الكتاب: شرح مسلم
المؤلف: النووي
الجزء: ٣
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٧ - ١٩٨٧ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

صحيح المسلم
شرح النووي
الجزء الثالث
1407 - 1987 م
الناشر
دار الكتاب العربي
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
قوله (عن مالك بن مغول عن الزبير بن عدي عن طلحة عن مرة) أما مغول فبكسر
الميم واسكان الغين المعجمة وفتح الواو وطلحة ابن مصرف وهؤلاء الثلاثة أعنى الزبير
وطلحة ومرة تابعيون كوفيون قوله (انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة)
كذا هو في جميع الأصول السادسة وقد تقدم في الروايات الأخر من حديث أنس أنها فوق
السماء السابعة قال القاضي كونها في السابعة هو الأصح وقول الأكثرين وهو الذي
يقتضيه المعنى وتسميتها بالمنتهى قلت ويمكن أن يجمع بينهما فيكون أصلها في السادسة
ومعظمها في السابعة فقد علم أنها في نهاية من العظم وقد قال الخليل رحمه الله هي سدرة في السماء
السابعة قد أظلت السماوات والجنة وقد تقدم ما حكيناه عن القاضي عياض رحمه الله في قوله إن
مقتضى خروج النهرين الظاهرين النيل والفرات من أصل سدرة المنتهى أن يكون أصلها في
2

الأرض فان سلم له هذا أمكن حمله على ما ذكرناه والله أعلم قوله (وغفر لمن لم يشرك بالله من
أمته شيئا المقحمات) هو بضم الميم واسكان القاف وكسر الحاء ومعناه الذنوب العظام الكبائر
التي تهلك أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إياها والتقحم الوقوع في المهالك ومعنى الكلام من
مات من هذه الأمة غير مشرك بالله غفر له المقحمات والمراد والله أعلم بغفرانها أنه لا يخلد
في النار بخلاف المشركين وليس المراد أنه لا يعذب أصلا فقد تقررت نصوص الشرع واجماع
أهل السنة على اثبات
عذاب بعض العصاة من الموحدين ويحتمل أن يكون المراد بهذا خصوصا
من الأمة أي يغفر لبعض الأمة المقحمات وهذا يظهر على مذهب من يقول إن لفظة من
لا تقتضي العموم مطلقا وعلى مذهب من يقول لا تقتضيه في الاخبار وان اقتضته في الأمر والنهى
ويمكن تصحيحه على المذهب المختار وهو كونها للعموم مطلقا لأنه قد قام دليل على إرادة
الخصوص وهو ما ذكرناه من النصوص والاجماع والله أعلم
3

باب معنى قول الله عز وجل ولقد رآه نزلة أخرى
وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الاسراء
قال القاضي عياض رحمه الله اختلف السلف والخلف هل رأى نبينا صلى الله عليه وسلم ربه ليلة
الاسراء فأنكرته عائشة رضي الله عنها كما وقع هنا في صحيح مسلم وجاء مثله عن أبي هريرة وجماعة
وهو المشهور عن ابن مسعود واليه ذهب جماعة من المحدثين والمتكلمين وروى عن ابن عباس
رضي الله عنهما انه رآه بعينه ومثله عن أبي ذر وكعب رضي الله عنهما والحسن رحمه الله وكان
يحلف على ذلك وحكى مثله عن ابن مسعود وأبي هريرة وأحمد بن حنبل وحكى أصحاب المقالات
عن أبي الحسن الأشعري وجماعة من أصحابه أنه رآه ووقف بعض مشايخنا في هذا وقال
ليس عليه دليل واضح ولكنه جائز ورؤية الله تعالى في الدنيا جائزة وسؤال موسى إياها دليل
على جوازها إذ لا يجهل نبي ما يجوز أو يمتنع على ربه وقد اختلفوا في رؤية موسى صلى الله عليه وسلم
ربه وفي مقتضى الآية ورؤية الجبل ففي جواب القاضي أبي بكر ما يقتضى أنهما رأياه
وكذلك اختلفوا في أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم هل كلم ربه سبحانه وتعالى ليلة الاسراء
بغير واسطة أم لا فحكى عن الأشعري وقوم من المتكلمين أنه كلمة وعزا بعضهم هذا إلى جعفر
ابن محمد وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وكذلك اختلفوا في قوله تعالى ثم دنا فتدلى
فالأكثرون على أن هذا الدنو والتدلي منقسم ما بين جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم أو مختص
بأحدهما من الأخر ومن السدرة المنتهى وذكر عن ابن عباس والحسن ومحمد بن كعب وجعفر
ابن محمد وغيرهم أنه دنو من النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى أو من الله تعالى
وعلى هذا القول يكون الدنو والتدلي متأولا ليس على وجهه بل كما قال جعفر بن محمد الدنو من
الله تعالى لا حد له ومن العباد بالحدود فيكون معنى دنو النبي صلى الله عليه وسلم من ربه سبحانه
وتعالى وقربه منه ظهور عظيم منزلته لديه واشراق أنوار معرفته عليه واطلاعه من غيبه
وأسرار ملكوته على ما لم يطلع سواه عليه والدنو من الله سبحانه له اظهار له وعظيم بره
4

وفضله العظيم لديه ويكون قوله تعالى قاب قوسين أو أدنى على هذا عبارة عن لطف المحل
وايضاح المعرفة والاشراف على الحقيقة من نبينا صلى الله عليه وسلم ومن الله إجابة الرغبة
وإبانة المنزلة ويتأول في ذلك ما يتأول في قوله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل من تقرب
منى شبرا تقربت منه ذراعا الحديث هذا آخر كلام القاضي وأما صاحب التحرير فإنه اختار
اثبات الرؤية قال والحجج في هذه المسألة وان كانت كثيرة ولكنا لا نتمسك الا بالأقوى منها
وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم وعن عكرمة سئل ابن عباس رضي الله عنهما هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم
ربه قال نعم وقد روى باسناد لا بأس به عن شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه
قال رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه وكان الحسن يحلف لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم
ربه والأصل في الباب حديث ابن عباس حبر الأمة والمرجوع إليه في المعضلات وقد راجعه ابن
عمر رضي الله عنهم في هذه المسألة وراسله هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه فأخبره انه
رآه ولا يقدح في هذا حديث عائشة رضي الله عنها لان عائشة لم تخبر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول لم أر ربى وإنما ذكرت ما ذكرت متأولة لقول الله تعالى وما كان لبشر أن
يكلمه الله الا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا ولقول الله تعالى لا تدركه الأبصار
والصحابي إذا قال قولا وخالفه غيره منهم لم يكن قوله حجة وإذا صحت الروايات عن ابن عباس
في اثبات الرؤية وجب المصير إلى اثباتها فإنها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن وإنما
يتلقى بالسماع ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد
وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس ثم إن ابن
عباس أثبت شيئا نفاه غيره والمثبت مقدم على النافي هذا كلام صاحب التحرير فالحاصل أن الراجح عند
أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الاسراء لحديث ابن عباس وغيره مما
تقدم واثبات هذا لا يأخذونه الا بالسماع من رسول الله هذا لا ينبغي أن يتشكك فيه
ثم إن عائشة رضي الله عنها لم تنف الرؤية بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان
معها فيه حديث لذكرته وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات وسنوضح الجواب عنها فأما
احتجاج عائشة بقول الله تعالى لا تدركه لأبصار فجوابه ظاهر فان الادراك هو الإحاطة والله
5

تعالى لا يحاط به وإذا ورد النص بنفي الإحاطة لا يلزم منه نفى الرؤية بغير إحاطة وأجيب عن
الآية بأجوبة أخرى لا حاجة إليها مع ما ذكرناه فإنه في نهاية من الحسم مع اختصاره وأما
احتجاجها رضي الله عنها بقول الله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا الآية فالجواب
عنه من أوجه أحدها أنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية فيجوز وجود الرؤية
من غير كلام الثاني أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة الثالث ما قاله بعض العلماء ان المراد
بالوحي الكلام من غير واسطة وهذا الذي قاله هذا القائل وإن كان محتملا ولكن الجمهور على
أن المراد بالوحي هنا الالهام والرؤية في المنام وكلاهما يسمى وحيا وأما قوله تعالى أو من وراء
حجاب فقال الواحدي وغيره معناه غير مجاهر لهم بالكلام بل يسمعون كلامه سبحانه وتعالى
من حيث لا يرونه وليس المراد أن هناك حجابا يفصل موضعا من موضع ويدل على تحديد
المحجوب فهو بمنزلة ما يسمع من وراء الحجاب حيث لم ير المتكلم والله أعلم قوله (وحدثني
أبو الربيع الزهراني) هو بفتح الزاي واسكان الهاء واسمه سليمان بن داود قول مسلم
رحمه الله (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث عن الشيباني عن زر عن
عبد الله) هذا الاسناد كله كوفيون وغياث بالغين المعجمة والشيباني هو أبو إسحاق واسمه
سليمان بن فيروز وقيل ابن خاقان وقيل ابن عمرو وهو تابعي وأما زر فبكسر الزاي وحبيش
بضم الحاء وفتح الموحدة وآخره الشين المعجمة وهو من المعمرين زاد على مائة وعشرين
سنة وهو من كبار التابعين قوله (عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى
ما كذب الفؤاد ما رأى قال رأى جبريل له ستمائة جناح) هذا الذي قاله عبد الله رضي الله عنه
هو مذهبه في هذه الآية وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن المراد انه رأى ربه سبحانه وتعالى ثم اختلف هؤلاء فذهب جماعة
إلى أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده دون عينيه وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينيه قال الإمام أبو الحسن الواحدي قال المفسرون هذا اخبار عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم
ربه عز وجل ليلة المعراج قال ابن عباس وأبو ذر وإبراهيم التيمي رآه بقلبه قال وعلى
هذا رأى بقلبه ربه رؤية صحيحة وهو أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده أو خلق لفؤاده بصرا
حتى رأى ربه رؤية صحيحة كما يرى بالعين قال وقد ذهب جماعة من المفسرين إلى أنه رآه بعينه
وهو قول أنس وعكرمة والحسن والربيع قال المبرد ومعنى الآية أن الفؤاد رأى شيئا فصدق فيه
6

وما رأى في موضع نصب أي ما كذب الفؤاد مرئيه وقرأ ابن عامر ما كذب بالتشديد قال المبرد
معناه أنه رأى شيئا فقبله وهذا الذي قاله المبرد على أن الرؤية للفؤاد فان جعلتها للبصر فظاهر أي
ما كذب الفؤاد ما رآه البصر هذا آخر كلام الواحدي قوله (عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
في قول الله تعالى لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح
) هذا الذي قاله عبد الله رضي الله عنه هو قول كثيرين من السلف وهو مروى عن ابن عباس رضي الله عنهما
وابن زيد ومحمد بن كعب ومقاتل بن حيان وقال الضحاك المراد أنه رأى سدرة المنتهى
وقيل رأى رفرفا أخضر وفي الكبرى قولان للسلف منهم من يقول هو نعت للآيات ويجوز
نعت الجماعة بنعت الواحدة كقوله تعالى مآرب أخرى وقيل هو صفة لمحذوف تقديره رأى من
آيات ربه الآية الكبرى قوله (عن أبي هريرة رضي الله عنه في قول الله تعالى ولقد رآه نزله
أخرى قال رأى جبريل) وهكذا قاله أيضا أكثر العلماء قال الواحدي قال أكثر العلماء المراد
رأى جبريل في صورته التي خلقه الله تعالى عليها وقال ابن عباس رأى ربه سبحانه وتعالى وعلى هذا
معنى نزلة أخرى يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت له عرجات في تلك الليلة لاستحطاط
عدد الصلوات فكل عرجة نزلة والله أعلم قوله (عن الأعمش عن زياد بن الحصين أبى
جهمة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة
أخرى قال رآه بفؤاده مرتين) هذا الذي قاله ابن عباس معناه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه
سبحانه وتعالى مرتين في هاتين الآيتين وقد قدمنا اختلاف العلماء في المراد بالآيتين وأن الرؤية
7

عند من أثبتها بالفؤاد أم بالعين وفي هذا الاسناد ثلاثة تابعيون الأعمش وزياد وأبو العالية بعضهم
عن بعض واسم الأعمش سليمان بن مهران تقدم بيانه مرات وجهمة بفتح الجيم واسكان الهاء
واسم أبى العالية رفيع بضم الراء وفتح الفاء والله أعلم قوله (أعظم الفرية) هي بكسر الفاء
واسكان الراء وهي الكذب يقال فرى الشئ يفريه فريا وافتراه يفتريه افتراء إذا اختلقه وجمع
الفرية فرى قوله (أنظريني) أي أمهليني قوله (عن مسروق ألم يقل الله تعالى ولقد رآه
بالأفق المبين وقول عائشة
رضي الله عنها (أو لم تسمع أن الله تعالى يقول لا تدركه الابصار أو لم
تسمع أن الله تعالى يقول ما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا ثم قالت عائشة أيضا (والله تعالى
8

يقول يا أيها الرسول بلغ ثم قالت والله يقول قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب
الا الله هذا كله تصريح من عائشة ومسروق رضي الله عنهما بجواز قول المستدل بآية من
القرآن ان الله عز وجل يقول وقد كره ذلك مطرف بن عبد الله بن الشخير التابعي المشهور فروى
ابن أبي داود باسناده عنه أنه قال لا تقولوا ان الله يقول ولكن قولوا ان الله قال وهذا الذي أنكره
مطرف رحمه الله خلاف ما فعلته الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أئمة المسلمين فالصحيح المختار
جواز الامرين كما استعملته عائشة رضي الله عنها ومن في عصرها وبعدها من السلف والخلف
وليس لمن أنكره حجة ومما يدل على جوازه من النصوص قول الله عز وجل والله يقول الحق وهو
يهدي السبيل وفي صحيح مسلم رحمه الله عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم
يقول الله عز وجل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها والله أعلم وأما قولها (أو لم تسمع أن
الله تعالى يقول ما كان لبشر فهكذا هو في معظم الأصول ما كان بحذف الواو والتلاوة
وما كان باثبات الواو ولكن لا يضر هذا في الرواية والاستدلال لأن المستدل ليس
مقصوده التلاوة على وجهها وإنما مقصوده بيان موضع الدلالة ولا يؤثر حذف الواو في ذلك
وقد جاء لهذا نظائر كثيرة في الحديث منها قوله فأنزل الله تعالى قم الصلاة طرفي النهار
وقوله تعالى أقم الصلاة لذكرى هكذا هو في روايات الحديثين في الصحيحين والتلاوة بالواو
فيهما والله أعلم وأما مسروق فقال أبو سعيد السمعاني في الأنساب سمى مسروقا لأنه سرقه
انسان في صغره ثم وجد قوله صلى الله عليه وسلم (رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه
ما بين السماء إلى الأرض) هكذا هو في الأصول ما بين السماء
إلى الأرض وهو صحيح وأما
عظم خلقه فضبط على وجهين أحدهما بضم العين واسكان الظاء والثاني بكسر العين وفتح الظاء
9

كلاهما صحيح قوله (سألت عائشة رضي الله عنها هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه
سبحانه وتعالى فقالت سبحان الله لقد قف شعري لما قلت) أما قولها سبحان الله فمعناه
التعجب من جهل مثل هذا وكأنها تقول كيف يخفى عليك مثل هذا ولفظة سبحان الله لإرادة
التعجب كثيرة في الحديث وكلام العرب كقوله صلى الله عليه وسلم سبحان الله تطهري بها
وسبحان الله المسلم لا ينجس وقول الصحابة سبحان الله يا رسول الله وممن ذكر من النحويين
أنها من ألفاظ التعجب أبو بكر بن السراج وغيره وكذلك يقولون في التعجب لا إله إلا الله
والله أعلم وأما قولها رضي الله عنها قف شعري فمعناه قام شعري من الفزع لكوني سمعت
مالا ينبغي أن يقال قال ابن الاعرابي تقول العرب عند انكار الشئ قف شعري واقشعر جلدي
واشمأزت نفسي قال النضر بن شميل القفة كهيئة القشعريرة وأصله التقبض والاجتماع لان الجلد
ينقبض عند الفزع والاستهوال فيقوم الشعر لذلك وبذلك سميت القفة التي هي الزنبيل لاجتماعها
ولما يجتمع فيها والله أعلم قول مسلم رحمه الله (حدثنا ابن نمير حدثنا أبو أسامة حدثنا
زكريا عن ابن أشوع عن عامر عن مسروق) هؤلاء كلهم كوفيون وابن نمير اسمه محمد بن
عبد الله بن نمير وأبو أسامة اسمه حماد بن أسامة وزكريا هو ابن أبي زائدة واسم أبى زائدة
10

خالد بن ميمون وقيل هبيرة وابن أشوع هو سعيد بن عمرو بن أشوع بفتح الهمزة واسكان
الشين المعجمة وفتح الواو وبالعين المهملة قوله (قلت لعائشة رضي الله عنها فأين قوله تعالى
ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى فقالت إنما ذاك جبريل
عليه السلام) قال الإمام أبو الحسن الواحدي معنى التدلي الامتداد إلى جهة السفل هكذا هو
الأصل ثم استعمل في القرب من العلو هذا قول الفراء وقال صاحب النظم هذا على التقديم
والتأخير لان المعنى ثم تدلى فدنا لان التدلي سبب الدنو قال ابن الاعرابي تدلى إذا قرب بعد
علو قال الكلبي المعنى دنا جبريل من محمد صلى الله عليه وسلم فقرب منه وقال الحسن وقتادة
ثم دنا جبريل بعد استوائه في الأفق الاعلى من الأرض فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وأما قوله تعالى فكان قاب قوسين أو أدنى فالقاب ما بين القبضة والسية ولكل قوس التي قابان وألقاب
في اللغة أيضا القدر وهذا هو المراد بالآية عند جميع المفسرين والمراد القوس التي يرمي عنها
وهي القوس العربية وخصت بالذكر على عادتهم وذهب جماعة إلى المراد بالقوس الذراع
هذا قول عبد الله بن مسعود وشقيق بن سلمة وسعيد بن جبير وأبي إسحاق السبيعي وعلى هذا
معنى القوس ما يقاس به الشئ أي يذرع قالت عائشة رضي الله عنها وابن عباس والحسن
وقتادة وغيرهم هذه المسافة كانت بين جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم وقول الله تعالى أو أدنى
معناه أو أقرب قال مقاتل بل أقرب وقال الزجاج خاطب الله تعالى العباد على لغتهم ومقدار
فهمهم والمعنى أو أدنى فيما تقدرون أنتم والله تعالى عالم بحقائق الأشياء من غير شك ولكنه خاطبنا على ما جرت به عادتنا ومعنى الآية أن جبريل عليه السلام مع عظم خلقه وكثرة أجزائه
دنا من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدنو والله أعلم
11

قوله (عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك فقال نور
أنى أراه) وفي الراوية الأخرى (رأيت نورا) أما قوله صلى الله عليه وسلم نور أنى أراه فهو بتنوين
نور وبفتح الهمزة في أنى وتشديد النون وفتحها وأراه بفتح الهمزة هكذا رواه جميع الرواة في جميع
الأصول والروايات ومعناه حجابه نور فيكف أراه قال الإمام أبو عبد الله المازري رحمه الله الضمير
في أراه عائد على الله سبحانه وتعالى ومعناه أن النور منعني من الرؤية كما جرت العادة باغشاء
الأنوار الأبصار ومنعها من ادراك ما حالت بين الرائي وبينه وقوله صلى الله عليه وسلم
(رأيت نورا) معناه رأيت النور فحسب ولم أر غيره قال وروى نوراني أراه بفتح الراء وكسر
النون وتشديد الياء ويحتمل أن يكون معناه راجعا إلى ما قلناه أي خالق النور المانع من رؤيته
فيكون من صفات الافعال قال القاضي عياض رحمه الله هذه الرواية لم تقع الينا ولا رأيتها
في شئ من الأصول ومن المستحيل أن تكون ذات الله تعالى نورا إذ النور من جملة الأجسام
والله سبحانه وتعالى يجل عن ذلك هذا مذهب جميع أئمة المسلمين ومعنى قوله تعالى الله نور
السماوات والأرض وما جاء في الأحاديث من تسميته سبحانه وتعالى بالنور معناه ذو نورهما
وخالقه وقيل هادي أهل السماوات والأرض وقيل منور قلوب عباده المؤمنين وقيل معناه
12

ذو البهجة والضياء والجمال والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ان الله لا ينام ولا ينبغي له أن
ينام يخفض القسط ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه
النور وفي رواية النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقة) أما قوله
صلى الله عليه وسلم لا ينام ولا ينبغي له أن ينام فمعناه أنه سبحانه وتعالى لا ينام وأنه يستحيل في
حقه النوم فان النوم انغمار وغلبة على العقل يسقط به الاحساس والله تعالى منزه عن ذلك
وهو مستحيل في حقه جل وعلى وأما قوله صلى الله عليه وسلم يخفض القسط ويرفعه
فقال القاضي عياض قال الهروي قال ابن قتيبة القسط الميزان وسمى قسطا لان القسط العدل
وبالميزان يقع العدل قال والمراد أن الله تعالى يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال
العباد المرتفعة ويوزن من أرزاقهم النازلة وهذا تمثيل لما يقدر تنزيله فشبه يوزن الميزان
وقيل المراد بالقسط الرزق الذي هو قسط كل مخلوق يخفضه فيقتره ويرفعه فيوسعه والله أعلم
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل)
وفي الرواية الثانية (عمل النهار بالليل وعمل الليل بالنهار) فمعنى الأول والله أعلم يرفع
إليه عمل الليل قبل عمل النهار الذي بعده وعمل النهار قبل عمل الليل الذي بعده ومعنى الرواية الثانية
يرفع إليه عمل النهار في أول الليل الذي بعده ويرفع إليه عمل الليل في أول النهار الذي بعده
فان الملائكة الحفظة يصعدون باعمال الليل بعد انقضائه في أول النهار ويصعدون بأعمال
النهار بعد انقضائه في أول الليل والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم (حجابه
النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) فالسبحات بضم
السين والباء
ورفع التاء في آخره وفي جمع سبحة قال صاحب العين والهروي وجميع الشارحين للحديث
13

من اللغويين والمحدثين معنى سبحات وجهه نوره وجلاله وبهاؤه وأما الحجاب فأصله في اللغة
المنع والستر وحقيقة الحجاب إنما تكون للأجسام المحدودة والله تعالى منزه عن الجسم والحد
والمراد هنا المانع من رؤيته وسمى ذلك المانع نورا أو نارا لأنهما يمنعان من الادراك في العادة
لشعاعهما والمراد بالوجه الذات والمراد بما انتهى إليه بصره من خلقه جميع المخلوقات لان بصره
سبحانه وتعالى نحيط بجميع الكائنات ولفظة من لبيان الجنس لا للتبعيض والتقدير لو أزال
المانع من رؤيته وهو الحجاب المسمى نورا أو نارا وتجلى لخلقه لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته
والله أعلم قوله (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية حدثنا
الأعمش عن عمرة بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى ثم قال وفي رواية أبى بكر عن
الأعمش ولم يقل حدثنا) هذا الاسناد كله كوفيون وأبو موسى الأشعري بصرى كوفي واسم
أبى بكر بن أبي شيبة عبد الله بن محمد بن إبراهيم وهو أبو شيبة واسم أبى كريب محمد بن العلاء
وأبو معاوية محمد بن خارم بالخاء المعجمة والأعمش سليمان بن مهران وأبو موسى عبد الله
ابن قيس وكل هؤلاء تقدم بيانهم ولكن طال العهد بهم فأردت تجديده لمن لا يحفظهم وأما
أبو عبيدة فهو ابن عبد الله بن مسعود واسمه عبد الرحمن وفي هذا الاسناد لطيفتان من لطائف
علم الاسناد إحداهما أنهم كلهم كوفيون كما ذكرته والثانية أن فيه ثلاثة تابعيون يروى بعضهم
عن بعض الأعمش وعمرو وأبو عبيدة وأما قوله وفي رواية أبى بكر عن الأعمش ولم يقل
حدثنا فهو من احتياط مسلم رحمه الله وورعه واتقانه وهو أنه رواه عن أبي كريب وأبى
14

بكر فقال أبو كريب في روايته حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش وقال أبو بكر حدثنا أبو
معاوية عن الأعمش فلما اختلفت عبارتهما في كيفية راية شيخهما أبى معاوية بينها مسلم رحمه
الله فحصل فيه فائدتان إحداهما أن حدثنا للاتصال باجماع العلماء وفي عن خلاف كما قدمناه في
الفصول وغيرها والصحيح الذي عليه الجماهير من طوائف العلماء أنها أيضا للاتصال الا أن
يكون قائلها مدلسا فبين مسلم ذلك والثانية أنه لو اقتصر على احدى العبارتين كان فيه خلل فإنه
إن اقتصر على عن كان مفوتا لقوة حدثنا وراويا بالمعنى وان اقتصر على حدثنا كان زائدا
في رواية أحدهما راويا بالمعنى وكل هذا مما يجتنب والله أعلم بالصواب
اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه وتعالى
اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا وأجمعوا
أيضا على وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين وزعمت طائفة من
أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه وأن رؤيته
مستحيلة عقلا وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح وقد تظاهرت أدله الكتاب والسنة
واجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الأمة على اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين ورواها
نحو عشرين صحابيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآيات القرآن فيها مشهورة واعتراضات
المبتدعة عليها لها أجوبة مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة وكذلك باقي شبههم وهي
مستقصاة في كتب الكلام وليس بنا ضرورة إلى ذكرها هنا وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فقد
قدمنا أنها ممكنه ولكن الجمهور من السلف والخلف من المتكلمين وغيرهم أنها لا تقع في الدنيا
وحكم الإمام أبو القاسم القشيري في رسالته المعروفة عن الامام أبى بكر بن فورك انه حكى فيها
قولين للامام أبى الحسن الأشعري أحدهما وقوعها والثاني لا تقع ثم مذهب أهل الحق ان الرؤية
15

قوة يجعلها الله تعالى في خلقه ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ولا مقابلة المرئى ولا غير ذلك
لكن جرت العادة في رؤية بعضنا بوجود ذلك على جهة الاتفاق لا على سبيل الاشتراط
وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بدلائله الجلية ولا يلزم من رؤية الله تعالى اثبات جهة تعالى عن
ذلك بل براه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة والله أعلم قوله في الاسناد (الجهضمي
وأبو غسان المسمعي) أما الجهضمي فبفتح الجيم والضاد المعجمة واسكان الهاء بينهما وقد تقدم
بيانه في أول شرح المقدمة وكذلك تقدم بيان أبى غسان وانه يجوز صرفه وترك صرفه وأن
اسمه مالك بن عبد الواحد وأن المسمعي بكسر الميم الأولى وفتح الثانية منسوب إلى مسمع
ابن ربيعة جد القبيلة وهذا كله وإن كان ظاهرا وقد تقدم الا أنى أعيده لطول العهد بموضعه
والله أعلم قوله (عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس) هو أبو بكر بن أبي موسى الأشعري
واسم أبى بكر عمرو وقيل عامر قوله صلى الله عليه وسلم (وما بين القوم وبين أن
ينظروا إلى ربهم الا رداء الكبر في جنة عدن) قال العلماء كان النبي صلى الله عليه وسلم
يخاطب العرب بما يفهمونه ويقرب الكلام إلى أفهامهم ويستعمل الاستعارة
وغيرها من أنواع المجاز ليقرب متناولها فعبر صلى الله عليه وسلم عن زوال المانع ورفعه
عن الابصار بإزالة الرداء قوله صلى الله عليه وسلم (في جنة عدن) أي الناظرون في
جنة عدن فهي ظرف للناظر قوله (حدثنا عبد الله بن عمر بن ميسرة حدثني عبد الرحمن
ابن مهدي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن
16

النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أهل الجنة الجنة الحديث) هذا الحديث هكذا رواه
الترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن أبي ليلى
عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عيسى الترمذي وأبو مسعود الدمشقي وغيرهما
لم يروه هكذا مرفوعا عن ثابت غير حماد بن سلمة ورواه سليمان بن المغيرة وحماد بن زيد وحماد
ابن واقد عن ثابت عن ابن أبي ليلى من قوله ليس فيذكر النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذكر صهيب وهذا الذي قاله هؤلاء ليس بقادح في صحة الحديث فقدمنا في الفصول أن
المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين
وصححه الخطيب البغدادي أن الحديث إذا رواه بعض الثقات متصلا وبعضهم مرسلا أو بعضهم مرفوعا
وبعضهم موقوفا حكم بالمتصل وبالمرفوع لأنهما زيادة ثقة وهي مقبولة عند الجماهير من كل الطوائف
والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (هل تضارون في القمر ليلة البدر) وفى الرواية
17

الأخرى هل تضامون وروى تضارون بتشديد الراء وبتخفيفها والتاء مضمونه فيهما
ومعنى المشدد هل تضارون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائه
كما تفعلون أول ليلة من الشهر ومعنى المخفف هل يلحقكم في رؤيته ضير وهو الضرر وروى
أيضا تضامون بتشديد الميم وتخفيفها فمن شددها فتح التاء ومن خففها ضم التاء ومعنى المشدد
هل تتضامون وتتلطفون في التوصل إلى رؤيته ومعنى المخفف هل يلحقكم ضيم وهو المشقة
والتعب قال القاضي عياض رحمه الله وقال فيه بعض أهل اللغة تضارون أو تضامون بفتح
التاء وتشديد الراء والميم وأشار القاضي بهذا إلى أن غير هذا القائل يقولها بضم التاء سواء
شدد أو خفف وكل هذا صحيح ظاهر المعنى وفي رواية للبخاري لا تضامون أو لا تضارون
على الشك ومعناه لا يشتبه عليكم وترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضا في رؤيته والله أعلم
قوله صلى الله عليه وسلم (فإنكم ترونه كذلك) معناه تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال
الشك والمشقة والاختلاف قوله (الطواغيت) هو جمع طاغوت قال الليث وأبو عبيدة
والكسائي وجماهير أهل اللغة الطاغوت كل ما عبد من دون الله تعالى وقال ابن عباس ومقاتل
والكلبي وغير هم الطاغوت الشيطان وقيل هو الأصنام قال الواحدي الطاغوت يكون واحدا
وجمعا ويؤنث ويذكر قال الله تعالى يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن
يكفروا به فهذا في الواحد وقال تعالى في الجمع الذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم وقال
في المؤنث والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها قال الواحدي ومثله من الأسماء الفلك يكون
واحدا وجمعا ومذكر أو مؤنثا قال النحويون وزنه فعلوت والتاء زائدة وهو مشتق من طغى وتقديره
طغووت ثم قلبت الواو ألفا والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها)
قال العلماء إنما بقوا في زمرة المؤمنين لأنهم كانوا في الدنيا مستترين بهم فيتسترون بهم أيضا في
18

الآخرة وسلكوا مسلكهم ودخلوا في جملتهم وتبعوهم ومشوا في نورهم حتى ضرب بينهم بسور له
باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وذهب عنهم نور المؤمنين قال بعض العلماء هؤلاء هم
المطرودون عن الحوض الذين يقال لهم سحقا سحقا والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا
مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم
فيقولون أنت ربنا فيتبعونه) اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين
أحدهما وهو مذهب معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناها بل يقولون يجب علينا أن
نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس
كمثله شئ وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفا ت المخلوق وهذا
القول هو مذهب جماعة من المتكلمين واختاره جماعة من محققيهم وهو أسلم والقول الثاني وهو
مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على ما يليق بها على حسب مواقعها وإنما يسوغ تأويلها لمن
كان من أهله بأن يكون عارفا بلسان العرب وقواعد الأصول والفروع ذا رياضة في العلم فعلى
هذا المذهب يقال في قوله صلى الله عليه وسلم فيأتيهم الله أن الاتيان عبارة عن رؤيتهم إياه
لأن العادة أن من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته الا بالاتيان فعبر بالاتيان والمجئ هنا عن الرؤية
مجازا وقيل الاتيان فعل من أفعال الله تعالى سماه اتيانا وقيل المراد بيأتيهم الله أي يأتيهم بعض
ملائكة الله قال القاضي عياض رحمه الله هذا الوجه أشبه عندي بالحديث قال ويكون هذا الملك
الذي جاءهم في الصورة التي أنكروها من سمات الحدث الظاهرة على الملك والمخلوق قال أو يكون
معناه يأتيهم الله في صورة أي يأتيهم بصورة ويظهر لهم من صور الملائكة ومخلوقاته التي لا تشبه
19

صفات الاله ليختبرهم وهذا آخر امتحان المؤمنين فإذا قال لهم هذا الملك أو هذه الصورة أنا
ربكم رأوا عليه من علامات المخلوق ما ينكرونه ويعلمون أنه ليس ربهم ويستعيذون بالله
منه وأما قوله صلى الله عليه وسلم (فيأتيهم الله في صورة التي يعرفون) فالمراد بالصورة
هنا الصفة ومعناه فيتجلى الله سبحانه وتعالى لهم على الصفة التي يعلمونها ويعرفونه بها وإنما
عرفوه بصفته وان لم تكن تقدمت لهم رؤية له سبحانه وتعالى لأنهم يرونه لا يشبه شيئا من
مخلوقاته وقد علموا أنه لا يشبه شيئا من مخلوقاته فيعلمون أنه ربهم فيقولون أنت ربنا وإنما عبر
بالصورة عن الصفة لمشابهتها إياها ولمجانسة الكلام فإنه تقدم ذكر الصورة وأما قولهم (نعوذ
بالله منك) فقال الخطابي يحتمل أن تكون هذه الاستعاذة من المنافقين خاصة وأنكر القاضي عياض
هذا وقال لا يصح أن تكون من قول المنافقين ولا يستقيم الكلام به وهذا الذي قاله القاضي هو
الصواب ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه وإنما استعاذوا منه لما قدمناه من كونهم رأوا
سمات المخلوق وأما قوله صلى الله عليه وسلم (فيتبعونه) فمعناه يتبعون أمره إياهم بذهابهم
إلى الجنة أو يتبعون ملائكته الذين يذهبون بهم إلى الجنة والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(ويضرب الصراط بين ظهري جهنم) هو بفتح الظاء وسكون الهاء ومعناه يمد الصراط عليها
وفي هذا اثبات الصراط ومذهب أهل الحق اثباته وقد أجمع السلف على اثبات وهو جسر على
متن جهنم يمر عليه الناس كلهم فالمؤمنون ينجون على حسب حالهم أي منازلهم والآخرون
يسقطون فيها أعاذنا الله الكريم منها وأصحابنا المتكلمون وغيرهم من السلف يقولون إن الصراط
أدق من الشعرة وأحد من السيف كما ذكره أبو سعيد الخدري رضي الله عنه هنا في روايته
الأخرى المذكورة في الكتاب والله تعالى أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (فأكون أنا وأمتي أول
من يجيز) هو بضم الياء وكسر الجيم والزاي آخره ومعناه يكون أول من يمضى عليه ويقطعه
يقال أجزت الوادي وجزته لغتان بمعنى واحد وقال الأصمعي أجزته قطعته وجزته مشيت فيه
والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ولا يتكلم يومئذ الا رسل) معناه لشدة الأهوال
20

والمراد لا يتكلم في حال الإجازة والا ففي يوم القيامة مواطن يتكلم الناس فيها وتجادل كل نفس
عن نفسها ويسأل بعضهم بعضا ويتلاومون ويخاصم التابعون المتبوعين والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم) هذا من كمال شفقتهم ورحمتهم للخلق
وفيه أن الدعوات تكون بحسب المواطن فيدعى في كل موطن بما يليق به والله أعلم قوله
صلى الله عليه وسلم (وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان) أما الكلاليب فجمع كلوب
بفتح الكاف وضم اللام المشددة وهو حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور
قال صاحب المطالع هي خشبة في رأسها عقافة حديد وقد تكون حديدا كلها ويقال لها أيضا
كلاب وأما السعدان فبفتح السين واسكان العين المهملة وهو نبت له شوكة عظيمة مثل الحسك
من كل الجوانب قوله صلى الله عليه وسلم (تخطف الناس بأعمالهم) هو بفتح الطاء ويجوز كسرها
يقال خطف وخطف بكسر الطاء وفتحها والكسر أفصح ويجوز أن يكون معناه تخطفهم بسبب
أعمالهم ويجوز أن يكون معناه تخطفهم بسبب أعمالهم ويجوز أن يكون معناه تخطفهم على قدر
أعمالهم والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (فمنهم المؤمن بقي بعمله ومنهم المجازي حتى ينجى)
أما الأول فذكر القاضي عياض رحمه الله أنه روى على ثلاثة أوجه أحدها المؤمن يقي بعمله بالميم
والنون وبقي بالياء والقاف والثاني الموثق بالمثلثة والقاف والثالث الموبق يعنى بعمله فالموبق بالباء
الموحدة والقاف ويعنى بفتح الياء المثناة وبعدها العين ثم النون قال القاضي هذا أصحها وكذا قال
صاحب المطالع هذا الثالث هو الصواب قال وفي يقي على الوجه الأول ضبطان أحدهما بالباء الموحدة
والثاني بالياء المثناة من تحت من الوقاية قلت والموجود في معظم الأصول ببلادنا هو الوجه الأول
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (ومنهم المجازي) فضبطناه بالجيم والزاي من المجازاة وهكذا هو
21

في أصول بلادنا في هذا الموضع وذكر القاضي عياض رحمه الله في ضبطه خلافا فقال رواه
العذري وغيره المجازي كما ذكرناه ورواه بعضهم المخردل بالخاء المعجمة والدال واللام ورواه
بعضهم في البخاري المجردل بالجيم فأما الذي بالخاء فمعناه المقطع أي بالكلاليب يقال خردلت
اللحم أي قطعته وقيل خردلت بمعنى صرعت ويقال بالذال المعجمة أيضا والجردلة بالجيم
الاشراف على الهلاك والسقوط قوله صلى الله عليه وسلم (تأكل النار من ابن آدم الا أثر
السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ظاهر هذا أن النار لا تأكل جميع أعضاء
السجود السبعة التي يسجد الانسان عليها وهي الجبهة واليدان والركبتان والقدمان وهكذا قاله
بعض العلماء وأنكره القاضي عياض رحمه الله وقال المراد بأثر السجود الجبهة خاصة والمختار
الأول فان قيل قد ذكر مسلم بعد هذا مرفوعا أن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها
الا دارات الوجوه فالجواب أن هؤلاء القوم مخصوصون من جملة الخارجين من النار بأنه
لا يسلم منهم من النار الا دارات الوجوه وأما غيرهم فيسلم جميع أعضاء السجود منهم عملا
بعموم هذا الحديث فهذا الحديث عام وذلك خاص فيعمل بالعام الا ما خص والله أعلم
قوله صلى الله عليه وسلم (فيخرجون من النار قد امتحشوا) هو بالحاء المهملة والشين
المعجمة وهو بفتح التاء والحاء هكذا هو في الروايات وكذا نقله القاضي عياض رحمه الله
عن متقنى شيوخهم قال وهو وجه الكلام وبه ضبطه الخطابي والهروي وقالوا في معناه
احترقوا قال القاضي ورواه بعض شيوخنا بضم التاء وكسر الحاء والله أعلم قوله صلى
22

الله عليه وسلم (فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل) هكذا هو في الأصول
فينبتون منه بالميم والنون وهو صحيح ومعناه ينبتون بسببه وأما الحبة فبكسر الحاء وهي بزر
البقول والعشب تنبت في البراري وجوانب السيول وجمعها حبب بكسر الحاء المهملة وفتح
الباء وأما حميل السيل فبفتح الحاء وكسر الميم وهو ما جاء به السيل من طين أو غثاء ومعناه
محمول السيل والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته قوله (قشبني ريحها وأحرقني
ذكاؤها) أما قشبني فبقاف مفتوحة ثم شين معجمة مخففة مفتوحة ومعناه سمني وآذاني
وأهلكني كذا قاله الجماهير من أهل اللغة والغريب وقال الداودي معناه غير جلدي وصورتي
وأما ذكاؤها فكذا وقع في جميع روايات الحديث ذكاؤها بالمد هو بفتح الذال
المعجمة
ومعناه لهبها واشتعالها وشدة وهجها والأشهر في اللغة ذكاها مقصور وذكر جماعات أن المد
والقصر لغتان يقال ذكت النار تذكو ذكا إذا اشتعلت وأذكيتها أنا والله أعلم قوله
عز وجل (هل عسبت) هو بفتح التاء على الخطاب ويقال بفتح السين وكسرها لغتان
23

وقرئ بهما في السبع قرأ نافع بالكسر والباقون بالفتح وهو الأفصح الأشهر في اللغة قال
ابن السكيت ولا ينطق في عسيت بمستقبل قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا قام على باب الجنة
انفهقت له الجنة فرأى ما فيها من الخير) أما الخير فبالخاء المعجمة والياء المثناة تحت هذا هو
الصحيح المعروف في الروايات والأصول وحكى القاضي عياض رحمه الله أن بعض الرواة في
مسلم رواه الحبر بفتح الحاء المهملة واسكان الباء الموحدة ومعناه السرور قال صاحب المطالع كلاهما
صحيح قال والثاني أظهر ورواه البخاري الحبرة والسرور والحبرة المسرة وأما انفهقت فبفتح الفاء
والهاء والقاف ومعناه انفتحت واتسعت قوله فلا يزال يدعو الله تعالى حتى يضحك الله تعالى منه
قال العلماء ضحك الله تعالى منه هو رضاه بفعل عبده ومحبته إياه واظهار نعمته عليه وايجابها عليه
والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (فيسأل ربه ويتمنى حتى أن الله تعالى ليذكره من كذا
وكذا) معناه يقول له تمن من الشئ الفلاني ومن الشئ الآخر يسمى له أجناس ما يتمنى وهذا
من عظيم رحمته سبحانه وتعالى قوله في رواية أبي هريرة (لك ذلك ومثله معه) وفي رواية
أبي سعيد وعشرة أمثاله قال العلماء وجه الجمع بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم أولا
بما في حديث أبي هريرة ثم تكرم الله تعالى فزاد ما في رواية أبي سعيد فأخبر به النبي صلى
24

الله عليه وسلم ولم يسمعه أبو هريرة قوله صلى الله عليه وسلم (ما تضارون في رؤية الله تبارك
وتعالى يوم القيامة الا كما تضارون في رؤية أحدهما) معناه لا تضارون أصلا كما لا تضارون
في رؤيتهما أصلا قوله صلى الله عليه وسلم (حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد الله تعالى من بر
وفاجر وغير غبر الكتاب) أما البر فهو المطيع وأما غبر فبضم الغين المعجمة وفتح الباء
الموحدة المشددة ومعناه بقاياهم جمع غابر قوله صلى الله عليه وسلم (فيحشرون إلى النار كأنها
سراب يحطم بعضها بعضا) أما السراب فهو الذي يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع
المستوى وسط النهار في الحر الشديد لامعا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده
شيئا فالكفار يأتون جهنم أعاذنا الله الكريم وسائر المسلمين منها ومن كل مكروه وهم عطاش
فيحسبونها ماء فيتساقطون فيها وأما يحطم بعضها بعضا فمعناه لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها
والحطم الكسر والاهلاك والحطمة اسم من أسماء النار لكونها تحطم ما بقي فيها قوله صلى
26

الله عليه وسلم (أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها) معنى رأوه فيها علموها له
وهي صفته المعلومة للمؤمنين وهي أنه لا يشبه شئ وقد تقدم الاتيان والصورة والله أعلم
قوله (قالوا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم) معنى قولهم التضرع
إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة عنهم وأنهم لزموا طاعته سبحانه وتعالى وفارقوا في الدنيا
الناس الذين زاغوا عن طاعته سبحانه من قراباتهم وغيرهم ممن كانوا يحتاجون في معايشهم
ومصالح دنياهم إلى معاشرتهم للارتفاق بهم وهذا كما جرى للصحابة المهاجرين وغيرهم ومن
أشبههم من المؤمنين في جميع الأزمان فإنهم يقاطعون من حاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
مع حاجتهم في معايشهم إلى الارتفاق بهم والاعتضاد بمخالطتهم فآثروا رضى الله تعالى على
ذلك وهذا معنى ظاهر في هذا الحديث لا شك في حسنه وقد أنكر القاضي عياض رحمه الله
هذا الكلام الواقع في صحيح مسلم وادعى أنه مغير وليس كما قال بل الصواب ما ذكرناه
قوله صلى الله عليه وسلم (حتى أن بعضهم ليكاد أن ينقلب) هكذا هو في الأصول ليكاد
أن ينقلب باثبات أن واثباتها
مع كاد لغة كما أن حذفها مع عسى لغة وينقلب بياء مثناة من
تحت ثم نون ثم قاف ثم لام ثم باء موحدة ومعناه والله أعلم ينقلب عن الصواب ويرجع
عنه للامتحان الشديد الذي جرى والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (فيكشف عن ساق)
ضبط يكشف بفتح الياء وضمها وهما صحيحان وفسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة وغريب
الحديث الساق هنا بالشدة أي يكشف عن شدة وأمر مهول وهذا مثل تضربه العرب لشدة
27

الأمر ولهذا يقولون قامت الحرب على ساق وأصله أن الانسان إذا وقع في أمر شديد شمر
ساعده وكشف عن ساقه للاهتمام به قال القاضي عياض رحمه الله وقيل المراد با لساق هنا نور
عظيم وورد ذلك في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن فورك ومعنى ذلك ما يتجدد
للمؤمنين عند رؤية الله تعالى من الفوائد والالطاف قال القاضي عياض وقيل قد يكون
الساق علامة بينه وبين المؤمنين من ظهور جماعة من الملائكة على خلقة عظيمة لأنه يقال
ساق من الناس كما يقال رجل من جراد وقيل قد يكون ساق مخلوقا جعله الله تعالى علامة
للمؤمنين خارجة عن السوق المعتادة وقيل معناه كشف الخوف وإزالة الرعب عنهم وما
كان غلب على قلوبهم من الأهوال فتطمئن حينئذ نفوسهم عند ذلك ويتجلي لهم فيخرون
سجدا قال الخطابي رحمه الله وهذه الرؤية التي في هذا المقام يوم القيامة غير الرؤية التي في
الجنة لكرامة أولياء الله تعالى وإنما هذه للامتحان والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
ولا يبقى من كان يسجد لله تعالى من تلقاء نفسه الا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان
يسجد اتقاء ورياء الا جعل الله ظهره طبقة واحدة هذا السجود امتحان من الله تعالى لعباده
وقد استدل بعض العلماء بهذا مع قوله تعالى ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون على جواز
تكليف ما لا يطاق وهذا استدلال باطل فان الآخرة ليست دار تكليف بالسجود وإنما المراد
امتحانهم وأما قوله صلى الله عليه وسلم طبقة فبفتح الطاء والباء قال الهروي وغيره الطبق فقار
الظهر أي صار فقارة واحدة كالصحيفة فلا يقدر على السجود والله أعلم ثم اعلم أن هذا
الحديث قد يتوهم منه أن المنافقين يرون الله تعالى مع المؤمنين وقد ذهب إلى ذلك طائفة حكاه
ابن فورك لقوله صلى الله عليه وسلم وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تعالى وهذا
الذي قالوه باطل بل لا يراه المنافقون باجماع من يعتد به من علماء المسلمين وليس في هذا
الحديث تصريح برؤيتهم الله تعالى وإنما فيه أن الجمع الذي فيه المؤمنون والمنافقون يرون
28

الصورة ثم بعد ذلك يرون الله تعالى وهذا لا يقتضى أن يراه جميعهم وقد قامت دلائل الكتاب
والسنة على أن المنافق لا يراه سبحانه وتعالى والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (يرفعون
رؤسهم وقد تحول في صورته) هكذا ضبطناه صورته بالهاء في آخرها ووقع في أكثر
الأصول أو كثير منها في صورة بغير هاء وكذا هو في الجمع بين الصحيحين للحميدي و
الأول
أظهر وهو الموجود في الجمع بين الصحيحين للحافظ عبد الحق ومعناه وقد أزال المانع لهم
من رؤيته وتجلى لهم قوله صلى اله عليه وسلم (ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة)
الجسر بفتح الجيم وكسرها لغتان مشهورتان وهو الصراط ومعنى تحل الشفاعة بكسر الحاء
وقيل بضمها أي تقع ويؤذن فيها قوله (قيل يا رسول الله وما الجسر قال دحض مزلة) هو
بتنوين دحض وداله مفتوحة والحاء ساكنة ومزلة بفتح الميم وفي الزاي لغتان مشهورتان الفتح
والكسر والدحض والمزلة بمعنى واد وهو الموضع الذي تزل فيه الاقدام ولا تستقر ومنه
دحضت الشمس أي مالت وحجة داحضة لاثبات لها قوله صلى الله عليه وسلم (فيه
خطاطيف وكلاليب وحسك) أما الخطاطيف فجمع خطاف بضم الخاء في المفرد والكلاليب
بمعناه وقد تقدم بيانهما واما الحسك فبفتح الحاء والسين المهملتين وهو شوك صلب من حديد
قوله صلى الله عليه وسلم (فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم) معناه أنهم
ثلاثة أقسام قسم بسلم فلا يناله شئ أصلا وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص وقسم يكردس
ويلقى فيسقط في جهنم وأما مكدوس فهو بالسين المهملة هكذا هو في الأصول وكذا نقله
29

القاضي عياض رحمه الله عن أكثر الرواة قال ورواه العذري بالشين المعجمة ومعناه بالمعجمة
السوق وبالمهملة كون الأشياء بعضها على بعض ومنه تكدست الدواب في سيرها إذا ركب
بعضها بعضا قوله صلى الله عليه وسلم (فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة
في استقصاء الحق من المؤمنين لله تعالى يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار) اعلم أن هذه
اللفظة ضبطت على أوجه أحدها استيضاء بتاء مثناة من فوق ثم ياء مثناة من تحت ثم ضاد
معجمة والثاني استضاء بحذف المثناة من تحت والثالث استيفاء باثبات المثناة من تحت وبالفاء
بدل الضاد والرابع استقصاء بمثناة من فوق ثم قاف ثم صاد مهملة فالأول موجود في كثير
من الأصول ببلادنا والثاني هو الموجود في أكثرها وهو الموجود في الجمع بين الصحيحين
للحميدي والثالث في بعضها وهو الموجود في الجمع بين الصحيحين لعبد الحق الحافظ والرابع
في بعضها ولم يذكر القاضي عياض غيره وادعى اتفاق الرواة وجميع النسخ عليه وادعى أنه
تصحيف ووهم وفيه تغيير وأن صوابه ما وقع في كتاب البخاري من رواية ابن بكير بأشد
مناشدة في استقصاء الحق يعنى في الدنيا من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم وبه يتم
الكلام ويتوجه هذا آخر كلام القاضي رحمه الله وليس الام على ما قاله بل جميع الروايات
التي ذكرناها صحيحة لكل منها معنى حسن وقد جاء في رواية يحي بن بكير عن الليث فما أنتم
بأشد مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار تعالى وتقدس إذا رأوا أنهم
قد نجوا في اخوانهم وهذه الرواية التي ذكرها الليث توضح المعنى فمعنى الرواية الأولى والثانية
انكم إذا عرض لكم في الدنيا أمر مهم والتبس الحال فيه وسألتم الله تعالى بيانه وناشد تموه
30

في استيضائه وبالغتم فيها لا تكون مناشدة أحدكم مناشدة بأشد من مناشدة المؤمنين لله تعالى
في الشفاعة لإخوانهم وأما الرواية الثالثة والرابعة فمعنا هما أيضا ما منكم من أحد يناشد الله تعالى
في الدنيا في استيفاء حقه أو استقصائه وتحصيله من خصمه والمتعدي عليه بأشد من مناشدة
المؤمنين الله تعالى في الشفاعة لإخوانهم يوم القيامة والله أعلم قوله سبحانه وتعالى (من
وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير ونصف مثقال من خير ومثقال ذرة) قال القاضي عياض
رحمه الله قيل معنى الخير هنا اليقين قال والصحيح أن معناه شئ زائد على مجرد الايمان لأن
الايمان الذي هو التصديق لا يتجزأ وإنما يكون هذا التجزؤ لشئ زائد عليه من عمل صالح
أو ذكر خفي أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى ونية
صادقة ويدل عليه قوله في الرواية الأخرى في الكتاب يخرج من النار من قال لا إله إلا الله
وكان في قلبه من الخير ما يزن كذا ومثله الرواية الأخرى يقول الله تعالى شفعت الملائكة
وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق الا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج
منها قوما لم يعملوا خيرا قط وفي الحديث الآخر لأخرجن من قال لا إله إلا الله قال القاضي
رحمه الله فهؤلاء هم الذين معهم مجرد الايمان وهم الذين لم يؤذن في الشفاعة فيهم وإنما دلت
الآثار على أنه أذن لمن عنده شئ زائد على مجرد الايمان وجعل للشافعين من الملائكة والنبيين
صلوات الله وسلامه عليهم دليلا عليه وتفرد الله عز وجل بعلم ما تكنه القلوب والرحمة
لمن ليس عنده الا مجرد الايمان وضرب بمثقال الذرة المثل لأقل الخير فإنها أقل المقادير قال
31

القاضي وقوله تعالى من كان في قلبه ذرة وكذا دليل على أنه لا ينفع من العمل الا ما حضر له
القلب وصحبته نية وفيه دليل على زيادة الايمان ونقصانه وهو مذهب أهل السنة هذا آخر كلام
القاضي رحمه الله والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا) هكذا
هو خيرا باسكان الياء أي صاحب خير قوله سبحانه وتعالى (شفعت الملائكة) هو بفتح
الفاء وإنما ذكرته وإن كان ظاهرا لأني رأيت من يصحفه ولا خلاف فيه يقال شفع يشفع
شفاعة فهو شافع وشفيع والمشفع بكسر الفاء الذي يقبل الشفاعة والمشفع بفتحها الذي تقبل
شفاعته قوله صلى الله عليه وسلم (فيقبض قبضة من النار) معناه يجمع جماعة قوله
صلى الله عليه وسلم (فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما) معنى عادوا
صاروا وليس بلازم في عاد أن يصير إلى حالة كان عليه قبل ذلك بلا معناه صار وأما الحمم
فبضم الحاء وفتح الميم الأولى المخففة وهو الفحم الواحدة حممة والله أعلم قوله صلى الله
عليه وسلم (فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة) أما النهر ففيه لغتان معروفتان فتح الهاء وإسكانها
والفتح أجود وبه جاء القرآن العزيز وأما الأفواه فجمع فوهة بضم الفاء وتشديد الواو
المفتوحة وهو جمع سمع من العرب على غير قياس وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها قال صاحب المطالع
كأن المراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها قوله صلى اله عليه وسلم (ما يكون
32

إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض) أما يكون في
الموضعين الأولين فتامة ليس لها خبر معناها ما يقع وأصيفر وأخضير مرفوعان وأما يكون
أبيض فيكون فيه ناقصة وأبيض منصوب وهو خبرها قوله صلى الله عليه وسلم (فيخرجون
كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم) أما اللؤلؤ فمعروف وفيه أربع قراءات في السبع بهمزتين في أوله
وآخره وبحذفهما وباثبات الهمزة في أوله دون آخره وعكسه وأما الخواتم فجمع خاتم بفتح
التاء وكسرها ويقال أيضا خيتام وخاتام قال صاحب التحرير المراد بالخواتم هنا أشياء من
ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم علامة يعرفون بها قال معناه تشبيه صفائهم وتلألئهم باللؤلؤ
والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله) أي يقولون هؤلاء
عتقاء الله قوله (قرأت على عيسى بن حماد زغبة) هو بضم الزاي واسكان الغين المعجمة
وبعده باء موحدة وهو لقب لحماد والد عيسى ذكره أبو علي الغساني الجياني
33

قوله (وزاد بعد قوله بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه) هذا مما قد يسأل عنه فيقال لم يتقدم في
الرواية الأولى ذكره القدم وإنما تقدم ولا خير قدموه وإذا كان كذلك لم يكن لمسلم أن يقول زاد
بعد قوله ولا قدم إذ لم يجر للقدم ذكر وجوابه أن هذه الرواية التي فيها الزيادة وقع فيها
ولا قدم بدل قوله في الأولى خير ووقع فيها الزيادة فأراد مسلم رحمه الله بيان الزيادة ولم
يمكنه أن يقول زاد بعد قوله ولا خير قدموه إذ لم يجز له ذكر في هذه الرواية فقال زاد
بعد قوله ولا قدم قدموه أي زاد بعد قوله في روايته ولا قدم قدموه واعلم أيها المخاطب
أن هذا لفظه في روايته وأن زيادته بعد هذا والله أعلم والقدم هنا بفتح القاف والدال
ومعناه الخير كما في الرواية الأخرى والله أعلم قوله (وليس في حديث الليث فيقولون
ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين وما بعده فأقربه عيسى بن حماد أما قوله وما
بعده فمطوف على فيقولون ربنا أي ليس فيه فيقولون ربنا ولا ما بعده وأما قوله فأقربه
عيسى فمعناه أقر بقول له أولا أخبركم الليث بن سعد إلى آخره والله أعلم قوله وحدثنا
أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا جعفر بن عون حدثنا هشام بن سعد حدثنا زيد بن أسلم باسنادهما
نحو حديث حفص بن ميسرة) فقوله باسنادهما يعنى باسناد حفص بن ميسرة واسناد سعيد
ابن أبي هلال الروايتين في الطريقين المتقدمين عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي
34

سعيد الخدري رضي الله عنه ومراد مسلم رحمه الله أن زيد بن أسلم رواه عن عطاء عن أبي
سعيد الخدري ورواه عن زيد بهذا الاسناد ثلاثة من أصحابه حفص بن ميسرة وسعيد بن
أبي هلال وهشام بن سعد فأما روايتا حفص وسعيد فتقدمتا مبينتين في الكتاب وأما رواية
هشام فهي من حيث الاسناد باسنادهما ومن حديث المتن نحو حديث حفص والله عز وجل أعلم
(اثبات الشفاعة واخراج الموحدين من النار)
قال القاضي عياض رحمه الله مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلا ووجوبها سمعا بصريح
قوله تعالى يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من أذن له الرحمن ورضى له قولا وقوله ولا يشفعون
الا لمن ارتضى وأمثالهما وبخبر الصادق صلى الله عليه وسلم وقد جاءت الآثار التي بلغت
بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين وأجمع السلف والخلف ومن بعدهم
من أهل السنة عليها ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها وتعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين
في النار واحتجوا بقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وبقوله تعالى ما للظالمين من حميم
ولا شفيع يطاع وهذه الآيات في الكفار وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة
الدرجات فباطل وألفاظ الأحاديث في الكتاب وغيره صريحة في بطلان مذهبهم واخراج
من استوجب النار لكن الشفاعة خمسة أقسام أولها مختصة بنبينا صلى الله عليه
سلم وهي الإراحة من هول الموقف وتعجيل الحساب كما سيأتي بيانها الثانية في ادخال
قوم الجنة بغير حساب وهذه وردت أيضا لنبينا صلى الله عليه وسلم وقد ذكرها
مسلم رحمه الله الثالثة الشفاعة لقوم استوجبوا النار فيشفع فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم
ومن شاء الله تعالى وسننبه على موضعها
قريبا إن شاء الله تعالى الرابعة فيمن دخل النار
35

من المذنبين فقد جاءت هذه الأحاديث باخراجهم من النار بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم
والملائكة وإخوانهم من المؤمنين ثم يخرج الله تعلى كل من قال لا إله إلا الله كما جاء في
الحديث لا يبقى فيها الا الكافرون الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها وهذه لا
ينكرها المعتزلة ولا ينكرون أيضا شفاعة الحشر الأول قال القاضي عياض وقد عرف بالنقل
المستفيض سؤال السلف الصالح رضي الله عنهم شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم ورغبتهم
فيها وعلى هذا لا يلتفت إلى قول من قال إنه يكره أن يسأل الانسان الله تعالى أن يرزقه
شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم لكونها لا تكون الا للمذنبين فإنها قد تكون كما قدمنا
لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات ثم كل عاقل معترف بالتقصير محتاج إلى العفو غير
معتد بعمله مشفق من أن يكون من الهالكين ويلزم هذا القائل أن لا يدعو بالمغفرة
والرحمة لأنها لأصحاب الذنوب وهذا كله خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف هذا
آخر كلام القاضي رحمه الله والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (فيخرجون منها حمما قد
امتحشوا فيلقون في نهر الحياة أو الحيا فينبتون فيه كما تنبت الحبة) أما الحمم فتقدم بيانه
في الباب السابق وهو بضم الحاء وفتح الميم المخففة وهو الفحم وقد تقدم فيه بيان الحبة والنهر
وبيان امتحشوا وأنه بفتح التاء على المختار وقيل بضمها ومعناه احترقوا وقوله الحياة أو
الحيا هكذا وقع هنا وفي البخاري من رواية مالك وقد صرح البخاري في أول صحيحه
بأن هذا الشك من مالك وروايات غيره الحياة بالتاء من غير شك ثم إن الحيا هنا مقصور
36

وهو المطر سمى حيا لأنه تحيا به الأرض ولذلك هذا الماء يحيا به هؤلاء المحترقون وتحدث
فيهم النضارة كما يحدث ذلك المطر في الأرض والله أعلم قوله (كما تنبت الغثاء) هو
بضم الغين المعجمة وبالثاء المثلثة المخففة وبالمد وآخره هاء وهو كل ما جاء به السيل وقيل
المراد ما احتمله السيل من البذور وجاء في غير مسلم كما تنبت الحبة في غثاء السيل بحذف الهاء
من آخره وهو ما احتمله السيل من الزبد والعيدان ونحوهما من الاقذاء والله أعلم قوله (وفي
حديث وهيب كما تنبت الحبة في حمئة أو حميلة السيل) أما الأول فهو حمئة بفتح الحاء
وكسر الميم وبعدها همزة وهي الطين الأسود الذي يكون في أطراف النهر وأما الثاني فهو
حميلة وهي واحدة الحميل المذكور في الروايات الأخر بمعنى المحمول وهو الغثاء الذي يحتمله
السيل والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها
ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا
فحما أذن بالشفاعة فجئ بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة
ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا
عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل) هكذا وقع في معظم النسخ أهل
النار وفي بعضها أما أهل النار بزيادة أما وهذا أوضح والأول صحيح وتكون الفاء في فإنهم
زائدة وهو جائز وقوله (فأماتهم) أي أماتهم إماتة وحذف للعلم به وفي بعض النسخ فأماتتهم
37

بتاءين أي أماتتهم النار وأما معنى الحديث فالظاهر والله أعلم من معنى هذا الحديث أن الكفار
الذين هم أهل النار والمستحقون للخلود لا يموتون فيها ولا يحيون حياة ينتفعون بها ويستريحون
معها كما قال الله تعالى لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها وكما قال تعالى ثم
لا يموت فيها ولا يحي وهذا جار على مذهب أهل الحق أن نعيم أهل الجنة دائم وأن عذاب أهل
الخلود في النار دائم وأما قوله صلى الله عليه وسلم ولكن ناس أصابتهم النار إلى آخره فمعناه
أن المذنبين من المؤمنين يميتهم الله تعالى إماتة بعد أن يعذبوا المدة التي أرادها الله تعالى وهذه
الإماتة إماتة حقيقية يذهب معها الاحساس ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم ثم يميتهم ثم يكونون
محبوسين في النار من غير احساس المدة التي قدرها الله تعالى ثم يخرجون من النار موتى قد صاروا
فحما فيحملون ضبائر كما تحمل الأمتعة ويلقون على أنهار الجنة فيصب عليهم ماء الحياة فيحيون
وينبتون نبات الحبة في حميل السيل في سرعة نباتها وضعفها فتخرج لضعفها صفراء ملتوية ثم تشتد
قوتهم بعد ذلك ويصيرون إلى منازلهم وتكمل أحوالهم فهذا هو الظاهر من لفظ الحديث ومعناه
وحكى القاضي عياض رحمه الله فيه وجهين أحدهما أنها إماتة حقيقية والثاني ليس بموت حقيقي
ولكن تغيب عنهم احساسهم بالآلام قال ويجوز أن تكون آلامهم أخف فهذا كلام القاضي
والمختار ما قدمناه والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم ضبائر ضبائر فكذا هو في الروايات
والأصول ضبائر ضبائر مكرر مرتين وهو منصوب على الحال وهو
بفتح الضاد المعجمة وهو جمع ضبارة بفتح الضاد وكسرها لغتان حكاهما القاضي عياض وصاحب المطالع وغيرهما
أشهرهما الكسر ولم يذكر الهروي وغيره الا الكسر ويقال فيها أيضا إضبارة بكسر الهمزة
قال لأهل اللغة الضبائر جماعات في تفرقة وروى ضبارات ضبارات وأما قوله صلى الله عليه وسلم
(فبثوا) فهو بالباء الموحدة المضمومة بعدها ثاء مثلثة ومعناه فرقوا والله أعلم قوله (عن
أبي مسلمة قال سمعت أبا نضرة عن أبي سعيد الخدري) أما أبو سعيد فاسمعه سعد بن مالك بن
38

سنان وأما أبو نضرة فاسمه المنذر بن مالك بن قطعة بكسر القاف وأما أبو مسلمة فبفتح الميم واسكان
السين واسمه سعيد بن يزيد الأزدي البصري والله أعلم قوله (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن
إبراهيم الحنظلي كليهما) هكذا وقع في معظم الأصول كليهما بالياء ووقع في بعضها كلاهما بالألف
مصلحا وقد قدمت في الفصول التي في أول الكتاب بيان جوازه بالياء قوله (عن عبيدة) هو
بفتح العين وهو عبيدة السلماني قوله صلى الله عليه وسلم (رجل يخرج من النار حبوا) وفي الرواية
الأخرى زحفا قال أهل اللغة الحبو المشي على اليدين والرجلين وربما قالوا على اليدين
والركبتين وربما قالوا على يديه ومقعدته وأما الزحف فقال ابن دريد وغيره هو المشي على
الاست مع افراشه بصدره فحصل من هذا أن الحبو والزحف متماثلان أو متقاربان ولو ثبت
اختلافهما حمل على أنه في حال يزحف وفي حال يحبو والله أعلم قوله (أتسخر بي أو أتضحك بي
وأنت الملك) هذا شك من الراوي هل قال أتسخر بي أو قال أتضحك بي فإن كان الواقع
39

في نفس الأمر أتضحك بي فمعناه أتسخر بي لان الساخر في العادة يضحك ممن يسخر به فوضع
الضحك موضع السخرية مجازا وأما معنى أتسخر بي هنا ففيه أقوال أحدها قاله المازري أنه
خرج على المقابلة الموجودة في معنى الحديث دون لفظه لأنه عاهد الله مرارا أن لا يسأله غير
ما سأل ثم غدر فحل غدره محل الاستهزاء والسخرية فقدر الرجل أن قول الله تعالى له ادخل
الجنة وتردده إليها وتخييل كونها مملؤة ضرب من الأطماع له والسخرية به جزاء لما تقدم
من غدره وعقوبة له فسمى الجزاء على السخرية سخرية فقال أتسخر بي أي تعاقبني بالأطماع
والقول الثاني قاله أبو بكر الصوفي ان معناه نفي السخرية التي لا تجوز على الله تعالى كأنه قال
أعلم أنك لا تهزأ بي لأنك رب العالمين وما أعطيتني من جزيل العطاء وأضعاف مثل الدنيا
حق ولكن العجب أنك أعطيتني هذا وأنا غير أهل له قال والهمزة في أتسخر بي همزة نفي قال
وهذا كلام منبسط متدلل والقول الثالث قاله القاضي عياض أن يكون هذا الكلام صدر من
هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله فلم يضبط
لسانه دهشا وفرحا فقال وهو لا يعتقد حقيقة معناه وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة
المخلوق وهذا كنا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الآخر أنه لم يضبط نفسه من الفرح
فقال أنت عبدي وأنا ربك والله أعلم واعلم أنه وقع في الروايات أتسخر بي وهو صحيح يقال
سخرت منه وسخرت به والأول هو الأفصح الأشهر وبه جاء القرآن والثاني فصيح أيضا
وقد قال بعض العلماء أنه إنما جاء بالباء لإرادة معناه كأنه قال أتهزأ بي والله أعلم قوله (رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه) هو بالجيم والذال المعجمة قال أبو
العباس ثعلب وجماهير العلماء من أهل اللغة وغريب الحديث وغيرهم المراد بالنواجذ هنا
الأنياب وقيل المراد هنا الضواحك وقيل الراد بها الأضراس وهذا هو الأشهر في اطلاق
النواجذ في اللغة ولكن الصواب عند الجماهير ما قدمناه وفي هذا جواز الضحك وأنه ليس
بمكروه في بعض المواطن ولا بمسقط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل
40

تلك الحال والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (فيقول الله تعالى له اذهب فادخل الجنة فان لك
مثل الدنيا وعشرة أمثالها) وفي الرواية الأخرى (لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا)
هاتان الروايتان بمعنى واحد وإحداهما تفسير الأخرى فالمراد بالاضعاف الأمثال فان المختار
عند أهل اللغة أن الضعف المثل وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الأخرى في الكتاب
(فيقول الله تعالى أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها) وفي الرواية الأخرى (أترضى
أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله
ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رب فيقول هذا لك وعشرة أمثاله) فهاتان
الروايتان لا تخالفان الأوليين فان المراد بالأولى من هاتين أن يقال له أولا لك الدنيا ومثلها
ثم يزاد إلى تمام عشرة أمثالها كما بينه في الرواية الأخيرة وأما الأخيرة فالمراد بها أن أحد
ملوك الدنيا لا ينتهى ملكه إلى جميع الأرض بل يملك بعضا منها ثم منهم من يكثر البعض الذي
يملكه ومنهم من يقل بعضه فيعطى هذا الرجل مثل أحد ملوك الدنيا خمس مرات وذلك كله
41

قدر الدنيا كلها ثم يقال له لك عشرة أمثال هذا فيعود معنى هذه الرواية
إلى موافقة الروايات المتقدمة ولله الحمد وهو أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي
مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة) أما يكبو فمعناه يسقط على وجهه وأما تسفعه فهو بفتح التاء
واسكان السين المهملة وفتح الفاء ومعناه تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا قوله صلى الله عليه وسلم
(لأنه يرى مالا صبر له عليه) كذا هو في الأصول في المرتين الأولتين وأما
الثالثة فوقع في أكثر الأصول مالا صبر له عليها وفي بعضها عليه وكلاهما صحيح ومعنى عليها
أي نعمة لا صبر له عليها أي عنها قوله عز وجل يا ابن آدم ما يصريني منك هو بفتح الياء واسكان
الصاد المهملة ومعناه يقطع مسئلتك منى قال أهل اللغة الصرى بفتح الصاد واسكان الراء هو القطع
وروى في غير مسلم ما يصريك منى قال إبراهيم الحربي هو الصواب وأنكر الرواية التي في صحيح مسلم
وغيره ما يصريني منك وليس هو كما قال بال كلاهما صحيح فان السائل متى انقطع من المسؤول انقطع
42

المسؤول منه والمعنى أي شئ يرضيك ويقطع السؤال بيني وبينك والله أعلم قوله (قالوا مم
تضحك يا رسول الله قال من ضحك رب العالمين) قد قدمنا معنى الضحك من الله تعالى وهو الرضى
والرحمة وإرادة الخير لمن يشاء رحمته من عباده والله أعلم قوله (عن النعمان بن أبي عياش)
هو بالشين المعجمة وهو أبو عياش الزرقي الأنصاري الصحابي المعروف في اسمه خلاف مشهور
قيل زيد بن الصامت وقيل زيد بن النعمان وقيل عبيد وقيل عبد الرحمن قوله صلى الله عليه وسلم
43

(فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين فتقولان الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك) هكذا
ثبت في الروايات والأصول زوجتاه بالتاء تثنية زوجة بالهاء وهي لغة صحيحة معروفة وفيها
أبيات كثيرة من شعر العرب وذكرها ابن السكيت وجماعات من أهل اللغة وقوله صلى الله عليه وسلم
(فتقولان) هو بالتاء المثناة من فوق وإنما ضبطت هذا وإن كان ظاهرا لكونه مما
يغلط فيه بعض من لا يميز فيقوله بالمثناه من تحت وذلك لحن لا شك فيه قال الله تعالى إذ همت
طائفتان منكم أن تفشلا وقال تعالى ووجد من دونهم امرأتين تذودان وقال الله تعالى ان الله
يمسك السماوات والأرض أن تزولا وقال تعالى فيهما عنيان تجريان وأما قولهما الحمد لله الذي
أحياك لنا وأحيانا لك فمعناه الذي خلقك لنا وخلقنا لك وجمع بيننا في هذه الدار الدائمة
السرور والله أعلم قوله (حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي) هو بالثاء المثلثة بعد العين المهملة
منسوب إلى جده الأشعث وقد تقدم بيانه قوله (عن ابن أبجر) هو بفتح الهمزة واسكان
الباء الموحدة وفتح الجيم واسمه عبد الملك بن سعيد بن حيان بن أبجر وهو تابعي سمع أبا الطفيل
عامر بن واثلة وقد سماه مسلم في الطريق الثاني فقال عبد الملك بن سعيد قوله (عن مطرف
وابن أبجر عن الشعبي قال سمعت المغيرة ابن شعبة رواية إن شاء الله تعالى) وفي الرواية
44

الأخرى (سمعته على المنبر يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي الرواية الأخرى
(عن سفيان عن مطرف وابن أبجر عن الشعبي عن المغيرة قال سفيان رفعه أحدهما أراه ابن
أبجر قال سأل موسى صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالى ما أدنى أهل الجنة منزلة) اعلم أنه قد
تقدم في الفصول التي في أول الكتاب أن قولهم رواية أو يرفعه أو ينميه أو يبلغ به كلها ألفاظ
موضوعة عند أهل العلم لإضافة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خلاف في ذلك
بين أهل العلم فقوله رواية معناه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بينه هنا في الرواية
الثانية وأما قوله رواية إن شاء الله فلا يضره هذا الشك والاستثناء لأنه جزم به في الروايات
الباقية وأما قوله في الرواية الأخيرة رفعه أحدهما فمعناه أن أحدهما رفعه وأضافه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
والآخر وقفه على المغيرة فقال عن المغيرة قال سأل موسى صلى الله عليه وسلم والضمير
في أحدهما يعود على مطرف وابن أبحر شيخي سفيان فقال أحدهما عن الشعبي عن المغيرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال سأل موسى صلى الله عليه وسلم وقال الآخر عن الشعبي عن الغيرة
قال سأل موسى ثم إنه يحصل من هذا أن الحديث روى مرفوعا وموقوفا وقد قدمنا في الفصول
المتقدمة في أول الكتاب أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه الفقهاء وأصحاب الأصول
والمحققون من المحدثين أن الحديث إذا روى متصلا وروى مرسلا وروى مرفوعا وروى
موقوفا فاحكم للموصول والمرفوع لأنها زيادة ثقة وهي مقبولة عند الجماهير من أصحاب فنون
العلوم فلا يقدح اختلافهم ههنا في رفع الحديث ووقفه لا سيما وقد رواه الأكثرون مرفوعا
والله أعلم وأما قول موسى صلى الله عليه وسلم (ما أدنى أهل الجنة) كذا هو في الأصول ما أدنى
45

وهو صحيح ومعناه ما صفة أو ما علامة أدنى أهل الجنة وقد تقدم أن المغيرة يقال بضم الميم
وكسرها لغتان والضم أشهر والله أعلم قوله (كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا
أخذاتهم) هو بفتح الهمزة والخاء قال القاضي هو ما أخذوه من كرامة مولاهم وحصلوه أو
يكون معناه قصدوا منازلهم قال وذكره ثعلب بكسر الهمزة قوله صلى الله عليه وسلم (فأعلاهم منزلة
قال أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر
على قلب بشر قال ومصداقه في كتاب الله تعالى) أما أردت فبضم التاء ومعناه اخترت واصطفيت
وأما غرست كرامتهم بيدي إلى آخره فمعناه اصطفيتهم وتوليتهم فلا يتطرف إلى كرامتهم تغيير
وفي آخر الكلام حذف اختصر للعلم به تقديره ولم يخطر على قلب بشر ما أكرمتهم به وأعددته
لهم وقوله ومصداقه هو بكسر الميم ومعناه دليله وما يصدقه والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ان
موسى صلى الله عليه وسلم سأل الله تعالى عن أخس أهل الجنة) هكذا ضبطناه بالخاء المعجمة وبعدها
46

السين المشددة وهكذا رواه جميع الرواة ومعناه أدناهم كما تقدم في الرواية الأخرى قوله (عن المعرور ابن
سويد) هو بالعين المهملة والراء المكررة قوله (عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
يسأل عن الورود فقال نجئ نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس
قال فتدعى الأمم بأوثانها إلى آخره) هكذا وقع هذا اللفظ في جميع الأصول من صحيح مسلم
واتفق المتقدمون والمتأخرون على أنه تصحيف وتغيير واختلاط في اللفظ قال الحافظ عبد الحق
47

في كتابه الجمع بين الصحيحين هذا الذي وقع في كتاب مسلم تخليط من أحد الناسخين
أو كيف كان وقال القاضي عياض هذه صورة الحديث في جميع النسخ وفيه تغيير كثير وتصحيف
قال وصوابه نجئ يوم القيامة على كوم هكذا رواه بعض أهل الحديث وفي كتاب ابن أبي خيثمة
من طريق كعب بن مالك يحشر الناس يوم القيامة على تل وأمتي على تل وذكر الطبري في التفسير
من حديث ابن عمر فيرقى هو يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته على كوم فوق الناس وذكر
من حديث كعب بن مالك يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل قال القاضي فهذا
كله يبين ما تغير من الحديث وأنه كان أظلم هذا الحرف على الراوي أو امحى فعبر عنه بكذا وكذا
وفسره بقوله أي فوق الناس وكتب عليه انظر تنبيها فجمع النقلة الكل ونسقوه على أنه من
متن الحديث كما تراه هذا كلام القاضي وقد تابعه عليه جماعة من المتأخرين والله أعلم قال
القاضي ثم إن هذا الحديث جاء كله من كلام جابر موقوفا عليه هذا من شرط مسلم
إذ ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ذكره مسلم وأدخله في المسند لأنه روى مسندا
من غير هذا الطريق فذكر ابن أبي خيثمة عن ابن جريج يرفعه بعد قوله يضحك قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فينطلق بهم وقد نبه على هذا مسلم بعد هذا في حديث
ابن أبي شيبة وغيره في الشفاعة واخراج من يخرج من النار وذكر اسناده وسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم
بمعنى بعض ما في هذا الحديث والله أعلم وأما قوله (فيتجلى لهم يضحك فينطلق
بهم ويتبعونه) فتقدم بيانهما في أوائل الكتاب وكذلك تقدم قريبا معنى الضحك وأما
التجلي فهو الظهور وإزالة المانع من الرؤية ومعنى يتجلى يضحك أي يظهر وهو راض عنهم
48

قوله (ثم يطفأ نور المنافقين) روى بفتح الياء وضمها وهما صحيحان معناهما ظاهر قوله
(ثم ينجو المؤمنون) هكذا هو في كثير من الأصول وفي أكثرها المؤمنين بالياء قوله
(أول زمرة) أي جماعة قوله (حتى ينبتوا نبات الشئ في السيل ويذهب حراقه ثم يسأل
حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها) هكذا هو في جميع الأصول ببلادنا نبات الشئ وكذا
نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين وعن بعض رواة مسلم نبات الدمن يعنى بكسر
الدال واسكان الميم وهذه الرواية هي الموجودة في الجمع بين الصحيحين لعبد الحق وكلاهما
صحيح لكن الأول هو المشهور الظاهر وهو بمعنى الروايات السابقة نبات الحبة في حميل
السيل وأما نبات الدمن فمعناها أيضا كذلك فان الدمن البعر والتقدير نبات ذي الدمن في
السيل أي كما ينبت الشئ الحاصل في البعر والغثاء الموجود في أطراف النهر والمراد التشبيه
به في السرعة والنضارة وقد أشار صاحب المطالع إلى تصحيح هذه الرواية ولكن لم ينقح
الكلام في تحقيقها بل قال عندي انها رواية صحيحة ومعناه سرعة نبات الدمن مع ضعف
ما ينبت فيه وحسن منظره والله أعلم
وأما قوله (ويذهب حراقه) فهو بضم الحاء المهملة
وتخفيف الراء والضمير في حراقه يعود على المخرج من النار وعليه يعود الضمير في قوله
49

ثم يسأل ومعنى حراقه أثر النار والله أعلم قوله (حدثني يزيد الفقير) هو يزيد بن صهيب
الكوفي ثم المكي أبو عثمان قيل له الفقير لأنه أصيب في فقار ظهره فكان يألم منه حتى ينحني له
قوله صلى الله عليه وسلم (ان قوما يخرجون من النار يحترقون فيها الا دارات وجوهم حتى
يدخلون الجنة) هكذا هو في الأصول حتى يدخلون بالنون وهو صحيح وهي لغة سبق بيانها وأما
دارات الوجوه فهي جمع دارة وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه ومعناه أن النار لا تأكل دارة
الوجه لكونها محل السجود ووقع هنا الا دارات الوجوه وسبق في الحديث الآخر الا مواضع السجود
وسبق هناك الجمع بينهما والله أعلم قوله (كنت قد شغفني رأى من رأى الخوارج) هكذا هو في
الأصول والروايات شغفني بالغين المعجمة وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى أنه روى
بالعين المهملة وهما متقاربان ومعناه لصق بشغاف قلبي وهو غلافه وأما رأى الخوارج فهو
ما قدمناه مرات أنهم يرون أن أصحاب الكبائر يخلدون في النار ولا يخرج منها من دخلها قوله (فخرجنا
في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج ثم نخرج على الناس) معناه خرجنا من بلادنا ونحن جماعة كثيرة
50

لنحج ثم نخرج على الناس مظهرين مذهب الخوارج وندعوا إليه ونحث عليه قوله (غير أنه قد زعم
أن قوما يخرجون من النار) زعم هنا بمعنى قال وقد تقدم في أول الكتاب ايضاحها ونقل
كلام الأئمة فيها والله أعلم قوله (فيخرجون كأنهم عيدان السماسم) هو بالسينين المهملتين
الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وهو جمع سمسم وهو هذا السمسم المعروف الذي يستخرج
منه الشيرج قال الإمام أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف
بابن الأثير رحمه الله تعالى معناه والله أعلم أن السماسم جمع سمسم وعيدانه تراها إذا قلعت
وتركت في الشمس ليؤخذ حبها دقاقا سودا كأنها محترقة فشبه بها هؤلاء قال وطالما طلبت
هذه اللفظة وسألت عنها فلم أجد فيها شافيا قال وما أشبه أن تكون اللفظة محرفة وربما
كانت عيدان الساسم وهو خشب أسود كالابنوس هذا كلام أبى السعادات والساسم الذي
ذكره هو بحذف الميم وفتح السين الثانية كذا قاله الجوهري وغيره وأما القاضي عياض
فقال لا يعرف معنى السماسم هنا قال ولعله صوابه عيدان الساسم وهو أشبه وهو عود
أسود وقيل هو الأبنوس وأما صاحب المطالع فقال قال بعضهم السماسم كل نبت ضعيف
كالسمسم والكزبرة وقال آخرون لعله السأسم مهموز وهو الأبنوس شبههم به في سواده فهذا
51

مختصر ما قالوه فيه والمختار أنه السمسم كما قدمناه على ما بينه أبو السعادات والله أعلم واعلم أنه
وقع في كثير من الأصول والكتب كأنها عيدان السماسم بألف بعد الهاء والصحيح الموجود في
معظم الأصول والكتب كأنهم بميم بعد الهاء وللأول أيضا وجه وهو أن يكون الضمير
في كأنها عائد على الصور أي كأن صورهم عن عيدان السماسم والله أعلم قوله (فيخرجون كأنهم
القراطيس) القراطيس جمع قرطاس بكسر القاف وضمنها لغتان وهو الصحيفة التي يكتب فيها
شبههم بالقراطيس لشدة بياضهم بعد اغتسالهم وزوال ما كان عليهم من السواد والله أعلم
قوله (فقلنا ويحكم أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني بالشيخ
جابر بن عبد الله رضي الله عنه وهو استفهام انكار وجحد أي لا يظن به الكذب بلا شك
قوله (فرجعنا فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد) معناه رجعنا من حجنا ولم نتعرض لرأى
الخوارج بل كففنا عنه وتبنا منه الا رجلا منا فإنه لم يوافقنا في الانكفاف عنه قوله (أو
كما قال أبو نعيم) المراد بأبى نعيم الفضل بن دكين بضم الدال المهملة المذكور في أول
الاسناد وهو شيخ شيخ مسلم وهذا الذي فعله أدب معروف من آداب الرواة وهو أنه
ينبغي للراوي إذا روى بالمعنى أن يقول عقب روايته أو كما قال احتياطا وخوفا من تغيير
حصل قوله (حدثنا هداب بن خالد الأزدي حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران وثابت عن
انس رضي الله عنه) هذا الاسناد كله بصريون أما هداب فهو بفتح الهاء وتشديد الدال المهملة
وآخره باء موحدة ويقال فيه أيضا هدبة بضم الهاء واسكان الدال فأحدهما اسم والآخر لقب
واختلف فيهما وقد قدمنا بيانه وأما أبو عمران فهو الجوني واسمه عبد
الملك بن حبيب أما
52

ثابت فهو البناني قوله في الاسناد (الجحدري) هو بفتح الجيم ر وبعدها حاء مهملة ساكنه ثم
دال مهملة مفتوحة منسوب إلى جد له اسمه جحدر وقد تقدم بيانه في أول الكتاب قوله
(محمد بن عبيد الغبرى) هو بضم الغين المعجمة وفتح الباء الموحدة منسوب إلى غبر جد القبيلة
تقدم أيضا بيانه قوله صلى الله عليه وسلم (يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك وفى
رواية فيلهمون معنى اللفظتين متقارب فمعنى الأولى أنهم يعتنون بسؤال الشفاعة وزوال
الكرب الذي هم فيه ومعنى أن الله تعالى يلهمهم سؤال ذلك والالهام أن يلقى الله تعالى
في النفس أمرا يحمل على فعل الشئ أو تركه والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم في الناس
أنهم يأتون آدم ونوحا وباقي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فيطلبون شفاعتهم فيقولون
لسنا هناكم ويذكرون خطاياهم إلى آخره اعلم أن العلماء من أهل الفقه والأصول وغير هم اختلفوا
في جواز المعاصي على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقد لخص القاضي رحمه الله تعالى
مقاصد المسألة فقال لا خلاف أن الكفر عليهم بعد البنوة ليس بجائز بل هم معصومون منه
واختلفوا فيه قبل النبوة والصحيح أنه لا يجوز وأما المعاصي فلا خلاف أنهم معصومون من
كل كبيرة واختلف العلماء هل ذلك بطريق العقل أو الشرع فقال الأستاذ أبو إسحاق ومن
معه ذلك ممتنع من مقتضى دليل المعجزة وقال القاضي أبو بكر ومن وافقه ذلك من طريق
الاجماع وذهبت المعتزلة إلى أن ذلك من طريق العقل وكذلك اتفقوا على أن كل ما كان
طريقه الابلاغ في القول فهم معصومون فيه على كل حال وأما ما كان طريقه الابلاغ في
الفعل فذهب بعضهم إلى العصمة فيه رأسا وأن السهو والنسيان لا يجوز عليهم فيه وتأولوا
53

أحاديث السهو في الصلاة وغيرها بما سنذكره في مواضعه وهذا مذهب الأستاذ أبى المظفر
الأسفرايني من أئمتنا الخراسانيين المتكلمين وغيره من المشايخ المتصوفة وذهب معظم المحققين
وجماهير العلماء إلى جواز ذلك ووقوعه منهم وهذا هو الحق ثم لا بد من تنبيههم عليه وذكرهم
إياه اما في الحين على قول جمهور المتكلمين واما قبل وفاتهم على قول بعضهم ليسنوا حكم
ذلك ويبينوه قبل انخرام مدتهم وليصح تبليغهم ما أنزل إليهم وكذلك لا خلاف أنهم
معصومون من الصغائر التي تزري بفاعلها وتحط منزلته وتسقط مروءته واختلفوا في وقوع
غيرها من الصغائر منهم فذهب معظم الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من السلف والخلف
إلى جواز وقوعها منهم وحجتهم ظواهر القرآن والاخبار وذهب جماعة من أهل التحقيق
والنظر من الفقهاء والمتكلمين من أئمتنا إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر وأن
منصب النبوة يجل عن مواقعها وعن مخالفة الله تعالى عمدا وتكلموا على الآيات
والأحاديث الواردة في ذلك وتأولوها وأن ما ذكر عنهم من ذلك إنما هو فيما كان منهم على
تأويل أو سهو أو من اذن من الله تعالى في أشياء أشفقوا من المؤاخذة بها وأشياء منهم قبل
النبوة وهذا المذهب هو الحق لما قدمناه ولأنه لو صح ذلك منهم لم يلزمنا الاقتداء بأفعالهم
واقرارهم وكثير من أقوالهم ولا خلاف في الاقتداء بذلك وإنما اختلاف العلماء هل ذلك
على الوجوب أو على الندب أو الإباحة أو التفريق فيما كان من باب القرب أو غيرها قال
القاضي وقد بسطنا القول في هذا الباب في كتابنا الشفاء وبلغنا فيه المبلغ الذي لا يوجد في غيره
وتكلمنا على الظواهر في ذلك بما فيه كفاية ولا يهولك
أن نسب قوم هذا المذهب إلى الخوارج
والمعتزلة وطوائف من المبتدعة إذ منزعهم فيه منزع آخر من التكفير بالصغائر ونحن نتبرأ
إلى الله تعالى من هذا المذهب وانظر هذه الخطايا التي ذكرت للأنبياء من أكل آدم عليه
الصلاة والسلام من الشجرة ناسيا ومن دعوة نوح عليه السلام على قوم كفار وقتل موسى صلى الله عليه وسلم
لكافر لم يؤمن بقتله ومدافعة إبراهيم صلى الله عليه وسلم الكفار بقوله
54

عرض به هو فيه من وجه صادق كلها في حق غيرهم ليست بذنوب لكنهم أشفقوا منها
إذ لم تكن عن أمر الله تعالى وعتب على بعضهم فيها لقدر منزلتهم من معرفة الله تعالى هذا آخر
كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى والله أعلم قوله (في آدم خلقك الله بيده ونفخ فيك من
روحه) هو من باب إضافة التشريف قوله صلى الله عليه وسلم (لست هناكم) معناه ليست
أهلا لذلك قوله صلى الله عليه وسلم (ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله تعالى) قال الإمام أبو
عبد الله المازري قد ذكر المؤرخون أن إدريس جد نوح عليهما السلام فان قام دليل
أن إدريس أرسل أيضا لم يصح قول النسابين أنه قبل نوح لاخبار النبي صلى الله عليه وسلم
عن آدم أن نوحا أول رسول بعث وان لم يقم دليل جاز ما قالوه وصح أن يحمل أن إدريس
كان نبيا غير مرسل قال القاضي عياض وقد قيل أن إدريس هو الياس وأنه كان نبيا في بني إسرائيل
كما جاء في بعض الأخبار مع يوشع بن نون فإن كان هكذا سقط الاعتراض قال القاضي وبمثل
هذا يسقط الاعتراض بآدم وشيث ورسالتهما إلى من معهما وان كانا رسولين فإن آدم إنما
أرسل لبنيه ولم يكونوا كفارا بل أمر بتعليمهم الايمان وطاعة الله تعالى وكذلك خلفه شيث
بعده فيهم بخلاف رسالة نوح إلى كفار أهل الأرض قال القاضي وقد رأيت أبا الحسن بن بطال
ذهب إلى أن آدم ليس برسول ليسلم من هذا الاعتراض وحديث أبي ذر الطويل ينص على
أن آدم وإدريس رسولان هذا آخر كلام القاضي والله أعلم قوله ائتوا إبراهيم الذي
اتخذه الله خليلا) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى أصل الخلة الاختصاص والاستصفاء وقيل
55

أصلها الانقطاع إلى من خاللت مأخوذ من الخلة وهي الحاجة فسمى إبراهيم صلى الله عليه وسلم
بذلك لأنه قصر حاجته على ربه سبحانه وتعال وقيل الخلة صفاء المودة التي توجب تخلل
الاسرار وقيل معناها المحبة والالطاف هذا كلام القاضي وقال ابن الأنباري الخليل معناه
المحب الكامل المحبة والمحبو ب الموفي بحقيقة المحبة اللذان ليس في حبهما نقص ولا خلل قال
الواحدي هذا القول هو الاختيار لان الله عز وجل خليل إبراهيم وإبراهيم خليل الله ولا
يجوز أن يقال الله تعالى خليل إبراهيم من الخلة التي هي الحاجة والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(أن كل واحد من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يقول لست هناكم أو لست لها) قال
القاضي عياض هذا يقولونه تواضعا واكبارا لما يسئلونه قال وقد تكون إشارة من كل واحد
منهم إلى أن هذه الشفاعة وهذا المقام ليس له بل لغيره وكل واحد منهم يدل على لآخر حتى
انتهى الأمر إلى صاحبه قال ويحتمل انهم علموا أن صاحبها محمد صلى الله عليه وسلم معينا
وتكون إحالة كل واحد منهم على الآخر على تدريج الشفاعة في ذلك إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
قال وفيه تقديم ذوي الأسنان والآباء على الأبناء في الأمور التي لها بال قال وأما
مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك واجابته لدعوتهم فلتحققه صلى الله عليه وسلم أن هذه
الكرامة والمقام له صلى الله عليه وسلم خاصة هذا كلام القاضي والحكمة في أن الله تعالى
ألهمهم سؤال آدم ومن بعده صلوات الله وسلامه عليهم في الابتداء ولم يلهموا سؤال نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم هي والله أعلم اظهار فضيلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم
لو سألوه ابتداء لكان يحتمل أن غيره يقدر على هذا ويحصله وأما إذا سألوا غيره من رسل الله
تعالى وأصفيائه فامتنعوا ثم سألوه فأجاب وحصل غرضهم فهو النهاية في ارتفاع المنزلة وكمال
القرب وعظيم الا دلال والانس وفيه تفضيله صلى الله عليه وسلم على جميع المخلوقين من الرسل
والآدميين والملائكة فان هذا الامر العظيم وهي الشفاعة العظمى لا يقدر على الاقدام عليه غيره
صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم في موسى صلى الله عليه وسلم
56

(الذي كلمه الله تكليما) هذا باجماع أهل السنة على ظاهره وأن الله تعالى كلم موسى حقيقة كلاما
سمعه بغير واسطة ولهذا أكد بالمصدر والكلام صفة ثابتة لله تعالى لا يشبه كلام غيره قوله في
عيسى (روح الله وكلمته) تقدم الكلام في معناه في أوائل كتاب الايمان قوله صلى الله عليه وسلم
(ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم عبدا قد غفر اله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) هذا مما اختلف
العلماء في معناه قال القاضي قيل المتقدم ما كان قبل النبوة والمتأخر عصمتك بعدها وقيل المراد
به ذنوب أمته صلى الله عليه وسلم قلت فعلى هذا يكون المراد الغفران لبعضهم أو سلامتهم من
الخلود في النار وقيل المراد ما وقع منه صلى الله عليه وسلم عن سهو وتأويل حكاه الطبري واختاره
القشيري وقيل ما تقدم لأبيك آدم وما تأخر من ذنوب أمتك وقيل المراد أنه مغفور لك غير
مؤاخذ بذنب لو كان وقيل هو تنزيه له من الذنوب صلى الله عليه وسلم والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(فيأتوني فأستأذن على ربى فيؤذن لي) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى معناه والله أعلم
فيؤذن لي في الشفاعة الموعود بها والمقام المحمود الذي ادخره الله تعالى له وأعلمه أنه يبعثه فيه قال
القاضي وجاء في حديث أنس وحديث أبي هريرة ابتداء النبي صلى الله عليه وسلم بعد سجوده وحمده
والاذن له في الشفاعة بقوله أمتي أمتي وقد جاء في حديث حذيفة بعد هذا في هذا الحديث نفسه قال
فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقوم ويؤذن له وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط
يمينا وشمالا فيمر أولهم كالبرق وساق الحديث وبهذا يتصل الحديث لأن هذه هي الشفاعة التي لجأ
الناس إليه فيها وهي الإراحة من الموقف والفصل بين العباد ثم بعد ذلك حلت الشفاعة في أمته
57

صلى الله عليه وسلم وفي ذنبين وحلت الشفاعة للأنبياء والملائكة وغيرهم صلوات الله وسلامه
عليهم كما جاء في الأحاديث الأخر وجاء في الأحاديث المتقدمة في الرؤية وحشر الناس اتباع
كل أمة ما كانت تعبد ثم تمييز المؤمنين من المنافقين ثم حلول الشفاعة ووضع الصراط فيحتمل
أن الأمر باتباع الأمم ما كانت تعبد هو أول الفصل والإراحة من هول الموقف وهو أول
المقام المحمود وأن الشفاعة التي ذكر حلولها هي الشفاعة في المذنبين على الصراط وهو ظاهر
الأحاديث وأنها لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولغيره كما نص عليه في الأحاديث ثم ذكر بعدها
الشفاعة فيمن دخل النار وبهذا تجتمع متون الحديث وتترتب معانيها أن شاء الله تعالى هذا
آخر كلام القاضي والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ما بقي في النار الا من حبسه القرآن)
أي وجب عليه الخلود وبين مسلم رحمه الله تعالى أن قوله أي وجب عليه الخلود هو تفسير قتادة
الراوي وهذا التفسير صحيح ومعناه من أخبر القرآن أنه مخلد في النار وهم الكفار كما قال الله
تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به وفي هذا دلالة لمذهب أهل الحق وما أجمع عليه السلف أنه
58

لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ثم آتيه فأقول
يا رب) معنى آتيه أي أعود إلى المقام الذي قمت فيه أولا وسألت وهو مقام الشفاعة قوله
(حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا ابن أبي عدى عن سعيد عن قتادة عن أنس
قال مسلم وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن أنس) قال
مسلم (وحدثنا محمد بن منهال الضرير حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة وهشام
صاحب الدستوائي عن قتادة عن أنس قال مسلم وحدثني أبو غسان المسمعي ومحمد بن المثنى
قالا حدثنا معاذ وهو ابن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال حدثنا أنس بن مالك) قال مسلم
59

(حدثنا أبو الربيع العتكي حدثنا حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي) يعنى عن أنس هذه
الأسانيد رجالها كلهم بصريون وهذا الاتفاق في غاية من الحسن ونهاية من الندور أعنى
اتفاق خمسة أسانيد في صحيح مسلم متوالية جميعهم بصريون والحمد لله على ما هدانا له فأما ابن أبي عدى
فاسمه محمد بن إبراهيم بن أبي عدى وأما سعيد بن أبي عروبة فقد قدمنا أنه هكذا يروى في كتب
الحديث وغيرها وأن ابن قتيبة قال في كتابه أدب الكتاب الصواب ابن أبي العروبة بالألف
واللام واسم أبي عروبة مهران وقد قدمنا أيضا أن سعيد بن أبي عروبة ممن اختلط في آخر عمره
وأن المختلط لا يحتج بما رواه في حال الاختلاط وشككنا هل رواه في الاختلاط أم في
الصحة وقد قدمنا أن ما كان في الصحيحين عن المختلطين محمول على أنه عرف أنه رواه قبل
الاختلاط والله أعلم وأما هشام صاحب الدستوائي فهو بفتح الدال واسكان السين المهملتين
وبعدهما مثناة من فوق مفتوحة وبعد الألف ياء من غير نون هكذا ضبطناه وهكذا هو
المشهور في كتب الحديث قال صاحب المطالع ومنهم من يزيد فيه نونا بين الألف والياء
وهو منسوب إلى دستواء وهي كورة من كور الأهواز كان يبيع الثياب التي
تجلب منها فنسب
إليها فيقال هشام الدستوائي وهشام صاحب الدستوائي أي صاحب البر الدستوائي وقد ذكره
مسلم في أول كتاب الصلاة بعبارة أخرى أوهمت لبسا فقال في باب صفة الأذان حدثني
أبو غسان وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي
فتوهم صاحب المطالع أن قوله صاحب الدستوائي مرفوع وأنه صفة لمعاذ فقال يقال صاحب
الدستوائي وإنما هو ابنه وهذا الذي قاله صاحب المطالع ليس بشئ وإنما صاحب هنا مجرور
60

صفة لهشام كما جاء مصرحا به في هذا الموضع الذي نحن الآن فيه والله أعلم وأما أبو غسان
المسمعي فتقدم بيانه مرات وأنه يجوز صرفه وتركه وأن المسمعي بكسر الميم الأولى وفتح
الثانية منسوب إلى مسمع جد القبيلة وأما قوله حدثنا معاذ وهو ابن هشام فتقدم بيانه
في الفصول وفي مواضع كثيرة وأن فائدته أنه لم يقع قوله ابن هشام في الرواية فأراد أن يبينه
ولم يستجز أن يقول معاذ بن هشام لكونه لم يقع في الرواية فقال وهو ابن هشام وهذا وأشباهه
مما كرر ذكره أقصد به المبالغة في الايضاح والتسهيل فإنه إذا طال العهد به قد ينسى وقد يقف
على هذا الموضع من لا خبرة له بالموضع المتقدم والله أعلم وأما قوله قوله أبو الربيع العتكي فهو
بفتح العين والتاء وهو أبو الربيع الزهراني الذي يكرره مسلم في مواضع كثيرة واسمه سليمان بن
داود قال القاضي عياض نسبه مسلم مرة زهرانيا ومرة عتكيا ومرة جمع له النسبين ولا يجتمعان
بوجه وكلاهما يرجع إلى الأزد الا أن يكون للجمع سبب من جواز أو خلف والله أعلم وأما
معبد العنزي فهو بالعين المهملة وبفتح النون وبالزاي والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (وكان في
قلبه من الخير ما يزن ذرة) المراد بالذرة واحدة الذر وهو الحيوان المعروف الصغير من النمل
وهي بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء ومعنى يزن أي يعدل وأما قوله أن شعبة جعل مكان
الذرة ذرة فمعناه أنه رواه بضم الذال وتخفيف الراء واتفقوا على أنه تصحيف منه وهذا معنى
قوله في الكتاب قال يزيد صحف فيها أبو بسطام يعنى شعبة قوله (فدخلنا عليه وأجلس
ثابتا معه على سريره) فبه انه ينبغي للعالم وكبير المجلس أن يكرم فضلاء الداخلين عليه
ويميزهم بمزيد اكرام في المجلس وغيره قوله (اخوانك من أهل البصرة) قد قدمنا في أوائل الكتاب
أن في البصرة ثلاث لغات فتح الباء وضمها وكسرها والفتح هو المشهور قوله صلى الله عليه وسلم
61

وسلم (فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن) هكذا هو في الأصول لا أقدر عليه وهو صحيح ويعود
الضمير في عليه إلى الحمد قوله صلى الله عليه وسلم (فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة
من برة أو شعيرة من ايمان فأخرجوه منها فأنطلق فأفعل) ثم قال صلى الله عليه وسلم بعده
(فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان فأخرجه) ثم قال صلى الله عليه وسلم
62

(فيقال إلى انطلق فمن كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من ايمان فأخرجه) أما الثاني
والثالث فاتفقت الأصول على أنه فاخرجه بضميره صلى الله عليه وسلم وحده وأما الأول
ففي بعض الأصول فأخرجوه كما ذكرنا على لفظ الجمع وفي بعضها فأخرجه وفي أكثرها فأخرجوا
بغير هاء وكله صحيح فمن رواه فأخرجوه يكون خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من
الملائكة ومن حذف الهاء فلأنها ضمير المفعول وهو فضلة يكثر حذفه والله أعلم وقوله صلى الله عليه وسلم
أدنى أدنى أدنى هكذا هو في الأصول مكرر ثلاث مرات وفي هذا الحديث
دلالة لمذهب السلف وأهل السنة ومن وافقهم من المتكلمين في أن الايمان يزيد وينقص
ونظائره في الكتاب والسنة كثيرة وقد قدمنا تقرير هذه القاعدة في أول كتاب الايمان وأوضحنا
المذاهب فيها والجمع بينهما والله أعلم قوله (هذا حديث أنس الذي أنبأنا به فخرجنا من عنده
فلما كنا بظهر الجبان قلنا لو ملنا إلى الحسن فسلمنا عليه وهو مستخف في دار أبي خليفة قال قد خلنا
عليه فسلمنا عليه وقلنا يا أبا سعيد جئناك من عند أخيك أبي حمزة فلم نسمع بمثل حديث حدثناه
في الشفاعة قال هيه فحدثناه الحديث
قال هيه قلنا ما زادنا قال حدثنا به منذ عشرين سنة وهو
يومئذ جميع ولقد ترك منه شيئا ما أدري أنسى الشيخ أو كره أن يحدثكم فتتكلوا قلنا له
63

حدثنا فضحك وقال خلق الانسان من عجل ما ذكرت لكم هذا الا وانا أريد أن أحدثكموه
ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك
وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس
ذلك لك أو قال ليس ذلك إليك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال
لا إله إلا الله قال فاشهد على الحسن أنه حدثنا به أنه سمع أنس بن مالك أراه قال قبل عشرين سنة
وهو يومئذ جميع) هذا الكلام فيه فوائد كثيرة فلهذا نقلت المتن بلفظه مطولا ليعرف مطالعه
مقاصده أما قوله بظهر الجبان فالجبان بفتح الجيم و تشديد الباء قال أهل اللغة الجبان والجبانة
هما الصحراء ويسمى بهما المقابر لأنها تكون في الصحراء وهو من تسمية الشئ باسم موضعه
وقوله بظهر الجبان أي بظاهرها وأعلاها المرتفع منها وقوله ملنا إلى الحسن يعنى عدلنا وهو
الحسن البصري وقوله وهو مستخف يعنى متغيبا خوفا من الحجاج بن يوسف وقوله قال
هيه هو بكسر الهاء واسكان الياء وكسر الهاء الثانية قال أهل اللغة يقال في استزادة الحديث إيه
ويقال هيه بالهاء بدل الهمزة قال الجوهري إيه اسم سمى به الفعل لان معناه الأمر تقول للرجل
إذا استزدته من حديث أو عمل إيه بكسر الهمزة قال ابن السكيت فان وصلت نونت فقلت إيه
حديثا قال ابن السري إذا قلت إيه فإنما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت
هات الحديث وان قلت إيه بالتنوين كأنك قلت هات حديثا ما لان التنوين تنكير فأما إذا
أسكنته وكففته فإنك تقول أيها عنه وأما قوله وهو يومئذ جميع فهو بفتح الجيم وكسر الميم
64

ومعناه مجتمع القوة والحفظ وقوله فضحك فيه أنه لا بأس بضحك العالم بحضرة أصحابه إذا كان
بينه وبينهم أنس ولم يخرج بضحكه إلى حد يعد تركا للمروءة وقوله فضحك وقال خلق الانسان
من عجل فيه جواز الاستشهاد بالقرآن في مثل هذا الموطن وقد ثبت في الصحيح مثله من فعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طرق فاطمة وعليا رضي الله عنهما ثم انصرف وهو يقول وكان
الانسان أكثر شئ جدلا ونظائر هذا كثيرة وقوله ما ذكرت لكم هذا الا وأنا أريد أن
أحدثكموه ثم أرجع إلى ربي هكذا هو في الروايات وهو الظاهر وتم الكلام على قوله
أحدثكموه ثم ابتداء تمام الحديث فقال ثم أرجع ومعناه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم أرجع إلى ربي قوله صلى الله عليه وسلم ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس
ذلك لك ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله معناه
لأتفضلن عليهم باخراجهم من غير شفاعة كما تقدم في الحديث السابق شفعت الملائكة وشفع
النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق الا أرحم الراحمين وأما قوله عز وجل وجبريائي فهو بكسر الجيم
أي عظمتي وسلطاني أو قهري وأما قوله فأشهد على الحسن أنه حدثنا به إلى آخره فإنما ذكره
تأكيدا ومبالغة في تحقيقه وتقريره في نفس المخاطب والا فقد سبق هذا في أول الكلام والله
أعلم قوله (عن أبي حيان عن أبي زرعة) أما حيان فبالمثناة وتقدم بيان أبي حيان وأبي زرعة
في أول كتاب الايمان وأن اسم أبي زرعة هرم وقيل عمرو وقيل عبيد الله وقيل عبد الرحمن
واسم أبي حيان يحي بن سعيد بن حيان قوله (فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه) قال القاضي عياض
رحمه الله تعالى محبته صلى الله عليه وسلم للذراع لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها
وحلاوة مذاقها وبعدها عن مواضع الأذى هذا آخر كلام القاضي وقد روى الترمذي
65

بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت ما كانت
الذراع أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولكن كان لا يجد اللحم الا غبا فكان يعجل إليها لأنها أعجلها نضجا قوله فنهس
منها نهسة هو بالسين المهملة قال القاضي عياض أكثر الرواة رووه بالمهملة ووقع لابن
ماهان بالمعجمة وكلاهما صحيح بمعنى أخذ بأطراف أسنانه قال الهروي قال أبو العباس النهس
بالمهملة بأطراف الأسنان وبالمعجمة الأضراس قوله صلى الله عليه وسلم أنا سيد الناس
يوم القيامة إنما قال هذا صلى الله عليه وسلم تحدثا بنعمة الله تعالى وقد أمره الله تعالى بهذا
ونصيحة لنا بتعريفنا حقه صلى الله عليه وسلم قال القاضي عياض قيل السيد الذي يفوق قومه
والذي يفزع إليه في الشدائد والنبي صلى الله عليه وسلم سيدهم في الدنيا والآخرة وإنما خص
يوم القيامة لارتفاع السودد فيها وتسليم جميعهم له ولكون آدم وجميع أولاده تحت لوائه
صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى لمن الملك اليوم لله الواحد القهار أي انقطعت دعاوى
الملك في ذلك اليوم والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم يجمع الله يوم القيامة الأولين
والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر أما الصعيد فهو الأرض
الواسعة المستوية وأما ينفذهم البصر فهو فتح الياء وبالذال المعجمة وذكر الهروي وصاحب
المطالع وغيرهما أنه روي بضم الياء وبفتحها قال صاحب المطالع رواه الأكثرون بالفتح
وبعضهم بالضم قال الهروي قال الكسائي يقال نفذني بصره إذا بلغني وجاوزني قال ويقال
أنفذت القوم إذا خرقتهم ومشيت في وسطهم فإن جزتهم حتى تخلفتهم قلت نفذتهم بغير
ألف وأما معناه فقال الهروي قال أبو عبيد معناه ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى
يأتي عليهم كلهم وقال غير أبي عبيد أراد تخرقهم أبصار الناظرين لاستواء
الصعيد والله تعالى قد أحاط بالناس أولا وآخرا هذا كلام الهروي وقال صاحب المطالع معناه أنه يحيط بهم
الناظر لا يخفى عليه منهم شئ لاستواء الأرض أي ليس فيها ما يستتر به أحد عن الناظرين قال
66

وهذا أولى من قول أبي عبيد يأتي عليهم بصر الرحمن سبحانه وتعالى لأن رؤية الله تعالى تحيط
بجميعهم في كل حال في الصعيد المستوي وغيره هذا قول صاحب المطالع قال الإمام أبو السعادات
الجزري بعد أن ذكر الخلاف بين أبي عبيد وغيره في أن المراد بصر الرحمن سبحانه وتعالى أو
بصر الناظر من الخلق قال أبو حاتم أصحاب الحديث يروونه بالذال المعجمة وإنما هو بالمهملة
أي يبلغ أولهم وآخرهم حتى يراهم كلهم ويستوعبهم من نفد الشئ وأنفدته قال وحمل الحديث
على بصر الناظر أولى من حمله على بصر الرحمن هذا كلام أبي السعادات فحصل خلاف في فتح
الياء وضمها وفي الذال والدال وفي الضمير في ينفذهم والأصح فتح الياء وبالذال المعجمة وأنه
بصر المخلوق والله أعلم قوله (ألا ترى إلى ما قد بلغنا) هو بفتح الغين هذا هو الصحيح
المعروف وضبطه بعض الأئمة المتأخرين بالفتح والاسكان وهذا له وجه ولكن المختار ما قدمناه
ويدل عليه قوله في هذا الحديث قبل هذا ألا ترون ما قد بلغكم ولو كان باسكان الغين لقال
67

بلغتم قوله (فيقول آدم وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أن ربي قد غضب اليوم
عضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله) المراد بغضب الله تعالى ما يظهر من انتقامه
ممن عصاه وما يرونه من أليم عذابه وما يشاهده أهل المجمع من الأهوال التي لم تكن
ولا يكون مثلها ولا شك في أن هذا كله لم يتقدم قبل ذلك اليوم مثله ولا يكون
بعده مثله فهذا معنى غضب الله تعالى كما أن رضاه ظهور رحمته ولطفه بمن أراد به الخير والكرامة
68

لأن الله تعالى يستحيل في حقه التغير في الغضب والرضاء والله أعلم قوله (ان ما بين المصراعين
من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى) المصراعان بكسر الميم جانبا الباب وهجر
بفتح الهاء والجيم وهي مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين قال الجوهري في صحاحه هجر اسم بلد
مذكر مصروف قال والنسبة إليه هاجري وقال أبو القاسم الزجاجي في الجمل هجر يذكر ويؤنث
قلت وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر تلك قرية من قرى
المدينة كانت القلال تصنع بها وهي غير مصروفة وقد أوضحتها في أول شرح المهذب وأما
بصرى فبضم الباء وهي مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل وهي مدينة حوران
وبينها وبين مكة شهر
69

قوله صلى الله عليه وسلم (ألا تقولون كيفه قالوا كيفه يا رسول الله) هذه الهاء
هي هاء السكت تلحق في الوقف واما قول الصحابة كيفه يا رسول الله فأثبتوا الهاء
في حالة الدرج ففيها وجهان حكاهما صاحب التحرير وغيره أحدهما أن من العرب من يجرى
الدرج مجرى الوقف والثاني أن الصحابة قصد وا اتباع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم الذي
حثهم عليه فلو قالوا كيف لما كانوا سائلين عن اللفظ الذي حثهم عليه والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(إلى عضادتي الباب) هو بكسر العين قال الجوهري عضادتا الباب هما خشبتاه
من جانبيه قوله صلى الله عليه وسلم (فيقوم
المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة) هو بضم التاء
واسكان الزاي ومعناه تقرب كما قال الله تعالى وأزلفت الجنة للمتقين أي قربت قوله صلى الله
70

عليه وسلم عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم (إنما كنت خليلا من وراء وراء) قال صاحب
التحرير هذه كلمه تذكر على سبيل التواضع أي لست بتلك الدرجة الرفيعة قال وقد وقع لي معنى
مليح فيه وهو أن معناه أن المكارم التي أعطيتها كانت بوساطة سفارة جبريل صلى الله عليه
وسلم ولكن ائتوا موسى فإنه حصل له سماع الكلام بغير واسطة قال وإنما كرر وراء وراء
لكون نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حصل له السماع بغير واسطة وحصل له الرؤية فقال إبراهيم
صلى الله عليه وسلم أنا وراء موسى الذي هو وراء محمد صلى الله عليه وسلم أجمعين وسلم هذا كلام صاحب
التحرير وأما ضبط وراء وراء فالمشهور فيه الفتح فيهما بلا تنوين ويجوز عند أهل العربية
بناؤها على الضم وقد جرى في هذا كلام بين الحافظ أبي الخطاب بن دحية والامام الأديب أبي
اليمن الكندي فرواهما ابن دحية بالفتح وادعى أنه الصواب فأنكره الكندي وادعى أن
الضم هو الصواب وكذا قال أبو البقاء الصواب الضم لأن تقديره من وراء ذلك أو من وراء
شئ آخر قال فإن صح الفتح قبل وقد أفادني هذا الحرف
الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن
أمية أدام الله نعمه عليه وقال الفتح صحيح وتكون الكلمة مؤكدة كشذر مذر وشغر بغر
وسقطوا بين بين فركبهما وبناهما على الفتح قال وان ورد منصوبا منونا جاز جوازا جيدا قلت
ونقل الجوهري في صحاحه عن الأخفش أنه يقال لقيته من وراء مرفوع على الغاية كقولك من
قبل ومن بعد قال وأنشد الأخفش شعرا إذا أنا لم أو من عليك ولم يكن لقاؤك الا من وراء وراء
بضمهما والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط)
71

أما تقومان فبالتاء المثناة من فوق وقد قدمنا بيان ذلك وأن المؤنثتين الغائبتين تكونان بالمثناة
من فوق وأما جنبتا الصراط فبفتح الجيم والنون ومعنا هما جانباه وأما ارسال الأمانة والرحم
فهو لعظم أمرهما وكثير موقعهما فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى قال
صاحب التحرير في الكلام اختصار والسامع فهم أنهما تقومان لتطالبا كل من يريد الجواز
بحقهما قوله صلى الله عليه وسلم (فيمر أولهم كالبرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرجال تجرى
بهم أعمالهم) أما شد الرجال فهو بالجيم جمع رجل هذا هو الصحيح المعروف المشهور ونقل القاضي
أنه في رواية ابن ماهان بالحاء قال القاضي وهما متقربان في المعنى وشدها عدوها البالغ وجريها
وأما قوله صلى الله عليه وسلم تجري بهم أعمالهم فهو كالتفسير لقوله صلى الله عليه وسلم فيمر أولكم
كالبرق ثم كمر الريح إلى آخره معناه أنهم يكونون في سرعة المرور على حسب مراتبهم وأعمالهم
قوله صلى الله عليه وسلم (وفي حافتي الصراط) هو بتخفيف الفاء وهما جانباه وأما الكلاليب فتقدم
بيانها قوله صلى الله عليه وسلم (فمخدوش ناج ومكدوس) هو بالدال وقد تقدم بيانه في هذا
الباب ووقع في أكثر الأصول هنا مكردس بالراء ثم الدال وهو قريب من معنى المكدوس
قوله (والذي نفس أبي هريرة بيده أن قعر جهنم لسبعون خريفا) هكذا هو في بعض الأصول
لسبعون بالواو وهذا ظاهر وفيه حذف تقديره أن مسافة قعر جهنم سير سبعين سنة
ووقع في معظم الأصول والروايات لسبعين بالياء وهو صحيح أيضا أما على مذهب من يحذف
المضاف ويبقى المضاف إليه على جره فيكون التقدير سير سبعين واما على أن قعر جهنم مصدر
72

يقال قعرت الشئ إذا بلغت قعره ويكون سبعين ظرف زمان وفيه خبران التقدير أن بلوغ قعر
جهنم لكائن في سبعين خريفا والخريف السنة والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (لكل نبي
دعوة يدعوها فأريد أن اختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة) وفى الرواية الأخرى
73

(لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وانى اختبأت دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة
فهي نائلة أن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا) وفى الرواية الأخرى
74

(لكل نبي دعوة دعا بها في أمته فاستجيب له وانى أريد أن شاء الله أن أؤخر دعوتي شفاعة لأمتي يوم
القيامة) وفى الرواية الأخرى (لكل نبي دعوة دعاها لأمته وانى اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم
القيامة) هذه الأحاديث تفسر بعضها بعضا ومعناها أن كل نبي له دعوة متيقنة الإجابة وهو على
يقين من اجابتها وأما باقي دعواتهم فهم على طمع من اجابتها وبعضها يجاب وبعضها لا يجاب وذكر
القاضي عياض أنه يحتمل أن يكون المراد لكل نبي دعوة لأمته كما في الروايتين الأخيرتين والله أعلم
وفى هذا الحديث بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم واعتنائه بالنظر في
مصالحهم المهمة فأخر النبي صلى الله عليه وسلم دعوته لأمته إلى أهم أوقات حاجاتهم وأما قوله صلى الله عليه وسلم
فهي نائلة أن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ففيه دلالة لمذهب
أهل الحق أن كل من مات غير مشرك بالله تعالى لم يخلد في النار وإن كان مصرا على الكبائر وقد
تقدمت دلائله وبيانه في مواضع كثيرة وقوله صلى الله عليه وسلم أن شاء الله تعالى هو على جمة
75

التبرك والامتثال لقول الله تعالى ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله والله أعلم
قوله (أسيد بن جارية) هو بفتح الهمزة وكسر السين وجارية بالجيم قوله (كعب الأحبار)
هو كعب ابن ماتع بالميم والمثناة من فوق بعدها عين والأحبار العلماء واحدهم حبر بفتح الحاء وكسرها
الغتان أي كعب العلماء كذا قاله ابن قتيبة وغيره وقال أبو عبيد سمى كعب الأحبار لكونه
صاحب كتب الأحبار جمع حبر وهو ما يكتب به وهو مكسور الحاء وكان كعب من علماء
أهل الكتاب ثم أسلم في خلافة أبي بكر وقيل بل في خلافة عمر رضي الله عنهما توفي
بحمص في سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه وهو من فضلاء التابعين وقد
روى عنه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم قوله (وحدثني أبو غسان المسمعي ومحمد بن
المثنى وابن بشار حدثانا واللفظ لأبي غسان قالوا حدثنا معاذ يعنون بن هشام) هذا اللفظ
قد يستدركه من من لا معرفة له بتحقيق مسلم واتقانه وكمال ورعه وحذقه وعرفانه فيتوهم أن في
الكلام طولا فيقول كان ينبغي أن يحذف قوله حدثانا وهذه غفلة ممن يصير إليها بل في كلام
مسلم فائدة لطيفة فإنه سمع هذا الحديث من لفظ أبي غسان ولم يكن مع مسلم غيره وسمعه
من محمد بن مثنى وابن بشار وكان معه غيره وقد قدمنا في الفصول أن المستحب والمختار عند
أهل الحديث أن من سمع وحده قال حدثني ومن سمع مع غيره قال حدثنا فاحتاط مسلم وعمل بهذا
المستحب فقال حدثني أبو غسان أي سمعت منه وحدي ثم ابتدأ فقال ومحمد بن مثنى وابن بشار
حدثانا أي سمعت منهما مع غيري فمحمد بن المثنى مبتدأ وحدثانا الخبر وليس هو معطوفا على أبي
غسان والله أعلم وقوله (قالوا حدثنا معاذ) يعنى بقالوا محمد بن المثنى وابن بشار وأبا غسان والله
أعلم وقوله (عن قتادة قال حدثنا أنس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لكل نبي دعوة) ثم
ذكر مسلم طريقا آخر عن وكيع وأبي أسامة عن مسعر عن قتادة ثم قال غير أن في حديث
76

وكيع قال قال أعطى وحديث أبي أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا من احتياط
مسلم رضي الله عنه ومعناه أن رواياتهم اختلفت في كيفية لفظ أنس ففي الرواية الأولى عن
أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل نبي دعوة وفي رواية وكيع عن أنس قال قال النبي
صلى الله عليه وسلم أعطى كل نبي دعوة وفي رواية أبي أسامة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لكل نبي دعوة والله أعلم قوله (وحدثني محمد بن الأعلى حدثنا المعتمر عن أبيه
عن أنس) هذا الاسناد كله بصريون والله أعلم
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم قوله
(حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي حدثنا ابن وهيب قال أخبرني عمرو بن الحارث
أن بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاصي) هذا
الاسناد كله بصريون وقدمنا أن في يونس ست لغات ضم النون وفتحها وكسرها مع الهمز
فيهن وتركه وأما الصدفي فبفتح الصاد والدال المهملتين وبالفاء منسوب إلى الصدف بفتح
الصاد وكسر الدال قبيلة معروفة قال
بو سعيد بن يونس دعوتهم في الصدف وليس من
77

أنفسهم ولا من مواليهم توفي يونس بن عبد الأعلى هذا في شهر ربيع الآخر سنة أربع
وستين ومائتين وكان مولده في ذي الحجة سنة سبعين ومائة ففي هذا الاسناد رواية مسلم عن
شيخ عاش بعده فان مسلما توفي سنة احدى وستين ومائتين كما تقدم وأما بكر بن سوادة فبفتح
السين وتخفيف الواو والله أعلم قوله (عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أن النبي صلى الله عليه وسلم
) تلا قول الله تعالى في إبراهيم صلى الله عليه وسلم رب انهن أضللن كثيرا من الناس
الآية وقال عيسى صلى الله عليه وسلم إن تعذبهم فإنهم عبادك) هكذا هو في الأصول وقال عيسى
قال القاضي عياض قال بعضهم قوله قال هو اسم للقول لا فعل يقال قال قولا وقالا وقيلا كأنه
يقال وتلا قول عيسى هذا كلام القاضي عياض قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (رفع يديه
وقال اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فاسأله ما يبكيك
فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم فقال الله
تعالى يا جبريل اذهب إلى محمد فقل انا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك) هذا الحديث مشتمل
على أنواع من الفوائد منها بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته واعتنائه بمصالحهم
واهتمامه بأمرهم ومنها استحباب رفع اليدين في الدعاء ومنها البشارة العظيمة لهذه الأمة زادها
الله تعالى شرفا بما وعدها الله تعالى بقوله سنرضيك في أمتك ولا نسوءك وهذا من أرجى
78

الأحاديث لهذه الأمة أو أرجاها ومنها بيان عظم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى
وعظيم لطفه سبحانه به صلى الله عليه وسلم والحكمة في ارسال جبريل لسؤاله صلى الله عليه وسلم اظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلم
وأنه بالمحل الأعلى فيسترضي ويكرم بما يرضيه
والله أعلم وهذا الحديث موافق لقول الله عز وجل ولسوف يعطيك ربك فترضى وأما
قوله تعالى ولا نسوءك فقال صاحب التحرير هو تأكيد للمعنى أي لا نحزنك لان الارضاء قد
يحصل في حق البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار فقال تعالى نرضيك ولا ندخل عليك
حزنا بل ننجي الجميع والله أعلم
بيان أن من مات على الكفر فهو في النار
(ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين)
قوله (أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي قال في النار فلما قفى دعاه فقال إن أبي وأباك
في النار) فيه أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين وفيه أن من مات
في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار وليس هذا مؤاخذة
قبل بلوغ الدعوة فان هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى
وسلامه عليهم وقوله صلى الله عليه وسلم أن أبي وأباك في النار هو من حسن العشرة للتسلية
بالاشتراك في المصيبة ومعنى قفي ولى قفاه منصرفا قوله (يا بنى كعب بن لؤي)
79

قال صاحب المطالع لؤي يهمز ولا يهمز والهمز أكثر قوله صلى الله عليه وسلم (يا فاطمة أنقذي
نفسك) هكذا وقع في بعض الأصول فاطمة وفي بعضها أو أكثرها يا فاطم بحذف الهاء على الترخيم
وعلى هذا يجوز ضم الميم وفتحها كما عرف في نظائره قوله صلى الله عليه وسلم (فاني لا أملك لكم
من الله شيئا) معناه لا تتكلوا على قرابتي فاني لا أقدر على دفع مكروه يريده الله تعالى بكم قوله
صلى الله عليه وسلم (غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها) ضبطناه بفتح الباء الثانية وكسرها وهما
وجهان مشهوران ذكرهما جماعات من العلماء قال القاضي عياض
رويناه بالكسر قال
ورأيت للخطابي أنه بالفتح وقال صاحب المطالع ورويناه بكسر الباء وفتحها من بله يبله
والبلال الماء ومعنى الحديث سأصلها شبهت قطيعة الرحم بالحرارة
ووصلها باطفاء الحرارة ببرودة ومنه بلوا أرحامكم أي صلوها قوله صلى الله عليه وسلم (يا فاطمة بنت محمد يا صفية
بيت عبد المطلب يا عباس بن عبد المطلب) يجوز نصب فاطمة وصفية وعباس
وضمهم والنصب افصح وأشهر وأما بنت وابن فمنصوب لا غير وهذا وإن كان ظاهرا
80

معروفا فلا بأس بالتنبه عليه لمن لا يحفظه وإفراد صلى الله عليه وسلم هؤلاء لشدة قرابتهم
قوله (عن قبيصة بن المخارق وزهير بن عمرو رضي الله عنهما قالا لما نزلت وأنذر عشيرتك
الأقربين قال انطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى رضمة من جبل فعلا أعلاها حجرا ثم
نادى يا بني عبد منافاة اني نذير إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله
فخشي أن يسبقوه فجعل يهتف يا صباحاه) أما قوله أولا قال انطلق فمعناه قالا لان
81

المراد أن قبيصة وزهيرا قالا ولكن لما كانا متفقين وهما كالرجل الواحد أفراد فعلهما ولو
حذف لفظة قال كان الكلام واضحا منتظما ولكن لما حصل في الكلام بعض الطول
حسن إعادة قال للتأكيد ومثله في القرآن العزيز أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم
مخرجون فأعاد أنكم وله نظائر كثيرة في القرآن العزيز والحديث وقد تقدم بيانه في مواضع
من هذا الكتاب والله أعلم وأما المخارق والد قبيصة فبضم الميم والخاء المعجمة وأما الرضمة
فبفتح الراء واسكان الضاد المعجمة وبفتحها لغتان حكاهما صاحب المطالع وغيره واقتصر
صاحب العين والجوهري والهروي وغيرهم على الاسكان وابن فارس وبعضهم على الفتح
قالوا والرضمة واحدة الرضم والرضام وهي صخور عظام بعضها فوق بعض وقيل هي دون
الهضاب وقال صاحب العين الرضمة حجارة مجتمعة ليست بثابتة في الأرض كأنها منثورة
وأما يربأ فهو بفتح الياء واسكان الراء وبعدها باء موحدة ثم همزة على وزن يقرأ ومعناه
يحفظهم ويتطلع لهم ويقال لفاعل ذلك ربئة وهو العين والطليعة الذي ينظر للقوم لئلا
يدهمهم العدو ولا يكون في الغالب الا على جبل أو شرف أو شئ مرتفع لينظر إلى بعد
وأما يهتف فبفتح الياء وكسر التاء ومعناه يصيح ويصرخ وقولهم يا صباحاه كلمة يعتادونها
عند وقوع امر عظيم فيقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له والله أعلم قوله (عن ابن عباس رضي
الله عنه قال لما نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين) هو
بفتح اللام فظاهر هذه العبارة أن قوله ورهطك منهم المخلصين كان قرآنا أنزل ثم نسخت
82

تلاوته ولم تقع هذه الزيادة في روايات البخاري قوله صلى الله عليه وسلم (أرأيتكم لو
أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي) أما سفح الجبل فبفتح السين وهو
أسفله وقيل عرضه وأما مصدقي فبتشديد الدال والياء قوله (فنزلت هذه السورة تبت يدا
أبي لهب وقد تب كذا قرأ الأعمش إلى أخر السورة) معناه أن الأعمش زاد لفظة قد بخلاف
القراءة المشهورة وقوله إلى آخر السورة يعنى أتم القراءة إلى آخر السورة كما يقرؤها الناس وفي
السورة لغتان الهمز وتركه حكاهما ابن قتيبة والمشهور بغير همز كسور البلد لارتفاعها ومن
همزه قال هي قطعة من القرآن كسؤر الطعام والشراب وهي البقية منه وفي أبي لهب لغتان
قرئ بهما فتح الهاء واسكانها واسمه عبد العزى ومعنى تب خسر قال القاضي عياض وقد
استدل بهذه السورة على جواز تكنية الكافر وقد اختلف العلماء في ذلك واختلفت الرواية عن
مالك في جواز تكنية الكافر بالجواز والكراهة وقال بعضهم إنما يجوز من ذلك ما كان على
جهة التألف والا فلا إذ في التكنية تعظيم وتكبير وأما تكنية الله تعالى لأبي لهب فليست
من هذا ولا حجة فيه إذا كان
اسمه عبد العزى وهذه تسمية باطلة فلهذا كنى عنه وقيل لأنه إنما
كان يعرف بها وقيل أن أبا لهب لقب وليس بكنية وكنيته أبو عتبة وقيل جاء ذكر أبي لهب
83

لمجانسة الكلام والله أعلم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب (والتخفيف عنه بسببه) قوله (كان يحوطك) هو بفتح الياء وضم الحاء قال أهل اللغة يقال حاطه يحوطه حوطا
وحياطة إذا صانه وحفظه و ذب عنه وتوفر على مصالحه قوله صلى الله عليه وسلم (وجدته
في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح) أما الضحضاح فهو بضادين معجمتين مفتوحتين
والضحضاح ما رق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين واستعير في النار وأما الغمرات
فبفتح الغين والميم واحدتها غمرة باسكان الميم وهي المعظم من الشئ قوله صلى الله عليه وسلم
(ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) قال أهل اللغة في الدرك لغتان فصيحتان مشهورتان
فتح الراء واسكانها وقرئ بهما في القراءات السبع قال الفراء هما لغتان جمعهما أدراك وقال الزجاج
اللغتان جميعا حكاهما أهل اللغة الا أن الاختيار فتح الراء لأنه أكثر في الاستعمال وقال أبو حاتم
جمع الدرك بالفتح أدراك كجمل وأجمال وفرس وأفراس وجمع الدرك بالاسكان أدرك كفلس
84

وأفلس وأما معناه فقال جميع أهل اللغة والمعاني والغريب وجماهير المفسرين الدرك
الأسفل قعر جهنم وأقصى أسفلها قالوا ولجهنم أدراك فكل طبقة من أطباقها تسمى دركا والله
85

أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (يوضع في أخمص قدميه) هو بفتح الهمزة وهو المتجافي من الرجل
عن الأرض قوله صلى الله عليه وسلم (أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من النار
يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل) أما الشراك فبكسر الشين وهو أحد سيور النعل وهو
الذي يكون على وجهها وعلى ظهر القدم والغليان معروف وهو شدة اضطراب الماء ونحوه
على النار لشدة اتقادها يقال غلت القدر تغلي غليا وغليانا وأغليتها أنا وأما المرجل فبكسر
الميم وفتح الجيم وهو قدر معروف سواء كان من حديد أو نحاس أو حجارة أو خزف هذا هو الأصح
وقال صاحب المطالع وقيل هو القدر من النحاس يعنى خاصة والأول أعرف والميم فيه زائدة
وفي هذا الحديث وما أشبهه تصريح بتفاوت عذاب أهل النار كما أن نعيم أهل الجنة متفاوت والله أعلم
الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل
فيه حديث عائشة رضي الله عنها (قالت قلت يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل
الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه قال لا ينفعه انه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)
86

معنى هذا الحديث أن ما كان يفعله من الصلة والاطعام ووجوه المكارم لا ينفعه في الآخرة
لكونه كافرا وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين أي لم
يكن مصدقا بالبعث ومن لم يصدق به كافر ولا ينفعه عمل قال القاضي عياض رحمه الله تعالى
وقد انعقد الاجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف
عذاب لكن بعضهم أشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم هذا آخر كلام القاضي وذكر الامام
الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور نحو هذا عن بعض أهل العلم والنظر
قال البيهقي وقد يجوز أن يكون حديث ابن جدعان وما ورد من الآيات والاخبار في بطلان
خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون لها موقع التخلص من النار وادخال
الجنة ولكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل
من الخيرات هذا كلام البيهقي قال العلماء وكان ابن جدعان كثير الاطعام وكان اتخذ للضيفان
جفنة يرقى إليها بسلم وكان من بني تميم بن مرة أقرباء عائشة رضي الله عنها وكان من رؤساء قريش و
اسمه عبد الله وجدعان بضم الجيم واسكان الدال المهملة وبالعين المهملة وأما صلة الرحم فهي
الاحسان إلى الأقارب وقد تقدم بيانها وأما الجاهلية فما كان قبل النبوة سموا بذلك لكثرة
جهالاتهم والله تعالى أعلم
موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم
قوله (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارا غير سر يقول ألا أن آل أبي يعنى فلانا ليسوا لي
بأولياء إنما ولي الله وصالح المؤمنين) وهي الكناية بقوله يعنى فلانا هي من بعض الرواة خشي
أن يسميه فيترتب عليه مفسدة وفتنة اما في حق نفسه واما في حقه وحق غيره فكنى عنه
87

والغرض إنما هو قوله صلى الله عليه وسلم إنما ولي الله وصالح المؤمنين ومعناه إنما ولي من كان
صالحا وان بعد نسبه منى وليس وليي من كان غير صالح وإن كان نسبه قريبا قال القاضي عياض
رضي الله عنه قيل أن المكنى عنه ههنا هو الحكم بن أبي العاص والله أعلم وأما قوله جهارا
فمعناه علانية لم يخفه بل باح به وأظهره وأشاعه ففيه التبرؤ من المخالفين وموالاة الصالحين
والاعلان بذلك ما لم يخف ترتب فتنة عليه والله أعلم
الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة
(بغير حساب ولا عذاب)
قوله صلى الله عليه وسلم
(يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا بغير حساب) فيه عظم ما أكرم الله
سبحانه وتعالى به النبي صلى الله عليه وسلم وأمته زادها الله فضلا وشرفا وقد جاء في صحيح مسلم
88

سبعون ألفا مع كل واحد منهم سبعون ألفا قوله (عكاشة بن محصن) هو بضم العين وتشديد
الكاف وتخفيفها لغتان مشهورتان ذكرهما جماعات منهم ثعلب والجوهري وآخرون قال
الجوهري قال ثعلب هو مشدد وقد يخفف وقال صاحب المطالع التشديد أكثر ولم يذكر القاضي
عياض هنا غير التشديد وأما محصن فبكسر الميم وفتح الصاد وأما قوله صلى الله عليه وسلم
للرجل الثاني سبقك بها عكاشة فقال القاضي عياض قيل إن الرجل الثاني لم يكن ممن يستحق
تلك المنزلة ولا كان بصفة أهلها بخلاف عكاشة وقيل بل كان منافقا فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بكلام محتمل ولم ير صلى الله عليه
وسلم التصريح له بأنك لست منهم لما كان صلى الله عليه وسلم
من حسن العشرة وقيل قد يكون سبق عكاشة بوحي أنه يجاب فيه ولم يحصل ذلك
للآخر قلت وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه في الأسماء المبهمة أنه يقال أن هذا الرجل
هو سعد بن عبادة رضي الله عنه فان صح هذا بطل قول من زعم أنه منافق والأظهر المختار
هو القول الأخير والله أعلم قوله (يرفع نمرة) النمرة كساء فيه خطوط بيض وسود وحمر كأنها
أخذت من جلد النمر لاشتراكهما في التلون وهي من مآزر
العرب قوله (حدثني أبو يونس
عن أبي هريرة رضي الله عنه) واسم أبي يونس هذا سليم بن جبير والجيم المصري الدوسي
مولى أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا
89

زمرة واحدة منهم على صورة القمر) روى زمرة واحدة بالنصب والرفع والزمرة الجماعة في
تفرقة بعضها في اثر بعض قوله صلى الله عليه وسلم (هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون
وعلى ربهم يتوكلون) اختلف العلماء في معنى هذا الحديث فقال الإمام أبو عبد الله المازري
احتج بعض الناس بهذا الحديث على أن التداوي مكروه ومعظم العلماء على خلاف ذلك
واحتجوا بما وقع في أحاديث كثيرة من ذكره صلى الله عليه وسلم لمنافع الأدوية والأطعمة كالحبة
السوداء والقسط والصبر وغير ذلك وبأنه صلى الله عليه وسلم تداوى وبأخبار عائشة رضي الله
عنها بكثرة تداويه وبما علم من الاستشفاء برقاه وبالحديث الذي فيه أن بعض الصحابة أخذوا
على الرقية أجرا فإذا ثبت هذا حمل ما في الحديث على قوم يعتقدون أن الأدوية نافعة بطبعها
ولا يفوضون الأمر إلى الله تعالى قال القاضي عياض قد ذهب إلى هذا التأويل غير واحد ممن
تكلم على الحديث ولا يستقيم هذا التأويل وإنما أخبر صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء لهم مزية وفضيلة
يدخلون الجنة بغير حساب وبان وجوههم تضئ إضاءة القمر ليلة البدر ولو كان كما تأوله هؤلاء
لما اختص هؤلاء بهذه الفضيلة لأن تلك هي عقيدة جميع المؤمنين ومن اعتقد خلاف ذلك كفر
وقد تكلم العلماء وأصحاب المعاني على هذا فذهب أبو سليمان الخطابي وغيره إلى أن المراد من
تركها توكلا على الله تعالى ورضاء بقضائه وبلائه قال الخطابي وهذه من أرفع درجات المحققين
بالايمان قال والى هذا ذهب جماعة سماهم قال القاضي وهذا ظاهر الحديث ومقتضاه أنه لا فرق
بين ما ذكر من الكي والرقى وسائر أنواع الطب وقال الداودي المراد بالحديث الذي يفعلونه في
الصحة فإنه يكره لمن ليست به عله أن يتخذ التمائم ويستعمل الرقى وأما من يستعمل ذلك ممن
90

به مرض فهو جائز وذهب بعضهم إلى تخصيص الرقى والكي من بين أنواع الطب لمعنى وأن
الطب غير قادح في التوكل إذ تطبب رسول الله صلى الله عليه وسلم والفضلاء من السلف وكل
سبب مقطوع به كالأكل والشرب للغذاء والري لا يقدح في التوكل عند المتكلمين في هذا
الباب ولهذا لم ينف عنهم التطبب ولهذا لم يجعلوا الاكتساب للقوت وعلى العيال قادحا في
التوكل إذا لم يكن ثقته في رزقه باكتسابه وكان مفوضا في ذلك كله إلى الله تعالى والكلام في
الفرق بين الطب والكي يطول وقد أباحهما النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليهما لكني أذكر
منه نكتة تكفي وهو أنه صلى الله عليه وسلم تطبب في نفسه وطبب غيره ولم يكتو وكوى غيره
ونهى في الصحيح أمته عن الكي وقال ما أحب أن أكتوي هذا آخر كلام القاضي والله أعلم
والظاهر من معنى الحديث ما اختاره الخطابي ومن وافقه كما تقدم وحاصله أن هؤلاء كمل
تفويضهم إلى الله عز وجل فلم يتسببوا في دفع ما أوقعه بهم ولا شك في فضيلة هذه الحالة
ورجحان صاحبها وأما تطبب النبي صلى الله عليه وسلم ففعله ليبين لنا الجواز والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم وعلى ربهم يتوكلون اختلفت عبارات العلماء من السلف والخلف
في حقيقة التوكل فحكى الإمام أبو جعفر الطبري وغيره عن طائفة من السلف أنهم قالوا
لا يستحق اسم التوكل الا من لم يخالط قلبه خوف غير الله تعالى من سبع أو عدو حتى يترك
السعي في طلب الرزق ثقة بضمان الله تعالى له رزقه واحتجوا بما جاء في ذلك من الآثار
وقالت طائفة حده الثقة بالله تعالى والايقان بأن قضاءه نافذ واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
في السعي فيما لا بد منه من المطعم والمشرب والتحرز من العدو كما فعله الأنبياء صلوات
الله تعالى عليهم أجمعين قال القاضي عياض هذا المذهب هو اختيار الطبري وعامة الفقهاء
والأول مذهب بعض المتصوفة وأصحاب علم القلوب والإشارات وذهب المحققون منهم إلى نحو
مذهب الجمهور ولكن لا يصح عندهم اسم التوكل مع الالتفات والطمأنينة إلى الأسباب بل فعل
الأسباب سنة الله وحكمته والثقة بأنه لا يجلب نفعا ولا يدفع ضرا والكل من الله تعالى وحده
هذا كلام القاضي عياض قال الامام الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى اعلم
أن التوكل محله القلب وأما الحركة بالظاهر فلا تنافي التوكل بالقلب بعد ما تحقق العبد أن
الثقة من قبل الله تعالى فان تعسر شئ فبتقديره وان تيسر فبتيسيره وقال سهل بن
91

عبد الله التستري رضي الله عنه التوكل الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد وقال
أبو عثمان الجبري التوكل الاكتفاء بالله تعالى مع الاعتماد عليه وقيل التوكل أن
يستوي الاكثار والتقلل والله أعلم قوله (حدثنا حاجب بن عمر أبو خشينة) هو بضم
الخاء وفتح الشين المعجمتين بعدهم مثناة من تحت ثم نون ثم هاء وحاجب هذا هو أخو
عيسى بن عمر النحوي الامام المشهور قوله صلى الله عليه وسلم (ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا متماسكون آخذ بعضهم بعضا لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم) هكذا هو
في معظم الأصول متماسكون بالواو وآخذ بالرفع ووقع في بعض الأصول متماسكين وآخذا
بالياء والألف وكلاهما صحيح ومعنى متماسكين ممسك بعضهم بيد بعض ويدخلون معترضين
صفا واحدا بعضهم بجنب بعض وهذا تصريح بعظم سعة باب الجنة نسأل الله الكريم رضاه
والجنة لنا ولأحبابنا ولسائر المسلمين قوله (أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة) هو بالقاف
92

والضاد المعجمة ومعناه سقط وأما البارحة فهي أقرب ليلة مضت قال أبو العباس ثعلب يقال
قبل الزوال رأيت الليلة وبعد الزوال رأيت البارحة وهكذا قاله غير ثعلب قالوا وهي مشتقة
من برح إذا زالا وقد ثبت في صحيح مسلم في كتاب الرؤيا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
صلى الصبح قال هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا قوله (أما اني لم أكن في صلاة ولكني
لدغت) أراد أن ينفي عن نفسه اتهام العبادة والسهر في الصلاة مع أنه لم يكن فيها وقوله
لدغت هو بالدال المهملة والغين المعجمة قال أهل اللغة يقال لدغته العقرب وذوات السموم
إذا أصابته بسمها وذلك بأن تأبره بشوكتها قوله (لا رقية الا من عين أو حمة) أما الحمة فهي بضم
الحاء المهملة وتخفيف الميم وهي سم العقرب وشبهها وقيل فوعة اسم وهي حدته وحرارته والمراد
أو ذي حمة كالعقرب وشبهها أي لا رقية الا من لدغ ذي حمة وأما العين فهي إصابة العائن
غيره بعينه والعين حق قال الخطابي ومعنى الحديث لا رقيه أشفي وأولى من رقية العين وذي
الحمة وقد رقي النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بها فإذا كانت بالقرآن وبأسماء الله تعالى فهي
مباحة وإنما جاءت الكراهة منها لما كان بغير لسان العرب فإنه ربما كان كفرا أو قولا
يدخله الشرك قال ويحتمل أن يكون الذي كره من الرقية ما كان منها على مذاهب الجاهلية
في العوذ التي كانوا يتعاطونها ويزعمون أنها تدفع عنهم الآفات ويعتقدون أنها من قبل الجن
ومعونتهم هذا كلام الخطابي رحمه الله تعالى والله أعلم قوله (بريدة بن حصيب) هو بضم
الحاء وفتح الصاد المهملتين قوله صلى الله عليه وسلم (فرأيت النبي ومعه الرهيط) هو بضم
93

الراء تصغير الرهط وهي الجماعة دون العشرة قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا سواد عظيم
فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب) معناه ومع هؤلاء
سبعون ألفا من أمتك فكونهم من أمته صلى الله عليه وسلم لا شك فيه وأما تقديره فيحتمل
أن يكون معناه وسبعون ألفا من أمتك غير هؤلاء وليسوا مع هؤلاء ويحتمل
أن يكون معناه
في جملتهم سبعون ألفا ويؤيد هذا رواية البخاري في صحيحه هذه أمتك ويدخل الجنة من هؤلاء
سبعون ألفا والله أعلم قوله (فخاض الناس) هو بالخاء والضاد المعجمتين أي تكلموا
وتناظروا
94

وفي هذا إباحة المناظرة في العلم والمباحثة في نصوص الشرع على جهة الاستفادة واظهار الحق والله أعلم
بيان كون هذه الأمة نصف أهل الجنة
قال مسلم (حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله)
هذا الإسناد كله كوفيون واسم أبي الأحوص سلام بن سليم وأبو إسحاق هو السبيعي واسمه عمرو بن
عبد الله وعبد الله هو ابن مسعود قوله (كشعرة بيضاء في ثور أسود أو كشعرة سوداء في ثور أبيض)
هذا شك من الراوي قوله (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا مالك وهو بن مغول عن أبي
إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله) هذا الاسناد كله كوفيون قوله (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قال فكبرنا ثم قال أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا ثم قال إني
لأرجو أن تكونوا شطر أهل
الجنة) أما تكبيرهم فلسرورهم بهذه البشارة العظيمة وأما قوله صلى الله عليه وسلم ربع
أهل الجنة ثم ثلث أهل الجنة ثم الشطر ولم يقل أولا شطر أهل الجنة فلفائدة حسنة
وفي أن ذلك أوقع في نفوسهم وأبلغ في اكرامهم فان اعطاء الانسان مرة بعد أخرى دليل
على الاعتناء به ودوام ملاحظته وفيه فائدة أخرى هي تكريره البشارة مرة بعد أخرى وفيه
أيضا حملهم على تجديد شكر الله تعالى وتكبيره وحمده على كثرة نعمه والله أعلم ثم إنه
وقع في هذا الحديث شطر أهل الجنة وفي الرواية الأخرى نصف أهل الجنة وقد ثبت في
الحديث الآخر أن أهل الجنة عشرون ومائة صف هذه الأمة منها ثمانون صفا فهذا دليل
95

على أنهم يكونون ثلثي أهل الجنة فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أولا بحديث الشطر
ثم تفضل الله سبحانه بالزيادة فأعلم بحديث الصفوف فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد
ذلك ولهذا نظائر كثيرة في الحديث معروفة كحديث الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع
وعشرين درجة وبخمس وعشرين درجة على احدى التأويلات فيه وسيأتي تقريره في موضعه
أن وصلناه أن شاء الله تعالى والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة الا نفس
مسلمة) هذا نص صريح في أن من مات على الكفر لا يدخل الجنة أصلا وهذا النص
على عمومه باجماع المسلمين
قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم هل بلغت اللهم اشهد) معناه
96

أن التبليغ واجب على وقد بلغت فاشهد لي به قوله (حدثنا عثمان بن أبي شيبة العبسي) هو
بالباء الموحدة والسين المهملة قوله صلى الله عليه وسلم (لبيك وسعديك والخير في يديك)
معنى في يديك عندك وقد تقدم بيان لبيك وسعديك في حديث معاذ رضي الله عنه قوله
سبحانه وتعالى لآدم صلى الله عليه وسلم (أخرج بعث النار) البعث هنا بمعنى المبعوث
الموجه إليها ومعناه ميز أهل النار من غيرهم قوله صلى الله عليه وسلم (فذاك حين يشيب
الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله
شديد) معناه موافقة الآية في قوله تعالى إن زلزلة الساعة شئ عظيم يوم ترونها تذهل كل
مرضعة عما أرضعت إلى آخرها وقوله تعالى فكيف تتقون أن كفرتم يوما يجعل الولدان
شيبا وقد اختلف العلماء في وقت وضع كل ذات حمل حملها وغيره من المذكور فقيل عند
زلزلة الساعة قبل خروجهم من الدنيا وقيل هو فلي القيامة فعلى الأول هو على ظاهره وعلى
الثاني يكون مجازا لأن القيامة ليس فيها حمل ولا ولادة وتقديره ينتهى به الأهوال والشدائد
إلى أنه لو تصورت الحوامل هناك لوضعن أحمالهن كما تقول العرب أصابنا أمر يشيب
منه الوليد يريدون شدته والله أعلم
97

قوله صلى الله عليه وسلم (فان من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم رجل) هكذا
هو في الأصول والروايات ألف ورجل بالرفع فيهما وهو صحيح وتقديره أنه بالهاء التي
هي ضمير الشأن وحذفت الهاء وهو جائز معروف وأما يأجوج ومأجوج فهما غير
مهموزين عند جمهور القراء وأهل اللغة وقرأ عاصم بالهمز فيهما وأصله من أجيج النار
وهو صوتها وشررها شبهوا به لكثرتهم وشدتهم واضطرابهم بعضهم في بعض قال وهب
ابن منبه ومقاتل بن سليمان هم من ولد يافث بن نوح وقال الضحاك هم جيل من الترك وقال
كعب هم بادرة من ولد آدم من غير حواء قال وذلك أن آدم صلى الله عليه وسلم احتلم
فامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله تعالى منها يأجوج ومأجوج والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(كالرقمة في ذراع الحمار) هي بفتح الراء واسكان القاف قال أهل اللغة الرقمتان في الحمار هما
الأثران في باطن عضديه وقيل هي الدائرة في ذراعيه وقيل هي الهنة الناتئة في ذراع الدابة من
داخل والله أعلم بالصواب
98

كتاب الطهارة قال جمهور أهل اللغة يقال الوضوء وا لطهور بضم أولهما إذا أريد به الفعل الذي هو المصدر
ويقال الوضوء والطهور بفتح أولهما إذا أريد به الماء الذي يتطهر به هكذا نقله ابن الأنباري
وجماعات من أهل اللغة وغيرهم عن أكثر أهل اللغة وذهب الخليل والأصمعي وأبو حاتم
السجستاني والأزهري وجماعة إلى أنه بالفتح فيهما قال صاحب المطالع وحكى الضم فيهما
جميعا وأصل الوضوء من الوضاءة وهي الحسن والنظافة وسمى وضوءا لأنه
ينظف المتوضي ويحسنه وكذلك الطهارة أصلها النظافة والتنزه وأما الغسل فإذا أريد به الماء
فهو مضموم الغين وإذا أريد به المصدر فيجوز بضم الغين وفتحها لغتان مشهورتان وبعضهم
يقول أن كان مصدرا لغسلت فهو بالفتح كضربت ضربا وإن كان بمعنى الاغتسال فهو بالضم
كقولنا غسل الجمعة مسنون وكذلك الغسل من الجنابة وأجب وما أشبهه وأما ما ذكره بعض
من صنف في لحن الفقهاء من أن قولهم غسل الجنابة وغسل الجمعة وشبههما بالضم لحن فهو
خطأ منه بل الذي قالوه صواب كما ذكرناه وأما الغسل بكسر الغين فهو اسم لما يغسل به
الرأس من خطمى وغيره والله أعلم
فضل الوضوء
قال مسلم رحمه الله (حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال ابان حدثنا يحي
أن زيدا حدثه أن أبا سلام حدثه عن أبي مالك الأشعري) هذا الاسناد مما تكلم فيه الدارقطني وغيره
فقالوا سقط فيه رجل بين أبي سلام وأبي مالك والساقط عبد الرحمن بن غنم قالوا والدليل على
99

سقوطه أن معاوية بن سلام رواه عن أخيه زيد بن سلام عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن
بين غنم عن أبي مالك الأشعري وهكذا أخرجه النسائي وابن ماجة وغيرهما ويمكن أن يجاب لمسلم
عن هذا بأن الظاهر من حال مسلم أنه علم سماع أبي سلام لهذا الحديث من أبي مالك فيكون أبو
سلام سمعه من أبي مالك وسمعه أيضا من عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك فرواه مرة
عنه ومرة عن عبد الرحمن وكيف كان فالمتن صحيح لا مطعن فيه والله أعلم وأما حبان بن هلال فبفتح الحاء
وبالباء الموحدة وأما ابان فقد تقدم ذكره في أول الكتاب وأنه يجوز صرفه وترك صرفه
وأن المختار صرفه وأما أبو سلام فاسمه ممطور الأعرج الحبشي الدمشقي نسب إلى حي من حمير
من اليمن لا إلى الحبشة وأما أبو مالك فاختلف في اسمه فقيل الحارث وقيل عبيد وقيل كعب
ابن عاصم وقيل عمرو وهو معدود في الشاميين قوله صلى الله عليه وسلم (الطهور شطر
الايمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض
والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع
نفسه فمعتقها أو موبقها) هذا حديث عظيم أصل من أصول الاسلام قد اشتمل على
مهمات من قواعد الاسلام فأما الطهور فالمراد به الفعل فهو مضموم الطاء على المختار وقول
الأكثرين ويجوز فتحها كما تقدم وأصل الشطر النصف واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم
الطهور شطر الايمان فقيل معناه أن الأجر فيه ينتهى تضعيفه إلى نصف
أجر الايمان وقيل معناه أن الايمان يجب ما قبله من الخطايا وكذلك الوضوء لأن الوضوء
لا يصح الا مع الايمان فصار لتوقفه على الايمان في معنى الشطر وقيل المراد بالايمان هنا
الصلاة كما قال الله تعالى وما كان الله ليضيع ايمانكم والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر
وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفا حقيقيا وهذا القول أقرب الأقوال ويحتمل أن يكون
100

معناه أن الايمان تصديق بالقلب وانقياد بالظاهر وهما شطران للايمان والطهارة متضمنة
الصلاة فهي انقياد في الظاهر والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم والحمد لله تملأ
الميزان فمعناه عظم أجرها وأنه يملأ الميزان وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على
وزن الأعمال وثقل الموازين وخفتها أما قوله صلى الله عليه وسلم وسبحان الله والحمد لله
تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض فضبطناه بالتاء المثناة من فوق في تملآن وتملأ
وهو صحيح فالأول ضمير مؤنثتين غائبتين والثاني ضمير هذه الجملة من الكلام وقال صاحب
التحرير يجوز تملآن بالتأنيث والتذكير جميعا فالتأنيث على ما ذكرناه والتذكير على إرادة النوعين
من الكلام أو الذكرين قال وأما تملأ فمذكر على إرادة الذكر وأما معناه فيحتمل أن يقال
لو قدر ثوابهما جسما لملأ ما بين السماوات والأرض وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من
التنزيه لله تعالى بقوله سبحان الله والتفويض والافتقار إلى الله تعالى بقوله الحمد لله والله أعلم
وأما قوله صلى الله عليه وسلم والصلاة نور فمعناه أنها تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر
وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به وقيل معناه أنه يكون أجرها نورا لصاحبها يوم القيامة
وقيل لأنها سبب لاشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب
فيها واقباله إلى الله تعالى بظاهره وباطنه وقد قال الله تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة وقيل
معناه أنها تكون نورا ظاهرا على وجهه وجهه يوم القيامة و يكون في الدنيا أيضا على وجهه البهاء
بخلاف من لم يصل والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم والصدقة برهان فقال صاحب
التحرير معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف
ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال فيقول تصدقت به قال ويجوز أن يوسم
المتصدق بسيماء يعرف بها فيكون برهانا له على حاله ولا يسأل عن مصرف ماله وقال غير
صاحب التحرير معناه الصدقة حجة على ايمان فاعلها فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها
فمن تصدق استدل بصدقته على صدق ايمانه والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم
والصبر ضياء فمعناه الصبر المحبوب في الشرع وهو الصبر على طاعة الله تعالى والصبر عن
معصيته والصبر أيضا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا والمراد أن الصبر محمود لا يزال
صاحبه مستضيئا مهتديا مستمرا على الصواب قال إبراهيم الخواص الصبر هو الثبات على
101

الكتاب والسنة وقال ابن عطاء الصبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب وقال الأستاذ أبو علي
الدقاق رحمه الله تعالى حقيقة الصبر أن لا يعترض على المقدور فأما اظهار البلاء لا على وجه
الشكوى فلا ينافي الصبر قال الله تعالى في أيوب عليه السلام انا وجدناه صابرا نعم العبد مع
أنه قال إني مسني الضر والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم والقرآن حجة لك أو عليك
فمعناه ظاهر أي تنتفع به إن تلوته وعملت به والا فهو حجة عليك وأما قوله صلى الله عليه وسلم
كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها فمعناه كل انسان يسعى بنفسه فمنهم من
يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها
أي يهلكها والله أعلم
وجوب الطهارة للصلاة
في اسناده (أبو كامل الجحدي) بفتح الجيم واسكان الحاء المهملة وفتح الدال واسمه الفضيل
ابن حسن منسوب إلى جد له اسمه جحدر وتقدم بيانه مرات وفيه (أبو عوانة) واسمه الوضاح
ابن عبد الله قوله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول) هذا
الحديث نص في وجوب الطهارة للصلاة وقد أجمعت الأمة على
أن الطهارة شرط في صحة
الصلاة قال القاضي عياض واختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة فذهب ابن الجهم إلى أن
الوضوء في أول الاسلام كان سنة ثم نزل فرضه في آية التيمم قال الجمهور بل كان قبل ذلك
فرضا قال واختلفوا في أن الوضوء فرض على كل قائم إلى الصلاة أم على المحدث خاصة
102

فذهب ذاهبون من السلف إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض دليل قوله تعالى إذا قمتم إلى
الصلاة الآية وذهب قوم إلى أن ذلك قد كان ثم نسخ وقيل الأمر به لكل صلاة على الندب
وقيل بل لم يشرع الا لمن أحدث ولكن تجديده لكل صلاة مستحب وعلى هذا أجمع أهل الفتوى
بعد ذلك ولم يبق بينهم فيه خلاف ومعنى الآية عندهم إذا كنتم محدثين هذا كلام القاضي رحمه
الله تعالى واختلف أصحابنا في الموجب للوضوء على ثلاثة أوجه أحدها أنه يجب بالحدث
وجوبا موسعا والثاني لا يجب الا عند القيام إلى الصلاة والثالث يجب بالأمرين وهو الراجح
عند أصحابنا وأجمعت الأمة على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب ولا فرق بين
الصلاة المفروضة والنافلة وسجود التلاوة والشكر وصلاة الجنازة الا ما حكى عن الشعبي ومحمد
ابن جرير الطبري من قولهما تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة وهذا مذهب باطل وأجمع العلماء
على خلافه ولو صلى محدثا متعمدا بلا عذر أثم ولا يكفر عندنا وعند الجماهير وحكى عن أبي
حنيفة رحمه الله تعالى أنه يكفر لتلاعبه ودليلنا أن الكفر للاعتقاد وهذا المصلى اعتقاده صحيح وهذا
كله إذا لم يكن للمصلى محدثا عذر أما المعذور كمن لم يجد ماء ولا ترابا ففيه أربعة أقوال للشافعي
رحمه الله تعالى وهي مذاهب للعلماء قال بكل واحد منها قائلون أصحها عند أصحابنا يجب عليه أن
يصلى على حاله ويحب أن يعيد إذا تمكن من الطهارة والثاني يحرم عليه أن يصلى ويحب القضاء
والثالث يستحب أن يصلي ويجب القضاء والرابع يجب أن يصلي ولا يجب القضاء وهذا القول
اختيار المزني وهو أقوى الأقوال دليلا فاما وجوب الصلاة فلقوله صلى الله عليه وسلم وإذا
أمرتك بأمر فافعلوا منه ما استطعتم وأما الإعادة فإنما تجب بأمر مجدد والأصل عدمه وكذا
يقول المزني كل صلاة أمر بفعلها في الوقت على نوع من الخلل لا يجب قضاؤها والله أعلم
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ
فمعناه حتى يتطهر بماء أو تراب وإنما اقتصر صلى الله عليه وسلم على الوضوء لكونه الأصل
والغالب والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم ولا صدقة من غلول فهو بضم الغين والغلول
الخيانة وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة وأما قول ابن عامر ادع لي فقال ابن عمر
رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يقبل الله صلاة بغير طهور
ولا صدقة من غلول وكنت على البصرة فمعناه
أنك لست بسالم من الغلول فقد كنت واليا على
103

البصرة وتعلقت بك تبعات من حقوق الله تعالى وحقوق العباد ولا يقبل الدعاء لمن هذه صفته
كما لا تقبل الصلاة والصدقة الا من متصون والظاهر والله أعلم أن ابن عمر قصد زجر بن عامر
وحثه على التوبة وتحريضه على الاقلاع عن المخالفات ولم يرد القطع حقيقة بأن الدعاء للفساق
لا ينفع فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم والسلف والخلف يدعون للكفار وأصحاب المعاصي بالهداية
والتوبة والله أعلم قوله (حدثنا محمد بن مثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي عن زائدة قال أبو بكر ووكيع حدثنا عن إسرائيل
كلهم عن سماك بن حرب) أما قوله كلهم فيعني به شعبة وزائدة وإسرائيل فأما قوله قال
أبو بكر ووكيع حدثنا فمعناه أن أبا بكر بن أبي شيبة رواه عن حسين بن علي عن زائدة ورواه
أبو بكر أيضا عن وكيع عن إسرائيل فقال أبو بكر ووكيع حدثنا وهو بمعنى قوله حدثنا وكيع وسقط
في بعض الأصول لفظة حثنا وبقي قوله أبو بكر ووكيع عن إسرائيل وهو صحيح أيضا
ويكون معطوفا على قول أبي بكر أولا حدثنا حسين أي وحدثنا وكيع عن إسرائيل ووقع في
بعض الأصول هكذا قال أبو بكر وحدثنا وكيع وكله صحيح والله أعلم
104

صفة الوضوء وكماله
فيه حرملة التجيبي هو بضم التاء وفتحها وقد تقدم بيانه في أول الكتاب في مواضع والله أعلم قوله
(عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد أخبره أن حمران أخبره) هؤلاء ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض
وحمران أن بضم الحاء قوله (فغسل كفيه ثلاث مرات) هذا دليل على أن غسلهما في أول الوضوء سنة وهو
كذلك باتفاق العلماء وقوله (ثم تمضمض واستنثر) قال جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثون الاستنثار
هو اخراج الماء من الانف بعد الاستنشاق وقال ابن الاعرابي وابن قتيبة الاستنثار الاستنشاق والصواب
الأول ويدل عليه الرواية الأخرى استنشق واسنتثر فجمع بينهما قال أهل اللغة هو مأخوذ من النثرة
وهي طرف الأنف وقال الخطابي وغيره هي الانف والمشهور الأول قال الأزهري روى سلمة عن
الفراء أنه يقال نثر الرجل وانتثر واستنثر إذا حرك النثرة في الطهارة والله أعلم وأما حيقيقة المضمضة
فقال أصحابنا كمالها أن يجعل الماء في فمه ثم يديره فيه ثم يمجه وأما أقلها فأن يجعل الماء في فيه ولا يشترط
إدارته على المشهور الذي قاله الجمهور وقال جماعة من أصحابنا يشترط وهو مثل الخلاف في مسح الرأس
أنه لو وضع يده المبتلة على رأسه ولم يمرها هل يحصل المسح والأصح الحصول كما يكفي ايصال الماء إلى
باقي الأعضاء من غير دلك وأما الاستنشاق فهو ايصال الماء إلى داخل الانف وجذبه بالنفس
إلى أقصاه ويستحب المبالغة في المضمضة والاستنشاق الا أن يكون صائما فيكره ذلك لحديث
لقيط أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وبالغ في الاستنشاق الا أن يكون صائما وهو حديث
صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة قال الترمذي هو حديث حسن
صحيح قال أصحابنا
وعلى أي صفة وصل الماء إلى الفم والانف حصلت المضمضة والاستنشاق
وفي الأفضل خمسة أوجه الأول يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات يتمضمض من كل
105

واحدة ثم يستنشق منها والوجه الثاني يجمع بينهما بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق
منها ثلاثا والوجه الثالث يجمع أيضا بغرفة ولكن يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يتمضمض
منها ثم يستنشق ثن يتمضمض منها ثم يستنشق والرابع يفصل بينهما بغرفتين فيتمضمض من
إحداهما ثلاثا ثم يستنشق من الأخرى ثلاثا والخامس يفصل بست غرفات يتمضمض بثلاث
غرفات ثم يستنشق بثلاث غرفات والصحيح الوجه الأول وبه جاءت الأحاديث الصحيحة
في البخاري ومسلم وغيرها وأما حديث الفصل فضعيف فيتعين المصير إلى الجمع بثلاث غرفات
كما ذكرنا لحديث عبد الله بن زيد المذكور في الكتاب واتفقوا على أن المضمضة على كل قول
مقدمة على الاستنشاق وعلى كل صفة وهل هو تقديم استحباب واشتراط فيه وجهان أظهرهما
اشتراط لاختلاف العضوين والثاني استحباب كتقديم يده اليمنى على اليسرى والله أعلم قوله
(ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ثم غسل يده اليسرى
مثل ذلك ثم مسح رأسه ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ثم غسل اليسرى
مثل ذلك) هذا الحديث أصل عظيم في صفة الوضوء وقد أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل
الأعضاء مرة مرة وعلى أن الثلاث سنة وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة وثلاثا
ثلاثا وبعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين وبعضها مرة قال العلماء فاختلافها دليل على جواز
ذلك كله وأن الثلاث هي الكمال والواحدة تجزئ فعلى هذا يحمل اختلاف الأحاديث وأما
اختلاف الرواة فيه عن الصحابي الواحد في القصة الواحدة فذلك محمول على أن بعضهم حفظ
وبعضهم نسي فيؤخذ بما زاد الثقة كما تقرر من قبول زيادة الثقة الضابط واختلف العلماء
في مسح الرأس فذهب الشافعي في طائفة إلى أنه يستحب فيه المسح ثلاث مرات كما في باقي
الأعضاء وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والأكثرون إلى أن السنة مرة واحدة ولا يزاد عليها
106

والأحاديث الصحيحة فيها المسح مرة واحدة وفى بعضها الاقتصار على قوله مسح واحتج الشافعي
بحديث عثمان رضي الله عنه الآتي في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا
وبما رواه أبو داود في سننه أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ثلاثا وبالقياس على باقي
الأعضاء وأجاب عن أحاديث المسح مرة واحدة بان ذلك لبيان الجواز وواظب صلى الله عليه وسلم
على الأفضل والله أعلم وأجمع العلماء على وجوب غسل الوجه واليدين والرجلين واستيعاب
جميعهما بالغسل وانفردت الرافضة عن العلماء فقالوا الواجب المسح وهذا خطأ
منهم فقد تظاهرت النصوص بايجاب غسلهما وكذلك اتفق كل من نقل وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم
على أنه غسلهما وأجمعوا على وجوب مسح الرأس واختلفوا في قدر الواجب
فيه فذهب الشافعي في جماعة إلى أن الواجب ما يطلق عليه الاسم ولو شعرة واحدة وذهب مالك
وأحمد وجماعة إلى وجوب استيعابه وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في رواية الواجب
ربعه واختلفوا في وجوب المضمضة والاستنشاق على أربعة مذاهب أحدها مذهب مالك
والشافعي وأصحابهما أنهما سنتان في الوضوء والغسل وذهب إليه من السلف الحسن البصري
والزهري والحكم وقتادة وربيعة ويحي بن سعيد الأنصاري والأوزاعي والليث بن سعد وهو رواية
عن عطاء وأحمد والمذهب الثاني أنهما واجبتان في الوضوء والغسل لا يصحان الا بهما
وهو المشهور عن أحمد بن حنبل وهو مذهب ابن أبي ليلي وحماد وإسحاق بن راهويه ورواية
عن عطاء والمذهب الثالث أنهما واجبتان في الغسل دون الوضوء وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه
وسفيان الثوري والمذهب الرابع أن الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل والمضمضة سنة فيهما
وهو مذهب أبي ثور وأبي عبيد وداود الظاهري وأبي بكر بن المنذر ورواية عن أحمد والله
أعلم واتفق الجمهور على أنه يكفي في غسل الأعضاء في الوضوء والغسل جريان الماء على الأعضاء
ولا يشترط الدلك وانفرد مالك والمزني باشتراطه والله أعلم واتفق الجماهير على وجوب غسل
الكعبين والمرفقين وانفرد زفر وداود الظاهري بقولهما لا يجب والله أعلم واتفق العلماء على
أن المراد بالكعبين العظمان الناتئان بين الساق والقدم وفي كل رجل كعبان وشذت الرافضة
فقالت في كل رجل كعب وهو العظم الذي في ظهر القدم وحكى هذا عن محمد بن الحسن ولا
يصح عنه وحجة العلماء في ذلك نقل أهل اللغة والاشتقاق وهذا الحديث الصحيح الذي نحن
107

فيه وهو قوله فغسل رجله اليمنى إلى الكعبين ورجله اليسرى كذلك فأثبت في كل رجل كعبين
والأدلة في المسألة كثيرة وقد أوضحتها بشواهدها وأصولها في المجموع في شرح المهذب وكذلك
بسطت فيه أدلة هذه المسائل واختلاف المذاهب وحجج الجميع من الطوائف وأجوبتها والجمع
بين النصوص المختلفة فيها وأطنبت فيها غاية الاطناب وليس مرادي هنا الا الإشارة إلى ما يتعلق
بالحديث والله أعلم قال أصحابنا ولو خلق للانسان وجهان وجب غسلهما ولو خلق له ثلاثة
أيد أو أرجل أو أكثر وهي متساويات وجب غسل الجميع وان كانت اليد الزائدة ناقصة وهي
نابتة في محل الفرض وجب غسلها مع الأصلية وان كانت نابتة فوق المرفق ولم تحاذ محل الفرض
لم يجب غسلها وان حاذته وجب غسل المحاذي خاصة على المذهب الصحيح المختار وقال بعض أصحابنا
لا يجب ولو قطعت يده من فوق المرفق فلا فرض عليه فيها ويستحب أن يغسل بعض ما بقي لئلا
يخلو العضو من طهارة فلو قطع بعض الذراع وجب غسل باقيه والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من
ذنبه) إنما قال صلى الله عليه وسلم نحو وضوئي ولم يقل مثل لان حقيقة مماثلته صلى الله عليه وسلم
لا يقدر عليها غيره والمراد بالغفران الصغائر دون الكبائر وفيه استحباب صلاة ركعتين
فأكثر عقب كل وضوء وهو سنة مؤكدة قال جماعة من أصحابنا ويفعل هذه الصلوات في أوقات
النهي وغيرها لأن لها سببا واستدلوا بحديث بلال رضي الله عنه المخرج في صحيح البخاري أنه كان
متى توضأ صلى وقال أنه أرجى عمل له ولو صلى فريضة أو نافلة مقصودة حصلت له هذه الفضيلة
كما تحصل تحية المسجد بذلك والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا يحدث
فيهما نفسه فالمراد
لا يحدث بشئ من أمور الدنيا ومالا يتعلق بالصلاة ولو عرض له حديث فأعرض عنه بمجرد
عروضه عفى عن ذلك وحصلت له هذه الفضيلة أن شاء الله تعالى لان هذا ليس من فعله وقد عفى
لهذه الأمة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر وقد تقدم بيان هذه القاعدة في كتاب الايمان
108

والله تعالى أعلم وقد قال معنى ما ذكرته الإمام أبو عبد الله المازري وتابعه عليه القاضي عياض
فقال يريد بحديث النفس الحديث المجتلب والمكتسب وأما ما يقع في الخواطر غالبا فليس هو
المراد قال وقوله يحدث نفسه فيه إشارة إلى أن ذلك الحديث مما يكتسب لإضافته إليه قال القاضي
عياض وقال بعضهم هذا الذي يكون بغير قصد يرجى أن تقبل معه الصلاة ويكون دون صلاة
من لم يحدث نفسه بشئ لان النبي صلى الله عليه وسلم إنما ضمن الغفران لمراعي ذلك لأنه قل من
تسلم صلاته من حديث النفس وإنما حصلت له هذه المرتبة لمجاهدة نفسه من خطرات الشيطان
ونفيها عنه ومحافظته عليها حتى لم يشتغل عنها طرفة عين وسلم من الشيطان باجتهاده وتفريغه قلبه
هذا كلام القاضي والصواب ما قدمته والله أعلم قوله (قال ابن شهاب وكان علماؤنا يقولون هذا
أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة) معناه هذا أتم الوضوء وقد أجمع العلماء على كراهة الزيادة على الثلاث
والمراد بالثلاث المستوعبة للعضو وأما إذا لم تستوعب العضو الا بغرفتين فهي غسلة واحدة
ولو شك هل غسل ثلاثا أم اثنتين جعل ذلك اثنتين وأتي بثالثة هذا هو الصواب الذي قاله الجماهير
من أصحابنا وقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا يجعل ذلك ثلاثا ولا يزيد عليها مخافة من
ارتكاب بدعة بالرابعة والأول هو الجاري على القواعد وإنما تكون الرابعة بدعة
ومكروهة إذا تعمد كونها رابعة والله أعلم وقد يستدل بقول ابن شهاب هذا من يكره
غسل ما فوق المرفقين والكعبين وليس ذلك بمكروه عندنا بل هو سنة محبوبة وسيأتي
بيانها في بابها أن شاء الله تعالى ولا دلالة في قول ابن شهاب على كراهته فان مراده العدد
كما قدمناه ولو صرح
ابن شهاب أو غيره بكراهة ذلك كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم
الصحيحة مقدمة عليه والله أعلم قوله (أنه رأى عثمان رضي الله عنه دعا باناء فأفرغ على
109

كفيه ثلاث مرات فغسلهما ثم أدخل يمينه في الاناء فمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاث
مرات) فيه أن السنة في المضمضة والاستنشاق أن يأخذ الماء لهما بيمينه وقد يستدل
به على أن المضمضة والاستنشاق يكونان بغرفة واحدة وهو أحد الأوجه الخمسة التي قدمتها
ووجه الدلالة منه أنه ذكر تكرار غسل الكفين والوجه وأطلق أخذ الماء للمضمضة والله
أعلم ويستدل به على استحباب غسل الكفين قبل ادخالهما الانا وان لم يكن قد قام من النوم
إذا شك في نجاسة يده وهو مذهبنا والدلالة منه ظاهرة وسيأتي بيان هذه المسألة في بابها قريبا أن
شاء الله تعالى والله أعلم
فضل الوضوء والصلاة عقبه
قوله (وهو بفناء المسجد) هو بكسر الفاء وبالمد أي بين يدي المسجد وفي جواره والله
أعلم قوله (والله لأحدثنكم حديثا) فيه جواز الحلف من غير ضرورة الاستحلاف قوله
(لولا آية في كتاب الله تعالى ما حدثتكم ثم قال عروة الآية أن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات
110

الآية) معناه لولا أن الله تعالى أوجب على من علم علما ابلاغه لما كنت حريصا
على تحديثكم ولست متكثرا بتحديثكم وهذا كله على ما وقع في الأصول التي ببلادنا ولأكثر الناس
من غيرهم لولا آية بالياء ومد الألف قال القاضي عياض وقع للرواة في الحديثين لولا آية بالياء
الا الباجي فإنه رواه في الحديث الأول لولا أنه بالنون قال واختلف رواة مالك في هذين
اللفظين قال واختلف العلماء في تأويل ذلك ففي مسلم قول عروة أن الآية هي قوله تعالى إن
الذي يكتمون ما أنزلنا من البينات وعلى هذا لا تصح رواية النون وفي الموطأ قال ما لك أراه
يريد هذه الآية وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل الآية وعلى هذا تصح الروايتان ويكون
معنى رواية النون لولا أن معنى ما أحدثكم به في كتاب الله تعالى ما حدثتكم به لئلا تتكلوا قال
القاضي والآية التي رآها عروة وان كانت نزلت في أهل الكتاب ففيه تنبيه وتحذير لمن فعل فعلهم
وسلك سبيلهم مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عم في الحديث المشهور من كتم علما ألجمه الله
بلجام من نار هذا كلام القاضي والصحيح تأويل عروة والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(فيحسن الوضوء) أي يأتي به تاما بكمال صفته وآدابه وفي هذا الحديث الحث على الاعتناء
بتعلم آداب الوضوء وشروطه والعمل بذلك والاحتياط فيه والحرص على أن يتوضأ على وجه
يصح عند جميع العلماء ولا يترخص بالاختلاف فينبغي أن يحرص على التسمية والنية والمضمضة
والاستنشاق والاستنثار واستيعاب مسح الرأس ومسح الاذنين ودلك الأعضاء والتتابع في الوضوء
وترتيبه وغير ذلك من المختلف فيه وتحصيل ماء طهور بالاجماع والله سبحانه وتعالى أعلم
قوله صلى الله عليه وسلم (غفر له ما بينه وبين الصلاة
التي تليها) أي
التي بعدها فقد جاء في
111

الموطأ التي تليها حتى يصليها قوله (عن صالح قال قال ابن شهاب ولكن عروة يحدث عن
حمران أنه قال توضأ عثمان) هذا اسناد اجتمع فيه أربعة تابعيون مدنيون يروي بعضهم عن بعض
وفيه لطيفة أخرى وهو من رواية الأكابر عن الأصاغر فان صالح بن كيسان أكبر سنا من الزهري
وقوله (ولكن هو متعلق بحدث قبله) قوله صلى الله عليه وسلم (كانت كفارة لما قبلها من الذنوب
ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله) معناه أن الذنوب كلها تغفر الا الكبائر فإنها لا تغفر وليس
المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة فان كانت
لا يغفر شئ من الصغائر فان هذا وإن كان محتملا
فسياق الأحاديث يأباه قال القاضي عياض هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤت
كبيرة هو مذهب أهل السنة وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله والله أعلم
112

وقوله صلى الله عليه وسلم وذلك الدهر كله أي ذلك مستمر في جميع الأزمان ثم إنه وقع في هذا
الحديث (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوئها وخشوعها وركوعها الا
كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة) وفي الرواية المتقدمة من توضأ نحو وضوئي
هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه وفي الرواية الأخرى الا غفر له
ما بينه وبين الصلاة التي تليها وفي الحديث الآخر (من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه وكانت
صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة) وفي الحديث الآخر الصلوات الخمس كفارة لما بينهن وفي
الحديث الآخر الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت
الكبائر فهذه الألفاظ كلها ذكرها مسلم في هذا الباب وقد يقال إذا كفر الوضوء فماذا تكفر الصلاة وإذا
كفرت الصلاة فماذا تكفر الجمعات ورمضان وكذلك صوم يوم عرفة كفارة سنتين ويوم عاشوراء
كفارة سنة وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه والجواب ما أجابه العلماء
أن كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير فان وجد ما
يكفره من الصغائر كفره وان لم
يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات ورفعت به درجات وان صادفت كبيرة أو كبائر
ولم يصادف صغيرة رجونا أن يخفف من الكبائر والله أعلم وقوله عن أبي النضر عن أبي أنس
113

أن عثمان رضي الله عنه توضأ بالمقاعد فقال ألا أريكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم توضأ
ثلاثا ثلاثا) وزاد قتيبة في روايته قال سفيان قال أبو النضر عن أبي أنس قال وعنده رجال من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو النضر فاسمه سالم بن أمية المدني القرشي التيمي مولى عمر بن
عبد الله التيمي وكاتبه وأما أبو أنس فاسمه مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني وهو جد مالك
ابن أنس الامام والد أبي سهيل عم مالك وأما المقاعد فبفتح الميم وبالقاف قيل هي دكاكين
عند دار عثمان بن عفان وقيل درج وقيل موضع بقرب المسجد اتخذه للقعود فيه لقضاء حوائج
الناس والوضوء ونحو ذلك وأما قوله توضأ ثلاثا ثلاثا فهو أصل عظيم في أن السنة في الوضوء ثلاثا
ثلاثا وقد قدمنا أنه مجمع على أنه سنة وأن الواجب مرة واحدة وفيه دلالة للشافعي ومن وافقه
في أن المستحب في الرأس أن يمسح ثلاثا كباقي الأعضاء وقد جاءت أحاديث كثيرة بنحو هذا الحديث
وقد جمعتها مبينة في شرح المهذب ونبهت على صحيحها من ضعيفها وموضع الدلالة منها وأما قوله وعنده
رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمعناه أن عثمان قال ما قاله والرجال عنده فلم يخالفوه
وقد جاء في رواية رواها البيهقي وغيره أن عثمان رضي الله تعالى عنه توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال
لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيتم رسول الله فعل هذا قالوا نعم
والله أعلم قوله (حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي النضر عن أبي أنس أن عثمان توضأ) هذا
الاسناد من جملة ما استدركه الدارقطني وغيره قال أبو علي الغساني الجياني مذكور أن وكيع بن الجراح
وهم في اسناد هذا الحديث في قوله عن أبي أنس وإنما يرويه أبو النضر عن بسر بن سعيد عن عثمان
ابن عفان روينا هذا عن أحمد بن حنبل وغيره قال وهكذا قال الدارقطني هذا مما وهم فيه وكيع
على الثوري وخالفه أصحاب الثوري الحفاظ منهم الأشجعي عبد الله وعبد الله بن الوليد ويزيد
ابن أبي حكيم والفريابي ومعاوية بن هشام وأبو حذيفة وغيرهم رووه عن الثوري عن أبي النضر عن
114

بسر بن سعيد أن عثمان وهو الصواب هذا آخر كلام أبي على وقوله (عن جامع بن شداد أبي صخرة)
هو بفتح الصاد المهملة ثم خاء معجمة ساكنة ثم راء ثم هاء وقد تقدم ضبطه قوله (فما أتى عليه يوم
الا وهو يفيض عليه نطفة) النطفة بضم النون وهي الماء القليل ومراده لم يكن يمر عليه يوم
الا اغتسل فيه وكانت ملازمته للاغتسال محافظة على تكثير الطهر وتحصيل ما فيه من عظيم الأجر الذي
ذكره في حديثه والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ما أدري أحدثكم بشئ أو أسكت قال
فقلنا يا رسول الله إن كان خيرا فحدثنا وإن كان غير ذلك فالله ورسوله أعلم) أما قوله صلى الله عليه وسلم
ما أدري أحدثكم أو أسكت فيحتمل أن يكون معناه ما أدري هل ذكرى لكم هذا
الحديث في هذا الزمن مصلحة أم لا ثم ظهرت مصلحته في الحال عنده صلى الله عليه وسلم
فحدثهم به لما فيه من ترغيبهم في الطهارة وسائر أنواع الطاعات وسبب توقفه أولا أنه خاف
مفسدة اتكالهم ثم رأى المصلحة في التحديث به وأما قولهم إن كان خيرا فحدثنا فيحتمل أن
يكون معناه أن كان بشارة لنا وسببا لنشاطنا وترغيبنا في الاعمال أو تحذيرا وتنفيرا من
المعاصي والمخالفات
فحدثنا به لنحرص على عمل الخير والاعراض عن الشر وإن كان حديثا
لا يتعلق بالاعمال ولا ترغيب فيه ولا ترهيب فالله ورسوله أعلم ومعناه فر فيه رأيك والله أعلم
قوله (ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب الله تعالى عليه فيصلى هذه الصلوات
115

الخمس الا كانت كفارة لما بينهن) هذه الرواية فيها فائدة نفيسة وهي قوله صلى الله عليه وسلم
الطهور الذي كتبه الله عليه فإنه دال على أن من اقتصر في وضوئه على طهارة الأعضاء الواجبة
وترك السنن والمستحبات كانت هذه الفضيلة حاصلة له وإن كان من أتى بالسنن أكمل وأشد
تكفيرا والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (لا ينهزه الا الصلاة) هو بفتح الياء والهاء واسكان
النون بينهما ومعناه لا يدفعه وينهضه ويحركه الا الصلاة قال أهل اللغة نهزت الرجل
أنهزه إذا دفعته ونهز رأسه أي حركه قال صاحب المطالع وضبطه
بعضهم ينهزه بضم الياء
وهو خطأ ثم قال وقيل هي لغة والله أعلم وفي هذا الحديث الحث على الاخلاص في الطاعات
وأن تكون متمحضة لله تعالى والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (غفر له ما خلا من ذنبه) أي مضى
116

قوله (أن الحكيم بن عبد الله القرشي حدثه أن نافع بن جبير وعبد الله بن أبي
سلمة حدثاه أن معاذ بن عبد الرحمن حدثهما عن حمران) هذا الاسناد اجتمع فيه
الحكيم بضم الحاء وفتح الكاف ونافع بن جبير ومعاذ وحمران قوله (مولى الحرقة)
هو بضم الحاء المهملة وفتح الراء تقدم بيانه أول الكتاب قوله (حدثنا ابن وهب عن
أبي صخر) هو أبو صخر من غير هاء في آخره واسمه حميد بن زياد وقيل حميد ابن
صخر وقيل حماد بن زياد ويقال له أبو الصخر الخراط صاحب العباء المدني سكن مصر
117

قوله صلى الله عليه وسلم (ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما) فيه جواز قول رمضان من
غير إضافة شهر إليه وهذا هو الصواب ولا وجه لانكار من أنكره وستأتي المسألة في كتاب
الصيام أن شاء الله تعالى واضحة مبسوطة بشواهدها قوله صلى الله عليه وسلم (إذا اجتنب
الكبائر) هكذا هو في أكثر الأصول اجتنب آخره باء موحدة والكبائر منصوب أي إذا
اجتنب فاعلها الكبائر وفي بعض الأصول اجتنبت بزيادة تاء مثناة في أخره على ما لم يسم فاعله
ورفع الكبائر وكلاهما صحيح ظاهر والله أعلم
الذكر المستحب عقب الوضوء قال مسلم
(حدثني محمد بن حاتم بن ميمون حدثن عبد الرحمن بن نهدي عن ريبعة يعنى ابن يزيد
عن أبي إدريس الخولاني عن عقبة بن عامر قال وحدثني أبو عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة
118

ابن عامر) ثم قال مسلم (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن
صالح ميمون عن ربيعة بين يزيد عن أبي إدريس وأبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة)
اعلم أن العلماء اختلفوا في القائل في الطريق الأول وحدثني أبو عثمان من هو فقيل هو معاوية بن
صالح وقيل ربيعة بن يزيد قال أبو علي الغساني الجياني في تقييد المهمل الصواب أن القائل ذلك
هو معاوية بن صالح قال وكتب أبو عبد الله بن الحذاء في نسخته قال ربيعة بن يزيد وحدثني
أبو عثمان عن جبير عن عقبة قال أبو علي والذي أتي في النسخ المروية عن مسلم هو ما ذكرناه
أولا يعنى ما قدمته أنا هنا قال وهو الصواب قال وما أتى به ابن الحذاء وهم منه وهذا بين من رواية
الأئمة الثقاة الحفاظ وهذا الحديث يرويه معاوية بن صالح باسنادين أحدهما عن ربيعة بين يزيد
عن أبي إدريس عن عقبة والثاني عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة قال أبو علي وعلى
ما ذكرنا من الصواب خرجه أبو مسعود الدمشقي فصرح وقال قال معاوية بن صالح وحدثني أبو
عثمان عن جبير عن عقبة ثم ذكر أبو علي طرقا كثيرة فيها التصريح بأنه معاوية بن صالح وأطنب
أبو علي في ايضاح ما صوبه وكذلك جاء التصريح بكون القائل هو معاوية بن صالح في سنن
أبي داود فقال أبو داود حدثنا أحمد بن سعيد عن ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي
عثمان وأظنه سعيد بن هانئ عن جبير بن نفير عن عقبة قال معاوية وحدثني ربيعة عن يزيد
عن أبي إدريس عن عقبة هذا لفظ أبي داود وهو صريح فيما قدمناه وأما قوله في الرواية
الأخرى من طريق ابن أبي شيبة (حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي
إدريس
وأبي عثمان عن جبير) فهو محمول على ما تقدم فقوله وأبي عثمان معطوف على ربيعة وتقديره
حدثنا معاوية عن ربيعة عن أبي إدريس عن جبير وحدثنا معاوية عن أبي عثمان عن جبير
والدليل على هذا التأويل والتقدير ما رواه أبو علي الغساني باسناده عن عبد الله بن محمد
119

البغوي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح عن
ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن عقبة قال معاوية وأبو عثمان عن جبير بن نفير
عن عقبة قال أبو علي فهذا الاسناد يبين ما أشكل من رواية مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة
قال أبو علي وقد روي عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح هذا الحديث أيضا فبين
الاسنادين معا ومن أين مخرجهما فذكر ما قدمناه من رواية أبي داود عن أحمد بن سعيد عن ابن
وهب قال أبو علي وقد خرج أبو عيسى الترمذي في مصنفه هذا الحديث من طريق زيد بن
الحباب عن شيخ له لم يقم اسناده عن زيد وحمل أبو عيسى في ذلك على زيد بن الحباب وزيد
برئ من هذه العهدة والوهم في ذلك من أبي عيسى أو من شيخه الذي حدثه به لأنا قدمنا
من رواية أئمة حفاظ عن زيد بن الحباب ما خالف ما ذكره أبو عيسى والحمد لله وذكره أبو
عيسى أيضا في كتاب العلل وسؤالاته محمد بن إسماعيل البخاري فلم يجوده وأتى فيه عنه بقول
يخالف ما ذكرنا عن الأئمة ولعله لم يحفظه عنه وهذا حديث مختلف في اسناده وأحسن طرقه
ما خرجه مسلم بن الحجاج من حديث ابن مهدي وزيد بن الحباب عن معاوية بن صالح قال أبو علي
وقد رواه عثمان بن أبي شيبة أخو أبي بكر عن زيد بن الحباب فزاد في اسناده رجلا وهو
جبير بن نفير ذكره أبو داود في سننه في باب كراهة الوسوسة بحديث النفس في الصلاة فقال
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد
عن أبي إدريس الخولاني عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر فذكر الحديث هذا آخر كلام
أبي على الغساني وقد أتقن رحمه الله تعالى هذا الاسناد غاية
الاتقان والله أعلم واسم أبي إدريس
عائذ الله بالذال المعجمة ابن عبد الله وأما زيد بن الحباب فبضم الحاء المهملة وبالباء الموحدة
المكررة والله أعلم قوله كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشى معنى هذا الكلام
أنهم كانوا يتناوبون رعى إبلهم فيجتمع الجماعة ويضمون إبلهم بعضها إلى بعض فيرعاها كل
120

يوم واحد منهم ليكون أرفق بهم وينصرف الباقون في مصالحهم والرعاية بكسر الراء وهي الرعى
وقوله روحتها بعشى أي رددتها إلى مراحها في آخر النهار وتفرغت من أمرها ثم جئت إلى مجلس
رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم (فيصلى ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه)
هكذا هو في الأصول مقبل أي وهو مقبل وقد جمع صلى الله عليه وسلم بهاتين اللفظتين أنواع
الخضوع والخشوع لان الخضوع في الأعضاء والخشوع بالقلب على ما قاله جماعة من العلماء قوله
ما أجود هذه يعنى هذه الكلمة أو الفائدة أو البشارة أو العبادة وجودتها من جهات منها أنها
سهلة متيسرة يقدر عليها كل أحد بلا مشقة ومنها أن أجرها عظيم والله أعلم قوله جئت آنفا أي
قريبا وهو بالمد على اللغة المشهورة وبالقصر على لغة صحيحة قرئ بها في السبع قوله صلى الله عليه وسلم
(فيبلغ أو يسبغ الوضوء) هما بمعنى واحد أي يتمه ويكمله فيوصله مواضعه
على الوجه المسنون والله أعلم أما أحكام الحديث ففيه أنه يستحب للمتوضئ أن يقول عقب
وضوئه أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وهذا متفق عليه
وينبغي أن يضم إليه ما جاء في رواية الترمذي متصلا بهذا الحديث اللهم اجعلني
من التوابين واجعلني من المتطهرين ويستحب أن يضم إليه ما رواه النسائي في كتابه عمل اليوم والليلة مرفوعا سبحانك
اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك وأتوب إليك قل أصحابنا
وتستحب هذه الأذكار للمغتسل أيضا والله أعلم
باب آخر في صفته الوضوء
فيه حديث عبد الله بن زيد بن عاصم وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه صاحب الاذان كذا
قاله الحفاظ من المتقدمين والمتأخرين وغلطوا سفيان بن عيينة في قوله هو هو وممن نص على غلطه
في ذلك البخاري في كتاب الاستسقاء من صحيحه وقد قيل أن صاحب الاذان لا يعرف له غير
121

حديث الاذان والله أعلم قوله (فدعا باناء فأكفأ منها على يديه) هكذا هو في الأصول منها وهو
صحيح أي من المطهرة أو الإداوة وقوله أكفأ هو بالهمز أي أمال وصب وفيه استحباب تقديم
غسل الكفين قبل غمسهما في الاناء قوله (فمضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا)
وفي الرواية التي بعدها فمضمض واستنشق واستنثر من ثلاث غرفات في هذا الحديث دلالة ظاهرة
للمذهب الصحيح المختار أن السنة في المضمضة والاستنشاق أن يكون بثلاث غرفات يتمضمض
ويستنشق من كل واحدة منها وقد قدمنا ايضاح هذه المسألة والخلاف فيها في الباب الأول والله
أعلم وقوله في الرواية الثانية فمضمض واستنشق واستنثر فيه حجة للمذهب المختار الذي عليه الجماهير
من أهل اللغة وغيرهم أن الاستنثار غير الاستنشاق خلافا لما قاله ابن الاعرابي وابن قتيبة أنهما
بمعنى واحد وقد تقدم في الباب الأول ايضاحه والله أعلم قوله (ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل
وجهه ثلاثا) هكذا وقع في صحيح مسلم أدخل يده بلفظ الافراد وكذا في أكثر روايات البخاري
ووقع في رواية للبخاري في حديث عبد الله بن زيد هذا ثم أدخل يديه فاغترف بهما فغسل
وجهه ثلاثا وفي صحيح البخاري أيضا من رواية ابن عباس ثم أخذ غرفة فجعل بها هكذا أضافها
إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وفي
سنن أبي داود والبيهقي من رواية علي رضي الله عنه في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم أدخل يديه في الاناء جميعا فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها على وجهه فهذه أحاديث في بعضها
يده وفي بعضها يديه وفي بعضها يده وضم إليها الأخرى فهي دالة على جواز الأمور الثلاثة وأن
الجميع سنة ويجمع بين الأحاديث بأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في مرات وهي ثلاثة أوجه
لأصحابنا ولكن الصحيح منها والمشهور الذي قطع به الجمهور ونص عليه الشافع رضي الله عنه
في البويطي والمزني أن المستحب أخذ الماء للوجه باليدين جميعا لكونه أسهل وأقرب إلى الاسباغ
والله أعلم قال أصحابنا ويستحب أن يبدأ في غسل وجهه بأعلاه لكونه أشرف ولأنه أقرب
122

إلى الاستيعاب والله أعلم قوله (فغسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين)
فيه دلالة على جواز مخالفة الأعضاء وغسل بعضها ثلاثا وبعضها مرتين وبعضها مرة وهذا جائز
والوضوء على هذه الصفة صحيح بلا شك ولكن المستحب تطهير الأعضاء كلها ثلاثا ثلاثا كما قدمناه
وإنما كانت مخالفتها من النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأوقات بيانا للجواز كما توضأ صلى الله عليه وسلم
مرة مرة في بعض الأوقات بيانا للجواز وكان في ذلك الوقت أفضل في حقه صلى الله عليه وسلم
لان البيان واجب عليه صلى الله عليه وسلم فان قيل البيان يحصل بالقول
فالجواب أنه
أوقع بالفعل في النفوس وأبعد من التأويل والله أعلم قوله (فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر)
هذا مستحب باتفاق العلماء فإنه طريق إلى استيعاب الرأس ووصول الماء إلى جميع شعره
قال أصحابنا وهذا الرد إنما يستحب لمن كان له شعر غير مضفور أما من لا شعر على رأسه وكان
شعره مضفورا فلا يستحب له الرد إذ لا فائدة فيه ولو رد في هذه الحالة لم يحسب الرد مسحة ثانية لأن الماء
123

صار مستعملا بالنسبة إلى ما سوى تلك المسحة والله أعلم وليس في هذا الحديث دلالة لوجوب استيعاب
الرأس بالمسح لان الحديث ورد في كمال الوضوء لا فيما لا بد منه والله أعلم قوله (فمسح برأسه فأقبل به)
أي بالمسح قوله (حدثنا هارون بن معرف وحدثني هارون بن سعيد الأيلي وأبو الطاهر قالوا حدثنا ا
بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن حبان بن واسع حدثه فذكر الحديث ثم قال في آخره قال أبو
الطاهر حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث) هذا من احتياط مسلم رحمه الله تعالى ووفور
علمه وورعه ففرق بين روايته عن شيخيه الهارونين فقال في الأول حدثنا وفي الثاني حدثني
فان روايته عن الأول كانت سماعا من لفظ الشيخ له ولغيره وروايته عن الثاني كانت له خاصة
من غير شريك له وقد قدمنا أن المستحب في مثل الأول أن يقول حدثنا وفي الثاني وحدثني
وهذا مستحب بالاتفاق وليس بواجب فاستعمله مسلم رحمه الله تعالى وقد أكثر من التحري
في مثل هذا وقد قدمت له نظائر وسيأتي أن شاء الله تعالى التنبيه على نظائره كثيرة والله أعلم
وأما قوله قال أبو الطاهر حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث فهو أيضا من احتياط مسلم
وورعه فإنه روى الحديث أولا عن شيوخه الثلاثة الهارونين وأبي الطاهر عن ابن وهب
قال أخبرني عمرو بن الحارث ولم يكن في رواية أبي الطاهر أخبرني إنما كان فيها عن عمرو
ابن الحارث وقد تقرر أن لفظة عن مختلف في حملها على الاتصال والقائلون أنها للاتصال وهم
الجماهير يوافقون على أنها دون أخبرنا فاحتاط مسلم رحمه الله تعالى وبين ذلك وكم في كتابه
من الدرر والنفائس المشابهة لهذا رحمه الله تعالى وجمع بيننا وبينه في دار كرامته والله أعلم
124

وحبان بفتح الحاء المهملة وبالموحدة والأيلي بفتح الهمزة واسكان المثناة والله أعلم قوله (ومسح
برأسه بماء غير فضل يده) وفي بعض النسخ يديه معناه أنه مسح الرأس بماء جديد لا ببقية ماء
يديه ولا يستدل بهذا على أن الماء المستعمل لا تصح الطهارة به لأن هذا اخبار عن الاتيان
بماء جديد للرأس ولا يلزم من ذلك اشتراطه والله أعلم
الايتار في الاستنثار والاستجمار
فيه قوله صلى الله عليه وسلم (إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا وإذا توضأ أحدكم فليجعل
في أنفه ماء ثم لينثر) أما الاستجمار فهو مسح محل البول والغائط بالجمار وهي الأحجار الصغار
قال العلماء يقال الاستطابة والاستجمار والاستنجاء لتطهير محل البول والغائط فأما الاستجمار
فمختص بالمسح بالأحجار وأما الاستطابة والاستنجاء فيكونان بالماء ويكونان بالأحجار هذا
الذي ذكرناه من معنى الاستجمار هو الصحيح المشهور الذي قاله الجماهير من طوائف العلماء
من اللغويين والمحدثين والفقهاء وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى اختلف قول مالك وغيره
في معنى الاستجمار المذكور في هذا الحديث فقيل هذا وقيل المراد به في البخور أن يأخذ منه
ثلاث قطع أو يأذ منه ثلاث مرات يستعمل واحدة بعد أخري قال والأول أظهر والله أعلم
والصحيح المعروف ما قدمناه والمراد بالايتار أن يكون عدد المسحات ثلاثا أو خمسا أو فوق
125

ذلك من الأوتار ومذهبنا أن الايتار فيما زاد على الثلاث مستحب وحاصل المذهب أن الانقاء واجب
واستيفاء ثلاث مسحات واجب فان حصل الانقاء بثلاث فلا زيادة وان لم يحصل وجب الزيادة
ثم أن حصل بوتر فلا زيادة وان حصل بشفع كأربع أو ست استحب الايتار وقال بعض أصحابنا
يجب الايتار مطلقا لظاهر هذا الحديث وحجة الجمهور الحديث الصحيح في السنن أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ويحملون
حديث الباب على الثلاث وعلى الندب فيما زاد والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم فليجعل
في أنفه ماء ثم لينثر ففيه دلالة ظاهرة على أن الاستنثار غير الاستنشاق وأن الانتثار هو اخراج الماء
بعد الاستنشاق مع ما في الانف من مخاط وشبهه وقد تقدم ذكر هذا وفيه دلالة لمذهب من يقول
الاستنشاق واجب لمطلق الامر ومن لم يوجبه حمل الأمر على الندب بدليل أن المأمور به حقيقة
وهو الانتثار ليس بواجب بالاتفاق فان قالوا ففي الرواية الأخرى إذا توضأ فليستنشق بمنخريه
من الماء ثم لينثر فهذا فيه دلالة ظاهرة للوجوب لكن حمله على الندب محتمل ليجمع بينه وبين
الأدلة الدالة على الاستحباب والله أعلم قوله في حديث همام (فذكر أحاديث منها وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم) قد قدمنا مرات بيان الفائدة في هذه العبارة وإنما ننبه على تقدمها ليتعاهد
قوله (بمنخريه) هما بفتح الميم وكسر الخاء وبكسرهما جميعا لغتان معروفتان قوله صلى الله عليه وسلم
126

(فليستنثر فان الشيطان يبيت على خياشيمه) قال العلماء الخيشوم أعلى الانف وقيل هو الانف كله
وقيل هي عظام رقاق لينة في أقصى الانف بينه وبين الدماغ وقيل غير ذلك وهو اختلاف متقارب
المعنى قال القاضي عياض رحمه الله تعالى يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم فان الشيطان
يبيت على خياشيمه على حقيقته فان الانف أحد منافذ الجسم التي يتوصل إلى القلب منها لا سيما
وليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غلق سواه وسوى الاذنين وفي الحديث أن الشيطان لا يفتح
غلقا وجاء في التثاؤب الامر بكظمه
من أجل دخول الشيطان حينئذ في الفم قال ويحتمل أن
يكون على الاستعارة فان ما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذارة توافق الشيطان والله أعلم
وجوب غسل الرجلين بكمالها
في الباب قوله صلى الله عليه وسلم (ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء) ومراد مسلم
127

رحمة الله تعالى بايراده هنا الاستدلال به على وجوب غسل الرجلين وأن المسح لا يجزئ وهذه
مسألة اختلف الناس فيها على مذاهب فذهب جمع من الفقهاء من أهل الفتوى في الأعصار والأمصار
إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين ولا يجزئ مسحهما ولا يجب المسح
مع الغسل ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يعتد به في الاجماع وقالت الشيعة الواجب مسحهما
وقال محمد بن جرير والجبائي رأس المعتزلة يتخير بين المسح والغسل وقال بعض أهل الظاهر
يجب الجمع بين المسح والغسل وتعلق هؤلاء المخالفون للجماهير بما لا تظهر فيه دلالة وقد أوضحت
دلائل المسألة من الكتاب والسنة وشواهدها وجواب ما تعلق به المخالفون بأبسط العبارات
المنقحات في شرح المذهب بحيث لم يبق للمخالف شبهة أصلا الا وضح جوابها من غير وجه
والمقصود هنا شرح متون الأحاديث وألفاظها دون بسط الأدلة وأجوبة المخالفين ومن أخصر
ما نذكره أن جميع من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن مختلفة وعلى صفات
متعددة متفقون على غسل الرجلين وقوله صلى الله عليه وسلم ويل للأعقاب من النار فتواعدها
بالنار لعدم طهارتها ولو كان المسح كافيا لما تواعد من ترك غسل عقيبه وقد صح من حديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قال يا رسول الله كيف الطهور فدعا بماء فغسل
كفيه ثلاثا إلى أن قال ثم غسل رجليه ثلاثا ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص
فقد أساء وظلم هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وغيره بأسانيدهم الصحيحة والله أعلم قوله
(عن سالم مولى شداد وفي الرواية الأخرى أن أبا عبد الله مولى شداد بن الهاد وفي الثالثة سالم
مولى المهري) هذه كلها صفات له وهو شخص واحد يقال له سالم مولى شداد بن الهاد وسالم
مولى المهري وسالم بالدوس وسالم مولى مالك بن أوس بن الحدثان النصري بالنون و الصاد
المهملة وسالم سبنان بفتح السين المهملة والباء الموحدة وسالم البراد و سالم
مولى البصريين وسالم أبو عبد الله المديني وسالم بن عبد الله وأبو عبيد الله مولى شداد بن الهاد فهذه كلها تقال فيه
قال أبو حاتم كان سالم من خيار المسلمين وقال عطاء بن السائب حدثني سالم البراد وكان أوثق
عندي من نفسي وأما قوله (حدثني سلمة بن شبيب حدثنا الحسن بن أعين حدثنا فليح حدثني
نعيم بن عبد الله
عن سالم مولى ابن شديد) فكذا وقع في الأصول مولى ابن شداد قيل أنه خطأ
والصواب حذف لفظة ابن كما تقدم والظاهر أنه صحيح فان مولى شداد مولى لابنه وإذا أمكن
129

تأويل ما صحت به الرواية لم يجز ابطالها لا سيما في هذا الذي قد قيل فيه هذه الأقوال والله أعلم
قوله (حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا يحي بن أبي كثير قال حدثني أو حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن
حدثنا سالم مولى المهري) هذا اسناد اجتمع فيه أربعة تابعيون يروى بعضهم عن بعض فسالم وأبو سلمة
ويحي تابعيون معروفون وعكرمة بن عمار أيضا تابعي سمع الهرماس بن زياد الباهلي الصحابي رضي
الله عنه وفي سنن أبي داود التصريح بسماعه منه والله أعلم وقوله حدثني أو حدثنا فيه أحسن احتياط
وقد تقدم التنبيه على مثل هذا قريبا وسابقا والله أعلم قوله (حدثني محمد بن حاتم وأبو معن الرقاشي)
اسم أبي معن زيد بن يزيد وقد تقدم بيانه في أوائل كتاب الايمان قوله (كنت أنا مع عائشة)
هكذا هو في الأصول المحققة التي ضبطها المتقنون أنا مع بالنون والميم بينهما ألف ووقع في كثير
من الأصول ولكثير من الرواة المشارقة والمغاربة أبايع عائشة بالباء الموحدة والياء المثناة من
المبايعة قال القاضي الصواب هو الأول قلت وللثاني أيضا وجه قوله (عن هلال بن يساف عن أبي يحيى) أما يساف
ففيه ثلاث لغات فتح الياء وكسرها واساف بكسر الهمزة قال صاحب
المطالع يقوله المحدثون بكسر الياء قال وقال بعضهم هو بفتح الياء لأنه لم يأت في كلام العرب كلمة
أولها ياء مكسور الا يسار لليد قلت والأشهر عند أهل اللغة أساف بالهمزة وقد ذكره ابن السكيت
وابن قتيبة وغيرهما فيما يغيره الناس ويلحنون فيه فقال هو هلال بن أساف وأما أبو يحيى فالأكثرون
على أن اسمه مصدع بكسر الميم واسكان الصاد وفتح الدال وبالعين المهملات وقال يحيى بن معين
اسمه زياد الأعرج المعرقب الأنصاري والله أعلم قوله (فتوضؤا وهم عجال) هو بكسر العين
جمع عجلان وهو المستعجل كغضبان وغضاب قوله (حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف
130

ابن ماهك) أما أبو عوانة فتقدم أن اسمه الوضاح بن عبد الله وأما أبو بشر فهو جعفر بن
أبي وحشية وأما ماهك فبفتح الهاء وهو غيره مصروف لأنه اسم عجمي علم قوله (وقد حضرت صلاة
العصر) أي جاء وقت فعلها ويقال حضرت بفتح الضاد وكسرها لغتان الفتح أشهر قوله (يتوضؤن
من المطهرة) قال العلماء المطهرة كل اناء يتطهر به وهي بكسر الميم وفتحها لغتان مشهورتان وذكرهما
ابن السكيت من كسر جعلها آلة ومن فتحها جعلها موضعا يفعل فيه قوله صلى الله عليه وسلم
(ويل للعراقيب من النار) العراقيب جمع عرقوب بضم العين في المفرد وفتحها في الجمع وهو العصبة
التي فوق العقب ومعنى ويل لهم هلكة وخيبة
وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة
فيه (أن رجلا توضأ فترك ظفر على ظهر قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال
131

ارجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى) في هذا الحديث أن من ترك جزأ يسيرا مما يجب تطهيره
لا تصح طهارته وهذا متفق عليه واختلفوا في المتيمم يترك بعض وجهه فمذهبنا ومذهب الجمهور
انه لا يصح كما لا يصح وضوءه وعن أبي حنيفة ثلاث روايات إحداها إذا ترك أقل من النصف
أجزأه والثانية إذا ترك أقل من قدر الدرهم أجزأه والثالثة إذا ترك الربع فما دونه أجزأه وللجمهور
أن يحتجوا بالقياس والله أعلم وفي هذا الحديث دليل على أن من ترك شيئا من أعضاء طهارته
جاهلا لم تصح طهارته وفيه تعليم الجاهل والرفق به وقد استدل به جماعة على أن الواجب
في الرجلين الغسل دون المسح واستدل القاضي عياض رحمه الله تعالى وغيره بهذا الحديث على
وجوب الموالاة في الوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم أحسن وضوءك ولم يقل اغسل الموضع
الذي تركته وهذا الاستدلال ضعيف أو باطل فان قوله صلى الله عليه وسلم أحسن وضوءك
محتمل للتتميم والاستئناف وليس حمله على أحدهما أولى من الآخر والله أعلم وفي الظفر
لغتان أجودهما ظفر بضم الظاء والفاء وبه جاء القرآن العزيز ويجوز اسكان الفاء على هذا ويقال
ظفر بكسر الظاء واسكان
الفاء وظفر بكسرهما وقرئ بهما في الشواذ وجمعه أظفار وجمع الجمع
أظافير ويقال في الواحد أيضا أظفور والله أعلم
خروج الخطايا مع ماء الوضوء
فيه قوله صلى الله عليه وسلم (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل
132

خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة
كان بطشتها يدا ه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئته مشتها
رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب) أما قوله المسلم أو المؤمن
فهو شك من الرواي وكذا قوله مع الماء أو مع آخر قطر الماء هو شك أيضا والمراد بالخطايا الصغائر
دون الكبائر كما تقدم بيانه وكما في الحديث الآخر ما لم تغش الكبائر قال القاضي والمراد بخروجها
مع الماء المجاز والاستعارة في غفرانها لأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة والله أعلم وفي
هذا الحديث دليل على الرافضة وابطال لقولهم الواجب مسح الرجلين وقوله صلى الله عليه وسلم
بطشتها يداه ومشتها رجلاه معناه اكتسبتها قوله (حدثنا محمد بن معمر بن ربعي القيسي حدثنا
أبو هشام المخزومي) هكذا هو في جميع الأصول التي ببلادنا أبو هشام وهو الصواب وكذا حكاه
القاضي عياض رحمه الله تعالى عن بعض رواتهم قال ووقع لأكثر الرواة أبو هاشم قال والصواب
الأول واسمه المغيرة بن سلمة وكان من الأخبار المتعبدين المتواضعين
رضي الله تعالى عنه
133

استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء اعلم أن هذه الأحاديث مصرحة باستحباب تطويل الغرة والتحجيل أما تطويل الغرة فقال
أصحابنا هو غسل شئ من مقدم الرأس وما يجاوز الوجه زائد على الجزء الذي يجب غسله
لاستيقان كمال الوجه وأما تطويل التحجيل فهو غسل ما فوق المرفقين والكعبين وهذا مستحب
بلا خلاف بين أصحابنا واختلفوا في قدر المستحب على أوجه أحدها أنه يستحب الزيادة فوق
المرفقين والكعبين من غير توقيت والثاني يستحب إلى نصف العضد والساق والثالث يستحب
إلى المنكبين والركبتين وأحاديث الباب تقتضي هذا كله وأما دعوى الامام أبي الحسن بن بطال
المالكي والقاضي عياض اتفاق العلماء على أنه لا يستحب الزيادة فوق المرفق والكعب فباطلة
وكيف تصح دعواهما وقد ثبت فعل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي هريرة رضي
الله عنه وهو مذهبنا لا خلاف فيه عندنا كما ذكرناه ولو خالف فيه مخالف كان محجوجا بهذه السنن
الصحيحة الصريحة وأما احتجاجهما بقوله صلى الله عليه وسلم من زاد على هذا أو نقص فقد أساء
وظلم فلا يصح لان المراد من زاد في عدد المرات والله أعلم قوله (عن نعيم بن عبد الله المجمر) هو بضم
الميم الأولى واسكان الجيم وكسر الميم الثانية ويقال المجمر
بفتح الجيم وتشديد الميم الثانية المكسورة وقيل له
المجمر لأنه كان يجمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يبخره والمجمر صفة لعبد الله ويطلق على ابنه
نعيم مجازا والله أعلم قوله (واشرع في العضد واشرع في الساق) معناه أدخل الغسل فيهما
134

قوله صلى الله عليه وسلم (أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من آثار الوضوء) قال أهل اللغة الغرة بياض
في جبهة الفرس والتحجيل بياض في يديها ورجليها قال العلماء سمى النور الذي يكون على مواضع
الوضوء يوم القيامة غرة وتحجيلا تشبيها بغرة الفرس والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (لكم
سيما ليست لأحد من الأمم تردون على غرا محجلين من أثر الوضوء) أما السيما فهي العلامة وهي
مقصورة وممدودة لغتان ويقال السيميا بياء بعد الميم مع المد وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذا
الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه
الأمة زادها الله تعالى شرفا وقال آخرون ليس الوضوء
135

مختصا وإنما الذي اختصت به هذه الأمة الغرة والتحجيل واحتجوا بالحديث الآخر هذا
وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي وأجاب الأولون عن هذا بجوابين أحدهما أنه حديث ضعيف
معروف الضعف والثاني لو صح احتمل أن يكون الأنبياء اختصت بالوضوء دون أممهم الا هذه
الأمة والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (واني لأصد الناس عنه) وفي الرواية الأخرى (وأنا
أذود الناس عنه) هما بمعنى أطرد وأمنع قوله صلى الله عليه وسلم (فيجيبني ملك) هكذا هو في
جميع الأصول فيجيبني بالباء الموحدة من الجواب وكذا نقله القاضي عياض عن جميع الرواة الا ابن
أبي جعفر من رواتهم فإنه عنده فيجيئني بالهمز من المجئ والأول أظهر والثاني وجه والله أعلم
قوله (وهل تدرى ما أحدثوا بعدك) وفي الرواية الأخرى قد بدلوا بعدك فأقول سحقا سحقا هذا
مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال أحدها أن المراد به المنافقون والمرتدون فيجوز أن
يحشروا بالغرة والتحجيل فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم للسيما التي عليهم فيقال ليس هؤلاء مما وعدت بهم أن هؤلاء
بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ما ظهر من اسلامهم والثاني أن المراد
من كان في زمن
النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد بعده فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم وان لم يكن عليهم سيما الوضوء لما كان يعرفه صلى الله عليه وسلم في حياته من اسلامهم فيقال
136

ارتدوا بعدك والثالث أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد وأصحاب
البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الاسلام وعلى هذا القول لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون
بالنار بل يجوز أن يزادوا عقوبة لهم ثم يرحمهم الله سبحانه وتعالى فيدخلهم الجنة بغير عذاب
قال أصحاب هذا القول ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل ويحتمل أن يكون كانوا في زمن
النبي صلى الله عليه وسلم وبعده لكن عرفهم بالسيما وقال الامام الحافظ أبو عمرو بن عبد البر
كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج والروافض وسائر أصحاب
الأهواء قال وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق والمعلنون بالكبائر قال وكل
هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (والذي
نفسي بيده) فيه جواز الحلف بالله تعالى من غير استحلاف ولا ضرورة ودلائله كثيرة قوله
(سريج بن يونس) هو بالسين المهملة وبالجيم وتقدم أن يونس بضم النون وكسرها و فتحها مع
الهمز فيهن وتركه والله أعلم قوله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي المقبرة فقال السلام
عليكم دار قوم مؤمنين وانا إن شاء الله بكم لاحقون) أما المقبرة فبضم الباء وفتحها وكسرها
ثلاث لغات الكسر قليل وأما دار قوم فهو بنصب دار قال صاحب المطالع هو منصوب على
الاختصاص أو النداء المضاف والأول أظهر قال ويصح الخفض على البدل من الكاف والميم
137

في عليكم والمراد بالدار على هذين الوجهين الأخيرين الجماعة أو أهل الدار وعلى الأول مثله
أو المنزل وأما قوله صلى الله عليه وسلم وانا أن شاء الله بكم لاحقون فأتى بالاستثناء مع أن
الموت لا شك فيه وللعماء فيه أقوال أظهرها أنه ليس للشك ولكنه صلى الله عليه وسلم قاله
للتبرك وامتثال أمر الله تعالى في قوله ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله والثاني
حكاه الخطابي وغيره أنه عادة للمتكلم يحسن به كلامه والثالث أن الاستثناء عائد إلى اللحوق في
هذا المكان وقيل معناه إذ شاء الله وقيل أقوال أخر ضعيفة جدا تركتها لضعفها وعدم الحاجة
إليها منها قول من قال الاستثناء منقطع راجع إلى استصحاب الايمان وقول من قال كان معه
صلى الله عليه وسلم مؤمنون حقيقة وآخرون يظن بهم النفاق فعاد الاستثناء إليهم وهذان
القولان وان كانا مشهورين فيهما خطأ ظاهر والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (وددت أنا
قد رأينا إخواننا قالوا أو لسنا اخوانك يا رسول الله قال بل أنتم أصحابي واخواننا الذين لم يأتوا
بعد) قال العلماء في هذا الحديث جواز التمني لا سميا في الخير ولقاء الفضلاء وأهل الصلاح والمراد
بقوله صلى الله عليه وسلم وددت أنا قد رأينا إخواننا أي رأيناهم في الحياة الدنيا قال القاضي
عياض وقيل المراد تمنى لقائهم بعد الموت قال الإمام الباجي قوله صلى الله عليه وسلم بل أنتم
أصحابي ليس نفيا لإخوتهم ولكن ذكر مرتبتهم الزائدة بالصحبة فهؤلاء اخوة صحابة والذين لم
يأتوا اخوة ليسوا بصحابة كما قال الله تعالى إنما المؤمنون اخوة قال القاضي عياض ذهب
أبو عمرو بن عبد البر في هذا الحديث وغيره من الأحاديث في فضل من يأتي آخر
الزمان إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة
من هو أفضل ممن كان من جملة الصحابة وأن قوله صلى الله عليه وسلم خيركم قرني على الخصوص معناه خير الناس قرني أي السابقون
الأولون من المهاجرين والأنصار ومن سلك مسلكهم فهؤلاء أفضل الأمة وهم المرادون بالحديث
وأما من خلط في زمنه صلى الله عليه وسلم وان رآه وصحبه أو لم يكن له سابقة ولا أثر في الدين فقد
138

يكون في القرون التي تأتي بعد القرن الأول من يفضلهم على ما دلت عليه الآثار قال القاضي
وقد ذهب إلى هذا أيضا غيره من المتكلمين على المعاني قال وذهب معظم العلماء إلى خلاف هذا
وأن من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ورآه مرة من عمره وحصلت له مزية الصحبة أفضل
من كل من يأتي بعد فان فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل قالوا وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم لو أنفق أحد كم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه
هذا كلام القاضي والله أعلم قوله (لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم) أما بين
ظهري فمعناه بينهما وهو بفتح الظاء واسكان الهاء وأما الدهم فجمع أدهم وهو الأسود والدهمة
السواد وأما البهم فقيل السود أيضا وقيل البهم الذي لا يخالط لونه لونا سواه سواء كان
أسود أو أبيض أو أحمر بل يكون لونه خالصا وهذا قول ابن السكيت وأبي حاتم السختياني وغيرهما
قوله صلى الله عليه وسلم (وأنا فرطهم على الحوض) قال الهروي وغيره معناه أنا أتقدمهم على الحوض
يقال فرط القوم إذا تقدمهم ليرتاد لهم الماء ويهئ لهم الدلا والرشا وفي هذا الحديث
بشارة لهذه الأمة زادها الله تعالى شرفا فهنيئا لمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرطه قوله صلى الله عليه وسلم (أناديهم ألا هلم) معناه تعالوا قال أهل اللغة في هلم لغتان أفصحهما هلم
للرجل والرجلين والمرأة والجماعة من الصنفين بصيغة واحدة وبهذه اللغة جاء القرآن في قوله
تعالى هلم شهداءكم والقائلين لإخوانهم هلم الينا واللغة الثانية هلم يا رجل وهلما يا رجلان وهلموا
يا رجال وللمرأة هلمي وللمرأتان هلمتا وللنسوة هلمن قال ابن السكيت وغيره الأولى أفصح كما
قدمناه قوله صلى الله عليه وسلم (فأقول سحقا سحقا) هكذا هو في الروايات
سحقا سحقا
139

مرتين ومعناه بعدا بعدا والمكان السحيق البعيد وفى سحقا سحقا لغتان قرئ بهما في السبع
اسكان الحاء وضمها قرأ الكسائي بالضم والباقون بالاسكان ونصب على تقدير ألزمهم الله
سحقا أو سحقهم سحقا قوله (فقلت يا أبا هريرة ما هذا الوضوء فقال يا بنى فروخ أنتم ههنا لو علمت
أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول تبلغ الحلية من المؤمن
حيث يبلغ الوضوء) أما فروخ فبفتح الفاء وتشديد الراء وبالخاء المعجمة قال صاحب العين
فروخ بلغنا أنه كان من ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم من ولد كان بعد إسماعيل وإسحاق
كثر نسله ونما عدده فولد العجم الذين هم في وسط البلاد قال القاضي عياض أراد أبو هريرة
هنا الموالي وكان خطابه لأبى حازم قال القاضي وإنما أراد أبو هريرة بكلامه هذا أنه لا ينبغي
لمن يقتدى به إذا ترخص في أمر لضرورة أو تشدد فيه لوسوسة أو لاعتقاده في ذلك مذهبا شذ به
عن الناس أن يفعله بحضرة العامة الجهلة لئلا يترخصوا برخصته لغير ضرورة أو يعتقدوا أن
140

ما تشدد فيه هو الفرض اللازم هذا كلام القاضي والله أعلم فضل اسباغ الوضوء على المكاره
فيه قوله صلى الله عليه وسلم (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى
يا رسول الله قال اسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة
فذلكم الرباط) قال القاضي عياض محو الخطايا كناية عن غفرانها قال ويحتمل محوها من كتاب
الحفظة ويكون دليلا على غفرانها ورفع الدرجات اعلاء المنازل في الجنة واسباغ والوضوء
تمامه والمكاره تكون بشدة البرد وألم الجسم ونحو ذلك وكثرة الخطا تكون ببعد الدار وكثرة
التكرار وانتظار الصلاة بعد الصلاة قال القاضي أبو الوليد الباجي هذا في المشتركتين من الصلوات
في الوقت وأما غيرهما فلم يكن من عمل الناس وقوله فذلكم الرباط أي الرباط المرغب فيه وأصل
الرباط الحبس على الشئ كأنه حبس نفسه على هذه الطاعة قيل ويحتمل أنه أفضل الرباط كما
قيل الجهاد جهاد النفس ويحتمل أنه الرباط المتيسر الممكن أي أنه من أنواع الرباط هذا آخر
كلام القاضي وكله حسن الا قول الباجي في انتظار الصلاة فان فيه نظرا والله أعلم قوله (وفي
141

حديث مالك ثنتين فذلكم الرباط هكذا هو في الأصول ثنتين وهو صحيح ونصبه
بتقدير فعل أي ذكر ثنتين أو كرر ثنتين ثم أنه كذا وقع في رواية مسلم تكراره مرتين وفي
الموطأ ثلاث مرات فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط وأما حكمة تكراره فقيل للاهتمام به
وتعظيم شأنه وقيل كرره صلى الله عليه وسلم على عادته في تكرار الكلام ليفهم عنه والأول
أظهر والله أعلم السواك
قال أهل اللغة السواك بكسر السين وهو يطلق على الفعل وعلى العود الذي يتسوك به وهو مذكر قال
الليث وتؤنثه العرب أيضا قال الأزهري هذا من عدد الليث أي من أغاليطه القبيحة وذكر صاحب
المحكم أنه يؤنث ويذكر والسواك فعلك بالسواك ويقال ساك فمه يسوكه سوكا فان قلت استاك
لم يذكر الفم وجمع السواك سوك بضمتين ككتاب وكتب وذكر صاحب المحكم أنه يجوز أيضا
سؤك بالهمز ثم قيل أن السواك مأخوذ من ساك إذا دلك وقيل من جاءت الإبل تساوك أي
تتمايل هزالا وهو في اصطلاح العلماء استعمال عود أو نحوه في الأسنان لتذهب الصفرة وغيرها
عنها والله أعلم ثم أن السواك سنة ليس بواجب في حال من الأحوال لا في الصلاة ولا في غيرها
بإجماع ر من يعتد به في الاجماع وقد حكى الشيخ أبو حامد الأسفرايني امام أصحابنا العراقيين عن
داود الظاهري أنه أوجبه للصلاة وحكاه الماوردي عن داود وقال هو عنده واجب لو تركه
لم تبطل صلاته وحكى عن إسحاق بن راهويه أنه قال هو واجب فان تركه عمدا بطلت صلاته
وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقل الوجوب عن داود وقالوا مذهبه
أنه سنة كالجماعة ولو صح ايجابه عن داود لم تضر مخالفته في انعقاد الاجماع على المختار الذي
عليه المحققون والأكثرون وأما إسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه والله أعلم ثم أن السواك
مستحب في جميع الأوقات ولكن في خمسة أوقات أشد استحبابا أحدها عند الصلاة سواء
كان متطهرا بماء أو بتراب أو غير متطهر كمن لم يجد ماء ولا ترابا الثاني عند الوضوء الثالث
142

عند قراءة القرآن الرابع عند الاستيقاظ من النوم الخامس عند تغير الفم وتغيره يكون بأشياء منها
ترك الأكل والشرب ومنها أكل ما له رائحة كريهة ومنها طول السكوت ومنها كثرة الكلام
ومذهب الشافعي أن السواك يكره للصائم بعد زوال الشمس لئلا يزيل رائحة الخلوف المستحبة
ويستحب أن يستاك بعود من أراك وبأي شئ استاك مما يزيل التغير حصل السواك كالخرقة
الخشنة والسعد والأشنان وأما الإصبع فان كانت لينة لم يحصل بها السواك وان كانت خشنة
ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا المشهور لا تجزي والثاني تجزي والثالث تجزي إن لم يجد غيرها ولا
تجزي إن وجد والمستحب أن يستاك بعود متوسط لا شديد اليبس يجرح ولا رطب لا يزيل
والمستحب أن يستاك عرضا ولا يستاك طولا لئلا يدمي لحم أسنانه فان خالف واستاك طولا
حصل السواك مع الكراهة ويستحب أن يمر السواك أيضا على طرف أسنانه وكراسى أضراسه
وسقف حلقه أمرارا لطيفا ويستحب أن يبدأ في سواكه بالجانب الأيمن من فيه ولا بأس
باستعمال سواك غيره باذنه ويستحب أن يعود الصبي السواك ليعتاده قوله صلى الله عليه وسلم
(لولا أن أشق على المؤمنين أو على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) فيه دليل على أن السواك
ليس بواجب قال الشافعي رحمه الله تعالى لو كان واجبا لأمرهم به شق أو لم يشق قال جماعات
من العلماء من الطوائف فيه دليل على أن الأمر للوجوب وهو مذهب أكثر الفقهاء وجماعات
من المتكلمين وأصحاب الأصول قالوا وجه الدلالة أنه مسنون بالاتفاق فدل على أن المتروك
ايجابه وهذا الاستدلال يحتاج في تمامه إلى دليل على أن السواك كان مسنونا حالة قوله صلى الله عليه وسلم
لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم قال جماعة أيضا فيه دليل على أن المندوب
143

ليس مأمورا به و هذا فيه خلاف لأصحاب الأصول ويقال في هذا الاستدلال ما قدمناه في
الاستدلال على الوجوب والله أعلم وفيه دليل على جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم فيما
لم يرد فيه نص من الله تعالى وهذا مذهب أكثر الفقهاء وأصحاب الأصول وهو الصحيح المختار
وفيه بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الرفق بأمته صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على
فضيلة السواك عند كل صلاة وقد تقدم بيان وقت استحبابه قوله (حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي
حدثنا حماد بن زيد عن غيلان وهو ابن جرير المعولي عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه)
هذا الاسناد كله بصريون الا أبا بردة فإنه كوفي وأما أبو موسى الأشعري فكوفي بصرى واسم
أبي بردة عامر وقيل الحارث والمعولي بفتح الميم واسكان العين المهملة وفتح الواو منسوب إلى
المعاول بطن من الأزهد وهذا الذي ذكرته من ضبطه متفق عليه عند أهل العلم بهذا الفن وكلهم
مصرحون به والله أعلم قوله (إذا دخل بيته بدأ بالسواك) فيه بيان فضيلة السواك في جميع الأوقات
وشدة الاهتمام به وتكراره والله أعلم قوله (إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسواك) أما التهجد
فهو الصلاة في الليل ويقال هجد الرجل إذا نام وتهجد إذا خرج من الهجود وهو النوم بالصلاة
كما يقال تحنث وتأثم وتحرج إذا اجتنب الحنث والاثم والحرج وأما قوله يشوص فاه بالسواك
فهو بفتح الياء وضم الشين المعجمة وبالصاد المهملة والشوص دلك الأسنان بالسواك عرضا قاله
144

ابن الأعرابي وإبراهيم الحربي وأبو سليمان الخطابي وآخرون وقيل هو الغسل قاله الهروي وغيره وقيل التنقية
قاله أبو عبيد والداودي وقيل هو الحك قاله أبو عمرو بن عبد البر تأوله بعضهم أنه بأصبعه فهذه أقوال الأئمة فيه
وأكثرها متقاربة وأظهرها الأول وما في معناه والله أعلم قوله (حدثنا أبو المتوكل أن ابن عباس حدثه)
إلى آخره هذا الحديث فيه فوائد كثيرة ويستنبط منه أحكام نفيسة وقد ذكره مسلم رحمه الله تعالى هنا
مختصرا وقد بسط طرقه في كتاب الصلاة وهناك نبسط شرحه وفوائده
أن شاء الله تعالى ونذكر هنا
أحرفا تتعلق بهذا القدر منه هنا فاسم أبي المتوكل علي بن داود ويقال ابن داود البصري وقوله
(فخرج فنظر إلى السماء ثم تلا هذه الآية في آل عمران إن في خلق السماوات والأرض الآيات)
فيه أنه يستحب قراءتها عند الاستيقاظ في الليل مع النظر إلى السماء لما في ذلك من عظيم التدبر وإذا
145

تكرر نومه واستيقاظه وخروجه استحب تكريره قراءة هذه الآيات كما ذكر في الحديث والله
سبحانه وتعالى أعلم
خصال الفطرة فيه قوله صلى الله عليه وسلم (الفطرة خمس أو خمس من الفطرة) هذا شك من الراوي هل قال الأول
أو الثاني وقد جزم في الرواية الثانية فقال الفطرة خمس ثم فسر صلى الله عليه وسلم الخمس
فقال (الختان والاستحداد وتقليم الأظافر ونتف الإبط وقص الشارب) وفي الحديث الآخر
146

(عشر من الفطرة قص الشارب واعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل
البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء قال مصعب ونسيت العاشرة الا أن تكون
المضمضة) أما قوله صلى الله عليه وسلم الفطرة خمس فمعناه خمس من الفطرة كما في
الرواية الأخرى عشر من الفطرة وليست منحصرة في العشر وقد أشار صلى الله عليه وسلم
إلى عدم انحصارها فيها بقوله من الفطرة والله أعلم وأما الفطرة فقد اختلف في المراد بها هنا فقال أبو
147

سليمان الخطابي ذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة وكذا ذكره جماعة غير الخطابي قالوا ومعناه
أنها من سنن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقيل هي الدين ثم إن معظم هذه الخصال ليست
بواجبة عند العلماء وفي بعضها خلاف في وجوبه كالختان والمضمضة والاستنشاق ولا يمتنع
قرن الواجب بغيره كما قال الله تعالى كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده والايتاء
واجب والأكل ليس بواجب والله أعلم أما تفصيلها فالختان واجب عند الشافعي وكثير من
العلماء وسنة عند مالك وأكثر العلماء وهو عند الشافعي واجب على الرجال والنساء جميعا ثم
إن الواجب في الرجل أن يقطع جميع الجلدة التي تغطي الحشفة حتى ينكشف جميع الحشفة وفي
المرأة يجب قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج والصحيح من مذهبنا الذي عليه جمهور
أصحابنا أن الختان جائز في حال الصغر ليس بواجب ولنا وجه أنه يجب على الولي أن يختن الصغير
قبل بلوغه ووجه أنه يحرم ختانه قبل عشر سنين وإذا قلنا بالصحيح استحب أن يختن في اليوم
السابع من ولادته وهل يحسب يوم الولادة من السبع أم تكون سبعة سواه فيه وجهان
أظهرهما يحسب واختلف أصحابنا في الخنثى المشكل فقيل يجب ختانه في فرجيه بعد البلوغ وقيل
لا يجوز حتى يتبين وهو الأظهر وأما من له ذكران فان كانا عاملين وجب ختانهما وإن كان أحدهما
عاملا دون الآخر ختن العامل وفيما يعتبر العمل به وجهان أحدهما بالبول والآخر بالجماع ولو
مات انسان غير مختون ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا الصحيح المشهور أنه لا يختن صغيرا كان أو
كبيرا والثاني يختن الكبير دون الصغير والله أعلم وأما الاستحداد فهو حلق العانة سمى استحدادا
لاستعمال الحديدة وهي الموسى وهو سنة والمراد به نظافة ذلك الموضع والأفضل فيه الحلق ويجوز
بالقص والنتف والنورة والمراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه وكذاك الشعر
الذي حوالي فرج المرأة ونقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر
فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما وأما وقت حلقه فالمختار
148

أنه يضبط بالحاجة وطوله فإذا طال حلق وكذلك الضبط في قص الشارب ونتف الإبط وتقليم
الأظفار وأما حديث أنس المذكور في الكتاب (وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار
ونتف الإبط وحلق العانة ألا يترك أكثر من أربعين ليلة) فمعناه لا يترك تركا يتجاوز به
أربعين لا أنهم وقت لهم الترك أربعين والله أعلم وأما تقليم الأظفار فسنة ليس بواجب وهو تفعيل
من القلم وهو القطع ويستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين فيبدأ بمسبحة يده اليمنى ثم الوسطى
ثم البنصر ثم الخنصر ثم الابهام ثم يعود إلى اليسرى فيبدأ بخنصرها ثم ببنصرها إلى آخرها ثم
يعود إلى الرجلين اليمنى فيبدأ بخنصرها ويختم بخنصر اليسرى والله أعلم أما نتف الإبط فسنة
بالاتفاق والأفضل فيه النتف لمن قوى عليه ويحصل أيضا بالحلق وبالنورة وحكى عن يونس
ابن عبد الأعلى قال دخلت على الشافعي رحمه الله وعنده المزين يحلق إبطه فقال الشافعي علمت
أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع ويستحب أن يبدأ بالإبط الأيمن وأما قص الشارب
فسنة أيضا ويستحب أن يبدأ بالجانب الأيمن وهو مخير بين القص بنفسه وبين أن يولى ذلك
غيره لحصول المقصود من غير هتك مروءة ولا حرمة بخلاف الإبط والعانة وأما حد ما يقصه
فالمختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفه من أصله وأما روايات احفوا الشوارب فمعناها
احفوا ما طال على الشفتين والله أعلم وأما اعفاء اللحية فمعناه توفيرها وهو معنى أوفوا اللحى في
الرواية الأخرى وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك وقد ذكر العلماء في
اللحية عشر خصال مكروهة بعضها أشد قبحا من بعض إحداها خضابها بالسواد إلا لغرض
الجهاد الثانية خضابها بالصفرة تشبيها بالصالحين لا لاتباع السنة الثالثة تبييضها بالكبريت أو
عيره استعجالا للشيخوخة لأجل الرياسة والتعظيم وايهام أنه من المشايخ الرابعة نتفها أو
حلقها أول طلوعها ايثارا للمرودة وحسن الصورة الخامسة نتف الشيب السادسة تصفيفها
طاقة فوق طاقة تصنعا ليستحسنه النساء وغيرهن السابعة الزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في
شعر العذار من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس ونتف جانبي العنفقة وغير
ذلك الثامنة تسريحها تصنعا لأجل الناس التاسعة تركها شعثة ملبدة اظهارا للزهادة وقلة المبالاة بنفسه
العاشرة النظر إلى سوادها وبياضها اعجابا وخيلاء وغرة بالشباب وفخرا بالمشيب وتطاولا
على الشباب الحادية عشر عقدها وضفرها الثانية عشر حلقها الا إذا نبت للمرأة لحية فيستحب لها
149

حلقها والله أعلم وأما الاستنشاق فتقدم بيان صفته واختلاف العلماء في وجوبه واستحبابه
وأما غسل البراجم فسنة مستقلة ليست مختصة بالوضوء والبراجم بفتح الباء وبالجيم جمع برجمة
بضم الباء والجيم وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها قال العلماء ويلحق بالبراجم ما يجتمع من
الوسخ في معاطف الاذن وهو الصماخ فيزيله بالمسح لأنه ربما أضرت كثرته بالسمع وكذلك
ما يجتمع في داخل الانف وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن بالعرق
والغبار ونحوهما والله أعلم واما انتقاص الماء فهو بالقاف والصاد المهملة وقد فسره وكيع في
الكتاب بأنه الاستنجاء وقال أبو عبيدة معناه انتقاص البول بسبب استعمال الماء في
غسل مذاكيره وقيل هو الانتضاح وقد جاء في رواية الانتضاح بدل انتقاص الماء قال الجمهور
الانتضاح نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس وقيل هو الاستنجاء بالماء
وذكر ابن الأثير أنه روى انتفاص الماء بالفاء والصاد المهملة وقال في فصل الفاء قيل الصواب
أنه بالفاء قال والمراد نضحه على الذكر من قولهم لنضح الدم القليل نفصه وجمعها نفص وهذا
الذي نقله شاذ والصواب ما سبق والله أعلم وأما قوله ونسيت العاشرة الا أن تكون المضمضة
فهذا شك منه فيها قال القاضي عياض ولعلها الختان المذكور مع الخمس وهو أولى والله أعلم
فهذا مختصر ما يتعلق بالفطرة وقد أشبعت القول فيها بدلائلها وفروعها في شرح المهذب والله أعلم
قوله عن جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوفي عن أنس رضي الله عنه قال وقت لنا في قص
الشارب وتقليم
الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة قد تقدم
بيانه وأن معناه أن لا نترك تركا يتجاوز الأربعين وقوله وقت لنا هو من الأحاديث المرفوعة مثل
قوله أمرنا بكذا وقد تقدم بيان هذا في الفصول المذكورة في أول هذا الكتاب وقد جاء في غير
صحيح مسلم وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم قال القاضي عياض قال العقيلي في
حديث جعفر هذا نظر قال وقال أبو عمر يعنى ابن عبد البر لم يروه الا جعفر بن سليمان وليس
بحجة لسوء حفظه وكثرة غلطه قلت وقد وثق كثير من الأئمة المتقدمين جعفر بن سليمان ويكفي
في توثيقه احتجاج مسلم به وقد تابعه غيره قوله صلى الله عليه وسلم أحفوا الشوارب وأعفوا
اللحى وفي الرواية الأخرى وأوفوا اللحى هو بقطع الهمزة في أحفوا وأعفوا وأوفوا وقال ابن
دريد يقال أيضا حفا الرجل شاربه يحفوه حفوا إذا استأصل أخذ شعره فعلى هذا تكون همزة
150

احفوا همزة وصل وقال غيره عفوت الشعر وأعفيته لغتان وقد تقدم بيان معنى احفاء الشوارب
واعفاء اللحى وأما أوفوا فهو بمعنى أعفوا أي اتركوها وافية كاملة لا تقصوها قال ابن السكيت
وغيره يقال في جمع اللحية لحى ولحى بكسر اللام وبضمها لغتان الكسر أفصح وأما قوله صلى الله عليه وسلم
وأرخوا فهو أيضا بقطع الهمزة وبالخاء المعجمة ومعناه اتركوها ولا تتعرضوا لها
بتغيير وذكر القاضي عياض أنه وقع في رواية الأكثرين كما ذكرنا وأنه وقع عند ابن ماهان
ارجوا بالجيم قيل هو بمعنى الأول وأصله ارجؤا بالهمز فحذفت الهمزة تخفيفا ومعناه أخروها
اتركوها وجاء في رواية البخاري وفروا اللحى فحصل خمس روايات أعفوا وأوفوا وأرخوا
وارجوا ووفروا ومعناها كلها تركها على حالها هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه
ألفاظه وهو الذي قاله جماعة من أصحابنا وغيرهم من العلماء وقال القاضي عياض رحمه الله
تعالى يكره حلقها وقصها وتحريفها وأما الاخذ من طولها وعرضها فحسن وتكره الشهرة في
تعظيمها كما تكره في قصها وجزها قال وقد اختلف السلف هل لذلك حد فمنهم من لم يحدد شيئا
في ذلك الا أنه لا يتركها لحد الشهرة ويأخذ منها وكره مالك طولها جدا ومنهم من حدد بما
زاد على القبضة فيزال ومنهم من كره الاخذ منها الا في حج أو عمر ة قال وأما الشارب فذهب
كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم احفوا وانهكوا وهو قول
الكوفيين وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال وقاله مالك وكان يرى حلقه مثلة
ويأمر بأدب فاعله وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه ويذهب هؤلاء إلى أن الإحفاء والجز والقص
بمعنى واحد وهو الأخذ منه حتى يبدو طرف الشفة وذهب بعض العلماء إلى التخيير بين الأمرين
هذا آخر كلام القاضي والمختار ترك اللحية على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير شئ أصلا
والمختار في الشارب ترك الاستئصال والاقتصار على ما يبدو به طرف الشفة والله أعلم
الاستطابة
وهو مشتمل على النهى عن استقبال القبلة في الصحراء بغائط أو بول وعن الاستنجاء باليمين وعن مس
151

الذكر باليمين وعن التخلي في الطريق والظل وعن الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار وعن الاستنجاء
بالرجيع والعظم وعلى جواز الاستنجاء بالماء في الباب حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه
أنه (قيل له قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شئ حتى الخراءة قال فقال أجل لقد نهانا أن نستقبل
القبلة لغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي
برجيع أو عظم) وفيه حديث أبي أيوب (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول
152

ولا غائط ولكن شرقوا أو غربوا) وفيه حديث أبي هريرة (إذا جلس أحدكم على حاجته فلا
يستقبلن القبلة ولا يستدبرها) وفيه حديث ابن عمر (قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قاعدا على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته) وفي رواية (مستقبل الشام مستدبر القبلة)
وفيه غير ذلك من الأحاديث أما الخراءة فبكسر المعجمة وتخفيف الراء وبالمد وهي
153

اسم لهيئة الحدث وأما نفس الحدث فبحذف التاء وبالمد مع فتح الخاء وكسرها وقوله أجل معناه
نعم وهي بتخفيف اللام ومراد سلمان رضي الله عنه أنه علمنا كل ما نحتاج إليه في ديننا
حتى الخراءة التي ذكرت أيها القائل فإنه علمنا آدابها فنهانا فيها عن كذا وكذا والله أعلم وقوله
نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول كذا ضبطناه في مسلم لغائط باللام وروى في غيره بغائط
وروى للغائط باللام والباء وهما بمعنى وأصل الغائط المطمئن من الأرض ثم صار عبارة عن الخارج
المعروف من دبر الآدمي وأما النهى عن الاستقبال للقبلة بالبول والغائط فقد اختلف العلماء
فيه على مذاهب أحدها مذهب مالك والشافعي رحمهما الله تعالى انه يحرم استقبال القبلة في
الصحراء بالبول والغائط ولا يحرم ذلك في البنيان وهذا مروى عن العباس بن عبد المطلب
وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما والشعبي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل في احدى
الروايتين رحمهم الله والمذهب الثاني أنه لا يجوز ذلك لا في البنيان ولا في الصحراء وهو
قول أبى أيوب الأنصاري الصحابي رضي الله عنه ومجاهد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري
وأبى ثور وأحمد في رواية والمذهب
الثالث جواز ذلك في البنيان والصحراء جميعا وهو مذهب عروة بن الزبير وربيعة شيخ مالك رضي الله عنهم وداود الظاهري والمذهب الرابع لا يجوز
الاستقبال لا في الصحراء ولا في البنيان ويجوز الاستدبار فيهما وهي احدى الروايتين
عن أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى واحتج المانعون مطلقا بالأحاديث الصحيحة الواردة في
النهي مطلقا كحديث سلمان المذكور وحديث أبي أيوب وأبي هريرة وغيرهما قالوا ولأنه إنما
منع لحرمة القبلة وهذا المعنى موجود في البنيان والصحراء ولأنه لو كان الحائل كافيا لجاز في
الصحراء لان بيننا وبين الكعبة جبالا وأودية وغير ذلك من أنواع الحائل واحتج من أباح
مطلقا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما المذكور في الكتاب أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم
مستقبلا بيت المقدس مستدبر القبلة وبحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
بلغه أن أناسا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو قد فعلوها
حولوا بمقعدي أي إلى القبلة رواه أحمد بن حنبل في مسنده وابن ماجة واسناده حسن واحتج
من أباح الاستدبار دون الاستقبال بحديث سلمان واحتج من حرم الاستقبال والاستدبار في
الصحراء وأباحهما في البنيان بحديث ابن عمر رضي الله عنهما المذكور في الكتاب وبحديث عائشة
154

الذي ذكرناه وفي حديث جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول
فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها رواه أبو داود والترمذي وغيرهما واسناده حسن وبحديث
مروان الأصغر قال رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول
إليها فقلت يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهى عن هذا فقال بلى إنما نهى عن ذلك في الفضاء فإذا
كان بينك وبين القبلة شئ يسترك فلا بأس رواه أبو داود وغيره فهذه أحاديث صحيحة مصرحة
بالجواز في البنيان وحديث أبي أيوب وسلمان وأبي هريرة وغيرهم وردت بالنهي فيحمل على
الصحراء ليجمع بين الأحاديث ولا خلاف بين العلماء أنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث
لا يصار إلى ترك بعضها بل يجب الجمع بينها والعمل بجميعها وقد أمكن الجمع على ما ذكرناه فوجب
المصير إليه وفرقوا بين الصحراء والبنيان من حيث المعنى بأنه يلحقه المشقة في البنيان في تكليفه
ترك القبلة بخلاف الصحراء فهذا وأما من أباح الاستدبار فيحتج على رد مذهبه بالأحاديث الصحيحة
المصرحة بالنهي عن الاستقبال والاستدبار جميعا كحديث أبي أيوب وغيره والله أعلم
(فرع) في مسائل تتعلق باستقبال القبلة لقضاء الحاجة على مذهب الشافعي رضي الله عنه إحداها
المختار عند أصحابنا أنه إنما يجوز الاستقبال والاستدبار في البنيان إذا كان قريبا من ساتر من جدران
ونحوها من حيث يكون بينه وبينه ثلاثة أذرع فما دونها وبشرط آخر وهو أن يكون الحائل
مرتفعا بحيث يستر أسافل الانسان وقدروه باخرة الرحل وهي نحو ثلثي ذراع فان زاد ما بينه
وبينه على ثلاثة أذرع أو قصر الحائل عن اخرة الرحل فهو حرام كالصحراء الا إذا كان في
بيت بني لذلك فلا حجر فيه كيف كان قالوا ولو كان في الصحراء وتستر بشئ على الشرط المذكور
زال التحريم فالاعتبار بوجود الساتر المذكور وعدمه فيحل في الصحراء والبنيان بوجوده ويحرم
فيهما لعدمه هذا هو الصحيح المشهور عند أصحابنا ومن أصحابنا من اعتبر الصحراء والبنيان مطلقا ولم
يعتبر الحائل فأباح في البنيان بكل حال وحرم في الصحراء بكل حال والصحيح الأول وفرعوا عليه
فقالوا لا فرق بين أن يكون الساتر دابة أو جدار أو وهدة أو كثيب رمل أو جبلا ولو أرخى
ذيله في قبالة القبلة ففي حصول الستر وجهان لأصحابنا أصحهما عندهم وأشهرهما أنه ساتر لحصول
الحائل والله أعلم المسألة الثانية حيث جوزنا الاستقبال والاستدبار قال جماعة من أصحابنا هو
مكروه ولم يذكر الجمهور الكراهة والمختار أنه لو كان عليه مشقة في تكلف التحرف عن القبلة
155

فلا كراهة وان لم تكن مشقة فالأولى تجنبه للخروج من خلاف العلماء ولا تطلق عليه
الكراهة للأحاديث الصحيحة فيه المسألة الثالثة يجوز الجماع مستقبل القبلة في الصحراء والبنيان
هذا مذهبنا ومذهب أبي حنيفة وأحمد وداود الظاهري واختلف فيه أصحاب مالك فجوزه ابن
القاسم وكرهه ابن حبيب والصواب الجواز فان التحريم إنما يثبت بالشرع ولم يرد فيه نهى
والله أعلم المسألة الرابعة لا يحرم استقبال بيت المقدس ولا استدباره بالبول والغائط لكن يكره
المسألة الخامسة إذا تجنب استقبال القبلة واستدبارها حال خروج البول والغائط ثم أراد
الاستقبال أو الاستدبار حال الاستنجاء جاز والله أعلم قوله (وأن لا يستنجى باليمين) هو
من أدب الاستنجاء وقد أجمع العلماء على أنه منهى عن الاستنجاء باليمين ثم الجماهير على أنه
نهى تنزيه وأدب لا نهى تحريم وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام وأشار إلى تحريمه جماعة
من أصحابنا ولا تعويل على إشارتهم قال أصحابنا ويستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شئ من
أمور الاستنجاء الا لعذر فإذا استنجى بماء صبه باليمنى ومسح باليسرى وإذا استنجى بحجر فإن كان
في الدبر مسح بيساره وإن كان في القبل وأمكنه وضع الحجر على الأرض أو بين قدميه بحيث
يتأتى مسحه أمسك الذكر بيساره ومسحه على الحجر
فإن لم يمكنه ذلك واضطر إلى حمل الحجر حمله بيمينه وأمسك الذكر بيساره ومسح بها ولا يحرك اليمنى هذا هو الصواب وقال بعض أصحابنا
يأخذ الذكر بيمينه والحجر بيساره ويمسح بها ويحرك اليسرى وهذا ليس بصحيح لأنه يمس الذكر
بيمينه بغير ضرورة وقد نهى عنه والله أعلم ثم إن في النهى عن الاستنجاء باليمين تنبيها على اكرامها
وصيانتها عن الأقذار ونحوها وسنوضح هذه القاعدة قربيا في أواخر الباب أن شاء الله تعالى
والله أعلم قوله (أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) هذا نص صريح صحيح في أن
الاستيفاء ثلاث مسحات واجب لابد منه وهذه المسئلة فيها خلاف بين العلماء فمذهبنا
أنه لابد في الاستنجاء بالحجر من إزالة عين النجاسة واستيفاء ثلاث مسحات فلو مسح
مسحات فلو مسح مرة أو مرتين فزالت عين النجاسة وجب مسحه ثالثة وبهذا قال أحمد بن حنبل وإسحاق
ابن راهويه وأبو ثور وقال مالك وداود الواجب الانقاء فان حصل بحجر أجزأه وهو وجه لبعض
أصحابنا والمعروف من مذهبنا ما قدمناه قال أصحابنا ولو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف مسح بكل
حرف مسحة أجزأه لأن المراد المسحات والأحجار الثلاثة أفضل من حجر له ثلاثة أحرف
156

ولو استنجى في القبل والدبر وجب ست مسحات لكل واحد ثلاث مسحات والأفضل أن
يكون بسنة أحجار فان اقتصر على حجر واحد له ستة أحرف أجزأه وكذلك الخرقة الصفيقة
التي إذا مسح بها لا يصل البلل إلى الجانب الآخر يجوز أن يمسح بجانبها والله أعلم قال أصحابنا
وإذا حصل الانقاء بثلاثة أحجار فلا زيادة عليها فإن لم يحصل بثلاثة وجب رابع فان حصل
الانقاء به لم تجب الزيادة ولكن يستحب الايتار بخامس
فإن لم يحصل بالأربعة وجب خامس فان حصل به فلا زيادة وهكذا فيما زاد متى حصل الانقاء بوتر فلا زيادة والا وجب الانقاء
واستحب الايتار والله أعلم وأما نصه صلى الله عليه وسلم على الأحجار فقد تعلق به بعض
أهل الظاهر وقالوا الحجر متعين لا يجزئ غيره وذهب العلماء كافة من الطوائف كلها إلى أن
الحجر ليس متعينا بل تقوم الخرق والخشب وغير ذلك مقامه وأن المعنى فيه كونه مزيلا وهذا
يحصل بغير الحجر وإنما قال صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحجار لكونها الغالب المتيسر فلا يكون
له مفهوم كما في قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم من املاق ونظائره ويدل على عدم تعيين الحجر
نهيه صلى الله عليه وسلم عن العظام والبعر والرجيع ولو كان الحجر متعينا لنهى عما سواه مطلقا
قال أصحابنا والذي يقوم مقام الحجر كل جامد طاهر مزيل للعين ليس له حرمة ولا هو جزء
من حيوان قالوا ولا يشترط اتحاد جنسه فيجوز في القبل أحجار وفى الدبر خرق ويجوز في
أحدهما حجر مع خرقتين أو مع خرقة وخشبة ونحو ذلك والله أعلم قوله (أو أن نستنجي
برجيع أو عظم) فيه النهى عن الاستنجاء بالنجاسة ونبه صلى الله عليه وسلم بالرجيع على جنس النجس
فان الرجيع هو الروث وأما العظم فلكونه طعاما للجن فنبه على جميع المطعومات وتلتحق
به المحترمات كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم وغير ذلك ولا فرق في النجس بين المائع
والجامد فان استنجى بنجس لم يصح استنجاؤه ووجب عليه بعد ذلك الاستنجاء بالماء ولا يجزئه
الحجر لأن الموضع صار نجسا بنجاسة أجنبية ولو استنجى بمطعوم أو غيره من المحترمات الطاهرات
فالأصح أنه لا يصح استنجاؤه ولكن يجزئه الحجر بعد ذلك أن لم يكن نقل النجاسة من موضعها
وقيل أن استنجاءه الأول يجزئه مع المعصية والله أعلم قوله (عن سلمان رضي الله عنه قال
قال لنا المشركون انى أرى صاحبكم) هكذا هو في
الأصول وهو صحيح تقديره قال لنا قائل المشركين
أو أنه أراد واحد من المشركين وجمعه لكون باقيهم يوافقونه قوله صلى الله عليه وسلم (ولكن
157

شرقوا أو غربوا) قال العلماء هذا خطاب لأهل المدينة ومن في معناهم بحيث إذا شرق أو غرب
لا يستقبل الكعبة ولا يستدبرها قوله (فوجدنا مراحيض) هو بفتح الميم والحاء المهملة والضاد
المعجمة جمع مرحاض بكسر الميم وهو البيت المتخذ لقضاء حاجة الانسان أي للتغوط قوله (فننحرف
عنها) بالنونين معناه نحرص على اجتنابها بالميل عنها بحسب قدرتنا قوله (قال نعم) هو جواب
لقوله أو لا قلت لسفيان بن عينة سمعت الزهري يذكره عن عطاء قوله (وحدثنا أحمد ين الحسن
ابن خراش حدثنا عمر بن عبد الوهاب حدثنا يزيد يعنى ابن زريع حدثنا روح عن سهيل عن
القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه) قال الدارقطني هذا غير محفوظ عن سهيل وإنما
هو حديث ابن عجلان حدث به عن روح وغيره وقال أبو الفضل حفيد أبي سعيد الهروي الخطأ فيه
من عمر بن عبد الوهاب لأنه حديث يعرف بمحمد بن عجلان عن القعقاع وليس لسهيل في هذا
الاسناد ذكر رواه أمية بن بسطام عن يزيد بن زريع على الصواب عن روح عن ابن عجلان
عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بطوله وحديث
عمر بن عبد الوهاب مختصر قلت ومثل هذا لا يظهر قدحه فإنه محمول على أن سهيلا وابن عجلان
سمعاه جميعا واشتهرت روايته عن ابن عجلان وقلت عن سهيل ولم يذكره أبو داود والنسائي
وابن ماجة الا من جهة ابن عجلان فرواه أبو داود عن ابن المبارك عن ابن عجلان عن القعقاع والنسائي عن يحيى بن عجلان وابن ماجة عن سفيان بن عينة والمغيرة بن عبد الرحمن وعبد الله بن رجاء
المكي ثلاثتهم عن ابن عجلان و الله أعلم وأحمد بن خراش المذكور بالخاء المعجمة قوله (عن حبان)
هو بفتح الحاء وبالباء الموحدة قوله (لقد رقيت على ظهر بيت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قاعدا على لبنتين يستقبل بيت المقدس) أما رقيت فبكسر القاف ومعناه صعدت هذه اللغة الفصيحة
المشهورة وحكى صاحب المطالع لغتين أخرتين إحداهما بفتح القاف بغير همزة الثانية بفتحها مع
الهمزة والله أعلم وأما رؤيته فوقعت اتفاقا بغير قصد لذلك وأما اللبنة فمعروفة وهي بفتح
اللام وكسر الباء ويجوز اسكان الباء مع فتح اللام ومع كسرها وكذا كل ما كان على هذا الوزن
أعنى مفتوح الأول مكسور الثاني يجوز فيه الأوجه
الثلاثة ككتف فإن كان ثانيه أو ثالثه حرف
حلق جاز فيه وجه رابع وهو كسر الأول والثاني كفخذ وأما بيت المقدس فتقدم بيان لغاته واشتقاقه
في أول باب الاسراء والله أعلم
158

قوله (حدثنا يحيى ابن يحيى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن همام عن يحيى
بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) قال مسلم رحمه الله تعالى (وحدثنا يحيى
ابن يحيى أخبرنا وكيع عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن ابن أبي كثير عن ابن أبي
قتادة عن أبيه) هكذا هو في الأصول التي رأيناها في الأول همام بالميم عن يحيى بن أبي كثير
وفى الثاني هشام بالشين وأظن الأول تصحيفا من بعض الناقلين عن مسلم فان البخاري
والنسائي وغيرهما من الأئمة رووه عن هشام الدستوائي كما رواه مسلم في الطريق الثاني وقد
أوضح ما قلته الامام الحافظ أبو محمد خلف الواسطي فقال رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن
عبد الرحمن بن مهدي عن هشام وعن يحيى بن يحيى عن وكيع عن هشام عن يحيى بن أبي كثير
فصرح الامام خلف بان مسلما رواه في الطريقين عن هشام الدستوائي فدل هذا على أن هماما
بالميم تصحيف وقع في نسخنا ممن بعد مسلم والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (لا يمسكن أحدكم
ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه) أما امساك الذكر باليمين فمكروه كراهة
تنزيه لا تحريم كما تقدم في الاستنجاء وقد قدمنا هناك أنه لا يستعين باليمين في شئ من ذلك
من الاستنجاء وقد قدمنا ما يتعلق بهذا الفصل وأما قوله صلى الله عليه وسلم ولا يتمسح من
الخلاء بيمينه فليس التقييد بالخلاء للاحتراز عن البول بل هما سواء والخلاء بالمد هو الغائط
159

والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ولا يتنفس في الاناء) معناه لا يتنفس في نفس الاناء وأما
التنفس ثلاثا خارج الاناء فسنة معروفة قال العلماء والنهى عن التنفس في الاناء هو من طريق
الأدب مخافة من تقذيره ونتنه وسقوط شئ من الفم والانف فيه ونحو ذلك والله أعلم قولها
(كان صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في طهوره إذا نطهر وفى ترجله إذا ترجل وفى انتعاله إذا
انتعل) هذه قاعدة مستمرة في الشرع وهي إنما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب
والسراويل والخف ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب
وترجيل الشعر وهو مشطه ونتف الإبط وحلق الرأس والسلام من الصلاة وغسل أعضاء الطهارة
والخروج من الخلاء والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود وغير ذلك مما هو
في معناه يستحب التيامن فيه وأما ما كان بضده كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط
والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك فيستحب التياسر فيه وذلك كله
بكرامة اليمين وشرفها والله أعلم وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين على اليسار من اليدين
والرجلين في الوضوء سنة لو خالفها فاته الفضل وصح وضوءه وقالت الشيعة هو واجب ولا اعتداد
بخلاف الشيعة واعلم أن الابتداء باليسار وإن كان مجزيا فهو مكروه نص عليه الشافعي وهو ظاهر
وقد ثبت في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بأسانيد حميدة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا لبستم أو توضأتم فابدؤا بأيامنكم فهذا نص في الأمر بتقديم
اليمين ومخالفته مكروهة أو محرمة وقد انعقد اجماع العلماء على أنها ليست محرمة فوجب أن
تكون مكروهة ثم اعمل أن من أعضاء الوضوء ما لا يستحب فيه التيامن وهو الأذنان والكفان
160

والخدان بل يطهران دفعة واحدة فان تعذر ذلك كما في حق الأقطع ونحوه قدم اليمين والله أعلم
قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في شأنه كله في نعله وترجله) هكذا وقع
في بعض الأصول في نعله على افراد النعل وفى بعضها نعليه بزيادة ياء التثنية وهما صحيحان
أي في لبس نعليه أو في لبس نعله أي جنس النعل ولم ير في شئ من نسخ بلادنا غير هذين
الوجهين وذكر الحميدي والحافظ عبد الحق في كتابهما الجمع بين الصحيحين في تنعله بتاء مثناة
فوق ثم نون وتشديد العين وكذا هو في روايات البخاري وغيره وكله صحيح ووقع في
روايات البخاري يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله وذكر الحديث الخ وفى قوله ما استطاع
إشارة إلى شدة المحافظة على التيمن والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (اتقوا اللعانين قالوا
وما اللعانان يا رسول الله قال الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم) أما اللعانان فكذا وقع في
مسلم ووقع في رواية أبى داود اتقوا اللاعنين والروايتان صحيحتان قال الإمام أبو سليمان
الخطابي المراد باللاعنين الامرين الجالبين للعن الحاملين الناس عليه والداعيين إليه وذلك أن
من فعلهما شتم ولعن يعنى عادة الناس لعنه فلما صارا سببا لذلك أضيف اللعن اليهما قال وقد
يكون اللاعن بمعنى الملعون والملاعن مواضع اللعن قلت فعلى هذا يكون التقدير اتقوا الامرين
الملعون فاعلمها وهذا على رواية أبى داود وأما رواية مسلم فمعناها والله أعلم اتقوا فعل
161

اللعانين أي صاحبي اللعن وهما اللذان يلعنهما الناس في العادة والله أعلم قال الخطابي وغيره
من العلماء المراد بالطل هنا مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلا ومناخا ينزلونه ويقعدون فيه
وليس كل ظل يحرم القعود تحته فقد قعد النبي صلى الله عليه وسلم تحت حايش النخل لحاجته
وله ظل بلا شك والله أعلم الذي يتخلى في طريق الناس فمعناه
يتغوط في موضع يمر به الناس وما نهى عنه في الظل والطريق لما فيه من ايذاء المسلمين بتنجيس
من يمر به ونتنه واستقذاره والله أعلم قوله (دخل حائطا وتبعه غلام معه ميضأة فوضعها عند
سدرة فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فخرج علينا وقد استنجى بالماء) وفى الرواية
الأخرى (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء
وعنزة فيستنجي بالماء) وفى رواية أخرى (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبرز لحاجته
162

فآتيه بالماء فيغتسل به) الميضأة بكسر الميم وبهمزة بعد الضاد المعجمة وهي الاناء الذي
يتوضأ به كالركوة والإبريق وشبههما وأما الحائط فهو البستان وأما العنزة فبفتح العين
والزاي وهي عصا طويلة في أسفلها زج ويقال رمح قصير وإنما كان يستصحبها النبي صلى الله عليه وسلم
لأنه كان إذا توضأ صلى فيحتاج إلى نصبها بين يديه لتكون حائلا يصلى إليه
وأما قوله يتبرز فمعناه يأتي البراز بفتح الباء وهو المكان الواسع الظاهر من الأرض
ليخلو لحاجته ويستتر ويبعد عن أعين الناظرين وأما قوله فيغتسل به فمعناه يستنجي به ويغسل
محل الاستنجاء والله أعلم وأما فقه هذه الأحاديث ففيها استحباب التباعد لقضاء
الحاجة عن الناس والاستتار عن أعين الناظرين وفيها جواز استخدام الرجل الفاضل
بعض أصحابه في حاجته وفيها خدمة الصالحين وأهل الفضل والتبرك بذلك وفيها
جواز الاستنجاء بالماء واستحبابه ورجحانه على الاقتصار على الحجر وقد اختلف الناس في هذه
المسألة فالذي عليه الجماهير من السلف والخلف وأجمع عليه أهل الفتوى من أئمة الأمصار أن
الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر فيستعمل الحجر أولا لتخف النجاسة وتقل مباشرتها بيده ثم
يستعمل الماء فان أراد الاقتصار على أحدهما جاز الاقتصار على أيهما شاء سواء وجد الآخر أو لم
يجده فيجوز الاقتصار على الحجر مع وجود الماء ويجوز عكسه فان اقتصر على أحدهما فالماء
أفضل من الحجر لأن الماء يطهر المحل طهارة حقيقية وأما الحجر فلا يطهره وإنما يخفف النجاسة
ويبيح الصلاة مع النجاسة المعفو عنها وبعض السلف ذهبوا إلى أن الأفضل هو الحجر وربما أوهم
كلام بعضهم أن الماء لا يجزى وقال ابن حبيب المالكي لا يجزى
الحجر الا لمن عدم الماء وهذا
خلاف ما عليه العلماء من السلف والخلف وخلاف ظواهر السنن المتظاهرة والله أعلم وقد استدل
بعض العلماء بهذه الأحاديث على أن المستحب أن يتوضأ من الأواني دون المشارع والبرك
ونحوها إذ لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الذي قاله غير مقبول ولم يوافق
عليه أحد فيما نعلم قال القاضي عياض هذا الذي قاله هذا القائل لا أصل له ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم
وجدها فعدل عنها إلى الأواني والله أعلم
163

المسح على الخفين أجمع من يعتد به في الاجماع على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر سواء كان لحاجة
أو لغيرها حتى يجوز للمرأة الملازمة بيتها والزمن الذي لا يمشى وإنما أنكرته الشيعة والخوارج
ولا يعتد بخلافهم وقد روى عن مالك رحمه الله تعالى روايات فيه والمشهور من مذهبه
كمذهب الجماهير وقد روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة قال الحسن
البصري رحمه الله تعالى حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول اله صلى الله عليه وسلم
كان يمسح على الخفين وقد بينت أسماء جماعات كثيرين من الصحابة الذين
رووه في شرح المهذب وقد ذكرت فيه جملا نفيسة مما يتعلق بذلك و بالله التوفيق واختلف
العلماء في أن المسح على الخفين أفضل أم غسل الرجلين فذهب أصحابنا إلى أن الغسل أفضل
لكونه الأصل وذهب إليه جماعات من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو
أيوب الأنصاري رضي الله عنهم وذهب جماعات من التابعين إلى أن المسح أفضل وذهب إليه
الشعبي والحكم وحماد وعن أحمد روايتان أصحهما المسح أفضل والثانية هما سواء واختاره ابن المنذر
والله أعلم قوله (كان يعجبهم هذا الحديث لأن اسلام جرير كان بعد نزول المائدة) معناه
أن الله تعالى قال في سورة المائدة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم
وأرجلكم فلو كان اسلام جرير متقدما على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخف
164

منسوخا بآية المائدة فلما كان اسلامه متأخرا علمنا أن حديثه يعمل به وهو مبين أن المراد بآية
المائدة غير صاحب الخف فتكون السنة مخصصة للآية والله أعلم وروينا في سنن البيهقي
عن إبراهيم بن أدهم قال ما سمعت في المسح على الخفين أحسن من حديث جرير والله أعلم
قوله (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائما فتنحيت فقال ادنه
فدنوت حتى قمت عند عقبيه فتوضأ فمسح على خفيه) أما السباطة فبضم السين المهملة وتخفيف
الباء الموحدة وهي ملقي القمامة والتراب ونحوهما تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها قال الخطابي
ويكون ذلك في الغالب سهلا منثا لا يحد فيه البول ولا يرتد على البائل وأما سبب بوله صلى الله عليه وسلم
قائما فذكر العلماء فيه أوجها حكاها الخطابي والبيهقي وغيرهما من الأئمة أحدها قالا
وهو مروي عن الشافعي أن العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بالبول قائما قال فترى أنه كان
به صلى الله عليه وسلم وجع الصلب إذ ذاك والثاني أن سببه ما روي في رواية ضعيفة رواها البيهقي
وغيره أنه صلى الله عليه وسلم بال قائما لعلة بمأبضه والمأبض بهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء
موحدة وهو باطن الركبة والثالث أنه لم يجد مكانا للقعود فاضطر إلى القيام لكون الطرف الذي
من السباطة كان عاليا مرتفعا وذكر الإمام أبو عبد الله المازري والقاضي عياض رحمهما الله
165

تعالى وجها رابعا وهو أنه بال قائما لكونها حالة يؤمن فيها خروج الحدث من سبيل الآخر
في الغالب بخلاف حالة القعود ولذلك قال عمر البول قائما أحصن للدبر ويجوز وجه خامس
انه صلى الله عليه وسلم فعله للجواز في هذه المرة وكانت عادته المستمرة يبول قاعدا ويدل عليه حديث
عائشة رضي الله عنها قالت من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوا
ما كان يبول الا قاعدا رواه أحمد ين حنبل والترمذي والنسائي وآخرون واسناده جيد والله
أعلم وقد روى في النهى عن البول قائما أحاديث لا تثبت ولكن حديث عائشة هذا ثابت
فلهذا قال العلماء يكره البول قائما الا لعذر وهي كراهة تنزيه لا تحريم قال ابن المنذر في الاشراق
اختلفوا في البول قائما فثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل
ابن سعد أنهم بالوا قياما قال وروى ذلك عن أنس وعلى وأبي هريرة رضي الله عنهم وفعل ذلك
ابن سيرين وعروة بن الزبير وكرهه ابن مسعود والشعبي وإبراهيم بن سعد وكان إبراهيم بن سعد
لا يجيز شهادة من بال قائما وفيه قول ثالث أنه إن كان في مكان يتطاير إليه من البول شئ فهو
مكروه فإن كان لا يتطاير فلا بأس به وهذا قول مالك قال ابن المنذر البول جالسا أحب إلى
وقائما مناح وكل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كلام ابن المنذر والله أعلم
وأما بوله صلى الله عليه وسلم في سباطة قوم فيحتمل أوجها أظهرها أنهم كانوا يؤثرون ذلك
ولا يكرهونه بل يفرحون به ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه والأكل من طعامه ونظائر
هذا في السنة أكثر من أن تحصى وقد أشرنا إلى هذه القاعدة في كتاب الايمان في حديث أبي
هريرة رضي الله عنه قال احتفزت كما يحتفز الثعلب والوجه الثاني أنها لم تكن مختصة بهم بل كانت
بفناء دورهم للناس كلهم فأضيفت إليهم لقربها منهم والثالث أن يكونوا أذنوا لمن أراد قضاء الحاجة
اما بصريح الاذن واما بما في معناه والله أعلم وأما بوله صلى الله عليه وسلم في السباطة
التي بقرب الدور مع أن المعروف من عادته صلى الله عليه وسلم التباعد في المذهب فقد ذكر
القاضي عياض رضي الله عنه أن سببه أنه صلى الله عليه وسلم كان من الشغل بأمور المسلمين
والنظر في مصالحهم بالمحل المعروف فلعله طال عليه مجلس حتى حفزه البول فلم يمكنه التباعد
ولو أبعد لتضرر وارتاد السباطة لدمثها وأقام حذيفة بقربه ليستره عن الناس وهذا الذي قاله القاضي حسن ظاهر والله أعلم وأما قوله فتنحيت فقال ادنه فدنوت حتى قمت عند عقبيه
166

قال العلماء إنما استدناه صلى الله عليه وسلم ليستتر به عن أعين الناس وغيرهم من الناظرين
لكونها حالة يستخفى بها ويستحيي منها في العادة وكانت الحاجة التي يقضيها بولا من قيام
ويؤمن معها خروج الحدث الآخر والرائحة الكريهة فلهذا استدناه وجاء في الحديث الآخر
لما أراد قضاء الحاجة قال تنح لكونه كان يقضيها قاعدا ويحتاج إلى الحدثين جميعا فتحصل
الرائحة الكريهة وما يتبعها ولهذا قال بعض العلماء في هذا الحديث من السنة القرب من البائل
إذا كان قائما فإذا كان قاعدا فالسنة الابعاد عنه والله تعالى أعلم واعلم أن هذا الحديث مشتمل
على أنواع من الفوائد بعدم بسط أكثرها فيما ذكرناه ونشير إليها ههنا مختصرة ففيه اثبات المسح
على الخفين وفيه جواز المسح في الحضر وفيه جواز البول قائما وجواز قرب الانسان من البائل
وفيه جواز طلب البائل من صاحبه الذي يدل عليه القرب منه ليستره وفيه استحباب الستر وفيه
جواز البول بقرب الديار وفيه غير ذلك والله أعلم قوله (فقال حذيفة لوددت أن صاحبكم
لا يشدد هذا التشديد فلقد رأيتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نتماشى فأتى سباطة خلف
حائط فقام كما يقوم أحدكم فبال) الخ مقصود حذيفة أن هذا التشديد خلاف السنة فان النبي صلى الله عليه وسلم بال قائما ولا شك في كون القائم معرضا للرشيش ولم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم
إلى هذا الاحتمال ولم يتكلف البول في قارورة كما فعل أبو موسى رضي الله عنه والله
أعلم قوله (أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن سعد ين إبراهيم عن نافع ين جبير عن عروة
ابن المغيرة عن أبيه المغيرة) هذا الاسناد فيه أربعة تابعيون يروى بعضهم عن بعض وهم يحيى بن
167

سعيد وهو الأنصاري وسعد ونافع وعروة و قد تقدم أن ميم المغيرة تضم وتكسر والله أعلم قوله
(عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج
لحاجته فاتبعه المغيرة بإداوة فيها ماء فصب عليه حين فرغ من حاجته فتوضأ ومسح على الخفين)
وفى رواية حتى مكان حين أما قوله فاتبعه المغيرة فهو من كلام عروة عن أبيه وهذا
كثير يقع مثله في الحديث فنقل الراوي عن المروى عنه لفظه عن نفسه بلفظ الغبية وأما
الإداوة فهي والركوة والمطهرة والميضأة بمعنى متقارب وهو اناء الوضوء وأما قوله فصب
عليه حين فرغ من حاجته فمعناه بعد انفصاله من موضع قضاء حاجته وانتقاله إلى موضع آخر
فصب عليه في وضوئه وأما رواية حتى فرغ فلعل معناها فصب عليه في وضوئه حتى فرغ من
الوضوء فيكون المراد بالحاجة الوضوء وقد جاء في الرواية الأخرى مبينا أن صبه عليه كان بعد
رجوعه من قضاء الحاجة والله أعلم وفى هذا الحديث دليل على جواز الاستعانة في الوضوء
وقد ثبت أيضا في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه صب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
في وضوئه حين انصرف من عرفة وقد جاء في أحاديث ليست بثابتة النهى عن الاستعانة
قال أصحابنا الاستعانة ثلاثة أقسام أحدهما أن يستعين بغيره في احضار الماء فلا كراهة فيه
168

ولا نقص والثاني أن يستعين به في غسل الأعضاء ويباشر الأجنبي بنفسه غسل الأعضاء فهذا
مكروه الا لحاجة والثالث أن يصب عله فهذا الأولى تركه وهل يسمى مكروها فيه وجهان قال
أصحابنا وغيرهم وإذا صب عليه وقف الصاب على يسار المتوضئ والله أعلم قوله (فأخرجهما
من تحت الجبة) فيه جواز مثل هذا للحاجة وفى الخلوة وأما بين الناس فينبغي أن لا يفعل
لغير حاجة لان فيه اخلالا بالمروءة قوله (حدثني محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا زكرياء
169

عن عامر قال أخبرني عروة بن المغيرة عن أبيه) هذا الاسناد كله كوفيون قوله صلى الله عليه وسلم
(فاني أدخلتهما طاهرتين) فيه دليل على أن المسح على الخفين لا يجوز الا إذا لبسهما على طهارة كاملة
بأن يفرغ من الوضوء بكماله ثم يلبسهما لأن حقيقة ادخالهما طاهرتين أن تكون كل واحدة منهما أدخلت
وهي طاهرة وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فمذهبنا أنه يشترط لبسهما على طهارة كاملة حتى
لو غسل رجله اليمنى ثم لبس خفها وغسل اليسرى ثم لبس خفها لم يصح لبس اليمنى فلا بد من نزعها
وإعادة لبسها ولا يحتاج إلى نزع اليسرى لكونها ألبست بعد كمال الطهارة شذ بعض أصحابنا فأوجب
نزع اليسرى أيضا وهذا الذي ذكرناه من اشتراط الطهارة في اللبس هو مذهب مالك وأحمد
وإسحاق وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري ويحيى بن آدم والمزني وأبو ثور وداود يجوز
اللبس على حدث ثم يكمل طهارته والله أعلم قوله (وحدثني محمد بن حاتم حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عمر بن أبي زائدة عن الشعبي عن عروة بن المغيرة عن أبيه) قال الحافظ أبو علي
النيسابوري هكذا روى لنا عن مسلم اسناد هذا الحديث عن عمر بن أبي زائدة من جميع الطرق
ليس بينه وبين الشعبي أحد وذكر أبو مسعود أن مسلم بن الحجاج خرجه عن ابن حاتم عن إسحاق
عن عمر بن أبي زائدة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي وهكذا قال أبو بكر الجورقي في كتابه
الكبير وذكر البخاري في تاريخه أن عمر بن أبي زائدة قد سمع من الشعبي وأنه كان يبعث ابن أبي
السفر وزكرياء إلى الشعبي يسألانه هذا آخر كلام أبي على قلت وقد ذكر الحافظ أبو محمد خلف
الواسطي في أطرافه أن مسلما رواه عن ابن حاتم عن إسحاق عن عمر بن أبي زائدة عن الشعبي كما
170

هو في الأصول ولم يذكر ابن أبي السفر والله أعلم قوله (وحدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال
حدثنا يزيد يعنى ابن زريع قال حدثنا حميد الطويل قال حدثنا بكر بن عبد الله المزني عن عروة بن
المغيرة بن شعبة عن أبيه قال الحافظ أبو علي الغساني قال أبو مسعود الدمشقي) هكذا يقول مسلم
في حديث ابن بزيع عن يزيد بن زريع عن عروة بن المغيرة وخالفه الناس فقالوا فيه حمزة بن
المغيرة بدل عروة وأما أبو الحسن الدارقطني فنسب الوهم فيه إلى محمد بن عبد الله بزيع لا إلى
مسلم هذا آخر كلام الغساني قال القاضي عياض حمزة بن المغيرة هو الصحيح عندهم في هذا
الحديث وإنما عروة بن المغيرة في الأحاديث الأخر وحمزة وعروة ابنان للمغيرة والحديث
مروى عنهما جميعا لكن رواية بكر بن عبد الله بن المزني إنما هي عن حمزة بن المغيرة وعن
ابن المغيرة غير مسمى ولا يقول بكر عروة ومن قال عروة عنه فقد وهم وكذلك اختلف عن
بكر فرواه معتمر في أحد الوجهين عنه عن بكر عن الحسن عن ابن المغيرة وكذا رواه يحي بن
سعيد عن التيمي وقد ذكر هذا مسلم وقال غيرهم عن بكر عن
المغيرة قال الدارقطني وهو وهم هذا
آخر كلام القاضي عياض والله أعلم قوله (فاتيته بمطهرة) قد تقدم قريبا أن فيها لغتين
فتح الميم وكسرها وأنها الاناء الذي يتطهر منه قوله (ثم ذهب يحسر عن ذراعيه) هو بفتح الياء
171

وكسر السين أي يكشف والله أعلم قوله (مسح بناصيته وعلى العمامة) هذا مما احتج به
أصحابنا على أن مسح بعض الرأس يكفي ولا يشترط الجميع لأنه لو وجب الجميع لما اكتفى
بالعمامة عن الباقي فان الجمع بين الأصل والبدل في عضو واحد لا يجوز كما لو مسح على خف
واحد وغسل الرجل الأخرى وأما التتميم بالعمامة فهو عند الشافعي وجماعة على الاستحباب
لتكون الطهارة على جميع الرأس ولا فرق بين أن يكون لبس العمامة على طهر أو على حدث
وكذا لو كان على رأسه قلنسوة ولم ينزعها مسح بناصيته ويستحب أن يتم على القلنسوة
كالعمامة ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح شيئا من الرأس لم يجزه ذلك عندنا بلا خلاف وهو
مذهب مالك وأبي حنيفة وأكثر العلماء رحمهم الله تعالى وذهب أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى
إلى جواز الاقتصار ووافقه عليه جماعة من السلف والله أعلم والناصية هي مقدم الرأس
قوله (فانتهينا إلى القوم وقد قاموا في الصلاة يصلى بهم عبد الرحمن بن عوف وقد ركع
ركعة بهم فلما أحس بالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب يتأخر فأومأ إليه فصلى بهم فلما سلم
قام النبي صلى الله عليه وسلم وقمت فركعنا الركعة
التي سبقتنا) اعلم أن هذا الحديث فيه
فوائد كثيرة منها جواز اقتداء الفاضل بالمفضول وجواز صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف
بعض أمته ومنها أن الأفضل تقديم الصلاة في أول الوقت فإنهم فعلوها أول الوقت ولم ينتظروا
النبي صلى الله عليه وسلم ومنها أن الامام إذا تأخر عن أول الوقت استحب للجماعة أن
يقدموا أحدهم فيصلى بهم إذا وثقوا بحسن خلق الامام وأنه لا يتأذى من ذلك ولا يترتب
عليه فتنة فاما إذا لم يأمنوا أذاه فإنهم يصلون في أول الوقت فرادى ثم أن أدركوا الجماعة بعد ذلك استحب
172

لهم اعادتها معهم ومنها أن من سبقه الامام ببعض الصلاة أتى بما أدرك فإذا سلم الامام
أتى بما بقي عليه ولا يسقط ذلك عنه بخلاف قراءة الفاتحة فإنها تسقط عن المسبوق إذا أدرك
الامام راكعا ومنها اتباع المسبوق للامام في فعله في ركوعه وسجوده وجلوسه وان لم
يكن ذلك موضع فعله للمأموم ومنها أن المسبوق إنما يفارق الامام بعد سلام الامام والله
أعلم وأما بقاء عبد الرحمن في صلاته وتأخر أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ليتقدم النبي صلى الله عليه وسلم
فالفرق بينهما أن في قضية عبد الرحمن كان قد ركع ركعة فترك النبي صلى الله عليه وسلم
التقدم لئلا يختل ترتيب صلاة القوم بخلاف قضية أبي بكر رضي الله عنهما والله أعلم
وأما قوله فركعنا الركعة التي سبقتنا فكذا ضبطناه وكذا هو في الأصول بفتح السين والباء
والقاف وبعدها مثناة من فوق ساكنة أي وجدت قبل حضورنا والله أعلم قوله (حدثنا المعتمر عن أبيه
عن بكر عن الحسن عن ابن المغيرة عن أبيه) هذا الاسناد فيه أربعة تابعيون يروى بعضهم عن بعض وهم
أبو المعتمر سليمان بن طرخان وبكر بن عبد الله والحسن البصري وابن المغيرة واسمه حمزة كما تقدم وهؤلاء
التابعيون الأربعة بصريون الا ابن المغيرة فإنه كوفي قوله (قال بكر وقد سمعت من ابن المغيرة)
هكذا ضبطناه وكذا هو في الأصول ببلادنا سمعت بالتاء في أخره وليس بعدها هاء وقال القاضي
هو عند جميع شيوخنا سمعته يعنى بالهاء في آخره بعد التاء قال وكذا ذكره ابن أبي خيثمة والدارقطني
173

وغيرهما قال ووقع عند بعضهم ولم أروه وقد سمعت من ابن المغيرة يعنى بحذف الهاء وقد تقدم
سماعه الحديث منه هذا كلام القاضي قوله في حديث بلال (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مسح على الخفين والخمار) يعنى بالخمار العمامة لأنها تخمر الرأس أي تغطيه قوله (وحدثنا أبو
بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء قالا حدثنا أبو معاوية وحدثنا إسحاق أخبرنا عيسى بن يونس كلاهما
عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار وفي حديث عيسى حدثني الحكم حدثني
بلال) وهذا الذي قاله في الأخير من دقيق علم الاسناد أعنى قوله وفي حديث الخ ومعنى هذا أن
الأعمش يروى عنه هنا اثنان أبو معاوية وعيسى بن يونس فقال أبو معاوية في روايته عن
الأعمش عن الحكم وقال عيسى بن أبي ليلى في روايته عن الأعمش قال حدثني الحكم فأتى بحدثني
بدل عن ولا شك أن حدثنا أقوى لا سيما من الأعمش الذي هو معروف بالتدليس وقال أيضا
أبو معاوية في روايته عن الأعمش عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن بلال عن كعب بن عجرة
وقال عيسى في روايته عن الأعمش حدثني الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال حدثني
بلال فأتى بحدثني بلال موضع عن بلال ثم أعلم أن هذا الاسناد الذي ذكره مسلم رحمه الله تعالى
مما تكلم عليه الدارقطني في كتاب العلل وذكر الخلاف في طريقه والخلاف عن الأعمش فيه
174

وأن بلالا سقط منه عند بعض الرواة واقتصر على كعب بن عجرة وأن بعضهم عكسه فأسقط
كعبا واقتصر على بلال وأن بعضهم زاد البراء بين بلال وابن أبي ليلى وأكثر من رواه رووه
كما هو في مسلم وقد رواه بعضهم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن بلال والله أعلم
التوقيت في المسح على الخفين
فيه (عمرو بن قيس الملائي عن الحكم بن عتيبة عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال
أتيت عائشة رضي الله عنها أسألها عن المسح على الخفين فقالت عليك بابن أبي طالب فاسأله
فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه فقال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة
أيام ولياليهن للمسافر ويوما ليلة للمقيم) وفي الرواية الأخرى (عن الأعمش عن الحكم عن القاسم
ابن مخيمرة عن شريح عن عائشة) أما أسانيده فالملائي بضم الميم وبالمد كان يبيع الملأ وهو نوع
175

من الثياب معروف الواحدة ملاءة بالمد وكان من الأخيار وعتيبة بضم العين وبعدها مثناة
من فوق ثم مثناة من تحت ثم موحدة ومخيمرة بضم الميم وبالخاء المعجمة
وشريح بالشين المعجمة وبالحاء وهانئ بهمزة آخره والأعمش والحكم والقاسم وشريح تابعيون كوفيون وأما أحاكمه
ففيه الحجة البينة والدلالة الواضحة لمذهب الجمهور أن المسح على الخفين موقت بثلاثة أيام في السفر
وبيوم وليلة في الحضر وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة
فمن بعدهم وقال مالك في المشهور عنه يمسح بلا توقيت وهو قول قديم ضعيف عن الشافعي
واحتجوا بحديث ابن أبي عمارة بكسر العين في ترك التوقيت رواه أبو داود وغيره وهو حديث
ضعيف باتفاق أهل الحديث وأوجه الدلالة من الحديث على مذهب من يقول بالمفهوم ظاهرة
وعلى مذهب من لا يقول به يقال الأصل منع المسح فيما زاد ومذهب الشافعي وكثيرين أن
ابتداء المدة من حين الحدث بعد لبس الخف لا من حين اللبس ولا من حين المسح ثم أن الحدث
عام مخصوص بحديث صفوان بن غسال رضي الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا كنا مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن الا من جنابة قال أصحابنا
فإذا أجنب قبل انقضاء المدة لم يجز المسح على الخف فلو اغتسل وغسل رجليه في الخف ارتفعت
جنابته وجازت صلاته فلو أحدث بعد ذلك لم يجز له المسح على الخف بل لا بد من خلعه ولبسه
على طهارة بخلاف ما لو تنجست رجله في الخف فغسلها فيه فان له المسح على الخف بعد ذلك والله
أعلم وفي هذا الحديث من الآداب ما قاله العلماء أنه يستحب للمحدث وللمعلم والمفتى إذا طلب منه
ما يعلمه عند أجل منه أن يرشد إليه وان لم يعرفه قال اسأل عنه فلانا قال أبو عمر بن عبد البر واختلف
الرواة في رفع هذا الحديث ووقفه على على قال ومن رفعه أحفظ وأضبط والله سبحانه وتعالى أعلم
جواز الصلوات كلها بوضوء واحد
فيه (بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه
176

فقال له عمر رضي الله عنه لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه قال عمدا صنعته يا عمر)
في هذا الحديث أنواع من العلم منها جواز المسح على الخف وجواز الصلوات المفروضات
والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث وهذا جائز باجماع من يعتد به وحكى أبو جعفر الطحاوي وأبو
الحسن بن بطال في شرح صحيح البخاري عن طائفة من العلماء أنهم قالوا يجب الوضوء لكل
لصلاة وإن كان متطهرا واحتجوا بقول الله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية
وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة
ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة منها هذا الحديث وحديث أنس في صحيح البخاري كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة وكان أحدنا يكفيه الوضوء ما لم يحدث وحديث
سويد بن النعمان في صحيح البخاري أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر ثم أكل
سويقا ثم صلى المغرب ولم يتوضأ وفي معناه أحاديث كثيرة كحديث الجمع بين الصلاتين بعرفة
والمزدلفة وسائر الاسفار والجمع بين الصلوات الفائتات يوم الخندق وغير ذلك وأما الآية الكريمة
فالمراد بها والله أعلم إذا قمتم محدثين وقيل إنها منسوخة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا القول
ضعيف والله أعلم قال أصحابنا ويستحب تجديد الوضوء وهو أن يكون على طهارة ثم يتطهر ثانيا
من غير حدث وفي شرط استحباب التجديد أوجه أحدها أنه يستحب لمن صلى به صلاة سواء
كانت فريضة أو نافلة والثاني لا يستحب الا لمن صلى فريضة والثالث يستحب لمن فعل به ما لا يجوز
الا بطهارة كمس المصحف وسجود التلاوة والرابع يستحب وان لم يفعل به شيئا أصلا بشرط
أن يتخلل بين التجديد والوضوء زمن يقع بمثله تفريق والا يستحب تجديد
الغسل عل المذهب
177

الصحيح المشهور وحكى امام الحرمين وجها أنه يستحب وفي استحباب تجديد التيمم وجهان
أشهرهما لا يستحب وصورته في الجريح والمريض ونحوهما ممن يتيمم مع وجود الماء ويتصور
في غيره إذا قلنا لا يجب الطلب لمن تيمم ثانيا في موضعه والله أعلم وأما قول عمر رضي الله
عنه صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه ففيه تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب
على الوضوء كل صلاة عملا بالأفضل وصلى الصلوات في هذا اليوم بوضوء واحد بيانا للجواز
كما قال صلى الله عليه وسلم عمدا صنعته يا عمر وفي هذا الحديث جواز سؤال المفضول الفاضل
عن بعض أعماله التي في ظاهرها مخالفة للعادة لأنها قد تكون عن نسيان فيرجع عنها وقد تكون
تعمدا لمعنى خفي على المفضول فيستفيده والله أعلم وأما اسناد الباب ففيه ابن نمير قال حدثنا
سفيان عن علقمة بن مرثد وفي الطريق الآخر يحي بن سعيد عن سفيان قال حدثني علقمة بن
مرثد إنما فعل مسلم رحمه الله تعالى هذا وأعاد ذكر سفيان وعلقمة لفوائد منها أن سفيان رحمه
الله تعالى من المدلسين وقال في الرواية الأولى عن علقمة والمدلس لا يحتج بعنعنته بالاتفاق
الا ان ثبت سماعه من طريق آخر فذكر مسلم الطريق الثاني المصرح بسماع سفيان من علقمة
فقال حدثني علقمة والفائدة الأخرى أن ابن نمير قال حدثنا سفيان ويحي ين سعيد قال عن سفيان فلم
يستجز مسلم رحمه الله تعالى الرواية عن الاثنين بصيغة أحدهما فان حدثنا متفق على حمله على
الاتصال وعن مختلف فيه كما قدمناه في شرح المقدمة
كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الاناء
(قبل غسلها ثلاثا) فيه قوله صلى الله عليه وسلم (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا
178

فإنه لا يدري أين باتت يده) قال الشافعي وغيره من العلماء رحمهم الله تعالى في معنى قوله صلى الله عليه وسلم
لا يدري أين باتت يده أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالأحجار وبلادهم حارة فإذا نام
أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن يطوف يده على ذلك الموضع النجس أو على بثرة أو قملة أو قذر غير
ذلك وفي هذا الحديث دلالة لمسائل كثيرة في مذهبنا ومذهب الجمهور منها أن الماء القليل إذا
وردت عليه نجاسة نجسته وان قلت ولم تغيره فإنها تنجسه لأن الذي تعلق باليد ولا يرى قليل جدا
وكانت عادتهم استعمال الأواني الصغيرة التي تقصر عن قلتين بل لا تقاربهما ومنها الفرق بين
ورود الماء على النجاسة وورودها عليه وأنها إذا وردت عليه نجسته وإذا ورد عليها أزالها
ومنها أن الغسل سبعا ليس عاما في جميع النجاسات وإنما ورد الشرع به في ولوغ الكلب
خاصة ومنها أن موضع الاستنجاء لا يطهر بالأحجار بل يبقى نجسا معفوا عنه في حق الصلاة
ومنها استحباب غسل النجاسة ثلاثا لأنه إذا أمر به في المتوهمة ففي المحققة أولى ومنها استحباب
الغسل ثلاثا في المتوهمة ومنها أن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسل ولا يؤثر فيها الرش
فإنه صلى الله عليه وسلم قال حتى يغسلها ولم يقل حتى يغسلها أو يرشها ومنها استحباب الأخذ
بالاحتياط في العبادات وغيرها ما لم يخرج عن حد الاحتياط إلى حد الوسوسة وفي الفرق بين الاحتياط والوسوسة كلام طويل أوضحته في باب الآنية من شرح المهذب ومنها استحباب
179

استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى من التصريح به فإنه صلى الله عليه وسلم قال لا يدري أين
باتت يده ولم يقال فلعل يده وقعت على دبره أو ذكره أو نجاسة أو نحو ذلك وإن كان هذا معنى قوله
صلى الله عليه وسلم ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز والأحاديث الصحيحة وهذا إذا علم أن
السامع يفهم بالكناية المقصود فإن لم يكن كذلك فلا بد من التصريح لينفي اللبس والوقوع في خلاف
المطلوب وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مصرحا به والله أعلم هذه فوائد من الحديث غير الفائدة
المقصودة هنا وهي النهي عن غمس اليد في الاناء قبل غسلها وهذا مجمع عليه لكن الجماهير من
العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهى تنزيه لا تحريم فلو خالف وغمس لم يفسد الماء ولم يأثم
الغامس وحكى أصحابنا عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه ينجس إن كان قام من نوم الليل
وحكوه أيضا عن إسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري وهو ضعيف فان الأصل في الماء
واليد الطهارة فلا ينجس بالشك وقواعد الشرع متظاهرة على هذا ولا يمكن أن يقال الظاهر
في اليد النجاسة وأما الحديث فمحمول على التنزيه ثم مذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم
ليس مخصوصا بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كره
له غمسها في الاناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل أو النهار أو شك في نجاستها من غير
نوم وهذا مذهب جمهور العلماء وحكى عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى رواية أنه إن قام
180

من نوم الليل كره كراهة تحريم وان قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه ووافقه عليه داود
الظاهري اعتمادا على لفظ المبيت في الحديث وهذا مذهب ضعيف جدا فان النبي صلى الله عليه وسلم
نبه على العلة بقوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يدري أين باتت يده ومعناه أنه لا يأمن
النجاسة على يده وهذا عام لوجود احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة وذكر الليل
أولا لكونه الغلب ولم يقتصر عليه خوفا من توهم أنه مخصوص به بل ذكر العلة بعده والله أعلم
هذا كله إذا شك في نجاسة اليد أما إذا تيقن طهارتها وأراد غمسها قبل غسلها فقد قال جماعة
من أصحابنا حكمه حكم الشك لان أسباب النجاسة قد تخفى في حق معظم الناس فسد الباب
لئلا يتساهل فيه من لا يعرف والأصح الذي ذهب إليه الجماهير من أصحابنا أنه لا كراهة فيه
بل هو في خيار بين الغمس أولا والغسل لان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النوم ونبه على العلة
وهي الشك فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة ولو كان النهي عاما لقال إذا أراد أحدكم استعمال
الماء فلا يغمس يده حتى يغسلها وكان أعم وأحسن والله أعلم قال أصحابنا وإذا كان الماء
في اناء كبير أو صخرة بحيث لا يمكن الصب منه وليس معه اناء صغير يغترف به فطريقه أن
يأخذ الماء بفمه ثم يغسل به كفيه أو يأخذ بطرف ثوبه النظيف أو يستعين بغيره والله أعلم وأما
أسانيد الباب ففيه الجهضمي بفتح الجيم والضاد المعجمة وتقدم بيانه في المقدمة وفيه حامد بن
181

عمر البكراوي بفتح الباء الموحدة واسكان الكاف وهو حامد بن عمر بن حفص بن عمر
ابن عبد الله بن أبي بكرة نفيع بن الحارث الصحابي فنسب حامد إلى جده وفيه أبو رزين
اسمه مسعود بن مالك الكوفي كان عالما فيها وهو مولى أبى وائل شقيق بن سلمة وفيه قول
مسلم رحمه الله تعالى في حديث أبي معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى حديث
وكيع يرفعه وهذا الذي فعله مسلم رحمه الله تعالى من احتياطه ودقيق نظره وغزير علمه وثبوت
فهمه فان أبا معاوية ووكيعا اختلفت روايتهما فقال أحدهما قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال الآخر عن أبي هريرة يرفعه وهذا بمعنى ذلك عند أهل العلم كما قدمناه
في الفصول ولكن أراد مسلم رحمه الله تعالى أن لا يروى بالمعنى فان الرواية بالمعنى حرام عند
جماعات من العلماء وجائزة عند الأكثرين الا أن الأولى اجتنابها والله أعلم وفيه معقل عن أبي
الزبير هو معقل بفتح الميم وكسر القاف وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس تقدم
بيانه في مواضع وفيه المغيرة الحزامي بالزاي والمغيرة بضم الميم على المشهور ويقال بكسرها
تقدم ذكرهما في المقدمة والله أعلم باب حكم ولوغ الكلب فيه قوله صلى الله عليه وسلم (إذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات) وفى
182

الرواية الأخرى (طهور اناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب)
وفى الرواية الأخرى (طهور اناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات) وفى الرواية
الأخرى (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم قال ما بالهم وبال الكلاب ثم
رخص في كلب الصيد وكلب الغنم وقال إذا ولغ الكلب في الاناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه
الثامنة في التراب) وفى رواية (ورخص في كلب الغنم والصيد والزرع) أما أسانيد الباب ولغاته
183

ففيه أبو رزين تقدم ذكره في الباب قبله وفيه ولغ الكلب قال أهل اللغة يقال ولغ الكلب
في الاناء يلغ بفتح اللام فيهما ولوغا إذا شرب بطرف لسانه قال أبو زيد يقال ولغ الكلب
بشرابنا وفى شرابنا ومن شرابنا وفيه طهور اناء أحدكم الأشهر فيه ضم الطاء ويقال بفتحها
لغتان تقدمتا في أول كتاب الوضوء وفيه قوله في صحيفة همام فذكر أحاديث منها وقد تقدم
في الفصول وغيرها بيان فائدة هذه العبارة وفيه قوله في آخر الباب وليس ذكر الزرع في
الرواية غير يحيى هكذا هو في الأصول وهو صحيح وذكر بفتح الذال والكاف والزرع
منصوب وغير مرفوع معناه لم يذكر هذه الرواية الا يحيى وفيه أبو التياح بفتح المثناة فوق
وبعدها مثناة تحت مشددة وآخره حاء مهملة واسمه يزيد بن حميد الضبعي البصري العبد الصالح
قال شعبة كنا نكنيه بأبى حماد قال وبلغني أنه كان يكنى بأبى التياح وهو غلام وفيه ابن المغفل
بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء وهو عبد الله بن المغفل المزني وقول مسلم حدثنا عبد
الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي التياح سمع مطرف بن عبد الله عن أبي المغفل قال
مسلم وحدثنيه يحيى بن حبيب الحارثي قال حدثنا خالد يعنى ابن الحارث ح وحدثني محمد بن حاتم
قال حدثنا يحيى ين سعيد ح وحدثني محمد ين الوليد قال حدثنا محمد بن جعفر كلهم عن شعبة
في هذا الاسناد بمثله هذه الأسانيد من جميع هذه الطرق رجالها بصريون وقد قدمنا مرات
أن شعبة واسطى ثم بصرى ويحيى بن سعيد المذكور هو القطان والله أعلم أما أحكام
الباب ففيه دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي وغيره رضي الله عنه ممن يقول بنجاسة الكلب
لأن الطهارة تكون عن حدث أو نجس وليس هنا حدث فتعين النجس فان قيل
المراد الطهارة اللغوية فالجواب أن حمل اللفظ على حقيقته الشرعية مقدم على اللغوية
وفيه أيضا نجاسة ما ولغ فيه وأنه إن كان طعاما مائعا حرام أكله لان اراقته
إضاعة له فلو كان طاهرا لم يأمرنا بإراقته بل قد نهينا عن إضاعة المال وهذا مذهبنا ومذهب
الجماهير أنه ينجس ما ولغ فيه ولا فرق بين الكلب المأذون في اقتنائه وغيره ولا بين كلب البدوي
والحضري لعموم اللفظ وفى مذهب مالك أربعة أقوال طهارته ونجاسته وطهارة سؤر المأذون
في اتخاذه دون غيره وهذه الثلاثة عن مالك والرابع عن عبد الملك بن الماجشون المالكي أنه يفرق
بين البدوي والحضري وفيه الأمر بإراقته وهذا متفق عليه عندنا ولكن هل الإراقة واجبة
184

لعينها أم لا تجب إذا أراد استعمال الاناء أراقه فيه خلاف ذكر أكثر أصحابنا الإراقة لا تجب
لعينها بل هي مستحبة فان أراد استعمال الاناء أراقه وذهب بعض أصحابنا إلى أنها واجهة على الفور
ولو لم يرد استعماله حكاه الماوردي من أصحابنا في كتابه الحاوي ويحتج له بمطلق الأمر وهو
يقتضى الوجوب على المختار وهو قول أكثر الفقهاء ويحتج للأول بالقياس على باقي المياه النجسة
فإنه لا تجب اراقتها بلا خلاف ويمكن أن يجاب عنا بأن المراد في مسألة الولوغ الزجر والتغليظ
والمبالغة في التنفير عن الكلاب والله أعلم وفيه وجوب غسل نجاسة ولوغ الكلب سبع مرات
وذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجماهير وقال أبو حنيفة يكفي غسله ثلاث مرات والله أعلم
وأما الجمع بين الروايات فقد جاء في رواية سبع مرات وفى رواية سبع مرات أولاهن بالتراب
وفى رواية أخراهن أو أولاهن وفى رواية سبع مرات السابعة بالتراب وفي رواية سبع مرات وعفروه
الثامنة بالتراب وقد روى البيهقي وغيره هذه الروايات كلها وفيها دليل على أن التقييد بالأولى
وبغيرها ليس على الاشتراط بل المراد إحداهن وأما رواية وعفروه الثامنة بالتراب فمذهبنا
ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعا واحدة منهن بالتراب مع الماء فكأن التراب قائم مقام
غسلة فسميت ثامنة لهذا والله أعلم واعلم أنه لا فرق عندنا بين ولوغ الكلب وغيره من أجزائه
فإذا أصاب بوله أو روثة أو دمه أو عرقه أنو شعره أو لعابه أو عضو من أعضائه شيئا طاهرا
في حال رطوبة أحدهما وجب غسله سبع مراتب إحداهن بالتراب ولو ولغ كلبان أو كلب واحد
مرات في اناء ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا الصحيح أنه يكفيه للجميع سبع مرات والثاني يجب لكل
ولغة سبع والثالث يكفي لولغات الكلب الواحد سبع ويجب لكل كلب سبع ولو وقعت نجاسة
أخرى في الاناء الذي ولغ فيه الكلب كفي عن الجميع سبع ولا تقوم الغسلة الثامنة بالماء وحده
ولا غمس الاناء في ماء كثير ومكثه فيه قدر سبع غسلات مقام التراب على الأصح وقيل يقوم
ولا يقوم الصابون والأشنان وما أشبههما مقام التراب على الأصح ولا فرق بين وجود التراب
وعدمه على الأصح ولا يحصل الغسل بالتراب النجس على الأصح ولو كانت نجاسة الكلب دمه
أو روثه فلم يزل عينه بست الا غسلات مثلا فهل يحسب ذلك ست غسلات أو غسله واحدة
أم لا يحسب من السبع أصلا فيه ثلاثة أوجه أصحها واحدة وأما الخنزير فحكمه حكم الكلب في
هذا كله هذا مذهبنا وذهب أكثر العلماء إلى أن الخنزير لا يفتقر إلى غسله سبعا وهو قول الشافعي
185

وهو قوى في الدليل قال أصحابنا ومعنى الغسل بالتراب أن يخلط التراب في الماء حتى يتكدر ولا
فرق بين أن يطرح الماء على التراب أو التراب على الماء أو يأخذ الماء الكدر من موضع
فيغسل به فأما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزى ولا يجب ادخال اليد في الاناء بل يكفي
أن يلقيه في الاناء ويحركه ويستحب أن يكون التراب في غير الغسلة الأخيرة ليأتي عليه ما ينظفه
والأفضل أن يكون في الأولى ولو ولغ الكلب في ماء كثير بحيث لم ينقص ولوغه عن قلتين لم ينجسه
ولو ولغ في ماء قليل أو طعام فأصاب ذلك الماء أو الطعام ثوبا أو بدنا أو اناء آخر وجب غسله
سبعا إحداهن بالتراب ولو ولغ في اناء فيه طعام جامد ألقى ما أصابه وما حوله وانتفع بالباقي على
طهارته السابقة كما في الفأرة تموت في السمن الجامد والله أعلم وأما قوله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بقتل الكلاب ثم قال ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم وفي
الرواية الأخرى وكلب الزرع فهذا نهى عن اقتنائها وقد اتفق أصحابنا وغيرهم على أنه يحرم اقتناء
الكلب لغير حاجة مثل أن يقتني كلبا اعجابا بصورته أو للمفاخرة به فهذا حرام بلا خلاف وأما
الحاجة التي يجوز الاقتناء لها فقد ورد هذا الحديث بالترخيص لأحد ثلاثة أشياء وهي الزرع
والماشية والصيد وهذا جائز بلا خلاف واختلف أصحابنا في اقتنائه لحراسة الدور والدروب
وفي اقتناء الجرو ليعلم فمنهم من حرمه لأن الرخصة إنما وردت في الثلاثة المتقدمة ومنهم من أباحه
وهو الأصح لأنه في معناها واختلفوا أيضا فيمن اقتنى كلب صيد وهو رجل لا يصيد والله أعلم
وأما الأمر بقتل الكلاب فقال أصحابنا إن كان الكلب عقورا قتل وان لم يكن عقورا لم يجز قتله
سواء كان فيه منفعة من المنافع المذكور ة أو لم يكن قال الإمام أبو المعالي امام الحرمين والأمر
بقتل الكلاب منسوخ قال وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب مرة
ثم صح أنه نهى عن قتلها قال واستقر الشرع عليه على التفصيل الذي ذكرناه قال وأمر بقتل الأسود
البهيم وكان هذا في الابتداء وهو الآن منسوخ هذا كلام امام الحرمين ولا مزيد على تحقيقه والله أعلم
186

النهي عن البول في الماء الراكد
فيه قوله صلى الله عليه وسلم (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه) وفي الرواية الأخرى
(لا يبل في الماء الدائم الذي لا يجرى ثم يغتسل منه) وفي الرواية الأخرى (نهى أن يبال في الماء
الراكد) الرواية يغتسل مرفوع أي لا تبل ثم أنت تغتسل منه وذكر شيخنا أبو عبد الله بن مالك رضي
الله عنه أنه يجوز أيضا جزمه عطفا على موضع يبولن ونصبه باضمار أن واعطاء ثم حكم واو الجمع
فأما الجزم فظاهر وأما النصب فلا يجوز لأنه يقتضى أن المنهى عنه الجمع بينهما دون افراد أحدهما
وهذا لم يقله أحد بل البول فيه منهى عنه سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا والله أعلم
وأما الدائم فهو الراكد وقوله صلى الله عليه وسلم الذي لا يجرى تفسير للدائم وايضاح لمعناه
ويحتمل أنه احترز به عن راكد لا يجرى بعضه كالبرك ونحوها وهذا النهى في بعض المياه
للتحريم وفي بعضها للكراهة ويؤخذ ذلك من حكم المسألة فإن كان الماء كثيرا جاريا لم يحرم
البول فيه لمفهوم الحديث ولكن الأولى اجتنابه وإن كان قليلا جاريا فقد قال جماعة من أصحابنا
يكره والمختار أنه يحرم
لأنه يقذره وينجسه على المشهور من مذهب الشافعي وغيره ويغر
غيره فيستعمله مع أنه نجس وإن كان الماء كثيرا راكدا فقال أصحابنا يكره ولا يحرم
ولو قيل يحرم
187

لم يكن بعيدا فان النهي يقتضي التحريم على المختار عند المحققين والأكثرين من أهل الأصول
وفيه من المعنى أنه يقذره وربما أدى إلى تنجيسه بالاجماع لتغيره أو إلى تنجيسه عند
أبي حنيفة ومن وافقه في أن الغدير الذي يتحرك بتحرك طرفه الآخر ينجس بوقوع نجس فيه
وأما الراكد القليل فقد أطلق جماعة من أصحابنا أنه مكروه والصواب المختار أنه يحرم البول
فيه لأنه ينجسه ويتلف ماليته ويغر غيره باستعماله والله أعلم قال أصحابنا وغيرهم من العلماء
والتغوط في الماء كالبول فيه وأقبح وكذلك إذا بال في اناء ثم صبه في الماء وكذا إذا
بال بقرب النهر بحيث يجرى إليه البول فكله مذموم قبيح منهى عنه على التفصيل المذكور
ولم يخالف في هذا أحد من العلماء الا ما حكي عن داود بن علي الظاهري أن النهى مختص
ببول الانسان بنفسه وأن الغائط ليس كالبول وكذا إذا بال في اناء ثم صبه في الماء أو بال
بقرب الماء وهذا الذي ذهب إليه خلاف اجماع العلماء وهو أقبح ما نقل عنه في الجمود على
الظاهر والله أعلم قال العلماء ويكره البول والتغوط بقرب الماء وان لم يصل إليه لعموم نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن البراز في الموارد ولما فيه من ايذاء المارين بالماء ولما يخاف من وصوله
إلى الماء والله أعلم وأما انغماس من لم يستنج في الماء ليستنجي فيه فإن كان قليلا بحيث ينجس
بوقوع النجاسة فيه فهو حرام لما فيه من تلطخه بالنجاسة وتنجيس الماء وإن كان كثيرا
لا ينجس بوقوع النجاسة فيه فإن كان جاريا فلا بأس به وإن كان راكدا فليس بحرام ولا تظهر
كراهته لأنه ليس في معنى البول ولا يقاربه ولو اجتنب الانسان هذا كان أحسن والله أعلم
النهي عن الاغتسال في الماء الراكد
فيه (أبو السائب أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغتسل أحدكم في
188

الماء الدائم وهو جنب فقال كيف يفعل يا أبا هريرة قال يتناوله تناولا) أما أبو السائب فلا
يعرف اسمه وأما أحكام المسألة فقال العماء من أصحابنا وغيرهم يكره الاغتسال في الماء
الراكد قليلا كان أو كثيرا وكذا يكره الاغتسال في العين الجارية قال الشافعي رحمه الله تعالى
في البويطي أكره للجنب أن يغتسل في البئر معينة كانت أو دائمة وفي الماء الراكد الذي لا يجرى
قال الشافعي وسواء قليل الراكد وكثيره أكره الاغتسال فيه هذا نصه وكذا صرح أصحابنا
وغيرهم بمعناه وهذا كله على كراهة التنزيه لا التحريم وإذا اغتسل فيه من الجنابة فهل يصير الماء
مستعملا فيه تفصيل معروف عند أصحابنا وهو أنه إن كان الماء قلتين فصاعدا لم يصر مستعملا
ولو اغتسل فيه جماعات في أوقات متكررات وأما إذا كان الماء دون القلتين فان انغمس فيه
الجنب بغير نية ثم لما صار تحت الماء نوى ارتفعت جنابته وصار الماء مستعملا وان نزل فيه
إلى ركبتيه مثلا ثم نوى قبل انغماس باقيه صار الماء في الحال مستعملا بالنسبة إلى غيره وارتفعت
الجنابة عن ذلك القدر المنغمس بلا خلاف وارتفعت أيضا عن القدر الباقي إذا تمم انغماسه على
المذهب الصحيح المختار المنصوص المشهور لأن الماء إنما يصير مستعملا بالنسبة إلى المتطهر إذا
انفصل عنه وقال أبو عبد الله الخضري من أصحابنا وهو بكسر الخاء واسكان الضاد المعجمتين
لا يرتفع عن باقيه والصواب الأول وهذا إذا تمم الانغماس من غير انفصاله فلو انفصل ثم عاد إليه
لم يجزئه ما يغسله به بعد ذلك بلا خلاف ولو انغمس رجلان تحت الماء الناقص عن قلتين أن
تصورا ثم نويا دفعة واحدة ارتفعت جنابتهما وصار الماء مستعملا فان نوى أحدهما قبل الآخر
ارتفعت جنابة الناوي وصار الماء مستعملا بالنسبة إلى رفيقه فلا ترتفع جنابته على
المذهب الصحيح المشهور وفيه وجه شاذ أنها ترتفع وان نزلا فيه إلى ركبتيهما فنويا ارتفعت جنابتهما عن ذلك القدر وصار مستعملا فلا ترتفع عن باقيهما الا على الوجه الشاذ والله أعلم
189

وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد
(وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها)
فيه حديث أنس رضي الله عنه (أن أعرابيا بال في المسجد فقام إليه بعض القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تزرموه فلما فرغ دعا بدلو من ماء فصبه عليه) وفي الرواية الأخرى
(فصاح به الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فلما فرغ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بذنوب فصب على بوله) الاعرابي هو الذي يسكن البادية وقوله صلى الله عليه وسلم
لا تزرموه هو بضم التاء واسكان الزاي وبعدها راء أي لا تقطعوا والازرام القطع وأما الدلو
ففيها لغتان التذكير والتأنيث والذنوب بفتح الذال وضم النون وهي الدلو المملوءة ماء أما أحكام
الباب ففيه اثبات نجاسة بول الآدمي وهو مجمع عليه ولا فرق بين الكبير والصغير باجماع من
يعتد به لكن بول الصغير يكفي فيه النضح كما سنوضحه في الباب الآتي أن شاء الله تعالى وفيه
احترام المسجد وتنزيهه عن الأقذار وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها
190

وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا تطهر الا بحفرها وفيه أن
غسالة النجاسة طاهرة وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء ولأصحابنا فيها ثلاثة أوجه
أحدها أنها طاهرة والثاني نجسة والثالث إن انفصلت وقد طهر المحل فهي طاهرة وان انفصلت
ولم يطهر المحل فهي نجسة وهذا الثالث هو الصحيح وهذا الخلاف إذا انفصلت غير متغيرة
أما إذا انفصلت متغيرة فهي نجسة باجماع المسلمين سواء تغير طعمها أو لونها أو ريحها وسواء
كان التغير قليلا أو كثيرا والله أعلم وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف
ولا ايذاء إذا لم يأت بالمخالفة استخفافا أو عنادا وفيه دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما لقوله
صلى الله عليه وسلم دعوه قال العلماء كان قوله صلى الله عليه وسلم دعوه لمصلحتين إحداهما
أنه لو قطع عليه بوله تضرر وأصل التنجيس قد حصل فكان احتمال زيادته أولى من ايقاع
الضرر به والثانية أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست
ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (إن هذه المساجد
لا تصلح لشئ من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله وقراءة القرآن أو كما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم) فيه صيانة المساجد وتنزيهها عن الأقذار والقذى والبصاق ورفع
191

الأصوات والخصومات والبيع والشراء وسائر العقود وما في معنى ذلك وفي هذا الفصل
مسائل ينبغي أن أذكر أطرافا منها مختصرة أحدها أجمع المسلمون على جواز الجلوس في
المسجد للمحدث فإن كان جلوسه لعبادة من اعتكاف أو قراءة علم أو سماع موعظة أو انتظار
صلاة أو نحو ذلك كان مستحبا وان لم يكن لشئ من ذلك كان مباحا وقال بعض أصحابنا أنه
مكروه وهو ضعيف الثانية يجوز النوم عندنا في المسجد نص عليه الشافعي رحمه الله تعالى في
الأم قال ابن المنذر في الاشراق رخص في النوم في المسجد ابن المسيب والحسن وعطاء
والشافعي وقال ابن عباس لا تتخذوه مرقدا وروى عنه أنه قال إن كنت تنام فيه لصلاة
فلا بأس وقال الأوزاعي يكره النوم في المسجد وقال مالك لا بأس بذلك للغرباء ولا أرى ذلك
للحاضر وقال أحمد إن كان مسافرا أو شبهه فلا بأس وان اتخذه مقيلا أو مبيتا فلا وهذا قول
إسحاق هذا ما حكاه ابن المنذر واحتج من جوزه بنوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن
عمر وأحل الصفة والمرأة صاحبة الوشاح والغريبين وثمامة بن أثال وصفوان بن أمية وغيرهم
وأحاديثهم في الصحيح مشهورة والله أعلم ويجوز أن يمكن الكافر من دخول المسجد باذن
المسلمين ويمنع من دخوله بغير اذن الثالثة قال ابن المنذر أباح كل من يحفظ عنه العلم الوضوء
في المسجد الا أن يتوضأ في مكان يبله أو يتأذى الناس به فإنه مكروه ونقل الامام والحسن
ابن بطال المالكي هذا عن ابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس والحنفي وابن القاسم المالكي
وأكثر أهل العلم وعن ابن سيرين ومالك وسحنون أنهم كرهوه تنزيها للمسجد والله أعلم
الرابعة قال جماعة من أصحابنا يكره ادخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يميزون المسجد
لغير حاجة مقصودة لأنه لا يؤمن تنجيسهم المسجد ولا يحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف
على البعير ولا ينفي هذا الكراهة لأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بيانا للجواز أو ليظهر
ليقتدى به صلى الله عليه وسلم والله أعلم الخامسة يحرم ادخال النجاسة إلى المسجد وأما من
على بدنه نجاسة فان خاف تنجيس المسجد لم يجز له الدخول فان أمن ذلك جاز وأما إذا
اقتصد في المسجد فإن كان في غير اناء فحرام وان قطر دمه في اناء فمكروه وان بال في المسجد
في اناء ففيه وجهان أصحهما أنه حرام والثاني
مكروه السادسة يجوز الاستلقاء في المسجد وهز
الرجل وتشبيك الأصابع للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك من فعل رسول الله صلى الله
192

عليه وسلم السابعة يستحب استحبابا متأكدا كنس المسجد وتنظيفه للأحاديث الصحيحة
المشهورة فيه والله أعلم قوله (فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مه مه) هي كلمة زجر
ويقال به به بالباء أيضا قال العلماء هو اسم مبنى على السكون معناه اسكت قال صاحب المطالع
هي كلمة زجر قيل أصلها ما هذا ثم حذف تخفيفا قال وتقال مكررة مه مه وتقال فردة مه ومثله
به به وقال يعقوب هي لتعظيم الأمر كبخ بخ وقد تنون مع الكسر وينون الأول ويكسر
الثاني بغير تنوين هذا كلام صاحب المطالع وذكره أيضا غيره والله أعلم قوله فجاء بدلو فشنه
عليه يروى بالشين المعجمة وبالمهملة وهو في أكثر الأصول والروايات بالمعجمة ومعناه صبه و
فرق بعض العلماء بينهما فقال هو بالمهملة الصب في سهولة وبالمعجمة التفريق في صبه والله أعلم
حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله
فيه (عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم
فأتى بصبي فبال عليه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله) وفى الرواية الأخرى (أتى النبي صلى الله عليه وسلم
بصبي يرضع فبال في حجره فدعا
بماء فصبه عليه) وفى رواية أم قيس
193

(أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم بابن لها يأكل الطعام فوضعته في حجره فبال فلم يزد على أن نضح
بالماء) وفى رواية (فدعا بماء فرشه) وفى رواية (فنضحه عليه ولم يغسله غسلا) الصبيان بكسر
الصاد هذه اللغة المشهورة وحكى ابن دريد ضمها قوله فيبرك عليهم أي يدعو لهم ويمسح عليهم وأصل البركة
ثبوت الخير وكثرته وقولها فيحنكهم قال أهل اللغة التحنيك أن يمضغ التمر أو نحوه ثم يدلك به حنك الصغير
وفيه لغتان مشهورتان حنكته وحنكته بالتخفيف والتشديد والرواية هنا فيحنكهم بالتشديد
وهي أشهر اللغتين وقولها فبال في حجره يقال بفتح الحاء وكسرها لغتان مشهورتان وقولها بصبي
يرضع هو بفتح الياء أي رضيع وهو الذي لم يفطم أما أحكام الباب ففيه استحباب تحنيك المولود
وفيه التبرك بأهل الصلاح والفضل وفيه استحباب حمل الأطفال إلى أهل الفضل للتبرك بهم وسواء
194

في هذا الاستحباب المولود في حال ولادته وبعدها وفيه الندب إلى حسن المعاشرة واللين والتواضع
والرفق بالصغار وغيرهم وفيه مقصود الباب وهو أن بول الصبي يكفي فيه النضح وقد اختلف
العلماء في كيفية طهارة بول الصبي والجارية على ثلاثة مذاهب وهي أوجه لأصحابنا
الصحيح المشهور المختار أنه يكفي النضح في بول الصبي ولا يكفي في بول الجارية بل لابد
من غسله كسائر النجاسات والثاني أنه يكفي النضح فيهما والثالث لا يكفي النضح فيهما وهذان الوجهان
حكاهما صاحب التتمة من أصحابنا وغيره وهما شاذان ضعيفان وممن قال بالفرق علي بن أبي
طالب وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وجماعة من
السلف وأصحاب الحديث وابن وهب من أصحاب مالك رضي الله عنهم وروى عن أبي حنيفة
وممن قال بوجوب غسلهما أبو حنيفة ومالك في المشهور عنهما وأهل الكوفة واعلم أن هذا
الخلاف إنما هو في كيفية تطهير الشئ الذي بال عليه الصبي ولا خلاف في نجاسته وقد نقل
بعض أصحابنا اجماع العلماء على نجاسة بول الصبي وأنه لم يخالف فيه الا داود الظاهري قال
الخطابي وغيره وليس تجويز من جوز النضح في الصبي من أجل أن بوله ليس بنجس ولكنه
من أجل التخفيف في ازالته فهذا هو الصواب وأما ما حكاه أبو الحسن بن بطال ثم القاضي
عياض عن الشافعي وغيره أنهم قالوا بول الصبي طاهر فينضح فحكاية باطلة قطعا وأما حقيقة
النضح هنا فقد اختلف أصحابنا فيها فذهب الشيخ أبو محمد الجويني والقاضي حسين والبغوي إلى
أن معناه أن الشئ الذي أصابه البول يغمر بالماء كسائر النجاسات بحيث لو عصر لا يعصر
قالوا وأنما يخالف هذا غيره في أن غيره يشترط عصره على أحد الوجهين وهذا لا يشترط
بالاتقاق وذهب امام الحرمين والمحققون إلى أن النضح أن يغمر ويكاثر بالماء مكاثرة لا يبلغ
جريان الماء وتردده وتقاطره بخلاف المكاثرة في غيره فإنه يشترط فيها أن يكون بحيث يجرى
بعض الماء ويتقاطر من لمحل وان لم يشترط عصره وهذا هو الصحيح المختار ويدل عليه قولها
فنضحه ولم يغسله وقولها فرشه أي نضحه والله أعلم ثم أن النضح إنما يجزى ما دام الصبي
يقتصر به على الرضاع أما إذا أكل الطعام على جهة التغذية فإنه يجب الغسل بلا خلاف والله أعلم
195

حكم المنى فيه (أن رجلا نزل بعائشة فأصبح يغسل ثوبه فقالت عائشة إنما كان يجزئك أن رأيته أن تغسل
مكانه فإن لم تر نضحت حوله لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلى
فيه) وفى الرواية الأخرى (كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفى الرواية
196

الأخرى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل المنى ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب) وفى
الرواية الأخرى (أن عائشة قالت للذي احتلم في ثوبيه وغسلهما هل رأيت فيهما شيئا قال لا قالت فلو
رأيت شيئا غسلته لقد رأيتني وانى لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري)
اختلف العلماء في طهارة منى الآدمي فذهب مالك وأبو حنيفة إلى نجاسته الا ان أبا حنيفة قال
197

يكفي في تطهيره فركه إذا كان يابسا وهو رواية عن أحمد وقال مالك لا بد من غسله رطبا ويابسا
وقال الليث هو نجس ولا تعاد الصلاة منه وقال الحسن لا تعاد الصلاة من المنى في الثوب وإن كان
كثيرا وتعاد منه في الجسد وان قل وذهب كثيرون إلى أن المنى طاهر روى ذلك عن علي بن أبي
طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين وهو مذهب
الشافعي وأصحاب الحديث وقد غلط من أوهم أن الشافعي رحمه الله تعالى منفرد بطهارته ودليل
القائلين بالنجاسة رواية الغسل ودليل القائلين بالطهارة رواية الفرك فلو كان نجسا لم يكف فركه
كالدم وغيره قالوا ورواية الغسل محمولة على الاستحباب والتنزيه واختيار النظافة والله أعلم
هذا حكم منى الآدمي ولنا قول شاذ ضعيف أن منى المرأة نجس دون منى الرجل وقول أشذ
منه أن منى المرأة والرجل نجس والصواب أنهما طاهران وهل يحل أكل المنى الطاهر فيه
وجهان أظهرهما لا يحل لأنه مستقذر فهو داخل في جملة الخبائث المحرمة علينا وأما منى باقي
الحيوانات غير الآدمي فمنها الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وحيوان طاهر ومنيها نجس
بلا خلاف وما عداها من الحيوانات في منيه ثلاثة أوجه الأصح أنها كلها طاهرة من مأكول
اللحم وغيره والثاني أنها نجسة والثالث منى مأكول اللحم طاهر ومنى غيره نجس والله أعلم
وأما ألفاظ الباب ففيه خالد بن عبد الله عن خالد عن أبي معشر واسمه زياد بن كليب التميمي
الحنظلي الكوفي وأما خالد الأول فهو الواسطي الطحان وأما خالد الثاني فهو الحذاء وهو خالد بن مهران
أبو المنازل بضم الميم البصري وفيه قولها كان يجزئك هو بضم الياء وبالهمز وفيه أحمد بن
جواس هو بجيم مفتوحة ثم واو مشددة ثم ألف ثم سين مهملة وفيه شبيب بن غرقدة هو بفتح
الغين المعجمة واسكان الراء وفتح القاف وفيه قولها فلو رأيت شيئا غسلته هو استفهام
انكار حذفت منه الهمزة تقديره أكنت غاسله معتقدا وجوب غسله وكيف تفعل هذا
وقد كنت أحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري ولو كان نجسا
لم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتف بحكه والله أعلم وقد استدل جماعة من العلماء بهذا
الحديث على طهارة رطوبة فرج المرأة وفيها خلاف مشهور عندنا وعند غيرنا والأظهر طهارتها
وتعلق المحتجون بهذا الحديث بأن قالوا الاحتلام مستحيل في حق النبي صلى الله عليه وسلم
لأنه من تلاعب الشيطان بالنائم فلا يكون المنى الذي على ثوبه صلى الله عليه وسلم الا من الجماع ويلزم
198

من ذلك مرور المنى على موضع أصاب رطوبة الفرج فلو كانت الرطوبة نجسة لتنجس بها المنى
ولما تركه في ثوبه ولما اكتفى بالفرك وأجاب القائلون بنجاسة رطوبة فرج المرأة بجوابين
أحدهما جواب بعضهم أنه يمتنع استحالة الاحتلام منه صلى الله عليه وسلم وكونها من تلاعب
الشيطان بل الاحتلام منه جائز صلى الله عليه وسلم وليس هو من تلاعب الشيطان بل هو فيض
زيادة المنى يخرج في وقت والثاني أنه يجوز أن يكون ذلك المنى حصل بمقدمات جماع فسقط
منه شئ على الثوب وأما المتلطخ بالرطوبة فلم يكن على الثوب والله أعلم نجاسة
الدم وكيفية غسله
فيه (أسماء رضي الله عنها قالت جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إحدانا يصيب
ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع به قال تحته ثم تقرضه بالماء ثم تنضحه ثم تصلى فيه) الحيضة
بفتح الحاء أي الحيض ومعنى تحته تقشره وتحكه وتنحته ومعنى تقرضه تقطعه بأطراف الأصابع
مع الماء ليتحلل وروى تقرضه بفتح التاء واسكان القاف وضم الراء وروى بضم التاء وفتح
القاف وكسر الراء المشددة قال القاضي عياض رويناه بهما جميعا ومعنى تنضحه تغسله وهو
199

بكسر الضاد كذا قاله الجوهري وغيره وفى هذا الحديث وجوب غسل النجاسة بالماء ويؤخذ
منه أن من غسل بالخل أو غيره من المائعات لم يجزئه لأنه ترك المأمور به وفيه أن الدم نجس
وهو باجماع المسلمين وفيه أن إزالة النجاسة لا يشترط فيها العدد بل يكفي فيها الانقاء وفيه غير ذلك
من الفوائد واعلم أن الواجب في إزالة النجاسة الانقاء فان كانت النجاسة حكمية وهي التي لا تشاهد
بالعين كالبول ونحوه وجب غسلها مرة ولا تجب الزيادة ولكن يستحب الغسل ثانية وثالثة لقوله
صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا وقد
تقدم بيانه وأما إذا كانت النجاسة عينية كالدم وغيره فلا بد من إزالة عينها ويستحب
غسلها بعد زوال العين ثانية وثالثة وهل يشترط عصر الثوب إذا غسله فيه وجهان الأصح
أنه لا يشترط وإذا غسل النجاسة العينية فبقي لونها لم يضره بل قد حصلت الطهارة
وان بقي طعمها فالثوب نجس فلا بد من إزالة الطعم وان بقيت الرائحة ففيه قولان للشافعي
أفصحهما يطهر والثاني لا يطهر والله أعلم
الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه
فيه حديث ابن عباس رضي الله عنه قال (مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان
في كبير أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله قال فدعا
بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا ثم قال لعله أن يخفف
200

عنهما ما لم ييبسا) وفى الرواية الأخرى (كان لا يستنزه عن البول أو من البول) أما العسيب فبفتح
العين وكسر السين المهملتين وهو الجريد والغصن من النخل ويقال له العثكال وقوله باثنين هذه
الباء زائدة للتوكيد واثنين منصوب على الحال وزيادة الباء في الحال صحيحة معروفة وييبسا مفتوح
الباء الموحدة قبل السين ويجوز كسرها لغتان وأما النميمة فحقيقتها نقل كلام الناس بعضهم إلى
بعض على جهة الافساد وقد تقدم في باب غلظ تحريم النميمة من كتاب الايمان بيانها واضحا
مستقصى وأما قوله النبي صلى الله عليه وسلم لا يستتر من بوله فروى ثلاث روايات يستتر
بتائين مثناتين ويستنزه بالزاي والهاء ويستبرئ بالباء الموحدة والهمزة وهذه الثالثة في البخاري
وغيره وكلها صحيحة ومعناها لا يتجنبه ويتحرز منه والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم
وما يعذبان في كبير فقد جاء في رواية البخاري وما يعذبان في كبير وانه لكبير كان أحدهما لا يستتر
من البول الحديث ذكره في كتاب الأدب في باب النميمة من الكبائر وفى كتاب الوضوء من
البخاري أيضا وما يعذبان في كبير بل إنه كبير فثبت بهاتين الزيادتين الصحيحتين أنه كبير فيجب
تأويل قوله صلى الله عليه وسلم وما يعذبان في كبير وقد ذكر العلماء فيه تأويلين أحدهما أنه
ليس بكبير في زعمهما والثاني أنه ليس بكبير تركه عليهما وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى
تأويلا ثالثا أي ليس بأكبر الكبائر قلت فعلى هذا يكون المراد بهذا الزجر والتحذير لغير هما أي
لا يتوهم أحد أن التعذيب لا يكون الا في أكبر الكبائر الموبقات فإنه يكون في
غيرها والله أعلم وسبب كونهما كبيرين أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان
الصلاة فتركه كبيرة بلا شك والمشي بالنميمة والسعي بالفساد من أقبح القبائح
لا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم كان يمشى بلفظ كان التي للحالة المستمرة غالبا والله أعلم وأما
وضعه صلى الله عليه وسلم الجريدتين على القبر فقال العلماء محمول على أنه صلى الله عليه وسلم
201

سأل الشفاعة لهما فأجيبت شفاعته صلى الله عليه وسلم بالتخفيف عنهما إلى أن ييبسا وقد ذكر
مسلم رحمه الله تعالى في آخر الكتاب في الحديث الطويل حديث جابر في صاحبي القبرين
فأجيبت شفاعتي أن يرفع ذلك عنهما ما دام القضيبان رطبان وقيل يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم
كان يدعو لهما تلك المدة وقيل لكونهما يسبحان ما داما رطبين وليس لليابس تسبيح وهذا
مذهب كثيرين أو الأكثرين من المفسرين في قوله تعالى وإن من شئ الا يسبح بحمده قالوا
معناه وان من شئ حي ثم قالوا حياة كل شئ بحسبه فحياة الخشب ما لم ييبس والحجر ما لم
يقطع وذهب المحققون من المفسرين وغيرهم إلى أنه على عمومه ثم اختلف هؤلاء هل يسبح
حقيقة أم فيه دلالة على الصانع فيكون مسبحا منزها بصورة حاله والمحققون على أنه يسبح
حقيقة وقد أخبر الله تعالى وإن من الحجارة لما يهبط من خشية الله وإذا كان العقل لا يحيل
جعل التميز فيها وجاء النص به وجب المصير إليه والله أعلم واستحب العلماء قراءة القرآن عند
القبر لهذا الحديث لأنه إذا كان يرجى التخفيف بتسبيح الجريد فتلاوة القرآن أولى والله أعلم وقد
ذكر البخاري في صحيحه أن بريدة بن الحصيب الأسلمي الصحابي رضي الله عنه أوصى أن يجعل
في قبره جريدتان ففيه أنه رضي الله عنه تبرك بفعل مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد
أنكر الخطابي ما يفعله الناس على القبور من الأخواص ونحوها متعلقين بهذا الحديث وقال
لا أصل له ولا وجه له والله أعلم وأما فقه الباب ففيه اثبات عذاب القبر وهو مذهب أهل الحق
خلافا للمعتزلة وفيه نجاسة الأبوال للرواية الثانية لا يستنزه من البول وفيه غلظ تحريم
النميمة وغير ذلك مما تقدم والله أعلم
كتاب الحيض
مباشرة الحائض ففوق الإزار
فيه (عائشة رضي الله عنها قالت كان إحدانا إذا كانت حائضا أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم
202

أن تأتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت وأيكم يملك أربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يملك إربه) وفيه (ميمونة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر
نساءه فوق الإزار وهن حيض) هكذا وقع في الأصول في الرواية في الكتاب عن عائشة
كان إحدانا من غير تاء في كان وهو صحيح فقد حكى سيبويه في كتابه في باب ما جرى من الأسماء
التي هي من الافعال وما أشبهها من الصفات مجرى الفعل قال وقال بعض العرب قال امرأة فهذا
نقل الامام هذه الصيغة أنه يجوز حذف التاء من فعل ماله فرج من غير فصل وقد نقله أيضا الإمام أبو
الحسين بن خروف في شرح الجمل وذكره آخرون ويجوز أن تكون كان هنا التي للشأن
والقصة أي كان الأمر أو الحال ثم ابتدأت فقالت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها والله أعلم
وقولها في فور حيضتها هو بفتح الفاء واسكان الراء معناه معظمها ووقت كثرتها والحيضة بفتح الحاء أي الحيض
وقولها أن تأتزر معناه تشد ازار تستر سرتها وما تحتها إلى الركبة فما
203

تحتها وقولها وأيكم يملك إربه أكثر الروايات فيه بكسر الهمزة مع اسكان الراء ومعناه عضوه
الذي يستمتع به أي الفرج ورواه جماعة بفتح الهمزة والراء ومعناه حاجته وهي شهوة الجماع
والمقصود أملككم لنفسه فيأمن مع هذه المباشرة الوقوع في المحرم وهو مباشرة فرج الحائض
واختار الخطابي هذه الرواية وأنكر الأولى وعابها على المحدثين والله أعلم وأما الحيض
فأصله في اللغة السيلان وحاض الوادي إذا سال قال الأزهري والهروي وغيرهما من الأئمة
الحيض جريان دم المرأة في أوقات معلومة يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها والاستحاضة جريان
الدم في غير أوانه قالوا ودم الحيض يخرج من قعر الرحم ودم الاستحاضة يسيل من العاذل
بالعين المهملة وكسر الذال المعجمة وهو عرق فمه الذي يسيل منه في أدنى الرحم دون قعره قال
أهل اللغة يقال حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا فهي حائض بلا هاء هذه اللغة الفصيحة
المشهورة وحكى الجوهري عن الفراء حائضة بالهاء ويقال حاضت وتحيضت ودرست وطمثت
وعركت وضحكت ونفست كله بمعنى واحد وزاد بعضهم أكبرت وأعصرت بمعنى حاضت
وأما أحكام الباب فاعلم أن مباشرة الحائض أقسام أحدها أن يباشرها بالجماع في الفرج فهذا
حرام باجماع المسلمين بنص القرآن العزيز والسنة الصحيحة قال أصحابنا ولو اعتقد مسلم حل
جماع الحائض في فرجها صار كافرا مرتدا ولو فعله انسان غير معتقد حله فإن كان ناسيا أو جاهلا
بوجود الحيض أو جاهلا بتحريمه أو مكرها فلا اثم عليه ولا كفارة وان وطئها عامدا عالما
بالحيض والتحريم مختارا فقد ارتكب معصية كبيرة نص الشافعي على أنها كبيرة وتجب عليه
التوبة وفي وجوب الكفارة قولان للشافعي أصحهما وهو الجديد وقول مالك وأبي حنيفة وأحمد
في احدى الروايتين وجماهير السلف أنه لا كفارة عليه وممن ذهب إليه من السلف عطاء وابن
أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأبو الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وأيوب
السختياني وسفيان الثوري والليث بن سعد رحمهم الله تعالى أجمعين والقول الثاني وهو القديم الضعيف
انه يجب عليه الكفارة وهو مروى عن ابن عباس والحسن البصري وسعيد ين جبير وقتادة
والأوزاعي وإسحاق وأحمد في الرواية الثانية عنه واختلف هؤلاء في الكفارة فقال الحسن
وسعيد عتق رقبة وقال الباقون دينار أو نصف دينار على اختلاف منهم في الحال الذي يجب فيه
الدينار ونصف الدينار هل الدينار في أول الدم ونصفه في آخره أو الدينار في زمن الدم
204

ونصفه بعد انقطاعه وتعلقوا بحديث ابن عباس المرفوع من أتى امرأته وهي حائض
فلتصدق بدينار أو نصف دينار وهو حديث ضعيف باتفاق الحفاظ فالصواب أن لا كفارة
والله أعلم القسم الثاني المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو بالقبلة أو المعانقة
أو اللمس أو غير ذلك وهو حلال باتفاق العلماء وقد نقل الشيخ أبو حامد الأسفرايني
وجماعة كثيرة الاجماع على هذا وأما ما حكى عن عبيدة السلماني وغيره من أنه لا يباشر
شيئا منها بشئ منه فشاذ منكر غير معروف ولا مقبول ولو صح عنه لكان
مردودا بالأحاديث الصحيحة المشهورة المذكورة في الصحيحين وغيرهما في مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم
فوق الإزار واذنه في ذلك باجماع المسلمين قبل المخالف وبعده ثم إنه لا فرق بين
أن يكون على الموضع الذي يستمتع به شئ من الدم أو لا يكون هذا هو الصواب المشهور
الذي قطع به جماهير أصحابنا وغيرهم من العلماء للأحاديث المطلقة وحكى المحاملي من أصحابنا
وجها لبعض أصحابنا أنه يحرم مباشرة ما فوق السرة وتحت الركبة إذا كان عليه شئ من دم الحيض
وهذا الوجه باطل لا شك في بطلانه والله أعلم القسم الثالث المباشرة فيما بين السرة والركبة
في غير القبل والدبر وفيها ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها عند جماهيرهم وأشهرها في المذهب أنها حرام
والثاني أنها ليست بحرام ولكنها مكروهة كراهة تنزيه وهذا الوجه أقوى من حيث الدليل
وهو المختار والوجه الثالث أن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج ويثق من نفسه باجتنابه
اما لضعف شهوته واما لشدة ورعه جاز والا فلا وهذا الوجه حسن قاله أبو العباس البصري
من أصحابنا وممن ذهب إلى الوجه الأول وهو التحريم مطلقا مالك وأبو حنيفة وهو قول أكثر
العلماء منهم سعيد بن المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة وممن ذهب إلى
الجواز عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحكم والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل ومحمد
ابن الحسن واصبغ وإسحاق ابن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود وقد قدمنا أن هذا المذهب
أقوى دليلا واحتجوا بحديث أنس الآتي اصنعوا كل شئ الا النكاح قالوا وأما اقتصار النبي صلى الله عليه وسلم
في مباشرته على ما فوق الإزار فمحمول على الاستحباب والله أعلم واعلم
أن تحريم الوطء والمباشرة على قول من يحرمهما يكون في مدة الحيض وبعد انقطاعه إلى أن
تغتسل أو تتيمم أن عدمت الماء بشرطه هذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير السلف
205

والخلف وقال أبو حنيفة إذا انقطع الدم لأكثر الحيض حل وطؤها في الحال واحتج الجمهور
بقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله والله أعلم
الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد
فيه حديث ميمونة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معي وأنا
حائض وبيني وبينه ثوب) وفيه أم سلمة قالت (بينا أنا مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنفست قلت نعم فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة) الخميلة بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم قال
أهل اللغة الخميلة والخميل بحذف الهاء هي القطيفة وكل ثوب له خمل من أي شئ كان وقيل هي
الأسود من الثياب وقولها انسللت أي ذهبت في خفية ويحتمل ذهابها أنها خافت وصول شئ
206

من الدم إليه صلى الله عليه وسلم أو تقذرت نفسها ولم تر تربصها لمضاجعته صلى الله عليه وسلم
أو خافت أن يطلب الاستمتاع بها وهي على هذه الحالة التي لا يمكن فيها الاستمتاع والله أعلم وقولها
فأخذت ثياب حيضتي هي بكسر الحاء وهي حالة الحيض أي أخذت الثياب المعدة لزمن الحيض
هذا هو الصحيح المشهور المعروف في ضبط حيضتي في هذا الموضع قال القاضي عياض
ويحتمل فتح الحاء هنا أيضا أي الثياب التي ألبسها في حال حيضتي فان الحيضة بالفتح هي الحيض
قوله صلى الله عليه وسلم (أنفست) هو بفتح النون وكسر الفاء وهذا هو المعروف في الرواية
وهو الصحيح المشهور في اللغة أن نفست بفتح النون وكسر الفاء معناه حاضت وأما في
الولادة فيقال نفست بضم النون وكسر الفاء أيضا وقال الهروي في الولادة نفست
بضم النون وفتحها وفي الحيض بالفتح لا غير وقال القاضي عياض روايتنا فيه في مسلم بضم النون
هنا قال وهي رواية أهل الحديث وذلك صحيح وقد نقل أبو حاتم عن الأصمعي الوجهين
في الحيض والولادة وذكر ذلك غير واحد وأصل ذلك كله خروج الدم والدم يسمى نفسا
والله أعلم أما أحكام الباب ففيه جواز النوم مع الحائض والاضطجاع معها في لحاف واحد
إذا كان هناك حائل يمنع من ملاقاة البشرة فيما بين السرة والركبة أو يمنع الفرج وحده
عند من لا يحرم الا الفرج قال العلماء لا تكره مضاجعة الحائض ولا قبلتها ولا الاستمتاع
بها فيما فوق السرة وتحت الركبة ولا يكره وضع يدها في شئ من المائعات ولا يكره
غسلها رأس زوجها أو غيره من محارمها وترجيله ولا يكره طبخها وعجنها وغير ذلك من
الصنائع وسؤرها وعرقها طاهران وكل هذا متفق عليه وقد نقل الإمام أبو جعفر محمد بن
جرير في كتابه في مذاهب العلماء اجماع المسلمين على هذا كله ودلائله من السنة ظاهرة
مشهورة وأما قول الله تعالى اعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فالمراد
اعتزلوا وطأهن ولا تقربوا وطأهن والله أعلم
207

جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها
والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه
فيه حديث عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدنى
إلى رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت الا لحاجة الانسان) وفي رواية فأغسله وفيه حديث
مناولة الخمرة وغيره قد تقدم مقصود فقه هذا الباب في الذي قبله وترجيل الشعر تسريحه
وهو نحو قولها فأغسله وأصل الاعتكاف في اللغة الحبس وهو في الشرع حبس النفس في
المسجد خاصة مع النية وقولها وهو مجاور أي معتكف
وفي هذا الحديث فوائد كثيرة تتعلق
بالاعتكاف وسيأتي في بابه أن شاء الله تعالى ومما تقدمه أن فيه أن المعتكف إذا خرج
بعضه من المسجد كيده ورجله ورأسه لم يبطل اعتكافه وأن من حلف أن لا يدخل دارا أو
لا يخرج منها فأدخل أو أخرج بعضه لا يحنث والله أعلم وفيه جواز استخدام الزوجة في الغسل
والطبخ والخبز وغيرها برضاها وعلى هذا تظاهرت دلائل السنة وعمل السلف واجماع الأمة وأما
208

بغير رضاها فلا يجوز لأن الواجب عليها تمكين الزوج من نفسها وملازمة بيته فقط والله أعلم وقولها
(قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ناوليني الخمرة من المسجد فقلت اني حائض فقال أن حيضتك
ليست في يدك) أما الخمرة فبضم الخاء واسكان الميم قال الهروي وغيره هي هذه السجادة وهي
ما يضع عليه الرجل جزء وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة من خوص هكذا قاله الهروي
والأكثرون وصرح جماعة منهم بأنها لا تكون الا هذا القدر وقال الخطابي هي السجادة يسجد
عليها المصلى وقد جاء في سنن أبي داود عن
ابن عباس رضي الله عنه قال جاءت فأره فأخذت
تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها
فأحرقت منها مثل موضع درهم فهذا تصريح بالطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه وسمت
209

خمرة لأنها تخمر الوجه أي تغطيه وأصل التخمير التغطية ومنه خمار المرأة والخمر لأنها تغطي
العقل وقولها من المسجد قال القاضي عياض رضي الله عنه معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لها ذلك من المسجد أي وهو في لتناوله إياها من خارج المسجد لا أن النبي صلى الله عليه وسلم
آمرها أن تخرجها له من المسجد لأنه صلى الله عليه وسلم كان في المسجد
معتكفا وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض لقوله صلى الله عليه وسلم أن حيضتك ليست
في يدك فإنما خافت من ادخال يدها المسجد ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص
اليد معنى والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم إن حيضتك ليست في يدك فهو بفتح الحاء
هذا هو المشهور في الرواية وهو الصحيح وقال الإمام أبو سليمان الخطابي المحدثون يقولونها
بفتح الحاء وهو خطأ وصوابها بالكسر أي الحالة والهيئة وأنكر القاضي عياض هذا على الخطابي
وقال الصواب هنا ما قاله المحدثون من الفتح لان المراد الدم وهو الحيض بالفتح بلا شك
لقوله صلى الله عليه وسلم ليست في يدك معناه أن النجاسة التي يصان المسجد عنها وهي دم
210

الحيض ليست في يدك وهذا بخلاف حديث أم سلمة فأخذت ثياب حيضتي فان الصواب
فيه الكسر هذا كلام القاضي عياض وهذا الذي اختاره من الفتح هو الظاهر هنا ولما قاله
الخطابي وجه والله أعلم وقولها وتعرق العرق هو بفتح العين واسكان الراء وهو العظم الذي
عليه بقية من لحم هذا هو الأشهر في معناه وقال أبو عبيد هو القدر من اللحم وقال الخليل
هو العظم بلا لحم وجمعه عراق بضم العين ويقال عرقت العظم وتعرقته واعترقته إذا أخذت
عنه اللحم بأسنانك والله أعلم قولها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري
وأنا حائض فيقرأ القرآن) فيه جواز قراءة القرآن مضطجعا ومتكئا على الحائض وبقرب
موضع النجاسة والله أعلم قوله (ولم يجامعوهن في البيوت) أي لم يخالطوهن ولم يساكنوهن
في بيت واحد قوله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض
أما المحيض الأول فالمراد به الدم وأما الثاني فاختلف فيه فمذهبنا أنه الحيض ونفس الدم
211

وقال بعض العلماء هو الفرج وقال الآخرون هو زمن الحيض والله أعلم قوله (فجاء أسيد
ابن حضير) هما بضم أولهما وحضير بالحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة قوله (وجد عليهما)
أي غضب المذي
فيه (محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه قال كنت رجلا مذاء فكنت ستحيي
أن سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال
يغسل ذكره ويتوضأ) وفي الرواية الأخرى (منه الوضوء) وفي الرواية الأخرى
212

(توضأ وانضح فرجك) في المذي لغات مذي بفتح الميم واسكان الذال ومذي بكسر الذال وتشديد الياء ومذي بكسر
الذال وتخفيف الياء فالأوليان مشهورتان أولاهما
أفصحهما وأشهرهما والثالثة حكاها أبو عمرو الزاهد عن ابن الاعرابي ويقال مذي وأمذي
ومدي الثالثة بالتشديد والمذي ماء أبيض دقيق لزج يخرج عند شهوة لا بشهوة ولا دفق
ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه ويكون ذلك للرجل والمرأة وهو في النساء أكثر
منه في الرجال والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم (وانضح فرجك) فمعناه اغسله فان
النضح يكون غسلا ويكون رشا وقد جاء في الرواية الأخرى يغسل ذكره فيتعين حمل
النضح عليه وانضح بكسر الضاد وقد تقدم بيانه قوله كنت رجلا مذاء أي كثير المذي وهو
بفتح الميم وتشديد الذال وبالمد وأما حكم خروج المذي فقد أجمع العلماء على أنه لا يوجب الغسل
قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد والجماهير يوجب الوضوء لهذا الحديث وفي الحديث من الفوائد
أنه لا يوجب الغسل وأنه يوجب الوضوء وأنه نجس ولهذا أوجب صلى الله عليه وسلم غسل الذكر
والمراد به عند الشافعي والجماهير غسل ما أصابه المذي لا غسل جميع الذكر وحكى عن مالك وأحمد
في رواية عنهما ايجاب غسل جميع الذكر وفيه أن الاستنجاء بالحجر إنما يجوز الاقتصار عليه
في النجاسة المعتادة وهي البول والغائط أما النادر كالدم والمذي وغيرهما فلا بد فيه من الماء وهذا
أصح القولين في مذهبنا وللقائل الآخر بجواز الاقتصار فيه على الحجر قياسا على المعتاد أن يجيب
عن هذا الحديث بأنه خرج على الغالب فيمن هو في بلد أن يستنجي بالماء أو يحمله على الاستحباب
وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء وأنه يجوز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع
به لكون على اقتصر على قول المقداد مع تمكنه من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم الا أن هذا
قد ينازع فيه ويقال فلعل عليا كان حاضرا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت السؤال وإنما
213

استحيا أن يكون السؤال منه بنفسه وفيه استحباب حسن العشرة مع الأصهار وأن الزوج يستحب
له أن لا يذكر بجماع النساء والاستمتاع بهن بحضرة أبيها وأخيها وابنها وغيرهم من أقاربها
ولهذا قال علي رضي الله عنه فكنت أستحيي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته
معناه أن المذي يكون غالبا عند ملاعبة الزوجة وقبلتها ونحو ذلك من أنواع الاستمتاع والله
أعلم قوله في الاسناد الأخير من الباب (وحدثني هارون ابن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى
قالا حدثنا ابن وهب قال أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي سليمان بن يسار عن ابن عباس
قال قال علي بن أبي طالب أرسلنا المقداد) هذا الاسناد مما استدركه الدارقطني وقال قال
حماد بن خالد سألت مخرمة هل سمعت من أبيك فقال لا وقد خالفه الليث عن بكير فلم يذكر
فيه ابن عباس وتابعه مالك عن أبي النضر هذا كلام الدارقطني وقد قال النسائي أيضا في سننه
مخرمة لم يسمع من أبيه شيئا وروى النسائي هذا الحديث من طرق وبعضها طريق مسلم هذه
المذكورة وفي بعضها عن الليث بن سعد عن بكير عن سليمان بن يسار قال أرسل على المقداد
هكذا أتي به مرسلا وقد اختلف العلماء في سماع مخرمة من أبيه فقال مالك رضي الله عنه قلت
لمخرمة ما حدثت به عن أبيك سمعته منه فحلف بالله لقد سمعته قال مالك وكان مخرمة رجلا صالحا
وكذا قال معن بن عيسى أن مخرمة سمع من أبيه وذهب جماعات إلى أنه لم يسمعه قال أحمد
ابن حنبل لم يسمع مخرمة من أبيه شيئا إنما يروى من كتاب أبيه وقال يحيى بن معين وابن أبي
خيثمة يقال وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمع منه وقال موسى بن سلمة قلت لمخرمة حدثك أبوك
فقال لم أدرك أبي ولكن هذه كتبه وقال أبو حاتم مخرمة صالح الحديث إن كان سمع من أبيه
وقال علي بن المديني ولا أظن مخرمة سمع من أبيه كتاب سليمان بن يسار ولعله سمع الشئ اليسير
ولم أجد أحدا بالمدينة يخبر عن مخرمة أنه كان يقول في شئ من حديثه سمعت أبي والله أعلم
فهذا كلام أئمة هذا الفن وكيف كان فمتن الحديث صحيح من الطرق التي ذكرها مسلم قيل هذه
الطريق ومن الطريق التي ذكرها غيره والله أعلم
214

غسل الوجه واليدين إذا استيقظ من النوم
فيه (ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل فقضى حاجته ثم غسل
وجهه ويديه ثم نام) الظاهر والله أعلم أن المراد بقضاء الحاجة الحدث وكذا قاله القاضي عياض
والحكمة في غسل الوجه اذهاب النعاس وآثار النوم وأما غسل اليد فقال القاضي لعله كان لشئ
نالهما وفي هذا الحديث أن النوم بعد الاستيقاظ في الليل ليس بمكروه وقد جاء عن بعض زهاد
السلف كراهة ذلك ولعلهم ولعلهم أرادوا من لم يأمن استغراق النوم بحيث يفوته وظيفته ولا يكون
مخالفا لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمن من فوات أوراده
ووظيفته والله أعلم جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له
(وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع) فيه حديث عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب
215

توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام) وفى رواية (إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه
للصلاة) وفى رواية عمر رضي الله عنه (يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب قال نعم إذا توضأ) وفى رواية
(نعم ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء) وفى رواية (توضأ واغسل ذكرك ثم نم) وفى رواية
216

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كان جنبا ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام
) وفى رواية (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا) وفى رواية (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد) حاصل الأحاديث كلها أنه يجوز
للجنب أن ينام ويأكل ويشرب ويجامع قبل الاغتسال وهذا مجمع عليه وأجمعوا على أن بدن
الجنب وغرقه طاهران وفيها أنه يستحب أن يتوضأ ويغسل فرجه لهذه الأمور كلها ولا سيما
إذا أراد جماع من لم يجامعها فإنه يتأكد استحباب غسل ذكره وقد نص أصحابنا أنه يكره النوم
والأكل والشرب والجماع قبل الوضوء وهذه الأحاديث تدل عليه ولا خلاف عندنا أن هذا
الوضوء ليس بواجب وبهذا قال مالك والجمهور وذهب ابن حبيب من أصحاب مالك إلى وجوبه
217

وهو مذهب داود الظاهري والمراد بالوضوء وضوء الصلاة الكامل وأما حديث ابن عباس
المتقدم في الباب قبله في الاقتصار على الوجه واليدين فقد قدمنا أن ذلك لم يكن في الجنابة بل في
الحدث الأصغر وأما حديث أبي إسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء رواه أبو داود والترمذي والنسائي و
ابن ماجة وغيرهم فقال أبو داود عن يزيد بن هارون وهم أبو إسحاق في هذا يعنى في قوله لا يمس
ماء وقال الترمذي يرون أن هذا غلط من أبي إسحاق وقال البيهقي طعن الحفاظ في هذه اللفظة
فبان بما ذكرناه ضعف الحديث وإذا ثبت ضعفه لم يبق فيه ما يعترض به على ما قدمناه ولو صح
لم يكن أيضا مخالفا بكان له جوابان أحدهما جواب الامامين الجليلين أبى العباس بن شريح
وأبى بكر البيهقي أن المراد لا يمس ماء للغسل والثاني وهو عندي حسن أن المراد انه كان في بعض
الأوقات لا يمس ماء أصلا لبيان الجواز إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه والله أعلم وأما طوافه
صلى الله عليه وسلم على نسائه بغسل واحد فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بينهما
أو يكون المراد بيان جواز ترك الوضوء وقد جاء في سنن أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم طاف
على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه فقيل يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحد فقال
هذا أزكى وأطيب وأطهر قال أبو داود والحديث الأول أصح قلت وعلى تقدير صحته يكون
هذا في وقت وذاك في وقت والله أعلم واختلف العلماء في حكمة هذا الوضوء فقال أصحابنا
لأنه يخفف الحدث فإنه يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء وقال أبو عبد الله المازري رضي الله عنه
اختلف في تعليله فقيل ليبيت على احدى الطهارتين خشية أن يموت في منامه وقيل بل لعله
أن ينشط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه قال المازري ويجرى هذا الخلاف في وضوء
الحائض قبل أن تنام فمن علل بالمبيت على طهارة استحبه لها هذا كلام المازري وأما أصحابنا
فإنهم متفقون على أنه لا يستحب الوضوء للحائض والنفساء لأن الوضوء لا يؤثر في حدثهما
فان كانت الحائض قد انقطعت حيضها صارت كالجنب والله أعلم وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم
على نسائه بغسل واحد فهو محمول على أنه كان برضاهن أو برضى صاحبة النوبة إن
كانت نوبة واحدة وهذا التأويل يحتاج إليه من يقول
كان القسم واجبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الدوام كما يجب علينا وأما من لا يوجبه فلا يحتاج إلى تأويل فان له أن يفعل ما يشاء
218

وهذا الخلاف في وجوب القسم هو وجهان لأصحابنا والله أعلم وفى هذه الأحاديث المذكورة
في الباب أن غسل الجنابة ليس على الفور وإنما يتضيق على الانسان عند القيام إلى الصلاة
وهذا باجماع المسلمين وقد اختلف أصحابنا في الموجب لغسل الجنابة هل هو حصول الجنابة بالتقاء
الختانين أو انزال المنى أم هو القيام إلى الصلاة أم هو حصول الجنابة مع القيام إلى الصلاة فيه
ثلاثة أوجه لأصحابنا ومن قال يجب بالجنابة قال هو وجوب موسع وكذا اختلفوا في موجب
الوضوء هل هو الحدث أم القيام إلى الصلاة أم المجموع وكذا اختلفوا في الموجب لغسل الحيض
هل هو خروج الدم أم انقطاعه والله أعلم وأما ما يتعلق بأسانيد الباب فقوله قال ابن المثنى في
حديثه حدثنا الحكم سمعت إبراهيم يحدث معناه قال ابن المثنى في روايته عن محمد بن جعفر عن شعبة قال شعبة حدثنا الحكم
قال سمعت إبراهيم يحدث وفى الرواية المتقدمة شعبة عن الحكم عن إبراهيم والمقصود أن الرواية الثانية أقوى من الأولى فان الأولى بعن عن والثانية بحدثنا
وسمعت وقد علم أن حدثنا وسمعت أقوى من عن وقد قالت جماعة من العلماء أن عن لا تقتضي
الاتصال ولو كانت من غير مدلس وقد قدمنا ايضاح هذا في الفصول وفى مواضع كثيرة
بعدها والله أعلم وفيه محمد بن أبي بكر المقدمي هو بفتح الدال المشددة منسوب إلى جده
مقدم وقد تقدم بيانه مرات وفيه أبو المتوكل عن أبي سعيد هو أبو المتوكل الناجي واسمه على
ابن داود وقيل ابن داود بضم الدال منسوب إلى بنى ناجية قبيلة معروفة والله أعلم
وجوب الغسل على المرأة بخروج المنى منها
فيه (أن أم سليم رضي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة رضي الله عنها
219

يا رسول الله المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه فقالت
عائشة رضي الله عنها يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك قولها تربت يمينك خير فقال لعائشة بل أنت
فتربت يمينك نعم فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذلك) وفى الباب المذكور الروايات الباقية وستمر عليها
أن شاء الله تعالى اعلم أن المرأة إذا خرج منها المنى وجب عليها الغسل كما يجب على الرجل
بخروجه وقد أجمع المسلمون على وجوب الغسل على الرجل والمرأة بخروج المنى أو ايلاج
الذكر في الفرج وأجمعوا على وجوبه عليها بالحيض والنفاس واختلفوا في وجوبه على من ولدت
ولم تر دما أصلا والأصح عند أصحابنا وجوب الغسل وكذا الخلاف فيما إذا ألقت مضغة أو علقة
والأصح وجوب الغسل ومن لا يوجب الغسل يوجب الوضوء والله أعلم ثم إن مذهبنا أنه
يجب الغسل بخروج المنى سواء كان بشهوة ودفق أم بنظر أم في النوم أو في اليقظة وسواء
أحس بخروجه أم لا وسواء خرج من العاقل أم من المجنون ثم أن المراد بخروج المنى أن
يخرج إلى الظاهر أما ما لم يخرج فلا يجب الغسل وذلك بأن يرى النائم أنه يجامع وأنه قد
أنزل ثم يستيقظ فلا يرى شيئا فلا غسل عليه باجماع المسلمين وكذا لو اضطرب بدنه لمبادئ
خروج المنى فلم يخرج وكذا لو نزل المنى إلى أصل الذكر ثم لم يخرج فلا غسل وكذا لو
صار المنى في وسط الذكر وهو في صلاة فأمسك بيده على ذكره فوق حائل فلم يخرج المنى حتى
سلم من صلاته صحت صلاته فإنه ما زال متطهرا حتى خرج والمرأة كالرجل في هذا الا أنها إذا
كانت ثيبا فنزل المنى إلى فرجها ووصل الموضع الذي يجب عليها غسله في الجنابة والاستنجاء وهو
الذي يظهر حال قعودها لقضاء الحاجة وجب عليها الغسل بوصول المنى إلى ذلك موضع
لأنه في حكم الظاهر وان كانت بكرا لم يلزمها ما لم يخرج من فرجها لأن داخل فرجها كداخل
إحليل الرجل والله أعلم وأما ألفاظ الباب ومعانيه ففيه أم سليم وهي أم أنس بن مالك
واختلفوا في اسمها فقيل اسمها سهلة وقيل مليكة وقيل رميثة وقيل أنيفة ويقال الرميضا
220

والغميصا وكانت من فاضلات الصحابيات ومشهوراتهن وهي أخت أم حرام بنت ملحان
رضي الله عنهما والله أعلم وأما قول عائشة رضي الله عنها فضحت النساء فمعناه حكيت عنهن أمرا
يستحيا من وصفهن به ويكتمنه وذلك أن نزول المنى منهن يدل على شدة شهوتهن للرجال وأما
قولها تربت يمينك ففيه خلاف كثير منتشر جدا للسلف والخلف من الطوائف كلها ولأصح
الأقوى الذي عليه المحققون في معناه أنها كلمة أصلها افتقرت ولكن العرب اعتادت استعماله
غير قاصدة حقيقة معناها الأصلي فيذكرون تربت يداك وقاتله الله ما أشجعه ولا أم له ولا أب
لك وثكلته أمه وويل أمه وما أشبه هذا من ألفاظهم يقولنها عند انكار الشئ أو الزجر عنه أزجر عنه
أو الذم عليه أو استعظامه أو الحث عليه أو الاعجاب به والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم
لعائشة بل أنت فتربت يمينك فمعناه أنت أحق أن يقال لك هذا فإنها فعلت ما يجب عليها
من السؤال عن دينها فلم تستحق الانكار واستحققت أنت الانكار لانكارك ما لا انكار فيه وأما
قوله قولها تربت يمينك خير فكذا وقع في أكثر الأصول وهو تفسير ولم يقع هذا التفسير
في كثير من الأصول وكذلك ذكر الاختلاف في اثباته وحذفه القاضي عياض ثم اختلف
المثبتون في ضبطه فنقل صاحب المطالع وغيره عن الأكثرين أنه خير باسكان الياء المثناة
من تحت ضد الشر وعن بعضهم أنه خبر بفتح الباء الموحدة قال القاضي عياض وهذا
الثاني ليس بشئ قلت كلاهما صحيح فالأول معناه لم ترد بهذا شتما ولكنها كلمة تجرى على
اللسان ومعنى الثاني أن هذا ليس بدعاء بل هو خبر لا يراد حقيقته والله أعلم قوله (حدثنا
عباس بن الوليد حدثنا يزيد بن زريع) هو عباس بالباء الموحدة والسين المهملة وصحفه بعض
الرواة لكتاب مسلم فقال عياش بالياء المثناة والشين المعجمة وهو غلط صريح فان عياشا
بالمعجمة هو عياش بن الوليد الرقام البصري ولم يرو عنه مسلم شيئا وروى عنه البخاري
221

وأما عباس بالمهملة فهو ابن الوليد البصري الترسي وروى عنه البخاري ومسلم جميعا وهذا
مما لا خلاف فيه وكان غلط هذا القائل وقع له من حيث إنهما مشتركان في الأب والنسب
والعصر والله أعلم قوله (فقالت أم سليم واستحييت من ذلك) هكذا هو في الأصول
وذكر الحافظ أبو علي الغساني أنه هكذا في أكثر النسخ وأنه غير في بعض النسخ فجعل
فقالت أم سلمة والمحفوظ من طرق شتى أم سلمة قال القاضي عياض وهذا هو الصواب لأن
السائلة هي أم سليم والرادة عليها أم سلمة في هذا الحديث وعائشة في الحديث المتقدم ويحتمل
أن عائشة وأم سلمة جميعا أنكرتا عليها وإن كان أهل الحديث يقولون الصحيح هنا أم
سلمة لعائشة والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (فمن أين يكون الشبه) معناه أن الولد متولد
من ماء الرجل وماء المرأة فأيهما غلب كان الشبه له وإذا كان للمرأة منى فانزاله وخروجه منها
ممكن ويقال شبه وشبه لغتان مشهورتان إحداهما بكسر الشين واسكان الباء والثانية بفتحهما
والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (أن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر)
هذا أصل عظيم في بيان صفة المنى وهذه صفته في حال السلامة وفي الغالب قال العلماء
منى الرجل في حال الصحة أبيض ثخين يتدفق في خروجه دفقة بعد دفقة ويخرج بشهوة
ويتلذذ بخروجه وإذا خرج استعقب خروجه فتورا ورائحة كرائحة طلع النخل ورائحة الطلع
قريبة من رائحة العجين وقيل تشبه رائحته رائحة الفصيل وقيل إذا يبس كان رائحته كرائحة
البول فهذه صفاته وقد يفارقه بعضها مع بقاء ما يستقل بكونه منيا وذلك بأن يمرض فيصير منيه
رقيقا أصفر أو يسترخي وعاء المنى فيسيل من غير التذاذ وشهوة أو يستكثر من الجماع فيحمر
ويصير كماء اللحم وربما خرج دما غبيطا وإذا خرج المنى أحمر فهو طاهر موجب للغسل كما لو كان
أبيض ثم أن خواص المنى التي عليها الاعتماد في كونه منيا ثلاث أحدها الخروج بشهوة مع
222

الفتور عقبه والثانية الرائحة التي شبه الطلع كما سبق الثالث الخروج بزريق ودفق
ودفعات وكل واحدة من هذه الثلاث كافية في اثبات كونه منيا ولا يشترط اجتماعها فيه
وإذا لم يوجد شئ منها لم يحكم بكونه منيا وغلب على الظن كونه ليس منيا هذا كله في منى
الرجل وأما منى المرأة فهو أصفر رقيق وقد يبيض لفضل قوتها وله خاصيتان يعرف بواحدة
منهما إحداهما أن رائحته كرائحة منى الرجل والثانية التلذذ بخروجه وفتور شهوتها
عقب خروجه قالوا ويجب الغسل بخروج المنى بأي صفة وحال كان والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه) وفي الرواية الأخرى (إذا علا ماؤها ماء
الرجل وإذا علا ماء الرجل ماءها) قال العلماء يجوز أن يكون المراد بالعلو هنا السبق ويجوز أن
يكون المراد الكثرة والقوة بحسب كثرة الشهوة وقوله صلى الله عليه وسلم فمن أيهما علا هكذا
هو في الأصول فمن أيهما بكسر الميم وبعدها نون ساكنه وهي الحرف المعروف وإنما ضبطته
لئلا يصحف بمنى والله أعلم قوله (حدثنا داود ابن رشيد) هو بضم الراء وفتح الشين قوله صلى الله عليه وسلم
(إذا كان منها ما يكون من الرجل
فلتغتسل) معناه إذا خرج منها المنى فلتغتسل
كما أن الرجل إذا خرج منه المنى اغتسل وهذا من حسن العشرة ولطف الخطا ب واستعمال اللفظ
الجميل موضع اللفظ الذي يستحيا منه في العادة والله أعلم قولها إن الله لا يستحي من الحق)
223

قال العلماء معناه لا يمتنع من بيان الحق وضرب المثل بالبعوضة وشبهها كما قال سبحانه وتعالى
أن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فكذا أنا لا أمتنع من سؤالي عما أنا محتاجة
إليه وقيل معناه أن الله لا يأمر بالحياء في الحق ولا يبيحه وإنما قالت هذا اعتذارا بين يدي سؤالها
عما دعت الحاجة إليه مما تستحي النساء في العادة من السؤال عنه وذكره بحضرة الرجال
ففيه أنه ينبغي لمن عرضت له مسألة أن يسأل عنها ولا يمتنع من السؤال حياء من ذكرها فان ذلك
ليس بحياء حقيقي لأن الحياء خير كله والحياء لا يأتي الا بخير والامساك عن السؤال في هذه الحال
ليس بخير بل هو شر فكيف يكون حياء وقد تقدم ايضاح هذه المسألة في أوائل كتاب الايمان
وقد قالت عائشة رضي الله عنها نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين والله أعلم
قال أهل العربية يقال استحيا بياء قبل الألف يستحيي بيائين ويقال أيضا يستحي بياء
واحدة في المضارع والله أعلم قوله (قالت عائشة فقلت لها أف لك) معناه استحقارا لها
ولما تكلمت به وهي كلمة تستعمل في الاحتقار والاستقذار والانكار قال الباجي والمراد بها
224

هنا الانكار وأصل الأف وسخ الأظفار وفي أف عشر لغات أف وأف بضم الهمزة
مع كسر الفاء وفتحها وضمها بغير تنوين وبالتنوين فهذه الستة والسابعة إف بكسر الهمزة
وفتح الفاء والثامنة أف بضم الهمزة واسكان الفاء والتاسعة أفي بضم الهمزة وبالياء وأفه بالهاء وهذه
اللغات مشهورات ذكرهن كلهن ابن الأنباري وجماعات من العلماء ودلائلها مشهورة ومن
أخصرها ما ذكره الزجاج وابن الأنباري واختصره أبو البقاء فقال من كسر بناه على الأصل
ومن فتح طلب التخفيف ومن ضم اتبع ومن نون أراد التنكير ومن لم ينون أراد التعريف ومن
خفف الفاء حذف أحد المثلين تخفيفا وقال الأخفش وابن الأنباري في اللغة التاسعة بالياء كأنه
إضافة إلى نفسه والله أعلم قوله (عن مسافع بن عبد الله) هو بضم الميم وبالسين المهملة
وبكسر الفاء قولها (تربت يداك وألت) هو بضم الهمزة وفتح اللام المشددة واسكان التاء
هكذا الرواية فيه ومعناه أصابتها الألة بفتح الهمزة وتشديد اللام وهي الحربة وأنكر بعض
الأئمة هذا اللفظ وزعم أن صوابه أللت بلامين الأولى مكسورة والثانية ساكنة وبكسر التاء
وهذا الانكار فاسد بل ما صحت به الرواية صحيح وأصله أللت بكسر اللام الأولى وفتح الثانية
واسكان التاء كردت أصله رددت ولا يجوز فك هذا الادغام الا مع المخاطب وإنما وحد ألت مع تثنية يداك لوجهين أحدهما أنه أراد الجنس والثاني صاحبة اليدين أي وأصابتك
225

الألة فيكون جمعا بين دعاءين والله أعلم
بيان صفة منى الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائها
فيه حديث ثوبان رضي الله عنه في قصة الحبر اليهودي وقد تقدم في الباب الذي قبله بيان
صفة المنى وأما الحبر فهو بفتح الحاء وكسرها لغتان مشهورتان وهو العالم قوله (حدثني
أبو أسماء الرحبي) هو بفتح الراء والحاء واسمه عمرو بن مرثد الشامي الدمشقي قال أبو سليمان بن زيد
كان أبو أسماء الرحبي من رحبة دمشق قرية من قراها بينها وبين دمشق ميل رأيتها
عامرة والله أعلم قوله (فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود) هو بفتح النون والكاف
وبالتاء المثناة من فوق ومعناه يخط بالعود في الأرض ويؤثر به فيها وهذا يفعله المفكر وفي
هذا دليل على جواز فعل مثل هذا وأنه ليس مخلا بالمروءة والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
226

(هم في الظلمة دون الجسر) هو بفتح الجيم وكسرها لغتان مشهورتان والمراد به هنا
الصراط قوله (فمن أول الناس إجازة) هو بكسر الهمزة وبالزاي ومعناه
جوازا وعبورا قوله (فما تحفتهم) هي باسكان الحاء وفتحها لغتان وهي ما يهدى إلى الرجل
ويخص به ويلاطف وقال إبراهيم الحلبي هي طرف الفاكهة والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(زيادة كبد النون) هو النون بنونين الأولى مضمومة وهو الحوت وجمعه نينان
وفي الرواية الأخرى (زائدة كبد النون) والزيادة والزائدة شئ واحد وهو طرف
الكبد وهو أطيبها قوله (فما غذاؤهم) روى على وجهين أحدهما بكسر الغين وبالذال المعجمة
والثاني بفتح الغين وبالدال المهملة قال القاضي هذا الثاني هو الصحيح وهو رواية الأكثرين
قال والأول ليس بشئ قلت وله وجه وتقديره ما غذاؤهم في ذلك الوقت وليس المراد والسؤال
عن غذائهم دائما والله أعلم قوله (على اثرها) بكسر الهمزة مع اسكان الثاء وبفتحهما جميعا
لغتان مشهورتان قوله صلى الله عليه وسلم (من عين فيها تسمى سلسبيلا) قال جماعة من
أهل اللغة والمفسرين السلسبيل اسم للعين وقال مجاهد وغيره هي شديدة الجرى وقيل هي
السلسة اللينة قوله صلى الله عليه وسلم (أذكرا بإذن الله وآنثا بإذن الله) معنى الأول
227

كان الولد ذكرا ومعنى الثاني كان أنثى وقوله آنثا بالمد في أوله وتخفيف النون وقد روى
بالقصر وتشديد النون والله أعلم
صفة غسل الجنابة
قال أصحابنا كمال غسل الجنابة أن يبدأ المغتسل فيغسل كفيه ثلاثا قبل ادخالهما في الاناء ثم
يغسل ما على فرجه وسائر بدنه من الأذى ثم يتوضأ وضوءه للصلاة بكماله ثم يدخل أصابعه
كلها في الماء فيغرف غرفة يخلل بها شعره من رأسه ولحيته ثم يحثي على رأسه ثلاث
حثيات ويتعاهد معاطف بدنه كالإبطين وداخل الأذنين والسرة وما بين الأليتين و أصابع
الرجلين وعكن البطن وغير ذلك فيوصل الماء إلى جميع ذلك ثم يفيض على رأسه ثلاث
حثيات ثم يفيض الماء على سائر جسده ثلاث مرات يدلك في كل مرة ما تصل إليه يداه
من بدنه وإن كان يغتسل في نهر أو بركة انغمس فيها ثلاث مرات و يوصل الماء إلى جميع
بشرته والشعور الكثيفة والخفيفة ويعم بالغسل ظاهر الشعر و باطنه وأصول منابته والمستحب
أن يبدأ بميامنه وأعالي بدنه وأن يكون مستقبل القبلة وأن يقول بعد الفراغ أشهد أن لا اله
228

الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وينوي الغسل من أول شروعه
فيما ذكرناه ويستصحب النية إلى أن يفرغ من غسله فهذا كمال الغسل والواجب من هذا كله
النية في أول ملاقاة أول جزء من البدن للماء وتعميم البدن شعره وبشره بالماء ومن شرطه أن
يكون البدن طاهرا من النجاسة وما زاد على هذا مما ذكرناه سنة وينبغي لمن اغتسل من اناء
كالإبريق ونحوه أن يتفطن لدقيقة قد يغفل عنها وهي انه إذا استنجى وطهر محل الاستنجاء
بالماء فينبغي أن يغسل محل الاستنجاء بعد ذلك بنية غسل الجنابة لأنه إذا لم يغسله الآن ربما
غفل عنه بعد ذلك فلا يصح غسله لترك ذلك وان ذكره احتاج إلى مس فرجه فينتقض وضوءه
أو يحتاج إلى كلفة في لف خرقة على يده والله أعلم هذا مذهبنا ومذهب كثيرين من الأئمة ولم
يوجب أحد من العلماء الدلك في الغسل ولا في الوضوء الا مالك والمزني ومن سواهما يقول
هو سنة لو تركه صحت طهارته في الوضوء والغسل ولم يوجب أيضا الوضوء في غسل الجنابة الا
داود الظاهري ومن سواه يقولون هو سنة فلو أفاض الماء على جميع بدنه من غير وضوء صح
غسله واستباح به الصلاة وغيرها ولكن الأفضل أن يتوضأ كما ذكرنا وتحصل الفضيلة بالوضوء
قبل الغسل أو بعده وإذا توضأ أولا لا يأتي به ثانيا فقد اتفق العلماء على أنه لا يستحب وضوءان
والله أعلم فهذا مختصر ما يتعلق بصفة الغسل وأحاديث الباب تدل على معظم ما ذكرناه وما بقي
فله دلائل مشهورة والله أعلم واعلم أنه جاء في روايات عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري
ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة قبل إفاضة الماء عليه فظاهر هذا أنه صلى الله عليه وسلم
أكمل الوضوء بغسل الرجلين وقد جاء في أكثر روايات ميمونة توضأ ثم أفاض
الماء عليه ثم تنحى فغسل رجليه وفي رواية حديثها رواها البخاري توضأ وضوءه للصلاة
غير قدميه ثم أفا ض الماء عليه ثم نحى قدميه فغسلهما وهذا تصريح بتأخير القدمين وللشافعي
رضي الله عنه قولان أصحهما وأشهرهما والمختار منهما أنه يكمل وضؤه بغسل القدمين والثاني أنه
يؤخر غسل القدمين فعلى القول الضعيف يتأول روايات عائشة وأكثر روايات ميمونة على
أن المراد بوضوء الصلاة أكثره وهو ما سوى الرجلين كما بينته ميمونة في رواية البخاري
فهذه الرواية صريحة وتلك الرواية محتملة للتأويل فيجمع بينهما بما ذكرناه وأما على المشهور
الصحيح فيعمل بظاهر الروايات المشهورة المستفيضة عن عائشة وميمونة جميعا في تقديم وضوء
229

الصلاة فان ظاهره كمال الوضوء فهذا كان الغالب والعادة المعروفة له صلى الله عليه وسلم وكان
يعيد غسل القدمين بعد الفراغ لإزالة الطين لا لأجل الجنابة فتكون الرجل مغسولة مرتين وهذا
هو الأكمل الأفضل فكان صلى الله عليه وسلم يواظب عليه وأما رواية البخاري عن ميمونة
فجرى ذلك مرة أو نحوها بيانا للجواز وهذا كما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا
ومرة مرة فكان الثلاث في معظم الأوقات لكونه الأفضل والمرة في نادر من الأوقات لبيان
الجواز ونظائر هذا كثيرة والله أعلم وأما نية هذا الوضوء فينوي به رفع الحدث الأصغر الا أن
يكون جنبا غير محدث فإنه ينوي به سنة الغسل والله أعلم قوله فيدخل أصابعه في أصول الشعر إنما
فعل ذلك ليلين الشعر ويرطبه فيسهل مرور الماء عليه قوله (حتى إذا رأى أنه قد استبرأ حفن على
230

رأسه ثلاث حفنات) معنى استبرأ أي أوصل البلل إلى جميعه ومعنى حفن أخذ الماء بيديه جميعا
قولها (أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة) هو بضم الغين وهو الماء
الذي يغتسل به قولها (ثم ضرب بيده الأرض فدلكها دلكا شديدا) فيه أنه يستحب للمستنجي
بالماء إذا فرغ أن يغسل يده بتراب أو اشنان أو يدلكها بالتراب أو بالحائط ليذهب الاستقذار
منها قولها (ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه) هكذا هو في الأصول التي ببلادنا كفه
بلفظ الافراد وكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين وفي رواية الطبري كفيه
بالتثنية وهي مفسرة لرواية الأكثرين والحفنة ملء الكفين جميعا قولها (ثم أتيته بالمنديل
فرده) فيه استحباب ترك تنشيف الأعضاء وقد اختلف علماء أصحابنا في تنشيف الأعضاء
في الوضوء والغسل على خمسة أوجه أشهرها أن المستحب تركه ولا يقال فعله مكروه والثاني
أنه مكروه والثالث أنه مباح يستوي فعله وتركه وهذا هو الذي نختاره فان المنع والاستحباب
يحتاج إلى دليل ظاهر والرابع أنه مستحب لما فيه من الاحتراز عن الأوساخ والخامس يكره في
الصيف دون الشتاء هذا ما ذكره أصحابنا وقد اختلف الصحابة وغيرهم في التنشيف على ثلاثة
مذاهب أحدها أنه لا بأس به في الوضوء والغسل وهو قول أنس بن مالك والثوري والثاني
مكروه فيها وهو قول ابن عمر وابن أبي ليلى والثالث يكره في الوضوء دون الغسل وهو قول ابن
عباس رضي الله عنهما وقد جاء في ترك التنشيف هذا الحديث والحديث الآخر في الصحيح أنه
231

صلى الله عليه وسلم اغتسل وخرج ورأسه يقطر ماء وأما فعل التنشيف فقد رواه جماعة من
الصحابة رضي الله عنهم من أوجه لكن أسانيدها ضعيفة قال الترمذي لا يصح في هذا الباب عن
النبي صلى الله عليه وسلم شئ وقد احتج بعض العلماء على إباحة التنشيف بقول ميمونة في هذا
الحديث وجعل يقول بالماء هكذا يعنى ينفضه قال فإذا كان النفض مباحا كان التنشيف مثله
أو أولى لاشتراكهما في إزالة الماء والله أعلم وأما المنديل فبكسر الميم وهو معروف وقال
ابن فارس لعله مأخوذ من الندل وهو النقل وقال غيره هو مأخوذ من الندل وهو الوسخ
لأنه يندل به ويقال تندلت بالمناديل قال الجوهري ويقال أيضا تمندلت به وأنكرها الكسائي
والله أعلم قولها (وجعل يقول بالماء هكذا يعنى ينفضه) فيه دليل على أن نفض اليد بعد
الوضوء والغسل لا بأس به وقد اختلف أصحابنا فيه على أوجه أشهرها أن المستحب تركه
ولا يقال أنه مكروه والثاني أنه مكروه والثالث أنه مباح يستوي فعله وتركه وهذا هو الأظهر
المختار فقد جاء الحديث الصحيح في الإباحة ولم يثبت في النهي شئ أصلا والله أعلم
قوله (وحدثنا محمد بن المثنى العنزي)
هو بفتح العين والنون وبالزاي
232

قولها (دعا بشئ نحو الحلاب) هو بكسر الحاء وتخفيف اللام وآخره باء موحدة وهو اناء
يحلب فيه ويقال له المحلب أيضا بكسر الميم قال الخطابي هو اناء يسع قدر حلبة ناقة وهذا هو
المشهور الصحيح المعروف في الرواية وذكر الهروي عن الأزهري عن الأزهري أنه الجلاب بضم الجيم
وتشديد اللام قال الأزهري وأراد به ماء الورد وهو فارسي معرب وأنكر الهروي هذا
وقال أراه الحلاب وذكر نحو ما قدمناه والله أعلم
(تم الجزء الثالث من صحيح الإمام مسلم بشرح الامام النووي)
(ويليه الجزء الرابع وأوله باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة)
233