على الأصابع اليد ويحتمل وهو الأولى أن
يكون المراد باليد الكف كلها فيشمل الحكم من أكل بكفه كلها أو بأصابعه فقط أو ببعضها وقال
ابن العربي في شرح الترمذي يدل على الاكل بالكف كلها أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعرق
العظم وينهش اللحم ولا يمكن ذلك عادة الا بالكف كلها وقال شيخنا فيه نظر لأنه يمكن بالثلاث
سلمنا لكن هو ممسك بكفه لكها لا آكل بها سلمنا لكن محل الضرورة لا يدل على عموم الأحوال
ويؤخذ من حديث كعب بن مالك أن السنة الاكل بثلاث أصابع وإن كان الاكل بأكثر منها
جائزا وقد أخرج سعيد بن منصور عن سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه رأى ابن عباس إذا
أكل لعق أصابعه الثلاث قال عياض والاكل بأكثر منها من الشره وسوء الأدب وتكبير اللقمة
ولأنه غير مضطر إلى ذلك لجمعه اللقمة وامساكها من جهاتها الثلاث فان اضطر إلى ذلك لخفة
الطعام وعدم تلفيفه بالثلاث فيدعمه بالرابعة أو الخامسة وقد أخرج سعيد بن منصور من مرسل
499

ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل أكل بخمس فيجمع بينه وبين حديث
كعب باختلاف الحال (قوله حتى يلعقها) بفتح أوله من الثلاثي أي يلعقها هو (أو يلعقها)
بضم أوله من الرباعي أي يلعقها غيره قال النووي المراد العاق غيره ممن لا يتقذر ذلك من زوجة
وجارية وخادم وولد وكذا من كان في معناهم كتلميذ يعتقد البركة بلعقها وكذا لو ألعقها شاة
ونحوها وقال البيهقي ان قوله أو شك من الراوي ثم قال فان كانا جميعا محفوظين فإنما أراد أن
يلعقها صغيرا أو من يعلم أنه لا يتقذر بها ويحتمل أن يكون أراد أن يلعق إصبعه فمه فيكون بمعنى
يلعقها يعنى فتكون أو للشك قال ابن دقيق العيد جاءت علة هذا مبينة في بعض الروايات فإنه
لا يدرى في أي طعامه البركة وقد يعلل بان مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث لما يمسح به مع
الاستغناء عنه بالريق لكن إذا صح الحديث بالتعليل لم يعدل عنه (قلت) الحديث صحيح أخرجه
مسلم في آخر حديث جابر ولفظه من حديث جابر إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط ما أصابها من أذى
وليأكلها ولا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها فإنه لا يدرى في أي طعامه البركة زاد فيه النسائي
من هذا الوجه ولا يرفع الصحفة حتى يلعقها أو يلعقها ولأحمد من حديث ابن عمر نحوه بسند
صحيح وللطبراني من حديث أبي سعيد نحوه بلفظ فإنه لا يدرى في أي طعامه يبارك له ولمسلم نحوه
من حديث أنس ومن حديث أبي هريرة أيضا والعلة المذكورة لا تمنع ما ذكره الشيخ فقد يكون
للحكم علتان فأكثر والتنصيص على واحدة لا ينفى غيرها وقد أبدى عياض علة أخرى فقال انما
أمر بذلك لئلا يتهاون بقليل الطعام قال النووي معنى قوله في أي طعامه البركة ان الطعام الذي
يحضر الانسان فيه بركة لا يدرى أن تلك البركة فيما أكل أو فيما بقى على أصابعه أو فيما بقى في
أسفل القصعة أو في اللقمة الساقطة فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصيل البركة اه‍ وقد
وقع لمسلم في رواية أبي سفيان عن جابر في أول الحديث ان الشيطان يحضر أحدكم عند كل شئ من
شأنه حتى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها
ولا يدعها للشيطان وله نحوه في حديث أنس وزاد وأمر بأن تسلت القصعة قال الخطابي
السلت تتبع ما بقى فيها من الطعام قال النووي والمراد بالبركة ما تحصل به التغذية وتسلم عاقبته
من الأذى ويقوى على الطاعة والعلم عند الله وفى الحديث رد على من كره لعق الأصابع استقذارا
نعم يحصل ذلك لو فعله في أثناء الاكل لأنه يعيد أصابعه في الطعام وعليها أثر ريقه قال الخطابي
عاب قوم أفسد عقلهم الترفه فزعموا أن لعق الأصابع مستقبح كأنهم لم يعلموا أن الطعام الذي
علق بأصابع أو الصحفة جزء من أجزاء ما أكلوه وإذا لم يكن سائر أجزائه مستقذرا لم يكن الجزء
اليسير منه مستقذرا وليس في ذلك أكبر من مصه أصابعه بباطن شفتيه ولا يشك عاقل في أن
لا بأس بذلك فقد يمضمض الانسان فيدخل إصبعه في فيه فيدلك أسنانه وباطن فمه ثم لم يقل أحد
أن ذلك قذارة أو سوء أدب وفيه استحباب مسح اليد بعد الطعام قال عياض محله فيما لم يحتج فيه
إلى الغسل مما ليس فيه غمر ولزوجة مما لا يذهبه الا الغسل لما جاء في الحديث من الترغيب في
غسله والحذر من تركه كذا قال وحديث الباب يقتضى منع الغسل والمسح بغير لعق لأنه صريح
في الامر باللعق دونهما تحصيلا للبركة نعم قد يتعين الندب إلى الغسل بعد اللعق لإزالة الرائحة
وعليه يحمل الحديث الذي أشار إليه وقد أخرجه أبو داود بسند صحيح على شرط مسلم عن أبي
500

هريرة رفعه من بات وفى يده غمر ولم يغسله فأصابه شئ فلا يلومن الا نفسه أخرجه الترمذي دون
قوله ولم يغسله وفيه المحافظة على عدم اهمال شئ من فضل الله كالمأكول أو المشروب وإن كان
تافها حقيرا في العرف * (تكملة) * وقع في حديث كعب بن عجرة عند الطبراني في الأوسط صفة
لعق الأصابع ولفظه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث بالابهام والتي
تليها والوسطى ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها ثم الابهام قال
شيخنا في شرح الترمذي كأن السر فيه أن الوسطى أكثر تلويثا لأنها أطول فيبقى فيها من الطعام
أكثر من غيرها ولأنها لطولها أول ما تنزل في الطعام ويحتمل أن الذي يلعق يكون بطن كفه إلى
جهة وجهه فإذا ابتدأ بالوسطى انتقل إلى السبابة على جهة يمينه وكذلك الابهام والله أعلم (قوله
باب المنديل) ترجم له ابن ماجة مسح اليد بالمنديل (قوله حدثني محمد بن فليح) أي ابن
سليمان المدني (قوله حدثني أبي عن سعيد بن الحرث) أي ابن أبي المعلى الأنصاري وقد أخرجه
ابن ماجة من رواية ابن وهب عن محمد بن أبي يحيى عن أبيه عن سعيد فجزم أبو نعيم في المستخرج
بأن محمد بن أبي يحيى هو ابن فليح لان فليحا يكنى أبا يحيى وهو معروف بالرواية عن سعيد بن الحرث
وقال غيره هو محمد بن أبي يحيى الأسلمي والد إبراهيم شيخ الشافعي واسم أبى يحيى سمعان وكأن
الحامل على ذلك كون ابن وهب يروى عن فليح نفسه فاستبعد قائل ذلك أن يروى عن ابنه محمد
ابن فليح عنه ولا عجب في ذلك والذي ترجح عندي الأول فان لفظهما واحد (قوله سأله عن الوضوء
مما مست النار) في رواية الإسماعيلي من طريق أبى عامر عن فليح عن سعيد قلت لجابر هل على
فيما مست النار وضوء وقد تقدم حكم المسح في الباب الذي قبله وحكم الوضوء مما مست النار
في كتاب الطهارة * (قوله باب ما يقول إذا فرغ من طعامه) قال ابن بطال اتفقوا
على استحباب الحمد بعد الطعام ووردت في ذلك أنواع يعنى لا يتعين شئ منها (قوله سفيان) هو
الثوري وثور بن يزيد هو الشامي وأول اسم أبيه ياء تحتانية وقد أورد البخاري هذا الاسناد عن
ثور نازلا ثم أورده عاليا عنه ومداره في أكثر الطرق عليه وقد تابعه في بعضه عامر بن جشيب
وهو بفتح الجيم وكسر الشين المعجمة وآخره موحدة وزن عظيم أخرجه الطبراني وابن أبي عاصم
من طريقه فقال في سياقه عن عامر عن خالد قال شهدنا صنيعا أي وليمة في منزل عبد الاعلى ومعنا
أبو أمامة وذكره البخاري في تاريخه من هذا الوجه فقال عبد الاعلى بن هلال السلمي (قوله إذا
رفع مائدته) قد ذكره في الباب بلفظ إذا فرع من طعامه وأخرجه الإسماعيلي من طريق
وكيع عن ثور بلفظ إذا فرغ من طعامه ورفعت مائدته فجمع اللفظين ومن وجه آخر عن ثور
بلفظ إذا رفع طعامه من بين يديه ووقع في رواية عامر بن جشيب بسنده عن أبي أمامة علمني
رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول عند فراغي من الطعام ورفع المائدة الحديث وقد تقدم أنه
صلى الله عليه وسلم لم يأكل على خوان قط وقد فسروا المائدة بأنها خوان عليه طعام وأن بعضهم
أجاب بأن أنسا ما رأى ذلك ورآه غيره والمثبت مقدم على النافي أو المراد بالخوان صفة مخصوصة
والمائدة تطلق على كل ما يوضع عليه الطعام لأنها اما من ماد يميد إذا تحرك أو أطعم ولا يختص
ذلك بصفة مخصوصة تطلق المائدة ويراد بها نفس الطعام أو بقيته أو اناؤه وقد نقل عن
البخاري أنه قال إذا أكل الطعام شئ ثم رفع قيل رفعت المائدة (قوله الحمد لله كثيرا) في رواية
501

الوليد عن ثور عند ابن ماجة الحمد لله حمدا كثيرا (قوله غير مكفي) بفتح الميم وسكون الكاف
وكسر الفاء وتشديد التحتانية قال ابن بطال يحتمل أن يكون من كفأت الاناء فالمعنى غير مردود
عليه انعامه ويحتمل أن يكون من الكفاية أي ان الله غير مكفى رزق عباده لأنه لا يكفيهم أحد
غيره وقال ابن التين أي غير محتاج إلى أحد لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم وهذا قول الخطابي
وقال القزاز معناه أنا غير مكتف بنفسي عن كفايته وقال الداودي معناه لم أكتف من فضل الله
ونعمته قال ابن التين وقول الخطابي أولى لان مفعولا بمعنى مفتعل فيه بعد وخروج عن الظاهر
وهذا كله على أن الضمير لله ويحتمل أن يكون الضمير للحمد وقال إبراهيم الحربي الضمير للطعام
ومكفى بمعنى مقلوب من الأكفاء وهو القلب غير أنه لا يكفي الاناء للاستغناء عنه وذكر ابن
الجوزي عن أبي منصور الجواليقي أن الصواب غير مكافا بالهمزة أي أن نعمة الله لا تكافأ (قلت)
وثبتت هذه اللفظة هكذا في حديث أبي هريرة لكن الذي في حديث الباب غير مكفى بالياء ولكل
معنى (قوله في الرواية الأخرى كفانا وأروانا) هذا يؤيد عود الضمير إلى الله تعالى لأنه تعالى هو
الكافي لا المكفى وكفانا هو من الكفاية وهى أعم من الشبع والري وغيرهما فأروانا على هذا
من الخاص بعد العام ووقع في رواية ابن السكن عن الفرري وآوانا بالمد من الايواء ووقع في
حديث أبي سعيد عند أبي داود الحمد الله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين ولابى داود
والترمذي من حديث أبي أيوب الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا واخرج
النسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة ما في حديث أبي سعيد وأبى أمامة
وزيادة في حديث مطول وللنسائي من طريق عبد الرحمن بن جبير المصري انه حدثه رجل خدم
النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين انه كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرب إليه طعامه
يقول بسم الله فإذا فرغ قال اللهم أطعمت وسقيت وأغنيت وأقنيت وهديت وأحييت فلك الحمد
على ما أعطيت وسنده صحيح (قوله في الرواية الأخرى ولا مكفور) أي مجحود فضله ونعمته
وهذا مما يقوى أن الضمير لله تعالى (قوله ولا مودع) بفتح الدال الثقيلة أي غير متروك ويحتمل
كسرها على أنه حال من القائل أي غير تارك (قوله ولا مستغنى عنه) بفتح النون وبالتنوين (قوله
ربنا) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو ربنا أو على أنه مبتدأ خبره متقدم ويجوز النصب
على المدح أو الاختصاص أو اضمار أعنى قال ابن التين ويجوز الجر على أنه يدل عن الضمير في عنه
وقال غيره على البدل من الاسم في قوله الحمد لله وقال ابن الجوزي ربنا بالنصب على النداء مع
حذف أداة النداء قال الكرماني بحسب رفع غير أي ونصبه ورفع ربنا ونصبه والاختلاف
في مرجع الضمير يكثر التوجيهات في هذا الحديث * (قوله باب الاكل مع
الخادم) أي على قصد التواضع والخادم يطلق على الذكر والأنثى أعم من أن يكون رقيقا أو حرا
محله فيما إذا كان السيد رجلا أن يكون الخادم إذا كان أنثى ملكه أو محرمه أو ما في حكمه
وبالعكس (قوله محمد بن زياد) هو الجمحي (قوله إذا أتى أحدكم) بالنصب (خادمه) بالرفع (قوله فإن لم
يجلسه معه) في رواية مسلم فليقعده معه فليأكل وفى رواية إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن أبي
هريرة عند أحمد والترمذي فليجلسه معه فإن لم يجلسه معه فليناوله وفى رواية لأحمد عن عجلان
عن أبي هريرة فادعه فان أبى فاطعمه منه ولابن ماجة من طريق جعفر بن ربيعة عن الأعرج
502

عن أبي هريرة فليدعه فليأكل معه فإن لم يفعل وفاعل أبى وكذا ان لم يفعل يحتمل أن يكون السيد
والمعنى إذا ترفع عن مؤاكلة غلامه ويحتمل ان يكون الخادم إذا تواضع عن مؤاكلة سيده
ويؤيد الاحتمال الأول أن في رواية جابر عند أحمد أمرنا أن ندعوه فان كره أحدنا أن يطعم معه
فليطعمه في يده واسناده حسن (قوله فليناوله أكلة أو أكلتين) بضم الهمزة أي اللقمة واو للتقسيم
بحسب حال الطعام وحال الخادم وقوله أو لقمة أو لقمتين هو شك من الراوي وقد رواه
الترمذي بلفظ لقمة فقط وفى رواية مسلم تقييد ذلك بما إذا كان الطعام قليلا ولفظه فإن كان
الطعام مشفوها قليلا وفى رواية أبى داود يعنى قليلا فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين قال أبو
داود يعنى لقمة أو لقمتين ومقتضى ذلك أن الطعام إذا كان كثيرا فاما أن يقعده معه واما أن
يجعل حظه منه كثيرا (قوله فإنه ولى حره) أي عند الطبخ (وعلاجه) أي عند تحصيل آلاته وقبل
وضع القدر على النار ويؤخذ من هذا أن في معنى الطباخ حامل الطعام لوجود المعنى فيه وهو
تعلق نفسه به بل يؤخذ منه الاستحباب في مطلق خدم المرء ممن يعاني ذلك والى ذلك يومئ اطلاق
الترجمة وفى هذا تعليل الامر المذكور وإشارة إلى أن للعين حظا في المأكول فينبغي صرفها باطعام
صاحبها من ذلك الطعام لتسكن نفسه فيكون أكف لشره قال المهلب هذا الحديث يفسر
حديث أبي ذر في الامر بالتسوية مع الخادم في المطعم والملبس فإنه جعل الخيار إلى السيد في
اجلاس الخادم معه وتركه (قلت) وليس في الامر في قوله في حديث أبي ذر أطعموهم مما تطعمون
الزام بمؤاكلة الخادم بل فيه أن لا يستأثر عليه بشئ بل يشركه في كل شئ لكن بحسب ما يدفع به
شر عينه وقد نقل ابن المنذر عن جميع أهل العلم أن الواجب اطعام الخادم من غالب القوت
الذي يأكل منه مثله في تلك البلد وكذلك القول في الأدم والكسوة وان للسيد أن يستأثر
بالنفيس من ذلك وإن كان الأفضل أن يشرك معه الخادم في ذلك والله أعلم واختلف في حكم هذا
الامر بالاجلاس أو المناولة فقال الشافعي بعد ان ذكر الحديث هذا عندنا والله أعلم على وجهين
* أولهما بمعناه أن اجلاسه معه أفضل فإن لم يفعل فليس بواجب أو يكون بالخيار بين أن
يجلسه أو يناوله وقد يكون أمره اختيارا غير حتم اه‍ ورجح الرافعي الاحتمال الأخير وحمل
الأول على الوجوب ومعناه أن الاجلاس لا يتعين لكن ان فعله كان أفضل والا تعينت المناولة
ويحتمل ان الواجب أحدهما لا بعينه * والثاني أن الامر للندب مطلقا * (تنبيه) * في قوله في
رواية مسلم فإن كان الطعام مشفوها بالشين المعجمة والفاء فسره بالقليل وأصله الماء الذي تكثر
عليه الشفاه حتى يقل إشارة إلى أن محل الاجلاس أو المناولة ما إذا كان الطعام قليلا وانما كان
كذلك لأنه إذا كان كثيرا وسع السيد والخادم وقد تقدم أن العلة في الامر بذلك أن تسكن
نفس الخادم بذلك وهو حاصل مع الكثرة دون القلة فان القلة مظنة أن لا يفضل منه شئ ويؤخذ
من قوله فإن كان مشفوها أن الامر الوارد لمن طبخ بتكثير المرق ليس على سبيل الوجوب والله
أعلم * (قوله باب الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر فيه عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم) هذا الحديث من الأحاديث المعلقة التي لم تقع في هذا الكتاب موصولة وقد
أخرجه المصنف في التاريخ والحاكم في المستدرك من رواية سليمان بن بلال عن محمد بن عبد الله
ابن أبي حرة بضم المهملة وتشديد الراء عن عمه حكيم بن أبي حرة عن سليمان الأغر عن أبي هريرة
503

ولفظه ان للطاعم الشاكر من الاجر مثل ما للصائم الصابر وقد اختلف فيه على محمد فأخرجه ابن
ماجة من رواية الدراوردي عنه عن عمه حكيم عن سنان بن سنه الأسلمي وقيل عن الدراوردي
عن موسى بن عقبة عن محمد عن عمه عن رجل من أسلم لكن صرح الدراوردي في رواية أحمد
بأن محمد بن أبي حرة أخبره فلعله كان حمله عن موسى بن عقبة عنه ثم سمعه منه وقد رجح أبو زرعة
رواية الدراوردي هذه وذكر البخاري في التاريخ من رواية وهيب عن موسى بن عقبة عن
حكيم بن أبي حرة عن بعض الصحابة وأخرجه ابن خزيمة وابن ماجة من رواية محمد بن معن بن محمد
الغفاري عن أبيه عن حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة وأخرجه الترمذي وابن ماجة
والحاكم من رواية محمد بن معن عن أبيه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وأخرجه ابن خزيمة
من رواية عمر بن علي عن معن بن محمد عن سعيد المقبري قال كنت أنا وحنظلة بن علي الأسلمي
بالبقيع مع أبي هريرة فحدثنا أبو هريرة به وهذا محمول على أن معن بن محمد حمله عن سعيد ثم حمله
عن حنظلة وأخرجه ابن حبان في صحيحه من رواية معتمر بن سليمان عن معمر عن سعيد
المقبري به لكن في هذه الرواية انقطاع خفى على ابن حبان فقد رويناه في مسند مسدد عن معتمر
عن معمر عن رجل من بنى غفار عن المقبري وكذلك أخرجه عبد الرزاق في جامعه عن معمر
وهذا الرجل هو معن بن محمد الغفاري فيما أظن لاشتهار الحديث من طريقه قال ابن التين
الطاعم هو الحسن الحال في المطعم وقال ابن بطال هذا من تفضل الله على عباده أن جعل للطاعم
إذا شكر ربه على ما أنعم به عليه ثواب الصائم الصابر وقال الكرماني التشبيه هنا في أصل الثواب
لا في الكمية ولا الكيفية والتشبيه لا يستلزم المماثلة من جميع الأوجه وقال الطيبى ربما
توهم متوهم أن ثواب الشكر يقصر عن ثواب الصبر فأزيل توهمه أو وجه الشبه اشتراكهما في
حبس النفس فالصابر يحبس نفسه على طاعة المنعم والشاكر يحبس نفسه على محبته اه‍ وفى
الحديث الحث على شكر الله على جميع نعمه إذ لا يختص ذلك بالاكل وفيه رفع الاختلاف
المشهور في الغنى الشاكر والفقير الصابر وانهما سواء كذا قيل ومساق الحديث يقتضى تفضيل
الفقير الصابر لان الأصل أن المشبه به أعلى درجة من المشبه والتحقيق عند أهل الحذق أن
لا يجاب في ذلك بجواب كلي بل يختلف الحال باختلاف الاشخاص والأحوال نعم عند الاستواء
من كل جهة وفرض رفع العوارض بأسرها فالفقير أسلم عاقبة في الدار الآخرة ولا ينبغي أن يعدل
بالسلامة شئ والله أعلم وسيكون لنا عودة إلى الكلام على هذه المسئلة في كتاب الرقاق إن شاء الله
تعالى وقد تقدم القول فيها في أواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة في الكلام على حديث
ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى * (قوله باب الرجل يدعى إلى طعام فيقول
وهذا معي) ذكر فيه حديث أبي مسعود في قصة الغلام اللحام وقد مضى شرحه مستوفى قبل
أكثر من عشرين بابا واعترضه الإسماعيلي فقال ترجم الباب بالطاعم الشاكر ولم يذكر فيه شيئا
وقال وهذا معي ثم نازعه في أن القصة ليس فيها ما ذكر وان الرجل تبعهم من تلقاء نفسه (قلت) اما
الجواب عن الأول فكأنه سقط من روايته قول البخاري فيه عن أبي هريرة واما الثاني فأشار
به البخاري إلى حديث أنس في قصة الخياط الذي دعا النبي صلى الله عليه وسلم فقال وهذه يعنى
عائشة وقد تقدم شرح ذلك مستوفى وانما عدل البخاري عن ايراد حديث أنس هنا إلى حديث
504

أبى مسعود إشارة منه إلى تغير القصتين واختلاف الحالين (قوله وقال أنس إذا دخلت على
مسلم لا يتهم فكل من طعامه واشرب من شرابه) وصله ابن أبي شيبة من طريق عمير الأنصاري
سمعت أنسا يقول مثله لكن قال على رجل لا نتهمه وجاء نحو ذلك عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه
أحمد والحاكم والطبراني من طريق أبى صالح عن أبي هريرة بلفظ إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم
فأطعمه طعاما فليأكل من طعامه ولا يسأله عنه قال الطبراني تفرد به مسلم بن خالد (قلت) وفيه
مقال لكن أخرج له الحاكم شاهدا من رواية ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رواية
بنحوه أخرجه ابن أبي شيبة من هذا الوجه موقوفا ومطابقة الأثر للحديث من جهة كون
اللحام لم يكن متهما وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من طعامه ولم يسأله وعلى هذا القيد يحمل
مطلق حديث أبي هريرة والله أعلم * (قوله باب إذا حضر العشاء فلا يعجل عن
عشائه) قال الكرماني العشاء في الترجمة يحتمل أن يراد به ضد الغداء وهو بالفتح ويحتمل أن يراد
به صلاة العشاء وهى بالكسر ولفظ عن عشائه بالفتح لا غير (قلت) الرواية عندنا بالفتح وانما في
الترجمة عدول عن المضمر إلى المظهر لمعنى قصده ويبعد الكسر أن الحديث انما ورد في صلاة
المغرب وقد ورد النهى عن تسميتها عشاء ولفظ هذه الترجمة وقع معناه في حديث أورده
المصنف في الصلاة في أوائل صلاة الجماعة من طريق ابن شهاب عن أنس بلفظ إذا قدم العشاء
فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم وأورده فيه من حديث ابن عمر بلفظ
إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء ولا يعجل حتى يفرغ منه (قوله وقال
الليث حدثني) يونس أي ابن يزيد (عن ابن شهاب) وصله الذهلي في الزهريات عن أبي صالح
عن الليث وأخرجه الإسماعيلي من رواية أبى ضمرة عن يونس (قوله فألقاها) أي القطعة
اللحم التي كان احتزها وقال الكرماني الضمير للكتف وأنث باعتبار انه اكتسب التأنيث
من المضاف إليه أو هو مؤنث سماعي قال ودلالته على الترجمة من جهة أنه استنبط من اشتغاله
صلى الله عليه وسلم بالاكل وقت الصلاة (قلت) ويظهر لي أن البخاري أراد بتقديم هذا
الحديث بيان أن الامر في حديث ابن عمر وعائشة بترك المبادرة إلى الصلاة قبل تناول الطعام
ليس على الوجوب (قوله وعن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه)
هو معطوف على السند الذي قبله وهو من رواية وهيب عن أيوب وكذا أثر ابن عمر أنه تعشى
مرة وهو يسمع قراءة الإمام وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن سهل بن عسكر عن
معلى بن أسد شيخ البخاري فيه بهذا الاسناد الثاني ولفظه إذا وضع العشاء الحديث وأخرج أثر ابن عمر من طريق عبد الوارث عن أيوب ولفظه قال فتعشى ابن عمر ليلة وهو يسمع قراءة الإمام
(قوله في الطريق الأخرى من رواية عائشة قال وهيب ويحيى بن سعيد عن هشام)
505

يعنى ابن عروة (إذا وضع العشاء) يعنى ان هذين روياه عن هشام بلفظ إذا وضع بدل إذا حضر
وهى التي وصلها في الباب من رواية سفيان وهو الثوري عن هشام فأما رواية وهيب فوصلها
الإسماعيلي من رواية يحيى بن حسان ومعلى بن أسد قالا حدثنا وهيب به ولفظه إذا وضع العشاء
وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء وأما رواية يحيى بن سعيد وهو القطان فوصلها أحمد عنه بهذا
اللفظ أيضا وقد أخرجها المصنف بلفظ إذا حضر وفى بعض الروايات عنه وضع وأخرجه الإسماعيلي
من رواية عمرو بن علي الفلاس عن يحيى بن سعيد بلفظ إذا أقيمت الصلاة وقرب العشاء فكلوا ثم
صلوا وذكر الإسماعيلي أن أكثر أصحاب هشام رووه عنه بلفظ إذا وضع وان بعضهم قال إذا
حضر وجاء عن شعبة وضع وحضر وقال ابن إسحاق إذا قدم (قلت) قدم وقرب ووضع متقاربات
المعنى فيحمل حضر عليها وإن كان معناها في الأصل أعم والله أعلم * (قوله باب قول
الله تعالى فإذا طعمتم فانتشروا) ذكر فيه حديث أنس في قصة زينب بنت جحش والبناء عليها ونزول
آية الحجاب وقوله أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسا بزينب العروس نعت يستوى فيه
الرجل والمرأة والعرس مدة بناء الرجل بالمرأة وأصله اللزوم وقد تقدم بيان الاختلاف في الامر
بالانتشار بعد صلاة الجمعة في أول البيع في قوله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض
وأما الاتتشار هنا بعد الاكل فالمراد به التوجه عن مكان الطعام للتخفيف عن صاحب المنزل كما
هو مقتضى الآية وقد مر مستوفى في تفسير سورة الأحزاب * (خاتمة) * اشتمل كتاب الأطعمة
من الأحاديث المرفوعة على مائة حديث واثنى عشر حديثا المعلق منها أربعة عشر طريقا
والباقي موصول المكرر منه فيه وفيما مضى تسعون حديثا والخالص اثنان وعشرون حديثا
وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة في استقرائه عمر الآية وحديث أنس
ما رأى شاة سميطا وحديث أبي جحيفة لا آكل متكئا وحديث سهل ما رأى النقي وحديث جابر
في وفاء دينه لما تقرر أنها قصة له غير قصته في وفاء دين أبيه وحديث أنس إذا حضر الطعام
والصلاة وحديث جابر في المناديل وحديث أبي أمامة في الدعاء بعد الاكل وحديث أبي هريرة
في الطاعم الشاكر وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم ستة آثار والله أعلم
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (كتاب العقيقة) *
بفتح العين المهملة هو اسم لما يذبح عن المولود واختلف في اشتقاقها فقال أبو عبيد والأصمعي
أصلها الشعر الذي يخرج على رأس المولود وتبعه الزمخشري وغيره وسميت الشاة التي تذبح
عنه في تلك الحالة عقيقة لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح وعن أحمد أنها مأخوذة من العق
وهو الشق والقطع ورجحه ابن عبد البر وطائفة قال الخطابي العقيقة اسم الشاة المذبوحة عن
الولد سميت بذلك لأنها تعق مذابحها أي تشق وتقطع قال وقيل هي الشعر الذي يحلق وقال ابن
فارس الشاة التي تذبح والشعر كل منهما يسمى عقيقة يقال عق يعق إذا حلق عن ابنه عقيقته
وذبح للمساكين شاة وقال القزاز أصل العق الشق فكأنها قيل لها عقيقة بمعنى معقوقة وسمى
شعر المولود عقيقة باسم ما يعق عنه وقيل باسم المكان الذي انعق عنه فيه وكل مولود من البهائم
506

فشعره عقيقة فإذا سقط وبر البعير ذهب عقه ويقال أعقت الحامل نبتت عقيقة ولدها في بطنها
(قلت) ومما ورد في تسمية الشاة عقيقة ما أخرجه البزار من طريق عطاء عن ابن عباس رفعه
للغلام عقيقتان وللجارية عقيقة وقال لا نعلمه بهذا اللفظ الا بهذا الاسناد اه‍ ووقع في عدة
أحاديث عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة * (قوله باب تسمية المولود غداة
يولد لمن لم يعق عنه) كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني وسقط لفظه عن للجمهور وللنسفي وان لم
يعق عنه بدل لمن لم يعق عنه ورواية الفربري أولى لان قضية رواية النسفي تعين التسمية غداة
الولادة سواء حصلت العقيقة عن ذلك المولود أم لا وهذا يعارضه الأخبار الواردة في التسمية يوم
السابع كما سأذكرها قريبا وقضية رواية الفربري أن من لم يرد أن يعق عنه لا يؤخر تسميته إلى
السابع كما وقع في قصة إبراهيم بن أبي موسى وعبد الله بن أبي طلحة وكذلك إبراهيم بن النبي صلى
الله عليه وسلم وعبد الله بن الزبير فإنه لم ينقل أنه عق عن أحد منهم ومن أريد أن يعق عنه تؤخر
تسميته إلى السابع كما سيأتي في الأحاديث الأخرى وهو جمع لطيف لم أره لغير البخاري (قوله وتحنيكه) أي غداة يولد وكأنه قيد بالغداة اتباعا للفظ الخبر والغداة تطلق ويراد بها مطلق الوقت
وهو المراد هنا وانما اتفق تأخير ذلك لضرورة الواقع فلو اتفق أنها تلد نصف النهار مثلا فوقت
التحنيك والتسمية بعد الغداة قطعا والتحنيك مضغ الشئ ووضعه في فم الصبى ودلك حنكه به
يصنع ذلك بالصبى ليتمرن على الاكل ويقوى عليه وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل
جوفه وأولاه التمر فإن لم يتيسر تمر فرطب والا فشئ حلو وعسل النحل أولى من غيره ثم ما لم تمسه نار
كما في نظيره مما يفطر الصائم عليه ويستفاد من قوله وان لم يعق عنه الإشارة إلى أن العقيقة
لا تجب قال الشافعي أفرط فيها رجلان قال أحدهما هي بدعة والآخر قال واجبة وأشار بقائل
الوجوب إلى الليث بن سعد ولم يعرف امام الحرمين الوجوب الا عن داود فقال لعل الشافعي أراد
غير داود فان داود انما كان بعده وتعقب بأنه ليس للعل هنا معنى بل هو أمر محقق فان الشافعي
مات ولداود أربع سنين وقد جاء الوجوب أيضا عن أبي الزناد وهى رواية عن أحمد والذي نقل
عنه أنها بدعة أبو حنيفة قال ابن المنذر أنكر أصحاب الرأي أن تكون سنة وخالفوا في ذلك
الآثار الثابتة واستدل بعضهم بما رواه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن رجل من بنى ضمرة
عن أبيه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال لا أحب العقوق كأنه كره الاسم
وقال من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل وفى رواية سعيد بن منصور عن سفيان عن
زيد بن أسلم عن رجل من بنى ضمرة عن عمه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن العقيقة
وهو على المنبر بعرفة فذكره وله شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه
أبو داود ويقوى أحد الحديثين بالآخر قال أبو عمر لا أعلمه مرفوعا الا عن هذين (قلت)
وقد أخرجه البزار وأبو الشيخ في العقيقة من حديث أبي سعيد ولا حجة فيه لنفى مشروعيتها بل
آخر الحديث يثبتها وانما غايته أن يؤخذ منه أن الأولى أن تسمى نسيكة أو ذبيحة وان لا تسمى
عقيقة وقد نقله ابن أبي الدم عن بعض الأصحاب قال كما في تسمية العشاء عتمة وادعى محمد بن
الحسن نسخها بحديث نسخ الأضحى كل ذبح أخرجه الدارقطني من حديث على وفى سنده
ضعف وأما نفى ابن عبد البر وروده فمتعقب وعلى تقدير أن يثبت أنها كانت واجبة ثم نسخ
507

وجوبها فيبقى الاستحباب كما جاء في صوم عاشوراء فلا حجة فيه أيضا لمن نفى مشروعيتها ثم
ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث * الأول حديث أبي موسى (قوله بريد) بالموحدة والراء
مصغر هو ابن عبد الله بن أبي بردة وهو يروى عن جده أبى بردة عن أبي موسى الأشعري نسخه 3
وإبراهيم بن أبي موسى المذكور في هذا الحديث ذكره جماعة في الصحابة لما وقع في هذا الحديث
وذلك يقتضى أن تكون له رواية وقد ذكره ابن حبان في الصحابة وقال لم يسمع من النبي صلى الله
عليه وسلم شيئا ثم ذكره في ثقات التابعين وليس ذلك تناقضا منه بل هو بالاعتبارين (قوله فأتيت به
النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه) فيه اشعار بأنه أسرع باحضاره إلى النبي صلى الله
عليه وسلم وأن تحنكيه كان بعد تسميته ففيه تعجيل تسمية المولود ولا ينتظر بها إلى السابع
وأما ما رواه أصحاب السنن الثلاثة من حديث الحسن عن سمرة في حديث العقيقة تذبح عنه
يوم السابع ويسمى فقد اختلف في هذه اللفظة هل هي يسمى أو يدمى بالدال بدل السين وسيأتى
البحث في ذلك في الباب الذي يليه ويدل على أن التسمية لا تختص بالسابع ما تقدم في النكاح
من حديث أبي أسيد انه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بابنه حين ولد فسماه المنذر وما أخرجه مسلم
من حديث ثابت عن أنس رفعه قال ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبى إبراهيم ثم دفعه إلى أم
سيف الحديث قال البيهقي تسمية المولود حين يولد أصح من الأحاديث في تسميته يوم السابع
(قلت) قد ورد فيه غير ما ذكر ففي البزار وصحيحي ابن حبان والحاكم بسند صحيح عن عائشة قالت
عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين يوم السابع وسماهما وللترمذي من طريق
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسمية المولود لسابعه
وهذا من الأحاديث التي يتعين فيها أن الجد هو الصحابي لا جد عمرو الحقيقي محمد بن عبد الله بن
عمرو وفى الباب عن ابن عباس قال سبعة من السنة في الصبى يوم السابع يسمى ويختن ويماط عنه
الأذى وتثقب أذنه ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ من عقيقته ويتصدق بوزن شعر رأسه ذهبا
أو فضة أخرجه الطبراني في الأوسط وفى سنده ضعف وفيه أيضا عن ابن عمر رفعه إذا كان يوم
السابع للمولود فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى وسموه وسنده حسن * الحديث الثاني
(قوله يحيى) هو القطان وهشام هو ابن عروة (قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصبى يحنكه)
تقدم في الطهارة من وجه آخر عن هشام بن عروة ليس فيه ذكر التحنيك وبينت هناك ما قيل في
اسمه * الحديث الثالث حديث أسماء في ولادة عبد الله بن الزبير وقد تقدم شرحه مستوفى في باب
هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وبيان الاختلاف في سنده ووقع في آخره هنا من
الزيادة ففرحوا به فرحا شديدا لانهم قيل لهم ان اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم وهذا يدل على
ما قدمته أن ولادته كانت بعد استقرارهم بالمدينة وما وقع في أول الحديث أنه ولدته بقباء ثم أتت
به النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أنها أحضرته له بقباء وانما حملته من قباء إلى المدينة وقد أخرج
ابن سعد في الطبقات من رواية أبى الأسود محمد بن عبد الرحمن قال لما قدم المهاجرون المدينة
أقاموا لا يولد لهم فقالوا سحرتنا يهود حتى كثرت في ذلك القالة فكان أول مولود بعد الهجرة عبد
الله بن الزبير فكبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة تكبيرا وقوله وأنا متم بكسر
المثناة أي شارفت تمام الحمل وقوله تفل بمثناة ثم فاء وبرك بالتشديد أي دعا له بالبركة * الحديث
508

الرابع حديث أنس في قصة ابن أبي طلحة واسمه عبد الله وهو والد اسحق وقد تقدم شرحه في
الجنائز وفى الزكاة (قوله أعرستم) هو استفهام محذوف الأداة والعين ساكنة أعرس الرجل
إذا بنى بامرأته ويطلق أيضا على الوطء لأنه يتبع البناء غالبا ووقع في رواية الأصيلي أعرستم بفتح
العين وتشديد الراء فقال عياض هو غلط لان التعريس النزول وأثبت غيره أنها لغة يقال أعرس
وعرس إذا دخل بأهله والأفصح أعرس قاله ابن التيمي في كتاب التحرير في شرح مسلم له (قوله قال
لي أبو طلحة احفظه) في رواية الكشميهني احفظيه والأول أولى (قوله حدثني محمد بن المثنى إلى أن
قال وساق الحديث) هذا يوهم أنه يريد الحديث الذي قبل وليس كذلك لان لفظهما مختلف وهما
حديثان عند ابن عون * أحدهما عنده عن أنس بن سيرين وهو المذكور هنا * والثاني عنده
عن محمد بن سيرين عن أنس وقد ساقه المصنف في اللباس بهذا الاسناد ولفظه أن أم سليم قالت لي
يا أنس انظر هذا الغلام فلا تصيبن شيئا حتى تغدو به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فغدوت به فإذا
هو في حائط له وعليه خميصة وهو يسم الظهر الذي قدم عليه في الفتح ثم وجدت في نسخة الصغاني
بعد قوله وساق الحديث قال أبو عبد الله اختلفا في أنس بن سيرين ومحمد بن سيرين أي أن ابن أبي
عدى ويزيد بن هارون اختلفا في شيخ عبد الله بن عون وهذا يتعين أنهما عنده حديث اختلفت
ألفاظه وذكر المزي أن حماد بن سعدة وافق ابن أبي عدى أخرجه مسلم من طريقه لكني لم أره في
كتاب مسلم مسمى بل قال عن ابن سيرين ويؤيد رواية ابن أبي عدى أن أحمد أخرج الحديث
مطولا من طريق همام عن محمد بن سيرين * (قوله باب اماطة الأذى عن الصبى في
العقيقة) الإماطة الإزالة (قوله عن محمد هو ابن سيرين (قوله عن سلمان بن عامر) هو الضبي
وهو صحابي سكن البصرة ما له في البخاري غير هذا الحديث وقد أخرجه من عدة طرق موقوفا
ومرفوعا موصولا من الطريق الأولى لكنه لم يصرح برفعه فيها ومعلقا من الطرق الأخرى
صرح في طريق منها بوقفه وما عداها مرفوع قال الإسماعيلي لم يخرج البخاري في الباب حديثا
صحيحا على شرطه اما حديث حماد بن زيد يعنى الذي أورده موصولا فجاء به موقوفا وليس فيه ذكر
اماطة الأذى الذي ترجم به واما حديث جرير بن حازم فذكره بلا خبر واما حديث حماد بن سلمة
فليس من شرطه في الاحتجاج (قلت) اما حديث حماد بن زيد فهو المعتمد عليه عند البخاري
لكنه أورده مختصرا فكأنه سمعه كذلك من شيخه أبى النعمان واكتفى به كعادته في الإشارة
إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده وقد أخرجه أحمد عن يونس بن محمد عن حماد بن
زيد فزاد في المتن فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى ولم يصرح برفعه وأخرجه أيضا عن
يونس بن محمد عن حماد بن زيد عن هشام عن محمد بن سيرين فصرح برفعه وأخرجه أيضا عن عبد
الوهاب عن ابن عون وسعيد عن محمد بن سيرين عن سلمان مرفوعا وأخرجه الإسماعيلي من
طريق سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب فقال فيه رفعه واما حديث جرير بن حازم
وقوله إنه ذكره بلا خبر يعنى لم يقل في أول الاسناد أنبأنا أصبغ بل قال قال أصبغ لكن أصبغ
من شيوخ البخاري قد أكثر عنه في الصحيح فعلى قول الأكثر هو موصول كما قرره ابن الصلاح في
علوم الحديث وعلى قول ابن حزم هو منقطع وهذا كلام الإسماعيلي يشير إلى موافقته وقد زيف
الناس كلام ابن حزم في ذلك واما كون حماد بن سلمة ليس على شرطه في الاحتجاج فمسلم لكن لا يضره
509

ايراده للاستشهاد كعادته (قوله وقال حجاج) هو ابن منهال وحماد هو ابن سلمة وقد وصله
الطحاوي وابن عبد البر والبيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن حجاج بن منهال حدثنا
حماد بن سلمة به وقد أخرجه النسائي من رواية عفان والإسماعيلي من طريق حبان بن هلال
وعبد الاعلى بن حماد وإبراهيم بن الحجاج كلهم عن حماد بن سلمة فزادوا مع الأربعة الذين ذكرهم
البخاري وهم أيوب وقتادة وهشام وهو ابن حسان وحبيب وهو ابن الشهيد يونس وهو ابن عبيد
ويحيى بن عتيق لكن ذكر بعضهم عن حماد ما لم يذكر الآخر وساق المتن كله على لفظ حبان
وصرح برفعه ولفظه في الغلام عقيقة فأهريقوا عنه الدم وأميطوا عنه الأذى قال الإسماعيلي
وقد رواه الثوري موصولا مجردا ثم ساقه من طريق أبى حذيفة عن سفيان عن أيوب كذلك
فاتفق هؤلاء على أنه من حديث سلمان بن عامر وخالفهم وهيب فقال عن أيوب عن محمد عن أم
عطية قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مع الغلام فذكر مثله سواء أخرجه أبو نعيم
في مستخرجه من رواية حوثرة بن محمد عن أبي هشام عن وهيب به ووهيب من رجال الصحيحين
وأبو هشام اسمه المغيرة بن سلمة احتج به مسلم وأخرج له البخاري تعليقا ووثقه ابن المديني والنسائي
وغيرهما وحوثرة بحاء مهملة ومثلثة وزن جوهرة بصرى يكنى أبا الأزهر احتج به ابن خزيمة في
صحيحه وأخرج عنه من الستة ابن ماجة وذكر أبو علي الجياني ان أبا داود روى عنه في كتاب بدء
الوحي خارج السنن وذكره ابن حبان في الثقات فالاسناد قوى الا أنه شاذ والمحفوظ عن محمد بن
سيرين عن سلمان بن عامر فلعل بعض رواته دخل عليه حديث في حديث (قوله وقال غير
واحد عن عاصم وهشام عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى
الله عليه وسلم) قلت من الذين أبهمهم عن عاصم سفيان بن عيينة أخرجه أحمد عنه بهذا
الاسناد فصرح برفعه وذكر المتن المذكور وحديثين آخرين * أحدهما في الفطر على التمر
* والثاني في الصدقة على ذي القرابة وأخرجه الترمذي من طريق عبد الرزاق والنسائي عن
عبد الله بن محمد الزهري كلاهما عن ابن عيينة بقصة العقيقة حسب وقال النسائي في روايته عن
الرباب عن عمها سلمان به والرباب بفتح الراء وبموحدتين مخففا مالها في البخاري غير هذا الحديث
وممن رواه عن هشام بن حسان عبد الرزاق أخرجه أحمد عنه عن هشام بالأحاديث الثلاثة
وأخرجه أبو داود والترمذي من طريق عبد الرزاق ومنهم عبد الله بن نمير أخرجه ابن ماجة من
طريقه عن هشام به وأخرجه أحمد أيضا عن يحيى القطان ومحمد بن جعفر كلاهما عن هشام
لكن لم يذكر الرباب في اسناده وكذا أخرجه الدارمي عن سعيد بن عامر والحرث بن أبي أسامة عن
عبد الله بن بكير السهمي كلاهما عن هشام (قوله ورواه يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين عن سلمان
(قوله قلت وصله الطحاوي في بيان المشكل فقال حدثنا محمد بن خزيمة حدثنا حجاج بن منهال
حدثنا يزيد بن إبراهيم به موقوفا (قوله وقال أصبغ أخبرني ابن وهب الخ) وصله الطحاوي عن
يونس بن عبد الاعلى عن ابن وهب به قال الإسماعيلي ذكر البخاري حديث ابن وهب بلا خبر
وقد قال أحمد بن حنبل حديث جرير بن حازم كأنه على التوهم أو كما قال (قلت) لفظ الأثرم عن
أحمد حدث بالوهم بمصر ولم يكن يحفظ وكذا ذكر الساجي اه‍ وهذا مما حدث به جرير بمصر
لكن قد وافقه غيره على رفعه عن أيوب نعم قوله عن محمد حدثنا سلمان بن عامر هو الذي تفرد به
510

وبالجملة فهذه الطرق يقوى بعضها بعضا والحديث مرفوع لا يضره رواية من وقفه (قوله مع
الغلام عقيقة) تمسك بمفهومه الحسن وقتادة فقالا يعق عن الصبى ولا يعق عن الجارية وخالفهم
الجمهور فقالوا يعق عن الجارية أيضا وحجتهم الأحاديث المصرحة بذكر الجارية وسأذكرها بعد
هذا فلو ولد اثنان في بطن استحب عن كل واحد عقيقة ذكره ابن عبد البر عن الليث وقال لا أعلم
عن أحد من العلماء خلافه (قوله فأهريقوا عنه دما) كذا أبهم ما يهراق في هذا الحديث وكذا في
حديث سمرة الآتي بعده وفسر ذلك في عدة أحاديث منها حديث عائشة أخرجه الترمذي وصححه
من رواية يوسف بن ماهك انهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن أي ابن أبي بكر الصديق
فسألوها عن العقيقة فأخبرتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان
وعن الجارية شاة وأخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث أم كرز أنها سألت النبي صلى الله
عليه وسلم عن العقيقة فقال عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة واحدة ولا يضركم ذكرانا كن
أو إناثا قال الترمذي صحيح وأخرجه أبو داود والنسائي من رواية عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده رفعه في أثناء حديث قال من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام
شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة قال داود بن قيس راويه عن عمرو سألت زيد بن أسلم عن
قوله مكافئتان فقال متشابهتان نذبحان جميعا أي لا يؤخر ذبح إحداهما عن الأخرى وحكى
أبو داود عن أحمد المكافئتان المتقاربتان قال الخطابي أي في السن وقال الزمخشري معناه
متعادلتان لما يجزى في الزكاة وفى الأضحية وأولى من ذلك كله ما وقع في رواية سعيد بن
منصور في حديث أم كرز من وجه آخر عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ شاتان مثلاث ووقع
عند الطبراني في حديث آخر قيل ما المكافئتان قال المثلان وما أشار إليه زيد بن أسلم
من ذبح إحداهما عقب الأخرى حسن ويحتمل الحمل على المعنيين معا وروى البزار وأبو
الشيخ من حديث أبي هريرة رفعه ان اليهود تعق عن الغلام كبشا ولا تعق عن الجارية
فعقوا عن الغلام كبشين وعن الجارية كبشا وعند أحمد من حديث أسماء بنت
يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم العقيقة حق عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة
وعن أبي سعيد نحو حديث عمرو بن شعيب أخرجه أبو الشيخ وتقدم حديث ابن عباس أول
الباب وهذه الأحاديث حجة للجمهور في التفرقة بين الغلام والجارية وعن مالك هما سواء فيعق
عن كل واحد منهما شاة واحتج له بما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين
كبشا كبشا أخرجه أبو داود ولا حجة فيه فقد أخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن عكرمة
عن ابن عباس بلفظ كبشين كبشين وأخرج أيضا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده مثله وعلى تقدير ثبوت رواية أبى داود فليس في الحديث ما يرد به الأحاديث المتواردة في
التنصيص على التثنية للغلام بل غايته أن يدل على جواز الاقتصار وهو كذلك فان العدد ليس
شرطا بل مستحب وذكر الحليمي أن الحكمة في كون الأنثى على النصف من الذكر أن المقصود
استبقاء النفس فأشبهت الدية وقواه ابن القيم بالحديث الوارد في أن من أعتق ذكرا أعتق كل
عضو منه ومن أعتق جاريتين كذلك إلى غير ذلك مما ورد ويحتمل أن يكون في ذلك الوقت ما تيسر
العدد واستدل باطلاق الشاة والشاتين على أنه لا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية وفيه
511

وجهان للشافعية وأصحهما يشترط وهو بالقياس لا بالخبر ويذكر الشاة والكبش على أنه يتعين
الغنم للعقيقة وبه ترجم أبو الشيخ الأصبهاني ونقله ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي
بكر وقال البندنيجى من الشافعية لا نص للشافعي في ذلك وعندي أنه لا يجزئ غيرها والجمهور
على اجزاء الإبل والبقر أيضا وفيه حديث عند الطبراني وأبى الشيخ عن أنس رفعه يعق عنه
من الإبل والبقر والغنم ونص أحمد على اشتراط كاملة وذكر الرافعي بحثا أنها تتأدى بالسبع كما
في الأضحية والله أعلم (قوله وأميطوا) أي أزيلوا وزنا ومعنى (قوله الأذى) وقع عند أبي داود
من طريق سعيد بن أبي عروبة وابن عون عن محمد بن سيرين قال إن لم يكن الأذى حلق الرأس
فلا أدرى ما هو وأخرج الطحاوي من طريق يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال لم أجد من
يخبرني عن تفسير الأذى اه‍ وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس وأخرجه أبو داود بسند صحيح
عن الحسن كذلك ووقع في حديث عائشة عند الحاكم وأمر أن يماط عن رؤسهما الأذى
ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس فقد وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني ويماط عنه
الأذى ويحلق رأسه فعطفه عليه فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس ويؤيد ذلك
أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب ويماط عنه أقذاره رواه أبو الشيخ (قوله حدثنا عبد
الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن حميد بن الأسود بن أبي الأسود نسب لجد جده وربما
ينسب لجد أبيه فقيل عبد الله بن الأسود معروف من شيوخ البخاري وشيخه قريش بن أنس
بصرى ثقة يكنى أبا أنس كان قد تغير سنة ثلاث ومائتين واستمر على ذلك ست سنين فمن سمع منه
قبل ذلك فسماعه صحيح وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وقد أخرجه الترمذي عن
البخاري عن علي بن المديني عنه ولم أره في نسخ الجامع الا عن عبد الله بن أبي الأسود فكأن له فيه
شيخين وقد توقف البرزنجي في صحة هذا الحديث من أجل اختلاط قريش وزعم أنه تفرد به وأنه
وهم وكأنه تبع في ذلك ما حكاه الأثرم عن أحمد أنه ضعف حديث قريش هذا وقال ما أراه بشئ
لكن وجدنا له متابعا أخرجه أبو الشيخ والبزار عن أبي هريرة كما سأذكره وأيضا فسماع علي بن
المديني وأقرانه من قريش كان قبل اختلاطه فلعل أحمد انما ضعفه لأنه ظن أنه انما حدث به بعد
الاختلاط (قوله حديث العقيقة) لم يقع في البخاري بيان الحديث المذكور وكأنه اكتفى عن
ايراده بشهرته وقد أخرجه أصحاب السنن من رواية قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى قال
الترمذي حسن صحيح وقد جاء مثله عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أخرجه البزار وأبو الشيخ
في كتاب العقيقة من رواية إسرائيل عن عبد الله بن المختار عنه ورجاله ثقات فكأن ابن سيرين
لما كان الحديث عنده عن أبي هريرة وبلغه أن الحسن يحدث به احتمل عنده أن يكون يرويه
عن أبي هريرة أيضا وعن غيره فسأل فأخبر الحسن أنه سمعه من سمرة فقوى الحديث برواية
هذين التابعيين الجليلين عن الصحابيين ولم تقع في حديث أبي هريرة هذه الكلمة الأخيرة وهى
ويسمى وقد اختلف فيها أصحاب قتادة فقال أكثرهم يسمى بالسين وقال همام عن قتادة يدمى
بالدال قال أبو داود خولف همام وهو وهم منه ولا يؤخذ به قال ويسمى أصح ثم ذكره من رواية
غير قتادة باللفظ ويسمى واستشكل ما قاله أبو داود بما في بقية رواية همام عنده أنهم سألوا قتادة
512

عن الدم كيف يصنع به فقال إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة واستقبلت به أوداجها ثم
توضع على يافوخ الصبى حتى يسيل على رأسه مثل الخيط ثم يغسل رأسه بعد ويحلق فيبعد مع
هذا الضبط ان يقال إن هماما وهم عن قتادة في قوله ويدمى الا أن يقال إن أصل الحديث ويسمى
وان قتادة ذكر الدم حاكيا عما كان أهل الجاهلية يصنعونه ومن ثم قال ابن عبد البر لا يحتمل همام
في هذا الذي انفرد به فإن كان حفظه فهو منسوخ اه‍ وقد رجح ابن حزم رواية همام وحمل
بعض المتأخرين قوله ويسمى على التسمية عند الذبح لما اخرج ابن أبي شيبة من طريق هشام
عن قتادة قال يسمى على العقيقة كما يسمى على الأضحية بسم الله عقيقة فلان ومن طريق سعيد
عن قتادة نحوه وزاد اللهم منك ولك عقيقة فلان بسم الله والله أكبر ثم يذبح وروى عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة يسمى يوم يعق عنه ثم يحلق وكان يقول يطلى رأسه بالدم وقد ورد
ما يدل على النسخ في عدة أحاديث منها ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عائشة قالت كانوا في
الجاهلية إذا عقوا عن الصبى خضبوا قطنة بدم العقيقة فإذا حلقوا رأس الصبى وضعوها على
رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجعلوا مكان الدم خلوقا زاد أبو الشيخ ونهى أن يمس رأس
المولود بدم وأخرج ابن ماجة من رواية أيوب بن موسى عن يزيد بن عبد الله المزنى أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم وهذا مرسل فان يزيد لا صحبة له وقد
أخرجه البزار من هذا الوجه فقال عن يزيد بن عبد الله المزنى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم
ومع ذلك فقالوا انه مرسل ولابى داود والحاكم من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كنا في
الجاهلية فذكر نحو حديث عائشة ولم يصرح برفعه قال فلما جاء الله بالاسلام كنا نذبح شاة
ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران وهذا شاهد لحديث عائشة ولهذا كره الجمهور التدمية ونقل
ابن حزم استحباب التدمية عن ابن عمر وعطاء ولم ينقل ابن المنذر استحبابها الا عن الحسن
وقتادة بل عند ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الحسن أنه كره التدمية وسيأتى ما يتعلق بالتسمية
وآدابها في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى واختلف في معنى قوله مرتهن بعقيقته قال الخطابي
اختلف الناس في هذا وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل قال هذا في الشفاعة يريد أنه
إذا لم يعق عنه فمات طفلا لم يشفع في أبويه وقيل معناه أن العقيقة لازمة لا بد منها فشبه المولود في
لزومها وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن وهذا يقوى قول من قال بالوجوب وقيل المعنى
أنه مرهون بأذى شعره ولذلك جاء فأميطوا عنه الأذى اه‍ والذي نقل عن أحمد قاله عطاء
الخراساني أسنده عنه البيهقي وأخرج ابن حزم عن بريدة الأسلمي قال إن الناس يعرضون يوم
القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس وهذا لو ثبت لكان قولا آخر يتمسك به
من قال بوجوب العقيقة قال ابن حزم ومثله عن فاطمة بنت الحسين وقوله يذبح عنه يوم
السابع تمسك به من قال إن العقيق موقتة باليوم السابع وأن من ذبح قبله لم يقع الموقع وأنها
تفوت بعده وهو قول مالك وقال أيضا ان مات قبل السابع سقطت العقيقة وفى رواية
ابن وهب عن مالك أن من لم يعق عنه في السابع الأول عق عنه في السابع الثاني قال ابن وهب
ولا بأس أن يعق عنه في السابع الثالث ونقل الترمذي عن أهل العلم انهم يستحبون أن تذبح
العقيقة يوم السابع فإن لم يتهيأ فيوم الرابع عشر فإن لم يتهيأ عق عنه يوم إحدى وعشرين ولم
513

أر هذا صريحا الا عن أبي عبد الله البوشنجي ونقله صالح بن أحمد عن أبيه وورد فيه حديث
أخرجه الطبراني من رواية إسماعيل بن مسلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وإسماعيل ضعيف
وذكر الطبراني أنه تفرد به وعند الحنابلة في اعتبار الأسابيع بعد ذلك روايتان وعند الشافعية
ان ذكر الأسابيع للاختيار لا للتعيين فنقل الرافعي أنه يدخل وقتها بالولادة قال وذكر السابع
في الخبر بمعنى أن لا تؤخر عنه اختيارا ثم قال والاختيار أن لا تؤخر عن البلوغ فان أخرت عن
البلوغ سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه لكن ان أراد أن يعق عن نفسه فعل وأخرج ابن أبي
شيبة عن محمد بن سيرين قال لو أعلم انى لم يعق عنى لعققت عن نفسي واختاره القفال ونقل
عن نص الشافعي في البويطي أنه لا يعق عن كبير وليس هذا نصا في منع أن يعق الشخص عن
نفسه بل يحتمل أن يريد أن لا يعق عن غيره إذا كبر وكأنه أشار بذلك إلى أن الحديث الذي ورد أن
النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة لا يثبت وهو كذلك فقد أخرجه البزار من رواية
عبد الله بن محرر وهو بمهملات عن قتادة عن أنس قال البزار تفرد به عبد الله وهو ضعيف اه‍
وأخرجه أبو الشيخ من وجهين آخرين أحدهما من رواية إسماعيل بن مسلم عن قتادة وإسماعيل
ضعيف أيضا وقد قال عبد الرزاق انهم تركوا حديث عبد الله بن محرر من أجل هذا الحديث
فلعل إسماعيل سرقه منه ثانيهما من رواية أبى بكر المستملى عن الهيثم بن جميل وداود بن المحبر قالا
حدثنا عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس وداود ضعيف لكن الهيثم ثقة وعبد الله من رجال
البخاري فالحديث قوى الاسناد وقد أخرجه محمد بن عبد الملك بن أيمن عن إبراهيم بن إسحاق
السراج عن عمرو الناقد وأخرجه الطبراني في الأوسط عن أحمد بن مسعود كلاهما عن الهيثم
ابن جميل وحده به فلولا ما في عبد الله بن المثنى من المقال لكان هذا الحديث صحيحا لكن قد قال
ابن معين ليس بشئ وقال النسائي ليس بقوى وقال أبو داود لا أخرج حديثه وقال الساجي فيه
ضعف لم يكن من أهل الحديث روى مناكير وقال العقيلي لا يتابع على أكثر حديثه قال ابن
حبان في الثقات ربما أخطأ ووثقه العجلي والترمذي وغيرهما فهذا من الشيوخ الذين إذا
انفرد أحدهم بالحديث لم يكن حجة وقد مشى الحافظ الضياء على ظاهر الاسناد فأخرج هذا
الحديث في الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين ويحتمل أن يقال إن صح هذا الخبر كان من
خصائصه صلى الله عليه وسلم كما قالوا في تضحيته عمن لم يضح من أمته وعند عبد الرزاق عن
معمر عن قتادة من لم يعق عنه أجزأته أضحيته وعند ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين والحسن
يجزئ عن الغلام الأضحية من العقيقة وقوله يوم السابع أي من يوم الولادة وهل يحسب يوم
الولادة قال ابن عبد البر نص مالك على أن أول السبعة اليوم الذي يلي يوم الولادة الا ان ولد قبل
طلوع الفجر وكذا نقله البويطي عن الشافعي ونقل الرافعي وجهين ورجح الحسبان واختلف
ترجيح النووي وقوله يذبح بالضم على البناء للمجهول فيه أنه لا يتعين الذابح وعند الشافعية
يتعين من تلزمه نفقة المولود وعن الحنابلة يتعين الأب الا ان تعذر بموت أو امتناع قال الرافعي
وكأن الحديث أنه صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين مؤل قال النووي يحتمل أن
يكون أبواه حينئذ كانا معسرين أو تبرع بإذن الأب أو قوله عق أي أمر أو هو من خصائصه صلى
الله عليه وسلم كما ضحى عمن لم يضح من أمته وقد عده بعضهم من خصائصه ونص مالك على أنه
514

يعق عن اليتيم من ماله ومنعه الشافعية وقوله ويحلق رأسه أي جميعه لثبوت النهى عن القزع
كما سيأتي في اللباس وحكى الماوردي كراهة حلق رأس الجارية وعن بعض الحنابلة يحلق وفى
حديث على عند الترمذي والحاكم في حديث العقيقة عن الحسن والحسين يا فاطمة احلقي رأسه
وتصدقي بزنة شعره قال فوزناه فكان درهما أو بعض درهم وأخرج أحمد من حديث أبي رافع
لما ولدت فاطمة حسنا قالت يا رسول الله ألا أعق عن ابني بدم قال لا ولكن احلقي رأسه وتصدقي
بوزن شعره فضة ففعلت فلما ولدت حسينا فعلت مثل ذلك قال شيخنا في شرح الترمذي يحمل
على أنه صلى الله عليه وسلم كان عق عنه ثم استأذنته فاطمة أن تعق هي عنه أيضا فمنعها (قلت)
ويحتمل أن يكون منعها لضيق ما عندهم حينئذ فأرشدها إلى نوع من الصدقة أخف ثم تيسر له
عن قرب ما عق به عنه وعلى هذا فقد يقال يختص ذلك بمن لم يعق عنه لكن أخرج سعيد بن
منصور من مرسل أبى جعفر الباقر صحيحا أن فاطمة كانت إذا ولدت ولدا حلقت شعره وتصدقت
بزنته ورقا واستدل بقوله يذبح ويحلق ويسمى بالواو على أنه لا يشترط الترتيب في ذلك وقد
وقع في رواية لأبي الشيخ في حديث سمرة يذبح يوم سابعه ثم يحلق وأخرج عبد الرزاق عن ابن
جريج يبدأ بالذبح قبل الحلق وحكى عن عطاء عكسه ونقله الروياني عن نص الشافعي وقال
البغوي في التهذيب يستحب الذبح قبل الحلق وصححه النووي في شرح المهذب والله أعلم
* (قوله باب الفرع) بفتح الفاء والراء بعدها مهملة ذكر فيه حديث أبي هريرة
لا فرع ولا عتيرة من رواية عبد الله وهو ابن المبارك عن معمر حدثنا الزهري وفيه تفسير الفرع
والتعيرة وظاهره الرفع ووقع في المحكم أن الفرع أول نتاج الإبل والغنم كان أهل الجاهلية
يذبحوه لأصنامهم والفرع ذبح كانوا إذا بلغت الإبل ما تمناه صاحبها ذبحوه وكذلك إذا بلغت
الإبل مائة يعتر منها بعيرا كل عام ولا يأكل منه هو ولا أهل بيته والفرع أيضا طعام يصنع لنتاج
الإبل كالخرس للولادة وسيأتى القول في العتيرة آخر الباب الذي يليه ويؤخذ من هذا مناسبة
ذكر البخاري حديث الفرع مع العقيقة ثم قال * (باب العتيرة * وذكر فيه
الحديث بعينه من رواية سفيان وهو ابن عيينة عن الزهري ووقع في رواية الحميدي عن
سفيان حدثنا الزهري وأخرجه أبو نعيم من طريقه وشذ ابن أبي عمر فرواه عن سفيان عن زيد
ابن أسلم عن أبيه عن ابن عمر أخرجه ابن ماجة وقال إنه من فرائد ابن أبي عمر (قوله ولا عتيرة) بفتح
المهملة وكسر المثناة بوزن عظيمة قال القزاز سميت عتيرة بما يفعل من الذبح وهو العتر فهي
فعيلة بمعنى مفعولة هكذا جاء بلفظ النفي والمراد به النهى وقد ورد بصيغة النهى في رواية
للنسائي وللإسماعيلي بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية لأحمد لا فرع
ولا عتيرة في الاسلام (قوله قال والفرع) لم يتعين هذا القائل هنا ووقع في رواية مسلم من
طريق عبد الرزاق عن معمر موصولا التفسير بالحديث ولابى داود من رواية عبد الرزاق عن
معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال الفرع أول النتاج الحديث جعله موقوفا على سعيد
ابن المسيب وقال الخطابي أحسب التفسير فيه من قول الزهري (قلت) قد أخرج أبو قرة في السنن
الحديث عن عبد المجيد بن أبي داود عن معمر وصرح في روايته أن تفسير الفرع والعتيرة من قول
الزهري والله أعلم (قوله أول النتاج) في رواية الكشميني نتاج بغر ألف ولام وهو بكسر النون
515

بعدها مثناة خفيفة وآخره جيم (قوله كان ينتج لهم) بضم أوله وفتح ثالثة يقال نتجت الناقة بضم
النون وكسر المثناة إذا ولدت ولا يستعمل هذا الفعل الا هكذا وإن كان مبنيا للفاعل (قوله
كانوا يذبحونه لطواغيتهم) زاد أبو داود عن بعضهم ثم يأكلونه ويلقى جلده على الشجر فيه
إشارة إلى علة النهى واستنبط الشافعي منه الجواز إذا كان الذبح لله جمعا بينه وبين حديث
الفرع حق وهو حديث أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم من رواية داود بن قيس عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر وكذا في رواية الحاكم سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن الفرع قال الفرع حق وأن تتركه حتى يكون بنت مخاض أو ابن لبون فتحمل عليه في
سبيل الله أو تعطيه أرملة خير من أن تذبحه يلصق لحمه بوبره وتوله ناقتك وللحاكم من طريق عمار
ابن أبي عمار عن أبي هريرة من قوله الفرعة حق ولا تذبحها وهى تلصق في يدك ولكن أمكنها من
اللبن حتى إذا كانت من خيار المال فاذبحها قال الشافعي فيما نقله البيهقي من طريق المزنى عنه
الفرع شئ كان أهل الجاهلية يذبحونه يطلبون به البركة في أموالهم فكان أحدهم يذبح بكر
ناقته أو شاته رجاء البركة فيما يأتي بعده فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمها فأعلمهم أنه
لا كراهة عليهم فيه وأمرهم استحبابا أن يتركوه حتى يحمل عليه في سبيل الله وقوله حق أي
ليس بباطل وهو كلام خرج على جواب السائل ولا مخالفة بينه وبين حديث الآخر لا فرع
ولا عتيرة فان معناه لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة وقال غيره معنى قوله لا فرع ولا عتيرة أي ليسا
في تأكد الاستحباب كالأضحية والأول أولى وقال النووي نص الشافعي في حرملة على أن الفرع
والعتيرة مستحبان ويؤيده ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه الحاكم وابن المنذر
عن نبيشة بنون وموحدة ومعجمة مصغر قال نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم انا كنا نعتر
عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا قال اذبحوا الله في أي شهر كان قال انا كنا نفرع في الجاهلية
قال في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه فان ذلك خير وفى
رواية أبى داود عن أبي قلابة السائمة مائة ففي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يبطل الفرع
والعتيرة من أصلهما وانما أبطل صفة من كل منهما فمن الفرع كونه يذبح أول ما يولد ومن
العتيرة خصوص الذبح في شهر رجب وأما الحديث الذي أخرج أصحاب السنن من طريق أبى
رملة (1) عن مخنف بن محمد بن سليم قال كنا وقوفا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فسمعته يقول
يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة هل تدرون ما العتيرة هي التي يسمونها
الرجبية فقد ضعفه الخطابي لكن حسنه الترمذي وجاء من وجه آخر عن عبد الرزاق عن
مخنف بن سليم ويمكن رده إلى ما حمل عليه حديث نبيشة وروى النسائي وصححه الحاكم من
حديث الحرث بن عمرو أنه لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال رجل يا رسول الله
العتائر والفرائع قال من شاء عتر ومن شاء لم يعتر ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع وهذا صريح
في عدم الوجوب لكن لا ينفى الاستحباب ولا يثبته فيؤخذ الاستحباب من حديث آخر وقد
أخرج أبو داود من حديث أبي العشراء عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العتيرة
فحسنها وأخرج أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان من طريق وكيع بن عديس عن عمه أبى رزين
العقيلي قال قلت يا رسول الله انا كنا نذبح ذبائح في رجب فنأكل ونطعم من جاءنا فقال لا بأس به
516

قال وكيع بن عديس فلا أدعه وجزم أبو عبيد بأن العتيرة تستحب وفى هذا تعقب على من قال إن
ابن سيرين تفرد بذلك ونقل الطحاوي عن ابن عون أنه كان يفعله ومال ابن المنذر إلى هذا
وقال كانت العرب تفعلهما وفعلهما بعض أهل الاسلام بالاذن ثم نهى عنهما والنهى لا يكون
الا عن شئ كان يفعل وما قال أحد انه نهى عنهما ثم أذن في فعلهما ثم نقل عن العلماء تركهما
الا ابن سيرين وكذا ذكر عياض أن الجمهور على النسخ وبه جزم الحازمي وما تقدم نقله عن
الشافعي يرد عليهم وقد أخرج أبو داود والحاكم والبيهقي واللفظ له بسند صحيح عن عائشة أمرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرعة في كل خمسين واحدة (قوله والعتيرة في رجب) في رواية
الحميدي والعتيرة الشاة تذبح عن أهل بيت في رجب وقال أبو عبيد العتيرة هي الرجبية ذبيحة
كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب يتقربون بها لأصنامهم وقال غيره العتيرة نذر كانوا ينذرونه
من بلغ ماله كذا أن يذبح من كل عشرة منها رأسا في رجب وذكر ابن سيده أن العتيرة أن الرجل
كان يقول في الجاهلية ان بلغ أبلى مائة عترت منها عتيرة زاد في الصحاح في رجب ونقل أبو داود
تقييدها بالعشر الأول من رجب ونقل النووي الاتفاق عليه وفيه نظر * (خاتمة) * اشتمل
كتاب العقيقة وما معه من الفرع والعتيرة على اثنى عشر حديثا المعلق منها ثلاثة والبقية
موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية والخالص أربعة وافقه مسلم على تخريج حديث أنس
وأبي هريرة واختص بتخريج حديث سلمان وسمرة وفيه من الآثار قول سلمان في العقيقة
وتفسير الفرع والعتيرة والله أعلم * (قوله كتاب الذبائح والصيد) *
كذا لكريمة والأصيلي ورواية عن أبي ذر وفى أخرى له ولابى الوقت باب وسقط للنسفي وثبتت له
البسملة لاحقة ولابى الوقت سابقة * (قوله باب التسمية على الصيد) سقط باب
لكريمة والأصيلي وأبي ذر وثبت للباقين والصيد في الأصل مصدر صاد يصيد صيدا وعومل
معاملة الأسماء فأوقع على الحيوان المصاد (قوله وقول الله تعالى حرمت عليكم الميتة إلى قوله
فلا تخشوهم واخشون وقول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد)
كذا لأبي ذر وقدم وأخر في رواية كريمة والأصيلي وزاد بعد قوله الصيد تناله أيديكم ورماحكم
الآية إلى قوله عذاب أليم وعند النسفي من قوله أحلت لكم بهيمة الأنعام الآيتين وكذا لأبي
الوقت لكن قال إلى قوله فلا تخشوهم واخشون وفرقهما في رواية كريمة والأصيلي (قوله قال
ابن عباس العقود العهود ما أحل وحرم) وصله ابن أبي حاتم أتم منه من طريق علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس قال في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود يعنى بالعهود ما أحل الله وما
حرم وما فرض وما حد في القرآن ولا تغدروا ولا تنكثوا وأخرجه الطبري من هذا الوجه مفرقا
ونقل مثله عن مجاهد والسدي وجماعة ونقل عن قتادة المراد ما كان في الجاهلية من الحلف ونقل
عن غيره هي العقود التي يتعاقدها الناس قال والأول أولى لان الله أتبع ذلك البيان عما أحل
وحرم قال والعقود جمع عقد وأصل عقد الشئ بغيره وصله به كما يعقد الحبل بالحبل (قوله الا ما يتلى
517

عليكم الخنزير) وصله أيضا ابن أبي حاتم عنه من هذا الوجه بلفظ الا ما يتلى عليكم يعنى الميتة
والدم ولحم الخنزير (قوله يجرمنكم يحملنكم) يعنى قوله تعالى ولا يجرمنكم شنآن قوم أي
لا يحملنكم بغض قوم على العدوان وقد وصله ابن أبي حاتم أيضا من الوجه المذكور إلى ابن
عباس وحكى الطبري عن غيره غير ذلك لكنه راجع إلى معناه (قوله المنخنقة الخ) وصله البيهقي
بتمامه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال في آخره فما أدركته من هذا يتحرك له ذنب
أو تطرف له عين فاذبح واذكر اسم الله عليه فهو حلال وأخرجه الطبري من هذا الوجه بلفظ
المنخنقة التي تخنق فتموت والموقوذة التي تضرب بالخشب حتى يوقذها فتموت والمتردية التي تتردى
من الجبل والنطيحة الشاة تنطح الشاة وما أكل السبع ما أخذ السبع الا ما ذكيتم الا ما أدركتم
ذكاته من هذا كله يتحرك له ذنب أو تطرف له عين فاذبح واذكر اسم الله عليه فهو حلال ومن
وجه آخر عن ابن عباس أنه قرأ وأكيل السبع ومن طريق قتادة كل ما ذكر غير الخنزير إذا أدركت
منه عينا تطرف أو ذنبا يتحرك أو قائمة ترتكض فذكيته فقد أحل لك ومن طريق على نحو قول
ابن عباس ومن طريق قتادة كان أهل الجاهلية يضربون الشاة بالعصا حتى إذا ماتت أكلوها
قال والمتردية متردية التي تتردى في البئر (قوله حدثنا زكريا) هو ابن أبي زائدة وعامر هو الشعبي وهذا
السند كوفيون (قوله عن عدى بن حاتم) هو الطائي في رواية الإسماعيلي من طريق عيسى بن
يونس عن زكريا حدثنا عامر حدثنا عدى قال الإسماعيلي ذكرته بقوله حدثنا عامر حدثنا عدى
يشير إلى أن زكريا مدلس وقد عنعنه (قلت) وسيأتى في رواية عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي
سمعت عدى بن حاتم وفى رواية سعيد بن مسروق حدثني الشعبي سمعت عدى بن حاتم وكان
لنا جارا ودخيلا وربيطا بالنهرين أخرجه مسلم وأبوه حاتم هو المشهور بالجود وكان هو أيضا
جوادا وكان اسلامه سنة الفتح وثبت هو وقومه على الاسلام وشهد الفتوح بالعراق ثم كان مع علي
وعاش إلى سنة ثمان وستين (قوله المعراض) بكسر الميم وسكون المهملة وآخره معجمة قال
الخليل وتبعه جماعة سهم لا ريش له ولا نصل وقال ابن دريد وتبعه ابن سيده سهم طويل له أربع
قذذ رقاق فإذا رمى به اعترض وقال الخطابي المعراض نصل عريض له ثقل ورزانة وقيل عود
رقيق الطرفين غليظ الوسط وهو المسمى بالحذافة وقيل خشبة ثقيلة آخرها عصا محدد رأسها
وقد لا يحدد وقوى هذا الأخير النووي تبعا لعياض وقال القرطبي انه المشهور وقال ابن التين
المعراض عصا في طرفها حديدة يرمى الصائد بها الصيد فما أصاب بحده فهو ذكى فيؤكل وما
أصاب بغير حده فهو وقيذ (قوله وما أصاب بعرضه فهو وقيذ) في رواية ابن أبي السفر عن الشعبي
في الباب الذي يليه بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل وقيذ بالقاف وآخره ذال معجمة وزن عظيم
فعيل بمعنى مفعول وهو ما قتل بعصا أو حجر أو ما لا حد له والموقوذة تقدم تفسيرها وانها التي
تضرب بالخشبة حتى تموت ووقع في رواية همام بن الحرث عن عدى الآتية بعد باب قلت انا
نرمي بالمعراض قال كل ما خزق وهو بفتح المعجمة والزاي بعدها قاف إلى نفذ يقال سهم خازق أي
نافذ ويقال بالسين المهملة بدل الزاي وقيل الخزق بالزاي وقيل تبدل سينا الخدش ولا يثبت فيه
فان قيل بالراء فهو أن يثقبه وحاصله أن السهم وما في معناه إذا أصاب الصيد بحده حل وكانت
تلك ذكاته وإذا اصابه بعرضه لم يحل لأنه في معنى الخشبة الثقيلة والحجر ونحو ذلك من المثقل
518

وقوله بعرضه بفتح العين أي بغير طرفه المحدد وهو حجة للجمهور في التفصيل المذكور وعن
الأوزاعي وغيره من فقهاء الشام حل ذلك وسيأتى في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى (قوله
وسألته عن صيد الكلب فقال ما أمسك عليك فكل فان أخذ الكلب ذكاة) في رواية ابن أبي
السفر إذا أرسلت كلبك فسميت فكل وفى رواية بيان بن عمرو عن الشعبي الآتية بعد أبواب
إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك والمراد بالمعلمة التي إذا أغراها
صاحبا على الصيد طلبته وإذا زجرها انزجرت وإذا أخذت الصيد حبسته على صاحبها وهذا
الثالث مختلف في اشتراطه واختلف متى يعلم ذلك منها فقال البغوي في التهذيب أقله ثلاث
مرات وعن أبي حنيفة وأحمد يكفي مرتين وقال الرافعي لم يقدره المعظم لاضطراب العرف
واختلاف طباع الجوارح فصار المرجع إلى العرف ووقع في رواية مجالد عن الشعبي عن عدى
في هذا الحديث عند أبي داود والترمذي اما الترمذي فلفظه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن صيد البازي فقال ما أمسك عليك فكل واما أبو داود فلفظه ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته
وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك قلت وان قتل قال إذا قتل ولم يأكل منه قال الترمذي
والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بصيد الباز والصقور بأسا اه‍ وفى معنى الباز الصقر
والعقاب والباشق والشاهين وقد فسر مجاهد الجوارح في الآية بالكلاب والطيور وهو قول
الجمهور الا ما روى عن ابن عمر وابن عباس من التفرقة بين صيد الكلب والطير (قوله إذا أرسلت
كلابك المعلمة فان وجدت مع كلبك كلبا غيره) في رواية بيان وان خالطها كلاب من غيرها فلا
تأكل وزاد في روايته بعد قوله مما أمسكن عليك وان قتلن الا أن يأكل الكلب فانى أخاف
أن يكون انما أمسك على نفسه وفى رواية ابن أبي السفر قلت فان أكل قال فلا تأكل فإنه
لم يمسك عليك انما أمسك على نفسه وسيأتى بعد أبواب زيادة في رواية عاصم عن الشعبي في
رمى الصيد إذا غاب عنه ووجده بعد يوم أو أكثر وفى الحديث اشتراط التسمية عند الصيد
وقد وقع في حديث أبي ثعلبة كما سيأتي بعد أبواب وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل
وقد أجمعوا على مشروعيتها الا أنهم اختلفوا في كونها شرطا في حل الاكل فذهب الشافعي
وطائفة وهى رواية عن مالك وأحمد أنها سنة فمن تركها عمدا أو سهوا لم يقدح في حل الاكل
وذهب أحمد في الراجح عنه وأبو ثور وطائفة إلى أنها واجبة لجعلها شرطا في حديث عدى
ولايقاف الاذن في الاكل عليها في حديث أبي ثعلبة والمعلق بالوصف ينتفى عند انتفائه عند من
يقول بالمفهوم والشرط أقوى من الوصف ويتأكد القول بالوجوب بأن الأصل تحريم الميتة
وما أذن فيه منها تراعى صفته فالمسمى عليها وافق الوصف وغير المسمى باق على أصل التحريم
وذهب أبو حنيفة ومالك والثوري وجماهير العلماء إلى الجواز لمن تركها ساهيا لا عمدا لكن
اختلف عن المالكية هل تحرم أو تكره وعند الحنفية تحرم وعند الشافعية في العمد ثلاثة أوجه
أصحها يكره الاكل وقيل خلاف الأولى وقيل يأثم بالترك ولا يحرم الاكل والمشهور عن أحمد
التفرقة بين الصيد والذبيحة فذهب في الذبيحة إلى هذا القول الثالث وسيأتى حجة من لم يشترطه
فيها في الذبائح مفصلة وفيه إباحة الاصطياد بالكلاب المعلمة واستثنى أحمد واسحق الكلب
الأسود وقالا لا يحل الصيد به لأنه شيطان ونقل عن الحسن وإبراهيم وقتادة نحو ذلك وفيه جواز
519

أكل ما أمسكه الكلب بالشروط المتقدمة ولو لم يذبح لقوله ان أخذ الكلب ذكاة فلو قتل الصيد
بظفره أو نابه حل وكذا بثقله على أحد القولين للشافعي وهو الراجح عندهم وكذا لو لم يقتله الكلب
لكن تركه وبه رمق ولم يبق زمن يمكن صاحبه فيه لحاقه وذبحه فمات حل لعموم قوله فان أخذ
الكلب ذكاة وهذا في المعلم فلو وجده حيا حياة مستقرة وأدرك ذكاته لم يحل الا بالتذكية فلو لم
يذبحه مع الامكان حرم سواء كان عدم الذبح اختيارا أو اضطرارا كعدم حضور آلة الذبح فإن كان
الكلب غير معلم اشترط ادراك تذكيته فلو أدركه ميتا لم يحل وفيه أنه لا يحل أكل ما شاركه
فيه كلب آخر في اصطياده ومحله ما إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة فان تحقق
أنه أرسله من هو من أهل الذكاة حل ثم ينظر فان أرسلاهما معا فهو لهما والا فللأول ويؤخذ ذلك
من التعليل في قوله فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره فإنه يفهم منه أن المرسل لو سمى على
الكلب لحل ووقع في رواية بيان عن الشعبي وان خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل فيؤخذ
منه أنه لو وجده حيا وفيه حياة مستقرة فذكاه حل لان الاعتماد في الإباحة على التذكية لا على
امساك الكلب وفيه تحريم أكل الصيد الذي أكل الكلب منه ولو كان الكلب معلما وقد
علل في الحديث بالخوف من أنه انما أمسك على نفسه وهذا قول الجمهور وهو الراجح من قولي
الشافعي وقال في القديم وهو قول مالك ونقل عن بعض الصحابة يحل واحتجوا بما ورد في حديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال يا رسول الله ان لي كلابا مكلبة
فأفتني في صيدها قال كل مما أمسكن عليك قال وان أكل منه قال وان أكل منه أخرجه أبو داود
ولا بأس بسنده وسلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقا منها للقائلين بالتحريم حمل حديث أبي
ثعلبة على ما إذا قتله وخلاه ثم عاد فأكل منه ومنها الترجيح فرواية عدى في الصحيحين متفق على
صحتها ورواية أبى ثعلبة المذكورة في غير الصحيحين مختلف في تضعيفها وأيضا فرواية عدى
صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الامساك على نفسه متأيدة بأن الأصل في
الميتة التحريم فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل وظاهر القرآن أيضا وهو قوله
تعالى فكلوا مما أمسكن عليكم فان مقتضاها أن الذي يمسكه من غير ارسال لا يباح ويتقوى أيضا
بالشاهد من حديث ابن عباس عند أحمد إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد فلا تأكل فإنما أمسك
على نفسه وإذا أرسلته فقتل ولم يأكل فكل فإنما أمسك على صاحبه وأخرجه البزار من وجه
آخر عن ابن عباس وابن أبي شيبة من حديث أبي رافع بمعناه ولو كان مجرد الامساك كافيا
لما احتيج إلى زيادة عليكم ومنها للقائلين بالإباحة حمل حديث عدى على كراهة التنزيه وحديث أبي
ثعلبة على بيان الجواز قال بعضهم ومناسبة ذلك أن عديا كان موسرا فاختير له الحل على
الأولى بخلاف أبى ثعلبة فإنه كان بعكسه ولا يخفى ضعف هذا التمسك مع التصريح بالتعليل
في الحديث بخوف الامساك على نفسه وقال ابن التين قال بعض أصحابنا هو عام فيحمل على
الذي أدركه ميتا من شدة العدو أو من الصدمة فأكل منه لأنه صار على صفة لا يتعلق بها الارسال
ولا الامساك على صاحبه قال ويحتمل أن يكون معنى قوله فان أكل فلا تأكل أي لا يوجد منه
غير مجرد الاكل دون ارسال الصائد له وتكون هذه الجملة مقطوعة عما قبلها ولا يخفى تعسف
هذا وبعده وقال ابن القصار مجرد ارسالنا الكلب امساك علينا لان الكلب لا نية له ولا يصح
520

منه ميزها وانما يتصيد بالتعليم فإذا كان الاعتبار بان يمسك علينا أو على نفسه واختلف الحكم
في ذلك وجب أن يتميز ذلك بنية من له نية وهو مرسله فإذا أرسله فقد أمسك عليه وإذا لم يرسله
لم يمسك عليه كذا قال ولا يخفى بعده أيضا ومصادمته لسياق الحديث وقد قال الجمهور ان معنى
قوله أمسكن عليكم صدن لكم وقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه أمسك لنفسه
لا لصاحبه فلا يعدل عن ذلك وقد وقع في رواية لابن أبي شيبة ان شرب من دمه فلا تأكل فإنه
لم يعلم ما علمته وفى هذا إشارة إلى أنه إذا شرع في أكله دل على أنه ليس بمعلم التعليم المشترط وسلك
بعض المالكية الترجيح فقال هذه اللفظة ذكرها الشعبي ولم يذكرها همام وعارضها حديث أبي
ثعلبة وهذا ترجيح مردود لما تقدم وتمسك بعضهم بالاجماع على جواز أكله إذا أخذه
الكلب بفيه وهم بأكله فأدرك قبل أن يأكل قال فلو كان أكله منه دالا على أنه أمسك على
نفسه لكان تناوله بفيه وشروعه في أكله كذلك ولكن يشترط أن يقف الصائد حتى ينظر هل
يأكل أو لا والله أعلم وفيه إباحة الاصطياد للانتفاع بالصيد للأكل والبيع وكذا اللهو بشرط
قصد التذكية والانتفاع وكرهه مالك وخالفه الجمهور قال الليث لا أعلم حقا أشبه بباطل منه فلو لم
يقصد الانتفاع به حرم لأنه من الفساد في الأرض باتلاف نفس عبثا وينقدح أن يقال يباح فان
لازمه وأكثر منه كره لأنه قد يشغله عن بعض الواجبات وكثير من المندوبات وأخرج الترمذي
من حديث ابن عباس رفعه من سكن البادية جفا ومن ابتع الصيد غفل وله شاهد عن أبي
هريرة عند الترمذي أيضا وآخر عند الدارقطني في الافراد من حديث البراء بن عازب وقال تفرد
به شريك وفيه جواز اقتناء الكلب المعلم الصيد وسيأتى البحث فيه في حديث من اقتنى كلبا واستدل
به على جواز بيع كلب الصيد للإضافة في قوله كلبك وأجاب من منع بأنها إضافة اختصاص
واستدل به على طهارة سؤر كلب الصيد دون غيره من الكلاب للاذن في الاكل من الموضع
الذي أكل منه ولم يذكر الغسل ولو كان واجبا لبينه لأنه وقت الحاجة إلى البيان وقال بعض
العلماء يعفى عن معض الكلب ولو كان نجسا لهذا الحديث وأجاب من قال بنجاسته بأن وجوب
الغسل كان قد اشتهر عندهم وعلم فاستغنى عن ذكره وفيه نظر وقد يتقوى القول بالعفو لأنه
بشدة الجري يجف ريقه فيؤمن معه ما يخشى من إصابة لعابه موضع العض واستدل بقوله كل
ما أمسك عليك بأنه لو أرسل كلبه على صيد فاصطاد غيره حل للعموم الذي في قوله ما أمسك وهذا
قول الجمهور وقال مالك لا يحل وهو رواية البويطي عن الشافعي * (تنبيه) * قال ابن
المنير ليس في جميع ما ذكر من الآى والأحاديث تعرض للتسمية المترجم عليها الا آخر حديث
عدى فكأنه عده بيانا لما أجملته الأدلة من التسمية وعند الأصوليين خلاف في المجمل إذا اقترنت
به قرينة لفظية مبينة هل يكون ذلك الدليل المجمل معها أو إياها خاصة انتهى وقوله الأحاديث
يوهم أن في الباب عدة أحاديث وليس كذلك لأنه لم يذكر فيه الا حديث عدى نعم ذكر فيه تفاسير
ابن عباس فكأنه عدها أحاديث وبحثه في التسمية المذكورة في آخر حديث عدى مردود
وليس ذلك مراد البخاري وانما جرى على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي
يورده وقد أورد البخاري بعده بقليل من طريق ابن أبي السفر عن الشعبي بلفظ إذا أرسلت
كلبك وسميت فكل ومن رواية بيان عن الشعبي إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله
521

فكل فلما كان الاخذ بقيد المعلم متفقا عليه وان لم يذكر في الطريق الأولى كانت التسمية كذلك
والله أعلم * (قوله باب صيد المعراض) تقدم تفسيره في الذي قبله (قوله وقال
ابن عمر في المقتولة بالبندقة تلك الموقوذة وكرهه سالم والقاسم ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن)
أما أثر ابن عمر فوصله البيهقي من طريق أبى عامر العقدي عن زهير هو ابن محمد عن زيد بن أسلم عن
ابن عمر أنه كان يقول المقتولة بالبندقة تلك الموقوذة وأخرج ابن أبي شيبة من طريق نافع عن ابن
عمر أنه كان لا يأكل ما أصابت البندقة ولمالك في الموطأ عن نافع رميت طائرين بحجر فأصبتهما
فأما أحدهما فمات فطرحه ابن عمر وأما سالم وهو ابن عبد الله بن عمر والقاسم وهو ابن محمد بن أبي
بكر الصديق فأخرج ابن أبي شيبة عن الثقفي عن عبيد الله بن عمر عنهما أنهما كانا يكرهان
البندقة الا ما أدركت ذكاته ولمالك في الموطأ انه بلغه أن القاسم بن محمد كان يكره ما قتل
بالمعراض والبندقة وأما مجاهد فاخرج ابن أبي شيبة من وجهين أنه كرهه زاد في أحدهما لا تأكل
الا أن يذكى وأما إبراهيم وهو النخعي فأخرج ابن أبي شيبة من رواية الأعمش عنه لا تأكل
ما أصبت بالبندقة الا أن يذكى وأما عطاء فقال عبد الرزاق عن ابن جريج قال عطاء ان رميت
صيدا ببندقة فأدركت ذكاته فكله والا فلا تأكله وأما الحسن وهو البصري فقال ابن أبي شيبة
حدثنا عبد الاعلى عن هشام عن الحسن إذا رمى الرجل الصيد بالجلاهقة فلا تأكل الا أن تدرك
ذكاته والجلاهقة بضم الجيم وتشديد اللام وكسر الهاء بعدها قاف هي البندقة بالفارسية
والجمع جلاهق (قوله وكره الحسن رمى البندقة في القرى والامصار ولا يرى به بأسا فيما سواه)
وصله ثم ذكر حديث عدى بن حاتم من طريق عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي وقد تقدم
شرحه مستوفى في الباب الذي قبله * (قوله باب ما أصاب المعراج بعرضه) ذكر فيه
حديث عدى بن حاتم من طريق همام بن الحرث عنه مختصرا وقد بينت ما فيه في الباب الأول
* (قوله باب صيد القوس) القوس معروفة وهى مركبة وغير مركبة ويطلق
لفظ القوس أيضا على الثمر الذي يبقى في أسفل النخلة 2 وليس مرادا هنا (قوله وقال الحسن
وإبراهيم إذا ضرب صيدا فبأن منه يد أو رجل لا تأكل الذي بان وكل سائره) في رواية الكشميهني
ويأكل سائره أما أثر الحسن فوصله ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الحسن قال في رجل ضرب
صيدا فأبان منه يدا أو رجلا وهو حي ثم مات قال لا تأكله ولا تأكل ما بان منه الا أن تضربه
فتقطعه فيموت من ساعته فإذا كان كذلك فليأكله وقوله في الأصل سائره يعنى باقيه وأما
أثر إبراهيم فرويناه من روايته لا من رأيه لكنه لم يتعقبه فكأنه رضيه وقال ابن أبي شيبة
حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال إذا ضرب الرجل الصيد فبأن
منه عضو ترك ما سقط وأكل ما بقى قال ابن المنذر اختلفوا في هذه المسئلة فقال ابن عباس
وعطاء لا يأكل العضو منه وذك الصيد وكله وقال عكرمة ان عدا حيا بعد سقوط العضو منه فلا
تأكل العضو وذك الصيد وكله وان مات حين ضربه فكله كله وبه قال الشافعي وقال لا فرق أن
ينقطع قطعتين أو أقل إذا مات من تلك الضربة وعن الثوري وأبي حنيفة ان قطعة نصفين أكلا
جميعا وان قطع الثلث مما يلي الرأس فكذلك ومما يلي العجز أكل الثلثين مما يلي الرأس ولا يأكل
522

الثلث الذي يلي العجز (قوله وقال إبراهيم) هو النخعي (إذا ضربت عنقه أو وسطه) هو بفتح
المهملة واما الوسط بالسكون فهو المكان (قوله وقال الأعمش عن زيد استعصى على رجل من
آل عبد الله حمار الخ) وصله ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن الأعمش عن زيد بن وهب قال
سئل ابن مسعود عن رجل ضرب رجل حمار وحشى فقطعها فقال دعوا ما سقط وذكوا ما بقى
وكلوه فيستفاد منه نسبة زيد وانه ابن وهب التابعي الكبير وأن عبد الله هو ابن مسعود وأن
الحمار كان حمار وحش وأما الرجل الذي من آل ابن مسعود فلم أعرف اسمه وقد ردد ابن التين في
شرحه النظر هل هو حمار وحشى أو أهلي وشرح في حكاية الخلاف عن المالكية في الحمار الأهلي
ومطابقة هذه الآثار لحديث الباب من جهة اشتراط الذكاة في قوله فأدركت ذكاته فكل فان
مفهومه أن الصيد إذا مات بالصدمة من قبل أن يدرك ذكاته لا يؤكل قال ابن بطال أجمعوا على
أن السهم إذا أصاب الصيد فجرحه جاز أكله ولم لم يدر على مات بالجرح أو من سقوطه في الهواء
أو من وقوعه على الأرض وأجمعوا على أنه لو وقع على جبل مثلا فتردى منه فمات لا يؤكل وان
السهم إذا لم ينفذ مقاتله لا يؤكل الا إذا أدركت ذكاته وقال ابن التين إذا قطع من الصيد ما لا
يتوهم حياته بعده فكأنه أنفذه بتلك الضربة فقامت مقام التذكية وهذا مشهور مذهب مالك
وغيره (قوله حدثنا عبد الله بن يزيد) هو المقرى وحياة هو ابن شريح (قوله عن أبي ثعلبة
الخشى) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين ثم نون نسبة إلى بنى خشين بطن من النمر بن وبرة بن تغلب
بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة
(قوله قلت يا نبي الله انا بأرض قوم أهل كتاب) يعنى بالشام وكان جماعة من قبائل العرب قد سكنوا
الشام وتنصروا منهم آل غسان وتنوخ وبهز أو بطون من قضاعة منهم بنو خشين آل أبي ثعلبة
واختلف في اسم أبى ثعلبة فقيل جرثوم وهو قول الأكثر وقيل جرهم وقيل ناشب وقيل جرثم
وهو كالأول لكن بغير اشباع وقيل جرثومة وهو كالأول لكن بزيادة هاء وقيل غرنوق وقيل ناشر
وقيل لاشر وقيل لاش وقيل لاشن وقيل لاشومة واختلف في اسم أبيه فقيل عمرو وقيل ناشب
وقيل ناسب بمهملة وقيل بمعجمة وقيل ناشر وقيل لاشر وقيل لاش وقيل الاشن وقيل لاشم
وقيل لاسم وقيل جلهم وقيل حمير وقيل جرهم وقيل جرثوم ويجتمع من اسمه واسم أبيه
بالتركيب أقوال كثيرة جدا وكان اسلامه قبل خيبر وشهد بيعة الرضوان وتوجه إلى قومه
فاسلموا وله أخ يقال له عمرو أسلم أيضا (قوله في آنيتهم) جمع اناء والأواني جمع آنية وقد وقع الجواب
عنه فان وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وان لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها فتمسك بهذا الامر من
رأى أن استعمال آنية أهل الكتاب تتوقف على الغسل لكثرة استعمالهم النجاسة ومنهم من
يتدين بملابستها قال ابن دقيق العيد وقد اختلف الفقهاء في ذلك بناء على تعارض الأصل والغالب
واحتج من قال بما دل عليه هذا الحديث بان الظن المستفاد من الغالب راجح على الظن المستفاد
من الأصل وأجاب من قال بأن الحكم للأصل حتى تتحقق النجاسة بجوابين أحدهما أن الامر
بالغسل محمول على الاستحباب احتياطا جمعا بينه وبين ما دل على التمسك بالأصل والثاني أن المراد
بحديث أبى ثعلبة حال من يتحقق النجاسة فيه ويؤيده ذكر المجوس لان أوانيهم نجسة لكونهم
لا تحل ذبائحهم وقال النووي المراد بالآنية في حديث أبي ثعلبة آنية من يطبخ فيها لحم الخنزير
523

ويشرب فيها الخمر كما وقع التصريح به في رواية أبى داود انا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون
في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر فقال فذكر الجواب وأما الفقهاء فمرادهم مطلق
آنية الكفار التي ليست مستعملة في النجاسة فإنه يجوز استعمالها ولو لم تغسل عندهم وإن كان
الأولى الغسل للخروج من الخلاف لا لثبوت الكراهة في ذلك ويحتمل أن يكون استعمالها بلا
غسل مكروها بناء على الجواب الأول وهو الظاهر من الحديث وأن استعمالها مع الغسل
رخصة إذا وجد غيرها فإن لم يجد جاز بلا كراهة للنهي عن الاكل فيها مطلقا وتعليق الاذن
على عدم غيرها مع غسلها وتمسك بهذا بعض المالكية لقولهم انه يتعين كسر آنية الخمر على كل
حال بناء على أنها لا تطهر بالغسل واستدل بالتفصيل المذكور لان الغسل لو كان مطهرا لها لما
كان للتفصيل معنى وتعقب بأنه لم ينحصر في كون العين تصير نجسة بحيث لا تطهر أصلا بل يحتمل
أن يكون التفصيل للاخذ بالأولى فان الاناء الذي يطبخ فيه الخنزير يستقذر ولو غسل كما يكره
الشرب في المحجمة ولو غسلت استقذارا ومشى ابن حزم على طاهريته فقال لا يجوز استعمال آنية
أهل الكتاب الا بشرطين أحدهما أن لا يجد غيرها والثاني غسلها وأجيب بما تقدم من أن أمره
بالغسل عند فقد غيرها دال على طهارتها بالغسل والامر باجتنابها عند وجود غيرها للمبالغة في
التنفير عنها كما في حديث سلمة الآتي بعد في الامر بكسر القدور التي طبخت فيه الميتة فقال رجل
أو نغسلها فقال أو ذاك فأمر بالكسر للمبالغة في التنفير عنها ثم أذن في الغسل ترخيصا فكذلك
يتجه هذا هنا والله أعلم * (قوله وبأرض صيد أصيد بقوس) فقال في جوابه وما صدت بقوسك
وذكرت اسم الله فكل تمسك به من أوجب التسمية على الصيد وعلى الذبيحة وقد تقدمت
مباحثه في الحديث الذي قبله وكذا تقدمت مباحث السؤال الثالث وهو الصيد بالكلب وقوله
فكل وقع مفسرا في رواية أبى داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا
يقال له أبو ثعلبة قال يا رسول الله ان لي كلابا مكلبة الحديث وفيه واقتنى في قوسي قال كل ما ردت
عليك قوسك ذكيا وغير ذكى قال وان تغيب عنى قال وان تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثرا
غير سهمك وقوله تصل بصاد مهملة مكسورة ولام ثقيلة أي ينتن وسيأتى مباحث هذا الحديث
بعد ثلاثة أبواب في باب الصيد إذا غاب يومين أو ثلاثة وفى الحديث من الفوائد جمع المسائل
وايرادها دفعة واحدة وتفصيل الجواب عنها واحدة واحدة بلفظ أما وأما * (قوله باب
الخذف والبندقة) أما الخذف فسيأتي تفسيره في الباب وأما البندقة معروفة تتخذ من طين
وتيبس فيرمى بها وقد تقدمت أشياء تتعلق بها في باب صيد المعراض (قوله حدثني يوسف
ابن راشد) وهو يوسف بن موسى بن راشد بن بلال القطان الرازي نزيل بغذاذ نسبه البخاري
إلى جده وفى طبقته يوسف بن موسى التستري نزيل الري فلعل البخاري كان يخشى أن يلتبس
به (قوله واللفظ ليزيد) قلت قد أخرج أحمد الحديث عن وكيع مقتصرا على المتن دون
القصة وأخرجه الإسماعيلي من رواية يحيى القطان ووكيع كلاهما عن كهمس مقرونا
وقال إن السياق ليحيى والمعنى واحد (قوله أنه رأى رجلا) لم أقف على اسمه ووقع في رواية
مسلم من رواية معاذ بن معاذ عن كهمس رأى رجلا من أصحابه وله من رواية سعيد بن جبير عن
عبد الله بن مغفل أنه قريب لعبد الله بن مغفل (قوله يخذف) بخاء معجمة وآخره فاء أي يرمى
524

بحصاة أو نواة بين سبابتيه أو بين الابهام والسبابة أو على ظاهر الوسطى وباطن الابهام وقال ابن
فارس خذفت الحصاة رميتها بين أصبعيك وقيل في حصى الخذف أن يجعل الحصاة بين السبابة
من اليمنى والابهام من اليسرى ثم يقذفها بالسبابة من اليمين وقال ابن سيده خذف بالشئ
يخذف فارسي وخص بعضهم به الحصى قال والمخذفة التي يوضع فيها الحجر ويرمى بها الطير ويطلق
على المقلاع أيضا قاله في الصحاح (قوله نهى عن الخذف أو كان يكره الخذف) في رواية أحمد عن
وكيع نهى عن الخذف ولم يشك وأخرجه عن محمد بن جعفر عن كهمس بالشك وبين ان الشك
من كهمس (قوله إنه لا يصاد به صيد) قال المهلب أباح الله الصيد على صفة فقال تناله أيديكم
ورماحكم وليس الرمي بالبندقة ونحوها من ذلك وانما هو وقيذ وأطلق الشارع أن الخذف
لا يصاد به لأنه ليس من المجهزات وقد اتفق العلماء الا من شذ منهم على تحريم أكل ما قتلته البندقة
والحجر انتهى وانما كان كذلك لأنه يقتل الصيد بقوة راميه لا بحده (قوله ولا ينكأ به عدو)
قال عياض الرواية بفتح الكاف وبهمزة في آخره وهى لغة والأشهر بكسر الكاف بغير همز وقال
في شرح مسلم لا ينكأ بفتح الكاف مهموز وروى لا ينكى بكسر الكاف وسكون التحتانية وهو
أوجه لان المهموز انما هو من نكأت القرحة وليس هذا موضعه فإنه من النكاية لكن قال في
العين نكأت لغة في نكيت فعلى هذا تتوجه هذه الرواية قال ومعناه المبالغة في الأذى وقال
ابن سيده نكأ العدو نكاية أصاب منه ثم قال نكأت العدو أنكؤهم لغة في نكيتهم فظهر أن
الرواية صحيحة المعنى ولا معنى لتخطئتها وأغرب ابن التين فلم يعرج على الرواية التي بالهمز
أصلا بل شرحه على التي بكسر الكاف بغير همز ثم قال ونكأت القرحة بالهمز (قوله ولكنها
قد تكسر السن) أي الرمية وأطلق السن فيشمل سن المرمى وغيره من آدمي وغيره (قوله
لا أكلمك كذا وكذا) في رواية معاذ ومحمد بن جعفر لا أكلمك كلمة كذا وكذا وكلمة بالنصب
والتنوين كذا وكذا أبهم الزمان ووقع في رواية سعيد بن جبير عند مسلم لا أكلمك أبدا وفى
الحديث جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه ولا يدخل ذلك في النهى عن الهجر فوق
ثلاث فإنه يتعلق بمن هجر لحظ نفسه وسيأتى بسط ذلك في كتاب الأدب وفيه تغيير المنكر ومنع
الرمي بالبندقة لأنه إذا نفى الشارع أنه لا يصيد فلا معنى للرمي به بل فيه تعريض للحيوان بالتلف
لغير مالكه وقد ورد النهى عن ذلك نعم قد يدرك ذكاة ما رمى بالبندقة فيحل أكله ومن ثم اختلف
في جوازه فصرح مجلي في الذخائر بمنعه وبه أفتى ابن عبد السلام وجزم النووي بحله لأنه طريق
إلى الاصطياد والتحقيق التفصيل فإن كان الأغلب من حال الرمي ما ذكر في الحديث
امتنع وإن كان عكسه جاز ولا سيما إن كان المرمى مما لا يصل إليه الرمي الا بذلك ثم لا يقتله غالبا وقد
تقدم قبل بابين من هذا الباب قول الحسن في كراهية رمى البندقة في القرى والامصار ومفهومه
أنه لا يكره في الفلاة فجعل مدار النهى على خشية ادخال الضرر على أحد من الناس والله أعلم
* (قوله باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية) يقال اقتنى الشئ
إذا اتخذه للادخار ذكر فيه حديث ابن عمر في ذلك من ثلاثة طرق عنه ووقع في الرواية الأولى
ليس بكلب ماشية أو ضارية وفى الثانية الا كلبا ضاريا لصيد أو كلب ماشية وفى الثالثة
الا كلب ماشية أو ضاريا فالرواية الثانية تفسر الأولى والثالثة فالأولى اما للاستعارة على أن
525

ضاريا صفة للجماعة الضارين أصحاب الكلاب المعتادة الضارية على الصيد يقال ضرا على
الصيد ضرارة أي تعود ذلك واستمر عليه وضرا الكلب وأضراه صاحبه أي عوده وأغراه
بالصيد والجمع ضوار واما التناسب للفظ ماشية مثل لا دريت ولا تليت والأصل تلوت
والرواية الثالثة فيها حذف تقديره أو كلبا ضاريا ووقع في الرواية الثانية في غير رواية أبي ذر
الا كلب ضاري بالإضافة وهو من إضافة الموصوف إلى صفته أو لفظ ضاري صفة للرجل
الصائد أي الا كلب رجل معتاد للصيد وثبوت الياء في الاسم المنقوص مع حذف الألف واللام
منه لغة وقد أورد المصنف حديث الباب من حديث أبي هريرة في المزارعة وفى بدء الخلق
وأورده فيهما أيضا من حديث سفيان بن أبي زهير وتقدم شرح المتن مستوفى في كتاب المزارعة
وفيه التنبيه على زيادة أبي هريرة وسفيان بن أبي زهير في الحديث أو كلب زرع وفى لفظ حرث
وكذا وقعت الزيادة في حديث عبد الله بن مغفل عند الترمذي * (قوله باب إذا
أكل الكلب) ذكر فيه حديث عدى بن حاتم من رواية بيان بن عمرو عن الشعبي عنه وقد تقدم
شرحه مستوفى في الباب الأول (قوله وقوله تعالى يسألونك ماذا أحل لهم الآية مكلبين
الكواسب) في رواية الكشميهني الصوائد وجمعهما في نسخة الصغاني وهو صفة محذوف تقديره
الكلاب الصوائد أو الكواسب وقوله مكلبين أي مؤدبين أو معودين قيل وليس هو تفعيل من
الكلب الحيوان المعروف وانما هو من الكلب بفتح اللام وهو الحرص نعم هو راجع إلى الأول
لأنه أصل فيه لما طبع عليه من شدة الحرص ولان الصيد غالبا انما يكون بالكلاب فمن علم الصيد
من غيرها كان في معناها وقال أبو عبيدة في قوله مكلبين أي أصحاب كلاب وقال الراغب
الكلاب والمكلب الذي يعلم الكلاب (قوله اجترحوا اكتسبوا) هو تفسير أبى عبيدة وليست
هذه الآية في هذا الموضع وانما ذكرها استطرادا لبيان أن الإجتراح يطلق على الاكتساب وان
المراد بالمكلبين المعلمين وهو وإن كان أصل المادة الكلاب لكن ليس الكلب شرطا فيصح
الصيد بغير الكلب من أنواع الجوارح ولفظ أبى عبيدة وما علمتم من الجوارح أي الصوائد
ويقال فلان جارحة أهله أي كاسبهم وفى رواية أخرى ومن يجترح أي يكتسب وفى رواية
أخرى الذين اجترحوا السيئات اكتسبوا * (تنبيه) * اعترض بعض الشراح على قوله
الكواسب والجوارح فإنه قال في تفسير براءة في الهوالك ما تقدم ذكره فألزمه التناقض وليس كما
قال بل الذي هنا على الأصل في جمع المؤنث (قوله وقال ابن عباس ان أكل الكلب فقد أفسده
انما أمسك على نفسه والله يقول تعلمونهن مما علمكم الله فتضرب وتعلم حتى تترك) وصله سعيد بن
منصور مختصرا من طريق عمرو بن دينار عن ابن عباس قال إذا أكل الكلب فلا تأكل فإنما
أمسك على نفسه وأخرج أيضا من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إذا أرسلت كلبك المعلم
فسميت فأكل فلا تأكل وإذا أكل قبل أن يأتي صاحبه فليس بعالم لقول الله عز وجل مكلبين
تعلمونهن مما علمكم الله وينبغي إذا فعل ذلك أن يضربه حتى يدع ذلك الخلق فعرف بهذا المراد
بقوله حتى يترك أي يترك خلقه في الشره ويتمرن على الصبر عن تناول الصيد حتى يجئ صاحبه
(قوله وكرهه ابن عمر) وصله ابن أبي شيبة من طريق مجاهد عن ابن عمر قال إذا أكل الكلب من
صيده فإنه ليس بمعلم وأخرج من وجه آخر عن ابن عمر الرخصة فيه وكذا أخرج سعيد بن
526

منصور وعبد الرزاق (قوله وقال عطاء ان شرب الدم ولم يأكل فكل) وصله ابن أبي شيبة من
طريق ابن جريج عنه بلفظ ان أكل فلا تأكل و ان شرب فلا وتقدمت مباحث هذه المسئلة
في الباب الأول * (قوله باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة) أي عن الصائد
(قوله ثابت بن يزيد) هو أبو زيد البصري الأحول وحكى الكلاباذي أنه قيل فيه ثابت بن زيد
قال والأول أصح (قلت) زيد كنيته لا اسم أبيه وشيخه عاصم هو ابن سليمان الأحول وقد زاد
عن الشعبي في حديث عدى قصة السهم (قوله وان رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس
به الا أثر سهمك فكل) ومفهومه أنه ان وجد فيه أثر غير سهمه لا يأكل وهو نظير ما تقدم في
الكلب من التفصيل فيما إذا خالط الكلب الذي أرسله الصائد كلب آخر لكن التفصيل في
مسئلة الكلب فيما إذا شارك الكلب في قتله كلب آخر وهنا الأثر الذي يوجد فيه من غير سهم
الرامي أعم من أن يكون أثر سهم رام آخر أو غير ذلك من الأسباب القاتلة فلا يحل أكله مع
التردد وقد جاءت فيه زيادة من رواية سعيد بن جبير عن عدى بن حاتم عند الترمذي والنسائي
والطحاوي بلفظ إذا وجدت سهمك فيه ولم تجد به أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكل منه قال
الرافعي يؤخذ منه أنه لو جرحه ثم غاب ثم جاء فوجده ميتا انه لا يحل وهو ظاهر نص الشافعي في
المختصر وقال النووي الحل أصح دليلا وحكى البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه قال في قول ابن
عباس كل ما أصميت ودع ما أنميت معنى ما أصميت ما قتله الكلب وأنت تراه وما أنميت ما غاب
عنك مقتله قال وهذا لا يجوز عندي غيره الا أن يكون جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شئ
فيسقط كل شئ خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقوم معه رأى ولا قياس قال البيهقي وقد
ثبت الخبر يعنى حديث الباب فينبغي أن يكون هو قول الشافعي (قوله وان وقع في الماء فلا
تأكل) يؤخذ سبب منع أكله من الذي قبله لأنه حينئذ يقع التردد هل قتله السهم أو الغرق في
الماء فلو تحقق أن السهم أصابه فمات فلم يقع في الماء الا بعد أن قتله السهم فهذا يحل أكله قال
النووي في شرح مسلم إذا وجد الصيد في الماء غريقا حرم بالاتفاق اه‍ وقد صرح الرافعي بأن
محله ما لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى حركة المذبوح فان انتهى إليها بقطع الحلقوم مثلا فقد
تمت زكاته ويؤيده قوله في رواية مسلم فإنك لا تدرى الماء قتله أو سهمك فدل على أنه إذا علم أن
سهمه هو الذي قتله أنه يحل (قوله وقال عبد الاعلى) يعنى ابن عبد الاعلى السامي بالمهملة
البصري وداود هو ابن أبي هند وعامر هو الشعبي وهذا التعليق وصله أبو داود عن الحسين بن
معاذ عن عبد الاعلى به (قوله فيفتقر) بفاء ثم مثناة ثم قاف أي يتبع فقاره حتى يتمكن منه وعلى
هذه الرواية اقتصر ابن بطال وفى رواية الكشميهني فيقتفي أي يتبع وكذا لمسلم والأصيلي
وفى رواية فيفقو وهى أوجه (قوله اليومين والثلاثة) فيه زيادة على رواية عاصم بن سليمان
بعد يوم أو يومين ووقع في رواية سعيد بن جبير فيغيب عنه الليلة والليلتين ووقع عند مسلم
في حديث أبي ثعلبة بسند فيه معاوية بن صالح إذا رميت سهمك فغاب عنك فأدركته فكل ما لم
ينتن وفى لفظ في الذي يدرك الصيد بعد ثلاث كله ما لم ينتن ونحوه عند أبي داود من طريق عمرو
ابن شعيب عن أبيه عن جده كما تقدم التنبيه عليه قريبا فجعل الغاية أن ينتن الصيد فلو وجده
مثلا بعد ثلاث ولم ينتن حل وان وجده بدونها وقد أنتن فلا هذا ظاهر الحديث وأجاب النووي
527

بأن النهى عن أكله إذا أنتن للتنزيه وسأذكر في ذلك بحثا في باب صيد البحر واستدل به على
أن الرامي لو أخر الصيد عقب الرمي إلى أن يجده أنه يحل بالشروط المتقدمة ولا يحتاج إلى
استفصال عن سبب غيبته عنه أكان مع الطب أو عدمه لكن يستدل للطلب بما وقع في الرواية
الأخيرة حيث قال فيقتفى أثره فدل على أن الجواب خرج على حسب السؤال فاختصر بعض
الرواة السؤال فلا يتمسك فيه بترك الاستفصال واختلف في صفة الطلب فعن أبي حنيفة ان أخر
ساعة فلم يطلب لم يحل وان اتبعه عقب الرمي فوجده ميتا حل وعن الشافعية لا بد أن يتبعه وفى
اشتراط العدو وجهان أظهرهما يكفي المشي على عادته حتى لو أسرع وجده حيا حل وقال امام
الحرمين لا بد من الاسراع قليلا ليتحقق صورة الطلب وعند الحنفية نحو هذا الاختلاف * (قوله باب إذا وجد مع الصيد كلبا آخر) ذكر فيه حديث عدى بن حاتم من
رواية عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي وقد تقدم البحث في ذلك في الباب الأول * (قوله
باب ما جاء في التصيد) قال ابن المنير مقصوده بهذه الترجمة التنبيه على أن الاشتغال
بالصيد لمن هو عيشه به مشروع ولمن عرض له ذلك وعيشه بغيره مباح وأما التصيد لمجرد اللهو فهو
محل الخلاف (قلت) وقد تقدم البحث في ذلك في الباب الأول وذكر فيه أربعة أحاديث * الأول
حديث عدى بن حاتم من رواية بيان بن عمرو عن الشعبي عنه وقد تقدم ما فيه * الثاني حديث أبي
ثعلبة أخرجه عاليا عن أبي عاصم عن حياة ونازلا من رواية ابن المبارك عن حياة وهو ابن
شريح وساقه على رواية ابن المبارك وسيأتى لفظ أبى عاصم حيث أفرده بعد ثلاثة أبواب وقد
تقدم قبل خمسة أبواب من وجه آخر عاليا * الثالث حديث أنس أنفجنا أرنبا يأتي شرحه في
أواخر الذبائح حيث عقد للأرنب ترجمة مفردة ومعنى أنفجنا أثرنا وقوله هنا لغبوا بغين معجمة
528

بعد اللام أي تعبوا وزنه ومعناه وثبت بلفظ تعبوا في رواية الكشميهني وقوله بوركها كذا
للأكثر بالافراد وللكشميهني بوركيها بالتثنية * الرابع حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي
وتقدم شرحها مستوفى في كتاب الحج * (قوله باب التصيد على الجبال) هو بالجيم
جمع جبل بالتحريك أورد فيه حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي لقوله فيه كنت رقاء على
الجبال وهو بتشديد القاف مهموز أي كثير الصعود عليها (قوله أخبرنا عمرو) هو ابن الحرث
المصري وأبو النضر هو المدني واسمه سالم (قوله وأبى صالح) هو مولى التوأمة واسمه نبهان ليس له
في البخاري الا هذا الحديث وقرنه بنافع مولى أبى قتادة وغفل الداودي فظن أن أبا صالح هذا هو
ولده صالح مولى التوأمة فقال إنه تغير بآخرة فمن أخذ عنه قديما مثل ابن أبي ذئب وعمرو بن
الحرث فهو صحيح وذكر أبو علي الجياني أن أبا أحمد كتب على حاشية نسخته مقابل وأبى صالح
هذا خطأ يعنى أن الصواب عن نافع وصالح قال وليس هو كما ظن فان الحديث محفوظ لنبهان
لا لابنه صالح وقد نبه على ذلك عبد الغنى بن سعيد الحافظ فإنه سئل عمن روى هذا الحديث فقال
عن صالح مولى التوأمة فقال هذا خطأ انما هو عن نافع وأبى صالح وهو والد صالح ولم يأت عنه غير
هذا الحديث فلذلك غلط فيه والتوأمة ضبطت في بعض النسخ بضم المثناة حكاه عياض عن
المحدثين قال والصواب بفتح أوله قال ومنهم من ينقل حركة الهمزة فيفتح بها الواو وحكى ابن التين
التومة بوزن الحطمة ولعل هذه الضمة أصل ما حكى عن المحدثين وقوله رقاء على الجبال في رواية
أبى صالح دون نافع مولى أبى قتادة قال ابن المنير نبه بهذه الترجمة على جواز ارتكاب المشاق لمن
له غرض لنفسه أو لدابته إذا كان الغرض مباحا وان التصيد في الجبال كهو في السهل وان اجراء
الخيل في الوعر جائز للحاجة وليس هو من تعذيب الحيوان * (قوله باب قول الله
تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم) كذا للنسفي واقتصر الباقون على أحل لكم صيد
البحر (قوله وقال عمر) هو ابن الخطاب (صيده ما اصطيد وطعامه ما رمى به) وصله المصنف في
التاريخ وعبد بن حميد من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال لما قدمت البحرين
سألني أهلها عما قذف البحر فأمرتهم أن يأكلوه فلما قدمت على عمر فذكر قصة قال فقال عمر قال
الله عز وجل في كتابه أحل لكم صيد البحر وطعامه فصيده ما صيد وطعامه ما قذف به (قوله وقال
أبو بكر) هو الصديق (الطافي حلال) وصله أبو بكر بن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني من رواية
عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس قال أشهد على أبى بكر أنه قال السمكة الطافية
حلال زاد الطحاوي لمن أراد أكله وأخرجه الدارقطني وكذا عبد بن حميد والطبري منها وفى
بعضها أشهد على أبى بكر أنه أكل السمك الطافي على الماء اه‍ والطافي بغير همز من طفا يطفو
إذا علا الماء ولم يرسب وللدارقطني من وجه آخر عن ابن عباس عن أبي بكر ان الله ذبح لكم ما في
البحر فكلوه كله فإنه ذكى (قوله وقال ابن عباس طعامه ميتته الا ما قذرت منها) وصله الطبري
من طريق أبى بكر بن حفص عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى أحل لكم صيد البحر
وطعامه قال طعامه ميتته وأخرج عبد الرزاق من وجه آخر عن ابن عباس وذكر صيد البحر
لا تأكل منه طافيا في سنده الأجلح وهو لين ويوهنه حديث ابن عباس الماضي قبله (قوله
والجري لا تأكله اليهود ونحن نأكله) وصله عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الكريم الجزري
529

عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن الجري فقال لا بأس به انما هو شئ كرهته اليهود وأخرجه
ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري به وقال في روايته سألت ابن عباس عن الجري فقال لا بأس
به انما تحرمه اليهود ونحن نأكله وهذا على شرط الصحيح وأخرج عن علي وطائفة نحوه والجري
بفتح الجيم قال ابن التين وفى نسخة بالكسر وهو ضبط الصحاح وكسر الراء الثقيلة قال ويقال له
أيضا الجريت وهو ما لا قشر له قال وقال ابن حبيب من المالكية أنا أكرهه لأنه يقال إنه من
الممسوخ وقال الأزهري الجريت نوع من السمك يشبه الحيات وقيل سمك لا قشر له ويقال له
أيضا المرماهي والسلور مثله وقال الخطابي هو ضرب من السمك يشبه الحيات وقال غيره نوع
عريض الوسط دقيق الطرفين (قوله وقال شريح صاحب النبي صلى الله عليه وسلم كل شئ في
البحر مذبوح وقال عطاء أما الطير فأرى أن تذبحه) وصله المصنف في التاريخ وابن منده في المعرفة
من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار وأبى الزبير أنهما سمعا شريحا صاحب النبي صلى الله
عليه وسلم يقول كل شئ في البحر مذبوح قال فذكرت ذلك لعطاء فقال أما الطير فأرى أن تذبحه
وأخرجه الدارقطني وأبو نعيم في الصحابة مرفوعا من حديث شريح والموقوف أصح وأخرجه
ابن أبي عاصم في الأطعمة من طريق عمرو بن دينار سمعت شيخا كبيرا يحلف بالله ما في البحر دابة
الا قد ذبحها الله لبنى آدم وأخرج الدارقطني من حديث عبد الله بن سرجس رفعه ان الله قد
ذبح كل ما في البحر لبنى آدم وفى سنده ضعف والطبراني من حديث ابن عمر رفعه نحوه وسنده
ضعيف أيضا وأخرج عبد الرزاق بسندين جيدين عن عمر ثم عن علي الحوت ذكى كله * (تنبيه) *
سقط هذا التعليق من رواية أبى زيد وابن السكن والجرجاني ووقع في رواية الأصيلي وقال أبو
شريح وهو وهم نبه على ذلك أبو علي الجياني وتبعه عياض وزاد وهو شريح بن هانئ أبو هانئ
كذا قال والصواب أنه غيره وليس له في البخاري ذكر الا في هذا الموضع وشريح بن هانئ لأبيه صحبة
وأما هو فله ادراك ولم يثبت له سماع ولا لقاء وأما شريح المذكور فذكره البخاري في التاريخ وقال
له صحبة وكذا قال أبو حاتم الرازي وغيره (قوله وقال ابن جريج قلت لعطاء صيد الأنهار وقلات
السيل أصيد بحر هو قال نعم ثم تلا هذا عذب فرات سائغ شربه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون
لحما طريا) وصله عبد الرزاق في التفسير عن ابن جريج بهذا سواء وأخرجه الفاكهي في كتاب مكة
من رواية عبد المجيد بن أبي داود عن ابن جريج أتم من هذا وفيه وسألته عن حيتان بركة القشيري
وهى بئر عظيمة في الحرم أتصاد قال نعم وسألته عن ابن الماء وأشباهه أصيد بحر أم صيد بر فقال
حيث يكون أكثر فهو صيد وقلات بكسر القاف وتخفيف اللام وآخره مثناة ووقع في رواية
الأصيلي مثلثة والصواب الأول جمع قلت بفتح أوله مثل بحر وبحار هو النقرة في الصخرة يستنقع
فيها الماء (قوله وركب الحسن على سرج من جلود كلاب الماء وقال الشعبي لو أن أهلي أكلوا
الضفادع لأطعمتهم ولم ير الحسن بالسلحفاة بأسا) أما قول الحسن الأول فقيل إنه ابن علي وقيل
البصري ويؤيد الأول أنه وقع في رواية وركب الحسن عليه السلام وقوله على سرج من جلود
أي متخذ من جلود كلاب الماء وأما قول الشعبي فالضفادع جمع ضفدع بكسر أوله وبفتح الدال
وبكسرها أيضا وحكى ضم أوله مع فتح الدال والضفادي بغير عين لغة فيه قال ابن التين لم يبين
الشعبي هل تذكى أم لا ومذهب مالك أنها تؤكل بغير تذكية ومنهم من فصل بين ما مأواه الماء وغيره
530

وعن الحنفية ورواية عن الشافعي لا بد من التذكية وأما قول الحسن في السلحفاة فوصله ابن أبي
شيبة من طريق ابن طاوس عن أبيه انه كان لا يرى بأكل السلحفاة بأسا ومن طريق مبارك
ابن فضالة عن الحسن قال لا بأس بها كلها والسلحفاة بضم المهملة وفتح اللام وسكون المهملة
بعدها فاء ثم ألف ثم هاء ويجوز بدل الهاء همزة حكاه ابن سيده وهى رواية عبدوس وحكى أيضا
في المحكم سكون اللام وفتح الحاء وحكى أيضا سلحفية كالأول لكن بكسر الفاء بعدها تحتانية
مفتوحة (قوله وقال ابن عباس كل من صيد البحر نصراني أو يهودي أو مجوسي) قال الكرماني
كذا في النسخ القديمة وفى بعضها ما صاده قبل لفظ نصراني (قلت) وهذا التعليق وصله البيهقي
من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال كل ما ألقى البحر وما صيد منه صاده
يهودي أو نصراني أو مجوسي قال ابن التين مفهومه أن صيد البحر لا يؤكل ان صاده غير هؤلاء
وهو كذلك عند قوم وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عطاء وسعيد بن جبير وبسند آخر عن علي
كراهية صيد المجوسي السمك (قوله وقال أبو الدرداء في المري ذبح الخمر النينان والشمس)
قال البيضاوي ذبح بصيغة الفعل الماضي ونصب راء الخمر على أنه المفعول قال ويروى بسكون
الموحدة على الإضافة والخمر بالكسر أي تطهيرها (قلت) والأول هو المشهور وهذا الأثر سقط
من رواية النسفي وقد وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث له من طريق أبى الزاهرية عن
جبير بن نفير عن أبي الدرداء فذكره سواء قال الحربي هذا مري يعمل بالشام يؤخذ الخمر فيجعل
فيه الملح والسمك ويوضع في الشمس فيتغير عن طعم الخمر وأخرج أبو بشر الدولابي في الكنى من
طريق يونس بن ميسرة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أنه قال في مري النينان غيرته الشمس
ولابن أبى شيبة من طريق مكحول عن أبي الدرداء لا بأس بالمرى ذبحته النار والملح وهذا منقطع
وعليه اقتصر مغلطاي ومن تبعه واعترضوا على جزم البخاري به وما عثروا على كلام الحربي وهو
مراد البخاري جزما وله طرق أخرى أخرجها الطحاوي من طريق بشر بن عبيد الله عن أبي
إدريس الخولاني أن أبا الدرداء كان يأكل المري الذي يجعل فيه الخمر ويقول ذبحته الشمس
والملح وأخرجه عبد الرزاق من طريق سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس قال مر رجل من
أصحاب أبي الدرداء بآخر فذكر قصة في اختلافهم في المري فأتيا أبا الدرداء فسألاه فقال ذبحت
خمرها الشمس والملح والحيتان ورويناه في جزء إسحاق بن الفيض من طريق عطاء الخراساني قال
سئل أبو الدرداء عن أكل المري فقال ذبحت الشمس سكر الخمر فنحن نأكل لا نرى به بأسا قال أبو
موسى في ذيل الغريب عبر عن قوة الملح والشمس وغلبتهما على الخمر وازالتهما طعمها ورائحتها
بالذبح وانما ذكر النينان دون الملح لان المقصود من ذلك يحصل بدونه ولم يرد أن النينان وحدها
هي التي خللته قال وكان أبو الدرداء ممن يفتى بجواز تخليل الخمر فقال إن السمك بالآلة التي
أضيفت إليه يغلب على ضراوة الخمر ويزيل شدتها والشمس تؤثر في تخليلها فتصير حلالا قال
وكان أهل الريف من الشام يعجنون المري بالخمر وربما يجعلون فيه أيضا السمك الذي يربى بالملح
والابزار مما يسمونه الصحناء والقصد من المري هضم الطعام فيضيفون إليه كل ثقيف أو حريف
ليزيد في جلاء المعدة واستدعاء الطعام بحرافته وكان أبو الدرداء وجماعة من الصحابة يأكلون
هذا المري المعمول بالخمر وأدخله البخاري في طهارة صيد البحر يريد أن السمك طاهر حلال وأن
531

طهارته وحله يتعدى إلى غيره كالملح حتى يصير الحرام النجس بإضافتها إليه طاهرا حلالا وهذا
رأى من يجوز تحليل الخمر وهو قول أبى الدرداء وجماعة وقال ابن الأثير في النهاية استعار الذبح
للاحلال فكأنه يقول كما أن الذبح يحل أكل المذبوحة دون الميتة فكذلك هذه الأشياء إذا
وضعت في الخمر قامت مقام الذبح فأحلتها وقال البيضاوي يريد انها حلت بالحوت المطروح فيها
وطبخها بالشمس فكان ذلك كالذكاة للحيوان وقال غيره معنى ذبحتها أبطلت فعلها وذكر الحاكم
في النوع العشرين من علوم الحديث من حديث ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن أبي بكر
ابن عبد الرحمن أنه سمع عثمان بن عفان يقول اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث قال ابن شهاب في
هذا الحديث أن لا خير في الخمر وانها إذا أفسدت لا خير فيها حتى يكون الله هو الذي يفسدها
فيطيب حينئذ الخل قال ابن وهب وسمعت مالكا يقول سمعت ابن شهاب يسأل عن خمر جعلت
في قلة وجعل معها ملح وأخلاط كثيرة ثم تجعل في الشمس حتى تعود مريا فقال ابن شهاب شهدت
قبيصة ينهى أن يجعل الخمر مريا إذا أخذ وهو خمر (قلت) وقبيصة من كبار التابعين وأبوه صحابي
وولد هو في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فذكر في الصحابة لذلك وهذا يعارض أثر أبى الدرداء
المذكور ويفسر المراد به والنينان بنونين الأولى مكسورة بينهما تحتانية ساكنة جمع نون وهو
الحوت والمرى بضم الميم وسكون الراء بعدها تحتانية وضبط في النهاية تبعا للصحاح بتشديد الراء
نسبة إلى المر وهو الطعم المشهور وجزم الشيخ محى الدين بالأول ونقل الجواليقي في لحن العامة
انهم يحركون الراء والأصل بسكونها ثم ذكر المصنف حديث جابر في قصة جيش الخبط من
طريقين * إحداهما رواية ابن جريج أخبرني عمرو وهو ابن دينار أنه سمع جابرا وقد تقدم بسنده
ومتنه في المغازي وزاد هناك عن أبي الزبير عن جابر وتقدمت مشروحة مع شرح سائر الحديث
الطريق الثانية رواية سفيان عن عمرو بن دينار أيضا وفيه من الزيادة وكان فينا رجل نحر ثلاث
جزائر ثم ثلاث جزائر ثم نهاه أبو عبيدة وهذا الرجل هو قيس بن سعد بن عبادة كما تقدم ايضاحه في
المغازي وكان اشترى الجزر من اعرابى جهني كل جزور بوسق من تمر يوفيه إياه بالمدينة فلما رأى
عمر ذلك وكان في ذلك الجيش سأل أبا عبيدة أن ينهى قيسا عن النحر فعزم عليه أبو عبيدة أن ينتهى
عن ذلك فأطاعه وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك هناك أيضا والمراد بقوله جزائر جمع جزور وفيه
نظر فان جزائر جمع جزيرة والجزور انما يجمع على جزر بضمتين فلعله جمع الجمع والغرض من
ايراده هنا قصة الحوت فإنه يستفاد منها جواز أكل ميتة البحر لتصريحه في الحديث بقوله فألقى
البحر حوتا ميتا لم ير مثله يقال له العنبر وتقدم في المغازي أن في بعض طرقه في الصحيح أن النبي
صلى الله عليه وسلم أكل منه وبهذا تتم الدلالة والا فمجرد أكل الصحابة منه وهم في حالة المجاعة
قد يقال إنه للاضطرار ولا سيما وفيه قول أبى عبيدة ميتة ثم قال لا بل نحن رسل رسول الله صلى
الله عليه وسلم وفى سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا وهذه رواية أبى الزبير عن جابر عند مسلم
وتقدمت للمصنف في المغازي من هذا الوجه لكن قال قال أبو عبيدة كلوا ولم يذكر بقيته
وحاصل قول أبى عبيدة أنه بناه أولا على عموم تحريم الميتة ثم تذكر تخصيص المضطر بإباحة
أكلها إذا كان غير باغ ولا عاد وهم بهذه الصفة لانهم في سبيل الله وفى طاعة رسوله وقد تبين من
آخر الحديث أن جهة كونها حلالا ليست سبب الاضطرار بل كونها من صيد البحر ففي آخره
532

عندهما جميعا فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كلوا رزقا أخرجه
الله أطعمونا إن كان معكم فأتاه بعضهم بعضو فأكله فتبين لهم أنه حلال مطلقا وبالغ في البيان
بأكله منها لأنه لم يكن مضطرا فيستفاد منه إباحة ميتة البحر سواء مات بنفسه أو مات بالاصطياد
وهو قول الجمهور وعن الحنفية يكره وفرقوا بين ما لفظه فمات وبين ما مات فيه من غير آفة
وتمسكوا بحديث أبى الزبير عن جابر ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه فطفا فلا
تأكلوه أخرجه أبو داود مرفوعا من رواية يحيى بن سليم الطائفي عن أبي الزبير عن جابر ثم قال
رواه الثوري وأيوب وغيرهما عن أبي الزبير هذا الحديث موقوفا وقد أسند من وجه ضعيف
عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا وقال الترمذي سألت البخاري عنه فقال ليس
بمحفوظ ويروى عن جابر خلافه اه‍ ويحيى بن سليم صدوق وصفوه بسوء الحفظ وقال النسائي
ليس بالقوى وقال يعقوب بن سفيان إذا حدث من كتابه فحديثه حسن وإذا حدث حفظا يعرف
وينكر وقال أبو حازم لم يكن بالحافظ وقال ابن حبان في الثقات كان يخطئ وقد توبع على رفعه
وأخرجه الدارقطني من رواية أبى أحمد الزبيري عن الثوري مرفوعا لكن قال خالفه وكيع
وغيره فوقفوه عن الثوري وهو الصواب وروى عن ابن أبي ذئب وإسماعيل بن أمية مرفوعا
ولا يصح والصحيح موقوف وإذا لم يصح الا موقوفا فقد عارضه قول أبى بكر وغيره والقياس يقتضى
حله لأنه سمك لو مات في البر لاكل بغير تذكية ولو نضب عنه الماء أو قتلته سمكة أخرى فمات لاكل
فكذلك إذا مات وهو في البحر ويستفاد من قوله أكلنا منه نصف شهر جواز أكل اللحم ولو أنتن
لان النبي صلى الله عليه وسلم قد أكل منه بعد ذلك واللحم لا يبقى غالبا بلا نتن في هذه المدة لا سيما في
الحجاز مع شدة الحر لكن يحتمل أن يكونوا ملحوه وقدوه فلم يدخله نتن وقد تقدم قريبا قول النووي
ان النهى عن أكل اللحم إذا أنتن للتنزيه الا ان خيف منه الضرر فيحرم وهذا الجواب على مذهبه
ولكن المالكية حملوه على التحريم مطلقا وهو الظاهر والله أعلم ويأتي في الطافي نظير ما قاله في
النتن إذا خشى منه الضرر وفيه جواز أكل حيوان البحر مطلقا لأنه لم يكن عند الصحابة نص
يخص العنبر وقد أكلوا منه كذا قال بعضهم ويخدش فيه أنهم أولا انما أقدموا عليه
بطريق الاضطرار ويجاب بأنهم أقدموا عليه مطلقا من حيث كونه صيد البحر ثم توقفوا من
حيث كونه ميتة فدل على إباحة الاقدام على أكل ما صيد من البحر وبين لهم الشارع
آخرا أن ميتته أيضا حلال ولم يفرق بين طاف ولا غيره واحتج بعض المالكية بأنهم أقاموا
يأكلون منها أياما فلو كانوا أكلوا منه على أنه ميتة بطريق الاضطرار ما داوموا عليه لان
المضطر إذا أكل الميتة يأكل منها بحسب الحاجة ثم ينتقل لطلب المباح غيرها وجمع بعض
العلماء بين مختلف الاخبار في ذلك بحمل النهى على كراهة التنزيه وما عدا ذلك على الجواز
ولا خلاف بين العلماء في حل السمك على اختلاف أنواعه وانما اختلف فيما كان على صورة
حيوان البر كالآدمي والكلب والخنزير والثعبان فعند الحنفية وهو قول الشافعية يحرم
ما عدا السمك واحتجوا عليه بهذا الحديث فان الحوت المذكور لا يسمى سمكا وفيه نظر فان الخبر
ورد في الحوت نصا وعن الشافعية الحل مطلقا على الأصح المنصوص وهو مذهب المالكية
الا الخنزير في رواية وحجتهم قوله تعالى أحل لكم صيد البحر وحديث هو الطهور ماؤه الجل
533

ميتته أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم وعن الشافعية
ما يؤكل نظيره في البر حلال ومالا فلا واستثنوا على الأصح ما يعيش في البحر والبر وهو نوعان
* النوع الأول ما ورد في منع أكله شئ يخصه كالضفدع وكذا استثناه أحمد للنهي عن قتله ورد
ذلك من حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي أخرجه أبو داود والنسائي وصححه والحاكم وله شاهد
من حديث ابن عمر عند ابن أبي عاصم وآخر عن عبد الله بن عمر وأخرجه الطبراني في الأوسط
وزاد فان نقيقها تسبيح وذكر الأطباء أن الضفدع نوعان برى وبحري فالبري يقتل آكله والبحري
يضره ومن المستثنى أيضا التمساح لكونه يعدو بنابه وعند أحمد فيه رواية ومثله القرش في البحر
الملح خلافا لما أفتى به المحب الطبري والثعبان والعقرب والسرطان والسلحفاة للاستخباث والضرر
اللاحق من السم ودنيلس قيل إن أصله السرطان فان ثبت حرم * النوع الثاني ما لم يرد فيه مانع
فيحل لكن بشرط التذكية كالبط وطير الماء والله أعلم * (تنبيه) * وقع في أواخر صحيح مسلم في
الحديث الطويل من طريق الوليد بن عبادة بن الصامت أنهم دخلوا على جابر فرأوه يصلى في ثوب
الحديث وفيه قصة النخامة في المسجد وفيه أنهم خرجوا في غزاة ببطن بواط وفيه قصة الحوض
وفيه قيام المأمومين خلف الامام كل ذلك مطول وفيه قال سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان قوت كل رجل منا تمرة كل يوم فكان يمصها وكنا نختبط بقسينا ونأكل وسرنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح فذكر قصة الشجرتين اللتين التفتا بأمر النبي صلى الله
عليه وسلم حتى تستر بهما عند قضاء الحاجة وفيه قصة القبرين اللذين غرس في كل منهما غصنا
وفيه فأتينا العسكر فقال يا جابر ناد الوضوء فذكر القصة بطولها في نبع الماء من بين أصابعه
وفيه وشكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فقال عسى الله أن يطعمكم فاتينا
سيف البحر فزجر البحر زجرة فالقى دابة فأورينا على شقها النار فاطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا
وذكر أنه دخل هو وجماعة في عينها وذكر قصة الذي دخل تحت ضلعها ما يطأطئ رأسه وهو أعظم
رجل في الركب على أعظم جمل وظاهر سياق هذه القصة يقتضى مغايرة القصة المذكورة في هذا
الباب وهى من رواية جابر أيضا حتى قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين هذه واقعة أخرى غير
تلك فان هذه كانت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكره ليس بنص في ذلك لاحتمال أن
تكون الفاء في قول جابر فأتينا سيف البحر هي الفصيحة وهى معقبة لمحذوف تقديره فأرسلنا
النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي عبيدة فأتينا سيف البحر فتتحد القصتان وهذا هو الراجح عندي
والأصل عدم التعدد ومما ننبه عليه هنا أيضا أن الواقدي زعم أن قصة بعث أبى عبيدة كانت
في رجب سنة ثمان وهو عندي خطأ لان في نفس الخبر الصحيح انهم خرجوا يترصدون عير قريش
وقريش في سنة ثمان كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في هدنة وقد نبهت على ذلك في
المغازي وجوزت أن يكون ذلك قبل الهدنة في سنة ست أو قبلها ثم ظهر لي الآن تقوية ذلك
بقول جابر في رواية مسلم هذه انهم خرجوا في غزاة بواط وغزاة بواط كانت في السنة الثانية من
الهجرة قبل وقعة بدر وكان النبي صلى الله عليه وسلم خرج في مائتين من أصحابه يعترض عيرا لقريش
فيها أمية بن خلف فبلغ بواطا وهى بضم الموحدة جبال لجهينة مما يلي الشام بينها وبين المدينة
أربعة برد فلم يلق أحدا فرجع فكأنه أفرد أبا عبيدة فيمن معه يرصدون العير المذكورة ويؤيد
534

تقدم أمرها ما ذكر فيها من القلة والجهد والواقع انهم في سنة ثمان كان حالهم اتسع بفتح خيبر
وغيرها والجهد المذكور في القصة يناسب ابتداء الامر فيرجح ما ذكرته والله أعلم * (قوله
باب أكل الجراد) بفتح الجيم وتخفيف الراء معروف والواحدة جرادة والذكر والأنثى
سواء كالحمامة ويقال انه مشتق من الجرد لأنه لا ينزل على شئ الا جرده وخلقة الجراد عجيبة فيها
عشرة من الحيوانات ذكر بعضها ابن الشهرزوري في قوله
- لها فخذا بكر وساقا نعامة * وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم -
- حبتها أفاعي الرمل بطنا وأنعمت * عليها جياد الخيل بالرأس والفم -
قيل وفاته عين الفيل وعنق الثور وقرن الأيل وذنب الحية وهو صنفان طيار ووثاب ويبيض في
الصخر فيتركه حتى ييبس وينتشر فلا يمر بزرع الا اجتاحه وقيل واختلف في أصله فقيل إنه
نثرة حوت فلذلك كان أكله بغير ذكاة وهذا ورد في حديث ضعيف أخرجه ابن ماجة عن أنس
رفعه ان الجراد نثرة حوت من البحر ومن حديث أبي هريرة خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضرب بنعالنا وأسواطنا فقال كلوه فإنه من
صيد البحر أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وسنده ضعيف ولو صح لكان فيه حجة لمن قال
لا جزاء فيه إذا قتله المحرم وجمهور العلماء على خلافه قال ابن المنذر لم يقل لا جزاء فيه غير أبي سعيد
الخدري وعروة بن الزبير واختلف عن كعب الأحبار وإذا ثبت فيه الجزاء دل على أنه برى وقد
أجمع العلماء على جواز أكله بغير تذكية الا أن المشهود عند المالكية اشتراط تذكيته واختلفوا
في صفتها فقيل بقطع رأسه وقيل إن وقع في قدر أو نار حل وقال ابن وهب أخذه ذكاته ووافق
مطرف منهم الجمهور في أنه لا يفتقر إلى ذكاته لحديث ابن عمر أحلت لنا ميتتان ودمان السمك
والجراد والكبد والطحال أخرجه أحمد والدارقطني مرفوعا وقال إن الموقوف أصح ورجح
البيهقي أيضا الموقوف الا أنه قال إن له حكم الرفع (قوله عن أبي يعفور) بفتح التحتانية وسكون
المهملة وضم الفاء هو العبدي واسمه وقدان وقيل واقد وقال مسلم اسمه واقد ولقبه وقدان وهو
الأكبر وأبو يعفور الأصغر اسمه عبد الرحمن بن عبيد وكلاهما ثقة من أهل الكوفة وليس للأكبر
في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في الصلاة في أبواب الركوع من صفة الصلاة وقد
ذكرت كلام النووي فيه وجزمه بأنه الأصغر وان الصواب أنه الأكبر وبذلك جزم الكلاباذي
وغيره والنووي تبع في ذلك ابن العربي وغيره والذي يرجح كلام الكلاباذي جزم الترمذي بعد
تخريجه بان راوي حديث الجراد هو الذي اسمه واقد ويقال وقدان وهذا هو الأكبر ويؤيده
أيضا أن ابن أبي حاتم جزم في ترجمة الأصغر بأنه لم يسمع من عبد الله بن أبي أوفى (قوله سبع
غزوات أو ستا) كذا للأكثر ولا اشكال فيه ووقع في رواية النسفي أو ست بغير تنوين ووقع في
توضيح ابن مالك سبع غزوات أو ثماني وتكلم عليه فقال الأجود أن يقال سبع غزوات أو ثمانية
بالتنوين لان لفظ ثمان وإن كان كلفظ جوار في أن ثالث حروفه ألف بعدها حرفان ثانيهما ياء
فهو يخالفه في أن جواري جمع وثمانيا ليس بجمع واللفظ بهما في الرفع والجر سواء ولكن تنوين
ثمان تنوين صرف وتنوين جوار تنوين عوض وانما يفترقان بالنصب واستمر يتكلم على ذلك
ثم قال وفى ذكره له بلا تنوين ثلاثة أوجه أجودها أن يكون حذف المضاف إليه وأبقى المضاف
535

على ما كان عليه قبل الحذف ومثله قول الشاعر * خمس ذود أو ست عوضت منها * البيت
الوجه الثاني أن يكون المنصوب كتب بغير ألف على لغة ربيعة وذكر وجها آخر يختص بالثمان
ولم أره في شئ من طرق الحديث لا في البخاري ولا في غيره بلفظ ثمان فما أدرى كيف وقع هذا وهذا
الشك في عدد الغزوات من شعبة وقد أخرجه مسلم من رواية شعبة بالشك أيضا وللنسائي من
روايته بلفظ الست من غير شك والترمذي طريق غندر عن شعبة فقال غزوات ولم يذكر
عددا (قوله وكنا نأكل معه الجراد) يحتمل أن يريد بالمعية مجرد الغزو دون ما تبعه من أكل الجراد
ويحتمل أن يريد مع أكله ويدل على الثاني أنه وقع في رواية أبى نعيم في الطب ويأكل معنا
وهذا ان صح يرد على الصيمري من الشافعية في زعمه أنه صلى الله عليه وسلم عافه كما عاف الضب ثم
وقفت على مستند الصيمري وهو ما أخرجه أبو داود من حديث سلمان سئل صلى الله عليه وسلم
عن الجراد فقال لا آكله ولا أحرمه والصواب مرسل ولابن عدى في ترجمة ثابت بن زهير عن نافع
عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال لا آكله ولا أحرمه وسئل عن الجراد فقال
مثل ذلك وهذا ليس ثابتا لان ثابتا قال فيه النسائي ليس بثقة ونقل النووي الاجماع على حل
أكل الجراد لكن فصل ابن العربي في شرح الترمذي بين جراد الحجاز وجراد الأندلس فقال في
جراد الأندلس لا يؤكل لأنه ضرر محض وهذا ان ثبت أنه يضر أكله بأن يكون فيه سمية تخصه
دون غيره من جراد البلاد تعين استثناؤه والله أعلم (قوله قال سفيان) هو الثوري وقد وصله
الدارمي عن محمد بن يوسف وهو الفريابي عن سفيان وهو الثوري ولفظه غزونا مع النبي صلى الله
عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد وكذا أخرجه الترمذي من وجه آخر عن الثوري وأفاد أن
سفيان بن عيينة روى هذا الحديث أيضا عن أبي يعفور لكن قال ست غزوات (قلت) وكذا
أخرجه أحمد بن حنبل عن ابن عيينة جازما بالست وقال الترمذي كذا قال ابن عيينة ست
وقال غيره سبع (قلت) ودلت رواية شعبة على أن شيخهم كان يشك فيحمل على أنه جزم مرة
بالسبع ثم لما طرأ عليه الشك صار يجزم بالست لأنه المتيقن ويؤيد هذا الحمل أن سماع سفيان بن
عيينة عنه متأخر دون الثوري ومن ذكر معه ولكن وقع عند ابن حبان من رواية أبى الوليد شيخ
البخاري فيه سبعا أو ستا يشك شعبة (قوله وأبو عوانة) وصله مسلم عن أبي كامل عنه ولفظه مثل
الثوري وذكره البزار من رواية يحيى بن حماد عن أبي عوانة فقال مرة عن أبي يعفور ومرة
عن الشيباني وأشار إلى ترجيح كونه عن أبي يعفور وهو كذلك كما تقدم صريحا أنه عند أبي داود
(قوله وإسرائيل) وصله الطبراني من طريق عبد الله بن رجاء عنه ولفظه سبع غزوات فكنا نأكل
معه الجراد * (قوله باب آنية المجوس) قال ابن التين كذا ترجم وأتى بحديث أبى
ثعلبة وفيه ذكر أهل الكتاب فلعله يرى أنهم أهل كتاب وقال ابن المنير ترجم للمجوس والأحاديث
في أهل الكتاب لأنه بنى على أن المحذور منهما واحد وهو عدم توقيهم النجاسات وقال الكرماني
أو حكمه على أحدهما بالقياس على الآخر أو باعتبار أن المجوس يزعمون أنهم أهل كتاب (قلت)
وأحسن من ذلك أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث منصوصا على المجوس فعند الترمذي
من طريق أخرى عن أبي ثعلبة سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قدور المجوس فقال أنقوها
غسلا واطبخوا فيها وفى لفظ من وجه آخر عن أبي ثعلبة قلت انا نمر بهذا اليهود والنصارى
536

والمجوس فلا نجد غير آنيتهم الحديث وهذه طريقة يكثر منها البخاري فما كان في سنده مقال
يترجم به ثم يورد في الباب ما يؤخذ الحكم منه بطريق الالحاق ونحوه والحكم في آنية المجوس
لا يختلف مع الحكم في آنية أهل الكتاب لان العلة إن كانت لكونهم تحل ذبائحهم كأهل الكتاب
فلا اشكال أو لا تحل كما سيأتي البحث فيه بعد أبواب فتكون الآنية التي يطبخون فيها ذبائحهم
ويغرفون قد تنجست بملاقاة الميتة فأهل الكتاب كذلك باعتبار أنهم لا يتدينون باجتناب
النجاسة وبأنهم يطبخون فيها الخنزير ويضعون فيها الخمر وغيرها ويؤيد الثاني ما أخرجه أبو داود
والبزار عن جابر كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين فنستمتع بها
فلا يعيب ذلك علينا لفظ أبى داود وفى رواية البزار فنغسلها ونأكل فيها (قوله والميتة) قال ابن
المنير نبه بذكر الميتة على أن الحمير لما كانت محرمة لم تؤثر فيها الذكاة فكانت ميتة ولذلك أمر
بغسل الآنية منها ثم أورد حديث أبي ثعلبة عن أبي عاصم عاليا وساقه على لفظه وقد تقدم شرحه
قبل ثم حديث سلمة بن الأكوع في الحمر الأهلية أورده عاليا وهو من ثلاثياته وسيأتى شرحه
بعد ثلاثة عشر بابا * (قوله باب التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمدا) كذا
للجميع ووقع في بعض الشروح هنا كتاب الذبائح وهو خطا لأنه ترجم أولا كتاب الصيد والذبائح
أو كتاب الذبائح والصيد فلا يحتاج إلى تكرار وأشار بقوله متعمدا إلى ترجيح التفرقة بين
المتعمد لترك التسمية فلا تحل تذكيته ومن نسى فتحل لأنه استظهر لذلك بقول ابن عباس وبما
ذكر بعده من قوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ثم قال والناسي لا يسمى فاسقا يشير
إلى قوله تعالى في الآية وانه لفسق فاستنبط منها أن الوصف العامد فيختص الحكم به والتفرقة
بين الناسي والعامد في الذبيحة قول أحمد وطائفة وقواه الغزالي في الاحياء محتجا بأن ظاهر
الآية الايجاب مطلقا وكذلك الاخبار وان الأخبار الدالة على الرخصة تحتمل التعميم وتحتمل
الاختصاص بالناسي فكان حمله عليه أولى لتجرى الأدلة كلها على ظاهرها ويعذر الناسي دون
العامد (قوله وقال ابن عباس من نسى فلا بأس) وصله الدارقطني من طريق شعبة عن مغيرة
عن إبراهيم في المسلم يذبح وينسى التسمية قال لا بأس به وبه عن شعبة عن سفيان بن عيينة عن
عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء حدثني (ع) عن ابن عباس أنه لم ير به بأسا وأخرج سعيد بن
منصور عن ابن عيينة بهذا الاسناد فقال في سنده عن (ع) يعنى عكرمة عن ابن عباس فيمن ذبح
ونسى التسمية فقال المسلم فيه اسم الله وان لم يذكر التسمية وسنده صحيح وهو موقوف وذكره
مالك بلاغا عن ابن عباس وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا وأما قول
المصنف وقوله تعالى وان الشياطين ليوحون إلى أوليائهم فكأنه يشير بذلك إلى الزجر عن
الاحتجاج لجواز ترك التسمية بتأويل الآية وحملها على غير ظاهرها لئلا يكون ذلك من وسوسة
الشيطان ليصد عن ذكر الله تعالى وكأنه لمح بما أخرجه أبو داود وابن ماجة والطبري بسند صحيح
عن ابن عباس في قوله وان الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم قال كانوا يقولون ما ذكر
عليه اسم الله فلا تأكلوه وما لم يذكر عليه اسم الله فكلوه قال الله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر
537

اسم الله عليه وأخرج أبو داود والطبري أيضا من وجه آخر عن ابن عباس قال جاءت اليهود إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتله الله فنزلت ولا تأكلوا
مما لم يذكر اسم الله عليه إلى آخر الآية وأخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس نحوه وساق إلى قوله لمشركون ان أطعتموهم فيما نهيتكم عنه ومن طريق
معمر عن قتادة في هذه الآية وان الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم قال جادلهم
المشركون في الذبيحة فذكر نحوه ومن طريق أسباط عن السدى نحوه ومن طريق ابن جريج
قلت لعطاء ما قوله فكلوا مما ذكر اسم الله عليه قال يأمركم بذكر اسمه على الطعام والشراب
والذبح قلت فما قوله ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه قال ينهى عن ذبائح كانت في الجاهلية
على الأوثان قال الطبري من قال إن ما ذبحه المسلم فنسى أن يذكر اسم الله عليه لا يحل فهو قول
بعيد من الصواب لشذوذه وخروجه عما عليه الجماعة قال وأما قوله وانه لفسق فإنه يعنى أن
أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من الميتة وما أهل به لغير الله فسق ولم يحك الطبري عن أحد خلاف
ذلك وقد استشكل بعض المتأخرين كون قوله وانه لفسق منسوقا على ما قبله لان الجملة الأولى
طلبية وهذه خبرية وهذا غير سائغ ورد هذا القول بأن سيبويه ومن تبعه من المحققين يجيزون
ذلك ولهم شواهد كثيرة وادعى المانع أن الجملة مستأنفة ومنهم من قال الجملة حالية أي لا تأكلوه
والحال أنه فسق أي لا تأكلوه في حال كونه فسقا والمراد بالفسق قد بين في قوله تعالى في الآية
الأخرى أو فسقا أهل لغير الله به فرجع الزجر إلى النهى عن أكل ما ذبح لغير الله فليست
الآية صريحة في فسق من أكل ما ذبح بغير تسمية اه‍ ولعل هذا القدر هو الذي حذرت منه
الآية وقد نوزع المذكور فيما حمل عليه الآية ومنع ما أدعاه من كون الآية مجملة والاخرى
مبينة لان ثم شروطا ليست هنا (قوله عن سعيد بن مسروق) هو الثوري والد سفيان ومدار هذا
الحديث في الصحيحين عليه (قوله عن عباية) بفتح المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف تحتانية
(قوله عن جده رافع بن خديج) كذا قال أكثر أصحاب سعيد بن مسروق عنه كما سيأتي في آخر
كتاب الصيد والذبائح وقال أبو الأحوص عن سعيد عن عباية عن أبيه عن جده وليس لرفاعة
ابن رافع ذكر في كتب الأقدمين ممن صنف في الرجال وانما ذكروا ولده عباية بن رفاعة نعم ذكره ابن
حبان في ثقات التابعين وقال إنه يكنى أبا خديج وتابع أبا الأحوص على زيادته في الاسناد
حسان بن إبراهيم الكرماني عن سعيد بن مسروق أخرجه البيهقي من طريقه وهكذا رواه
ليث بن أبي سليم عن أبي سليم عن عباية عن أبيه عن جده قاله الدارقطني في العلل قال وكذا قال
مبارك بن سعيد الثوري عن أبيه وتعقب بأن الطبراني أخرجه من طريق مبارك فلم يقل في
الاسناد عن أبيه فلعله اختلف على المبارك فيه فان الدارقطني لا يتكلم في هذا الفن جزافا
ورواية ليث بن أبي سليم عند الطبراني وقد أغفل الدارقطني ذكر طريق حسان بن إبراهيم قال
الجياني روى البخاري حديث رافع من طريق أبى الأحوص فقال عن سعيد بن مسروق عن
عباية بن رافع عن أبيه عن جده هكذا عند أكثر الرواة وسقط قوله عن أبيه في رواية أبى علي بن
السكن عن الفربري وحده وأظنه من اصلاح ابن السكن فان ابن أبي شيبة أخرجه عن أبي
الأحوص باثبات قوله عن أبيه ثم قال أبو بكر لم يقل أحد في هذا السند عن أبيه غير أبى
538

الأحوص اه‍ وقد قدمت في باب التسمية على الذبيحة ذكر من تابع أبا الأحوص على ذلك ثم
نقل الجياني عن عبد الغنى بن سعيد حافظ مصر أنه قال خرج البخاري هذا الحديث عن مسدد
عن أبي الأحوص على الصواب يعنى باسقاط عن أبيه قال وهو أصل يعمل به من بعد البخاري إذا وقع في الحديث خطأ لا يعول عليه قال وانما يحسن هذا في النقص دون الزيادة فيحذف الخطأ
قال الجياني وانما تكلم عبد الغنى على ما وقع في رواية ابن السكن ظنا منه أنه من عمل البخاري
وليس كذلك لما بينا أن الأكثر رووه عن البخاري باثبات قوله عن أبيه (قوله كنا مع النبي صلى الله
عليه وسلم بذى الحليفة) زاد سفيان الثوري عن أبيه من تهامة تقدمت في الشركة وذو الحليفة
هذا مكان غير ميقات المدينة لان الميقات في طريق الذاهب من المدينة ومن الشام إلى مكة
وهذه بالقرب من ذات عرق بين الطائف ومكة كذا جزم به أبو بكر الحازمي وياقوت ووقع
للقابسي أنها الميقات المشهور وكذا ذكر النووي قالوا وكان ذلك عند رجوعهم من الطائف
سنة ثمان وتهامة اسم لكل ما نزل من بلاد الحجاز سميت بذلك من التهم بفتح المثناة والهاء وهو
شدة الحر وركود الريح وقيل تغير الهواء (قوله فأصاب الناس جوع) كأن الصحابي قال هذا
ممهدا لعذرهم في ذبحهم الإبل والغنم التي أصابوا (قوله فأصبنا إبلا وغنما) في رواية أبى
الأحوص وتقدم سرعان الناس فأصابوا من المغانم ووقع في رواية الثوري الآتية بعد
أبواب فأصبنا نهب ابل وغنم (قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس) أخريات
جمع أخرى وفى رواية أبى الأحوص في آخر الناس وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك صونا
للعسكر وحفظا لأنه لو تقدمهم لخشى أن ينقطع الضعيف منهم دونه وكان حرصهم على مرافقته
شديدا فيلزم من سيره في مقام الساقة صون الضعفاء لوجود من يتأخر معه قصدا من الأقوياء
(قوله فعجلوا فنصبوا القدور) يعنى من الجوع الذي كان بهم فاستعجلوا فذبحوا الذي غنموه
ووضعوه في القدور ووقع في رواية داود بن عيسى عن سعيد بن مسروق فانطلق ناس من
سرعان الناس فذبحوا ونصبوا قدورهم قبل أن يقسم وقد تقدم في الشركة من رواية علي بن
الحكم عن أبي عوانة فعجلوا وذبحوا ونصبوا القدور وفى رواية الثوري فأغلوا القدور أي
أوقدوا النار تحتها حتى غلت وفى رواية زائدة عن عمر بن سعيد عند أبي نعيم في المستخرج على مسلم
وساق مسلم اسنادها فعجل أولهم فذبحوا ونصبوا القدور (قوله فدفع النبي صلى الله عليه وسلم
إليهم) دفع بضم أوله على البناء للمجهول والمعنى أنه وصل إليهم ووقع في رواية زائدة عن سعيد
ابن مسروق فانتهى إليهم أخرجه الطبراني (قوله فأمر بالقدور فأكفئت) بضم الهمزة وسكون
الكاف أي قلبت وأفرغ ما فيها وقد اختلف في هذا المكان في شيئين أحدهما سبب الإراقة
والثاني هل أتلف اللحم أم لا فأما الأول فقال عياض كانوا انتهوا إلى دار الاسلام والمحل الذي
لا يجوز فيه الاكل من مال الغنيمة المشتركة الا بعد القسمة وأن محل جواز ذلك قبل القسمة انما هو
ما داموا في دار الحرب قال ويحتمل أن سبب ذلك كونهم انتهبوها ولم يأخذوها باعتدال وعلى
قدر الحاجة قال وقد وقع في حديث آخر ما يدل لذلك يشير إلى ما أخرجه أبو داود من طريق
عاصم بن كليب عن أبيه وله صحبة عن رجل من الأنصار قال أصاب الناس مجاعة شديدة وجهد
فأصابوا غنما فانتهبوها فان قدورنا لتغلى بها إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه فأكفأ
539

قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال إن النهبة ليست بأحل من الميتة اه‍ وهذا
يدل على أنه عاملهم من أجل استعجالهم بنقيض قصدهم كما عومل القاتل بمنع الميراث واما الثاني
فقال النووي المأمور به من إراقة القدور انما هو اتلاف المرق عقوبة لهم وأما اللحم فلم يتلفوه بل
يحمل على أنه جمع ورد إلى المغنم ولا يظن أنه أمر باتلافه مع أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن
إضاعة المال وهذا من مال الغانمين وأيضا فالجناية بطبخه لم تقع من جميع مستحقي الغنيمة فان
منهم من لم يطبخ ومنهم المستحقون للخمس فان قيل لم ينقل أنهم حملوا اللحم إلى المغنم قلنا ولم ينقل
أنهم أحرقوه أو أتلفوه فيجب تأويله على وفق القواعد اه‍ ويرد عليه حديث أبي داود فإنه
جيد الاسناد وترك تسمية الصحابي لا يضر ورجال الاسناد على شرط مسلم ولا يقال لا يلزم من
تتريب اللحم اتلافه لامكان تداركه بالغسل لان السياق يشعر بأنه أريد المبالغة في الزجر عن
ذلك الفعل فلو كان بصدد أن ينتفع به بعد ذلك لم يكن فيه كبير زجر لان الذي يخص الواحد منهم
نزر يسير فكان افسادها عليهم مع تعلق قلوبهم بها وحاجتهم إليها وشهوتهم لها أبلغ في الزجر وأبعد
المهلب فقال انما عاقبهم لانهم استعجلوا وتركوه في آخر القوم متعرضا لمن يقصده من عدو
ونحوه وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم كان مختارا لذلك كما تقدم تقريره ولا معنى للحمل على
الظن مع ورود النص بالسبب وقال الإسماعيلي أمره صلى الله عليه وسلم باكفاء القدور يجوز
أن يكون من أجل أن ذبح من لا يملك الشئ كله لا يكون مذكيا ويجوز أن يكون من أجل أنهم
تعجلوا إلى الاختصاص بالشئ دون بقية من يستحقه من قبل أن يقسم ويخرج منه الخمس
فعاقبهم بالمنع من تناول ما سبقوا إليه زجرا لهم عن معاودة مثله ثم رجح الثاني وزيف الأول بأنه
لو كان كذلك لم يحل أكل البعير الناد الذي رماه أحدهم بسهم إذ لم يأذن لهم الكل في رميه مع أن
رميه ذكاة له كما نص عليه في نفس حديث الباب اه‍ ملخصا وقد جنح البخاري إلى المعنى الأول
وترجم عليه كما سيأتي في أواخر أبواب الأضاحي ويمكن الجواب عما ألزمه به الإسماعيلي من قصة
البعير بان يكون الرامي رمى بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم والجماعة فأقروه فدل سكوتهم على
رضاهم بخلاف ما ذبحه أولئك قبل أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه فافترقا والله أعلم
(قوله ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير) في رواية وهذا محمول على أن هذا كان قيمة الغنم
إذ ذاك فلعل الإبل كانت قليلة أو نفيسة والغنم كانت كثيرة أو هزيلة بحيث كانت قيمة البعير
عشر شياه ولا يخالف ذلك القاعدة في الأضاحي من أن البعير يجزئ عن سبع شياه لان ذلك هو
الغالب في قيمة الشاة والبعير المعتدلين وأما هذه القسمة فكانت واقعة عين فيحتمل أن يكون
التعديل لما ذكر من نفاسة الإبل دون الغنم وحديث جابر عند مسلم صريح في الحكم حيث
قال فيه أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة
والبدنة تطلق على الناقة والبقرة وأما حديث ابن عباس كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر
فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة تسعة وفى البدنة عشرة فحسنه الترمذي وصححه ابن حبان
وعضده بحديث رافع بن خديج هذا والذي يتحرر في هذا أن الأصل أن البعير بسبعة ما لم يعرض
عارض من نفاسة ونحوها فيتغير الحكم بحسب ذلك وبهذا تجتمع الأخبار الواردة في ذلك ثم
الذي يظهر من القسمة المذكورة أنها وقعت فيما عدا ما طبخ وأريق من الإبل والغنم التي كانوا
540

غنموها ويحتمل إن كانت الواقعة تعددت أن تكون القصة التي ذكرها ابن عباس أتلف فيها
اللحم لكونه كان قطع للطبخ والقصة التي في حديث رافع طبخت الشياه صحاحا مثلا فلما أريق
مرقها ضمت إلى المغنم لنقسم ثم يطبخها من وقعت في سهمه ولعل هذا هو النكتة في انحطاط
قيمة الشياه عن العادة والله أعلم (قوله فند) بفتح النون وتشديد الدال أي هرب نافرا (قوله منها)
أي من الإبل المقسومة (قوله وكان في القوم خيل يسيرة) فيه تمهيد لعذرهم في كون البعير الذي
ند أتعبهم ولم يقدروا على تحصيله فكأنه يقول لو كان فيهم خيول كثيرة لأمكنهم أن يحيطوا به
فيأخذوه ووقع في رواية أبى الأحوص ولم يكن معهم خيل أي كثيرة أو شديدة الجري فيكون
النفي لصفة في الخيل لا لأصل الخيل جمعا بين الروايتين (قوله فطلبوه فأعياهم) أي أتعبهم ولم
يقدروا على تحصيله (قوله فأهوى إليه رجل) أي قصد نحوه ورماه ولم أقف على اسم هذا الرامي
(قوله فحبسه الله) أي أصابه السهم فوقف (قوله إن لهذه البهائم) في رواية الثوري وشعبة
المذكورتين بعد ان لهذه الإبل قال بعض شراح المصابيح هذه اللام تفيد معنى من لان البعضية
تستفاد من اسم ان لكونه نكرة (قوله أوابد) جمع آبده بالمدينة وكسر الموحدة أي غريبة يقال جاء
فلان بآبدة أي بكلمة أو فعله منفرة يقال أبدت بفتح الموحدة تأبد بضمها ويجوز الكسر أبودا
ويقال تأبدت أي توحشت والمراد أن لها توحشا (قوله فما ند عليكم منها فاصنعوا به هكذا) في
رواية الثوري فما غلبكم منها وفى رواية أبى الأحوص فما فعل منها هذا فعلوا مثل هذا زاد عمر
ابن سعيد بن مسروق عن أبيه فاصنعوا به ذلك وكلوه أخرجه الطبراني وفيه جواز أكل ما رمى
بالسهم فجرح في أي موضع كان من جسده بشرط أن يكون وحشيا أو متوحشا وسيأتى البحث
فيه بعد ثمانية أبواب (قوله وقال جدي) زاد عبد الرزاق عن الثوري في روايته يا رسول الله
وهذا صورته مرسل فان عباية بن رفاعة لم يدرك زمان القول وظاهر سائر الروايات أن عباية نقل
ذلك عن جده ففي رواية شعبة عن جده أنه قال يا رسول الله وفى رواية عمر بن عبيد الآتية أيضا
قال قلت يا رسول الله وفى رواية أبى الأحوص قلت يا رسول الله (قوله انا لنرجو أو نخاف)
هو شك من الراوي وفى التعبير بالرجاء إشارة إلى حرصهم على لقاء العدو لما يرجونه من فضل
الشهادة أو الغنيمة وبالخوف إشارة إلى أنهم لا يحبون أن يهجم عليهم العدو بغتة ووقع في
رواية أبى الأحوص انا نلقى العدو غدا بالجزم ولعله عرف ذلك بخبر من صدقه أو بالقرائن وفى
رواية يزيد بن هارون عن الثوري عند أبي نعيم في المستخرج على مسلم انا نلقى العدو غدا وانا
نرجو كذا بحذف متعلق الرجاء ولعل مراده الغنيمة (قوله وليست معنا مدى) بضم أوله مخفف
مقصور جمع مدية بسكون الدال بعدها تحتانية وهى السكين سميت بذلك لأنها تقطع مدى
الحيوان أي عمره والرابط بين قوله نلقى العدو وليست معنا مدى يحتمل أن يكون مراده أنهم
إذا لقوا العدو صاروا بصدد أن يغنموا منهم ما يذبحونه ويحتمل أن يكون مراده أنهم يحتاجون
إلى ذبح ما يأكلونه ليتقووا به على العدو إذا لقوه ويؤيده ما تقدم من قسمة الغنم والإبل بينهم
فكان معهم ما يذبحونه وكرهوا أن يذبحوا بسيوفهم لئلا يضر ذلك بحدها والحاجة ماسة له
فسأل عن الذي يجزئ في الذبح غير السكين والسيف وهذا وجه الحصر في المدية والقصب
ونحوه مع امكان ما في معنى المدية وهو السيف وقد وقع في حديث غير هذا انكم لاقوا العدو
541

غدا والفطر أقوى لكم فندبهم إلى الفطر ليتقووا (قوله أفنذبح بالقصب) يأتي البحث فيه بعد
بابين (قوله ما أنهر الدم) أي أساله وصبه بكثرة شبه بجرى الماء في النهر قال عياض هذا هو
المشهور في الروايات بالراء وذكره أبو ذر الخشني بالزاي وقال النهز بمعنى الرفع وهو غريب
وما موصولة في موضع رفع بالابتداء وخبرها فكلوا والتقدير ما أنهر الدم
فهو حلال فكلوا
ويحتمل أن تكون شرطية ووقع في رواية أبى اسحق عن الثوري كل ما أنهر الدم ذكاة وما في
هذا موصوفة (قوله وذكر اسم الله) هكذا وقع هنا وكذا هو عند مسلم بحذف قوله عليه وثبتت
هذه اللفظة في هذا الحديث عند المصنف في الشركة وكلام النووي في شرح مسلم يوهم أنها
ليست في البخاري إذ قال هكذا هو في النسخ كلها يعنى من مسلم وفيه محذوف أي ذكر اسم الله
عليه أو معه ووقع في رواية أبى داود وغيره وذكر اسم الله عليه اه‍ فكأنه لما لم يرها في
الذبائح من البخاري أيضا عزاها لأبي داود إذ لو استحضرها من البخاري ما عدل عن التصريح
بذكرها فيه اشتراط التسمية لأنه علق الاذن بمجموع الامرين وهما الأنهار والتسمية والمعلق على
شيئين لا يكتفى فيه الا باجتماعهما وينتفى بانتفاء أحدهما وقد تقدم البحث في اشتراط التسمية
أول الباب ويأتي أيضا قريبا (قوله ليس السن والظفر) بالنصب على الاستثناء بليس ويجوز
الرفع أي ليس السن والظفر مباحا أو مجزئا ووقع في رواية أبى الأحوص ما لم يكن سن أو ظفر
وفى رواية عمر بن عبيد غير السن والظفر وفى رواية داود بن عيسى الا سنا أو ظفرا (قوله
وسأحدثكم عن ذلك) في رواية غير أبي ذر وسأخبركم وسيأتى البحث فيه وهل هو من جملة المرفوع
أو مدرج في باب إذا أصاب قوم غنيمة قبيل كتاب الأضاحي (قوله أما السن فعظم) قال البيضاوي
هو قياس حذفت منه المقدمة الثانية لشهرتها عندهم والتقدير أما السن فعظم وكل عظم لا يحل
الذبح به وطوى النتيجة لدلالة الاستثناء عليها وقال ابن الصلاح في مشكل الوسيط هذا يدل
على أنه عليه الصلاة والسلام كان قد قرر كون الذكاة لا تحصل بالعظم فلذلك اقتصر على قوله
فعظم قال ولم أر بعد البحث من نقل للمنع من الذبح بالعظم معنى يعقل وكذا وقع في كلام ابن عبد
السلام وقال النووي معنى الحديث لا تذبحوا بالعظام فإنها تنجس بالدم وقد نهيتكم عن
تنجيسها لأنها زاد اخوانكم من الجن اه‍ وهو محتمل ولا يقال كان يمكن تطهيرها بعد الذبح
بها لان الاستنجاء بها كذلك وقد تقرر أنه لا يجزئ وقال ابن الجوزي في المشكل هذا يدل على أن
الذبح بالعظم كان معهودا عندهم أنه لا يجزئ وقررهم الشارع على ذلك وأشار إليه هنا (قلت)
وسأذكر بعد بابين من حديث حذيفة ما يصلح أن يكون مستندا لذلك ان ثبت (قوله وأما الظفر
فمدى الحبشة) أي وهم كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم قاله ابن الصلاح وتبعه النووي وقيل
نهى عنهما لان الذبح بهما تعذيب للحيوان ولا يقع به غالبا الا الخنق الذي ليس هو على صورة
الذبح وقد قالوا إن الحبشة تدمى مذابح الشاة بالظفر حتى تزهق نفسها خنقا واعترض على
التعليل الأول بأنه لو كان كذلك لامتنع الذبح بالسكين وسائر ما يذبح به الكفار وأجيب بأن
الذبح بالسكين هو الأصل وأما ما يلتحق بها فهو الذي يعتبر فيه التشبيه لضعفها ومن ثم كانوا
يسألون عن جواز الذبح بغير السكين وشبهها كما سيأتي واضحا ثم وجدت في المعرفة للبيهقي من
رواية حرملة عن الشافعي أنه حمل الظفر في هذا الحديث على النوع الذي يدخل في البخور فقال
542

معقول في الحديث أن السن انما يذكى بها إذا كانت منتزعة فأما وهى ثابتة فلو ذبح بها لكانت
منخنقة يعنى فدل على أن المراد بالسن السن المنتزعة وهذا بخلاف ما نقل عن الحنفية من
جوازه بالسن المنفصلة قال وأما الظفر فلو كان المراد به ظفر الانسان لقال فيه ما قال في السن
لكن الظاهر أنه أراد به الظفر الذي هو طيب من بلاد الحبشة وهو لا يفرى فيكون في معنى
الخنق وفى الحديث من الفوائد غير ما تقدم تحريم التصرف في الأموال المشتركة من غير اذن
ولو قلت ولو وقع الاحتياج إليها وفيه انقياد الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حتى في ترك
ما بهم إليه الحاجة الشديدة وفيه أن للامام عقوبة الرعية بما فيه اتلاف منفعة ونحوها
إذا غلبت المصلحة الشرعية وأن قسمة الغنيمة يجوز فيها التعديل والتقويم ولا يشترط
قسمة كل شئ منها على حدة وأن ما توحش من المستأنس يعطى حكم المتوحش وبالعكس
وجواز الذبح بما يحصل المقصود سواء كان حديدا أم لا وجواز عقر الحيوان الناد لمن عجز عن
ذبحه كالصيد البرى والمتوحش من الانسى ويكون جميع اجزائه مذبحا فإذا أصيب فمات من
الإصابة حل أما المقدور عليه فلا يباح الا بالذبح أو النحر اجماعا وفيه التنبيه على أن تحريم
الميتة لبقاء دمها فيها وفيه منع الذبح بالسن والظفر متصلا كان أو منفصلا طاهرا كان أو
متنجسا وفرق الحنفية بين السن والظفر المتحصلين فخصوا المنع بهما وأجازوه بالمنفصلين وفرقوا
بأن المتصل يصير في معنى الخنق والمنفصل في معنى الحجر وجزم ابن دقيق العيد بحمل الحديث
على المتصلين ثم قال واستدل به قوم على منع الذبح بالعظم مطلقا لقوله أما السن فعظم فعلل منع
الذبح به لكونه عظما والحكم يعم بعموم علته وقد جاء عن مالك في هذه المسئلة أربع روايات
ثالثها يجوز بالعظم دون السن مطلقا رابعها يجوز بهما مطلقا حكاها ابن المنذر وحكى الطحاوي
الجواز مطلقا عن قوم واحتجوا بقوله في حديث عدى بن حاتم أمر الدم بما شئت أخرجه أبو داود
لكن عمومه مخصوص بالنهى الوارد صحيحا في حديث رافع عملا بالحديثين وسلك الطحاوي طريقا
آخر فاحتج لمذهبه بعموم حديث عدى قال والاستثناء في حديث رافع يقتضى تخصيص هذا العموم
لكنه في المنزوعين غير محقق وفى غير المنزوعين محقق من حيث النظر وأيضا فالذبح بالمتصلين
يشبه الخنق وبالمنزوعين يشبه الآلة المستقلة من حجر وخشب والله أعلم * (قوله باب
ما ذبح على النصب والأصنام) النصب بضم أوله وبفتحه واحد الأنصاب وهى حجارة كانت
تنصب حول البيت يذبح عليها باسم الأصنام وقيل النصب ما يعبد من دون الله فعلى هذا
فعطف الأصنام عطف تفسيري والأول هو المشهور وهو اللائق بحديث الباب ذكر فيه حديث
ابن عمر في قصة زيد بن عمرو بن نفيل ووقع فيه من الاختلاف نظير ما وقع في الرواية التي في
أواخر المناقب وهو أنه وقع للأكثر فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة وللكشميهني
فقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة وجمع ابن المنير بين هذا الاختلاف بأن القوم الذين
كانوا هناك قدموا السفرة للنبي صلى الله عليه وسلم فقدمها لزيد فقال زيد مخاطبا لأولئك القوم
ما قال وقوله سفرة لحم في رواية أبي ذر سفرة فيها لحم وقد سبق شرح الحديث مستوفى
في أواخر المناقب * (قوله باب قول النبي صلى الله عليه فليذبح على اسم الله)
ذكر فيه حديث جندب بن عبد الله في ذبح الضحايا قبل صلاة العيد وفيه اللفظ المذكور وهو
543

يحتمل أن يكون المراد به الاذن في الذبيحة حينئذ أو المراد به الامر بالتسمية على الذبيحة وسيأتى
شرح الحديث مستوفى في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى وقد استدل به ابن المنير على اشتراط
تسمية العامد دون الناسي ويأتي تقريره هناك إن شاء الله تعالى ووقع في هذه الرواية ضحينا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحاة بفتح أوله بمعنى الأضحية * (قوله باب
ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد) أنهر أي أسال والمروة حجر أبيض وقيل هو الذي يقدح
منه النار وأشار المصنف بذكرها إلى ما ورد في بعض طرق حديث رافع فان في رواية حبيب بن
حبيب عن سعيد بن مسروق عند الطبراني أفنذبح بالقصب والمروة وفى رواية ليث بن أبي سليم
عن عباية أنذبح بالمروة وشقة العصا ووقع ذكر الذبح بالمروة في حديث أخرجه أحمد والنسائي
والترمذي وابن ماجة من طريق الشعبي عن محمد بن صفوان وفى رواية عن محمد بن صيفي قال
ذبحت أرنبين بمروة فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم بأكلهما وصححه ابن حبان والحاكم وأخرج
الطبراني في الأوسط من حديث حذيفة رفعه اذبحوا بكل شئ فرى الأوداج ما خلا السن
والظفر وفى سنده عبد الله بن خراش مختلف فيه وله شاهد من حديث أبي أمامة نحوه والأشهر
في رواية غير من ذكر أفنذبح بالقصب وأما الحديد فمن قوله وليست معنا مدى فان فيه إشارة إلى أن
الذبح بالحديد كان مقررا عندهم جوازه والمراد بالسؤال عن الذبح بالمروة جنس الاحجار
لا خصوص المروة ولذلك ذكر في الباب حديث كعب بن مالك وفيه التنصيص على الذبح بالحجر
(قوله معتمر) هو ابن سليمان التيمي وعبيد الله هو ابن عمر العمرى (قوله عن نافع سمع ابن كعب
ابن مالك) جزم المزي في الأطراف بأنه عبد الله بن كعب وقد سبق ما فيه في الوكالة وان الذي
يترجح أنه عبد الرحمن بن كعب وقد اختلف في هذا الحديث على نافع كما سأبينه في الباب الذي
بعده (قوله أن جارية لهم) لم أقف على اسمها (قوله بسلع) بفتح السين المهملة وسكون اللام
وحكى فتحها وآخره مهملة جبل معروف بالمدينة (قوله فأبصرت بشاة) في رواية غير أبي ذر
فأصيبت شاة من غنمها (قوله موتا) في رواية السرخسي والمستملى موتها (قوله فذبحتها به) في
رواية الكشميهني فذكتها وسقط لغير أبي ذر به (قوله أو حتى أرسل إليه) هو شك من الراوي
(قوله عن سعيد بن مسروق) هكذا جزم به عبدان عن أبيه عن شعبة ووقع في رواية غندر عن
شعبة أكبر على أنى سمعته من سعيد بن مسروق وحدثني به سفيان يعنى الثوري عنه أخرجه
النسائي وأخرجه أحمد عن غندر فبين أن القدر الذي كان يشك شعبة في سماعه له من سعيد بن
مسروق هو قوله وجعل عشرا من الشاء ببعير (قلت) ولهذه النكتة اقتصر البخاري من الحديث
من رواية شعبة هذه على ما عدا قصة تعديل العشر شياه بالبعير إذ هو المحقق من السماع وقد
تقدمت مباحث الحديث قريبا (قوله عن عباية بن رفاعة) في رواية غير أبي ذر عن عباية بن رافع
ورافع جد عباية وأبوه رفاعة فنسب في هذه الرواية إلى جده ولو أخذ بظاهرها لكان الحديث
عن خديج والد رافع وليس كذلك وقوله في هذه الرواية وند بغير فحبسه فيه اقتصار وقد أخرجه
الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة بلفظ وند بعير منها فسعوا له فرماه رجل بسهم فحبسه
* (قوله باب ذبيحة الأمة والمرأة) كأنه يشير إلى الرد على من منع ذلك وقد نقل
محمد بن عبد الحكم عن مالك كراهته وفى المدونة جوازه وفى وجه للشافعية يكره ذبح المرأة
544

الأضحية وعند سعيد بن منصور بسند صحيح عن إبراهيم النخعي أنه قال في ذبيحة المرأة والصبي
لا بأس إذا أطاق الذبيحة وحفظ التسمية وهو قول الجمهور (قوله غبدة) هو ابن سليمان الكلابي
الكوفي وافق معتمر بن سليمان التيمي البصري على روايته عن عبيد الله بن عمر وذكر الدارقطني أن
غيرهما رواه عن عبيد الله فقال عن نافع ان رجلا من الأنصار (قلت) وكذا تقدم في الباب الذي
قبله من رواية جويرية عن نافع وكذا علقة هنا من رواية الليث عن نافع ووصله الإسماعيلي من
رواية أحمد بن يونس عن الليث به قال الدارقطني وكذا قال محمد بن إسحاق عن نافع وهو أشبه
وسلك الجادة قوم منهم يزيد بن هارون فقال عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر وكذا قال
مرحوم العطار عن داود العطار عن نافع وذكر الدارقطني عن غيرهم أنهم رووه كذلك قال ومنهم
من أرسله عن نافع وهو أشبه بالصواب وأغفل ما ذكره البخاري أواخر الباب من رواية مالك
عن نافع عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ أن جارية لكعب وقد أورده في
الموطآت له كذلك من حديث جماعة عن مالك منهم محمد بن الحسن وقال في روايته عن رجل من
الأنصار معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ وأشار إلى تفرد محمد بذلك وقال الباقون عن رجل عن معاذ
ابن سعد أو سعد بن معاذ ومنهم ابن وهب أخرجه من طريقه كالجماعة قال وأخرجه ابن وهب في
غير الموطأ فقال أخبرني مالك وغيره من أهل العلم عن نافع عن رجل من الأنصار أن جارية لكعب
ابن مالك فذكره وقال الصواب ما في الموطأ يعنى عن مالك وأما عن غيره فيحتمل أن يكون ابن
وهب أراد الليث وحمل رواية مالك على روايته وأغرب ابن التين فقال فيه رواية صحابي عن تابعي
لان ابن كعب تابعي وابن عمر صحابي (قلت) لكن ليس في شئ من طرقه أن ابن عمر رواه عنه وانما
فيها أن ابن كعب حدث ابن عمر بذلك فحمله عنه نافع وأما الرواية التي بها عن ابن عمر فقال راويها
فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر ابن كعب وقد تقدم أنها شاذة والله أعلم وقال الكرماني
الشك من الراوي في معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ لا يقدح لان الصحابة كلهم عدول وهو كما قال
لكن الراوي الذي لم يسم يقدح في حصة الخبر الا انه قد تبين بالطريق الأخرى أن له أصلا (قوله
جارية) وفى لفظ أمة لا ينافي قوله في الرواية الأخرى امرأة لأنها أعم فيؤخذ بقول من زاد في
روايته صفة وهى كونها أمه (قوله فذبحتها) في رواية الكشميهني فذكتها ووقع في رواية
معن بن عيسى عن مالك في الموطأ فأدركت ذكاتها بحجر (قوله فسئل النبي صلى الله عليه وسلم) في
رواية الليث فكسرت حجرا فذبحتها به فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال كلوها فيستفاد
من روايته تعيين الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقد سبق في الباب الذي قبله من
رواية جويرية عن نافع فذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم من رواية عبيد الله بن عمر
فيه على الشك والله أعلم وفى الحديث تصديق الأجير الأمين فيما ائمتن عليه حتى يظهر عليه دليل
الخيانة وفيه جواز تصرف الأمين كالمودع بغير اذن المالك بالمصلحة وقد تقدمت ترجمة المصنف
بذلك في كتاب الوكالة وقال ابن القاسم إذا ذبح الراعي شاة بغير اذن المالك وقال خشيت عليها
الموت لم يضمن على ظاهر هذا الحديث وتعقب بأن الجارية كانت أمة لصاحب الغنم فلا
يتصور تضمينها وعلى تقدير أن تكون غير ملكه فلم ينقل في الحديث أنه أراد تضمينها وكذا لو
أنزى على الإناث فحلا بغير اذن فهلكت قال ابن القاسم لا يضمن لأنه من صلاح المال وقد أومأ
545

البخاري في كتاب الوكالة إلى موافقته حيث قدم الجواز بقصد الاصلاح وقد تقدم بيان ذلك وفيه
جواز أكل ما ذبح بغير اذن مالكه ولو ضمن الذابح وخالف في ذلك طاوس وعكرمة كما سيأتي في
أواخر كتاب الذبائح وهو قول اسحق وأهل الظاهر واليه جنح البخاري لأنه أورد في الباب المذكور
حديث رافع بن خديج في الامر باكفاء القدور وقد سبق ما فيه وعورض بحديث الباب وبما
أخرجه أحمد وأبو داود بسند قوى من طريق عاصم بن كليب عن أبيه في قصة الشاة التي ذبحتها
المرأة بغير اذن صاحبها فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من أكلها لكنه قال أطعموها الأسارى فلو لم
تكن ذكية ما أمر باطعامها الأسارى وفيه جواز أكل ما ذبحته المرأة سواء كانت حرة أو أمة كبيرة
أو صغيرة مسلمة أو كتابية طاهرا أو غير طاهر لأنه صلى الله عليه وسم أمر بأكل ما ذبحته ولم يستفصل
نص على ذلك الشافعي وهو قول الجمهور وقد تقدم في صدر الباب * (قوله باب
لا يذكى بالسن والعظم والظفر) قال الكرماني السن عظم خاص وكذلك الظفر ولكنهما في
العرف ليسا بعظمين وكذا عند الأطباء وعلى الأول فذكر العظم من عطف العام على الخاص ثم
الخاص على العام ذكر فيه طرفا من حديث رافع بن خديج وقد تقدمت مباحثه وسفيان هو
الثوري قال الكرماني ترجم بالعظم ولم يذكره في الحديث ولكن حكمه يعلم منه (قلت) والبخاري
في هذا ماش على عادته في الإشارة إلى ما يتضمنه أصل الحديث فان فيه أما السن فعظم وإن كانت
هذه الجملة لم تذكر هنا لكنها ثابتة مشهورة في نفس الحديث (قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم
كل يعنى ما أنهر الدم الا السن والظفر) كذا عند الجميع ولم أره عند أحمد ممن رواه عن الثوري
بهذا الفظ وكل فعل أمر بالاكل ولفظ يعنى تفسير كأن الراوي قال كلا ما هذا معناه وقد أخرجه
البيهقي من طريق الباغندي عن قبيصة شيخ البخاري فيه بلفظ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذى
الحليفة فأصاب الناس إبلا وغنما قال وذكر الحديث بنحوه وزاد في آخره قال عباية ثم إن
ناضحا تردى بالمدينة فذبح من قبل شاكلته فأخذ منه ابن عمر عشيرا بدرهمين وسيأتى الحديث
بعد قليل من طريق يحيى القطان عن الثوري مطولا * (قوله باب ذبيحة
الاعراب ونحوهم) كذا للأكثر بالواو وللكشميهني بالراء بدل الواو وكذا هو عند النسفي ولكل
وجه (قوله أسامة بن حفص المدني) هو شيخ لم يزد البخاري في التاريخ في تعريفه على ما في هذا
الاسناد وذكر غيره أنه روى عنه أيضا يحيى بن إبراهيم بن أبي قتيلة بالقاف والمثناة مصغر ولم يحتج
البخاري بأسامة هذا لأنه قد أخرج هذا الحديث من رواية الطفاوي وغيره كما سأبينه (قوله
تابعه على عن الدراوردي) هو علي بن عبد الله بن المديني شيخ البخاري والدراوردي هو عبد
العزيز بن محمد وانما يخرج له البخاري في المتابعات ومراد البخاري أن الدراوردي رواه عن
هشام بن عروة مرفوعا كما رواه أسامة بن حفص وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق يعقوب
ابن حميد عن الدراوردي به (قوله وتابعه أبو خالد والطفاوي) يعنى عن هشام بن عروة في رفعه
أيضا فأما رواية أبى خالد وهو سليمان بن حبان الأحمر فقد وصلها عنه المصنف في كتاب التوحيد
وقال عقبة وتابعه محمد بن عبد الرحمن والدراوردي وأسامة بن حفص وأما رواية الطفاوي وهو
محمد بن عبد الرحمن فقد وصلها عنه المصنف في كتاب البيوع وخالفهم مالك فرواه عن هشام عن
أبيه مرسلا ليس فيه عائشة قال الدارقطني في العلل رواه عبد الرحيم بن سليمان ومحاضر بن
546

المورع والنضر بن شميل وآخرون عن هشام موصولا ورواه مالك مرسلا عن هشام ووافق
مالكا على ارساله الحمادان وابن عيينة والقطان عن هشام وهو أشبه بالصواب وذكر أيضا أن
يحيى بن أبي طالب رواه عن عبد الوهاب بن عطاء عن مالك موصولا (قلت) رواية عبد الرحيم
عند ابن ماجة ورواية النضر عند النسائي ورواية محاضر عند أبي داود وقد أخرجه البيهقي
من رواية جعفر بن عون عن هاشم مرسلا ويستفاد من صنيع البخاري أن الحديث إذا
اختلف في وصله وارساله حكم للواصل بشرطين * أحدهما أن يزيد عدد من وصله على من أرسله
والآخر أن يحتف بقرينة تقوى الرواية الموصولة لان عروة معروف بالرواة عن عائشة مشهور
بالأخذ عنها ففي ذلك اشعار بحفظ من وصله عن هشام دون من أرسله ويؤخذ من صنيعه أيضا
أنه وان اشترط في الصحيح أن يكون راويه من أهل الضبط والاتقان أنه إن كان في الراوي قصور
عن ذلك ووافقه على رواية ذلك الخبر من هو مثله انجبر ذلك القصور بذلك وصح الحديث على
شرطه (قوله إن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم) لم أقف على تعيينهم ووقع في رواية مالك سئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله إن قوما يأتوننا بلحم) في رواية أبى خالد يأتونا بلحمان وفى
رواية النضر بن شميل عن هشام عند النسائي ان ناسا من الاعراب وفى رواية مالك من البادية
(قوله لا ندري أذكر اسم الله عليه) كذا هنا بضم الذال على البناء للمجهول وفى رواية
الطفاوي الماضية في البيوع أذكروا وفى رواية أبى خالد لا ندري يذكرون زاد أبو داود في
روايته أم لم يذكروا أفنأكل منها (قوله سمو عليه أنتم وكلوا) في رواية الطفاوي سمو الله وفى
رواية النضر وأبى خالد اذكروا اسم الله زاد أبو خالد أنتم (قوله قالت وكانوا حديثي عهد بالكفر)
وفى لفظ حديث عهدهم وهى جملة اسمية قدم خبرها ووقعت صفة لقوله أقواما ويحتمل أن
يكون خبرا ثانيا بعد الخبر الأول وهو قوله يأتوننا بلحم (قوله بالكفر) وفى لفظ بكفر وفى رواية
أبى خالد بشرك وفى رواية أبى داود بجاهلية زاد مالك في آخره وذلك في أول الاسلام وقد تعلق
بهذه الزيادة قوم فزعموا أن هذا الجواب كان قبل نزول قوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله
عليه قال ابن عبد البر وهو تعلق ضعيف وفى الحديث نفسه ما يرده لأنه أمرهم فيه بالتسمية عند
الاكل فدل على أن الآية كانت نزلت بالامر بالتسمية عند الاكل وأيضا فقد اتفقوا على أن
الانعام مكية وأن هذه القصة جرت بالمدينة وأن الاعراب المشار إليهم في الحديث هم بادية أهل
المدينة وزاد ابن عيينة في روايته واجتهدوا أيمانهم وكلوا أي حلفوهم على أنهم سموا حين
ذبحوا وهذه الزيادة غريبة في هذا الحديث وابن عيينة ثقة لكن روايته هذه مرسلة نعم أخرج
الطبراني من حديث أبي سعيد نحوه لكن قال اجتهدوا ايمانهم أنهم ذبحوها ورجاله ثقات
وللطحاوي في المشكل سأل ناس من الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا أعاريب يأتوننا
بلحمان وجبن وسمن ما ندري ما كنه اسلامهم قال انظروا ما حرم الله عليكم فامسكوا عنه
وما سكت عنه فقد عفا لكم عنه وما كان ربك نسيا اذكروا اسم الله على قال المهلب هذا
الحديث أصل في أن التسمية على الذبيحة لا تجب إذ لو كانت واجبة لاشترطت على كل حال وقد
أجمعوا على أن التسمية على الأكل ليست فرضا فلما نابت عن التسمية على الذبح دل على أنها
سنة لان السنة لا تنوب عن الفرض ودل هذا على أن الامر في حديث عدى وأبى ثعلبة محمول
547

على التنزيه من أجل أنهما كانا يصيدان على مذهب الجاهلية فعلمهما النبي صلى الله عليه وسلم
أمر الصيد والذبح فرضه ومندوبه لئلا يواقعا شبهة من ذلك وليأخذا بأكمل الأمور فيما
يستقبلان واما الذين سألوا عن هذه الذبائح فإنهم سألوا عن أمر قد وقع ويقع لغيرهم ليس فيه
قدرة على الاخذ بالأكمل فعرفهم بأصل الحل فيه وقال ابن التين يحتمل أن يراد بالتسمية هنا عند
الاكل وبذلك جزم النووي قال ابن التين وأما التسمية على ذبح تولاه غيرهم من غير علمهم فلا
تكليف عليهم فيه وانما يحمل على غير الصحة إذا تبين خلافها ويحتمل أن يريد أن تسميتكم الآن
تستبيحون بها أكل ما لم تعلموا أذكر اسم الله عليه أم لا إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته إذا سمى
ويستفاد منه أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة وكذا ما ذبحه أعراب
المسلمين لان الغالب أنهم عرفوا التسمية وبهذا الأخير جزم ابن عبد البر فقال فيه ان ما ذبحه
المسلم يؤكل ويحمل على أنه سمى لان المسلم لا يظن به في كل شئ الا الخير حتى يتبين خلاف ذلك
وعكس هذا الخطابي فقال فيه دليل على أن التسمية غير شرط على الذبيحة لأنها لو كانت شرطا لم
تستبح الذبيحة بالامر المشكوك فيه كما لو عرض الشك في نفس الذبح فلم يعلم هل وقعت الذكاة
المعتبرة أو لا وهذا هو المتبادر من سياق الحديث حيث وقع الجواب فيه فسموا أنتم وكلوا كأنه
قيل لهم لا تهتموا بذلك بل الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا وهذا من أسلوب الحكيم
كما نبه عليه الطيبى ومما يدل على عدم الاشتراط قوله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم
فأباح الاكل من ذبائحهم مع وجود الشك في أنهم سموا أم لا * (تكملة) * قال الغزالي في الاحياء
في مراتب الشبهات المرتبة الأولى ما يتأكد الاستحباب في التورع عنه وهو ما يقوى فيه دليل
المخالف فمنه التورع عن أكل متروك التسمية فان الآية ظاهرة في الايجاب والاخبار متواترة
بالامر بها ولكن لما صح قوله صلى الله عليه وسلم المؤمن يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم احتمل
أن يكون عاما موجبا لصرف الآية والاخبار عن ظاهر الامر واحتمل أن يخصص بالناسي
ويبقى من عداه على الظاهر وهذا الاحتمال الثاني أولى والله أعلم (قلت) الحديث الذي اعتمد
عليه وحكم بصحته بالغ النووي في انكاره فقال هو مجمع على ضعفه قال وقد أخرجه
البيهقي من حديث أبي هريرة وقال منكر لا يحتج به وأخرج أبو داود في المراسيل عن الصلت
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر (قلت) الصلت يقال له
السدوسي ذكره ابن حبان في الثقات وهو مرسل جيد وحديث أبي هريرة فيه مروان بن سالم وهو
متروك ولكن ثبت ذلك عن ابن عباس كما تقدم في أول باب التسمية على الذبيحة واختلف في رفعه
ووقفه فإذا انضم إلى المرسل المذكور قوى أما كونه يبلغ درجة الصحة فلا والله أعلم * (قوله
باب ذبائح أهل الكتاب وشحومها من أهل الحرب وغيرهم) أشار إلى جواز ذلك وهو
قول الجمهور وعن مالك وأحمد تحريم ما حرم الله على أهل الكتاب كالشحوم وقال ابن القاسم لان
الذي أباحه الله طعامهم وليس الشحوم من طعامهم ولا يقصدونها عند الذكاة وتعقب بأن ابن
عباس فسر طعامهم بذبائحهم كما سيأتي آخر الباب وإذا أبيحت ذبائحهم لم يحتج إلى قصدهم أجزاء
المذبوح والتذكية لا تقع على بعض أجزاء المذبوح دون بعض وإن كانت التذكية شائعة في
جميعها دخل الشحم لا محالة وأيضا فان الله سبحانه وتعالى نص بأنه حرم عليهم كل ذي ظفر فكان
548

يلزم على قول هذا القائل أن اليهودي إذا ذبح ما له ظفر لا يحل للمسلم أكله وأهل الكتاب أيضا
يحرمون أكل الإبل فيقع الالزام كذلك (قوله وقوله تعالى أحل لكم الطيبات) كذا لأبي
ذر وساق غيره إلى قوله حل لهم وبهذه الزيادة يتبين مراده من الاستدلال على الحل لأنه لم يخص
ذميا من حربي ولا خص لحما من شحم وكون الشحوم محرمة على أهل الكتاب لا يضر لأنها محرمة
عليهم لا علينا وغايته بعد أن يتقرر أن ذبائحهم لنا حلال أن الذي حرم عليهم منها مسكوت في
شرعنا عن تحريمه علينا فيكون على أصل الإباحة (قوله وقال الزهري لا بأس بذبيحة نصارى
العرب وان سمعته يهل لغير الله فلا تأكل وان لم تسمعه فقد أحله الله لك وعلم كفرهم) وصله عبد
الرزاق عن معمر قال سألت الزهري عن ذبائح نصارى العرب فذكر نحوه وزاد في آخره قال واهلاله
أن يقول باسم المسيح وكذا قال الشافعي إن كان لهم ذبح يسمون عليه غير اسم الله مثل اسم المسيح
لم يحل وان ذكر المسيح على معنى الصلاة عليه لم يحرم وحكى البيهقي عن الحليمي بحثا أن أهل
الكتاب انما يذبحون لله تعالى وهم في أصل دينهم لا يقصدون بعبادتهم الا الله فإذا كان قصدهم
في الأصل ذلك اعتبرت ذبيحتهم ولم يضر قول من قال منهم مثلا باسم المسيح لأنه لا يريد بذلك الا الله
وإن كان قد كفر بذلك الاعتقاد (قوله ويذكر عن علي نحوه) لم أقف على من وصله وكأنه لا يصح
عنه ولذلك ذكره بصيغة التمريض بل قد جاء عن علي من وجه آخر صحيح المنع من ذبائح بعض
نصارى العرب أخرجه الشافعي وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني
عن علي قال لا تأكلوا ذبائح نصارى بنى تغلب فإنهم لم يتمسكوا من دينهم الا بشرب الخمر ولا
تعارض بين الروايتين عن علي لان منع الذي منعه فيه أخص من الذي نقل فيه عنه الجواز
(قوله وقال الحسن وإبراهيم لا بأس بذبيحة الأقلف) بالقاف ثم الفاء هو الذي لم يختن والقلفة
بالقاف ويقال بالغين المعجمة الغرلة وهى الجلدة التي تستر الحشفة وأثر الحسن أخرجه عبد
الرزاق عن معمر قال كان الحسن يرخص في الرجل إذا أسلم بعد ما يكبر فخاف على نفسه ان اختتن
أن لا يختتن وكان لا يرى بأكل ذبيحته بأسا وأما أثر إبراهيم فأخرجه أبو بكر الخلال من طريق
سعيد بن أبي عروبة عن مغيرة عن إبراهيم النخعي قال لا بأس بذبيحة الأقلف وقد ورد ما يخالفه
فأخرج ابن المنذر عن ابن عباس الأقلف لا تؤكل ذبيحته ولا تقبل صلاته ولا شهادته وقال ابن
المنذر قال جمهور أهل العلم تجوز ذبيحته لان الله سبحانه أباح ذبائح أهل الكتاب ومنهم من لا يختتن
(قوله وقال ابن عباس طعامهم ذبائحهم) كذا ثبت هذا التعليق هنا عند المستملى وثبت عند
السرخسي والحموي في آخر الباب عقب الحديث المرفوع وهو موصول عند البيهقي من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم قال ذبائحهم
وقائل هذا يلزمه أن يجيز ذبيحة الأقلف لان كثيرا من أهل الكتاب لا يختتنون وقد خاطب النبي
صلى الله عليه وسلم هرقل وقومه بقوله يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم
وهرقل وقومه ممن لا يختتن وقد سموا أهل الكتاب ثم ذكر المصنف حديث عبد الله بن مغفل كنا
محاصرين قصر خيبر فرمى انسان بجراب فيه شحم فنزوت بنون وزاي أي وثبت وفى رواية
الكشميهني فبدرت أي سارعت وقد تقدمت مباحثه في فرض الخمس وفى حجة على من منع
ما حرم عليهم كالشحوم لان النبي صلى الله عليه وسلم أقر ابن مغفل على الانتفاع بالجراب المذكور
549

وفيه جواز أكل الشحم مما ذبحه أهل الكتاب ولو كانوا أهل حرب * (قوله باب ما ند)
أي نفر (من البهائم) أي الانسية (فهو بمنزلة الوحش) أي في جواز عقره على أي صفة اتفقت
وهو مستفاد من قوله في الخبر فإذا غلبكم منها شئ فافعلوا به هكذا وأما قوله إن لهذه الإبل أوابد
كأوابد الوحش فالظاهر أن تقديم ذكر هذا التشبيه كالتمهيد لكونها تشارك المتوحش في
الحكم وقال ابن المنير بل المراد أنها تنفر كما ينفر الوحش لا أنها تعطى حكمها كذا قال وآخر الحديث يرد عليه قوله وأجازه بن مسعود يشير إلى ما تقدم في باب صيد القوس عن ابن مسعود
وأخرج البيهقي من طريق أبى العميس عن غضبان بن يزيد البجلي عن أبيه قال أعرس رجل من
الحي فاشترى جزورا فندت فعرقبها وذكر اسم الله فأمرهم عبد الله يعنى ابن مسعود أن يأكلوا
فما طابت أنفسهم حتى جعلوا له منها بضعة ثم أتوه بها فأكل (قوله وقال ابن عباس ما عجزك من
البهائم مما في يديك فهو كالصيد وفى بعير تردى في بئر فذكه من حيث قدرت
في رواية كريمة من
حيث قدرت عليه فذكه أما الأثر الأول فوصله ابن أبي شيبة من طريق عكرمة عنه بهذا قال فهو
بمنزلة الصيد وأما الثاني فوصله عبد الرزاق من وجه آخر عن عكرمة عنه قال إذا وقع البعير في البئر
فاطعنه من قبل خاصرته واذكر اسم الله وكل (قوله ورأى ذلك على وابن عمر وعائشة) أما أثر على
فوصله ابن أبي شيبة من طريق أبى راشد السلماني قال كنت أرعى منائح لأهلي بظهر الكوفة
فتردى منها بعير فخشيت أن يسبقني بذكاته فأخذت حديدة فوجأت بها في جنبه أو سنامه
ثم قطعته أعضاء وفرقته على أهلي فأبوا أن يأكلوه فأتيت عليا فقمت على باب قصره فقلت يا أمير
المؤمنين يا أمير المؤمنين فقال يا لبيكاه يا لبيكاه فأخبرته خبره فقال كل وأطعمني وأما أثر ابن عمر
فوصله عبد الرزاق في اثر حديث رافع بن خديج من رواية سفيان عن أبيه عن عباية بن رفاعة
وقد تقدم في باب لا يذكى بالسن والعظم وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عباية بلفظ
تردى بعير في ركية فنزل رجل لينحره فقال لا أقدر على نحره فقال له ابن عمر أذكر اسم الله ثم اقتل
شاكلته يعنى خاصرته ففعل وأخرج مقطعا فاخذ منه ابن عمر عشيرا بدرهمين أو أربعة وأما أثر
عائشة فلم أقف عليه بعد موصولا وقد نقله ابن المنذر وغيره عن الجمهور وخالفهم مالك والليث
ونقل أيضا عن سعيد بن المسيب وربيعة فقالوا لا يحل أكل الانسى إذا توحش الا بتذكيته في
حلقه أو لبته وحجة الجمهور حديث رافع ثم ذكر حديث رافع بن خديج من رواية يحيى القطان
عن سفيان الثوري ولم يذكر فيه قصة نصب القدور واكافئها وذكر سائر الحديث (قوله فيه عن
عباية بن رفاعة بن خديج) كذا فيه نسب رفاعة إلى جده ووقع في رواية كريمة رفاعة بن رافع بن
خديج بغير نقص فيه (قوله فقال أعجل أو أرن) في رواية كريمة بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون
النون وكذا ضبطه الخطابي في سنن أبي داود وفى رواية أبي ذر بسكون الرأس وكسر النون ووقع
في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه الذي هنا وأرني باثبات الياء آخره قال الخطابي هذا حرف
طالما استثبت فيه الرواة وسألت عنه أهل اللغة فلم أجد عندهم ما يقطع بصحته وقد طلبت له
مخرجا فذكر أوجها * أحدها أن يكون على الرواية بكسر الراء من أران القوم إذا هلكت
مواشيهم فيكون المعنى أهلكها ذبحا * ثانيها أن يكون على الرواية بسكون الراء بوزن اعط يعنى
انظروا نظروا نتظر بمعنى قال الله تعالى حكاية عمن قال انظرونا نقتبس من نوركم أي أنظرونا
550

أو هو بضم الهمزة بمعنى أدم الحز من قولك رنوت إذا أدمت النظر إلى الشئ وأراد أدم النظر إليه
وراعه ببصرك * ثالثها أن يكون مهموزا من قولك أر أن يرئن إذا نشط وخف كأنه فعل
أمر بالاسراع لئلا يموت خنقا ورجح في شرح السنن هذا الوجه الأخير فقال صوابه أرئن بهمزة
ومعناه خف واعجل لئلا تخنقها فان الذبح إذا كان بغير الحديد احتاج صاحبه إلى خفة يد
وسرعة في أمرار تلك الآلة والاتيان على الحلقوم والأوداج كلها قبل أن تهلك الذبيحة بما ينالها
من ألم الضغط قبل نطح مذابحها ثم قال وقد ذكرت هذا الحرف في غريب الحديث وذكرت فيه
وجوها يحتملها التأويل وكان قال فيه يجوز أن تكون الكلمة تصحفت وكان في الأصل أزز
بالزاي من قولك أزز الرجل إصبعه إذا جعلها في الشئ وأززت الجرادة أززا إذا أدخلت ذنبها في
الأرض والمعنى شد يدك على النحر وزعم أن هذا الوجه أقرب الجميع قال ابن بطال عرضت كلام
الخطابي على بعض أهل النقد فقال أما أخذه من أران القوم فمعترض لان أران لا يتعدى وانما
يقال أران هو ولا يقال أران الرجل غنمه وأما الوجه الذي صوبه ففيه نظر وكانه من جهة أن
الرواية لا تساعده وأما الوجه الذي جعله أقرب الجميع فهو أبعدها لعدم الرواية به وقال عياض
ضبطه الأصيلي أرنى فعل أمر من الرؤية ومثله في مسلم لكن الراء ساكنة قال وأفادني بعضهم
أنه وقف على هذه اللفظة في مسند علي بن عبد العزيز مضبوطة هكذا أرنى أو أعجل فكان
الراوي شك في أحد اللفظين وهما بمعنى واحد والمقصود الذبح بما يسرع القطع ويجرى الدم
ورجح النووي أن أرن بمعنى عجل وأنه شك من الراوي وضبط أعجل بكسر الجيم وبعضهم قال
في رواية لمسلم أرنى بسكون الراء وبعد النون ياء أي أحضرني الآلة التي تذبح بها لأراها ثم
أضرب عن ذلك فقال أو أعجل واوتجئ للاضراب فكأنه قال قد لا يتيسر احضار الآلة فيتأخر
البيان فعرف الحكم فقال أعجل ما أنهر الدم الخ قال وهذا أولى من حمله على الشك وقال
المنذري اختلف في هذه الفظة هل هي بوزن اعط أو بوزن اطع أو هي فعل أمر من الرؤية فعلى
الأول المعنى ادم الحز من رنوت إذا أدمت النظر وعلى الثاني أهلكها ذبحا من أران القوم إذا
هلكت مواشيهم وتعقب بأنه لا يتعدى وأجيب بأن المعنى كن ذا شاة هالكة إذا أزهقت نفسها
بكل ما أنهر الدم (قلت) ولا يخفى تكلفة وأما على أنه بصيغة فعل الامر فمعناه أرنى سيلان الدم
ومن سكن الراء اختلس الحركة ومن حذف الياء جاز وقوله واعجل بهمزة وصل وفتح الجيم
وسكون اللام فعل أمر من العجلة أي أعجل لا تموت الذبيحة خنقا قال ورواه بعضهم بصيغة أفعل
التفضيل أي ليكن الذبح أعجل ما أنهر الدم (قلت) وهذا وان تمشى على رواية أبى داود بتقديم
لفظ أرنى على أعجل لم يستقم على رواية البخاري بتأخيرها وجوز بعضهم في رواية أرن بسكون
الراء أن يكون من أرنانى حسن ما رأيته أي حملني على الرنو إليه والمعنى على هذا أحسن الذبح
حتى تحب أن ننظر إليك ويؤيده حديث إذا ذبحتم فاحسنوا أخرجه مسلم وقد سبقت مباحث
هذا الحديث مستوفاة قبل وسياقه هناك أتم مما هنا والله أعلم * (قوله باب النحر
والذبح) في رواية أبي ذر والذبائح بصيغة الجمع وكانه جمع باعتبار أنه الأكثر فالنحر في الإبل خاصة
واما غير الإبل فيذبح وقد جاءت أحاديث في ذبح الإبل وفى نحر غيرها وقال ابن التين الأصل
في الإبل النحر وفى الشاة ونحوها الذبح واما البقر فجاء في القرآن ذكر ذبحها وفى السنة ذكر نحرها
551

واختلف في ذبح ما ينحر ونحر ما يذبح فأجازه الجمهور ومنع ابن القاسم (قوله وقال ابن جريج
عن عطاء الخ) وصله عبد الرزاق عن ابن جريج مقطعا وقوله والذبح قطع الأوداج جمع ودج
بفتح الدال المهملة والجيم وهو العرق الذي في الأخدع وهما عرقان متقابلان قيل ليس لكل
بهيمة غير ودجين فقط وهما محيطان بالحلقوم ففي الاتيان بصيغة الجمع نظر ويمكن أن يكون
أضاف كل ودجين إلى الأنواع كلها هكذا اقتصر عليه بعض الشراح وبقى وجه آخر وهو أنه
أطلق على ما يقطع في العادة ودجا تغليبا فقد قال أكثر الحنفية في كتبهم إذا قطع من الأوداج
الأربعة ثلاثة حصلت التذكية وهما الحلقوم والمرئ وعرقان من كل جانب وحكى ابن المنذر
عن محمد بن الحسن إذا قطع الحلقوم والمرئ وأكثر من نصف الأوداج أجزأ فان قطع أقل فلا خير
فيها وقال الشافعي يكفي ولو لم يقطع من الودجين شيئا لأنهما قد يسلان من الانسان وغيره
فيعيش وعن الثوري ان قطع الودجين أجزأ ولو لم يقطع الحلقوم والمرئ وعن مالك والليث
يشترط قطع الودجين والحلقوم فقط واحتج له بما في حديث رافع ما أنهر الدم وأنهاره اجراؤه وذلك
يكون بقطع الأوداج لأنها مجرى الدم واما المرئ فهو مجرى الطعام وليس به من الدم ما يحصل
به انهار كذا قال وقوله فأخبرني نافع القائل هو ابن جريج وقوله النخع بفتح النون وسكون
الخاء المعجمة فسره في الخبر بأنه قطع ما دون العظم والنخاع عرق أبيض في فقار الظهر إلى القلب
يقال له خيط الرقبة وقال الشافعي النخع أن تذبح الشاة ثم يكسر قفاها من موضع المذبح
أو تضرب ليعجل قطع حركتها وأخرج أبو عبيد في الغريب عن عمر انه نهى عن الفرس في
الذبيحة ثم حكى عن أبي عبيدة أن الفرس هو النخع يقال فرست الشاة ونخعتها وذلك أن ينتهى
بالذبح إلى النخاع وهو عظم في الرقبة قال ويقال أيضا هو الذي يكون في فقار الصلب شبية بالمخ
وهو متصل بالقفا نهى أن ينتهى بالذبح إلى ذلك قال أبو عبيد أما النخع فهو على ما قال وأما
الفرس فيقال هو الكسر وانما نهى أن تكسر رقبة الذبيحة قبل أن تبرد ويبين ذلك أن في
الحديث ولا تعجلوا الأنفس قبل أن تزهق (قلت) يعنى في حديث عمر المذكور وكذا ذكره الشافعي
عن عمر (قوله وإذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة إلى فذبحوها وما كادوا
يفعلون) زاد في رواية كريمة وقول الله تعالى وإذ قال موسى لقومه وهذا من تمام الترجمة وأراد
ان يفسر به قول ابن جريج في الأثر المذكور ذكر الله ذبح البقرة وفى هذا إشارة منه إلى اختصاص
البقر بالذبح وقد روى شيخه إسماعيل بن أبي أويس عن مالك من نحر البقر فبئس ما صنع ثم تلا
هذه الآية وعن أشهب ان ذبح بعيرا من غير ضرورة لم يؤكل (قوله وقال سعيد عن ابن عباس
الذكاة في الحلق واللبة) وصله سعيد بن منصور والبيهقي من طريق أيوب عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس أنه قال الذكاة في الحلق واللبة وهذا اسناد صحيح وأخرجه سفيان الثوري في جامعه
عن عمر مثله وجاء مرفوعا من وجه واه واللبة بفتح اللام وتشديد الموحدة هي موضع القلادة
من الصدر وهى المنحر وكأن المصنف لمح بضعف الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن من رواية
حماد بن سلمة عن أبي المعشر الدارمي عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما تكون الذكاة الا في الحلق
واللبة قال لو طعنت في فخذها لاجزاك لكن من قواه حمله على الوحش والمتوحش (قوله وقال
ابن عمر وابن عباس وأنس إذا قطع الرأس فلا بأس) أما أثر ابن عمر فوصله أبو موسى الزمن من
552

رواية أبى مجلز سألت ابن عمر عن ذبيحة قطع رأسها فأمر ابن عمر بأكلها وأما أثر ابن عباس
فوصله ابن أبي شيبة بسند صحيح أن ابن عباس سئل عمن ذبح دجاجة فطير رأسها فقال ذكاة
وحية بفتح الواو وكسر الحاء المهملة بعدها تحتانية ثقيلة أي سريعة منسوبة إلى الوحاء وهو
الاسراع والعجلة وأما أثر أنس فوصله ابن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس أن
جزارا لأنس ذبح دجاجة فاضطربت فذبحها من قفاها فأطار رأسها فأرادوا طرحها فأمرهم
أنس بأكلها ثم ذكر المصنف في الباب حديث أسماء بنت أبي بكر في أكل الفرس أورده من
رواية سفيان الثوري ومن رواية جرير كلاهما عن هشام بن عروة موصولا بلفظ نحرنا وقال
في آخره تابعه وكيع وابن عيينة عن هشام في النحر وأورده أيضا من رواية عبدة وهو ابن سليمان
عن هشام بلفظ ذبحنا ورواية ابن عيينة التي أشار إليها ستأتي موصولة بعد بابين من رواية
الحميدي عن سفيان وهو ابن عيينة به وقال نحرنا ورواية وكيع أخرجها أحمد عنه بلفظ نحرنا
وأخرجها مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي وحفص بن غياث ووكيع ثلاثتهم عن
هشام بلفظ نحرنا وأخرجه عبد الرزاق عن معمر والثوري جميعا عن هشام بلفظ نحرنا وقال
الإسماعيلي قال همام وعيسى بن يونس وعلي بن مسهر عن هشام بلفظ نحرنا واختلف على حماد
ابن زيد وابن عيينة فقال أكثر أصحابهما نحرنا وقال بعضهم ذبحنا وأخرجه الدارقطني من
رواية مؤمل بن إسماعيل عن الثوري ووهيب بن خالد ومن رواية ابن ثوبان وهو عبد الرحمن بن
ثابت بن ثوبان ومن رواية يحيى القطان كلهم عن هشام بلفظ ذبحنا ومن رواية أبى معاوية
عن هشام انتحرنا وكذا أخرجه مسلم من رواية أبى معاوية وأبى أسامة ولم يسق لفظه وساقه أبو
عوانة عنهما بلفظ نحرنا وهذا الاختلاف كله عن هشام وفيه اشعار بأنه كان تارة يرويه بلفظ
ذبحنا وتارة بلفظ نحرنا وهو مصير منه إلى استواء اللفظين في المعنى وأن النحر يطلق عليه ذبح
والذبح يطلق عليه نحر ولا يتعين مع هذا الاختلاف ما هو الحقيقة في ذلك من المجاز الا أن رجح
أحد الطريقين وأما أنه يستفاد من هذا الاختلاف جواز نحر المذبوح وذبح المنحور كما قاله
بعض الشراح فبعيد لأنه يستلزم أن يكون الامر في ذلك وقع مرتين والأصل عدم التعدد مع
اتحاد المخرج وقد جرى النووي على عادته في الحمل على التعدد فقال بعد ان ذكر اختلاف
الرواة في قولها نحرنا وذبحنا يجمع بين الروايتين بأنهما قضيتان فمرة نحروها ومرة ذبحوها ثم قال
ويجوز أن تكون قصة واحدة وأحد اللفظين مجاز والأول أصح كذا قال والله أعلم * (قوله
باب ما يكره من المثلة) بضم الميم وسكون المثلثة هي قطع أطراف الحيوان أو بعضها
وهو حي يقال مثلت به أمثل بالتسديد للمبالغة (قوله والمصبورة) بصاد مهملة ساكنة وموحدة
مضمومة (والمجثمة) بالجيم والمثلثة المفتوحة التي تربط وتجعل غرضا للرمي فإذا ماتت من ذلك لم
يحل أكلها والجثوم للطير ونحوها بمنزلة البروك للإبل فلو جثمت بنفسها فهي جاثمة ومجثمة بكسر
المثلثة وتلك إذا صيدت على تلك الحالة فذبحت جاز أكلها وان رميت فماتت لم يجز لأنها تصير
موقذة ثم ذكر في الباب أربعة أحاديث * الأول حديث أنس (قوله عن هشام بن زيد) يعنى
ابن أنس بن مالك (قوله دخلت مع أنس على الحكم بن أيوب) يعنى ابن أبي عقيل الثقفي ابن عم
الحجاج بن يوسف ونائبه على البصرة وزوج أخته زينب بنت يوسف وهو الذي يقول فيه جرير
553

يمدحه - حتى أنخناها على باب الحكم * خليفة الحجاج غير المتهم -
وقع ذكره في عدة أحاديث وكان يضاهى في الجور ابن عمه وليزيد الضبي معه قصة طويلة تدل على
ذلك أوردها أبو يعلى الموصلي في مسند أنس له ووقع في رواية الإسماعيلي بلفظ خرجت مع
أنس بن مالك من دار الحكم بن أيوب أمير البصرة (قوله فرأى غلمانا أو فتيانا) شك من الراوي
ولم أقف على أسمائهم وظاهر السياق أنهم من أتباع الحكم بن أيوب المذكور (قوله أن تصبر)
بضم أوله أي تحبس لترمى حتى تموت وفى رواية الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ سمعت أنس بن
مالك يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صبر الروح وأصل الصبر الحبس وأخرج
العقيلي في الضعفاء من طريق الحسن عن سمرة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تصبر
البهيمة وأن يؤكل لحمها إذا صبرت قال العقيلي جاء في النهى عن صبر البهيمة أحاديث جياد وأما
النهى عن أكلها فلا يعرف الا في هذا (قلت) ان ثبت فهو محمول على أنها ماتت بذلك بغير
تذكية كما تقدم في المقتول بالبندقة * الحديث الثاني حديث ابن عمر (قوله أنه دخل على يحيى
ابن سعيد) أي ابن العاص وهو أخو عمرو المعروف بالأشدق بن سعيد بن العاص والد سعيد بن
عمرو راويه من ابن عمر (قوله وغلام من بنى يحيى) أي ابن سعيد المذكور لم أقف على اسمه وكان
ليحيى من الذكور عثمان وعنبسة وأبان وإسماعيل وسعيد ومحمد وهشام وعمرو وكان يحيى بن
سعيد قد ولى امرة المدينة وكذا أخوه عمرو (قوله فمشى إليها ابن عمر حتى حلها) بتشديد
اللام في رواية السرخسي والمستملى حملها ورواية الكشميهني أوضح لقوله في أول الحديث رابط
دجاجة وقع في رواية الإسماعيلي وأبى نعيم في المستخرج فحل الدجاجة (قوله ازجروا غلامكم) في
رواية الكشميهني غلمانكم (عن أن يصبر) في رواية الكشميهني أن يصبروا بصيغة الجمع وهو على نسق
الذي قبله وزاد أبو نعيم في آخر الحديث وان أردتم ذبحها فاذبحوها (قوله هذا الطير) قال الكرماني
هذا على لغة قليلة وهى اطلاق الطير على الواحد واللغة المشهورة في الواحد طائر والجمع الطير
(قلت) وهو هنا محتمل لإرادة الجمع بل الأولى أنه لإرادة الجنس (قوله أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل)
أو للتنويع لا للشك وهو زائد على حديث أنس فيدخل فيه البهائم والطيور وغيرهما ونحوه حديث أبي
أيوب قال والذي نفسي بيده لو كانت دجاجة ما صبرتها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينهى عن قتل الصبر أخرجه أبو داود بسند قوى ويجمع ذلك حديث شداد بن أوس عند مسلم
رفعه إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته
قال ابن أبي جمرة فيه رحمة الله لعباده حتى في حال القتل فأمر بالقتل وأمر بالرفق فيه ويؤخذ
منه قهره لجميع عباده لأنه لم يترك لاحد التصرف في شئ الا وقد حد له فيه كيفية (قوله عن أبي
بشر) هو جعفر بن أبي وحشية (قوله فمروا بفتية أو بنفر) شك من الراوي وفى رواية الإسماعيلي
فإذا فتية نصبوا دجاجة يرمونها وله كل خاطئة يعنى ان الذي يصيبها يأخذ السهم الذي ترمى به إذا لم
يصبها (قوله وقال ابن عمر من فعل هذا) زاد في رواية الإسماعيلي فتفرقوا (قوله إن النبي صلى الله
عليه وسلم لعن من فعل هذا) في رواية مسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا بمعجمتين والفتح أي
منصوبا للرمي وفى رواية الإسماعيلي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مثل بالحيوان وفى
رواية له بالبهائم وفى رواية له من تجثم واللعن من دلائل التحريم ولأحمد من وجه آخر عن
554

أبى صالح الحنفي عن رجل من الصحابة أراه عن ابن عمر رفعه من مثل بذى روح ثم لم يتب مثل الله
به يوم القيامة رجاله ثقات (قوله تابعه سليمان) هو ابن حرب (قوله لعن النبي صلى الله عليه وسلم
من مثل بالحيوان) أي صيره مثله بضم الميم وبالمثلثة وهذه المتابعة وصلها البيهقي من طريق
إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب وزاد فيه أيضا قصة أن ابن عمر خرج في طريق
من طرق المدينة فرأى غلمانا فذكر مثل رواية أبى بشر وفيه فلما رأوه فروا فغضب الحديث ووهم
مغلطاي وتبعه شيخنا ابن الملقن وغيره فجزموا بأن سليمان هذا هو أبو داود الطيالسي واستند
إلى أن أبا نعيم أخرجه في مستخرجه من طريق أبى خليفة عن الطيالسي (قلت) وهو غلط ظاهر
فان الطيالسي الذي يروى عنه أبو خليفة هو أبو الوليد و اسمه هشام بن عبد الملك ولم يدرك أبو
خليفة أبا داود الطيالسي فان مولده بعد وفاته بسنتين مات أبو داود سنة أربع ومائتين على
الصحيح وولد أبو خليفة سنة ست ومائتين والمنهال المذكور في السند هو ابن عمرو يعنى أنه تابع أبا
بشر في روايته لهذا الحديث عن سعيد بن جبير وخالفهما عدى بن ثابت فرواه عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس كما بينه في الطريق التي بعدها * الحديث الثالث والرابع (قوله وقال عدى) هو
ابن ثابت (عن سعيد) هو ابن جبير (عن ابن عباس) هو موصول بالاسناد الذي ساقه إلى عدى بن
ثابت عن عبد الله بن يزيد وقد ساقه البخاري في تاريخه عن حجاج بن منهال الذي ساق حديث
عبد الله بن يزيد به ولكن لفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا (قوله
سمعت عبد الله بن يزيد) هو الخطمي بفتح المعجمة وسكون المهملة تقدم ذكره في الاستسقاء (قوله
نهى عن النهبي) بضم النون وسكون الهاء ثم بالموحدة مقصور أي أخذ مال المسلم قهرا جهرا
ومنه أخذ مال الغنيمة قبل القسمة اختطافا بغير تسوية (قوله والمثلثة) تقدم ضبطها وتفسيرها
وتقدم في المغازي في باب قصة عكل وعرينة لهذا الحديث طريق أخرى وذكر الإسماعيلي
الاختلاف على شعبة فيه وبين أن يعقوب الحضرمي رواه عن شعبة كما قال حجاج بن منهال لكن
أدخل بين عبد الله بن يزيد والنبي صلى الله عليه وسلم أبا أيوب ورواية يعقوب بن إسحاق المذكورة
وصلها الطبراني وفى هذه الأحاديث تحريم تعذيب الحيوان الآدمي وغيره وفى الحديث الأول
قوة أنس على الامر بالمعروف والنهى عن المنكر مع معرفته بشدة الأمير المذكور لكن كان الخليفة
عبد الملك بن مروان نهى الحجاج عن التعرض له بعد أن كان صدر من الحجاج في حقه خشونة
فشكاه لعبد الملك فأغلظ للحجاج وأمره باكرامه * (قوله باب لحم الدجاج)
هو اسم جنس مثلث الدال ذكره المنذري في الحاشية وابن مالك وغيرهما ولم يحك النووي الضم
والواحدة دجاجة مثلث أيضا وقيل إن الضم فيه ضعيف قال الجوهري دخلتها الهاء للوحدة مثل
الحمامة وأفاد إبراهيم الحربي في غريب الحديث أن الدجاج بالكسر اسم للذكران دون الإناث
والواحد منها ديك وبالفتح الإناث دون الذكران والواحدة دجاجة بالفتح أيضا قال وسمى
لاسراعه في الاقبال والادبار من دج يدج إذا أسرع (قلت) ودجاجة اسم امرأة وهى بالفتح فقط
ويسمى بها الكبة من الغزل (قوله حدثنا يحيى) هو ابن موسى البلخي نسبه أبو علي بن السكن
وجزم الكلاباذي وأبو نعيم بأنه ابن جعفر (قوله عن أيوب) في الرواية الثانية ابن أبي تميمة وهو
السختياني وعند أحمد عن عبد الله بن الوليد عن سفيان حدثنا أيوب حدثني أبو قلابة (قوله عن
555

أبى قلابة) كذا رواه سفيان الثوري عن أيوب ووافقه سفيان بن عيينة عن أيوب عند مسلم
وهكذا قال عبد السلام بن حرب عن أيوب كما مضى في المغازي وقال عبد الوارث كما في الحديث
الذي يليه عن أيوب عن القاسم بدل أبى قلابة وكذا قال ابن علية عن أيوب كما يأتي في الأيمان
والنذور أيضا وقال حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة والقاسم قال وأنا لحديث قاسم أحفظ
أخرجه في فرض الخمس وكذا قال وهيب عن أيوب عنهما عند مسلم (قوله عن زهدم) بفتح
الزاي هو ابن مضرب بضم أوله وبفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها موحدة
الجرمي) بفتح الجيم بصرى ثقة ليس له في البخاري سوى حديثين هذا الحديث وقد أخرجه في
مواضع له وحديث آخر أخرجه عن عمران بن حصين تقدم في المناقب وذكره في مواضع أخرى
أيضا (قوله رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل دجاجا) كذا أورده مختصرا وكذا ساقه أحمد
عن وكيع وأخرجه عن أبي أحمد الزبيري عن سفيان أتم منه وساقه الترمذي في الشمائل من
وجه آخر مطولا كما ذكره المصنف من طريق عبد الوارث عن أيوب عن القاسم وهو ابن عاصم
التميمي وليس له في البخاري سوى هذا الحديث فقد أورده عنه في مواضع مقرونا ومفردا
مختصرا ومطولا مشتملا على قصة الرجل الذي امتنع من أكل الدجاج وحلف على ذلك وفتوى
أبى موسى له بأن يكفر عن يمينه ويأكل وقص له الحديث في ذلك وسببه وهو طلبهم من النبي
صلى الله عليه وسلم أن يحملهم وقد أورد المصنف قصة الاستحمال وما يليها من حكم اليمين وكفارته
دون قصة الدجاج أيضا من رواية غيلان بن جرير عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه في كفارة
الأيمان وأوردها أيضا في المغازي من طريق يزيد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده أبى بردة أتم
سياقا منه في قصة الاستحمال وليس فيه ذكر كفارة اليمين وقد أحلت في فرض الخمس وفى المغازي
بشرحه على كتاب الأيمان والنذور فأذكر هنا ما يتعلق بالدجاج (قوله كنا عند أبي موسى الأشعري
وكان بيننا وبينه هذا الحي) بالخفض بدل من الضمير في بينه كذا قال ابن التين وليس يجيد لأنه يصير
تقدير الكلام أن زهدما الجرمي قال كان بيننا وبين هذا الحي من جرم إخاء وليس ذلك المراد وانما
المراد أن أبا موسى وقومه الأشعريين كانوا أهل مودة واخاء لقوم زهدم وهم بنو جرم وقد وقع
هنا في رواية الكشميهني وكان بيننا وبين هذا الحي وكذا وقع في رواية إسماعيل عن أيوب عن
القاسم وأبى قلابة كما سيأتي في كفارة الأيمان وهو يؤيد ما قال ابن التين الا أن المعنى لا يصح وقد
أخرجه في أواخر كتاب التوحيد من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة والقاسم
كلاهما عن زهدم قال كان بين هذا الحي من جرم وبين الأشعريين ود أو إخاء وهذه الرواية
هي المعتمدة (قوله إخاء) بكسر أوله والمد قال ابن التين ضبطه بعضهم بالقصر وهو خطا (قوله وفى
القوم رجل جالس أحمر) أي اللون وفى رواية حماد بن زيد رجل من بنى تيم الله أحمر كأنه من
الموالى أي العجم وهذا الرجل هو زهدم الراوي أبهم نفسه فقد أخرج الترمذي من طريق قتادة
عن زهدم قال دخلت على أبى موسى وهو يأكل دجاجا فقال ادن فكل فانى رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأكله مختصرا وقد أشكل هذا لكونه وصف الرجل في رواية الباب بأنه
من بنى تيم الله وزهدم من بنى جرم فقال بعض الناس الظاهر أنهما امتنعا معا زهدم والرجل
التيمي وحمله على دعوى التعدد استبعاد أن يكون الشخص الواحد ينسب إلى تيم الله والى جرم
556

ولا بعد في ذلك بل قد أخرج أحمد الحديث المذكور عن عبد الله بن الوليد هو العدني عن سفيان
هو الثوري فقال في روايته عن رجل من بنى تيم الله يقال له زهدم قال كنا عند أبي موسى فأتى
بلحم دجاج فعلى هذا فلعل زهدما كان تارة ينسب إلى بنى جرم وتارة إلى بنى تيم الله وجرم قبيلة
في قضاعة ينسبون إلى جرم بن زبان بزاي وموحدة ثقيلة ابن عمران بن الحاف بن قضاعة
وتيم الله بطن من بنى كلب وهم قبيلة في قضاعة أيضا ينسبون إلى تيم الله بن رفيدة براء وفاء مصغرا
ابن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة فحلوان عم جرم
قال الرشاطي في الأنساب وكثيرا ما ينسبون الرجل إلى أعمامه (قلت) وربما أبهم الرجل نفسه كما
تقدم في عدة مواضع فلا بعد في أن يكون زهدم صاحب القصة والأصل عدم التعدد وقد أخرج
البيهقي من طريق الفريابي عن الثوري بسنده المذكور في هذا الباب إلى زهدهم قال رأيت
أبا موسى يأكل الدجاج فدعاني فقلت انى رأيته يأكل نتنا قال ادنه فكل فذكر الحديث المرفوع
ومن طريق الصعق بن حزن عن مطر الوراق عن زهدم قال دخلت على أبى موسى وهو يأكل
لحم دجاج فقال ادن فكل فقلت انى حلفت لا آكله الحديث وقد أخرجه موسى عن شيبان بن
فروخ عن الصعق لكن لم يسق لفظه وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه من وجه آخر عن زهدم
نحوه وقال فيه فقال لي ادن فكل فقلت انى لا أريده الحديث فهذه عدة طرق صرح زهدم
فيها بأنه صاحب القصة فهو المعتمد ولا يعكر عليه الا ما وقع في الصحيحين مما ظاهره المغايرة بين
زهدم والممتنع من أكل الدجاج ففي رواية عن زهدم كنا عند أبي موسى فدخل رجل من بنى تيم
الله أحمر شبيه بالموالي فقال هلم فتلكأ الحديث فان ظاهره أن الداخل دخل وزهدم جالس عند أبي
موسى لكن يجوز أن يكون مراد زهدم بقوله كنا قومه الذين دخلوا قبله على أبى موسى وهذا
مجاز قد استعمل غيره مثله كقول ثابت البناني خطبنا عمران بن حصين أي خطب أهل البصرة
ولم يدرك ثابت خطبة عمران المذكورة فيحتمل أن يكون زهدم دخل فجرى له ما ذكر وغاية ما فيه
أنه أبهم نفسه ولا عجب فيه والله أعلم (قوله انى رأيته يأكل شيئا فقذرته) بكسر الذال المعجمة
وفى رواية أبى عوانة انى رأيتها تأكل قذرا وكأنه ظن أنها أكثرت من ذلك بحيث صارت
جلالة فبين له أبو موسى أنها ليست كذلك أو أنه لا يلزم من كون تلك الدجاجة التي رآها كذلك
أن يكون كل الدجاج كذلك (قوله فقال ادن) كذا للأكثر فعل أمر من الدنو ووقع عند المستملى
والسرخسي إذا بكسر الهمزة وبذال معجمة مع التنوين حرف نصب وعلى الأول فقوله أخبرك
مجزوم وعلى الثاني هو منصوب وقوله أو أحدثك شك من الراوي (قوله انى أتيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم) سيأتي شرحه في الأيمان والنذور وقوله فأعطانا خمس ذود غر الدري الغر
بضم المعجمة جمع أغر والأغر الأبيض والذرى بضم المعجمة والقصر جمع ذروة وذروة كل شئ أعلاه
والمراد هنا أسنمة الإبل ولعلها كانت بيضاء حقيقة أو أراد وصفها بأنها لا علة فيها ولا دبر ويجوز
في غر النصب والجر وقوله خمس ذود كذا وقع بالإضافة واستنكره أبو البقاء في غريبه قال
والصواب تنوين خمس وأن يكون ذود بدلا من خمس فإنه لو كان بغير تنوين لتغير المعنى لان
العدد المضاف غير المضاف إليه فيلزم أن يكون خمس ذود خمسة عشر بعيرا لان الإبل الذود ثلاثة
انتهى وما أدرى كيف يحكم بفساد المعنى إذا كان العدد كذا وليكن عدد الإبل خمسة عشر بعيرا
557

فما الذي يضر وقد ثبت في بعض طرقه خذ هذين القرينين والقرينين إلى أن عد ست مرات والذي
قاله انما يتم أن لو جاءت رواية صريحة أنه لم يعطهم سوى خمسة أبعرة وعلى تقرير ذلك فأطلق لفظ
ذود على الواحد مجازا كابل وهذه الرواية الصحيحة لا تمنع امكان التصوير وفى الحديث دخول
المرء على صديق في حال أكله واستدناء صاحب الطعام الداخل وعرضه الطعام عليه ولو كان
قليلا لان اجتماع الجماعة على الطعام سبب للبركة فيه كما تقدم وفيه جواز أكل الدجاج انسية
ووحشية وهو بالاتفاق الا عن بعض المتعمقين على سبيل الورع الا أن بعضهم استثنى الجلالة
وهى ما تأكل الاقذار وظاهر صنيع أبى موسى انه لم يبال بذلك والجلالة عبارة عن الدابة التي
تأكل الجلة بكسر الجيم والتشديد وهى البعر وادعى ابن حزم اختصاص الجلالة بذوات الأربع
والمعروف التعميم وقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن عمر أنه كان يحبس الدجاجة
الجلالة ثلاثا وقال مالك والليث لا بأس بأكل الجلالة من الدجاج وغيره وانما جاء النهى عنها
للتقذر وقد ورد النهى عن أكل الجلالة من طرق أصحها ما أخرجه الترمذي وصححه وأبو داود
والنسائي من طريق قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
المجثمة وعن لبن الجلالة وعن الشرب من في السقاء وهو على شرط البخاري في رجاله الا أن أيوب
رواه عن عكرمة فقال عن أبي هريرة أخرجه البيهقي والبزار من وجه آخر عن أبي هريرة نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة وعن شرب ألبانها وأكلها وركوبها ولابن أبى شيبة
بسند حسن عن جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة أن يؤكل لحمها أو يشرب
لبنها ولابى داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة عن ركوبها وأكل لحمها وسنده حسن وقد
أطلق الشافعية كراهة أكل الجلالة إذا تغير لحمها بأكل النجاسة وفى وجه إذا أكثرت من ذلك
ورجح أكثرهم أنها كراهة تنزيه وهو قضية صنيع أبى موسى ومن حجتهم أن العلف الطاهر إذا
صار في كرشها تنجس فلا تتغذى الا بالنجاسة ومع ذلك فلا يحكم على اللحم واللبن بالنجاسة
فكذلك هذا وتعقب بأن العلف الطاهر إذا تنجس بالمجاورة جاز اطعامه للدابة لأنها إذا أكلته
لا تتغذى بالنجاسة وانما تتغذى بالعلق بخلاف الجلالة وذهب جماعة من الشافعية وهو قول
الحنابلة إلى أن النهى للتحريم وبه جزم ابن دقيق العيد عن الفقهاء وهو الذي صححه أبو إسحاق
المروزي والقفال وامام الحرمين والبغوي والغزالي والحقوا بلبنها ولحمها بيضها وفى معنى الجلالة
ما يتغذى بالنجس كالشاة ترضع من كلبة والمعتبر في جواز أكل الجلالة زوال رائحة النجاسة بعد
أن تعلف بالشئ الطاهر على الصحيح وجاء عن السلف فيه توقيت فعند ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه
كان يحبس الدجاجة الجلالة ثلاثا كما تقدم وأخرج البيهقي بسند فيه نظر عن عبد الله بن عمرو
مرفوعا أنها لا تؤكل حتى تعلف أربعين يوما * (قوله باب لحوم الخيل) قال ابن
المنير لم يذكر الحكم لتعارض الأدلة كذا قال ودليل الجواز ظاهر القوة كما سيأتي (قوله سفيان)
هو ابن عيينة وهشام هو ابن عروة وفاطمة هي بنت المنذر بن الزبير وهى ابنة عم هشام المذكور
وزوجته وقد تقدم ذلك صريحا في باب النحر والذبح وقد اختلف في سنده على هشام فقال
أيوب من رواية عبد الوهاب الثقفي عنه عن أبيه عن أسماء وكذا قال ابن ثوبان من رواية عتبة بن
558

حماد عنه عن هشام بن عروة وقال المغيرة بن مسلم عن هشام عن أبيه عن الزبير بن العوام أخرجه
البزار وذكر الدارقطني الاختلاف ثم رجح رواية ابن عيينة ومن وافقه (قوله نحرنا فرسا على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه) زاد عبدة بن سليمان عن هشام ونحن بالمدينة وقد تقدم
ذلك قبل بابين وفى رواية للدارقطني فأكلناه نحن وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم
الاختلاف في قولها نحرنا وذبحنا واختلف الشارحون في توجيهه فقيل يحمل النحر على الذبح
مجازا وقيل وقع ذلك مرتين واليه جنح النووي وفيه نظر لان الأصل عدم التعدد والمخرج متحد
والاختلاف فيه على هشام فبعض الرواة قال عنه نحرنا وبعضهم قال ذبحنا والمستفاد من ذلك
جواز الامرين عندهم وقيام أحدهما في التذكية مقام الآخر والا لما ساغ لهم الاتيان بهذا
موضع هذا وأما الذي وقع بعينه فلا يتحرر لوقوع التساوي بين الرواة المختلفين في ذلك ويستفاد
من قولها ونحن بالمدينة أن ذلك بعد فرض الجهاد فيرد على من استند إلى منع أكلها بعلة أنها من
آلات الجهاد ومن قولها نحن وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الرد على من زعم أنه ليس فيه أن
النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك مع أن ذلك لو لم يرد لم يظن بآل أبى بكر أنهم يقدمون على
فعل شئ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم الا وعندهم العلم بجوازه لشدة اختلاطهم بالنبي صلى
الله عليه وسلم وعدم مفارقتهم له هذا مع توفر داعية الصحابة إلى سؤاله عن الاحكام ومن ثم كان
الراجح أن الصحابي إذا قال كنا نفعل كذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع لأن الظاهر
اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريره وإذا كان ذلك في مطلق الصحابي
فكيف بآل أبى بكر الصديق الحديث الثاني (قوله حماد) هو ابن زيد وعمرو هو ابن دينار ومحمد
ابن علي أي ابن الحسين بن علي وهو الباقر أبو جعفر كذا أدخل حماد بن زيد بين عمرو بن دينار وبين
جابر في هذا الحديث محمد بن علي ولما أخرجه النسائي قال لا أعلم أحدا وافق حمادا على ذلك وأخرجه
من طريق حسين بن واقد وأخرجه هو والترمذي من رواية سفيان بن عيينة كلاهما عن عمرو
ابن دينار عن جابر ليس فيه محمد بن علي ومال الترمذي أيضا إلى ترجيح رواية ابن عيينة وقال
سمعت محمدا يقول ابن عيينة أحفظ من حماد (قلت) لكن اقتصر البخاري ومسلم على تخريج
طريق حماد بن زيد وقد وافقه ابن جريج عن عمرو على ادخال الواسطة بين عمرو وجابر لكنه
لم يسمه أخرجه أبو داود من طريق ابن جريج وله طريق أخرى عن جابر أخرجها مسلم من طريق
ابن جريج وأبو داود من طريق حماد والنسائي من طريق حسين بن واقد كلهم عن أبي الزبير عنه
وأخرجه النسائي صحيحا عن عطاء عن جابر أيضا وأغرب البيهقي فجزم بأن عمرو بن دينار لم يسمعه
من جابر واستغرب بعض الفقهاء دعوى الترمذي ان رواية ابن عيينة أصح مع إشارة البيهقي إلى أنها
منقطعة وهو ذهول فان كلام الترمذي محمول على أنه صح عنده اتصاله ولا يلزم من دعوى
البيهقي انقطاعه كون الترمذي يقول بذلك والحق أنه ان وجدت رواية فيها تصريح عمرو
بالسماع من جابر فتكون رواية حماد من المزيد في متصل الأسانيد والا فرواية حماد بن زيد هي
المتصلة وعلى تقدير وجود التعارض من كل جهة فللحديث طرق أخرى عن جابر غير هذه فهو
صحيح على كل حال (قوله يوم خيبر عن لحوم الحمر) زاد مسلم في روايته الأهلية (قوله ورخص في
لحوم الخيل) في رواية مسلم وأذن بدل رخص وله في رواية ابن جريج أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر
559

الوحش ونهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلي وفى حديث ابن عباس عند الدارقطني
أمر قال الطحاوي وذهب أبو حنيفة إلى كراهة أكل الخيل وخالفه صاحباه وغيرهما واحتجوا
بالأخبار المتواترة في حلها ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر لما كان بين الخيل والحمر الأهلية
فرق ولكن الآثار إذا صحت عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يقال بها مما يوجبه النظر
ولا سيما وقد أخبر جابر أنه صلى الله عليه وسلم أباح لهم لحوم الخيل في الوقت الذي منعهم فيه من
لحوم الحمر فدل ذلك على اختلاف حكمهما (قلت) وقد نقل الحل بعض التابعين عن الصحابة من
غير استثناء أحد فأخرج ابن أبي شيبة باسناد صحيح على شرط الشيخين عن عطاء قال لم يزل سلفك
يأكلونه قال ابن جريج قلت له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم وأما ما نقل في
ذلك عن ابن عباس من كراهتها فأخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بسندين ضعيفين ويدل على
ضعف ذلك عنه ما سيأتي في الباب الذي بعده صحيحا عنه أنه استدل لإباحة الحمر الأهلية بقوله
تعالى قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما فان هذا ان صلح مستمسكا لحل الحمر صلح للخيل ولا فرق
وسيأتى فيه أيضا أنه توقف في سبب المنع من أكل الحمر هل كان تحريما مؤبدا أو بسبب كونها
كانت حمولة الناس وهذا يأتي مثله في الخيل أيضا فيبعد أن يثبت عنه القول بتحريم الخيل
والقول بالتوقف في الحمر الأهلية بل أخرج الدارقطني بسند قوى عن ابن عباس مرفوعا مثل
حديث جابر ولفظه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأمر بلحوم الخيل
وصح القول بالكراهة عن الحكم ابن عيينة ومالك وبعض الحنفية وعن بعض المالكية
والحنفية التحريم وقال الفاكهي المشهور عند المالكية الكراهة والصحيح عند المحققين منهم
التحريم وقال أبو حنيفة في الجامع الصغير أكره لحم الخيل فحمله أبو بكر الرازي على التنزيه وقال
لم يطلق أبو حنيفة فيه التحريم وليس هو عنده كالحمار الأهلي وصحح عنه أصحاب المحيط والهداية
والذخيرة التحريم وهو قول أكثرهم وعن بعضهم يأثم آكله ولا يسمى حراما وروى ابن القاسم
وابن وهب عن مالك المنع وانه احتج بالآية الآتي ذكرها وأخرج محمد بن الحسن في الآثار عن أبي
حنيفة بسند له عن ابن عباس نحو ذلك وقال القرطبي في شرح مسلم مذهب مالك الكراهة
واستدل له ابن بطال بالآية وقال ابن المنير الشبه الخلقي بينها وبين البغال والحمير مما يؤكد
القول بالمنع فمن ذلك هيئتها وزهومة لحمها وغلظه وصفة أرواثها وانها لا تجتر قال وإذا تأكد
الشبه الخلقي التحق بنفي الفارق وبعد الشبه بالانعام المتفق على أكلها اه‍ وقد تقدم من كلام
الطحاوي ما يؤخذ منه الجواب عن هذا وقال شيخ أبو محمد بن أبي جمرة الدليل في الجواز مطلقا
واضح لكن سبب كراهة مالك لاكلها لكونها تستعمل غالبا في الجهاد فلو انتفت الكراهة لكثر
استعماله ولو كثر لادى إلى قلتها فيفضى إلى فنائها فيئول إلى النقص من ارهاب العدو الذي وقع
الامر به في قوله تعالى ومن رباط الخيل (قلت) فعلى هذا فالكراهة لسبب خارج وليس البحث
فيه فان الحيوان المتفق على اباحته لو حدث أمر يقتضى أن لو ذبح لأفضى إلى ارتكاب محذور
لامتنع ولا يلزم من ذلك القول بتحريمه وكذا قوله إن وقوع أكلها في الزمن النبوي كان نادرا
فإذا قيل بالكراهة قل استعماله فيوافق ما وقع قبل انتهى وهذا لا ينهض دليلا للكراهة بل
560

غايته أن يكون خلاف الأولى ولا يلزم من كون أصل الحيوان حل أكله فناؤه بالاكل وأما قول
بعض المانعين لو كانت حلالا لجازت الأضحية بها فمنتقض بحيوان البر فإنه مأكول ولم تشرع
الأضحية به ولعل السبب في كون الخيل لا تشرع الأضحية بها استبقاؤها لأنه لو شرع فيها جميع
ما جاز في غيرها لفاتت المنفعة بها في أهم الأشياء منها وهو الجهاد وذكر الطحاوي وأبو بكر الرازي
وأبو محمد بن حزم من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر والخيل والبغال قال الطحاوي وأهل الحديث
يضعفون عكرمة بن عمار (قلت) لا سيما في يحيى بن أبي كثير فان عكرمة وإن كان مختلفا في
توثيقه فقد أخرج له مسلم لكن انما أخرج له من غير روايته عن يحيى بن أبي كثير وقد قال يحيى
ابن سعيد القطان أحاديثه عن يحيى بن أبي كثير ضعيفة وقال البخاري حديثه عن يحيى مضطرب
وقال النسائي ليس به بأس الا في يحيى وقال أحمد حديثه عن غير اياس بن سلمة مضطرب وهذا أشد
مما قبله ودخل في عمومه يحيى بن أبي كثير أيضا وعلى تقدير صحة هذه الطريق فقد اختلف على
عكرمة فيها فان الحديث عند أحمد والترمذي من طريقه ليس فيه للخيل ذكر وعلى تقدير أن
يكون الذي زاده حفظه فالروايات المتنوعة عن جابر المفصلة بين لحوم الخيل والحمر في الحكم
أظهر اتصالا وأتقن رجالا وأكثر عددا وأعل بعض الحنفية حديث جابر بما نقله عن ابن إسحاق
أنه لم يشهد خيبر وليس بعلة لان غايته أن يكون مرسل صحابي ومن حجج من منع أكل
الخيل حديث خالد بن الوليد المخرج في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم
الخيل وتعقب بأنه شاذ منكر لان في سياقه أنه شهد خيبر وهو خطأ فإنه لم يسلم الا بعدها على
الصحيح والذي جزم به الأكثر أن اسلامه كان سنة الفتح والعمدة في ذلك على ما قال مصعب
الزبيري وهو أعلم الناس بقريش قال كتب الوليد بن الوليد إلى خالد حين فر من مكة في عمرة
القضية حتى لا يرى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فذكر القصة في سبب اسلام خالد وكانت عمرة
القضية بعد خيبر جزما وأعل أيضا بأن في السند راويا مجهولا لكن قد أخرج الطبري من
طريق يحيى بن أبي كثير عن رجل من أهل حمص قال كنا مع خالد فذكر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية خيلها وبغالها وأعل بتدليس يحيى وابهام الرجل وادعى أبو
داود أن حديث خالد بن الوليد منسوخ ولم يبين ناسخه وكذا قال النسائي الأحاديث في الإباحة
أصح وهذا ان صح كان منسوخا وكأنه لما تعارض عنده الخبران ورأى في حديث خالد نهى وفى
حديث جابر أذن حمل الاذن على نسخ التحريم وفيه نظر لأنه لا يلزم من كون النهى سابقا على
الاذن أن يكون اسلام خالد سابقا على فتح خيبر والأكثر على خلافه والنسخ لا يثبت بالاحتمال
وقد قرر الحازمي النسخ بعد أن ذكر حديث خالد وقال هو شامي المخرج جاء من غير وجه بما ورد
في حديث جابر من رخص وأذن لأنه من ذلك يظهر أن المنع كان سابقا والاذن متأخرا فيتعين
المصير إليه قال ولو لم ترد هذه اللفظة لكانت دعوى النسخ مردودة لعدم معرفة التاريخ اه‍ وليس
في لفظ رخص وأذن ما يتعين معه المصير إلى النسخ بل الذي يظهر أن الحكم في الخيل والبغال
والحمير كان على البراءة الأصلية فلما نهاهم الشارع يوم خيبر عن الحمر والبغال خشى أن يظنوا أن
الخيل كذلك لشبهها بها فأذن في أكلها دون الحمير والبغال والراجح أن الأشياء قبل بيان حكمها
561

في الشرع لا توصف لا بحل ولا حرمة فلا يثبت النسخ في هذا ونقل الحازمي أيضا تقرير النسخ
بطريق أخرى فقال إن النهى عن أكل الخيل والحمير كان عاما من أجل أخذهم لها قبل القسمة
والتخميس ولذلك أمر باكفاء القدور ثم بين بندائه بأن لحوم الحمر رجس أن تحريمها لذاتها وأن
النهى عن الخيل انما كان بسبب ترك القسمة خاصة ويعكر عليه أن الامر باكفاء القدور انما
كان بطبخهم فيها الحمر كما هو مصرح به في الصحيح لا الخيل فلا يتم مراده والحق أن حديث خالد
ولو سلم أنه ثابت لا ينهض معارضا لحديث جابر الدال على الجواز وقد وافقه حديث أسماء وقد
ضعف حديث خالد أحمد والبخاري وموسى بن هارون والدارقطني والخطابي وابن عبد البر وعبد
الحق وآخرون وجمع بعضهم بين حديث جابر وخالد بأن حديث جابر دال على الجواز في الجملة
وحديث خالد دال على المنع في حالة دون حالة لان الخيل في خيبر كانت عزيزة وكانوا محتاجين
إليها للجهاد فلا يعارض النهى المذكور ولولا يلزم وصف أكل الخيل بالكراهة المطلقة فضلا عن
التحريم وقد وقع عند الدارقطني في حديث أسماء كانت لنا فرس على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأرادت أن تموت فذبحناها فأكلناها وأجاب عن حديث أسماء بأنها واقعة عين فلعل
تلك الفرس كانت كبرت بحيث صارت لا ينتفع بها في الجهاد فيكون النهى عن الخيل لمعنى خارج
لا لذاتها وهو جمع جيد وزعم بعضهم أن حديث جابر في الباب دال على التحريم لقوله رخص
لان الرخصة استباحة المحظور مع قيام المانع فدل على أنه رخص لهم فيها بسبب المخمصة التي
أصابتهم بخيبر فلا يدل ذلك على الحل المطلق وأجيب بأن أكثر الروايات جاء بلفظ الاذن وبعضها
بالامر فدل على أن المراد بقوله رخص أذن لا خصوص الرخصة باصطلاح من تأخر عن عهد
الصحابة ونوقض أيضا بأن الاذن في أكل الخيل لو كان رخصة لأجل المخمصة لكانت الحمر الأهلية
أولى بذلك لكثرتها وعزة الخيل حينئذ ولان الخيل ينتفع بها فيما ينتفع بالحمير من الحمل وغيره
والحمير لا ينتفع بها فيما ينتفع بالخيل من القتال عليها والواقع كما سيأتي صريحا في الباب الذي يليه
أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإراقة القدور التي طبخت فيها الحمر مع ما كان بهم من الحاجة فدل
ذلك على أن الاذن في أكل الخيل انما كان للإباحة العامة لا لخصوص الضرورة وأما ما نقل عن
ابن عباس ومالك وغيرهما من الاحتجاج للمنع بقوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها
وزينة فقد تمسك بها أكثر القائلين بالتحريم وقرروا ذلك بأوجه * أحدها أن اللام للتعليل فدل
على أنها لم تخلق لغير ذلك لان العلة المنصوصة تفيد الحصر فإباحة أكلها تقتضى خلاف ظاهر
الآية * ثانيها عطف البغال والحمير فدل على اشتراكها معها في حكم التحريم فيحتاج من أفرد
حكمها عن حكم ما عطفت عليه إلى دليل * ثالثها أن الآية سيقت مساق الامتنان فلو كانت
ينتفع بها في الاكل لكان الامتنان به أعظم لأنه يتعلق به بقاء البنية بغير واسطة والحكيم لا يمتن
بأدنى النعم ويترك أعلاها ولا سيما وقد وقع الامتنان بالاكل في المذكورات قبلها * رابعا لو أبيح
أكلها لفاتت المنفعة بها فيما وقع به الامتنان من الركوب والزينة هذا ملخص ما تمسكوا به من
هذه الآية والجواب على سبيل الاجمال أن آية النحل مكية اتفاقا والاذن في أكل الخيل كان
بعد الهجرة من مكة بأكثر من ست سنين فلو فهم النبي صلى الله عليه وسلم من الآية المنع لما أذن
في الاكل وأيضا فآية النحل ليست نصا في منع الاكل والحديث صريح في جوازه وأيضا على
562

سبيل التنزل فإنما يدل ما ذكر على ترك الأكل والترك أعم من أن يكون للتحريم أو للتنزيه أو
خلاف الأولى وإذا لم يتعين واحد منها بقى التمسك بالأدلة المصرحة بالجواز وعلى سبيل التفصيل
أما أو لا فلو سلمنا أن اللام للتعليل لم نسلم إفادة الحصر في الركوب والزينة فإنه ينتفع بالخيل في
غيرهما وفى غير الاكل اتفاقا وانما ذكر الركوب والزينة لكونهما غلب ما تطلب له الخيل
ونظيره حديث البقرة المذكور في الصحيحين حين خاطبت راكبها فقالت انا لم نخلق لهذا انما
خلقنا للحرث فإنه مع كونه أصرح في الحصر لم يقصد به الأغلب والا فهي تؤكل وينتفع بها في
أشياء غير الحرث اتفاقا وأيضا فلو سلم الاستدلال للزم منع حمل الأثقال على الخيل والبغال والحمير
ولا قائل به وأما ثانيا فدلالة العطف انما هي دلالة اقتران وهى ضعيفة وأما ثالثا فالامتنان انما
قصد به غالبا ما كان يقع به انتفاعهم بالخيل فخوطبوا بما ألفوا وعرفوا ولم يكونوا يعرفون أكل
الخيل لعزتها في بلادهم بخلاف الأنعام فان أكثر انتفاعهم بها كان لحمل الأثقال وللاكل
فاقتصر في كل من الصنفين على الامتنان بأغلب ما ينتفع به فلو لزم من ذلك الحصر في هذا الشق
للزم مثله في الشق الآخر وأما رابعا فلو لزم من الاذن في أكلها أن تفنى للزم مثله في البقر وغيرها
مما أبيح أكله ووقع الامتنان بمنفعة له أخرى والله أعلم * (قوله باب لحوم
الحمر الانسية) القول في عدم جزمه بالحكم في هذا كالقول في الذي قبله لكن الراجح في الحمر المنع
بخلاف الخيل والإنسية بكسر الهمزة وسكون النون منسوبة إلى الانس ويقال فيه أنسية
بفتحتين وزعم ابن الأثير أن في كلام أبى موسى المديني ما يقتضى أنها بالضم ثم السكون لقوله
الانسية هي التي تألف البيوت والانس ضد الوحشة ولا حجة في ذلك لان أبا موسى انما قاله
بفتحتين وقد صرح الجوهري أن الانس بفتحتين ضد الوحشة ولم يقع في شئ من روايات
الحديث بضم ثم سكون مع احتمال جوازه نعم زيف أبو موسى الرواية بكسر أوله ثم السكون فقال
ابن الأثير ان أراد من جهة الرواية فعسى والا فهو ثابت في اللغة ونسبتها إلى الانس وقد وقع في
حديث أبي ثعلبة وغيره الأهلية بدلا الانسية ويؤخذ من التقييد بها جواز أكل الحمر الوحشية
وقد تقدم صريحا في حديث أبي قتادة في الحج (قوله فيه سلمة) هو ابن الأكوع وقد تقدم حديثه
موصولا في المغازي مطولا ثم ذكر في الباب أحاديث * الأول حديث ابن عمر (قوله عبدة) هو
ابن سليمان وعبيد الله هو العمرى (قوله عن سالم ونافع) كذا قال عبد الله بن نمير عن عبيد الله
عند مسلم ومحمد بن عبيد عنه كما سبق في المغازي ثم ساقه المصنف من طريق يحيى القطان عن
عبيد الله عن نافع وحده وقوله تابعه ابن المبارك وصله المؤلف في المغازي (قوله وقال أبو أسامة
عن عبيد الله عن سالم) وصله في المغازي من طريقه وفصل في روايته بين أكل الثوم والحمر فبين
أن النهى عن الثوم من رواية نافع فقط وأن النهى عن الحمر عن سالم فقط وهو تفصيل بالغ
لكن يحيى القطان حافظ فلعل عبيد الله لم يفصله الا لأبي أسامة وكان يحدث به عن سالم ونافع
معا مدمجا فاقتصر بعض الرواة عنه على أخذ شيخه تمسكا بظاهر الاطلاق * الثاني حديث على
ذكره مختصرا وتقدم مطولا في كتاب النكاح * الثالث حديث جابر وقد سبق في الباب الذي قبله
* الرابع والخامس حديث البراء وابن أبي أوفى أورده مختصرا وقد تقدم عنهما أتم سياقا من هذا
في المغازي وأفرده عن ابن أبي اوفى هنا وفى فرض الخمس وفيه زيادة اختلافهم في السبب
563

* السادس حديث أبي ثعلبة (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن راهويه ويعقوب بن إبراهيم أي ابن
سعيد وصالح هو ابن كيسان (قوله حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية) تابعه
الزبيدي وعقيل عن الزهري فرواية الزبيدي وصلها النسائي من طريق بقية قال حدثني
الزبيدي ولفظه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن لحوم الحمر الأهلية ورواية
عقيل وصلها أحمد بلفظ الباب وزاد ولحم كل ذي ناب من السباع وسيأتى البحث فيه بعد هذا
ووقع عند النسائي من وجه آخر عن أبي ثعلبة فيه قصة ولفظه غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم
خيبر والناس جياع فوجدوا حمرا انسية فذبحوا منها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن
ابن عوف فنادى ألا أن لحوم الحمر الانسية لا تحل (قوله وقال مالك ومعمر والماجشون ويونس
وابن اسحق عن الزهري نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع) يعنى
لم يتعرضوا فيه لذكر الحمر فأما حديث مالك فسيأتي موصولا في الباب الذي يليه وأما حديث
معمر ويونس فوصلهما الحسن بن سفيان من طريق عبد الله بن المبارك عنهما وأما حديث
الماجشون وهو يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة فوصله مسلم عن يحيى بن يحيى عنه وأما حديث
ابن إسحاق فوصله إسحاق بن راهويه عن عبدة بن سليمان ومحمد بن عبيد كلاهما عنه * الحديث
السابع حديث أنس في النداء بالنهى عن لحوم الحمر وقع عند مسلم أن الذي نادى بذلك هو أبو
طلحة وعزاه النووي لرواية أبى يعلى فنسب إلى التقصير وقع عند مسلم أيضا أن بلالا نادى
بذلك وقد تقدم قريبا عند النسائي أن المنادى بذلك عبد الرحمن بن عوف ولعل عبد الرحمن
نادى أولا بالنهى مطلقا ثم نادى أبو طلحة وبلال بزيادة على ذلك وهو قوله فإنها رجس فأكفئت
القدور وانها لتفور باللحم ووقع في الشرح الكبير للرافعي أن المنادى بذلك خالد بن الوليد
وهو غلط فإنه لم يشهد خيبر وانما أسلم بعد فتحها (قوله جاءه جاء فقال أكلت الحمر) لم أعرف
اسم هذا الرجل ولا الذين بعده ويحتمل أن يكونوا واحدا فإنه قال أولا اكلت فاما لم يسمعه
النبي صلى الله عليه وسلم واما لم يكن أمر فيها بشئ وكذا في الثانية فلما قال الثالثة أفنيت
الحمر أي لكثرة ما ذبح منها لتطبخ صادف نزول الامر بتحريمها ولعل هذا مستند من قال انما
نهى عنها لكونها كانت حمولة الناس كما سيأتي * الحديث الثامن (قوله سفيان) هو ابن
عيينة وعمرو هو ابن دينار (قوله قلت لجابر بن زيد) هو أبو الشعثاء بمعجمة ومثلثة البصري
(قوله يزعمون) لم أقف على تسمية أحد منهم وقد تقدم في الباب الذي قبله أن عمرو بن دينار
روى ذلك عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله وأن من الرواة من قال عنه عن جابر بلا واسطة (قوله قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة) زاد الحميدي في مسنده
عن سفيان بهذا السند قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأخرجه أبو داود من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار مضموما إلى حديث جابر بن عبد الله
في النهى عن لحوم الحمر مرفوعا ولم يصرح برفع حديث الحكم (قوله ولكن أبى ذلك البحر
ابن عباس) وأبى من الاباء أي امتنع والبحر صفة لابن عباس قيل له لسعة علمه وهو من تقديم
الصفة على الموصوف مبالغة في تعظيم الموصوف كأنه صار علما عليه وانما ذكر لشهرته بعد
ذلك لاحتمال خفائه على بعض الناس ووقع في رواية ابن جريج وأبى ذلك البحر يريد ابن عباس
564

وهذا يشعر بأن في رواية ابن عيينة ادراجا (قوله وقرأ قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما) في رواية
ابن مردويه وصححه الحاكم من طريق محمد بن شريك عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن
عباس قال كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا فبعث الله نبيه وأنزل
كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فيه فهو حلال وما حرم فيه فهو حرام وما سكت عنه
فهو عفو وتلا هذه قل لا أجد إلى آخرها والاستدلال بهذا للحل انما يتم فيما لم يأت فيه نص
عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريمه وقد تواردت الاخبار بذلك والتنصيص على التحريم مقدم
على عموم التحليل وعلى القياس وقد تقدم في المغازي عن ابن عباس أنه توقف في النهى عن الحمر
هل كان لمعنى خاص أو للتأبيد ففيه عن الشعبي عنه أنه قال لا أدرى أنهى عنه رسول الله صلى
الله عليه وسلم من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم أو حرمها البتة يوم خيبر
وهذا التردد أصح من الخبر الذي جاء عنه بالجزم بالعلة المذكورة وكذا فيما أخرجه الطبراني وابن
ماجة من طريق شقيق بن سلمة عن ابن عباس قال انما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمر
الأهلية مخافة قلة الظهر وسنده ضعيف وتقدم في المغازي في حديث ابن أبي أوفى فتحدثنا انه
انما نهى عنها لأنها لم تخمس وقال بعضهم نهى عنها لأنها كانت تأكل العذرة (قلت) وقد أزال
هذه الاحتمالات من كونها لم تخمس أو كانت جلالة أو كانت انتهبت حديث أنس المذكور قبل
هذا حيث جاء فيه فإنها رجس وكذا الامر بغسل الاناء في حديث سلمة قال القرطبي قوله فإنها
رجس ظاهر في عود الضمير على الحمر لأنها المتحدث عنها المأمور باكفائها من القدور وغسلها
وهذا حكم المتنجس فيستفاد منه تحريم أكلها وهو دال على تحريمها لعينها لا لمعنى خارج وقال
ابن دقيق العيد الامر باكفاء القدور ظاهر أنه سبب تحريم لحم الحمر وقد وردت علل أخرى ان
صح رفع شئ منها وجب المصير إليه لكن لا مانع أن يعلل الحكم بأكثر من علة وحديث أبي ثعلبة
صريح في التحريم فلا معدل عنه واما التعليل بخشية قلة الظهر فأجاب عنه الطحاوي بالمعارضة
بالخيل فان في حديث جابر النهى عن الحمر والاذن في الخيل مقرونا فلو كانت العلة لأجل الحمولة
لكانت الخيل أولى بالمنع لقلتها عندهم وعزتها وشدة حاجتهم إليها والجواب عن آية الانعام
انها مكية وخبر التحريم متأخر جدا فهو مقدم وأيضا فنص الآية خبر عن الحكم الموجود عند
نزولها فإنه حينئذ لم يكن نزل في تحريم المأكول الا ما ذكر فيها وليس فيها ما يمنع أن ينزل بعد ذلك
غير ما فيها وقد نزل بعدها في المدينة أحكام بتحريم أشياء غير ما ذكر فيها كالخمر في آية المائدة
وفيها أيضا تحريم ما أهل لغير الله به والمنخنقة إلى آخره وكتحريم السباع والحشرات قال النووي
قال بتحريم الحمر الأهلية أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم ولم نجد عن أحد من الصحابة في ذلك
خلافا لهم الا عن ابن عباس وعند المالكية ثلاث روايات ثالثها الكراهة واما الحديث الذي
أخرجه أبو داود عن غالب بن الحر قال أصابتنا سنة فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي الا سمان حمر
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت انك حرمت لحوم الحمر الأهلية وقد أصابتنا سنة قال
أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل حوالي القرية يعنى الجلالة واسناده ضعيف
والمتن شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة فالاعتماد عليها وأما الحديث الذي أخرجه الطبراني عن أم
نصر المحاربية أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية فقال أليس ترعى
565

الكلأ وتأكل الشجر قال نعم قال فأصب من لحومها وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق رجل
من بنى مرة قال سألت فذكر نحوه ففي السندين مقال ولو ثبتا احتمل أن يكون قبل التحريم قال
الطحاوي لو تواتر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريم الحمر الأهلية لكان النظر
يقتضى حلها لان كل ما حرم من الأهلي أجمع على تحريمه إذا كان وحشيا كالخنزير وقد أجمع
العلماء على حل الحمار الوحشي فكان النظر يقتضى حل الحمار الأهلي (قلت) ما ادعاه من
الاجماع مردود فان كثيرا من الحيوان الأهلي مختلف في نظيره من الحيوان الوحشي كالهر وفى
الحديث ان الذكاة لا تطهر ما لا يحل أكله وان كل شئ تنجس بملاقاة النجاسة يكفي غسله مرة
واحدة لاطلاق الامر بالغسل فإنه يصدق بالامتثال بالمرة والأصل أن لا زيادة عليها وان الأصل
في الأشياء الإباحة لكون الصحابة أقدموا على ذبحها وطبخها كسائر الحيوان من قبل أن
يستأمروا مع توفر دواعيهم على السؤال عما يشكل وانه ينبغي لأمير الجيش تفقد أحوال رعيته
ومن رآه فعل ما لا يسوغ في الشرع أشاع منعه اما بنفسه كان يخاطبهم واما بغيره بأن يأمر مناديا
فينادى لئلا يغتر به من رآه فيظنه جائزا * (قوله باب أكل كل ذي ناب من السباع)
لم يبت القول بالحكم للاختلاف فيه أو للتفصيل كما سأبينه (قوله من السباع) يأتي في الطب
بلفظ من السبع وليس المراد حقيقة الافراد بل هو اسم جنس وفى رواية ابن عيينة في الطب أيضا
عن الزهري قال ولم أسمعه حتى أتيت الشام ولمسلم من رواية يونس عن الزهري ولم أسمع ذلك من
علمائنا بالحجاز حتى حدثني أبو إدريس وكان من فقهاء أهل الشام وكان الزهري لم يبلغه حديث
عبيدة بن سفيان وهو مدني عن أبي هريرة وهو صحيح أخرجه مسلم من طريقه ولفظه كل ذي ناب
من السباع فأكله حرام ولمسلم أيضا من طريق ميمون بن مهران عن ابن عباس نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير والمخلب بكسر الميم
وسكون المعجمة وفتح اللام بعدها موحدة وهو للطير كالظفر لغيره لكنه أشد منه وأغلظ وأحد فهو
له كالناب السبع وأخرج الترمذي من حديث جابر بسند لا بأس به قال حرم رسول الله صلى
الله عليه وسلم الحمر الانسية ولحوم البغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ومن
حديث العرباض بن سارية مثله وزاد يوم خيبر (قوله تابعه يونس ومعمر وابن عيينة
والماجشون عن الزهري) تقدم بيان من وصل أحاديثهم في الباب قبله الا ابن عيينة فقد أشرت
إليه في هذا الباب قريبا قال الترمذي العمل على هذا عند أكثر أهل العلم وعن بعضهم لا يحرم
وحكى ابن وهب وابن عبد الحكم عن مالك كالجمهور وقال ابن العربي المشهور عنه الكراهة
وقال ابن عبد البر اختلف فيه على ابن عباس وعائشة وجابر عن ابن عمر من وجه ضعيف وهو
قول الشعبي وسعيد بن جبير واحتجوا بعموم قل لا أجد والجواب انها مكية وحديث التحريم
بعد الهجرة ثم ذكر نحو ما تقدم من أن نص الآية عدم تحريم غير ما ذكر إذ ذاك فليس فيها نفى
ما سيأتي وعن بعضهم أن آية الانعام خاصة ببهيمة الانعام لأنه تقدم قبلها حكاية عن الجاهلية
أنهم كانوا يحرمون أشياء من الأزواج الثمانية بآرائهم فنزلت الآية قل لا أجد فيما أوحى إلى
محرما أي من المذكورات الا الميتة منها والدم المسفوح ولا يرد كون لحم الخنزير ذكر معها لأنها
قرنت به علة تحريمه وهو كونه رجسا ونقل امام الحرمين عن الشافعي أنه يقول بخصوص
566

السبب إذا ورد في مثل هذه القصة لأنه لم يجعل الآية حاصرة لما يحرم من المأكولات مع ورود
صيغة العموم فيها وذلك أنها وردت في الكفار الذين يحلون الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل
لغير الله به ويحرمون كثيرا مما أباحه الشرع فكان الغرض من الآية إبانة حالهم وانهم يضادون
الحق فكأنه قيل لا حرام الا ما حللتموه مبالغة في الرد عليهم وحكى القرطبي عن قوم أن آية الانعام
المذكورة نزلت في حجة الوداع فتكون ناسخة ورد بأنها مكية كما صرح به كثير من العلماء ويؤيده
ما تقدم قبلها من الآيات من الرد على مشركي العرب في تحريمهم ما حرموه من الأنعام
وتخصيصهم بعض ذلك بآلهتهم إلى غير ذلك مما سبق للرد عليهم وذلك كله قبل الهجرة إلى المدينة
واختلف القائلون بالتحريم في المراد بما له ناب فقيل إنه ما يتقوى به ويصول على غيره ويصطاد
ويعدو بطبعه غالبا كالأسد والفهد والصقر والعقاب واما ما لا يعدو كالضبع والثعلب فلا والى
هذا ذهب الشافعي والليث ومن تبعهما وقد ورد في حل الضبع أحاديث لا بأس بها واما الثعلب
فورد في تحريمه حديث خزيمة بن جزء عند الترمذي وابن ماجة ولكن سنده ضعيف * (قوله
باب جلود الميتة) زاد في البيوع قبل أن تدبغ فقيده هناك بالدباغ وأطلق هنا فيحمل
مطلقه على مقيده (قوله عن صالح) هو ابن كيسان (قوله مر بشاة) كذا للأكثر عن الزهري
وزاد في بعض الرواة عن الزهري عن ابن عباس عن ميمونة أخرجه مسلم وغيره من رواية ابن
عيينة والراجح عند الحفاظ في حديث الزهري ليس فيه ميمونة نعم أخرج مسلم والنسائي من
طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أن ميمونة أخبرته (قوله باهابها)
بكسر الهمزة وتخفيف الهاء هو الجلد قبل أن يدبغ وقيل هو الجلد دبغ أو لم يدبغ وجمعه أهب
بفتحتين ويجوز بضمتين زاد مسلم من طريق ابن عيينة هلا أخذتم اهابها فدبغتموه فانتفعتم به
وأخرج مسلم أيضا من طريق ابن عيينة أيضا عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس نحوه
قال ألا أخذوا اهابها فدبغوه فانتفعوا به وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني وقال
حسن (قوله قالوا إنها ميتة) لم أقف على تعيين القائل (قوله قال انما حرم أكلها)
قال ابن أبي جمرة فيه مراجعة الامام فيما لا يفهم السامع معنى ما أمره كأنهم قالوا كيف تأمرنا
بالانتفاع بها وقد حرمت علينا فبين له وجه التحريم ويؤخذ منه جواز تخصيص الكتاب بالسنة
لان لفظ القرآن حرمت عليكم الميتة وهو شامل لجميع أجزائها في كل حال فخصت السنة ذلك
بالاكل وفيه حسن مراجعتهم وبلاغتهم في الخطاب لانهم جمعوا معاني كثيرة في كلمة واحدة
وهى قولهم إنها ميتة واستدل به الزهري بجواز الانتفاع بجلد الميتة مطلقا سواء أدبغ أم لم يدبغ
لكن صح التقييد من طرق أخرى بالدباغ وهى حجة الجمهور واستثنى الشافعي من الميتات
الكلب والخنزير وما تولد منهما لنجاسة عينها عنده ولم يستثن أبو يوسف وداود شيئا أخذا بعموم
الخبر وهى رواية عن مالك وقد أخرج مسلم من حديث ابن عباس رفعه إذا دبغ الإهاب فقد
طهر ولفظ الشافعي والترمذي وغيرهما من هذا الوجه أيما اهاب دبغ فقد طهر وأخرج مسلم
اسنادها ولم يسق لفظها فأخرجه أبو نعيم في المستخرج من هذا الوجه باللفظ المذكور وفى لفظ
مسلم من هذا الوجه عن ابن عباس سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال دباغه
طهوره وفى رواية للبزار من وجه آخر قال دباغ الأديم طهوره وجزم الرافعي وبعض أهل
567

الأصول أن هذا اللفظ ورد في شاة ميمونة ولكن لم أقف على ذلك صريحا مع قوة الاحتمال فيه
لكون الجميع من رواية ابن عباس وقد تمسك بعضهم بخصوص هذا السبب فقصر الجواز على
المأكول لورود الخبر في الشاة ويتقوى ذلك من حيث النظر بأن الدباغ لا يزيد في التطهير على
الذكاة وغير المأكول لو ذكى لم يطهر بالذكاة عند الأكثر فكذلك الدباغ وأجاب من عمم بالتمسك
بعموم اللفظ فهو أولى من خصوص السبب وبعموم الاذن بالمنفعة ولان الحيوان طاهر ينتفع
به قبل الموت فكان الدباغ بعد الموت قائما له مقام الحياة والله أعلم وذهب قوم إلى أنه لا ينتفع
من الميتة بشئ سواء دبغ الجلد أم لم يدبغ وتمسكوا بحديث عبد الله بن عكيم قال أتانا كتاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته أن لا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب أخرجه الشافعي
وأحمد والأربعة وصححه ابن حبان وحسنه الترمذي وفى رواية للشافعي ولأحمد ولابى داود قبل
موته بشهر قال الترمذي كان أحمد يذهب إليه ويقول هذا آخر الامر ثم تركه لما اضطربوا في
اسناده وكذا قال الخلال نحوه ورد ابن حبان على من ادعى الاضطراب وقال سمع ابن عكيم
الكتاب يقرأ وسمعه من مشايخ من جهينة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا اضطراب وأعله
بعضهم بالانقطاع وهو مردود وبعضهم بكونه كتابا وليس بعلة قادحة وبعضهم بأن ابن أبي
ليلى راويه عن ابن عكيم لم يسمعه منه لما وقع عند أبي داود عنه انه انطلق وناس معه إلى عبد الله
ابن عكيم قال فدخلوا وقعدت على الباب فخرجوا إلى فأخبروني فهذا يقتضى ان في السند من
لم يسم ولكن صح تصريح عبد الرحمن بن أبي ليلى بسماعه من ابن عكيم فلا أثر لهذه العلة أيضا
وأقوى ما تمسك به من لم يأخذ بظاهره معارضة الأحاديث الصحيحة له وانها عن سماع وهذا عن
كتابة وانها أصح مخارج وأقوى من ذلك الجمع بين الحديثين بحمل الإهاب على الجلد قبل الدباغ
وانه بعد الدباغ لا يسمى اهابا انما يسمى قربة وغير ذلك وقد نقل ذلك عن أئمة اللغة كالنضر بن
شميل وهذه طريقة ابن شاهين وابن عبد البر والبيهقي وأبعد من جمع بينهما بحمل النهى على
جلد الكلب والخنزير لكونهما لا يدبغان وكذا من حمل النهى على باطن الجلد والاذن على
ظاهره وحكى الماوردي عن بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات كان لعبد الله بن عكيم
سنة وهو كلام باطل فإنه كان رجلا (قوله حدثنا خطاب بن عثمان) هو الفوزي بفتح الفاء
وسكون الواو بعدها زاي ومحمد بن حمير بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتانية وأخطأ من
قاله بالتصغير وهو قضاعي حمصي وكذا شيخه والراوي عنه حمصيون ما لهم في البخاري سوى هذا
الحديث الا محمد بن حمير وله آخر سبق في الهجرة إلى المدينة فأما ثابت فوثقه ابن معين ودحيم
وقال أحمد انا أتوقف فيه وساق له ابن عدي ثلاثة أحاديث غرائب وقال العقيلي لا يتابع في
حديثه وأما محمد بن حمير فوثقه أيضا ابن معين ودحيم وقال أبو حاتم لا يحتج به وأما خطاب فوثقه
الدارقطني وابن حبان لكن قال ربما أخطأ فهذا الحديث من أجل هؤلاء من المتابعات لا من
الأصول والأصل فيه الذي قبله ويستفاد منه خروج الحديث عن الغرابة وقد ادعى الخطيب
تفرد هؤلاء الرواة به فقال بعد أن أخرجه من طريق عمر بن يحيى بن الحرث الحراني حدثنا جدي
خطاب بن عثمان به هذا حديث عزيز ضيق المخرج انتهى وقد وجدت لمحمد بن حمير فيه متابعا
568

أخرجه الطبراني من رواية عبد الملك بن محمد الصغاني عن ثابت بن عجلان ووجدت لخطاب
فيه متابعا أخرجه الإسماعيلي من رواية علي بن بحر عن محمد بن حمير ولابن عباس حديث آخر
في المعنى سيأتي في الأيمان والنذور من طريق عكرمة عنه عن سودة قالت ماتت لنا شاة فدبغنا
مسكها الحديث والمسك بفتح الميم وسكون المهملة الجلد وهذا غير حديث الباب جزما وهو مما
يتأيد به من زاد ذكر الدباغ في الحديث وقد أخرجه احمد مطولا من طريق سماك بن حرب عن
عكرمة عن ابن عباس قال ماتت شاة لسودة بنت زمعة فقالت يا رسول الله ماتت فلانة فقال فلولا
أخذتم مسكها فقالت نأخذ مسك شاة قد ماتت فقال انما قال الله قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما
على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة الآية وانكم لا تطعمونه ان تدبغوه تنتفعوا به قال فأرسلت
إليها فسلخت مسكها فدبغته فاتخذت منه قربة الحديث (قوله بعنز) بفتح المهملة وسكون النون
بعدها زاي هي الماعزة وهى الأنثى من المعز ولا ينافي رواية سماك ماتت شاة لأنه يطلق عليها
شاة كالضأن * (قوله باب المسك) بكسر الميم الطيب المعروف قال الكرماني
مناسبة ذكره في الذبائح انه فضله من الظبي (قلت) ومناسبته للباب الذي قبله وهو جلد الميتة
إذا دبغ تطهر مما سأذكره قال الجاحظ هو من دويبة تكون في الصين تصاد لنوافجها وسررها
فإذا صيدت شدت بعصائب وهى مدلية يجتمع فيها دمها فإذا ذبحت قورت السرة الذي عصبت
ودفنت في الشعر حتى يستحيل ذلك الدم المختنق الجامد مسكا ذكيا بعد أن كان لا يرام من النتن
ومن ثم قال القفال انها تندبغ بما فيها من المسك فتطهر كما يطهر غيرها من المدبوغات والمشهور
أن غزال المسك كالظبي لكن لونه أسود وله نابان لطيفان أبيضان في فكه الأسفل وان المسك دم
يجتمع في سرته في وقت معلوم من السنة فإذا اجتمع ورم الموضع فمرض الغزال إلى أن يسقط منه
ويقال ان أهل تلك البلاد يجعلون لها أوتادا في البرية تحتك بها ليسقط ونقل ابن الصلاح في
مشكل الوسيط أن النافجة في جوف الظبية كالانفحة في جوف الجدي وعن علي بن مهدي
الطبري الشافعي أنها تلقيها من جوفها كما تلقى الدجاجة البيضة ويمكن الجمع بأنها تلقيها من
سرتها فتتعلق بها إلى أن تحتك قال النووي أجمعوا على أن المسك طاهر يجوز استعماله في
البدن والثوب ويجوز بيعه ونقل أصحابنا عن الشيعة فيه مذهبا باطلا وهو مستثنى من القاعدة
ما أبين من حي فهو ميت انتهى وحكى ابن التين عن ابن شعبان من المالكية أن فأرة المسك انما
تؤخذ في حال الحياة أو بذكاة من لا تصح ذكاته من الكفرة وهى مع ذلك محكوم بطهارتها لأنها
تستحيل عن كونها دما حتى تصير مسكا كما يستحيل الدم إلى اللحم فيطهر ويحل أكله وليست
بحيوان حتى يقال نجست بالموت وانما هي شئ يحدث بالحيوان كالبيض وقد أجمع المسلمون
على طهارة المسك الا ما حكى عن عمر من كراهته وكذا حكى ابن المنذر عن جماعة ثم قال ولا يصح
المنع فيه الا عن عطاء بناء على أنه جزء منفصل وقد أخرج مسلم في أثناء حديث عن أبي سعيد أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال المسك أطيب الطيب وأخرجه أبو داود مقتصرا منه على هذا القدر
(قوله ما من مكلوم) أي مجروح (وكلمه) بفتح الكاف وسكون اللام (يدمى) بفتح أوله وثالثه
وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الجهاد قال النووي ظاهر قوله في سبيل الله اختصاصه
569

بمن وقع له ذلك في قتال الكفار لكن يلتحق به من قتل في حرب البغاة وقطاع الطريق وإقامة
المعروف لاشتراك الجميع في كونهم شهداء وقال ابن عبد البر أصل الحديث في الكفار ويلتحق
هؤلاء بهم بالمعنى لقوله صلى الله عليه وسلم من قتل دون ماله فهو شهيد وتوقف بعض المتأخرين في
دخول من قاتل دون ماله لأنه يقصد صون ماله بداعية الطبع وقد أشار في الحديث إلى اختصاص
ذلك بالمخلص حيث قال والله أعلم بمن يكلم في سبيله والجواب أنه يمكن فيه الاخلاص مع إرادة
صون المال كأن يقصد بقتال من أراد أخذه منه صون الذي يقاتله عن ارتكاب المعصية وامتثال
أمر الشارع بالدفع ولا يمحض القصد لصون المال فهو كمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا مع
تشوقه إلى الغنيمة قال ابن المنير وجه استدلال البخاري بهذا الحديث على طهارة المسك وكذا
بالذي بعده وقوع تشبيه دم الشهيد به لأنه في سياق التكريم والتعظيم فلو كان نجسا لكان من
الخبائث ولم يحسن التمثيل به في هذا المقام وقد تقدم شرح حديث أبي موسى في الجليس
الصالح في أوائل البيوع وقوله فيه يحذيك بضم أوله ومهملة ساكنة وذال معجمة مكسورة
أي يعطيك وزنا ومعنى * (قوله باب الأرنب) هو دويبة معروفة تشبه العناق
لكن في رجليها طول بخلاف يديها والأرنب اسم جنس للذكر والأنثى ويقال للذكر أيضا الخزز
وزن عمر بمعجمات وللأنثى عكرشة وللصغير خرنق بكسر المعجمة وسكون الراء وفتح النون بعدها
قاف هذا هو المشهور وقال الجاحظ لا يقال أرنب الا للأنثى ويقال ان الأرنب شديدة الجبن
كثيرة الشبق وانها تكون سنة ذكرا وسنة أنثى وانها تحيض وسأذكر من خرجه ويقال انها
تنام مفتوحة العين (قوله أنفجنا) بفاء مفتوحة وجيم ساكنة أي أثرنا وفى رواية مسلم
استنفجنا وهو استفعال منه يقال نفج الأرنب إذا ثار وعدا وانتفج كذلك وأنفجته إذا أثرته من
موضعه ويقال ان الانتفاج الاقشعرار فكأن المعنى جعلناها بطلبنا لها تنتفج والانتفاج أيضا
ارتفاع الشعر وانتفاشه ووقع في شرح مسلم للمازري بعجنا بموحدة وعين مفتوحة وفسره
بالشق من بعج بطنه إذا شقه وتعقبه عياض بأنه تصحيف وبأنه لا يصح معناه من سياق الخبر لان
فيه أنهم سعوا في طلبها بعد ذلك فلو كانوا شقوا بطنها كيف كانوا يحتاجون إلى السعي خلفها
(قوله بمر الظهران) مر بفتح الميم وتشديد الراء والظهران بفتح المعجمة بلفظ تثنية الظهر اسم
موضع على مرحلة من مكة وقد يسمى بأحد الكلمتين تخفيفا وهو المكان الذي تسميه عوام
المصريين بطن مرو والصواب مر بتشديد الراء (قوله فسعى القوم فلغبوا) بمعجمة وموحدة أي
تعبوا وزنه ومعناه ووقع بلفظ تعبوا في رواية الكشميهني وتقدم في الهبة بيان ما وقع للداودي
فيه من غلط (قوله فأخذتها) زاد في الهبة فأدركتها فأخذتها ولمسلم فسعيت حتى أدركتها ولابى
داود من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن زيد وكنت غلاما حزورا وهو بفتح المهملة والزاي والواو
المشددة بعدها راء ويجوز سكون الزاي وتخفيف الواو وهو المراهق (قوله إلى أبى طلحة) وهو
زوج أمه (قوله فذبحها) زاد في رواية الطيالسي بمروة وزاد في رواية حماد المذكورة فشويتها
(قوله فبعث بوركيها أو قال بفخذيها) هو شك من الراوي وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الهبة
ووقع في رواية حماد بعجزها (قوله فقبلها) أي الهدية وتقدم في الهبة من هذا الوجه قلت وأكل
570

منه قال وأكل منه ثم قال فقبله وللترمذي من طريق أبى داود الطيالسي فيه فأكله قلت أكله
قال قبله وهذا الترديد لهشام بن زيد وقف جده أنسا على قوله أكله فكأنه توقف في الجزم به وجزم
بالقبول وقد أخرج الدارقطني من حديث عائشة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرنب
وأنا نائمة فخبأ لي منها العجز فلما قمت أطعمني وهذا لو صح لاشعر بأنه أكل منها لكن سنده ضعيف
ووقع في الهداية للحنفية أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من الأرنب حين أهدى إليه مشويا
وأمر أصحابه بالاكل منه وكأنه تلقاه من حديثين فأوله من حديث الباب وقد ظهر ما فيه
والآخر من حديث أخرجه النسائي من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة جاء أعرابي إلى
النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها فوضعها بين يديه فأمسك وأمر أصحابه أن يأكلوا
ورجاله ثقات الا انه اختلف فيه على موسى بن طلحة اختلافا كثيرا وفى الحديث جواز أكل
الأرنب هو قول العلماء كافة الا ما جاء في كراهتها عن عبد الله بن عمر من الصحابة وعن عكرمة من
التابعين وعن محمد بن أبي ليلى من الفقهاء واحتج بحديث خزيمة بن جزء قلت يا رسول الله
ما تقول في الأرنب قال لا آكله ولا أحرمه قلت فانى آكل ما لا تحرمه ولم يا رسول الله قال نبئت
انها تدمى وسنده ضعيف ولو صح لم يكن فيه دلالة على الكراهة كما سيأتي تقريره في الباب الذي
بعده وله شاهد عن عبد الله بن عمرو بلفظ جئ بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها لو لم ينه
عنها زعم أنها تحيض أخرجه أبو داود وله شاهد عن عمر عند إسحاق بن راهويه في مسنده وحكى
الرافعي عن أبي حنيفة أنه حرمها وغلطه النووي في النقل عن أبي حنيفة وفى الحديث أيضا
جواز استثارة الصيد والغدو في طلبه وأما ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس
رفعه من اتبع الصيد غفل فهو محمول على من واظب على ذلك حتى يشغله عن غيره من المصالح
الدينية وعيرها وفيه أن آخذ الصيد يملكه بأخذه ولا يشاركه من أثاره معه وفيه هدية الصيد
وقبولها من الصائد واهداء الشئ اليسير الكبير القدر إذا علم من حالة الرضا بذلك وفيه أن ولى
الصبى يتصرف فيما يملكه الصبى بالمصلحة وفيه استثبات الطالب شيخه عما يقع في حديثه مما
يحتمل أنه يضبطه كما وقع لهشام بن زيد مع أنس رضي الله عنه * (قوله باب الضب)
هو دويبة تشبه الجردون لكنه أكبر من الجردون ويكنى أبا حسل بمهملتين مكسورة ثم ساكنة
ويقال للأنثى ضبة وبه سميت القبيلة وبالخيف من منى جبل يقال له ضب والضب داء في خف
البعير ويقال ان لأصل ذكر الضب فرعين ولهذا يقال له ذكران وذكر ابن خالويه ان الضب
يعيش سبعمائة سنة وانه لا يشرب الماء ويبول في كل أربعين يوما قطرة ولا يسقط له سن ويقال بل
أسنانه قطعة واحدة وحكى غيره ان أكل لحمه يذهب العطش ومن الأمثال لا أفعل كان حتى يرد
الضب يقوله من أراد أن لا يفعل الشئ لان الضب لا يرد بل يكتفى بالنسيم وبرد الهواء ولا يخرج
من جحره في الشتاء وذكر المصنف في الباب حديثين * الأول حديث ابن عمر (قوله الضب لست
آكله ولا أحرمه) كذا أورده مختصرا وقد أخرجه مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن عبد الله
ابن دينار بلفظ سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب فقال لا آكله ولا أحرمه ومن طريق نافع
عن ابن عمر سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد في رواية عن نافع أيضا وهو على المنبر
571

وهذا السائل يحتمل أن يكون خزيمة بن جزء فقد أخرج ابن ماجة من حديثه قلت يا رسول
الله ما تقول فقال لا آكله ولا أحرمه قال قلت فانى آكل ما لم تحرم وسنده ضعيف وعند
مسلم والنسائي من حديث أبي سعيد قال رجل يا رسول الله انا بأرض مضبة فما تأمرنا قال ذكر لي
أن أمة من بني إسرائيل مسخت فلم يأمر ولم ينه وقوله مضبة بضم أوله وكسر المعجمة أي كثيرة
الضباب وهذا يمكن أن يفسر بثابت بن وديعة فقد أخرج أبو داود والنسائي من حديثه قال
أصبت ضبابا فشويت منها ضبا فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عودا فعد به أصابعه
ثم قال إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض وانى لا أدرى أي الدواب هي فلم يأكل
ولم ينه وسنده صحيح * الحديث الثاني (قوله عن أبي أمامة بن سهل) أي ابن حنيف الأنصاري له
رؤية ولأبيه صحبة وتقدم الحديث في أوائل الأطعمة من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال
أخبرني أبو أمامة (قوله عن عبد الله بن عباس عن خالد بن الوليد) في رواية يونس المذكورة
أن ابن عباس أخبره أن خالد بن الوليد الذي يقال له سيف الله أخبره وهذا الحديث مما اختلف
فيه على الزهري هل هو من مسند ابن عباس أو من مسند خالد وكذا اختلف فيه على مالك فقال
الأكثر عن ابن عباس عن خالد وقال يحيى بن بكير في الموطأ وطائفة عن مالك بسنده عن ابن
عباس وخالد أنهما دخلا وقال يحيى بن يحيى التميمي عن مالك بلفظ عن ابن عباس قال دخلت
أنا وخالد على النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم عنه وكذا أخرجه من طريق عبد الرزاق عن
معمر عن الزهري بلفظ عن ابن عباس قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في بيت ميمونة بضبين
مشويين وقال هشام بن يوسف عن معمر كالجمهور كما تقدم في أوائل الأطعمة والجمع بين هذه
الروايات أن ابن عباس كان حاضرا للقصة في بيت خالته ميمونة كما صرح به في إحدى الروايات
وكأنه استثبت خالد بن الوليد في شئ منه لكونه الذي كان باشر السؤال عن حكم الضب وباشر
أكله أيضا فكان ابن عباس ربما رواه عنه ويؤيد ذلك أن محمد بن المنكدر حدث به عن أبي أمامة
ابن سهل عن ابن عباس قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت ميمونة وعنده خالد بن الوليد
بلحم ضب الحديث أخرجه مسلم وكذا رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس فلم يذكر فيه خالدا وقد
تقدم في الأطعمة (قوله أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة) زاد يونس في
روايته وهى خالته وخالة ابن عباس (قلت) واسم أم خالد لبابة الصغرى واسم أم ابن عباس لبابة
الكبرى وكانت تكنى أم الفضل بابنها الفضل بن عباس وهما أختا ميمونة والثلاث بنات
الحرث بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي الهلالي (قوله فأتى بضب محنوذ) بمهملة ساكنة
ونون مضمومة وآخره ذال معجمة أي مشوى بالحجارة المحماة ووقع في رواية معمر بضب مشوى
والمحنوذ أخص والحنيذ بمعناه زاد يونس في روايته قدمت به أختها حفيدة وهى بمهملة وفاء
مصغر ومضى في رواية سعيد بن جبير أن أم حفيدة بنت الحرث بن حزن خالة ابن عباس أهدت للنبي
صلى الله عليه وسلم سمنا وأقطا وأضبا وفى رواية عوف عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عند
الطحاوي جاءت أم حفيدة بضب وقنفذ وذكر القنفذ فيه غريب وقد قيل في اسمها هزبلة
بالتصغير وهى رواية الموطأ من مرسل عطاء بن يسار فإن كان محفوظا فلعل لها اسمين أو اسم
572

ولقب وحكى بعض شراح العمدة في اسمها حميدة بميم وفى كنيتها أم حميد بميم بغير هاء وفى رواية
بهاء وبفاء ولكن براء بدل الدال وبعين مهملة بدل الحاء بغير هاء وكلها تصحيفات (قوله فأهوى)
زاد يونس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما يقدم يده لطعام حتى يسمى له وأخرج اسحق
ابن راهويه والبيهقي في الشعب من طريق يزيد بن الحوتكية عن عمر رضي الله عنه أن أعرابيا
جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب يهديها إليه وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل من
الهدية حتى يأمر صاحبها فيأكل منها من أجل الشاة التي أهديت إليه بخيبر الحديث وسنده
حسن (قوله فقال بعض النسوة أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل فقالوا
هو ضب) في رواية يونس فقالت امرأة من النسوة الحضور أخبرن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بما قدمتن له هو الضب يا رسول الله وكأن المرأة أرادت أن غيرها يخبره فلما لم يخبروا بادرت هي
فأخبرت وسيأتى في باب اجازة خبر الواحد من طريق الشعبي عن ابن عمر قال كان ناس من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سعد يعنى ابن أبي وقال فذهبوا يأكلون من لحم فنادتهم
امرأة من بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولمسلم من طريق يزيد بن الأصم عن ابن عباس
أنه بينما هو عند ميمونة وعندها الفضل بن عباس وخالد بن الوليد وامرأة أخرى إذ قرب إليهم
خوان عليه لحم فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل قالت له ميمونة انه لحم ضب فكف يده
وعرف بهذه الرواية اسم التي أبهمت في الرواية الأخرى وعند الطبراني في الأوسط من وجه آخر
صحيح فقالت ميمونة أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو (قوله فرفع يده) زاد يونس عن
الضب ويؤخذ منه أنه أكل من غير الضب مما كان قدم له من غير الضب كما تقدم أنه كان فيه غير
الضب وقد جاء صريحا في رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس كما تقدم في الأطعمة قال فأكل
الأقط وشرب اللبن (قوله لم يكن بأرض قومي
في رواية يزيد بن الأصم هذا لحم لم آكله قط قال
ابن العربي اعترض بعض الناس على هذه اللفظة لم يكن بأرض قومي بأن الضباب كثيرة بأرض
الحجاز قال ابن العربي فإن كان أراد تكذيب الخبر فقد كذب هو فإنه ليس بأرض الحجاز منها شئ
أو ذكرت له بغير اسمها أو حدثت بعد ذلك وكذا أنكر ابن عبد البر ومن تبعه أن يكون ببلاد
الحجاز شئ من الضباب (قلت) ولا يحتاج إلى شئ من هذا بل المراد بقوله صلى الله عليه وسلم
بأرض قومي قريشا فقط فيختص النفي بمكة وما حولها ولا يمنع ذلك أن تكون موجودة بسائر
بلاد الحجاز وقد وقع في رواية يزيد بن الأصم عند مسلم دعانا عروس بالمدينة فقرب إلينا ثلاثة
عشر ضبا فآكل وتارك الحديث فبهذا يدل على كثرة وجدانها بتلك الديار (قوله فأجدني
أعافه) بعين مهملة وفاء خفيفة أي أتكره أكله يقال عفت الشئ أعافه ووقع في رواية سعيد بن
جبير فتركهن النبي صلى الله عليه وسلم كالمتقذر لهن ولو كن حراما لما أكلن على مائدة النبي
صلى الله عليه وسلم ولما أمر بأكلهن كذا أطلق الامر وكأنه تلقاه من الاذن المستفاد من التقرير
فإنه لم يقع في شئ من طرق حديث ابن عباس بصيغة الامر الا في رواية يزيد بن الأصم عند مسلم
فان فيها فقال لهم كلوا فأكل الفضل وخالد والمرأة وكذا في رواية الشعبي عن ابن عمر فقال
النبي صلى الله عليه وسلم كلوا وأطعموا فإنه حلال أو قال لا بأس به ولكنه ليس طعام وفى هذا
573

كله بيان سبب ترك النبي صلى الله عليه وسلم وأنه بسبب أنه ما اعتاده وقد ورد لذلك سبب آخر
أخرجه مالك من مرسل سليمان بن يسار فذكر معنى حديث ابن عباس وفى آخره فقال النبي صلى
الله عليه وسلم كلا يعنى لخالد وابن عباس فاننى يحضرني من الله حاضرة قال المازري يعنى
الملائكة وكأن للحم الضب ريحا فترك أكله لأجل ريحه كما ترك أكل الثوم مع كونه حلالا
(قلت) وهذا ان صح يمكن ضمه إلى الأول ويكون لتركه الاكل من الضب سببان (قوله قال خالد
فاجتررته) بجيم وراءين هذا هو المعروف في كتب الحديث وضبطه بعض شراح المهذب بزاي
قبل الراء وقد غلطه النووي (قوله ينظر) زاد يونس في روايته إلى وفى هذا الحديث من الفوائد
جواز أكل الضب وحكى عياض عن قوم تحريمه وعن الحنفية كراهته وأنكر ذلك النووي
وقال لا أظنه يصح عن أحد فان صح فهو محجوج بالنصوص وباجماع من قبله (قلت) قد نقله
ابن المنذر عن علي فأي اجماع يكون مع مخالفته ونقل الترمذي كراهته عن بعض أهل العلم
وقال الطحاوي في معاني الآثار كره قوم أكل الضب منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن
الحسن قال واحتج محمد بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى له ضب فلم يأكله فقام
عليهم سائل فأرادت عائشة أن تعطيه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعطينه ما لا تأكلين
قال الطحاوي ما في هذا دليل على الكراهة لاحتمال أن تكون عافته فأراد النبي صلى الله عليه
وسلم أن لا يكون ما يتقرب به إلى الله الا من خير الطعام كما نهى أن يتصدق بالتمر الردئ اه‍ وقد
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن الضب أخرجه أبو داود بسند حسن فإنه من رواية
إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بنت عتبة عن أبي راشد الحبراني عن عبد
الرحمن بن شبل وحديث ابن عياش عن الشاميين قوى وهؤلاء شاميون ثقات ولا يغتر بقول
الخطابي ليس اسناده بذاك وقول ابن حزم فيه ضعفاء ومجهولون وقول البيهقي تفرد به إسماعيل بن
عياش وليس بحجة وقول ابن الجوزي لا يصح ففي كل ذلك تساهل لا يخفى فان رواية إسماعيل عن
الشاميين قوية عند البخاري وقد صحح الترمذي بعضها وقد أخرج أبو داود من حديث عبد
الرحمن بن حسنة نزلنا أرضا كثيرة الضباب الحديث وفيه انهم طبخوا منها فقال النبي صلى الله
عليه وسلم ان أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض فأخشى أن تكون هذه فاكفئوها
أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والطحاوي وسنده على شرط الشيخين الا الضحاك فلم يخرجا له
وللطحاوي من وجه آخر عن زيد بن وهب ووافقه الحرث بن مالك ويزيد بن أبي زياد ووكيع
في آخره فقيل له ان الناس قد اشتووها وأكلوها فلم يأكل ولم ينه عنه والأحاديث الماضية وان
دلت على الحل تصريحا وتلويحا نصا وتقريرا فالجمع بينها وبين هذا حمل النهى فيه على أول
الحال عند تجويز ان يكون مما مسخ وحينئذ أمر باكفاء القدور ثم توقف فلم يأمر به ولم ينه عنه
وحمل الاذن فيه على ثاني الحال لما علم أن الممسوخ لا نسل له ثم بعد ذلك كان يستقذره فلا
يأكله ولا يحرمه وأكل على مائدته فدل على الإباحة وتكون الكراهة للتنزيه في حق من
يتقذره وتحمل أحاديث الإباحة على من لا يتقذره ولا يلزم من ذلك أنه يكره مطلقا وقد أفهم كلام
ابن العربي أنه لا يحل في حق من يتقذره لما يتوقع في أكله من الضرر وهذا لا يختص بهذا
574

ووقع في حديث يزيد بن الأصم أخبرت ابن عباس بقصة الضب فأكثر القوم حوله حتى قال
بعضهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا آكله ولا أنهى عنه ولا أحرمه فقال ابن عباس بئس
ما قلتم ما بعث نبي الله الا محرما أو محللا أخرجه مسلم قال ابن العربي ظن ابن عباس أن الذي
أخبر بقوله صلى الله عليه وسلم لا آكله أراد لا أحله فأنكر عليه لان خروجه من قسم الحلال
والحرام محال وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بأن الشئ إذا لم يتضح الحاقه بالحلال أو الحرام
يكون من الشبهات فيكون من حكم الشئ قبل ورود الشرع والأصح كما قال النووي أنه لا يحكم
عليها بحل ولا حرمة (قلت) وفى كون مسئلة الكتاب من هذا النوع نظر لان هذا انما هو إذا
تعارض الحكم على المجتهد أما الشارع إذ سئل عن واقعة فلا بد أن يذكر فيها الحكم الشرعي
وهذا هو الذي أراده ابن العربي وجعل محط كلام ابن عباس عليه ثم وجدت في الحديث زيادة
لفظة سقطت من رواية مسلم وبها يتجه انكار ابن عباس ويستغنى عن تأويل ابن العربي لا آكله
بلا أحله وذلك أن أبا بكر بن أبي شيبة وهو شيخ مسلم فيه أخرجه في مسنده بالسند الذي ساقه به
عند مسلم فقال في روايته لا آكله ولا أنهى عنه ولا أحله ولا أحرمه ولعل مسلما حذفها عمدا
لشذوذها لان ذلك لم يقع في شئ من الطرق لا في حديث ابن عباس ولا غيره وأشهر من روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم لا آكله ولا أحرمه ابن عمر كما تقدم وليس في حديثه لا أحله بل جاء
التصريح عنه بأنه حلال فلم تثبت هذه اللفظة وهى قوله لا أحله لأنها وإن كانت من رواية يزيد
ابن الأصم وهو ثقة لكنه أخبر بها عن قوم كانوا عند ابن عباس فكانت رواية عن مجهول ولم
يقل يزيد بن الأصم انهم صحابة حتى يغتفر عدم تسميتهم واستدل بعض من منع أكله بحديث
أبي سعيد عند مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسخت وقد
ذكرته وشواهده قبل وقال الطبري ليس في الحديث الجزم بأن الضب مما مسخ وانما خشى أن
يكون منهم فتوقف عنه وانما قال ذلك قبل أن يعلم الله تعالى نبيه أن الممسوخ لا ينسل وبهذا
أجاب الطحاوي ثم أخرج من طريق المعرور بن سويد عن عبد الله بن مسعود قال سئل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي مما مسخ قال إن الله لم يهلك قوما أو يمسخ قوما
فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة وأصل هذه الحديث في مسلم وكأنه لم يستحضره من صحيح مسلم ويتعجب
من ابن العربي حيث قال قوله إن الممسوخ لا ينسل دعوى فإنه أمر لا يعرف بالعقل وانما طريقه
النقل وليس فيه أمر يعول عليه كذا قال ثم قال الطحاوي بعد أن أخرجه من طرق ثم أخرج
حديث ابن عمر فثبت بهذه الآثار أنه لا بأس بأكل الضب وبه أقول قال وقد احتج محمد بن الحسن
لأصحابه بحديث عائشة فساقه الطحاوي من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن
إبراهيم عن الأسود عن عائشة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكله فقام عليهم سائل فأرادت
عائشة أن تعطيه فقال لها أتعطيه ما لا تأكلين قال محمد دل ذلك على كراهته لنفسه ولغيره
وتعقبه الطحاوي باحتمال أن يكون ذلك من جنس ما قال الله تعالى ولستم بآخذيه الا أن
تغمضوا فيه ثم ساق الأحاديث الدالة على كراهة التصدق بحشف التمر وقد مر ذكرها في كتاب
الصلاة في باب تعليق القنو في المسجد وبحديث البراء كانوا يحبون الصدقة بأردا تمرهم
575

فنزلت أنفقوا من طيبات ما كسبتم الآية قال فلهذا المعنى كره لعائشة الصدقة بالضب لا لكونه
حراما اه‍ وهذا يدل على أنه فهم عن محمد أن الكراهة فيه للتحريم والمعروف عن أكثر الحنفية
فيه كراهة التنزيه وجنح بعضهم إلى التحريم وقال اختلفت الأحاديث وتعذرت معرفة المتقدم
فرجحنا جانب التحريم تقليلا للنسخ اه‍ ودعواه التعذر ممنوعة لها تقدم والله أعلم ويتعجب من
ابن العربي حيث قال قولهم إن الممسوخ لا ينسل دعوى فإنه أمر لا يعرف بالعقل وانما طريقه
النقل وليس فيه أمر يعول عليه كذا قال وكأنه لم يستحضره من صحيح مسلم ثم قال وعلى تقدير
ثبوت كون الضب ممسوخا فذلك لا يقتضى تحريم أكله لان كونه آدميا قد زال حكمه ولم يبق
له أثر أصلا وانما كره صلى الله عليه وسلم الاكل منه لما وقع عليه من سخط الله كما كره الشرب
من مياه ثمود اه‍ ومسئلة جواز أكل الآدمي إذا مسخ حيوانا مأكولا لم أرها في كتب
فقهائنا وفى الحديث أيضا الاعلام بما شك فيه لايضاح حكمه وأن مطلق النفرة وعدم
الاستطابة لا يستلزم التحريم وان المنقول عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يعيب الطعام انما
هو فيما صنعه الآدمي لئلا ينكسر خاطره وينسب إلى التقصير فيه وأما الذي خلق كذلك
فليس نفور الطبع منه ممتنعا وفيه أن وقوع مثل ذلك ليس بمعيب ممن يقع منه خلافا لبعض
المتنطعة وفيه أن الطباع تختلف في النفور عن بعض المأكولات وقد يستنبط منه أن اللحم إذا
أنتن لم يحرم لان بعض الطباع لا تعافه وفيه دخول أقارب الزوجة بيتها إذا كان بإذن الزوج أو
رضاه وذهل ابن عبد البر هنا ذهولا فاحشا فقال كان دخول خالد بن الوليد بيت النبي صلى الله
عليه وسلم في هذه القصة قبل نزول الحجاب وغفل عما ذكره هو ان اسلام خالد كان بين عمرة القضية
والفتح وكان الحجاب قبل ذلك اتفاقا وقد وقع في حديث الباب قال خالد أحرام هو يا رسول الله
فلو كانت القصة قبل الحجاب لكانت قبل اسلام خالد ولو كانت قبل اسلامه لم يسأل
عن حلال ولا حرام ولا خاطب بقوله يا رسول الله وفيه جواز الأكل من بيت القريب والصهر
والصديق وكأن خالدا ومن وافقه في الاكل أرادوا جبر قلب الذي أهدته أو لتحقق حكم الحل أو
لامتثال قوله صلى الله عليه وسلم كلوا وفهم من لم يأكل أن الامر فيه للإباحة وفيه أنه صلى الله
عليه وسلم كان يؤاكل أصحابه ويأكل اللحم حيث تيسر وأنه كان لا يعلم من المغيبات الا ما علمه الله
تعالى وفيه وفور عقل ميمونة أم المؤمنين وعظيم نصيحتها للنبي صلى الله عليه وسلم لأنها فهمت
مظنة نفوره عن أكله بما استقرت منه فخشيت أن يكون ذلك كذلك فيتأذى بأكله لاستقذاره
له فصدقت فراستها ويؤخذ منه أن من خشى أن يتقذر شيئا لا ينبغي أن يدلس له لئلا يتضرر به
وقد شوهد ذلك من بعض الناس * (قوله باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد
أو الذائب) أي هل يفترق الحكم أو لا وكأنه ترك الجزم بذلك لقوة الاختلاف وقد تقدم في
الطهارة ما يدل على أنه يختار أنه لا ينجس الا بالتغير ولعل هذا هو السر في ايراده طريق يونس
المشعرة بالتفصيل (قوله عن ميمونة) تقدم في أواخر كتاب الوضوء بيان الاختلاف فيه على
الزهري في اثبات ميمونة في الاسناد وعدمه وأن الراجح اثباتها فيه وتقدم هناك الاختلاف
على مالك في وصله وانقطاعه (قوله فقال ألقوها وما حولها) هكذا أورده أكثر أصحاب ابن
576

عيينة عنه ووقع في مسند إسحاق بن راهويه ومن طريقه أخرجه ابن حبان بلفظ إن كان
جامدا فألقوها وما حولها وكلوه وإن كان ذائبا فلا تقربوه وهذه الزيادة في رواية ابن عيينة
غريبة وسيأتى القول فيها (قوله قيل لسفيان) القائل لسفيان ذلك هو علي بن المديني شيخ
البخاري كذلك ذكره في علله (قوله فان معمرا يحدث به الخ) طريق معمر هذه وصلها أبو
داود عن الحسن بن علي الحلواني وأحمد بن صالح كلاهما عن عبد الرزاق عن معمر باسناده
المذكور إلى أبي هريرة ونقل الترمذي عن البخاري أن هذه الطريق خطأ والمحفوظ رواية
الزهري من طريق ميمونة وجزم الذهلي بان الطريقين صحيحان وقد قال أبو داود في روايته عن
الحسن بن علي قال الحسن وربما حدث به معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن
ابن عباس عن ميمونة وأخرجه أبو داود أيضا عن أحمد بن صالح عن عبد الرزاق عن عبد الرحمن
ابن بوذويه عن معمر كذلك من طريق ميمونة وكذا أخرجه النسائي عن خشيش بن أصرم عن
عبد الرزاق وذكر الإسماعيلي أن الليث رواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال بلغنا أن
النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فارة وقعت في سمن جامد الحديث وهذا يدل على أن لرواية
الزهري عن سعيد أصلا وكون سفيان بن عيينة لم يحفظه عن الزهري الا من طريق ميمونة
لا يقتضى أن لا يكون له عنده اسناد آخر وقد جاء عن الزهري فيه اسناد ثالث أخرجه الدارقطني
من طريق عبد الجبار بن عمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر به وعبد الجبار مختلف فيه قال
البيهقي وجاء من رواية ابن جريج عن الزهري كذلك لكن السند إلى ابن جريج ضعيف
والمحفوظ أنه من قول ابن عمر (قوله قال ما سمعت الزهري) القائل هو سفيان وقوله ولقد سمعته
منه مرارا أي من طريق ميمونة فقط ووقع في رواية الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن علي بن
المديني شيخ البخاري فيه قال سفيان كم سمعناه من الزهري يعيده ويبدئه (قوله عبد الله) هو
ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد (قوله عن الزهري عن الدابة) أي في حكم الدابة تموت في الزيت
والسمن الخ ظاهر في أن الزهري كان في هذا الحكم لا يفرق بين السمن وغيره ولا بين الجامد منه
والذائب لأنه ذكر ذلك في السؤال ثم استدل بالحديث في السمن فاما غير السمن فالحاقه به في
القياس عليه واضح وأما عدم الفرق بين الذائب والجامد فلأنه لم يذكر في اللفظ الذي استدل
به وهذا يقدح في صحة من زاد في هذا الحديث عن الزهري التفرقة بين الجامد والذائب كما ذكر
قبل عن إسحاق وهو مشهور من رواية معمر عن الزهري أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما
وصححه ابن حبان وغيره على أنه اختلف عن معمر فيه فأخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الاعلى عن
معمر بغير تفصيل نعم وقع عند النسائي من رواية ابن القاسم عن مالك وصف السمن في الحديث
بأنه جامد وتقدم التنبيه عليه في الطهارة وكذا وقع عند أحمد من رواية الأوزاعي عن الزهري
وكذا عند البيهقي من رواية حجاج بن منهال عن ابن عيينة وكذا أخرجه أبو داود الطيالسي في
مسنده عن سفيان وتقدم التنبيه على الزيادة التي وقعت في رواية إسحاق بن راهويه عن سفيان
وأنه تفرد بالتفصيل عن سفيان دون حفاظ أصحابه مثل أحمد والحميدي ومسدد وغيرهم ووقع
التفصيل فيه أيضا في رواية عبد الجبار بن عمر عن الزهري عن سالم عن أبيه وقد تقدم أن
الصواب في هذا الاسناد أنه موقوف وهذا الذي ينفصل به الحكم فيما يظهر لي بأن التقييد عن
577

الزهري عن سالم عن أبيه من قوله والاطلاق من روايته مرفوعا لأنه لو كان عنده مرفوعا ما سوى
في فتواه بين الجامد وغير الجامد وليس الزهري ممن يقال في حقه لعله نسى الطريق المفصلة
المرفوعة لأنه كان أحفظ الناس في عصره فخفاء ذلك عنه في غاية البعد (قوله عن حديث عبيد
الله بن عبد الله) يعنى بسنده لكن لم يظهر لنا هل فيه ميمونة أو لا وقد أخرجه الإسماعيلي من
طريق نعيم بن حماد عن ابن المبارك فقال فيه عن عبيد الله بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم
فذكره مرسلا وأغرب أبو نعيم في المستخرج فساقه من طريق الفربري عن البخاري عن عبدان
موصولا بذكر ابن عباس وميمونة بالمرفوع دون الموقوف وقال أخرجه البخاري عن عبدان
وذكر فيه كلاما واستدل بهذا الحديث لاحدى الروايتين عن أحمد أن المائع إذا حلت فيه
النجاسة لا ينجس الا بالتغير وهو اختيار البخاري وقول ابن نافع من المالكية وحكى عن مالك وقد
أخرج أحمد عن إسماعيل بن علية عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة أن ابن عباس سئل عن فارة
ماتت في سمن قال تؤخذ الفارة وما حولها فقلت ان اثرها كان في السمن كله قال انما كان وهى
حية وانما ماتت حيث وجدت ورجاله رجال الصحيح وأخرجه أحمد من وجه آخر وقال فيه عن
جر فيه زيت وقع فيه جرز وفيه أليس جال في الجر كله قال انما جال وفيه الروح ثم استقر حيث
مات وفرق الجمهور بين المائع والجامد عملا بالتفصيل المقدم ذكره وقد تمسك ابن العربي بقوله وما
حولها على أنه كان جامدا قال لأنه لو كان مائعا لم يكن له حول لأنه لو نقل من أي جانب مهما نقل
لخلفه غيره في الحال فيصير مما حولها فيحتاج إلى القائه كله كذا قال واما ذكر السمن والفارة فلا
عمل بمفهومها وجمد ابن حزم على عادته فخص التفرقة بالفارة فلو وقع غير جنس الفار من
الدواب في مائع لم ينجس الا بالتغير وضابط المائع عند الجمهور أن يتراد بسرعة إذا أخذ منه شئ
واستدل بقوله فماتت على أن تأثيرها في المائع انما يكون بموتها فيه فلو وقعت فيه وخرجت بلا
موت لم يضره ولم يقع في رواية مالك التقييد بالموت فيلزم من لا يقول بحمل المطلق على المقيد أن
يقول بالتأثير ولو خرجت وهى في الحياة وقد التزمه ابن حزم فخالف الجمهور أيضا (قوله ألقوها
وما حولها) لم يرد في طريق صحيحة تحديد ما يلقى لكن أخرج ابن أبي شيبة من مرسل عطاء بن
يسار أنه يكون قدر الكف وسنده جيد لولا ارساله وقد وقع عند الدارقطني من رواية يحيى
القطان عن مالك في هذا الحديث فأمر أن يقور ما حولها فيرمى به وهذا أظهر في كونه جامدا
من قوله وما حولها فيقوى ما تمسك به ابن العربي وأما ما أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء مرفوعا
من التقييد في المأخوذ منه ثلاث غرفات بالكفين فسنده ضعيف ولو ثبت لكان ظاهرا في
المائع واستدل بقوله في الرواية المفصلة وإن كان مائعا فلا تقربوه على أنه لا يجوز الانتفاع به في
شئ فيحتاج من أجاز الانتفاع به في غير الاكل كالشافعية وأجاز بيعه كالحنفية إلى الجواب
أعنى الحديث فإنهم احتجوا به في التفرقة بين الجامد والمائع وقد احتج بعضهم بما وقع في رواية
عبد الجبار بن عمر عند البيهقي في حديث ابن عمر إن كان السمن مائعا انتفعوا به ولا تأكلوه وعنده
في رواية ابن جريج مثله وقد تقدم أن الصحيح وقفه وعنده من طريق الثوري عن أيوب عن نافع
عن ابن عمر في فارة وقعت في زيت قال استصبحوا به وادهنوا به أدمكم وهذا السند على شرط
الشيخين الا أنه موقوف واستدل به على أن الفارة طاهرة العين وأغرب ابن العربي فحكى عن
578

الشافعي وأبي حنيفة أنها نجسة (قوله في رواية مالك سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو
كذلك في أكثر الروايات بابهام السائل ووقع في رواية الأوزاعي عن أحمد تعيين من سال ولفظه
عن ميمونة أنها استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فارة الحديث ومثله في رواية يحيى
القطان عن مالك عند الدارقطني بلفظ عن ابن عباس أن ميمونة استفتت والله أعلم * (قوله
باب العلم) بفتحتين (والوسم) بفتح أوله وسكون المهملة وفى بعض النسخ بالمعجمة فقيل
هو بمعنى الذي بالمهملة وقيل بالمهملة في الوجه وبالمعجمة في سائر الجسد فعلى هذا فالصواب هنا
بالمهملة لقوله في الصورة والمراد بالوسم أن يعلم الشئ لشئ يؤثر فيه تأثيرا بالغا وأصله أن يجعل في
البهيمة علامة ليميزها عن غيرها (قوله عن حنظلة) هو ابن أبي سفيان الجمحي وسالم هو ابن عبد الله
ابن عمر (قوله أن نعلم) بضم أوله أي تجعل فيها علامة (قوله الصورة) في رواية الكشميهني في
الموضعين الصور بفتح الواو بلا هاء جمع صورة والمراد بالصورة الوجه (قوله وقال ابن عمر نهى
النبي صلى الله عليه وسلم أن تضرب) هو موصول بالسند المذكور بدأ بالموقوف وثنى بالمرفوع
مستدلا به على ما ذكر من الكراهة لأنه إذا ثبت النهى عن الضرب كان منع الوسم أولى ويحتمل أن
يكون أشار إلى ما أخرجه مسلم من حديث جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في
الوجه وعن الوسم في الوجه وفى لفظ له مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بحمار قد وسم في وجهه
فقال لعن الله من وسمه (قوله تابعه قتيبة قال حدثنا العنقزي) بفتح المهملة والقاف بينهما نون
ساكنة وبعد القاف زاي منسوب إلى العنقز وهو نبت طيب الريح ويقال هو المرزنجوش بفتح
الميم وسكون الراء ثم فتح الزاي وسكون النون بعدها جيم مضمومة وآخره معجمة وهذا تفسير للشئ
بمثله في الخفاء والمرزنجوش هو الشمار أو الشذاب وقيل العنقز الريحان وقيل القصب الغض
واسم العنقزي عمرو بن محمد الكوفي وثقه أحمد والنسائي وغيرهما وقال ابن حبان في الثقات
كان يبيع العنقز وهذه المتابعة لها حكم الوصل عند ابن الصلاح لان قتيبة من شيوخ البخاري
وانما ذكرها لزيادة المحذوف في رواية عبيد الله بن موسى حيث قال إن تضرب فان الضمير في
روايته للصورة لكونها ذكرت أولا وأفصح العنقزي في روايته بذلك وقوله عن حنظلة يريد
بالسند المذكور وهو عن سالم عن أبيه وقد أخرج الإسماعيلي الحديث من طريق بشر بن
السرى ومحمد بن عدي فرقهما كلاهما عن حنظلة بالسند المذكور واللفظ المذكور لكن
لفظ رواية بشر بن السرى عن الصورة تضرب وأخرجه من طريق وكيع عن حنظلة بلفظ
أن تضرب وجوه البهائم ومن وجه آخر عنه أن تضرب الصورة يعنى الوجه وأخرجه أيضا من
طريق محمد بن بكر يعنى البرساني وإسحاق بن سليمان الرازي كلاهما عن حنظلة قال سمعت سالما
يسأل عن العلم في الصورة فقال كان ابن عمر يكره أن تعلم الصورة وبلغنا أن النبي صلى الله عليه
وسلم نهى أن تضرب الصورة يعنى بالصورة الوجه قال الإسماعيلي المسند منه على اضطراب فيه
ضرب الصورة واما العلم فإنه من قول ابن عمر وكان المعنى فيه الكي (قلت) وهذه الرواية الأخيرة
هي المطابقة للفظ الترجمة وعطفه الوسم عليها اما عطف تفسيري واما من عطف الأعم على
الأخص وأشار الإسماعيلي بالاضطراب إلى الرواية الأخيرة حيث قال فيها وبلغنا فان الظاهر أنه
من قول سالم فيكون مرسلا بخلاف الروايات الأخرى أنها ظاهرة الاتصال لكن اجتماع العدد
579

الكثير أولى من تقصير من قصر به والحكم لهم ومثل هذا لا يسمى اضطرابا في الاصطلاح لان شرط
الاضطراب أن يتعذر الترجيح بعد تعذر الجمع وليس الامر هنا كذلك وجاء في ذكر الوسم في الوجه
صريحا حديث جابر قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بحمار قد وسم في وجهه فقال لعن الله من
فعل هذا لا يسم أحد الوجه ولا يضرب أحد الوجه أخرجه عبد الرزاق ومسلم والترمذي وهو
شاهد جيد لحديث ابن عمر وتقدم البحث في ضرب وجه الآدمي في كتاب الجهاد في الكلام على
حديث أبي هريرة وتقدم قبل أبواب النهى عن صبر البهيمة وعن المثلة (قوله عن هشام بن
زيد) أي ابن أنس بن مالك (قوله عن أنس) هو جده (قوله بأخ لي يحنكه) هو أخوه من أمه وهو
عبد الله بن أبي طلحة وسيأتى مطولا في اللباس من وجه آخر (قوله في مريد) بكسر الميم وسكون
الراء وفتح الموحدة بعدها مهملة مكان الإبل وكأن الغنم أدخلت فيه مع الإبل (قوله وهو يسم
شاة) في رواية الكشميهني شاء بالهمز وهو جمع شاة مثل شياه وسيأتى في الرواية التي في اللباس بلفظ
وهو يسم الظهر الذي قدم عليه وفيه ما يدل على أن ذلك بعد رجوعهم من غزوة الفتح وحنين
والمراد بالظهر بالإبل وكأنه كان يسم الإبل والغنم فصادف أول دخول أنس وهو يسم شاة ورآه
يسم غير ذلك وقد تقدم في العقيقة بيان شئ من هذا (قوله حسبته) القائل شعبة والضمير لهشام
ابن زيد وقع مبينا في رواية مسلم (قوله في آذانها) هذا محل الترجمة وهو العدول عن الوسم في
الوجه إلى الوسم في الأذن فيستفاد منه أن الأذن ليست من الوجه وفيه حجة للجمهور في جواز
وسم البهائم بالكي وخالف يه الحنفية تمسكا بعموم النهى عن التعذيب بالنار ومنهم من ادعى
بنسخ وسم البهائم وجعله الجمهور مخصوصا من عموم النهى والله أعلم * (قوله باب
إذا أصاب قوم غنيمة) بفتح أوله وزن عظيمة (قوله فذبح بعضهم غنما أو إبلا بغير أمر أصحابه لم
تؤكل لحديث رافع) هذا مصير من البخاري إلى أن سبب منع الاكل من الغنم التي طبخت في
القصة التي ذكرها رافع بن خديج كونها لم تقسم وقد تقدم البحث في ذلك في باب التسمية على
الذبيحة وقوله فيه وسأحدثكم عن ذلك جزم النووي بأنه من جملة المرفوع وهو من كلام النبي
صلى الله عليه وسلم وهو الظاهر من السياق وجزم أبو الحسن بن القطان في كتاب بيان الوهم
والايهام بأنه مدرج من قول رافع بن خديج راوي الخبر وذكر ما حاصله أن أكثر الرواة عن سعيد
ومسروق أوردوه على ظاهر الرفع وأن أبا الأحوص قال في روايته عنه بعد قوله أو ظفر قال رافع
وسأحدثكم عن ذلك ونسبت ذلك لرواية أبى داود وهو عجيب فان أبا داود أخرجه عن مسدد
وليس في شئ من نسخ السنن قوله قال رافع وانما فيه كما عند المصنف هنا بدونها وشيخ أبى داود فيه
مسدد ما هو شيخ البخاري فيه هنا وقد أورده البخاري في الباب الذي بعد هذا بلفظ غير السن
والظفر فان السن عظم إلى آخره وهو ظاهر جدا في أن الجميع مرفوع (قوله وقال طاوس
وعكرمة في ذبيحة السارق اطرحوه) وصله عبد الرزاق من حديثهما بلفظ انهما سئلا عن ذلك
فكرهاها ونهيا عنها وتقدم بيان الحكم في ذلك في ذبيحة المرأة ثم ذكر المصنف حديث رافع بن
خديج وقد تقدم شرحه مستوفى قبل * (قوله باب إذا ند بعير لقوم فرماه بعضهم
بسهم فقتله فأراد اصلاحهم فهو جائز) في رواية الكشميهني اصلاحه ولكريمة صلاحه بغير ألف
580

بالافراد أي البعير وضمير الجمع للقوم ثم ذكر المصنف حديث رافع بن خديج وقد تقدم التنبيه
عليه في الذي قبله ومضى في باب ذبيحة المرأة بحث في خصوص هذه الترجمة وقوله في هذه الرواية
ما أنهر الدم أو نهر شك من الراوي والصواب أنهر بالهمز وقد ألزمه الإسماعيلي التناقض في هذه
الترجمة والتي قبلها وأشار إلى عدم الفرق بين الصورتين والجامع أن كلا منهما متعد بالتذكية
وأجيب بأن الذين ذبحوا في القصة الأولى ذبحوا ما لم يقسم ليختصوا به فعوقبوا بحرمانه إذ ذاك
حتى يقسم والذي رمى البعير أراد ابقاء منفعته لمالكه فافترقا وقال ابن المنير نبه بهذه الترجمة
على أن ذبح غير المالك إذا كان بطريق التعدي كما في القصة الأولى فاسد وان ذبح غير المالك
إذا كان بطريق الاصلاح للمالك خشية أن تفوت عليه المنفعة ليس بفاسد * (قوله
باب إذا أكل المضطر) أي من الميتة وكأنه أشار إلى الخلاف في ذلك وهو في
موضعين * أحدهما في الحالة التي يصح الوصف بالاضطرار فيها ليباح الاكل * والثاني في
مقدار ما يؤكل فاما الأول فهو أن يصل به الجوع إلى حد الهلاك أو إلى مرض يفضى إليه
هذا قول الجمهور وعن بعض المالكية تحديد ذلك بثلاثة أيام قال ابن أبي جمرة الحكمة في ذلك
أن في الميتة سمية شدية فلو أكلها ابتداء لأهلكته فشرع له أن يجوع ليصير في بدنه بالجوع سمية
أشد من سمية الميتة فإذا أكل منها حينئذ لا يتضرر اه‍ وهذا ان ثبت حسن بالغ في غاية الحسن
وأما الثاني فذكره في تفسير قوله تعالى متجانف لاثم وقد فسره قتادة بالمتعدي وهو تفسير معنى
وقال غيره الاثم أن يأكل فوق سد الرمق وقيل فوق العادة وهو الراجح لاطلاق الآية ثم محل
جواز الشبع أن لا يتوقع غير الميتة عن قرب فان توقع امتنع ان قوى على الجوع الا أن يجده
وذكر امام الحرمين أن المراد بالشبع ما ينتفى الجوع لا الامتلاء حتى لا يبقى لطعام آخر مساغ
فان ذلك حرام واستشكل بما في حديث جابر في قصة العنبر حيث قال أبو عبيدة وقد اضطررتم
فكلوا قال فأكلنا حتى سمنا وقد تقدم البحث فيه مبسوطا (قوله لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا
كلوا من طيبات ما رزقناكم إلى قوله فلا اثم عليه) كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة ما حذف
وقوله غير باغ أي في أكل الميتة وجعل الجمهور من البغى العصيان فمنعوا العاصي بسفره أن يأكل
الميتة وقالوا طريقه أن يتوب ثم يأكل وجوزه بعضهم مطلقا (قوله وقال فمن اضطر في مخمصة)
أي مجاعة (غير متجانف) أي مائل (قوله وقوله فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ان كنتم بآياته
مؤمنين) زاد في رواية كريمة الآية التي بعدها إلى قوله ما اضطررتم إليه وفى نسخة إلى بالمعتدين
وبه تظهر مناسبة ذكر ذلك هنا واطلاق الاضطرار هنا تمسك به من أجاز أكل الميتة للعاصي
وحمل الجمهور المطلق على المقيد في الآيتين الأخيرتين (قوله وقوله جل وعلا قل لا أجد فيما أوحى
إلى محرما) ساق في رواية كريمة إلى آخر الآية وهى قوله غفور رحيم وبذلك يظهر أيضا وجه
المناسبة وهو قوله فمن اضطر (قوله وقال ابن عباس مهراقا) أي فسر ابن عباس المسفوح
بالمهراق وهو موصول عند الطبراني من طريق علي بن أبي طلحة عنه (قوله وقوله فكلوا مما
رزقكم الله حلالا طيبا) كذا ثبت هنا لكريمة والأصيلي وسقط للباقين وساق في نسخة
الصغاني إلى قوله خنزير ثم قال إلى قوله فان الله غفور رحيم قال الكرماني وغيره عقد البخاري
هذه الترجمة ولم يذكر فيها حديثا إشارة إلى أن الذي ورد فيها ليس فيه شئ على شرطه فاكتفى
581

بما ساق فيها من الآيات ويحتمل أن يكون بيض فانضم بعض ذلك إلى بعض عند تبييض الكتاب
(قلت) والثاني أوجه واللائق بهذا الباب على شرطه حديث جابر في قصة العنبر فلعله قصد
أن يذكر له طريقا أخرى * (خاتمة) * اشتمل كتاب الذبائح والصيد من الأحاديث المرفوعة
على ثلاثة وتسعين حديثا المعلق منها أحد وعشرون حديثا والبقية موصولة المكرر
منها فيه وفيما مضى تسعة وسبعون حديثا والخالص أربعة عشر حديثا
وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن عمر في النهى عن أن تصبر
البهيمة وحديث ابن عباس فيه وحديث عبد الله بن زيد في
النهى عن المثلة وحديث ابن عباس والحكم بن
عمرو في الحمر الأهلية وحديث ابن عمر في النهى
عن ضرب الصورة وفيه من الآثار عن
الصحابة فمن بعدهم أربعة
وأربعون أثرا والله سبحانه
وتعالى أعلم
()
* (تم الجزء التاسع ويليه الجزء العاشر أوله كتاب الأضاحي) *
582