الكتاب: فتح الباري
المؤلف: ابن حجر
الجزء: ٥
الوفاة: ٨٥٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع:
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

من فتح الباري بشرح صحيح الامام أبى
عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري لشيخ الاسلام
قاضى القضاة الحافظ أبى الفضل شهاب الدين أحمد بن
علي بن محمد بن محمد بن حجر العسقلاني
الشافعي نزيل القاهرة المحروسة
نفعنا الله
بعلومه
امين
1

قوله بسم الله الرحمن الرحيم
* (كتاب المزارعة) *
باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه وقول الله تعالى أفرأيتم ما تحرثون
الآية كذا للنسفي والكشميهني إلا أنهما أخرا البسملة وزاد النسفي باب ما جاء في الحرث
والمزارعة وفضل الزرع إلى آخره وعليه شرح ابن بطال ومثله للأصيلي وكريمة إلا أنهما حذفا
لفظ كتاب المزارعة وللمستملي كتاب الحرث وقدم الحموي البسملة وقال في الحرث بدل كتاب
الحرث ولا شك أن الآية تدل على إباحة الزرع من جهة الامتنان به والحديث يدل على فضله
بالقيد الذي ذكره المصنف وقال بن المنير أشار البخاري إلى إباحة الزرع وأن من نهى عنه
كما ورد عن عمر فمحله ما إذا شغل الحرث عن الحرب ونحوه من الأمور المطلوبة وعلى ذلك يحمل
حديث أبي أمامة المذكور في الباب الذي بعده والمزارعة مفاعلة من الزرع وسيأتي القول فيها
بعد أبواب (قوله حدثنا قتيبة الخ) أخرج هذا الحديث عن شيخين حدثه به كل منهما عن أبي
عوانة ولم أر في سياقهما اختلافا وكأنه قصد أنه سمعه من كل منهما وحده فلذلك لم يجمعهما
(قوله ما من مسلم) أخرج الكافر لأنه رتب على ذلك كون ما أكل منه يكون له صدقة والمراد
بالصدقة الثواب في الآخرة وذلك يختص بالمسلم نعم ما أكل من زرع الكافر يثاب عليه في الدنيا
كما ثبت من حديث أنس عند مسلم وأما من قال أنه يخفف عنه بذلك من عذاب الآخرة فيحتاج
إلى دليل ولا يبعد أن يقع ذلك لمن لم يرزق في الدنيا وفقد العافية (قوله أو يزرع) أو للتنويع لان
2

الزرع غير الغرس قوله وقال مسلم كذا للنسفي وجماعة ولأبي ذر والأصيلي وكريمة وقال لنا
مسلم وهو بن إبراهيم وأبان هو ابن يزيد العطار والبخاري لا يخرج له إلا استشهادا ولم أر له في
كتابه شيئا موصولا إلا هذا ونظيره عنده حماد بن سلمة فإنه لا يخرج له إلا استشهادا ووقع عنده في
الرقاق قال لنا أبو الوليد حدثنا حماد بن سلمة وهذه الصيغة هي قال لنا يستعملها البخاري على
ما استقرئ من كتابه في الاستشهادات غالبا وربما استعملها في الموقوفات ثم إنه ذكر هنا اسناد
أبان ولم يسق متنه لان غرضه منه التصريح بالتحديث من قتادة عن أنس وقد أخرجه مسلم عن
عبد بن حميد عن مسلم بن إبراهيم المذكور بلفظ ان نبي الله صلى الله عليه وسلم رأى نخلا
لأم مبشر امرأة من الأنصار فقال من غرس هذا النخل أمسلم أم كافر فقالوا مسلم قال بنحو
حديثهم كذا عند مسلم فأحال به على ما قبله وقد بينه أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن مسلم
ابن إبراهيم وباقيه فقال لا يغرس مسلم غرسا فيأكل منه انسان أو طير أو دابة إلا كان له صدقة
وأخرج مسلم هذا الحديث عن جابر من طرق منها بلفظ سبع بدل بهيمة وفيها الا كان له صدقة
فيها أجر ومنها أم مبشر أو أم معبد على الشك وفي أخرى أم معبد بغير شك وفي أخرى امرأة زيد
ابن حارثة وهي واحدة لها كنيتان وقيل اسمها خليدة وفي أخرى عن جابر عن أم مبشر جعله من
مسندها وفي الحديث فضل الغرس والزرع والحض على عمارة الأرض ويستنبط منه اتخاذ
الضيعة والقيام عليها وفيه فساد قول من أنكر ذلك من المتزهدة وحمل ما ورد من التنفير عن
ذلك على ما إذا شغل عن أمر الدين فمنه حديث بن مسعود مرفوعا لا تتخذوا الضيعة فترغبوا
في الدنيا الحديث قال القرطبي يجمع بينه وبين حديث الباب بحمله على الاستكثار والاشتغال
به عن أمر الدين وحمل حديث الباب على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها وتحصيل ثوابها
وفي رواية لمسلم إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة ومقتضاه أن أجر ذلك يستمر ما دام الغرس
أو الزرع مأكولا منه ولو مات زارعه أو غارسه ولو انتقل ملكه إلى غيره وظاهر الحديث أن الاجر
يحصل لمتعاطي الزرع أو الغرس ولو كان ملكه لغيره لأنه أضافه إلى أم مبشر ثم سألها عمن غرسه
قال الطيبي نكر مسلما وأوقعه في سياق النفي وزاد من الاستغراقية وعم الحيوان ليدل على
سبيل الكناية على أن أي مسلم كان حرا أو عبدا مطيعا أو عاصيا يعمل أي عمل من المباح ينتفع
بما عمله أي حيوان كان يرجع نفعه إليه ويثاب عليه وفيه جواز نسبة الزرع إلى الآدمي وقد ورد
في المنع منه حديث غير قوي أخرجه بن أبي حاتم من حديث أبي هريرة مرفوعا لا يقل أحدكم
زرعت ولكن ليقل حرثت ألم تسمع لقول الله تعالى أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ورجاله ثقات
الا أن مسلم بن أبي مسلم الجرمي قال فيه بن حبان ربما أخطأ وروى عبد بن حميد من طريق
أبي عبد الرحمن السلمي بمثله من قوله غير مرفوع واستنبط منه المهلب أن من زرع في أرض
غيره كان الزرع للزارع وعليه لرب الأرض أجرة مثلها وفي أخذ هذا الحكم من هذا الحديث
بعد وقد تقدم الكلام على أفضل المكاسب في كتاب البيوع والله الموفق (قوله باب
ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع أو مجاوزة الحد الذي أمر به) هكذا للأصيلي وكريمة
ولابن شبويه أو تجاوز وللنسفي وأبي ذر جاوز والمراد بالحد ما شرع أعم من أن يكون واجبا
أو مندوبا (قوله حدثنا عبد الله بن سالم) هو الحمصي يكنى أبا يوسف وليس به ولا لشيخه في هذا
3

الصحيح غير هذا الحديث والألهاني بفتح الهمزة ورجال الاسناد كلهم شاميون وكلهم حمصيون
الا شيخ البخاري قوله عن أبي أمامة في رواية أبي نعيم في المستخرج سمعت أبا أمامة قوله
سكة بكسر المهملة هي الحديدة التي تحرث بها الأرض (قوله إلا أدخله الله الذل) في رواية
الكشميهني إلا دخله الذل وفي رواية أبي نعيم المذكورة إلا أدخلوا على أنفسهم ذلا لا يخرج عنهم
إلى يوم القيامة والمراد بذلك ما يلزمهم من حقوق الأرض التي تطالبهم بها الولاة وكان العمل في
الأراضي أول ما افتتحت على أهل الذمة فكان الصحابة يكرهون تعاطي ذلك قال بن التين هذا
من إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات لان المشاهد الآن أن أكثر الظلم إنما هو على أهل الحرث
وقد أشار البخاري بالترجمة إلى الجمع بين حديث أبي أمامة والحديث الماضي في فضل الزرع
والغرس وذلك بأحد أمرين اما أن يحمل ما ورد من الذم على عاقبة ذلك ومحله ما إذا اشتغل به
فضيع بسببه ما أمر بحفظه وأما أن يحمل على ما إذا لم يضيع إلا أنه جاوز الحد فيه والذي يظهر
ان كلام أبي أمامة محمول على من يتعاطى ذلك بنفسه أما من له عمال يعملون له وأدخل داره
الآلة المذكورة لتحفظ لهم فليس مرادا ويمكن الحمل على عمومه فإن الذل شامل لكل من
أدخل على نفسه ما يستلزم مطالبة آخر له ولا سيما إذ كان المطالب من الولاة وعن الداودي
هذا لمن يقرب من العدو فإنه إذا اشتغل بالحرث لا يشتغل بالفروسية فيتأسد عليه العدو فحقهم
أن يشتغلوا بالفروسية وعلى غيرهم امدادهم بما يحتاجون إليه قوله قال أبو عبد الله اسم أبي
أمامة صدى بن عجلان الخ كذا وقع المستملى وحده قلت وليس لأبي أمامة في البخاري سوى
هذا الحديث وحديث آخر في الأطعمة وله حديث آخر في الجهاد من قوله يدخل في حكم المرفوع
والله أعلم قوله باب اقتناء الكلب للحرث الاقتناء بالقاف افتعال من القنية
بالكسر وهي الاتخاذ قال بن المنير أراد البخاري إباحة الحرث بدليل إباحة اقتناء الكلاب
المنهى عن اتخاذها لأجل الحرث فإذا رخص من أجل الحرث في الممنوع من اتخاذه كان أقل
درجاته أن يكون مباحا قوله عن أبي سلمة عن أبي هريرة في رواية مسلم من طريق الأوزاعي
حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة حدثني أبو هريرة قوله من أمسك كلبا في رواية سفيان
ابن أبي زهير ثاني حديثي الباب من اقتنى كلبا وهو مطابق للترجمة ومفسر للامساك الذي هو في
هذه الرواية ورواه أحمد ومسلم من طريق الزهري عن أبي سلمة بلفظ من أتخذ كلبا إلا كلب
صيد أو زرع أو ماشية وأخرجه مسلم والنسائي من وجه آخر عن الزهري عن سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة بلفظ من اقتنى كلبا ليس كلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره كل يوم
قيراطان فأما زيادة الزرع فقد أنكرها بن عمر ففي مسلم من طريق عمرو بن دينار عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم فقيل لابن عمر أن أبا هريرة يقول
أو كلب زرع فقال بن عمر أن لأبي هريرة زرعا ويقال أن بن عمر أراد بذلك الإشارة إلى تثبيت
رواية أبي هريرة وأن سبب حفظه لهذه الزيادة دونه أنه كان صاحب زرع دونه ومن كان مشتغلا
بشئ أحتاج إلى تعرف أحكامه وقد روى مسلم أيضا من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه
مرفوعا من اقتنى كلبا الحديث قال سالم وكان أبو هريرة يقول أو كلب حرث وكان صاحب حرث
واصله للبخاري في الصيد دون الزيادة وقد وافق أبا هريرة على ذكر الزرع سفيان بن أبي زهير كما تراه
4

في هذا الباب وعبد الله بن مغفل وهو عند مسلم في حديث أوله أمر بقتل الكلاب ورخص في
كلب الغنم والصيد والزرع (قوله أو ماشية) أو للتنويع لا للترديد (قوله وقال بن سيرين
وأبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا كلب غنم أو حرث أو صيد) أما رواية بن
سيرين فلم أقف عليها بعد التتبع الطويل أما رواية أبي صالح فوصلها أبو الشيخ عبد الله بن محمد
الأصبهاني في كتاب الترغيب له من طريق الأعمش عن أبي صالح ومن طريق سهيل بن أبي صالح
عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو حرث فإنه ينقص من عمله كل
يوم قيراطان لم يقل سهيل أو حرث (قوله وقال أبو حازم عن أبي هريرة كلب ماشية أو صيد)
وصلها أبو الشيخ أيضا من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن أبي حازم بلفظ أيما
أهل دار ربطوا كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية نقص من أجرهم كل يوم قيراطان قال ابن عبد
البر في هذا الحديث إباحة اتخاذ الكلاب للصيد والماشية وكذلك الزرع لأنها زيادة حافظ
وكراهة اتخاذها لغير ذلك إلا أنه يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر اتخاذها لجلب المنافع ودفع
المضار قياسا فتمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة لما فيه من ترويع الناس وامتناع دخول
الملائكة للبيت الذي هم فيه وفي قوله نقص من عمله أي من أجر عمله ما يشير إلى أن اتخاذها ليس
بمحرم لان ما كان اتخاذه محرما أمتنع اتخاذه على كل حال سواء نقص الاجر أو لم ينقص فدل ذلك
على أن اتخاذها مكروه لا حرام قال ووجه الحديث عندي أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من
غسل الإناء سبعا لا يكاد يقوم بها المكلف ولا يتحفظ منها فربما دخل عليه باتخاذها ما ينقص
أجره من ذلك ويروي أن المنصور سأل عمرو بن عبيد عن سبب هذا الحديث فلم يعرفه فقال
المنصور لأنه ينبح الضيف ويروع السائل اه وما ادعاه من عدم التحريم واستند له بما ذكر
ليس بلازم بل يحتمل أن تكون العقوبة تقع بعدم التوفيق للعمل بمقدار قيراط مما كان يعمله
من الخير لو لم يتخذ الكلب ويحتمل ان يكون الاتخاذ حراما والمراد بالنقص أن الاثم الحاصل
باتخاذه يوازى قدر قيراط أو قيراطين من أجر فينقض من ثواب عمل المتخذ قدر ما يترتب عليه من
الاثم باتخاذه وهو قيراط أو قيراطان وقيل سبب النقصان امتناع الملائكة من دخول بيته أو
ما يلحق المارين من الأذى أو لان بعضها شياطين أو عقوبة لمخالفه النهى أو لولوغها في الأواني
عند غفلة صاحبها فر بما يتنجس الطاهر منها فإذا استعمل في العبادة لم يقع موقع الطاهر وقال
ابن التين المراد انه لو لم يتخذه لكان عمله كاملا فإذا اقتناه نقض من ذلك العمل ولا يجوز أن
ينقض من عمل مضى وانما أراد أنه ليس عمله في الكمال عمل من لم يتخذه اه وما ادعا من عدم
الجواز منازع فيه فقد حكى الروياني في البحر اختلافاتي الاجر هل ينقض من العمل الماضي أو
المستقبل وفى محل نقصان القيراطين فقيل من عمل النهار قيراط وعمل الليل آخر وقيل من
الفرض قيراط ومن النفل آخر وفى سبب النقصان يعنى كما تقدم واختلفوا في اختلاف
الروايتين في القيراطين والقيراط فقيل الحكم للزائد لكونه حفظ ما لم يحفظها الاخر أوانه صلى
الله عليه وسلم أخبر أولا ينقض قيراط واحد فسمعه الراوي الأول ثم أخبرنا ثانيا بنقض قيراطين
زيادة في التأكيد في التفسير من ذلك فسمعه الراوي الثاني وقيل ينزل على حالين فنقصان
القيراطين باعتبار كثرة الاضرار باتخاذها ونقص القيراط باعتبار قلته وقيل يختص نقص
5

القيراطين بمن اتخذها بالمدينة الشريفة خاصة والقيراط بما عداها وقيل يلتحق بالمدينة في ذلك
سائر المدن والقرى ويختص القيراط بأهل البوادي وهو يلتفت إلى معنى كثرة التأذي وقلته
وكذا من قال يحتمل ان يكون نوعين من الكلاب ففيما لابسه آدمي قيراطان وفيما دونه قيراط
وجوز ابن عبد البر أن يكون القيراط الذي ينقص أجرا حسانه إليه لأنه من جملة ذوات الأكباد
الرطبة أو الحري ولا يخفى بعده واختلف في القيراطين المذكورين هنا هل هما كالقيراطين
المذكورين في الصلاة على الجنازة واتباعها فقيل بالتسوية وقيل اللذان في الجنازة من باب
الفضل واللذان هنا من باب العقوبة وباب الفضل أوسع من غيره والأصح عند الشافعية إباحة
اتخاذ الكلاب لحفظ الدرب الحاقا للمنصوص بما في معناه كما أشار إليه ابن عبد البر واتفقوا
على أن المأذون في اتخاذه ما لم يحصل الاتفاق على قتله وهو الكلب العقور وأما غير العقور فقد
اختلف هل يجوز قتله مطلقا أم لا واستدل به على جوازه تربية الجر والصغير لأجل المنفعة التي يؤل
أمره إليها إذا كبر ويكون القصد لذلك قائما مقام وجود المنفعة به كما يجوز بيع ما لم ينتفع به في
الحال لكونه ينتفع به في المال واستدل به على طهارة الكلب الجائز اتخاذه لان في ملابسته مع
الاحتزاز عنه مشقه شديدة فالاذن في اتخاذه اذن في مكملات مقصوده كما أن المنع من لوازمه
مناسب للمنع منه وهو استدلال قوى لا يعارضه الا عموم الخبر الوارد في الامر من غسل ما ولغ
فيه الكلب من غير تفصيل وتخصيص العموم غير مستنكر إذا سوغه الدليل وفى الحديث الحث
على تكثير الأعمال الصالحة والتحذير من العمل بما ينقصها والتنبيه على أسباب الزيادة فيها
والنقص منها لتجتنب أو ترتكب وبيان لطف الله تعالى بخلقه في إباحة مالهم به نفع وتبليغ نبيهم
صلى الله عليه وسلم لهم أمور معاشهم ومعادهم وفيه ترجيح المصلحة الراجحة على المفسدة لوقوع
استثناء ما ينتفع به مما حرم اتخاذه (قوله عن يزيد بن خصيفة) بالمعجمة ثم المهملة ثم الفاء مصغر
والسائب بن يزيد صحابي صغير مشهور ورجال الاسناد كلهم مدنيون بالأصالة إلا شيخ البخاري
وقد أقام بالمدينة مدة وفيه رواية صحابي عن صحابي (قوله من أزد شنوءة) بفتح المعجمة وضم النون
بعدها واو ساكنة ثم همزة مفتوحة وهي قبيلة مشهورة نسبوا إلى شنوءة واسمه الحارث بن كعب
ابن عبد الله بن مالك بن النضر بن الأزد (قوله قلت أنت سمعت هذا) فيه التثبت في الحديث وفي
(قوله أي ورب هذا المسجد) القسم للتوكيد وإن كان السامع مصدقا (قوله باب
استعمال البقر للحراثة) أورد فيه حديث أبي هريرة في قول البقرة لم أخلق لهذا إنما خلقت
للحراثة وسيأتي الكلام عليه في المناقب فإن سياقه هناك أتم من سياقه هنا وفيه سبب قوله صلى
الله عليه وسلم آمنت بذلك وهو حيث تعجب الناس من ذلك ويأتي هناك أيضا الكلام على
اختلافهم في قوله يوم السبع وهل هي بضم الموحدة أو إسكانها وما معناها قال بن بطال في هذا
الحديث حجة على من منع أكل الخيل مستدلا بقوله تعالى لتركبوها فإنه لو كان ذلك دالا على منع
أكلها لدل هذا الخبر على منع أكل البقر لقوله في هذا الحديث إنما خلقت للحرث وقد اتفقوا
على جواز أكلها فدل على أن المراد بالعموم المستفاد من جهة الامتنان في قوله لتركبوها
والمستفاد من صيغة إنما في قوله إنما خلقت للحرث عموم مخصوص (قوله باب
إذا قال اكفني مؤنة النخل وغيره) أي كالعنب (وتشركني في الثمر) أي تكون الثمرة بيننا
6

ويجوز في تشركني فتح أوله وثالثه وضم أوله وكسر ثالثه بخلاف قوله ونشرككم فإنه بفتح أوله
وثالثه حسب (قوله قالت الأنصار) أي حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وسيأتي في
الهبة من حديث أنس قال لما قدم المهاجرون المدينة قاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار
أموالهم ويكفوهم المؤنة والعمل الحديث (قوله النخيل) في رواية الكشميهني النخل والنخيل
جمع نخل كالعبيد جمع عبد وهو جمع نادر (قوله المؤنة) أي العمل في البساتين من سقيها والقيام
عليها قال المهلب إنما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم لا لأنه علم أن الفتوح ستفتح عليهم فكره
ان يخرج شئ من عقار الأنصار عنهم فلما فهم الأنصار ذلك جمعوا بين المصلحتين امتثال ما أمرهم
به وتعجيل مواساة إخوانهم المهاجرين فسألوهم أن يساعدوهم في العمل ويشركوهم في الثمر قال
وهذه هي المساقاة بعينها وتعقبه ابن التين بأن المهاجرين كانوا ملكوا من الأنصار نصيبا من
الأرض والمال باشتراط النبي صلى الله عليه وسلم على الأنصار مواساة المهاجرين ليلة العقبة قال
فليس ذلك من المساقة في شئ وما ادعاه مردود لأنه شئ لم يقم عليه دليلا ولا يلزم من اشتراط
المواساة ثبوت الاشتراك في الأرض ولو ثبت بمجرد ذلك لم يبق لسؤالهم لذلك ورده عليهم معنى
وهذا واضح بحمد الله تعالى (قوله باب قطع الشجر والنخل) أي للحاجة والمصلحة
إذا تعينت طريقا في نكاية العدو ونحو ذلك وخالف في ذلك بعض أهل العلم فقالوا لا يجوز قطع
الشجر المثمر أصلا وحملوا ما ورد من ذلك اما على غير المثمر واما على أن الشجر الذي قطع في قصة بنى
النضير كان في الموضع الذي يقع فيه القتال وهو قول الأوزاعي والليث وأبي ثور (قوله وقال
أنس أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطع) هو طرف من حديث بناء المسجد النبوي وقد
تقدم موصولا في المساجد ويأتي الكلام عليه في أول الهجرة وهو شاهد للجواز لأجل الحاجة
ثم ذكر المصنف حديث بن عمر في تحريق نخل بني النضير وهو شاهد للجواز لأجل نكاية العدو
وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب المغازي بين بدر وأحد وفي كتاب تفسير سورة الحشر
(والبويرة) بضم الموحدة مصغر موضع معروف وسراة بفتح المهملة ومستطير أي منتشر وأورد
القابسي المذكور مخروما بحذف الواو من أوله (قوله باب كذا للجميع
بغير ترجمة وهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله وأورد فيه حديث رافع بن خديج كنا نكري
الأرض بالناحية منها وسيأتي الكلام عليه مستوفى بعد أربعة أبواب وقد استنكر بن بطال
دخوله في هذا الباب قال وسألت المهلب عنه فقال يمكن أن يؤخذ من جهة أنه من اكترى أرضا
ليزرع فيها ويغرس فانقضت المدة فقال له صاحب الأرض اقلع شجرك عن أرضي كان له ذلك
فيدخل بهذه الطريق في إباحة قطع الشجر وقال بن المنير الذي يظهر أن غرضه الإشارة به إلى أن
القطع الجائز هو المسبب للمصلحة نكاية الكفار أو الانتفاع بالخشب أو نحوه والمنكر هو
الذي عن العبث والافساد ووجه أخذه من حديث رافع بن خديج أن الشارع نهى عن
المخاطرة في كراء الأرض إبقاء على منفعتها من الضياع مجانا في عواقب المخاطرة فإذا كان ينهى
عن تضييع منفعتها وهي غير محققة ولا مشخصة فلان ينهى عن تضييع عينها بقطع أشجارها
عبثا أجدر وأولى (قوله نكري) بضم أوله من الرباعي وقوله لسيد الأرض أي مالكها وقوله
بالناحية منها مسمى ذكره على إرادة البعض أو باعتبار الزرع وقوله فمما يصاب ذلك وتسلم الأرض ومما يصاب
7

الأرض ويسلم ذلك وقع في رواية الكشميهني فمهما في الموضعين والأول
أولى ومعناه فكثيرا ما يصاب وقد تقدم توجيهه في الكلام على قوله وكان مما يحرك شفتيه في بدء
الوحي من كلام بن مالك وزاد الكرمائي هنا يحتمل أن تكون مما بمعنى ربما لان حروف الجر
تتناوب ولا سيما من التبعيضية تناسب رب التقليلية وعلى هذا لا يحتاج أن يقال إن لفظ ذلك
من باب وضع المظهر موضع المضمر (قوله فأما الذهب والورق) في رواية الكشميهني والفضة بدل
الورق وقوله فلم يكن يومئذ أي يكرى بهما ولم يرد نفي وجودهما ولم يتعرض في هذه الرواية لحكم
المسألة وسيأتي بيانه بعد عشرة أبواب إن شاء الله تعالى الله عز وجل (قوله باب المزارعة
بالشطر ونحوه) راعي المصنف لفظ الشطر لوروده في الحديث وألحق غيره لتساويهما في المعنى
ولولا مراعاة لفظ الحديث لكان قوله المزارعة بالجزء أخصر وأبين (قوله وقال قيس بن مسلم)
هو الكوفي (عن أبي جعفر) هو محمد بن علي بن الحسين الباقر (قوله ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا
يزرعون على الثلث والربع) والواو عاطفة على الفعل لا على المجرور أي يزرعون على الثلث
ويزرعون على الربع أو الواو بمعنى أو وهذا الأثر وصله عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري قال أخبرنا
قيس بن مسلم به وحكى بن التين أن القابسي أنكر هذا وقال كيف يروي قيس بن مسلم هذا
عن أبي جعفر وقيس كوفي وأبو جعفر مدني ولا يرويه عن أبي جعفر أحد من المدنيين وهو تعجب
من غير عجب وكم من ثقة تفرد بما لم يشاركه فيه ثقة آخر وإذا كان الثقة حافظا لم يضره الانفراد
والواقع أن قيسا لم ينفرد به فقد وافقه غيره في بعض معناه كما سيأتي قريبا ثم حكى بن التين عن
القابسي أغرب من ذلك فقال إنما ذكر البخاري هذه الآثار في هذا الباب ليعلم أنه لم يصح في
المزارعة على الجزء حديث مسند وكأنه غفل عن آخر حديث في الباب وهو حديث بن عمر في ذلك
وهو معتمد من قال بالجواز والحق أن البخاري إنما أراد بسياق هذه الآثار الإشارة إلى أن
الصحابة لم ينقل عنهم خلاف في الجواز خصوصا أهل المدينة فيلزم من يقدم عملهم على الاخبار
المرفوعة أن يقولوا بالجواز على قاعدتهم (قوله وزارع علي وابن مسعود وسعد بن مالك وعمر بن
عبد العزيز والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وآل أبي بكر وآل عمر وآل علي وابن سيرين) أما أثر
على فوصله بن أبي شيبة من طريق عمرو بن صليع عنه أنه لم ير بأسا بالمزارعة على النصف وأما أثر
ابن مسعود وسعد بن مالك وهو سعد بن أبي وقاص فوصلهما بن أبي شيبة أيضا من طريق موسى
ابن طلحة قال كان سعد بن مالك وابن مسعود يزارعان بالثلث والربع ووصله سعيد بن منصور
من هذا الوجه بلفظ أن عثمان بن عفان أقطع خمسة من الصحابة الزبير وسعدا وابن مسعود
وخبابا وأسامة بن زيد قال فرأيت جاري بن مسعود وسعدا يعطيان أرضيهما بالثلث وأما أثر
عمر بن عبد العزيز فوصله بن أبي شيبة من طريق خالد الحذاء أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى
عدى بن أرطاة أن يزارع بالثلث والربع وروينا في الخراج ليحيى بن آدم بإسناده إلى عمر بن
عبد العزيز أنه كتب إلى عامله انظر ما قبلكم من أرض فأعطوها بالمزارعة على النصف وإلا فعلى
الثلث حتى تبلغ العشر فإن لم يزرعها أحد فامنحها وإلا فأنفق عليها من مال المسلمين ولا تبيرن
قبلك أرضا وأما أثر القاسم بن محمد فوصله عبد الرزاق قال سمعت هشاما يحدث أن بن
سيرين أرسله إلى القاسم بن محمد ليسأله عن رجل قال لآخر اعمل في حائطي هذا ولك
8

الثلث والربع قال لا بأس قال فرجعت إلى بن سيرين فأخبرته فقال هذا أحسن ما يصنع في
الأرض وروى النسائي من طريق ابن عون قال كان محمد يعني ابن سيرين يقول الأرض عندي
مثل المال المضاربة فما صلح في المال المضاربة صلح في الأرض وما لم يصلح في المال المضاربة لم يصلح
في الأرض قال وكان لا يرى بأسا أن يدفع أرضه إلى الاكار على أن يعمل فيها بنفسه وولده
وأعوانه وبقره ولا ينفق شيئا وتكون النفقة كلها من رب الأرض وأما أثر عروة وهو بن الزبير
فوصله ابن أبي شيبة أيضا وأما أثر أبي بكر ومن ذكر معهم فروى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق من
طريق أخرى إلى أبي جعفر الباقر أنه سئل عن المزارعة بالثلث والربع فقال إني إن نظرت في آل أبي
بكر وآل عمر وآل على وجدتهم يفعلون ذلك وأما أثر ابن سيرين فتقدم مع القاسم بن محمد وروى
سعيد بن منصور من وجه آخر عنه أنه كان لا يرى بأسا أن يجعل الرجل للرجل طائفة من زرعة أو
حرثه على أن يكفيه مؤنتها والقيام عليها (قوله وقال عبد الرحمن بن الأسود كنت أشارك عبد
الرحمن بن يزيد في الزرع) وصله بن أبي شيبة وزاد فيه وأحمله إلى علقمة والأسود فلو رأيا به
بأسا لنهياني عنه وروى النسائي من طريق أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود قال كان
عماي يزارعان بالثلث والربع وأنا شريكهما وعلقمة والأسود يعلمان فلا يغيران (قوله
وعامل عمر الناس على إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا) وصله
ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد أن عمر أجلى أهل نجران واليهود والنصارى
واشترى بياض أرضهم وكرومهم فعامل عمر الناس إن هم جاءوا بالبقر والحديد من عندهم فلهم
الثلثان ولعمر الثلث وإن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وعاملهم في النخل على أن لهم الخمس
وله الباقي وعاملهم في الكرم على أن لهم الثلث وله الثلثان وهذا مرسل وأخرجه البيهقي من
طريق إسماعيل بن أبي حكيم عن عمر بن عبد العزيز قال لما استخلف عمر أجلى أهل نجران وأهل
فدك وتيماء وأهل خيبر واشترى عقارهم وأموالهم واستعمل يعلى بن منية فأعطى البياض يعني
بياض الأرض على إن كان البذر والبقر والحديد من عمر فلهم الثلث ولعمر الثلثان وأن كان
منهم فلهم الشطر وله الشطر وأعطى النخل والعنب على أن لعمر الثلثين ولهم الثلث وهذا
مرسل أيضا فيتقوى أحدهما بالآخر وقد أخرجه الطحاوي من هذا الوجه بلفظ أن عمر ابن
الخطاب بعث يعلى بن منية إلى اليمن فأمره أن يعطيهم الأرض البيضاء فذكر مثله سواء وكأن
المصنف أبهم المقدار بقوله فلهم كذا لهذا الاختلاف لان غرضه منه أن عمر أجاز المعاملة بالجزء
وقد استشكل هذا الصنيع بأنه يقتضى جواز بيعين في بيعة لان ظاهره وقوع العقد على إحدى
الصورتين من غير تعيين ويحتمل أن يراد بذلك التنويع والتخيير قبل العقد ثم يقع العقد على أحد
الامرين أو أنه كان يرى ذلك جعالة فلا يضره نعم في إيراد المصنف هذا الأثر وغيره في هذه الترجمة
ما يقتضى أنه يرى أن المزارعة والمخابرة بمعنى واحد وهو وجه للشافعية والوجه الآخر أنهما
مختلفا المعنى فالمزارعة العمل في الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من المالك والمخابرة مثلها
لكن البذر من العامل وقد أجازهما أحمد في رواية ومن الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر
والخطابي وقال بن سريج بجواز المزارعة وسكت عن المخابرة وعكسه الجوري من الشافعية وهو
المشهور عن أحمد وقال الباقون لا يجوز واحد منهما وحملوا الآثار الواردة في ذلك على
9

المساقاة وسيأتي (قوله وقال الحسن لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما فينتفعان جميعا فما
خرج فهو بينهما ورأى ذلك الزهري وقال الحسن لا بأس أن يجتنى القطن على النصف) أما قول
الحسن فوصله سعيد بن منصور بنحوه وأما قول الزهري فوصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة بنحوه
قال ابن التين قول الحسن في القطن يوافق قول مالك وأجاز أيضا أن يقول ما جنيت فلك نصفه
ومنعه بعض أصحابه ويمكن أن يكون الحسن أراد أنه جعالة (قوله وقال إبراهيم وابن سيرين
وعطاء والحكم والزهري وقتادة لا بأس أن يعطي الثوب بالثلث أو الربع ونحوه) أي لا بأس ان
يعطى للنساج الغزل ينسجه ويكون ثلث المنسوج له والباقي لمالك الغزل وأطلق الثوب عليه
بطريق المجاز وأما قول إبراهيم فوصله أبو بكر الأثرم من طريق الحكم أنه سأل إبراهيم عن
الحواك يعطي الثوب على الثلث والربع فقال لا بأس بذلك وأما قول ابن سيرين فوصله بن أبي
شيبة من طريق بن عون سألت محمد أهو بن سيرين عن الرجل يدفع إلى النساج الثوب بالثلث
أو الربع أو بما تراضيا عليه فقال لا أعلم به بأسا وأما قول عطاء والحكم فوصلهما بن أبي شيبة
وأما قول الزهري فوصله بن أبي شيبة عن عبد الاعلى عن معمر عنه قال لا بأس أن يدفعه إليه
بالثلث وأما قول قتادة فوصله بن أبي شيبة بلفظ أنه كان لا يرى بأسا أن يدفع الثوب إلى النساج
بالثلث (قوله وقال معمر لا بأس أن تكري الماشية على الثلث أو الربع إلى أجل مسمى) وصله
عبد الرزاق عنه بهذا (قوله عن عبيد الله) هو بن عمر العمري (قوله بشطر ما يخرج منها)
هذا الحديث هو عمدة من أجاز المزارعة والمخابرة لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لذلك واستمراره
على عهد أبي بكر إلى أن أجلاهم عمر كما سيأتي بعد أبواب واستدل به على جواز المساقاة في النخل
والكرم وجميع الشجر الذي من شأنه أن يثمر بجزء معلوم يجعل للعامل من الثمرة وبه قال الجمهور
وخصه الشافعي في الجديد بالنخل والكرم وألحق المقل بالنخل لشبهه به وخصه داود بالنخل وقال
أبو حنيفة وزفر لا يجوز بحال لأنها إجارة بثمرة معدومة أو مجهولة وأجاب من جوزه بأنه عقد على
عمل في المال ببعض نمائه فهو كالمضاربة لان المضارب يعمل في المال بجزء من نمائه وهو معدوم
ومجهول وقد صح عقد الإجارة مع أن المنافع معدومة فكذلك هنا وأيضا فالقياس في إبطال نص
أو اجماع مردود وأجاب بعضهم من قصة خيبر بأنها فتحت صلحا وأقروا على أن الأرض
ملكهم بشرط أن يعطو نصف الثمرة فكان ذلك يؤخذ بحق الجزية فلا يدل على جواز
المساقاة وتعقب بأن معظم خيبر فتح عنوة كما سيأتي في المغازي وبأن كثيرا منها قسم بين الغانمين
كما سيأتي وبأن عمر أجلاهم منها فلو كانت الأرض ملكهم ما أجلاهم عنها واستدل من أجازه في
جميع الثمر بأن في بعض طرق حديث الباب بشطر ما يخرج منها من نخل وشجر وفي رواية حماد
ابن سلمة عن عبيد الله بن عمر في حديث الباب على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل وشجر وهو عند
البيهقي من هذا الوجه واستدل بقوله على شطر ما يخرج منها لجواز المساقاة بجزء معلوم لا مجهول
واستدل به على جواز إخراج البذر من العامل أو المالك لعدم تقييده في الحديث بشئ من ذلك
واحتج من منع بأن العامل حينئذ كأنه باع البذر من صاحب الأرض بمجهول من الطعام نسيئة
وهو لا يجوز وأجاب من أجازه بأنه مستثنى من النهي عن بيع الطعام بالطعام نسيئة جمعا بين
الحديثين وهو أولى من إلغاء أحدهما (قوله فكان يعطي أزواجه مائة وسق ثمانون وسق
10

تمر وعشرون وسق شعير) كذا للأكثر بالرفع على القطع والتقدير منها ثمانون ومنها عشرون
وللكشميهني ثمانين وعشرين على البدل وإنما كان عمر يعطيهن ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم
قال ما تركت بعد نفقة نسائي فهو صدقة وسيأتي في بابه قوله وقسم عمر أي خيبر صرح
بذلك أحمد في روايته عن بن نمير عن عبيد الله بن عمر وسيأتي بعد أبواب من طريق موسى بن عقبة
عن نافع عن بن عمر أن عمر أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وسيأتي ذكر السبب في ذلك في
كتاب الشروط إن شاء الله تعالى (قوله باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة)
ذكر فيه حديث بن عمر المذكور في الباب قبله من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله مختصرا
وقد سبق ما فيه قال بن التين قوله إذا لم يشترط السنين ليس بواضح من الخبر الذي ساقه كذا قال
ووجه ما ترجم به الإشارة إلى أنه لم يقع في شئ من طرق هذا الحديث مقيد بسنين معلومة وقد
ترجم له بعد أبواب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أجلا معلوما فهما على
تراضيهما وساق الحديث وفيه قوله صلى الله عليه وسلم نقركم ما شئنا وهو ظاهر فيما ترجم له وفيه
دليل على جواز دفع النخل مساقاة والأرض مزارعة من غير ذكر سنين معلومة فيكون للمالك
أن يخرج العامل متى شاء وقد أجاز ذلك من أجاز المخابرة والمزارعة وقال أبو ثور إذا أطلقا
على سنة واحدة وعن مالك إذا قال ساقيتك كل سنة بكذا جاز ولو لم يذكر أمدا وحمل قصة خيبر
على ذلك واتفقوا على أن الكرى لا يجوز الا بأجل معلوم وهو من العقود اللازمة (قوله
باب) كذا للجميع بغير ترجمة وهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله وقد أورد فيه
حديث بن عباس في جواز أخذ أجرة الأرض ووجه دخوله في الباب الذي قبله أنه لما جازت
المزارعة على أن للعامل جزءا معلوما فجواز أخذ الأجرة المعينة عليها من باب الأولى (قوله
حدثنا سفيان قال عمرو) هو بن دينار وفي رواية الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة
وغيره عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار (قوله لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عنه) أما المخابرة فتقدم تفسيرها قبل بباب وإدخال البخاري هذا الحديث في هذا
الباب مشعر بأنه ممن يرى أن المزارعة والمخابرة بمعنى وقد رواه الترمذي من وجه آخر عن عمرو بن
دينار بلفظ لو تركت المزارعة ويقوى ذلك قول بن الأعرابي اللغوي أن أصل المخابرة معاملة
أهل خيبر فاستعمل ذلك حتى صار إذا قيل خابرهم عرف أنه عاملهم نظير معاملة أهل خيبر وأما
قول عمرو بن دينار لطاوس يزعمون فكأنه أشار بذلك إلى حديث رافع بن خديج في ذلك
وقد روى مسلم والنسائي من طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار وقال كان طاوس يكره أن
يؤجر أرضه بالذهب والفضة ولا يرى بالثلث والربع بأسا فقال له مجاهد اذهب إلى بن رافع بن
خديج فأسمع حديثه عن أبيه فقال لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه لم أفعله
ولكن حدثني من هو أعلم منه بن عباس فذكره وللنسائي أيضا من طريق عبد الكريم عن
مجاهد قال أخذت بيد طاوس فأدخلته إلى ابن رافع بن خديج فحدثه عن أبيه أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عن كراء الأرض فأبى طاوس وقال سمعت بن عباس لا يرى بذلك بأسا وأما قوله
لو تركت المخابرة فجواب لو محذوف أو هي للتمني (قوله وأعينهم) كذا للأكثر بالعين المهملة
المكسورة من الإعانة وللكشميهني وأغنيهم بالغين المعجمة من الغني والأول هو
11

الصواب وكذا ثبت في رواية بن ماجة وغيره من هذا الوجه (قوله وأن أعلمهم أخبرني يعني
ابن عباس) سيأتي بعد أبواب من طريق سفيان وهو الثوري عن عمرو بن دينار عن طاوس
قال قال بن عباس وكذلك أخرجه أبو داود من هذا الوجه (قوله لم ينه عنه) أي عن إعطاء
الأرض بجزء مما يخرج منها ولم يرد بن عباس بذلك نفي الرواية المثبتة للنهي مطلقا وإنما أراد أن
النهى الوارد عنه ليس على حقيقته وانما هو على الأولوية وقيل المراد أنه لم ينه عن العقد الصحيح
وانما نهى عن الشرط الفاسد لكن قد وقع في رواية الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم
المزارعة وهي تقوى ما أولته (قوله أن يمنح) بفتح الهمزة والحاء على أنها تعليلية وبكسر الهمزة
وسكون الحاء على أنها شرطية والأول أشهر وقوله خرجا أي أجرة زاد بن ماجة والإسماعيلي
من هذا الوجه عن طاوس وأن معاذ بن جبل أقر الناس عليها عندنا يعني باليمن وكأن البخاري
حذف هذه الجملة الأخيرة لما فيها من الانقطاع بين طاوس ومعاذ وسيأتي بقية الكلام على هذا
الحديث بعد سبعة أبواب إن شاء الله تعالى (قوله باب المزارعة مع اليهود) أورد
فيه حديث بن عمر المذكور قبل بباب وعبد الله المذكور في الاسناد هو بن المبارك وعبيد الله
بالتصغير هو بن عمر العمري وقد تقدم ما فيه وأراد بهذا الإشارة إلى أنه لا فرق في جواز هذه
المعاملة بين المسلمين وأهل الذمة قوله باب ما يكره من الشروط في المزارعة
أورد فيه حديث رافع بن خديج وسيأتي البحث فيه بعد خمسة أبواب وأشار بهذه الترجمة إلى
حمل النهي في حديث رافع على ما إذا تضمن العقد شرطا فيه جهالة أو يؤدي إلى غرر وقوله فيه
حقلا هو بفتح المهملة وسكون القاف وأصل الحقل القراح الطيب وقيل الزرع إذا تشعب
ورقه من قبل أن يغلظ سوقة ثم أطلق على الزرع واشتق منه المحاقلة فأطلق على المزارعة وقوله
ذه بكسر المعجمة وسكون الهاء إشارة إلى القطعة (قوله باب إذا زرع بمال قوم
بغير إذنهم وكان في ذلك صلاح لهم) أي لمن يكون الزرع أورد فيه حديث الثلاثة الذين انطبق
عليهم الغار وسيأتي القول في شرحه في أحاديث الأنبياء والمقصود منه هنا قول أحد الثلاثة
فعرضت عليه أي على الأجير حقه فرغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا ورعاتها فإن
الظاهر أنه عين له أجرته فلما تركها بعد أن تعينت له ثم تصرف فيها المستأجر بعينها صارت من
ضمانه قال بن المنير مطابقة الترجمة أنه قد عين له حقه ومكنه منه فبرئت ذمته بذلك فلما تركه
وضع المستأجر يده عليه وضعا مستأنفا ثم تصرف فيه بطريق الاصلاح لا بطريق التضييع
فاغتفر ذلك ولم يعد تعديا ولذلك توسل به إلى الله عز وجل وجعله من أفضل أعماله وأقر على ذلك
12

ووقعت له الإجابة ومع ذلك فلو هلك الفرق لكان ضامنا له إذ لم يؤذن له في التصرف فيه فمقصود
الترجمة إنما هو خلاص الزارع من المعصية بهذا القصد ولا يلزم من ذلك رفع الضمان ويحتمل
أن يقال إن توسله بذلك إنما كان لكونه أعطى الحق الذي عليه مضاعفا لا بتصرفه كما أن
الجلوس بين رجلي المرأة معصية لكن التوسل لم يكن إلا بترك الزنا والمسامحة بالمال ونحوه وقد
تقدم شئ من هذا في أواخر البيوع في ترجمة من اشترى لغيره بغير إذنه فرضي وقوله في هذه
الرواية فرق أرز تقدم في البيوع بلفظ فرق من ذرة فيجمع بينهما بأن الفرق كان من الصنفين
وانهما لما كانا حبين متقاربين أطلق أحدهما على الآخر والأول أقرب وقوله فأبت حتى آتيها
بمائة دينار في رواية الكشميهني فأبت على (قوله فبغيت) بالموحدة ثم المعجمة أي طلب وأكثر
ما يستعمل في الشر وقوله فوجدتهما ناما في رواية الكشميهني نائمين وقوله ورعاتها في رواية
الكشميهني وراعيها على الافراد (تنبيه) وقع في كلام الأول اللهم إنه والثاني اللهم أنها
والثالث إني وهو من التفنن والهاء في الأول ضمير الشأن وفي الثاني للقصة وناسب ذلك أن القصة
في امرأة (قوله وقال إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن نافع فسعيت) يعني أن إسماعيل المذكور
رواه عن نافع كما رواه عمه موسى بن عقبة إلا أنه خالفه في هذه اللفظة وهي قوله فبغيت فقالها
فسعيت بالسين والعين المهملتين وهذا التعليق عن إسماعيل هذا وصله المؤلف في كتاب الأدب
في باب إجابة دعاء من بر والديه وفيه هذه اللفظة قال الجياني وقع في رواية لأبي ذر وقال إسماعيل
عن ابن عقبة وهو وهم والصواب إسماعيل بن عقبة وهو ابن إبراهيم بن عقبة بن أخي موسى
(قوله باب أوقاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأرض الخراج ومزارعتهم
ومعاملتهم) ذكر فيه طرفا من حديث عمر في وقف أرض خيبر وذكر قول عمر لولا آخر المسلمين
ما فتحت قرية إلا قسمتها وأخذ المصنف صدر الترجمة من الحديث الأول ظاهر ويؤخذ أيضا
من الحديث الثاني لان بقية الكلام محذوف تقديره لكن النظر لآخر المسلمين يقتضي
لا أقسمها بل أجعلها وقفا على المسلمين وقد صنع ذلك عمر في أرض السواد وأما قوله وأرض
الخراج الخ فيؤخذ من الحديث الثاني فإن عمر لما وقف السواد ضرب على من به من أهل
الذمة الخراج فزارعهم وعاملهم فبهذا يظهر مراده من هذه الترجمة ودخولها في أبواب
المزارعة وقال بن بطال معنى هذه الترجمة أن الصحابة كانوا يزارعون أوقاف النبي صلى الله
عليه وسلم بعد وفاته على ما كان عامل عليه يهود خيبر وقوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر
الخ قال بن التين ذكر الداودي أن هذا اللفظ غير محفوظ وإنما أمره أن يتصدق بثمره ويوقف
أصله (قلت) وهذا الذي رده هو معنى ما ذكره البخاري وقد وصل البخاري اللفظ الذي علقه هنا
في كتاب الوصايا من طريق صخر بن جويرية عن نافع عن بن عمر قال تصدق عمر بمال له فذكر
الحديث وفيه تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره (قوله أخبرنا عبد
الرحمن) هو بن المهدي (قوله عن مالك) وقع للإسماعيلي من طريق عن عبد الرحمن بن مهدي
حدثنا مالك (قوله قال عمر) في رواية عبد الله بن إدريس عن مالك عند الإسماعيلي سمعت عمر
يقول (قوله ما فتحت) بضم الفاء على البناء للمجهول وقرية بالرفع وبفتح الفاء ونصب قرية على
المفعولية (قوله الا قسمتها) زاد بن إدريس في روايته ما افتتح المسلمون قرية من قرى الكفار
13

الا قسمتها سهمانا قوله كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر زاد ابن إدريس في روايته لكن
أردت أن تكون جزية تجري عليهم وسيأتي الكلام على هذه اللفظة في غزوة خيبر من كتاب
المغازي وروى البيهقي من وجه آخر عن بن وهب عن مالك في هذه القصة سبب قول عمر هذا
ولفظه لما فتح عمر الشام قام إليه بلال فقال لتقسمنها أو لنضار بن عليها بالسيف فقال عمر فذكره
قال بن التين تأول عمر قول الله تعالى والذين جاءوا من بعدهم فرأى أن للآخرين أسوة بالأولين
فخشى لو قسم ما يفتح أن تكمل الفتوح فلا يبقى لمن يجئ بعد ذلك حظ في الخراج فرأى أن توقف
الأرض المفتوحة عنوة ويضرب عليها خراجا يدوم نفعه للمسلمين وقد اختلف نظر العلماء في
قسمة الأرض المفتوحة عنوة على قولين شهيرين كذا قال وفي المسألة أقوال أشهرها ثلاثة فعن
مالك تصير وقفا بنفس الفتح وعن أبي حنيفة والثوري يتخير الامام بين قسمتها ووقفيتها وعن
الشافعي يلزمه قسمتها إلا أن يرضى بوقفيتها من غنمها وسيأتي بقية الكلام عليه في أواخر الجهاد
إن شاء الله تعالى (قوله باب من أحيا أرضا مواتا) بفتح الميم والواو الخفيفة قال
القزاز الموات الأرض التي لم تعمر شبهت العمارة بالحياة وتعطيلها بفقد الحياة واحياء الموات
ان يعمد الشخص لأرض لا يعلم تقدم ملك عليها لاحد فيحيها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء
فتصير بذلك ملكه سواء كانت فيما قرب من العمران أم بعد سواء أذن له الامام في ذلك أم لم
يأذن وهذا قول الجمهور وعن أبي حنيفة لا بد من إذن الإمام مطلقا وعن مالك فيما قرب وضابط
القرب ما بأهل العمران إليه حاجة من رعي ونحوه واحتج الطحاوي للجمهور مع حديث الباب
بالقياس على ماء البحر والنهر وما يصاد من طير وحيوان فإنهم اتفقوا على أن من أخذه أو صاده
يملكه سواء قرب أم بعد سواء أذن الامام أو لم يأذن (قوله ورأى علي ذلك في أرض الخراب
بالكوفة) كذا وقع للأكثر وفي رواية النسفي في أرض الكوفة مواتا (قوله وقال عمر من أحيا
أرضا ميتة فهي له) وصله مالك في الموطأ عن بن شهاب عن سالم عن أبيه مثله وروينا في الخراج
ليحيى بن آدم سبب ذلك فقال حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال كان الناس
يتحجرون يعني الأرض على عهد عمر فقال من أحيا أرضا فهي له قال يحيى كأنه لم يجعلها له بمجرد
التحجير حتى يحييها قوله ويروي عن عمر بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم أي مثل حديث
عمر هذا (قوله وقال فيه في غير حق مسلم وليس لعرق ظالم حق) وصله إسحاق ابن راهويه قال أخبرنا
أبو عامر العقدي عن كثير ابن عبد الله بن عمرو بن عوف حدثني أبي أن أباه حدثه أنه سمع النبي صلى
الله عليه وسلم يقول من أحيا أرضا مواتا من غير أن يكون فيها حق مسلم فهي له وليس لعرق ظالم
حق وهو عند الطبراني ثم البيهقي وكثير هذا ضعيف وليس لجده عمرو بن عوف في البخاري سوى
هذا الحديث وهو غير عمرو بن عوف الأنصاري البدري الآتي حديثه في الجزية وغيرها وليس
له أيضا عنده غيره ووقع في بعض الروايات وقال عمر وابن عوف على أن الواو عاطفة وعمر بضم
العين وهو تصحيف وشرحه الكرماني ثم قال فعلى هذا يكون ذكر عمر مكررا وأجاب بأن فيه فوائد
كونه تعليقا بالجزم والآخر بالتمريض وكونه بزيادة والآخر بدونها وكونه مرفوعا والأول
موقوف ثم قال والصحيح أنه عمرو بفتح العين (قلت) فضاع ما تكلفه من التوجيه ولحديث عمرو
ابن عوف المعلق شاهد قوي أخرجه أبو داود من حديث سعيد بن زيد وله من طريق بن إسحاق
14

عن يحيى بن عروة عن أبيه مثله مرسلا وزاد قال عروة فلقد خبرني الذي حدثني بهذا الحديث
ان رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى
لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها وفي الباب عن عائشة أخرجه
أبو داود الطيالسي وعن سمرة عند أبي داود والبيهقي وعن عبادة وعبد الله بن عمرو عند الطبراني
وعن أبي أسيد عند يحيى بن آدم في كتاب الخراج وفي أسانيدها مقال لكن يتقوى بعضها ببعض
(قوله لعرق ظالم) في رواية الأكثر بتنوين عرق وظالم نعت له وهو راجع إلى صاحب العرق أي
ليس لذي عرق ظالم أو إلى العرق أي ليس لعرق ذي ظلم ويروي بالإضافة ويكون الظالم صاحب
العرق فيكون المراد بالعرق الأرض وبالأول جزم مالك والشافعي والأزهري وابن فارس وغيرهم
وبالغ الخطابي فغلط رواية الإضافة قال ربيعة العرق الظالم يكون ظاهرا ويكون باطنا
فالباطن ما احتفره الرجل من الآبار أو استخرجه من المعادن والظاهر ما بناه أو غرسه وقال غيره
الظالم من غرس أو زرع أو بني أو حفر في أرض غيره بغير حق ولا شبهة (قوله ويروي فيه) أي
في الباب أو الحكم (عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وصله أحمد قال حدثنا عباد بن عباد
حدثنا هشام عن عروة عن وهب بن كيسان عن جابر فذكره ولفظ من أحيا أرضا ميتة فله فيها
أجر وما أكلت العوافي منها فهو له صدقة وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن هشام بلفظ من
أحيا أرضا ميتة فهي له وصححه وقد اختلف فيه على هشام فرواه عنه عباد هكذا ورواه يحيى
القطان وأبو ضمرة وغيرهما عنه عن أبي رافع عن جابر ورواه أيوب عن هشام عن أبيه عن
سعيد بن زيد ورواه عبد الله بن إدريس عن هشام عن أبيه مرسلا واختلف فيه على عروة فرواه
أيوب عن هشام موصولا وخالفه أبو الأسود فقال عن عروة عن عائشة كما في هذا الباب ورواه
يحيى بن عروة عن أبيه مرسلا كما ذكرته من سنن أبي داود ولعل هذا هو السر في ترك جزم
البخاري به (تنبيه) استنبط بن حبان من هذه الزيادة التي في حديث جابر وهي قوله فله فيها
أجر أن الذمي لا يملك الموات بالاحياء واحتج بأن الكافر لا أجر له وتعقبه المحب الطبري بأن الكافر
إذا تصدق يثاب عليه في الدنيا كما ورد به الحديث فيحمل الاجر في حقه على ثواب الدنيا وفي حق
المسلم على ما هو أعم من ذلك وما قاله محتمل إلا أن الذي قاله بن حبان أسعد بظاهر الحديث
ولا يتبادر إلى الفهم من إطلاق الاجر إلا الأخروي (قوله عن عبيد الله بن أبي جعفر) هو
المصري ومحمد بن عبد الرحمن شيخه هو أبو الأسود يتيم عروة ونصف الاسناد الاعلى
مدنيون ونصفه الآخر مصريون (قوله من أعمر) بفتح الهمزة والميم من الرباعي قال عياض كذا
وقع والصواب عمر ثلاثيا قال الله تعالى وعمروها أكثر مما عمروها إلا أن يريد أنه جعل فيها عمارا
قال ابن بطال ويمكن أن يكون أصله من اعتمر أرضا أي اتخذها وسقطت التاء من الأصل وقال
غيره قد سمع فيه الرباعي يقال أعمر الله بك منزلك فالمراد من أعمر أرضا بالاحياء فهو أحق به من
غيره وحذف متعلق أحق للعلم به ووقع في رواية أبي ذر من أعمر بضم الهمزة أي أعمره غيره وكأن
المراد بالغير الامام وذكره الحميدي في جمعه بلفظ من عمر من الثلاثي وكذا هو عند الإسماعيلي
من وجه آخر عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه (قوله فهو أحق) زاد الإسماعيلي فهو أحق بها أي
من غيره (قوله قال عروة) هو موصول بالاسناد المذكور إلى عروة ولكن عروة عن عمر مرسلا لأنه
15

ولد في آخر خلافة عمر قاله خليفة وهو قضية قول بن أبي خيثمة أنه كان يوم الجمل بن ثلاث عشرة
سنة لان الجمل كان سنة ست وثلاثين وقتل عمر كان سنة ثلاث وعشرين وروى أبو أسامة عن
هشام بن عروة عن أبيه قال رددت يوم الجمل استصغرت (قوله قضى به عمر في خلافته) قد تقدم في
أول الباب موصولا إلى عمر وروينا في كتاب الخراج ليحيى بن آدم من طريق محمد بن عبيد الله الثقفي
قال كتب عمر بن الخطاب من أحيا مواتا من الأرض فهو أحق به وروى من وجه آخر عن عمرو
ابن شعيب أو غيره أن عمر قال من عطل أرضا ثلاث سنين لم يعمرها فجاء غيره فعمرها فهي له
وكأن مراده بالتعطيل أن يتحجرها ولا يحوطها ببناء ولا غيره وأخرج الطحاوي الطريق الأولى
أتم منه بالسند إلى الثقفي المذكور قال خرج رجل من أهل البصرة يقال له أبو عبد الله إلى عمر
فقال أن بأرض البصرة أرضا لا تضر بأحد من المسلمين وليست بأرض خراج فإن شئت أن
تقطعنيها أتخذها قضبا وزيتونا فكتب عمر إلى أبي موسى أن كانت كذلك فأقطعها إياه (قوله
باب كذا فيه بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله وقد أورد فيه حديث بن
عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم أرى وهو في معرسه بذي الحليفة انك ببطحاء مباركة وحديث عمر
مرفوعا أتاني آت من ربي أن صل في هذا الوادي المبارك وقد تقدم الكلام على هذين الحديثين
في الحج مستوفى ولكن أشكل تعلقهما بالترجمة فقال المهلب حاول البخاري جعل موضع
معرس النبي صلى الله عليه وسلم موقوفا أو متملكا له لصلاته فيه ونزوله به وذلك لا يقوم على ساق
لأنه قد ينزل في غير ملكه ويصلي فيه فلا يصير بذلك ملكه كما صلى في دار عتبان بن مالك وغيره
وأجاب بن بطال بأن البخاري أراد أن المعرس نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بنزوله فيه ولم
يرد انه يصير بذلك ملكه ونفى بن المنير وغيره أن يكون البخاري أراد ما ادعاه المهلب وإنما أراد
التنبيه على أن البطحاء التي وقع فيها التعريس والامر بالصلاة فيها لا تدخل في الموات الذي يحيا
ويملك إذ لم يقع فيها تحويط ونحوه من وجوه الاحياء أو أراد أنها تلحق بحكم الاحياء لما ثبت لها
من خصوصية التصرف فيها بذلك فصارت كأنها أرصدت للمسلمين كمنى مثلا فليس لأحد أن
يبنى فيها ويتحجرها لتعلق حق المسلمين بها عموما (قلت) وحاصله أن الوادي المذكور وأن كان من
جنس الموات لكن مكان التعريس منه مستثنى لكونه من الحقوق العامة فلا يصح احتجاره لاحد
ولو عمل فيه بشروط الاحياء ولا يختص ذلك بالبقعة التي نزل بها النبي صلى الله عليه وسلم بل كل
ما وجد من ذلك فهو في معناه (تنبيه) المعرس بمهملات وفتح الراء موضع التعريس وهو نزول
آخر الليل للراحة (قوله باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أجلا
معلوما فهما على تراضيهما) أورد فيه حديث بن عمر في معاملة يهود خيبر أورده موصولا من
طريق الفضيل بن سليمان ومعلقا من طريق بن جريج كلاهما عن موسى بن عقبة وساقه على لفظ
الرواية المعلقة وقد وصل مسلم طريق بن جريج وأخرجها أحمد عن عبد الرزاق عنه بتمامها وسيأتي
لفظ فضيل بن سليمان في كتاب الخمس (قوله أن عمر أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز)
سيأتي سبب ذلك موصولا في كتاب الشروط قال الهروي جلى القوم عن مواطنهم وأجلى
بمعنى واحد والاسم الجلاء والاجلاء وأرض الحجاز هي ما يفصل بين نجد وتهامة قال الواقدي
ما بين وجرة وغمس الطائف نجد وما كان وراء وجرة إلى البحر تهامة ووقع هنا للكرمائي
16

تفسير الحجاز بما فسروا به جزيرة العرب الآتي في باب هل يستشفع بأهل الذمة في كتاب الجهاد
وهو خطأ (قوله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) هو موصول لابن عمر (قوله وكانت
الأرض لما ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين) في رواية فضيل بن سليمان الآتية وكانت الأرض
لما ظهر عليها لليهود وللرسول وللمسلمين قال المهلب يجمع بين الروايتين بأن تحمل رواية بن جريج
على الحال التي آل إليها الامر بعد الصلح ورواية فضيل على الحال التي كانت قبله وذلك أن
خيبر فتح بعضها صلحا وبعضها عنوة فالذي فتح عنوة كان جميعه لله ولرسوله وللمسلمين والذي فتح
صلحا كان لليهود ثم صار للمسلمين بعقد الصلح وسيأتي بيان ذلك في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى
وقوله في رواية بن جريج ليقرهم بها أن يكفوا عملها وقع عند أحمد عن عبد الرزاق أن يقرهم
بها على أن يكفوا وهو أوضح ونحوه رواية ابن سليمان الآتية وقوله فيها فقروا بفتح القاف أي
سكنوا وتيماء بفتح المثناة وسكون التحتانية والمد وأريحاء بفتح الهمزة وكسر الراء بعدها تحتانية
ساكنة ثم مهملة وبالمد أيضا هما موضعان مشهوران بقرب بلاد طئ على البحر في أول طريق
الشام من المدينة وقد ذكر البلاذري في الفتوح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غلب على وادي
القرى بلغ ذلك أهل تيماء فصالحوه على الجزية وأقرهم ببلدهم (قوله باب ما كان من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضا في الزراعة والثمر) المراد بالمواساة المشاركة في
المال بغير مقابل (قوله أخبرنا عبد الله) هو بن المبارك (قوله عن أبي النجاشي) بفتح النون
وتخفيف الجيم وبعد الألف معجمة ثم ياء ثقيلة تابعي ثقة اسمه عطاء بن صهيب وقد روى الأوزاعي
أيضا في ثاني أحاديث الباب معنى الحديث عن عطاء عن جابر وهو عطاء بن أبي رباح فكان
الحديث عنده عن كل منهما بسنده ووقع في رواية بن ماجة من وجه آخر إلى الأوزاعي حدثني أبو
النجاشي وقوله سمعت رافع بن خديج أخرجه البيهقي من وجه آخر عن الأوزاعي حدثني أبو
النجاشي قال صحبت رافع بن خديج ست سنين وروى عكرمة بن عمار هذا الحديث عن أبي
النجاشي عن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل عن عمه ظهير ذكر مسلم وسيأتي من
رواية حنظلة بن قيس عن رافع حدثني عماي وهو مما يقوي رواية الأوزاعي (قوله عن عمه
ظهير) بالظاء المعجمة مصغرا (قوله لقد نهانا) قد ذكر في آخر الحديث صيغة النهي وهي قوله
لا تفعلوا وبها يعرف المراد بالامر الرافق وقوله رافقا أي ذا رفق (قوله بمحاقلكم) أي بمزارعكم
والحقل الزرع وقيل ما دام أخضر والمحاقلة المزارعة بجزء مما يخرج وقيل هو بيع الزرع
بالحنطة وقيل غير ذلك كما تقدم (قوله على الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة وهي موافقة
للرواية الأخيرة وهي قوله على الأربعاء فإن الأربعاء جمع ربيع وهو النهر الصغير وفي رواية
المستملى الربيع بالتصغير ووقع الكشميهني على الربع بضمتين وهي موافقة لحديث جابر
المذكور بعد لكن المشهور في حديث رفع الأول والمعنى أنهم كانوا يكرون الأرض ويشترطون
لأنفسهم ما ينبت على الأنهار (قوله وعلى الأوسق) الواو بمعنى أو (قوله ازرعوها أو ازرعوها)
الأول بكسر الألف وهي ألف وصل والراء مفتوحة والثاني بألف قطع والراء مكسورة وأو للتخيير
لا للشك والمراد ازرعوها أنتم أو أعطوها لغيركم يزرعها بغير أجرة وهو الموافق لقوله في حديث
17

جابر أو ليمنحها (أو أمسكوها) أي اتركوها معطلة وقوله سمعا وطاعة بالنصب ويجوز الرفع وقوله
أو اتركوها أي بغير زرع وسيأتي البحث في ذلك في هذا الباب تنبيه وقع للإسماعيلي عن
جابر إيراد حديث ظهير بن رافع في آخر الباب الذي قبله ثم اعترض بأنه لا يدخل في هذا الباب
والذي وقع عند الجمهور إيراده في هذا الباب (قوله عن عطاء) في رواية بن ماجة من وجه آخر عن
الأوزاعي حدثني عطاء سمعت جابرا (قوله كانوا) أي الصحابة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم
(قوله بالثلث والربع والنصف) الواو في الموضعين بمعنى أو أشار إليه التيمي وقد تقدم له توجيه
آخر في باب المزارعة بالشطر (قوله وليمنحها) أي يجعلها منيحة أي عطية والنون في يمنحها
مفتوحة ويجوز كسرها وقد رواه مسلم من طريق مطر الوراق عن عطاء عن جابر بلفظ أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض ومن وجه آخر عن مطر بلفظ من كانت له أرض
فليزرعها فإن عجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها ورواية الأوزاعي التي اقتصر عليها
المصنف مفسرة للمراد لذكرها للسبب الحامل على النهي (قوله فإن لم يفعل فليمسك أرضه) أي
فلا يمنحها ولا يكريها وقد استشكل بأن في إمساكها بغير زراعة تضييعا لمنفعتها فيكون من
إضاعة المال وقد ثبت النهي عنها وأجيب بحمل النهي عن إضاعة عين المال أو منفعة
لا تخلف لان الأرض إذا تركت بغير زرع لم تتعطل منفعتها فإنها قد تنبت من الكلأ والحطب
والحشيش ما ينفع في الرعي وغيره وعلى تقدير أن لا يحصل ذلك فقد يكون تأخير الزرع عن
الأرض اصلاحا لها فتخلف في السنة التي تليها ما لعله فات في سنة الترك وهذا كله أن حمل النهى
عن الكراء على عمومه فأما لو حمد الكراء على ما كان مألوفا لهم من الكراء بجزء مما يخرج منها
ولا سيما إذا كان غير معلوم فلا يستلزم ذلك تعطيل الانتفاع بها في الزراعة بل يكريها بالذهب
أو الفضة كما تقرر ذلك والله أعلم (قوله الربيع ابن نافع أبو توبة) بفتح المثناة وسكون الواو
بعدها موحدة هو الحلبي ثقة ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الطلاق وقد وصل
مسلم حديث الباب عن الحسن بن علي الحلواني عن أبي توبة وشيخه معاوية هو بن سلام بتشديد
اللام ويحيى هو بن أبي كثير وقد اختلف عليه في إسناده وكذا على شيخه أبي سلمة وقد أطنب
النسائي في جمع طرقه (قوله عن عمرو) هو بن دينار (قوله ذكرته) أي حديث رافع بن خديج
(لطاوس) أي كما تقدم وقد مضى شرحه بعد أبواب وقوله لم ينه عنه أي لم يحرمه وبها صرح
الترمذي في روايته وقوله إن يمنح بكسر الهمزة من إن على أنها شرطية ولغير أبي ذر بفتحها وهو
المشهور وفي رواية الترمذي ولكن أراد أن يرفق بعضهم ببعض (قوله أن بن عمر كان يكري) بضم
أوله من الرباعي يقال أكرى أرضه يكريها (قوله وصدرا من إمارة معاوية) أي خلافته وإنما لم
يذكر ابن عمر خلافة علي لأنه لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه كما هو مشهور في صحيح الاخبار
وكان رأى أنه لا يبايع لمن لم يجتمع عليه الناس ولهذا لم يبايع أيضا لابن الزبير ولا لعبد الملك في
حال اختلافهما وبايع ليزيد بن معاوية ثم لعبد الملك بن مروان بعد قتل بن الزبير ولعل في تلك
المدة أعني مدة خلافة علي لم يؤاجر أرضه فلم يذكرها لذلك وزاد مسلم في روايته حتى إذا كان في
آخر خلافة معاوية وكان آخر خلافة معاوية في سنة ستين من الهجرة ووقع في رواية أحمد
عن إسماعيل عن أيوب بهذا الاسناد نحو هذا السياق وزاد فيه فتركها بن عمر وكان لا يكريها
18

فإذا سئل يقول زعم رافع بن خديج فذكره قوله ثم حدث عن رافع بضم أوله على ما لم يسم فاعله
للأكثر وللكشميهني بفتح أوله وحذف عن ولابن ماجة عن نافع عن بن عمر أنه كان يكري أرضه
فأتاه إنسان فأخبره عن رافع فذكره وزاد وقد استظهر البخاري لحديث رافع بحديث جابر وأبي
هريرة رادا على من زعم أن حديث رافع فرد وأنه مضطرب وأشار إلى صحة الطريقين عنه حيث
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إلى أن
روايته بغير واسطة مقتصرة على النهي عن كراء الأرض وروايته عن عمه مفسرة للمراد وهو
ما بينه بن عباس في روايته من إرادة الرفق والتفضيل وأن النهي عن ذلك ليس للتحريم وسأذكر
مزيدا لذلك في الباب الذي بعده قوله قد كنت أعلم أن الأرض تكري ثم خشي عبد الله هكذا
أورده مختصرا وقد أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق شعيب بن الليث عن أبيه مطولا
وأوله أن عبد الله كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج ينهى عن كراء الأرض فلقيه
فقال يا بن خديج ما هذا قال سمعت عمي وكانا قد شهدا بدرا يحدثان أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم نهى عن كراء الأرض فقال عبد الله قد كنت أعلم فذكره قوله باب كراء
الأرض بالذهب والفضة كأنه أراد بهذه الترجمة الإشارة إلى أن النهي الوارد عن كراء الأرض
محمول على ما إذا أكريت بشئ مجهول وهو قول الجمهور أو بشئ مما يخرج منها ولو كان معلوما
وليس المراد النهي عن كرائها بالذهب أو الفضة وبالغ ربيعة فقال لا يجوز كراؤها إلا بالذهب
أو الفضة وخالف في ذلك طاوس وطائفة قليلة فقالوا لا يجوز كراء الأرض مطلقا وذهب إليه بن
حزم وقواه واحتج له بالأحاديث المطلقة في ذلك وحديث الباب دال على ما ذهب إليه الجمهور
وقد أطلق بن المنذر أن الصحابة أجمعوا على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة ونقل بن بطال
اتفاق فقهاء الأمصار عليه وقد روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص قال كان أصحاب المزارع
يكرونها بما يكون على المساقي من الزرع فاختصموا في ذلك فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يكروا بذلك وقال أكروا بالذهب والفضة ورجاله ثقات إلا أن محمد بن عكرمة المخزومي لم يرو
عنه الا إبراهيم بن سعد وأما ما رواه الترمذي من طريق مجاهد عن رافع بن خديج في النهي
عن كراء الأرض ببعض خراجها أو بدراهم فقد أعله النسائي بأن مجاهدا لم يسمعه من رافع
قلت ورواية أبو بكر بن عياش في حفظه مقال وقد رواه أبو عوانة وهو أحفظ منه عن شيخه
فيه فلم يذكر الدراهم وقد روى مسلم من طريق سليمان بن يسار عن رافع بن خديج في حديثه
ولم يكن يومئذ ذهب ولا فضة قوله وقال بن عباس الخ وصله الثوري في جامعه قال أخبرني
عبد الكريم هو الجزري عن سعيد بن جبير عنه ولفظه أن أمثل ما أنتم صانعون أن تستأجروا
الأرض البيضاء ليس فيها شجر يعني من السنة إلى السنة وإسناده صحيح وأخرجه البيهقي من
طريق عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان به قوله عن حنظلة في رواية الأوزاعي عن مسلم
عن ربيعة حدثني حنظلة لكن ليس عنده ذكر عمي رافع وفي الاسناد تابعي عن مثله وصحابي عن
مثله قوله حدثني عماي هما ظهير بن رافع وقد تقدم حديثه في الباب قبله والآخر قال
الكلاباذي لم أقف على اسمه وذكر غيره أن اسمه مظهر وهو بضم الميم وفتح الظاء وتشديد الهاء
المكسورة وضبطه عبد الغني وابن مأكولا هكذا زعم بعض من صنف في المبهمات ورأيت في
19

الصحابة لأبي القاسم البغوي ولأبي علي بن السكن من طريق سعيد بن أبي عروبة عن يعلى بن
حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج أن بعض عمومته قال سعيد زعم قتادة أن اسمه
مهير فذكر الحديث فهذا أولى أن يعتمد وهو بوزن أخيه ظهير كلاهما بالتصغير قوله يستثنيه
من الاستثناء كأنه يشير إلى استثناء الثلث أو الربع ليوافق الرواية الأخرى قوله فقال رافع ليس بها بأس بالدينار والدرهم يحتمل أن يكون ذلك قاله رافع باجتهاده ويحتمل أن يكون
علم ذلك بطريق التنصيص على جوازه أو علم أن النهي عن كراء الأرض ليس على إطلاقه بل بما
إذا كان بشئ مجهول ونحو ذلك فاستنبط من ذلك جواز الكراء بالذهب والفضة ويرجح كونه
مرفوعا ما أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح من طريق سعيد بن المسيب عن رافع ابن خديج
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة رجل له
أرض ورجل منح أرضا ورجل اكترى أرضا بذهب أو فضة لكن بين النسائي من وجه آخر أن
المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرج من كلام سعيد بن المسيب وقد رواه
مالك في الموطأ والشافعي عنه عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب (قوله وقال الليث وكان الذي
نهى من ذلك) كذا للأكثر عن الليث وهو موصول بالاسناد الأول إلى الليث ووقع عند أبي
ذر هنا قال أبو عبد الله يعني المصنف من ههنا قال الليث أراه وسقط هذا النقل عن الليث عند
النسفي وابن شبويه وكذا وقع في مصابيح البغوي فصار مدرجا عندهما في نفس الحديث والمعتمد
في ذلك على رواية الأكثر ولم يذكر النسفي ولا الإسماعيلي في روايتهما لهذا الحديث من طريق
الليث هذه الزيادة وقد قال التوربشتي شارح المصابيح لم يظهر لي هل هذه الزيادة من قول بعض
الرواة أو من قول البخاري وقال البيضاوي الظاهر أنها من كلام رافع اه وقد تبين برواية
أكثر الطرق في البخاري أنها من كلام الليث وقوله ذوو الفهم في رواية النسفي وابن شبويه
ذو الفهم بلفظ المفرد لإرادة الجنس وقالا لم يجزء وقوله المخاطرة أي الاشراف على الهلاك
وكلام الليث هذا موافق لما عليه الجمهور من حمل النهي عن كراء الأرض على الوجه المفضي
إلى الغرر والجهالة لا عن كرائها مطلقا حتى بالذهب والفضة ثم اختلف الجمهور في جواز كرائها
بجزء مما يخرج منها فمن قال بالجواز حمل أحاديث النهي على التنزيه وعليه يدل قول بن عباس
الماضي في الباب الذي قبله حيث قال ولكن أراد أن يرفق بعضهم ببعض ومن لم يجز اجارتها بجزء
مما يخرج منها قال النهي عن كرائها محمول على ما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها أو شرط
ما ينبت على النهر لصاحب الأرض لما في كل ذلك من الغرر والجهالة وقال مالك النهي محمول
على ما إذا وقع كراؤها بالطعام أو التمر لئلا يصير من بيع الطعام بالطعام قال بن المنذر ينبغي أن
يحمل ما قاله مالك على ما إذا كان المكرى به من الطعام جزءا مما يخرج منها فأما إذا اكتراها
بطعام معلوم في ذمة المكترى أو بطعام حاضر يقبضه المالك فلا مانع من الجواز والله أعلم
(قوله باب) كذا للجميع بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله ولم يذكر ابن
بطال لفظ باب وكأن مناسبته له من قول الرجل فإنهم أصحاب زرع قال بن المنير وجهه أنه نبه به
على أن أحاديث النهي عن كراء الأرض إنما هي على التنزيه لا على الايجاب لان العادة فيما
يحرص عليه بن آدم أنه يحب استمرار الانتفاع به وبقاء حرص هذا الرجل على الزرع حتى في
20

الجنة دليل على أنه مات على ذلك ولو كان يعتقد تحريم كراء الأرض لفطم نفسه عن الحرص عليها
حتى لا يثبت هذا القدر في ذهنه هذا الثبوت (قوله عن هلال بن علي) هو المعروف بابن أسامة
والاسناد العالي كلهم مدنيون إلا شيخ البخاري وقد ساقه على لفظ الاسناد الثاني وساقه في كتاب
التوحيد على لفظ محمد بن سنان (قوله وعنده رجل من أهل البادية) لم أقف على اسمه (قوله
استأذن ربه في الزرع) أي في أن يباشر الزراعة (قوله فقال له ألست فيما شئت) في رواية محمد بن
سنان أو لست بزيادة واو (قوله فبذر) أي ألقى البذر فنبت في الحال وفي السياق حذف تقديره
فاذن له فبذر فبادر في رواية محمد بن سنان فأسرع فتبادر (قوله الطرف) بفتح الطاء وسكون
الراء امتداد لحظ الانسان إلى أقصى ما يراه ويطلق أيضا على حركة جفن العين وكأنه المراد هنا
(قوله واستحصاده) زاد في التوحيد وتكويره أي جمعه وأصل الكور الجماعة الكثيرة من
الإبل والمراد أنه لما بذر لم يكن بين ذلك وبين استواء الزرع ونجاز أمره كله من القلع والحصد
والتذرية والجمع والتكويم إلا قدر لمحة البصر وقوله دونك بالنصب على الاغراء أي خذه
(قوله لا يشبعك شئ) في رواية محمد بن سنان لا يسعك بفتح أوله والمهملة وضم العين وهو متحد
المعنى (قوله فقال الأعرابي) بفتح الهمزة أي ذلك الرجل الذي من أهل البادية وفي هذا
الحديث من الفوائد أن كل ما أشتهي في الجنة من أمور الدنيا ممكن فيها قاله المهلب وفيه وصف
الناس بغالب عاداتهم قاله بن بطال وفيه أن النفوس جبلت على الاستكثار من الدنيا وفيه
إشارة إلى فضل القناعة وذم الشره وفيه الاخبار عن الامر المحقق الآتي بلفظ الماضي
(قوله باب ما جاء في الغرس) ذكر فيه حديث سهل بن سعد أن كنا لنفرح بيوم الجمعة
الحديث وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجمعة وغرضه منه هنا قوله كنا نغرسه في أربعائنا
وقد تقدم تفسير الأربعاء والسلق بكسر السين وقوله لا أعلم إلا أنه قال ليس فيه شحم ولا ودك
الودك بفتحتين دسم اللحم وهو من قول يعقوب وحديث أبي هريرة يقولون إن أبا هريرة يكثر
أي رواية الحديث (قوله والله الموعد) بفتح الميم وفيه حذف تقديره وعند الله الموعد لان
الموعد إما مصدر وإما ظرف زمان أو ظرف مكان وكل ذلك لا يخبر به عن الله تعالى ومراده أن
الله تعالى يحاسبني إن تعمدت كذبا ويحاسب من ظن بي ظن السوء وقد تقدم الكلام على بقية
الحديث مستوفى في كتاب العلم ويأتي منه شئ في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى وغرضه منه هنا
قوله وأن اخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم فإن المراد بالعمل الشغل في الأراضي
بالزراعة والغرس والله أعلم (خاتمة) اشتمل كتاب المزارعة وما أضيف إليه من أحياء الموات
وغيره من الأحاديث المرفوعة على أربعين حديثا المعلق منها تسعة والبقية موصولة المكرر منها
21

فيه وفيما مضى اثنان وعشرون حديثا والخالص ثمانية عشر حديثا وافقه مسلم على جميعها
سوى حديث أبي أمامة في آلة الحرث وحديث أبي هريرة في سؤال الأنصار القسمة وحديث عمر
لولا آخر المسلمين وحديث عمرو بن عوف وجابر وعائشة في إحياء الموات وحديث أبي هريرة أن
رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين تسعة وثلاثون
أثرا والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله بسم الله الرحمن الرحيم في الشرب وقول الله عز وجل
وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون وقوله جل ذكره أفرأيتم الماء الذي تشربون إلى قوله فلولا
تشكرون) كذا لأبي ذر وزاد غيره في أوله كتاب المساقاة ولا وجه له فإن التراجم التي فيه غالبها
يتعلق باحياء الموات ووقع في شرح بن بطال كتاب المياه وأثبت النسفي باب خاصة وساق عن أبي
ذر الآيتين والشرب بكسر المعجمة والمراد به الحكم في قسمة الماء قاله عياض وقال ضبطه
الأصيلي بالضم والأول أولى وقال بن المنير من ضبطه بالضم أراد المصدر وقال غيره المصدر مثلث
وقرئ فشاربون شرب الهيم مثلثا والشرب في الأصل بالكسر النصيب والحظ من الماء تقول كم
شرب أرضكم وفي المثل آخرها شربا أقلها شربا قال بن بطال معنى قوله وجعلنا من الماء كل
شئ حي أراد الحيوان الذي يعيش بالماء وقيل أراد بالماء النطفة ومن قرأ وجعلنا من الماء كل شئ
حيا دخل فيه الجماد أيضا لان حياتها هو خضرتها وهي لا تكون إلا بالماء (قلت) وهذا المعنى أيضا
يخرج من القراءة المشهورة ويخرج من تفسير قتادة حيث قال كل شئ حي فمن الماء خلق أخرجه
الطبري عنه وروى بن أبي حاتم عن أبي العالية أن المراد بالماء النطفة وروى أحمد من طريق
أبى ميمونة عن أبي هريرة وقلت يا رسول الله أخبرني عن كل شئ قال كل شئ خلق من الماء إسناده
صحيح (قوله أجاجا منصبا) هو في رواية المستملي وحده وهو تفسير بن عباس ومجاهد وقتادة
أخرجه الطبري عنهم (قوله المزن السحاب) هو تفسير مجاهد وقتادة أخرجه الطبري عنهما
وقال غيرهما المزن السحاب الأبيض واحدة مزنة (قوله والأجاج المر) هو تفسير أبي عبيدة في
معاني القرآن وأخرجه بن أبي حاتم عن قتادة مثله وقيل هو الشديد الملوحة أو المرارة وقيل
المالح وقيل الحار حكاه بن فارس (قوله فراتا عذبا) هو في رواية المستملي وحده وهو منتزع من
قوله تعالى في السورة الأخرى هذا عذب فرات وروى بن أبي حاتم عن السد قال العذب
الفرات الحلو (قوله باب من رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة مقسوما
كان أو غير مقسوم) كذا لأبي ذر وللنسفي ومن رأى الخ جعله من الباب الذي قبله ولغيرهما
باب في الشرب ومن رأى وأراد المصنف بالترجمة الرد على من قال إن الماء لا يملك (قوله وقال
عثمان أي بن عفان (قال النبي صلى الله عليه وسلم من يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها كدلاء
المسلمين) سقط هذا التعليق من رواية النسفي وقد وصله الترمذي والنسائي وابن خزيمة من طريق
ثمامة بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي القشيري قال شهدت الدار حيث أشرف عليهم عثمان
فقال أنشدكم بالله والاسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء
يستعذب غير بئر رومة فقال من يشتري بئر رومة يجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين بخير له منها في
الجنة فاشتريتها من صلب ما لي قالوا اللهم نعم الحديث بطوله وقد أخرجه المصنف في كتاب الوقف
بغير هذا السياق وليس فيه ذكر الدلو والذي ذكره هنا مطابق للترجمة ويأتي الكلام على شرحه
22

هناك إن شاء الله تعالى قال ابن بطال في حديث عثمان أنه يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه إذا شرط
ذلك قال فلو حبس بئرا على من يشرب منها فله أن يشرب منها وإن لم يشترط ذلك لأنه داخل في جملة
من يشرب ثم فرق بفرق غير قوي وسيأتي البحث في هذه المسألة في باب هل ينتفع الواقف بوقفه
في كتاب الوقف إن شاء الله تعالى ثم ذكر المصنف في الباب حديثي سهل وأنس في شرب النبي صلى
الله عليه وسلم وتقديمه الأيمن فالأيمن وسيأتي الكلام عليهما في كتاب الأشربة ومناسبتهما لما
ترجم له من جهة مشروعية قسمة الماء لان اختصاص الذي على اليمن بالبداءة به دال على ذلك
وقال ابن المنير مراده أن الماء يملك ولهذا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم بعض الشركاء فيه
ورتب قسمته يمنة ويسرة ولو كان باقيا على إباحته لم يدخله ملك لكن حديث سهل ليس فيه
بيان أن القدح كان فيه ماء بل جاء مفسرا في كتاب الأشربة بأنه كان لبنا والجواب أنه أورده
ليبين أن الامر جرى في قسمة الماء الذي شيب به اللبن كما جاء في حديث أنس مجرى اللبن
الخالص الذي في حديث سهل فدل على أنه لا فرق في ذلك بين اللبن والماء فيحصل به الرد على
من قال إن الماء لا يملك وقوله في حديث سهل حدثنا أبو غسان هو محمد بن مطرف المدني
والاسناد مصريون إلا شيخه وقوله وعن يمينه غلام هو الفضل بن عباس حكاه بن بطال
وقيل أخوه عبد الله حكاه ابن التين وهو الصواب كما سيأتي وقوله في حديث أنس
وعن يمينه أعرابي قيل إن الأعرابي خالد بن الوليد حكاه ابن التين وتعقب بأن مثله لا يقال له
اعرابي وكأن الحامل له على ذلك أنه رأى في حديث ابن عباس الذي أخرجه الترمذي قال
دخلت أنا وخالد بن الوليد على ميمونة فجاءتنا بإناء من لبن فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنا على يمينه وخالد على شماله فقال لي الشربة لك فإن شئت آثرت بها خالدا فقلت ما كنت
أوثر على سؤرك أحدا فظن أن القصة واحدة وليس كذلك فإن هذه القصة في بيت
ميمونة وقصة أنس في دار أنس فافترقا نعم يصلح أن يعد خالد من الأشياخ المذكورين في حديث
سهل بن سعد والغلام هو ابن عباس ويقويه قوله في حديث سهل أيضا ما كنت أوثر بفضلي منك
أحدا ولم يقع ذلك في حديث أنس وليس في حديث ابن عباس ما يمنع أن يكون مع خالد بن الوليد
في بيت ميمونة غيره بل قد روى بن أبي حازم عن أبيه في حديث سهل بن سعد ذكر أبي بكر الصديق
فيمن كان على يساره صلى الله عليه وسلم ذكره ابن عبد البر وخطأه قال بن الجوزي إنما استأذن
الغلام ولم يستأذن الأعرابي لان الأعرابي لم يكن له علم بالشريعة فاستألفه بترك استئذانه
بخلاف الغلام (قوله في حديث أنس فقال عمر أعط أبا بكر) كذا لجميع أصحاب الزهري وشذ
معمر فيما رواه وهيب عنه فقال عبد الرحمن بن عوف بدل عمر أخرجه الإسماعيلي والأول هو
الصحيح ومعمر لما حدث بالبصرة حدث من حفظه فوهم في أشياء فكان هذا منها ويحتمل أن يكون
محفوظا بأن يكون كل من عمر وعبد الرحمن قال ذلك لتوفير دواعي الصحابة على تعظيم أبي بكر
(تنبيه) ألحق بعضهم بتقديم الأيمن في المشروب تقديمه في المأكول ونسب لمالك وقال ابن
عبد البر لا يصح عنه (قوله باب) من قال إن صاحب الماء أحق الماء حتى
يروى قال ابن بطال لا خلاف بين العلماء أن صاحب الماء أحق بمائه حتى يروي قلت وما نفاه
23

من الخلاف هو على القول بأن الماء يملك وكأن الذين ذهبوا إلى أنه يملك وهم الجمهور هم الذين
لا خلاف عندهم في ذلك (قوله لا يمنع) بضم أوله على البناء للمجهول وبالرفع على أنه خبر
والمراد به مع ذلك النهي وذكر عياض أنه في رواية أبي ذر بالجزم بلفظ النهي وكأن السر في إيراد
البخاري الطريق الثانية كونها وردت بصريح النهي وهو لا تمنعوا والمراد بالفضل ما زاد على
الحاجة ولأحمد من طريق عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة لا يمنع فضل ماء بعد أن يستغنى عنه
وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة وكذلك في الموات إذا كان بقصد
التملك والصحيح عند الشافعية ونص عليه في القديم وحرملة أن الحافر يملك ماءها وأما البئر المحفورة
في الموات لقصد الارتفاق لا التملك فإن الحافر لا يملك ماءها بل يكون أحق به إلى أن يرتحل وفى
الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته والمراد حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته هذا
هو الصحيح عند الشافعية وخص المالكية هذا الحكم بالموات وقالوا في البئر التي في الملك لا يجب
عليه بذل فضلها وأما الماء المحرز في الاناء فلا يجب بذل فضله لغير المضطر على الصحيح (قوله فضل
الماء فيه جواز بيع الماء لان المنهي عنه منع الفضل لا منع الأصل وفيه أن محل النهي ما إذا لم
يجد المأمور بالبذل له ماء غيره والمراد تمكين أصحاب الماشية من الماء ولم يقل أحد إنه يجب
على صاحب الماء مباشرة سقي ماشية غيره مع قدرة المالك (قوله ليمنع به الكلأ) بفتح الكاف
واللام بعدها همزة مقصور هو النبات رطبه ويابسه والمعنى أن يكون حول البئر كلا ليس عنده
ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا تمكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرروا
بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعي وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور
وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية ويلتحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب لانهم إذا
منعوا من الشرب امتنعوا من الرعي هناك ويحتمل أن يقال يمكنهم حمل الماء لأنفسهم لقلة
ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم والصحيح الأول ويلتحق بذلك الزرع عند مالك والصحيح عند
الشافعية وبه قال الحنفية الاختصاص بالماشية وفرق الشافعي فيما حكاه المزني عنه بين المواشي
والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع وبهذا أجاب النووي
وغيره واستدل لمالك بحديث جابر عند مسلم نهى عن بيع فضل الماء لكنه مطلق فيحمل على
المقيد في حديث أبي هريرة وعلى هذا لو لم يكن هناك كلا يرعى فلا مانع من المنع لانتفاء العلة
قال الخطابي والنهي عند الجمهور للتنزيه فيحتاج إلى دليل يوجب صرفه عن ظاهره وظاهر
الحديث أيضا وجوب بذله مجانا وبه قال الجمهور وقيل لصاحبه طلب القيمة من المحتاج إليه كما في
اطعام المضطر وتعقب بأنه يلزم منه جواز المنع حالة امتناع المحتاج من بذل القيمة ورد بمنع
الملازمة فيجوز أن يقال يجب عليه البذل وتترتب له القيمة في ذمة المبذول له حتى يكون له أخذ
القيمة منه متى أمكن ذلك نعم في رواية لمسلم من طريق هلال بن أبي ميمونة عن أبي سلمة عن أبي
هريرة لا يباع فضل الماء فلو وجب له العوض لجاز له البيع والله أعلم واستدل بن حبيب من
المالكية على أن البئر إذا كانت بين مالكين فيها ماء فاستغنى أحدهما في نوبته كان للآخر أن
يسقى منها لانماء فضل عن حاجة صاحبه وعموم الحديث يشهد له وأن خالفه الجمهور واستدل به
بعض المالكية للقول بسد الذرائع لأنه نهى عن منع الماء لئلا يتذرع به إلى منع الكلأ لكن
24

ورد التصريح في بعض طرق حديث الباب بالنهي عن منع الكلأ صححه ابن حبان من رواية
أبي سعيد مولى بني غفار عن أبي هريرة بلفظ لا تمنعوا فضل الماء ولا تمنعوا الكلأ فيهزل المال
وتجوع العيال والمراد بالكلأ هنا النابت في الموات فإن الناس فيه سواء وروى ابن ماجة من
طريق سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا ثلاثة لا يمنعن الماء والكلا
والنار وإسناده صحيح قال الخطابي معناه الكلأ ينبت في موات الأرض والماء الذي يجري في
المواضع التي لا تختص بأحد قيل والمراد بالنار الحجارة التي تورى النار وقال غيره المراد النار
حقيقة والمعنى لا يمنع من يستصبح منها مصباحا أو يدني منها ما يشعله منها وقيل المراد ما إذا أضرم
نارا في حطب مباح بالصحراء فليس به منع من ينتفع بها بخلاف ما إذا أضرم في حطب يملكه نارا فله
المنع (قوله باب من حفر بئرا في ملكه لم يضمن) ذكر فيه حديث أبي هريرة البئر
جبار بضم الجيم وتخفيف الموحدة أي هدر قال ابن المنير الحديث مطلق والترجمة مقيدة بالملك
وهى إحدى صور المطلق وأقعدها سقوط الضمان لأنه إذا لم يضمن إذا حفر في غير ملكه فالذي
يحفر في ملكه أحرى بعدم الضمان اه وإلى التفرقة بين الحفر في ملكه وغيره ذهب الجمهور
وخالف الكوفيون وسيأتي تفصيل ذلك مع بقية شرح الحديث في كتاب الديات إن شاء الله
تعالى ومحمود شيخه في هذا الحديث هو بن غيلان أو عبيد الله شيخ محمود هو ابن موسى وهو من
شيوخ البخاري وربما أخرج عنه بواسطة كهذا (قوله باب الخصومة في البئر
والقضاء فيها) ذكر فيه حديث الأشعث كانت لي بئر في أرض ابن عم لي يعني فتخاصمنا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم أورده مختصرا وسيأتي بتمامه في التفسير وفي الايمان والنذور وغير موضع
واسم ابن عمه معدان بن الأسود بن معد يكرب الكندي ولقبه الجفشيش بوزن فعليل مفتوح
الأول واختلف في ضبط هذا الأول على ثلاثة أقوال أشهرها بالجيم والشين معجمة في الموضعين
وقوله في الحديث كانت لي بئر في أرض زعم الإسماعيلي أن أبا حمزة تفرد بذكر البئر عن الأعمش قال
ولا أعلم فيمن رواه عن الأعمش إلا قال في أرض قال والأكثرون أولى بالحفظ من أبي حمزة اه
وذكر البئر ثابت عند البخاري في غير رواية أبي حمزة كما سيأتي مع بقية الكلام على الحديث في
كتاب الايمان والنذور ونذكر في التفسير الخلاف في سبب نزول الآية المذكورة إن شاء الله
تعالى وقوله شهودك أو يمينه بالنصب (3) فيهما أي أحضر شهودك أو أطلب يمينه وقوله إذن يحلف
بالنصب قال السهيلي لا غير وحكى ابن خروف جواز الرفع في مثل هذا (قوله باب) اثم من منع ابن السبيل من الماء) أي الفاضل عن حاجته ويدل عليه قوله في حديث الباب رجل
كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل قال بن بطال فيه دلالة على أن صاحب البئر أولى
من ابن السبيل عند الحاجة فإذا أخذ حاجته لم يجز له منع بن السبيل اه‍ وقد ترجم المصنف
بذلك بعد أربعة أبواب من رأى أن صاحب الحوض أحق بمائه ويأتي الكلام على شرح هذا
الحديث في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وقوله في هذه الرواية ورجل بايع إمامه في رواية
25

الكشميهني إماما (قوله باب سكر الأنهار) السكر بفتح المهملة سكون الكاف
السد والغلق مصدر سكرت النهر إذا سددته وقال ابن دريد أصله من سكرت الريح إذا سكن
هبوبها (قوله عن عروة) سيأتي بعد باب من رواية ابن جريج عن ابن شهاب عن عروة أنه حدثه
(قوله عن عبد الله بن الزبير أنه حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير) هذا هو المشهور من
رواية الليث بن سعد عن ابن شهاب وقد رواه ابن وهب عن الليث ويونس جميعا عن ابن يونس جميعا عن ابن شهاب
أن عروة حدثه عن أخيه عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام أخرجه النسائي وابن الجارود
والإسماعيلي وكأن ابن وهب حمل رواية الليث على رواية يونس وإلا فرواية الليث ليس فيها ذكر
الزبير والله أعلم وأخرجه المصنف في الصلح من طريق شعيب عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير
عن الزبير بغير ذكر عبد الله وقد أخرجه المصنف في الباب الذي يليه من طريق معمر عن ابن
شهاب عن عروة مرسلا وأعاده في التفسير من وجه آخر عن معمر وكذا أخرجه الطبري من
طريق عبد الرحمن بن إسحاق حدثنا ابن شهاب وأخرجه المصنف بعد باب من رواية ابن جريج
كذلك بالارسال لكن أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن جريج كرواية شعيب التي
ليس فيها عن عبد الله وذكر الدارقطني في العلل أن ابن أبي عتيق وعمر بن سعد وافقا شعيبا وابن
جريج على قولهما عروة عن الزبير قال وكذلك قال أحمد ابن صالح وحرملة عن ابن وهب قال
وكذلك قال شبيب بن سعيد عن يونس قال وهو المحفوظ (قلت) وإنما صححه البخاري مع هذا
الاختلاف اعتمادا على صحة سماع عروة من أبيه وعلى صحة سماع عبد الله بن الزبير من النبي
صلى الله عليه وسلم فكيف ما دار فهو على ثقة ثم الحديث ورد في شئ يتعلق بالزبير فداعية ولده
متوفرة على ضبطه وقد وافقه مسلم على تصحيح طريق الليث التي ليس فيها ذكر الزبير وزعم
الحميدي في جمعه أن الشيخين أخرجاه من طريق عروة عن أخيه عبد الله عن أبيه وليس كما قال
فإنه بهذا السياق في رواية يونس المذكورة ولم يخرجها من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي
وأشار إليها الترمذي خاصة وقد جاءت هذه القصة من وجه آخر أخرجها الطبري والطبراني
من حديث أم سلمة وهي عند الزهري أيضا من مرسل سعيد بن المسيب كما سيأتي بيانه (قوله
أن رجلا من الأنصار) زاد في رواية شعيب قد شهد بدرا وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن
الزهري عند الطبري في هذا الحديث أنه من بني أمية بن زيد وهم بطن من الأوس ووقع في رواية
يزيد بن خالد عن الليث عن الزهري عند ابن المقري في معجمه في هذا الحديث أن اسمه حميد قال أبو
موسى المديني في ذيل الصحابة لهذا الحديث طرق لا أعلم في شئ منها ذكر حميد إلا في هذه الطريق
اه‍ وليس في البدريين من الأنصار من اسمه حميد وحكى بن بشكوال في مبهماته عن شيخه أبى
الحسن بن مغيث أنه ثابت بن قيس بن شماس قال ولم يأت على ذلك بشاهد (قلت) وليس ثابت بدريا
وحكى الواحدي أنه ثعلبة بن حاطب الأنصاري الذي نزل فيه قوله تعالى ومنهم من عاهد الله ولم يذكر
مستنده وليس بدريا أيضا نعم ذكر ابن إسحاق في البدريين ثعلبة بن حاطب وهو من بني أمية بن زيد
وهو عندي غير الذي قبله لان هذا ذكر بن الكلبي أنه استشهد بأحد وذاك عاش إلى خلافة عثمان
وحكى الواحدي أيضا وشيخه الثعلبي والمهدوي أنه حاطب بن أبي بلتعة وتعقب بأن حاطبا وإن كان
بدريا لكنه من المهاجرين لكن مستند ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن
26

عبد العزيز عن الزهري عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك
فيما شجر بينهم الآية قال نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة اختصما في ماء الحديث
واسناده قوي مع إرساله فإن كان سعيد بن المسيب سمعه من الزبير فيكون موصولا وعلى هذا
فيؤول قوله من الأنصار على إرادة المعنى الأعم كما وقع ذلك في حق غير واحد كعبد الله بن حذافة
وأما قول الكرماني بأن حاطبا كان حليفا للأنصار ففيه نظر وأما قوله من بني أمية بن زيد فلعله
كان مسكنه هناك كعمر كما تقدم في العلم وذكر الثعلبي بغير سند أن الزبير وحاطبا لما خرجا مرا
بالمقداد قال لمن كان القضاء فقال حاطب قضى لابن عمته ولوى شدقه ففطن له يهودي فقال قاتل
الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ويتهمونه وفي صحة هذا نظر ويترشح بأن حاطبا كان حليفا
لآل الزبير بن العوام من بني أسد وكأنه كان مجاورا للزبير والله أعلم وأما قول الداودي وأبى
اسحق الزجاج وغيرهما أن خصم الزبير كان منافقا فقد وجهه القرطبي بأن قول من قال إنه كان
من الأنصار يعني نسبا لا دينا قال وهذا هو الظاهر من حاله ويحتمل أنه لم يكن منافقا ولكن أصدر
ذلك منه بادرة النفس كما وقع لغيره ممن صحت توبته وقوى هذا شارح المصابيح التوربشتي ووهى
ما عداه وقال لم تجر عادة السلف بوصف المنافقين بصفة النصرة التي هي المدح ولو شاركهم في
النسب قال بل هي زلة من الشيطان تمكن به منها عند الغضب وليس ذلك بمستنكر من غير
المعصوم في تلك الحالة اه وقد قال الداودي بعد جزمه بأنه كان منافقا وقيل كان بدريا فان
صح فقد وقع ذلك قبل شهودها لانتفاء النفاق عمن شهدها اه وقد عرفت أنه لا ملازمة
بين صدور هذه القضية منه وبين النفاق وقال بن التين أن كان بدريا فمعنى قوله لا يؤمنون
لا يستكملون الايمان والله أعلم قوله خاصم الزبير في رواية معمر خاصم الزبير رجلا
والمخاصمة مفاعلة من الجانبين فكل منهما مخاصم للآخر قوله في شراج الحرة بكسر المعجمة
وبالجيم جمع شرج بفتح أوله وسكون الراء مثل بحر وبحار ويجمع على شروج أيضا وحكى ابن
دريد شرج بفتح الراء وحكى القرطبي شرجة والمراد بها هنا مسيل الماء وإنما أضيفت إلى الحرة
لكونها فيها والحرة موضع معروف بالمدينة تقدم ذكرها وهي في خمسة مواضع المشهور منها
اثنتان حرة وأقم وحرة ليلى وقال الداودي هو نهر عند الحرة بالمدينة فأغرب وليس بالمدينة نهر
قال أبو عبيد كان بالمدينة واديان يسيلان بماء المطر فيتنافس الناس فيه فقضى رسول الله صلى
الله عليه وسلم للأعلى فالأعلى قوله التي يسقون بها النخيل في رواية شعيب كانا يسقيان بها
كلاهما قوله فقال الأنصاري يعني للزبير سرح فعل أمر من التسريح أي أطلقه وإنما قال له
ذلك لأن الماء كان يمر بأرض الزبير قبل أرض الأنصاري فيحبسه لاكمال سقي أرضه ثم يرسله إلى
أرض جاره فالتمس منه الأنصاري تعجيل ذلك فامتنع قوله اسق يا زبير بهمزة وصل من الثلاثي
وحكى بن التين أنه بهمزة قطع من الرباعي تقول سقى وأسقى زاد بن جريج في روايته كما سيأتي بعد
باب فأمره بالمعروف وهي جملة معترضة من كلام الراوي وقد أوضحه شعيب في روايته حيث قال
في آخره وكان قد أشار على الزبير برأي فيه سعة له وللأنصاري وضبطه الكرماني فأمره هنا بكسر
الميم وتشديد الراء على أنه فعل أمر من الامرار وهو محتمل قوله أن كان ابن عمتك بفتح همزة
أن وهى للتعليل كأنه قال حكمت له بالتقديم لأجل أنه ابن عمتك وكانت أم الزبير صفية بنت عبد
27

المطلب وقال البيضاوي يحذف حرف الجر من أن كثيرا تخفيفا والتقدير لان كان أو بأن كان
ونحوه أن كان ذا مال وبنين أي لا تطعه لأجل ذلك وحكى القرطبي تبعا لعياض أن همزة أن ممدودة
قال لأنه استفهام على جهة إنكار قلت ولم يقع لنا في الرواية مد لكن يجوز حذف همزة
الاستفهام وحكى الكرماني إن كان بكسر الهمزة على أنها شرطية والجواب محذوف ولا أعرف
هذه الرواية نعم وقع في رواية عبد الرحمن بن إسحاق فقال اعدل يا رسول الله وإن كان ابن عمتك
والظاهر أن هذه بالكسر وابن بالنصب على الخبرية ووقع في رواية معمر في الباب الذي يليه أنه
ابن عمتك قال ابن مالك يجوز في أنه بفتح الهمزة وكسرها لأنها وقعت بعد كلام تام معلل بمضمون
ما صدر بها فإذا كسرت قدر ما قبلها بالفاء وإذا فتحت قدر ما قبلها اللام وبعضهم يقدر بعد
الكلام المصدر بالمكسورة مثل ما قبلها مقرونا بالفاء فيقول في قوله مثلا اضربه انه مسئ
اضربه انه مسئ فاضربه ومن شواهده ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ولم يقرأ هنا إلا بالكسر
وان جاز الفتح في العربية وقد ثبت الوجهان في قوله تعالى إنا كنا من قبل ندعوه أنه هو البر الرحيم
قرأ نافع والكسائي أنه بالفتح والباقون بالكسر قوله فتلون أي تغير وهو كناية عن الغضب زاد
عبد الرحمن بن إسحاق في روايته حتى عرفنا أن قد ساءه ما قال قوله حتى يرجع إلى الجدر أي يصير
إليه والجدر بفتح الجيم وسكون الدال المهملة هو المسناة وهو ما وضع بين شربات النخل كالجدار
وقيل المراد الحواجز التي تحبس الماء وجزم به السهيلي ويروي الجدر بضم الدال حكاه أبو موسى
وهو جمع جدار وقال ابن التين ضبط في أكثر الروايات بفتح الدال وفي بعضها بالسكون وهو
الذي في اللغة وهو أصل الحائط وقال القرطبي لم يقع في الرواية إلا بالسكون والمعنى أن يصل الماء
إلى أصول النخل قال ويروي بكسر الجيم وهو الجدار والمراد به جدران الشربات التي في أصول
النخل فإنها ترفع حتى تصير تشبه الجدار والشربات بمعجمة وفتحات هي الحفر التي تحفر في أصول
النخل وحكى الخطابي الجذر بسكون الذال المعجمة وهو جذر الحساب والمعنى حتى يبلغ تمام
الشرب قال الكرماني المراد بقوله أمسك أي أمسك نفسك عن السقي ولو كان المراد أمسك الماء
لقال بعد ذلك أرسل الماء إلى جارك قلت قد قالها في هذا الباب كما سيأتي في رواية معمر في
التفسير حيث قال ثم أرسل الماء إلى جارك وصرح في رواية شعيب أيضا بقوله أحبس الماء
والحاصل أن أمره بإرسال الماء كان قبل اعتراض الأنصاري وأمره بحبسه كان بعد ذلك قوله
فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك
فيما شجر بينهم زاد في رواية شعيب إلى قوله تسليما ووقع في رواية ابن جريج الآتية فقال الزبير
والله إن هذه الآية أنزلت في ذلك وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق ونزلت فلا وربك الآية
والراجح رواية الأكثر وأن الزبير كان يجزم بذلك لكن وقع في رواية أم سلمة عند الطبري
والطبراني الجزم بذلك وأنها نزلت في قصة الزبير وخصمه وكذا في مرسل سعيد بن المسيب الذي
تقدمت الإشارة إليه وجزم مجاهد والشعبي بأن الآية إنما نزلت فيمن نزلت فيه الآية التي
قبلها وهي قوله تعالى ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون
أن يتحاكموا إلى الطاغوت الآية فروى إسحاق بن راهويه في تفسيره بإسناد صحيح عن الشعبي
قال كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فدعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى
28

الله عليه وسلم لأنه على علم أنه لا يقبل الرشوة ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم لأنه علم أنهم
يأخذونها فأنزل الله هذه الآيات إلى قوله ويسلموا تسليما وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي
نجيح عن مجاهد نحوه وروى الطبري بإسناد صحيح عن ابن عباس أن حاكم اليهود يومئذ كان
أبا برزة الاسلي قبل أن يسلم ويصحب وروى بإسناد لآخر صحيح إلى مجاهد أنه كعب بن الأشرف وقد
روى الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في رجل من المنافقين
كان بينه وبين يهودي خصومة فقال اليهودي انطلق بنا إلى محمد وقال المنافق بل نأتي كعب بن
الأشرف فذكر القصة وفيه أن عمر قتل المنافق وأن ذلك سبب نزول هذه الآيات وتسمية عمر
الفاروق وهذا الاسناد وأن كان ضعيفا لكن تقوى بطريق مجاهد ولا يضره الاختلاف
لامكان التعدد وأفاد الواحدي بإسناد صحيح عن سعيد عن قتادة أن اسم الأنصاري المذكور
قيس ورجح الطبري في تفسيره وعزاه إلى أهل التأويل في تهذيبه أن سبب نزولها هذه القصة
ليتسق نظام الآيات كلها في سبب واحد قال ولم يعرض بينها ما يقتضي خلاف ذلك ثم قال ولا
مانع أن تكون قصة الزبير وخصمه وقعت في أثناء ذلك فيتناولها عموم الآية والله أعلم قوله
قال محمد بن العباس قال أبو عبد الله ليس أحد يذكر عروة عن عبد الله إلا الليث فقط هكذا وقع
في رواية أبي ذر عن الحموي وحده عن الفربري وهو القائل قال محمد بن العباس ومحمد بن العباس
هو السلمي الأصبهاني وهو من أقران البخاري وتأخر بعده مات سنة ست وستين وأبو عبد الله
هو البخاري المصنف وهو مصرح بتفرد الليث بذكر عبد الله بن الزبير في إسناده فإن أراد مطلقا
ورد عليه ما أخرجه النسائي وغيره من طريق ابن وهب عن الليث ويونس جميعا عن الزهري وان
أراد بقيد أنه لم يقل فيه عن أبيه بل جعله من مسند عبد الله بن الزبير فمسلم فإن رواية ابن وهب
فيها عن عبد الله عن أبيه كما تقدم بيانه في أول الباب وقد نقل الترمذي عن البخاري أن ابن وهب
روى عن الليث ويونس نحو رواية قتيبة عن الليث قوله باب شرب الاعلى قبل
الأسفل في رواية الحموي والكشميهني قبل السفلى والأول أولى وكأنه يشير إلى ما وقع في مرسل
سعيد بن المسيب في هذه القصة فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسقي الاعلى ثم الأسفل
قال العلماء الشرب من نهر أو مسيل غير مملوك يقدم الاعلى فالأعلى ولا حق للأسفل حتى يستغنى
الاعلى وحده أن يغطى الماء الأرض حتى لا تشربه ويرجع إلى الجدار ثم يطلقه قوله ثم أرسل
كذا للأكثر وللكشميهني ثم أرسل الماء قوله أسق يا زبير حتى يبلغ في رواية كريمة والأصيلي
اسق يا زبير ثم يبلغ الماء الجدر وسقط من رواية أبي ذر ذكر الماء زاد في التفسير من وجه آخر عن
معمر ثم أرسل الماء إلى جارك واستوعى للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري
وفى رواية شعيب في الصلح فاستوعى للزبير حينئذ حقه وكان قبل ذلك أشار على الزبير برأي فيه
سعة له وللأنصاري فقوله استوعى أي استوفى وهو من الوعي كأنه جمعه له في وعائه وقوله أحفظه
بالمهملة والظاء المشالة أي أغضبه قال الخطابي هذه الزيادة يشبه أن تكون من كلام الزهري
وكانت عادته أن يصل بالحديث من كلامه ما يظهر له من معنى الشرح والبيان قلت لكن
الأصل في الحديث أن يكون حكمة كله واحدا حتى يرد ما يبين ذلك ولا يثبت الادراج بالاحتمال
قال الخطابي وغيره وإنما حكم صلى الله عليه وسلم على الأنصاري في حال غضبه مع نهيه أن يحكم
29

الحاكم وهو غضبان لان النهي معلل بما يخاف على الحاكم من الخطأ والغلط والنبي صلى الله
عليه وسلم مأمون لعصمته من ذلك حال السخط (قوله باب شرب الاعلى) إلى
الكعبين) يشير إلى ما حكاه الزهري من تقدير ذلك كما سيأتي في آخر الباب (قوله حدثنا محمد) زاد
في رواية أبي الوقت هو ابن سلام (قوله فأمره بالمعروف) كذا ضبطناه في جميع الروايات على أنه
فعل ماض من الامر وهي جملة معترضة من كلام الراوي وحكى الكرماني أنه بلفظ فعل الامر
من الامرار وقد تقدم ما فيه وقد قال الخطابي معناه أمره بالعادة المعروفة التي جرت بينهم في
مقدار الشرب اه ويحتمل أن يكون المراد أمره بالقصد والامر الوسط مراعاة للجوار ويدل
عليه رواية شعيب المذكورة ومثلها لمعمر في التفسير وهو ظاهر في أنه أمره أولا أن يسامح
ببعض حقه على سبيل الصلح وبهذا ترجم البخاري في الصلح إذا أشار الامام بالمصلحة فلما لم يرض
الأنصاري بذلك استقصى الحكم وحكم به وحكى الخطابي أن فيه دليلا على جواز فسخ الحاكم
حكمه قال لأنه كان له في الأصل أن يحكم بأي الامرين شاء فقدم الأسهل إيثارا لحسن الجوار
فلما جهل الخصم موضع حقه رجع عن حكمة الأول وحكم بالثاني ليكون ذلك أبلغ في زجره
وتعقب بأنه لم يثبت الحكم أولا كما تقدم بيانه قال وقيل بل الحكم كان ما أمر به أولا فلما لم يقبل
الخصم ذلك عاقبه بما حكم عليه به ثانيا على ما بدر منه وكان ذلك لما كانت العقوبة بالأموال اه
وقد وافق ابن الصباغ من الشافعية على هذا الأخير وفيه نظر وسياق طرق الحديث يأبى ذلك كما
ترى لا سيما قوله واستوعى للزبير حقه في صريح الحكم وهي رواية شعيب في الصلح ومعمر في
التفسير فمجموع الطرق دال على أنه أمر الزبير أولا أن يترك بعض حقه وثانيا أن يستوفي جميع
حقه (قوله فقال لي ابن شهاب) القائل هو ابن جريج راوي الحديث (قوله فقدرت الأنصار
والناس هو من عطف العام على الخاص (قوله وكان ذلك إلى الكعبين) يعني أنهم لما رأوا أن
الجدر يختلف بالطول والقصر قاسوا ما وقعت فيه القصة فوجدوه يبلغ الكعبين فجعلوا ذلك
معيارا لاستحقاق الأول فالأول والمراد بالأول هنا من يكون مبدؤ الماء من ناحيته وقال
بعض المتأخرين من الشافعية المراد به من لم يتقدمه أحد في الغراس بطريق الاحياء والذي يليه
من أحيا بعده وهلم جرا قال وظاهر الخبر أن الأول من يكون أقرب إلى مجرى الماء وليس هو
المراد وقال ابن التين الجمهور على أن الحكم أن يمسك إلى الكعبين وخصه ابن كنانة بالنخل
والشجر قال وأما الزروع فإلى الشراك وقال الطبري الأراضي مختلفة فيمسك لكل أرض ما
يكفيها لان الذي في قصة الزبير واقعة عين واختلف أصحاب مالك هل يرسل الأول بعد استيفائه
جميع الماء أو يرسل منه ما زاد على الكعبين والأول أظهر ومحله إذا لم يبق له به حاجة والله أعلم
وقد وقع في مرسل عبد الله بن أبي بكر في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في مسيل
مهزور ومذينب أن يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الاعلى على الأسفل ومهزور بفتح أوله
وسكون الهاء وضم الزاي وسكون الواو بعدها راء ومذينب بذال معجمة ونون بالتصغير واديان
معروفان بالمدينة وله اسناد موصول في غرائب مالك للدارقطني من حديث عائشة وصححه
الحاكم وأخرجه أبو داود وابن ماجة والطبري من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
واسناد كل منهما حسن وأخرج عبد الرزاق هذا الحديث المرسل باسناد آخر موصول ثم روى
30

عن معمر عن الزهري قال نظرنا في قوله أحبس الماء حتى يبلغ الجدر فكان ذلك إلى الكعبين اه
وقد روى البيهقي من رواية بن المبارك عن معمر قال سمعت غير الزهري يقول نظروا في قوله حتى
يرجع إلى الجدر فكان ذلك إلى الكعبين وكأن معمرا سمع ذلك من بن جريج فأرسله في رواية
عبد الرزاق وقد بين بن جريج أنه سمعه من الزهري ووقع في زاوية عبد الرحمن بن إسحاق احبس
الماء إلى الجدر أو إلى الكعبين وهو شك منه والصواب ما رواه بن جريج وذكر الشاشي من
الشافعية أن معنى قوله إلى الجدر أي إلى الكعبين وكأنه أشار إلى هذا التقدير وإلا فليس الجدر
مرادفا للكعب (قوله الجدر هو الأصل) كذا هنا في رواية المستملي وحده وفي هذا الحديث غير
ما تقدم أن من سبق إلى شئ من مياه الأودية والسيول التي لا تملك فهو أحق به لكن ليس له إذا
استغنى أن يحبس الماء عن الذي يليه وفيه أن للحاكم أن يشير بالصلح بين الخصمين ويأمر به
ويرشد إليه ولا يلزمه به الا إذا رضي وأن الحاكم يستوفي لصاحب الحق حقه إذا لم يتراضيا وأن
يحكم بالحق لمن توجه له ولو لم يسأله صاحب الحق وفيه الاكتفاء من المخاصم بما يفهم عنه
مقصوده من غير مبالغة في التنصيص على الدعوى ولا تحديد المدعى ولا حصره بجميع صفاته
وفيه توبيخ من جفى على الحاكم ومعاقبته ويمكن أن يستدل به على أن للامام أن يعفو عن
التعزير المتعلق به لكن محل ذلك ما لم يؤد إلى هتك حرمة الشرع وإنما لم يعاقب النبي صلى الله
عليه وسلم صاحب القصة لما كان عليه من تأليف الناس كما قال في حق كثير من المنافقين
لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه قال القرطبي فلو صدر مثل هذا من أحد في حق النبي صلى
الله عليه وسلم أو في حق شريعته لقتل قتلة زنديق ونقل النووي نحوه عن العلماء والله أعلم
(قوله باب فضل سقي الماء) أي لكل من احتاج إلى ذلك (قوله عن سمي) بالمهملة
مصغرا زاد في المظالم مولى أبي بكر أي بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قوله عن أبي صالح
زاد في المظالم السمان والاسناد منيون الا شيخ البخاري (قوله بينا رجل) لم أقف على اسمه (قوله
يمشى) قال في المظالم بينما رجل بطريق وللدارقطني في الموطآت من طريق روح عن مالك
يمشى بفلاة وله من طرق بن وهب عن مالك يمشي بطريق مكة (قوله فاشتد عليه) وقعت الفاء
هنا موضع إذا كما وقعت إذا موضعها في قوله تعالى إذا هم يقنطون وسقطت هذه الفاء من رواية
مسلم وكذا من الرواية الآتية في المظالم للأكثر (قوله فاشتد عليه العطش) كذا للأكثر وكذا
هو في الموطأ ووقع في رواية المستملي العطاش قال بن التين العطاش داء يصيب الغنم تشرب فلا
تروى وهو غير مناسب هنا قال وقيل يصح على تقدير أن العطش يحدث منه هذا الداء كالزكام
(قلت) وسياق الحديث يأباه وظاهره أن الرجل سقى الكلب حتى روي ولذلك جوزي بالمغفرة
(قوله يلهث) بفتح الهاء اللهث بفتح الهاء هو ارتفاع النفس من الاعياء وقال ابن التين لهث
الكلب أخرج لسانه من العطش وكذلك الطائر ولهث الرجل إذا أعيا ويقال إذا بحث بيديه
ورجليه (قوله يأكل الثرى) أي يكدم بفمه الأرض الندية وهي أما صفة وأما حال وليس
بمفعول ثان لرأي (قوله بلغ هذا) مثل بالفتح أي بلغ مبلغا مثل الذي بلغ بن وضبطه الدمياطي
بخطه بضم مثل ولا يخفى توجيهه وزاد بن حبان من وجه آخر عن أبي صالح فرحمه (قوله
فلا خفه) في رواية بن حبان فنزع أحد خفيه (قوله ثم أمسكه) أي أحد خفيه الذي فيه الماء
31

وانما أحتاج إلى ذلك لأنه كان يعالج بيديه ليصعد من البئر وهو يشعر بأن الصعود منها كان
عسرا (قوله ثم رقي) بفتح الراء وكسر القاف كصعد وزنا ومعنى وذكره بن التين بفتح القاف بوزن
مضى وأنكره وقال عياض في المشارق هي لغة طي يفتحون العين فيما كان من الافعال معتل
اللام والأول أفصح وأشهر (قوله فسقى الكلب) زاد عبد الله بن دينار عن أبي صالح حتى
أرواه أي جعله ريانا وقد مضى في الطهارة (قوله فشكر الله له) أي أثنى عليه أو قبل عمله
أو جازاه بفعله وعلى الأخير فالفاء في قوله فغفر له تفسيرية أو من عطف الخاص على العام
وقال القرطبي معنى قوله فشكر الله له أي أظهر ما جازاه به عند ملائكته ووقع في رواية عبد
الله بن دينار بدل فغفر له فأدخله الجنة وكذا في رواية بن حبان (قوله قالوا) سمي من هؤلاء
السائلين سراقة بن مالك بن جعشم رواه أحمد وابن ماجة وابن حبان (قوله وأن لنا) هو معطوف
على شئ محذوف تقديره الامر كما ذكرت وأن لنا في البهائم أي في سقي البهائم أو الاحسان إلى
البهائم أجرا (قوله في كل كبد رطبة أجر) أي كل كبد حية والمراد رطوبة الحياة أو لان الرطوبة
لازمة للحياة فهو كناية ومعنى الظرفية هنا أن يقدر محذوف أي الاجر ثابت في ارواء كل كبد
حية والكبد يذكر ويؤنث ويحتمل أن تكون في سببية كقولك في النفس الدية قال الداودي
المعنى في كل كبد حي أجر وهو عام في جميع الحيوان وقال أبو عبد الملك هذا الحديث كان في
بني إسرائيل وأما الاسلام فقد أمر بقتل الكلاب وأما قوله في كل كبد فمخصوص ببعض
البهائم مما لا ضرر فيه لان المأمور بقتله كالخنزير لا يجوز أن يقول يزداد ضرره وكذا قال النووي
ان عمومه مخصوص بالحيوان المحترم وهو ما لم يؤمر بقتله فيحصل الثواب بسقيه ويلتحق به
اطعامه وغير ذلك من وجوه الاحسان إليه وقال ابن التين لا يمتنع اجراؤه على عمومه يعنى
فيسقى ثم يقتل لأنا أمرنا بأن نحسن القتلة ونهينا عن المثلة واستدل به على طهارة سؤر الكلب
وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الطهارة ومما قيل في الرد على من استدل به أنه فعل بعض الناس
ولا يدري هل هو كان ممن يقتدى به أم لا والجواب أنا لم نحتج بمجرد الفعل المذكور بل إذا فرعنا
على أن شرع من قبلنا شرع لنا فأنا لا نأخذ بكل ما ورد عنهم بل إذا ساقه إمام شرعنا مساق المدح
ان علم ولم يقيده صح الاستدلال به وفي الحديث جواز السفر منفردا وبغير زاد ومحل ذلك
في شرعنا ما إذا لم يخف على نفسه الهلاك وفيه الحث على الاحسان إلى الناس لأنه إذا حصلت
المغفرة بسبب سقي الكلب فسقي المسلم أعظ أجرا واستدل به على جواز صدقة التطوع
للمشركين وينبغي أن يكون محله ما إذا لم يوجد هناك مسلم فالمسلم أحق وكذا إذا دار الامر بين
البهيمة والآدمي المحترم واستويا في الحاجة فالآدمي أحق والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب
حديثي أسماء بنت أبي بكر وابن عمر في قصة المرأة التي ربطت الهرة حتى ماتت فدخلت النار
وسيأتى الكلام عليه في بدء الخلق وتقدم حديث أسماء بأتم من هذا في أوائل صفة الصلاة
وأما حديث بن عمر فذكر الدارقطني أن معن بن عيسى تفرد بذكره في الموطأ قال ورواه في غير
الموطأ بن وهب والقعنبي وابن أبي أويس ومطرف ثم ساقه من طرقهم وأخرجه الإسماعيلي
من طريق معن وابن وهب وأخرجه أبو نعيم من طريق القعنبي ومناسبة حديث الهرة للترجمة
من جهة أن المرأة عوقبت على كونها لم تسقها فمقتضاه أنها لو سقتها لم تعذب قال بن المنير دل
32

الحديث على تحريم قتل من لم يؤمر بقتله عطشا ولو كان هرة وليس فيه ثواب السقي ولكن
كفى بالسلامة فضلا (قوله باب من رأى أن صاحب الحوض أو القربة أحق
بمائه) ذكر فيه أربعة أحاديث أحدها حديث سهل بن سعد وقد تقدم الكلام عليه قبل ثمانية
أبواب ومناسبته للترجمة ظاهرة إلحاقا للحوض والقربة بالقدح فكان صاحب القدح أحق
بالتصرف فيه شربا وسقيا وقد خفي هذا على المهلب فقال ليس في الحديث إلا أن الأيمن أحق
من غيره بالقدح وأجاب ابن المنير بأن مراد البخاري أنه إذا استحق الأيمن ما في القدح بمجرد
جلوسه واختص به فكيف لا يختص به صاحب اليد والمتسبب في تحصيله ثانيها حديث
أبي هريرة في ذكر حوض النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي الكلام عليه في ذكر الحوض النبوي
من كتاب الرقاق وقوله لأذودن بمعجمة ثم مهملة أي لأطردن ومناسبته للترجمة من ذكره صلى
الله عليه وسلم أن صاحب الحوض يطرد إبل غيره عن حوضه ولم ينكر ذلك فيدل على الجواز
وقد خفى على المهلب أيضا فقال إن المناسبة من جهة إضافة الحوض إلى النبي صلى الله عليه
وسلم وكان أحق به وتعقبه بن المنير بأن أحكام التكاليف لا تنزل على وقائع الآخرة وانما
استدل بقوله كما تذاد الغريبة من الإبل فما جاز لصاحب الحوض طرد إبل غيره عن حوضه
الا وهو أحق بحوضه ثالثها حديث بن عباس في قصة هاجر وزمزم أورده مختصرا جدا
وسيأتى مطولا في أحاديث الأنبياء ومناسبته للترجمة من جهة قولها للذين نزلوا عليها ولا حق
لكم في الماء قالوا نعم وقرر النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك قال الخطابي فيه أن من أنبط ماء
في فلاة من الأرض ملكه ولا يشاركه فيه غيره إلا برضاه إلا أنه لا يمنع فضله إذا استغنى عنه
وانما شرطت هاجر عليهم أن لا يتملكوه رابعها حديث أبي هريرة وقد تقدم من وجه آخر
قبل أربعة أبواب وفيه ورجل له فضل ماء بالطريق فمنعه من بن السبيل وقال في هذه الطريق
ورجل منع فضل مائة فيقول الله اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك ومناسبته
للترجمة من جهة أن المعاقبة وقعت على منعه الفضل فدل على أنه أحق بالأصل ويؤخذ أيضا
من قوله ما لم تعمل يداك فإن مفهومه أنه لو عالجه لكان أحق به من غيره وحكى بن التين عن
أبي عبد الملك أنه قال هذا يخفى معناه ولعله يريد أن البئر ليست من حفره وإنما هو في منعه
غاصب ظالم وهذا لا يرد فيما حازه وعمله قال ويحتمل أن يكون هو حفرها ومنعها من صاحب
الشفة أي العطشان ويكون معنى ما لم تعمل يداك أي لم تنبع الماء ولا أخرجته قال وهذا أي
الأخير ليس من الباب في شئ والله أعلم (قوله قال علي حدثنا سفيان غير مرة الخ) يشير إلى أن
سفيان كان يرسل هذا الحديث كثيرا ولكنه صحح الموصول لكون الذي وصله من الحفاظ وقد
تابعه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وعبد الرحمن بن يونس ومحمد بن أبي الوزير ومحمد بن يونس
فوصلوه قاله الإسماعيلي قال وأرسله غيرهم (قلت) وقد وصله أيضا عمرو الناقد أخرجه مسلم
عنه وصفوان بن صالح أخرجه بن حبان من طريقه ويأتي الكلام على ما وقع من الاختلاف في
33

سياق المتن في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى (قوله باب لا حمى إلا لله ولرسوله)
ترجم بلفظ الحديث من غير مزيد قال الشافعي يحتمل معنى الحديث شيئين أحدهما ليس لأحد
أن يحمي للمسلمين إلا محماه النبي صلى الله عليه وسلم والآخر معناه إلا على مثل ما حماه
عليه النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الأول ليس لأحد من الولاة بعده أن يحمي وعلى الثاني
يختص الحمى بمن قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الخليفة خاصة وأخذ أصحاب
الشافعي من هذا أن له في المسألتين قولين والراجح عندهم الثاني والأول أقرب إلى ظاهر اللفظ
لكن رجحوا الأول بما سيأتي أن عمر حمى بعد النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بالحمى منع الرعى في
أرض مخصوصة من المباحات فيجعلها الامام مخصوصة برعي بهائم الصدقة مثلا (قوله عن
يونس) هو بن يزيد الأيلي ورواية الليث عنه من الاقران لأنه قد سمع من شيخه بن شهاب وفى
الاسناد تابعيان وصحابيان (قوله لا حمى) أصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا نزل
منزلا مخصبا استعوى كلبا على مكان عال فإلى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب فلا يرعى فيه
غيره ويرعى هو مع غيره فيما سواه والحمى هو المكان المحمي وهو خلاف المباح ومعناه أن يمنع من
الاحياء من ذلك الموات ليتوفر فيه الكلأ فترعاه مواش مخصوصة ويمنع غيرها والأرجح عند
الشافعية أن الحمى يختص بالخليفة ومنهم من ألحق به ولاة الأقاليم ومحل الجواز مطلقا أن لا يضر
بكافة المسلمين واستدل به الطحاوي لمذهبه في اشتراط إذن الإمام في إحياء الموات وتعقب
بالفرق بينهما فإن الحمى أخص من الاحياء والله أعلم قال الجوري من الشافعية ليس بين
الحديثين معارضة فالحمى المنهي ما يحمى من الموات الكثير العشب لنفسه خاصة كفعل
الجاهلية والاحياء المباح ما لا منفعة للمسلمين فيه شاملة فافترقا وإنما تعد أرض الحمى مواتا
لكونها لم يتقدم فيها ملك لاحد لكنها تشبه العامر لما فيها من المنفعة العامة (قوله وقال بلغنا
أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع) كذا لجميع الرواة إلا لأبي ذر والقائل هو بن شهاب وهو
موصول بالاسناد المذكور إليه وهو مرسل أو معضل وهكذا أخرجه أبو داود من طريق بن
وهب عن يونس عن بن شهاب فذكر الموصول والمرسل جميعا ووقع عند أبي ذر وقال أبو عبد الله
بلغنا الخ فظن بعض الشراح أنه من كلام البخاري المصنف وليس كذلك فقد أخرجه
الإسماعيلي من طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه فذكر
الموصول والمرسل جميعا على الصواب كما أخرجه أبو داود ووقع لأبي نعيم في مستخرجه
تخبيط فإنه أخرجه من الوجه الذي أخرجه منه الإسماعيلي فاقتصر في الاسناد الموصول على
المتن المرسل وهو قوله حمى النقيع وليس هذا من حديث بن عباس عن الصعب وإنما هو بلاغ
للزهري كما تقدم وقد أخرجه سعيد بن منصور من رواية عبد الرحمن بن الحارث عن الزهري جامعا
بين الحديثين وأخرجه البيهقي من طريق سعيد ونقل عن البخاري أنه وهم قال البيهقي لان قوله
حمى النقيع من قول الزهري يعني من بلاغة ثم روى من حديث بن عمر أن النبي صلى الله عليه
وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين ترعى فيه وفي إسناده العمري وهو ضعيف وكذا أخرجه أحمد من
طريقه (قوله النقيع) بالنون المفتوحة وحكى الخطابي أن بعضهم صحفه فقال بالموحدة
وهو على عشرين فرسخا من المدينة وقدره ميل في ثمانية أميال ذكر ذلك بن وهب في موطئه
34

وأصل النقيع كل موضع يستنقع فيه الماء وفي الحديث ذكر النقيع الخضمات وهو الموضع الذي
جمع فيه أسعد بن زرارة بالمدينة والمشهور أنه غير النقيع الذي فيه الحمى وحكى بن الجوزي
ان بعضهم قال إنهما واحد قال والأول أصح (قوله وأن عمر حمى الشرف والربذة) هو معطوف
على الأول وهو من بلاغ الزهري أيضا وقد ثبت وقوع الحمى من عمر كما سيأتي في أواخر الجهاد
من طريق أسلم أن عمر استعمل مولى له على الحمى الحديث والشرف بفتح المعجمة والراء بعدها فاء
في المشهور وذكر عياض أنه عند البخاري بفتح المهملة وكسر الراء قال وفي موطأ بن وهب بفتح
المعجمة والراء قال وكذا رواه بعض رواة البخاري أو أصله وهو الصواب وأما سرف فهو موضع
بقرب مكة ولا تدخله الألف واللام والربذة بفتح الراء والموحدة بعدها ذال معجمة موضع معروف
بين مكة والمدينة تقدم ضبطه وقد روى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن نافع عن بن عمر أن عمر حمى
الربذة لنعم الصدقة (قوله باب شرب الناس وسقي الدواب من الأنهار) أراد بهذه
الترجمة أن الأنهار الكائنة في الطرق لا يختص بالشرب منها أحد دون أحد ثم أورد فيه حديثين
أحدهما عن أبي هريرة في ذكر الخيل وسيأتي الكلام عليه مفصلا في الجهاد والمقصود منه قوله
فيه ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقى فإنه يشعر بأن من شأن البهائم طلب الماء ولم
يرد ذلك صاحبها فإذا أجر على ذلك من غير قصد فيؤجر بقصده من باب الأولى فثبت المقصود من
الإباحة المطلقة ثانيهما حديث زيد بن خالد في اللقطة وسيأتي فيها مشروحا والمقصود قوله
فيه معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر الرب عز وجل (قوله باب بيع الحطب
والكلاء) بفتح الكاف واللام بعده همزة بغير مد وهو العشب رطبه ويابسه وموقع هذه الترجمة
35

من كتاب الشرب اشتراك الماء والحطب والمرعى في جواز انتفاع الناس بالمباحات منها من غير
تخصيص قال ابن بطال إباحة الاحتطاب في المباحات والاختلا من نبات الأرض متفق عليه
حتى يقع ذلك في أرض مملوكة فترتفع الإباحة ووجهه أنه إذا ملك بالاحتطاب والاحتشاش
فلان يملك بالاحياء له أولى ثم أورد فيه المصنف ثلاثة أحاديث أولها وثانيها حديث الزبير بن
العوام وأبي هريرة بمعناه في الترغيب في الاكتساب بالاحتطاب وقد تقدم الكلام عليهما في كتاب
الزكاة ثالثها حديث علي في قصة شارك فيه مع حمزة بن عبد المطلب والشاهد منه قوله وأنا أريد أن
أحمل عليهما اذخر الأ بيعه فإنه دال على ما ترجم به من جواز الاحتطاب والاحتشاش وسيأتى
الكلام على شرحه مستوفى في آخر كتاب الجهاد في فرض الخمس إن شاء الله تعالى (قوله
باب القطائع) جمع قطيعة تقول أقطعته أرضا جعلتها له قطيعة والمراد به ما يخص به
الامام بعض الرعية من الأرض الموات فيختص به ويصير أولى باحيائه ممن لم يسبق إلى احيائه
واختصاص الاقطاع بالموات متفق عليه في كلام الشافعية وحكى عياض أن الاقطاع تسويغ
الامام من مال الله شيئا لمن يراه أهلا لذلك قال وأكثر ما يستعمل في الأرض وهو أن يخرج منها لمن
يراه ما يحوزه إما بأن يملكه إياه فيعمره وإما بأن يجعل له غلته مدة انتهى قال السبكي والثاني هو
الذي يسمى في زماننا هذا اقطاعا ولم أر أحدا من أصحابنا ذكره وتخريجه على طريق فقهي
مشكل قال والذي يظهر أنه يحصل للمقطع بذلك اختصاص كاختصاص المتحجر لكنه لا يملك
الرقبة بذلك انتهى وبهذا جزم المحب الطبري وادعى الأذرعي نفي الخلاف في جواز تخصيص
الامام بعض الجند بغلة أرض إذا كان مستحقا لذلك والله أعلم (قوله عن يحيى بن سعيد) هو
الأنصاري ووقع للبيهقي من وجه آخر عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه التصريح بالتحديث
لحماد من يحيى (قوله أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع من البحرين) يعني للأنصار وفى
رواية البيهقي دعا الأنصار ليقطع لهم البحرين وللإسماعيلي ليقطع له البحرين أو طائفة منها
وكان الشك فيه من حماد فسيأتي للمصنف في الجزية من طريق زهير عن يحيى بلفظ دعا
الأنصار ليكتب لهم البحرين ولهم في مناقب الأنصار من رواية سفيان عن يحيى إلى أن يقطع لهم
البحرين وظاهره أنه أراد أن يجعلها لهم اقطاعا واختلف في المراد بذلك فقال الخطابي يحتمل أنه
أراد الموات منها ليتملكوه بالاحياء ويحتمل أن يكون أراد العامر منها لكن في حقه من الخمس
لأنه كان ترك أرضها فلم يقسمها وتعقب بأنها فتحت صلحا كما سيأتي في كتاب الجزية فيحتمل أن
يكون المراد أنه أراد أن يخصهم بتناول جزيتها وبه جزم إسماعيل القاضي وابن قرقول ووجهه ابن
بطال بأن أرض الصلح لا تقسم فلا تملك وقال ابن التين إنما يسمى اقطاعا إذا كان من أرض
أو عقار وإنما يقطع من الفئ ولا يقطع من حق مسلم ولا معاهد قال وقد يكون الاقطاع تمليكا
وغير تمليك وعلى الثاني يحمل اقطاعه صلى الله عليه وسلم الدور بالمدينة كأنه يشير إلى ما أخرجه
الشافعي مرسلا ووصله الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أقطع الدور يعنى
أنزل المهاجرين في دور الأنصار برضاهم انتهى وسيأتي في أواخر الخمس حديث أسماء بنت أبي
بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير يعني بعد أن أجلاهم
والظاهر أنه ملكه إياها وأطلق عليها اقطاعا على سبيل المجاز والله أعلم والذي يظهر لي أن النبي صلى
36

الله عليه وسلم أراد أن يخص الأنصار بما يحصل من البحرين أما الناجز يوم عرض ذلك عليهم
فهو الجزية لانهم كانوا صالحوا عليها وأما بعد ذلك إذا وقعت الفتوح فخراج الأرض أيضا وقد
وقع منه صلى الله عليه وسلم ذلك في عدة أرض بعد فتحها وقبل فتحها منها اقطاعه تميما الداري
بيت إبراهيم فلما فتحت في عهد عمر نجز ذلك لتميم واستمر في أيدي ذريته من ابنته رقية وبيدهم كتاب
من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقصته مشهورة ذكرها بن سعد وأبو عبيدة في كتاب الأموال
وغيرهما (قوله مثل الذي تقطع لنا) زاد في رواية البيهقي فلم يكن ذلك عنده يعني بسبب قلة
الفتوح يومئذ كما في رواية الليث التي في الباب الذي يلي هذا وأغرب بن بطال فقال معناه أنه لم
يرد فعل ذلك لأنه كان أقطع المهاجرين أرض بني النضير (قوله سترون بعدي أثرة) بفتح الهمزة
والمثلثة على المشهور وأشار صلى الله عليه وسلم بذلك إلى ما وقع من استئثار الملوك من قريش عن
الأنصار بالأموال والتفضيل في العطاء وغير ذلك فهو من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وسيأتي الكلام عليه
مستوفى في مناقب الأنصار إن شاء الله تعالى (قوله باب كتابة القطائع) أي
لتكون توثقة بيد المقطع دفعا للنزاع عنه (قوله وقال الليث) لم أره موصولا من طريقه قال
الإسماعيلي وغيره أورده عن الليث غير موصول زاد أبو نعيم وكأنه أخذه عن عبد الله بن صالح
كاتب الليث عنه واعترض على المصنف بأن رواية الليث لا ذكر للكتابة فيها وأجيب بأنها
مذكورة في الشق الثاني وبأنه جرى على عادته في الإشارة إلى ما يرد في بعض الطرق وقد تقدم أنه
عنده في الجزية من رواية زهير وهو عند أحمد عن أبي معاوية عن يحيى بن سعيد والله أعلم وفى
الحديث فضيلة ظاهرة للأنصار لتوقفهم عن الاستئثار بشئ من الدنيا دون المهاجرين وقد
وصفهم الله تعالى بأنهم كانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة فحصلوا في الفضل على
ثلاث مراتب إيثارهم على أنفسهم ومواساتهم لغيرهم والاستئثار عليهم وسيأتي الكلام على
ما يتعلق بالبحرين في كتاب الجزية إن شاء الله تعالى (قوله باب حلب الإبل
على الماء) أي عند الماء والحلب بفتح اللام الاسم والمصدر سواء قاله بن فارس تقول حلبتها
أحلبها حلبا بفتح اللام (قوله أن تحلب) بضم أوله على البناء للمجهول وهو بالحاء المهملة في
جميع الروايات وأشار الداودي إلى أنه روى بالجيم وقال أراد أنها تساق إلى موضع سقيها وتعقب
بأنه لو كان كذلك لقال أن تجلب إلى الماء لا على الماء وإنما المراد حلبها هناك لنفع من يحضر من
المساكين ولان ذلك ينفع الإبل أيضا وهو نحو النهي عن الجداد بالليل أراد أن تجد نهارا لتحضر
المساكين (قوله على الماء) زاد أبو نعيم في المستخرج والبرقاني في المصافحة من طريق المعافى
ابن سليمان عن فليح يوم ورودها وساق البرقاني بهذا الاسناد ثلاثة أحاديث أخر في نسق وقد
تقدم معنى حديث الباب في الزكاة من طريق الأعرج عن أبي هريرة مطولا وفيه ومن حقها ان
تحلب على الماء وتقدم شرحه هناك (قوله باب الرجل يكون له ممر أو شرب في
حائط أو نخل) هو من اللف والنشر أي له حق المرور في الحائط أو نصيب في النخل (قوله وقال
النبي صلى الله عليه وسلم من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع) تقدم موصولا في باب من باع
نخلا قد أبرت من طريق مالك عن نافع عن بن عمر ووصله بمعناه في هذا الباب (قوله وللبائع
الممر والسقي حتى يرفع) أي ثمرته (وكذلك رب العرية) وهذا كله من كلام المصنف استنبطه من
37

الأحاديث المذكورة في الباب وتوهم بعض الشراح أنه بقية الحديث المرفوع فوهم في ذلك
وهما فاحشا وقال بن المنير وجه دخول هذه الترجمة في الفقه التنبيه على إمكان اجتماع الحقوق
في العين الواحدة هذا له الملك وهذا له الانتفاع وهو مأخوذ من استحقاق البائع الثمرة دون
الأصل فيكون له حق الاستطراق لاقتطافها في أرض مملوكة لغيره وكذلك صاحب العرية قال
وعندنا خلاف فيمن يسقي العرية هل هو على الواهب أو الموهوبة له وكذلك سقي الثمرة المستثناة في
البيع قيل على البائع وقيل على المشتري فلا تغتر بنقل بن بطال الاجماع في ذلك ثم أورد المصنف
في ذلك خمسة أحاديث (الأول) حديث بن عمر من ابتاع نخلا تقدم الكلام على شرحه وعلى بيان
شئ من اختلاف الرواة في باب من باع نخلا قد أبرت من كتاب البيوع (قوله ومن ابتاع عبدا
وله مال الخ) قال بن دقيق العيد استدل به لمالك على أن العبد يملك لإضافة الملك إليه باللام وهى
ظاهرة في الملك قال غيره يؤخذ منه أن العبد إذا ملكه سيده ما لا فإنه يملكه وبه قال مالك وكذا
الشافعي في القديم لكنه إذا باعه بعد ذلك رجع المال لسيده إلا أن يشترطه المبتاع وقال أبو حنيفة
وكذا الشافعي في الجديد لا يملك العبد شيئا أصلا والإضافة للاختصاص والانتفاع كما يقال
السرج للفرس ويؤخذ من مفهومه أن من باع عبدا ومعه مال وشرطه المبتاع أن البيع يصح
لكن بشرط أن لا يكون المال ربويا فلا يجوز بيع العبد ومعه دراهم بدراهم قاله الشافعي وعن
مالك لا يمنع لاطلاق الحديث وكأن العقد إنما وقع على العبد خاصة والمال الذي معه لا مدخل
له في العقد واختلف فيما إذا كان المال ثيابا والأصح أن لها حكم المال وقيل تدخل عملا
بالعرف وقيل يدخل ساتر العورة فقط وقال الباجي إن شرطه المشتري للعبد صح مطلقا وإن شرط
بعضه أو لنفسه فروايتان وقال المازري إن زال ملك السيد عن عبده ببيع أو معاوضة فالمال
للسيد إلا أن يشترطه المبتاع وعن بعض التابعين كالحسن يتبع العبد والحديث حجة على
قائل هذا وإن زال بالعتق ونحوه فالمال للعبد إلا أن يشترطه السيد وإن زال بالهبة ونحوها
فروايتان قال القرطبي أرجحهما إلحاقها بالبيع وكذا إن سلمة في الجناية وفي الحديث جواز
الشرط الذي لا ينافي مقتضى العقد قال الكرماني قوله وله مال إضافة المال إلى العبد مجاز
كإضافة الثمرة إلى النخلة (قوله وعن مالك) هو معطوف على قوله حدثنا الليث فهو موصول
والتقدير حدثنا عبد الله بن يوسف عن مالك وزعم بعض الشراح إنه معلق وليس كذلك وتردد
الكرماني وقد وصله أبو داود من حديث مالك عن نافع عن بن عمر في النخل مرفوعا وعن نافع عن
ابن عمر عن عمر في العبد موقوفا وكذا هو في الموطأ ولفظه عن بن عمر عن عمر بقصة العبد وعن
نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بقصة النخل ثم ساقه من طريق سلمة بن كهيل حدثني
من سمع جابرا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الكرماني قوله في العبد أي في شأن العبد
أو التقدير عن عمر أنه قال في العبد بأن ماله لبائعه أو زاد لفظ العبد بعد قوله إلا أن يشترط
المبتاع أي والعبد كذلك (قلت) وأرجحها الأول وقد عبر عنه عند أبي داود بنحو ذلك كما ذكرته
وأخرجه النسائي من طريق يحيى القطان عن عبيد الله العمري عن نافع عن بن عمر عن عمر
بقصة العبد ومن رواية محمد بن إسحاق عن نافع عن بن عمر مرفوعا بالقصتين وقال النسائي إنه
خطأ والصواب ما رواه يحيى بن القطان وكذلك رواه الليث وأيوب عن نافع في العبد موقوفا وقوله
38

من ابتاع عبدا وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع هكذا ثبتت قصة العبد في هذا
الحديث في جميع نسخ البخاري وصنيع صاحب العمدة يقتضي أنها من أفراد مسلم فإنه أورده
في باب العرايا فقال عن عبد الله بن عمر فذكر من باع نخلا ثم قال ولمسلم من ابتاع عبدا فماله للذي
باعه إلا أن يشترط المبتاع وكأنه لما نظر كتاب البيوع من البخاري فلم يجده فيه توهم أنها من
أفراد مسلم واعتذر الشارح بن العطار عن صاحب العمدة فقال هذه الزيادة أخرجها الشيخان
من رواية سالم عن أبيه عن عمر قال فالمصنف لما نسب الحديث لابن عمر أحتاج أن ينسب الزيادة
لمسلم وحده انتهى مخلصا وبالغ شيخنا بن الملقن في الرد عليه لان الشيخين لم يذكرا في طريق سالم عمر
بل هو عندهما جميعا عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة عمر لكن مسلم والبخاري
ذكراه في البيوع والشرب فتعين أن سبب وهم المقدسي ما ذكرته وقال النووي في شرح مسلم
لم تقع هذه الزيادة فحديث نافع عن بن عمر وذلك لا يضر فإن سالما ثقة بل هو أجل من نافع
فزيادته مقبولة وقد أشار النسائي والدارقطني إلى ترجيح رواية نافع وهي إشارة مردودة انتهى
(قلت) أما نفي تخريجها فمردود فإنها ثابتة عند البخاري هنا من رواية بن جريج عن ابن أبي
مليكة عن نافع لكن باختصار وأما الاختلاف بين سالم ونافع فإنما هو في رفعها ووقفها لا في إثباتها
ونفيها فسالم رفع الحديثين جميعا ونافع رفع حديث النخل عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
ووقف حديث العبد علي بن عمر عن عمر وقد رجح مسلم ما رجحه النسائي وقال أبو داود وتبعه بن
عبد البر وهذا أحد الأحاديث الأربعة التي اختلف فيها سالم ونافع قال أبو عمر اتفقا على رفع
حديث النخل وأما قصة العبد فرفعها سالم ووقفها نافع على عمر ورجح البخاري رواية سالم في رفع
الحديثين ونقل بن التين عن الداودي هو وهم من نافع والصحيح ما رواه سالم مرفوعا في العبد
والثمرة قال بن التين لا أدري من أين أدخل الوهم على نافع مع إمكان أن يكون عمر قال ذلك يعنى
على جهة الفتوى مستندا إلى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فتصح الروايتان (قلت) قد نقل
الترمذي في الجامع عن البخاري تصحيح الروايتين ونقل عنه في العلل ترجيح قول سالم وقد تقدم
بيان ذلك كله واضحا في كتاب البيوع (قوله والحرث 3) أي الأرض المزروعة فمن باع أرضا محروثة
وفيها زرع فالزرع للبائع والخلاف في هذه كالخلاف في النخل ويؤخذ منه أن من أجر أرضا وله فيها
زرع أن الزرع للمؤجر لا للمستأجر إن تصورت صورة الإجارة (قوله سمى له نافع هؤلاء الثلاثة)
قائل سمى هو بن جريج والضمير في له لابن أبي مليكة وفي الحديث ما يدل على قلة تدليس بن
جريج فإنه كثير الرواية عن نافع ومع ذلك أفصح بأن بينهما في هذا الحديث واسطة
(ثانيها) حديث زيد بن ثابت في العرايا وقد تقدم مشروحا في بابه (ثالثها) حديث جابر في
النهى عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة وبيع الثمر حتى يبدو صلاحه وبيعه بغير الدينار والدرهم
الا العرايا فأما المخابرة فتقدم الكلام عليها في المزارعة وأما المحاقلة فتقدم الكلام عليها في
حديث أنس في باب بيع المخاضرة وأما المزابنة فتقدم الكلام عليها في حديث بن عمر وابن
عباس وغيرهما في باب المزابنة وأما بقيته فتقدم في باب بيع الثمر على رؤوس النخل من حديث جابر
(رابعها) حديث أبي هريرة في بيع العرايا وقد تقدم أيضا مشروحا في بابه خامسها حديث
رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة في النهي عن المزابنة إلا أصحاب العرايا وقد تقدم حديث سهل
في باب بيع الثمر على رؤوس النخل وقد تقدم شرح جميع الأحاديث وقوله هنا قال وقال ابن
39

اسحق حدثني بشير يعني بن يسار مثله كذا لأبي ذر وأبي الوقت ووقع للأصيلي وكريمة وغيرهما
قال أبو عبد الله قال بن إسحاق فعلى هذا فهو معلق ولم أره موصولا من طريقه إلى هذه الغاية
والله المستعان خاتمة اشتمل كتاب الشرب على ستة وثلاثين حديثا المعلق منها خمسة والبقية
موصولة والمكرر منها فيه وفيما مضى سبعة عشر حديثا والخالص تسعة عشر وافقه مسلم على
تخريجها سوى حديث عثمان في بئر رومة وحديث ابن عباس في قصة هاجر وحديث الصعب
في الحمى وحديث الزهري المرسل في حمى النقيع وحديث أنس في القطائع وفيه من الآثار
اثنان عن عمر رضي الله عنه والله تعالى أعلم
(قوله كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس)
كذا لأبي ذر وزاد غيره في أوله البسملة وللنسفي باب بدل كتاب وعطف الترجمة التي تليه عليه
بغير باب وجمع المصنف بين هذه الأمور الثلاثة لقلة الأحاديث الواردة فيها ولتعلق بعضها ببعض
(قوله باب من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه أوليس بحضرته) أي فهو جائز وكأنه
يشير إلى ضعف ما جاء عن ابن عباس مرفوعا لا أشتري ما ليس عندي ثمنه وهو حديث أخرجه
أبو داود والحاكم من طريق سماك عن عكرمة عنه في أثناء حديث تفرد به شريك عن سماك
واختلف في وصله وإرساله ثم أورد فيه حديث جابر في شراء النبي صلى الله عليه وسلم منه جمله في
السفر وقضائه ثمنه في المدينة وهو مطابق للركن الثاني من الترجمة وحديث عائشة في شرائه
صلى الله عليه وسلم من اليهودي الطعام إلى أجل وهو مطابق للركن الأول قال ابن المنير وجه
الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لو حضره الثمن ما أخره وكذا ثمن الطعام لو حضره لم يرتب في
ذمته دينا لما عرف من عادته الشريفة من المبادرة إلى إخراج ما يلزمه إخراجه قلت وحديث
جابر يأتي الكلام عليه في الشروط وحديث عائشة يأتي الكلام عليه في الرهن وقوله في أول
حديث جابر حدثنا محمد بن يوسف هو البيكندي كذا ثبت لأبي ذر وأهمل عند الأكثر وجزم أبو علي
الجياني بأنه ابن سلام وحكى ذلك عن رواية ابن السكن ثم وجدته في رواية أبي علي بن شبويه
عن الفربري كذلك وجرير شيخه هو ابن عبد الحميد ومغيرة هو ابن مقسم (قوله باب
من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها) حذف الجواب اغتناء بما وقع في الحديث قال
ابن المنير هذه الترجمة تشعر بأن التي قبلها مقيدة بالعلم بالقدرة على الوفاء قال لأنه إذا علم من نفسه
العجز فقد أخذ لا يريد الوفاء إلا بطريق التمني والتمني خلاف الإرادة (قلت) وفيه نظر لأنه إذا نوى
الوفاء مما سيفتحه الله عليه فقد نطق الحديث بأن الله يؤدي عنه إما بأن يفتح عليه في الدنيا وإما بأن
يتكفل عنه في الآخرة فلم يتعين التقييد بالقدرة في الحديث ولو سلم ما قال فهناك مرتبة ثالثة
وهو أن لا يعلم هل يقدر أو يعجز (قوله عن ثور بن زيد) بفتح الزاي وهو الديلي وللإسماعيلي من
طريق ابن وهب عن سليمان حدثني ثور (قوله عن أبي الغيث) بالمعجمة والمثلثة زاد ابن ماجة مولى
ابن مطيع (قلت) واسمه سالم والاسناد كله مدنيون (قوله أدى الله عنه) في رواية الكشميهني
أداها الله عنه ولابن ماجة وابن حبان والحاكم من حديث ميمونة ما من مسلم يدان دينا يعلم
الله أنه يريد أداءه الا أداه الله عنه في الدنيا وظاهره يحيل المسئلة المشهورة فيمن مات قبل الوفاء
بغير تقصير منه كأن يعسر مثلا أو يفجأه الموت وله مال مخبوء وكانت نيته وفاء دينه ولم يوف عنه
40

في الدنيا ويمكن حمل حديث ميمونة على الغالب والظاهر أنه لا تبعة عليه والحالة هذه في الآخرة
بحيث يؤخذ من حسناته لصاحب الدين بل يتكفل الله عنه لصاحب الدين كما دل عليه حديث
الباب وأن خالف في ذلك ابن عبد السلام والله أعلم (قوله أتلفه الله) ظاهره أن الاتلاف يقع له
في الدنيا وذلك في معاشه أو في نفسه وهو علم من أعلام النبوة لما نراه بالمشاهدة ممن يتعاطى شيئا
من الامرين وقيل المراد بالاتلاف عذاب الآخرة قال ابن بطال فيه الحض على ترك استيكال
أموال الناس والترغيب في حسن التأدية إليهم عند المداينة وأن الجزاء قد يكون من جنس
العمل وقال الداودي فيه أن من عليه دين لا يعتق ولا يتصدق وأن فعل رد اه‍ وفي أخذ هذا
من هذا بعد كثير وفيه الترغيب في تحسين النية والترهيب من ضد ذلك وأن مدار الأعمال عليها
وفيه الترغيب في الدين لمن ينوي الوفاء وقد أخذ بذلك عبد الله بن جعفر فيما رواه ابن ماجة
والحاكم من رواية محمد بن علي عنه أنه كان يستدين فسئل فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول أن الله مع الدائن حتى يقضي دينه إسناده حسن لكن اختلف فيه على محمد بن علي
فرواه الحاكم أيضا من طريق القاسم بن الفضل عنه عن عائشة بلفظ ما من عبد كانت له نية في
وفاء دينه الا كان له من الله عون قالت فأنا ألتمس ذلك العون وساق له شاهدا من وجه آخر عن
القاسم عن عائشة وفيه أن من اشترى شيئا بدين وتصرف فيه وأظهر أنه قادر على الوفاء ثم تبين
الامر بخلافه أن البيع لا يرد بل ينتظر به حلول الأجل لاقتصاره صلى الله عليه وسلم على الدعاء
عليه ولم يلزمه برد البيع قاله ابن المنير (قوله باب أداء الدين) في رواية أبي ذر
الديون بالجمع (وقول الله تعالى ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها الآية) كذا لأبي ذر
وساق الأصيلي وغيره الآية قال ابن المنير أدخل الدين في الأمانة لثبوت الامر بأدائه إذ المراد
بالأمانة في الآية هو المراد في قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض وفسرت
هناك بالأوامر والنواهي فيدخل فيها جميع ما يتعلق بالذمة وما لا يتعلق اه‍ ويحتمل أن تكون
الأمانة على ظاهرها وإذا أمر الله بأدائها ومدح فاعله وهي لا تتعلق بالذمة فحال ما في الذمة أولى
وأكثر المفسرين على أن الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة حاجب الكعبة وعن عبد الرحمن
ابن زيد بن أسلم نزلت في الولاة وعن ابن عباس هي عامة في جميع الأمانات وروى ابن أبي شيبة من
طريق طلق بن معاوية قال كان لي دين على رجل فخاصمته إلى شريح فقال له إن الله يأمركم ان
تؤدوا الأمانات إلى أهلها وأمر بحبسه ثم أورد المصنف فيه حديث أبي ذر كنت مع النبي صلى
الله عليه وسلم فلما أبصر أحدا قال ما أحب أنه يحول لي ذهبا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث
الا دينارا أرصده لدين الحديث وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الرقاق وغرضه هنا هذا
القدر المذكور قال ابن بطال فيه إشارة إلى عدم الاستغراق في كثير الدين والاقتصار على اليسير
منه أخذا من اقتصاره على ذكر الدينار الواحد ولكان عليه مائة دينار مثلا لم يرصد لأدائها دينارا
واحدا اه‍ ولا يخفى ما فيه وفيه الاهتمام بأمر وفاء الدين وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من
الزهادة في الدنيا (قوله ما أحب أنه تحول لي ذهبا) كذا لأبي ذر تحول بفتح المثناة ولغيره بضم
التحتانية قال ابن مالك فيه حول بمعنى صير وقد خفي على كثير من النحاة وعاب بعضهم استعماله على
الحريري قال وقد جاء هنا على ما لم يسم فاعله جاريا مجرى صار في رفع ما كان مبتدأ ونصب ما كان
41

خبرا وكذلك حكم ما صيغ من حول مثل تحول فإنه بزيادة المثناة تجدد له حذف ما كان فاعلا
وجعل أول المفعولين فاعلا وثانيهما خبرا منصوبا (قوله أرصده) ثبت في روايتنا بضم أوله من
الرباعي وحكى ابن التين عن بعض الروايات بفتح الهمزة من رصد والأول أوجه تقول أرصدته أي
هيأته وأعددته ورصدته أي رقبته وقوله الأكثرون أي مالا والأقلون أي ثوابا إلا من ذكر وقوله
وقليل ما هم ما زائدة أو صفة وقوله مكانك بالنصب محذوف العامل أي ألزم مكانك وقوله قلت
يا رسول الله الذي سمعت خبره محذوف تقديره ما هو وقوله ومن فعل كذا وكذا فسر في الرواية
الآتية في الرقاق وأن زنى وأن سرق ووقع في رواية المستملي هنا وأن بدل ومن (قوله عقب
حديث أبي هريرة في معنى حديث أبي ذر رواه صالح وعقيل عن الزهري) يعني عن عبيد الله عن
أبي هريرة وطريقهما موصول في الزهريات لمحمد بن يحيى الذهلي (قوله لو كان لي مثل أحد ذهبا)
قال ابن مالك فيه وقوع التمييز بعد مثل وهو قليل ونظيره قوله تعالى ولو جئنا بمثله مددا (قوله
ما يسرني أن لا يمر) قال ابن مالك فيه وقوع جواب لو مضارعا منفيا بما والأصل أن يكون ماضيا
مثبتا وكأنه أوقع المضارع موقع الماضي أو يكون الأصل ما كان يسرني فحذف كان وهو جواب لو
وفيه ضمير هو الاسم ويسرني الخبر وحذف كان مع اسمها وبقاء خبرها كثير وهذا أولى اه‍ ووقع
في حديث أبي ذر ما يسرني أن يمكث عندي وفي حديث أبي هريرة يسرني أن لا يمكث ومفهوم كل
منهما مطابق لمنطوق الآخر ووقع للأصيلي وكريمة في رواية أبي هريرة ما يسرني أن لا يمكث وعلى
هذا فلا زائدة والله أعلم (قوله باب استقراض الإبل) أي جوازه ليرد المقترض نظيره
أو خيرا منه (قوله أن رجلا تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية ابن المبارك عن شعبة
الآتية في الهبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ سنا فجاء صاحبه يتقاضاه أي يطلب منه قضاء
الدين وفي أول حديث سفيان عن سلمة كما سيأتي بعد بابين كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم
سن من الإبل فجاءه يتقاضاه ولأحمد عن عبد الرزاق عن سفيان جاء أعرابي يتقاضى النبي صلى
الله عليه وسلم بعيرا وله عن يزيد بن هارون عن سفيان استقرض النبي صلى الله عليه وسلم من
رجل بعيرا وللترمذي من طريق علي بن صالح عن سلمة استقرض النبي صلى الله عليه وسلم سنا
(قوله فأغلظ له) يحتمل أن يكون الاغلاظ بالتشديد في المطالبة من غير قدر زائد ويحتمل
أن يكون بغير ذلك ويكون صاحب الدين كافرا فقد قيل إنه كان يهوديا والأول أظهر لما
تقدم من رواية عبد الرزاق أنه كان أعرابيا وكأنه جرى على عادته من جفاء المخاطبة ووقع في
ترجمة بكر بن سهل في معجم الطبراني الأوسط عن العرباص بن سارية ما يفهم أنه هو لكن روى
النسائي والحاكم الحديث المذكور وفيه ما يقتضي أنه غيره وأن القصة وقعت لأعرابي ووقع
للعرباض نحوها (قوله فهم به أصحابه) أي أراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذوه بالقول
أو الفعل لكن لم يفعلوا أدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم (قوله فإن لصاحب الحق مقالا)
أي صولة الطلب وقوة الحجة لكن مع مراعاة الأدب المشروع (قوله واشتروا له بعيرا) في رواية
عبد الرزاق التمسوا له مثل سن بعيره (قوله قالوا لا نجد) في رواية سفيان الآتية فقال أعطوه
فطلبوا سنة فلم يجدوا إلا فوقها وفي رواية عبد الرزاق فالتمسوا له فلم يجدوا الا فوق سن بعيره
والمخاطب بذلك هو أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه مسلم من حديثه قال
42

استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة ولابن
خزيمة استلف من رجل بكرا فقال إذا جاءت إبل الصدقة قضيناك فلما جاءت إبل الصدقة أمر
أبا رافع أن يقضي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا فقال أعطه
إياه ويجمع بينه وبين الرواية التي في الباب حيث قال فيها اشتروا له بأنه أمر بالشراء أولا ثم قدمت
إبل الصدقة فأعطاه منها أو أنه أمر بالشراء من إبل الصدقة ممن استحق منها شيئا ويؤيده رواية
ابن خزيمة المذكورة إذا جاءت الصدقة قضيناك اه والبكر بفتح الموحدة وسكون الكاف
الصغير من الإبل والخيار الجيد يطلق على الواحد والجمع والرباعي بتخفيف الموحدة من ألقى
رباعيته (قوله فإن خيركم أحسنكم قضاء) في رواية عثمان بن جبلة عن شعبة الآتية في الهبة
فإن من خيركم أو خيركم كذا على الشك وفي رواية ابن المبارك أفضلكم أحسنكم قضاء وفي رواية
سفيان الآتية خياركم فيحتمل أيريد المفرد بمعنى المختار أو الجمع والمراد أنه خيرهم في المعاملة
أو تكون من مقدرة ويدل عليها الرواية المذكورة وقوله أحسنكم لما أضيف أفعل والمقصود
به الزيادة جاز فيه الافراد وقد وقع في رواية سفيان بعد باب من خياركم وفي الحديث جواز
المطالبة بالدين إذا حل أجله وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وعظم حلمه وتواضعه
وانصافه وأن من عليه دين لا ينبغي له مجافاة صاحب الحق وأن من أساء الأدب على الامام كان
عليه التعزير بما يقتضيه الحال إلا أن يعفو صاحب الحق وفيه ما ترجم له وهو استقراض الإبل
ويلتحق بها جميع الحيوانات وهو قول أكثر أهل العلم ومنع من ذلك الثوري والحنفية واحتجوا
بحديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهو حديث قد روي عن ابن عباس مرفوعا
أخرجه ابن حبان والدارقطني وغيرهما ورجال إسناده ثقات إلا أن الحفاظ رجحوا إرساله
وأخرجه الترمذي من حديث الحسن عن سمرة وفي سماع الحسن من سمرة اختلاف وفي الجملة
هو حديث صالح للحجة وادعى الطحاوي أنه ناسخ لحديث الباب وتعقب بأن النسخ لا يثبت
بالاحتمال والجمع بين الحديثين ممكن فقد جمع بينهما الشافعي وجماعة بحمل النهي على ما إذا كان
نسيئة من الجانبين ويتعين المصير إلى ذلك لان الجمع بين الحديثين أولى من الغاء أحدهما باتفاق
وإذا كان ذلك المراد من الحديث بقيت الدلالة على جواز استقراض الحيوان والسلم فيه واعتل
من منع بأن الحيوان يختلف اختلافا متباينا حتى لا يوقف على حقيقة المثلية فيه وأجيب
بأنه لا مانع من الإحاطة به بالوصف بما يدفع التغاير وقد جوز الحنفية التزويج والكتابة على
الرقيق الموصوف في الذمة وفيه جواز وفاء ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك
في العقد فيحرم حينئذ اتفاقا وبه قال الجمهور وعن المالكية تفصيل في الزيادة إن كانت بالعدد
منعت وإن كانت بالوصف جازت وفيه أن الاقتراض في البر والطاعة وكذا الأمور المباحة
لا يعاب وأن للامام أن يقترض على بيت المال لحاجة بعض المحتاجين ليوفي ذلك من مال
الصدقات واستدل به الشافعي على جواز تعجيل الزكاة هكذا حكاه ابن عبد البر ولم يظهر لي
توجهه إلا أن يكون المراد ما قيل في سبب اقتراضه صلى الله عليه وسلم وأنه كان اقترضه لبعض
المحتاجين من أهل الصدقة فلما جاءت الصدقة أوفى صاحبه منها ولا يعكر عليه أنه أوفاه أزيد من
حقه من مال الصدقة لاحتمال أن يكون المقترض منه كان أيضا من أهل الصدقة إما من جهة
43

الفقر أو التألف أو غير ذلك بجهتين جهة الوفاء في الأصل وجهة الاستحقاق في الزائد وقيل كان
اقترضه في ذمته فلما حل الاجل ولم يجد الوفاء صار غارما فجاز له الوفاء من الصدقة وقيل كان
اقتراضه لنفسه فلما حل الاجل اشترى من إبل الصدقة بعيرا ممن استحقه أو اقترضه من آخر أو
من مال الصدقة ليوفيه بعد ذلك والاحتمال الأول أقوى ويؤيده سياق حديث أبي رافع والله
أعلم (تنبيه) هذا الحديث من غرائب الصحيح قال البزار لا يروي عن أبي هريرة إلا بهذا
الاسناد ومداره على سلمة بن كهيل وقد صرح في هذا الباب بأنه سمعه من أبي سلمة بن عبد الرحمن
بمنى وذلك لما حج والله أعلم (قوله باب حسن التقاضي) أي استحباب حسن
المطالبة أورد فيه حديث حذيفة في قصة الرجل الذي كان يتجوز عن الموسر ويخفف عن
المعسر وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب من أنظر معسرا من كتاب البيوع وقوله في هذه
الرواية فقيل له فقال فيه حذف تقديره فقيل له ما كنت تصنع ووقع هنا في رواية المستملى
فقيل له ما كنت تقول وشيخ البخاري فيه هو مسلم بن إبراهيم وعبد الملك هو ابن عمير
(قوله باب هل يعطي أكبر من سنة) هو بضم أول يعطي على البناء للمجهول
وأورد فيه حديث أبي هرير الماضي قبل باب وقد تقدم شرحه مستوفى فيه ويحيى المذكور
فيه هو القطان وسفيان شيخه هو الثوري وسيأتي بعد ستة أبواب من روايته عن شيخ له آخر
وهو شعبة (قوله باب حسن القضاء) أي استحباب حسن أداء الدين وأورد
فيه الحديث المذكور وهو ظاهر فيما ترجم له (قوله سن) أي جمل له سن معين وقوله في هذه
الرواية أوفيتني أوفى الله بك وقع في رواية يحيى القطان في الباب الذي قبله أوفيتني أوفاك الله
ثم أورد فيه حديث جابر أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفيه وكان لي عليه دين فقضاني وزادني
وقد تقدم في مواضع وفي بعضها بيان قدر الزيادة وأنها قيراط وهو في الوكالة ويأتي الكلام
عليه مستوفى في كتاب الشروط (قوله باب إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز)
قال ابن بطال هكذا وقعت هذه الترجمة في النسخ كلها والصواب وحلله بإسقاط الألف
(قلت) رأيته في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري بالواو وكذا في رواية النسفي عن
البخاري وفي مستخرج الإسماعيلي لكن بقية الروايات بلفظ أو قال ابن بطال لأنه يجوز
أن يقضى دون الحق بغير محالة ولو حلله من جميع الدين جاز عند جميع العلماء فكذلك إذا
حلله من بعضه اه ووجهه ابن المنير بأن المراد إذا قضى دون حقه برضا صاحب الدين
أو حلله صاحب الدين من جميع حقه فهو جائز ثم أورد فيه حديث جابر في دين أبيه وفيه فسألتهم
أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي وهذا القدر هو المراد في هذه الترجمة فسيأتي في الباب الذي يليه
أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل غريمه في ذلك وسيأتي من هذه الطريق أتم مما هنا في كتاب الهبة
ويأتي الكلام عليه مستوفى في علامات النبوة إن شاء الله تعالى وقوله في هذه الرواية عن ابن
كعب بن مالك ذكر أبو مسعود وخلف في الأطراف وتبعهما الحميدي أنه عبد الرحمن وذكر المزي
انه عبد الله واستدل بأن ابن وهب روى الحديث عن يونس بالسند الذي في هذا الباب فسماه
عبد الله (قلت) والرواية بذلك عند الإسماعيلي إلا أنه قال فيه أن جابرا قتل أبوه وصورته مرسل
فإنه لم يقل إن جابرا أخبره ولا حدثه ولكن هذا القدر كاف في كونه عبد الله لا عبد الرحمن نعم
44

روى الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن جابر قصة شهداء أحد كما مضى في الجنائز وذلك هو
الحامل لهم على تفسيره هنا به والله أعلم (قوله باب إذا قاص أو جازفه في الدين)
أي عند الأداء فهو جائز تمرا بتمر أو غيره قال المهلب لا يجوز عند أحد من العلماء أن يأخذ من له
دين تمر من غريمه تمرا مجازفة بدينه لما فيه من الجهل والغرر وإنما يجوز أن يأخذ مجازفة في حقه
أقل من دينه إذا علم الآخذ ذلك ورضي أه وكأنه أراد بذلك الاعتراض على ترجمة البخاري
ومراد البخاري ما أثبته المعترض لا ما نفاه وغرضه بيان أنه يغتفر في القضاء من المعارضة
ما لا يغتفر ابتداء لان بيع الرطب بالتمر لا يجوز في غير العرايا ويجوز في المعاوضة عند الوفاء وذلك
بين في حديث الباب فإنه صلى الله عليه وسلم سأل الغريم أن يأخذ تمر الحائط وهو مجهول القدر
في الأواسق التي هي له وهي معلومة وكان تمر الحائط دون الذي له كما وقع التصريح بذلك في كتاب
الصلح من وجه آخر وفيه فأبوا ولم يروا فيه وفاء وقد أخذ الدمياطي كلام المهلب فاعترض به
فقال هذا لا يصح ثم اعتل بنحو ما ذكره المهلب وتعقبه بن المنير بنحو ما أجبت به فقال بيع المعلوم
بالمجهول مزابنة فإن كان تمرا نحوه فمزابنة وربا لكن اغتفر ذلك في الوفاء لان التفاوت متحقق
في العرف فيخرج عن كونه مزابنة وسيأتي الكلام على بقية فوائده في علامات النبوة إن شاء
الله تعالى وقوله في هذا الاسناد حدثنا أنس هو ابن عياض أبو ضمرة وهشام هو ابن عروة ووهب
هو ابن كيسان والاسناد كله مدنيون (قوله باب من استعاذ من الدين حدثنا
أبو اليمان) تقدم بهذا الاسناد والمتن في أواخر صفة الصلاة وسياقه هناك أتم وتقدم شرحه ثم
والسياق الذي هنا كأنه للاسناد الثاني ويؤيده أن رواية أبي اليمان المفردة هناك صرح فيها
بالاخبار من عروة للزهري وذكر ههنا بالعنعنة وإسماعيل المذكور هنا هو ابن أبي أويس وأخوه
هو عبد الحميد أبو بكر وهو بكنيته أشهر وسليمان هو ابن بلال والاسناد كله مدنيون قال المهلب
يستفاد من هذا الحديث سد الذرائع لأنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من الدين لأنه في الغالب
ذريعة إلى الكذب في الحديث والخلف في الوعد مع ما لصاحب الدين عليه من المقال اه
ويحتمل أن يراد بالاستعاذة من الدين الاستعاذة من الاحتياج إليه حتى لا يقع في هذه الغوائل
أو من عدم القدرة على وفائه حتى لا تبقى تبعته ولعل ذلك هو السر في إطلاق الترجمة ثم رأيت في
حاشية ابن المنير لا تناقض بين الاستعاذة من الدين وجواز الاستدانة لان الذي أستعيذ منه
غوائل الدين فمن أدان وسلم منها فقد أعاذه الله وفعل جائزا (قوله باب الصلاة
على من ترك دينا) قال ابن المنير أراد بهذه الترجمة أن الدين لا يخل بالدين وأن الاستعاذة منه
ليست لذاته بل لما يخشى من غوائله وأورد الحديث الذي فيه من ترك دينا فليأتني وأشار به
45

إلى بقيته وهو أنه كان لا يصلي على من عليه دين فلما فتحت الفتوح صار يصلي عليه وقد مضى
بتمامه في الكفالة ويأتي بقية شرحه في تفسير الأحزاب وفي الفرائض إن شاء الله تعالى وقوله
كلا بالفتح والتشديد أي عيالا وقوله ضياعا بفتح المعجمة أي عيالا أيضا قال الخطابي جعل اسما
لكل ما هو بصدد أن يضيع من ولد أو خدم وأنكر الخطابي كسر الضاد وجوزه غيره على أنه
جمع ضائع كجياع وجائع (قوله باب مطل الغني ظلم) ترجم بلفظ الحديث وهو
طرف من حديث مضى تاما في الحوالة مع الكلام عليه وعبد الاعلى الذي في الاسناد هو ابن
عبد الاعلى البصري (قوله باب لصاحب الحق مقال) ذكر فيه حديث أبي
هريرة المقدم قريبا وهو نص في ذلك وذكر الحديث المعلق لما فيه من تفسير المقال وقد
تقدم شرح حديث أبي هريرة قريبا (قوله ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم لي الواجد
يحل عرضه وعقوبته) اللي بالفتح المطل لوي يلوي والواجد بالجيم الغني من الوجد بالضم بمعنى
القدرة ويحل بضم أوله أي يجوز وصفه بكونه ظالما والحديث المذكور وصله أحمد وإسحاق
في مسنديهما وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن الشريد بن أوس الثقفي عن أبيه بلفظه
واسناده حسن وذكر الطبراني أنه لا يروي إلا بهذا الاسناد (قوله قال سفيان عرضه يقول
مطلني وعقوبته الحبس) وصله البيهقي من طريق الفريابي وهو من شيوخ البخاري عن سفيان
بلفظ عرضه أن يقول مطلني حقي وعقوبته أن يسجن وقال إسحاق فسر سفيان عرضه أذاه
بلسانه وقال أحمد لما رواه وكيع بسنده قال وكيع عرضه شكايته وقال كل منهما عقوبته
حبسه واستدل به على مشروعية حبس المدين إذا كان قادرا على الوفاء تأديبا له وتشديدا عليه
كما سيأتي نقل الخلاف فيه وبقوله الوجد على أن المعسر لا يحبس تنبيه وقع في الرافعي في
المتن المرفوع لي الواجد ظلم وعقوبته حبسه وهو تغيير وتفسير العقوبة بالحبس إنما هو من
بعض الرواة كما ترى (قوله باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض
والوديعة فهو أحق به) المفلس شرعا من تزيد ديونه على موجوده سمي مفلسا لأنه صار ذا فلوس
بعد أن كان ذا دراهم ودنانير إشارة إلى أنه صار لا يملك إلا أدنى الأموال وهي الفلوس أو سمي بذلك
لأنه يمنع التصرف إلا في الشئ التافه كالفلوس لانهم ما كانوا يتعاملون بها إلا في الأشياء الحقيرة
أو لأنه صار إلى حالة لا يملك فيها فلسا فعلى هذا فالهمزة في أفلس للسلب وقوله في البيع إشارة إلى
ما ورد في بعض طرقه نصا وقوله والقرض هو بالقياس عليه أو لدخوله في عموم الخبر وهو قول
الشافعي في آخرين والمشهور عن المالكية التفرقة بين القرض والبيع وقوله والوديعة هو
بالاجماع وقال ابن المنير أدخل هذه الثلاثة إما لان الحديث مطلق وإما لأنه وارد في البيع
والآخران أولى لان ملك الوديعة لم ينتقل والمحافظة على وفاء من اصطنع بالقرض معروفا مطلوب
(قوله وقال الحسن إذا أفلس وتبين لم يجز عتقه ولا بيعه ولا شراؤه) أما قوله وتبين فإشارة إلى أنه
لا يمنع التصرف قبل حكم الحاكم وأما العتق فمحله ما إذا أحاط الدين بماله فلا ينفذ عتقه ولا هبته
ولا سائر تبرعاته وأما البيع والشراء فالصحيح من قول العلماء أنهما لا ينفذان أيضا إلا إذا وقع
منه البيع لوفاء دين وقال بعضهم يوقف وهو قول الشافعي واختلف في إقراره فالجمهور على
قبوله وكأن البخاري أشار بأثر الحسن إلى معارضة قول إبراهيم النخعي بيع المحجور وابتياعه
46

جائز (قوله وقال سعيد بن المسيب قضى عثمان) أي ابن عفان الخ وصله أبو عبيد في كتاب الأموال
والبيهقي بإسناد صحيح إلى سعيد ولفظه أفلس مولى لام حبيبة فاختصم فيه إلى عثمان فقضى فذكره
وقال فيه قبل أن يبين إفلاسه بدل قوله قبل أن يفلس والباقي سواء (قوله حدثنا زهير) هو ابن
معاوية الجعفي ويحيى بن سعيد هو الأنصاري وفي هذا السند أربعة من التابعين هو أولهم وكلهم
ولى القضاء وكلهم سوى أبي بكر بن عبد الرحمن من طبقة واحدة (قوله قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم أو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو شك من أحد رواته وأظنه من زهير فانى
لم أر في رواية أحد ممن رواه عن يحيى مع كثرتهم فيه التصريح بالسماع وهذا مشعر بأنه كان لا يرى
الرواية بالمعنى أصلا (قوله من أدرك ماله بعينه) استدل به على أن شرط استحقاق صاحب المال
دون غيره أن يجد ماله بعينه لم يتغير ولم يتبدل وإلا فإن تغيرت العين في ذاتها بالنقص مثلا أو في
صفة من صفاتها فهي أسوة للغرماء وأصرح منه رواية ابن أبي حسين عن أبي بكر بن محمد بسند
حديث الباب عند مسلم بلفظ إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه ووقع في رواية مالك عن بن شهاب
عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث مرسلا أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض
البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به فمفهومه أنه إذا قبض من ثمنه شيئا كان أسوة الغرماء
وبه صرح ابن شهاب فيما رواه عبد الرزاق عن معمر عنه وهذا وإن كان مرسلا فقد وصله عبد
الرزاق في مصنفه عن مالك لكن المشهور عن مالك إرساله وكذا عن الزهري وقد وصله الزبيدي
عن الزهري أخرجه أبو داود وابن خزيمة وابن الجارود ولابن أبي شيبة عن عمر بن عبد العزيز
أحد رواة هذا الحديث قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أحق به من الغرماء الا أن
يكون اقتضى من ماله شيئا فهو أسوة الغرماء واليه يشير اختيار البخاري لاستشهاده بأثر عثمان
المذكور وكذلك رواه عبد الرزاق عن طاوس وعطاء صحيحا وبذلك قال جمهور من أخذ بعموم
حديث الباب إلا أن للشافعي قولا هو الراجح في مذهبه أن لا فرق بين تغير السلعة أو بقائها
ولا بين قبض بعض ثمنها أو عدم قبض شئ منه على التفاصيل المشروحة في كتب الفروع (قوله
عند رجل أو إنسان) شك من الراوي أيضا (قوله قد أفلس) أي تبين إفلاسه (قوله فهو أحق به
من غيره) أي كائنا من كان وارثا وغريما وبهذا قال جمهور العلماء وخالف الحنفية فتأولوه
لكونه خبر واحد خالف الأصول لان السلعة صارت بالبيع ملكا للمشتري ومن ضمانه
واستحقاق البائع أخذها منه نقض لملكه حملوا الحديث على صورة وهي ما إذا كان المتاع
وديعة أو عارية أو لقطة وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يقيد بالفلس ولا جعل أحق بها لما يقتضيه
صيغة أفعل من الاشتراك وأيضا فما ذكروه ينتقض بالشفعة وأيضا فقد ورد التنصيص في
حديث الباب على أنه في صورة المبيع وذلك فيما رواه سفيان الثوري في جامعه وأخرجه من
طريقه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما عن يحيى بن سعيد بهذا الاسناد بلفظ إذا ابتاع الرجل
سلعة ثم أفلس وهي عنده بعينها فهو أحق بها من الغرماء ولابن حبان من طريق هشام بن يحيى
المخزومي عن أبي هريرة بلفظ إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته والباقي مثله ولمسلم في رواية
ابن أبي حسين المشار إليها قبل إذا وجد عنده المتاع أنه لصاحبه الذي باعه وفي مرسل ابن أبي
مليكة عند عبد الرزاق من باع سلعة من رجل لم ينقده ثم أفلس الرجل فوجدها بعينها فليأخذها
47

من بين الغرماء وفي مرسل مالك المشار إليه أيما رجل باع متاعا وكذا هو عند من قدمنا أنه وصله
فظهر أن الحديث وارد في صورة البيع ويلتحق به القرض وسائر ما ذكر من باب الأولى
* (تنبيه) وقع في الرافعي سيا الحديث بلفظ الثوري الذي قدمته فقال السبكي في شرح
المنهاج هذا الحديث أخرجه مسلم بهذا اللفظ وهو صريح في المقصود فإن اللفظ المشهور أي
الذي في البخاري عام أو محتمل بخلاف لفظ البيع فإنه نص لا احتمال فيه وهو لفظ مسلم قال وجاء
بلفظه بسند آخر صحيح انتهى واللفظ المذكور ما هو في صحيح مسلم وإنما فيه ما قدمته والله
المستعان وحمله بعض الحنفية أيضا على ما إذا أفلس المشتري قبل أن يقبض السلعة وتعقب
بقوله في حديث الباب عند رجل ولابن حبان من طريق سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد ثم
أفلس وهى عنده وللبيهقي من طريق ابن شهاب عن يحيى إذا أفلس الرجل وعنده متاع فلو كان
لم يقبضه ما نص في الخبر على أنه عنده واعتذارهم بكونه خبر واحد فيه نظر فإنه مشهور من
غير هذا الوجه أخرجه ابن حبان من حديث ابن عمر وإسناده صحيح وأخرجه أحمد وأبو داود من
حديث سمرة وإسناده حسن وقضى به عثمان وعمر بن عبد العزيز كما مضى وبدون هذا يخرج
الخبر عن كونه فردا غريبا قال ابن المنذر لا نعرف لعثمان في هذا مخالفا من الصحابة وتعقب
بما روى ابن أبي شيبة عن علي أنه أسوة الغرماء وأجيب بأنه اختلف على علي في ذلك بخلاف
عثمان وقال القرطبي في المفهم تعسف بعض الحنفية في تأويل هذا الحديث بتأويلات لا تقوم
على أساس وقال النووي تأوله بتأويلات ضعيفة مردودة انتهى واختلف القائلون في صور
وهى ما إذا مات ووجدت السلعة فقال الشافعي الحكم كذلك وصاحب السلعة أحق بها من
غيره وقال مالك وأحمد هو أسوة الغرماء واحتجا بما في مرسل مالك وأن مات الذي ابتاعه
فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء وفرقوا بين الفلس والموت بأن الميت خربت ذمته فليس للغرماء
محل يرجعون إليه فاستووا في ذلك بخلاف المفلس واحتج الشافعي بما رواه من طريق عمر بن
خلدة قاضى المدينة عن أبي هريرة قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل مات
أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه وهو حديث حسن يحتج بمثله أخرجه أيضا
أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه الحاكم وزاد بعضهم في آخره إلا أن يترك صاحبه وفاء ورجحه
الشافعي على المرسل وقال يحتمل أن يكون آخره من رأي أبي بكر بن عبد الرحمن لان الذين وصلوه
عنه لم يذكروا قضية الموت وكذلك الذين رووا عن أبي هريرة وغيره لم يذكروا ذلك بصرح بن
خلدة عن أبي هريرة بالتسوية بين الافلاس والموت فتعين المصير إليه لأنها زيادة من ثقة وجزم
ابن العربي المالكي بأن الزيادة التي في مرسل مالك من قول الراوي وجمع الشافعي أيضا بين
الحديثين بحمل حديث بن خلدة على ما إذا مات مفلسا وحديث أبي بكر بن عبد الرحمن على
ما إذا مات مليئا والله أعلم ومن فروع المسألة ما إذا أراد الغرماء أو الورثة إعطاء صاحب السلعة
الثمن فقال مالك يلزمه القبول وقال الشافعي وأحمد لا يلزمه ذلك لما فيه من المنة ولأنه ربما ظهر
غريم آخر فزاحمه فيما أخذ وأغرب ابن التين فحكى عن الشافعي أنه قال لا يجوز له ذلك وليس به
الا سلعته ويلتحق بالمبيع المؤجر فيرجع مكتري الدابة أو الدار إلى عين دابته وداره ونحو ذلك
وهذا هو الصحيح عند الشافعية والمالكية وادراج الإجارة في هذا الحكم متوقف على أن
48

المنافع يطلق عليها اسم المتاع أو المال أو يقال اقتضى الحديث أن يكون أحق بالعين ومن لوازم
ذلك الرجوع في المنافع فثبت بطريق اللزوم واستدل به على حلول الدين المؤجل بالفلس من حيث إن
صاحب الدين أدرك متاعه بعينه فيكون أحق به ومن لوازم ذلك أن يجوز له المطالبة بالمؤجل
وهو قول الجمهور لكن الراجح عند الشافعية أن المؤجل لا يحل بذلك لان الاجل حق مقصود له
فلا يفوت واستدل به على أن لصاحب المتاع أن يأخذه وهو الأصح من قولي العلماء والقول
الاخر يتوقف على حكم الحاكم كما يتوقف ثبوت الفلس واستدل به على فسخ البيع إذا امتنع
المشترى من أداء الثمن مع قدرته بمطل أو هرب قياسا على الفلس بجامع تعذر الوصول إليه حالا
والأصح من قولي العلماء أنه لا يفسخ واستدل به على أن الرجوع إنما يقع في عين المتاع دون زوائده
المنفصلة لأنها حدثت على ملك المشتري وليست بمتاع البائع والله أعلم (قوله باب
من أخر الغريم إلى الغد أو نحوه ولم ير ذلك مطلا) ذكر فيه حديث جابر في قصة دين أبيه معلقا
وقد تقدم موصولا قريبا من طريق ابن كعب بن مالك عن جابر لكنه ليس فيه قوله ولم يكسره لهم
وذكرها في حديثه في كتاب الهبة كما سيأتي واستنبط من قوله صلى الله عليه وسلم سأغدو عليكم
جواز تأخير القسمة لانتظار ما فيه مصلحة لمن عليه الدين ولا يعد ذلك مطلا (تنبيه) سقطت
هذه الترجمة وحديثها من رواية النسفي ولم يذكرها ابن بطال ولا أكثر الشراح (قوله
باب من باع مال المفلس أو المعدم فقسمه بين الغرماء أو أعطاه حتى ينفق على نفسه)
ذكر فيه حديث المدبر مختصرا وسيأتي الكلام عليه في العتق قال ابن بطال لا يفهم من الحديث
معنى قوله في الترجمة فقسمه بين الغرماء لان الذي دبر لم يكن له مال غير الغلام كما سيأتي في الاحكام
وليس فيه أنه كان عليه دين وإنما باعه لان من سنته أن لا يتصدق المرء بماله كله ويبقى فقيرا ولذلك
قال خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى انتهى وأجاب بن المنير بأنه لما احتمل أن يكون باعه
عليه لما ذكر الشارح واحتمل أن يكون باعه عليه لكونه مديانا ومال المديان إما أن يقسمه
الامام بنفسه أو يسلمه إلى المديان ليقسمه فلهذا ترجم على التقديرين مع أن أحد الامرين يخرج
من الاخر لأنه إذا باعه عليه لحق نفسه فلان يبيعه عليه لحق الغرماء أولى انتهى والذي يظهر لي
ان في الترجمة لفا ونشرا والتقدير من باع مال المفلس فقسمه بين الغرماء ومن باع مال المعدم
فأعطاه حتى ينفق على نفسه وأو في الموضعين للتنويع ويخرج أحدهما من الآخر كما قال ابن
المنير وقد ثبت في بعض طرق حديث جابر في قصة المدبر أنه كان عليه دين أخرجه النسائي وغيره
وفى الباب حديث في ذلك أخرجه مسلم وأصحاب السنن من حديث أبي سعيد الخدري وفيه ان
النبي صلى الله عليه وسلم قال خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك وذهب الجمهور إلى أن من ظهر
فلسه فعلى الحاكم الحجر عليه في ماله حتى يبيعه عليه ويقسمه بين غرمائه على نسبة ديونهم وخالف
الحنفية واحتجوا بقصة جابر حيث قال في دين أبيه فلم يعطهم الحائط ولم يكسره لهم ولا حجة فيه
لأنه أخر القسمة ليحضر فتحصل البركة في الثمر بحضوره فيحصل الخير للفريقين وكذلك كان
(قوله باب إذا أقرضه إلى أجل مسمى أو أجله في البيع) أما القرض إلى أجل فهو
مما اختلف فيه والأكثر على جوازه في كل شئ ومنعه الشافعي وأما البيع إلى أجل فجائز اتفاقا
وكأن البخاري احتج للجواز في القرض بالجواز في البيع مع ما استظهر به من أثر بن عمر وحديث أبي
49

هريرة (قوله وقال ابن عمر الخ) وصله بن أبي شيبة من طريق المغيرة قال قلت لابن عمر إني أسلف
جيراني إلى العطاء فيقضوني أجود من دراهمي قال لا بأس به ما لم تشترط وروى مالك في الموطأ
باسناد صحيح أن بن عمر استسلف من رجل دراهم فقضاه خيرا منها وقد تقدم الكلام على هذا
الشق في باب استقراض الإبل (قوله وقال عطاء وعمرو بن دينار هو إلى أجله في القرض) وصله
عبد الرزاق عن ابن جريج عنهما (قوله وقال الليث الخ) ذكر طرفا من حديث الذي أسلف ألف
دينار وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب الكفالة (قوله باب الشفاعة في وضع
الدين) أي في تخفيفه ذكر فيه حديث جابر في دين أبيه وفيه حديثه في قصة بيع الجمل جمعهما
في سياق واحد والمقصود منه قوله فطلبت إلى أصحاب الدين أن يضعوا بعضا فأبوا فاستشفعت
بالنبي صلى الله عليه وسلم عليهم فأبوا الحديث وقوله في هذه الرواية صنف تمرك أي اجعل كل
صنف وحده وقوله على حدة بكسر الحاء وتخفيف الدال أي على انفراد وقوله عذق ابن زيد بفتح
العين وسكون الذال المعجمة نوع جيد من التمر والعذق بالفتح النخلة واللين بكسر اللام وسكون
التحتانية نوع من التمر وقيل هو الردئ وقوله فأزحف بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح المهملة
أي كل وأعيا وأصله أن البعير إذا تعب يجر رسنه وكأنهم كنوا بقولهم أزحف رسنه أي جره من
الاعياء ثم حذفوا المفعول لكثرة الاستعمال وحكى بن التين أن في بعض النسخ بضم الهمزة
وزعم أن الصواب زحف الجمل من الثلاثي وكأنه لم يقف على ما قدمناه وقوله ووكزه كذا للأكثر
بالواو أي ضربه بالعصا وفي رواية أبي ذر عن المستملي والحموي وركزه بالراء أي ركز فيه العصا
والمراد المبالغة في ضربه بها وسيأتي بقية الكلام على دين أبيه في علامات النبوة وعلى بيع جمله
في الشروط إن شاء الله تعالى (قوله باب ما ينهى عن إضاعة المال وقول الله
تبارك وتعالى والله لا يحب الفساد) كذا للأكثر ووقع في رواية النسفي إن الله لا يحب الفساد
والأول هو الذي وقع في التلاوة (قوله ولا يصلح عمل المفسدين) كذا للأكثر ولابن شبويه
والنسفي لا يحب بدل لا يصلح قيل وهو سهو ووجهه عندي إن ثبت أنه لم يقصد التلاوة لان أصل
التلاوة إن الله لا يصلح عمل المفسدين (قوله وقال أصلواتك تأمرك أن نترك إلى قوله ما نشاء) قال
المفسرون كان ينهاهم عن افسادها فقالوا ذلك أي إن شئنا حفظناها وإن شئنا طرحناها (قوله
وقال ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) الآية قال الطبري بعد أن حكى أقوال المفسرين في المراد
بالسفهاء الصواب عندنا أنها عامة في حق كل سفيه صغيرا كان أو كبيرا ذكرا كان أو أنثى
والسفيه هو الذي يضيع المال ويفسده بسوء تدبيره (قوله والحجر في ذلك) أي في السفه وهو
50

معطوف على قوله إضاعة المال والحجر في اللغة المنع وفي الشرع المنع من التصرف في المال
فتارة يقع لمصلحة المحجور عليه وتارة لحق غير المحجور عليه والجمهور على جواز الحجر على الكبير
وخالف أبو حنيفة وبعض الظاهرية ووافق أبو يوسف ومحمد قال الطحاوي لم أر عن أحد من
الصحابة منع الحجر عن الكبير ولا عن التابعين إلا عن إبراهيم النخعي وابن سيرين ومن حجة
الجمهور حديث بن عباس أنه كتب إلى نجدة وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم فلعمري ان
الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الاخذ لنفسه ضعيف العطاء فإذا أخذ لنفسه من صالح ما أخذ
الناس فقد ذهب عنه اليتم وهو وأن كان موقوفا فقد ورد ما يؤيده كما سيأتي بعد بابين (قوله
وما ينهى عن الخداع) أي في حق من يسئ التصرف في ماله وأن لم يحجر عليه ثم ساق المصنف
حديث بن عمر في قصة الذي كان يخدع في البيوع وقد تقدم الكلام عليه في باب ما يكره من
الخداع في البيع من كتاب البيوع وفيه توجيه الاحتجاج به للحجر على الكبير ورد قول من
احتج به لمنع ذلك والله المستعان (قوله حدثني عثمان) هو بن أبي شيبة وجرير هو بن عبد الحميد
ومنصور هو بن المعتمر والاسناد كله كوفيون لكن سكن جرير الري ومنصور وشيخه وشيخ شيخه
تابعيون في نسق (قوله إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات) قيل خص الأمهات بالذكر لان
العقوق إليهن أسرع من الآباء لضعف النساء ولينبه على أن بر الام مقدم على بر الأب في التلطف
والحنو ونحو ذلك والمقصود من إيراد هذا الحديث هنا قوله فيه وإضاعة المال وقد قال
الجمهور إن المراد به السرف في إنفاقه وعن سعيد بن جبير إنفاقه في الحرام وسيأتي بقية الكلام
عليه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (قوله باب العبد راع في مال سيده ولا يعمل
الا باذنه) ذكر فيه حديث بن عمر كلكم راع ومسئول عن رعيته وفيه والخادم في مال سيده وهو
مسؤول كذا في رواية أبي ذر ولغيره في مال سيده راع وهو مسؤول ولفظ الترجمة يأتي في النكاح
من طريق أيوب عن نافع عن بن عمر فذكر الحديث وفيه والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول
وكأن المصنف استنبط قوله ولا يعمل إلا بإذنه من قوله وهو مسؤول لأن الظاهر أنه يسأل هل جاوز
ما أمره به أو وقف عنده (قوله فسمعت هؤلاء من النبي صلى الله عليه وسلم وأحسب أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال والرجل راع في مال أبيه) هذا ظاهر في أن القائل وأحسب هو بن عمر
وقد قدمت جزم الكرماني في باب الجمعة في القرى بأنه يونس الراوي له عن الزهري وتعقبته
وسيأتى الكلام على شرح الحديث في أول الاحكام إن شاء الله تعالى
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
(ما يذكر في الاشخاص والخصومة بين المسلم واليهود)
كذا للأكثر ولبعضهم واليهودي بالافراد زاد أبو ذر أوله في الخصومات وزاد في أثنائه والملازمة
والاشخاص بكسر الهمزة إحصار الغريم من موضع إلى موضع يقال شخص بالفتح من بلد إلى
بلد وأشخص غيره والملازمة مفاعلة من اللزوم والمراد أن يمنع الغريم غريمه من التصرف حتى
يعطيه حقه ثم ذكر في هذا الباب أربعة أحاديث الأول (قوله عبد الملك بن ميسرة أخبرني)
هو من تقديم الراوي على الصيغة وهو جائز عندهم وابن ميسرة المذكور هلالي كوفي تابعي
51

يقال له الزراد بزاي ثم راء ثقيلة وشيخه النزال بفتح النون وتشديد الزاي بن سبرة بفتح المهملة
وسكون الموحدة هلالي أيضا من كبار التابعين وذكره بعضهم في الصحابة لادراكه وليس له في البخاري
سوى هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود وآخر في الأشربة عن علي وقد أعاد حديث الباب في
أحاديث الأنبياء وفي فضائل القرآن ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك والمقصود منه هنا قوله
فأخذت بيده فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه المناسب للترجمة (قوله سمعت رجلا)
سيأتي أنه يحتمل أن يفسر بعمر رضي الله عنه (قوله آية) في المبهمات للخطيب أنها من سورة
الأحقاف (قوله قال شعبة) هو بالاسناد المذكور وقوله أظنه قال فاعل القول رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو بالاسناد المذكور الثاني والثالث حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد في قصة
اليهودي الذي لطمه المسلم حيث فقال والذي اصطفى موسى وسيأتي الكلام عليهما في أحاديث
الأنبياء وقوله في حديث أبي سعيد والذي اصطفى موسى على البشر كذا للأكثر وللكشميهني على
النبيين الحديث الرابع حديث أنس في قصة اليهودي الذي رض رأس الجارية وسيأتي الكلام
عليه في كتاب الديات إن شاء الله تعالى (قوله باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل
وان لم يكن حجر عليه الامام يعني وفاقا لابن القاسم وقصره أصبغ على من ظهر سفهه وقال غيره
من المالكية لا يرد مطلقا إلا ما تصرف فيه بعد الحجر وهو قول الشافعية وغيرهم واحتج ابن
القاسم بقصة المدبر حيث رد النبي صلى الله عليه وسلم بيعه قبل الحجر عليه واحتج غيره بقصة الذي
كان يخدع في البيوع حيث لم يحجر عليه ولم يفسخ ما تقدم من بيوعه وأشار البخاري بما ذكر من
أحاديث الباب إلى التفصيل بين من ظهرت منه الإضاعة فيرد تصرفه فيما إذا كان في الشئ
الكثير أو المستغرق وعليه تحمل قصة المدبر وبين ما إذا كان في الشئ اليسير أو جعله له شرطا
يأمن به من إفساد ماله فلا يرد وعليه تحمل قصة الذي كان يخدع (قوله ويذكر عن جابر أن
النبي صلى الله عليه وسلم رد على المتصدق قبل النهي ثم نهاه) قال عبد الحق مراده قصة الذي
دبر عبدة فباعه النبي صلى الله عليه وسلم وكذا أشار إلى ذلك ابن بطال ومن بعده حتى جعله
مغلطاي حجة في الرد علي بن الصلاح حيث قرر أن الذي يذكره البخاري بغير صيغة الجزم لا يكون
حاكما بصحته فقال مغلطاي قد ذكره بغير صيغة الجزم هنا وهو صحيح عنده وتعقبه شيخنا في
النكت علي بن الصلاح بأن البخاري لم يرد بهذا التعليق قصة المدبر وإنما أراد قصة الرجل الذي
دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فأمرهم فتصدقوا عليه فجاء في الثانية فتصدق عليه
52

بأحد ثوبيه فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو حديث ضعيف أخرجه الدارقطني وغيره
(قلت) لكن ليس هو من حديث جابر وإنما هو حديث أبي سعيد الخدري وليس بضعيف بل هو
اما صحيح وإما حسن أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم وقد
بسطت ذلك فيما كتبته علي بن الصلاح والذي ظهر لي أولا أنه أراد حديث جابر في قصة الرجل
الذي جاء ببيضة من ذهب أصابها في معدن فقال يا رسول الله خذها مني صدقة فوالله مالي مال
غيرها فأعرض عنه فأعاد فخذفه بها ثم قال يأتي أحدكم بماله لا يملك غيره فيتصدق به ثم يقعد بعد
ذلك يتكفف الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى وهو عند أبي داود وصححه بن خزيمة ثم ظهر لي ان
البخاري إنما أراد قصة المدبر كما قال عبد الحق وإنما لم يجزم به لان القدر الذي يحتاج إليه في هذه
الترجمة ليس على شرطه وهو من طريق أبي الزبير عن جابر أنه قال أعتق رجل من بني عذرة عبدا
له عن دبر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألك مال غيره فقال لا الحديث وفيه ثم
قال ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شئ فلأهلك الحديث وهذه الزيادة تفرد بها أبو الزبير
عن جابر وليس هو من شرط البخاري والبخاري لا يجزم غالبا إلا بما كان على شرطه والله أعلم (قوله
وقال مالك الخ) هكذا أخرجه بن وهب في موطئه وأخذ مالك ذلك من قصة المدبر كما ترى
(قوله ومن باع على الضعيف ونحوه فدفع ثمنه إليه وأمره بالاصلاح الخ) هكذا للجميع ولأبي
ذر هنا باب من باع الخ والأول أليق وقد تقدم توجيه ما ذكره في هذا الموضع وأنه لا يمنع من
التصرف إلا بعد ظهور الافساد وقد مضى الكلام على حديث النهي عن إضاعة المال قبل بابين
وحديث الذي يخدع في كتاب البيوع ويأتي حديث المدبر في كتاب العتق إن شاء الله تعالى (قوله
باب كلام الخصوم بعضهم في بعض) أي فيما لا يوجب حدا ولا تعزيرا فلا يكون ذلك
من الغيبة المحرمة ذكر فيه أربعة أحاديث الأول والثاني حديث بن مسعود والأشعث في
نزول قوله تعالى أن الذين يشترون بعهد الله وقد تقدم قريبا في باب الخصومة في البئر والغرض
منه قوله قلت يا رسول الله إذا يحلف ويذهب بمالي فإنه نسبه إلى الحلف الكاذب ولم يؤاخذ بذلك
لأنه أخبر بما يعلمه منه في حال التظلم منه الثالث حديث كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدرد
53

دينا وقد تقدم الكلام عليه في باب التقاضي والملازمة في المسجد وليس الغرض منه هنا
قوله فارتفعت أصواتهما فإنه غير دال على ما ترجم به لكن أشار إلى قوله في بعض طرقه فتلاحيا
وقد تقدم أن ذلك كان سببا لرفع ليلة القدر فدل على أنه كان بينهما كلام يقتضي ذلك وهو الذي
يثبت ما ترجم به الرابع حديث عمر في قصته مع هشام بن حكيم في قراءة سورة الفرقان وفيه مع
انكاره عليه بالقول إنكاره عليه بالفعل وذلك على سبيل الاجتهاد منه ولذلك لم يؤاخذ به وسيأتى
الكلام عليه في فضائل القرآن (قوله باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من
البيوت بعد المعرفة) أي بأحوالهم أو بعد معرفتهم بالحكم ويكون ذلك على سبيل التأديب لهم
(قوله وقد أخرج عمر أخت أبي بكر حين ناحت) وصله ابن سعد في الطبقات بإسناد صحيح من
طريق الزهري عن سعيد بن المسيب قال لما توفي أبو بكر أقامت عائشة عليه النوح فبلغ عمر
فنهاهن فأبين فقال لهشام بن الوليد أخرج إلى بيت أبي قحافة يعني أم فروة فعلاها بالدرة ضربات
فتفرق النوائح حين سمعن بذلك ووصله إسحاق بن راهويه في مسنده من وجه آخر عن الزهري
وفيه فجعل يخرجهن امرأة امرأة وهو يضربهن بالدرة ثم ذكر المصنف حديث أبي هريرة في
إرادة تحريق البيوت على الذين لا يشهدون الصلاة وقد مضى الكلام عليه في باب وجوب صلاة
الجماعة وغرضه منه أنه إذا أحرقها عليهم بادروا بالخروج منها فثبت مشروعية الاقتصار على
اخراج أهل المعصية من باب الأولى ومحل إخراج الخصوم إذا وقع منهم من المراء والده
ما يقتضى ذلك (قوله باب دعوى الوصي للميت) أي عن الميت في الاستلحاق وغيره من
الحقوق ذكر فيه حديث عائشة في قصة سعد وابن زمعة قال بن المنير ما ملخصه دعو الوصي
عن الموصى عليه لا نزاع فيه وكأن المصنف أراد بيان مستند الاجماع وسيأتي مباحث الحديث
المذكور في كتاب الفرائض ومضى بأتم من هذا السياق في أوائل كتاب البيوع (قوله
باب التوثق ممن يخشى معرته) بفتح الميم والمهملة وتشديد الراء أي فساده وعبثه (قوله
وقيد بن عباس عكرمة على تعليم القرآن والسنن والفرائض) وصله بن سعد في الطبقات وأبو نعيم
في الحلية من طريق حماد بن زيد عن الزبير بن الخريت بكسر المعجمة والراء المشددة بعدها تحتانية
ساكنة ثم مثناة عن عكرمة قال كان بن عباس يجعل في رجلي الكبل فذكره والكبل بفتح
الكاف وسكون الموجدة بعدها لام هو القيد ثم ذكر حديث أبي هريرة في قصة ثمامة بن أثال
مختصرا والشاهد منه قوله فربطوه بسارية من سواري المسجد وسيأتي الكلام عليه مستوفى
في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى (قوله باب الربط والحبس في الحرم) كأنه
أشار بذلك إلى رد ما ذكر عن طاوس فعند بن أبي شيبة من طريق قيس بن سعد عنه أنه كان يكره
السجن بمكة ويقول لا ينبغي لبيت عذاب أن يكون في بيت رحمة فأراد البخاري معارضة قول
طاوس بأثر عمر وابن الزبير وصفوان ونافع وهم من الصحابة وقوى ذلك بقصة ثمامة وقد ربط في
مسجد المدينة وهي أيضا حرم فلم يمنع ذلك من الربط فيه (قوله واشترى نافع بن عبد الحارث
دارا للسجن بمكة الخ) وصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي من طرق عن عمرو بن دينار
54

عن عبد الرحمن بن فروخ به وليس لنافع بن عبد الحارث ولا لصفوان بن أمية في البخاري سوى
هذا الموضع واستشكل ما وقع فيه من الترديد في هذا البيع حيث قال إن رضي عمر فالبيع
بيعه وأن لم يرض فلصفوان أربعمائة ووجهه بن المنير بأن العهدة في ثمن المبيع على المشتري وان
ذكر انه يشتري لغيره لأنه المباشر للعقد اه وكأنه وقف مع ظاهر اللفظ المعلق ولم ير سياقه تماما
فظن أن الأربعمائة هي الثمن الذي اشترى به نافع وليس كذلك وإنما كان الثمن أربعة آلاف
وكان نافع عاملا لعمر على مكة فلذلك اشترط الخيار لعمر بعد أن أوقع العقد له كما صرح بذلك كله
من ذكرت أنهم وصلوه وأما كون نافع شرط لصفوان أربعمائة إن لم يرض عمر فيحتمل أن
يكون جعلها في مقابلة انتفاعه بتلك الدار إلى أن يعود الجواب من عمر وأخرج عمر بن شبة في
كتاب مكة عن محمد بن يحيى أبي غسان الكناني عن هشام بن سليمان عن بن جريج أن نافع بن
عبد الحارث الخزاعي كان عاملا لعمر على مكة فابتاع دارا للسجن من صفوان فذكر نحوه لكن
قال بدل الأربعمائة خمسمائة وزاد في آخره وهو الذي يقال له سجن عارم بمهملتين (قوله وسجن
ابن الزبير بمكة) وصله خليفة بن خياط في تاريخه وأبو الفرج الأصبهاني في الأغاني وغيرهما من
طرق منها ما رواه الفاكهي من طريق عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد يعني بن الحنفية قال
أخذني بن الزبير فحبسني في دار الندوة في سجن عارم فانفلت منه فلم أزل أتخطى الجبال حتى
سقطت على أبي بمنى وفي ذلك يقول كثير عزة يخاطب بن الزبير
تخبر من لاقيت أنك عابد * بل العابد المظلوم في سجن عارم
وذكر الفاكهي أنه قيل له سجن عارم لان عارما كان مولى لمصعب بن عبد الرحمن بن عوف فغضب
عليه فبنى له ذراعا في ذراع ثم سد عليه البناء حتى غيبه فيه فمات فسمي ذلك المكان سجن عارم
قال الفاكهي وكان السجن في دبر دار الندوة وذكر عمر بن شيبة أن سبب غضب مصعب على عارم
ان عارما كان منقطعا إلى عمرو بن سعيد بن العاص فلما جهز عمرو البعث بأمر يزيد بن معاوية
إلى بن الزبير بمكة صحبه عمرو بن الزبير وكان يعادي أخاه عبد الله فخرج عارم في ذلك الجيش
فظفر به مصعب ففعل به ما فعل ثم ذكر المصنف طرفا من حديث أبي هريرة في قصة ثمامة وقد
سبق في الباب الذي قبله (قوله باب في الملازمة) ذكر فيه حديث كعب بن مالك انه
كان له على عبد الله بن أبي حدرد دين وقد تقدم الكلام عليه في باب التقاضي والملازمة في المسجد
وقوله فيه حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن جعفر وقال غيره حدثني الليث فقال حدثني جعفر
ابن ربيعة وصله الإسماعيلي من طريق شعيب بن الليث عن أبيه ووقع في رواية الأصيلي وكريمة
قبل هذه الترجمة بسملة وسقطت للباقيين (قوله باب التقاضي) أي المطالبة ذكر
فيه حديث خباب بن الأرت في مطالبة العاصي بن وائل وسيأتي شرحه في تفسير سورة مريم إن شاء الله
تعالى خاتمة اشتمل كتاب الاستقراض وما معه من الحجر والتفليس وما اتصل به من
الاشخاص والملازمة على خمسين حديثا المعلق منها ستة المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية
وثلاثون حديثا والبقية خالصة وافقه مسلم على جميعها سوى حديث أبي هريرة من أخذ أموال
الناس يريد إتلافها وحديث ما أحب أن لي أحدا ذهبا وحديث لي الواجد وحديث ابن
55

مسعود في الاختلاف في القراءة وفيه من الآثار عن الصحابة ومن بعدهم اثنا عشر أثرا والله
أعلم (قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب اللقطة) كذا للمستملي والنسفي واقتصر الباقون
على البسملة وما بعدها واللقطة الشئ الذي يلتقط وهو بضم اللام وفتح القاف على المشهور وعند
أهل اللغة والمحدثين وقال عياض لا يجوز غيره وقال الزمخشري في الفائق اللقطة بفتح القاف
والعامة تسكنها كذا قال وقد جزم الخليل بأنها بالسكون قال وأما بالفتح فهو اللاقط وقال
الأزهري هذا الذي قاله هو القياس ولكن الذي سمع من العرب وأجمع عليه أهل اللغة والحديث
الفتح وقال ابن برى التحريك للمفعول نادر فاقتضى أن الذي قاله الخليل هو القياس وفيها لغتان
أيضا لقاطة بضم اللام ولقطة بفتحها وقد نظم الأربعة بن مالك حيث قال
لقاطة ولقطة ولقطه * ولقطة ما لاقط قد لقطه
ووجه بعض المتأخرين فتح القاف في المأخوذ أنه للمبالغة وذلك لمعنى فيها اختصت به وهو أن كل
من يراهم يميل لاخذها فسميت باسم الفاعل لذلك (قوله باب إذا أخبره رب اللقطة
بالعلامة دفع إليه أورد فيه حديث أبي بن كعب أصبت صرة فيها مائة دينار كذا للمستملي
وللكشميهني وجدت وللباقين أخذت ولم يقع في سياقه ما ترجم به صريحا وكأنه أشار إلى ما وقع
في بعض طرقه كما سيأتي ذكره (قوله حدثنا آدم حدثنا شعبة وحدثني محمد بن بشار حدثنا غندر
حدثنا شعبة) هكذا ساقه عاليا ونازلا والسياق للاسناد النازل وقد أخرجه البيهقي من طريق آدم
مطولا (قوله فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها) في رواية حماد بن سلمة وسفيان الثوري وزيد بن
أنيسة عند مسلم وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طريق الثوري وأحمد وأبو داود من
طريق حماد عن سلمة بن كهيل في هذا الحديث فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووعائها
ووكائها فاعطها إياه لفظ مسلم وأما قول أبي داود إن هذه الزيادة زادها حماد بن سلمة وهى
غير محفوظة فتمسك بها من حاول تضعيفها فلم يصب بل هي صحيحة وقد عرفت من وافق حمادا
عليها وليست شاذة وقد أخذ بظاهرها مالك وأحمد وقال أبو حنيفة والشافعي أن وقع في نفسه
صدقه جاز أن يدفع إليه ولا يجبر على ذلك إلا ببينة لأنه قد يصيب الصفة وقال الخطابي إن صحت
هذه اللفظة لم يجز مخالفتها وهي فائدة قوله اعرف عفاصها الخ وإلا فالاحتياط مع من لم ير الرد
الا بالبينة قال ويتأول قوله أعرف عفاصها على أنه أمره بذلك لئلا تختلط بماله أو لتكون الدعوى
فيها معلومة وذكر غيره من فوائد ذلك أيضا أن يعرف صدق المدعى من كذبه وأن فيه تنبيها على
حفظ الوعاء وغيره لان العادة جرت بالقائه إذا أخذت النفقة وأنه إذا نبه على حفظ الوعاء كان فيه
تنبيه على حفظ المال من باب الأولى (قلت) قد صحت هذه الزيادة فتعين المصير إليها وسيأتى
أيضا في حديث زيد بن خالد في آخر أبواب اللقطة وما اعتل به بعضهم من أنه إذا وصفها فأصاب
فدفعها إليه فجاء شخص آخر فوصفها فأصاب لا يقتضي الطعن في الزيادة فإنه يصير الحكم
حينئذ كما لو دفعها إليه بالبينة فجاء آخر فأقام بينة أخرى أنها له وفي ذلك تفاصيل للمالكية
وغيرهم وقال بعض متأخري الشافعية يمكن أن يحمل وجوب الدفع لمن أصاب الوصف على
ما إذا كان ذلك قبل التملك لأنه حينئذ مال ضائع لم يتعلق به حق ثان بخلاف ما بعد التملك فإنه
حينئذ يحتاج المدعي إلى البينة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي ثم قال أما إذا
56

صحت الزيادة فتخص صورة الملتقط من عموم البينة على المدعي والله أعلم وقوله وقوله أحفظ وعاءها
وعددها ووكاءها الوعاء بالمد وبكسر الواو وقد تضم وقرأ بها الحسن في قوله قبل وعاء أخيه وقرأ
سعيد بن جبير اعاء بقلب الواو المكسورة همزة والوعاء ما يجعل فيه الشئ سواء كان من جلد أو
خزف أو خشب أو غير ذلك والوكاء بكسر الواو والمد الخيط الذي يشد به الصرة وغيرها وزاد
في حديث زيد بن خالد العفاص وسيأتي ذكره وشرحه وحكم هذه العلامات في الباب الذي بعده
(قوله فلقيته بعد بمكة) القائل شعبة والذي قال لا أدري هو شيخه سلمة كهيل وقد بينه مسلم
من رواية بهز بن أسد عن شعبة أخبرني سلمة بن كهيل واختصر الحديث قال شعبة فسمعته بعد
عشر سنين يقول عرفها عاما واحدا وقد بينه أبو داود الطيالسي في مسنده أيضا فقال في آخر
الحديث قال شعبة فلقيت سلمة بعد ذلك فقال لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا وأغرب ابن
بطال فقال الذي شك فيه هو أبي بن كعب والقائل هو سويد بن غفلة انتهى ولم يصب في ذلك وان
تبعه جماعة منهم المنذري بل الشك فيه من أحد رواته وهو سلمة لما استثبته فيه شعبة وقد رواه
غير شعبة عن سلمة بن كهيل بغير شك جماعة وفيه هذه الزيادة وأخرجها مسلم من طريق الأعمش
والثوري وزيد بن أبي أنيسة وحماد بن سلمة كلهم عن سلمة وقال قالوا في حديثهم جميعا ثلاثة
أحوال الا حماد بن سلمة فإن في حديثه عامين أو ثلاثة وجمع بعضهم بين حديث أبي هذا وحديث
زيد بن خالد الآتي في الباب الذي يليه فإنه لم يختلف عليه في الاقتصار على سنة واحدة فقال يحمل
حديث أبي بن كعب على مزيد الورع عن التصرف في اللقطة والمبالغة في التعفف عنها وحديث
زيد على ما لا بد منه أو لاحتياج الأعرابي واستغناء أبي قال المنذري لم يقل أحد من أئمة الفتوى
ان اللقطة تعرف ثلاثة أعوام الا شئ جاء عن عمر انتهى وقد حكاه الماوردي عن شواذ من
الفقهاء وحكى بن المنذر عن عمر أربعة أقوال يعرفها
ثلاثة أحوال عاما واحدا ثلاثة أشهر ثلاثة أيام ويحمل ذلك على عظم اللقطة وحقارتها وزاد بن حزم عن عمر قولا خامسا وهو أربعة
أشهر وجزم بن حزم وابن الجوزي بأن هذه الزيادة غلط قال والذي يظهر أن سلمة أخطأ فيها ثم
تثبت واستذكر واستمر على عام واحد ولا يؤخذ إلا بما لم يشك فيه رواية وقال بن الجوزي
يحتمل ان يكون صلى الله عليه وسلم عرف أن تعريفها لم يقع على الوجه الذي ينبغي فأمر أبيا
بإعادة التعريف كما قال للمسئ صلاته ارجع فصل فإنك لم تصل انتهى ولا يخفى بعد هذا على
مثل أبى مع كونه من فقهاء الصحابة وفضلائهم وقد حكى صاحب الهداية من الحنفية رواية
عندهم أن الامر في التعريف مفوض لأمر الملتقط فعليه أن يعرفها إلى أن يغلب على ظنه
ان صاحبها لا يطلبها بعد ذلك والله أعلم وسيأتي بقية الكلام على حديث أبي بن كعب في أواخر
أبواب اللقطة قريبا إن شاء الله تعالى (قوله باب ضالة الإبل) أي هل تلتقط أم لا
والضال الضائع والضال في الحيوان كاللقطة في غيره والجمهور على القول بظاهر الحديث
في أنها لا تلتقط وقال الحنفية الأولى أن تلتقط وحمل بعضهم النهي على من التقطها ليتملكها
لا ليحفظها فيجوز له وهو قول الشافعية وكذا إذا وجدت بقرية فيجوز التملك على الأصح
عندهم والخلاف عند المالكية أيضا قال العلماء حكمة النهي عن التقاط الإبل أن بقاءها
حيث ضلت أقرب إلى وجدان مالكها لها من تطلبه لها في رحال الناس وقالوا في معنى الإبل
57

كل ما امتنع بقوته عن صغار السباع (قوله حدثنا عبد الرحمن) هو بن مهدي وسفيان هو
الثوري (قوله عن ربيعة) هو بن أبي عبد الرحمن المعروف بالرأي بسكون الهمزة وقد
رواه بن وهب عن الثوري وغيره أن ربيعة حدثهم أخرجه مسلم قوله مولى المنبعث بضم
الميم وسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة بعدها مثلثة وليس له في البخاري سوى هذا
الحديث وقد ذكره في العلم والشرب وهنا في مواضع ويأتي في الطلاق والأدب (قوله جاء
اعرابي) في رواية مالك عن ربيعة جاء رجل وزعم بن بشكوال وعزاه لأبي داود وتبعه بعض
المتأخرين أن السائل المذكور هو بلال المؤذن ولم أر عند أبي داود في شئ من النسخ شيئا من ذلك
وفيه بعد أيضا لأنه لا يوصف بأنه أعرابي وقيل السائل هو الراوي وفيه بعد أيضا لما ذكرناه
ومستند من قال ذلك ما رواه الطبراني من وجه آخر عن ربيعة بهذا الاسناد فقال فيه أنه سأل
النبي صلى الله عليه وسلم لكن رواه أحمد من وجه آخر عن زيد بن خالد فقال فيه أنه سأل النبي صلى
الله عليه وسلم أو أن رجلا سأل على الشك وأيضا فإن في رواية ابن وهب المذكورة عن زيد بن
خالد أتى رجل وأنا معه فدل هذا على أنه غيره ولعله نسب السؤال إلى نفيه لكونه كان مع
السائل ثم ظفرت بتسمية السائل وذلك فيما أخرجه الحميدي والبغوي وابن السكن والبارودي
والطبراني كلهم من طريق محمد بن معن الغفاري عن ربيعة عن عقبة بن سويد الجهني عن أبيه
قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال عرفها سنة ثم أوثق وعاءها فذكر
الحديث وقد ذكر أبو داود طرفا منه تعليقا ولم يسق لفظه وكذلك البخاري في تاريخه وهو أولى
ما يفسر به هذا المبهم لكونه من رهط زيد بن خالد وروى أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني من
حديث أبي ثعلبة الخشني قال قلت يا رسول الله الورق يوجد عند القرية قال عرفها حولا
الحديث وفيه سؤاله عن الشاة والبعير وجوابه وهو في أثناء حديث طويل أخرج أصله النسائي
وروى الإسماعيلي في الصحابة من طريق مالك بن عمير عن أبيه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن اللقطة فقال أن وجدت من يعرفها فادفعها إليه الحديث وإسناده واه جدا وروى
الطبراني من حديث الجارود العبدي قال قلت يا رسول الله اللقطة نجدها قال أنشدها ولا تكتم
ولا تغيب الحديث (قوله فسأله عما يلتقطه) في أكثر الروايات أنه سأل عن اللقطة زاد مسلم من
طريق يحيى بن سعيد عن يزيد مولى المنبعث الذهب والفضة وهو كالمثال وإلا فلا فرق بينهما وبين
الجوهر واللؤلؤ مثلا وغير ذلك مما يستمتع به غير الحيوان في تسميته لقطة وفي اعطائه الحكم
المذكور ووقع لأبي داود من طريق عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن أبيه بلفظ وسئل عن
اللقطة (قوله عرفها سنة ثم أعرف عفاصها ووكاءها) في رواية العقدي عن سليمان بن بلال
الماضية في العلم أعرف وكاءها أو قال عفاصها ولمسلم من طريق بشير بن سعيد عن زيد بن خالد
فاعرف عفاصها ووعاءها وعددها زاد فيه العدد كما في حديث أبي بن كعب ووقع في رواية
مالك كما سيأتي بعد باب أعرف عفاصها ووكائها ثم عرفها سنة ووافقه الأكثر نعم وافق الثوري
ما أخرجه أبو داود من طريق عبد الله بن يزيد مولى المنبعث بلفظ عرفها حولا فإن جاء صاحبها
فادفعها إليه وإلا أعرف وكاءها وعفاصها ثم اقبضها في مالك الحديث وهو يقتضي أن التعريف
يقع بعد معرفة ما ذكر من العلامات ورواية الباب تقتضي أن التعريف يسبق المعرفة وقال
58

النووي يجمع بينهما بأن يكون مأمورا بالمعرفة في حالتين فيعرف العلامات أول ما يلتقط حتى
يعلم صدق واصفها إذا وصفها كما تقدم ثم بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها فيعرفها مرة
أخرى تعرفا وافيا محققا ليعلم قدرها وصفتها فيردها إلى صاحبها قلت ويحتمل أن تكون ثم في
الروايتين بمعنى الواو فلا تقتضي ترتيبا ولا تقتضي تخالفا يحتاج إلى الجمع ويقويه كون المخرج
واحد والقصة واحدة وإنما يحسن ما تقدم أن لو كان المخرج مختلفا فيحمل على تعدد القصة
وليس الغرض إلا أن يقع التعرف والتعريف مع قطع النظر عن أيهما أسبق واختلف في هذه
المعرفة على قولين للعلماء أظهرهما الوجوب لظاهر الامر وقيل يستحب وقال بعضهم يجب عند
الالتقاط ويستحب بعده والعفاص بكسر المهملة وتخفيف الفاء وبعد الألف مهملة الوعاء الذي
تكون فيه النفقة جلدا كان أو غيره وقيل له العفاص أخذا من العفص وهو الثني لان الوعاء
يثنى على ما فيه وقد وقع في زوائد المسند لعبد الله بن أحمد من طريق الأعمش عن سلمة في حديث
أبي وخرقتها بدل عفاصها والعفاص أيضا الجلد الذي يكون على رأس القارورة وأما الذي يدخل
فم القارورة من جلد أو غيره فهو الصمام بكسر الصاد المهملة (قلت) فحيث ذكر العفاص مع
الوعاء فالمراد الثاني وحيث لم يذكر العفاص مع الوعاء فالمراد به الأول والغرض معرفة الآلات
التي تحفظ النفقة ويلتحق بما ذكر حفظ الجنس والصفة والقدر والكيل فيما يكال والوزن فيما
يوزن والذرع فيما يذرع وقال جماعة من الشافعية يستحب تقييدها بالكتابة خوف النسيان
واختلفوا فيما إذا عرف بعض الصفات دون بعض بناء على القول بوجوب الدفع لمن عرف
الصفة قال بن القاسم لا بد من ذكر جميعها وكذا قال أصبغ لكن قال لا يشترط معرفة العدد
وقول ابن القاسم أقوى لثبوت ذكر العدد في الرواية الأخرى وزيادة الحافظ حجة وقوله عرفها
بالتشديد وكسر الراء أي اذكرها للناس قال العلماء محل ذلك المحافل كأبواب المساجد والأسواق
ونحو ذلك يقول من ضاعت له نفقة أو نحو ذلك من العبارات ولا يذكر شيئا من الصفات وقوله
سنة أي متوالية فلو عرفها سنة متفرقة لم يكف كأن يعرفها في كل سنة شهرا فيصدق أنه عرفها
سنة في اثنتي عشرة سنة وقال العلماء يعرفها في كل يوم مرتين ثم مرة في كل أسبوع ثم في كل
شهر ولا يشترط أن يعرفها بنفسه بل يجوز بوكيله ويعرفها في مكان سقوطها وفي غيره (قوله
فان جاء أحد يخبرك بها) جواب الشرط محذوف تقديره فأدها إليه وفي رواية محمد بن يوسف عن
سفيان كما سيأتي في آخر أبواب اللقطة فإن جاء أحد يخبرك بعفاصها ووكائها وقد تقدم البحث
فيه (قوله وإلا فاستنفقها) سيأتي البحث فيه بعد أبواب واستدل به على أن الملتقط يتصرف
فيها سواء كان غنيا أو فقيرا وعن أبي حنيفة إن كان غنيا تصدق بها وأن جاء صاحبها تخير بين
امضاء الصدقة أو تغريمه قال صاحب الهداية الا إن كان بإذن الامام فيجوز للغني كما في قصة أبى
ابن كعب وبهذا وبهذا قال عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين (قوله
قال يا رسول الله فضالة الغنم) أي ما حكمها فحذف ذلك للعلم به قال العلماء الضالة لا تقع الا على
الحيوان وما سواه يقال له لقطة ويقال للضوال أيضا الهوامي والهوافي بالميم والفاء والهوامل
(قوله لك أو لأخيك أو للذئب) فيه إشارة إلى جواز أخذها كأنه قال هي ضعيفة لعدم
الاستقلال معرضة للهلاك مترددة بين أن تأخذها أنت أو أخوك والمراد به ما هو أعم من
59

صاحبها أو من ملتقط آخر والمراد بالذئب جنس ما يأكل الشاة من السباع وفيه حث له على
أخذها لأنه إذا علم أنه إن لم يأخذها بقيت للذئب كان ذلك أدعى له إلى أخذها ووقع في رواية
إسماعيل بن جعفر عن ربيعة كما سيأتي بعد أبواب فقال خذها فإنما هي لك الخ وهو صريح
في الامر بالأخذ ففيه دليل على رد إحدى الروايتين عن أحمد في قوله يترك التقاط الشاة وتمسك به
مالك في أنه يملكها بالأخذ ولا يلزمه غرامة ولو جاء صاحبها واحتج له بالتسوية بين الذئب والملتقط
والذئب لا غرامة عليه فكذلك الملتقط وأجيب بأن اللام ليست للتمليك لان الذئب لا يملك وانما
يملكها الملتقط على شرط ضمانها وقد أجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط
لاخذها فدل على أنها باقية على ملك صاحبها ولا فرق بين قوله في الشاة هي لك أو ولأخيك أو للذئب
وبين قوله في اللقطة شأنك بها أو خذها بل هو أشبه بالتملك لأنه لم يشرك معه ذئبا ولا غيره ومع
ذلك فقالوا في النفقة يغرمها إذا تصرف فيها ثم جاء صاحبها وقال الجمهور يجب تعريفها فإذا
انقضت مدة التعريف أكلها إن شاء وغرم لصاحبها إلا أن الشافعي قال لا يجب تعريفها إذا
وجدت في الفلاة وأما في القرية فيجب في الأصح قال النووي احتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه
وسلم في الرواية الأولى فإن جاء صاحبها فأعطها إياه وأجابوا عن رواية مالك بأنه لم يذكر الغرامة ولا
نفاها فثبت حكمها بدليل آخر انتهى وهو يوهم أن الرواية الأولى من روايات مسلم فيها ذكر حكم
الشاة إذا أكلها الملتقط ولم أر ذلك في شئ من روايات مسلم ولا غيره في حديث زيد بن خالد نعم عند
أبي داود والترمذي والنسائي والطحاوي والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده في ضالة الشاة فاجمعها حتى يأتيها باغيها (قوله فتمعروجه النبي صلى الله عليه وسلم) هو بالعين
المهملة الثقيلة أي تغير وأصله في الشجر إذا قل ماؤه فصار قليل النضرة عديم الاشراق ويقال
للوادي المجدب أمعر ولو روى تمغر بالغين المعجمة لكان له وجه أي صار بلون المغرة وهو حمرة شديدة
إلى كمودة ويقويه أن قوله في رواية إسماعيل بن جعفر فغضب حتى احمرت وجنتاه أو وجهه (قوله
مالك ولها) زاد في رواية سليمان بن بلال عن ربيعة السابقة في العلم فذرها حتى يلقاها ربها (قوله
معها حذاؤها وسقاؤها) الحذاء بكسر المهملة بعدها معجمة مع المد أي خفها وسقاؤها أي
جوفها وقيل عنقها وأشار بذلك إلى استغنائها عن الحفظ لها بما ركب في طباعها من الجلادة على
العطش وتناول المأكول بغير تعب لطول عنقها فلا تحتاج إلى ملتقط (قوله باب
ضالة الغنم) كأنه أفردها بترجمة ليشير إلى افتراق حكمها عن الإبل وقد انفرد مالك بتجويز أخذ
الشاة وعدم تعريفها متمسكا بقوله هي لك وأجيب بأن اللام ليست للتمليك كما أنه قال أو للذئب
والذئب لا يملك باتفاق وقد أجمعوا على أن مالكها لو جاء قبل أن يأكلها الواجد لاخذها منه الله تعالى
(قوله حدثنا إسماعيل بن عبد الله) هو بن أبي أويس وقد روى الكثير عن شيخه هنا سليمان بن
بلال بواسطة (قوله عن يحيى) هو بن سعيد الأنصاري وسبق في العلم من وجه آخر عن سليمان بن
بلال عن ربيعة فكأن له فيه شيخين وقد أخرجه الطحاوي من طريق عبد الله بن محمد الفهمي
عن سليمان بن بلال عنهما جميعا عن يزيد مولى المنبعث وأخرجه النسائي وابن ماجة والطحاوي
من طريق بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن ربيعة عن يزيد فجعل ربيعة شيخ يحيى لا رفيقه لكن
سيأتي في آخر الطلاق من رواية سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن يزيد مرسلا قال سفيان
60

قال يحيى وقال ربيعة عن يزيد بن خالد قال سفيان ولقيت ربيعة فحدثني به فالحاصل ان
من رواه عن يحيى عن يزيد عن زيد يكون قد سوى الاسناد فإن يحيى إنما سمع ذكر زيد فيه بواسطة
ربيعة ويحتمل أن يكون يحيى لما حدث به سفيان كان ذاهلا عنه ثم ذكره لما حدث بن سليمان
والله أعلم (قوله فزعم) أي قال والزعم يستعمل في القول المحقق كثيرا (قوله ثم عرفها سنة
يقول يزيد إن لم تعرف استنفق بها صاحبها) أي ملتقطها وكانت وديعة عنده (قال يحيى هذا
الذي لا أدرى أهو في الحديث أم شئ من عنده) أي من عند يزيد والقائل يقول يزيد هو يحيى
ابن سعيد الأنصاري والقائل قال هو سليمان وهما موصولان بالاسناد المذكور والغرض ان
يحيى بن سعيد شك هل قوله ولتكن وديعة عنده مرفوع أو لا وهذا القدر المشار إليه بهذا دون
ما قبله لثبوت ما قبله في أكثر الروايات وخلوها عن ذكر الوديعة وقد جزم يحيى بن سعيد برفعه
مرة أخرى وذلك فيما أخرجه مسلم عن القعنبي والإسماعيلي من طريق يحيى بن حسان
كلاهما عن سليمان بن بلال عن يحيى فقال فيه فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك
وكذلك جزم برفعها خالد بن مخلد عن سليمان بن ربيعة عند مسلم والفهمي عن سليمان عن
يحيى وربيعة جميعا عند الطحاوي وقد أشار البخاري إلى رجحان رفعها فترجم بعد أبواب إذا جاء
صاحب اللقطة بعد سنة ردها عليه لأنها وديعة عنده وسيأتي الكلام على المراد بكونها وديعة
هناك إن شاء الله تعالى (قوله قال يزيد وهي تعرف أيضا) هو بتشديد الراء وهو موصول بالاسناد
المذكور ولم يشك يحيى في كون هذه الجملة موقوفة على يزيد ولم أرها مرفوعة في شئ من الطرق
وقد تقدم حكاية الخلاف فيه في الباب الذي قبله (قوله باب إذا لم يوجد صاحب
اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها) أي غنيا كان أو فقيرا كما تقدم أورد فيه حديث زيد بن خالد
المذكور من جهة مالك عن ربيعة وفيه قوله ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا شأنك بها فيه
حذف تقديره فإن جاء صاحبها فأدها إليه وأن لم يجئ فشأنك بها فحذف من هذه الرواية جواب
الشرط الأول وشرط إن الثانية والفاء من جوابها قاله بن مالك في حديث أبي الآتي في أواخر
أبواب اللقطة بلفظ فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها وإنما وقع الحذف من بعض الرواة دون
بعض فقد تقدم حديث أبي في أول اللقطة بلفظ فاستمتع بها بإثبات الفاء في الجواب الثاني
ومضى من رواية الثوري عن ربيعة في حديث البا ب بلفظ وإلا فاستنفقها ومثله ما سيأتي بعد
أبواب من رواية إسماعيل بن جعفر عن ربيعة بلفظ ثم استنفق بها فإن جاء ربها فأدها إليه ولمسلم
من طريق بن وهب المقدم ذكرها فإذا لم يأت لها طالب فاستنفقها واستدل به على أن اللاقط
يملكها بعد انقضاء مدة التعريف وهو ظاهر نص الشافعي فإن قوله شأنك بها تفويض إلى
اختياره وقوله فاستنفقها الامر فيه للإباحة والمشهور عند الشافعية اشتراط التلفظ بالتمليك
وقيل تكفى النية وهو الأرجح دليلا وقيل تدخل في ملكه بمجرد الالتقاط وقد روى الحديث
سعيد بن منصور عن الدراوردي عن ربيعة بلفظ وإلا فتصنع بها ما تصنع بمالك (قوله شأنك
بها) الشأن الحال أي تصرف فيها وهو بالنصب أي ألزم شأنك بها ويجوز الرفع بالابتداء والخبر
بها أي شأنك متعلق بها واختلف العلماء فيما إذا تصرف في اللقطة بعد تعريفها سنة ثم جاء
صاحبها هل يضمنها له أم لا فالجمهور على وجوب الرد إن كانت العين موجودة أو البدل إن كانت
61

استهلكت وخالف في ذلك الكرابيسي صاحب الشافعي ووافقه صاحباه البخاري وداود بن علي
امام الظاهرية لكن وافق داود الجمهور إذا كانت العين قائمة ومن حجة الجمهور قوله في الرواية
الماضية ولتكن وديعة عندك وقوله أيضا عند مسلم في رواية بشر بن سعيد عن زيد بن خالد فاعرف
عفاصها ووكائها ثم كلها فإن جاء صاحبها فأدها إليه فإن ظاهر قوله فإن جاء صاحبها الخ بعد
قوله كلها يقتضي وجوب ردها بعد أكلها فيحمل على رد البدل ويحتمل أن يكون في الكلام حذف
يدل عليه بقية الروايات والتقدير فاعرف عفاصها ووكائها ثم كلها إن لم يجئ صاحبها فإن جاء
صاحبها فأدها إليه وأصرح من ذلك رواية أبي داود من هذا الوجه بلفظ فإن جاء باغيها فأدها إليه
والا فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها فإن جاء باغيها فأدها إليه فأمر بأدائها إليه قبل الاذن في
أكلها وبعده وهي أقوى حجة للجمهور وروى أبو داود أيضا من طريق عبد الله بن يزيد مولى
المنبعث عن أبيه عن يزيد بن خالد في هذا الحديث فإن جاء صاحبها دفعتها إليه وإلا عرفت وكاءها
وعفاصها ثم اقبضها في مالك فإن جاء صاحبها فادفعها إليه وإذا تقرر هذا أمكن حمل قول المصنف
في الترجمة فهي لمن وجدها أي في إباحة التصرف فيها حينئذ وأما أمر ضمانها بعد ذلك فهو ساكت
عنه قال النووي أن جاء صاحبها قبل أن يتملكها الملتقط أخذها بزوائدها المتصلة والمنفصلة وأما
بعد التملك فإن لم يجئ صاحبها فهي لمن وجدها ولا مطالبة عليه في الآخرة وأن جاء صاحبها فإن كانت
موجودة بعينها استحقها بزوائدها المتصلة ومهما تلف منها لزم الملتقط غرامته للمالك
وهو قول الجمهور وقال بعض السلف لا يلزمه وهو ظاهر اختيار البخاري والله أعلم وسأذكر
بقية فوائد حديث زيد بن خالد بعد أربعة أبواب إن شاء الله تعالى (قوله باب إذا وجد
خشبة في البحر أو سوطا أو نحوه) أي ماذا يصنع به هل يأخذه أو يتركه وإذا أخذه هل يتملكه أو
يكون سبيله سبيل اللقطة 3 وقد اختلف العلماء في ذلك (قوله وقال الليث الخ) تقدم الكلام
عليه مستوفى في الكفالة وأورده هنا مختصرا وسبق توجيه استنباط الترجمة منه وأنها من جهة
ان شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت شرعنا ما يخالفه ولا سيما إذا ساقط الشارع مساق الثناء على
فاعله فبهذا التقدير تم المراد من جواز أخذ الخشبة من البحر وقد اختلف العلماء في ذلك على
ما سأذكره وأما السوط وغيره فلم يقع له ذكر في الباب فاعترضه بن المنير بسبب ذلك وأجيب بأنه
استنبطه بطريق الالحاق ولعله أشار بالسوط إلى أثر يأتي بعد أبواب في حديث أبي بن كعب أو
أشار إلى ما أخرجه أبو داود من حديث جابر قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا
والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به وفي إسناده ضعف واختلف في رفعه ووقفه
والأصح عند الشافعية أنه لا فرق في اللقطة بين القليل والكثير في التعريف وغيره وفي وجه
لا يجب التعريف أصلا وقيل تعرف مرة وقيل ثلاثة أيام وقيل زمنا يظن أن فاقده أعرض عنه
وهذا كله في قليل له قيمة أما ما لا قيمة له كالحبة الواحدة فله الاستبداد به على الأصح وفي الباب
الذي يليه في حديث التمرة حجة لذلك وعند الحنفية أن كل شئ يعلم أن صاحبه لا يطلبه كالنواة
جاز أخذه والانتفاع به من غير تعريف إلا أنه يبقى على ملك صاحبه وعند المالكية كذلك الا أنه
يزول ملك صاحبه عنه فإن كان له قدر ومنفعة وجب تعريفه واختلفوا في مدة التعريف فإن كان
مما يتسارع إليه الفساد جاز أكله ولا ضمن على الأصح (قوله باب إذا وجد
62

تمرة في الطريق) أي يجوز له أخذها وأكلها وكذا نحوها من المحقرات وهو المشهور المجزوم به عند
الأكثر وأشار الرافعي إلى تخريج وجه فيه وقد روى بن أبي شيبة من طريق ميمونة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت لا يحب الله الفساد تعني أنها لو تركت فلم تؤخذ
فتؤكل فسدت (قوله عن طلحة) هو بن مصرف (قوله لأكلتها) ظاهر في جواز أكل ما يوجد
من المحقرات ملقى في الطرقات لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر أنه لم يمتنع من أكلها إلا تورعا لخشية أن
تكون الصدقة التي حرمت عليه لا لكونها مرمية في الطريق فقط وقد أوضح ذلك قوله
في حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب على فراشي فإنه ظاهر في أنه ترك أخذها تورعا لخشية أن تكون
صدقة فلو لم يخش ذلك لاكلها ولم يذكر تعريفا فدل على أن مثل ذلك يملك بالأخذ ولا
يحتاج إلى تعريف لكن هل يقال إنها لقطة رخص في ترك تعريفها أو ليست لقطة لان اللقطة
ما من شأنه أن يتملك دون ما لا قيمة له وقد استشكل بعضهم تركه صلى الله عليه وسلم التمرة في الطريق
مع أن الامام يأخذ المال الضائع للحفظ وأجيب باحتمال أن يكون أخذها كذلك لأنه ليس
في الحديث ما ينفيه أو تركها عمدا لينتفع بها من يجدها ممن تحل له الصدقة وإنما يجب على
الامام حفظ المال الذي يعلم تطلع صاحبه له لا ما جرت به العادة بالاعراض عنه لحقارته والله أعلم
(قوله وقال يحيى) أي بن سعيد القطان وقد وصله مسدد في مسنده عنه وأخرجه الطحاوي من
طريق مسدد * (قلت) * ولسفيان فيه إسناد آخر أخرجه بن أبي شيبة عن وكيع عنه بهذا
الاسناد إلى طلحة فقال عن بن عمر أنه وجد تمرة فأكلها (قوله وقال زائدة الخ) وصله مسلم
من طريق أبي أسامة عن زائدة قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك وقد تقدم الكلام عليه
مستوفى في أوائل البيوع (باب كيف تعرف لقطة أهل مكة) كأنه أشار بذلك
إلى اثبات لقطة الحرم فلذلك قصر الترجمة على الكيفية ولعله أشار إلى ضعف الحديث الوارد
في المنتهى عن لقطة الحاج أو إلى تأويله بان المراد النهى عن التقاطها للتملك لا للحفظ وأما الحديث
فقد صححه مسلم من رواية عبد الرحمن بن عثمان التميمي ثم ليس فيما ساقه المؤلف من حديثي
ابن عباس وأبي هريرة كيفية التعريف التي ترجم لها وكأنه أشار إلى أن ذلك لا يختلف (قوله وقال
طاوس عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلتقط لقطتها إلا من عرفها) هو طرف من
حديث وصله المؤلف في الحج في باب لا يحل القتال بمكة (قوله وقال خالد) هو الحذاء عن عكرمة
الخ هو طرف أيضا وصله في أوائل البيوع في باب ما قيل في الصواغ (قوله وقال أحمد بن سعيد)
هو الرباطي فيما حكاه بن طاهر والدارمي فيما ذكره أبو نعيم (قوله حدثنا روح) هو ابن عبادة وزكريا
هو ابن إسحاق وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي العباس بن عبد العظيم وأبو نعيم من طريق
خلف بن سالم كلاهما عن روح بن عبادة بهذا الاسناد (قوله حدثنا يحيى بن موسى) هو البلخي
وفى الاسناد لطيفة وهي تصريح كل واحد من رواته بالتحديث مع أن فيه ثلاثة من المدلسين في
نسق (قوله لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس) ظاهره أن الخطبة
وقعت عقب الفتح وليس كذلك بل وقعت قبل الفتح عقب قتل رجل من خزاعة رجلا من بنى
63

ليث ففي السياق حذف هذا بيانه وقد تقدم في كتاب العلم من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير
(قوله القتل) بالقاف والمثناة للأكثر وللكشميهني بالفاء والتحتانية والثاني هو الصواب وقد
تقدم الخلاف فيه أيضا في العلم (قوله ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد) أي معرف وأما الطالب
فيقال له الناشد تقول نشدت الضالة إذا طلبتها وأنشدتها إذا عرفتها وأصل الانشاد والنشيد
رفع الصوت والمعنى لا تحل لقطتها إلا لمن يريد أن يعرفها فقط فأما من أراد أن يعرفها ثم يتملكها
فلا وقد تقدم الكلام على ما عدا هذه الجملة في الحج إلا قوله ومن قتل له قتيل فأحيل به على كتاب
الديات وإلا قوله اكتبوا لأبي شاه فتقدم الكلام عليه في العلم والقائل قلت للأوزاعي هو الوليد
ابن مسلم الراوي واستدل بحديث بن عباس وأبي هريرة المذكورين في هذا الباب على أن لقطة
مكة لا تلتقط للتمليك بل للتعريف خاصة وهو قول الجمهور وإنما اختصت بذلك عندهم لامكان
ايصالها إلى ربها لأنها إن كانت للمكي فظاهر وأن كانت للآفاقي فلا يخلو أفق غالبا من وارد إليها
فإذا عرفها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها قاله بن بطال وقال أكثر المالكية
وبعض الشافعية هي كغيرها من البلاد وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف لان الحاج يرجع
إلى بلده وقد لا يعود فاحتاج الملتقط بها إلى المبالغة في التعريف واحتج ابن المنير لمذهبه بظاهر
الاستثناء لأنه نفى الحل واستثنى المنشد فدل على أن الحل ثابت للمنشد لان الاستثناء من النفي
اثبات قال ويلزم على هذا أن مكة وغيرها سواء والقياس يقتضي تخصيصها والجواب ان
التخصيص إذا وافق الغالب لم يكن له مفهوم والغالب أن لقطة مكة ييأس ملتقطها من صاحبها
وصاحبها من وجدانها لتفرق الخلق إلى الآفاق البعيدة فربما داخل الملتقط الطمع في تملكها
من أول وهلة فلا يعرفها فنهى الشارع عن ذلك وأمر أن لا يأخذها إلا من عرفها وفارقت
في ذلك لقطة العسكر ببلاد الحرب بعد تفرقهم فإنها لا تعرف في غيرهم باتفاق بخلاف لقطة
مكة فيشرع تعريفها لامكان عود أهل أفق صاحب اللقطة إلى مكة فيحصل متوصل إلى معرفة
صاحبها وقال إسحاق بن راهويه قوله الا لمنشد أي لمن سمع ناشدا يقول من رأى لي هكذا فحينئذ
يجوز لواجد اللقطة أن يعرفها ليردها على صاحبها وهو أضيق من قول الجمهور لأنه قيده بحالة
للمعرف دون حالة وقيل المراد بالمنشد الطالب حكاه أبو عبيد وتعقبه بأنه لا يجوز في اللغة تسمية
الطالب منشدا (قلت) ويكفي في رد ذلك قوله في حديث بن عباس لا يلتقط لقطتها إلا معرف
والحديث يفسر بعضه بعضا وكأن هذا هو النكتة في تصدير البخاري الباب بحديث ابن عباس
وأما اللغة فقد أثبت الحربي جواز تسمية الطالب منشدا وحكاه عياض أيضا واستدل به على أن
لقطة عرفة والمدينة النبوية كسائر البلاد لاختصاص مكة بذلك وحكى الماوردي في الحاوي
وجها في عرفة أنها تلتحق بحكم مكة لأنها تجمع الحاج كمكة ولم يرجح شيئا وليس الوجه المذكور
في الروضة ولا أصلها واستدل به على جواز تعريف الضالة في المسجد الحرام بخلاف غيره من
المساجد وهو أصح الوجهين عند الشافعية والله أعلم (قوله باب لا تحتلب ماشية
أحد بغير إذنه) هكذا أطلق الترجمة على وفق ظاهر الحديث إشارة إلى الرد على من خصصه أو قيده
(قوله عن نافع) في موطأ محمد بن الحسن عن مالك أخبرنا نافع وفي رواية أبي قطن في الموطآت
للدارقطني قلت لمالك أحدثك نافع (قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية يزيد بن
64

الهاد عن مالك عند الدارقطني أيضا أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (قوله لا يحلبن)
كذا في البخاري وأكثر الموطآت بضم الام وفي رواية بن الهاد المذكورة لا يحتلبن بكسرها
وزيادة المثناة قبلها (قوله ماشية امرئ) في رواية بن الهاد وجماعة من رواة الموطأ ماشية رجل
وهو كالمثال وإلا فلا اختصاص لذلك بالرجال وذكره بعض شراح الموطأ بلفظ ماشية أخيه وقال
هو للغالب إذ لا فرق في هذا الحكم بين المسلم والذمي وتعقب بأنه لا وجود لذلك في الموطأ وباثبات
الفرق عند كثير من أهل العلم كما سيأتي في فوائد هذا الحديث وقد رواه أحمد من طريق عبيد
الله بن عمر عن نافع بلفظ نهى أن يحتلب مواشي الناس الا بأذنهم والماشية تقع على الإبل
والبقر والغنم ولكنه في الغنم يقع أكثر قاله في النهاية (قوله مشربته) بضم الراء وقد تفتح أي
غرفته والمشربة مكان الشرب بفتح الراء خاصة والمشربة بالكسر إناء الشرب (قوله خزانته)
الخزانة المكان أو الوعاء الذي يخزن فيه ما يراد حفظه وفي رواية أيوب عند أحمد فيكسر بابها
(قوله فينتقل) بالنون والقاف وضم أوله يفتعل من النقل أي تحول من مكان إلى آخر كذا في
أكثر الموطآت عن مالك ورواه بعضهم كما حكاه بن عبد البر وأخرجه الإسماعيلي من طريق
روح بن عبادة وغيره بلفظ فينتثل بمثلثة بدل القاف والنثل النثر مرة واحدة بسرعة وقيل
الاستخراج وهو أخص من النقل وهكذا أخرجه مسلم من رواية أيوب وموسى بن عقبة
وغيرهما عن نافع ورواه الليث عن نافع بالقاف وهو عند بن ماجة من هذا الوجه بالمثلثة
(قوله تخزن) بالخاء المعجمة الساكنة والزاي المضمومة بعدها نون وفي رواية الكشميهني تحرز
بضم أوله وإهمال الحاء وكسر الراء بعدها زاي (قوله ضروع) الضرع للبهائم كالثدي للمرأة
(قوله أطعمناهم) هو جمع أطعمة والأطعمة جمع طعام والمراد به هنا اللبن قال بن عبد البر في
الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئا إلا بإذنه وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس
فيه فنبه به على ما هو أولى منه وبهذا أخذ الجمهور لكن سواء كان بإذن خاص أو إذن عام
واستثنى كثير من السلف ما إذا علم بطيب نفس صاحبه وأن لم يقع منه إذن خاص ولا عام وذهب
كثير منهم إلى الجواز مطلقا في الأكل والشرب سواء علم بطيب نفسه أو لم يعلم والحجة لهم
ما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من رواية الحسن عن سمرة مرفوعا إذا أتى أحدكم على
ماشية فإن لم يكن صاحبها فيها فليصوت ثلاثا فإن أجاب فليستأذن فإن أذن له وإلا فليحلب
وليشرب ولا يحمل إسناده صحيح إلى الحسن فمن صحح سماعه من سمرة صححه ومن لا أعله بالانقطاع
لكن له شواهد من أقواها حديث أبي سعيد مرفوعا إذا أتيت على راع فناده ثلاثا فإن أجابك
والا فاشرب من غير أن تفسد وإذا أتيت على حائط بستان فذكر مثله أخرجه بن ماجة
والطحاوي وصححه بن حبا والحاكم وأجيب عنه بأن حديث النهي أصح فهو أولى بأن يعمل
به وبأنه معارض للقواعد القطعية في تحريم مال المسلم بغير إذنه فلا يلتفت إليه ومنهم من جمع
بين الحديثين بوجوه من الجمع منها حمل الاذن على ما إذا علم طيب نفس صاحبه والنهي على
ما إذا لم يعلم ومنها تخصيص الاذن بابن السبيل دون غيره أو بالمطر أو بحال بحال المجاعة مطلقا وهى
متقاربة وحكى ابن بطال عن بعض شيوخه أن حديث الاذن كان في زمنه صلى الله عليه وسلم
وحديث النهى أشار به إلى ما سيكون بعده من التشاح وترك المواساة ومنهم من حمل حديث
65

النهى على ما إذا كان المالك أحوج من المار لحديث أبي هريرة بينما نحن مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في سفر إذ رأينا إبلا مصرورة فثبنا إليها فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان
هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين هو قوتهم أيسركم لو رجعتم إلى مزاودكم فوجدتم ما فيها قد ذهب
قلنا لا قال فإن ذلك كذلك أخرجه أحمد وابن ماجة واللفظ له وفي حديث أحمد فابتدرها القوم
ليحلبوها قالوا فيحمل حديث الاذن على ما إذا لم يكن المالك محتاجا وحديث النهي على ما إذا كان
مستغنيا ومنهم من حمل الاذن على ما إذا كانت غير مصرورة والنهي على ما إذا كانت مصرورة
لهذا الحديث لكن وقع عند أحمد في آخره فإن كنتم لا بد فاعلين ذلك في غاية الحكمة واختلف الفقهاء في تعريف المدعي والمدعى عليه فاشربوا ولا تحملوا فدل على عموم
الاذن في المصرور وغيره لكن بقيد عدم الحمل ولا بد منه واختار بن العربي الحمل على العادة
قال وكانت عادة أهل الحجاز والشام وغيرهم المسامحة في ذلك بخلاف بلدنا قال ورأى بعضهم ان
مهما كان على طريق لا يعدل إليه ولا يقصد جاز للمار الاخذ منه وفيه إشارة إلى قصر ذلك على
المحتاج وأشار أبو داود في السنن إلى قصر ذلك على المسافر في الغزو وآخرون إلى قصر الاذن على
ما كان لأهل الذمة والنهي على ما كان للمسلمين واستؤنس بما شرطه الصحابة على أهل الذمة من
ضيافة المسلمين وصح ذلك عن عمر وذكر بن وهب عن مالك في المسافر ينزل بالذمي قال لا يأخذ
منه شيئا إلا بإذنه قيل له فالضيافة التي جعلت عليهم قال كانوا يومئذ يخفف عنهم بسببها وأما
الان فلا وجنح بعضهم إلى نسخ الاذن وحملوه على أنه كان قبل إيجاب الزكاة قالوا وكانت الضيافة
حينئذ واجبة ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة قال الطحاوي وكان ذلك حين كانت الضيافة واجبة ثم
نسخت فنسخ ذلك الحكم وأورد الأحاديث في ذلك وسيأتي الكلام على حكم الضيافة في المظالم
قريبا إن شاء الله تعالى وقال النووي في شرح المهذب اختلف العلماء فيمن مر ببستان أو زرع
أو ماشية قال الجمهور لا يجوز أن يأخذ منه شيئا الا في حال الضرورة فيأخذ ويغرم عند الشافعي
والجمهور وقال بعض السلف لا يلزمه شئ وقال أحمد إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الاكل
من الفاكهة الرطبة في أصح الروايتين ولو لم يحتج لذلك وفي الأخرى إذا أحتاج ولا ضمان عليه
في الحالين وعلق الشافعي القول بذلك على صحة الحديث قال البيهقي يعني حديث بن عمر
مرفوعا إذا مر أحدكم بحائط فليأكل ولا يتخذ خبيئة أخرجه الترمذي واستغربه قال البيهقي
لم يصح وجاء من أوجه أخر غير قوية (قلت) والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح وقد
احتجوا في كثير من الاحكام بما هو دونها وقد بينت ذلك في كتابي المنحة فيما علق الشافعي القول
به على الصحة وفي الحديث ضرب الأمثال للتقريب للأفهام وتمثيل مقد يخفى بما هو أوضح منه
واستعمال القياس في النظائر وفيه ذكر الحكم بعلته وإعادته بعد ذكر العلة تأكيدا وتقريرا
وان القياس لا يشترط في صحته مساواة الفرع للأصل بكل اعتبار بل ربما كانت للأصل مزية
لا يضر سقوطها في الفرع إذا تشاركا في أصل الصفة لان الضرع لا يساوي الخزانة في الحرز كما أن
الصر لا يساوي القفل فيه ومع ذلك فقد ألحق الشارع الضرع المصرور في الحكم بالخزانة
المقفلة في تحريم تناول كل منهما بغير إذن صاحبه أشار إلى ذلك بن المنير وفيه إباحة خزن
الطعام واحتكاره إلى وقت الحاجة إليه خلافا لغلاة المتزهدة المانعين من الادخار مطلقا قاله
القرطبي وفيه أن اللبن يسمى طعاما فيحنث به من حلف لا يتناول طعاما الا أن يكون له نية في
66

اخراج اللبن قاله النووي قال وفيه أن بيع لبن الشاة بشاة في ضرعها لبن باطل وبه قال الشافعي
والجمهور وأجازه الأوزاعي وفيه أن الشاة إذا كان لها لبن مقدور على حلبه قابله قسط من الثمن
قاله الخطابي وهو يؤيد خبر المصراة ويثبت حكمها في تقويم اللبن وفيه أن من حلب من ضرع
ناقة أو غيرها في مصرورة محرزة بغير ضرورة ولا تأويل ما تبلغ قيمته ما يجب فيه القطع أن عليه القطع
ان لم يأذن له صاحبها تعيينا أو إجمالا لان الحديث قد أفصح بأن ضروع الانعام خزائن الطعام
وحكى القرطبي عن بعضهم وجوب القطع ولو لم تكن الغنم في حرز اكتفاء بحرز الضرع للبن وهو
الذي يقتضيه ظاهر الحديث (قوله باب إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردها
عليه لأنها وديعة عنده) أورد فيه حديث زيد بن خالد من طريق إسماعيل بن جعفر عن ربيعة وليس
فيه ذكر الوديعة فكأنه أشار إلى رجحان رفع رواية سليمان بن بلال الماضية قبل خمسة أبواب
وقد تقدم بيانها وقال ابن بطال استراب البخاري بالشك المذكور فترجمه بالمعنى وقال ابن
المنير أسقطها لفظا وضمنها معنى لان قوله فإن جاء صاحبها فأدها إليه يدل على بقاء ملك صاحبها
خلافا لمن أباحها بعد الحول بلا ضمان قوله ولتكن وديعة عندك قال ابن دقيق العيد يحتمل
أن يكون المراد بعد الاستنفاق وهو ظاهر السياق فتجوز بذكر الوديعة عن وجوب رد بدلها لان
حقيقة الوديعة أن تبقى عينها والجامع وجوب رد ما يجد المرء لغيره وإلا فالمأذون في استنفاقه
لا تبقى عينه ويحتمل أن تكون الواو في قوله ولتكن بمعنى أو أي إما أن تستنفقها وتغرم بدلها
واما أن تتركها عندك على سبيل الوديعة حتى يجئ صاحبها فتعطيها له ويستفاد من تسميتها
وديعة أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها وهو اختيار البخاري تبعا لجماعة من السلف وقال ابن
المنير يستدل به لاحد الأقوال عند العلماء إذا أتلفها الملتقط بعد التعريف وانقضاء زمنه ثم
اخرج بدلها ثم هلكت أن لا ضمان عليه في الثانية وإذا ادعى أنه أكلها ثم غرمها ثم ضاعت قبل
قوله أيضا وهو الراجح من الأقوال وتقدم الكلام على بقية فوائده قبل أربعة أبواب وقوله هنا
حتى احمرت وجنتاه أو أحمر وجهه شك من الراوي والوجنة ما ارتفع من الخدين وفيها أربع
لغات بالواو والهمزة والفتح فيهما والكسر (قوله باب هل يأخذ اللقطة ولا
يدعها تضيع حتى لا يأخذها من لا يستحق) كذا للأكثر وسقطت لا بعد حتى عند ابن شبويه
وأظن الواو سقطت من قبل حتى والمعنى لا يدعها فتضيع ولا يدعها حتى يأخذها من لا يستحق
وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره اللقطة ومن حجتهم حديث الجارود مرفوعا ضالة المسلم
حرق النار أخرجه النسائي بإسناد صحيح وحمل الجمهور ذلك على من لا يعرفها وحجتهم حديث
زيد بن خالد عند مسلم من آوى الضالة فهو ضال ما لم يعرفها وأما ما أخذه من حديث الباب فمن
جهة انه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي أخذه الصرة فدل على أنه جائز شرعا ويستلزم اشتماله
على المصلحة وإلا كان تصرفا في ملك الغير وتلك المصلحة تحصل بحفظها وصيانتها عن الخونة
وتعريفها لتصل إلى صاحبها ومن ثم كان الأرجح من مذاهب العلماء أن ذلك يختلف باختلاف
الاشخاص والأحوال فمتى رجح أخذها وجب أو استحب ومتى رجح تركها حرم أو كره وإلا فهو جائز
(قوله سويد بن غفلة) بفتح المعجمة والفاء أبو أمية الجعفي تابعي كبير مخضرم أدرك النبي صلى الله
عليه وسلم وكان في زمنه رجلا وأعطى الصدقة في زمنه ولم يره على الصحيح وقيل أنه صلى خلفه ولم
67

يثبت وإنما قدم المدينة حين نفضوا أيديهم من دفنه صلى الله عليه وسلم ثم شهد الفتوح ونزل
الكوفة ومات بها سنة ثمانين أو بعدها وله مائة وثلاثون سنة أو أكثر لأنه كان يقول أنا لدة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصغر منه بسنتين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر عن علي
في ذكر الخوارج (قوله مع سلمان بن ربيعة) هو الباهلي يقال له صحبة ويقال له سلمان الخيل
لحبرته بها وكان أميرا على بعض المغازي في فتوح العراق في عهد عمر وعثمان وكان أول من ولى
قضاء الكوفة واستشهد في خلافته في فتوح العراق وليس له في البخاري سوى هذا الموضع (قوله
وزيد بن صوحان بضم المهملة وسكون الواو بعدها مهملة أيضا العبدي تابعي كبير مخضرم أيضا
وزعم ابن الكلبي أن له صحبة وروى أبو يعلى من حديث علي مرفوعا من سره أن ينظر إلى
من سبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان وكان قدوم زيد في عهد عمر وشهد
الفتوح وروى بن منده من حديث بريدة قال ساق النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال زيد زيد
الخير فسئل عن ذلك فقال رجل تسبقه يده إلى الجنة فقطعت يد زيد بن صوحان في بعض الفتوح
وقتل مع علي يوم الجمل (قوله في غزاة) زاد أحمد من طريق سفيان عن سلم حتى إذا كنا بالعذيب
وهو بالمعجمة والموحدة مصغر موضع وله من طريق يحيى القطان عن شعبة فلما رجعنا من غزاتنا
حججت (قوله مائة دينار) استدل به لأبي حنيفة في تفرقته بين قليل اللقطة وكثيرها فيعرف الكثير
سنة والقليل أياما وحد القليل عنده ما لا يوجب القطع وهو ما دون العشرة وقد ذكرنا الخلاف
في مدة التعريف في الباب الأول والخلاف في القدر الملتقط قبل أربعة أبواب (قوله ثم أتيته
الرابعة فقال أعرف عدتها) هي رابعة باعتبار مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وثالثة باعتبار
التعريف ولهذا قال في الرواية الماضية أول أبواب اللقطة ثلاثا وقال فيها فلا أدري ثلاثة أحوال
أو حولا واحدا وقد تقدم اختلاف رواته في ذلك بما يغني عن إعادته (قوله باب
من عرف اللقطة ولم يدفعها إلى السلطان) في رواية الكشميهني يرفعها بالراء بدل الدال وكأنه أشار
بالترجمة إلى رد قول الأوزاعي في التفرقة بين القليل والكثير فقال أن كان قليل عرفة وأن كان
ما لا كثيرا رفعه إلى بيت المال والجمهور على خلافه نعم فرق بعضهم بين اللقطة والضوال وبعض
المالكية والشافعية بين المؤتمن وغيره فقال يعرف المؤتمن وأما غير المؤتمن فيدفعها إلى السلطان
ليعطيها المؤتمن ليعرفها وقال بعض المالكية إن كانت اللقطة بين قوم مأمونين والسلطان جائر
فالأفضل أن لا يلتقطها فإن التقطها لا يدفعها له وأن كان عادلا فكذلك ويخير في دفعها له وإن كانت
بين قوم غير مأمونين والامام جائر تخير الملتقط وعمل بما يترجح عنده وإن كان عادلا
فكذلك (قوله باب) كذا بغير ترجمة وسقط من رواية أبي ذر فهو إما من الباب
68

أو كالفصل منه فيحتاج إلى مناسبة بينهما على الحالين فإنه ساق فيه طرفا من رواية البراء بن عازب
عن أبي بكر الصديق في قصة الهجرة إلى المدينة والغرض منه شرب النبي صلى الله عليه وسلم وأبى
بكر من لبن الشاة التي وجدت مع الراعي وليس في ذلك مناسبة ظاهرة لحديث اللقطة لكن قال
ابن المنير مناسبة هذا الحديث لأبواب اللقطة الإشارة إلى أن المبيح للبن هنا أنه في حكم الضائع
إذ ليس مع الغنم في الصحراء سوى راع واحد فالفاضل عن شربه مستهلك فهو كالسوط الذي
اغتفر التقاطه وأعلى أحواله أن يكون كالشاة الملتقطة في الضيعة وقد قال فيها هي لك أو
لأخيك أو للذئب اه ولا يخفى ما فيه من التكلف ومع ذلك فلم نظهر مناسبته للترجمة بخصوصها
وقوله هل في غنمك من لبن بفتح الموحدة للأكثر وحكى عياض رواية بضم اللام وسكون
الموحدة أشاة ذات لبن وحكى بن بطال عن بعض شيوخه أن أبا بكر استجاز أخذ ذلك اللبن
لأنه مال حربي فكان حلالا له وتعقبه المهلب بأن الجهاد وحل الغنيمة إنما وقع بعد الهجرة
بالمدينة ولو كان أبو بكر أخذه على أنه مال حربي لم يستفهم الراعي هل تحلب أم لا ولكان ساق
الغنم غنيمة وقتل الراعي أو أسره قال ولكنه كان بالمعنى المتعارف عندهم في ذلك الوقت على سبيل
المكرمة وكأن صاحب الغنم قد أذن للراعي أن يسقي من مر به وسيأتي بقية الحديث واستيفاء
شرحه في علامات النبوة إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * ساق المصنف حديث أبي بكر عاليا عن
عبد الله بن رجاء عن إسرائيل ونازلا عن إسحاق عن النضر عن إسرائيل لتصريح أبي إسحاق في
الرواية النازلة بأن البراء أخبره وقد أورد رواية عبد الله بن رجاء في فضل أبي بكر وأغفل المزي ذكر
طريق عبد الله بن رجاء في اللقطة * (خاتمة) * اشتمل كتاب اللقطة من الأحاديث المرفوعة على أحد
وعشرين حديثا المعلق منها خمسة والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية عشر
حديثا والخالص ثلاثة وافقه مسلم على تخريجها وفيه من الآثار أثر واحد لزيد مولى
المنبعث والله أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
* (كتاب المظالم) *
(في المظالم والغصب) كذا للمستملي وسقط كتاب لغيره وللنسفي كتاب الغصب باب في المظالم والمظالم
جمع مظلمة مصدر ظلم يظلم واسم لما أخذ بغير حق والظلم وضع الشئ في غير موضعه الشرعي والغصب
أخذ حق الغير بغير حق (قوله وقول الله عز وجل ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إلى
عزيز ذو انتقام) كذا لأبي ذر وساق غيره الآية (قوله مقنعي رؤوسهم رافعي رؤوسهم المقنع والمقمح
واحد) سقط للمستملي والكشميهني قوله رافعي رؤوسهم وهو تفسير مجاهد أخرجه الفريابي من
طريقه وهو قول أكثر أهل اللغة والتفسير وكذا قاله أبو عبيدة في المجاز واستشهد بقول الراجز
انهض نحوي رأسه وأقنعا * كأنما أبصر شيئا أطمعا
وحكى ثعلب أنه مشترك يقال أقنع إذا رفع رأسه وأقنع إذا طأطأه ويحتمل أن يراد الوجهان أن
يرفع رأسه ينظر ثم يطأطئه ذلا وخضوعا قاله بن التين وأما قوله المقنع والمقمح واحد فذكره أبو
عبيدة أيضا في المجاز في تفسير سورة يس وزاد معناه أن يجذب الذقن حتى تصير في الصدر ثم يرفع
رأسه وهذا يساعد قول بن التين لكنه بغير ترتيب (قوله وقال مجاهد مهطعين مديمي النظر
69

وقال غيره مسرعين) ثبت هذا هنا لغير أبي ذر ووقع له هو في ترجمة الباب الذي بعده وتفسير
مجاهد وصله الفريابي أيضا وأما تفسير غيره فالمراد به أبو عبيدة أيضا فكذا قاله واستشهد عليه
وهو قول قتادة والمعروف في اللغة ويحتمل أن يكون المراد كلا من الامرين وقال ثعلب المهطع
الذي ينظر في ذل وخشوع لا يقلع بصره (قوله وأفئدتهم هواء يعني جوفا لا عقول لهم)
وهو تفسير أبي عبيدة أيضا في المجاز واستشهد بقول حسان
الا أبلغ أبا سفيان عني * فأنت مجوف نخب هواء
والهواء الخلاء الذي لم تشغله الاجرام أي لا قوة في قلوبهم ولا جرأة وقال ابن عرفة معناه نزعت
أفئدتهم من أجوافهم (قوله باب قصاص المظالم) يعني يوم القيامة ذكر فيه حديث
أبي سعيد الخدري وقد ترجم عليه في كتاب الرقاق باب القصاص يوم القيامة ويأتي الكلام
عليه هناك وقوله بقنطرة الذي يظهر أنها طرف الصراط مما يلي الجنة ويحتمل أن تكون من
غيره بين الصراط والجنة وقوله فيتقاصون بتشديد المهملة يتفاعلون من القصاص والمراد به
تتبع ما بينهم من المظالم واسقاط بعضها ببعض وقوله حتى إذا نقوا بضم النون بعدها قاف من
التنقية ووقع للمستملي هنا تقصوا بفتح المثناة والقاف وتشديد المهملة أي أكملوا التقاص
(قوله وهذبوا) أي خلصوا من الآثام بمقاصصة بعضها ببعض ويشهد لهذا الحديث قوله في
حديث جابر الآتي ذكره في التوحيد لا يحل لاحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولاحد قبله
مظلمة والمراد بالمؤمنين هنا بعضهم وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب الرقاق إن شاء
الله تعالى (قوله وقال يونس بن محمد الخ) وصله بن منده في كتاب الايمان وأراد البخاري به تصريح
قتادة عن أبي المتوكل بالتحديث واسم أبي المتوكل علي بن دؤاد بضم الدال بعدها همزة (قوله
باب قول الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين) ذكر فيه حديث بن عمر يدني الله المؤمن
فيضع عليه كنفه الحديث وسيأتي الكلام عليه مستوفى في التوحيد وفي كتاب الرقاق الإشارة
إليه وقوله في هذه الرواية كنفه بفتح النون والفاء عند الجميع ووقع لأبي ذر عن الكشميهني
بكسر المثناة وهو تصحيف قبيح قاله عياض ووجه دخوله في أبواب الغصب الإشارة إلى أن عموم
قوله هنا أغفرها لك مخصوص بحديث أبي سعيد الماضي في الباب قبله (قوله باب
لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه) بضم أوله يقال أسلم فلان فلانا إذا ألقاه إلى الهلكة ولم يحمه من
عدوه وهو عام في كل من أسلم لغيره لكن غلب في الالقاء إلى الهلكة (قوله المسلم أخو المسلم)
هذه اخوة الاسلام فإن كل اتفاق بين شيئين يطلق بينهما اسم الاخوة ويشترك في ذلك الحر
والعبد والبالغ والمميز (قوله لا يظلمه) هو خبر بمعنى الامر فإن ظلم المسلم للمسلم حرام وقوله
70

ولا يسلمه أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه وهذا أخص من ترك الظلم
وقد يكون ذلك واجبا وقد يكون مندوبا بحسب اختلاف الأحوال وزاد الطبراني من طريق
أخرى عن سالم ولا يسلمه في مصيبة نزلت به ولمسلم في حديث أبي هريرة ولا يحقره وهو بالمهملة
والقاف وفيه بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم (قوله ومن كان في حاجة أخيه) في
حديث أبي هريرة عند مسلم والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه (قوله ومن فرج
عن مسلم كربة) أي غمة والكرب هو الغم الذي يأخذ النفس وكربات بضم الراء جمع كربة ويجوز
فتح راء كربات وسكونها (قوله ومن ستر مسلما) أي رآه على قبيح فلم يظهره أي للناس وليس في
هذا ما يقتضى ترك الانكار عليه فيما بينه وبينه ويحمل الامر في جواز الشهادة عليه بذلك
على ما إذا أنكر عليه ونصحه فلم ينته عن قبيح فعله ثم جاهر به كما أنه مأمور بأن يستتر إذا وقع منه
شئ فلو توجه إلى الحاكم وأقر لم يمتنع ذلك والذي يظهر أن الستر محله في معصية قد انقضت
والانكار في معصية قد حصل التلبس بها فيجب الانكار عليه وإلا رفعه إلى الحاكم وليس من
الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة وفيه إشارة إلى ترك الغيبة لان من أظهر مساوئ أخيه
لم يستره (قوله ستره الله يوم القيامة) في حديث أبي هريرة عند الترمذي ستره الله في الدنيا
والآخرة وفي الحديث حض على التعاون وحسن التعاشر والألفة وفيه أن المجازاة تقع من
جنس الطاعات وأن من حلف أن فلانا أخوه وأراد اخوة الاسلام لم يحنث وفيه حديث عن
سويد بن حنظلة في أبي داود في قصة له مع وائل بن حجر (قوله باب أعن أخاك
ظالما أو مظلوما) ترجم بلفظ الإعانة وأورد الحديث بلفظ النصر فأشار إلى ما ورد في بعض
طرقه وذلك فيما رواه خديج بن معاوية وهو بالمهملة وآخره جيم مصغر عن أبي الزبير عن جابر
مرفوعا أعن أخاك ظالما أو مظلوما الحديث أخرجه بن عدي وأخرجه أبو نعيم في المستخرج
من الوجه الذي أخرجه منه البخاري بهذا اللفظ (قوله انصر أخاك ظالما أو مظلوما) كذا
أورده مختصرا عن عثمان وأخرجه الإسماعيلي من طرق عنه كذلك وسيأتي في الاكراه من
طريق أخرى عن هشيم عن عبيد الله وحده وفيه من الزيادة فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا
كان مظلوما أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره قال تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره وهكذا
أخرجه أحمد عن هشيم عن عبيد الله وحده وأخرجه الإسماعيلي من طرق أخرى عن هشيم
عنهما نحوه (قوله في الطريق الثانية قال يا رسول الله) في رواية أبي الوقت في البخاري قالوا وفى
الرواية التي في الاكراه فقال الرجل ولم أقف على تسميته (قوله فقال تأخذ فوق يديه) كنى به عن
كفه عن الظلم بالفعل إن لم يكف بالقول وعبر بالفوقية إشارة إلى الاخذ بالاستعلاء والقوة وفى
رواية معاذ عن حميد عند الإسماعيلي فقال يكفه عن الظلم فذاك نصره إياه ولمسلم في حديث
جابر نحو الحديث وفيه أن كان ظالما فلينهه فإنه له نصرة قال بن بطال النصر عند العرب الإعانة
وتفسيره لنصر الظالم بمنعه من الظلم من تسمية الشئ بما يؤل إليه وهو من وجيز البلاغة قال
البيهقي معناه أن الظالم مظلوم في نفسه فيدخل فيه ردع المرء عن ظلمه لنفسه حسا ومعنى فلو رأى
انسانا يريد أن يجب نفسه لظنه أن ذلك يزيل مفسدة طلبه الزنا مثلا منعه من ذلك وكان ذلك
نصرا له واتحد في هذه الصورة الظالم والمظلوم وقال ابن المنير فيه إشارة إلى أن الترك كالفعل في
71

باب الضمان وتحته فروع كثيرة * (تنبيه) * ذكر مسلم في روايته من طريق أبي الزبير عن جابر
سببا لحديث الباب يستفاد منه زمن وقوعه وسيأتي ذكره في تفسير المنافقين إن شاء الله تعالى
* (لطيفة) * ذكر الفضل الضبي في كتابه الفاخر أن أول من قال انصر أخاك ظالما أو مظلوما
جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم وأراد بذلك ظاهره وهو ما اعتادوه من حمية الجاهلية لا على
ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك يقول شاعرهم
إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم * على القوم لم أنصر أخي حين يظلم
(قوله باب نصر المظلوم) هو فرض كفاية وهو عام في المظلومين وكذلك في
الناصرين على أن فرض الكفاية مخاطب به الجميع وهو الراجح ويتعين أحيانا على من له
القدرة عليه وحده إذا لم يترتب على إنكاره مفسدة أشد من مفسدة المنكر فلو علم أو غلب
على ظنه أنه لا يفيد سقط الوجوب وبقي أصل الاستحباب بالشرط المذكور فلو تساوت
المفسدتان تخير وشرط الناصر أن يكون عالما بكون الفعل ظلما ويقع النصر مع وقوع الظلم
وهو حينئذ حقيقة وقد يقع قبل وقوعه كمن أنقذ إنسانا من يد إنسان طالبه بمال ظلما وهدده ان
لم يبذله وقد يقع بعد وهو كثير ثم أورد المصنف فيه حديثين أحدهما حديث البراء في الامر بسبع
والنهى عن سبع فذكره مختصرا وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في كتاب الأدب واللباس
إن شاء الله تعالى والمقصود منه هنا قوله ونصر المظلوم ثانيهما حديث أبي موسى المؤمن للمؤمن
كالبنيان وسيأتي الكلام عليه في الأدب إن شاء الله تعالى وقوله يشد بعضه في رواية الكشميهني
يشد بعضهم بصيغة الجمع (قوله باب الانتصار من الظالم لقوله جل ذكره لا يحب الله
الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم والذين) يعني وقوله والذين (إذا أصابهم البغي هم ينتصرون)
أما الآية الأولى فروى الطبري من طريق السدي قال في قوله إلا من ظلم أي فانتصر بمثل ما ظلم
به فليس عليه ملام وعن مجاهد إلا من ظلم فانتصر فإن له أن يجهر بالسوء وعنه نزلت في رجل
نزل بقوم فلم يضيفوه فرخص له أن يقول فيهم (قلت) ونزولها في واقعة عين لا يمنع حملها على
عمومها وعن ابن عباس المراد بالجهر من القول الدعاء فرخص للمظلوم أن يدعو على من ظلمه وأما
الآية الثانية فروى الطبري من طريق السدي أيضا في قوله والذين إذا أصابهم البغي هم
ينتصرون قال يعني ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا وفي الباب حديث أخرجه النسائي وابن
ماجة بإسناد حسن من طريق التيمي عن عروة عن عائشة قالت دخلت على زينب بنت جحش
فسبتني فردعها النبي صلى الله عليه وسلم فأبت فقال لي سبيها فسببتها حتى جف ريقها في فمها
فرأيت وجهه يتهلل (قوله وقال إبراهيم) أي النخعي (كانوا) أي السلف (يكرهون أن يستذلوا)
بالذال المعجمة من الذل وهو بضم أوله وفتح المثناة وهذا الأثر وصله عبد الرحمن بن حميد وابن عيينة في
تفسيرهما في تفسير الآية المذكورة (قوله باب عفو المظلوم لقوله تعالى ان
تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا وجزاء سيئة سيئة) أي وقوله تعالى
وجزاء سيئة سيئة مثلها الخ وكأنه يشير إلى ما أخرجه الطبري عن السدي في قوله أو تعفو عن
سوء أي عن ظلم وروى بن أبي حاتم عن السدي في قوله وجزاء سيئة سيئة مثلها قال إذا شتمك
شتمته بمثلها من غير أن تعتدي فمن عفا وأصلح فأجره على الله وعن الحسن رخص له إذا سبه أحد
72

أن يسبه وفي الباب حديث أخرجه أحمد وأبو داود من طريق عجلان عن سعيد المقبري عن أبي
هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر ما من عبد ظلم مظلمة فعفا عنها إلا أعز الله بها نصره
(قوله باب الظلم ظلمات يوم القيامة) أورد فيه حديث ابن عمر بهذا اللفظ من
غير مزيد وقد رواه أحمد من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر وزاد في أوله يا أيها الناس اتقوا
الظلم وفي رواية إياكم والظلم وأخرجه البيهقي في الشعب من هذا الوجه وزاد فيه قال محارب
أظلم الناس من ظلم لغيره وأخرجه مسلم من حديث جابر في أول حديث بلفظ اتقوا الظلم فإن الظلم
ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح الحديث قال ابن الجوزي الظلم يشتمل على معصيتين أخذ مال
الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالبا إلا بالضعيف
الذي لا يقدر على الانتصار وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا
سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغنى
عنه ظلمه شيئا (قوله باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم) ذكر فيه حديث ابن
عباس في بعث معاذ إلى اليمن مختصرا مقتصرا منه على المراد هنا وقد تقدم الكلام عليه مستوفى
في أواخر الزكاة (قوله باب من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له هل يبين مظلمته)
المظلمة بكسر اللام على المشهور وحكى ابن قتيبة وابن التين والجوهري فتحها وأنكره بن
القوطية ورأيت بخط مغلطاي أن القزاز حكى الضم أيضا وقوله هل يبين فيه إشارة إلى الخلاف في
صحة الابراء من المجهول وإطلاق الحديث يقوي قول من ذهب إلى صحته وقد ترجم بعد باب إذا
حلله ولم يبين كم هو وفيه إشارة إلى الابراء من المجمل أيضا وزعم ابن بطال أن في حديث الباب حجة
لاشتراط التعيين لان قوله مظلمة يقتضي أن تكون معلومة القدر مشارا إليها اه ولا يخفى ما فيه
قال ابن المنير إنما وقع في الحديث التقدير حيث يقتص المظلوم من الظالم حتى يأخذ منه بقدر حقه
وهذا متفق عليه والخلاف إنما هو فيما إذا أسقط المظلوم حقه في الدنيا هل يشترط أن يعرف قدره
أم لا وقد أطلق ذلك في الحديث نعم قام الاجماع على صحة التحليل من المعين المعلوم فإن كانت العين
موجودة صحت هبتها دون الابراء منها (قوله من كانت له مظلمة لأخيه) اللام في قوله له بمعنى على
أي من كانت عليه مظلمة لأخيه وسيأتي في الرقاق من رواية مالك عن المقبري بلفظ من كانت عنده
مظلمة لأخيه والترمذي من طريق زيد بن أبي أنيسة عن المقبري رحم الله عبدا كانت له عند أخيه
مظلمة (قوله من عرضه أو شئ) أي من الأشياء وهو من عطف العام على الخاص فيدخل فيه المال
بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها وفي رواية الترمذي من عرض أو مال (قوله قبل
أن لا يكون دينار ولا درهم) أي يوم القيامة وثبت ذلك في رواية علي بن الجعد عن ابن أبي ذئب
عند الإسماعيلي (قوله أخذ من سيئات صاحبه) أي صاحب المظلمة فحمل عليه أي على الظالم وفى
رواية مالك فطرحت عليه وهذا الحديث قد أخرج مسلم معناه من وجه آخر وهو أوضح سياقا من
هذا ولفظه المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وسفك
دم هذا وأكل مال هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل ان
يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار ولا تعارض بين هذا وبين قوله
تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى لأنه إنما يعاقب بسبب فعله وظلمه ولم يعاقب بغير جناية منه بل
73

بجنايته فقوبلت الحسنات بالسيئات على ما اقتضاه عدل الله تعالى في عباده وسيأتي مزيد
لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى (قوله قال إسماعيل بن أبي أويس إنما سمي المقبري الخ)
ثبت هذا في رواية الكشميهني وحده وإسماعيل المذكور من شيوخ البخاري (قوله
باب إذا حلله من ظلمه فلا رجوع فيه) أي معلوما عند من يشترطه أو مجهولا عند من
يجيزه وهو فيما مضى باتفاق وأما فيما سيأتي ففيه الخلاف ثم أورد المصنف حديث عائشة في
قصة التي تختلع من زوجها وسيأتي الكلام عليه في تفسير سورة النساء ومحمد شيخه هو ابن مقاتل
وعبد الله هو ابن المبارك ومطابقته للترجمة من جهة أن الخلع عقد لازم فلا يصح الرجوع فيه
ويلتحق به كل عقد لازم كذلك كذا قال الكرماني فوهم ومورد الحديث والآية إنما هو في حق
من تسقط حقها من القسمة وليس من الخلع في شئ فمن ثم وقع الاشكال فقال الداودي ليست
الترجمة بمطابقة للحديث ووجهه ابن المنير بان الترجمة تتناول إسقاط الحق من المظلمة الفائتة
والآية مضمونها إسقاط الحق المستقبل حتى لا يكون عدم الوفاء به مظلمة لسقوطه قال ابن
المنير لكن البخاري تلطف في الاستدلال فكأنه يقول إذا نفذ الاسقاط في الحق المتوقع فلان
ينفذ في الحق المحقق أولى (قلت) وسيأتي الكلام على هبة المرأة يومها في كتاب النكاح إن شاء الله
تعالى (قوله باب إذا أذن له) أي في استيفاء حقه (أو أحله) في رواية
الكشميهني أو أحل له ولم يبين كم هو أورد فيه حديث سهل بن سعد في استئذان الغلام في الشرب
وقد تقدم في أول كتاب الشرب ويأتي الكلام عليه في الأشربة ومطابقته وقد خفيت على ابن
التين فأنكرها من جهة أن الغلام لو أذن في شرب الأشياخ قبله لجاز لان ذلك هو فائدة استئذانه
فلو أذن لكان قد تبرع بحقه وهو لا يعلم قدر ما يشربون ولا قدر ما كان هو يشربه و سيأتي في كتاب
الهبة مزيد لذلك (قوله باب إثم من ظلم شيئا من الأرض) كأنه يشير إلى توجيه
تصوير غصب الأرض خلافا لمن قال لا يمكن ذلك (قوله حدثني طلحة بن عبد الله) أي ابن عوف
وكذا هو عند أحمد عن أبي اليمان زاد الحميدي في مسنده من وجه آخر في هذا الحديث وهو ابن
أخي عبد الرحمن بن عوف (قوله عبد الرحمن بن عمرو بن سهل) هو المدني وقد ينسب إلى جده
وقد نسبه المزي أنصاريا ولم أر ذلك في شئ من طرق حديثه بل في رواية ابن إسحاق التي سأذكرها
ما يدل على أنه قرشي وقد ذكر الواقدي فيمن قتل بالحرة عبد الملك بن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل
ابن عبد شمس بن عبد ود بن نصر العامري القرشي وأظنه ولد هذا وكانت الحرة بعد هذه القصة
بنحو من عشر سنين وليس لعبد الرحمن هذا في صحيح البخاري سوى هذا الحديث الواحد وفى
الاسناد ثلاثة من التابعين في نسق وقد أسقط بعض أصحاب الزهري في روايتهم عنه هذا الحديث
عبد الرحمن بن عمرو بن سهل وجعلوه من رواية طلحة عن سعيد بن زيد نفسه وفي مسند أحمد
وأبى يعلى وصحيح بن خزيمة من طريق ابن إسحاق حدثني الزهري عن طلحة بن عبد الله قال أتتني
أروى بنت أويس في نفر من قريش فيهم عبد الرحمن بن سهل فقالت أن سعيدا انتقص من
أرضى إلى أرضه ما ليس له وقد أحببت أن تأتوه فتكلموه قال فركبنا إليه وهو بأرضه بالعقيق
فذكر الحديث ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون طلحة سمع هذا الحديث من سعيد بن زيد
وثبته فيه عبد الرحمن بن عمرو بن سهل فلذلك كان ربما أدخله في السند وربما حذفه والله أعلم
74

(قوله من ظلم) قد تقدم من رواية ابن إسحاق قصة لسعيد في هذا الحديث وسيأتي في بدء الخلق من
طريق عروة عن سعيد أنه خاصمته أروى في حق زعمت أنه انتقصه لها إلى مروان ولمسلم من هذا
الوجه ادعت أروى بنت أويس على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئا من أرضها فخاصمته إلى مروان
ابن الحكم وله من طريق محمد بن زيد عن سعيد أن أروى خاصمته في بعض داره فقال دعوها
وإياها وللزبير في كتاب النسب من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه والحسن بن سفيان
من طريق أبي بكر بن محمد بن حزم استعدت أروى بنت أويس مروان بن الحكم وهو والى
المدينة على سعيد بن زيد في أرضه بالشجرة وقالت أنه أخذ حقي وأدخل ضفيرتي في أرضه فذكره
وفى رواية العلاء فترك سعيد ما ادعت ولابن حبان والحاكم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن
في هذه القصة وزاد فقال لنا مروان أصلحوا بينهما (قوله من الأرض شيئا) في رواية عروة في بدء
الخلق من أخذ شبرا من الأرض ظلما وفي حديث عائشة ثاني أحاديث الباب قيد شبر وهو بكسر
القاف وسكون التحتانية أي قدره وكأنه ذكر الشبر إشارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد
(قوله طوقه) بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية عروة فإنه يطوقه ولأبي عوانة والجوزقي
في حديث أبي هريرة جاء به مقلده (قوله من سبع أرضين) بفتح الراء ويجوز اسكانها وزاد مسلم
من طريق عروة ومن طريق محمد بن زيدان سعيدا قال اللهم أن كانت كاذبة فاعم بصرها واجعل
قبرها في دارها وفي رواية العلاء وأبي بكر نحوه وزاد قال وجاء سيل فأبدى عن ضفيرتها فإذا حقها
خارجا عن حق سعيد فجاء سعيد إلى مروان فركب معه والناس حتى نظروا إليها وذكروا كلهم
انها عميت وأنها سقطت في بئرها فماتت قال الخطابي قوله طوقه له وجهان أحدهما أن معناه أنه
يكلف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر ويكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة الثاني
معناه أنه يعاقب بالخسف إلي سبع أرضين أي فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقا في عنقه
انتهى وهذا يؤيده حديث ابن عمر ثالث أحاديث الباب بلفظ خسف به يوم القيامة إلى سبع
أرضين وقيل معناه كالأول لكن بعد أن ينقل جميعه يجعل كله في عنقه طوقا ويعظم قدر عنقه
حتى يسع ذلك كما ورد في غلظ جلد الكافر ونحو ذلك وقد روى الطبري وابن حبان من حديث
يعلى بن مرة مرفوعا أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ آخر سبع أرضين
ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضي بين الناس ولأبي يعلى بإسناد حسن عن الحكم بن الحرث
السلمي مرفوعا من أخمن طريق المسلمين شبرا جاء يوم القيامة يحمله من سبع أرضين ونظير
ذلك ما تقدم في الزكاة في حديث أبي هريرة في حق من غل بعيرا جاء يوم القيامة يحمله ويحتمل وهو
الوجه الرابع أن يكون المراد بقوله يطوقه يكلف أن يجعله له طوقا ولا يستطيع ذلك فيعذب بذلك
كما جاء في حق من كذب في منامه كلف أن يعقد شعيرة ويحتمل وهو الوجه الخامس ان يكون
التطويق تطويق الاثم والمراد به أن الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الاثم ومنه قوله تعالى
ألزمناه طائره في عنقه وبالوجه الأول جزم أبو الفتح القشيري وصححه البغوي ويحتمل أن تتنوع
هذه الصفات لصاحب هذه الجناية أو تنقسم أصحاب هذه الجناية فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم
بهذا بحسب قوة المفسدة وضعفها وقد روى ابن أبي شيبة بإسناد حسن من حديث أبي مالك
الأشعري أعظم الغلول عند الله يوم القيامة ذراع أرض يسرقه رجل فيطوقه من سبع أرضين
75

وفى الحديث تحريم الظلم والغصب وتغليظ عقوبته وإمكان غصب الأرض وأنه من الكبائر قاله
القرطبي وكأنه فرعه على أن الكبيرة ما ورد فيه وعيد شديد وأن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى
منتهى الأرض وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا بغير رضاه وفيه أن من ملك ظاهر الأرض
ملك باطنها بما فيه من حجارة ثابتة وأبنية ومعادن وغير ذلك وأن له أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر
بمن يجاوره وفيه أن الأرضين السبع متراكمة لم يفتق بعضها من بعض لأنها لو فتقت لاكتفى
في حق هذا الغاصب بتطويق التي غصبها لانفصالها عما تحتها أشار إلى ذلك الداودي وفيه ان
الأرضين السبع طباق كالسماوات وهو ظاهر قوله تعالى ومن الأرض مثلهن خلافا لمن قال إن
المراد بقوله سبع أرضين سبعة أقاليم لأنه لو كان كذلك لم يطوق الغاصب شبرا من إقليم آخر
قاله ابن التين وهو والذي قبله مبني على أن العقوبة متعلقة بما كان بسببها وإلا مع قطع
النظر عن ذلك لا تلازم بين ما ذكروه * (تنبيه) * أروى بفتح الهمزة وسكون الراء والقصر باسم
الحيوان الوحشي المشهور وفي المثل يقولون إذا دعوا كعمي الأروى قال الزبير في روايته كان
أهل المدينة إذا دعوا قالوا أعماه الله كعمي أروى يريدون هذه القصة قال ثم طال العهد فصار
أهل الجهل يقولون كعمي الأروى يريدون الوحش الذي بالجبل ويظنونه أعمى شديد العمى
وليس كذلك (قوله حدثنا حسين) هو المعلم ومحمد بن إبراهيم هو التيمي وأبو سلمة هو ابن عبد
الرحمن وفي هذا الاسناد ما يشعر بقلة تدليس يحيى بن أبي كثير لأنه سمع الكثير من أبي سلمة
وحدث عنه هنا بواسطة محمد بن إبراهيم (قوله وبين أناس خصومة) لم أقف على أسمائهم ووقع
لمسلم من طريق حرب بن شداد عن يحيى بلفظ وكان بينه وبين قومه خصومة في أرض ففيه نوع
تعيين للخصوم وتعيين المتخاصم فيه (قوله فذكر لعائشة) حذف المفعول وسيأتي في بدء الخلق من
وجه آخر بلفظ فدخل على عائشة فذكر لها ذلك (قوله عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (قوله
قال الفربري قال أبو جعفر) هو محمد بن أبي حاتم البخاري وراق البخاري وقد ذكر عنه الفربري
في هذا الكتاب فوائد كثيرة عن البخاري وغيره وثبتت هذه الفائدة في رواية أبي ذر عن مشايخه
الثلاثة وسقطت لغيره قوله ليس بخراسان في كتب بن المبارك يعني أن ابن المبارك صنف كتبه
بخراسان وحدث بها هناك وحملها عنه أهلها وحدث في أسفاره بأحاديث من حفظه زائدة على
ما في كتبه هذا منها قوله أملى عليهم بالبصرة كذا للمستملي والسرخسي بحذف المفعول
وأثبته الكشميهني فقال أملاه عليهم وأعلم أنه لا يلزم من كونه ليس في كتبه التي حدث بها
بخراسان أن لا يكون حدث به بخراسان فإن نعيم بن حماد المرزوي ممن حمل عنه بخراسان وقد
حدث عنه بهذا الحديث وأخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريقه ويحتمل أن يكون نعيم أيضا
انما سمعه من ابن المبارك بالبصرة وهو من غرائب الصحيح (قوله باب إذا أذن
انسان لاخر شيئا جاز) قال ابن التين نصب شيئا على نزع الخافض والتقدير في شئ كقوله تعالى
واختار موسى قومه سبعين رجلا وأورد المصنف فيه حديثين أحدهما لابن عمر في النهى عن
القران والمراد به أن لا يقرن تمرة بتمرة عند الاكل لئلا يجحف برفقته فإن أذنوا له في ذلك جاز لأنه
76

حقهم فلهم أن يسقطوه وهذا يقوي مذهب من يصحح هبة المجهول وسيأتي الكلام على الحديث
مستوفى في كتاب الأطعمة مع بيان حال قوله إلا أن يستأذن ومن قال أنه مدرج إن شاء الله تعالى
ثانيهما حديث أبي مسعود في قصة الجزار الذي عمل الطعام والرجل الذي تبعهم فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم أتأذن له وسيأتي الكلام عليه في الأطعمة أيضا وقوله فيه وأبصر في وجه النبي صلى الله عليه وسلم هي جملة حالية أي أنه قال لغلامه أصنع لي في حال رؤيته تلك وقوله فتبعهم
رجل فقال إن هذا اتبعنا بتشديد التاء قال ابن التين هو افتعل من تبع وهو بمعناه وخبط
الداودي هنا لظنه أنها همزة قطع فقال معنى اتبعنا سار معنا وتبعهم أي لحقهم وأطال ابن التين
في تعقب كلامه (قوله باب قول الله تعالى وهو ألد الخصام) الألد الشديد اللدد أي
الجدال مشتق من اللديدين وهما صفحتا العنق والمعنى أنه من أي جانب أخذ في الخصومة
قوى وقيل غير ذلك من معناه وأورد فيه حديث عائشة أن أبغض الرجال الألد الخصم بفتح المعجمة
وكسر المهملة أي الشديد الخصومة وسيأتي مستوفى في تفسير سورة البقرة إن شاء الله تعالى
(قوله باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه) أورد فيه حديث أم سلمة فلعل
بعضكم أن يكون أبلغ من بعض وفيه فإنما هي قطعة من النار وهو ظاهر فيما ترجم به وسيأتى
الكلام عليه مستوفى في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى (قوله باب إذا
خاصم فجر) أي ذم من إذا خاصم فجر أو إثمه أورد فيه حديث عبد الله بن عمرو في صفة المنافقين
وفيه وإذا خاصم فجر وقد تقدم شرحه في كتاب الايمان (قوله باب قصاص
المظلوم إذا وجد مال ظالمه) أي هل يأخذ منه بقدر الذي له ولو بغير حكم حاكم وهي المسألة
المعروفة بمسألة الظفر وقد جنح المصنف إلى اختياره ولهذا أورد أثر ابن سيرين على عادته
في الترجيح بالآثار (قوله وقال ابن سيرين يقاصه) هو بالتشديد وأصله يقاصصه وقرأ أي ابن
سيرين (وإن عاقبتم فعاقبوا) الآية وهذا وصله عبد بن حميد في تفسيره من طريق خالد الحذاء عنه
بلفظ ان أخذ أحد منك شيئا فخذ مثله ثم أورد فيه المصنف حديثين أحدهما حديث عائشة في
قصة هند بنت عتبة وفيه أذن النبي صلى الله عليه وسلم لها بالأخذ من مال زوجها بقدر حاجتها
وسيأتى الكلام عليه مستوفى في كتاب النفقات إن شاء الله تعالى قال ابن بطال حديث هند
دال على جواز أخذ صاحب الحق من مال من لم يوفه أو جحده قدر حقه قوله فيه (رجل مسيك)
بكسر الميم والتشديد للأكثر قال عياض قال وفي رواية كثير من أهل الاتقان بالفتح والتخفيف
وقيده بعضهم بالوجهين وقال بن الأثير المشهور في كتب اللغة الفتح والتخفيف والمشهور عند
المحدثين الكسر والتشديد والله أعلم ثانيهما حديث عقبة بن عامر (قوله حدثني يزيد) هو
ابن أبي حبيب (قوله عن أبي الخير) بالمعجمة والتحتانية ضد الشر واسمه مرثد بالمثلثة والاسناد
كله مصريون (قوله لا يقروننا) بفتح أوله وسكون القاف ووقع في رواية الأصيلي وكريمة
77

لا يقرونا بنون واحدة ومنهم من شددها وللترمذي فلا هم يضيفوننا ولا هم يؤدون ما لنا عليهم من
الحق (قوله 3 فإن أبوا فخذوا منهم حق الضيف) في رواية الكشميهني فخذا منه أي من مالهم
وظاهر هذا الحديث أن قرى الضيف واجب وأن المنزول عليه لو أمتنع من الضيافة أخذت منه
قهرا وقال به الليث مطلقا وخصه أحمد بأهل البوادي دون القرى وقال الجمهور الضيافة سنة
مؤكدة وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة أحدها حمله على المضطرين ثم اختلفوا هل يلزم
المضطر العوض أم لا وقد تقدم بيانه في أواخر أبواب اللقطة وأشار الترمذي إلى أنه محمول على
من طلب الشراء محتاجا فامتنع صاحب الطعام فله أن يأخذه منه كرها قال وروى نحو ذلك في
بعض الحديث مفسرا ثانيها أن ذلك كان في أول الاسلام وكانت المواساة واجبة فلما فتحت
الفتوح نسخ ذلك ويدل على نسخه قوله في حديث أبي شريح عند مسلم في حق الضيف وجائزته
يوم وليلة والجائزة تفضل لا واجبة وهذا ضعيف لاحتمال أن يراد بالتفضل تمام اليوم والليلة
لا أصل الضيافة وفي حديث المقدام بن معد يكرب مرفوعا أيما رجل ضاف قوما فأصبح الضيف
محروما فإن نصره حق على كل مسلم حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعة وما له أخرجه أبو داود وهو
محمول على ما إذا لم يظفر منه بشئ ثالثها أنه مخصوص بالعمال المبعوثين لقبض الصدقات من
جهة الامام فكان على المبعوث إليهم انزالهم في مقابلة عملهم الذي يتولونه لأنه لا قيام لهم
الا بذلك حكاه الخطابي قال وكان هذا في ذلك الزمان إذ لم يكن للمسلمين بيت مال فأما اليوم
فأرزاق العمال من بيت المال قال وإلى نحو هذا ذهب أبو يوسف في الضيافة على أهل نجران
خاصة قال ويدل له قوله انك بعثتنا وتعقب بأن في رواية الترمذي أنا نمر بقوم رابعها أنه خاص
باهل الذمة وقد شرط عمر حين ضرب الجزية على نصارى الشام ضيافة من نزل بهم وتعقب بأنه
تخصيص يحتاج إلى دليل خاص ولا حجة لذلك فيما صنعه عمر لأنه متأخر عن زمان سؤال عقبة
أشار إلى ذلك النووي خامسها تأويل المأخوذ فحكى المازري عن الشيخ أبي الحسن من المالكية
أن المراد أن لكم أن تأخذوا من أعراضهم بألسنتكم وتذكروا للناس عيبهم وتعقبه المازري
بان الاخذ من العرض وذكر العيب ندب في الشرع إلى تركه لا إلى فعله وأقوى الأجوبة الأول
واستدل به على مسألة الظفر وبها قال الشافعي فجزم بجواز الاخذ فيما إذا لم يكن تحصيل الحق
بالقاضي كأن يكون غريمه منكرا ولا بينة له عند وجود الجنس فيجوز عنده أخذه إن ظفر به
وأخذ غيره بقدره إن لم يجده ويجتهد في التقويم ولا يحيف فإن أمكن تحصيل الحق بالقاضي
فالأصح عند أكثر الشافعية الجواز أيضا وعند المالكية الخلاف وجوزه الحنفية في المثلى دون
المتقوم لما يخشى فيه من الحيف واتفقوا على أن محل الجواز في الأموال لا في العقوبات البدنية
لكثرة الغوائل في ذلك ومحل الجواز في الأموال أيضا ما إذا أمن الغائلة كنسبته إلى السرقة
ونحو ذلك (قوله باب ما جاء في السقائف) جمع سقيفة وهي المكان المظلل كالساباط
أو الحانوت بجانب الدار وكأنه أشار إلى أن الجلوس في الأمكنة العامة جائز وأن اتخاذ صاحب
الدار ساباطا أو مستظلا جائز إذا لم يضر المارة (قوله وجلس النبي صلى الله عليه وسلم في
سقيفة بنى ساعدة) هو طرف من حديث لسهل بن سعد أسنده المؤلف في الأشربة في أثناء
حديث وخفى ذلك على الإسماعيلي فقال ليس في الحديث يعني حديث عمر أنه صلى الله عليه وسلم
78

جلس في السقيفة انتهى والسبب في غفلته عن ذلك أنه حذف الحديث المعلق الذي أشرت إليه
واقتصر على الحديث المرفوع عن عمر الموصول مع أن البخاري لم يترجم بجلوس النبي صلى الله
عليه وسلم وإنما ترجم بما جاء في السقائف ثم ذكر الحديث المصرح بجلوس النبي صلى الله عليه وسلم
وأورده معلقا ثم بالحديث الذي فيه أن الصحابة جلسوا فيها وأورده موصولا فكأن الإسماعيلي
ظن أن قوله وجلس من كلام البخاري لا أنه حديث معلق وسقيفة بني ساعدة كانوا يجتمعون
فيها وكانت مشتركة بينهم وجلس النبي صلى الله عليه وسلم معهم فيها عندهم (قوله حدثني مالك
وأخبرني يونس) أي بن يزيد عن بن شهاب يعني أن كلا منهما رواه لابن وهب عن ابن شهاب
وكان ابن وهب حريصا على التفرقة بين التحديث والاخبار مراعاة للاصطلاح ويقال أنه أول من
اصطلح على ذلك بمصر قوله أن الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة هو مختصر من قصة بيعة
أبى بكر الصديق وسيأتي في الهجرة وفي كتاب الحدود بطوله ونستوفي شرحه هناك إن شاء الله تعالى
والغرض منه أن الصحابة استمروا على الجلوس في السقيفة المذكورة وقال الكرماني مطابقة
الحديث للترجمة أن الجلوس في السقيفة العامة ليس ظلما (قوله باب لا يمنع جار
جاره أن يغرز خشبة في جداره) كذا لأبي ذر بالتنوين على إفراد الخشبة ولغيره بصيغة الجمع
وهو الذي في حديث الباب قال بن عبد البر روى اللفظان في الموطأ والمعنى واحد لان المراد
بالواحد الجنس انتهى وهذا الذي يتعين للجمع بين الروايتين وإلا فالمعنى قد يختلف باعتبار أن أمر
الخشبة الواحدة أخف في مسامحة الجار بخلاف الخشب الكثير وروى الطحاوي عن جماعة
من المشايخ أنهم رووه بالافراد وأنكر ذلك عبد الغني بن سعيد فقال الناس كلها يقولونه بالجمع
الا الطحاوي وما ذكرته من اختلاف الرواة في الصحيح يرد على عبد الغني بن سعيد إلا إن أراد خاصا
من الناس كالذين روى عنهم الطحاوي فله اتجاه (قوله عن بن شهاب) كذا في الموطأ وقال
خالد بن مخلد عن مالك عن أبي الزناد بدل الزهري وقال بشر بن عمرو عن مالك عن الزهري عن أبي
سلمة بدل الأعرج ووافقه هشام بن يوسف عن مالك ومعمر عن الزهري ورواه الدارقطني في
الغرائب وقال المحفوظ عن مالك الأول وقال في العلل رواه هشام الدستوائي عن معمر عن
الزهري عن سعيد بن المسيب بدل الأعرج وكذا قال عقيل عن الزهري وقال بن أبي حفصة عن
الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بدل الأعرج والمحفوظ عن الزهري عن الأعرج وبذلك جزم
ابن عبد البر أيضا ثم أشار إلى أنه يحتمل أن يكون عند الزهري عن الجميع (قوله لا يمنع) بالجزم على
أن لا ناهية ولأبي ذر بالرفع على أنه خبر بمعنى النهي ولأحمد لا يمنعن بزيادة نون التوكيد وهى
تؤيد رواية الجزم (قوله جار جاره الخ) استدل به على أن الجدار إذا كان لواحد وله جار فأراد
أن يضع جذعه عليه جاز سواء أذن المالك أم لا فإن امتنع أجبر وبه قال أحمد وإسحاق وغيرهما
من أهل الحديث وابن حبيب من المالكية والشافعي في القديم وعنه في الجديد قولان
أشهرهما اشتراط إذن المالك فإن أمتنع لم يجبر وهو قول الحنفية وحملوا الامر في الحديث على
الندب والنهي على التنزيه جمعا بينه وبين الأحاديث الدالة على تحريم مال المسلم إلا برضاه وفيه
نظر كما سيأتي وجزم الترمذي وابن عبد البر عن الشافعي بالقول القديم وهو نصه في البويطي قال
البيهقي لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن نخصها وقد حمله
79

الراوي على ظاهره وهو أعلم بالمراد بما حدث به يشير إلى قول أبي هريرة ما لي أراكم عنها معرضين
(قوله ثم يقول أبو هريرة) في رواية بن عيينة عند أبي داود فنكسوا رؤوسهم ولأحمد فلما
حدثهم أبو هريرة بذلك طأطؤا رؤوسهم (قوله عنها) أي عن هذه السنة أو عن هذه المقالة
(قوله لأرمينها) في رواية أبي داود لألقينها أي لأشيعن هذه المقالة فيكم ولأقرعنكم بها كما
يضرب الانسان بالشئ بين كتفيه ليستيقظ من غفلته (قوله بين أكتافكم) قال بن عبد البر
رويناه في الموطأ بالمثناة وبالنون والأكناف بالنون جمع كنف بفتحها وهو الجانب قال الخطابي
معناه إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلنها أي الخشبة على رقابكم كارهين قال
وأراد بذلك المبالغة وبهذا التأويل جزم إمام الحرمين تبعا لغيره وقال إن ذلك وقع من أبي هريرة
حين كان يلي إمرة المدينة وقد وقع عند بن عبد البر من وجه آخر لأرمين بها بين أعينكم وان
كرهتم وهذا يرجح التأويل المتقدم واستدل المهلب من المالكية بقول أبي هريرة مالي أراكم
عنها معرضين بأن العمل كان في ذلك العصر على خلاف ما ذهب إليه أبو هريرة قال لأنه لو كان على
الوجوب لما جهل الصحابة تأويله ولا أعرضوا عن أبي هريرة حين حدثهم به فلولا أن الحكم قد
تقرر عندهم بخلافه لما جاز عليهم جهل هذه الفريضة فدل على أنهم حملوا الامر في ذلك على
الاستحباب انتهى وما أدري من أين له أن المعرضين كانوا صحابة وأنهم كانوا عددا لا يجهل مثلهم
الحكم ولم لا يجوز أن يكون الذين خاطبهم أبو هريرة بذلك كانوا غير فقهاء بل ذلك هو المتعين وإلا فلو
كانوا صحابة أو فقهاء ما واجههم بذلك وقد قوي الشافعي في القديم القول بالوجوب بأن عمر قضى
به ولم يخالفه أحد من أهل عصره فكان اتفاقا منهم على ذلك انتهى ودعوى الاتفاق هنا أولى
من دعوى المهلب لان أكثر أهل عصر عمر كانوا صحابة وغالب أحكامه منتشرة لطول ولايته وأبو
هريرة إنما كان يلي إمرة المدينة نيابة عن مروان في بعض الأحيان وأشار الشافعي إلى
ما أخرجه مالك ورواه هو عنه بسند صحيح أن الضحاك بن خليفة سأل محمد بن مسلمة أن يسوق
خليجا له فيمر به في أرض محمد بن مسلمة فامتنع فكلمه عمر في ذلك فأبى فقال والله ليمرن به ولو على
بظنك فحمل عمر الامر على ظاهره وعداه إلى كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره
وأرضه وفي دعوى العمل على خلافه نظر فقد روى بن ماجة والبيهقي من طريق عكرمة بن سلمة
ان أخوين من بني المغيرة أعتق أحدهما إن غرز أحد في جداره خشبا فأقبل مجمع بن جارية
ورجال كثير من الأنصار فقالوا نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحديث فقال الآخر
يا أخي قد علمت أنك مقضي لك علي وقد حلفت فاجعل أسطوانا دون جداري فاجعل عليه
خشبك وروى بن إسحاق في مسنده والبيهقي من طريقه عن يحيى بن جعدة أحد التابعين قال
أراد رجل أن يضع خشبة على جدار صاحبه بغير إذنه فمنعه فإذا من شئت من الأنصار يحدثون
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهاه أن يمنعه فجبر على ذلك وقيد بعضهم الوجوب بما إذا تقدم
استئذان الجار في ذلك مستندا إلى ذكر الاذن في بعض طرقه وهو في رواية ابن عيينة عند أبي
داود وعقيل أيضا وأحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك من سأله جاره وكذا لابن حبان
من طريق الليث عن مالك وكذا لأبي عوانة من طريق زياد بن سعد عن الزهري وأخرجه البزار
من طريق عكرمة عن أبي هريرة ومنهم من حمل الضمير في جداره على صاحب الجذع أي لا يمنعه
80

أن يضع جذعه على جدار نفسه ولو تضرر به من جهة منع الضوء مثلا ولا يخفى بعده وقد تعقبه ابن
التين بأنه إحداث قول ثالث في معنى الخبر وقد رده أكثر أهل الأصول وفيما قال نظر لان لهذا
القائل أن يقول هذا مما يستفاد من عموم النهي لا أنه المراد فقط والله أعلم ومحل الوجوب عند
من قال به أن يحتاج إليه الجار ولا يضع عليه ما يتضرر به المالك ولا يقدم على حاجة المالك ولا فرق
بين أن يحتاج في وضع الجذع إلى نقب الجدار أو لا لان رأس الجذع يسد المنفتح ويقوي الجدار
(قوله باب صب الخمر في الطريق) أي المشتركة إذا تعين ذلك طريقا لإزالة مفسدة
تكون أقوى من المفسدة الحاصلة بصبها (قوله حدثنا محمد بن عبد الرحيم) هو المعروف بصاعقة
وشيخه عفان من كبار شيوخ البخاري وأكثر ما يحدث عنه في الصحيح بواسطة (قوله كنت ساقى
القوم) سيأتي تسمية من عرف منهم في كتاب الأشربة مع الكلام عليه إن شاء الله تعالى (قوله
فجرت في سكك المدينة) أي طرقها 3 وفي السياق حذف تقديره حرمت فأمر النبي صلى الله عليه
وسلم باراقتها فأريقت فجرت وسيأتي مزيد بيان لذلك في تفسير المائدة قال المهلب إنما صبت الخمر
في الطريق للاعلان برفضها وليشهر تركها وذلك أرجح في المصلحة من التأذي بصبها في الطريق
(قوله باب أفنية الدور والجلوس فيها والجلوس على الصعدات) أما الأفنية فهي
جمع فناء بكسر الفاء والمد وقد تقصر وهو المكان المتسع أمام الدور والترجمة معقودة لجواز
تحجيره بالبناء وعليه جرى العمل في بناء المساطب في أبواب الدور والجواز مقيد بعدم الضرر
للجار والمار والصعدات بضمتين جمع صعد بضمتين أيضا وقد يفتح أوله وهو جمع صعيد كطريق
وطرقات وزنا ومعنى والمراد به ما يراد من الفناء وزعم ثعلب أن المراد بالصعدات وجه الأرض
ويلتحق بما ذكر ما في معناه من الجلوس في الحوانيت وفي الشبابيك المشرفة على المار حيث
تكون في غير العلو (قوله وقالت عائشة فابتنى أبو بكر مسجدا الحديث هو طرف من حديث
طويل وصله المؤلف في الهجرة بطوله ومضى في أبواب المساجد وترجم له المسجد يكون بالطريق
من غير ضرر بالناس (قوله إياكم والجلوس) بالنصب على التحذير قوله الطرقات ترجم
بالصعدات ولفظ المتن الطرقات إشارة إلى تساويهما في المعنى وقد ورد بلفظ الصعدات من
حديث أبي هريرة عند بن حبان وهو عند أبي داود بلفظ الطرقات وزاد في المتن وارشاد
السبيل وتشميت العاطس إذا حمد ومن حديث عمر عند الطبري وزاد في المتن واغاثة الملهوف
(قوله قالوا ما لنا من مجالسنا بد) القائل ذلك هو أبو طلحة وهو بين من روايته عند مسلم (قوله
فإذا أتيتم إلى المجالس) كذا للأكثر بالمثناة وبإلى التي للغاية وفي رواية الكشميهني فإذا أبيتم
بالموحدة وقال الا بالتشديد وهكذا وقع في كتاب الاستئذان بالموحدة وإلا التي هي حرف
استثناء وهو الصواب والمجالس فيها استعمال المجالس بمعنى الجلوس وقد تبين من سياق الحديث
ان النهى عن ذلك للتنزيه لئلا يضعف الجالس عن أداء الحق الذي عليه وأشار بغض البصر إلى
السلامة من التعرض للفتنة بمن يمر من النساء وغيرهن وبكف الأذى إلى السلامة من الاحتقار
والغيبة ونحوها وبرد السلام إلى إكرام المار وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى استعمال
جميع ما يشرع وترك جميع ما لا يشرع وفيه حجة لمن يقول بأن سد الذرائع بطريق الأولى لا على
الحتم لأنه نهى أولا عن الجلوس حسما للمادة فلما قالوا ما لنا منها بد ذكر لهم المقاصد الأصيلة
81

للمنع فعرف أن النهي الأول للارشاد إلى الأصلح ويؤخذ منه أن دفع المفسدة أولى من جلب
المصلحة لندبه أولا إلى ترك الجلوس مع ما فيه من الاجر لمن عمل بحق الطريق وذلك أن الاحتياط
لطلب السلامة آكد من الطمع في الزيادة وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب
الاستئذان مع الإشارة إلى بقية الخصال التي ورد ذكرها في غير هذا الحديث إن شاء الله تعالى
(قوله باب الآبار) بمدة وتخفيف الموحدة ويجوز بغير مد وتسكين الموحدة
بعدها همزة وهو الأصل في هذا الجمع (قوله التي على الطريق إذا لم يتأذ بها) بضم أول يتأذ على
البناء للمجهول أي احفرها جائز في طريق المسلمين لعموم النفع بها إذا لم يحصل بها تأذ لاحد
منهم * وذكر فيه حديث أبي هريرة في الذي وجد بئرا في الطريق فنزل فيها فشرب ثم سقى الكلب
وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الشرب وقوله في هذه الرواية يلهث يأكل الثرى يجوز
ان يكون خبرا ثانيا وأن يكون حالا وقوله في كل ذات كبد أي في إرواء كل ذات كبد (قوله
باب اماطة الأذى) أي إزالته (قوله وقال همام الخ) هو طرف من حديث وصله
المصنف في الجهاد في باب من أخذ بالركاب بلفظ وتميط الأذى عن الطريق صدقة وسيأتى
الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى ووقع في حديث أبي صالح عن أبي هريرة في ذكر شعب الايمان
أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ومعنى كون الإماطة صدقة أنه
تسبب إلى سلامة من يمر به من الأذى فكأنه تصدق عليه بذلك فحصل له أجر الصدقة وقد جعل
صلى الله عليه وسلم الامساك عن الشر صدقة على النفس (قوله باب الغرفة) بضم
المعجمة وسكون الراء أي المكان المرتفع في البيت (والعلية) بضم أوله وتكسر وبتشديد اللام
المكسورة وتشديد التحتانية (المشرفة) بالمعجمة والفاء وتخفيف الراء (وغير المشرفة في السطوح
وغيرها) ويجتمع بالتقسيم مما ذكره أربعة أشياء بالنسبة إلى الاشراف وعدمه وبالنسبة إلى
كونها في السطوح وفي غيرها وحكم المشرفة الجواز إذا أمن من الاشراف على عورات المنازل
فإن لم يؤمن لم يجبر على سده بل يؤمر بعدم الاشراف ولمن هو أسفل منه أن يتحفظ ثم ساق
المصنف في الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أسامة بن زيد أشرف النبي صلى الله عليه وسلم
على اطم وهو بضمتين وتقدم في أواخر الحج وسيأتي الكلام عليه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى
الثاني حديث بن عباس عن عمر في قصة المرأتين اللتين تظاهرتا أورده مطولا وقد مضى في العلم
مختصرا ويأتي الكلام على شرحه مستوفى في النكاح إن شاء الله تعالى وقوله في السند
عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور هو تابعي ثقة ذكر الدمياطي عن الخطيب أنه لم يرو عن غير ابن
عباس ولا حدث عنه إلا الزهري ولم يتعقبه وقد أخرج أبو داود وغيره من طريق محمد بن جعفر
82

عن أبي الزبير عنه عن بن عباس حديثا فما سلم له الشق الثاني * الثالث حديث أنس قال آلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا الحديث وسيأتي الكلام عليه في النكاح أيضا وكأنه
أورده لقوله فجلس في علية له فجاء عمر فقال أطلقت نساءك فإن في حديث عمر الذي قبله فدخل
مشربة له فاعتزل فيها وفيه فجئت المشربة التي هو فيها فقلت لغلام أسود استأذن لعمر الحديث
والمراد بالمشربة الغرفة العالية فأراد بإيراد حديث أنس أنها كانت عالية وإذا جاز اتخاذ الغرفة
العالية جاز اتخاذ غير العالية من باب الأولى وأما المشرفة فحكمها مستفاد من حديث أسامة
الذي صدر به الباب والله أعلم وأظن البخاري تأسى بعمر حيث ساق الحديث كله وكان يكفيه
في جواب سؤال بن عباس أن يكتفي بقول عائشة وحفصة كما كان يكفي البخاري أن يكتفى
بقوله مثلا ودخل النبي صلى الله عليه وسلم مشربة له فاعتزل فيها كما جرت به عادته والله أعلم وقوله
في حديث عمر واعجبا بالتنوين وأصله وا التي للندبة وجاء بعده عجبا للتأكيد وفي رواية الكشميهني
وا عجبي قال بن مالك فيه شاهد على استعمال وا في غير الندبة وهو رأي المبرد قيل إن عمر تعجب من
ابن عباس كيف خفي عليه هذا مع اشتهاره عنده بمعرفة التفسير أو عجب من حرصه على تحصيل
التفسير بجميع طرقه حتى في تسمية من أبهم فيه وهو حجة ظاهرة في السؤال عن تسمية من أبهم
أو أهمل * وقوله كنت وجار لي بالرفع للأكثر ويجوز النصب وقوله فيه تنعل النعال أي تضربها
وتسويها أو هو متعد إلى مفعولين فحذف أحدهما والأصل تنعل الدواب النعال وروى البغال
بالموحدة والمعجمة وسيأتي في النكاح بلفظ تنعل الخيل وقوله فأفزعني أي القول وللكشميهني
فأفزعنني بصيغة جمع المؤنث وقوله خابت من فعلت منهن في رواية الكشميهني جاءت من فعلت
منهن بعظيم وقوله على رمال بكسر الراء ويجوز ضمها يقال رمل الحصير إذا نسجه والمراد ضلوعه
المتداخلة بمنزلة الخيوط في الثوب المنسوج وكأنه لم يكن فوق الحصير فراش ولا غيره أو كان
بحيث لا يمنع تأثير الحصير قوله فقلت وأنا قائم أستأنس أي أقول قولا أستكشف به هل ينبسط
لي أم لا ويكون أول كلامه يا رسول الله لو رأيتني ويحتمل أن يكون استفهاما محذوف الأداة أي
أأستأنس يا رسول الله ويكون أول الكلام الثاني لو رأيتني ويكون جواب الاستفهام محذوفا
واكتفى فيما أراد بقرينة الحال وقوله أهبة بفتح الهمزة والهاء ويجوز ضمها وقوله أنا أصبحنا
83

بتسع في رواية الكشميهني لتسع (قوله باب من عقل بعيره على البلاط) بفتح الموحدة
وهى حجارة مفروشة كانت عند باب المسجد وقوله أو باب المسجد هو بالاستنباط من ذلك وأشار
به إلى ما ورد في بعض طرقه وأورد فيه طرفا من حديث جابر في قصة جمله الذي باعه النبي صلى الله
عليه وسلم وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الشروط وغرضه هنا قوله فعقلت الجمل في ناحية
البلاط فإنه يستفاد منه جواز ذلك إذا لم يحصل به ضرر (قوله باب الوقوف والبول
عند سباطة قوم) أورد فيه حديث حذيفة في ذلك وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الطهارة
وجاز البول في السباطة وإن كانت لقوم بأعيانهم لأنها أعدت لالقاء النجاسات والمستقذرات
(قوله باب من أخذ الغصن وما يؤذي الناس في الطريق فرمى به) في رواية الكشميهني
من أخر بتشديد المعجمة بعدها راء وأورد فيه حديث أبي هريرة في ذلك بلفظ غصن شوك وفى حديث
أنس عند أحمد أن شجرة كانت على طريق الناس تؤذيهم فأتى رجل فعزلها وقد تقدم في أواخر
أبواب الاذان مع الكلام عليه وقوله فغفر له وقع في حديث أنس المذكور ولقد رأيته يتقلب في
ظلها في الجنة وينظر في هذه الترجمة وفي التي قبلها بثلاث أبواب وهي إماطة الأذى وكأن تلك أعم
من هذه لعدم تقييدها بالطريق وأن تساويا في فضل عموم المزال وفيه أن قليل الخير يحصل به
كثير الاجر قال ابن المنير إنما ترجم به لئلا يتخيل أن الرمي بالغصن وغيره مما يؤذي تصرف في
ملك الغير بغير إذنه فيمتنع فأراد أن يبين أن ذلك لا يمتنع لما فيه من الندب إليه وقد روى مسلم
من حديث أبي برزة قال قلت يا رسول الله دلني على عمل أنتفع به قال اعزل الأذى عن طريق
المسلمين * (تنبيه) * أبو عقيل بفتح المهملة بعدها قاف اسمه بشير بفتح أوله وبالمعجمة ابن عقبة
وسيأتى في الشركة قريبا زهرة بن معبد وكنيته أبو عقيل أيضا وهو غير هذا (قوله
باب إذا اختلفوا في الطريق الميتاء) بكسر الميم وسكون التحتانية بعدها مثناة ومد
بوزن مفعال من الاتيان والميم زائدة قال أبو عمرو الشيباني الميتاء أعظم الطرق وهي التي يكثر
84

مرور الناس بها وقال غيره هي الطريق الواسعة وقيل العامرة (قوله وهي الرحبة تكون بين
الطريقين ثم يريد أهلها البنيان الخ) وهو مصير منه إلى اختصاص هذا الحكم بالصورة التي ذكرها
وقد وافقه الطحاوي على ذلك فقال لم نجد لهذا الحديث معنى أولى من حمله على الطريق التي يراد
ابتداؤها إذا اختلف من يبتدئها في قدرها كبلد يفتحها المسلمون وليس فيها طريق مسلوك
وكموات يعطيه الامام لمن يحييها إذا أراد أن يجعل فيها طريقا للمارة ونحو ذلك وقال غيره مراد
الحديث أن أهل الطريق إذا تراضوا على شئ كان لهم ذلك وأن اختلفوا جعل سبعة أذرع
وكذلك الأرض التي تزرع مثلا إذا جعل أصحابها فيها طريقا كان باختيارهم وكذلك الطريق
التي لا تسلك إلا في النادر يرجع في أفنيتها إلى ما يتراضى عليه الجيران (قوله عن الزبير بن
خريت) بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة بصري ما له
في البخاري سوى هذا الحديث وحديثين في التفسير وآخر في الدعوات وقد أورد بن عدي هذا
الحديث في أفراد جرير بن حازم راوية عن الزبير هذا فهو من غرائب الصحيح ولكن شاهده في
مسلم من حديث عبد الله بن الحارث عن بن عباس وعند الإسماعيلي من طريق وهب بن جرير
عن أبيه سمعت الزبير (قوله إذا تشاجروا) تفاعلوا من المشاجرة بالمعجمة والجيم أي تنازعوا
وللإسماعيلي إذا اختلف الناس في الطريق ولمسلم من طريق عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة
إذا اختلفتم وأخرجه أبو عوانة في صحيحه وأبو داود والترمذي وابن ماجة من طريق بشير بن
كعب وهو بالتصغير والمعجمة عن أبي هريرة بلفظ إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع
ومثله لابن ماجة من حديث بن عباس (قوله في الطريق) زاد المستملي في روايته الميتاء ولم يتابع
عليه وليست بمحفوظة في حديث أبي هريرة وإنما ذكرها المؤلف في الترجمة مشيرا بها إلى ما ورد
في بعض طرق الحديث كعادته وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس عن النبي صلى الله
عليه وسلم إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع وروى عبد الله بن أحمد في
زيادات المسند والطبري من حديث عبادة بن الصامت قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الطريق الميتاء فذكره في أثناء حديث طويل ولابن عدي من حديث أنس بن الصامت قال قضى رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الطريق الميتاء التي تؤتى من كل مكان فذكره وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال
(قوله بسبعة أذرع) الذي يظهر أن المراد بالذراع ذراع الآدمي فيعتبر ذلك بالمعتدل وقيل
المراد بالذراع ذراع البنيان المتعارف قال الطبري معناه أن يجعل قدر الطريق المشتركة سبعة
أذرع ثم يبقى بعد ذلك لكل واحد من الشركاء في الأرض قدر ما ينتفع به ولا يضر غيره والحكمة
في جعلها سبعة أذرع لتسلكها الأحمال والأثقال دخولا وخروجا ويسع ما لا بد لهم من طرحه
عند الأبواب ويلتحق بأهل البنيان من قعد للبيع في حافة الطريق فإن كانت الطريق أزيد من
سبعة أذرع لم يمنع من القعود في الزائد وأن كان أقل منع لئلا يضيق الطريق على غيره (قوله
باب النهبي بغير إذن صاحبه) أي صاحب الشئ المنهوب والنهبي بضم النون فعلى
من النهب وهو أخذ المرء ما ليس له جهارا ونهب مال الغير غير جائز ومفهوم الترجمة أنه إذا أذن
جاز ومحله في المنهوب المشاع كالطعام يقدم للقوم فلكل منهم أن يأخذ مما يليه ولا يجذب من
غيره الا برضاه وبنحو ذلك فسره النخعي وغيره وكره مالك وجماعة النهب في نثار العرس لأنه اما
85

أن يحمل على أن صاحبه أذن للحاضرين في أخذه فظاهره يقتضى التسوية والنهب يقتضى
خلافها واما أن يحمل على أنه علق التمليك على ما يحصل لكل أحد ففي صحته اختلاف فلذلك
كرهه وسيأتى لذلك مزيد بيان في أول كتاب الشركة إن شاء الله تعالى (قوله وقال عبادة بايعنا
النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا ننتهب) هذا طرف من حديث وصله المؤلف في وفود الأنصار
وقد تقدمت الإشارة إليه في أوائل كتاب الايمان وكان من شأن الجاهلية انتهاب ما يحصل لهم
من الغارات فوقعت البيعة على الزجر عن ذلك (قوله سمعت عبد الله بن يزيد) كذا للأكثر
وللكشميهني وحده بن زيد وهو تصحيف (قوله وهو) يعني عبد الله (جده) أي جد عدي لامه
واسم أمه فاطمة وتكنى أم عدي وعبد الله بن يزيد هو الخطمي مضى ذكره في الاستسقاء وليس
له عن النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري غير هذا الحديث وله فيه عن الصحابة غير هذا وقد
اختلف في سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وروى هذا الحديث يعقوب بن إسحاق الحضرمي
عن شعبة فقال فيه عن عدي عن عبد الله بن يزيد عن أبي أيوب الأنصاري أشار إليه الإسماعيلي
وأخرجه الطبراني والمحفوظ عن شعبة ليس فيه أبو أيوب وفيه اختلاف آخر على عدي بن ثابت
كما سيأتي في كتاب الذبائح وفي النهي عن النهبة حديث جابر عند أبي داود بلفظ من انتهب فليس
منا وحديث أنس عند الترمذي مثله وحديث عمران عند بن حبان مثله وحديث ثعلبة بن
الحكم بلفظ أن النهبة لا تحل عند بن ماجة وحديث زيد بن خالد عند أحمد نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن النهبة (قوله عن النهبي والمثلة) بضم الميم وسكون المثلثة ويجوز فتح الميم وضم
المثلثة وسيأتي شرحها في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى ثم أورد المصنف حديث لا يزنى الزاني
حين يزنى وهو مؤمن الحديث وفيه وينتهب نهبة ترفع الناس إليه فيها أبصارهم ومنه يستفاد
التقييد بالاذن في الترجمة لان رفع البصر إلى المنتهب في العادة لا يكون إلا عند عدم الإذن
وسيأتى الكلام عليه مستوفى في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى (قوله وعن سعيد) يعنى ابن
السيب (وأبي سلمة) يعني بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مثله إلا النهبة يعني أن الزهري روى
الحديث عن هؤلاء الثلاثة عن أبي هريرة فانفرد أبو بكر بن عبد الرحمن بزيادة ذكر النهبة فيه
وظاهره أن الحديث عند عقيل عن الزهري عن الثلاثة على هذا الوجه وقد أخرجه في الحدود
فقال فيه عن بن شهاب عن سعيد وأبي سلمة مثله الا النهبة ورواه مسلم من طريق الأوزاعي عن
الزهري عن الثلاثة بتمامه وكأن الأوزاعي حمل رواية سعيد وأبي سلمة على رواية أبى بكر
والذي فصلها أحفظ منه فهو المحفوظ وسيأتي مزيد بان لذلك في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى
(قوله قال الفربري وجدت بخط أبي جعفر) هو بن أبي حاتم وراق البخاري (قال أبو عبد الله)
هو المصنف (تفسيره) أي تفسير النفي في قوله لا يزني وهو مؤمن (أن ينزع منه (3) نور الايمان)
وهذا التفسير تلقاه البخاري من بن عباس فسيأتي في أول الحدود وقال ابن عباس ينزع منه نور
الايمان وسنذكر هناك من وصله ومن وافقه على هذا التأويل ومن خالفه إن شاء الله تعالى
(قوله باب كسر الصليب وقتل الخنزير) أورد فيه حديث أبي هريرة وينزل بن مريم
وسيأتى شرحه في أحاديث الأنبياء وقد تقدم من وجه آخر في باب من قتل الخنزير في أواخر البيوع
وفى إيراده هنا إشارة إلى أن من قتل خنزيرا أو كسر صليبا لا يضمن لأنه فعل مأمورا به وقد أخبر
86

عليه الصلاة والسلام بأن عيسى عليه السلام سيفعله وهو إذا نزل كان مقررا لشرع نبينا صلى
الله عليه وسلم كما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى ولا يخفى أن محل جواز كسر الصليب إذا كان
مع المحاربين أو الذمي إذا جاوز به الحد الذي عوهد عليه فإذا لم يتجاوز وكسره مسلم كان متعديا
لانهم على تقريرهم على ذلك يؤدون الجزية وهذا هو السر في تعميم عيسى كسر كل صليب لأنه
لا يقبل الجزية وليس ذلك منه نسخا لشرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بل الناسخ هو شرعنا على
لسان نبينا لاخباره بذلك وتقريره (قوله باب هل تكسر الدنان التي فيها خمر أو
تخرق الزقاق) لم يبين الحكم لان المعتمد فيه التفصيل فإن كانت الأوعية بحيث يراق ما فيها وإذا
غسلت طهرت وانتفع بها لم يجز إتلافها وإلا جاز وكأنه أشار بكسر الدنان إلى ما أخرجه الترمذي
عن أبي طلحة قال يا نبي الله اشتريت خمرا لأيتام في حجري قال أهرق الخمر وكسر الدنان وأشار
بتخريق الزقاق إلى ما أخرجه أحمد عن بن عمر قال أخذ النبي صلى الله عليه وسلم شفرة وخرج
إلى السوق وبها زقاق خمر جلبت من الشام فشق بها ما كان من تلك الزقاق فأشار المصنف
إلى أن الحديثين إن ثبتا فإنما أمر بكسر الدنان وشق الزقاق عقوبة لأصحابها وإلا فالانتفاع
بها بعد تطهيرها ممكن كما دل عليه حديث سلمة أول أحاديث الباب (قوله فان كسر صنما أو صليبا
أو طنبورا أو ما لا ينتفع بخشبه) أي هل يضمن أم لا أما الصنم والصليب فمعروفان يتخذان من
خشب ومن حديد ومن نحاس وغير ذلك وأما الطنبور فهو بضم الطاء والموحدة بينهما نون
ساكنة آلة من آلات الملاهي معروفة وقد تفتح طاؤه وأما ما لا ينتفع بخشبه فبينه وبين ما تقدم
خصوص وعموم وقال الكرماني المعنى أو كسر شيئا لا يجوز الانتفاع بخشبه قبل الكسر كآلة
الملاهي يعني فيكون من العام بعد الخاص قال ويحتمل أن يكون أو بمعنى حتى أي كسر ما ذكر
إلى حد لا ينتفع بخشبه أو هو عطف على محذوف تقديره كسر كسرا لا ينتفع بخشبه ولا ينتفع به
بعد الكسر (قلت) ولا يخفى تكلف هذا الأخير وبعد الذي قبله (قوله وأتى شريح في طنبور
كسر فلم يقض فيه بشئ) أي لم يضمن صاحبه وقد وصله بن أبي شيبة من طريب أبي حصين بفتح
أوله بلفظ أن رجلا كسر طنبورا لرجل فرفعه إلى شريح فلم يضمنه شئ ثم أورد المصنف في الباب
ثلاثة أحاديث أحدها حديث سلمة بن الأكوع في غسل القدور التي طبخت فيها الحمر وسيأتى
الكلام عليه مستوفى في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى وهو يساعد ما أشرت إليه في الترجمة من
التفصيل قال بن الجوزي أراد التغليظ عليهم في طبخهم ما نهى عن أكله فلما رأى اذعانهم
اقتصر على غسل الأواني وفيه رد على من زعم أن دنان الخمر لا سبيل إلى تطهيرها لما بداخلها من
الخمر فإن الذي داخل القدور من الماء الذي طبخت به الخمر يطهره وقد أذن صلى الله عليه وسلم في
غسلها فدل على إمكان تطهيرها (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف (كان بن أبي أويس) يعنى
شيخه إسماعيل (قوله الانسية بنصب الألف والنون) يعني أنها نسبت إلى الانس بالفتح ضد
الوحشة تقول أنسته أنسة وأنسا بإسكان النون وفتحها والمشهور في الروايات بكسر الهمزة
وسكون النون نسبة إلى الانس أي بني آدم لأنها تألفهم وهي ضد الوحشية * (تنبيه) * ثبت هذا
التفسير لأبي ذر وحده وتعبيره عن الهمزة بالألف وعن الفتح بالنصب جائز عند المتقدمين وإن كان
الاصطلاح أخيرا قد استقر على خلافه فلا يبادر إلى إنكاره ثانيها حديث ابن مسعود في
87

طعن الأصنام وسيأتي الكلام عليه في غزوة الفتح (قوله يطعنها) بفتح العين وبضمها قال الطبري
في حديث بن مسعود جواز كسر آلات الباطل وما لا يصلح إلا في المعصية حتى تزول هيئتها
وينتفع برضاضها ثالثها حديث عائشة في هتك الستر الذي فيه التماثيل وسيأتي الكلام عليه في
اللباس ونذكر فيه وجه الجمع بين قولها كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكئ عليها وبين قولها
في الطريق الأخرى ما بال هذه النمرقة قلت اشتريتها لتوسدها قال إن البيت الذي فيه الصورة
لا تدخله الملائكة والسهوة بفتح المهملة وسكون الهاء صفة وقيل خزانة وقيل رف وقيل طاق
يوضع فيه الشئ قال بن التين قولها فهتكه أي شقه كذا قال والذي يظهر أنه نزعه ثم هي
بعد ذلك قطعته كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى (قوله باب من قاتل دون
ماله) أي حكمة قال القرطبي دون في أصلها ظرف مكان بمعنى تحت وتستعمل للسببية على
المجاز ووجهه أن الذي يقاتل عن ماله غالبا إنما يجعله خلفه أو تحته ثم يقاتل عليه (قوله حدثنا
عبد الله بن يزيد) هو المقرئ وأبو الأسود هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي ووقع منسوبا
هكذا عند الإسماعيلي قوله عن عكرمة في رواية الطبري عن أبي الأسود أن عكرمة أخبره
وليس لعكرمة عن عبد الله بن عمرو وهو بن العاص في صحيح البخاري غير هذا الحديث الواحد
(قوله من قتل دون ماله فهو شهيد) قال الإسماعيلي وكذا أخرجه البخاري وكأنه كتبه من
حفظه أو حدث به المقرئ من حفظه فجاء به على اللفظ المشهور وإلا فقد رواه الجماعة عن المقرئ
بلفظ من قتل دون ماله مظلوما فله الجنة قال ومن أتى به على غير اللفظ الذي اعتيد فهو أولى
بالحفظ ولا سيما وفيهم مثل دحيم وكذلك ما زادوه من قوله مظلوما فإنه لا بد من هذا القيد وساقه
من طريق دحيم وابن عمر وعبد العزيز بن سلام (قلت) وكذلك أخرجه النسائي عن عبيد
الله بن فضالة عن المقرئ وكذلك رواه حياة بن شريح عن أبي الأسود بهذا اللفظ أخرجه
الطبري نعم للحديث طريق أخرى عن عكرمة أخرجها النسائي باللفظ المشهور وأخرجه مسلم
كذلك من طريق ثابت بن عياض عن عبد الله بن عمرو وفي روايته قصة قال لما كان بين عبد الله
ابن عمرو وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان يشير للقتال فركب خالد بن العاص إلى عبد الله
ابن عمرو فوعظه فقال عبد الله بن عمرو أما علمت فذكر الحديث وأشار بقوله ما كان إلى ما بينه
حياة في روايته المشار إليها فإن أولها أن عاملا لمعاوية أجرى عينا من ماء ليسقي بها أرضا فدنا من
حائط لآل عمرو بن العاص فأراد أن يخرجه ليجري العين منه إلى الأرض فأقبل عبد الله بن عمرو
ومواليه بالسلاح وقالوا والله لا تخرقون حائطنا حتى لا يبقى منا أحد فذكر الحديث والعامل
المذكور هو عنبسة بن أبي سفيان كما ظهر من رواية مسلم وكان عاملا لأخيه على مكة والطائف
والأرض المذكورة كانت بالطائف وامتناع عبد الله بن عمرو من ذلك لما يدخل عليه من الضرر
فلا حجة فيه لمن عارض به حديث أبي هريرة فيمن أراد أن يضع جذعه على جدار جاره والله أعلم
وأخرجه النسائي من وجهين آخرين وأبو داود والترمذي من وجه آخر كلهم عن عبيد الله بن عمرو
باللفظ المشهور وفي رواية لأبي داود والترمذي من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد ولابن
ماجة من حديث بن عمر نحوه وكأن البخاري أشار إلى ذلك في الترجمة لتعبيره بلفظ قاتل وروى
الترمذي وبقية أصحاب السنن من حديث سعيد بن زيد نحوه وفيه ذكر الأهل والدم والدين وفى
88

حديث أبي هريرة عند بن ماجة من أريد ماله ظلما فقتل فهو شهيد قال النووي فيه جواز قتل
من قصد أخذ المال بغير حق سواء كان المال قليل أو كثيرا وهو قول الجمهور وشذ من أوجبه
وقال بعض المالكية لا يجوز إذا طلب الشئ الخفيف قال القرطبي سبب الخلاف عندنا هل
الاذن في ذلك من باب تغيير المنكر فلا يفترق الحال بين القليل والكثير أو من باب دفع الضرر
فيختلف الحال وحكى بن المنذر عن الشافعي قال من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله الاختيار
أن يكلمه أو يستغيث فإن منع أو أمتنع لم يكن له قتاله وإلا فله أن يدفعه عن ذلك ولو أتى على نفسه
وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة لكن ليس له عمد قتله قال ابن المنذر والذي عليه أهل العلم أن
للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلما بغير تفصيل إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث
كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الواردة بالامر بالصبر على جوره وترك القيام عليه وفرق
الأوزاعي بين الحال التي للناس فيها جماعة وإمام فحمل الحديث عليها وأما في حال الاختلاف
والفرقة فليستسلم ولا يقاتل أحدا ويرد عليه ما وقع في حديث أبي هريرة عند مسلم بلفظ أرأيت ان
جاء رجل يريد أخذ مالي قال فلا تعطه قال أرأيت أن قاتلني قال فاقتله قال أرأيت أن قتلني قال
فأنت شهيد قال أرأيت أن قتلته قال فهو في النار قال بن البطال إنما أدخل البخاري هذه الترجمة
في هذه الأبواب ليبين أن للانسان أن يدفع عن نفسه وما له ولا شئ عليه فإنه إذا كان شهيدا إذا
قتل في فلا قود عليه ولا دية إذا كان هو القاتل رضي الله تعالى عنه (قوله باب إذا كسر قصعة أو شيئا
لغيره) أي هل يضمن المثل أو القيمة (قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه)
في رواية الترمذي من طريق سفيان الثوري عن حميد عن أنس أهدت بعض أزواج النبي صلى
الله عليه وسلم طعاما في قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها الحديث أخرجه أحمد عن بن أبي
عدى ويزيد بن هارون عن حميد به وقال أظنها عائشة قال الطيبي إنما أبهمت عائشة تفخيما لشأنها
وأنه مما لا يخفى ولا يلتبس أنها هي لان الهدايا إنما كانت تهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها
(قوله فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم) لم أقف على اسم الخادم وأما المرسلة فهي زينب
بنت جحش ذكره بن حزم في المحلي من طريق الليث بن سعد عن جرير بن حازم عن حميد سمعت
انس بن مالك أن زينب بنت جحش أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت عائشة ويومها
جفنة من حيس الحديث واستفدنا منه معرفة الطعام المذكور ووقع قريب من ذلك لعائشة مع
أم سلمة فروى النسائي من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي المتوكل عن أم سلمة أنها أتت
بطعام في صفحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر ففلقت
به الصحفة الحديث وقد اختلف في هذا الحديث على ثابت فقيل عنه عن أنس ورجح أبو زرعة
الرازي فيما حكاه بن أبي حاتم في العلل عنه رواية حماد بن سلمة وقال أن غيرها خطأ ففي الأوسط
للطبراني من طريق عبيد الله العمري عن ثابت عن أنس إنهم كانوا عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم في بيت عائشة إذ أتى بصحفة خبز ولحم من بيت أم سلمة قال فوضعنا أيدينا وعائشة تصنع طعاما
عجلة فلما فرغنا جاءت به ورفعت صحفة أم سلمة فكسرتها الحديث وأخرجه الدارقطني من طريق
عمران بن خالد عن ثابت عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة معه بعض أصحابه
ينتظرون طعاما فسبقتها قال عمران أكثر ظني أنها حفصة بصحفة فيها ثريد فوضعتها فخرجت
89

عائشة وذلك قبل أن يحتجبن فضربت بها فانكسرت الحديث ولم يصب عمران في ظنه أنها حفصة
بل هي أم سلمة كما تقدم نعم وقعت القصة لحفصة أيضا وذلك فيما رواه ابن أبي شيبة وابن ماجة من
طريق رجل من بني سواءة غير مسمى عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه
فصنعت له طعاما وصنعت له حفصة طعاما فسبقتني فقلت للجارية انطلقي فأكفئي قصعتها فأكفأتها
فانكسرت وانتشر الطعام فجمعه على النطع فأكلوا ثم بعث بقصعتي إلى حفصة فقال خذوا
ظرفا مكان ظرفكم وبقية رجاله ثقات وهي قصة أخرى بلا ريب لان في هذه القصة أن الجارية
هي التي كسرت الصحفة وفي الذي تقدم أن عائشة نفسها هي التي كسرتها وروى أبو داود
والنسائي من طريق جسرة بفتح الجيم وسكون المهملة عن عائشة قالت ما رأيت صانعة طعاما
مثل صفية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إناء فيه طعام فما ملكت نفسي أن كسرته فقلت
يا رسول الله ما كفارته قال إناء كإناء وطعام كطعام إسناده حسن ولأحمد وأبي داود عنها فلما
رأيت الجارية أخذتني رعدة فهذه قصة أخرى أيضا وتحرر من ذلك أن المراد بمن أبهم في حديث
الباب هي زينب لمجئ الحديث من مخرجه وهو حميد عن أنس وما عدا ذلك فقصص أخرى
لا يليق بمن يحقق أن يقول في مثل هذا قيل المرسلة فلانة وقيل فلانة الخ من غير تحرير (قوله
بقصعة) بفتح القاف إناء من خشب وفي رواية بن علية في النكاح عند المصنف بصحفة وهى
قصعة مبسوطة وتكون من غير الخشب (قوله فضربت بيدها فكسرت القصعة) زاد أحمد
نصفين وفى رواية أم سلمة عند النسائي فجاءت عائشة ومعها فهر ففلقت به الصحفة وفي رواية ابن
علية فضربت التي في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت والفلق بالسكون الشق ودلت
الرواية الأخرى على أنها انشقت ثم انفصلت (قوله فضمها) في رواية بن علية فجمع النبي صلى
الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول غارت أمكم
ولأحمد فأخذ الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى فجعل فيها الطعام ولأبي داود والنسائي
من طريق خالد بن الحارث عن حميد نحوه وزاد كلوا فأكلوا (قوله وحبس الرسول) زاد ابن علية
حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها (قوله فدفع القصعة الصحيحة) زاد ابن علية إلى التي
كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت زاد الثوري وقال إناء كإناء وطعام
كطعام قال بن بطال احتج به الشافعي والكوفيون فيمن استهلك عروضا أو حيوانا فعليه مثل
ما استهلك قالوا ولا يقضي بالقيمة إلا عند عدم المثل وذهب مالك إلى القيمة مطلقا وعنه في
رواية كالأول وعنه ما صنعه الآدمي فالمثل وأما الحيوان
فالقيمة وعنه ما كان مكيلا أو موزونا فالقيمة وإلا فالمثل وهو المشهور عندهم وما أطلقه عن الشافعي فيه نظر وإنما يحكم في الشئ بمثله
إذا كان متشابه الاجزاء وأما القصعة فهي من المتقومات لاختلاف أجزائها والجواب ما حكاه
البيهقي بأن القصعتين كانتا للنبي صلى الله عليه وسلم في بيتي زوجتيه فعاقب الكاسرة بجعل
القصعة المكسورة في بيتها وجعل الصحيحة في بيت صاحبتها ولم يكن هناك تضمين ويحتمل على
تقدير أن تكون القصعتان لهما أنه رأى ذلك سدادا بينهما فرضيتا بذلك ويحتمل أن يكون ذلك
في الزمان الذي كانت العقوبة فيه بالمال كما تقدم قريبا فعاقب الكاسرة بإعطاء قصعتها للأخرى
قلت ويبعد هذا التصريح بقوله إناء كإناء وأما التوجيه الأول فيعكر عليه قوله في الرواية التي
90

ذكرها ابن أبي حاتم من كسر شيئا فهو له وعليه مثله زاد في رواية الدارقطني فصارت قضية وذلك
يقتضى أن يكون حكما عاما لكل من وقع له مثل ذلك ويبقى دعوى من اعتذر عن القول به بأنها
واقعة عين لا عموم فيها لكن محل ذلك ما إذا أفسد المكسور فأما إذا كان الكسر خفيفا يمكن
اصلاحه فعلى الجاني أرشه والله أعلم وأما مسألة الطعام فهي محتملة لان يكون ذلك من باب
المعونة والاصلاح دون بت الحكم بوجوب المثل فيه لأنه ليس له مثل معلوم وفي طرق
الحديث ما يدل على ذلك وأن الطعامين كانا مختلفين والله أعلم واحتج به الحنفية لقولهم إذا
تغيرت العين المغصوبة بفعل الغاصب حتى زال اسمها وعظم منافعها زال ملك المغصوب عنها
وملكها الغاصب وضمنها وفي الاستدلال لذلك بهذا الحديث نظر لا يخفى قال الطيبي وانما
وصفت المرسلة بأنها أم المؤمنين ايذانا بسبب الغيرة التي صدرت من عائشة وإشارة إلى غيرة
الأخرى حيث أهدت إلى بيت ضرتها وقوله غارت أمكم اعتذار منه صلى الله عليه وسلم لئلا
يحمل صنيعها على ما يذم بل يجري على عادة الضرائر من الغيرة فإنها مركبة في النفس بحيث
لا يقدر على دفعها وسيأتي مزيد لما يتعلق بالغيرة في كتاب النكاح حيث ذكره المصنف إن شاء الله
تعالى وفى الحديث حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وانصافه وحلمه قال بن العربي وكأنه انما لم
يؤدب الكاسرة ولو بالكلام لما وقع منها من التعدي لما فهم من أن التي أهدت أرادت بذلك أذى
التي هو في بيتها والمظاهرة عليها فاقتصر على تغريمها للقصعة قال وإنما لم يغرمها الطعام لأنه كان
مهدى فاتلافهم له قبول أو في حكم القبول وغفل رحمه الله عما ورد في الطرق الأخرى والله
المستعان (قوله وقال ابن أبي مريم) هو سعيد شيخ البخاري وأراد بذلك بيان التصريح بتحديث
أنس لحميد وقد وقع تصريحه بالسماع منه لهذا الحديث في رواية جرير بن حازم المذكورة أو لا
من عند بن حزم (قوله باب إذا هدم حائطا فليبن مثله) أي خلافا لمن قال تلزمه
القيمة من المالكية وغيرهم وأورد فيه المصنف حديث أبي هريرة في قصة جريج الراهب
مختصرا وساقه في أحاديث الأنبياء من هذا الوجه مطولا ويأتي الكلام عليه هناك مستوفى إن شاء الله
تعالى وموضع الحاجة منه هنا قوله فقالوا نبني صومعتك من ذهب قال لا الامن طين
وقال قبل ذلك فكسروا صومعته وتوجيه الاحتجاج به أن شرع من قبلنا شرع لنا وهو كذلك
إذا لم يأت شرعنا بخلافه كما تقدم غير مرة لكن في الاستدلال بقصة جريج فيما ترجم به نظر قال
ابن المنير الاستدلال بذلك غير ظاهر فيما ترجم له لانهم عرضوا عليه ما لا يلزمهم اتفاقا وهو بناؤها
من ذهب وما أجابهم جريج الا بقوله من طين وأشار بذلك إلى الصفة التي كانت عليها قال
ولا خلاف أن الهادم لو التزم الإعادة ورضي صاحبه في جواز ذلك قال ويحتمل على أصل مالك ان
لا يجوز لأنه فسخ لما وجب ناجزا وهو القيمة إلى ما يتأخر وهو البنيان قال بن مالك في قوله لا الا
من طين شاهد على حذف المجزوم بلا فإن التقدير لا نبنوها الا من طين خاتمة اشتمل كتاب
المظالم من الأحاديث المرفوعة على ثمانية وأربعين حديثا المعلق منها ستة المكرر منها فيه وفيما
مضى ثمانية وعشرون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي سعيد إذا خلص
المؤمنون وحديث أنس انصر أخاك وحديث أبي هريرة من كانت له مظلمة وحديث بن عمر
من أخذ شيئا من الأرض وحديث عبد الله بن يزيد في النهي عن النهبى والمثلة وحديث أنس
91

في القصعة المكسورة وفيه من الآثار سبعة آثار والله سبحانه وتعالى أعلم
* (قوله كتاب الشركة) *
كذا للنسفي وابن شبويه وللأكثر باب ولأبي ذر في الشركة وقدموا البسملة وأخرها والشركة
بفتح المعجمة وكسر الراء وبكسر أوله وسكون الراء وقد تحذف الهاء وقد يفتح أوله مع ذلك
فتلك أربع لغات وهي شرعا ما يحدث بالاختيار بين اثنين فصاعدا من الاختلاط لتحصيل الربح
وقد تحصل بغير قصد كالإرث (قوله الشركة في الطعام والنهد) أما الطعام فسيأتي القول فيه في
باب منفرد وأما النهد فهو بكسر النون وبفتحها إخراج القوم نفقاتهم على قدر عدد الرفقة يقال
تناهدوا وناهد بعضهم بعضا قاله الأزهري وقال الجوهري نحوه لكن قال على قدر نفقة
صاحبه ونحوه لابن فارس وقال بن سيده النهد العون وطرح نهده مع القوم أعانهم وخارجهم
وذلك يكون في الطعام والشراب وقيل فذكر قول الأزهري وقال عياض مثل قول الأزهري الا
انه قيده بالسفر والخلط ولم يقيده بالعدد وقال بن التين قال جماعة هو النفقة بالسوية في السفر
وغيره والذي يظهر أن أصله في السفر وقد تتفق رفقة فيضعونه في الحضر كما سيأتي في آخر الباب
من فعل الأشعريين وأنه لا يتقيد بالتسوية الا في القسمة وأما في الاكل فلا تسوية لاختلاف حال
الاكلين وأحاديث الباب تشهد لكل ذلك وقال بن الأثير هو ما تخرجه الرفقة عند المناهدة
إلى الغزو وهو أن يقتسموا نفقتهم بينهم بالسوية حتى لا يكون لأحدهم على الآخر فضل فزاده
قيدا آخر وهو سفر الغزو والمعروف أنه خلط الزاد في السفر مطلقا وقد أشار إلى ذلك المصنف
في الترجمة حيث قال يأكل هذا بعضا وهذا بعضا وقال القابسي هو طعام الصلح بين القبائل وهذا
غير معروف فإن ثبت فلعله أصله وذكر محمد بن عبد الملك التاريخي أن أول من أحدث النهد حضين
بمهملة ثم معجمة مصغر الرقاشي قلت وهو بعيد لثبوته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
وحضين لا صحبة له فإن ثبت احتملت أوليته فيه في زمن مخصوص أو في فئة مخصوصة (قوله
والعروض) بضم أوله جمع عرض بسكون الراء مقابل النقد وأما بفتحها فجميع أصناف المال
وما عدا النقد يدخل فيه الطعام فهو من الخاص بعد العام ويدخل فيه الربويات ولكنه اغتفر
في النهد لثبوت الدليل على جوازه واختلف العلماء في صحة الشركة كما سيأتي قوله وكيف قسمة
ما يكال ويوزن أي هل يجوز قسمته مجازفة أو لا بد من الكيل في المكيل والوزن في الموزون
وأشار إلى ذلك بقوله مجازفة أو قبضة قبضة أي متساوية (قوله لما لم ير المسلمون بالنهد بأسا) هو
بكسر اللام وتخفيف الميم وكأنه أشار إلى أحاديث الباب وقد ورد الترغيب في ذلك وروى
أبو عبيد في الغريب عن الحسن قال أخرجوا نهدكم فإنه أعظم للبركة وأحسن لأخلاقكم (قوله
وكذلك مجازفة الذهب والفضة) كأنه ألحق النقد بالعرض للجامع بينهما وهو المالية لكن انما
92

يتم ذلك في قسمة الذهب مع الفضة أما قسمة أحدهما خاصة حيث يقع الاشتراك في الاستحقاق
فلا يجوز إجماعا قاله بن بطال وقال بن المنير شرط مالك في منعه أن يكون مصكوكا والتعامل
فيه بالعدد فعلى هذا يجوز بيع ما عداه جزافا ومقتضى الأصول منعه وظاهر كلام البخاري
جوازه ويمكن أن يحتج له بحديث جابر في مال البحرين والجواب عن ذلك أن قسمة العطاء ليست
على حقيقة القسمة لأنه غير مملوك للآخذين قبل التمييز والله أعلم وقوله والقران في التمر يشير إلى
حديث بن عمر الماضي في المظالم وسيأتي أيضا بعد بابين ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث
* أحدها حديث جابر في بعث أبي عبيدة بن الجراح إلى جهة الساحل وسيأتي الكلام عليه
مستوفى في كتاب المغازي وشاهد الترجمة منه قوله فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع
الحديث وقال الداودي ليس في حديث أبي عبيدة ولا الذي بعده ذكر المجازفة لانهم لم يريدوا
المبايعة ولا البدل وإنما يفضل بعضهم بعضا لو أخذ الامام من أحدهم للآخر وأجاب بن التين بأنه
انما أراد أن حقوقهم تساوت فيه بعد جمعه لكنهم تناولوه مجازفة كما جرت العادة ثانيها حديث
سلمة بن الأكوع في إرادة نحر ابلهم في الغزو والشاهد منه جمع أزوادهم ودعاء النبي صلى الله
عليه وسلم فيها بالبركة وهو ظاهر فيما ترجم به من كون أخذهم منها كان بغير قسمة مستوية وسيأتى
الكلام عليه مستوفى في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى
وقوله فيه أزواد في رواية المستملي أزودة وقوله وأملقوا أي افتقروا وقوله وبرك بتشديد الراء أي دعا بالبركة وقوله فاحتثى بسكون المهملة
بعدها مثناة مفتوحة ثم مثلثة افتعل من الحثي وهو الاخذ بالكفين ثالثها حديث رافع بن
خديج في تعجيل صلاة العصر وهو من الأحاديث المذكورة في غير مظنتها وقد ذكر المصنف في
المواقيت من هذا الوجه عن رافع تعجيل المغر ب وفي هذا تعجيل العصر والغرض منه هنا قوله
فننحر جزورا فيقسم عشر قسم قال بن التين في حديث رافع الشركة في الأصل وجمع الحظوظ
في القسم ونحر إبل المغنم والحجة على من زعم أن أول وقت العصر مصير ظل الشئ مثليه وقوله
نضيجا بالمعجمة وبالجيم أي استوى طبخه رابعها حديث أبي موسى قوله عن بريد هو بالموحدة
والراء مصغرا (قوله إذا أرملوا) أي فني زادهم وأصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل من القلة كما
قيل في ذا متربة (قوله فهم مني وأنا منهم) أي هم متصلون بي وتسمى من هذه الاتصالية كقوله
لست من دد وقيل المراد فعلوا فعلي في هذه المواساة وقال النووي معناه المبالغة في اتحاد
طريقهما واتفاقهما في طاعة الله تعالى وفي الحديث فضيلة عظيمة للأشعريين قبيلة أبي موسى
وتحديث الرجل بمناقبه وجواز هبة المجهول وفضيلة الايثار والمواساة واستحباب خلط الزاد في
السفر وفي الإقامة أيضا والله أعلم (قوله باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان
بينهما بالسوية في الصدقة) أورد فيه حديث أنس عن أبي بكر في ذلك وهو طرف من حديثه
الطويل في الزكاة وتقدم فيه وقيده المصنف في الترجمة بالصدقة لوروده فيها لان التراجع لا يصح
بين الشريكين في الرقاب وقال ابن بطال فقه الباب أن الشريكين إذا خلط رأس مالهما فالربح
بينهما فمن أنفق من مال الشركة أكثر مما أنفق صاحبه تراجعا عند القسمة بقدر ذلك لأنه عليه
الصلاة والسلام أمر الخليطين في الغنم بالتراجع بينهما وهما شريكان فدل ذلك على أن كل
شريكين في معناهما وتعقبه ابن المنير بأن التراجع الواقع بين الخليطين في الغنم ليس من باب
93

قسمة الربح وإنما أصله غرم مستهلك لأنا نقدر ان من لم يعط استهلك مال من أعطى إذا أعطى
عن حق وجب على غيره وقد قيل إنه يقدر مستلفا من صاحبه واستدل به على أن من قام عن غيره
بواجب فله الرجوع عليه وأن لم يكن أذن له في القيام عنه قاله ابن المنير أيضا وفيه نظر لان صحته
تتوقف على عدم الإذن وهو هنا محتمل فلا يتم الاستدلال مع قيام الاحتمال (قوله
باب قسمة الغنم) أي بالعدد أورد فيه حديث رافع بن خديج وفيه ثم قسم فعدل
عشرة من الغنم ببعير وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الذبائح إن شاء الله تعالى (قوله
باب القرآن في التمر بين الشركاء حتى يستأذن أصحابه) كذا في جميع النسخ ولعل حتى
كانت حين فتحرفت أو سقط من الترجمة شئ اما لفظ النهي من أولها أو لا يجوز قبل حتى ذكر فيه
حديث ابن عمر في ذلك من وجهين وقد تقدم في المظالم ويأتي الكلام عليه في الأطعمة إن شاء الله
تعالى قال ابن بطال النهي عن القرآن من حسن الأدب في الاكل عند الجمهور لا على التحريم كما
قال أهل الظاهر لان الذي يوضع للاكل سبيله سبيل المكارمة لا التشاح لاختلاف الناس في
الاكل لكن إذا استأثر بعضهم بأكثر من بعض لم يحل له ذلك (قوله باب تقويم
الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل) قال ابن بطال لا خلاف بين العلماء أن قسمة العروض وسائر
الأمتعة بعد التقويم جائز وإنما اختلفوا في قسمتها بغير تقويم فأجازه الأكثر إذا كان على سبيل
التراضي ومنعه الشافعي وحجته حديث ابن عمر فيمن أعتق بعض عبده فهو نص في الرقيق وألحق
الباقي به وأورد المصنف الحديث المذكور عن ابن عمر وعن أبي هريرة وسيأتي الكلام عليهما جميعا
في كتاب العتق مستوفى إن شاء الله تعالى (قوله باب هل يقرع في القسمة والاستهام
فيه) الاستهام الاقتراع والمراد به هنا بيان الأنصبة في القسم والضمير يعود على القسم بدلالة
القسمة فذكره لأنهما بمعنى أورده فيه حديث النعمان بن بشير وسيأتي الكلام عليه مستوفى
في آخر كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى (قوله باب شركة اليتيم وأهل الميراث)
94

الواو بمعنى مع قال ابن بطال اتنقوا على أنه لا تجوز المشاركة في مال اليتيم إلا إن كان لليتيم في ذلك
مصلحة راجحة وأورد المصنف في الباب حديث عائشة في تفسير قوله تعالى وان خفتم أن لا
تقسطوا في اليتامى وسيأتي الكلام عليه مستوفى في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى
والأويسي المذكور في الاسناد هو عبد العزيز وإبراهيم هو ابن سعد وصالح هو ابن كيسان
والاسناد كله مدنيون وقوله وقال الليث حدثني يونس وصله الطبري في تفسيره من طريق
عبد الله بن صالح عن الليث مقرونا بطريق ابن وهب عن يونس وقوله فيه رغبة أحدكم يتيمته وفى
رواية الكشميهني عن يتيمته ولعله أصوب (قوله باب الشركة في الأرضين وغيرها)
أورد فيه حديث جابر الشفعة في كل ما لم يقسم وقد مضى الكلام عليه في كتاب الشفعة وأراد
هنا الإشارة إلى جواز قسمة الأرض والدار وإلى جوازه ذهب الجمهور صغرت الدار أو كبرت
واستثنى بعضهم التي لا ينتفع بها لو قسمت فتمتنع قسمتها وهشام في هذه الرواية هو ابن يوسف
الصنعاني (قوله باب إذا قسم الشركاء الدور وغيرها فليس لهم رجوع ولا
شفعة) أورد فيه حديث جابر المذكور قال ابن المنير ترجم بلزوم القسمة وليس في الحديث الا نفى
الشفعة لكن لكونه يلزم من نفيها نفي الرجوع إذ لو كان للشريك أن يرجع لعادت مشاعة
فعادت الشفعة (قوله باب الاشتراك في الذهب والفضة وما يكون فيه الصرف)
قال ابن بطال أجمعوا على أن الشركة الصحيحة أن يخرج كل واحد مثل ما أخرج صاحبه ثم يخلطا
ذلك حتى لا يتميز ثم يتصرفا جميعا الا أن يقيم كل واحد منهما الآخر مقام نفسه وأجمعوا على أن
الشركة بالدراهم والدنانير جائزة لكن اختلفوا إذا كانت الدنانير من أحدهما والدراهم من
الاخر فمنعه الشافعي ومالك في المشهور عنه والكوفيون الا الثوري انتهى وزاد الشافعي أن
لا تختلف الصفة أيضا كالصحاح والمكسرة وإطلاق البخاري الترجمة يشعر بجنوحه إلى قول
الثوري وقوله وما يكون فيه الصرف أي كالدراهم المغشوشة والتبر وغير ذلك وقد اختلف
العلماء في ذلك فقال الأكثر يصح في كل مثلي وهو الأصح عند الشافعية وقيل يختص بالنقد
المضروب وأورد المصنف في الباب حديث البراء في الصرف وقد تقدم في أوائل البيوع وفى باب
بيع الورق بالذهب نسيئة وتقدم بعض الكلام عليه هناك (قوله حدثنا أبو عاصم) هو النبيل
شيخ البخاري وروى هنا وفي عدة مواضع عنه بواسطة (قوله اشتريت أنا وشريك لي) لم أقف على
اسمه (قوله شيئا يدا بيد ونسيئة) تقدم في أوائل البيوع بلفظ كنت أتجر في الصرف (قوله
95

ما كان يدا بيد فخذوه وما كان نسيئة فردوه) في رواية كريمة فذروه بتقديم الذال المعجمة وتخفيف
الراء أي اتركوه وفي رواية النسفي ردوه بدون الفاء وحذفها في مثل هذا واثباتها جائز واستدل
به على جواز تفريق الصفقة فيصح الصحيح منها ويبطل ما لا يصح وفيه نظر لاحتمال أن يكون
أشار إلى عقدين مختلفين ويؤيد هذا الاحتمال ما سيأتي في باب الهجرة إلى المدينة من وجه آخر
عن أبي المنهال قال باع شريك لي دراهم في السوق نسيئة إلى الموسم فذكر الحديث وفيه قدم
النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ونحن نتبايع هذا البيع فقال ما كان يدا بيد فليس به بأس وما
كان نسيئة فلا يصلح فعلى هذا فمعنى قوله ما كان يدا بيد فخذوه أي ما وقع لكم فيه التقابض في
المجلس فهو صحيح فأمضوه وما لم يقع لكم فيه التقابض فليس بصحيح فاتركوه ولا يلزم من ذلك أن
يكونا جميعا في عقد واحد والله أعلم (قوله باب مشاركة الذمي والمشركين
في المزارعة) الواو في قوله والمشركين عاطفة وليس بمعنى مع والتقدير مشاركة المسلم للذمي
ومشاركة المسلم للمشركين وقد ذكر فيه حديث ابن عمر في إعطاء اليهود خيبر على أن يعملوها
مختصرا وقد تقدم في المزارعة وهو ظاهر في الذمي وألحق المشرك به لأنه إذا استأمن صار في معنى
الذمي وأشار المصنف إلى مخالفة من خالف في الجواز كالثوري والليث وأحمد وإسحاق وبه قال
مالك الا أنه أجازه إذا كان يتصرف بحضرة المسلم وحجتهم خشية أن يدخل في مال المسلم ما لا يحل
كالربا وثمن الخمر والخنزير واحتج الجمهور بمعاملة النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر وإذا جاز في
المزارعة جاز في غيرها وبمشروعية أخذ الجزية منهم مع أن في أموالهم ما فيها (قوله
باب قسم الغنم والعدل فيها) ذكر فيه حديث عقبة بن عامر وقد مضى توجيه إيراده
في الشركة في أوائل الوكالة ويأتي الكلام على بقية شرحه في الأضاحي إن شاء الله تعالى (قوله
باب الشركة في الطعام وغيره) أي من المثليات والجمهور على صحة الشركة في كل
ما يتملك والأصح عند الشافعية اختصاصها بالمثلى وسبيل من أراد الشركة بالعروض عندهم ان
يبيع بعض عرضه المعلوم ببعض عرض الآخر المعلوم ويأذن له في التصرف وفي وجه لا يصح الا
في النقد المضروب كما تقدم وعن المالكية تكره الشركة في الطعام والراجح عندهما الجواز
(قوله ويذكر أن رجلا) لم أقف على اسمه (قوله فرأى عمر) كذا للأكثر وفي رواية ابن شبويه
فرأى ابن عمر وعليها شرح ابن بطال والأول أصح فقد رواه سعيد بن منصور من طريق إياس بن
معاوية أن عمر أبصر رجلا يساوم سلعة وعنده رجل فغمزه حتى اشتراها فرأى عمر أنها شركة
وهذا يدل على أنه كان لا يشترط للشركة صيغة ويكتفى فيها بالإشارة إذا ظهرت القرينة وهو
قول مالك وقال مالك أيضا في السلعة تعرض للبيع فيقف من يشتريها للتجارة فإذا اشتراها
واحد منهم واستشركه الآخر لزمه أن يشركه لأنه انتفع بتركه الزيادة عليه ووقع في نسخة الصغاني
ما نصه قال أبو عبد الله يعني المصنف إذا قال الرجل للرجل أشركني فإذا سكت يكون شريكه في
النصف اه وكأنه أخذه من أثر عمر المذكور قوله أخبرني سعيد هو ابن أبي أيوب وثبت
في رواية ابن شبويه (قوله عن زهرة) هو بضم الزاي وعند أبي داود من رواية المقبري عن سعيد
حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد (قوله عن جده عبد الله بن هشام) أي ابن زهرة التيمي من بني
عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة رهط أبي بكر الصديق وهو جد زهرة لأبيه (قوله وكان
96

قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم) ذكر بن منده أنه أدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم
ست سنين وروى أحمد في مسنده أنه احتلم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن في اسناده
ابن لهيعة وحديث الباب يدل على خطأ روايته هذه فإن ذهاب أمه به كان في الفتح ووصف
بالصغر إذا ذاك فإن كان ابن لهيعة ضبطه فيحتمل أنه بلغ في أوائل سن الاحتلام (قوله وذهبت
به أمه زينب بنت حميد) أي ابن زهير بن الحرث بن أسد بن عبد العزي وهي معدودة في الصحابة
وأبوه هشام مات قبل الفتح كافرا وقد شهد عبد الله بن هشام فتح مصر واختط بها فيما ذكره ابن
يونس وغيره وعاش إلى خلافة معاوية (قوله ودعا له) زاد المصنف في الاحكام من وجه
آخر عن زهرة وأخرجه الحاكم في المستدرك من حديث بن وهب بتمامه فوهم (قوله وعن
زهرة بن معبد) هو موصول بالاسناد المذكور (قوله فيلقاه ابن عمر وابن الزبير) قال
الإسماعيلي رواه الخلق فلم يذكر أحد هذه الزيادة إلى آخرها الا ابن وهب (قلت) وقد أخرجه
المصنف في الدعوات عن عبد الله ابن وهب بها الاسناد وكذلك أخرجه أبو نعيم من وجهين عن
ابن وهب وقال الإسماعيلي تفرد به ابن وهب (قوله فيقولان له أشركنا) هو شاهد الترجمة
لكونهما طلبا منه الاشتراك في الطعام الذي اشتراه فأجابهما إلى ذلك وهم من الصحابة ولم ينقل
عن غيرهم ما يخالف ذلك فيكون حجة وفي الحديث مسح رأس الصغير وترك مبايعة من لم يبلغ
والدخول في السوق لطلب المعاش وطلب البركة حيث كانت والرد على من زعم أن السعة من
الحلال مذمومة وتوفر دواعي الصحابة على إحضار أولادهم عند النبي صلى الله عليه وسلم لالتماس
بركته وعلم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم لإجابة دعائه في عبد الله بن هشام (تنبيهان)
أحدهما وقع في رواية الإسماعيلي وكان يعني عبد الله بن هشام يضحي بالشاة الواحدة عن جميع
أهله فعزا بعض المتأخرين هذه الزيادة للبخاري فأخطأ ثانيهما وقع في نسخة الصغاني زيادة لم
أرها في شئ من النسخ غيرها ولفظه قال أبو عبد الله كان عروة البارقي يدخل السوق وقد ربح
أربعين ألفا ببركة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة حيث أعطاه دينارا يشتري به أضحية
فاشترى شاتين فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة فبرك له رسول الله صلى الله عليه وسلم
(قوله باب الشركة في الرقيق) أورد فيه حديثي ابن عمر وأبي هريرة فيمن أعتق شقصا
أي نصيبا من عبد وهو ظاهر فيما ترجم له لان صحة العتق فرع صحة الملك (قوله باب
الاشتراك في الهدي والبدن) بضم الموحدة وسكون المهملة جمع بدنة وهو من الخاص بعد
العام قوله وإذا أشرك الرجل رجلا في هديه بعد ما أهدى أي هل يسوغ ذلك ذكر فيه حديث
جابر وابن عباس في حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه إهلال علي وفيه فأمره أن يقيم على
احرامه وأشركه في الهدي وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في الحج وفيه بيان أن الشركة وقعت
97

بعد ما ساق النبي صلى الله عليه وسلم الهدي من المدينة وهي ثلاث وستون بدنة وجاء علي من اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سبع وثلاثون بدنة فصار جميع مساقه النبي صلى الله عليه وسلم
من الهدى مائة بدنة وأشرك عليا معه فيها وهذا الاشتراك محمول على أنه صلى الله عليه وسلم
جعل عليا شريكا له في ثواب الهدي لا أنه ملكه له بعد أن جعله هديا ويحتمل أن يكون علي لما
أحضر الذي أحضره معه فرآه النبي صلى الله عليه وسلم ملكه نصفه مثلا فصار شريكا فيه وساق
الجميع هديا فصارا شريكين فيه لا في الذي ساقه النبي صلى الله عليه وسلم أولا (قوله وجاء على
ابن أبي طالب فقال أحدهما يقول لبيك بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الآخر
لبيك بحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم) تقدم في أوائل الحج بيان الذي عبر بالعبارة الأولى وهو
جابر وكذا وقع في أبواب العمرة وتعين أن الذي قال بحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ابن
عباس ومعنى قوله بحجة أي بمثل حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم (تنبيه) حديث ابن عباس
في هذا من هذا الوجه أغفله المزي فلم يذكره في ترجمة طاوس لا في رواية بن جريج عنه ولا في رواية
عطاء عنه بل لم يذكر لواحد منهما رواية عن طاوس وكذا صنع الحميدي فلم يذكر طريق طاوس
عن ابن عباس هذه لا في المتفق ولا في أفراد البخاري لكن تبين من مستخرج أبي نعيم انه من
رواية ابن جريج عن طاوس فإنه أخرجه من مسند أبي يعلى قال حدثنا أبو الربيع حدثنا حماد
ابن زيد عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال وحدثنا حماد عن ابن جريج عن طاوس عن ابن
عباس ولم أر لابن جريج عن طاوس رواية في غير هذا الموضع وإنما يروي عنه في الصحيحين
وغيرهما بواسطة ولم أر هذا الحديث من رواية طاوس عن ابن عباس في مسند أحمد مع كبره
والذي يظهر لي أن ابن جريج عن طاوس منقطع فقد قال الأئمة أنه لم يسمع من مجاهد ولا من
عكرمة وإنما أرسل عنهما وطاوس من أقرانهما وإنما سمع من عطاء لكونه تأخرت عنهما وفاته
نحو عشرين سنة والله أعلم (قوله باب من عدل عشرة من الغنم بجزور) بفتح
الجيم وضم الزاي أي بعير (في القسم) بفتح القاف ذكر فيه حديث رافع في ذلك وقد تقدم قريبا
وانه يأتي الكلام عليه في الذبائح إن شاء الله تعالى ومحمد شيخ البخاري في هذا الحديث لم ينسب
في أكثر الروايات ووقع في رواية ابن شبويه حدثنا محمد بن سلام والله أعلم (خاتمة) اشتمل كتاب
الشركة من الأحاديث المرفوعة على سبعة وعشرين حديثا المعلق منها واحد والبقية موصولة
المكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة عشر حديثا والخالص أربعة عشر وافقه مسلم على تخريجها
سوى حديث النعمان مثل القائم على حدود الله وحديثي عبد الله بن هشام وحديثي عبد الله بن
عمر وعبد الله بن الزبير في قصته وحديث ابن عباس الأخير وفيه من الآثار أثر واحد والله أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب في الرهن في الحضر وقول الله عز وجل فرهن مقبوضة)
كذا لأبي ذر ولغيره باب بدل كتاب ولابن شبويه باب ما جاء وكلهم ذكروا الآية من أولها والرهن بفتح
أوله وسكون الهاء في اللغة الاحتباس من قولهم رهن الشئ إذا دام وثبت ومنه كل نفس بما
كسبت رهينة وفي الشرع جعل مال وثيقة على دين ويطلق أيضا على العين المرهونة تسمية
للمفعول باسم المصدر وأما الرهن بضمتين فالجمع ويجمع أيضا على رهان بكسر الراء ككتب وكتاب
وقرئ بهما وقوله في الحضر إشارة إلى أن التقييد بالسفر في الآية خرج للغالب فلا مفهوم له لدلالة
98

الحديث على مشروعيته في الحضر كما سأذكره وهو قول الجمهور واحتجوا له من حيث المعنى
بان الرهن شرع توثقة على الدين لقوله تعالى فان أمن بعضكم بعضا فإنه يشير إلى أن المراد بالرهن
الاستيثاق وإنما قيده بالسفر لأنه مظنة فقد الكاتب فأخرجه مخرج الغالب وخالف في ذلك مجاهد
والضحاك فيما نقله الطبري عنهما فقالا لا يشرع الا في السفر حيث لا يوجد الكاتب وبه قال داود
وأهل الظاهر وقال ابن حزم أن شرط المرتهن الرهن في الحضر لم يكن له ذلك وأن تبرع به الراهن
جاز وحمل حديث الباب على ذلك وقد أشار البخاري إلى ما ورد فبعض طرقه كعادته وقد تقدم
الحديث في باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة في أوائل البيوع من هذا الوجه بلفظ ولقد
رهن درعا له بالمدينة عند يهودي وعرف بذلك الرد على من اعترض بأنه ليس في الآية والحديث
تعرض للرهن في الحضر (قوله حدثنا مسلم بن إبراهيم) تقدم في أوائل البيوع مقرونا بإسناد
آخر وساقه هناك على لفظ وهنا على لفظ مسلم بن إبراهيم قوله ولقد رهن درعه هو معطوف
على شئ محذوف بينه أحمد من طريق أبان العطار عن قتادة عن أنس أن يهوديا دعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأجابه والدرع بكسر المهملة يذكر ويؤنث (قوله بشعير) وقع في أوائل
البيوع من هذا الوجه بلفظ ولقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهودي وأخذ
منه شعيرا لأهله وهذا اليهودي هو أبو الشحم بينه الشافعي ثم البيهقي من طريق جعفر بن محمد عن
أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعا له عند أبي الشحم اليهودي رجل من بني ظفر في شعير
انتهى وأبو الشحم بفتح المعجمة وسكون المهملة اسمه كنيته وظفر بفتح الظاء والفاء بطن من
الأوس وكان حليفا لهم وضبطه بعض المتأخرين بهمزة موحدة ممدودة ومكسورة اسم الفاعل
من الاباء وكأنه التبس عليه بأبي اللحم الصحابي وكان قدر الشعير المذكور ثلاثين صاعا كما سيأتي
للمصنف من حديث عائشة في الجهاد وأواخر المغازي وكذلك رواه أحمد وابن ماجة والطبراني
وغيرهم من طريق عكرمة عن بن عباس وأخرجه الترمذي والنسائي من هذا الوجه فقالا
بعشرين ولعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة وألغى أخرى ووقع لابن حبان من طريق
شيبان عن قتادة عن أنس أن قيمة الطعام كانت دينارا وزاد أحمد من طريق شيبان الآتية في
آخره فما وجد ما يفتكها به حتى مات (قوله ومشيت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم بخبز شعير وإهالة
سنخة) والإهالة بكسر الهمزة وتخفيف الهاء ما أذيب من الشحم والالية وقيل هو كل دسم
جامد وقيل ما يؤتدم به من الادهان وقوله سنخة بفتح المهملة وكسر النون بعدها معجمة مفتوحة
أي المتغيرة الريح ويقال فيها بالزاي أيضا ووقع لأحمد من طريق شيبان عن قتادة عن أنس لقد
دعى نبي الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على خبز شعير وإهالة سنخة فكأن اليهود دعا النبي
صلى الله عليه وسلم على لسان أنس فلهذا قال مشيت إليه بخلاف ما يقتضيه ظاهره أنه حضر
ذلك إليه (قوله ولقد سمعته) فاعل سمعت أنس والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم وهو فاعل يقول
وجزم الكرماني بأنه أنس وفاعل سمعت قتادة وقد أشرت إلى الرد عليه في أوائل البيوع وقد
أخرجه أحمد وابن ماجة من طريق شيبان المذكورة بلفظ ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول والذي نفس محمد بيده فذكر الحديث لفظ بن ماجة وساقه أحمد بتمامه (قوله
ما أصبح لآل محمد الا صاع ولا أمسى) كذا للجميع وكذا ذكره الحميدي في الجمع وأخرجه أبو نعيم
99

في المستخرج من طريق الكجي عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه بلفظ ما أصبح لآل محمد
ولا أمسى الا صاع وخولف مسلم بن إبراهيم في ذلك فأخرجه أحمد عن أبي عامر والإسماعيلي من
طريقه والترمذي من طريق بن عدي ومعاذ بن هشام والنسائي من طريق هشام بلفظ
ما أمسى في آل محمد صاع من تمر ولا صاع من حب وتقدم من وجه آخر في أوائل البيوع بلفظ بر
بدل تمر (قوله وانهم لتسعة أبيات) في رواية المذكورين وأن عنده يومئذ لتسع نسوة وسيأتى
سياق أسمائهن في كتاب المناقب إن شاء الله تعالى ومناسبة ذكر أنس لهذا القدر مع ما قبله الإشارة
إلى سبب قوله صلى الله عليه وسلم هذا وأنه لم يقله متضجرا ولا شاكيا معاذ الله من ذلك وإنما قاله
معتذرا عن اجابته دعوة اليهودي ولرهنه عنده درعه ولعل هذا هو الحامل الذي زعم بأن قائل
ذلك هو أنس فرارا من أن يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك بمعنى التضجر والله أعلم وفى
الحديث جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم عين المتعامل فيه وعدم الاعتبار بفساد
معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم واستنبط منه جواز معاملة من أكثر ماله حرام وفيه جواز
بيع السلاح ورهنه وإجارته وغير ذلك من الكافر ما لم يكن حربيا وفيه ثبوت أملاك أهل الذمة
في أيديهم وجواز الشراء بالثمن المؤجل واتخاذ الدروع والعدد وغيرها من آلات الحرب وأنه غير
قادح في التوكل وأن قنية آلة الحرب لا تدل على تحبيسها قاله بن المنير وأن أكثر قوت ذلك العصر
الشعير قاله الداودي وأن القول قول المرتهن في قيمة المرهون مع يمينه حكاه بن التين وفيه ما كان
عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع والزهد في الدنيا والتقلل منها مع قدرته عليها والكرم
الذي أفضى به إلى عدم الادخار حتى أحتاج إلى رهن درعه والصبر على ضيق العيش والقناعة
باليسير وفضيلة لأزواجه لصبرهن معه على ذلك وفيه غير ذلك مما مضى ويأتي قال العلماء
الحكمة في عدوله صلى الله عليه وسلم عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود إما لبيان
الجواز أو لانهم لم يكن عندهم إذا ذاك طعام فاضل عن حاجة غيرهم أو خشي أنهم لا يأخذون منه
ثمنا أو عوضا فم يرد التضييق عليهم فإنه لا يبعد أن يكون فيهم إذا ذاك من يقدر على ذلك وأكثر منه
فلعله لم يطلعهم على ذلك وإنما اطلع عليه من لم يكن موسرا به ممن نقل ذلك والله أعلم (قوله
باب من رهن درعه) ذكر فيه حديث الأعمش قال تذاكرنا عند إبراهيم هو النخعي
(الرهن والقبيل) بفتح القاف وكسر الموحدة أي الكفيل وزنا ومعنى (قوله اشترى من
يهودي) تقدم التعريف به في الباب الذي قبله (قوله طعاما إلى أجل) تقدم جنسه في الباب
الذي قبله وأما الاجل ففي صحيح بن حبان من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش أنه سنة
(قوله ورهنه درعه) تقدم في أوائل البيوع من طريق عبد الواحد عن الأعمش بلفظ ورهنه
درعا من حديد واستدل به على جواز بيع السلاح من الكافر وسيذكر في الذي بعده ووقع
في أواخر المغازي من طريق الثوري عن الأعمش بلفظ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ودرعه مرهونة وفي حديث أنس عند أحمد فما مجد ما يفتكها به وفيه دليل على أن المراد
بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه قيل هذا
محله في غير نفس الأنبياء فإنها لا تكون معلقة بدين فهي خصوصية وهو حديث صححه بن حبان
وغيره من لم يترك عند صاحب الدين ما يحصل له به الوفاء واليه جنح الماوردي وذكر بن الطلاع
100

في الأقضية النبوية أن أبا بكر افتك الدرع بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن روى بن سعد عن
جابر أن أبا بكر قضى عدات النبي صلى الله عليه وسلم وأن عليا قضى ديونه وروى إسحاق بن راهويه
في مسنده عن الشعبي مرسلا أن أبا بكر افتك الدرع وسلمها لعلي بن أبي طالب وأما من أجاب بأنه
صلى الله عليه وسلم افتكها قبل موته فمعارض بحديث عائشة رضي الله عنها (قوله
باب رهن السلاح) قال بن المنير إنما ترجم لرهن السلاح بعد رهن الدرع لان الدرع
ليست بسلاح حقيقة وإنما هي آلة يتقي بها السلاح ولهذا قال بعضهم لا تجوز تحليتها وأن قلنا
بجواز تحلية السلاح كالسيف (قوله اللأمة) بلام مشددة وهمزة ساكنة قد فسرها سفيان
الراوي بالسلاح وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في قصة كعب بن الأشرف من
المغازي قال بن بطال ليس في قولهم نرهنك اللامة دلالة على جواز رهن السلاح وإنما كان ذلك
من معاريض الكلام المباحة في الحرب وغيره وقال بن التين ليس فيه ما بوب له لانهم لم يقصدوا
الا الخديعة وإنما يؤخذ جواز رهن السلاح من الحديث الذي قبله قال وإنما يجوز بيعه ورهنه
عند من تكون له ذمة أو عهد باتفاق وكان لكعب عهد ولكنه نكث ما عاهد عليه من أنه لا يعين
على النبي صلى الله عليه وسلم فانتقض عهده بذلك وقد أعلن صلى الله عليه وسلم بأنه آذى الله
ورسوله وأجيب بأنه لو لم يكن معتادا عندهم رهن السلاح عند أهل العهد لما عرضوا عليه إذ
لو عرضوا عليه ما لم تجر به عادتهم لاستراب بهم وفاتهم ما أرادوا مكيدته فلما كانوا بصدد
المخادعة له أوهموه بأنهم يفعلون ما يجوز لهم عندهم فعله ووافقهم على ذلك لما عهده من
صدقهم فتمت المكيدة بذلك وأما كون عهده انتقض فهو في نفس الامر لكنه ما أعلن ذلك ولا
أعلنوا له به وإنما وقعت المحاورة بينهم على ما يقتضيه ظاهر الحال وهذا كاف في المطابقة وقال
السهيلي في قوله من لكعب بن الأشرف جواز قتل من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان
ذا عهد خلافا لأبي حنيفة كذا قال وليس متفقا عليه عند الحنفية والله أعلم (قوله
باب الرهن مركوب ومحلوب) هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه الحاكم وصححه من
طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا قال الحاكم لم يخرجاه لان سفيان وغيره
وقفوه على الأعمش انتهى وقد ذكر الدارقطني الاختلاف على الأعمش وغيره ورجح الموقوف
وبه جزم الترمذي وهو مساو لحديث الباب من حيث المعنى وفي حديث الباب زيادة (قوله
وقال مغيرة) أي بن مقسم (عن إبراهيم) أي النخعي (تركب الضالة بقدر علفها وتحلب بقدر
علفها) وقع في رواية الكشميهني بقدر عملها والأول أصوب وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور
عن هشيم عن مغيرة به (قوله والرهن مثله) أي في الحكم المذكور وقد وصله سعيد بن منصور
بالاسناد المذكور ولفظه الدابة إذا كانت مرهونة تركب بقدر علفها وإذا كان لها لبن يشرب
منه بقدر علفها ورواه حماد بن سلمة في جامعه عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم بأوضح من
هذا ولفظه إذا ارتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر ثمن علفها فإن استفضل من اللبن بعد ثمن
العلف فهو ربا (قوله حدثنا زكريا) هو بن أبي زائدة (قوله عن عامر) هو الشعبي ولأحمد عن
يحيى القطان عن زكريا حدثني عامر وليس للشعبي عن أبي هريرة في البخاري سوى هذا الحديث
وآخر في تفسير الزمر وعلق له ثالثا في النكاح (قوله الرهن يركب) بنفقته كذا للجميع بضم
101

أول يركب على البناء للمجهول وكذلك يشرب وهو خبر بمعنى الامر لكن لم يتعين فيه المأمور
والمراد بالرهن المرهون وقد أوضحه في الطريق الثانية حيث قال الظهر يركب بنفقته إذا كان
مرهونا (قوله الدر) بفتح المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى الدارة أي ذات الضرع وقوله لبن
الدر هو من إضافة الشئ إلى نفسه (3) وهو كقوله تعالى وحب الحصيد (قوله في الرواية الثانية
وعلى الذي يركب ويشرب) النفقة أي كائنا من كان هذا ظاهر الحديث وفيه حجة لمن قال يجوز
للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بمصلحته ولو لم يأذن له المالك وهو قول أحمد وإسحاق وطائفة قالوا
ينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والحلب بقدر النفقة ولا ينتفع بغيرهما لمفهوم الحديث وأما
دعوى الاجمال فيه فقد دل بمنطوقه على إباحة الانتفاع في مقابلة الانفاق وهذا يختص بالمرتهن
لان الحديث وإن كان مجملا لكنه يختص بالمرتهن لان انتفاع الراهن بالمرهون لكونه مالك
رقبته لا لكونه منفقا عليه بخلاف المرتهن وذهب الجمهور إلى أن المرتهن لا ينتفع من المرهون
بشئ وتأولوا الحديث لكونه ورد على خلاف القياس من وجهين أحدهما التجويز لغير المالك
أن يركب ويشرب بغير إذنه والثاني تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة قال بن عبد البر هذا الحديث
عند جمهور الفقهاء يرده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها ويدل على نسخه حديث
ابن عمر الماضي في أبواب المظالم لا تحتلب ماشية امرئ بغير إذنه انتهى وقال الشافعي يشبه أن
يكون المراد من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن من درها وظهرها فهي محلوبة ومركوبة له كما
كانت قبل الرهن واعترضه الطحاوي بما رواه هشيم عن زكريا في هذا الحديث ولفظه إذا
كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها الحديث قال فتعين أن المراد المرتهن لا الراهن ثم أجاب
عن الحديث بأنه محمول على أنه كان قبل تحريم الربا فيما حرم الربا حرم أشكاله من بيع اللبن
في الضرع وقرض كل منفعة تجر ربا قال فارتفع بتحريم الربا ما أبيح في هذا للمرتهن وتعقب بأن
النسخ لا يثبت بالاحتمال والتاريخ في هذا متعذر والجمع بين الأحاديث ممكن وطريق هشيم
المذكور زعم بن حزم أن إسماعيل بن سالم الصائغ تفرد عن هشيم بالزيادة وأنها من تخليطه
وتعقب بأن أحمد رواها في مسنده
عن هشيم وكذلك أخرجه الدارقطني من طريق زياد بن أيوب عن هشيم وقد ذهب الأوزاعي والليث وأبو ثور إلى حمله على ما إذا أمتنع الراهن من الانفاق على
المرهون فيباح حينئذ للمرتهن الانفاق على الحيوان حفظا لحياته ولابقاء المالية فيه وجعل له
في مقابلة نفقته الانتفاع بالركوب أو بشرب اللبن بشرط أن لا يزيد قدر ذلك أو قيمته على قدر
علفه وهي من جملة مسائل الظفر وقيل أن الحكمة في العدول عن اللبن إلى الدر الإشارة إلى أن
المرتهن إذا حلب جاز له لان الدر ينتج من العين بخلاف ما ذا كان اللبن في إناء مثلا ورهنه فإنه
لا يجوز للمرتهن أن يأخذ منه شيئا أصلا كذا قال واحتج الموفق في المغني بأن نفقة الحيوان
واجبة وللمرتهن فيه حق وقد أمكن استيفاء حقه من نماء الرهن والنيابة عن المالك فيما وجب
عليه واستيفاء ذلك من منافعه فجاز ذلك كما يجوز للمرأة أخذ مؤنتها من مال زوجها عند
امتناعه بغير إذنه والنيابة عنه في الانفاق عليها والله أعلم (قوله باب الرهن
عند اليهود وغيرهم) ذكر فيه حديث عائشة المتقدم قريبا وغرضه جواز معاملة غير المسلمين
وقد تقدم البحث فيه قريبا (قوله باب إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه فالبينة
102

على المدعي واليمين على المدعى عليه سيأتي ذكر تعريف المدعي والمدعى عليه في كتاب الشهادات
إن شاء الله تعالى وألخص ما قيل فيه إن المدعي من إذا ترك ترك والمدعى عليه بخلافه ثم أورد فيه
ثلاثة أحاديث الأول حديث ابن عباس (قوله كتبت إلى ابن عباس) حذف المفعول وقد
ذكره في تفسير آل عمران (قوله فكتب إلي أن النبي صلى الله عليه وسلم) يجوز فتح همزة أن
وكسرها وسيأتي الكلام على هذا الحديث في كتاب الشهادات وأراد المصنف منه الحمل على
عمومه خلافا لمن قال أن القول في الرهن قول المرتهن ما لم يجاوز قدر الرهن لان الرهن كالشاهد
للمرتهن قال ابن التين جنح البخاري إلى أن الرهن لا يكون شاهدا الثاني والثالث حديثا عبد الله
ابن مسعود والأشعث وقد تقدما قريبا في كتاب الشرب وأراد من ايرادهما قوله صلى الله عليه
وسلم للأشعث شاهداك أو يمينه فإن فيه دليلا لما ترجم به من أن البينة على المدعي ولعله أشار
في الترجمة إلى ما ورد في بعض طرق حديث بن عباس بلفظ الترجمة وهو عند البيهقي وغيره كما
سيأتي بيانه وكأنه لما لم يكن على شرطه ترجم به وأورد ما يدل عليه مما ثبت على شرطه والله أعلم
* (خاتمة) * اشتمل كتاب الرهن من الأحاديث المرفوعة على تسعة أحاديث موصولة المكرر منها
فيه وفيما مضى ستة والخالص ثلاثة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة وفيه من
الآثار أثران عن إبراهيم النخعي والله أعلم
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (في العتق وفضله) *
كذا للأكثر زاد بن شبويه بعد البسملة أبا ب وزاد المستملي قبل البسملة كتاب العتق ولم يقل
باب وأثبتهما النسفي والعتق بكسر المهملة إزالة الملك يقال عتق يعتق عتقا بكسر أوله ويفتح
وعتاقا وعتاقة قال الأزهري وهو مشتق من قولهم عتق الفرس إذا سبق وعتق الفرخ
إذا طار لان الرقيق يتخلص بالعتق ويذهب حيث شاء (قوله وقول الله تعالى فك رقبة) ساق
إلى قوله مقربة ووقع في رواية أبي ذر أو أطعم ولغيره أو إطعام وهما قراءتان مشهورتان والمراد
بفك الرقبة تخليص الشخص من الرق من تسمية الشئ باسم بعضه وإنما خصت بالذكر إشارة
إلى أن حكم السيد عليه كالغل في رقبته فإذا أعتق فك الغل من عنقه وجاء في حديث صحيح
ان فك الرقبة مختص بمن أعان في عتقها حتى تعتق رواه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث
البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق النسمة وفك الرقبة قيل يا رسول الله
أليستا واحدة قال لا إن عتق النسمة أن تفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في عتقها وهو في أثناء
حديث طويل أخرج الترمذي بعضه وصححه وإذا ثبت الفضل في الإعانة على العتق ثبت الفضل
في التفرد بالعتق من باب الأولى (قوله حدثنا واقد بن محمد) أي بن زيد بن عبد الله بن عمر أخو
عاصم الذي روى عنه وبذلك صرح الإسماعيلي من طريق معاذ بن العنبري عن عاصم بن محمد عن
أخيه واقد (قوله حدثني سعيد بن مرجانة) بفتح الميم وسكون الراء بعدها جيم وهي أمه واسم
أبيه عبد الله ويكنى سعيد أبا عثمان وقوله صاحب علي بن الحسين أي زين العابدين بن الحسين
ابن علي بن أبي طالب وكان منقطعا إليه فعرف بصحبته ووهم من زعم أنه سعيد بن يسار أبو
103

الحباب فإنه غيره عند الجمهور وليس لسعيد بن مرجانة في البخاري غير هذا الحديث وقد ذكره
ابن حبان في التابعين وأثبت روايته عن أبي هريرة ثم غفل فذكره في أتباع التابعين وقال لم يسمع
من أبي هريرة اه وقد قال هنا قال لي أبو هريرة ووقع التصريح بسماعه منه عند مسلم
والنسائي وغيرهما فانتفى ما زعمه بن حبان قوله أيما رجل في رواية الإسماعيلي من طريق
عاصم بن علي عن عاصم بن محمد أيما مسلم ووقع تقييده بذلك في رواية مسلم والنسائي من طريق
إسماعيل ابن أبي حكيم عن سعيد بن مرجانة (قوله عضوا من النار) في رواية مسلم عضوا منه من
النار وله من رواية علي بن الحسين عن سعيد بن مرجانة وستأتي مختصرة للمصنف في كفارات
الايمان وأعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى فرجه بفرجه وللنسائي من
حديث كعب بن مرة وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار عظمين
منهما بعظم وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار إسناده صحيح ومثله
للترمذي من حديث أبي أمامة وللطبراني من حديث عبد الرحمن بن عوف ورجاله ثقات (قوله
قال سعيد بن مرجانة) هو موصول بالاسناد المذكور (قوله فانطلقت به) أي بالحديث وفى
رواية مسلم فانطلقت حين سمعت الحديث من أبي هريرة فذكرته لعلي زاد أحمد وأبو عوانة من
طريق إسماعيل بن أبي حكيم عن سعيد بن مرجانة فقال علي بن الحسين أنت سمعت هذا من
أبي هريرة فقال نعم (قوله فعمد علي بن الحسين إلى عبد له) اسم ها العبد مطرف وقع ذلك في
رواية إسماعيل بن أبي حكيم المذكورة عن أحمد وأبي عوانة وأبي نعيم في مستخرجهما على مسلم
وقوله عبد الله بن جعفر أي بن أبي طالب وهو بن عم والد علي بن الحسين وكانت وفاته سنة
ثمانين من الهجرة ومات سعيد بن مرجانة سنة سبع وتسعين ومات علي بن الحسين قبله بثلاث
أو أربع وروايته عنه من رواية الاقران وقوله عشرة آلاف درهم أو ألف دينار شك من
الراوي وفيه إشارة إلى أن الدينار إذا ذاك كان بعشرة دراهم وقد رواه الإسماعيلي من رواية عاصم
ابن علي فقال عشرة آلاف درهم بغير شك (قوله فأعتقه) في رواية إسماعيل المذكورة فقال
اذهب أنت حر لوجه الله وفي الحديث فضل العتق وأن عتق الذكر أفضل من عتق الأنثى خلافا
لمن فضل عتق الأنثى محتجا بأن عتقها يستدعي صيرورة ولدها حرا سواء تزوجها حر أو عبد
بخلاف الذكر ومقابله في الفضل أن عتق الأنثى غالبا يستلزم ضياعها ولان في عتق الذكر من
المعاني العامة ما ليس في الأنثى كصلاحيته للقضاء وغيره مما يصلح للذكور دون الإناث وفي قوله
أعتق الله بكل عضو منه عضوا إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يكون في الرقبة نقصان ليحصل
الاستيعاب وأشار الخطابي إلى أنه يغتفر النقص المجبور بمنفعة كالخصي مثلا إذا كان ينتفع به
فيما لا ينتفع بالفحل وما قاله في مقام المنع وقد استنكره النووي وغيره وقال لا شك أن في عتق
الخصي وكل ناقص فضيلة لكن الكامل أولى وقال بن المنير فيه إشارة إلى أنه ينبغي في الرقبة
التي تكون للكفارة أن تكون مؤمنة لان الكفارة منقذة من النار فينبغي أن لا تقع الا بمنقذة
من النار واستشكل بن العربي قوله فرجه بفرجه لان الفرج لا يتعلق به ذنب يوجب
له النار الا الزنا فإن حمل على ما يتعاطاه من الصغائر كالمفاخذة لم يشكل عتقه من النار بالعتق
والا فالزنا كبيرة لا تكفر الا بالتوبة ثم قال فيحتمل أن يكون المراد أن العتق يرجح عند الموازنة
104

بحيث يكون مرجحا لحسنات المعتق ترجيحا يوازي سيئة الزنا اه ولا اختصاص لذلك
بالفرج بل يأتي في غيره من الأعضاء مما آثاره فيه كاليد في الغصب مثلا والله أعلم (قوله
باب أي الرقاب أفضل) أي للعتق (قوله حدثنا عبيد الله بن موسى عن هشام بن
عروة) هذا من أعلى حديث وقع في البخاري وهو في حكم الثلاثيات لان هشام بن عروة شيخ شيخه
من التابعين وإن كان هنا روى عن تابعي آخر وهو أبوه وقد رواه الحارث بن أسامة عن عبيد الله
ابن موسى فقال أخبرنا هشام بن عروة أخرجه أبو نعيم في المستخرج (قوله عن أبيه) في رواية
النسائي من طريق يحيى القطان عن هشام حدثني أبي (قوله عن أبي مراوح) بضم الميم بعدها
راء خفيفة وكسر الواو بعدها مهملة زاد مسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام الليثي ويقال
له أيضا الغفاري وهو مدني من كبار التابعين لا يعرف اسمه وشذ من قال اسمه سعد قال الحاكم
أبو أحمد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره (قلت) وما له في البخاري سوى هذا الحديث ورجاله
كلهم مدنيون الا شيخه وفي الاسناد ثلاثة من التابعين في نسق وقد أخرجه مسلم من رواية الزهري
عن حبيب مولى عروة عن عروة فصار في الاسناد أربعة من التابعين وفي الصحابة أبو مراوح الليثي
غير هذا سماه بن منده واقدا وعزاه لأبي داود ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق يحيى بن
سعيد عن هشام أخبرني أبي أن أبا مراوح أخبره وذكر الإسماعيلي عددا كثيرا نحو العشرين
نفسا رووه عن هشام بهذا الاسناد وخالفهم مالك فأرسله في المشهور عنه عن هشام عن أبيه عن
النبي صلى الله عليه وسلم ورواه يحيى بن يحيى الليثي وطائفة عنه عن هشام عن أبيه عن عائشة
ورواه سعيد بن داود عنه عن هشام كرواية الجماعة قال الدارقطني الرواية المرسلة عن مالك
أصح والمحفوظ عن هشام كما قال الجماعة (قوله عن أبي ذر) في رواية يحيى بن سعيد المذكورة ان
أبا ذر أخبره (قوله قال أعلاها) بالعين المهملة للأكثر وهي رواية النسائي أيضا وللكشميهني
بالغين المعجمة وكذا للنسفي قال بن قرقول معناها متقارب (قلت) وقع لمسلم من طريق حماد بن
زيد عن هشام أكثرها ثمنا وهو يبين المراد قال النووي محله والله أعلم فيمن أراد أن يعتق رقبة
واحدة أما لو كان مع شخص ألف درهم مثلا فأراد أن يشتري بها رقبة يعتقها فوجد رقبة نفيسة
أو رقبتين مفضولتين فالرقبتان أفضل قال وهذا بخلاف الأضحية فإن الواحدة السمينة فيها
أفضل لان المطلوب هنا فك الرقبة وهناك طيب اللحم اه والذي يظهر أن ذلك يختلف
باختلاف الاشخاص فرب شخص واحد إذا عتق انتفع بالعتق وانتفع به أضعاف ما يحصل من
النفع بعتق أكثر عددا منه ورب محتاج إلى كثرة اللحم لتفرقته على المحاويج الذين ينتفعون به
أكثر مما ينتفع هو بطيب اللحم فالضابط أن مهما كان أكثر نفعا كان أفضل سواء قل أو كثر
واحتج به لمالك في أن عتق الرقبة الكافرة إذا كانت أغلى ثمنا من المسلمة أفضل وخالفه
أصبغ وغيره وقالوا المراد بقوله أغلى ثمنا من المسلمين وقد تقدم تقييده بذلك في الحديث الأول
(قوله وأنفسها عند أهلها) أي ما اغتباطهم بها أشد فإن عتق مثل ذلك ما يقع غالبا الا خالصا
وهو كقوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قوله قلت فإن لم أفعل في رواية
الإسماعيلي أرأيت إن لم أفعل أي إن لم أقدر على ذلك فأطلق الفعل وأراد القدرة وللدارقطني في
الغرائب بلفظ فإن لم أستطع (قوله تعين ضائعا) بالضاد المعجمة وبعد الألف تحتانية لجميع الرواة
105

في البخاري كما جزم به عياض وغيره وكذا هو في مسلم الا في رواية السمرقندي كما قاله عياض
أيضا وجزم الدارقطني وغيره بأن هشاما رواه هكذا دون من رواه عن أبيه وقال أبو علي
الصدفي ونقلته من خطه رواه هشام بن عروة بالضاد المعجمة والتحتانية والصواب بالمهملة والنون
كما قال الزهري وإذا تقرر هذا فقد خبط من قال من شراح البخاري إنه روى بالصاد المهملة
والنون فإن هذه الرواية لم تقع في شئ من طرقه وروى الدارقطني من طريق معمر عن هشام
هذا الحديث بالضاد المعجمة قال معمر كان الزهري يقول صحف هشام وإنما هو بالصاد المهملة
والنون قال الدارقطني وهو الصواب لمقابلته بالأخرق وهو الذي ليس بصانع ولا يحسن العمل
وقال علي بن المديني يقولون إن هشاما صحف فيه اه ورواية معمر عن الزهري عند مسلم كما
تقدم وهي بالمهملة والنون وعكس السمرقندي فيها أيضا كما نقله عياض وقد وجهت رواية
هشام بأن المراد بالضائع ذو الضياع من فقر أو عيال فيرجع إلى معنى الأول قال أهل اللغة رجل
أخرق لا صنعة له والجمع خرق بضم ثم سكون وامرأة خرقاء كذلك ورجل صانع وصنع بفتحتين
وامرأة صناع بزيادة ألف (قوله فإن لم أفعل) أي من الصناعة أو الإعانة ووقع في رواية
الدارقطني في الغرائب أرأيت أن ضعفت وهو يشعر بأن قوله إن لم أفعل أي للعجز عن ذلك
لا كسلا مثلا (قوله تدع الناس من الشر) فيه دليل على أن الكف عن الشر داخل في فعل
الانسان وكسبه حتى يؤجر عليه ويعاقب غير أن الثواب لا يحصل مع الكف الا مع النية
والقصد لا مع الغفلة والذهول قاله القرطبي ملخصا (قوله فإنها صدقة تصدق) بفتح المثناة والصاد
المهملة الخفيفة على حذف إحدى التاءين والأصل تتصدق ويجوز تشديدها على الادغام وفى
الحديث أن الجهاد أفضل الأعمال بعد الايمان قال ابن حبان الواو في حديث أبي ذر هذا بمعنى
ثم وهو كذلك في حديث أبي هريرة أي المتقدم في باب من قال أن الايمان هو العمل وقد تقدم
الكلام فيه على طريق الجمع بين ما اختلف من الروايات في أفضل الأعمال هناك وقيل قرن
الجهاد بالايمان هنا لأنه كان إذ ذاك أفضل الأعمال وقال القرطبي تفضيل الجهاد في حال تعينه
وفضل بر الوالدين لمن يكون له أبوان فلا يجاهد الا بإذنهما وحاصله أن الأجوبة اختلفت
باختلاف أحوال السائلين وفي الحديث حسن المراجعة في السؤال وصبر المفتي والمعلم على
التلميذ ورفقه به وقد روى بن حبان والطبري وغيرهما من طريق أبي إدريس الخولاني وغيره
عن أبي ذر حدثنا حديثا طويلا فيه أسئلة كثيرة وأجوبتها تشتمل على فوائد كثيرة منها سؤاله عن
أي المؤمنين أكمل وأي المسلمين أسلم وأي الهجرة والجهاد والصدقة والصلاة أفضل وفيه ذكر
الأنبياء وعددهم وما أنزل عليهم وآداب كثيرة من أوامر ونواهي وغير ذلك قال ابن المنير وفي
الحديث إشارة إلى أن إعانة الصانع أفضل من إعانة غير الصانع لان غير الصانع مظنة الإعانة فكل
أحد يعينه غالبا بخلاف الصانع فإنه لشهرته بصنعته يغفل عن اعانته فهي من جنس الصدقة
على المستور (قوله باب ما يستحب من العتاقة) بفتح العين ووهم من كسرها
يقال عتق يعتق عتاقا وعتاقة والمراد الاعتاق وهو ملزوم العتاقة (قوله في الكسوف أو
الآيات) كذا لأبي ذر وابن شبويه وأبي الوقت وللباقين والآيات بغير ألف وأو للتنويع لا للشك
وقال الكرماني هي بمعنى الواو وبمعنى بل لان عطف الآيات على الكسوف من عطف العام على
106

الخاص وليس في حديث الباب سوى الكسوف وكأنه أشار إلى قوله في بعض طرقه أن الشمس
والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده وأكثر ما يقع التخويف بالنار فناسب وقوع
العتق الذي يعتق من النار لكن يختص الكسوف بالصلاة المشروعة بخلاف بقية الآيات
(قوله حدثنا موسى بن مسعود) وهو أبو حذيفة النهدي بفتح النون مشهور بكنيته أكثر من اسمه
وقد تقدم الحديث في الكسوف عن راو آخر عن شيخه زائدة (قوله تابعه علي) يعني ابن المديني
وهو شيخ البخاري ووهم من قال المراد به بن حجر والدراوردي هو عبد العزيز بن محمد (قوله
حدثنا محمد بن أبي بكر) هو المقدمي وعثام بفتح المهملة وتشديد المثلثة هو بن علي بن الوليد
العامري الكوفي ما له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وهشام هو بن عروة وفاطمة
زوجته وهي ابنة عمه وهذا الحديث مختصر من حديث طويل وقد تقدم الكلام عليه مستوفى
في موضعه وتبين برواية زائدة أن الآمر في رواية عثام هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو مما يقوي
ان قول الصحابي كنا نؤمر بكذا في حكم المرفوع (قوله باب إذا أعتق عبدا بين
اثنين أو أمة بين الشركاء) قال بن التين أراد أن العبد كالأمة لاشتراكهما في الرق قال وقد بين
في حديث ابن عمر في آخر الباب أنه كان يفتي فيهما بذلك انتهى وكأنه أشار إلى رد قول إسحاق بن
راهويه أن هذا الحكم مختص بالذكور وهو خطأ وادعى ابن حزم أن لفظ العبد في اللغة يتناول
الأمة وفيه نظر ولعله أراد المملوك وقال القرطبي العبد اسم للمملوك الذكر بأصل وضعه والأمة
اسم لمؤنثه بغير لفظه ومن ثم قال إسحاق أن هذا الحكم لا يتناول الأنثى وخالفه الجمهور فلم يفرقوا
في الحكم بين الذكر والأنثى إما لان لفظ العبد يراد به الجنس كقوله تعالى الا آتي الرحمن عبدا فإنه
يتناول الذكر والأنثى قطعا وإما على طريق الالحاق لعدم الفارق قال وحديث بن عمر من طريق
موسى بن عقبة عن نافع عنه أنه كان يفتي في العبد والأمة يكون بين الشركاء الحديث وقد قال في
آخره يخبر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فظاهره أن الجميع مرفوع وقد رواه الدارقطني من
طريق الزهري عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له شرك في عبد
أو أمة الحديث وهذا أصرح ما وجدته في ذلك ومثله ما أخرجه الطحاوي من طريق بن إسحاق
عن نافع مثله وقال فيه حمل عليه ما بقي في ماله حتى يعتق كله وقد قال إمام الحرمين إدراك كون
الأمة في هذا الحكم كالعبد حاصل للسامع قبل التفطن لوجه الجمع والفرق والله أعلم (قلت) وقد
فرق بينهما عثمان الليثي بمأخذ آخر فقال ينفذ عتق الشريك في جميعه ولا شئ عليه لشريكه الا
أن تكون الأمة جميلة تراد للوطئ فيضمن ما أدخل على شريكه فيها من الضرر قال النووي
قول اسحق شاذ وقول عثمان فاسد اه وإنما قيد المصنف العبد باثنين والأمة بالشركاء أتباعا للفظ
الحديث الوارد فيهما وإلا فالحكم في الجميع سواء (قوله عن عمرو) هو ابن دينار وسالم هو ابن
عبد الله بن عمر ووقع في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار (قوله عن سالم) هو
ابن عبد الله بن عمر وللنسائي من طريق إسحاق بن راهويه عن سفيان عن عمرو أنه سمع سالم بن
عبد الله بن عمر (قوله من أعتق) ظاهره العموم لكنه مخصوص بالاتفاق فلا يصح من المجنون
ولا من المحجور عليه لسفه وفي المحجور عليه بفلس والعبد والمريض مرض الموت والكافر
تفاصيل للعلماء بحسب ما يظهر عندهم من أدلة التخصيص ولا يقوم في مرض الموت عند
107

الشافعية الا إذا وسعه الثلث وقال أحمد لا يقوم في المرض مطلقا وسيأتي البحث في عتق الكافر
قريبا وخرج بقوله أعتق ما إذا عتق عليه بأن ورث بعض من يعتق عليه بقرابة فلا سراية عند
الجمهور وعن أحمد رواية وكذلك لو عجز المكاتب بعد أن اشترى شقصا يعتق على سيده فإن الملك
والعتق يحصلان بغير فعل السيد فهو كالإرث ويدخل في الاختيار ما إذا أكره بحق ولو أوصى
بعتق نصيبه من المشترك أو بعتق جزء ممن له كله لم يسر عند الجمهور أيضا لان المال ينتقل
للوارث ويصير الميت معسرا وعن المالكية رواية وحجة الجمهور مع مفهوم الخبر أن السراية
على خلاف القياس فيختص بمورد النص ولان التقويم سبيله سبيل غرامة المتلفات فيقتضى
التخصيص بصدور أمر يجعل اتلافا ثم ظاهر قوله من أعتق وقوع العتق منجزا وأجرى الجمهور
المعلق بصفة إذا وجدت مجرى المنجز (قوله عبد أبين اثنين) هو كالمثال وإلا فلا فرق بين ان
يكون بين اثنين أو أكثر وفي رواية مالك وغيره في الباب شركا وهو بكسر المعجمة وسكون الراء
وفى رواية أيوب الماضية في الشركة شقصا بمعجمة وقاف ومهملة وزن الأول وفي رواية في الباب
نصيبا والكل بمعنى الا أن بن دريد قال هو القليل والكثير وقال القزاز لا يكون الشقص الا
كذلك والشرك في الأصل مصدر أطلق على متعلقة وهو العبد المشترك ولا بد في السياق من
اضمار جزء أو ما أشبه لان المشترك هو الجملة أو الجزء المعين منها وظاهر العموم في كل رقيق
لكن يستثنى الجاني والمرهون ففيه خلاف والأصح في الرهن والجناية منع السراية لان فيها ابطال حق المرتهن والمجني عليه فلو أعتق مشتركا بعد أن كاتباه فإن كان لفظ العبد يتناول
المكاتب وقعت السراية وإلا فلا ولا يكفي ثبوت أحكام الرق عليه فقد تثبت ولا يستلزم
استعمال لفظ العبد عليه ومثله ما لو دبراه لكن تناول لفظ العبد للمدبر أقوى من المكاتب
فيسرى هنا على الأصح فلو أعتق من أمة ثبت كونها أم ولد لشريكه فلا سراية لأنها تستلزم النقل
من مالك إلى مالك وأم الولد لا تقبل ذلك عند من لا يرى بيعها وهو أصح قولي العلماء (قوله فإن كان
موسرا قوم) ظاهره اعتبار ذلك حال العتق حتى لو كان معسرا ثم أيسر بعد ذلك لم يتغير
الحكم ومفهومه أنه إن كان معسرا لم يقوم وقد أفصح بذلك في رواية مالك حيث قال فيها والا
فقد عتق منه ما عتق ويبقى ما لم يعتق على حكمة الأول هذا الذي يفهم من هذا السياق وهو
السكوت عن الحكم بعد هذا الابقاء وسيأتي البحث في ذلك في الكلام على حديث الباب الذي
يليه (قوله قوم عليه) بضم أوله زاد مسلم والنسائي في روايتهما من هذا الوجه في ماله قيمة
عدل لا وكس ولا شطط والوكس بفتح الواو وسكون الكاف بعدها مهملة النقص والشطط
بمعجمة ثم مهملة مكررة والفتح الجور واتفق من قال من العلماء على أنه يباع عليه في حصة شريكه
جميع ما يباع عليه في الدين على اختلاف عندهم في ذلك ولو كان عليه دين بقدر ما يملكه كان
في حكم الموسر على أصح قولي العلماء وهو كالخلاف في أن الدين هل يمنع الزكاة أم لا ووقع في رواية
الشافعي والحميدي فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة أو قيمة عدل وهو شك من سفيان وقد رواه أكثر
أصحابه عنه بلفظ قوم عليه قيمة عدل وهو الصواب (قوله ثم يعتق) في رواية مسلم ثم أعتق
عليه من ماله أن كان موسرا وهو يشعر بأن التاء في حديث الباب مفتوحة مع ضم أوله
* (تنبيه) * روى الزهري عن سالم هذا الحديث مختصرا أيضا أخرجه مسلم بلفظ من أعتق شركا
108

له في عبد عتق ما بقي في ماله إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد وذكر الخطيب قوله إذا كان له مال يبلغ
ثمن العبد في المدرج وقد وقعت هذه الزيادة في رواية نافع كما سيأتي * قوله في طريق مالك عن
نافع (وكان له ما يبلغ) أي شئ يبلغ وعند الكشميهني مال يبلغ وهي رواية الموطأ والتقييد بقوله يبلغ
يخرج ما إذا كان له مال لكنه لا يبلغ قيمة النصيب وظاهره أنه في هذه الصورة لا يقوم عليه مطلقا
لكن الأصح عند الشافعية وهو مذهب مالك أنه يسرى إلى القدر الذي هو موسر به تنفيذا
للعتق بحسب الامكان (قوله ثمن العبد) أي ثمن بقية العبد لأنه موسر بحصته وقد أوضح ذلك
النسائي في روايته من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عبيد الله بن عمر وعمر بن نافع ومحمد بن عجلان
عن نافع عن بن عمر بلفظ وله مال يبلغ قيمة أنصباء شركائه فإنه يضمن لشركائه أنصباءهم ويعتق
العبد والمراد بالثمن هنا القيمة لان الثمن ما اشتريت به العين واللازم هنا القيمة لا الثمن وقد تبين
المراد في رواية زيد بن أبي أنيسة المذكورة ويأتي في رواية أيوب في هذا الباب بلفظ ما يبلغ قيمته
بقيمة عدل (قوله فأعطى شركاءه) كذا للأكثر على البناء للفاعل وشركاءه بالنصب ولبعضهم
فأعطى على البناء للمفعول وشركاؤه بالضم وقوله حصصهم أي قيمة حصصهم أي إن كان له شركاء
فإن كان له شريك أعطاه جميع الباقي وهذا لا خلاف فيه فلو كان مشتركا بين الثلاثة فأعتق
أحدهم حصته وهي الثلث والثاني حصته وهي السدس فهل يقوم عليهما نصيب صاحب
النصف بالسوية أو على قدر الحصص الجمهور على الثاني وعند المالكية والحنابلة خلاف
كالخلاف في الشفعة إذا كانت لاثنين هل يأخذان بالسوية أو على قدر الملك (قوله عتق منه
ما عتق) قال الداودي هو بفتح العين من الأول ويجوز الفتح والضم في الثاني وتعقبه ابن التين
بأنه لم يقله غيره وإنما يقال عتق بالفتح وأعتق بضم الهمزة ولا يعرف عتق بضم أوله لان الفعل لازم
غير متعد (قوله في الرواية الثالثة عن أبي أسامة عن عبيد الله) هو بن عمر العمري (قوله
عتقه كله) بجر اللام تأكيدا للضمير المضاف أي عتق العبد كله (قوله فإن لم يكن له مال يقوم
عليه قيمة عدل على المعتق) هكذا في هذا الرواية وظاهرها أن التقويم يشر في حق من لم يكن
له مال وليس كذلك بل قوله يقوم ليس جوابا للشرط بل هو صفة من له المال والمعنى أن من لا مال
له بحيث يقع عليه اسم التقويم فإن العتق يقع في نصيبه خاصة وجواب الشرط هو قوله فأعتق
منه ما أعتق والتقدير فقد أعتق منه ما أعتق وقد وقع في رواية أبي بكر وعثمان ابني أبى شيبة عن
أبي أسامة عند الإسماعيلي بلفظ فإن لم يكن له مال يقوم عليه قيمة عدل عتق منه ما عتق وأوضح
من ذلك رواية خالد بن الحارث عن عبيد الله عند النسائي بلفظ فإن كان له مال قوم عليه قيمة عدل
في ماله فإن لم يكن له مال عتق منه ما عتق (قوله حدثنا مسدد حدثنا بشر) أي بن المفضل عن
عبيد الله) أي بن عمر (قوله اختصره) أي بالاسناد المذكور وقد أخرجه مسدد في مسنده برواية
معاذ بن المثنى عنه بهذا الاسناد وأخرجه البيهقي من طريقه ولفظه من أعتق شركا له في مملوك فقد
عتق كله وقد رواه غير مسدد عن بشر مطولا أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن بشر لكن ليس
فيه أيضا قوله عتق منه ما عتق فيحتمل أن يكون مراده أنه اختصر هذا القدر وقد فهم
الإسماعيلي ذلك فقال عامة الكوفيين رووا عن عبيد الله بن عمر في هذا الحديث حكم الموسر
والمعسر معا والبصريون لم يذكروا الا حكم الموسر فقط (قلت) فمن الكوفيين أبو أسامة كما ترى
109

وابن نمير عند مسلم وزهير عند النسائي وعيسى بن يونس عند أبي داود ومحمد بن عبيد عند أبي
عوانة وأحمد ومن البصريين بشر المذكور وخالد بن الحارث ويحيى القطان عند النسائي وعبد
الاعلى فيما ذكر الإسماعيلي لكن رواه النسائي من طريق زائدة عن عبيد الله وقال في آخره
فإن لم يكن له مال عتق منه ما عتق وزائدة كوفي لكنه وافق البصريين (قوله أو شركا له في
عبد) الشك فيه من أيوب وقد سبق في الشركة من وجه آخر عنه فقال فيه أو قال نصيبا (قوله فهو
عتيق) أي معتق بضم أوله وفتح المثناة (قوله قال أيوب لا أدري أشئ قاله نافع أو شئ في الحديث
هذا شك من أيوب في هذه الزيادة المتعلقة بحكم المعسر هل هي موصولة مرفوعة أو منقطعة
مقطوعة وقد رواه عبد الوهاب عن أيوب فقال في آخره وربما قال وإن لم يكن له مال فقد عتق
منه ما عتق وربما لم يقله وأكثر ظني أنه شئ يقوله نافع من قبله أخرجه النسائي وقد وافق أيوب على
الشك في رفع هذه الزيادة يحيى بن سعيد عن نافع أخرجه مسلم والنسائي ولفظ ولفظ النسائي وكان نافع
يقول قال يحيى لا أدري أشئ كان من قبله يقوله أم شئ في الحديث فإن لم يكن عنده فقد جاز
ما صنع ورواها من وجه آخر عن يحيى فجزم بأنها عن نافع وأدرجها في المرفوع من وجه آخر وجزم
مسلم بان أيوب ويحيى قالا لا ندري أهو في الحديث أو شئ قاله نافع من قبله ولم يختلف عن مالك
في وصلها ولا عن عبيد الله بن عمر لكن اختلف عليه في إثباتها وحذفها كما تقدم والذين أثبتوها
حفاظ فاثباتها عن عبيد الله مقدم وأثبتها أيضا جرير بن حازم كما سيأتي بعد اثني عشر بابا وإسماعيل
ابن أمية عند الدارقطني وقد رجح الأئمة رواية من أثبت هذه الزيادة مرفوعة قال الشافعي
لا أحسب عالما بالحديث يشك في أن مالكا أحفظ لحديث نافع من أيوب لأنه كان ألزم له منه حتى
ولو استويا فشك أحدهما في شئ لم يشك فيه صاحبه كانت الحجة مع من لم يشك ويؤيد ذلك قول
عثمان الدارمي قلت لابن معين مالك في نافع أحب إليك أو أيوب قال مالك وسأذكر ثمرة
الخلاف في رفع هذه الزيادة أو وقفها في الكلام على حديث أبي هريرة في الباب الذي يليه إن
شاء الله تعالى (قوله إنه كان يفتي الخ) كأن البخاري أورد هذه الطريق يشير بها إلى أن ابن عمر
راوي الحديث أفتى بما يقتضيه ظاهره في حق الموسر ليرد بذلك على من لم يقل به ولم يتفرد موسى
ابن عقبة عن نافع بهذا الاسناد بل وافقه صخر بن جويرية عن نافع أخرجه أبو عوانة والطحاوي
والدارقطني من طريقه (قوله ورواه الليث وابن أبي ذئب وابن إسحاق وجويرية ويحيى بن سعيد
وإسماعيل بن أمية عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مختصرا) يعني ولم يذكروا
الجملة الأخيرة في حق المعسر وهي قوله فقد عتق منه ما عتق فأما رواية الليث فقد وصلها مسلم
ولم يسق لفظه والنسائي ولفظه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيما مملوك كان بين
شركاء فأعتق أحدهم نصيبه فإنه يقام في مال الذي أعتق قيمة عدل فيعتق إن بلغ ذلك ماله وأما
رواية ابن أبي ذئب فوصلها مسلم ولم يسق لفظها ووصلها أبو نعيم في مستخرجه عليه ولفظه من
أعتق شركا له في مملوك وكان للذي يعتق مبلغ ثمنه فقد عتق كله وأما رواية بن إسحاق فوصلها أبو
عوانة ولفظه من أعتق شركا له في عبد مملوك فعليه نفاذه منه وأما رواية جويرية وهو ابن إسماعيل فوصلها المؤلف في الشركة كما مضى وأما رواية يحيى بن سعيد فوصلها مسلم وغيره وقد
ذكرت لفظه وأما رواية إسماعيل بن أمية فوصلها مسلم ولم يسق لفظها وهي عند عبد الرزاق نحو
110

رواية بن أبي ذئب وفي هذا الحديث دليل على أن الموسر إذا أعتق نصيبه من مملوك عتق كله قال
ابن عبد البر لا خلاف في أن التقويم لا يكون الا على الموسر ثم اختلفوا في وقت العتق فقال
الجمهور والشافعي في الأصح وبعض المالكية أنه يعتق في الحال وقال بعض الشافعية لو أعتق
الشريك نصيبه بالتقويم كان لغوا ويغرم المعتق حصة نصيبه بالتقويم وحجتهم رواية أيوب في
الباب حيث قال من أعتق نصيبا وكان له من المال ما يبلغ قيمته فهو عتيق وأوضح من ذلك رواية
النسائي وابن حبان وغيرهما من طريق سليمان بن موسى عن نافع عن بن عمر بلفظ من أعتق
عبدا وله فيه شركاء وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمته وللطحاوي من طريق بن أبي
ذئب عن نافع فكان الذي يعتق نصيبه ما يبلغ ثمنه فهو عتيق كله حتى لو أعسر الموسر المعتق بعد
ذلك استمر العتق وبقي ذلك دينا في ذمته ولو مات أخذ من تركته فإن لم يخلف شيئا لم يكن للشريك
شئ واستمر العتق والمشهور عند المالكية أنه لا يعتق الا بدفع القيمة فلو أعتق الشريك قبل أخذ
القيمة نفذ عتقه وهو أحد أقوال الشافعي وحجتهم رواية سالم أول الباب حيث قال فإن كان
موسرا قوم عليه ثم يعتق والجواب أنه لا يلزم من ترتيب العتق على التقويم ترتيبه على أداء القيمة
فان التقويم يفيد معرفة القيمة وأما الدفع فقدر زائد على ذلك وأما رواية مالك التي فيها فأعطى
شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد فلا تقتضي ترتيبا لسياقها بالواو وفي الحديث حجة على ابن
سيرين حيث قال يعتق كله ويكون نصيب من لم يعتق في بيت المال لتصريح الحديث بالتقويم على
المعتق وعلى ربيعة حيث قال لا ينفذ عتق الجزء من موسر ولا معسر وكأنه لم يثبت عنده الحديث
وعلى بكير بن الأشج حيث قال أن التقويم يكون عند إرادة العتق لا بعد صدوره وعلى أبي حنيفة
حيث قال يتخير الشريك بين أن يقوم نصيبه على المعتق أو يعتق نصيبه ويستسعى العبد في
نصيب الشريك ويقال إنه لم يسبق إلى ذلك ولم يتابعه عليه أحد حتى ولا صاحباه وطرد قوله في
ذلك فيما لو أعتق بعض عبدة فالجمهور قالوا يعتق كله وقال هو يستسعى العبد في قيمة نفسه لمولاه
واستثنى الحنفية ما إذا أذن الشريك فقال لشريكه أعتق نصيبك قالوا فلا ضمان فيه واستدل
به على أن من أتلف شيئا من الحيوان فعليه قيمته لا مثله ويلتحق بذلك ما لا يكال ولا يوزن عند
الجمهور وقال بن بطال قيل الحكمة في التقويم على الموسر أن تكمل حرية العبد لتتم شهادته
وحدوده قال والصواب أنها لاستكمال انقاذ المعتق من النار (قلت) وليس القول المذكور
مردودا بل هو محتمل أيضا ولعل ذلك أيضا هو الحكمة في مشروعية الاستسعاء (قوله
باب إذا أعتق نصيبا في عبد وليس له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه على نحو
الكتابة) أشار البخاري بهذه الترجمة إلى أن المراد بقوله في حديث بن عمر وإلا فقد عتق منه ما عتق
أي وإلا فإن كان المعتق لا مال له يبلغ قيمة بقية العبد فقد تنجز عتق الجزء الذي كان يملكه وبقى
الجزء الذي لشريكه على ما كان عليه أولا إلى أن يستسعى العبد في تحصيل القدر الذي يخلص به
باقيه من الرق إن قوي على ذلك فإن عجز نفسه استمرت حصة الشريك موقوفة وهو مصير منه
إلى القول بصحة الحديثين جميعا والحكم برفع الزيادتين معا وهما قوله في حديث بن عمر والا فقد
عتق منه ما عتق وقد تقدم بيان من جزم بأنها من جملة الحديث وبيان من توقف فيها أو جزم
بأنها من قول نافع وقوله في حديث أبي هريرة فاستسعى به غير مشقوق عليه وسأبين من جزم
111

بأنها من جملة الحديث ومن توقف فيها أو جزم بأنها من قول قتادة وقد بينت ذلك في كتابي المدرج
بأبسط مما هنا وقد استبعد الإسماعيلي إمكان الجمع بين حديثي بن عمر وأبي هريرة ومنع الحكم
بصحتهما معا وجزم بأنهما متدافعان وقد جمع غيره بينهما بأوجه أخر يأتي بيانها في أواخر الباب
إن شاء الله تعالى (قوله جرير بن حازم) سمعت قتادة سيأتي بعد أبواب من رواية جرير بن حازم
عن نافع فله فيه طريقان وقد حفظ الزيادة التي في كل منهما وجزم برفع كل منهما (قوله عن بشير
ابن نهيك) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وبفتح النون وكسر الهاء وزنا واحدا قوله من أعتق
(شقيصا من عبد) كذا أورده مختصرا وعطف عليه طريق سعيد عن قتادة وقد تقدم في الشركة
من وجه آخر عن جرير بن حازم وبقيته أعتق كله أن كان له مال وإلا يستسعى غير مشقوق عليه
وأخرجه الإسماعيلي من طريق بشر بن السري ويحيى بن بكير جميعا عن جرير بن حازم
بلفظ من أعتق شقصا من غلام وكان للذي أعتقه من المال ما يبلغ قيمة العبد أعتق في ماله وان
لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه (قوله حدثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (قوله عن
النضر) في رواية جرير التي قبلها عن قتادة حدثني النضر (قوله والا قوم عليه فاستسعى به)
في رواية عيسى بن يونس عن سعيد عند مسلم ثم يستسعى في نصيب الذي لم يعتق الحديث وفى
رواية عبدة عند النسائي ومحمد بن بشر عند أبي داود كلاهما عن سعيد فإن لم يكن له مال
قوم ذلك العبد قيمة عدل واستسعى في قيمته لصاحبه الحديث (قوله غير مشقوق عليه)
تقدم توجيهه وقال بن التين معناه لا يستغلى عليه في الثمن وقيل معناه غير مكاتب وهو
بعيد جدا وفي ثبوت الاستسعاء حجة علي بن سيرين حيث قال يعتق نصيب الشريك الذي
لم يعتق من بيت المال (قوله تابعه حجاج بن حجاج وأبان وموسى بن خلف عن قتادة واختصره
شعبة) أراد البخاري بهذا الرد على من زعم أن الاستسعاء في هذا الحديث غير محفوظ وان
سعيد بن أبي عروبة تفرد به فاستظهر له برواية جرير بن حازم بموافقته ثم ذكر ثلاثة تابعوهما
على ذكرها فأما رواية حجاج فهو في نسخة حجاج بن حجاج عن قتادة من رواية أحمد بن
حفص أحد شيوخ البخاري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن حجاج وفيها ذكر السعاية
ورواه عن قتادة أيضا حجاج بن أرطأة أخرجه الطحاوي وأما رواية أبان فأخرجها أبو داود
والنسائي من طريقه قال حدثنا قتادة أخبرنا النضر بن أنس ولفظه فإن عليه
ان يعتق بقيته أن كان له مال وإلا استسعى العبد الحديث ولأبي داود فعليه أن يعتقه كله والباقي سواء وأما
رواية موسى بن خلف فوصلها الخطيب في كتاب الفصل والوصل من طريق أبي ظفر عبد
السلام بن مظهر عنه عن قتادة عن النضر ولفظه من أعتق شقصا له في مملوك فعليه خلاصه
إن كان له مال فإن لم يكن له مال استسعى غير مشقوق عليه وأما رواية شعبة فأخرجها مسلم
والنسائي من طريق غندر عنه عن قتادة بإسناده ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم في المملوك
بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه قال يضمن ومن طريق معاذ عن شعبة بلفظ من أعتق شقصا
من مملوك فهو حر من ماله وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق الطيالسي عن شعبة وأبو داود من
طريق روح عن شعبة بلفظ من أعتق مملوكا بينه وبين آخر فعليه خلاصه وقد اختصر ذكر
السعاية أيضا هشام الدستوائي عن قتادة الا أنه اختلف عليه في إسناده فمنهم من ذكر فيه النضر
112

ابن أنس ومنهم من لم يذكره وأخرجه أبو داود والنسائي بالوجهين ولفظ أبي داود والنسائي جميعا
من طريق معاذ بن هشام عن أبيه من أعتق نصيبا له في مملوك عتق من ماله أن كان له مال ولم يختلف
على هشام في هذا القدر من المتن وغفل عبد الحق فزعم أن هشاما وشعبة ذكرا الاستسعاء فوصلاه
وتعقب ذلك عليه بن المواق فأجاد وبالغ ابن العربي فقال اتفقوا على أن ذكر الاستسعاء ليس
من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول قتادة ونقل الخلال في العلل عن أحمد أنه
ضعف رواية سعيد في الاستسعاء وضعفها أيضا الأثرم عن سليمان بن حرب واستند إلى أن
فائدة الاستسعاء أن لا يدخل الضرر على الشريك قال فلو كان الاستسعاء مشروعا للزم أنه لو
أعطاه مثلا كل شهر درهمين أنه يجوز ذلك وفي ذلك غاية الضرر على الشريك اه وبمثل هذا
لا ترد الأحاديث الصحيحة قال النسائي بلغني أن هماما رواه فجعل هذا الكلام أي الاستسعاء من
قول قتادة وقال الإسماعيلي قوله ثم استسعى العبد ليس في الخبر مسندا وإنما هو قول قتادة مدرج
في الخبر على ما رواه همام وقال بن المنذر والخطابي هذا الكلام الأخير من فتيا قتادة ليس في
المتن (قلت) ورواية همام قد أخرجها أبو داود عن محمد بن كثير عنه عن قتادة لكنه لم يذكر
الاستسعاء أصلا ولفظه أن رجلا أعتق شقصا من غلام فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه
وغرمه بقية ثمنه نعم رواه عبد الله بن يزيد المقرئ عن همام فذكر فيه السعاية وفصلها من
الحديث المرفوع أخرجه الإسماعيلي وابن المنذر والدارقطني والخطابي والحاكم في علوم
الحديث والبيهقي الخطيب في الفصل والوصل كلهم من طريقه ولفظه مثل رواية محمد بن كثير
سواء وزاد قال فكان قتادة يقول أن لم يكن له مال استسعى العبد قال الدارقطني سمعت أبا بكر
النيسابوري يقول ما أحسن ما رواه همام ضبطه وفصل بين قول النبي صلى الله عليه وسلم وبين
قول قتادة هكذا جزم هؤلاء بأنه مدرج وأبي ذلك آخرون منهم صاحبا الصحيح فصححا كون
الجميع مرفوعا وهو الذي رجحه بن دقيق العيد وجماعة لان سعيد بن أبي عروبة أعرف بحديث
قتادة لكثرة ملازمته له وكثرة أخذه عنه من همام وغيره وهشام وشعبة وأن كانا أحفظ من سعيد
لكنهما لم ينافيا ما رواه وإنما اقتصرا من الحديث على بعضه وليس المجلس متحدا حتى يتوقف في
زيادة سعيد فإن ملازمة سعيد لقتادة كانت أكثر منهما فسمع منه ما لم يسمعه غيره وهذا كله لو
انفرد وسعيد لم ينفرد وقد قال النسائي في حديث أبي قتادة عن أبي المليح في هذا الباب بعد أن
ساق الاختلاف فيه على قتادة هشام وسعيد أثبت في قتادة من همام وما أعل به حديث سعيد من
كونه اختلط أو تفرد به مردود لأنه في الصحيحين وغيرهما من رواية من سمع منه قبل الاختلاط
كيزيد بن زريع ووافقه عليه أربعة تقدم ذكرهم وآخرون معهم لا نطيل بذكرهم وهمام هو
الذي انفرد بالتفصيل وهو الذي خالف الجميع في القدر المتفق على رفعه فإنه جعله واقعة عين وهم
جعلوه حكما عاما فدل على أنه لم يضبطه كما ينبغي والعجب ممن طعن في رفع الاستسعاء بكون همام
جعله من قول قتادة ولم يطعن فيما يدل على ترك الاستسعاء وهو قوله في حديث بن عمر في الباب
الماضي وإلا فقد عتق منه ما عتق بكون أيوب جعله من قول نافع كما تقدم شرحه ففصل قول
نافع من الحديث وميزه كما صنع همام سواء فلم يجعلوه مدرجا كما جعلوا حديث همام مدرجا مع
كون يحيى بن سعيد وافق أيوب في ذلك وهمام لم يوافقه أحد وقد جزم بكون حديث نافع
113

مدرجا محمد بن وضاح وآخرون والذي يظهر أن الحديثين صحيحان مرفوعان وفاقا لعمل صاحبي
الصحيح وقال بن المواق والانصاف أن لا نوهم الجماعة بقول واحد مع احتمال أن يكون سمع
قتادة يفتى به فليس بين تحديثه به مرة وفتياه به أخرى منافاة (قلت) ويؤيد ذلك أن البيهقي
أخرج من طريق الأوزاعي عن قتادة أنه أفتى بذلك والجمع بين حديثي بن عمر وأبي هريرة ممكن
بخلاف ما جزم به الإسماعيلي قال بن دقيق العيد حسبك بما اتفق عليه الشيخان فإنه أعلى
درجات الصحيح والذين لم يقولوا بالاستسعاء تعللوا في تضعيفه بتعليلات لا يمكنهم الوفاء بمثلها في
المواضع التي يحتاجون إلى الاستدلال فيها بأحاديث يرد عليها مثل تلك التعليلات وكأن
البخاري خشي من الطعن في رواية سعيد بن أبي عروبة فأشار إلى ثبوتها بإشارات خفية كعادته
فإنه أخرجه من رواية يزيد بن زريع عنه وهو من أثبت الناس فيه وسمع منه قبل الاختلاط ثم
استظهر له برواية جرير بن حازم بمتابعته لينفي عنه التفرد ثم أشار إلى أن غيرهما تابعهما ثم قال
اختصره شعبة وكأنه جواب عن سؤال مقدر وهو أن شعبة أحفظ الناس لحديث قتادة فكيف
لم يذكر الاستسعاء فأجاب بأن هذا لا يؤثر فيه ضعفا لأنه أورده مختصرا وغيره ساقه بتمامه والعدد
الكثير أولى بالحفظ من الواحد والله أعلم وقد وقه ذكر الاستسعاء في غير حديث أبي هريرة
أخرجه الطبراني من حديث جابر وأخرجه البيهقي من طريق خالد بن أبي قلابة عن رجل من بنى
عذرة وعمدة من ضعف حديث الاستسعاء في حديث بن عمر قوله وإلا فقد عتق منه ما عتق وقد
تقدم أنه في حق المعسر وأن المفهوم من ذلك أن الجزء الذي لشريك المعتق باق على حكمة
الأول وليس فيه التصريح بأن يستمر رقيقا ولا فيه التصريح بأنه يعتق كله وقد احتج بعض من
ضعف رفع الاستسعاء بزيادة وقعت في الدارقطني وغيره من طريق إسماعيل بن أمية وغيره عن
نافع عن بن عمر قال في آخره ورق منه ما بقي وفي إسناده إسماعيل بن مرزوق الكعبي وليس
بالمشهور عن يحيى بن أيوب وفي حفظه شئ عنهم وعلى تقدير صحتها فليس فيها أنه يستمر رقيقا بل
هي مقتضى المفهوم من رواية غيره وحديث الاستسعاء فيه بيان الحكم بعد ذلك فللذي صحح
رفعه أن يقول معنى الحديثين أن المعسر إذا أعتق حصته لم يسر العتق في حصة شريكه بل تبقى
حصة شريكه على حالها وهي الرق ثم يستسعى في عتق بقيته فيحصل ثمن الجزء الذي لشريك سيده
ويدفعه إليه ويعتق وجعلوه في ذلك كالمكاتب وهو الذي جزم به البخاري والذي يظهر أنه في
ذلك باختياره لقوله غير مشقوق عليه فلو كان ذلك على سبيل اللزوم بأن يكلف العبد الاكتساب
والطلب حتى يحصل ذلك لحصل له بذلك غاية المشقة وهو لا يلزم في الكتابة بذلك عند الجمهور
لأنها غير واجبة فهذه مثلها وإلى هذا الجمع مال البيهقي وقال لا يبقى بين الحديثين معارضة أصلا
وهو كما قال الا أنه يلزم منه أن يبقى الرق في حصة الشريك إذا لم يختر العبد الاستسعاء فيعارضه
حديث أبي المليح عن أبيه أن رجلا أعتق شقصا له من غلام فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
فقال ليس لله شريك وفي رواية فأجاز عتقه أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد قوي وأخرجه
أحمد بإسناد حسن من حديث سمرة أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك فقال النبي صلى الله عليه
وسلم هو كله فليس لله شريك ويمكن حمله على ما إذا كان المعتق غنيا أو على ما إذا كان جميعه له
فأعتق بعضه فقد روى أبو داود من طريق ملقام بن التلب عن أبيه أن رجلا أعتق نصيبه من
114

مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وسلم وإسناده حسن وهو محمول على المعسر وإلا لتعارضا
وجمع بعضهم بطريق أخرى فقال أبو عبد الملك المراد بالاستسعاء أن العبد يستمر في حصة الذي لم
يعتق رقيقا فيسعى في خدمته بقدر ما له فيه من الرق قالوا ومعنى قوله غير مشقوق عليه أي من
جهة سيده المذكور فلا يكلفه من الخدمة فوق حصة الرق لكن يرد على هذا الجمع قوله في الرواية
المتقدمة واستسعى في قيمته لصاحبه واحتج من أبطل الاستسعاء بحديث عمران بن حصين عند
مسلم ان رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعاه رسول الله صلى الله
عليه وسلم فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة ووجه الدلالة منه أن الاستسعاء
لو كان مشروعا لنجز من كل واحد منهم عتق ثلثه وأمره بالاستسعاء في بقية قيمته لورثة الميت
وأجاب من أثبت الاستسعاء بأنها واقعة عين فيحتمل أن يكون قبل مشروعية الاستسعاء
ويحتمل أن يكون الاستسعاء مشروعا الا في هذا لصورة وهي ما إذا أعتق جميع ما ليس له ان
يعتقه وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات عن أبي قلابة عن رجل من عذرة أن رجلا منهم
أعتق مملوكا له عند موته وليس له مال غيره فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثه وأمره
ان يسعى في الثلثين وهذا يعارض حديث عمران وطريق الجمع بينهما ممكن واحتجوا أيضا بما
رواه النسائي من طريق سليمان بن موسى عن نافع عن بن عمر بلفظ من أعتق عبدا وله فيه
شركاء وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمته لما أساء من مشاركتهم وليس على العبد شئ
والجواب مع تسليم صحته أنه مختص بصورة اليسار لقوله فيه وله وفاء والاستسعاء إنما هو في صورة
الاعسار كما تقدم فلا حجة فيه وقد ذهب إلى الاخذ بالاستسعاء إذا كان المعتق معسرا أبو حنيفة
وصاحباه والأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد في رواية وآخرون ثم اختلفوا فقال الأكثر يعتق
جميعه في الحال ويستسعى العبد فتحصيل قيمة نصيب الشريك وزاد ابن أبي ليلى فقال ثم يرجع
العبد المعتق الأول بما أداه للشريك وقال أبو حنيفة وحده يتخير الشريك بين الاستسعاء
وبين عتق نصيبه وهذا يدل على أنه لا يعتق عنده ابتداء الا النصيب الأول فقط وهو موافق لما
جنح إليه البخاري من أنه يصير كالمكاتب وقد تقدم توجيهه وعن عطاء يتخير الشريك بين ذلك
وبين ابقاء حصته في الرق وخالف الجميع زفر فقال يعتق كله وتقوم حصة الشريك فتؤخذ إن كان
المعتق موسرا وترتب في ذمته إن كان معسرا (قوله باب الخطأ والنسيان في
العتاقة والطلاق ونحوه) أي من التعليقات لا يقع شئ منها الا بالقصد وكأنه أشار إلى رد ما روى
عن مالك أنه يقع الطلاق والعتاق عامدا كان أو مخطئا ذاكرا كان أو ناسيا وقد أنكره كثير من
أهل مذهبه قال الداودي وقوع الخطأ في الطلاق والعتاق أن يريد أن يلفظ بشئ غيرهما فيسبق
لسانه إليهما وأما النسيان ففيما إذا حلف ونسي (قوله ولا عتاقة الا لوجه الله) سيأتي في الطلاق
نقل معنى ذلك عن علي رضي الله عنه وفي الطبراني من حديث بن عباس مرفوعا لا طلاق الا
لعدة ولا عتاق الا لوجه الله وأراد المصنف بذلك إثبات اعتبار النية لأنه لا يظهر كونه لوجه الله الا
مع القصد وأشار إلى الرد على من قال من أعتق عبده لوجه الله أو للشيطان أو للصنم عتق لوجود
ركن الاعتاق والزيادة على ذلك لا تخل بالعتق (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكل امرئ
ما نوى) هو طرف من حديث عمر وقد ذكره في الباب بلفظ وإنما لامرئ ما نوى واللفظ المعلق
115

أورده في أول الكتاب حيث قال فيه وإنما لكل
امرئ ما نوى وأورده في أواخر الايمان بلفظ ولكل امرئ ما نوى وإنما فيه مقدرة قوله ولا نية للناسي والمخطئ وقع في رواية القابسي الخاطئ بدل
المخطئ قالوا المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره والخاطئ من تعمد لما لا ينبغي وأشار المصنف
بهذا الاستنباط إلى بيان أخذ الترجمة من حديث الأعمال بالنيات ويحتمل أن يكون أشار بالترجمة
إلى ما ورد في بعض الطرق كعادته وهو الحديث الذي يذكره أهل الفقه والأصول كثيرا بلفظ
رفع الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه أخرجه ابن ماجة من حديث بن عباس
الا انه بلفظ وضع بدل رفع وأخرجه الفضل بن جعفر التيمي في فوائده بالاسناد الذي أخرجه به ابن
ماجة بلفظ رفع ورجاله ثقات الا أنه أعل بعلة غير قادحة فإنه من رواية الوليد عن الأوزاعي عن
عطاء عنه وقد رواه بشر بن بكر عن الأوزاعي فزاد عبيد بن عمير بين عطاء وابن عباس أخرجه
الدارقطني والحاكم والطبراني وهو حديث جليل قال بعض العلماء ينبغي أن يعد نصف الاسلام
لان الفعل إما عن قصد واختيار أو لا الثاني ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه فهذا القسم معفو
عنه باتفاق وإنما اختلف العلماء هل المعفو عنه الاثم أو الحكم أو هما معا وظاهر الحديث الأخير
وما خرج عنه كالقتل فله دليل منفصل وسيأتي بسط القول في ذلك في كتاب الايمان والنذور
إن شاء الله تعالى وتقدير قوله ولكل امرئ ما نوى يعتد لكل امرئ ما نوى وهو يحتمل أن يكون
في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط وبحسب هذين الاحتمالين وقع الاختلاف في الحكم
(قوله عن زرارة بن أوفى) يأتي في الايمان والنذور بلفظ حدثنا زرارة وهو من ثقات التابعين
كان قاضى البصرة وليس له في البخاري الا أحاديث يسيرة (قوله ما وسوست به صدورها) يأتي
في الطلاق بلفظ ما حدثت به أنفسها وهو المشهور وصدورها في أكثر الروايات بالضم
وللأصيلي بالفتح على أن وسوست مضمن معنى حدثت وحكى الطبري هذا الاختلاف في حدثت
به أنفسها والضم كقوله تعالى ونعلم ما توسوس به نفسه (قوله ما لم تعمل أو تكلم) ويأتي في
النذور بلفظ ما لم تعمل به والمراد نفي الحرج عما يقع في النفس حتى يقع العمل بالجوارح أو القول
باللسان على وفق ذلك والمراد بالوسوسة تردد الشئ في النفس من غير أن يطمئن إليه ويستقر عنده
ولهذا فرق العلماء بين الهم والعزم كما سيأتي الكلام عليه في حديث من هم بحسنة ومن هنا تظهر
مناسبة هذا الحديث للترجمة لان الوسوسة لا اعتبار لها عند عدم التوطن فكذلك المخطئ
والناسي لا توطن لهما وزاد بن ماجة عن هشام بن عمار عن بن عيينة في آخره وما استكرهوا
عليه وأظنها مدرجة من حديث آخر دخل على هشام حديث في حديث قيل لا مطابقة بين
الحديث والترجمة لان الترجمة في النسيان والحديث في حديث النفس وأجاب الكرمائي بأنه
أشار إلى إلحاق النسيان بالوسوسة فكما أنه لا اعتبار للوسوسة لأنها لا تستقر فكذلك الخطأ
والنسيان لا استقرار لكل منهما ويحتمل إن يقال أن شغل البال بحديث النفس ينشأ عنه الخطأ
والنسيان ومن ثم رتب على من لا يحدث نفسه في الصلاة ما سبق في حديث عثمان في كتاب الطهارة
من الغفران * (تنبيه) * ذكر خلف في الأطراف أن البخاري أخرج هذا الحديث في العتق عن
محمد بن عرعرة عن شعبة عن قتادة ولم نره فيه ولم يذكره أبو مسعود ولا الطوقي ولا بن عساكر
ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في كتاب الايمان
116

والنذور إن شاء الله تعالى (قوله عن سفيان) هو الثوري (قوله الأعمال بالنية ولكل والامرئ
ما نوى) كذا أخرجه بحذف إنما في الموضعين وقد أخرجه أبو داود عن محمد بن كثير شيخ
البخاري فيه فقال إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى (قوله إلى دنيا) في رواية الكشميهني
لدنيا وهي رواية أبي داود المذكورة وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في أول الكتاب ويأتي
بقية منه في ترك الحيل وغيره إن شاء الله تعالى (قوله باب إذا قال) أي الشخص
(لعبده) وفي رواية الأصيلي وكريمة إذا قال رجل لعبده (هو لله ونوى العتق) أي صح (قوله
والاشهاد في العتق) قيل هو يجر الاشهاد أو باب الاشهاد في العتق وهو مشكل لأنه إن قدر
منونا أحتاج إلى خبر وإلا لزم حذف التنوين من الأول ليصح العطف عليه وهو بعيد والذي
يظهر أن يقرأ والاشهاد بالضم فيكون معطوفا على باب لا على ما بعده وباب بالتنوين ويجوز
ان يكون التقدير وحكم الاشهاد في العتق قال المهلب لا خلاف بين العلماء إذا قال لعبده هو لله
ونوى العتق أنه يعتق وأما الاشهاد في العتق فهو من حقوق المعتق وإلا فقد تم العتق وإن لم
يشهد (قلت) وكأن المصنف أشار إلى تقييد ما رواه هشيم عن مغيرة أن رجلا قال لعبده
أنت لله فسئل الشعبي وإبراهيم وغيرهما فقالوا هو حر أخرجه بن أبي شيبة فكأنه قال محل
ذلك إذا نوى العتق وإلا فلو قصد أنه لله بمعنى غير العتق لم يعتق (قوله عن إسماعيل) هو ابن أبي
خالد وقيس وهو بن أبي حازم ورجاله كوفيون الا الصحابي (قوله لما أقبل يريد الاسلام)
ظاهره أنه لم يكن أسلم بعد (قوله ومعه غلامه) لم أقف على اسمه (قوله ضل كل واحد) أي
ضاع (قوله فهو حين يقول) أي الوقت الذي وصل فيه إلى المدينة وقوله في الطريق الثانية
قلت في الطريق أي عند انتهائه وظاهره أن الشعر من نظم أبي هريرة وقد نسبه بعضهم إلى
غلامه حكاه بن التين وحكى الفاكهي في كتاب مكة عن مقدم بن حجاج السواني أن البيت
المذكور لأبي مرثد الغنوي في قصة له فعلى هذا فيكون أبو هريرة قد تمثل به (قوله في الشعر
يا ليلة) كذا في جميع الروايات قال الكرمائي ولا بد من اثبات فاء أو واو في أوله ليصير موزونا
وفيه نظر لان هذا يسمى في العروض الخرم بالمعجمة المفتوحة والراء الساكنة وهو أن يحذف
من أول الجزء حرف من حروف المعاني وما جاز حذفه لا يقال لا بد من إثباته وذلك أمر معروف
عند أهله (قوله وعنائها) بفتح العين وبالنون والمد أي تعبها ودارة الكفر الدارة أخص من
الدار وقد كثر استعمالها في أشعار العرب كقول امرئ القيس ولا سيما يوما بدارة جلجل
(قوله في الطريق الثانية حدثنا عبيد الله بن سعيد) هو أبو قدامة السرخسي كذا في جميع
الروايات التي اتصلت لنا عبيد الله بالتصغير وفي مستخرج أبي نعيم أخرجه البخاري عن أبي سعيد
الأشج وأبو سعيد اسمه عبد الله مبكر فهذا محتمل وذكر أبو مسعود وخلف أنه أخرجه هنا عن
عبيد بن إسماعيل وعبيد بغير إضافة ممن يروي في البخاري عن أبي أسامة الا أن الذي وقفت عليه
هو الذي قدمت ذكره والله أعلم (قوله وأبق) بفتح الموحدة وحكى بن القطاع كسرها قوله
قلت هو حر لوجه الله فأعتقه أي باللفظ المذكور وليس المراد أنه أعتقه بعد ذلك وهذه الفاء هي
التفسيرية (قوله لم يقل أبو كريب عن أبي أسامة حر) وصله في أواخر المغازي فقال حدثنا محمد
ابن العلاء وهو أبو كريب حدثنا أبو أسامة وساق الحديث وقال في آخره هو لوجه الله فأعتقه وكذا
117

أخرجه أحمد بن حنبل ومحمد بن سعد عن أبي أسامة وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجهين عن أبي
أسامة ليس فيه حر وكذا أخرجه أبو نعيم من وجهين عن أبي أسامة أثبت قوله حر في أحدهما ووقع
في بعض النسخ من البخاري هو حر لوجه الله وهو خطأ ممن ذكره عن البخاري وفي هذه الرواية
لتصريحه بنفيه عن شيخه بعينه (قوله في الطريق الأخيرة فضل أحدهما صاحبه) بالنصب
على نزع الخافض وأصله من صاحبه كما في الطريق الأولى ولو كانت أضل معداة بالهمز لم يحتج إلى
تقدير وقد ثبت كذلك في بعض الروايات وفي الحديث استحباب العتق عند بلوغ الغرض
والنجاة من المخاوف وفيه جواز قول الشعر وإنشاده والتمثل به والتألم من النصب والسهر وغير
ذلك (قوله باب أم الولد) أي هل يحكم بعتقها أم لا أورد فيه حديثين وليس فيهما
ما يفصح بالحكم عنده وأظن ذلك لقوة الخلاف في المسألة بين السلف وأن كان الامر استقر عند
الخلف على المنع حتى وافق في ذلك بن حزم ومن تبعه من أهل الظاهر على عدم جواز بيعهن ولم
يبق الا شذوذ (قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة أن تلد
الأمة ربها) تقدم موصولا مطولا في كتاب الايمان بمعناه وتقدم شرحه هناك مستوفى وأن المراد
بالرب السيد أو المالك وتقدم أنه لا دليل فيه على جواز بيع أم الولد ولا عدمه قال النووي
استدل به إمامان جليلان أحدهما على جواز بيع أمهات الأولاد والآخر على منعه فأما من
استدل به على الجواز فقال ظاهر قوله ربها أن المراد به سيدها لان ولدها من سيدها ينزل منزلة
سيدها لمصير مال الانسان إلى ولده غالبا وأما من استدل به على المنع فقال لا شك أن الأولاد من
الإماء كانوا موجودين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أصحابه كثيرا والحديث مسوق
للعلامات التي قرب قيام الساعة فدل على حدوث قدر زائد على مجرد التسري قال والمراد ان
الجهل يغلب في آخر الزمان حتى تباع أمهات الأولاد فيكثر ترداد الأمة في الأيدي حتى يشتريها
ولدها وهو لا يدري فيكون فيه إشارة إلى تحريم بيع أمهات الأولاد ولا يخفى تكلف الاستدلال
من الطرفين والله أعلم ثم أورد المصنف حديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة وسيأتي شرحه
في كتاب الفرائض والشاهد منه قول عبد بن زمعة أخي ولد على فراش أبي وحكمه صلى الله عليه
وسلم لابن زمعة بأنه أخوه فإن فيه ثبوت أمية أم الولد ولكن ليس فيه تعرض لحريتها ولا
لارقاقها الا أن ابن المنير أجاب بأن فيه إشارة إلى حرية أم الولد لأنه جعلها فراشا فسوى بينها
وبين الزوجة في ذلك وأفاد الكرماني أنه رأى في بعض النسخ في آخر الباب ما نصه فسمى النبي
صلى الله عليه وسلم أم ولد زمعة أمة ووليدة فدل على أنها لم تكن عتيقة انتهى فعلى هذا فهو
ميل منه إلى أنها لا تعتق بموت السيد وكأنه أختار أحد التأويلين في الحديث الأول وقد تقدم
ما فيه قال الكرماني وبقية كلامه لم تكن عتيقة من هذا الحديث لكن من يحتج بعتقها في
هذه الآية الا ما ملكت أيمانكم يكون له ذلك حجة قال الكرماني كأنه أشار إلى أن تقرير النبي صلى
الله عليه وسلم عبد بن زمعة على قوله أمة أبي ينزل منزلة القول منه صلى الله عليه وسلم ووجه الدلالة
مما قال أن الخطاب في الآية للمؤمنين وزمعة لم يكن مؤمنا فلم يكن له ملك يمين فيكون ما في يده
في حكم الأحرار قال ولعل غرض البخاري أن بعض الحنفية لا يقول أن الولد في الأمة للفراش
فلا يلحقونه بالسيد الا ان أقر به ويخصون الفراش بالحرة فإذا احتج عليهم بما في هذا الحديث
118

ان الولد للفراش قالوا ما كانت أمة بل كانت حرة فأشار البخاري إلى رد حجتهم هذه بما ذكره وتعلق
الأئمة بأحاديث أصحها حديثان أحدهما حديث أبي سعيد في سؤالهم عن العزل كما سيأتي شرحه
في كتاب النكاح وممن تعلق به النسائي في السنن فقال باب ما يستدل به على منع بيع أم الولد
فساق حديث أبي سعيد ثم ساق حديث عمرو بن الحارث الخزاعي كما سيأتي في الوصايا قال
ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا ولا أمة الحديث ووجه الدلالة من حديث أبي سعيد
انهم قالوا إنا نصيب سبايا فنحب الأثمان فكيف ترى في العزل وهذا لفظ البخاري كما مضى في باب
بيع الرقيق من كتاب البيوع قال البيهقي لولا أن الاستيلاد يمنع من نقل الملك وإلا لم يكن لعزلهم
لأجل محبة الأثمان فائدة وللنسائي من وجه آخر عن أبي سعيد فكان منا من يريد أن يتخذ أهلا
ومنا من يريد البيع فتراجعنا في العزل الحديث وفي رواية لمسلم وطالت علينا العزبة ورغبنا في
الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل وفي الاستدلال به نظر إذا لا تلازم بين حملهن وبين استمرار امتناع
البيع فلعلهم أحبوا تعجيل الفداء وأخذ الثمن فلو حملت المسبية لتأخر بيعها إلى وضعها ووجه
الدلالة من حديث عمرو بن الحارث أن مارية أم ولده إبراهيم كانت قد عاشت بعده فلولا انها
خرجت عن الوصف بالرق لما صح قوله أنه لم يترك أمة وقد ورد الحديث عن عائشة أيضا عند ابن
حبان مثله وهو عند مسلم لكن ليس فيه ذكر الأمة وفي صحة الاستدلال بذلك وقفة لاحتمال أن
يكون مجرد عتقها وأما بقية أحاديث الباب فضعيفة ويعارضها حديث جابر كنا نبيع سرارينا
أمهات الأولاد والنبي صلى الله عليه وسلم حي لا يرى بذلك بأسا وفي لفظ بعنا أمهات الأولاد على
عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا وقول الصحابي كنا نفعل محمول
على الرفع على الصحيح وعليه جرى عمل الشيخين في صحيحهما ولم يستند الشافعي في القول بالمنع
الا إلى عمر فقال قلته تقليدا لعمر قال بعض أصحابه لان عمر لما نهى عنه فانتهوا صار إجماعا يعنى
فلا عبرة بندور المخالف بعد ذلك ولا يتعين معرفة سند الاجماع (قوله أخذ سعد ابن وليدة)
سعد بالرفع والتنوين وابن منصوب على المفعولية ويكتب بالألف وقوله هولك يا عبد بن زمعة
برفع عبد ويجوز نصبه وكذا ابن وكذا قوله يا سودة بنت زمعة * (تنبيهان) * أحدهما وقع في
نسخة الصغاني هنا قال أبو عبد الله يعني المصنف سمي النبي صلى الله عليه وسلم أم ولد زمعة أمة
ووليدة فلم تكن عتيقة لهذا الحديث ولكن من يحتج بعتقها في هذه الآية الا ما ملكت أيمانكم
يكون له ذلك حجة الثاني ذكر المزي في الأطراف أن البخاري قال عقب طريق شعيب عن الزهري
هذه وقال الليث عن يونس عن الزهري ولم أر ذلك في شئ من نسخ البخاري نعم ذكر هذا التعليق
في باب غزوة الفتح من كتاب المغازي مقرونا بطريق مالك عن الزهري والله أعلم (قوله
باب بيع المدبر) أي جوازه أو ما حكمة وقد تقدمت هذه الترجمة بعينها في كتاب
البيوع وأورد هنا حديث جابر مختصرا جدا وقد تقدم شرحه مستوفى هناك (قوله أعتق
رجل منا عبدا له) لم يقع واحد منهما مسمى في شئ من طرق البخاري وقد قدمت في البيوع أن في
رواية مسلم من طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا من الأنصار يقال له أبو بكر مذكور
أعتق غلاما له عن دبر يقال له يعقوب ففيه التعريف بكل منهما وله من رواية الليث عن أبي الزبير
ان الرجل كان من بني عذرة وكذا البيهقي من طريق مجاهد عن جابر فلعله كان من بنى عذرة
119

وحالف الأنصار (قوله فدعا النبي صلى الله عليه وسلم) حذف المفعول وفي رواية أيوب
المذكورة فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يشتريه أي الغلام (قوله فاشتراه نعيم بن
عبد الله) في رواية بن المنكدر عن جابر كما مضى في الاستقراض نعيم بن النحام وهو نعيم بن
عبد الله المذكور والنحام بالنون والحاء المهملة الثقيلة عند الجمهور وضبطه ابن الكلبي بضم
النون وتخفيف الحاء ومنعه الصغاني وهو لقب نعيم وظاهر الرواية أنه لقب أبيه قال النووي
وهو غلط لقول النبي صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فسمعت فيها نحمة من نعيم اه وكذا
قال بن العربي وعياض وغير واحد لكن الحديث المذكور من رواية الواقدي وهو ضعيف
ولا ترد الروايات الصحيحة بمثل هذا فلعل أباه أيضا كان يقال له النحام والنحمة بفتح النون
واسكان المهملة الصوت وقيل السعلة وقيل النحنحة ونعيم المذكور هو بن عبد الله بن أسيد
ابن عبد بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي وأسيد وعبيد وعويج في نسبه
مفتوح أول كل منهما قرشي عدوي أسلم قديم اقبل عمر فكتم إسلامه وأراد الهجرة فسأله بنو
عدى أن يقيم على أي دين شاء لأنه كان ينفق على أراملهم وأيتامهم ففعل ثم هاجر عام الحديبية
ومعه أربعون من أهل بيته واستشهد في فتوح الشام زمن أبي بكر أو عمر وروى الحارث في
مسنده بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه صالحا وكان اسمه الذي يعرف به نعيما
(قوله قال جابر مات الغلام عام أول) يأتي في الاحكام من رواية حماد عن عمرو سمعت جابرا يقول
عبدا قبطيا مات عام أول زاد مسلم من طريق بن عيينة عن عمرو في إمارة بن الزبير وقد تقدم
في باب بيع المدبر من البيوع نقل مذاهب الفقهاء في بيع المدبر وأن الجواز مطلقا مذهب
الشافعي وأهل الحديث وقد نقله البيهقي في المعرفة عن أكثر الفقهاء وحكى النووي عن الجمهور
مقابله وعن الحنفية والمالكية أيضا تخصيص المنع بمن دبر تدبيرا مطلقا أما إذا قيده كأن يقول إن
مت من مرضي هذا ففلان حر فإنه يجوز بيعه لأنها كالوصية فيجوز الرجوع فيها وعن أحمد
يمتنع بيع المدبرة دون المدبر وعن الليث يجوز بيعه إن شرط على المشتري عتقه وعن بن سيرين
لا يجوز بيعه إلا من نفسه ومال بن دقيق العيد إلى تقييد الجواز بالحاجة فقال من منع بيعه
مطلقا كان الحديث حجة عليه لان المنع الكلي يناقضه الجواز الجزئي ومن أجازه في بعض الصور
فله أن يقول قلت بالحديث في الصورة التي ورد فيها فلا يلزمه القول به في غير ذلك من الصور وأجاب
من أجازه مطلقا بأن قوله وكان محتاجا لا مدخل له في الحكم وإنما ذكر لبيان السبب في المبادرة
لبيعه ليتبين للسيد جواز البيع ولولا الحاجة لكان عدم البيع أولى وأما من ادعى أنه إنما باع
خدمته كما تقدمت حكايته في الباب المذكور فقد أجيب عنه بما تقدم وهو أنه لا تعارض بين
الحديثين وبأن المخالفين لا يقولون بجواز بيع خدمة المدبر وقد اتفقت طرق رواية عمرو بن
دينار عن جابر أيضا على أن البيع وقع في حياة السيد الا ما أخرجه الترمذي من طريق ابن
عيينة عنه بلفظ أن رجلا من الأنصار دبر غلاما له فمات ولم يترك مالا غيره الحديث وقد أعله
الشافعي بأنه سمعه من بن عيينة مرارا لم يذكر قوله فمات وكذلك رواه الأئمة أحمد وإسحاق وابن
المديني والحميدي وابن أبي شيبة عن بن عيينة ووجه البيهقي الرواية المذكورة بأن أصلها ان
رجلا من الأنصار أعتق مملوكه إن حدث به حادث فمات فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فباعه
120

من نعيم كذلك رواه مطر الوراق عن عمرو قال البيهقي فقوله فمات من بقية الشرط أي فمات من
ذلك الحدث وليس إخبارا عن أن المدبر مات فحذف من رواية بن عيينة قوله أن حدث به
حدث فوقع الغلط بسبب ذلك والله أعلم اه وقد تقدم الجواب عما وقع من مثل ذلك في
رواية عطاء عن جابر من طريق شريك عن سلمة بن كهيل في الباب المذكور والله أعلم (قوله
باب بيع الولاء وهبته) أي حكمة والولاء بالفتح والمد حق ميراث المعتق من المعتق
بالفتح أورد فيه حديث بن عمر المشهور وسيأتي شرحه في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى مع
توجيه عدم صحة بيعه من دلالة النهي المذكور وحديث عائشة في قصة بريرة وسيأتي بعد عشرة
أبواب ووجه دخوله في الترجمة من قوله في أصل الحديث فإنما الولاء لمن أعتق وهو وإن كان لم
يسقه هنا بهذا اللفظ فكأنه أشار إليه كعادته ووجه الدلالة منه حصره في المعتق فلا يكون
لغيره معه منه شئ قال الخطابي لما كان الولاء كالنسب كان من أعتق ثبت له الولاء كمن ولد له ولد
ثبت له نسبه فلو نسب إلى غيره لم ينتقل نسبه عن والده وكذا إذا أراد ولائه عن محله لم ينتقل
(قوله باب إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادى) بضم أوله وفتح الدال (قوله إذا
كان مشركا) قيل إنه أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف الحديث الوارد فيمن ملك ذا رحم فهو حر
وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من حديث بهذه الترجمة إلى تضعيف الحديث الوارد فين ملك ذا رحم فهو حر وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من حديث الحسن عن سمرة واستنكره بن المديني ورجح
الترمذي إرساله وقال البخاري لا يصح وقال أبو داود تفرد به حماد وكان يشك في وصله وغيره يرويه
عن قتادة عن الحسن قوله وعن قتادة عن عمر قوله منقطعا أخرج ذلك النسائي وله طريق
أخرى أخرجه أصحاب السنن أيضا الا أبا داود من طريق ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار
عن ابن عمر وقال النسائي منكر وقال الترمذي خطأ وقال جمع من الحفاظ دخل لضمرة حديث
في حديث وإنما روى الثوري بهذا الاسناد حديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته وجرى
الحاكم وابن حزم وابن القطان على ظاهر الاسناد فصححوه وقد أخذ بعمومه الحنفية والثوري
والأوزاعي والليث وقال داود لا يعتق أحد على أحد وذهب الشافعي إلى أنه لا يعتق على المرء الا
أصوله وفروعه لا لهذا الدليل بل لأدلة أخرى وهو مذهب مالك وزاد الاخوة حتى من الام وزعم
ابن بطال أن في حديث الباب حجة عليه وفيه نظر لما سأذكره (قوله وقال أنس قال العباس
فاديت نفسي وفاديت عقيلا) هو طرف من حديث أوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال من
البحرين فقال انثروه في المسجد وقد تقدم في باب القسمة وتعليق القنو في المسجد من كتاب
الصلاة (قوله وكان علي) أي بن أبي طالب له نصيب في تلك الغنيمة التي أصاب من أخيه عقيل
ومن عمه العباس) هو كلام المصنف ساقه مستدلا به على أنه لا يعتق بذلك أي فلو كان الأخ ونحوه
يعتق بمجرد الملك لعتق العباس وعقيل على علي في حصته من الغنيمة وأجاب بن المنير عن ذلك أن
الكافر لا يملك بالغنيمة ابتداء بل يتخير الامام بين القتل أو الاسترقاق أو الفداء أو المن فالغنيمة
سبب إلى الملك بشرط اختيار الارقاق فلا يلزم العتق بمجرد الغنيمة ولعل هذا هو النكتة في اطلاق
المصنف الترجمة ولعله يذهب إلى أنه يعتق إذا كان مسلما ولا يعتق إذا كان مشركا وقوفا عندما
ورد به الخبر (قوله حدثنا إسماعيل بن عبد الله) هو بن أبي أويس (قوله إن رجالا من الأنصار)
لم أعرف أسماءهم الآن (قوله لابن أختنا) بالمثناة (عباس) هو بن عبد المطلب والمراد انهم
121

أخوال أبيه عبد المطلب فإن أم العباس هي نتيلة بالنون والمثناة مصغرة بنت جنان بالجيم
والنون وليست من الأنصار وإنما أرادوا بذلك أن أم عبد المطلب منهم لأنها سلمى بنت عمرو بن
أحيحة بمهملتين مصغر وهي من بني النجار ومثله ما وقع في حديث الهجرة أنه صلى الله عليه وسلم
نزل على أخواله بني النجار وأخواله حقيقة إنما هم بنو زهرة وبنو النجار أخوال جده عبد المطلب
قال ابن الجوزي صحف بعض المحدثين لجهله بالنسب فقال بن أخينا بكسر الخاء بعدها تحتانية
وليس هو بن أخيهم إذ لا نسب بين قريش والأنصار قال وإنما قالوا بن أختنا لتكون المنة عليهم في
اطلاقه بخلاف ما لو قالوا عمك لكانت المنة عليه صلى الله عليه وسلم وهذا من قوة الكاء وحسن
الأدب في الخطاب وإنما أمتنع صلى الله عليه وسلم من إجابتهم لئلا يكون في الدين نوع محاباة
وسيأتى مزيد في هذه القصة في الكلام على غزوة بدر ان إن شاء الله تعالى وأراد المصنف بإيراده هنا
الإشارة إلى أن حكم القرابة من ذوي الأرحام في هذا لا يختلف من حكم القرابة من العصبات
والله أعلم (قوله باب عتق المشرك) يحتمل أن يكون مضافا إلى الفاعل أو
المفعول وعلى الثاني جرى بن بطال فقال لا خلاف في جواز عتق المشرك تطوعا وإنما اختلفوا
في عتقه عن الكفارة وحديث الباب في قصة حكيم بن حزام حجة في الأول لان حكيما لما أعتق
وهو كافر لم يحصل له الاجر الا بإسلامه فمن فعل ذلك وهو مسلم لم يكن بدونه بل أولى اه وقال
ابن المنير الذي يظهر أن مراد البخاري أن المشرك إذا أعتق مسلما نفذ عتقه وكذا إذا أعتق
كافرا فأسلم العبد قال وأما قوله أسلمت على ما سلف لك من خير فليس المراد به صحة التقرب منه في
حال كفره وإنما تأويله أن الكافر إذا فعل ذلك انتفع به إذا أسلم لما حصل له من التدرب على فعل
الخير فلم يحتج إلى مجاهدة جديدة فيثاب بفضل الله عما تقدم بواسطة انتفاعه بذلك بعد اسلامه
انتهى وقد قدمت لذلك أجوبة أخرى في كتاب الزكاة مع الكلام على بقية فوائد الحديث
المذكور (قوله أن حكيم بن حزام أعتق) ظاهر سياقه الارسال لان عروة لم يدرك زمن ذلك لكن
بقية الحديث أوضحت الوصل وهي قوله قال فسألت ففاعل قال هو حكيم فكأن عروة قال قال
حكيم فيكون بمنزلة قوله عن حكيم وقد أخرجه مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام فقال عن
أبيه عن حكيم (قوله أتبرر بها) بالموحدة وراءين الأولى ثقيلة أي أطلب بها البر وطرح الحنث
وقد تقدم نقل الخلاف في ضبطه في الزكاة وقوله يعني أتبرر هو من تفسير هشام بن عروة راوية كما
ثبت عند مسلم والإسماعيلي وقصر من زعم أنه تفسير البخاري (قوله باب من
ملك من العرب رقيقا فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذرية) هذه الترجمة معقودة لبيان
122

الخلاف في استرقاق العرب وهي مسألة مشهورة والجمهور على أن العربي إذا سبي جاز أن يسترق
وإذا تزوج أمة بشرطه كان ولدها رقيقا وذهب الأوزاعي والثوري وأبو ثور إلى أن على سيد الأمة
تقويم الولد ويلزم أبوه بأداء القيمة ولا يسترق الولد أصلا وقد جنح المصنف إلى الجواز وأورد
الأحاديث الدالة على ذلك ففي حديث المسور ما ترجم به من الهبة وفي حديث أنس ما ترجم به من
الفداء وفي حديث بن عمر ما ترجم به من سبي الذرية وفي حديث أبي سعيد ما ترجم به من الجماع
ومن الفدية أيضا ويتضمن ما ترجم به من البيع وفي حديث أبي هريرة ما ترجم به من البيع لقوله
في بعض طرقه ابتاعي كما سأبينه وقوله في الترجمة وقول الله تعالى عبدا مملوكا إلى آخر الآية قال
ابن المنير مناسبة الآية للترجمة من جهة أن الله تعالى أطلق العبد المملوك ولم يقيده بكونه عجميا
فدل على أن لا فرق في ذلك بين العربي والعجمي انتهى وقال ابن بطال تأول بعض الناس من هذه
الآية أن العبد لا يملك وفي الاستدلال بها لذلك نظر لأنها نكرة في سياق الاثبات فلا عموم فيها
وقد ذكر قتادة أن المراد به الكافر خاصة نعم ذهب الجمهور إلى كونه لا يملك شيئا واحتجوا بحديث
ابن عمر الماضي ذكره في الشرب وغيره وقالت طائفة أنه يملك روى ذلك عن عمر وغيره واختلف
قول مالك فقال من باع عبدا وله مال فماله للذي باعه الا بشرط وقال فيمن أعتق عبدا وله مال
فان المال للعبد الا بشرط قال وحجته في البيع حديثه عن نافع المذكور وهو نص في ذلك وحجته في
العتق ما رواه عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن نافع عن بن عمر رفعه من أعتق عبدا له
فال العبد له الا أن يستثنيه سيده (قلت) وهو حديث أخرجه أصحاب السنن بإسناد صحيح وفرق
بعض أصحاب مالك بأن الأصل أنه لا يملك لكن لما كان العتق صورة إحسان إليه ناسب ذلك أن
لا ينزع منه ما بيده تكميلا للإحسان ومن ثم شرعت المكاتبة وساغ له أن يكتسب ويؤدى
إلى سيده ولولا أن له تسلطا على ما بيده في صورة العتق ما أغنى ذلك عنه شيئا والله أعلم فأما قصة
هوازن فسيأتي شرحها مستوفى في المغازي وقوله في هذه الطريق عن بن شهاب قال ذكر عروة
سيأتي في الشروط من طريق معمر عن الزهري أخبرني عروة وقوله رضي الله تعالى عنهما استأنيت بالمثناة قبل الألف
المهموزة الساكنة ثم نون مفتوحة وتحتانية ساكنة أي انتظرت وقوله حتى يفئ بفتح أوله ثم فاء
مكسورة وهمزة بعد التحتانية الساكنة أي يرجع إلينا من مال الكفار من خراج أو غنيمة أو غير
ذلك ولم يرد الفئ الاصطلاحي وحده وأما قصة بني المصطلق من حديث بن عمر فعبد الله المذكور
في الاسناد هو بن المبارك وقوله أغار على بني المصطلق بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء وكسر
اللام بعدها قاف وبنو المصطلق بطن شهير من خزاعة وهو المصطلق بن سعيد بن عمرو بن ربيعة بن
حارثة بن عمرو بن عامر ويقال إن المصطلق لقب واسمه جذيمة بفتح الجيم بعدها ذال معجمة مكسورة
وسيأتى شرح هذه الغزاة في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى وقوله وهم غارون بالغين المعجمة
وتشديد الراء جمع غار بالتشديد أي غافل أي أخذهم على غرة (قوله وأصاب يومئذ جويرية)
بالجيم مصغرا بنت الحارث بن أبي ضرار بكسر المعجمة وتخفيف الراء بن الحارث بن مالك بن
المصطلق وكان أبوها سيد قومه وقد أسلم بعد ذلك وقد روى مسلم هذا الحديث من وجه آخر عن
ابن عون وبين فيه أن نافعا استدل بهذا الحديث على نسخ الامر بالدعاء إلى الاسلام قبل القتال
وسيأتى البحث في ذلك في باب الدعوة قبل القتال من كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى وأما حديث
123

أبي سعيد فسيأتي الكلام عليه في كتاب النكاح مستوفى إن شاء الله تعالى حيث ساقه هناك تاما
وقوله هنا بن حبان وهو بفتح أوله والموحدة الثقيلة وابن محيريز بالمهملة وراء وزاي مصغر وقوله
نسمة بفتح النون والمهملة أي نفس وأما حديث أبي هريرة فأورده المصنف عن شيخين له كل
منهما حدثه به عن جرير لكنه فرقهما لان أحدهما زاد فيه عن جرير إسنادا آخر وساقه هنا على
لفظ أحدهما وهو محمد بن سلام وسيأتي في المغازي على لفظ الآخر وهو زهير بن حرب ومغيرة هو
ابن مقسم الضبي والحارث هو بن يزيد والعكلي بضم المهملة وسكون الكاف وليس له في البخاري
الا هذا الحديث وقد أغفله الكلاباذي من رجال البخاري وهو ثقة جليل القدر من أقران الراوي
عنه مغيرة لكنه تقدم عليه في الوفاء والاسناد كله كوفيون غير طرفيه الصحابي وشيخ البخاري
(قوله ما زلت أحب بني تميم) أي القبيلة الكبيرة المشهورة ينتسبون إلى تميم بن مر بضم الميم بلا هاء
ابن أد بضم أوله وتشديد الدال بن طابخة بموحدة مكسورة ومعجمة بن إلياس بن مضر (قوله منذ ثلاث)
أي من حين سمعت الخصال الثلاث زاد أحمد من وجه آخر عن أبي زرعة عن أبي هريرة
وما كان قوم من الاحياء أبغض إلي منهم فأحببتهم اه وكان ذلك لما كان يقع بينهم وبين قومه في
الجاهلية من العداوة (قوله هم أشد أمتي على الدجال) في رواية الشعبي عن أبي هريرة عند مسلم
هم أشد الناس قتالا في الملاحم وهي أعم من رواية أبي زرعة ويمكن أن يحمل العام في ذلك على
الخاص فيكون المراد بالملاحم أكبرها وهو قتال الدجال أو ذكر الدجال ليدخل غيره بطريق الأولى
(قوله هذه صدقات قومنا) إنما نسبهم إليه لاجتماع نسبهم بنسبه صلى الله عليه وسلم في إلياس بن
مضر ووقع عند الطبراني في الأوسط من طريق الشعبي عن أبي هريرة في هذا الحديث وأتى
النبي صلى الله عليه وسلم بنعم مصدقة بني سعد فلما راعه حسنها قال هذه صدقة قومي اه وبنو
سعد بطن كبير شهير من تميم ينسبون إلى سعد بن زيد مناة بن تميم من أشهرهم في الصحابة قيس بن
عاصم بن سنان بن خالد السعدي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذا سيد أهل الوبر (قوله
وكانت سبية منهم عند عائشة) أي من بني تميم والمراد بطن منهم أيضا وقد وقع عند الإسماعيلي من
طريق أبى معمر عن جرير وكانت على عائشة نسمة من بني إسماعيل فقدم سبي خولان فقالت
عائشة يا رسول الله أبتاع منهم قال لا فلما قدم سبي بني العنبر قال ابتاعي فإنهم ولد إسماعيل ووقع عند أبي
عوانة من طريق الشعبي عن أبي هريرة أيضا وجئ بسبي بني العنبر أه وبنو العنبر بطن
شهير أيضا من بني تميم ينسبون إلى العنبر وهو بلفظ الطيب المعروف ابن عمرو بن تميم تنبيه
وقع في نسخة الصحيحين سبية بوزن فعيلة مفتوح الأول من السبي أو من السبا ولم أقف على اسمها
لكن عند الإسماعيلي من طريق هارون بن معروف عن جرير نسمة بفتح النون والمهملة أي نفس
وله من رواية أبي معمر المذكورة وكانت على عائشة نسمة من بني إسماعيل وفي رواية الشعبي
المذكورة عند أبي عوانة وكان على عائشة محرر وبين الطبراني في الأوسط في رواية الشعبي
المذكورة المراد بالذي كان عليها وأنه كان نذرا ولفظه نذرت عائشة أن تعتق محررا من بني إسماعيل
وله في الكبير من حديث رديح وهو بمهملات مصغرا بن ذؤيب بن شعثم بضم المعجمة
والمثلثة بينهما عين مهملة العنبري أن عائشة قالت يا نبي الله إني نذرت عتيقا من ولد إسماعيل
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم اصبري حتى يجئ فئ بني العنبر غدا فجاء فئ بني العنبر فقال
124

لها حذى منهم أربعة فأخذت رديحا وزبيبا وزخيا وسمرة اه فأما رديح فهو المذكور وأما
زبيب فهو بالزاي والموحدة مصغر أيضا وضبطه العسكري بنون ثم موحدة وهو ابن ثعلبة
ابن عمرو وزخى بالزاي والخاء المعجمة مصغر أيضا وضبطه ابن عون بالراء أوله وسمرة وهو بن عمرو
ابن قرط بضم القاف وسكون الراء قال في الحديث المذكور فمسح النبي صلى الله عليه وسلم رؤوسهم
وبرك عليهم ثم قال يا عائشة هؤلاء من بني إسماعيل قصدا اه والذي تعين لعتق عائشة من هؤلاء
الأربعة إما رديح وإما زخي ففي سنن أبي داود من حديث الزبيب بن ثعلبة ما يرشد إلى ذلك وفى
أول الحديث عنده بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا إلى بني العنبر فأخذوهم بركبة من
ناحية الطائف فاستاقوهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبة بضم الراء وسكون الكاف
بعدها موحدة موضع معروف وهي غير ركوبة الثنية المعروفة التي بين مكة والمدينة وذكر ابن
سعد أن سرية عيينة بن حصن هذه كانت في المحرم سنة تسع من الهجرة وأنه سبي إحدى عشرة
امرأة وثلاثين صبيا والله أعلم وفي قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة ابتاعيها فأعتقيها دليل للجمهور
في صحة تملك العربي وإن كان الأفضل عتق من يسترق منهم ولذلك قال عمر من العار أن يملك الرجل
ابن عمه وبنت عمه حكاه بن بطال عن المهلب وقال ابن المنير لا بد في هذه المسألة من تفصيل
فلو كان العربي مثلا من ولد فاطمة عليها السلام وتزوج أمة بشرطه لاستبعدنا استرقاق ولده
قال وإذا أفاد كون المسبي من ولد إسماعيل يقتضي استحباب اعتاقه فالذي بالمثابة التي فرضناها
يقتضى وجوب حريته حتما والله أعلم وفي الحديث أيضا فضيلة ظاهرة لبني تميم وكان فيهم في
الجاهلية وصدر الاسلام جماعة من الاشراف والرؤساء وفيه الاخبار عما سيأتي من الأحوال
الكائنة في آخر الزمان وفيه الرد على من نسب جميع اليمن إلى بني إسماعيل لتفرقته صلى الله عليه
وسلم بين خولان وهم من اليمن وبين بني العنبر وهم من مضر والمشهور في خولان أنه ابن عمرو بن
مالك بن الحارث من ولد كهلان بن سبأ وقال ابن الكلبي خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة
وسيأتى بسط القول في ذلك في أوائل المناقب إن شاء الله تعالى (قوله باب فضل من
أدب جاريته) سقط لفظ فضل من رواية أبي ذر والنسفي وزاد النسفي وأعتقها أورد فيه حديث
أبي موسى مختصرا وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى ومطرف
المذكور في السند هو بن طريف كوفي مشهور وقوله في هذه الرواية فعلمها في رواية أبي ذر عن
المستملى والسرخسي فعالها (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم العبيد
اخوانكم فأطعموهم مما تأكلون) لفظ أورد المصنف معناه من حديث أبي ذر
وقد رويناه في كتاب الايمان لابن منده بلفظ إنهم إخوانكم فمن لايمكم منهم فأطعموهم مما
تأكلون وأكسوهم مما تكتسون وأخرجه أبو داود من طريق مورق عن أبي ذر بلفظ من
لايمكم من مملوكيكم فأطعموهم مما تأكلون وأكسوهم مما تلبسون وروى البخاري في
الأدب المفرد من طريق سلام بن عمرو عن رجل من الصحابة مرفوعا قال أرقاؤكم إخوانكم
الحديث ومن حديث جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالمملوكين خيرا ويقول
أطعموهم مما تأكلون ومن حديث أبي اليسر بفتح التحتانية والمهملة واسمه كعب بن عمرو
الأنصاري رفعه أطعموهم مما تطعمون وأكسوهم مما تلبسون وفيه قصته وأخرجه مسلم في
125

آخر كتابه في أثناء حديث طويل (قوله وقول الله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا
وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين إلى قوله مختالا فخورا) كذا لأبي ذر وساق
في رواية كريمة الآية كلها (قوله قال أبو عبد الله ذي القربى القريب والصاحب بالجنب
الغريب) هو تفسير أبي عبيدة في كتاب المجاز وقد خولف في الصاحب بالجنب فقيل هو المرأة
وقيل الرفيق في السفر والمراد بذكر هذه الآية هنا قوله تعالى وما ملكت أيمانكم فدخلوا
فيمن أمر بالاحسان إليهم لعطفهم عليهم (قوله حدثنا واصل الأحدب) هو ابن حيان بالمهملة
والتحتانية الثقيلة وهو كوفي ثقة مشهور من طبقة الأعمش والمعرور بالعين المهملة وهو كوفي
أيضا يكنى أبا أمية من كبار التابعين يقال عاش مائة وعشرين سنة (قوله رأيت أبا ذر) تقدم
الكلام على ذلك في كتاب الايمان وتسمية الرجل الذي سابه أبو ذر والكلام على الحلة (قوله
أعيرته بأمه ثم قال أن إخوانكم) كذا هنا وتقدم في الايمان من وجه آخر عن شعبة بزيادة انك انك
أمرؤ فيك جاهلية إخوانكم خولكم والاختصار فيه من آدم شيخ البخاري فإن البيهقي أخرجه
من وجه آخر عن آدم كذلك ويحتمل أن يكون شعبة اختصره له لما حدثه به والخول بفتح المعجمة
والواو هم الخدم سموا بذلك لانهم يتخولون الأمور أي يصلحونها ومنه الخولي لمن يقوم باصلاح
البستان ويقال الخول جمع خائل وهو الراعي وقيل التخويل التمليك تقول خولك الله كذا أي
ملكك إياه وقوله عيرته أي نسبته إلى العار وفي قوله بأمه رد على من زعم أنه لا يتعدى بالباء وانما
يقال عيرته أمه ومثل الحديث قول الشاعر أيها الشامت المعير بالدهر والعار العيب
وفى تقديم لفظ إخوانكم على خولكم إشارة إلى الاهتمام بالاخوة وقوله تحت أيديكم مجاز عن
القدرة أو الملك (قوله فليطعمه مما يأكل) أي من جنس ما يأكل للتبعيض الذي دلت عليه من
ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة الآتي بعد بابين فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة فالمراد المواساة
لا المساواة من كل جهة لكن من أخذ بالأكمل كأبي ذر فعل المساواة وهو الأفضل فلا يستأثر
المرء على عياله من ذلك وأن كان جائزا وفي الموطأ ومسلم عن أبي هريرة مرفوعا للمملوك طعامه
وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق وهو يقتضي الرد في ذلك إلى العرف فمن زاد
عليه كان متطوعا وأما ما حكاه بن بطال عن مالك أنه سئل عن حديث أبي ذر فقال كانوا يومئذ
ليس لهم هذا القوت واستحسنه ففيه نظر لا يخفى لان ذلك لا يمنع حمل الامر على عمومه في حق كل
أحد بحسبه (قوله ولا تكلفوهم ما يغلبهم) أي عمل ما تصير قدرتهم فيه مغلوبة أي ما يعجزون عنه
لعظمه أو صعوبته والتكليف تحميل النفس شيئا معه كلفة وقيل هو الامر بما يشق (قوله فان
كلفتموهم) أي ما يغلبهم وحذف للعلم به والمراد أن يكلف العبد جنس ما يقدر عليه فإن كان
يستطيعه وحده وإلا فليعنه بغيره وفي الحديث النهي عن سب الرقيق وتعييرهم بمن ولدهم والحث
على الاحسان إليهم والرفق بهم ويلتحق بالرقيق من في معناهم من أجير وغيره وفيه عدم الترفع
على المسلم والاحتقار له وفيه المحافظة على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإطلاق الأخ على
الرقيق فإن أريد القرابة فهو على سبيل المجاز لنسبة الكل إلى آدم أو المراد أخوة الاسلام ويكون
العبد الكافر بطريق التبع أو يختص الحكم بالمؤمن (قوله باب العبد إذا أحسن
عبادة ربه ونصح سيده) أي بيان فضله أو ثوابه أورد فيه أربعة أحاديث أحدها حديث بن عمر
126

المصرح بأن لمن فعل ذلك أجرين ثانيها حديث أبي موسى مثله وزيادة ذكر من كانت له جارية
فعلمها وأعتقها فتزوجها وهو طرف من حديث تقدم في الايمان بلفظ ثلاثة يؤتون أجرهم
مرتين فذكر فيه أيضا مؤمن أهل الكتاب ثالثها حديث أبي هريرة للعبد المملوك الصالح أجران
واسم الصلاح يشمل ما تقدم من الشرطين وهما إحسان العبادة والنصح للسيد ونصيحة السيد
تشمل أداء حقه من الخدمة وغيرها وسيأتي في الباب الذي يليه من حديث أبي موسى بلفظ
ويؤدى إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة رابعها حديث أبي هريرة أيضا نعم
ما لأحدهم يسن عبادة ربه وينصح لسيده وهو مفسر للحديث الذي قبله موافق للحديثين
الآخرين * (تنبيه) * وقع لابن بطال عزو حديث أبي هريرة ثالث أحاديث الباب لأبي موسى
وهو غلط فاحش (قوله والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن
أموت وأنا مملوك) ظاهر هذا السياق رفع هذه الجمل إلى آخرها وعلى ذلك جرى الخطابي فقال لله
أن يمتحن أنبياءه وأصفياءه بالرق كما امتحن يوسف اه وجزم الداودي وابن بطال وغير واحد
بأن ذلك مدرج من قول أبي هريرة ويدل عليه من حيث المعنى قوله وبر أمي فإنه لم يكن للنبي صلى
الله عليه وسلم حينئذ أم يبرها ووجهه الكرماني فقال أراد بذلك تعليم أمته أو أورده على
سبيل فرض حياتها أو المراد أمه التي أرضعته اه وفاته التنصيص على إدراج ذلك فقد
فصله الإسماعيلي من طريق أخرى عن بن المبارك ولفظه والذي نفس أبي هريرة بيده الخ
وكذلك أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في كتاب البر والصلة عن ابن المبارك وكذلك
أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن وهب وأبي صفوان الأموي والمصنف في الأدب المفرد من
طريق سليمان بن بلال والإسماعيلي من طريق سعيد بن يحى اللخمي وأبو عوانة من طريق
عثمان بن عمر كلهم عن يونس زاد مسلم في آخر طريق بن وهب قال يعني الزهري وبلغنا أن أبا
هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها ولأبي عوانة وأحمد من طريق سعيد عن أبيه عن أبي
هريرة أنه كان يسمعه يقول لولا أمران لأحببت أن أكون عبدا وذلك أني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول ما خلق الله عبدا يؤدي حق الله عليه وحق سيده إلا وفاه الله أجره مرتين
فعرف بذلك أن الكلام المذكور من استنباط أبي هريرة ثم استدل له بالمرفوع وإنما استثنى
أبو هريرة هذه الأشياء لان الجهاد والحج يشتر فيهما إذن السيد وكذلك بر الام فقد يحتاج فيه
إلى اذن السيد في بعض وجوهه بخلا ف بقية العبادات البدنية ولم يتعرض للعبادات المالية
اما لكونه كان إذ ذاك لم يكن له مال يزيد على قدر حاجته فيمكنه صرفه في القربات بدون إذن السيد
واما لأنه كان يرى أن للعبد أن يتصرف في ماله بغير إذن السيد * (فائدة) * اسم أم أبي هريرة أميمة
بالتصغير وقيل ميمونة وهي صحابية ذكر اسلامها في صحيح مسلم وبيان اسمها في ذيل المعرفة لأبي
موسى قال بن عبد البر معنى هذا الحديث عندي أن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان
طاعة ربه في العبادات وطاعة سيده في المعروف فقام بهما جميعا كان له ضعف أجر الحر المطيع
لطاعته لأنه قد ساواه في طاعة الله وفضل عليه بطاعة من أمره الله بطاعته قال ومن هنا أقول إن
من اجتمع عليه فرضان فأداهما أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد فأداه كمن وجب عليه
صلاة وزكاة فقام بهما فهو أفضل ممن وجبت عليه صلاة فقط ومقتضاه أن من اجتمعت عليه
127

فروض فلم يؤد منها شيئا كان عصيانه أكثر من عصيان من لم يجب عليه إلا بعضها اه ملخصا
والذي يظهر أن مزيد الفضل للعبد الموصوف بالصفة لما يدخل عليه من مشقة الرق وإلا فلو كان
التضعيف بسبب اختلاف جهة العمل لم يختص العبد بذلك وقال ابن التين المراد أن كل عمل
يعمله يضاعف له قال وقيل سبب اختلاف جهة العمل لم يختص العبد بذلك وقال بن التين المراد أن كل عمل يعمله يضاعف له قال وقيل سبب التضعيف أنه زاد لسيده نصحا وفي عبادة ربه إحسانا فكان له
اجر الواجبين وأجر الزيادة عليهما قال والظاهر خلاف هذا وأنه بين ذلك لئلا يظن ظان أنه غير
مأجور على العبادة اه وما ادعى أنه الظاهر لا ينافي ما نقله قبل ذلك فإن قيل يلزم أن يكون أجر
المماليك ضعف أجر السادات أجاب الكرماني بأن لا محذور في ذلك أو يكون أجره مضاعفا من
هذه الجهة وقد يكون للسيد جهات أخرى يستحق بها أضعاف أجر العبد أو المراد ترجيح العبد
المؤدى للحقين على العبد المؤدي لأحدهما اه ويحتمل أن يكون تضعيف الاجر مختصا بالعمل
الذي يتحد فيه طاعة الله وطاعة السيد فيعمل عملا واحدا ويؤجر عليه أجرين بالاعتبارين
وأما العمل المختلف الجهة فلا اختصاص له بتضعيف الاجر فيه على غيره من الأحرار والله أعلم
واستدل به على أن العبد لا جهاد عليه ولا حج في حال العبودية وأن صح ذلك منه (قوله في حديث
أبي هريرة الأخير حدثنا إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر نسب إلى جده (قوله نعما
لأحدهم) بفتح النون وكسر العين وادغام الميم في الأخرى ويجوز كسر النون وتكسر النون
وتفتح أيضا مع إسكان العين وتحريك الميم فتلك أربع لغات قال الزجاج ما بمعنى الشئ فالتقدير
نعم الشئ ووقع لبعض رواة مسلم نعمى بضم النون وسكون العين مقصور بالتنوين وغيره وهو
متجه المعنى إن تثبت به الرواية وقال بن التين وقع في نسخة الشيخ أبي الحسن أي القابسي نعم ما
بتشديد الميم الأولى وفتحها ولا حجة له وإنما صوابه ادغامها في ما وهي كقوله تعالى ان الله نعما
يعظكم به (قوله يحسن) هو مبين للمخصوص بالمدح في قوله نعم زاد مسلم من طريق همام عن
أبي هريرة نعما للمملوك أن يتوفى يحسن عبادة الله أي يموت على ذلك وفيه إشارة إلى أن الأعمال
بالخواتيم (قوله باب كراهية التطاول على الرقيق) أي الترفع عليهم والمراد
مجاوزة الحد في ذلك والمراد بالكراهة كراهة التنزيه (قوله عبدي أو أمتي) أي وكراهية ذلك
من غير تحريم ولذلك استشهد للجواز بقوله تعالى والصالحين من عبادكم وإمائكم وبغيرها من
الآيات والأحاديث الدالة على الجواز ثم أردفها بالحديث الوارد في النهي عن ذلك واتفق
العلماء على أن النهي الوارد في ذلك للتنزيه حتى أهل الظاهر إلا ما سنذكره عن بن بطال في لفظ
الرب (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم) هو طرف من حديث أبي سعيد في
قصة سعد بن معاذ وحكمه على بني قريظة وسيأتي تاما في المغازي مع الكلام عليه (قوله ومن
سيدكم) سقط هذا من رواية النسفي وأبي ذر وأبي الوقت وثبت للباقين وهو طرف من حديث
أخرجه المؤلف في الأدب المفرد من طريق حجاج الصواف عن أبي الزبير قال حدثنا جابر قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من سيدكم يا بني سلمة قلنا الجد بن قيس على أنا نبخله قال وأي داء
أدوى من البخل بل سيدكم عمرو بن الجموح وكان عمرو يعترض على أصنامهم في الجاهلية وكان
يؤلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج وأخرجه الحاكم من طريق محمد بن عمرو عن أبي
سلمة عن أبي هريرة نحوه ورواه بن عائشة في نوادره من طريق الشعبي مرسلا وزاد قال فقال
128

بعض الأنصار في ذلك
وقال رسول الله والقول قوله * لمن قال منا من تسمون سيدا
فقالوا له جد بن قيس على التي * نبخله فيها وأن كان أسوادا
فسود عمرو بن الجموح لجودة * وحق لعمرو بالندى أن يسودا
انتهى والجد بفتح الجيم وتشديد الدال هو بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن
غنم بسكون النون بن كعب بن سلمة بكسر اللام يكنى أبا عبد الله له ذكر في حديث جابر أنه حمله
معه في بيعة العقبة قال بن عبد البر كان يرمي بالنفاق ويقال إنه تاب وحسنت توبته وعاش إلى
أن مات في خلافة عثمان وأما عمرو بن الجموح بفتح الجيم وضم الميم الخفيفة وآخره مهملة ابن زيد
ابن حرام بمهملتين بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة قال ابن إسحاق كان من سادات بني سلمة
وذكر له قصة في صنمه وسبب إسلامه وقول فيه تالله لو كنت إلها لم تكن أنت وكلب وسط بئر في
قرن وروى أحمد وعمر بن شبة في أخبار المدينة بإسناد حسن عن أبي قتادة أن عمرو بن الجموح أتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أرأيت أن قاتلت حتى أقتل في سبيل الله تراني أمشي برجلي
هذه صحيحة في الجنة فقال نعم وكانت عرجاء زاد عمر فقتل يوم أحد رحمه الله وقد روى ابن منده
وأبو الشيخ في الأمثال والوليد بن أبان في كتاب الجود له من حديث كعب بن مالك أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال من سيدكم يا بني سلمة قالوا جد بن قيس فذكر الحديث فقال سيدكم بشر بن البراء
ابن معرور وهو بسكون العين المهملة بن صخر يجتمع مع عمرو بن الجموح في صخر ورجال هذا
الاسناد ثقات إلا أنه اختلف في وصله وإرساله على الزهري ويمكن الجمع بأن تحمل قصة بشر على
انها كانت بعد قتل عمرو بن الجموح جمعا بين الحديثين ومات بشر المذكور بعد خيبر أكل مع
النبي صلى الله عليه وسلم من الشاة التي سم فيها وكان قد شهد العقبة وبدرا ذكره بن إسحاق وغيره
وما ذكره المصنف يحتاج إلى تأويل الحديث الوارد في النهي عن إطلاق السيد على المخلوق وهو
في حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه عن أبي داود والنسائي والمصنف في الأدب
المفرد ورجاله ثقات وقد صححه غير واحد ويمكن الجمع بأن يحمل النهي عن ذلك على إطلاقه
على غير المالك والاذن بإطلاقه على المالك وقد كان بعض أكابر العلماء يأخذ بهذا ويكره ان
يخاطب أحدا بلفظه أو كتابته بالسيد ويتأكد هذا إذا كان المخاطب غير تقي فعند أبي داود
والمصنف في الأدب من حديث بريدة مرفوعا لا تقولوا للمنافق سيدا الحديث ونحوه عند
الحاكم ثم أورد المصنف في الباب غير هذين المعلقين سبعة أحاديث حديثا بن عمر وأبي موسى
في العبد الذي له أجران وقد تقدما من وجهين آخرين في الباب الذي قبله والغرض منهما قوله في
حديث بن عمر إذا نصح سيده وفي حديث أبي موسى ويؤدي إلى سيده ثالثها حديث أبي هريرة
ومحمد شيخ المؤلف فيه لم أره منسوبا في شئ من الروايات إلا في رواية أبي علي بن شبويه فقال
حدثنا محمد بن سلام وكذا حكاه الجياني عن رواية أبي علي بن السكن وحكى عن الحاكم أنه الذهلي
(قلت) وقد أخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق فيحتمل أن يكون هو شيخ البخاري فيه
فقد حدث عنه في الصحيح أيضا وكلام الطرقي يشير إليه (قوله لا يقل أحدكم أطعم ربك الخ) هي
أمثلة وإنما ذكرت دون غيرها لغلبة استعمالها في المخاطبات ويجوز في ألف أسق الوصل والقطع
129

وفيه نهى العبد أن يقول لسيده ربي وكذلك نهى غيره فلا يقول له أحد ربك ويدخل في ذلك أن
يقول السيد ذلك عن نفسه فإنه قد يقول لعبده أسق ربك فيضع الظاهر موضع الضمير على سبيل
التعظيم لنفسه والسبب في النهي أن حقيقة الربوبية لله تعالى لان الرب هو المالك والقائم
بالشئ فلا توجد حقيقة ذلك إلا لله تعالى قال الخطابي سبب المنع أن الانسان مربوب متعبد
باخلاص التوحيد لله وترك الاشراك معه فكره له المضاهاة في الاسم لئلا يدخل في معنى الشرك
ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد فأما ما لا تعبد عليه من سائر الحيوانات والجمادات فلا يكره
اطلاق ذلك عليه عند الإضافة كقوله رب الدار ورب الثوب وقال ابن بطال لا يجوز أن يقال
لاحد غير الله رب كما لا يجوز أن يقال له إله اه والذي يختص بالله تعالى إطلاق الرب بلا إضافة
أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام اذكرني عند ربك
وقوله ارجع إلى ربك وقوله عليه الصلاة والسلام في أشراط الساعة أن تلد الأمة ربها على
أن النهى في ذلك محمول على الاطلاق ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه وما ورد من ذلك فلبيان
الجواز وقيل هو مخصوص بغير النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرد ما في القرآن أو المراد النهى عن
الاكثار من ذلك واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة وليس المراد النهي عن ذكرها في الجملة
(قوله وليقل سيدي ومولاي) فيه جواز إطلاق العبد على مالكه سيدي قال القرطبي وغيره
انما فرق بين الرب والسيد لان الرب من أسماء الله تعالى اتفاقا واختلف في السيد ولم يرد في
القرآن أنه من أسماء الله تعالى فإن قلنا إنه ليس من أسماء الله تعالى فالفرق واضح إذ لا التباس
وان قلنا إنه من أسمائه فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب فيحصل الفرق بذلك أيضا
وقد روى أبو داود والنسائي وأحمد والمصنف في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن الشخير عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال السيد الله وقال الخطابي إنما أطلقه لان مرجع السيادة إلى معنى
الرياسة على من تحت يده والسياسة له وحسن التدبير لامره ولذلك سمي الزوج سيدا قال وأما
المولى فكثير التصرف في الوجوه المختلفة من ولي وناصر وغير ذلك ولكن لا يقال السيد ولا
المولى على الاطلاق من غير إضافة إلا في صفة الله تعالى انتهى وفي الحديث جواز إطلاق مولاي
أيضا وأما ما أخرجه مسلم والنسائي من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في هذا
الحديث نحوه وزاد ولا يقل أحدكم مولاي فإن مولاكم الله ولكن ليقل سيدي فقد بين مسلم
الاختلاف في ذلك على الأعمش وأن منهم من ذكر هذه الزيادة ومنهم من حذفها وقال عياض
حذفها أصح وقال القرطبي المشهور حذفها قال وإنما صرنا إلى الترجيح للتعارض مع تعذر الجمع
وعدم العلم بالتاريخ انتهى ومقتضى ظاهر هذه الزيادة أن إطلاق السيد أسهل من إطلاق المولى
وهو خلاف المتعارف فإن المولى يطلق على أوجه متعددة منها الأسفل والأعلى والسيد لا يطلق
الا على الاعلى فكان إطلاق المولى أسهل وأقرب إلى عدم الكراهة والله أعلم وقد رواه محمد بن
سيرين عن أبي هريرة فلم يتعرض للفظ المولى إثباتا ولا نفيا أخرجه أبو داود والنسائي والمصنف
في الأدب المفرد بلفظ لا يقولن أحدكم عبدي ولا أمتي ولا يقل المملوك ربي وربتي ولكن ليقل
المالك فتاي وفتاتي والمملوك سيدي وسيدتي فإنكم المملوكون والرب الله تعالى ويحتمل أن
يكون المراد النهي عن الاطلاق كما تقدم من كلام الخطابي ويؤيد كلامه حديث ابن الشخير
130

المذكور والله أعلم وعن مالك تخصيص الكراهة بالنداء فيكره أن يقول يا سيدي ولا يكره في
غير النداء (قوله ولا يقل أحدكم عبدي أمتي) زاد المصنف في الأدب المفرد ومسلم من طريق
العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله ونحو ما قدمته
من رواية بن سيرين فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى العلة في ذلك لان حقيقة العبودية إنما يستحقها
الله تعالى ولان فيها تعظيما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه قال الخطابي المعنى في ذلك كله راجع
إلى البراءة من الكبر والتزام الذل والخضوع لله عز وجل وهو الذي يليق بالمربوب (قوله وليقل
فتاي وفتاتي) وغلامي زاد مسلم في الرواية المذكورة وجاريتي فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى
ما يؤدى المعنى مع السلامة من التعاظم لان لفظ التي والغلام ليس دالا على محض الملك
كدلالة العبد فقد كثر استعمال الفتى في الحر وكذلك الغلام والجارية قال النووي المراد بالنهي
من استعماله على جهة التعاظم لا من أراد التعريف انتهى ومحله ما إذا لم يحصل التعريف بدون
ذلك استعمالا للأدب في اللفظ كما دل عليه الحديث الحديث الرابع حديث بن عمر من أعتق
نصيبا له من عبد وقد تقدم شرحه قريبا والمراد منه إطلاق لفظ العبد وكأن مناسبته للترجمة من
جهة أنه لو لم يحكم عليه بعتق كله إذا كان موسرا لكان بذلك متطاولا عليه الخامس حديثه
كلكم راع وسيأتي الكلام عليه في أول الاحكام والغرض منه هنا قوله والعبد راع على مال سيده
فإنه إن كان ناصحا له في خدمته مؤديا له الأمانة ناسب أن يعينه ولا يتعاظم عليه السادس والسابع
حديث أبي هريرة وزيد بن خالد إذا زنت الأمة فاجلدوها وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب
الحدود إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا ذكر الأمة وأنها إذا عصت تؤدب فإن لم تنجع وإلا بيعت
وكل ذلك مباين للتعاظم عليها (قوله باب إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه) أي فليجلسه
معه ليأكل (قوله أخبرني محمد بن زياد) هو الجمحي (قوله إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم
يجلسه معه فليناوله لقمة) هكذا أورد ويفهم منه إباحة ترك إجلاسه معه وسيأتي البحث في ذلك
في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى وقوله أكلة بضم أوله أي لقمة والشك فيه من شعبة كما سأبينه
وقوله ولي علاجه زاد في الأطعمة وحره واستدل به على أن أخبرني قوله حديث أبي ذر الماضي
فأطعموهم مما تطعمون ليس على الوجوب (قوله باب العبد راع في مال سيده)
أي ويلزمه حفظه ولا يعمل إلا بإذنه (قوله ونسب صلى الله عليه وسلم المال إلى السيد) كأنه
يشير بذلك إلى حديث بن عمر من باع عبدا وله مال فماله للسيد وقد تقدمت الإشارة إليه في باب
من باع نخلا قد أبرت من كتاب البيوع وفي كتاب الشرب وكلام بن بطال يشير إلى أن ذلك
مستفاد من قوله العبد راع في مال سيده فإنه قال في شرح حديث الباب فيه حجة لمن قال إن
العبد لا يملك وتعقبه بن المنير بأنه لا يلزم من كونه راعيا في مال سيده أن لا يكون هو له مال فان
قيل فاشتغاله برعاية ما سيده يستوعب أحواله فالجواب أخبرني المطلق لا يفيد العموم ولا سيما
131

إذا سيق لغير قصد العموم وحديث الباب إنما سيق للتحذير من الخيانة والتخويف بكونه مسؤولا
ومحاسبا فلا تعلق له بكونه يملك أو لا يملك انتهى وقد تقدم الكلام على مسألة كونه هل يملك قبل
ستة أبواب (قوله والمرأة في بيت زوجها راعية) إنما قيد بالبيت لأنها لا تصل إلى ما سواه غالبا
الا بإذن خاص وسيأتي بسط القول في ذلك في أوائل كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى (قوله
باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه) العبد بالنصب على المفعولية والفاعل محذوف
للعلم به وذكر العبد ليس قيدا بل هو من جملة الافراد الداخلين في ذلك وإنما خص بالذكر لان
المقصود هنا بيان حكم الرقيق كذا قرره بعض الشراح وأظن المصنف أشار إلى ما أخرجه في
الأدب المفرد من طريق محمد بن عجلان أخبرني سعيد عن أبي هريرة فذكر الحديث بلفظ إذا ضرب
أحدكم خادمه (قوله في الاسناد حدثني محمد بن عبيد الله) هو بن ثابت المدني ورجال الاسناد
كلهم مدنيون وكأن أبا ثابت تفرد به عن بن وهب فإني لم أره في شئ من المصنفات إلا من طريقه
(قوله قال وأخبرني ابن فلان) قائل ذلك هو أبو ثابت فهو موصول وليس بمعلق وفاعل قال هو
ابن وهب وكأنه سمعه من لفظ مالك وبالقراءة على الآخر وكان بن وهب حريصا على تمييز ذلك
وأما بن فلان فقال المزي يقال هو بن سمعان يعني عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المدني
وهو يوهم تضعيف ذلك وليس كذلك فقد جزم بذلك أبو نصر الكلاباذي وغيره وقاله قبله بعض
القدماء أيضا فوقع في رواية أبي ذر الهروي في روايته عن المستملي قال أبو حرب الذي قال بن
فلان هو بن وهب وابن فلان هو بن سمعان (قلت) وأبو حرب هذا هو بيان وقد أخرجه
الدارقطني في غرائب مالك من طريق عبد الرحمن بن خراش بكسر المعجمة عن البخاري قال حدثنا
أبو ثابت محمد بن عبيد الله المدني فذكر الحديث لكن قال بدل قوله بن فلان بن سمعان فكأن
البخاري كنى عنه في الصحيح عمدا لضعفه ولما حدث به خارج الصحيح نسبه وقد بين ذلك أبو نعيم في
المستخرج بما خرجه من طريق العباس بن الفضل عن أبي ثابت وقال فيه بن سمعان وقال بعده
أخرجه البخاري عن أبي ثابت فقال بن فلان وأخرجه في موضع آخر فقال ابن سمعان وابن
سمعان المذكور مشهور بالضعف متروك الحديث كذبه مالك وأحمد وغيرهما وما له في البخاري
شئ إلا في هذا الموضع ثم أن البخاري لم يسق المتن من طريقه مع كونه مقرونا بمالك بل ساقه على
لفظ الرواية الأخرى وهي رواية همام عن أبي هريرة وقد أخرجه مسلم من طريق أبي صالح عن أبي
هريرة بلفظ فليتق بدل فليجتنب وهي رواية أبي نعيم المذكورة وأخرجه مسلم أيضا من طريق
الأعرج عن أبي هريرة بلفظ إذا ضرب ومثله للنسائي من طريق عجلان ولأبي داود من طريق
أبى سلمة كلاهما عن أبي هريرة وهو يفيد أن قوله في رواية همام قاتل بمعنى قتل وأن المفاعلة فيه
ليست على ظاهرها ويحتمل أن تكون على ظاهرها ليتناول ما يقع عند دفع الصائل مثلا فينهى
دافعه عن القصد بالضرب إلى وجهه ويدخل في النهي كل من ضرب في حد أو تعزير أو تأديب
وقد وقع في حديث أبي بكرة وغيره عند أبي داود وغيره في قصة التي زنت فأمر النبي صلى الله عليه
وسلم برجمها وقال ارموا واتقوا الوجه وإذا كان ذلك في حق من تعين إهلاكه فمن دونه أولى قال
النووي قال العلماء إنما نهى عن ضرب الوجه لأنه لطيف يجمع المحاسن وأكثر ما يقع الادراك
بأعضائه فيخشى من ضربه أن تبطل أو تتشوه كلها أو بعضها والشين فيها فاحش لظهورها
132

وبروزها بل لا يسلم إذا ضربه غالبا من شين اه والتعليل المذكور حسن لكن ثبت عند
مسلم تعليل آخر فإنه أخرج الحديث المذكور من طريق أبي أيوب المراغي عن أبي هريرة وزاد
فان الله خلق آدم على صورته واختلف في الضمير على من يعود فالأكثر على أنه يعود على
المضروب لما تقدم من الامر بإكرام وجهه ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط
بما قبلها وقال القرطبي أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكا بما ورد في بعض طرقه أن الله خلق آدم
على صورة الرحمن قال وكأن من رواه أورده بالمعنى متمسكا بما توهمه فغلط في ذلك وقد أنكر
المازري ومن تبعه صحة هذه الزيادة ثم قال وعلى تقدير صحتها فيحمل على ما يليق بالباري سبحانه
وتعالى (قلت) الزيادة أخرجها بن أبي عاصم في السنة والطبراني من حديث بن عمر بإسناد
رجاله ثقات وأخرجها بن أبي عاصم أيضا من طريق أبي يونس عن أبي هريرة بلفظ يرد التأويل
الأول قال من قاتل فليجتنب الوجه فإن صورة وجه الانسان على صورة وجه الرحمن فتعين اجراء
ما في ذلك على ما تقرر بين أهل السنة من إمراره كما جاء من غير اعتقاد تشبيه أو من تأويله على
ما يليق بالرحمن جل جلالة وسيأتي في أول كتاب الاستئذان من طريق همام عن أبي هريرة رفعه
خلق الله آدم على صورته الحديث وزعم بعضهم أن الضمير يعود على آدم أي على صفته أي خلقه
موصوفا بالعلم الذي فضل به الحيوان وهذا محتمل وقد قال المازري غلط ابن قتيبة فأجرى هذا
الحديث على ظاهره وقال صورة لا كالصور انتهى وقال حرب الكرماني في كتاب السنة سمعت
إسحاق بن راهويه يقول صح أن الله خلق آدم على صورة الرحمن وقال إسحاق الكوسج سمعت
أحمد يقول هو حديث صحيح وقال الطبراني في كتاب السنة حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل
قال قال رجل لأبي أن رجلا قال خلق الله آدم على صورته أي صورة الرجل فقال كذب هو قول
الجهمية انتهى وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد من طريق ابن عجلان عن سعيد عن
أبي هريرة مرفوعا لا تقولن قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته
وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك وكذلك أخرجه بن أبي عاصم أيضا من طريق أبي رافع
عن أبي هريرة بلفظ إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورة وجهه ولم
يتعرض النووي لحكم هذا النهي وظاهره التحريم ويؤيده حديث سويد بن مقرن الصحابي انه
رأى رجلا لطم غلامه فقال أو ما علمت أن الصورة محترمة أخرجه مسلم وغيره (قوله
باب في المكاتب كذا لأبي ذر ولغيره كتاب المكاتب وأثبتوا كلهم البسملة والمكاتب)
بالفتح من تقع له الكتابة وبالكسر من تقع منه وكاف الكتابة تكسر وتفتح كعين العتاقة قال
الراغب اشتقاقها من كتب بمعنى أوجب ومنه قوله تعالى كتب عليكم الصيام إن الصلاة كانت
على المؤمنين كتابا موقوتا أو بمعنى جمع وضم ومنه كتبت الخط وعلى الأول تكون مأخوذة من
معنى الالتزام وعلى الثاني تكون مأخوذة من الخط لوجوده عند عقدها غالبا قال الروياني
الكتابة إسلامية ولم تكن تعرف في الجاهلية كذا قال وكلام غيره يأباه ومنه قول بن التين كانت
الكتابة متعارفة قبل الاسلام فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن خزيمة في كلامه على
حديث بريرة قيل إن بريرة أول مكاتبة في الاسلام وقد كانوا يكاتبون في الجاهلية بالمدينة وأول
من كوتب من الرجال في الاسلام سلمان وقد تقدم ذكر ذلك في البيوع في باب البيع والشراء
133

مع المشركين وحكى بن التين أن أول من كوتب أبو المؤمل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أعينوه
وأول من كوتب من النساء بريرة كما سيأتي حديثها في هذه الأبواب وأول من كوتب بعد النبي
صلى الله عليه وسلم أبو أمية مولى عمر ثم سيرين مولى أنس واختلف في تعريف الكتابة وأحسنه
تعليق عتق بصفة على معاوضة مخصوصة والكتابة خارجة عن القياس عند من يقول إن العبد
لا يملك وهي لازمة من جهة السيد إلا إن عجز العبد وجائزة له على الراجح من أقوال العلماء فيها
(قوله باب إثم من قذف مملوكه) كذا للجميع هنا إلا النسفي وأبا ذر ولم يذكر من
أثبت هذه الترجمة فيها حديثا ولا أعرف لدخولها في أبواب المكاتب معنى ثم وجدتها في رواية أبى
علي بن شبويه مقدمة قبل كتاب المكاتب فهذا هو المتجه وعلى هذا فكأن المصنف ترجم بها
وأخلى بياضا ليكتب فيها الحديث الوارد في ذلك فلم يكتب كما وقع له في غيرها وقد ترجم في كتاب
الحدود باب قذف العبد أورد فيه حديث من قذف مملوكه وهو برئ مما قال جلد يوم القيامة
الحديث فلعله أشار بذلك إلى أنه يدخل في هذه الأبواب (قوله باب المكاتب
ونجومه في كل سنة نجم وقوله تعالى والذين يبتغون الكتاب) الآية ساقوها إلى قوله الذي آتاكم
الا النسفي فقال بعد قوله في كل سنة وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ونجم الكتابة هو القدر
المعين الذي يؤديه المكاتب في وقت معين وأصله أن العرب كانوا يبنون أمورهم في المعاملة
على طلوع النجم والمنازل لكونهم لا يعرفون الحساب فيقول أحدهم إذا طلع النجم الفلاني
أديت حقك فسميت الأوقات نجوما بذلك ثم سمي المؤدي في الوقت نجما وعرف من الترجمة
اشتراط التأجيل في الكتابة وهو قول الشافعي وقوفا مع التسمية بناء على أن الكتابة (3) مشتقة
من الضم وهو ضم بعض النجوم إلى بعض وأقل ما يحصل به الضم نجمان وبأنه أمكن لتحصيل
القدرة على الأداء وذهب المالكية والحنفية إلى جواز الكتابة الحالة واختاره بعض الشافعية
كالروياني وقال ابن التين لا نص لمالك في ذلك إلا أن محققي أصحابه شبهوه ببيع العبد من نفسه
واختار بعض أصحاب مالك أن لا يكون أقل من نجمين كقول الشافعي واحتج الطحاوي
وغيره بأن التأجيل جعل رفقا بالمكاتب لا بالسيد فإذا قدر العبد على ذلك لا يمنع منه وهذا
قول الليث وبأن سلمان كاتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر تأجيلا وقد تقدم ذكر
خبره وبأن عجز المكاتب عن القدر الحال لا يمنع صحة الكتابة كالبيع في المجلس كمن اشترى
ما يساوى درهما بعشرة دراهم حالة وهو لا يقدر حينئذ إلا على درهم نفذ البيع مع عجزه عن أكثر
الثمن وبأن الشافعية أجازوا السلم الحال ولم يقفوا مع التسمية مع أنها مشعرة بالتأجيل وأما قول
المصنف في كل سنة نجم فأخذه من صورة الخبر الوارد في قصة بريرة كما سيأتي التصريح به بعد باب
ولم يرد المصنف أن ذلك شرط فيه فإن العلماء اتفقوا على أنه لو وقع التنجيم بالأشهر جاز ولم يثبت
لفظ نجم في آخره في رواية النسفي واختلف في المراد بالخير في قوله إن علمتم فيهم خيرا كما سيأتي بيانه
بعد بابين وروى بن إسحاق عن خاله عبد الله بن صبيح بفتح المهملة عن أبيه قال كنت مملوكا
لحويطب بن عبد العزي فسألته الكتابة فأبى فنزلت والذين يبتغون الكتاب الآية أخرجه ابن
السكن وغيره في ترجمة صبيح في الصحابة قوله وقال روح عن بن جريج قلت لعطاء أواجب على
إذا علمت له ما لا أن أكاتبه قال ما أراه الا واجبا وصله إسماعيل القاضي في أحكام القرآن قال
134

حدثنا علي بن المديني حدثنا روح بن عبادة بهذا وكذلك أخرجه عبد الرزاق والشافعي من
وجهين آخرين عن بن جريج (قوله وقال عمرو بن دينار قلت لعطاء أتأثره عن أحد قال لا)
هكذا وقع في جميع النسخ التي وقعت لنا عن الفربري وهو ظاهر في هذا الأثر من رواية عمرو
ابن دينار عن عطاء وليس كذلك بل وقع في الرواية تحريف لزم منه الخطأ والذي وقع في رواية
إسماعيل المذكورة وقاله لي أيضا عمرو بن دينار والضمير يعود على القول بوجوبها وقائل ذلك هو
ابن جريج وهو فاعل قلت لعطاء وقد صرح بذلك في رواية إسماعيل حيث قال بالسند
المذكور قال بن جريج وأخبرني عطاء وكذلك أخرجه عبد الرزاق والشافعي ومن طريقه
البيهقي عن عبد الله بن الحارث كلاهما عن بن جريج وقالا فيه وقالها عمرو بن دينار والحاصل
ان ابن جريج نقل عن عطاء التردد في الوجوب وعن عمرو بن بن دينار الجزم به أو موافقة عطاء ثم
وجدته في الأصل المعتمد من رواية النسفي عن البخاري على الصواب بزيادة الهاء في قوله وقال
عمرو بن دينار ولفظه وقاله عمرو بن دينار أي القول المذكور (قوله ثم أخبرني أن موسى بن أنس
أخبره أن سيرين سأل أنسا المكاتبة وكان كثير المال) القائل ثم أخبرني هو بن جريج أيضا ومخبره
هو عطاء ووقع مبينا كذلك في رواية إسماعيل المذكورة ولفظه قال بن جريج وأخبرني عطاء أن
موسى بن أنس بن مالك أخبره أن سيرين أبا محمد بن سيرين سأل فذكره ووقع في رواية عبد
الرزاق عن ابن جريج أخبرني مخبر أن موسى بن أنس أخبره وقد عرف اسم المخبر من رواية روح
وظاهر سياقه الارسال فإن موسى لم يذكر وقت سؤال بن سيرين من أنس الكتابة وقد رواه عبد
الرزاق والطبري من وجه آخر متصلا من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال
أرادني سيرين على المكاتبة فأبيت فأتى عمر بن الخطاب فذكر نحوه وسيرين المذكور يكنى أبا عمرة
وهو والد محمد بن سيرين الفقيه المشهور وإخوته وكان من سبي عين التمر اشتراه أنس في خلافة أبى
بكر وروى هو عن عمر وغيره وذكره بن حبان في ثقات التابعين (قوله فانطلق إلى عمر زاد
إسماعيل بن إسحاق في روايته فاستعداه عليه وزاد في آخر القصة وكاتبه أنس وروى بن سعد
من طريق محمد بن سيرين قال كاتب أنس أبي على أربعين ألف درهم وروى البيهقي من طريق
أنس بن سيرين عن أبيه قال كاتبني أنس على عشرين ألف درهم فإن كانا محفوظين جمع بينهما
بحمل أحدهما على الوزن والآخر على العدد ولابن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن
أنس قال هذه مكاتبة أنس عندنا هذا ما كاتب أنس غلامه سيرين كاتبه على كذا وكذا ألف وعلى
غلامين يعملان مثل عمله واستدل بفعل عمر على أنه كان يرى بوجوب الكتابة إذا سألها العبد لان
عمر لما ضرب أنسا على الامتناع دل على ذلك وليس ذلك بلازم لاحتمال أنه أدبه على ترك المندوب
المؤكد وكذلك ما رواه عبد الرزاق أن عثمان قال لمن سأله الكتابة لولا آية من كتاب الله ما فعلت
فلا يدل أيضا على أنه كان يرى الوجوب ونقل بن حزم القول بوجوبها عن مسروق والضحاك
زاد القرطبي وعكرمة وعن إسحاق بن راهويه أن مكاتبته واجبة إذا طلبها ولكن لا يجبر الحاكم
السيد على ذلك وللشافعي قول بالوجوب وبه قال الظاهرية واختاره ابن جرير الطبري قال ابن
القصار إنما علا عمر أنسا بالدرة على وجه النصح لآنس ولو كانت الكتابة لزمت أنسا ما أبي وإنما
ندبه عمر إلى الأفضل وقال القرطبي لما ثبت أن رقبة العبد وكسبه ملك لسيده دل على أن الامر
135

بكتابته غير واجب لان قوله خذ كسبي وأعتقني يصير بمنزلة قوله أعتقني بلا شئ وذلك غير واجب
اتفاقا ومحل الوجوب عند من قال به إن كان العبد قادرا على ذلك ورضي السيد بالقدر الذي تقع
به المكاتبة وقال أبو سعيد الإصطخري القرينة الصارفة للامر في هذا عن الوجوب الشرط في
قوله إن علمتم فيهم خيرا فإنه وكل الاجتهاد في ذلك إلى المولى ومقتضاه أنه إذا رأى عدمه لم يجبر عليه
فدل على أنه غير واجب وقال غيره الكتابة عقد غرر وكان الأصل أن لا تجوز فلما وقع الاذن فيها
كان أمرا بعد منع والامر بعد المنع للإباحة ولا يرد على هذا كونها مستحبة لان استحبابها ثبت
بأدلة أخرى ثم أورد المصنف قصة بريرة من عدة طرق في جميع أبوا ب الكتابة فأورد في هذه
الترجمة طريق الليث عن يونس عن بن شهاب عن عروة عن عائشة تعليقا ووصله الذهلي في
الزهريات عن أبي صالح كاتب الليث عن الليث والمحفوظ رواية الليث له عن ابن شهاب نفسه
بغير واسطة وسيأتي في الباب الذي يليه عن قتيبة عن الليث وأخرجه مسلم أيضا عن قتيبة
وكذلك أخرجه النسائي والطحاوي وغيرهما من طريق بن وهب عن رجال من أهل العلم منهم
يونس والليث كلهم عن بن شهاب وهذا هو المحفوظ أن يونس رفيق الليث فيه لا شيخه ووقع
التصريح بسماع الليث له من بن شهاب عن أبي عوانة من طريق مروان بن محمد وعند
النسائي من طريق بن وهب كلاهما عن الليث وقد وقع في هذه الرواية المعلقة أيضا مخالفة
للروايات المشهورة في موضع فيه نظر وهو قوله في المتن وعليها خمس أواقي نجمت عليها في خمس
سنين والمشهور ما في رواية هشام بن عروة الآتية بعد بابين عن أبيه أنها كاتبت على تسع أواق
في كل عام أوقية وكذا في رواية بن وهب عن يونس عن مسلم وقد جزم الإسماعيلي بأن الرواية
المعلقة غلط ويمكن الجمع بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها وبهذا جزم القرطبي والمحب
الطبري ويعكر عليه قوله في رواية قتيبة ولم تكن أدت من كتابتها شيئا ويجاب بأنها كانت حصلت
الأربع أواق قبل أن تستعين عائشة ثم جاءتها وقد بقي عليها خمس وقال القرطبي يجاب بأن
الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجومها من جملة التسع الأواقي المذكورة في حديث
هشام ويؤيده قوله في رواية عمرة عن عائشة الماضية في أبواب المساجد فقال أهلها أن شئت
أعطيت ما يبقى وذكر الإسماعيلي أنه رأى في الأصل المسموع على الفربري في هذه الطريق أنها
كاتبت على خمسة أوساق وقال أن كان مضبوطا فهو يدفع سائر الأخبار (قلت) لم يقع في شئ من
النسخ المعتمدة التي وقفنا عليها إلا الأواقي وكذا في نسخة النسفي عن البخاري وكان يمكن على
تقدير صحته أن يجمع بأن قيمة الأوساق الخمسة تسع أواق لكن يعكر عليه قوله في خمس سنين
فيتعين المصير إلى الجمع الأول وقوله في هذه الرواية فقالت عائشة ونفست فيها هو بكسر الفاء
جملة حالية أي رغبت فيها
(قوله باب ما يجوز من شروط المكاتب ومن اشترط شرطا
ليس في كتاب الله جمع في هذه الترجمة بين حكمين وكأنه فسر الأول بالثاني وأن ضابط الجواز
ما كان في كتاب الله وسيأتي في الشروط أن المراد بما ليس في كتاب الله ما خالف كتاب الله وقال ابن
بطال المراد بكتاب الله هنا حكمة من كتابه أو سنة رسوله أو إجماع الأمة وقال ابن خزيمة ليس في
كتاب الله أي ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه لا أن كل من شرط شرطا لم ينطق به الكتاب يبطل
لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو من
136

نجومه ونحو ذلك فلا يبطل وقال النووي قال العلماء الشروط في البيع أقسام أحدها يقتضيه
اطلاق العقد كشرط تسليمه الثاني شرط فيه مصلحة كالرهن وهما جائزان اتفاقا الثالث
اشتراط العتق في العبد وهو جائز عند الجمهور لحديث عائشة وقصة بريرة الرابع ما يزيد على مقتضى
العقد ولا مصلحة فيه للمشتري كاستثناء منفعته فهو باطل وقال القرطبي قوله ليس في كتاب الله
أي ليس مشروعا في كتاب الله تأصيلا ولا تفصيلا ومعنى هذا أن من الاحكام ما يؤخذ تفصيله
من كتاب الله كالوضوء ومنها ما يؤخذ تأصيله دون تفصيله كالصلاة ومنها ما أصل أصله كدلالة
الكتاب على أصلية السنة والاجماع وكذلك القياس الصحيح فكل ما يقتبس من هذه الأصول
تفصيلا فهو مأخوذ من كتاب الله تأصيلا (قوله فيه عن ابن عمر) كذا لأبي ذر ولغيره فيه بن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه أشار بذلك إلى حديث بن عمر الآتي في الباب الذي يليه وقد
مضى بلفظ الاشتراط في باب البيع والشراء مع النساء من كتاب البيوع (قوله إن بريرة) هي بفتح
الموحدة بوزن فعيلة مشتقة من البرير وهو ثمر الأراك وقيل أنها فعيلة من البر بمعنى مفعولة
كمبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة هكذا وجهه القرطبي والأول أولى لأنه صلى الله عليه وسلم
غير اسم جويرية وكان اسمها برة وقال لا تزكوا أنفسكم فلو كانت بريرة من البر لشاركتها في ذلك
وكانت بريرة لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم وقيل لناس من بني هلال قاله بن عبد البر
ويمكن الجمع وكانت تخدم عائشة قبل أن تعتق كما سيأتي في حديث الإفك وعاشت إلى خلافة
معاوية وتفرست في عبد الملك بن مروان أنه يلي الخلافة فبشرته بذلك وروى هو ذلك عنها
(قوله فان أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولائك لي فعلت) كذا في هذه الرواية وهى
نظير رواية مالك عن هشام بن عروة الآتية في الشروط بلفظ أن أحب أهلك أن أعدها لهم
ويكون ولاؤك لي فعلت وظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال
المكاتبة ولم يقع ذلك إذ لو وقع ذلك لكان اللوم على عائشة بطلبها ولاء من أعتقها غيرها وقد رواه
أبو أسامة عن هشام بلفظ يزيل الاشكال فقال بعد قوله أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك
ويكون ولاؤك لي فعلت وكذلك رواه وهيب عن هشام فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها
شراء صحيحا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك ويؤيده قوله في بقية حديث الزهري في هذا
الباب فقال صلى الله عليه وسلم ابتاعي فأعتقي وهو يفسر قوله في رواية مالك عن هشام خذيها
ويوضح ذلك أيضا قوله في طريق أيمن الآتية دخلت على بريرة وهي مكاتبة فقالت اشتريني
وأعتقيني قالت نعم وقوله في حديث ابن عمر أرادت عائشة أن تشتري جارية فتعتقها وبهذا يتجه
الانكار على موالي بريرة إذ وافقوا عائشة على بيعها ثم أرادوا أن يشترطوا أن يكون الولاء لهم
ويؤيده قوله في رواية أيمن المذكورة قالت لا تبيعوني حتى تشترطوا ولائي وفي رواية الأسود
الآتية في الفرائض عن عائشة اشتريت بريرة لأعتقها فاشترط أهلها ولاءها وسيأتي قريبا في
الهبة من طريق القاسم عن عائشة أنها أرادت أن تشتري بريرة وأنهم اشترطوا ولاءها (قوله
ارجعي إلى أهلك) المراد بالأهل هنا السادة والاهل في الأصل الآل وفي الشرع من تلزم نفقته
على الأصح عند الشافعية (قوله إن شاءت أن تحتسب) هو من الحسبة بكسر المهملة أي
تحتسب الاجر عند الله ولا يكون لها ولاء (قوله فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) في
137

رواية هشام فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألني فأخبرته وفي رواية مالك عن
هشام فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت إني عرضت عليهم فأبوا
فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أيمن الآتية فسمع النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه
زاد في الشروط من هذا الوجه فقال ما شأن بريرة ولمسلم من رواية أبي أسامة ولابن خزيمة من
رواية حماد بن سلمة كلاهما عن هشام فجاءتني بريرة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فقالت لي
فيما بيني وبينها ما أراد أهلها فقلت لاها الله إذا ورفعت صوتي وانتهرتها فسمع ذلك النبي صلى الله
عليه وسلم فسألني فأخبرته لفظ ابن خزيمة (قوله ابتاعي فأعتقي) هو كقوله في حديث ابن عمر
لا يمنعك ذلك وليس في ذلك شئ من الاشكال الذي وقع في رواية هشام الآتية في الباب الذي
يليه (قوله وان شرط) في رواية أبي ذر وأن اشترط (قوله مائة مرة) في رواية المستملي مائة شرط
وكذا هو في رواية هشام وأيمن قال النووي معنى قوله ولو اشترط مائة شرط أنه لو شرط مائة مرة
توكيدا فهو باطل ويؤيده قوله في الرواية الأخيرة وأن شرط مائة مرة وإنما حمله على التأكيد
لان العموم في قوله كل شرط وفي قوله من اشترط شرطا دال على بطلان جميع الشروط
المذكورة فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة فإنها لو زادت عليها كان الحكم كذلك لما دلت عليها
الصيغة نعم الطريق الأخيرة من رواية أيمن عن عائشة بلفظ فقال النبي صلى الله عليه وسلم الولاء
لمن أعتق وأن اشترطوا مائة شرط وأن احتمل التأكيد لكنه ظاهر في أن المراد به التعدد وذكر
المائة على سبيل المبالغة والله أعلم وقال القرطبي قوله ولو كان مائة شرط خرج مخرج التكثير
يعنى أن الشروط الغير المشروعة باطلة ولو كثرت ويستفاد منه أن الشروط المشروعة صحيحة
وسيأتى التنصيص على ذلك في كتاب الشروط إن شاء الله تعالى (قوله عن ابن عمر أرادت
عائشة) في رواية مسلم عن يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عائشة
فصار من مسند عائشة وأشار بن عبد البر إلى تفرده عن مالك بذلك وليس كذلك فقد أخرجه
أبو عوانة في صحيحه عن الربيع عن الشافعي عن مالك كذلك وكذا أخرجه البيهقي في المعرفة من
طريق الربيع ويمكن أن يكون هنا عن لا يراد بها أداة الرواية بل في السياق شئ محذوف تقديره
عن قصة عائشة في ارادتها شراء بريرة وقد وقع نظير ذلك في قصة بريرة ففي النسائي من طريق يزيد
ابن رومان عن عروة عن بريرة أنها كان فيها ثلاث سنين قال النسائي هذا خطأ والصواب رواية
عروة عن عائشة (قلت) وإذا حمل على ما قررته لم يكن خطأ بل المراد عن قصة بريرة ولم يرد الرواية
عنها نفسها وقد قررت هذه المسألة بنظائرها فيما كتبته علي بن الصلاح (قوله لا يمنعك) في رواية
أبي ذر لا يمنعك بنون التأكيد والأول رواية مسلم الله تعالى (قوله باب استعانة المكاتب
وسؤاله الناس) هو من عطف الخاص على العام لان الاستعانة تقع بالسؤال وبغيره وكأنه يشير
إلى جواز ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم أقر بريرة على سؤالها في إعانتها على كتابتها وأما ما
أخرجه أبو داود في المراسيل من طريق يحيى بن أبي كثير يرفعه في هذه الآية ان علمتم فيهم خيرا قال
حرفة ولا ترسلوهم كلا على الناس فهو مرسل أو معضل فلا حجة فيه قوله عن هشام زاد أبو ذر
ابن عروة (قوله فأعينيني) كذا للأكثر بصيغة الامر للمؤنث من الإعانة وفي رواية الكشميهني
فأعيتني بصيغة الخبر الماضي من الاعياء والضمير للأواقي وهو متجه المعنى أي أعجزتني عن
138

تحصيلها وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام عند بن خزيمة وغيره فأعتقيني بصيغة الامر للمؤنث
بالعتق إلا أن الثابت في طريق مالك وغيرها عن هشام الأول (قوله فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء)
زاد مسلم من هذا الوجه فانتهرتها وكأن عائشة كانت عرفت الحكم في ذلك (قوله خذيها
فأعتقيها واشترطي لهم الولاء) قال بن عبد البر وغيره كذا رواه أصحاب هشام عن عروة وأصحاب
مالك عنه عن هشام واستشكل صدور الإذن منه صلى الله عليه وسلم في البيع على شرط فاسد
واختلف العلماء في ذلك فمنهم من أنكر الشرط في الحديث فروى الخطابي في المعالم بسنده إلى
يحيى بن أكثم أنه أنكر ذلك وعن الشافعي في الام الإشارة إلى تضعيف رواية هشام المصرحة
بالاشتراط لكونه انفرد بها دون أصحاب أبيه وروايات غيره قابلة للتأويل وأشار غيره إلى أنه
روى بالمعنى الذي وقع له وليس كما ظن وأثبت الرواية آخرون وقالوا هشام ثقة حافظ والحديث
متفق على صحته فلا وجه لرده ثم احتلفوا في توجيهها فزعم الطحاوي أن المزني حدثه به عن
الشافعي بلفظ وأشرطي بهمزة قطع بغير تاء مثناة ثم وجهه بأن معناه أظهري لهم حكم الولاء
والاشراط الاظهار قال أوس بن حجر * فأشرط فيها نفسه وهو معصم * أي أظهر نفسه
انتهى وأنكر غيره الرواية والذي في مختصر المزني والام وغيرهما عن الشافعي كرواية
الجمهور واشترطي بصيغة أمر المؤنث من الشرط ثم حكى الطحاوي أيضا تأويل الرواية التي
بلفظ اشترطي وأن اللام في قوله اشترطي لهم بمعنى على كقوله تعالى وان أسأتم فلها وهذا هو
المشهور عن المزني وجزم عنه الخطابي وهو صحيح عن الشافعي أسنده البيهقي في المعرفة من
طريق أبي حاتم الرازي عن حرملة عنه وحكى الخطابي عن ابن خزيمة أن قول يحيى بن أكثم
غلط والتأويل المنقول عن المزني لا يصح وقال النووي تأويل اللام بمعنى على هنا ضعيف لأنه
عليه الصلاة والسلام أنكر الاشتراط ولو كانت بمعنى على لم ينكره فإن قيل ما أنكر إلا إرادة
الاشتراط في أول الأمر فالجواب أن سياق الحديث يأبى ذلك وضعفه أيضا ابن دقيق العيد
وقال اللام لا تدل بوضعها على الاختصاص النافع بل على مطلق الاختصاص فلا بد في حملها
على ذلك من قرينة وقال آخرون الامر في قوله اشترطي للإباحة وهو على جهة التنبيه على أن
ذلك لا ينفعهم فوجوده وعدمه سواء وكأنه يقول اشترطي أولا تشترطي فذلك لا يفيدهم
ويقوى هذا التأويل قوله في رواية أيمن الآتية آخر أبواب المكاتب اشتريها ودعيهم
يشترطون ما شاءوا وقيل كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بأن اشتراط البائع الولاء باطل
واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بريرة فلما أرادوا أن يشترطوا ما تقدم لهم العلم ببطلانه أطلق
الامر مريدا به التهديد على مآل الحال كقوله وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله وكقول
موسى ألقوا ما أنتم ملقون أي فليس ذلك بنافعكم وكأنه يقول اشترطي لهم فسيعلمون أن ذلك
لا ينفعهم ويؤيده قوله حين خطبهم ما بال رجال يشترطون شروطا الخ فوبخهم بهذا القول
مشيرا إلى أنه قد تقدم منه بيان حكم الله بإبطاله إذ لو لم يتقدم بيان ذلك لبدأ ببيان الحكم في
الخطبة لا بتوبيخ الفاعل لأنه كان يكون باقيا على البراءة الأصلية وقيل الامر فيه بمعنى الوعيد
الذي ظاهره الامر وباطنه النهي كقوله تعالى اعملوا ما شئتم وقال الشافعي في الام لما كان من
اشتراط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصيا وكانت في المعاصي حدود وآداب وكان من أدب
139

العاصين أن يعطل عليهم شروطهم ليرتدعوا عن ذلك ويرتدع به غيرهم كان ذلك من أيسر الأدب
وقال غيره معنى اشترطي اتركي مخالفتهم فيما شرطوه ولا تظهري نزاعهم فيما دعوا إليه مراعاة
لتنجيز العتق لتشوف الشارع إليه وقد يعبر عن الترك بالفعل كقوله تعالى وما هم بضارين به من
أحد الا بإذن الله أي نتركهم يفعلون ذلك وليس المراد بالاذن إباحة الاضرار بالسحر قال ابن
دقيق العيد وهذا وأن كان محتملا الا أنه خارج عن الحقيقة من غير دلالة على المجاز من حيث
السياق وقال النووي أقوى الأجوبة أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القضية وأن سببه
المبالغة في الرجوع عن هذا الشرط لمخالفته حكم الشرع وهو كفسخ الحج إلى العمرة كان خاصا
بتلك الحجة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج ويستفاد منه ارتكاب
أخف المفسدتين إذا استلزم إزالة أشدهما وتعقب بأنه استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه
وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت الا بدليل ولان الشافعي نص على خلاف هذه
المقالة وقال ابن الجوزي ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنا للعقد فيحمل على
أنه كان سابقا للعقد فيكون الامر بقوله اشترطي مجرد الوعد ولا يجب الوفاء به وتعقب باستبعاد
انه صلى الله عليه وسلم يأمر شخصا أن يعد مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد وأغرب بن حزم فقال كان
الحكم ثابتا بجواز اشتراط الولاء لغير المعتق فوقع الامر باشتراطه في الوقت الذي كان جائزا فيه
ثم نسخ الحكم بخطبته صلى الله عليه وسلم وبقوله إنما الولاء لمن أعتق ولا يخفى بعد ما قال
وسياق طرق هذا الحديث تدفع في وجه هذا الجواب والله المستعان وقال الخطابي وجه
هذا الحديث أن الولاء لما كان كلحمة النسب والانسان إذا ولد له ولد ثبت له نسبه ولا ينتقل نسبه
عنه ولو نسب إلى غيره فكذلك إذا أعتق عبدا ثبت له ولاؤه ولو أراد نقل ولائه عنه أو أذن في نقله
عنه لم ينتقل فلم يعبأ باشتراطهم الولاء وقيل اشترطي ودعيهم يشترطون ما شاءوا أو نحو ذلك لان ذلك
غير قادح في العقد بل هو بمنزلة اللغو من الكلام وأخر اعلامهم بذلك ليكون رده وابطاله قولا
شهيرا يخطب به على المنبر ظاهرا إذ هو أبلغ في النكير وأوكد في التعبير اه وهو يئول إلى أن الامر
فيه بمعنى الإباحة كما تقدم (قوله فقضاء الله أحق) أي بالاتباع من الشروط المخالفة له (قوله
وشرط الله أوثق) أي باتباع حدوده التي حدها وليست المفاعلة هنا على حقيقتها إذ لا مشاركة
بين الحق والباطل وقد وردت صيغة أفعل لغير التفضيل كثيرا ويحتمل أن يقال ورد ذلك على
ما اعتقدوه من الجواز (قوله ما بال رجال) أي ما حالهم (قوله انما الولاء لمن أعتق) يستفاد منه
ان كلمة إنما للحصر وهو اثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه ولولا ذلك لما لزم من اثبات الولاء
للمعتق نفيه عن غيره واستدل بمفهومه على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه رجل أو وقع بينه وبينه
محالفة خلافا للحنفية ولا للملتقط خلافا لإسحاق وسيأتي مزيد بسط لذلك في كتاب الفرائض إن شاء الله
تعالى ويستفاد من منطوقه اثبات الولاء لمن أعتق سابيه خلافا لمن قال يصير ولاؤه
للمسلمين ويدخل فيمن أعتق عتق المسلم للمسلم وللكافر وبالعكس ثبوت الولاء المعتق * (التنبيه) *
زاد النسائي من طريق جرير بن عبد الحميد عن هشام بن عروة في آخر هذا الحديث فخيرها رسول
الله صلى الله عليه وسلم بين زوجها وكان عبدا وهذه الزيادة ستأتي في النكاح من حديث ابن
عباس ويأتي الكلام عليها هناك إن شاء الله تعالى مع ذكر الخلاف في زوجها هل كان حرا
140

أو عبدا وتسميته وما اتفق له بعد فراقها وفي حديث بريرة هذا من الفوائد سوى ما سبق وسوى
ما سيأتي في النكاح جواز كتابة الأمة كالعبد وجواز كتابة المتزوجة ولو لم يأذن الزوج وأنه ليس
له منعها من كتابتها ولو كانت تؤدي إلى فراقها منه كما أنه ليس للعبد المتزوج منع السيد من عتق
أمته التي تحته وأن أدى ذلك إلى بطلان نكاحها ويستنبط من تمكينها من السعي في مال الكتابة
أنه ليس عليها خدمته وفيه جواز سعيد المكاتبة وسؤالها واكتسابها وتمكين السيد لها من
ذلك ولا يخفى أن محل الجواز إذا عرفت جهة حل كسبها وفيه البيان بأن النهي الوارد عن
كسب الأمة محمول على من لا يعرف وجه كسبها أو محمول على غير المكاتبة وفيه أن للمكاتب
أن يسأل من حين الكتابة ولا يشترط في ذلك عجزه خلافا لمن شرطه وفيه جواز السؤال لمن
احتاج إليه من دين أو غرم أو نحو ذلك وفيه أنه لا بأس بتعجيل مال الكتابة وفيه جواز
المساومة في البيع وتشديد صاحب السلعة فيها وأن المرأة الرشيدة تتصرف لنفسها في البيع
وغيره ولو كانت مزوجة خلافا لمن أبي ذلك وسيأتي له مزيد في كتاب الهبة وأن من لا يتصرف
بنفسه فله أن يقيم غيره مقامه في ذلك وأن العبد إذا أذن السيد له في التجارة جاز تصرفه وفيه
جواز رفع الصوت عند إنكار المنكر وأنه لا بأس لمن أراد أن يشتري للعتق أن يظهر ذلك لأصحاب
الرقبة ليتساهلوا له في الثمن ولا يعد ذلك من الرياء وفيه إنكار القول الذي لا يوافق الشرع
وانتهار الرسول فيه وفيه أن الشئ إذا بيع بالنقد كانت الرغبة فيه أكثر مما لو بيع بالنسيئة
وان للمرء أن يقضي عنه دينه برضاه وفيه جواز الشراء بالنسيئة وأن المكاتب لو عجل بعض
كتابته فبل المحل على أن يضع عنه سيده الباقي لم يجبر السيد على ذلك وجواز الكتابة على
قدر قيمة العبد وأقل منها وأكثر لان بين الثمن والمنجز والمؤجل فرقا ومع ذلك فقد بذلت عائشة
المؤجل ناجزا فدل على أن قيمتها كانت بالتأجيل أكثر مما كوتبت به وكان أهلها باعوها بذلك
وفيه أن المراد بالخير في قوله تعالى ان علمتم فيهم خيرا القوة على الكسب والوفاء بما وقعت
الكتابة عليه وليس المراد به المال ويؤيد ذلك أن المال الذي في يد المكاتب لسيده فكيف يكاتبه
بماله لكن من يقول إن العبد يملك لا يرد عليه هذا وقد نقل عن ابن عباس أن المراد بالخير المال
مع أنه يقول إن العبد لا يملك فنسب إلى التناقض والذي يظهر أنه لا يصح عنه أحد الامرين
واحتج غيره بأن العبد مال سيده والمال الذي معه لسيده فكيف يكاتبه بماله وقال آخرون
لا يصح تفسير الخير بالمال في الآية لأنه لا يقال فلان لا مال فيه وإنما يقال لا مال له أو لا مال عنده
فكذا إنما يقال فيه وفاء وفيه أمانة وفيه حسن معاملة ونحو ذلك وفي الحديث أيضا جواز
كتابة من لا حرفة له وفاقا للجمهور واختلف عن مالك وأحمد وذلك أن بريرة جاءت تستعين على
كتابتها ولم تكن قضت منها شيئا فلو كان لها مال أو حرفة لما احتاجت إلى الاستعانة لان كتابتها
لم تكن حالة وقد وقع عند الطبري من طريق أبي الزبير عن عروة أن عائشة ابتاعت بريرة مكاتبة
وهى لم تقض من كتابتها شيئا وتقدمت الزيادة من وجه آخر وفيه جواز أخذ الكتابة من مسألة
الناس والرد على من كره ذلك وزعم أنه أوساخ الناس وفيه مشروعية معونة المكاتبة بالصدقة
وعند المالكية رواية أنه لا يجزئ عن الفرض وفيه جواز الكتابة بقليل المال وكثيره وجواز
التأقيت في الديون في كل شهر مثلا كذا من غير بيان أوله أو وسطه ولا يكون ذلك مجهولا لأنه يتبين
بانقضاء الشهر الحلول كذا قال بن عبد البر وفيه نظر لاحتمال أن يكون قول بريرة في كل عام
141

أوقية أي في غرته مثلا وعلى تقدير التسليم فيمكن التفرقة بين الكتابة والديون فإن المكاتب
لو عجز حل لسيده ما أخذ منه بخلاف الأجنبي وقال بن بطال لا فرق بين الديون وغيرها
وقصة بريرة محمولة على أن الراوي قصر في بيان تعيين الوقت وإلا يصير الاجل مجهولا وقد نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن السلف الا إلى أجل معلوم وفيه أن العد في الدراهم الصحاح المعلومة
الوزن يكفي عن الوزن وأن المعاملة في ذلك الوقت كانت بالأواقي والأوقية أربعون درهما كما
تقدم في الزكاة وزعم المحب الطبري أن أهل المدينة كانوا يتعاملون بالعد إلى مقدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم المدينة ثم أمروا بالوزن وفيه نظر لان قصة بريرة متأخرة عن مقدمه بنحو من
ثمان سنين لكن يحتمل قول عائشة أعدها لهم عدة واحدة أي أدفعها لهم وليس مرادها
حقيقة العد ويؤيده قولها في طريق عمرة في الباب الذي يليه أن أصب لهم ثمنك صبه واحدة وفيه
جواز البيع على شرط العتق بخلاف البيع بشرط أن لا يبيعه لغيره ولا يهبه مثلا وأن من
الشروط في البيع ما لا يبطل ولا ولا يضر البيع وفيه جواز بيع المكاتب إذا رضي وأن لم يكن
عاجزا عن أداء نجم قد حل عليه لان بريرة لم تقل إنها عجزت ولا استفصلها النبي صلى الله عليه وسلم
وسيأتى بسط ذلك في الباب الذي يليه وفيه جواز مناجاة المرأة دون زوجها سرا إذا كان المناجى
ممن يؤمن وأن الرجل إذا رأى شاهد الحال يقتضي السؤال عن ذلك سأل وأعان وأنه لا بأس
للحاكم أن يحكم لزوجته ويشهد وفيه قبول خبر المرأة ولو كانت أمة ويؤخذ منه حكم العبد
بطريق الأولى وفيه أن عقد الكتابة قبل الأداء لا يستلزم العتق وأن بيع الأمة ذات الزوج ليس
بطلاق وفيه البداءة في الخطبة بالحمد والثناء وقول أما بعد فيها والقيام فيها وجواز تعدد الشروط
لقوله مائة شرط وأن الايتاء الذي أمر به السيد ساقط عنه إذا باع مكاتبه للعتق وفيه
أن لا كراهة في السجع في الكلام إذا لم يكن عن قصد ولا متكلفا وفيه أن للمكاتب حالة فارق فيها
الأحرار والعبيد وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يظهر الأمور المهمة من أمور الدين ويعلنها
ويخطب بها على المنبر لإشاعتها ويراعى مع ذلك قلوب أصحابه لأنه لم يعين أصحاب بريرة بل قال
ما بال رجال ولأنه يؤخذ من ذلك تقرير شرع عام للمذكورين وغيرهم في الصورة المذكورة
وغيرها وهذا بخلاف قصة علي في خطبته بنت أبي جهل فإنها كانت خاصة بفاطمة فلذلك
عينها وفيه حكاية الوقائع لتعريف الاحكام وأن اكتساب المكاتب له لا لسيده وجواز تصرف
المرأة الرشيدة في مالها بغير إذن زوجها ومراسلتها الأجانب في أمر البيع والشراء كذلك
وجواز شراء السلعة للراغب في شرائها بأكثر من ثمن مثلها لان عائشة بذلت ما قرر نسيئة على
جهة النقد مع اختلاف القيمة بين النقد والنسيئة وفيه جواز استدانة من لا مال له عند
حاجته إليه قال بن بطال أكثر الناس في تخريج الوجوه في حديث بريرة حتى بلغوها نحو مائة
وجه وسيأتي الكثير منها في كتاب النكاح وقال النووي وصنف فيه ابن حزيمة وابن جرير
تصنيفين كبيرين أكثرا فيهما من استنباط الفوائد منها فذكرا أشياء (قلت) ولم أقف على
تصنيف بن خزيمة ووقفت على كلام بن جرير من كتابه تهذيب الآثار ولخصت منه ما تيسر
بعون الله تعالى وقد بلغ بعض المتأخرين الفوائد من حديث بريرة إلى أربعمائة أكثرها مستبعد
متكلف كما وقع نظير ذلك للذي صنف في الكلام على حديث المجامع في رمضان فبلغ به ألف فائدة
142

وفائدة (قوله باب بيع المكاتب) في رواية السرخسي والمستملي المكاتبة
والأول أصح لقوله إذا رضي وهذا اختيار منه لاحد الأقوال في مسألة بيع المكاتب إذا رضى
بذلك ولو لم يعجز نفسه وهو قول أحمد وربيعة والأوزاعي والليث وأبي ثور وأحد قولي الشافعي
ومالك واختاره بن جريج وابن المنذر وغيرهما على تفاصيل لهم في ذلك ومنعه أبو حنيفة
والشافعي في أصح القولين وبعض المالكية وأجابوا عن قصة بريرة بأنها عجزت نفسها واستدلوا
باستعانة بريرة عائشة في ذلك وليس في استعانتها ما يستلزم العجز ولا سيما مع القول بجواز كتابة
من لا مال عنده ولا حرفة له قال بن عبد البر ليس في شئ من طرقه حديث بريرة أنها عجزت عن أداء
النجم ولا أخبرت بأنه قد حل عليها شئ ولم يرد في شئ من طرقه استفصال النبي صلى الله عليه وسلم
لها عن شئ من ذلك ومنهم من أول قولها كاتبت أهلي فقال معناه راودتهم واتفقت معهم على
هذا القدر ولم يقع العقد بعد ولذلك بيعت فلا حجة فيه على بيع المكاتب مطلقا وهو خلاف
ظاهر سياق الحديث قاله القرطبي ويقوي الجواز أيضا أن الكتابة عتق بصفة فيجب أن لا يعتق
الا بعد أداء جميع النجوم كما لو قال أنت حر إن دخلت الدار فلا يعتق الا بعد تمام دخولها ولسيده
بيعه قبل دخولها ومن المالكية من زعم أن الذي اشترته عائشة كتابة بريرة لا رقبتها وقد تقدم
رده وقيل إنهم باعوا بريرة بشرط العتق وإذا وقع البيع بشرط العتق صح على أصح القولين عند
الشافعية والمالكية وعن الحنفية يبطل (قوله وقالت عائشة هو عبد ما بقي عليه شئ وقال
زيد بن ثابت ما بقي عليه درهم وقال بن عمر هو عبد إن عاش وإن مات وأن جنى ما بقي عليه شئ) أما
قول عائشة فوصله بن أبي شيبة وابن سعد من طريق عمرو بن ميمون عن سليمان بن يسار قال
استأذنت على عائشة فرفعت صوتي فقالت سليمان فقلت سليمان فقالت أديت ما بقي عليك من
كتابتك قلت نعم الا شيئا يسيرا قالت ادخل فإنك عبد ما بقي عليك شئ وروى الطحاوي من طريق
ابن أبي ذئب عن عمران بن بشير عن سالم هو مولى النضريين أنه قال لعائشة ما أراك الا ستحتجبين
منى فقالت مالك فقال كاتبت فقالت إنك عبد ما بقي عليك شئ وأما قول زيد بن ثابت فوصله
الشافعي وسعيد بن منصور من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد أن زيد بن ثابت قال في المكاتب
هو عبد ما بقي عليه درهم وأما قول بن عمر فوصله مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول في
المكاتب هو عبد ما بقي عليه شئ ووصله ابن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر
قال المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وقد روى ذلك مرفوعا أخرجه أبو داود والنسائي من طريق
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وصححه الحاكم وأخرجه بن حبان من وجه آخر عن عبد الله بن
عمرو في أثناء حديث وهو قول الجمهور ويؤيده قصة
بريرة لكن إنما تتم الدلالة منه لو كانت
بريرة أدت من كتابتها شيئا فقد قررنا أنها لم تكن أدت منها شيئا وكان فيه خلاف عن السلف
فعن علي إذا أدى الشطر فهو غريم وعنه يعتق منه بقدر ما أدى وعن بن مسعود لو كاتبه
على مائتين وقيمته مائة فأدى المائة عتق وعن عطاء إذا أدى ثلاثة أرباع كتابته عتق وروى
النسائي عن ابن عباس مرفوعا المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ورجال إسناده ثقات لكن
اختلف في إرساله ووصله وحجة الجمهور حديث عائشة وهو أقوى ووجه الدلالة منه أن بريرة
بيعت بعد أن كاتبت ولو كان المكاتب يصير بنفس الكتاب حرا لامتنع بيعها ثم ساق المصنف
143

قصة بريرة من رواية يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن بريرة جاءت تستعين عائشة
وصورة سياقه الارسال ولم تختلف الرواة عن مالك في ذلك لكن تقدم في أبواب المساجد من
وجه آخر عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة وفي رواية هناك عن عمرة سمعت عائشة فظهر انه
موصول وقد وصله بن خزيمة من طريق مطرف عن مالك كذلك وقوله الا أن يكون الولاء لنا في
رواية الكشميهني الا أن يكون ولاؤك وقوله قال مالك قال يحيى هو بن سعيد وهو موصول
بالاسناد المذكور (قوله باب إذا قال المكاتب اشترني وأعتقني فاشتراه لذلك)
أي جاز (قوله عن أبيه) هو أيمن الحبشي المكي نزيل المدينة والد عبد الواحد وهو غير أيمن بن
نايل الحبشي المكي نزيل عسقلان وكلاهما من التابعين وليس لوالد عبد الواحد في البخاري
سوى خمسة أحاديث هذا وآخران عن عائشة وحديثان عن جابر وكلها متابعة ولم يرو عنه
غير ولده عبد الواحد (قوله وورثني بنوه) أعرف من أولاد عتبة العباس بن عتبة والد الفضل
الشاعر المشهور وأبا خراش بن عتبة ذكره الفاكهي في كتاب مكة وهشام بن عتبة والد أحمد
المذكور في تاريخ ابن عساكر عن ابن أبي عمران ويزيد بن عتبة جد عبد الرحمن بن محمد بن يزيد
المذكور عند الفاكهي أيضا ولم أر لهم ذكرا في كتاب الزبير في النسب وعتبة ابن أبي لهب له صحبة
دون أخيه عتيبة بالتصغير فإنه مات كافرا (قوله من ابن أبي عمرو) في رواية النسفي والكشميهني
من عبد الله بن أبي عمرو زاد الكشميهني بن عمر بن عبد الله المخزومي (قوله فيه اشتريها فأعتقيها
ودعيهم يشترطوا ما شاءوا فاشترتها عائشة فأعتقتها) في هذا دلالة على أن عقد الكتابة الذي كان
عقد لها مواليها انفسخ بابتياع عائشة لها وفيه رد على من زعم أن عائشة اشترت منهم الولاء
واستدل به الأوزاعي على أن المكاتب لا يباع الا للعتق وبه قال أحمد وإسحاق وقد تقدم ذكر
اختلاف العلماء في ذلك قريبا والله أعلم * (خاتمة) * اشتمل كتاب العتق وما اتصل به من المكاتب
على ستة وستين حديثا المعلق منها ثلاثة عشر والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى
تسعة وأربعون حديثا والخالص سبعة عشر حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى ثلاثة
حديث أبي هريرة في عتق عبدة وحديث أنس في قصة العباس وحديث من سيدكم وفيه من
الآثار عن الصحابة والتابعين سبعة آثار والله أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
* (كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها) *
كذا للجميع الا للكشميهني وابن شبويه فقالا فيها بدل عليها وأخر النسفي البسملة والهبة بكسر
الهاء وتخفيف الباء الموحدة تطلق بالمعنى الأعم على أنواع الابراء وهو هبة الدين ممن هو عليه
والصدقة وهي هبة ما يتمحض به طلب ثواب الآخرة والهدية وهو ما يكرم به الموهوب له ومن
خصها بالحياة أخرج الوصية وهي تكون أيضا بالأنواع الثلاثة وتطلق الهبة بالمعنى الأخص
على ما لا يقصد له بدل وعليه ينطبق قول من عرف الهبة بأنها تمليك بلا عوض وصنيع المصنف
محمول على المعنى الأعم لأنه أدخل فيها الهدايا (قوله عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة) كذا
للأكثر وسقط عن أبيه من رواية الأصيلي وكريمة وضبب عليه في رواية النسفي والصواب إثباته
144

وكذا أخرجه الإسماعيلي عن محمد بن يحيى وأبو نعيم من طريق إسماعيل القاضي وأبو عوانة عن
إبراهيم الحربي كلهم عن عاصم بن علي شيخ البخاري فيه ومن طريق شبابة وعثمان بن عمرو بن
المبارك عند الإسماعيلي وأخرجه البخاري في الأدب المفرد عن آدم كلهم عن بن أبي ذئب كذلك
وكذلك رواه الليث عن سعيد كما سيأتي في كتاب الأدب وأخرجه الترمذي من طريق أبي معشر
عن سعيد عن أبي هريرة لم يقل عن أبيه وزاد في أوله تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر
الحديث وقال غريب وأبو معشر يضعف وقال الطرقي إنه أخطأ فيه حيث لم يقل فيه عن أبيه
كذا قال وقد تابعه محمد بن عجلان عن سعيد وأخرجه أبو عوانة نعم من زاد فيه عن أبيه
أحفظ وأضبط فروايتهم أولى والله أعلم (قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية عثمان
ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (قوله يا نساء المسلمات) قال عياض الأصح
الأشهر نصب النساء وجر المسلمات على الإضافة وهي رواية المشارقة من إضافة الشئ إلى صفته
كمسجد الجامع وهو عند الكوفيين على ظاهره وعند البصريين يقدرون فيه محذوفا وقال
السهيلي وغيره جاء برفع الهمزة على أنه منادى مفرد ويجوز في المسلمات الرفع صفة على اللفظ
على معنى يا أيها النساء المسلمات والنصب صفة على الموضع وكسرة التاء علامة النصب وروى
بنصب الهمزة على أنه منادى مضاف وكسرة التاء للخفض بالإضافة كقولهم مسجد الجامع وهو
مما أضيف فيه الموصوف إلى الصفة في اللفظ فالبصريون يتأولونه على حذف الموصوف وإقامة
صفته مقامه نحو يا نساء الأنفس المسلمات أو يا نساء الطوائف المؤمنات أي لا الكافرات
وقيل تقديره يا فاضلات المسلمات كما يقال هؤلاء رجال القوم أي أفاضلهم والكوفيون
يدعون أن لا حذف فيه ويكتفون باختلاف الألفاظ في المغايرة وقال ابن رشيد توجيهه انه
خاطب نساء بأعيانهن فأقبل بندائه عليهن فصحت الإضافة على معنى المدح لهن فالمعنى يا خيرات
المؤمنات كما يقال رجال القوم وتعقب بأنه لم يخصصهن به لان غيرهن يشاركهن في الحكم
وأجيب بأنهن يشاركنهن بطريق الالحاق وأنكر بن عبد البر رواية الإضافة ورده ابن السيد
بأنها قد صحت نقلا وساعدتها اللغة فلا معنى للانكار وقال بن بطال يمكن تخريج يا نساء
المسلمات على تقدير بعيد وهو أن يجعل نعتا لشئ محذوف كأنه قال يا نساء الأنفس المسلمات
والمراد بالأنفس الرجال ووجه بعده أنه يصير مدحا للرجال وهو صلى الله عليه وسلم إنما خاطب
النساء قال الا أن يراد بالأنفس الرجال والنساء معا وأطال في ذلك وتعقبه بن المنير وقد
رواه الطبراني من حديث عائشة بلفظ يا نساء المؤمنين الحديث (قوله جارة لجارتها) كذا
للأكثر ولأبي ذر لجارة والمتعلق محذوف تقديره هدية مهداة قوله فرسن بكسر الفاء والمهملة
بينهما راء ساكنة وآخره نون هو عظيم قليل اللحم وهو للبعير موضع الحافر للفرس ويطلق على
الشاة مجازا ونونه زائدة وقيل أصلية وأشير بذلك إلى المبالغة في اهداء الشئ اليسير وقبوله لا إلى
حقيقة الفرسن لأنه لم تجر العادة بإهدائه أي لا تمنع جارة من الهدية لجارتها الموجود عندها
لاستقلاله بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر وأن كان قليلا فهو خير من العدم وذكر الفرسن على
سبيل المبالغة ويحتمل أن يكون النهي إنما وقع للمهدي إليها وأنها لا تحقر ما يهدى إليها ولو
كان قليلا وحمله على الأعم من ذلك أولى وفي حديث عائشة المذكور يا نساء المؤمنين تهادوا ولو
145

فرسن شاة فإنه ينبت المودة ويذهب الضغائن وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير لان
الكثير قد لا يتيسر كل الوقت وإذا تواصل اليسير صار كثيرا وفيه استحباب المودة واسقاط
التكلف (قوله ابن أبي حازم) هو عبد العزيز (قوله يزيد بن رومان) بضم الراء ورجال الاسناد
كلهم مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق أولهم أبو حازم وهو سلمة بن دينار (قوله ابن
أختي) بالنصب على النداء وأداة النداء محذوفة ووقع في رواية مسلم عن يحيى بن يحيى عن عبد
العزيز والله يا ابن أختي (قوله إن كنا لننظر) هي المخففة من الثقيلة وضميرها مستتر ولهذا دخلت
اللام في الخبر (قوله ثلاثة أهلة) يجوز في ثلاثة الجر والنصب (قوله في شهرين) هو باعتبار
رؤية الهلال أول الشهر ثم رؤيته ثانيا في أول الشهر الثاني ثم رؤيته ثالثا في أول الشهر الثالث
فالمدة ستون يوما والمرئي ثلاثة أهلة وسيأتي في الرقاق من طريق هشام بن عروة عن أبيه بلفظ
كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا وفي رواية يزيد بن رومان هذه زيادة عليه ولا منافاة
بينهما وقد أخرجه بن ماجة من طريق أبي سلمة عن عائشة بلفظ لقد كان يأتي على آل محمد
الشهر ما يرى في بيت من بيوته الدخان (قوله ما يعيشكم) بضم أوله يقال أعاشه الله عيشة
وضبطه النووي بتشديد الياء التحتانية وفي بعض النسخ ما يغنيكم بسكون المعجمة بعدها نون
مكسورة ثم تحتانية ساكنة وفي رواية أبي سلمة عن عائشة قلت فما كان طعامكم (قوله
الأسودان التمر والماء) هو على التغليب وإلا فالماء لا لون له ولذلك قالوا الأبيضان اللبن والماء
وانما أطلقت على التمر أسود لأنه غالب تمر المدينة وزعم صاحب المحكم وارتضاه بعض الشراح
المتأخرين أن تفسير الأسودين بالتمر والماء مدرج وإنما أرادت الحرة والليل واستدل بأن
وجود التمر والماء يقتضي وصفهم بالسعة وسياقها يقتضي وصفهم بالضيق وكأنها بالغت في
وصف حالهم بالشدة حتى أنه لم يكن عندهم الا الليل والحرة اه وما ادعاه ليس بطائل والادراج
لا يثبت بالتوهم وقد أشار إلى أن مستنده في ذلك أن بعضهم دعا قوما وقال لهم ما عندي الا
الأسودان فرضوا بذلك فقال ما أردت الا الحرة والليل وهذا حجة عليه لان القوم فهموا التمر
والماء وهو الأصل وأراد هو المزح معهم فألغز لهم بذلك وقد تظاهرت الاخبار بالتفسير المذكور
ولا شك أن أمر العيش نسبي ومن لا يجد الا التمر أضيق حالا ممن يجد الخبز مثلا ومن لم يجد الا الخبز
أضيق حالا ممن يجد اللحم مثلا وهذا أمر لا يدفعه الحس وهو الذي أرادت عائشة وسيأتي في
الرقاق من طريق هشام عن عروة عن أبيه عنها بلفظ وما هو الا التمر والماء وهو أصرح في
المقصود لا يقبل الحمل على الادراج (قوله جيران) بكسر الجيم زاد الإسماعيلي من طريق محمد
ابن الصباح عن عبد العزيز نعم الجيران كانوا وفي رواية أبي سلمة جيران صدق وسيأتي بعد ستة
أبواب الإشارة إلى أسمائهم (قوله منائح) بنون ومهملة جمع منيحة وهي كعطية لفظا ومعنى
وأصلها عطية الناقة أو الشاة ويقال لا يقال منيحة الا للناقة وتستعار للشاة كما تقدم في
الفرسن سواء قال إبراهيم الحربي وغيره يقولون منحتك الناقة وأعرتك النخلة وأعمرتك الدار
وأخدمتك العبد وكل ذلك هبة منافع وقد تطلق المنيحة على هبة الرقبة ويأتي مزيد لذلك بعد
أبواب وقوله يمنحون بفتح أوله وثالثه ويجوز ضم أوله وكسر ثالثه أي يجعلونها له منحة قوله
(فيسقيناه) في رواية الإسماعيلي فيسقينا منه وفي هذا الحديث ما كان فيه الصحابة من التقلل
146

من الدنيا في أول الأمر وفيه فضل الزهد وإيثار الواجد للمعدم والاشتراك فيما في الأيدي وفيه
جواز ذكر المرء ما كان فيه من الضيق بعد أن يوسع الله عليه تذكيرا بنعمه وليتأسى به غيره
(قوله باب القليل من الهبة) ذكر فيه حديث أبي هريرة لو دعيت إلى ذراع أو
كراع وسيأتي شرحه في باب الوليمة من كتاب النكاح إن شاء الله تعالى ومناسبته للترجمة
بطريق الأولى لأنه إذا كان يجيب من دعاه على ذلك القدر اليسير فلان يقبله ممن أحضره إليه
أولى والكراع من الدابة ما دون الكعب وقيل هو اسم مكان ولا يثبت ويرده حديث أنس عند
الترمذي بلفظ لو أهدي إلي كراع لقبلت وللطبراني من حديث أم حكيم الخزاعية قلت يا رسول
الله تكره رد الظلف قال ما أقبحه لو أهدي إلي كراع لقبلت الحديث وخص الذراع والكراع
بالذكر ليجمع بين الحقير والخطير لان الذراع كانت أحب إليه من غيرها والكراع لا قيمة له وفي المثل
أعط العبد كراع يطلب منك ذراعا وقوله هنا عن سليمان هو بن مهران الأعمش وأبو حازم
هو سليمان مولى عزة وهو أكبر من أبي حازم سلمة المذكور في الباب قبله قال ابن بطال أشار عليه
الصلاة والسلام بالكراع والفرسن إلى الحض على قبول الهدية ولو قلت لئلا يمتنع الباعث من
الهدية لاحتقار الشئ فحض على ذلك لما فيه من التألف (قوله باب من استوهب
من أصحابه شيئا) أي سواء كان عينا أو منفعة جاز أي بغير كراهة في ذلك إذا كان يعلم طيب
أنفسهم (قوله وقال أبو سعيد) هو الخدري (قوله اضربوا لي معكم) سهما هو طرف من حديث
الرقية وقد تقدم بتمامه مشروحا في كتاب الإجارة (قوله حدثنا أبو غسان) هو محمد بن مطرف
وسهل هو بن سعد وتقدم الحديث مشروحا في كتاب الجمعة وفيه استيهابه من المرأة منفعة غلامها
وقد سبق ما نقل في تسمية كل منهما وأغرب الكرماني هنا فزعم أن اسم المرأة مينا وهو وهم وإنما
قيل ذلك في اسم النجار كما تقدم وأن قول أبي غسان في هذه الرواية أن المرأة من المهاجرين وهم
ويحتمل أن تكون أنصارية حالفت مهاجريا وتزوجت به أو بالعكس وقد ساقه ابن بطال في هذا
الموضع بلفظ امرأة من الأنصار والذي في النسخ التي وقفت عليها من البخاري ما وصفته (قوله
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله) هو الأويسي والاسناد كله مدنيون وقد تقدم حديث أبي قتادة
مشروحا في كتاب الحج وفيه طلب أبي قتادة من أصحابه مناولته رمحه وإنما امتنعوا لكونهم كانوا
محرمين وفيه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم هل معكم منه شئ وقد ذكرت هناك رواية من زاد فيه
كلوا وأطعموني ولعل المصنف أشار إلى هذه الزيادة وقوله فحدثني به زيد بن أسلم قال ذلك محمد بن
جعفر راوية عن أبي حازم وهو بن أبي كثير أخو إسماعيل وقوله فيه أخصف نعلي بمعجمة ثم مهملة
مكسورة أي أجعل لها طاقا كأنها كانت انخرقت فأبدلها وأغرب الداودي فقال أعمل
لها شسعا وقوله حتى نفدها بتشديد الفاء المفتوحة أي فرغ من أكلها كلها وروي بكسر الفاء
والتخفيف ورده بن التين قال بن بطال استيهاب الصديق حسن إذا علم أن نفسه تطيب به
وانما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من أبي سعيد وكذا من أبي قتادة وغيرهما ليؤنسهم به ويرفع
عنهم اللبس في توقفهم في جواز ذلك وقوله في السند عبد الله بن أبي قتادة السلمي هو بفتح اللام
147

وهذا مشهور في الأنصار وذكر بن الصلاح أن من قاله بكسر اللام لحن وليس كما قال بل كسر
اللام لغة معروفة وهي الأصل ويتعجب من خفاء ذلك عليه (قوله باب من
استسقى) ماء أو لبنا أو غير ذلك مما تطيب به نفس المطلوب منه (قوله وقال سهل قال لي النبي صلى
الله عليه وسلم اسقني) هو طرف من حديث أوله ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب
فأمر أبا أسيد أن يرسل إليها الحديث وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اسقنا يا سهل ثم ذكر
حديث أنس بهمزة في تقديم الأيمن في الشرب وسيأتي شرحه في الأشربة أورده هنا من طريق أبى
طوالة وهو بضم المهملة وتخفيف الواو اسمه عبد الله بن عبد الرحمن والغرض منه قول أنس
فاستسقى (قوله الأيمنون الأيمنون) فيه تقدير مبتدأ مضمر المقدم الأيمنون والثانية
للتأكيد وقوله ألا فيمنوا كذا وقع بصيغة الاستفتاح والامر بالتيامن وقد أخرجه مسلم من
الوجه الذي أخرجه منه البخاري الا أنه قال في الثالثة أيضا الأيمنون ذكر اللفظة ثلاث مرات
كما ذكر قول أنس فهي سنة ثلاث مرار وعلى ذلك شرح بن التين كأنه وقع كذلك وقع في نسخته
ولم أره في شئ من النسخ الا كما وصفت أولا وتوجيهه أنه لما بين أن الأيمن يقدم ثم أكده بإعادته
أكمل ذلك بصريح الامر به ويستفاد من حذف المفعول التعميم في جميع الأشياء لقول
عائشة كان يعجبه التيمن في شأنه كله وأشار الإسماعيلي إلى أن سليمان بن بلال تفرد عن أبي
طوالة بقوله فاستسقى وأخرجه من طريق إسماعيل بن جعفر وخالد الواسطي عن أبي طوالة
بدونها انتهى وسليمان حافظ وزيادته مقبولة وقد ثبتت هذه اللفظة في حديث جابر من طريق
الأعمش عن أبي صالح عنه في حديث سيأتي في الأشربة وفيه جواز طلب الاعلى من الأدنى
ما يريده من مأكول ومشروب إذا كان نفس المطلوب منه طيبة به ولا يعد ذلك من السؤال
المذموم (قوله باب قبول هدية الصيد وقبل النبي صلى الله عليه وسلم من أبي
قتادة عضد الصيد) تقدم حديثه في ذلك قبل باب وقوله في حديث أنس أنفجنا بالفاء والجيم أي
أثرنا (وقوله فلغبوا) بالمعجمة والموحدة أي تعبوا ووقع كذلك في رواية الكشميهني وأغرب
الداودي فقال معناه عطشوا وتعقبه بن التين وقال ضبطوا لغبوا بكسر الغين والفتح أعرف
وسيأتى شرحه إن شاء الله تعالى في كتاب الصيد والذبائح ومر الظهران واد معروف على خمسة
أميال من مكة إلى جهة المدينة وقد ذكر الواقدي أنه من مكة على خمسة أميال وزعم بن
وضاح أن بينهما أحدا وعشرين ميلا وقيل ستة عشر وبه جزم البكري قال النووي والأول
غلط وانكار للمحسوس ومر قرية ذات نخل وزرع ومياه والظهران اسم الوادي وتقول العامة
بطن مرو (وقلت) وقول البكري هو المعتمد والله أعلم وأبو طلحة هو زوج أم سليم والدة أنس وقوله
فخذيها لا شك فيه يشير إلى أنه يشك في الوركين خاصة وأن الشك في قوله فخذيها أو وركيها ليس
على السواء أو كان يشك في الفخذين ثم استيقن وكذلك شك في الاكل ثم استيقن القبول فجزم به
آخرا (قوله باب قبول الهدية) كذا ثبت لأبي ذر وسقطت هذه الترجمة هنا
148

لغيره وهو الصواب وأورد فيه حديث الصعب بن جثامة في اهدائه الحمار الوحشي وشاهد
الترجمة منه مفهوم قوله لم نرده عليك الا أنا حرم فإن مفهومه أنه لو لم يكن محرما لقبله منه وقد
تقدم شرحه في كتاب الحج وفيه أنه لا يجوز قبول ما لا يحل من الهدية (قوله باب قبول
الهدية) كذا لأبي ذر وهو تكرار بغير فائدة وهذه الترجمة بالنسبة إلى ترجمة قبول هدية الصيد
من العام بعد الخاص ووقع عند النسفي باب من قبل الهدية وذكر فيه ستة أحاديث الأول
حديث عائشة كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وسيأتي شرحه في الباب الذي بعده
وقوله فيه مرضاة هو مصدر بمعنى الرضا وقوله فيه يبتغون بالموحدة والمعجمة من البغية وروى
يتبعون بتقديم مثناة مثقلة وكسر الموحدة وبالمهملة ثانيها حديث ابن عباس أهدت أم حفيد
وهى بالمهملة والفاء مصغر وسيأتي الكلام عليه في الأطعمة في الكلام على الضب وقوله فيه
وترك الأضب كذا لأبي ذر بصيغة الجمع ولغيره الضب والأضب بضم المعجمة جمع ضب مثل أكف
وكف وقوله تقذرا بالقاف والمعجمة تقول قذرت الشئ وتقذرته إذا كرهته وقول بن عباس
لو كان حراما ما أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم استدلال صحيح من جهة التقرير ثالثها
حديث أبي هريرة في قبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ورده الصدقة وقوله فيه إذا أتي بطعام زاد
أحمد وابن حبان من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد من غير أهله (قوله ضرب بيده) أي
شرع في الاكل مسرعا ومثله ضرب في الأرض إذا أسرع السير فيها رابعها حديث عائشة
في قصة بريرة من طريق القاسم عن عائشة وسيأتي شرحه في كتاب النكاح وقد مضى ما يتعلق
بشراء بريرة في كتاب العتق قريبا وشاهد الترجمة منه قوله هو لها صدقة ولنا هدية فيؤخذ
منه أن التحريم إنما هو على الصفة لا على العين ووقع في رواية أبي ذر الهروي فقيل للنبي صلى
الله عليه وسلم هذا تصدق به على بريرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو لها صدقة ولنا هدية
ووقع لغير أبي ذر هنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا تصدق به على بريرة هو لها صدقة
ولنا هدية فجعل السؤال والجواب من كلامه صلى الله عليه وسلم والأول أصوب وهو الثابت
في غير هذه الرواية أيضا خامسها حديث أنس في ذلك (قوله عن أنس) في رواية الإسماعيلي
من طريق معاذ عن شعبة عن قتادة سمع أنس بن مالك سادسها حديث أم عطية في الشاة
من الصدقة وأنها بلغت محلها (قوله فيه الذي بعثت إليها) كذا للأكثر بصيغة المخاطب
149

وللكشميهني بعثت بضم أوله على البناء للمجهول (قوله إنه قد بلغت) في رواية الكشميهني
انها قد بلغت محلها بكسر المهملة يقع على المكان والزمان أي زال عنها حكم الصدقة المحرمة
على وصارت لي حلالا * (تنبيه) * أم عطية اسمها نسيبة بنون ومهملة وموحدة مصغرا كما
تقدم في الكلام على هذا الحديث في أواخر الزكاة ووقع عند الإسماعيلي من رواية
وهب بن بقية عن خالد بن عبد الله نسيبة بفتح النون ومن رواية يزيد بن زريع عن خالد الحذاء
نسيبة بالتصغير وهو الصواب ثم أخرجه من طريق بن شهاب عن الحذاء عن أم عطية قالت
بعثت إلى نسيبة الأنصارية بشاة فأرسلت إلى عائشة منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
عندكم شئ قالت لا الا ما أرسلت به نسيبة الحديث قال الإسماعيلي هذا يدل على أن نسيبة
غير أم عطية (قلت) سبب ذلك تحريف وقع في روايته في قوله بعث والصواب بعثت على
البناء للمجهول وفيه نوع التجريد لان أم عطية أخبرت عن نفسها بما يوهم أن الذي تخبر
عنه غيرها قال بن بطال إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة لأنها أوساخ
الناس ولان أخذ الصدقة منزلة ضعة والأنبياء منزهون عن ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان كما
وصفه الله تعالى ووجدك عائلا فأغنى والصدقة لا تحل للأغنياء وهذا بخلاف الهدية فإن العادة
جارية بالإثابة عليها وكذلك كان شأنه وقوله قد بلغت محلها فيه أن الصدقة يجوز فيها تصرف
الفقير الذي أعطيها بالبيع والهدية وغير ذلك وفيه إشارة إلى أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
لا تحرم عليهن الصدقة كما حرمت عليه لان عائشة قبلت هدية بريرة وأم عطية مع علمها بأنها
كانت صدقة عليهما وظنت استمرار الحكم بذلك عليها ولهذا لم تقدمها للنبي صلى الله عليه وسلم
لعلمها أنه لا تحل له الصدقة وأقرها صلى الله عليه وسلم على ذلك الفهم ولكنه بين لها أن حكم
الصدقة فيها قد تحول فخلت له صلى الله عليه وسلم أيضا ويستنبط من هذه القصة جواز استرجاع
صاحب الدين من الفقير ما أعطاه له من الزكاة بعينه وأن للمرأة أن تعطي زكاتها لزوجها ولو
كان ينفق عليها منها وهذا كله فيما لا شرط فيه والله أعلم * (تنبيه) * استشكلت قصة عائشة
في حديث أم عطية مع حديثها في قصة بريرة لان شأنهما واحد وقد أعلمها النبي صلى الله عليه
وسلم في كل منهما بما حاصله أن الصدقة إذا قبضها من يحل له أخذها ثم تصرف فيها زال عنها
حكم الصدقة وجاز لمن حرمت عليه أن يتناول منها إذا أهديت له أو بيعت فلو تقدمت إحدى
القصتين على الأخرى لاغنى ذلك عن إعادة ذكر الحكم ويبعد أن تقع القصتان دفعة واحدة
(قوله باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعد نسائه دون بعض) يقال تحرى
الشئ إذا قصده دون غيره (قوله حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان الناس يتحرون بهداياهم يومي وقالت أم سلمة إن صواحبي
اجتمعن فذكرت له فأعرض عنها) هكذا أورده مختصرا جدا وقد أخرجه أبو عوانة وأبو نعيم
والإسماعيلي من طريق محمد بن عبيد زاد الإسماعيلي وخلف بن هشام كلاهما عن حماد بن زيد
بهذا الاسناد بلفظ كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة فقلن
لها خبري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا له حيث كان قالت فذكرت
ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم قالت فأعرض عني قالت فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض
150

عنى الحديث وقد أخرجه المصنف في مناقب عائشة عن عبد الله بن عبد الوهاب عن حماد بن زيد
فقال عن هشام عن أبيه كان الناس يتحرون فذكره بتمامه مرسلا وروى بن سعد في طبقات
النساء من حديث أم سلمة قالت كان الأنصار يكثرون الطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد
بن عبادة وسعد ابن معاذ وعمارة بن حزم وأبو أيوب وذلك لقرب جوارهم من رسول الله صلى الله
عليه وسلم (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (حدثني أخي) هو أبو بكر عبد الحميد عن
سليمان هو بن بلال وقد تابع البخاري حميد بن زنجويه عند أبي نعيم وإسماعيل القاضي عند أبي
عوانة فروياه عن إسماعيل بن أبي أويس كما قال وخالفهم محمد بن يحيى الذهلي فرواه عن إسماعيل
حدثني سليمان بن بلال حذف الواسطة بين إسماعيل وسليمان وهو أخو إسماعيل (قوله عن
هشام بن عروة) زاد فيه على رواية حماد بن زيد في آخره فقالت أي أم سلمة أتوب إلى الله من ذلك
يا رسول الله وزاد فيه أيضا ارسالهن فاطمة ثم ارسالهن زينب بنت جحش وقد تصرف الرواة في
هذا الحديث بالزيادة والنقص ومنهم من جعله ثلاثة أحاديث قال البخاري الكلام الأخير قصة
فاطمة أي إرسال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم إليه يذكر
عن هشام بن عروة عن رجل عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمن يعني أنه اختلف فيه على هشام
ابن عروة فرواه سليمان بن بلال عنه عن أبيه عن عائشة في جملة الحديث الأول ورواه عنه غيره
بهذا الاسناد الأخير (قوله والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه
وسلم) أي بقيتهن وهي زينب بنت جحش الأسدية وأم حبيبة الأموية وجويرية بنت الحارث
الخزاعية وميمونة بنت الحارث الهلالية دون زينب بنت خزيمة أم المساكين رواه ابن
سعد من طريق رميثة المذكورة وهي رميثة بالمثلثة مصغرة عن أم سلمة قالت كلمني صواحبي
وهن فذكرتهن وكنا في الجانب الثاني وكانت عائشة وصواحبها في الجانب الآخر فقلن كلمي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الناس يهدون إليه في بيت عائشة ونحن نحب ما تحب
الحديث قال ابن سعد ماتت زينب بنت خزيمة قبل أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم
سلمة وأسكن أم سلمة بيتها لما دخل بها (قوله فقلن لها كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم
يكلم الناس) بالجزم والميم مكسورة لالتقاء الساكنين ويجوز الرفع (قوله فليهدها) في رواية
الكشميهني فليهد بحذف الضمير (قوله فان الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة الا عائشة) يأتي
شرحه في مناقب عائشة إن شاء الله تعالى (قوله ثم إنهن دعون فاطمة) وفي رواية الكشميهني
دعين وروى بن سعد من مرسل علي بن الحسين أن التي خاطبتها بذلك منهن زينب بنت جحش
وان النبي صلى الله عليه وسلم سألها أرسلتك زينب قالت زينب وغيرها قال أهي التي وليت ذلك
قالت نعم (قوله إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر) أي يطلبن منك العدل وفي رواية
الأصيلي يناشدنك الله العدل أي يسألنك بالله العدل والمراد به النسوية بينهن في كل شئ من
المحبة وغيرها زاد في رواية محمد بن عبد الرحمن عن عائشة عند مسلم أرسل أزواج النبي صلى الله
عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي
151

فقالت يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في بنت ابن أبي قحافة وأبو قحافة هو والد
أبى بكر (قوله فقال يا بنية ألا تحبين ما أحب قالت بلى) زاد مسلم في الرواية المذكورة قال فأحبي
هذه فقامت فاطمة حين سمعت ذلك قوله فرجعت إليهن فأخبرتهن زاد مسلم فقلن لها
ما نراك أغنيت عنا من شئ (قوله فأبت أن ترجع) في رواية مسلم فقالت والله لا أكلمه فيه أبدا
(قوله فأرسلن زينب بنت جحش) زاد مسلم وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه ثناء عائشة عليها بالصدقة وذكرها لها بالحدة التي
تسرع منها الرجعة (قوله فأتته) في مرسل علي بن الحسين فذهبت زينب حتى استأذنت
فقال ائذنوا لها فقالت حسبك إذا برقت لك بنت بن أبي قحافة ذراعيها وفي رواية مسلم ورسول
الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها على الحال التي دخلت فاطمة وهو بها (قوله
فاغلظت) في رواية مسلم ثم وقعت بي فاستطالت وفي مرسل علي بن الحسين فوقعت بعائشة
ونالت منها (قوله فسبتها حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تكلم) في
رواية مسلم وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها قالت فلم تبرح
زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر وفي هذا جواز العمل بما
يفهم من القرائن لكن روى النسائي وابن ماجة مختصرا من طريق عبد الله البهي عن عروة
عن عائشة قالت دخلت على زينب بنت جحش فسبتني فردعها النبي صلى الله عليه وسلم فأبت
فقال سبيها فسببتها حتى جف ريقها في فمها وقد ذكرته في باب انتصار الظالم من كتاب المظالم فيمكن
أن يحمل على التعدد (قوله فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها) في رواية لمسلم فلما
وقعت بها لم أنشبها أن أثخنتها غلبة ولابن سعد فلم أنشبها أن أفحمتها (قوله فقال أنها بنت أبي بكر)
أي إنها شريفة عاقلة عارفة كأبيها وكذا في رواية مسلم وفي رواية النسائي المذكورة فرأيت
وجهه يتهلل وكأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى أن أبا بكر كان عالما بمناقب مضر ومثالبها فلا
يستغرب من بنته تلقي ذلك عنه ومن يشابه أبة فما ظلم وفي هذا الحديث منقبة ظاهرة لعائشة
وانه لا حرج على المرء في إيثار بعض نسائه بالتحف وإنما اللازم العدل في المبيت والنفقة ونحو
ذلك من الأمور اللازمة كذا قرره بن بطال عن المهلب وتعقبه بن المنير بأن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يفعل ذلك وإنما فعله الذين أهدوا له وهم باختيارهم في ذلك وإنما لم يمنعهم النبي صلى
الله عليه وسلم لأنه ليس من كمال الأخلاق أن يتعرض الرجل إلى الناس بمثل ذلك لما فيه من
التعرض لطلب الهدية وأيضا فالذي يهدى لأجل عائشة كأنه ملك الهدية بشرط والتمليك يتبع
فيه تحجير المالك مع أن الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يشركهن في ذلك وإنما وقعت
المنافسة لكون العطية تصل إليهن من بيت عائشة وفيه قصد الناس بالهدايا أوقات المسرة
ومواضعها ليزيد ذلك في سرور المهدي إليه وفيه تنافس الضرائر وتغايرهن على الرجل وان
الرجل يسعه السكوت إذا تقاولن ولا يميل مع بعض على بعض وفيه جواز التشكي والتوسل في
ذلك وما كان عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من مهابته والحياء منه حتى راسلنه بأعز
الناس عنده فاطمة وفيه سرعة فهمهن ورجوعهن إلى الحق والوقوف عنده وفيه ادلال زينب
بنت جحش على النبي صلى الله عليه وسلم لكونها كانت بنت عمته كانت أمها أميمة بالتصغير بنت
152

عبد المطلب قال الداودي وفيه عذر النبي صلى الله عليه وسلم لزينب قال بن التين ولا أدري من
أين أخذه (قلت) كأنه أخذه من مخاطبتها النبي صلى الله عليه وسلم لطلب العدل مع علمها بأنه
أعدل الناس لكن غلبت عليها الغيرة فلم يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاق ذلك وإنما
خص زينب بالذكر لان فاطمة عليها السلام كانت حاملة رسالة خاصة بخلاف زينب فإنها
شريكتهن في ذلك بل رأسهن لأنها هي التي تولت إرسال فاطمة أولا ثم سارت بنفسها واستدل به
على أن القسم كان واجبا عليه وسيأتي البحث في ذلك في النكاح إن شاء الله تعالى (قوله وقال
أبو مروان الغساني) كذا للأكثر بغين معجمة وسين مهملة ثقيلة ووقع في رواية القابسي عن أبي
زيد فيه تغيير فغيره العثماني حكاه أبو علي الجياني وقال إنه خطأ وقد تقدمت لأبي مروان هذا
رواية موصولة في كتاب الحج ووقع للقابسي فيه تصحيف غير هذا وقوله وقال أبو مروان الخ يعني
أن أبا مروان فصل بين الحديثين في روايته عن هشام فجعل الأول وهو التحري كما قال حماد بن زيد
عن هشام وجعل الثاني وهو قصة فاطمة عن هشام عن رجل من قريش ورجل من الموالي عن
محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة (قلت) وطريق محمد بن عبد الرحمن عن عائشة
بهذه القصة مشهورة من غير هذا الوجه أخرجها مسلم والنسائي من طريق صالح بن كيسان زاد
مسلم ويونس وزاد النسائي وشعيب بن أبي حمزة ثلاثتهم عن الزهري عنه وهكذا قال موسى بن
أعين عن معمر عن الزهري وخالفه عبد الرزاق فقال عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة
وخالفهم إسحاق الكلبي فجعل أبا بكر بن عبد الرحمن بدل محمد بن الرحمن قال الذهلي
والدارقطني وغيرهما المحفوظ من حديث الزهري عن محمد بن عبد الرحمن عن عائشة وأبو
مروان هذا هو يحيى بن أبي زكريا الغساني وهو شامي نزل واسط واسم أبي زكريا يحيى أيضا ووهم
من زعم أنه محمد بن عثمان العثماني فإنه وأن كان يكنى أبا مروان لكنه لم يدرك هشام بن عروة وإنما
يروى عنه بواسطة وطريقه هذه وصلها الذهلي في الزهريات وقد اختلف على هشام فيه اختلافا
آخر فرواه حماد بن سلمة عنه عن عوف بن الحارث عن أخته رميثة عن أم سلمة أن نساء النبي صلى
الله عليه وسلم قلن لها إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة الحديث أخرجه أحمد ويحتمل أن
يكون لهشام فيه طريقان فإن عبدة بن سليمان رواه عنه بالوجهين أخرجه الشيخان من طريقه
بالاسناد الأول كما مضى في الباب الذي قبله وأخرجه النسائي من طريقه متابعا لحماد بن سلمة والله
أعلم (قوله باب ما لا يرد من الهدية) كأنه أشار إلى ما رواه الترمذي من حديث بن
عمر مرفوعا ثلاث لا ترد الوسائد والدهن واللبن قال الترمذي يعني بالدهن الطيب وإسناده حسن
الا انه ليس على شرط البخاري فأشار إليه واكتفى بحديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرد
الطيب قال ابن بطال إنما كان لا يرد الطيب من أجل أنه ملازم لمناجاة الملائكة ولذلك كان
لا يأكل الثوم ونحوه (قلت) لو كان هذا هو السبب في ذلك لكان من خصائصه وليس كذلك فإن
أنسا اقتدى به في ذلك وقد ورد النهي عن رده مقرونا ببيان الحكمة في ذلك في حديث صحيح
رواه أبو داود والنسائي وأبو عوانة من طريق عبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة
مرفوعا من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه خفيف الحمل طيب الرائحة وأخرجه مسلم من هذا
الوجه لكن قال ريحان بدل طيب ورواية الجماعة أثبت فإن أحمد وسبعة أنفس معه رووه عن
153

عبد الله بن يزيد المقبري عن سعيد بن أبي أيوب بلفظ الطيب ووافقه بن وهب عن سعيد عند
ابن حبان والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد وقد قال الترمذي عقب حديث أنس وابن
عمر وفي الباب عن أبي هريرة فأشار إلى هذا الحديث (قوله عزرة) هو بفتح المهملة وسكون
الزاي بعدها راء (قوله حدثني ثمامة بن عبد الله قال دخلت عليه فناولني طيبا قال كان أنس
لا يرد الطيب) فاعل قال هو عزرة والضمير لثمامة وزعم بعض الشراح أن الضمير لأنس وليس
كذلك فقد أخرجه أبو نعيم من طريق بشر بن معاذ عن عبد الوارث عن عزرة بن ثابت قال
دخلت على ثمامة فناولني طيبا قلت قد تطيبت فقال كان أنس لا يرد الطيب قوله وزعم أي
قال والزعم يطلق على القول كثيرا (قوله باب من رأى الهبة الغائبة جائزة)
ذكر فيه طرفا من حديث المسور ومروان في قصة هوازن ومراده منه قوله صلى الله عليه وسلم
وانى رأيت أن أرد عليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل فإن في بقية الحديث طيبنا
لك وقد تقدم قريبا في العتق في باب ملك من العرب رقيقا بأتم من هذا بهذا الاسناد بعينه
ففيه أنهم وهبوا ما غنموه من السبي من قبل أن يقسم وذلك في معنى الغائب وحذف في هذا
الطريق جواب الشرط من الجملة الثانية وهي فليفعل وقد ثبت كذلك في الباب الذي أشرت
إليه قال بن بطال فيه أن للسلطان أن يرفع أملاك قوم إذا كان في ذلك مصلحة واستئلاف
وتعقبه بن المنير وقال ليس كما قال بل في نفس الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك
الا بعد تطييب نفوس المالكين (قوله باب المكافأة في الهبة) المكافأة
بالهمز مفاعلة بمعنى المقابلة والمراد بالهبة هنا المعنى الأعم كما قررته في أول كتاب الهبة (قوله عن
هشام) في رواية الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن موسى الفراء عن عيسى بن يونس حدثنا هشام
(قوله يقبل الهدية ويثيب عليها) أي يعطي الذي يهدي له بدلها والمراد بالثواب المجازاة وأقله
ما يساوي قيمة الهدية (قوله لم يذكر وكيع محاضر عن هشام عن أبيه عن عائشة) فيه إشارة
إلى أن عيسى بن يونس تفرد بوصله عن هشام وقد قال الترمذي والبزار لا نعرفه موصولا الا من
حديث عيسى بن يونس وقال الآجري سألت أبا داود عنه فقال تفرد بوصله عيسى بن يونس وهو
عند الناس مرسل ورواية وكيع وصلها بن أبي شيبة عنه بلفظ ويثيب ما هو خير منها ورواية
محاضر لم أقف عليها بعد واستدل بعض المالكية بهذا الحديث على وجوب الثواب على
الهدية إذا أطلق الواهب وكان ممن يطلب مثله الثواب كالفقير للغني بخلاف ما يهبه الاعلى
للأدنى ووجه الدلالة منه مواظبته صلى الله عليه وسلم ومن حيث المعنى أن الذي أهدى
قصد أن يعطي أكثر مما أهدى فلا أقل أن يعوض بنظير هديته وبه قال الشافعي في القديم
وقال في الجديد كالحنفية الهبة للثواب باطلة لا تنعقد لأنها بيع بثمن مجهول ولان موضوع
الهبة التبرع فلو أبطلناه لكان في معنى المعاوضة وقد فرق الشرع والعرف بين البيع والهبة
فما استحق العوض أطلق عليه لفظ البيع بخلاف الهبة وأجاب بعض المالكية بأن الهبة لو لم
تقتض الثواب أصلا لكانت بمعنى الصدقة وليس كذلك فإن الأغلب من حال الذي يهدي أنه
يطلب الثواب ولا سيما إذا كان فقيرا والله أعلم (قوله باب الهبة للولد وإذا
أعطى بعض ولده شيئا لم يجز حتى يعدل بينهم ويعطي الآخر مثله) في رواية الكشميهني ويعطي
154

الآخرين (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم اعدلوا بين أولادكم في العطية) سيأتي موصولا
في الباب الذي بعده بدون قوله في العطية وهي بالمعنى وقد أخرجه الطحاوي من طريق مغيرة
عن الشعبي عن النعمان فذكر هذه الزيادة ولفظه سووا بين أولادكم في العطية كما تحبون
ان يسووا بينكم في البر ويأتي حديث بن عباس أيضا في أواخر الباب (قوله وهل للوالد أن
يرجع في عطيته) يعني لولده وما يأكل من مال ولده بالمعروف ولا يتعدى اشتملت هذه الترجمة
على أربعة أحكام * الأول الهبة للولد وإنما ترجم به ليرفع اشكال من يأخذ بظاهر الحديث
المشهور أنت ومالك لأبيك لان مال الولد إذا كان لأبيه فلو وهب الأب ولده شيئا كان كأنه
وهب نفسه ففي الترجمة إشارة إلى ضعف الحديث المذكور أو إلى تأويله وهو حديث أخرجه
ابن ماجة من حديث جابر قال الدارقطني غريب تفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ويوسف
ابن إسحاق بن أبي إسحاق عن بن المنكدر وقال بن القطان إسناده صحيح وقال المنذري رجاله
ثقات وله طريق أخرى عن جابر عند الطبراني في الصغير والبيهقي في الدلائل فيها قصة مطولة وفي
الباب عن عائشة في صحيح بن حبان وعن سمرة وعن عمر كلاهما عند البزار وعن بن مسعود
عند الطبراني وعن بن عمر عند أبي يعلى فمجموع طرقه لا تحطه عن القوة وجواز الاحتجاج به
فتعين تأويله الحكم الثاني العدل بين الأولاد في الهبة وهي من مسائل الخلاف كما سيأتي
وحديث الباب عن النعمان حجة من أوجبه الثالث رجوع الوالد فيما وهب للولد وهي خلافية
أيضا ومنهم من فرق بين الصدقة والهبة فلا يرجع في الصدقة لأنه يراد بها ثواب الآخرة
وحديث الباب ظاهر في الجواز كما سيأتي أيضا وكأنه أشار إلى حديث لا يحل لرجل يعطي عطية
أو يهب هبة فيرجع فيها الا الوالد فيما يعطي ولده أخرجه أبو داود وابن ماجة بهذا اللفظ من
حديث بن عباس وابن عمر ورجاله ثقات الرابع أكل الوالد من مال الولد بالمعروف قال ابن
المنير وفيه انتزاعه من حديث الباب خفاء ووجهه أنه لما جاز للأب بالاتفاق أن يأكل من مال
ولده إذا أحتاج إليه فلان يسترجع ما وهبه له بطريق الأولى (قوله واشترى النبي صلى الله عليه
وسلم من عمر بعيرا ثم أعطاه بن عمر وقال أصنع به ما شئت) هو طرف من حديث تقدم موصولا في
البيوع ويأتي أيضا موصولا بعد أثنى عشر بابا وقال بن بطال مناسبة حديث بن عمر للترجمة
انه صلى الله عليه وسلم لو سأل عمر أن يهب البعير لابنه عبد الله لبادر إلى ذلك لكنه لو فعل لم يكن
عدلا بين بني عمر فلذلك اشتراه صلى الله عليه وسلم منه ثم وهبه لعبد الله قال المهلب وفي ذلك
دلالة على أنه لا تلزم المعدلة فيما يهبه غير الأب لولد غيره وهو كما قال (قوله عن النعمان بن بشير) كذا
لأكثر أصحاب الزهري وأخرجه النسائي من طريق الأوزاعي عن بن شهاب أن محمد بن النعمان
وحميد بن عبد الرحمن حدثاه عن بشير بن سعد جعله من مسند بشير فشذ بذلك والمحفوظ انه
عنهما عن النعمان وبشير والد النعمان هو بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس بضم الجيم وتخفيف
اللام الخزرجي صحابي شهير من أهل بدر وشهد غيرها ومات في خلافة أبي بكر سنة ثلاث عشرة
ويقال إنه أول من بايع أبا بكر من الأنصار وقيل عاش إلى خلافة عمر وقد روى هذا الحديث
عن النعمان عدد كثير من التابعين منهم عروة بن الزبير عند مسلم والنسائي وأبي داود وأبو الضحى
عند النسائي وابن حبان وأحمد والطحاوي والمفضل بن المهلب عند أحمد وأبي داود والنسائي
155

و عبد الله بن عتبة بن مسعود عند أحمد وعون بن عبد الله عند أبي عوانة والشعبي في الصحيحين
وأبى داود وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وغيرهم ورواه عن الشعبي عدد كثير أيضا
وسأذكر ما في رواياتهم من الفوائد الزائدة على هذه الطريق مفصلا إن شاء الله تعالى (قوله أن
أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية الشعبي في الباب الذي يليه أعطاني أبي
عطية فقالت عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية وسيأتي في الشهادات من
طريق أبي حبان عن الشعبي سبب سؤالها شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظه عن
النعمان قال سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله زاد مسلم والنسائي من هذا الوجه فالتوى
بها سنة أي مطلها وفي رواية بن حبان من هذا الوجه بعد حولين ويجمع بينهما بأن المدة كانت
سنة وشيئا فجبر الكسر تارة وألغى أخرى قال ثم بدا له فوهبها لي فقالت له لا أرضى حتى تشهد النبي
صلى الله عليه وسلم قال فأخذ بيدي وأنا غلام ولمسلم من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن
النعمان انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجمع بينهما بأنه أخذ بيده فمشى
معه بعض الطريق وحمله في بعضها لصغر سنة أو عبر عن استتباعه إياه بالحمل وقد تبين من رواية
الباب أن العطية كانت غلاما وكذا في رواية بن حبان المذكورة وكذا لأبي داود من طريق
إسماعيل بن سالم عن الشعبي ولمسلم في رواية عروة وحديث جابر معا ووقع في رواية أبي حريز
بمهملة وراء ثم زاي بوزن عظيم عند بن حبان والطبراني عن الشعبي أن النعمان خطب
بالكوفة فقال إن والدي بشير بن سعد أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أن عمرة بنت رواحة
نفست بغلام وإني سميته النعمان وإنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقة من أفضل مال هو لي
وانها قالت أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لا أشهد
على جور وجمع بن حبان بين الروايتين بالحمل على واقعتين إحداهما عند ولادة النعمان
وكانت العطية حديقة والاخرى بعد أن كبر النعمان وكانت العطية عبدا وهو جمع لا بأس به
الا أنه يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة حتى يعود إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فيستشهده على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى لا أشهد على جور وجوز
ابن حبان أن يكون بشير ظن نسخ الحكم وقال غيره يحتمل أن يكون حمل الأمر الأول على كراهة
التنزيه أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد لان ثمن الحديقة في الأغلب
أكثر من ثمن العبد ثم ظهر لي وجه آخر من الجمع يسلم من هذا الخدش ولا يحتاج إلى جواب وهو
أن عمرة لما امتنعت من تربيته الا أن يهب له شيئا يخصه به وهب الحديقة المذكورة تطييبا
لخاطرها ثم بدا له فارتجعها لأنه لم يقبضها منه أحد غيره فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين
ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلاما ورضيت عمرة بذلك الا أنها خشيت أن يرتجعه
أيضا فقالت له أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد بذلك تثبيت العطية وأن تأمن
من رجوعه فيها ويكون مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم للاشهاد مرة واحدة وهي الأخيرة
وغاية ما فيه أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض أو كان النعمان يقص بعض القصة تارة
ويقص بعضها أخرى فسمع كل ما رواه فاقتصر عليه والله أعلم وعمرة المذكورة هي بنت رواحة
156

ابن ثعلبة الخزرجية أخت عبد الله بن رواحة الصحابي المشهور ووقع عند أبي عوانة من طريق
عون بن عبد الله أنها بنت عبد الله بن رواحة والصحيح الأول وبذلك ذكرها بن سعد وغيره وقالوا
كانت ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم من النساء وفيها يقول قيس بن الخطيم بفتح المعجمة
وعمرة من سروات النساء * تنفح بالمسك أردانها
(قوله اني نحلت) بفتح النون والمهملة والنحلة بكسر النون وسكون المهملة العطية بغير عوض
(قوله فقال أكل ولدك نحلت) زاد في رواية أبي حيان فقال ألك ولد سواه قال نعم وقال مسلم لما
رواه من طريق الزهري أما يونس ومعمر فقالا أكل بنيك وأما الليث وابن عيينة فقالا أكل ولدك
(قلت) ولا منافاة بينهما لان لفظ الولد يشمل ما لو كانوا ذكورا أو إناثا وذكورا وأما لفظ البنين فإن
كانوا ذكورا فظاهر وأن كانوا إناثا وذكورا فعلى سبيل التغليب ولم يذكر بن سعد لبشير والد النعمان
ولدا غير النعمان وذكر له بنتا اسمها أبية بالموحدة تصغير أبي (قوله نحلت مثله) في رواية أبي
حيان عند مسلم فقال أكلهم وهبت له مثل هذا قال لا وله من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن
الشعبي فقال ألك بنون سواه قال نعم قال فكلهم أعطيت مثل هذا قال لا وفي رواية بن القاسم
في الموطآت للدارقطني عن مالك قال لا والله يا رسول الله (قوله قال فأرجعه) ولمسلم من
طريق إبراهيم بن سعد عن بن شهاب قال فاردده وله وللنسائي من طريق عروة مثله وفي رواية
الشعبي في الباب الذي يليه قال فرجع فرد عطيته ولمسلم فرد تلك الصدقة زاد في رواية أبي حيان
في الشهادات قال لا تشهدني على جور ومثله لمسلم من رواية عاصم عن الشعبي وفي رواية أبي
حريز المذكورة لا أشهد على جور وقد علق منها البخاري هذا القدر في الشهادات ومثله لمسلم
من طريق إسماعيل عن الشعبي وله في رواية أبي حيان فقال فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على
جور وله في رواية المغيرة عن الشعبي فإني لا أشهد على جور ليشهد على هذا غيري وله وللنسائي
في رواية داود بن أبي هند قال فأشهد على هذا غيري وفي حديث جابر فليس يصلح هذا وإني
لا أشهد الا على حق ولعبد الرزاق من طريق طاوس مرسلا لا أشهد الا على الحق لا أشهد
بهذه وفي رواية عروة عند النسائي فكره أن يشهد له وفي رواية المغيرة عن الشعبي عند مسلم
اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر وفي رواية مجالد عن الشعبي عند
أحمد ان لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم فلا تشهدني على جور أيسرك أخبرني يكونوا إليك
في البر سواء قال بلى قال فلا إذا ولأبي داود من هذا الوجه أن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم
كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك وللنسائي من طريق أبي الضحى الا سويت بينهم وله
ولابن حبان من هذا لوجه سو بينهم واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى
معنى واحد وقد تمسك به من أوجب التسوية في عطية الأولاد وبه صرح البخاري وهو قول
طاوس والثوري وأحمد وإسحاق وقال به بعض المالكية ثم المشهور عن هؤلاء أنها باطلة
وعن أحمد تصح ويجب أن يرجع وعنه يجوز التفاضل إن كان له سبب كأن يحتاج الولد لزمانته
ودينه أو نحو ذلك دون الباقين وقال أبو يوسف تجب التسوية أن قصد بالتفضيل الاضرار
وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فإن فضل بعضا صح وكره واستحبت المبادرة إلى التسوية
أو الرجوع فحملوا الامر على الندب والنهي على التنزيه ومن حجة من أوجبه أنه مقدمة
157

الواجب لان قطع الرحم والعقوق محرمان فما يؤدي إليهما يكون محرما والتفضيل مما يؤدي
إليهما ثم اختلفوا في صفة التسوية فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية
والمالكية العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث واحتجوا بأنه حظها من ذلك المال لو أبقاه
الواهب في يده حتى مات وقال غيرهم لافرق بين الذكر والأنثى وظاهر الامر بالتسوية يشهد
لهم واستأنسوا بحديث ابن عباس رفعه سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلا أحدا
لفضلت النساء أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه وإسناده حسن وأجاب من حمل
الامر بالتسوية على الندب عن حديث النعمان بأجوبة أحدها أن الموهوب للنعمان كان
جميع مال والده ولذلك منعه فليس فيه حجة على منع التفضيل حكاه ابن عبد البر عن مالك وتعقبه
بأن كثيرا من طرق حديث النعمان صرح بالبعضية وقال القرطبي ومن أبعد التأويلات أن
النهى إنما يتناول من وهب جميع ماله لبعض ولده كما ذهب إليه سحنون وكأنه لم يسمع في نفس
هذا الحديث أن الموهوب كان غلاما وأنه وهبه له لما سألته الام الهبة من بعض ماله قال وهذا
علم منه على القطع أنه كان له مال غيره ثانيها أن العطية المذكورة لم تتنجز وإنما جاء بشير يستشير
النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأشار عليه بأن لا تفعل فترك حكاه الطحاوي وفي أكثر طرق
حديث الباب ما ينابذه * ثالثها أن النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض الموهوب فجاز لأبيه الرجوع
ذكره الطحاوي وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث أيضا خصوصا قوله أرجعه فإنه يدل على
تقدم وقوع القبض والذي تضافرت عليه الروايات أنه كان صغيرا وكان أبوه قابضا له لصغره
فأمر برد العطية المذكورة بعد ما كانت في حكم المقبوض رابعها أن قوله أرجعه دليل على
الصحة ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع وإنما أمره بالرجوع لان للوالد أن يرجع في وهبه لولده
وإن كان الأفضل خلاف ذلك لكن استحباب التسوية رجع على ذلك فلذلك أمره به وفي
الاحتجاج بذلك نظر والذي يظهر أن معنى قوله أرجعه أي لا تمض الهبة المذكورة ولا يلزم من
ذلك تقدم صحة الهبة خامسها أن قوله أشهد على هذا غيري إذن بالاشهاد على ذلك وإنما أمتنع
من ذلك لكونه الامام وكأنه قال لا أشهد لان الامام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه
أن يحكم حكاه الطحاوي أيضا وارتضاه بن القصار وتعقب بأنه لا يلزم من كون الامام ليس
من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه وقد صرح المحتج
بهذا أن الامام إذا شهد عند بعض نوابه جاز وأما قوله إن قوله أشهد صيغة إذن فليس كذلك بل
هو للتوبيخ لما يدل عليه بقية ألفاظ الحديث وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع وقال ابن
حبان قوله أشهد صيغة أمر والمراد به نفي الجواز وهو كقوله لعائشة اشترطي لهم الولاء انتهى
* سادسها التمسك بقوله ألا سويت بينهم على أن المراد بالامر الاستحباب وبالنهي التنزيه وهذا
جيد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة ولا سيما أن تلك الرواية بعينها وردت بصيغة
الامر أيضا حيث قال سو بينهم سابعها وقع عند مسلم عن بن سيرين ما يدل على أن المحفوظ في
حديث النعمان قاربوا بين أولادكم لا سووا وتعقب بأن المخالفين لا يوجبون المقاربة كما
لا يوجبون التسوية * ثامنها في التشبيه الواقع في التسوية بينهم بالتسوية منهم في بر الوالدين
قرينة تدل على أن الامر للندب لكن إطلاق الجور على عدم التسوية والمفهوم من قوله لا أشهد
158

الا على حق وقد قال في آخر الرواية التي وقع فيها التشبيه قال فلا إذا تاسعها عمل الخليفتين أبي
بكر وعمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم على عدم التسوية قرينة ظاهرة في أن الامر للندب فأما
أبو بكر فرواه الموطأ بإسناد صحيح عن عائشة أن أبا بكر قال لها في مرض موته إني كنت نحلتك
نحلا فلو كنت اخترتيه لكان لك وإنما هو اليوم للوارث وأما عمر فذكره الطحاوي وغيره أنه نحل
ابنه عاصما دون سائر ولده وقد أجاب عروة عن قصة عائشة بأن اخوتها كانوا راضين بذلك ويجاب
بمثل ذلك عن قصة عمر عاشر الأجوبة أن الاجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده
فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله جاز له أن يخرج عن ذلك بعضهم ذكره بن عبد البر ولا
يخفى ضعفه لأنه قياس مع وجود النص وزعم بعضهم أن معنى قوله لا أشهد على جور أي لا أشهد
على ميل الأب لبعض الأولاد دون بعض وفي هذا نظر لا يخفى ويرده قوله في الرواية لا أشهد الا
على الحق وحكى ابن التين عن الداودي أن بعض المالكية احتج بالاجماع على خلاف ظاهر
حديث النعمان ثم رده عليه واستدل به أيضا على أن للأب أن يرجع فيما وهبه لابنه وكذلك الام
وهو قول أكثر الفقهاء الا أن المالكية فرقوا بين الأب والام فقالوا للام أن ترجع إن كان الأب
حيا دون ما إذا مات وقيدوا رجوع الأب بما إذا كان الابن الموهب له لم يستحدث دينا أو ينكح
وبذلك قال إسحاق وقال الشافعي للأب الرجوع مطلقا وقال أحمد لا يحل لواهب أن يرجع في
هبته مطلقا وقال الكوفيون إن كان الموهوب صغيرا لم يكن للأب الرجوع وكذا إن كان كبيرا
وقبضها قالوا وأن كانت الهبة لزوج من زوجته أو بالعكس أو لذي رحم لم يجز الرجوع في شئ من
ذلك ووافقهم إسحاق في ذي الرحم وقال للزوجة أن ترجع بخلاف الزوج والاحتجاج لكل واحد
من ذلك يطول وحجة الجمهور في استثناء الأب أن الولد وما له لأبيه فليس في الحقيقة رجوعا وعلى
تقدير كونه رجوعا فربما اقتضته مصلحة التأديب ونحو ذلك وسيأتي الكلام عن هبة الزوجين في
الباب بعده وفي الحديث أيضا الندب إلى التآلف بين الاخوة وترك ما يوقع بينهم الشحناء
أو يورث العقوق للآباء وأن عطية الأب لابنه الصغير في حجره لا تحتاج إلى قبض وأن الاشهاد
فيها يغني عن القبض وقيل إن كانت الهبة ذهبا أو فضة فلا بد من عزلها وافرازها وفيه كراهة
تحمل الشهادة فيما ليس بمباح وأن الاشهاد في الهبة مشروع وليس بواجب وفيه جواز الميل إلى
بعض الأولاد والزوجات دون بعض وإن وجبت التسوية بينهم في غير ذلك وفيه أن للامام
الأعظم أن يتحمل الشهادة وتظهر فائدتها إما ليحكم في ذلك بعلمه عند من يجيزه أو يؤديها عند
بعض نوابه وفيه مشروعية استفصال الحاكم والمفتي عما يحتمل الاستفصال لقوله ألك ولد غيره
فلما قال نعم قال أفكلهم أعطيت مثله فلما قال لا قال لا أشهد فيفهم منه أنه لو قال نعم لشهد
وفيه جواز تسمية الهبة صدقة وأن للامام كلاما في مصلحة الولد والمبادرة إلى قبول الحق وأمر
الحاكم والمفتي بتقوى الله في كل حال وفيه إشارة إلى سوء عاقبة الحر ص والتنطع لان عمرة لو رضيت
بما وهبه زوجها لولده لما رجع فيه فلما أشتد حرصها في تثبيت ذلك أفضى إلى بطلانه وقال المهلب
فيه أن للامام أن يرد الهبة والوصية ممن يعرف منه هروبا عن بعض الورثة والله أعلم قوله
(باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها) أي هل يجوز لاحد منهما الرجوع فيها (قوله
قال إبراهيم) هو النخعي (قوله جائزة) أي فلا رجوع فيها وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن
159

الثوري عن منصور عن إبراهيم قال إذا وهبت له أو وهب لها فلكل واحد منهما عطيته ووصله
الطحاوي من طريق أبي عوانة عن منصور قال قال إبراهيم إذا وهبت المرأة لزوجها أو وهب
الرجل لامرأته فالهبة جائزة وليس لواحد منهما أن يرجع في هبته ومن طريق أبي حنيفة عن
حماد عن إبراهيم الزوج والمرأة بمنزلة ذي الرحم إذا وهب أحدهما لصاحبه لم يكن له أن يرجع
(قوله وقال عمر بن عبد العزيز لا يرجعان) وصله عبد الرزاق أيضا عن الثوري عن عبد
الرحمن بن زياد أن عمر بن عبد العزيز قال مثل قول إبراهيم (قوله واستأذن النبي صلى الله عليه
وسلم نساءه أن يمرض في بيت عائشة وقال النبي صلى الله عليه وسلم العائد في هبته كالكلب يعود في
قيئه أما الحديث الأول فهو موصول في الباب من حديث عائشة وسيأتي الكلام عليه في أواخر
المغازي ووجه دخوله في الترجمة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهبن لها ما استحققن من
الأيام ولم يكن لهن في ذلك رجوع أي فيما مضى وأن كان لهن الرجوع في المستقبل وأما
الحديث الثاني فهو موصول أيضا في آخره ويأتي الكلام عليه بعد خمسة عشر بابا ووجه دخوله
في الترجمة أنه ذم العائد في هبته على الاطلاق فدخل فيه الزوج والزوجة تمسكا بعمومه (قوله
وقال الزهري فيمن قال لامرأته هبي لي بعض صداقك الخ) وصله ابن وهب عن يونس بن يزيد
عنه وقوله فيه خلبها بفتح المعجمة واللام والموحدة أي خدعها وروى عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري قال رأيت القضاة يقيلون المرأة فيما وهبت لزوجها ولا يقيلون الزوج فيما وهب
لامرأته والجمع بينهما أن رواية معمر عنه منقولة ورواية يونس عنه اختياره وهو التفصيل
المذكور بين أن يكون خدعها فلها أن ترجع أو لا فلا وهو قول المالكية أن أقامت البينة على
ذلك وقيل يقبل قولها في ذلك مطلقا وإلى عدم الرجوع من الجانبين مطلقا ذهب الجمهور وإلى
التفصيل الذي نقله الزهري ذهب شريح فروى عبد الرزاق والطحاوي من طريق محمد بن
سيرين أن امرأة وهبت لزوجها هبة ثم رجعت فيها فاختصما إلى شريح فقال للزوج شاهداك
انها وهبت لك من غير كره ولا هوان وإلا فيمينها لقد وهبت لك عن كره وهوان وعند عبد الرزاق
بسند منقطع عن عمر أنه كتب أن النساء يعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت زوجها فشاءت
أن ترجع رجعت قال الشافعي لا يرد شيئا إذا خالعها ولو كان مضرا بها لقوله تعالى فلا جناح عليهما
فيما افتدت به وسيأتي مزيد لذلك في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى (قوله باب
هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج) أي ولو كان لها زوج (فهو جائز إذا لم تكن
سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز وقال الله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) وبهذا الحكم قال
الجمهور وخالف طاوس فمنع مطلقا وعن مالك لا يجوز لها أن تعطي بغير إذن زوجها ولو كانت
رشيدة الا من الثلث وعن الليث لا يجوز مطلقا الا في الشئ التافه وأدلة الجمهور من الكتاب
والسنة كثيرة واحتج لطاوس بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه لا تجوز عطية
امرأة في مالها الا بإذن زوجها أخرجه أبو داود والنسائي وقال بن بطال وأحاديث الباب أصح
وحملها مالك على الشئ اليسير وجعل حده الثلث فما دونه وذكر المصنف منها ثلاثة أحاديث
* الأول حديث أسماء رضي الله تعالى عنها (قوله عن عبادة ابن أبي مليكة) في رواية حجاج عن بن جريج أخبرني بن أبي
160

مليكة وقد تقدمت في الزكاة (قوله عن عبادة بن عبد الله) أي ابن الزبير بن العوام وأسماء التي
روى عنها هي بنت أبي بكر الصديق وهي جدته لأبيه وقد روى أيوب هذا الحديث عن بن أبي
مليكة عن عائشة بغير واسطة أخرجه أبو داود والترمذي وصححه النسائي وصرح أيوب عن
ابن أبي مليكة بتحديث عائشة له بذلك فيحمل على أنه سمعه من عباد عنها ثم حدثته به (قوله مالي
مال الا ما أدخل علي) بالتشديد والزبير هو بن العوام كان زوجها (قوله فأتصدق) كذا
للأكثر بحذف أداة الاستفهام وللمستملي بإثباتها (قوله ولا توعي فيوعي الله عليك) بالنصب
لكونه جواب النهي وكذا قوله في الرواية الثانية فيحصي الله عليك والمعنى لا تجمعي في الوعاء
وتبخلي بالنفقة فتجازي بمثل ذلك وقد تقدم شرحه مبسوطا في أوائل كتاب الزكاة (قوله عن
فاطمة) هي بنت المنذر بن الزبير بن العوام وهي بنت عم هشام بن عروة الراوي عنها وزوجته
وأسماء هي بنت أبي بكر جدتهما جميعا لأبويهما الثاني حديث ميمونة عن يزيد هو بن أبي حبيب
وبكير هو بن عبد الله بن الأشج وهذا الاسناد نصفه الأول مصريون ونصفه الآخر مدنيون وفيه
ثلاثة من التابعين في نسق يزيد وبكير وكريب (قوله أنها أعتقت وليدة) أي جارية في رواية
النسائي من طريق عطاء بن يسار عن ميمونة أنها كانت لها جارية سوداء ولم أقف على اسم هذه
الجارية وبين النسائي من طريق أخرى عن الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي ميمونة
في أصل هذه الحادثة أنها كانت سألت النبي صلى الله عليه وسلم خادما فأعطاها خادما فأعتقتها
(قوله أما) بتخفيف الميم (أنك) بفتح الهمزة (لو أعطيتها أخوالك) أخوالها كانوا من بني هلال
أيضا واسم أمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث ذكرها بن سعد (قوله لو أعطيتها أخوالك)
(كان أعظم لاجرك) قال بن بطال فيه أن هبة ذي الرحم أفضل من العتق ويؤيده ما رواه
الترمذي والنسائي وأحمد وصححه بن خزيمة وابن حبان من حديث سلمان بن عامر الضبي
مرفوعا الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة لكن لا يلزم من ذلك أن
تكون هبة ذي الرحم أفضل مطلقا لاحتمال أن يكون المسكين محتاجا ونفعه بذلك متعديا
والآخر بالعكس وقد وقع في رواية النسائي المذكورة فقال أفلا فديت بها بنت أخيك من رعاية
الغنم فبين الوجه في الأولوية المذكورة وهي احتياج قرابتها إلى من يخدمها وليس في الحديث
أيضا حجة على أن صلة الرحم أفضل من العتق لأنها واقعة عين والحق أن ذلك يختلف باختلاف
الأحوال كما قررته ووجهه دخول حديث ميمونة في الترجمة أنها كانت رشيدة وأنها أعتقت قبل
أن تستأمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يستدرك ذلك عليها بل أرشدها إلى ما هو الأولى فلو كان
لا ينفذ لها تصرف في مالها لأبطله والله أعلم * الثالث حديث عائشة وصدره طرف من قصة
الإفك وسيأتي شرحها مستوفى في تفسير سورة النور وقوله وكان يقسم لكل امرأة منهن غير
سودة الخ حديث مستقل وقد ترجم له في النكاح وأورده مفردا ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك
إن شاء الله تعالى وقد تبين توجيهه هناك في شرح الباب الذي قبله قال ابن بطال ليس في أحاديث
الباب ما يرد على مالك لأنه يحملها على ما زاد على الثلث انتهى وهو حمل سائغ إن ثبت المدعي وهو
أنه لا يجوز لها تصرف فيما زاد على الثلث الا بإذن زوجها لما في ذلك من الجمع بين الأدلة والله أعلم
(قوله وقال بكر) هو ابن مضر (عن عمرو) هو ابن الحارث (عن بكير) هو ابن الأشج عن كريب
161

أن ميمونة أعتقت وقع في رواية المستملي عتقته وهو غلط فاحش فقد ذكره المصنف في الباب
الذي يليه بهذا الاسناد وقال فيه أعتقت وليدة لها وأراد المصنف بهذا التعليق شيئين أحدهما
موافقة عمرو بن الحارث ليزيد بن أبي حبيب على قوله عن كريب وقد خالفهما محمد بن إسحاق فرواه
عن بكير فقال عن سليمان بن يسار بدل بكير أخرجه أبو داود والنسائي من طريقه وقال الدارقطني
ورواية يزيد وعمرو أصح ثانيهما أنه عند بكر بن مضر عن عمرو بصورة الارسال قال فيه عن
كريب أن ميمونة أعتقت فذكر قصة ما أدركها لكن قد رواه بن وهب عن عمرو بن الحارث
فقال فيه عن كريب عن ميمونة أخرجه مسلم والنسائي من طريقه وطريق بكر بن مضر المعلقة
وصلها البخاري في كتاب بر الوالدين له وهو مفرد وسمعناه من طريق أبي بكر بن دلويه عنه قال حدثنا
عبد الله بن صالح هو كاتب الليث عن بكر بن مضر عنه (قوله باب بمن يبدأ
بالهدية) أي عند التعارض في أصل الاستحقاق (قوله وقال بكر) هو ابن مضر وعمرو وهو ابن
الحرث وقد مضى التنبيه على من وصله في الباب الذي قبله وحديث ميمونة فيه الاستواء في
صفة ما من الاستحقاق فيقدم القريب على الغريب وحديث عائشة المذكور بعده فيه
الاستواء في الصفات كلها فيقدم الأقرب في الذات (قوله عن أبي عمران الجوني) هو عبد الملك
والاسناد كله بصريون الا عائشة وقد دخلت البصرة (قوله عن طلحة بن عبد الله رجل من بني تيم
ابن مرة) في رواية حجاج بن منهال عن شعبة كما سيأتي في الأدب سمعت طلحة لكنه لم ينسبه وقد
أزالت هذه الرواية اللبس الذي تقدمت الإشارة إليه في كتاب الشفعة ووقع عند الإسماعيلي من
بنى تيم الرباب بفتح الراء والموحدة الخفيفة وآخره موحدة أخرى وهو وهم والصواب تيم بن مرة
وهو رهط أبي بكر الصديق وقد وافق محمد بن جعفر على ذلك يزيد بن هارون عن شعبة كما حكاه
الإسماعيلي وسيأتي شرح هذا الحديث في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى وقوله بابا منصوب
على التمييز (قوله باب من لم يقبل الهدية لعلة) أي بسبب ينشأ عنه الريبة
كالقرض ونحوه (قوله وقال عمر بن عبد العزيز الخ) وصله بن سعد بقصة فيه فروى من
طريق فرات بن مسلم قال أشتهي عمر بن عبد العزيز التفاح فلم يجد في بيته شيئا يشتري به فركبنا
معه فتلقاه غلمان الدير بأطباق تفاح فتناول واحدة فشمها ثم رد الاطباق فقلت له في ذلك فقال
لا حاجة لي فيه فقلت ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يقبلون الهدية فقال إنها
لأولئك هدية وهي للعمال بعدهم رشوة ووصله أبو نعيم في الحلية من طريق عمرو بن مهاجر
عن عمر بن عبد العزيز في قصة أخرى وقوله رشوة بضم الراء وكسرها ويجوز الفتح وهي ما يؤخذ
بغير عوض ويعاب أخذه وقال بن العربي الرشوة كل مال دفع ليبتاع به من ذي جاه عونا على
ما لا يحل والمرتشي قابضه والراشي معطيه والرائش الواسطة وقد ثبت حديث عبد الله بن عمرو في
لعن الراشي والمرتشي أخرجه الترمذي وصححه وفي رواية والرائش والراشي ثم قال الذي يهدى
لا يخلو أن يقصد ود المهدي إليه أو عونه أو ماله فأفضلها الأول والثالث جائز لأنه يتوقع بذلك
162

الزيادة على وجه جميل وقد تستحب إن كان محتاجا والمهدي لا يتكلف وإلا فيكره وقد تكون
سببا للمودة وعكسها وأما الثاني فإن كان لمعصية فلا يحل وهو الرشوة وإن كان لطاعة فيستحب
وإن كان لجائز فجائز لكن إن لم يكن المهدي له حاكما والإعانة لدفع مظلمة أو إيصال حق فهو جائز
ولكن يستحب له ترك الاخذ وإن كان حاكما فهو حرام اه ملخصا وفي معنى ما ذكره عمر حديث
مرفوع أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي حميد مرفوعا هدايا العمال غلول وفي إسناده
إسماعيل بن عياش وروايته عن غير أهل المدينة ضعيفة وهذا منها وقيل أنه رواه بالمعنى من
قصة بن اللتبية المذكورة ثاني حديثي الباب وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس وجابر
ثلاثتها في الطبراني الأوسط بأسانيد ضعيفة ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدثهما حديث
الصعب بن جثامة في قصة الحمار الوحشي وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في الحج الثاني حديث أبي
حميد في قصة بن اللتبية وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وسبق
في أواخر الزكاة تسميته وضبط اللتبية ووجه دخولهما في الترجمة ظاهر وأما حديث الصعب فإن
النبي صلى الله عليه وسلم بين العلة في عدم قبوله هديته لكونه كان محرما والمحرم لا يأكل ما صيد
لأجله واستنبط منه المهلب رد هدية من كان ماله حراما أو عرف بالظلم وأما حديث أبي حميد فلانه
صلى الله عليه وسلم عاب علي بن اللتبية قبوله الهدية التي أهديت إليه لكونه كان عاملا وأفاد
بقوله فهلا جلس في بيت أمه أنه أنه لو أهدي إليه في تلك الحالة لم تكره لأنها كانت لغير ريبة قال ابن
بطال فيه أن هدايا العمال تجعل في بيت المال وأن العامل لا يملكها الا أن طلبها له الامام وفيه
كراهة قبول هدية طالب العناية وقوله في حديث أبي حميد حتى نظرت عفرة بضم المهملة وفتحها
وسكون الفاء وقد تفتح بياض ليس بالناصع (قوله باب إذا وهب هبة أو
وعد ثم مات قبل أن تصل إليه) أي الهدية وفي رواية الكشميهني أو وعد عدة قال الإسماعيلي
هذه الترجمة لا تدخل في الهبة بحال قلت قال ذلك بناء على أن الهبة لا تصح الا بالقبض وإلا
فليست هبة وهذا مقتضى مذهبه لكن من يقول أنها تصح بدون القبض يسميها هبة وكأن
البخاري جنح إلى ذلك وسأذكر نقل الخلاف فيه في الباب الذي يليه وقال ابن بطال لم يرو عن
أحد من السلف وجوب القضاء بالعدة أي مطلقا وإنما نقل عن مالك أنه يجب منه ما كان
بسبب انتهى وغفل عما ذكره بن عبد البر عن عمر بن عبد العزيز وعما نقله هو عن أصبغ وعما
سيأتي في البخاري الذي تصدى لشرحه في باب من أمر بانجاز الوعد في أواخر الشهادات وسيأتى
نقل ما فيه والبحث فيه في مكانه إن شاء الله تعالى (قوله وقال عبيدة) بفتح أوله وهو بن عمرو
السلماني بفتح المهملة وسكون اللام (قوله إن ماتا) أي المهدي والمهدي إليه الخ وتفصيله بين
أن تكون انفصلت أم لا مصير منه إلى أن قبض الرسول يقوم مقام المهدي إليه وذهب
الجمهور إلى أن الهدية لا تنتقل إلى المهدية إليه الا بأن يقبضها أو وكيله (قوله وقال الحسن
أيهما مات قبل فهي لورثة المهدي له إذا قبضها الرسول) قال ابن بطال قال مالك كقول
الحسن وقال أحمد وإسحاق أن كان حاملها رسول المهدي رجعت إليه وأن كان حاملها رسول
المهدى إليه فهي لورثته وفي معنى قول عبيدة وتفصيله حديث رواه أحمد والطبراني عن أم
كلثوم بنت أبي سلمة وهي بنت أم سلمة قالت لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة قال لها إني
163

قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من مسك ولا أرى النجاشي الا قد مات ولا أرى هديتي الا
مردودة علي فإن ردت علي فهي لك قال وكان كما قال الحديث وإسناده حسن ثم ذكر المصنف
حديث جابر في وفاء أبي بكر الصديق له ما وعده به النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي بسط شرحه
في كتاب فرض الخمس إن شاء الله تعالى قال الإسماعيلي ليس ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لجابر
هبة وإنما هي عدة على وصف لكن لما كان وعد النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يخلف
نزلوا وعده منزلة الضمان في الصحة فرقا بينه وبين غيره من الأمة ممن يجوز أن يفي وأن لا يفي
(قلت) وجه إيراده أنه نزل الهدية إذا لم تقبض منزلة الوعد بها وقد أمر الله بانجاز الوعد ولكن
حمله الجمهور على الندب كما سيأتي (قوله باب كيف يقبض العبد والمتاع) أي
الموهوب قال بن بطال كيفية القبض عند العلماء بإسلام الواهب لها إلى الموهوب وحيازة
الموهوب لذلك قال واختلفوا هل من شرط صحة الهبة الحيازة أم لا فحكى الخلاف وتحريره
قول الجمهور أنها لا تتم الا بالقبض وعن القديم وبه قال أبو ثور وداود تصح بنفس العقد وأن لم
تقبض وعن أحمد تصح بدون القبض في العين المعينة دون الشائعة وعن مالك كالقديم لكن
قال أن مات الواهب قبل القبض وزادت على الثلث افتقر إلى إجازة الوارث ثم أن الترجمة في
الكيفية لا في أصل القبض وكأنه أشار إلى قول من قال يشترط في الهبة حقيقة القبض دون
التخلية وسأشير إليه بعد ثلاثة أبواب (قوله وقال بن عمر كنت على بكر صعب) الحديث تقدم
ذكره وشرحه في كتاب البيوع ثم ذكر المصنف حديث المسور بن مخرمة في قصة أبيه في القباء
وسيأتى الكلام عليه في كتاب اللباس وقوله فقال خبأنا هذا لك قال فنظر إليه فقال رضي مخرمة
قال الداودي هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الاستفهام أي هل رضيت وقال
ابن التين يحتمل أن يكون من قول مخرمة (قلت) وهو المتبادر للذهن (قوله باب
إذا وهب هبة فقبضها الآخر ولم يقل قبلت) أي جازت ونقل فيه بن بطال اتفاق العلماء وأن
القبض في الهبة هو غاية القبول وغفل رحمه الله عن مذهب الشافعي فإن الشافعية يشترطون
القبول في الهبة دون الهدية الا أن كانت الهبة ضمنية كما لو قال أعتق عبدك عني فعتقه عنه
فإنه يدخل في ملكه هبة ويعتق عنه ولا يشترط القبول ومقابل إطلاق ابن بطال قول الماوردي
قال الحسن البصري لا يعتبر القبول في الهبة كالعتق قال وهو قول شذ به عن الجماعة وخالف فيه
الكافة الا أن يريد الهدية فيحتمل اه على أن في اشتراط القبول في الهدية وجها عند
الشافعية ثم أورده فيه حديث أبي هريرة في قصة المجامع فرمضان وقد تقدم شرحه مستوفى
في الصيام والغرض منه أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الرجل التمر فقبضه ولم يقل قبلت ثم قال له
اذهب فأطعمه أهلك ولمن اشترط القبول أن يجيب عن هذا بأنها واقعة عين فلا حجة فيها ولم
يصرح فيها بذكر القبول ولا بنفيه وقد اعترض الإسماعيلي بأنه ليس في الحديث أن ذلك كان
هبة بل لعله كان من الصدقة فيكون قاسما لا واهبا اه وقد تقدم في الصوم التصريح بأن ذلك
كان من الصدقة وكأن المصنف يجنح إلى أنه لا فرق في ذلك (قوله باب إذا
وهب دينا على رجل) أي صح ولم يقبضه منه ويقبض له قال ابن بطال لا خلاف بين العلماء
164

في صحة الابراء من الدين إذا قبل البراءة قال وإنما اختلفوا إذا وهب دينا له على رجل لرجل آخر
فمن اشترط في صحة الهبة القبض لم يصحح هذه ومن لم يشترطه صححها لكن شرط مالك أن تسلم إليه
الوثيقة بالدين ويشهد له بذلك على نفسه أو يشهد بذلك ويعلنه أن لم يكن به وثيقة اه وعند
الشافعية في ذلك وجهان جزم الماوردي بالبطلان وصححه الغزالي ومن تبعه وصحح العمراني
وغيره الصحة قيل والخلاف مرتب على البيع أن صححنا بيع الدين من غير من عليه فالهبة أولى
وان منعناه ففي الهبة وجهان والله أعلم (قوله وقال شعبة عن الحكم هو جائز) وصله ابن أبي
شيبة عن أبي داود عن شعبة قال لي الحكم أتاني ابن أبي ليلى يعني محمد بن عبد الرحمن
فسألني عن رجل كان له على رجل دين فوهبه له أله أن يرجع فيه قلت لا قال شعبة فسألت حمادا
فقال بلى له أن يرجع فيه (قوله ووهب الحسن بن علي دينه لرجل) لم أقف على من وصله (قوله
وقال النبي صلى الله عليه وسلم من كان عليه حق فليعطه أو ليتحلله منه أي من صاحبه وصله
مسدد في مسنده من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا من كان لاحد عليه حق
فليعطه إياه أو ليتحلله منه الحديث وقد تقدم موصولا بمعناه في كتاب المظالم ووجه الدلالة منه
لجواز هبة الدين أنه صلى الله عليه وسلم سوى بين أن يعطيه إياه أو يحلله منه ولم يشترط في التحليل
قبضا (قوله وقال جابر قتل أبي الخ) وصله في الباب بأتم منه وتؤخذ الترجمة من قوله فسأل النبي
صلى الله عليه وسلم غرماء والد جابر أن يقبلوا ثمر حائطه وأن يحللوه فلو قبلوا كان في ذلك براءة ذمته
من بقية الدين ويكون في معنى الترجمة وهو هبة الدين ولو لم يكن جائزا لما طلبه النبي صلى الله عليه
وسلم (قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك (قوله وقال الليث حدثني يونس) وصله الذهلي
في الزهريات عن عبد الله بن صالح عن الليث وقد سبق من وجه آخر في الاستقراض ويأتي
الكلام عليه مستوفى في علامات النبوة إن شاء الله تعالى (قوله باب هبة
الواحد للجماعة) أي يجوز ولو كان شيئا مشاعا قال ابن بطال غرض المصنف اثبات هبة
المشاع وهو قول الجمهور خلافا لأبي حنيفة كذا أطلق وتعقب بأنه ليس على إطلاقه وإنما
يفرق في هبة المشاع بين ما يقبل القسمة وما لا يقبلها والعبرة بذلك وقت القبض لا وقت العقد
قوله وقالت أسماء هي بنت أبي بكر الصديق والقاسم بن محمد هو ابن أبي بكر وهو ابن
أخيها وابن أبي عتيق هو أبو بكر عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهو ابن
ابن أخي أسماء (تنبيه) ذكر بن التين أنه وقع عنده في رواية القابسي إسقاط الواو من قوله
وابن أبي عتيق فصار القاسم بن محمد بن أبي عتيق وهو غلط ومع كونه غلطا فإنه يصير غير مناسب
للترجمة (قوله ورثت عن أختي عائشة) لما ماتت عائشة رضي الله عنها ورثها أختاها أسماء
وأم كلثوم وأولاد أخيها عبد الرحمن ولم يرثها أولاد محمد أخيها لأنه لم يكن شقيقها وكأن أسماء
أرادت جبر خاطر القاسم بذلك وأشركت معه عبد الله لأنه لم يكن وارثا لوجود أبيه ثم أورد
165

المصنف حديث سهل بن سعد في قصة شرب الأيمن فالأيمن وقد تقدم في المظالم ويأتي الكلام عليه
مستوفى في الأشربة وقد اعترض الإسماعيلي بأنه ليس في حديث سهل ما ترجم به وإنما هو من
طريق الارفاق وأطال في ذلك والحق كما قال ابن بطال أنه صلى الله عليه وسلم سأل الغلام أن يهب
نصيبه للأشياخ وكان نصيبه منه مشاعا غير متميز فدل على صحة هبة المشاع والله أعلم (قوله
باب الهبة المقبوضة وغير المقبوضة والمقسومة وغير المقسومة) أما المقبوضة فتقدم
حكمها وأما غير المقبوضة فالمراد القبض الحقيقي وأما القبض التقديري فلا بد منه لان الذي
ذكره من هبة الغانمين لوفد هوازن ما غنموا قبل أن يقسم فيهم ويقبضوه فلا حجة فيه على صحة
الهبة بغير قبض لان قبضهم إياه وقع تقديريا باعتبار حيازتهم له على الشيوع نعم قال بعض العلماء
يشترط في الهبة وقوع القبض الحقيقي ولا يكفي القبض التقديري بخلاف البيع وهو وجه
للشافعية وأما الهبة المقسومة فحكمها واضح وأما غير المقسومة فهو المقصود بهذه الترجمة
وهى مسألة هبة المشاع والجمهور على صحة هبة المشاع للشريك وغيره سواء انقسم أولا وعن أبي
حنيفة لا يصح هبة جزء مما ينقسم مشاعا لا من الشريك ولا من غيره (قوله وقد وهب النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه لهوازن ما غنموا منهم وهو غير مقسوم) سيأتي موصولا في الباب
الذي يليه بأتم من هذا وقوله وهو غير مقسوم من تفقه المصنف (قوله حدثني ثابت) هو ابن محمد
العابد وثبت كذلك عند أبي علي بن السكن كذا للأكثر وبه جزم أبو نعيم في المستخرج وفي رواية
أبى زيد المروزي وقال ثابت ذكره بصورة التعليق وهو موصول عند الإسماعيلي وغيره وفى
رواية أبي أحمد الجرجاني قال البخاري حدثنا محمد حدثنا ثابت فزاد بالاسناد محمدا ولم يتابع على
ذلك والذي أظنه أن المراد بمحمد هو البخاري المصنف ويقع ذلك كثيرا فلعل الجرجاني ظنه
غيره والله أعلم وسيأتي الكلام على حديث جابر في الشروط ثم أورد المصنف حديث سهل بن سعد
المذكور في الباب الذي قبله وقد قدمت توجيهه ثم أورد حديث أبي هريرة في الذي كان له على
النبي صلى الله عليه وسلم دين فقال اشتروا له سنا وقد تقدم شرحه في الاستقراض وتوجيهه
ظاهر أيضا وعبد الله بن عثمان شيخ المصنف فيه هو المعروف بعبدان (قوله باب
إذا وهب جماعة لقوم) زاد الكشميهني في روايته أو وهب رجل جماعة جاز وهذه الزيادة غير
166

محتاج إليها لأنها تقدمت مفردة قبل بباب فقد أورد فيه حديث المسور في قصة هوازن وسيأتي
مستوفى في غزوة حنين في المغازي ووجه الدلالة منه لأصل الترجمة ظاهر لان الغانمين وهم جماعة
وهبوا بعض الغنيمة لمن غنموها منهم وهم قوم هوازن وأما الدلالة لزيادة الكشميهني فمن جهة أنه
كان للنبي صلى الله عليه وسلم سهم معين وهو سهم الصفي فوهبه لهم أو من جهة أنه صلى الله عليه
وسلم استوهب من الغانمين سهامهم فوهبوها له فوهبها هو لهم (قوله باب من
أهدى له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق بها) أي منهم (قوله ويذكر عن ابن عباس أن جلساءه
شركاؤه ولم يصح) هذا الحديث جاء عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا والموقوف أصلح إسنادا من
المرفوع فأما المرفوع فوصله عبد بن حميد من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن
عباس مرفوعا من أهديت له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها وفى إسناده مندل بن علي وهو
ضعيف ورواه محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو كذلك واختلف على عبد الرزاق عنه في رفعه
ووقفه والمشهور عنه الوقف وهو أصح الروايتين عنه وله شاهد مرفوع من حديث الحسن بن
علي في مسند إسحاق بن راهويه وآخر عن عائشة عند العقيلي واسنادهما ضعيف أيضا قال
العقيلي لا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ قال ابن بطال لو صح حديث ابن
عباس لحمل على الندب فيما خف من الهدايا وما جرت العادة بترك المشاحة فيه ثم ذكر حكاية أبى
يوسف المشهورة وفيما قاله نظر لأنه لو صح لكانت العبرة بعموم اللفظ فلا يخص القليل من
الكثير الا بدليل وأما حمله على الندب فواضح ثم أورد المصنف في الباب حديثين أحدهما
حديث أبي هريرة في قصة الذي كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقال اشتروا له سنا
الحديث وقد تقدم شرحه في الاستقراض ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم وهب
لصاحب السن القدر الزائد على حقه ولم يشاركه فيه غيره وهذا مصير من المصنف إلى اتحاد حكم
الهبة والهدية وقد تقدم ما فيه ثانيهما حديث ابن عمر في هبة النبي صلى الله عليه وسلم له البكر
الذي كان راكبه وقد تقدم شرحه في البيوع ووجه الدلالة منه للترجمة ظاهر كما تقرر من حديث أبي
هريرة وقد نازعه الإسماعيلي فيه والذي يظهر أن المصنف أراد الحاق المشاع في ذلك بغير
المشاع والحاق الكثير بالقليل لعدم الفارق (قوله باب إذا وهب بعيرا لرجل
وهو راكبه فهو جائز) أي وتنزل التخلية منزلة النقل فيكون ذلك قبضا فتصح الهبة وقد تقدم
توجيه ذلك (قوله وقال الحميدي إلى اخره) وصله أبو نعيم في المستخرج من مسند الحميدي بهذا
السند وقد تقدم في باب إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته من كتاب البيوع (قوله باب
هدية ما يكره لبسها) كذا للأكثر وما يصلح للمذكر والمؤنث فأنث هنا باعتبار الحلة ووقع في
رواية النسفي ما يكره لبسه وبه ترجم الإسماعيلي وابن بطال والمراد بالكراهة ما هو أعم من
167

التحريم والتنزيه وهدية ما لا يجوز لبسه جائزة فإن لصاحبه التصرف فيه بالبيع والهبة لمن
يجوز لباسه كالنساء ويستفاد من الترجمة الإشارة إلى منع ما لا يستعمل أصلا للرجال والنساء
كآنية الأكل والشرب من ذهب وفضة ثم أورد المصنف فيه ثلاثة أحاديث أحدها حديث
ابن عمر في حلة عطارد وسيأتي شرحه في كتاب اللباس ومناسبته للترجمة ظاهرة ثانيها حديث ابن
عمر في قصة فاطمة (قوله حدثنا محمد بن جعفر أبو جعفر) جزم الكلاباذي بأنه الفيدي نسبة إلى
فيد بفتح الفاء وسكون التحتانية بلد بين بغداد ومكة في نصف الطريق سواء وكان نزلها فنسب
إليها ويحتمل عندي أن يكون هو أبو جعفر القومسي الحافظ المشهور فقد أخرج عنه البخاري
حديثا غير هذا في المغازي وإنما جوزت ذلك لان المشهور في كنية الفيدي أبو عبد الله بخلاف
القومسي فكنيته أبو جعفر بلا خلاف (قوله حدثنا ابن فضيل عن أبيه) هو محمد بن فضيل
ابن غزوان الكوفي وليس لفضيل عن نافع عن ابن عمر في البخاري سوى هذا الحديث (قوله أتى
النبي صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يدخل عليها) زاد في رواية ابن نمير عن فضيل عند أبي
داود والإسماعيلي وابن حبان قال وقلما كان يدخل الا بدأ بها (قوله فذكرت ذلك له) زاد في
رواية بن نمير فجاء علي فرآها مهتمة (قوله فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم) في رواية الأصيلي
فذكره وفي رواية ابن نمير فقال يا رسول الله إن فاطمة أشتد عليها أنك جئت فلم تدخل عليها (قوله
سترا موشيا) بضم الميم وسكون الواو بعدها معجمة ثم تحتانية قال ابن التين أصلها موشيا فالتقى
حرفا علة وسبق الأول بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الأخرى وكسرت الأولى لأجل التي
بعدها فصار على وزن مرضى ومطلى ويجوز فيه موشى بوزن موسى وقال المطرزي الوشي خلط
لون بلون ومنه وشى الثوب إذا رقمه ونقشه وقال ابن الجوزي الموشى المخطط بألوان شتى (قوله
مالي وللدنيا) زاد ابن نمير مالي وللمرقم أي المرقوم والرقم النقش (قوله قال
ترسلي به) كذا لأبي ذر ترسلي بحذف النون هي لغة أو يقدر أن فحذفت لدلالة السياق وفي رواية للأكثر ترسل بضم
اللام بغير ياء (قوله أهل بيت بهم حاجة) يجر أهل على البدل ولم أعرفهم بعد وفي الحديث كراهة
دخول البيت الذي فيه ما يكره وأورد ابن حبان عقب هذا الحديث حديث سفينة فقال لم يكن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل بيتا مزوقا وترجم عليه البيان بأن ذلك لم يكن منه صلى الله
عليه وسلم في بيت فاطمة دون غيرها وفيما قاله نظر الا أن حملنا التزويق على ما هو أعم مما يصنع
في نفس الجدار أو يعلق عليه قال المهلب وغيره كره النبي صلى الله عليه وسلم لابنته ما كره لنفسه
من تعجيل الطيبات في الدنيا لا أن ستر الباب حرام وهو نظير قوله لها لما سألته خادما ألا أدلك على
خير من ذلك فعلمها الذكر عند النوم ثالثها حديث علي في الحلة وفيه قوله فشققتها بين نسائي
وسيأتى شرحه في كتاب اللباس ومناسبته ظاهرة من قوله فرأيت الغضب في وجهه فإنه دال على
أنه كره له لبسها مع كونه أهداها له (قوله باب قبول الهدية من المشركين) أي
جواز ذلك وكأنه أشار إلى ضعف الحديث الوارد في رد هدية المشرك وهو ما أخرجه موسى بن
عقبة في المغازي عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم أن عامر
ابن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك فأهدى
له فقال إني لا أقبل هدية مشرك الحديث رجاله ثقات الا أنه مرسل وقد وصله بعضهم عن الزهري
168

ولا يصح وفي الباب حديث عياض بن حماد أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من طريق قتادة
عن يزيد بن عبد الله عن عياض قال أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة فقال أسلمت قلت لا قال
انى نهيت عن زبد المشركين والزبد بفتح الزاي وسكون الموحدة الرق صححه الترمذي وابن خزيمة
وأورد المصنف عدة أحاديث دالة على الجواز فجمع بينها الطبري بأن الامتناع فيما أهدي له خاصة
والقبول فيما أهدي للمسلمين وفيه نظر لان من جملة أدلة الجواز ما وقعت الهدية فيه له خاصة وجمع
غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة والقبول في حق من يرجى في بذلك تأنيسه
وتأليفه على الاسلام وهذا أقوى من الأول وقيل يحمل القبول على من كان من أهل الكتاب
والرد على من كان من أهل الأوثان وقيل يمتنع ذلك لغيره من الامراء وأن ذلك من خصائصه ومنهم
من ادعى نسخ المنع بأحاديث القبول ومنهم من عكس وهذه الأجوبة الثلاثة ضعيفة فالنسخ
لا يثبت بالاحتمال ولا التخصيص (قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إبراهيم
عليه الصلاة والسلام بسارة) الحديث أورده مختصرا وسيأتي موصولا مع الكلام عليه في أحاديث الأنبياء
ووجه الدلالة منه ظاهر وهو مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه ولا سيما
إذا لم يرد من شرعنا إنكاره (قوله وأهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم) ذكره موصولا
في هذا الباب (قوله وقال أبو حميد أهدى ملك أيلة) بفتح الهمزة وسكون التحتانية بلد معروف
بساحل البحر في طريق المصريين إلى مكة وهي الآن خراب وقد تقدم الحديث مطولا في الزكاة
وقوله وكتب إليه ببحرهم أي ببلدهم وحمله الداودي على ظاهره فوهم ثم أورد المصنف في الباب
ثلاثة أحاديث أحدها حديث أنس في جبة السندس وسيأتي شرحها في كتاب اللباس إن شاء
الله تعالى (قوله أهدي) بضم أوله على البناء للمجهول (قوله وكان ينهى) أي النبي صلى الله
عليه وسلم عن الحرير وهي جملة حالية (قوله وقال سعيد) هو ابن أبي عروبة (الخ) وصله أحمد
عن روح عن سعيد وهو ابن أبي عروبة به وقال فيه جبة سندس أو ديباج شك سعيد وسيأتي
بيان ما فيه من التخالف مع بقية شرحه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى وأراد البخاري منه بيان
الذي أهدى لتظهر مطابقته للترجمة وقد أخرجه مسلم من طريق عمرو بن عامر عن قتادة فقال فيه
ان أكيدر دومة الجندل وأكيدر دومة هو أكيدر تصغير أكدر ودومة بضم المهملة وسكون الواو
بلد بين الحجاز والشام وهي دومة الجندل مدينة بقرب تبوك بها نخل وزرع وحصن على عشر
مراحل من المدينة وثمان من دمشق وكان أكيدر ملكها وهو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن
بالجيم والنون بن أعباء بن الحارث بن معاوية ينسب إلى كندة وكان نصرانيا وكان النبي صلى الله
عليه وسلم أرسل إليه خالد بن الوليد في سرية فأسره وقتل أخاه حسان وقدم به المدينة فصالحه النبي
صلى الله عليه وسلم على الجزية وأطلقه ذكر بن إسحاق قصته مطولة في المغازي وروى أبو يعلى
باسناد قوي من حديث قيس بن النعمان أنه لما قدم أخرج قباء من ديباج منسوجا بالذهب فرده
النبي صلى الله عليه وسلم عليه ثم أنه وجد في نفسه من رد هديته فرجع به فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم ادفعه إلى عمر الحديث وفي حديث علي عند مسلم أن أكيدر دومة أهدى للنبي صلى
الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه عليا فقال شققه خمرا بين الفواطم فيستفاد منه أن الحلة التي
ذكرها علي في الباب الذي قبله هي هذه التي أهداها أكيدر وسيأتي المراد بالفواطم في اللباس
169

إن شاء الله تعالى * ثانيها حديث أنس أيضا أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة
مسمومة فأكل منها الحديث وسيأتي شرحه في غزوة خيبر من المغازي واسم اليهودية المذكورة
زينب وقد اختلف في اسلامها كما سيأتي (قوله فأكل منها فجئ بها) زاد مسلم وأحمد في روايته
من الوجه المذكور هنا فأكل منه فقال أنها جعلت فيه سما وزاد مسلم بعد قوله فجئ بها إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت لأقتلك قال ما كان الله ليسلطك علي
(قوله فقيل ألا نقتلها) في رواية أحمد ومسلم فقالوا يا رسول الله (قوله في لهوات) بفتح اللام
جمع لهاة وهي سقف الفم أو اللحمة المشرفة على الحلق وقيل هي أقصى الحلق وقيل ما يبدو من
الفم عند التبسم ثالثها حديث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وقد تقدم بعضه بهذا الاسناد في
البيوع (قوله عن أبيه) هو سليمان بن طرخان التيمي والاسناد كله بصريون الا الصحابي (قوله
صاع من طعام أو نحوه) بالرفع والضمير للصاع (قوله ثم جاء رجل مشرك) لم أقف على اسمه ولا على
اسم صاحب الصاع المذكور (قوله مشعان) بضم الميم وسكون المعجمة بعدها مهملة وآخره نون
ثقيلة فسره المصنف في آخر الحديث في رواية المستملي بأنه الطويل جدا فوق الطول وزاد غيره
مع افراد الطول شعث الرأس وقد تقدم وكأنه أقوى لأنه سيأتي في الأطعمة من وجه آخر بلفظ
مشعان طويل ويحتمل أن يكون قوله طويل تفسير المشعان وقال القزاز المشعان الجافي الثائر
الرأس (قوله بيعا أم عطية) انتصب على فعل مقدر (قوله فاشترى منه شاة) في رواية الكشميهني
فاشترى منها أي من الغنم (قوله بسواد البطن) هو الكبد أو كل ما في البطن من كبد وغيرها
(قوله وأيم الله) هو قسم وقد تقدم أنه يقال بالهمز وبالوصل وغير ذلك (قوله أعطاها إياه) هو
من القلب وأصله أعطاه إياها (قوله فأكلوا أجمعون) يحتمل أن يكونوا اجتمعوا على القصعتين
فيكون فيه معجزة أخرى لكونهما وسعتا أيدي القوم ويحتمل أن يريد أنهم أكلوا كلهم في الجملة
أعم من الاجتماع والافتراق (قوله ففضلت القصعتان فحملناه) أي الطعام ولو أراد القصعتين
لقال حملناهما ووقع في رواية المصنف في الأطعمة وفضل في القصعتين وكذا أخرجه مسلم
والضمير على هذا للقدر الذي فضل (قوله أو كما قال) شك من الراوي وفي هذا الحديث قبول
هدية المشرك لأنه سأله هل يبيع أو يهدي وفيه فساد قول من حمل رد الهدية على الوثني دون
الكتابي لان هذا الأعرابي كان وثنيا وفيه المواساة عند الضرورة وظهور البركة في الاجتماع
على الطعام والقسم لتأكيد الخبر وأن كان المخبر صادقا ومعجزة ظاهرة وآية باهرة من تكثير القدر
اليسير من الصاع ومن اللحم حتى وسع الجمع المذكور وفضل منه ولم أر هذه القصة الا من حديث
عبد الرحمن وقد ورد تكثير الطعام في الجملة من أحاديث جماعة من الصحابة محل الإشارة إليها
علامات النبوة وستأتي إن شاء الله تعالى (قوله باب الهدية للمشركين
وقول الله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) ساق إلى آخر الآية وهي رواية أبي ذر
170

وأبى الوقت وساق الباقون إلى قوله وتقسطوا إليهم والمراد منها بيان من يجوز بره منهم وأن
الهدية للمشرك اثباتا ونفيا ليست على الاطلاق ومن هذه المادة قوله تعالى وان جاهداك على
أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا الآية ثم البر والصلة
والاحسان لا يستلزم التحابب والتوادد المنهي عنه في قوله تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله
واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله الآية فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل والله
أعلم وأورد فيه حديثين * أحدهما حديث بن عمر في حلة عطارد وقد سبق قريبا والغرض
منه قوله فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم واسم هذا الأخ عثمان بن حكيم وكان
أخا عمر من أمه أمهما خيثمة بنت هشام بن المغيرة وهي بنت عم أبي جهل بن هشام بن المغيرة وقال
الدمياطي إنما كان عثمان بن حكيم أخا زيد بن الخطاب أخي عمر لامه أمهما أسماء بنت وهب
(قلت) أن ثبت احتمل أن تكون أسماء بنت وهب أرضعت عمر فيكون عثمان بن حكيم أخاه أيضا
من الرضاعة كما هو أخو أخيه زيد من أمه ثانيهما حديث أسماء بنت أبي بكر (قوله عن هشام)
هو ابن عروة وفي رواية بن عيينة الآتية في الأدب أخبرني أبي (قوله عن أسماء بنت أبي بكر) في
رواية ابن عيينة المذكورة أخبرتني أسماء كذا قال أكثر أصحاب هشام وقال بعض أصحاب ابن
عيينة عنه عن هشام عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء قال الدارقطني وهو خطأ (قلت) حكى أبو
نعيم أن عمر بن علي المقدمي ويعقوب القارئ روياه عن هشام كذلك فيحتمل أن يكونا محفوظين
ورواه أبو معاوية وعبد الحميد بن جعفر عن هشام فقالا عن عروة عن عائشة وكذا أخرجه ابن
حبان من طريق الثوري عن هشام والأول أشهر قال البرقاني وهو أثبت اه ولا يبعد أن يكون
عند عروة عن أمه وخالته فقد أخرجه بن سعد وأبو داود الطيالسي والحاكم من حديث عبد
الله ابن الزبير قال قدمت قتيلة بالقاف والمثناة مصغرة بنت عبد العزى بن سعد من بني مالك بن
حسل بكسر الحاء وسكون السين المهملتين على ابنتها أسماء بنت أبي بكر في الهدنة وكان أبو بكر
طلقها في الجاهلية بهدايا زبيب وسمن وقرظ فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها وأرسلت
إلى عائشة سلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لتدخلها الحديث وعرف منه تسمية أم أسماء
وانها أمها حقيقة وأن من قال أنها أمها من الرضاعة فقد وهم ووقع عند الزبير بن بكار أن اسمها
قيلة ورأيته في نسخة مجردة منه بسكون التحتانية وضبطه بن مأكولا بسكون المثناة فعلى
هذا فمن قال قتيلة صغرها قال الزبير أم أسماء وعبد الله ابني أبي بكر قيلة بنت عبد العزي وساق
نسبها إلى حسل بن عامر بن لؤي وأما قول الداودي أن اسمها أم بكر فقد قال بن التين لعله كنيتها
(قوله قدمت علي أمي) زاد الليث عن هشام كما سيأتي في الأدب مع ابنها وكذا في رواية حاتم بن
إسماعيل عن هشام كما سيأتي في أواخر الجزية وذكر الزبير أن اسم ابنها المذكور الحارث بن مدرك بن
عبيد بن عمرو بن مخزوم ولم أر له ذكرا في الصحابة فكأنه مات مشركا وذكر بعض شيوخنا أنه وقع
في بعض النسخ مع أبيها بموحدة ثم تحتانية وهو تصحيف (قوله وهي مشركة) سأذكر ما قيل في
اسلامها (قوله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية حاتم في عهد قريش إذ عاهدوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد بذلك ما بين الحديبية والفتح وسيأتي بيانه في المغازي (قوله
فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت أن أمي قدمت وهي راغبة) في رواية حاتم فقالت
171

يا رسول الله أن أمي قدمت علي وهي راغبة ولمسلم من طريق عبد الله بن إدريس عن هشام راغبة
أو راهبة بالشك وللطبراني من طريق عبد الله بن إدريس المذكور راغبة وراهبة وفي حديث
عائشة عند بن حبان جاءتني راغبة وراهبة وهو يؤيد رواية الطبراني والمعنى أنها قدمت طالبة
في بر ابنتها لها خائفة من ردها إياها خائبة هكذا فسره الجمهور ونقل المستغفري أن بعضهم أوله
فقال وهي راغبة في الاسلام فذكرها لذلك في الصحابة ورده أبو موسى بأنه لم يقع في شئ من
الروايات ما يدل على اسلامها وقولها راغبة أي في شئ تأخذه وهي على شركها ولهذا استأذنت
أسماء في أن تصلها ولو كانت راغبة في الاسلام لم تحتج إلى إذن اه وقيل معناه راغبة عن ديني
أو راغبة في القرب مني ومجاورتي والتودد إلي لأنها ابتدأت أسماء بالهدية التي أحضرتها ورغبت
منها في المكافأة ولو حمل قوله راغبة أي في الاسلام لم يستلزم اسلامها ووقع في رواية عيسى بن
يونس عن هشام عند أبي داود والإسماعيلي راغمة بالميم أي كارهة للاسلام ولم تقدم مهاجرة وقال
ابن بطال قيل معناه هاربة من قومها ورده بأنه لو كان كذلك لكان مراغمة قال وكان أبو عمرو بن
العلاء يفسر قوله مراغما بالخروج عن العدو على رغم أنفه فيحتمل أن يكون هذا كذلك قال
وراغبة بالموحدة أظهر في معنى الحديث (قوله صلي أمك) زاد في الأدب عقب حديثه عن الحميدي
عن ابن عيينة قال بن عيينة فأنزل الله فيها لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين وكذا وقع في
آخر حديث عبد الله بن الزبير ولعل بن عيينة تلقاه منه وروى بن أبي حاتم عن السدي أنها
نزلت في ناس من المشركين كانوا ألين شئ جانبا للمسلمين وأحسنه أخلاقا (قلت) ولا منافاة بينهما
فان السبب خاص واللفظ عام فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء وقيل نسخ ذلك آية
الامر بقتل المشركين حيث وجدوا والله أعلم وقال الخطابي فيه أن الرحم الكافرة توصل من
المال ونحوه كما توصل المسلمة ويستنبط منه وجوب نفقة الأب الكافر والام الكافرة وأن كان
الولد مسلما اه وفيه موادعة أهل الحرب ومعاملتهم في زمن الهدنة والسفر في زيارة القريب
وتحري أسماء في أمر دينها وكيف لا وهي بنت الصديق وزوج الزبير رضي الله عنهم (قوله
باب لا يحل لاحد أن يرجع في هبته وصدقته) كذا بت الحكم في هذه المسألة لقوة
الدليل عنده فيها وتقدم في باب الهبة للولد أنه أشار في الترجمة إلى أن
للوالد الرجوع فيما وهبه للولد فيمكن أنه يرى صحة الرجوع له وأن كان حراما بغير عذر واختلف السلف في أصل المسألة
وقد أشرنا إلى تفاصيل مذاهبهم في باب الهبة للولد ولا فرق في الحكم بين الهدية والهبة وأما
الصدقة فاتفقوا على أنه لا يجوز الرجوع فيها بعد القبض وأورد المصنف في الباب حديثين
* أحدهما حديث بن عباس من طريقين * إحداهما (قوله حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا
هشام) هو الدستوائي (وشعبة) كذا أخرجه وتابعه أبو قلابة عند أبي عوانة وأبو خليفة عند
الإسماعيلي وعلي بن عبد العزيز عند البيهقي كلهم عن مسلم بن إبراهيم ورواه أبو داود عن مسلم
المذكور فقال حدثنا شعبة وأبان وهمام وتابعه إسماعيل القاضي عن مسلم بن إبراهيم عند أبي
نعيم فكأنه كان عند مسلم عن جماعة قوله عن سعيد بن المسيب عن بن عباس في رواية شهر عن
شعبة أخبرني قتادة سمعت سعيد بن المسيب يحدث أنه سمع بن عباس أخرجه أحمد (قوله قال
النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية بكير بن الأشج عن سعيد بن المسيب سمعت ابن عباس يقول
172

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أخرجه مسلم (قوله العائد في هبته كالعائد في قيئه) زاد
أبو داود في آخره قال همام قال قتادة ولا أعلم القئ الا حراما الطريق الثانية (قوله وحدثني عبد
الرحمن بن المبارك) هو العيشي بتحتانية ومعجمة بصري يكنى أبا بكر وليس أخا لعبد الله بن المبارك
المشهور والاسناد كله بصريون الا بن عباس وعكرمة وقد سكناها مدة (قوله ليس لنا مثل
السوء) أي لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخس الحيوانات في
أخس أحوالها قال الله سبحانه وتعالى للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الاعلى
ولعل هذا أبلغ في الزجر عن ذلك وأدل على التحريم مما لو قال مثلا لا تعودوا في الهبة وإلى القول
بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض ذهب جمهور العلماء الا هبة الوالد لولده جمعا بين هذا
الحديث وحديث النعمان الماضي وقال الطحاوي قوله لا يحل لا يستلزم التحريم وهو كقوله
لا تحل الصدقة لغني وإنما معناه لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوي الحاجة وأراد بذلك التغليظ
في الكراهة قال وقوله كالعائد في قيئه وأن اقتضى التحريم لكون القئ حراما لكن الزيادة في
الرواية الأخرى وهي قوله كالكلب تدل على عدم التحريم لان الكلب غير متعبد فالقئ ليس
حراما عليه والمراد التنزيه عن فعل يشبه فعل الكلب وتعقب باستبعاد ما تأوله ومنافرة سياق
الأحاديث له وبأن عرف الشرع في مثل هذه الأشياء يريد به المبالغة في الزجر كقوله من لعب
بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير (قوله الذي يعود في هبته) أي العائد في هبته إلى
الموهوب وهو كقوله تعالى أو لتعودن في ملتنا (قوله كالكلب يرجع في قيئه) هذا التمثيل وقع في
طريق سعيد بن المسيب أيضا عند مسلم أخرجه من رواية أبي جعفر محمد بن علي الباقر عنه بلفظ
مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب يقئ ثم يرجع في قيئه فيأكله وله في رواية بكير المذكورة
انما مثل الذي يتصدق بصدقة ثم يعود في صدقته كمثل الكلب يقئ ثم يأكل قيئه الحديث الثاني
حديث عمر (قوله حدثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والمهملة مكي قديم لم يخرج له غير
البخاري (قوله عن زيد بن أسلم) سيأتي في آخر حديث في الهبة عن الحميدي حدثنا سفيان سمعت
مالكا يسأل زيد بن أسلم فقال سمعت أبي فذكره مختصرا ولمالك في إسناد آخر سيأتي في الجهاد
عن نافع عن بن عمر وله في إسناد ثالث عن عمرو بن دينار عن ثابت الأحنف عن بن عمر أخرجه
ابن عبد البر (قوله سمعت عمر بن الخطاب) زاد ابن المديني عن سفيان على المنبر وهي في الموطآت
للدارقطني (قوله حملت على فرس) زاد القعنبي في الموطأ عتيق والعتيق الكريم الفائق من كل
شئ وهذا الفرس أخرج بن سعد عن الواقدي بسنده عن سهل بن سعد في تسمية خيل النبي صلى
الله عليه وسلم قال وأهدى تميم الداري له فرسا يقال له الورد فأعطاه عمر فحمل عليه عمر في سبيل الله
فوجده يباع الحديث فعرف بهذا تسميته وأصله ولا يعارضه ما أخرجه مسلم ولم يسق لفظه
وساقه أبو عوانة في مستخرجه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر حمل على
فرس في سبيل الله فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا لأنه يحمل على أن عمر لما أراد أن
يتصدق به فوض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيار من يتصدق به عليه أو استشاره فيمن
يحمله عليه فأشار به عليه فنسبت إليه العطية لكونه أمره بها (قوله في سبيل الله) ظاهره أنه حمله
عليه حمل تمليك ليجاهد به إذ لو كان حمل تحبيس لم يجز بيعه وقيل بلغ إلى حالة لا يمكن الانتفاع به
173

فيما حبس فيه وهو مفتقر إلى ثبوت ذلك ويدل على أنه تمليك قوله العائد في هبته ولو كان حبس
لقال في حبسه أو وقفه وعلى هذا المراد بسبيل الله الجهاد لا الوقف فلا حجة فيه لمن أجاز بيع
الموقوف إذا بلغ غاية لا يتصور الانتفاع به فيما وقف له قوله فأضاعه أي لم يحسن القيام عليه
وقصر في مؤونته وخدمته وقيل أي لم يعرف مقداره فأراد بيعه بدون قيمته وقيل معناه استعمله في
غير ما جعل له والأول أظهر ويؤيده رواية مسلم من طريق روح بن القاسم عن زيد بن أسلم فوجده
قد أضاعه وكان قليل المال فأشار إلى علة ذلك وإلى العذر المذكور في إرادة بيعه (قوله
لا تشتره) سمي الشراء عودا في الصدقة لان العادة جرت بالمسامحة بين البائع في مثل ذلك
للمشترى فأطلق على القدر الذي يسامح به رجوعا وأشار إلى الرخص بقوله وأن أعطاكه بدرهم
ويستفاد من قوله وأن أعطاكه بدرهم أن البائع كان قد ملكه ولو كان محبسا كما ادعاه من
تقدم ذكره وجاز بيعه لكونه صار لا ينتفع به فيما حبس له لما كان له أن يبيعه الا بالقيمة الوافرة
ولا كان له أن يسامح منها بشئ ولو كان المشتري هو المحبس والله أعلم وقد استشكله الإسماعيلي
وقال إذا كان شرط الواقف ما تقدم ذكره في حديث بن عمر في وقف عمر لا يباع أصله ولا يوهب
فكيف يجوز أن يباع الفرس الموهوب وكيف لا ينهى بائعه أو يمنع من بيعه قال فلعل معناه أن
عمر جعله صدقة يعطيها من يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطاءه فأعطاها النبي صلى الله عليه
وسلم الرجل المذكور فجرى منه ما ذكر ويستفاد من التعليل المذكور أيضا أنه لو وجده مثلا يباع
بأغلا من ثمنه لم يتناوله النهي (قوله فان العائد في صدقته الخ) حمل الجمهور هذا النهي في صورة
الشراء على التنزيه وحمله قوم على التحريم قال القرطبي وغيره وهو الظاهر ثم الزجر المذكور
مخصوص بالصورة المذكورة وما أشبهها لا ما إذا رده إليه الميراث مثلا قال الطبري يخص من
عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب ومن كان والدا والموهوب ولده والهبة التي لم تقبض
والتي ردها الميراث إلى الواهب لثبوت الاخبار باستثناء كل ذلك وأما ما عدا ذلك كالغني يثيب
الفقير ونحو من يصل رحمه فلا رجوع لهؤلاء قال ومما لا رجوع فيه مطلقا الصدقة يراد بها ثواب
الآخرة وقد استشكل ذكر عمر مع ما فيه من اذاعة عمل البر وكتمانه أرجح وأجيب بأنه تعارض
عنده المصلحتان الكتمان وتبليغ الحكم الشرعي فرجح الثاني فعمل به وتعقب بأنه كان يمكنه
أن يقول حمل رجل على فرس مثلا ولا يقول حملت فيجمع بين المصلحتين والظاهر أن محل رجحان
الكتمان إنما هو قبل الفعل وعنده وأما بعد وقوعه فلعل الذي أعطيه أذاع ذلك فانتفى الكتمان
ويضاف إليه أن في اضافته ذلك إلى نفسه تأكيدا لصحة الحكم المذكور لان الذي تقع له القصة
أجدر بضبطها ممن ليس عنده الا وقوعها بحضوره فلما أمن ما يخشى من الاعلان بالقصد صرح
بإضافة الحكم إلى نفسه ويحتمل أن يكون محل ترجيح الكتمان لمن يخشى على نفسه من الاعلان
العجب والرياء أما من أمن من ذلك كعمر فلا (قوله باب) كذا للجميع بغير
ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله ومناسبته لها أن الصحابة بعد ثبوت عطية النبي صلى
الله عليه وسلم ذلك لصهيب لم يستفصلوا هل رجع أم لا فدل على أن لا أثر للرجوع في الهبة (قوله إن
بنى صهيب) هو ابن سنان الرومي وقد تقدم أصله في العرب في باب شراء المملوك من الحربي
من كتاب البيوع وقوله مولى بني جدعان كذا في رواية الكشميهني وللباقين مولى ابن جدعان
174

وهى رواية الإسماعيلي من طريق أبي حاتم عن إبراهيم بن موسى شيخ البخاري فيه وابن جدعان هو
عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة وأما صهيب فكان له من الولد ممن روى
عنه حمزة وسعد وصالح وصيفي وعباد وعثمان ومحمد وحبيب (قوله فقال مروان) هو ابن الحكم
حيث كان أمير المدينة لمعاوية وكان موت صهيب بالمدينة في أواخر خلافة علي (قوله من يشهد
لكما) كذا فيه بالتثنية وبقية القصة بصيغة الجمع فيحمل على أن المتولي للدعوى بذلك منهم كانا
اثنين ورضي الباقون بذلك فنسب إليهم تارة بصيغة الجمع وتارة بصيغة التثنية على أن في رواية
الإسماعيلي فقال مروان من يشهد لكم ولا اشكال فيه وأجاب الكرماني بأن أقل الجمع اثنان عند
بعضهم (قوله لأعطي) بفتح اللام هي لام القسم كأنه أعطى الشهادة حكم القسم أو فيه قسم
مقدر أو عبر عن الخبر بالشهادة والخبر يؤكد بالقسم كثيرا وأن كان السامع غير منكر ويؤيد
كونه خبرا أن مروان قضى لهم بشهادة بن عمر وحده ولو كانت شهادة حقيقة لاحتاج إلى
شاهد آخر ودعوى بن بطال أنه قضى لهم بشهادته ويمينهم فيه نظر لأنه لم يذكر في الحديث وقد
استدل به بعض المتأخرين لقول بعض السلف كشريح أنه يكفي الشاهد الواحد إذا انضمت
إليه قرينة تدل على صدقه وترجم أبو داود في السنن باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد
يجوز له أن يحكم وساق قصة خزيمة بن ثابت في سبب تسميته ذا الشهادتين وهي مشهورة والجمهور
على أن ذلك خاص بخزيمة والله أعلم وقال بن التين يحتمل أن يكون مروان أعطى ذلك من
يستحق عنده العطاء من مال الله فإن كان النبي عليه الصلاة والسلام أعطاه كان تنفيذا له وأن لم
يكن كان هو المنشئ للعطاء وقد يكون ذلك خاصا بالفئ كما وقع في قصة أبي قتادة حيث قضى له
بدعواه وشهادة من كان عنده السلب (قوله بيتين وحجرة) ذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة ان
بيت صهيب كان لأم سلمة فوهبته لصهيب فلعلها فعلت ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم
أو نسب إليها بطريق المجاز وكان في الحقيقة للنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه لصهيب أو هو بيت
آخر غير ما وقعت به الدعوى المذكورة (قوله باب ما قيل في العمري والرقبى) أي
ما ورد في ذلك من الاحكام ثبت للأصيلي وكريمة بسملة قبل الباب والعمري بضم المهملة
وسكون الميم مع القصر وحكى ضم الميم مع ضم أوله وحكى فتح أوله مع السكون مأخوذ من العمر
والرقبى بوزنها مأخوذة من المراقبة لانهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية فيعطي الرجل الدار
ويقول له أعمرتك إياها أي أبحتها لك مدة عمرك فقيل لها عمري بذلك وكذا قيل لها رقبى لان كلا
منهما يرقب متى يموت الاخر لترجع إليه وكذا ورثته فيقومون مقامه في ذلك هذا أصلها لغة
وأما شرعا فالجمهور على أن العمري إذا وقعت كانت ملكا للآخذ ولا ترجع إلى الأول الا أن
صرح باشتراط ذلك وذهب الجمهور إلى صحة العمري إلى ما حكاه أبو الطيب الطبري عن بعض
الناس والماوردي عن داود وطائفة لكن بن حزم قال بصحتها وهو شيخ الظاهرية ثم اختلفوا
إلى ما يتوجه التمليك فالجمهور أنه يتوجه إلى الرقبة كسائر الهبات حتى لو كان المعمر عبدا
فأعتقه الموهوب له نفذ بخلاف الواهب وقيل يتوجه إلى المنفعة دون الرقبة وهو قول مالك
والشافعي في القديم وهل يسلك به مسلك العارية أو الوقف روايتان عند المالكية وعن الحنفية
التمليك في العمري يتوجه إلى الرقبة وفي الرقبى إلى المنفعة وعنهم أنها باطلة وقول المصنف أعمرته
175

الدار فهي عمري جعلتها له أشار بذلك إلى أصلها وأطلق الجعل لأنه يرى أنها تصير ملك الموهوب له
كقول الجمهور ولا يرى أنها عارية كما سيأتي تصريحه بذلك في آخر أبواب الهبة وقوله استعمركم
فيها جعلكم عمارا هو تفسير أبي عبيدة في المجاز وعليه يعتمد كثيرا وقال غيره استعمركم أطال
أعماركم وقيل معناه أذن لكم في عمارتها واستخراج قوتكم منها قوله عن يحيى هو بن أبي كثير
(قوله عن أبي سلمة عن جابر) في رواية هشام عن يحيى حدثني أبو سلمة سمعت جابر بن عبد الله
أخرجه مسلم وأبو سلمة هو بن عبد الرحمن (قوله قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرى أنها لمن
وهبت له) هو بفتح أنها أي قضى بأنها وفي رواية الزهري عن أبي سلمة عند مسلم أيما رجل أعمر
عمري له ولعقبه فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث
هذا لفظه من طريق مالك عن الزهري وله نحوه من طريق ابن جريج عن الزهري وله من طريق
الليث عنه فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن أعمر ولعقبه ولم يذكر التعليل الذي في آخره وله من
طريق معمر عنه إنما العمري التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هي لك ولعقبك
فأما الذي قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها قال معمر كان الزهري يفتي به ولم يذكر
التعليل أيضا وبين من طريق بن أبي ذئب عن الزهري أن التعليل من قول أبي سلمة وقد أوضحته
في كتاب المدرج وأخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر قال جعل الأنصار يعمرون
المهاجرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر
عمري فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه فيجتمع من هذه الروايات ثلاثة أحوال أحدها أن
يقول هي لك ولعقبك فهذا صريح في أنها للموهوب له ولعقبه ثانيها أن يقول هي لك ما عشت
فإذا مت رجعت إلي فهذه عارية مؤقتة وهي صحيحة فإذا مات رجعت إلى الذي أعطى وقد بينت
هذه والتي قبلها رواية الزهري وبه قال أكثر العلماء ورجحه جماعة من الشافعية والأصح عند
أكثرهم لا ترجع إلى الواهب واحتجوا بأنه شرط فاسد فلغي وسأذكر الاحتجاج لذلك آخر الباب
ثالثها أن يقول أعمرتكها ويطلق فرواية أبي الزبير هذه تدل على أن حكمها حكم الأول وأنها
لا ترجع إلى الواهب وهو قول الشافعي في الجديد والجمهور وقال في القديم العقد باطل من أصله
وعنه كقول مالك وقيل القديم عن الشافعي كالجديد وقد روى النسائي أن قتادة حكى أن سليمان
ابن هشام بن عبد الملك سأل الفقهاء عن هذه المسألة أعني صورة الاطلاق فذكر له قتادة عن
الحسن وغيره أنها جائزة وذكر له حديث أبي هريرة بذلك قال وذكر له عن عطاء عن جابر عن النبي
صلى الله عليه وسلم مثل ذلك قال فقال الزهري إنما العمري أي الجائزة إذا أعمر له ولعقبه من
بعده فإذا لم يجعل عقبة من بعده كان للذي يجعل شرطه قال قتادة واحتج الزهري بأن الخلفاء
لا يقضون بها فقال عطاء قضى بها عبد الملك بن مروان (قوله عن بشير) بالمعجمة وزن عظيم
(ابن نهيك) بالنون وزن ولده (قوله العمرى جائزة) فهم قتادة وهو راوي الحديث من هذا
الاطلاق ما حكيته عنه وحمله الزهري على التفصيل الماضي وإطلاق الجواز في هذه الرواية
لا يفهم منه غير الحل أو الصحة وأما حمله على الماضي للذي يعاطاها وهو الذي حمله عليه قتادة
فيحتاج إلى قدر زائد على ذلك وقد أخرج النسائي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي
هريرة مرفوعا لا عمري فمن أعمر شيئا فهو له وهو يشهد لما فهمه قتادة (قوله وقال عطاء حدثني
176

جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) في رواية غير أبي ذر نحوه بدل مثله وطريق عطاء موصولة
بالاسناد المذكور عن قتادة عنه فقتادة هو القائل وقال عطاء ووهم من جعله معلقا وقد بين ذلك
أبى الوليد عن همام أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريقه بالاسنادين جميعا ولفظهما واحد
وهو يقوى رواية أبي ذر وقد رواه مسلم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ العمري
ميراث لأهلها * (تنبيه) * ترجم المصنف بالرقبي ولم يذكر الا الحديثين الواردين في العمري وكأنه
يرى أنهما متحدا المعنى وهو قول الجمهور ومنع الرقبى مالك وأبو حنيفة ومحمد ووافق أبو يوسف
الجمهور وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن بن عباس موقوفا العمري والرقبى سواء وله من
طريق إسرائيل عن عبد الكريم عن عطاء قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمري
والرقبى قلت وما الرقبى قال يقول الرجل للرجل هي لك حياتك فإن فعلتم فهو جائز هكذا أخرجه
مرسلا وأخرجه من طريق ابن جريج عن عطاء عن حبيب بن أبي ثابت عن بن عمر مرفوعا
لا عمري ولا رقبى فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته ومماته رجاله ثقات لكن اختلف في سماع
حبيب له من بن عمر فصرح به النسائي من طريق ومعناه في طريق أخرى قال الماوردي اختلفوا
إلى ماذا يوجه النهي والأظهر أنه يتوجه إلى الحكم وقيل يتوجه إلى اللفظ الجاهلي والحكم
المنسوخ وقيل النهي إنما يمنع صحة ما يفيد المنهي عنه فائدة أما إذا كان صحة المنهي عنه ضررا
على مرتكبه فلا يمنع صحته كالطلاق في زمن الحيض وصحة العمري ضرر على المعمر فإن ملكه
يزول بغير عوض هذا كله إذا حمل النهي على التحريم فإن حمل على الكراهة أو الارشاد لم يحتج
إلى ذلك والقرينة الصارفة ما ذكر في آخر الحديث من بيان حكمة ويصرح بذلك قوله العمري
جائزة وللترمذي من طريق أبي الزبير عن جابر رفعه العمري جائزة لأهلها والرقبى جائزة لأهلها والله
أعلم قال بعض الحذاق إجازة العمري والرقبى بعيد عن قياس الأصول ولكن الحديث مقدم ولو قيل
بتحريمهما للنهي وصحتهما للحديث لم يبعد وكأن النهي لأمر خارج وهو حفظ الأموال ولو كان
المراد فيهما المنفعة كما قال مالك لم ينه عنهما والظاهر أنه ما كأن مقصود العرب بهما الا تمليك
الرقبة بالشرط المذكور فجاء الشرع بمراغمتهم فصحح العقد على نعت الهبة المحمودة وأبطل
الشرط المضاد لذلك فإنه يشبه الرجوع في الهبة وقد صح النهي عنه وشبه بالكلب يعود في قيئه
وقد روى النسائي من طريق أبي الزبير عن بن عباس رفعه العمري لمن أعمرها والرقبى لمن أرقبها
والعائد في هبته كالعائد في قيئه فشرط الرجوع المقارن للعقد مثل الرجوع الطارئ بعده فنهى
عن ذلك وأمر أن يبقيها مطلقا أو يخرجها مطلقا فإن أخرجها على خلاف ذلك بطل الشرط
وصح العقد مراغمة له وهو نحو إبطال شرط الولاء لمن باع عبدا كما تقدم في قصة بريرة (قوله
باب من استعار من الناس الفرس زاد أبو ذر عن مشايخه والدابة وزاد عن الكشميهني
وغيرها وثبت مثله لابن شبويه لكن قال وغيرهما بالتثنية وذكر بعض الشراح ممن أدركناه قبل
الباب كتاب العارية ولم أره في شئ من النسخ ولا الشروح والبخاري أضاف العارية إلى الهبة
لأنها هبة المنافع والعارية بتشديد التحتانية ويجوز تخفيفها وحكي عارة براء خفيفة بغير تحتانية
قال الأزهري مأخوذة من عار إذا ذهب وجاء ومنه سمي العيار لأنه يكثر الذهاب والمجئ وقال
البطليوسي هي من التعاور وهو التناوب وقال الجوهري منسوبة إلى العار لان طلبها عار
177

وتعقب بوقوعها من الشارع ولا عار في فعله وهذا التعقب وأن كان صحيحا في نفسه لكنه لا يرد
على ناقل اللغة وفعل الشارع في مثل ذلك لبيان الجواز وهي في الشرع هبة المنافع دون الرقبة
ويجوز توقيتها وحكم العارية إذا تلفت في يد المستعير أن يضمنها الا فيما إذا كان ذلك من
الوجه المأذون فيه هذا قول الجمهور وعن المالكية والحنفية أن لم يتعد لم يضمن وفي الباب عدة
أحاديث ليس فيها شئ على شرط البخاري أشهرها حديث أبي أمامة أنه سمع النبي صلى الله عليه
وسلم في حجة الوداع يقول العارية مؤداة والزعيم غارم أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه
ابن حبان (قلت) في الاستدلال به نظر وليس فيه دلالة على التضمين لان الله تعالى قال إن الله
يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا تلفت الأمانة لم يلزم ردها نعم روى الأربعة وصححه
الحاكم من حديث الحسن عن سمرة رفعه على اليد ما أخذت حتى تؤديه وسماع الحسن من سمرة
مختلف فيه فإن ثبت ففيه حجة لقول الجمهور والله أعلم قوله كان فزع بالمدينة أي خوف
من عدو (قوله من أبي طلحة) هو زيد بن سهل زوج أم أنس (قوله يقال له المندوب) قيل
سمى بذلك من الندب وهو الرهن عند السباق وقيل لندب كان في جسمه وهو أثر الجرح زاد في
الجهاد من طريق سعيد عن قتادة كان يقطف أو كان فيه قطاف كذا فيه بالشك والمراد أنه كان
بطئ المشي (قوله وان وجدناه لبحرا) في رواية المستملي وأن وجدنا بحذف الضمير قال الخطابي
ان هي النافية واللام في لبحرا بمعنى الا أي ما وجدناه الا بحرا قال بن التين هذا مذهب الكوفيين
وعند البصريين أن مخففة من الثقيلة واللام زائدة كذا قال قال الأصمعي يقال للفرس بحر إذا
كان واسع الجري أو لان جريه لا ينفد كما لا ينفد البحر ويؤيده ما في رواية سعيد عن قتادة وكان
بعد ذلك لا يجارى وسيأتي في الجهاد ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى (قوله
باب الاستعارة للعروس عند البناء) أي الزفاف وقيل له بناء لانهم يبنون لمن يتزوج قبة
يخلو بها مع المرأة ثم أطلق ذلك على التزويج قوله حدثنا عبد الواحد تقدم بهذا الاسناد في آخر
العتق حديث وفيه شرح حال أيمن والد عبد الواحد (قوله وعليها درع قطر) الدرع قميص المرأة
وهو مذكر قال الجوهري ودرع الحديد مؤنثة وحكى أبو عبيدة أنه أيضا يذكر ويؤنث والقطر
بكسر القاف وسكون المهملة بعدها راء وفي رواية المستملى والسرخسي بضم القاف وآخره نون
والقطر ثياب من غليظ القطن وغيره وقيل من القطن خاصة وحكى بن قرقول أنه في رواية ابن
السكن والقابسي بالفاء المكسورة آخره راء وهو ضرب من ثياب اليمن تعرف بالقطرية فيها حمرة
قال البناسي والصواب بالقاف وقال الأزهري الثياب القطرية منسوبة إلى قطر قرية في البحرين
فكسروا القاف للنسبة وخففوا (قوله ثمن خمسة دراهم) بنصب ثمن بتقدير فعل وخمسة
بالخفض على الإضافة أو برفع الثمن وخمسة على حذف الضمير والتقدير ثمنه خمسة وروي بضم
أوله وتشديد الميم على لفظ الماضي ونصب خمسة على نزع الخافض أي قوم بخمسة دراهم ووقع
في رواية ابن شبويه وحده خمسة الدراهم (قوله إلى جاريتي) لم أعرف اسمها (قوله تزهى) بضم أوله
أي تأنف أو تتكبر يقال زهى يزهى إذا دخله الزهو وهو الكبر ومنه ما أزهاه وهو من الحروف التي
جاءت بلفظ البناء للمفعول وأن كانت بمعنى الفاعل مثل عنى بالامر ونتجت الناقة (قلت) ورأيته
في رواية أبي ذر تزهي بفتح أوله وقد حكاها بن دريد وقال الأصمعي لا يقال بالفتح (قوله تقين)
178

بالقاف أي تزين من قان الشئ قيانة أي أصلحه والقينة تقال للماشطة وللمغنية وللأمة مطلقا
وحكى ابن التين أنه روى تفين بالفاء أي تعرض وتجلى على زوجها قلت ولم يضبط ما بعد الفاء
ورأيته بخط بعض الحفاظ بمثناة فوقانية قال بن الجوزي أرادت عائشة رضي الله عنها أنهم
كانوا أولا في حال ضيق وكان الشئ المحتقر عندهم إذ ذاك عظيم القدر وفي الحديث أن عارية
السياب للعروس أمر معمول به مرغب فيه وأنه لا يعد من الشنع وفيه تواضع عائشة وأمرها في
ذلك مشهور وفيه حلم عائشة عن خدمها ورفقها في المعاتبة وايثارها بما عندها مع الحاجة
إليه وتواضعها بأخذها السلفة في حال اليسار مع ما كان مشهورا عنها من الجود رضي الله عنها
(قوله باب فضل المنيحة) حذف باب من رواية أبي ذر والمنيحة بالنون والمهملة
وزن عظيمة هي في الأصل العطية قال أبو عبيد المنيحة عند العرب على وجهين أحدهما أن يعطي
الرجل صاحبه صلة فتكون له والاخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنا ثم يردها
والمراد بها في أول أحاديث الباب هنا عارية ذوات الألبان ليأخذ لبنها ثم ترد هي لصاحبها وقال
القزاز قيل لا تكون المنيحة الا ناقة أو شاة والأول أعرف ثم ذكر المصنف فيه ستة أحاديث الأول
حديث أبي هريرة (قوله نعم المنيحة اللقحة الصفي منحة) اللقحة الناقة ذات اللبن القريبة العهد
بالولادة وهي مكسورة اللام ويجوز فتحها والمعروف أن اللقحة بفتح اللام المرة الواحدة من
الحلب والصفي بفتح الصاد وكسر الفاء أي الكريمة الغزيرة اللبن ويقال لها الصفية أيضا كذا
رواه يحيى بن بكير وذكر المصنف بعده أن عبد الله بن يوسف وإسماعيل يعني ابن أبي أويس روياه
بلفظ نعم الصدقة اللقحة الصفي منحة وهذا هو المشهور عن مالك وكذا رواه شعيب عن أبي الزناد
كما سيأتي في الأشربة قال ابن التين من روى نعم الصدقة روى أحدهما بالمعنى لآن المنحة العطية
والصدقة أيضا عطية (قلت) لا تلازم بينهما فكل صدقة عطية وليس كل عطية صدقة وإطلاق
الصدقة على المنحة مجاز ولو كانت المنحة صدقة لما حلت للنبي صلى الله عليه وسلم بل هي من جنس
الهبة والهدية وقوله منحة منصوب على التمييز قال بن مالك فيه وقوع التمييز بعد فاعل نعم ظاهرا
وقد منعه سيبويه الا مع الاضمار مثل بئس للظالمين بدلا وجوزه المبرد وهو الصحيح وقال أبو البقاء
اللقحة هي المخصوصة بالمدح ومنحة منصوب على التمييز توكيدا وهو كقول الشاعر
* فنعم الزاد زاد أبيك زادا * (قوله تغدو بإناء وتروح بإناء) أي من اللبن أي تحلب إناء
بالغداة وإناء بالعشي ووقع هذا الحديث في رواية مسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد بلفظ ألا
رجل يمنح أهل بيت ناقة تغدو بإناء وتروح بإناء أن أجرها لعظيم الحديث الثاني حديث أنس
(قوله وليس بأيديهم) كذا للجميع وفي رواية الأصيلي وكريمة يعني شئ (2) وثبت لفظ شئ في
رواية مسلم عن حرملة وأبي الطاهر عن بن وهب (قوله فقاسمهم الأنصار الخ) ظاهره مغاير لقوله
في حديث أبي هريرة الماضي في المزارعة قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم أقسم بيننا وبين
إخواننا النخيل قال لا والجمع بينهما أن المراد بالمقاسمة هنا القسمة المعنوية وهي التي أجابهم إليها في
حديث أبي هريرة حيث قال قالوا فيكفوننا المؤنة ونشركهم في الثمر فكان المراد هنا مقاسمة
الثمار والمنفي هناك مقاسمة الأصول وزعم الداودي وأقره بن التين أن المراد بقوله هنا قاسمهم
الأنصار أي حالفوهم جعله من القسم بفتح القاف والمهملة لا من القسم بسكون المهملة وقد
179

تقدم تعقب ما زعمه في كتاب المزارعة (قوله وكانت أمة أم أنس الخ) الضمير في أمه يعود على أنس
وأم أنس بدل منه وكذا أم سليم وفي رواية مسلم وكانت أمه أم أنس بن مالك وهي تدعي أم سليم
وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة كان أخا لأنس لامه والذي يظهر أن قائل ذلك هو الزهري الراوي عن
أنس لكن بقية السياق يقتضي أنه من رواية الزهري عن أنس فيحمل على التجريد (قوله فكانت
أعطت أم أنس) أي كانت أم أنس أعطت (قوله عذاقا) بكسر المهملة وبذال معجمة خفيفة جمع
عذق بفتح ثم سكون كحبل وحبال والعذق النخلة وقيل إنما يقال لها ذلك إذا كان حملها موجودا
والمراد أنها وهبت له ثمرها (قوله قال ابن شهاب) هو موصول بالاسناد المذكور وكذا هو عند
مسلم (قوله إلى أمه) أي إلى أم أنس وهي أم سليم (قوله فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم
أيمن مكانهن) أي بدلهن (قوله من حائطه) أي بستانه (قوله وقال أحمد بن شبيب أخبرنا أبي
عن يونس بهذا) أي بالاسناد والمتن (قوله وقال مكانهن من خالصه) يعني أنه وافق ابن وهب في
السياق الا في قوله من حائطه فقال من خالصه أي من خالص ماله قال بن التين المعنى واحد لان
حائطه صار له خالصا (قلت) لكن لفظ خالصه أصرح في الاختصاص من حائطه وطريق أحمد
ابن شبيب هذه وصلها البرقائي في المصافحة من طريق محمد بن علي الصائغ عن أحمد بن شبيب
المذكور مثله زاد مسلم في آخر الحديث قال بن شهاب وكان من شأن أم أيمن أنها كانت وصيفة
لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
ما توفى أبوه كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر فأعتقها ثم أنكحها زيد بن حارثة وتوفيت بعده صلى الله
عليه وسلم بخمسة أشهر وسيأتي في المغازي ذكر سبب إعطاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم لام أيمن
بدل العذاق وفيه زيادة على رواية الزهري فإنه أخرج من طريق سليمان التيمي عن أنس قال
كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات الحديث وفيه وأن أهلي أمروني أن أسأل
النبي صلى الله عليه وسلم الذي كانوا أعطوه وكان قد أعطاه أم أيمن فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب
في عنقي تقول لا نعطيكم وقد أعطانيه قال والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لك كذا حتى أعطاه
عشرة أمثاله أو كما قال الحديث الثالث (قوله عن حسان بن عطية) في رواية أحمد عن الوليد
حدثنا الأوزاعي حدثنا حسان بن عطية (قوله عن أبي كبشة) في رواية أحمد المذكورة حدثني
أبو كبشة وهو بفتح الكاف وسكون الموحدة بعدها معجمة (السلولي) بفتح المهملة وتخفيف اللام
المضمومة بعدها واو ساكنة ثم لام لا يعرف اسمه وزعم الحاكم أن اسمه البراء بن قيس ووهمه
عبد الغنى بن سعيد وبين أنه غيره وليس لأبي كبشة ولا للراوي عنه حسان بن عطية في البخاري
سوى هذا الحديث وآخر في أحاديث الأنبياء (قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية
أحمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله أربعون خصلة) في رواية أحمد أربعون حسنة
(قوله العنز) بفتح المهملة وسكون النون بعدها زاي معروفة وهي واحدة المعز (قوله قال
حسان) هو ابن عطية راوي الحديث وهو موصول بالاسناد المذكور قال بن بطال ما ملخصه
180

ليس في قول حسان ما يمنع من وجدان ذلك وقد حض صلى الله عليه وسلم على أبواب من أبواب
الخير والبر لا تحصى كثرة ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بالأربعين المذكورة وإنما لم
يذكرها لمعنى هو أنفع لنا من ذكرها وذلك خشية أن يكون التعيين لها مزهدا في غيرها من أبواب
البر قال وقد بلغني أن بعضهم تطلبها فوجدها تزيد على الأربعين فمما زاده إعانة الصانع والصنعة
للأخرق واعطاء شسع النعل والستر على المسلم والذب عن عرضه وإدخال السرور عليه والتفسح
في المجلس والدلالة على الخير والكلام الطيب والغرس والزرع والشفاعة وعيادة المريض
والمصافحة والمحبة في الله والبغض لأجله والمجالسة لله والتزاور والنصح والرحمة وكلها في
الأحاديث الصحيحة وفيها ما قد ينازع في كونه دون منيحة العنز وحذفت مما ذكره أشياء قد تعقب
ابن المنير بعضها وقال الأولى أن لا يعتنى بعدها لما تقدم وقال الكرماني جميع ما ذكره رجم
بالغيب ثم أني عرف أنها أدنى من المنيحة قلت وإنما أردت بما ذكرته منها تقريب الخمس عشرة
التي عدها حسان بن عطية وهي إن شاء الله تعالى لا تخرج عما ذكرته ومع ذلك فأنا موافق لابن
بطال في إمكان تتبع أربعين خصلة من خصال الخير أدناها منيحة العنز وموافق لابن المنير في رد
كثير مما ذكره ابن بطال مما هو ظاهر أنه فوق المنيحة والله أعلم الحديث الرابع حديث جابر
كانت لرجال منا فضول أرضين تقدم في المزارعة مع الكلام عليه والغرض منه هنا قوله أو
ليمنحها أخاه الحديث الخامس (قوله وقال محمد بن يوسف) يحتمل أن يكون معطوفا على الذي
قبله فيكون موصولا لكن صرح الإسماعيلي وأبو نعيم بأنه لم يذكر فيه الخبر ويؤيده أنه أورده في
الهجرة موصولا من طريق الوليد بن مسلم قال وقال محمد بن يوسف كلاهما عن الأوزاعي فلو
أراد هنا أن يعطفه لقال هناك حدثنا محمد بن يوسف كعادته نعم زعم المزي أنه أخرجه في الهبة عن
محمد بن يوسف وفي الهجرة وقال محمد بن يوسف فالله أعلم وقد وصله الإسماعيلي وأبو نعيم من
طريق محمد بن يوسف المذكور وسيأتي شرحه في الهجرة إن شاء الله تعالى والغرض منه قوله
فهل تمنح منها شيئا قال نعم فإن فيه اثبات فضيلة المنيحة وقوله لن يترك أي لن ينقصك الحديث
السادس حديث ابن عباس وقد تقدم في المزارعة أيضا والمراد منه هنا ما دل من قوله لو منحها إياه
كان خيرا له على فضل المنيحة (قوله باب إذا قال أخدمتك هذه الجارية على
ما يتعارف الناس فهو جائز وقال بعض الناس هذه عارية وأن قال كسوتك هذا الثوب فهذه
هبة) أورد فيه طرفا من حديث أبي هريرة في قصة إبراهيم وهاجر
وقال فيه وأخدم وليدة قال وقال ابن سيرين عن أبي هريرة فأخدمها هاجر وسيأتي موصولا في أحاديث الأنبياء مع الكلام
عليه قال ابن بطال لا أعلم خلافا أن من قال أخدمتك هذه الجارية أنه قد وهب له الخدمة خاصة
فان الاخدام لا يقتضي تمليك الرقبة كما أن الاسكان لا يقتضي تمليك الدار قال واستدلاله بقوله
فاخدمها هاجر على الهبة لا يصح وإنما صحت الهبة في هذه القصة من قوله فأعطوها هاجر قال ولم
يختلف العلماء فيمن قال كسوتك هذا الثوب مدة معينة أن له شرطه وأن لم يذكر أجلا فهو هبة وقد
قال تعالى فكفارته إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ولم تختلف الأمة أن ذلك تمليك للطعام
والكسوة انتهى والذي يظهر أن البخاري لا يخالف ما ذكره عند الاطلاق وإنما مراده أنه أن
وجدت قرينة تدل على العرف حمل عليها وإلا فهو على الوضع في الموضعين فإن كان جرى بين قوم
181

عرف في تنزيل الاخدام منزلة الهبة فأطلقه شخص وقصد التمليك نفذ ومن قال هي عارية في كل
حال فقد خالفه والله أعلم (قوله باب إذا حمل رجلا على فرس فهو كالعمري والصدقة
وقال بعض الناس له أن يرجع فيها) أورد فيه حديث عمر حملت على فرس مختصرا وقد تقدم
الكلام عليه قبل أبواب قال ابن بطال ما كان من الحمل على الخيل تمليكا للمحمول عليه بقوله
هو لك فهو كالصدقة فإذا قبضها لم يجز الرجوع فيها وما كان منه تحبيسا في سبيل الله فهو كالوقف
لا يجوز الرجوع فيه عند الجمهور وعن أبي حنيفة أن الحبس باطل في كل شئ انتهى والذي
يظهر أن البخاري أراد الإشارة إلى الرد على من قال بجواز الرجوع في الهبة ولو كانت للأجنبي
والا فقد قدمنا تقرير أن الحمل المذكور في قصة عمر كان تمليكا وأن قول من قال كان تحبيسا
احتمال بعيد والله أعلم وسيأتي مزيد بسط لذلك قريبا في كتاب الوقف إن شاء الله خاتمة
اشتمل كتاب الهبة وما معها من أحاديث العمرة والعارية على تسعة وتسعين حديثا مائة الا
واحد المعلق منها ثلاثة وعشرون والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية وستون
حديثا والخالص أحد وثلاثون وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة لو دعيت إلى
كراع وحديث أم سلمة في الهدية وحديث أنس في الطيب وحديث عائشة كان يقبل الهدية
وحديث ابن عباس من أهديت له هدية فجلساؤه شركاؤه وحديث ابن عمر في قصة فاطمة في ستر
بابها وحديث ابن عمر في قصة صهيب وحديث عائشة في الدرع وحديث عبد الله بن عمرو بن
العاص في الأربعين خصلة وفيه من الآثار عن الصحابة ومن بعدهم ثلاثة عشر أثرا والله أعلم
(قوله كتاب الشهادات)
هي جمع شهادة وهي مصدر شهد يشهد قال الجوهري الشهادة خبر قاطع والمشاهدة المعاينة مأخوذة من الشهود أي الحضور لان الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره وقيل
مأخوذة من
الاعلام
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم باب ما جاء في البينة على المدعي) كذا للأكثر
وسقط لبعضهم لفظ باب وقدم النسفي وابن شبويه البسملة على كتاب (قوله لقوله تعالى يا أيها
الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه الآية) كذا لابن شبويه ولأبي ذر بعد قوله
فاكتبوه إلى قوله واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم وساق في رواية الأصيلي وكريمة
الآية كلها وكذا التي بعدها (قوله وقول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط
شهداء لله إلى قوله بما تعملون خبيرا) كذا لأبي ذر وابن شبويه ووقع للنسفي بعد قوله في الآية
الأولى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله إلى قوله بما
تعملون خبيرا وهو غلط لا محالة وكأنه سقط منه شئ أوضحته رواية غيره كما ترى ولم يسق في الباب
حديثا أما اكتفاء بالآيتين وأما إشارة إلى الحديث الماضي قريبا في ذلك في آخر باب الرهن
وستأتي ترجمة الشق الآخر وهي اليمن على المدعى عليه قريبا قال ابن المنير وجه الاستدلال
بالآية للترجمة أن المدعى لو كان القول قوله لم يحتج إلى الاشهاد ولا إلى كتابة الحقوق واملائها
فالامر بذلك يدل على الحاجة إليه ويتضمن أن البينة على المدعي ولان الله حين أمر الذي عليه
182

الحق بالاملاء اقتضى تصديقه فيما أقر به وإذا كان مصدقا فالبينة على من أدعى تكذيبه
(قوله باب إذا عدل رجل رجلا فقال لا نعلم الا خيرا أو ما علمت الا خيرا) وفي رواية
الكشميهني أحدا بدل رجلا قال ابن بطال حكى الطحاوي عن أبي يوسف أنه قال إذا قال ذلك
قبلت شهادته ولم يذكر خلافا عن الكوفيين في ذلك واحتجوا بحديث الإفك وقال مالك لا يكون
ذلك تزكية حتى يقول رضا أي بالقصر وقال الشافعي حتى يقول عدل وفي قول عدل علي ولي
ولا بد من معرفة المزكي حاله الباطنة والحجة لذلك أنه لا يلزم من أنه لا يعلم منه الا الخير أن لا يكون
فيه شر وأما احتجاجهم بقصة أسامة فأجاب المهلب بأن ذلك وقع في العصر الذي زكى الله أهله
وكانت الجرحة فيهم شاذة فكفى في تعديلهم أن يقال لا أعلم الا خيرا وأما اليوم فالجرحة في الناس
أغلب فلا بد من التنصيص على العدالة (قلت) لم يبت البخاري الحكم في الترجمة بل أوردها مورد
السؤال لقوة الخلاف فيها (قوله وساق حديث الإفك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة
حين استشاره فقال أهلك ولا نعلم الا خيرا) كذا لأبي ذر ولم يقع هذا كله عند الباقين وهو اللائق
لان حديث الإفك قد ذكر في الباب موصولا وأن كان اختصره وسيأتي مطولا أيضا بعد أبواب
ويأتي الكلام عليه في تفسير سورة النور وقوله فيه وقال الليث حدثني يونس وصله هناك أيضا
وقوله أهلك ولا نعلم الا خيرا بنصب أهلك للأكثر على الاغراء أو على فعل محذوف تقديره أمسك
أهلك ولبعضهم بالرفع أي هم أهلك قال ابن المنير التعديل إنما هو تنفيذ للشهادة وعائشة
رضي الله عنها لم تكن شهدت ولا كانت محتاجة إلى التعديل لان الأصل البراءة وإنما كانت
محتاجة إلى نفي التهمة عنها حتى تكون الدعوى عليها بذلك غير مقبولة ولا شبهة فيكفي في هذا
القدر هذا اللفظ فلا يكون فيه لمن اكتفى بالتعديل بقوله لا أعلم الا خيرا حجة (قوله
باب شهادة المختبئ) بالخاء المعجمة أي الذي يختفي عند التحمل (قوله وأجازه)
أي الاختباء عند تحمل الشهادة (قوله عمرو بن حريث) بالمهملة والمثلثة مصغر ابن عمرو بن
عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي من صغار الصحابة ولأبيه صحبة وليس له في
البخاري ذكر الا في هذا الموضع (قوله قال وكذلك يفعل بالكاذب الفاجر) كأنه أشار إلى
السبب في قبول شهادته وقد روى ابن أبي شيبة من طريق الشعبي عن شريح أنه كان لا يجيز شهادة
المختبئ قال وقال عمرو بن حريث كذلك يفعل بالخائن الظالم أو الفاجر وروى سعيد بن
منصور من طريق محمد بن عبيد الله الثقفي أن عمرو بن حريث كان يجيز شهادته ويقول كذلك
يفعل بالخائن الفاجر وروي من طرق عن شريح أنه كان يرد شهادة المختبئ كذلك الشعبي وهو
قول أبي حنيفة والشافعي في القديم أجازها في الجديد إذا عاين المشهود عليه قوله وقال الشعبي
وابن سيرين وعطاء وقتادة السمع شهادة أما قول الشعبي فوصله ابن أبي شيبة عن هشيم عن
مطرف عنه بهذا ورويناه في الجعديات قال حدثنا شريك عن الأشعث عن عامر وهو الشعبي
قال تجوز شهادة السمع إذا قال سمعته يقول وأن لم يشهده وقول الشعبي هذا يعارض رده لشهادة
المختبئ ويحتمل أن يفرق بأنه إنما رد شهادة المختبئ لما فيها من المخادعة ولا يلزم من ذلك رده
لشهادة السمع من غير قصد وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وعن مالك أيضا الحرص على محمل
الشهادة قادح فإذا اختفى ليشهد فهو حرص وأما قول ابن سيرين وقتادة فسيأتي في باب شهادة
183

الأعمى وأما قول عطاء وهو ابن أبي رباح فوصله الكرابيسي في أدب القضاء من رواية ابن جريج
عن عطاء السمع شهادة (قوله وكان الحسن يقول لم يشهدوني على شئ ولكن سمعت كذا وكذا)
وصله ابن أبي شيبة من طريق يونس بن عبيد عنه قال لو أن رجلا سمع من قوم شيئا فإنه يأتي
القاضي فيقول لم يشهدوني ولكن سمعت كذا وكذا وهذا التفصيل حسن لان الله تعالى قال
ولا تكتموا الشهادة ولم يقل الاشهاد فيفترق الحال عند الأداء فإن سمعه ولم يشهده وقال عند
الأداء أشهدني لم يقبل وأن قال أشهد أنه قال كذا قبل ثم أورد المصنف فيه حديثين أحدهما
حديث ابن عمرو في قصة ابن صياد وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الفتن والغرض منه قوله
فيه وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه وقوله في آخره لو تركته بين فإنه يقتضي
الاعتماد على سماع الكلام وأن كان السامع محتجبا عن المتكلم إذا عرف الصوت وقوله يختل
بفتح أوله وسكون المعجمة وكسر المثناة أي يطلب أن يسمع كلامه وهو لا يشعر ثانيهما حديث
عائشة في قصة امرأة رفاعة وسيأتي الكلام عليه في الطلاق والغرض منه إنكار خالد بن سعيد
على امرأة رفاعة ما كانت تكلم به عند النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه محجوبا عنها خارج
الباب ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه ذلك فاعتماد خالد على سماع صوتها حتى أنكر عليها
هو حاصل ما يقع من شهادة السمع (قوله باب إذا شهد شاهد أو شهود بشئ وقال
آخرون ما علمنا بذلك يحكم بقول من شهد قال الحميدي هذا كما أخبر بلال الخ) تقدم هذا في
باب العشر من كتاب الزكاة وأن المثبت مقدم على النافي وهو وفاق من أهل العلم الا من شذ ولا سيما
إذا لم يتعرض الا لنفي علمه وأشار إلى ذلك بقوله وكذلك أن شهد شاهد أن لخ وقد اعترض
بأن الشهادتين اتفقتا على الألف وانفردت إحداهما بالخمسمائة والجواب أن سكوت الأخرى
عن خمسمائة في حكم نفيها ثم أورد حديث عقبة بن الحرث في قصة المرضعة وسيأتي الكلام عليها
مستوفى بعد أبواب والغرض منه هنا أنها أثبتت الرضاع ونفاه عقبة فاعتمد النبي صلى الله عليه
وسلم قولها فأمره بفراق امرأته أما وجوبا عند من يقول به وأما ندبا على طريق الورع وقوله في
هذه الرواية لأبي إهاب بن عزيز بالعين المهملة المفتوحة وزايين منقوطتين وزن عظيم ووقع
عند أبي ذر عن المستملي والحموي عزير بزاي وآخره راء مصغر والأول أصوب (قوله
184

باب الشهداء العدول وقول الله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم وممن ترضون من
الشهداء) أي وقوله تعالى ممن ترضون فالواو عاطفة من كلام المصنف لا من التلاوة والعدل والرضا
عند الجمهور من يكون مسلما مكلفا حرا غير مرتكب كبيرة ولا مصر على صغيرة زاد الشافعي وأن
يكون ذا مروءة ويشترط في قبول شهادته أن لا يكون عدوا للمشهود عليه ولا متهما فيها بجر
نفع ولا دفع ضرر ولا أصلا للمشهود له ولا فرعا منه واختلف في تفاصيل من ذلك وغيره كما سيأتي
بعض ذلك في بعض التراجم إن شاء الله تعالى (قوله أن عبد الله بن عتبة) أي ابن مسعود وهو
ابن أخي عبد الله بن مسعود سمع من كبار الصحابة وله رؤية وحديثه هذا عن عمر أغفله المزي في
الأطراف والمرفوع منه ما أشار إليه مما كان الناس عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم (قوله
وان الوحي قد انقطع) أي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم والمراد انقطاع أخبار الملك عن الله
تعالى لبعض الآدميين بالامر في اليقظة وفي رواية أبي فراس عن عمر عند الحاكم أنا كنا نعرفكم
إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذ الوحي ينزل وإذ يأتينا من أخباركم وأراد أن النبي قد
انطلق ورفع الوحي (قوله فمن أظهر لنا خيرا أمناه) بهمزة بغير مد وميم مكسورة ونون مشددة
من الامن أي صيرناه عندنا أمينا وفي رواية أبي فراس ألا ومن يظهر منكم خيرا ظننا به خيرا
وأحببناه عليه (قوله الله يحاسب) كذا لأبي ذر عن الحموي بحذف المفعول وللباقين الله
محاسبه بميم أوله وهاء آخره (قوله سوءا) في رواية الكشميهني شرا وفي رواية أبي فراس ومن
يظهر لنا شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه سرائركم فيما بينكم وبين ربكم قال المهلب هذا أخبار
من عمر عما كان الناس عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما صار بعده ويؤخذ منه
ان العدل من لم توجد منه الريبة وهو قول أحمد وإسحاق كذا قال وهذا إنما هو في حق المعروفين
لا من لا يعرف حاله أصلا (قوله باب) بالتنوين (تعديل كم يجوز) أي هل يشترط في
قبول التعديل عدد معين أورد فيه حديثي أنس وعمر في ثناء الناس بالخير والشر على الميتين
وفيهما قوله عليه الصلاة والسلام وجبت وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجنائز وحكيت
عن ابن المنير أنه قال في حاشيته قال بن بطال فيه إشارة إلى الاكتفاء بتعديل واحد وذكرت أن فيه
غموضا وكأن وجهه أن في قوله ثم لم نسأله عن الواحد أشعارا بعيدا بأنهم كانوا يعتمدون قول
الواحد في ذلك لكنهم لم يسألوا عن حكمة في ذلك المقام وسيأتي للمصنف بعد أبواب التصريح
بالاكتفاء في شهداء التزكية بواحد وكأنه لم يصرح به هنا لما فيه من الاحتمال قوله شهادة القوم هو
مبتدأ وخبره محذوف تقديره مقبولة أو هو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه شهادة القوم ووقع في
رواية الأصيلي شهادة بالنصب بتقدير فعل ناصب (قوله المؤمنون شهداء الله في الأرض) كذا
للأكثر والمؤمنون مبتدأ خبره شهداء وفي رواية المستملي والسرخسي شهادة القوم المؤمنين
شهداء الله في الأرض وشهداء على هذا خبر مبتدأ محذوف تقديره هم شهداء وقال السهيلي رواه
بعضهم برفع القوم فإن كانت الرواية بتنوين شهادة فهي على إضمار المبتدأ أي هذه شهادة ثم
185

استأنف فقال القوم المؤمنون شهداء الله في الأرض فالقوم مبتدأ والمؤمنون نعت أو بدل وما
بعده خبر قال وأكثر ما رود في الحديث حذف المنعوت لان الحكم يتعلق بالصفة فلا يحتاج لذكر
الموصوف ثم حكى وجهين آخرين فيهما تكلف ولم يقع في شئ من الروايات بالتنوين ولا سيما مع
رواية من رواه بنصب المؤمنين (قوله باب الشهادة على الأنساب والرضاع
المستفيض والموت القديم) هذه الترجمة معقودة لشهادة الاستفاضة وذكر منها النسب
والرضاعة والموت القديم فأما النسب فيستفاد من أحاديث الرضاعة فإنه من لازمه وقد نقل فيه
الاجماع وأما الرضاعة فيستفاد ثبوتها بالاستفاضة من أحاديث الباب فإنها كانت في الجاهلية
وكان ذلك مستفيضا عند من وقع له وأما الموت القديم فيستفاد منه حكمة بالالحاق قال ابن المنير
واحترز بالقديم عن الحادث والمراد بالقديم ما تطاول الزمان عليه وحده بعض المالكية
بخمسين سنة وقيل بأربعين (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم أرضعتني وأبا سلمة ثويبة) هو
طرف من حديث وصله في الرضاع من حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان وسيأتي الكلام عليه
هناك وثويبة بالمثلثة ثم الموحدة مصغرة يأتي هناك ذكر شئ من خبرها وخبر أبي سلمة بن عبد الأسد إن
شاء الله تعالى واختلف العلماء في ضابط ما تقبل فيه الشهادة بالاستفاضة فتصح عند الشافعية
في النسب قطعا والولادة وفي الموت والعتق والولاء والوقف والولاية والعزل والنكاح وتوابعه
والتعديل والتجريح والوصية والرشد والسفه والملك على الراجح في جميع ذلك وبلغها بعض
المتأخرين من الشافعية بضعة وعشرين موضعا وهي مستوفاة في قواعد العلائي وعن أبي حنيفة
تجوز في النسب والموت والنكاح والدخول وكونه قاضيا زاد أبو يوسف والولاء زاد محمد والوقف
قال صاحب الهداية وإنما أجيز استحسانا وإلا فالأصل أن الشهادة لا بد فيها من المشاهدة وشرط
قبولها أن يسمعها من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب وقيل أقل ذلك أربعة أنفس وقيل يكفي
من عدلين وقيل يكفي من عدل واحد إذا سكن القلب إليه (قوله والتثبت فيه) هو بقية الترجمة
وكأنه أشار إلى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة آخر الباب انظرن من إخوانكن من
الرضاعة الحديث ثم أورد المصنف فيه أربعة أحاديث سيأتي الكلام عليها جميعا في الرضاع آخر
النكاح إن شاء الله تعالى والاسناد الثاني كله بصريون الا الصحابي وقد سكنها والثالث كله
مدنيون الا شيخه وقد دخلها والرابع كله كوفيون الا عائشة (قوله في آخر الباب تابعه بن مهدي
عن سفيان) أي أن عبد الرحمن بن مهدي روى حديث عائشة عن سفيان بإسناده كما رواه
محمد بن كثير ورواية بن مهدي موصولة عند مسلم وأبي يعلى وسيأتي الخلاف في أفلح هل كان
عم عائشة من الرضاعة أو كان أباها (قوله باب شهادة القاذف والسارق
والزاني) أي هل تقبل بعد توبتهم أم لا (قوله وقول الله عز وجل ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك
186

هم الفاسقون الا الذين تابوا) وهذا الاستثناء عمدة من أجاز شهادته إذا تاب وقد أخرج البيهقي من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ثم قال الا الذين تابوا
فمن تاب فشهادته في كتاب الله تقبل وبهذا قال الجمهور أن شهادة القاذف بعد التوبة تقبل ويزول
عنه اسم الفسق سواء كان بعد إقامة الحد أو قبله وتأولوا قوله تعالى أبدا على أن المراد ما دام
مصرا على قذفه لان أبد كل شئ على ما يليق به كما لو قيل لا تقبل شهادة الكافر أبدا فإن المراد ما دام
كافرا وبالغ الشعبي فقال أن تاب القاذف قبل إقامة الحد سقط عنه وذهب الحنفية إلى أن
الاستثناء يتعلق بالفسق خاصة فإذا تاب سقط عنه اسم الفسق وأما شهادته فلا تقبل أبدا وقال
بذلك بعض التابعين وفيه مذهب آخر يقبل بعد الحد لا قبله وعن الحنفية لا ترد شهادته حتى يحد
وتعقبه الشافعي بأن الحدود كفارة لأهلها فهو بعد الحد خير منه قبله فكيف يرد في خير حالتيه
ويقبل في شرهما (قوله وجلد عمر أبا بكرة وشبل بن معبد ونافعا بقذف المغيرة ثم استتابهم وقال
من تاب قبلت شهادته) وصله الشافعي في الام قال سمعت الزهري يقول زعم أهل العراق أن
شهادة المحدود لا تجوز فأشهد لأخبرني فلان أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة تب وأقبل
شهادتك قال سفيان سمي الزهري الذي أخبره فحفظته ثم نسيته فقال لي عمر بن قيس هو ابن
المسيب (قلت) ورواه ابن جرير من وجه آخر عن سفيان فسماه ابن المسيب وكذلك رويناه بعلو
من طريق الزعفراني عن سفيان ورواه ابن جرير في التفسير من طريق ابن إسحاق عن الزهري
عن سعيد بن المسيب أتم من هذا ولفظه أن عمر بن الخطاب ضرب أبا بكرة وشبل بن معبد ونافع
ابن الحرث بن كلدة الحد وقال لهم من أكذب نفسه قبلت شهادته فيما يستقبل ومن لم يفعل لم
أجز شهادته فأكذب شبل نفسه ونافع وأبي أبو بكرة أن يفعل قال الزهري هو والله سنة فاحفظوها
ورواه سليمان بن كثير عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر حيث شهد أبو بكرة ونافع وشبل
على المغيرة وشهد زياد على خلاف شهادتهم فجلدهم واستتابهم وقال من رجع منكم عن شهادته قبلت
شهادته فأبى أبو بكرة أن يرجع أخرجه عمر بن شبة في أخبار البصرة من هذا الوجه
وساق قصة المغيرة هذه من طرق كثيرة محصلها أن المغيرة بن شعبة كان أمير البصرة لعمر
فأتهمه أبو بكرة وهو نفيع الثقفي الصحابي المشهور وكان أبو بكرة ونافع بن الحرث بن كلدة
الثقفي وهو معدود في الصحابة وشبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة ابن معبد بن عتيبة بن الحرث
البجلي وهو معدود في المخضرمين وزياد بن عبيد الذي كان بعد ذلك يقال له زياد بن أبي سفيان
أخوه من أم أمهم سمية مولاة الحرث بن كلدة فاجتمعوا جميعا فرأوا المغيرة متبطن المرأة وكان
يقال لها الرقطاء أم جميل بنت عمرو بن الأفقم الهلالية وزوجها الحجاج بن عتيك بن الحرث بن
عوف الجشمي فرحلوا إلى عمر فشكوه فعزله وولي أبا موسى الأشعري وأحضر المغيرة فشهد
عليه الثلاثة بالزنا وأما زياد فلم يبت الشهادة وقال رأيت منظرا قبيحا وما أدري أخالطها أم لا
فامر عمر بجلد الثلاثة حد القذف وقال ما قال وأخرج القصة الطبراني في ترجمة شبل بن معبد
والبيهقي من رواية أبي عثمان النهدي أنه شاهد ذلك عند عمر وإسناده صحيح ورواه الحاكم في
المستدرك من طريق عبد العزيز بن أبي بكرة مطولا وفيها فقال زياد رأيتهما في لحاف وسمعت
نفسا عاليا ولا أدري ما وراء ذلك وقد حكى الإسماعيلي في المدخل أن بعضهم استشكل إخراج
187

البخاري هذه القصة واحتجاجه بها مع كونه احتج بحديث أبي بكرة في عدة مواضع وأجاب
الإسماعيلي بالفرق بين الشهادة والرواية وأن الشهادة يطلب فيها مزيد تثبت لا يطلب في الرواية
كالعدد والحرية وغير ذلك واستنبط المهلب من هذا أن اكذاب القاذف نفسه ليس شرطا
في قبول توبته لان أبا بكرة لم يكذب نفسه ومع ذلك فقد قبل المسلمون روايته وعملوا بها (قوله
وأجازه عبد الله بن عتبة) أي ابن مسعود وصله الطبري من طريق عمران بن عمير قال كان عبد الله
ابن عتبة يجيز شهادة القاذف إذا تاب (قوله وعمر بن عبد العزيز) أي الخليفة المشهور وصله
الطبري والخلال من طريق ابن جريج عن عمران بن موسى سمعت عمر بن عبد العزيز أجاز شهادة
القاذف ومعه رجل ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج فزاد مع عمر بن عبد العزيز أبا بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم (قوله وسعيد بن جبير) وصله الطبري من طريقه بلفظ تقبل شهادة القاذف
إذا تاب وروى بن أبي حاتم وجه آخر عنه لا تقبل لكن إسناده ضعيف (قوله وطاوس
ومجاهد) وصله سعيد بن منصور والشافعي والطبري من طريق ابن أبي نجيح قال القاذف إذا
تاب تقبل شهادته قيل له من قاله قال عطاء وطاوس ومجاهد (قوله والشعبي) وصله الطبري من
طريق ابن أبي خالد عنه أنه كان يقول يقبل الله توبته ويردون شهادته وكان يقبل شهادته إذا
تاب ورويناه في الجعديات عن شعبة عن الحكم في شهادة القاذف أن إبراهيم قال لا تجوز كان
الشعبي يقول إذا تاب قبلت (قوله وعكرمة) أي مولى ابن عباس وصله البغوي في الجعديات عن
شعبة عن يونس هو ابن عبيد عن عكرمة قال إذا تاب القاذف قبلت شهادته (قوله والزهري)
قد تقدم قوله في قصة المغيرة هو سنة ورواه ابن جرير من وجه آخر عن الزهري قال إذا حد
القاذف فإنه ينبغي للامام أن يستتيبه فإن تاب قبلت شهادته وإلا لم تقبل وفي الموطأ عن الزهري
نحوه في قصة (قوله ومحارب بن دثار وشريح) أي القاضي (ومعاوية بن قرة) هؤلاء الثلاثة من
أهل الكوفة فدل على أن مراد الزهري الماضي في قصة المغيرة بما نسبه إلى الكوفيين من عدم
قبولهم شهادة القاذف بعضهم لا كلهم ولم أر عن واحد من الثلاثة المذكورين التصريح
بالقبول نعم الشعبي من أهل الكوفة وقد ثبت عنه القبول كما تقدم وروى ابن جريج بإسناد
صحيح عن شريح أنه كان يقول في القاذف يقبل الله توبته ولا أقبل شهادته وروى بن أبي خالد
باسناد ضعيف عن شريح أنه كان لا يقبل شهادته (قوله وقال أبو الزناد) هو المدني المشهور
(قوله الامر عندنا الخ) وصله سعيد بن منصور من طريق حصين بن عبد الرحمن قال رأيت
رجلا جلد حدا في قذف بالزنى فلما فرغ من ضربه أحدث توبة فلقيت أبا الزناد فقال لي الامر
عندنا فذكره (قوله وقال الشعبي وقتادة) وصله الطبري عنهما مفرقا وروى ابن أبي حاتم
من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي قال إذا أكذب القاذف نفسه قبلت شهادته (قوله وقال
الثوري الخ) هو في الجامع له من رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه (قوله وقال بعض الناس
لا تجوز شهادة القاذف وأن تاب هذا منقول عن الحنفية واحتجوا في رد شهادة المحدود
بأحاديث قال الحافظ لا يصح منها شئ وأشهرها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا
لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود في الاسلام أخرجه أبو داود وابن ماجة رواه الترمذي
من حديث عائشة نحوه وقال لا يصح وقال أبو زرعة منكر وروى عبد الرزاق عن الثوري
188

عن واصل عن إبراهيم قال لا تقبل شهادة القاذف توبته فيما بينه وبين الله قال الثوري ونحن
على ذلك وأخرج عبد الرزاق من رواية عطاء الخراساني عن بن عباس ونحوه وهو منقطع ولم
يصب من قال أنه سند قوي قوله ثم قال أي بعض الناس الذي أشار إليه لا يجوز نكاح بغير
شاهدين فإن تزوج بشهادة محدودين جاز هو منقول عن الحنفية أيضا واعتذروا بأن الغرض
شهرة النكاح وذلك حاصل بالعدل وغيره عند التحمل وأما عند الأداء فلا يقبل الا العدل (قوله
وأجاز شهادة العبد والمحدود والأمة لرؤية هلال رمضان هو منقول عن الحنفية أيضا
واعتذروا بأنها جارية مجرى الخبر لا الشهادة قوله وكيف تعرف توبته أي القاذف وهذا من
كلام المصنف وهو من تمام الترجمة وكأنه أشار إلى الاختلاف في ذلك فعن أكثر السلف لا بد
أن يكذب نفسه وبه قال الشافعي وقد تقدم التصريح به عن الشافعي وغيره وأخرج بن أبي
شيبة عن طاوس مثله وعن مالك إذا ازداد خيرا كفاه ولا يتوقف على تكذيب نفسه لجواز أن
يكون صادقا في نفس الامر وإلى هذا مال المصنف (قوله ونفى النبي صلى الله عليه وسلم الزاني
سنة ونهى عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه حتى مضى خمسون ليلة) أما نفي الزاني فموصول
آخر الباب وأما قصة كعب فستأتي بطولها في آخر تفسير براءة وفي غزوة تبوك ووجه الدلالة
منه أنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم كلفهما بعد التوبة بقدر زائد على النفي والهجران ثم أورد
المصنف حديث عائشة في قصة المرأة التي سرقت مختصرة والمراد منه قول عائشة فحسنت توبتها
الحديث وكأنه أراد الحاق القاذف بالسارق لعدم الفارق عنده وإسماعيل شيخه فيه هو بن أبي
أويس وقوله وقال الليث حدثني يونس وصله أبو داود من طريقه لكن بغير هذا اللفظ وظهر أن
هذا اللفظ لابن وهب وأشار المصنف إلى أن ذلك يختلف باختلاف الاشخاص والأحوال فيشترط
مضى مدة يظن فيها صحة توبته وقدرها الأكثرون بسنة ووجهوه بأن للفصول الأربعة في
النفس تأثيرا فإذا مضت أشعر ذلك بحسن السريرة ولهذا اعتبرت في مدة تغريب الزاني والمختار
ان هذا في الغالب وإلا ففي قول عمر لأبي بكرة تب أقبل شهادتك دلالة للجمهور قال ابن المنير
اشتراط توبة القاذف إذا كان عند نفسه محقا في غاية الاشكال بخلاف ما إذا كان كاذبا في قذفه
فاشتراطهما واضح ويمكن أن يقال إن المعاين للفاحشة مأمور بأن لا يكشف صاحبها الا إذا
تحقق كمال النصاب معه فإذا كشفه قبل ذلك عصى فيتوب من المعصية في الاعلان لا من الصدق
في علمه (قلت) ويعكر عليه أن أبا بكرة لم يكشف حتى تحقق كمال النصاب معه كما تقدم ومع ذلك
فأمره عمر بالتوبة لتقبل شهادته ويجاب عن ذلك بأن عمر لعله لم يطلع على ذلك فأمره بالتوبة
ولذلك لم يقبل منه أبو بكرة ما أمره به لعلمه بصدقه عند نفسه والله أعلم ثم أورد المصنف حديث
زيد بن خالد في تغريب الزاني واستشكل الداودي إيراده في هذا الباب ووجهه أنه أراد منه
الإشارة إلى أن هذه المدة أقصى ما ورد في استبراء العاصي والله أعلم * (تنبيه) * جمع البخاري في
الترجمة بين السارق والقاذف للإشارة إلى أنه لا فرق في قبول التوبة منهما وإلا فقد نقل الطحاوي
الاجماع على قبول شهادة السارق إذا تاب نعم ذهب الأوزاعي إلى أن المحدود في الخمر لا تقبل
شهادته وأن تاب ووافقه الحسن بن صالح وخالفهما في ذلك فقهاء الأمصار (قوله
باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد) ذكر فيه حديث النعمان بن بشير في قصة هبة
189

أبيه له وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لا تشهدني على جور وقد مضى الكلام عليه مستوفى في الهبة
وقد أخرجه البيهقي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري هنا بلفظ فقال لا أشهد على جور وقوله
في الترجمة إذا أشهد يؤخذ منه أنه لا يشهد على جور إذا لم يستشهد بطريق الأولى وقوله وقال أبو
حريز بفتح المهملة وكسر الراء وآخره زاي عن الشعبي لا أشهد على جور أي في روايته عن الشعبي
عن النعمان في هذا الحديث وقد تقدم في الهبة الإشارة إلى من وصله وإلى التوفيق بين ما في رواية
أبى حريز وغيره عن الشعبي ثم ذكر المصنف حديث خير الناس قرني من رواية عبد الله بن مسعود
ومن رواية عمران بن حصين وفي كل منهما زيادة على ما في الآخر وورد الحديث عن آخرين من
الصحابة سأذكر ما في رواياتهم من الفوائد والزوائد مشروحة في أول كتاب فضائل الصحابة إن شاء
الله تعالى والغرض هنا ما يتعلق بالشهادات (قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم) هو موصول
بالاسناد المذكور فهو بقية حديث عمران وسيأتي في الفضائل ما يوضح ذلك (قوله إن بعدكم
قوما) كذا للأكثر وفي رواية النسفي وابن شبويه أن بعدكم قوم قال الكرماني لعله كتب بغير
ألف على اللغة الربيعية أو حذف منه ضمير الشأن (قوله يخونون) كذا في جميع الروايات التي
اتصلت لنا بالخاء المعجمة والواو مشتق من الخيانة وزعم ابن حزم أنه وقع في نسخة يحربون
بسكون المهملة وكسر الراء بعدها موحدة قال فإن كان محفوظا فهو من قولهم حر به يحر به إذا
أخذ ماله وتركه بلا شئ ورجل محروب أي مسلوب المال * (تنبيه) * قال النووي وقع في أكثر
نسخ مسلم ولا يتمنون بتشديد المثناة قال غيره هو نظير قوله ثم يتزر موضع قوله يأتزر وادعى أنه شاذ
ولكن قد قرأ بن محيصن فليؤد الذي اتمن أمانته ووجهه بن مالك بأنه شبه بما فاؤه واو أو تحتانية
قال وهو مقصور على السماع (قوله ولا يؤتمنون) أي لا يثق الناس بهم ولا يعتقدونهم أمناء بأن
تكون خيانتهم ظاهرة بحيث لا يبقى للناس اعتماد عليهم (قوله ويشهدون ولا يستشهدون)
يحتمل أن يكون المراد التحمل بدون التحميل أو الأداء بدون طلب والثاني أقرب ويعارضه ما رواه
مسلم من حديث زيد بن خالد مرفوعا ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسئلها
واختلف العلماء في ترجيحهما فجنح بن عبد البر إلى ترجيح حديث زيد بن خالد لكونه من رواية
أهل المدينة فقدمه على رواية أهل العراق وبالغ فزعم أن حديث عمران هذا لا أصل له وجنح
غيره إلى ترجيح حديث عمران لاتفاق صاحبي الصحيح عليه وانفراد مسلم بإخراج حديث زيد بن
خالد وذهب آخرون إلى الجمع بينهما فأجابوا بأجوبة * أحدها أن المراد بحديث زيد من عنده
شهادة لانسان بحق لا يعلم بها صاحبها فيأتي إليه فيخبره بها أو يموت صاحبها العالم بها ويخلف
ورثة فيأتي الشاهد إليهم أو إلى من يتحدث عنهم فيعلمهم بذلك وهذا أحسن الأجوبة وبهذا
أجاب يحيى بن سعيد شيخ مالك ومالك وغيرهما * ثانيها أن المراد به شهادة الحسبة وهي ما لا يتعلق
بحقوق الآدميين المختصة بهم محضا ويدخل في الحسبة مما يتعلق بحق الله أو فيه شائبة منه
العتاق والوقف والوصية العامة والعدة والطلاق والحدود ونحو ذلك حاصله أن المراد بحديث
ابن مسعود الشهادة في حقوق الآدميين والمراد بحديث زيد بن خالد الشهادة في حقوق الله
* ثالثها أنه محمول على المبالغة في الإجابة إلى الأداء فيكون لشدة استعداده لها كالذي أداها قبل
أن يسئلها كما يقال في وصف الجواد أنه ليعطي قبل الطلب أي يعطي سريعا عقب السؤال من غير
190

توقف وهذه الأجوبة مبينة على أن الأصل في أداء الشهادة عند الحاكم أن لا يكون الا بعد الطلب
من صاحب الحق فيخص ذم من يشهد قبل أن يستشهد بمن ذكر ممن يخبر بشهادة عنده لا يعلم
صاحبها بها أو شهادة الحسبة وذهب بعضهم إلى جواز أداء الشهادة قبل السؤال على ظاهر عموم
حديث زيد بن خالد وتأولوا حديث عمران بتأويلات أحدها أنه محمول على شهادة الزور أي
يؤدون شهادة لم يسبق لهم تحملها وهذا حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم * ثانيها المراد بها
الشهادة في الحلف يدل عليه قول إبراهيم في آخر حديث بن مسعود كانوا يضربوننا على الشهادة
أي قول الرجل أشهد بالله ما كان الا كذا على معنى الحلف فكره ذلك كما كره الاكثار من
الحلف واليمين قد تسمى شهادة كما قال تعالى فشهادة أحدهم وهذا جواب الطحاوي * ثالثها
المراد بها الشهادة على المغيب من أمر الناس فيشهد على قوم أنهم في النار وعلى قوم أنهم في
الجنة بغير دليل كما يصنع ذلك أهل الأهواء حكاه الخطابي * رابعها المراد به من ينتصب شاهدا
وليس من أهل الشهادة * خامسها المراد به التسارع إلى الشهادة وصاحبها بها عالم من قبل أن
يسأله والله أعلم وقوله يشهدون ولا يستشهدون استدل به على أن من سمع رجلا يقول لفلان
عندي كذا فلا يسوغ له أن يشهد عليه بذلك الا أن استشهده وهذا بخلاف من رأى رجلا
يقتل رجلا أو يغصبه ماله فإنه يجوز له أن يشهد بذلك وأن لم يستشهده الجاني (قوله وينذرون)
بفتح أوله وبكسر الذال المعجمة وبضمها (ولا يفون) يأتي الكلام عليه في كتاب النذور وقوله
ويظهر فيهم السمن بكسر المهملة وفتح الميم بعدها نون أي يحبون التوسع في المآكل والمشارب
وهى أسباب السمن بالتشديد قال بن التين المراد ذم محبته وتعاطيه لا من تخلق بذلك وقيل
المراد يظهر فيهم كثرة المال وقيل المراد أنهم يتسمنون أي يتكثرون بما ليس فيهم ويدعون ما ليس
لهم من الشرف ويحتمل أن يكون جميع ذلك مرادا وقد رواه الترمذي من طريق هلال بن
يساف عن عمران بن حصين بلفظ ثم يجئ قوم يتسمنون ويحبون السمن وهو ظاهر في تعاطي
السمن على حقيقته فهو أولى ما حمل عليه خبر الباب وإنما كان مذموما لان السمين غالبا بليد
الفهم ثقيل عن العبادة كما هو مشهور (قوله عن منصور) هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي
وعبيدة بفتح أوله هو السلماني وعبد الله هو بن مسعود وهذا الاسناد كله كوفيون وفيه ثلاثة
من التابعين في نسق (قوله تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته) أي في حالين وليس المراد
أن ذلك يقع في حالة واحدة لأنه دور كالذي يحرص على ترويج شهادة فيحلف على صحتها
ليقويها فتارة يحلف قبل أن يشهد وتارة يشهد قبل أن يحلف ويحتمل أن يقع ذلك في حال
واحدة عند من يجيز الحلف في الشهادة فيريد أن يشهد ويحلف وقال ابن الجوزي المراد أنهم لا
يتورعون ويستهينون بأمر الشهادة واليمين وقال ابن بطال يستدل به على أن الحلف في الشهادة
يبطلها قال وحكى ابن شعبان في الزاهي من قال أشهد بالله أن لفلان على فلان كذا لم تقبل شهادته
لأنه حلف وليس بشهادة قال ابن بطال والمعروف عن مالك خلافه (قوله قال إبراهيم الخ) هو
موصول بالاسناد المذكور ووهم من زعم أنه معلق وإبراهيم هو النخعي (قوله كانوا يضربوننا على
الشهادة والعهد) زاد المصنف بهذا الاسناد في أول الفضائل ونحن صغار وكذلك أخرجه مسلم
بلفظ كانوا ينهوننا ونحن غلمان عن العهد والشهادات وسيأتي في كتاب الايمان والنذور نحوه
191

وكان أصحابنا ينهوننا ونحن غلمان عن الشهادة وقال أبو عمر بن عبد البر معناه عندهم النهي عن
مبادرة الرجل بقوله أشهد بالله وعلي عهد الله لقد كان كذا ونحو ذلك وإنما كانوا يضربونهم
على ذلك حتى لا يصير لهم به عادة فيحلفوا في كل ما يصلح وما لا يصلح (قلت) ويحتمل أن يكون الامر
في الشهادة على ما قال ويحتمل أن يكون المراد النهي عن تعاطي الشهادات والتصدي لها لما في
تحملها من الحرج ولا سيما عند أدائها لان الانسان معرض للنسيان والسهو ولا سيما وهم إذا ذاك
غالبا لا يكتبون ويحتمل أن يكون المراد بالنهي عن العهد الدخول في الوصية لما يترتب على
ذلك من المفاسد والوصية تسمى العهد قال الله تعالى لا ينال عهدي الظالمين وسيأتي مزيد بيان
لهذا في كتاب الايمان والنذور إن شاء الله تعالى * (قوله باب ما قيل في شهادة
الزور) أي من التغليظ والوعيد (قوله لقول الله عز وجل والذين لا يشهدون الزور) أشار إلى
أن الآية سيقت في ذم متعاطي شهادة الزور وهو اختيار منه لاحد ما قيل في تفسيرها
وقيل المراد بالزور هنا الشرك وقيل الغناء وقيل غير ذلك قال الطبري أصل الزور تحسين
الشئ ووصفه بخلاف صفته حتى يخيل لمن سمعه أنه بخلاف ما هو به قال وأولى الأقوال
عندنا أن المراد به مدح من لا يشهد شيئا من الباطل والله أعلم (قوله وكتمان الشهادة)
هو معطوف على شهادة الزور أي وما قيل في كتمان الشهادة بالحق من الوعيد (قوله لقوله
تعالى ولا تكتموا الشهادة إلى قوله عليم) والمراد منها قوله فإنه آثم قلبه (قوله تلووا
ألسنتكم بالشهادة هو تفسير ابن عباس أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله
وان تلووا أو تعرضوا أي تلووا ألسنتكم بالشهادة أو تعرضوا عنها ومن طريق العوفي عن ابن
عباس في هذه الآية قال تلوي لسانك بغير الحق وهي اللجلجة فلا تقيم الشهادة على وجهها
والاعراض عنها الترك وعن مجاهد من طرق حاصلها أنه فسر اللي بالتحريف والاعراض بالترك
وكأن المصنف أشار بنظم كتمان الشهادة مع شهادة الزور إلى هذا الأثر والى أن تحريم شهادة
الزور لكونها سببا لابطال الحق فكتمان الشهادة أيضا سبب لابطال الحق وإلى الحديث الذي
أخرجه أحمد وابن ماجة من حديث ابن مسعود مرفوعا أن بين يدي الساعة فذكر أشياء ثم قال
وظهور شهادة الزور وكتمان شهادة الحق ثم ذكر المصنف حديثين أحدهما (قوله عن عبيد
الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس) في رواية محمد بن جعفر الآتية في الأدب عن محمد بن جعفر عن
سعيد حدثني عبيد الله بن أبي بكر سمعت أنس بن مالك (قوله سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الكبائر) زاد بهز عن شعبة عند أحمد أو ذكرها وفي رواية محمد بن جعفر ذكر الكبائر أو سئل
عنها وكأن المراد بالكبائر أكبرها كما في حديث أبي بكرة الذي يليه وكذا وقع في بعض الطرق عن
شعبة كما سأبينه وليس القصد حصر الكبائر فيما ذكر وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى في تعريفها
والإشارة إلى تعيينها في الكلام على حديث أبي هريرة اجتنبوا السبع الموبقات وهو في آخر كتاب
الوصايا (قوله وشهادة الزور) في رواية محمد بن جعفر قول الزور أو قال شهادة الزور قال
شعبة وأكثر ظني أنه قال شهادة الزور (قوله تابعه غندر) هو محمد بن جعفر المذكور (قوله
وأبو عامر وبهز وعبد الصمد) أما رواية أبي عامر وهو العقدي فوصلها أبو سعيد النقاش في
كتاب الشهود وابن منده في كتاب الايمان من طريقه عن شعبة بلفظ أكبر الكبائر الاشراك بالله
192

الحديث وكذلك أخرجه المصنف في الديات عن عمرو بن عوف عن شعبة بلفظ أكبر الكبائر وأما
رواية بهز وهو بن أسد المذكور فأخرجها أحمد عنه وأما رواية عبد الصمد وهو بن عبد الوارث
فوصلها المؤلف في الديات (قوله حدثنا الجريري) بضم الجيم وهو سعيد بن إياس وسماه في
رواية خالد الحذاء عنه في أوائل الأدب وقد أخرج البخاري للعباس بن فروخ الجريري لكنه إذا
أخرجه عنه سماه (قوله عن عبد الرحمن بن أبي بكرة) في رواية إسماعيل بن علية عن الجريري
حدثنا عبد الرحمن وقد علقها المصنف آخر الباب قوله ألا أنبئكم بأكبر الكبائر هذا يقوي
إن كان المجلس متحدا أحد الوجهين مما شك فيه شعبة هل قال ذلك ابتداء أو لما سئل وقد نظم كل
من العقوق وشهادة الزور بالشرك في آيتين إحداهما قوله تعالى وقضى ربك الا تعبدوا الا إياه
وبالوالدين احسانا ثانيهما قوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور
(قوله ثلاثا) أي قال لهم ذلك ثلاث مرات وكرره تأكيدا لينتبه السامع على إحضار فهمه
ووهم من قال المراد بذلك عدد الكبائر وقد ترجم البخاري في العلم من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم
عنه وذكر فيه طرفا من هذا الحديث تعليقا (قوله الاشراك بالله) يحتمل مطلق الكفر
ويكون تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود ولا سيما في بلاد العرب فذكره تنبيها على غيره ويحتمل
ان يراد به خصوصيته الا أنه يرد عليه أن بعض الكفر أعظم قبحا من الاشراك وهو التعطيل لأنه
نفى مطلق والاشراك اثبات مقيد فيترجح الاحتمال الأول (قوله وعقوق الوالدين) يأتي الكلام
عليه في الأدب مع الكلام على الكبائر وضابطها وبيان ما قيل في عددها إن شاء الله تعالى قوله
وجلس وكان متكئا يشعر بأنه اهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئا ويفيد ذلك تأكيد
تحريمه وعظم قبحه وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعا على
الناس والتهاون بها أكثر فإن الاشراك ينبو عنه قلب المسلم والعقوق يصرف عنه الطبع وأما
الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه وليس ذلك
لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الاشراك قطعا بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير
الشاهد بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالبا (قوله ألا وقول الزور) في رواية خالد عن
الجريري ألا وقول الزور وشهادة الزور وفي رواية بن علية شهادة الزور أو قول الزور وكذا
وقع في العمدة بالواو قال ابن دقيق العيد يحتمل أن يكون من الخاص بعد العام لكي ينبغي أن
يحمل على التأكيد فأنا لو حملنا القول على الاطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقا
كبيرة وليس كذلك قال ولا شك أن عظم الكذب ومراتبه متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده
ومنه قوله تعالى ومن يكسب خطيئة أو اثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا واثما مبينا قوله
فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت) أي شفقة عليه وكراهية لما يزعجه وفيه ما كانوا عليه من كثرة
الأدب معه صلى الله عليه وسلم والمحبة له والشفقة عليه (قوله وقال إسماعيل بن إبراهيم) أي ابن
علية وروايته موصولة في كتاب استتابة المرتدين وفي الحديث انقسام الذنوب إلى كبير وأكبر
ويؤخذ منه ثبوت الصغائر لان الكبيرة بالنسبة إليها أكبر منها والاختلاف في ثبوت الصغائر
مشهور وأكثر ما تمسك به من قال ليس في الذنوب صغيرة كونه نظر إلى عظم المخالفة لأمر الله
ونهيه فالمخالفة بالنسبة إلى جلال الله كبيرة لكن لمن أثبت الصغائر أن يقول وهي بالنسبة لما
193

فوقها صغيرة كما دل عليه حديث الباب وقد فهم الفرق بين الصغيرة والكبيرة من مدارك الشرع
وسبق في أوائل الصلاة ما يكفر الخطايا ما لم تكن كبائر فثبت به أن من الذنوب ما يكفر بالطاعات
ومنها ما لا يكفر وذلك هو عين المدعى ولهذا قال الغزالي إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة
لا يليق بالفقيه ثم أن مراتب كل من الصغائر والكبائر مختلف بحسب تفاوت مفاسدها وفي
الحديث تحريم شهادة الزور وفي معناها كل ما كان زورا من تعاطي المرء ما ليس له أهلا (قوله
باب شهادة الأعمى ونكاحه وأمره وانكاحه ومبايعته وقبوله في التأذين وغيره وما
يعرف بالأصوات) مال المصنف إلى إجازة شهادة الأعمى فأشار إلى الاستدلال لذلك بما ذكر من
جواز نكاحه ومبايعه وقبول تأذينه وهو قول مالك والليث سواء علم ذلك قبل العمى أو بعده
وفصل الجمهور فأجازوا ما تحمله قبل العمي لا بعده وكذا ما يتنزل فيه منزلة المبصر كان يشهده
شخص بشئ ويتعلق هو به إلى أن يشهد به عليه وعن الحكم يجوز في الشئ اليسير دون الكثير
وقال أبو حنيفة ومحمد لا تجوز شهادته بحال الا فيما طريقه الاستفاضة وليس في جميع ما استدل
به المصنف دفع للمذهب المفصل إذ لا مانع من حمل المطلق على المقيد (قوله وأجاز شهادته القاسم
وابن الحسن وابن سيرين والزهري وعطاء) أما القاسم فأظنه أراد بن محمد بن أبي بكر أحد الفقهاء
السبعة وقد روى سعيد بن منصور عن هشيم عن يحيى بن سعيد وهو الأنصاري قال سمعت الحكم
ابن عتيبة هو بالمثناة والموحدة مصغر يسأل القاسم بمحمد عن شهادة الأعمى فقال جائزة وأما
قول الحسن وابن سيرين فوصله بن أبي شيبة من طريق أشعث عنهما قالا شهادة الأعمى جائزة
وأما قول الزهري فوصله بن أبي شيبة من طريق بن أبي ذئب عنه أنه كان يجيز شهادة الأعمى قوله وأما
قول عطاء وهو بن أبي رباح فوصله الأثرم من طريق بن جريج عنه قال تجوز شهادة الأعمى
(قوله وقال الشعبي تجوز شهادته إذا كان عاقلا) وصله بن أبي شيبة عنه بمعناه وليس المراد بقوله
عاقلا الاحتراز من الجنون لان ذاك أمر لا بد من الاحتراز منه سواء كان أعمى أو بصيرا وإنما
مراده أن يكون فطنا مدركا للأمور الدقيقة بالقرائن ولا شك في تفاوت الاشخاص في ذلك (قوله
وقال الحكم رب شئ تجوز فيه) وصله بن أبي شيبة عنه بهذا وكأنه توسط بين مذهبي الجواز
والمنع (قوله وقال الزهري أرأيت ابن عباس لو شهد على شهادة أكنت ترده) وصله الكرابيسي
في أدب القضاء من طريق بن أبي ذئب عنه (قوله وكان ابن عباس يبعث رجلا الخ) وصله
عبد الرزاق بمعناه من طريق أبي رجاء عنه ووجه تعلقه به كونه كان يعتمد على خبر غيره مع أنه
لا يرى شخصه وإنما سمع صوته قال بن المنير لعل البخاري يشير بحديث بن عباس إلى جواز شهادة
الأعمى على التعريف أي إذا عرف أن هذا فلان فإذا عرف شهد قال وشهادة التعريف مختلف
فيها عند مالك وغيره وقد جاء عن بن عباس أنه كان لا يكتفي برؤية الشمس لأنها تواريها الجبال
والسحاب ويكتفي بغلبة الظلمة على الأفق الذي من جهة المشرق وأخرجه سعيد بن منصور عنه
قوله وقال سليمان بن يسار استأذنت على عائشة فعرفت صوتي فقالت سليمان ادخل الخ تقدم
الكلام عليه في آخر العتق وفيه دليل على أن عائشة كانت ترى ترك الاحتجاب من العبد سواء
كان في ملكها أو في ملك غيرها لأنه كان مكاتب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأما مم قال
يحتمل أنه كان مكاتبا لعائشة فمعارض للصحيح من الاخبار بمحض الاحتمال وهو مردود وأبعد
194

من قال يحمل قوله على عائشة بمعنى من عائشة أي استأذنت عائشة في الدخول على ميمونة (قوله
وأجاز سمرة بن جندب شهادة امرأة متنقبة) كذا في رواية أبي ذر بالتشديد ولغيره بسكون
النون وتقديمها على المثناة ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث عائشة سمع
النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد الحديث والغرض منه اعتماد النبي صلى الله عليه
وسلم على صوته من غير أن يرى شخصه (قوله وزاد عباد بن عبد الله) أي بن الزبير عن أبيه عن
عائشة وصله أبو يعلى من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن
عائشة تهجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وتهجد عباد بن بشر في المسجد فسمع رسول الله صلى
الله عليه وسلم صوته فقال يا عائشة هذا عباد بن بشر قلت نعم فقال اللهم ارحم عبادا (قوله
فسمع صوت عباد وقوله أصوت) عباد هذا في رواية أبي يعلى المذكور عباد بن بشر في الموضعين
كما سقته وبهذا يزول اللبس عمن يظن اتحاد المسموع صوته والراوي عن عائشة وهما اثنان
مختلفا النسبة والصفة فعباد بن بشر صحابي جليل وعباد بن عبد الله بن الزبير تابعي من وسط
التابعين وظاهر الحال أن المبهم في الرواية التي قبل هذه هو المفسر في هذه الرواية لان مقتضى
قوله زاد أن يكون المزيد فيه والمزيد عليه حديثا واحدا فتتحد القصة لكن جزم عبد الغني بن
سعيد في المبهمات بأن المبهم في رواية هشام عن أبيه عن عائشة هو عبد الله بن يزيد الأنصاري
فروى من طريق عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوت قارئ يقرأ فقال صوت
من هذا قالوا عبد الله بن يزيد قال لقد ذكرني أية يرحمه الله كنت أنسيتها ويؤيد ما ذهب إليه
مشابهة قصة عمرة عن عائشة بقصة عروة عنها بخلاف قصة عباد بن عبد الله عنها فليس فيه
تعرض لنسيان الآية ويحتمل التعدد من جهة غير الجهة التي اتحدت وهو أن يقال سمع
صوت رجلين فعرف أحدهما فقال هذا صوت عباد ولم يعرف الاخر فسأل عنه والذي لم يعرفه
هو الذي تذكر بقراءته الآية التي نسيها وسيأتي بقية الكلام على شرحه في كتاب فضائل القرآن
إن شاء الله تعالى * ثانيها حديث ابن عمر في تأذين بلال وابن أم مكتوم وقد مضى بتمامه وشرحه
في الاذان والغرض منه ما تقدم من الاعتماد على صوت الأعمى * ثالثها حديث المسور في
اعطاء النبي صلى الله عليه وسلم له القباء والغرض منه قوله فيه فعرف النبي صلى الله عليه وسلم
صوته فخرج ومعه قباء وهو يريه محاسنه ويقول خبأت لك هذا فإن فيه أنه اعتمد على صوته قبل
أن يرى شخصه وسيأتي شرحه في اللباس إن شاء الله تعالى واحتج من لم يجز شهادة الأعمى بأن
العقود لا تجوز الشهادة عليها الا باليقين والأعمى لا يتيقن الصوت لجواز شبهة بصوت غيره
وأجاب المجيزون بأن محل القبول عندهم إذا تحقق الصوت ووجدت القرائن الدالة لذلك وأما
عند الاشتباه فلا يقول به أحد ومن ذلك جواز نكاح الأعمى زوجته وهو لا يعرفها الا بصوتها
لكنه يتكرر عليه سماع صوتها حتى يقع له العلم بأنها هي وإلا فمتى احتمل عنده احتمالا قويا أنها
غيرها لم يجز له الاقدام عليها وقال الإسماعيلي ليس في أحاديث الباب دلالة على الجواز مطلقا
لان نكاح الأعمى يتعلق بنفسه لأنه في زوجته وأمته وليس لغيره فيه مدخل وأما قصة عباد
ومخرمة ففي شئ يتعلق بهما لا يتعلق بغيرهما وأما التأذين فقد قال في بقية الحديث كان لا يؤذن
حتى يقال له أصبحت فالاعتماد على الجمع الذين يخبرونه بالوقت قال وأما ما ذكره الزهري في حق
195

ابن عباس فهو تهويل لا تقوم به حجة لان بن عباس كان أفقه من أن يشهد فيما لا تجوز فيه
شهادته فإنه لو شهد لأبيه أو ابنه أو مملوكه لما قبلت شهادته وقد أعاذه الله من ذلك (قوله
باب شهادة النساء وقول الله تعالى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) قال ابن المنذر
أجمع العلماء على القول بظاهر هذه الآية فأجازوا شهادة النساء مع الرجال وخص الجمهور ذلك
بالديون والأموال وقالوا لا تجوز شهادتهن في الحدود والقصاص واختلفوا في النكاح
والطلاق والنسب والولاء فمنعها الجمهور وأجازها الكوفيون قال واتفقوا على قبول
شهادتين مفردات فيما لا يطلع عليه الرجال كالحيض والولادة والاستهلال وعيوب النساء
واختلفوا في الرضاع كما سيأتي في الباب الذي بعده وقال أبو عبيدة أما اتفاقهم على جواز شهادتين
في الأموال فللآية المذكورة وأما اتفاقهم على منعها في الحدود والقصاص فلقوله تعالى فإن لم
يأتوا بأربعة شهداء وأما اختلافهم في النكاح ونحوه فمن ألحقها بالأموال فذلك لما فيها من
المهور والنفقات ونحو ذلك ومن ألحقها بالحدود فلانها تكون استحلالا للفروج وتحريمها بها
قال وهذا هو المختار ويؤيد ذلك قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم ثم سماها حدودا فقال
تلك حدود الله والنساء لا يقبلن في الحدود قال وكيف يشهدن فيما ليس لهن فيه تصرف من
عقد ولا حل انتهى وهذا التفصيل لا ينافي الترجمة لأنها معقودة لاثبات شهادتهن في الجملة وقد
اختلفوا فيما لا يطلع عليه الرجال هل يكفي فيه قول المرأة وحدها أم لا فعند الجمهور لا بد من
أربع وعن مالك وابن أبي ليلى يكفي شهادة اثنتين وعن الشعبي والثوري تجوز شهادتها وحدها
في ذلك وهو قول الحنفية ثم ذكر المصنف حديث أبي سعيد مختصرا وقد مضى بتمامه في الحيض
والغرض منه قوله صلى الله عليه وسلم أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل قال المهلب
ويستنبط منه التفاضل بين الشهود بقدر عقلهم وضبطهم فتقدم شهادة الفطن اليقظ على
الصالح البليد قال وفي الآية أن الشاهد إذا نسي الشهادة فذكره بها رفيقه حتى تذكرها أنه يجوز
أن يشهد بها ومن اللطائف ما حكاه الشافعي عن أمه أنها شهدت عند قاضي مكة وامرأة
أخرى فأراد أن يفرق بينهما امتحانا فقالت له أم الشافعي ليس لك ذلك لان الله تعالى يقول أن تضل
إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى (قوله باب شهادة الإماء والعبيد) أي في حال
الرق وقد ذهب الجمهور إلى أنها لا تقبل مطلقا وقالت طائفة تقبل مطلقا وقد نقل المصنف بعض
ذلك وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور وقيل في الشئ اليسير وهو قول الشعبي وشريح
والنخعي والحسن (قوله وقال أنس شهادة العبد جائزة إذا كان عدلا) وصله ابن أبي شيبة من
رواية المختار بن فلفل قال سألت أنسا عن شهادة العبيد فقال جائزة (قوله وأجازه شريح
وزرارة بن أبي أوفى) أما شريح فوصله بن أبي شيبة من رواية عامر وهو الشعبي أن شريحا أجاز
شهادة العبيد وروى سعيد بن منصور من رواية عمار الدهني قال سمعت شريحا أجاز شهادة
عبد في الشئ اليسير ورويناه في جامع سفيان بن عيينة عن هشام عن بن سيرين كان شريح يجيز
شهادة العبد في الشئ اليسير إذا كان مرضيا وروى بن أبي شيبة أيضا من طريق أشعث عن
الشعبي كان شريح لا يجيز شهادة العبد فقال علي لكنا نجيزها فكان شريح بعد ذلك يجيزها
الا لسيده وأما قول زرارة بن أبي أوفى وهو قاضي البصرة فلم أقف على سنده إليه (قوله وقال ابن
196

سيرين شهادته) أي العبد جائزة الا العبد لسيده وصله عبد الله بن أحمد بن حنبل في المسائل من
طريق يحيى بن عتيق عنه بمعناه (قوله وأجازه الحسن وإبراهيم في الشئ التافه) وصله ابن أبي
شيبة من رواية منصور عن إبراهيم قال كانوا يجيزونها في الشئ الخفيف ومن طريق أشعث
الحمراني عن الحسن نحوه (قوله وقال شريح كلكم بنو عبيد وإماء) كذا للأكثر ولابن
السكن كلكم عبيد وإماء وصله بن أبي شيبة من طريق عمار الدهني سمعت شريحا شهد عنده عبد
فأجاز شهادته فقيل له أنه عبد فقال كلنا عبيد وأمنا حواء وأخرجه سعيد بن منصور من هذا
الوجه نحوه بلفظ فقيل له أنه عبد فقال كلكم بنو عبيد وبنو إماء ثم أورد المصنف حديث عقبة
ابن الحارث في قصة الأمة السوداء المرضعة وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده ووجه
الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم أمر عقبة بفراق امرأته بقول الأمة المذكورة فلو لم تكن
شهادتها مقبولة ما عمل بها واحتجوا أيضا بقوله تعالى ممن ترضون من الشهداء قالوا فإن كان
الذي في الرق رضا فهو داخل في ذلك وأجيب عن الآية بأنه تعالى قال في آخرها ولا يأب
الشهداء إذا ما دعوا والاباء إنما يتأتى من الأحرار لاشتغال الرقيق بحق السيد وفي الاستدلال
بهذا القدر نظر وأجاب الإسماعيلي عن حديث الباب فقال قد جاء في بعض طرقه فجاءت مولاة
لأهل مكة قال وهذا اللفظ يطلق على الحرة التي عليها الولاء فلا دلالة فيه على أنها كانت رقيقة
وتعقب بأن رواية حديث الباب فيه التصريح بأنها أمة فتعين أنها ليست بحرة وقد قال ابن
دقيق العيد أن أخذنا بظاهر حديث الباب فلا بد من القول بشهادة الأمة وقد سبق إلى الجزم
بأنها كانت أمة أحمد بن حنبل رواه عنه جماعة كأبي طالب ومهنا وحرب وغيرهم وقد تقدم في
العلم تسمية أم يحيى بنت أبي إهاب وإنها غنية بفتح المعجمة وكسر النون بعدها تحتانية مثقلة ثم
وجدت في النسائي أن اسمها زينب فلعل غنية لقبها أو كان اسمها فغير بزينب كما غير اسم غيرها
والأمة المذكورة لم أقف على اسمها (قوله فأعرض عني) زاد في البيوع من طريق عبد الله بن أبي
حسين عن ابن أبي مليكة وتبسم النبي صلى الله عليه وسلم (قوله فيه فتنحيت فذكرت ذلك له) في
رواية النكاح فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه فقلت أنها كاذبة وفي رواية الدارقطني ثم سألته
فأعرض عني وقال في الثالثة أو الرابعة (قوله باب شهادة المرضعة) ذكر فيه حديث
عقبة بن الحارث في قصة المرأة التي أخبرته أنها أرضعته وأرضعت امرأته أخرجه في الباب الذي
قبله وفي هذا الباب عن أبي عاصم لكن هنا عن عمر بن سعيد وفي الذي قبله عن بن جريج كلاهما
عن ابن أبي مليكة وكأن لأبي عاصم فيه شيخين فقد وجدت له فيه ثالثا ورابعا أخرجه الدارقطني
من طريق محمد بن يحيى عن أبي عاصم عن أبي عامر الخراز ومحمد بن سليم كلاهما عن بن أبي مليكة
أيضا واحتج به من قبل شهادة المرضعة وحدها قال علي بن سعد سمعت أحمد يسأل عن شهادة المرأة
الواحدة في الرضاع قال تجوز على حديث عقبة بن الحارث وهو قول الأوزاعي ونقل عن عثمان
وابن عباس والزهري والحسن وإسحاق وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن بن شهاب قال
فرق عثمان بين ناس تناكحوا بقول امرأة سوداء أنها أرضعتهم قال ابن شهاب الناس يأخذون
بذلك من قول عثمان اليوم واختاره أبو عبيد الا أنه قال أن شهدت المرضعة وحدها وجب على
الزوج مفارقة المرأة ولا يجب عليه الحكم بذلك وأن شهدت معها أخرى وجب الحكم به واحتج
197

أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يلزم عقبة بفراق امرأته بل قال له دعها عنك وفي رواية بن جريج
كيف وقد زعمت فأشار إلى أن ذلك على التنزيه وذهب الجمهور إلى أنه لا يكفي شهادة
المرضعة لأنها شهادة على فعل نفسها وقد أخرج أبو عبيد من طريق عمر والمغيرة بن شعبة وعلي بن
أبي طالب وابن عباس أنهم امتنعوا من التفرقة بين الزوجين بذلك فقال عمر فرق بينهما أن جاءت
بينة وإلا فخل بين الرجل وامرأته الا أن يتنزها ولو فتح هذا الباب لم تشأ امرأة أن تفرق بين
الزوجين الا فعلت وقال الشعبي تقبل مع ثلاث نسوة بشرط أن لا تتعرض نسوة لطلب أجرة وقيل
لا تقبل مطلقا وقيل تقبل في ثبوت المحرمية دون ثبوت الأجرة لها على ذلك وقال مالك تقبل مع
أخرى وعن أبي حنيفة لا تقبل في الرضاع شهادة النساء المتمحضات وعكسه الإصطخري من
الشافعية وأجاب من لم يقبل شهادة المرضعة وحدها بحمل النهي في قوله فنهاه عنها على التنزيه
وبحمل الامر في قوله دعها عنك على الارشاد وفي الحديث جواز أعراض المفتي ليتنبه المستفتى
على أن الحكم فيما سأله الكف عنه وجواز تكرار السؤال لمن لم يفهم المراد والسؤال عن
السبب المقتضى لرفع النكاح وقوله في الاسناد الذي قبله حدثني عقبة بن الحرث أو سمعته منه فيه
رد على من زعم أن بن أبي مليكة لم يسمع من عقبة بن الحارث وقد حكاه ابن عبد البر ولعل قائل
ذلك أخذه من الرواية الآتية في النكاح من طريق بن علية عن أيوب عن بن أبي مليكة عن عبيد
ابن أبي مريم عن عقبة بن الحارث قال بن أبي مليكة وقد سمعته من عقبة ولكني لحديث عبيد
أحفظ وأخرجه أبو داود من طريق حماد عن أيوب ولفظه عن بن أبي مليكة عن عقبة بن الحرث
قال وحدثنيه صاحب لي عنه وأنا لحديث صاحبي أحفظ ولم يسمه وفيه إشارة إلى التفرقة في
صيغ الأداء بين الافراد والجمع أو بين القصد إلى التحديث وعدمه فيقول الراوي فيما سمعه
وحده من لفظ الشيخ أو قصد الشيخ تحديثه بذلك حدثني بالافراد وفيما عدا ذلك حدثنا بالجمع أو
سمعت فلانا يقول ووقع عند الدارقطني من هذا الوجه حدثني عقبة بن الحرث ثم قال لم يحدثني
ولكني سمعته يحدث وهذا يعين أحد الاحتمالين وقد اعتمد ذلك النسائي فيما يرويه عن الحارث
ابن مسكين فيقول الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ولا يقول حدثني ولا أخبرني لأنه لم
يقصده بالتحديث وإنما كان يسمعه من غير أن يشعر به (قوله فيه اني قد أرضعتكما زاد الدارقطني
من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة فدخلت علينا امرأة سوداء فسألت فأبطأنا عليها فقالت
تصدقوا علي فوالله لقد أرضعتكما جميعا زاد البخاري في العلم من طريق عمر بن سعيد عن ابن أبي
حسين عن ابن أبي مليكة فقال لها عقبة ما أرضعتني ولا أخبرتني أي بذلك قبل التزوج زاد في باب
إذا شهد شاهد بشئ فقال آخر ما علمت ذلك وفي العلم فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالمدينة فسأله وترجم عليه الرحلة في المسألة النازلة وزاد في النكاح فقالت لي قد أرضعتكما
وهى كاذبة (قوله دعها عنك أو نحوه) في رواية النكاح دعها عنك حسب زاد الدارقطني
في رواية أيوب في آخره لا خير لك فيها وفي الباب الذي قبله فنهاه عنها زاد في الباب المشار إليه من
الشهادات ففارقها ونكحت زوجا غيره (قوله باب تعديل النساء بعضهن
بعضا) كذا للأكثر زاد أبو ذر قبله حديث الإفك ثم قال باب الخ (قوله حدثنا أبو الربيع سليمان
ابن داود) هو الزهراني العتكي بفتح المهملة والمثناة البصري نزل بغداد اتفق البخاري ومسلم
198

على الرواية عنه ومن جملة ما اتفقا عليه إخراج هذا الحديث عنه وفي طبقته اثنان كل منهما
أيضا أبو الربيع سليمان بن داود أحدهما الختلي بضم المعجمة وتشديد المثناة المفتوحة بغدادي
انفرد مسلم بالرواية عنه والرشديني بكسر الراء وسكون المعجمة مصري لم يخرجا له وروى عنه أبو
داود والنسائي (قوله وأفهمني بعضه أحمد قال حدثنا فليح) يحتمل أن يكون أحمد رفيقا لأبي
الربيع في الرواية عن فليح وأن يكون البخاري حمله عنهما جميع على الكيفية المذكورة ويحتمل
أن يكون أحمد رفيقا للبخاري في الرواية عن أبي الربيع وهو الأقرب إذ لو كان المراد الأول لكان
يقول قالا حدثنا فليح بالتثنية ولم أر ذلك في شئ من الأصول ويؤيد الأول أيضا صنيع البرقاني
فإنه أخرج الحديث في المصافحة ومقتضاه أن القدر المذكور عند البخاري عن أحمد عن أبي
الربيع عن فليح لكن وقع في أطراف خلف حدثنا أبو ربيع وأفهمني بعضه أحمد بن يونس
فإن كان محفوظا فلعل لفظ قالا سقط من الأصل كما جرت العادة باسقاطها كثيرا في الأسانيد
فأثبت بعضهم بدلها قال بالافراد وبما قال خلف جزم الدمياطي وأما جزم المزي بأن الذي ذكره
خلف وهم فليس هذا الجزم بواضح وزعم بن خلفون أن أحمد هذا هو ابن حنبل بناء على القول
الثاني وجوز غيره أن يكون أحمد بن النضر النيسابوري وبه جزم الذهبي في طبقات القراء وقد
حدث به عن أبي الربيع الزهراني ممن يسمى أحمد أيضا أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم وأبو يعلى
أحمد بن علي بن المثنى وغيرهما وقد ذكرت في المقدمة طائفة ممن روى هذا الحديث عن فليح ممن
تسمى أحمد وكذلك من رواه عن أبي الربيع ممن يسمى أحمد أيضا فالله أعلم ثم ساق المصنف
حديث الإفك بطوله من رواية فليح عن الزهري عن مشايخه ثم من رواية فليح عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة وعبد الله بن الزبير قال مثله ومن رواية فليح عن ربيعة ويحيى بن سعيد عن
القاسم بن محمد قال مثله وسيأتي شرحه مستوفى في تفسير سورة النور وبيان ما زادت رواية
كل واحد من هؤلاء على رواية الزهري وما نقصت عنها وقد أخرجه الإسماعيلي عن جماعة
أخبروه به عن أبي الربيع وزاد في آخره عن فليح قال وسمعت ناسا من أهل العلم يقولون أن
أصحاب الإفك جلدوا الحد (قلت) وسيأتي لذلك إسناد آخر في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى
والغرض منه هنا سؤاله صلى الله عليه وسلم بريرة عن حال عائشة وجوابها ببراءتها واعتماد النبي
صلى الله عليه وسلم على قولها حتى خطب فاستعذر من عبد الله بن أبي وكذلك سؤاله من زينب
بنت جحش عن حال عائشة وجوابها ببراءتها أيضا وقول عائشة في حق زينب هي التي كانت
تساميني فعصمها الله بالورع ففي مجموع ذلك مراد الترجمة قال بن بطال فيه حجة لأبي حنيفة في
جواز تعديل النساء وبه قال أبو يوسف ووافق محمد الجمهور قال الطحاوي التزكية خبر وليست
شهادة فلا مانع من القبول وفي الترجمة الإشارة إلى قول ثالث وهو أن تقبل تزكيتهن لبعضهن
لا للرجال لان من منع ذلك اعتل بنقصان المرأة عن معرفة وجوه التزكية لا سيما في حق الرجال
وقال ابن بطال لو قيل أنه تقبل تزكيتهن بقول حسن وثناء جميل يكون ابراء من سوء لكان حسنا
كما في قصة الإفك ولا يلزم منه قبول تزكيتهن في شهادة توجب أخذ مال والجمهور على جواز
قبولهن مع الرجال فيما تجوز شهادتهن فيه (قوله فأيتهن خرج سهمها أخرج بها معه) كذا
للنسفي ولأبي ذر عن غير الكشميهني وفي رواية الكشميهني والباقين خرج وهو الصواب ولعل
199

الأول أخرج بضم أوله على البناء للمجهول (قوله من جزع أظفار) كذا للأكثر وفي رواية
الكشميهني ظفار وهو أصوب وسيأتي توضيحه عند شرحه (قوله فاستيقظت باسترجاعه حتى
أناخ راحلته) كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني والنسفي حين أناخ راحلته قوله وقد بكيت
لليلتي ويوما) وفي رواية الكشميهني ليلتين ويوما وفي رواية النسفي وأبي الوقت ليلتي ويومي
200

وستأتي بقية ألفاظه عند شرحه إن شاء الله تعالى (قوله باب إذا زكى رجل
رحلا كفاه) ترجم في أوائل الشهادات تعديل كم يجوز فتوقف هناك وجزم هنا بالاكتفاء
بالواحد وقد قدمت توجيهه هناك واختلف السلف في اشتراط العدد في التزكية فالمرجح عند
الشافعية والمالكية وهو قول محمد بن الحسن اشتراط اثنين كما في الشهادة واختاره الطحاوي
واستثنى كثير منهم بطانة الحاكم لأنه نائبه فينزل قوله منزلة الحكم وأجاز الأكثر قبول الجرح
والتعديل من واحد لأنه ينزل منزلة الحكم والحكم لا يشترط فيه العدد وقال أبو عبيد لا يقبل في
التزكية أقل من ثلاثة واحتج بحديث قبيصة الذي أخرجه مسلم فيمن تحل له المسألة حتى يقوم
ثلاثة من ذوي الحجا فيشهدون له قال وإذا كان هذا في حق الحاجة فغيرها أولى وهذا كله في
الشهادة أما الرواية فيقبل فيها قول الواحد على الصحيح لأنه إن كان ناقلا عن غيره فهو من جملة
الأخبار ولا يشترط العدد فيها وأن كان من قبل نفسه فهو بمنزلة الحاكم ولا يتعدد أيضا (قوله
وقال أبو جميلة) بفتح الجيم وكسر الميم واسمه سنين بمهملة ونونين مصغر ووهم من شدد التحتانية
كالداودي وقيل أنها رواية الأصيلي قيل اسم أبيه فرقد قال بن سعد هو سلمي وقال غيره هو
ضمري وقيل سليطي وقد ذكره العجلي وجماعة في التابعين وسيأتي في غزوة الفتح ما يدل على صحبته
وقد ذكره آخرون في الصحابة ووقع سياق خبره من طريق معمر عن الزهري عن أبي جميلة قال
أخبرنا ونحن مع ابن المسيب أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وخرج معه عام الفتح وذكر أبو
عمرانه جاء في رواية أخرى أنه حج حجة الوداع وهو وارد على من لم يعرفه فقال أنه مجهول كابن المنذر
ونقل البيهقي عن الشافعي نحو ذلك وفي الرواة أبو جميلة آخر اسمه ميسرة الطهوي بضم الطاء
المهملة وفتح الهاء وهو كوفي روى عن عثمان وعلي وليست له صحبة اتفاقا ووهم من جعله
صاحب هذه القصة كالكرماني (قوله وجدت منبوذا) بفتح الميم وسكون النون وضم الموحدة
وسكون الواو بعدها معجمة أي شخصا منبوذا أي لقيطا (قوله قال عسى الغوير أبؤسا) كذا
للأصيلي ولأبي ذر عن الكشميهني وحده وسقط للباقين والغوير بالمعجمة تصغير غار وأبؤسا جمع
بؤس وهو الشدة وانتصب على أنه خبر عسى عند من يجيزه أو بإضمار شئ تقديره عسى أن يكون
الغوير أبؤسا وجزم به صاحب المغني وهو مثل مشهور يقال فيما ظاهره السلامة ويخشى منه
العطب وروى الخلال في علله عن الزهري أن أهل المدينة يتمثلون به في ذلك كثيرا وأصله كما قال
201

الأصمعي أن ناسا دخلوا غارا يبيتون فيه فانهار عليهم فقتلهم وقيل وجدوا فيه عدوا لهم فقتلهم
فقيل ذلك لكل من دخل في أمر لا يعرف عاقبته وقال بن الكلبي الغوير مكان معروف فيه ماء
لبنى كلب كان فيه ناس يقطعون الطريق وكان من يمر يتواصون بالحراسة وقال ابن الأعرابي
ضرب عمر هذا المثل للرجل يعرض بأنه في الأصل ولده وهو يريد نفيه عنه بدعواه أنه التقطه فهذا
معنى قوله كأنه يتهمني وقيل أول من تكلم به الزباء بفتح الزاي وتشديد الموحدة والمد لما قتلت
جذيمة الأبرش وأراد قصير بفتح القاف وكسر المهملة أن يقتص منها فتواطأ قصير وعمرو ابن أخت
جذيمة على أن قطع عمرو أنف قصير فأظهر أنه هرب منه إلى الزباء فأمنت إليه ثم أرسلته تاجرا
فرجع إليها بربح كثير مرارا ثم رجع المرة الأخيرة ومعه الرجال في الاعدال معهم السلاح
فنظرت إلى الجمال تمشي رويدا لثقل من عليها فقالت عسى الغوير أبؤسا أي لعل الشر يأتيكم
من قبل الغوير وكأن قصيرا أعلمها أنه سلك في هذه المرة طريق الغوير فلما دخلت الأحمال قصرها
خرجت الرجال من الاعدال فهلكت (قوله كأنه يتهمني) أي بأن يكون الولد له وإنما أراد نفي
نسبه عنه لمعنى من المعاني وأراد مع ذلك أن يتولى هو تربيته وقيل أتهمه بأنه زنى بأمه ثم ادعاه
وهو بعيد وما تقدم أولى وقد أخرج البيهقي هذه القصة موصولة من طريق يحيى بن سعيد
الأنصاري عن الزهري عن أبي جميلة أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وأنه وجد
منبوذا في خلافة عمر فأخذه قال فذكر ذلك عريفي لعمر فلما رآني عمر قال فذكره وزاد ما حملك
على أخذ هذه النسمة قلت وجدتها ضائعة وقد أخرج مالك في الموطأ هذه الزيادة عن الزهري
أيضا وصدر هذا الخبر سيأتي موصولا في أواخر المغازي من وجه آخر عن الزهري وفي ذلك رد على
من زعم أن أبا جميلة هذا هو الطهوي لان الطهوي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولا عمر
وأورد بن الأثير عن البخاري ما ذكرته عنه وزاد فيه وأنه التقط منبوذا فذكر القصة ولم أر
ذلك في شئ من النسخ (قوله فقال له عريفي أنه رجل صالح) لم اقف على اسم هذا العريف الا أن
الشيخ أبا حامد ذكر في تعليقه أن اسمه سنان وفي الصحابة لابن عبد البر سنان الضمري استخلفه أبو
بكر الصديق مرة على المدينة فيحتمل أن يكون هو ذا فقد قيل أن أبا جميلة ضمري والله أعلم قال
ابن بطال كان عمر قسم الناس وجعل على كل قبيلة عريفا ينطر عليهم (قلت) فإن كان أبو جميلة
سلميا فينظر من كان عريف بني سليم في عهد عمر (قوله قال كذاك) زاد مالك في روايته قال نعم
(قوله اذهب وعلينا نفقته) في رواية مالك فقال عمر أذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته
وكذلك في رواية البيهقي قال بن بطال في هذه القصة أن القاضي إذا سأل في مجلس نظره عن أحد
فإنه يجتزئ بقول الواحد كما صنع عمر فأما إذا كلف المشهود له أن يعدل شهوده فلا يقبل أقل من
اثنين (قلت) غايته أنه حمل القصة على بعض محتملاتها وقصة التكليف تحتاج إلى دليل من خارج
وفيها جواز الالتقاط وأن لم يشهد وأن نفقته إذا لم يعرف في بيت المال وأن ولاؤه لملتقطه وذلك
مما اختلف فيه وستأتي الإشارة إلى ذلك في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى وقد وجه بعضهم معنى
قوله لك ولاؤه بكونه حين التقطه كأنه أعتقه من الموت أو أعتقه من أن يلتقطه غيره ويدعي
أنه ملكه * (تنبيه) * وقع في المطالع أن عمر لما اتهم أبا جميلة شهد له جماعة بالستراه وليس في
قصته أن الذي شهد ليس الا عريفه وحده وفيه تثبت عمر في الاحكام وأن الحاكم إذا توقف في أمر
202

أحد لم يكن ذلك قادحا فيه ورجوع الحاكم إلى قول أمنائه وفيه أن الثناء على الرجل في وجهه
عند الحاجة لا يكره وإنما يكره الاطناب في ذلك ولهذه النكتة ترجم البخاري عقب هذا بحديث
أبى موسى الذي ساقه بمعنى حديث أبي بكرة الذي أورده في هذا الباب فقال ما يكره من الاطناب
في المدح ووجه احتجاجه بحديث أبي بكرة أنه صلى الله عليه وسلم اعتبر تزكية الرجل إذا اقتصد
لأنه لم يعب عليه الا الاسراف والتغالي في المدح واعترضه ابن المنير بأن هذا القدر كاف في قبول
تزكيته وأما اعتبار النصاب فمسكوت عنه وجوابه أن البخاري جرى على قاعدته بأن النصاب
لو كان شرطا لذكر إذ لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة (قوله أثنى رجل على رجل) يحتمل
أن يفسر المثنى بمحجن بن الأدرع الأسلمي وحديثه بذلك عند الطبراني وأحمد و
اسحق وعند إسحاق فيه زيادة من وجه آخر قد يفسر منها المثنى عليه بأنه عبد الله ذو النجادين وسيأتي
بيان ذلك في كتاب الأدب مع تمام الكلام على حديث أبي بكرة إن شاء الله تعالى (قوله
باب ما يكره من الاطناب في المدح وليقل ما يعلم) أورد فيه حديث أبي موسى
سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يثني على رجل يمكن أن يفسر بمن فسر في حديث أبي
بكرة بناء على اتحاد القصة وقوله يطريه بضم أوله والاطراء مدح الشخص بزيادة على ما فيه
(قوله أهلكتم أو قطعتم) شك من الراوي وليس في الحديث ما زاده في الترجمة من وقوله وليقل
ما يعلم وكأنه ذهب إلى اتحاد حديثي أبي بكرة وأبي موسى وقد قال في حديث أبي بكرة أن كان يعلم
ذلك منه والله أعلم (قوله باب بلوغ الصبيان وشهادتهم) أي حد بلوغهم
وحكم شهادتهم قبل ذلك فأما حد البلوغ فسأذكره وأما شهادة الصبيان فردها الجمهور واعتبرها
مالك في جراحاتهم بشرط أن يضبط أول قولهم قبل أن يتفرقوا وقبل الجمهور أخبارهم إذا
انضمت إليها قرينة وقد اعترض بأنه ترجم بشهادتهم وليس في حديثي الباب ما يصرح بها وأجيب
بأنه مأخوذ من الاتفاق على أن من حكم ببلوغه قبلت شهادته إذا اتصف بشرط القبول ويرشد
إليه قول عمر بن عبد العزيز أنه لحد بين الصغير والكبير (قوله وقول الله عز وجل وذا بلغ الأطفال
منكم الحلم فليستأذنوا) في هذه الآية تعليق الحكم ببلوغه الحلم وقد أجمع العلماء على أن
الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام وهو إنزال الماء الدافق
سواء كان بجماع أو غيره سواء كان في اليقظة أو المنام وأجمعوا على أن لا أثر للجماع في المنام
الا مع الانزال (قوله وقال مغيرة) هو ابن مقسم الضبي الكوفي (قوله وأنا ابن ثنتي عشرة
سنة) جاء مثله عن عمرو بن العاص فإنهم ذكروا أنه لم يكن بينه وبين ابنه عبد الله بن عمرو في
السن سوى اثنتي عشرة سنة (قوله وبلوغ النساء إلى الحيض لقوله عز وجل واللائي يئسن
من المحيض من نسائكم إلى قوله أن يضعن حملهن) هو بقية من الترجمة ووجه الانتزاع من
الآية للترجمة تعليق الحكم في العدة بالأقراء على حصول الحيض وأما قبله وبعده فبالأشهر
فدل على أن وجود الحيض ينقل الحكم وقد أجمع العلماء على أن الحيض بلوغ في حق النساء
(قوله وقال الحسن بن صالح) هو ابن حي الهمداني الفقيه الكر في تقدم نسبه في أوائل الكتاب
وأثره هذا رويناه موصولا في المجالسة للدينوري من طريق يحيى بن آدم عنه نحوه وزاد فيه وأقل
أوقات الحمل تسع سنين وقد ذكر الشافعي أيضا أنه رأى جدة بنت إحدى وعشرين سنة وانها
203

حاضت باستكمال تسع ووضعت بنتا لاستكمال عشر ووقع لبنتها مثل ذلك واختلف العلماء
في أقل سن تحيض فيه المرأة ويحتلم فيه الرجل وهل تنحصر العلامات في ذلك أم لا وفي السن
الذي إذا جاوزه الغلام ولم يحتلم والمرأة لم تحض يحكم حينئذ بالبلوغ فاعتبر مالك والليث وأحمد
واسحق وأبو ثور الانبات الا أن مالكا لا يقيم به الحد للشبهة واعتبره الشافعي في الكافر واختلف
قوله في المسلم وقال أبو حنيفة سن البلوغ تسع عشرة أو ثمان عشرة للغلام وسبع عشرة للجارية
وقال أكثر المالكية حده فيهما سبع عشرة أو ثمان عشرة وقال الشافعي وأحمد وابن وهب
والجمهور حده فيهما استكمال خمس عشرة سنة على ما في حديث ابن عمر في هذا الباب (قوله
حدثنا عبيد الله بن سعيد) كذا في جميع الأصول عبيد الله بالتصغير وهو أبو قدامة السرخسي
ووقع بخط ابن العكلي الحافظ عبيد بن إسماعيل وبذلك جزم البيهقي في الخلافيات فأخرج
الحديث من طريق محمد بن الحسين الخثعمي عن عبيد بن إسماعيل ثم قال أخرجه البخاري عن
عبيد الله بن إسماعيل (قلت) وهو معروف بالرواية عن بن أسامة وقد أخرج النسائي هذا الحديث
عن أبي قدامة السرخسي فقال عن يحيى بن سعيد القطان بدل أبي أسامة فهذا يرجح ما قال
البيهقي (قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم
يجزني) فيه التفات أو تجريد إذ كان السياق يقتضي أن يقول فلم يجزه لكنه ألتفت أو جرذ من
نفسه أولا شخصا فعبر عنه بالماضي ثم ألتفت فقال عرضني ووقع في رواية يحيى القطان عن
عبيد الله بن عمر كما سيأتي في المغازي فلم يجزه وفي رواية مسلم عن بن نمير عن أبيه عن عبد الله بن عمر
عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال فلم يجزني وقوله فلم يجزني بضم أوله من
الإجازة وفي رواية بن إدريس وغيره عن عبيد الله عند مسلم فاستصغرني (قوله ثم عرضني يوم
الخندق وأنا بن خمس عشرة سنة فأجازني لم تختلف الرواة عن عبيد الله بن عمر في ذلك وهو
الاقتصار على ذكر أحد والخندق وكذا أخرجه بن حبان من طريق مالك عن نافع وأخرجه ابن
سعد في الطبقات عن يزيد بن هارون عن أبي معشر عن نافع عن ابن عمر فزاد فيه ذكر بدر ولفظه
عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فردني وعرضت عليه يوم
أحد الحديث قال بن سعد قال يزيد بن هارون ينبغي أن يكون في الخندق بن ست عشرة سنة اه
وهو أقدم من نعرفه استشكل قول بن عمر هذا وإنما بناه على قول بن إسحاق وأكثر أهل السير أن
الخندق كانت في سنة خمس من الهجرة وأن اختلفوا في تعيين شهرها كما سيأتي في المغازي
واتفقوا على أن أحدا كانت في شوال سنة ثلاث وإذا كان كذاك جاء ما قال يزيد أنه يكون
حينئذ ابن ست عشرة سنة لكن البخاري جنح إلى قول موسى بن عقبة في المغازي أن الخندق
كانت في شوال سنة أربع وقد روى يعقوب بن سفيان في تاريخه ومن طريقه البيهقي عن
عروة نحو قول موسى بن عقبة وعن مالك الجزم بذلك وعلى هذا لا اشكال لكن اتفق أهل
المغازي على أن المشركين لما توجهوا في أحد نادوا المسلمين موعدكم العام المقبل بدر وأنه صلى
الله عليه وسلم خرج إليها من السنة المقبلة في شوال فلم يجد بها أحدا وهذه هي التي تسمى بدر
الموعد ولم يقع بها قتال فتعين ما قال بن إسحاق أن الخندق كانت في سنة خمس فيحتاج حينئذ إلى
الجواب عن الاشكال وقد أجاب عنه البيهقي وغيره بأن قول بن عمر عرضت يوم أحد وأنا ابن
204

أربع عشرة أي دخلت فيها وأن قوله عرضت يوم الخندق وأنا بن خمس عشرة أي تجاوزتها
فألغى الكسر في الأولى وجبره في الثانية وهو شائع مسموع في كلامهم وبه يرتفع الاشكال
المذكور وهو أولى من الترجيح والله أعلم تنبيهان الأول زعم ابن التين أنه ورد في بعض
الروايات أن عرض بن عمر كان ببدر فلم يجزه ثم بأحد فأجازه قال وفي رواية عرض يوم أحد وهو
ابن ثلاث عشرة فلم يجزه وعرض يوم الخندق وهو بن أربع عشرة سنة فأجازه ولا وجود لذلك
وانما وجد ما أشرت إليه عن بن سعد أخرجه البيهقي من وجه آخر عن أبي معشر وأبو
معشر مع ضعفه لا يخالف ما زاده من ذكر بدر ما رواه الثقات بل يوافقهم الثاني زعم ابن ناصر
أنه وقع في الجمع للحميدي هنا يوم الفتح بدل يوم الخندق قال بن ناصر والسابق إلى ذلك ابن
مسعود أو خلف فتبعه شيخنا ولم يتدبره والصواب يوم الخندق في جميع الروايات وتلقى ذلك
ابن الجوزي عن بن ناصر وبالغ في التشنيع على من وهم في ذلك وكان الأولى ترك ذلك فإن الغلط
لا يسلم منه كثيرا أحد (قوله قال نافع فقدمت على عمر) هو موصول بالاسناد المذكور (قوله
أن هذا الحبين الصغير والكبير) وفي رواية بن اعيينة عن عبيد الله بن عمر عند الترمذي فقال هذا
حد ما بين الذرية والمقاتلة (قوله وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة) زاد مسلم في
روايته ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال وقوله أن يفرضوا أي يقدروا لهم رزقا في ديوان
الجند وكانوا يفرقون بين المقاتلة وغيرهم في العطاء وهو الرزق الذي يجمع في بيت المال ويفرق
على مستحقيه واستدل بقصة بن عمر على أن من استكمل خمسة عشرة سنة أجريت عليه أحكام
البالغين وأن لم يحتلم فيكلف بالعبادات وإقامة الحدود ويستحق سهم الغنيمة ويقتل أن كان
حربيا ويفك عند الحجر أن أونس رشده وغير ذلك من الاحكام وقد عمل بذلك عمر بن عبد العزيز
وأقره عليه راوية نافع وأجاب الطحاوي وابن القصار وغيرهما ممن لم يأخذ به بأن الإجازة
المذكورة جاء التصريح بأنها كانت في القتال وبذلك يتعلق بالقوة والجلد وأجاب بعض
المالكية بأنها واقعة عين فلا عموم لها ويحتمل أن يكون صادف أنه كان عند تلك السن قد احتلم
فلذلك أجازه وتجاسر بعضهم فقال إنما رده لضعفه لا لسنه وإنما أجازه لقوته لا لبلوغه ويرد على
ذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن بن جريج ورواه بن عوانة وابن حبان في صحيحهما من وجه آخر
عن ابن جريج أخبرني نافع فذكر هذا الحديث بلفظ عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم
الخندق فلم يجزني ولم يرني بلغت وهي زيادة صحيحة لا مطعن فيها لجلالة بن جريج وتقدمه على
غيره في حديث نافع وقد صرح فيها بالتحديث فانتفى ما يخشى من تدليسه وقد نص فيها لفظ بن
عمر بقوله ولم يرني بلغت وابن عمر أعلم بما روى من غيره ولا سيما في قصة تتعلق به وفي الحديث
أن الامام يستعرض من يخرج معه للقتال قبل أن تقع الحرب فمن وجده أهلا استصحبه وإلا رده
وقد وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم في بدر وأحد وغيرهما وستأتي الإشارة إليه في كتاب المغازي
إن شاء الله تعالى وعند المالكية والحنفية لا تتوقف الإجازة للقتال على البلوغ بل للامام أن
يجيز من الصبيان من فيه قوة ونجدة فرب مراهق أقوى من بالغ وحديث ابن عمر حجة عليهم
ولا سيما الزيادة التي ذكرتها عن بن جريج والله أعلم * (تنبيه) * ظاهر الترجمة مع سياق الآية أن
الولد يطلق عليه صبي وطفل إلى أن يبلغ وهو كذلك وأما ما ذكره بعض أهل اللغة وجزم به غير
205

واحد أن الولد يقال له جنين حتى يوضع ثم صبي حتى يفطم ثم غلام إلى سبع ثم يافع إلى عشر ثم
حزور إلى خمس عشرة ثم قمد إلى خمس وعشرين ثم عنطنط إلى ثلاثين ثم ممل إلى أربعين ثم كهل
إلى خمسين ثم شيخ إلى ثمانين ثم هم إذا زاد فلا يمنع إطلاق شئ من ذلك على غيره مما يقاربه تجوزا
(قوله عن أبي سعيد) هو الخدري قوله يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) تقدم في الجمعة من
طريق أخرى عن صفوان بن سليم بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (قوله غسل يوم
الجمعة) في رواية أحمد عن سفيان الغسل يوم الجمعة وقد تقدم الحديث ومباحثه في كتاب الجمعة
وفيه إشارة إلى أن البلوغ يحصل بالانزال لأنه المراد بالاحتلام هنا ويستفاد مقصود بالترجمة
بالقياس على بقية الاحكام من حيث تعلق الوجوب بالاحتلام صلى الله عليه وسلم (قوله باب
سؤال الحاكم المدعي هل لك بينة قبل اليمين أورد فيه حديث الأشعث كان بيني وبين رجل أرض
فجحدني فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألك بينة قلت لا قال يحلف وفيه حديث ابن مسعود وقوله
في الترجمة قبل اليمن أي قبل يمين المدعى عليه وهو المطابق للترجمة ولا يصح حمله على المدعي بان
يطلب منه الحاكم يمين الاستظهار بأن بينته شهدت له بحق لأنه ليس في حديث الأشعث تعرض
لذلك بل فيه ما قد يتمسك به في أن أن يمين الاستظهار غير واجبة والله أعلم وسيأتي مباحث حديثي
الأشعث وابن مسعود في التفسير والايمان والنذور إن شاء الله تعالى وفي الحديث حجة لمن قال
لا تعرض اليمن على المدعى عليه إذا اعترف المدعي أن له بينة (قوله باب اليمن على
المدعى عليه في الأموال والحدود) أي دون المدعي ويستلزم ذلك شيئين أحدهما أن لا تجب يمين
الاستظهار والثاني أن لا يصح القضاء بشاهد واحد ويمين المدعي واستشهاد المصنف بقصة ابن
شبرمة يشير إلى أنه أراد الثاني وقوله في الأموال والحديث ويشير بذلك إلى الرد على الكوفيين في
تخصيصهم اليمن على المدعى عليه في الأموال دون الحدود وذهب الشافعي إلى القول
بعموم ذلك في الأموال والحدود والنكاح ونحوه واستثنى مالك النكاح والطلاق والعتاق
والفدية فقال لا يجب في شئ منها اليمين حتى يقيم المدعي البينة ولو شاهدا واحدا (قوله وقال
النبي صلى الله عليه وسلم شاهداك أو يمينه) وصله في آخر الباب من حديث الأشعث والغرض
منه أنه أطلق اليمين في جانب المدعى عليه ولم يقيده بشئ دون شئ وارتفع شاهداك على أنه خبر
مبتدأ محذوف تقديره المثبت لك أو الحجة أو ما يثبت لك والمعنى ما يثبت لك شهادة شاهديك أو لك
إقامة شاهديك فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب إعرابه فارتفع وحذف الخبر
للعلم به وقد تقدم في الرهن بلفظ شهودك وأنه روي بالرفع والنصب وتقدم توجيهه (قوله وقال
قتيبة حدثنا سفيان) هو ابن عيينة ورأيت بخط القطب أنه رأى في بعض النسخ حدثنا قتيبة
ورد ذلك مغلطاي بأن البخاري لم يحتج بابن شبرمة وهو عجيب فإنه أخرج له في الشواهد كما سيأتي
في كتاب الأدب وهذا من الشواهد فإنه حكاية واقعة اتفقت له مع بن عيينة ليس فيها حديث
مرفوع يحتج به (قوله عن بن شبرمة) بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة وهو عبد الله بن
شبرمة بن الطفيل بن حسان الضبي قاضي الكوفة للمنصور مات سنة أربع وأربعين ومائة
(قوله كلمني أبو الزناد) هو قاضي المدينة (قوله في شهادة الشاهد ويمين المدعي) أي في القول
206

بجوازها وكان مذهب أبي الزناد القضاء بذلك كأهل بلده ومذهب بن شبرمة خلافه كأهل بلده
فاحتج عليه أبو الزناد بالخبر الوارد في ذلك فاحتج عليه ابن شبرمة بما ذكر في الآية الكريمة وإنما
تتم له الحجة بذلك على أصل مختلف فيه بين الفريقين وهو أن الخبر إذا ورد متضمنا لزيادة على
ما في القرآن هل يكون نسخا والسنة لا تنسخ القرآن أو لا يكون نسخا بل زيادة مستقلة بحكم
مستقل إذا ثبت سنده وجب القول به والأول مذهب الكوفيين والثاني مذهب الحجازيين
ومع قطع النظر عن ذلك لا تنتهض حجة بن شبرمة لأنه يصير معارضة للنص بالرأي وهو غير معتبر به
وقد أجاب عنه الإسماعيلي فقال الحاجة إلى إذكار إحداهما الأخرى إنما هو فيما إذا شهدتا وإن
لم تشهدا قامت مقامهما يمين الطالب ببيان السنة الثابتة واليمين ممن هو عليه لو انفردت لحلت
محل البينة في الأداء والابراء فكذلك حلت اليمن هنا محل المرأتين في الاستحقاق بها مضافة
للشاهد الواحد قال ولو لزم إسقاط القول بالشاهد واليمين لأنه ليس في القرآن للزم إسقاط الشاهد
والمرأتين لأنهما ليستا في السنة لأنه صلى الله عليه وسلم قال شاهداك أو يمينه اه وحاصله أنه لا يلزم
من التنصيص على الشئ نفيه عما عداه لكن مقتضى ما بحثه أن لا يقضي باليمين مع الشاهد
الواحد إلا عند فقد الشاهدين أو ما قام مقامهما من الشاهد والمرأتين وهو وجه للشافعية
وصححه الحنابلة ويؤيده ما رواه الدارقطني من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا
قضى الله ورسوله في الحق بشاهدين فان جاء بشاهدين أخذ حقه وان جاء بشاهد واحد حلف مع
شاهده وأجاب بعض الحنفية بأن الزيادة على القرآن نسخ وأخبار الآحاد لا تنسخ المتواتر
ولا تقبل الزيادة من الأحاديث إلا إذا كان الخبر بها مشهورا وأجيب بأن النسخ رفع الحكم
ولا رفع هنا وأيضا فالناسخ والمنسوخ لابد أن يتواردا على محل واحد وهذا غير متحقق في الزيادة
على النص وغاية ما فيه أن تسمية الزيادة كالتخصيص نسخا اصطلاح فلا يلزم منه نسخ الكتاب
بالسنة لكن تخصيص الكتاب بالسنة جائز وكذلك الزيادة عليه كما في قوله تعالى وأحل لكم
ما وراء ذلكم وأجمعوا على تحريم نكاح العمة مع بنت أخيها وسند الاجماع في ذلك السنة الثابتة
وكذلك قطع رجل السارق في المرة الثانية وأمثلة ذلك كثيرة وقد أخذ من رد الحكم بالشاهد
واليمين لكونه زيادة على القرآن بأحاديث كثيرة في أحكام كثيرة كلها زائدة على ما في القرآن
كالوضوء بالنبيذ والوضوء من القهقهة ومن القئ والمضمضة والاستنشاق في الغسل دون الوضوء
واستبراء المسبية وترك قطع من سرق ما يسرع إليه الفساد وشهادة المرأة الواحدة في الولادة
ولا قود الا بالسيف ولا جمعة إلا في مصر جامع ولا تقطع الأيدي في الغزو ولا يرث الكافر المسلم
ولا يؤكل الطافي من السمك ويحرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ولا يقتل الوالد
بالولد ولا يرث القاتل من القتيل وغير ذلك من الأمثلة التي تتضمن الزيادة على عموم الكتاب
وأجابوا بأنها أحاديث شهيرة فوجب العمل بها لشهرتها فيقال لهم وحديث القضاء بالشاهد
واليمين جاء من طرق كثيرة مشهورة بل ثبت من طرق صحيحة متعددة فمنها ما أخرجه مسلم من
حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد وقال في اليمين إنه حديث
صحيح لا يرتاب في صحته وقال بن عبد البر لا مطعن لاحد في صحته ولا إسناده وأما قول الطحاوي
ان قيس بن سعد لا تعرف له رواية عن عمرو بن دينار لا يقدح في صحة الحديث لأنهما تابعيان
207

ثقتان مكيان وقد سمع قيس من أقدم من عمرو وبمثل هذا لا ترد الأخبار الصحيحة ومنها حديث
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وهو عند أصحاب السنن ورجاله
مدنيون ثقات ولا يضره أن سهيل بن أبي صالح نسيه بعد أن حدث به ربيعة لأنه كان بعد ذلك
يرويه عن ربيعة عن نفسه عن أبيه وقصته بذلك مشهورة في سنن أبي داود وغيرها ومنها حديث
جابر مثل حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وأبو عوانة وفي الباب
عن نحو من عشرين من الصحابة فيها الحسان والضعاف وبدون ذلك تثبت الشهرة ودعوى
نسخه مردودة لان النسخ لا يثبت بالاحتمال وأما احتجاج مالك في الموطأ بأن اليمين تتوجه على
المدعى عند النكول ورد اليمين بغير حلف فإذا حلف ثبت الحق بغير خلاف فيكون حلف المدعي
ومعه شاهد آخر أولى فهو متعقب ولا يرد على الحنفية لانهم لا يقولون برد اليمين وقال الشافعي
القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن لأنه لم يمنع أن يجوز أقل مما نص عليه يعني والمخالف
لذلك لا يقول بالمفهوم فضلا عن مفهوم العدد والله أعلم وقال بن العربي أظرف ما وجدت لهم في
رد الحكم بالشاهد واليمين أمران أحدهما أن المراد قضى بيمين المنكر مع شاهد الطالب والمراد
أن الشاهد الواحد لا يكفي في ثبوت الحق فيجب اليمين على المدعى عليه فهذا المراد بقوله قضى
بالشاهد واليمين وتعقبه بن العربي بأنه جهل باللغة لان المعية تقتضي أن تكون من شيئين في جهة
واحدة لا في المتضادين ثانيهما حمله على صورة مخصوصة وهي أن رجلا اشترى من آخر عبدا
مثلا فادعى المشتري أن به عيبا وأقام شاهدا واحدا فقال البائع بعته بالبراءة فيحلف المشتري أنه
ما اشترى بالبراءة ويرد العبد وتعقبه بنحو ما تقدم ولأنها صورة نادرة ولا يحمل الخبر عليها قلت
وفى كثير من الأحاديث الواردة في ذلك ما يبطل هذا التأويل والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب
ثلاثة أحاديث أحدها حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه
هكذا أخرجه في الرهن وهنا مختصرا من طريق نافع بن عمر الجمحي عن بن أبي مليكة وأخرجه في
تفسير آل عمران من طريق بن جريج عن بن أبي مليكة مثله وذكر فيه قصة المرأتين اللتين ادعت
إحداهما على الأخرى أنها جرحتها وقد أخرجه الطبراني من رواية سفيان عن نافع عن بن عمر
بلفظ البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وقال لم يروه عن سفيان الا الفريابي وأخرجه
الإسماعيلي من رواية بن جريج بلفظ ولكن البينة على الطالب واليمين على المطلوب وأخرجه
البيهقي من طريق عبد الله بن إدريس عن بن جريج وعثمان بن الأسود عن بن أبي مليكة
كنت قاضيا لابن الزبير على الطائف فذكر قصة المرأتين فكتبت إلى بن عباس فكتب إلي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو يعطي الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم
ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر وهذه الزيادة ليست في الصحيحين واسنادها حسن
وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في كون البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه بقوله
صلى الله عليه وسلم لو يعطي الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال أموالهم وسيأتي في تفسير
آل عمران وقال العلماء الحكمة في ذلك لان جانب المدعي ضعيف لأنه يقول خلاف الظاهر
فكلف الحجة القوية وهي البينة لأنها لا تجلب لنفسها نفعا ولا تدفع عنها ضررا فيقوى بها ضعف
المدعى وجانب المدعى عليه قوي لان الأصل فراغ ذمته فاكتفى منه باليمين وهي حجة ضعيفة
208

لان الحالف يجلب لنفسه النفع ويدفع الضرر فكان ذلك في غاية الحكمة واختلف الفقهاء
في التعريف المدعى عليه والمشهور فيه تعريفان * الأول المدعي من يخالف قوله الظاهر
والمدعى عليه بخلافه * والثاني من إذا سكت ترك وسكوته والمدعى عليه من لا يخلى إذا سكت
والأول أشهر * والثاني أسلم وقد أورد على الأول بأن المودع إذا ادعى الرد أو التلف فإن دعواه
تخالف الظاهر ومع ذلك فالقول قوله وقيل في تعريفهما غير ذلك واستدل بقوله اليمين على المدعى
عليه للجمهور بحمله على عمومه في حق كل واحد سواء كان بين المدعي والمدعى عليه اختلاط
أم لا وعن مالك لا تتوجه اليمين إلا على من بينه وبين المدعي اختلاط لئلا يبتذل أهل السفه أهل
الفضل بتحليفهم مرارا وقريب من مذهب مالك قول الإصطخري من الشافعية إن قرائن
الحال إذا شهدت بكذب المدعي لم يلتفت إلى دعواه واستدل بقوله لادعى ناس دماء ناس
وأموالهم على إبطال قول المالكية في التدمية ووجه الدلالة تسويته صلى الله عليه وسلم بن
الدماء والأموال وأجيب بأنهم لم يسندوا القصاص مثلا إلى قول المدعي بل للقسامة فيكون قوله
ذلك لوثا يقوي جانب المدعي في بداءته بالايمان الحديث الثاني والثالث حديث الأشعث وعبد
الله بن مسعود في سبب نزول قوله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله الآية وقد مضت الإشارة
إليه قبل بباب والمراد منه قوله شاهداك أو يمينه وقد روى نحو هذه القصة وائل بن حجر وزاد
فيها ليس لك إلا ذلك أخرجه مسلم وأصحاب السنن واستدل بهذا الحصر على رد القضاء باليمين
والشاهد وأجيب بأن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم شاهداك أي بينتك سواء كانت رجلين أو
رجلا وامرأتين أو رجلا ويمين الطالب وإنما خص الشاهدين بالذكر لأنه الأكثر الأغلب فالمعنى
شاهداك أو ما يقوم مقامهما ولو لزم من ذلك رد الشاهد واليمين لكونه لم يذكر للزم رد الشاهد
والمرأتين لكونه لم يذكر فوضح التأويل المذكور والملجئ إليه ثبوت الخبر باعتبار الشاهد واليمين
فدل على أن ظاهر لفظ الشاهدين غير مراد بل المراد هو أو ما يقوم مقامه (قوله باب
إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطلق لطلب البينة) أورد فيه طرفا من حديث ابن
عباس في قصة المتلاعنين وسيأتي الكلام عليه مستوفى في مكانه والغرض منه تمكين القاذف من
إقامة البينة على زنا المقذوف لدفع الحد عنه ولا يرد عليه أن الحديث ورد في الزوجين والزوج
له مخرج عن الحد باللعان إن عجز عن البينة بخلاف الأجنبي لأنا نقول إنما كان ذلك قبل نزول
آية اللعان حيث كان الزوج والأجنبي سواء وإذا ثبت ذلك للقاذف ثبت لكل مدع من باب الأولى
(قوله باب اليمين بعد العصر) ذكر فيه حديث أبي هريرة ثلاثة لا يكلمهم الله
الحديث وفيه ورجل ساوم بسلعة بعد العصر فحلف الحديث وسيأتي الكلام عليه في الاحكام
ونذكر ما يتعلق به من تغليظ اليمن بالزمان في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى قال المهلب إنما خص
النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوقت بتعظيم الاثم على من حلف فيه كاذبا لشهود ملائكة الليل
والنهار ذلك الوقت انتهى وفيه نظر لان بعد صلاة الصبح يشاركه في شهود الملائكة ولم يأت فيه
ما أتى في وقت العصر ويمكن أن يكون اختص بذلك لكونه وقت ارتفاع الأعمال (قوله
باب يحلف المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين ولا يصرف من موضع إلى غيره)
أي وجوبا وهو قول الحنفية والحنابلة وذهب الجمهور إلى وجوب التغليظ ففي المدينة عند المنبر
209

وبمكة بين الركن والمقام وبغيرهما بالمسجد الجامع واتفقوا على أن ذلك في الدماء والمال الكثير
لا في القليل واختلفوا في حد القليل والكثير في ذلك (قوله قضى مروان) أي ابن الحكم على
زيد بن ثابت باليمين على المنبر فقال أحلف له مكاني الخ) وصله مالك في الموطأ عن داود بن الحصين
عن أبي غطفان بفتح المعجمة ثم المهملة ثم الفاء المزي بضم الميم وتشديد الزاي قال اختصم زيد بن
ثابت وابن مطيع يعني عبد الله إلى مروان في دار فقضى باليمين على زيد بن ثابت على المنبر فقال
أحلف له مكاني فقال مروان لا والله إلا عند مقاطع الحقوق فجعل زيد يحلف أن حقه لحق وأبي
أن يحلف على المنبر وكأن البخاري احتج بأن امتناع زيد بن ثابت من اليمين على المنبر يدل على أنه
لا يراه واجبا والاحتجاج بزيد بن ثابت أولى من الاحتجاج بمروان وقد جاء عن بن عمر نحو ذلك
فروى أبو عبيد في كتاب القضاء بإسناد صحيح عن نافع أن بن عمر كان وصي رجل فأتاه رجل بصك
قد درست أسماء شهوده فقال بن عمر يا نافع أذهب به إلى المنبر فاستحلفه فقال الرجل يا بن عمر
أتريد أن تسمع بن الذي يسمعني هنا فقال بن عمر صدق فاستحلفه مكانه وقد وجدت
لمروان سلفا في ذلك فأخرج الكرابيسي في أدب القضاء بسند قوي إلى سعيد بن المسيب قال
ادعى مدع على آخر أنه اغتصب له بعيرا فخاصمه إلى عثمان فأمره عثمان
أن يحلف عند المنبر فأبى أن يحلف
وقال أحلف له حيث شاء غير المنبر فأبى عليه عثمان أن لا يحلف الا عند المنبر فغرم له
بعيرا مثل بعيره ولم يحلف (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم شاهداك أو يمينه) تقدم
موصولا قريبا (قوله ولم يخص مكانا دون مكان) هو من تفقه المصنف وقد اعترض عليه بأنه
ترجم لليمين بعد العصر فأثبت التغليظ بالزمان ونفى هنا التغليظ بالمكان فإن صح احتجاجه بأن
قوله شاهداك أو يمينه لم يخص مكانا دون مكان فليحتج عليه بأنه أيضا لم يخص زمانا دون زمان
فان قال ورد التغليظ في اليمين بعد العصر قيل له ورد التغليظ في اليمين على المنبر في حديثين
* أحدهما حديث جابر مرفوعا لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر
الا تبوأ مقعده من النار أخرجه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وابن
حبان والحاكم وغيرهم واللفظ الذي ذكرته لأبي بكر بن أبي شيبة ثانيهما حديث أبي أمامة بن
ثعلبة مرفوعا من حلف عند منبري هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرء مسلم فعليه لعنة الله
والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا أخرجه النسائي ورجاله ثقات ويجاب
عنه بأنه لا يلزم من ترجمة اليمين بعد العصر أنه يوجب تغليظ اليمين بالمكان بل له أن يقلب المسألة
فيقول إن لزم من ذكر تغليظ اليمين بالمكان أنها تغلظ على كل حالف فيجب التغليظ عليه
بالزمان أيضا لثبوت الخبر بذلك ثم أورد حديث بن مسعود من حلف على يمين وقد تقدم قريبا
بأتم منه مضموما إلى حديث الأشعث ويأتي الكلام عليه في الايمان والنذور إن شاء الله تعالى رضي الله تعالى عنها
(قوله باب إذا تسارع قوم في اليمين) أي حيث تجب عليهم جميعا بأيهم يبدأ (قوله إن
النبي صلى الله عليه وسلم عرض على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم
يحلف) أي قبل الآخر هذا اللفظ أخرجه النسائي أيضا عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق وقال فيه
فأسرع الفريقان وقد رواه أحمد عن عبد الرزاق شيخ شيخ البخاري فيه بلفظ إذا أكره الاثنان على
اليمين واستحباها فليستهما عليها وأخرجه أبو نعيم في مسند إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق مثل
210

رواية البخاري وتعقبه بأنه رآه في أصل إسحاق عن عبد الرزاق باللفظ الذي رواه أحمد قال وقد
وهم شيخنا أبو أحمد في ذلك انتهى (قلت) وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق إسحاق بن أبي
إسرائيل عن عبد الرزاق وأخرجه من طريق الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق مثله لكن قال
فاستحباها وأخرجه أبو داود عن أحمد وسلمة بن شبيب عن عبد الرزاق بلفظ أو استحباها قال
الإسماعيلي هذا هو الصحيح أي أنه بلفظ أو لا بالفاء ولا بالواو (قلت) ورواية الواو يمكن حملها
على رواية أو وأما رواية الفاء فيمكن توجيهها بأنهما أكرها على اليمين في ابتداء الدعوى فلما عرفا
انهما لا بد لهما منها أجابا إليها وهو المعبر عنه بالاستحباب ثم تنازعا أيهما يبدأ فأرشد إلى القرعة
وقال الخطابي وغيره الاكراه هنا لا يراد به حقيقته لان الانسان لا يكره على اليمين وإنما المعنى
إذا توجهت اليمين على اثنين وأراد الحلف سواء كانا كارهين لذلك بقلبهما وهو معنى الاكراه
أو مختارين لذلك بقلبهما وهو معنى الاستحباب وتنازعا أيهما يبدأ فلا يقدم أحدهما على الآخر
بالتشهي بل بالقرعة وهو المراد بقوله فليستهما أي فليقترعا وقيل صورة الاشتراك في اليمين أن
يتنازع اثنان عينا ليست في يد واحد منهما ولا بينة لواحد منهما فيقرع بينهما فمن خرجت
له القرعة حلف واستحقها ويؤيد ذلك ما روى أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق أبي رافع
عن أبي هريرة أن رجلين اختصما في متاع ليس لواحد منهما بينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم
استهما على اليمين ما كان أحبا ذلك أو كرها وأما اللفظ الذي ذكره البخاري فيحتمل أن
يكون عند عبد الرزاق فيه حديث آخر باللفظ المذكور ويؤيد رواية أبي رافع المذكورة
فإنها بمعناها ويحتمل أن تكون قصة أخرى بأن يكون القوم المذكورون مدعى عليهم بعين في
أيديهم مثلا وأنكروا ولا بينة للمدعى عليهم فتوجهت عليهم اليمين فتسارعوا إلى الحلف
والحلف لا يقع معتبرا الا بتلقين المحلف فقطع النزاع بينهم بالقرعة فمن خرجت له بدأ به في ذلك والله
أعلم (قوله باب قول الله عز وجل أن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا)
ذكر فيه حديث بن أبي أوفى في سبب نزولها وحديث بن مسعود والأشعث في نزولها أيضا
ولا تعارض بينهما لاحتمال أن تكون نزلت في كل من القصتين وسيأتي مزيد بيان لذلك في
التفسير وقوله في طريق بن أبي أوفى حدثنا إسحاق حدثنا يزيد بن هارون جزم أبو علي الغساني بأنه إسحاق بن منصور وجزم أبو نعيم الأصبهاني بأنه
إسحاق بن راهويه وقوله أخبرنا العوام هو بن
حوشب وقوله قال بن أبي أوفى الناجش آكل ربا خائن وهو موصول بالاسناد المذكور إليه
وتقدم شرحه في باب النجش من كتاب البيوع (قوله باب كيف يستحلف) هو
بضم أوله وفتح اللام على البناء للمجهول (قوله وقول الله عز وجل ثم جاءوك يحلفون بالله) إلى آخر
ما ذكره من الآيات المناسبة لها وغرضه أنه لا يجب تغليظ الحلف بالقول قال ابن المنذر
اختلفوا فقالت طائفة يحلفه بالله من غير زيادة وقال مالك يحلفه بالله الذي لا إله إلا هو وكذا
قال الكوفيون والشافعي قال فإن أتهمه القاضي غلظه عليه فيزيد عالم الغيب والشهادة الرحمن
الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ونحو ذلك قال بن المنذر وبأي ذلك استحلفه أجزأ
والأصل في ذلك أنه إذا حلف بالله صدق عليه أنه حلف اليمين (قوله يقال بالله) أي بالموحدة
(وتالله) أي بالمثناة (ووالله) أي بالواو وكلها ورد بها القرآن قال الله تعالى قالوا تقاسموا بالله وقال
211

تعالى والله ربنا ما كنا مشركين وقال تعالى تالله لقد آثرك الله علينا (قوله وقال النبي صلى الله
عليه وسلم ورجل حلف بالله كاذبا بعد العصر) هو طرف من حديث أبي هريرة المتقدم قريبا
موصولا في باب اليمين بعد العصر لكن بالمعنى وسيأتي في الاحكام بلفظ فحلف لقد أعطي بها كذا
فصدقه رجل ولم يعط بها (قوله ولا يحلف بغير الله) هو من كلام المصنف على سبيل التكميل
للترجمة وذلك مستفاد من حديث ابن عمر ثاني حديثي الباب حيث قال من كان حالفا فليحلف
بالله أو ليصمت ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث طلحة في قصة الرجل الذي سأل
عن الاسلام وقد تقدم شرحه في كتاب الايمان والغرض منه قوله فأدبر الرجل وهو يقول والله
لا أزيد على هذا ولا أنقص فإنه يستفاد منه الاقتصار على الحلف بالله دون زيادة * ثانيهما
حديث ابن عمر من كان حالفا فليحلف بالله وسيأتي شرحه في كتاب الايمان والنذور مستوفى إن شاء
الله تعالى (قوله باب من أقام البينة بعد اليمين) أي يمين المدعى عليه سواء رضي
المدعى بيمين المدعى عليه أم لا وقد ذهب الجمهور إلى قبول البينة وقال مالك في المدونة إن استحلفه
ولا علم له بالبينة ثم علمها قبلت وقضى له بها وأن علمها فتركها فلا حق له وقال بن أبي ليلى لا تسمع
البينة بعد الرضا باليمين واحتج بأنه إذا حلف فقد برئ وإذا برئ فلا سبيل عليه وتعقب بأنه إنما
يبرأ في الصورة الظاهرة لا في نفس الامر (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعل بعضكم ألحن
بحجته من بعض) هو طرف من حديث أم سلمة الموصول في الباب المذكور وسيأتي الكلام
عليه مستوفى في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وفيه الإشارة إلى الرد علي ابن أبي ليلى وأن
الحكم الظاهر لا يصير الحق باطلا في نفس الامر ولا الباطل حقا (قوله وقال طاوس وإبراهيم) أي
النخعي (وشريح البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة) أما قول طاوس وإبراهيم فلم أقف عليهما
موصولين وأما قول شريح فوصله البغوي في الجعديات من طريق ابن سيرين عن شريح قال من
ادعى قضائي فهو عليه حتى يأتي ببينة الحق أحق من قضائي الحق أحق من يمين فاجرة وذكر بن
حبيب في الواضحة بإسناد له عن عمر قال البينة العادلة خير من اليمين الفاجرة قال أبو عبيد إنما قيد
اليمين بالفاجرة إشارة إلى أن محل ذلك ما إذا شهد على الحالف بأنه أقر بخلاف ما حلف عليه فتبين
أن يمينه حينئذ فاجرة وإلا فقد يوفى الرجل ما عليه من الحق ويحلف على ذلك وهو صادق ثم
تقوم عليه البينة التي شهدت بأصل الحق ولم يحضر الوفاء فلا تكون اليمين حينئذ فاجرة ثم أورد
المصنف حديث أم سلمة مرفوعا إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض
الحديث قال الإسماعيلي ليس في حديث أم سلمة دلالة على قبول البينة بعد اليمين المنكر وأجاب
أين المنير فقال موضع الاستشهاد من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم لم يجعل
اليمين الكاذبة مفيدة حلا ولا قطعا لحق المحق بل نهاه بعد يمينه من القبض وساوى بين حالتيه
بعد اليمين وقبلها في التحريم فيؤذن ذلك ببقاء حق صاحب الحق على ما كان عليه فإذا ظفر في
حقه بينة فهو باق على القيام بها لم يسقط كما لم يسقط أصل حقه من ذمة مقتطعة باليمين وسيأتي
الكلام على بقية شرح حديث أم سلمة في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى قوله باب
212

من أمر بانجاز الوعد) وجه تعلق هذا الباب بأبواب الشهادات أن وعد المرء كالشهادة على نفسه
قال الكرماني وقال المهلب إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع وليس بفرض
لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء اه ونقل الاجماع في ذلك مردود فإن
الخلاف مشهور لكن القائل به قليل وقال بن عبد البر وابن العربي أجل من قال به عمر بن عبد
العزيز وعن بعض المالكية أن ارتبط الوعد بسبب وجب الوفاء به وإلا فلا فمن قال لآخر تزوج
ولك كذا فتزوج لذلك وجب الوفاء به وخرج بعضهم الخلاف على أن الهبة هل تملك بالقبض أو
قبله وقرأت بخط أبي رحمه الله في إشكالات على الاذكار للنووي ولم يذكر جوابا عن الآية
يعنى قوله تعالى كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون وحديث آية المنافق قال والدلالة
للوجوب منها قوية فكيف حملوه على كراهة التنزيه مع الوعيد الشديد وينظر هل يمكن أن يقال
يحرم الاخلاف ولا يجب الوفاء أي يأثم بالاخلاف وأن كان لا يلزم بوفاء ذلك (قوله وفعله
الحسن) أي الامر بانجاز الوعد (قوله واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد) في
رواية النسفي وذكر إسماعيل أنه كان صادق الوعد وروى بن أبي حاتم من طريق الثوري أنه بلغه
ان إسماعيل عليه السلام دخل قرية هو ورجل فأرسله في حاجة وقال له أنه ينتظره فأقام حولا في
انتظاره ومن طريق بن شوذب أنه أتخذ ذلك الموضع مسكنا فسمي من يومئذ صادق الوعد (قوله
وقضى ابن الأشوع بالوعد وذكر ذلك عن سمرة بن جندب هو سعيد بن عمرو بن الأشوع كان
قاضى الكوفة في زمان إمارة خالد القسري على العراق وذلك بعد المائة وقد وقع بيان روايته
كذلك عن سمرة بن جندب في تفسير إسحاق بن راهويه (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف رأيت
إسحاق ابن إبراهيم) هو ابن راهويه (يحتج بحديث ابن أشوع) أي هذا الذي ذكره عن سمرة بن جندب
والمراد أنه كان يحتج به في القول بوجوب إنجاز الوعد * (تنبيه) * وقع ذكر إسماعيل بين التعليق عن
ابن الأشوع وبين نقل المصنف عن إسحاق في أكثر النسخ والذي أوردته أولى والله أعلم ثم ذكر
المصنف في الباب أربعة أحاديث أحدها حديث أبي سفيان بن حرب في قصة هرقل أورد منه
طرفا وقد تقدم موصولا في بدء الوحي مع الإشارة إلى كثير من شرحه ثانيها حديث أبي هريرة في
آية المنافق وقد تقدم شرحه في كتاب الايمان ثالثها حديث جابر في قصته مع أبي بكر فيما وعده
به النبي صلى الله عليه وسلم من مال البحرين وسيأتي الكلام عليه في باب فرض الخمس ومضى
شئ من ذلك في الكفالة وأشار غير واحد إلى أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وقال
ابن بطال لما كان النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس بمكارم الأخلاق أدى أبو بكر مواعيده
عنه ولم يسأل جابرا البينة على ما ادعاه لأنه لم يدع شيئا في ذمة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ادعى
شيئا في بيت المال وذلك موكول إلى اجتهاد الامام رابعها حديث بن عباس في أي الأجلين
قضى موسى (قوله عن سالم الأفطس) هو ابن عجلان الجزري شامي ثقة ليس له في البخاري سوى
213

هذا الحديث وآخر في الطب وكذا الراوي عنه مروان بن شجاع وقد تابع سالما على روايته
لهذا الحديث حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير وتابع سعيدا عكرمة عن بن عباس ورواه
أيضا أبو ذر وأبو هريرة وعتبة بن المنذر بضم النون وتشديد الذال المعجمة المفتوحة بعدها راء
وجابر وأبو سعيد ورفعوه كلهم وجميعها عند ابن مردويه في التفسير وحديث عتبة وأبي ذر عند
البراز أيضا وحديث جابر عند الطبراني في الأوسط ورواية عكرمة في مسند الحميدي (قوله
سألني يهودي) لم اقف على اسمه والحيرة بكسر المهملة بعدها تحتانية ساكنة بلد معروف بالعراق
(قوله أي الأجلين) أي المشار إليهما في قوله تعالى ثماني حجج قان أتممت عشرا فمن عندك (قوله
حبر العرب) بفتح المهملة وبكسرها ورجحه أبو عبيد ورجح ابن قتيبة الفتح وسكون الموحدة
والمراد به العالم الماهر وإنما عبر به سعيد لكونها مستعم عند الذي خاطبه وقد أخرج أبو نعيم
من حديث ابن عباس مرفوعا أن جبريل سماه بذلك ومراده بالقدوم علي ابن عباس أي بمكة
(قوله قضى أكثرها وأطيبها) كذا رواه سعيد بن جبير موقوفا وهو في حكم المرفوع لان
ابن عباس كان لا يعتمد على أهل الكتاب كما سيأتي بيانه في الباب الذي يليه وذكر ابن دريد في
المنثور أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما غزا المغرب أرسل إلى ابن عباس جريجا فكلمه
فقال ما ينبغي لهذا إلا أن يكون حبر العرب وقد صرح برفعه عكرمة عن ابن عباس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم سأل جبريل أي الأجلين قضى موسى قال أتمهما وأكملهما أخرجه
الحاكم وفي حديث جابر أوفاهما أخرجه الطبراني في الأوسط وفي حديث أبي سعيد أتمهما
وأطيبهما عشر سنين والمراد بالأطيب أي نفس شعيب (قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا قال فعل) المراد برسول الله صلى الله عليه وسلم من اتصف بذلك ولم يرد شخصا بعينه وفي رواية
حكيم بن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا وعد لم يخلف زاد الإسماعيلي من الطريق التي أخرجها البخاري قال
سعيد فلقيني اليهودي فأعلمته بذلك فقال صاحبك والله أعلم والغرض من ذكر هذا الحديث في
هذا الباب بيان توكيد الوفاء بالوعد لان موسى صلى الله عليه وسلم لم يجزم بوفاء العشر ومع ذلك
فوفاها فكيف لو جزم قال بن الجوزي لما رأى موسى عليه السلام طمع شعيب عليه السلام
متعلقا بالزيادة لم يقتض كريم أخلاقه أن يخيب ظنه فيه (قوله باب لا يسأل
أهل الشرك عن الشهادة وغيرها) هذه الترجمة معقودة لبيان حكم شهادة الكفار وقد اختلف
في ذلك السلف على ثلاثة أقوال فذهب الجمهور إلى ردها مطلقا وذهب بعض التابعين إلى قبولها
مطلقا الا على المسلمين وهو مذهب الكوفيين فقالوا تقبل شهادة بعضهم على بعض وهي إحدى
الروايتين عن أحمد وأنكرها بعض أصحابه واستثنى أحمد حالة السفر فأجاز فيها شهادة أهل
الكتاب كما سيأتي بيانه في أواخر الوصايا إن شاء الله تعالى وقال الحسن وابن أبي ليلى والليث وإسحاق
لا تقبل ملة على ملة وتقبل بعض الملة على بعضها لقوله تعالى فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء
إلى يوم القيامة وهذا أعدل الأقوال لبعده عن التهمة واحتج الجمهور بقوله تعالى ممن ترضون من
الشهداء وبغير ذلك من الآيات والأحاديث (قوله وقال الشعبي لا تجوز شهادة أهل الملل
الخ) وصله سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا داود عن الشعبي لا تجوز شهادة ملة على
أخرى الا المسلمين فإن شهادتهم جائزة على جميع الملل وروى عبد الرزاق عن الثوري عن
214

عيسى وهو الخياط عن الشعبي قال كان يجيز شهادة النصراني على اليهودي واليهودي على
النصراني وروى بن أبي شيبة من طريق أشعث عن الشعبي قال تجوز شهادة أهل الملل
للمسلمين بعضهم على بعض قلت فاختلف فيه على الشعبي وروى ابن أبي شيبة عن نافع
وطائفة الجواز مطلقا وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري الجواز مطلقا (قوله وقال
أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب الخ) وصله في تفسير البقرة من
طريق أبي سلمة عن أبي هريرة وفيه قصة وسيأتي الكلام عليه ثم ن شاء الله تعالى والغرض منه
هنا النهي عن تصديق أهل الكتاب فيما لا يعرف صدقه من قبل غيرهم فيدل على رد شهادتهم
وعدم قبولها كما يقول الجمهور (قوله في حديث ابن عباس يا معشر المسلمين كيف
تسألون أهل الكتاب) أي من اليهود والنصارى (قوله وكتابكم) أي القرآن (قوله أحدث
الاخبار بالله) أي أقربها نزولا إليكم من عند الله عز وجل فالحديث بالنسبة إلى المنزول إليهم
وهو في نفسه قديم وقوله لم يشب بضم أوله وفتح المعجمة بعدها موحدة أي لم يخلط ووقع عند
أحمد من حديث جابر مرفوعا لا تسألوا أهل الكتاب عن شئ فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا الحديث
وسيأتى مزيد بسط في ذلك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا الرد على من
يقبل شهادة أهل الكتاب وإذا كانت أخبارهم لا تقبل فشهادتهم مردودة بالأولى لان باب
الشهادة أضيق من باب الرواية (قوله باب القرعة في المشكلات) أي مشروعيتها
ووجه إدخالها في كتاب الشهادات أنها من جملة البينات التي تثبت بها الحقوق فكما تقطع الخصومة
والنزاع بالبينة كذلك تقطع بالقرعة ووقع في رواية السرخسي وحده من المشكلات والأول
أوضح وليست من للتبعيض إن كانت محفوظة ومشروعية القرعة مما اختلف فيه والجمهور
على القول بها في الجملة وأنكرها بعض الحنفية وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة القول بها وجعل
المصنف ضابطها الامر المشكل وفسرها غيره بما ثبت فيه الحق لاثنين فأكثر وتقع المشاححة فيه
فيقرع لفصل النزاع وقال إسماعيل القاضي ليس في القرعة إبطال الشئ من الحق كما زعم بعض
الكوفيين بل إذا وجبت القسمة بين الشركاء فعليهم أن يعدلوا ذلك بالقيمة ثم يقترعوا فيصير لكل
واحد ما وقع له بالقرعة مجتمعا مما كان له في الملك مشاعا فيضم في موضع بعينه ويكون ذلك
بالعوض الذي صار لشريكه لان مقادير ذلك قد عدلت بالقيمة وإنما أفادت القرعة أن لا يختار
واحد منهم شيئا معينا فيختاره الآخر فيقطع التنازع وهي اما في الحقوق المتساوية وإما في تعيين
الملك فمن الأول عقد الخلافة إذا استووا في صفة الإمامة وكذا بين الأئمة في الصلوات والمؤذنين
والأقارب في تغسيل الموتى والصلاة عليهم والحاضنات إذا كن في درجة والأولياء في التزويج
والاستباق إلى الصف الأول وفي إحياء الموات وفي نقل المعدن ومقاعد الأسواق والتقديم
بالدعوى عند الحاكم والتزاحم على أخذ اللقيط والنزول في الخان المسبل ونحوه وفي السفر
ببعض الزوجات وفي ابتداء القسم والدخول في ابتداء النكاح وفي الاقراع بين العبيد إذا أوصى
بعتقهم ولم يسعهم الثلث وهذه الأخيرة من صور القسم الثاني أيضا وهو تعيين الملك ومن صور
تعيين الملك الاقراع بين الشركاء عند تعديل السهام في القسمة (قوله وقوله عز وجل
إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) إشارة بذلك إلى الاحتجاج بهذه القصة في صحة الحكم
215

بالقرعة بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم برد في شرعنا ما يخالفه ولا سيما إذا ورد في شرعنا
تقريره وساقه مساق الاستحسان والثناء على فاعله وهذا منه (قوله وقال ابن عباس الخ) وصله
ابن جرير بمعناه وقوله وعال قلم زكريا أي ارتفع على الماء وفي رواية الكشميهني وعلا وفي نسخة
وعدا بالدال والجرية بكسر الجيم والمعنى أنهم اقترعوا على كفالة مريم أيهم يكفلها فأخرج كل
واحد منهم قلما وألقوها كلها في الماء فجرت أقلام الجميع مع الجرية إلى أسفل وارتفع قلم زكريا
فأخذها وأخرج بن العديم في تاريخ حلب بسنده إلى شعيب بن إسحاق أن النهر الذي ألقوا فيه
الأقلام هو نهر قويق النهر المشهور بحلب (قوله وقوله) أي قول الله عز وجل (قوله فساهم
أقرع) هو تفسير بن عباس أخرجه بن جرير من طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة
عنه وروى عن السدي قال قوله فساهم أي قارع وهو أوضح (قوله فكان من المدحضين
من المسهومين) هو تفسير بن عباس أيضا أخرجه بن جرير بالاسناد المذكور بلفظ فكان من
المقروعين ومن طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ فكان من المسهومين والاحتجاج بهذه
الآية في إثبات القرعة يتوقف على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا وهو كذلك ما لم يرد في شرعنا
ما يخالفه وهذه المسألة من هذا القبيل لأنه كان في شرعهم جواز إلقاء البعض لسلامة البعض
وليس ذلك في شرعنا لانهم مستوون في عصمة الأنفس فلا يجوز القاؤهم بقرعة ولا بغيرها (قوله
وقال أبو هريرة عرض النبي صلى الله عليه وسلم الخ وصله قبل بأبواب وتقدم الكلام عليه في
باب إذا تسارع قوم في اليمين وهو حجة في العمل بالقرعة ثم ذكر المصنف في الباب أيضا أربعة أحاديث
* الأول حديث أم العلاء في قصة عثمان بن مظعون وقد وتقدم الكلام عليه في أوائل الجنائز ويأتي
في الهجرة شئ من ترجمة أم العلاء المذكورة وعثمان بن مظعون إن شاء الله تعالى والغرض منه
قولها فيه أن عثمان بن مظعون طار له سهمه في السكنى ومعنى ذلك أن المهاجرين لما دخلوا المدينة لم
يكن لهم مساكن فاقترع الأنصار في انزامهم فصار عثمان بن مظعون لآل أم العلاء فنزل فيهم
* الثاني حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه وهو طرف
من أول حديث الإفك وباقيه يتعلق بالقسم وقد تقدم في باب هبة المرأة لغير زوجها وسبقت
الإشارة إلى محل شرحه هناك الثالث حديث أبي هريرة لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول
ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا وقد تقدم مشروحا في أبواب الاذان من كتاب
الصلاة والغرض منه مشروعية القرعة لان المراد بالاستهام هنا الأقرع وقد تقدم بيانه هناك
* الرابع حديث النعمان بن بشير قوله مثل المدهن بضم أوله وسكون المهملة وكسر الهاء
بعدها نون أي المحابي بالمهملة والموحدة والمدهن والمداهن واحد والمراد به من يرائي ويضيع
الحقوق ولا يغير المنكر (قوله والواقع فيها) كذا وقع هنا وقد تقدم في الشركة من وجه آخر
عن عامر وهو الشعبي مثل القائم على حدود الله والواقع فيها وهو أصوب لان المدهن والواقع أي
مرتكبها في الحكم واحد والقائم مقابله ووقع عند الإسماعيلي في الشركة مثل القائم على حدود
الله والواقع فيها وهذا يشمل الفرق الثلاث وهو الناهي عن المعصية والواقع فيها والمرائي في ذلك
ووقع عند الإسماعيلي أيضا هنا مثل الواقع في حدود الله تعالى والناهي عنها وهو المطابق للمثل
المضروب فإنه لم يقع فيه الا ذكر فرقتين فقط لكن إذا كان المداهن مشتركا في الذم مع الواقع
216

صارا بمنزلة فرقة واحدة وبيان وجود الفرق الثلاث في المثل المضروب أن الذين أرادوا خرق
السفينة بمنزلة الواقع في حدود الله ثم من عداهم إما منكر وهو القائم وإما ساكت وهو المدهن
وحمل ابن التين قوله هنا الواقع فيها على أن المراد به القائم فيها واستشهد بقوله تعالى إذا وقعت
الواقعة أي قامت القيامة ولا يخفى ما فيه وكأنه غفل عما وقع في الشركة من مقابلة الواقع بالقائم
وقد رواه الترمذي من طريق أبي معاوية عن الأعمش بلفظ مثل القائم على حدود الله والمدهن
فيها وهو مستقيم وقال الكرماني قال في الشركة مثل القائم وهنا مثل المدهن وهما نقيضان فإن
القائم هو الآمر بالمعروف والمدهن هو التارك له ثم أجاب بأنه حيث قال القائم نظر إلى جهة
النجاة وحيث قال المدهن نظر إلى جهة الهلاك ولا شك أن التشبيه مستقيم على الحالين (قلت)
كيف يستقيم هنا الاقتصار على ذكر المدهن وهو التارك للامر بالمعروف وعلى ذكر الواقع في الحد
وهو العاصي وكلاهما هالك فالذي يظهر أن الصواب ما تقدم والحاصل أن بعض الرواة ذكر
المدهن والقائم وبعضهم ذكر الواقع والقائم وبعضهم جمع الثلاثة وأما الجمع بين المدهن والواقع
دون القائم فلا يستقيم (قوله استهموا سفينة) أي اقترعوها فأخذ كل واحد منهم سهما
أي نصيبا من السفينة بالقرعة بأن تكون مشتركة بينهم إما بالإجازة وإما بالملك وإنما تقع القرعة
بعد التعديل ثم يقع التشاح في الأنصبة فتقع القرعة لفصل النزاع كما تقدم قال بن التين وإنما يقع
ذلك في السفينة ونحوها فيما إذا نزلوها معا أما لو سبق بعضهم بعضا فالسابق أحق بموضعه
(قلت) وهذا فيما إذا كانت مسبلة مثلا أما لو كانت مملوكة لهم مثلا فالقرعة مشروعة إذا
تنازعوا والله أعلم (قوله فتأذوا به) أي بالمار عليهم بالماء حالة السقي (قوله فأخذ فأسا) بهمزة
ساكنة معروف ويؤنث (قوله ينقر) بفتح أوله وسكون النون وضم القاف أي يحفر ليخرقها
(قوله فان أخذوا على يديه) أي منعوه من الحفر أنجوه ونجوا أنفسهم هو تفسير للرواية الماضية
في الشركة حيث قال نجوا ونجوا أي كل من الآخذين والمأخوذين وهكذا إقامة الحدود يحصل
بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بها قال المهلب
وغيره في هذا الحديث تعذيب العامة بذنب الخاصة وفيه نظر لان التعذيب المذكور إذا وقع
في الدنيا على من لا يستحقه فإنه يكفر من ذنوب من وقع به أو يرفع من درجته وفيه استحقاق
العقوبة بترك الامر بالمعروف وتبين العالم الحكم بضرب المثل ووجوب الصبر على أذى
الجار إذا خشي وقوع ما هو أشد ضررا وأنه ليس لصاحب السفل أن يحدث على صاحب العلو ما
217

يضر به وأنه إن أحدث عليه ضررا لزمه إصلاحه وأن لصاحب العلو منعه من الضرر وفيه جواز
قسمة العقار المتفاوت بالقرعة وإن كان فيه علو وسفل * (تنبيه) * وقع حديث النعمان هذا في
بعض النسخ مقدما على حديث أم العلاء وفي رواية أبي ذر وطائفة كما أوردته * (خاتمة) * اشتمل
كتاب الشهادات وما اتصل به من القرعة وغير ذلك من الأحاديث المرفوعة على ستة وسبعين
حديثا المعلق منها أحد عشر حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية
وأربعون حديثا والخالص ثمانية وعشرون وافقه مسلم على تخريجها سوى خمسة أحاديث
وهى حديث عمر كان الناس يؤخذون بالوحي وحديث عبد الله بن الزبير في قصة الإفك وحديث
القاسم بن محمد فيه وهو مرسل وحديث أبي هريرة في الاستهام في اليمين وحديث ابن عباس في
الانكار على من يأخذ عن أهل الكتاب وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين ثلاثة وسبعون
أثرا والله سبحانه وتعالى أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
* (كتاب الصلح) *
كذا للنسفي والأصيلي وأبي الوقت ولغيرهم باب وفي نسخة الصغاني أبواب الصلح باب ما جاء وحذف
هذا كله في رواية أبي ذر واقتصر على قوله ما جاء في الاصلاح بين الناس وزاد عن الكشميهني
إذا تفاسدوا والصلح أقسام صلح المسلم مع الكافر والصلح بين الزوجين والصلح بين الفئة الباغية
والعادلة والصلح بين المتعاضبين كالزوجين والصلح في الجراح كالعفو على مال والصلح لقطع
الخصومة إذا وقعت المزاحمة إما في الاملاك أو في المشتركات كالشوارع وهذا الأخير هو الذي
يتكلم فيه أصحاب الفروع وأما المصنف فترجم هنا لأكثرها (قوله وقول الله عز وجل لا خير في
كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف إلى آخر) الآية التقدير إلا نجوى من الخ فإن في
ذلك الخير ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعا أي لكن من أمر بصدقة الخ فإن في نجواه الخير
وهو ظاهر في فضل الاصلاح (قوله وخروج الامام إلى آخر) بقية الترجمة ثم أورد المصنف حديثين
أحدهما حديث سهل بن سعد في ذهابه صلى الله عليه وسلم إلى الاصلاح بين بني عمرو بن عوف
وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الإمامة وهو ظاهر فيما ترجم له * ثانيهما حديث أنس في
المعنى (قوله حدثنا معتمر) هو ابن سليمان التيمي والاسناد كله بصريون ووقع في نسخة
الصغاني في آخر الحديث ما نصه قال أبو عبد الله وهو المصنف هذا ما انتخبته من حديث مسدد
قبل أن يجلس ويحدث (قوله إن أنسا قال) كذا في جميع الروايات ليس فيه تصريح بتحديث
أنس لسليمان التيمي وأعله الإسماعيلي بأن سليمان أم يسمعه من أنس واعتمد على رواية المقدمي
عن معتمر عن أبيه أنه بلغه عن أنس بن مالك (قوله قيل للنبي صلى الله عليه وسلم) لم أقف على اسم
218

القائل (قوله لو أتيت عبد الله ابن أبي) أي بن سلول الخزرجي المشهور بالنفاق (قوله وهي
أرض سبخة) بفتح المهملة وكسر الموحدة بعدها معجمة أي ذات سباخ وهي الأرض التي لا تنبت
وكانت تلك صفة الأرض التي مر بها صلى الله عليه وسلم إذ ذاك وذكر ذلك للتوطئة لقول عبد
الله بن أبي إذ تأذى بالغبار (قوله فقال رجل من الأنصار منهم الخ) لم أقف على اسمه أيضا وزعم
بعض الشراح أنه عبد الله بن رواحة ورأيت بخط القطب أن السابق إلى ذلك الدمياطي ولم يذكر
مستنده في ذلك فتتبعت ذلك فوجدت حديث أسامة بن زيد الآتي في تفسير آل عمران بنحو
قصة أنس وفيه أنه وقعت بين عبد الله بن رواحة وبين عبد الله بن أبي مراجعة لكنها في غير
ما يتعلق بالذي ذكر هنا فإن كانت القصة متحدة احتمل ذلك لكن سياقها ظاهر في المغايرة لان في
حديث أسامة أنه صلى الله عليه وسلم أراد عيادة سعد بن عبادة فمر بعبد الله بن أبي وفي حديث
أنس هذا أنه صلى الله عليه وسلم دعي إلى إتيان عبد الله بن أبي ويحتمل اتحادهما بأن الباعث
على توجهه العيادة فاتفق مروره بعبد الله بن أبي فقيل له حينئذ لو أتيته فأتاه ويدل
اتحادهما أن في حديث أسامة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه
(قوله فغضب لعبد الله) أي ابن أبي (رجل من قومه) لم أقف على اسمه (قوله فشتما) كذا
للأكثر أي شتم كل واحد منهما الآخر وفي رواية الكشميهني فشتمه (قوله ضرب بالجريد)
كذا للأكثر بالجيم والراء وفي رواية الكشميهني بالحديد بالمهملة والدال والأول أصوب ووقع
في حديث أسامة فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا (قوله فبلغنا) القائل
ذلك هو أنس بن مالك بينه الإسماعيلي في روايته المذكورة من طريق المقدمي فقال آخره
قال أنس فأنبئت أنها نزلت فيهم ولم أقف على اسم الذي أنبأ أنسا بذلك ولم يقع ذلك في حديث
أسامة بل في آخره وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب
كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى إلى آخر الحديث وقد استشكل ابن بطال نزول الآية
المذكورة وهي قوله وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا في هذه القصة لان المخاصمة وقعت بين من
كان مع النبي صلى الله عليه وأصحابه وبين أصحاب عبد الله بن أبي وكانوا إذا ذاك كفارا
فكيف ينزل فيهم طائفتان من المؤمنين ولا سيما إن كانت قصة أنس وأسامة متحدة فإن في
رواية أسامة فاستب المسلمون والمشركون (قلت) يمكن أن يحمل على التغليب مع أن فيها
اشكالا من جهة أخرى وهي أن حديث أسامة صريح في أن ذلك كان قبل وقعة بدر وقبل أن
يسلم عبد الله بن أبي وأصحابه والآية المذكورة في الحجرات ونزولها متأخر جدا وقت مجئ الوفود
لكنه يحتمل أن تكون آية الاصلاح نزلت قديما فيندفع الاشكال * (تنبيه) * القصة التي في
حديث أنس مغايرة للقصة التي في حديث سهل بن سعد الذي قبله لان قصة سهل في بني عمرو بن
عوف وهم من الأوس وكانت منازلهم بقباء وقصة أنس في رهط عبد الله بن أبي وسعد بن عبادة
وهم من الخزرج وكانت منازلهم بالعالية ولم أقف على سبب المخاصمة بين بني عمرو بن عوف في
حديث سهل والله أعلم وفي الحديث بيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الصفح والحلم
والصبر على الأذى في الله والدعاء إلى الله وتأليف القلوب على ذلك وفيه أن ركوب الحمار لا نقص
فيه على الكبار وفيه ما كان الصحابة عليه من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأدب معه
219

والمحبة الشديدة وأن الذي يشير على الكبير بشئ يورده بصورة العرض عليه لا الجزم وفيه
جواز المبالغة في المدح لان الصحابي أطلق أن ريح الحمار أطيب من ريح عبد الله بن أبي وأقره
النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك (قوله باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس)
ترجم بلفظ الكاذب وساق الحديث بلفظ الكذاب واللفظ الذي ترجم به لفظ معمر عن ابن
شهاب وهو عند مسلم وكان حق السياق أن يقول ليس من يصلح بين الناس كاذبا لكنه ورد على
طريق القلب وهو سائغ (قوله عن صالح) هو بن كيسان والاسناد كله مدنيون وفيه ثلاثة من
التابعين في نسق وأم كلثوم بنت عقبة أي بن أبي معيط الأموية (قوله فينمي) بفتح أوله وكسر
الميم أي يبلغ تقول نميت الحديث أنميه إذا بلغته على وجه الاصلاح وطلب الخير فإذا بلغته على
وجه الافساد والنميمة قلت نميته بالتشديد كذا قال الجمهور وادعى الحربي أنه لا يقال إلا نميته
بالتشديد قال ولو كان ينمي بالتخفيف للزم أن يقول خير بالرفع وتعقبه ابن الأثير بأن خيرا انتصب
بينمي كما ينتصب بقال وهو واضح جدا يستغرب من خفاء مثله على الحربي ووقع في رواية
الموطأ ينمي بضم أوله وحكى بن قرقول عن رواية بن الدباغ بضم أوله وبالهاء بدل الميم قال وهو
تصحيف ويمكن تخريجه على معنى يوصل تقول أنهيت إليه كذا إذا أوصلته (قوله أو يقول
خيرا) هو شك من الراوي قال العلماء المراد هنا أنه يخبر بما عمله من الخير ويسكت عما عمله من
الشر ولا يكون ذلك كذبا لان الكذب الاخبار بالشئ على خلاف ما هو به وهذا ساكت
ولا ينسب لساكت قول ولا حجة فيه لمن قال يشترط في الكذب القصد إليه لان هذا ساكت
وما زاده مسلم والنسائي من رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه في آخره ولم أسمعه يرخص
في شئ مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث فذكرها وهي الحرب وحديث الرجل لامرأته
والاصلاح بين الناس وأورد النسائي أيضا هذه الزيادة من طريق الزبيدي عن ابن شهاب وهذه
الزيادة مدرجة بين ذلك مسلم في روايته من طريق يونس عن الزهري فذكر الحديث قال وقال
الزهري وكذا أخرجها النسائي مفرده من رواية يونس وقال يونس أثبت في الزهري من غيره
وجزم موسى بن هارون وغيره بادراجها ورويناه في فوائد بن أبي ميسرة من طريق عبد الوهاب
ابن رفيع عن ابن شهاب فساقه بسنده مقتصرا على الزيادة وهو وهم شديد قال الطبري ذهبت
طائفة إلى جواز الكذب لقصد الاصلاح وقالوا إن الثلاث المذكورة كالمثال وقالوا الكذب
المذموم إنما هو فيما فيه مضرة أوليس فيه مصلحة وقال آخرون لا يجوز الكذب في شئ مطلقا
وحملوا الكذب المراد هنا على التورية والتعريض كمن يقول للظالم دعوت لك أمس وهو يريد
قوله اللهم اغفر للمسلمين ويعد امرأته بعطية شئ ويريد إن قدر الله ذلك وأن يظهر من نفسه قوة
(قلت) وبالأول جزم الخطابي وغيره وبالثاني جزم المهلب والأصيلي وغيرهما وسيأتي في باب
الكذب في الحرب في أواخر الجهاد مزيد لهذا إن شاء الله تعالى واتفقوا على أن المراد بالكذب
في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقا عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها وكذا في الحرب
في غير التأمين واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالم قتل رجل وهو مختف
عنده فله أن ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم والله أعلم (قوله باب قول الإمام
لأصحابه اذهبوا بنا نصلح) ذكر فيه طرفا من حديث سهل بن سعد الماضي في أوائل كتاب
220

الصلح وهو ظاهر فيما ترجم له وقوله في أول الاسناد حدثنا محمد بن عبد الله كذا للأكثر ووقع في
رواية النسفي وأبي أحمد الجرجاني بإسقاطه فصار الحديث عندهما عن البخاري عن عبد العزيز
واسحق وعبد العزيز الأويسي من مشايخ البخاري وهو الذي أخرج عنه الحديث الذي في
الباب قبله وروى عنه هذا بواسطة وكذلك إسحاق بن محمد الفروي حدث عنه بواسطة وبغير
واسطة ومحمد بن جعفر شيخهما هو بن أبي كثير والاسناد كله مدنيون وأما محمد بن عبد الله
المذكور فجزم الحاكم بأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي نسبة إلى جده والله
أعلم (قوله باب قول الله عز وجل أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير) أورد فيه
حديث عائشة في تفسير الآية وسيأتي شرحه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى (قوله
باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود) يجوز في صلح الإضافة وأن ينون
صلح ويكون جور صفة له ذكر فيه حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في قصة العسيف وسيأتي شرحها
مستوفى في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا قوله في الحديث الوليدة والغنم رد
عليك لأنه في معنى الصلح عما وجب على العسيف من الحد ولما كان ذلك لا يجوز في الشرع كان
جورا (قوله حدثنا يعقوب) كذا للأكثر غير منسوب وانفرد ابن السكن بقوله يعقوب بن محمد
ووقع نظير هذا في المغازي في باب فضل من شهد بدرا قال البخاري حدثنا يعقوب حدثنا إبراهيم بن
سعد فوقع عند بن السكن يعقوب بن محمد أي الزهري وعند الأكثر غير منسوب لكن قال أبو ذر
في روايته في المغازي يعقوب بن إبراهيم أي الدورقي وقد روى البخاري في الطهارة عن يعقوب
ابن إبراهيم عن إسماعيل بن علية حدثنا فنسبه أبو ذر في روايته فقال الدورقي وجزم الحاكم بأن
يعقوب المذكور هنا هو بن محمد كما في رواية بن السكن وجزم أبو أحمد الحاكم وابن منده
والحبال وآخرون بأنه يعقوب بن حميد بن كاسب ورد ذلك البرقاني بأن يعقوب بن حميد ليس من
شرطه وجوز أبو مسعود أنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد ورد عليه بأن البخاري لم يلقه فإنه مات
قبل أن يرحل وأجاب البرقاني عنه بجواز سقوط الواسطة وهو بعيد والذي يترجح عندي أنه
الدورقي حملا لما أطلقه على ما قيده وهذه عادة البخاري لا يهمل نسبة الراوي الا إذا ذكرها في
مكان آخر فيهملها استغناء بما سبق والله أعلم وقد جزم أبو علي الصدفي بأنه الدورقي وكذا جزم
أبو نعيم في المستخرج بأن البخاري أخرج هذا الحديث الذي في الصلح عن يعقوب بن إبراهيم
(قوله عن أبيه) هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ووقع منسوبا كذلك في مسلم وقال
في روايته حدثنا أبي (قوله عن القاسم) في رواية الإسماعيلي من طريق محمد بن خالد الواسطي
عن إبراهيم بن سعد عن أبيه أن رجلا من آل أبي جهل أوصى بوصايا فيها أثرة في ماله فذهبت إلى
القاسم بن محمد أستشيره فقال القاسم سمعت عائشة فذكره وسيأتي بيان الأثرة المذكورة في
رواية المخرمي المعلقة عن العلاء بن عبد الجبار (قوله رواه عبد الله بن جعفر المخرمي) بفتح الميم
وسكون المعجمة وفتح الراء نسبة إلى المسور بن مخرمة فجعفر هو بن عبد الرحمن بن المسور بن
مخرمة وروايته هذه وصلها مسلم من طريق أبي عامر العقدي والبخاري في كتاب خلق أفعال
العباد كلاهما عنه عن سعد بن إبراهيم سألت القاسم بن محمد عن رجل له مساكن فأوصى بثلث
221

كل مسكن منها قال يجمع ذلك كله في مسكن واحد فذكر المتن بلفظ من عمل عملا ليس عليه
أمرنا فهو رد وليس لعبد الله بن جعفر في البخاري سوى هذا الموضع (قوله وعبد الواحد بن أبي
عون) وصله الدارقطني من طريق عبد العزيز بن محمد عنه بلفظ من فعل أمرا ليس عليه أمرنا
فهو رد وليس لعبد الواحد أيضا في البخاري سوى هذا الموضع وقد رويناه في كتاب السنة لأبي
الحسين بن حامد من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الواحد وفيه قصة قال عن سعد بن إبراهيم قال
كان الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب أوصى بوصية فجعل بعضها صدقة وبعضها ميراثا
وخلط فيها وأنا يومئذ على القضاء فما دريت كيف أقضي فيها فصليت بجنب القاسم بن محمد
فسألته فقال أجز من ماله الثلث وصية ورد سائر ذلك ميراثا فإن عائشة حدثتني فذكره بلفظ
إبراهيم بن سعد وفي هذه الرواية دلالة على أن قوله في رواية الإسماعيلي المتقدمة من آل أبي
جهل وهم وإنما هو من آل أبي لهب وعلى أن قوله في رواية مسلم يجمع ذلك كله في مسكن واحد
هو بقية الوصية وليس هو من كلام القاسم بن محمد لكن صرح أبو عوانة في روايته بأنه كلام
القاسم بن محمد وهو مشكل جدا فالذي أوصى بثلث كل مسكن أوصى بأمر جائز اتفاقا وأما
الزام القاسم بأن يجمع في مسكن واحد ففيه نظر لاحتمال أن يكون بعض المساكن أغلى
قيمة من بعض لكن يحتمل أن تكون تلك المساكن متساوية فيكون الأولى أن تقع الوصية
بمسكن واحد من الثلاثة ولعله كان في الوصية شئ زائد على ذلك يوجب إنكارها كما أشارت
إليه رواية أبي الحسين بن حامد والله أعلم وقد استشكل القرطبي شارح مسلم ما استشكلته وأجاب
عنه بالحمل على ما إذا أراد أحد الفريقين الفدية أو الموصى لهم القسمة وتمييز حقه وكانت
المساكن بحيث يضم بعضها إلى بعض في القسمة فحينئذ تقوم المساكن قيمة التعديل ويجمع
نصيب الموصى لهم في موضع واحد ويبقى نصيب الورثة فيما عدا ذلك والله أعلم وهذا الحديث
معدود من أصول الاسلام وقاعدة من قواعده فإن معناه من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل
من أصوله فلا يلتفت إليه قال النووي هذا الحديث مما ينبغي أن يعتنى بحفظه واستعماله في
ابطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به كذلك وقال الطرقي هذا الحديث يصلح أن يسمى نصف
أدلة الشرع لان الدليل يتركب من مقدمتين والمطلوب بالدليل أما إثبات الحكم أو نفيه وهذا
الحديث مقدمة كبرى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه لان منطوقه مقدمة كلية في كل دليل
ناف لحكم مثل أن يقال في الوضوء بماء نجس هذا ليس من أمر الشرع وكل ما كان كذلك فهو
مردود فهذا العمل مردود فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الحديث وإنما يقع النزاع في الأولى
ومفهومه أن من عمل عملا عليه أمر الشرع فهو صحيح مثل أن يقال في الوضوء بالنية هذا عليه
أمر الشرع وكل ما كان عليه أمر الشرع فهو صحيح فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الحديث والأولى
فيها النزاع فلو اتفق أن يوجد حديث يكون مقدمة أولى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه لاستقل
الحديثان بجميع أدلة الشرع لكن هذا الثاني لا يوجد فإذا حديث الباب نصف أدلة الشرع
والله أعلم وقوله رد معناه مردود من إطلاق المصدر على اسم المفعول مثل خلق ومخلوق ونسخ
ومنسوخ وكأنه قال فهو باطل غير معتد به واللفظ الثاني وهو قوله من عمل أعم من اللفظ الأول
وهو قوله من أحدث فيحتج به في إبطال جميع العقود المنهية وعدم وجود ثمراتها المرتبة عليها
222

وفيه رد المحدثات وأن النهي يقتضي الفساد لان المنهيات كلها ليست من أمر الدين فيجب ردها
ويستفاد منه أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الامر لقوله ليس عليه أمرنا والمراد به أمر الدين
وفيه أن الصلح الفاسد منتقض والمأخوذ عليه مستحق الرد (قوله باب كيف
يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان فلان بن فلان وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه) أي إذا كان
مشهورا بدون ذلك بحيث يؤمن اللبس فيه فيكتفى في الوثيقة بالاسم المشهور ولا يلزم ذكر الجد
والنسب والبلد ونحو ذلك وأما قول الفقهاء يكتب في الوثائق اسمه واسم أبيه وجده ونسبه فهو
حيث يخشى اللبس وإلاف حيث يؤمن اللبس فهو على الاستحباب واختلف في ضبط هذه اللفظة
وهى قوله ونسبه فقيل بالجر عطفا على قبيلته وعلى هذا فالتردد بين القبيلة والنسبة وقيل بالنصب
فعل ماض معطوف على المنفي أي سواء نسبه أو لم ينسبه والأول أولى وبه جزم الصغاني (قوله
لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية كتب علي) سيأتي في الشروط من حديث
المسور بن مخرمة بيان ذلك مطولا وقد ذكر المصنف هنا من طريق إسرائيل عن بن إسحاق
هذا الحديث أتم سياقا من طريق شعبة ويأتي شرحه في باب عمرة القضاء من المغازي إن شاء الله
تعالى ونذكر هناك بيان الخلاف في مباشرته صلى الله عليه وسلم الكتابة والغرض منه هنا اقتصار
الكاتب على قوله محمد رسول الله ولم ينسبه إلى أب ولا جد وأقره صلى الله عليه وسلم واقتصر على
محمد بن عبد الله بغير زيادة وذلك كله لامن الالتباس (قوله باب الصلح مع المشركين)
أي حكمة أو كيفيته أو جوازه وسيأتي شرحه وبيانه في كتاب الجزية والموادعة مع المشركين بالمال
وغيره (قوله فيه) أي يدخل في هذا الباب قوله عن أبي سفيان يشير إلى حديث أبي سفيان صخر
ابن حرب في شأن هرقل وقد تقدم بطوله في أول الكتاب والغرض منه قوله في أوله أن هرقل
أرسل إليه في ركب من قريش في المدة التي هادن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار قريش
الحديث وقوله فيه ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها (قوله وقال عوف بن مالك عن النبي
صلى الله عليه وسلم تكون هدنة بينكم وبين بني الأصفر هذا طرف من حديث وصله المؤلف بتمامه
في الجزية من طريق أبي إدريس الخولاني عنه وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى وقوله وفيه
سهل بن حنيف لقد رأيتنا يوم أبي جندل هو أيضا طرف من حديث وصله أيضا في أواخر الجزية
ولم يقع في رواية غير أبي ذر والأصيلي لقد رأيتنا يوم أبي جندل (قوله و
223

أسماء والمسور أما حديث أسماء وهي بنت أبي بكر فكأنه يشير إلى حديثها الماضي في الهبة قالت قدمت علي أمي راغبة في
عهد قريش الحديث وأما حديث المسور فسيأتي موصولا في الشروط (قوله وقال موسى بن
مسعود) هو أبو حذيفة النهدي وطريقه هذه وصلها أبو عوانة في صحيحه عن محمد بن حياة عنه
ووصلها أيضا الإسماعيلي والبيهقي وغيرهما وحديث البراء المذكور يأتي شرحه في عمرة القضاء
مستوفى إن شاء الله تعالى وقوله فيه يحجل بفتح أوله وسكون المهملة وضم الجيم أي يمشي مثل
الحجلة الطير المعروف يرفع رجلا ويضع أخرى وقيل هو كناية عن تقارب الخطا (قوله قال أبو
عبد الله لم يذكر مؤمل عن سفيان أبا جندل وقال الا بجلب السلاح) يعني أن مؤملا وهو ابن
إسماعيل تابع أبا حذيفة في رواية هذا الحديث عن سفيان وهو الثوري لكنه لم يذكر قصة أبي
جندل وقال بجلب بدل قوله بجلبان وجلب بضم الجيم واللام وتشديد الموحدة وذكرها الخطابي
بالتخفيف جمع جلبة وأما جلبان فضبطه بن قتيبة وابن دريد وجماعة بضمتين وتشديد الموحدة
وضبطه ثابت في الدلائل وأبو عبيد الهروي بسكون اللام مع التخفيف ونقل عن بعض المتقنين
انه بالراء بدل اللام مع التشديد وكأنه جمع جراب لكن لم يقع في رواية الصحيح الا باللام ووقع في
نسخة متقنة بكسر الجيم واللام مع التشديد وهو خلاف ما اتفق عليه أهل اللغة والعربية فلا
تغتر بذلك وطريق مؤمل هذه وصلها أحمد في مسنده عنه ورويناها بعلو في الحلية وغيرها ومن
فوائدها تصريح سفيان بتحديث أبي إسحاق له وبتحديث البراء لأبي إسحاق ثم ذكر المصنف في
الباب حديث ابن عمر في قصة صلح الحديبية أيضا لكنه مختصر وسيأتي شرحه في عمرة القضاء أيضا
وحديث سهل بن أبي حثمة في قتل عبد الله بن سهل بخيبر والغرض منه قوله وهي يومئذ صلح
والمراد مصالحة أهلها اليهود مع المسلمين وسيأتي شرحه مستوفى في مكانه من كتاب الحدود
(قوله باب الصلح في الدية) أي بأن يجب القصاص فيقع الصلح على مال معين ذكر
فيه حديث أنس في قصة الربيع وهو بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتانية المكسورة وهي
عمة أنس وقوله زاد الفزاري يعني مروان بن معاوية (قوله فرضي القوم وقبلوا الأرش) أي زاد
على رواية الأنصاري ذكر قبولهم الأرش والذي وقع في رواية الأنصاري فرضي القوم وعفوا
وظاهره أنهم تركوا القصاص والأرش مطلقا فأشار المصنف إلى الجمع بينهما بأن قوله عفوا
محمول على أنهم عفوا عن القصاص على قبول الأرش جمعا بين الروايتين وطريق الفزاري هذه
وصلها المؤلف في تفسير سورة المائدة وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى
(قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي أن ابني هذا سيد ولعل الله
أن يصلح به بين فئتين عظيمتين) اللام في قوله للحسن بمعنى عن وترجم المصنف بلافظ الحديث
224

احترازا وأدبا وكذلك ترجم بنحوه في كتاب الفتن وسيأتي شرحه مستوفى هناك * وقوله جل ذكره
فاصلحوا بينهما لم يظهر لي مطابقة الحديث لهذا القدر من الترجمة إلا إن كان يريد أنه صلى الله
عليه وسلم كان حريصا على امتثال أمر الله وقد أمر بالاصلاح وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الصلح
بين الفئتين المختلفتين سيقع على يد الحسن (قوله قال أبو عبد الله) أي المصنف (قال لي علي بن
عبد الله) أي ابن المديني (أنما ثبت لنا سماع الحسن) أبى البصري (من أبي بكرة بهذا الحديث)
أي لتصريحه فيه بالسماع وقد أخرج المصنف هذا الحديث عن علي بن المديني عن ابن عيينة في
كتاب الفتن ولم يذكر هذه الزيادة رضي الله تعالى عنهما (قوله باب هل يشير الامام بالصلح) أشار بهذه
الترجمة إلى الخلاف فإن الجمهور استحبوا للحاكم أن يشير بالصلح وإن اتجه الحق لاحد الخصمين
ومنع من ذلك بعضهم وهو عن المالكية وزعم بن التين أنه ليس في حديثي الباب ما ترجم به
وانما فيه الحض على ترك بعض الحق وتعقب بأن الإشارة بذلك بمعنى الصلح على أن المصنف
ما جزم بذلك فكيف يعترض عليه (قوله حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي) هو أبو بكر
عبد الحميد وسليمان هو بن بلال ويحيى بن سعيد هو الأنصاري وأبو الرجال بالجيم محمد بن عبد
الرحمن أي ابن حارثة بن النعمان الأنصاري كنيته أبو عبد الرحمن وقيل له أبو الرجال لأنه ولد له
عشرة ذكور وهو من صغار التابعين وكذا الراوي عنه والاسناد كله مدنيون وفيه ثلاثة من
التابعين في نسق منهم قرينان وهذا الحديث أخرجه مسلم قال حدثنا غير واحد عن إسماعيل
أبي أويس فعده بعضهم في المنقطع والتحقيق أنه متصل في إسناده مبهم وقد رواه عن إسماعيل
أيضا محمد بن يحيى الذهلي أخرجه أبو عوانة والإسماعيلي وغيرهما من طريقه وأخرجه أبو
عوانه أيضا من طريق إبراهيم بن الحسين الكسائي وإسماعيل بن إسحاق القاضي ورويناه في
المحامليات عن عبد الله بن شبيب فيحتمل أن يفسر من أبهمه مسلم بهؤلاء أو بعضهم ولم ينفرد به
إسماعيل بل تابعه أيوب بن سليمان عن أبي بكر بن أبي أويس أخرجه الإسماعيلي أيضا ولا انفرد
به يحيى بن سعيد فقد أخرجه بن حبان من طريق عبد الرحمن بن أبي الرجال عن أبيه 0 قوله سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهم) في رواية أصواتهما وكأنه
جمع باعتبار من حضر الخصومة وثنى باعتبار الخصمين أو كأن التخاصم من الجانبين بين جماعة
فجمع ثم ثنى باعتبار جنس الخصم وليس فيه حجة لمن جوز صيغة الجمع بالاثنين كما زعم بعض
الشراح ويجوز في قوله عالية الجر على الصفة والنصب على الحال (قوله وإذا أحدهما يتوضع
الاخر) أي يطلب منه الوضيعة أي الحطيطة من الدين (قوله ويسترفقه) أي يطلب منه
الرفق به وقوله في شئ وقع بيانه في رواية بن حبان فقال في أول الحديث دخلت امرأة على النبي
صلى الله عليه وسلم فقالت إني ابتعت أنا وابني من فلان تمرا فأحصيناه لا والذي أكرمك بالحق
ما أحصينا منه الا ما نأكله في بطوننا أو نطعمه مسكينا وجئنا نستوضعه ما نقصنا الحديث فظهر
225

بهذا ترجيح ثاني الاحتمالين المذكورين قبل وأن المخاصمة وقعت بين البائع وبين المشتريين
ولم أقف على تسمية واحد منهم وأما تجويز بعض الشراح أن المتخاصمين هما المذكوران
في الحديث الذي يليه ففيه بعد لتغاير القصتين وعرف بهذه الزيادة أصل القصة (قوله أين
المتألي) بضم الميم وفتح المثناة والهمزة وتشديد اللام المكسورة أي الحالف المبالغ في اليمين
مأخوذ من الالية بفتح الهمزة وكسر اللام وتشديد التحتانية وهي اليمين وفي رواية ابن حبان
فقال آلى أن لا يصنع خيرا ثلاث مرات فبلغ ذلك صاحب التمر (قوله فله أي ذلك أحب) أي من
الوضع أو الرفق وفي رواية بن حبان فقال إن شئت وضعت ما نقصوا وأن شئت من رأس المال
فوضع ما نقصوا وهو يشعر بأن المراد بالوضع الحط من رأس المال وبالرفق الاقتصار عليه وترك
الزيادة لا كما زعم بعض الشراح أنه يريد بالرفق الامهال وفي هذا الحديث الحض على الرفق
بالغريم والاحسان إليه بالوضع عنه والزجر عن الحلف على ترك فعل الخير قال الداودي إنما كره
ذلك لكونه حلف على ترك أمر عسى أن يكون قد قدر الله وقوعه وعن المهلب نحوه وتعقبه ابن
التين بأنه لو كان كذلك لكره الحلف لمن حلف ليفعلن خيرا وليس كذلك بل الذي يظهر أنه كره له
قطع نفسه عن فعل الخير قال ويشكل في هذا قوله صلى الله عليه وسلم للاعرابي الذي قال والله
لا أزيد على هذا ولا أنقص أفلح إن صدق ولم ينكر عليه حلفه على ترك الزيادة وهي من فعل
الخير ويمكن الفرق بأنه في قصة الأعرابي كان في مقام الدعاء إلى الاسلام والاستمالة إلى الدخول
فيه فكان يحرص على ترك تحريضهم على ما فيه نوع مشقة مهما أمكن بخلاف من تمكن في
الاسلام فيحضه على الازدياد من نوافل الخير وفيه سرعة فهم الصحابة لمراد الشارع وطواعيتهم
لما يشير به وحرصهم على فعل الخير وفيه الصفح عما يجري بين المتخاصمين من اللغط ورفع الصوت
عند الحاكم وفيه جواز سؤال المدين الحطيطة من صاحب الدين خلافا لمن كرهه من المالكية
واعتل بما فيه من تحمل المنة وقال القرطبي لعل من أطلق كراهته أراد أنه خلاف الأولى وفيه
هبة المجهول كذا قال بن التين وفيه نظر لما قدمناه من رواية ابن حبان والله أعلم (قوله حدثنا
يحيى بن بكير) تقدم حديث كعب بهذا الاسناد في أول الملازمة وتقدم شرح الحديث مستوفى
في باب التقاضي والملازمة في المسجد من كتاب الصلاة وأفاد بن أبي شيبة في روايته أن الدين
المذكور كان أوقيتين قال بن بطال هذا الحديث أصل لقول الناس خير الصلح على الشطر
(قوله باب فضل الاصلاح بين الناس والعدل بينهم) أورد فيه حديث أبي هريرة
تعدل بين الناس صدقة وهو طرف من حديث طويل يأتي في الجهاد ووقع هنا أول الاسناد
حدثنا إسحاق غير منسوب في جميع الروايات إلا عن أبي ذر فقال إسحق بن منصور ووقع في
الجهاد في موضعين أحدهما إسحاق بن نصر والآخر إسحاق غير منسوب وسياق إسحق بن
نصر مغاير لسياق إسحاق الآخر فتعين أنه بن منصور والله أعلم وقوله سلامي بضم المهملة
وتخفيف اللام مع القصر أي مفصل ووقع عند مسلم من حديث أبي ذر تفسيره بذلك وأن في
الانسان ثلاثمائة وستين مفصلا قال بن المنير ترجم على الاصلاح والعدل ولم يورد في هذا الحديث
الا العدل لكن لما خاطب الناس كلهم بالعدل وقد علم أن فيهم الحكام وغيرهم كان عدل
الحاكم إذا حكم وعدل غيره إذا أصلح وقال غيره الاصلاح نوع من العدل فعطف العدل عليه
226

من عطف العام على الخاص (قوله باب إذا أشار الامام بالصلح فأبى) أي من عليه
الحق (حكم عليه بالحكم البين) أورد فيه قصة الزبير مع غريمه الأنصاري الذي خاصمه في سقي
النخل وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الشرب وقوله فلما أحفظه بالحاء المهملة والفاء
والظاء المعجمة أي أغضبه وزعم الخطابي أن هذا من قول الزهري أدرجه في الخبر (قوله
باب الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث والمجازفة في ذلك) أي عند المعارضة وقد قدمت
توجيه ذلك في كتاب الاستقراض ومراده أن المجازفة في الاعتياض عن الدين جائزة وإن كانت
من جنس حقه وأقل وأنه لا يتناوله النهي إذ لا مقابلة من الطرفين (قوله وقال ابن عباس الخ)
وصله ابن أبي شيبة وقد تقدم شرحه في أول الحوالة وحديث جابر يأتي الكلام عليه في علامات
النبوة إن شاء الله تعالى وقوله فيه وفضل بفتح المعجمة وضبط عند أبي ذر بكسرها قال سيبويه
وهو نادر وقوله وقال هشام أي بن عروة (عن وهب) أي ابن كيسان ورواية هشام هذه
تقدمت موصولة في الاستقراض وقوله وقال بن إسحاق عن وهب عن جابر صلاة الظهر أي أن ابن إسحاق
روى الحديث عن وهب بن كيسان كما رواه هشام بن عروة الا أنهما اختلفا في تعيين
الصلاة التي حضرها جابر مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى أعلمه بقصته فقال بن إسحاق الظهر
وقال هشام العصر وقال عبيد الله بن عمر المغرب والثلاثة رووه عن وهب بن كيسان عن جابر
وكأن هذا القدر من الاختلاف لا يقدح في صحة أصل الحديث لان المقصود منه ما وقع من
بركته صلى الله عليه وسلم في التمر وقد حصل توافقهم عليه ولا يترتب على تعيين تلك الصلاة
بعينها كبير معنى والله أعلم وقوله وستة لون اللون ما عدا العجوة وقيل هو الدقل وهو الردئ
وقيل اللون اللين واللينة وقيل الاخلاط من التمر وسيأتي اللينة في تفسير سورة الحشر وأنه
اسم للنخلة (قوله باب الصلح بالدين والعين) أورد فيه حديث كعب بن مالك وقصته
مع ابن أبي حدرد وقد تقدم قبل ثلاث أبواب وقال بن التين ليس فيه ما ترجم به وأجيب بأن
فيه الصلح فيما يتعلق بالدين وكأنه ألحق به الصلح فيما يتعلق بالعين بطريق الأولى قال بن بطال
أنفق العلماء على أنه إن صالح غريمه عن دراهم بدراهم أقل منها جاز إذا حل الاجل فإذا لم يحل
الاجل لم يجز أن يحط عنه شيئا قبل أن يقبضه مكانه وأن صالحه بعد حلول الأجل عن دراهم
227

بدنانير أو عن دنانير بدراهم جاز واشترط القبض اه (قوله وقال الليث حدثني يونس) وصله
الذهلي في الزهريات ولليث فيه إسناد آخر تقدم قبل ثلاثة أبواب * (خاتمة) * اشتمل كتاب
الصلح من الأحاديث المرفوعة على أحد وثلاثين حديثا المعلق منها اثنا عشر حديثا والبقية
موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى تسعة عشر حديثا والخالص اثنا عشر حديثا وافقه مسلم
على تخريجها سوى حديث أبي بكرة في فضل الحسن وحديث عوف والمسور المعلقين وفيه من
الآثار عن الصحابة ومن بعدهم ثلاثة آثار
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (كتاب الشروط) *
(باب ما يجوز من الشروط في الاسلام والاحكام والمبايعة) كذا لأبي ذر وسقط كتاب
الشروط لغيره والشروط جمع شرط بفتح أوله وسكون الراء وهو ما يستلزم نفيه نفي أمر آخر غير
السبب والمراد به هنا بيان ما يصح منها مما لا يصح وقوله في الاسلام أي عند الدخول فيه فيجوز
مثلا أن يشترط الكافر أنه إذا أسلم لا يكلف بالسفر من بلد إلى بلد مثلا ولا يجوز أن يشترط أن
لا يصلى مثلا وقوله والاحكام أي العقود والمعاملات وقوله والمبايعة من عطف الخاص على العام
(قوله يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا قال عقيل عن الزهري واقتصر
غيره على رواية الحديث عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم وقد تبين برواية عقيل أنه
عنهما مرسل وهو كذلك لأنهما لم يحضرا القصة وعلى هذا فهو من مسند من لم يسم من الصحابة
فلم يصب من أخرجه من أصحاب الأطراف في مسند المسور أو مروان لان مروان لا يصح له
سماع من النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحبة وأما المسور فصح سماعه منه لكنه إنما قدم مع أبيه
وهو صغير بعد الفتح وكانت هذه القصة قبل ذلك بسنتين (قوله لما كاتب سهيل بن عمر) هكذا
اقتضب هذه القصة من الحديث الطويل وسيأتي بعد أبواب بطوله من وجه آخر عن ابن شهاب
ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك وقوله فامتعضوا بعين مهملة وضاد معجمة أي أنفوا وشق
عليهم قال الخليل معض بكسر العين المهملة والضاد المعجمة من الشئ وامتعض توجع من وقال
ابن القطاع شق عليه وأنف منه ووقع من الرواة اختلاف في ضبط هذه اللفظة فالجمهور على
ما هنا والأصيلي والهمداني بظاء مشالة وعند القابسي امعضوا بتشديد الميم وكذا العبدوسي
وعن النسفي انغضوا بنون وغين معجمة وضاد غير مشالة قال عياض وكلها تغيرات حتى وقع عند
بعضهم انفضوا بفاء وتشديد وبعضهم أغيظوا من الغيظ وقوله قال عروة فأخبرتني عائشة هو
228

متصل بالاسناد المذكور أولا وسيأتي شرحه مستوفى في أواخر النكاح ومضى الكلام على
حديث جرير في أواخر كتاب الايمان (قوله باب إذا باع نخلا قد أبرت) زاد أبو ذر
عن الكشميهني ولم يشترط الثمن أي المشتري ذكر فيه حديث بن عمر وقد تقدم شرحه في كتاب
البيوع ولم يذكر جواب الشرط اكتفاء بما في الخبر (قوله باب الشروط في
البيوع) ذكر فيه حديث عائشة في قصة بريرة وقد تقدم الكلام عليه في كتاب العتق وإنما
أطلق الترجمة للتفصيل في اعتباره بين الفقهاء (قوله باب إذا اشترط البائع ظهر
الدابة إلى مكان مسمى جاز) هكذا جزم بهذا الحكم لصحة دليله عنده وهو مما اختلف فيه وفيما
يشبهه كاشتراط سكنى الدار وخدمة العبد فذهب الجمهور إلى بطلان البيع لان الشرط
المذكور ينافي مقتضى العقد وقال الأوزاعي وابن شبرمة وأحمد وإسحق وأبو ثور وطائفة يصح
البيع ويتنزل فيه الشرط منزلة الاستثناء لان المشروط إذا كان قدره معلوما صار كما لو باعه بألف
الا خمسين درهما مثلا ووافقهم مالك في الزمن اليسير دون الكثير وقيل حده عنده ثلاثة أيام
وحجتهم حديث الباب وقد رجح البخاري فيه الاشتراط كما سيأتي آخر كلامه وأجاب عنه
الجمهور بأن ألفاظه اختلفت فمنهم من ذكر فيه الشرط ومنهم من ذكر فيه ما يدل عليه ومنهم
من ذكر ما يدل على أنه كان بطريق الهبة وهي واقعة عين يطرقها الاحتمال وقد عارضه حديث
عائشة في قصة بريرة ففيه بطلان الشرط المخالف لمقتضى العقد كما تقدم بسطه في آخر العتق وصح
من حديث جابر أيضا النهي عن بيع الثنيا أخرجه أصحاب السنن وإسناده صحيح وورد النهي
عن بيع وشرط وأجيب بأن الذي ينافي مقصود البيع ما إذا اشترط مثلا في بيع الجارية أن
لا يطأها وفي الدار أن لا يسكنها وفي العبد أن لا يستخدمه وفي الدابة أن لا يركبها أما إذا اشترط شيئا
معلوما لوقت معلوم فلا بأس به وأما حديث النهي عن الثنيا ففي نفس الحديث إلا أن يعلم فعلم أن
المراد أن النهي إنما وقع عما كان مجهولا وأما حديث النهي عن بيع وشرط في إسناده مقال
وهو قابل للتأويل وسيأتي مزيد بسط لذلك في آخر الكلام على هذا الحديث إن شاء الله تعالى
(قوله سمعت عامرا) هو الشعبي (قوله أنه كان يسير على جمل له قد أعيا) أي تعب في رواية ابن
نمير عن زكريا عند مسلم أنه كان يسير على جمل فأعيا فأراد أن يسيبه أي يطلقه وليس المراد أن
يجعله سائبة لا يركبه أحد كما كانوا يفعلون في الجاهلية لأنه لا يجوز في الاسلام ففي أول رواية مغيرة
عن الشعبي في الجهاد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاحق بي وتحتي ناضح لي قد أعيا
فلا يكاد يسير والناضح بنون ومعجمة ثم مهملة هو الجمل الذي يستقي عليه سلام بذلك لنضحه بالماء
حال سقيه واختلف في تعيين هذه الغزوة كما سيأتي بعد هذا ووقع عند البزار من طريق أبي المتوكل
عن جابر أن الجمل كان أحمر (قوله فمر النبي صلى الله عليه وسلم فضربه فدعا له) كذا فيه بالفاء
فيهما كأنه عقب الدعاء له بضربه ولمسلم وأحمد من هذا الوجه فضربه برجله ودعا له وفي رواية
229

يونس بن بكير عن زكريا عند الإسماعيلي فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له فمشى مشية
ما مشى قبل ذلك مثلها وفي رواية مغيرة المذكورة فزجره ودعا له وفي رواية عطاء وغيره عن جابر
المتقدمة في الوكالة فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال من هذا قلت جابر بن عبد الله قال مالك
قلت إني على جمل ثفال قال أمعك قضيب قلت نعم قال أعطنيه فأعطيته فضربه فزجره فكان
من ذلك المكان من أول القوم وللنسائي من هذا الوجه فأزحف فزجره النبي صلى الله عليه وسلم
فانبسط حتى كان أمام الجيش وفي رواية وهب بن كيسان عن جابر المتقدمة في البيوع فتخلف
فنزل فحجنه بمحجنه ثم قال اركب فركبت فقد رأيته أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند
أحمد من هذا الوجه فقلت يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا قال أنخه وأناخ رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثم قال أعطني هذه العصا أو أقطع لي عصا من شجرة ففعلت فأخذها فنخسه بها نخسات
فقال اركب فركبت وللطبراني من رواية زيد بن أسلم عن جابر فأبطأ علي حتى ذهب الناس
فجعلت أرقبه ويهمني شأنه فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فقال أجابر قلت نعم قال ما شأنك
قلت أبطأ علي جملي فنفث فيها أي العصا ثم مج من الماء في نحره ثم ضربه بالعصا فوثب ولابن سعد
من هذا الوجه ونضح ماء في وجهه ودبره وضربه بعصية فانبعث فما كدت أمسكه وفي رواية
أبى الزبير عن جابر عند مسلم فكنت بعد ذلك أحبس خطامه لأسمع حديثه وله من طريق أبي
نضرة عن جابر فنخسه ثم قال اركب بسم الله زاد في رواية مغيرة المذكورة فقال كيف ترى
بعيرك قلت بخير قد أصابته بركتك (قوله ثم قال بعنيه بأوقية قلت) لا في رواية أحمد فكرهت
أن أبيعه وفي رواية مغيرة المذكورة قال أتبيعينه فاستحييت ولم يكن لنا ناضح غيره فقلت نعم
وللنسائي من هذا الوجه وكانت لي إليه حاجة شديدة ولأحمد من رواية نبيح وهو بالنون
والموحدة والمهملة مصغر وفي رواية عطاء قال بعنيه قلت بل هو لك يا رسول الله قال بعنيه
زاد النسائي من طريق أبي الزبير قال اللهم اغفر له اللهم ارحمه ولابن ماجة من طريق أبي نضرة
عن جابر فقال أتبيع ناضحك هذا والله يغفر لك وزاد النسائي من هذا الوجه وكانت كلمة تقولها
العرب أفعل كذا والله يغفر لك ولأحمد قال سليمان يعني بعض رواته فلا أدري كم من مرة
يعنى قال له والله يغفر لك وللنسائي من طريق أبي الزبير عن جابر استغفر لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم ليلة البعير خمسا وعشرين مرة وفي رواية وهب بن كيسان عن جابر عند أحمد
أتبيعني جملك هذا يا جابر قلت بل أهبه لك قال لا ولكن بعنيه وفي كل ذلك رد لقول ابن التين
ان قوله لا ليس بمحفوظ في هذه القصة (قوله بعنيه بأوقية) في رواية سالم عن جابر عند أحمد
فقال بعنيه قلت هو لك قال قد أخذته بوقية ولابن سعد وأبي عوانة من هذا الوجه فلما أكثر
على قلت أن لرجل علي أوقية من ذهب هو لك بها قال نعم والوقية من الفضة كانت في عرف
ذلك الزمان أربعين درهما وفي عرف الناس بعد ذلك عشرة دراهم وفي عرف أهل مصر اليوم
اثنا عشر درهما وسيأتي بيان الاختلاف في قدر الثمن في آخر الكلام على هذا الحديث
(قوله فاستثنيت حملانه إلى أهلي) الحملان بضم المهملة الحمل والمفعول محذوف أي استثنيت
حمله إياي وقد رواه الإسماعيلي بلفظ واستثنيت ظهره إلى أن نقدم ولأحمد من طريق شريك
عن مغيرة اشترى مني بعيرا على أن يفقرني ظهره سفري ذلك وذكر المصنف الاختلاف وفي ألفاظه
230

على جابر وسيأتي بيانه (قوله فلما قدمنا) زاد مغيرة عن الشعبي كما مضى في الاستقراض فلما دنونا
من المدينة استأذنته فقال تزوجت بكرا أم ثيبا وسيأتي الكلام عليه في النكاح إن شاء الله
تعالى وزاد فيه فقدمت المدينة فأخبرت خالي ببيع الجمل فلامني ووقع عند أحمد من رواية نبيح
المذكورة فأتيت عمتي بالمدينة فقلت لها ألم تري أني بعت ناضحنا فما رأيتها أعجبها ذلك وسيأتي
القول في بيان تسمية خاله في أوائل الهجرة إن شاء الله تعالى وجزم ابن لقطة بأنه جد بفتح الجيم
وتشديد الدال بن قيس وأما عمته فاسمها هند بنت عمرو ويحتمل أنهما جميعا لم يعجبهما بيعه لما تقدم
من أنه لم يكن عنده ناضح غيره وأخرجه من هذا الوجه في كتاب الجهاد بلفظ ثم قال ائت أهلك
فتقدمت الناس إلى المدينة وفي رواية وهب بن كيسان في أوائل البيوع وقدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم المدينة قبلي وقدمت بالغداة فجئت إلى المسجد فوجدته فقال الآن قدمت قلت نعم
قال فدع الجمل وادخل فصل ركعتين وظاهرهما التناقض لان في إحداهما أنه تقدم الناس إلى
المدينة وفي الأخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم قبله فيحتمل في الجمع بينهما أن يقال أنه لا يلزم
من قوله فتقدمت الناس أن يستمر سبقه لهم لاحتمال أن يكونوا لحقوه بعد أن تقدمهم إما
لنزوله لراحة أو نوم أو غير ذلك ولعله امتثل أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل ليلا فبات دون
المدينة واستمر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن دخلها سحرا ولم يدخلها جابر حتى طلع النهار والعلم
عند الله تعالى (قوله أتيته بالجمل) في رواية مغيرة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
غدوت إليه بالبعير ولأبي المتوكل عن جابر كما سيأتي في الجهاد فدخلت يعني المسجد إليه وعقلت
الجمل فقلت هذا جملك فخرج فجعل يطيف بالجمل ويقول جملنا فبعث إلي أواق من ذهب ثم قال
استوفيت الثمن قلت نعم (قوله ونقدني ثمنه ثم انصرفت) في رواية مغيرة الماضية في
الاستقراض فأعطاني ثمن الجمل والجمل وسهمي مع القوم وفي روايته الآتية في الجهاد
فأعطاني ثمنه ورده علي وهي كل بطريق المجاز لان العطية إنما وقعت له بواسطة بلال كما رواه
مسلم من هذا الوجه فلما قدمت المدينة قال لبلال أعطه أوقية من ذهب وزده قال فأعطاني
أوقية وزادني قيراطا فقلت لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه ذكر
أخذ أهل الشام له يوم الحرة فتقدم نحوه في الوكالة للمصنف من طريق عطاء وغيره عن جابر
ولأحمد ولأبي عوانة من طريق وهب بن كيسان فوالله ما زال ينمى ويزيد عندنا ونرى مكانه من
بيتنا حتى أصيب أمس فيما أصيب للناس يوم الحرة وفي رواية أبي الزبير عن جابر عند النسائي
فقال يا بلال أعطه ثمنه فلما أدبرت دعائي فخفت أن يرده علي فقال هو لك وفي رواية وهب بن
كيسان في النكاح فأمر بلالا أن يزن لي أوقية فوزن بلال وأرجح لي في الميزان فانطلقت حتى
وليت فقال أدع جابرا فقلت الآن يرد علي الجمل ولم يكن شئ أبغض إلي منه فقال خذ جملك ولك
ثمنه وهذه الرواية مشكلة مع قوله المتقدم ولم يكن لنا ناضح غيره وقوله وكانت لي إليه حاجة
شديدة ولكني استحييت منه ومع تنديم خاله له على بيعه ويمكن الجمع بأن ذلك كان في أول الحال
وكان الثمن أوفر من قيمته وعرف أنه يمكن أن يشتري به أحسن منه ويبقى له بعض الثمن فلذلك
صار يكره رده عليه ولأحمد من طريق أبي هبيرة عن جابر فلما أتيته دفع إلي البعير وقال هو لك
فمررت برجل من اليهود فأخبرته فجعل يعجب ويقول اشترى منك البعير ودفع إليك الثمن ثم وهبه
231

لك قلت نعم (قوله ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك ذلك فهو مالك) كذا وقع هنا وقد رواه علي بن عبد
العزيز عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ أتراني إنما ما كستك لآخذ جملك خذ جملك ودراهمك
هما لك أخرجه أبو نعيم في المستخرج عن الطبراني عنه وكذا أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن
نمير عن زكريا لكن قال في آخره فهو لك وعليها اقتصر صاحب العمدة ووقع لأحمد عن يحيى
القطان عن زكريا بلفظ قال أظننت حين ما كستك أذهب بجملك خذ جملك وثمنه فهما لك
وهذه الرواية وكذلك رواية البخاري توضح أن اللام في قوله لآخذ للتعليل وبعدها همزة ممدودة
ووقع لبعض رواة مسلم كما حكاه عياض لا بصيغة النفي خذ بصيغة الامر ويلزم عليه التكرار
في قوله خذ جملك وقوله ما كستك هو من المماكسة أي المناقصة في الثمن وأشار بذلك إلى ما وقع
بينهما من المساومة عند البيع كما تقدم قال ابن الجوزي هذا من أحسن التكرم لان من باع
شيئا فهو في الغالب محتاج لثمنه فإذا تعوض من الثمن بقي في قلبه من المبيع أسف على فراقه
كما قيل
وقد تخرج الحاجات يا أم مالك * نفائس من رب بهن ضنين
فإذا رد عليه المبيع مع ثمنه ذهب الهم عنه وثبت فرحه وقضيت حاجته فكيف مع ما انضم إلى
ذلك من الزيادة في الثمن (قوله وقال شعبة عن مغيرة) أي ابن مقسم الضبي (عن عامر) هو الشعبي
(عن جابر أفقرني ظهره) بتقديم الفاء على القاف أي حملني على فقاره والفقار عظام الظهر ورواية
شعبة هذه وصلها البيهقي من طريق يحيى بن كثير عنه (قوله وقال إسحق) أي ابن إبراهيم (عن
جرير عن مغيرة فبعته على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة وهذه الرواية تأتي موصولة في الجهاد
وهى دالة على الاشتراط بخلاف رواية شعبة
عن مغيرة فإنها لا تدل عليه وقد رواه أبو عوانة عن مغيرة عند النسائي بلفظ محتمل قال فيه قال بعنيه ولك ظهره حتى تقدم ووافق زكريا على
ذكر الاشتراط فيه يسار عن الشعبي أخرجه أبو عوانة في صحيحه بلفظ فاشترى مني بعيرا على أن
لي ظهره حتى أقدم المدينة (قوله وقال عطاء وغيره) أي عن جابر (ولك ظهره إلى المدينة) تقدم
موصولا مطولا في الوكالة ولفظه قال بعنيه قلت هو لك قال قد أخذته بأربعة دنانير ولك ظهره
إلى المدينة وليس فيها أيضا دلالة على الاشتراط (قوله وقال محمد بن المنكدر عن جابر شرط لي ظهره
إلى المدينة) وصله البيهقي من طريق المكندر بن محمد بن المكندر عن أبيه به ووصله الطبراني من
طريق عثمان بن محمد الأخنسي عن محمد بن المكندر بلفظ فبعته إياه وشرطته أي ركوبه إلى
المدينة (قوله وقال زيد بن أسلم عن جابر ولك ظهره حتى ترجع) وصله الطبراني والبيهقي من طريق
عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه بتمامه (قوله وقال أبو الزبير عن جابر أفقرناك ظهره إلى المدينة)
وصله البيهقي من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي الزبير به وهو عند مسلم من هذا الوجه
بلفظ فبعته منه بخمس أواق قلت على أن لي ظهره إلى المدينة قال ولك ظهره إلى المدينة
وللنسائي من طريق أبي عيينة عن أيوب قال قد أخذته بكذا وكذا وقد أعرتك ظهره إلى المدينة
(قوله وقال الأعمش عن سالم) هو ابن أبي الجعد (عن جابر تبلغ به إلى أهلك) وصله أحمد ومسلم
وعبد بن حميد وغيرهم من طريق الأعمش وهذا لفظ عبد بن حميد ولفظ ابن سعد والبيهقي تبلغ عليه
إلى أهلك ولفظ مسلم فتبلغ عليه إلى المدينة ولفظ أحمد قد أخذته بوقية اركبه فإذا قدمت فائتنا
232

به وهي متقاربة (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف (الاشتراط أكثر وأصح عندي) أي أكثر
طرقا وأصح مخرجا وأشار بذلك إلى أن الرواة اختلفوا عن جابر في هذه الواقعة هل وقع الشرط في
العقد عند البيع أو كان ركوبه للجمل بعد بيعه إباحة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد شرائه على
طريق العارية وأصرح ما وقع في ذلك رواية النسائي المذكورة لكن اختلف فيها حماد بن زيد
وسفيان بن عيينة وحماد أعرف بحديث أيوب من سفيان والحاصل أن الذين ذكروه بصيغة
الاشتراط أكثر عددا من الذين خالفوهم وهذا وجه من وجوه الترجيح فيكون أصح ويترجح
أيضا بأن الذين رووه بصيغة الاشتراط معهم زيادة وهم حفاظ فتكون حجة وليست رواية من لم
يذكر الاشتراط منافية لرواية من ذكره لان قوله لك ظهره وأفقرناك ظهره وتبلغ عليه لا يمنع
وقوع الاشتراط قبل ذلك وقد رواه عن جابر بمعنى الاشتراط أيضا أبو المتوكل عند أحمد
ولفظه فبعني ولك ظهره إلى المدينة لكن أخرجه المصنف في الجهاد من طريق أخرى عن أبي
المتوكل فلم يتعرض للشرط إثباتا ولا نفيا ورواه أحمد من هذا الوجه بلفظ أتبيعني جملك قلت
نعم قال أقدم عليه المدينة ورواه أحمد من طريق أبي هبيرة عن جابر بلفظ فاشترى مني بعيرا فجعل
لي ظهره حتى أقدم المدينة ورواه بن ماجة وغيره من طريق أبي نضرة عن جابر بلفظ فقلت
يا رسول الله هو ناضحك إذا أتيت المدينة ورواه أيضا عن جابر نبيح العنزي عند أحمد فلم يذكر
الشرط ولفظه قد أخذته بوقية قال فنزلت إلى الأرض فقال مالك قلت جملك قال اركب فركبت
حتى أتيت المدينة ورواه أيضا من طريق وهب بن كيسان عن جابر فلم يذكر الشرط قال فيه
حتى بلغ أوقية قلت قد رضيت قال نعم قلت فهو لك قال قد أخذته ثم قال يا جابر هل تزوجت
الحديث وما جنح إليه المصنف من ترجيح رواية الاشتراط هو الجاري على طريقة المحققين من
أهل الحديث لانهم لا يتوقفون عن تصحيح المتن إذا وقع فيه الاختلاف إلا إذا تكافأت الروايات
وهو شرط الاضطراب الذي يرد به الخبر وهو مفقود هنا مع إمكان الترجيح قال ابن دقيق العيد
إذا اختلفت الروايات وكانت الحجة ببعضها دون بعض توقف الاحتجاج بشرط تعادل الروايات
أما إذا وقع الترجيح لبعضها بأن تكون رواتها أكثر عددا أو أتقن حفظا فيتعين العمل بالراجح
إذ الأضعف لا يكون مانعا من العمل بالأقوى والمرجوح لا يمنع التمسك بالراجح وقد جنح الطحاوي
إلى تصحيح الاشتراط لكن تأوله بأن البيع المذكور لم يكن على الحقيقة لقوله في آخره أتراني
ما كستك الخ قال فإنه يشعر بأن القول المتقدم لم يكن على التبايع حقيقة ورده القرطبي
بأنه دعوى مجردة وتغيير وتحريف لا تأويل قال وكيف يصنع قائله في قوله بعته منك بأوقية بعد
المساومة وقوله قد أخذته وغير ذلك من الألفاظ المنصوصة في ذلك واحتج بعضهم بأن الركوب
إن كان من مال المشتري فالبيع فاسد لأنه شرط لنفسه ما قد ملكه المشتري وأن كان من ماله
ففاسد لان المشتري لم يملك المنافع بعد البيع من جهة البائع وإنما ملكها لأنها طرأت في ملكه
وتعقب بأن المنفعة المذكورة قدرت بقدر من ثمن المبيع ووقع البيع بما عداها ونظيره من باع
نخلا قد أبرت واستثنى ثمرتها والممتنع إنما هو استثناء شئ مجهول للبائع والمشتري أما لو علماه معا
فلا مانع فيحمل ما وقع في هذه القصة على ذلك وأغرب ابن حزم فزعم أنه يؤخذ من الحديث أن
البيع لم يتم لان البائع بعد عقد البيع مخير قبل التفرق فلما قال في آخره أتراني ماكستك دل
233

على أنه كان أختار ترك الاخذ وإنما اشترط لجابر ركوب جمل نفسه فليس فيه حجة لمن أجاز الشرط
في البيع ولا يخفى ما في هذا التأويل من التكلف وقال الإسماعيلي قوله ولك ظهره وعد قام مقام
الشرط لان وعده لأخلف فيه وهبته لا رجوع فيها لتنزيه الله تعالى له عن دناءة الأخلاق فلذلك
ساغ لبعض الرواة أن يعبر عنه بالشرط ولا يلزم أن يجوز ذلك في حق غيره وحاصله أن الشرط لم
يقع في نفس العقد وإنما وقع سابقا أو لاحقا فتبرع بمنفعته أولا كما تبرع برقبته أخرا ووقع في
كلام القاضي أبي الطيب الطبري من الشافعية أن في بعض طرق هذا الخبر فلما نقدني الثمن
شرطت حملاني إلى المدينة واستدل بها على أن الشرط تأخر عن العقد لكن لم أقف على الرواية
المذكورة وأن ثبتت فيتعين تأويلها على أن معنى نقدني الثمن أي قرره لي واتفقنا على تعيينه
لان الروايات الصحيحة صريحة في أن قبضه الثمن إنما كان بالمدينة وكذلك يتعين تأويل رواية
الطحاوي أتبيعني جملك هذا إذا قدمنا المدينة بدينار الحديث فالمعنى أتبيعني بدينار أوفيكه إذا
قدمنا المدينة وقال المهلب ينبغي تأويل ما وقع في بعض الروايات من ذكر الشرط على أنه شرط
تفضل لا شرط في أصل البيع ليوافق رواية من روى أفقرناك ظهره وأعرتك ظهره وغير ذلك
مما تقدم قال ويؤيده أن القصة جرت كلها على وجه التفضل والرفق بجابر ويؤيده أيضا قول
جابر هو لك قال لا بل بعنيه فلم يقبل منه إلا بثمن رفقا به وسبق الإسماعيلي إلى نحو ذلك وزعم أن
النكتة في ذكر البيع أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يبر جابرا على وجه لا يحصل لغيره طمع في مثله
فبايعه في جمله على اسم البيع ليتوفر عليه بره ويبقى البعير قائما على ملكه فيكون ذلك أهنأ
لمعروفه قال وعلى هذا المعنى أمره بلالا أن يزيده على الثمن زيادة مبهمة في الظاهر فإنه قصد بذلك
زيادة الاحسان إليه من غير أن يحصل لغيره تأميل في نظير ذلك وتعقب بأنه لو كان المعنى ما ذكر
لكان الحال باقيا في التأميل المذكور عند رده عليه البعير المذكور والثمن معا وأجيب بأن
حالة السفر غالبا تقتضي قلة الشئ بخلاف حالة الحضر فلا مبالاة عند التوسعة من طمع الآمل
وأقوى هذه الوجوه في نظري ما تقدم نقله عن الإسماعيلي من أنه وعد حل محل الشرط وأبدى
السهيلي في قصة جابر مناسبة لطيفة غير ما ذكره الإسماعيلي ملخصها أنه صلى الله عليه وسلم لما أخبر
جابرا بعد قتل أبيه بأحد أن الله أحياه وقال ما تشتهي فأزيدك أكد صلى الله عليه وسلم الخبر بما
يشتهيه فاشترى منه الجمل وهو مطيته بثمن معلوم ثم وفر عليه الجمل والثمن وزاده على الثمن كما
اشترى الله من المؤمنين أنفسهم بثمن هو الجنة ثم رد عليهم أنفسهم وزادهم كما قال الله تعالى للذين
أحسنوا الحسني وزيادة (قوله وقال عبيد الله) أي ابن عمر العمري (وابن إسحق عن وهب) أي
ابن كيسان (عن جابر) أي في هذا الحديث (اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم بأوقية) وطريق بن (إسحق وصلها أحمد وأبو يعلى والبزار مطولة وفيها قال قد أخذته بدرهم قلت إذا تغبنني يا رسول
الله قال فبدرهمين قلت لا فلم يزل يرفع لي حتى بلغ أوقية الحديث ورواية عبيد الله وصلها المؤلف
في البيوع ولفظه قال أتبيع جملك قلت نعم فاشتراه مني بأوقية (قوله وتابعه زيد بن أسلم عن جابر)
أي في ذكر الأوقية وقد تقدم أنه موصول عند البيهقي (قوله وقال بن جريج عن عطاء وغيره عن
جابر أخذته بأربعة دنانير) تقدم أنه موصول عند المصنف في الوكالة وقوله هذا يكون أوقية
على حساب الدينار بعشرة هو من كلام المصنف قصد به الجمع بين الروايتين وهو كما قال بناء على أن
234

المراد بالأوقية أي من الفضة وهي أربعون درهما وقوله الدينار مبتدأ وقوله بعشرة خبره أي
دينار ذهب بعشرة دراهم فضة ونسب شيخنا بن الملقن هذا الكلام إلى رواية عطاء ولم أر ذلك في
شئ من الطرق لا في البخاري ولا في غيره وإنما هو من كلام البخاري (قوله ولم يبين الثمن مغيرة عن
الشعبي عن جابر وابن المنكدر وأبو الزبير عن جابر) ابن المكندر معطوف على مغيرة وأراد أن
هؤلاء الثلاثة لم يعينوا الثمن في روايتهم فأما رواية مغيرة فتقدمت موصولة في الاستقراض وتأتي
مطولة في الجهاد وليس فيها ذكر الثمن وكذا أخرجه مسلم والنسائي وغيرهما ولذلك لم يعين يسار
عن الشعبي في روايته الثمن أخرجه أبو عوانة من طريقه ورواه أحمد من طريق يسار فقال عن أبي
هبيرة عن جابر ولم يعين الثمن في روايته أيضا وأما بن المنكدر فوصله الطبراني وليس فيه
التعيين أيضا وأما أبو الزبير فوصله النسائي ولم يعين الثمن لكن أخرجه مسلم فعين الثمن ولفظه
فبعته منه بخمس أواق قلت على أن لي ظهره إلى المدينة وكذلك أخرجه بن سعد ورويناه في
فوائد تمام من طريق سلمة بن كهيل عن أبي الزبير فقال فيه أخذته منك بأربعين درهما (قوله
وقال الأعمش عن سالم) أي ابن أبي الجعد عن جابر أوقية ذهب وصله أحمد ومسلم وغيرهما هكذا
وفى رواية لأحمد صحيحة قد أخذته بوقية ولم يصفها لكن من وصفها حافظ فزيادته مقبولة
(قوله وقال أبو إسحق عن سالم) أي ابن أبي الجعد (عن جابر بمائتي درهم وقال داود بن قيس عن
عبيد الله بن مقسم عن جابر اشتراه بطريق تبوك أحسبه قال بأربع أواق أما رواية أبي إسحق
فلم أقف على من وصلها ولم تختلف نسخ البخاري أنه قال فيها بمائتي درهم ووقع للنووي أن في
بعض روايات البخاري ثمانمائة درهم وليس ذلك فيه أصلا ولعله أراد هذه الرواية فتصحفت وأما
رواية داود بن قيس فجزم بزمان القصة وشك في مقدار الثمن فأما جزمه بأن القصة وقعت في طريق
تبوك فوافقه على ذلك علي بن زيد بن جدعان عن أبي المتوكل عن جابر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم مر بجابر في غزوة تبوك فذكر الحديث وقد أخرجه المصنف من وجه آخر عن أبي
المتوكل فقال في بعض أسفاره ولم يعينه وكذا أبهمه أكثر الرواة عن جابر ومنهم من قال كنت في
سفر ومنهم من قال كنت في غزوة تبوك ولا منافاة بينهما وفي رواية أبي المتوكل في الجهاد
لا أدرى غزوة أو عمرة ويؤيد كونه كان في غزوة قوله في آخر رواية أبي عوانة عن مغيرة
فأعطاني الجمل وثمنه وسهمي مع القوم لكن جزم بن إسحاق عن وهب بن كيسان في روايته
المشار إليها قبل بأن ذلك كان في غزوة ذات الرقاع من نخل وكذا أخرجه الواقدي من طريق
عطية بن عبد الله بن أنيس عن جابر وهي الراجحة في نظري لان أهل المغازي أضبط لذلك من
غيرهم وأيضا فقد وقع في رواية الطحاوي أن ذلك وقع في رجوعهم من طريق مكة إلى المدينة
وليست طريق تبوك ملاقية لطريق مكة بخلاف طريق غزوة ذات الرقاع وأيضا فإن في كثير
من طرقه أنه صلى الله عليه وسلم سأله في تلك القصة هل تزوجت قال نعم قال أتزوجت بكرا أم
ثيبا الحديث وفيه اعتذاره بتزوجه الثيب بأن أباه استشهد بأحد وترك أخواته فتزوج ثيبا
لتمشطهن وتقوم عليهن فأشعر بأن ذلك كان بالقرب من وفاة أبيه فيكون وقوع القصة في ذات
الرقاع أظهر من وقوعها في تبوك لان ذات الرقاع كانت بعد أحد بسنة واحدة على الصحيح
وتبوك كانت بعدها بسبع سنين والله أعلم لا جرم جزم البيهقي في الدلائل بما قال بن إسحاق (قوله
235

وقال أبو نضرة عن جابر اشتراه بعشرين دينارا) وصله ابن ماجة من طريق الجريري عنه بلفظ
فما زال يزيدني دينارا دينارا حتى بلغ عشرين دينارا وأخرجه مسلم والنسائي من طريق أبي
نضرة فأبهم الثمن (قوله وقول الشعبي بأوقية أكثر) أي موافقة لغيره من الأقوال والحاصل من
الروايات أوقية وهي رواية الأكثر وأربعة دنانير وهي لا تخالفها كما تقدم وأوقية الذهب وأربع
أواق وخمس أواق ومائتا درهم وعشرون دينارا هذا ما ذكر المصنف ووقع عند أحمد والبزار
من رواية علي بن زيد عن أبي المتوكل ثلاثة عشر دينارا وقد جمع عياض وغيره بين هذه الروايات
فقال سبب الاختلاف أنهم رووا بالمعنى والمراد أوقية الذهب والأربع أواق والخمس بقدر ثمن
الأوقية الذهب والأربعة دنانير مع العشرين دينارا محمولة على اختلاف الوزن والعدد وكذلك
رواية الأربعين درهما مع المائتي درهم قال وكأن الاخبار بالفضة عما وقع عليه العقد وبالذهب
عما حصل به الوفاء أو بالعكس اه ملخصا وقال الداودي المراد أوقية ذهب ويحمل عليها قول
من أطلق ومن قال خمس أواق أو أربع أراد من فضة وقيمتها يومئذ أوقية ذهب قال ويحتمل أن
يكون سبب الاختلاف ما وقع من الزيادة على الأوقية ولا يخفى ما فيه من التعسف قال القرطبي
اختلفوا في ثمن الجمل اختلافا لا يقبل التلفيق وتكلف ذلك بعيد عن التحقيق وهو مبني على أمر
لم يصح نقله ولا استقام ضبطه مع أنه لا يتعلق بتحقيق ذلك حكم وإنما تحصل من مجموع الروايات
أنه باعه البعير بثمن معلوم بينهما وزاده عند الوفاء زيادة معلومة ولا يضر عدم العلم بتحقيق ذلك
قال الإسماعيلي ليس اختلافهم في قدر الثمن بضار لان الغرض الذي سيق الحديث لأجله بيان
كرمه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وحنوه على أصحابه وبركة دعائه وغير ذلك ولا يلزم من وهم
بعضهم في قدر الثمن توهينه لأصل الحديث (قلت) وما جنح إليه البخاري من الترجيح أقعد
وبالرجوع إلى التحقيق أسعد فليعتمد ذلك وبالله التوفيق وفي الحديث جواز المساومة لمن
يعرض سلعته للبيع والمماكسة في المبيع قبل استقرار العقد وابتداء المشتري بذكر الثمن وأن
القبض ليس شرطا في صحة البيع وأن إجابة الكبير بقول لا جائز في الامر الجائز والتحدث
بالعمل الصالح للاتيان بالقصة على وجهها لا على وجه تزكية النفس وإرادة الفخر وفيه تفقد
الامام والكبير لأصحابه وسؤاله عما ينزل بهم وإعانتهم بما تيسر من حال أو مال أو دعاء وتواضعه
صلى الله عليه وسلم وفيه جواز ضرب الدابة للسير وأن كانت غير مكلفة ومحله ما إذا لم يتحقق أن
ذلك منها من فرط تعب وإعياء وفيه توقير التابع لرئيسه وفيه الوكالة في وفاء الديون والوزن على
المشتري والشراء بالنسيئة وفيه رد العطية قبل القبض لقول جابر هو لك قال لا بل بعنيه وفيه
جواز إدخال الدواب ولا متعة إلى رحاب المسجد وحواليه واستدل من ذلك على طهارة أبوال
الإبل ولا حجة فيه وفيه المحافظة على ما يتبرك به لقول جابر لا تفارقني الزيادة وفيه جواز الزيادة
في الثمن عند الأداء والرجحان في الوزن لكن برضا المالك وهي هبة مستأنفة حتى لو ردت
السلعة بعيب مثلا لم يجب ردها أو هي تابعة للثمن حتى ترد فيه احتمال وفيه فضيلة لجابر حيث
ترك حظ نفسه وامتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم له ببيع جمله مع احتياجه إليه وفيه معجزة
ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم وجواز إضافة الشئ إلى من كان مالكه قبل ذلك باعتبار ما كان
واستدل به على صحة البيع بغير تصريح بايجاب ولا قبول قوله فيه قال بعنيه بأوقية فبعته
236

ولم يذكر صيغة ولا حجة فيه لأن عدم الذكر لا يستلزم عدم الوقوع وقد وقع في رواية عطاء الماضية
في الوكالة قال بعنيه قال قد أخذته بأربعة دنانير فهذا فيه القبول ولا إيجاب فيه وفي رواية
جرير الآتية في الجهاد قال بل بعنيه قلت لرجل علي أوقية ذهب فهو لك بها قال قد أخذته ففيه
الايجاب والقبول معا وأبين منها رواية ابن إسحاق عن وهب بن كيسان عند أحمد قلت قد
رضيت قال نعم قلت فهو لك بها قال قد أخذته فيستدل بها على الاكتفاء في صيغ العقود
بالكنايات * (تكميل) * آل أمر جمل جابر هذا لما تقدم له من بركة النبي صلى الله عليه وسلم إلى
مآل حسن فرأيت في ترجمة جابر من تاريخ بن عساكر بسنده إلى أبي الزبير عن جابر قال فأقام
الجمل عندي زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فعجز فأتيت به عمر فعرف قصته فقال
اجعله في إبل الصدقة وفي أطيب المراعي ففعل به ذلك إلى أن مات (قوله باب الشروط
في المعاملة) أي من مزارعة وغيرها ذكر فيه حديثين أحدهما حديث أبي هريرة في توافق
المهاجرين أن يكفوا الأنصار المؤنة والعمل ويشركوهم في الثمرة مزارعة وقد تقدم الكلام
عليه في فضل المنيحة في أواخر الهبة والشرط المذكور لغوي اعتبره الشارع فصار شرعيا لان
تقديره إن تكفونا نقسم بينكم * ثانيهما حديث ابن عمر في قصة مزارعة أهل خيبر ذكره مختصرا
وقد تقدم الكلام عليه في المزارعة (قوله باب الشروط في المهر عند عقدة
النكاح) بضم العين المهملة من عقدة والمراد وقت العقد (قوله وقال عمر) أي ابن الخطاب
(ان مقاطع الحقوق الخ) وصله ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من طريق إسماعيل بن عبيد الله بن
أبي المهاجر عن عبد الرحمن بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون عنه وسيأتي سياقه في النكاح
وكذلك حديث المسور المعلق وحديث عقبة بن عامر الموصول مع الكلام على جميع ذلك إن
شاء الله تعالى (قوله باب الشروط في المزارعة) هذه الترجمة أخص من الماضية
قبل بباب ثم ذكر فيه حديث رافع بن خديج مختصرا وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في المزارعة
(قوله باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح) ذكر فيه حديث أبي هريرة وفيه
ولا يخطبن على خطبة أخيه وسيأتي الكلام عليه في كتاب النكاح وتقدم ما يتعلق به من البيوع
في مكانه وقوله طلاق أختها أي بالنسبة إلى كونهما يصيران ضرتين أو المراد أخوة الاسلام لأنها
الغالب (قوله باب الشروط التي لا تحل في الحدود) ذكر فيه حديث أبي هريرة
237

وزيد بن خالد في قصة العسيف وقد ترجم له في الصلح إذا اصطلحوا على جور فهو مردود ويستفاد
من الحديث أن كل شرط وقع في رفع حد من حدود الله فهو باطل وكل صلح وقع فيه فهو مردود
وسيأتى الكلام عليه في الحدود إن شاء الله تعالى قوله باب ما يجوز من شروط
المكاتب إذا رضي بالبيع على أن يعتق ذكر فيه حديث عائشة في قصة بريرة وقد تقدم الكلام
عليه مستوفى في أواخر العتق (قوله باب الشروط في الطلاق) أي تعليق
الطلاق (قوله وقال ابن المسيب والحسن وعطاء ان بدأ) أي بهمزة (أو أخر فهو أحق بشرطه)
وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن وابن المسيب في الرجل يقول امرأته طالق
وعبده حر إن لم يفعل كذا يقدم الطلاق والعتاق قالا إذا فعل الذي قال فليس عليه طلاق
ولا عتاق وعن بن جريج عن عطاء مثله وزاد قلت له فإن ناسا يقولون هي تطليقة حين بدأ
بالطلاق قال لا هو أحق بشرطه وروى بن أبي شيبة من وجه آخر عن قتادة عن سعيد بن
المسيب والحسن في الرجل يحلف بالطلاق فيبدأ به قالا له ثنياه إذا وصله بكلامه وأشار قتادة
بذلك إلى قول شريح وإبراهيم النخعي إذا بدأ بالطلاق قبل يمينه وقع الطلاق بخلاف ما إذا أخره
وقد خالفهم الجمهور في ذلك (قوله عن أبي حازم) هو سلمان الأشجعي وقد تقدم الكلام على
حديث أبي هريرة هذا في البيوع مفرقا في مواضعه والغرض منه قوله ولا تشترط المرأة طلاق أختها
لان مفهومه أنها إذا اشترطت ذلك فطلق أختها وقع الطلاق لأنه لو لم يقع لم يكن للنهي عنه معنى
قاله ابن بطال ويأتي الكلام على ما يتعلق منه بالطلاق في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى (قوله
تابعه معاذ) أي ابن معاذ العنبري (وعبد الصمد) هو ابن عبد الوارث والمعنى أنهما تابعا محمد بن
عرعرة في تصريحه برفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإسناد النهي إليه صريحا (قوله
وقال غندر وعبد الرحمن) أي ابن مهدي (نهى) يعني أنهما روياه أيضا عن شعبة فأيهما الفاعل
وذكراه بضم النون وكسر الهاء (قوله وقال آدم) أي ابن أبي إياس يعني عن شعبة (نهينا) أي ولم
يسم فاعل النهي أيضا (قوله وقال النضر) أي ابن شميل (وحجاج بن منهال) يعني عن شعبة أيضا
نهى أي بفتح النون والهاء ولم يسميا فاعل النهي أيضا وهذه الروايات قد وقعت لنا موصولة
فأما رواية معاذ فوصلها مسلم ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التلقي الحديث
وأما رواية عبد الصمد فوصلها مسلم أيضا وقال فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
بمثل حديث معاذ وكذلك أخرجه النسائي من طريق حجاج بن محمد وأبو عوانة من طريق
يحيى بن بكير وأبي داود الطيالسي كلهم عن شعبة لكن شك أبو داود هل هو نهي أو نهى
وأما رواية غندر فوصلها مسلم أيضا قال حدثنا أبو بكر بن نافع حدثنا غندر وقال في روايته
نهى كما علقه البخاري وكذلك أخرجه مسلم من طريق وهب بن جرير وأبو عوانة من طريق أبي
النضر كلاهما عن شعبة وأما رواية عبد الرحمن بن مهدي فوصلها (3) وأما رواية
238

آدم فرويناها في نسخته رواية إبراهيم بن يزيد عنه وأما رواية النضر بن شميل فوصلها
إسحق بن راهويه في مسنده عنه وأما رواية حجاج بن منهال فوصلها البيهقي من طريق
إسماعيل القاضي عنه وقرنها برواية حفص بن عمر عن شعبة وأخرجه أبو عوانة من طريق
زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت فقال فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشك وقوله
في هذا المتن وأن يبتاع المهاجر للاعرابي المراد بالمهاجر الحضري وأطلق عليه ذلك على عرف
ذلك الزمان والمعنى أن الأعرابي إذا جاء السوق ليبتاع شيئا لا يتوكل له الحاضر لئلا يحرم
أهل السوق نفعا ورفقا وإنما له أن ينصحه ويشير عليه ويحتمل أن يكون المراد بقوله أن
يبتاع أن يبيع فيوافق الرواية الماضية (قوله باب الشروط مع الناس
بالقول) ذكر فيه طرفا من حديث بن عباس عن أبي بن كعب في قصة موسى والخضر والمراد
منه قوله كانت الأولى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا وأشار بالشرط إلى قوله إن سألتك
عن شئ بعدها فلا تصاحبني والتزام موسى بذلك ولم يكتبا ذلك ولم يشهدا أحدا وفيه دلالة على
العمل بمقتضى ما دل عليه الشرط فإن الخضر قال لموسى لما أخلف الشرط هذا فراق بيني وبينك
ولم ينكر موسى عليهما السلام ذلك (قوله باب الشروط في الولاء) ذكر فيه طرفا
من حديث عائشة في قصة بريرة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في آخر كتاب العتق (قوله
باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك) كذا ذكر هذه الترجمة مختصرة وترجم
الحديث الباب في المزارعة بأوضح من هذا فقال إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر
أجلا معلوما فهما على تراضيهما وأخرج هناك حديث ابن عمر في قصة يهود خيبر بلفظ نقركم
على ذلك ما شئنا وأورده هنا بلفظ نقركم ما أقركم الله فأحال في كل ترجمة على لفظ المتن الذي في
الأخرى وبينت إحدى الروايتين مراد الأخرى وأن المراد بقوله ما أقركم الله ما قدر الله أنا
نترككم فيها فإذا شئنا فأخرجناكم تبين أن الله قدر إخراجكم والله أعلم وقد تقدم في المزارعة
توجيه الاستدلال به على جواز المخابرة وفيه جواز الخيار في المساقاة للمالك لا إلى أمد وأجاب
من لم يجزه باحتمال أن المدة كانت مذكورة ولم تنقل أو لم تذكر لكن عينت كل سنة بكذا أو أن
أهل خيبر صاروا عبيدا للمسلمين ومعاملة السيد لعبده لا يشترط فيها ما يشترط في الأجنبي
والله أعلم (قوله حدثنا أبو أحمد) كذا للأكثر غير مسمى ولا منسوب ولابن السكن في روايته
عن الفربري ووافقه أبو ذر حدثنا أبو أحمد مرار بن حمويه وهو بفتح الميم وتشديد الراء وأبوه بفتح
الحاء المهملة وتشديد الميم قال بن الصلاح أهل الحديث يقولونها بضم الميم وسكون الواو وفتح
التحتانية وغيرهم بفتح الميم والواو وسكون التحتانية وآخرها هاء عند الجميع ومن قاله من
المحدثين بالتاء المثناة الفوقانية بدل الهاء فقد غلط (قلت) لكن وقع في شعر لابن دريد ما يدل
على تجويز ذلك وهو قوله * أن كان نفطويه من نسلي * وهو همذاني بفتح الميم ثقة
239

مشهور وليس له في البخاري غير هذا الحديث وكذا شيخه وهو ومن فوقه مدنيون وقال الحاكم
أهل بخاري يزعمون أنه أبو أحمد محمد بن يوسف البيكندي ويحتمل أن يكون المراد أبو أحمد محمد
ابن عبد الوهاب الفراء فإن أبا عمر المستملي رواه عنه عن أبي غسان انتهى والمعتمد ما وقع في ذلك
عند ابن السكن ومن وافقه وجزم أبو نعيم أنه مرار المذكور وقال لم يسمه البخاري والحديث
حديثه ثم أخرجه من طريق موسى بن هارون عن مرار قلت وكذا أخرجه الدارقطني في
الغرائب من طريقه ورواه ابن وهب عن مالك بغير إسناد وأخرجه عمر بن شبة في أخبار المدينة
(قوله حدثنا محمد بن يحيى) أي ابن علي الكاتب (قوله فدع) بفتح الفاء والمهملتين الفدع
بفتحتين زوال المفصل فدعت يداه إذا أزيلتا من مفاصلهما قال الخليل الفدع عوج في
المفاصل وفي خلق الانسان الثابت إذا زاغت القدم من أصلها من الكعب وطرف الساق فهو
الفدع وقال الأصمعي هو زيغ في الكف بينها وبين الساعد وفي الرجل بينها وبين الساق هذا
الذي في جميع الروايات وعليها شرح الخطابي وهو الواقع في هذه القصة ووقع في رواية ابن
السكن بالغين المعجمة أي فدغ وجزم به الكرماني وهو وهم لان الفدغ بالمعجمة كسر الشئ
المجوف قاله الجوهري ولم يقع ذلك لابن عمر في القصة (قوله فعدي عليه من الليل) قال
الخطابي كأن اليهود سحروا عبد الله بن عمر فالتوت يداه ورجلاه كذا قال ويحتمل أن يكونوا
ضربوه ويؤيده تقييده بالليل في هذه الرواية ووقع في رواية حماد بن سلمة التي علق المصنف
اسنادها آخر الباب بلفظ فلما كان زمان عمر غشوا المسلمين وألقوا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا
يديه الحديث (قوله تهمتنا) بضم المثناة وفتح الهاء ويجوز اسكانها أي الذين نتهمهم بذلك
(قوله وقد رأيت إجلاءهم فلما أجمع) أي عزم وقال أبو الهيثم أجمع على كذا أي جمع أمره جميعا
بعد أن كان مفرقا وهذا لا يقتضي حصر السبب في إجلاء عمر إياهم وقد وقع لي فيه سببان آخران
أحدهما رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال ما زال عمر حتى وجد الثبت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يجتمع بجزيرة العرب دينان فقال من كان له من أهل
الكتابين عهد فليأت به أنفذه له وإلا فإني مجليكم فأجلاهم أخرجه ابن أبي شيبة وغيره
ثانيهما رواه عمر بن شبة في أخبار المدينة من طريق عثمان بن محمد الأخنسي قال لما كثر العيال
أي الخدم في أيدي المسلمين وقووا على العمل في الأرض أجلاهم عمر ويحتمل أن يكون كل من
هذه الأشياء جزء علة في إخراجهم والاجلاء الاخراج عن المال والوطن على وجه الازعاج
والكراهة (قوله أحمد بني أبي الحقيق) بمهملة وقافين مصغر وهو رأس يهود خيبر ولم أقف
على اسمه ووقع في رواية البرقاني فقال رئيسهم لا تخرجنا وابن أبي الحقيق الآخر هو الذي
زوج صفية بنت حيي أم المؤمنين فقتل بخيبر وبقي أخوه إلى هذه الغاية (قوله تعدو بك
قلوصك) بفتح القاف وبالصاد المهملة الناقة الصابرة على السير وقيل الشابة وقيل أول ما يركب
من إناث الإبل وقيل الطويلة القوائم وأشار صلى الله عليه وسلم إلى إخراجهم من خيبر وكان
ذلك من إخباره بالمغيبات قبل وقوعها (قوله كان ذلك) في رواية الكشميهني كانت هذه
(قوله هزيلة) تصغير الهزل وهو ضد الجد (قوله مالا) تمييز للقيمة وعطف الإبل عليه وكذلك
العروض من عطف الخاص على العام أو المراد بالمال النقد خاصة والعروض ما عدا النقد وقيل
240

ما لا يدخله الكيل ولا يكون حيوانا ولا عقارا (قوله رواه حماد بن سلمة) عن عبيد الله بالتصغير
هو العمرى (قوله أحسبه عن نافع) أي أن حمادا شك في وصله وصرح في ذلك أبو يعلى في روايته
الآتية وزعم الكرماني أن في قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم قرينة تدل على أن حمادا اقتصر
في روايته على ما نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة من قول أو فعل دون ما نسب إلى
عمر (قلت) وليس كما قال وإنما المراد أنه اختصر من المرفوع دون الموقوف وهو الواقع في نفس
الامر فقد رويناه في مسند أبي يعلى وفوائد البغوي كلاهما عن عبد الاعلى بن حماد عن حماد
ابن سلمة ولفظه قال عمر من كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها فقال رئيسهم لا تخرجنا ودعنا
كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال له عمر أتراه سقط علي قول رسول الله صلى
الله عليه وسلم كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوم ثم يوما فقسمها عمر بين
من كان شهد خيبر من أهل الحديبية قال البغوي هكذا رواه غير واحد عن حماد ورواه الوليد
ابن صالح عن حماد بغير شك (قلت) وكذا رويناه في مسند عمر النجار من طريق هدبة بن خالد عن
حماد بغير شك وفيه قوله رقصت بك أي أسرعت في السير وقوله نحو الشام تقدم في المزارعة أن عمر
أجلاهم إلى تيماء وأريحا * (تنبيه) * وقع للحميدي نسبة رواية حماد بن سلمة مطولة جدا إلى
البخاري وكأنه نقل السياق من مستخرج البرقاني كعادته وذهل عن عزوه إليه وقد نبه
الإسماعيلي على أن حمادا كان يطوله تارة ويرويه تارة مختصرا وقد أشرت إلى بعض ما في
روايته قبل قال المهلب في القصة دليل على أن العداوة توضح المطالبة بالجناية كما طالب عمر
اليهود بفدع ابنه ورجح ذلك بأن قال ليس لنا عدو غيرهم فعلق المطالبة بشاهد العداوة وإنما لم
يطلب القصاص لأنه فدع وهو نائم فلم يعرف أشخاصهم وفيه أن أفعال النبي صلى الله عليه
وسلم وأقواله محمولة على الحقيقة حتى يقوم دليل المجاز (قوله باب الشروط في
الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط) كذا للأكثر زاد المستملي مع الناس بالقول
وهى زيادة مستغنى عنها لأنها تقدمت في ترجمة مستقلة الا أن تحمل الأولى على الاشتراط
بالقول خاصة وهذه على الاشتراط بالقول والفعل معا (قوله عن المسور بن مخرمة ومروان) أي
ابن الحكم (قالا خرج) هذه الرواية بالنسبة إلى مروان مرسلة لأنه لا صحبة له وأما المسور فهي
بالنسبة إليه أيضا مرسلة لأنه لم يحضر القصة وقد تقدم في أول الشروط من طريق أخرى عن
الزهري عن عروة أنه سمع المسور ومروان يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكر بعض هذا الحديث وقد سمع مسور ومروان من جماعة من الصحابة شهدوا هذه القصة
كعمر وعثمان وعلي والمغيرة وأم سلمة وسهل بن حنيف وغيرهم ووقع في نفس هذا الحديث شئ
يدل على أنه عن عمر كما سيأتي التنبيه عليه في مكانه وقد روى أبو الأسود عن عروة فلم
يذكر المسور ولا مروان لكن أرسلها وهي كذلك في مغازي عروة بن الزبير أخرجها ابن عائذ في
المغازي له بطولها وأخرجها الحاكم في الإكليل من طريق أبي الأسود عن عروة أيضا
مقطعة (قوله زمن الحديبية) تقدم ضبط الحديبية في الحج وهي بئر سمي المكان بها وقيل شجرة
حدباء صغرت وسمي المكان بها قال المحب الطبري الحديبية قرية قريبة من مكة أكثرها في
الحرم ووقع في رواية بن إسحاق في المغازي عن الزهري خرج عام الحديبية يريد زيارة البيت
241

لا يريد قتالا ووقع عند بن سعد أنه صلى الله عليه وسلم خرج يوم الاثنين لهلال ذي القعدة زاد
سفيان عن الزهري في الرواية الآتية في المغازي وكذا في رواية أحمد عن عبد الرزاق في بضع
عشرة مائة فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة وبعث عينا له من خزاعة
وروى عبد العزيز الامامي عن الزهري في هذا الحديث عند أبي شيبة خرج صلى الله عليه
وسلم في ألف وثمانمائة وبعث عينا له من خزاعة يدعى ناجية يأتيه بخبر قريش كذا سماه ناجية
والمعروف أن ناجية اسم الذي بعث معه الهدي كما صرح به بن إسحاق وغيره وأما الذي بعثه عينا
لخبر قريش فاسمه بسر بن سفيان كذا سماه بن إسحاق وهو بضم الموحدة وسكون المهملة
على الصحيح وسأذكر الخلاف في عدد أهل الحديبية في المغازي إن شاء الله تعالى (قوله حتى
إذا كانوا ببعض الطريق) اختصر المصنف صدر هذا الحديث الطويل مع أنه لم يسقه بطوله
الا في هذا الموضع وبقيته عنده في المغازي من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري قال ونبأنيه
معمر عن الزهري وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الأشطاط أتاه عينه فقال إن
قريشا جمعوا جموعا وقد جمعوا لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك
فقال أشيروا أيها الناس علي أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن
يصدونا عن البيت فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عينا من المشركين وإلا تركناهم محروبين
قال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد فتوجه له فمن
صدنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله إلى ههنا ساق البخاري في المغازي من هذا الوجه
وزاد أحمد عن عبد الرزاق وساقه بن حبان من طريقه قال قال معمر قال الزهري وكان أبو
هريرة يقول ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم اه
وهذا القدر حذفه البخاري لارساله لان الزهري لم يسمع من أبي هريرة وفي رواية أحمد المذكورة
حتى إذا كانوا بغدير الاشطاط قريبا من عسفان اه وغدير بفتح الغين المعجمة والاشطاط
بشين معجمة وطائين مهملتين جمع شط وهو جانب الوادي كذا جزم به صاحب المشارق ووقع في
بعض نسخ أبي ذر بالظاء المعجمة فيهما وفي رواية أحمد أيضا أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين
أعانوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين وأن يجيئوا تكن عنقا قطعها الله ونحوه
لابن اسحق في روايته في المغازي عن الزهري والمراد أنه صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه هل
يخالف الذين نصروا قريشا إلى مواضعهم فيسبي أهلهم فإن جاءوا إلى نصرهم اشتغلوا بهم وانفرد
هو وأصحابه بقريش وذلك المراد بقوله تكن عنقا قطعها الله فأشار عليه أبو بكر الصديق بترك
القتال والاستمرار على ما خرج له من العمرة حتى يكون بدء القتال منهم فرجع إلى رأيه وزاد أحمد
في روايته فقال أبو بكر الله ورسوله أعلم يا نبي الله إنما جئنا معتمرين الخ والأحابيش بالحاء المهملة
والموحدة وآخره معجمة وأحدها أحبوش بضمتين وهم بنوا الهون بن خزيمة بن مدركة وبنو الحارث
ابن عبد مناة بن كنانة وبنو المصطلق من خزاعة كانوا تحالفوا مع قريش قيل تحت جبل يقال له
الحبشي أسفل مكة وقيل سموا بذلك لتحبشهم أي تجمعهم والتحبش التجمع والحباشة
الجماعة وروى الفاكهي من طريق عبد العزيز بن أبي ثابت أن ابتداء حلفهم مع قريش كان
على يد قصي بن كلاب واتفق الرواة على قوله فإن يأتونا من الاتيان إلا بن السكن فعنده فإن
242

باتونا بموحدة ثم مثناة مشددة والأول أولى ويؤيده رواية أحمد بلفظ المجئ ووقع عند بن سعد
وبلغ المشركين خروجه فأجمع رأيهم على صده عن مكة وعسكروا ببلدح بالموحدة والمهملة
بينهما لام ساكنة ثم حاء مهملة موضع خارج مكة (قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم إن خالد بن
الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة) في رواية الامامي فقال له عينه هذا خالد بن الوليد بالغميم
والغميم بفتح المعجمة وحكى عياض فيها التصغير قال المحب الطبري يظهر أن المراد كراع الغميم وهو
موضع بين مكة والمدينة اه وسياق الحديث ظاهر في أنه كان قريبا من الحديبية فهو غير كراع
الغميم الذي وقع ذكره في الصيام وهو الذي بين مكة والمدينة وأما الغميم هذا فقال بن حبيب
هو قريب من مكان بين رابغ والجحفة وقد وقع في شعر جرير والشماخ بصيغة التصغير والله أعلم
وبين ابن سعد أن خالدا كان في مائتي فارس فيهم عكرمة بن أبي جهل والطليعة مقدمة الجيش
(قوله فخذوا ذات اليمين) أي الطريق التي فيها خالد وأصحابه (قوله حتى إذا هم بقترة الجيش
فانطلق يركض نذيرا) القترة بفتح القاف والمثناة الغبار الأسود (قوله وسار النبي صلى الله عليه
وسلم حتى إذا كان بالثنية) وفي رواية بن إسحاق فقال صلى الله عليه وسلم من يخرجنا على طريق
غير طريقهم التي هم بها قال فحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رجلا من أسلم قال أنا يا رسول
الله فسلك بهم طريقا وعرا فأخرجوا منها بعد أن شق عليهم وأفضوا إلى أرض سهلة فقال لهم
استغفروا الله ففعلوا فقال والذي نفسي بيده إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فامتنعوا
قال ابن إسحاق عن الزهري في حديثه فقال اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض في طريق
تخرجه على ثنية المرار مهبط الحديبية اه وثنية المرار بكسر الميم وتخفيف الراء هي طريق في
الجبل تشرف على الحديبية وزعم الداودي الشارح أنها الثنية التي أسفل مكة وهو وهم وسمي
ابن سعد الذي سلك بهم حمزة بن عمرو الأسلمي وفي رواية أبي الأسود عن عروة فقال من رجل يأخذ
بنا عن يمين المحجة نحو سيف البحر لعلنا نطوي مسلحة القوم وذلك من الليل فنزل رجل عن دابته
فذكر القصة (قوله بركت به راحلته فقال الناس حل حل) بفتح المهملة وسكون اللام كلمة تقال
للناقة إذا تركت السير وقال الخطابي أن قلت حل واحدة فالسكون وإن أعدتها نونت في
الأولى وسكنت في الثانية وحكى غيره السكون فيهما والتنوين كنظيره في بخ بخ يقال حلحلت
فلانا إذا أزعجته عن موضعه (قوله فألحت) بتشديد المهملة أي تمادت على عدم القيام وهو من
الالحاح (قوله خلات القصواء) الخلاء بالمعجمة والمد للإبل كالحران للخيل وقال بن قتيبة لا يكون
الخلاء إلا للنوق خاصة وقال بن فارس لا يقال للجمل خلا لكن ألح والقصواء بفتح القاف
بعدها مهملة ومد اسم ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل كان طرف أذنها مقطوعا
والقصو قطع طرف الاذن يقال بعير أقصى وناقة قصوى وكان القياس أن يكون بالقصر وقد
وقع ذلك في بعض نسخ أبي ذر وزعم الداودي أنها كانت لا تسبق فقيل لها القصواء لأنها بلغت
من السبق أقصاه (قوله وما ذاك لها بخلق) أي بعادة قال ابن بطال وغيره في هذا الفصل جواز
الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلبا لغرتهم وجواز السفر وحده للحاجة
وجواز التنكيب عن الطريق السهلة إلى الوعرة للمصلحة وجواز الحكم على الشئ بما عرف
من عادته وإن جاز أن يطرأ عليه غيره فإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد منه مثلها لا ينسب إليها
243

ويرد على من نسبه إليها معذرة من نسبه إليها ممن لا يعرف صورة حاله لان خلاء القصواء لولا
خارق العادة لكان ما ظنه الصحابة صحيحا ولم يعاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لعذرهم
في ظنهم قال وفيه جواز التصرف في ملك الغير بالمصلحة بغير إذنه الصريح إذا كان سبق منه
ما يدل على الرضا بذلك لانهم قالوا حل حل فزجروها بغير إذن ولم يعاتبهم عليه (قوله حبسها
حابس الفيل) زاد إسحاق في روايته عن مكة أي حبسها الله عز وجل عن دخول مكة كما حبس
الفيل عن دخولها وقصة الفيل مشهورة ستأتي الإشارة إليها في مكانها ومناسبة ذكرها أن
الصحابة لو دخلوا مكة على تلك الصورة وصدهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال قد يفضي إلى
سفك الدماء ونهب الأموال كما لو قدر دخول الفيل فأصحابه مكة لكن سبق في علم الله تعالى في
الموضعين أنه سيدخل في الاسلام خلق منهم ويستخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون
وكان بمكة في الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فلو طرق
الصحابة مكة لما أمن أن يصاب ناس منهم بغير عمد كما أشار إليه تعالى في قوله ولولا رجال مؤمنون
الآية ووقع للمهلب استبعاد جواز هذه الكلمة وهي حابس الفيل على الله تعالى فقال المراد
حبسها أمر الله عز وجل وتعقب بأنه يجوز إطلاق ذلك في حق الله فيقال حبسها الله حابس
الفيل وإنما الذي يمكن أن يمنع تسميته سبحانه وتعالى حابس الفيل ونحوه كذا أجاب بن المنير وهو
مبني على الصحيح من أن الأسماء توقيفية وقد توسط الغزالي وطائفة فقالوا محل المنع ما لم يرد
نص بما يشتق منه بشرط أن لا يكون ذلك الاسم المشتق مشعرا بنقص فيجوز تسميته الواقي
لقوله تعالى ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ولا يجوز تسميته البناء وأن ورد قوله تعالى
والسماء بنيناها بأيد وفي هذه القصة جواز التشبيه من الجهة العامة وأن اختلفت الجهة
الخاصة لان أصحاب الفيل كانوا على باطل محض وأصحاب هذه الناقة كانوا على حق محض لكن
جاء التشبيه من جهة إرادة الله منع الحرم مطلقا أما من أهل الباطل فواضح وأما من أهل الحق
فللمعنى الذي تقدم ذكره وفيه ضرب المثل واعتبار من بقي بمن مضى قال الخطابي معنى تعظيم
حرمات الله في هذه القصة ترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة والكف عن إراقة الدماء
واستدل بعضهم بهذه القصة لمن قال من الصوفية علامة الاذن التيسير وعكسه وفيه نظر
(قوله والذي نفسي بيده) فيه تأكيد القول باليمين فيكون أدعى إلى القبول وقد حفظ عن النبي
صلى الله عليه وسلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعا قاله بن القيم في الهدى (قوله لا يسألونني
خطة) بضم الخاء المعجمة أي خصلة (يعظمون فيها حرمات الله) أي من ترك القتال في الحرم ووقع
في رواية بن إسحاق يسألونني فيها صلة الرحم وهي من جملة حرمات الله وقيل المراد بالحرمات حرمة
الحرم والشهر والاحرام قلت وفي الثالث نظر لانهم لو عظموا الاحرام ما صدوه (قوله إلا أعطيتهم
إياها) أي أجبتهم إليها قال السهيلي لم يقع في شئ من طرق الحديث أنه قال إن شاء الله مع أنه مأمور
بها في كل حالة والجواب أنه كان أمرا واجبا حتما فلا يحتاج فيه إلى الاستثناء كذا قال وتعقب
بأنه تعالى قال في هذه القصة لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فقال إن شاء الله مع تحقق
وقوع ذلك تعليما وارشادا فالأولى أن يحمل على أن الاستثناء سقط من الراوي أو كانت القصة
قبل نزول الامر بذلك ولا يعارضه كون الكهف مكية إذا لا مانع أن يتأخر نزول بعض السورة
244

(قوله ثم زجرها) أي الناقة (فوثبت) أي قامت (قوله فعدل عنهم) في رواية ابن سعد فولى راجعا
وفى رواية بن إسحاق فقال للناس أنزلوا قالوا يا رسول الله ما بالوادي من ماء ننزل عليه (قوله على
ثمد بفتح المثلثة والميم أي حفيرة فيها ماء مثمود أي قليل وقوله قليل الماء تأكيد لدفع توهم أن يراد
لغة من يقول أن الثمد الماء الكثير وقيل الثمد ما يظهر من الماء في الشتاء ويذهب في الصيف
(قوله يتبرضه الناس) بالموحدة والتشديد والضاد المعجمة هو الاخذ قليلا قليلا والبرض بالفتح
والسكون اليسير من العطاء وقال صاحب العين هو جمع الماء بالكفين وذكر أبو الأسود في روايته
عن عروة فسبقت قريش إلى الماء فنزلوا عليه ونزل النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية في حر شديد
وليس بها إلا بئر واحدة فذكر القصة (قوله فلم يلبثه) بضم أوله وسكون اللام من الالباث وقال
ابن التين بفتح اللام وكسر الموحدة الثقيلة أي لم يتركوه يلبث أي يقيم (قوله وشكي) بضم أوله
على البناء للمجهول (قوله فانتزع سهما من كنانته) أي أخرج سهما من جعبته (قوله ثم أمرهم)
في رواية ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن رجال من أسلم أن ناجية بن جندب الذي ساق البدن
هو الذي نزل بالسهم وأخرجه بن سعد من طريق سلمة بن الأكوع وفي رواية ناجية بن الأعجم
قال ابن إسحاق وزعم بعض أهل العلم أنه البراء بن عازب وروى الواقدي من طريق خالد بن عبادة
الغفاري قال أنا الذي نزلت بالسهم ويمكن الجمع بأنهم تعاونوا على ذلك بالحفر وغيره وسيأتي في
المغازي من حديث البراء بن عازب في قصة الحديبية أنه صلى الله عليه وسلم جلس على البئر ثم دعا
باناء فمضمض ودعا الله ثم صبه فيها ثم قال دعوها ساعة ثم إنهم ارتووا بعد ذلك ويمكن الجمع بأن
يكون الأمران معا وقعا وقد روى الواقدي من طريق أوس بن خولي أنه صلى الله عليه وسلم
توضأ في الدلو ثم أفرغه فيها وانتزع السهم فوضعه فيها وهكذا ذكر أبو الأسود في روايته عن
عروة أنه صلى الله عليه وسلم تمضمض في دلو وصبه في البئر ونزع سهما من كنانته فألقاه فيها ودعا
ففارت وهذه القصة غير القصة الآتية في المغازي أيضا من حديث جابر قال عطش الناس
بالحديبية وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوة فتوضأ منها فوضع يده فيها فجعل الماء
يفور من بين أصابعه الحديث وكأن ذلك كان قبل قصة البئر والله أعلم وفي هذا الفصل معجزات
ظاهرة وفيه بركة سلاحه وما ينسب إليه وقد وقع نبع الماء من بين أصابعه في عدة مواطن غير
هذه وسيأتي في أول غزوة الحديبية حديث زيد بن خالد أنهم أصابهم مطر بالحديبية الحديث
وكأن ذلك وقع بعد القصتين المذكورتين والله أعلم (قوله يجيش) بفتح أوله وكسر الجيم وآخره
معجمة أي يفور وقوله بالري بكسر الراء ويجوز فتحها وقوله صدروا عنه أي رجعوا رواء بعد
وردهم زاد ابن سعد حتى اغترفوا بآنيتهم جلوسا على شفير البئر وكذا في رواية أبي الأسود عن
عروة (قوله فبينما هم) في رواية الكشميهني فبينا هم كذلك إذ جاء بديل بالموحدة والتصغير أي ابن
ورقاء بالقاف والمد صحابي مشهور (قوله في نفر من قومه) سمي الواقدي منهم عمر بن سالم
وخراش بن أمية وفي رواية أبي الأسود عن عروة منهم خارجة بن كرز ويزيد بن أمية قوله وكانوا
عيبة نصح العيبة بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة ما توضع فيه الثياب لحفظها أي
أنهم موضع النصح له والأمانة على سره ونصح بضم النون وحكى ابن التين فتحها كأنها شبة
الصدر الذي هو مستودع السر بالعيبة التي هي مستودع الثياب وقوله من أهل تهامة لبيان
245

الجنس لآن خزاعة كانوا من جملة أهل تهامة وتهامة بكسر المثناة هي مكة وما حولها وأصلها من
التهم وهو شدة الحر وركود الريح زاد بن إسحاق في روايته وكانت خزاعة عيبة رسول الله صلى
الله عليه وسلم مسلمها ومشركها لا يخفون عليه شيئا كان بمكة ووقع عند الواقدي أن بديلا قال
للنبي صلى الله عليه وسلم لقد غزوت ولا سلاح معك فقال لم نجئ لقتال فتكلم أبو بكر فقال له
بديل أنا لا أتهم ولا قومي اه وكان الأصل في موالاة خزاعة للنبي صلى الله عليه وسلم أن بني هاشم
فيه الجاهلية كانوا تحالفوا مع خزاعة فاستمروا على ذلك في الاسلام وفيه جواز استنصاح بعض
المعاهدين وأهل الذمة إذا دلت القرائن على نصحهم وشهدت التجربة بايثارهم أهل الاسلام على
غيرهم ولو كانوا من أهل دينهم ويستفاد منه جواز استنصاح بعض ملوك العدو استظهارا على
غيرهم ولا يعد ذلك من موالاة الكفار ولا موادة أعداء الله بل من قبيل استخدامهم وتقليل شوكة
جمعهم وانكاء بعضهم لبعض ولا يلزم من ذلك جواز الاستعانة بالمشركين على الاطلاق (قوله
فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي) إنما اقتصر على ذكر هذين لكون قريش الذين
كانوا بمكة أجمع ترجع أنسابهم إليهما وبقي من قريش بنو سامة بن لؤي وبنو عوف بن لؤي ولم يكن
بمكة منهم أحد وكذلك قريش الظواهر الذين منهم بنوا تيم بن غالب ومحارب بن فهر قال هشام
ابن الكلبي بنو عامر بن لؤي وكعب بن لؤي هما الصريحان لا شك فيهما بخلاف سامة وعوف
أي ففيهما الخلف وقال وهم قريش البطاح أي بخلاف قريش الظواهر قد وقع في رواية أبي المليح
وجمعوا لك الأحابيش بحاء مهملة وموحدة ثم شين معجمة وهو مأخوذ من التحبش وهو التجمع
(قوله نزلوا أعداد مياه الحديبية) الاعداد بالفتح جمع عد بالكسر والتشديد وهو الماء الذي
لا انقطاع له وغفل الداودي فقال هو موضع بمكة وقول بديل هذا يشعر بأنه كان بالحديبية مياه
كثيرة وأن قريشا سبقوا إلى النزول عليها فلهذا عطش المسلمون حيث نزلوا على الثمد المذكور
(قوله ومعهم العوذ المطافيل) العوذ بضم المهملة وسكون الواو بعدها معجمة جمع عائذ وهي الناقة
ذات اللبن والمطافيل الأمهات اللاتي معها أطفالها يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من
الإبل ليتزودوا بألبانها ولا يرجعوا حتى يمنعوه أو كنى بذلك عن النساء معهن الأطفال والمراد
أنهم خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام وليكون أدعى إلى عدم الفرار ويحتمل
إرادة المعنى الأعم قال بن فارس كل أنثى إذا وضعت فهي إلى سبعة أيام عائذ والجمع عوذ كأنها
سميت بذلك لأنها تعوذ ولدها وتلزم الشغل به وقال السهيلي سميت بذلك وإن كان الولد الذي
يعوذ بها لأنها تعطف عليه بالشفقة والحنو كما قالوا تجارة رابحة وأن كانت مربوحا فيها ووقع
عند ابن سعد معهم العوذ المطافيل والنساء والصبيان (قوله نهكتهم) بفتح أوله وكسر الهاء أي
أبلغت فيهم حتى أضعفتهم إما أضعفت قوتهم وإما أضعفت أموالهم (قوله ماددتهم) أي جعلت
بيني وبينهم مدة يترك الحرب بيننا وبينهم فيها (قوله ويخلوا بيني وبين الناس) أي من كفار
العرب وغيرهم (قوله فان أظهر فإن شاءوا) هو شرط بعد الشرط والتقدير فإن ظهر غيرهم علي
كفاهم المؤنة وإن أظهر أنا على غيرهم فإن شاءوا أطاعوني وإلا فلا تنقضي مدة الصلح إلا وقد جموا
أي استراحوا وهو بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة أي قووا ووقع في رواية ابن إسحاق وأن لم
يفعلوا قاتلوا وبهم قوة وإنما ردد الامر مع أنه جازم بأن الله تعالى سينصره ويظهره لوعد الله
246

تعالى له بذلك على طريق التنزل مع الخصم وفرض الامر على ما زعم الخصم ولهذه النكتة حذف
القسم الأول وهو التصريح بظهور غيره عليه لكن وقع التصريح به في رواية بن إسحاق ولفظه
فان أصابوني كان الذي أرادوا ولابن عائذ ومن وجه آخر عن الزهري فإن ظهر الناس علي فذلك
الذي يبتغون فالظاهر أن الحذف وقع من بعض الرواة تأدبا (قوله حتى تنفرد سالفتي) السالفة
بالمهملة وكسر اللام بعدها فاء صفحة العنق وكنى بذلك عن القتل لان القتيل تنفرد مقدمة عنقه
وقال الداودي المراد الموت أي حتى أموت وأبقى منفردا في قبري ويحتمل أن يكون أراد أنه
يقاتل حتى ينفرد وحده في مقاتلتهم وقال بن المنير لعله صلى الله عليه وسلم نبه بالأدنى على الاعلى
أي أن لي من القوة بالله والحول به ما يقتضي أن أقاتل عن دينه لو انفردت فكيف لا أقاتل عن
دينه مع وجود المسلمين وكثرتهم ونفاذ بصائرهم في نصر دين الله تعالى (قوله ولينفذن) بضم أوله
وكسر الفاء أي ليمضين الله أمره في نصر دينه وحسن الاتيان بهذا الجزم بعد ذلك التردد للتنبيه
على أنه لم يورده إلا على سبيل الفرض وفي هذا الفصل الندب إلى صلة الرحم والابقاء على من كان
من أهلها وبذل النصيحة للقرابة وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من القوة والثبات في تنفيذ
حكم الله وتبليغ أمره قوله فقال بديل سأبلغهم ما تقول أي فأذن له (قوله فقال سفهاؤهم)
سمى الواقدي منهم عكرمة بن أبي جهل والحكم بن أبي العاص (قوله فحدثهم) بما قال زاد ابن إسحاق
في روايته فقال لهم بديل إنكم تعجلون على محمد أنه لم يأت لقتال إنما جاء معتمرا فاتهموه أي
اتهموا بديلا لانهم كانوا يعرفون ميله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أن كان كما تقول فلا
يدخلها علينا عنوة (قوله فقام عروة) في رواية أبي الأسود عن عروة عند الحاكم في الإكليل
والبيهقي في الدلائل وذكر ذلك بن إسحاق أيضا من وجه آخر قالوا لما نزل صلى الله عليه وسلم
بالحديبية أحب أن يبعث رجلا من أصحابه إلى قريش يعلمهم بأنه إنما قدم معتمرا فدعا عمر فاعتذر
بأنه لا عشيرة له بمكة فدعا عثمان فأرسله بذلك وأمره أن يعلم من بمكة من المؤمنين بأن الفرج
قريب فأعلمهم عثمان بذلك فحمله أبان بن سعيد بن العاص على فرسه فذكر القصة فقال المسلمون
هنيئا لعثمان خلص إلى البيت فطاف به دوننا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن ظني به أن
لا يطوف حتى نطوف معا فكان كذلك قال ثم جاء عروة بن مسعود فذكر القصة وفي رواية بن إسحاق
ان مجئ عروة كان قبل ذلك وذكرها موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري وكذا أبو
الأسود عن عروة قبل قصة مجئ سهيل بن عمرو فالله أعلم (قوله فقام عروة بن مسعود) أي بن
معتب بضم أوله وفتح المهملة وتشديد المثناة المكسورة بعدها موحدة الثقفي ووقع في رواية
ابن إسحاق عند أحمد عروة بن عمرو بن مسعود والصواب الأول وهو الذي وقع في السيرة (قوله
ألستم بالولد وألست بالوالد قالوا بلى) كذا لأبي ذر ولغيره بالعكس ألستم بالوالد وألست بالولد وهو
الصواب وهو الذي في رواية أحمد وابن إسحاق وغيرهما وزاد ابن إسحاق عن الزهري أن أم عروة
هي سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف فأراد بقوله ألستم بالوالد أنكم حي قد ولدوني في الجملة
لكون أمي منكم وجرى بعض الشراح على ما وقع في رواية أبي ذر فقال أراد بقوله ألستم بالولد
أي أنتم عندي في الشفقة والنصح بمنزلة الولد قال ولعله كان يخاطب بذلك قوما هم أسن منهم
(قوله استنفرت أهل عكاظ) بضم المهملة وتخفيف الكاف وآخره معجمة أي دعوتهم إلى نصركم
247

(قوله فلما بلحوا) بالموحدة وتشديد اللام المفتوحتين ثم مهملة مضمومة أي امتنعوا والتبلح
التمنع من الإجابة وبلح الغريم إذا أمتنع من أداء ما عليه زاد ابن إسحاق فقالوا صدقت ما أنت
عندنا بمتهم (قوله قد عرض عليكم) في رواية الكشميهني لكم (خطة رشد) بضم الخاء المعجمة
وتشديد المهملة والرشد بضم الراء وسكون المعجمة وبفتحهما أي خصلة خير وصلاح وانصاف
وبين ابن إسحاق في روايته أن سبب تقديم عروة لهذا لكلام عند قريش ما رآه من ردهم
العنيف على من يجئ من عند المسلمين (قوله ودعوني آته) بالمد وهو مجزوم على جواب الامر
وأصله أئته أي أجئ إليه (قالوا ائته) بألف وصل بعدها همزة ساكنة ثم مثناة مكسورة ثم هاء
ساكنة ويجوز كسرها (قوله نحوا من قوله لبديل) زاد بن إسحاق وأخبره أنه لم يأت يريد حربا
(قوله فقال عروة عند ذلك) أي عند قوله لأقاتلنهم (قوله اجتاح) بجيم ثم مهملة أي أهلك أصله
بالكلية وحذف الجزاء من قوله وأن تكن الأخرى تأدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى وأن
تكن الغلبة لقريش لا آمنهم عليك مثلا وقوله فاني والله لا أرى وجوها الخ كالتعليل لهذا القدر
المحذوف والحاصل أن عروة ردد الامر بين شيئين غير مستحسنين عادة وهو هلاك قومه إن غلب
وذهاب أصحابه إن غلب لكن كل من الامرين مستحسن شرعا كما قال تعالى قل هل تربصون
بنا إلا إحدى الحسنيين (قوله أشوابا) بتقديم المعجمة على الواو كذا للأكثر وعليها اقتصر صاحب
المشارق ووقع لأبي ذر عن الكشميهني أو شابا بتقديم الواو والأشواب الاخلاط من أنواع شتى
والأوباش (3) الاخلاط من السفلة فالأوباش أخص من الأشواب (قوله خليقا) بالخاء المعجمة
والقاف أي حقيقا وزنا ومعنى ويقال خليق للواحد والجمع ولذلك وقع صفة لأشواب (قوله
ويدعوك) بفتح الدال أي يتركوك في رواية أبي المليح عن الزهري عند من سميته وكأني بهم لو قد
لقيت قريشا قد أسلموك فتؤخذ أسيرا فأي شئ أشد عليك من هذا وفيه أن العادة جرت أن
الجيوش المجمعة لا يؤمن علها الفرار بخلاف من كان من قبيلة واحدة فإنهم يأنفون الفرار في
العادة وما درى عروة أن مودة الاسلام أعظم من مودة القرابة وقد ظهر له ذلك من مبالغة المسلمين
في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي (قوله فقال له أبو بكر الصديق) زاد ابن إسحاق وأبو بكر
الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد فقال (قوله امصص بظر اللات) زاد بن عائذ
من وجه آخر عن الزهري وهي أي اللات طاغيته التي يعبد أي طاغية عروة وقوله امصص بألف
وصل ومهملتين الأولى مفتوحة بصيغة الامر وحكى بن التين عن رواية القابسي ضم الصاد
الأولى وخطأها والبظر بفتح الموحدة وسكون المعجمة قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة
واللات اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها وكانت عادة العرب الشتم بذلك
لكن بلفظ الام فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه وحمله على ذلك
ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر
من بدا منه ما يستحق به ذلك وقال بن المنير في قول أبي بكر تخسيس للعدو وتكذيبهم تعريض
بالزامهم من قولهم إن اللات بنت الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بأنها لو كانت بنتا لكان لها
ما يكون للإناث (قوله أنحن نفر) استفهام إنكار (قوله من ذا قالوا أبو بكر) في رواية ابن إسحاق
فقال من هذا يا محمد قال هذا بن أبي قحافة (قوله أما) هو حرف استفتاح وقوله والذي
248

نفسي بيده يدل على أن القسم بذلك كان عادة للعرب (قوله لولا يد) أي نعمة وقوله لم أجزك بها
أي لم أكافئك بها زاد بن إسحاق ولكن هذه بها أي جازاه بعدم إجابته عشتمه بيده التي كان
أحسن إليه بها وبين عبد العزيز الامامي عن الزهري في هذ الحديث أن اليد المذكورة أن عروة
كان تحمل بدية فأعانه أبو بكر فيها بعون حسن وفي رواية الوافدي عشر قلائص (قوله قائم على
رأس النبي صلى الله عليه وسلم (بالسيف) فيه جواز القيام على رأس الأمير بالسيف بقصد
الحراسة ونحوها من ترهيب العدو ولا يعارضه النهي عن القيام على رأس الجالس لان محله
ما إذا كان على وجه العظمة والكبر (قوله فكلما تكلم) في رواية السرخسي والكشميهني
فكلما كلمه أخذ بلحيته وفي رواية ابن إسحاق فجعل يتناول لحية النبي صلى الله عليه وسلم
وهو يكلمه (قوله والمغيرة بن شعبة قائم) في مغازي عروة بن الزبير رواية أبي الأسود عنه
ان المغيرة لما رأى عروة بن مسعود مقبلا لبس لامته وجعل على رأسه المغفر ليستخفي من عروة
عمه (قوله بنعل السيف) هو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها (قوله أخر) فعل
أمر من التأخير زاد ابن إسحاق في روايته قبل أن لا تصل إليك وزاد عروة بن الزبير فإنه لا ينبغي
لمشرك أن يمسه وفي رواية ابن إسحاق فيقول عروة ويحك ما أفظك وأغلظك وكانت عادة العرب
أن يتناول الرجل لحية من يكلمه ولا سيما عند الملاطفة وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير
لكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يغضي لعروة عن ذلك استمالة له وتأليفا والمغيرة يمنعه إجلالا
للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما (قوله فقال من هذا قال المغيرة) وفي رواية أبي الأسود عن
عروة فلما أكثر المغيرة مما يقرع يده غضب وقال ليت شعري من هذا الذي آذاني من بين
أصحابك والله لا أحسب فيكم ألام منه ولا أشر منزلة وفي رواية ابن إسحاق فتبسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال له عروة من هذا يا محمد قال هذا بن أخيك المغيرة بن شعبة وكذا
أخرجه ابن أبي شيبة من حديث المغيرة بن شعبة نفسه بإسناد صحيح وأخرجه ابن حبان
(قوله أي غدر) بالمعجمة بوزن عمر معدول عن غادر مبالغة في وصفه بالغدر (قوله ألست
أسعى في غدرتك) أي ألست أسعى في دفع شر غدرتك وفي مغازي عروة والله ما غسلت يدي
من غدرتك لقد أورثتنا العداوة في ثقيف وفي رواية ابن إسحاق وهل غسلت سوأتك إلا
بالأمس قال ابن هشام في السيرة أشار عروة بهذا إلى ما وقع للمغيرة قبل إسلامه وذلك
أنه خرج مع ثلاثة عشر نفرا من ثقيف من بني مالك فغدر بهم وقتلهم وأخذ أموالهم
فتهايج الفريقان بنو مالك والاحلاف رهط المغيرة فسعى عروة بن مسعود عم المغيرة حتى أخذوا
منه دية ثلاثة عشر نفسا واصطلحوا وفي القصة طول وقد ساق ابن الكلبي والواقدي القصة
وحاصلها أنهم كانوا خرجوا زائرين المقوقس بمصر فأحسن إليهم وأعطاهم وقصر بالمغيرة
فحصلت له الغيرة منهم فلما كانوا بالطريق شربوا الخمر فلما سكروا وناموا وثب المغيرة فقتلهم
ولحق بالمدينة فأسلم (قوله أما الاسلام فأقبل) بلفظ المتكلم أي أقبله (قوله وأما المال فلست
منه في شئ) أي لا أتعرض له لكونه أخذه غدرا ويستفاد منه أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في
حال الامن غدرا لان الرفقة يصطحبون على الأمانة والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلما كان أو كافرا
وان أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة ولعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك المال في يده
249

لامكان أن يسلم قومه فيرد إليهم أموالهم ويستفاد من القصة أن الحربي إذا أتلف مال الحربي لم
يكن عليه ضمان وهذا أحد الوجهين للشافعية (قوله 3 فجعل يرمق) بضم الميم أي يلحظ (قوله
فدلك بها وجهه وجلده) زاد ابن إسحاق ولا يسقط من شعره شئ إلا أخذوه وقوله وما يحدون
بضم أوله وكسر المهملة أي يديمون وفيه طهارة النخامة والشعر المنفصل والتبرك بفضلات
الصالحين الطاهرة ولعل الصحابة فعلوا ذلك بحضرة عروة وبالغوا في ذلك إشارة منهم إلى الرد على
ما خشيه من فرارهم وكأنهم قالوا بلسان الحال من يحب إمامه هذه المحبة ويعظمه هذا التعظيم
كيف يظن به أنه يفر عنه ويسلمه لعدوه بل هم أشد اغتباطا به وبدينه وبنصره من القبائل التي
يراعى بعضها بعضا بمجرد الرحم فيستفاد منه جواز التوصل إلى المقصود بكل طريق سائغ (قوله
ووفدت على قيصر) هو من الخاص بعد العام وذكر الثلاثة لكونهم كانوا أعظم ملوك ذلك الزمان
وفى مرسل علي بن زيد عند ابن أبي شيبة فقال عروة أي قوم إني قد رأيت الملوك ما رأيت مثل محمد
وما هو بملك ولكن رأيت الهدي معكوفا وما أراكم إلا ستصيبكم قارعة فانصرف هو ومن اتبعه
إلى الطائف وفي قصة عروة بن مسعود من الفوائد ما يدل على جودة عقله ويقظته وما كان عليه
الصحابة من المبالغة في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره ومراعاة أموره وردع من جفا
عليه بقول أو فعل والتبرك بآثاره (قوله فقال رجل من بني كنانة) في رواية الامامي فقال
الحليس بمهملتين مصغر وسمي ابن إسحاق والزبير بن بكار أباه علقمة وهو من بني الحرث بن عبد
مناة بن كنانة وكان من رؤوس الأحابيش وهم بنو الحرث بن عبد مناة بن كنانة وبنو المصطلق بن
خزاعة والقارة وهم بنو الهون بن خزيمة وفي رواية الزبير بن بكار أبى الله أن تحج لخم وجذام
وكندة وحمير ويمنع بن عبد المطلب (قوله فابعثوها له) أي أثيروها دفعة واحدة وزاد بن إسحاق
فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي بقلائده قد حبس عن محله رجع ولم يصل
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن في مغازي عروة عند الحاكم فصاح الحليس فقال هلكت
قريش ورب الكعبة إن القوم إنما أتوا عمارا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أجل يا أخا بني كنانة
فاعلمهم بذلك فيحتمل أن يكون خاطبه على بعد (قوله فما أرى أن يصدوا عن البيت) زاد ابن إسحاق
وغضب وقال يا معشر قريش ما على هذا عاقدناكم أيصد عن بيت الله من جاء معظما له
فقالوا كف عنايا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى وفي هذه القصة جواز المخادعة في الحرب
واظهار إرادة الشئ والمقصود غيره وفيه أن كثيرا من المشركين كانوا يعظمون حرمات الاحرام
والحرم وينكرون على من يصد عن ذلك تمسكا منهم ببقايا من دين إبراهيم عليه السلام (قوله
فقام رجل منهم يقال له مكرز) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الراء بعدها زاي ابن حفص زاد ابن
إسحاق ابن الأخيف وهو بالمعجمة ثم تحتانية ثم الفاء وهو من بني عامر بن لؤي ووقع بخط ابن عبدة
250

النسابة بفتح الميم وبخط يوسف بن خليل الحافظ بضمها وكسر الراء والأول المعتمد (قوله وهو
رجل فاجر) في رواية ابن إسحاق غادر وهو أرجح فإني ما زلت متعجبا من وصفه بالفجور مع أنه لم يقع
منه في قصة الحديبية فجور ظاهر بل فيها ما يشعر بخلاف ذلك كما سيأتي من كلامه في قصة أبي
جندل إلى أن رأيت في مغازي الواقدي في غزوة بدر أن عتبة بن ربيعة قال لقريش كيف نخرج
من مكة وبنوا كنانة خلفنا لا نأمنهم على ذرارينا قال وذلك أن حفص ابن الأخيف يعني والد مكرز
كان له ولد وضئ فقتله رجل من بني بكر بن عبد مناة بن كنانة بدم له كان في قريش فتكلمت قريش
في ذلك ثم اصطلحوا فعدا مكرز بن حفص بعد ذلك على عامر بن يزيد سيد بني بكر غرة فقتله
فنفرت من ذلك كنانة فجاءت وقعة بدر في أثناء ذلك وكان مكرز معروفا بالغدر وذكر الواقدي أيضا
انه أراد أن يبيت المسلمين بالحديبية فخرج في خمسين رجلا فأخذهم محمد بن مسلمة وهو على الحرس
وانفلت منهم مكرز فكأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى ذلك (قوله إذ جاء سهيل بن عمرو) في
رواية ابن إسحاق فدعت قريش سهيل بن عمرو فقالوا أذهب إلى هذا الرجل فصالحه قال فقال النبي
صلى الله عليه وسلم قد أرادت قريش الصلح حين بعثت هذا (قوله قال معمر فأخبرني أيوب عن
عكرمة أنه لما جاء سهيل الخ) هذا موصول إلى معمر بالاسناد المذكور أولا وهو مرسل ولم أقف
على من وصله بذكر ابن عباس فيه لكن له شاهد موصول عند ابن أبي شيبة من حديث سلمة بن
الأكوع قال بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزي إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ليصالحوه فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سهيلا قال قد سهل لكم من أمركم وللطبراني نحوه
من حديث عبد الله بن السائب (قوله قال معمر قال الزهري) هو موصول بالاسناد الأول
إلى معمر وهو بقية الحديث وإنما اعترض حديث عكرمة في أثنائه (قوله فقال هات اكتب
بيننا وبينكم كتابا) في رواية ابن إسحاق فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم جرى بينهما
القول حتى وقع بينهما الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين وأن يأمن الناس بعضهم
بعضا وأن يرجع عنهم عامهم هذا (تنبيه) هذا القدر الذي ذكره ابن إسحاق أنه مدة الصلح
هو المعتمد وبه جزم ابن سعد وأخرجه الحاكم من حديث علي نفسه ووقع في مغازي ابن عائذ في
حديث ابن عباس وغيره أنه كان سنتين وكذا وقع عند موسى بن عقبة ويجمع بينهما بأن الذي
قاله ابن إسحاق هي المدة التي وقع الصلح عليها والذي ذكره ابن عائذ وغيره هي المدة التي انتهى أمر
الصلح فيها حتى وقع نقضه على يد قريش كما سيأتي بيانه في غزوة الفتح من المغازي وأما ما وقع في
كامل بن عدي ومستدرك الحاكم والأوسط للطبراني من حديث ابن عمر أن مدة الصلح كانت
أربع سنين فهو مع ضعف إسناده منكر مخالف للصحيح وقد اختلف العلماء في المدة التي تجوز
المهادنة فيها مع المشركين فقيل لا تجاوز عشر سنين على ما في هذا الحديث وهو قول الشافعي
والجمهور وقيل تجوز الزيادة وقيل لا تجاوز أربع سنين وقيل ثلاثا وقيل سنتين والأول هو الراجح
والله أعلم (قوله فدعى النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب) هو علي بينه إسحاق بن راهويه في
مسنده من هذا الوجه عن الزهري وكذا مضى في الصلح من حديث البراء بن عازب وكذلك
أخرجه عمر بن شبة من حديث سلمة بن الأكوع فيما يتعلق بهذا الفصل من هذه القصة
وسيأتى الكلام عليه مستوفى في المغازي إن شاء الله تعالى وأخرج عمر بن شبة من طريق عمرو بن
251

سهيل بن عمرو عن أبيه الكتاب عندنا كاتبه محمد بن سلمة انتهى ويجمع بأن أصل كتاب الصلح
بخط علي كما هو في الصحيح ونسخ مثله محمد بن سلمة لسهيل بن عمرو ومن الأوهام ما ذكره عمر بن
شبة بعد أن حكى أن اسم كاتب الكتاب بين المسلمين وقريش علي بن أبي طالب من طرق ثم أخرج
من طريق أخرى أن اسم الكاتب محمد بن سلمة ثم قال حدثنا ابن عائشة يزيد بن عبيد الله بن محمد
التيمي قال كان اسم هشام بن عكرمة بغيضا وهو الذي كتب الصحيفة فشلت يده فسماه رسول الله
صلى الله عليه وسلم هشاما (قلت) وهو غلط فاحش فإن الصحيفة التي كتبها هشام بن عكرمة هي
التي اتفقت عليها قريش لما حصروا بني هاشم في الشعب وذلك بمكة قبل الهجرة والقصة مشهورة
في السيرة النبوية فتوهم عمر بن شبة أن المراد بالصحيفة هنا كتاب القصة التي وقعت بالحديبية
وليس كذلك بل بينهما نحو عشر سنين وإنما كتبت ذلك هنا خشية أن يغتر بذلك من لا معرفة له
فيعتقده اختلافا في اسم كاتب القصة بالحديبية وبالله التوفيق (قوله هذا ما قاضى) بوزن فاعل
من قضيت الشئ أي فصلت الحكم فيه وفيه جواز كتابة مثل ذلك في المعاقدات والرد على من منعه
معتلا بخشية أن يظن فيها أنها نافية نبه عليه الخطابي (قوله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة)
بضم الضاد وسكون الغين المعجمتين ثم طاء مهملة أي قهرا وفي رواية بن إسحاق أنه دخل علينا
عنوة (قوله فقال سهيل وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وأن كان على دينك إلا رددته إلينا) في
رواية ابن إسحاق على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن يتبع
محمدا لم يردوه عليه وهذه الرواية تعم الرجال والنساء وكذا تقدم في أول الشروط من رواية عقيل
عن الزهري بلفظ ولا يأتيك منا أحد وسيأتي البحث في ذلك في كتاب النكاح وهل دخلن في هذا
الصلح ثم نسخ ذلك الحكم فيهن أو لم يدخلن إلا بطريق العموم فخصصن وزاد ابن إسحاق في قصة
الصلح بهذا الاسناد وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة أي أمرا مطويا في صدور سليمة وهو إشارة إلى ترك
المؤاخذة بما تقدم بينهم من أسباب الحرب وغيرها والمحافظة على العهد الذي وقع بينهم وقال ابن إسحاق
في حديثه وأنه لا إسلال ولا إغلال أي لا سرقة ولا خيانة فالاسلال من السلة وهي السرقة
والأغلال الخيانة تقول أغل الرجل أي خان أما في الغنيمة فيقال غل بغير ألف والمراد أن يأمن
بعضهم من بعض في نفوسهم وأموالهم سرا وجهرا وقيل الاسلال من سل السيوف والأغلال
من لبس الدروع ووهاه أبو عبيد قال ابن إسحاق في حديثه وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد
وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا
نحن في عقد محمد وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم وأنك ترجع عنا عامك
هذا فلا تدخل مكة علينا وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا
معك سلاح الراكب السيوف في القرب ولا تدخلها بغيره وهذه القصة سيأتي مثلها في حديث البراء
ابن عازب في المغازي قال بن إسحاق في حديثه فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب
هو وسهيل بن عمرو إذا جاء أبو جندل بن سهيل فذكر القصة (قوله قال المسلمون سبحان الله كيف
يرد في رواية عقيل الماضية أول الشروط وكان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه
وسلم أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه فكره المؤمنون
ذلك وامتعضوا منه وأبا سهيل إلا ذلك فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم فرد يومئذ أبا
252

جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ولم يأته أحد من الرجال في تلك المدة إلا رده وقائل ذلك يشبه أن
يكون هو عمر لما سيأتي وسمي الواقدي ممن قال ذلك أيضا أسيد بن حضير وسعد بن عبادة وسيأتي
في المغازي أن سهل بن حنيف كان ممن أنكر ذلك أيضا ولمسلم من حديث أنس بن مالك أن قريشا
صالحت النبي صلى الله عليه وسلم على أنه من جاء منكم لم نرده عليكم ومن جاءكم منا رددتموه إلينا
فقالوا يا رسول الله أنكتب هذا قال نعم أنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاء منهم إلينا
فسيجعل الله له فرجا ومخرجا وزاد أبو الأسود عن عروة هنا ولابن عائذ من حديث ابن عباس نحوه
فلما لان بعضهم لبعض في الصلح وهم على ذلك إذ رمى رجل من الفريقين رجلا من الفريق الاخر
فتصايح الفريقان وارتهن كل من الفريقين من عندهم فارتهن المشركون عثمان ومن أتاهم
من المسلمين وارتهن المسلمون سهيل بن عمرو ومن معه ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
البيعة فبايعوه تحت الشجرة على أن لا يفروا وبلغ ذلك المشركين فأرعبهم الله فأرسلوا من كان
مرتهنا ودعوا إلى الموادعة وأنزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم الآية وسيأتي في غزوة
الحديبية بيان من أخرج هذه القصة موصولة وكيفية البيعة عند الشجرة والاختلاف في عدد
من بايع وفي سبب البيعة إن شاء الله تعالى (قوله فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل) بالجيم
والنون وزن جعفر وكان اسمه العاصي فتركه لما أسلم وله أخ اسمه عبد الله أسلم أيضا قديما وحضر
مع المشركين بدرا ففر منهم إلى المسلمين ثم كان معهم بالحديبية ووهم من جعلهما واحدا وقد
استشهد عبد الله باليمامة قبل أبي جندل بمدة وأما أبو جندل فكان حبس بمكة ومنع من الهجرة
وعذب بسبب الاسلام كما في حديث الباب وفي رواية بن إسحاق فإن الصحيفة لتكتب إذ طلع أبو
جندل بن سهيل وكان أبوه حبسه فأفلت وفي رواية أبو الأسود عن عروة وكان سهيل أوثقه
وسجنه حين أسلم فخرج من السجن وتنكب الطريق وركب الجبال حتى هبط على المسلمين ففرح
به المسلمون وتلقوه (قوله يرسف) بفتح أوله وضم المهملة وبالفاء أي يمشي مشيا بطيئا بسبب
القيد (قوله فقال سهيل هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي) زاد ابن إسحاق في روايته
فقام سهيل بن عمرو إلى أبي جندل فضرب وجهه وأخذ يلببه (قوله إن لم نقض الكتاب) أي
لم نفرغ من كتابته (قوله فأجزه لي) بصيغة فعل الامر من الإجازة أي أمض لي فعلي فيه فلا
أرده إليك أو أستثنيه من القضية ووقع في الجمع للحميدي فأجره بالراء ورجح ابن الجوزي الزاي
وفيه أن الاعتبار في العقود بالقول ولو تأخرت الكتابة والاشهاد ولأجل ذلك أمضى النبي صلى
الله عليه وسلم لسهيل الامر في رد ابنه إليه وكان النبي صلى الله عليه وسلم تلطف معه بقوله لم نقض
الكتاب بعد رجاء أن يجيبه لذلك ولا ينكره بقية قريش لكونه ولده فلما أصر على الامتناع تركه
له (قوله قال مكرز بل) كذا للأكثر بلفظ الاضراب وللكشميهني بلى ولم يذكر هنا ما أجاب به
سهيل مكرزا في ذلك قيل في الذي وقع من مكرز في هذه القصة إشكال لأنه خلاف ما وصفه به
النبي صلى الله عليه وسلم من الفجور وكان من الظاهر أن يساعد سهيلا على أبي جندل فكيف
وقع منه عكس ذلك وأجيب بأن الفجور حقيقة ولا يلزم أن لا يقع منه شئ من البر نادرا أو قال
ذلك نفاقا وفي باطنه خلافه أو كان سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم إنه رجل فاجر فأراد أن يظهر
خلاف ذلك وهو من جملة فجوره وزعم بعض الشراح أن سهيلا لم يجب سؤاله لان مكرزا لم يكن
253

ممن جعل له أمر عقد الصلح بخلاف سهيل وفيه نظر فإن الوقدي روى أن مكرزا كان ممن جاء في
الصلح مع سهيل وكان معهما حويطب بن عبد العزي لكن ذكر في روايته ما يدل على أن إجازة
مكرز لم تكن في أن لا يرده إلى سهيل بل في تأمينه من التعذيب ونحو ذلك وأن مكرزا وحويطبا
أخذا أبا جندل فأدخلاه فسطاطا وكفا أباه عنه وفي مغازي ابن عائذ نحو ذلك كله من رواية أبي
الأسود عن عروة ولفظه فقال مكرز بن حفص وكان ممن أقبل مع سهيل بن عمرو في التماس الصلح
أنا له جار وأخذ قيده فأدخله فسطاطا وهذا لو ثبت لكان أقوى من الاحتمالات الأول فإنه لم يجزه
بأن يقره عند المسلمين بل ليكف العذاب عنه ليرجع إلى طواعية أبيه فما خرج بذلك عن الفجور
لكن يعكر عليه قوله في رواية الصحيح قال مكرز قد أجزناه لك يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم
بذلك (قوله قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين الخ) زاد ابن إسحاق فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا جندل أصبر واحتسب فأنا لا نغدر وأن الله جاعل لك فرجا
ومخرجا وفي رواية أبي المليح فأوصاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوثب عمر مع أبي جندل
يمشى إلى جنبه ويقول أصبر فإنما هم مشركون وإنما دم أحدهم كدم كلب قال ويدني قائمة
السيف منه يقول عمر رجوت أن يأخذه مني فيضرب به أباه فضن الرجل أي بخل بأبيه ونفذت
القضية قال الخطابي تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين أحدهما أن الله قد أباح
التقية للمسلم إذا خاف الهلاك ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الايمان إن لم يمكنه التورية
فلم يكن رده إليهم إسلاما لأبي جندل إلى الهلاك مع وجوده السبيل إلى الخلاص من الموت
بالتقية والوجه الثاني أنه إنما رده إلى أبيه والغالب أن أباه لا يبلغ به الهلاك وإن عذبه أو سجنه فله
مندوحة بالتقية أيضا وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله يبتلي به صبر عباده
المؤمنين واختلف العلماء هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلما من عندهم
إلى بلاد المسلمين أم لا فقيل نعم على ما دلت عليه قصة أبي جندل وأبي بصير وقيل لا وأن الذي وقع
في القصة منسوخ وأن ناسخه حديث أنا برئ من مسلم بين مشركين وهو قول الحنفية وعند
الشافعية تفصيل بين العاقل والمجنون والصبي فلا يردان وقال بعض الشافعية ضابط جواز
الرد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب والله أعلم (قوله قال عمر بن
الخطاب فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم هذا مما يقوي أن الذي حدث المسور ومروان بقصة
الحديبية هو عمر وكذا ما تقدم قريبا من قصة عمر مع أبي جندل (قوله فقلت ألست نبي الله حقا
قال بلى) زاد الواقدي من حديث أبي سعيد قال عمر لقد دخلني أمر عظيم وراجعت النبي صلى
الله عليه وسلم مراجعة ما راجعته مثلها قط وفي حديث سهيل بن حنيف الآتي في الجزية وسورة
الفتح فقال عمر ألسنا على الحق وهم على الباطل أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار فعلام
نعطى الدنية بفتح المهملة وكسر النون وتشديد التحتانية في ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا فقال
يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله فرجع متغيظا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر وأخرجه البزار
من حديث عمر نفسه مختصرا ولفظه فقال عمر اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أرد أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي وما ألوت عن الحق وفيه قال فرضي رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأبيت حتى قال لي يا عمر تراني رضيت وتأبى (قوله اني رسول الله ولست أعصيه) ظاهر
254

في أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل من ذلك شيئا إلا بالوحي (قوله أوليس كنت حدثتنا أنا سنأتي
البيت) في رواية بن إسحاق كان الصحابة لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلما رأوا الصلح دخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون وعند الواقدي أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان رأى في منامه قبل أن يعتمر أنه دخل هو وأصحابه البيت فلما رأوا تأخير ذلك
شق عليهم ويستفاد من هذا الفصل جواز البحث في العلم حتى يظهر المعنى وأن الكلام يحمل
على عمومه وإطلاقه حتى تظهر إرادة التخصيص والتقييد وأن من حلف على فعل شئ ولم
يذكر مدة معينة لم يحنث حتى تنقضي أيام حياته قوله (فأتيت أبا بكر) لم يذكر عمر أنه
راجع أحدا في ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر الصديق وذلك لجلالة
قدره وسعة علمه عنده وفي جواب أبي بكر لعمر بنظير ما أجابه النبي صلى الله عليه وسلم سواء
دلالة على أنه كان أكمل الصحابة وأعرفهم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمهم بأمور
الدين وأشدهم موافقة لأمر الله تعالى وقد وقع التصريح في هذا الحديث بأن المسلمين استنكروا
الصلح المذكور وكانوا على رأي عمر في ذلك وظهر من هذا الفصل أن الصديق لم يكن في ذلك
موافقا لهم بل كان قلبه على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء وسيأتي في الهجرة أن
ابن الدغنة وصف أبا بكر الصديق بنظير ما وصفت به خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء
من كونه يصل الرحم ويحمل الكل ويعين على نوائب الحق وغير ذلك ولما كانت صفاتهما
متشابهة من الابتداء استمر ذلك إلى الانتهاء وقول أبي بكر فاستمسك بغرزه هو بفتح الغين المعجمة
وسكون الراء بعدها زاي وهو أي الغرز للإبل بمنزلة الركب للفرس والمراد به التمسك بأمره وترك
المخالفة له كالذي يمسك بركب الفارس فلا يفارقه (قوله قال الزهري قال عمر فعملت لذلك
أعمالا) هو موصول إلى الزهري بالسند المذكور وهو منقطع بين الزهري وعمر قال بعض
الشراح قوله أعمالا أي من الذهاب والمجئ والسؤال والجواب ولم يكن ذلك شكا من عمر بل
طلبا لكشف ما خفي عليه وحثا على إذلال الكفار لما عرف من قوته في نصرة الدين اه
وتفسير الأعمال بما ذكر مردود بل المراد به الأعمال الصالحة ليكفر عنه ما مضى من التوقف في
الامتثال ابتداء وقد ورد عن عمر التصريح بمراده بقوله أعمالا ففي رواية ابن إسحاق وكان عمر
يقول ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت
به وعند الواقدي من حديث ابن عباس قال عمر لقد أعتقت بسبب ذلك رقابا وصمت دهرا وأما
قوله ولم يكن شكا فإن أراد نفي الشك في الدين فواضح وقد وقع في رواية بن بن إسحاق أن أبا بكر
لما قال له ألزم غرزه فإنه رسول الله قال عمر وأنا أشهد أنه رسول الله وأن أراد نفي الشك في وجود
المصلحة وعدمها فمردود وقد قال السهيلي هذا الشك هو ما لا يستمر صاحبه عليه وإنما هو من
باب الوسوسة كذلك قال والذي يظهر أنه توقف منه ليقف على الحكمة في القصة وتنكشف
عنه الشبهة ونظيره قصته في الصلاة على عبد الله بن أبي إن كان في الأولى لم يطابق اجتهاده
الحكم بخلاف الثانية وهي هذه القصة وإنما عمل الأعمال المذكورة لهذه وإلا فجميع ما صدر
منه كان معذورا فيه بل هو مأجور لأنه مجتهد فيه (قوله فلما فرغ من قضية الكتاب) زاد ابن إسحاق
في روايته فلما فرغ من الكتاب أشهد على الصلح رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين
255

ومنهم أبو بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ومحمود بن مسلمة وعبد الله
ابن سهيل بن عمرو ومكرز بن حفص وهو مشرك (قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه
قوموا فانحروا ثم احلقوا في رواية أبي الأسود عن عروة فلما فرغوا من القضية أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالهدى فساقه المسلمون يعني إلى جهة الحرم حتى قام إليه المشركون من
قريش فحبسوه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنحر (قوله فوالله ما قام منهم رجل قيل
كأنهم توقفوا لاحتمال أن يكون الامر بذلك للندب أو لرجاء نزول الوحي بإبطال الصلح المذكور
أو تخصيصه بالاذن بدخولهم مكة ذلك العام لاتمام نسكهم وسوغ لهم ذلك لأنه كان زمان
وقوع النسخ ويحتمل أن يكونوا ألهتهم صورة الحال فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذل عند
أنفسهم مع ظهور قوتهم واقتدارهم في اعتقادهم على بلوغ غرضهم وقضاء نسكهم بالقهر
والغلبة أو أخروا الامتثال لاعتقادهم أن الامر المطلق لا يقتضي الفور ويحتمل مجموع هذه
الأمور لمجموعهم كما سيأتي من كلام أم سلمة وليس فيه حجة لمن أثبت أن الامر للفور ولا لمن نفاه ولا
لمن قال أن الامر للوجوب لا للندب لما يطرق القصة من الاحتمال (قوله فذكر لها ما لقي من الناس)
في رواية بن إسحاق فقال لها ألا ترين إلى الناس إني آمرهم بالامر فلا يفعلونه وفي رواية أبي المليح
فاشتد ذلك عليه فدخل على أم سلمة فقال هلك المسلمون أمرتهم أن يحلقوا وينحروا فلم يفعلوا قال
فجلى الله عنهم يومئذ بأم سلمة (قوله قالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم)
زاد ابن إسحاق قالت أم سلمة يا رسول الله لا تكلمهم فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على
نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح ويحتمل أنها فهمت عن الصحابة أنه احتمل
عندهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتحلل أخذا بالرخصة في حقهم وأنه هو يستمر
على الاحرام أخذا بالعزيمة في حق نفسه فأشارت عليه أن يتحلل لينتفي عنهم هذا الاحتمال وعرف
النبي صلى الله عليه وسلم صواب ما أشارت به ففعله فلما رأى الصحابة ذلك بادروا إلى فعل ما أمرهم به
إذ لم يبق بعد ذلك غاية تنتظر وفيه فضل المشورة وأن الفعل إذا انضم إلى القول كان أبلغ من القول
المجرد وليس فيه أن الفعل مطلقا أبلغ من القول وجواز مشاورة المرأة الفاضلة وفضل أم سلمة
ووفور عقلها حتى قال إمام الحرمين لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت الا أم سلمة كذا قال وقد
استدرك بعضهم عليه بنت شعيب في أمر موسى ونظير هذا ما وقع لهم في غزوة الفتح كما سيأتي هناك
من أمره لهم بالفطر في رمضان فلما استمروا على الامتناع تناول القدح فشرب فلما رأوه شرب
شربوا (قوله نحر بدنه) في رواية الكشميهني هديه زاد بن إسحاق عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن
ابن عباس أنه كان سبعين بدنة كان فيها جمل لأبي جهل في رأسه برة من فضة ليغيظ به المشركين
وكان غنمه منه في غزوة بدر (قوله ودعا حالقه فحلقه) قال ابن إسحاق بلغني أن الذي حلقة في ذلك
اليوم هو خراش بمعجمتين بن أمية الفضل الخزاعي قال بن إسحاق فحدثني عبد الله ابن أبي نجيح
عن مجاهد عن بن عباس قال حلق رجال يومئذ وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم يرحم الله المحلقين قالوا والمقصرين الحديث وفي آخره قالوا يا رسول الله لم ظاهرت للمحلقين
دون المقصرين قال لانهم لم يشكوا قال ابن إسحاق قال الزهري في حديثه ثم انصرف رسول
الله صلى الله عليه وسلم قافلا حتى إذا كان بين مكة والمدينة ونزلت سورة الفتح فذكر الحديث
256

في تفسيرها إلى أن قال قال الزهري فما فتح في الاسلام فتح قبله كان أعظم من فتح الحديبية إنما
كان القتال حيث التقي الناس ولما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس كلم بعضهم
بعضا والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة ولم يكلم أحد بالاسلام يعقل شيئا في تلك المدة الا دخل فيه ولقد
دخل في تينك السنتين مثل من كان في الاسلام قبل ذلك أو أكثر يعني من صناديد
قريش ومما ظهر من مصلحة الصلح المذكور غير ما ذكره الزهري أنه مقدمة بين يدي الفتح
الأعظم الذي دخل الناس عقبة في دين الله أفواجا وكانت الهدنة مفتاحا لذلك ولما كانت قصة
الحديبية مقدمة للفتح سميت فتحا كما سيأتي في المغازي فإن الفتح في اللغة فتح المغلق والصلح كان
مغلقا حتى فتحه الله وكان من أسباب فتحه صد المسلمين عن البيت وكان في الصورة الظاهرة ضيما
للمسلمين وفي الصورة الباطنة عزا لهم فإن الناس لأجل الامن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم
ببعض من غير نكير وأسمع المسلمون المشركين القرآن وناظروهم على الاسلام جهرة آمنين
وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم بذلك الا خفية وظهر من كان يخفي إسلامه فذل المشركون
من حيث أرادوا العزة وأقهروا من حيث أرادوا الغلبة (قوله ثم جاءه نسوة مؤمنات الخ) ظاهره
انهن جئن إليه وهو بالحديبية وليس كذلك وإنما جئن إليه بعد في أثناء المدة وقد تقدم في أول
الشروط من رواية عقيل عن الزهري ما يشهد لذلك حيث قال ولم يأته أحد من الرجال الا رده في
تلك المدة ولو كان مسلما وجاء المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة ممن خرج ويقال إنها
كانت تحت عمرو بن العاص وسمي من المؤمنات المذكورات أميمة بنت بشر وكانت تحت حسان
ويقال بن دحداحة قبل أن يسلم فتزوجها سهل بن حنيف فولدت له ابنه عبد الله بن سهل
ذكر ذلك بن أبي حاتم من طريق يزيد بن أبي حبيب مرسلا والطبري من طريق ابن إسحاق عن
الزهري وسبيعة بنت الحارث الأسلمية وكانت تحت مسافر المخزومي ويقال صيفي بن الراهب
والأول أولى فقد ذكر بن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان أن امرأة صيفي اسمها سعيدة
فتزوجها عمر وأم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد فارتدت كما سيأتي بيانه
في آخر الشروط وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان وعبدة بنت عبد العزى بن
نضلة كانت تحت عمرو بن عبد ود (قلت) لكن عمرو قتل بالخندق وكأنها فرت بعد قتله وكان
من سنة الجاهلية أن من مات زوجها كان أهله أحق بها وكان ممن خرج من النساء في تلك المدة
بنت حمزة بن عبد المطلب كما سيأتي بيانه في عمرة القضية ويأتي تفصيل ذلك في المغازي وشرح قصة
الامتحان في أواخر كتاب النكاح في باب نكاح من أسلم من المشركات مع بقية فوائده إن شاء الله
تعالى (قوله ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير) بفتح الموحدة وكسر
المهملة رجل من قريش هو عتبة بضم المهملة وسكون المثناة وقيل فيه عبيد بموحدة مصغر
وهو وهم ابن أسيد بفتح الهمزة على الصحيح بن جارية بالجيم الثقفي حليف بني زهرة سماه
ابن إسحاق في روايته وعرف بهذا أن قوله في حديث الباب رجل من قريش أي بالحلف لان بني
زهرة من قريش (قوله فأرسلوا في طلبه رجلين) سماهما ابن سعد في الطبقات في ترجمة أبي بصير
خنيس وهو بمعجمة ونون وآخره مهملة مصغر بن جابر ومولى له يقال له كوثر وفي الرواية
الآتية آخر الباب أن الأخنس بن شريق هو الذي أرسل في طلبه زاد ابن إسحاق فكتب الأخنس
257

ابن شريق والأزهر بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا وبعثا به مع مولى لهما
ورجل من بني عامر استأجره ببكرين اه والاخنس من ثقيف رهط أبي بصير وأزهر من بني
زهرة حلفاء أبي بصير فلكل منهما المطالبة برده ويستفاد منه أن المطالبة بالرد تختص بمن كان من
عشيرة المطلوب بالأصالة أو الحلف وقيل أن اسم أحد الرجلين مرثد بن حمران زاد الواقدي
فقدما بعد أبي بصير بثلاثة أيام (قوله فدفعه إلى الرجلين) في رواية ابن إسحاق فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير أن هؤلاء القوم صالحونا على ما علمت وأنا لا نغدر فالحق بقومك
فقال أتردني إلى المشركين يفتنوني عن ديني ويعذبوني قال أصبر واحتسب فإن الله جاعل لك
فرجا ومخرجا وفي رواية أبي المليح من الزيادة فقال له عمر أنت رجل وهو رجل ومعك السيف وهذا
أوضح في التعريض بقتله واستدل بعض الشافعية بهذه القصة على جواز دفع المطلوب لمن ليس
من عشيرته إذا كان لا يخشى عليه منه لكونه صلى الله عليه وسلم دفع أبا بصير للعامري ورفيقه
ولم يكونا من عشيرته ولم يكونا من رهطه لكنه أمن عليه منهما لعلمه بأنه كان أقوى منهما ولهذا
آل الامر إلى أنه قتل أحدهما وأراد قتل الآخر وفيما استدل به من ذلك نظر لان العامري
ورفيقه إنما كانا رسولين ولو أن فيهما ريبة لما أرسلهما من هو من عشيرته وأيضا فقبيلة قريش
تجمع الجميع لان بني زهرة وبني عامر جميعا من قريش وأبو بصير كان من حلفاء بني زهرة كما
تقدم وقد وقع في رواية أبي المليح جاء أبو بصير مسلما وجاء وليه خلفه فقال يا محمد رده علي فرده
ويجمع بأن فيه مجازا والتقدير جاء رسول وليه ورسول اسم جنس يشمل الواحد فصاعدا أو
يحمل على أن الآخر كان رفيقا للرسول ولم يكن رسولا بالأصالة (قوله فنزلوا يأكلون من تمر لهم)
في رواية الواقدي فلما كانوا بذي الحليفة دخل أبو بصير المسجد فصلى ركعتين وجلس يتغدى
ودعاهما فقدم سفرة لهما فأكلوا جميعا (قوله فقال أبو بصير لاحد الرجلين) في رواية ابن إسحاق
للعامري وفي رواية بن سعد لخنيس بن جابر (قوله فاستله الاخر) أي صاحب السيف
أخرجه من غمده (قوله فأمكنه به) أي بيده وفي رواية الكشميهني فأمكنه منه (قوله فضربه
حتى رد) بفتح الموحدة والراء أي خمدت حواسه وهي كناية عن الموت لان الميت تسكن حركته
وأصل البرد السكون قاله الخطابي وفي رواية بن إسحاق فعلاه حتى قتله (قوله وفر الآخر) في
رواية ابن إسحاق وخرج المولى يشتد أي هربا (قوله ذعرا) أي خوفا وفي رواية بن إسحاق فزعا
(قوله 3 قتل صاحبي) بضم القاف في رواية بن إسحاق قتل صاحبكم صاحبي (قوله واني لمقتول)
أي أن لم تردوه عني وعند الواقدي وقد أفلت منه ولم أكد ووقع في رواية أبي الأسود عن عروة
فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما فأوثقاه حتى إذا كان ببعض الطريق ناما فتناول
السيف بفيه فأمره على الأسئار فقطعه وضرب أحدهما بالسيف وطلب الاخر فهرب والأول
أصح وفي رواية الأوزاعي عن الزهري عند بن عائذ في المغازي وجمز الآخر واتبعه أبو بصير
حتى دفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه وهو عاض على أسفل ثوبه وقد بدا طرف ذكره
والحصى يطير من تحت قدميه من شدة عدوه وأبو بصير يتبعه (قوله قد والله أوفى الله ذمتك)
أي فليس عليك منهم عقاب فيما صنعت أنا زاد الأوزاعي عن الزهري فقال أبو بصير يا رسول
الله عرفت أني أن قدمت عليهم فتنوني عن ديني ففعلت ما فعلت وليس بيني وبينهم عهد ولا عقد
258

اه وفيه أن للمسلم الذي يجئ من دار الحرب في زمن الهدنة قتل من جاء في طلب رده إذا شرط
لهم ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بصير قتله العامري ولا أمر فيه بقود ولا دية
والله أعلم (قوله ويل أمه) بضم اللام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة وهي كلمة ذم تقولها
العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم لان الويل الهلاك فهو كقولهم لامه الويل
قال بديع الزمان في رسالة له والعرب تطلق تربت يمينه في الامر إذا أهم ويقولون ويل أمه
ولا يقصدون الذم والويل يطلق على العذاب والحرب والزجر وقد تقدم شئ من ذلك في الحج في
قوله للاعرابي ويلك وقال الفراء أصل قولهم ويل فلان وي لفلان أي فكثر الاستعمال
فالحقوا بها اللام فصارت كأنها منها وأعربوها وتبعه بن مالك الا أنه قال تبعا للخليل أن وي
كلمة تعجب وهي من أسماء الافعال واللام بعدها مكسورة ويجوز ضمها اتباعا للهمزة وحذفت
الهمزة تخفيفا والله أعلم (قوله مسعر حرب) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة
وبالنصب على التمييز وأصله من مسعر حرب أي يسعرها قال الخطابي كأنه يصفه بالاقدام في
الحرب والتسعير لنارها ووقع في رواية بن إسحاق محش بحاء مهملة وشين معجمة وهو بمعنى مسعر
وهو العود الذي يحرك به النار (قوله لو كان له أحد) أي ينصره ويعاضده ويناصره وفي رواية
الأوزاعي لو كان له رجال فلقنها أبو بصير فانطلق وفيه إشارة إليه بالفرار لئلا يرده إلى المشركين
ورمز إلى من بلغه ذلك من المسلمين أن يلحقوا به قال جمهور العلماء من الشافعية وغيرهم يجوز
التعريض بذلك لا التصريح كما في هذه القصة والله أعلم (قوله حتى أتى سيف البحر) بكسر المهملة
وسكون التحتانية بعدها فاء أي ساحله وعين ابن إسحاق المكان فقال حتى نزل العيص وهو
بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها مهملة قال وكان طريق أهل مكة إذا قصدوا الشام
(قلت) وهو يحاذي المدينة إلى جهة الساحل وهو قريب من بلاد بني سليم (قوله وينفلت منهم
أبو جندل) أي من أبيه وأهله وفي تعبيره بالصيغة المستقبلة إشارة إلى إرادة مشاهدة الحال
كقوله تعالى الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا وفي رواية أبي الأسود عن عروة وانفلت أبو
جندل في سبعين راكبا مسلمين فلحقوا بأبي بصير فنزلوا قريبا من ذي المروة على طريق عير قريش
فقطعوا مادتهم (قوله حتى اجتمعت منهم عصابة) أي جماعة ولا واحد لها من لفظها وهي تطلق
على الأربعين فما دونها وهذا الحديث يدل على أنها تطلق على أكثر من ذلك ففي رواية ابن إسحاق
أنهم بلغوا نحوا من سبعين نفسا وفي رواية أبي المليح بلغوا أربعين أو سبعين وجزم عروة في
المغازي بأنهم بلغوا سبعين وزعم السهيلي أنهم بلغوا ثلاثمائة رجل وزاد عروة فلحقوا بأبي بصير
وكرهوا أن يقدموا المدينة في مدة الهدنة خشية أن يعادوا إلى المشركين وسمي الواقدي منهم
الوليد بن الوليد بن المغيرة (قوله ما يسمعون بعير) أي بخبر عير بالمهملة المكسورة أي قافلة
(قوله الا اعترضوا لها) أي وقفوا في طريقها بالعرض وهي كناية عن منعهم لها من السير
(قوله فأرسلت قريش) في رواية أبي الأسود عن عروة فأرسلوا أبا سفيان بن حرب إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم يسألونه ويتضرعون إليه أن يبعث إلى أبي جندل ومن معه وقالوا
ومن خرج منا إليك فهو لك حلال غير حرج (قوله فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم)
في رواية أبي الأسود المذكورة فبعث إليهم فقدموا عليه وفي رواية موسى بن عقبة عن ا
259

الزهري فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بصير فقدم كتابه وأبو بصير يموت فمات
وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا
قال وقدم أبو جندل ومن معه إلى المدينة فلم يزل بها إلى أن خرج إلى الشام مجاهدا فاستشهد
في خلافة عمر قال فعلم الذين كانوا أشاروا بأن لا يسلم أبا جندل إلى أبيه أن طاعة رسول الله
صلى الله عليه وسلم خير مما كرهوا وفي قصة أبي بصير من الفوائد جواز قتل المشرك المعتدي
غيلة ولا يعد ما وقع من أبي بصير غدرا لأنه لم يكن في جملة من دخل في المعاقدة التي بين
النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش لأنه إذ ذاك كان محبوسا بمكة لكنه لما خشي أن المشرك
يعيده إلى المشركين درأ عن نفسه بقتله ودافع عن دينه بذلك ولم ينكر النبي قوله
ذلك وفيه أن من فعل مثل فعل أبي بصير لم يكن عليه قود ولا دية وقد وقع عند بن إسحاق أن سهيل
ابن عمرو لما بلغه قتل العامري طالب بديته لأنه من رهطه فقال له أبو سفيان ليس على محمد
مطالبة بذلك لأنه وفي بما عليه وأسلمه لرسولكم ولم يقتله بأمره ولا على آل أبي بصير أيضا شئ لأنه
ليس على دينهم وفيه أنه كان لا يرد على المشركين من جاء منهم الا بطلب منهم لانهم لما طلبوا أبا
بصير أول مرة أسلمه لهم ولما حضر إليه ثانيا لم يرسله لهم بل لو أرسلوا إليه وهو عنده لأرسله فلما
خشى أبو بصير من ذلك نجا بنفسه وفيه أن شرط الرد أن يكون الذي حضر من دار الشرك باقيا
في بلد الامام ولا يتناول من لم يكن تحت يد الامام ولا متحيزا إليه واستنبط منه بعض
المتأخرين أن بعض ملوك المسلمين مثلا لو هادن بعض ملوك الشرك فغزاهم ملك آخر من
المسلمين فقتلهم وغنم أموالهم جاز له ذلك لان عهد الذي هادنهم لم يتناول من لم يهادنهم ولا يخفى
أن محل ذلك ما إذا لم يكن هناك قرينة تعميم قوله فأنزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم)
كذا هنا وظاهره أنها نزلت في شأن أبي بصير وفيه نظر والمشهور في سبب نزولها ما أخرجه مسلم
من حديث سلمة بن الأكوع ومن حديث أنس بن مالك أيضا وأخرجه أحمد والنسائي من
حديث عبد الله بن مغفل بإسناد صحيح أنها نزلت بسبب القوم الذين أرادوا من قريش أن
يأخذوا من المسلمين غرة فظفروا بهم فعفا عنهم النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية وقيل في
نزولها غير ذلك (قوله معرة العر الجرب) يعني أن المعرة مشتقة من العر بفتح المهملة وتشديد الراء
(قوله 3 تزيلوا تميزوا حميت القوم منعتهم حماية الخ) هذا القدر من تفسير سورة الفتح في المجاز لأبي
عبيدة وهو في رواية المستملي وحده (قوله قال عقيل عن الزهري) تقدم موصولا بتمامه في أول
الشروط وأراد المصنف بإيراده بيان ما وقع في رواية معمر من الادراج (قوله وبلغنا) هو مقول
الزهري وصله بن مردويه في تفسيره من طريق عقيل وقوله وبلغنا أن أبا بصير الخ هو من قول
الزهري أيضا والمراد به أن قصة أبي بصير في رواية عقيل من مرسل الزهري وفي رواية معمر
موصولة إلى المسور لكن قد تابع معمرا على وصلها بن إسحاق كما تقدم وتابع عقيلا الأوزاعي
على ارسالها فلعل الزهري كان يرسلها تارة ويوصلها أخرى والله أعلم ووقع في هذه الرواية
الأخيرة من الزيادة وما نعلم أن أحدا من المهاجرات ارتدت بعد ايمانها وفيها قوله أن أبا بصير بن
أسيد بفتح الهمزة قدم مؤمنا كذا للأكثر وفي رواية السرخسي والمستملي قدم من مني وهو
260

تصحيف (قوله إن عمر طلق امرأتين قريبة) يأتي ضبطها وبيان الحكم في ذلك في كتاب النكاح في
باب نكاح من أسلم من المشركات وقوله فلما أبي الكفار أن يقروا بأداء ما أنفق المسلمون على
أزواجهم يشير إلى قوله تعالى واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا وقد بينه عبد الرزاق في روايته
عن معمر عن الزهري فذكر القصة وفيها لما نزلت حكم على المشركين بمثل ذلك إذا جاءتهم امرأة
من المسلمين أن يرد الصداق إلى زوجها قال الله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر فأتاه المؤمنون
فأقروا بحكم الله وأما المشركون فأبوا أن يقروا فأنزل الله وان فاتكم شئ من أزواجكم
إلى الكفار فعاقبتم (قوله والعقب الخ) بفتح العين المهملة وكسر القاف قوله وما نعلم أحدا
من المهاجرات ارتدت بعد ايمانها هو كلام الزهري وأراد بذلك الإشارة إلى أن المعاقبة
المذكورة بالنسبة إلى الجانبين إنما وقعت في الجانب الواحد لأنه لم يعرف أحدا من المؤمنات
فرت من المسلمين إلى المشركين بخلاف عكسه وقد ذكر أبن أبي حاتم من طريق الحسن أن أم
الحكم بنت أبي سفيان ارتدت وفرت من زوجها عياض بن شداد فتزوجها رجل من ثقيف ولم
يرتد من قريش غيرها ولكنها أسلمت بعد ذلك مع ثقيف حين أسلموا فإن ثبت ذلك فيجمع بينه
وبين قول الزهري بأنها لم تكن هاجرت فيما قبل ذلك وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم
أشياء تتعلق بالمناسك منها أن ذا الحليفة ميقات أهل المدينة للحاج والمعتمر وأن تقليد الهدي
وسوقه سنة للحاج والمعتمر فرضا كان أو سنة وأن الاشعار سنة لا مثلة وأن الحلق أفضل من التقصير
وانه نسك في حق المعتمر محصورا كان أو غير محصور وأن المحصر ينحر هديه حيث أحصر ولو لم
يصل إلى الحرم ويقاتل من صده عن البيت وأن الأولى في حقه ترك المقاتلة إذا وجد إلى المسالمة
طريقا وغير ذلك مما تقدم بسط أكثره في كتاب الحج وفيه أشياء تتعلق بالجهاد منها جواز سبي
ذراري الكفار إذا انفردوا عن المقاتلة ولو كان قبل القتال وفيه الاستتار عن طلائع المشركين
ومفاجأتهم بالجيش لطلب غرتهم وجواز التنكب عن الطريق السهل إلى الطريق الوعر لدفع
المفسدة وتحصيل المصلحة واستحباب تقديم الطلائع والعيون بين يدي الجيش والاخذ بالحزم في
أمر العدو لئلا ينالوا غرة المسلمين وجواز الخداع في الحرب والتعريض بذلك من النبي صلى الله
عليه وسلم وأن كان من خصائصه أنه نهى عن خائنة الأعين وفي الحديث أيضا فضل الاستشارة
لاستخراج وجه الرأي واستطابة قلوب الاتباع وجواز بعض المسامحة في أمر الدين واحتمال
الضيم فيه ما لم يكن قادحا في أصله إذا تعين ذلك طريقا للسلامة في الحال والصلاح في المآل سواء
كان ذلك في حال ضعف المسلمين أو قوتهم وأن التابع لا يليق به الاعتراض على المتبوع بمجرد
ما يظهر في الحال بل عليه التسليم لان المتبوع أعرف بمال الأمور غالبا بكثرة التجربة ولا سيما
مع من هو مؤيد بالوحي وفيه جواز الاعتماد على خبر الكافر إذا قامت القرينة على صدقه قاله
الخطابي مستدلا بأن الخزاعي الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عينا له ليأتيه بخبر قريش كان
حينئذ كافرا قال وإنما اختاره لذلك مع كفره ليكون أمكن له في الدخول فيهم والاختلاط بهم
والاطلاع على أسرارهم قال ويستفاد من ذلك جواز قبول الطبيب الكافر قلت ويحتمل
أن يكون الخزاعي المذكور كان قد أسلم ولم يشهر إسلامه حينئذ فليس ما قاله دليلا على ما ادعاه
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب (قوله باب الشروط في القرض) ذكر فيه طرفا من
261

حديث أبي هريرة في قصة الذي أقرض الألف الدينار وأثر ابن عمر وعطاء في تأجيل القرض وقد
مضى جميع ذلك والكلام عليه في كتاب القرض وسقط جميع ذلك للنسفي لكن زاد في الترجمة
التي تليه فقال باب الشروط في القرض والمكاتب الخ (قوله باب المكاتب
وما لا يحل من الشروط التي تخالف كتاب الله) تقدم في هذه الأبواب باب ما يجوز من شروط
المكاتب وهذه الترجمة أعم من تلك وأن كان حديثهما واحدا وتقدم في كتاب العتق أيضا
ما يجوز من شروط المكاتب ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله وتقدم أنه قصد تفسير الأول
بالثاني وهنا أراد تفسير قوله ليس في كتاب الله وأن المراد به ما خالف كتاب الله ثم استظهر على ذلك
بما نقله عن عمر أو بن عمر وتوجيه ذلك أن يقال المراد بكتاب الله في الحديث المرفوع حكمة وهو
أعم من أن يكون نصا أو مستنبطا وكل ما كان ليس من ذلك فهو مخالف لما في كتاب الله والله
أعلم (قوله وقال جابر بن عبد الله في المكاتب شروطهم بينهم وصله سفيان الثوري في كتاب
الفرائض له من طريق مجاهد عن جابر ووقع لنا مرويا من طريق قبيصة عنه (قوله وقال ابن
عمر أو عمر كل شرط خالف كتاب الله فهو باطل الخ كذا للأكثر وفي رواية النسفي وقال ابن عمر
فقط ولم يقل أو عمر لكن في رواية كريمة من الزيادة قال أبو عبد الله أي المصنف يقال عن كليهما
عن عمر وعن ابن عمر فالله أعلم ثم ذكر حديث عائشة في قصة بريرة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى
في أواخر العتق (قوله باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا) بضم المثلثة وسكون النون
بعدها تحتانية مقصور أي الاستثناء في الاقرار أي سواء كان استثناء قليل من كثير أو كثير
من قليل واستثناء القليل من الكثير لا خلاف في جوازه وعكسه مختلف فيه فذهب الجمهور إلى
جوازه أيضا وأقوى حججهم قوله تعالى الا من اتبعك من الغاوين مع قوله الا عبادك منهم المخلصين
لان أحدهما أكثر من الآخر لا محالة وقد استثنى كلا منهما من الآخر وذهب بعض المالكية
كابن الماجشون إلى فساده واليه ذهب بن قتيبة وزعم أنه مذهب البصريين من أهل اللغة وأن
الجواز مذهب الكوفيين وممن حكاه عنهم الفراء وسيأتي بسط هذا عند الكلام على الحديث
المرفوع في الباب في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى (قوله وقال ابن عون الخ وصله سعيد بن
منصور عن هشيم عنه ولفظه أن رجلا تكارى من آخر فقال أخرج يوم الاثنين فذكر نحوه (قوله
وقال أيوب عن ابن سيرين الخ) وصله سعيد بن منصور أيضا عن سفيان عن أيوب وحاصله أن
شريحا في المسألتين قضى على المشترط بما اشترطه على نفسه بغير اكراه ووافقه على المسألة
الثانية أبو حنيفة وأحمد وإسحاق وقال مالك والأكثر يصح البيع ويبطل الشرط وخالفه الناس
في المسألة الأولى ووجهه بعضهم بأن العادة أن صاحب الجمال يرسلها إلى المرعى فإذا اتفق مع
التاجر على يوم بعينه فأحضر له الإبل فلم يتهيأ للتاجر السفر أضر ذلك بحال الجمال لما يحتاج إليه
من العلف فوقع بينهم التعارف على مال معين يشترطه التاجر على نفسه إذا أخلف ليستعين به
262

الجمال على العلف وقال الجمهور هي عدة فلا يلزم الوفاء بها والله أعلم (قوله باب
الشروط في الوقف) ذكر فيه حديث بن عمر في قصة وقف عمر وسيأتي الكلام عليه في أثناء
الكتاب الذي يليه إن شاء الله تعالى * (خاتمة) * اشتمل كتاب الشروط من الأحاديث المرفوعة
على سبعة وأربعين حديثا الخالص منها خمسة أحاديث والبقية مكررة والمعلق منها سبعة
وعشرون طريقا وكلها عند مسلم سوى بلاغ الزهري وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم
أحد عشر أثرا والله أعلم
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (كتاب الوصايا) *
كذا للنسفي وأخر الباقون البسملة والوصايا جمع وصية كالهدايا وتطلق على فعل الموصي وعلى
ما يوصى به من مال أو غيره من عهد ونجوه فتكون بمعنى المصدر وهو الايصاء وتكون بمعنى
المفعول وهو الاسم وفي الشرع عهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت وقد يصحبه التبرع قال
الأزهري الوصية من وصيت الشئ بالتخفيف أوصيه إذا وصلته وسميت لان الميت يصل بها
ما كان في حياته بعد مماته ويقال وصية بالتشديد ووصايا بالتخفيف بغير همز وتطلق شرعا أيضا
على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات (قوله باب الوصايا) أي
حكم الوصايا (قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم وصية الرجل مكتوبة عنده) لم أقف على هذا
الحديث باللفظ المذكور وكأنه بالمعنى فإن المرء هو الرجل لكن التعبير به خرج مخرج الغالب وإلا
فلا فرق في الوصية الصحيحة بين الرجل والمرأة ولا يشترط فيها إسلام ولا رشد ولا ثيوبة ولا إذن
زوج وإنما يشترط في صحتها العقل والحرية وأما وصية الصبي المميز ففيها خلاف منعها الحنفية
والشافعي في الاظهر وصححها مالك وأحمد والشافعي في قول رجحه ابن أبي عصرون وغيره ومال
إليه السبكي وأيده بأن الوارث لا حق له في الثلث فلا وجه لمنع وصية المميز قال والمعتبر فيه أن
يعقل ما يوصي به وروى الموطأ فيه أثرا عن عمر أنه أجاز وصية غلام لم يحتلم وذكر البيهقي أن
الشافعي علق القول به على صحة الأثر المذكور وهو قوي فإن رجاله ثقات وله شاهد وقيد مالك
صحتها بما ذا عقل ولم يخلط وأحمد بسبع وعنه بعشر (قوله وقال الله عز وجل كتب عليكم إذا
حضر أحدكم الموت أن ترك خيرا الوصية للوالدين إلى جنفا) كذا لأبي ذر وللنسفي الآية وساق
الباقون الآيات الثلاث إلى غفور رحيم وتقدير الآية كتب عليكم الوصية وقت حضور الموت
ويجوز أن تكون الوصية مفعول كتب أو الوصية مبتدأ وخبره للوالدين ودل قوله إن ترك خيرا
بعد الاتفاق على أن المراد به المال على أن من لم يترك ما لا لا تشرع له الوصية بالمال وقيل المراد
بالخير المال الكثير فلا تشرع لمن له مال قليل قال بن عبد البر أجمعوا على أن من لم يكن عنده الا
اليسير التافه من المال أنه لا تندب له الوصية وفي نقل الاجماع نظر فالثابت عن الزهري أنه قال
جعل الله الوصية حقا فيما قل أو كثر والمصرح به عند الشافعية ندبية الوصية من غير تفريق
بين قليل وكثير نعم قال أبو الفرج السرخسي منهم أن كان المال قليلا والعيال كثيرا استحب له
توفرته عليهم وقد تكون الوصية بغير المال كأن يعين من ينظر في مصالح ولده أو يعهد إليهم بما
263

يفعلونه من بعده من مصالح دينهم ودنياهم وهذا لا يدفع أحد ندبيته واختلف في حد المال
الكثير في الوصية فعن علي سبعمائة مال قليل وعنه ثمانمائة مال قليل وعن ابن عباس نحوه
وعن عائشة فيمن ترك عيالا كثيرا وترك ثلاثة آلاف ليس هذا بمال كثير وحاصله أنه أمر
نسبي يختلف باختلاف الاشخاص والأحوال والله أعلم (قوله جنفا ميلا) هو تفسير عطاء رواه
الطبري عنه بإسناد صحيح ونحوه قول أبي عبيدة في المجاز الجنف العدول عن الحق وأخرج
السدى وغيره أن الجنف الخطأ والاثم العمد (قوله متجانف متمايل) كذا للأكثر ولأبي ذر مائل
قال أبو عبيدة في المجاز قوله غير متجانف لاثم أي غير منعوج مائل للإثم ونقل الطبري عن ابن
عباس وغيره أن معناه غير متعمد لاثم ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث * أحدها حديث
ابن عمر من وجهين في (قوله ما حق امرئ مسلم) كذا في أكثر الروايات وسقط لفظ مسلم من رواية
أحمد عن إسحاق بن عيسى عن مالك والوصف بالمسلم خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له أو ذكر
للتهييج لتقع المبادرة لامتثاله لما يشعر به من نفي الاسلام عن تارك ذلك ووصية الكافر جائزة
في الجملة وحكى بن المنذر فيه الاجماع وقد بحث فيه السبكي من جهة أن الوصية شرعت زيادة
في العمل الصالح والكافر لا عمل له بعد الموت وأجاب بأنهم نظروا إلى أن الوصية كالاعتاق وهو
يصح من الذمي والحربي والله أعلم (قوله شئ يوصي فيه) قال ابن عبد البر لم يختلف الرواة عن
مالك في هذا اللفظ ورواه أيوب عن نافع بلفظ له شئ يريد أن يوصي فيه ورواه عبيد الله بن عمر
عن نافع مثل أيوب أخرجهما مسلم ورواه أحمد عن سفيان عن أيوب بلفظ وحق على كل مسلم أن
لا يبيت ليلتين وله ما يوصي فيه الحديث ورواه الشافعي عن سفيان بلفظ ما حق امرئ يؤمن
بالوصية الحديث قال بن عبد البر فسره بن عيينة أي يؤمن بأنها حق اه وأخرجه أبو عوانة
من طريق هشام بن الغاز عن نافع بلفظ لا ينبغي لمسلم أن يبيت ليلتين الحديث وذكره بن عبد
البر عن سليمان بن موسى عن نافع مثله وأخرجه الطبراني من طريق الحسن عن ابن عمر مثله
وأخرجه الإسماعيلي من طريق روح بن عبادة عن مالك وابن عون جميعا عن نافع بلفظ ما حق
امرئ مسلم له مال يريد أن يوصي فيه وذكره ابن عبد البر من طريق بن عون بلفظ لا يحل لامرئ
مسلم له مال وأخرجه الطحاوي أيضا وقد أخرجه النسائي من هذا الوجه ولم يسق لفظه قال
أبو عمر لم يتابع بن عون على هذه اللفظة (قلت) أن عني عن نافع بلفظها فمسلم ولكن المعنى يمكن
أن يكون متحدا كما سيأتي وأن عنى عن بن عمر فمردود لما سيأتي قريبا ذكر من رواه عن بن عمر
أيضا بهذا اللفظ قال بن عبد البر قوله له مال أولى عندي من قول من روى له شئ لان الشئ يطلق
على القليل والكثير بخلاف المال كذا قال وهي دعوى لا دليل عليها وعلى تسليمها فرواية
شئ أشمل لأنها تعم ما يتمول وما لا يتمول كالمختصات والله أعلم (قوله يبيت) كأن فيه حذفا
تقديره أن يبيت وهو كقوله تعالى ومن آياته يريكم البرق الآية ويجوز أن يكون يبيت صفة
لمسلم وبه جزم الطيبي قال هي صفة ثانية وقوله يوصي فيه صفة شئ ومفعول يبيت محذوف
تقديره آمنا أو ذاكرا وقال بن التين تقديره موعوكا والأول أولي لان استحباب الوصية لا يختص
بالمريض نعم قال العلماء لا يندب أن يكتب جميع الأشياء المحقرة ولا ما جرت العادة بالخروج منه
والوفاء له عن قرب والله أعلم (قوله ليلتين) كذا لأكثر الرواة ولأبي عوانة والبيهقي من طريق
264

حماد بن زيد عن أيوب يبيت ليلة أو ليلتين ولمسلم والنسائي من طريق الزهري عن سالم عن أبيه
يبيت ثلاث ليال وكأن ذكر الليلتين والثلاث لرفع الحرج لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى
ذكرها ففسح له هذا القدر ليتذكر ما يحتاج إليه واختلاف الروايات فيه دال على أنه للتقريب
لا التحديد والمعنى لا يمضي عليه زمان وأن كان قليلا الا ووصيته مكتوبة وفيه إشارة إلى اغتفار
الزمن اليسير وكأن الثلاث غاية للتأخير ولذلك قال ابن عمر في رواية سالم المذكورة لم أبت ليلة
منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك الا ووصيتي عندي قال الطيبي في تخصيص
الليلتين والثلاث بالذكر تسامح في إرادة المبالغة أي لا ينبغي أن يبيت زمانا ما وقد سامحناه في
الليلتين والثلاث فلا ينبغي له أن يتجاوز ذلك (قوله تابعه محمد بن مسلم) هو الطائفي (عن عمرو)
هو ابن دينار (عن ابن عمر) يعني في أصل الحديث ورواية محمد بن مسلم هذه أخرجها الدارقطني في
الافراد من طريقه وقال تفرد به عمران بن أبان يعني الواسطي عن محمد بن مسلم وعمران أخرج له
النسائي وضعفه قال بن عدي له غرائب عن محمد بن مسلم ولا أعلم به بأسا ولفظه عند الدارقطني
لا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده واستدل بهذا الحديث مع ظاهر الآية على
وجوب الوصية وبه قال الزهري وأبو مجلز وعطاء وطلحة بن مصرف في آخرين وحكاه البيهقي عن
الشافعي في القديم وبه قال إسحاق وداود واختاره أبو عوانة الأسفرايني وابن جرير وآخرون
ونسب بن عبد البر القول بعدم الوجوب إلى الاجماع سوى من شذ كذا قال واستدل لعدم
الوجوب من حيث المعنى لأنه لو لم يوص لقسم جميع ماله بين ورثته بالاجماع فلو كانت الوصية
واجبة لأخرج من ماله سهم ينوب عن الوصية وأجابوا عن الآية بأنها منسوخة كما قال ابن
عباس على ما سيأتي بعد أربعة أبواب كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك
ما أحب فجعل لكل واحد من الأبوين السدس الحديث وأجاب من قال بالوجوب بأن الذي نسخ
الوصية للوالدين والأقارب الذين يرثون وأما الذي لا يرث فليس في الآية ولا في تفسير ابن عباس
ما يقتضى النسخ في حقه وأجاب من قال بعدم الوجوب عن الحديث بأن قوله ما حق امرئ بأن
المراد الحزم والاحتياط لأنه قد يفجؤه الموت وهو على غير وصية ولا ينبغي للمؤمن أن يغفل عن
ذكر الموت والاستعداد له وهذا عن الشافعي وقال غيره الحق لغة الشئ الثابت ويطلق شرعا على
ما ثبت به الحكم والحكم الثابت أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا وقد يطلق على المباح أيضا
لكن بقلة قاله القرطبي قال فإن اقترن به على أو نحوها كان ظاهرا في الوجوب وإلا فهو على
الاحتمال وعلى هذا التقدير فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بالوجوب بل اقترن هذا الحق بما يدل
على الندب وهو تفويض الوصية إلى إرادة الموصي حيث قال له شئ يريد أن يوصي فيه فلو كانت
واجبة لما علقها بإرادته وأما الجواب عن الرواية التي بلفظ لا يحل فلاحتمال أن يكون راويها
ذكرها وأراد بنفي الحل ثبوت الجواز بالمعنى الأعم الذي يدخل تحته الواجب والمندوب
والمباح واختلف القائلون بوجوب الوصية فأكثرهم ذهب إلى وجوبها في الجملة وعن طاوس
وقتادة والحسن وجابر بن زيد في آخرين تجب للقرابة الذين لا يرثون خاصة أخرجه ابن جرير وغيره
عنهم قالوا فإن أوصى لغير قرابته لم تنفذ ويرد الثلث كله إلى قرابته وهذا قول طاوس وقال
الحسن وجابر بن زيد ثلثا الثلث وقال قتادة ثلث الثلث وأقوى ما يرد على هؤلاء ما احتج به
265

الشافعي من حديث عمران بن حصين في قصة الذي أعتق عند موته ستة أعبد له لم يكن له مال
غيرهم فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم ستة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة قال فجعل
عتقه في المرض وصية ولا يقال لعلهم كانوا أقارب المعتق لأنا نقول لم تكن عادة العرب أن تملك
من بينها وبينه قرابة وإنما تملك من لا قرابة له أو كان من العجم فلو كانت الوصية تبطل لغير القرابة
لبطلت في هؤلاء وهو استدلال قوي والله أعلم ونقل بن المنذر عن أبي ثور أن المراد وجوب
الوصية في الآية والحديث يختص بمن عليه حق شرعي يخشى أن يضيع على صاحبه أن لم يوص
به كوديعة ودين لله أو لآدمي قال ويدل على ذلك تقييده بقوله له شئ يريد أن يوصي فيه لان فيه
إشارة إلى قدرته على تنجيزه ولو كان مؤجلا فإنه إذا أراد ذلك ساغ له وأن أراد أن يوصي به ساغ له
وحاصله يرجع إلى قول الجمهور أن الوصية غير واجبة لعينها وأن الواجب لعينه الخروج من
الحقوق الواجبة للغير سواء كانت بتنجيز أو وصية ومحل وجوب الوصية إنما هو فيما إذا كان
عاجزا عن تنجيز ما عليه وكان لم يعلم بذلك غيره ممن يثبت الحق بشهادته فأما إذا كان قادرا أو علم
بها غيره فلا وجوب وعرف من مجموع ما ذكرنا أن الوصية قد تكون واجبة وقد تكون مندوبة
فيمن رجا منها كثرة الاجر ومكروهة في عكسه ومباحة فيما استوى الأمران فيه ومحرمة فيما
إذا كان فيها اصرار كما ثبت عن بن عباس الاضرار في الوصية من الكبائر رواه سعيد بن منصور
موقوفا بإسناد صحيح ورواه النسائي ورجاله ثقات واحتج ابن بطال تبعا لغيره بأن ابن عمر لم
يوص فلو كانت الوصية واجبة لما تركها وهو راوي الحديث وتعقب بأن ذلك إن ثبت عن ابن
عمر فالعبرة بما روى لا بما رأى على أن الثابت عنه في صحيح مسلم كما تقدم أنه قال لم أبت ليلة
الا ووصيتي مكتوبة عندي والذي احتج بأنه لم يوص اعتمد على ما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن
نافع قال قيل لابن عمر في مرض موته ألا توصي قال أما مالي فالله يعلم ما كنت أصنع فيه وأما
رباعي فلا أحب أن يشارك ولدي فيها أحد أخرجه ابن المنذر وغيره وسنده صحيح ويجمع بينه
وبين ما رواه مسلم بالحمل على أنه كان يكتب وصيته ويتعاهدها ثم صار ينجز ما كان يوصي به معلقا
واليه الإشارة بقوله فالله يعلم ما كنت أصنع في مالي ولعل الحامل له على ذلك حديثه الذي سيأتي
في ي الرقاق إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح الحديث فصار ينجز ما يريد التصدق به فلم يحتج إلى تعليق
وسيأتى في آخر الوصايا أنه وقف بعض دوره فبهذا يحصل التوفيق والله أعلم واستدل بقوله
مكتوبة عنده على جواز الاعتماد على الكتابة والخط ولو لم يقترن ذلك بالشهادة وخص أحمد ومحمد
ابن نصر من الشافعية ذلك بالوصية لثبوت الخبر فيها دون غيرها من الاحكام وأجاب الجمهور بأن
الكتابة ذكرت لما فيها من ضبط المشهود به قالوا ومعنى وصيته مكتوبة عنده أي بشرطها وقال
المحب الطبري إضمار الاشهاد فيه بعد وأجيب بأنهم استدلوا على اشتراط الاشهاد بأمر خارج
كقوله تعالى شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية فإنه يدل على اعتبار الاشهاد في
الوصية وقال القرطبي ذكر الكتابة مبالغة في زيادة التوثق وإلا فالوصية المشهود بها متفق عليها
ولو لم تكن مكتوبة والله أعلم واستدل بقوله وصيته مكتوبة عنده على أن الوصية تنفذ وأن كانت
عند صاحبها ولم يجعلها عند غيره وكذلك لو جعلها عند غيره وارتجعها وفي الحديث منقبة لابن
عمر لمبادرته لامتثال قول الشارع ومواظبته عليه وفيه الندب إلى التأهب للموت والاحتراز قبل
266

الفوت لان الانسان لا يدري متى يفجؤه الموت لأنه ما من سن يفرض الا وقد مات فيه جمع جم
وكل واحد بعينه جائز أن يموت في الحال فينبغي أن يكون متأهبا لذلك فيكتب وصيته ويجمع فيها
ما يحصل له به الاجر ويحبط عنه الوزر من حقوق الله وحقوق عباده والله المستعان واستدل
بقوله له شئ أو له مال على صحة الوصية بالمنافع وهو قول الجمهور ومنعه بن أبي ليلى وابن شبرمة
وداود وأتباعه واختاره بن عبد البر وفي الحديث الحض على الوصية ومطلقها يتناول الصحيح
لكن السلف خصوها بالمريض وإنما لم يقيد به في الخبر لاطراد العادة به وقوله مكتوبة أعم من
أن تكون بخطه أو بغير خطه ويستفاد منه أن الأشياء المهمة ينبغي أن تضبط بالكتابة لأنها أثبت
من الضبط بالحفظ لأنه يخون غالبا * الحديث الثاني (قوله حدثنا إبراهيم بن الحرث) هو
بغدادي سكن نيسابور وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وشيخه يحيى بن أبي بكير بالتصغير
وأداءة الكنية هو الكرماني وليس هو يحيى بن بكير المصري صاحب الليث وأبو إسحاق هو
السبيعي وعمرو بن الحارث هو الخزاعي المصطلقي أخو جويرية بالجيم والتصغير أم المؤمنين ووقع
التصريح بسماع أبي إسحاق له من عمرو بن الحارث في الخمس من هذا الكتاب (قوله ولا عبدا
ولا أمة) أي في الرق وفيه دلالة على أن من ذكر من رقيق النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأخبار
كان إما مات وإما أعتقه واستدل به على عتق أم الولد بناء على أن مارية والدة إبراهيم بن
النبي صلى الله عليه وسلم عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأما على قول من قال إنها ماتت في
حياته صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه (قوله ولا شيئا) في رواية الكشميهني ولا شاة والأول
أصح وهي رواية الإسماعيلي أيضا من طريق زهير نعم روى مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم من
طريق مسروق عن عائشة قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما ولا دينارا ولا شاة
ولا بعيرا ولا أوصى بشئ (قوله الا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة) سيأتي ذكر
البغلة والسلاح في آخر المغازي وأما الصدقة ففي رواية أبي الأحوص عن أبي إسحق في أواخر
المغازي وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة قال بن المنير أحاديث الباب مطابقة للترجمة
الا حديث عمرو بن الحارث هذا فليس فيه للوصية ذكر قال لكن الصدقة المذكورة يحتمل أن
تكون قبله ويحتمل أن تكون موصى بها فتطابق الترجمة من هذه الحيثية انتهى ويظهر أن
المطابقة تحصل على الاحتمالين لأنه تصدق بمنفعة الأرض فصار حكمها حكم الوقف وهو في هذه
الصورة في معنى الوصية لبقائها بعد الموت ولعل البخاري قصد ما وقع في حديث عائشة الذي هو
شبيه حديث عمرو بن الحارث وهو نفى كونه صلى الله عليه وسلم أوصى * الحديث الثالث حديث
عبد الله بن أبي أوفى وإسناده كله كوفيون وقوله حدثنا مالك هو بن مغول ظاهره أن شيخ
البخاري لم ينسبه فلذلك قال البخاري هو بن مغول وهو بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الواو
وذكر الترمذي أن مالك بن مغول تفرد به (قوله هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى فقال
لا) هكذا أطلق الجواب وكأنه فهم أن السؤال وقع عن وصية خاصة فلذلك ساغ نفيها لا أنه أراد
نفى الوصية مطلقا لأنه أثبت بعد ذلك أنه أوصى بكتاب الله (قوله أو أمروا بالوصية) شك من الراوي
هل قال كيف كتب على المسلمين الوصية أو قال كيف أمروا بها زاد المصنف في فضائل القرآن
ولم يوص وبذلك يتم الاعتراض أي كيف يؤمر المسلمون بشئ ولا يفعله النبي صلى الله عليه وسلم
267

قال النووي لعل ابن أبي أوفى أراد لم يوص بثلث ماله لأنه لم يترك بعده مال وأما الأرض فقد سبلها
في حياته وأما السلاح والبغلة ونحو ذلك فقد أخبر بأنها لا تورث عنه بل جميع ما يخلفه صدقة
فلم يبق بعد ذلك ما يوصي به من الجهة المالية وأما الوصايا بغير ذلك فلم يرد ابن أبي أوفى نفيها ويحتمل
أن يكون المنفي وصيته إلى علي بالخلافة كما وقع التصريح به في حديث عائشة الذي بعده
ويؤيده ما وقع في رواية الدارمي عن محمد بن يوسف شيخ البخاري فيه وكذلك عند بن ماجة وأبي
عوانة في آخر حديث الباب قال طلحة فقال هزيل بن شرحبيل أبو بكر كان يتأمر على وصي رسول
الله ود أبو بكر أنه كان وجد عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخزم أنفه بخزام وهزيل هذا
بالزاي مصغر أحد كبار التابعين ومن ثقات أهل الكوفة فدل هذا على أنه كان في الحديث قرينة
تشعر بتخصيص السؤال بالوصية بالخلافة ونحو ذلك لا مطلق الوصية (قلت) أخرج ابن حبان
الحديث من طريق بن عيينة عن مالك بن مغول بلفظ يزيل الاشكال فقال سئل ابن أبي أوفى
هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما ترك شيئا يوصي فيه قيل فكيف أمر الناس
بالوصية ولم يوص قال أوصى بكتاب الله وقال القرطبي استبعاد طلحة واضح لأنه أطلق فلو أراد شيئا
بعينه لخصه به فاعترضه بأن الله كتب على المسلمين الوصية وأمروا بها فكيف لم يفعلها النبي صلى
الله عليه وسلم فأجابه بما يدل على أنه أطلق في موضع التقييد قال وهذا يشعر بأن ابن أبي أوفى
وطلحة بن مصرف كانا يعتقدان أن الوصية واجبة كذا قال وقول ابن أبي أوفى أوصى بكتاب الله
أي بالتمسك به والعمل بمقتضاه ولعله أشار لقوله صلى الله عليه وسلم تركت فيكم ما أن تمسكتم به لم
تضلوا كتاب الله وأما ما صح في مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته بثلاث لا يبقين
بجزيرة العرب دينان وفي لفظ أخرجوا اليهود من جزيرة العرب وقوله أجيزوا الوفد بنحو ما كنت
أجيزهم به ولم يذكر الراوي الثالثة وكذا ما ثبت في النسائي أنه صلى الله عليه وسلم كان آخر
ما تكلم به الصلاة وما ملكت أيمانكم وغير ذلك من الأحاديث التي يمكن حصرها بالتتبع
فالظاهر أن ابن أبي أوفى لم يرد نفيه ولعله اقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأهم ولان فيه
تبيان كل شئ أما بطريق النص وأما بطريق الاستنباط فإذا أتبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل
ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به لقوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه الآية أو يكون لم يحضر
شيئا من الوصايا المذكورة أو لم يستحضرها حال قوله والأولى أنه إنما أراد بالنفي الوصية بالخلافة
أو بالمال وساغ إطلاق النفي أما في الأول فبقرينة الحال وأما في الثاني فلانه المتبادر عرفا وقد صح
عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم لم يوص أخرجه بن أبي شيبة من طريق أرقم بن شرحبيل
عنه مع أن بن عباس هو الذي روى حديث أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاث والجمع بينهما على
ما تقدم وقال الكرماني قوله أوصى بكتاب الله الباء زائدة أي أمر بذلك وأطلق الوصية على سبيل
المشاكلة فلا منافاة بين النفي والاثبات (قلت) ولا يخفى بعد ما قال وتكلفه ثم قال أو المنفي
الوصية بالمال أو الإمامة والمثبت الوصية بكتاب الله أي بما في كتاب الله أن يعمل به انتهى وهذا
الأخير هو المعتمد الحديث الرابع (قوله حدثنا عمرو بن زرارة) هو النيسابوري وهو بفتح
العين وزرارة بضم الزاي وأما عمر بن زرارة بضم العين فهو بغدادي ولم يخرج عنه البخاري شيئا
ووقع في رواية أبي علي بن السكن بدل عمرو بن زرارة في هذا الحديث إسماعيل بن زرارة يعني الرقي
268

قال أبو علي الجياني لم أر ذلك لغيره قال وقد ذكر الدارقطني وأبو عبد الله بن منده في شيوخ
البخاري إسماعيل بن زرارة الثغري ولم يذكره الكلاباذي ولا الحاكم (قوله أخبرنا إسماعيل)
هو المعروف بابن علية وإبراهيم هو النخعي والأسود هو بن يزيد خاله (قوله ذكروا عند عائشة
ان عليا رضي الله عنهما كان وصيا) قال القرطبي كانت الشيعة قد وضعوا أحاديث في أن النبي
صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي فرد عليهم جماعة من الصحابة ذلك وكذا من بعدهم فمن
ذلك ما استدلت به عائشة كما سيأتي ومن ذلك أن عليا لم يدع ذلك لنفسه ولا بعد أن ولي الخلافة
ولا ذكره أحد من الصحابة يوم السقيفة وهؤلاء تنقصوا عليا من حيث قصدوا تعظيمه لانهم
نسبوه مع شجاعته العظمى وصلابته في الدين إلى المداهنة والتقية والاعراض عن طلب حقه
مع قدرته على ذلك وقال غيره الذي يظهر أنهم ذكروا عندها أنه أوصى له بالخلافة في مرض موته
فلذلك ساغ لها إنكار ذلك واستندت إلى ملازمتها له في مرض موته إلى أن مات في حجرها ولم يقع
منه شئ من ذلك فساغ لها نفي ذلك لكونه منحصرا في مجالس معينة لم تغب عن شئ منها وقد
أخرج أحمد وابن ماجة بسند قوي وصححه من رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس في أثناء
حديث فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أبا بكر أن يصلي بالناس قال في آخر الحديث
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوص وسيأتي في الوفاة النبوية عن عمر مات رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولم يستخلف وأخرج أحمد والبيهقي في الدلائل من طريق الأسود بن قيس عن عمرو
ابن أبي سفيان عن علي أنه لما ظهر يوم الجمل قال يا أيها الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يعهد إلينا في هذه الامارة شيئا الحديث وأما الوصايا بغير الخلافة فوردت في عدة أحاديث يجتمع
منها أشياء منها حديث أخرجه أحمد وهناد بن السري في الزهد وابن سعد في الطبقات وابن خزيمة
كلهم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في وجعه
الذي مات فيه ما فعلت الذهيبة قلت عندي فقال أنفقيها الحديث وأخرج ابن سعد من طريق أبي
حازم عن أبي سلمة عن عائشة نحوه ومن وجه آخر عن أبي حازم عن سهل بن سعد وزاد فيه ابعثي
بها إلى علي بن أبي طالب ليتصدق بها وفي المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير عنه حدثني صالح
ابن كيسان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال لم يوص رسول الله صلى الله عليه
وسلم عند موته الا بثلاث لكل من الداريين والرهاويين والأشعريين بحاد مائة وسق من خيبر
وأن لا يترك في جزيرة العرب دينان وأن ينفذ بعث أسامة وأخرج مسلم في حديث ابن عباس
وأوصى بثلاث أن تجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم الحديث وفي حديث ابن أبي أوفى الذي قبل
هذا أوصى بكتاب الله وفي حديث أنس عنه عند النسائي وأحمد وابن سعد واللفظ له كانت عامة
وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم وله شاهد من
حديث علي عند أبي داود وابن ماجة وآخر من رواية نعيم بن يزيد عن علي وأدوا الزكاة بعد
الصلاة أخرجه أحمد ولحديث أنس شاهد آخر من حديث أم سلمة عند النسائي بسند جيد
وأخرج سيف بن عمر في الفتوح من طريق بن أبي مليكة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم
حذر من الفتن في مرض موته ولزوم الجماعة والطاعة وأخرج الواقدي من مرسل العلاء بن عبد
الرحمن أنه صلى الله عليه وسلم أوصى فاطمة فقال قولي إذا مت أنا لله وأنا إليه راجعون وأخرج
269

الطبراني في الأوسط من حديث عبد الرحمن بن عوف قالوا يا رسول الله أوصنا يعني في مرض
موته فقال أوصيكم بالسابقين الأولين من المهاجرين وأبنائهم من بعدهم وقال لا يروي عن
عبد الرحمن الا بهذا الاسناد تفرد به عتيق بن يعقوب انتهى وفيه من لا يعرف حاله وفي سنن ابن
ماجة من حديث علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنا مت فاغسلوني بسبع قرب من
بئر غرس وكانت بقباء وكان يشرب منها وسيأتي ضبطها وزيادة في حالها في الوفاة النبوية وفي
مسند البزار ومستدرك الحاكم بسند ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم أوصى أن يصلوا عليه أرسالا
بغير إمام ومن أكاذيب الرافضة ما رواه كثير بن يحيى وهو من كبارهم عن أبي عوانة عن الأجلح
عن زيد بن علي بن الحسين قال لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر
قصة طويلة فيها فدخل علي فقامت عائشة فأكب عليه فأخبره بألف باب مما يكون قبل يوم
القيامة يفتح كل باب منها ألف باب وهذا مرسل أو معضل وله طريق أخرى موصولة عند بن عدي
في كتاب الضعفاء من حديث عبد الله بن عمر بسند واه وقولها انخنث بالنون والخاء
المعجمة ثم نون مثلثة أي انثنى ومال وسيأتي بقية ما يتعلق بشرحه في باب الوفاة من آخر المغازي إن
شاء الله تعالى (قوله باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس)
هكذا اقتصر على لفظ الحديث فترجم به ولعله أشار إلى من لم يكن له من المال الا القليل لم تندب
له الوصية كما مضى قوله عن سعد بن إبراهيم أي بن عبد الرحمن بن عوف وعامر بن سعد
شيخه هو خاله لان أم سعد بن إبراهيم هي أم كلثوم بنت سعد بن أبي وقاص وسعد وعامر زهريان
مدنيان تابعيان ووقع في رواية مسعر عن سعد بن إبراهيم حدثني بعض آل سعد قال مرض سعد
وقد حفظ سفيان اسمه ووصله فروايته مقدمة وقد روى هذا الحديث عن عامر أيضا جماعة
منهم الزهري وتقدم سياق حديثه في الجنائز ويأتي في الهجرة وغيرها ورواه عن سعد بن أبي
وقاص جماعة غير ابنه عامر كما سأشير إليه (قوله جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا بمكة)
زاد الزهري في روايته في حجة الوداع من وجع اشتد بي وله في الهجرة من وجع أشفيت منه على
الموت واتفق أصحاب الزهري على أن ذلك كان في حجة الوداع الا بن عيينة فقال في فتح مكة
أخرجه الترمذي وغيره من طريقه واتفق الحفاظ على أنه وهم فيه وقد أخرجه البخاري في
الفرائض من طريقه فقال بمكة ولم يذكر الفتح وقد وجدت لابن عيينة مستندا فيه وذلك فيما
أخرجه أحمد والبزار والطبراني والبخاري في التاريخ وابن سعد من حديث عمرو بن القارئ أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم فخلف سعدا مريضا حيث خرج إلى حنين فلما قدم من الجعرانة
معتمرا دخل عليه وهو مغلوب فقال يا رسول الله أن لي ما لا وإني أورث كلالة أفأوصي بمالي
الحديث وفيه قلت يا رسول الله أميت أنا بالدار الذي خرجت منها مهاجرا قال لا إني لأرجو
ان يرفعك الله حتى ينتفع بك أقوام الحديث فلعل ابن عيينة انتقل ذهنه من حديث إلى حديث
ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون ذلك وقع له مرتين مرة عام الفتح ومرة عام حجة الوداع ففي
الأولى لم يكن له وارث من الأولاد أصلا وفي الثانية كانت له ابنة فقط فالله أعلم (قوله وهو
يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها) يحتمل أن تكون الجملة حالا من الفاعل أو من المفعول وكل
منهما محتمل لان كلا من النبي صلى الله عليه وسلم ومن سعد كان يكره ذلك لكن أن كان حالا من
270

المفعول وهو سعد ففيه التفات لان السياق يقتضي أن يقول وأنا أكره وقد أخرجه مسلم من
طريق حميد بن عبد الرحمن عن ثلاثة من ولد سعد عن سعد بلفظ فقال يا رسول الله خشيت أن
أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة وللنسائي من طريق جرير بن يزيد عن عامر
ابن سعد لكن البائس سعد بن خولة مات في الأرض التي هاجر منها وله من طريق بكير بن مسمار
عن عامر بن سعد في هذا الحديث فقال سعد يا رسول الله أموت بالأرض التي هاجرت منها قال لا
إن شاء الله تعالى وسيأتي بقية ما يتعلق بكراهة الموت بالأرض التي هاجر منها في كتاب الهجرة
إن شاء الله تعالى (قوله قال يرحم الله ابن عفراء) كذا وقع في هذه الرواية في رواية أحمد والنسائي من
طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان فقال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله سعد بن عفراء
ثلاث مرات قال الداودي قوله ابن عفراء غير محفوظ وقال الدمياطي هو وهم والمعروف بن
خولة قال ولعل الوهم من سعد بن إبراهيم فإن الزهري أحفظ منه وقال فيه سعد بن خولة يشير إلى
ما وقع في روايته بلفظ لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات
بمكة قلت وقد ذكرت آنفا من وافق الزهري وهو الذي ذكره أصحاب المغازي وذكروا أنه شهد بدرا
ومات في حجة الوداع وقال بعضهم في اسمه خولي بكسر اللام وتشديد التحتانية واتفقوا على
سكون الواو وأغرب ابن التين فحكى عن القابسي فتحها ووقع في رواية بن عيينة في الفرائض
قال سفيان وسعد بن خولة رجل من بني عامر بن لؤي اه وذكر ابن إسحاق أنه كان حليفا لهم
ثم لأبي رهم بن عبد العزى منهم وقيل كان من الفرس الذين نزلوا اليمن وسيأتي شئ من خبره في
غزوة بدر من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى في حديث سبيعة الأسلمية ويأتي شرح حديث سبيعة
في كتاب العدد من آخر كتاب النكاح وجزم الليث بن سعد في تاريخه عن يزيد بن أبي حبيب بأن
سعد بن خولة مات في حجة الوداع وهو الثابت في الصحيح خلافا لمن قال أنه مات في مدة الهدنة مع
قريش سنة سبع وجوز أبو عبد الله بن أبي الخصال الكاتب المشهور في حواشيه عن البخاري
ان المراد بابن عفراء عوف بن الحارث أخو معاذ ومعوذ أولاد عفراء وهي أمهم والحكمة في ذكره
ما ذكره ابن إسحاق أنه قال يوم بدر ما يضحك الرب من عبدة قال أن يغمس يده في العدو حاسرا فألقى
الدرع التي هي عليه فقاتل حتى قتل قال فيحتمل أن يكون لما رأى اشتياق سعد بن أبي وقاص
للموت وعلم أنه يبقى حتى يلي الولايات ذكر بن عفراء وحبه للموت ورغبته في الشهادة كما يذكر
الشئ بالشئ فذكر سعد بن خولة لكونه مات بمكة وهي دار هجرته وذكر ابن عفراء مستحسنا
لميتته اه ملخصا وهو مردود بالتنصيص على قوله سعد بن عفراء فانتفى أن يكون المراد عوف
وأيضا فليس في شئ من طرق حديث سعد بن أبي وقاص أنه كان راغبا في الموت بل في بعضها
عكس ذاك وأنه بكى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك فقال خشيت أن أموت
بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة وهو عند النسائي وأيضا فمخرج الحديث متحد
والأصل عدم التعدد فالاحتمال بعيد لو صرح بأنه عوف بن عفراء والله أعلم وقال التيمي يحتمل
أن يكون لامه اسمان خولة وعفراء اه ويحتمل أن يكون أحدهما اسما والآخر لقبا أو
أحدهما اسم أمه والاخر اسم أبيه أو والآخر اسم جدة له والأقرب أن عفراء اسم أمه والاخر
اسم أبيه لاختلافهم في أنه خولة أو خولي وقول الزهري في روايته يرثي له الخ قال ابن عبد البر
271

زعم أهل الحديث أن قوله يرثي الخ من كلام الزهري وقال بن الجوزي وغيره هو مدرج من قول
الزهري (قلت) وكأنهم استندوا إلى ما وقع في رواية أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد عن
الزهري فإنه فصل ذلك لكن وقع عند المصنف في الدعوات عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن
سعد في آخره لكن البائس سعد بن خولة قال سعد رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ فهذا
صريح في وصله فلا ينبغي الجزم بادراجه ووقع في رواية عائشة بنت سعد عن أبيها في الطب من
الزيادة ثم وضع يده على جبهتي ثم مسح وجهي وبطني ثم قال اللهم اشف سعدا وأتمم له هجرته قال
فما زلت أجد بردها ولمسلم من طريق حميد بن عبد الرحمن المذكورة قلت فادع الله أن يشفيني
فقال اللهم اشف سعدا ثلاث مرات (قوله قلت يا رسول الله أوصي بمالي كله) في رواية عائشة
بنت سعد عن أبيها في الطب أفأتصدق بثلثي مالي وكذا وقع في رواية الزهري فأما التعبير بقوله
أفأتصدق فيحتمل التنجيز والتعليق بخلاف أفأوصي لكن المخرج متحد فيحمل على التعليق
للجمع بين الروايتين وقد تمسك بقوله أتصدق من جعل تبرعات المريض من الثلث وحملوه على
المنجزة وفيه نظر لما بينته وأما الاختلاف في السؤال فكأنه سأل أولا عن الكل ثم سأل عن
الثلثين ثم سأل عن النصف ثم سأل عن الثلث وقد وقع مجموع ذلك في رواية جرير بن يزيد عند
أحمد وفي رواية بكير بن مسمار عند النسائي كلاهما عن عامر بن سعد وكذا لهما من طريق
محمد بن سعد عن أبيه ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عن سعد وقوله في هذه الرواية قلت
فالشطر هو بالجر عطفا على قوله بمالي كله أي فأوصي بالنصف وهذا رجحه السهيلي وقال
الزمخشري هو بالنصب على تقدير فعل أي أسمي الشطر أو أعين الشطر ويجوز الرفع على تقدير
أيجوز الشطر (قوله قلت الثلث قال فالثلث والثلث كثير) كذا في أكثر الروايات وفي رواية
الزهري في الهجرة قال الثلث يا سعد والثلث كثير وفي رواية مصعب بن سعد عن أبيه عند مسلم
قلت فالثلث قال نعم والثلث كثير وفي رواية عائشة بنت سعد عن أبيها في الباب الذي يليه قال
الثلث والثلث كبير أو كثير وكذا للنسائي من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عن سعد وفيه فقال
أوصيت فقلت نعم قال بكم قلت بمالي كله قال فما تركت لولدك وفيه أوص بالعشر قال فما زال
يقول وأقول حتى قال أوص بالثلث والثلث كثير أو كبير يعني بالمثلثة أو بالموحدة وهو شك من
الراوي والمحفوظ في أكثر الروايات بالمثلثة ومعناه كثير بالنسبة إلى ما دونه وسأذكر الاختلاف
فيه في الباب الذي بعد هذا وقوله قال الثلث والثلث كثير بنصب الأول على الاغراء أو بفعل
مضمر نحو عين الثلث وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو المبتدأ والخبر محذوف والتقدير
يكفيك الثلث أو الثلث كاف ويحتمل أن يكون قوله والثلث كثير مسوقا لبيان الجواز بالثلث
وأن الأولى أن ينقص عنه ولا يزيد عليه وهو ما يبتدره الفهم ويحتمل أن يكون لبيان أن
التصدق بالثلث هو الأكمل أي كثير أجره ويحتمل أن يكون معناه كثير غير قليل قال الشافعي
رحمه الله وهذا أولى معانيه يعني أن الكثرة أمر نسبي وعلى الأول عول بن عباس كما سيأتي في
حديث الباب الذي بعده (قوله انك أن تدع) بفتح أن على التعليل وبكسرها على الشرطية قال
النووي هما صحيحان صوريان وقال القرطبي لا معنى للشرط هنا لأنه يصير لا جواب له ويبقى خير
لا رافع له وقال ابن الجوزي سمعناه من رواة الحديث بالكسر وأنكره شيخنا عبد الله بن أحمد
272

يعنى ابن الخشاب وقال لا يجوز الكسر لأنه لا جواب له لخلو لفظ خير من الفاء وغيرها مما اشترط
في الجواب وتعقب بأنه لا مانع من تقديره وقال بن مالك جزاء الشرط قوله خير أي فهو خير
وحذف الفاء جائز وهو كقراءة طاوس ويسئلونك عن اليتامى قل أصلح لهم خير قال ومن خص
ذلك بالشعر بعد عن التحقيق وضيق حيث لا تضيق لأنه كثير في الشعر قليل في غيره وأشار بذلك
إلى وما وقع في الشعر فيما أنشده سيبويه * من يفعل الحسنات الله يشكرها أي فالله يشكرها
والى الرد على من زعم أن ذلك خاص بالشعر قال ونظيره قوله في حديث اللقطة فإن جاء صاحبها
والا استمتع لها بحذف الفاء وقوله في حديث اللعان البينة وإلا حد في ظهرك (قوله ورثتك)
قال الزين بن المنير إنما عبر له صلى الله عليه وسلم بلفظ الورثة ولم يقل أن تدع بنتك مع أنه لم يكن له
يومئذ الا ابنة واحدة لكون الوارث حينئذ لم يتحقق لان سعدا إنما قال ذلك بناء على موته في ذلك
المرض وبقائها بعده حتى ترثه وكان من الجائز أن تموت هي قبله فأجاب صلى الله عليه وسلم بكلام
كلي مطابق لكل حالة وهو قوله ورثتك ولم يخص بنتا من غيرها وقال الفاكهي شارح العمدة
انما عبر صلى الله عليه وسلم بالورثة لأنه اطلع على أن سعدا سيعيش ويأتيه أولاد غير البنت
المذكورة فكان كذلك وولد له بعد ذلك أربعة بنين ولا أعرف أسمائهم ولعل الله أن يفتح بذلك
(قلت) وليس قوله أن تدع بنتك متعينا لان ميراثه لم يكن منحصرا فيها فقد كان لأخيه عتبة بن أبي
وقاص أولاد إذ ذاك منهم هاشم بن عتبة الصحابي الذي قتل بصفين وسأذكر بسط ذلك فجاز
التعبير بالورثة لتدخل البنت وغيرها ممن يرث لو وقع موته إذ ذاك أو بعد ذلك وأما قول
الفاكهي أنه له بعد ذلك أربعة بنين وأنه لا يعرف أسماءهم ففيه قصور شديد فإن أسمائهم في
رواية هذا الحديث بعينه عند مسلم من طريق عامر ومصعب ومحمد ثلاثتهم عن سعد ووقع ذكر
عمر بن سعد فيه في موضع آخر ولما وقع ذكر هؤلاء في هذا الحديث عند مسلم اقتصر القرطبي
على ذكر الثلاثة ووقع في كلام بعض شيوخنا تعقب عليه بأن له أربعة من الذكور غير الثلاثة
وهم عمر وإبراهيم ويحيى وإسحاق وعزا ذكرهم لابن المديني وغيره وفاته أن ابن سعد ذكر له من
الذكور غير السبعة أكثر من عشرة وهم عبد الله وعبد الرحمن وعمرو وعمران وصالح وعثمان و
اسحق الأصغر وعمر الأصغر وعمير مصغرا وغيرهم وذكر له من البنات ثنتي عشرة بنتا وكأن بن
المديني اقتصر على ذكر من روى الحديث منهم والله أعلم (قوله عالة) أي فقراء وهو جمع عال وهو
الفقير والفعل منه عال يعيل إذا افتقر (قوله يتكففون الناس) أي يسألون الناس بأكفهم
يقال تكفف الناس واستكف إذا بسط كفه للسؤال أو سأل ما يكف عنه الجوع أو سأل
كفا كفا من الطعام وقوله في أيديهم أي بأيديهم أو سألوا بأكفهم وضع المسؤول في أيديهم وقع في
رواية الزهري أن سعدا قال وأنا ذو مال ونحوه في رواية عائشة بنت سعد في الطب وهذا اللفظ
يؤذن بمال كثير وذو المال إذا تصدق بثلثه أو بشطره وأبقى ثلثه بين ابنته وغيرها لا يصيرون عالة
لكن الجواب أن ذلك خرج على التقدير لان بقاء المال الكثير إنما هو على سبيل التقدير
والا فلو تصدق المريض بثلثيه مثلا ثم طالت حياته ونقص وفني المال فقد تجحف الوصية
بالورثة فرد الشارع الامر إلى شئ معتدل وهو الثلث (قوله وانك مهما أنفقت من نفقة فإنها
صدقة) هو معطوف على قوله انك أن تدع وهو علة للنهي عن الوصية بأكثر من الثلث كأنه قيل
273

لا تفعل لأنك أن مت تركت ورثتك أغنياء وأن عشت تصدقت وأنفقت فالاجر حاصل لك في
الحالين وقوله فإنها صدقة كذا أطلق في هذه الرواية وفي رواية الزهري وأنك لن تنفق نفقة تبتغي
بها وجه الله الا أجرت بها وقيده بابتغاء وجه الله وعلق حصول الاجر بذلك وهو المعتبر
ويستفاد منه أن أجر الواجب يزداد بالنية لان الانفاق على الزوجة واجب وفي فعله الاجر فإذا
نوى به ابتغاء وجه الله ازداد أجره بذلك قاله بن أبي جمرة قال ونبه بالنفقة على غيرها من وجوه
البر والاحسان (قوله حتى اللقمة) بالنصب عطفا على نفقة ويجوز الرفع على أنه مبتدأ
وتجعلها الخبر وسيأتي الكلام على حكم نفقة الزوجة في كتاب النفقات إن شاء الله تعالى
ووجه تعلق قوله وأنك لن تنفق نفقة الخ بقصة الوصية أن سؤال سعد يشعر بأنه رغب في تكثير
الاجر فلما منعه الشارع من الزيادة على الثلث قال له على سبيل التسلية أن جميع ما تفعله في
مالك من صدقة ناجزة ومن نفقة ولو كانت واجبة تؤجر بها إذا ابتغيت بذلك وجه الله تعالى
ولعله خص المرأة بالذكر لان نفقتها مستمرة بخلاف غيرها قال ابن دقيق العيد فيه أن الثواب في
الانفاق مشروط بصحة النية وابتغاء وجه الله وهذا عسر إذا عارضه مقتضى الشهوة فإن ذلك
لا يحصل الغرض من الثواب حتى يبتغي به وجه الله وسبق تخليص هذا المقصود مما يشوبه
قال وقد يكون فيه دليل على أن الواجبات إذا أديت على قصد أداء الواجب ابتغاء وجه الله
أثيب عليها فإن قوله حتى ما تجعل في في امرأتك لا تخصيص له بغير الواجب ولفظة حتى هنا
تقتضي المبالغة في تحصيل هذا الاجر بالنسبة إلى المعنى كما يقال جاء الحاج حتى المشاة (قوله
وعسى الله أن يرفعك) أي يطيل عمرك وكذلك اتفق فإنه عاش بعد ذلك أزيد من أربعين سنة بل
قريبا من خمسين لأنه مات سنة خمس وخمسين من الهجرة وقيل سنة ثمان وخمسين وهو المشهور
فيكون عاش بعد حجة الوداع خمسا وأربعين أو ثمانيا وأربعين (قوله فينتفع بك ناس ويضر بك
آخرون) أي ينتفع بك المسلمون بالغنائم مما سيفتح الله على يديك من بلاد الشرك ويضر بك
المشركون الذين يهلكون على يديك وزعم بن التين أن المراد بالنفع به ما وقع من الفتوح على
يديه كالقادسية وغيرها وبالضرر ما وقع من تأمير ولده عمر بن سعد على الجيش الذين قتلوا الحسين
ابن علي ومن معه وهو كلام مردود لتكلفة لغير ضرورة تحمل على إرادة الضرر الصادر من ولده
وقد وقع منه هو الضرر المذكور بالنسبة إلى الكفار وأقوى من ذلك ما رواه الطحاوي من
طريق بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبيه أنه سأل عامر بن سعد عن معنى قول النبي صلى الله عليه
وسلم هذا فقال لما أمر سعد على العراق أتى بقوم ارتدوا فاستتابهم فتاب بعضهم وامتنع بعضهم
فقتلهم فانتفع به من تاب وحصل الضرر للآخرين قال بعض العلماء لعل وأن كانت للترجي
لكنها من الله للامر الواقع وكذلك إذا وردت على لسان رسوله غالبا (قوله ولم يكن له يومئذ الا
ابنة) في رواية الزهري ونحوه في رواية عائشة بنت سعد أن سعدا قال ولا يرثني الا ابنة واحدة
قال النووي وغيره معناه لا يرثني من الولد أو من خواص الورثة أو من النساء وإلا فقد كان
لسعد عصبات لأنه من بني زهرة وكانوا كثيرا وقيل معناه لا يرثني من أصحاب الفروض أو خصها
بالذكر على تقدير لا يرثني ممن أخاف عليه الضياع والعجز الا هي أو ظن أنها ترث جميع المال أو
استكثر لها نصف التركة وهذه البنت زعم بعض من أدركناه أن اسمها عائشة فإن كان محفوظا
274

فهي غير عائشة بنت سعد التي روت هذا الحديث عنده في الباب الذي يليه وفي الطب وهي تابعية
عمرت حتى أدركها مالك وروى عنها وماتت سنة سبع عشرة لكن لم يذكر أحد من النسابين
لسعد بنتا تسمى عائشة غير هذه وذكروا أن أكبر بناته أم الحكم الكبرى وأمها بنت شهاب بن
عبد الله بن الحرث بن زهرة وذكروا له بنات أخرى أمهاتهن متأخرات الاسلام بعد الوفاة النبوية
فالظاهر أن البنت المشار إليها هي أم الحكم المذكورة لتقدم تزويج سعد بأمها ولم أر من حرر
ذلك وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم مشروعية زيارة المريض للامام فمن دونه وتتأكد
باشتداد المرض وفيه وضع اليد على جبهة المريض ومسح وجهه ومسح العضو الذي يؤلمه
والفسح له في طول العمر وجواز أخبار المريض بشدة مرضه وقوة ألمه إذا لم يقترن بذلك شئ مما
يمنع أو يكره من التبرم وعدم الرضا بل حيث يكون ذلك لطلب دعاء أو دواء وربما استحب
وان ذلك لا ينافي الاتصاف بالصبر المحمود وإذا جاز ذلك في أثناء المرض كان الاخبار به بعد البرء
أجوز وأن أعمال البر والطاعة إذا كان منها ما لا يمكن استدراكه قام غيره في الثواب والاجر
مقامه وربما زاد عليه وذلك أن سعدا خاف أن يموت بالدار التي هاجر منها فيفوت عليه بعض
أجر هجرته فأخبره صلى الله عليه وسلم بأنه أن تخلف عن دار هجرته فعمل عملا صالحا من حج أو
جهاد أو غير ذلك كان له به أجر يعوض ما فاته من الجهة الأخرى وفيه إباحة جمع المال بشرطه
لان التنوين في قوله وأنا ذو مال للكثرة وقد وقع في بعض طرقه صريحا وأنا ذو مال كثير والحث
على صلة الرحم والاحسان إلى الأقارب وأن صلة الأقرب أفضل من صلة الابعد والانفاق في
وجوه الخير لان المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة وقد نبه على ذلك بأقل الحظوظ الدنيوية
العادية وهو وضع اللقمة في فم الزوجة إذ لا يكون ذلك غالبا الا عند الملاعبة والممازحة ومع
ذلك فيؤجر فاعله إذا قصد به قصدا صحيحا فكيف بما هو فوق ذلك وفيه منع نقل الميت من بلد
إلى بلد إذ لو كان ذلك مشروعا لأمر بنقل سعد بن خولة قاله الخطابي وبأن من لا وارث له تجوز له
الوصية بأكثر من الثلث لقوله صلى الله عليه وسلم أن تذر ورثتك أغنياء فمفهومه أن من لا وارث
له لا يبالي بالوصية بما زاد لأنه لا يترك ورثة يخشى عليهم الفقر وتعقب بأنه ليس تعليلا محضا
وانما فيه تنبيه على الاحظ الأنفع ولو كان تعليلا محضا لاقتضى جواز الوصية بأكثر من الثلث
لمن كانت ورثته أغنياء ولنفذ ذلك عليهم بغير اجازتهم ولا قائل بذلك وعلى تقدير أن يكون تعليلا
محضا فهو للنقص عن الثلث لا للزيادة عليه فكأنه لما شرع الايصاء بالثلث وأنه لا يعترض به على
الموصى الا أن الانحطاط عنه أولى ولا سيما لمن يترك ورثة غير أغنياء فنبه سعدا على ذلك وفيه
سد الذريعة لقوله صلى الله عليه وسلم ولا تردهم على أعقابهم لئلا يتذرع بالمرض أحد لأجل حب
الوطن قاله ابن عبد البر وفيه تقييد مطلق القرآن بالسنة لأنه قال سبحانه وتعالى من بعد وصية
يوصى بها أو دين فأطلق وقيدت السنة الوصية بالثلث وأن من ترك شيئا لله لا ينبغي له الرجوع
فيه ولا في شئ منه مختارا وفيه التأسف على فوت ما يحصل الثواب وفيه حديث من ساءته سيئة
وان من فاته ذلك بادر إلى جبره بغير ذلك وفيه تسلية من فاته أمر من الأمور بتحصيل ما هو أعلى
منه لما أشار صلى الله عليه وسلم لسعد من عمله الصالح بعد ذلك وفيه جواز التصدق بجميع المال
لمن عرف بالصبر ولم يكن له من تلزمه نفقته وقد تقدمت المسألة في كتاب الزكاة وفيه الاستفسار
275

عن المحتمل إذا احتمل وجوها لان سعدا لما منع من الوصية بجميع المال احتمل عنده المنع فيما
دونه والجواز فاستفسر عما دون ذلك وفيه النظر في مصالح الورثة وأن خطاب الشارع للواحد
يعم من كان بصفته من المكلفين لاطباق العلماء على الاحتجاج بحديث سعد هذا وأن كان
الخطاب إنما وقع له بصيغة الافراد ولقد أبعد من قال أن ذلك يختص بسعد ومن كان في مثل حاله
ممن يخلف وارثا ضعيفا أو كان ما يخلفه قليلا لان البنت من شأنها أن يطمع فيها وأن كانت بغير
مال لم يرغب فيها وفيه أن من ترك مالا قليلا فالاختيار له ترك الوصية وابقاء المال للورثة واختلف
السلف في ذلك القليل كما تقدم في أول الوصايا واستدل به التيمي لفضل الغني على الفقير
وفيه نظر وفيه مراعاة العدل بين الورثة ومراعاة العدل في الوصية وفيه أن الثلث في حد الكثرة وقد
اعتبره بعض الفقهاء في غير الوصية ويحتاج الاحتجاج به إلى ثبوت طلب الكثرة في الحكم
المعين واستدل بقوله ولا يرثني الا ابنة لي من قال بالرد على ذوي الأرحام للحصر في قوله لا يرثني
الا ابنة وتعقب بأن المراد من ذوي الفروض كما تقدم ومن قال بالرد لا يقول بظاهره لانهم
يعطونها فرضها ثم يردون عليها الباقي وظاهر الحديث أنها ترث الجميع ابتداء (قوله
باب الوصية بالثلث) أي جوازها أو مشروعيتها وقد سبق تقرير ذلك في الباب الذي
قبله واستقر الاجماع على منع الوصية بأزيد من الثلث لكن اختلف فيمن كان له وارث وسيأتي
تحريره في باب لا وصية لوارث وفيمن لم يكن له وارث خاص فمنعه الجمهور وجوزه الحنفية
واسحق وشريك وأحمد في رواية وهو قول علي وابن مسعود واحتجوا بأن الوصية مطلقة بالآية
فقيدتها السنة بمن له وارث فيبقى من لا وارث له على الاطلاق وقد تقدم في الباب الذي قبله
توجيه لهم آخر واختلفوا أيضا هل يعتبر ثلث المال حال الوصية أو حال الموت على قولين وهما
وجهان للشافعية أصحهما الثاني فقال بالأول مالك وأكثر العراقيين وهو قول النخعي وعمر بن
عبد العزيز وقال بالثاني أبو حنيفة وأحمد والباقون وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وجماعة من التابعين وتمسك الأولون بأن الوصية عقد والعقود تعتبر بأولها وبأنه لو نذر أن يتصدق
بثلث ماله اعتبر ذلك حالة النذر اتفاقا وأجيب بأن الوصية ليست عقدا من كل جهة ولذلك
لا تعتبر فيها الفورية ولا القبول وبالفرق بين النذر والوصية بأنها يصح الرجوع عنها والنذر يلزم
وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما لو حدث له مال بعد الوصية واختلفوا أيضا هل يحسب الثلث من
جميع المال أو تنفذ بما علمه الموصي دون ما خفي عليه أو تجدد له ولم يعلم به وبالأول قال الجمهور
وبالثاني قال مالك وحجة الجمهور أنه لا يشترط أن يستحضر تعداد مقدار المال حالة الوصية اتفاقا
ولو كان عالما بجنسه فلو كان العلم به شرطا لما جاز ذلك فائدة أول من أوصى بالثلث في
الاسلام البراء بن معرور بمهملات أوصى به للنبي صلى الله عليه وسلم وكان قد مات قبل أن يدخل
النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر فقبله النبي صلى الله عليه وسلم ورده على ورثته أخرجه
الحاكم وابن المنذر من طريق يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن جده (قوله وقال
الحسن) أي البصري (لا يجوز للذمي وصية الا بالثلث) قال ابن بطال أراد البخاري بهذا الرد على
من قال كالحنفية بجواز الوصية بالزيادة على الثلث لمن لا وارث له قال ولذلك احتج بقوله تعالى
وأن احكم بينهم بما أنزل الله والذي حكم به النبي صلى الله عليه وسلم من الثلث هو الحكم بما أنزل
276

الله فمن تجاوز ما حده فقد أتى ما نهي عنه وقال بن المنير لم يرد البخاري هذا وإنما أراد
الاستشهاد بالآية على أن الذمي إذا تحاكم إلينا ورثته لا ينفذ من وصيته الا الثلث لأنا لا نحكم
فيهم الا بحكم الاسلام لقوله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله الآية (قوله حدثنا سفيان) هو
ابن عيينة فإن قتيبة لم يلحق الثوري (قوله عن هشام بن عروة) وفي رواية الحميدي في مسنده عن
سفيان حدثنا هشام وليس لعروة بن الزبير عن بن عباس في البخاري سوى هذا الحديث الواحد
(قوله لو غض الناس) بمعجمتين أي نقص ولو للتمني فلا يحتاج إلى جواب أو شرطية والجواب
محذوف وقد وقع في رواية بن أبي عمر في مسنده عن سفيان بلفظ كان أحب إلي أخرجه الإسماعيلي
من طريقه ومن طريق أحمد بن عبدة أيضا وأخرجه من طريق العباس بن الوليد عن سفيان
بلفظ كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله إلى الربع) زاد الحميدي في الوصية وكذا
رواه أحمد عن وكيع عن هشام بلفظ وددت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع في الوصية
الحديث وفي رواية بن نمير عن هشام عند مسلم لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع (قوله لان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) هو كالتعليل لما اختاره من النقصان عن الثلث وكأن ابن
عباس أخذ ذلك من وصفه صلى الله عليه وسلم الثلث بالكثرة وقد قدمنا الاختلاف في توجيه
ذلك في الباب الذي قبله ومن أخذ بقول بن عباس في ذلك كإسحاق بن راهويه والمعروف في
مذهب الشافعي استحباب النقص عن الثلث وفي شرح مسلم للنووي أن كان الورثة فقراء استحب
أن ينقص منه وأن كانوا أغنياء فلا (قوله والثلث كثير) في رواية مسلم كثير أو كبير بالشك هل
هي بالموحدة أو بالمثلثة قوله حدثني محمد بن عبد الرحيم هو الحافظ المعروف بصاعقة وهو
من أقران البخاري وأكبر منه قليلا (قوله حدثنا مروان) هو ابن معاوية الفزاري (قوله
عن هاشم بن هاشم) أي بن عتبة بن أبي وقاص وقد نزل البخاري في هذا الاسناد درجتين لأنه
يروى عن مكي بن إبراهيم ومكي يروي عن هاشم المذكور وسيأتي في مناقب سعد له بهذا الاسناد
حديث عن مكي عن هاشم عن عامر بن سعد عن أبيه (قوله فقلت يا رسول الله أدع الله أن لا يردني
على عقبي) هو إشارة إلى ما تقدم من كراهية الموت بالأرض التي هاجر منها وقد تقدم توجيهه
وشرحه في الباب الذي قبله (قوله لعل الله يرفعك) زاد أبو نعيم في المستخرج في روايته من وجه
آخر عن زكريا بن عدي يعني يقيمك من مرضك (قوله في هذه الرواية قلت أوصي بالنصف قال
النصف كثير) لم أر في غيرها من طرقه وصف النصف بالكثرة وإنما فيها قال لا في كله ولا في ثلثيه
وليس في هذه الرواية اشكال الا من جهة وصف النصف بالكثرة ووصف الثلث بالكثرة
فكيف أمتنع النصف دون الثلث وجوابه أن الرواية الأخرى التي فيها جواب النصف دلت
على منع النصف ولم يأت مثلها في الثلث بل اقتصر على وصفه بالكثرة وعلل بأن إبقاء الورثة
أغنياء أولى وعلى هذا فقوله الثلث خبر مبتدأ محذوف تقديره مباح ودل قوله والثلث كثير على
أن الأولى أن ينقص منه والله أعلم (قوله قال وأوصى الناس بالثلث فجاز ذلك لهم) ظاهره أنه من
قول سعد بن أبي وقاص ويحتمل أن يكون من قول من دونه والله أعلم وكأن البخاري قصد بذلك
الإشارة إلى أن النقص من الثلث في حديث بن عباس للاستحباب لا للمنع منه جمعا بين
الحديثين والله أعلم (قوله باب قول الموصي لوصيه تعاهد ولدي وما يجوز
277

للوصي من الدعوى) أورد فيه حديث عائشة في قصة مخاصمة سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة
في ابن وليدة زمعة وقد ترجم به في كتاب الاشخاص دعوى الموصى للميت أي عن الميت وانتزاع
الامرين المذكورين في الترجمة من الحديث المذكور واضح وسيأتي الكلام عليه في الفرائض
إن شاء الله تعالى (قوله باب إذا أومأ المريض برأسه إشارة بينة تعرف) أي هل
يحكم بها أورد فيه حديث أنس في قصة الجارية التي رض اليهودي رأسها وسيأتي الكلام عليه في
القصاص إن شاء الله تعالى (قوله باب لا وصية لوارث) هذه الترجمة لفظ حديث
مرفوع كأنه لم يثبت على شرط البخاري فترجم به كعادته واستغنى بما يعطي حكمة وقد
أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث أبي أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول في خطبته في حجة الوداع أن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث وفي إسناده
إسماعيل بن عياش وقد قوي حديثه عن الشاميين جماعة من الأئمة منهم أحمد والبخاري وهذا من
روايته عن شرحبيل بن مسلم وهو شامي ثقة وصرح في روايته بالتحديث عند الترمذي وقال
الترمذي حديث حسن وفي الباب عن عمرو بن خارجة عند الترمذي والنسائي وعن أنس عند
ابن ماجة وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند الدارقطني وعن جابر عند الدارقطني أيضا
وقال الصواب إرساله وعن علي عند بن أبي شيبة ولا يخلو إسناد كل منها عن مقال لكن مجموعها
يقتضى أن للحديث أصلا بل جنح الشافعي في الام إلى أن هذا المتن متواتر فقال وجدنا أهل الفتيا
ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال عام الفتح لا وصية لوارث ويؤثرون عمن حفظوه عنه ممن لقوه من أهل العلم فكان نقل
كافة عن كافة فهو أقوى من نقل واحد وقد نازع الفخر الرازي في كون هذا الحديث متواترا
وعلى تقدير تسليم ذلك فالمشهور من مذهب الشافعي أن القرآن لا ينسخ بالسنة لكن الحجة في هذا
الاجماع على مقتضاه كما صرح به الشافعي وغيره والمراد بعدم صحة وصية الوارث عدم اللزوم لان
الأكثر على أنها موقوفة على إجازة الورثة كما سيأتي بيانه وروى الدارقطني من طريق ابن جريج
عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا لا تجوز وصية لوارث الا أن يشاء الورثة كما سيأتي بيانه ورجاله
ثقات الا أنه معلول فقد قيل أن عطاء هو الخرساني والله أعلم وكأن البخاري أشار إلى ذلك فترجم
بالحديث وأخرج من طريق عطاء وهو بن أبي رباح عن بن عباس حديث الباب وهو موقوف
لفظا الا أنه في تفسيره أخبار بما كان من الحكم قبل نزول القرآن فيكون في حكم المرفوع بهذا
التقرير ووجه دلالته للترجمة من جهة أن نسخ الوصية للوالدين وإثبات الميراث لهما بدلا منها
يشعر بأنه لا يجمع لهما بين الميراث والوصية وإذا كان كذلك كان من دونهما أولى بأن لا يجمع
ذلك له وقد أخرجه بن جرير من طريق مجاهد بن جبر عن بن عباس بلفظ وكانت الوصية
للوالدين والأقربين الخ فظهرت المناسبة بهذه الزيادة وقد وافق محمد بن يوسف وهو
الفريابي في روايته إياه عن ورقاء عيسى بن ميمون كما أخرجه بن جرير وخالف ورقاء شبل عن
ابن أبي نجيح فجعل مجاهدا موضع عطاء أخرجه بن جرير أيضا ويحتمل أنه كان عند بن أبي نجيح
278

على الوجهين والله أعلم (قوله وجعل للمرأة الثمن والربع) أي في حالين وكذلك للزوج قال
جمهور العلماء كانت هذه الوصية في أول الاسلام واجبة لوالدي وأقربائه على ما يراه من
المساواة والتفضيل ثم نسخ ذلك بآية الفرائض وقيل كانت للوالدين والأقربين دون الأولاد
فإنهم كانوا يرثون ما يبقى بعد الوصية وأغرب بن شريح فقال كانوا مكلفين بالوصية للوالدين
والأقربين بمقدار الفريضة التي في علم الله قبل أن ينزلها واشتد إنكار إمام الحرمين عليه في ذلك
وقيل أن الآية مخصوصة لان الأقربين أعم من أن يكونوا وراثا وكانت الوصية واجبة لجميعهم
فخص منها من ليس بوارث بآية الفرائض وبقوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث وبقي حق
من لا يرث من الأقربين من الوصية على حاله قاله طاوس وغيره وقد تقدمت الإشارة إليه قبل
واختلف في تعيين ناسخ آية الوصية للوالدين والأقربين فقيل آية الفرائض وقيل الحديث
المذكور وقيل دل الاجماع على ذلك وأن لم يتعين دليله واستدل بحديث لا وصية لوارث بأنه
لا تصح الوصية للوارث أصلا كما تقدم وعلى تقدير نفاذها من الثلث لا تصح الوصية له ولا لغيره بما
زاد على الثلث ولو أجازت الورثة وبه قال المزني وداود وقواه السبكي واحتج له بحديث عمران بن
حصين في الذي أعتق ستة أعبد فإن فيه عند مسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قولا شديدا
وفسر القول الشديد في رواية أخرى بأنه قال لو علمت ذلك ما صليت عليه ولم ينقل أنه راجع الورثة
فدل على منعه مطلقا وبقوله في حديث سعد بن أبي وقاص وكان بعد ذلك الثلث جائزا فإن
مفهومه أن الزائد على الثلث ليس بجائز وبأنه صلى الله عليه وسلم منع سعدا من الوصية بالشطر
ولم يستثن صورة الإجازة واحتج من أجازه بالزيادة المتقدمة وهي قوله الا أن يشاء الورثة فإن
صحت هذه الزيادة فهي حجة واضحة واحتجوا من جهة المعنى بأن المنع إنما كان في الأصل لحق
الورثة فإذا أجازوه لم يمتنع واختلفوا بعد ذلك في وقت الإجازة فالجمهور على أنهم أن أجازوا
في حياة الموصي كان لهم الرجوع متى شاءوا وأن أجازوا بعده نفذ وفصل المالكية في الحياة بين
مرض الموت وغيره فألحقوا مرض الموت بما بعده واستثنى بعضهم ما إذا كان المجيز في عائلة
الموصى وخشي من امتناعه انقطاع معروفه عنه لو عاش فإن لمثل هذا الرجوع وقال الزهري
وربيعة ليس لهم الرجوع مطلقا واتفقوا على اعتبار كون الموصى له وارثا بيوم الموت حتى
لو أوصى لأخيه الوارث حيث لا يكون له بن يحجب الأخ المذكور فولد له بن قبل موته يحجب
الأخ فالوصية للأخ المذكور صحيحة ولو أوصى لأخيه وله بن فمات قبل موت الموصي
فهي وصية لوارث واستدل به على منع وصية من لا وارث له سوى بيت المال لأنه ينتقل إرثا
للمسلمين والوصية للوارث باطلة وهو وجه ضعيف جدا حكاه القاضي حسين ويلزم قائله أن
لا يجيز الوصية للذمي أو يقيد ما أطلق والله أعلم (قوله باب الصدقة عند الموت)
أي جوازها وأن كانت في حال الصحة أفضل أورد فيه حديث أبي هريرة قال قال رجل يا رسول
الله أي الصدقة أفضل قال أن تصدق وأنت صحيح الحديث وقد تقدم في كتاب الزكاة من وجه
آخر وبينت هناك اختلاف ألفاظه ووقه التصريح بالتحديث هناك في جميع إسناده بدل
العنعنة هنا (قوله أن تصدق) بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين وأصله تتصدق
وبالتشديد على ادغامها (قوله ولا تمهل) بالاسكان على أنه نهي وبالرفع على أنه نفي ويجوز
279

النصب (قوله قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان) الظاهر أن هذا المذكور على سبيل
المثال وقال الخطابي فلان الأول والثاني الموصى له وفلان الأخير الوارث لأنه أن شاء أبطله
وان شاء أجازه وقال غيره يحتمل أن يكون المراد بالجميع من يوصى له وإنما أدخل كان في الثالث
إشارة إلى تقدير القدر له بذلك وقال الكرماني يحتمل أن يكون الأول الوارث والثاني المورث
والثالث الموصى له (قلت) ويحتمل أن يكون بعضها وصية وبعضها اقرارا وقد وقع في رواية ابن
المبارك عن سفيان عند الإسماعيلي قلت اصنعوا لفلان كذا وتصدقوا بكذا ووقع في حديث
بسر بن جحاش وهو بضم الموحدة وسكون المهملة وأبوه بكسر الجيم وتخفيف المهملة وآخره شين
معجمة عند أحمد وابن ماجة وصححه واللفظ لابن ماجة قال بزق النبي صلى الله عليه وسلم في كفه ثم
وضع أصبعه السبابة وقال يقول الله أني يعجزني بن آدم وقد خلقتك من قبل من مثل هذه فإذا
بلغت نفسك إلى هذه وأشار إلى حلقة قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة وزاد في رواية أبي اليمان
حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت
التراقي قلت لفلان كذا وتصدقوا بكذا وفي الحديث أن تنجيز وفاء الدين والتصدق في الحياة وفي
الصحة أفضل منه بعد الموت وفي المرض وأشار صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله وأنت صحيح
حريص تأمل الغني الخ لأنه في حال الصحة يصعب عليه إخراج المال غالبا لما يخوفه به الشيطان
ويزين له من إمكان طول العمر والحاجة إلى المال كما قال تعالى الشيطان يعدكم الفقر الآية وأيضا
فان الشيطان ربما زين له الحيف في الوصية أو الرجوع عن الوصية فيتمحض تفضيل الصدقة
الناجزة قال بعض السلف عن بعض أهل الترف يعصون الله في أموالهم مرتين يبخلون بها
وهى في أيديهم يعني في الحياة ويسرفون فيها إذا خرجت عن أيديهم يعني بعد الموت وأخرج
الترمذي بإسناد حسن وصححه بن حباب عن أبي الدرداء مرفوعا قال مثل الذي يعتق ويتصدق
عند موته مثل الذي يهدي إذا شبع وهو يرجع إلى معنى حديث الباب وروى أبو داود وصححه ابن
حبان من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا لان يتصدق الرجل في حياته وصحته بدرهم خير له
من أن يتصدق عند موته بمائة (قوله باب قول الله عز وجل من بعد وصية يوصى بها
أو دين) أراد المصنف والله أعلم بهذه الترجمة الاحتجاج بما اختاره من جواز إقرار المريض بالدين
مطلقا سواء كان المقر له وارثا أو أجنبيا ووجه الدلالة أنه سبحانه وتعالى سوى بين الوصية والدين في
تقديمهما على الميراث ولم يفصل فخرجت الوصية للوارث بالدليل الذي تقدم وبقي الاقرار بالدين
على حاله وقوله تعالى من بعد وصية متعلق بما تقدم من المواريث كلها الا بما يليه وحده وكأنه قيل
قسمة هذه الأشياء تقع من بعد وصية والوصية هنا المال الموصى به وقوله يوصى بها هذه الصفة
تقيد الموصوف وفائدته أن يعلم أن للميت أن يوصي قاله السهلي قال وأفاد تنكير الوصية أنها
مندوبة إذ لو كانت واجبة لقال من بعد الوصية كذا قال (قوله ويذكر أن شريحا وعمر بن عبد
العزيز وطاوسا وعطاء وابن أذينة أجازوا إقرار المريض بدين كأنه لم يجزم بالنقل عنهم لضعف
الاسناد إلى بعضهم فأما أثر شريح فوصله ابن أبي شيبة عنه بلفظ إذا أقر في مرض الموت لوارث
بدين لم يجز الا ببينة وإذا أقر لغير وارث جاز وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف وأخرجه من
طريق آخر أضعف من هذه ولكن سيأتي له إسناد أصح من هذا بعد وأما عمر بن عبد العزيز
280

فلم أقف على من وصله عنه وأما طاوس فوصله بن أبي شيبة أيضا عنه بلفظ إذا أقر لوارث جاز وفي
الاسناد ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وأما قول عطاء فوصله بن أبي شيبة عنه بمثله ورجال إسناده
ثقات وأما بن أذينة واسمه عبد الرحمن وكان قاضي البصرة وأبوه بالمهملة مصغر وهو تابعي ثقة
مات سنة خمس وتسعين من الهجرة ووهم من ذكره في الصحابة وأثره هذا وصله بن أبي شيبة
أيضا من طريق قتادة عنه في الرجل يقر لوارث بدين قال يجوز ورجال إسناده ثقات (قوله وقال
الحسن أحق ما تصدق به الرجل آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة) هذا أثر صحيح رويناه
بعلو في مسند الدارمي من طريق قتادة قال قال بن سيرين عن شريح لا يجوز إقرار لوارث قال
وقال الحسن أحق ما جاز عليه عند موته أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا (قوله
وقال إبراهيم والحكم إذا أبرأ الوارث من الدين برئ) وصله ابن أبي شيبة من طريق الثوري عن
ابن أبي ليلى عن الحكم عن إبراهيم في المريض إذا أبرأ الوارث برئ وعن مطرف عن الحكم
مثله (قوله وأوصى رافع بن خديج أن لا تكشف امرأته الفزارية عما أغلق عليه بابها) في رواية
المستملى والسرخسي عن مال أغلق عليه بابها ولم أقف على هذا الأثر موصولا بعد (قوله وقال
الحسن إذا قال لمملوكه عند الموت كنت أعتقتك جاز) لم أقف على من وصله وهو على طريقة
الحسن في تنفيذ إقرار المريض مطلقا (قوله وقال الشعبي إذا قالت المرأة عند موتها إن زوجي
قضاني وقبضت وقبضت منه) جاز قال بن التين وجهه أنها لا تتهم بالميل إلى زوجها في تلك الحال ولا سيما إذا
كان لها ولد من غيره (قوله وقال بعض الناس لا يجوز إقراره) أي المريض لسوء (الظن به للورثة)
وفى رواية المستملي بسوء الظن بالموحدة بدل اللام (قوله ثم استحسن فقال يجوز إقراره بالوديعة
والبضاعة والمضاربة) قال ابن التين أن أراد هذا القائل ما إذا أقر بالمضاربة مثلا للوارث لزمه
التناقض وإلا فلا وفرق بعض الحنفية بأن ربح المال في المضاربة مشترك بين العامل والمالك
فلم يكن كالدين المحض وقال بن المنذر أجمعوا على أن إقرار المريض لغير الوارث جائز لكن إن
كان عليه دين في الصحة فقد قالت طائفة منهم النخعي وأهل الكوفة يبدأ بدين الصحة ويتحاص
أصحاب الاقرار في المرض واختلفوا في إقرار المريض للوارث فأجازه مطلقا الأوزاعي وإسحق
وأبو ثور وهو المرجح عند الشافعية وبه قال مالك إلا أنه استثنى ما إذا أقر لبنته ومعها من
يشاركها من غير الولد كابن العم مثلا قال لأنه يتهم في أن يزيد بنته وينقص ابن عمه من غير عكس
واستثنى ما إذا أقر لزوجته التي يعرف بمحبتها والميل إليها وكان بينه وبين ولده من غيرها تباعد
ولا سيما أن كان له منها في تلك الحالة ولد وحاصل المنقول عن المالكية مدار الامر على التهمة
وعدمها فإن فقدت جاز وإلا فلا وهو اختيار الروياني من الشافعية وعن شريح والحسن بن
صالح لا يجوز إقراره لوارث إلا لزوجته بصداقها وعن القاسم وسالم والثوري والشافعي في قول
زعم ابن المنذر أن الشافعي رجع عن الأول إليه وبه قال أحمد لا يجوز إقرار المريض لوارثه مطلقا
لأنه منع الوصية له فلا يأمن أن يزيد الوصية له فيجعلها اقرارا واحتج من أجاز مطلقا بما تقدم عن
الحسن أن التهمة في حق المحتضر بعيدة وبالفرق بين الوصية والدين لانهم اتفقوا على أنه لو
أوصى في صحته لوارثه بوصية وأقر له بدين ثم رجع أن رجوعه عن الاقرار لا يصح بخلاف الوصية
فيصح رجوعه عنها واتفقوا على أن المريض إذا أقر بوارث صح إقراره مع أنه يتضمن الاقرار له
281

بالمال وبأن مدار الاحكام على الظاهر فلا يترك إقراره للظن المحتمل فإن أمره فيه إلى الله تعالى
(قوله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) هو طرف من
حديث وصله المصنف في الأدب من وجهين عن أبي هريرة وقصد بذكره هنا الرد على من أساء
الظن بالمريض فمنع تصرفه ومعنى قوله أكذب الحديث أي أكذب في الحديث من غيره لان
الصدق والكذب يوصف بهما القول لا الظن (قوله ولا يحل مال المسلمين لقول النبي صلى الله
عليه وسلم آية المنافق إذا ائتمن خان) هو طرف من حديث تقدم شرحه في كتاب الايمان ووجه
تعلقه بالرد على من منع إجازة إقرار المريض من جهة أنه دال على ذم الخيانة فلو ترك ذكر ما عليه
من الحق وكتمه لكان خائنا للمستحق فلزم من وجوب ترك الخيانة وجوب الاقرار لأنه إذا كتم
صار خائنا ومن لم يعتبر إقراره كان حمله على الكتمان (قوله وقال الله تعالى ان الله يأمركم أن
تؤدوا الأمانات إلى أهلها فلم يخص وارثا ولا غيره) أي لم يفرق بين الوارث وغيره في الامر بأداء
الأمانة فيصح الاقرار سواء كان لوارث أو غيره (قوله فيه عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه
وسلم) يعني حديث آية المنافق الذي علقه مختصرا وقد تقدم موصولا بتمامه في كتاب الايمان
ولفظه أربع من كن فيه كان منافقا خالصا وفيه وإذا ائتمن خان وحديث أبي هريرة الذي
أورده في هذا الباب بلفظ آية المنافق ثلاث تقدم هناك أيضا بإسناده ومتنه وتقدم شرحه أيضا
والله المستعان (قوله باب تأويل قوله تعالى من بعد وصية يوصى بها أو دين) أي
بيان المراد بتقديم الوصية في الذكر على الدين مع أن الدين هو المقدم في الأداء وبهذا يظهر السر
في تكرار هذه الترجمة (قوله ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية) هذا
طرف من حديث أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما من طريق الحارث وهو الأعور عن علي بن أبي
طالب قال قضى محمد صلى الله عليه وسلم أن الدين قبل الوصية وأنتم تقرؤن الوصية قبل
الدين لفظ أحمد وهو إسناد ضعيف لكن قال الترمذي أن العمل عليه عند أهل العلم وكأن
البخاري اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه وإلا فلم تجر عادته أن يورد الضعيف في مقام
الاحتجاج به وقد أورد في الباب ما يعضده أيضا ولم يختلف العلماء في أن الدين يقدم على الوصية
الا في صورة واحدة وهي ما لو أوصى لشخص بألف مثلا وصدقه الوارث وحكم به ثم ادعى آخر أن
له في ذمة الميت دينا يستغرق موجوده وصدقه الوارث ففي وجه للشافعية تقدم الوصية على
الدين في هذه الصورة الخاصة ثم قد نازع بعضهم في إطلاق كون الوصية مقدمة على الدين في
الآية لأنه ليس فيها صيغة ترتيب بل المراد أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وانفاذ الوصية
وأتى بأو للإباحة وهي كقولك جالس زيد أو عمرا أي لك مجالسة كل منهما اجتمعا أو افترقا وإنما
قدمت لمعنى اقتضى الاهتمام لتقديمها واختلف في تعيين ذلك المعنى وحاصل ما ذكره أهل العلم
من مقتضيات التقديم ستة أمور * أحدها الخفة والثقل كربيعة ومضر فمضر أشرف من ربيعة
لكن لفظ ربيعة لما كان أخف قدم في الذكر وهذا يرجع إلى اللفظ ثانيها بحسب الزمان كعاد
وثمود * ثالثها بحسب الطبع كثلاث ورباع رابعها بحسب الرتبة كالصلاة والزكاة لان
الصلاة حق البدن والزكاة حق المال والبدن مقدم على المال * خامسها تقديم السبب على
المسبب كقوله تعالى عزيز حكيم قال بعض السلف عز فلما عز حكم سادسها بالشرف والفضل
282

كقوله تعالى من النبيين والصديقين وإذا تقرر ذلك فقد ذكر السهيلي أن تقديم الوصية في الذكر على
الدين لان الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدين فإنه إنما يقع غالبا بعد الميت بنوع
تفريط فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل وقال غيره قدمت الوصية لأنها شئ يؤخذ بغير
عوض والدين يؤخذ بعوض فكان إخراج الوصية أشق على الوارث من إخراج الدين وكان
اداؤها مظنة التفريط بخلاف الدين فإن الوارث مطمئن بإخراجه فقدمت الوصية لذلك وأيضا
فهي حظ فقير ومسكين غالبا والدين حظ غريم يطلبه بقوة وله مقال كما صح أن لصاحب الدين
مقالا وأيضا فالوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه فقدمت تحريضا على العمل بها بخلاف الدين
فإنه ثابت بنفسه مطلوب أداؤه سواء ذكر أو لم يذكر وأيضا فالوصية ممكنة من كل أحد ولا سيما
عند من يقول بوجوبها فإنه يقول بلزومها لكل أحد فيشترك فيها جميع المخاطبين لأنها تقع
بالمال وتقع بالعهد كما تقدم وقل من يخلو عن شئ من ذلك بخلاف الدين فإنه يمكن أن يوجد وأن
لا يوجد وما يكثر وقوعه مقدم على ما يقل وقوعه وقال الزين بن المنير تقديم الوصية على الدين
في اللفظ لا يقتضي تقديمها في المعنى لأنهما معا قد ذكرا في سياق البعدية لكم الميراث يلي الوصية
في البعدية ولا يلي الدين بل هو بعد بعده فيلزم أن الدين يقدم في الأداء ثم الوصية ثم الميراث
فيتحقق حينئذ أن الوصية تقع بعد الدين حال الأداء باعتبار القبلية فتقديم الدين على الوصية
في اللفظ وباعتبار البعدية فتقدم الوصية على الدين في المعنى والله أعلم (قوله وقال ابن عباس
لا يوصى العبد إلا بإذن أهله) وصله بن أبي شيبة من طريق شبيب بن عرقدة عن جندب قال سأل
طهمان ابن عباس أيوصي العبد قال لا الا بإذن أهله (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم العبد
راع في مال) سيده هو طرف من حديث تقدم ذكره موصولا في باب كراهية التطاول على الرقيق
من كتاب العتق من حديث نافع عن بن عمر وأراد البخاري بذلك توجيه كلام ابن عباس المذكور
قال ابن المنير لما تعارض في مال العبد حقه وحق سيده قدم الأقوى وهو حق السيد وجعل العبد
مسؤلا عنه وهو أحد الحفظة فيه فكذلك حق الدين لما عارضه حق الوصية والدين واجب
والوصية تطوع وجب تقديم الدين فهذا وجه مناسبة هذا الأثر والحديث للترجمة ثم أورد
المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث حكيم بن حزام أن هذا المال خضر حلو الحديث
وقد تقدم مشروحا في كتاب الزكاة قال بن المنير وجه دخوله في هذا الباب من جهة أنه صلى الله
عليه وسلم زهده في قبول العطية وجعل يد الآخذ سفلى تنفيرا عن قبولها ولم يقع مثل ذلك في
تقاضى الدين فالحاصل أن قابض الوصية يده سفلى وقابض الدين مستوف لحقه إما أن تكون
يده عليا بما تفضل به من القرض وإما أن لا تكون يده سفلى فيتحقق بذلك تقديم الدين على
الوصية * ثانيهما حديث كلكم راع ومسئول عن رعيته من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه
وقد تقدم من وجه آخر في العتق ويأتي الكلام عليه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وقد
خالف الطحاوي في هذه المسألة أصحابه فذكر اختلاف العلماء نحو ما سبق ثم ذكر أن الصحيح
283

ما ذهب إليه الجماعة وصرح بتزييف ما تقدم عن أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد في هذه
المسألة * (تنبيه) * وقع في شرح مغلطاي أن البخاري قال هنا وقال إسماعيل بن جعفر أخبرني
عبد العزيز عن إسحاق عن أنس في قصة بيرحاء ونقلت عن أبي العباس الطرقي 2 أن البخاري وصله
عن الحسن بن شوكر عن إسماعيل وقال شيخنا ابن الملقن أن هذا وهم وإنما ذكره البخاري في باب
من تصدق إلى وكيله كما سيأتي (قوله باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه ومن الأقارب)
وقع في بعض النسخ أوقف بزيادة ألف وهي لغة قليلة وحذف المصنف جواب قوله إذا إشارة إلى
الخلاف في ذلك أي هل يصح أم لا وأورد المصنف المسألة الأخرى مورد الاستفهام لذلك أيضا
وتضمنت الترجمة التسوية بين الوقف والوصية فيما يتعلق بالأقارب وقد استطرد المصنف من هنا
إلى مسائل الوقف فترجم لما ظهر له منها ثم رجع أخيرا إلى تكملة كتاب الوصايا وقد قال الماوردي
تجوز الوصية لكل من حاز الوقف عليه من صغير وكبير وعاقل ومجنون وموجود ومعدوم إذا لم
يكن وارثا ولا قاتلا والوقف منع بيع الرقبة والتصدق بالمنفعة على وجه مخصوص وقد اختلف
العلماء في الأقارب فقال أبو حنيفة القرابة كل ذي رحم محرم من قبل الأب أو الام ولكن يبدأ
بقرابة الأب قبل الام وقال أبو يوسف ومحمد من جمعهم أب منذ الهجرة من قبل أب أو أم من غير
تفصيل زاد زفر ويقدم من قرب منهم وهي رواية عن أبي حنيفة أيضا وأقل من يدفع إليه ثلاث
وعند محمد اثنان وعند أبي يوسف واحد ولا يصرف للأغنياء عندهم إلا أن يشترط ذلك وقالت
الشافعية القريب من اجتمع في النسب سواء قرب أم بعد مسلما كان أو كافرا غنيا كان أو فقيرا
ذكرا كان أو أنثى وارثا كان أو غير وارث محرما كان أو غير محرم واختلفوا في الأصول والفروع على وجهين
وقالوا إن وجد جمع محصورون أكثر من ثلاثة استوعبوا وقيل يقتصر على ثلاثة وأن كانوا غير
محصورين فنقل الطحاوي الاتفاق على البطلان وفيه نظر لان الشافعية وجها بالجواز
ويصرف منهم لثلاثة ولا تجب التسوية وقال أحمد في القرابة كالشافعي إلا أنه أخرج الكافر
وفى رواية عنه القرابة كل من جمعه والموصي الأب الرابع إلى ما هو أسفل منه وقال مالك
يختص بالعصبة سواء كان يرثه أو لا ويبدأ بفقرائهم حتى يغنوا ثم يعطي الأغنياء وحديث الباب
يدل لما قاله الشافعي سوى اشتراط ثلاثة فظاهره الاكتفاء باثنين وسأذكر بيان ذلك إن شاء الله تعالى
(قوله وقال ثابت عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة اجعله لفقراء أقاربك فجعلها
لحسان وأبي بن كعب) هو طرف من حديث أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وغيرهم من طريق حماد
ابن سلمة عن ثابت وسأذكر ما فيه من زيادة بعد أبواب (قوله وقال الأنصاري) هو محمد بن عبد الله
ابن المثنى وثمامة هو ابن عبد الله بن أنس بن مالك والاسناد كله أنسيون بصريون وقد سمع
البخاري من الأنصاري هذا كثيرا (قوله بمثل حديث ثابت قال اجعلها لفقراء قرابتك قال أنس
فجعلها لحسان وأبي بن كعب) كذا اختصره هنا وقد وصله في تفسير آل عمران مختصرا أيضا عقب
رواية إسحق بن أبي طلحة عن أنس في هذه القصة قال حدثنا الأنصاري فذكر هذا الاسناد قال
فجعلها لحسان وأبي وكانا أقرب إليه ولم يجعل لي منها شيئا وسقط هذا القدر من رواية أبي ذر وقد
أخرجه ابن خزيمة والطحاوي جميعا عن بن مرزوق وأبو نعيم في المستخرج من طريقه والبيهقي
من طريق أبي حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري بتمامه ولفظه لما نزلت لن تنالوا البر الآية أو من
284

ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا جاء أبو طلحة فقال يا رسول الله حائطي لله فلو استطعت أن أسره
لم أعلنه فقال اجعله في قرابتك وفقراء أهلك قال أنس فجعلها لحسان ولأبي ولم يجعل لي منها شيئا
لأنهما كانا أقرب إليه مني لفظ أبي نعيم وفي رواية الطحاوي كانت لأبي طلحة أرض فجعلها لله فأتى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال له اجعلها في فقراء قرابتك فجعلها لحسان وأبي وكانا أقرب إليه مني
وفى رواية أبي حاتم الرازي فقال حائطي بكذا وكذا وقال فيه فقال اجعلها في فقراء أهل بيتك قال
فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب وأخرجه الدارقطني من طريق صاعقة عن الأنصاري
فذكر فيه للأنصاري شيخا آخر فقال حدثنا حميد عن أنس قال لما نزلت لن تنالوا البر الآية أو من
ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال أبو طلحة يا رسول الله حائطي في مكان كذا وكذا صدقة لله
تعالى والباقي مثل رواية أبي حاتم إلا أنه قال اجعلها في فقراء أهل بيتك وأقاربك ثم ساقه بالاسناد
الأول قال مثله وزاد فيه فجعلها لأبي بن كعب وحسان بن ثابت وكانا أقرب إليه مني وإنما
أوردت هذه الطرق لأني رأيت بعض الشراح ظن أن الذي وقع في البخاري من شرح قرابة أبي
طلحة من حسان وأبي بقية من الحديث المذكور وليس كذلك بل انتهى الحديث إلى قوله وكانا
أقرب إليه مني ومن قوله وكان قرابة حسان وأبي من أبي طلحة الخ من كلام البخاري أو من شيخه
فقال واسمه أي اسم أبي طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام وهو بالمهملتين بن عمرو بن زيد مناة
وهو بالإضافة ابن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام يعني ابن
عمرو المذكور فيجتمعان إلى حرام وهو الأب الثالث ووقع هنا في رواية أبي ذر وحرام بن عمرو
وساق النسب ثانيا إلى النجار وهو زيادة لا معنى لها ثم قال وهو يجامع حسان وأبا طلحة وأبيا إلى
ستة آباء إلى عمرو بن مالك هكذا أطلق في معظم الروايات فقال الدمياطي ومن تبعه هو ملبس
مشكل وشرع الدمياطي في بيانه ويغني عن ذلك ما وقع في رواية المستملي حيث قال عقب ذلك
وأبى بن كعب هو ابن قيس بن عبيد الله بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار فعمرو بن مالك
يجمع حسان وأبا طلحة وأبيا اه وقال أبو داود في السنن بلغني عن محمد بن عبد الله الأنصاري
أنه قال أبو طلحة هو زيد بن سهل فساق نسبه ونسب حسان بن ثابت وأبي بن كعب كما تقدم ثم قال
الأنصاري فبين أبي طلحة وأبي بن كعب ستة آباء قال وعمرو بن مالك يجمع حسانا وأبيا وأبا طلحة
فظهر من هذا أن الذي وقع في البخاري من كلام شيخه الأنصاري والله أعلم وذكر محمد بن الحسن
ابن زبالة في كتاب المدينة من مرسل أبي بكر بن حزم زيادة على ما في حديث أنس ولفظه أن أبا
طلحة تصدق بماله وكان موضعه قصر بني حديلة إلى رسول الله فرده على أقاربه أبي بن
كعب وحسان بن ثابت وثبيط بن جابر وشداد بن أوس أو ابنه أوس بن ثابت فتقاوموه فصار
لحسان فباعه من معاوية بمائة ألف فابتنى قصر بني حديلة في موضعها اه وجد ثبيط بن
جابر بن مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي بن مالك بن النجار يجتمع مع أبي بن كعب في مالك بن النجار
فهو أبعد من أبي بن كعب بواحد وابن زبالة ضعيف فلا يحتج بما ينفرد به فكيف إذا خالف
وملخص ذلك أن أحد الرجلين اللذين خصهما أبو طلحة بذلك أقرب إليه من الآخر فحسان يجتمع
معه في الأب الثالث وأبي يجتمع معه في الأب السادس فلو كانت الأقربية معتبرة لخص بذلك
حسان بن ثابت دون غيره فدل على أنها غير معتبرة وإنما قال أنس لأنهما كانا أقرب إليه مني لان
285

الذي يجمع أبا طلحة وأنسا النجار لأنه من بني عدي بن النجار وأبو طلحة وأبي بن كعب كما تقدم من
بنى مالك بن النجار فلهذا كان أبي بن كعب أقرب إلى أبي طلحة من أنس ويحتمل أن يكون أبو طلحة
راعى فيمن أعطاه من قرابته الفقر لكن استثنى من كان مكفيا ممن تجب عليه نفقته فلذلك لم
يدخل أنسا فظن أنس أن ذلك لبعد قرابته منه والله أعلم واستدل لأحمد بأن المراد بذي القربى في
قوله تعالى وللرسول ولذي القربى بنو هاشم وبنو المطلب لتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم إياهم
بسهم ذي القربى وإنما يجتمع مع بني عبد المطلب في الأب الرابع وتعقبه الطحاوي بأنه لو كان
المراد ذلك لشرك معهم بني نوفل وبني عبد شمس لأنهما ولدا عبد مناف كالمطلب وهاشم فلما
خص بني هاشم وبني المطلب دون بني نوفل وعبد شمس دل على أن المراد بسهم ذوي القربى دفعه
لناس مخصوصين بينه النبي صلى الله عليه وسلم بتخصيصه بني هاشم وبني المطلب فلا يقاس عليه
من وقف أو أوصى لقرابته بل يحتمل اللفظ على مطلقه وعمومه حتى يثبت ما يقيده أو يخصصه
والله أعلم (قوله وقال بعضهم) هو قول أبي يوسف ومن وافقه كما تقدم ثم ذكر المصنف قصة
أبى طلحة من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أوردها مختصرة وستأتي بتمامها
في باب إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود (قوله وقال ابن عباس لما نزلت وأنذر عشيرتك
الأقربين جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون من قريش) هكذا
أورده مختصرا وقد وصله في مناقب قريش وتفسير سورة الشعراء بتمامه من طريق عمرو
ابن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وأورد في آخر الجنائز طرفا منه في قصة أبي لهب
موصولة وسيأتي شرحه وشرح الذي بعده في تفسير سورة الشعراء إن شاء الله تعالى
(قوله وقال أبو هريرة لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين قال النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر
قريش) هو طرف من حديث وصله في الباب الذي بعده (قوله باب هل يدخل
النساء والولد في الأقارب) هكذا أورد الترجمة بالاستفهام لما في المسألة من الاختلاف كما تقدم
ثم أورد في الباب حديث أبي هريرة قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل
وأنذر عشيرتك الأقربين قال يا معشر قريش أو كلمة نحوها الحديث بطوله وموضع الشاهد
منه قوله فيه ويا صفية ويا فاطمة فإنه سوى صلى الله عليه وسلم في ذلك بين عشيرته فعمهم أولا ثم
خص بعض البطون ثم ذكر عمه العباس وعمته صفية وابنته فدل وعلى دخول النساء في الأقارب
وعلى دخول الفروع أيضا وعلى عدم التخصيص بمن يرث ولا بمن كان مسلما ويحتمل أن يكون لفظ
الأقربين صفة لازمة للعشيرة والمراد بعشيرته قومه وهم قريش وقد روى ابن مردويه من
حديث عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قريشا فقال وأنذر عشيرتك الأقربين يعني
قومه وعلى هذا فيكون قد أمر بانذار قومه فلا يختص ذلك بالأقرب منهم دون الابعد فلا حجة فيه
في مسألة الوقف لان صورتها ما إذا وقف على قرابته أو على أقرب الناس إليه مثلا والآية تتعلق
بانذار العشيرة فافترقا والله أعلم وقال ابن المنير لعله كان هناك قرينة فهم بها النبي صلى الله عليه
وسلم تعميم الانذار فلذلك عمهم انتهى ويحتمل أن يكون أولا خص أتباعا بظاهر القرابة ثم عم لما
عنده من الدليل على التعميم لكونه أرسل إلى الناس كافة * (تنبيه) * يجوز في يا عباس
286

وفى يا صفية وفي يا فاطمة الضم والنصب قوله تابعه أصبغ عن بن وهب عن يونس عن ابن شهاب)
وصله الذهلي في الزهريات عن أصبغ وهو عند مسلم عن حرملة عن بن وهب (قوله باب
هل ينتفع الواقف بوقفه) أي بأن يقف على نفسه ثم على غيره أو بأن يشرط لنفسه من المنفعة جزءا
معينا أو يجعل للناظر على وقفه شيئا ويكون هو الناظر وفي هذا كله خلاف فأما الوقف على النفس
فسيأتي البحث فيه في باب الوقف كيف يكتب وأما شرط شئ من المنفعة فسيأتي في باب قوله تعالى
وابتلوا اليتامى وأما ما يتعلق بالنظر فأذكره هنا ووقع قبل الباب في المستخرج لأبي نعيم كتاب
الأوقاف باب هل ينتفع الواقف بوقفه ولم أر ذلك لغيره (قوله وقد اشترط عمر الخ) هو طرف من قصة
وقف عمر وقد تقدمت موصولة في آخر الشروط وقوله وقد يلي الواقف وغيره الخ هو من تفقه
المصنف وهو يقتضي أن ولاية النظر للواقف لا نزاع فيها وليس كذلك وكأنه فرعه على المختار
عنده وإلا فعند المالكية أنه لا يجوز وقيل أن دفعه الواقف لغيره ليجمع غلته ولا يتولى تفرقتها
الا الواقف جاز قال بن بطال وإنما منع مالك من ذلك سدا للذريعة لئلا يصير كأنه وقف على نفسه
أو يطول العهد فينتسى الوقف أو يفلس الواقف فيتصرف فيه لنفسه أو يموت فيتصرف فيه
ورثته وهذا لا يمنع الجواز إذا حصل الامن عن ذلك لكن لا يلزم من أن النظر يجوز للواقف أن
ينتفع به نعم إن شرط ذلك جاز على الراجح والذي احتج به المصنف من قصة عمر ظاهر في الجواز ثم قواه
بقوله وكذلك كل من جعل بدنة أو شيئا لله فله أن ينتفع به كما ينتفع غيره وأن لم يشترطه ثم أورد
حديثي أنس وأبي هريرة في قصة الذي ساق البدنة وأمره صلى الله عليه وسلم بركوبها وقد قدمت
الكلام عليه في الحج مستوفى وبينت هناك من أجاز ذلك مطلقا ومن منع ومن قيد بالضرورة
والحاجة وقد تمسك به من أجاز الوقف على النفس من جهة أنه إذا جاز له الانتفاع بما أهده بعد
خروجه عن ملكه بغير شرط فجوازه بالشرط أولى وقد اعترضه ابن المنير بأن الحديث لا يطابق
الترجمة إلا عند من يقول أن المتكلم داخل في عموم خطابه وهي من مسائل الخلاف في الأصول
قال والراجح عند المالكية تحكيم العرف حتى يخرج غير المخاطب من العموم بالقرينة وقال
ابن بطال لا يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه لأنه أخرجه لله وقطعه عن ملكه فانتفاعه بشئ منه
رجوع في صدقته ثم قال وإنما يجوز له ذلك إن شرطه في الوقف أو افتقر هو أو ورثته انتهى
والذي عند الجمهور جواز ذلك إذا وقفه على الجهة العامة دون الخاصة كما سيأتي في أواخر كتاب
الوصايا في ترجمة مفردة ومن فروع المسألة لو وقف على الفقراء مثلا ثم صار فقيرا أو أحد من
ذريته هل يتناول ذلك والمختار أنه يجوز بشرط أن لا يختص به لئلا يدعي أنه ملكه بعد ذلك
(قوله باب إذا وقف شيئا قبل أن يدفعه إلى غيره فهو جائز) أي صحيح وهو قول
الجمهور وعن مالك لا يتم الوقف الا بالقبض وبه قال محمد بن الحسن والشافعي في قول واحتج
الطحاوي الصحة بأن الوقف شبيه بالعتق لاشتراكهما في أنهما تمليك لله تعالى فينفذ بالقول المجرد
عن القبض ويفارق الهبة في أنها تمليك لآدمي فلا تتم إلا بقبضه واستدل البخاري في ذلك بقصة
عمر فقال لان عمر أوقف وقال لا جناح على من وليه أن يأكل ولم يخص إن وليه عمر أو غيره وفي وجه
الدلالة منه غموض وقد تعقب بأن غاية ما ذكر عن عمر هو أن كل من ولي الوقف أبيح له التناول
وقد تقدم ذلك في الترجمة التي قبلها ولا يلزم من ذلك أن كل أحد يسوغ له أن يتولى الوقف
287

المذكور بل الوقف لا بد له من متول فيحتمل أن يكون صاحبه ويحتمل أن يكون غيره فليس في
قصة عمر ما يعين أحد الاحتمالين والذي يظهر أن مراده أن عمر لما وقف ثم شرط لم يأمره النبي
صلى الله عليه وسلم بإخراجه عن يده فكان تقريره لذلك دالا على صحة الوقف وأن لم يقبضه
الموقوف عليه وأما ما زعمه بن التين من أن عمر دفع الوقف لحفصة فمردود كما سأوضحه في باب الوقف
كيف يكتب إن شاء الله تعالى تنبيه قوله أوقف كذا ثبت للأكثر وهي لغة نادرة
والفصيح المشهور وقف بغير ألف ووهم من زعم أن أوقف لحن قال ابن التين قد ضرب على
الألف في بعض النسخ واسقاطها صواب قال ولا يقال أوقف الا لمن فعل شيئا ثم نزع عنه (قوله
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة أرى أن تجعلها في الأقربين) الحديث تقدم موصولا
قريبا وهذا لفظ إسحاق بن أبي طلحة قال الداودي ما استدل به البخاري على صحة الوقف قبل
القبض من قصة عمر وأبي طلحة للشئ على ضده وتمثيله بغير جنسه ودفع للظاهر عن وجهه
لأنه هو روى أن عمر دفع الوقف لابنته وأن أبا طلحة دفع صدقته إلى أبي بن كعب وحسان وأجاب
ابن التين بأن البخاري إنما أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج عن أبي طلحة ملكه بمجرد قوله
هي لله صدقة ولهذا يقول مالك أن الصدقة تلزم بالقول وأن كان يقول إنها لا تتم إلا بالقبض ثم
استدلاله بقصة عمر معترض وانتقاد الداودي صحيح انتهى وقد قدمت توجيهه وأما بن بطال
فنازع في الاستدلال بقصة أبي طلحة بأنه يحتمل أن تكون خرجت من يده ويحتمل أنها استمرت فلا
دلالة فيها وأجاب بن المنير بأن أبا طلحة أطلق صدقة أرضه وفوض إلى النبي صلى الله عليه وسلم
مصرفها فلما قال له أرى أن تجعلها في الأقربين ففوض له قسمتها بينهم صار كأنه أقرها في يده بعد
أن مضت الصدقة (قلت) وسيأتي التصريح بأن أبا طلحة هو الذي تولى قسمتها وبذلك يتم
الجواب وقد باشر أبو طلحة تعيين مصرفها تفصيلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأن كان عين له
جهة المصرف لكنه أجمل فاقتصر على الأقربين فلما لم يمكن أبا طلحة أن يعم بها الأقربين لانتشارهم
اقتصر على بعضهم فخص بها من أختار منهم 0 قوله باب إذا قال داري صدقة
لله ولم يبين للفقراء أو غيرهم فهو جائز ويعطيها للأقربين أو حيث أراد) أي تتم الصدقة قبل
تعيين جهة مصرفها ثم يعين بعد ذلك فيما شاء 0 قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة الخ)
هو من سياق إسحاق بن أبي طلحة أيضا وقوله فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم ذلك هو من تفقه
المصنف وقوله وقال بعضهم لا يجوز حتى يبين لمن أي حتى يعين وسيأتي بيانه في الباب الذي
يليه (قوله باب إذا قال أرضي أو بستاني صدقة لله عن أمي فهو جائز وأن
لم يبين لمن ذلك) فهذه الترجمة أخص من التي قبلها لان الأولى فيما إذا لم يعين
المتصدق عنه ولا المتصدق عليه وهذه فيما إذا عين المتصدق عنه فقط قال بن بطال ذهب مالك إلى صحة الوقف
وان لم يعين مصرفه ووافقه أبو يوسف ومحمد والشافعي في قول قال بن القصار وجهه أنه إذا قال
وقف أو صدقة فإنما أراد به البر والقربة وأولى الناس ببره أقاربه ولا سيما إذا كانوا فقراء وهو كمن
أوصى بثلث ماله ولم يعين مصرفه فإنه يصح ويصرف في الفقراء والقول الاخر للشافعي أن الوقف
لا يصح حتى يعين جهة مصرفه وإلا فهو باق على ملكه وقال بعض الشافعية إن قال وقفته
وأطلق فهو محل الخلاف وأن قال وقفته لله خرج عن ملكه جزما ودليله قصة أبي طلحة قوله
288

حدثنا محمد كذا للأكثر غير منسوب وفي رواية أبي ذر وابن شبويه حدثنا محمد بن سلام (قوله
أخبرني يعلى) هو ابن مسلم سماه عبد الرزاق في روايته عن ابن جريج عنه وهو مكي أصله من
البصرة ووهم الطرقي في زعمه أنه ابن حكيم وليس ليعلى بن مسلم عن عكرمة في البخاري سوى هذا
الموضع ورجال الاسناد ما بين مكي وبصري (قوله إن سعد بن عبادة) هو الأنصاري الخزرجي
سيد الخزرج وسيأتي بعد أبواب من هذا الوجه أن سعد بن عبادة أخي بني ساعدة وبنو ساعدة
بطن من الخزرج شهير (قوله توفيت أمه وهو غائب عنها) هي عمرة بنت مسعود وقيل سعد بن
قيس بن عمرو أنصارية خزرجية ذكر بن سعد أنها أسلمت وبايعت وماتت سنة خمس والنبي صلى
الله عليه وسلم في غزوة دومة الجندل وابنها سعد بن عبادة معه قالا فلما رجعوا جاء النبي صلى الله
عليه وسلم فصلى على قبرها وعلى هذا فهذا الحديث مرسل صحابي لان بن عباس كان حينئذ مع
أبويه بمكة والذي يظهر أنه سمعه من سعد بن عبادة كما سيأتينه بعد ثلاثة أبواب (قوله المخراف)
بكسر أوله وسكون المعجمة وآخره فاء أي المكان المثمر سمي بذلك لما يخرف منه أي يجنى من
الثمرة تقول شجرة مخراف ومثمار قاله الخطابي ووقع في رواية عبد الرزاق المخرف بغير ألف وهو
اسم الحائط المذكور والحائط البستان (قوله باب إذا تصدق أو وقف بعض
ماله أو بعض رقيقه أو دوابه فهو جائز) هذه الترجمة معقودة لجواز وقف المنقول والمخالف فيه
أبو حنيفة ويؤخذ منها جواز وقف المشاع والمخالف فيه محمد بن الحسن لكن خص المنع بما
يمكن قسمته واحتج له الجوري بضم الجيم وهو من الشافعية بأن القسمة بيع وبيع الوقف لا يجوز
وتعقب بأن القسمة افراز فلا محذور ووجه كونه يؤخذ منه وقف المشاع ووقف المنقول هو
من قوله أو بعض رقيقه أو دوابه فإنه يدخل فيه ما إذا وقف جزءا من العبد أو الدابة أو وقف
أحد عبديه أو فرسيه مثلا فيصح كل ذلك عند من يجيز وقف المنقول ويرجع إليه في التعيين
(قوله قلت يا رسول الله أن من توبتي الخ) هذا طرف من حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه
عن غزوة تبوك وسيأتي الحديث بطوله في كتاب المغازي مع استيفاء شرحه وشاهد الترجمة منه
قوله أمسك عليك بعض مالك فإنه ظاهر في أمره بإخراج بعض ماله وامساك بعض ماله من غير
تفصيل بين أن يكون مقسوما أو مشاعا فيحتاج من منع وقف المشاع إلى دليل المنع والله أعلم
واستدل به على كراهة التصدق بجميع المال وقد تقدم البحث فيه في كتاب الزكاة ويأتي شئ
منه في كتاب الايمان والنذور إن شاء الله تعالى 0 قوله باب من تصدق إلى وكيله
ثم رد الوكيل) إليه هذه الترجمة وحديثها سقط من أكثر الأصول ولم يشرحه ابن بطال وثبت في
رواية أبي ذر عن الكشميهني خاصة لكن في روايته على وكيله وثبتت الترجمة وبعض الحديث
في رواية الحموي وقد نوزع البخاري في انتزاع هذه الترجمة من قصة أبي طلحة وأجيب بأن مراده
ان أبا طلحة لما أطلق أنه تصدق وفوض إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعيين المصرف وقال له النبي
صلى الله عليه وسلم دعها في الأقربين كان شبيها بما ترجم به ومقتضى ذلك الصحة (قوله وقال
إسماعيل أخبرني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة) يعني الماجشون كذا ثبت في أصل أبي ذر
ووقع في الأطراف لأبي مسعود وخلف جميعا أن إسماعيل المذكور هو بن جعفر وبه جزم أبو
نعيم في المستخرج وقال رأيته في نسخة أبي عمرو يعني الجيزي قال إسماعيل بن جعفر ولم يوصله أبو
289

نعيم ولا الإسماعيلي وزاد الطرقي في الأطراف أن البخاري أخرجه عن الحسن بن شوكر عن
إسماعيل بن جعفر وانفرد بذلك فإن الحسن بن شوكر لم يذكره أحد في شيوخ البخاري وهو ثقة وأبوه
بالمعجمة وزن جعفر وجزم المزي بأن إسماعيل هو بن أويس ولم يذكر لذلك دليلا إلا أنه وقع
في أصل الدمياطي بخطه في البخاري حدثنا إسماعيل فإن كان محفوظا تعين أنه بن أبي أويس
والا فالقول ما قال خلف ومن تبعه وعبد العزيز بن أبي سلمة وإن كان من أقران إسماعيل بن جعفر
فلا يمتنع أن يروي إسماعيل عنه والله أعلم وقد تقدمت الإشارة إلى شئ من هذا في باب إذا وقف
أو أوصى لأقاربه (قوله عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة لا أعلمه إلا عن أنس) كذا وقع عند
البخاري وذكره بن عبد البر في التمهيد فقال روى هذا الحديث عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك فذكره بطوله جازما والذي يظهر أن الذي قال
لا أعلمه إلا عن أنس هو البخاري (قوله لما نزلت لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون جاء أبو طلحة)
زاد ابن عبد البر ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر قال وكانت دار أبي جعفر والدار التي
تليها إلى قصر بني حديلة حوائط لأبي طلحة قال وكان قصر بني حديلة حائطا لأبي طلحة يقال لها
بيرحاء فذكر الحديث ومراده بدار أبي جعفر التي صارت إليه بعد ذلك وعرفت به وهو أبو جعفر
المنصور الخليفة المشهور العباسي وأما قصر بني حديلة وهو بالمهملة مصغر ووهم من قاله
بالجيم فنسب إليهم القصر بسبب المجاورة وإلا فالذي بناه هو معاوية بن أبي سفيان وبنو حديلة
بالمهملة مصغر بطن من الأنصار وهم بنو معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار وكانوا بتلك البقعة
فعرفت بهم فلما اشترى معاوية حصة حسان بني فيها هذا القصر فعرف بقصر بني حديلة ذكر
ذلك عمرو بن شبة وغيره في أخبار المدينة قالوا وبنى معاوية القصر المذكور ليكون له حصنا لما
كانوا يتحدثون به بينهم مما يقع لبني أمية أي من قيام أهل المدينة عليهم قال أبو غسان المدني
وكان لذلك القصر بابان أحدهما شارع على خط بني حديلة والآخر في الزاوية الشرقية وكان
الذي ولي بناءه لمعاوية الطفيل بن أبي بن كعب انتهى وأغرب الكرماني فزعم أن معاوية الذي
بنى القصر المذكور هو معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار أحد أجداد أبي طلحة وغيره وما ذكرته
عمن صنف في أخبار المدينة يرد عليه وهم أعلم بذلك من غيرهم (قوله وباع حسان حصته منه
من معاوية) هذا يدل على أن أبا طلحة ملكهم الحديقة المذكورة ولم يقفها عليهم إذ لو وقفها
ما ساغ لحسان أن يبيعها فيعكر على من استدل بشئ من قصة أبي طلحة في مسائل الوقف إلا فيما
لا تخالف فيه الصدقة الوقف ويحتمل أن يقال شرط أبو طلحة عليهم لما وقفها عليهم أن من
احتاج إلى بيع حصته منهم جاز له بيعها وقد قال بجواز هذا الشرط بعض العلماء كعلي وغيره
والله أعلم ووقع في أخبار المدينة لمحمد بن الحسن المخزومي من طريق أبي بكر بن حزم أن ثمن حصة
حسان مائة ألف درهم قبضها من معاوية بن أبي سفيان (قوله باب قول الله
عز وجل وإذا حضر القسمة الآية) ذكر فيه حديث بن عباس قال أن ناسا يزعمون أن هذه الآية
نسخت الحديث وسيأتي الكلام عليه في التفسير وذكر من أراد بن عباس بقوله أن ناسا يزعمون
290

وأن منهم عائشة رضي الله عنها وغير ذلك من الأقوال في دعوى كونها محكمة أو منسوخة
0 قوله باب ما يستحب لمن توفي فجاءة) بضم الفاء وبالجيم الخفيفة والمد ويجوز فتح
الفاء وسكون الجيم بغير مد أن يتصدقوا عنه وقضاء النذور عن الميت أورد فيه حديث عائشة
أن رجلا قال أن أمي افتلتت نفسها وحديث بن عباس أن سعد بن عبادة قال أن أمي ماتت
وعليها نذر وكأنه رمز إلى أن المهم في حديث عائشة هو حديث سعد بن عبادة وقد تقدم حديث ابن
عباس في قصة سعد بن عبادة بلفظ آخر ولا تنافي بين قوله إن أمي ماتت وعليها نذر وبين قوله أن أمي
توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها شئ أن تصدقت به عنها لاحتمال أن يكون سأل عن النذر
وعن الصدقة عنها وبين النسائي من وجه آخر جهة الصدقة المذكورة فأخرج من طريق سعيد
ابن المسيب عن سعد بن عبادة قال قلت يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها قال نعم قلت فأي
الصدقة أفضل قال سقي الماء وأخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق حماد بن خالد عنه
باسناد الحديث الثاني في هذا الباب لكن بلفظ أن سعدا قال يا رسول الله أتنتفع أمي إن
تصدقت عنها وقد ماتت قال نعم قال فما تأمرني قال أسق الماء والمحفوظ عن مالك ما وقع في هذا
الباب والله أعلم وقد تقدمت تسمية أم سعد قريبا (قوله افتلتت) بضم المثناة بعد الفاء الساكنة
وكسر اللام أي أخذت فلتة أي بغتة وقوله نفسها بالضم على الأشهر وبالفتح أيضا وهو موت
الفجأة والمراد بالنفس هنا الروح (قوله وأراها لو تكلمت تصدقت) بضم همزة أراها وقد
تقدم في الجنائز من وجه آخر عن هشام بلفظ وأظنها وهو يشعر بأن رواية بن القاسم عن مالك
عند النسائي بلفظ وإنها لو تكلمت تصحيف وظاهره أنها لم تتكلم فلم تتصدق لكن في الموطأ
عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده قال خرج سعد
ابن عبادة مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وحضرت أمه الوفاة بالمدينة فقيل لها
أوصى فقالت فيم أوصي المال مال سعد فتوفيت قبل أن يقدم سعد فذكر الحديث فإن
أمكن تأويل رواية الباب بأن المراد أنها لم تتكلم أي بالصدقة ولو تكلمت لتصدقت أي فكيف
أمضى ذلك أو يحمل على أن سعدا ما عرف بما وقع منها فإن الذي روى هذا الكلام في الموطأ
هو سعيد بن سعد بن عبادة أو ولده شرحبيل مرسلا فعلى التقديرين لم يتحد راو الاثبات
وراوي النفي فيمكن الجمع بينهما بذلك والله أعلم (قوله أفأتصدق عنها) في الرواية المتقدمة
في الجنائز فهل لها أجر إن تصدقت عنها قال نعم ولبعضهم أتصدق عليها أو أصرفه على مصلحتها
(قوله إن سعد بن عبادة) كذا رواه مالك وتابعه الليث وبكر بن وائل وغيرهما عن الزهري
وقال سليمان بن كثير عن الزهري عن عبيد الله عن بن عباس عن سعد بن عبادة أنه استفتى
جعله من مسند سعد أخرج جميع ذلك النسائي وأخرجه أيضا من رواية الأوزاعي ومن
رواية سفيان بن عيينة كلاهما عن الزهري على الوجهين وقد قدمت أن ابن عباس لم يدرك القصة
فتعين ترجيح رواية من زاد فيه عن سعد بن عبادة ويكون بن عباس قد أخذه عنه ويحتمل
أن يكون أخذه عن غيره ويكون قول من قال عن سعد بن عبادة لم يقصد به الرواية وإنما أراد
عن قصة سعد بن عبادة فتتحد الروايتان (قوله وعليها نذر فقال اقضه عنها) في رواية قتيبة
عن مالك لم تقضه وفي رواية سليمان بن كثير المذكورة أفيجزئ عنها أن أعتق عنها قال أعتق
291

عن أمك فأفادت هذه الرواية بيان ما هو المنذر المذكور وهو أنها نذرت أن تعتق رقبة فماتت
قبل أن تفعل ويحتمل أن تكون نذرت نذرا مطلقا غير معين فيكون في الحديث حجة لمن أفتى في
النذر المطلق بكفارة يمين والعتق أعلى كفارات الايمان فلذلك أمره أن يعتق عنها وحكى ابن
عبد البر عن بعضهم أن النذر الذي كان على والدة سعد صيام واستند إلى حديث ابن عباس
المتقدم في الصوم أن رجلا قال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم الحديث ثم رده بان في
بعض الروايات عن ابن عباس جاءت امرأة فقالت أن أختي ماتت (قلت) والحق أنها قصة
أخرى وقد أوضحت ذلك في كتاب الصيام وفي حديث الباب من الفوائد جواز الصدقة عن الميت
وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه ولا سيما إن كان من الولد وهو مخصص لعموم قوله تعالى
وأن ليس للانسان إلا ما سعى ويلتحق بالصدقة العتق عنه عند الجمهور خلافا للمشهور عند
المالكية وقد اختلف في غير الصدقة من أعمال البر هل تصل إلى الميت كالحج والصوم وقد تقدم
شئ من ذلك في الصيام وفيه أن ترك الوصية جائز لأنه صلى الله عليه وسلم لم يذم أم سعد على ترك
الوصية قاله بن المنذر وتعقب بأن الانكار عليها قد تعذر لموتها وسقط عنها التكليف
وأجيب بأن فائدة إنكار ذلك لو كان منكرا ليتعظ غيرها ممن سمعه فلما أقر على ذلك دل على
الجواز وفيه ما كان الصحابة عليه من استشارة النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدين وفيه
العمل بالظن الغالب وفيه الجهاد في حياة الام وهو محمول على أنه استأذنها وفيه السؤال عن
التحمل والمسارعة إلى عمل البر والمبادرة إلى بر الوالدين وأن إظهار الصدقة قد يكون خيرا من
اخفائها وهو عند اغتنام صدق النية فيه وأن للحاكم تحمل الشهادة في غير مجلس الحكم نبه على
أكثر ذلك أبو محمد بن أبي جمرة رحمه الله تعالى وفي بعضه نظر لا يخفى وكلامه على أصل الحديث وهو
في الباب الذي يليه أبسط من هذا الباب (قوله باب الاشهاد في الوقف والصدقة)
أورد فيه حديث بن عباس المذكور آنفا لقوله فيه أشهدك أن حائطي المخراف صدقة وألحق
المصنف الوقف بالصدقة لكن في الاستدلال لذلك بقصة سعد نظر لان قوله أشهدك يحتمل إرادة
الاشهاد المعتبر ويحتمل أن يكون معناه الاعلام واستدل المهلب للاشهاد في الوقف بقوله تعالى
وأشهدوا إذا تبايعتم قال فإذا أمر بالاشهاد في البيع وله عوض فلان يشرع في الوقف الذي
لا عوض له أولى وقال ابن المنير كأن البخاري أراد دفع التوهم عمن يظن أن الوقف من أعمال
البر فيندب إخفاؤه فبين أنه يشرع إظهاره لأنه بصدد أن ينازع فيه ولا سيما من الورثة (قوله
باب قوله عز وجل وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا
أموالهم إلى أموالكم إلى قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء) أورد فيه حديث عائشة في
تفسير قوله تعالى وان خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى وفي تفسير قوله تعالى ويستفتونك في
النساء قل الله يفتيكم فيهن سيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في التفسير وقد أغفل
292

المزي عزو هذا الحديث إلى كتاب الوصايا (قوله باب قول الله تعالى وابتلوا اليتامى
حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) ساق في رواية الأصيلي
وكريمة إلى قوله نصيبا مفروضا وأما في رواية أبي ذر فقال بعد قوله رشدا إلى قوله مما قل منه أو كثر
نصيبا مفروضا (قوله حسيبا يعني كافيا) كذا للأكثر وسقط يعني لأبي ذر قال بن التين فسره
غيره عالما وقيل محاسبا وقيل مقتدرا وفي تفسير الطبري عن السدي وكفى بالله حسيبا أي شهيدا
(قوله وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته) كذا للأكثر وسقطت ما
الأولى لأبي ذر وهذه من مسائل الخلاف فقيل يجوز للوصي أن يأخذ من مال اليتيم قدر عمالته
وهو قول عائشة كما في ثاني حديثي الباب وعكرمة والحسن وغيرهم وقيل لا يأكل منه إلا عند
الحاجة ثم اختلفوا فقال عبيدة بن عمرو وسعيد بن جبير ومجاهد إذا أكل ثم أيسر قضى وقيل
لا يجب القضاء وأن كان ذهبا أو فضة لم يجز أن يأخذ منه شيئا إلا على سبيل القرض وأن كان
غير ذلك جاز بقدر الحاجة وهذا أصح الأقوال عن ابن عباس وبه قال الشعبي وأبو العالية
وغيرهما أخرج جميع ذلك بن جرير في تفسيره وقال هو بوجوب القضاء مطلقا وانتصر له ومذهب
الشافعي يأخذ أقل الأمرين من أجرته ونفقته ولا يجب الرد على الصحيح وحكى بن التين عن
ربيعة أن المراد بالفقير والغني في هذه الآية اليتيم أي إن كان غنيا فلا يسرف في الانفاق عليه
وإن كان فقيرا فليطعمه من ماله بالمعروف ولا دلالة فيها على الاكل من مال اليتيم أصلا والمشهور
ما تقدم ثم أورد المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث عمر (قوله حدثنا هارون بن
الأشعث) هو الهمداني بسكون الميم أصله من الكوفة ثم سكن بخاري ولم يخرج عنه البخاري في
هذا الكتاب سوى هذا الموضع ووقع في بعض الروايات كرواية النسفي حدثنا هارون غير منسوب
فزعم ابن عدي أنه هارون بن يحيى المكي الزبيري ولم يعرف من حاله شئ والمعتمد ما وقع عند أبي
ذر وغيره منسوبا (قوله تصدق بمال له) هو من إطلاق العام على الخاص لان المراد بالمال هنا
الأرض التي لها غلة (قوله يقال له ثمغ) بفتح المثلثة وسكون الميم بعدها معجمة ومنهم من فتح الميم
حكاه المنذري قال أبو عبيد البكري هي أرض تلقاء المدينة كانت لعمر (قلت) وسأذكر في باب
الوقف كيف يكتب كيفية مصيره إلى عمر مع بيان الاختلاف في ذلك إن شاء الله تعالى (قوله
فصدقته تلك كذا للكشميهني ولغيره ذلك (قوله ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف)
قال المهلب شبة البخاري الوصي بناظر الوقف ووجه الشبه أن النظر الموقوف عليهم من الفقراء
وغيرهم كالنظر لليتامى وتعقبه بن المنير بأن الواقف هو المالك لمنافع ما وقفه فإن شرط لمن يلي
نظره شيئا ساغ له ذلك والموصي ليس كذلك لان ولده يملكون المال بعده بقسمة الله لهم فلم يكن في
ذلك كالواقف اه ومقتضاه أن الموصي إذا جعل للوصي أن يأكل من مال الموصى عليهم
لا يصح ذلك وليس كذلك بل هو سائغ إذا عينه وإنما اختلف السلف فيما إذا أوصى ولم يعين
293

للوصي شيئا هل له أن يأخذ بقدر عمله أم لا وقال الكرماني وجه المطابقة هو من جهة أن القصد
أن الوصي يأخذ من مال اليتيم أجره بدليل قول عمر لا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف
* ثانيهما حديث عائشة في قوله تعالى ومن كان غنيا فليستعفف الآية قالت عائشة أنزلت في
والى اليتيم وفي رواية المستملي في وإلى مال اليتيم الخ وقد قدمت بيان الاختلاف في ذلك ويأتي
بقية شرحه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى (قوله باب قول الله تعالى إن الذين
يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) أورد فيه حديث
أبي هريرة في السبع الموبقات وفيه وأكل مال اليتيم وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الحدود
إن شاء الله تعالى وكنت قدمت في الشهادات أنني أشرح هذا الحديث هنا ثم حصل ذهول
فاستدركته في الموضع الذي أعاده فيه المصنف من كتاب الحدود وذكرت الاختلاف في ضابط
الكبيرة وفي عددها في أوائل كتاب الأدب (قوله باب يسألونك عن اليتامى قل
اصلاح لهم خير وأن تخالطوهم فإخوانكم إلى آخر الآية) كذا لأبي ذر ساق غيره الآية (قوله
لأعنتكم لأحرجكم وضيق) هو تفسير ابن عباس أخرجه ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة
عنه وزاد بعد قوله ضيق عليكم ولكنه وسع ويسر فقال ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان
فقيرا فليأكل بالمعروف يقول يأكل الفقير إذا ولي مال اليتيم بقدر قيامه على ماله ومنفعته ما لم
يسرف أو يبذر ثم أخرج من طريق سعيد بن جبير قال في قوله لأعنتكم لأحرجكم اه وقوله
أعنتكم فعل ماض من العنت بفتح المهملة والنون بعدها مثناة والهمزة للتعدية أي أوقعكم في
العنت (قوله وعنت خضعت) كذا وقع هنا واستغرب لأنه لا تعلق له بقوله أعنتكم بل هو فعل
ماض من العنو بضم المهملة والنون وتشديد الواو وليس هو من العنت في شئ لان التاء في العنت
أصلية وفي عنت للتأنيث ولام الفعل منه واو لكنها ذهبت في الوصل فلعل المصنف ذكر ذلك هنا
استطرادا وتفسير عنت الوجوه بخضعت أخرجه بن المنذر أيضا من طريق مجاهد وأخرج من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال قوله وعنت الوجوه أي ذلت ومن طريق أبي عبيدة قال
عنت استأسرت لان العاني هو الأسير فكأن من فسره بخضعت فسره بلازمه لان من لازم
الأسر الذلة والخضوع غالبا (قوله وقال لنا سليمان بن حرب الخ هو موصول وسليمان من شيوخ
البخاري وجرت عادة البخاري الاتيان بهذه الصيغة في الموقوفات غالبا وفي المتابعات نادرا ولم
يصب من قال أنه لا يأتي بها إلا في المذاكرة وأبعد من قال إن ذلك للإجازة (قوله ما رد ابن عمر على
أحد وصيته) يعني أنه كان يقبل وصية من يوصى إليه قال ابن التين كأنه كان يبتغي الاجر بذلك
لحديث أنا وكافل اليتيم كهاتين الحديث اه وسيأتي في كتاب الأدب مع الكلام عليه ومحل
كراهة الدخول في الوصايا أن يخشى التهمة أو الضعف عن القيام بحقها (قوله وكان ابن سيرين
أحب الأشياء إليه الخ) لم أقف عليه موصولا عنه قوله وكان طاوس الخ وصله سفيان بن عيينة
في تفسيره عن هشام بن حجير بمهملة ثم جيم مصغر عن طاوس أنه كان إذا سئل عن مال اليتيم يقرأ
ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وأن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح
(قوله وقال عطاء الخ) وصله بن أبي شيبة من رواية عبد الملك بن أبي سليمان عنه أنه سئل عن
الرجل يلي أموال أيتام فيهم الصغير والكبير ومالهم جميع لم يقسم قال ينفق على كل إنسان
294

منهم من ماله على قدره وقد روى عبد بن حميد من طريق قتادة قال لما نزلت ولا تقربوا مال اليتيم
الا بالتي هي أحسن كانوا لا يخالطونهم في مطعم ولا غيره فاشتد عليهم فأنزل الله الرخصة وان
تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح وروى الثوري في تفسيره عن سالم الأفطس
عن سعيد بن جبير أن سبب نزول الآية المذكورة لما نزلت ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما
عزلوا أموالهم عن أموالهم فنزلت قل إصلاح لهم خير وأن تخالطوهم فإخوانكم قال فخلطوا
أموالهم بأموالهم وهذا هو المحفوظ مع إرساله وقد وصله عطاء بن السائب بذكر ابن عباس فيه
أخرجه أبو داود والنسائي واللفظ له وصححه الحاكم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن وأن الذين
يأكلون أموال اليتامى ظلما اجتنب الناس مال اليتيم وطعامه فشق ذلك عليهم فشكوا إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فنزلت ويسئلونك عن اليتامى الآية ورواه النسائي من وجه آخر
عن عطاء بن السائب موصولا أيضا وزاد فيه وأحل لهم خلطهم وروى عبد بن حميد عن طريق
السدى عمن حدثه عن بن عباس قال المخالطة أن تشرب من لبنة ويشرب من لبنك وتأكل
من قصعته ويأكل من قصعتك والله يعلم المفسد من المصلح من يتعمد أكل مال اليتيم ومن
يتجنبه وقال أبو عبيد المراد بالمخالطة أن يكون اليتيم بين عيال المولى عليه فيشق عليه إفراز
طعامه فيأخذ من مال اليتيم قدر ما يرى أنه كافيه بالتحري فيخلطه بنفقة عياله ولما كان ذلك
قد تقع فيه الزيادة والنقصان خشوا من ذلك فوسع الله عليهم وهو نظير النهد حيث وسع عليهم في
خلط الأزواد في الاسفار كما تقدم في الشركة والله أعلم (قوله باب استخدام
اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له ونظر الام أو زوجها لليتيم أورد فيه حديث أنس
قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس له خادم فأخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي
الحديث وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى أما صدره ففي الجهاد وأما بقيته ففي كتاب الأدب
وعبد العزيز المذكور في الاسناد هو بن صهيب والاسناد كله بصريون وأبو طلحة كان زوج أم
سليم والدة أنس فالحديث مطابق لاحد ركني الترجمة وأما الركن الذي قبله وهو نظر الام فكأنه
استفيد من كون أبي طلحة لم يفعل ذلك إلا بعد رضا أم سليم أو أشار إلى ما ورد في بعض طرقه أن
أم سليم هي التي أحضرته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة وأما أبو طلحة فأحضره
إليه لما أراد الخروج إلى غزوة خيبر كما سيأتي ذلك صريحا في باب من غزا بصبي للخدة من كتاب
الجهاد ومن طريق عمرو بن أبي عمرو عن أنس وقد اختلف في حكم ما ترجم به فعن المالكية للام
وغيرها التصرف في مصالح من في كفالتهم من الأيتام وأن لم يكونوا أوصياء واستشكل بعضهم
جواز ذلك فإنه يفضي إلى أن اليتيم يشتغل بالخدمة عن التأديب وهو ضد المطلوب وجوابه أن
انتزاع الحكم المذكور من هذا الخبر يقتضي التقييد بما ورد في الخبر المستدل به وهو أن يكون
عند من يؤدبه وينتفع بتأديبه كما وقع لأنس في الخدمة النبوية فإنه استفاد بالمواظبة عليها من
الآداب ما فاق غيره ممن أدبه أبوه (قوله باب إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود
فهو جائز وكذلك الصدقة) كذا أطلق الجواز وهو محمول على ما إذا كان الموقوف أو المتصدق
به مشهورا متميزا بحيث يؤمن أن يلتبس بغيره وإلا فلا بد من التحديد اتفاقا لكن ذكر الغزالي في
295

فتاويه أن من قال اشهدوا على أن جميع أملاكي وقف على كذا وذكر مصرفها ولم يحدد شيئا منها
صارت جميعها وقفا ولا يضر جهل الشهود بالحدود ويحتمل أن يكون مراد البخاري أن الوقف
يصح بالصيغة التي لا تحديد فيها بالنسبة إلى اعتقاد الواقف وارادته لشئ معين في نفسه وإنما
يعتبر التحديد لأجل الاشهاد عليه ليبين حق الغير والله أعلم (قوله أكثر الأنصار) في رواية
الكشميهني أكثر أنصاري أي أكثر كل واحد من الأنصار والإضافة إلى المفرد النكرة عند
إرادة التفضيل سائغ (قوله مالا من نخل) تقدم في رواية عبد العزيز الماجشون عن إسحاق
تسمية حدائق أبي طلحة قريبا (قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها) زاد في رواية عبد
العزيز ويستظل فيها (قوله بيرحاء) تقدم شئ من ضبطها في الزكاة ومنه عند مسلم بريحاء بفتح
الموحدة وكسر الراء وتقديمها على التحتانية الساكنة ثم حاء مهملة ورجح هذا صاحب الفائق
وقال هي وزن فعيلاء من البراح وهي الأرض الظاهرة المنكشفة وعند أبي داود بأريحاء وهو
باشباع الموحدة والباقي مثله ووهم من ضبطه بكسر الموحدة وفتح الهمزة فإن أريحاء من الأرض
المقدسة ويحتمل أن كان محفوظا أن تكون سميت باسمها قال عياض رواية المغاربة إعراب الراء
والقصر في حاء وخطأ هذا الصوري وقال الباجي أدركت أهل العلم ومنهم أبو ذر يفتحون الراء في كل
حال زاد الصوري وكذلك الباء أي أوله وقد قدمت في الزكاة أنه انتهى الخلاف في النطق بها إلى
عشرة أوجه ونقل أبو علي الصدفي عن أبي ذر الهروي أنه جزم أنها مركبة من كلمتين بير
كلمة وحاء كلمة ثم صارت كلمة واحدة واختلف في حاء هل هي اسم رجل أو امرأة أو مكان أضيفت إليه البئر
أو هي كلمة زجر للإبل وكأن الإبل كانت ترعى هناك وتزجر بهذه اللفظة فأضيفت البئر إلى اللفظة
المذكورة (قوله بخ) بفتح الموحدة وسكون المعجمة وقد تنون مع التثقيل والتخفيف بالكسر
والرفع 3 والسكون ويجوز التنوين لغات ولو كررت فالاختيار أن تنون الأولى وتسكن الثانية
وقد يسكنان جميعا كما قال الشاعر * بخ بخ لوالده وللمولود ومعناها تفخيم الامر والاعجاب
به (قوله رابح أو رايح شك ابن مسلمة) أي القعنبي أي هل هو بالتحتانية أو بالموحدة (قوله
أفعل) بضم اللام على أنه قول أبي طلحة (قوله فقسمها أبو طلحة) فيه تعيين أحد الاحتمالين في
رواية غيره حيث وقع فيها أفعل فقسمها فإنه احتمل الأول واحتمل أن يكون أفعل صيغة أمر
وفاعل قسمها النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى هذا الاحتمال الثاني بهذه الرواية وذكر بن عبد
البر أن إسماعيل القاضي رواه عن القعنبي عن مالك فقال في روايته قسمها رسول الله صلى الله
عليه وسلم في أقاربه وبني عمه قال وقوله في أقاربه أي أقارب أبي طلحة قلت ووقع في رواية ثابت
عن أنس كما تقدم وكذا في رواية همام عن إسحاق بن أبي طلحة فقال صلى الله عليه وسلم ضعها في
قرابتك فجعلها حدائق بين حسان بن ثابت وأبي بن كعب لفظ إسحق أخرجه أبو داود الطيالسي
في مسنده عنه وحديث ثابت نحوه قال بن عبد البر إضافة القسم إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأن كان سائغا شائعا في لسان العرب على معنى أنه الامر به لكن أكثر الرواة لم يقولوا ذلك
والصواب رواية من قال فقسمها أبو طلحة (قوله في أقاربه وبني عمه) في رواية ثابت المتقدمة
فجعلها لحسان وأبي وكذا في رواية همام عن إسحاق كما ترى وكذا في رواية الأنصاري عن أبيه
عن ثمامة وقد تمسك به من قال أقل من يعطي من الأقارب إذا لم يكونوا منحصرين اثنان وفيه
296

نظر لأنه وقع في رواية الماجشون عن إسحاق المتقدمة فجعلها أبو طلحة في ذي رحمه وكان منهم
حسان وأبي بن كعب فدل على أنه أعطى غيرهما معهما ثم رأيت في مرسل أبي بكر بن حزم
المتقدم فرده على أقاربه أبي بن كعب وحسان بن ثابت وأخيه أو بن أخيه شداد بن أوس ونبيط
ابن جابر فتقاوموه فباع حسان حصته من معاوية بمائة ألف درهم (قوله وقال إسماعيل) أي ابن
أبي أويس (وعبد الله بن يوسف ويحيى بن يحيى عن مالك) أي بهذا الاسناد (رايح) أي بالتحتانية
وقد وصل حديث إسماعيل في التفسير وحديث عبد الله بن يوسف في الزكاة وحديث يحيى بن يحيى
في الوكالة وقد تقدم توجيه الروايتين في كتاب الزكاة وفي قصة أبي طلحة من الفوائد غير ما تقدم أن
منقطع الآخر في الوقف يصرف لأقرب الناس إلى الواقف وأن الوقف لا يحتاج في انعقاده إلى
قبول الموقوف عليه واستدل به بعض المالكية على صحة الصدقة المطلقة ثم يعينها المتصدق لمن
يريد واستدل به للجمهور في أن من أوصى أن يفرق ثلث ماله حيث أرى الله الوصي صحت وصيته
ويفرقه الوصي في سبل الخير ولا يأكل منه شيئا ولا يعطي منه وارثا للميت وخالف في ذلك أبو ثور
وفاقا للحنفية في الأول دون الثاني وفيه جواز التصدق من الحي في غير مرض الموت بأكثر من
ثلث ماله لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل أبا طلحة عن قدر ما تصدق به وقال لسعد بن أبي
وقاص الثلث كثير وفيه تقديم الأقرب من الأقارب على غيرهم وفيه جواز إضافة حب
المال إلى الرجل الفاضل العالم ولا نقص عليه في ذلك وقد أخبر تعالى عن الانسان انه لحب الخير
لشديد والخير هنا المال اتفاقا وفيه اتخاذ الحوائط والبساتين ودخول أهل الفضل والعلم فيها
والاستظلال بظلها والاكل من ثمرها والراحة والتنزه فيها قد يكون ذلك مستحبا يترتب عليه
الاجر إذا قصد به إجمام النفس من تعب العبادة وتنشيطها للطاعة وفيه كسب العقار وإباحة
الشرب من دار الصديق ولو لم يكن حاضرا إذا علم طيب نفسه وفيه إباحة استعذاب الماء وتفضيل
بعضه على بعض وفيه التمسك بالعموم لان أبا طلحة فهم من قوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما
تحبون تناول ذلك بجميع أفراده فلم يقف حتى يرد عليه البيان عن شئ بعينه بل بدر إلى إنفاق
ما يحبه وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك واستدل به لما ذهب إليه مالك من أن الصدقة
تصح بالقول من قبل القبض فإن كانت لمعين استحق المطالبة بقبضها وأن كانت لجهة عامة
خرجت عن ملك القائل وكان للامام صرفه في سبيل الصدقة وكل هذا ما إذا لم يظهر مراد
المتصدق فإن ظهر أتبع وفيه جواز تولي المتصدق قسم صدقته وفيه جواز أخذ الغني من صدقة
التطوع إذا حصل له بغير مسألة واستدل به على مشروعية الحبس والوقف خلافا لمن منع ذلك
وأبطله ولا حجة فيه لاحتمال أن تكون صدقة أبي طلحة تمليكا وهو ظاهر سياق الماجشون عن إسحاق
كما تقدم وفيه زيادة الصدقة في التطوع على قدر نصاب الزكاة خلافا لمن قيدها به وفيه
فضيلة لأبي طلحة لان الآية تضمنت الحث على الانفاق من المحبوب فترقى هو إلى إنفاق أحب
المحبوب فصوب صلى الله عليه وسلم رأيه وشكر عن ربه فعله ثم أمره أن يخص بها أهله وكنى عن
رضاه بذلك بقوله بخ وفيه أن الوقف يتم بقول الواقف جعلت هذا وقفا وتقدم البحث فيه قبل
أبواب وأن الصدقة على الجهة العامة لا تحتاج إلى قبول معين بل للامام قبولها منه ووضعها
فيما يراه كما في قصة أبي طلحة وفيه أنه لا يعتبر في القرابة من يجمعه والواقف أبي معين لا رابع ولا
297

غيره لان أبيا إنما يجتمع مع أبي طلحة في الأب السادس وأنه لا يجب تقديم القريب على القريب
الا بعد لان حسانا وأخاه أقرب إلى أبي طلحة من أبي ونبيط ومع ذلك فقد أشرك معهما أبيا ونبيط
ابن جابر وفيه أنه لا يجب الاستيعاب لان بني حرام الذي اجتمع فيه أبو طلحة وحسان كانوا بالمدينة
كثيرا فضلا عن عمرو بن مالك الذي يجمع أبا طلحة وأبيا (قوله في حديث بن عباس أن رجلا)
هو سعد بن عبادة كما تقدم قريبا (قوله باب إذا وقف جماعة أرضا مشاعا فهو
جائز) قال ابن المنير احترز عما إذا وقف الواحد المشاع فإن مالكا لا يجيزه لئلا يدخل الضرر
على الشريك وفي هذا نظر لان الذي يظهر أن البخاري أراد الرد على من ينكر وقف المشاع مطلقا
وقد تقدم قبل أبواب أنه ترجم إذا تصدق أو وقف بعض ماله فهو جائز وقد وقف الواحد المشاع
وقد تقدم البحث فيه هناك وأورد المصنف في الباب حديث أنس في قصة بناء المسجد وقد تقدم
بهذا الاسناد مطولا في أبواب المساجد من أوائل كتاب الصلاة والغرض منه هنا ما اقتصر عليه
من قولهم لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل فإن ظاهره أنهم تصدقوا بالأرض لله عز وجل وقبل النبي
صلى الله عليه وسلم ذلك ففيه دليل لما ترجم له وأما ما ذكره الواقدي أن أبا بكر دفع ثمن الأرض
لمالكها منهم وقده عشرة دنانير فإن ثبت ذلك كانت الحجة للترجمة من جهة تقرير النبي صلى الله
عليه وسلم على ذلك ولم ينكر قولهم ذلك فلو كان وقف المشاع لا يجوز لأنكر عليهم وبين لهم
الحكم واستدل بهذه القصة على أن حكم المسجد يثبت للبناء إذا وقع بصورة المسجد ولو لم يصرح
الباني بذلك وعن بعض المالكية إن أذن فيه ثبت له حكم المسجد وعن الحنفية إن أذن للجماعة
بالصلاة فيه ثبت والمسألة مشهورة ولا يثبت عند الجمهور إلا إن صرح الباني بالوقفية أو ذكر
صيغة محتملة ونوى معها وجزم بعض الشافعية بمثل ما نقل عن الحنفية لكن في الموات
خاصة والحق أنه ليس في حديث الباب ما يدل لاثبات ذلك ولا نفيه والله أعلم (قوله لا نطلب ثمنه
الا إلى الله) أي لا نطلب ثمنه من أحد لكن هو مصروف إلى الله فالاستثناء على هذا التقدير
منقطع أو التقدير لا نطلب ثمنه إلا مصروفا إلى الله فهو متصل (قوله باب
الوقف كيف يكتب) ذكر فيه حديث ابن عمر في قصة وقف عمر وقد ترجم له في آخر الشروط في
الوقف وترجم له بعد هذا الوقف على الغني والفقير وبعد بابين نفقة قيم الوقف ومن قبل بأبواب
ما للوصي أن يعمل في مال اليتيم هذا جميع المواضع التي أورده فيها موصولا طوله في بعضها
واستدل منه بأطراف تعليقا في مواضع منها في المزارعة وفي باب هل ينتفع الواقف بوقفه وفي باب
إذا وقف شيئا قبل أن يدفعه إلى غيره (قوله حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع) كذا اقتصر عليه
وقد أخرجه أبو داود عن مسدد عن يزيد بن زريع وبشر بن المفضل ويحيى القطان ثلاثتهم عن
عبد الله بن عون وقد زعم بن عبد البر أن ابن عون تفرد به عن نافع وليس كما قال فقد أخرجه
البخاري من رواية صخر بن جويرية عن نافع كما تقدم قبل أبواب وأخرجه مختصرا وأحمد
والدارقطني مطولا من رواية أيوب وأخرجه الطحاوي من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري
والنسائي من رواية عبيد الله بن عمر الأكبر المصغر وأحمد والدارقطني من وراية عبد الله بن عمر
الأصغر المكبر كلهم عن نافع وسأذكر ما في روايتهم من الفوائد مفصلا إن شاء الله تعالى (قوله
عن نافع في رواية الأنصاري عن بن عون الماضية في آخر الشروط عن ابن عون أنبأني نافع)
298

والأنباء بمعنى الاخبار عند المتقدمين جزما وقد وقع عند الطحاوي من وجه آخر عن بن عون
أخبرني نافع والأنصاري المذكور أحد شيوخ البخاري أخرج عنه عدة أحاديث بغير واسطة
منها حديث أبي بكر في أنصبة الزكاة وأخرج عنه في مواضع بواسطة وكان الأنصاري المذكور
قاضى البصرة وقد تمذهب للكوفيين في الأوقاف وصنف في الكلام على هذا الحديث جزءا
مفردا (قوله عن بن عمر رضي الله عنهما قال أصاب عمر) كذا لأكثر الرواة عن نافع ثم عن ابن
عون جعلوه في مسند بن عمر لكن أخرجه مسلم والنسائي من رواية سفيان الثوري والنسائي من
رواية أبي إسحاق الفزاري كلاهما عن عبد الله بن عون والنسائي من رواية أبي
عبيد الله بن عمر كلاهما عن نافع عن بن عمر عن عمر جعله من مسند عمر والمشهور الأول قوله
بخيبر أرضا تقدم في رواية صخر بن جويرية أن اسمها ثمغ وكذا لأحمد من رواية أيوب أن عمر أصاب
أرضا من يهود بني حارثة يقال لها ثمغ ونحوه في رواية سعيد بن سالم المذكورة وكذا للدارقطني
من طريق الدراوردي عن عبد الله بن عمر وللطحاوي من طريق يحيى بن سعيد وروى عمر بن شبة
باسناد صحيح عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمر رأى في المنام ثلاث ليال أن يتصدق بثمغ
وللنسائي من رواية سفيان عن عبد الله بن عمر جاء عمر فقال يا رسول الله إني أصبت ما لا لم أصب
ما لا مثله قط كان لي مائة رأس فاشتريت بها مائة سهم من خيبر من أهلها فيحتمل أن تكون ثمغ
من جملة أراضي خيبر وأن مقدارها كان مقدار مائة سهم من السهام التي قسمها النبي صلى الله
عليه وسلم بين من شهد خيبر وهذه المائة السهم غير المائة السهم التي كانت لعمر بن الخطاب بخيبر
التي حصلها من جزئه من الغنيمة وغيره وسيأتي بيان ذلك في صفة كتاب وقف عمر من عند أبي
داود وغيره وذكر عمر بن شبة بإسناد ضعيف عن محمد بن كعب أن قصة عمر هذه كانت في سنة سبع
من الهجرة (قوله أنفس منه) أي أجود والنفيس الجيد المغتبط به يقال نفس بفتح النون
وضم الفاء نفاسة وقال الداودي سمي نفيسا لأنه يأخذ بالنفس وفي رواية صخر بن جويرية أني
استفدت ما لا وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به وقد تقدم في مرسل أبي بكر بن حزم أنه رأى
في المنام الامر بذلك ووقع في رواية للدارقطني إسنادها ضعيف أن عمر قال يا رسول الله إني نذرت
أن أتصدق بمالي ولم يثبت هذا وإنما كان صدقة تطوع كما سأوضحه من حكاية لفظ كتاب الوقف
المذكور إن شاء الله تعالى (قوله فكيف تأمرني به) في رواية يحيى بن سعيد أن عمر استشار رسول
الله صلى الله عليه وسلم في أن يتصدق (قوله إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) أي
بمنفعتها وبين ذلك ما في رواية عبيد الله بن عمر أحبس أصلها وسبل ثمرتها وفي رواية يحيى بن سعيد
تصدق بثمره وحبس أصله (قوله فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث) زاد في
رواية مسلم من هذا الوجه ولا تبتاع زاد الدارقطني من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع حبيس
ما دامت السماوات والأرض كذا لأكثر الرواة عن نافع ولم يختلف فيه عن ابن عون إلا ما وقع عند
الطحاوي من طريق سعيد بن سفيان الجحدري عن بن عون فذكره بلفظ صخر بن جويرية الآتي
والجحدري إنما رواه عن صخر لا عن بن عون قال السبكي اغتبطت بما وقع في رواية يحيى بن سعيد
عن نافع عند البيهقي تصدق بثمره وحبس أصله لا يباع ولا يورث وهذا ظاهره أن الشرط من كلام
النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف بقية الروايات فإن الشرط فيها ظاهره أنه من كلام عمر قلت قد
299

تقدم قبل خمسة أبواب من طريق صخر بن جويرية عن نافع بلفظ فقال النبي صلى الله عليه وسلم
تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره وهي أتم الروايات وأصرحها في
المقصود فعزوها إلى البخاري أولى وقد علقه البخاري في المزارعة بلفظ قال النبي صلى الله عليه
وسلم لعمر تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولكن لينفق ثمره فتصدق به وحكيت هناك أن الداودي
الشارح أنكر هذا اللفظ ولم يظهر لي إذ ذاك سبب إنكاره ثم ظهر لي أنه بسبب التصريح برفع
الشرط إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أنه ولو كان الشرط من قول عمر فما فعله إلا لما فهمه من
النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له أحبس أصلها وسبل ثمرتها وقوله تصدق صيغة أمر وقوله
فتصدق بصيغة الفعل الماضي (قوله 3 في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن
السبيل) جميع هؤلاء الأصناف الا الضيف هم المذكورون في آية الزكاة وقد تقدم بيانهم في
كتاب الزكاة وقوله ولذي القربى يحتمل أن يكون من ذكر في الخمس كما سيأتي بيانهم ويحتمل أن
يكون المراد بهم قربى الواقف وبهذا الثاني جزم القرطبي والضيف معروف وهو من نزل بقوم
يريد القرى وقد تقدم القول فيه في الهبة قوله أن يأكل منها بالمعروف تقدم البحث فيه
قبل أبواب قال القرطبي جرت العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الوقف حتى لو اشترط الواقف أن
العامل لا يأكل منه يستقبح ذلك منه والمراد بالمعروف القدر الذي جرت به العادة وقيل القدر
الذي يدفع به الشهوة وقيل المراد أن يأخذ منه بقدر عمله والأول أولى (قوله أو يطعم) في رواية
صخر أو يؤكل بإسكان الواو وهي بمعنى يطعم (قوله غير متمول فيه) وفي رواية الأنصاري
الماضية في آخر الشروط غير متمول به والمعنى غير متخذ منها ما لا أي ملكا والمراد أنه لا يتملك شيئا
من رقابها ومالا منصوب على التمييز وزاد الأنصاري وسليم قال فحدثت به ابن سيرين فقال غير
متأثل ما لا والقائل فحدثت به هو بن عون رواية عن نافع بين ذلك الدارقطني من طريق أبي
أسامة عن بن عون قال ذكرت حديث نافع لابن سيرين فذكره زاد سليم قال ابن عون وأنبأني من
قرأ هذا الكتاب أن فيه غير متأثل ما لا وفي رواية الترمذي من طريق ابن علية عن ابن عون
حدثني رجل أنه قرأها في قطعة أديم أحمر قال بن علية وأنا قرأتها عند بن عبيد الله بن عمر كذلك
وقد أخرج أبو داود صفة كتاب وقف عمر من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري قال نسخها لي عبد
الله بن عبد الحميد بن عبد الله بن عمر فذكره وفيه غير متأثل والمتأثل بمثناة ثم مثلثة مشددة بينهما
همزة هو المتخذ والتأثل اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم وأثلة كل شئ أصله قال الشاعر
* وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي * واشتراط نفي التأثل يقوي ما ذهب إليه من قال المراد
من قوله يأكل بالمعروف حقيقة الاكل لا الاخذ من مال الوقف بقدر العمالة قاله القرطبي
وزاد أحمد من طريق حماد بن زيد عن أيوب فذكر الحديث قال حماد وزعم عمرو بن دينار أن عبد
الله بن عمر كان يهدي إلى عبد الله بن صفوان من صدقة عمر وكذا رواه عمر بن شبة من طريق حماد
ابن زيد عن عمر وزاد عمر بن شبة عن يزيد بن هارون عن بن عون في آخر هذا الحديث وأوصى بها
عمر إلى حفصة أم المؤمنين ثم إلى الأكابر من آل عمر ونحوه في رواية عبيد الله بن عمر عند
الدارقطني وفي رواية أيوب عن نافع عند أحمد يليه ذوو الرأي من آل عمر فكأنه كان أولا شرط
أن النظر فيه لذوي الرأي من أهله ثم عين عند وصيته لحفصة وقد بين ذلك عمر بن شبة عن أبي
300

غسان المدني قال هذه نسخة صدقة عمر أخذتها من كتابه الذي عند آل عمر فنسختها حرفا حرفا هذا
ما كتب عبد الله عمر أمير المؤمنين في ثمغ أنه إلى حفصة ما عاشت تنفق ثمره حيث أراها الله فإن
توفيت فإلى ذوي الرأي من أهلها (قلت) فذكر الشرط كله نحو الذي تقدم في الحديث
المرفوع ثم قال والمائة وسق الذي أطعمني النبي صلى الله عليه وسلم فإنها مع ثمغ على سننه الذي
أمرت به وأن شاء ولي ثمغ أن يشتري من ثمره رقيقا يعملون فيه فعل وكتب معيقيب وشهد عبد الله
ابن الأرقم وكذا أخرج أبو داود في روايته نحو هذا وذكرا جميعا كتابا آخر نحو هذا الكتاب وفيه
من الزيادة وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه صدقة كذلك وهذا يقتضي أن عمر إنما كتب
كتاب وقفه في خلافته لان معيقيبا كان كاتبه في زمن خلافته وقد وصفه فيه بأنه أمير المؤمنين
فيحتمل أن يكون وقفه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم باللفظ وتولى هو النظر عليه إلى أن
حضرته الوصية فكتب حينئذ الكتاب ويحتمل أن يكون أخر وقفيته ولم يقع منه قبل ذلك
الا استشارته في كيفيته وقد روى الطحاوي وابن عبد البر من طريق مالك عن بن شهاب قال
قال عمر لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها فهذا يشعر بالاحتمال الثاني
وأنه لم ينجز الوقف الا عند وصيته واستدل الطحاوي بقول عمر هذا لأبي حنيفة وزفر في أن
إيقاف الأرض لا يمنع من الرجوع فيها وأن الذي منع عمر من الرجوع كونه ذكره للنبي
صلى الله عليه وسلم فكره أن يفارقه على أمر ثم يخالفه إلى غيره ولا حجة فيما ذكره من وجهين
أحدهما أنه منقطع لان بن شهاب لم يدرك عمر ثانيهما أنه يحتمل ما قدمته ويحتمل أن يكون
عمر كان يرى بصحة الوقف ولزومه إلا إن شرط الواقف الرجوع فيه فله أن يرجع وقد روى الطحاوي
عن علي مثل ذلك فلا حجة فيه لمن قال بأن الوقف غير لازم مع إمكان هذا الاحتمال
وان ثبت هذا الاحتمال كان حجة لمن قال بصحة تعليق الوقف وهو عند المالكية وبه قال
ابن سريج وقال تعود منافعه بعد المدة المعينة إليه ثم إلى ورثته فلو كان التعليق مآلا صح
اتفاقا كما لو قال وقفته على زيد سنة ثم على الفقراء وحديث عمر هذا أصل في مشروعية
الوقف قال أحمد حدثنا حماد هو بن خالد حدثنا عبد الله هو العمري عن نافع عن ابن
عمر قال أول صدقة أي موقوفة كانت في الاسلام صدقة عمر وروى عمر بن شبة عن عمرو
ابن سعد بن معاذ قال سألنا عن أول حبس في الاسلام فقال المهاجرون صدقة عمر وقال
الأنصار صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إسناده الواقدي وفي مغازي الواقدي أن
أول صدقة موقوفة كانت في الاسلام أراضي مخيريق بالمعجمة مصغر التي أوصى بها إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فوقفها النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين
من أهل العلم خلافا في جواز وقف الأرضين وجاء عن شريح أنه أنكر الحبس ومنهم من تأوله
وقال أبو حنيفة لا يلزم وخالفه جميع أصحابه إلا زفر بن هذيل فحكى الطحاوي عن عيسى بن أبان
قال كان أبو يوسف يجيز بيع الوقف فبلغه حديث عمر هذا فقال من سمع هذا من ابن عون
فحدثه به بن علية فقال هذا لا يسع أحدا خلافه ولو بلغ أبا حنيفة لقال به فرجع عن بيع الوقف
حتى صار كأنه لا خلاف فيه بين أحد اه ومع حكاية الطحاوي هذا فقد انتصر كعادته فقال
قوله في قصة عمر حبس الأصل وسبل الثمرة لا يستلزم التأبيد بل يحتمل أن يكون أراد مدة اختياره
301

لذلك اه ولا يخفى ضعف هذا التأويل ولا يفهم من قوله وقفت وحبست الا التأييد حتى
يصرح بالشرط عند من يذهب إليه وكأنه لم يقف على الرواية التي فيها حبيس ما دامت السماوات
والأرض قال القرطبي رد الوقف مخالف للاجماع فلا يلتفت إليه وأحسن ما يعتذر به عمن رده
ما قال أبو يوسف فإنه أعلم بأبي حنيفة من غيره وأشار الشافعي إلى أن الوقف من خصائص أهل
الاسلام أي وقف الأراضي والعقار قال ولا نعرف أن ذلك وقع في الجاهلية وحقيقة الوقف
شرعا ورود صيغة تقطع تصرف الواقف في رقبة الموقوف الذي يدوم الانتفاع به وتثبت صرف
منفعته في جهة خير وفي حديث الباب من الفوائد جواز ذكر الولد أباه باسمه المجرد من غير كنية
ولا لقب وفيه جواز إسناد الوصية والنظر على الوقف للمرأة وتقديمها على من هو من أقرانها من
الرجال وفيه إسناد النظر إلى من لم يسم إذا وصف بصفة معينة تميزه وأن الواقف يلي النظر على
وقفه إذا لم يسنده لغيره قال الشافعي لم يزل العدد الكثير من الصحابة فمن بعدهم يلون أوقافهم
نقل ذلك الألوف عن الألوف لا يختلفون فيه وفيه استشارة أهل العلم والدين والفضل في
طرق الخير سواء كانت دينية أو دنيوية وأن المشير يشير بأحسن ما يظهر له في جميع الأمور وفيه
فضيلة ظاهرة لعمر لرغبته في امتثال قوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وفيه فضل
الصدقة الجارية وصحة شروط الواقف وأتباعه فيها وأنه لا يشترط تعيين المصرف لفظا وفيه أن
الوقف لا يكون إلا فيما له أصل يدوم الانتفاع به فلا يصح وقف ما لا يدوم الانتفاع به كالطعام وفيه
أنه لا يكفي في الوقف لفظ الصدقة سواء قال تصدقت بكذا أو جعلته صدقة حتى يضيف إليها شيئا
آخر لتردد الصدقة بين أن تكون تمليك الرقبة أو وقف المنفعة فإذا أضاف إليها ما يميز أحد المحتملين
صح بخلاف ما لو قال وقفت أو حبست فإنه صريح في ذلك على الراجح وقيل الصريح الوقف
خاصة وفيه نظر لثبوت التحبيس في قصة عمر هذه نعم لو قال تصدقت بكذا على كذا وذكر جهة
عامة صح وتمسك من أجاز الاكتفاء بقوله تصدقت بكذا بما وقع في حديث الباب من قوله
فتصدق بها عمر ولا حجة في ذلك لما قدمته من أنه أضاف إليها لا تباع ولا توهب ويحتمل أيضا أن
يكون قوله فتصدق بها عمر راجعا إلى الثمرة على حذف مضاف أي فتصدق بثمرتها فليس فيه متعلق
لمن أثبت الوقف بلفظ الصدقة مجردا وبهذا الاحتمال الثاني جزم القرطبي وفيه جواز الوقف على
الأغنياء لان ذوي القربى والضيف لم يقيد بالحاجة وهو الأصح عند الشافعية وفيه أن للواقف
أن يشترط لنفسه جزءا من ريع الموقوف لان عمر شرط لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف ولم
يستثن أن كان هو الناظر أو غيره فدل عن صحة الشرط وإذا جاز في المبهم الذي تعينه العادة كان
فيما يعينه هو أجوز ويستنبط منه صحة الوقف على النفس وهو قول بن أبي ليلى وأبي يوسف
وأحمد في الأرجح عنه وقال به من المالكية بن شعبان وجمهورهم على المنع إلا إذا استثنى لنفسه
شيئا يسيرا بحيث لا يتهم أنه قصد حرمان ورثته ومن الشافعية ابن سريج وطائفة وصنف فيه
محمد بن عبد الله الأنصاري شيخ البخاري جزءا ضخما واستدل له بقصة عمر هذه وبقصة راكب
البدنة وبحديث أنس في أنه صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها ووجه
الاستدلال به أنه أخرجها عن ملكه بالعتق وردها إليه بأشرط وسيأتي البحث فيه في النكاح
وبقصة عثمان الآتية بعد أبواب واحتج المانعون بقوله في حديث الباب سبل الثمرة وتسيل
302

الثمرة تمليكها للغير والانسان لا يتمكن من تمليك نفسه لنفسه وتعقب بأن امتناع ذلك غير
مستحيل ومنعه تمليكه لنفسه إنما هو لعدم الفائدة والفائدة في الوقف حاصلة لان استحقاقه إياه
ملكا غير استحقاقه إياه وقفا ولا سيما إذا ذكر له ما لا آخر فإنه حكم آخر يستفاد من ذلك الوقف
واحتجوا أيضا بأن الذي يدل عليه حديث الباب أن عمر اشترط لناظر وقفه أن يأكل منه بقدر
عمالته ولذلك منعه أن يتخذ لنفسه منه ما لا فلو كان يؤخذ منه صحة الوقف على النفس لم يمنعه
من الاتخاذ وكأنه اشترط لنفسه أمرا لو سكت عنه لكان يستحقه لقيامه وهذا على أرجح قولي
العلماء أن الواقف إذا لم يشترط للناظر قدر عمله جاز له أن يأخذ بقدر عمله ولو اشترط الواقف لنفسه
النظر واشترط أجرة ففي صحة هذا الشرط عند الشافعية خلاف كالهاشمي إذا عمل في الزكاة هل
يأخذ من سهم العاملين والراجح الجواز ويؤيده حديث عثمان الآتي بعد واستدل به على جواز
الوقف على الوارث في مرض الموت فإن زاد على الثلث رد وإن خرج منه لزم وهو إحدى الروايتين
عن أحمد لان عمر جعل النظر بعده لحفصة وهي ممن يرثه وجعل لمن ولي وقفه أن يأكل منه
وتعقب بأن وقف عمر صدر منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم والذي أوصى به إنما هو شرط النظر
واستدل به على أن الواقف إذا شرط للناظر شيئا أخذه وأن لم يشترطه له لم يجز إلا إن دخل في صفة
أهل الوقف كالفقراء والمساكين فإن كان على معينين ورضوا بذلك جاز واستدل به على أن تعليق
الوقف لا يصح لان قوله حبس الأصل يناقض تأقيته وعن مالك وابن سريج يصح واستدل بقوله
لا تباع على إن الوقف لا يناقل به وعن أبي يوسف إن شرط الواقف أنه إذا تعطلت منافعه بيع
وصرف ثمنه في غيره ويوقف في ما سمي في الأول وكذا إن شرط البيع إذا رأى الحظ في نقله إلى موضع
آخر واستدل به على وقف المشاع لان المائة سهم التي كانت لعمر بخيبر لم تكن منقسمة وفيه أنه
لا سراية في الأرض الموقوفة بخلاف العتق ولم ينقل أن الوقف سري من حصة عمر إلى غيرها من
باقي الأرض وحكى بعض المتأخرين عن بعض الشافعية أنه حكم فيه بالسراية وهو شاذ منكر
واستدل به على أن خيبر فتحت عنوة وسيأتي البحث فيه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى (قوله
باب وقف الأرض للمسجد) لم يختلف العلماء في مشروعية ذلك لا من أنكر الوقف
ولا من نفاه إلا أن في الجزء المشاع احتمالا لبعض الشافعية قال بن الرفعة يظهر أن وقف المشاع
فيما لا يمكن الانتفاع به لا يصح وجزم بن الصلاح بالصحة حتى يحرم على الجنب المكث فيه ونوزع
في ذلك قال الزين بن المنير لعل البخاري أراد الرد على من خص جواز الوقف بالمسجد وكأنه
قال قد نفذ وقف الأرض المذكورة قبل أن تكون مسجدا فدل على أن صحة الوقف لا تختص
بالمسجد ووجه أخذه من حديث الباب أن الذين قالوا لا نطلب ثمنها إلا إلى الله كأنهم تصدقوا
بالأرض المذكورة فتم انعقاد الوقف قبل البناء فيؤخذ منه أن من وقف أرضا على أن يبنيها
مسجدا انعقد الوقف قبل البناء (قلت) ولا يخفى تكلفه (قوله حدثني إسحق) كذا للجميع إلا
الأصيلي فنسبه فقال حدثنا إسحاق ابن منصور ووقع في رواية أبي علي بن شبويه حدثنا إسحاق هو
ابن منصور وأما عبد الصمد فهو بن عبد الوارث والاسناد كله بصريون (قوله بالمسجد في رواية
الكشميهني ببناء المسجد وستأتي بقية مباحث الحديث في أوائل الهجرة إن شاء الله تعالى
(قوله باب وقف الدواب والكراع والعروض والصامت) هذه الترجمة
303

معقودة لبيان وقف المنقولات والكراع بضم الكاف وتخفيف الراء اسم لجميع الخيل فهو بعد
الدواب من عطف الخاص على العام والعروض بضم المهملة جمع عرض بالسكون وهو جميع
ما عدا النقد من المال والصامت بالمهملة بلفظ ضد الناطق والمراد من النقد الذهب
والفضة ووجه أخذ ذلك من حديث الباب المشتمل على قصة فرس عمر أنها دالة على صحة وقف
المنقولات فيلحق به ما في معناه من المنقولات إذا وجد الشرط وهو تحبيس العين فلا تباع
ولا تذهب بل ينتفع بها والانتفاع في كل شئ بحبسه (قوله وقال الزهري الخ) هو ذهاب من
الزهري إلى جواز مثل ذلك وقد أخرجه عنه هكذا بن وهب في موطئه عن يونس عن الزهري
ثم ذكر المصنف حديث بن عمر في قصة عمر في حمله على الفرس في سبيل الله ثم وجده يباع وقد تقدم
شرحه مستوفى في كتاب الهبة واعترضه الإسماعيلي فقال لم يذكر في الباب إلا الأثر عن الزهري
والحديث في قصة الفرس التي حمل عليها عمر فقط وأثر الزهري خلاف ما تقدم من الوقف الذي
أذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بأن يحبس أصله وينتفع بثمرته والصامت إنما ينتفع به بأن
يخرج بعينه إلى شئ غيره وليس هذا بتحبيس الأصل والانتفاع بالثمرة بل المأذون فيه ما عاد منه نفع
بفضل كالثمرة والغلة والارتفاق والعين قائمة فأما ما لا ينتفع به إلا بإفاتة عينه فلا اه ملخصا
وجواب هذا الاعتراض أن الذي حصره في الانتفاع بالصامت ليس بمسلم بل يمكن الانتفاع
بالصامت بطريق الارتفاق بأن يحبس مثلا منه ما يجوز لبسه للمرأة فيصح بأن يحبس أصله
وينتفع به النساء باللبس عند الحاجة إليه كما قدمت توجيهه والله أعلم (قوله باب
نفقة القيم للوقف) في رواية الحموي نفقة بقية الوقف والأول أظهر فإنه أورد فيه حديث أبي
هريرة مرفوعا لا تقتسم ورثتي دينارا ولا درهما ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو
صدقة وهو دال على مشروعية أجرة العامل على الوقف والمراد بالعامل في هذا الحديث القيم
على الأرض والأجير ونحوهما أو الخليفة بعده صلى الله عليه وسلم ووهم من قال إن المراد به أجرة
حافر قبره وقوله لا تقتسم ورثتي بإسكان الميم على النهي وبضمها على النفي وهو الأشهر وبه
يستقيم المعنى حتى لا يعارض ما تقدم عن عائشة وغيرها أنه لم يترك صلى الله عليه وسلم ما لا يورث
عنه وتوجيه رواية النهي أنه لم يقطع بأنه لا يخلف شيئا بل كان ذلك محتملا فنهاهم عن قسمة
ما يخلف إن اتفق أنه خلف وقوله صلى الله عليه وسلم ورثتي سماهم ورثة باعتبار أنهم كذلك بالقوة
لكن منعهم من الميراث الدليل الشرعبي وهو قوله لا نورث ما تركناه صدقة وسيأتي شرحه مستوفى
في كتاب الخمس إن شاء الله تعالى ثم أورد المصنف حديث بن عمر في وقف عمر مختصرا وقد تقدم
شرحه مستوفى قبل بباب وقد اعترضه الإسماعيلي بأن المحفوظ عن حماد بن زيد عن أيوب عن
نافع أن عمر ليس فيه بن عمر ثم أورده كذلك من طريق سليمان بن حرب وغير واحد عن حماد
(قلت) لكن البخاري أخرجه عن قتيبة عنه وقتيبة من الحفاظ وقد تابعه يونس بن محمد عن
حماد بن زيد فوصله أخرجه أحمد عنه مطولا ووصله أيضا يزيد بن زريع عن أيوب أخرجه
الإسماعيلي وقال الحميدي لم أقف على طريق قتيبة في صحيح البخاري وهو ذهول شديد منه فإنه
ثابت في جميع النسخ (قوله باب إذا وقف أرضا أو بئرا أو اشترط لنفسه مثل
دلاء المسلمين) هذه الترجمة معقودة لمن يشترط لنفسه من وقفه منفعة وقد قيد بعض العلماء
304

الجواز بما إذا كانت المنفعة عامة كما تقدم (قوله ووقف أنس) هو ابن مالك دارا فكان إذا قدم
نزلها) وصله البيهقي من طريق الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة عن أنس أنه وقف دارا له بالمدينة
فكان إذا حج مر بالمدينة فنزل داره وهو موافق لما تقدم عن المالكية أنه يجوز أن يقف الدار
ويستثنى لنفسه منها بيتا (قوله وتصدق الزبير بدوره وقال للمردودة من بناته أن تسكن غير
مضرة ولا مضر بها فإن استغنت بزوج فليس لها حق) وصله الدارمي في مسنده من طريق هشام
ابن عروة عن أبيه أن الزبير جعل دوره صدقة على بنيه لا تباع ولا توهب ولا تورث وأن للمردودة
من بناته فذكر نحوه ووقع في بعض النسخ من نسائه وصوبها بعض المتأخرين فوهم فإن الواقع
بخلافها وقوله غير مضرة ولا مضر بها بكسر الضاد الأولى وفتح الثانية (قوله وجعل ابن عمر نصيبه
من دار عمر سكنى لذوي الحاجات من آل عبد الله بن عمر) وصله بن سعد بمعناه وفيه أنه تصدق
بداره محبوسة لا تباع ولا توهب (قوله وقال عبدان الخ) كذا للجميع قال أبو نعيم ذكره عن
عبدان بلا رواية وقد وصله الدارقطني والإسماعيلي وغيرهما من طريق القاسم بن محمد
المروزي عن عبدان بتمامه وأبو إسحاق المذكور في إسناده هو السبيعي وأبو عبد الرحمن هو
السلمي قال الدارقطني تفرد بهذا الحديث عثمان والد عبدان عن شعبة وقد اختلف فيه على أبي إسحاق
فرواه زيد بن أبي أنيسة عنه كهذه الرواية أخرجه الترمذي والنسائي ورواه عيسى بن يونس
عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي سلمة عن عثمان أخرجه النسائي أيضا وتابعه أبو قطن عن يونس
أخرجه أحمد (قلت) وتفرد عثمان والد عبدان لا يضره فإنه ثقة واتفاق شعبة وزيد بن أبي أنيسة
على روايته هكذا أرجح من انفراد يونس عن أبي إسحاق إلا أن آل الرجل أعرف به من غيرهم
فيتعارض الترجيح فلعل لأبي إسحق فيه اسنادين (قوله أن عثمان) أي ابن عفان (قوله حيث)
في رواية الكشميهني حين حوصر أي لما حاصره المصريون الذين أنكروا عليه تولية عبد الله
ابن سعد بن أبي سرح والقصة مشهورة وقد وقع في رواية النسائي من طريق زيد ابن أبي أنيسة
المذكورة قال لما حصر عثمان في داره واجتمع الناس قام فأشرف عليهم الحديث (قوله أنشدكم
الله) في رواية الأحنف عند النسائي أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو زاد الترمذي والنسائي من
رواية ثمامة بن حزن عن عثمان أنشدكم الله والاسلام (قوله من حفر رومة) قال ابن بطال هذا
وهم من بعض رواته والمعروف أن عثمان اشتراها لا أنه حفرها (قلت) هو المشهور في الروايات
فقد أخرجه الترمذي من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحق فقال فيه هل تعلمون أن رومة لم
يكن يشرب من مائها إلا بثمن لكن لا يتعين الوهم فقد روى البغوي في الصحابة من طريق بشر بن
بشير الأسلمي عن أبيه قال لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار
عين يقال لها رومة وكان يبيع منها القربة بمد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تبيعنيها بعين
في الجنة فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها
بخمسة وثلاثين ألف درهم ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتجعل لي فيها ما جعلت له قال نعم
قال قد جعلتها للمسلمين وأن كانت أولا عينا فلا مانع أن يحفر فيها عثمان بئرا ولعل العين كانت
تجرى إلى بئر فوسعها وطواها فنسب حفرها إليه (قوله فصدقوه بما قال) في رواية صعصعة
ابن معاوية التيمي قال أرسل عثمان وهو محصور إلى علي وطلحة والزبير وغيرهم فقال احضروا
305

غدا فأشرف عليهم فذكر الحديث بطوله أخرجه سيف في الفتوح وللنسائي من طريق الأحنف
ابن قيس أن الذين صدقوه بذلك هم علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وزاد
الترمذي في رواية زيد بن أبي أنيسة أي عن أبي إسحق في روايته هل تعلمون أن حراء حين انتفض
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد قالوا نعم وسيأتي
هذا من حديث أنس في مناقب عثمان إن شاء الله تعالى وفي رواية زيد أيضا ذكر رومة لم يكن
يشرب منها إلا بثمن فابتعتها فجعلتها للفقير والغني وابن السبيل وزاد النسائي من طريق
الأحنف عن عثمان فقال اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك وزاد في روايته أيضا وأشياء
عددها فمن تلك الأشياء ما وقع في رواية ثمامة بن حزن المذكورة هل تعلمون أن المسجد ضاق
بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير منها
في الجنة فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعونني أن أصلي فيها ونحوه لإسحاق بن راهويه
وابن خزيمة وابن حبان من طريق أبي سعيد مولى أبي أسيد عن عثمان في قصة مقتله مطولا
وزاد النسائي من رواية الأحنف بن قيس عن عثمان أنه اشتراها بعشرين ألفا أو بخمسة
وعشرين ألفا وزاد في ذكر جيش العسرة فجهزتهم حتى لم يفقدوا عقالا ولا خطاما وللترمذي من
حديث عبد الرحمن بن حباب السلمي أنه جهزهم بثلثمائة بعير ولأحمد من حديث عبد الرحمن بن
سمرة أنه جاء بألف دينار في ثوبه فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم حين جهز جيش العسرة فقال النبي
صلى الله عليه وسلم ما على عثمان من عمل بعد اليوم وأخرج أسد بن موسى في فضائل الصحابة من
مرسل قتادة حمل عثمان على ألف بعير وسبعين فرسا في العسرة وعند أبي يعلى من وجه آخر
ضعيف فجاء عثمان بسبعمائة أوقية ذهب وعند بن عدي بسند ضعيف جدا عن حذيفة أن
النبي صلى الله عليه وسلم استعان عثمان في جيش العسرة فجاء بعشرة آلاف دينار ولعلها كانت
عشرة آلاف درهم فتوافق رواية عبد الرحمن بن سمرة من صرف الدينار بعشرة دراهم ومن تلك
الأشياء ما وقع في رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عثمان عند أحمد والنسائي أنشد الله رجلا
شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان يقول هذه يد الله وهذه يد عثمان الحديث
وسيأتى بيان ذلك في مناقب عثمان من حديث بن عمر إن شاء تعالى ومنها ما روى الدارقطني
من طريق ثمامة بن حرب عن عثمان أنه قال هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني
ابنتيه واحدة بعد أخرى رضي بن ورضى عني قالوا نعم ومنها ما أخرجه ابن منده من طريق عبيد
الحميري قال أشرف عثمان فقال يا طلحة أنشدك الله أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فأخذ بيدي فقال هذا جليسي في الدنيا والآخرة قال نعم
وللحاكم في المستدرك من طريق أسلم أن عثمان حين حصر قال لطلحة أتذكر إذ قال النبي صلى الله
عليه وسلم أن عثمان رفيقي في الجنة قال نعم وفي هذا الحديث من الفوائد مناقب ظاهرة لعثمان
رضي الله عنه وفيها جواز تحدث الرجل بمناقبه عند الاحتياج إلى ذلك لدفع مضرة أو تحصيل
منفعة وإنما يكره ذلك عند المفاخرة والمكاثرة والعجب قوله وقال عمر في وقفه
تقدم شرحه مستوفى قبل ثلاثة أبواب وقد ادعى الإسماعيلي وغيره أنه ليس في أحاديث
الباب شئ يوافق ما ترجم به إلا أثر أنس وليس كذلك فإن جميع ما ذكره مطابق لها فأما قصة
306

أنس فظاهرة في الترجمة وأما قصة الزبير فمن جهة أن البنت ربما كانت بكرا فطلقت قبل
الدخول فتكون مؤنتها على أبيها فيلزمه إسكانها فإذا أسكنها في وقفه فكأنه اشترط على
نفسه رفع كلفه وأما قصة بن عمر فتخرج على هذا المعنى لان الآل يدخل فيهم الأولاد كبارهم
وصغارهم وأما قصة عثمان فأشار إلى ما ورد في بعض طرقه وهو قوله فيما أخرجه الترمذي
من طريق ثمامة بن حزن قال شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال أنشدكم بالله وبالاسلام
هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس فيها ماء يستعذب غير بئر رومة
فقال من يشتري بئر رومة يجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالي
الحديث وقد تقدم شئ من ذلك في كتاب الشرب وأما قصة عمر فقد ترجم لها بخصوصها وقد تقدم
توجيه ذلك قبل أبواب (قوله باب إذا قال الواقف لا نطلب ثمنه إلا إلى الله
تعالى) أورد فيه حديث أنس في قول بني النجار لا نطلب ثمنه إلا إلى الله أورده مختصرا جدا وقد
تقدم بسنده وزيادة في متنه قبل خمسة أبواب قال الإسماعيلي المعنى أنهم لم يبيعوه ثم جعلوه
مسجدا إلا أن قول المالك لا أطلب ثمنه إلا إلى الله لا يصيره وقفا وقد يقول الرجل هذا لعبد فلا
يصيره وقفا ويقوله للمدبر فيجوز بيعه وقال بن المنير مراد البخاري أن الوقف يصح بأي لفظ دل
عليه إما بمجرده وإما بقرينة والله أعلم كذا قال وفي الجزم بأن هذا مراده نظر بل يحتمل
أنه أراد أنه لا يصير بمجرد ذلك وقفا (قوله باب قول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا
شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم
إلى قوله والله لا يهدي القوم الفاسقين) كذا لأبي ذر وساق في رواية الأصيلي وكريمة الآيات
الثلاث قال الزجاج في المعاني هذه الآيات الثلاث من أشكل ما في القرآن إعرابا وحكما ومعنى
قوله الأوليان وأحدهما أولى ومنه أولى به أي أحق به ووقع هذا في رواية الكشميهني لأبي
ذر وحده وكذا الذي بعده والمعنى وآخران أي شاهدان آخران يقومان مقام الشاهدين الأولين
من الذين استحق عليهم أي من الذين حق عليهم وهم أهل الميت وعشيرته والأوليان أي الأحقان
بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما وارتفع الأوليان بتقديرهما كأنه قيل من الشاهدان فأجيب
الأوليان أو هما بدل من الضمير في يقومان أو من آخران ويجوز أن يرتفعا باستحق أي من الذين
استحق عليهم انتداب الأولين منهم للشهادة لاطلاعهم على حقيقة الحال ولهذا قال أبو إسحاق
الزجاج هذا الموضع من أصعب ما في القرآن اعرابا قال الشهاب السمين ولقد صدق والله فيما قال
ثم بسط القول في ذلك وختمه بأن قال وقد جمع الزمخشري ما قلته بأوجز عبارة فقال فذكر ما تقدم
فذلك اقتصرت عليه قوله عثر ظهر أعثرنا أظهرنا قال أبو عبيدة في المجاز قوله فإن عثر على أنهما
استحقا إثما أي فإن ظهر عليه وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة فإن عثر على أنهما
استحقا إثما أن اطلع منهما على خيانة وأما تفسير أعثرنا فقال الفراء قوله أعثرنا عليهم أي أظهرنا
واطلعنا قال وكذلك قوله فإن عثر أي اطلع (قوله وقال لي علي بن عبد الله) أي ابن المديني كذا
لأبي ذر والأكثر وفي رواية النسفي وقال علي بحذف المحاورة وكذا جزم به أبو نعيم لكن أخرجه
المصنف في التاريخ فقال حدثنا علي بن المديني وهذا مما يقوي ما قررته غير مرة من أنه يعبر بقوله
وقال لي في الأحاديث التي سمعها لكن حيث يكون في إسنادها عنده نظر أو حيث تكون
307

موقوفة وأما من زعم أنه يعبر بها فيما أخذه في المذاكرة أو بالمناولة فليس عليه دليل (قوله ابن
أبي
زائدة) هو يحيى بن زكريا ومحمد بن أبي القاسم يقال له الطويل ولا يعرف اسم أبيه وثقه يحيى
ابن معين وأبو حاتم وتوقف فيه البخاري مع كونه أخرج حديثه هذا هنا فروى النسفي عن
البخاري قال لا أعرف محمد بن أبي القاسم هذا كما ينبغي وفي نسخة الصغاني كما أشتهي وقد روى
عنه أيضا أبو أسامة وكان علي بن عبد الله يعني بن المديني استحسنه وزاد في نسخة الصغاني أن
الفربري قال قلت للبخاري رواه غير محمد بن أبي القاسم قال لا وقد روى عنه أبو أسامة أيضا
لكنه ليس بمشهور وروى عمر البجيري بالموحدة والجيم مصغرا عن البخاري نحو هذا وزاد قيل
له رواه يعني هذا الحديث غير محمد بن أبي القاسم فقال لا وهو غير مشهور (قلت) وما له في
البخاري ولا لشيخه عبد الملك بن سعيد بن جبير غير هذا الحديث الواحد ورجال الاسناد ما بين علي
ابن عبد الله وابن عباس كوفيون (قوله خرج رجل من بني سهم) هو بزيل بموحدة وزاي مصغر
وكذا ضبطه ابن مأكولا ووقع في رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن تميم نفسه عند
الترمذي والطبري بديل بدال بدل الزاي ورأيته في نسخة صحيحة من تفسير الطبري بريل براء بغير
نقطة ولابن منده من طريق السدي عن الكلبي بديل بن أبي مارية ومثله في رواية عكرمة
وغيره عند الطبري مرسلا لكنه لم يسمه ووهم من قال فيه بديل بن ورقاء فإنه خزاعي وهذا
سهمي وكذا وهم من ضبطه بذيل بالذال المعجمة ووقع في رواية بن جريج أنه كان مسلما وكذا
أخرجه بسنده في تفسيره (قوله مع تميم الداري) أي الصحابي المشهور وذلك قبل أن
يسلم تميم كما سيأتي وعلى هذا فهو مرسل الصحابي لان بن عباس لم يحضر هذه القصة وقد
جاء في بعض الطرق أنه رواها عن تميم نفسه بين ذلك الكلبي في روايته المذكورة فقال عن ابن
عباس عن تميم الداري قال برئ الناس من هذه الآية غيري وغير عدي بن بداء وكانا نصرانيين
يختلفان إلى الشام قبل الاسلام فأتيا الشام في تجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم ويحتمل أن
تكون القصة وقعت قبل الاسلام ثم تأخرت المحاكمة حتى أسلموا كلهم فإن في القصة ما يشعر
بأن الجميع تحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلعلها كانت بمكة سنة الفتح (قوله وعدي بن
بداء) بفتح الموحدة وتشديد المهملة مع المد لم تختلف الروايات في ذلك إلا ما رأيته في كتاب القضاء
للكرابيسي فإنه سماه البداء بن عاصم وأخرجه عن معلى بن منصور عن يحيى بن أبي زائدة ووقع
عند الواقدي أن عدي بن بداء كان أخا تميم الداري فإن ثبت فلعله أخوه لامه أو من الرضاعة
لكن في تفسير مقاتل ابن حبان أن رجلين نصرانيين من أهل دارين أحدهما تميم والآخر يماني
(قوله فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم) في رواية الكلبي فمرض السهمي فأوصى إليهما
وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله قال تميم فلما مات أخذنا من تركته جاما وهو أعظم تجارته فبعناه
بألف درهم فاقتسمتها أنا وعدي 0 قوله فلما قدما بتركته فقدوا جاما) في رواية ابن جريج عن
عكرمة أن السهمي المذكور مرض فكتب وصيته بيده ثم دسها في متاعه ثم أوصى إليهما فلما
مات فتحا متاعه ثم قدما على أهله فدفعا إليهم ما أراد ففتح أهله متاعه فوجدوا الوصية وفقدوا
أشياء فسألوهما عنها فجحدا فرفعوهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية إلى قوله
من الاثمين فأمرهم أن يستحلفوهما (قوله جاما) بالجيم وتخفيف الميم أي إناء (قوله مخوصا)
بخاء معجمة واو ثقيلة بعدها مهملة أي منقوشا فيه صفة الخوص ووقع في بعض نسخ أبي داود
308

مخوضا بالضاد المعجمة أي مموها والأول أشهر ووقع في رواية بن جريج عن عكرمة إناء من فضة
منقوش بذهب وزاد في روايته أن تميما وعديا لما سئلا عنه قالا اشتريناه منه فارتفعوا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فنزلت فان عثر على أنهما استحقا اثما ووقع في رواية الكلبي عن تميم فلما
أسلمت تأثمت فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي
مثلها (قوله فقام رجلان من أولياء السهمي) أي الميت وقع في رواية الكلبي فقام عمرو بن
العاص ورجل آخر منهم وسمي مقاتل بن سليمان في تفسير الآخر المطلب بن أبي وداعة وهو
سهمي أيضا لكنه سمي الأول عبد الله بن عمرو بن العاص وكذا جزم به يحيى بن سلام في تفسيره
وقول من قال عمرو بن العاص أظهر والله أعلم واستدل بهذا الحديث لجواز رد اليمين على المدعي
فيحلف ويستحق وسيأتي البحث فيه واستدل به بن سريج الشافعي المشهور للحكم بالشاهد
واليمين وتكلف في انتزاعه فقال إن قوله تعالى فان عثر على أنهما استحقا اثما لا يخلوا إما أن يقرا
أو يشهد عليهما شاهدان أو شاهد وامرأتان أو شاهد واحد قال وقد أجمعوا على أن الاقرار بعد
الانكار لا يوجب يمينا على الطالب وكذلك مع الشاهدين ومع الشاهد والمرأتين فلم يبق
الا شاهد واحد فلذلك استحق الطالبان يمينهما مع الشاهد الواحد وهذا الذي قاله متعقب
بان القصة وردت من طرق متعددة في سبب النزول ليس في شئ منها أنه كان هناك من يشهد بل
في رواية الكلبي فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوا أي عديا بما يعظم على أهل دينه
واستدل بهذا الحديث على جواز شهادة الكفار بناء على أن المراد بالغير الكفار والمعنى منكم
أي من أهل دينكم أو آخران من غيركم أي من غير أهل دينكم وبذلك قال أبو حنيفة ومن تبعه
وتعقب بأنه لا يقول بظاهرها فلا يجيز شهادة الكفار على المسلمين وإنما يجيز شهادة بعض الكفار
على بعض وأجيب بأن الآية دلت بمنطوقها على قبول شهادة الكافر على المسلم وبايمائها على
قبول شهادة الكافر على الكافر بطريق الأولى ثم دل الدليل على أن شهادة الكافر على المسلم غير
مقبولة فبقيت شهادة الكافر على الكافر على حالها وخص جماعة القبول بأهل الكتاب وبالوصية
وبفقد المسلم حينئذ منهم ابن عباس وأبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وشريح وابن
سيرين والأوزاعي والثوري وأبو عبيد وأحمد وهؤلاء أخذوا بظاهر الآية وقوى ذلك عندهم
حديث الباب فإن سياقه مطابق لظاهر الآية وقيل المراد بالغير العشيرة والمعنى منكم أو من
عشيرتكم أو آخران من غيركم أو من غير عشيرتكم وهو قول الحسن واحتج له النحاس بأن لفظ
آخر لا بد أن يشارك الذي قبله في الصفة حتى لا يسوغ أن تقول مررت برجل كريم ولئيم آخر
فعلى هذا فقد وصف الاثنان بالعدالة فيتعين أن يكون الآخران كذلك وتعقب بأن هذا وأن ساغ
في الآية الكريمة لكن الحديث دل على خلاف ذلك والصحابي إذا حكى سبب النزول كان ذلك
في حكم الحديث المرفوع اتفاقا وأيضا ففي ما قال رد المختلف فيه بالمختلف فيه لان اتصاف
الكافر بالعدالة مختلف فيه وهو فرع قبول شهادته فمن قبلها وصفه بها ومن لا فلا واعترض أبو
حيان على المثال الذي ذكره النحاس بأنه غير مطابق فلو قلت جاءني رجل مسلم وآخر كافر صح
بخلاف ما لو قلت جاءني رجل مسلم وكافر آخر والآية من قبيل الأول لا الثاني لان قوله أو آخران
من جنس قوله اثنان لان كلا منهما صفة رجلان فكأنه قال فرجلان اثنان ورجلان آخران
309

وذهب جماعة من الأئمة إلى أن هذه الآية منسوخة وأن ناسخها قوله تعالى ممن ترضون من
الشهداء واحتجوا بالاجماع على رد شهادة الفاسق والكافر شر من الفاسق وأجاب الأولون بأن
النسخ لا يثبت بالاحتمال وأن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما وبأن سورة المائدة من
آخر ما نزل من القرآن حتى صح عن بن عباس وعائشة وعمرو بن شرحبيل وجمع من السلف أن
سورة المائدة محكمة وعن بن عباس أن الآية نزلت فيمن مات مسافرا وليس عنده أحمد من
المسلمين فإن اتهما استحلفا أخرجه الطبري بإسناد رجاله ثقات وأنكر أحمد على من قال أن هذه
الآية منسوخة وصح عن أبي موسى الأشعري أنه عمل بذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم فروى
أبو داود بإسناد رجاله ثقات عن الشعبي قال حضرت رجلا من المسلمين الوفاة بدقوقا ولم يجد أحدا
من المسلمين فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة بتركته ووصيته فأخبر الأشعري
فقال هذا لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحلفهما بعد العصر
ما خانا ولا كذبا ولا كتما ولا بدلا وأمضى شهادتهما ورجح الفخر الرازي وسبقه الطبري لذلك أن
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا خطاب للمؤمنين فلما قال أو آخران وضح أنه أراد غير المخاطبين
فتعين أنهما من غير المؤمنين وأيضا فجواز استشهاد المسلم ليس مشروطا بالسفر وأن أبا موسى
حكم بذلك فلم ينكره أحد من الصحابة فكان حجة وذهب الكرابيسي ثم الطبري وآخرون إلى أن
المراد بالشهادة في الآية اليمين قال وقد سمي الله اليمين شهادة في آية اللعان وأيدوا ذلك بالاجماع
على أن الشاهد لا يلزمه أن يقول أشهد بالله وأن الشاهد لا يمين عليه أنه شهد بالحق قالوا فالمراد
بالشهادة اليمين لقوله فيقسمان بالله أي يحلفان فإن عرف أنهما حلفا على الاثم رجعت اليمين
على الأولياء وتعقب بأن اليمين لا يشترط فيها عدد ولا عدالة بخلاف الشهادة وقد اشترطا في هذه
القصة فقوي حملها على أنها شهادة وأما اعتلال من اعتل في ردها بأنها تخالف القياس والأصول
لما فيها من قبول شهادة الكافر وحبس الشاهد وتحليفه وشهادة المدعي لنفسه واستحقاقه بمجرد
اليمين فقد أجاب من قال به بأنه حكم بنفسه مستغنى عن نظيره وقد قبلت شهادة الكافر في بعض
المواضع كما في الطب وليس المراد بالحبس السجن وإنما المراد الامساك لليمين ليحلف بعد الصلاة
واما تحليف الشاهد فهو مخصوص بهذه الصورة عند قيام الريبة وأما شهادة المدعي لنفسه
واستحقاقه بمجرد اليمين فإن الآية تضمنت نقل الايمان إليهم عند ظهور اللوث بخيانة الوصيين
فيشرع لهما أن يحلفا ويستحقا كما يشرع لمدعي الدم في القسامة أن يحلف ويستحق فليس هو
من شهادة المدعي لنفسه بل من باب الحكم له بيمينه القائمة مقام الشهادة لقوة جانبه وأي فرق بين
ظهور اللوث في صحة الدعوى بالدم وظهوره في صحة الدعوى بالمال وحكى الطبري أن بعضهم
قال المراد بقوله اثنان ذوا عدل منكم الوصيان قال والمراد شهادة بينكم معنى الحضور لما
يوصيهما به الموصي ثم زيف ذلك (قوله باب قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر
من الورثة) قال الداودي لا خلاف بين العلماء في حكم هذه التراجم أنه جائز (قوله حدثنا محمد بن
سابق أو الفضل بن يعقوب عنه) هكذا وقع هنا بالشك وقد روى البخاري عن أبي جعفر محمد بن
سابق البغدادي مولى بني تميم بواسطة في أول حديث في الجهاد وهو عقب هذا سواء وفي المغازي
والنكاح والأشربة ولم يرو عنه بغير واسطة إلا في هذا الموضع مع التردد في ذلك وأما الفضل بن
310

يعقوب فتقدم ذكره في البيوع وأخرج عنه أيضا في الجزية وغيرها وشيبان هو بن عبد الرحمن
وفراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وحديث جابر المذكور يأتي الكلام عليه مستوفى في علامات
النبوة وقد سبق في الصلح والاستقراض وفي الهبة وغيرها وقوله فيه أذهب فبيدر بفتح الموحدة
وسكون التحتانية بعدها دال مكسورة بصيغة فعل الامر أي اجعل كل صنف في بيدر أي جرين
يخصه ووقع في رواية أبي ذر عن السرخسي فبادر وقوله ولا أرجع إلى أخواتي تمرة كذا للأكثر بنزع
الخافض وللكشميهني بتمرة بإثباتها (قوله قال أبو عبد الله أغروا بي يعني هيجوا بي فأغرينا بينهم
العداوة والبغضاء وقع هذا للمستملي وحده وأغروا بضم الهمزة مبني لما لم يسم فاعله يقال أغرى
بكذا إذا لهج به وأولع وقال أبو عبيدة في المجاز في قوله تعالى فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء
الاغراء التهييج والافساد والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب الوصايا وما معه من أبواب الوقف
من الأحاديث المرفوعة على ستين حديثا المعلق منها ثمانية عشر طريقا والبقية موصولة
المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وأربعون حديثا والخالص ثمانية عشر حديثا وافقه
مسلم على تخريجها سوى حديث عمرو بن الحارث ما ترك رسول الله صلى الله عليه
وسلم شيئا وحديث بن عباس كان المال للولد وحديثه هما واليان
وحديثه في قصة تميم الداري وحديث الدين قبل الوصية
وأما حديث لا صدقة إلا عن ظهر غنى فمذكور عند مسلم بالمعنى وأما حديث عثمان في بئر رومة فما عنده لكن
تقدم في الشرب مختصرا معلقا وأغفله
المزي في الأطراف هنا وهناك وفيه
من الآثار عن الصحابة فمن
بعدهم اثنان وعشرون
أثرا والله تعالى
اعلم
* (تم الجزء الخامس ويليه الجزء السادس وأوله كتاب الجهاد) *
311