الكتاب: فتح الباري
المؤلف: ابن حجر
الجزء: ٣
الوفاة: ٨٥٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع:
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

فتح الباري
شرح
صحيح البخاري
للامام الحافظ
شهاب الدين ابن حجر العسقلاني
رحمه الله تعالى
الجزء الثالث
دار المعرفة
للطباعة والنشر
بيروت - لبنان
الطبعة الثانية
أعيد طبعه بالأوفست
الجزء (الثالث)
من فتح الباري بشرح صحيح الامام أبي
عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري لشيخ الاسلام
قاضى القضاة الحافظ أبى الفضل شهاب الدين أحمد بن علي
بن محمد بن محمد بن حجر العسقلاني
الشافعي نزيل القاهرة المحروسة
نفعنا الله
بعلومه
آمين
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(قوله باب التهجد بالليل) في رواية الكشميهني من الليل وهو أوفق للفظ الآية
وسقطت البسملة من رواية أبي ذر وقصد البخاري اثبات مشروعية قيام الليل مع عدم التعرض
لحكمه وقد أجمعوا الا شذوذا من القدماء على أن صلاة الليل ليست مفروضة على الأمة
واختلفوا في كونها من خصائص النبي صلى الله عليه و سلم و سيأتي تصريح المصنف بعدم وجوبه
على الأمة قريبا (قوله وقوله عز وجل ومن الليل فتهجد به) زاد أبو ذر في روايته اسهر به
وحكاه الطبري أيضا وفي المجاز لأبي عبيدة قوله فتهجد به أي اسهر بصلاة وتفسير التهجد بالسهر
معروف في اللغة وهو من الأضداد يقال تهجد إذا سهر و تهجد إذا نام حكاه الجوهري و غيره
و منهم من فرق بينهما فقال هجدت نمت و تهجدت سهرت حكاه أبو عبيدة و صاحب العين فعلى
هذا أصل الهجود النوم و معنى تهجدت طرحت عنى النوم و قال الطبري التهجد السهر بعد
نومة ثم ساقه عن جماعة من السلف و قال ابن فارس المتهجد المصلى ليلا و قال كراع التهجد صلاة
الليل خاصة (قوله نافلة لك) النافلة في اللغة الزيادة فقيل معناه عبادة زائدة في فرائضك و روى
الطبري عن ابن عباس ان النافلة للنبي صلى الله عليه و سلم خاصة لأنه أمر بقيام الليل و كتب
عليه دون أمته واسناده ضعيف و قيل معناه زيادة لك خالصة لان تطوع غيره يكفر ما على صاحبه
من ذنب و تطوعه هو صلى الله عليه و سلم يقع خالصا له لكونه لا ذنب عليه و روى معنى ذلك
الطبري وابن أبي حاتم عن مجاهد باسناد حسن و عن قتادة كذلك ورجح الطبري الأول و ليس
الثاني ببعيد من الصواب (قوله إذا قام من الليل يتهجد) في رواية مالك عن أبي الزبير عن
2

طاوس إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل و ظاهر السياق انه كان يقوله أول ما يقوم
إلى الصلاة و ترجم عليه ابن خزيمة الدليل على أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول هذا التحميد
بعد ان يكبر ثم ساقه من طريق قيس بن سعد عن طاوس عن ابن عباس قال كان رسول الله
صلى الله عليه و سلم إذا قام للتهجد قال بعد ما يكبر اللهم لك الحمد و سيأتي هذا في الدعوات من
طريق كريب عن ابن عباس في حديث مبيته عند النبي صلى الله عليه و سلم في بيت ميمونة
و في آخره و كان في دعائه اللهم اجعل في قلبي نورا الحديث و هذا قاله لما أراد أن يخرج إلى صلاة
الصبح كما بينه مسلم من رواية علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه (قوله قيم السماوات) في رواية
أبي الزبير المذكورة قيام السماوات و سيأتي الكلام عليه في التوحيد قال قتادة القيام القائم
بنفسه بتدبير خلقه المقيم لغيره (قوله أنت نور السماوات و الأرض) أي منورهما و بك يهتدى من
فيهما و قيل المعنى أنت المنزه عن كل عيب يقال فلان منو رأي مبرأ من كل عيب و يقال هو اسم
مدح تقول فلان نور البلد أي مزينه (قوله أنت ملك السماوات) كذا للأكثر وللكشميهني لك
ملك السماوات و الأول أشبه بالسياق (قوله أنت الحق) أي المتحقق الوجود الثابت بلا شك فيه
قال القرطبي هذا الوصف له سبحانه و تعالى بالحقيقة خاص به لا ينبغي لغيره إذ وجوده لنفسه فلم
يسبقه عدم ولا يلحقه عدم بخلاف غيره و قال ابن التين يحتمل أن يكون معناه أنت الحق بالنسبة
إلى من يدعى فيه انه اله أو بمعنى ان من سماك الها فقد قال الحق (قوله ووعدك الحق) أي
الثابت و عرفه ونكر ما بعده لان وعده مختص بالانجاز دون وعد غيره والتنكير في البواقي
للتعظيم قاله الطيبى و اللقاء و ما ذكر بعده داخل تحت الوعد لكن الوعد مصدر و ما ذكر بعده
هو الموعود به ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام كما أن ذكر القول بعد الوعد من العام بعد
الخاص قاله الكرماني (قوله ولقاؤك حق) فيه الاقرار بالبعث بعد الموت و هو عباره عن مآل
الخلق في الدار الآخرة بالنسبة إلى الجزاء على الأعمال و قيل معنى لقاؤك حق أي الموت وأبطله
النووي (قوله وقولك حق) تقدم ما فيه (قوله و الجنة حق و النار حق) فيه إشارة إلى إنهما
موجودتان و سيأتي البحث فيه في بدء الخلق (قوله ومحمد صلى الله عليه وسلم حق) خصه بالذكر
تعظيما له وعطفه على النبيين ايذانا بالتغاير بأنه فائق عليهم بأوصاف مختصة و جرده عن ذاته كأنه
غيره و وجب عليه الايمان به وتصديقه مبالغة في اثبات نبوته كما في التشهد (قوله و الساعة حق)
أي يوم القيامة وأصل الساعة القطعة من الزمان واطلاق اسم الحق على ما ذكر من الأمور
معناه انه لا بد من كونها وانها مما يجب ان يصدق بها وتكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد
(قوله اللهم لك أسلمت) أي انقدت وخضعت (و بك آمنت) أي صدقت (و عليك توكلت) أي
فوضت الامر إليك تاركا للنظر في الأسباب العادية (و إليك أنبت) أي رجعت إليك في تدبير
أمرى (قوله و بك خاصمت) أي بما أعطيتني من البرهان وبما لقنتني من الحجة (قوله و إليك
حاكمت) أي كل من جحد الحق حاكمته إليك و جعلتك الحكم بيننا لا من كانت الجاهلية تتحاكم
إليه من كاهن و نحوه قدم مجموع صلات هذه الأفعال عليها اشعارا بالتخصيص و إفادة للحصر
و كذا قوله و لك الحمد و قوله فاغفر لي قال ذلك مع كونه مغفورا له اما على سبيل التواضع والهضم
لنفسه واجلالا و تعظيما لربه أو على سبيل التعليم لامته لتقتدي به اكذا قيل والأولى انه لمجموع
3

ذلك والا لو كان للتعليم فقط لكفى فيه أمرهم بان يقولوا (قوله وما قدمت) أي قبل هذا الوقت
وما أخرت عنه (قوله وما أسررت وما أعلنت) أي أخفيت و أظهرت أو ما حدثت به نفسي
وما تحرك به لساني زاد في التوحيد من طريق ابن جريج عن سليمان و ما أنت أعلم به مني و هو من
العام بعد الخاص أيضا (قوله أنت المقدم وأنت المؤخر) قال المهلب أشار بذلك إلى نفسه لأنه
المقدم في البعث في الآخرة و المؤخر في البعث في الدنيا زاد في رواية ابن جريج أيضا في الدعوات
أنت الهى لا إله لي غيرك قال الكرماني هذا الحديث من جوامع الكلم لان لفظ القيم إشارة
إلى أن وجود الجواهر و قوامها منه و النور إلى أن الاعراض أيضا منه والملك إلى أنه حاكم عليها
ايجادا واعدا ما يفعل ما يشاء و كل ذلك من نعم الله على عباده فلهذا قرن كلا منها بالحمد وخصص
الحمد به ثم قوله أنت الحق إشارة إلى المبدأ و القول و نحوه إلى المعاش و الساعة و نحوها إشارة
إلى المعاد و فيه الإشارة إلى النبوة و إلى الجزاء ثوابا و عقابا و وجوب الايمان و الاسلام و التوكل
و الإنابة و التضرع إلى الله و الخضوع له انتهى و فيه زيادة معرفة النبي صلى الله عليه و سلم بعظمة
ربه وعظيم قدرته ومواظبته على الذكر و الدعاء و الثناء على ربه و الاعتراف له بحقوقه و الاقرار
بصدق وعده و وعيده و فيه استحباب تقديم الثناء على المسئلة عند كل مطلوب اقتداء به صلى الله
عليه و سلم (قوله قال سفيان و زاد عبد الكريم أبو أمية) هذا موصول بالاسناد الأول و وهم
من زعم أنه معلق و قد بين ذلك الحميدي في مسنده عن سفيان قال حدثنا سليمان الأحول خال
ابن أبي نجيح سمعت طاوسا فذكر الحديث و قال في آخره قال سفيان و زاد فيه عبد الكريم
ولا حول ولا قوة الا بك و لم يقلها سليمان وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل
القاضي عن علي بن عبد الله بن المديني شيخ البخاري فيه فقال في آخره قال سفيان و كنت إذا قلت
لعبد الكريم آخر حديث سليمان ولا اله غيرك قال ولا حول ولا قوة الا بالله قال سفيان و ليس
هو في حديث سليمان انتهى ومقتضى ذلك أن عبد الكريم لم يذكر اسناده في هذه الزيادة لكنه
على الاحتمال ولا يلزم من عدم سماع سفيان لها من سليمان ان لا يكون سليمان حدث بها و قد
وهم بعض أصحاب سفيان فادرجها في حديث سليمان أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان
عن محمد بن عبد الله بن نمير عن سفيان فذكرها في آخر الخبر بغير تفصيل و ليس لعبد الكريم أبى
أمية و هو ابن أبي المخارق في صحيح البخاري الا هذا الموضع و لم يقصد البخاري التخريج له فلأجل
ذلك لا يعدونه في رجاله وانما وقعت عنه زيادة في الخبر غير مقصودة لذاتها كما تقدم مثله
للمسعودي في الاستسقاء وسيأتى نحوه للحسن بن عمارة في البيوع و علم المزي على هؤلاء
علامة التعليق و ليس بجيد لان الرواية عنهم موصولة الا أن البخاري لم يقصد التخريج عنهم
و من هنا يعلم أن قول المنذري قد استشهد البخاري بعبد الكريم أبى أمية في كتاب التهجد ليس
بجيد لأنه لم يستشهد به الا ان أراد أبا لاستشهاد مقابل الاحتجاج فله وجه وأما قول بن طاهر ان
البخاري و مسلما أخرجا لعبد الكريم هذا في الحج حديثا واحدا عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن علي
في القيام على البدن من رواية عيينة عن عبد الكريم فهو غلط منه فان عبد الكريم
المذكور هو الجزري و الله المستعان (قوله قال سفيان) هو موصول أيضا و انما أراد سفيان
بذلك بيان سماع سليمان له من طاوس لا يراده له أو لا بالعنعنة و وقع في رواية الحميدي التصريح
4

بالسماع كما تقدم و لأبي ذر وحده هنا قال علي بن خشرم قال سفيان آخره و لعل هذه الزيادة
عن الفربري فان علي بن خشرم لم يذكروه في شيوخ البخاري و أما الفربري فقد سمع من علي بن
خشرم كما سيأتي في أحاديث الأنبياء في قصة موسى والخضر فكان هذا الحديث أيضا كان عنده
عاليا عن علي بن خشرم عن سفيان فذكره لأجل العلو والله أعلم (قوله باب فضل قيام
الليل) أورد فيه حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في رؤياه و فيه فقال نعم الرجل عبد الله
لو كان يصلي من الليل فكان بعد لا ينام من الليل الا قليلا وظاهره ان قوله فكان بعد لا ينام
إلى آخره من كلام سالم لكن وقع في التعبير من رواية البخاري عن عبد الله بن محمد شيخه هنا باسناده
هذا قال الزهري فكان عبد الله بعد ذلك يكثر الصلاة من الليل و مقتضاه ان في السياق الأول
ادراجا لكن أورده في المناقب من رواية عبد الرزاق و في آخره قال سالم وكان عبد الله لا ينام من
الليل الا قليلا فظهر أن لا ادراج فيه و أيضا فكلام سالم في ذلك مغاير لكلام الزهري فانتفى
الادراج عنه أصلا و رأسا و شاهد الترجمة قوله نعم الرجل عبد الله لو كان يصلى من الليل فمقتضاه
ان من كان يصلى من الليل يوصف بكونه نعم الرجل و في رواية نافع عن بن عمر في التعبير أن عبد الله
رجل صالح لو كان يصلى من الليل و هو أبين في المقصود وكان المصنف لم يصح عنده حديث
صريح في هذا الباب فاكتفى بحديث ابن عمر وقد أخرج فيه مسلم حديث أبي هريرة أفضل الصلاة
بعد الفريضة صلاة الليل و كان البخاري توقف فيه للاختلاف في وصله و ارساله و في رفعه و وقفه
(قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو الجعفي و هشام هو ابن يوسف الصغاني و محمد هو ابن غيلان
(قوله كان الرجل) اللام للجنس و لا مفهوم له و انما ذكر للغالب (قوله فتمنيت ان أرى)
في رواية الكشميهني اني أرى و زاد في التعبير من وجه آخر فقلت في نفسي لو كان فيك خير لرأيت
مثل ما يرى هؤلاء و يؤخذ منه ان الرؤيا الصالحة تدل على خير رائيها (قوله كأن ملكين) لم أقف
على تسميتهما (قوله فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية) في رواية أيوب عن نافع الآتية قريبا كان
اثنين أتياني أرادا ان يذهبا بي إلى النار فتلقاهما ملك فقال لن تراع خليا عنه وظاهر هذا انهما
لم يذهبا به و يجمع بينهما بحمل الثاني على ادخاله فيها فالتقدير أن يذهبا بي إلى النار فيدخلاني فيها
فلما نظرتها فإذا هي مطوية و رأيت من فيها و استعذت فلقينا ملك آخر (قوله فإذا هي مطوية)
أي مبنيه والبئر قبل ان تبنى يسمى قليبا (قوله و إذا لها قرنان) هكذا للجمهور و حكى الكرماني ان
في نسخه قرنين فاعربها بالجر أو بالنصب على أن فيه شيئا مضافا حذف و ترك المضاف إليه على
ما كان عليه و تقديره فإذا لها مثل قرنين و هو كقراءة من قرأ تريدون عرض الدنيا و الله يريد
الآخرة بالجر أي يريد عرض الآخرة أو ضمن إذا المفاجأة معنى الوجدان أي فإذا بي وجدت لها
قرنين انتهى والمراد بالقرنين هنا خشبتان أو بنا آن تمد عليهما الخشبة العارضة التي تعلق فيها
الحديدة التي فيها البكرة فان كانا من بناء فهما القرنان و ان كانا من خشب فهما الزرنوقان بزاي
منقوطة قبل المهملة ثم نون ثم قاف وقد يطلق على الخشبة أيضا القرنان وسيأتى مزيد لذلك
في شرح حديث أبي أيوب في غسل المحرم في باب الاغتسال للمحرم من كتاب الحج (قوله و إذا فيها
أناس قد عرفتهم) لم أقف على تسمية أحد منهم (قوله لم ترع) بضم أوله وفتح الراء بعدها مهمله
ساكنه أي لم تخف و المعنى لا خوف عليك بعد هذا و في رواية الكشميهني في التعبير لن تراع و هي
5

رواية الجمهور باثبات الألف و وقع في رواية القابسي لن ترع بحذف الألف قال ابن التين و هي لغة
قليلة أي الجزم بلن حتى قال القزاز لا اعلم له شاهدا وتعقب بقول الشاعر
لن يخب الآن من رجائك من * حرك من دون بابك الحلقه
و بقول الآخر * و لن يحل للعينين بعدك منظر * و زاد فيه انك رجل صالح وسيأتى بعد بضعة
عشر بابا بزيادة فيه و نقصان قال القرطبي انما فسر الشارع من رؤيا عبد الله ما هو ممدوح لأنه
عرض على النار ثم عوفي منها و قيل له لا روع عليك و ذلك لصلاحه غير أنه لم يكن يقوم من الليل
فحصل لعبد الله من ذلك تنبيه على أن قيام الليل مما يتقى به النار والدنو منها فلذلك لم يترك قيام
الليل يعد ذلك و أشار المهلب إلى أن السر في ذلك كون عبد الله كان ينام في المسجد و من حق
المسجد ان يتعبد فيه فنبه على ذلك بالتخويف بالنار (قوله لو كان) لو للتمني لا للشرط و لذلك لم
يذكر الجواب و في هذا الحديث ان قيام الليل يدفع العذاب و فيه تمني الخير و العلم و سيأتي باقي
الكلام عليه مستوفى في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى * تنبيه * سياق هذا المتن على لفظ
محمود و أما سياق عبد الله بن محمد فسيأتي في التعبير و أغفل المزي في الأطراف طريق محمود هذه
وهى وارده عليه (قوله باب طول السجود في قيام الليل) أورد فيه حديث
عائشة و فيه كان يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية وهو دال على ما ترجم
له و قد تقدم من حديثها في أبواب صفة الصلاة انه صلى الله عليه و سلم كان يكثر أن يقول في
ركوعه و سجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي و في مسند أحمد من طريق محمد بن عباد
عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في صلاة الليل في سجوده سبحانك
لا إله إلا أنت رجاله ثقات (قوله و يركع ركعتين قبل صلاة الفجر ثم يضطجع) سيأتي الكلام
عليه في آخر أبواب التهجد إن شاء الله تعالى (قوله باب ترك القيام) أي قيام
المريض (قوله عن الأسود) هو ابن قيس و جندب هو ابن عبد الله البجلي كما في
الاسناد الذي بعده و سفيان هو الثوري فيهما و وهم من زعم أنه بن عيينة و وقع التصريح
بسماع الأسود له من جندب في طريق زهير عنه في التفسير (قوله اشتكى النبي صلى الله عليه
وسلم) أي مرض و وقع في رواية قيس بن الربيع التي سيأتي التنبيه عليها بلفظ مرض ولم اقف
في شئ من طرق هذا الحديث على تفسير هذه الشكاية لكن وقع في الترمذي من طريق ابن عيينة
عن الأسود في أول هذا الحديث عن جندب قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم في غار فدميت
أصبعه فقال هل أنت إلا إصبع دميت و في سبيل الله ما لقيت قال و أبطأ عليه جبريل
فقال المشركون قد ودع محمد فأنزل الله ما ودعك ربك انتهى فظن بعض الشراح أن هذا بيان
للشكاية المجملة في الصحيح و ليس كما ظن فإن في طريق عبد الله بن شداد التي يأتي التنبيه عليها أن
نزول هذه السورة كان في أوائل البعثة و جندب لم يصحب النبي صلى الله عليه و سلم الا متأخرا
كما حكاه البغوي في معجم الصحابة عن الإمام أحمد فعلى هذا هما قضيتان حكاهما جندب
إحداهما مرسلة والأخرى موصوله لأن الأولى لم يحضرها فروايته لها مرسله من مراسيل
الصحابة والثانية شهدها كما ذكر أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم و لا يلزم من عطف إحداهما
على الأخرى في رواية سفيان اتحادهما و الله أعلم (قوله فلم يقم ليلة أو ليلتين) هكذا اختصره
6

المصنف و قد ساقه في فضائل القرآن تاما أخرجه عن أبي نعيم شيخه فيه هنا شوال المذكور فزاد
فأتته امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك الا قد تركك فأنزل الله و الضحى إلى قوله و ما قلى ثم
أخرجه المصنف هنا عن محمد بن كثير عن سفيان بلفظ آخر و هو احتبس جبريل عن النبي صلى الله
عليه و سلم فقالت امرأة من قريش الحديث و قد وافق أبا نعيم أبو أسامة عند أبي عوانة و وافق
محمد بن كثير وكيع عند الإسماعيلي و رواية زهير التي أشرنا إليها في التفسير كرواية أبي نعيم لكن
قال فيها فلم يقم ليلة أو ليلتين أو ثلاثا ورواية ابن عيينة عن الأسود عند مسلم كرواية محمد بن كثير
فالظاهر أن الأسود حدث به على الوجهين فحمل عنه كل واحد ما لم يحمله الآخر وحمل عنه
سفيان الثوري الأمرين فحدث به مرة هكذا ومرة هكذا و قد رواه شعبة عن الأسود على لفظ آخر
أخرجه المصنف في التفسير قال قالت امرأة يا رسول الله ما أرى صاحبك الا أبطأ عنك وزاد
النسائي في أوله أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت امرأة الحديث و هذه المرأة فيما
ظهر لي غير المرأة المذكورة في حديث سفيان لأن هذه المرأة عبرت بقولها صاحبك و تلك عبرت
بقولها شيطانك و هذه عبرت بقولها يا رسول الله و تلك عبرت بقولها يا محمد و سياق الأولى يشعر
بأنها قالته تأسفا وتوجعا و سياق الثانية يشعر بأنها قالته تهكما و شماته و قد حكى ابن بطال عن
تفسير بقي بن مخلد قال قالت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم حين أبطأ عنه الوحي أن ربك قد
قلاك فنزلت والضحى و قد تعقبه بن المنير ومن تبعه بالإنكار لأن خديجة قوية الإيمان لا يليق
نسبة هذا القول إليها لكن إسناد ذلك قوي أخرجه إسماعيل القاضي في احكامه والطبري
في تفسيره وأبو داود في أعلام النبوة له كلهم من طريق عبد الله بن شداد بن الهاد وهو من صغار
الصحابة والإسناد إليه صحيح و أخرجه أبو داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
لكن ليس عند أحد منهم أنها عبرت بقولها شيطانك و هذه هي اللفظة المستنكرة في الخبر
و في رواية إسماعيل وغيره ما أرى صاحبك بدل ربك و الظاهر أنها عنت بذلك جبريل و أغرب
سنيد بن داود فيما حكاه بن يشكوال فروى في تفسيره عن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه أن
عائشة قالت للنبي صلى الله عليه و سلم ذلك و غلط سنيد في ذلك فقد رواه الطبري عن أبي كريب
عن وكيع فقال فيه قالت خديجة و كذلك أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي معاوية عن هشام
وأما المرأة المذكورة في حديث سفيان التي عبرت بقولها شيطانك فهي أم جميل العوراء بنت
حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف و هي أخت أبي سفيان بن حرب وامرأة أبي لهب كما روى
الحاكم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم قال قالت امرأة أبي لهب لما مكث
النبي صلى الله عليه وسلم أياما لم ينزل عليه الوحي يا محمد ما أرى شيطانك الا قد قلاك فنزلت
والضحى رجاله ثقات و في تفسير الطبري من طريق المفضل بن صالح عن الأسود في حديث الباب
فقالت امرأة من أهله و من قومه و لا شك أن أم جميل من قومه لأنها من بني عبد مناف و عند
ابن عساكر أنها إحدى عماته وقد وقفت على مستنده في ذلك و هو ما أخرجه قيس بن الربيع في
مسنده عن الأسود بن قيس راوية و أخرجه الفريابي شيخ البخاري في تفسيره عنه و لفظه فأتته
إحدى عماته أو بنات عمه فقالت إني لأرجو أن يكون شيطانك قد ودعك * (تنبيه) *
استشكل أبو القاسم بن الورد مطابقة حديث جندب للترجمة و تبعه بن التين فقال احتباس
7

جبريل ليس ذكره في هذا الباب في موضعه انتهى و قد ظهر بسياق تكملة المتن وجه المطابقة
و ذلك أنه أراد أن ينبه على أن الحديث واحد لاتحاد مخرجه وأن كان السبب مختلفا لكنه في
قصه واحدة كما أوضحناه وسيأتي بقية الكلام على حديث جندب في التفسير أن شاء الله تعالى
و قد وقع في رواية قيس بن الربيع التي ذكرتها فلم يطلق القيام و كان يحب التهجد (قوله
باب تحريض النبي صلى الله عليه و سلم) يعني أمته أو المؤمنين على قيام الليل في رواية
الأصيلي و كريمة صلاة الليل و النوافل من غير إيجاب قال ابن المنير اشتملت الترجمة على أمرين
التحريض و نفي الإيجاب فحديث أم سلمة و على للأول و حديث عائشة للثاني (قلت) بل يؤخذ
من الأحاديث الأربعة نفي الإيجاب و يؤخذ التحريض من حديثي عائشة من قولها كان يدع
العمل و هو يحبه لأن كل شئ أحبه استلزم التحريض عليه لولا ما عارضه من خشية الافتراض
كما سيأتي تقريره و قد تقدم حديث أم سلمة و الكلام عليه في كتاب العلم قال ابن رشيد كأن البخاري
فهم أن المراد بالايقاظ الايقاظ للصلاة لا لمجرد الاخبار بما انزل لأنه لو كان لمجرد الأخبار لكان
يمكن تأخيره إلى النهار لأنه لا يفوت قال و يحتمل أن يقال أن لمشاهدة حال المخبر حينئذ أثرا
لا يكون عند التأخير فيكون الايقاظ في الحال أبلغ لوعيهن ما يخبرهن به ولسمعهن ما يعظهن به
و يحتمل أن يكون مراد البخاري بقوله قيام الليل ما هو أعم من الصلاة و القراءة والذكر و سماع
الموعظة و التفكر في الملكوت و غير ذلك و يكون قوله و النوافل من عطف الخاص على العام
قلت و هذا على رواية الأكثر كما بينته لا على رواية الأصيلي و كريمة و ما نسبه إلى فهم البخاري
أولا هو المعتمد فإنه وقع في رواية شعيب عن الزهري عند المصنف في الأدب و غيره في هذا الحديث
من يوقظ صواحب الحجر يريد أزواجه حتى يصلين فظهرت مطابقة الحديث للترجمة و أن فيه
التحريض على صلاة الليل و عدم الإيجاب يؤخذ من ترك الزامهن بذلك و جرى البخاري على
عادته في الحوالة على ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده و ستأتي بقية فوائد حديث أم سلمة
في الفتن و عبد الله المذكور في إسناده هو ابن المبارك و أما حديث على فعلي بن الحسين المذكور
في إسناده هو زين العابدين و هذا من أصح الأسانيد و من أشرف التراجم الواردة فيمن روى عن
أبيه عن جده و حكى الدارقطني أن كاتب الليث رواه عن الليث عن عقيل عن الزهري فقال عن
علي بن الحسين عن الحسن بن علي و كذا وقع في رواية حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري
في تفسير ابن مردويه و هو وهم و الصواب عن الحسين و يؤيده رواية حكيم بن حكيم عن
الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه أخرجها النسائي و الطبري (قوله طرقه وفاطمة) بالنصب
عطفا على الضمير و الطروق الإتيان صارت و على هذا فقوله ليلة للتأكيد و حكى ابن فارس أن
معنى طرق أتى فعلى هذا يكون قوله ليلة لبيان وقت المجئ و يحتمل أن يكون المراد بقوله ليلة أي
مرة واحدة (قوله الا تصليان) قال ابن بطال فيه فضيلة صلاة الليل و ايقاظ النائمين من الأهل
والقرابة لذلك و وقع في رواية حكيم بن حكيم المذكورة و دخل النبي صلى الله عليه و سلم علي و على
فاطمة من الليل فايقظنا للصلاة ثم رجع إلى بيته فصلى هويا من الليل فلم يسمع لنا حسا فرجع
إلينا فايقظنا الحديث قال الطبري لولا ما علم النبي صلى الله عليه وسلم من عظم فضل الصلاة في
الليل ما كان يزعج ابنته و ابن عمه في وقت جعله الله لخلقه سكنا لكنه أختار لهما احراز تلك
8

الفضيلة على الدعة والسكون امتثالا لقوله تعالى وأمر أهلك بالصلاة الآية (قوله أنفسنا
بيد الله أقتبس على ذلك من قوله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية و وقع في رواية
حكيم المذكورة قال علي فجلست و أنا اعرك عيني و أنا أقول و الله ما نصلي إلا ما كتب الله لنا
إنما أنفسنا بيد الله و فيه اثبات المشيئة لله و أن العبد لا يفعل شيئا الا بإرادة الله (قوله بعثنا)
بالمثلثة أي أيقظنا و أصله إثارة الشئ من موضعه (قوله حين قلت) في رواية كريمة حين قلنا
(قوله ولم يرجع) بفتح أوله أي لم يجبني و فيه أن السكوت يكون جوابا و الاعراض عن القول
الذي لا يطابق المراد و أن كان حقا في نفسه (قوله يضرب فخده) فيه جواز ضرب الفخذ عند
التأسف و قال بن التين كره احتجاجه بالآية المذكورة و أراد منه أن ينسب التقصير إلى نفسه
و فيه جواز الانتزاع من القرآن و ترجيح قول من قال أن اللام في قوله وكان الإنسان للعموم
لا لخصوص الكفار و فيه منقبة لعلي حيث لم يكتم ما فيه عليه أدنى غضاضه فقدم مصلحة نشر العلم
و تبليغه على كتمه و نقل ابن بطال عن المهلب قال فيه أنه ليس للإمام أن يشدد في النوافل حيث
قنع صلى الله عليه و سلم بقول علي رضي الله عنه أنفسنا بيد الله لأنه كلام صحيح في العذر عن
التنفل و لو كان فرضا ما عذره قال و أما ضربه فخذه و قراءته الآية فدال على أنه ظن أنه أحرجهم
فندم على انباههم كذا قال و أقره ابن بطال و ليس بواضح و ما تقدم أولى و قال النووي المختار أنه
ضرب فخذه تعجبا من سرعة جوابه و عدم موافقته له على الاعتذار بما اعتذر به و الله أعلم
و أما حديث عائشة الأول فيشتمل على حديثين أحدهما ترك العمل خشية افتراضه ثانيهما ذكر
صلاة الضحى و هذا الثاني سيأتي الكلام عليه في باب من لم يصل الضحى وقوله في الأول أن بكسر
الهمزة وهي المخففة من الثقيلة و فيها ضمير الشأن و قوله ليدع بفتح اللام أي يترك و قوله خشية
بالنصب متعلق بقوله ليدع و قوله فيفرض بالنصب عطفا على يعمل و سيأتي الكلام على
فوائده في الحديث الذي بعده و زاد فيه مالك في الموطأ قالت و كان يحب ما خف على الناس
و أما حديث عائشة الثاني فهو بإسناد الذي قبله و قوله صلى ذات ليلة في المسجد تقدم معي صفة
الصلاة من رواية عمرة عن عائشة أنه صلى في حجرته وليس المراد بها بيته و إنما المراد الحصير التي
كان يحتجرها بالليل في المسجد فيجعلها على باب بيت عائشة فيصلى فيه و يجلس عليه بالنهار و قد
ورد ذلك مبينا من طريق سعيد المقبري عن أبي سلمة عن عائشة و هو عند المصنف في كتاب اللباس
و لفظه كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلى عليه و يبسطه بالنهار فيجلس عليه و لأحمد من طريق محمد
ابن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة فأمرني أن انصب له حصيرا على باب حجرتي ففعلت فخرج
فذكر الحديث قال النووي معنى يحتجر يحوط موضعا من المسجد بحصير يستره ليصلي فيه
و لا يمر بين يديه مار ليتوفر خشوعه و يتفرغ قلبه و تعقبه الكرماني بأن لفظ الحديث لا يدل على
أن احتجاره كان في المسجد قال و لو كان كذلك للزم منه أن يكون تاركا للأفضل الذي أمر الناس
به حيث قال فصلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته الا المكتوبة ثم أجاب بأنه أن صح أنه
كان في المسجد فهو إذا احتجر صار كأنه بيت بخصوصيته أو أن السبب في كون صلاة التطوع
في البيت أفضل عدم شوبه بالرياء غالبا و النبي صلى الله عليه و سلم منزه عن الرياء في بيته و في غير
بيته (قوله ثم صلى من القابلة) أي من الليلة المقبلة و هو لفظ معمر عن بن شهاب عند أحمد
9

و في رواية المستملي ثم صلى من القابل أي الوقت (قوله ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة)
كذا رواه مالك بالشك و في رواية عقيل عن ابن شهاب كما تقدم في الجمعة فصلى رجال بصلاته
فأصبح الناس فتحدثوا و لمسلم من رواية يونس عن ابن شهاب يتحدثون بذلك و نحوه في رواية
عمرة عن عائشة الماضية قبل صفة الصلاة و لأحمد من رواية بن جريج عن ابن شهاب فلما أصبح
تحدثوا أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى في المسجد من جوف الليل فاجتمع أكثر منهم زاد يونس
فخرج النبي صلى الله عليه و سلم في الليلة الثانية فصلوا معه فأصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل
المسجد من الليلة الثالثة فخرج فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله
و لابن جريج حتى كان المسجد يعجز عن أهله و لأحمد من رواية معمر عن ابن شهاب امتلأ المسجد
حتى اغتص بأهله و له من رواية سفيان بن حسين عنه فلما كانت الليلة الرابعة غص المسجد بأهله
(قوله فلم يخرج) زاد أحمد في رواية بن جريج حتى سمعت ناسا منهم يقولون الصلاة و في رواية
سفيان بن حسين فقالوا ما شأنه و في حديث زيد بن ثابت كما سيأتي في الاعتصام ففقدوا صوته
و ظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم و في حديثه في الأدب فرفعوا أصواتهم و حصبوا
الباب (قوله فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم) في رواية عقيل فلما قضى صلاة الفجر
أقبل على الناس فتشهد ثم قال أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم و في رواية يونس و ابن جريج
لم يخف علي شأنكم و زاد في رواية أبي سلمة اكلفوا من العمل ما تطيقون و في رواية معمر أن
الذي سأله عن ذلك بعد أن أصيح عمر بن الخطاب و لم أر في شئ من طرقه بيان عدد صلاته في تلك
الليالي لكن روى ابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم
في رمضان ثمان ركعات ثم أوتر فلما كانت القابلة اجتمعنا في المسجد و رجونا أن يخرج إلينا
حتى أصبحنا ثم دخلنا فقلنا يا رسول الله الحديث فإن كانت القصة واحدة احتمل أن يكون جابر
ممن جاء في الليلة الثالثة فلذلك اقتصر على وصف ليلتين و كذا ما وقع عند مسلم من حديث أنس
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي في رمضان فجئت فقمت إلى جنبه فجاء رجل فقام حتى
كنا رهطا فلما أحس بنا تجوز ثم دخل رحله الحديث و الظاهر أن هذا كان في قصه أخرى (قوله
الا أني خشيت أن تفرض عليكم) ظاهر في أن عدم خروجه إليهم كان لهذه الخشية لا لكون
المسجد امتلأ وضاق على المصلين (قوله أن تفرض عليكم) في رواية عقيل و ابن جريج فتعجزوا
عنها و في رواية يونس و لكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها و كذا في رواية
أبي سلمة المذكورة قبيل صفة الصلاة خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل و قوله فتعجزوا عنها
أي تشق عليكم فتتركوها مع القدرة عليها و ليس المراد العجز الكلي لأنه يسقط التكليف من
أصله ثم أن ظاهر هذا الحديث أنه صلى الله عليه و سلم توقع ترتب افتراض الصلاة بالليل جماعة
على وجود المواظبة عليها و في ذلك اشكال و قد بناه بعض المالكية على قاعدتهم في أن الشروع
ملزم و فيه نظر و أجاب المحب الطبري بأنه يحتمل أن يكون الله عز وجل أوحى إليه انك أن واظبت
على هذه الصلاة معهم افترضتها عليهم فأحب التخفيف عنهم فترك المواظبة قال و يحتمل أن يكون
ذلك وقع في نفسه كما اتفق في بعض القرب التي داوم عليها فافترضت و قيل خشي أن يظن أحد
من الأمة من مداومته عليها الوجوب وإلى هذا الأخير نحا القرطبي فقال قوله فتفرض
10

عليكم أي تظنونه فرضا فيجب على من ظن ذلك كما إذا ظن المجتهد حل شئ أو تحريمه فإنه يجب
عليه العمل به قال و قيل كان حكم النبي صلى الله عليه و سلم أنه إذا واظب على شئ من أعمال البر
و اقتدى الناس به فيه أنه يفرض عليهم انتهى و لا يخفى بعد هذا الأخير فقد واظب النبي صلى الله
عليه و سلم على رواتب الفرائض و تابعه أصحابه و لم تفرض و قال ابن بطال يحتمل أن يكون هذا
القول صدر منه صلى الله عليه و سلم لما كان قيام الليل فرضا عليه دون أمته فخشى أن خرج إليهم
والتزموا معه قيام الليل أن يسوي الله بينه و بينهم في حكمه لأن الأصل في الشرع المساواة بين
النبي صلى الله عليه و سلم و بين أمته في العبادة قال و يحتمل أن يكون خشي من مواظبتهم عليها
أن يضعفوا عنها فيعصي من تركها بترك أتباعه صلى الله عليه و سلم و قد استشكل الخطابي أصل
هذه الخشية مع ما ثبت في حديث الإسراء من أن الله تعالى قال هن خمس و هن خمسون لا يبدل
القول لدي فإذا أمن التبديل فكيف يقع الخوف من الزيادة وهذا يدفع في صدور الأجوبة
التي تقدمت و قد أجاب عنه الخطابي بأن صلاة الليل كانت واجبة عليه صلى الله عليه وسلم
وأفعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به فيها يعني عند المواظبة فترك الخروج إليهم لئلا
يدخل ذلك في الواجب من طريق الأمر بالاقتداء به لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على
الخمس وهذا كما يوجب المرء على نفسه صلاة نذر فتجب عليه ولا يلزم من ذلك زيادة فرض في أصل
الشرع قال و فيه احتمال آخر و هو أن الله فرض الصلاة خمسين ثم حط معظمها بشفاعة نبيه
صلى الله عليه و سلم فإذا عادت الأمة فيما استوهب لها و التزمت ما استعفى لهم نبيهم صلى الله عليه
و سلم منه لم يستنكر أن يثبت ذلك فرضا عليهم كما التزم ناس الرهبانية من قبل أنفسهم ثم عاب الله
عليهم التقصير فيها فقال فما رعوها حق رعايتها فخشى صلى الله عليه و سلم أن يكون سبيلهم سبيل
أولئك فقطع العمل شفقة عليهم من ذلك و قد تلقى هذين الجوابين من الخطابي جماعة من الشراح
كابن الجوزي و هو مبني على أن قيام الليل كان واجبا عليه صلى الله عليه و سلم و على وجوب
الاقتداء بافعاله و في كل من الامرين نزاع وأجاب الكرماني بان حديث الإسراء يدل على أن
المراد بقوله تعالى لا يبدل القول لدى الأمن من نقص شئ من الخمس و لم يتعرض للزيادة انتهى
لكن في ذكر التضعيف بقوله هن خمس و هن خمسون إشارة إلى عدم الزيادة أيضا لأن التضعيف
لا ينقص عن العشر و دفع بعضهم في أصل السؤال بأن الزمان كان قابلا للنسخ فلا مانع من
خشية الافتراض و فيه نظر لأن قوله لا يبدل القول لدى خبر والنسخ لا يدخله على الراجح و ليس
هو كقوله مثلا لهم صوموا الدهر أبد! فإنه يجوز فيه النسخ و قد فتح الباري بثلاثة أجوبة أخرى
أحدها يحتمل أن يكون المخوف إفتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطا في
صحة التنفل بالليل و يومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت حتى خشيت أن يكتب
عليكم و لو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم فمنعهم من التجميع في المسجد اشفاقا عليهم من
اشتراطه وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم ثانيها يحتمل أن يكون
المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية لا على الأعيان فلا يكون ذلك زائدا على الخمس بل هو
نظير ما ذهب إليه قوم في العيد ونحوها ثالثها يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصة
فقد وقع في حديث الباب أن ذلك كان في رمضان و في رواية سفيان بن حسين خشيت أن يفرض
11

عليكم قيام هذا الشهر فعلى هذا يرتفع الاشكال لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم في السنة فلا
يكون ذلك قدرا زائدا على الخمس وأقوى هذه الأجوبة الثلاثة في نظري الأول والله سبحانه
و تعالى أعلم بالصواب و في حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم ندب قيام الليل ولا سيما في رمضان
جماعة لأن الخشية المذكورة أمنت بعد النبي صلى الله عليه و سلم و لذلك جمعهم عمر بن
الخطاب على أبي بن كعب كما سيأتي في الصيام أن شاء الله تعالى و فيه جواز الفرار من قدر الله
إلى قدر الله قاله المهلب و فيه أن الكبير إذا فعل شيئا خلاف ما اعتاده أتباعه أن يذكر لهم عذره
و حكمه و الحكمة فيه و فيه ما كان النبي صلى الله عليه و سلم عليه من الزهادة في الدنيا والاكتفاء
بما قل منها و الشفقة على أمته والرأفة بهم و فيه ترك بعض المصالح لخوف المفسدة و تقديم أهم
المصلحتين و فيه جواز الافتداء بمن لم ينو الإمامة كما تقدم و فيه نظر لأن نفي النية لم ينقل
و لا يطلع عليه بالظن و فيه ترك الأذان والإقامة للنوافل إذا صليت جماعة (قوله باب
قيام النبي صلى الله عليه و سلم الليل) كذا للكشميهني من طريقين عنه وزاد في رواية كريمة
حتى ترم قدماه وللباقين قيام الليل للنبي صلى الله عليه و سلم (قوله وقالت عائشة كان يقوم)
كذا للكشميهني و لغيره قام رسول الله صلى الله عليه و سلم (قوله حتى تفطر) بتاء واحدة و في رواية
الأصيلي تتفطر بمثناتين (قوله والفطور الشقوق) كذا ذكره أبو عبيدة في المجاز (قوله انفطرت
انشقت) هذا التفسير رواه ابن أبي حاتم موصولا عن الضحاك قال و روى عن مجاهد و الحسن
وغيرهما ذلك وكذا حكاه إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن ابن عباس وحديث عائشة وصله
المصنف في تفسير سورة الفتح (قوله عن زياد) هو ابن علاقة وللمصنف في الرقاق عن خلاد
ابن يحيى عن مسعر حدثنا زياد بن علاقة * (تنبيه) * هكذا رواه الحفاظ من أصحاب مسعر عنه
وخالفهم محمد بن بشر وحده فرواه عن مسعر عن قتادة عن أنس أخرجه البزار وقال الصواب
عن مسعر عن زياد و أخرجه الطبراني في الكبير من رواية أبي قتادة الحراني عن مسعر عن علي
ابن الأقمر عن أبي جحيفة وأخطأ فيه أيضا و الصواب مسعر عن زياد بن علاقة (قوله أن كان
ليقوم أو ليصلي) أن مخففة من الثقيلة وليقوم بفتح اللام وفي رواية كريمة ليقوم يصلي و في
حديث عائشة كان يقوم من الليل (قوله حتى ترم) بفتح المثناة و كسر الراء و تخفيف الميم بلفظ
المضارع من الورم هكذا سمع و هو نادر و في رواية خلاد بن يحيى حتى ترم أو تنتفخ قدماه و في
رواية أبي عوانة عن زياد عند الترمذي حتى انتفخت قدماه (قوله قدماه أو ساقاه) و في رواية
خلاد قدماه و لم يشك وللمصنف في تفسير الفتح حتى تورمت و للنسائي من حديث أبي هريرة حتى
تزلع قدماه بزاي و عين مهمله و لا اختلاف بين هذه الروايات فإنه إذا حصل الانتفاخ أو الورم
حصل الزلع و التشقق و الله أعلم (قوله فيقال له) لم يذكر المقول و لم يسم القائل و في تفسير الفتح
فقيل له غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر و في رواية أبي عوانة فقيل له أتتكلف هذا و في
حديث عائشة فقالت له عائشة لم تصنع هذا يا رسول الله و قد غفر الله لك و في حديث أبي هريرة
عند البزار فقيل له تفعل هذا وقد جاءك من الله أن قد غفر لك (قوله أفلا أكون) في حديث
عائشة أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا وزادت فيه فلما كثر لحمه صلى جالسا الحديث و الفاء
في قوله أفلا أكون للسببية و هي عن محذوف تقديره أأترك تهجدي فلا أكون عبدا شكورا
12

و المعنى أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرا فكيف اتركه قال ابن بطال في هذا الحديث
أخذ الإنسان على نفسه بالشدة في العبادة وأن أضر ذلك ببدنه لأنه صلى الله عليه و سلم إذا فعل
ذلك مع علمه بما سبق له فكيف بمن لم يعلم بذلك فضلا عمن لم يأمن أنه استحق النار انتهى و محل ذلك
ما إذا لم يفض إلى الملال لأن حال النبي صلى الله عليه و سلم كانت أكمل الأحوال فكان
لا يمل من عبادة ربه و أن أضر ذلك ببدنه بل صح أنه قال و جعلت قرة عيني في الصلاة كما أخرجه
النسائي من حديث أنس فأما غيره صلى الله عليه و سلم فإذا خشي الملل لا ينبغي له أن يكره نفسه
و عليه يحمل قوله صلى الله عليه و سلم خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا و فيه
مشروعية الصلاة للشكر و فيه أن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان كما قال الله تعالى
اعملوا آل داود شكرا و قال القرطبي ظن من سأله عن سبب تحمله المشقة في العبادة أنه إنما
يعبد الله خوفا من الذنوب وطلبا للمغفرة و الرحمة فمن تحقق أنه غفر له لا يحتاج إلى ذلك فأفادهم
أن هناك طريقا آخر للعبادة و هو الشكر على المغفرة و إيصال النعمة لمن لا يستحق عليه فيها شيئا
فيتعين كثرة الشكر على ذلك والشكر الاعتراف بالنعمة والقيام بالخدمة فمن كثر ذلك منه سمي
شكورا و من ثم قال سبحانه و تعالى و قليل من عبادي الشكور و فيه ما كان النبي صلى الله عليه
و سلم عليه من الاجتهاد في العبادة والخشية من ربه قال العلماء إنما ألزم الأنبياء أنفسهم بشدة
الخوف لعلمهم بعظيم نعمة الله تعالى عليهم و أنه ابتدأهم بها قبل استحقاقها فبذلوا مجهودهم
في عبادته ليؤدوا بعض شكره مع أن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد والله أعلم
* (تكملة) * قيل أخرج البخاري هذا الحديث لينبه على أن قيام جميع الليل غير مكروه
ولا تعارضه الأحاديث الآتية بخلافه لأنه يجمع بينها بأنه صلى الله عليه و سلم لم يكن يداوم
على قيام جميع الليل بل كان يقوم و ينام كما أخبر عن نفسه وأخبرت عنه عائشة أيضا و سيأتي
نقل الخلاف في إيجاب قيام الليل في باب عقد الشيطان أن شاء الله تعالى (قوله باب
من نام عند السحر) في رواية الأصيلي والكشميهني السحور و لكل منهما وجه و الأول أوجه
و أورد المصنف فيه ثلاثة أحاديث أحدها لعبد الله بن عمرو و الآخران لعائشة (قوله
في حديث عبد الله بن عمرو أن عمرو بن أوس أخبره) أي أبن أبي أوس الثقفي الطائفي و هو تابعي
كبير و وهم من ذكره في الصحابة وإنما الصحبة لأبيه (قوله أحب الصلاة إلى الله صلاة داود) قال
المهلب كان داود عليه السلام يجم نفسه بنوم أول الليل ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله فيه
هل من سائل فأعطيه سؤله ثم يستدرك بالنوم ما يستريح به من نصب القيام في بقية الليل
وهذا هو النوم عند السحر كما ترجم به المصنف و إنما صارت هذه الطريقة أحب من أجل
الأخذ بالرفق للنفس التي يخشى منه السآمة و قد قال صلى الله عليه و سلم أن الله لا يمل حتى
تملوا والله يحب أن يديم فضله و يوالي إحسانه وانما كان ذلك أرفق لأن النوم بعد القيام يريح
البدن و يذهب ضرر السهر وذبول الجسم بخلاف السهر إلى الصباح و فيه من المصلحة أيضا
استقبال صلاة الصبح واذكار النهار بنشاط و إقبال و أنه أقرب إلى عدم الرياء لأن من نام السدس
الأخير أصبح ظاهر اللون سليم القوى فهو أقرب إلى أن يخفى عمله الماضي على من يراه أشار إلى
ذلك ابن دقيق العيد و حكى عن قوم أن معنى قوله أحب الصلاة هو بالنسبة إلى من حاله مثل حال
13

المخاطب بذلك و هو من يشق عليه قيام أكثر الليل قال و عمدة هذا القائل اقتضاء القاعدة زيادة
الأجر بسبب زيادة العمل لكن يعارضه هنا اقتضاء العادة والجبلة التقصير في حقوق يعارضها
طول القيام ومقدار ذلك الفائت مع مقدار الحاصل من القيام غير معلوم لنا فالأولى أن يجري
الحديث على ظاهره وعمومه وإذا تعارضت المصلحة و المفسدة فمقدار تأثير كل واحد منهما
في الحث أو المنع غير محقق لنا فالطريق أننا نفوض الأمر إلى صاحب الشرع ونجرى على ما دل
عليه اللفظ مع ما ذكرناه من قوة الظاهر هنا و الله أعلم * (تنبيه) * قال ابن التين هذا المذكور
إذا أجريناه على ظاهره فهو في حق الأمة وأما النبي صلى الله عليه و سلم فقد أمره الله تعالى بقيام
أكثر الليل فقال يا أيها المزمل قم الليل الا قليلا انتهى و فيه نظر لأن هذا الأمر قد نسخ كما سيأتي و قد
تقدم في حديث ابن عباس فلما كان نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل و هو نحو المذكور
هنا نعم سيأتي بعد ثلاثة أبواب أنه صلى الله عليه و سلم لم يكن يجري الأمر في ذلك على وتيرة واحدة
و الله أعلم (قوله و أحب الصيام إلى الله صيام داود) يأتي فيه ما تقدم في الصلاة و ستأتي بقية
مباحثه في كتاب الصيام أن شاء الله تعالى (قوله كان ينام نصف الليل الخ) في رواية بن جريج
عن عمرو بن دينار عند مسلم كان يرقد شطر الليل ثم يقوم ثلث الليل بعد شطره قال بن جريج قلت
لعمرو بن دينار عمرو بن أوس هو الذي يقول يقوم ثلث الليل قال نعم انتهى و ظاهره أن تقدير
القيام بالثلث من تفسير الراوي فيكون في الرواية الأولى إدراج و يحتمل أن يكون قوله عمرو بن
أوس ذكره أي بسنده فلا يكون مدرجا و في رواية بن جريج من الفائدة ترتيب ذلك بثم ففيه رد
على من أجاز في حديث الباب أن تحصل السنة بنوم السدس الأول مثلا و قيام الثلث و نوم
النصف الأخير و السبب في ذلك أن الواو لا ترتب * (تنبيه) * قال ابن رشيد الظاهر من سياق
حديث عبد الله بن عمرو مطابقة ما ترجم له إلا أنه ليس نصا فيه فبينه بالحديث الثالث و هو قول
عائشة ما الفاه السحر عندي الا نائما وأما حديث عائشة الأول فوالد عبدان اسمه عثمان
ابن جبلة بفتح الجيم و الموحدة و قوله عن أشعث هو ابن أبي الشعثاء المحاربي و قوله الدائم أي
المواظبة العرفية و قوله الصارخ أي الديك و وقع في مسند الطيالسي في هذا الحديث الصارخ
الديك والصرخة الصيحة الشديدة و جرت العادة بان الديك يصيح عند نصف الليل غالبا قاله محمد
ابن ناصر قال ابن التين و هو موافق لقول ابن عباس نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل
و قال ابن بطال الصارخ يصرخ عند ثلث الليل و كان داود يتحرى الوقت الذي ينادي الله فيه هل
من سائل كذا قال و المراد بالدوام قيامه كل ليلة في ذلك الوقت لا الدوام المطلق (قوله حدثنا
محمد) زاد أبو ذر في رواية ابن سلام و كذا نسبه أبو علي بن السكن و ذكر الجياني أنه وقع في رواية
أبي ذر عن أبي محمد السرخسي محمد بن سالم بتقديم الألف على اللام قال أبو الوليد الباجي سألت
أبا ذر فقال له أراه أبن سلام وسها فيه أبو محمد (قلت) و ليس في شيوخ البخاري أحد يقال
له محمد بن سالم (قوله عن الأشعث) يعني باسناده المذكور و ظن بعضهم أنه موقوف على أشعث
فأخطأ فقد أخرجه مسلم عن هناد بن السري و أبو داود عن إبراهيم بن موسى الرازي كلاهما
عن أبي الأحوص بهذا الإسناد بلفظ سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم
فقلت لها أي حين كان يصلي قالت إذا سمع الصارخ قام فصلى لفظ إبراهيم و زاد مسلم في أوله
14

كان يحب الدائم وللإسماعيلي من رواية خلف بن هشام عن أبي الأحوص بالإسناد سألت
عائشة أي العمل كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت أدومه قال الإسماعيلي
لم يذكر البخاري في رواية أبي الأحوص بعد الأشعث أحدا و أفادت هذه الرواية ما كان يصنع
إذا قام و هو قوله قام فصلى بخلاف رواية شعبة فإنها مجملة و في هذا الحديث الحث على المداومة
على العمل إن قل و فيه الاقتصاد في العبادة و ترك التعمق فيها لأن ذلك أنشط و القلب به أشد
انشراحا و أما حديث عائشة الثاني فوالد إبراهيم بن سعد هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن
عوف و عبر موسى عن إبراهيم بقوله ذكر أبي و قد رواه أبو داود عن أبي توبة فقال حدثنا إبراهيم
ابن سعد عن أبيه وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن جمعه بن عبد الله عن إبراهيم
ابن سعد عن أبيه عن عمه أبي سلمة بن عبد الرحمن به (قوله ما الفاه) بالفاء أي وجده و السحر
مرفوع بأنه فاعله و المراد نومه بعد القيام الذي مبدؤه عند سماع الصارخ جمعا بينه و بين رواية
مسروق التي قبلها (قوله تعني النبي صلى الله عليه و سلم) في رواية محمد بن بشر عن سعد بن
إبراهيم عند مسلم ما ألفى رسول الله صلى الله عليه و سلم السحر على فراشي أو عندي الا نائما
و أخرجه الإسماعيلي عن محمود الواسطي عن زكريا بن يحيى عن إبراهيم بن سعد بلفظ ما ألفى
النبي صلى الله عليه و سلم عندي بالأسحار الا و هو نائم و في هذا التصريح برفع الحديث
* (تنبيه) * قال ابن التين قولها الا نائما تعني مضطجعا على جنبه لأنها قالت في حديث آخر فان
كنت يقظانة حدثني و إلا اضطجع انتهى و تعقبه ابن رشيد بأنه لا ضرورة لحمل هذا التأويل لأن
السياق ظاهر في النوم حقيقة و ظاهر في المداومة على ذلك و لا يلزم من أنه كان ربما لم ينم وقت
السحر هذا التأويل فدار الأمر بين حمل النوم على مجاز التشبيه أو حمل التعميم على إرادة
التخصيص والثاني أرجح واليه ميل البخاري لأنه ترجم بقوله من نام عند السحر ثم ترجم عقبه
بقوله من تسحر فلم ينم فأوما إلى تخصيص رمضان من غيره فكان العادة جرت في جميع السنة أنه
كان ينام عند السحر الا في رمضان فإنه كان يتشاغل بالسحور في آخر الليل ثم يخرج إلى صلاة
الصبح عقبه و قال ابن بطال النوم وقت السحر كان يفعله النبي صلى الله عليه و سلم في الليالي
الطوال و في غير رمضان كذا قال و يحتاج في إخراج الليالي القصار إلى دليل (قوله
باب من تسحر فلم ينم حتى صلى الصبح) كذا للأكثر و للحموي و المستملي من تسحر ثم قام
إلى الصلاة (قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم) هو الدورقي و روح هو بن عبادة (قوله فلما فرغا
من سحورهما قام إلى الصلاة فصلى) هو ظاهر لما ترجم له والمراد بالصلاة صلاة الصبح و قبلها صلاة
الفجر و قد تقدم توجيهه و يأتي الكلام على بقية فوائد الحديث في كتاب الصيام إن شاء الله
تعالى (قوله باب طول القيام في صلاة الليل) كذا للأكثر و للحموي و المستملي
طول الصلاة في قيام الليل وحديث الباب موافق لهذا لأنه دال على طول الصلاة لا على طول
القيام بخصوصه الا أن طول الصلاة يستلزم طول القيام لأن غير القيام كالركوع مثلا لا يكون
أطول من القيام كما عرف بالاستقراء من صنيعه صلى الله عليه و سلم ففي حديث الكسوف
فركع نحوا من قيامه و في حديث حذيفة الذي سأذكره نحوه و مضى حديث عائشة قريبا أن
السجدة تكون قريبا من خمسين آية و من المعلوم في غير هذه الرواية أنه كان يقرأ بما يزيد على ذلك
15

(قوله عن عبد الله) هو ابن مسعود (قوله بأمر سوء) بإضافة أمر إلى سوء و في الحديث دليل
على اختيار النبي صلى الله عليه و سلم تطويل صلاة الليل و قد كان بن مسعود قويا محافظا على
الاقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم و ما هم بالقعود الا بعد طول كثير ما اعتاده و أخرج مسلم من
حديث جابر أفضل الصلاة طول القنوت فاستدل به على ذلك و يحتمل أن يراد بالقنوت في حديث
جابر الخشوع و ذهب كثير من الصحابة و غيرهم إلى أن كثرة الركوع و السجود أفضل و لمسلم من
حديث ثوبان أفضل الأعمال كثرة السجود و الذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص
و الأحوال و في الحديث أن مخالفة الإمام في أفعاله معدودة في العمل السئ و فيه تنبيه على فائدة
معرفة ما بينهم من الأحوال و غيرها لأن أصحاب ابن مسعود ما عرفوا مراده من قوله هممت
بأمر سوء حتى استفهموه عنه و لم ينكر عليهم استفهامهم عن ذلك و روى مسلم من حديث
حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم ليلة فقرأ البقرة و آل عمران و النساء في ركعه
و كان إذا مر بآية فيها تسبيح سبح أو سؤال سأل أو تعوذ تعوذ ثم ركع نحوا مما قام ثم قام نحوا مما
ركع ثم سجد نحوا مما قام و هذا إنما يتأتى في نحو من ساعتين فلعله صلى الله عليه و سلم أحيا تلك
الليلة كلها و أما ما يقتضيه حاله في غير هذه الليلة فإن في أخبار عائشة أنه كان يقوم قدر ثلث
الليل و فيها أنه كان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة فيقتضي ذلك تطويل الصلاة و الله أعلم
* (تنبيه) * ذكر الدارقطني أن سليمان بن حرب تفرد برواية هذا الحديث عن شعبة حكاه
عنه البرقاني و هو من الأفراد المقيدة فإن مسلما أخرج هذا الحديث من طريق أخرى عن
الأعمش (قوله عن خالد بن عبد الله) هو الواسطي و حصين هو ابن عبد الرحمن الواسطي أيضا
و قد تقدم حديث حذيفة في الطهارة و استشكل ابن بطال دخوله في هذا الباب فقال لا مدخل
له هنا لأن التسوك في صلاة الليل لا يدل على طول الصلاة قال و يمكن أن يكون ذلك من
غلط الناسخ فكتبه في غير موضعه أو أن البخاري أعجلته المنية قبل تهذيب كتابه فإن فيه مواضع
مثل هذا أخذت على ذلك و قال بن المنير يحتمل أن يكون أشار إلى أن استعمال السواك يدل على
ما يناسبه من إكمال الهيئة والتأهب و هو دليل طول القيام إذ التخفيف لا يتهيأ له هذا التهيؤ
الكامل و قد قال ابن رشيد الذي عندي أن البخاري إنما أدخله لقوله إذا قام للتهجد
أي إذا قام لعادته وقد تبينت عادته في الحديث الآخر و لفظ التهجد مع ذلك مشعر بالسهر
و لا شك أن في التسوك عونا على دفع النوم فهو مشعر بالاستعداد للإطالة و قال البدر بن
جماعة يظهر لي أن البخاري أراد بهذا الحديث استحضار حديث حذيفة الذي أخرجه
مسلم يعني المشار إليه قريبا قال و إنما لم يخرجه لكونه على غير شرطه فأما أن يكون أشار إلى
أن الليلة واحدة أو نبه بأحد حديثي حذيفة على الآخر و أقر بها توجيه ابن رشيد و يحتمل
أن يكون بيض الترجمة لحديث حذيفة فضم الكاتب الحديث إلى الحديث الذي قبله
و حذف البياض (قوله باب كيف صلاة الليل و كم كان النبي صلى الله عليه و سلم
يصلي بالليل) أورد فيه أربعة أحاديث أولها حديث بن عمر صلاة الليل مثنى مثنى الحديث و قد
تقدم الكلام عليه في أول أبواب الوتر وأنه الأفضل في حق الأمة لكونه أجاب به السائل و أنه
صلى الله عليه و سلم صح عنه فعل الفصل و الوصل ثانيها حديث أبي جمرة عن ابن عباس كانت
16

صلاة النبي صلى الله عليه و سلم ثلاث عشرة يعني بالليل و أخرجه مسلم و الترمذي بلفظ كان
رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة و قد تقدم الكلام
عليه مستوفى في أول أبواب الوتر أيضا و تقدم أيضا بيان الجمع بين مختلف الروايات في ذلك
ثالثها حديث عائشة من رواية مسروق قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه
و سلم فقالت سبع و تسع و إحدى عشرة سوى ركعتي الفجر * رابعها حديثها من طريق القاسم
عنها كان يصلي من الليل ثلاث عشرة منها الوتر و ركعتا الفجر و في رواية مسلم من هذا الوجه
كانت صلاته عشر ركعات و يوتر بسجدة و يركع ركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة فأما
ما أجابت به مسروقا فمرادها أن ذلك وقع منه في أوقات مختلفة فتارة كان يصلي سبعا و تارة تسعا
و تارة إحدى عشرة و أما حديث القاسم عنها فمحمول على أن ذلك كان غالب حاله و سيأتي
بعد خمسة أبواب من رواية أبي سلمة عنها أن ذلك كان أكثر ما يصليه في الليل و لفظه ما كان
يزيد في رمضان و لا في غيره على إحدى عشرة الحديث و فيه ما يدل على أن ركعتي الفجر من
غيرها فهو مطابق لرواية القاسم و أما ما رواه الزهري عن عروة عنها كما سيأتي في باب ما يقرأ
في ركعتي الفجر بلفظ كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين
خفيفتين فظاهره يخالف ما تقدم فيحتمل أن تكون أضافت إلى صلاة الليل سنة العشاء
لكونه كان يصليها في بيته أو ما كان يفتتح به صلاة الليل فقد ثبت عند مسلم من طريق سعد
ابن هشام عنها أنه كان يفتتحها بركعتين خفيفتين و هذا أرجح في نظري لأن رواية أبي سلمة التي
دلت على الحصر في إحدى عشرة جاء في صفتها عند المصنف و غيره يصلي أربعا ثم أربعا
ثم ثلاثا فدل على أنها لم تتعرض للركعتين الخفيفتين و تعرضت لهما في رواية الزهري و الزيادة
من الحافظ مقبولة و بهذا يجمع بين الروايات و ينبغي أن يستحضر هنا ما تقدم في أبواب الوتر من
ذكر الركعتين بعد الوتر والاختلاف هل هما الركعتان بعد الفجر أو صلاة مفردة بعد الوتر
و يؤيده ما وقع عند أحمد و أبي داود من رواية عبد الله بن أبي قيس عن عائشة بلفظ كان يوتر
بأربع و ثلاث و ست و ثلاث و ثمان و ثلاث و عشر و ثلاث و لم يكن يوتر بأكثر من ثلاث عشرة
و لا انقص من سبع و هذا أصح ما وقفت عليه من ذلك و به يجمع بين ما اختلف عن عائشة
من ذلك و الله أعلم قال القرطبي أشكلت روايات عائشة على كثير من أهل العلم حتى نسب
بعضهم حديثها إلى الاضطراب و هذا إنما يتم لو كان الراوي عنها واحدا أو أخبرت عن وقت
واحد و الصواب أن كل شئ ذكرته من ذلك محمول على أوقات متعددة وأحوال مختلفة بحسب
النشاط و بيان الجواز و الله أعلم وظهر لي أن الحكمة في عدم الزيادة على إحدى عشرة أن التهجد
و الوتر مختص بصلاة الليل و فرائض النهار الظهر و هي أربع و العصر و هي أربع و المغرب و هي
ثلاث وتر النهار فناسب أن تكون صلاة الليل كصلاة النهار في العدد جملة و تفصيلا و أما مناسبة
ثلاث عشرة فبضم صلاة الصبح لكونها نهارية إلى
ما بعدها * (تنبيه) * إسحاق المذكور في أول
حديثي عائشة هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج و عبيد الله المذكور في ثاني
حديثيها هو ابن موسى و قد روى البخاري عنه في هذين الحديثين المتواليين بواسطة و بغير
واسطة و هو من كبار شيوخه و كأن أولهما لم يقع له سماعه منه و الله أعلم (قوله باب
17

قيام النبي صلى الله عليه و سلم من الليل من نومه و ما نسخ من قيام الليل و قوله تعالى يا أيها المزمل
قم الليل) كأنه يشير إلى ما أخرجه مسلم من طريق سعد بن هشام عن عائشة قالت أن الله
افترض قيام الليل في أول هذه السورة يعني يا أيها المزمل فقام نبي الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه
حولا حتى انزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فرضيته و استغنى
البخاري عن إيراد هذا الحديث لكونه على غير شرطه بما أخرجه عن أنس فإن فيه و لا تشاء أن
تراه من الليل نائما الا رايته فإنه يدل على أنه كان ربما نام كل الليل و هذا سبيل التطوع فلو استمر
الوجوب لما أخل بالقيام و بهذا تظهر مطابقة الحديث للترجمة و قد روى محمد بن نصر في قيام
الليل من طريق سماك الحنفي عن ابن عباس شاهدا لحديث عائشة في أن بين الإيجاب و النسخ
سنة و كذا أخرجه عن أبي عبد الرحمن السلمي و الحسن و عكرمة و قتادة بأسانيد صحيحة عنهم
و مقتضى ذلك أن النسخ وقع بمكة لأن الإيجاب متقدم على فرض الخمس ليلة الإسراء و كانت قبل
الهجرة بأكثر من سنة على الصحيح و حكى الشافعي عن بعض أهل العلم أن آخر السورة نسخ
افتراض قيام الليل الا ما تيسر منه لقوله فاقرؤوا ما تيسر منه ثم نسخ فرض ذلك بالصلوات الخمس
و استشكل محمد بن نصر ذلك كما تقدم ذكره و التعقب عليه في أول كتاب الصلاة و تضمن كلامه
أن الآية التي نسخت الوجوب مدنية و هو مخالف لما عليه الأكثر من أن السورة كلها مكية نعم
ذكر أبو جعفر النحاس أنها مكية الا الآية الأخيرة و قوى محمد بن نصر هذا القول بما أخرجه
من حديث جابر أن نسخ قيام الليل وقع لما توجهوا مع أبي عبيدة في جيش الخبط و كان ذلك بعد
الهجرة لكن في إسناده علي بن زيد بن جدعان و هو ضعيف و أما ما رواه الطبري من طريق محمد بن
طحلاء عن أبي سلمة عن عائشة قالت احتجر رسول الله صلى الله عليه و سلم حصيرا فذكر الحديث
الذي تقدمت الإشارة إليه قبل خمسة أبواب و فيه اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن خير العمل
أدومه و أن قل و نزلت عليه يا أيها المزمل فكتب عليهم قيام الليل وأنزلت منزلة الفريضة حتى إن
كان بعضهم ليربط الحبل فيتعلق به فلما رأى الله تكلفهم ابتغاء رضاه وضع ذلك عنهم فردهم
إلى الفريضة و وضع عنهم قيام الليل الا ما تطوعوا به فإنه يقتضي أن السورة كلها مدنية لكن
فيه موسى بن عبيدة و هو شديد الضعف فلا حجة فيما تفرد به و لو صح ما رواه لاقتضى ذلك وقوع
ما خشي منه صلى الله عليه و سلم حيث ترك قيام الليل بهم خشية أن يفرض عليهم و الأحاديث
الصحيحة دالة على أن ذلك لم يقع و الله أعلم (قوله يا أيها المزمل) أي المتلفف في ثيابه و روى ابن أبي
حاتم عن عكرمة عن ابن عباس قال يا أيها المزمل أي يا محمد قد زملت القرآن فكان الأصل يا أيها
المتزمل (قوله قم الليل الا قليلا) أي منه و روى ابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه قال القليل
ما دون المعشار و السدس و فيه نظر لما سيأتي (قوله نصفه) يحتمل أن يكون بدلا من قليلا فكان
في الآية تخييرا بين قيام النصف بتمامه أو قيام انقص منه أو أزيد ويحتمل أن يكون قوله نصفه
بدلا من الليل والا قليلا استثناء من النصف حكاه الزمخشري و بالأول جزم الطبري و أسند ابن
أبي حاتم معناه عن عطاء الخراساني (قوله ورتل القرآن ترتيلا) أي أقرأه مترسلا بتبيين
الحروف و اشباع الحركات و روى مسلم من حديث حفصة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان
يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها (قوله قولا ثقيلا) أي القرآن وعن الحسن
18

العمل به أخرجه بن أبي حاتم و أخرج أيضا من طريق أخرى عنه قال ثقيلا في الميزان
يوم القيامة و تأوله غيره على ثقل الوحي حين ينزل كما تقدم في بدء الوحي (قوله إن ناشئة الليل
قال ابن عباس نشأ قام بالحبشية) يعني فيكون معنى قوله تعالى ناشئة الليل أي قيام الليل و هذا
التعليق وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عنه قال إن ناشئة الليل هو كلام
الحبشة نشأ قام و أخرج عن أبي ميسرة و أبي مالك نحوه و وصله ابن أبي حاتم من طريق أبي
ميسرة عن ابن مسعود أيضا و ذهب الجمهور إلى أنه ليس في القرآن شئ بغير العربية و قالوا ما ورد
من ذلك فهو من توافق اللغتين و على هذا فناشئة الليل مصدر بوزن فاعلة من نشأ إذا قام أو اسم
فاعل أي النفس الناشئة بالليل أي التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة أي تنهض و حكى أبو عبيد في
الغريبين أن كل ما حدث بالليل وبدا فهو ناشئ و قد نشأ و في المجاز لأبي عبيدة ناشئه الليل آناء الليل
ناشئة بعد ناشئة قال ابن التين و المعنى أن الساعات الناشئة من الليل أي المقبلة بعضها في أثر
بعض هي أشد (قوله وطاء قال مواطاة للقرآن أشد موافقة لسمعه و بصره و قلبه) و هذا وصله
عبد بن حميد من طريق مجاهد قال أشد وطاء أي يوافق سمعك و بصرك و قلبك بعضه بعضا قال
الطبري هذه القراءة على أنه مصدر من قولك واطأ اللسان القلب مواطاة و وطاء قال وقرا الأكثر
وطأ بفتح الواو و سكون الطاء ثم حكى عن العرب وطئنا الليل وطئا أي سرنا فيه و روى من طريق
قتادة (أشد وطئا) أثبت في الخير (وأقوم قيلا) أبلغ في الحفظ و قال الأخفش أشد وطئا أي قياما
واصل الوطء في اللغة الثقل كما في الحديث اشدد وطأتك على مضر (قوله ليواطئوا ليوافقوا) هذه
الكلمة من تفسير براءة و إنما أوردها هنا تأييدا للتفسير الأول و قد وصله الطبري عن ابن عباس
لكن بلفظ ليشابهوا (قوله سبحا طويلا) أي فراغا وصله ابن أبي حاتم عن ابن عباس و أبي العالية
و مجاهد و غيرهم و عن السدي سبحا طويلا أي تطوعا كثيرا كأنه جعله من السبحة و هي النافلة
(قوله حدثني محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني و حميد هو الطويل (قوله أن لا يصوم
منه) زاد أبو ذر و الأصيلي شيئا (قوله و كان لا تشاء أن تراه من الليل مصليا الخ) أي أن صلاته
و نومه كان يختلف بالليل و لا يرتب وقتا معينا بل بحسب ما تيسر له القيام و لا يعارضه قول عائشة
كان إذا سمع الصارخ قام فإن عائشة تخبر عمالها عليه اطلاع و ذلك أن صلاة الليل كانت
تقع منه غالبا في البيت فخبر أنس محمول على ما وراء ذلك و قد مضى في حديثها في أبواب الوتر
من كل الليل قد أوتر فدل على أنه لم يكن يخص الوتر بوقت بعينه (قوله تابعه سليمان و أبو خالد
الأحمر عن حميد) كذا ثبتت الواو في جميع الروايات التي اتصلت لنا فعلى هذا يحتمل أن يكون
سليمان هو ابن بلال كما جزم به خلف و يحتمل
أن تكون الواو زائدة من الناسخ فإن أبا خالد الأحمر
اسمه سليمان و حديثه في هذا سيأتي موصولا في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى (قوله
باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل) قال ابن التين و غيره قوله إذا لم
يصل مخالف لظاهر حديث الباب لأنه دال على أنه يعقد على رأس من صلى و من لم يصل لكن من
صلى بعد ذلك تنحل عقده بخلاف من لم يصل و أجاب ابن رشيد بان مراد البخاري باب بقاء عقد
الشيطان الخ و على هذا فيجوز أن يقرأ قوله عقد بلفظ الفعل و بلفظ الجمع ثم رأيت الإيراد
بعينه للمازري ثم قال و قد يعتذر عنه بأنه إنما قصد من يستدام العقد على رأسه بترك الصلاة
19

و كأنه قدر من انحلت عقده كان لم تعقد عليه انتهى و يحتمل أن تكون الصلاة المنفية في
الترجمة صلاة العشاء فيكون التقدير إذا لم يصل العشاء فكأنه يرى أن الشيطان انما يفعل
ذلك بمن نام قبل صلاة العشاء بخلاف من صلاها و لا سيما في الجماعة و كأن هذا هو السر في إيراده
لحديث سمرة عقب هذا الحديث لأنه قال فيه و ينام عن الصلاة المكتوبة و لا يعكر على هذا
كونه أورد هذه الترجمة في تضاعيف صلاة الليل لأنه يمكن أن يجاب عنه بأنه أراد دفع توهم من
يحمل الحديثين على صلاة الليل لأنه ورد في بعض طرق حديث سمرة مطلقا غير مقيد بالمكتوبة
والوعيد علامة الوجوب و كأنه أشار إلى خطأ من احتج به على وجوب صلاة الليل حملا للمطلق
على المقيد ثم وجدت معنى هذا الإحتمال للشيخ ولي الدين الملوي و قواه بما ذكرته من حديث
سمرة فحمدت الله على التوفيق لذلك و يقويه ما ثبت عنه صلى الله عليه و سلم أن من صلى العشاء
في جماعة كان كمن قام نصف ليلة لأن مسمى قيام الليل يحصل للمؤمن بقيام بعضه فحينئذ يصدق
على من صلى العشاء في جماعة أنه قام الليل و العقد المذكورة تنحل بقيام الليل فصار من صلى
العشاء في جماعة كمن قام الليل في حل عقد الشيطان و خفيت المناسبة على الإسماعيلي فقال
ورفض القرآن ليس هو ترك الصلاة بالليل و يتعجب من اغفاله آخر الحديث حيث قال فيه و ينام
عن الصلاة المكتوبة و الله أعلم (قوله الشيطان) كان المراد به الجنس و فاعل ذلك هو القرين
أو غيره و يحتمل أن يراد به رأس الشياطين و هو إبليس و تجوز نسبة ذلك إليه لكونه الآمر به
الداعي إليه و لذلك أورده المصنف في باب صفة إبليس من بدء الخلق (قوله قافية رأس أحدكم)
أي مؤخر عنقه و قافية كل شئ مؤخره و منه قافية القصيدة و في النهاية القافية القفا و قيل مؤخر
الرأس و قيل وسطه و ظاهر قوله أحدكم التعميم في المخاطبين و من في معناهم و يمكن أن يخص
منه من تقدم ذكره و من ورد في حقه أنه يحفظ من الشيطان كالأنبياء و من تناوله قوله أن
عبادي ليس لك عليهم سلطان و كمن قرأ آية الكرسي عند نومه فقد ثبت أنه يحفظ من الشيطان
حتى يصبح و فيه بحث سأذكره في آخر مشرح هذا الحديث إن شاء الله تعالى (قوله إذا هو نام)
كذا للأكثر و للحموي و المستملي إذا هو نائم بوزن فاعل و الأول أصوب و هو الذي في الموطأ
(قوله يضرب على مكان كل عقدة) كذا للمستملي و لبعضهم بحذف على و للكشميهني
بلفظ عند مكان و قوله يضرب أي بيده على العقدة تأكيدا و احكاما لها قائلا ذلك
و قيل معنى يضرب يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ و منه قوله تعالى فضربنا على آذانهم
أي حجبنا الحس أن يلج في آذانهم فينتبهوا و في حديث أبي سعيد ما أحد ينام الا ضرب على
سماخه بجرير معقود أخرجه المخلص في فوائده و السماخ بكسر المهملة و آخره غدا و يقال
بالصاد المهملة بدل السين و عند سعيد بن منصور بسند جيد عن ابن عمر ما مطرف رجل على غير وتر
الا أصبح على رأسه جرير قدر سبعين ذراعا (قوله عليك ليل طويل) كذا في جميع الطرق عن
البخاري بالرفع و وقع في رواية أبي مصعب في الموطأ عن مالك عليك ليلا طويلا و هي رواية ابن
عيينة عن أبي الزناد عند مسلم قال عياض رواية الأكثر عن مسلم بالنصب على الإغراء و من رفع
فعلى الابتداء أي باق عليك أو بإضمار فعل أي بقي و قال القرطبي الرفع أولى من جهة المعنى لأنه
الأمكن في الغرور من حيث أنه يخبره عن المريض الليل ثم يأمره بالرقاد بقول فارقد وإذا نصب على
20

الإغراء لم يكن فيه الا الأمر بملازمة طول الرقاد و حينئذ يكون قوله فارقد ضائعا و مقصود
الشيطان بذلك تسويفه بالقيام و الالباس عليه و قد اختلف في هذه العقد فقيل هو على
الحقيقة وأنه كما يعقد الساحر من يسحره و أكثر من يفعله النساء تأخذ إحداهن الخيط فتعقد
منه عقدة و تتكلم عليه بالسحر فيتأثر المسحور عند ذلك و منه قوله تعالى و من شر النفاثات في
العقد و على هذا فالمعقود شئ عند قافية الرأس لا قافية الرأس نفسها و هل العقد في شعر الرأس
أو في غيره الأقرب الثاني إذ ليس لكل أحد شعر ويؤيده ما ورد في بعض طرقه أن على رأس كل ادمي
حبلا ففي رواية ابن ماجة و محمد بن نصر من طريق أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا على قافية
رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد و لأحمد من طريق الحسن عن أبي هريرة بلفظ إذا نام أحدكم
عقد على رأسه بجرير و لابن خزيمة و ابن حبان من حديث جابر مرفوعا مامن ذكر ولا أنثى
الا على رأسه جرير معقود حين يرقد الحديث و في الثواب لآدم بن أبي إياس من مرسل الحسن
نحوه و الجرير بفتح الجيم هو الحبل و فهم بعضهم من هذا أن العقد لازمة و يرده التصريح بأنها
تنحل بالصلاة فيلزم إعادة عقدها فأبهم فاعله في حديث جابر و فسر في حديث غيره و قيل هو على
المجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك
تصرف من يحاول عقده كان هذا مثله من الشيطان للنائم و قيل المراد به عقد القلب و تصميمه
على الشئ كأنه يوسوس له بأنه بقي من الليل قطعة طويلة فيتأخر عن القيام و انحلال العقد كناية
عن علمه بكذبه فيما وسوس به و قيل العقد كناية عن تثبيط الشيطان للنائم بالقول المذكور و منه
عقدت فلانا عن امرأته أي منعته عنها أو عن تثقيله عليه النوم كأنه قد شد عليه شدادا
و قال بعضهم المراد بالعقد الثلاث الأكل و الشرب و النوم لأن من أكثر الأكل و الشرب كثر نومه
و استبعده المحب الطبري لأن الحديث يقتضي أن العقد تقع عند النوم فهي غيره قال القرطبي
الحكمة في الاقتصار على الثلاث أن أغلب ما يكون انتباه الإنسان في السحر فإن اتفق له أن
يرجع إلى النوم ثلاث مرات لم تنقض النومة الثالثة الا و قد ذهب الليل و قال البيضاوي
التقييد بالثلاث أما للتأكيد أو لأنه يريد أن يقطعه عن ثلاثة أشياء الذكر و الوضوء و الصلاة
فكأنه منع من كل واحدة منها بعقدة عقدها على رأسه وكان تخصيص القفا بذلك لكونه محل
الوهم و مجال تصرفه و هو أطوع القوي للشيطان و أسرعها إجابة لدعوته و في كلام الشيخ الملوي
أن العقد يقع على خزانة الإلهيات من الحافظة و هي الكنز المحصل من القوي و منها يتناول القلب
ما يريد التذكر به (قوله انحل عقده) بلفظ الجمع بغير اختلاف في البخاري و وقع لبعض رواة
الموطأ بالافراد ويؤيده رواية أحمد المشار إليها قبل فإن فيها فإن ذكر الله انحلت عقدة واحدة و أن
قام فتوضأ أطلقت الثانية فإن صلى أطلقت الثالثة و كأنه محمول على الغالب و هو من ينام
مضطجعا فيحتاج إلى الوضوء إذا انتبه فيكون لكل فعل عقدة يحلها و يؤيد الأول ما سيأتي في بدء
الخلق من وجه آخر بلفظ عقده كلها و لمسلم من رواية ابن عيينة عن أبي الزناد انحلت العقد
و ظاهره أن العقد تنحل كلها بالصلاة خاصة و هو كذلك في حق من لم يحتج إلى الطهارة كمن نام
متمكنا مثلا ثم انتبه فصلى من قبل أن يذكر أو يتطهر فإن الصلاة تجزئه في حل العقد كلها لأنها
تستلزم الطهارة وتتضمن الذكر و على هذا فيكون معنى قوله فإذا صلى انحلت عقده كلها أن كان
21

المراد به من لا يحتاج إلى الوضوء فظاهر على ما قررناه و أن كان من يحتاج إليه فالمعنى انحلت بكل
عقدة أو انحلت عقده كلها بانحلال الأخيرة التي بها يتم انحلال العقد و في رواية أحمد المذكورة
قبل فإن قام فذكر الله انحلت واحدة فإن قام فتوضأ أطلقت الثانية فإن صلى أطلقت الثالثة
و هذا محمول على الغالب و هو من ينام مضطجعا فيحتاج إلى تجديد الطهارة عند استيقاظه
فيكون لكل فعل عقده يحلها (قوله طيب النفس) أي لسروره بما وفقه الله له من الطاعة
وبما وعده من الثواب و بما زال عنه من عقد الشيطان كذا قيل و الذي يظهر أن في صلاة الليل
سرا في طيب النفس و أن لم يستحضر المصلي شيئا مما ذكر و كذا عكسه و إلى ذلك الإشارة بقوله
تعالى إن ناشئة الليل هي أشد وطأ " و أقوم قيلا و قد استنبط بعضهم منه أن من فعل ذلك مرة
ثم عاد
إلى النوم لا يعود إليه الشيطان بالعقد المذكور ثانيا و استثنى بعضهم ممن يقوم و يذكر
و يتوضأ و يصلي من لم ينهه ذلك عن الفحشاء بل يفعل ذلك من غير أن يقلع و الذي يظهر فيه
التفصيل بين من يفعل ذلك مع الندم و التوبة و العزم على الاقلاع و بين المصر (قوله و إلا أصبح
خبيث النفس) أي بتركه ما كان اعتاده أو أراده من فعل الخير كذا قيل و قد تقدم ما فيه و قوله
كسلان غير مصروف للوصف و لزيادة الألف و النون و مقتضى قوله و إلا أصبح أنه أن لم يجمع
الأمور الثلاثة دخل تحت من يصبح خبيثا كسلان و أن أتى ببعضها و هو كذلك لكن يختلف
ذلك بالقوة والخفة فمن ذكر الله مثلا كان في ذلك أخف ممن لم يذكر أصلا و روينا في الجزء الثالث
من الأول من حديث المخلص في حديث أبي سعيد الذي تقدمت الإشارة إليه فإن قام فصلى
انحلت العقد كلهن و أن استيقظ و لم يتوضأ و لم يصل أصبحت العقد كلها كهيئتها و قال بن عبد البر
هذا الذم يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيعها أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة أو
إلى النافلة بالليل فغلبته عينه فنام فقد ثبت أن الله يكتب له أجر صلاته و نومه عليه صدقة و قال
أيضا زعم قوم أن هذا الحديث يعارض قوله صلى الله عليه و سلم لا يقولن أحدكم خبثت نفسي
و ليس كذلك لأن النهي إنما ورد عن إضافة المرء ذلك إلى نفسه كراهة لتلك الكلمة و هذا الحديث
وقع ذما لفعله و لكل من الحديثين وجه و قال الباجي ليس بين الحديثين اختلاف لأنه نهى عن
إضافة ذلك إلى النفس لكون الخبث بمعنى فساد الدين و وصف بعض الأفعال بذلك تحذيرا منها
و تنفيرا (قلت) تقرير الاشكال أنه صلى الله عليه و سلم نهى عن إضافة ذلك إلى النفس فكل
ما نهى المؤمن أن يضيفه إلى نفسه نهى أن يضيفه إلى أخيه المؤمن و قد وصف صلى الله عليه
و سلم هذا المرء بهذه الصفة فيلزم جواز وصفنا له بذلك لمحل التأسي و يحصل الانفصال فيما يظهر
بان النهي محمول على ما إذا لم يكن هناك حامل على الوصف بذلك كالتنفير و التحذير * (تنبيهات) *
الأول ذكر الليل في قوله عليك ليل ظاهره اختصاص ذلك بنوم الليل و هو كذلك لكن
لا يبعد أن يجئ مثله في نوم النهار كالنوم حالة الابراد مثلا و لا سيما على تفسير البخاري من أن
المراد بالحديث الصلاة المفروضة * ثانيها ادعى بن العربي أن البخاري أومأ هنا إلى وجوب صلاة
الليل لقوله يعقد الشيطان و فيه نظر فقد صرح البخاري في خامس ترجمة من أبواب التهجد
بخلافه حيث قال من غير إيجاب وأيضا فما تقدم تقريره من أنه حمل الصلاة هنا على المكتوبة
يدفع ما قاله ابن العربي أيضا و لم أر النقل في القول بإيجابه الا عن بعض التابعين قال بن عبد البر
22

شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل و لو قدر حلب شاة و الذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب
إليه و نقله غيره عن الحسن و ابن سيرين و الذي وجدناه عن الحسن ما أخرجه محمد بن نصر و غيره
عنه أنه قيل له ما تقول في رجل استظهر القرآن كله لا يقوم به إنما يصلي المكتوبة فقال لعن الله
هذا إنما يتوسد القرآن فقيل له قال الله تعالى فاقرؤا ما تيسر منه قال نعم و لو قدر خمسين آية
وكأن هذا هو مستند من نقل عن الحسن الوجوب و نقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أنه
قال إنما قيام الليل على أصحاب القرآن و هذا يخصص ما نقل عن الحسن و هو أقرب و ليس فيه
تصريح بالوجوب أيضا * ثالثها قد يظن أن بين هذا الحديث و الحديث الآتي في الوكالة من
حديث أبي هريرة الذي فيه أن قارئ آية الكرسي عند نومه لا يقربه شيطان معارضة و ليس
كذلك لأن العقد أن حمل على الأمر المعنوي و القرب على الأمر الحسي و كذا العكس
فلا اشكال إذ لا يلزم من سحره إياه مثلا أن يماسه كما لا يلزم من مماسته أن يقربه بسرقة أو أذى في
جسده و نحو ذلك و أن حملا على المعنويين أو العكس فيجاب بادعاء الخصوص في عموم أحدهما
و الأقرب أن المخصوص حديث الباب كما تقدم تخصيصه عن ابن عبد البر بمن لم ينو القيام
فكذا يمكن أن يقال يختص بمن لم يقرأ آية الكرسي لطرد الشيطان و الله أعلم * رابعها ذكر شيخنا
الحافظ أبو الفضل بن الحسين في شرح الترمذي أن السر في استفتاح صلاة الليل بركعتين
خفيفتين المبادرة إلى حل عقد الشيطان و بناه على أن الحل لا يتم الا بتمام الصلاة و هو واضح
لأنه لو شرع في صلاة ثم أفسدها لم يساو من أتمها و كذا الوضوء و كان الشروع في حل العقد
يحصل بالشروع في العبادة و ينتهي بانتهائها و قد ورد الأمر بصلاة الركعتين الخفيفتين عند
مسلم من حديث أبي هريرة فاندفع إيراد من أورد أن الركعتين الخفيفتين إنما وردتا من فعله
صلى الله عليه و سلم كما تقدم من حديث عائشة و هو منزه عن عقد الشيطان حتى و لو لم يرد الأمر
بذلك لأمكن أن يقال يحمل فعله ذلك على تعليم أمته و ارشادهم إلى ما يحفظهم من الشيطان
و قد وقع عند ابن خزيمة من وجه آخر عن أبي هريرة في آخر الحديث فحلوا عقد الشيطان و لو
بركعتين * خامسها أنما خص الوضوء بالذكر لأنه الغالب و إلا فالجنب لا يحل عقدته الا الاغتسال
و هل يقوم التيمم مقام الوضوء أو الغسل لمن ساغ له ذلك محل بحث و الذي يظهر اجزاؤه و لا شك أن
في معاناة الوضوء عونا كبيرا على طرد النوم لا يظهر مثله في التيمم سادسها لا يتعين للذكر شئ
مخصوص لا يجزئ غيره بل كل ما صدق عليه ذكر الله أجزأ و يدخل فيه تلاوة القرآن و قراءة
الحديث النبوي و الاشتغال بالعلم الشرعي و أولي ما يذكر به ما سيأتي بعد ثمانية أبواب في باب
فضل من تعار من الليل و يؤيده ما عند ابن خزيمة من الطريق المذكورة فإن تعار من الليل
فذكر الله (قوله حدثنا عوف) هو الأعرابي (وأبو رجاء) هو العطاردي و الإسناد كله بصريون
و سيأتي حديث سمرة مطولا في أواخر كتاب الجنائز و قوله هنا على الصلاة المكتوبة الظاهر أن
المراد بها العشاء الآخرة و هو اللائق بما تقدم من مناسبة الحديث الذي قبله و قوله يثلغ بمثلثة
ساكنة و لام مفتوحة بعدها معجمة أي يشق أو يخدش و قوله فيرفضه بكسر الفاء وضمها (قوله
باب إذا نام و لم يصل بال الشيطان في إذنه) هذه الترجمة للمستملي وحده و للباقين باب فقط
و هو بمنزلة الفصل من الباب و تعلقه بالذي قبله ظاهر لما سنوضحه (قوله ذكر عن النبي صلى الله
23

عليه وسلم رجل) لم اقف على اسمه لكن أخرج سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي
عن ابن مسعود ما يؤخذ منه أنه هو و لفظه بعد سياق الحديث بنحوه و أيم الله لقد بال في إذن
صاحبكم ليلة يعني نفسه (قوله فقيل ما زال نائما حتى أصبح) في رواية جرير عن منصور في بدء
الخلق رجل نام ليلة حتى أصبح (قوله ما قام إلى الصلاة) المراد الجنس و يحتمل العهد و يراد به
صلاة الليل أو المكتوبة و يؤيده رواية سفيان هذا عندنا نام عن الفريضة أخرجه ابن حبان
في صحيحه و بهذا يتبين مناسبة الحديث لما قبله و في حديث أبي سعيد الذي قدمت ذكره من فوائد
المخلص أصبحت العقد كلها كهيئتها و بال الشيطان في إذنه فيستفاد منه وقت بول الشيطان
و مناسبة هذا الحديث للذي قبله (قوله في اذنه) في رواية جرير في اذنيه بالتثنية و اختلف في بول
الشيطان فقيل هو على حقيقته قال القرطبي و غيره لا مانع من ذلك إذ لا إحالة فيه لأنه ثبت أن
الشيطان يأكل و يشرب و ينكح فلا مانع من أن يبول و قيل هو كناية عن سد الشيطان إذن الذي
ينام عن الصلاة حتى لا يسمع الذكر و قيل معناه أن الشيطان ملئ سمعه بالأباطيل فحجب سمعه عن
الذكر و قيل هو كناية عن ازدراء الشيطان به و قيل معناه أن الشيطان استولى عليه و استخف به
حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول إذ من عادة المستخف بالشئ أن يبول عليه و قيل هو مثل
مضروب للغافل عن القيام بثقل النوم كمن وقع البول في إذنه فثقل إذنه وافسد حسه و العرب
تكني عن الفساد بالبول قال الراجز * بال سهيل في الفضيخ ففسد * و كنى بذلك عن طلوعه
لأنه وقت افساد الفضيخ فعبر عنه بالبول و وقع في رواية الحسن عن أبي هريرة في هذا الحديث
عند أحمد قال الحسن أن بوله و الله لثقيل و روى محمد بن نصر من طريق قيس بن أبي حازم عن
ابن مسعود حسب الرجل من الخيبة و الشر أن ينام حتى يصبح و قد بال الشيطان في إذنه و هو
موقوف صحيح الإسناد و قال الطيبي خص يأمر بالذكر و أن كانت العين انسب بالنوم إشارة إلى
ثقل النوم فإن المسامع هي موارد الانتباه و خص البول لأنه أسهل مدخلا في التجاويف و أسرع
نفوذا في العروق فيورث الكسل في جميع الأعضاء (قوله باب الدعاء والصلاة من
آخر الليل) في رواية أبي ذر الدعاء في الصلاة (قوله و قال الله عز وجل في رواية الأصيلي و قول
الله (قوله ما يهجعون) زاد الأصيلي أي ينامون و قد ذكر الطبري و غيره الخلاف عن أهل
التفسير في ذلك فنقل ذلك عن الحسن و الأحنف و إبراهيم النخعي و غيرهم و نقل عن قتادة
و مجاهد و غيرهما أن معناه كانوا لا ينامون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون و من طريق المنهال
عن سعيد بن عباس قال معناه لم تكن تمضى عليهم ليلة الا يأخذون منها و لو شيئا ثم ذكر أقوالا آخر
و رجح الأول لأن الله تعالى وصفهم بذلك مادحا لهم بكثرة العمل قال ابن التين و على هذا تكون
ما زائدة أو مصدرية و هو أبين الأقوال و أقعدها بكلام أهل اللغة و على الآخر تكون ما نافية
و قال الخليل هجع يهجع بمكسرة و هو النوم صارت دون النهار ثم أورد المصنف حديث أبي هريرة
في النزول من طريق الأغر أبي عبد الله و أبي سلمة جميعا عن أبي هريرة و قد اختلف فيه على الزهري فرواه عنه مالك و حفاظ أصحابه كما هنا و اقتصر بعضهم عنه على أحد الرجلين و قال بعض
أصحاب مالك عنه عن سعيد بن المسيب بدلهما و رواه أبو داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد عن
الزهري فقال الأعرج بدل الأغر فصحفه و قيل عن الزهري عن عطاء بن يزيد بدل أبي سلمة قال
24

الدارقطني و هو و هم و الأغر المذكور لقب و اسمه سلمان و يكنى أبا عبد الله و هو مدني و لهم راو آخر
يقال له الأغر أيضا لكنه اسمه و كنيته أبو مسلم و هو كوفي و قد جاء هذا الحديث من طريقه أيضا
أخرجه مسلم من رواية أبي إسحق السبيعي عنه عن أبي هريرة و أبي سعيد جميعا مرفوعا و غلط
من جعلهما واحدا و رواه عن أبي هريرة أيضا سعيد بن مرجانة و أبو صالح عند مسلم و سعيد
المقبري و عطاء مولى أم صبية بالمهلة مصغرا و أبو جعفر المدني و نافع بن جبير بن مطعم كلهم عند
النسائي و في الباب عن علي و ابن مسعود و عثمان بن أبي العاص و عمرو بن عنبسة عند أحمد و عن
جبير بن مطعم و رفاعة الجهني عند النسائي و عن أبي الدرداء و عبادة بن الصامت و أبي الخطاب
غير منسوب عند الطبراني و عن عقبة بن عامر و جابر وجد عبد الحميد بن سلمة عند الدارقطني
في كتاب السنة و سأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة (قوله عن أبي سلمة و أبي عبد الله الأغر عن
أبي هريرة) في رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن و أبو عبد الله
الأغر صاحب أبي هريرة أن أبا هريرة أخبرهما (قوله ينزل ربنا إلى السماء الدنيا) استدل به من
أثبت الجهة و قال هي جهة العلو و أنكر ذلك الجمهور لأن القول بذلك يفضى إلى التحيز تعالى الله
عن ذلك وقد اختلف في معنى النزول على أقوال فمنهم من حمله على ظاهره و حقيقته و هم المشبهة
تعالى الله عن قولهم و منهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة و هم الخوارج و المعتزلة
و هو مكابرة و العجب إنهم أولوا ما في القرآن من نحو ذلك وانكروا ما في الحديث أما جهلا و أما
عنادا ومنهم من اجراه على ما ورد مؤمنا به على طريق الإجمال منزها الله تعالى عن الكيفية
و التشبيه و هم جمهور السلف ونقله البيهقي و غيره عن الأئمة الأربعة و السفيانين و الحمادين
و الأوزاعي و الليث و غيرهم و منهم من أوله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب و منهم من
أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف و منهم من فصل بين ما يكون تأويله
قريبا مستعملا في كلام العرب و بين ما يكون بعيدا مهجورا فأول في بعض وفوض في بعض
و هو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد قال البيهقي و أسلمها الإيمان بلا كيف
و السكوت عن المراد الا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه و من الدليل على ذلك اتفاقهم على
أن التأويل المعين غير واجب فحينئذ التفويض أسلم و سيأتي مزيد بسط في ذلك في كتاب التوحيد
أن شاء الله تعالى و قال ابن العربي حكى عن المبتدعة رد هذه الأحاديث و عن السلف امرارها
و عن قوم تأويلها و به أقول فأما قوله ينزل فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عبارة عن ملكه
الذي ينزل بأمره و نهيه و النزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني فإن حملته في الحديث على
الحسي فتلك صفة الملك المبعوث بذلك و أن حملته على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل فيسمى
ذلك نزولا عن مرتبة إلى مرتبة فهي عربية صحيحة انتهى و الحاصل أنه تأوله بوجهين أما بان
المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره وأما بأنه استعارة بمعني التلطف بالداعين و الإجابة لهم و نحوه
و قد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي ينزل ملكا
و يقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة و أبي سعيد بلفظ أن الله يمهل حتى يمضي
شطر الليل ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له الحديث و في حديث عثمان بن أبي
العاص ينادي مناد هل من داع يستجاب له الحديث قال القرطبي و بهذا يرتفع الاشكال
25

و لا يعكر عليه ما في رواية رفاعة الجهني ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول لا يسأل عن عبادي
غيري لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور و قال البيضاوي و لما ثبت بالقواطع أنه سبحانه
منزه عن الجسمية والتحيز أمتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض
منه فالمراد نور رحمته أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب و الانتقام إلى
مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة و الرحمة (قوله حين يبقي ثلث الليل الآخر) برفع
الآخر لأنه صفة الثلث و لم تختلف الروايات عن الزهري في تعيين الوقت واختلفت الروايات عن
أبي هريرة و غيره قال الترمذي رواية أبي هريرة أصح الروايات في ذلك و يقوى ذلك أن الروايات
المخالفة له اختلف فيها على رواتها و سلك بعضهم طريق الجمع و ذلك أن الروايات انحصرت في ستة
أشياء أولها هذه ثانيها إذا مضى الثلث الأول ثالثها الثلث الأول أو النصف رابعها النصف
خامسها النصف أو الثلث الأخير سادسها الإطلاق فأما الروايات المطلقة فهي محمولة على
المقيدة وأما التي بأو فإن كانت أو للشك فالمجزوم به مقدم على المشكوك فيه وأن كانت للتردد بين
حالين فيجمع بذلك بين الروايات بان ذلك يقع بحسب اختلاف الأحوال لكون أوقات الليل
تختلف في الزمان وفي الآفاق باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم و تأخره عن قوم وقال
بعضهم يحتمل أن يكون النزول يقع في الثلث الأول و القول يقع في النصف و في الثلث الثاني و قيل
يحمل على أن ذلك يقع في جميع الأوقات التي وردت بها الأخبار و يحمل على أن النبي صلى الله
عليه و سلم أعلم بأحد الأمور في وقت فأخبر به ثم أعلم به في وقت آخر فأخبر به فنقل الصحابة ذلك
عنه والله أعلم (قوله من يدعوني الخ) لم تختلف الروايات على الزهري في الاقتصار على الثلاثة
المذكورة و هي الدعاء و السؤال و الاستغفار و الفرق بين الثلاثة أن المطلوب أما لدفع المضار
أو جلب المسار و ذلك أما ديني و أما دنيوي ففي الاستغفار إشارة إلى الأول و في السؤال إشارة
إلى الثاني و في الدعاء إشارة إلى الثالث و قال الكرماني يحتمل أن يقال الدعاء ما لا طلب فيه
نحو أبا الله و السؤال الطلب و أن يقال المقصود واحد و أن اختلف اللفظ انتهى و زاد سعيد
عن أبي هريرة هل من تائب فأتوب عليه وزاد أبو جعفر عنه من ذا الذي يسترزقني فارزقه من
ذا الذي يستكشف الضر فاكشف عنه وزاد عطاء مولى أم صبية عنه الا سقيم يستشفى
فيشفى و معانيها داخله فيما تقدم و زاد سعيد بن مرجانة عنه من يقرض غير عديم و لا ظلوم
و فيه تحريض على عمل الطاعة و إشارة إلى جزيل الثواب عليها و زاد حجاج بن أبي منيع عن جده
عن الزهري عند الدارقطني في آخر الحديث حتى الفجر و في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة
عند مسلم حتى ينفجر الفجر و في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة حتى يطلع الفجر و كذا
اتفق معظم الرواة على ذلك الا أن في رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند النسائي حتى ترجل
الشمس و هي شاذة و زاد يونس في روايته عن الزهري في آخره أيضا و لذلك كانوا يفضلون صلاة
آخر الليل على أوله أخرجها الدارقطني أيضا و له من رواية بن سمعان عن الزهري ما يشير إلى
أن قائل ذلك هو الزهري و بهذه الزيادة تظهر مناسبة ذكر الصلاة في الترجمة و مناسبة الترجمة
التي بعد هذه لهذه (قوله فاستجيب) بالنصب على جواب الاستفهام و بالرفع على الاستئناف
و كذا قوله فأعطيه و اغفر له و قد قرئ بهما في قوله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا
26

فيضاعفه له الآية و ليست السين في قوله تعالى فاستجيب للطلب بل استجيب بمعنى أجيب
و في حديث الباب من الفوائد تفضيل صلاة آخر الليل على أوله و تفضيل تأخير الوتر لكن
ذلك في حق من طمع أن ينتبه و أن آخر الليل أفضل للدعاء و الاستغفار و يشهد له قوله تعالى
و المستغفرين بالأسحار و أن الدعاء في ذلك الوقت مجاب و لا يعترض على ذلك بتخلفه عن بعض
الداعين لأن سبب التخلف وقوع الخلل في شرط من شروط الدعاء كالاحتراز في المطعم و المشرب
و الملبس أو لاستعجال الداعي أو بان يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم أو تحصل الإجابة و يتأخر
وجود المطلوب لمصلحة العبد أو لأمر يريده الله (قوله باب من نام أول الليل
و أحيا آخره) تقدم في الذي قبله ذكر مناسبته (قوله وقال سلمان) أي الفارسي (لأبي الدرداء
نم الخ) هو مختصر من حديث طويل أورده المصنف في كتاب الأدب من حديث أبي جحيفة
قال آخي رسول الله صلى الله عليه و سلم بين سلمان و بين أبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فذكر
القصة و في آخرها فقال أن لنفسك عليك حقا الحديث و قوله صلى الله عليه و سلم صدق
سلمان أي في جميع ما ذكر و فيه منقبة ظاهرة لسلمان (قوله حدثنا أبو الوليد) في رواية أبي ذر
قال أبو الوليد و قد وصله الإسماعيلي عن أبي خليفه عن أبي الوليد و تبين من سياقه أن البخاري
ساق الحديث على لفظ سليمان و هو ابن حرب و في رواية أبي خليفه فإذا كان من السحر أوتر
و زاد فيه فإن كانت له حاجة إلى أهله و قال فيه فإن كان جنبا أفاض عليه من الماء و إلا توضأ
و بمعناه أخرجه مسلم من طريق زهير عن أبي إسحاق قال الإسماعيلي هذا الحديث يغلط
في معناه الأسود و الاخبار الجياد فيها كان إذا أراد أن ينام و هو جنب توضأ (قلت) لم يرد
الإسماعيلي بهذا أن حديث الباب غلط و إنما أشار إلى أن أبا إسحاق حدث به عن الأسود بلفظ
آخر غلط فيه و الذي أنكره الحفاظ على أبي إسحاق في هذا الحديث هو ما رواه الثوري
عنه بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء قال الترمذي
يرون هذا غلطا من أبي إسحاق و كذا قال مسلم في التمييز و قال أبو داود في رواية أبي الحسن
ابن العبد عنه ليس بصحيح ثم روى عن يزيد بن هارون أنه قال هو وهم انتهى و أظن أبا إسحاق
اختصره من حديث الباب هذا الذي رواه عنه شعبة و زهير لكن لا يلزم من قولها فإذا كان
جنبا أفاض عليه الماء أن لا يكون توضأ قبل أن ينام كما دلت عليه الأخبار الآخر فمن ثم غلطوه
في ذلك ويستفاد من الحديث أنه كان ربما نام جنبا قبل أن يغتسل و الله أعلم و قد تقدم باقي
الكلام على حديث عائشة قريبا و قوله فيه فإن كانت به حاجة اغتسل يعكر عليه ما في رواية
مسلم أفاض عليه الماء و ما قالت اغتسل و يجاب بان بعض الرواة ذكره بالمعنى و حافظ
بعضهم على اللفظ و الله أعلم (قوله باب قيام النبي صلى الله عليه و سلم بالليل
في رمضان وغيره) سقط قوله بالليل من نسخة الصغاني ذكر فيه حديث أبي سلمة أنه سأل عائشة
كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد تقدمت الإشارة إليه في باب كيف كان
النبي صلى الله عليه و سلم يصلي بالليل و في الحديث دلالة على أن صلاته كانت متساوية في جميع
السنة و فيه كراهة النوم قبل الوتر لإستفهام عائشة عن ذلك كأنه تقرر عندها منع ذلك فأجابها
بأنه صلى الله عليه و سلم ليس في ذلك كغيره و سيأتي هذا الحديث من هذه الطريق في أواخر
الصيام أيضا و نذكر فيه أن شاء الله تعالى ما بقي من فوائده (قوله عن هشام) هو ابن عروة (قوله
27

حتى إذا كبر) بينت حفصة أن ذلك كان قبل موته بعام و قد تقدم بيان ذلك مع كثير من فوائده في
آخر باب من أبواب التقصير (قوله فإذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن
ثم ركع) فيه رد على من اشترط على من افتتح النافلة قاعدا أن يركع قاعدا أو قائما أن يركع قائما
و هو محكي عن أشهب و بعض الحنفية و الحجة فيه ما رواه مسلم و غيره من طريق عبد الله بن شقيق
عن عائشة في سؤاله لها عن صلاة النبي صلى الله عليه و سلم و فيه كان إذا قرأ قائما ركع قائما وإذا
قرأ قاعدا ركع قاعدا و هذا صحيح و لكن لا يلزم منه منع ما رواه عروة عنها فيجمع بينهما بأنه كان
يفعل كلا من ذلك بحسب النشاط و عدمه و الله أعلم و قد أنكر هشام بن عروة على عبد الله بن
شقيق هذه الرواية و احتج بما رواه عن أبيه أخرج ذلك ابن خزيمة في صحيحه ثم قال و لا مخالفه
عندي بين الخبرين لأن رواية عبد الله بن شقيق محمولة على ما إذا قرأ جميع القراءة قاعدا أو
قائما و رواية هشام بن عروة محمولة على ما إذا قرأ بعضها جالسا و بعضها قائما و الله أعلم (قوله
باب فضل الطهور بالليل و النهار و فضل الصلاة عند الطهور بالليل والنهار) كذا ثبت
في رواية الكشميهني و لغيره بعد الوضوء و اقتصر بعضهم على الشق الثاني من الترجمة و عليه
اقتصر الإسماعيلي و أكثر الشراح و الشق الأول ليس بظاهر في حديث الباب الا أن حمل على
أنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كما سنذكره من حديث بريده (قوله عن أبي
حيان) هو يحيى بن سعيد التيمي و صرح به في رواية مسلم من هذا الوجه و أبو زرعة هو ابن عمرو
ابن جرير بن عبد الله البجلي (قوله قال لبلال) أي ابن رباح المؤذن و قوله عند صلاة الفجر فيه
إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام لأن عادته صلى الله عليه و سلم أنه كان يقص ما رآه و يعبر ما رآه
أصحابه كما سيأتي في كتاب التعبير بعد صلاة الفجر (قوله بأرجى عمل) بلفظ أفعل التفضيل
المبني من المفعول و إضافة العمل إلى الرجاء لأنه السبب الداعي إليه (قوله في الإسلام)
زاد مسلم في روايته منفعة عندك (قوله أني) بفتح الهمزة و من مقدرة قبلها صلة لأفعل التفضيل
و ثبتت في رواية مسلم و وقع في رواية الكشميهني أن بنون خفيفه بدل أني (قوله فإني سمعت)
زاد مسلم الليلة و فيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام (قوله دف نعليك) بفتح المهملة و ضبطها
المحب الطبري بالإعجام و الفاء مثقلة و قد فسره المصنف في رواية كريمة بالتحريك و قال الخليل
دف الطائر إذا حرك جناحيه و هو قائم على رجليه و قال الحمدى الدف الحركة الخفيفة و السير
اللين و وقع في رواية مسلم خشف بفتح الخاء و سكون الشين المعجمتين و تخفيف الفاء قال أبو عبيد
و غيره الخشف الحركة الخفيفة و يؤيده ما سيأتي في أول مناقب عمر من حديث جابر سمعت
خشفة و وقع في حديث بريدة عند أحمد و الترمذي و غيرهما خشخشة بمعجمتين مكررتين و هو
بمعنى الحركة أيضا (قوله طهورا) زاد مسلم تاما و الذي يظهر أنه لا مفهوم لها و يحتمل
أن يخرج بذلك الوضوء اللغوي فقد يفعل ذلك لطرد النوم مثلا (قوله في ساعة ليل أو نهار)
بتنوين ساعة و خفض ليل على البدل و في رواية مسلم في ساعة من ليل أو نهار (قوله الا صليت)
زاد الإسماعيلي لربي (قوله ما كتب لي) أي قدر و هو أعم من الفريضة و النافلة قال ابن التين
انما اعتقد بلال ذلك لأنه علم من النبي صلى الله عليه و سلم أن الصلاة أفضل الأعمال و أن عمل
السر أفضل من عمل الجهر و بهذا التقرير يندفع إيراد من أورد عليه غير ما ذكر من
28

الأعمال الصالحة و الذي يظهر أن المراد بالأعمال التي سأله عن ارجائها الأعمال المتطوع بها و إلا
فالمفروضة أفضل قطعا و يستفاد منه جواز الاجتهاد في توقيت العبادة لأن بلالا توصل إلى
ما ذكرنا بالاستنباط فصوبه النبي صلى الله عليه و سلم و قال ابن الجوزي فيه الحث على الصلاة
عقب الوضوء لئلا يبقى الوضوء خاليا عن مقصوده و قال المهلب فيه أن الله يعظم المجازاة على
ما يسره العبد من عمله و فيه سؤال الصالحين عما يهديهم الله له من الأعمال الصالحة ليقتدي بها
غيرهم في ذلك و فيه أيضا سؤال الشيخ عن عمل تلميذه ليحضه عليه و يرغبه فيه أن كان حسنا و إلا
فينهاه و استدل به على جواز هذه الصلاة في الأوقات المكروهة لعموم قوله في كل ساعة
و تعقب بان الأخذ بعمومه ليس بأولى من الأخذ بعموم النهي وتعقبه ابن التين بأنه ليس فيه
ما يقتضي الفورية فيحمل على تأخير الصلاة قليلا ليخرج وقت الكراهة وأنه كان يؤخر الطهور
إلى آخر وقت الكراهة لتقع صلاته في غير وقت الكراهة لكن عند الترمذي وابن خزيمة من حديث
بريده في نحو هذه القصة ما أصابني حدث قط الا توضأت عندها و لأحمد من حديثه ما أحدثت
الا توضأت وصليت ركعتين فدل على أنه كان يعقب الحدث بالوضوء و الوضوء بالصلاة في أي وقت
كان و قال الكرماني ظاهر الحديث أن السماع المذكور وقع في النوم لأن الجنة لا يدخلها
أحد إلا بعد الموت و يحتمل ان يكون في اليقظة لان النبي صلى الله عليه و سلم دخلها ليلة
المعراج و اما بلال فلا يلزم من هذه القصة انه دخلها لأن قوله في الجنة ظرف للسماع و يكون
الدف بين يديه خارجا عنها انتهى و لا يخفى بعد هذا الاحتمال لأن السياق مشعر بإثبات فضيلة
بلال لكونه جعل السبب الذي بلغه إلى ذلك ما ذكره من ملازمة التطهر و الصلاة و إنما ثبتت
له الفضيلة بان يكون رؤى داخل الجنة لا خارجا عنها و قد وقع في حديث بريده المذكور يا بلال
بم سبقتني إلى الجنة و هذا ظاهر في كونه رآه داخل الجنة و يؤيد كونه وقع في المنام ما سيأتي في
أول مناقب عمر من حديث جابر مرفوعا رأيتني دخلت الجنة فسمعت خشفة فقيل هذا بلال
و رأيت قصرا بفنائه جاريه فقيل هذا لعمر الحديث و بعده من حديث أبي هريرة مرفوعا بينا
أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقيل هذا لعمر الحديث فعرف أن ذلك
وقع في المنام و ثبتت الفضيلة بذلك لبلال لأن رؤيا الأنبياء وحي و لذلك جزم النبي صلى الله عليه
و سلم له بذلك و مشيه بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم كان من عادته في اليقظة فاتفق مثله في المنام
و لا يلزم من ذلك دخول بلال الجنة قبل النبي صلى الله عليه و سلم لأنه في مقام التابع و كأنه أشار
صلى الله عليه و سلم إلى بقاء بلال على ما كان عليه في حال حياته و استمراره على قرب منزلته و فيه
منقبة عظيمة لبلال و في الحديث استحباب إدامة الطهارة و مناسبة المجازاة على ذلك بدخول
الجنة لأن من لازم الدوام على الطهارة أن يبيت المرء طاهرا و من بات طاهرا عرجت روحه
فسجدت تحت العرش كما رواه البيهقي في الشعب من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
و العرش سقف الجنة كما سيأتي في هذا الكتاب و زاد بريده في آخر حديثه فقال النبي صلى
الله عليه و سلم بهذا و ظاهره أن هذا الثواب وقع بسبب ذلك العمل و لا معارضه بينه و بين قوله
صلى الله عليه و سلم لا يدخل أحدكم الجنة عمله لأن أحد الأجوبة المشهورة بالجمع بينه و بين قوله
تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون أن أصل الدخول إنما يقع برحمة الله و اقتسام الدرجات
29

بحسب الأعمال فيأتي مثله في هذا و فيه أن الجنة موجودة الآن خلافا لم أنكر ذلك من المعتزلة
* (تنبيه) * قول الكرماني لا يدخل أحد الجنة الا بعد موته مع قوله أن النبي صلى الله عليه و سلم
دخلها ليلة المعراج و كان المعراج في اليقظة على الصحيح ظاهر هما التناقض و يمكن حمل النفي
أن كان ثابتا على غير الأنبياء أو يخص في الدنيا بمن خرج عن عالم الدنيا و دخل في عالم الملكوت
و هو قريب مما أجاب به السهيلي عن استعمال طست الذهب ليلة المعراج (قوله باب
ما يكره من التشديد في العبادة) قال ابن بطال إنما يكره ذلك خشية الملال المفضى إلى ترك العبادة
(قوله حدثنا عبد الوارث) هو ابن سعيد و الإسناد كله بصريون (قوله دخل النبي صلى الله عليه
و سلم) زاد مسلم في روايته المسجد (قوله بين الساريتين) أي اللتين في جانب المسجد و كأنهما كانتا
معهودتين للمخاطب لكن في رواية مسلم بين ساريتين بالتنكير (قوله قالوا هذا حبل لزينب)
جزم كثير من الشراح تبعا للخطيب في مبهماته بأنها بنت جحش أم المؤمنين و لم أر ذلك في شئ من
الطرق صريحا و وقع في شرح الشيخ سراج الدين بن الملقن أن ابن أبي شيبة رواه كذلك لكني لم أر
في مسنده و مصنفه زيادة على قوله قالوا لزينب أخرجه عن إسماعيل بن علية عن عبد العزيز و كذا
أخرجه مسلم عنه و أبو نعيم في المستخرج من طريقه و كذلك رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل
و أخرجه أبو داود عن شيخين له عن إسماعيل فقال عن أحدهما زينب و لم ينسبها و قال عن آخر
حمنة بنت جحش فهذه قرينة في كون زينب هي بنت جحش و روى احمد من طريق حماد عن حميد
عن أنس و ثلاثمائة حمنة بنت جحش أيضا فلعل نسبة الحبل إليهما باعتبار أنه ملك لإحداهما والأخرى
المتعلقة به و قد تقدم في كتاب الحيض أن بنات جحش كانت كل واحدة منهن تدعي زينب فيما قيل
فعلى هذا فالحبل لحمنة وأطلق عليها زينب باعتبار اسمها الآخر و وقع في صحيح ابن خزيمة من
طريق شعبة عن عبد العزيز فقالوا لميمونة بنت الحارث و هي رواية شاذة و قيل يحتمل تعدد القصة
و وهم من فسرها بجويرية بنت الحارث فإن لتلك قصه أخرى تقدمت في أوائل الكتاب و الله
أعلم و زاد مسلم فقالوا لزينب تصلي (قوله فإذا فترت) بفتح المثناة أي كسلت عن القيام في الصلاة
و وقع عند مسلم بالشك فإذا فترت أو كسلت (قوله فقال صلى الله عليه و سلم لا) يحتمل النفي أي
لا يكون هذا الحبل أو لا يحمد و يحتمل النهي أي لا تفعلوه و سقطت هذه الكلمة في رواية مسلم
(قوله نشاطه) بفتح النون أي مدة نشاطه (قوله فليقعد) يحتمل أن يكون أمرا بالقعود عن
القيام فيستدل به على جواز افتتاح الصلاة قائما و القعود في أثنائها و قد تقدم نقل الخلاف فيه
و يحتمل أن يكون أمرا بالقعود عن الصلاة أي بترك ما كان عزم عليه من التنفل و يمكن أن يستدل
به على جواز قطع النافلة بعد الدخول فيه و قد تقدم في باب الوضوء من النوم في كتاب الطهارة
حديث إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرأ و هو من حديث أنس أيضا و لعله طرف
من هذه القصة و فيه حديث عائشة أيضا إذا نعس أحدكم و هو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه
النوم و فيه لئلا يستغفر فيسب نفسه و هو لا يشعر هذا أو معناه و يجئ من الاحتمال ما تقدم
في حديث الباب و فيه الحث على الاقتصاد في العبادة و النهي عن التعمق فيها و الأمر بالاقبال
عليها بنشاط و فيه إزالة المنكر باليد و اللسان و جواز تنفل النساء في المسجد و استدل به على
كراهة التعلق في الحبل في الصلاة و سيأتي ما فيه في باب استعانة اليد في الصلاة بعد الفراغ من
30

أبواب التطوع (قوله وقال عبد الله بن مسلمة) يعني القعنبي كذا للأكثر و في رواية الحموي
و المستملي حدثنا عبد الله و كذا رويناه في الموطأ رواية القعنبي قال ابن عبد البر تفرد القعنبي
بروايته عن مالك في الموطأ دون بقية رواته فإنهم اقتصروا منه على طرف مختصر (قوله تذكر)
للمستملي بفتح أوله بلفظ المضارع المؤنث و للحموي بضمه على البناء للمفعول بالتذكير
و للكشميهني فذكر بفاء وضم المعجمة و كسر الكاف و لكل وجه و على الأول يكون ذلك قول
عروة أو من دونه و على الثاني و الثالث يحتمل أن يكون من كلام عائشة و هو على كل حال تفسير
لقولها لا تنام الليل و وصفها بذلك خرج مخرج الغالب و سئل الشافعي عن قيام جميع الليل فقال
لا أكرهه الا لمن خشي أن يضر بصلاة الصبح و في قوله صلى الله عليه و سلم في جواب ذلك مه
إشارة إلى كراهة ذلك خشية الفتور و الملال على فاعله لئلا ينقطع عن عبادة التزمها فيكون
رجوعا عما بذل لربه من نفسه و قوله عليكم ما تطيقون من الأعمال هو عام في الصلاة و في غيرها
و وقع في الرواية المتقدمة في الإيمان بدون قوله من الأعمال فحمله الباجي وغيره على الصلاة
خاصة لأن الحديث ورد فيها و حمله على جميع العبادات أولي و قد تقدمت بقية فوائد حديث
عائشة و الكلام على قوله أن الله لا يمل حتى تملوا في باب أحب الدين إلى الله أدومه من كتاب
الإيمان و مما يلحق هنا أني وجدت بعض ما ذكر هناك من تأويل الحديث احتمالا في بعض طرق
الحديث و هو قوله أن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل أخرجه الطبري في تفسير سورة
المزمل و في بعض طرقه ما يدل على أن ذلك مدرج من قول بعض رواة الحديث و الله أعلم * (قوله
باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه) أي إذا أشعر ذلك بالاعراض عن العباد
(قوله حدثنا عباس بن الحسين) هو بموحدة و مهملة بغدادي يقال له القنطري أخرجه عنه
البخاري هنا و في الجهاد فقط و مبشر بوزن مؤذن من البشارة و عبد الله المذكور في الإسناد
الثاني هو ابن المبارك و قد صرح في سياقه بالتحديث في جميع الإسناد فأمن تدليس الأوزاعي
و شيخه (قوله مثل فلان) لم اقف على تسميته في شئ من الطرق وكأن إبهام مثل هذا لقصد
الستره عليه كالذي تقدم قريبا في الذي نام حتى أصبح و يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم لم
يقصد شخصا معينا و إنما أراد تنفير عبد الله بن عمرو من الصنيع المذكور (قوله من الليل) أي
بعض الليل و سقط لفظ من رواية الأكثر و هي مراده قال ابن العربي في هذا الحديث دليل
على أن قيام الليل ليس بواجب إذ لو كان واجبا لم يكتف لتاركه بهذا القدر بل كان يذمه أبلغ الذم
و قال ابن حبان فيه جواز ذكر الشخص بما فيه من شئ إذا قصد بذلك التحذير من صنيعه و فيه
استحباب الدوام على ما اعتاده المرء من الخير من غير تفريط و يستنبط منه كراهة قطع العبادة
و أن لم تكن واجبه و ما أحسن ما عقب المصنف هذه الترجمة بالتي قبلها لأن الحاصل منهما
الترغيب في ملازمة العبادة و الطريق الموصل إلى ذلك الاقتصاد فيها لأن التشديد فيها قد يؤدي
إلى تركها و هو مذموم (قوله وقال هشام) هو ابن عمار وابن أبي العشرين بلفظ العدد و هو
عبد الحميد بن حبيب غالبا الأوزاعي وأراد المصنف بإيراد هذا التعليق التنبيه على أن زيادة عمرو
ابن الحكم أي ابن أبي ثوبان بين يحيى وأبي سلمة من المزيد في متصل الأسانيد لأن يحيى قد صرح
بسماعه من أبي سلمة و لو كان بينهما واسطه لم يصرح بالتحديث و رواية هشام المذكورة وصلها
31

الإسماعيلي و غيره (قوله بهذا) في رواية كريمة و الأصيلي مثله (قوله وتابعه عمرو بن أبي سلمة)
أي تابع بن أبي العشرين على زيادة عمر بن الحكم و رواية عمر المذكورة وصلها مسلم عن أحمد بن
يونس عنه وظاهر صنيع البخاري ترجيح رواية يحيى عن أبي سلمة بغير واسطة و ظاهر صنيع مسلم
يخالفه لأنه اقتصر على الرواية الزائدة و الراجح عند أبي حاتم و الدارقطني و غيرهما صنيع البخاري
و قد تابع كلا من الروايتين جماعة من أصحاب الأوزاعي فالاختلاف منه و كأنه كان يحدث به
على الوجهين فيحمل على أن يحيى حمله عن أبي سلمة بواسطة ثم لقيه فحدثه به فكان يرويه عنه على
الوجهين والله أعلم (قوله باب) كذا في الأصل بغير ترجمه و هو كالفصل من الذي
قبله وتعلقه به ظاهر و كأنه أومأ إلى أن المتن الذي قبله طرف من قصة عبد الله بن عمرو في مراجعة
النبي صلى الله عليه و سلم له في قيام الليل و صيام النهار (قوله عن عمرو عن أبي العباس) في رواية
الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا عمرو سمعت أبا العباس و عمرو هو ابن دينار و أبو العباس
هو السائب بن فروخ و يعرف بالشاعر (قوله ألم أخبر) فيه أن الحكم لا ينبغي الا بعد التثبت
لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكتف بما نقل له عن عبد الله حتى لقيه و استثبته فيه لاحتمال أن يكون
قال ذلك بغير عزم أو علقه بشرط لم يطلع عليه الناقل و نحو ذلك (قوله هجمت عينك) بفتح الجيم
أي غارت أو ضعفت لكثرة السهر (قوله نفهت) بنون ثم فاء مكسورة أي كلت و حكى الإسماعيلي
أن أبا يعلى رواه له تفهت بالتاء بدل النون و استضعفه (قوله و أن لنفسك عليك حقا) أي تعطيها
ما تحتاج إليه ضرورة البشرية مما اباحه الله للإنسان من الأكل و الشرب و الراحة التي يقوم
بها بدنه ليكون أعون على عبادة ربه و من حقوق النفس قطعها عما سوى الله تعالى لكن ذلك
يختص بالتعلقات القلبية (قوله ولأهلك عليك حقا) أي تنظر لهم فيما لا بد لهم منه من أمور الدنيا
و الآخرة و المراد بالأهل الزوجة أو أعم من ذلك ممن تلزمه نفقته و سيأتي بيان سبب ذكر ذلك له
في الصيام * (تنبيه) * قوله حقا في الموضعين للأكثر بالنصب على أنه اسم أن و في رواية كريمة بالرفع
فيهما على أنه الخبر و الاسم ضمير الشأن (قوله فصم) أي فإذا عرفت ذلك فصم تارة و أفطر تارة
لتجمع بين المصلحتين و فيه إيماء إلى ما تقدم في أوائل أبواب التهجد أنه ذكر له صوم داود و قد
تقدم الكلام على قوله قم و نم و سيأتي في الصيام فيه زيادة من وجه آخر نحو قوله و أن لعينك
عليك حقا و في رواية فان لزورك عليك حقا أي للضيف و في الحديث جواز تحدث المرء بما عزم
عليه من فعل الخير و تفقد الإمام لأمور رعيته كلياتها و جزئياتها و تعليمهم ما يصلحهم و فيه تعليل
الحكم لمن فيه أهلية ذلك و أن الأولى في العبادة تقديم
الواجبات على المندوبات و أن من تكلف
الزيادة على ما طبع عليه يقع له الخلل في الغالب و فيه الحض على ملازمة العبادة لأنه صلى الله
عليه و سلم مع كراهته له التشديد على نفسه حضه على الاقتصاد كأنه قال له ولا يمنعك اشتغالك
بحقوق من ذكر أن تضيع حق العبادة وتترك المندوب جملة ولكن أجمع بينهما (قوله
باب فضل من تعار من الليل فصلى) تعار بمهملة و راء مشددة قال في المحكم تعار
الظليم معارة صاح والتعار أيضا السهر و التمطي و التقلب على الفراش ليلا مع كلام و قال ثعلب
اختلف في تعار فقيل انتبه و قيل تكلم و قيل علم و قيل تمطى و أن انتهى و قال الأكثر التعار
اليقظة مع صوت و قال ابن التين ظاهر الحديث أن معنى تعار استيقظ لأنه قال من تعار فقال
32

فعطف القول على التعار انتهى و يحتمل أن تكون الفاء تفسيرية لما صوت به المستيقظ لأنه قد
يصوت بغير ذكر فخص الفضل المذكور بمن صوت بما ذكر من ذكر الله تعالى و هذا هو السر
في اختيار لفظ تعار دون استيقظ أو انتبه و إنما يتفق ذلك لمن تعود الذكر و استأنس به و غلب عليه
حتى صار حديث نفسه في نومه و يقظته فأكرم من اتصف بذلك بإجابة دعوته و قبول صلاته
(قوله حدثنا صدقة) هو ابن الفضل المروزي و جميع الإسناد كله شاميون و جنادة بضم الجيم
و تخفيف النون مختلف في صحبته (قوله عن الأوزاعي قال حدثنا عمير بن هانئ) كذا لمعظم الرواة
عن الوليد بن مسلم وأخرجه الطبراني في الدعاء من رواية صفوان بن صالح عن الوليد عن
عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن عمير بن هانئ و أخرجه الطبراني فيه أيضا عن إبراهيم بن
عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي و هو الحافظ الذي يقال له دحيم عن أبيه عن الوليد مقرونا
برواية صفوان بن صالح وما أظنه الا وهما فإنه أخرجه في المعجم الكبير عن إبراهيم عن أبيه
عن الوليد عن الأوزاعي كالجادة و كذا أخرجه أبو داود و ابن ماجة و جعفر الفريابي في الذكر عن
دحيم و كذا أخرجه ابن حبان عن عبد الله بن سليم عن دحيم و رواية صفوان شاذة فإن كان
حفظها عن الوليد احتمل ان يكون عند الوليد فيه شيخان و يؤيده ما في آخر الحديث من
اختلاف اللفظ حيث جاء في جميع الروايات عن الأوزاعي فإنه قال اللهم اغفر لي الخ و وقع
في هذه الرواية كان من خطاياه كيوم ولدته أمه و لم يذكر رب اغفر لي و لا دعاء و قال في أوله ما من
عبد يتعار من الليل بدل قوله من تعار لكن تخالف اللفظ في هذه أخف من التي قبلها (قوله له
الملك وله الحمد) زاد علي بن المديني عن الوليد يحيى و يميت أخرجه أبو نعيم في ترجمة عمير بن هانئ
من الحلية من وجهين عنه قوله الحمد لله و سبحان الله زاد في رواية كريمة و لا إله الا الله و كذا
عند الإسماعيلي و النسائي و الترمذي و ابن ماجة و أبي نعيم في الحلية و لم تختلف الروايات في
البخاري على تقديم الحمد على التسبيح لكن عند الإسماعيلي بالعكس و الظاهر أنه من تصرف
الرواة لأن الواو لا تستلزم الترتيب (قوله و لا حول ولا قوة الا بالله) زاد النسائي و ابن ماجة و ابن
السني العلي العظيم (قوله ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا) كذا فيه بالشك و يحتمل أن تكون
للتنويع و يؤيد الأول ما عند الإسماعيلي بلفظ ثم قال رب اغفر لي غفر له أو قال فدعا استجيب له
شك الوليد و كذا عند أبي داود و ابن ماجة بلفظ غفر له قال الوليد أو قال دعا استجيب له و في
رواية علي بن المديني ثم قال رب اغفر لي أو قال ثم دعا و اقتصر في رواية النسائي على الشق الأول
(قوله استجيب) زاد الأصيلي له و كذا في الروايات الأخرى (قوله فإن توضأ قبلت) أي
أن صلى و في رواية أبي ذر و أبي الوقت فإن توضأ و صلى و كذا عند الإسماعيلي و زاد في أوله فإن هو
عزم فقام و توضأ و صلى و كذا في رواية علي بن المديني قال ابن بطال وعد الله على لسان نبيه أن من
استيقظ من نومه لهجا لسانه بتوحيد ربه و الاذعان له بالملك و الاعتراف بنعمة يحمده عليها
و ينزهه عما لا يليق به بتسبيحه و الخضوع له بالتكبير و التسليم له بالعجز عن القدرة الا بعونه أنه إذا
دعاه اجابه و إذا صلى قبلت صلاته فينبغي لمن بلغه هذا الحديث ان يغتنم العمل به و يخلص نيته
لربه سبحانه و تعالى (قوله قبلت صلاته) قال ابن المنير في الحاشية وجه ترجمة البخاري بفضل
الصلاة و ليس في الحديث الا القبول و هو من لوازم الصحة سواء كانت فاضلة أم مفضولة لأن
33

القبول في هذا الموطن أرجى منه في غيره و لولا ذلك لم يكن في الكلام فائده فلأجل قرب الرجاء
فيه من اليقين تميز على غيره و ثبت له الفضل انتهى و الذي يظهر أن المراد بالقبول هنا قدر زائد
على الصحة و من ثم قال الداودي ما محصله من قبل الله له حسنة لم يعذبه لأنه يعلم عواقب الأمور
فلا يقبل شيئا ثم يحبطه و إذا أمن الاحباط أمن التعذيب و لهذا قال الحسن وددت إني أعلم أن
الله قبل لي سجدة واحدة * (فائده) * قال أبو عبد الله الفربري الراوي عن البخاري أجريت هذا
الذكر على لساني عند انتباهي ثم نمت فأتاني آت فقرأ و هدوا إلى الطيب من القول الآية (قوله
الهيثم) بفتح الهاء وسكون التحتانية بعدها مثلثة مفتوحة و سنان بكسر المهملة و نونين الأولى
خفيفة (قوله أنه سمع أبا هريرة وهو يقص في قصصه) أي مواعظه التي كان أبو هريرة يذكر أصحابه
بها (قوله و هو يذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أخا لكم) معناه أن أبا هريرة ذكر رسول
الله صلى الله عليه و سلم فاستطرد إلى حكاية ما قيل في وصفه فذكر كلام عبد الله بن رواحه بما
وصف به من هذه الأبيات (قوله أن أخا لكم) هو المسموع للهيثم و الرفث الباطل أو الفحش
من القول و القائل يعني هو الهيثم و يحتمل أن يكون الزهري (قوله إذا انشق) كذا للأكثر و في
رواية أبي الوقت كما انشق و المعنى مختلف و كلاهما واضح (قوله من الفجر) بيان للمعروف
الساطع يقال سطع إذا ارتفع (قوله العمي) أي الضلالة (قوله يجافي جنبه) أي يرفعه عن
الفراش و هو كناية عن صلاته بالليل و في هذا البيت الأخير معنى الترجمة لان التعار هو السهر
و التقلب على الفراش كما تقدم وكأن الشاعر أشار إلى قوله تعالى في صفة المؤمنين تتجافى
جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا و طمعا الآية * (فائده) * وقعت لعبد الله بن رواحة
في هذه الأبيات قصة أخرجها الدارقطني من طريق سلمة بن وهران عن عكرمة قال كان عبد الله
ابن رواحة مضطجعا إلى جنب امرأته فقام إلى جاريته فذكر القصة في رؤيتها إياه على الجارية
وجحده ذلك و التماسها منه القراءة لأن الجنب لا يقرأ فقال هذه الأبيات فقالت أمنت بالله
و كذبت بصري فاعلم النبي صلى الله عليه و سلم فضحك حتى بدت نواجذه قال ابن بطال أن قوله
صلى الله عليه و سلم أن أخالكم لا يقول الرفث فيه أن حسن الشعر محمود كحسن الكلام انتهى
و ليس في سياق الحديث ما يفصح بان ذلك من قوله صلى الله عليه و سلم بل هو ظاهر في أنه من كلام
أبي هريرة و بيان ذلك سيأتي في سياق رواية الزبيدي المعلقة و سيأتي بقية ما يتعلق بالشعر في كتاب
الأدب أن شاء الله تعالى (قوله تابعه عقيل) أي عن ابن شهاب فالضمير ليونس و رواية عقيل
هذه أخرجها الطبراني في الكبير من طريق سلامه بن روح عن عمه عقيل بن خالد عن ابن شهاب
فذكر مثل رواية يونس (قوله وقال الزبيدي الخ) فيه إشارة إلى أنه اختلف عن الزهري في
هذا الإسناد فاتفق يونس و عقيل على أن شيخه فيه الهيثم و خالفهما الزبيدي فأبدلهما بسعيد
أي ابن المسيب و الأعرج أي ابن عبد الرحمن بن هرمز و لا يبعد أن يكون الطريقان صحيحين
فإنهم حفاظ اثبات و الزهري صاحب حديث مكثر و لكن ظاهر صنيع البخاري ترجيح رواية
يونس لمتابعة عقيل له بخلاف الزبيدي و رواية الزبيدي هذه المعلقة وصلها البخاري في التاريخ
الصغير و الطبراني في الكبير أيضا من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عنه و لفظه أن أبا هريرة
كان يقول في قصصه أن أخا لكم كان يقول شعرا ليس بالرفث و هو عبد الله بن رواحة فذكر
34

الأبيات و هو يبين أن قوله في الرواية الأولى من كلام أبي هريرة موقوفا بخلاف ما جزم به ابن
بطال و الله أعلم (قوله حدثنا أبو النعمان) هو السدوسي (قوله الا طارت إليه) سيأتي التعبير
بلفظ الا طارت بي إليه و يأتي بقية فوائده هناك أن شاء الله تعالى و قد تقدم في أوائل أبواب
التهجد من وجه آخر عن ابن عمر دون القصة الأولى (قوله و كان عبد الله) أي بن عمر (يصلي من
الليل) هو كلام نافع و قد تقدم نحوه عن سالم (قوله وكانوا) أي الصحابة و قوله أنها أي ليلة
القدر (قوله فليتحرها في العشر الأواخر) كذا للكشميهني و لغيره من العشر الأواخر و سيأتي
الكلام عليه مستوفى في أواخر الصيام * (تنبيه) * أغفل المزي في الأطراف هذا الحديث
المتعلق بليلة القدر فلم يذكره في ترجمة أيوب عن نافع عن ابن عمر و هو وارد عليه و بالله
التوفيق (قوله باب المداومة على ركعتي الفجر) أي سفرا و حضرا (قوله
حدثنا عبد الله بن يزيد) هو المقري (قوله عن عراك بن مالك عن أبي سلمة) خالفه الليث عن
يزيد بن أبي حبيب فرواه عن جعفر بن ربيعة عن أبي سلمة لم يذكر بينهما أحدا أخرجه أحمد
و النسائي و كأن جعفرا أخذه عن أبي سلمة بواسطة ثم حمله عنه و ليزيد فيه إسناد آخر رواه
عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة أخرجه مسلم و كأن لعراك فيه شيخين و الله أعلم (قوله
وصلى) في رواية الكشميهني ثم صلى و ليس فيه ذكر الوتر و هو في رواية الليث و لفظه كان يصلي
بثلاث عشرة ركعة تسعا قائما و ركعتين و هو جالس (قوله وركعتين بين النداءين) أي
بين الأذان و الإقامة و في رواية الليث ثم يمهل حتى يؤذن بالأولى من الصبح فيركع ركعتين و لمسلم
من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة يصلي ركعتين خفيفتين بين النداء و الإقامة من صلاة
الصبح (قوله و لم يكن يدعهما أبدا) استدل به لمن قال بالوجوب و هو منقول عن الحسن
البصري أخرجه ابن أبي شيبة عنه بلفظ كان الحسن يرى الركعتين قبل الفجر واجبتين و المراد
بالفجر هنا صلاة الصبح ونقل المرغيناني مثله عن أبي حنيفة و في جامع المحبوبي عن الحسن
ابن زياد عن أبي حنيفة لو صلاهما قاعدا من غير عذر لم يجز واستدل به بعض الشافعية للقديم
في أن ركعتي الفجر أفضل التطوعات و قال الشافعي في الجديد أفضلها الوتر و قال بعض أصحابه
أفضلها صلاة الليل لما تقدم ذكره في أول أبواب التهجد من حديث أبي هريرة عند مسلم
* (تنبيه) * قوله أبدا تقرر في كتب العربية أنها تستعمل للمستقبل و أما الماضي فيؤكد بقط
و يجاب عن الحديث المذكور بأنها ذكرت على سبيل المبالغة أجراء للماضي مجرى المستقبل
كان ذلك دأبه لا يتركه (قوله باب الضجعة) بكسر الضاد المعجمة لأن المراد الهيئة
و بفتحها على إرادة المرة (قوله أبو الأسود) هو النوفلي يتيم عروة (قوله على شقه الأيمن) قيل
الحكمة فيه أن القلب في جهة اليسار فلو اضطجع عليه لاستغرق نوما لكونه أبلغ في الراحة
بخلاف اليمين فيكون القلب معلقا فلا يستغرق و فيه أن الاضطجاع إنما يتم إذا كان على الشق
الأيمن و أما إنكار ابن مسعود الاضطجاع و قول إبراهيم النخعي هي ضجعة الشيطان كما أخرجهما
ابن أبي شيبة فهو محمول على أنه لم يبلغهما الأمر بفعله و كلام ابن مسعود يدل على أنه انما أنكر
تحتمه فإنه قال في آخر كلامه إذا سلم فقد فصل و كذا ما حكى عن ابن عمر أنه بدعة فإنه شذ بذلك
حتى روى عنه أنه أمر بحصب من اضطجع كما تقدم و أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن انه كان
35

لا يعجبه الاضطجاع و أرجح الأقوال مشروعيته للفصل لكنه بعينه كما تقدم و الله أعلم (قوله
باب من تحدث بعد الركعتين و لم يضطجع) أشار بهذه الترجمة إلى أنه صلى الله عليه
و سلم لم يكن يداوم عليها و بذلك احتج الأئمة على عدم الوجوب و حملوا الأمر الوارد بذلك في
حديث أبي هريرة عند أبي داود و غيره على الاستحباب و فائدة ذلك الراحة و النشاط لصلاة الصبح
و على هذا فلا يستحب ذلك الا للمتهجد و به جزم ابن العربي و يشهد له ما أخرجه عبد الرزاق ان
عائشة كانت تقول أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يضطجع لسنة ولكنه كان يدأب ليلته
فيستريح في إسناده راو لم يسم و قيل أن فائدتها الفصل بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح و على هذا
فلا اختصاص و من ثم قال الشافعي تتأدى السنة بكل ما يحصل به الفصل من مشى و كلام و غيره
حكاه البيهقي و قال النووي المختار أنه سنة لظاهر حديث أبي هريرة و قد قال أبو هريرة راوي
الحديث أن الفصل بالمشي إلى المسجد لا يكفي و أفرط ابن حزم فقال يجب على كل أحد و جعله
شرطا لصحة صلاة الصبح ورده عليه العلماء بعده حتى طعن ابن تيمية و من تبعه في صحة الحديث
لتفرد عبد الواحد بن زياد به و في حفظه مقال و الحق أنه تقوم به الحجة و من ذهب إلى أن المراد به
الفصل لا يتقيد بالأيمن و من أطلق قال يختص ذلك بالقادر و أما غيره فهل يسقط الطلب أو يومى
بالاضطجاع أو يضطجع على الأيسر لم اقف فيه على نقل الا أن ابن حزم قال يومى و لا يضطجع
على الأيسر أصلا و يحمل الأمر به على الندب كما سيأتي في الباب الذي بعده و ذهب بعض السلف
إلى استحبابها في البيت دون المسجد و هو محكى عن ابن عمر و قواه بعض شيوخنا بأنه لم ينقل عن
النبي صلى الله عليه و سلم أنه فعله في المسجد و صح عن ابن عمر أنه كان يحصب من يفعله في المسجد
أخرجه ابن أبي شيبة (قوله كان إذا صلى ركعتي الفجر) و سنذكر مستند ذلك في الباب الذي
بعده (قوله حدثني وإلا اضطجع) ظاهره أنه كان يضطجع إذا لم يحدثها و إذا حدثها لم يضطجع
و إلى هذا جنح المصنف في الترجمة و كذا ترجم له ابن خزيمة الرخصة في ترك الاضطجاع بعد ركعتي
الفجر و يعكر على ذلك ما وقع عند أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن أبي النضر في هذا
الحديث كان يصلي من الليل فإذا فرغ من صلاته اضطجع فإن كنت يقظى تحدث معي و أن
كنت نائمة نام حتى يأتيه المؤذن فقد يقال أنه كان يضطجع على كل حال فأما أن يحدثها و أما أن
ينام لكن المراد بقولها نام أي اضطجع و بينه ما أخرجه المصنف قبل أبواب التهجد من رواية
مالك عن أبي النضر و عبد الله بن يزيد جميعا عن أبي سلمة بلفظ فإن كنت يقظى تحدث معي و أن
كنت نائمة اضطجع (قوله حتى يؤذن) بضم أوله و فتح المعجمة الثقيلة و في رواية الكشميهني حتى
نودي و استدل به على عدم استحباب الضجعة ورد بأنه لا يلزم من كونه ربما تركها عدم الاستحباب
بل يدل تركه لها أحيانا على عدم الوجوب كما تقدم أول الباب * (تنبيه) * تقدم في أول أبواب
الوتر في حديث ابن عباس أن اضطجاعه صلى الله عليه و سلم وقع بعد الوتر قبل صلاة الفجر
و لا يعارض ذلك حديث عائشة لأن المراد به نومه صلى الله عليه و سلم بين صلاة الليل و صلاة
الفجر و غايته أنه تلك الليلة لم يضطجع بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح فيستفاد منه عدم الوجوب
أيضا و أما ما رواه مسلم من طريق مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أنه صلى الله عليه و سلم
اضطجع بعد الوتر فقد خالفه أصحاب الزهري عن عروة فذكروا الاضطجاع بعد الفجر و هو
36

المحفوظ و لم يصب من احتج به على ترك استحباب الاضطجاع و الله أعلم (قوله باب
الحديث بعد ركعتي الفجر) أعاد فيه الحديث المذكور و لفظه كان يصلي ركعتين و في آخره
قلت لسفيان فإن بعضهم يرويه ركعتي الفجر قال سفيان هو ذاك و القائل قلت لسفيان هو
علي بن المديني شيخ البخاري فيه و مراده بقوله بعضهم مالك كذا أخرجه الدارقطني من طريق
بشر بن عمر عن مالك أنه سأله عن الرجل يتكلم بعد طلوع الفجر فحدثني عن سالم فذكره و قد
أخرجه ابن خزيمة عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن ابن عيينة بلفظ كان يصلي ركعتي الفجر
و استدل به على جواز الكلام بين صلاة الفجر و صلاة الصبح خلافا لمن كره ذلك و قد نقله ابن أبي
شيبة عن ابن مسعود و لا يثبت عنه و أخرجه صحيحا عن إبراهيم و أبي الشعثاء و غيرهما * (تنبيه) *
وقع هنا في بعض النسخ عن سفيان قال سالم أبو النضر حدثني أبي و قوله أبي زيادة لا أصل لها
بل هي غلط محض حمل عليها تقديم الاسم على الصفة فظن بعض من لا خبرة له أن فاعل حدثني راو
غير سالم فزاد في السند لفظ أبي و قد تقدم الحديث بهذا السند قريبا عن بشر بن الحكم عن
سفيان عن أبي النضر عن أبي سلمة ليس بينهما أحد و كذا في الذي قبله من رواية مالك عن أبي
النضر عن أبي سلمة و قد أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا أبو النضر عن أبي سلمة
و ليس لوالد أبي النضر مع ذلك رواية أصلا لا في الصحيح و لا في غيره فمن زادها فقد أخطأ و بالله
التوفيق (قوله باب تعاهد ركعتي الفجر و من سماهما) في رواية الحموي و المستملي
و من سماها أي سنة الفجر (قوله تطوعا) أورده في الباب بلفظ النوافل و أشار بلفظ التطوع
إلى ما ورد في بعض طرقه ففي رواية أبي عاصم عن أبي جريج عند البيهقي قلت لعطاء أواجبة ركعتا
الفجر أو هي من التطوع فقال حدثني عبيد بن عمير فذكر الحديث و جاء عن عائشة أيضا تسميتها
تطوعا من وجه آخر فعند مسلم من طريق عبيد الله بن شقيق سألت عائشة عن تطوع النبي صلى
الله عليه و سلم فذكر الحديث و فيه و كان إذا طلع الفجر صلى ركعتين (قوله بيان) بفتح الموحدة
و التحتانية الخفيفة و يحيى بن سعيد هو القطان (قوله عن عطاء) في رواية مسلم عن زهير بن حرب
عن يحيى عن ابن جريج حدثني عطاء (قوله عن عبيد بن عمير) في رواية ابن خزيمة عن يحيى بن حكيم
عن يحيى بن سعيد بسنده أخبرني عبيد بن عمير (قوله أشد تعاهدا) في رواية ابن خزيمة أشد
معاهدة و لمسلم من طريق حفص عن ابن جريج ما رأيته إلى شئ من الخير أسرع منه إلى الركعتين
قبل الفجر زاد ابن خزيمة من هذا الوجه و لا إلى غنيمة (قوله باب ما يقرأ في ركعتي
الفجر) هو بضم يقرأ على البناء للمجهول (قوله ثلاث عشرة ركعه) مخالف لما مضى قريبا من
طريق أبي سلمة عن عائشة لم يكن يزيد على إحدى عشرة و قد تقدم طريق الجمع بينهما هناك
(قوله خفيفتين) قال الإسماعيلي كان حق هذه الترجمة أن تكون تخفيف ركعتي الفجر (قلت)
و لما ترجم به المصنف وجه وجيه و هو أنه أشار إلى خلاف من زعم أنه لا يقرأ في ركعتي الفجر
أصلا و هو قول محكي عن أبي بكر الأصم و إبراهيم بن علية فنبه على أنه لا بد من القراءة و لو وصفت
الصلاة بكونها خفيفة فكأنها أرادت قراءة الفاتحة فقط مسرعا أو قرأها مع شئ يسير غيرها
واقتصر على ذلك لأنه لم يثبت عنده على شرطه تعيين ما يقرأ به فيهما و سنذكر ما ورد من ذلك بعد
و اختلف في حكمة تخفيفها فقيل ليبادر إلى صلاة الصبح في أول الوقت و به جزم القرطبي
37

و قيل ليستفتح صلاة النهار بركعتين خفيفتين كما كان يصنع في صلاة الليل ليدخل في الفرض أو
ما شابهه في الفضل بنشاط و استعداد تام و الله أعلم (قوله عن محمد بن عبد الرحمن) أي ابن محمد بن
عبد الرحمن بن سعد بن زرارة و يقال اسم جده عبد الله و قوله عن عمته عمرة هي بنت عبد الرحمن بن
سعد بن زرارة و على هذا فهي عمة أبيه و زعم ابن مسعود و تبعه الحميدي أنه محمد بن عبد الرحمن
ابن حارثة بن النعمان الأنصاري أبو الرجال و وهمه الخطيب في ذلك و قال أن شعبة لم يرو عن أبي
الرجال شيئا و يؤيد ذلك أن عمرة أم أبي الرجال لا عمته و قد رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة
فقال عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة و وهموه فيه أيضا و يحتمل أن كان حفظه أن
يكون لشعبة فيه شيخان (قوله ح و حدثنا أحمد بن يونس) في رواية أبي ذر قال و حدثنا و فاعل
قال هو المصنف أبو عبد الله البخاري و زهير هو بن معاوية الجعفي (قوله حدثنا يحيى) هو ابن
سعيد كذا في الأصل و هو الأنصاري (قوله عن محمد بن عبد الرحمن) كذا في الأصل غير منسوب
و الظاهر أنه هو الذي قبله و هو ابن أخي عمرة و بذلك جزم أبو الأحوص عن يحيى بن سعيد عند
الإسماعيلي و تابعه آخرون عن يحيى و ذكر الدارقطني في العلل ان سليمان بن بلال رواه عن
يحيى بن سعيد قال حدثني أبو الرجال و كذا رواه عبد العزيز بن مسلم و معاوية بن صالح عن
يحيى بن محمد بن عمرة و هو أبو الرجال و قد تقدم أنه محمد بن عبد الرحمن فيحتمل أن يكون ليحيى
فيه شيخان لكن رجح الدارقطني الأول و حكى فيه اختلافات أخرى عن يحيى موهمة و قد رواه
مالك عن يحيى بن سعيد عن عائشة فاسقط من الإسناد اثنين (قوله هل قرأ بأم الكتاب) في
رواية الحموي بأم القرآن زاد مالك في الرواية المذكورة أم لا * (تنبيه) * ساق البخاري المتن
على لفظ يحيى بن سعيد و أما لفظ شعبة فأخرجه أحمد عن محمد بن جعفر شيخ البخاري فيه بلفظ إذا
طلع الفجر صلى ركعتين أو لم يصل الا ركعتين أقول لم يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب و كذا رواه مسلم
من طريق معاذ عن شعبة لكن لم يقل أو لم يصل الا ركعتين ورواه أحمد أيضا عن يحيى القطان
عن شعبة بلفظ كان إذا طلع الفجر لم يصل الا ركعتين فأقول هل قرأ فيهما بفاتحة الكتاب و قد
تمسك به من رغم أنه لا قراءة في ركعتي الفجر أصلا و تعقب بما ثبت في الأحاديث الآتية قال
القرطبي ليس معنى هذا أنها شكت في قراءته صلى الله عليه و سلم الفاتحة و إنما معناه أنه كان
يطيل في النوافل فلما خفف في قراءة ركعتي الفجر صار كأنه لم يقرأ بالنسبة إلى غيرها من الصلوات
(قلت) و في تخصيصها أم القرآن بالذكر إشارة إلى مواظبته لقراءتها في غيرها من صلاته و قد روى
ابن ماجة بإسناد قوي عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم
يصلي ركعتين قبل الفجر و كان يقول نعم السورتان يقرأ بهما في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون
و قل هو الله أحد و لابن أبي شبية من طريق محمد بن سيرين عن عائشة كان يقرأ فيهما بهما و لمسلم
من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه و سلم قرأ فيهما بهما و للترمذي و النسائي من حديث
ابن عمر رمقت النبي صلى الله عليه و سلم شهرا فكان يقرأ فيهما بهما و للترمذي من حديث ابن
مسعود مثله بغير تقييد و كذا للبزار عن أنس و لابن حبان عن جابر ما يدل على الترغيب في
قراءتهما فيهما و استدل بحديث الباب على أنه لا يزيد فيهما على أم القرآن و هو قول مالك و في
38

البويطي عن الشافعي استحباب قراءة السورتين المذكورتين فيهما مع الفاتحة عملا بالحديث
المذكور و بذلك قال الجمهور و قالوا معنى قول عائشة هل قرأ فيهما بأم القرآن أي مقتصرا
عليها أو ضم إليها غيرها و ذلك لاسراعه بقراءتها و كان من عادته أن يرتل السورة حتى تكون
أطول من أطول منها كما تقدمت الإشارة إليه و ذهب بعضهم إلى إطالة القراءة فيهما و هو قول
أكثر الحنفية و نقل عن النخعي و أورد البيهقي فيه حديثا مرفوعا من مرسل سعيد بن جبير و في
سنده راو لم يسم و خص بعضهم ذلك بمن فاته شئ من قراءته في صلاة الليل فيستدركها في ركعتي
الفجر و نقل ذلك عن أبي حنيفة وأخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الحسن البصري و استدل
به على الجهر بالقراءة في ركعتي الفجر و لا حجة فيه لاحتمال أن يكون ذلك عرف بقراءته بعض
السورة كما تقدم في صفة الصلاة من حديث أبي قتادة في صلاة الظهر يسمعنا الآية أحيانا و يدل
على ذلك أن في رواية ابن سيرين المذكورة يسر فيهما القراءة و قد صححه بن عبد البر و استدل
بالأحاديث المذكورة على أنه لا يتعين قراءة الفاتحة في الصلاة لأنه لم يذكرها مع سورتي
الإخلاص و روى مسلم من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في ركعتي الفجر
قولوا أمنا بالله التي في البقرة و في الأخرى التي في آل عمران و أجيب بأنه ترك ذكر الفاتحة لوضوح
الأمر فيها و يؤيده أن قول عائشة لا أدري أقرأ الفاتحة أم لا فدل على أن الفاتحة كان مقررا
عندهم أنه لا بد من قراءتها و الله أعلم * (تنبيه) * هذه الأبواب الستة المتعلقة بركعتي الفجر وقع
في أكثر الأصول الفصل بينها بالباب الآتي بعد و هو باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى و الصواب
ما وقع في بعض الأصول من تأخيره عنها و ايرادها يتلو بعضها بعضا قال ابن رشيد الظاهر
أن ذلك وقع من بعض الرواة عند ضم بعض الأبواب إلى بعض و يدل على ذلك أنه أتبع هذا
الباب بقوله باب الحديث بعد ركعتي الفجر كالمبين للحديث الذي ادخل تحت قوله باب من
تحدث بعد الركعتين إذ المراد بهما ركعتا الفجر و بهذا تتبين فائدة إعادة الحديث انتهى
و انما ضم المصنف ركعتي الفجر
إلى التهجد لقربها منه كما ورد أن المغرب وتر النهار و إنما المغرب
في التحقيق من صلاة الليل كما أن الفجر في الشرع من صلاة النهار و الله أعلم (قوله باب
ما جاء في التطوع مثنى مثنى) أي في صلاة الليل و النهار قال ابن رشيد مقصوده أن يبين
بالأحاديث و الآثار التي أوردها أن المراد بقوله في الحديث مثنى مثنى أن يسلم من كل ثنتين
(قوله قال محمد) هو المصنف (قوله ويذكر ذلك عن عمار و أبي ذر و أنس و جابر بن زيد و عكرمة
و الزهري) أما عمار فكأنه أشار إلى ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
عن عمار بن ياسر أنه دخل المسجد فصلى ركعتين خفيفتين إسناده حسن وأما أبو ذر فكأنه أشار
إلى ما رواه ابن أبي شيبة أيضا من طريق مالك بن أوس عن أبي ذر أنه دخل المسجد فأتى سارية
و صلى عندها ركعتين و أما أنس فكأنه أشار إلى حديثه المشهور في صلاة النبي صلى الله عليه
و سلم بهم في بيتهم ركعتين و قد تقدم في الصفوف و ذكره في هذا الباب مختصرا و أما جابر بن زيد
و هو أبو الشعثاء البصري فلم اقف عليه بعد و أما عكرمة فروى ابن أبي شيبة عن حرمي بن عمارة
عن أبي خلده قال رأيت عكرمة دخل المسجد فصلى فيه ركعتين و أما الزهري فلم اقف على ذلك
39

عنه موصولا (قوله وقال يحيى بن سعيد الأنصاري الخ) لم اقف عليه موصولا أيضا (قوله فقهاء
أرضنا) أي المدينة و قد أدرك كبار التابعين بها كسعيد بن المسيب و لحق قليلا من صغار الصحابة
كانس بن مالك ثم أورد المصنف في الباب ثمانية أحاديث مرفوعه ستة منها موصولة واثنان
معلقان أولها حديث جابر في صلاة الاستخارة و سيأتي الكلام عليه في الدعوات ثانيها حديث
أبي قتادة في تحية المسجد و قد تقدم الكلام عنه في أوائل الصلاة ثالثها حديث أنس في صلاة
النبي صلى الله عليه و سلم في بيت أم سليم و قد تقدم في الصفوف رابعها حديث ابن عمر في
رواتب الفرائض و سيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه خامسها حديث جابر في صلاة التحية
و الأمام يخطب و سبق الكلام عليه في كتاب الجمعة سادسها حديث ابن عمر عن بلال في صلاة
النبي صلى الله عليه و سلم في الكعبة و قد تقدم في أبواب القبلة و سيأتي الكلام عليه في الحج سابعها
قوله و قال أبو هريرة أوصاني النبي صلى الله عليه و سلم بركعتي الضحى هذا طرف من حديث
سيأتي في كتاب الصيام بتمامه ثامنها قوله و قال عتبان بن مالك هو طرف من حديث تقدم
في مواضع مطولا و مختصرا منها في باب المساجد في البيوت و سيأتي قريبا في باب صلاة النوافل
جماعة و مراد المصنف بهذه الأحاديث الرد على من زعم أن التطوع في النهار يكون أربعا
موصوله و اختار الجمهور التسليم من كل ركعتين في صلاة الليل و النهار و قال أبو حنيفة و صاحباه
يخير في صلاة النهار بين الثنتين و الأربع و كرهوا الزيادة على ذلك و قد تقدم في أوائل أبواب الوتر
حكاية استدلال من استدل بقوله صلى الله عليه و سلم صلاة الليل مثنى على أن صلاة النهار بخلاف
ذلك و قال ابن المنير في الحاشية إنما خص الليل بذلك لأن فيه الوتر فلا يقاس على الوتر غيره
فيتنفل المصلي الليل أوتارا فبين أن الوتر لا يعاد وأن بقية صلاة الليل مثنى و إذا ظهرت فائدة
تخصيص الليل صار حاصل الكلام صلاة النافلة سوى الوتر مثنى فيعم الليل و النهار و الله أعلم
40

* (خاتمه) * اشتملت أبواب التهجد وما انضم إليها على ستة و ستين حديثا المعلق اثنا عشر حديثا
و البقية موصولة المكرر منها فيه و فيما مضى ثلاثة و أربعون حديثا و الخالص ثلاثة و عشرون
وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة في صلاة الليل سبع و تسع و إحدى عشرة و حديث
أنس كان يفطر حتى تظن أن لا يصوم و حديث سمره في الرؤيا و حديث سلمان و أبي الدرداء
و حديث عبادة من تعار من الليل و حديث أبي هريرة في شعر ابن رواحة و حديث جابر
في الاستخارة و فيه من الآثار عن الصحابة و التابعين عشرة آثار و الله أعلم
* (أبواب التطوع) *
لم يفرد المصنف هذه الترجمة فيما وقفت عليه من الأصول (قوله باب التطوع
بعد المكتوبة) ترجم أولا بما بعد المكتوبة ثم ترجم بعد ذلك بما قبل المكتوبة (قوله صليت مع
النبي صلى الله عليه و سلم سجدتين) أي ركعتين و المراد بقوله مع التبعية أي إنهما اشتركا في كون
كل منهما صلاة الا التجميع فلا حجة فيه لمن قال يجمع في رواتب الفرائض و سيأتي بعد أربعة
أبواب من رواية أيوب عن نافع عن ابن عمر قال حفظت من النبي صلى الله عليه و سلم عشر ركعات
فذكرها (قوله قبل الظهر) سيأتي الكلام عليه بعد أربعة أبواب (قوله فأما المغرب و العشاء
ففي بيته) استدل به على أن فعل النوافل الليلية في البيوت أفضل من المسجد بخلاف رواتب
النهار و حكى ذلك عن مالك و الثوري و في الاستدلال به لذلك نظر و الظاهر أن ذلك لم يقع عن
عمد و إنما كان صلى الله عليه و سلم يتشاغل بالناس في النهار غالبا و بالليل يكون في بيته غالبا
و تقدم في الجمعة من طريق مالك عن نافع بلفظ و كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف و الحكمة
في ذلك أنه كان يبادر إلى الجمعة ثم ينصرف إلى القائلة بخلاف الظهر فإنه كان يبرد بها و كان يقيل
قبلها و أغرب ابن أبي ليلى فقال لا تجزئ سنة المغرب في المسجد حكاه عبد الله بن أحمد عنه
عقب روايته لحديث محمود بن لبيد رفعه أن الركعتين بعد المغرب من صلاة البيوت و قال أنه
حكى ذلك لأبيه عن ابن أبي ليلى فاستحسنه (قوله وحدثتني أختي حفصة) أي بنت عمر و قائل
ذلك هو عبد الله بن عمر (قوله سجدتين) في رواية الكشميهني ركعتين (قوله و كانت ساعة) قائل
ذلك هو ابن عمر و سيأتي من رواية أيوب بلفظ ركعتين قبل صلاة الصبح و كانت ساعة لا ادخل
على النبي صلى الله عليه و سلم فيها و حدثتني حفصة أنه كان إذا إذن المؤذن و طلع الفجر صلى
ركعتين و هذا يدل على أنه إنما أخذ عن حفصة وقت إيقاع الركعتين قبل الصبح لا أصل
مشروعيتهما و قد تقدم في أواخر الجمعة من رواية مالك عن نافع و وليس فيه ذكر الركعتين
اللتين قبل الصبح أصلا (قوله و قال ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن نافع) أي عن ابن عمر
(بعد العشاء في أهله) أي بدل قوله في بيته (قوله تابعه كثير بن فرقد وأيوب عن نافع) أما
رواية كثير فلم تقع لي موصولة و أما رواية أيوب فتقدمت الإشارة إليها قريبا و فيه حجة لمن
ذهب إلى أن للفرائض رواتب تستحب المواظبة عليها و هو قول الجمهور و ذهب مالك في المشهور
عنه إلى أنه لا توقيت في ذلك حماية للفراض لكن لا يمنع من تطوع بما شاء إذا أمن ذلك و ذهب
العراقيون من أصحابه إلى موافقة الجمهور (قوله باب من لم يتطوع بعد المكتوبة)
41

أورد فيه حديث ابن عباس في الجمع بين الصلاتين و قد تقدم الكلام عليه في المواقيت و مطابقته
للترجمة أن الجمع يقتضي عدم التخلل بين الصلاتين بصلاة راتبه أو غيرها فيدل على ترك
التطوع بعد الأولى و هو المراد و أما التطوع بعد الثانية فمسكوت عنه و كذا التطوع قبل الأولى محتمل
(قوله باب صلاة الضحى في السفر) ذكر فيه حديث مورق قلت لابن عمر أتصلي
الضحى قال لا قلت فعمر قال لا قلت فأبو بكر قال لا قلت فالنبي صلى الله عليه و سلم قال لا أخاله
و حديث أم هانئ في صلاة الضحى يوم فتح مكة و قد أشكل دخول هذا الحديث في هذه الترجمة
و قال ابن بطال ليس هو من هذا الباب و إنما يصلح في باب من لم يصل الضحى و أظنه من غلط الناسخ
و قال ابن المنير الذي يظهر لي أن البخاري لما تعارضت عنده الأحاديث نفيا كحديث ابن عمر هذا
و اثباتا كحديث أبي هريرة في الوصية له أن يصلي الضحى نزل حديث النفي على السفر و حديث
الاثبات على الحضر و يؤيد ذلك أنه ترجم لحديث أبي هريرة صلاة الضحى في الحضر و تقدم عن
ابن عمر أنه كان يقول لو كنت مسبحا لأتممت في السفر و أما حديث أم هانئ ففيه إشارة إلى أنها
تصلي في السفر بحسب السهولة لفعلها و قال بن رشيد ليس حديث أبي هريرة التصريح
بالحضر لكن استند ابن المنير إلى قوله فيه ونم على وتر فإنه يفهم منه كون ذلك في الحضر لأن
المسافر غالب حالة الاستيفاز و سهر الليل فلا يفتقر لايصاء أن لا ينام الا على وتر و كذا الترغيب
في صيام ثلاثة أيام قال ابن رشيد و الذي يظهر لي أن المراد باب صلاة الضحى في السفر نفيا و اثباتا
و حديث ابن عمر ظاهره نفى ذلك حضرا و سفرا و أقل ما يحمل عليه نفى ذلك في السفر لما تقدم في
باب من لم يتطوع في السفر عن ابن عمر قال صحبت النبي صلى الله عليه و سلم فكان لا يزيد على
ركعتين قال و يحتمل أن يقال لما نفى صلاتها مطلقا من غير تقييد بحضر و لا بسفر و أقل ما يتحقق
حمل اللفظ عليه السفر و يبعد حمله على الحضر دون السفر فحمل على السفر لأنه المناسب
للتخفيف لما عرف من عادة ابن عمر أنه كان لا يتنفل في السفر نهارا قال و أورد حديث أم هانئ
ليبين أنها إذا كانت في السفر حال طمأنينة تشبه حالة الحضر كالحلول بالبلد شرعت الضحى و إلا
فلا (قلت) و يظهر لي أيضا أن البخاري أشار بالترجمة المذكورة إلى ما رواه أحمد من طريق
الضحاك بن عبد الله القرشي عن أنس بن مالك قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم
صلى في السفر سبحة الضحى ثمان ركعات فأراد أن تردد ابن عمر في كونه صلاها أو لا لا يقتضي رد ما
جزم به أنس بل يؤيده حديث أم هانئ في ذلك و حديث أنس المذكور صححه ابن خزيمة و الحاكم
(قوله عن توبة) بمثناة مفتوحه و واو ساكنه ثم موحدة مفتوحة و هو ابن كيسان العنبري
البصري تابعي صغير ما له عند البخاري سوى هذا الحديث و حديث آخر (قوله عن مورق) بفتح
الواو وكسر الراء الثقيلة و في رواية غندر عن شعبة عند الإسماعيلي سمعت مورقا العجلي و هو
بصري ثقة و كذا من دونه في الإسناد و ليس لمورق في البخاري عن ابن عمر سوى هذا الحديث
(قوله لا أخاله) بكسر الهمزة وتفتح أيضا و الخاء معجمه أي لا أظنه و كان سبب توقف ابن عمر في ذلك
أنه بلغه عن غيره أنه صلاها و لم يثق بذلك عمن ذكره و قد جاء عنه الجزم بكونها محدثة فروى سعيد
ابن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر أنه قال أنها محدثة و إنها لمن أحسن ما أحدثوا
و سيأتي في أول أبواب العمرة من وجه آخر عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد
42

فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة و إذا ناس يصلون الضحى فسألناه عن صلاتهم فقال
بدعة و روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج عن الأعرج قال سألت ابن عمر عن
صلاة الضحى فقال بدعة و نعمت البدعة و روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سالم عن أبيه قال لقد
قتل عثمان و ما أحد يسبحها و ما أحدث الناس شيئا أحب إلي منها و روى ابن أبي شيبة بإسناد
صحيح عن الشعبي عن ابن عمر قال ما صليت الضحى منذ أسلمت الا أن أطوف بالبيت أي فأصلي في
ذلك الوقت لا على نية صلاة الضحى بل على نية الطواف و يحتمل أنه كان ينويهما معا و قد جاء عن
ابن عمر أنه كان يفعل ذلك في وقت خاص كما سيأتي بعد سبعة أبواب من طريق نافع أن ابن عمر كان
لا يصلي الضحى الا يوم يقدم مكة فإنه كان يقدمها ضحى فيطوف بالبيت ثم يصلي ركعتين و يوم
يأتي مسجد قباء و روى ابن خزيمة من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر كان النبي صلى الله عليه و سلم
لا يصلي الضحى الا أن يقدم من غيبة فأما مسجد قباء فقال سعيد بن منصور حدثنا ابن عيينة عن
عبد الله بن دينار أن ابن عمر كان لا يصلي الضحى الا أن يأتي قباء و هذا يحتمل أيضا أن يريد به صلاة
تحيه المسجد في وقت الضحى لا صلاة الضحى و يحتمل أن يكون ينويهما معا كما قلناه في
الطواف و في الجملة ليس في أحاديث ابن عمر هذه ما يدفع مشروعية صلاة الضحى لأن نفيه محمول
على عدم رؤيته لا على عدم الوقوع في نفس الأمر أو الذي نفاه صفة مخصوصة كما سيأتي نحوه في
الكلام على حديث عائشة قال عياض و غيره إنما أنكر ابن عمر ملازمتها و اظهارها في المساجد
و صلاتها جماعة لا أنها مخالفه للسنة و يؤيده ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه رأى قوما
يصلونها فأنكر عليهم و قال أن كان و لا بد ففي بيوتكم (قوله ما حدثنا أحد) في رواية ابن أبي شيبة
من وجه آخر عن ابن أبي ليلى أدركت الناس وهم متوافرون فلم يخبرني أحد أن النبي
صلى الله عليه و سلم صلى الضحى الا أم هانئ و لمسلم من طريق عبد الله بن الحارث الهاشمي
قال سألت و حرصت على أن أجد أحدا من الناس يخبرني أن النبي صلى الله عليه و سلم سبح سبحة
الضحى فلم أجد غير أم هانئ بنت أبي طالب حدثتني فذكر الحديث و عبد الله بن الحارث هذا هو
ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب مذكور في الصحابة لكونه ولد على عهد النبي صلى الله عليه
و سلم و بين بن ماجة في روايته وقت سؤال عبد الله بن الحارث عن ذلك و لفظه سألت في زمن
عثمان و الناس متوافرون (قوله غير) بالرفع لأنه بدل من قوله أحد (قوله أم هانئ) هي بنت
أبي طالب أخت على شقيقته و ليس لها في البخاري سوى هذا و حديث آخر تقدم في الطهارة
(قوله دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى) ظاهره أن الاغتسال وقع في بيتها و وقع في الموطأ
و مسلم من طريق أبي مرة عن أم هانئ أنها ذهبت إلى النبي صلى الله عليه و سلم و هو بأعلى مكة
فوجدته يغتسل و جمع بينهما بان ذلك تكرر منه و يؤيده ما رواه ابن خزيمة من طريق مجاهد
عن أم هانئ و فيه أن أبا ذر ستره لما اغتسل و أن في رواية أبي مرة عنها أن فاطمة بنته هي التي سترته
و يحتمل أن يكون نزل في بيتها بأعلى مكة و كانت هي في بيت آخر بمكة فجاءت إليه فوجدته
يغتسل فيصح القولان و أما الستر فيحتمل أن يكون أحدهما ستره في ابتداء الغسل و الآخر
في أثنائه و الله أعلم (قوله ثمان ركعات) زاد كريب عن أم هانئ فسلم من كل ركعتين أخرجه ابن
خزيمة و فيه رد على من تمسك به في صلاتها موصولة سواء صلى ثمان ركعات أو أقل و في الطبراني
43

من حديث ابن أبي أوفى أنه صلى الضحى ركعتين فسألته امرأته فقال أن النبي صلى الله عليه
و سلم صلى يوم الفتح ركعتين و هو محمول على أنه رأى من صلاة النبي صلى الله عليه و سلم ركعتين
و رأت أم هانئ بقية الثمان و هذا يقوي أنه صلاها مفصولة و الله أعلم (قوله فلم أر صلاة قط
أخف منها) يعني من صلاة النبي صلى الله عليه و سلم و قد تقدم في أواخر أبواب التقصير بلفظ
فما رايته صلى صلاة قط أخف منها و في رواية عبد الله بن الحارث المذكورة لا أدري أقيامه فيها
أطول أم ركوعه أم سجوده كل ذلك متقارب و استدل به على استحباب تخفيف صلاة الضحى
و فيه نظر لاحتمال أن يكون السبب فيه التفرغ لمهمات الفتح لكثرة شغله به و قد ثبت من فعله
صلى الله عليه و سلم أنه صلى الضحى فطول فيها أخرجه ابن أبي شيبة من حديث حذيفة و استدل
بهذا الحديث على اثبات سنة الضحى و حكى عياض عن قوم أنه ليس في حديث أم هانئ دلالة
على ذلك قالوا و إنما هي سنة الفتح و قد صلاها خالد بن الوليد في بعض فتوحه كذلك و قال
عياض أيضا ليس حديث أم هانئ بظاهر في أنه قصد صلى الله عليه و سلم بها سنة الضحى و إنما
فيه أنها أخبرت عن وقت صلاته فقط و قد قيل أنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك الليلة من
حزبه فيه و تعقبه النووي بان الصواب صحة الاستدلال به لما رواه أبو داود و غيره من طريق
كريب عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى سبحة الضحى و لمسلم في كتاب الطهارة من
طريق أبي مرة عن أم هانئ في قصة اغتساله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح ثم صلى ثمان ركعات
سبحة الضحى و روى ابن عبد البر في التمهيد من طريق عكرمة بن خالد عن أم هانئ قالت قدم
رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة فصلى ثمان ركعات فقلت ما هذه قال هذه صلاة الضحى
و استدل به على أن أكثر صلاة الضحى ثمان ركعات و استبعده السبكي و وجه بان الأصل في العبادة
التوقف و هذا أكثر ما ورد في ذلك من فعله صلى الله عليه و سلم و قد ورد من فعله دون ذلك كحديث
ابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الضحى ركعتين أخرجه ابن عدي و سيأتي من
حديث عتبان قريبا مثله و حديث عائشة عند مسلم كان يصلي الضحى أربعا و حديث جابر عند
الطبراني في الأوسط أنه صلى الله عليه و سلم صلى الضحى ست ركعات و أما ما ورد من قوله صلى الله
عليه و سلم ففيه زيادة على ذلك كحديث أنس مرفوعا من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له
قصرا في الجنة أخرجه الترمذي و استغر به و ليس في إسناده من أطلق عليه الضعف و عند
الطبراني من حديث أبي الدرداء مرفوعا من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين و من
صلى أربعا كتب من التائبين و من صلى ستا كفى ذلك اليوم و من صلى ثمانيا كتب من
العابدين و من صلى ثنتي عشرة بني الله له بيتا في الجنة و في إسناده ضعف أيضا و له شاهد من
حديث أبي ذر رواه البزار و في إسناده ضعف أيضا و من ثم قال الروياني و من تبعه أكثرها
ثنتا عشرة و قال النووي في شرح المهذب فيه حديث ضعيف كأنه يشير إلى حديث أنس لكن
إذا ضم إليه حديث أبي ذر و أبي الدرداء قوي و صلح للاحتجاج به و نقل الترمذي عن أحمد
أن أصح شئ ورد في الباب حديث أم هانئ و هو كما قال و لهذا قال النووي في الروضة أفضلها
ثمان و أكثرها ثنتا عشرة ففرق بني الأكثر و الأفضل و لا يتصور ذلك الا فيمن صلى الاثنتي عشرة
بتسليمة واحدة فإنها تقع نفلا مطلقا عند من يقول أن أكثر سنة الضحى ثمان ركعات فأما من فصل
44

فإنه يكون صلى الضحى و ما زاد على الثمان يكون له نفلا مطلقا فتكون صلاته اثنتي عشرة في حقه
أفضل من ثمان لكونه أتى بالأفضل و زاد و قد ذهب قوم منهم أبو جعفر الطبري و به جزم الحليمي
و الروياني من الشافعية إلى أنه لا حد لأكثرها و روى من طريق إبراهيم النخعي قال سأل رجل
الأسود بن يزيد كم أصلي الضحى قال كم شئت و في حديث عائشة عند مسلم كان يصلي الضحى أربعا
و يزيد ما شاء الله و هذا الإطلاق قد يحمل على التقييد فيؤكد أن أكثرها اثنتا عشرة ركعه و الله
أعلم و ذهب آخرون إلى أن أفضلها أربع ركعات فحكى الحاكم في كتابه المفرد في صلاة الضحى عن
جماعة من أئمة الحديث إنهم كانوا يختارون أن تصلي الضحى أربعا لكثرة الأحاديث الواردة في
ذلك كحديث أبي الدرداء و أبي ذر عند الترمذي مرفوعا عن الله تعالى ابن آدم اركع لي أربع
ركعات من أول النهار أكفك آخره و حديث نعيم بن حماد عند النسائي و حديث أبي امامه
و عبد الله بن عمرو و النواس بن سمعان كلهم بنحوه عند الطبراني و حديث عقبة بن عامر و أبي
مرة الطائفي كلاهما عند أحمد بنحوه و حديث عائشة عند مسلم كما تقدم و حديث أبي موسى
رفعه من صلى الضحى أربعا بنى الله له بيتا في الجنة أخرجه الطبراني في الأوسط و حديث أبي أمامة
مرفوعا أتدرون قوله تعالى و إبراهيم الذي وفى قال و في عمل يومه بأربع ركعات الضحى أخرجه
الحاكم و جمع بن القيم في الهدى الأقوال في صلاة الضحى فبلغت ستة الأول مستحبة
و اختلف في عددها فقيل أقلها ركعتان و أكثرها اثنتا عشرة و قيل أكثرها ثمان و قيل كالأول
لكن لا تشرع ستا و لا عشرا و قيل كالثاني لكن لا تشرع ستا و قيل ركعتان فقط و قيل أربع
فقط و قيل لأحد لأكثرها القول الثاني لا تشرع الا لسبب و احتجوا بأنه صلى الله عليه و سلم
لم يفعلها الا بسبب و اتفق وقوعها وقت الضحى و تعددت الأسباب فحديث أم هانئ في صلاته
يوم الفتح كان بسبب الفتح و أن سنة الفتح أن يصلي ثمان ركعات و نقله الطبري من فعل خالد بن
الوليد لما فتح الحيرة و في حديث عبد الله بن أبي أوفى أنه صلى الله عليه و سلم صلى الضحى حين بشر
برأس أبي جهل و هذه صلاة شكر كصلاته يوم الفتح و صلاته في بيت عتبان إجابة لسؤاله أن
يصلي في بيته مكانا يتخذه مصلى فاتفق أنه جاءه وقت الضحى فاختصره الراوي فقال صلى في بيته
الضحى و كذلك حديث بنحو قصة عتبان مختصرا قال أنس ما رايته صلى الضحى لا يومئذ
و حديث عائشة لم يكن يصلي الضحى الا أن يجئ من مغيبه لأنه كان ينهى عن الطروق ليلا فيقدم
في أول النهار فيبدأ بالمسجد فيصلي وقت الضحى القول الثالث لا تستحب أصلا وصح عن عبد
الرحمن بن عوف أنه لم يصلها و كذلك ابن مسعود القول الرابع يستحب فعلها تارة و تركها
تارة بحيث لا يواظب عليها و هذه إحدى الروايتين عن أحمد و الحجة فيه حديث أبي سعيد كان
النبي صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها و يدعها حتى نقول لا يصليها أخرجه
الحاكم و عن عكرمة كان ابن عباس يصليها عشرا و يدعها عشرا و قال الثوري عن منصور كانوا
يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة و عن سعيد بن جبير إني لأدعها وأنا أحبها مخافة أن أراها
حتما علي الخامس تستحب صلاتها و المواظبة عليها في البيوت أي للآمن من الخشية المذكورة
السادس أنها بدعة صح ذلك من رواية عروة عن ابن عمر و سئل أنس عن صلاة الضحى فقال
الصلوات خمس و عن أبي بكرة أنه رأى ناسا يصلون الضحى فقال ما صلاها رسول الله صلى الله
45

عليه و سلم و لا عامة أصحابه و قد جمع الحاكم الأحاديث الواردة في صلاة الضحى في جزء مفرد و ذكر
لغالب هذه الأقوال مستندا و بلغ عدد رواة الحديث في إثباتها نحو العشرين نفسا من الصحابة
* (لطيفة) * روى الحاكم من طريق أبي الخير عن عقبة بن عامر قال أمرنا رسول الله صلى الله
عليه و سلم أن نصلي الضحى بسور منها و الشمس و ضحاها و الضحى انتهى و مناسبة ذلك ظاهرة
جدا (قوله باب من لم يصل الضحى و رآه) أي الترك (واسعا) أي مباحا (قوله ما رأيت
رسول الله صلى الله عليه و سلم سبح سبحة الضحى) تقدم أن المراد بقوله السبحة النافلة و أصلها من
التسبيح و خصت النافلة بذلك لأن التسبيح الذي في الفريضة نافلة فقيل لصلاة النافلة سبحة
لأنها كالتسبيح في الفريضة (قولها و إني لأسبحها) كذا هنا من السبحة و تقدم في باب التحريض
على قيام الليل بلفظ و إني لأستحبها من الاستحباب و هو من رواية مالك عن ابن شهاب و لكل
منها وجه لكن الأول يقتضي الفعل و الثاني لا يستلزمه و جاء عن عائشة في ذلك أشياء مختلفة
أوردها مسلم فعنده من طريق عبد الله بن شقيق قلت لعائشة أكان النبي صلى الله عليه و سلم
يصلي الضحى قالت لا الا أن يجئ من مغيبه و عنده من طريق معاذة عنها كان رسول الله صلى
الله عليه و سلم يصلي الضحى أربعا و يزيد ما شاء الله ففي الأول نفى رؤيتها لذلك مطلقا و في الثاني
تقييد النفي بغير المجئ من مغيبه و في الثالث الاثبات مطلقا و قد اختلف العلماء في ذلك فذهب
ابن عبد البر و جماعة إلى ترجيح ما اتفق الشيخان عليه دون ما انفرد به مسلم و قالوا أن عدم
رؤيتها لذلك لا يستلزم عدم الوقوع فيقدم من روى عنه من الصحابة الاثبات و ذهب آخرون إلى
الجمع بينهما قال البيهقي عندي أن المراد بقولها ما رايته سبحها أي داوم عليها و قولها و إني
لأسبحها أي أداوم عليها و كذا قولها و ما أحدث الناس شيئا تعني المداومة عليها قال و في بقية
الحديث أي الذي تقدم من رواية مالك إشارة إلى ذلك حيث قالت و أن كان ليدع العمل
و هو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم انتهى و حكى المحب الطبري أنه جمع
بين قولها ما كان يصلي الا أن يجئ من مغيبه و قولها كان يصلي أربعا و يزيد ما شاء الله بان الأول
محمول على صلاته إياها في المسجد و الثاني على البيت قال و يعكر عليه حديثها الثالث يعني
حديث الباب و يجاب عنه بان المنفى صفة مخصوصة و أخذ الجمع المذكور من كلام ابن حبان
و قال عياض و غيره قوله ما صلاها معناه ما رايته يصليها و الجمع بينه و بين قولها كان يصليها أنها
أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها و في الاثبات عن غيرها و قيل في الجمع أيضا يحتمل أن تكون نفت
صلاة الضحى المعهودة حينئذ من هيئة مخصوصة بعدد مخصوص في وقت مخصوص و أنه صلى الله
عليه و سلم إنما كان يصليها إذا قدم من سفر لا بعدد مخصوص و لا بغيره كما قالت يصلي أربعا و يزيد
ما شاء الله * (تنبيه) * حديث عائشة يدل على ضعف ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أن صلاة
الضحى كانت واجبة عليه و عدها لذلك من العلماء
من خصائصه و لم يثبت ذلك في خبر صحيح و قول
الماوردي في الحاوي أنه صلى الله عليه و سلم واظب عليها بعد يوم الفتح إلى أن مات يعكر عليه
ما رواه مسلم من حديث أم هانئ أنه لم يصلها قبل و لا بعد و لا يقال أن نفي أم هانئ لذلك يلزم منه
العدم لأنا نقول يحتاج من أثبته إلى دليل و لو وجد لم يكن حجة لأن عائشة ذكرت أنه كان إذا عمل
عملا أثبته فلا تستلزم المواظبة على هذا الوجوب عليه (قوله باب صلاة الضحى
46

في الحضر قاله عتبان بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم) كأنه يشير إلى ما رواه أحمد من طريق
الزهري عن محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى في بيته
سبحة الضحى فقاموا وراءه فصلوا بصلاته أخرجه عن عثمان بن عمر عن يونس عنه و قد أخرجه
مسلم من رواية ابن وهب عن يونس مطولا لكن ليس فيه ذكر السبحة و كذلك أخرجه المصنف
مطولا و مختصرا في مواضع و سيأتي بعد بابين (قوله حدثنا عباس) بالموحدة و المهملة و الجريري
بضم الجيم (قوله أوصاني خليلي) الخليل الصديق الخالص الذي تخللت محبته القلب فصارت
في خلاله أي في باطنه و اختلف هل الخلة أرفع من المحبة أو بالعكس و قول أبي هريرة هذا
لا يعارضه ما تقدم من قوله صلى الله عليه و سلم لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر لأن الممتنع
أن يتخذ هو صلى الله عليه و سلم غيره خليلا لا العكس و لا يقال أن المخاللة لا تتم حتى تكون من
الجانبين لأنا نقول إنما نظر الصحابي إلى أحد الجانبين فأطلق ذلك أو لعله أراد مجرد الصحبة أو المحبة
(قوله بثلاث لا ادعهن حتى أموت) يحتمل أن يكون قوله لا ادعهن الخ من جملة الوصية
أي أوصاني أن لا ادعهن و يحتمل أن يكون من أخبار الصحابي بذلك عن نفسه (قوله صوم ثلاثة
أيام) بالخفض بدل من قوله بثلاث و يجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف (قوله من كل شهر)
الذي يظهر أن المراد بها البيض و سيأتي تفسيرها في كتاب الصوم (قوله و صلاة الضحى) زاد أحمد
في روايته كل يوم و سيأتي في الصيام من طريق أبي التياح عن أبي عثمان بلفظ و ركعتي الضحى
قال ابن دقيق العيد لعله ذكر الأقل الذي يوجد التأكيد بفعله و في هذا دلالة على استحباب
صلاة الضحى و أن أقلها ركعتان و عدم مواظبة النبي صلى الله عليه و سلم على فعلها لا ينافي
استحبابها لأنه حاصل بدلالة القول و ليس من شرط الحكم أن تتضافر عليه أدلة القول و الفعل
لكن ما واظب النبي صلى الله عليه و سلم على فعله مرجح على ما لم يواظب عليه (قوله و نوم على وتر)
في رواية أبي التياح و أن أوتر قبل أن أنام و فيه استحباب تقدم الوتر على النوم و ذلك في حق من
لم يثق بالاستيقاظ و يتناول من يصلي بين النومين و هذه الوصية لأبي هريرة ورد مثلها لأبي الدرداء
فيما رواه مسلم و لأبي ذر فيما رواه النسائي و الحكمة في الوصية على المحافظة على ذلك تمرين
النفس على جنس الصلاة و الصيام ليدخل في الواجب منهما بانشراح و لينجبر ما لعله يقع فيه من
نقص و من فوائد ركعتي الضحى أنها تجزئ عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان في كل يوم
و هي ثلاثمائة و ستون مفصلا كما أخرجه مسلم من حديث أبي ذر و قال فيه و يجزئ عن ذلك ركعتا
الضحى و حكى شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين في شرح الترمذي أنه اشتهر بين العوام أن من
صلى الضحى ثم قطعها يعمى فصار كثير من الناس يتركونها أصلا لذلك و ليس لما قالوه أصل بل
الظاهر أنه مما ألقاه الشيطان على السنة العوام ليحرمهم الخير الكثير لا سيما ما وقع في حديث أبي
ذر * (تنبيهان) * الأول اقتصر في الوصية للثلاثة المذكورين على الثلاثة المذكورة لأن الصلاة
و الصيام أشرف العبادات البدنية و لم يكن المذكورون من أصحاب الأموال و خصت الصلاة
بشيئين لأنها تقع ليلا و نهارا بخلاف الصيام (الثاني) ليس في حديث أبي هريرة تقييد بسفر
و لا حضر و الترجمة مختصة بالحضر لكن الحديث يتضمن الحضر لأن إرادة الحضر فيه ظاهرة
و حمله على الحضر و السفر ممكن و أما حمله على السفر دون الحضر فبعيد لأن السفر مظنة التخفيف
47

(قوله قال رجل من الأنصار) قيل هو عتبان بن مالك لأن في قصته شبها بقصته و قد تقدم هذا
الحديث عن آدم عن شعبة بهذا الإسناد و المتن في باب هل يصلي الإمام بمن حضر من أبواب
الإمامة مع الكلام عليه (قوله يصلي الضحى) قال ابن رشيد هذا يدل على أن ذلك كان كالمتعارف
عندهم و إلا فصلاته صلى الله عليه و سلم في بيت الأنصاري و أن كانت في وقت صلاة الضحى لا يلزم
نسبتها لصلاة الضحى (قلت) الا أنا قدمنا أن القصة لعتبان بن مالك و قد تقدم في صدر الباب أن
عتبان سماها صلاة الضحى فاستقام مراد المصنف و تقييده ذلك بالحضر ظاهر لكونه صلى
في بيته (قوله ما رايته صلى) في الرواية الماضية يصلي الضحى (قوله الا ذلك اليوم) يأتي فيه
ما تقدم ذكره في حديث ابن عمر و عائشة من الجمع و الله أعلم (قوله باب الركعتين قبل الظهر) ترجم أولا بالرواتب التي بعد المكتوبات ثم أورد ما يتعلق بما قبلها و قد
تقدم الكلام على
ركعتي الفجر و الكلام على حديث ابن عمر و هو ظاهر فيما ترجم له و أما حديث عائشة فقوله فيه أنه
كان لا يدع أربعا قبل الظهر لا يطابق الترجمة و يحتمل أن يقال مراده بيان أن الركعتين قبل
الظهر ليستا حتما بحيث يمتنع الزيادة عليهما قال الداودي وقع في حديث ابن عمر أن قبل الظهر
ركعتين و في حديث عائشة أربعا و هو محمول على أن كل واحد منهما وصف ما رأى قال و يحتمل أن يكون
نسي ابن عمر ركعتين من الأربع (قلت) هذا الاحتمال بعيد و الأولى أن يحمل على حالين
فكان تارة يصلي ثنتين و تارة يصلي أربعا و قيل هو محمول على أنه كان في المسجد يقتصر على
ركعتين و في بيته يصلي أربعا و يحتمل أن يكون يصلي إذا كان في بيته ركعتين ثم يخرج إلى المسجد
فيصلي ركعتين فرأى ابن عمر ما في المسجد دون ما في بيته و اطلعت عائشة على الامرين و يقوى
الأول ما رواه أحمد و أبو داود في حديث عائشة كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج قال
أبو جعفر الطبري الأربع كانت في كثير من أحواله و الركعتان في قليلها (قوله عن إبراهيم بن
محمد بن المنتشر) بميم مضمومة و نون ساكنه و مثناة مفتوحه بعدها شين معجمه مكسورة ثم راء
(قوله عن أبيه عن عائشة) في رواية وكيع عن شعبة عن إبراهيم عن أبيه سمعت عائشة أخرجه
الإسماعيلي و حكى عن شيخه أبي القاسم البغوي أنه حدثه به من طريق عثمان ابن عمر عن شعبة
فأدخل بين محمد بن المنتشر و عائشة مسروقا و أخبره أن حديث و كيع وهم ورد ذلك الإسماعيلي
بان محمد بن جعفر قد وافق وكيعا على التصريح بسماع محمد من عائشة ثم ساقه بسنده إلى شعبة
عن إبراهيم بن محمد أنه سمع أباه أنه سمع عائشة قال الإسماعيلي و لم يكن يحيى بن سعيد يعني القطان
الذي أخرجه البخاري من طريقه ليحمله مدلسا قال و الوهم عندي فيه من عثمان بن عمر انتهى
و بذلك جزم الدارقطني في العلل و أوضح أن رواية عثمان بن عمر من المزيد متصل الأسانيد لكن
أخرجه الدارمي عن عثمان بن عمر بهذا الإسناد فلم يذكر فيه مسروقا فأما أن يكون سقط عليه
أو علي من بعده أو يكون الوهم في زيادته ممن دون عثمان بن عمر (قوله تابعه ابن أبي عدي) زاد
الإسماعيلي و ابن المبارك و معاذ بن معاذ و وهب بن جرير كلهم عن شعبة بسنده و ليس فيه
مسروق (قوله و عمرو عن شعبة) يعني عمرو بن مرزوق و قد وصل حديثه البرقاني في المصافحة
(قوله باب الصلاة قبل المغرب) لم يذكر المصنف الصلاة قبل العصر و قد ورد فيها
حديث لأبي هريرة مرفوع لفظه رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا أخرجه أحمد و أبو داود
48

و الترمذي و صححه بن حبان و ورد من فعله أيضا من حديث علي بن أبي طالب أخرجه الترمذي
و النسائي و فيه أنه كان يصلي قبل العصر أربعا و ليسا على شرط البخاري (قوله عن الحسين)
هو ابن ذكوان المعلم (قوله حدثني عبد الله المزني) هو ابن مغفل بالمعجمة و الفاء المشددة (قوله
صلوا قبل صلاة المغرب) زاد أبو داود في روايته عن الفربري عن عبد الوارث بهذا الإسناد صلوا
قبل المغرب ركعتين ثم قال صلوا قبل المغرب ركعتين و أعادها الإسماعيلي من هذا الوجه ثلاث
مرات و هو موافق لقوله في رواية المصنف قال في الثالثة لمن شاء و في رواية أبي نعيم في المستخرج
صلوا قبل المغرب ركعتين قالها ثلاثا ثم قال لمن شاء (قوله كراهية أن يتخذها الناس سنة) قال
المحب الطبري لم يرد نفي استحبابها لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب بل هذا الحديث من أقوى
الأدلة على استحبابها و معنى قوله سنة أي شريعة و طريقة لازمة وكأن المراد انحطاط مرتبتها
عن رواتب الفرائض و لهذا لم يعدها أكثر الشافعية في الرواتب و استدركها بعضهم و تعقب
بأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم واظب عليها و تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في باب
كم بين الأذان و الإقامة من أبواب الأذان (قوله اليزني) بفتح التحتانية و الزاي بعدها نون و هو
مصري و كذا بقية رجال الإسناد سوى شيخ البخاري و قد دخلها (قوله الا أعجبك) بضم أوله
و تشديد الجيم من التعجب (قوله من أبي تميم) هو عبد الله بن مالك الجيشاني بفتح الجيم و سكون
التحتانية بعدها معجمه تابعي كبير مخضرم أسلم في عهد النبي صلى الله عليه و سلم و قرأ القرآن على
معاذ بن جبل ثم قدم في زمن عمر فشهد فتح مصر وسكنها قال ابن يونس و قد عده جماعة في الصحابة
لهذا الإدراك و لم يذكر المزي في التهذيب أن البخاري أخرج له و هو على شرطه فيرد عليه بهذا
الحديث (قوله يركع ركعتين) زاد الإسماعيلي حين يسمع أذان المغرب و فيه فقلت لعقبه و أنا
أريد أن أغمصه و هو بمعجمة ثم مهمله أي أعيبه (قوله فقال عقبة الخ) استدل به على امتداد
وقت المغرب و لا حجة فيه كما بيناه في الباب السابق و قال قوم إنما تستحب الركعتان المذكورتان
لمن كان متأهبا بالطهر و ستر العورة لئلا يؤخر المغرب عن أول وقتها و لا شك أن ايقاعها في أول
الوقت أولى و لا يخفى أن محل استحبابهما ما لم تقم الصلاة و قد تقدم الكلام على بقية فوائده
في الباب السابق و فيه رد على قول القاضي أبي بكر بن العربي لم يفعلهما أحد بعد الصحابة لأن
أبا تميم تابعي و قد فعلهما و ذكر الأثرم عن أحمد أنه قال ما فعلتهما الا مرة واحدة حين سمعت
الحديث و فيه أحاديث جياد عن النبي صلى الله عليه و سلم و الصحابة و التابعين الا أنه قال لمن شاء
فمن شاء صلى (قوله باب صلاة النوافل جماعة) قيل مراده النفل المطلق و يحتمل ما هو
أعم من ذلك (قوله ذكره أنس و عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم) أما حديث أنس فأشار به
إلى حديثه في صلاة النبي صلى الله عليه و سلم في بيت أم سليم و فيه فصففت أنا و اليتيم و راءه
الحديث و قد تقدم في الصفوف و غيرها و أما حديث عائشة فأشار به إلى حديثها في صلاة النبي
صلى الله عليه و سلم بهم في المسجد بالليل وقد تقدم الكلام عليه في باب التحريض على قيام الليل
(قوله حدثنا إسحاق) قيل هو ابن راهويه فإن هذا الحديث وقع في مسنده بهذا الإسناد لكن
في لفظه مخالفة يسيره فيحتمل أن يكون إسحاق شيخ البخاري فيه هو ابن منصور (قوله أخبرنا
يعقوب) التعبير بالأخبار قرينة في كون إسحق هو بن راهويه لأنه لا يعبر عن شيوخه الا بذلك
49

لكن وقع في رواية كريمة و أبي الوقت و غيرهما بلفظ التحديث و يعقوب بن إبراهيم المذكور هو
ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (قوله و عقل مجه) تقدم الكلام عليه
في كتاب العلم (قوله كان في دارهم) أي الدلو و في رواية الكشميهني كانت أي البئر (قوله فزعم
محمود) أي أخبر و هو من إطلاق الزعم على القول (قوله فيشق علي) في رواية الكشميهني فشق
بصيغة الماضي (قوله أين تحب أن نصلي) بصيغة الجمع كذا للأكثر في رواية الكشميهني بالافراد
(قوله ما فعل مالك) هو ابن الدخشن (قوله لا أراه) بفتح الهمزة من الرؤية (قوله قال محمود بن
الربيع) أي بالإسناد الماضي (فحدثتها قوما) أي رجالا (فيهم أبو أيوب) هو خالد بن زيد
الأنصاري الذي نزل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم لما قدم المدينة (قوله التي توفي فيها) ذكر
ابن سعد و غيره أن أبا أيوب أوصى أن يدفن تحت أقدام الخيل و يغيب موضع قبره فدفن إلى
جانب جدار القسطنطينية (قوله و يزيد بن معاوية) ابن أبي سفيان (قوله عليهم) أي كان أميرا
و ذلك في سنة خمسين و قيل بعدها في خلافة معاوية و وصلوا في تلك الغزوة حتى حاصروا
القسطنطينية (قوله فأنكرها علي) قد بين أبو أيوب وجه الإنكار و هو ما غلب على ظنه من نفي
القول المذكور و أما الباعث له على ذلك فقيل أنه استشكل قوله أن الله قد حرم النار على من
قال لا إله إلا الله لأن ظاهره لا يدخل أحد من عصاة الموحدين النار و هو مخالف لآيات كثيرة
و أحاديث شهيرة منها أحاديث الشفاعة لكن الجمع ممكن بان يحمل التحريم على الخلود و قد وافق
محمودا على رواية هذا الحديث عن عتبان أنس بن مالك كما أخرجه مسلم من طريقه و هو متابع
قوي جدا و كان الحامل لمحمود على الرجوع إلى عتبان ليسمع الحديث منه ثاني مرة أن أبا أيوب لما
أنكر عليه اتهم نفسه بان يكون ما ضبط القدر الذي أنكره عليه و لهذا قنع بسماعه عن عتبان
ثاني مرة (قوله حتى اقفل) بقاف و فاء أي ارجع وزنا و معنى و في هذا الحديث فوائد كثيرة
تقدمت مبسوطة في باب المساجد في البيوت و فيه ما ترجم له هنا و هو صلاة النوافل جماعة و روى
ابن وهب عن مالك أنه لا بأس بان يؤم النفر في النافلة فأما أن يكون مشتهرا و يجمع له الناس فلا
و هذا بناه على قاعدته في سد الذرائع لما يخشى من أن يظن من لا علم له أن ذلك فريضة و استثنى
ابن حبيب من أصحابه قيام رمضان لاشتهار ذلك من فعل الصحابة و من بعدهم رضي الله عنهم
و في الحديث من الفوائد ما تقدم بعضه مبسوطا و ملاطفة النبي صلى الله عليه و سلم بالأطفال
و ذكر المرء ما فيه من العلة معتذرا و طلب عين القبلة و أن المكان المتخذ مسجدا من البيت
50

لا يخرج عن ملك صاحبه و أن النهي عن استيطان الرجل مكانا إنما هو في المسجد العام و فيه
عيب من تخلف عن حضور مجلس الكبير و أن من عيب بما يظهر منه لا يعد غيبة و أن ذكر
الانسان بما فيه على جهة التعريف جائز و أن التلفظ بالشهادتين كاف في أجراء أحكام المسلمين
و فيه استثبات طالب الحديث شيخه عما حدثه به إذا خشي من نسيانه و إعادة الشيخ الحديث
و الرحلة في طلب العلم و غير ذلك و قد ترجم المصنف بأكثر ذلك و الله المستعان (قوله
باب التطوع في البيت) أورد فيه حديث ابن عمر اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم
و قد تقدم بلفظه من وجه آخر عن نافع في باب كراهية الصلاة في المقابر من أبواب المساجد مع
الكلام عليه (قوله تابعه عبد الوهاب) يعني الثقفي عن أيوب و هذه المتابعة وصلها مسلم عن
محمد بن المثنى عنه بلفظ صلوا في بيوتكم و لا تتخذوها قبورا (قوله باب فضل الصلاة
في مسجد مكة و المدينة) ثبت في نسخة الصغاني البسملة قبل الباب قال ابن رشيد لم يقل في
الترجمة و بيت المقدس و أن كان مجموعا إليهما في الحديث لكونه أفرده بعد ذلك بترجمة قال و ترجم
بفضل الصلاة و ليس في الحديث ذكر الصلاة ليبين أن المراد بالرحلة إلى المساجد قصد الصلاة
فيها لأن لفظ المساجد مشعر بالصلاة انتهى و ظاهر إيراد المصنف لهذه الترجمة في أبواب
التطوع يشعر بان المراد بالصلاة في الترجمة صلاة النافلة و يحتمل أن يراد بها ما هو أعم من ذلك
فيدخل النافلة و هذا أوجه و به قال الجمهور في حديث الباب و ذهب الطحاوي إلى أن التفضيل
مختص بصلاة الفريضة كما سيأتي (قوله أخبرني عبد الملك) هو ابن عمير كما وقع في رواية أبي ذر
و الأصيلي (قوله عن قزعة) بفتح القاف و كذا الزاي و حكى بن الأثير سكونها بعدها مهمله هو ابن
يحيى و يقال ابن الأسود و سيأتي بعد خمسة أبواب في هذا الإسناد سمعت قزعة مولى زياد و هو
هذا و زياد مولاه هو ابن أبي سفيان الأمير المشهور و رواية عبد الملك بن عمير عنه من رواية الأقران
لأنهما من طبقة واحدة (قوله سمعت أبا سعيد أربعا) أي يذكر أربعا أو سمعت منه أربعا أي
أربع كلمات (قوله و كان غزا) القائل ذلك هو قزعة و المقول عنه أبو سعيد الخدري (قوله
ثنتي عشرة غزوة) كذا اقتصر المؤلف على هذا القدر و لم يذكر من المتن شيئا و ذكر بعده حديث
أبي هريرة في شد الرحال فظن الداودي الشارح أن البخاري ساق الإسنادين لهذا المتن و فيه نظر
لأن حديث أبي سعيد مشتمل على أربعة أشياء كما ذكر المصنف و حديث أبي هريرة مقتصر على
شد الرحال فقط لكن لا يمنع الجمع بينهما في سياق واحد بناء على قاعدة البخاري في إجازة اختصار
الحديث و قال ابن رشيد لما كان أحد الأربع هو قوله لا تشد الرحال ذكر صدر الحديث إلى
الموضع الذي يتلاقى فيه افتتاح أبي هريرة لحديث أبي سعيد فاقتطف الحديث و كأنه قصد بذلك
الإغماض لينبه غير الحافظ على فائدة الحفظ على أنه ما أخلاه عن الإيضاح عن قرب فإنه ساقه
بتمامه خامس ترجمة (قوله و حدثنا علي) هو ابن المديني و سفيان هو ابن عيينة و سعيد هو ابن
المسيب و وقع عند البيهقي من وجه آخر عن علي بن المديني قال حدثنا به سفيان مرة بهذا اللفظ
و كان أكثر ما يحدث به بلفظ تشد الرحال (قوله لا تشد الرحال) بضم أوله بلفظ النفي و المراد
النهي عن السفر إلى غيرها قال الطيبي هو أبلغ من صريح النهي كأنه قال لا يستقيم أن
يقصد بالزيارة الا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به و الرحال بالمهملة جمع رحل و هو للبعير
51

كالسرج للفرس و كنى بشد الرحال عن السفر لأنه لازمه و خرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب
المسافر و إلا فلا فرق بين ركوب الرواحل و الخيل و البغال و الحمير و المشي في المعنى المذكور و يدل
عليه قوله في بعض طرقه إنما يسافر أخرجه مسلم من طريق عمران بن أبي أويس عن سليمان
الأغر عن أبي هريرة (قوله إلا) الاستثناء مفرغ و التقدير لا تشد الرحال إلى موضع و لازمه
منع السفر إلى كل موضع غيرها لأن المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام لكن يمكن أن يكون
المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص و هو المسجد كما سيأتي (قوله المسجد الحرام) أي المحرم و هو
كقولهم الكتاب بمعنى المكتوب و المسجد بالخفض على البدلية و يجوز الرفع على الاستئناف
و المراد به جميع الحرم و قيل يختص بالموضع الذي يصلي فيه دون البيوت و غيرها من أجزاء الحرم
قال الطبري و يتأيد بقوله مسجدي هذا لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة فينبغي أن يكون
المستثنى كذلك و قيل المراد به الكعبة حكاه المحب الطبري و ذكر أنه يتأيد بما رواه النسائي بلفظ
الا الكعبة و فيه نظر لأن الذي عند النسائي الا مسجد الكعبة حتى و لو سقطت لفظة مسجد
لكانت مرادة و يؤيد الأول ما رواه الطيالسي من طريق عطاء أنه قيل له هذا الفضل في المسجد
وحده أو في الحرم قال بل في الحرم لأنه كله مسجد (قوله و مسجد الرسول) أي محمد صلى الله
عليه و سلم و في العدول عن مسجدي إشارة إلى التعظيم و يحتمل أن يكون ذلك من تصرف الرواة
و يؤيده قوله في حديث أبي سعيد الآتي قريبا و مسجدي (قوله و مسجد الأقصى) أي بيت
المقدس و هو من إضافة الموصوف إلى الصفة و قد جوزه الكوفيون و استشهدوا له بقوله تعالى
و ما كنت بجانب الغربي و البصريون يؤولونه بإضمار المكان أي الذي بجانب المكان الغربي
و مسجد المكان الأقصى و نحو ذلك و سمي الأقصى لبعده عن المسجد الحرام في المسافة و قيل
في الزمان و فيه نظر لأنه ثبت في الصحيح أن بينهما أربعين سنة و سيأتي في ترجمة إبراهيم الخليل
من أحاديث الأنبياء و بيان ما فيه من الاشكال و الجواب عنه و قال الزمخشري سمي الأقصى
لأنه لم يكن حينئذ و راءه مسجد و قيل لبعده عن الاقذار و الخبث و قيل هو أقصى بالنسبة إلى
مسجد المدينة لأنه بعيد من مكة و بيت المقدس أبعد منه و لبيت المقدس عدة أسماء تقرب من
العشرين منها إيلياء بالمد و القصر و بحذف الياء الأولى و عن ابن عباس إدخال الألف و اللام على
هذا الثالث و بيت المقدس بسكون القاف و بفتحها مع التشديد و القدس بغير ميم مع ضم
القاف و سكون الدال و بضمها أيضا وشلم بالمعجمة و تشديد اللام و بالمهملة و شلام بمعجمة و سلم
بفتح المهملة و كسر اللام الخفيفة و أورى سلم بسكون الواو و بكسر الراء بعدها تحتانية
ساكنة قال الأعشى
و قد طفت للمال آفاقه * دمشق فحمص فأورى سلم
و من أسمائه كوره و بيت ايل وصهيون ومصروث آخره مثلثه و كورشيلا و بابوس بموحدتين
و معجمة و قد تتبع أكثر هذه الأسماء الحسين بن خالويه اللغوي في كتاب ليس و سيأتي ما يتعلق بمكة
و المدينة في كتاب الحج و في هذا الحديث فضيلة هذه المساجد و مزيتها على غيرها لكونها مساجد
الأنبياء و لان الأول قبلة الناس واليه حجهم و الثاني كان قبلة الأمم السالفة و الثالث أسس على
التقوى و اختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء و أمواتا و إلى
52

المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها و الصلاة فيها فقال الشيخ أبو محمد الجويني يحرم شد الرحال
إلى غيرها و أشار بظاهر هذا الحديث و أشار القاضي حسين إلى اختياره و به قال عياض و طائفة
و يدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار نضرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور و قال
له لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت و استدل بهذا الحديث فدل على أنه يرى حمل الحديث
على عمومه و وافقه أبو هريرة و الصحيح عند إمام الحرمين و غيره من الشافعية أنه لا يحرم و أجابوا
عن الحديث بأجوبة منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد
بخلاف غيرها فإنه جائز و قد وقع في رواية لأحمد سيأتي ذكرها بلفظ لا ينبغي للمطي أن تعمل و هو
لفظ ظاهر في غير التحريم و منها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر
المساجد غير الثلاثة فإنه لا يجب الوفاء به قاله ابن بطال و قال الخطابي اللفظ لفظ الخبر و معناه
الإيجاب فيما ينذره الإنسان من الصلاة في البقاع التي يتبرك بها أي لا يلزم الوفاء بشئ من ذلك
غير هذه المساجد الثلاثة و منها أن المراد حكم المساجد فقط و أنه لا تشد الرحال إلى مسجد من
المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة و أما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب
أو طلب علم أو تجارة أو نزهة فلا يدخل في النهي و يؤيده ما روى أحمد من طريق شهر بن حوشب
قال سمعت أبا سعيد و ذكرت عنده الصلاة في الطور فقال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام و المسجد الأقصى
و مسجدي و شهر حسن الحديث و أن كان فيه بعض الضعف و منها أن المراد قصدها بالاعتكاف
فيما حكاه الخطابي عن بعض السلف أنه قال لا يعتكف في غيرها و هو أخص من الذي قبله و لم أر
عليه دليلا و استدل به على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد لزمه ذلك و به قال مالك و أحمد
و الشافعي و البويطي و اختاره أبو إسحاق المروزي و قال أبو حنيفة لا يجب مطلقا و قال الشافعي
في الأم يجب في المسجد الحرام لتعلق النسك به بخلاف المسجدين الأخيرين و هذا هو المنصور
لأصحاب الشافعي و قال ابن المنذر يجب إلى الحرمين و أما الأقصى فلا و استأنس بحديث جابر
أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم إني نذرت أن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس
قال صل ههنا و قال ابن التين الحجة على الشافعي أن أعمال المطي إلى مسجد المدينة و المسجد
الأقصى و الصلاة فيهما قربة فوجب أن يلزم بالنذر كالمسجد الحرام انتهى و فيما يلزم من نذر
إتيان هذه المساجد تفصيل و خلاف يطول ذكره محله كتب الفروع و استدل به على أن من
نذر إتيان غير هذه المساجد الثلاثة لصلاة أو غيرها لم يلزمه غيرها لأنها لا فضل لبعضها على بعض
فتكفي صلاته في أي مسجد كان قال النووي لا اختلاف في ذلك الا ما روى عن الليث أنه قال
يجب الوفاء به و عن الحنابلة رواية يلزمه كفارة يمين و لا ينعقد نذره و عن المالكية رواية أن تعلقت
به عبادة تختص به كرباط لزم و إلا فلا و ذكر عن محمد بن مسلمة المالكي أنه يلزم في مسجد قباء لأن
النبي صلى الله عليه و سلم كان يأتيه كل سبت كما سيأتي قال الكرماني وقع في هذه المسئلة في
عصرنا في البلاد الشامية مناظرات كثيرة و صنف فيها رسائل من الطرفين (قلت) يشير إلى ما رد
به الشيخ تقي الدين السبكي و غيره على الشيخ تقي الدين بن تيمية و ما انتصر به الحافظ شمس الدين
ابن عبد الهادي و غيره لابن تيمية و هي مشهوره في بلادنا و الحاصل إنهم الزموا ابن تيمية بتحريم
53

شد الرحل إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنكرنا صورة ذلك و في شرح ذلك
من الطرفين طول و هي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية و من جملة ما استدل به على دفع
ما ادعاه غيره من الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي صلى الله عليه و سلم ما نقل عن مالك أنه
كره أن يقول زرت قبر النبي صلى الله عليه و سلم و قد أجاب عنه المحققون من أصحابه بأنه كره اللفظ
أدبا لا أصل الزيارة فإنها من أفضل الأعمال و أجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال و أن
مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع و الله الهادي إلى الصواب قال بعض المحققين قوله الا إلى ثلاثة
مساجد المستثنى منه محذوف فأما أن يقدر عاما فيصير لا تشد الرحال إلى مكان في أي أمر كان
الا إلى الثلاثة أو أخص من ذلك لا سبيل إلى الأول لافضائه إلى سد باب السفر للتجارة وصلة
الرحم و طلب العلم و غيرها فتعين الثاني و الأولى أن يقدر ما هو أكثر مناسبة و هو لا تشد الرحال
إلى مسجد للصلاة فيه الا إلى الثلاثة فيبطل بذلك قول من منع شد الرحال إلى زيارة القبر
الشريف و غيره من قبور الصالحين و الله أعلم و قال السبكي الكبير ليس في الأرض بقعه لها
فضل لذاتها حتى تشد الرحال إليها غير البلاد الثلاثة و مرادي بالفضل ما شهد الشرع باعتباره
ورتب عليه حكما شرعيا و أما غيرها من البلاد فلا تشد إليها لذاتها بل لزيارة أو جهاد أو علم أو نحو
ذلك من المندوبات أو المباحات قال و قد التبس ذلك على بعضهم فزعم أن شد الرحال إلى الزيارة
لمن في غير الثلاثة داخل في المنع و هو خطا لأن الاستثناء إنما يكون من جنس المستثنى منه فمعنى
الحديث لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد أو إلى مكان من الأمكنة لأجل ذلك المكان
الا إلى الثلاثة المذكورة وشد الرحال إلى زيارة أو طلب علم ليس إلى المكان بل إلى من في ذلك
المكان و الله أعلم (قوله زيد بن رباح) بالموحدة و عبيد الله بالتصغير و الأغر هو سليمان شيخ
الزهري المتقدم (قوله صلاة في مسجدي هذا) قال النووي ينبغي أن يحرص المصلي على
الصلاة في الموضع الذي كان في زمانه صلى الله عليه و سلم دون ما زيد فيه بعده لأن التضعيف إنما
ورد في مسجده و قد أكده بقوله هذا بخلاف مسجد مكة فإنه يشمل جميع مكة بل صحح النووي
أنه يعم جميع الحرم (قوله الا المسجد الحرام) قال ابن بطال يجوز في هذا الاستثناء أن يكون
المراد فإنه مساو لمسجد المدينة أو فاضلا أو مفضولا و الأول أرجح لأنه لو كان فاضلا أو مفضولا
لم يعلم مقدار ذلك الا بدليل بخلاف المساواة انتهى و كأنه لم يقف على دليل الثاني و قد أخرجه
الإمام أحمد و صححه ابن حبان من طريق عطاء عن عبد الله بن الزبير قال قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد
الحرام و صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا و في رواية ابن حبان و صلاة في ذلك
أفضل من مائة صلاة في مسجد المدينة قال ابن عبد البر اختلف على ابن الزبير في رفعه و وقفه
و من رفعه أحفظ و أثبت و مثله لا يقال بالرأي و في ابن ماجة من حديث جابر مرفوعا صلاة في
مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام و صلاة في المسجد الحرام أفضل من
مائة ألف صلاة فيما سواه و في بعض النسخ من مائة صلاة فيما سواه فعلى الأول معناه فيما سواه الا
مسجد المدينة و على الثاني معناه من مائة صلاة في مسجد المدينة و رجال إسناده ثقات لكنه
من رواية عطاء في ذلك عنه قال ابن عبد البر جائز أن يكون عند عطاء في ذلك عنهما و على ذلك
54

يحمله أهل العلم بالحديث و يؤيده أن عطاء إمام واسع الرواية معروف بالرواية عن جابر و ابن
الزبير و روى البزار و الطبراني من حديث أبي الدرداء رفعه الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف
صلاة و الصلاة في مسجدي بألف صلاة و الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة قال البزار
إسناده حسن فوضح بذلك أن المراد بالاستثناء تفضيل المسجد الحرام و هو يرد على تأويل
عبد الله بن نافع و غيره و روى ابن عبد البر من طريق يحيى بن يحيى الليثي أنه سأل عبد الله بن نافع
عن تأويل هذا الحديث فقال معناه فإن الصلاة في مسجدي أفضل من الصلاة فيه بدون ألف
صلاة قال ابن عبد البر لفظ دون يشمل الواحد فيلزم أن تكون الصلاة في مسجد المدينة أفضل من
الصلاة في مسجد مكة بتسعمائة و تسع و تسعين صلاة و حسبك بقول يؤل إلى هذا ضعفا قال
و زعم بعض أصحابنا أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بمائة صلاة
و احتج برواية سليمان بن عتيق عن ابن الزبير عن عمر قال صلاة في المسجد الحرام خير من مائة
صلاة فيما سواه و تعقب بان المحفوظ بهذا الإسناد بلفظ صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف
صلاة فيما سواه الا مسجد الرسول فإنما فضله عليه بمائة صلاة و روى عبد الرزاق عن ابن
جريج قال أخبرني سليمان بن عتيق و عطاء عن ابن الزبير إنهما سمعاه يقول صلاة في المسجد
الحرام خير من مائة صلاة فيه و يشير إلى مسجد المدينة و للنسائي من رواية موسى الجهني عن
نافع عن ابن عمر ما يؤيد هذا و لفظه كلفظ أبي هريرة و في آخره الا المسجد الحرام فإنه أفضل منه
بمائة صلاة و استدل بهذا الحديث على تفضيل مكة على المدينة لأن الأمكنة تشرف بفضل
العبادة فيها على غيرها مما تكون العبادة فيه مرجوحة و هو قول الجمهور و حكى عن مالك و به قال
ابن وهب و مطرف و ابن حبيب من أصحابه لكن المشهور عن مالك و أكثر أصحابه تفضيل
المدينة و استدلوا بقوله صلى الله عليه و سلم ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة مع قوله
موضع سوط في الجنة خير من الدنيا و ما فيها قال ابن عبد البر هذا استدلال بالخبر في غير ما ورد
فيه و لا يقاوم النص الوارد في فضل مكة ثم ساق حديث أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء
قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم واقفا على الحزورة فقال و الله انك لخير أرض الله
و أحب أرض الله إلى الله و لولا إني أخرجت منك ما خرجت و هو حديث صحيح أخرجه أصحاب
السنن و صححه الترمذي و ابن خزيمة و ابن حبان و غيرهم قال ابن عبد البر هذا نص في محل الخلاف
فلا ينبغي العدول عنه و الله أعلم و قد رجع عن هذا القول كثير من المصنفين من المالكية لكن
استثنى عياض البقعة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه و سلم فحكى الاتفاق على أنها أفضل
البقاع و تعقب بأن هذا لا يتعلق بالبحث المذكور لأنه محله ما يترتب عليه الفضل للعابد و أجاب
القرافي بان سبب التفضيل لا ينحصر في كثرة الثواب على العمل بل قد يكون لغيرها كتفضيل
جلد المصحف على سائر الجلود و قال النووي في شرح المهذب لم أر لأصحابنا نقلا في ذلك و قال ابن
عبد البر إنما يحتج بقبر رسول الله صلى الله عليه و سلم على من أنكر فضلها أما من أقر به و أنه ليس
أفضل بعد مكة منها فقد أنزلها منزلتها و قال غيره سبب تفضيل البقعة التي ضمت أعضاءه
الشريفة أنه روى أن المرء يدفن في البقعة التي أخذ منها ترابه عندما يخلق رواه ابن عبد البر في
أواخر تمهيده من طريق عطاء الخراساني موقوفا و على هذا فقد روى الزبير بن بكار أن
55

جبريل أخذ التراب الذي خلق منه النبي صلى الله عليه و سلم من تراب الكعبة فعلى هذا فالبقعة
التي ضمت أعضاءه من تراب الكعبة فيرجع الفضل المذكور إلى مكة أن صح ذلك و الله أعلم
و استدل به على تضعيف الصلاة مطلقا في المسجدين و قد تقدم النقل عن الطحاوي و غيره أن ذلك
مختص بالفرائض لقوله صلى الله عليه و سلم أفضل صلاة المرء في بيته الا المكتوبة و يمكن أن
يقال لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه فتكون صلاة النافلة في بيت بالمدينة أو مكة تضاعف
على صلاتها في البيت بغيرهما و كذا في المسجدين و أن كانت في البيوت أفضل مطلقا ثم أن
التضعيف المذكور يرجع إلى الثواب و لا يتعدى إلى الأجزاء باتفاق العلماء كما نقله النووي
و غيره فلو كان عليه صلاتان فصلى في أحد المسجدين صلاة لم تجزه الا عن واحدة و الله أعلم و قد
أوهم كلام المقري أبي بكر النقاش في تفسيره خلاف ذلك فإنه قال فيه حسبت الصلاة بالمسجد
الحرام فبلغت صلاة واحدة بالمسجد الحرام عمر خمس و خمسين سنة و ستة أشهر و عشرين ليلة
انتهى و هذا مع قطع النظر عن التضعيف بالجماعة فإنها تزيد سبعا و عشرين درجة كما تقدم في
أبواب الجماعة لكن هل يجتمع التضعيفان أو لا محل بحث (قوله باب مسجد قباء) أي
فضله و قباء بضم القاف ثم موحدة ممدودة عند أكثر أهل اللغة و أنكر السكري قصره لكن حكاه
صاحب العين قال البكري من العرب من يذكره فيصرفه و منهم من يؤنثه فلا بصرفه و في المطالع
هو على ثلاثة أميال من المدينة و قال ياقوت على ميلين على يسار قاصد مكة و هو من عوالي
المدينة و سمي باسم بئر هناك و المسجد المذكور هو مسجد بني عمرو بن عوف و هو أول مسجد أسسه
رسول الله صلى الله عليه و سلم و سيأتي ذكر الخلاف في كونه المسجد الذي أسس على التقوى
في باب الهجرة أن شاء الله تعالى (قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم) في رواية أبي ذر هو الدورقي
(قوله كان لا يصلي الضحى) تقدم الكلام عليه قريبا (قوله و كان) أي ابن عمر (قوله يزوره) أي
يزور مسجد قباء (قوله وكان يقول) أي ابن عمر و قد تقدم الكلام على ذلك في أواخر المواقيت
و في الحديث دلالة على فضل قباء و فضل المسجد الذي بها و فضل الصلاة فيه لكن لم يثبت
في ذلك تضعيف بخلاف المساجد الثلاثة (قوله باب من أتى مسجد قباء كل سبت)
أراد بهذه الترجمة بيان تقييد ما أطلق في التي قبلها لأنه قيد فيها في الموقوف بخلاف المرفوع
فأطلق و من فضائل مسجد قباء ما رواه عمر بن شبة في أخبار المدينة بإسناد صحيح عن سعد بن أبي
وقاص قال لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إلى من أن أتي ببيت المقدس مرتين لو يعلمون
ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل (قوله ماشيا و راكبا) أي بحسب ما تيسر و الواو بمعنى أو (قوله
و كان عبد الله) أي ابن عمر كما ثبت في رواية أبي ذر و الأصيلي (قوله باب إتيان مسجد
قباء ماشيا وراكبا) أفرد هذه الترجمة لاشتمال الحديث على حكم آخر غير ما تقدم (قوله حدثنا
يحيى) زاد الأصيلي ابن سعيد و هو القطان و عبيد الله بالتصغير هو ابن عمر العمري (قوله زاد ابن
نمير) أي عبد الله عن عبيد الله أي ابن عمر و طريق ابن نمير وصلها مسلم و أبو يعلى قالا أخبرنا محمد
ابن عبد الله بن نمير أخبرنا أبي به و قال أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده حدثنا عبد الله بن نمير و أبو
أسامة عن عبيد الله فذكره بالزيادة و ادعى الطحاوي أنها مدرجة و أن أحد الرواة قاله من عنده
لعلمه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان من عادته أن لا يجلس حتى يصلي و في هذا الحديث على
56

اختلاف طرقه دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة و المداومة على
ذلك و فيه أن النهي عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة ليس على التحريم لكون النبي صلى الله
عليه و سلم كان يأتي مسجد قباء راكبا و تعقب بان مجيئه صلى الله عليه و سلم إلى قباء إنما كان
لمواصلة الأنصار و تفقد حالهم و حال من تأخر منهم عن حضور الجمعة معه و هذا هو السر في
تخصيص ذلك بالسبت (قوله باب فضل ما بين القبر والمنبر) لما ذكر فضل الصلاة
في مسجد المدينة أراد أن ينبه على أن بعض بقاع المسجد أفضل من بعض و ترجم بذكر القبر
و أورد الحديثين بلفظ البيت لأن القبر صار في البيت و قد ورد في بعض طرقه بلفظ القبر قال
القرطبي الرواية الصحيحة بيتي و يروي قبري و كأنه بالمعنى لأنه دفن في بيت سكناه (قوله عن
عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن عمرو بن حزم (قوله عن عبيد الله) هو ابن عمر العمري و ثبت
ذلك في رواية أبي ذر و الأصيلي (قوله و منبري على حوضي) سقطت هذه الجملة من رواية أبي ذر
و سيأتي هذا الحديث بسنده و متنه كاملا في أواخر فضل المدينة من أواخر كتاب الحج و يأتي
الكلام على المتن هناك أن شاء الله تعالى مستوفي (قوله باب مسجد بيت المقدس)
أي فضله (قوله و آنقنني) (3) بالمد ثم نون مفتوحة ثم قاف ساكنة بعدها نونان يقال آنقه
كذا إذا أعجبه و شئ مونق أي معجب و قوله و أعجبنني من التأكيد بغير اللفظي و حكى ابن الأثير
أنه روى أينقنني بتحتانية بدل الألف قال و ليس بشئ و ضبطه الأصيلي اتقنني بمثناة فوقانيه
من التوق و إنما يقال منه توقني كشوقني (قوله لا تسافر المرأة) سيأتي الكلام عليه
في الحج (قوله و لا صوم) سيأتي في الصوم و قوله في الصلاة تقدم في أواخر المواقيت و قوله
و لا تشد الرحال تقدم قريبا * (خاتمة) * اشتملت أبواب التطوع و ما معها من الأحاديث
المرفوعة على أربعة و ثلاثين حديثا المعلق منها عشرة أحاديث و سائرها موصولة المكرر منها
فيها و فيما مضى اثنان و عشرون حديثا و الخالص اثنا عشر و أفقه مسلم على تخريجها سوى
حديث ابن عمر في صلاة الضحى و حديث عبد الله بن مغفل في الركعتين قبل المغرب و حديث
عقبة بن عامر فيه و فيها من الآثار الموقوفة على الصحابة و من بعدهم أحد عشر أثرا و هي
الستة المذكورة في الباب الأول و أثر ابن عمر عن أبيه و أبي بكر و نفسه في ترك صلاة الضحى
و أثر أبي تميم في الركعتين قبل المغرب و أثر محمود بن الربيع عن أبي أيوب و كلها موصولة
و الله أعلم (قوله أبواب العمل في الصلاة) ثبت في نسخة الصغاني هنا بسملة (قوله باب)
في نسخة الصغاني أبواب (استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة و قال ابن عباس
57

يستعين الرجل في صلاته من جسده بما شاء و وضع أبو إسحاق (يعني السبيعي) قلنسوته
في الصلاة ورفعها و وضع على كفه على رسغه الأيسر الا أن يحك جلدا أو يصلح ثوبا) هذا
الاستثناء من بقية أثر علي على ما سأوضحه وظن قوم أنه من تتمة الترجمة فقال بن رشيد قوله الا أن
يحك جلدا أو يصلح ثوبا هو مستثنى من قوله إذا كان من أمر الصلاة فاستثنى من ذلك جواز
ما تدعو الضرورة إليه من حال المرء مع ما في ذلك من دفع التشويش عن النفس قال وكان الأولى
في هذا الاستثناء أن يكون مقدما قبل قوله وقال ابن عباس انتهى وسبقه إلى دعواه أن الاستثناء
من الترجمة الإسماعيلي في مستخرجه فقال قوله الا أن يحك جلدا ينبغي أن يكون من صلة الباب
عند قوله إذا كان من أمر الصلاة وصرح بكونه من كلام البخاري لا من كلام علي العلامة
علاء الدين مغلطاي في شرحه وتبعه من أخذ ذلك عنه ممن أدركناه وهو وهم وذلك أن الاستثناء
بقية أثر على كذلك رواه مسلم بن إبراهيم أحد مشايخ البخاري عن عبد السلام بن أبي حازم عن
غزوان بن جرير الضبي عن أبيه وكان شديد اللزوم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كان علي
إذا قام إلى الصلاة فكبر ضرب بيده اليمني على رصغه الأيسر فلا يزال كذلك حتى يركع الا أن
يحك جلدا أو يصلح ثوبا هكذا رويناه في السفينة الجرائدية من طريق السلفي بسنده إلى مسلم بن
إبراهيم وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ الا أن يصلح ثوبه أو يحك جسده وهذا
هو الموافق للترجمة و لو كان أثر على انتهى عند قوله الأيسر لما كان فيه تعلق بالترجمة الا ببعد
و هذا من فوائد تخريج التعليقات والرصغ بسكون الصاد المهملة بعدها معجمة قال صاحب
العين هو لغة في الرسغ وهو مفصل ما بين الكف والساعد وقال صاحب المحكم الرصغ مجتمع
الساقين و القدمين ثم أن ظاهر هذه الآثار يخالف الترجمة لأنها مقيدة بما إذا كان العمل من
أمر الصلاة وهي مطلقة وكأن المصنف أشار إلى أن اطلاقها مقيد بما ذكر ليخرج العبث و يمكن
أن يقال لها تعلق بالصلاة لأن دفع ما يؤذى المصلي يعين على دوام خشوعه المطلوب في الصلاة
ويدخل في الاستعانة التعلق بالحبل عند التعب والاعتماد على العصا ونحوهما وقد رخص فيه
بعض السلف و قد مر الأمر بحل الحبل في أبواب قيام الليل وسيأتي ذكر الاختصار بعد أبواب
(قوله و أخذ بأذني اليمني يفتلها) هو شاهد الترجمة لأنه أخذ بإذنه أولا لإدارته من الجانب الأيسر
إلى الجانب الأيمن و ذلك في مصلحة الصلاة ثم أخذ بها أيضا لتأنيسه لكون ذلك ليلا كما تقدم
تقريره في أبواب الصفوف قال ابن بطال استنبط البخاري منه أنه لما جاز للمصلي أن يستعين
بيده في صلاته فيما يختص بغيره كانت استعانته في أمر نفسه ليتقوى بذلك على صلاته و ينشط
لها إذا أحتاج إليه أولي و قد تقدم الكلام على بقية فوائد ديث ابن عباس في أبواب الوتر
(قوله باب ما ينهى من الكلام في الصلاة) في رواية الأصيلي والكشميهني ما ينهى عنه
و في الترجمة إشارة إلى أن بعض الكلام لا ينهى عنه كما سيأتي حكاية الخلاف فيه (قوله حدثنا
ابن نمير) هو محمد ابن عبد الله ابن نمير نسب إلى جده و لم يدرك البخاري عبد الله (قوله كنا نسلم
على النبي صلى الله عليه و سلم و هو في الصلاة) في رواية أبي وائل كنا نسلم في الصلاة و نأمر بحاجتنا
و في رواية أبي الأحوص خرجت في حاجة و نحن يسلم بعضنا على بعض في الصلاة و سيأتي
للمصنف بعد باب نحوه في حديث التشهد (قوله النجاشي) بفتح النون و حكى كسرها و سيأتي
58

تسميته و الإشارة إلى شئ من أمره في كتاب الجنائز أن شاء الله تعالى * (فائده) * روى ابن أبي شيبة
من مرسل أبن سيرين أن النبي صلى الله عليه و سلم رد علي ابن مسعود في هذه القصة السلام
بالإشارة و قد بوب المصنف لمسألة الإشارة في الصلاة بترجمة مفردة و ستأتي في أواخر سجود
السهو قريبا (قوله فلم يرد علينا) زاد مسلم في رواية ابن فضيل قلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك
في الصلاة فترد علينا و كذا في رواية أبي عوانة التي في الهجرة (قوله أن في الصلاة شغلا) في رواية
أحمد عن ابن فضيل لشغلا بزيادة اللام للتأكيد و التنكير فيه للتنويع أي بقراءة القرآن
و الذكر و الدعاء أو للتعظيم أي شغلا و أي شغل لأنها مناجاة مع الله تستدعي الاستغراق بخدمته
فلا يصلح فيها الاشتغال بغيره و قال النووي معناه أن وظيفة المصلي الاشتغال بصلاته و تدبر
ما يقوله فلا ينبغي أن يعرج على غيرها من رد السلام و نحوه زاد في رواية أبي وائل أن الله يحدث
من أمره ما يشاء و أن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة و زاد في رواية كلثوم الخزاعي
الا بذكر الله و ما ينبغي لكم فقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت (قوله هريم) بهاء وراء مصغرا
و السلولي بفتح المهملة ولامين الأولى خفيفة مضمومة ورجال الإسنادين من الطريقين
كلهم كوفيون و سفيان هو الثوري و رواية الأعمش بهذا الإسناد مما عد من أصح الأسانيد (
قوله نحوه) ظاهر في أن لفظ رواية هريم غير متحد مع لفظ رواية ابن فضيل و أن معناهما واحد
و كذا أخرج مسلم الحديث من الطريقين و قال في رواية هريم أيضا نحوه و لم اقف على سياق
لفظ هريم الا عند الجوزقي فإنه ساقه من طريق إبراهيم بن إسحاق الزهري عنه و لم أر بينهما
مغايرة الا أنه قال قدمنا بدل رجعنا و زاد فقيل له يا رسول الله و الباقي سواء و سيأتي في الهجرة
من طريق أبي عوانة عن الأعمش أوضح من هذا و للحديث طرق أخرى منها عند أبي داود
و النسائي من طريق أبي ليلى عن ابن مسعود و عند النسائي من طريق كلثوم الخزاعي عنه
و عند بن ماجة و الطحاوي من طريق أبي الأحوص عنه و سيأتي التنبيه عليه في باب قوله تعالى
كل يوم هو في شان من أواخر كتاب التوحيد (قوله عن إسماعيل) هو ابن أبي خالد و الحرث بن
شبيل ليس له في البخاري غير هذا الحديث و أبوه بمعجمة و موحدة و آخره لام مصغر و ليس لأبي عمرو
سعيد بن إياس الشيباني شيخه عن زيد بن أرقم غيره (قوله أن كنا لنتكلم) بتخفيف النون و هذا
حكمه الرفع و كذا قوله أمرنا لقوله فيه على عهد النبي صلى الله عليه و سلم حتى و لو لم يقيد بذلك
لكان ذكر نزول الآية كافيا في كونه مرفوعا (قوله يكلم أحدنا صاحبه بحاجته) تفسير لقوله
نتكلم و الذي يظهر إنهم كانوا لا يتكلمون فيها بكل شئ و إنما يقتصرون على الحاجة من رد
السلام و نحوه (قوله حتى نزلت) ظاهر في أن نسخ الكلام في الصلاة وقع بهذه الآية فيقتضي
أن النسخ وقع بالمدينة لأن الآية مدنية باتفاق فيشكل ذلك على قول ابن مسعود أن ذلك وقع
لما رجعوا من عند النجاشي و كان رجوعهم من عنده إلى مكة و ذلك أن بعض المسلمين هاجر
إلى الحبشة ثم بلغهم أن المشركين أسلموا فرجعوا إلى مكة فوجدوا الأمر بخلاف ذلك و اشتد
الأذى عليهم فخرجوا إليها أيضا فكانوا في المرة الثانية أضعاف الأولى و كان ابن مسعود مع
الفريقين و اختلف في مراده بقوله فلما رجعنا هل أراد الرجوع الأول أو الثاني فجنح القاضي
أبو الطيب الطبري و آخرون إلى الأول و قالوا كان تحريم الكلام بمكة و حملوا حديث زيد على أنه
59

و قومه لم يبلغهم النسخ و قالوا لا مانع أن يتقدم الحكم ثم تنزل الآية بوفقه و جنح آخرون إلى
الترجيح فقالوا يترجح حديث ابن مسعود بأنه حكى لفظ النبي صلى الله عليه و سلم بخلاف زيد بن
أرقم فلم يحكه و قال آخرون إنما أراد ابن مسعود رجوعه الثاني و قد ورد أنه قدم المدينة و النبي
صلى الله عليه و سلم يتجهز إلى بدر و في مستدرك الحاكم من طريق أبي إسحاق عن عبد الله بن
عتبة بن مسعود عن ابن مسعود قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى النجاشي ثمانين
رجلا فذكر الحديث بطوله و في آخره فتعجل عبد الله بن مسعود فشهد بدرا و في السير لا بن إسحاق
أن المسلمين بالحبشة لما بلغهم أن النبي صلى الله عليه و سلم هاجر إلى المدينة رجع معهم
إلى مكة ثلاثة و ثلاثون رجلا فمات منهم رجلان بمكة و حبس منهم سبعة و توجه إلى المدينة أربعة
و عشرون رجلا فشهدوا بدرا فعلى هذا كان ابن مسعود من هؤلاء فظهر أن اجتماعه بالنبي صلى
الله عليه و سلم بعد رجوعه كان بالمدينة و إلى هذا الجمع نحا الخطابي و لم يقف من تعقب كلامه
على مستنده و يقوى هذا الجمع رواية كلثوم المتقدمة فإنها ظاهرة في أن كلا من ابن مسعود و زيد
ابن أرقم حكى أن الناسخ قوله تعالى و قوموا لله قانتين و أما قول ابن حبان كان نسخ الكلام بمكة
قبل الهجرة بثلاث سنين قال و معنى قول زيد بن أرقم كنا نتكلم أي كان قومي يتكلمون لان
قومه كانوا يصلون قبل الهجرة مع مصعب بن عمير الذي كان يعلمهم القرآن فلما نسخ تحريم
الكلام بمكة بلغ ذلك أهل المدينة فتركوه فهو متعقب بأن الآية مدنية باتفاق و بان إسلام
الأنصار و توجه مصعب بن عمير إليهم انما كان قبل الهجرة بسنة واحدة و بأن في حديث زيد بن
أرقم كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا أخرجه الترمذي فانتفى أن يكون المراد
الأنصار الذين كانوا يصلون بالمدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه و سلم إليهم و أجاب ابن حبان
في موضع آخر بان زيد بن أرقم أراد بقوله كنا نتكلم من كان يصلي خلف النبي صلى الله عليه و سلم
بمكة من المسلمين و هو متعقب أيضا بأنهم ما كانوا بمكة يجتمعون الا نادرا و بما روى الطبراني من
حديث أبي امامه قال كان الرجل إذا دخل المسجد فوجدهم يصلون سأل الذي إلى جنبه فيخبره
بما فاته فيقضي ثم يدخل معهم حتى جاء معاذ يوما فدخل في الصلاة فذكر الحديث و هذا كان
بالمدينة قطعا لأن أبا امامه و معاذ بن جبل إنما أسلما بها (قوله حافظوا على الصلوات الآية)
كذا في رواية كريمة و ساق في رواية أبي ذر و أبي الوقت الآية إلى آخرها و انتهت رواية الأصيلي إلى
قوله الوسطى و سيأتي الكلام على المراد بالوسطى و بالقنوت في تسفير البقرة وحديث زيد ابن أرقم
ظاهر في أن المراد بالقنوت السكوت (قوله فأمرنا بالسكوت) أي عن الكلام المتقدم ذكره
لا مطلقا فإن الصلاة ليس فيها حال سكوت حقيقة قال ابن دقيق العيد و يترجح بما دل عليه لفظ
حتى التي للغاية و الفاء التي تشعر بتعليل ما سبق عليها لما يأتي بعدها * (تنبيه) * زاد مسلم في روايته
و نهينا عن الكلام و لم يقع في البخاري و ذكرها صاحب العمدة و لم ينبه أحد من شراحها عليها
و استدل بهذه الزيادة على أن الأمر بالشئ ليس نهيا عن ضده إذ لو كان كذلك لم يحتج إلى قوله و نهينا
عن الكلام و أجيب بان دلالته على ضده دلالة التزام و من ثم وقع الخلاف فلعله ذكر لكونه
أصرح و الله أعلم قال ابن دقيق العيد هذا اللفظ أحد ما يستدل به على النسخ و هو تقدم أحد
الحكمين على الآخر و ليس كقول الراوي هذا منسوخ لأنه يطرقه احتمال أن يكون قاله عن
60

اجتهاد و قيل ليس في هذه القصة نسخ لأن إباحة الكلام في الصلاة كان بالبراءة الأصلية و الحكم
المزيل لها ليس نسخا و أجيب بان الذي يقع في الصلاة و نحوها مما يمنع أو يباح إذا قرره الشارع
كان حكما شرعيا فإذا ورد ما يخالفه كان ناسخا و هو كذلك هنا قال ابن دقيق العيد و قوله نهينا
عن الكلام يقتضي أن كل شئ يسمى كلاما فهو منهي عنه حملا للفظ على عمومه و يحتمل أن
تكون اللام للعهد الراجع إلى قوله يكلم الرجل منا صاحبه بحاجته و قوله فأمرنا بالسكوت
أي عما كانوا يفعلونه من ذلك * (تكميل) * اجمعوا على أن الكلام في الصلاة من عالم بالتحريم
عامد لغير مصلحتها أو انقاذ مسلم مبطل لها و اختلفوا في الساهي و الجاهل فلا يبطلها القليل منه
عند الجمهور و أبطلها الحنفية مطلقا كما سيأتي في الكلام على حديث ذي اليدين في السهو
و اختلفوا في أشياء أيضا كمن جرى على لسانه بغير قصد أو تعمد إصلاح الصلاة لسهو دخل على
امامه أو لانقاذ مسلم لئلا يقع في مهلكة أو فتح على امامه أو سبح لمن مر به أو رد السلام أو أجاب
دعوة أحد والديه أو أكره على الكلام أو تقرب بقربة كأعتقت عبدي لله ففي جميع ذلك
خلاف محل بسطه كتب الفقه و ستأتي الإشارة إلى بعضه حيث يحتاج إليه قال ابن المنير
في الحاشية الفرق بين قليل الفعل للعامد فلا يبطل و بين قليل الكلام أن الفعل لا تخلو منه الصلاة
غالبا لمصلحتها و تخلو من الكلام الأجنبي غالبا مطردا و الله أعلم (قوله باب ما يجوز
من التسبيح و الحمد في الصلاة) قال ابن رشيد أراد الحاق التسبيح بالحمد بجامع الذكر لأن
الذي في الحديث الذي ساقه ذكر التحميد دون التسبيح (قلت) بل الحديث مشتمل عليهما لكنه
ساقه هنا مختصرا و قد تقدم في باب من دخل ليؤم الناس من أبواب الإمامة من طريق مالك عن
أبي حازم و فيه فرفع أبو بكر يديه فحمد الله تعالى و في آخره من نابه شئ في صلاته فليسبح و سيأتي
في أواخر أبواب السهو عن قتيبة عن عبد العزيز بن أبي حازم و فيه هذا (قوله للرجال) قال ابن
رشيد قيده بالرجال لأن ذلك عنده لا يشرع للنساء و قد أشعر بذلك تبويبه بعد حيث قال باب
التصفيق للنساء و وجهه أن دلالة العموم لفظيه وضعيه و دلالة المفهوم من لوازم اللفظ عند
الأكثرين و قد قال في الحديث التسبيح للرجال و التصفيق للنساء فكأنه قال لا تسبيح الا للرجال
و لا تصفيق الا للنساء و كأنه قدم المفهوم على العموم للعمل بالدليلين لأن في أعمال العموم ابطالا
للمفهوم و لا يقال أن قوله للرجال من باب اللقب لأنا نقول بل هو من باب الصفة لأنه في معنى
الذكور البالغين انتهى و قد تقدم الكلام على فوائد هذا الحديث في الباب المذكور و فيه من
الفوائد مما تقدم بعضها مبسوطا جواز تأخير الصلاة عن أول الوقت و أن المبادرة إليها أولي من
انتظار الإمام الراتب و أنه لا ينبغي التقدم على الجماعة الا برضا منهم يؤخذ ذلك من قول أبي بكر
أن شئتم مع علمه بأنه أفضل الحاضرين و أن الالتفات في الصلاة لا يقطعها و أن من سبح أو حمد
لأمر ينوبه لا يقطع صلاته و لو قصد بذلك تنبيه غيره خلافا لمن قال بالبطلان و قوله فيه فقال
سهل أي ابن سعد راوي الحديث هل تدرون ما التصفيح هو التصفيق و هذه حجة لمن قال إنهما
بمعنى واحد و به صرح الخطابي و أبو علي القالي و الجوهري و غيرهم و ادعى بن حزم نفي الخلاف
في ذلك و تعقب بما حكاه عياض في الإكمال أنه بالحاء الضرب بظاهر إحدى اليدين على الأخرى
وبالقاف بباطنها على باطن الأخرى و قيل بالحاء الضرب بأصبعين للانذار و التنبيه و بالقاف
61

بجميعها للهو و اللعب و أغرب الداودي فزعم أن الصحابة ضربوا بأكفهم على أفخاذهم قال
عياض كأنه أخذه من حديث معاوية بن الحكم الذي أخرجه مسلم ففيه فجعلوا يضربون
بأيديهم على أفخاذهم (قوله باب من سمي قوما أو سلم في الصلاة على غيره و هو لا يعلم)
كذا للأكثر و زاد في رواية كريمة بعد على غيره مواجهة و حكى ابن رشيد أن في رواية أبي ذر عن
الحموي إسقاط الهاء من غيره و إضافة مواجهة قال و يحتمل أن يكون بتنوين غير و فتح الجيم
من مواجهة و بالنصب فيوافق المعنى الأول و يحتمل أن يكون بتاء التأنيث فيكون المعنى
لا تبطل الصلاة إذا سلم على غير مواجهة و مفهومه أنه إذا كان مواجهة تبطل قال و كأن مقصود
البخاري بهذه الترجمة أن شيئا من ذلك لا يبطل الصلاة لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يأمرهم
بالإعادة و إنما علمهم ما يستقبلون لكن يرد عليه أنه لا يستوي حال الجاهل قبل وجود الحكم
مع حالة بعد ثبوته و يبعد أن يكون الذين صدر منهم الفعل كان عن غير علم بل الظاهر أن ذلك
كان عندهم شرعا مقررا فورد النسخ عليه فيقع الفرق انتهى و ليس في الترجمة تصريح بجواز
و لا بطلان و كأنه ترك ذلك لاشتباه الأمر فيه و قد تقدم الكلام على فوائد حديث الباب في
أواخر صفة الصلاة و قوله في هذا السياق و سمي ناسا بأعيانهم يفسره قوله في السياق المتقدم
السلام على جبريل السلام على ميكائيل الخ و قوله و يسلم بعضنا على بعض ظاهر فيما ترجم
له و الله تعالى أعلم (قوله باب التصفيق للنساء) تقدم الكلام عليه قبل باب
و سفيان في الإسناد الأول هو ابن عيينة و في الثاني هو الثوري و يحيى شيخ البخاري هو أبن جعفر
و كان منع النساء من التسبيح لأنها مأموره بخفض صوتها في الصلاة مطلقا لما يخشى من الافتتان و منع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء و عن مالك و غيره في قوله التصفيق
للنساء أي هو من شأنهن في غير الصلاة و هو على جهة الذم له و لا ينبغي فعله في الصلاة لرجل و لا
امرأة و تعقب برواية حماد بن زيد عن أبي حازم في الأحكام بصيغة الأمر فليسبح الرجال و ليصفق
النساء فهذا نص يدفع ما تأوله أهل هذه المقالة قال القرطبي القول بمشروعية التصفيق للنساء
هو الصحيح خبرا و نظرا (قوله باب من رجع القهقرى في الصلاة أو تقدم بأمر
ينزل به رواه سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه و سلم) يشير بذلك إلى حديثه الماضي قريبا
ففيه فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ثم رجع القهقرى و أما قوله أو تقدم فهو مأخوذ من الحديث
أيضا و ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم وقف في الصف الأول خلف أبي بكر على إرادة الائتمام به
فامتنع أبو بكر من ذلك فتقدم النبي صلى الله عليه و سلم و رجع أبو بكر من موقف الإمام إلى
موقف المأموم و يحتمل أن يكون المراد بحديث سهل ما تقدم في الجمعة من صلاته صلى الله عليه
و سلم على المنبر و نزوله القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم تقدم حتى عاد إلى مقامه و الله أعلم
و استدل به على جواز العمل في الصلاة إذا كان يسيرا و لم يحصل فيه التوالي (قوله حدثنا بشر
ابن محمد) هو المروزي و عبد الله هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد (قوله قال يونس قال الزهري)
أي قال قال يونس و هي تحذف خطا في الاصطلاح لا نطقا (قوله ففجأهم) قال ابن التين كذا
62

وقع في الأصل بالألف و حقه أن يكتب بالياء لأن عينه مكسورة كوطئهم انتهى و بقية فوائد المتن
تقدمت في باب أهل العلم و الفضل أحق بالإمامة من أبواب الإمامة و يأتي الكلام عليه مستوفي
في أواخر المغازي أن شاء الله تعالى (قوله باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة) أي
هل يجب اجابتها أم لا و إذا وجبت هل تبطل الصلاة أو لا في المسألتين خلاف و لذلك حذف
المصنف جواب الشرط (قوله و قال الليث) وصله الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي أحد
شيوخ البخاري عن الليث مطولا و جعفر هو ابن ربيعة المصري و جريج بجيمين مصغر و قوله
في وجه المياميس في رواية أبي ذر وجوه بصيغة الجمع و المياميس جمع مومسة بكسر الميم و هي
الزانية قال ابن الجوزي اثبات الياء فيه غلط و الصواب حذفها و خرج على اشباع الكسرة
و حكى غيره جوازه قال ابن بطال سبب دعاء أم جريج على ولدها أن الكلام في الصلاة كان في
شرعهم مباحا فلم آثر استمراره في صلاته و مناجاته على اجابتها دعت عليه لتأخيره حقها انتهى
و الذي يظهر من ترديده في قوله أمي و صلاتي أن الكلام عنده يقطع الصلاة فلذلك لم يجبها و قد
روى الحسن بن سفيان و غيره من طريق الليث عن يزيد بن حوشب عن أبيه قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه و سلم يقول لو كان جريج عالما لعلم أن اجابته أمه أولي من عبادة ربه و يزيد
هذا مجهول و حوشب بمهملة ثم معجمه وزن جعفر و وهم الدمياطي فزعم أنه ذو ظليم و الصواب
أنه غيره لأن ذا ظليم لم يسمع من النبي صلى الله عليه و سلم و هذا وقع التصريح بسماعه و قوله فيه
يا بابوس بموحدتين بينهما ألف ساكنه و الثانية مضمومة و آخره مهملة قال القزاز هو الصغير
و قال ابن بطال الرضيع و هو بوزن جاسوس و اختلف هل هو عربي أو معرب و أغرب الداودي
الشارح فقال هو اسم ذلك الولد بعينه و فيه نظر و قد قال الشاعر
* حنت قلوصى إلى بابوسها جزعا * و قال الكرماني أن صحت الرواية بتنوين السين تكون
كنية له و يكون معناه يا أبا الشدة و سيأتي بقية الكلام عليه في ذكر بني إسرائيل (قوله
باب مسح الحصي في الصلاة) قال ابن رشيد ترجم بالحصى و المتن الذي أورده في
التراب لينبه على الحاق الحصي بالتراب في الاقتصار على التسوية مرة و أشار بذلك أيضا إلى ما ورد
في بعض طرقه بلفظ الحصي كما أخرجه مسلم من طريق وكيع عن هشام الدستوائي عن يحيى
ابن أبي كثير بلفظ المسح في المسجد يعني الحصي قال ابن رشيد لما كان في الحديث يعني
و لا يدري أهي قول الصحابي أو غيره عدل عنها البخاري إلى ذكر الرواية التي فيها التراب و قال
الكرماني ترجم بالحصى لأن الغالب أنه يوجد في التراب فيلزم من تسويته مسح الحصي
(قلت) قد أخرجه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن هشام بلفظ فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة
تسوية الحصي أخرجه الترمذي من طريق الأوزاعي عن يحيى بلفظ سألت النبي صلى الله عليه
و سلم عن مسح الحصي في الصلاة فلعل البخاري أشار إلى هذه الرواية أو إلى ما رواه أحمد من
حديث حذيفة قال سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن كل شئ حتى عن مسح الحصي فقال
واحدة أو دع و رواه أصحاب السنن من حديث أبي ذر بلفظ إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة
تواجهه فلا يمسح الحصي و قوله إذا قام المراد به الدخول في الصلاة ليوافق حديث الباب فلا
يكون منهيا عن المسح قبل الدخول فيها بل الأولى أن يفعل ذلك حتى لا يشتغل باله و هو في الصلاة
63

به * (تنبيه) * التقييد بالحصى و بالتراب خرج للغالب لكونه كان الموجود في فرش المساجد
إذ ذاك فلا يدل تعليق الحكم به على نفيه عن غير مما يصلي عليه من الرمل و القذى و غير ذلك
(قوله حدثنا شيبان) هو ابن عبد الرحمن و يحيى هو ابن أبي كثير (قوله عن أبي سلمة) هو ابن عبد
الرحمن و في رواية الترمذي من طريق الأوزاعي عن يحيى حدثني أبو سلمة و معيقيب بالمهملة
و بالقاف و آخره موحدة مصغر هو ابن أبي فاطمة الدوسي حليف بني عبد شمس كان من السابقين
الأولين و ليس له في البخاري الا هذا الحديث الواحد (قوله في الرجل) أي حكم الرجل و ذكر
للغالب و إلا فالحكم جار في جميع المكلفين و حكى النووي اتفاق العلماء على كراهة مسح الحصي
و غيره في الصلاة و فيه نظر فقد حكى الخطابي في المعالم عن مالك أنه لم ير به بأسا و كان بالصلاة فكأنه
لم يبلغه الخبر و أفرط بعض أهل الظاهر فقال أنه حرام إذا زاد على واحدة لظاهر النهي و لم يفرق
بين ما إذا توالى أو لا مع أنه لم يقل بوجوب الخشوع و الذي يظهر أن علة كراهيته المحافظة على
الخشوع أو لئلا يكثر العمل في الصلاة لكن حديث أبي ذر المتقدم يدل على أن العلة فيه أن
لا يجعل بينه و بين الرحمة التي تواجهه حائلا و روى ابن أبي شيبة عن أبي صالح السمان قال إذا
سجدت فلا تمسح الحصي فإن كل حصاة تحب أن يسجد عليها فهذا تعليل آخر و الله أعلم (قوله
حيث يسجد) أي مكان السجود و هل يتناول العضو الساجد لا يبعد ذلك و قد روى ابن أبي شيبة
عن أبي الدرداء قال ما أحب أن لي حمر النعم و إني مسحت مكان جبيني من الحصي و قال عياض
كره السلف مسح الجبهة في الصلاة قبل الانصراف (قلت) و قد تقدم في أواخر صفة الصلاة
حكاية استدلال الحميدي لذلك بحديث أبي سعيد في رؤيته الماء و الطين في جبهة النبي صلى الله
عليه و سلم بعد أن انصرف من صلاة الصبح (قوله فواحدة) بالنصب على إضمار فعل أي فامسح
واحدة أو على النعت لمصدر محذوف و يجوز الرفع على إضمار الخبر أي فواحدة تكفي أو إضمار
المبتدأ أي فالمشروع واحدة و وقع في رواية الترمذي أن كنت فاعلا فمرة واحدة (قوله
باب بسط الثوب في الصلاة للسجود) هذه الترجمة من جملة العمل اليسير في الصلاة
أيضا و هو أن يتعمد إلقاء الثوب على الأرض ليسجد عليه و قد تقدم الكلام عليه في أوائل
الصلاة و تقدم الخلاف في ذلك و تفرقه من فرق بين الثوب الذي هو لابسه أو غير لابسه (قوله
حدثنا بشر) هو ابن المفضل و غالب هو القطان كما وقع في رواية أبي ذر (قوله باب
ما يجوز من العمل في الصلاة) أي غير ما تقدم أورد فيه حديث عائشة في نومها في قبلة النبي صلى
الله عليه و سلم و غمزه لها إذا سجد و قد تقدم الكلام عليه في باب الصلاة على الفراش في أوائل
الصلاة (قوله حدثنا محمود) هو ابن غيلان و شبابة بمعجمة و موحدتين الأولى خفيفه (قوله أن
الشيطان عرض) تقدم في باب ربط الغريم في المسجد من أبواب المساجد من وجه آخر عن
شعبة بلفظ أن عفريتا من الجن تفلت علي و هو ظاهر في أن المراد بالشيطان في هذه الرواية غير
إبليس كبير الشياطين (قوله فشد على) بالمعجمة أي حمل (قوله ليقطع) في رواية الحموي و المستملي
بحذف اللام (قوله فذعته) يأتي ضبطه بعد (قوله فتنظروا) في رواية الحموي و المستملي
أو تنظروا إليه بالشك و قد تقدم بعض الكلام على هذا الحديث في الباب المذكور و يأتي
الكلام على بقيته في أول بدء الخلق أن شاء الله تعالى (قوله قال النضر بن شميل فذعته بالذال)
64

يعني المعجمة و تخفيف العين المهملة أي خنقته و أما فدعته بالمهملة و تشديد العين فمن قوله تعالى
يوم يدعون إلى نار جهنم أي يدفعون و الصواب الأول الا أنه يعني شعبة كذا قاله بتشديد العين
انتهى و هذا الكلام وقع في رواية كريمة عن الكشميهني و قد أخرجه مسلم من طريق النضر
ابن شميل بدون هذه الزيادة و هي في كتاب غريب الحديث للنضر و هو في مروياتنا من طريق
أبي داود المصاحفي عن النضر كما بينته في تعليق التعليق (قوله باب إذا انفلتت
الدابة في الصلاة) أي ماذا يصنع (قوله و قال قتادة الخ) وصله عبد الرزاق عن معمر عنه بمعناه
وزاد فيرى صبيا على بئر فيتخوف أن يسقط فيها قال ينصرف له (قوله كنا بالأهواز) بفتح الهمزة
و سكون الهاء هي بلده معروفه بين البصرة و فارس فتحت في خلافة عمر قال في المحكم ليس له
واحدة من لفظه قال أبو عبيدة البكري هي بلد يجمعها سبع كور فذكرها قال ابن خرداد به هي
بلاد واسعه متصله بالجبل و أصبهان (قوله الحرورية) بمهملات أي الخوارج و كان الذي
يقاتلهم إذ ذاك المهلب بن أبي صفرة كما في رواية عمرو بن مرزوق عن شعبة عند الإسماعيلي و ذكر
محمد بن قدامة الجوهري في كتابه أخبار الخوارج أن ذلك كان في سنة خمس و ستين من الهجرة
و كان الخوارج قد حاصروا أهل البصرة مع نافع بن الأزرق حتى قتل و قتل من أمراء البصرة
جماعة إلى أن ولي عبد الله بن الزبير الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي على البصرة و ولي
المهلب بن أبي صفرة على قتال الخوارج و كذا ذكر المبرد في الكامل نحوه و هو يعكر على من ارخ
وفاة أبي برزة سنة أربع و ستين أو قبلها (قوله على جرف نهر) هو بضم الجيم و الراء بعدها فاء
و قد تسكن الراء و هو المكان الذي أكله السيل و للكشميهني بفتح المهملة و سكون الراء أي جانبه
و وقع في رواية حماد بن زيد عن الأزرق في الأدب كنا على شاطئ نهر قد نضب عنه الماء أي زال و هو يقوي
رواية الكشميهني و في رواية مهدي بن ميمون عن الأزرق عن محمد بن قدامة كنت في ظل
قصر مهران بالأهواز على شاطئ دجيل و عرف بهذا تسمية النهر المذكور و هو بالجيم مصغر
(قوله إذا رجل) في رواية الحموي و الكشميهني إذ جاء رجل (قوله قال شعبة هو أبو برزة الأسلمي)
أي الرجل المصلي و ظاهره أن الأزرق لم يسمه لشعبة و لكن رواه أبو داود الطيالسي في مسنده
عن شعبة فقال في آخره فإذا هو أبو برزة الأسلمي و في رواية عمرو بن المرزوق عند الإسماعيلي فجاء
أبو برزة و في رواية حماد في الأدب فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس فصلى و خلاها فانطلقت فاتبعها
و رواه عبد الرزاق عن معمر عن الأزرق بن قيس أن أبا برزة الأسلمي مشى إلى دابته و هو في الصلاة
الحديث و بين مهدي بن ميمون في روايته أن تلك الصلاة كانت صلاة العصر و في رواية عمرو بن
مرزوق عند الإسماعيلي فمضت الدابة في قبلته فانطلق فأخذها ثم رجع القهقرى (قوله فجعل
رجل من الخوارج يقول اللهم أفعل بهذا الشيخ) في رواية الطيالسي فإذا بشيخ يصلي قد
عمد إلى عنان دابته فجعله في يده فنكصت الدابة فنكص معها و معنا رجل من الخوارج
فجعل يسبه و في رواية مهدي أنه قال الا ترى إلى هذا الحمار و في رواية حماد فقال انظروا إلى
هذا الشيخ ترك صلاته من أجل فرس (قوله أو ثمانيا) كذا للكشميهني و في رواية غيره أو
ثماني بغير ألف و لا تنوين و قال ابن مالك في شرح التسهيل الأصل أو ثماني غزوات فحذف
المضاف و أبقى المضاف إليه على حاله و قد رواه عمرو بن المرزوق بلفظ سبع غزوات بغير شك
65

(قوله وشهدت تيسيره) كذا في جميع الأصول و في جميع الطرق من التيسير و حكى ابن التين
عن الداودي أنه وقع عنده و شهدت تستر بضم المثناة و سكون المهملة و فتح المثناة و قال معنى
شهدت تستر أي فتحها و كان في زمن عمر انتهى و لم أر ذلك في شئ من الأصول و مقتضاه أن لا يبقى
في القصة شائبة رفع بخلاف الرواية المحفوظة فإن فيها إشارة إلى أن ذلك كان من شأن النبي
صلى الله عليه و سلم تجويز مثله و زاد عمرو بن مرزوق في آخره قال فقلت للرجل ما أرى الله
الا مخزيك شتمت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و في رواية مهدي بن ميمون
فقلت اسكت فعل الله بك هل تدري من هذا هو أبو برزة صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم
و لم اقف في شئ من الطرق على تسمية الرجل المذكور و في هذا الحديث من الفوائد جواز حكاية
الرجل مناقبه إذا أحتاج إلى ذلك و لم يكن في سياق الفخر و أشار أبو برزة بقوله ورأيت تيسيره
إلى الرد على من شدد عليه في أن يترك دابته تذهب و لا يقطع صلاته و فيه حجة للفقهاء في قولهم
أن كل شئ يخشى اتلافه من متاع و غيره يجوز قطع الصلاة لأجله و قوله مألفها يعني الموضع الذي
ألفته و اعتادته و هذا بناء على غالب أمرها و من الجائز أن لا ترجع إلى مالفها بل تتوجه إلى
حيث لا يدري بمكانها فيكون فيه تضيع المال المنهي عنه * (تنبيه) * ظاهر سياق هذه
القصة أن أبا برزة لم يقطع صلاته و يؤيده قوله في رواية عمرو بن مرزوق فأخذها ثم رجع القهقرى
فإنه لو كان قطعها ما بالى أن يرجع مستدير القبلة و في رجوعه القهقرى ما يشعر بان مشيه إلى
قصدها ما كان كثيرا و هو مطابق لثاني حديثي الباب لأنه يدل أنه صلى الله عليه و سلم تأخر
في صلاته و تقدم و لم يقطعها فهو عمل يسير و مشى قليل فليس فيه استدبار القبلة فلا يضر
و في مصنف ابن أبي شيبة سئل الحسن عن رجل صلى فأشفق أن تذهب دابته قال ينصرف
قيل له أفيتم قال إذا ولى ظهره القبلة استأنف و قد أجمع الفقهاء على أن المشي الكثير في الصلاة
المفروضة يبطلها فيحمل حديث أبي برزة على القليل كما قررناه و قد تقدم أن في بعض طرقه
أن الصلاة المذكورة كانت العصر (قوله وإني أن كنت أن ارجع مع دابتي أحب إلي من أن
أدعها) قال السهيلي إني و ما بعدها اسم مبتدأ و أن ارجع اسم مبدل من الاسم الأول و أحب
خبر عن الثاني و خبر كان محذوف أي إني أن كنت راجعا أحب إلي و قال غيره أن كنت
بفتح الهمزة و حذفت اللام و هي مع كنت بتقدير كوني و في موضع البدل من الضمير في إني
و أن الثانية بالفتح أيضا مصدرية و وقع في رواية حماد فقال أن منزلي متراخ أي متباعد فلو
صليت و تركته أي الفرس لم آت أهلي إلى الليل أي لبعد المكان (قوله أخبرنا عبد الله)
هو ابن المبارك و يونس هو ابن يزيد و قد تقدم ما يتعلق بالكسوف من هذا الحديث من
طريق عقيل و غيره عن الزهري مستوفى و قوله فلما قضى أي فرغ و لم يرد القضاء الذي هو ضد
الأداء (قوله لقد رأيت في مقامي هذا كل شئ وعدته) في رواية ابن وهب عن يونس عند مسلم
وعدتم و له في حديث جابر عرض على كل شئ تولجونه (قوله لقد رأيت) كذا للأكثر و للحموي
و المستملي لقد رأيته و لمسلم حتى لقد رأيتني و هو أوجه (قوله أريد أن أخذ قطفا) في حديث جابر
حتى تناولت منها قطفا فقصرت يدي عنه و القطف بكسر أوله و ذكر ابن الأثير أن كثيرا يروونه
بالفتح و الكسر هو الصواب (قوله قطفا من الجنة) يعني عنقود عنب كما تقدم في الكسوف
66

من حديث أبن عباس (قوله حين رأيتموني جعلت أتقدم) قال الكرماني قال في جهنم حين
رأيتموني تأخرت لأن التقدم كاد أن يقع بخلاف التأخر فإنه قد وقع كذا قال و قد وقع التصريح
بوقوع التقدم و التأخر جميعا في حديث جابر عند مسلم و لفظه لقد جئ بالنار و ذلكم حين
رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها و فيه ثم جئ بالجنة و ذلكم حين رأيتموني تقدمت
حتى قمت في مقامي و قد تقدم الكلام على فوائد هذا الحديث في أبواب الكسوف (قوله و رأيت فيها
عمرو بن لحي) باللام و المهملة مصغر و سيأتي شرح حاله في أخبار الجاهلية (قوله و هو الذي
سيب السوائب) جمع سائبة و سيأتي الكلام عليها في تفسير سورة المائدة أن شاء الله تعالى و في هذا الحديث أن المشي القليل لا يبطل الصلاة و كذا اليسير و أن النار و الجنة مخلوقتان
موجودتان و غير ذلك من فوائده التي تقدمت مستقصاة في صلاة الكسوف
و وجه تعلق
الحديث بالترجمة ظاهر من جهة جواز التقدم و التأخر اليسير لأن الذي تنفلت دابته يحتاج
في حال امساكها إلى التقدم أو التأخر كما وقع لأبي برزة و قد أشرت إلى ذلك في آخر حديثه و أغرب
الكرماني فقال وجه تعلقه بها أن فيه مذمة تسييب الدواب مطلقا سواء كان في الصلاة أم لا
(قوله باب ما يجوز من البصاق و النفخ في الصلاة) وجه التسوية بينهما أنه ربما
ظهر من كل منهما حرفان وهما أقل ما يتألف منه الكلام وأشار المصنف إلى أن بعض ذلك يجوز
و بعضه لا يجوز فيحتمل أنه يرى التفرقة بين ما إذا حصل من كل منهما كلام مفهوم أم لا أو الفرق
ما إذا كان حصول ذلك محققا ففعله يضر وإلا فلا (قوله ويذكر عن عبد الله بن عمرو) أي ابن
العاص (نفخ النبي صلى الله عليه و سلم في سجوده في كسوف) هذا طرف من حديث أخرجه أحمد
و صححه ابن خزيمة و الطبري و ابن حبان من طريق عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو
قال كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام و قمنا معه الحديث بطوله و فيه
و جعل ينفخ في الأرض و يبكي و هو ساجد و ذلك في الركعة الثانية و إنما ذكره البخاري بصيغة
التمريض لأن عطاء بن السائب مختلف في الاحتجاج به و قد اختلط في آخر عمره لكن أخرجه ابن
خزيمة من رواية سفيان الثوري عنه و هو ممن سمع منه قبل اختلاطه و أبوه و ثقة العجلي و ابن حبان
و ليس هو من شرط البخاري ثم أورد البخاري في الباب حديث ابن عمر و حديث أنس في النهي
عن البزاق في القبلة فأما حديث ابن عمر فقوله فيه أن الله قبل أحدكم بكسر القاف و فتح الموحدة
أي مواجهه و قد تقدم في باب حك البزاق باليد من المسجد من أبواب المساجد مع الكلام عليه
و زاد في هذه الرواية فتغيظ على أهل المسجد ففيه جواز معاتبة المجموع على الأمر الذي ينكر وأن
كان الفعل صدر من بعضهم لأجل التحذير من معاودة ذلك (قوله فلا يبزقن أو قال لا يتنخمن) في
رواية الإسماعيلي لا يبزقن أحدكم بين يديه (قوله فيه و قال ابن عمر رضي الله عنهما إذا بزق أحدكم
فليبزق على يساره) في رواية الكشميهني عن يساره هكذا ذكره موقوفا و لم تتقدم هذه الزيادة من
حديث ابن عمر لكن وقع عند الإسماعيلي من طريق إسحق بن أبي إسرائيل عن حماد بن زيد بلفظ
لا يبزقن أحدكم بين يديه و لكن ليبزق خلفه أو عن شماله أو تحت قدمه فساقه كله معطوفا بعضه
على بعض و قد بينت رواية البخاري أن المرفوع منه انتهى إلى قوله فلا يبزقن بين يديه و الباقي
موقوف و قد اقتصر مسلم و أبو داود و غيرهما على المرفوع منه مع أن هذا الموقوف عن ابن عمر قد
67

ثبت مثله من حديث أنس مرفوعا و قد تقدم الكلام على فوائد الحديث في الباب الذي أشرت
إليه قبل و فيما بعده قال ابن بطال و روى عن مالك كراهة النفخ في الصلاة و لا يقطعها كما يقطعها
الكلام و هو قول أبي يوسف و أشهب و أحمد و إسحق و في المدونة النفخ بمنزلة الكلام يقطع الصلاة
و عن أبي حنيفة و محمد أن كان يسمع فهو بمنزلة الكلام و إلا فلا قال و القول الأول أولى و ليس
في النفخ من النطق بالهمزة و الفاء أكثر مما في البصاق من النطق بالتاء و الفاء قال و قد اتفقوا
على جواز البصاق في الصلاة فدل على جواز النفخ فيها إذ لا فرق بينهما و لذلك ذكره البخاري معه
في الترجمة انتهى كلامه و لم يذكر قول الشافعية في ذلك و المصحح عندهم أنه أن ظهر من النفخ أو
التنخم أو البكاء أو الأنين أو التأوه أو التنفس أو الضحك أو التنحنح حرفان بطلت الصلاة و إلا فلا
قال ابن دقيق العيد و لقائل أن يقول لا يلزم من كون الحرفين يتألف منهما الكلام أن يكون كل
حرفين كلاما و أن لم يكن كذلك فالابطال به لا يكون بالنص بل بالقياس فليراع شرطه في مساواة
الفرع للأصل قال و الأقرب أن ينظر إلى مواقع الإجماع و الخلاف حيث لا يسمى الملفوظ به
كلاما فما أجمع على الحاقه بالكلام الحق به وما لا فلا قال و من ضعيف التعليل قولهم إبطال
الصلاة بالنفخ بأنه يشبه الكلام فإنه مردود لثبوت السنة الصحيحة أنه صلى الله عليه و سلم نفخ في
الكسوف انتهى و أجيب بان نفخه صلى الله عليه و سلم محمول على أنه لم يظهر منه شئ من الحروف
ورد بما ثبت في أبي داود و في حديث عبد الله بن عمرو فإن فيه ثم نفخ في آخر سجوده فقال أف أف
فصرح بظهور الحرفين و في الحديث أيضا أنه صلى الله عليه و سلم قال و عرضت علي النار
فجعلت انفخ خشية أن يغشاكم حرها و النفخ لهذا الغرض لا يقع الا بالقصد إليه فانتفى قول من
حمله على الغلبة و الزيادة المذكورة من رواية حماد بن سلمة عن عطاء و قد سمع منه قبل الاختلاط
في قول يحيى بن معين و أبي داود و الطحاوي و غيرهم و أجاب الخطابي بان أف لا تكون كلاما حتى
يشدد الفاء قال و النافخ في نفخة لا يخرج ألفا صادقة من مخرجها و تعقبه ابن الصلاح بأنه
لا يستقيم على قول الشافعية أن الحرفين كلام مبطل أفهما أو لم يفهما و أشار البيهقي إلى أن ذلك
من خصائص النبي صلى الله عليه و سلم ورد بان الخصائص لا تثبت الا بدليل * (تنبيهان) * الأول
نقل ابن المنذر الإجماع على أن الضحك يبطل الصلاة و لم يقيده بحرف و لا حرفين و كأن الفرق بين
الضحك و البكاء أن الضحك يهتك حرمة الصلاة بخلاف البكاء و نحوه و من ثم قال الحنفية و غيرهم
أن كان البكاء من أجل الخوف من الله تعالى لا تبطل به الصلاة مطلقا (الثاني) ورد في كراهة
النفخ في الصلاة حديث مرفوع أخرجه الترمذي من حديث أم سلمة قالت رأى النبي صلى الله
عليه و سلم غلاما لنا يقال له أفلح إذا سجد نفخ فقال يا أفلح ترب وجهك رواه الترمذي و قال ضعيف
الإسناد (قلت) و لو صح لم يكن فيه حجة على إبطال الصلاة بالنفخ لأنه لم يأمره بإعادة الصلاة و إنما
استفاد من قوله ترب وجهك استحباب السجود على الأرض فهو نحو النهي عن مسح الحصي و في
الباب عن أبي هريرة في الأوسط للطبراني و عن زيد بن ثابت عند البيهقي و عن أنس و بريدة عند البزار
و أسانيد الجميع ضعيفة جدا و ثبت كراهة النفخ عن ابن عباس كما رواه ابن أبي شيبة و الرخصة
فيه عن قدامة بن عبد الله أخرجه البيهقي (قوله باب من صفق جاهلا من الرجال في
صلاته لم تفسد صلاته) فيه سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه و سلم يشير بذلك إلى حديثه الآتي
68

بعد بابين لكنه بلفظ ما لكم حين نابكم شئ في الصلاة أخذتم بالتصفيح و سيأتي في آخر باب من
أبواب السهو بلفظ التصفيق و مناسبته للترجمة من جهة أنه لم يأمرهم بالإعادة (قوله
باب إذا قيل للمصلي تقدم أو أنتظر فانتظر فلا بأس) قال الإسماعيلي كأنه ظن المخاطبة
للنساء وقعت بذلك و هن في الصلاة و ليس كما ظن بل هو شئ قيل لهن قبل أن يدخلن في الصلاة
انتهى و الجواب عن البخاري أنه لم يصرح بكون ذلك قيل لهن و هن داخل الصلاة بل مقصوده
يحصل بقول ذلك لهن داخل الصلاة أو خارجها و الذي يظهر أن النبي صلى الله عليه و سلم
وصاهن بنفسه أو بغيره بالانتظار المذكور قبل أن يدخلن في الصلاة ليدخلن فيها على علم
و يحصل المقصود من حيث انتظارهن الذي أمرن به فإن فيه انتظارهن للرجال و من لازمه
نقدم الرجال عليهن و محصل مراد البخاري أن الانتظار أن كان شرعيا جاز و إلا فلا قال ابن بطال
قوله تقدم أي قبل رفيقك و قوله أنتظر أي تأخر عنه و استنبط ذلك من قوله للنساء لا ترفعن
رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا فيقتضي امتثال ذلك تقدم الرجال عليهن و تأخرهن عنهم
و فيه من الفقه جواز وقوع فعل المأموم بعد الإمام و جواز سبق المأمومين بعضهم بعضا في
الأفعال و جواز التربص في أثناء الصلاة لحق الغير و لغير مقصود الصلاة و يستفاد منه جواز
انتظار الإمام في الركوع لمن يدرك الركعة و في التشهد لمن يدرك الجماعة و فرع ابن المنير
على أنه قيل ذلك للنساء داخل الصلاة فقال فيه جواز اصغاء المصلي في الصلاة لمن يخاطبه المخاطبة
الخفيفة (قوله حدثنا محمد بن كثير) هو العبدي البصري و لم يخرج البخاري للكوفي و لا للشامي
و لا للصغاني شيئا و سفيان هو الثوري و قد تقدم الكلام على المتن في أوائل كتاب الصلاة (قوله
باب لا يرد السلام في الصلاة) أي باللفظ المتعارف لأنه خطاب ادمي و اختلف فيما إذا
رده بلفظ الدعاء كان يقول اللهم اجعل على من سلم علي السلام ثم أورد المصنف حديث عبد الله
و هو ابن مسعود في ذلك و قد تقدم قريبا في باب ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة ثم أورد
حديث جابر و هو دال على أن الممتنع الرد باللفظ (قوله شنظير) بكسر المعجمة و سكون النون
بعدها ظاء معجمه مكسورة و هو علم على والد كثير و هو في اللغة السئ الخلق (قوله بعثني النبي
صلى الله عليه و سلم في حاجة) بين مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر أن ذلك كان في غزوة بني
المصطلق (قوله فلم يرد علي) في رواية مسلم المذكورة فقال لي بيده هكذا و في رواية له أخرى
فأشار إلي فيحمل قوله في حديث الباب فلم يرد علي أي باللفظ و كأن جابرا لم يعرف أو لا أن المراد
بالإشارة الرد عليه فلذلك قال فوقع في قلبي ما الله أعلم به أي من الحزن و كأنه أبهم ذلك أشعارا
بأنه لا يدخل من شدته تحت العبارة (قوله وجد) بفتح أوله و الجيم أي غضب (قوله إني أبطأت)
في رواية الكشميهني أن أبطأت بنون خفيفه (قوله ثم سلمت عليه فرد علي) أي بعد أن فرغ
من صلاته (قوله (3) و قال ما منعني أن أرد عليك) أي السلام (الا إني كنت أصلي) و لمسلم
فرجعت و هو يصلي على راحلته و وجهه على غير القبلة و في هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم
كراهة ابتداء السلام على المصلي لكونه ربما شغل بذلك فكره و استدعى منه الرد و هو
ممنوع منه و بذلك قال جابر راوي الحديث و كرهه عطاء و الشعبي و مالك في رواية بن وهب
و قال في المدونة لا يكره و به قال أحمد و الجمهور و قالوا يرد إذا فرغ من الصلاة أو و هو فيها
69

بالإشارة و سيأتي اختلافهم في الإشارة في أواخر أبواب سجود السهو (قوله باب رفع
الأيدي في الصلاة لأمر ينزل به) ذكر فيه حديث سهل بن سعد من رواية عبد العزيز عن أبي
حازم و عبد العزيز هذا هو ابن أبي حازم (قوله وحانت الصلاة) الواو فيه حالية و في رواية
الكشميهني و قد حانت الصلاة (قوله أن شئت) في رواية الحموي أن شئتم (قوله من الصف)
في رواية الكشميهني في الصف (قوله فرفع أبو بكر يده) في رواية الكشميهني يديه بالتثنية و هذا
موضع الترجمة و يؤخذ منه أن رفع اليدين للدعاء و نحوه في الصلاة لا يبطلها و لو كان في غير
موضع الرفع لأنها هيئة استسلام وخضوع و قد أقر النبي صلى الله عليه و سلم أبا بكر على ذلك
(قوله حيث أشرت عليك) في رواية الكشميهني حين أشرت إليك و قد تقدم الكلام على فوائده
كما أشرت إليه قريبا (قوله باب الخصر في الصلاة) بفتح المعجمة و سكون المهملة أي
حكم الخصر و المراد وضع اليدين عليه في الصلاة (قوله حدثنا حماد) هو ابن زيد و محمد هو ابن
سيرين (قوله نهى) بضم النون على البناء للمجهول و فاعل ذلك النبي صلى الله عليه و سلم كما في
رواية هشام (قوله وقال هشام) يعني ابن حسان (و أبو هلال) يعني الراسبي (عن ابن سيرين الخ)
أما رواية هشام و هو ابن حسان فوصلها المؤلف في الباب لكن وقع في رواية أبي ذر عن الحموي
و المستملي نهى على البناء للفاعل و لم يسمه و سماه الكشميهني في روايته و قد رواه مسلم و الترمذي من
طريق أبي أسامة عن هشام بلفظ نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن يصلي الرجل مختصرا و كذا
رواه أبو داود من طريق محمد بن سلمة عن هشام كذلك و بلفظ عن الخصر في الصلاة و أما رواية
أبي هلال فوصلها الدارقطني في الأفراد من طريق عمرو بن مرزوق عنه بلفظ عن الاختصار
في الصلاة (قوله نهى) بالضم على البناء للمفعول و في رواية الكشميهني نهى النبي صلى الله
عليه و سلم (قوله متخصرا) في رواية الكشميهني مخصرا بتشديد الصاد و للنسائي مختصرا بزيادة
المثناة و للإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد قال قيل لأيوب أن هشاما روى
عن محمد عن أبي هريرة قال نهى عن الاختصار في الصلاة فقال إنما قال التخصر و كأن سبب
إنكار أيوب لفظ الاختصار لكونه يفهم معنى آخر غير التخصر كما سيأتي و قد فسره ابن أبي شيبة
عن أبي أسامة بالسند المذكور فقال فيه قال ابن سيرين هو أن يضع يده على خاصرته و هو يصلي
و بذلك جزم أبو داود و نقله الترمذي عن بعض أهل العلم و هذا هو المشهور من تفسيره و حكى
الهروي في الغريبين أن المراد بالاختصار قراءة آية أو آيتين من آخر السورة و قيل أن يحذف
الطمأنينة و هذان القولان و أن كان أحدهما من الاختصار ممكنا لكن رواية التخصر و الخصر
تاباهما و قيل الاختصار أن يحذف الآية التي فيها السجدة إذا مر بها في قراءته حتى لا يسجد
70

في الصلاة لتلاوتها حكاه الغزالي و حكى الخطابي أن معناه أن يمسك بيده مخصرة أي عصا يتوكأ
عليها في الصلاة و أنكر هذا ابن العربي في شرح الترمذي فأبلغ و يؤيد الأول ما روى أبو داود
و النسائي من طريق سعيد بن زياد قال صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي فلما
صلى قال هذا الصلب في الصلاة و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى عنه و اختلف في حكمة
النهي عن ذلك فقيل لأن إبليس اهبط متخصرا أخرجه ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال
موقوفا و قيل لأن اليهود تكثر من فعله فنهى عنه كراهة للتشبه بهم أخرجه المصنف في ذكر
بني إسرائيل عن عائشة زاد ابن أبي شيبة فيه في الصلاة و في رواية له لا تشبهوا باليهود و قيل لأنه
راحة أهل النار أخرجه ابن أبي شيبة
أيضا عن مجاهد قال وضع اليد على الحقو استراحة أهل النار
و قيل لأنها صفة الراجز حين ينشد رواه سعيد بن منصور من طريق قيس بن عباد بإسناد حسن
و قيل لأنه فعل المتكبرين حكاه المهلب و قيل لأنه فعل أهل المصائب حكاه الخطابي و قول عائشة
أعلى ما ورد في ذلك و لا منافاة بين الجميع * (تنبيه) * وقع في نسخة الصغاني في باب الخصر في الصلاة
و روى أنه استراحة أهل النار و ما أظن أن قوله روى الخ الا من كلامه لا من كلام البخاري و قد
ذكرت من رواه و لله الحمد و الله أعلم (قوله باب تفكر الرجل الشئ في الصلاة)
الشئ بالنصب على المفعولية و التقييد بالرجل لا مفهوم له لأن بقية المكلفين في حكم ذلك
سواء قال المهلب التفكر أمر غالب لا يمكن الاحتراز منه في الصلاة و لا في غيرها لما جعل الله
للشيطان من السبيل على الإنسان و لكن يفترق الحال في ذلك فإن كان في أمر الآخرة و الدين
كان أخف مما يكون في أمر الدنيا (قوله و قال عمر إني لأجهز جيشي و أنا في الصلاة) وصله
ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي عنه بهذا سواء قال ابن التين إنما هذا فيما
يقل فيه التفكر كأن يقول أجهز فلانا أقدم فلانا أخرج من العدد كذا و كذا فيأتي على
ما يريد في أقل شئ من الفكرة فأما أن يتابع التفكر و يكثر حتى لا يدري كم صلى فهذا اللاهي
في صلاته فيجب عليه الإعادة انتهى و ليس هذا الإطلاق على وجهه و قد جاء عن عمر ما يأباه
فروى ابن أبي شيبة من طريق عروة بن الزبير قال قال عمر إني لأحسب جزية البحرين و أنا في
الصلاة و روى صالح بن أحمد حنبل في كتاب المسائل عن أبيه من طريق همام بن الحرث
أن عمر صلى المغرب فلم يقرأ فلما انصرف قالوا يا أمير المؤمنين انك لم تقرأ فقال إني حدثت
نفسي و أنا في الصلاة بعير جهزتها من المدينة حتى دخلت الشام ثم أعاد و أعاد القراءة و من
طريق عياض الأشعري قال صلى عمر المغرب فلم يقرأ فقال له أبو موسى انك لم تقرأ فأقبل على
عبد الرحمن بن عوف فقال صدق فأعاد فلما فرغ قال لا صلاة ليست فيها قراءة إنما شغلني عير
جهزتها إلى الشام فجعلت أتفكر فيها و هذا يدل على أنه إنما أعاد لترك القراءة لا لكونه كان
مستغرقا في الفكرة و يؤيده ما روى الطحاوي من طريق ضمضم بن حوس عن عبد الرحمن بن
حنظلة بن الراهب أن عمر صلى المغرب فلم يقرأ في الركعة الأولى فلما كانت الثانية قرأ بفاتحة الكتاب
مرتين فلما فرغ و سلم سجد سجدتي السهو و رجال هذه الآثار ثقات و هي محمولة على أحوال
مختلفة و الأخير كأنه مذهب لعمر و لهذه المسألة التفات إلى مسألة الخشوع في الصلاة و قد تقدم البحث فيه في مكانه (قوله حدثنا روح) هو ابن عبادة و عمر بن سعيد هو ابن أبي حسين المكي
71

و قد تقدم هذا الحديث و شيء من فوائده في أواخر صفة الصلاة و هو ظاهر فيما ترجم له لأنه صلى
الله عليه و سلم تفكر في أمر التبر
المذكور ثم لم يعد الصلاة (قوله عن جعفر) هو ابن ربيعة
المصري و قد تقدم الكلام على المتن في أوائل أبواب الأذان مستوفى و شاهد الترجمة قوله حتى
لا يدري كم صلى فإنه يدل على أن التفكر لا يقدح في صحة الصلاة ما لم يترك شيئا من أركانها (قوله
قال أبو سلمة بن عبد الرحمن إذا فعل أحدكم ذلك فليسجد سجدتين و هو قاعد و سمعه أبو سلمة من
أبي هريرة) هذا التعليق طرف من الحديث الذي قبله في رواية أبي سلمة كما سيأتي في خامس ترجمة
من أبواب السهو لكنه من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة وربما تبادر إلى الذهن من سياق
المصنف أن هذه الزيادة من رواية جعفر بن ربيعة عن أبي سلمة و ليس كذلك و سيأتي في سادس
ترجمة أيضا من طريق الزهري عن أبي سلمة لكن باختصار ذكر الأذان و هو من طريق هذين عن
أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا بخلاف ما يوهمه سياقه هنا و سيأتي الكلام عليه أن شاء الله تعالى
هناك (قوله قال قال أبو هريرة) في رواية الإسماعيلي عن أبي هريرة (قوله يقول الناس أكثر
أبو هريرة) أخرجه البيهقي في المدخل من طريق أبي مصعب عن محمد بن إبراهيم بن دينار عن ابن
أبي ذئب بلفظ أن الناس قالوا قد أكثر أبو هريرة من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
و إني كنت ألزمه لشبع بطني فلقيت رجلا فقلت له بأي سوره فذكر الحديث و قال في آخره
أخرجه البخاري عن أبي مصعب انتهى و لم أر هذه الطريق في صحيح البخاري و كأن البيهقي تبع
أطراف خلف فإنه ذكرها و قد قال ابن عساكر لم أجدها و لا ذكرها أبو مسعود انتهى ثم وجدت
في مناقب جعفر صدر هذا الحديث لكن قال بعد قوله لشبع بطني حين لا أكل الخمير و لا ألبس
الحرير فذكر قصة جعفر بن أبي طالب فلعل البيهقي أراد هذا وكأن المقبري و غيره من رواته كان
يحدث به تاما تارة و مختصرا أخرى و قد وقع عند الإسماعيلي من طريق ابن أبي فديك عن ابن
أبي ذئب في أول هذا الحديث حفظت من رسول الله صلى الله عليه و سلم وعاءين الحديث و فيه أن
الناس قالوا أكثر أبو هريرة فذكره و قوله حفظت الخ تقدم في العلم مع الكلام عليه و تقدم في
العلم أيضا من طريق الأعرج عن أبي هريرة أن الناس يقولون أكثر أبو هريرة و الله لولا آيتان
في كتاب الله تعالى ما حدثت الحديث و سيأتي في أوائل البيوع من طريق سعيد بن المسيب
و أبي سلمة عن أبي هريرة قال إنكم تقولون أن أبا هريرة أكثر الحديث و فيه الإشارة إلى سبب
إكثاره و أن المهاجرين و الأنصار كانوا يشغلهم المعاش و هذا يدل على أنه كان يقول هذه المقالة
إمام ما يريد أن يحدث به مما يدل على صحة اكثاره و على السبب في ذلك و على سبب استمراره على
التحديث (قوله فلقيت رجلا) لم اقف على تسميته و لا على تسمية السورة و قوله بم بكسر الموحدة
بغير ألف لأبي ذر و هو المعروف و للأكثر بإثبات الألف و هو قليل أي بأي شئ (قوله البارحة) أي
أقرب ليلة مضت و في هذه القصة إشارة إلى سبب اكثار أبي هريرة وشدة إتقانه و ضبطه
بخلاف غيره و شاهد الترجمة دلالة الحديث على عدم ضبط ذلك الرجل كأنه اشتغل بغير أمر
الصلاة حتى نسي السورة التي قرئت أو دلالته على ضبط أبي هريرة كأنه شغل فكره بأفعال
الصلاة حتى ضبطها و أتقنها كذا ذكر الكرماني هذين الاحتمالين و بالأول جزم غيره و الله أعلم
* (خاتمة) * اشتملت أبواب العمل في الصلاة من الأحاديث المرفوعة على اثنين و ثلاثين حديثا
72

المعلق من ذلك ستة و البقية موصولة المكرر منها فيها و فيما مضى ثلاثة و عشرون حديثا
و البقية خالصة و وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي برزة في قصة انفلات دابته و حديث
عبد الله بن عمرو المعلق في النفخ في السجود و حديث أبي هريرة في التخصر و حديثه في القراءة في
العتمة و فيه من الآثار عن الصحابة و غيرهم ستة آثار و الله أعلم
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم) *
(باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة) و للكشميهني و الأصيلي و أبي
الوقت ركعتي الفرض و سقط لفظ باب من رواية أبي ذر و السهو الغفلة عن الشئ و ذهاب القلب
إلى غيره و فرق بعضهم بين السهو و النسيان و ليس بشئ و اختلف في حكمه فقال الشافعية
مسنون كله و عن المالكية السجود للنقص واجب دون الزيادة و عن الحنابلة التفصيل
بين الواجبات غير الأركان فيجب لتركها سهوا و بين السنن القولية فلا يجب و كذا يجب إذا سها
بزيادة فعل أو قول يبطلها عمده و عن الحنفية واجب كله و حجتهم قوله في حديث ابن مسعود
الماضي في أبواب القبلة ثم ليسجد سجدتين و مثله لمسلم من حديث أبي سعيد و الأمر للوجوب
و قد ثبت من فعله صلى الله عليه و سلم و أفعاله في الصلاة محمولة على البيان و بيان الواجب
واجب و لا سيما مع قوله صلوا كما رأيتموني أصلي (قوله عن عبد الرحمن الأعرج) كذا
في رواية كريمة و لم يسم في رواية الباقين (قوله عن عبد الله بن بحينة تقدم في التشهد أن
بحينة اسم أمه أو أم أبيه و على هذا فينبغي أن يكتب ابن بحينة بألف (قوله صلى لنا) أي بنا
أو لأجلنا و قد تقدم في أبواب التشهد من رواية شعيب عن ابن شهاب بلفظ صلي بهم و يأتي في
الإيمان و النذور من رواية ابن أبي ذئب عن ابن شهاب بلفظ صلى بنا (قوله من بعض الصلوات)
بين في الرواية التي تليها أنها الظهر (قوله ثم قام) زاد الضحاك بن عثمان عن الأعرج فسبحوا
به فمضى حتى فرغ من صلاته أخرجه ابن خزيمة و في حديث معاوية عند النسائي و عقبة بن
عامر عند الحاكم جميعا نحو هذه القصة بهذه الزيادة (قوله فلما قضى صلاته) أي فرغ منها كذا
رواه مالك عن شيخه و قد استدل به لمن زعم أن السلام ليس من الصلاة حتى لو أحدث بعد أن
جلس و قبل أن يسلم تمت صلاته و هو قول بعض الصحابة و التابعين و به قال أبو حنيفة و تعقب
بان السلام لما كان للتحليل من الصلاة كان المصلي إذا انتهى إليه كمن فرغ من صلاته و يدل
على ذلك قوله في رواية ابن ماجة من طريق جماعة من الثقات عن يحيى بن سعيد عن الأعرج
حتى إذا فرغ من الصلاة الا أن يسلم فدل على أن بعض الرواة حذف الاستثناء لوضوحه و الزيادة
من الحافظ مقبولة (قوله و نظرنا تسليمه) أي انتظرنا و تقدم في رواية شعيب بلفظ و انتظر
الناس تسليمه و في هذه الجملة رد على من زعم أنه صلى الله عليه و سلم سجد في قصة ابن بحينة قبل
السلام سهوا أو أن المراد بالسجدتين سجدتا الصلاة أو المراد بالتسليم التسليمة الثانية و لا يخفى
ضعف ذلك و بعده (قوله كبر قبل التسليم فسجد سجدتين) فيه مشروعية سجود السهو و أنه
سجدتان فلو اقتصر على سجدة واحدة ساهيا لم يلزمه شئ أو عامدا بطلت صلاته لأنه تعمد
الاتيان بسجدة زائدة ليست مشروعة و أنه يكبر لهما كما يكبر في غيرهما من السجود و في رواية
73

الليث عن ابن شهاب كما سيأتي بعد ثلاثة أبواب يكبر في كل سجدة و في رواية الأوزاعي فكبر ثم
سجد ثم كبر فرفع رأسه ثم كبر فسجد ثم كبر فرفع رأسه ثم سلم أخرجه ابن ماجة و نحوه في رواية
ابن جريج كما سيأتي بيانه عقب حديث الليث و استدل به على مشروعية التكبير فيهما و الجهر
به كما في الصلاة و أن بينهما جلسة فاصلة و استدل به بعض الشافعية على الاكتفاء بالسجدتين
للسهو في الصلاة و لو تكرر من جهة أن الذي فات في هذه القصة الجلوس و التشهد فيه و كل منهما
لو سها المصلي عنه على انفراده سجد لأجله و لم ينقل أنه صلى الله عليه و سلم سجد في هذه الحالة غير
سجدتين و تعقب بأنه ينبني على ثبوت مشروعية السجود لترك ما ذكر و لم يستدلوا على مشروعية
ذلك بغير هذا الحديث فيستلزم اثبات الشئ بنفسه و فيه ما فيه و قد صرح في بقية الحديث بان
السجود مكان ما نسي من الجلوس كما سيأتي من رواية الليث نعم حديث ذي اليدين دال لذلك
كما سيأتي (قوله و هو جالس) جملة حالية متعلقة بقوله سجد أي أنشأ السجود جالسا (قوله
ثم سلم) زاد في رواية يحيى بن سعيد ثم سلم بعد ذلك و زاد في رواية الليث الآتية و سجدهما
الناس معه مكان ما نسي من الجلوس و استدل به على أن سجود السهو قبل السلام و لا حجة
فيه في كون جميعه كذلك نعم يرد على من زعم أن جميعه بعد السلام كالحنفية و سيأتي ذكر
مستندهم في الباب الذي بعده و استدل بزيادة الليث المذكورة على أن السجود خاص بالسهو
فلو تعمد ترك شئ مما يجبر بسجود السهو لا يسجد و هو قول الجمهور و رجحه الغزالي و ناس من
الشافعية و استدل به أيضا على أن المأموم يسجد مع الإمام إذا سها الإمام و إن لم يسه المأموم
و نقل ابن حزم فيه الإجماع لكن استثنى غيره ما إذا ظن الإمام أنه سها فسجد و تحقق المأموم أن
الإمام لم يسه فيما سجد له و في تصويرها عسر و ما إذا تبين أن الإمام محدث و نقل أبو الطيب الطبري
ان ابن سيرين استثنى المسبوق أيضا و في هذا الحديث أن سجود السهو لا تشهد بعده إذا كان
قبل السلام و قد ترجم له المصنف قريبا و أن التشهد الأول غير واجب و قد تقدم في أواخر صفة
الصلاة و أن من سها عن التشهد الأول حتى قام إلى الركعة ثم ذكر لا يرجع فقد سبحوا به صلى الله
عليه و سلم فلم يرجع فلو تعمد المصلي الرجوع بعد تلبسه بالركن بطلت صلاته عند الشافعي خلافا
للجمهور و أن السهو و النسيان جائزان على الأنبياء عليهم الصلاة و السلام فيما طريقه التشريع
و أن محل سجود السهو آخر الصلاة فلو سجد للسهو قبل أن يتشهد ساهيا أعاد عند من يوجب
التشهد الأخير و هم الجمهور (قوله باب إذا صلى خمسا) قيل أراد البخاري
التفرقة بين ما إذا كان السهو بالنقصان أو الزيادة ففي الأول يسجد قبل السلام كما في الترجمة
الماضية و في الزيادة يسجد بعده و بالتفرقة هكذا قال مالك و المزني و أبو ثور من الشافعية و زعم
ابن عبد البر أنه أولي من قول غيره للجمع بين الخبرين قال و هو موافق للنظر لأنه في النقص جبر
فينبغي أن يكون من أصل الصلاة و في الزيادة ترغيم للشيطان فيكون خارجها و قال ابن دقيق
العيد لا شك أن الجمع أولى من الترجيح و ادعاء النسخ و يترجح الجمع المذكور بالمناسبة
المذكورة و إذا كانت المناسبة ظاهرة و كان الحكم على وفقها كانت علة فيعم الحكم جميع
محالها فلا تخصص الا بنص و تعقب بان كون السجود في الزيادة ترغيما للشيطان فقط ممنوع بل
هو جبر أيضا لما وقع من الخلل فإنه و أن كان زيادة فهو نقص في المعنى و إنما سمى النبي صلى الله
74

عليه و سلم سجود السهو ترغيما للشيطان في حالة الشك كما في حديث أبي سعيد عند مسلم و قال
الخطابي لم يرجع من فرق بين الزيادة و النقصان إلى فرق صحيح و أيضا فقصة ذي اليدين وقع
السجود فيها بعد السلام و هي عن نقصان و أما قول النووي أقوى المذاهب فيها قول مالك ثم
أحمد فقد قال غيره بل طريق أحمد أقوى لأنه قال يستعمل كل حديث فيما ورد فيه و ما لم يرد
فيه شئ يسجد قبل السلام قال و لولا ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك لرأيته كله قبل
السلام لأنه من شان الصلاة فيفعله قبل السلام و قال إسحق مثله الا أنه قال ما لم يرد فيه شئ
يفرق فيه بين الزيادة و النقصان فحرر مذهبه من قولي أحمد و مالك و هو أعدل المذاهب فيما
يظهر و أما داود فجرى على ظاهريه فقال لا يشرع سجود السهو الا في المواضع التي سجد النبي
صلى الله عليه و سلم فيها فقط و عند الشافعي سجود السهو كله قبل السلام و عند الحنفية كله
بعد السلام و اعتمد الحنفية على حديث الباب و تعقب بأنه لم يعلم بزيادة الركعة الا بعد السلام
حين سألوه هل زيد في الصلاة و قد اتفق العلماء في هذه الصورة على أن سجود السهو بعد السلام
لتعذره قبله لعدم علمه بالسهو و إنما تابعه الصحابة لتجويزهم الزيادة في الصلاة لأنه كان زمان توقع
النسخ و أجاب بعضهم بما وقع في حديث ابن مسعود من الزيادة و هي إذا شك أحدكم في
صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين و قد تقدم في أبواب القبلة و أجيب
بأنه معارض بحديث أبي سعيد عند مسلم و لفظه إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى فليطرح الشك
و ليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم و به تمسك الشافعية و جمع بعضهم
بينهما بحمل الصورتين على حالتين و رجح البيهقي طريقة التخيير في سجود السهو قبل السلام
أو بعده و نقل الماوردي و غيره الإجماع على الجواز و إنما الخلاف في الأفضل و كذا أطلق
النووي و تعقب بان إمام الحرمين نقل في النهاية الخلاف في الأجزاء عن المذهب و استبعد القول
بالجواز و كذا نقل القرطبي الخلاف في مذهبهم و هو مخالف لما قاله ابن عبد البر إنه لا خلاف عن
مالك أنه لو سجد للسهو كله قبل السلام أو بعده أن لا شئ عليه فيجمع بان الخلاف بين أصحابه
و الخلاف عند الحنفية قال القدوري لو سجد للسهو قبل السلام روى عن بعض أصحابنا
لا يجوز لأنه أداه قبل وقته و صرح صاحب الهداية بان الخلاف عندهم في الأولوية و قال ابن
قدامة في المقنع من ترك سجود السهو الذي قبل السلام بطلت صلاته إن تعمد و إلا فيتداركه
ما لم يطل الفصل و يمكن أن يقال الإجماع الذي نقله الماوردي و غيره قبل هذه الآراء في المذاهب
المذكورة و قال ابن خزيمة لا حجة للعراقيين في حديث ابن مسعود لأنهم خالفوه فقالوا إن جلس
المصلي في الرابعة مقدار التشهد أضاف إلى الخامسة سادسة ثم سلم و سجد للسهو و أن لم يجلس في
الرابعة لم تصح صلاته و لم ينقل في حديث ابن مسعود إضافة سادسة و لا إعادة و لا بد من أحدهما
عندهم قال و يحرم على العالم أن يخالف السنة بعد علمه بها (قوله عن الحكم) هو ابن عتيبة
الفقيه الكوفي (قوله عن إبراهيم) هو ابن يزيد النخعي (قوله صلى الظهر خمسا) كذا جزم به
الحكم و قد تقدم في أبواب القبلة من رواية منصور عن إبراهيم أتم من هذا السياق و فيه قال
إبراهيم لا أدري زاد أو نقص (قوله فقيل له أزيد في الصلاة فقال وما ذاك) أخرجه مسلم و أبو
داود من طريق إبراهيم بن سويد النخعي عن ابن مسعود بلفظ فلما انفتل توشوش القوم بينهم
75

فقال ما شأنكم قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة قال لا فتبين أن سؤالهم لذلك كان
بعد استفساره لهم عن مساررتهم و هو دال على عظيم أدبهم معه صلى الله عليه و سلم و قولهم
هل زيد في الصلاة يفسر الرواية الماضية في أبواب القبلة بلفظ هل حدث في الصلاة شئ
* (تنبيه) * روى الأعمش عن إبراهيم هذا الحديث مختصرا و لفظه أن النبي صلى الله عليه
و سلم سجد سجدتي السهو بعد السلام و الكلام أخرجه أحمد و مسلم و أبو داود و ابن خزيمة
و غيرهم قال ابن خزيمة أن كان المراد بالكلام قوله و ما ذاك في جواب قولهم أزيد في الصلاة
فهذا نظير ما وقع في قصة ذي اليدين و سيأتي البحث فيه فيها و أن كان المراد به قوله إنما أنا بشر
أنسى كما تنسون فقد اختلف الرواة في الموضع الذي قالها فيه ففي رواية منصور أن ذلك كان بعد
سلامه من سجدتي السهو و في رواية غيره أن ذلك كان قبل و رواية منصور أرجح و الله أعلم (قوله
فسجد سجدتين بعد ما سلم) يأتي في خبر الواحد من طريق شعبة أيضا بلفظ فثنى رجليه و سجد
سجدتين و تقدم في رواية منصور و استقبل القبلة و فيه الزيادة المشار إليها و هي إذا شك أحدكم
في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه و لمسلم من طريق مسعر عن منصور فأيكم شك في صلاته
فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب و له من طريق شعبة عن منصور فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب
و له من طريق فضيل بن عياض عن منصور فليتحر الذي يرى أنه الصواب زاد بن حبان من
طريق مسعر فليتم عليه و اختلف في المراد بالتحري فقال الشافعية هو البناء على اليقين لا على
الأغلب لأن الصلاة في الذمة بيقين فلا تسقط الا بيقين و قال ابن حزم التحري في حديث ابن
مسعود يفسره حديث أبي سعيد يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ و إذا لم يدرأ صلى ثلاثا أو أربعا
فليطرح الشك و ليبن على ما استيقن و روى سفيان في جامعه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر
قال إذا شك أحدكم في صلاته فليتوخ حتى يعلم أنه قد أتم انتهى و في كلام الشافعي نحوه
و لفظه قوله فليتحر أي في الذي يظن أنه نقصه فيتمه فيكون التحري أن يعيد ما شك فيه و يبني على
ما استيقن و هو كلام عربي مطابق لحديث أبي سعيد الا أن الألفاظ تختلف و قيل التحري
الأخذ بغالب الظن و هو ظاهر الروايات التي عند مسلم و قال ابن حبان في صحيحه البناء غير
التحري فالبناء أن يشك في الثلاث أو الأربع مثلا فعليه أن يلغي الشك و التحري أن يشك
في صلاته فلا يدري ما صلى فعليه أن يبني على الأغلب عنده و قال غيره التحري لمن اعتراه الشك
مرة بعد أخرى فيبني على غلبة ظنه و به قال مالك و أحمد و عن أحمد في المشهور التحري يتعلق
بالامام فهو الذي يبني على ما غلب على ظنه و أما المنفرد فيبنى على اليقين دائما و عن أحمد رواية
أخرى كالشافعية و أخرى كالحنفية و قال أبو حنيفة أن طرأ الشك أولا استأنف و أن كثر بنى
على غالب ظنه و إلا فعلى اليقين و نقل النووي أن الجمهور مع الشافعي و أن التحري هو القصد
قال الله تعالى فأولئك تحروا رشدا و حكى الأثرم عن أحمد في معنى قوله صلى الله عليه و سلم
لا غرار في صلاة قال أن لا يخرج منها الا على يقين فهذا يقوي قول الشافعي و أبعد من زعم أن لفظ
التحري في الخبر مدرج من كلام ابن مسعود أو ممن دونه لتفرد منصور بذلك عن إبراهيم دون
رفقته لأن الادراج لا يثبت بالاحتمال و استدل به على أن من صلى خمسا ساهيا و لم يجلس في
الرابعة أن صلاته لا تفسد خلافا للكوفيين و قولهم يحمل على أنه قعد في الرابعة يحتاج إلى
76

دليل بل السياق يرشد إلى خلافه و على أن الزيادة في الصلاة على سبيل السهو لا تبطلها خلافا
لبعض المالكية إذا كثرت و قيد بعضهم الزيادة بما يزيد على نصف الصلاة و على أن من لم يعلم
بسهوه الا بعد السلام يسجد للسهو فإن طال الفصل فالأصح عند الشافعية أنه يفوت محله
و احتج له بعضهم من هذا الحديث بتعقيب اعلامهم لذلك بالفاء و تعقيبه السجود أيضا بالفاء
و فيه نظر لا يخفى و على أن الكلام العمد فيما يصلح به الصلاة لا يفسدها و سيأتي البحث فيه
في الباب الذي بعده و أن من تحول عن القبلة ساهيا لا إعادة عليه و فيه إقبال الإمام على الجماعة
بعد الصلاة و استدل به البيهقي على أن عزوب النية بعد الإحرام بالصلاة لا يبطلها و قد تقدمت
بقية مباحثه في أبواب القبلة (قوله باب إذا سلم في ركعتين أو في ثلاث سجد
سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول) في رواية لغير أبي ذر فسجد و الأول أوجه و على الثاني
يكون الجواب محذوفا تقديره ما يكون الحكم في نظائره * أورد فيه حديث أبي هريرة في قصة ذي
اليدين و ليس في شئ من طرقه الا التسليم في ثنتين نعم ورد التسليم في ثلاث في حديث عمران بن
حصين عند مسلم و سيأتي البحث في كونهما قصتين أولا في الكلام على تسمية ذي اليدين و أما قوله
مثل سجود الصلاة أو أطول فهو في بعض طرق حديث أبي هريرة كما في الباب الذي بعده (قوله
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم) ظاهر في أن أبا هريرة حضر القصة و حمله الطحاوي على
المجاز فقال أن المراد به صلى بالمسلمين و سبب ذلك قول الزهري أن صاحب القصة استشهد ببدر
فإن مقتضاه أن تكون القصة وقعت قبل بدر و هي قبل إسلام أبي هريرة بأكثر من خمس سنين
لكن اتفق أئمة الحديث كما نقله ابن عبد البر و غيره على أن الزهري وهم في ذلك و سببه أنه جعل
القصة لذي الشمالين و ذو الشمالين هو الذي قتل ببدر و هو خزاعي و اسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة
و أما ذو اليدين فتأخر بعد النبي صلى الله عليه و سلم بمدة لأنه حدث بهذا الحديث بعد النبي صلى الله
عليه و سلم كما أخرجه الطبراني و غيره و هو سلمى و اسمه الخرباق على ما سيأتي البحث فيه وقد وقع
عند مسلم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة فقام رجل من بني سليم فلما وقع عند الزهري بلفظ فقام
ذو الشمالين و هو يعرف أنه قتل ببدر قال لأجل ذلك أن القصة وقعت قبل بدر و قد جوز بعض
الأئمة أن تكون القصة وقعت لكل من ذي الشمالين و ذي اليدين و أن أبا هريرة روى الحديثين
فأرسل أحدهما و هو قصة ذي الشمالين و شاهد الآخر و هي قصة ذي اليدين و هذا محتمل من
طريق الجمع و قيل يحمل على أن ذا الشمالين كان يقال له أيضا ذو اليدين و بالعكس فكان ذلك
سببا للاشتباه و يدفع المجاز الذي ارتكبه الطحاوي ما رواه مسلم و أحمد و غيرهما من طريق يحيى بن
أبي كثير عن أبي سلمة في هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه
و سلم و قد اتفق معظم أهل الحديث من المصنفين و غيرهم على أن ذا الشمالين غير ذي اليدين و نص
على ذلك الشافعي رحمه الله في اختلاف الحديث (قوله الظهر أو العصر) كذا في هذه الطريق
عن آدم عن شعبة بالشك و تقدم في أبواب الإمامة عن أبي الوليد عن شعبة بلفظ الظهر بغير شك
و لمسلم من طريق أبي سلمة المذكور صلاة الظهر و له من طريق أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن
أبي هريرة العصر بغير شك و سيأتي بعد باب للمصنف من طريق ابن سيرين أنه قال و أكثر ظني
أنها العصر و قد تقدم في باب تشبيك الأصابع في المسجد من طريق محمد بن سيرين عن أبي
77

هريرة بلفظ إحدى صلاتي العشي قال ابن سيرين سماها أبو هريرة و لكن نسيت أنا و لمسلم
إحدى صلاتي العشي أما الظهر و أما العصر و الظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة و أبعد من قال
يحمل على أن القصة وقعت مرتين بل روى النسائي من طريق ابن عون عن ابن سيرين أن الشك
فيه من أبي هريرة و لفظه صلى الله عليه و سلم إحدى صلاتي العشي قال أبو هريرة
و لكني نسيتها فالظاهر أن أبا هريرة رواه كثيرا على الشك و كان ربما غلب على ظنه أنها الظهر
فجزم بها و تارة غلب على ظنه أنها العصر فجزم بها و طرأ الشك في تعيينها أيضا علي ابن سيرين
و كان السبب في ذلك الاهتمام بما في القصة من الأحكام الشرعية و لم تختلف الرواة في حديث
عمران في قصة الخرباق أنها العصر فإن قلنا إنهما قصة واحدة فيترجح رواية من عين العصر في
حديث أبي هريرة (قوله فسلم) زاد أبو داود من طريق معاذ عن شعبة في الركعتين و سيأتي
في الباب الذي بعده من طريق أيوب عن ابن سيرين و في الذي يليه من طريق أخرى عن ابن
سيرين بأتم من هذا السياق و نستوفي الكلام عليه ثم (قوله قال سعد) يعني ابن إبراهيم راوي
الحديث و هو بالإسناد المصدر به الحديث و قد أخرجه ابن أبي شيبة عن غندر عن شعبة مفردا
و هذا الأثر يقوي قول من قال إن الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها لكن لا يحتمل ان يكون
عروة تكلم ساهيا أو ظانا أن الصلاة تمت و مرسل عروة هذا مما يقوي طريق أبي سلمة الموصولة
و يحتمل أن يكون عروة حمله عن أبي هريرة فقد رواه عن أبي هريرة جماعة من رفقه عروة من
أهل المدينة كابن المسيب و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة و أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث
و غيرهم من الفقهاء (قوله باب من لم يتشهد في سجدتي السهو) أي إذا سجدهما
بعد السلام من الصلاة و أما قبل السلام فالجمهور على أنه لا يعيد التشهد و حكى ابن عبد البر عن
الليث أنه يعيده و عن البويطي عن الشافعي مثله و خطئوه في هذا النقل فإنه لا يعرف و عن عطاء
يتخير و اختلف فيه عند المالكية و أما من سجد بعد السلام فحكى الترمذي عن أحمد و إسحق
أنه يتشهد و هو قول بعض المالكية و الشافعية و نقله أبو حامد الأسفرايني عن القديم لكن
وقع في مختصر المزني سمعت الشافعي يقول إذا سجد بعد السلام تشهد أو قبل السلام أجزأه
التشهد الأول و تأول بعضهم هذا النص على أنه تفريع على القول القديم و فيه ما لا يخفى (قوله
و سلم أنس و الحسن و لم يتشهدا) وصله ابن أبي شيبة وغيره من طريق قتادة عنهما (قوله و قال
قتادة لا يتشهد) كذا في الأصول التي وقفت عليها من البخاري و فيه نظر فقد رواه عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة قال يتشهد في سجدتي السهو و يسلم فلعل لا في الترجمة زائدة و يكون قتادة
اختلف عليه في ذلك (قوله فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى اثنتين) لم يقع في غير هذه
الرواية لفظ القيام و قد استشكل لأنه صلى الله عليه و سلم كان قائما و أجيب بان المراد
بقوله فقام أي اعتدل لأنه كان مستندا إلى الخشبة كما سيأتي أو هو كناية عن الدخول في
الصلاة و قال ابن المنير في الحاشية فيه إيماء إلى أنه أحرم ثم جلس ثم قام كذا قال و هو بعيد جدا
(قوله في آخره ثم رفع) زاد في باب خبر الواحد من هذا الوجه ثم كبر ثم رفع ثم كبر فسجد مثل
سجوده ثم رفع و سيأتي الكلام على التكبير في الباب الذي يليه (قوله حدثنا حماد) هو ابن زيد
و كذا ثبت في رواية الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب (قوله عن سلمة بن علقمة) هو التميمي
78

أبو بشر و ربما اشتبه بمسلمة بن علقمة المزني و كنيته أبو محمد لكونهما بصريين متقاربي الطبقة
لكن الثاني بزيادة ميم في أوله و لم يخرج له البخاري شيئا (قوله قلت لمحمد) هو ابن سيرين و في رواية
أبي نعيم في المستخرج سألت محمد بن سيرين (قوله قال ليس في حديث أبي هريرة) في رواية أبي
نعيم فقال لم أحفظ فيه عن أبي هريرة شيئا و أحب إلى أن يتشهد و قد يفهم من قوله ليس في حديث
أبي هريرة أنه ورد في حديث غيره و هو كذلك فقد رواه أبو داود و الترمذي و ابن حبان و الحاكم
من طريق أشعث بن عبد الملك عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب
عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم
قال الترمذي حسن غريب و قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين و قال ابن حبان ما روى ابن
سيرين عن خالد غير هذا الحديث انتهى و هو من رواية الأكابر عن الأصاغر و ضعفه البيهقي و ابن
عبد البر و غيرهما و وهموا رواية أشعث لمخالفته غيره من الحفاظ عن ابن سيرين فإن المحفوظ
عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد و روى السراج من طريق سلمة بن علقمة
أيضا في هذه القصة قلت لابن سيرين فالتشهد قال لم أسمع في التشهد شيئا و قد تقدم في باب تشبيك
الأصابع من طريق ابن عون عن ابن سيرين قال نبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم و كذا
المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإسناد في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد كما أخرجه مسلم
فصارت زيادة أشعث شاذة و لهذا قال ابن المنذر لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت لكن
قد ورد في التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند أبي داود و النسائي و عن المغيرة عند البيهقي
و في اسنادهما ضعف فقد يقال أن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها ترتقي إلى درجة
الحسن قال العلائي و ليس ذلك ببعيد و قد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله أخرجه ابن أبي
شيبة (قوله باب يكبر في سجدتي السهو) اختلف في سجود السهو بعد السلام
هل يشترط له تكبيرة إحرام أو يكتفى بتكبير السجود فالجمهور على الاكتفاء و هو ظاهر
غالب الأحاديث و حكى القرطبي أن قول مالك لم يختلف في وجوب السلام بعد سجدتي السهو
قال و ما يتحلل منه بسلام لا بد له من تكبيرة إحرام و يؤيده ما رواه أبو داود من طريق حماد بن
زيد عن هشام بن حسان عن ابن سيرين في هذا الحديث قال فكبر ثم كبر و سجد للسهو و قال أبو
داود لم يقل أحد فكبر ثم كبر الا حماد بن زيد فأشار إلى شذوذ هذه الزيادة و قال القرطبي أيضا
قوله يعني في رواية مالك الماضية فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر ثم سجد يدل على أن التكبيرة
للاحرام لأنه أنما أتى بثم التي تقتضي التراخي فلو كان التكبير للسجود لكان معه و تعقب بان
ذلك من تصرف الرواة فقد تقدم من طريق ابن عون عن ابن سيرين بلفظ فصلى ما ترك ثم سلم ثم
كبر و سجد فأتى بواو المصاحبة التي تقتضي المعية و الله أعلم (قوله حدثنا يزيد بن إبراهيم) هو
التستري و محمد هو ابن سيرين و الإسناد كله بصريون (قوله و أكثر ظني أنها العصر) هو قول
ابن سيرين بالإسناد المذكور و إنما رجح ذلك عنده لأن في حديث عمران الجزم بأنها العصر كما
تقدمت الإشارة إليه قبل (قوله ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد) أي في جهة القبلة (فوضع
يده عليها) تقدم في رواية ابن عون عن ابن سيرين بلفظ فقام إلى خشبة معروضة في المسجد
79

أي موضوعة بالعرض و لمسلم من طريق ابن عيينة عن أيوب ثم أتى جذعا في قبلة المسجد
فاستند إليها مغضبا و لا تنافى بين هذه الروايات لأنها تحمل على أن الجذع قبل اتخاذ المنبر كان
ممتدا بالعرض و كأنه الجذع الذي كان صلى الله عليه و سلم يستند إليه قبل اتخاذ المنبر
و بذلك جزم بعض الشراح (قوله فهابا أن يكلماه) في رواية ابن عون فهاباه بزيادة الضمير
و المعنى إنهما غلب عليهما احترامه و تعظيمه عن الاعتراض عليه و أما ذو اليدين فغلب عليه
حرصه على تعلم العلم (قوله و خرج سرعان بفتح) المهملات و منهم من سكن الراء و حكى عياض
أن الأصيلي ضبطه بضم ثم اسكان كأنه جمع سريع ككثيب و كثبان و المراد بهم أوائل
الناس خروجا من المسجد و هم أصحاب الحاجات غالبا (قوله فقالوا أقصرت الصلاة) كذا هنا
بهمزة الاستفهام و تقدم في رواية ابن عون بحذفها فتحمل تلك على هذه و فيه دليل على ورعهم
إذ لم يجزموا بوقوع شئ بغير علم و هابوا النبي صلى الله عليه و سلم أن يسألوه و إنما استفهموه لأن
الزمان زمان النسخ و قصرت بضم القاف و كسر المهملة على البناء للمفعول أي أن الله قصرها
و بفتح ثم ضم على البناء للفاعل أي صارت قصيره قال النووي هذا أكثر و أرجح (قوله
و رجل يدعوه النبي صلى الله عليه و سلم) أي يسميه (ذو اليدين و التقدير و هناك رجل و في رواية
ابن عون و في القوم رجل في يده طول يقال له ذو اليدين و هو محمول على الحقيقة و يحتمل
ان يكون كناية عن طولها بالعمل أو بالبذل قاله القرطبي و جزم ابن قتيبة بأنه كان يعمل
بيديه جميعا و حكى عن بعض شراح التنبيه أنه قال كان قصير اليدين فكأنه ظن أنه حميد الطويل
فهو الذي فيه الخلاف و قد تقدم أن الصواب التفرقة بين ذي اليدين و ذي الشمالين و ذهب
الأكثر إلى أن اسم ذي اليدين الخرباق بكسر المعجمة و سكون الراء بعدها موحدة و آخره
قاف اعتمادا على ما وقع في حديث عمران بن حصين عند مسلم و لفظه فقام إليه رجل يقال له
الخرباق و كان في يديه طول و هذا صنيع من يوحد حديث أبي هريرة بحديث عمران و هو الراجح
في نظري و أن كان ابن خزيمة و من تبعه جنحوا إلى التعدد و الحامل لهم على ذلك الاختلاف
الواقع في السياقين ففي حديث أبي هريرة أن السلام وقع من اثنتين و أنه صلى الله عليه و سلم
قام إلى خشبة في المسجد و في حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات و أنه دخل منزله لما فرغ
من الصلاة فأما الأول فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد به أنه سلم في
ابتداء الركعة الثالثة و استبعده و لكن طريق الجمع يكتفى فيها بأدنى مناسبة و ليس بأبعد من
دعوى تعدد القصة فإنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى الله عليه و سلم
عن ذلك و استفهم النبي صلى الله عليه و سلم الصحابة عن صحة قوله و أما الثاني فلعل الراوي لما
رآه تقدم من مكانه إلى جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله لكون الخشبة كانت في جهة منزله
فإن كان كذلك و إلا فرواية أبي هريرة أرجح لموافقة ابن عمر له على سياقه كما أخرجه
الشافعي و أبو داود و ابن ماجة و ابن خزيمة و لموافقة ذي اليدين نفسه له على سياقه كما أخرجه
أبو بكر الأثرم و عبد الله بن أحمد في زيادات المسند و أبو بكر بن أبي حثمة و غيرهم و قد تقدم
في باب تشبيك الأصابع ما يدل على أن محمد بن سيرين راوي الحديث عن أبي هريرة كان يرى
التوحيد بينهما و ذلك أنه قال في آخر حديث أبي هريرة نبئت أن عمران بن حصين قال ثم
80

سلم (قوله فقال لم أنس و لم تقصر) كذا في أكثر الطرق و هو صريح في نفي النسيان و نفي القصر
و فيه تفسير للمراد بقوله في رواية أبي سفيان عن أبي هريرة عند مسلم كل ذلك لم يكن و تأييد لما
قاله أصحاب المعاني أن لفظ كل إذا تقدم و عقبها النفي كان نفيا لكل فرد لا للمجموع بخلاف
ما إذا تأخرت كأن يقول لم يكن كل ذلك و لهذا أجاب ذو اليدين في رواية أبي سفيان بقوله قد كان
بعض ذلك و ذإجابه في هذه الرواية بقوله بلى قد نسيت لأنه لما نفى الامرين و كان مقررا عند
الصحابي أن السهو غير جائز عليه في الأمور البلاغية جزم بوقوع النسيان لا بالقصر و هو حجة
لمن قال أن السهو جائز على الأنبياء فيما طريقه التشريع و أن كان عياض نقل الإجماع على عدم جواز دخول السهو في الأقوال التبليغية وخص الخلاف بالأفعال لكنهم تعقبوه نعم
اتفق من جوز ذلك على أنه لا يقر عليه بل يقع له بيان ذلك أما متصلا بالفعل أو بعده كما وقع
في هذا الحديث من قوله لم أنس و لم تقصر ثم تبين أنه نسي و معنى قوله لم أنس أي في اعتقادي لا في
نفس الأمر و يستفاد منه أن الاعتقاد عند اليقين يقوم مقام اليقين و فائدة جواز السهو
في مثل ذلك بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره و أما من منع السهو مطلقا فأجابوا عن هذا
الحديث بأجوبة فقيل قوله لم أنس نفي للنسيان و لا يلزم منه نفي السهو و هذا قول من فرق
بينهما وقد تقدم رده و يكفي فيه قوله في هذه الرواية بلى قد نسيت و أقره على ذلك و قيل قوله لم أنس
على ظاهره و حقيقته و كان يتعمد ما يقع منه من ذلك ليقع التشريع منه بالفعل لكونه أبلغ من
القول و تعقب بحديث ابن مسعود الماضي في باب التوجه نحو القبلة ففيه إنما أنا بشر أنسى
كما تنسون فأثبت العلة قبل الحكم و قيد الحكم بقوله إنما أنا بشر و لم يكتف بإثبات وصف
النسيان حتى دفع قول من عساه يقول ليس نسيانه كنسياننا فقال كما تنسون و بهذا الحديث
يرد أيضا قول من قال معنى قوله لم أنس إنكار اللفظ الذي نفاه عن نفسه حيث قال إني لا أنسى
و لكن أنسى و انكار اللفظ الذي أنكره على غيره حيث قال بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية
كذا و كذا و قد تعقبوا هذا أيضا بان حديث إني لا أنسى لا أصل له فإنه من بلاغات مالك التي
لم توجد موصولة بعد البحث الشديد و أما الآخر فلا يلزم من ذم إضافة نسيان الآية ذم إضافة
نسيان كل شئ فإن الفرق بينهما واضح جدا و قيل أن قوله لم أنس راجع إلى السلام أي سلمت
قصد إبانيا على ما في اعتقادي أني صليت أربعا و هذا جيد و كأن ذا اليدين فهم العموم فقال
بلى قد نسيت و كأن هذا القول أوقع شكا أحتاج معه إلى استثبات الحاضرين و بهذا التقرير
يندفع إيراد من استشكل كون ذي اليدين عدلا و لم يقبل خبره بمفرده فسبب التوقف فيه كونه
أخبر عن أمر يتعلق بفعل المسؤول مغاير لما في اعتقاده و بهذا يجاب من قال أن من أخبر بأمر
حسي بحضرة جمع لا يخفى عليهم و لا يجوز عليهم التواطؤ ولا حامل لهم على السكوت عنه ثم لم
يكذبوه أنه لا يقطع بصدقة فإن سبب عدم القطع كون خبره معارضا باعتقاد المسؤول خلاف
ما أخبر به و فيه أن الثقة إذا انفرد بزيادة خبر و كان المجلس متحدا أو منعت العادة غفلتهم عن
ذلك أن لا يقبل خبره و فيه العمل بالاستصحاب لأن ذا اليدين استصحب حكم الاتمام فسال مع
كون أفعال النبي صلى الله عليه و سلم للتشريع و الأصل عدم السهو و الوقت قابل للنسخ
و بقية الصحابة ترددوا بين الاستصحاب و تجويز النسخ فسكتوا و السرعان هم الذين بنوا على
81

النسخ فجزموا بان الصلاة قصرت فيؤخذ منه جواز الاجتهاد في الأحكام و فيه جواز البناء على
الصلاة لمن أتى بالمنافي سهوا قال سحنون إنما يبني من سلم من ركعتين كما في قصة ذي اليدين لأن
ذلك وقع على غير القياس فيقتصر به على مورد النص و الزم بقصر ذلك على إحدى صلاتي
العشي فيمنعه مثلا في الصبح و الذين قالوا يجوز البناء مطلقا قيدوه بما إذا لم يطل الفصل و اختلفوا
في قدر الطول فحده الشافعي في الأم بالعرف و في البويطي بقدر ركعه و عن أبي هريرة قدر
الصلاة التي يقع السهو فيها و فيه أن الباني لا يحتاج إلى تكبيرة الإحرام و أن السلام و نية
الخروج من الصلاة سهوا لا يقطع الصلاة و أن سجود السهو بعد السلام و قد تقدم البحث فيه
و أن الكلام سهوا لا يقطع الصلاة خلافا للحنفية و أما قول بعضهم أن قصة ذي اليدين كانت
قبل نسخ الكلام في الصلاة فضعيف لأنه اعتمد على قول الزهري أنها كانت قبل بدر و قد قدمنا
أنه أما وهم في ذلك أو تعددت القصة لذي الشمالين المقتول ببدر و لذي اليدين الذي تأخرت وفاته
بعد النبي صلى الله عليه و سلم فقد ثبت شهود أبي هريرة للقصة كما تقدم و شهدها عمران بن حصين
و اسلامه متأخر أيضا و روى معاوية بن حديج بمهملة و جيم مصغرا قصة أخرى في السهو و وقع
فيها الكلام ثم البناء أخرجها أبو داود و ابن خزيمة و غيرهما و كان إسلامه قبل موت النبي
صلى الله عليه و سلم بشهرين و قال ابن بطال يحتمل أن يكون قول زيد بن أرقم و نهينا عن الكلام
أي الا إذا وقع سهوا أو عمدا لمصلحة الصلاة فلا يعارض قصة ذي اليدين انتهى و سيأتي البحث
في الكلام العمد لمصلحة الصلاة بعد هذا و استدل به على أن المقدر في حديث رفع عن أمتي الخطأ
و النسيان أي إثمهما و حكمهما خلافا لمن قصره على الإثم و استدل به على أن تعمد الكلام
لمصلحة الصلاة لا يبطلها و تعقب بأنه صلى الله عليه و سلم لم يتكلم الا ناسيا و أما قول ذي اليدين له
بلى قد نسيت و قول الصحابة له صدق ذو اليدين فإنهم تكلموا معتقدين النسخ في وقت يمكن
وقوعه فيه فتكلموا ظنا إنهم ليسوا في صلاة كذا قيل و هو فاسد لأنهم كلموه بعد قوله صلى الله
عليه و سلم لم تقصر و أجيب بأنهم لم ينطقوا و إنما أومؤا كما عند أبي داود في رواية ساق مسلم
اسنادها و هذا اعتمده الخطابي و قال حمل القول على الإشارة مجاز سائغ بخلاف عكسه فينبغي رد
الروايات التي فيها التصريح بالقول إلى هذه و هو قوي و هو أقوى من قول غيره يحمل على أن
بعضهم قال بالنطق و بعضهم بالإشارة لكن يبقى قول ذي اليدين بلى قد نسيت و يجاب عنه و عن
البقية على تقدير ترجيح إنهم نطقوا بان كلامهم كان جوابا للنبي صلى الله عليه و سلم و جوابه
لا يقطع الصلاة كما سيأتي البحث فيه في تفسير سورة الأنفال و تعقب بأنه لا يلزم من وجوب
الإجابة عدم قطع الصلاة و أجيب بأنه ثبت مخاطبته في التشهد و هو حي بقولهم السلام عليك
أيها النبي و لم تفسد الصلاة و الظاهر أن ذلك من خصائصه و يحتمل أن يقال ما دام النبي صلى الله
عليه و سلم يراجع المصلي فجائز له جوابه حتى تنقضي المراجعة فلا يختص الجواز بالجواب لقول
ذي اليدين بلى قد نسيت و لم تبطل صلاته و الله أعلم و فيه أن سجود السهو لا يتكرر بتكرر السهو
و لو اختلف الجنس خلافا للأوزاعي و روى ابن أبي شيبة عن النخعي و الشعبي أن لكل سهو
سجدتين و ورد على وفقه حديث ثوبان عند أحمد و إسناده منقطع و حمل على أن معناه أن
من سها بأي سهو كان شرع له السجود أي لا يختص بما سجد فيه الشارع و روى البيهقي من
82

حديث عائشة سجدتا السهو تجزئان من كل زيادة و نقصان و فيه أن اليقين لا يترك الا باليقين
لأن ذا اليدين كان على يقين أن فرضهم الأربع فلما اقتصر فيها على اثنتين سأل عن ذلك و لم
ينكر عليه سؤاله و فيه أن الظن قد يصير يقينا بخبر أهل الصدق و هذا مبنى على أنه صلى الله عليه
و سلم رجع لخبر الجماعة و استدل به على أن الإمام يرجع لقول المأمومين في أفعال الصلاة و لو لم
يتذكر و به قال مالك و أحمد و غيرهما و منهم من قيده بما إذا كان الإمام مجوزا لوقوع
السهو منه بخلاف ما إذا كان متحققا لخلاف ذلك أخذا من ترك رجوعه صلى الله عليه و سلم
لذي اليدين و رجوعه للصحابة و من حجتهم قوله في حديث ابن مسعود الماضي فإذا نسيت فذكروني
و قال الشافعي معنى قوله فذكروني أي لأتذكر و لا يلزم منه أن يرجع لمجرد أخبارهم و احتمال
كونه تذكر عند أخبارهم لا يدفع و قد تقدم في باب هل يأخذ الإمام بقول الناس من أبواب
الإمامة ما يقوي ذلك و فرق بعض المالكية و الشافعية أيضا بين ما إذا كان المخبرون ممن يحصل
العلم بخبرهم فيقبل و يقدم على ظن الإمام أنه قد كمل الصلاة بخلاف غيرهم و استنبط منه بعض
العلماء القائلين بالرجوع اشتراط العدد في مثل هذا و ألحقوه بالشهادة و فرعوا عليه أن الحاكم
إذا نسي حكمه و شهد به شاهدان أنه يعتمد عليهما و استدل به الحنفية على أن الهلال لا يقبل
بشهادة الآحاد إذا كانت السماء مصحية بل لابد فيه من عدد الاستفاضة و تعقب بان سبب
الاستثبات كونه أخبر عن فعل النبي صلى الله عليه و سلم بخلاف رؤية الهلال فإن الإبصار
ليست متساوية في رؤيته بل متفاوتة قطعا و على أن من سلم معتقدا أنه أتم ثم طرا عليه شك هل أتم
أو نقص أنه يكتفي باعتقاده الأول و لا يجب عليه الأخذ باليقين و وجهه أن ذا اليدين لما أخبر آثار
خبره شكا و مع ذلك لم يرجع النبي صلى الله عليه و سلم حتى استثبت و استدل به البخاري على
جواز تشبيك الأصابع في المسجد و قد تقدم في أبواب المساجد و على أن الإمام يرجع لقول
المأمومين إذا شك و قد تقدم في الإمامة و على جواز التعريف باللقب و سيأتي في كتاب الأدب أن
شاء الله تعالى و على الترجيح بكثرة الرواة و تعقبه ابن دقيق العيد بأن المقصود كان تقوية الأمر
المسؤول عنه لا ترجيح خبر على خبر (قوله الأسدي) بسكون المهملة و قد تقدم الكلام على
حديثه في أول أبواب السهو و أنه يشرع التكبير لسجود السهو كتكبير الصلاة و هو مطابق
لهذه الترجمة و قد تقدم في باب من لم ير التشهد الأول واجبا أن قول من قال فيه حليف بني عبد
المطلب و هم و أن الصواب حليف بني المطلب بإسقاط عبد (قوله تابعه ابن جريج عن ابن شهاب
في التكبير) وصله عبد الرزاق عنه و من طريقه الطبراني و لفظه يكبر في
كل سجدة أخرجه أحمد
عن عبد الرزاق و محمد بن بكر كلاهما عن ابن جريج بلفظ فكبر فسجد ثم كبر فسجد ثم سلم
(قوله باب إذا لم يدركم صلى ثلاثا أو أربعا سجد سجدتين و هو جالس) تقدم الكلام
على ما يتعلق بأول المتن في أبواب الأذان و أما قوله حتى يظل الرجل أن يدري فقوله أن بكسر
الهمزة و هي نافية و قوله فإذا لم يدر أحدكم كم صلى الخ مساو للترجمة من غير مزيد و ظاهره
أنه لا يبني على اليقين لأنه أعم من أن يكون داخل الصلاة أو خارجها و قد تقدم الكلام على
خارجها في أواخر الباب الذي قبله و أما داخلها فهو معارض بحديث أبي سعيد الذي عند مسلم
فإنه صريح في الأمر بطرح الشك و البناء على اليقين فقيل يجمع بينهما بحمل حديث أبي هريرة
83

على من طرا عليه الشك و قد فرغ قبل أن يسلم فإنه لا يلتفت إلى ذلك الشك و يسجد للسهو كمن
طرأ عليه بعد أن سلم فلو طرأ عليه قبل ذلك بني على اليقين كما في حديث أبي سعيد و على هذا فقوله
فيه و هو جالس يتعلق بقوله إذا شك لا بقوله سجد و هذا أولي من قول من سلك طريق الترجيح
فقال حديث أبي سعيد اختلف في وصله و ارساله بخلاف حديث أبي هريرة و قد وافقه حديث
ابن مسعود فهو أرجح لأن لمخالفه أن يقول بل حديث أبي سعيد صححه مسلم و الذي وصله حافظ
فزيادته مقبوله و قد وافقه حديث أبي هريرة الآتي قريبا فيتعارض الترجيح و قيل يجمع بينهما
بحمل حديث أبي هريرة على حكم ما يجبر به الساهي صلاته و حديث أبي سعيد على ما يصنعه من
الاتمام و عدمه * (تنبيه) * لم يقع في هذه الرواية تعيين محل السجود و لا في رواية الزهري
التي في الباب الذي يليه و قد روى الدارقطني من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير
بهذا الإسناد مرفوعا إذا سها أحدكم فلم يدر أزاد أو نقص فليسجد سجدتين و هو جالس ثم يسلم
اسناده قوي و لأبي داود من طريق ابن أخي الزهري عن عمه نحوه بلفظ و هو جالس قبل التسليم
و له من طريق ابن إسحاق قال حدثني الزهري باسناده و قال فيه فليسجد سجدتين قبل أن يسلم
ثم يسلم قال العلائي هذه الزيادة في هذا الحديث بمجموع هذه الطرق لا تنزل عن درجة الحسن
المحتج به و الله أعلم (قوله باب) بالتنوين (قوله السهو في الفرض و التطوع) أي
هل يفترق حكمه أم يتحد إلى الثاني ذهب الجمهور و خالف في ذلك ابن سيرين و قتادة و نقل عن
عطاء و وجه أخذه من حديث الباب من جهة قوله و إذا صلى أي الصلاة الشرعية و هو أعم من
أن تكون فريضة أو نافلة و قد اختلف في إطلاق الصلاة عليهما هل هو من الاشتراك اللفظي
أو المعنوي و إلى الثاني ذهب جمهور أهل الأصول لجامع ما بينهما من الشروط التي لا تنفك و مال
الفخر الرازي إلى أنه من الاشتراك اللفظي لما بينهما من التباين في بعض الشروط و لكن طريقة
الشافعي و من تبعه في أعمال المشترك في معانيه عند التجرد تقتضي دخول النافلة أيضا في هذه
العبارة فإن قيل أن قوله في الرواية التي قبل هذه إذا نودي للصلاة قرينة في أن المراد الفريضة
و كذا قوله إذا ثوب أجيب بان ذلك لا يمنع تناول النافلة لأن الإتيان حينئذ بها مطلوب لقوله
صلى الله عليه و سلم بين كل أذانين صلاة (قوله و سجد ابن عباس سجدتين بعد وتره) وصله ابن أبي
شيبة بإسناد صحيح عن أبي العالية قال رأيت ابن عباس يسجد بعد وتره سجدتين و تعلق هذا الأثر
بالترجمة من جهة أن ابن عباس كان يرى أن الوتر غير واجب و يسجد مع ذلك فيه للسهو و قد تقدم
الكلام على المتن في الباب الذي قبله (قوله باب إذا كلم) بضم الكاف في الصلاة
(و استمع) أي المصلي لم تفسد صلاته (قوله أخبرني عمرو) هو بن الحرث و بكير بالتصغير هو
ابن عبد الله ابن الأشج و نصف هذا الإسناد المبدأ به مصريون و الثاني مدنيون (قوله و قد بلغنا)
فيه إشارة إلى إنهم لم يسمعوا ذلك منه صلى الله عليه و سلم فأما ابن عباس فقد سمى الواسطة و هو عمر
كما تقدم في المواقيت من قوله شهد عندي رجال مرضيون و أرضاهم عندي عمر الحديث و أما
المسور و ابن أزهر فلم اقف عنهما على تسمية الواسطة و قوله قبل ذلك و أنا أخبرنا بضم الهمزة
و لم اقف على تسمية المخبر و كأنه عبد الله بن الزبير فسيأتي في الحج من روايته عن عائشة ما يشهد
لذلك و روى ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن الحرث قال دخلت مع ابن عباس على معاوية
84

فأجلسه على السرير ثم قال ما ركعتان يصليهما الناس بعد العصر قال ذلك ما يعني به
الناس ابن الزبير فأرسل إلى ابن الزبير فسأله فقال أخبرتني بذلك عائشة فأرسل إلى عائشة فقالت
أخبرتني أم سلمة فأرسل إلى أم سلمة فانطلقت مع الرسول فذكر القصة و اسم الرسول المذكور كثير
ابن الصلت سماه الطحاوي بإسناد صحيح إلى أبي سلمة أن معاوية قال و هو على المنبر لكثير بن
الصلت أذهب إلى عائشة فاسألها فقال أبو سلمة فقمت معه و قال ابن عباس لعبد الله بن الحرث
أذهب معه فجئناها فسألناها فذكره (قوله تصلينهما) في رواية الكشميهني تصليهما بحذف
النون و هو جائز قوله و قال ابن عباس كنت اضرب الناس مع عمر عنها) أي لأجلها في رواية
الكشميهني عنه و كذا في قوله نهى عنها و كأنه ذكر الضمير على إرادة الفعل و هذا موصول
بالإسناد المذكور و قد روى ابن أبي شيبة من طريق الزهري عن السائب هو ابن يزيد قال رأيت
عمر يضرب المنكدر على الصلاة بعد العصر (قوله قال كريب) هو موصول بالإسناد المذكور
(قوله فقالت سل أم سلمة) زاد (3) مسلم في روايته من هذا الوجه فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها
فردوني إلى أم سلمة و في رواية أخرى للطحاوي فقالت عائشة ليس عندي و لكن حدثتني أم سلمة
(قوله ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر ثم دخل علي) أي فصلاهما حينئذ بعد الدخول و في
رواية مسلم ثم رأيته يصليهما أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ثم دخل عندي فصلاهما (قوله
من بني حرام) بفتح المهملتين (قوله فأرسلت إليه الجارية) لم اقف على اسمها و يحتمل أن تكون
بنتها زينب لكن في رواية المصنف في المغازي فأرسلت إليه الخادم (قوله فقال يا ابنة أبي أمية)
هو والد أم سلمة و اسمه حذيفة و قيل سهيل بن المغيرة المخزومي (قوله عن الركعتين) أي اللتين
صليتهما الآن (قوله و أنه أتاني ناس من عبد القيس) زاد في المغازي بالإسلام من قومهم
فشغلوني و للطحاوي من وجه آخر قدم على قلائص من الصدقة فنسيتهما ثم ذكرتهما فكرهت
أن اصليهما في المسجد و الناس يرون فصليتهما عندك و له من وجه آخر فجاءني مال فشغلني و له
من وجه آخر قدم على وفد من بني تميم أو جاءتني صدقة و قوله من بني تميم و هم و إنما هم من
عبد القيس ثم و كأنهم حضروا معهم بمال المصالحة من أهل البحرين كما سيأتي في الجزية من طريق
عمرو بن عوف أن النبي صلى الله عليه و سلم كان صالح أهل البحرين و أمر عليهم العلاء بن الحضرمي
و أرسل أبا عبيدة فأتاه بجزيتهم و يؤيده أن في رواية عبد الله بن الحرث المتقدم ذكرها أنه كان
بعث ساعيا و كان قد أهمه شأن المهاجرين و فيه فقلت ما هاتان الركعتان فقال شغلني أمر
الساعي (قوله فهما هاتان) في رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم سلمة عند الطحاوي من
الزيادة فقلت أمرت بهما فقال لا و لكن كنت أصليهما بعد الظهر فشغلت عنهما فصليتهما الآن
و له من وجه آخر عنها لم أره صلاهما قبل و لا بعد لكن هذا لا ينفي الوقوع فقد ثبت في مسلم عن
أبي سلمة انه سأل عائشة عنهما فقالت كان يصليهما قبل العصر فشغل عنهما أو نسيهما فصلاهما
بعد العصر ثم أثبتهما و كان إذا صلى صلاة أثبتها أي داوم عليها و من طريق عروة عنها ما ترك
ركعتين بعد العصر عندي قط و من ثم اختلف نظر العلماء فقيل تقضى الفوائت في أوقات
الكراهة لهذا الحديث و قيل هو خاص بالنبي صلى الله عليه و سلم و قيل هو خاص بمن وقع له نظير
ما وقع له و قد تقدم البحث في ذلك مبسوطا في أواخر المواقيت و في الحديث من الفوائد سوى
85

ما مضى جواز استماع المصلي إلى كلام غيره و فهمه له و لا يقدح ذلك في صلاته و أن الأدب في ذلك أن
يقوم المتكلم إلى جنبه لا خلفه و لا امامه لئلا يشوش عليه بان لا تمكنه الإشارة إليه الا
بمشقة و جواز الإشارة في الصلاة و سيأتي في باب مفرد و فيه البحث عن علة الحكم و عن دليله
و الترغيب في علو الإسناد و الفحص عن الجمع بين المتعارضين و أن الصحابي إذا عمل بخلاف ما رواه
لا يكون كافيا في الحكم بنسخ مرويه و أن الحكم إذا ثبت لا يزيله الا شئ مقطوع به و أن الأصل
اتباع النبي صلى الله عليه و سلم في أفعاله و أن الجليل من الصحابة قد يخفى عليه ما عليه اطلع غيره
و أنه لا يعدل إلى الفتوى بالرأي مع وجود النص و أن العالم لا نقص عليه إذا سئل عما لا يدري
فوكل الأمر إلى غيرة و فيه قبول أخبار الآحاد و الاعتماد عليه في الأحكام و لو كان شخصا واحدا
رجلا أو امرأة لاكتفاء أم سلمة بأخبار الجارية و فيه دلالة على فطنة أم سلمة و حسن تأتيها بملاطفة
سؤالها و اهتمامها بأمر الدين و كأنها لم تباشر السؤال لحال النسوة اللاتي كن عندها فيؤخذ
منه إكرام الضيف و احترامه و فيه زيارة النساء المرأة و لو كان زوجها عندها و التنفل في البيت
و لو كان فيه من ليس منهم و كراهة القرب من المصلي لغير ضرورة و ترك تفويت طلب العلم و أن
طرأ ما يشغل عنه و جواز الاستنابة في ذلك و ان الوكيل لا يشترط ان يكون مثل موكله في الفضل
و تعليم الوكيل التصرف إذا كان ممن يجهل ذلك و فيه الاستفهام بعد التحقق لقولها واراك
تصليهما و المبادرة إلى معرفة الحكم المشكل فرارا من الوسوسة و أن النسيان جائز على النبي
صلى الله عليه و سلم لأن فائدة استفسار أم سلمة عن ذلك تجويزها أما النسيان و إما النسخ و إما
التخصيص به فظهر وقوع الثالث و الله أعلم (قوله باب الإشارة في الصلاة) قال
ابن رشيد هذه الترجمة أعم من كونها مرتبة على استدعاء ذلك أو غير مرتبة بخلاف الترجمة
التي قبلها فإن الإشارة فيها لزمت من الكلام و استماعه فهي مرتبة (قوله قاله كريب عن أم
سلمة) يشير إلى حديث الباب الذي قبله ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدهما حديث
سهل بن سعد في الإصلاح بين بني عمرو بن عوف و فيه إرادة أبي بكر الصلاة بالناس و شاهد الترجمة
قوله فيه فأخذ الناس في التصفيق فإنه صلى الله عليه و سلم و أن كان أنكره عليهم لكنه لم يأمرهم
بإعادة الصلاة و حركة اليد بالتصفيق كحركتها بالإشارة و أخذه من جهة الالتفات و الاصغاء إلى
كلام الغير لأنه في معنى الإشارة و أما قوله يا أبا بكر ما منعك أن تصلي بالناس حين أشرت إليك فليس
بمطابق للترجمة لأن إشارته صدرت منه صلى الله عليه و سلم قبل أن يحرم بالصلاة كما تقدم
في الكلام على حديث سهل مستوفى في أبواب الإمامة و يحتمل أن يكون فهم من قوله قام في
86

الصف الدخول في الصلاة لعدوله صلى الله عليه و سلم عن الكلام الذي هو أدل من الإشارة و لما
يفهمه السياق من طول مقامه في الصف قبل أن تقع الإشارة المذكورة و لأنه دخل بنية
الائتمام بأبي بكر و لان السنة الدخول مع الإمام على أي حالة وجده لقوله صلى الله عليه و سلم
فما أدركتم فصلوا ثانيها حديث أسماء في الصلاة في الكسوف أورده مختصرا جدا و شاهد
الترجمة قولها فيه فأشارت برأسها و قد تقدم الكلام عليه مستوفى في الكسوف ثالثها حديث
عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه و سلم في بيته جالسا و شاهدها قوله فيه فأشار إليهم أن اجلسوا
و قد تقدم مستوفى في أبواب الإمامة أيضا و فيه رد على من منع الإشارة بالسلام و جوز مطلق
الإشارة لأنه لا فرق بين أن يشير أمرا بالجلوس أو يشير مخبرا برد السلام و الله أعلم * (خاتمه) *
اشتملت أبواب السهو من الأحاديث المرفوعة على تسعة عشر حديثا منها اثنان معلقان بمقتضى
حديث كريب عن أم سلمة و ابن عباس و عبد الرحمن بن أزهر و المسور بن مخرمة أربعة أحاديث
لقولهم فيه سوى أم سلمة بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عنها و جميعها مكررة فيه
و فيما مضى سواه الا أنه تكرر منه في المواقيت طرف مختصر عن أم سلمة و سوى حديث أبي هريرة
فليسجد سجدتين و هو جالس و قد وافقه مسلم على تخريجها جميعها و فيه من الآثار عن الصحابة
و غيرهم خمسة آثار منها أثر عروة الموصول في آخر الباب و منها أثر عمر في ضربه على الصلاة بعد
العصر و الله الهادي إلى الصواب و منه المبدأ و إليه المآب
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (كتاب الجنائز) *
كذا للأصيلي و أبي الوقت و البسملة من الأصل و لكريمة باب في الجنائز و كذا لأبي ذر
لكن بحذف باب و الجنائز بفتح الجيم لا غير جمع جنازة بالفتح و الكسر لغتان قال ابن قتيبة
و جماعة الكسر أفصح و قيل بالكسر للنعش و بالفتح للميت و قالوا لا يقال نعش الا إذا كان
عليه الميت * (تنبيه) * أورد المصنف و غيره كتاب الجنائز بين الصلاة و الزكاة لتعلقها بهما و لان
الذي يفعل بالميت من غسل و تكفين و غير ذلك أهمه الصلاة عليه لما فيها من فائدة الدعاء له
بالنجاة من العذاب و لا سيما عذاب القبر الذي سيدفن فيه (قوله و من كان آخر كلامه لا إله
الا الله) قيل أشار بهذا إلى ما رواه أبو داود و الحاكم من طريق كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ
ابن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة قال
الزين بن المنير حذف المصنف جواب من من الترجمة مراعاة لتأويل وهب بن منبه فأبقاه إما
ليوافقه أو ليبقى الخبر على ظاهره و قد روى ابن أبي حاتم في ترجمة أبي زرعة أنه لما احتضر أرادوا
تلقينه فتذاكروا حديث معاذ فحدثهم به أبو زرعة باسناده و خرجت روحه في آخر قول لا إله
الا الله * (تنبيه) * كأن المصنف لم يثبت عنده في التلقين شئ على شرطه فاكتفى بما دل عليه و قد
أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة من وجه آخر بلفظ لقنوا موتاكم لا إله إلا الله و عن أبي
سعيد كذلك قال الزين بن المنير هذا الخبر يتناول بلفظه من قالها فبغته الموت أو طالت حياته
لكن لم يتكلم بشئ غيرها و يخرج بمفهومه من تكلم لكن استصحب حكمها من غير تجديد نطق
87

بها فإن عمل أعمالا سيئة كان في المشيئة و أن عمل أعمالا صالحة فقضية سعة رحمة الله أن
لا فرق بين الإسلام النطقي و الحكمي المستصحب و الله أعلم انتهى و حكى الترمذي عن عبد الله بن
المبارك أنه لقن عند الموت فأكثر عليه فقال إذا قلت مرة فأنا على ذلك ما لم أتكلم بكلام و هذا
يدل على أنه كان يرى التفرقة في هذا المقام و الله أعلم (قوله و قيل لوهب بن منبه أليس مفتاح
الجنة لا إله الا الله الخ) يجوز نصب مفتاح على أنه خبر مقدم و رفعه على أنه مبتدأ كأن
القائل أشار إلى ما ذكر بن إسحاق في السيرة أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أرسل العلاء بن
الحضرمي قال له إذا سئلت عن مفتاح الجنة فقل مفتاحها لا إله إلا الله و روى عن معاذ بن جبل
مرفوعا نحوه أخرجه البيهقي في الشعب و زاد و لكن مفتاح بلا أسنان فإن جئت بمفتاح له
أسنان فتح لك و إلا لم يفتح لك و هذه الزيادة ما أجاب به وهب فيحتمل أن تكون مدرجة في
حديث معاذ و أما أثر وهب فوصله المصنف في التاريخ و أبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن
سعيد بن رمانة بضم الراء و تشديد الميم و بعد الألف نون قال أخبرني أبي قال قيل لوهب بن منبه
فذكره و المراد بقوله لا إله إلا الله في هذا الحديث و غيره كلمتا الشهادة فلا يرد اشكال ترك ذكر
الرسالة قال الزين بن المنير قول لا إله ألا الله لقب جرى على النطق بالشهادتين شرعا و أما قول
وهب فمراده بالأسنان التزام الطاعة فلا يرد اشكال موافقة الخوارج و غيرهم أن أهل الكبائر
لا يدخلون الجنة و أما قوله لم يفتح له فكأن مراده لم يفتح له فتحا تاما أو لم يفتح له في أولي الأمر و هذا
بالنسبة إلى الغالب و إلا فالحق أنهم في مشيئة الله تعالى و قد أخرج سعيد بن منصور بسند حسن
عن وهب بن منبه قريبا من كلام هذا في التهليل و لفظه عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه
مثل الداعي بلا عمل مثل الرامي بلا وتر قال الداودي قول وهب أمرهم على التشديد و لعله لم
يبلغه حديث أبي ذر أي حديث الباب و الحق أن من قال لا اله إلا الله مخلصا أتى بمفتاح و له أسنان
لكن من خلط ذلك بالكبائر حتى مات مصرا عليها لم تكن أسنانه قوية فربما طال علاجه و قال
ابن رشيد يحتمل أن يكون مراد البخاري الإشارة إلى أن من قال لا إله إلا الله مخلصا عند الموت
كان ذلك مسقطا لما تقدم له و الإخلاص يستلزم التوبة و الندم و يكون النطق علما على ذلك
و ادخل حديث أبي ذر ليبين أنه لا بد من الاعتقاد و لهذا قال عقب حديث أبي ذر في كتاب اللباس
قال أبو عبد الله هذا عند الموت أو قبله إذا تاب و ندم و معنى قول وهب إن جئت بمفتاح له أسنان
جياد فهو من باب حذف النعت إذا دل عليه السياق لأن مسمى المفتاح لا يعقل الا بالأسنان
و إلا فهو عود أو حديدة (قوله أتاني آت) سماه في التوحيد من طريق شعبة عن واصل جبريل
و جزم بقوله فبشرني و زاد الإسماعيلي من طريق مهدي في أوله قصة قال كنا مع رسول الله صلى
الله عليه و سلم في مسير له فلما كان في بعض الليل تنحى فلبث طويلا ثم أتانا فقال فذكر الحديث
و أورده المصنف في اللباس من طريق أبي الأسود عن أبي ذر قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم
و عليه ثوب أبيض و هو نائم ثم أتيته و قد استيقظ فدل على أنها رؤيا منام (قوله من أمتي) أي
من أمة الإجابة و يحتمل أن يكون أعم من ذلك أي أمة الدعوة و هو متجه (قوله لا يشرك بالله
شيئا) أورده المصنف في اللباس بلفظ ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك الحديث و إنما
لم يورده المصنف هنا جريا على عادته في إيثار الخفي على الجلي و ذلك أن نفي الشرك يستلزم اثبات
88

التوحيد و يشهد له استنباط عبد الله بن مسعود في ثاني حديثي الباب من مفهوم قوله من مات
يشرك بالله دخل النار و قال القرطبي معنى نفي الشرك أن لا يتخذ مع الله شريكا في الإلهية لكن
هذا القول صار بحكم العرف عبارة عن الإيمان الشرعي (قوله فقلت و إن زنى و إن سرق)
قد يتبادر إلى الذهن أن القائل ذلك هو النبي صلى الله عليه و سلم و المقول له الملك الذي بشره به
و ليس كذلك بل القائل هو أبو ذر و المقول له هو النبي صلى الله عليه و سلم كما بينه المؤلف في اللباس
و للترمذي قال أبو ذر يا رسول الله و يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم قاله مستوضحا
و أبو ذر قاله مستبعدا و قد جمع بينهما في الرقاق من طريق زيد بن وهب عن أبي ذر قال الزين بن
المنير حديث أبي ذر من أحاديث الرجاء التي أفضى الإتكال عليها ببعض الجهلة إلى الإقدام
على الموبقات و ليس هو على ظاهره فإن القواعد استقرت على أن حقوق الآدميين لا تسقط
بمجرد الموت على الإيمان و لكن لا يلزم من عدم سقوطها أن لا يتكفل الله بها عمن يريد أن يدخله
الجنة و من ثم رد صلى الله عليه و سلم على أبي ذر استبعاده و يحتمل أن يكون المراد بقوله دخل
الجنة أي صار إليها إما ابتداء من أول الحال و إما بعد أن يقع ما يقع من العذاب نسأل الله العفو
و العافية و في هذا الحديث من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من الدهر أصابه قبل ذلك ما أصابه
و سيأتي بيان حاله في كتاب الرقاق و في الحديث أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار و أن الكبائر
لا تسلب اسم الإيمان و أن غير الموحدين لا يدخلون الجنة و الحكمة في الاقتصار على الزنا و السرقة
الإشارة إلى جنس حق الله تعالى و حق العباد و كأن أبا ذر استحضر قوله صلى الله عليه و سلم لا يزني
الزاني حين يزني و هو مؤمن لأن ظاهره معارض لظاهر هذا الخبر لكن الجمع بينهما على قواعد أهل
السنة بحمل هذا على الإيمان الكامل و بحمل حديث الباب على عدم التخليد في النار
(قوله على رغم أنف أبي ذر) (3) بفتح الراء و سكون المعجمة و يقال بضمها و كسرها و هو مصدر
رغم بفتح الغين و كسرها مأخوذ من الرغم و هو التراب و كأنه دعا عليه بأن يلصق أنفه بالتراب
(قوله حدثنا عمر بن حفص) أي ابن غياث و شقيق هو أبو وائل و عبد الله هو ابن مسعود
و كلهم كوفيون (قوله من مات يشرك بالله) في رواية أبي حمزة عن الأعمش في تفسير البقرة من
مات و هو يدعو من دون الله ندا و في أوله قال النبي صلى الله عليه و سلم كلمة و قلت أنا أخرى و لم
تختلف الروايات في الصحيحين في أن المرفوع الوعيد و الموقوف الوعد و زعم الحميدي في الجمع
و تبعه مغلطاي في شرحه و من أخذ عنه أن في رواية مسلم من طريق وكيع و ابن نمير بالعكس بلفظ
من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة و قلت أنا من مات يشرك بالله شيئا دخل النار و كأن سبب
الوهم في ذلك ما وقع عند أبي عوانة و الإسماعيلي من طريق وكيع بالعكس لكن بين الإسماعيلي
أن المحفوظ عن وكيع كما في البخاري قال و إنما المحفوظ الذي قبله أبو عوانة وحده و بذلك جزم ابن
خزيمة في صحيحه و الصواب رواية الجماعة و كذلك أخرجه أحمد من طريق عاصم و ابن خزيمة من
طريق يسار و ابن حبان من طريق المغيرة كلهم عن شقيق و هذا هو الذي يقتضيه النظر لأن
جانب الوعيد ثابت بالقرآن و جاءت السنة على وفقه فلا يحتاج إلى استنباط بخلاف جانب الوعد
فإنه في محل البحث إذ لا يصح حمله على ظاهره كما تقدم و كأن ابن مسعود لم يبلغه حديث جابر الذي
أخرجه مسلم بلفظ قيل يا رسول الله ما الموجبان قال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
89

و من مات يشرك بالله شيئا دخل النار و قال النووي الجيد أن يقال سمع ابن مسعود اللفظتين من
النبي صلى الله عليه و سلم و لكنه في وقت حفظ إحداهما وتيقنها و لم يحفظ الأخرى فرفع المحفوظة
وضم الأخرى إليها و في وقت بالعكس قال فهذا جمع بين روايتي ابن مسعود و موافقته لرواية
غيره في رفع اللفظتين انتهى و هذا الذي قال محتمل بلا شك لكن فيه بعد مع إتحاد مخرج الحديث
فلو تعدد مخرجه إلى ابن مسعود لكان احتمالا قريبا مع أنه يستغرب من انفراد راو من الرواة
بذلك دون رفقته و شيخهم و من فوقه فنسبة السهو إلى شخص ليس بمعصوم أولى من هذا
التعسف * (فائدة) * حكى الخطيب في المدرج أن أحمد بن عبد الجبار رواه عن أبي بكر بن
عياش عن عاصم مرفوعا كله و أنه وهم في ذلك و في حديث ابن مسعود دلالة على أنه كان يقول
بدليل الخطاب و يحتمل أن يكون أثر ابن مسعود أخذه من ضرورة انحصار الجزاء في الجنة و النار
و فيه إطلاق الكلمة على الكلام الكثير و سيأتي البحث فيه في الإيمان و النذور (قوله
باب الأمر باتباع الجنائز) قال الزين بن المنير لم يفصح بحكمه لأن قوله أمرنا أعم من
أن يكون للوجوب أو للندب (قوله عن الأشعث) هو ابن أبي الشعثاء المحاربي (قوله عن البراء
ابن عازب) أورده في المظالم عن سعيد بن الربيع عن شعبة عن الأشعث فقال فيه سمعت البراء بن
عازب و لمسلم من طريق زهير بن معاوية عن الأشعث عن معاوية بن سويد قال دخلت على البراء
ابن عازب فسمعته يقول فذكر الحديث (قوله أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بسبع و نهانا
عن سبع) أما المأمورات فسنذكر شرحها في كتابي الأدب و اللباس و الذي يتعلق منها بهذا الباب
اتباع الجنائز و أما المنهيات فمحل شرحها كتاب اللباس و سيأتي الكلام عليها فيه و سقط من
المنهيات في هذا الباب واحدة سهوا إما من المصنف أو من شيخه (قوله حدثنا محمد) كذا في
جميع الروايات غير منسوب و قال الكلاباذي هو الذهلي و عمر بن أبي سلمة هو التنيسي و قد ضعفه ابن معين بسبب أن في حديثه عن الأوزاعي مناولة وإجازة لكن بين أحمد بن صالح المصري أنه
كان يقول فيما سمعه حدثنا و لا يقول ذلك فيما لم يسمعه و على هذا فقد عنعن هذا الحديث فدل
على أنه لم يسمعه و الجواب عن البخاري أنه يعتمد على المناولة و يحتج بها و قصارى هذا الحديث
ان يكون منها و قد قواه بالمتابعة التي ذكرها عقبة و لم ينفرد به عمرو مع ذلك فقد أخرجه
الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم و غيره عن الأوزاعي و كأن البخاري اختار طريق عمر
و لوقوع التصريح فيها بالأخبار بين الأوزاعي و الزهري و متابعة عبد الرزاق التي ذكرها وصلها
مسلم و قال في آخره كان معمر يرسل هذا الحديث و أسنده مرة عن ابن المسيب عن أبي هريرة
و قد وقع لي معلقا في جزء الذهلي قال أخبرنا عبد الرزاق فذكر الحديث و أما رواية سلامة و هو
بتخفيف اللام و هو ابن أخي عقيل فأظنها في الزهريات للذهلي و له نسخة عن عمه عن الزهري
و يقال إنه كان يرويها من كتاب (قوله حق المسلم على المسلم خمس) في رواية مسلم من طريق عبد
الرزاق خمس تجب للمسلم على المسلم و له من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة
حق المسلم على المسلم ست و زاد و إذا استنصحك فانصح له و قد تبين أن معنى الحق هنا الوجوب
خلافا لقول ابن بطال المراد حق الحرمة و الصحبة و الظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية
(قوله رد السلام) يأتي الكلام على أحكامه في الاستئذان و عيادة المريض يأتي الكلام عليها
90

في المرضى وإجابة الداعي يأتي الكلام عليها في الوليمة وتشميت العاطس يأتي الكلام عليه في
الأدب وأما اتباع الجنائز فسيأتي الكلام عليه في باب فضل اتباع الجنائز في وسط كتاب الجنائز
و المقصود هنا إثبات مشروعيته فلا تكرار (قوله باب الدخول على الميت بعد
الموت إذا أدرج في أكفانه) أي لف فيها قال ابن رشيد موقع هذه الترجمة من الفقه أن الموت لما
كان سبب تغيير محاسن الحي التي عهد عليها و لذلك أمر بتغميضه وتغطيته كان ذلك مظنة للمنع
من كشفه حتى قال النخعي ينبغي أن لا يطلع عليه إلا الغاسل له و من يليه فترجم البخاري على
جواز ذلك ثم أورد فيه ثلاثة أحاديث * أولها حديث عائشة في دخول أبي بكر على النبي صلى الله
عليه و سلم بعد أن مات و سيأتي مستوفى في باب الوفاة آخر المغازي و مطابقته للترجمة واضحة كما
سنبينه و أشد ما فيه إشكالا قول أبي بكر لا يجمع الله عليك موتتين و عنه أجوبة فقيل هو على
حقيقته و أشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدي رجال لأنه لو صح ذلك للزم أن
يموت موتة أخرى فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره كالذين
خرجوا من ديارهم و هم ألوف و كالذي مر على قرية و هذا أوضح الأجوبة و أسلمها و قيل أراد
لا يموت موتة أخرى في القبر كغيره إذ يحيا ليسئل ثم يموت و هذا جواب الداودي و قيل لا يجمع
الله موت نفسك و موت شريعتك و قيل كنى بالموت الثاني عن الكرب أي لا تلقى بعد كرب هذا
الموت كربا آخر * ثانيها حديث أم العلاء الأنصارية في قصة عثمان بن مظعون و سيأتي بأتم من
هذا السياق في باب القرعة آخر الشهادات و في التعبير * ثالثها حديث جابر في موت أبيه و سيأتي في
كتاب الجهاد و دلالة الأول و الثالث مشكلة لأن أبا بكر إنما دخل قبل الغسل فضلا عن التكفين
و عمر ينكر حينئذ أن يكون مات و لأن جابرا كشف الثوب عن وجه أبيه قبل تكفينه
و قد يقال في الجواب عن الأول أن الذي وقع دخول أبي بكر على النبي صلى الله عليه و سلم و هو
مسجى أي مغطى فيؤخذ منه أن الدخول على الميت يمتنع إلا إن كان مدرجا في أكفانه أو في
حكم المدرج لئلا يطلع منه على ما يكره الاطلاع عليه و قال الزين بن المنير ما محصله كان
أبو بكر عالما بأنه صلى الله عليه و سلم لا يزال مصونا عن كل أذى فساغ له الدخول من غير
تنقيب عن الحال و ليس ذلك لغيره و أما الجواب عن حديث جابر فأجاب ابن المنير أيضا بأن
ثياب الشهيد التي قتل فيها هي أكفانه فهو كالمدرج و يمكن أن يقال نهيهم له عن كشف وجهه
يدل على المنع من الإقتراب من الميت و لكن يتعقب بأنه صلى الله عليه و سلم لم ينهه و يجاب
بأن عدم نهيهم عن نهيه يدل على تقرير نهيهم فتبين أن الدخول الثابت في الأحاديث الثلاثة
كان في حالة الإدراج أو في حالة تقوم مقامها قال ابن رشيد المعنى الذي في الحديثين
من كشف الميت بعد تسجيته مساو لحاله بعد تكفينه و الله أعلم و في هذه الأحاديث جواز
تقبيل الميت تعظيما و تبركا و جواز التفدية بالآباء و الأمهات و قد يقال هي لفظة اعتادت
العرب أن تقولها ولا تقصد معناها الحقيقي إذ حقيقة التفدية بعد الموت لا تتصور و جواز البكاء
على الميت و سيأتي مبسوطا (قوله في حديث عائشة أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك و معمر
هو ابن راشد و يونس هو ابن يزيد والسنح بضم المهملة وسكون النون بعدها حاء مهملة
منازل بني الحرث بن الخزرج و كان أبو بكر متزوجا فيهم (قوله فتيمم) أي قصد و برد حبرة بكسر
91

المهملة و فتح الموحدة بوزن عنبة و يجوز فيه التنوين على الوصف و عدمه على الإضافة و هو
نوع من برود اليمن مخططة غالية الثمن و قوله فقبله أي بين عينيه و قد ترجم عليه النسائي و أورده
صريحا و قوله التي كتب الله في رواية الكشميهني التي كتب بضم أوله على البناء للمجهول
(قوله في حديث أم العلاء أنه اقتسم) الهاء ضمير الشأن و اقتسم بضم المثناة و المعني أن الأنصار
اقترعوا على سكنى المهاجرين لما دخلوا عليهم المدينة و قولها فطار لنا أي وقع في سهمنا و ذكره
بعض المغاربة بالصاد فصار لنا و هو صحيح من حيث المعنى إن ثبتت الرواية و قولها أبا السائب تعني
عثمان المذكور (قوله ما يفعل بي) في رواية الكشميهني به و هو غلط منه فإن المحفوظ في رواية
الليث هذا و لذلك عقبه المصنف برواية نافع بن يزيد عن عقيل التي لفظها ما يفعل به و علق منها
هذا القدر فقط إشارة إلى أن باقي الحديث لم يختلف فيه و رواية نافع المذكورة وصلها
الإسماعيلي وأما متابعة شعيب فستأتي في أواخر الشهادات موصولة و أما متابعة عمرو بن
دينار فوصلها ابن أبي عمر في مسنده عن ابن عيينة عنه و أما متابعة معمر فوصلها المصنف
في التعبير من طريق ابن المبارك عنه و قد وصلها عبد الرزاق عن معمر أيضا و رويناها في مسند
عبد بن حميد قال أخبرنا عبد الرزاق و لفظه فوالله ما أدري و أنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم
و إنما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك موافقة لقوله تعالى في سورة الأحقاف قل ما كنت
بدعا من الرسل و ما أدري ما يفعل بي ولا بكم و كان ذلك قبل نزول قوله تعالى ليغفر لك الله
ما تقدم من ذنبك وما تأخر لأن الأحقاف مكية و سورة الفتح مدنية بلا خلاف فيهما و قد ثبت
انه صلى الله عليه و سلم قال أنا أول من يدخل الجنة و غير ذلك من الأخبار الصريحة في معناه
فيحتمل أن يحمل الإثبات في ذلك على العلم المجمل و النفي على الإحاطة من حيث التفصيل (قوله
في حديث جابر وينهوني) في رواية الكشميهني ينهونني و هو أوجه و فاطمة عمة جابر و هي شقيقة
أبيه عبد الله بن عمرو وأو في قوله تبكين أو لا تبكين للتخيير و معناه أنه مكرم بصنيع الملائكة
و تزاحمهم عليه لصعودهم بروحه و يحتمل أن يكون شكا من الراوي و سيأتي البحث فيه في كتاب
الجهاد (قوله تابعه ابن جريج الخ) وصله مسلم من طريق عبد الرزاق عنه و أوله جاء قومي بأبي
قتيلا يوم أحد (قوله باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه) كذا في أكثر
الروايات و وقع للشكميهني بحذف الموحدة و في رواية الأصيلي بحذف أهل فعلى الرواية
المشهورة يكون المفعول محذوفا و الضمير في قوله بنفسه للرجل الذي ينعى الميت إلى أهل الميت
بنفسه و قال الزين بن المنير الضمير للميت لأن الذي ينكر عادة هو نعي النفس لما يدخل على القلب
من هول الموت انتهى و الأول أولى و أشار المهلب إلى أن في الترجمة خللا قال و الصواب الرجل
92

ينعى إلى الناس الميت بنفسه كذا قال و لم يصنع شيئا إلا أنه أبدل لفظ الأهل بالناس و أثبت المفعول
المحذوف و لعله كان ثابتا في الأصل فسقط أو حذف عمدا لدلالة الكلام عليه أو لفظ ينعى بضم
أوله و المراد بالرجل الميت و الضمير حينئذ له كما قال الزين بن المنير و يستقيم عليه رواية الكشميهني
و أما التعبير بالأهل فلا خلل فيه لأن مراده به ما هو أعم من القرابة و إخوة الدين و هو أولى من
التعبير بالناس لأنه يخرج من ليس له به أهلية كالكفار و أما رواية الأصيلي فقال ابن رشيد أنها
فاسدة قال و فائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعا كله و إنما نهى عما كان أهل
الجاهلية يصنعونه فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور و الأسواق و قال
ابن المرابط مراده أن النعي الذي هو أعلام الناس بموت قريبهم مباح و أن كان فيه إدخال
الكرب و المصائب على أهله لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة
لشهود جنازته و تهيئة أمره و الصلاة عليه و الدعاء له و الاستغفار و تنفيذ وصاياه و ما يترتب على
ذلك من الأحكام و أما نعي الجاهلية فقال سعيد بن منصور أخبرنا ابن علية عن ابن عوف قال قلت
لإبراهيم أكانوا يكرهون النعي قال نعم قال ابن عوف كانوا إذا توفي الرجل ركب رجل دابة
ثم صاح في الناس أنعى فلانا و به إلى ابن عون قال قال ابن سيرين لا أعلم بأسا أن يؤذن لرجل
صديقه و حميمه و حاصله أن محض الإعلام بذلك لا يكره فإن زاد على ذلك فلا و قد كان بعض السلف
يشدد في ذلك حتى كان حذيفة إذا مات له الميت يقول لا تؤذنوا به أحدا إني أخاف أن يكون نعيا
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم بأذني هاتين ينهى عن النعي أخرجه الترمذي و ابن ماجة
بإسناد حسن قال ابن العربي يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات الأولى أعلام الأهل
و الأصحاب و أهل الصلاح فهذا سنة الثانية دعوة الحفل للمفاخرة فهذه تكره الثالثة الاعلام
بنوع آخر كالنياحة و نحو ذلك فهذا يحرم ثم ذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث
أبي هريرة في الصلاة على النجاشي و سيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الجنائز ثانيهما حديث
أنس في قصة قتل الأمراء بمؤته و سيأتي الكلام عليه في المغازي و ورد في علامات النبوة بلفظ
أن النبي صلى الله عليه و سلم نعى زيدا و جعفرا الحديث قال الزين بن المنير وجه دخول قصة
الأمراء في الترجمة أن نعيهم كان لأقاربهم و للمسلمين الذين هم أهلهم من جهة الدين و وجه
دخول قصة النجاشي كونه كان غريبا في ديار قومه فكان للمسلمين من حيث الإسلام أخا فكانوا
أخص به من قرابته (قلت) و يحتمل أن يكون بعض أقرباء النجاشي كان بالمدينة حينئذ ممن قدم
مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة كذي مخمر بن أخي النجاشي فيستوي الحديثان في أعلام أهل
كل منهما حقيقة و مجازا (قوله باب الاذن بالجنازة) قال ابن رشيد ضبطناه بكسر
الهمزة و سكون المعجمة و ضبطه ابن المرابط بمد الهمزة و كسر الذال على وزن الفاعل (قلت)
و الأول أوجه و المعنى الاعلام بالجنازة إذا انتهى أمرها ليصلي عليها قيل هذه الترجمة تغاير التي
قبلها من جهة أن المراد بها الاعلام بالنفس و بالغير قال الزين بن المنير هي مرتبة على التي قبلها
لأن النعي أعلام من لم يتقدم له علم بالميت و الأذن أعلام من علم بتهيئة أمره و هو حسن (قوله قال
أبو رافع عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم كنتم الا آذنتموني) هذا طرف من حديث
تقدم الكلام عليه مستوفى في باب كنس المسجد و مناسبته للترجمة واضحة (قوله حدثني محمد)
93

هو ابن سلام كما جزم به أبو علي بن السكن في روايته عن الفربري و أبو معاوية هو الضرير (قوله
مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعوده) وقع في شرح الشيخ سراج الدين عمر بن
الملقن أنه الميت المذكور في حديث أبي هريرة الذي كان يقم المسجد و هو وهم منه لتغاير القصتين
فقد تقدم أن الصحيح في الأول أنها امرأة و إنها أم محجن و أما هذا فهو رجل و اسمه طلحة بن البراء
ابن عمير البلوي حليف الأنصار روى حديثه أبو داود مختصرا و الطبراني من طريق عروة بن سعيد
الأنصاري عن أبيه عن حسين بن وحوح الأنصاري و هو بمهملتين بوزن جعفر أن طلحة بن البراء
مرض فأتاه النبي صلى الله عليه و سلم يعوده فقال إني لا أرى طلحة الا قد حدث فيه الموت
فآذنوني به و عجلوا فلم يبلغ النبي صلى الله عليه و سلم بني سالم بن عوف حتى توفي و كان قال لأهله لما
دخل الليل إذا مت فادفنوني و لا تدعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فإني أخاف عليه يهودا أن
يصاب بسببي فأخبر النبي صلى الله عليه و سلم حين أصبح فجاء حتى وقف على قبره فصف الناس معه
ثم رفع يديه فقال اللهم الق طلحة يضحك إليك و تضحك إليه (قوله كان الليل) بالرفع و كذا قوله
و كانت ظلمه فكان فيهما تامة و سيأتي الكلام على حكم الصلاة على القبر في باب صفوف الصبيان
مع الرجال على الجنازة مع بقية الكلام على هذا الحديث (قوله باب فضل من
مات له ولد فأحتسب) قال الزين بن المنير عبر المصنف بالفضل ليجمع بين مختلف الأحاديث الثلاثة
التي أوردها لأن في الأول دخول الجنة و في الثاني الحجب عن النار و في الثالث تقييد الولوج
بتحلة القسم و في كل منها ثبوت الفضل لمن وقع له ذلك و يجمع بينها بأن يقال الدخول لا يستلزم
الحجب ففي ذكر الحجب فائدة زائدة لأنها تستلزم الدخول من أول وهلة و أما الثالث فالمراد بالولوج
الورود و هو المرور على النار كما سيأتي البحث فيه عند قوله الا تحلة القسم و المار عليها على أقسام
منهم من لا يسمع حسيسها و هم الذين سبقت لهم الحسنى من الله كما في القرآن فلا تنافي مع
هذا بين الولوج و الحجب و عبر بقوله ولد ليتناول الواحد فصاعدا و أن كان حديث الباب قد قيد
بثلاثة أو اثنين لكن وقع في بعض طرقه ذكر الواحد ففي حديث جابر بن سمرة مرفوعا من دفن
ثلاثة فصبر عليهم و احتسب وجبت له الجنة فقالت أم أيمن أو اثنين فقال أو اثنين فقالت و واحد
فسكت ثم قال و واحد أخرجه الطبراني في الأوسط و حديث ابن مسعود مرفوعا من قدم ثلاثة
من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حصنا حصينا من النار قال أبو ذر قدمت اثنين قال و اثنين قال
أبي بن كعب قدمت واحدا قال و واحدا أخرجه الترمذي و قال غريب و عنده من حديث
ابن عباس رفعه من كان له فرطان من أمتي أدخله الله الجنة فقالت عائشة فمن كان له فرط قال
و من كان له فرط الحديث و ليس في شئ من هذه الطرق ما يصلح للاحتجاج بل وقع في رواية
شريك التي علق المصنف إسنادها كما سيأتي و لم يسأله عن الواحد و روى النسائي و ابن حبان من
طريق حفص بن عبيد الله عن أنس أن المرأة التي قالت و اثنان قالت بعد ذلك يا ليتني قلت و واحد
و روى أحمد من طريق محمود بن لبيد عن جابر رفعه من مات له ثلاث من الولد فاحتسبهم دخل
الجنة قلنا يا رسول الله و اثنان قال و اثنان قال محمود قلت لجابر أراكم لو قلتم و واحد لقال و واحد
قال و أنا أظن ذلك و هذه الأحاديث الثلاثة أصح من تلك الثلاثة لكن روى المصنف من
حديث أبي هريرة كما سيأتي في الرقاق مرفوعا يقول الله عز وجل ما لعبدي المؤمن عندي جزاء
94

إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه الا الجنة و هذا يدخل فيه الواحد فما فوقه و هو أصح
ما ورد في ذلك و قوله فأحتسب أي صبر راضيا بقضاء الله راجيا فضله و لم يقع التقييد بذلك
أيضا في أحاديث الباب و كأنه أشار إلى ما وقع في بعض طرقه أيضا كما في حديث جابر بن سمرة
المذكور قبل و كذا في حديث جابر بن عبد الله و في رواية ابن حبان و النسائي من طريق حفص
ابن عبيد الله بن أنس عن أنس رفعه من احتسب من صلبه ثلاثة دخل الجنة الحديث و لمسلم من
طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا لا يموت لإحداكن ثلاثة
من الولد فتحتسبهم إلا دخلت الجنة الحديث و لأحمد و الطبراني من حديث عقبة بن عامر رفعه
من أعطى ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله وجبت له الجنة و في الموطأ عن أبي النضر السلمي
رفعه لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم الا كانوا جنة من النار الحديث و قد عرف
من القواعد الشرعية أن الثواب لا يترتب الا على النية فلا بد من قيد الاحتساب و الأحاديث
المطلقة محمولة على المقيدة و لكن أشار الإسماعيلي إلى اعتراض لفظي فقال يقال في البالغ
احتسب و في الصغير افترط انتهى و بذلك قال الكثير من أهل اللغة لكن لا يلزم من كون ذلك هو
الأصل أن لا يستعمل هذا موضع هذا بل ذكر ابن دريد و غيره احتسب فلان بكذا طلب أجرا عند
الله و هذا أعم من أن يكون لكبير أو صغير و قد ثبت ذلك في الأحاديث التي ذكرناها و هي حجة
في صحة هذا الاستعمال (قوله و قول الله عز وجل و بشر الصابرين) في رواية كريمة و الأصيلي
و قال الله و أراد بذلك الآية التي في البقرة و قد وصف فيها الصابرون بقوله تعالى الذين إذا أصابتهم
مصيبة قالوا أنا لله و أنا إليه راجعون فكأن المصنف أراد تقييد ما أطلق في الحديث بهذه الآية
الدالة على ترك القلق و الجزع و لفظ المصيبة في الآية و أن كان عاما لكنه يتناول المصيبة بالولد
فهو من افراده (قوله حدثنا عبد العزيز) هو ابن صهيب و صرح به في رواية ابن ماجة
و الإسماعيلي من هذا الوجه و الإسناد كله بصريون (قوله ما من الناس من مسلم) قيده به ليخرج
الكافر و من الأولى بيانية و الثانية زائدة و سقطت من في رواية بن علية عن عبد العزيز كما سيأتي
في أواخر الجنائز و مسلم اسم ما و الاستثناء و ما معه الخبر و الحديث ظاهر في اختصاص ذلك
بالمسلم لكن هل يحصل ذلك لمن مات له أولاد في الكفر ثم أسلم فيه نظر و يدل على عدم ذلك حديث
أبي ثعلبة الأشجعي قال قلت يا رسول الله مات لي ولدان قال من مات له ولدان في الإسلام أدخله
الله الجنة أخرجه أحمد و الطبراني و عن عمرو بن عبسة مرفوعا من مات له ثلاثة أولاد في الإسلام
فماتوا قبل أن يبلغوا أدخله الله الجنة أخرجه أحمد أيضا و أخرج أيضا عن رجاء الأسلمية قالت
جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله أدع الله لي في ابن لي بالبركة فإنه
قد توفي له ثلاثة فقال أمنذ أسلمت قالت نعم فذكر الحديث (قوله يتوفى له) بضم أوله و وقع في رواية
ابن ماجة المذكورة ما من مسلمين يتوفى لهما و الظاهر أن المراد من ولده الرجل حقيقة و يدل عليه
رواية النسائي المذكورة من طريق حفص عن أنس ففيها ثلاثة من صلبه و كذا حديث عقبة بن
عامر و هل يدخل في الأولاد أولاد الأولاد محل بحث و الذي يظهر أن أولاد الصلب يدخلون
و لا سيما عند فقد الوسائط بينهم و بين الأب و في التقييد بكونهم من صلبه ما يدل على إخراج أولاد
البنات (قوله ثلاثة) كذا للأكثر و هو الموجود في غير البخاري و وقع في رواية الأصيلي و كريمة
95

ثلاث بحذف الهاء و هو جائز لكون المميز محذوفا (قوله لم يبلغوا الحنث) كذا للجميع بكسر
المهملة و سكون النون بعدها مثلثة و حكى ابن قرقول عن الداودي أنه ضبطه بفتح المعجمة
و الموحدة و فسره بأن المراد لم يبلغوا أن يعملوا المعاصي قال و لم يذكره كذلك غيره و المحفوظ
الأول و المعنى لم يبلغوا الحلم فتكتب عليهم الآثام قال الخليل بلغ الغلام الحنث إذا جرى عليه
القلم و الحنث الذنب قال الله تعالى و كانوا يصرون على الحنث العظيم و قيل المراد بلغ إلى زمان
يؤاخذ بيمينه إذا حنث و قال الراغب عبر بالحنث عن البلوغ لما كان الإنسان يؤاخذ بما
يرتكبه فيه بخلاف ما قبله و خص الإثم بالذكر لأنه الذي يحصل بالبلوغ لأن الصبي قد يثاب و خص
الصغير بذلك لأن الشفقة عليه أعظم و الحب له أشد و الرحمة له أوفر و على هذا فمن بلغ الحنث
لا يحصل لمن فقده ما ذكر من هذا الثواب و أن كان في فقد الولد أجر في الجملة و بهذا صرح كثير من
العلماء و فرقوا بين البالغ و غيره بأنه يتصور منه العقوق و المقتضى لعدم الرحمة بخلاف الصغير فإنه
لا يتصور منه ذلك إذ ليس بمخاطب و قال الزين بن المنير بل يدخل الكبير في ذلك من طريق
الفحوى لأنه إذا ثبت ذلك في الطفل الذي هو كل على أبويه فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه
السعي و وصل له منه النفع و توجه إليه الخطاب بالحقوق قال و لعل هذا هو السر في الغاء البخاري
التقييد بذلك
في الترجمة انتهى و يقوي الأول قوله في بقية الحديث بفضل رحمته إياهم لأن الرحمة
للصغار أكثر لعدم حصول الإثم منهم و هل يلتحق بالصغار من بلغ مجنونا مثلا و استمر على ذلك فمات
فيه نظر لأن كونهم لا إثم عليهم يقتضى الإلحاق و كون الامتحان بهم يخف بموتهم يقتضى عدمه
و لم يقع التقييد في طرق الحديث بشدة الحب و لا عدمه و كان القياس يقتضى ذلك لما يوجد من
كراهة بعض الناس لولده و تبرمه منه ولا سيما من كان ضيق الحال لكن لما كان الولد مظنة المحبة
و الشفقة نيط به الحكم و أن تختلف في بعض الأفراد (قوله الا أدخله الله الجنة) في حديث
عتبة بن عبد الله السلمي عند أبن ماجة بإسناد حسن نحو حديث الباب لكن فيه الا تلقوه من
أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل و هذا زائد على مطلق دخول الجنة و يشهد له ما رواه
النسائي بإسناد صحيح من حديث معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا في أثناء حديث ما يسرك أن
لا تأتي بابا من أبواب الجنة الا وجدته عنده يسعى يفتح لك (قوله بفضل رحمته إياهم) أي بفضل
رحمة الله للأولاد و قال ابن التين قيل أن الضمير في رحمته للأب لكونه كان يرحمهم في الدنيا
فيجازى بالرحمة في الآخرة و الأول أولى و يؤيده أن في رواية ابن ماجة من هذا الوجه بفضل رحمة
الله إياهم و للنسائي من حديث أبي ذر الا غفر الله لهما بفضل رحمته و للطبراني و ابن حبان من
حديث الحرث ابن أقيش هو بقاف يكتسبوا مصغر مرفوعا ما من مسلمين يموت لهما أربعة أولاد الا
أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته و كذا في حديث عمرو بن عبسة كما سنذكره قريبا و قال
الكرماني الظاهر أن المراد بقوله إياهم جنس المسلم الذي مات أولاده لا الأولاد أي بفضل رحمة
الله لمن مات لهم قال و ساغ الجمع لكونه نكرة في سياق النفي فتعم انتهى و هذا الذي زعم أنه ظاهر
ليس بظاهر بل في غير هذه الطريق ما يدل على أن الضمير للأولاد ففي حديث عمرو بن عبسة عند
الطبراني الا أدخله الله برحمته هو و إياهم الجنة و في حديث أبي ثعلبة الأشجعي المقدم ذكره
أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم قاله بعد قوله من مات له ولدان فوضح بذلك أن الضمير في قوله
96

إياهم للأولاد لا للآباء و الله أعلم * الحديث الثاني (قوله حدثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني) في
رواية الأصيلي أخبرنا و اسم والد عبد الرحمن المذكور عبد الله قال البخاري في التاريخ إن أصله
من أصبهان لما فتحها أبو موسى و قال غيره كان عبد الله يتجر إلى أصبهان فقيل له الأصبهاني
و لا منافاة بين القولين فما يظهر لي (قوله عن ذكوان) هو أبو صالح السمان المذكور في الإسناد
المعلق الذي يليه و قد تقدم في العلم من رواية ابن الأصبهاني أيضا عن أبي حازم عن أبي هريرة
فتحصل له روايته عن شيخين و لشيخه أبي صالح روايته عن شيخين (قوله أن النساء) تقدم أن
في رواية مسلم انهن كن من نساء الأنصار (قوله اجعل لنا يوما) تقدم في العلم بأتم من هذا السياق
مع الكلام منه على ما لا يتكرر هنا أن شاء الله تعالى (قوله أيما امرأة) إنما خص المرأة بالذكر لأن
الخطاب حينئذ كان للنساء و ليس له مفهوم لما في بقية الطرق (قوله ثلاثة) في رواية أبي ذر ثلاث
و قد تقدم توجيهه (قوله من الولد) بفتحتين و هو يشمل الذكر و الأنثى و المفرد و الجمع (قوله كانوا)
في رواية المستملي و الحموي كن بضم الكاف و تشديد النون و كأنه أنث باعتبار النفس أو النسمة
و في رواية أبي الوقت الا كانوا لها حجابا (قوله قالت امرأة) هي أم سليم الأنصارية والدة
أنس بن مالك كما رواه الطبراني بإسناد جيد عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم
و أنا عنده ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة لم يبلغوا الحلم الا أدخله الجنة بفضل رحمته إياهم فقلت
و اثنان قال و اثنان و أخرجه أحمد لكن الحديث دون القصة و وقع لأم مبشر الأنصارية أيضا
السؤال عن ذلك فروى الطبراني أيضا من طريق ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر أن النبي
صلى الله عليه و سلم دخل على أم مبشر فقال يا أم مبشر من مات له ثلاثة من الولد دخل الجنة
فقلت يا رسول الله و اثنان فسكت ثم قال نعم و اثنان و قد تقدم من حديث جابر بن سمرة أن أم أيمن
ممن سأل عن ذلك و من حديث ابن عباس أن عائشة أيضا منهن و حكى ابن بشكوال أن أم هانئ
أيضا سألت عن ذلك و يحتمل أن يكون كل منهن سأل عن ذلك في ذلك المجلس و أما تعدد القصة
ففيه بعد لأنه صلى الله عليه و سلم لما سئل عن الاثنين بعد ذكر الثلاثة و أجاب بأن الاثنين كذلك
فالظاهر أنه حكى أوحى إليه ذلك في الحال و بذلك جزم ابن بطال و غيره و إذا كان كذلك كان
الاقتصار على الثلاثة بعد ذلك مستبعدا جدا لأن مفهومه يخرج الاثنين اللذين ثبت لهما
ذلك الحكم بالوحي بناء على القول بمفهوم العدد و هو معتبر هنا كما سيأتي البحث فيه نعم قد تقدم
في حديث جابر بن عبد الله أنه ممن سأل عن ذلك و روى الحاكم و البزار من حديث بريدة أن عمر
سأل عن ذلك أيضا و لفظه ما من امرئ و لا امرأة يموت له ثلاثة أولاد الا أدخله الله الجنة فقال
عمر يا رسول الله و اثنان قال و اثنان قال الحاكم صحيح الإسناد و هذا لا بعد في تعدده لأن خطاب
النساء بذلك لا يستلزم علم الرجال به (قوله و اثنان قال ابن التين تبعا لعياض هذا يدل على
أن مفهوم العدد ليس بحجة لأن الصحابية من أهل اللسان و لم تعتبره إذ لو اعتبرته لانتفى الحكم
عندها عما عدا الثلاثة لكنها جوزت ذلك فسألته كذا قال و الظاهر أنها اعتبرت مفهوم العدد
إذ لو لم تعتبره لم تسأل و التحقيق أن دلالة مفهوم العدد ليست يقينية و إنما هي محتملة و من ثم
وقع السؤال عن ذلك قال القرطبي و إنما خصت الثلاثة بالذكر لأنها أول مراتب الكثرة
فبعظم المصيبة يكثر الأجر فأما إذا زاد عليها فقد يخف أمر المصيبة لأنها تصير كالعادة كما قيل
97

* روعت بالبين حتى ما أراع له * انتهى و هذا مصير منه إلى انحصار الأجر المذكور في الثلاثة
ثم في الاثنين بخلاف الأربعة و الخمسة و هو جمود شديد فإن من مات له أربعة فقد مات له ثلاثة
ضرورة لأنهم أن ماتوا دفعه واحدة فقد مات له ثلاثة و زيادة و لا خفاء بأن المصيبة بذلك أشد و أن
ماتوا واحدا بعد واحد فإن الأجر يحصل له عند موت الثالث بمقتضى وعد الصادق فيلزم على
قول القرطبي أنه أن مات له الرابع أن يرتفع عنه ذلك الأجر مع تجدد المصيبة و كفى بهذا فسادا
و الحق أن تناول الخبر الأربعة فما فوقها من باب أولى و أحرى و يؤيد ذلك إنهم لم يسألوا
عن الأربعة و لا ما فوقها لأنه كالمعلوم عندهم إذ المصيبة إذا كثرت كان الأجر أعظم و الله أعلم
و قال القرطبي أيضا يحتمل أن يفترق الحال في ذلك بافتراق حال المصاب من زيادة رقة القلب
و شدة الحب و نحو ذلك و قد قدمنا الجواب عن ذلك * (تنبيه) * قوله و اثنان أي و إذا مات
اثنان ما الحكم فقال و اثنان أي و إذا مات اثنان فالحكم كذلك و وقع في رواية مسلم من
هذا الوجه و اثنين بالنصب أي و ما حكم اثنين و في رواية سهل المتقدم ذكرها أو اثنان و هو
ظاهر في التسوية بين حكم الثلاثة و الاثنين و قد تقدم النقل عن ابن بطال أنه محمول على أنه
أوحى إليه بذلك في الحال و لا بعد أن ينزل عليه الوحي في أسرع من طرفة عين و يحتمل أن يكون
كان العلم عنده بذلك حاصلا لكنه أشفق عليهم أن يتكلوا لأن موت الاثنين غالبا أكثر من
موت الثلاثة كما وقع في حديث معاذ و غيره في الشهادة بالتوحيد ثم لما سئل عن ذلك لم يكن بد
من الجواب و الله أعلم (قوله و قال شريك الخ) وصله ابن أبي شيبة عنه بلفظ حدثنا عبد الرحمن
ابن الأصبهاني قال أتاني أبو صالح يعزيني عن ابن لي فأخذ يحدث عن أبي سعيد و أبي هريرة ان
النبي صلى الله عليه و سلم قال ما من امرأة تدفن ثلاثة إفراط الا كانوا لها حجابا من النار فقالت
امرأة يا رسول الله قدمت اثنين قال و اثنين و لم تسأله عن الواحد قال أبو هريرة من لم يبلغ الحنث
و هذا السياق ظاهره أن هذه الزيادة عن أبي هريرة موقوفة و يحتمل أن يكون المراد أن أبا هريرة
و أبا سعيد اتفقا على السياق المرفوع و زاد أبو هريرة في حديثه هذا القيد و هو مرفوع أيضا
و قد تقدم في العلم من طريق أخرى عن شعبة بالإسناد الأول و قال في آخره و عن ابن الأصبهاني
سمعت أبا حازم عن أبي هريرة و قال ثلاثة لم يبلغوا الحنث و هذه الزيادة في حديث أبي سعيد من
رواية شريك و في حفظه نظر لكنها ثابتة عند مسلم من رواية شعبة عن ابن الأصبهاني و قوله و لم
تسأله عن الواحد تقدم ما يتعلق به في أول الباب و يأتي مزيد لذلك في باب ثناء الناس على الميت
في أواخر كتاب الجنائز و يأتي زيادة على ذلك في كتاب الرقاق في الكلام على الحديث الذي فيه
موت الصبي و أن الصبي يتناول الولد الواحد * الحديث الثالث (قوله حدثنا علي) هو ابن المديني
و سفيان هو ابن عيينة (قوله لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد) وقع في الأطراف للمزي هنا لم يبلغوا
الحنث و ليست في رواية ابن عيينة عند البخاري و لا مسلم و إنما هي في متن الطريق الآخر و فائدة
إيراد هذه الطريق الأخيرة عن أبي هريرة أيضا ما في سياقها من العموم في قوله لا يموت لمسلم الخ
لشموله النساء و الرجال بخلاف روايته الماضية فإنها مقيدة بالنساء (قوله فليج النار) بالنصب
لأن الفعل المضارع ينصب بعد النفي بتقدير أن لكن حكى الطيبي أن شرطه أن يكون بين ما قبل
الفاء و ما بعدها سببية و لا سببية هنا إذ لا يجوز أن يكون موت الأولاد و لا عدمه سببا لولوج من
ولدهم النار قال و إنما الفاء بمعنى الواو التي للجمع و تقريره لا يجتمع لمسلم موت ثلاثة من ولده
98

و ولوجه النار لا محيد عن ذلك أن كانت الرواية بالنصب و هذا قد تلقاه جماعة عن الطيبي و أقروه
عليه و فيه نظر لأن السببية حاصلة بالنظر إلى الاستثناء لأن الاستثناء بعد النفي اثبات فكأن
المعنى أن تخفيف الولوج مسبب عن موت الأولاد و هو ظاهر لأن الولوج عام و تخفيفه يقع بأمور
منها موت الأولاد بشرطه و ما ادعاه من أن الفاء بمعنى الواو التي للجمع فيه نظر و وجدت في شرح
المشارق للشيخ أكمل الدين المعنى أن الفعل الثاني لم يحصل عقب الأول فكأنه نفى وقوعهما
بصفة أن يكون الثاني عقب الأول لأن المقصود نفي الولوج عقب الموت قال الطيبي وأن كانت
الرواية بالرفع فمعناه لا يوجد ولوج النار عقب موت الأولاد الا مقدارا يسيرا انتهى و وقع في
رواية مالك عن الزهري كما سيأتي في الإيمان و النذور بلفظ لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من
الولد تمسه النار الا تحلة القسم و قوله تمسه بالرفع جزما و الله أعلم (قوله الا تحلة القسم) بفتح المثناة
و كسر المهملة و تشديد اللام أي ما ينحل به القسم و هو اليمين و هو مصدر حلل اليمين أي كفرها
يقال حلل تحليلا و تحلة و تحلا بغير هاء و الثالث شاذ و قال أهل اللغة يقال فعلته تحلة القسم
أي قدر ما حللت به يميني و لم أبالغ و قال الخطابي حللت القسم تحلة أي أبررتها و قال القرطبي
اختلف في المراد بهذا القسم فقيل هو معين و قيل غير معين فالجمهور على الأول و قيل لم يعن به
قسم بعينه و إنما معناه التقليل لأمر ورودها و هذا اللفظ يستعمل في هذا تقول لا ينام هذا الا
لتحليل الالية و تقول ما ضربته الا تحليلا إذا لم تبالغ في الضرب أي قدرا يصيبه منه مكروه و قيل
الاستثناء بمعنى الواو أي لا تمسه النار قليلا و لا كثيرا و لا تحلة القسم و قد جوز الفراء و الأخفش
مجئ الا بمعنى الواو و جعلوا منه قوله تعالى لا يخاف لدى المرسلون إلا من ظلم و الأول قول
الجمهور و به جزم أبو عبيد و غيره و قالوا المراد به قوله تعالى و أن منكم الا واردها قال الخطابي
معناه لا يدخل النار ليعاقب بها و لكنه يدخلها مجتازا و لا يكون ذلك الجواز الا قدر ما يحلل به
الرجل يمينه و يدل على ذلك ما وقع عند عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في آخر هذا الحديث
الا تحلة القسم يعني الورود و في سنن سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة في آخره ثم قرأ سفيان
و أن منكم الا ورادها و من طريق زمعة بن صالح عن الزهري في آخره قيل و ما تحلة القسم قال
قوله تعالى و أن منكم الا واردها و كذا وقع من رواية كريمة في الأصل قال أبو عبد الله و أن منكم
الا واردها و كذا حكاه عبد الملك بن حبيب عن مالك في تفسير هذا الحديث و ورد نحوه من
طريق أخرى في هذا الحديث رواه الطبراني من حديث عبد الرحمن بن بشر الأنصاري مرفوعا
من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم يرد النار الا عابر سبيل يعني الجواز على الصراط و جاء مثله من حديث آخر أخرجه الطبراني من حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه مرفوعا
من حرس وراء المسلمين في سبيل الله متطوعا لم ير النار بعينه الا تحلة القسم فإن الله عز وجل قال
و أن منكم الا واردها و اختلف في موضع القسم من الآية فقيل هو مقدر أي و الله أن منكم
و قيل معطوف على القسم الماضي في قوله تعالى فوربك لنحشرنهم أي و ربك أن منكم و قيل
هو مستفاد من قوله تعالى حتما مقضيا أي قسما واجبا كذا رواه الطبراني و غيره من طريق مرة
عن ابن مسعود و من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد و من طريق سعيد عن قتادة في تفسير هذه
الآية و قال الطيبي يحتمل أن يكون المراد بالقسم ما دل على القطع و البت من السياق فإن قوله
99

كان على ربك تذييل و تقرير لقوله و أن منكم فهذا بمنزلة القسم بل أبلغ لمجئ الاستثناء بالنفي
و الاثبات و اختلف السلف في المراد بالورود في الآية فقيل هو الدخول روى عبد الرزاق عن ابن
عيينة عن عمرو بن دينار أخبرني من سمع من ابن عباس فذكره و روى أحمد و النسائي و الحاكم من
حديث جابر مرفوعا الورود الدخول لا يبقى بر و لا فاجر الا دخلها فتكون على المؤمنين بردا
و سلاما و روى الترمذي و ابن أبي حاتم من طريق السدي سمعت مرة يحدث عن عبد الله بن مسعود
قال يردونها أو يلجونا ثم يصدرون عنها بأعمالهم قال عبد الرحمن بن مهدي قلت لشعبة أن
إسرائيل يرفعه قال صدق و عمدا أدعه ثم رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبيد الله بن موسى
عن إسرائيل مرفوعا و قيل المراد بالورود الممر عليها رواه الطبري و غيره من طريق بشر بن سعيد
عن أبي هريرة و من طريق أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود و من طريق معمر و سعيد عن
قتادة و من طريق كعب الأحبار و زاد يستوون كلهم على متنها ثم ينادي مناد امسكي أصحابك
و دعي أصحابي فيخرج المؤمنون ندية أبدانهم و هذان القولان أصح ما ورد في ذلك و لا تنافي بينهما
لأن من عبر بالدخول تجوز به عن المرور و وجهه أن المار عليها فوق الصراط في معنى من دخلها
لكن تختلف أحوال المارة باختلاف أعمالهم فأعلاهم درجة من يمر كلمع البرق كما سيأتي تفصيل
ذلك عند شرح حديث الشفاعة في الرقاق أن شاء الله تعالى و يؤيد صحة هذا التأويل ما رواه
مسلم من حديث أم مبشر أن حفصة قالت للنبي صلى الله عليه و سلم لما قال لا يدخل أحد شهد
الحديبية النار أليس الله يقول و أن منكم الا واردها فقال لها أليس الله تعالى يقول ثم ننجي
الذين اتقوا الآية و في هذا بيان ضعف قول من قال الورود مختص بالكفار
و من قال معنى
الورود الدنو منها و من قال معناه الأشراف عليها و من قال معنى ورودها ما يصيب المؤمن في الدنيا
من الحمى على أن هذا الأخير ليس ببعيد و لا ينافيه بقية الأحاديث و الله أعلم و في حديث الباب
من الفوائد غير ما تقدم أن أولاد المسلمين في الجنة لأنه يبعد أن الله يغفر للآباء بفضل رحمته للأبناء
و لا يرحم الأبناء قاله المهلب و كون أولاد المسلمين في الجنة قاله الجمهور و وقفت طائفة قليلة
و سيأتي البحث في ذلك في أواخر كتاب الجنائز أن شاء الله تعالى و فيه أن من حلف (3) أن لا يفعل
كذا ثم فعل منه شيئا و لو قل برت يمينه خلافا لمالك قاله عياض و غيره (قوله باب قول
الرجل للمرأة عند القبر اصبري) قال الزين بن المنير ما محصله عبر بقوله الرجل ليوضح أن ذلك
لا يختص بالنبي صلى الله عليه و سلم و عبر بالقول دون الموعظة و نحوها لكون ذلك الأمر يقع على
القدر المشترك من الوعظ و غيره و اقتصر على ذكر الصبر دون التقوى لأنه المتيسر حينئذ المناسب
لما هي فيه قال و موضع الترجمة من الفقه جواز مخاطبة الرجال النساء في مثل ذلك بما هو أمر
بمعروف أو نهي عن منكر أو موعظة أو تعزية و أن ذلك لا يختص بعجوز دون شابة لما يترتب عليه
من المصالح الدينية و الله أعلم (قوله حدثنا آدم) سيأتي هذا الحديث بهذا الإسناد بعينه أتم من
هذا في باب زيارة القبور بعد زيادة على عشرين بابا و سيأتي الكلام عليه هناك مستوفى أن شاء
الله تعالى و مناسبة هذه الترجمة لما قبلها لجامع ما بينهما من مخاطبة الرجل المرأة بالموعظة لأن
في الأول جواز مخاطبتها بما يرغبها في الأجر إذا احتسبت مصيبتها و في هذا مخاطبتها بما يرهبها
من الإثم لما تضمنه الحديث من الإشارة إلى أن عدم الصبر ينافي التقوى و الله أعلم (قوله
100

باب غسل الميت و وضوئه) أي بيان حكمه و قد نقل النووي الإجماع على أن غسل
الميت فرض كفاية و هو ذهول شديد فإن الخلاف مشهور عند المالكية حتى أن القرطبي رجح في
شرح مسلم أنه سنة و لكن الجمهور على وجوبه و قد رد ابن العربي على من لم يقل بذلك و قد توارد به
القول و العمل و غسل الطاهر المطهر فكيف بمن سواه و أما قوله و وضوئه فقال ابن المنير في الحاشية
ترجم بالوضوء و لم يأت له بحديث فيحتمل أن يريد انتزاع الوضوء من الغسل لأنه منزل على المعهود
من الاغتسال كغسل الجنابة أو أراد وضوء الغاسل أي لا يلزمه وضوء و لهذا ساق أثر ابن عمر انتهى
و في عود الضمير على الغاسل و لم يتقدم له ذكر بعد الا أن يقال تقدير الترجمة باب غسل الحي
الميت لأن الميت لا يتولى ذلك بنفسه فيعود الضمير على المحذوف فيتجه و الذي يظهر أنه أشار
كعادته إلى ما ورد في بعض طرق الحديث فسيأتي قريبا في حديث أم عطية أيضا أبد أن بميامنها
و مواضع الوضوء منها فكأنه أراد أن الوضوء لم يرد الأمر به مجردا و إنما ورد البداءة بأعضاء
الوضوء كما يشرع في غسل الجنابة أو أراد أن الاقتصار على الوضوء لا يجزئ لورود الأمر بالغسل
(قوله بالماء و السدر) قال الزين بن المنير جعلهما معا آلة لغسل الميت و هو مطابق لحديث
الباب لأن قوله بماء و سدر يتعلق بقوله اغسلنها و ظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات
الغسل و هو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير لأن الماء المضاف لا يتطهر به انتهى و قد
يمنع لزوم كون الماء يصير مضافا بذلك لاحتمال أن لا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك بالسدر ثم
يغسل بالماء في كل مرة فإن لفظ الخبر لا يأبى ذلك و قال القطربي يجعل السدر في ماء ويخضخض إلى
أن تخرج رغوته و يدلك به جسده ثم يصب عليه الماء القراح فهذه غسلة و حكى ابن المنذر أن
قوما قالوا تطرح ورقات السدر في الماء أي لئلا يمازج الماء فيتغير وصفه المطلق و حكى عن أحمد
أنه أنكر ذلك و قال يغسل في كل مرة بالماء و السدر و أعلى ما ورد في ذلك ما رواه أبو داود من
طريق قتادة عن ابن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطيه فيغسل بالماء و السدر مرتين
و الثلاثة بالماء و الكافور قال ابن عبد البر كان يقال كان ابن سيرين من أعلم التابعين بذلك
و قال ابن العربي من قال الأولى بالماء القراح و الثانية بالماء و السدر أو العكس و الثالثة بالماء
و الكافور فليس هو في لفظ الحديث أه‍ و كأن قائله أراد أن تقع إحدى الغسلات بالماء الصرف
المطلق لأنه المطهر في الحقيقة و أما المضاف فلا و تمسك بظاهر الحديث ابن شعبان و ابن الفرضي
و غيرهما من المالكية فقالوا غسل الميت إنما هو للتنظيف فيجزئ بالماء المضاف كماء الورد و نحوه
قالوا و إنما يكره من جهة السرف و المشهور عند الجمهور أنه غسل تعبدي يشترط فيه ما يشترط
في بقية الأغسال الواجبة و المندوبة و قيل شرع احتياطا لاحتمال أن يكون عليه جنابة و فيه
نظر لأن لازمه أن لا يشرع غسل من هو دون البلوغ و هو خلاف الإجماع (قوله و حنط ابن
عمر ابنا لسعيد بن زيد و حمله و صلى و لم يتوضأ) حنط بفتح المهملة و النون الثقيلة أي طيبه
بالحنوط و هو كل شئ يخلط من الطيب للميت خاصة و قد وصله مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله
ابن عمر حنط ابنا لسعيد بن زيد و حمله ثم دخل المسجد فصلى و لم يتوضأ انتهى و الابن المذكور اسمه
عبد الرحمن كذلك رويناه في نسخة أبي الجهم العلاء بن موسى عن الليث عن نافع أنه رأى عبد الله
ابن عمر حنط عبد الرحمن بن سعيد بن زيد فذكره قيل تعلق هذا الأثر و ما بعده بالترجمة من جهة أن
101

المصنف يرى أن المؤمن لا ينجس بالموت و أن غسله إنما هو للتعبد لأنه لو كان نجسا لم يطهره الماء
و السدر و لا الماء وحده و لو كان نجسا ما مسه ابن عمر و لغسل ما مسه من أعضائه و كأنه أشار إلى
تضعيف ما رواه أبو داود من طريق عمرو بن عمير عن أبي هريرة مرفوعا من غسل الميت فليغتسل
و من حمله فليتوضأ رواته ثقات الا عمرو ابن عمير فليس بمعروف و روى الترمذي و ابن حبان من
طريق سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة نحوه و هو معلول لأن أبا صالح لم يسمعه من أبي
هريرة رضي الله عنه و قال ابن أبي حاتم عن أبيه الصواب عن أبي هريرة موقوف و قال أبو داود
بعد تخريجه هذا منسوخ و لم يبين ناسخه و قال الذهلي فيما حكاه الحاكم في تاريخه ليس فيمن غسل
ميتا فليغتسل حديث ثابت (قوله و قال بن عباس رضي الله عنهما) الخ وصله سعيد بن منصور
حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لا تنجسوا موتاكم
فإن المؤمن ليس بنجس حيا و لا ميتا إسناده صحيح و قد روى مرفوعا أخرجه الدارقطني من رواية
عبد الرحمن بن يحيى المخزومي عن سفيان و كذلك أخرجه الحاكم من طريق أبي بكر و عثمان مشهور
ابني أبي شيبة عن سفيان و الذي في مصنف ابن أبي شيبة عن سفيان موقوف كما رواه سعيد بن
منصور و روى الحاكم نحوه مرفوعا أيضا من طريق عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس
رضي الله عنهما و قوله لا تنجسوا موتاكم أي لا تقولوا إنهم نجس و قوله ينجس بفتح الجيم (قوله
وقال سعد لو كان نجسا ما مسسته) وقع في رواية الأصيلي و أبي الوقت و قال سعيد بزيادة ياء
و الأول أولى و هو سعد بن أبي وقاص كذلك أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عائشة بنت سعد
قالت أوذن سعد تعني أباها بجنازة سعيد بن زيد بن عمرو و هو بالعقيق فجاءه فغسله و كفنه
و حنطه ثم أتى داره فاغتسل ثم قال لم اغتسل من غسله و لو كان نجسا ما مسسته و لكني اغتسلت
من الحر و قد وجدت عن سعيد بن المسيب شيئا من ذلك أخرجه سمويه في فوائده من طريق أبي
واقد المدني قال قال سعيد بن المسيب لو علمت أنه نجس لم أمسه و في أثر سعد من الفوائد أنه
ينبغي للعالم إذا عمل يخشى أن يلتبس على من رآه أن يعلمهم بحقيقة الأمر لئلا يحملوه على
غير محمله (قوله و قال النبي صلى الله عليه و سلم المؤمن لا ينجس) هذا طرف من حديث لأبي
هريرة تقدم موصولا في باب الجنب يمشي في السوق من كتاب الغسل و وجه الاستدلال به أن
صفة الإيمان لا تسلب بالموت وإن كانت باقية فهو غير نجس و قد بين ذلك حديث ابن عباس
المذكور قبل و وقع في نسخة الصغاني هنا قال أبو عبد الله النجس القذر انتهى و أبو عبد الله هو
البخاري و أراد بذلك نفي هذا الوصف و هو النجس عن المسلم حقيقة و مجازا (قوله عن أيوب عن
محمد بن سيرين) في رواية ابن جريج عن أيوب سمعت ابن سيرين و سيأتي في باب كيف الإشعار
و قد رواه أيوب أيضا عن حفصة بنت سيرين كما سيأتي بعد أبواب و مدار حديث أم عطيه على محمد
و حفصة ابني سيرين و حفظت منه حفصة ما لم يحفظه محمد كما سيأتي مبينا قال ابن المنذر ليس
في أحاديث الغسل للميت أعلى من حديث أم عطيه و عليه عول الأئمة (قوله عن أم عطيه
الأنصارية) في رواية ابن جريج المذكورة جاءت أم عطيه امرأة من الأنصار اللاتي بايعن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قدمت البصرة تبادر ابنا لها فلم تدركه و هذا الابن ما عرفت اسمه و كأنه كان
غازيا فقدم البصرة فبلغ أم عطيه و هي بالمدينة قدومه و هو مريض فرحلت إليه فمات قبل
102

أن تلقاه و سيأتي في الإحداد ما يدل على أن قدومها كان بعد موته بيوم أو يومين و قد تقدم في
المقدمة أن اسمها نسيبة بنون و مهملة و موحدة و المشهور فيها التصغير و قيل بفتح أوله وقع ذلك
في رواية أبي ذر عن السرخسي و كذا ضبطه الأصيلي عن يحيى بن معين و طاهر
بن عبد العزيز
في السيرة الهشامية (دقوله حين توفيت ابنته) في رواية الثقفي عن أيوب و هي التي تلي هذه و كذا
في رواية ابن جريج دخل علينا و نحن نغسل بنته و يجمع بينهما بأن المراد أنه دخل حين شرع
النسوة في الغسل و عند النسائي أن مجيئهن إليها كان بأمره و لفظه من رواية هشام بن حسان
عن حفصة ماتت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه و سلم فأرسل إلينا فقال اغسلنها (قوله
ابنته) لم تقع في شئ من روايات البخاري مسماة و المشهور أنها زينب زوج أبي العاصي بن الربيع
والدة إمامة التي تقدم ذكرها في الصلاة و هي أكبر بنات النبي صلى الله عليه و سلم و كانت وفاتها
فيما حكاه الطبري في الذيل في أول سنة ثمان و قد وردت مسماة في هذا عند مسلم من طريق عاصم
الأحول عن حفصة عن أم عطيه قالت لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم اغسلنها فذكر الحديث و لم أرها في شئ من الطرق عن حفصة و لا
عن محمد مسماة الا في رواية عاصم هذه و قد خولف في ذلك فحكى ابن التين عن الداودي
الشارح أنه جزم بأن البنت المذكورة أم كلثوم زوج عثمان و لم يذكر مستنده و تعقبه المنذري
بأن أم كلثوم توفيت و النبي صلى الله عليه و سلم ببدر فلم يشهدها و هو غلط منه فإن التي توفيت
حينئذ رقية و عزاه النووي تبعا لعياض لبعض أهل السير و هو قصور شديد فقد أخرجه ابن
ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب و لفظه دخل علينا و نحن
نغسل ابنته أم كلثوم و هذا الإسناد على شرط الشيخين و فيه نظر سيأتي في باب كيف الأشعار
و كذا وقع في المبهمات لابن بشكوال من طريق الأوزاعي عن محمد بن سيرين عن أم عطية
قالت كنت فيمن غسل أم كلثوم الحديث و قرأت بخط مغلطاي زعم الترمذي أنها أم كلثوم
و فيه نظر كذا قال و لم أر في الترمذي شيئا من ذلك و قد روى الدولابي في الذرية الطاهرة من
طريق أبي الرجال عن عمرة أن أم عطية كانت ممن غسل أم كلثوم ابنة النبي صلى الله عليه و سلم
الحديث فيمكن دعوى ترجيح ذلك لمجيئه من طرق متعددة و يمكن الجمع بأن تكون حضرتهما
جميعا فقد جزم ابن عبد البر رحمه الله في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات و وقع لي من تسمية
النسوة اللاتي حضرن معها ثلاث غيرها ففي الذرية الطاهرة أيضا من طريق أسماء بنت عميس
أنها كانت ممن غسلها قالت و معنا صفية بنت عبد المطلب و لأبي داود من حديث ليلى بنت
قائف بقاف و نون و فاء الثقفية قالت كنت فيمن غسلها و روى الطبراني من حديث أم سليم
شيئا يومئ إلى أنها حضرت ذلك أيضا و سيأتي بعد خمسة أبواب قول ابن سيرين و لا أدري أي بناته
و هذا يدل على أن تسميتها في رواية ابن ماجة و غيره ممن دون ابن سيرين و الله أعلم (قوله اغسلنها)
قال ابن بزيزة استدل به على وجوب غسل الميت و هو مبنى على أن قوله فيما بعد أن رأيتن
ذلك هل يرجع إلى الغسل أو العدد و الثاني أرجح فثبت المدعي قال ابن دقيق العيد لكن قوله
ثلاثا ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء فيتوقف الاستدلال به على تجويز إرادة
المعنيين المختلفين بلفظ واحد لأن قوله ثلاثا غير مستقل بنفسه فلا بد أن يكون داخلا تحت
103

صيغة الأمر فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل و الندب بالنسبة إلى الايتار
انتهى و قواعد الشافعية لا تأبى ذلك و من ثم ذهب الكوفيون و أهل الظاهر و المزني إلى إيجاب
الثلاث و قالوا أن خرج منه شئ بعد ذلك يغسل موضعه و لا يعاد غسل الميت و هو مخالف لظاهر
الحديث و جاء عن الحسن مثله أخرجه عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال
يغسل ثلاثا فإن خرج منه شئ بعد فخمسا فإن خرج منه شئ غسل سبعا قال هشام و قال الحسن
يغسل ثلاثا فإن خرج منه شئ غسل ما خرج و لم يزد على الثلاث (قوله ثلاثا أو خمسا) في رواية
هشام بن حسان عن حفصة اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا و أو هنا للترتيب لا للتخيير قال النووي
المراد اغسلنها وترا و ليكن ثلاثا فإن احتجن إلى زيادة فخمسا و حاصله أن الإيتار مطلوب
و الثلاث مستحبة فإن حصل الانقاء بها لم يشرع ما فوقها و إلا زيد وترا حتى يحصل الانقاء
و الواجب من ذلك مرة واحدة عامة للبدن انتهى و قد سبق بحث ابن دقيق العيد في ذلك و قال ابن العربي في قوله أو خمسا إشارة إلى أن المشروع هو الايتار لأنه نقلهن من الثلاث إلى الخمس
و سكت عن الأربع (قوله أو أكثر من ذلك بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث في رواية
أيوب عن حفصة كما في الباب الذي يليه ثلاثا أو خمسا أو سبعا و لم أر في شئ من الروايات بعد قوله
سبعا التعبير بأكثر من ذلك الا في رواية لأبي داود و أما ما سواها فأما أو سبعا و أما أو أكثر من
ذلك فيحتمل تفسير قوله أو أكثر من ذلك بالسبع و به قال أحمد فكره الزيادة على السبع و قال
ابن عبد البر لا أعلم أحدا قال بمجاوزة السبع و سيأتي من طريق قتادة أن ابن سيرين كان يأخذ
الغسل عن أم عطيه ثلاثا و إلا فخمسا و إلا فأكثر قال فرأينا أن أكثر من ذلك سبع و قال الماوردي
الزيادة على السبع سرف و قال ابن المنذر بلغني أن جسد الميت يسترخي بالماء فلا أحب الزيادة
على ذلك (قوله أن رأيتن ذلك) معناه التفويض إلى اجتهادهن بحسب الحاجة لا التشهي و قال
ابن المنذر إنما فوض الرأي إليهن بالشرط المذكور و هو الايتار و حكى بن التين عن بعضهم
قال يحتمل قوله أن رأيتن أن يرجع إلى الاعداد المذكورة و يحتمل أن يكون معناه أن رأيتن
أن تفعلن ذلك و إلا فالاتقاء يكفي (قوله بماء و سدر) قال ابن العربي هذا أصل في جواز التطهر
بالماء المضاف إذا لم يسلب الماء الإطلاق انتهى و هو مبني على الصحيح أن غسل الميت للتطهير كما
تقدم (قوله واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور) و هو شك من الراوي أي اللفظتين
قال و الأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الاثبات فيصدق بكل شئ منه و جزم في الرواية
التي تلي هذه بالشق الأول و كذا في رواية ابن جريج و ظاهره جعل الكافور في الماء و به قال
الجمهور و قال النخعي و الكوفيون إنما يجعل في الحنوط أي بعد انتهاء الغسل و التجفيف قيل
الحكمة في الكافور مع كونه يطيب رائحة الموضع لأجل من يحضر من الملائكة و غيرهم
أن فيه تجفيفا و تبريدا و قوة نفوذ وخاصية في تصليب بدن الميت و طرد الهوام عنه و ردع
ما يتحلل من الفضلات و منع اسراع الفساد إليه و هو أقوى الأرايح الطيبة في ذلك و هذا هو
السر في جعله في الأخيرة إذ لو كان في الأولى مثلا لأذهبه الماء و هل يقوم المسك مثلا مقام
الكافور أن نظر إلى مجرد التطيب فنعم و إلا فلا و قد يقال إذا عدم الكافور قام غيره مقامه و لو
بخاصية واحدة مثلا (قوله فإذا فرغتن فآذنني) أي اعلمنني (قوله فلما فرغنا) كذا للأكثر بصيغة
104

الخطاب من الحاضر و للأصيلي فلما فرغن بصيغة الغائب (قوله حقوه) بفتح المهملة و يجوز
كسرها و هي لغة هذيل بعدها قاف ساكنة و المراد به هنا الإزار كما وقع مفسرا في آخر هذه الرواية
و الحقو في الأصل معقد الإزار و أطلق على الإزار مجازا و سيأتي بعد ثلاثة أبواب من رواية ابن
عون عن محمد بن سيرين بلفظ فنزع من حقوه إزاره و الحقو في هذا على حقيقته (قوله أشعرنها
إياه) أي اجعلنه شعارها أي الثوب الذي يلي جسدها و سيأتي الكلام على صفته في باب مفرد
قيل الحكمة في تأخير الإزار معه إلى أن يفرغن من الغسل و لم يناولهن إياه أولا ليكون قريب
العهد من جسده الكريم حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل و هو أصل في
التبرك بآثار الصالحين و فيه حواز تكفين المرآة في ثوب الرجل و سيأتي الكلام عليه في باب
مفرد (قوله باب ما يستحب أن يغسل وترا) قال الزين بن المنير يحتمل أن تكون
ما مصدرية أو موصوله و الثاني أظهر كذا قال و فيه نظر لأنه لو كان المراد ذلك لوقع التعبير بمن التي
لمن يعقل ثم أورد المصنف فيه حديث أم عطيه أيضا من رواية أيوب عن محمد و ليس فيه التصريح
بالوتر و من رواية أيوب قال حدثتني حفصة و فيه ذلك و قد تقدم الكلام فيه قبل و محمد شيخه
لم ينسب في أكثر الروايات و وقع عند الأصيلي حدثنا محمد بن المثنى و قال الجياني يحتمل أن
يكون محمد بن سلام و أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن الوليد و هو البسري عن عبد الوهاب
و هو من شيوخ البخاري أيضا (قوله فقال أيوب) كذا للأكثر بالفاء و هو بالإسناد المذكور
و وقع عند الأصيلي و قال بالواو فربما ظن معلقا و ليس كذلك و قد رواه الإسماعيلي بالاسنادين
معا موصولا و سيأتي الكلام على ما في رواية حفصة من الزيادة فيما بعد و قوله فيه وترا ثلاثا
أو خمسا استدل به على أن أقل الوتر ثلاث و لا دلالة فيه لأنه سيق مساق البيان للمراد إذ لو أطلق
لتناول الواحدة فما فوقها (قوله باب يبدأ بميامن الميت) أي عند غسله و كأنه
أطلق في الترجمة ليشعر بأن غير الغسل يلحق به قياسا عليه (قوله حدثنا خالد) هو الحذاء و حفصة
هي بنت سيرين (قوله في غسل ابنته) في رواية هشيم عن خالد عند مسلم أن رسول الله صلى الله
عليه و سلم حيث أمرها أن تغسل ابنته قال لها فذكره (قوله ابدأن بميامنها و مواضع الوضوء
منها) ليس بين الأمرين تناف لامكان البداءة بمواضع الوضوء و بالميامن معا قال الزين بن المنير
قوله ابدأن بميامنها أي في الغسلات التي لا وضوء فيها (و مواضع الوضوء منها) أي في الغسلة
المتصلة بالوضوء و كأن المصنف أشار بذلك إلى مخالفة أبي قلابة في قوله يبدأ بالرأس ثم باللحية قال
و الحكمة في الأمر بالوضوء تجديد أثر سمة المؤمنين في ظهور أثر الغرة و التحجيل
(قوله باب مواضع الوضوء من الميت) أي يستحب البداءة بها (قوله سفيان) هو الثوري
(قوله ابدؤا) كذا للأكثر و للكشميهني ابدأن و هو الوجه لأنه خطاب للنسوة (قوله و مواضع
الوضوء) زاد أبو ذر منها و استدل به على استحباب المضمضة و الاستنشاق في غسل الميت خلافا
للحنفية بل قالوا لا يستحب وضوء أصلا و إذا قلنا باستحبابه فهل يكون وضوءا حقيقيا بحيث
يعاد غسل تلك الأعضاء في الغسل أو جزأ من الغسل بدئت به هذه الأعضاء تشريفا الثاني أظهر
من سياق الحديث و البداءة بالميامن و بمواضع الوضوء مما زادته حفصة في روايتها عن أم عطية
105

على أخيها محمد و كذا المشط و الظفر كما سيأتي (قوله باب هل تكفن المرأة في إزار
الرجل) أورد فيه حديث أم عطيه أيضا و شاهد الترجمة قوله فيه فأعطاها إزاره قال ابن رشيد
أشار بقوله هل إلى تردد عنده في المسألة فكأنه أو ماء إلى احتمال اختصاص ذلك بالنبي
صلى الله عليه و سلم لأن المعنى الموجود فيه من البركة و نحوها قد لا يكون في غيره و لا سيما مع قرب
عهده بعرقه الكريم و لكن الأظهر الجواز و قد نقل ابن بطال الاتفاق على ذلك لكن لا يلزم
من ذلك التعقب على البخاري
لأنه إنما ترجم بالنظر إلى سياق الحديث و هو قابل للاحتمال
و قال الزين بن المنير نحوه و زاد احتمال الاختصاص بالمحرم أم بمن يكون في مثل إزار النبي صلى
الله عليه و سلم و جسده من تحقق النظافة و عدم نفرة الزوج و غيرته أن تلبس زوجته لباس غيره
(قوله باب يجعل الكافور في الأخيرة) أي في الغسلة الأخيرة قال الزين بن المنير
لم يعين حكم ذلك لاحتمال صيغة اجعلن للوجوب و الندب (قوله و عن أيوب هو معطوف على
الإسناد الأول و قد تقدم الكلام عليه فيما قبل و اختلف في هيئة جعله في الغسلة الأخيرة
فقيل يجعل في ماء و يصب عليه في آخر غسلة و هو ظاهر الحديث و قيل إذا كمل غسله طيب
بالكافور قبل التكفين و قد ورد في رواية النسائي بلفظ و اجعلن في آخر ذلك كافورا * (تنبيه) *
قيل ما مناسبة إدخال هذه الترجمة و هي متعلقة بالغسل بين ترجمتين متعلقتين بالكفن أجاب
الزين بن المنير بأن العرف تقديم ما يحتاج إليه الميت قبل الشروع في الغسل أو قبل الفراغ منه
ليتيسر غسله و من جملة ذلك الحنوط انتهى ملخصا و يحتمل أن يكون أشار بذلك إلى خلاف من
قال أن الكافور يختص بالحنوط و لا يجعل في الماء و هو عن الأوزاعي و بعض الحنفية أو يجعل
في الماء و هو قول الجمهور كما تقدم قريبا و لفظة الأخيرة صفة موصوف محذوف فيحتمل أن يكون
التقدير الغسلة و هو الظاهر و يحتمل أن يكون الخرقة التي تلي الجسد (قوله باب
نقض شعر المرأة) أي الميتة قبل الغسل و التقييد بالمرأة خرج مخرج الغالب أو الأكثر و إلا
فالرجل إذا كان له شعر ينقض لأجل التنظيف و ليبلغ الماء البشرة و ذهب من منعه إلى أنه
قد يفضي إلى انتتاف شعره و أجاب من أثبته بأنه يضم إلى ما انتثر منه (قوله و قال ابن سيرين
الخ) وصله سعيد بن منصور من طريق أيوب عنه (قوله حدثنا أحمد) كذا للأكثر غير منسوب
و نسبه أبو علي بن شبويه عن الفربري أحمد بن صالح (قوله قال أيوب) في رواية الإسماعيلي
من طريق حرملة عن ابن وهب عن ابن جريج أن أيوب بن أبي تميمة أخبره (قوله و سمعت) هو
معطوف على محذوف تقديره سمعت كذا و سمعت حفصة و سيأتي بيانه في الباب الذي بعده (قوله
انهن جعلن رأس بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة قرون نقضنه ثم غسلنه) في رواية
الإسماعيلي قالت نقضته و الظاهر أن القائلة أم عطية و لعبد الرزاق عن معمر عن أيوب في هذا
الحديث فقلت نقضته فغسلته فجعلته ثلاثة قرون قالت نعم و المراد بالرأس شعر الرأس فهو من
مجاز المجاورة و فائدة النقض تبليغ الماء البشرة و تنظيف الشعر من الأوساخ و لمسلم من رواية
أيوب عن حفصة عن أم عطية مشطناها ثلاثة قرون و هو بتخفيف المعجمة أي سرحناها بالمشط
و فيه حجة للشافعي و من وافقه على استحباب تسريح الشعر و اعتل من كرهه بتقطيع الشعر
و الرفق يؤمن معه ذلك (قوله باب كيف الأشعار للميت) أورد فيه حديث أم عطية
106

أيضا و إنما أفرد له هذه الترجمة لقوله في هذا السياق و زعم أن الأشعار ألقفنها فيه و فيه اختصار
و التقدير وزعم أن معنى قوله أشعرنها إياه الففنها و هو ظاهر اللفظ لأن الشعار ما يلي الجسد من
الثياب و القائل في هذه الرواية و زعم هو أيوب و ذكر ابن بطال أنه ابن سيرين و الأول أولى و قد بينه
عبد الرزاق في روايته عن ابن جريج قال قلت لأيوب قوله أشعرنها تؤزر به قال ما أراه الا قال
الففنها فيه (قوله و قال الحسن الخرقة الخامسة الخ) هذا يدل على أن أول الكلام أن المرأة
تكفن في خمسة أثواب و قد وصله ابن أبي شيبة نحوه و روى الجوزقي من طريق إبراهيم بن حبيب
ابن الشهيد عن هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية قالت فكفناها في خمسة أثواب و خمرناها
كما يخمر الحي و هذه الزيادة صحيحة الإسناد و قول الحسن في الخرقة الخامسة قال به زفر و قالت
طائفة تشد على صدرها لتضم أكفانها و كأن المصنف
أشار إلى موافقة قول زفر و لا يكره
القميص للمرأة على الراجح عند الشافعية و الحنابلة (قوله حدثنا أحمد) كذا للأكثر غير
منسوب و قال أبو علي بن شبويه في روايته حدثنا أحمد يعني ابن صالح * (فائدة) * قوله و لا أدري أي
بناته هو مقول أيوب و فيه دليل على أنه لم يسمع تسميتها من حفصة و قد تقدم قريبا من وجه آخر
عنه أنها أم كلثوم (قوله باب يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون) أي ضفائر (قوله حدثنا
سفيان) هو الثوري و هشام هو ابن حسان و أم الهذيل هي حفصة بنت سيرين (قوله ضفرنا)
بضاد ساقطة و فاء خفيفه (شعر بنت النبي صلى الله عليه و سلم تعني ثلاثة قرون و قال وكيع قال
سفيان) أي بهذا الإسناد (ناصيتها و قرنيها) أي جانبي رأسها و رواية وكيع وصلها الإسماعيلي
بهذه الزيادة و زاد ثم ألقيناه خلفها و سيأتي الكلام على هذه الزيادة في الباب الذي يليه و استدل
به على ضفر شعر الميت خلافا لمن منعه فقال ابن القاسم لا أعرف الضفر بل يكف و عن الأوزاعي
و الحنفية يرسل شعر المرأة خلفها و على وجهها مفرقا قال القرطبي و كأن سبب الخلاف أن الذي
فعلته أم عطية هل استندت فيه إلى النبي صلى الله عليه و سلم فيكون مرفوعا أو هو شئ رأته ففعلته
استحسانا كلا الأمرين محتمل لكن الأصل أن لا يفعل في الميت شئ من جنس القرب الا بإذن من
الشرع محقق و لم يرد ذلك مرفوعا كذا قال و قال النووي الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه
و سلم و تقريره له (قلت) و قد رواه سعيد بن منصور بلفظ الأمر من رواية هشام عن حفصة عن أم
عطية قالت قال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم اغسلنها وترا و اجعلن شعرها ضفائر و قال ابن
حبان في صحيحه ذكر البيان بأن أم عطية إنما مشطت ابنة النبي صلى الله عليه و سلم بأمره لا من
تلقاء نفسها ثم أخرج من طريق حماد عن أيوب قال قالت حفصة عن أم عطية اغسلنها ثلاثا
أو خمسا أو سبعا و اجعلن لها ثلاثة قرون * (تنبيه) * قوله ثلاثة قرون مع قوله ناصيتها و قرنيها
لا تضاد بينهما لأن المراد بالثلاثة قرون الضفائر و المراد بالقرنين الجانبان (قوله باب
يلقى شعر المرأة خلفها) في رواية الأصيلي و أبي الوقت يجعل و زاد الحموي ثلاثة قرون ثم أورد
المصنف حديث أم عطية من رواية هشام بن حسان عن حفصة و فيه فضفرنا شعرها ثلاثة قرون
فألقيناها خلفها أخرجه مسدد عن يحيى بن سعيد و قد أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن
يحيى بلفظ و مشطناها و قد تقدم ذلك من رواية الثوري عن هشام أيضا و عند عبد الرزاق من
طريق أيوب عن حفصة ضفرنا رأسها ثلاثة قرون ناصيتها و قرنيها و ألقيناه إلى خلفها قال ابن
107

دقيق العيد فيه استحباب تسريح المرأة و تضفيرها و زاد بعض الشافعية أن تجعل الثلاث خلف
ظهرها و أورد فيه حديثا غريبا كذا قال و هو مما يتعجب منه مع كون الزيادة في صحيح البخاري
و قد توبع راويها عليها كما تراه و في حديث أم عطية من الفوائد غير ما تقدم في هذه التراجم
العشر تعليم الإمام من لا علم له بالأمر الذي يقع فيه و وتفويضه إليه إذا كان أهلا لذلك بعد أن
ينبهه على علة الحكم و استدل به على أن الغسل من غسل الميت ليس بواجب لأنه موضع تعليم
و لم يأمر به و فيه نظر لاحتمال أن يكون شرع بعد هذه الواقعة و قال الخطابي لا أعلم أحدا قال
بوجوبه و كأنه ما درى أن الشافعي علق القول به على صحة الحديث و الخلاف فيه ثابت عند
المالكية و صار إليه بعض الشافعية أيضا و قال ابن بزيزة الظاهر أنه مستحب و الحكمة فيه
تتعلق بالميت لأن الغاسل إذا علم أن سيغتسل لم يتحفظ من شئ يصيبه من أثر الغسل فيبالغ في
تنظيف الميت و هو مطمئن و يحتمل أن يتعلق بالغاسل ليكون عند فراغه على يقين من طهارة
جسده مما لعله أن يكون أصابه من رشاش و نحوه انتهى و استدل به بعض الحنفية على أن الزوج
لا يتولى غسل زوجته لأن زوج ابنة النبي صلى الله عليه و سلم كان حاضرا و أمر النبي صلى الله عليه
و سلم النسوة بغسل ابنته دون الزوج و تعقب بأنه يتوقف على صحة دعوى أنه كان حاضرا و على
تقدير تسليمه فيحتاج إلى ثبوت أنه لم يكن به مانع من ذلك و لا آثر النسوة على نفسه و على تسليمه
فغاية ما فيه أن يستدل به على أن النسوة أولى منه لا على منعه من ذلك لو أراده و الله أعلم بالصواب
(قوله باب الثياب البيض للكفن) أورد فيه حديث عائشة كفن النبي صلى الله
عليه و سلم في ثلاثة أثواب بيض الحديث و تقرير الاستدلال به أن الله لم يكن ليختار لنبيه
الا الأفضل و كأن المصنف لم يثبت على شرطه الحديث الصريح في الباب و هو ما رواه أصحاب
السنن من حديث ابن عباس بلفظ البسوا ثياب البياض فإنها أطهر و أطيب و كفنوا فيها موتاكم
صححه الترمذي و الحاكم و له شاهد من حديث سمرة بن جندب أخرجوه و إسناده صحيح أيضا
و حكى بعض من صنف في الخلاف عن الحنفية أن المستحب عندهم أن يكون في أحدها ثوب
حبرة و كأنهم أخذوا بما روى أنه عليه الصلاة و السلام كفن في ثوبين و برد حبرة أخرجه أبو داود
من حديث جابر و إسناده حسن لكن روى مسلم و الترمذي من حديث عائشة أنهم نزعوها عنه
قال الترمذي و تكفينه في ثلاثة أثواب بيض أصح ما ورد في كفنه و قال عبد الرزاق عن معمر عن
هشام بن عروة لف في برد حبرة جفف فيه ثم
نزع عنه و يمكن أن يستدل لهم بعموم حديث أنس
كان أحب اللباس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الحبرة أخرجه الشيخان و سيأتي في اللباس
و الحبرة بكسر الحاء المهملة و فتح الموحدة ما كان من البرود مخططا (قوله باب الكفن
في ثوبين) كأنه أشار إلى أن الثلاث في حديث عائشة ليست شرطا في الصحة و إنما هو مستحب
و هو قول الجمهور و اختلف فيما إذا شح بعض الورثة بالثاني أو الثالث و المرجح أنه لا يلتفت
إليه و أما الواحد الساتر لجميع البدن فلا بد منه بالاتفاق (قوله حدثنا حماد) في رواية الأصيلي
ابن زيد (قوله بينما رجل) لم اقف على تسميته (قوله واقف) استدل به على إطلاق لفظ الواقف
على الراكب (قوله بعرفة) سيأتي بعد باب من وجه آخر و نحن مع النبي صلى الله عليه و سلم (قوله
فوقصته أو قال فأوقصته) شك من الراوي و المعروف عند أهل اللغة الأول و الذي بالهمز شاذ
108

والوقص كسر العنق ويحتمل أن يكون فاعل وقصته الوقعة أو الراحلة بأن تكون أصابته بعد
أن وقع و الأول أطهر و قال الكرماني فوقصته أي راحلته فإن كان الكسر حصل بسبب الوقوع
فهو مجاز و أن حصل من الراحلة بعد الوقوع فحقيقة (قوله و كفنوه في ثوبين) استدل به على
إبدال ثياب المحرم و ليس بشئ لأنه سيأتي في الحج بلفظ في ثوبيه و للنسائي من طريق يونس بن نافع
عن عمرو بن دينار في ثوبيه اللذين أحرم فيهما و قال المحب الطبري إنما لم يزده ثوبا ثالثا تكرمة له
كما في الشهيد حيث قال زملوهم بدمائهم و استدل به على أن الإحرام لا ينقطع بالموت كما سيأتي
بعد باب و على ترك النيابة في الحج لأنه صلى الله عليه و سلم لم يأمر أحدا أن يكمل عن هذا المحرم
أفعال الحج و فيه نظر لا يخفى و قال ابن بطال و فيه أن من شرع في عمل طاعة ثم حان بينه و بين
إتمامه الموت رجى له أن الله يكتبه في الآخرة من أهل ذلك العمل (قوله باب الحنوط
للميت) أي غير المحرم أورد فيه حديث ابن عباس المذكور عن شيخ آخر و شاهد الترجمة قوله
و لا تحنطوه ثم علل ذلك بأنه يبعث ملبيا فدل على أن سبب النهي أنه كان محرما فإذا انتفت
العلة انتفى النهي وكأن الحنوط للميت كان مقررا عندهم وكذا قوله لا تخمروا رأسه أي لا تغطوه
قال البيهقي فيه دليل على أن غير المحرم يحنط كما يخمر رأسه و أن النهي إنما وقع لأجل الإحرام
خلافا لمن قال من المالكية و غيرهم أن الإحرام ينقطع بالموت فيصنع بالميت ما يصنع بالحي قال
ابن دقيق العيد و هو مقتضى القياس لكن الحديث بعد أن يثبت يقدم على القياس و قد قال
بعض المالكية اثبات الحنوط في هذا الخبر بطريق المفهوم من منع الحنوط للمحرم و لكنها
واقعة حال يتطرق الاحتمال إلى منطوقها فلا يستدل بمفهومها و قال بعض الحنفية هذا
الحديث ليس عاما بلفظه لأنه في شخص معين ولا بمعناه لأنه لم يقل يبعث ملبيا لأنه محرم فلا يتعدى
حكمه إلى غيره الا بدليل منفصل و قال ابن بزيزة و أجاب بعض أصحابنا عن هذا الحديث بأن هذا
مخصوص بذلك الرجل لأن اخباره صلى الله عليه و سلم بأنه يبعث ملبيا شهادة بأن حجه قبل و ذلك
غير محقق لغيره و تعقبه ابن دقيق العيد بأن هذه العلة إنما ثبتت لأجل الإحرام فتعم كل محرم
و أما القبول و عدمه فأمر مغيب و اعتل بعضهم بقوله تعالى و أن ليس للإنسان الا ما سعى و بقوله
صلى الله عليه و سلم إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلاث و ليس هذا منها فينبغي أن ينقطع
عمله بالموت و أجيب بأن تكفينه في ثوبي إحرامه و تبقيته على هيئة إحرامه من عمل الحي بعده
كغسله و الصلاة عليه فلا معنى لما ذكروه و قال ابن المنير في الحاشية قد قال صلى الله عليه و سلم
في الشهداء زملوهم بدمائهم مع قوله و الله أعلم بمن يكلم في سبيله فعمم الحكم في الظاهر بناء على ظاهر
السبب فينبغي أن يعمم الحكم في كل محرم و بين المجاهد و المحرم جامع لأن كلا منهما في سبيل الله
و قد اعتذر الداودي عن مالك فقال لم يبلغه هذا الحديث و أورد بعضهم أنه لو كان إحرامه
باقيا لوجب أن يكمل به المناسك ولا قائل به و أجيب بأن ذلك ورد على خلاف الأصل فيقتصر
به على مورد النص ولا سيما و قد وضح أن الحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام كاستبقاء
دم الشهيد (قوله باب كيف يكفن المحرم) سقطت هذه الترجمة للأصيلي و ثبتت
لغيره و هو أوجه و أورد المصنف فيها حديث ابن عباس المذكور من طريقين ففي الأول فإنه
يبعث يوم القيامة ملبيا كذا للمستملي و للباقين ملبدا بدال بدل التحتانية و التلبيد جمع الشعر
109

بصمغ أو غيره ليخف شعثه و كانت عادتهم في الإحرام أن يصنعوا ذلك و قد أنكر عياض هذه
الرواية و قال ليس للتلبيد معنى و سيأتي في الحج بلفظ يهل و رواه النسائي بلفظ فإنه يبعث يوم
القيامة محرما لكن ليس قوله ملبدا فاسد المعنى بل توجيهه ظاهر (قوله في الرواية الأخرى
كان رجل واقفا) كذا لأبي ذر و للباقين واقف على أنه صفة لرجل و كان تامة أي حصل
رجل واقف (قوله فأقصعته) أي هشمته يقال اقصع القملة إذا هشمها و قيل هو خاص بكسر
العظم و لو سلم فلا مانع أن يستعار لكسر الرقبة و في رواية الكشميهني بتقديم العين على الصاد
والقعص القتل في الحال و منه قعاص الغنم و هو موتها قال الزين بن المنير تضمنت هذه الترجمة
الاستفهام عن الكيفية مع أنها مبينة لكنها لما كانت تحتمل أن تكون خاصة بذلك الرجل و أن
تكون عامة لكل محرم آثر المصنف الاستفهام (قلت) والذي يظهر أن المراد بقوله كيف يكفن
أي كيفية التكفين و لم يرد الاستفهام و كيف يظن به أنه متردد فيه و قد جزم قبل ذلك بأنه عام في حق
كل أحد حيث ترجم بجواز التكفين في ثوبين (قوله ولا تمسوه) بضم أوله و كسر الميم من أمس
قال ابن المنذر في حديث ابن عباس إباحة غسل المحرم (3) الحي بالسدر خلافا لمن كرهه له و أن
الوتر في الكفن ليس بشرط في الصحة و أن الكفن من رأس المال لأمره صلى الله عليه و سلم
بتكفينه في ثوبيه و لم يستفصل هل عليه دين يستغرق أم لا و فيه استحباب تكفين المحرم في ثياب
إحرامه و أن إحرامه باق و أنه لا يكفن في المخيط و فيه التعليل بالفاء لقوله فإنه و فيه التكفين
في الثياب الملبوسة و فيه استحباب دوام التلبية إلى أن ينتهي الإحرام و أن الإحرام يتعلق بالرأس
لا بالوجه و سيأتي الكلام على ما وقع في مسلم بلفظ ولا تخمروا وجهه في كتاب الحج أن شاء الله
تعالى و أغرب القرطبي فحكى عن الشافعي أن المحرم لا يصلى عليه و ليس ذلك بمعروف عنه
* (فائدة) * يحتمل اقتصاره له على التكفين في ثوبيه لكونه مات فيهما و هو متلبس بتلك العبادة
الفاضلة و يحتمل أنه لم يجد له غيرهما (قوله باب الكفن في القميص الذي يكف
أو لا يكف) قال ابن التين ضبط بعضهم يكف بضم أوله و فتح الكاف و بعضهم بالعكس و الفاء
مشددة فيهما و ضبطه بعضهم بفتح أوله و سكون الكاف و تخفيف الفاء و كسرها و الأول أشبه
بالمعنى و تعقبه أبن رشيد بأن الثاني هو الصواب قال و كذا وقع في نسخة حاتم الطرابلسي و كذا
رأيته في أصل أبي القاسم بن الورد قال و الذي يظهر لي أن البخاري لحظ قوله تعالى استغفر لهم
أو لا تستغفر لهم أي أن النبي صلى الله عليه و سلم ألبس عبد الله بن أبي قميصه سواء كان يكف عنه
العذاب أو لا يكف استصلاحا للقلوب المؤلفة فكأنه يقول يؤخذ من هذا التبرك بآثار الصالحين
سواء علمنا أنه مؤثر في حال الميت أو لا قال و لا يصح أن يراد به سواء كان الثوب مكفوف الأطراف
أو غير مكفوف لأن ذلك وصف لا أثر له قال و أما الضبط الثالث فهو لحن إذ لا موجب لحذف الياء
الثانية فيه انتهى و قد جزم المهلب بأنه الصواب و أن الياء سقطت من الكاتب غلطا قال ابن بطال
و المراد طويلا كان القميص سابغا أو قصيرا فإنه يجوز أن يكفن فيه كذا قال و وجهه بعضهم
بأن عبد الله كان مفرط الطول كما سيأتي في ذكر السبب في إعطاء النبي صلى الله عليه و سلم له قميصه
و كان النبي صلى الله عليه و سلم معتدل الخلق و قد أعطاه مع ذلك قميصه ليكفن فيه و لم يلتفت
إلى كونه ساترا لجميع بدنه أو لا و تعقب بأن حديث جابر دال على أنه كفن في غيره فلا تنتهض الحجة
110

بذلك و أما قول ابن رشيد أن المكفوف الأطراف لا أثر له فغير مسلم بل المتبادر إلى الذهن أنه مراد
البخاري كما فهمه ابن التين و المعنى أن التكفين في القميص ليس ممتنعا سواء كان مكفوف
الأطراف أو غير مكفوف أو المراد بالكف تزريره دفعا لقول من يدعي أن القميص لا يسوغ الا
إذا كانت أطرافه غير مكفوفة أو كان غير مزرر ليشبه الرداء و أشار بذلك إلى الرد على من خالف
في ذلك و إلى أن التكفين في غير قميص مستحب ولا يكره التكفين في القميص و في الخلافيات
للبيهقي من طريق ابن عون قال كان محمد بن سيرين يستحب أن يكون قميص الميت كقميص الحي
مكففا مزررا و سيأتي الكلام على حديث عبد الله بن عمر في قصة عبد الله بن أبي في تفسير براءة
أن شاء الله تعالى و نذكر فيه جواب الاشكال الواقع في قول عمر أليس الله قد نهاك أن تصلي على
المنافقين مع أن نزول قوله تعالى و لا تصل على أحد منهم مات أبدا كان بعد ذلك كما سيأتي في سياق
حديث الباب حيث قال فنزلت و لا تصل و محصل الجواب أن عمر فهم من قوله فلن يغفر الله لهم
منع الصلاة عليهم فأخبره النبي صلى الله عليه و سلم أن لا منع و أن الرجاء لم ينقطع بعد ثم أن ظاهر
قوله في حديث جابر أتى النبي صلى الله عليه و سلم عبد الله بن أبي بعد ما دفن فأخرجه فنفث فيه من
ريقه و ألبسه قميصه مخالف لقوله في حديث ابن عمر لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه فقال يا رسول
الله أعطني قميصك أكفنه فيه فأعطاه قميصه و قال آذني أصلي عليه فآذنه فلما أراد أن يصلي
عليه جذبه عمر الحديث و قد جمع بينهما بأن معنى قوله في حديث ابن عمر فأعطاه أي أنعم له بذلك
فأطلق على العدة اسم العطية مجازا لتحقق وقوعها و كذا قوله في حديث جابر بعد ما دفن عبد الله
ابن أبي أي دلى في حفرته و كان أهل عبد الله بن أبي خشوا على النبي صلى الله عليه و سلم المشقة في
حضوره فبادروا إلى تجهيزه قبل وصول النبي صلى الله عليه و سلم فلما وصل وجدهم قد دلوه
في حفرته فأمر بإخراجه انجازا لوعده في تكفينه في القميص و الصلاة عليه و الله أعلم و قيل
أعطاه صلى الله عليه و سلم أحد قميصيه أو لا ثم لما حضر أعطاه الثاني بسؤال ولده و في الإكليل
للحاكم ما يؤيد ذلك و قيل ليس في حديث جابر دلالة على أنه ألبسه قميصه بعد إخراجه من القبر لأن
لفضه فوضعه على ركبتيه و ألبسه قميصه و الواو لا ترتب فلعله أراد أن نذكر ما وقع في الجملة من
إكرامه له من غير إرادة ترتيب و سيأتي في الجهاد ذكر السبب في إعطاء النبي صلى الله عليه و سلم
قميصه لعبد الله بن أبي و بقية القصة في التفسير و أن اسم ابنه المذكور عبد الله كاسم أبيه أن
شاء الله تعالى و استنبط منه الإسماعيلي جواز طلب آثار أهل الخير منهم للتبرك بها و أن كان
السائل غنيا (قوله باب الكفن بغير قميص) ثبتت هذه الترجمة للأكثر و سقطت
للمستملي و لكنه ضمنها الترجمة التي قبلها فقال بعد قوله أو لا يكف و من كفن بغير قميص و الخلاف
في هذه المسألة بين الحنفية و غيرهم في الاستحباب و عدمه و الثاني عن الجمهور و عن بعض
الحنفية يستحب القميص دون العمامة و أجاب بعض من خالف بأن قولها ليس فيها قميص
و لا عمامة يحتمل نفي وجودهما جملة و يحتمل أن يكون المراد نفي المعدود أي الثلاثة خارجة عن
القميص و العمامة و الأول أظهر و قال بعض الحنفية معناه ليس فيها قميص أي جديد و قيل
لبس فيها القميص الذي غسل فيه أوليس فيها قميص مكفوف الأطراف (قوله حدثنا سفيان)
هو الثوري (قوله سحول) بضم المهملتين وآخره لام أي بيض و هو جمع سحل و هو الثوب
111

الأبيض النقي و لا يكون الا من قطن و قد تقدم في باب الثياب البيض للكفن بلفظ يمانية بيض
سحوليه من كرسف و عن ابن وهب السحول القطن و فيه نظر و هو بضم أوله و يروي بفتحه نسبة
إلى سحول قرية باليمن و قال الأزهري بالفتح المدينة و بالضم الثياب و قيل النسب إلى القرية
بالضم و أما بالفتح فنسبة إلى القصار لأنه يسحل الثياب أي ينقيها و الكرسف بضم الكاف
و المهملة بينهما راء ساكنة هو القطن و وقع في رواية للبيهقي سحولية جدد (قوله باب
الكفن بلا عمامة) كذا للأكثر و للمستملي الكفن في الثياب البيض و الأول أولى لئلا تتكرر
الترجمة بغير فائدة و قد تقدم ما في هذا النفي في الباب الذي قبله (قوله ثلاثة أثواب) في طبقات
ابن سعد عن الشعبي إزار و رداء و لفافه (قوله باب الكفن من جميع المال) أي
من رأس المال و كأن المصنف راعى لفظ حديث مرفوع ورد بهذا اللفظ أخرجه الطبراني
في الأوسط من حديث على و إسناده ضعيف و ذكره ابن أبي حاتم في العلل من حديث جابر
و حكى عن أبيه أنه منكر قال ابن المنذر قال بذلك جميع أهل العلم الا رواية شاذة عن خلاس
ابن عمرو قال الكفن من الثلث و عن طاوس قال من الثلث أن كان قليلا (قلت) أخرجهما
عبد الرزاق و قد يرد على هذا الإطلاق ما استثناه الشافعية و غيرهم من الزكاة و سائر
ما يتعلق بعين المال فإنه يقدم على الكفن و غيره من مؤنة تجهيزه كما لو كانت التركة شيئا مرهونا
أو عبدا جانيا (قوله وبه قال عطاء والزهري و عمرو بن دينار و قتادة و قال عمرو بن دينار الحنوط
من جميع المال) أما قول عطاء فوصله الدارمي من طريق ابن المبارك عن ابن جريج عنه قال
الحنوط و الكفن من رأس المال و أما قول الزهري و قتادة فقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن
الزهري و قتادة قالا الكفن من جميع المال و أما قول عمرو بن دينار فقال عبد الرزاق عن ابن
جريج عن عطاء الكفن و الحنوط من رأس المال قال و قاله عمرو بن دينار و قوله و قال إبراهيم
يعني النخعي * يبدأ بالكفن ثم بالدين ثم بالوصية (قوله و قال سفيان) أي الثوري الخ وصله الدارمي
من قول النخعي كذلك دون قول سفيان و من طريق أخرى عن النخعي بلفظ الكفن من جميع
المال وصله عبد الرزاق عن سفيان أي الثوري عن عبيدة بن معتب عن إبراهيم قال فقلت
لسفيان فأجر القبر و الغسل قال هو من الكفن أي أجر حفر القبر و اجر الغاسل من حكم الكفن
في أنه من رأس المال (قوله حدثنا أحمد بن محمد المكي) هو الأزرقي على الصحيح (قوله عن
سعد) أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فإبراهيم بن سعد في هذا الإسناد راو عن أبيه
عن جده عن جد أبيه و سيأتي سياقه في الباب الذي يليه أصرح اتصالا من هذا و يأتي الكلام
على فوائده مستوفى في باب غزوة أحد من كتاب المغازي و شاهد الترجمة منه قوله في الحديث فلم
يوجد له لأن ظاهره أنه لم يوجد ما يملكه الا البرد المذكور و وقع في رواية الأكثر الا بردة
بالضمير العائد عليه و في رواية الكشميهني الا بردة بلفظ واحدة البرود و سيأتي حديث
خباب في الباب الذي بعده بلفظ و لم يترك الا نمرة و اختلف فيما إذا كان عليه دين مستغرق هل
يكون كفنه ساترا لجميع بدنه أو للعورة فقط المرجح الأول و نقل ابن عبد البر الإجماع على أنه
لا يجزئ ثوب واحد يصف ما تحته من البدن (قوله أو رجل آخر) لم أقف على اسمه و لم يقع في أكثر
الروايات الا بذكر حمزة و مصعب فقط و كذا أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق منصور بن
112

أبى مزاحم عن إبراهيم بن سعد قال الزين بن المنير يستفاد من قصة عبد الرحمن إيثار الفقر على
الغنى و ايثار التخلي للعبادة على تعاطي الاكتساب فلذلك أمتنع من تناول ذلك الطعام مع أنه
كان صائما (قوله باب إذا لم يوجد الا ثوب واحد) أي اقتصر عليه و لا ينتظر بدفنه
ارتقاب شئ آخر و في قول عبد الرحمن بن عوف و هو خير مني دلالة على تواضعه و فيه
إشارة إلى تعظيم فضل من قتل في المشاهد الفاضلة مع النبي صلى الله عليه و سلم و زاد في هذه
الطريق أن غطى رأسه بدت رجلاه و هو موافق لما في الرواية التي في الباب الذي يليه و روى
الحاكم في المستدرك من حديث أنس أن حمزة أيضا كفن كذلك (قوله باب إذا لم
يجد كفنا الا ما يواري رأسه أو قدميه) أي رأسه مع بقية جسده الا قدميه أو العكس كأنه
قال ما يوارى جسده الا رأسه أو جسده الا قدميه و ذلك بين من حديث الباب حيث قال
خرجت رجلاه و لو كان المراد أنه يغطى رأسه فقط دون سائر جسده لكان تغطية العورة
أولى و يستفاد منه أنه إذا لم يوجد ساتر البتة أنه يغطى جميعه بالإذخر فإن لم يوجد فبما تيسر
من نبات الأرض و سيأتي في كتاب الحج قول العباس الا الأذخر فإنه لبيوتنا و قبورنا فكأنها
كانت عادة لهم استعماله في القبور قال المهلب و إنما استحب لهم النبي صلى الله عليه و سلم
التكفين في تلك الثياب التي ليست سابغة لأنهم قتلوا فيها انتهى و في هذا الجزم نظر بل الظاهر
أنه لم يجد لهم غيرها كما هو مقتضى الترجمة (قوله حدثنا شقيق) هو ابن سلمة أبو وائل و خباب
بمعجمة و موحدتين الأولى مثقلة هو ابن الأرت و ا لإسناد كله كوفيون (قوله لم يأكل من أجره
شيئا) كناية عن الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح و كان المراد بالأجر ثمرته فليس مقصورا
على أجر الآخرة (قوله أينعت) بفتح الهمزة و سكون التحتانية و فتح النون أي نضجت
(قوله فهو يهدبها) بفتح أوله و كسر المهملة أي يجتنيها و ضبطه النووي بضم الدال و حكى ابن
التين تثليثها (قوله ما نكفنه به) سقط لفظ به من رواية غير أبي ذر و سيأتي بقية الكلام على
فوائده في كتاب الرقاق أن شاء الله تعالى (قوله باب من استعد الكفن في زمن النبي
صلى الله عليه و سلم فلم فقلنا عليه ضبط في روايتنا بفتح الكاف على البناء للمجهول و حكى
الكسر على أن فاعل الإنكار النبي صلى الله عليه و سلم و حكى الزين بن المنير عن بعض الروايات فلم
ينكره بهاء يدل عليه و هو بمعنى الرواية التي بالكسر و إنما قيد الترجمة بذلك ليشير إلى أن الإنكار
الذي وقع من الصحابة كان على الصحابي في طلب البردة فلما أخبرهم بعذره لم ينكروا ذلك عليه
فيستفاد منه جواز تحصيل ما لا بد للميت منه من كفن و نحوه في حال حياته و هل يلتحق بذلك
حفر القبر فيه بحث سيأتي (قوله أن امرأة) لم اقف على اسمها (قوله فيها حاشيتها) قال الداودي
يعني أنها لم تقطع من ثوب فتكون بلا حاشية و قال غيره حاشية الثوب هدبه فكأنه قال أنها
جديدة لم يقطع هدبها و لم تلبس بعد و قال القزاز حاشيتا الثوب ناحيتاه اللتان في طرفهما الهدب
(قوله أتدرون) هو مقول سهل بن سعد بينه أبو غسان عن أبي حازم كما أخرجه المصنف في الأدب
113

و لفظه فقال سهل للقوم أتدرون ما البردة قالوا الشملة انتهى و في تفسير
البردة بالشملة تجوز لأن البردة كساء و الشملة ما يشتمل به فهي أعم لكن لما كان أكثر اشتمالهم بها أطلقوا عليها اسمها
(قوله فأخذها النبي صلى الله عليه و سلم محتاجا إليها) كأنهم عرفوا ذلك بقرينة حال أو تقدم
قول صريح (قوله فخرج إلينا و إنها إزاره) في رواية ابن ماجة عن هشام بن عمار عن عبد العزيز
فخرج إلينا فيها و في رواية هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني فاتزر بها ثم خرج (قوله فحسنها
فلان فقال اكسنيها ما أحسنها) كذا في جميع الروايات هنا بالمهملتين من التحسين و للمصنف
في اللباس من طريق يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم فجسها بالجيم بغير نون و كذا للطبراني
و الإسماعيلي من طريق أخرى عن أبي حازم و قوله فلان أفاد المحب الطبري في الأحكام له أنه
عبد الرحمن بن عوف و عزاه للطبراني و لم أره في المعجم الكبير لا في مسند سهل و لا عبد الرحمن
و نقله شيخنا ابن الملقن عن المحب في شرح العمدة و كذا قال لنا شيخنا الحافظ أبو الحسن الهيتمي
أنه وقف عليه لكن لم يستحضر مكانه و وقع لشيخنا ابن الملقن في شرح التنبيه أنه سهل بن سعد
و هو غلط فكأنه التبس على شيخنا اسم القائل باسم الراوي نعم أخرج الطبراني الحديث
المذكور عن أحمد بن عبد الرحمن بن يسار عن قتيبة بن سعيد عن يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي
حازم عن سهل و قال في آخره قال قتيبة هو سعد بن أبي وقاص انتهى و قد أخرجه البخاري في
اللباس و النسائي في الزينة عن قتيبة و لم يذكروا عنه ذلك و قد رواه ابن ماجة بسنده المتقدم
و قال فيه فجاء فلان رجل سماه يومئذ و هو دال على أن الراوي كان ربما سماه و وقع في رواية
أخرى للطبراني من طريق زمعة بن صالح عن أبي حازم أن السائل المذكور أعرابي فلو لم يكن
زمعة ضعيفا لانتفى أن يكون هو عبد الرحمن بن عوف أو سعد بن أبي وقاص أو يقال تعددت
القصة على ما فيه من بعد و الله أعلم (قوله ما أحسنها) بنصب النون و ما للتعجب و في رواية ابن
ماجة و الطبراني من هذا الوجه قال نعم فلما دخل طواها و أرسل بها إليه و هو للمصنف في اللباس
من طريق يعقوب بن عبد الرحمن بلفظ فقال نعم فجلس ما شاء الله في المجلس ثم رجع فطواها ثم
أرسل بها إليه (قوله قال القوم ما أحسنت) ما نافيه و قد وقعت تسمية المعاتب له من الصحابة
في طريق هشام بن سعد المذكورة و لفظه قال سهل فقلت للرجل لم سألته و قد رأيت حاجته
إليها فقال رأيت ما رأيتم و لكن أردت أن أخبأها حتى أكفن فيها (قوله أنه لا يرد) كذا
وقع هنا بحذف المفعول و ثبت في رواية ابن ماجة بلفظ لا يرد سائلا و نحوه في رواية يعقوب في
البيوع و في رواية أبي غسان في الأدب لا يسأل شيئا فيمنعه (قوله ما سألته لألبسها) في رواية أبي
غسان فقال رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه و سلم و أفاد الطبراني في رواية زمعة
ابن صالح أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر أن يصنع له غيرها فمات قبل أن تفرغ و في هذا الحديث
من الفوائد حسن خلق النبي صلى الله عليه و سلم وسعة جوده و قبوله الهدية و استنبط منه
المهلب جواز ترك مكافأة الفقير على هديته و ليس ذلك بظاهر منه فإن المكافأة كانت عادة
النبي صلى الله عليه و سلم مستمرة فلا يلزم من السكوت عنها هنا أن لا يكون فعلها بل ليس في سياق
هذا الحديث الجزم بكون ذلك كان هدية فيحتمل أن تكون عرضتها عليه ليشتريها منها قال
و فيه جواز الاعتماد على القرائن و لو تجردت لقولهم فأخذها محتاجا إليها و فيه نظر لاحتمال
114

أن يكون سبق لهم منه قول يدل على ذلك كما تقدم قال و فيه الترغيب في المصنوع بالنسبة إلى
صانعه إذا كان ماهرا و يحتمل أن تكون أرادت بنسبته إليها إزالة ما يخشى من التدليس و فيه
جواز استحسان الإنسان ما يراه على غيره من الملابس و غيرها أما ليعرفه قدرها و أما ليعرض له
بطلبه منه حيث يسوغ له ذلك و فيه مشروعية الإنكار عند مخالفة الأدب ظاهرا و أن لم يبلغ
المنكر درجة التحريم و فيه التبرك بآثار الصالحين قال ابن بطال فيه جواز اعداد الشئ قبل
وقت الحاجة إليه قال و قد حفر جماعة من الصالحين قبورهم قبل الموت و تعقبه الزين بن المنير
بأن ذلك لم يقع من أحد من الصحابة قال و لو كان مستحبا لكثر فيهم و قال بعض الشافعية ينبغي لمن
استعد شيئا من ذلك أن يجتهد في تحصيله من جهة يثق بحلها أو من أثر من يعتقد فيه الصلاح
و البركة (قوله باب أتباع النساء الجنازة) قال الزين بن المنير فصل المصنف
بين هذه الترجمة و بين فضل أتباع الجنائز بتراجم كثيرة تشعر بالتفرقة بين النساء و الرجال و أن
الفضل الثابت في ذلك يختص بالرجال دون النساء لأن النهي يقتضي التحريم أو الكراهة
و الفضل يدل على الاستحباب و لا يجتمعان و أطلق الحكم هنا لما يتطرق إليه من الاحتمال و من
ثم اختلف العلماء في ذلك و لا يخفى أن محل النزاع إنما هو حيث تؤمن المفسدة (قوله حدثنا
سفيان) هو الثوري و أم الهذيل هي حفصة بنت سيرين (قوله نهينا) تقدم في الحيض من رواية
هشام بن حسان عن حفصة عنها بلفظ كنا نهينا عن أتباع الجنائز و رواه يزيد بن أبي حكيم عن
الثوري بإسناد هذا الباب بلفظ نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم أخرجه الإسماعيلي
و فيه رد على من قال لا حجة في هذا الحديث لأنه لم يسم الناهي فيه لما رواه الشيخان و غيرهما
أن كل ما ورد بهذه الصيغة كان مرفوعا و هو الأصح عند غيرهما من المحدثين و يؤيد رواية
الإسماعيلي ما رواه الطبراني من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية عن جدته أم عطية
قالت لما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة جمع النساء في بيت ثم بعث إلينا عمر فقال إني
رسول رسول الله إليكن بعثني إليكن لأبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا الحديث و في آخره
و أمرنا أن نخرج في العيد العواتق و نهانا أن نخرج في جنازة و هذا يدل على أن رواية أم عطية
الأولى من مرسل الصحابة (قوله و لم يعزم علينا) أي و لم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره
من المنهيات فكأنها قالت كره لنا أتباع الجنائز من غير تحريم و قال القرطبي ظاهر سياق أم
عطيه أن النهي نهي تنزيه و به قال جمهور أهل العلم و مال مالك إلى الجواز و هو قول أهل المدينة
و يدل على الجواز ما رواه ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم كان في جنازة فرأى عمر امرأة فصاح بها فقال دعها يا عمر الحديث و أخرجه ابن
ماجة و النسائي من هذا الوجه و من طريق أخرى عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سلمة بن الأزرق
عن أبي هريرة و رجاله ثقات و قال المهلب في حديث أم عطية دلالة على أن النهي من الشارع
على درجات و قال الداودي قولها نهينا عن أتباع الجنائز أي إلى أن نصل إلى القبور و قوله و لم
يعزم علينا أي أن لا نأتي أهل الميت فنعزيهم و نترحم على ميتهم من غير أن نتبع جنازته انتهى
و في أخذ هذا التفصيل من هذا السياق نظر نعم هو في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن
النبي صلى الله عليه و سلم رأى فاطمة مقبلة فقال من أين جئت فقالت رحمت على أهل هذا
115

الميت ميتهم فقال لعلك بلغت معهم الكدى قالت لا الحديث أخرجه أحمد و الحاكم و غيرهما
فأنكر عليها بلوغ الكدى و هو بالضم و تخفيف الدال المقصورة و هي المقابر و لم ينكر عليها
التعزية و قال المحب الطبري يحتمل أن يكون المراد بقولها و لم يعزم علينا أي كما عزم على الرجال
بترغيبهم في اتباعها بحصول القيراط و نحو ذلك و الأول أظهر و الله أعلم (قوله باب
إحداد المرأة على غير زوجها) قال ابن بطال الإحداد بالمهملة امتناع المرأة المتوفى عنها زوجها
من الزينة كلها من لباس و طيب و غيرهما و كل ما كان من دواعي الجماع و أباح الشارع للمرأة
أن تحد على غير زوجها ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن و يهجم من ألم الوجد و ليس ذلك واجبا
لاتفاقهم على أن الزوج لو طالبها بالجماع لم يحل لها منعه في تلك الحال و سيأتي في كتاب الطلاق
بقية الكلام على مباحث الإحداد و قوله في الترجمة على غير زوجها يعم كل ميت غير الزوج سواء
كان قريبا أو أجنبيا و دلالة الحديث له ظاهرة و لم يقيده في الترجمة بالموت لأنه يختص به عرفا
و لم يبين حكمه لأن الخبر دل على عدم التحريم في الثلاث و أقل ما يقتضيه اثبات المشروعية
(قوله فلما كان يوم الثالث) كذا للأكثر و هو من إضافة الموصوف إلى الصفة و للمستملي اليوم
الثالث (قوله دعت بصفرة) سيأتي الكلام عليها قريبا (قوله نهينا) رواه أيوب عن ابن سيرين
بلفظ أمرنا بأن لا نحد على هالك فوق ثلاث الحديث أخرجه عبد الرزاق و للطبراني من طريق
قتادة عن ابن سيرين عن أم عطية قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول فذكر معناه
(قوله أن نحد) بضم أوله من الرباعي و لم يعرف الأصمعي غيره و حكى غيره فتح أوله و ضم ثانيه من
الثلاثي يقال حدت المرأة و أحدت بمعنى (قوله الا بزوج) و في رواية الكشميهني الا لزوج باللام
و وقع في العدد من طريقه بلفظ الا على زوج و الكل بمعنى السببية (قوله عن زينب بنت أبي
سلمة) هي ربيبة النبي صلى الله عليه و سلم و صرح في العدد بالأخبار بينها و بين حميد بن نافع
(قوله نعي) بفتح النون و سكون المهملة و تخفيف الياء و كسر المهملة و تشديد الياء هو الخبر
بموت الشخص و أبو سفيان هو ابن حرب بن أمية والد معاوية (قوله دعت أم حبيبة) هي بنت
أبي سفيان المذكور و في قوله من الشام نظر لأن أبا سفيان مات بالمدينة بلا خلاف بين أهل
العلم بالأخبار و الجمهور على أنه مات سنة اثنتين و ثلاثين و قيل سنة ثلاث و لم أر في شئ من طرق
هذا الحديث تقييده بذلك الا في رواية سفيان بن عيينة هذه و أظنها وهما و كنت أظن أنه
حذف منه لفظ بن لأن الذي جاء نعيه من الشام و أم حبيبة في الحياة هو أخوها يزيد بن أبي
سفيان الذي كان أميرا على الشام لكن رواه المصنف في العدد من طريق مالك و من طريق سفيان
الثوري كلاهما عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن حميد بن نافع بلفظ حين توفي عنها أبوها أبو
سفيان بن حرب فظهر أنه لم يسقط منه شئ و لم يقل فيه واحد منهما من الشام و كذا أخرجه ابن
سعد في ترجمة أم حبيبة من طريق صفية بنت أبي عبيد عنها ثم وجدت الحديث في مسند ابن
أبي شيبة قال حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن حميد بن نافع و لفظه جاء نعي أخي أم حبيبة أو حميم لها
فدعت بصفرة فلطخت به ذراعيها و كذا رواه الدارمي عن هاشم بن القاسم عن شعبة لكن بلفظ
أن أخا لأم حبيبة مات أو حميما لها و رواه أحمد عن حجاج و محمد بن جعفر جميعا عن شعبة بلفظ أن
حميما لها مات من غير تردد و إطلاق الحميم على الأخ أقرب من إطلاقه على الأب فقوي الظن عند
116

هذا أن تكون القصة تعددت لزينب مع أم حبيبة عند وفاة أخيها يزيد ثم عند وفاة أبيها أبي
سفيان لا مانع من ذلك و الله أعلم (قوله بصفرة) في رواية مالك المذكورة بطيب فيه صفرة
خلوق و زاد فيه فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها أي بعارضي نفسها (قوله حدثنا
إسماعيل) هو بن أبي أويس بن أخت مالك و ساق الحديث هنا من طريق مالك مختصرا
و أورده مطولا من طريقه في العدد كما سيأتي (قوله ثم دخلت) هو مقول زينب بنت أم سلمة
و هو مصرح به في الرواية التي في العدد و ظاهره أن هذه القصة وقعت بعد قصة أم حبيبة و لا يصح
ذلك الا أن قلنا بالتعدد و يكون ذلك عقب وفاة يزيد بن أبي سفيان لأن وفاته سنة ثمان عشرة
أو تسع عشرة و لا يصح أن يكون ذلك عند وفاة أبيه لأن زينب بنت جحش ماتت قبل
أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح المشهور عند أهل العلم بالأخبار فيحمل على
أنها لم ترد ترتيب الوقائع و إنما أرادت ترتيب الأخبار و قد وقع في رواية أبي داود بلفظ و دخلت
و ذلك لا يقتضي الترتيب و الله أعلم (قوله حين توفي أخوها) لم أتحقق من المراد به لأن لزينب
ثلاثة إخوة عبد الله و عبد بغير إضافة و عبيد الله بالتصغير فأما الكبير فاستشهد بأحد و كانت
زينب إذ ذاك صغيرة جدا لأن أباها أبا سلمة مات بعد بدر و تزوج النبي صلى الله عليه و سلم أمها
أم سلمة و هي صغيرة ترضع كما سيأتي في الرضاع أن أمها حلت من عدتها من أبي سلمة بوضع زينب
هذه فانتفى أن يكون هو المراد هنا و أن كان وقع في كثير من الموطآت بلفظ حين توفي أخوها
عبد الله كما أخرجه الدارقطني من طريق ابن وهب و غيره عن مالك و أما عبد بغير إضافة فيعرف
بأبي حميد و كان شاعرا أعمى و عاش إلى خلافة عمر و قد جزم ابن إسحاق و غيره من أهل العلم
بالأخبار بأنه مات بعد أخته زينب بسنة و روى ابن سعد في ترجمتها في الطبقات من وجهين أن
أبا حميد المذكور حضر جنازة زينب مع عمر و حكى عنه مراجعة له بسببها و أن كان في اسنادهما
الواقدي لكن يستشهد به في مثل هذا فانتفى أن يكون هذا الأخير المراد و أما عبيد الله
المصغر فأسلم قديما و هاجر بزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى الحبشة ثم تنصر هناك و مات
فتزوج النبي صلى الله عليه و سلم بعده أم حبيبة فهذا يحتمل أن يكون هو المراد لأن زينب
بنت أبي سلمة عندما جاء الخبر بوفاة عبيد الله كانت في سن من يضبط و لا مانع أن يحزن المرء على
قريبه الكافر و لا سيما إذا تذكر سوء مصيره و لعل الرواية التي في الموطأ حين توفي أخوها
عبد الله كانت عبيد الله بالتصغير فلم يضبطها الكاتب و الله أعلم و يعكر على هذا قول من
قال أن عبيد الله مات بأرض الحبشة فتزوج النبي صلى الله عليه و سلم أم حبيبة فإن ظاهرها أن
تزوجها كان بعد موت عبيد الله و تزويجها وقع و هي بأرض الحبشة و قبل أن تسمع النهي و أيضا
ففي السياق ثم دخلت على زينب بعد قولها دخلت على أم حبيبة و هو ظاهر في أن ذلك كان بعد
موت قريب زينب بنت جحش المذكور و هو بعد مجئ أم حبيبة من الحبشة بمدة طويلة فإن لم
يكن هذا الظن هو الواقع احتمل أن يكون أخا لزينب بنت جحش من أمها أو من الرضاعة أو يرجح
ما حكاه ابن عبد البر و غيره من أن زينب بنت أبي سلمة ولدت بأرض الحبشة فإن مقتضى ذلك أن
يكون لها عند وفاة عبد الله بن جحش أربع سنين و ما مثلها يضبط في مثلها و الله أعلم (قوله
فمست به) أي شيئا من جسدها و سيأتي في الطريق التي في العدد بلفظ فمست منه و سيأتي فيه لزينب
117

حديث آخر عن أمها أم سلمة في الإحداد أيضا و سيأتي الكلام على الأحاديث الثلاثة مستوفى
أن شاء الله تعالى (قوله باب زيارة القبور) أي مشروعيتها و كأنه لم يصرح
بالحكم لما فيه من الخلاف كما سيأتي و كأن المصنف لم يثبت على شرطه الأحاديث المصرحة
بالجواز و قد أخرجه مسلم من حديث بريدة و فيه نسخ النهي عن ذلك و لفظه كنت نهيتكم عن
زيارة القبور فزوروها و زاد أبو داود و النسائي من حديث أنس فإنها تذكر الآخرة و للحاكم من
حديثه فيه و ترق القلب و تدمع العين فلا تقولوا هجرا أي كلاما فاحشا و هو بضم الهاء و سكون
الجيم و له من حديث ابن مسعود فإنها تزهد في الدنيا و لمسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا زوروا
القبور فإنها تذكر الموت قال النووي تبعا للعبدري و الحازمي و غيرهما اتفقوا على أن زيارة
القبور للرجال جائزة كذا اطلقوا و فيه نظر لأن ابن أبي شيبة و غيره روى عن ابن سيرين
و إبراهيم النخعي و الشعبي الكراهة مطلقا حتى قال الشعبي لولا نهي النبي صلى الله عليه و سلم
لزرت قبر ابنتي فلعل من أطلق أراد بالاتفاق ما استقر عليه الأمر بعد هؤلاء و كأن هؤلاء لم يبلغهم
الناسخ و الله أعلم و مقابل هذا قول ابن حزم أن زيارة القبور واجبة و لو مرة واحدة في العمر لورود
الأمر به و اختلف في النساء فقيل دخلن في عموم الاذن و هو قول الأكثر و محله ما إذا أمنت
الفتنة و يؤيد الجواز حديث الباب و موضع الدلالة منه أنه صلى الله عليه و سلم لم ينكر على المرأة
قعودها عند القبر و تقريره حجة و ممن حمل الاذن على عمومه للرجال و النساء عائشة فروى الحاكم
من طريق ابن أبي مليكة أنه رآها زارت قبر أخيها عبد الرحمن فقيل لها أليس قد نهى النبي صلى
الله عليه و سلم عن ذلك قالت نعم كان نهى ثم أمر بزيارتها و قيل الاذن خاص بالرجال ولا يجوز
للنساء زيارة القبور وبه جزم الشيخ أبو إسحق في المهذب و استدل له بحديث عبد الله بن عمرو الذي
تقدمت الإشارة إليه في باب أتباع النساء الجنائز و بحديث لعن الله زوارات القبور أخرجه
الترمذي و صححه من حديث أبي هريرة و له شاهد من حديث ابن عباس و من حديث حسان بن
ثابت و اختلف من قال بالكراهة في حقهن هل هي كراهة تحريم أو تنزيه قال القرطبي هذا
اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصفة من المبالغة و لعل السبب ما يفضي إليه
ذلك من تضييع حق الزوج و التبرج وما ينشأ منهن من الصياح و نحو ذلك فقد يقال إذا أمن
جميع ذلك فلا مانع من الاذن لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال و النساء (قوله بامرأة)
لم اقف على اسمها ولا اسم صاحب القبر و في رواية لمسلم ما يشعر بأنه ولدها و لفظه تبكي على صبي
لها و صرح به في مرسل يحيى بن أبي كثير عند عبد الرزاق و لفظه قد أصيبت بولدها و سيأتي في
أوائل كتاب الأحكام من طريق أخرى عن شعبة عن ثابت أن أنسا قال لامرأة من أهله تعرفين
فلانة قالت نعم قال كان النبي صلى الله عليه و سلم مر بها فذكر هذا الحديث (قوله فقال اتقي الله)
في رواية أبي نعيم في المستخرج فقال يا أمة الله اتقي الله قال القرطبي الظاهر أنه كان في بكائها
قدر زائد من نوح أو غيره و لهذا أمرها بالتقوى (قلت) يؤيده أن في مرسل يحيى بن أبي كثير
المذكور فسمع منها ما يكره فوقف عليها و قال الطيبي قوله اتقي الله توطئة لقوله واصبري كأنه
قيل لها خافي غضب الله أن لم تصبري و لا تجزعي ليحصل لك الثواب (قوله إليك عني) هو من
أسماء الأفعال و معناها تنح وأبعد (قوله لم تصب بمصيبتي) سيأتي في الأحكام من وجه آخر عن
118

شعبة بلفظ فإنك خلو من مصيبتي و هو بكسر المعجمة و سكون اللام و لمسلم ما تبالي بمصيبتي و لأبي
يعلى من حديث أبي هريرة أنها قالت يا عبد الله إني أنا الحري الثكلى و لو كنت مصابا
عذرتني (قوله و لم تعرفه) جملة حالية أي خاطبته بذلك و لم تعرف أنه رسول الله (قوله فقيل
لها) في رواية الأحكام فمر بها رجل فقال لها أنه رسول الله فقالت ما عرفته و في رواية أبي يعلى
المذكورة قال فهل تعرفينه قالت لا و للطبراني في الأوسط من طريق عطية عن أنس أن الذي
سألها هو الفضل بن العباس و زاد مسلم في رواية له فأخذها مثل الموت أي من شدة الكرب الذي
أصابها لما عرفت أنه صلى الله عليه و سلم خجلا منه و مهابة (قوله فلم تجد عنده بوابين) في رواية
الأحكام بوابا بالافراد قال الزين بن المنير فائدة هذه الجملة من هذا الخبر بيان عذر هذه المرأة
في كونها لم تعرفه و ذلك أنه كان من شأنه أن لا يتخذ بوابا مع قدرته على ذلك تواضعا وكان من شأنه
أنه لا يستتبع الناس و راءه إذا مشى كما جرت عادة الملوك و الأكابر فلذلك اشتبه على المرأة فلم تعرفه
مع ما كانت فيه من شاغل الوجد و البكاء و قال الطيبي فائدة هذه الجملة أنه لما قيل لها أنه
النبي صلى الله عليه و سلم استشعرت خوفا و هيبة في نفسها فتصورت أنه مثل الملوك له حاجب
و بواب يمنع الناس من الوصول إليه فوجدت الأمر بخلاف ما تصورته (قوله فقالت لم أعرفك
في حديث أبي هريرة فقالت و الله ما عرفتك (قوله إنما الصبر عند الصدمة الأولى) في رواية
الأحكام عند أول صدمة و نحوه مسلم و المعنى إذا وقع الثبات أول شئ يهجم على القلب من
مقتضيات الجزع فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر و أصل الصدم ضرب الشئ
الصلب بمثله فاستعير للمصيبة الواردة على القلب قال الخطابي المعنى أن الصبر الذي يحمد
عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة بخلاف ما بعد ذلك فإنه على الأيام يسلو و حكى
الخطابي عن غيره أن المرء لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه و إنما يؤجر على حسن
تثبته و جميل صبره و قال ابن بطال أراد أن لا يجتمع عليها مصيبة الهلاك و فقد الأجر و قال
الطيبي صدر هذا الجواب منه صلى الله عليه و سلم عن قولها لم أعرفك على أسلوب الحكيم كأنه
قال لها دعي الاعتذار فإني لا اغضب لغير الله و انظري لنفسك و قال الزين بن المنير فائدة جواب
المرأة بذلك أنها لما جاءت طائعة لما أمرها به من التقوى و الصبر معتذرة عن قولها الصادر
عن الحزن بين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال فهو الذي يترتب عليه الثواب
انتهى و يؤيده أن في رواية أبي هريرة المذكورة فقالت أنا أصبر أنا أصبر و في مرسل يحيى
ابن أبي كثير المذكور فقال اذهبي إليك فإن الصبر عند الصدمة الأولى و زاد عبد الرزاق فيه من
مرسل الحسن و العبرة لا يملكها ابن آدم و ذكر هذا الحديث في زيارة القبور مع احتمال أن
تكون المرأة المذكورة تأخرت بعد الدفن عند القبر و الزيارة إنما تطلق على من أنشأ إلى القبر قصدا
من جهة استواء الحكم في حقها حيث أمرها بالتقوى و الصبر لما رأى من جزعها و لم ينكر
عليها الخروج من بيتها فدل على أنه جائز و هو أعم من أن يكون خروجها لتشييع ميتها فأقامت
عند القبر بعد الدفن أو أنشأت قصد زيارته بالخروج بسبب الميت و في هذا الحديث من الفوائد
غير ما تقدم ما كان فيه عليه الصلاة و السلام من التواضع و الرفق بالجاهل و مساحة المصاب
و قبول اعتذاره و ملازمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و فيه أن القاضي لا ينبغي له أن
119

يتخذ من يحجبه عن حوائج الناس و أن من أمر بمعروف ينبغي له أن يقبل و لو لم يعرف الآمر و فيه
أن الجزع من المنهيات لآمره لها بالتقوى مقرونا بالصبر و فيه الترغيب في احتمال الأذى عند
بذل النصيحة و نشر الموعظة و أن المواجهة بالخطاب إذا لم تصادف المنوي لا أثر لها و بنى عليه
بعضهم ما إذا قال يا هند أنت طالق فصادف عمرة أن عمرة لا تطلق و استدل به على جواز زيارة
القبور سواء كان الزائر رجلا أو امرأة كما تقدم و سواء كان المزور مسلما أو كافرا لعدم
الاستفصال في ذلك قال النووي و بالجواز قطع الجمهور و قال صاحب الحاوي لا تجوز زيارة قبر
الكافر و هو غلط انتهى وحجة الموردي قوله تعالى و لا تقم على قبره و في الاستدلال به نظر
لا يخفى (تنبيه) قال الزين بن المنير قدم المصنف ترجمة زيارة القبور على غيرها من أحكام تشييع
الجنازة و ما بعد ذلك مما يتقدم الزيارة لأن
الزيارة يتكرر وقوعها فجعلها أصلا و مفتاحا لتلك
الأحكام انتهى ملخصا و أشار أيضا إلى أن مناسبة ترجمة زيارة القبور تناسب أتباع النساء الجنائز
فكأنه أراد حصر الأحكام المتعلقة بخروج النساء متوالية و الله أعلم
(قوله باب قول النبي صلى الله عليه و سلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته) هذا
تقييد من المصنف لمطلق الحديث و حمل منه لرواية ابن عباس المقيدة بالبعضية على رواية ابن عمر
المطلقة كما ساقه في الباب عنهما و تفسير منه للبعض المبهم في رواية ابن عباس بأنه النوح و يؤيده
أن المحذور بعض البكاء لا جميعه كما سيأتي بيانه و قوله إذا كان النوح من سنته يوهم أنه بقية
الحديث المرفوع و ليس كذلك بل هو كلام المصنف قاله تفقها و بقية السياق يرشد إلى ذلك
و هذا الذي جزم به هو أحد الأقوال في تأويل الحديث المذكور كما سيأتي بيانه و اختلف في ضبط
قوله من سنته فللأكثر في الموضعين بضم المهملة و تشديد النون أي طريقته و عادته و ضبطه
بعضهم بفتح المهملة بعدها موحدتان الأولى مفتوحة أي من أجلة قال صاحب المطالع حكى عن
أبي الفضل بن ناصر أنه رجح هذا و أنكر الأول فقال و أي سنة للميت انتهى و قال الزين بن المنير بل
الأول أولى لاشعاره بالعناية بذلك إذ لا يقال من سنته الا عند غلبة ذلك عليه و اشتهاره به (قلت)
و كأن البخاري الهم هذا الخلاف فأشار إلى ترجيح الأول حيث استشهد بالحديث الذي فيه لأنه
أول من سن القتل فإنه يثبت ما استبعده ابن ناصر بقوله و أي سنة للميت و أما تعبير المصنف
بالنوح فمراده ما كان من البكاء بصياح و عويل و ما يلتحق بذلك من لطم خد و شق جيب و غير
ذلك من المنهيات (قوله لقول الله تعالى قوا أنفسكم و أهليكم نارا) وجه الاستدلال لما ذهب
إليه من هذه الآية أن هذا الأمر عام في جهات الوقاية و من جملتها أن لا يكون الأصل مولعا بأمر
منكر لئلا يجري أهله عليه بعده أو يكون قد عرف أن لأهله عادة بفعل أمر منكر و أهمل نهيهم
عنه فيكون لم يق نفسه و لا أهله (قوله و قال النبي صلى الله عليه و سلم كلكم راع الحديث) هو
طرف من حديث لابن عمر تقدم موصولا في الجمعة و وجه الاستدلال منه ما تقدم لأن من جملة
رعايته لهم أن يكون الشر من طريقته فيجري أهله عليه أو يراهم يفعلون الشر فلا ينهاهم عنه
فيسئل عن ذلك و يؤاخذ به و قد تعقب استدلال البخاري بهذه الآية و الحديث على ما ذهب
إليه من حمل حديث الباب عليه لأن الحديث ناطق بأن الميت يعذب ببكاء أهله و الآية
و الحديث يقتضيان أنه يعذب بسنته فلم يتحد الموردان و الجواب أنه لا مانع في سلوك طريق
120

الجمع من تخصيص بعض العمومات و تقييد بعض المطلقات فالحديث و إن كان دالا على
تعذيب كل ميت بكل بكاء لكن دلت أدلة أخرى على تخصيص ذلك ببعض البكاء كما سيأتي توجيهه
و تقييد ذلك بمن كانت تلك سنته أو أهمل النهي عن ذلك فالمعنى على هذا أن الذي يعذب ببعض
بكاء أهله من كان راضيا بذلك بأن تكون تلك طريقته الخ و لذلك قال المصنف فإذا لم يكن من سنته
أي كمن كان لا شعور عنده بأنهم يفعلون شيئا من ذلك أو أدى ما عليه بان نهاهم فهذا لا مؤاخذة
عليه بفعل غيره و من ثم قال ابن المبارك إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئا من ذلك بعد وفاته
لم يكن عليه شئ (قوله فهو كما قالت عائشة) أي كما استدلت عائشة بقوله تعالى و لا تزروا زرة وزر
أخرى أي و لا تحمل حاملة ذنبا ذنب أخرى عنها و هذا حمل منه لانكار عائشة على أنها أنكرت
عموم التعذيب لكل ميت بكى عليه و أما قوله و هو كقوله و أن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه
شئ فوقع في رواية أبي ذر وحده و أن تدع مثقلة ذنوبا إلى حملها و ليست ذنوبا في التلاوة و إنما هو
في تفسير مجاهد فنقله المصنف عنه و موقع التشبيه في قوله أن الجملة الأولى دلت على أن النفس
المذنبة لا يؤاخذ غيرها بذنبها فكذلك الثانية دلت على أن النفس المذنبة لا يحمل عنها غيرها شيئا
من ذنوبها و لو طلبت ذلك ودعت إليه و محل ذلك كله إنما هو في حق من لم يكن له في شئ من ذلك
تسبب و إلا فهو يشاركه كما في قوله تعالى و ليحملن أثقالهم و أثقالا مع أثقالهم و قوله صلى الله
عليه و سلم فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين (قوله و ما يرخص من البكاء في غير نوح) هذا
معطوف على أول الترجمة و كأنه أشار بذلك إلى حديث عامر بن سعد عن أبي مسعود الأنصاري
و قرظه بن كعب قالا رخص لنا في البكاء عند المصيبة في غير نوح أخرجه ابن أبي شيبة و الطبراني
و صححه الحاكم لكن ليس إسناده على شرط البخاري فاكتفى بالإشارة إليه و استغنى عنه بأحاديث
الباب الدالة على مقتضاه (قوله و قال النبي صلى الله عليه و سلم لا تقتل نفسا ظلما الحديث) هو
طرف من حديث لابن مسعود وصله المصنف في الديات و غيرها و وجه الاستدلال به أن القاتل
المذكور يشارك من صنع صنيعه لكونه فتح له الباب و نهج له الطريق فكذلك من كانت طريقته
النوح على الميت يكون قد نهج لأهله تلك الطريقة فيؤاخذ على فعله الأول و حاصل ما بحثه
المصنف في هذه الترجمة أن الشخص لا يعذب بفعل غيره الا إذا كان له فيه تسبب فمن أثبت
تعذيب شخص بفعل غيره فمراده هذا و من نفاه فمراده ما إذا لم يكن له فيه تسبب أصلا و الله أعلم
و قد اعترض بعضهم على استدلال البخاري بهذا الحديث لأن ظاهره أن الوزر يختص بالبادئ
دون من أتى بعده فعلى هذا يختص التعذيب بأول من سن النوح على الموتى و الجواب أنه ليس
في الحديث ما ينفى الإثم عن غير البادئ فيستدل على ذلك بدليل آخر و إنما أراد المصنف بهذا
الحديث الرد على من يقول أن الإنسان لا يعذب الا بذنب باشره بقوله أو فعله فأراد أن يبين أنه
قد يعذب بفعل غيره إذا كان له فيه تسبب و قد اختلف العلماء في مسألة تعذيب الميت بالبكاء
عليه فمنهم من حمله على ظاهره و هو بين من قصة عمر مع صهيب كما سيأتي في ثالث أحاديث هذا
الباب و يحتمل أن يكون عمر كان يرى أن المؤاخذة تقع على الميت إذا كان قادرا على النهي و لم
يقع منه فلذلك بادر إلى نهي صهيب و كذلك نهى حفصة كما رواه مسلم من طريق نافع عن ابن
عمر عنه و ممن أخذ بظاهره أيضا عبد الله بن عمر فروى عبد الرزاق من طريقه أنه شهد جنازة رافع
121

ابن خديج فقال لأهله أن رافعا شيخ كبير لا طاقه له بالعذاب و أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه
و يقابل قول هؤلاء قول من رد هذا الحديث و عارضه بقوله تعالى و لا تزر وازرة وزر أخرى و ممن
روى عنه الإنكار مطلقا أبو هريرة كما رواه أبو يعلى من طريق بكر بن عبد الله المزني قال قال أبو
هريرة و الله لئن انطلق رجل مجاهد في سبيل الله فاستشهد فعمدت امرأته سفها و جهلا فبكت
عليه ليعذبن هذا الشهيد بذنب هذه السفيهة و إلى هذا جنح جماعة من الشافعية منهم أبو حامد
و غيره و منهم من أول قوله ببكاء أهله عليه على أن الباء للحال أي أن مبدأ عذاب الميت يقع عند
بكاء أهله عليه و ذلك أن شدة بكائهم غالبا إنما تقع عند دفنه و في تلك الحالة يسأل و يبتدأ به عذاب
القبر فكأن معنى الحديث أن الميت يعذب حالة بكاء أهله عليه و لا يلزم من ذلك أن يكون بكاؤهم
سببا لتعذيبه حكاه الخطابي و لا يخفى ما فيه من التكلف و لعل قائله إنما أخذه من قول عائشة
إنما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه ليعذب بمعصيته أو بذنبه و أن أهله ليبكون عليه الآن
أخرجه مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها و على هذا يكون خاصا ببعض الموتى و منهم
من أوله على أن الراوي سمع بعض الحديث و لم يسمع بعضه و أن اللام في الميت لمعهود معين كما
جزم به القاضي أبو بكر الباقلاني و غيره و حجتهم ما سيأتي في رواية عمرة عن عائشة في رابع أحاديث
الباب و قد رواه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري و زاد في أوله ذكر لعائشة أن ابن عمر
يقول أن الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما أنه لم يكذب و لكنه
نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه و سلم على يهودية فذكرت الحديث و منهم من أوله
على أن ذلك مختص بالكافر و أن المؤمن لا يعذب بذنب غيره أصلا و هو بين من رواية ابن عباس
عن عائشة و هو ثالث أحاديث الباب و هذه التأويلات عن عائشة متخالفة و فيه اشعار بأنها
لم ترد الحديث بحديث آخر بل بما استشعرته من معارضة القرآن قال الداودي رواية ابن عباس
عن عائشة بينت ما نفته عمرة و عروة عنها الا أنها خصته بالكافر لأنها أثبتت أن الميت يزداد عذابا
ببكاء أهله فأي فرق بين أن يزداد بفعل غيره أو يعذب ابتداء و قال القرطبي إنكار عائشة ذلك
و حكمها على الراوي بالتخطئة أو النسيان أو على أنه سمع بعضا و لم يسمع بعضا بعيد لأن الرواة لهذا
المعنى من الصحابة كثيرون و هم جازمون فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح و قد جمع
كثير من أهل العلم بين حديثي عمر و عائشة بضروب من الجمع أولها طريقة البخاري كما تقدم
توجيهها ثانيها و هو أخص من الذي قبله ما إذا أوصى أهله بذلك و به قال المزني و إبراهيم الحربي
و آخرون من الشافعية و غيرهم حتى قال أبو الليث السمرقندي أنه قول عامة أهل العلم و كذا نقله
النووي عن الجمهور قالوا و كان معروفا للقدماء حتى قال طرفة بن العبد إذا مت فانعيني بما أنا أهله * و شقي على الجيب يا ابنة معبد
و اعترض بأن التعذيب بسبب الوصية يستحق بمجرد صدور الوصية و الحديث دال على أنه إنما
يقع عند وقوع الامتثال و الجواب أنه ليس في السياق حصر فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال
أن لا يقع إذا لم يمتثلوا مثلا ثالثها يقع ذلك أيضا لمن أهمل نهي أهله عن ذلك و هو قول داود
و طائفة و لا يخفى أن محله ما إذا لم يتحقق أنه ليست لهم بذلك عادة و لا ظن أنهم يفعلون ذلك قال
ابن المرابط إذا علم المرء بما جاء في النهي عن النوح و عرف أن أهله من شأنهم يفعلون ذلك و لم يعلمهم
122

بتحريمه و لا زجرهم عن تعاطيه فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده
رابعها معنى قوله يعذب ببكاء أهله أي بنظير ما يبكيه أهله به و ذلك أن الأفعال التي يعددون بها
عليه غالبا تكون من الأمور المنهية فهم يمدحونه بها و هو يعذب بصنيعه ذلك و هو عين
ما يمدحونه به و هذا اختيار ابن حزم و طائفة و استدل له بحديث ابن عمر الآتي بعد عشرة أبواب
في قصة موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه و سلم و فيه و لكن يعذب بهذا و أشار إلى لسانه قال
ابن حزم فصح أن البكاء الذي يعذب به الإنسان ما كان منه باللسان إذ يندبونه برياسته التي جار
فيها و شجاعته التي صرفها في غير طاعة الله و جوده الذي لم يضعه في الحق فأهله يبكون عليه بهذه
المفاخر و هو يعذب بذلك و قال الإسماعيلي كثر كلام العلماء في هذه المسألة و قال كل مجتهدا
على حسب ما قدر له و من أحسن ما حضرني وجه لم أرهم ذكروه و هو إنهم كانوا في الجاهلية
يغيرون و يسبون و يقتلون و كان أحدهم إذا مات بكته باكيته بتلك الأفعال المحرمة فمعنى الخبر
أن الميت يعذب بذلك الذي يبكي عليه أهله به لأن الميت يندب بأحسن أفعاله و كانت محاسن
أفعالهم ما ذكر و هي زيادة ذنب في ذنوبه يستحق العذاب عليها خامسها معنى التعذيب توبيخ
الملائكة له بما يندبه أهله به كما روى أحمد من حديث أبي موسى مرفوعا الميت يعذب ببكاء الحي
إذا قالت النائحة وا عضداه وا ناصراه وا كاسياه جبذ الميت و قيل له أنت عضدها أنت ناصرها
أنت كاسيها و رواه ابن ماجة بلفظ يتعتع به و يقال أنت كذلك و رواه الترمذي بلفظ ما من ميت
يموت فتقوم نادبته فتقول وا جبلاه وا سنداه أو شبه ذلك من القول الا وكل به ملكان يلهذانه
أهكذا كنت و شاهده ما روى المصنف في المغازي من حديث النعمان بن بشير قال أغمي على عبد
الله بن رواحة فجعلت أخته تبكي و تقول وا جبلاه وا كذا وا كذا فقال حين أفاق ما قلت شيئا
الا قيل لي أنت كذلك سادسها معنى التعذيب تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة و غيرها
و هذا اختيار أبي جعفر الطبري من المتقدمين و رجحه ابن المرابط و عياض و من تبعه و نصره ابن
تيمية و جماعة من المتأخرين و استشهدوا له بحديث قيلة بنت مخرمة و هي بفتح القاف و سكون
التحتانية و أبوها بفتح الميم و سكون المعجمة ثقفية قلت يا رسول الله قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة
ثم أصابته الحمى فمات و نزل على البكاء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أيغلب أحدكم
أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفا وإذا مات استرجع فوالذي نفس محمد بيده أن أحدكم
ليبكي فيستعبر إليه صويحبه فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم و هذا طرف من حديث طويل
حسن الإسناد أخرجه ابن أبي خيثمة و ابن أبي شيبة و الطبراني و غيرهم و أخرج أبو داود و الترمذي
أطرافا منه قال الطبري و يؤيده ما قاله أبو هريرة أن أعمال العباد تعرض على أقربائهم من
موتاهم ثم ساقه بإسناد صحيح إليه و شاهده حديث النعمان بن بشير مرفوعا أخرجه البخاري في
تاريخه و صححه الحاكم قال ابن المرابط حديث قيلة نص في المسألة فلا يعدل عنه و اعترضه ابن
رشيد بأنه ليس نصا و إنما هو محتمل فإن قوله فيستعبر إليه صويحبه ليس نصا في أن المراد به الميت
بل يحتمل أن يراد به صاحبه الحي و أن الميت يعذب حينئذ ببكاء الجماعة عليه و يحتمل أن يجمع بين
هذه التوجيهات فينزل على اختلاف الأشخاص بأن يقال مثلا من كانت طريقته النوح فمشى
أهله على طريقته أو بالغ فأوصاهم بذلك عذب بصنعه و من كان ظالما فندب بافعاله الجائرة
123

عذب بما ندب به و من كان يعرف من أهله النياحة فأهمل نهيهم عنها فإن كان راضيا بذلك التحق
بالأول و أن كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهي و من سلم من ذلك كله و احتاط
فنهى أهله عن المعصية ثم خالفوه و فعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره
و اقدامهم على معصية ربهم و الله تعالى أعلم بالصواب و حكى الكرماني تفصيلا آخر و حسنه
و هو التفرقة بين حال البرزخ و حال يوم القيامة فيحمل قوله تعالى و لا تزر وازرة وزر أخرى على يوم
القيامة و هذا الحديث و ما أشبهه على البرزخ و يؤيد ذلك أن مثل ذلك يقع في الدنيا و الإشارة
إليه بقوله تعالى و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة فإنها دالة على جواز وقوع
التعذيب على الإنسان بما ليس له فيه تسبب فكذلك يمكن أن يكون الحال في البرزخ بخلاف
يوم القيامة و الله أعلم ثم أورد المصنف في الباب خمسة أحاديث الأول حديث أسامة (قوله
حدثنا عبدان و محمد) هو ابن مقاتل و عبد الله هو ابن المبارك (قوله عن أبي عثمان) هو النهدي
كما صرح به في التوحيد من طريق حماد عن عاصم و في رواية شعبة في أواخر الطب عن عاصم
سمعت أبا عثمان (قوله أرسلت بنت النبي صلى الله عليه و سلم) هي زينب كما وقع في رواية أبي
معاوية عن عاصم المذكور في مصنف ابن أبي شيبة (قوله أن ابنا لي) قيل هو علي بن أبي العاص
ابن الربيع وهو من زينب كذا كتب الدمياطي بخطه في الحاشية و فيه نظر لأنه لم يقع مسمى في شئ
من طرق هذا الحديث و أيضا فقد ذكر الزبير بن بكار و غيره من أهل العلم بالأخبار أن عليا المذكور
عاش حتى ناهز الحلم و أن النبي صلى الله عليه و سلم أردفه على راحلته يوم فتح مكة و مثل هذا لا يقال
في حقه صبي عرفا و أن جاز من حيث اللغة و وجدت في الأنساب للبلاذري أن عبد الله بن عثمان بن
عفان من رقية بنت النبي صلى الله عليه و سلم لما مات وضعه النبي صلى الله عليه و سلم في حجره و قال
إنما يرحم الله من عباده الرحماء و في مسند البزار من حديث أبي هريرة قال ثقل ابن لفاطمة
فبعثت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فذكر نحو حديث الباب و فيه مراجعة سعد بن عبادة في البكاء
فعلى هذا فالابن المذكور محسن ابن علي بن أبي طالب و قد اتفق أهل العلم بالأخبار أنه مات
صغيرا في حياة النبي صلى الله عليه و سلم فهذا أولى أن يفسر به الابن أن ثبت أن القصة كانت
لصبي و لم يثبت أن المرسلة زينب لكن الصواب في حديث الباب أن المرسلة زينب و أن الولد
صبية كما ثبت في مسند أحمد عن أبي معاوية بالسند المذكور و لفظه أتى النبي صلى الله عليه و سلم
بأمامة بنت زينب زاد سعدان بن نصر في الثاني من حديثه عن أبي معاوية بهذا الإسناد و هي لأبي
العاص بن الربيع و نفسها تقعقع كأنها في شن فذكر حديث الباب و فيه مراجعة سعد بن
عبادة و هكذا أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في معجمه عن سعدان و وقع في رواية بعضهم أميمة
بالتصغير و هي إمامة المذكورة فقد اتفق أهل العلم بالنسب أن زينب لم تلد لأبي العاص إلا عليا
و أمامه فقط و قد استشكل ذلك من حيث أن أهل العلم بالأخبار اتفقوا على أن أمامة بنت أبي
العاص من زينب بنت النبي صلى الله عليه و سلم عاشت بعد النبي صلى الله عليه و سلم حتى تزوجها
علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة ثم عاشت عند علي حتى قتل عنها و يجاب بأن المراد بقوله في
حديث الباب أن ابنا لي قبض أي قارب أن يقبض و يدل على ذلك أن في رواية حماد أرسلت
تدعوه إلى ابنها في الموت و في رواية شعبة أن ابنتي قد حضرت و هو عند أبي داود من طريقه أن
124

ابني أو ابنتي و قد قدمنا أن الصواب قول من قال ابنتي لا ابني و يؤيده ما رواه الطبراني في ترجمة عبد
الرحمن بن عوف في المعجم الكبير من طريق الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن
جده قال استعز بامامة بنت أبي العاص فبعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم إليه
تقول له فذكر نحو حديث أسامة و فيه مراجعة سعد في البكاء و غير ذلك و قوله في هذه الرواية
استعز بضم المثناة و كسر المهملة و تشديد الزاي أي أشتد بها المرض و أشرفت على الموت و الذي
يظهر أن الله تعالى أكرم نبيه عليه الصلاة و السلام لما سلم لأمر ربه و صبر ابنته و لم يملك مع ذلك
عينيه من الرحمة و الشفقة بأن عافى الله ابنة ابنته في ذلك الوقت فخلصت من
تلك الشدة و عاشت تلك المدة و هذا ينبغي أن يذكر في دلائل النبوة و الله المستعان
(قوله يقرئ السلام) بضم أوله
(قوله أن لله ما أخذ وله ما أعطى) قدم ذكر الأخذ على الإعطاء و أن كان متأخرا في الواقع لما
يقتضيه المقام و المعنى أن الذي أراد الله أن يأخذه هو الذي كان أعطاه فإن أخذه أخذ ما هو له فلا
ينبغي الجزع لأن مستودع الأمانة لا ينبغي له أن يجزع إذا استعيدت منه و يحتمل أن يكون
المراد بالاعطاء إعطاء الحياة لمن بقي بعد الميت أو ثوابهم على المصيبة أو ما هو أعم من ذلك و ما في
الموضعين مصدرية و يحتمل أن تكون موصولة و العائد محذوف فعلى الأول التقدير لله الأخذ
و الاعطاء و على الثاني لله الذي أخذه من الأولاد و له ما أعطى منهم أو ما هو أعم من ذلك كما تقدم
(قوله و كل) أي من الأخذ و الاعطاء أو من الأنفس أو ما هو أعم من ذلك و هي جملة ابتدائية
معطوفة على الجملة المؤكدة و يجوز في كل النصب عطفا على اسم أن فيستحب التأكيد أيضا
عليه و معنى العندية العلم فهو من مجاز الملازمة و الأجل يطلق على الحد الأخير و على مجموع العمر
و قوله مسمى أي معلوم مقدر أو نحو ذلك (قوله و لتحتسب) أي تنوى بصبرها طلب الثواب من
ربها ليحسب لها ذلك من عملها الصالح (قوله فأرسلت إليه تقسم) وقع في حديث عبد الرحمن بن
عوف أنها راجعته مرتين و أنه إنما قام في ثالث مرة و كأنها الحت عليه في ذلك دفعا لما يظنه
بعض أهل الجهل أنها ناقصة المكانة عنده أو ألهمها الله تعالى أن حضور نبيه عندها يدفع عنها
ما هي فيه من الألم ببركة دعائه و حضوره فحقق الله ظنها و الظاهر أنه أمتنع أولا مبالغة في إظهار
التسليم لربه أو ليبين الجواز في أن من دعي لمثل ذلك لم تجب عليه الإجابة بخلاف الوليمة مثلا
(قوله فقام ومعه) في رواية حماد فقام و قام معه رجال و قد سمي منهم غير من ذكر في هذه الرواية
عبادة بن الصامت و هو في رواية عبد الواحد في أوائل التوحيد و في رواية شعبة أن أسامة راوي
الحديث كان معهم و في رواية عبد الرحمن بن عوف أنه كان معهم و وقع في رواية شعبة في
الإيمان و النذور و أبي أو أبي كذا فيه بالشك هل قالها بفتح الهمزة و كسر الموحدة و تخفيف الياء
أو بضم الهمزة و فتح الموحدة و التشديد فعلى الأول يكون معهم زيد بن حارثة أيضا لكن الثاني
أرجح لأنه ثبت في رواية هذا الباب بلفظ و أبي بن كعب و الظاهر أن الشك فيه من شعبة لأن ذلك
لم يقع في رواية غيره و الله أعلم (قوله فرفع) كذا هنا بالراء و في رواية حماد فدفع بالدال و بين في
رواية شعبة أنه وضع في حجره صلى الله عليه و سلم و في هذا السياق حذف و التقدير فمشوا إلى أن
وصلوا إلى بيتها فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا فرفع و وقع بعض هذا المحذوف في رواية عبد الواحد
و لفظه فلما دخلنا ناولوا رسول الله صلى الله عليه و سلم الصبي (قوله و نفسه تتقعقع قال حسبت
125

أنه قال كأنها شن) كذا في هذه الرواية و جزم بذلك في رواية حماد و لفظه و نفسه تقعقع كأنها في
شن و القعقعة حكاية صوت الشئ اليابس إذا حرك و الشن بفتح المعجمة و تشديد النون القربة
الخلقة اليابسة و على الرواية الثانية شبه البدن بالجلد اليابس الخلق و حركة الروح فيه بما يطرح
في الجلد من حصاة و نحوها و أما الرواية الأولى فكأنه شبه النفس بنفس الجلد و هو أبلغ
في الإشارة إلى شدة الضعف و ذلك أظهر في التشبيه (قوله ففاضت عيناه) أي النبي صلى الله عليه
و سلم و صرح به في رواية شعبة (قوله فقال سعد أي ابن عبادة المذكور و صرح به في رواية
عبد الواحد و وقع في رواية ابن ماجة من طريق عبد الواحد فقال عبادة بن الصامت و الصواب
ما في الصحيح (قوله ما هذا) في رواية عبد الواحد فقال سعد بن عبادة أتبكي زاد أبو نعيم
في المستخرج و تنهى عن البكاء (قوله فقال هذه) أي الدمعة أثر رحمة أي أن الذي يفيض
من الدمع من حزن القلب بغير تعمد من صاحبه و لا استدعاء لا مؤاخذة عليه و إنما المنهي
عنه الجزع و عدم الصبر (قوله و إنما يرحم الله من عباده الرحماء) في رواية شعبة في أواخر
الطب و لا يرحم الله من عباده الا الرحماء و من في قوله من عباده بيانية و هي حال من المفعول
قدمه فيكون أوقع و الرحماء جمع رحيم و هو من صيغ المبالغة و مقتضاه أن رحمة الله تختص
بمن اتصف بالرحمة و تحقق بها بخلاف من فيه أدنى رحمة لكن ثبت في حديث عبد الله
ابن عمر و عند أبي داود و غيره الراحمون يرحمهم الرحمن و الراحمون جمع راحم فيدخل كل من
فيه أدنى رحمة و قد ذكر الحربي مناسبة الإتيان بلفظ الرحماء في حديث الباب
بما حاصله أن لفظ الجلالة دال على العظمة و قد عرف بالاستقراء أنه حيث ورد يكون
الكلام مسوقا للتعظيم فلما ذكر هنا ناسب ذكر من كثرت رحمته و عظمته ليكون الكلام
جاريا على نسق التعظيم بخلاف الحديث الآخر فإن لفظ الرحمن دال على العفو فناسب
أن يذكر معه كل ذي رحمة و أن قلت و الله أعلم * و في هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز
استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم و دعائهم و جواز القسم عليه لذلك و جواز المشي
إلى التعزية و العيادة بغير إذن بخلاف الوليمة و جواز إطلاق اللفظ الموهم لما لم يقع بأنه يقع
مبالغة في ذلك لينبعث خاطر المسؤول في المجئ للإجابة إلى ذلك و فيه استحباب أبرار القسم و أمر
صاحبته المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت ليقع و هو مستشعر بالرضا مقاوما للحزن بالصبر و إخبار
من يستدعى بالأمر الذي يستدعى من أجله و تقديم السلام على الكلام و عيادة المريض ولو كان
مفضولا أو صبيا صغيرا و فيه أن أهل الفضل لا ينبغي أن يقطعوا الناس عن فضلهم و لو ردوا أول
مرة و استفهام التابع من امامه عما يشكل عليه مما يتعارض ظاهره و حسن الأدب في السؤال
لتقديمه قوله يا رسول الله على الاستفهام و فيه الترغيب في الشفقة على خلق الله و الرحمة لهم
و الترهيب من قساوة القلب و جمود العين و جواز البكاء من غير نوح و نحوه * الحديث الثاني
حديث أنس (قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو المسندي و أبو عامر هو العقدي (قوله عن
هلال) في رواية محمد بن سنان الآتية بعد أبواب حدثنا هلال (قوله شهدنا بنتا للنبي صلى الله
عليه و سلم) هي أم كلثوم زوج عثمان رواه الواقدي عن فليح بن سليمان بهذا الإسناد و أخرجه ابن
سعد في الطبقات في ترجمة أم كلثوم و كذا الدولابي في الذرية الطاهرة و كذلك رواه الطبري
و الطحاوي من هذا الوجه و رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس فسماها رقية أخرجه البخاري
126

في التاريخ الأوسط و الحاكم في المستدرك قال البخاري ما أدري ما هذا فإن رقية ماتت و النبي صلى
الله عليه و سلم ببدر لم يشهدها (قلت) و هم حماد في تسميتها فقط و يؤيد الأول ما رواه ابن سعد أيضا
في ترجمة أم كلثوم من طريق عمرة بنت عبد الرحمن قالت نزل في حفرتها أبو طلحة و أغرب الخطابي
فقال هذه البنت كانت لبعض بنات رسول الله صلى الله عليه و سلم فنسبت إليه انتهى ملخصا
و كأنه ظن أن الميتة في حديث أنس هي المحتضرة في حديث أسامة و ليس كذلك كما بينته (قوله
لم يقارف) بقاف و فاء زاد ابن المبارك عن فليح أراه يعني الذنب ذكره المصنف في باب من يدخل
قبر المرأة تعليقا و وصله الإسماعيلي و كذا شريح بن النعمان عن فليح أخرجه أحمد عنه و قيل معناه
لم يجامع تلك الليلة و به جزم ابن حزم و قال معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند رسول الله صلى الله
عليه و سلم بأنه لم يذنب تلك الليلة انتهى و يقويه أن في رواية ثابت عند المذكورة بلفظ لا يدخل
القبر أحد قارف أهله البارحة فتنحى عثمان و حكى عن الطحاوي أنه قال لم يقارف تصحيف
و الصواب لم يقاول أي لم ينازع غيره الكلام لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء و تعقب بأنه تغليظ للثقة بغير مستند و كأنه استبعد أن يقع لعثمان ذلك لحرصه على مراعاة الخاطر
الشريف و يجاب عنه باحتمال أن يكون مرض المرأة طال و احتاج عثمان إلى الوقاع و لم يظن
عثمان أنها تموت تلك الليلة و ليس في الخبر ما يقتضي أنه واقع بعد موتها بل و لا حين احتضارها
و العلم عند الله تعالى و في هذا الحديث جواز البكاء كما ترجم له و إدخال الرجال المرأة قبرها لكونهم
أقوى على ذلك من النساء و ايثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت و لو كان امرأة على
الأب و الزوج و قيل إنما آثره بذلك لأنها كانت صنعته و فيه نظر فإن ظاهر السياق أنه صلى الله
عليه و سلم اختاره لذلك لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع و علل ذلك بعضهم بأنه حينئذ يأمن
من أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة و حكى عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة
على عثمان أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة فتلطف صلى الله عليه و سلم في منعه
من النزول في قبر زوجته بغير تصريح و وقع في رواية حماد المذكورة فلم يدخل عثمان القبر و فيه
جواز الجلوس على شفير القبر عند الدفن و استدل به على جواز البكاء بعد الموت و حكى ابن قدامة في
المغني عن الشافعي أنه يكره لحديث جبر بن عتيك في الموطأ فإن فيه فإذا وجب فلا تبكين
باكية يعني إذا مات و هو محمول على الأولوية و المراد لا ترفع صوتها بالبكاء و يمكن أن يفرق بين
الرجال و النساء في ذلك لأن النساء قد يفضي بهن البكاء إلى ما يحذر من النوح لقلة صبرهن
و استدل به بعضهم على جواز الجلوس عليه مطلقا و فيه نظر و سيأتي البحث فيه في باب مفرد أن
شاء الله تعالى و فيه فضيلة لعثمان لايثاره الصدق و أن كان عليه فيه غضاضة * الحديث الثالث
(قوله عبد الله) هو ابن المبارك (قوله بنت لعثمان) هي أم أبان كما سيأتي من رواية أيوب (قوله
و إني لجالس بينهما أو قال جلست إلى أحدهما) هذا شك من ابن جريج و لمسلم من طريق أيوب
عن بن أبي مليكة قال كنت جالسا إلى جنب ابن عمر و نحن ننتظر جنازة أم أبان بنت عثمان و عنده
عمرو بن عثمان فجاء ابن عباس يقوده قائده فأراه أخبره بمكان ابن عمر فجاء حتى جلس إلى جنبي
فكنت بينهما فإذا صوت من الدار و في رواية عمرو بن دينار عن بن أبي مليكة عند الحميدي فبكى
النساء فظهر السبب في قول ابن عمر لعمرو بن عثمان ما قال و الظاهر أن المكان الذي جلس فيه
127

ابن عباس كان أوفق له من الجلوس بجنب ابن عمر أو أختار أن لا يقيم ابن أبي مليكة من مكانه
و يجلس فيه للنهي عن ذلك (قوله فلما أصيب عمر) يعني بالقتل و أفاد أيوب في روايته أن ذلك كان
عقب الحجة المذكورة و لفظه فلما قدمنا لم يلبث عمر أن أصيب و في رواية عمرو بن دينار لم يلبث أن
طعن (قوله قال ابن عباس فلما مات عمر) هذا صريح في أن حديث عائشة من رواية ابن عباس
عنها و رواية مسلم توهم أنه من رواية ابن أبي مليكة عنها و القصة كانت بعد موت عائشة لقوله فيها
فجاء ابن عباس يقوده قائده فإنه إنما عمي في أواخر عمره و يؤيد كون ابن أبي مليكة لم يحمله عنها
أن عند مسلم في أواخر القصة قال ابن أبي مليكة و حدثني القاسم بن محمد قال لما بلغ عائشة قول
ابن عمر قالت إنكم لتحدثونني عن غير كاذبين و لا مكذبين و لكن السمع يخطئ و هذا يدل على أن
ابن عمر كان قد حدث به مرارا و سيأتي في الحديث الذي بعده أنه حديث بذلك أيضا لما مات رافع
ابن خديج (قوله و لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم) بسكون نون لكن و يجوز تشديدها (قوله
حسبكم) بسكون السين المهملة أي كافيكم القرآن أي في تأييد ما ذهبت إليه من رد الخبر
(قوله قال ابن عباس عند ذلك) أي عند انتهاء حديثه عن عائشة و الله هو أضحك و أبكى أي أن
العبرة لا يملكها ابن آدم و لا تسبب له فيها فكيف يعاقب عليها فضلا عن الميت و قال الداودي
معناه أن الله تعالى إذن في الجميل من البكاء فلا يعذب على ما إذن فيه و قال الطيبي غرضه تقرير
قول عائشة أي أن بكاء الإنسان و ضحكه من الله يظهره فيه فلا أثر له في ذلك (قوله ما قال ابن عمر
شيئا) قال الطيبي و غيره ظهرت لابن عمر الحجة فسكت مذعنا و قال الزين بن المنير سكوته لا يدل على
الإذعان فلعله كره المجادلة في ذلك المقام و قال القرطبي ليس سكوته لشك طرأ له بعد ما صرح برفع
الحديث و لكن احتمل عنده أن يكون الحديث قابلا للتأويل و لم يتعين له محمل يحمله عليه
إذ ذاك أو كان المجلس لا يقبل المماراة و لم تتعين الحاجة إلى ذلك حينئذ و يحتمل أن يكون ابن عمر
فهم من استشهاد ابن عباس بالآية قبول روايته لأنها يمكن أن يتمسك بها في أن لله أن يعذب
بلا ذنب فيكون بكاء الحي علامة لذلك أشار إلى ذلك الكرماني * الحديث الرابع (قوله عن
عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن عمرو بن حزم (قوله إنما مر) كذا أخرجه من طريق مالك
مختصرا و هو في الموطأ بلفظ ذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول أن الميت يعذب ببكاء الحي عليه
فقالت عائشة يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما أنه لم يكذب و لكنه نسي أو أخطأ إنما مر و كذا أخرجه
مسلم و أخرجه أبو عوانة من رواية سفيان عن عبد الله بن أبي بكر كذلك و زاد أن ابن عمر لما مات
رافع قال لهم لا تبكوا عليه فإن بكاء الحي على الميت عذاب على الميت قالت عمرة فسألت عائشة
عن ذلك فقالت يرحمه الله إنما مر فذكر الحديث و رافع المذكور هو رافع بن خديج كما تقدمت
الإشارة إليه في الحديث الأول * الحديث الخامس (قوله عن أبي بردة) هو ابن أبي موسى
الأشعري (قوله لما أصيب عمر جعل صهيب يقول و أخاه) أخرجه مسلم من طريق عبد الملك
ابن عمير عن أبي بردة أتم من هذا السياق و فيه قول عمر علام تبكي (قوله أن الميت ليعذب ببكاء
الحي) الظاهر أن الحي من يقابل الميت و يحتمل أن يكون المراد به القبيلة و تكون اللام فيه بدل
الضمير و التقدير يعذب ببكاء حيه أي قبيلته فيوافق قوله في الرواية الأخرى ببكاء أهله و في رواية
مسلم المذكورة من يبكي عليه يعذب و لفظها أعم و فيه دلالة على أن الحكم ليس خاصا
128

بالكافر و على أن صهيبا أحد من سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه و سلم و كأنه نسيه
حتى ذكره به عمر و زاد فيه عبد الملك بن عمير عن أبي بردة فذكرت ذلك لموسى بن طلحة فقال كانت
عائشة تقول إنما كان أولئك اليهود أخرجه مسلم قال الزين بن المنير أنكر عمر على صهيب بكاءه
لرفع صوته بقوله و أخاه ففهم منه أن اظهاره لذلك قبل موت عمر يشعر باستصحابه ذلك بعد وفاته
أو زيادته عليه فابتدره بالإنكار لذلك و الله أعلم و قال ابن بطال أن قيل كيف نهى صهيبا عن
البكاء و أقر نساء بني المغيرة على البكاء على خالد كما سيأتي في الباب الذي يليه فالجواب أنه خشي
أن يكون رفعه لصوته من باب ما نهى عنه و لهذا قال في قصة خالد ما لم يكن نقع أو لقلقة (قوله
باب ما يكره من النياحة على الميت) قال الزين بن المنير ما موصولة و من لبيان الجنس
فالتقدير الذي يكره من جنس البكاء هو النياحة و المراد بالكراهة كراهة التحريم لما تقدم من
الوعيد عليه انتهى و يحتمل أن تكون ما مصدرية و من تبعيضية و التقدير كراهية بعض
النياحة أشار إلى ذلك ابن المرابط و غيره و نقل ابن قدامة عن أحمد رواية أن بعض النياحة
لا تحرم و فيه نظر و كأنه أخذه من كونه صلى الله عليه و سلم لم ينه عمة جابر لما ناحت عليه فدل
على أن النياحة إنما تحرم إذا انضاف إليها فعل من ضرب خد أو شق جيب و فيه نظر لأنه صلى الله
عليه و سلم إنما نهى عن النياحة بعد هذه القصة لأنها كانت بأحد و قد قال في أحد لكن حمزة
لا بواكي له ثم نهى عن ذلك و توعد عليه و ذلك بين فيما أخرجه أحمد و ابن ماجة و صححه الحاكم من
طريق أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بنساء بني عبد الأشهل
يبكين هلكاهن يوم أحد فقال لكن حمزة لا بواكي له فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة فاستيقظ
رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ويحهن ما انقلبن بعد مروهن فلينقلبن و لا يبكين على
هالك بعد اليوم و له شاهد أخرجه عبد الرزاق من طريق عكرمة مرسلا و رجاله ثقات (قوله
و قال عمر دعهن يبكين على أبي سليمان الخ) هذا الأثر و صله المصنف في التاريخ الأوسط من
طريق الأعمش عن شقيق قال لما مات خالد بن الوليد اجتمع نسوة بني المغيرة أي ابن عبد الله بن
عمرو بن مخزوم و هن بنات عم خالد بن الوليد بن المغيرة يبكين عليه فقيل لعمر أرسل إليهن فانههن
فذكره و أخرجه ابن سعد عن وكيع و غير واحد عن الأعمش (قوله ما لم يكن نقع أو لقلقة)
بقافين الأولى ساكنه و قد فسره المصنف بأن النقع التراب أي وضعه على الرأس و اللقلقة الصوت
أي المرتفع و هذا قول الفراء فأما تفسير اللقلقة فمتفق عليه كما قال أبو عبيد في غريب الحديث
و أما النقع فروى سعيد بن منصور عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال النقع الشق أي شق
الجيوب و كذا قال وكيع فما رواه ابن سعد عنه و قال الكسائي هو صنعة الطعام للمأتم كأنه
ظنه من النقيعة و هي طعام المأتم و المشهور أن النقعية طعام القادم من السفر كما سيأتي في آخر
الجهاد و قد أنكره أبو عبيد عليه و قال الذي رأيت عليه أكثر أهل العلم أن رفع الصوت يعني
بالبكاء و قال بعضهم هو وضع التراب على الرأس و النقع هو الغبار و قيل هو شق الجيوب و هو
قول شمر و قيل هو صوت لطم الخدود حكاه الأزهري و قال الإسماعيلي معترضا على البخاري
النقع لعمري هو الغبار و لكن ليس هذا موضعه و إنما هو هنا الصوت العالي و اللقلقة ترديد
صوت النواحة انتهى و لا مانع من حمله على المعنيين بعد أن فسر المراد بكونه وضع التراب على
129

الرأس لأن ذلك من صنيع أهل المصائب بل قال ابن الأثير المرجح أنه وضع التراب على الرأس
و أما من فسره بالصوت فيلزم موافقته للقلقلة فحمل اللفظين على معنيين أولى من حملهما على
معنى واحد و أجيب بأن بينهما مغايرة من وجه كما تقدم فلا مانع من إرادة ذلك * (تنبيه) *
كانت وفاة خالد بن الوليد بالشام سنة إحدى و عشرين (قوله حدثنا سعيد بن عبيد) هو الطائي
(قوله عن علي بن ربيعة) هو الأسدي و ليس له في البخاري غير هذا الحديث و الإسناد كله
كوفيون و صرح في رواية مسلم بسماع سعيد من على و لفظه حدثنا و المغيرة هو ابن شعبة و قد
أخرجه مسلم من وجه آخر عن سعيد بن عبيد و فيه علي بن ربيعة قال أتيت المسجد و المغيرة أمير
الكوفة فقال سمعت فذكره و رواه أيضا من طريق وكيع عن سعيد بن عبيد و محمد بن قيس
الأسدي كلاهما عن علي بن ربيعة قال أول من نيح عليه بالكوفة قرظة بن كعب و في رواية
الترمذي مات رجل من الأنصار يقال له قرظة بن كعب فنيح عليه فجاء المغيرة فصعد المنبر فحمد
الله و أثنى عليه و قال ما بال النوح في الإسلام انتهى و قرظة المذكور بفتح القاف و الراء و الظاء
المشالة أنصاري خزرجي كان أحد من وجهه عمر إلى الكوفة ليفقه الناس و كان على يده فتح الري
و استخلفه علي على (3) الكوفة و جزم ابن سعد و غيره بأنه مات في خلافته و هو قول مرجوح لما
ثبت في صحيح مسلم أن وفاته حيث كان المغيرة بن شعبة أميرا على الكوفة و كانت إمارة المغيرة على
الكوفة من قبل معاوية من سنة إحدى و أربعين إلى أن مات و هو عليها سنة خمسين (قوله أن
كذبا علي ليس ككذب على أحد) أي غيري و معناه أن الكذب على الغير قد ألف و استسهل
خطبه و ليس الكذب على بالغا مبلغ ذاك في السهولة و أن كان دونه في السهولة فهو أشد منه
في الإثم و بهذا التقرير يندفع اعتراض من أورد أن الذي الخطبة عليه الكاف أعلى و الله أعلم
و كذا لا يلزم من اثبات الوعيد المذكور على الكذب عليه أن يكون الكذب على غيره مباحا بل
يستدل على تحريم الكذب على غيره بدليل آخر و الفرق بينهما أن الكذب عليه توعد فاعله
بجعل النار له مسكنا بخلاف الكذب على غيره و قد تقدمت بقية مباحث الحديث في كتاب العلم
و يأتي كثير منها في شرح حديث واثلة في أوائل مناقب قريش أن شاء الله تعالى (قوله من ينح
عليه يعذب) ضبطه الأكثر بضم أوله و فتح النون و جزم المهملة على أن من شرطية و يجوز رفعه على
تقدير فإنه يعذب و روى بكسر النون و سكون التحتانية و فتح المهملة و في رواية الكشميهني
من يناح على أن من موصولة و قد و أخرجه الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم بلفظ
إذا نيح على الميت عذب بالنياحة عليه و هو يؤيد الرواية الثانية (قوله بما نيح عليه) كذا للجميع
بكسر النون و لبعضهم ما نيح بغير موحدة على أن ما ظرفية (قوله عن سعيد بن المسيب) في رواية
حدثنا سعيد (قوله تابعه عبد الأعلى) هو ابن حماد و سعيد هو ابن أبي عروبة (قوله حدثنا قتادة)
يعني عن سعيد بن المسيب الخ و قد وصله أبو يعلى في مسنده عن عبد الأعلى بن حماد كذلك (قوله
و قال آدم عن شعبة) يعني بإسناد حديث الباب لكن بغير لفظ المتن و هو قوله يعذب ببكاء الحي
عليه تفرد آدم بهذا اللفظ و قد رواه أحمد عن محمد بن جعفر و غندر و يحيى بن سعيد القطان و حجاج
ابن محمد كلهم عن شعبة كالأول و كذا أخرجه مسلم عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر و أخرجه
أبو عوانة من طريق أبي النضر و عبد الصمد بن عبد الوارث و أبي زيد الهروي و أسود بن عامر كلهم
130

عن سعيد كذلك و في الحديث تقديم من يحدث كلاما يقتضى تصديقه فيما يحدث به فإن المغيرة
قدم قبل تحديثه بتحريم النوح أن الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم أشد من الكذب
على غيره وأشار إلى أن الوعيد على ذلك يمنعه أن يخبر عنه بما لم يقل (قوله باب) كذا
في رواية الأصيلي و سقط من رواية أبي ذر و كريمة و على ثبوته فهو بمنزلة الفصل من الباب الذي
قبله كما تقدم تقريره غير مرة و على التقديرين فلا بد له من تعلق بالذي قبله و قد قدمت توجيهه
في أول الترجمة (قوله قد مثل به) بضم الميم و تشديد المثلثة يقال مثل بالقتيل إذا جدع أنفه أو إذنه
أو مذاكيره أو شئ من اجزائه و الاسم المثلة بضم الميم و سكون المثلثة (قوله سجى ثوبا) بضم
المهملة و تشديد الجيم الثقيلة أي غطى بثوب (قوله ابنة عمرو أو أخت عمرو) هذا شك من
سفيان و الصواب بنت عمرو و هي فاطمة بنت عمرو و قد تقدم على الصواب من رواية شعبة عن ابن
المنكدر في أوائل الجنائز بلفظ فذهبت عمتي فاطمة و وقع في الإكليل للحاكم تسميتها هند بنت
عمرو فلعل لها اسمين أو أحدهما اسمها و الآخر لقبها أو كانتا جميعا حاضرتين (قوله قال فلم تبكي
أو لا تبكي) هكذا في هذه الرواية بكسر اللام و فتح الميم على أنه استفهام عن غائبة و أما قوله أو لا
تبكي فالظاهر أنه شك من الراوي هل استفهم أو نهى لكن تقدم في أوائل الجنائز من رواية
شعبة تبكي أو لا تبكي و تقدم شرحه على التخيير و محصله أن هذا الجليل القدر الذي تظله
الملائكة بأجنحتها لا ينبغي أن يبكي عليه بل يفرح له بما صار إليه (قوله باب ليس
منا من شق الجيوب) قال الزين بن المنير أفرد هذا القدر بترجمة ليشعر بأن النفي الذي حاصله
التبري يقع بكل واحد من المذكورات لا بمجموعها (قلت) و يؤيده رواية مسلم بلفظ أو شق
الجيوب أو دعا الخ (قوله حدثنا زبيد) بزاي و موحدة مصغر (قوله اليامي) بالتحتانية
و الميم الخفيفة و في رواية الكشميهني الأيامى بزيادة همزة في أوله و الإسناد كله كوفيون و لسفيان
و هو الثوري فيه إسناد آخر سيذكر بعد بابين (قوله ليس منا) أي من أهل سنتنا و طريقتنا
و ليس المراد به إخراجه عن الدين و لكن فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغة في الردع عن
الوقوع في مثل ذلك كما يقول الرجل لولده عند معاتبته لست منك و لست مني أي ما أنت
على طريقتي و قال الزين بن المنير ما ملخصه التأويل الأول يستلزم أن يكون الخبر إنما ورد
عن أمر وجودي و هذا يصان كلام الشارع عن الحمل عليه و الأولى أن يقال المراد أن الواقع
في ذلك يكون قد تعرض لأن يهجر و يعرض عنه فلا يختلط بجماعة السنة تأديبا له على استصحابه
حالة الجاهلية التي قبحها الإسلام فهذا أولى من الحمل على ما لا يستفاد منه قدر زائد على الفعل
الموجود و حكى عن سفيان أنه كان يكره الخوض في تأويله و يقول ينبغي أن يمسك عن ذلك
ليكون أوقع في النفوس و أبلغ في الزجر و قيل المعنى ليس على ديننا الكامل أي أنه خرج من فرع من فروع الدين و أن كان معه أصله حكاه ابن العربي و يظهر لي أن هذا النفي يفسره التبري
الآتي في حديث أبي موسى بعد باب حيث قال برئ منه النبي صلى الله عليه و سلم و أصل البراءة
الانفصال من الشئ و كأنه توعده بأن لا يدخله في شفاعته مثلا و قال المهلب قوله أنا برئ أي من
فاعل ما ذكر وقت ذلك الفعل و لم يرد نفيه عن الإسلام (قلت) بينهما واسطة تعرف مما تقدم
أول الكلام و هذا يدل على تحريم ما ذكر من شق الجيب و غيره و كأن السبب في ذلك ما تضمنه
131

ذلك من عدم الرضا بالقضاء فإن وقع التصريح بالاستحلال مع العلم بالتحريم أو التسخط مثلا
بما وقع فلا مانع من حمل النفي على الإخراج من الدين (قوله لطم الخدود) خص الخد بذلك لكونه
الغالب في ذلك و إلا فضرب بقية الوجه انظر في ذلك (قوله و شق الجيوب) جمع جيب بالجيم
و الموحدة و هو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس و المراد بشقه إكمال فتحه إلى آخره و هو
من علامات التسخط (قوله ودعا بدعوى الجاهلية) في رواية مسلم بدعوى أهل الجاهلية
أي من النياحة و نحوها و كذا الندبة كقولهم وا جبلاه و كذا الدعاء بالويل و الثبور كما سيأتي
بعد ثلاثة أبواب (قوله باب رثاء النبي صلى الله عليه و سلم سعد ابن خولة) سعد
بالنصب على المفعولية و خولة بفتح المعجمة و سكون الواو و الرثاء بكسر الراء و بالمثلثة بعدها مدة
مدح الميت و ذكر محاسنه و ليس هو المراد من الحديث حيث قال الراوي يرثى له رسول الله صلى
الله عليه و سلم و لهذا اعترض الإسماعيلي الترجمة فقال ليس هذا من مراثي الموتى و إنما هو من
التوجع يقال رثيته إذا مدحته بعد موته و رثيت له إذا تحزنت عليه و يمكن أن يكون مراد
البخاري هذا بعينه كأنه يقول ما وقع من النبي صلى الله عليه و سلم فهو من التحزن و التوجع و هو
مباح و ليس معارضا لنهيه عن المراثي التي هي ذكر أوصاف الميت الباعثة على تهييج الحزن
و تجديد اللوعة و هذا هو المراد بما أخرجه أحمد و ابن ماجة و صححه الحاكم من حديث عبد الله
ابن أبي أوفى قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المراثي و هو عند ابن أبي شيبة بلفظ نهانا
أن نتراثى و لا شك أن الجامع بين الامرين التوجع والتحزن و يؤخذ من هذا التقرير مناسبة
إدخال هذه الترجمة في تضاعيف التراجم المتعلقة بحال من يحضر الميت (قوله أن مات بفتح
الهمزة) و لا يصح كسرها لأنها تكون شرطية و الشرط لما يستقبل و هو قد كان مات و المعنى أن
سعد ابن خولة و هو من المهاجرين من مكة إلى المدينة و كانوا يكرهون الإقامة في الأرض التي
هاجروا منها و تركوها مع حبهم فيها لله تعالى فمن ثم خشي سعد بن أبي وقاص أن يموت بها و توجع
رسول الله صلى الله عليه و سلم لسعد ابن خولة لكونه مات بها و أفاد أبو داود الطيالسي في روايته
لهذا الحديث عن إبراهيم بن سعد عن الزهري أن القائل يرثي له الخ هو الزهري و يؤيده أن
هاشم بن هاشم و سعد بن إبراهيم رويا هذا الحديث عن عامر بن سعد فلم يذكرا ذلك فيه و كذا في
رواية عائشة بنت سعد عن أبيها كما سيأتي في كتاب الوصايا مع بقية الكلام عليه و ذكر
الاختلاف في تسمية البنت المذكورة أن شاء الله تعالى (قوله باب ما ينهى
من الحلق عند المصيبة) تقدم الكلام على هذا التركيب في باب ما يكره من النياحة على
الميت و على الحكمة في اقتصاره على الحلق دون ما ذكر معه في الباب الذي قبله و قوله عند المصيبة
قصر للحكم على تلك الحالة و هو واضح (قوله و قال الحكم بن موسى) هو القنطري بقاف
مفتوحة و نون ساكنة و وقع في رواية أبي الوقت حدثنا الحكم و هو وهم فإن الذين جمعوا رجال
البخاري في صحيحه أطبقوا على ترك ذكره في شيوخه فدل على أن الصواب رواية الجماعة
بصيغة التعليق و قد وصله مسلم في صحيحه فقال حدثنا الحكم بن موسى و كذا ابن حبان فقال
أخبرنا أبو يعلى حدثنا الحكم (قوله عن عبد الرحمن بن جابر) هو ابن يزيد بن جابر نسب
إلى جده في هذه الرواية و صرح به في رواية مسلم و مخيمرة بمعجمة و راء مصغر (قوله وجع) بكسر
132

الجيم (قوله في حجر امرأة من أهله) زاد مسلم فصاحت و له من وجه آخر من طريق أبي صخرة عن
أبي برده و غيره قالوا أغمي على أبي موسى فأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنة الحديث و للنسائي
من طريق يزيد بن أوس عن أم عبد الله امرأة أبي موسى عن أبي موسى فذكر الحديث دون
القصة و لأبي نعيم في المستخرج على مسلم من طريق ربعي قال أغمي على أبي موسى فصاحت
امرأته بنت أبي دومة فحصلنا على أنها أم عبد الله بنت أبي دومة و أفاد عمر بن شبة في تاريخ
البصرة أن اسمها صفية بنت دمون و إنها والدة أبي بردة بن أبي موسى و أن ذلك وقع حيث كان
أبو موسى أميرا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه (قوله إني برئ) في رواية
الكشميهني أنا برئ و كذا لمسلم (قوله الصالقة) بالصاد المهملة و القاف أي التي ترفع صوتها
بالبكاء و يقال فيه بالسين المهملة بدل الصاد و منه قوله تعالى سلقوكم بألسنة حداد و عن ابن
الأعرابي الصلق ضرب الوجه حكاه صاحب المحكم و الأول أشهر و الحالقة التي تحلق رأسها عند
المصيبة و الشاقة التي تشق ثوبها و لفظ أبي صخرة عند مسلم أنا برئ ممن حلق و سلق و خرق أي
حلق شعره و سلق صوته أي رفعه و خرق ثوبه و قد تقدم الكلام على المراد بهذه البراءة قبل بباب
(قوله باب ليس منا من ضرب الخدود) و تقدم الكلام عليه قبل بابين و عبد الرحمن
المذكور في هذا الإسناد هو ابن مهدي (قوله باب ما ينهى من الويل و دعوى
الجاهلية عند المصيبة) تقدم توجيه هذا التركيب و هذه
الترجمة مع حديثها سقطت للكشميهني
و ثبتت للباقين ثم أورد المصنف حديث ابن مسعود من وجه آخر و ليس فيه ذكر الويل المترجم به
و كأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه ففي حديث أبي أمامة عند ابن ماجة و صححه ابن حبان
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن الخامشة وجهها و الشاقة جيبها و الداعية بالويل الثبور
و الظاهر أن ذكر دعوى الجاهلية بعد ذكر الويل من العام بعد الخاص (قوله باب من
جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن) يعرف مبني للمجهول و من موصولة و الضمير لها و يحتمل أن
يكون لمصدر جلس أي جلوسا يعرف و لم يفصح المصنف بحكم هذه المسألة و لا التي بعدها حيث
ترجم من لم يظهر حزنه عند المصيبة لأن كلا منهما قابل للترجيح أما الأول فلكونه من فعل النبي
صلى الله عليه و سلم و الثاني من تقريره و ما يباشره بالفعل أرجح غالبا و أما الثاني فلأنه فعل أبلغ في
الصبر و أزجر للنفس فيرجح و يحمل فعله صلى الله عليه و سلم المذكور على بيان الجواز و يكون فعله
في حقه في تلك الحالة أولي و قال الزين بن المنير ما ملخصه موقع هذه الترجمة من الفقه أن الإعتدال
في الأحوال هو المسلك الأقوم فمن أصيب بمصيبة عظيمة لا يفرط في الحزن حتى يقع في المحذور
من اللطم و الشق و النوح و غيرها و لا يفرط في التجلد حتى يفضي إلى القسوة و الاستخفاف بقدر
المصاب فيقتدي به صلى الله عليه و سلم في تلك الحالة بأن يجلس المصاب جلسة خفيفة بوقار
و سكينة تظهر عليه مخايل الحزن و يؤذن بأن المصيبة عظيمة (قوله حدثنا عبد الوهاب) هو ابن
عبد المجيد الثقفي و يحيى هو ابن سعيد الأنصاري (قوله لما جاء النبي صلى الله عليه و سلم) هو
بالنصب على المفعولية و الفاعل قوله قتل ابن حارثة و هو زيد و أبوه بالمهملة و المثلثة و جعفر هو
ابن أبي طالب و ابن رواحة هو عبد الله و كان قتلهم في غزوة مؤتة كما تقدم ذكره في رابع باب من
كتاب الجنائز و وقع تسمية الثلاثة في رواية النسائي من طريق معاوية بن صالح عن يحيى بن
133

سعيد و ساق مسلم إسناده دون المتن (قوله جلس) زاد أبو داود من طريق سليمان بن كثير عن يحيى
في المسجد (قوله يعرف فيه الحزن) قال الطيبي كأنه كظم الحزن كظما فظهر منه ما لا بد للجبلة
البشرية منه (قوله صائر الباب) بالمهملة و التحتانية وقع تفسيره في نفس الحديث شق الباب و هو
بفتح الشين المعجمة أي الموضع الذي ينظر منه و لم يرد بكسر المعجمة أي الناحية إذ ليست مراده هنا
قاله ابن التين و هذا التفسير الظاهر أنه من قول عائشة و يحتمل أن يكون ممن بعدها قال المازري
كذا وقع في الصحيحين هنا صائر و الصواب صير أي بكسر أوله و سكون التحتانية و هو الشق قال
أبو عبيد في غريب الحديث في الكلام على حديث من نظر من صير الباب ففقئت عينه فهي
هدر الصير الشق و لم نسمعه إلا في هذا الحديث و قال ابن الجوزي صائر و صير بمعنى واحد و في كلام
الخطابي نحوه (قوله فأتاه رجل) لم اقف على اسمه و كأنه أبهم عمدا لما وقع في حقه من غض
عائشة منه (قوله إن نساء جعفر) أي امرأته و هي أسماء بنت عميس الخثعمية و من حضر عندها من
أقاربها و أقارب جعفر و من في معناهن و لم يذكر أهل العلم بالأخبار لجعفر امرأة غير أسماء
(قوله و ذكر بكاءهن) كذا في الصحيحين قال الطيبي هو حال عن المستتر في قوله فقال و حذف خبر
أن من القول المحكي لدلالة الحال عليه و المعنى قال الرجل إن نساء جعفر فعلن كذا مما لا ينبغي
من البكاء المشتمل مثلا على النوح انتهى و قد وقع عند أبي عوانة من طريق سليمان بن بلال
عن يحيى قد كثر بكاؤهن فإن لم يكن تصحيفا فلا حذف و لا تقدير و يؤيده ما عند ابن حبان من
طريق عبد الله بن عمرو عن يحيى بلفظ قد أكثرن بكاءهن (قوله فذهب) أي فنهاهن فلم يطعنه
(قوله ثم أتاه الثانية لم يطعنه) أي أتى النبي صلى الله عليه و سلم المرة الثانية فقال إنهن لم يطعنه
و وقع في رواية أبي عوانة المذكورة فذكر أنهن لم يطعنه (قوله قال و الله غلبننا) في رواية
الكشميهني لقد غلبننا (قوله فزعمت) أي عائشة و هو مقول عمرة و الزعم قد يطلق على القول
المحقق و هو المراد هنا (قوله أنه قال) في الرواية الآتية بعد أربعة أبواب أن النبي صلى الله عليه
و سلم قال (قوله فأحث) بضم المثلثة و بكسرها يقال حثا يحثو و يحثي (قوله التراب) في
الرواية الآتية من التراب قال القرطبي هذا يدل على أنهن رفعن أصواتهن بالبكاء فلما لم ينتهين
أمره أن يسد أفواههن بذلك و خص الأفواه بذلك أنها محل النوح بخلاف الأعين مثلا انتهى
و يحتمل أن يكون كناية عن المبالغة في الزجر أو المعنى أعلمهن انهن خائبات من الأجر المترتب على
الصبر لما أظهرن من الجزع كما يقال للخائب لم يحصل في يده إلا التراب لكن يبعد هذا الإحتمال
قول عائشة الآتي و قيل لم يرد بالأمر حقيقته قال عياض هو بمعنى التعجيز أي أنهن لا يسكتن
إلا بسد أفواههن و لا يسدها إلا أن تملأ بالتراب فإن أمكنك فأفعل و قال القرطبي يحتمل أنهن
لم يطعن الناهي لكونه لم يصرح لهن بأن النبي صلى الله عليه و سلم نهاهن فحمل ذلك على أنه
مرشد للمصلحة من قبل نفسه أو علمن ذلك لكن غلب عليهن شدة الحزن لحرارة المصيبة ثم الظاهر
أنه كان في بكائهن زيادة على القدر المباح فيكون النهي للتحريم بدليل أنه كرره و بالغ فيه و أمر
بعقوبتهن إن لم يسكتن و يحتمل أن يكون بكاء مجردا و النهي للتنزيه و لو كان للتحريم لأرسل غير
الرجل المذكور لمنعهن لأنه لا يقر على باطل و يبعد تمادي الصحابيات بعد تكرار النهي على
فعل الأمر المحرم و فائدة نهيهن عن الأمر المباح خشية أن يسترسلن فيه فيفضي بهن إلى
134

الامر المحرم لضعف صبرهن فيستفاد منه جواز النهي عنا لمباح عند خشية إفضائه إلى ما يحرم
(قوله فقلت) هو مقول عائشة (قوله أرغم الله أنفك) بالراء و المعجمة أي ألصقه بالرغام بفتح
الراء و المعجمة و هو التراب إهانة وإذلالا و دعت عليه من جنس ما أمر أن يفعله بالنسوة لفهمها
من قرائن الحال أنه أحرج النبي صلى الله عليه و سلم بكثرة تردده إليه في ذلك (قوله لم تفعل) قال
الكرماني أي لم تبلغ النهي و نفته و إن كان قد نهى و لم يطعنه لأن نهيه لم يترتب عليه الامتثال
فكأنه لم يفعل و يحتمل أن تكون أرادت لم تفعل أي الحثو بالتراب (قلت) لفظة لم يعبر بها عن
الماضي و قولها ذلك وقع قبل أن يتوجه فمن أين علمت أنه لم يفعل فالظاهر أنها قامت عندها قرينة
بأنه لا يفعل فعبرت عنه بلفظ الماضي مبالغة في نفي ذلك عنه و هو مشعر بأن الرجل المذكور
كان من الزام النسوة المذكورات و قد وقع في الرواية الآتية بعد أربعة أبواب فوالله ما أنت
بفاعل ذلك و كذا لمسلم و غيره فظهر أنه من تصرف الرواة (قوله من العناء) بفتح المهملة و النون
و المد أي المشقة و التعب و في رواية لمسلم من العي بكسر المهملة و تشديد التحتانية و وقع في رواية
العذرى الغي بفتح المعجمة بلفظ ضد الرشد قال عياض و لا وجه له هنا و تعقب بأن له وجها و لكن
الأول أليق لموافقته لمعنى العناء التي هي رواية الأكثر قال النووي مرادها أن الرجل قاصر عن
القيام بما أمر به من الإنكار و التأديب و مع ذلك لم يفصح بعجزه عن ذلك ليرسل غيره فيستريح
من التعب و في هذا الحديث من الفوائد أيضا جواز الجلوس للعزاء بسكينة و وقار و جواز نظر
النساء المحتجبات إلى الرجال الأجانب و تأديب من نهى عما لا ينبغي له فعله إذا لم ينته و جواز
التمني لتأكيد الخبر * (تنبيه) * هذا الحديث لم يروه عن عمرة إلا يحيى بن سعيد و قد رواه عن
عائشة أيضا القاسم بن محمد أخرجه ابن إسحاق في المغازي قال حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن
أبيه فذكر نحوه و فيه من الزيادة في أوله قالت عائشة (2) و قد نهانا خير الناس عن التكلف (قوله
حدثنا عمرو بن علي) هو الفلاس و الكلام على المتن تقدم في آخر أبواب الوتر و شاهد الترجمة منه
قوله ما حزن حزنا قط أشد منه فإن ذلك يشمل حالة جلوسه و غيرها (قوله باب من لم يظهر
حزنه عند المصيبة) تقدم الكلام على ذلك في الترجمة التي قبلها و يظهر بضم أوله من الرباعي
و حزنه منصوب على المفعولية (قوله و قال محمد بن كعب) يعني القرظي بضم القاف و فتح الراء
بعدها ظاء مشالة (قوله السئ) بفتح المهملة و تشديد التحتانية بعدها أخرى مهموزة و المراد به
ما يبعث الحزن غالبا و بالظن السئ اليأس من تعويض الله المصاب في العاجل ما هو أنفع له من
الفائت أو الاستبعاد لحصول ما وعد به من الثواب على الصبر و قد روى ابن أبي حاتم في تفسير
سورة سأل من طريق أيوب بن موسى عن القاسم بن محمد كقول محمد بن كعب هذا (قوله و قال
يعقوب عليه السلام إنما أشكو بثي و حزني إلى الله قال الزين بن المنير مناسبة هذه الآية
للترجمة أن قول يعقوب لما تضمن أنه لا يشكو بتصريح و لا تعريض إلا لله وافق مقصود الترجمة
و كان خطابه بذلك لبنيه بعد قوله وا أسفى على يوسف و البث بفتح الموحدة بعدها مثلثة ثقيلة شدة
الحزن (قوله حدثنا بشر بن الحكم) هو النيسابوري قال أبو نعيم في المستخرج يقال إن هذا
الحديث مما تفرد به البخاري عن بشر بن الحكم انتهى يعني من هذا الوجه من حديث سفيان
ابن عيينة و لم يخرجه أبو نعيم و لا الإسماعيلي من طريق إسحق إلا من جهة البخاري و قد أخرجه
135

الإسماعيلي من طريق عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة و هو أخو إسحق المذكور عن أنس
و أخرجه البخاري و مسلم من طريق أنس بن سيرين و محمد بن سعد من طريق حميد الطويل كلاهما
عن أنس و أخرجه مسلم و ابن سعد أيضا و ابن حبان و الطيالسي من طرق عن ثابت عن أنس
أيضا و في رواية بعضهم ما ليس في رواية بعض و سأذكر ما في كل من فائدة زائدة إن شاء الله تعالى
(قوله اشتكى ابن لأبي طلحة) أي مرض و ليس المراد أنه صدرت منه شكوى لكن لما كان الأصل
أن المريض يحصل منه ذلك استعمل في كل مرض لكل مريض و الابن المذكور هو أبو عمير
الذي كان النبي صلى الله عليه و سلم يمازحه و يقول له يا أبا عمير ما فعل النغير كما سيأتي في كتاب الأدب
بين ذلك ابن حبان في روايته من طريق عمارة بن ذاذان عن ثابت و زاد من طريق جعفر بن
سليمان عن ثابت في أوله قصة تزويج أم سليم بأبي طلحة بشرط أن يسلم و قال فيه فحملت
فولدت غلاما صبيحا فكان أبو طلحة يحبه حبا شديدا فعاش حتى تحرك فمرض فحزن أبو طلحة
عليه حزنا شديدا حتى تضعضع و أبو طلحة يغدو و يروح على رسول الله صلى الله عليه و سلم فراح
روحة فمات الصبي فأفادت هذه الرواية تسميه امرأة أبي طلحة و معنى قوله و أبو طلحة خارج أي
خارج البيت عند النبي صلى الله عليه و سلم في أواخر النهار و في رواية الإسماعيلي كان لأبي طلحة
ولد فتوفي فأرسلت أم سليم أنسا يدعو أبا طلحة و أمرته أن لا يخبره بوفاة ابنه و كان أبو طلحة صائما
(قوله هيأت شيئا) قال الكرماني أي أعدت طعاما لأبي طلحة و أصلحته و قيل هيأت حالها
و تزينت (قلت) بل الصواب أن المراد أنها هيأت أمر الصبي بأن غسلته و كفنته كما ورد في بعض
طرقه صريحا ففي رواية أبو داود الطيالسي عن مشايخه عن ثابت فهيأت الصبي و في رواية
حميد عند ابن سعد فتوفي الغلام فهيأت أم سليم أمره و في رواية عمارة بن ذاذان عن ثابت فهلك
الصبي فقامت أم سليم فغسلته و كفنته و حنطته و سجت عليه ثوبا (قوله و نحته في جانب البيت)
أي جعلته في جانب البيت و في رواية جعفر عن ثابت فجعلته في مخدعها (قوله هدأت) بالهمز
أي سكنت و نفسه بسكون الفاء كذا للأكثر و المعنى أن النفس كانت قلقة منزعجة بعارض
المرض فسكنت بالموت و ظن أبو طلحة أن مرادها أنها سكنت بالنوم لوجود العافية و في رواية
أبي ذر هدأ نفسه بفتح الفاء أي سكن لأن المريض يكون نفسه عاليا فإذا زال مرضه سكن و كذا
إذا مات و وقع في رواية أنس بن سيرين هو أسكن ما كان و نحوه في رواية جعفر عن ثابت و في
رواية معمر عن ثابت أمسى هادئا و في رواية حميد بخير ما كان و معانيها متقاربة (قوله و أرجو
أن يكون قد استراح) لم تجزم بذلك على سبيل الأدب و يحتمل أنها لم تكن علمت أن الطفل لا عذاب
عليه ففوضت الأمر إلى الله تعالى مع وجود رجائها بأنه استراح من نكد الدنيا (قوله و ظن أبو
طلحة أنها صادقة) أي بالنسبة إلى ما فهمه من كلامها و إلا فهي صادقة بالنسبة إلى ما أرادت
(قوله فبات) أي معها (فلما أصبح اغتسل) فيه كناية عن الجماع لأن الغسل إنما يكون في الغالب
منه و قد وقع التصريح بذلك في غير هذه الرواية ففي رواية أنس بن سيرين فقربت إليه العشاء
فتعشى ثم أصاب منها و في رواية عبد الله بن عبد الله ثم تعرضت له فأصاب منها و في رواية حماد عن
ثابت ثم تطيبت زاد جعفر عن ثابت فتعرضت له حتى وقع بها و في رواية سليمان عن ثابت ثم
تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها (قوله فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات)
136

زاد سليمان بن المغيرة عن ثابت عند مسلم فقالت يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت
عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم قال لا قالت فأحتسب ابنك فغضب و قال تركتني حتى
تلطخت ثم أخبرتني بابني و في رواية عبد الله فقالت يا أبا طلحة أرأيت قوما أعاروا متاعا ثم بدا لهم
فيه فأخذوه فكأنهم وجدوا في أنفسهم زاد حماد في روايته عن ثابت فأبوا أن يردوها فقال أبو
طلحة ليس لهم ذلك إن العارية مؤداة إلى أهلها ثم اتفقا فقالت إن الله أعارنا فلانا ثم أخذه
منا زاد حماد فاسترجع (قوله لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما) في رواية الأصيلي لهما في ليلتهما
و وقع في رواية أنس بن سيرين اللهم بارك لهما و لا تعارض بينهما فيجمع بأنه دعا بذلك و رجا إجابة
دعائه و لم تختلف الرواة عن ثابت و كذا عن حميد في أنه قال بارك الله لكما في ليلتكما و عرف
من رواية أنس بن سيرين أن المراد الدعاء و إن كان لفظه لفظ الخبر و في رواية أنس بن سيرين من
الزيادة فولدت غلاما و في رواية عبد الله بن عبد الله فجاءت بعبد الله بن أبي طلحة و سيأتي الكلام
على قصة تحنيكه و غير ذلك حيث ذكره المصنف في العقيقة (قوله قال سفيان) هو ابن عيينة
بالإسناد المذكور (قوله فقال رجل من الأنصار الخ) هو عباية بن رفاعة لما أخرجه سعيد
ابن منصور و مسدد و ابن سعد و البيهقي في الدلائل كلهم من طريق سعيد بن مسروق عن عباية
ابن رفاعة قال كانت أم أنس تحت أبي طلحة فذكر القصة شبيهة بسياق ثابت عن أنس و قال في
آخره فولدت له غلاما قال عباية فلقد رأيت لذلك الغلام سبع بنين كلهم قد ختم القرآن و أفادت
هذه الرواية أن في رواية سفيان تجوزا في قوله لهما لأن ظاهره أنه من ولدهما بغير واسطة و إنما
المراد من أولاد ولدهما المدعو له بالبركة و هو عبد الله بن أبي طلحة و وقع في رواية سفيان تسعة و في
هذه سبعة فلعل في أحدهما تصحيفا أو المراد بالسبعة من ختم القرآن كله و بالتسعة من قرأ
معظمه و له من الولد فيما ذكر ابن سعد و غيره من أهل العلم بالأنساب إسحق و إسماعيل و عبد الله
و يعقوب و عمرو القاسم و عمارة و إبراهيم و عمير و زيد و محمد و أربع من البنات و في قصة أم سليم هذه
من الفوائد أيضا جواز الأخذ بالشدة و ترك الرخصة مع القدرة عليها و التسلية عن المصائب
و تزيين المرأة لزوجها و تعرضها لطلب الجماع منه و اجتهادها في عمل مصالحه و مشروعية
المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليه و شرط جوازها أن لا تبطل حقا لمسلم و كان الحامل لأم
سليم على ذلك المبالغة في الصبر و التسليم لأمر الله تعالى و رجاء إخلافه عليها ما فات منها إذ لو أعلمت
أبا طلحة بالأمر في أول الحال تنكد عليه وقته و لم تبلغ الغرض الذي أرادته فلما علم الله صدق نيتها
بلغها مناها و أصلح لها ذريتها و فيه إجابة دعوة النبي صلى الله عليه و سلم و أن من ترك شيئا
عوضه الله خيرا منه و بيان حال أم سليم من التجلد و جودة الرأي و قوة العزم و سيأتي في الجهاد
و المغازي أنها كانت تشهد القتال و تقوم بخدمة المجاهدين إلى غير ذلك مما انفردت به
عن معظم النسوة و سيأتي شرح حديث أبي عمير عما فعل النغير مستوفى في أواخر كتاب الأدب
و فيه بيان ما كان سمي به غير الكنية التي اشتهر بها (قوله باب الصبر عند الصدمة
الأولى) أي هو المطلوب المبشر عليه بالصلاة و الرحمة و من هنا تظهر مناسبة إيراد أثر عمر في هذا
الباب و قد تقدم الكلام على المتن المرفوع مستوفى في باب زيارة القبور (قوله و قال عمر) أي
137

ابن الخطاب (قوله العدلان) بكسر المهملة أي المثلان و قوله العلاوة بكسرها أيضا أي ما يعلق
على البعير بعد تمام الحمل و هذا الأثر وصله الحاكم في المستدرك من طريق جرير عن منصور عن
مجاهد عن سعيد بن المسيب عن عمر كما ساقه المصنف و زاد أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة نعم
العدلان و أولئك هم المهتدون نعم العلاوة و هكذا أخرجه البيهقي عن الحاكم و أخرجه عبد
ابن حميد في تفسيره من وجه آخر عن منصور من طريق نعيم بن أبي هند عن عمر نحوه و ظهر بهذا
مراد عمر بالعدلين و بالعلاوة و أن العدلين الصلاة و الرحمة و العلاوة الإهتداء و يؤيده وقوعهما
بعد علي المشعرة بالفوقية المشعرة بالحمل قاله الزين بن المنير و قد روى نحو قول عمر مرفوعا أخرجه
الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطيت أمتي
شيئا لم يعطه أحد من الأمم عند المصيبة إنا لله و إنا إليه راجعون إلى قوله المهتدون قال فأخبر أن
المؤمن إذا سلم لأمر الله و استرجع كتب له ثلاث خصال من الخير الصلاة من الله و الرحمة
و تحقيق سبل الهدى فأغنى هذا عن التكلف في ذلك كقول المهلب العدلان إنا لله و إنا إليه
راجعون و العلاوة الثواب عليهما و عن قول الكرماني الظاهر أن المراد بالعدلين القول و جزاؤه
أي قول الكلمتين و نوعا الثواب لأنهما متلازمان (قوله و قوله تعالى و استعينوا بالصبر
و الصلاة الآية) هو بالجر عطفا على أول الترجمة و التقدير و باب قوله تعالى أي تفسيره أو
نحو ذلك و قوله و إنها قيل أفرد الصلاة لأن المراد بالصبر الصوم و هو من التروك أو الصبر عن الميت
ترك الجزع و الصلاة أفعال و أقوال فلذلك ثقلت على غير الخاشعين و من أسرارها أنها تعين
على الصبر لما فيها من الذكر و الدعاء و الخضوع و كلها تضاد حب الرياسة و عدم الإنقياد للأوامر
و النواهي و كأن المصنف أراد بإيراد هذه الآية ما جاء عن ابن عباس أنه نعى إليه أخوه قثم و هو
في سفر فاسترجع ثم تنحى عن الطريق فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ثم قام و هو يقول
و استعينوا بالصبر و الصلاة الآية أخرجه الطبري في تفسيره بإسناد حسن و عن حذيفة قال
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا حزبه أمر صلى أخرجه أبو داود بإسناد حسن أيضا قال
الطبري الصبر منع النفس محابها و كفهها عن هواها و لذلك قيل لمن لم يجزع صابر لكفه نفسه
و قيل لرمضان شهر الصبر لكف الصائم نفسه عن المطعم و المشرب (قوله باب قول
النبي صلى الله عليه و سلم إنا بك لمحزونون قال ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم تدمع العين
و يحزن القلب) سقطت هذه الترجمة و الأثر في رواية الحموي و ثبتت للباقين و حديث ابن عمر كأن
المراد به ما أورده المصنف في الباب الذي بعد هذا إلا أن لفظه إن الله لا يعذب بدمع العين
و لا بحزن القلب فيحتمل أن يكون ذكره بالمعنى لأن ترك المؤاخذة بذلك يستلزم وجوده و أما
لفظه فثبت في قصة موت إبراهيم من حديث أنس عند مسلم و أصله عند المصنف كما في هذا الباب
و عن عبد الرحمن بن عوف عند ابن سعد و الطبراني و أبي هريرة عند ابن حبان و الحاكم و أسماء
بنت يزيد عند ابن ماجة و محمود بن لبيد عند ابن سعد و السائب بن يزيد و أبي أمامة عند الطبراني
(قوله حدثني الحسن بن عبد العزيز) هو الجروي بفتح الجيم و الراء منسوب إلى جروة بفتح الجيم
و سكون الراء قرية من قرى تنيس و كان أبوه أميرها فتزهد الحسن و لم يأخذ من تركة أبيه شيئا و كان
يقال إنه نظير قارون في المال و الحسن المذكور من طبقة البخاري و مات بعده بسنة و ليس له عنده
138

سوى هذا الحديث و حديثين آخرين في التفسير (قوله حدثني يحيى بن حسان) هو التنيسي
أدركه البخاري و لم يقله لأنه مات قبل أن يدخل مصر و قد روى عنه الشافعي مع جلالته و مات
قبله بمدة فوقع للحسن و نظير ما وقع لشيخه من رواية إمام عظيم الشأن عنه ثم يموت قبله (قوله
حدثنا قريش هو ابن حيان) هو بالقاف و المعجمة و أبوه بالمهملة و التحتانية بصري يكنى أبا بكر
(قوله على أبي سيف) قال عياض هو البراء بن أوس و أم سيف زوجته هي أم بردة و اسمها خولة
بنت المنذر (قلت) جمع بذلك بين ما وقع في هذا الحديث الصحيح و بين قول الواقدي فيما رواه ابن
سعد في الطبقات عنه عن يعقوب بن أبي صعصعة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة
قال لما ولد له إبراهيم تنافست فيه نساء الأنصار أيتهن ترضعه فدفعه رسول الله صلى الله عليه
و سلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن لبيد من بني عدي بن النجار و زوجها البراء بن أوس بن خالد بن
الجعد من بني عدي بن النجار أيضا فكانت ترضعه و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتيه في
بني النجار انتهى و ما جمع به غير مستبعد إلا أنه لم يأت عن أحد من الأئمة التصريح بأن البراء بن
أوس يكنى أبا سيف و لا أن أبا سيف يسمى البراء بن أوس (قوله القين) بفتح القاف و سكون
التحتانية بعدها نون هو الحداد و يطلق على كل صانع يقال فإن الشئ إذا أصلحه (قوله ظئرا)
بكسر المعجمة و سكون التحتانية المهموزة بعدها راء أي مرضعا و أطلق عليه ذلك لأنه كان زوج
المرضعة و أصل الظئر من ظأرت الناقة إذا عطفت على غير ولدها فقيل ذلك للتي ترضع غير ولدها
و أطلق ذلك على زوجها لأنه يشاركها في تربيته غالبا (قوله لإبراهيم) أي ابن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقع التصريح بذلك في رواية سليمان بن المغيرة المعلقة بعد هذا و لفظه عند مسلم
في أوله ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة يقال
له أبو سيف فانطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم فاتبعته فانتهى إلى أبي سيف و هو ينفخ بكيره
و قد امتلأ البيت دخانا فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت يا أبا سيف
أمسك جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم و لمسلم أيضا من طريق عمرو بن سعيد عن أنس ما رأيت
أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إبراهيم مسترضعا في عوالي
المدينة و كان ينطلق و نحن معه فيدخل البيت و إنه ليدخن و كان ظئره قينا (قوله و إبراهيم يجود
بنفسه) أي يخرجها و يدفعها كما يدفع الإنسان ماله و في رواية سليمان يكيد قال صاحب العين
أي يسوق بها و قيل معناه يقارب بها الموت و قال أبو مروان بن سراج قد يكون من الكيد و هو
القئ يقال منه كاد يكيد شبه تقلع نفسه عند الموت بذلك (قوله تذرفان) بذال معجمة و فاء أي
يجري دمعهما (قوله وأنت يا رسول الله) قال الطيبي فيه معنى التعجب و الواو تستدعي معطوفا
عليه أي الناس لا يصبرون على المصيبة و أنت تفعل كفعلهم كأنه تعجب لذلك منه مع عهده منه
أنه يحث على الصبر و ينهى عن الجزع فأجابه بقوله إنها رحمة أي الحالة التي شاهدتها مني هي
رقة القلب على الولد لا ما توهمت من الجزع انتهى و وقع في حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه
فقلت يا رسول الله تبكي أو لم تنه عن البكاء و زاد فيه إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت
عند نغمة لهو و لعب و مزامير الشيطان و صوت عند مصيبة خمش و جوه و شق جيوب و رنة
شيطان قال إنما هذا رحمة و من لا يرحم لا يرحم و في رواية محمود بن لبيد فقال إنما أنا بشر و عند
139

عبد الرزاق من مرسل مكحول إنما أنهى الناس عن النياحة أن يندب الرجل بما ليس فيه (قوله
ثم أتبعها بأخرى) في رواية الإسماعيلي ثم أتبعها و الله بأخرى بزيادة القسم قيل أراد به أنه أتبع
الدمعة الأولى بدمعة أخرى و قيل أتبع الكلمة الأولى المجملة و هي قوله إنها رحمة بكلمة أخرى
مفصلة و هي قوله إن العين تدمع و يؤيد الثاني ما تقدم من طريق عبد الرحمن و مرسل مكحول
(قوله إن العين تدمع الخ) في حديث عبد الرحمن بن عوف و محمود بن لبيد و لا نقول ما يسخط
الرب و زاد حديث عبد الرحمن في آخره لولا أنه أمر حق و وعد صدق و سبيل نأتيه و أن آخرنا
سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا و نحوه في حديث أسماء بنت يزيد و مرسل مكحول
و زاد في آخره و فصل رضاعه في الجنة و في آخر حديث محمود بن لبيد و قال إن له مرضعا في الجنة
و مات و هو ابن ثمانية عشر شهرا و ذكر الرضاع وقع في آخر حديث أنس عند مسلم من طريق
عمرو بن سعيد عنه إلا أن ظاهر سياقه الإرسال فلفظه قال عمرو فلما توفي إبراهيم قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم إن إبراهيم ابني و إنه مات في الثدي و إن له لظئرين يكملان رضاعه في الجنة
و سيأتي في أواخر الجنائز حديث البراء أن لإبراهيم لمرضعا في الجنة * (فائدة في وقت وفاة
إبراهيم عليه السلام) * جزم الواقدي بأنه مات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع
الأول سنة عشر و قال ابن حزم مات قبل النبي صلى الله عليه و سلم بثلاثة أشهر و اتفقوا على أنه
ولد في ذي الحجة سنة ثمان قال ابن بطال و غيره هذا الحديث يفسر البكاء المباح و الحزن الجائز
و هو ما كان بدمع العين و رقة القلب من غير سخط لأمر الله و هو أبين شئ وقع في هذا المعنى
و فيه مشروعية تقبيل الولد و شمه و مشروعية الرضاع و عيادة الصغير و الحضور عند المحتضر
و رحمة العيال و جواز الإخبار عن الحزن و إن كان الكتمان أولى و فيه وقوع الخطاب
للغير و إرادة غيره بذلك و كل منهما مأخوذ من مخاطبة النبي صلى الله عليه و سلم ولده مع أنه في تلك
الحالة لم يكن ممن يفهم الخطاب لوجهين أحدهما صغره و الثاني نزاعه و إنما أراد بالخطاب غيره
من الحاضرين إشارة إلى أن ذلك لم يدخل في نهيه السابق و فيه جواز الاعتراض على من خالف
فعله ظاهر قوله ليظهر الفرق و حكى ابن التين قول من قال إن فيه دليلا على تقبيل الميت و شمه
ورده بأن القصة إنما وقعت قبل الموت و هو كما قال (قوله رواه موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي
و طريقه هذه وصلها البيهقي في الدلائل من طريق تمتام و هو بمثناتين لقب محمد بن غالب
البغدادي الحافظ عنه و في سياقه ما ليس في سياق قريش بن حيان و إنما أراد البخاري أصل
الحديث (قوله باب البكاء عند المريض) سقط لفظ باب من رواية أبي ذر قال
الزين بن المنير ذكر المريض أعم من أن يكون أشرف على الموت أو هو في مبادى المرض لكن
البكاء عادة إنما يقع عند ظهور العلامات المخوفة كما في قصة سعد بن عبادة في حديث هذا الباب
(قوله أخبرني عمرو) هو ابن الحرث المصري (قوله عن سعيد بن الحرث الأنصاري) هو ابن أبي
سعيد بن المعلى قاضي المدينة و وقع في رواية مسلم من طريق عمارة بن غزية عن سعيد بن الحرث
ابن المعلى فكأنه نسب أباه لجده (قوله إشتكى) أي ضعف و شكوى بغير تنوين (قوله فلما دخل
عليه) زاد مسلم في رواية عمارة بن غزية فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله صلى الله عليه
و سلم و أصحابه الذين معه (قوله في غاشية أهله) بمعجمتين أي الذين يغشونه للخدمة و غيرها و سقط
140

لفظ أهله من أكثر الروايات و عليه شرح الخطابي فيجوز أن يكون المراد بالغاشية الغشية من الكرب و يؤيده ما وقع في رواية مسلم في غشيته و قال التوربشتي الغاشية هي الداهية من شر أو
من مرض أو من مكروه و المراد ما يتغشاه من كرب الوجع الذي هو فيه لا الموت لأنه أفاق من تلك
المرضة و عاش بعدها زمانا (قوله فلما رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه و سلم بكوا) في هذا
إشعار بأن هذه القصة كانت بعد قصة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه و سلم لأن عبد الرحمن بن
عوف كان معهم في هذه و لم يعترضه بمثل ما اعترض به هناك فدل على أنه تقرر عنده العلم بأن مجرد
البكاء بدمع العين من غير زيادة على ذلك لا يضر (قوله فقال ألا تسمعون) لا يحتاج إلى مفعول
لأنه جعل كالفعل اللازم أي ألا توجدون السماع و فيه إشارة إلى أنه فهم من بعضهم الإنكار
فبين لهم الفرق بين الحالتين (قوله إن الله) بكسر الهمزة لأنه ابتداء كلام (قوله يعذب بهذا)
أي إن قال سوأ (أو يرحم) إن قال خيرا و يحتمل أن يكون معنى قوله أو يرحم أي إن لم ينفذ
الوعيد (قوله و إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) أي بخلاف غيره و نظيره قوله في قصة عبد الله
ابن ثابت التي أخرجها مالك في الموطأ من حديث جابر بن عتيك ففيه فصاح النسوة فجعل
ابن عتيك يسكتهن فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعهن فإذا وجبت فلا تبكين باكية
الحديث (قوله و كان عمر) هو موصول بالإسناد المذكور إلى ابن عمر و سقطت هذه الجملة و كذا
التي قبلها من رواية مسلم و لهذا ظن بعض الناس أنهما معلقان و في حديث ابن عمر من الفوائد
استحباب عيادة المريض و عيادة الفاضل للمفضول و الإمام أتباعه مع أصحابه و فيه النهي
عن المنكر و بيان الوعيد عليه (قوله باب ما ينهى من النوح و البكاء و الزجر
عن ذلك) قال الزين بن المنير عطف الزجر على النهي للإشارة إلى المؤاخذة الواقعة في
الحديث بقوله فأحث في أفواههن التراب (قوله حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بمهملة
و شين و معجمة وزن جعفر ثقة من أهل الطائف نزل الكوفة ذكر الأصيلي أنه لم يرو عنه غير البخاري
و ليس كذلك بل روى عنه أيضا محمد بن مسلم بن وارة الرازي كما ذكره المزي في التهذيب
و عبد الوهاب شيخه هو ابن عبد الحميد الثقفي و قد تقدم الكلام على حديث عائشة قبل
أربعة أبواب (قوله حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب) هو الحجبي و حماد هو ابن زيد و محمد هو ابن
سيرين و الإسناد كله بصريون و قد رواه عارم عن حماد فقال عن أيوب عن حفصة بدل محمد
أخرجه الطبراني و له أصل عن حفصة كما سيأتي في الأحكام من طريق عبد الوارث عن أيوب عنها
فكأن حمادا سمعه من أيوب عن كل منهما (قوله عند البيعة) أي لما بايعهن على الإسلام (قوله
فما وفت) أي بترك النوح و أم سليم هي بنت ملحان والدة أنس و أم العلاء تقدم ذكرها في ثالث باب
من كتاب الجنائز و ابنة أبي سبرة بفتح المهملة و سكون الموحدة و أما قوله أو ابنة أبي سبرة و امرأة
معاذ فهو شك من أحد رواته هل ابنة أبي سبرة هي امرأة معاذ أو غيرها و سيأتي في كتاب الأحكام
من رواية حفصة عن أم عطية بالشك أيضا و الذي يظهر لي أن الرواية بواو العطف أصح لأن امرأة
معاذ و هو ابن جبل هي أم عمرو بنت خلاد بن عمرو السلمية ذكرها ابن سعد فعلى هذا فابنة أبي سبرة
غيرها و وقع في الدلائل لأبي موسى من طريق حفصة عن أم عطية و أم معاذ بدل قوله و امرأة
معاذ و كذا في رواية عارم لكن لفظه أو أم معاذ بنت أبي سبرة و في الطبراني من رواية ابن عون عن
141

ابن سيرين عن أم عطية فما وفت غير أم سليم و أم كلثوم و امرأة معاذ بن أبي سبرة كذا فيه
و الصواب ما في الصحيح امرأة معاذ و بنت أبي سبرة و لعل بنت أبي سبرة يقال لها أم كلثوم و إن
كانت الرواية التي فيها أم معاذ محفوظة فلعلها أم معاذ بن جبل و هي هند بنت سهل الجهنية
ذكرها ابن سعد أيضا و عرف بمجموع هذا النسوة الخمس و هي أم سليم و أم العلاء و أم كلثوم و أم
عمرو و هند إن كانت الرواية محفوظه و إلا فيختلج في خاطري أن الخامسة هي أم عطية راوية
الحديث ثم وجدت ما يؤيده من طريق عاصم عن حفصة عن أم عطية بلفظ فما وفت غيري و غير
أم سليم أخرجه الطبراني أيضا ثم وجدت ما يرده و هو ما أخرجه إسحق بن راهويه في مسنده من
طريق هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت كان فيما أخذ علينا أن لا ننوح
الحديث فزاد في آخره و كانت لا تعد نفسها لأنها لما كان يوم الحرة لم تزل النساء بها حتى قامت
معهن فكانت لا تعد نفسها لذلك و يجمع بأنها تركت عد نفسها من يوم الحرة (قلت) يوم الحرة
قتل فيه من الأنصار من لا يحصى عدده و نهبت المدينة الشريفة و بذل فيها السيف ثلاثة أيام
و كان ذلك في أيام يزيد بن معاوية و في حديث أم عطية مصداق ما وصفه النبي صلى الله عليه و سلم
بأنهن ناقصات عقل و دين و فيه فضيلة ظاهرة للنسوة المذكورات قال عياض معنى الحديث
لم يف ممن بايع النبي صلى الله عليه و سلم مع أم عطية في الوقت الذي بايعت فيه النسوة إلا
المذكورات لا أنه لم يترك النياحة من المسلمات غير خمسة و سيأتي الكلام على بقية فوائده
في تفسير سورة الممتحنة إن شاء الله تعالى (قوله باب القيام للجنازة) أي إذا مرت
على من ليس معها و أما قيام من كان معها إلى أن توضع بالأرض فيأتي في ترجمة مفردة و سنذكر
اختلاف العلماء في كل منهما فيما بعد (قوله حتى تخلفكم) بضم أوله و فتح المعجمة و تشديد اللام
المكسورة بعدها فاء أي تترككم و راءها و نسبة ذلك إليها على سبيل المجاز لأن المراد حاملها
(قوله قال سفيان) هذا السياق لفظ القدرة في مسنده و يحتمل أن يكون علي بن عبد الله حدث
به على السياقين فقال مرة عن سفيان حدثنا الزهري عن سالم و قال مرة قال الزهري أخبرني
سالم و المراد من السياقين أن كلا منهما سمعه من شيخه (قوله زاد الحميدي) يعني عن سفيان بهذا
الاسناد و قد رويناه موصولا في مسنده و أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريقه كذلك و كذا
أخرجه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة و ثلاثة معه أربعتهم عن سفيان بالزيادة الا أنه في سياقهم
بالعنعنة و في هذا الإسناد رواية تابعي عن تابعي و صحابي عن صحابي في نسق و الله أعلم (قوله
باب متى يقعد إذا قام للجنازة) سقط هذا الباب و الترجمة من رواية المستملي و ثبتت الترجمة
دون الباب لرفيقه (قوله حتى يخلفها أو تخلفه) شك من البخاري أو من قتيبة حين حدثه به و قد
رواه النسائي عن قتيبة و مسلم عن قتيبة و محمد بن رمح كلاهما عن الليث فقالا حتى تخلفه من غير
شك (قوله أو توضع من قبل أن تخلفه) فيه بيان للمراد من رواية سالم الماضية و قد أخرجه مسلم
من طريق ابن جريج عن نافع بلفظ إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه إذا كان
غير متبعها (قوله باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال)
كأنه أشار بهذا إلى ترجيح رواية من روى في حديث الباب حتى توضع بالأرض على رواية من
روى حتى توضع في اللحد و فيه اختلاف على سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال أبو داود رواه
142

أبو معاوية عن سهيل فقال حتى توضع في اللحد و خالفه الثوري و هو أحفظ فقال في الأرض
انتهى و رواه جرير عن سهيل فقال حتى توضع حسب و زاد قال سهيل و رأيت أبا صالح
لا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال أخرجه أبو نعيم في المستخرج بهذه الزيادة و هو
في مسلم بدونها و في المحيط للحنفية الأفضل أن لا يقعد حتى يهال عليها التراب و حجتهم رواية
أبي معاوية و رجح الأول عند البخاري بفعل أبي صالح لأنه راوي الخبر و هو أعرف بالمراد منه
و رواية أبي معاوية مرجوحة كما قال أبو داود (قوله فان قعد أمر أمر بالقيام) فيه إشارة إلى أن
القيام في هذا لا يفوت بالقعود لأن المراد به تعظيم أمر الموت و هو لا يفوت بذلك و أما قول المهلب
قعود أبي هريرة و مروان يدل على أن القيام ليس بواجب و أنه ليس عليه العمل فإن أراد أنه
ليس بواجب عندهما فظاهر و أن أراد في نفس الأمر فلا دلالة فيه على ذلك و يدل على الأول
ما رواه الحاكم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فساق نحو القصة
المذكورة و زاد له أن مروان لما قال له أبو سعيد قم قام ثم قال له لم أقمتني فذكر * الحديث فقال لأبي
هريرة فما منعك أن تخبرني قال كنت إماما فجلست فعرف بهذا أن أبا هريرة لم يكن يراه واجبا
و أن مروان لم يكن يعرف حكم المسألة قبل ذلك و أنه بادر إلى العمل بها بخبر أبي سعيد و روى
الطحاوي من طريق الشعبي عن أبي سعيد قال مر على مروان بجنازة فلم يقم فقال له أبو سعيد إن
رسول الله صلى الله عليه و سلم مرت عليه جنازة فقام فقام مروان و أظن هذه الرواية
مختصرة من القصة و قد اختلف الفقهاء في ذلك فقال أكثر الصحابة و التابعين باستحبابه كما نقله
ابن المنذر و هو قول الأوزاعي و أحمد و إسحق و محمد بن الحسن و روى البيهقي من طريق أبي
حازم الأشجعي عن أبي هريرة و ابن عمر و غيرهما أن القائم مثل الحامل يعني في الأجر و قال الشعبي
و النخعي يكره القعود قبل أن توضع و قال بعض السلف يجب القيام و احتج له برواية سعيد
عن أبي هريرة و أبي سعيد قالا ما رأينا رسول الله صلى الله عليه و سلم شهد جنازة قط فجلس
حتى توضع أخرجه النسائي * (تنبيهان) * الأول قال الزين بن المنير إنما نوع هذه التراجم
مع إمكان جمعها في ترجمة واحدة للإشارة إلى الاعتناء بها و ما يختص كل طريق منها بحكمة و لان
بعض ذلك وقع فيما ليس على شرطه فاكتفى بذكره في الترجمة لصلاحيته للاستدلال (الثاني)
قال ثبت بين حديثي الباب ترجمة لفظها باب من تبع الجنازة وجد ذلك في نسخة محررة مسموعة
فإن سقطت في غيرها قدم من أثبت على من نفى قال و إنما لم يستغن عنها بما قبلها لتصريحه في الخبر
بأنهما جلسا قبل أن توضع و أطال في تقرير ذلك و أن ذكرها أولي من حذفها و هو عجيب منه فإن
الذي تضمنه الحديث الثاني من الزيادة قد اشتملت عليه الترجمة الأولى و ليس في الترجمة زيادة
على ما في الحديثين الا قوله عن مناكب الرجال و قد ذكرت من وقعت في روايته (قوله حدثنا
مسلم) هو ابن إبراهيم و هشام هو الدستوائي و يحيى هو ابن أبي كثير و حديث أبي سعيد هذا أبين
سياقا من حديث عامر بن ربيعة و هو يوضح أن المراد بالغاية المذكورة من كان معها أو مشاهدا
لها و أما من مرت به فليس عليه من القيام الا قدر ما تمر عليه أو توضع عنده بان يكون بالمصلى مثلا
و روى أحمد من طريق سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة مرفوعا من صلى على جنازة و لم يمش معها
فليقم حتى تغيب عنه و أن مشى معها فلا يقعد حتى توضع و في هذا السياق بيان لغاية القيام
و أنه لا يختص بمن مرت به و لفظ القيام يتناول من كان قاعدا فأما من كان راكبا فيحتمل أن يقال
143

ينبغي له أن يقف و يكون الوقوف في حقه كالقيام في حق القاعد و استدل بقوله فإن لم يكن معها
على أن شهود الجنازة لا يجب على الأعيان (قوله باب من قام لجنازة يهودي) أي أو
نحوه من أهل الذمة (قوله حدثنا هشام) هو الدستوائي (و يحيى) هو ابن أبي كثير (قوله مر بنا)
بضم الميم على البناء للمجهول و في رواية الكشميهني مرت) بفتح الميم (قوله فقام) زاد غير (2)
كريمة لها (قوله فقمنا) في رواية أبي ذر و قمنا بالواو و زاد الأصيلي و كريمة له و الضمير للقيام أي لأجل
قيامه و زاد أبو داود من طريق الأوزاعي عن يحيى فلما ذهبنا لنحمل قيل أنها جنازة يهودي زاد
البيهقي من طريق أبي قلابة الرقاشي عن معاذ بن فضالة شيخ البخاري فيه فقال أن الموت فزع
و كذا لمسلم من وجه آخر عن هشام قال القرطبي معناه أن الموت يفزع منه إشارة إلى استعظامه
و مقصود الحديث أن لا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت لما يشعر ذلك من التساهل
بأمر الموت فمن ثم استوى فيه كون الميت مسلما أو غير مسلم و قال غيره جعل نفس الموت فزعا
مبالغة كما يقال رجل عدل قال البيضاوي هو مصدر جرى مجري الوصف للمبالغة أو فيه تقدير
أي الموت ذو فزع انتهى و يؤيد الثاني رواية أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ أن للموت فزعا أخرجه
ابن ماجة و عن ابن عباس مثله عند البزار قال و فيه تنبيه على أن تلك الحالة ينبغي لمن رآها أن
يقلق من اجلها و يضطرب و لا يظهر منه عدم الاحتفال و المبالاة (قوله فمروا عليهما) في رواية
المستملى و الحموي عليهم أي على قيس و هو ابن سعد بن عبادة و سهل و هو ابن حنيف و من كان
حينئذ معهما (قوله من أهل الأرض أي من أهل الذمة) كذا فيه بلفظ أي التي يفسر بها
و هي رواية الصحيحين و غيرهما و حكى ابن التين عن الداودي أنه شرحه بلفظ أو التي للشك و قال
لم أره لغيره و قيل لأهل الذمة أهل الأرض لأن المسلمين لما فتحوا البلاد أقروهم على عمل الأرض
و حمل الخراج (قوله أليست نفسا) هذا لا يعارض التعليل المتقدم حيث قال أن للموت فزعا
على ما تقدم و كذا ما أخرجه الحاكم من طريق قتادة عن أنس مرفوعا فقال إنما قمنا للملائكة
و نحوه لأحمد من حديث أبي موسى و لأحمد و ابن حبان و الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو
مرفوعا إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس و لفظ ابن حبان إعظاما لله الذي يقبض
الأرواح فإن ذلك أيضا لا ينافي التعليل السابق لأن القيام للفزع من الموت فيه تعظيم لأمر الله
و تعظيم للقائمين بأمره في ذلك و هم الملائكة و أما ما أخرجه أحمد من حديث الحسن بن علي قال
إنما قام رسول الله صلى الله عليه و سلم تأذيا بريح اليهودي زاد الطبراني من حديث عبد الله بن
عياش بالتحتانية و المعجمة فآذاه ريح بخورها و للطبري و البيهقي من وجه آخر عن الحسن كراهية
أن تعلو رأسه فإن ذلك لا يعارض الأخبار الأولى الصحيحة أما أولا فلان أسانيدها لا تقاوم
تلك في الصحة و أما ثانيا فلان التعليل بذلك راجع إلى ما فهمه الراوي و التعليل الماضي صريح
من لفظ النبي صلى الله عليه و سلم فكأن الراوي لم يسمع التصريح بالتعليل منه فعلل باجتهاده
و قد روى ابن أبي شيبة من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت قال كنا مع رسول الله
صلى الله عليه و سلم فطلعت جنازة فلما رآها قام و قام أصحابه حتى بعدت و الله ما أدري من شانها
أو من تضايق المكان و ما سألناه عن قيامه و مقتضى التعليل بقوله أليست نفسا أن ذلك
يستحب لكل جنازة و إنما اقتصر في الترجمة على اليهودي وقوفا مع لفظ الحديث و قد اختلف
144

أهل العلم في أصل المسألة فذهب الشافعي إلى أنه غير واجب فقال هذا أما أن يكون منسوخا
أو يكون قام لعلة و أيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله و الحجة في الآخر من أمره و القعود
أحب إلى انتهى و أشار بالترك إلى حديث علي أنه صلى الله عليه و سلم قام للجنازة ثم قعد أخرجه
مسلم قال البيضاوي يحتمل قول على ثم قعد أي بعد أن جاوزته و بعدت عنه و يحتمل أن يريد كان
يقوم في وقت ثم ترك القيام أصلا و على هذا يكون فعله الأخير قرينة في أن المراد بالأمر الوارد في
ذلك الندب و يحتمل أن يكون نسخا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر و الأول أرجح لأن احتمال
المجاز يعني في الأمر أولي من دعوى النسخ انتهى و الاحتمال الأول يدفعه ما رواه البيهقي من
حديث على أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا ثم حدثهم الحديث و من ثم قال بكراهة القيام
جماعة منهم سليم الرازي و غيره من الشافعية و قال ابن حزم قعوده صلى الله عليه و سلم بعد أمره
بالقيام يدل على أن الأمر للندب و لا يجوز أن يكون نسخا لأن النسخ لا يكون الا بنهي أو بترك
معه نهي انتهى و قد ورد معنى النهى من حديث عبادة قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يقوم
للجنازة فمر به حبر من اليهود فقال هكذا نفعل فقال اجلسوا و خالفوهم أخرجه أحمد و أصحاب
السنن الا النسائي فلو لم يكن إسناده ضعيفا لكان حجة في النسخ و قال عياض ذهب جمع من
السلف إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي و تعقبه النووي بان النسخ لا يصار إليه الا إذا
تعذر الجمع و هو هنا ممكن قال و المختار أنه مستحب و به قال المتولي انتهى و قول صاحب المهذب
هو على التخيير كأنه مأخوذ من قول الشافعي المتقدم لما تقتضيه صيغة أفعل من الاشتراك
و لكن القعود عنده أولى و عكسه قول ابن حبيب و ابن الماجشون من المالكية كان قعوده
صلى الله عليه و سلم لبيان الجواز فمن جلس فهو في سعة و من قام فله أجر واستدل بحديث الباب على جواز إخراج جنائز أهل الذمة نهارا غير متميزة عن جنائز المسلمين أشار إلى ذلك الزين بن
المنير قال و إلزامهم بمخالفة رسوم المسلمين وقع اجتهادا من الأئمة و يمكن أن يقال إذا ثبت النسخ
للقيام تبعه ما عداه فيحمل على أن ذلك كان عند مشروعية القيام فلما ترك القيام منع من
الاظهار (قوله و قال أبو حمزة) هو السكري و عمرو هو ابن مرة المذكور في الإسناد الذي قبله
و قد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق عبدان عن أبي حمزة و لفظه نحو حديث شعبة الا أنه
قال في روايته فمرت عليهما جنازة فقاما و لم يقل فيه بالقادسية و أراد المصنف بهذا التعليق بيان
سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى لهذا الحديث من سهل و قيس (قوله و قال زكرياء) هو ابن أبي
زائدة و طريقه هذه موصولة عند سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة عنه و أبو مسعود المذكور
فيها هو البدري و يجمع بين ما وقع فيه من الاختلاف بان عبد الرحمن ابن أبي ليلى ذكر قيسا و سهلا
مفردين لكونهما رفعا له الحديث و ذكره مرة أخرى عن قيس و أبي مسعود لكون أبي مسعود لم
يرفعه و الله أعلم (قوله باب حمل الرجال الجنازة دون النساء) قال ابن رشيد
ليست الحجة من حديث الباب بظاهرة في منع النساء لأنه من الحكم المعلق على شرط و ليس فيه
أن لا يكون الواقع إلا ذلك و لو سلم فهو من مفهوم اللقب ثم أجاب بأن كلام الشارع مهما أمكن
حمله على التشريع لا يحمل على مجرد الإخبار عن الواقع و يؤيده العدول عن المشاكلة في
الكلام حيث قال إذا وضعت فاحتملها الرجال و لم يقل فاحتملت فلما قطع احتملت عن مشاكلة
145

وضعت دل على قصد تخصيص الرجال بذلك و أيضا فجواز ذلك للنساء و إن كان يؤخذ بالبراءة
الأصلية لكنه معارض بان في الحمل على الأعناق و الأمر بالإسراع مظنة الانكشاف غالبا
و هو مباين للمطلوب منهن من التستر مع ضعف نفوسهن عن مشاهدة الموتى غالبا فكيف
بالحمل مع ما يتوقع من صراخهن عند حمله و وضعه و غير ذلك من وجوه المفاسد انتهى ملخصا
و قد ورد ما هو أصرح من هذا في منعهن و لكنه على غير شرط المصنف و لعله أشار إليه و هو
ما أخرجه أبو يعلى من حديث أنس قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في جنازة فرأى
نسوة فقال أتحملنه قلن لا قال أتدفنه قلن لا قال فارجعن مأزورات غير مأجورات و نقل
النووي في شرح المهذب أنه لا خلاف في هذه المسألة بين العلماء و السبب فيه ما تقدم و لان
الجنازة لا بد أن يشيعها الرجال فلو حملها النساء لكان ذلك ذريعة إلى اختلاطهن بالرجال
فيفضي إلى الفتنة و قال ابن بطال قد عذر الله النساء لضعفهن حيث قال الا المستضعفين
من الرجال و النساء الآية و تعقبه الزين بن المنير بان الآية لا تدل على اختصاصهن بالضعف
بل على المساواة انتهى و الأولى أن ضعف النساء بالنسبة إلى الرجال من الأمور المحسوسة التي
لا تحتاج إلى دليل خاص (قوله عن أبيه أنه سمع أبا سعيد) لسعيد المقبري فيه إسناد آخر رواه
ابن أبي ذئب عنه عن عبد الرحمن بن مهران عن أبي هريرة أخرجه النسائي و ابن حبان و قال
الطريقان جميعا محفوظان (قوله إذا وضعت الجنازة) في رواية ابن أبي ذئب المذكورة إذا وضع
الميت على السرير فدل على أن المراد بالجنازة الميت و قد تقدم أن هذا اللفظ يطلق على الميت
و على السرير الذي يحمل عليه أيضا و سيأتي بقية الكلام عليه بعد باب (قوله باب
السرعة بالجنازة) أي بعد أن تحمل (قوله و قال أنس أنتم مشيعون فامش) و في رواية
الكشميهني فامشوا و أثر أنس هذا وصله عبد الوهاب بن عطاء الخفاف في كتاب الجنائز له عن
حميد عن أنس بن مالك أنه سئل عن المشي في الجنازة فقال امامها و خلفها و عن يمينها و شمالها
إنما أنتم مشيعون و رويناه عاليا في رباعيات أبي بكر الشافعي من طريق يزيد بن هارون عن حميد
كذلك و بنحوه أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش عن حميد و أخرجه عبد الرزاق عن
أبي جعفر الرازي عن حميد سمعت العيزار يعني ابن حريث سأل أنس بن مالك يعني عن المشي
مع الجنازة فقال إنما أنت مشيع فذكر نحوه فاشتمل على فائدتين تسمية السائل و التصريح
بسماع حميد قال الزين بن المنير مطابقة هذا الأثر للترجمة أن الأثر يتضمن التوسعة على
المشيعين و عدم التزامهم جهة معينة و ذلك لما علم من تفاوت أحوالهم في المشي و قضية
الاسراع بالجنازة أن لا يلزموا بمكان واحد يمشون فيه لئلا يشق على بعضهم ممن يضعف في
المشي عمن يقوي عليه و محصله أن السرعة لا تتفق غالبا الا مع عدم التزام المشي في جهة
معينة فيتناسبا و قد سبق إلى نحو ذلك أبو عبد الله بن المرابط فقال قول أنس ليس من معنى
الترجمة الا من وجه أن الناس في مشيهم متفاوتون و قال ابن رشيد و يمكن أن يقال لفظ المشي
و التشييع في أثر أنس أعم من الإسراع و البطء فلعله أراد أن يفسر أثر أنس بالحديث قال
و يمكن أن يكون أراد أن يبين بقول أنس أن المراد بالإسراع ما لا يخرج عن الوقار لمتبعها
بالمقدار الذي يصدق عليه به المصاحبة (قوله و قال غيره قريبا منها) أي قال غير أنس مثل قول
146

أنس و قيد ذلك بالقرب من الجنازة لأن من بعد عنها يصدق عليه أيضا أنه مشى امامها و خلفها
مثلا و الغير المذكور أظنه عبد الرحمن بن قرط بضم القاف و سكون الراء بعدها مهملة قال سعيد
ابن منصور حدثنا مسكين بن ميمون حدثني عروة بن رويم قال شهد عبد الرحمن بن قرط جنازة
فرأى ناسا تقدموا و آخرين استأخروا فأمر بالجنازة فوضعت ثم رماهم بالحجارة حتى اجتمعوا
إليه ثم أمر بها فحملت ثم قال بين يديها و خلفها و عن يمينها و عن شمالها و عبد الرحمن المذكور
صحابي ذكر البخاري و يحيى بن معين أنه كان من أهل الصفة و كان واليا على حمص في زمن عمر
و دل إيراد البخاري لأثر أنس المذكور على اختيار هذا المذهب و هو التخيير في المشي مع الجنازة
و هو قول الثوري و به قال ابن حزم لكن قيده بالماشي اتباعا لما أخرجه أصحاب السنن و صححه ابن
حبان و الحاكم من حديث المغيرة بن شعبة مرفوعا الراكب خلف الجنازة و الماشي حيث شاء
منها و عن النخعي أنه أن كان في الجنازة نساء مشى امامها و إلا فخلفها و في المسألة مذهبان آخران
مشهوران فالجمهور على أن المشي امامها أفضل و فيه حديث لابن عمر أخرجه أصحاب السنن
و رجاله رجال الصحيح الا أنه اختلف في وصله و ارساله و يعارضه ما رواه سعيد بن منصور و غيره من
طريق عبد الرحمن بن أبزى عن علي قال المشي خلفها أفضل من المشي امامها كفضل صلاة
الجماعة على صلاة الفذ إسناده حسن و هو موقوف له حكم المرفوع لكن حكى الأثرم عن أحمد
أنه تكلم في إسناده و هو قول الأوزاعي و أبي حنيفة و من تبعهما (قوله حفظناه من الزهري) في
رواية المستملى عن بدل من و الأول أولى لأنه يقتضى سماعه منه بخلاف رواية المستملى و قد
صرح الحميدي في مسنده بسماع سفيان له من الزهري (قوله عن سعيد بن المسيب) كذا قال
سفيان و تابعه معمر و ابن أبي حفصة عند مسلم و خالفهم يونس فقال عن الزهري حدثني
أبو إمامة بن سهل عن أبي هريرة و هو محمول على أن للزهري فيه شيخين (قوله أسرعوا نقل
ابن قدامة أن الأمر فيه للاستحباب بلا خلاف بين العلماء و شذ ابن حزم فقال بوجوبه و المراد
بالإسراع شدة المشي و على ذلك حمله بعض السلف و هو قول الحنفية قال صاحب الهداية
و يمشون بها مسرعين دون الخبب و في المبسوط ليس فيه شئ مؤقت غير أن العجلة أحب إلى أبي
حنيفة و عن الشافعي و الجمهور المراد بالإسراع ما فوق سجية المشي المعتاد و يكره الإسراع
الشديد و مال عياض إلى نفى الخلاف فقال من استحبه أراد الزيادة على المشي المعتاد و من كرهه
أراد الافراط فيه كالرمل و الحاصل أنه يستحب الإسراع بها لكن بحيث لا ينتهى إلى شدة يخاف
معها حدوث مفسدة بالميت أو مشقة على الحامل أو المشيع لئلا ينافي المقصود من النظافة
أو ادخال المشقة على المسلم قال القرطبي مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن و لأن
التباطؤ ربما أدى إلى التباهي و الاختيال (قوله بالجنازة) أي بحملها إلى قبرها و قيل المعنى
الاسراع بتجهيزها فهو أعم من الأول قال القرطبي و الأول أظهر و قال النووي الثاني باطل
مردود بقوله في الحديث تضعونه عن رقابكم و تعقبه الفاكهي بان الحمل على الرقاب قد يعبر
به عن المعاني كما تقول حمل فلان على رقبته ذنوبا فيكون المعنى استريحوا من نظر من لا خير فيه
قال و يؤيده أن الكل لا يحملونه انتهى و يؤيده حديث ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه
و سلم يقول إذا مات أحدكم فلا تحبسوه و أسرعوا به إلى قبره أخرجه الطبراني بإسناد حسن و لأبي
147

داود من حديث حصين بن وحوح مرفوعا لا ينبغي لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله
الحديث (قوله فان تك صالحة) أي الجثة المحمولة قال الطيبي جعلت الجنازة عين الميت و جعلت
الجنازة التي هي مكان الميت مقدمة إلى الخير الذي كني به عن عمله الصالح (قوله فخير) هو خبر
مبتدأ محذوف أي فهو خير أو مبتدأ خبره محذوف أي فلها خير أو هناك خير و يؤيده رواية
مسلم بلفظ قربتموها إلى الخير و يأتي في قوله بعد ذلك فشر نظير ذلك (قوله تقدمونها إليه) الضمير
راجع إلى الخير باعتبار الثواب قال ابن مالك روى تقدمونه إليها فأنث الضمير على تأويل الخير
بالرحمة أو الحسني (قوله تضعونه عن رقابكم) استدل به على أن حمل الجنازة يختص بالرجال
للاتيان فيه بضمير المذكر و لا يخفى ما فيه و فيه استحباب المبادرة لي دفن الميت لكن بعد أن
يتحقق أنه مات أما مثل المطعون و المفلوج و المسبوت فينبغي أن لا يسرع بدفنهم حتى يمضي
يوم و ليلة ليتحقق موتهم نبه على ذلك ابن بزيزة و يؤخذ من الحديث ترك صحبة أهل البطالة
و غير الصالحين (قوله باب قول الميت و هو على الجنازة) أي السرير (قدموني)
أي أن كان صالحا ثم أورد فيه حديث أبي سعيد السابق قبل باب (قوله إذا وضعت الجنازة)
يحتمل أن يريد بالجنازة نفس الميت و بوضعه جعله في السرير و يحتمل أن يريد السرير و المراد
وضعها على الكتف و الأول أولى لقوله بعد ذلك فإن كانت صالحة قالت فإن المراد به
الميت و يؤيده رواية عبد الرحمن بن مهران عن أبي هريرة المذكورة بلفظ إذا وضع المؤمن
على سريره يقول قدموني الحديث و ظاهره أن قائل ذلك هو الجسد المحمول على الأعناق
و قال ابن بطال إنما يقول ذلك الروح و رده ابن المنير بأنه لا مانع أن يرد الله الروح إلى الجسد
في تلك الحال ليكون ذلك زيادة في بشرى المؤمن و بؤس الكافر و كذا قال غيره و زاد
و يكون ذلك مجازا باعتبار ما يؤل إليه الحال بعد إدخال القبر و سؤال الملكين (قلت)
و هو بعيد و لا حاجة إلى دعوى إعادة الروح إلى الجسد قبل الدفن لأنه يحتاج إلى دليل فمن
الجائز أن يحدث الله النطق في الميت إذا شاء و كلام ابن بطال فيما يظهر لي أصوب و قال ابن
بزيزة قوله في آخر الحديث يسمع صوتها كل شئ دال على أن ذلك بلسان القال لا بلسان الحال
(قوله و أن كانت غير ذلك) في رواية الكشميهني غير صالحة (قوله قالت لأهلها) قال الطيبي
أي لأجل أهلها إظهارا لوقوعه في الهلكة و كل من وقع في الهلكة دعا بالويل و معنى النداء
يا حزني و أضاف الويل إلى ضمير الغائب حملا على المعنى كراهية أن يضيف الويل إلى نفسه أو كأنه
لما أبصر نفسه غير صالحة نفر عنها و جعلها كأنها غيره و يؤيد الأول أن في رواية أبي هريرة
المذكورة قال يا ويلتاه أين تذهبون بي فدل على أن ذلك من تصرف الرواة (قوله لصعق) أي
لغشى عليه من شدة ما يسمعه و ربما أطلق ذلك على الموت و الضمير في يسمعه راجع إلى دعائه
بالويل أي يصيح بصوت منكر لو سمعه الإنسان لغشى عليه قال ابن بزيزة هو مختص بالميت الذي
هو غير صالح و أما الصالح فمن شأنه اللطف و الرفق في كلامه فلا يناسب الصعق من سماع كلامه
انتهى و يحتمل أن يحصل الصعق من سماع كلام الصالح لكونه غير مألوف و قد روى أبو القاسم بن
مندة هذا الحديث في كتاب الأهوال بلفظ لو سمعه الإنسان لصعق من المحسن و المسئ فإن كان
المراد به المفعول دل على وجود الصعق عند سماع كلام الصالح أيضا و قد استشكل هذا مع ما ورد
في حديث السؤال في القبر فيضربه ضربة فيصعق صعقة يسمعها كل شئ الا الثقلين و الجامع
148

بينهما الميت و الصعق و الأول استثنى فيه الإنس فقط و الثاني استثنى فيه الجن و الأنس و الجواب
أن كلام الميت بما ذكر لا يقتضي وجود الصعق و هو الفزع الا من الأدمي لكونه لم يألف سماع كلام
الميت بخلاف الجن في ذلك و أما الصيحة التي يصيحها المضروب فإنها غير مألوفه للإنس و الجن
جميعا لكون سببها عذاب الله و لا شئ أشد منه على كل مكلف فاشترك فيه الجن و الإنس و الله أعلم
و استدل به على أن كلام الميت يسمعه كل حيوان ناطق و غير ناطق لكن قال ابن بطال هو عام
أريد به الخصوص و أن المعنى يسمعه من له عقل كالملائكة و الجن و الإنس لأن المتكلم روح
و إنما يسمع الروح من هو روح مثله و تعقب بمنع الملازمة إذ لا ضرورة إلى التخصيص بل لا يستثنى
الا الإنسان كما هو ظاهر الخبر و إنما اختص الإنسان بذلك إبقاء عليه و بأنه لا مانع من انطاق الله
الجسد بغير روح كما تقدم و الله تعالى أعلم (قوله باب من صف صفين أو ثلاثة على
الجنازة خلف الامام) أورد فيه حديث جابر في الصلاة على النجاشي و فيه كنت في الصف الثاني
أو الثالث و قد اعترض عليه بأنه لا يلزم من كونه في الصف الثاني أو الثالث أن يكون ذلك منتهى
الصفوف و بأنه ليس في السياق ما يدل على كون الصفوف خلف الإمام و الجواب عن الأول
أن الأصل عدم الزائد و قد روى مسلم من طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر قصة الصلاة على
النجاشي فقال فقمنا فصفنا صفين فعرف بهذا أن من روى عنه كنت في الصف الثاني أو الثالث
شك هل كان هنالك صف ثالث أم لا و بذلك تصح الترجمة و عن الثاني بأنه أشار إلى ما ورد
في بعض طرقه صريحا كما سيأتي في هجرة الحبشة من وجه آخر عن قتادة بهذا الإسناد بزيادة
فصفنا و راءه و وقع في الباب الذي يليه من حديث أبي هريرة بلفظ فصفوا خلفه و سنذكر بقية
فوائد الحديث فيه (قوله باب الصفوف على الجنازة) قال الزين بن المنير ما ملخصه
أنه أعاد الترجمة لأن الأولى لم يجزم فيها بالزيادة على الصفين و قال ابن بطال أومأ المصنف إلى
الرد على عطاء حيث ذهب إلى أنه لا يشرع فيها تسوية الصفوف يعني كما رواه عبد الرزاق عن
ابن جريج قال قلت لعطاء أحق على الناس أن يسووا صفوفهم على الجنائز كما يسوونها في
الصلاة قال لا إنما يكبرون و يستغفرون و أشار المصنف بصيغة الجمع إلى ما ورد في استحباب
ثلاثة صفوف و هو ما رواه أبو داود و غيره من حديث مالك بن هبيرة مرفوعا من صلى عليه ثلاثة
صفوف فقد أوجب حسنه الترمذي و صححه الحاكم و في رواية له الا غفر له قال الطبري ينبغي
لأهل الميت إذا لم يخشوا عليه التغير أن ينتظروا به اجتماع قوم يقوم منهم ثلاثة صفوف لهذا
الحديث انتهى و تعقب بعضهم الترجمة بان أحاديث الباب ليس فيها صلاة على جنازة و إنما فيها
الصلاة على الغائب أو على من في القبر و أجيب بان الاصطفاف إذا شرع و الجنازة غائبة ففي
الحاضرة أولى و أجاب الكرماني بان المراد بالجنازة في الترجمة الميت سواء كان مدفونا أو غير
مدفون فلا منافاة بين الترجمة و الحديث (قوله عن سعيد) هو ابن المسيب كذا رواه أصحاب معمر
البصريون عنه و كذا هو في مصنف عبد الرزاق عن معمر و أخرجه النسائي عن محمد بن رافع
عن عبد الرزاق فقال فيه عن سعيد و أبي سلمة و كذا أخرجه ابن حبان من طريق يونس عن
الزهري عنهما و كذا ذكره الدارقطني في غرائب مالك من طريق خالد بن مخلد و غيره عن مالك
و المحفوظ عن مالك ليس فيه ذكر أبي سلمة كذا هو في الموطأ و كذا أخرجه المصنف كما تقدم في
149

أوائل الجنائز و المحفوظ عن الزهري أن نعي النجاشي و الأمر بالاستغفار له عنده عن سعيد و أبي
سلمة جميعا و أما قصة الصلاة عليه و التكبير فعنده عن سعيد وحده كذا فصله عقيل عنه كما سيأتي
بعد خمسة أبواب و كذا يأتي في هجرة الحبشة من طريق صالح بن كيسان عنه و ذكر الدارقطني في
العلل الاختلاف فيه و قال إن الصواب ما ذكرناه (قوله نعي النجاشي) بفتح النون و تخفيف
الجيم و بعد الألف شين معجمة ثم ياء ثقيلة كياء النسب و قيل بالتخفيف و رجحه الصغاني و هو لقب من
ملك الحبشة و حكى المطرزي تشديد الجيم عن بعضهم و خطأه (قوله ثم تقدم) زاد ابن ماجة من
طريق عبد الأعلى عن معمر فخرج و أصحابه إلى البقيع فصفنا خلفه و قد تقدم في أوائل الجنائز
من رواية مالك بلفظ فخرج بهم إلى المصلى و المراد بالبقيع بقيع بطحان أو يكون المراد بالمصلى
موضعا معدا للجنائز ببقيع الغرقد غير مصلى العيدين و الأول أظهر و قد تقدم في العيدين أن
المصلى كان ببطحان و الله أعلم (قوله حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم و حديث ابن عباس المذكور
سيأتي الكلام عليه بعد اثني عشر بابا (قوله قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش) بفتح المهملة
و الموحدة بعدها معجمة في رواية مسلم من طريق يحيى بن سعيد عن ابن جريج مات اليوم عبد لله
صالح أصحمة و للمصنف في هجرة الحبشة من طريق ابن عيينة عن ابن جريج فقوموا فصلوا
على اخيكم أصحمة و سيأتي ضبط هذا الاسم بعد في باب التكبير على الجنازة (قوله فصلى النبي
صلى الله عليه و سلم) زاد المستملى في روايته و نحن صفوف و به يصح مقصود الترجمة و قال
الكرماني يؤخذ مقصودها من قوله فصففنا لأن الغالب أن الملازمين له صلى الله عليه و سلم
كانوا كثيرا ولا سيما مع أمره لهم بالخروج إلى المصلى (قوله قال أبو الزبير عن جابر كنت في
الصف الثاني) وصله النسائي من طريق شعبة عن أبي الزبير بلفظ كنت في الصف الثاني يوم
صلى النبي صلى الله عليه و سلم على النجاشي و وهم من نسب وصل هذا التعليق لرواية مسلم فإنه
أخرجه من طريق أيوب عن أبي الزبير و ليس فيه مقصود التعليق و في الحديث دلالة على أن
للصفوف على الجنازة تأثيرا و لو كان الجمع كثيرا لأن الظاهر أن الذين خرجوا معه صلى الله عليه
و سلم كانوا عددا كثيرا و كان المصلى فضاء ولا يضيق بهم لو صفوا فيه صفا واحدا و مع ذلك فقد
صفهم و هذا هو الذي فهمه مالك بن هبيرة الصحابي المقدم ذكره فكان يصف من يحضر الصلاة على
الجنازة ثلاثة صفوف سواء قلوا أو كثروا و يبقى النظر فيما إذا تعددت الصفوف و العدد قليل أو
كان الصف واحدا و العدد كثير أيهما أفضل و في قصة النجاشي علم من أعلام النبوة لأنه صلى الله
عليه و سلم أعلمهم بموته في اليوم الذي مات فيه مع بعد ما بين أرض الحبشة و المدينة و استدل به على
منع الصلاة على الميت في المسجد و هو قول الحنفية و المالكية لكن قال أبو يوسف أن أعد
مسجد للصلاة على الموتى لم يكن في الصلاة فيه عليهم بأس قال النووي ولا حجة فيه لأن الممتنع
عند الحنفية إدخال الميت المسجد لا مجرد الصلاة عليه حتى لو كان الميت خارج المسجد جازت
الصلاة عليه لمن هو داخله و قال ابن بزيزة و غيره استدل به بعض المالكية و هو باطل لأنه ليس
فيه صيغة نهي و لاحتمال أن يكون خرج بهم إلى المصلى لأمر غير المعنى المذكور و قد ثبت
أنه صلى الله عليه و سلم صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد فكيف يترك هذا الصريح لأمر
محتمل بل الظاهر أنه إنما خرج بالمسلمين إلى المصلى لقصد تكثير الجمع الذين يصلون عليه و لإشاعة
150

كونه مات على الإسلام فقد كان بعض الناس لم يدركونه أسلم فقد روى ابن أبي حاتم في التفسير
من طريق ثابت و الدارقطني في الأفراد و البزار من طريق حميد كلاهما عن أنس أن النبي صلى
الله عليه و سلم لما صلى على النجاشي قال بعض أصحابه صلى على علج من الحبشة فنزلت و ان من
أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل إليكم الآية و له شاهد في معجم الطبراني الكبير من حديث
وحشي بن حرب و آخر عنده في الأوسط من حديث أبي سعيد و زاد فيه أن الذي طعن بذلك فيه
كان منافقا و استدل به على مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد و بذلك قال الشافعي
و أحمد و جمهور السلف حتى قال ابن حزم لم يأت عن أحد من الصحابة منعه قال الشافعي الصلاة
على الميت دعاء له و هو إذا كان ملففا يصلي عليه فكيف لا يدعى له و هو غائب أو في القبر بذلك
الوجه الذي يدعى له به و هو ملفف و عن الحنفية و المالكية لا يشرع ذلك و عن بعض أهل
العلم إنما يجوز ذلك في اليوم الذي يموت فيه الميت أو ما قرب منه لا ما إذا طالت المدة حكاه
ابن عبد البر و قال ابن حبان إنما يجوز ذلك لمن كان في جهة القبلة فلو كان بلد الميت
مستدبر القبلة مثلا لم يجز قال المحب الطبري لم أر ذلك لغيره وحجته حجة الذي قبله الجمود على
قصة النجاشي و ستأتي حكاية مشاركة الخطاب لهم في هذا الجمود وقد اعتذر من لم يقل بالصلاة
على الغائب عن قصة النجاشي بأمور منها أنه كان بأرض لم يصل عليه بها أحد فتعينت الصلاة
عليه لذلك و من ثم قال الخطابي لا يصلي على الغائب الا إذا وقع موته بأرض ليس بها من يصلي
عليه و استحسنه الروياني من الشافعية و به ترجم أبو داود في السنن الصلاة على المسلم يليه أهل
الشرك ببلد آخر و هذا محتمل الا انني لم اقف في شئ من الأخبار على أنه لم يصل عليه في بلده
أحد و من ذلك قول بعضهم كشف له صلى الله عليه و سلم عنه حتى رآه فتكون صلاته عليه
كصلاة الإمام على ميت رآه و لم يره المأمومون ولا خلاف في جوازها قال ابن دقيق العيد هذا
يحتاج إلى نقل ولا يثبت بالاحتمال و تعقبه بعض الحنفية بان الاحتمال كاف في مثل هذا من
جهة المانع و كان مستند قائل ذلك ما ذكره الواقدي في أسبابه بغير إسناد عن ابن عباس قال
كشف للنبي صلى الله عليه و سلم عن سرير النجاشي حتى رآه و صلى عليه و لابن حبان من حديث
عمران بن حصين فقام وصفوا خلفه و هم لا يظنون الا أن جنازته بين يديه أخرجه من طريق
الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب عنه و لأبي عوانة من طريق
أبان و غيره عن يحيى فصلينا خلفه و نحن لا نرى الا أن الجنازة قدامنا و من الاعتذارات أيضا
أن ذلك خاص بالنجاشي لأنه لم يثبت أنه صلى الله عليه و سلم صلى على ميت غائب غيره قال المهلب
و كأنه لم يثبت عنده قصة معاوية بن معاوية اليثي و قد ذكرت في ترجمته في الصحابة أن خبره
قوي بالنظر إلى مجموع طرقه و استند من قال بتخصيص النجاشي لذلك إلى ما تقدم من إرادة
إشاعة أنه مات مسلما أو استئلاف قلوب الملوك الذين أسلموا في حياته قال النووي لو فتح باب
هذا الخصوص لا نسد كثير من ظواهر الشرع مع أنه لو كان شئ مما ذكروه لتوفرت
الدواعي على نقله و قال ابن العربي المالكي قال المالكية ليس ذلك الا لمحمد قلنا وما عمل
به محمد تعمل به أمته يعني لأن الأصل عدم الخصوصية قالوا طويت له الأرض وأحضرت
الجنازة بين يديه قلنا أن ربنا عليه لقادر و أن نبينا لأهل لذلك و لكن لا تقولوا الا ما رويتم
151

ولا تخترعوا حديثا من عند أنفسكم و لا تحدثوا الا بالثابت ودعوا الضعاف فإنها سبيل تلاف
إلى ما ليس له تلاف و قال الكرماني قولهم رفع الحجاب عنه ممنوع و لئن سلمنا فكان غائبا عن
الصحابة الذين صلوا عليه مع النبي صلى الله عليه و سلم (قلت) و سبق إلى ذلك الشيخ أبو حامد
في تعليقه و يؤيده حديث مجمع بن جارية بالجيم و التحتانية في قصة الصلاة على النجاشي قال فصفنا
خلفه صفين وما نرى شيئا أخرجه الطبراني و أصله في ابن ماجة لكن أجاب بعض الحنفية عن ذلك
بما تقدم من أنه يصير كالميت الذي يصلي عليه الإمام و هو يراه ولا يراه المأمومون فإنه جائز اتفاقا
* (فائدة) * أجمع كل من أجاز الصلاة على الغائب أن ذلك يسقط فرض الكفاية الا ما حكى
عن ابن القطان أحد أصحاب الوجوه من الشافعية أنه قال يجوز ذلك ولا يسقط الفرض و سيأتي
الكلام على الاختلاف في عدد التكبير على الجنازة في باب مفرد (قوله باب
صفوف الصبيان مع الرجال في الجنائز) في رواية الكشميهني على الجنائز أي عند إرادة الصلاة
عليها و قد تقدم الجواب على الترجمة على الجنازة و إرادة الصلاة على القبر في الباب الذي قبله و تقدم
أن الكلام على المتن يأتي مستوفى بعد أثنى عشر بابا و سيأتي بعد ثلاث تراجم باب صلاة الصبيان
مع الناس على الجنائز و ذكر فيه طرفا من حديث ابن عباس المذكور و كان ابن عباس في زمن
النبي صلى الله عليه و سلم دون البلوغ لأنه شهد حجة الوداع و قد قارب الاحتلام كما تقدم بيان ذلك
في كتاب الصلاة (قوله باب سنة الصلاة على الجنازة) قال الزين بن المنير المراد بالسنة
ما شرعه النبي صلى الله عليه و سلم فيها يعني فهو أعم من الواجب و المندوب و مراده بما ذكره هنا
من الآثار و الأحاديث أن لها حكم غيرها من الصلوات و الشرائط و الأركان و ليست مجرد دعاء
فلا تجزئ بغير طهارة مثلا و سيأتي بسط ذلك في أواخر الباب (قوله و قال النبي صلى الله عليه
و سلم من صلى على الجنازة) هذا طرف من حديث سيأتي موصولا بعد باب و هذا اللفظ عند مسلم
من وجه آخر عن أبي هريرة و من حديث ثوبان أيضا (قوله و قال صلوا على صاحبكم) هذا
طرف من حديث لسلمة بن الأكوع سيأتي موصولا في أوائل الحوالة أوله كنا جلوسا عند النبي
صلى الله عليه و سلم إذ أتى بجنازة فقالوا صل عليها فقال هل عليه دين الحديث (قوله و قالوا
صلوا على النجاشي) تقدم الكلام عليه قريبا (قوله سماها صلاة) أي يشترط فيها ما يشترط في
الصلاة و أن لم يكن فيها ركوع و لا سجود فإنه لا يتكلم فيها و يكبر فيها و يسلم منها بالإتفاق و إن
اختلف في عدد التكبير و التسليم (قوله و كان ابن عمر لا يصلي الا طاهرا) وصله مالك في الموطأ عن
نافع بلفظ أن ابن عمر كان يقول لا يصلي الرجل على الجنازة الا و هو طاهر (قوله و لا يصلي عند
طلوع الشمس و لا غروبها) وصله سعيد بن منصور من طريق أيوب عن نافع قال كان ابن عمر إذا
سئل عن الجنازة بعد صلاة الصبح و بعد صلاة العصر يقول ما صليتا لوقتهما * (تنبيه) * ما في قوله
ما صليتا ظرفية يدل عليه رواية مالك عن نافع قال كان ابن عمر يصلي على الجنازة بعد الصبح
و العصر إذا صليتا لوقتهما و مقتضاه إنهما إذا أخرتا إلى وقت الكراهة عنده لا يصلي عليها حينئذ
و يبين ذلك ما رواه مالك أيضا عن محمد بن أبي حرملة أن ابن عمر قال و قد أتى بجنازة بعد صلاة
الصبح بغلس إما أن تصلوا عليها و إما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس فكان ابن عمر يرى
اختصاص الكراهة بما عند طلوع الشمس و عند غروبها لا مطلق ما بين الصلاة و طلوع
152

الشمس أو غروبها و روى ابن أبي شيبة من طريق ميمون بن مهران قال كان ابن عمر يكره الصلاة
على الجنازة إذا طلعت الشمس و حين تغرب و قد تقدم ذلك عنه واضحا في باب الصلاة في مسجد
قباء و إلى قول ابن عمر في ذلك ذهب مالك و الأوزاعي و الكوفيون و أحمد و إسحق (قوله و يرفع يديه)
وصله البخاري في كتاب رفع اليدين المفرد من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان
يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة و قد روى مرفوعا أخرجه الطبراني في الأوسط من وجه آخر
عن نافع عن ابن عمر بإسناد ضعيف (قوله و قال الحسن الخ) لم أره موصولا و قوله من رضوه
في رواية الحموي و المستملي من رضوهم بصيغة الجمع و فائدة أثر الحسن هذا بيان أنه نقل عن الذين
أدركهم و هم جمهور الصحابة أنهم كانوا يلحقون صلاة الجنازة بالصلوات التي يجمع فيها و قد جاء
عن الحسن أن أحق الناس بالصلاة على الجنازة الأب ثم الابن أخرجه عبد الرزاق و هي مسئلة
اختلاف بين أهل العلم فروى ابن أبي شيبة عن جماعة منهم سالم و القاسم و طاوس أن إمام الحي
أحق و قال علقمة و الأسود و آخرون الوالي أحق من الولي و هو قول مالك و أبي حنيفة و الأوزاعي
و أحمد و إسحق و قال أبو يوسف و الشافعي الولي أحق من الوالي (قوله و إذا أحدث يوم العيد
أو عند الجنازة يطلب الماء و لا يتيمم) يحتمل أن يكون هذا الكلام معطوفا على أصل الترجمة و يحتمل
أن يكون بقية كلام الحسن و قد وجدت عن الحسن في هذه المسئلة اختلافا فروى سعيد بن
منصور عن حماد بن زيد عن كثير بن شنظير قال سئل الحسن عن الرجل يكون في الجنازة على غير
وضوء فإن ذهب يتوضأ تفوته قال يتيمم و يصلي و عن هشيم عن يونس عن الحسن مثله و روى ابن
أبي شيبة عن حفص عن أشعث عن الحسن قال لا يتيمم و لا يصلي الا على طهر و قد ذهب جمع من
السلف إلى أنه يجزي لها التيمم لمن خاف فواتها لو تشاغل بالوضوء و حكاه ابن المنذر عن عطاء و سالم
و الزهري و النخعي و ربيعة و الليث و الكوفيين و هي رواية عن أحمد و فيه حديث مرفوع عن ابن
عباس رواه ابن عدي و إسناده ضعيف (قوله و إذا انتهى إلى الجنازة يدخل معهم بتكبيرة) وجدت
هذا الأثر عن الحسن و هو يقوي الاحتمال الثاني قال ابن أبي شيبة حدثنا معاذ عن أشعث عن
الحسن في الرجل ينتهى إلى الجنازة و هم يصلون عليها قال يدخل معهم بتكبيرة و المخالف في هذا
بعض المالكية و في مختصر ابن الحاجب و في دخول المسبوق بين التكبيرتين أو انتظار التكبير
قولان انتهى (قوله و قال ابن المسيب الخ) لم أره موصولا عنه و وجدت معناه بإسناد قوي عن
عقبة بن عامر الصحابي أخرجه ابن أبي شيبة عنه موقوفا (قوله و قال أنس التكبيرة الواحدة
استفتاح الصلاة) وصله سعيد بن منصور عن إسماعيل بن علية عن يحيى بن أبي إسحق قال قال
زريق بن كريم لأنس بن مالك رجل صلى فكبر ثلاثا قال أنس أوليس التكبير ثلاثا قال يا أبا حمزة
التكبير أربع قال أجل غير أن واحدة هي استفتاح الصلاة (قوله و قال) أي الله سبحانه و تعالى
(و لا تصل على أحد منهم) و هذا معطوف على أصل الترجمة و قوله و فيه صفوف و امام معطوف
على قوله و فيها تكبير و تسليم قرأت بخط مغلطاي كأن البخاري أراد الرد على مالك فإن ابن العربي
نقل عنه أنه استحب أن يكون المصلون على الجنازة سطرا واحدا قال و لا أعلم لذلك وجها و قد
تقدم حديث مالك بن هبيرة في استحباب الصفوف ثم أورد المصنف حديث ابن عباس في الصلاة
على القبر و سيأتي الكلام عليه قريبا و موضع الترجمة منه قوله فأمنا فصففنا خلفه قال ابن رشيد
153

نقلا عن ابن المرابط و غيره ما محصله مراد هذا الباب الراد على من يقول أن الصلاة على الجنازة
إنما هي دعاء لها و استغفار فتجوز على غير طهارة فأول المصنف الرد عليه من جهة التسمية التي
سماها رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة و لو كان الغرض الدعاء وحده لما أخرجهم
إلى البقيع و لدعا في المسجد و أمرهم بالدعاء معه أو التأمين على دعائه و لما صفهم خلفه كما يصنع
في الصلاة المفروضة والمسنونة و كذا وقوفه في الصلاة و تكبيره في افتتاحها و تسليمه
في التحلل منها كل ذلك دال على أنها على الأبدان لا على اللسان وحده و كذا امتناع الكلام
فيها و إنما لم يكن فيها ركوع و لا سجود لئلا يتوهم بعض الجهلة أنها عبادة للميت فيضل بذلك
انتهى و نقل ابن عبد البر الاتفاق على اشتراط الطهارة لها الا عن الشعبي قال و وافقه
إبراهيم بن علية و هو ممن يرغب عن كثير من قوله و نقل غيره أن ابن جرير الطبري وافقهما
على ذلك و هو مذهب شاذ قال ابن رشيد و في استدلال البخاري بالأحاديث التي صدر بها
الباب من تسميتها صلاة لمطلوبه من اثبات شرط الطهارة اشكال لأنه أن تمسك بالعرف الشرعي
عارضه عدم الركوع و السجود و أن تمسك بالحقيقة اللغوية عارضته الشرائط المذكورة
و لم يستو التبادر في الإطلاق فيدعى الاشتراك لتوقف الإطلاق على القيد عند إرادة الجنازة
بخلاف ذات الركوع و السجود فتعين الحمل على المجاز انتهى و لم يستدل البخاري على مطلوبه
بمجرد تسميتها صلاة بل بذلك و بما انضم إليه من وجود جميع الشرائط إلا الركوع و السجود
و قد تقدم ذكر الحكمة في حذفهما منها فبقي ما عداهما على الأصل و قال الكرماني غرض
البخاري بيان جواز إطلاق الصلاة على صلاة الجنازة و كونها مشروعة و أن لم يكن فيها ركوع
و سجود فاستدل تارة بإطلاق اسم الصلاة و الأمر بها و تارة بإثبات ما هو من خصائص الصلاة
نحو عدم التكلم فيها و كونها مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم و عدم صحتها بدون الطهارة و عدم
أدائها عند الوقت المكروه و برفع اليد و إثبات الأحقية بالإمامة و بوجوب طلب الماء لها و بكونها
ذات صفوف و إمام قال و حاصله أن الصلاة لفظ مشترك بين ذات الأركان المخصوصة و بين صلاة
الجنازة و هو حقيقة شرعية فيهما انتهى كلامه و قد قال بذلك غيره و لا يخفى أن بحث ابن رشيد
أقوى و مطلوب المصنف حاصل كما قدمته بدون الدعوى المذكورة بل بإثبات ما مر من خصائصها
كما تقدم و الله أعلم (قوله باب فضل اتباع الجنائز) قال ابن رشيد ما محصله مقصود
الباب بيان القدر الذي يحصل به مسمى الأتباع الذي يجوز به القيراط إذ في الحديث الذي أورده
اجمال و لذلك صدره بقول زيد بن ثابت و آثر الحديث المذكور على الذي بعده و أن كان أوضح
منه في مقصوده كعادته المألوفة في الترجمة على اللفظ المشكل ليبين مجمله و قد تقدم طرف من بيان
ما يحصل به مسمى الأتباع في باب السرعة بالجنازة و له تعلق بهذا الباب و كأنه قصد هناك كيفية
المشي و أمكنته و قصد هنا ما الذي يحصل به الإتباع و هو أعم من ذلك قال و يمكن أن يكون قصد هنا
ما الذي يحصل به المقصد إذ الأتباع إنما هو وسيلة إلى تحصيل الصلاة منفردة أو الدفن منفردا أو
المجموع قال و هذا كله يدل على براعة المصنف و دقة فهمه وسعة علمه و قال الزين بن المنير ما محصله
مراد الترجمة اثبات الأجر و الترغيب فيه لا تعيين الحكم لأن الأتباع من الواجبات على الكفاية
فالمراد بالفضل ما ذكرناه لاقسم الواجب و أجمل لفظ الأتباع تبعا للفظ الحديث الذي أورده
154

لأن القيراط لا يحصل الا لمن أتبع و صلى أو أتبع و شيع و حضر الدفن لا لمن اتبع مثلا و شيع
ثم انصرف بغير صلاة كما سيأتي بيان الحجة لذلك في الباب الذي يليه و ذلك لأن الأتباع إنما هو
وسيلة لأحد مقصودين أما الصلاة و أما الدفن فإذا تجردت الوسيلة عن المقصد لم يحصل المرتب
على المقصود و أن كان يرجى أن يحصل لفاعل ذلك فضل ما بحسب نيته و روى سعيد بن منصور
من طريق مجاهد قال أتباع الجنازة أفضل النوافل و في رواية عبد الرزاق عنه أتباع الجنازة
أفضل من صلاة التطوع (قوله و قال زيد بن ثابت إذا صليت فقد قضيت الذي عليك) وصله
سعيد بن منصور من طريق عروة عنه بلفظ إذا صليتم على الجنازة فقد قضيتم ما عليكم فخلوا بينها
و بين أهلها و كذا أخرجه عبد الرزاق لكن بلفظ إذا صليت على جنازة فقد قضيت ما عليك
و وصله ابن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ الأفراد و معناه فقد قضيت حق الميت فإن أردت الأتباع
فلك زيادة أجر (قوله و قال حميد بن هلال ما علمنا على الجنازة أذنا و لكن من صلى ثم رجع فله
قيراط) لم أره موصولا عنه قال الزين بن المنير مناسبته للترجمة استعارة بان الأتباع إنما هو
لمحض ابتغاء الفضل و أنه لا يجري مجرى قضاء حق أولياء الميت فلا يكون لهم فيه حق ليتوقف
الانصراف قبله على الاذن منهم (قلت) و كان البخاري أراد الرد على ما أخرجه عبد الرزاق من
طريق عمرو بن شعيب عن أبي هريرة قال أميران و ليسا بأميرين الرجل يكون مع الجنازة يصلي
عليها فليس له أن يرجع حتى يستأذن وليها الحديث و هذا منقطع موقوف و روى عبد الرزاق
مثله من قول إبراهيم و أخرجه ابن أبي شيبة عن المسور من فعله أيضا و قد ورد مثله مرفوعا من
حديث جابر أخرجه البزار بإسناد فيه مقال و أخرجه العقيلي في الضعفاء من حديث أبي هريرة
مرفوعا بإسناد ضعيف و روى أحمد من طريق عبد الله بن هرمز عن أبي هريرة مرفوعا من
تبع جنازة فحمل من علوها وحثى في قبرها و قعد حتى يؤذن له رجع بقيراطين و إسناده ضعيف
و الذي عليه معظم أئمة الفتوى قول حميد بن هلال و حكى عن مالك أنه لا ينصرف حتى يستأذن
(قوله حدث ابن عمر) كذا في جميع الطرق حدث بضم المهملة على البناء للمجهول و لم اقف
في شئ من الطرق عن نافع على تسمية من حدث ابن عمر عن أبي هريرة بذلك و قد أورده أصحاب
الأطراف و الحميدي في جمعه في ترجمة نافع عن أبي هريرة و ليس في شئ من طرقه ما يدل على أنه سمع
منه و أن كان ذلك محتملا و وقفت على تسمية من حدث ابن عمر بذلك صريحا في موضعين أحدهما
في صحيح مسلم و هو خباب بمعجمة و موحدتين الأولى مشددة و هو أبو السائب المدني صاحب
المقصورة قيل إن له صحبة و لفظه من طريق داود بن عامر بن سعد عن أبيه أنه كان قاعدا عند
عبد الله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال يا عبد الله بن عمر الا تسمع ما يقول أبو هريرة
فذكر الحديث و الثاني في جامع الترمذي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة
فذكر الحديث قال أبو سلمة فذكرت ذلك لابن عمر فأرسل إلى عائشة (قوله إن أبا هريرة يقول
من تبع) كذا في جميع الطرق لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه و سلم و كذا أخرجه الإسماعيلي من
طريق إبراهيم بن راشد عن أبي النعمان شيخ البخاري فيه لكن أخرجه أبو عوانة في صحيحه
عن مهدي بن الحرث عن موسى بن إسماعيل و عن أبي أمية عن أبي النعمان و عن التستري
عن شيبان ثلاثتهم عن جرير بن حازم عن نافع قال قيل لابن عمر أن أبا هريرة يقول سمعت رسول
155

الله صلى الله عليه و سلم يقول من تبع جنازة فله قيراط من الأجر فذكره و لم يبين لمن السياق و قد
أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ كذلك فالظاهر أن السياق له (قوله من تبع جنازة فله قيراط)
زاد مسلم في روايته من الأجر و القيراط بكسر القاف قال الجوهري أصله قراط بالتشديد
لأن جمعه قراريط فأبدل من أحد حرفي تضعيفه ياء قال و القيراط نصف دانق و قال قبل ذلك
الدانق سدس الدرهم فعلى هذا يكون القيراط جزأ من أثنى عشر جزأ من الدرهم و أما صاحب
النهاية فقال القيراط جزء من أجزاء الدينار و هو نصف عشره في أكثر البلاد و في الشام جزء من
أربعة و عشرين جزأ و نقل ابن الجوزي عن ابن عقيل أنه كان يقول القيراط نصف سدس درهم
أو نصف عشر دينار و الإشارة بهذا المقدار إلى الأجر المتعلق بالميت في تجهيزه و غسله و جميع
ما يتعلق به فللمصلي عليه قيراط من ذلك و لمن شهد الدفن قيراط و ذكر القيراط تقريبا للفهم لما كان
الانسان يعرف القيراط و يعمل العمل في مقابلته و عد من جنس ما يعرف و ضرب له المثل بما يعلم
انتهى و ليس الذي قال ببعيد و قد روى البزار من طريق عجلان عن أبي هريرة مرفوعا من أتى
جنازة في أهلها فله قيراط فإن تبعها فله قيراط فإن صلى عليها فله قيراط فإن انتظرها حتى تدفن فله
قيراط فهذا يدل على أن لكل عمل من أعمال الجنازة قيراطا و أن اختلفت مقادير القراريط و لا سيما
بالنسبة إلى مشقة ذلك العمل و سهولته و على هذا فيقال إنما خص قيراطي الصلاة و الدفن بالذكر
لكونهما المقصودين بخلاف باقي أحوال الميت فإنها و سائل و لكن هذا يخالف ظاهر سياق
الحديث الذي في الصحيح المتقدم في كتاب الإيمان فإن فيه أن لمن تبعها حتى يصلي عليها و يفرغ من
دفنها قيراطين فقط و يجاب عن هذا بان القيراطين المذكورين لمن شهد و الذي ذكره ابن عقيل لمن
باشر الأعمال التي يحتاج إليها الميت فافترقا و قد ورد لفظ القيراط في عدة أحاديث فمنها ما يحمل
على القيراط المتعارف و منها ما يحمل على الجزء في الجملة و أن لم تعرف النسبة فمن الأول حديث
كعب بن مالك مرفوعا إنكم ستفتحون بلدا يذكر فيها القيراط و حديث أبي هريرة مرفوعا كنت
أرعى غنما لأهل مكة بالقراريط قال ابن ماجة عن بعض شيوخه يعني كل شاة بقيراط و قال غيره
قراريط جبل بمكة و من المحتمل حديث ابن عمر في الذين أوتوا التوراة أعطوا قيراطا قيراطا و حديث
الباب و حديث أبي هريرة من اقتنى كلبا نقص من عمله كل يوم قيراط و قد جاء تعيين مقدار القيراط
في حديث الباب بأنه مثل أحد كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه و في رواية عند أحمد
و الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر قالوا يا رسول الله مثل قراريطنا هذه قال لا بل مثل
أحد قال النووي و غيره لا يلزم من ذكر القيراط في الحديثين تساويهما لأن عادة الشارع تعظيم
الحسنات و تخفيف مقابلها و الله أعلم و قال ابن العربي القاضي الذرة جزء من ألف و أربعة
و عشرين جزأ من حبة و الحبة ثلث القيراط فإذا كانت الذرة تخرج من النار فكيف بالقيراط
قال و هذا قدر قيراط الحسنات فأما قيراط السيئات فلا و قال غيره القيراط في اقتناء الكلب جزء
من أجزاء عمل المقتنى له في ذلك اليوم و ذهب الأكثر إلى أن المراد بالقيراط في حديث الباب جزء
من أجزاء معلومة عند الله و قد قربها النبي صلى الله عليه و سلم للفهم بتمثيله القيراط بأحد قال
الطيبي قوله مثل أحد تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ القيراط و المراد منه أنه يرجع بنصيب
كبير من الأجر و ذلك لأن لفظ القيراط مبهم من وجهين فبين الموزون بقوله من الأجر و بين
156

المقدار المراد منه بقوله مثل أحد و قال الزين بن المنير أراد تعظيم الثواب فمثله للعيان بأعظم
الجبال خلقا و أكثرها إلى النفوس المؤمنة حبا لأنه الذي قال في حقه أنه جبل يحبنا و نحبه انتهى
و لأنه أيضا قريب من المخاطبين يشترك أكثرهم في معرفته و خص القيراط بالذكر لأنه كان
أقل ما تقع به الإجارة في ذلك الوقت أو جرى ذلك مجرى العادة من تقليل الأجر بتقليل العمل
و استدل بقوله من تبع على أن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي امامها لأن ذلك هو
حقيقة الأتباع حسا قال ابن دقيق العيد الذين رجحوا المشي امامها حملوا الأتباع هنا على الأتباع المعنوي أي المصاحبة و هو أعم من أن يكون امامها أو خلفها أو غير ذلك و هذا مجاز
يحتاج إلى أن يكون الدليل الدال على استحباب التقدم راجحا انتهى و قد تقدمت الإشارة إلى
ذلك في باب السرعة بالجنازة و ذكرنا اختلاف العلماء في ذلك بما يغنى عن اعادته (قوله أكثر
علينا أبو هريرة) قال ابن التين لم يتهمه ابن عمر بل خشي عليه السهو أو قال ذلك لكونه لم ينقل
له عن أبي هريرة أنه رفعه فظن أنه قال برأيه فاستنكره انتهى و الثاني جمود على سياق رواية
البخاري و قد بينا أن في رواية مسلم أنه رفعه و كذا في رواية خباب عن أبي هريرة عند مسلم أيضا
و قال الكرماني قوله أكثر علينا أي في ذكر الأجر أو في كثرة الحديث كأنه خشي لكثرة رواياته
أن يشتبه عليه بعض الأمر انتهى و وقع في رواية أبي سلمة عند سعيد بن منصور فبلغ ذلك
ابن عمر فتعاظمه و في رواية الوليد بن عبد الرحمن عند سعيد أيضا و مسدد و أحمد بإسناد صحيح
فقال ابن عمر يا أبا هريرة انظر ما تحدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم (قوله فصدقت يعني
عائشة أبا هريرة) لفظ يعني للبخاري كأنه شك فاستعملها و قد رواه الإسماعيلي من طريق
أبي النعمان شيخه فلم يقلها و في رواية مسلم فبعث ابن عمر إلى عائشة يسألها فصدقت أبا هريرة
و في رواية أبي سلمة عند الترمذي فذكر ذلك لابن عمر فأرسل إلى عائشة فسألها عن ذلك فقالت
صدق و في رواية خباب صاحب المقصورة عند مسلم فأرسل ابن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن
قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت حتى رجع إليه الرسول فقال قالت عائشة صدق
أبو هريرة و وقع في رواية الوليد بن عبد الرحمن عن سعيد بن منصور فقام أبو هريرة فأخذ بيده
فانطلقا حتى أتيا عائشة فقال لها يا أم المؤمنين أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم
يقول فذكره فقالت اللهم نعم و يجمع بينهما بأن الرسول لما رجع إلى ابن عمر يخبر عائشة بلغ
ذلك أبا هريرة فمشى إلى ابن عمر فاسمعه ذلك من عائشة مشافهة و زاد في رواية الوليد فقال أبو
هريرة لم يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه و سلم غرس الودي و لا صفق بالأسواق و إنما كنت
أطلب من رسول الله صلى الله عليه و سلم أكلة يطعمنيها أو كلمة يعلمنيها قال له ابن عمر كنت ألزمنا
لرسول الله صلى الله عليه و سلم و اعلمنا بحديثه (قوله لقد فرطنا في قراريط كثيرة) أي من عدم
المواظبة على حضور الدفن بين ذلك مسلم في روايته من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله
ابن عمر قال كان ابن عمر يصلي على الجنازة ثم ينصرف فلما بلغه حديث أبي هريرة قال فذكره
و في هذه القصة دلالة على تميز أبي هريرة في الحفظ و أن إنكار العلماء بعضهم على بعض قديم
و فيه استغراب العالم ما لم يصل إلى علمه و عدم مبالاة الحافظ بانكار من لم يحفظ و فيه ما كان
الصحابة عليه من التثبت في الحديث النبوي و التحرز فيه و التنقيب عليه و فيه دلالة على فضيلة
157

ابن عمر من حرصه على العلم و تأسفه على ما فاته من العمل الصالح (قوله فرطت ضيعت من أمر
الله) كذا في جميع الطرق و في بعض النسخ فرطت من أمر الله أي ضيعت و هو أشبه و هذه عادة
المصنف إذا أراد تفسير كلمة غريبة من الحديث و وافقته كلمة من القرآن فسر الكلمة التي من
القرآن و قد ورد في رواية سالم المذكورة بلفظ لقد ضيعنا قراريط كثيرة * (تكملة) * وقع لي
حديث الباب من رواية عشرة من الصحابة غير أبي هريرة و عائشة من حديث ثوبان عند مسلم
و البراء و عبد الله بن مغفل عند النسائي و أبي سعيد عند أحمد و ابن مسعود عند أبي عوانة
و أسانيد هؤلاء الخمسة صحاح و من حديث أبي بن كعب عند ابن ماجة و ابن عباس عند البيهقي
في الشعب و أنس عند الطبراني في الأوسط و واثلة بن الأسقع عند ابن عدي و حفصة عند حميد
ابن زنجويه في فضائل الأعمال و في كل من أسانيد هؤلاء الخمسة ضعف و سأشير إلى ما فيها من
فائدة زائدة في الكلام على الحديث في الباب الذي يلي هذا (قوله باب من
أنتظر حتى تدفن) قال الزين بن المنير لم يذكر المصنف جواب من أما استغناء بما ذكر في الخبر
أو توقفا على اثبات الاستحقاق بمجرد الانتظار أن خلا عن أتباع قال و عدل عن لفظ الشهود كما
هو في الخبر إلى لفظ الانتظار لينبه على أن المقصود من الشهود إنما هو معاضدة أهل الميت
و التصدي لمعونتهم و ذلك من المقاصد المعتبرة انتهى و الذي يظهر لي أنه أختار لفظ الانتظار
لكونه أعم من المشاهدة فهو أكثر فائدة و أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الانتظار
ليفسر اللفظ الوارد بالمشاهدة و لفظ الانتظار وقع في رواية معمر عند مسلم و قد ساق البخاري
سندها و لم يذكر لفظها و وقعت هذه الطريق في بعض الروايات التي لم تتصل لنا عن البخاري
في هذا الباب أيضا (قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة) هو القعنبي (قوله عن أبيه) يعني أبا سعيد
كيسان المقبري و هو ثابت في جميع الطرق و حكى الكرماني أنه سقط من بعض الطرق (قلت)
والصواب إثباته و كذا أخرجه إسحق بن راهويه و الإسماعيلي و غيرهما من طريق ابن أبي
ذئب نعم سقط قوله عن أبيه من رواية بن عجلان عند أبي عوانة و عبد الرحمن بن إسحاق عند ابن
أبي شيبة و أبي معشر عند حميد بن زنجويه ثلاثتهم عن سعيد المقبري * (تنبيه) * لم يسق
البخاري لفظ رواية أبي سعيد و لفظه عند الإسماعيلي أنه سأل أبا هريرة ما ينبغي في الجنازة فقال
سأخبرك بما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من تبعها من أهلها حتى يصلى عليها فله قيراط
مثل أحد و من تبعها حتى يفرغ منها فله قيرطان (قوله و حدثني عبد الرحمن) هو معطوف على
مقدر أي قال ابن شهاب حدثني فلان بكذا و حدثني عبد الرحمن الأعرج بكذا (قوله حتى
يصلى) زاد الكشميهني عليه و اللام للأكثر مفتوحه و في بعض الروايات بكسرها و رواية الفتح
محمولة عليها فإن حصول القيراط متوقف على وجود الصلاة من الذي يحصل له كما تقدم تقريره
و للبيهقي من طريق محمد بن علي الصائغ عن أحمد بن حبيب شيخ البخاري فيه بلفظ حتى يصلي عليها
و كذا هو عند مسلم من طريق ابن وهب عن يونس و لم يبين في هذه الرواية ابتداء الحضور و قد
تقدم بيانه في رواية أبي سعيد المقبري حيث قال من أهلها و في رواية خباب عند مسلم من خرج
مع جنازة من بيتها و لأحمد في حديث أبي سعيد الخدري فمشى معها من أهلها و مقتضاه أن القيراط
يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة و بذلك صرح المحب الطبري و غيره و الذي
158

يظهر لي أن القيراط يحصل أيضا لمن صلى فقط لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها لكن يكون قيراط
من صلى فقط دون قيراط من شيع مثلا و صلى و رواية مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة
بلفظ أصغرهما مثل أحد يدل على أن القراريط تتفاوت و وقع أيضا في رواية أبي صالح المذكورة
عند مسلم من صلى على جنازة و لم يتبعها فله قيراط و في رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند أحمد
و من صلى و لم يتبع فله قيراط فدل على أن الصلاة تحصل القيراط و أن لم يقع أتباع و يمكن أن يحمل
الأتباع هنا على ما بعد الصلاة و هل يأتي نظير هذا في قيراط الدفن فيه بحث قال النووي في شرح
البخاري عند الكلام على طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة في كتاب الإيمان بلفظ من أتبع جنازة مسلم إيمانا و احتسابا و كان معها حتى يصلي عليها و يفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر
بقيراطين الحديث و مقتضى هذا أن القيراطين إنما يحصلان لمن كان معها في جميع الطريق
حتى تدفن فإن صلى مثلا و ذهب إلى القبر وحده فحضر الدفن لم يحصل له الا قيراط واحد انتهى
و ليس في الحديث ما يقتضي ذلك الا من طريق المفهوم فإن ورد منطوق بحصول القيراط
لشهود الدفن وحده كان مقدما و يجمع حينئذ بتفاوت القيراط و الذين أبوا ذلك جعلوه من باب
المطلق و المقيد نعم مقتضى جميع الأحاديث أن من اقتصر على التشييع فلم يصل و لم يشهد الدفن
فلا قيراط له الا على الطريقة التي قدمناها عن ابن عقيل لكن الحديث الذي أوردناه عن البراء
في ذلك ضعيف و أما التقييد بالإيمان و الاحتساب فلا بد منه لأن ترتب الثواب على العمل
يستدعى سبق النية فيه فيخرج من فعل ذلك على سبيل المكافأة المجردة أو على سبيل المحاباة
و الله أعلم (قوله و من شهد) كذا في جميع الطرق بحذف المفعول و في رواية البيهقي التي أشرت
إليها و من شهدها (قوله فله قيراطان) ظاهره إنهما غير قيراط الصلاة و هو ظاهر سياق أكثر
الروايات و بذلك جزم بعض المتقدمين و حكاه ابن التين عن القاضي أبي الوليد لكن سياق رواية
ابن سيرين تأبى ذلك و هي صريحة في أن الحاصل من الصلاة و من الدفن قيراطان فقط و كذلك
رواية خباب صاحب المقصورة عند مسلم بلفظ من خرج مع جنازة من بيتها ثم تبعها حتى تدفن
كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد و من صلى عليها ثم رجع كان له قيراط و كذلك رواية
الشعبي عن أبي هريرة عند النسائي بمعناه و نحوه رواية نافع بن جبير قال النووي رواية ابن سيرين
صريحة في أن المجموع قيراطان و معنى رواية الأعرج على هذا كان له قيراطان أي بالأول و هذا
مثل حديث من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل و من صلى الفجر في جماعة
فكأنما قام الليل كله أي بانضمام صلاة العشاء (قوله حتى تدفن) ظاهره أن حصول القيراط
متوقف على فراغ الدفن و هو أصح الأوجه عند الشافعية و غيرهم و قيل يحصل بمجرد الوضع في
اللحد و قيل عند انتهاء الدفن قبل إهالة التراب و قد وردت الأخبار بكل ذلك و يترجح الأول
للزيادة فعند مسلم من طريق معمر في إحدى الروايتين عنه حتى يفرغ منها و في الأخرى حتى
توضع في اللحد و كذا عنده في رواية أبي حازم بلفظ حتى توضع في القبر و في رواية ابن سيرين
و الشعبي حتى يفرغ منها و في رواية أبي مزاحم عند أحمد حتى يقضي قضاؤها و في رواية
أبي سلمة عند الترمذي حتى يقضي دفنها و في رواية ابن عياض عند أبي عوانة حتى يسوى عليها
أي التراب و هي أصرح الروايات في ذلك و يحتمل حصول القيراط بكل من ذلك لكن يتفاوت
159

القيراط كما تقدم (قوله قيل وما القيراطان) لم يعين في هذه الرواية القائل و لا المقول له و قد بين
الثاني مسلم في رواية الأعرج هذه فقال قيل و ما القيراطان يا رسول الله و عنده في حديث ثوبان
سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن القيراط و بين القائل أبو عوانة من طريق أبي مزاحم عن
أبي هريرة و لفظه قلت و ما القيراط يا رسول الله و وقع عند مسلم أن أبا حازم أيضا سأل أبا هريرة عن
ذلك (قوله مثل الجبلين العظيمين) سبق أن في رواية ابن سيرين و غيره مثل أحد و في رواية الوليد
ابن عبد الرحمن عند ابن أبي شيبة القيراط مثل جبل أحد و كذا في حديث ثوبان عند مسلم و البراء
عند النسائي و أبي سعيد عند أحمد و وقع عند النسائي من طريق الشعبي فله قيراطان من الأجر
كل واحد منهما أعظم من أحد و تقدم أن في رواية أبي صالح عند مسلم أصغرهما مثل أحد و في
رواية أبي بن كعب عند ابن ماجة القيراط أعظم من أحد هذا كأنه أشار إلى الجبل عند ذكر
الحديث و في حديث واثلة عند ابن عدي كتب له قيراطان من أجر أخفهما في ميزانه يوم القيامة
أثقل من جبل أحد فافادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل بجبل أحد و أن المراد به زنة الثواب
المرتب على ذلك العمل و في حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم الترغيب في شهود الميت
و القيام بأمره و الحض على الاجتماع له و التنبيه على عظيم فضل الله و تكريمه للمسلم في تكثير
الثواب لم يتولى أمره بعد موته و فيه تقدير الأعمال بنسبة الأوزان إما تقريبا للإفهام و أما على
حقيقته و الله أعلم (قوله باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز) أورد فيه حديث
ابن عباس في صلاته مع النبي صلى الله عليه و سلم على القبر و قد تقدم توجيهه قبل ثلاثة أبواب
قال ابن رشيد أفاد بالترجمة الأولى بيان كيفية وقوف الصبيان مع الرجال و إنهم يصفون معهم
لا يتأخرون عنهم لقوله في الحديث الذي ساقه فيها و أنا فيهم و أفاد بهذه الترجمة مشروعية صلاة
الصبيان على الجنائز و هو و إن كان الأول دل عليه ضمنا لكن أراد التنصيص عليه و أخر هذه
الترجمة عن فضل أتباع الجنائز ليبين أن الصبيان داخلون في قوله من تبع جنازة و الله أعلم
(قوله باب الصلاة على الجنائز بالمصلى و المسجد) قال ابن رشيد لم يتعرض المصنف
لكون الميت بالمصلى أو لا لأن المصلي عليه كان غائبا و ألحق حكم المصلي بالمسجد بدليل ما تقدم في
العيدين و في الحيض من حديث أم عطية و يعتزل الحيض المصلي فدل على أن للمصلى حكم
المسجد فيما ينبغي أن يجتنب فيه و يلحق به ما سوى ذلك و قد تقدم الكلام على ما في قصة الصلاة
على النجاشي قبل خمسة أبواب و قوله هنا و عن ابن شهاب هو معطوف على الإسناد المصدر به
و سيأتي الكلام على عدد التكبير بعد ثلاثة أبواب ثم أورد المصنف حديث ابن عمر في رجم
اليهوديين و سيأتي الكلام عليه مبسوطا في كتاب الحدود أن شاء الله تعالى و حكى ابن بطال عن
ابن حبيب أن مصلى الجنائز بالمدينة كان لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه و سلم من ناحية جهة
المشرق انتهى فإن ثبت ما قال و إلا فيحتمل أن يكون المراد بالمسجد هنا المصلى المتخذ للعيدين
و الاستسقاء لأنه لم يكن عند المسجد النبوي مكان يتهيأ فيه الرجم و سيأتي في قصة ماعز فرجمناه
بالمصلى و دل حديث ابن عمر المذكور على أنه كان للجنائز مكان معد الصلاة عليها فقد يستفاد منه
أن ما وقع من الصلاة على بعض الجنائز في المسجد كان لأمر عارض أو لبيان الجواز و الله أعلم
و استدل به على مشروعية الصلاة على الجنائز في المسجد و يقويه حديث عائشة ما صلى رسول الله
160

صلى الله عليه و سلم على سهيل بن بيضاء الا في المسجد أخرجه مسلم و به قال الجمهور و قال مالك
لا يعجبني و كرهه ابن أبي ذئب و أبو حنيفة و كل من قال بنجاسة الميت و أما من قال بطهارته منهم
فلخشية التلويث و حملوا الصلاة على سهيل بأنه كان خارج المسجد و المصلون داخله و ذلك جائز
اتفاقا و فيه نظر لأن عائشة استدلت بذلك لما أنكروا عليها أمرها بالمرور بجنازة سعد على حجرتها
لتصلى عليه و احتج بعضهم بأن العمل استقر على ترك ذلك لأن الذين أنكروا ذلك على عائشة
كانوا من الصحابة ورد بأن عائشة لما أنكرت ذلك الإنكار سلموا لها فدل على انها حفظت
ما نسوه و قد روى ابن أبي شيبة و غيره أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد و أن صهيبا صلى على عمر في
المسجد زاد في رواية و وضعت الجنازة في المسجد تجاه المنبر و هذا يقتضي الإجماع على جواز ذلك
(قوله باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور) ترجم بعد ثمانية أبواب باب بناء
المسجد على القبر قال ابن رشيد الاتخاذ أعم من البناء فلذلك أفرده بالترجمة و لفظها يقتضى أن
بعض الاتخاذ لا يكره فكأنه يفصل بين ما إذا ترتبت على الاتخاذ مفسدة أم لا (قوله و لما مات
الحسن بن الحسن) هو ممن وافق اسمه اسم أبيه و كانت وفاته سنة سبع و تسعين و هو من ثقات
التابعين وله ولد يسمى الحسن أيضا فهم ثلاثة في نسق و اسم امرأته المذكورة فاطمة بنت الحسين
و هي ابنة عمه (قوله القبة) أي الخيمة فقد جاء في موضع آخر بلفظ الفسطاط كما رويناه في الجزء
السادس عشر من حديث الحسين بن إسماعيل بن عبد الله المحاملي رواية الأصبهانيين عنه و في
كتاب ابن أبي الدنيا في القبور من طريق المغيرة بن مقسم قال لما مات الحسن بن الحسن ضربت
امرأته على قبره فسطاطا فأقامت عليه سنة فذكر نحوه و مناسبة هذا الأثر لحديث الباب أن
المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة هناك فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر و قد يكون القبر في جهة
القبلة فتزداد الكراهة و قال ابن المنير إنما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بالميت بالقرب منه
تعليلا للنفس و تخييلا باستصحاب المألوف من الأنس و مكابرة للحس كما يتعلل بالوقوف على
الأطلال البالية و مخاطبة المنازل الخالية فجاءتهم الموعظة على لسان الهاتفين بتقبيح
ما صنعوا و كأنهما من الملائكة أو من مؤمني الجن و إنما ذكره البخاري لموافقته للأدلة
الشرعية لأنه دليل برأسه (قوله عن شيبان) هو ابن عبد الرحمن النحوي و هلال الوزان هو ابن
أبي حميد على المشهور و كذا وقع منسوبا عند ابن أبي شيبة و الإسماعيلي و غيرهما و قال البخاري
في تاريخه قال وكيع هلال بن حميد و قال مرة هلال بن عبد الله و لا يصح (قوله مسجدا)
في رواية الكشميهني مساجد (قوله لأبرز قبره) أي لكشف قبر النبي صلى الله عليه و سلم
و لم يتخذ عليه الحائل و المراد الدفن خارج بيته و هذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد النبوي
و لهذا لم وسع المسجد جعلت حجرتها مثلثة الشكل محددة حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة
القبر مع استقبال القبلة (قوله غير أني اخشى) كذا هنا و في رواية أبي عوانة عن هلال الآتية
في أواخر الجنائز غير أنه خشي أو خشي على الشك هل هو بفتح الخاء المعجمة أو ضمها و في رواية
مسلم غير أنه خشي بالضم لا غير فرواية الباب تقتضي أنها هي التي امتنعت من ابرازه و رواية الضم
مبهمة يمكن أن تفسر بهذه و الهاء ضمير الشأن و كأنها أرادت نفسها و من وافقها على ذلك
و ذلك يقتضي أنهم فعلوه باجتهاد بخلاف رواية الفتح فإنها تقتضي أن النبي صلى الله عليه و سلم
161

هو الذي أمرهم بذلك و قد تقدم الكلام على بقية فوائد المتن في أبواب المساجد في باب هل تنبش
قبور المشركين قال الكرماني مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدا و مدلول الترجمة اتخاذ
المسجد على القبر و مفهومهما متغاير و يجاب بأنهما متلازمان و أن تغاير المفهوم (قوله
باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها) وقع في نسخة من بدل في أي في مدة نفاسها
أو بسبب نفاسها و الأول أعم من جهة أنه يدخل فيه من ماتت منه أو من غيره و الثاني أليق
بخبر الباب فإن في بعض طرقه أنها ماتت حاملا و قد تقدم الكلام عليه في أثناء كتاب الحيض
و حسين المذكور في هذا الإسناد هو ابن ذكوان المعلم قال الزين بن المنير و غيره المقصود بهذه
الترجمة أن النفساء و أن كانت معدودة من جملة الشهداء فإن الصلاة عليها مشروعة بخلاف
شهيد المعركة (قوله باب أين يقوم) أي الإمام (من المرأة و الرجل) أورد فيه حديث سمرة
المذكور من وجه آخر عن حسين المعلم و فيه مشروعية لصلاة على المرأة فإن كونها نفساء وصف
غير معتبر و أما كونها امرأة فيحتمل أن يكون معتبرا فإن القيام عليها عند وسطها لسترها و ذلك
مطلوب في حقها بخلاف الرجل و يحتمل أن لا يكون معتبرا و أن ذلك كان قبل اتخاذ النعش
للنساء فأما بعد اتخاذه فقد حصل الستر المطلوب و لهذا أورد المصنف الترجمة مورد السؤال و أراد
عدم التفرقة بين الرجل و المرأة و أشار إلى تضعيف ما رواه أبو داود و الترمذي من طريق أبي غالب
عن أنس بن مالك أنه صلى على رجل فقام عند رأسه و صلى على امرأة فقام عند عجيزتها فقال له
العلاء بن زياد أهكذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل قال نعم و حكى ابن رشيد عن ابن
المرابط أنه أبدى لكونها نفساء علة مناسبة و هي استقبال جنينها ليناله من بركة الدعاء و تعقب
بان الجنين كعضو منها ثم هو لا يصلي عليه إذا انفرد و كان سقطا فأحرى إذا كان باقيا في بطنها
أن لا يقصد و الله أعلم * (تنبيه) * روى حماد بن زيد عن عطاء بن السائب أن عبد الله بن معقل بن
مقرن أتى بجنازة رجل و امرأة فصلى على الرجل ثم صلى على المرأة أخرجه ابن شاهين في الجنائز له
و هو مقطوع فإن عبد الله تابعي (قوله باب التكبير على الجنازة أربعا) قال الزين بن
المنير أشار بهذه الترجمة إلى أن التكبير لا يزيد على أربع و لذلك لم يذكر ترجمة أخرى و لا خبرا
في الباب و قد اختلف السلف في ذلك فروى مسلم عن زيد بن أرقم أنه يكبر خمسا و رفع ذلك إلى
النبي صلى الله عليه و سلم و روى ابن المنذر عن ابن مسعود أنه صلى على جنازة رجل من بني أسد
فكبر خمسا و روى ابن المنذر و غيره عن علي أنه كان يكبر على أهل بدر ستا و على الصحابة خمسا و على
سائر الناس أربعا و روى أيضا بإسناد صحيح عن أبي معبد قال صليت خلف ابن عباس على جنازة
فكبر ثلاثا و سنذكر الاختلاف على أنس في ذلك قال ابن المنذر ذهب أكثر أهل العلم إلى أن
التكبير أربع و فيه أقوال أخر فذكر ما تقدم قال و ذهب بكر بن عبد الله المزني إلى أنه لا ينقص
من ثلاث و لا يزاد على سبع و قال أحمد مثله لكن قال لا ينقص من أربع و قال ابن مسعود كبر
ما كبر الإمام قال و الذي نختاره ما ثبت عن عمر ثم ساق بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب قال كان
التكبير أربعا و خمسا فجمع عمر الناس على أربع و روى البيهقي بإسناد حسن إلى أبي وائل قال
كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم سبعا و ستا و خمسا و أربعا فجمع عمر الناس
على أربع كأطول الصلاة (قوله و قال حميد صلى بنا أنس فكبر ثلاثا ثم سلم فقيل له فاستقبل
162

القبلة ثم كبر الرابعة ثم سلم) لم أره موصولا من طريق حميد و روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
عن أنس أنه كبر على جنازة ثلاثا ثم انصرف ناسيا فقالوا يا أبا حمزة انك كبرت ثلاثا فقال صفوا
فصفوا فكبر الرابعة و روى عن أنس الاقتصار على ثلاث قال ابن أبي شيبة حدثنا معاذ بن معاذ
عن عمران بن حدير قال صليت مع أنس بن مالك على جنازة فكبر عليها ثلاثا لم يزد عليها و روى ابن
المنذر من طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن أبي إسحق قال قيل لأنس أن فلانا كبر ثلاثا فقال و هل
التكبير الا ثلاثا انتهى قال مغلطاي إحدى الروايتين وهم (قلت) بل يمكن الجمع بين ما اختلف
فيه على أنس أما بأنه كان يرى الثلاث مجزئة و الأربع أكمل منها و أما بان من أطلق عنه الثلاث
لم يذكر الأولى لأنها افتتاح الصلاة كما تقدم في باب سنة الصلاة من طريق ابن علية عن يحيى بن
أبي إسحق أن أنسا قال أوليس التكبير ثلاثا فقيل له يا أبا حمزة التكبير أربعا قال أجل غير أن
واحدة هي افتتاح الصلاة و قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال يزيد في التكبير
على أربع الا ابن أبي ليلى انتهى و في المبسوط للحنفية قيل أن أبا يوسف قال يكبر خمسا و قد تقدم
القول عن أحمد في ذلك ثم أورد المصنف حديث أبي هريرة في الصلاة على النجاشي و قد تقدم
الجواب عن إيراد من تعقبه بان الصلاة على النجاشي صلاة على غائب لا على جنازة و محصل
الجواب أن ذلك بطريق الأولى و قد روى ابن أبي داود في الأفراد من طريق الأوزاعي عن يحيى بن
أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى على جنازة فكبر أربعا و قال
لم أر في شئ من الأحاديث الصحيحة أنه كبر على جنازة أربعا الا في هذا (قوله و قال يزيد بن هارون
و عبد الصمد عن سليم) يعني باسناده إلى جابر (اصحمة) و وقع في رواية المستملى و قال يزيد عن
سليم أصحمة و تابعه عبد الصمد أما رواية يزيد فوصلها المصنف في هجرة الحبشة عن أبي بكر بن أبي
شيبة عنه و أما رواية عبد الصمد فوصلها الإسماعيلي من طريق أحمد بن سعيد عنه * (تنبيه) *
وقع في جميع الطرق التي اتصلت لنا من البخاري أصحمة بمهملتين بوزن أفعلة مفتوح العين في
المسند و المعلق معا و فيه نظر لأن إيراد المصنف يشعر بأن يزيد خالف محمد بن سنان و أن عبد الصمد
تابع يزيد و وقع في مصنف ابن أبي شيبة عن يزيد صحمة بفتح الصاد و سكون الحاء فهذا متجه
و يتحصل منه أن الرواة اختلفوا في اثبات الألف و حذفها و حكى الإسماعيلي أن في رواية
عبد الصمد أصخمة بخاء معجمة و إثبات الألف قال و هو غلط فيحتمل أن يكون هذا محل
الاختلاف الذي أشار إليه البخاري و حكى كثير من الشراح أن رواية يزيد و رفيقه صحمة بالمهملة
بغير ألف و حكى الكرماني أن في بعض النسخ في رواية محمد بن سنان أصحبة بموحدة بدل الميم (قوله
باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة) أي مشروعيتها و هي من المسائل المختلف فيها
و نقل ابن المنذر عن ابن مسعود و الحسن بن علي و ابن الزبير و المسور بن مخرمة مشروعيتها و به قال
الشافعي و أحمد و إسحق و نقل عن أبي هريرة و ابن عمر ليس فيها قراءة و هو قول مالك و الكوفيين
(قوله و قال الحسن الخ) وصله عبد الوهاب بن عطاء في كتاب الجنائز له عن سعيد بن أبي عروبة أنه
سئل عن الصلاة على الصبي فأخبرهم عن قتادة عن الحسن أنه كان يكبر ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم
يقول اللهم اجعله لنا سلفا و فرطا و أجرا و روى عبد الرزاق و النسائي عن أبي إمامة بن سهيل بن
حنيف قال السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي صلى الله
163

عليه و سلم ثم يخلص الدعاء للميت و لا يقرأ الا في الأولى إسناده صحيح (قوله عن سعد) هو ابن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري و طلحة هو ابن عبد الله بن عوف الخزاعي كما نسبهما في
الإسناد الثاني * (تنبيه) * ليس في حديث الباب بيان محل قراءة الفاتحة و قد وقع التصريح به في
حديث جابر أخرجه الشافعي بلفظ و قرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى أفاده شيخنا في شرح
الترمذي و قال إن سنده ضعيف (قوله لتعلموا أنها سنة) قال الإسماعيلي جمع البخاري بين روايتي
شعبة و سفيان و سياقهما مختلف اه‍ فأما رواية شعبة فقد أخرجها ابن خزيمة في صحيحه و النسائي
جميعا عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه بلفظ فأخذت بيده فسألته عن ذلك فقال نعم يا ابن أخي أنه
حق و سنة و للحاكم من طريق آدم عن شعبة فسألته فقلت يقرأ قال نعم أنه حق و سنة و أما رواية
سفيان فأخرجها الترمذي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عنه بلفظ فقال أنه من السنة
أو من تمام السنة و أخرجه النسائي أيضا من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد بلفظ
فقرأ بفاتحة الكتاب و سورة وجهر حتى أسمعنا فلما فرغ أخذت بيده فسألته فقال سنة و حق
و للحاكم من طريق ابن عجلان أنه سمع سعيد بن أبي سعيد يقول صلى ابن عباس على جنازة فجهر
بالحمد ثم قال إنما جهرت لتعلموا أنها سنة و قد اجمعوا على أن قول الصحابي سنة حديث مسند
كذا نقل الإجماع مع أن الخلاف عند أهل الحديث و عند الأصوليين شهير و على الحاكم فيه
مؤاخذ آخر و هو استدراكه له و هو في البخاري و قد روى الترمذي من وجه آخر عن ابن عباس
أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب و قال لا يصح هذا و الصحيح عن
ابن عباس قوله من السنة و هذا مصير منه إلى الفرق بين الصيغتين و لعله أراد الفرق بالنسبة إلى
الصراحة و الاحتمال و الله أعلم و روى الحاكم أيضا من طريق شرحبيل بن سعد عن ابن عباس
أنه صلى على جنازة بالأبواء فكبر ثم قرأ الفاتحة رافعا صوته ثم صلى على النبي صلى الله عليه و سلم
ثم قال اللهم عبدك و ابن عبدك أصبح فقيرا إلى رحمتك و أنت غني عن عذابه إن كان زاكيا فزكه
و إن كان مخطئا فاغفر له اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم انصرف
فقال يا أيها الناس إني لم أقرأ عليها أي جهرا إلا لتعلموا أنها سنة قال الحاكم شرحبيل لم يحتج به
الشيخان و إنما أخرجته
لأنه مفسر للطرق المتقدمة انتهى و شرحبيل مختلف في توثيقه
و استدل الطحاوي على ترك القراءة في الأولى بتركها في باقي التكبيرات و بترك التشهد قال
و لعل قراءة من قرأ الفاتحة من الصحابة كان على وجه الدعاء لا على وجه التلاوة و قوله إنها سنة
يحتمل أن يريد أن الدعاء سنة انتهى و لا يخفى ما يجئ على كلامه من التعقيب و ما يتضمنه استدلاله
من التعسف (قوله باب الصلاة على القبر بعد ما يدفن) و هذه أيضا من المسائل
المختلف فيها قال ابن المنذر قال بمشروعيته الجمهور و منعه النخعي و مالك و أبو حنيفة و عنهم
أن دفن قبل أن يصلي عليه شرع و إلا فلا (قوله قلت من حدثك هذا يا أبا عمرو) القائل هو
الشيباني و المقول له هو الشعبي و قد تقدم في باب الاذن بالجنازة بأتم من هذا السياق و فيه
عن الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس و تكلمنا هناك على ما ورد في تسمية المقبور المذكور
و وقع في الأوسط للطبراني من طريق محمد بن الصباح الدولابي عن إسماعيل بن زكريا عن الشيباني
أنه صلى عليه بعد دفنه بليلتين و قال إن إسماعيل تفرد بذلك و رواه الدارقطني من طريق هريم بن
164

سفيان عن الشيباني فقال بعد موته بثلاث و من طريق بشر بن آدم عن أبي عاصم عن سفيان
الثوري عن الشيباني فقال بعد شهر و هذه روايات شاذة و سياق الطرق الصحيحة يدل على أنه
صلى عليه في صبيحة دفنه (قوله في حديث أبي هريرة فأتى قبره فصلى عليه) زاد ابن حبان في رواية
حماد بن سلمة عن ثابت ثم قال إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها و إن الله ينورها عليهم بصلاتي
و أشار إلى أن بعض المخالفين احتج بهذه الزيادة على أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه و سلم ثم
ساق من طريق خارجة بن زيد بن ثابت (3) نحو هذه القصة و فيها ثم أتى القبر فصففنا خلفه و كبر
عليه أربعا قال ابن حبان في ترك إنكاره صلى الله عليه و سلم على من صلى معه على القبر بيان
جواز ذلك لغيره و أنه ليس من خصائصه و تعقب بان الذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلا للأصالة
و استدل بخبر الباب على رد التفصيل بين من صلى عليه فلا يصلي عليه بأن القصة و ردت فيمن صلى
عليه و أجيب بأن الخصوصية تنسحب على ذلك و اختلف من قال بشرع الصلاة لمن لم يصل
فقيل يؤخر دفنه ليصلى عليها من كان لم يصل و قيل يبادر بدفنها و يصلي الذي فاتته على القبر و كذا
اختلف في أمد ذلك فعند بعضهم إلى شهر و قيل ما لم يبل الجسد و قيل يختص بمن كان من أهل
الصلاة عليه حين موته و هو الراجح عند الشافعية و قيل يجوز أبدا (قوله باب الميت يسمع
خفق النعال) قال الزين بن المنير جرد المصنف ما ضمنه هذه الترجمة ليجعله أول آداب الدفن
من إلزام الوقار و اجتناب اللغظ و قرع الأرض بشدة الوطء عليها كما يلزم ذلك مع الحي النائم
و كأنه اقتطع ما هو من سماع الآدميين من سماع ما هو من الملائكة انتهى و ترجم بالخفق
و لفظ المتن بالقرع إشارة إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الخفق و هو ما رواه أحمد و أبو داود من
حديث البراء بن عازب في أثناء حديث طويل فيه و أنه ليسمع خفق نعالهم و روى إسماعيل بن
عبد الرحمن السدي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الميت ليسمع خفق
نعالهم إذا ولوا مدبرين أخرجه البزار و ابن حبان في صحيحه هكذا مختصرا و أخرج ابن حبان
أيضا من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم نحوه في
حديث طويل و استدل به على جواز المشي بين القبور بالنعال و لا دلالة فيه قال ابن الجوزي
ليس في الحديث سوى الحكاية عمن يدخل المقابر و ذلك لا يقتضى إباحة و لا تحريما انتهى
و إنما استدل به من استدل على الإباحة أخذا من كونه صلى الله عليه و سلم قاله و أقره فلو كان
مكروها لبينه لكن يعكر عليه احتمال أن يكون المراد سماعه إياها بعد أن يجاوزوا المقبرة و يدل
على الكراهة حديث بشير بن الخصاصية أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى رجلا يمشي بين القبور
و عليه نعلان سبتيتان فقال يا صاحب السبتيتين ألق نعليك أخرجه أبو داود و النسائي و صححه
الحاكم و أغرب ابن حزم فقال يحرم المشي بين القبور بالنعال السبتية دون غيرها و هو جمود
شديد و أما قول الخطابي يشبه أن يكون النهي عنهما لما فيهما من الخيلاء فإنه متعقب بأن ابن عمر
كان يلبس النعال السبتية و يقول أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يلبسها و هو حديث صحيح
كما سيأتي في موضعه و قال الطحاوي يحمل نهي الرجل المذكور على أنه كان في نعليه قذر
فقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي في نعليه ما لم ير فيهما أذى (قوله حدثنا عياش) هو ابن
الوليد الرقام كما جزم به أبو نعيم في المستخرج و هو بتحتانية و معجمة و عبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى
165

و ساق حديثه مقرونا برواية خليفة عن يزيد بن زريع على لفظ خليفة و سيأتي مفردا في عذاب
القبر عن عياش بن الوليد بلفظه و ما فيه من زيادة و يأتي الكلام عليه مستوفى هناك أن شاء الله
و قوله هنا إذا وضع في قبره و تولى و ذهب أصحابه كذا ثبت في جميع الروايات فقال ابن التين أنه
كرر اللفظ و المعنى واحد و رأيته أنا مضبوطا بخط معتمد و تولى بضم أوله و كسر اللام على البناء
للمجهول أي تولى أمره أي الميت و سيأتي في رواية عياش بلفظ و تولى عنه أصحابه و هو الموجود
في جميع الروايات عند مسلم و غيره (قوله باب من أحب الدفن في الأرض
المقدسة أو نحوها) قال الزين بن المنير المراد بقوله أو نحوها بقية ما تشد إليه الرحال من الحرمين
و كذلك ما يمكن من مدافن الأنبياء و قبور الشهداء و الأولياء تيمنا بالجوار و تعرضا للرحمة النازلة
عليهم اقتداء بموسى عليه السلام انتهى و هذا بناء على أن المطلوب القرب من الأنبياء الذين دفنوا
ببيت المقدس و هو الذي رجحه عياض و قال المهلب إنما طلب ذلك ليقرب عليه المشي إلى المحشر
و تسقط عنه المشقة الحاصلة لمن بعد عنه ثم أورد المصنف حديث أبي هريرة أرسل ملك الموت إلى
موسى الحديث بطوله من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه عنه و لم يذكر فيه الرفع و قد ساقه
في أحاديث الأنبياء من هذا الوجه ثم قال و عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه و سلم نحوه و قد ساقه مسلم من طريق معمر بالسندين كذلك و قوله فيه رمية بحجر
أي قدر رمية حجر أي أدنني من مكان إلى الأرض المقدسة هذا القدر أو أدنني إليها حتى يكون
بيني و بينها هذا القدر و هذا الثاني أظهر و عليه شرح ابن بطال و غيره و أما الأول فهو و أن رجحه
بعضهم فليس بجيد إذ لو كان كذلك لطلب الدنو أكثر من ذلك و يحتمل أن يكون القدر الذي كان
بينه و بين أول الأرض المقدسة كان قدر رمية فلذلك طلبها لكن حكى ابن بطال عن غيره أن
الحكمة في أنه لم يطلب دخولها ليعمى موضع قبره لئلا تعبده الجهال من ملته انتهى و يحتمل أن
يكون سر ذلك أن الله لما منع بني إسرائيل من دخول بيت المقدس و تركهم في التيه أربعين سنة
إلى أن أفناهم الموت فلم يدخل الأرض المقدسة مع يوشع الا أولادهم و لم يدخلها معه أحد ممن
امتنع أولا أن يدخلها كما سيأتي شرح ذلك في أحاديث الأنبياء و مات هارون ثم موسى عليهما
السلام قبل فتح الأرض المقدسة على الصحيح كما سيأتي واضحا أيضا فكأن موسى لما لم يتهيأ له
دخولها لغلبة الجبارين عليها و لا يمكن نبشه بعد ذلك لينقل إليها طلب القرب منها لأن ما قارب
الشئ يعطي حكمه و قيل إنما طلب موسى الدنو لأن النبي يدفن حيث يموت و لا ينقل و فيه نظر
لأن موسى قد نقل يوسف عليهما السلام معه لما خرج من مصر كما سيأتي ذلك في ترجمته إن شاء
الله تعالى و هذا كله بناء على الاحتمال الثاني و الله أعلم و اختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى
بلد فقيل يكره لما فيه من تأخير دفنه و تعريضه لهتك حرمته و قيل يستحب و الأولى تنزيل ذلك
على حالتين فالمنع حيث لم يكن هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة و تختلف الكراهة
في ذلك فقد تبلغ التحريم و الاستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل كما نص الشافعي على
استحباب نقل الميت إلى الأرض الفاضلة كمكة و غيرها و الله أعلم (قوله باب
الدفن بالليل) أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من منع ذلك محتجا بحديث جابر أن النبي صلى الله
عليه و سلم زجر أن يقبر الرجل ليلا الا أن يضطر إلى ذلك أخرجه ابن حبان لكن بين مسلم في روايته
166

السبب في ذلك و لفظه أن النبي صلى الله عليه و سلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض
و كفن في كفن غير طائل و قبر ليلا فزجر أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه الا أن يضطر
إنسان إلى ذلك و قال إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه فدل على أن النهي بسبب تحسين
الكفن و قوله حتى يصلي عليه مضبوط بكسر اللام أي النبي صلى الله عليه و سلم فهذا سبب آخر
يقتضي أنه إن رجى بتأخير الميت إلى الصباح صلاة من ترجى بركته عليه استحب تأخيره
و إلا فلا و به جزم الطحاوي و استدل المصنف للجواز بما ذكره من حديث ابن عباس و لم ينكر
النبي صلى الله عليه و سلم دفنهم إياه بالليل بل أنكر عليهم عدم اعلامهم بأمره و أيد ذلك بما صنع
الصحابة بأبي بكر و كان ذلك كالاجماع منهم على الجواز و قد تقدم الكلام على حديث ابن عباس
قريبا و أما أثر أبي بكر فوصله المصنف في أواخر الجنائز في باب موت يوم الاثنين من حديث عائشة
و فيه و دفن أبو بكر قبل أن يصبح و لابن أبي شيبة من حديث القاسم بن محمد قال دفن أبو بكر ليلا
و من حديث عبيد بن السباق أن عمر دفن أبا بكر بعد العشاء الآخرة و صح أن عليا دفن فاطمة
ليلا كما سيأتي في مكانه (قوله باب بناء المسجد على القبر) أورد فيه حديث
عائشة في لعن من بنى على القبر مسجدا و قد تقدم الكلام عليه قبل ثمانية أبواب قال الزين بن المنير
كأنه قصد بالترجمة الأولى اتخاذ المساجد في المقبرة لأجل القبور بحيث لولا تجدد القبر ما أتخذ
المسجد و يؤيده بناء المسجد في المقبرة على حدته لئلا يحتاج إلى الصلاة فيوجد مكان يصلى فيه
سوى المقبرة فلذلك نحا به منحى الجواز انتهى و قد تقدم أن المنع من ذلك إنما هو حال خشية أن
يصنع بالقبر كما صنع أولئك الذين لعنوا و أما إذا أمن ذلك فلا امتناع و قد يقول بالمنع مطلقا من
يرى سد الذريعة و هو هنا متجه قوي (قوله باب من يدخل قبر المرآة) اورده فيه
حديث أنس في دفن بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و نزول أبي طلحة في قبرها و قد تقدم
الكلام عليه مستوفى في باب الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه (قوله قال ابن المبارك) تقدم
هناك أن الإسماعيلي وصله من طريقه و وقع في رواية أبي الحسن القابسي هنا قال أبو المبارك
بلفظ الكنية و نقل أبو علي الجياني عنه أنه قال أبو المبارك كنية محمد بن سنان يعني راوي الطريقة
الموصولة و تعقبه بأن محمد بن سنان يكنى أبا بكر بغير خلاف عند أهل العلم بالحديث و الصواب ابن
المبارك كما في بقية الطرق (قوله ليقترفوا ليكتسبوا) ثبت هذا في رواية الكشميهني و هذا تفسير
ابن عباس أخرجه الطبراني من طريق علي بن أبي طلحة عنه قال في قوله تعالى و ليقترفوا ما هم
مقترفون ليكتسبوا ما هم مكتسبون و في هذا مصير من البخاري إلى تأييد ما قاله ابن المبارك عن
فليح أو أراد أن يوجه الكلام المذكور و أن لفظ المقارفة في الحديث أريد به ما هو أخص من
ذلك و هو الجماع (قوله باب الصلاة على الشهداء) قال الزين بن المنير أراد باب
حكم الصلاة على الشهيد و لذلك أورد فيه حديث جابر الدال على نفيها و حديث عقبة الدال على
إثباتها قال و يحتمل أن يكون المراد باب مشروعية الصلاة على الشهيد في قبره لأجل دفنه عملا
بظاهر الحديثين قال و المراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار انتهى و كذا المراد بقوله بعد
من لم ير غسل الشهيد و لا فرق في ذلك بين المرأة و الرجل صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا صالحا
أو غير صالح و خرج بقوله المعركة من جرح في القتال و عاش بعد ذلك حياة مستقرة و خرج بحرب
167

الكفار من مات بقتال المسلمين كأهل البغي و خرج بجميع ذلك من سمي شهيدا بسبب غير
السبب المذكور و إنما يقال له شهيد بمعنى ثواب الآخرة و هذا كله على الصحيح من مذاهب
العلماء و الخلاف في الصلاة على قتيل معركة الكفار مشهور قال الترمذي قال بعضهم يصلى
على الشهيد و هو قول الكوفيين و إسحق و قال بعضهم لا يصلى عليه و هو قول المدنيين
و الشافعي و أحمد و قال الشافعي في الأم جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي
صلى الله عليه و سلم لم يصل على قتلى أحد و ما روى أنه صلى عليهم و كبر على حمزة سبعين تكبيرة
لا يصح و قد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحيي على نفسه قال و أما
حديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين يعني و المخالف
يقول لا يصلى على القبر إذا طالت المدة قال و كأنه صلى الله عليه و سلم دعا لهم و استغفر لهم حين علم
قرب أجله مودعا لهم بذلك و لا يدل ذلك على نسخ الحكم الثابت انتهى و ما أشار إليه من المدة
و التوديع قد أخرجه البخاري أيضا كما سننبه عليه بعد هذا ثم أن الخلاف في ذلك في منع الصلاة
عليهم على الأصح عند الشافعية و في وجه أن الخلاف في الاستحباب و هو المنقول عن الحنابلة
قال الماوردي عن أحمد الصلاة على الشهيد أجود و أن لم يصلوا عليه أجزأ (قوله عن عبد
الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر) كذا يقول الليث عن ابن شهاب قال النسائي لا أعلم أحدا
من ثقات أصحاب ابن شهاب تابع الليث على ذلك ثم ساقه من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر
عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة فذكر الحديث مختصرا و كذا أخرجه أحمد من طريق محمد
ابن إسحاق و الطبراني من طريق عبد الرحمن بن إسحاق و عمرو بن الحرث كلهم عن ابن شهاب عن
عبد الله بن ثعلبة و عبد الله له رؤية فحديثه من حيث السماع مرسل و قد رواه عبد الرزاق عن
معمر فزاد فيه جابرا و هو مما يقوي اختيار البخاري فإن ابن شهاب صاحب حديث فيحمل على
أن الحديث عنده عن شيخين و لا سيما أن في رواية عبد الرحمن بن كعب ما ليس في رواية عبد الله بن
ثعلبة و علي ابن شهاب فيه اختلاف آخر رواه أسامة بن زيد الليثي عنه عن أنس أخرجه أبو
داود و الترمذي و أسامة سئ الحفظ و قد حكى الترمذي في العلل عن البخاري أن أسامة غلط
في إسناده و أخرجه البيهقي من طريق عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري عن ابن شهاب فقال
عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه و ابن عبد العزيز ضعيف و قد أخطأ في قوله عن أبيه و قد ذكر
البخاري فيه اختلافا آخر كما سيأتي بعد بابين (قوله ثم يقول أيهما) في رواية الكشميهني أيهم (قوله
و لم يصل عليهم) هو مضبوط في روايتنا بفتح اللام و هو اللائق بقوله بعد ذلك و لم يغسلوا و سيأتي
بعد بابين من وجه آخر عن الليث بلفظ و لم يصل عليهم و لم يغسلهم و هذه بكسر اللام و المعنى و لم
يفعل ذلك بنفسه و لا بأمره و في حديث جابر هذا مباحث كثيرة يأتي استيفاؤها في غزوة أحد من
المغازي أن شاء الله تعالى و فيه جواز تكفين الرجلين في ثوب واحد لأجل الضرورة أما
بجمعهما فيه و أما بقطعه بينهما و على جواز دفن اثنين في لحد و على استحباب تقديم أفضلهما
لداخل اللحد و على أن شهيد المعركة لا يغسل و قد ترجم المصنف لجميع ذلك * (تنبيه) * وقع
في رواية أسامة المذكورة لم يصل عليهم كما في حديث جابر و في رواية عنه عند الشافعي و الحاكم و لم
يصل على أحد غيره يعني حمزة و قال الدارقطني هذه اللفظة غير محفوظه يعني عن أسامة و الصواب
168

الرواية الموافقة لحديث الليث و الله أعلم (قوله عن أبي الخير) هو اليزني و الإسناد كله بصريون
و هذا معدود من أصح الأسانيد (قوله صلاته) بالنصب أي مثل صلاته زاد في غزوة أحد من
طريق حياة بن شريح عن يزيد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء و الأموات و زاد فيه فكانت
آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و سيأتي الكلام على الزيادة هناك أن شاء الله
تعالى و كانت أحد في شوال سنة ثلاث و مات صلى الله عليه و سلم في ربيع الأول سنة إحدى
عشرة فعلى هذا ففي قوله بعد ثمان سنين تجوز على طريق جبر الكسر و إلا فهي سبع سنين و دون
النصف و استدل به على مشروعية الصلاة على الشهداء و قد تقدم جواب الشافعي عنه بما
لا مزيد عليه و قال الطحاوي معنى صلاته صلى الله عليه و سلم عليهم لا يخلو من ثلاثة معان أما
أن يكون ناسخا لم تقدم من ترك الصلاة عليهم أو يكون من سنتهم أن لا يصلي عليهم و إلا بعد هذه
المدة المذكورة أو تكون الصلاة عليهم جائزة بخلاف غيرهم فإنها واجبة و أيها كان فقد ثبت
بصلاته عليهم الصلاة على الشهداء ثم كأن الكلام بين المختلفين في عصرنا إنما هو في الصلاة
عليهم قبل دفنهم و إذا ثبتت الصلاة عليهم بعد الدفن كانت قبل الدفن أولى انتهى و غالب ما ذكره
بصدد المنع لا سيما في دعوى الحصر فإن صلاته عليهم تحتمل أمورا أخر منها أن يكون من
خصائصه و منها أن تكون بمعنى الدعاء كما تقدم ثم هي واقعة عين لا عموم فيها فكيف ينتهض
الاحتجاج بها لدفع حكم قد تقرر و لم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني الذي ذكره و الله أعلم
قال النووي المراد بالصلاة هنا الدعاء و أما كونه مثل الذي على الميت فمعناه أنه دعا لهم بمثل الدعاء
الذي كانت عادته أن يدعو به للموتى (قوله إني فرط لكم) أي سابقكم و قوله و اني و الله فيه
الحلف للتأكيد الخبر و تعظيمه و قوله لأنظر إلى حوضي هو على ظاهره و كأنه كشف له عنه في تلك
الحالة و سيأتي الكلام على الحوض مستوفى في كتاب الرقاق أن شاء الله تعالى و كذا على المنافسة
في الدنيا (قوله ما أخاف عليكم أن تشركوا) أي على مجموعكم لأن ذلك قد وقع من البعض أعاذنا
الله تعالى و في هذا الحديث معجزات للنبي صلى الله عليه و سلم و لذلك أورده المصنف في علامات
النبوة كما سيأتي بقية الكلام عليه هناك أن شاء الله تعالى (قوله باب دفن
الرجلين و الثلاثة في قبر) أورد فيه حديث جابر المذكور مختصرا بلفظ كان يجمع بين الرجلين
من قتلى أحد قال ابن رشيد جرى المصنف على عادته أما بالإشارة إلى ما ليس على شرطه و أما
بالاكتفاء بالقياس و قد وقع في رواية عبد الرزاق يعني المشار إليها قبل بلفظ و كان يدفن الرجلين
و الثلاثة في القبر الواحد انتهى و ورد ذكر الثلاثة في هذه القصة عن أنس أيضا عند الترمذي
و غيره و روى أصحاب السنن عن هشام بن عامر الأنصاري قال جاءت الأنصار إلى رسول الله صلى
الله عليه و سلم يوم أحد فقالوا أصابنا قرح و جهد قال احفروا و أوسعوا و اجعلوا الرجلين
و الثلاثة في القبر صححه الترمذي و الظاهر أن المصنف أشار إلى هذا الحديث و أما القياس ففيه
نظر لأنه لو أراده لم يقتصر على الثلاثة بل كان يقول مثلا دفن الرجلين فأكثر و يؤخذ من هذا
جواز دفن المرأتين في قبر و أما دفن الرجل مع المرأة فروى عبد الرزاق بإسناد حسن عن واثلة بن
الأسقع أنه كان يدفن الرجل و المرأة في القبر الواحد فيقدم الرجل و يجعل المرأة و راءه و كأنه كان
يجعل بينهما حائلا من تراب ولا سيما أن كانا أجنبيين و الله أعلم (قوله باب
169

من لم ير غسل الشهداء) في نسخة الشهيد بالافراد أشار بذلك إلى ما روى عن سعيد بن المسيب أنه
قال يغسل الشهيد لأن كل ميت يجنب فيجب غسله حكاه ابن المنذر قال و به قال الحسن
البصري و رواه ابن أبي شيبة عنهما أي عن سعيد و الحسن و حكى عن ابن سريج من الشافعية
و عن غيره و هو من الشذوذ و قد وقع عند أحمد من وجه آخر عن جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال في قتلى أحد لا تغسلوهم فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة و لم يصل
عليهم فبين الحكمة في ذلك ثم أورد المصنف حديث جابر المذكور قبل مختصرا بلفظ و لم يغسلهم
و استدل بعمومه على أن الشهيد لا يغسل حتى ولا الجنب و الحائض و هو الأصح عند الشافعية
و قيل يغسل للجنابة لا بنية غسل الميت لما روى في قصة حنظلة بن الراهب أن الملائكة غسلته
يوم أحد لما استشهد و هو جنب و قصته مشهورة رواها ابن إسحاق و غيره و روى الطبراني و غيره
من حديث ابن عباس بإسناد لا بأس به عنه قال أصيب حمزة بن عبد المطلب و حنظلة بن الراهب
و هما جنب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم رأيت الملائكة تغسلهما غريب في ذكر حمزة
و أجيب بأنه لو كان واجبا ما اكتفى فيه بغسل الملائكة فدل على سقوطه عمن يتولى أمر
الشهيد و الله أعلم (قوله باب من يقدم في اللحد) أي إذا كانوا أكثر من واحد
و قد دل حديث الباب على تقديم من كان أكثر قرآنا من صاحبه و هذا نظير تقديمه في الإمامة
(قوله و سمي اللحد لأنه في ناحية) قال أهل اللغة أصل الإلحاد الميل و العدول عن الشئ و قيل
للمائل عن الدين ملحد و سمي اللحد لأنه شق يعمل في جانب القبر فيميل عن وسط القبر إلى جانبه
بحيث يسع الميت فيوضع فيه و يطبق عليه اللبن و أما قول المصنف بعد و لو كان مستقيما لكان
ضريحا فلأن الضريح شق يشق في الأرض على الاستواء و يدفن فيه قوله ملتحدا معدلا
هو قول أبي عبيدة بن المثنى في كتاب المجاز قال قوله ملتحدا أي معدلا و قال الطبري معناه و لن
تجد من دونه معدلا تعدل إليه عن الله لأن قدرة الله محيطة بجميع خلقه قال و الملتحد مفتعل
من اللحد يقال منه لحدت إلى كذا إذا ملت إليه انتهى و يقال لحدته و ألحدته قال الفراء الرباعي
أجود و قال غيره الثلاثي أكثر و يؤيده حديث عائشة في قصة دفن النبي صلى الله عليه و سلم
فأرسلوا إلى الشقاق و اللاحد الحديث أخرجه ابن ماجة ثم ساق المصنف حديث جابر من طريق
ابن المبارك عن الليث متصلا و عن الأوزاعي منقطعا لأن ابن شهاب لم يسمع من جابر زاد ابن سعد
في الطبقات عن الوليد بن مسلم حدثني الأوزاعي بهذا الإسناد قال زملوهم بجراحهم فإني أنا
الشهيد عليهم ما من مسلم يكلم في سبيل الله الا جاء يوم القيامة يسيل دما الحديث (قوله في رواية
الأوزاعي فكفن أبي و عمي في نمرة) هي بفتح النون و كسر الميم بردة من صوف أو غيره مخططه
و قال الفراء هي دراعة فيها لونان سواد و بياض و يقال للسحابة إذا كانت كذلك نمرة و ذكر
الواقدي في المغازي و ابن سعد إنهما كفنا في نمرتين فإن ثبت حمل على أن النمرة الواحدة شقت
بينهما نصفين و سيأتي مزيد لذلك بعد بابين و الرجل الذي كفن معه في النمرة كأنه هو الذي دفن
معه كما سيأتي الكلام على تسميته بعد باب (قوله و قال سليمان بن كثير الخ) هو موصول في
الزهريات للذهلي و في رواية سليمان المذكور إبهام شيخ الزهري و قد تقدم البحث فيه قبل بابين
قال الدارقطني في التتبع اضطرب فيه الزهري و أجيب بمنع الاضطراب لأن الحاصل من
170

الاختلاف فيه على الثقات أن الزهري حمله عن شيخين و أما إبهام سليمان لشيخ الزهري و حذف
الأوزاعي له فلا يؤثر ذلك في رواية من سماه لأن الحجة لمن ضبط و زاد إذا كان ثقة لا سيما إذا كان
حافظا و أما رواية أسامة و ابن عبد العزيز فلا تقدح في الرواية الصحيحة لضعفهما و قد بينا أن
البخاري صرح بغلط أسامة فيه و سيأتي الكلام على بقية فوائد حديث جابر في المغازي و فيه
فضيلة ظاهرة لقارئ القرآن و يلحق به أهل الفقه و الزهد و سائر وجوه الفضل (قوله
باب الأذخر و الحشيش في القبر) أورد فيه حديث ابن عباس في تحريم مكة و فيه
فقال العباس الا الأذخر لصاغتنا و قبورنا و سيأتي الكلام على فوائده في كتاب الحج أن
شاء الله تعالى و جوز ابن مالك في قوله الا الإذخر الرفع و النصب و ترجم ابن المنذر على هذا
الحديث طرح الإذخر في القبر و بسطه فيه و أراد المصنف بذكر الحشيش التنبيه على إلحاقه
بالإذخر و أن المراد باستعمال الإذخر البسط و نحوه لا التطيب و مراده بالحشيش ما يجوز حشه
من الحرم إذ لم يقيده في الترجمة بشئ و قد تقدم في باب إذا لم يجد كفنا في قصة مصعب بن عمير لما
قصر كفنه أن يغطى رأسه وأن يجعل على رجليه من الأذخر و لأحمد من طريق خباب أيضا أن
حمزة لم يوجد له كفن الا بردة إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه و إذا جعلت على
قدميه قلصت عن رأسه حتى مدت على رأسه و جعل على قدميه الأذخر (قوله و قال أبو هريرة
الخ) هو طرف من حديث طويل فيه قصة أبي شاة و قد تقدم موصولا في كتاب العلم (قوله
و قال أبان بن صالح الخ) وصله ابن ماجة من طريقه و فيه فقال العباس الا الأذخر فإنه للبيوت
و القبور (قوله و قال مجاهد الخ) هو طرف من الحديث الأول و سيأتي موصولا في
كتاب الحج و أورده لقوله فيه لقينهم بدل لقبورهم و القين بفتح القاف و سكون التحتانية
بعدها نون هو الحداد و كأنه أشار إلى ترجيح الرواية الأولى لموافقة رواية أبي
هريرة و صفية و سيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الحج أن شاء الله تعالى (قوله
باب هل يخرج الميت من القبر و اللحد لعلة) أي لسبب و أشار بذلك إلى الرد على
من منع إخراج الميت من قبره مطلقا أو لسبب دون سبب كمن خص الجواز بما لو دفن بغير غسل
أو بغير صلاة فإن في حديث جابر الأول دلالة على الجواز إذا كان في نبشه مصلحة تتعلق به من
زيادة البركة له و عليه يتنزل قوله في الترجمة القبر و في حديث جابر الثاني دلالة على جواز
الإخراج لأمر يتعلق بالحي لأنه لا ضرر على الميت في دفن ميت آخر معه و قد بين ذلك جابر
بقوله فلم تطب نفسي و عليه يتنزل قوله و اللحد لأن و ألد جابر كان في لحد و إنما أورد
المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام لأن قصة عبد الله بن أبي قابلة للتخصيص و قصة
و ألد جابر ليس فيها تصريح بالرفع قاله الزين بن المنير ثم أورد المصنف فيه حديث عمرو و هو
بن دينار عن جابر في قصة عبد الله بن أبي و قد سبق ذكره في باب الكفن في القميص
و زاد في هذه الطريق و كان كسا عباسا قميصا و في رواية الكشميهني قميصه و العباس المذكور
هو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه و سلم (قوله قال سفيان و قال أبو هارون الخ)
كذا وقع في رواية أبي ذر و غيرها و وقع في كثير من الروايات و قال أبو هريرة و كذا في مستخرج أبي
نعيم و هو تصحيف و أبو هارون المذكور جزم المزي بأنه موسى بن أبي عيسى الحناط بمهملة
171

و نون المدني و قيل هو الغنوي و اسمه إبراهيم بن العلاء من شيوخ البصرة و كلاهما من أتباع
التابعين فالحديث معضل و قد أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان فسماه عيسى و لفظه حدثنا
عيسى بن أبي موسى فهذا هو المعتمد (قوله قال سفيان فيرون أن النبي صلى الله عليه و سلم ألبس
عبد الله قميصه مكافاة لما صنع (3) بالعباس) هذا القدر متصل عند سفيان و قد أخرجه البخاري
في أواخر الجهاد في باب كسوة الأسارى عن عبد الله بن محمد عن سفيان بالسند المذكور قال لما
كان يوم بدر أتى بأسارى و أتى بالعباس و لم يكن عليه ثوب فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر
عليه فكساه النبي صلى الله عليه و سلم إياه فلذلك نزع النبي صلى الله عليه و سلم قميصه الذي ألبسه
و يحتمل أن يكون قوله فلذلك من كلام سفيان أدرج في الخبر بينته رواية علي بن عبد الله التي
في هذا الباب وسأستوفي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا حسين المعلم عن
عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر) هكذا أخرج البخاري هذا الحديث عن مسدد عن بشر بن
المفضل عن حسين و لم أره بعد التتبع الكثير في شئ من كتب الحديث بهذا الإسناد إلى جابر
الا في البخاري و قد عز على الإسماعيلي مخرجه فأخرجه في مستخرجه من طريق البخاري و أما
أبو نعيم فأخرجه من طريق أبي الأشعث عن بشر بن المفضل فقال عن سعيد بن يزيد عن أبي
نضرة عن جابر و قال بعده ليس أبو نضرة من شرط البخاري قال و روايته عن حسين عن عطاء
عزيزة جدا (قلت) و طريق سعيد مشهورة عنه أخرجها أبو داود و ابن سعد و الحاكم
و الطبراني من طريقه عن أبي نضرة عن جابر و احتمل عندي أن يكون لبشر بن المفضل فيه
شيخان إلى أن رأيته في المستدرك للحاكم قد أخرجه عن أبي بكر بن إسحاق عن معاذ بن المثنى
عن مسدد عن بشر كما رواه أبو الأشعث عن بشر و كذا أخرجه في الإكليل بهذا الإسناد إلى جابر
و لفظه لفظ البخاري سواء فغلب على الظن حينئذ أن في هذه الطريق و هما لكن لم يتبين لي ممن
هو و لم أر من نبه على ذلك و كأن البخاري استشعر بشئ من ذلك فعقب هذه الطريق بما أخرجه
من طريق بن أبي نجيح عن عطاء عن جابر مختصرا ليوضح أن له أصلا من طريق عطاء عن جابر
و الله أعلم (قوله ما أراني) بضم الهمزة بمعنى الظن و ذكر الحاكم في المستدرك عن الواقدي
أن سبب ظنه ذلك منام رآه أنه رأى مبشر بن عبد المنذر و كان ممن استشهد ببدر يقول له أنت
قادم علينا في هذه الأيام فقصها على النبي صلى الله عليه و سلم فقال هذه الشهادة و في رواية أبي
نضرة المذكورة عند ابن السكن عن جابر أن أباه قال له إني معرض نفسي للقتل الحديث و قال
ابن التين إنما قال ذلك بناء على ما كان عزم عليه و إنما قال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
و سلم إشارة إلى ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم أن بعض أصحابه سيقتل كما سيأتي واضحا في
المغازي (قوله و إن علي دينا) سيأتي مقداره في علامات النبوة (قوله فاقض) كذا في الأصل
بحذف المفعول و في رواية الحاكم فاقضه (قوله بأخواتك) سيأتي الكلام على ذكر عدتهن و من
عرف اسمها منهن في كتاب النكاح أن شاء الله تعالى (قوله و دفن معه آخر هو عمرو بن الجموح
ابن زيد بن حرام الأنصاري و كان صديق والد جابر و زوج أخته هند بنت عمرو و كأن جابرا سماه
عمه تعظيما قال ابن إسحاق في المغازي حدثني أبي عن رجال من بني سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم
قال حين أصيب عبد الله بن عمرو و عمرو بن الجموح اجمعوا بينهما فإنهما كانا متصادقين في
172

الدنيا و في مغازي الواقدي عن عائشة أنها رأت هند بنت عمرو تسوق بعيرا لها عليه زوجها عمرو بن الجموح و أخوها عبد الله بن عمرو بن حرام لتدفنهما بالمدينة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم
برد القتلى إلى مضاجعهم و أما قول الدمياطي إن قوله و عمى و هم فليس بجيد لأن له محملا سائغا
و التجوز في مثل هذا يقع كثيرا و حكى الكرماني عن غيره أن قوله و عمى تصحيف من عمرو و قد روى
أحمد بإسناد حسن من حديث أبي قتادة قال قتل عمرو بن الجموح و ابن أخيه يوم أحد فأمر بهما
رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعلا في قبر واحد قال ابن عبد البر في التمهيد ليس هو ابن أخيه
و إنما هو ابن عمه و هو كما قال فلعله كان أسن منه (قوله فاستخرجته بعد ستة أشهر) أي من يوم
دفنه و هذا يخالف في الظاهر ما وقع في الموطأ عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن
الجموح و عبد الله بن عمرو الأنصاريين كانا قد حفر السيل قبرهما و كانا في قبر واحد فحفر عنهما
ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس و كان بين أحد و يوم حفر عنهما ست
و أربعون سنة و قد جمع بينهما ابن عبد البر بتعدد القصة و فيه نظر لأن الذي في حديث جابر أنه
دفن أباه في قبر وحده بعد ستة أشهر و في حديث الموطأ أنهما وجدا في قبر واحد بعد ست
و أربعين سنة فأما أن المراد بكونهما في قبر واحد قرب المجاورة أو أن السيل خرق أحد القبرين
فصارا كقبر واحد و قد ذكر ابن إسحاق القصة في المغازي فقال حدثني أبي عن أشياخ من
الأنصار قالوا لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء انفجرت العين عليهم فجئنا
فأخرجناهما يعني عمرا و عبد الله و عليهما بردتان قد غطى بهما وجوههما و على أقدامهما
شئ من نبات الأرض فأخرجناهما يتثنيان تثنيا كأنهما دفنا بالأمس و له شاهد بإسناد صحيح
عند ابن سعد من طريق أبي الزبير عن جابر (قوله فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه) و قال
عياض في رواية ابن السكن و النسفي غير هنية في أذنه و هو الصواب بتقديم غير و زيادة في و في
الأول تغيير قال و معنى قوله هنية أي شيئا يسيرا و هو بنون بعدها تحتانية مصغرا و هو تصغير هنة
أي شئ فصغره لكونه أثرا يسيرا انتهى و قد قال الإسماعيلي عقب سياقه بلفظ الأكثر إنما
هو عند (قلت) و كذا وقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني لكن يبقى في الكلام نقص و يبينه
ما في رواية ابن أبي خيثمة و الطبراني من طريق عتبان بن مضر عن أبي سلمة بلفظ و هو كيوم
دفنته الا هنية عند إذنه و هو موافق من حيث المعنى لرواية ابن السكن التي صوبها عياض و جمع
أبو نعيم في روايته من طريق أبي الأشعث بين لفظ غير ولفظ عند فقال غير هنية عند إذنه و وقع
في رواية الحاكم المشار إليها فإذا هو كيوم وضعته غير إذنه سقط منها لفظ هنية و هو مستقيم
المعنى و كذلك ذكره الحميدي في الجمع في افراد البخاري و المراد بالاذن بعضها و حكى ابن التين أنه
في روايته بفتح الهاء و سكون التحتانية بعدها همزة ثم مثناة منصوبة ثم هاء الضمير أي على حالته
و قد أخرجه ابن السكن من طريق شعبة عن أبي مسلمة بلفظ غير أن طرف إذن أحدهم تغير
و لابن سعد من طريق أبي هلال عن أبي مسلمة الا قليلا من شحمة إذنه و لأبي داود من طريق حماد
ابن زيد عن أبي مسلمة الا شعرات كن من لحيته مما يلي الأرض و يجمع بين هذه الرواية و غيرها
بان المراد الشعرات التي تتصل بشحمة الاذن و أفادت هذه الرواية سبب تغير ذلك دون غيره
ولا يعكر على ذلك ما رواه الطبراني بإسناد صحيح عن محمد بن المنكدر عن جابر أن أباه قتل يوم أحد
173

ثم مثلوا به فجدعوا أنفه و أذنيه الحديث و أصله في مسلم لأنه محمول على إنهم قطعوا بعض أذنيه
لا جميعهما و الله أعلم (قوله عن ابن أبي نجيح عن عطاء) كذا للأكثر و حكى أبو علي الجياني أنه وقع
عند أبي علي بن السكن عن مجاهد بدل عطاء قال و الذي رواه غيره أصح (قلت) و كذا أخرجه ابن
سعد و النسائي و الإسماعيلي و آخرون كلهم من طريق سعيد بن عامر بالسند المذكور فيه و هو
الصواب و في قصة والد جابر من الفوائد الإرشاد إلى بر الأولاد بالآباء خصوصا بعد الوفاة
و الاستعانة على ذلك بأخبارهم بمكانتهم من القلب و فيه قوة إيمان عبد الله المذكور لاستثنائه
النبي صلى الله عليه و سلم ممن جعل ولده أعز عليه منهم و فيه كرامته بوقوع الأمر على ما ظن
و كرامته بكون الأرض لم تبل جسده مع لبثه فيها و الظاهر أن ذلك لمكان الشهادة و فيه فضيلة
لجابر لعمله بوصية أبيه بعد موته في قضاء دينه كما سيأتي بيانه في مكانه (قوله باب اللحد
و الشق في القبر) أورد فيه حديث جابر في قصة قتلى أحد و ليس فيه للشق ذكر قال ابن رشيد قوله
في حديث جابر قدمه في اللحد ظاهر في أن الميتين جميعا في اللحد و يحتمل أن يكون المقدم في اللحد
و الذي يليه في الشق لمشقة الحفر في الجانب لمكان اثنين و هذا يؤيد ما تقدم توجيهه أن المراد
بقوله فكفن أبي و عمي في نمرة واحدة أي شقت بينهما و يحتمل أن يكون ذكر الشق في الترجمة لينبه
على أن اللحد أفضل منه لأنه الذي وقع دفن الشهداء فيه مع ما كانوا فيه من الجهد و المشقة
فلولا مزيد فضيلة فيه ما عانوه و في السنن لأبي داود و غيره من حديث ابن عباس مرفوعا اللحد لنا
و الشق لغيرنا و هو يؤيد فضيلة اللحد على الشق و الله أعلم (قوله باب إذا أسلم الصبي
فمات هل يصلي عليه و هل يعرض على الصبي الإسلام) هذه الترجمة معقودة لصحة إسلام الصبي
و هي مسئلة اختلاف كما سنبينه و قوله و هل يعرض عليه ذكره هنا بلفظ الاستفهام و ترجم في
كتاب الجهاد بصيغة أخذت على الجزم بذلك فقال و كيف يعرض الإسلام على الصبي و كأنه لما أقام
الأدلة هنا على صحة إسلامه استغنى بذلك و أفاد هناك ذكر الكيفية (قوله و قال الحسن الخ)
أما أثر الحسن فأخرجه البيهقي من طريق محمد بن نصر أظنه في كتاب الفرائض له قال حدثنا
يحيى بن يحيى حدثنا يزيد بن زريع عن يونس عن الحسن في الصغير قال مع المسلم من والديه و أما أثر إبراهيم
فوصله عبد الرزاق عن معمر عن مغيرة عن إبراهيم قال في نصرانيين بينهما ولد صغير فأسلم أحدهما
قال أولاهما به المسلم و أما أثر شريح فأخرجه البيهقي بالإسناد المذكور إلى يحيى بن يحيى حدثنا
هشيم عن أشعث عن الشعبي عن شريح أنه اختصم إليه في صبي أحد أبويه نصراني قال الوالد
المسلم أحق بالولد و أما أثر قتادة فوصله عبد الرزاق عن معمر عنه نحو قول الحسن (قوله و كان
ابن عباس مع أمه من المستضعفين وصله المصنف في الباب من حديثه بلفظ كنت أنا و أمي من
المستضعفين و اسم أمه لبابة بنت الحرث الهلالية (قوله و لم يكن مع أبيه على دين قومه) هذا قاله
المصنف تفقها و هو مبنى على أن إسلام العباس كان بعد وقعة بدر و قد اختلف في ذلك فقيل أسلم
قبل الهجرة و أقام بأمر النبي صلى الله عليه و سلم له في ذلك لمصلحة المسلمين روى ذلك ابن سعد من
حديث ابن عباس و في إسناده الكلبي و هو متروك و يرده أن العباس أسر ببدر و قد فدى نفسه كما
سيأتي في المغازي واضحا و يردة أيضا أن الآية التي في قصة المستضعفين نزلت بعد بدر بلا خلاف
فالمشهور أنه أسلم قبل فتح خيبر و يدل عليه حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط كما أخرجه أحمد
174

و النسائي و روى ابن سعد من حديث ابن عباس أنه هاجر إلى النبي صلى الله عليه و سلم بخيبر
و ردة بقصة الحجاج المذكور و الصحيح أنه هاجر عام الفتح في أول السنة وقدم مع النبي صلى الله عليه
و سلم فشهد الفتح و الله أعلم (قوله و قال الإسلام يعلو ولا يعلى) كذا في جميع نسخ البخاري لم يعين
القائل و كنت أظن أنه معطوف على قول ابن عباس فيكون من كلامه ثم لم أجده من كلامه
بعد التتبع الكثير و رأيته موصولا مرفوعا من حديث غيره أخرجه الدارقطني و محمد بن هارون
الروياني في مسنده من حديث عائذ بن عمرو المزني بسند حسن و رويناه في فوائد أبي يعلى الخليلي
من هذا الوجه و زاد في أوله قصة و هي أن عائذ بن عمرو جاء يوم الفتح مع أبي سفيان بن حرب فقال
الصحابة هذا أبو سفيان و عائذ بن عمرو فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا عائذ بن عمرو
و أبو سفيان الإسلام أعز من ذلك الإسلام يعلو ولا يعلى و في هذه القصة أن للمبدأ به في الذكر
تأثيرا في الفضل لما يفيده من الاهتمام و ليس فيه حجة على أن الواو ترتب ثم وجدته من قول ابن
عباس كما كنت أظن ذكره ابن حزم في المحلي قال و من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة
عن ابن عباس قال إذا أسلمت اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني يفرق بينهما
الإسلام يعلو ولا يعلى ثم أورد المصنف في الباب أحاديث ترجح ما ذهب إليه من صحة إسلام
الصبي أولها حديث ابن عمر في قصة ابن صياد و سيأتي الكلام عليه مستوفى في الباب المشار إليه
في الجهاد و مقصود البخاري منه الاستدلال هنا بقوله صلى الله عليه و سلم لابن صياد أتشهد إني
رسول الله و كان إذ ذاك دون البلوغ و قوله أطم بضمتين بناء كالحصن و مغالة بفتح الميم و المعجمة
الخفيفة بطن من الأنصار وابن صياد في رواية أبي ذر صائد وكلا الأمرين كان يدعى به و قوله
فرفضه للأكثر بالضاد المعجمة أي تركه قال الزين بن المنير أنكرها القاضي و لبعضهم بالمهملة أي
دفعه برجله قال عياض كذا في رواية أبي ذر عن غير المستملي ولا وجه لها قال المازري لعله رفسه
بالسين المهملة أي ضربه برجله قال عياض لم أجد هذه اللفظة في جماهير اللغة يعني بالصاد قال
و قد وقع في رواية الأصيلي بالقاف بدل الفاء و في رواية عبدوس فوقصه بالواو و القاف و قوله
و هو يختل بمعجمة ساكنة بعدها مثناة مكسورة أي يخدعه و المراد أنه كان يريد أن يستغفله ليسمع
كلامه و هو لا يشعر (قوله له فيها رمزة أو زمرة) كذا للأكثر على الشك في تقديم الراء على
الزاي أو تأخيرها و لبعضهم زمزمة أو رمرمة على الشك هل هو بزايين أو براءين مع زيادة ميم
فيهما و معنى هذه الكلمة المختلفة متقاربة فأما التي بتقديم الراء و ميم واحدة فهي فعلة من الرمز
و هو الإشارة و أما التي بتقديم الزاي كذلك فمن الزمر و المراد حكاية صوته و أما التي بالمهملتين
و ميمين فأصله من الحركة و هي هنا بمعنى الصوت الخفي و أما التي بالمعجمتين كذلك فقال الخطابي
هو تحريك الشفتين بالكلام و قال غيره و هو كلام العلوج و هو صوت يصوت من الخياشيم
و الحلق (قوله فثار ابن صياد) أي قام كذا للأكثر و للكشميهني فثاب بموحدة أي رجع عن الحالة
التي كان فيها (قوله و قال شعيب زمزمة فرفصه) في رواية أبي ذر بالزايين و بالصاد المهملة و في رواية
غيره و قال شعيب في حديثه فرفصه زمزمة أو رمرمة بالشك و سيأتي في الأدب موصولا من هذا
الوجه بالشك لكن فيه فرضه بغير فاء و بالتشديد و ذكره الخطابي في غريبه بمهملة أي ضغطه و ضم
175

بعضه إلى بعض (قوله و قال إسحق الكلبي و عقيل رمرمة) يعني بمهملتين (و قال معمر رمزة) يعني
براء ثم زاي أما رواية إسحق فوصلها الذهلي في الزهريات و سقطت من رواية المستملى و الكشميهني
و أبي الوقت و أما رواية عقيل فوصلها المصنف في الجهاد و كذا رواية معمر * ثاني الأحاديث
حديث أنس كان غلام يهودي يخدم لم اقف في شئ من الطرق الموصولة على تسميته الا أن ابن
بشكوال ذكر أن صاحب العتبية حكى عن زياد شيطون أن اسم هذا الغلام عبد القدوس قال
و هو غريب ما وجدته عند غيره (قوله و هو عنده) في رواية أبي داود عند رأسه أخرجه عن
سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه و كذا للإسماعيلي عن أبي خليفة عن سليمان (قوله فأسلم)
في رواية النسائي عن إسحاق بن راهويه عن سليمان المذكور فقال أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا
رسول الله (قوله أنقذه من النار) في رواية أبي داود و أبي خليفة أنقذه بي من النار و في الحديث
جواز استخدام المشرك و عيادته إذا مرض و فيه حسن العهد و استخدام الصغير و عرض
الإسلام على الصبي و لولا صحته منه ما عرضه عليه و في قوله أنقذه بي من النار دلالة على أنه صح
إسلامه و على أن الصبي إذا عقل الكفر و مات عليه أنه يعذب و سيأتي البحث في ذلك من حديث
سمرة الطويل في الرؤيا الآتي في باب أولاد المشركين في أواخر الجنائز ثالثها حديث ابن عباس
كنت أنا و أمي من المستضعفين و قد تقدم الكلام عليه في الترجمة * رابعها حديث أبي هريرة في أن
كل مولود يولد على الفطرة أخرجه من طريق ابن شهاب عن أبي هريرة منقطعا و من طريق آخر
عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة فالاعتماد في المرفوع على الطريق الموصولة و إنما أورد المنقطعة
لقول ابن شهاب الذي استنبطه من الحديث و قول ابن شهاب لغية بكسر اللام و المعجمة و تشديد
التحتانية أي من زنا و مراده أنه يصلي على ولد الزنا ولا يمنع ذلك من الصلاة عليه لأنه محكوم
بإسلامه تبعا لأمه و كذلك من كان أبوه مسلما دون أمه و قال بن عبد البر لم يقل أحد إنه لا يصلي
على ولد الزنا الا قتادة وحده و اختلف في الصلاة على الصبي فقال سعيد بن جبير لا يصلي عليه حتى
يبلغ و قيل حتى يصلي و قال الجمهور يصلى عليه حتى السقط إذا استهل و قد تقدم في باب قراءة فاتحة
الكتاب ما يقال في الصلاة على جنازة الصبي و دخل في قوله كل مولود السقط فلذلك قيده
بالاستهلال و هذا مصير من الزهري إلى تسمية الزاني أبا لمن زنى بأمه فإنه يتبعه في الإسلام و هو
قول مالك و سيأتي الكلام على المتن المرفوع و على ذكر الاختلاف على الزهري فيه في باب
أولاد المشركين أن شاء الله تعالى (قوله باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله)
176

قال الزين بن المنير لم يأت بجواب إذا لأنه صلى الله عليه و سلم لما قال لعمه قل لا إله إلا الله أشهد لك
بها كان محتملا لأن يكون ذلك خاصا به لأن غيره إذا قالها و قد أيقن بالوفاة لم ينفعه و يحتمل أن
يكون ترك جواب إذا ليفهم الواقف عليه أنه موضع تفصيل و فكر و هذا هو المعتمد ثم أورد
المصنف حديث سعيد بن المسيب عن أبيه في قصة أبي طالب عند موته و سيأتي الكلام عليه
مستوفى في تفسير براءة و قوله في هذه الطريق ما لم أنه عنه أي الاستغفار و في رواية الكشميهني
عنك و قوله فأنزل الله فيه الآية يعني قوله تعالى ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغفروا
للمشركين الآية كما سيأتي و قد ثبت لغير أبي ذر فأنزل الله فيه ما كان للنبي الآية (قوله
باب الجريدة على القبر) أي وضعها أو غرزها (قوله و أوصى بريدة الأسلمي الخ) وقع
في رواية الأكثر في قبره و للمستملي على قبره و قد وصله ابن سعد من طريق مورق العجلي قال أوصى
بريدة أن يوضع في قبره جريدتان و مات بأدنى خراسان قال ابن المرابط و غيره يحتمل أن يكون
بريدة أمر أن يغرزا في ظاهر القبر اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم في وضعه مدعين في القبرين
و يحتمل أن يكون أمر أن يجعلا في انظر القبر لما في النخلة من البركة لقوله تعالى كشجرة طيبة
و الأول أظهر و يؤيده إيراد المصنف حديث القبرين في آخر الباب و كأن بريدة حمل الحديث على
عمومه و لم يره خاصا بذينك الرجلين قال ابن رشيد و يظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص
بهما فلذلك عقبه بقول ابن عمر إنما يظله عمله (قوله و رأى ابن عمر فسطاطا على قبر عبد الرحمن)
الفسطاط بضم الفاء و سكون المهملة و بطاءين مهملتين هو البيت من الشعر و قد يطلق
على غير الشعر و فيه لغات أخرى تثليث الفاء و بالمثناتين بدل الطاءين و ابدال الطاء الأولى
مثناة و ادغامهما في السين و كسر أوله في الثلاثة و عبد الرحمن هو ابن أبي بكر الصديق بينه ابن
سعد في روايته له موصولا من طريق أيوب بن عبد الله بن يسار قال مر عبد الله بن عمر على
قبر عبد الرحمن بن أبي بكر أخي عائشة و عليه فسطاط مضروب فقال يا غلام انزعه فإنما
يظله عمله قال الغلام تضربني مولاتي قال كلا فنزعه و من طريق ابن عون عن رجل قال
قدمت عائشة ذا طوى حين رفعوا أيديهم عن عبد الرحمن بن أبي بكر فأمرت بفسطاط فضرب
على قبره و وكلت به إنسانا و ارتحلت فقدم ابن عمر فذكر نحوه و قد تقدم توجيه إدخال هذا الأثر
تحت هذه الترجمة (قوله و قال خارجة بن زيد) أي ابن ثابت الأنصاري أحد ثقات التابعين
و هو أحد السبعة الفقهاء من أهل المدينة الخ * وصله المصنف في التاريخ الصغير من طريق
ابن إسحاق حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري سمعت خارجة بن زيد فذكره
و فيه جواز تعلية القبر و رفعه عن وجه الأرض و قوله رأيتني بضم المثناة و الفاعل و المفعول
ضميران لشئ واحد و هو من خصائص أفعال القلوب و مظعون والد عثمان بظاء معجمة ساكنة ثم مهملة و مناسبته من جهة أن وضع الجريد على القبر يرشد إلى جواز وضع ما يرتفع به ظهر القبر
عن الأرض و سيأتي الكلام على هذه المسألة في آخر الجنائز قال ابن المنير في الحاشية أراد
البخاري أن الذي ينفع أصحاب القبور هي الأعمال الصالحة و أن علو البناء و الجلوس عليه و غير
ذلك لا يضر بصورته و إنما يضر بمعناه إذا تكلم القاعدون عليه بما يضر مثلا (قوله و قال
عثمان بن حكيم أخذ بيدي خارجة) أي ابن زيد بن ثابت الخ * وصله مسدد في مسنده الكبير و بين
177

فيه سبب إخبار خارجة لحكيم بذلك ولفظه حدثنا عيسى بن يونس حدثنا عثمان بن حكيم حدثنا
عبد الله بن سرجس و أبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة يقول لأن أجلس على جمرة
فتحرق ما دون لحمي حتى تفضي إلي أحب إلي من أن أجلس على قبر قال عثمان فرأيت خارجة بن
زيد في المقابر فذكرت له ذلك فأخذ بيدي الحديث و هذا إسناد صحيح و قد أخرج مسلم حديث أبي
هريرة مرفوعا من طريق سهل بن أبي صالح عن أبيه عنه و روى الطحاوي من طريق محمد بن
كعب قال إنما قال أبو هريرة من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة
لكن إسناده ضعيف قال ابن رشيد الظاهر أن هذا الأثر و الذي بعده من الباب الذي بعد
هذا و هو باب موعظة المحدث عند القبر و قعود أصحابه حوله و كأن بعض الرواة كتبه
في غير موضعه قال و قد يتكلف له طريق يكون به من الباب و هي الإشارة إلى أن ضرب
الفسطاط إن كان لغرض صحيح كالتستر من الشمس مثلا للحي لا لإظلال الميت فقد جاز و كأنه
يقول إذا أعلى القبر لغرض صحيح لا لقصد المباهاة جاز كما يجوز القعود عليه لغرض صحيح لا لمن
أحدث عليه قال و الظاهر أن المراد بالحدث هنا التغوط و يحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك من
أحداث ما لا يليق من الفحش قولا و فعلا لتأذي الميت بذلك انتهى و يمكن أن يقال هذه الآثار
المذكورة في هذا الباب يحتاج إلى بيان مناسبتها للترجمة و إلى مناسبة بعضها لبعض و ذلك أنه
لم يذكر حكم وضع الجريدة و ذكر أثر بريدة و هو يؤذن بمشروعيتها ثم أثر ابن عمر المشعر بأنه لا تأثير
لما يوضع على القبر بل التأثير للعمل الصالح و ظاهرهما التعارض فلذلك أبهم حكم وضع
الجريدة قاله الزين بن المنير و الذي يظهر من تصرفه ترجيح الوضع و يجاب عن أثر ابن عمر بأن
ضرب الفسطاط على القبر لم يرد فيه ما ينتفع به الميت بخلاف وضع الجريدة لأن مشروعيتها
ثبتت بفعله صلى الله عليه و سلم و أن كان بعض العلماء قال أنها واقعة عين يحتمل أن تكون
مخصوصة بمن اطلعه الله تعالى على حال الميت و أما الآثار الواردة في الجلوس على القبر فإن
عموم قول ابن عمر إنما يظله عمله يدخل فيه أنه كما لا ينتفع بتظليله و لو كان تعظيما له لا يتضرر
بالجلوس عليه و لو كان تحقيرا له و الله أعلم (قوله و قال نافع كان ابن عمر يجلس على القبور)
و وصله الطحاوي من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج أن نافعا حدثه بذلك ولا يعارض هذا
ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه قال لأن أطأ على رضف أحب إلي من أن أطأ على قبر
و هذه من المسائل المختلف فيها و ورد فيها من صحيح الحديث ما أخرجه مسلم عن أبي مرثد الغنوي
مرفوعا لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها قال النووي المراد بالجلوس القعود عند الجمهور
و قال مالك المراد بالقعود الحدث و هو تأويل ضعيف أو باطل انتهى و هو يوهم انفراد مالك بذلك
و كذا أوهمه كلام ابن الجوزي حيث قال جمهور الفقهاء على الكراهة خلافا لمالك و صرح
النووي في شرح المهذب بأن مذهب أبي حنيفة كالجمهور و ليس كذلك بل مذهب أبي حنيفة
و أصحابه كقول مالك كما نقله عنهم الطحاوي و احتج له بأثر ابن عمر المذكور و أخرج عن علي نحوه
و عن زيد بن ثابت مرفوعا إنما نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الجلوس على القبور لحدث غائط
أو بول و رجال إسناده ثقات و يؤيد قول الجمهور ما أخرجه أحمد من حديث عمرو بن حزم
الأنصاري مرفوعا لا تقعدوا على القبور و في رواية له عنه رآني رسول الله صلى الله عليه و سلم
178

و أنا متكئ على قبر فقال لا تؤذ صاحب القبر إسناده صحيح و هو دال على أن المراد بالجلوس القعود
على حقيقته ورد ابن حزم التأويل المتقدم بأن لفظ حديث أبي هريرة عند مسلم لأن يجلس
أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده قال و ما عهدنا أحدا يقعد على ثيابه للغائط فدل
على أن المراد القعود على حقيقته و قال ابن بطال التأويل المذكور بعيد لأن الحدث على القبر
أقبح من أن يكره و إنما يكره الجلوس المتعارف (قوله حدثنا يحيى) قال أبو علي الجيان لم أره
منسوبا لأحد من المشايخ (قلت) قد نسبه أبو نعيم في المستخرج يحيى بن جعفر و جزم أبو مسعود
في الأطراف و تبعه المزي بأنه يحيى بن يحيى و وقع في رواية أبي علي بن شبويه على الفربري حدثنا
يحيى بن موسى و هذا هو المعتمد و قد تقدم الكلام على حديث ابن عباس في كتاب الوضوء بما فيه
مقنع بعون الله تعالى و الله أعلم (قوله باب موعظة المحدث عند القبر و قعود
أصحابه حوله) كأنه يشير إلى التفصيل بين أحوال القعود فإن كان لمصلحة تتعلق بالحي أو الميت لم
يكره و يحمل النهي الوارد عن ذلك على ما يخالف ذلك (قوله يخرجون من الأجداث الأجداث
القبور) أي المراد بالأجداث في الآية القبور و قد وصله ابن أبي حاتم و غيره من طريق قتادة
و السدي و غيرهما و أحدها جدث بفتح الجيم و المهملة (قوله بعثرت أثيرت بعثرت حوضي
جعلت أسفله أعلاه) هذا كلام أبي عبيدة في كتاب المجاز و قال السدي بعثرت أي حركت
فخرج ما فيها رواه ابن أبي حاتم (قوله الا يفاض) بياء تحتانية ساكنة قبلها كسرة و بفاء و معجمة
(الإسراع) كذا قال الفراء في المعاني و قال أبو عبيدة يوفضون أي يسرعون (قوله و قرأ الأعمش
إلى نصب) يعني بفتح النون كذا للأكثر و في رواية أبي ذر بالضم و الأول أصح و كذا ضبطه الفراء
عن الأعمش في كتاب المعاني و هي قراءة الجمهور و حكى الطبراني أنه لم يقرأه بالضم الا الحسن
البصري و قد حكى الفراء عن زيد بن ثابت ذلك و نقلها غيره عن مجاهد و أبي عمران الجوني و في
كتاب السبعة لابن مجاهد قرأها ابن عامر بضمتين يعني بلفظ الجمع و كذا قرأها حفص عن عاصم
و من هنا يظهر سبب تخصيص الأعمش بالذكر لأنه كوفي و كذا عاصم ففي انفراد حفص عن عاصم
بالضم شذوذ قال أبو عبيدة النصب بالفتح هو العلم الذي نصبوه ليعبدوه و من قرأ نصب بالضم فهي
جماعة مثل رهن و رهن (قوله يوفضون إلى شئ منصوب يستبقون) قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي
حدثنا مسلم بن إبراهيم عن قرة عن الحسن في قوله إلى نصب يوفضون أي يبتدرون أيهم يستلمه
أول (قوله و النصب واحد و النصب مصدر) كذا وقع فيه و الذي في المعاني للفراء النصب
و النصب واحد و هو مصدر و الجمع الأنصاب و كأن التغيير من بعض النقلة (قوله يوم الخروج
من قبورهم) أي خروج أهل القبور من قبورهم (قوله و ينسلون يخرجون) كذا أورده عبد بن
حميد و غيره عن قتادة و سيأتي له معنى آخر أن شاء الله تعالى و في نسخة الصغاني بعد قوله
يخرجون من النسلان و هذه التفاسير أوردها لتعلقها بذكر القبر استطراد أولها تعلق بالموعظة
أيضا قال الزين بن المنير مناسبة إيراد هذه الآيات في هذه الترجمة للإشارة إلى أن المناسب لمن
قعد عند القبر أن يقصر كلامه على الإنذار بقرب المصير إلى القبور ثم إلى النشر لاستيفاء العمل
179

ثم أورد المصنف حديث علي بن أبي طالب مرفوعا ما من نفس منفوسة الا كتب مكانها من
الجنة و النار الحديث و سيأتي مبسوطا في تفسير و الليل إذا يغشى و هو أصل عظيم في اثبات
القدر و قوله فيه اعملوا جرى مجرى أسلوب الحكيم أي الزموا ما يجب على العبد من العبودية
ولا تتصرفوا في أمر الربوبية و عثمان شيخه هو ابن أبي شيبة و جرير هو ابن عبد الحميد و موضع
الحاجة منه فقعد و قعدنا حوله و قوله فقال رجل هو عمر أو غيره كما سيأتي إن شاء الله تعالى
(قوله باب ما جاء في قاتل النفس) قال ابن رشيد مقصود الترجمة حكم قاتل النفس
و المذكور في الباب حكم قاتل نفسه فهو أخص من الترجمة و لكنه أراد أن يلحق بقاتل نفسه
قاتل غيره من باب الأولى لأنه إذا كان قاتل نفسه الذي لم يتعد ظلم نفسه ثبت فيه الوعيد الشديد
فأولى من ظلم غيره بافاته نفسه قال ابن المنير في الحاشية عادة البخاري إذا توقف في شئ ترجم عليه
ترجمة مبهمة كأنه ينبه على طريق الاجتهاد و قد نقل عن مالك أن قاتل النفس لا تقبل توبته
و مقتضاه أن لا يصلي عليه و هو نفس قول البخاري (قلت) لعل البخاري أشار بذلك إلى ما رواه
أصحاب السنن من حديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه و سلم أتى برجل قتل نفسه
بمشاقص فلم يصل عليه و في رواية للنسائي أما أنا فلا أصلي عليه لكنه لما لم يكن على شرطه أومأ
إليه بهذه الترجمة و أورد فيها ما يشبهه من قصة قاتل نفسه ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة
أحاديث * أحدها حديث ثابت بن الضحاك فيمن قتل نفسه بحديدة و سيأتي الكلام عليه
مستوفى في الإيمان و النذور و خالد المذكور في إسناده هو الحذاء * ثانيها حديث جندب و هو
ابن عبد الله الأسماء قال فيه قال حجاج بن منهال حدثنا جرير بن حازم و قد وصله في ذكر بني إسرائيل
فقال حدثنا محمد حدثنا حجاج بن منهال فذكره و هو أحد المواضع التي يستدل بها على أنه ربما
علق عن بعض شيوخه ما بينه و بينه فيه واسطه لكنه أورده هنا مختصرا و أورده هناك مبسوطا
فقال في أوله كان فيمن كان قبلكم رجل و قال فيه فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم
حتى مات و سيأتي الكلام عليه مستوفى هناك و لم اقف على تسمية هذا الرجل * ثالثها حديث
أبي هريرة مرفوعا الذي يخنق نفسه يخنقها في النار و الذي يطعنها يطعنها في النار و هو من افراد
البخاري من هذا الوجه و قد أخرجه أيضا في الطب من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة مطولا و من ذلك الوجه أخرجه مسلم و ليس فيه ذكر الخنق و فيه من الزيادة ذكر السم
و غيره و لفظه فهو من نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا و قد تمسك به المعتزلة و غيرهم ممن قال بتخليد
أصحاب المعاصي في النار و أجاب أهل السنة عن ذلك بأجوبة منها توهيم هذه الزيادة قال
الترمذي بعد أن أخرجه رواه محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلم يذكر خالدا مخلدا
و كذا رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يشير إلى رواية الباب قال و هو أصح لأن
الروايات قد صحت أن أهل التوحيد يعذبون ثم يخرجون منها ولا يخلدون و أجاب غيره بحمل
ذلك على من استحله فإنه يصير باستحلاله كافرا و الكافر مخلد بلا ريب و قيل ورد مورد الزجر
و التغليظ و حقيقته غير مرادة و قيل المعنى أن هذا جزاؤه لكن قد تكرم الله على الموحدين
فأخرجهم من النار بتوحيدهم و قيل التقدير مخلدا فيها إلى أن يشاء الله و قيل المراد بالخلود
طول المدة لا حقيقة الدوام كأنه يقول يخلد مدة معينة و هذا ابعدها و سيأتي له مزيد بسط عند
180

الكلام على أحاديث الشفاعة أن شاء الله تعالى و استدل بقوله الذي يطعن نفسه يطعنها في
النار على أن القصاص من القاتل يكون بما قتل به اقتداء بعقاب الله تعالى لقاتل نفسه و هو
استدلال ضعيف * (تنبيه) * قوله في حديث الباب يطعنها هو بضم العين المهملة كذا ضبطه
في الأصول (قوله باب ما يكره من الصلاة على المنافقين و الاستغفار للمشركين)
قال الزين بن المنير عدل عن قوله كراهة الصلاة على المنافقين لينبه على الامتناع من طلب
المغفرة لمن لا يستحقها لا من جهة العبادة الواقعة من صورة الصلاة فقد تكون العبادة طاعة من
وجه معصية من وجه و الله أعلم (قوله رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم) كأنه يشير
إلى حديثه في قصة الصلاة على عبد الله بن أبي أيضا و قد تقدم في باب القميص الذي يكف ثم أورد
المصنف الحديث المذكور من طريق ابن عباس عن عمر بن الخطاب و سيأتي من هذا الوجه أيضا
في التفسير (قوله باب ثناء الناس على الميت) أي مشروعيته و جوازه مطلقا بخلاف
الحي فإنه منهى عنه إذا أفضى إلى الاطراء خشية عليه من الزهو أشار إلى ذلك الزين بن المنير
(قوله مر) بضم الميم على البناء للمجهول (قوله فأثنوا عليها خيرا) في رواية النضر بن أنس عن
أبيه عند الحاكم كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه و سلم فمر بجنازة فقال ما هذه
الجنازة قالوا جنازة فلان الفلاني كان يحب الله و رسوله و يعمل بطاعة الله و يسعى فيها و قال ضد ذلك في التي
أثنوا عليها شرا ففيه تفسير ما أبهم من الخير و الشر في رواية عبد العزيز و للحاكم أيضا من حديث
جابر فقال بعضهم لنعم المرء لقد كان عفيفا مسلما و فيه أيضا فقال بعضهم بئس المرء كان إن كان لفظا
غليظا (قوله وجبت) في رواية إسماعيل بن علية عن عبد العزيز عند مسلم وجبت وجبت وجبت
ثلاث مرات و كذا في رواية النضر المذكورة قال النووي و التكرار فيه لتأكيد الكلام المبهم
ليحفظ و يكون أبلغ (قوله فقال عمر) زاد مسلم فداء لك أبي و أمي و فيه جواز قول مثل ذلك
(قوله قال هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة) فيه بيان لأن المراد بقوله وجبت أي الجنة
لذي الخير و النار لذي الشر و المراد بالوجوب الثبوت إذ هو في صحة الوقوع كالشئ الواجب
و الأصل أنه لا يجب على الله شئ بل الثواب فضله و العقاب عدله لا يسأل عما يفعل و في رواية مسلم
من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة و نحوه للإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة و هو
أبين في العموم من رواية آدم و فيه رد على من زعم أن ذلك خاص بالميتين المذكورين لغيب اطلع
الله نبيه عليه و إنما هو خبر عن حكم أعلمه الله به (قوله أنتم شهداء الله في الأرض) أي
المخاطبون بذلك من الصحابة و من كان على صفتهم من الإيمان و حكى ابن التين أن ذلك مخصوص
بالصحابة لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم قال و الصواب أن ذلك يختص
بالمتقيات و المتقين انتهى و سيأتي في الشهادات بلفظ المؤمنون شهداء الله في الأرض و لأبي داود
من حديث أبي هريرة في نحو هذه القصة أن بعضكم على بعض لشهيد و سيأتي مزيد بسط فيه في
الكلام على الحديث الذي بعده قال النووي و الظاهر أن الذي اثنوا عليه شرا كان من
المنافقين (قلت) يرشد إلى ذلك ما رواه أحمد من حديث أبي قتادة بإسناد صحيح أن صلى الله عليه
و سلم لم يصل على الذين اثنوا عليه شرا و صلى على الآخر (قوله حدثنا عفان) كذا للأكثر و ذكر
أصحاب الأطراف أنه أخرجه قائلا فيه قال عفان و بذلك جزم البيهقي و قد وصله أبو بكر بن
181

أبي شيبة في مسنده عن عفان به و من طريقه أخرجه الإسماعيلي و أبو نعيم (قوله حدثنا داود بن
أبي الفرات) هو بلفظ النهر المشهور و اسمه عمرو و هو كندي من أهل مرو و لهم شيخ آخر يقال
له داود بن أبي الفرات اسم أبيه بكر و أبو الفرات اسم جده و هو أشجعي من أهل المدينة أقدم من
الكندي (قوله عن أبي الأسود) هو الديلي التابعي الكبير المشهور و لم أره من رواية عبد الله بن
بريدة عنه الا معنعنا و قد حكى الدارقطني في كتاب التتبع عن علي بن المديني أن ابن بريدة إنما يروي
عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود و لم يقل في هذا الحديث سمعت أبا الأسود (قلت) و ابن بريدة ولد
في عهد عمر فقد أدرك أبا الأسود بلا ريب لكن البخاري لا يكتفى بالمعاصرة فلعله أخرجه شاهدا
و اكتفى للأصل بحديث أنس الذي قبله و الله أعلم (قوله قدمت المدينة و قد وقع بها مرض) زاد
المصنف في الشهادات عن موسى بن إسماعيل عن داود و هم يموتون موتا ذريعا و هو بالذال المعجمة
أي سريعا (قوله فأثنى على صاحبها خيرا) كذا في جميع الأصول خيرا بالنصب و كذا شرا و قد
غلط من ضبط أثنى بفتح الهمزة على البناء للفاعل فإنه في جميع الأصول مبنى للمفعول قال ابن
التين و الصواب الرفع و في نصبه بعد في اللسان و وجهه غيره بأن الجار و المجرور أقيم مقام المفعول
الأول و خيرا مقام الثاني و هو جائز و أن كان المشهور عكسه و قال النووي هو منصوب بنزع
الخافض أي أثنى عليها بخير و قال ابن مالك خيرا صفة لمصدر محذوف فأقيمت مقامه فنصبت
لأن أثنى مسند إلى الجار و المجرور قال والتفاوت بين الإسناد إلى المصدر و الإسناد إلى الجار
و المجرور قليل (قوله فقال أبو الأسود) هو الراوي و هو بالإسناد المذكور (قوله فقلت و ما وجبت) هو معطوف على شئ مقدر أي قلت هذا شئ عجيب و ما معنى قولك لكل منهما وجبت مع
اختلاف الثناء بالخير و الشر (قوله قلت كما قال النبي صلى الله عليه و سلم أيما مسلم الخ) الظاهر
أن قوله أيما مسلم هو المقول فحينئذ يكون قول عمر لكل منهما وجبت قاله بناء على اعتقاده صدق
الوعد المستفاد من قوله صلى الله عليه و سلم أدخله الله الجنة و أما اقتصار عمر على ذكر أحد الشقين
فهو أما للاختصار و إما لإحالته السامع على القياس و الأول أظهر و عرف من القصة أن المثنى
على كل من الجنائز المذكورة كان أكثر من واحد و كذا في قول عمر قلنا و ما وجبت إشارة إلى أن
السائل عن ذلك هو و غيره و قد وقع في تفسير قوله تعالى و كذلك جعلناكم أمة وسطا في البقرة
عند ابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة أن أبي بن كعب ممن سأل عن ذلك (قوله فقلنا و ثلاثة)
فيه اعتبار مفهوم الموافقة لأنه سأل عن الثلاثة و لم يسأل عما فوق الأربعة كالخمسة مثلا و فيه
أن مفهوم العدد ليس دليلا قطعيا بل هو في مقام الاحتمال (قوله ثم لم نسأله عن الواحد) قال
الزين بن المنير إنما لم يسأل عمر عن الواحد استبعادا منه أن يكتفى في مثل هذا المقام العظيم بأقل
من النصاب و قال أخوه في الحاشية فيه إيماء إلى الاكتفاء بالتزكية بواحد كذا قال و فيه غموض
و قد استدل به المصنف على أن أقل ما يكتفي به في الشهادة اثنان كما سيأتي في كتاب الشهادات إن
شاء الله تعالى قال الداودي المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل و الصدق لا الفسقة لأنهم قد يثنون
على من يكون مثلهم ولا من بينه و بين الميت عداوة لأن شهادة العدو لا تقبل و في الحديث فضيلة
هذه الأمة و اعمال الحكم بالظاهر و نقل الطيبي عن بعض شراح المصابيح قال ليس معنى قوله
أنتم شهداء الله في الأرض أي الذي يقولونه في حق شخص يكون كذلك حتى يصير من يستحق
182

الجنة من أهل النار بقولهم ولا العكس بل معناه أن الذي اثنوا عليه خيرا رأوه منه كان ذلك
علامة كونه من أهل الجنة و بالعكس و تعقبه الطيبي بان قوله وجبت بعد الثناء حكم عقب وصفا
مناسبا فأشعر بالعلية و كذا قوله أنتم شهداء الله في الأرض لأن الإضافة فيه للتشريف لأنهم بمنزلة
عالية عند الله فهو كالتزكية للأمة بعد أداء شهادتهم فينبغي أن يكون لها أثر قال و إلى هذا يومئ
قوله تعالى و كذلك جعلناكم أمة وسطا الآية (قلت) و قد استشهد محمد بن كعب القرظي لما روى
عن جابر نحو حديث أنس بهذه الآية أخرجه الحاكم و قد وقع ذلك في حديث مرفوع غيره عند
ابن أبي حاتم في التفسير و فيه أن الذي قال للنبي صلى الله عليه و سلم ما قولك وجبت هو أبي بن
كعب و قال النووي قال بعضهم معنى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل و كان
ذلك مطابقا للواقع فهو من أهل الجنة فإن كان غير مطابق فلا و كذا عكسه قال و الصحيح أنه على
عمومه و أن من مات منهم فألهم الله تعالى الناس الثناء عليه بخير كان دليلا على أنه من أهل الجنة
سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة و هذا إلهام يستدل به على
تعيينها و بهذا تظهر فائدة الثناء انتهى و هذا في جانب الخير واضح و يؤيده ما رواه أحمد و ابن
حبان و الحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا ما من مسلم يموت فيشهد له
أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه الا خيرا الا قال الله تعالى قد قبلت قولكم و غفرت له
ما لا تعلمون و لأحمد من حديث أبي هريرة نحوه و قال ثلاثة بدل أربعة و في إسناده من لم يسم و له
شاهد من مراسيل بشير بن كعب أخرجه أبو مسلم الكجي و أما جانب الشر فظاهر الأحاديث
أنه كذلك لكن إنما يقع ذلك في حق من غلب شره على خيره و قد وقع في رواية النضر المشار إليها
أولا في آخر حديث أنس إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير و الشر
و استدل به على جواز ذكر المرء بما فيه من خير أو شر للحاجة ولا يكون ذلك من الغيبة و سيأتي
البحث عن ذلك في باب النهي عن سب الأموات آخر الجنائز و هو أصل في قبول الشهادة
بالاستفاضة و أن أقل أصلها اثنان و قال ابن العربي فيه جواز الشهادة قبل الاستشهاد و قبولها
قبل الاستفصال و فيه استعمال الثناء في الشر للمؤاخاة و المشاكلة و حقيقته إنما هي في الخير
و الله أعلم (قوله باب ما جاء في عذاب القبر) لم يتعرض المصنف في الترجمة لكون
عذاب القبر يقع على الروح فقط أو عليها و على الجسد و فيه خلاف شهير عند المتكلمين و كأنه
تركه لأن الأدلة التي يرضاها ليست قاطعه في أحد الامرين فلم يتقلد الحكم في ذلك و اكتفى بإثبات
وجوده خلافا لمن نفاه مطلقا من الخوارج و بعض المعتزلة كضرار بن عمرو و بشر المريسي
و من وافقهما و خالفهم في ذلك أكثر المعتزلة و جميع أهل السنة و غيرهم و أكثروا من الاحتجاج
له و ذهب بعض المعتزلة كالجبائي إلى أنه يقع على الكفار دون المؤمنين و بعض الأحاديث
الآتية ترد عليهم أيضا (قوله وقوله تعالى) بالجر عطفا على عذاب القبر أي ما ورد في تفسير
الآيات المذكورة و كأن المصنف قدم ذكر هذه الآية لينبه على ثبوت ذكره في القرآن خلافا لمن
رده و زعم أنه لم يرد ذكره إلا من أخبار الآحاد فأما الآية التي في الأنعام فروى الطبراني و ابن أبي
حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى لو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت
و الملائكة باسطوا أيديهم قال هذا عند الموت و البسط الضرب يضربون وجوههم و أدبارهم
183

انتهى و يشهد له قوله تعالى في سورة القتال فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم
و أدبارهم و هذا و إن كان قبل الدفن فهو من جملة العذاب الواقع قبل يوم القيامة و إنما أضيف
العذاب إلى القبر لكون معظمه يقع فيه و لكون الغالب على الموتى أن يقبروا و إلا فالكافر و من
شاء الله تعذيبه من العصاة يعذب بعد موته و لو لم يدفن و لكن ذلك محجوب عن الخلق الا من شاء الله
(قوله و قوله جل ذكره سنعذبهم مرتين) و روى الطبري و ابن أبي حاتم و الطبراني في الأوسط أيضا
من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس قال خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الجمعة
فقال أخرج يا فلان فإنك منافق فذكر الحديث و فيه ففضح الله المنافقين فهذا العذاب الأول
و العذاب الثاني عذاب القبر و رويا أيضا من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه و من
طريق محمد بن ثور عن معمر عن الحسن سنعذبهم مرتين عذاب الدنيا و عذاب القبر و عن محمد بن إسحاق
قال بلغني فذكر نحوه و قال الطبري بعد أن ذكر اختلافا عن غير هؤلاء و الأغلب أن
إحدى المرتين عذاب القبر و الأخرى تحتمل أحد ما تقدم ذكره من الجوع أو السبي أو القتل أو
الاذلال أو غير ذلك (قوله و قوله تعالى و حاق بآل فرعون الآية) روى الطبري من طريق الثوري
عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل قال أرواح آل فرعون في طيور سود تغدو و تروح على النار
فذلك عرضها و وصله ابن أبي حاتم من طريق ليث عن أبي قيس فذكر عبد الله بن مسعود فيه و ليث
ضعيف و سيأتي بعد بابين في الكلام على حديث ابن عمر بيان أن هذا العرض يكون في الدنيا قبل
يوم القيامة قال القرطبي الجمهور على أن هذا العرض يكون في البرزخ و هو حجة في تثبيت عذاب
القبر و قال غيره وقع ذكر عذاب الدارين في هذه الآية مفسرا مبينا لكنه حجة على من أنكر
عذاب القبر مطلقا لا على من خصه بالكفار و استدل بها على أن الأرواح باقية بعد فراق الأجساد
و هو قول أهل السنة كما سيأتي و احتج بالآية الأولى على أن النفس و الروح شئ واحد لقوله
تعالى اخرجوا أنفسكم و المراد الأرواح و هي مسألة مشهورة فيها أقوال كثيرة و ستأتي الإشارة
إلى شئ منها في التفسير عند قوله تعالى و يسألونك عن الروح الآية ثم أورد المصنف في الباب ستة
أحاديث * أولها حديث البراء في قوله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت و قد أورد
المصنف في التفسير عن أبي الوليد الطيالسي عن شعبة و صرح فيه بالإخبار بين شعبة و علقمة
و بالسماع بين علقمة و سعد بن عبيدة (قوله إذا أقعد المؤمن في قبره أتى ثم شهد) في رواية الحموي
و المستملي ثم يشهد هكذا ساقه المصنف بهذا اللفظ و قد أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن
حفص بن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ أبين من لفظه قال إن المؤمن إذا شهد أن لا إله إلا الله و عرف
محمدا في قبره فذلك قوله الخ و أخرجه ابن مردويه من هذا الوجه و غيره بلفظ أن النبي صلى الله
عليه و سلم ذكر عذاب القبر فقال إن المسلم إذا شهد أن لا إله إلا الله و عرف أن محمدا رسول الله
الحديث (قوله في الطريق الثانية بهذا و زاد يثبت الله الذين آمنوا نزلت في عذاب القبر) يوهم
أن لفظ غندر كلفظ حفص و زيادة و ليس كذلك و إنما هو بالمعنى فقد أخرجه مسلم و النسائي و ابن
ماجة عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه و القدر الذي ذكره هو أول الحديث و بقيته عندهم يقال
له من ربك فيقول ربي الله و نبيي محمد و القدر المذكور أيضا أخرجه مسلم و النسائي من طريق خيثمة
عن البراء و قد اختصر سعد و خيثمة هذا الحديث جدا لكن أخرجه ابن مردويه من وجه آخر
184

عن خيثمة فزاد فيه أن كان صالحا وفق و أن كان لا خير فيه وجد أبله و فيه اختصار أيضا و قد رواه
زاذان أبو عمر عن البراء مطولا مبينا أخرجه أصحاب السنن و صححه أبو عوانة و غيره و فيه من
الزيادة في أوله استعيذوا بالله من عذاب القبر و فيه فترد روحه في جسده و فيه فيأتيه ملكان
فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان
له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان له و ما يدريك فيقول قرأت القرآن
كتاب الله فآمنت به و صدقت فذلك قوله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت و فيه و أن
الكافر تعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه
لا أدري الحديث و سيأتي نحو هذا في حديث أنس سادس أحاديث الباب و يأتي الكلام عليه
مستوفى هناك أن شاء الله تعالى قال الكرماني ليس في الآية ذكر عذاب القبر فلعله سمي أحوال
العبد في قبره عذاب القبر تغليبا لفتنة الكافر على فتنة المؤمن لأجل التخويف و لان القبر مقام
الهول و الوحشة و لان ملاقاة الملائكة مما يهاب منه ابن آدم في العادة * ثانيها حديث ابن عمر
في قصة أصحاب القليب قليب بدر و فيه قوله صلى الله عليه و سلم ما أنتم بأسمع لما أقول منهم أورده
هنا مختصرا و سيأتي مطولا في المغازي و صالح المذكور في الإسناد هو ابن كيسان * ثالثها حديث
عائشة قالت إنما قال النبي صلى الله عليه و سلم إنهم ليعلمون الآن ما أن كنت أقول لهم حق و هذا
مصير من عائشة إلى رد رواية ابن عمر المذكورة و قد خالفها الجمهور في ذلك و قبلوا حديث ابن عمر
لموافقة من رواه غيره عليه و أما استدلالها بقوله تعالى انك لا تسمع الموتى فقالوا معناها
لا تسمعهم سماعا ينفعهم أو لا تسمعهم الا أن يشاء الله و قال السهيلي عائشة لم تحضر قول النبي
صلى الله عليه و سلم فغيرها ممن حضر أحفظ للفظ النبي صلى الله عليه و سلم و قد قالوا له يا رسول الله
أتخاطب قوما قد جيفوا فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم قال و إذا جاز أن يكونوا في تلك الحال
عالمين جاز أن يكونوا سامعين إما بآذان رؤوسهم كما هو قول الجمهور أو باذان الروح على رأي من
يوجه السؤال إلى الروح من غير رجوع إلى الجسد قال و أما الآية فإنها كقوله تعالى أفأنت
تسمع الصم أو تهدى العمى أي إن الله هو الذي يسمع و يهدي انتهى و قوله إنها لم تحضر صحيح
لكن لا يقدح ذلك في روايتها لأنه مرسل صحابي و هو محمول على أنها سمعت ذلك ممن حضره
أو من النبي صلى الله عليه و سلم بعد و لو كان ذلك قادحا في روايتها لقدح في رواية ابن عمر فإنه
لم يحضر أيضا ولا مانع أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم قال اللفظين معا فإنه لا تعارض بينهما
و قال ابن التين لا معارضة بين حديث ابن عمر و الآية لأن الموتى لا يسمعون بلا شك لكن إذا
أراد الله إسماع ما ليس من شأنه السماع لم يمتنع كقوله تعالى انا عرضنا الأمانة الآية و قوله
فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها الآية و سيأتي في المغازي قول قتادة أن الله أحياهم حتى
سمعوا كلام نبيه توبيخا و نقمة انتهى وقد أخذ ابن جرير و جماعة من الكرامية من هذه
القصة أن السؤال في القبر يقع على البدن فقط و أن الله يخلق فيه ادراكا بحيث يسمع و يعلم
و يلذ و يألم و ذهب ابن حزن وابن هبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى
الجسد و خالفهم الجمهور فقالوا تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت في الحديث و لو كان
على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق اجزاؤه
185

لأن الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد و يقع عليه السؤال كما هو قادر على أن يجمع
أجزاءه و الحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقط أن الميت قد يشاهد في قبره حال المسئلة
لا أثر فيه من اقعاد ولا غيره ولا ضيق في قبره ولا سعة و كذلك غير المقبور كالمصلوب و جوابهم أن
ذلك غير ممتنع في القدرة بل له نظير في العادة و هو النائم فإنه يجد لذة و ألما لا يدركه جليسه بل
اليقظان قد يدرك ألما أو لذة لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يدرك ذلك جليسه و إنما أتى الغلط من
قياس الغائب على الشاهد و أحوال ما بعد الموت على ما قبله و الظاهر أن الله تعالى صرف أبصار
العباد و أسماعهم عن مشاهدة ذلك و ستره عنهم إبقاء عليهم لئلا يتدافنوا و ليست للجوارح
الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت الا من شاء الله و قد ثبتت الأحاديث بما ذهب إليه
الجمهور كقوله أنه ليسمع خفق نعالهم و قوله تختلف اضلاعه لضمة القبر و قوله يسمع صوته إذا
ضربه بالمطراق و قوله يضرب بين أذنيه و قوله فيقعدانه و كل ذلك من صفات الأجساد و ذهب
أبو الهذيل و من تبعه إلى أن الميت لا يشعر بالتعذيب ولا بغيره الا بين النفختين قالوا و حاله كحال
النائم و المغشى عليه لا يحس بالضرب ولا بغيره الا بعد الإفاقة و الأحاديث الثابتة في السؤال
حالة تولى أصحاب الميت عنه ترد عليهم * (تنبيه) * وجه إدخال حديث ابن عمر و ما عارضه من
حديث عائشة في ترجمة عذاب القبر أنه لما ثبت من سماع أهل القليب كلامه و توبيخه لهم دل
ادراكهم الكلام بحاسة السمع على جواز إدراكهم ألم العذاب ببقية الحواس بل بالذات إذ
الجامع بينهما و بين بقية الأحاديث أن المصنف أشار إلى طريق من طرق الجمع بين حديثي ابن عمر
و عائشة بحمل حديث ابن عمر على أن مخاطبة أهل القليب وقعت وقت المسئلة و حينئذ كانت
الروح قد أعيدت إلى الجسد و قد تبين من الأحاديث الأخرى أن الكافر المسؤول يعذب و أما
إنكار عائشة فمحمول على غير وقت المسئلة فيتفق الخبران و يظهر من هذا التقرير وجه إدخال
حديث ابن عمر في هذه الترجمة و الله أعلم * رابع أحاديث الباب حديث عائشة في قصة اليهودية
(قوله سمعت الأشعث) هو ابن أبي الشعثاء سليم بن الأسود المحاربي (قوله عن أبيه) في رواية أبي
داود الطيالسي عن شعبة عن أشعث سمعت أبي (قوله إن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب
القبر) وقع في رواية أبي وائل عن مسروق عند المصنف في الدعوات دخلت عجوزان من عجز
يهود المدينة فقالتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم و هو محمول على أن إحداهما تكلمت
و أقرتها الأخرى على ذلك فنسبت القول إليهما مجازا و الإفراد يحمل على المتكلمة و لم اقف على
اسم واحدة منهما و زاد في رواية أبي وائل فكذبتهما و وقع عند مسلم من طريق ابن شهاب عن
عروة عن عائشة قالت دخلت على امرأة من اليهود و هي تقول هل شعرت أنكم تفتنون في
القبور قالت فارتاع رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال إنما يفتن يهود قالت عائشة فلبثنا ليالي ثم
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هل شعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قالت عائشة
فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستعيذ من عذاب القبر و بين هاتين الروايتين مخالفة لأن
في هذه أنه صلى الله عليه و سلم أنكر على اليهودية و في الأولى أنه أقرها قال النووي تبعا للطحاوي
و غيره هما قصتان فأنكر النبي صلى الله عليه و سلم قول اليهودية في القصة الأولى ثم أعلم النبي صلى
الله عليه و سلم بذلك و لم يعلم عائشة فجاءت اليهودية مرة أخرى فذكرت لها ذلك فأنكرت عليها
186

مستندة إلى الإنكار الأول فاعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوحي نزل بإثباته انتهى و قال
الكرماني يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ سرا فلما رأى استغراب عائشة حين سمعت ذلك
من اليهودية أعلن به انتهى و كأنه لم يقف على رواية الزهري عن عروة التي ذكرناها عن صحيح مسلم
و قد تقدم في باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف من طريق عمرة عن عائشة أن يهودية
جاءت تسألها فقالت لها أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم
أتعذب الناس في قبورهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عائذا بالله من ذلك ثم ركب ذات
غداة مركبا فخسفت الشمس فذكر الحديث وفي آخره ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر و في
هذا موافقة لرواية الزهري و أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن علم بذلك و أصرح منه ما رواه أحمد
بإسناد على شرط البخاري عن سعيد بن عمرو بن سعيد الأموي عن عائشة أن يهودية كانت تخدمها
فلا تصنع عائشة إليها شيئا من المعروف الا قالت لها اليهودية وقاك الله عذاب القبر قالت فقلت
يا رسول الله هل للقبر عذاب قال كذبت يهود لا عذاب دون يوم القيامة ثم مكث بعد ذلك ما شاء
الله أن يمكث فخرج ذات يوم نصف النهار و هو ينادي بأعلى صوته أيها الناس استعيذوا بالله من
عذاب القبر فإن عذاب القبر حق و في هذا كله أنه صلى الله عليه وسلم إنما علم بحكم عذاب القبر
إذ هو بالمدينة في آخر الأمر كما تقدم تاريخ صلاة الكسوف في موضعه و قد استشكل ذلك
بأن الآية المتقدمة مكية و هي قوله تعالى يثبت الله الذين آمنوا و كذلك الآية الأخرى
المتقدمة و هي قوله تعالى النار يعرضون عليها غدوا و عشيا و الجواب أن عذاب القبر إنما
يؤخذ من الأولى بطريق المفهوم في حق من لم يتصف بالإيمان و كذلك بالمنطوق في الأخرى في
حق آل فرعون و أن التحق بهم من كان له حكمهم من الكفار فالذي أنكره النبي صلى الله عليه
وسلم إنما هو وقوع عذاب القبر على الموحدين ثم أعلم صلى الله عليه وسلم أن ذلك قد يقع على
من يشاء الله منهم فجزم به و حذر منه و بالغ في الاستعاذة منه تعليما لأمته و ارشادا فانتفى
التعارض بحمد الله تعالى و فيه دلالة على أن عذاب القبر ليس بخاص بهذه الأمة بخلاف
المسئلة ففيها اختلاف سيأتي ذكره آخر الباب (قوله قال نعم عذاب القبر) كذا للأكثر زاد في
رواية الحموي و المستملي حق و ليس بجيد لأن المصنف قال عقب هذه الطريق زاد غندر عذاب
القبر حق فتبين أن لفظ حق ليست في رواية عبدان عن أبيه عن شعبة و إنها ثابتة في رواية غندر
عن شعبة و هو كذلك و قد أخرج طريق غندر النسائي و الإسماعيلي كذلك و كذلك أخرجه أبو
داود الطيالسي في مسنده عن شعبة * (تنبيه) * وقع قوله زاد غندر الخ في رواية أبي ذر وحده و وقع
ذلك في بعض النسخ عقب حديث أسماء بنت أبي بكر و هو غلط * خامسها حديث أسماء بنت أبي بكر
أورده مختصرا جدا بلفظ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فذكر فتنة القبر التي يفتتن فيها
المرء فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة و هو مختصر و قد ساقه النسائي و الإسماعيلي من الوجه الذي
أخرجه منه البخاري فزاد بعد قوله ضجة حالت بيني و بين أن أفهم آخر كلام رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلما سكت ضجيجهم قلت لرجل قريب مني أي بارك الله فيك ماذا قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم في آخر كلامه قال قال قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريبا من فتنة الدجال
انتهى و قد تقدم هذا الحديث في كتاب العلم و في الكسوف من طريق فاطمة بنت المنذر عن
187

أسماء بتمامه و فيه من الزيادة يؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل الحديث فلم يبين فيه ما بين
في هذه الرواية من تفهيم الرجل المذكور لأسماء فيه و أخرجه في كتاب الجمعة من طريق فاطمة
أيضا و فيه أنه لما قال أما بعد لغط نسوة من الأنصار و أنها ذهبت لتسكتهن فاستفهمت عائشة عما
قال فيجمع بين مختلف هذه الروايات أنها احتاجت إلى الاستفهام مرتين و أنه لما حدثت فاطمة
لم تبين لها الاستفهام الثاني و لم اقف على اسم الرجل الذي استفهمت منه عن ذلك إلى الآن
و لأحمد من طريق محمد بن المنكدر عن أسماء مرفوعا إذا دخل الإنسان قبره فإن كان مؤمنا
احتف به عمله فيأتيه الملك فترده الصلاة و الصيام فيناديه الملك أجلس فيجلس فيقول ما تقول في
هذا الرجل محمد قال أشهد أنه رسول الله قال على ذلك عشت و عليه مت و عليه تبعث الحديث
و سيأتي الكلام عليه مستوفى في الحديث الذي يليه و قد تقدم الكلام على بقية فوائد حديث
أسماء في كتاب العلم و وقع في بعض النسخ هنا زاد غندر عذاب القبر و هو غلط لأن هذا إنما هو في
آخر حديث عائشة الذي قبله و أما حديث أسماء فلا رواية لغندر فيه * سادس أحاديث الباب
حديث أنس و قد تقدم بهذا الإسناد في باب خفق النعال و عبد الأعلى المذكور فيه هو ابن عبد
الأعلى السامي بالمهملة البصري و سعيد هو ابن أبي عروبة (قوله إن العبد إذا وضع في قبره)
كذا وقع عنده مختصرا و أوله عند أبي داود من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بهذا
السند أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل نخلا لبني النجار فسمع صوتا ففزع فقال من أصحاب
هذه القبور قالوا يا رسول الله ناس ماتوا في الجاهلية فقال تعوذوا بالله من عذاب القبر و من فتنة
الدجال قالوا و ما ذاك يا رسول الله قال إن العبد فذكر الحديث فأفاد بيان سبب الحديث (قوله
وانه ليسمع قرع نعالهم) زاد مسلم إذا انصرفوا و في رواية له يأتيه ملكان زاد ابن حبان و الترمذي
من طريق سعيد المقبري عن أبي هريره أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر و للآخر النكير
و في رواية ابن حبان يقال لهما منكر و نكير زاد الطبراني في الأوسط من طريق أخرى عن أبي
هريرة أعينهما مثل قدور النحاس و أنيابهما مثل صياصي البقر و أصواتهما مثل الرعد و نحوه
لعبد الرزاق من مرسل عمرو بن دينار و زاد يحفران بأنيابهما و يطآن في أشعارهما معهما مرزبة
لو اجتمع عليها أهل مني لم يقلوها و أورد ابن الجوزي في الموضوعات حديثا فيه أن فيهم رومان
و هو كبيرهم و ذكر بعض الفقهاء أن اسم اللذين يسألان المذنب منكر و نكير و أن اسم اللذين
يسألان المطيع مبشر و بشير (قوله فيقعدانه) زاد في حديث البراء فتعاد روحه في جسده كما
تقدم في أول أحاديث الباب و زاد ابن حبان من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة فإذا كان مؤمنا
كانت الصلاة عند رأسه و الزكاة عن يمينه و الصوم عن شماله و فعل المعروف من قبل رجليه
فيقال له اجلس فيجلس و قد مثلت له الشمس عند الغروب زاد ابن ماجة من حديث جابر فيجلس
فيمسح عينيه و يقول دعوني أصلى (قوله فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل محمد) زاد أبو
داود في أوله ما كنت تعبد فإن هداه الله قال كنت أعبد الله فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل
و لأحمد من حديث عائشة ما هذا الرجل الذي كان فيكم و له من حديث أبي سعيد فإن كان
مؤمنا قال أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله فيقال له صدقت زاد أبو داود فلا يسأل
عن شئ غيرهما و في حديث أسماء بنت أبي بكر المتقدم في العلم و الطهارة و غيرهما فأما المؤمن أو
188

الموقن فيقول محمد رسول الله جاءنا بالبينات و الهدى فأجبنا و آمنا و اتبعنا فيقال له نم صالحا و في
حديث أبي سعيد عند سعيد بن منصور فيقال له نم نومة العروس فيكون في أحلى نومة نامها أحد
حتى يبعث و للترمذي في حديث أبي هريرة و يقال له نم فينام نومة العروس الذي لا يوقظه الا
أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك و لابن حبان و ابن ماجة من حديث أبي هريرة
و أحمد من حديث عائشة و يقال له على اليقين كنت و عليه مت و عليه تبعث إن شاء الله (قوله
فيقال له انظر إلى مقعدك من النار) في رواية أبي داود فيقال له هذا بيتك كان في النار و لكن الله
عز وجل عصمك و رحمك فأبدلك الله به بيتا في الجنة فيقول دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي فيقال
له اسكت و في حديث أبي سعيد عند أحمد كان هذا منزلك لو كفرت بربك و لابن ماجة من
حديث أبي هريرة بإسناد صحيح فيقال له هل رأيت الله فيقول ما ينبغي لأحد أن يرى الله فتفرج
له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له انظر إلى ما وقاك الله و سيأتي في أواخر
الرقاق من وجه آخر عن أبي هريرة لا يدخل أحد الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد
شكرا و ذكر عكسه (قوله قال قتادة و ذكر لنا أنه يفسح له في قبره) زاد مسلم من طريق شيبان عن
قتادة سبعون ذراعا و يملأ خضرا إلى يوم يبعثون و لم أقف على هذه الزيادة موصولة من حديث
قتادة و في حديث أبي سعيد من وجه آخر عند أحمد و يفسح له في قبره و للترمذي وابن حبان من
حديث أبي هريرة فيفسح له في قبره سبعين ذراعا زاد ابن حبان في سبعين ذراعا و له من وجه آخر
عن أبي هريرة و يرحب له في قبره سبعون ذراعا و ينور له كالقمر ليلة البدر و في حديث البراء
الطويل فينادى مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة و افتحوا له بابا في الجنة
و ألبسوه من الجنة قال فيأتيه من روحها و طيبها و يفسح له فيها مد بصره زاد ابن حبان من
وجه آخر عن أبي هريرة فيزاد غبطة و سرورا فيعاد الجلد إلى ما بدا منه و تجعل روحه في نسم طائر
يعلق في شجر الجنة (قوله و اما المنافق و الكافر) كذا في هذه الطريق بواو العطف و تقدم في
باب خفق النعال بها و أما الكافر أو المنافق بالشك و في رواية أبي داود و أن الكافر إذا وضع و كذا
لابن حبان من حديث أبي هريرة و كذا في حديث البراء الطويل و في حديث أبي سعيد عند أحمد
و أن كان كافرا أو منافقا بالشك و له في حديث أسماء فإن كان فاجرا أو كافرا و في الصحيحين من
حديثها و أما المنافق أو المرتاب و في حديث جابر عند عبد الرزاق و حديث أبي هريرة عند
الترمذي و أما المنافق و في حديث عائشة عند أحمد و أبي هريرة عند ابن ماجة و أما الرجل السوء
و للطبراني من حديث أبي هريرة و أن كان من أهل الشك فاختلفت هذه الروايات لفظا و هي
مجتمعة على أن كلا من الكافر و المنافق يسئل ففيه تعقب على من زعم أن السؤال إنما يقع على
من يدعي الإيمان أن محقا و أن مبطلا و مستندهم في ذلك ما رواه عبد الرزاق من طريق عبيد
ابن عمير أحد كبار التابعين قال إنما يفتن رجلان مؤمن و منافق و أما الكافر فلا يسئل عن محمد ولا
يعرفه و هذا موقوف و الأحاديث الناصة على أن الكافر يسئل مرفوعة مع كثرة طرقها الصحيحة
فهي أولى بالقبول و جزم الترمذي الحكيم بأن الكافر يسئل و اختلف في الطفل غير المميز فجزم
القرطبي في التذكرة بأنه يسئل و هو منقول عن الحنفية و جزم غير واحد من الشافعية بأنه
لا يسئل و من ثم قالوا لا يستحب أن يلقن و اختلف أيضا في النبي هل يسئل و أما الملك فلا أعرف
189

أحدا ذكره و الذي يظهر أنه لا يسئل لأن السؤال يختص بمن شأنه أن يفتن و قد مال ابن عبد البر
إلى الأول و قال الآثار تدل على أن الفتنة لمن كان منسوبا إلى أهل القبلة و أما الكافر الجاحد
فلا يسئل عن دينه و تعقبه ابن القيم في كتاب الروح و قال في الكتاب و السنة دليل على أن السؤال
للكافر و المسلم قال الله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة
و يضل الله الظالمين و في حديث أنس في البخاري و أما المنافق و الكافر بواو العطف و في حديث
أبي سعيد فإن كان مؤمنا فذكره و فيه و إن كان كافرا و في حديث البراء و إن الكافر إذا كان
في انقطاع من الدنيا فذكره و فيه فيأتيه منكر و نكير الحديث أخرجه أحمد هكذا قال
و أما قول أبي عمر فأما الكافر الجاحد فليس ممن يسأل عن دينه فجوابه أنه نفى بلا دليل بل
في الكتاب العزيز الدلالة على أن الكافر يسئل عن دينه قال الله تعالى فلنسألن الذين أرسل
إليهم و لنسألن المرسلين و قال تعالى فوربك لنسألنهم أجمعين لكن للنافي أن يقول أن هذا
السؤال يكون يوم القيامة (قوله فيقول لا أدري في رواية أبي داود المذكورة و أن الكافر
إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره فيقول له ما كنت تعبد و في أكثر الأحاديث فيقولان له
ما كنت تقول في هذا الرجل و في حديث البراء فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدري
فيقولان له ما دينك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم
فيقول هاه هاه لا أدري و هو أتم الأحاديث سياقا (قوله كنت أقول ما يقول الناس) في
حديث أسماء سمعت الناس يقولون شيئا فقلته و كذا في أكثر الأحاديث (قوله لا دريت
ولا تليت) كذا في أكثر الروايات بمثناة مفتوحة بعدها لام مفتوحة و تحتانية ساكنة قال ثعلب
قوله تليت أصله تلوت أي لا فهمت ولا قرأت القرآن و المعنى لا دريت ولا اتبعت من يدري
و إنما قاله بالياء لمؤاخاة دريت و قال ابن السكيت قوله تليت أتباع ولا معنى لها و قيل صوابه
ولا اتليت بزيادة همزتين قبل المثناة بوزن افتعلت من قولهم ما ألوت أي ما استطعت حكى ذلك عن
الأصمعي وبه جزم الخطابي و قال الفراء أي قصرت كأنه قيل له لا دريت ولا قصرت في طلب
الدراية ثم أنت لا تدري و قال الأزهري الأ لو يكون بمعنى الجهد و بمعنى التقصير و بمعنى
الاستطاعة و حكى ابن قتيبة عن يونس بن حبيب أن صواب الرواية لا دريت ولا اتليت بزيادة
ألف و تسكين المثناة كأنه يدعو عليه بان لا يكون له من يتبعه و هو من الاتلاء يقال ما اتلت إبله
أي لم تلد أولادا يتبعونها و قال قول الأصمعي أشبه بالمعنى أي لا دريت ولا استطعت أن تدري
و وقع عند أحمد من حديث أبي سعيد لا دريت ولا اهتديت و في مرسل عبيد بن عمير عند عبد
الرزاق لا دريت ولا أفلحت (قوله بمطارق من حديد ضربة) تقدم في باب خفق النعال بلفظ
بمطرقة على الأفراد و كذا هو في معظم الأحاديث قال الكرماني الجمع مؤذن بان كل جزء من أجزاء
تلك المطرقة مطرقة برأسها مبالغة اه‍ و في حديث البراء لو ضرب بها جبل لصار ترابا و في حديث
أسماء و يسلط عليه دابة في قبره معها سوط ثمرته جمرة مثل غرب البعير تضربه ما شاء الله صماء
لا تسمع صوته فترحمه و زاد في أحاديث أبي سعيد و أبي هريرة و عائشة التي أشرنا إليها ثم يفتح له باب
إلى الجنة فيقال له هذا منزلك لو آمنت بربك فأما إذ كفرت فإن الله أبدلك هذا و يفتح له باب إلى
النار زاد في حديث أبي هريرة فيزداد حسرة و ثبورا و يضيق عليه قبره حتى تختلف اضلاعه
190

و في حديث البراء فينادى مناد من السماء افرشوه من النار و ألبسوه من النار و افتحوا له بابا إلى
النار فيأتيه من حرها و سمومها (قوله من يليه) قال المهلب المراد الملائكة الذين يلون فتنته كذا
قال ولا وجه لتخصيصه بالملائكة فقد ثبت أن البهائم تسمعه و في حديث البراء يسمعه من بين
المشرق و المغرب و في حديث أبي سعيد عند أحمد يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين و هذا يدخل
فيه الحيوان و الجماد لكن يمكن أن يخص منه الجماد و يؤيده أن في حديث أبي هريرة عند البزار
يسمعه كل دابة الا الثقلين و المراد بالثقلين الإنس و الجن قيل لهم ذلك لأنهم كالثقل على وجه
الأرض قال المهلب الحكمة في أن الله يسمع الجن قول الميت قدموني ولا يسمعهم صوته إذا
عذب ان كلامه قبل الدفن متعلق بأحكام الدنيا و صوته إذا عذب في القبر متعلق بأحكام الآخرة
و قد أخفى الله على المكلفين أحوال الآخرة الا من شاء الله إبقاء عليهم كما تقدم و قد جاء في عذاب
القبر غير هذه الأحاديث منها عن أبي هريرة و ابن عباس و أبي أيوب و سعد و زيد بن أرقم و أم خالد
في الصحيحين أو أحدهما و عن جابر و أبي سعيد عند ابن مردويه و عمر و عبد الرحمن بن حسنة
و عبد الله بن عمرو عند أبي داود و ابن مسعود عند الطحاوي و أبي بكرة و أسماء بنت يزيد عند
النسائي و أم مبشر عند ابن أبي شيبة و عن غيرهم و في أحاديث الباب من الفوائد اثبات عذاب
القبر و أنه واقع على الكفار و من شاء الله من الموحدين و المساءلة و هل هي واقعة على كل واحد
تقدم تقرير ذلك و هل تختص بهذه الأمة أم وقعت على الأمم قبلها ظاهر الأحاديث الأول و به
جزم الحكيم الترمذي و قال كانت الأمم قبل هذه الأمة تأتيهم الرسل فإن أطاعوا فذاك و أن أبوا
اعتزلوهم و عوجلوا بالعذاب فلما أرسل الله محمدا رحمة للعالمين أمسك عنهم العذاب و قبل الإسلام
ممن أظهره سواء أسر الكفر أو لا فلما ماتوا قيض الله لهم فتانى القبر ليستخرج سرهم بالسؤال
و ليميز الله الخبيث من الطيب و يثبت الله الذين آمنوا و يضل الله الظالمين انتهى و يؤيده حديث
زيد بن ثابت مرفوعا أن هذه الأمة تبتلى في قبورها الحديث أخرجه مسلم و مثله عند أحمد عن
أبي سعيد في أثناء حديث و يؤيده أيضا قول الملكين ما تقول في هذا الرجل محمد و حديث
عائشة عند أحمد أيضا بلفظ و أما فتنة القبر فبي تفتنون و عني تسألون و جنح ابن القيم إلى
الثاني و قال ليس في الأحاديث ما ينفى المسئلة عمن تقدم من الأمم و إنما أخبر النبي صلى الله
عليه وسلم أمته بكيفية امتحانهم في القبور لأنه نفى ذلك عن غيرهم قال و الذي يظهر أن كل
نبي مع أمته كذلك فتعذب كفارهم في قبورهم بعد سؤالهم إقامة الحجة عليهم كما يعذبون
في الآخرة بعد السؤال و إقامة الحجة و حكى في مسئلة الأطفال احتمالا و الظاهر أن ذلك
لا يمتنع في حق المميز دون غيره و فيه ذم التقليد في الاعتقادات لمعاقبة من قال كنت أسمع
الناس يقولون شيئا فقلته و فيه أن الميت يحيا في قبره للمسئلة خلافا لمن رده و احتج بقوله تعالى
قالوا ربنا أمتنا اثنتين و أحييتنا اثنتين الآية قال فلو كان يحيا في قبره للزم أن يحيا ثلاث مرات
و يموت ثلاثا مرات و هو خلاف النص و الجواب بأن المراد بالحياة في القبر للمسئلة ليست
الحياة المستقرة المعهودة في الدنيا التي تقوم فيها الروح بالبدن و تدبيره و تصرفه و تحتاج إلى
ما يحتاج إليه الأحياء بل هي مجرد إعادة لفائدة الإمتحان الذي و ردت به الأحاديث الصحيحة
فهي إعادة عارضة كما حيى خلق لكثير من الأنبياء لمساءلتهم لهم عن أشياء ثم عادوا موتى
191

و في حديث عائشة جواز التحديث عن أهل الكتاب بما وافق الحق (قوله باب التعوذ من
عذاب القبر) قال الزين بن المنير أحاديث هذا الباب الخطبة في الباب الذي قبله و إنما أفردها عنها
لأن الباب الأول معقود لثبوته ردا على من أنكره و الثاني لبيان ما ينبغي اعتماده في مده الحياة
من التوسل إلى الله بالنجاة منه و الابتهال إليه في الصرف عنه (قوله أخبرنا يحيى) هو ابن سعيد
القطان (قوله عن أبي أيوب) هو الأنصاري و في هذا الإسناد ثلاثة من الصحابة في نسق أولهم
أبو جحيفة (قوله وجبت الشمس) أي سقطت و المراد غروبها (قوله فسمع صوتا) قيل يحتمل
ان يكون سمع صوت ملائكة العذاب أو صوت اليهود المعذبين أو صوت وقع العذاب (قلت)
قد وقع عند الطبراني من طريق عبد الجبار بن العباس عن عون بهذا السند مفسرا و لفظه
خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين غربت الشمس و معي كوز من ماء فانطلق لحاجته حتى
جاء فوضأته فقال أتسمع ما أسمع قلت الله ورسوله أعلم قال أسمع أصوات اليهود يعذبون في
قبورهم (قوله يهود تعذب في قبورها) هو خبر متبدأ أي هذه يهود أو هو مبتدأ خبره محذوف
قال الجوهري اليهود قبيلة و الأصل اليهوديون فحذفت ياء الإضافة مثل زنج و زنجي ثم عرف على
هذا الحد فجمع على قياس شعير و شعيرة ثم عرف الجمع بالألف و اللام و لولا ذلك لم يجز دخول
الألف و اللام لأنه معرفة مؤنث فجرى مجرى القبيلة و هو غير منصرف للعلمية و التأنيث وهو
موافق لقوله فيما تقدم من حديث عائشة إنما تعذب اليهود و إذا ثبت أن اليهود تعذب بيهوديتهم
ثبت تعذيب غيرهم من المشركين لأن كفرهم بالشرك أشد من كفر اليهود (قوله و قال النضر
الخ) ساق هذه الطريق لتصريح عون فيها بسماعه له من أبيه و سماع أبيه له من البراء و قد وصله
الإسماعيلي من طريق أحمد بن منصور عن النضر و لم يسق المتن و ساقه إسحق بن راهويه في
مسنده عن النضر بلفظ فقال هذه يهود تعذب في قبورها قال ابن رشيد لم يجر للتعوذ من عذاب
القبر في هذا الحديث ذكر فلهذا قال بعض الشارحين انه من بقية الباب الذي قبله و انما أدخله
في هذا الباب بعض من نسخ الكتاب و لم يميز قال و يحتمل أن يكون المصنف أراد أن يعلم بأن
حديث أم خالد ثاني أحاديث هذا الباب محمول على أنه صلى الله عليه وسلم تعوذ من عذاب القبر
حين سمع أصوات يهود لما علم من حاله أنه كان يتعوذ و يأمر بالتعوذ مع عدم سماع العذاب
فكيف مع سماعه قال و هذا جار على ما عرف من عادة المصنف في الإغماض و قال الكرماني
العادة قاضية بأن كل من سمع مثل ذلك الصوت يتعوذ من مثله (قوله حدثنا معلى) هو ابن أسد
و بنت خالد اسمها أمة و تكنى أم خالد و قد أورده المصنف في الدعوات من وجه آخر عن موسى بن
عقبة سمعت أم خالد بنت خالد و لم أسمع أحدا سمع من النبي غيرها فذكره و وقع في الطبراني من وجه
آخر عن موسى بلفظ استجيروا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق (قوله في حديث أبي
هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو) زاد الكشميهني و يقول و قد تقدم الكلام على
فوائد هذا الحديث في آخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة (قوله باب عذاب القبر
من الغيبة و البول) قال الزين بن المنير المراد بتخصيص هذين الأمرين بالذكر تعظيم أمرهما
لا نفي الحكم عما عداهما فعلى هذا لا يلزم من ذكرهما حصر عذاب القبر فيهما لكن الظاهر من
الاقتصار على ذكرهما أنهما أمكن في ذلك من غيرهما و قد روى أصحاب السنن من حديث أبي
192

هريرة استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه ثم أورد المصنف حديث ابن عباس في
قصة القبرين و ليس فيه للغيبة ذكر و إنما ورد بلفظ النميمة و قد تقدم الكلام عليه مستوفى
في الطهارة و قيل مراد المصنف أن الغيبة تلازم النميمة لأن النميمة مشتملة على ضربين
نقل كلام المغتاب إلى الذي اغتابه و الحديث عن المنقول عنه بما لا يريده قال ابن رشيد لكن
لا يلزم من الوعيد على النميمة ثبوته على الغيبة وحدها لأن مفسدة النميمة أعظم و إذا لم
تساوها لم يصح الإلحاق إذ لا يلزم من التعذيب على الأشد التعذيب على الأخف لكن يجوز
أن يكون ورد على معنى التوقع و الحذر فيكون قصد التحذير من المغتاب لئلا يكون له
في ذلك نصيب انتهى و قد وقع في بعض طرق هذا الحديث بلفظ الغيبة كما بيناه في الطهارة
فالظاهر أن البخاري جرى على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث والله أعلم
(قوله باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة و العشي) أورد فيه حديث ابن عمر
أن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة و العشي قال ابن التين يحتمل أن يريد بالغداة
و العشي غداة واحدة و عشية واحدة يكون العرض فيها و معنى قوله حتى يبعثك الله أي لا تصل
إليه إلى يوم البعث و يحتمل أن يريد كل غداة و كل عشي و هو محمول على أنه يحيا منه جزء ليدرك
ذلك فغير ممتنع أن تعاد الحياة إلى جزء من الميت أو أجزاء و تصح مخاطبته و العرض عليه انتهى
و الأول موافق للأحاديث المتقدمة قبل بابين في سياق المساءلة و عرض المقعدين على كل أحد
و قال القرطبي يجوز أن يكون هذا العرض على الروح فقط و يجوز أن يكون عليه مع جزء من
البدن قال و المراد بالغداة و العشي وقتهما و إلا فالموتى لا صباح عندهم ولا مساء قال و هذا في حق
المؤمن و الكافر واضح فأما المؤمن المخلط فيحتمل في حقه أيضا لأنه يدخل الجنة في الجملة ثم هو
مخصوص بغير الشهداء لأنهم أحياء و أرواحهم تسرح في الجنة و يحتمل أن يقال إن فائدة
العرض في حقهم تبشير أرواحهم باستقرارها في الجنة مقترنة بأجسادها فإن فيه قدرا زائدا على
ما هي فيه الآن (قوله إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة) اتحد فيه الشرط و الجزاء لفظا ولا بد
فيه من تقدير قال التوربشتي التقدير إن كان من أهل الجنة فمقعد من مقاعد أهل الجنة يعرض
عليه و قال الطيبي الشرط و الجزاء إذا اتحدا لفظا دل على الفخامة و المراد أن يرى بعد البعث من
كرامة الله ما ينسيه هذا المقعد انتهى و وقع عند مسلم بلفظ إن كان من أهل الجنة فالجنة أي
فالمعروض الجنة و في هذا الحديث إثبات عذاب القبر و أن الروح لا تفنى بفناء الجسد لأن
العرض لا يقع إلا على حي و قال ابن عبد البر استدل به على أن الأرواح على أفنية القبور قال
و المعنى عندي أنها قد تكون على أفنية قبورها لا أنها لا تفارق الأفنية بل هي كما قال مالك إنه
بلغه أن الأرواح تسرح حيث شاءت (قوله حتى يبعثك الله يوم القيامة) في رواية مسلم عن
يحيى بن يحيى عن مالك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة و حكى ابن عبد البر فيه الاختلاف بين
أصحاب مالك و أن الأكثر رووه كرواية البخاري و أن ابن القاسم رواه كرواية مسلم قال و المعنى حتى
يبعثك الله إلى ذلك المقعد و يحتمل أن يعود الضمير إلى الله فإلى الله ترجع الأمور و الأول أظهر اه‍
و يؤيده رواية الزهري عن سالم عن أبيه بلفظ ثم يقال هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة
أخرجه مسلم و قد أخرج النسائي رواية ابن القاسم لكن لفظه كلفظ البخاري (قوله باب
193

كلام الميت على الجنازة) أي بعد حملها أورد فيه حديث أبي سعيد و قد تقدم الكلام عليه قبل
بضعة و ثلاثين بابا و ترجم له قول الميت و هو على الجنازة قدموني قال ابن رشيد الحكمة في هذا
التكرير أن الترجمة الأولى مناسبة للترجمة التي قبلها و هي باب السرعة بالجنازة لاشتمال
الحديث على بيان موجب الإسراع و كذلك هذه الترجمة مناسبة للتي قبلها كأنه أراد أن يبين أن
ابتداء العرض إنما يكون عند حمل الجنازة لأنها حينئذ يظهر لها ما تؤل إليه فتقول ما تقول
(قوله باب ما قيل في أولاد المسلمين) أي غير البالغين قال الزين بن المنير تقدم في
أوائل الجنائز ترجمة من مات له ولد فأحتسب و فيها الحديث المصدر به و إنما ترجم بهذه لمعرفة
مآل الأولاد و وجه انتزاع ذلك أن من يكون سببا في حجب النار عن أبويه أولى بأن يحجب هو
لأنه أصل الرحمة و سببها و قال النووي أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من
أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة و توقف فيه بعضهم لحديث عائشة يعني الذي أخرجه مسلم
بلفظ توفي صبي من الأنصار فقلت طوبى له لم يعمل سوأ و لم يدركه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو
غير ذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا الحديث قال و الجواب عنه أنه لعله نهاها عن المسارعة
إلى القطع من غير دليل أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة انتهى و قال القرطبي
نفى بعضهم الخلاف في ذلك و كأنه عنى ابن أبي زيد فإنه أطلق الإجماع في ذلك و لعله أراد إجماع من
يعتد به و قال المازري الخلاف في غير أولاد الأنبياء انتهى و لعل البخاري أشار إلى ما ورد في بعض
طرق حديث أبي هريرة الذي بدأ به كما سيأتي فإن فيه التصريح بإدخال الأولاد الجنة مع آبائهم
و روى عبد الله بن أحمد في زيادات المسند عن علي مرفوعا أن المسلمين و أولادهم في الجنة و أن
المشركين و أولادهم في النار ثم قرأ و الذين آمنوا و اتبعتهم الآية و هذا أصح ما ورد في تفسير هذه
الآية و به جزم ابن عباس (قوله و قال أبو هريرة الخ) لم أره موصولا من حديثه على هذا الوجه نعم
عند أحمد من طريق عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة
من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله وإياهم بفضل رحمته الجنة و لمسلم من طريق سهيل
عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسب الا دخلت الجنة
الحديث و له من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة دفنت
ثلاثة قالت نعم قال لقد احتظرت بحظار شديد من النار و في صحيح أبي عوانة من طريق عاصم عن
أنس مات ابن للزبير فجزع عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا
الحنث كانوا له حجابا من النار (قوله كان له) كذا للأكثر أي كان موتهم له حجابا و للكشميهني كانوا
أي الأولاد (قوله ثلاثة من الولد) سقط قوله من الولد في رواية أبي ذر وكذا سبق من رواية عبد
الوارث عن عبد العزيز في باب فضل من مات له ولد فأحتسب و تقدم الكلام عليه مستوفى هناك
(قوله لما توفي إبراهيم زاد الإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة بسنده ابن رسول
الله صلى الله عليه وسلم و له من طريق معاذ عن شعبة بسنده عن النبي صلى الله عليه و سلم توفي
ابنه إبراهيم (قوله إن له مرضعا في الجنة) قال ابن التين يقال امرأة مرضع بلا هاء مثل حائض
و قد أرضعت فهي مرضعة إذا بني من الفعل قال الله تعالى تذهل كل مرضعة عما أرضعت قال
و روى مرضعا بفتح الميم أي إرضاعا انتهى و قد سبق إلى حكاية هذا الوجه الخطابي و الأول رواية
194

الجمهور و في رواية عمرو المذكورة مرضعا ترضعه في الجنة و قد تقدم الكلام على قصة موت
إبراهيم مستوفى في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنا بك لمحزونون و إيراد البخاري له في هذا
الباب يشعر باختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة فكأنه توقف فيه أولا ثم جزم به (قوله
باب ما قيل في أولاد المشركين) هذه الترجمة تشعر أيضا بأنه كان متوقفا في ذلك و قد
جزم بعد هذا في تفسير سورة الروم بما يدل على اختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة كما سيأتي
تحريره و قد رتب أيضا أحاديث هذا الباب ترتيبا يشير إلى المذهب المختار فإنه صدره بالحديث
الدال على التوقف ثم ثنى بالحديث المرجح لكونهم في الجنة ثم ثلث بالحديث المصرح بذلك فإن
قوله في سياقه و أما الصبيان حوله فأولاد الناس قد أخرجه في التعبير بلفظ و أما الولدان الذين
حوله فكل مولود يولد على الفطرة فقال بعض المسلمين و أولاد المشركين فقال و أولاد المشركين
و يؤيده ما رواه أبو يعلى من حديث أنس مرفوعا سألت ربي اللأهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم
فأعطانيهم إسناده حسن و ورد تفسير اللأهين بأنهم الأطفال من حديث ابن عباس مرفوعا
أخرجه البزار و روى أحمد من طريق خنساء بنت معاوية بن صريم عن عمتها قالت قلت يا رسول
الله من في الجنة قال النبي في الجنة و الشهيد في الجنة و المولود في الجنة إسناده حسن * و اختلف
العلماء قديما و حديثا في هذه المسئلة على أقوال أحدها أنهم في مشيئة الله تعالى و هو منقول عن
الحمادين و ابن المبارك و إسحق و نقله البيهقي في الإعتقاد عن الشافعي في حق أولاد الكفار خاصة
قال ابن عبد البر و هو مقتضى صنيع مالك و ليس عنده في هذه المسئلة شئ منصوص إلا أن
أصحابه صرحوا بأن أطفال المسلمين في الجنة و أطفال الكفار خاصة في المشيئة و الحجة فيه حديث
الله أعلم بما كانوا عاملين * ثانيها أنهم تبع لآبائهم فأولاد المسلمين في الجنة و أولاد الكفار في النار
و حكاه ابن حزم عن الأزارقة من الخوارج و احتجوا بقوله تعالى رب لا تذر على الأرض من
الكافرين ديارا و تعقبه بأن المراد قوم نوح خاصة و إنما دعا بذلك لما أوحى الله إليه أنه لن يؤمن
من قومك إلا من قد آمن و أما حديث هم من آبائهم أو منهم فذاك ورد في حكم الحربي و روى
أحمد من حديث عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولدان المسلمين قال في الجنة و عن
أولاد المشركين قال في النار فقلت يا رسول الله لم يدركوا الأعمال قال ربك أعلم بما كانوا عاملين
لو شئت أسمعتك تضاغيهم في النار و هو حديث ضعيف جدا لأن في إسناده أبا عقيل مولى بهية
و هو متروك * ثالثها أنهم يكونون في برزخ بين الجنة و النار لأنهم لم يعملوا حسنات يدخلون بها
الجنة و لا سيئات يدخلون بها النار * رابعها خدم أهل الجنة و فيه حديث عن أنس ضعيف
أخرجه أبو داود الطيالسي و أبو يعلى و للطبراني و البزار من حديث سمرة مرفوعا أولاد المشركين
خدم أهل الجنة و إسناده ضعيف خامسها * أنهم يصيرون ترابا روى عن ثمامة بن أشرس سادسها
هم في النار حكاه عياض عن أحمد و غلطه ابن تيمية بأنه قول لبعض أصحابه ولا يحفظ عن الإمام
أصلا * سابعها أنهم يمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نار فمن دخلها كانت عليه بردا و سلاما و من
أبي عذب أخرجه البزار من حديث أنس و أبي سعيد و أخرجه الطبراني من حديث معاذ بن جبل
و قد صحت مسئلة الإمتحان في حق المجنون و من مات في الفترة من طرق صحيحة و حكى البيهقي في
كتاب الإعتقاد أنه المذهب الصحيح و تعقب بأن الآخرة ليست دار تكليف فلا عمل فيها و لا ابتلاء
195

و أجيب بأن ذلك بعد أن يقع الاستقرار في الجنة أو النار و أما في عرصات القيامة فلا مانع من
ذلك و قد قال تعالى يوم يكشف عن ساق و يدعون إلى السجود فلا يستطيعون و في الصحيحين أن
الناس يؤمرون بالسجود فيصير ظهر المنافق طبقا فلا يستطيع أن يسجد * ثامنها أنهم في الجنة
و قد تقدم القول فيه في باب فضل من مات له ولد قال النووي و هو المذهب الصحيح المختار الذي
صار إليه المحققون لقوله تعالى و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا و إذا كان لا يعذب العاقل
لكونه لم تبلغه الدعوة فلأن لا يعذب غير العاقل من باب الأولى و لحديث سمرة المذكور في هذا
الباب و لحديث عمة خنساء المتقدم ولحديث عائشة الآتي قريبا * تاسعها الوقف عاشرها
الإمساك و في الفرق بينهما دقة ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث ابن عباس
و أبي هريرة سئل عن أولاد المشركين و في رواية ابن عباس ذراري المشركين و لم أقف في شئ من
الطرق على تسمية هذا السائل لكن عند أحمد و أبي داود عن عائشة ما يحتمل أن تكون هي
السائلة فأخرجا من طريق عبد الله بن أبي قيس عنها قالت قلت يا رسول الله ذراري المسلمين قال
مع آبائهم قلت يا رسول الله بلا عمل قال الله أعلم بما كانوا عاملين الحديث و روى عبد الرزاق من
طريق أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت سألت خديجة النبي صلى الله عليه و سلم
عن أولاد المشركين فقال هم مع آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته
بعد ما استحكم الإسلام فنزل ولا تزر وازرة وزر أخرى قال هم على الفطرة أو قال في الجنة و أبو
معاذ هو سليمان بن أرقم و هو ضعيف و لو صح هذا لكان قاطعا للنزاع رافعا لكثير من الإشكال
المتقدم (قوله الله أعلم) قال بن قتيبة معنى قوله بما كانوا عاملين أي لو أبقاهم فلا تحكموا عليه
بشئ و قال غيره أي علم أنهم لا يعملون شيئا ولا يرجعون فيعملون أو أخبر بعلم شئ لو وجد كيف
يكون مثل قوله ولو ردوا لعادوا (3) و لكن لم يرد أنهم يجازون بذلك في الآخرة لأن العبد لا يجازى
بما لم يعمل * (تنبيه) * لم يسمع ابن عباس هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك
أحمد من طريق عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال كنت أقول في أولاد المشركين هم منهم حتى
حدثني رجل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلقيته فحدثني عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال ربهم أعلم بهم هو خلقهم و هو أعلم بما كانوا عاملين فأمسكت عن قولي انتهى
و هذا أيضا يدفع القول الأول الذي حكيناه و أما حديث أبي هريرة فهو طرف من ثاني أحاديث
باب كما سيأتي في القدر من طريق همام عن أبي هريرة ففي آخره قالوا يا رسول الله أفرأيت من
يموت و هو صغير قال الله أعلم بما كانوا عاملين و كذا أخرجه مسلم من طريق أبي صالح عن أبي
هريرة بلفظ فقال رجل يا رسول الله أرأيت لو مات قبل ذلك و لأبي داود من طريق مالك عن
أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة نحو رواية همام و أخرج أبو داود عقبه عن ابن وهب سمعت
مالكا و قيل له أن أهل الأهواء يحتجون علينا بهذا الحديث يعني قوله فأبواه يهودانه أو ينصرانه
فقال مالك احتج عليهم بآخره الله أعلم بما كانوا عاملين و وجه ذلك أن أهل القدر استدلوا على أن
الله فطر العباد على الإسلام و أنه لا يضل أحدا و إنما يضل الكافر أبوهم فأشار مالك إلى الرد عليهم
بقوله الله أعلم فهو دال على أنه يعلم بما يصيرون إليه بعد إيجادهم على الفطرة فهو دليل على تقدم
العلم الذي ينكره غلاتهم و من ثم قال الشافعي أهل القدر إن أثبتوا العلم خصموا
196

(قوله عن أبي سلمة) هكذا رواه ابن أبي ذئب عن الزهري و تابعه يونس كما تقدم قبل أبواب من
طريق عبد الله بن المبارك عنه و أخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن يونس و خالفهما
الزبيدي و معمر فروياه عن الزهري عن سعيد بن المسيب بدل أبي سلمة وأخرجه الذهلي في
الزهريات من طريق الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة و قد تقدم
أيضا من طريق شعيب عن الزهري عن أبي هريرة من غير ذكر واسطة و صنيع البخاري يقتضي
ترجيح طريق أبي سلمة و صنيع مسلم يقتضي تصحيح القولين عن الزهري وب ذلك جزم الذهلي (قوله
كل مولود) أي من بني آدم و صرح به جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ كل بني
آدم يولد على الفطرة و كذا رواه خالد الواسطي عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن
الأعرج ذكرها ابن عبد البر و استشكل هذا التركيب بأنه يقتضي أن كل مولود يقع له التهويد
و غيره مما ذكر و الفرض أن بعضهم يستمر مسلما ولا يقع له شئ و الجواب أن المراد من التركيب
أن الكفر ليس من ذات المولود و مقتضى طبعه بل إنما حصل بسبب خارجي فإن سلم من ذلك
السبب استمر على الحق و هذا يقوي المذهب الصحيح في تأويل الفطرة كما سيأتي (قوله يولد على
الفطرة) ظاهره تعميم الوصف المذكور في جميع المولودين و أصرح منه رواية يونس المتقدمة
بلفظ ما من مولود إلا يولد على الفطرة و لمسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ ليس من
مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبر عنه لسانه و في رواية له من هذا الوجه ما من مولود إلا وهو
على الملة و حكى ابن عبد البر عن قوم أنه لا يقتضى العموم و إنما المراد أن كل من ولد على الفطرة
و كان له أبوان على غير الإسلام نقلاه إلى دينهما فتقدير الخبر على هذا كل مولود يولد على الفطرة
و أبواه يهوديان مثلا فإنهما يهودانه ثم يصير عند بلوغه إلى ما يحكم به عليه و يكفي في الرد عليهم
رواية أبي صالح المتقدمة و أصرح منها رواية جعفر بن ربيعة بلفظ كل بني آدم يولد على الفطرة
و قد اختلف السلف في المراد بالفطرة في هذا الحديث على أقوال كثيرة و حكى أبو عبيد أنه سأل
محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة عن ذلك فقال كان هذا في أول الإسلام قبل أن تنزل
الفرائض و قبل الأمر بالجهاد قال أبو عبيد كأنه عنى أنه لو كان يولد على الإسلام فمات قبل أن
يهوده أبواه مثلا لم يرثاه و الواقع في الحكم أنهما يرثانه فدل على تغير الحكم و قد تعقبه ابن
عبد البر و غيره و سبب الإشتباه أنه حمله على أحكام الدنيا فلذلك ادعى فيه النسخ و الحق أنه إخبار
من النبي صلى الله عليه وسلم بما وقع في نفس الأمر و لم يرد به اثبات أحكام الدنيا و أشهر الأقوال
أن المراد بالفطرة الإسلام قال ابن عبد البر و هو المعروف عند عامة السلف و أجمع أهل العلم
بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها الإسلام و احتجوا بقول أبي
هريرة في آخر حديث الباب اقرؤا إن شئتم فطرة الله التي فطر الناس عليها و بحديث عياض بن
حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أني خلقت عبادي حنفاء كلهم فاجتالتهم
الشياطين عن دينهم الحديث و قد رواه غيره فزاد فيه حنفاء مسلمين و رجحه بعض المتأخرين بقوله
تعالى فطرة الله لأنها إضافة مدح و قد أمر نبيه بلزومها فعلم أنها الإسلام و قال بن جرير قوله
فأقم وجهك للدين أي سدد لطاعته حنيفا أي مستقيما فطرة الله أي صبغة الله و هو منصوب
على المصدر الذي دل عليه الفعل الأول أو منصوب بفعل مقدر أي الزم و قد سبق قبل أبواب
197

قول الزهري في الصلاة على المولود من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام و سيأتي في تفسير سورة
الروم جزم المصنف بأن الفطرة الإسلام و قد قال أحمد من مات أبواه و هما كافران حكم بإسلامه
و استدل بحديث الباب فدل على أنه فسر الفطرة بالإسلام و تعقبه بعضهم بأنه كان يلزم أن لا يصح
استرقاقه ولا يحكم بإسلامه إذا أسلم أحد أبويه و الحق أن الحديث سيق لبيان ما هو في
نفس الأمر لا لبيان الأحكام في الدنيا و حكى محمد بن نصر أن آخر قولي أحمد أن المراد بالفطرة
الإسلام قال ابن القيم و قد جاء عن أحمد أجوبة كثيرة يحتج فيها بهذا الحديث على أن الطفل إنما
يحكم بكفره بأبويه فإذا لم يكن بين أبوين كافرين فهو مسلم و روى أبو داود عن حماد بن سلمة أنه
قال المراد أن ذلك حيث أخذ الله عليهم العهد حيث قال ألست بربكم قالوا بلى و نقله ابن عبد
البر عن الأوزاعي و عن سحنون و نقله أبو يعلى بن الفراء عن إحدى الروايتين عن أحمد و هو
ما حكاه الميموني عنه و ذكره ابن بطة و قد سبق في باب إسلام الصبي في آخر حديث الباب من طريق
يونس ثم يقول فطرة الله التي فطر الناس عليها إلى قوله القيم و ظاهره أنه من بقية الحديث المرفوع
و ليس كذلك بل هو من كلام أبي هريرة أدرج في الخبر بينه مسلم من طريق الزبيدي عن الزهري
و لفظه ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم قال الطيبي ذكر هذه الآية عقب هذا الحديث يقوي
ما أوله حماد بن سلمة من أوجه أحدها أن التعريف في قوله على الفطرة إشارة إلى معهود و هو
قوله تعالى فطرة الله و معنى المأمور في قوله فأقم وجهك أي أثبت على العهد القديم ثانيها و رود
الرواية بلفظ الملة بدل الفطرة و الدين في قوله للدين حنيفا هو عين الملة قال تعالى دينا قيما ملة
إبراهيم حنيفا و يؤيده حديث عياض المتقدم ثالثها التشبيه بالمحسوس المعاين ليفيد أن ظهوره
يقع في البيان مبلغ هذا المحسوس قال و المراد تمكن الناس من الهدى في أصل الجبلة و التهيؤ
لقبول الدين فلو ترك المرء عليها لاستمر على لزومها و لم يفارقها إلى غيرها لأن حسن هذا الدين
ثابت في النفوس و إنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية كالتقليد انتهى و إلى هذا مال
القرطبي في المفهم فقال المعنى أن الله خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق كما خلق أعينهم
و أسماعهم قابلة للمرئيات و المسموعات فما دامت باقية على ذلك القبول و على تلك الأهلية
أدركت الحق و دين الإسلام هو الدين الحق و قد دل على هذا المعنى بقية الحديث حيث قال
كما تنتج البهيمة يعني أن البهيمة تلد الولد كامل الخلقة فلو ترك كذلك كان بريئا من عيب لكنهم
تصرفوا فيه بقطع أذنه مثلا فخرج عن الأصل و هو تشبيه واقع و وجه واضح و الله أعلم و قال
ابن القيم ليس المراد بقوله يولد على الفطرة أنه خرج من بطن أمه يعلم الدين لأن الله يقول و الله
أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا و لكن المراد أن فطرته مقتضية لمعرفة دين
الاسلام و محبته فنفس الفطرة تسلتزم الإقرار و المحبة و ليس المراد مجرد قبول الفطرة لذلك لأنه
لا يتغير بتهويد الأبوين مثلا بحيث يخرجان الفطرة عن القبول و إنما المراد أن كل مولود يولد
على إقراره بالربوبية فلو خلي و عدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره كما أنه يولد على محبة ما يلائم
بدنه من ارتضاع اللبن حتى يصرفه عنه الصارف و من ثم شبهت الفطرة باللبن بل كانت إياه في
تأويل الرؤيا و الله أعلم و في المسئلة أقوال أخر ذكرها بن عبد البر و غيره منها قول ابن المبارك أن
المراد أنه يولد على ما يصير إليه من شقاوة أو سعادة فمن علم الله أنه يصير مسلما ولد على الإسلام و من
198

علم الله أنه يصير كافرا ولد على الكفر فكأنه أول الفطرة بالعلم و تعقب بأنه لو كان كذلك لم يكن
لقوله فأبواه يهودانه الخ معنى لأنهما فعلا به ما هو الفطرة التي ولد عليها فينافي التمثيل بحال
البهيمة و منها أن المراد أن الله خلق فيه المعرفة و الإنكار فلما أخذ الميثاق من الذرية قالوا جميعا
بلى أما أهل السعادة فقالوها طوعا و أما أهل الشقاوة فقالوها كرها و قال محمد بن نصر سمعت
إسحق بن راهويه يذهب إلى هذا المعنى و يرجحه و تعقب بأنه يحتاج إلى نقل صحيح فإنه لا يعرف
هذا التفصيل عند أخذ الميثاق إلا عن السدي و لم يسنده و كأنه أخذه من الإسرائيليات حكاه
ابن القيم عن شيخه و منها أن المراد بالفطرة الخلقة أي يولد سالما لا يعرف كفرا ولا إيمانا ثم يعتقد
إذا بلغ التكليف و رجحه ابن عبد البر و قال إنه يطابق التمثيل بالبهيمة ولا يخالف حديث عياض
لأن المراد بقوله حنيفا أي على استقامة و تعقب بأنه لو كان كذلك لم يقتصر في أحوال التبديل
على ملل الكفر دون ملة الإسلام و لم يكن لاستشهاد أبي هريرة بالآية معنى و منها قول بعضهم
أن اللام في الفطرة للعهد أي فطرة أبويه و هو متعقب بما ذكر في الذي قبله و يؤيد المذهب الصحيح
أن قوله فأبواه يهودانه الخ ليس فيه لوجود الفطرة شرط بل ذكر ما يمنع موجبها كحصول اليهودية
مثلا متوقف على أشياء خارجة عن الفطرة بخلاف الإسلام و قال ابن القيم سبب اختلاف
العلماء في معنى الفطرة في هذا الحديث أن القدرية كانوا يحتجون به على أن الكفر و المعصية ليسا
بقضاء الله بل مما ابتدأ الناس إحداثه فحاول جماعة من العلماء مخالفتهم بتأويل الفطرة على غير
معنى الإسلام ولا حاجة لذلك لأن الآثار المنقولة عن السلف أخذت على أنهم لم يفهموا من لفظ
الفطرة إلا الإسلام ولا يلزم من حملها على ذلك موافقة مذهب القدرية لأن قوله فأبواه يهودانه الخ
محمول على أن ذلك يقع بتقدير الله تعالى من ثم احتج عليهم مالك بقوله في آخر الحديث الله أعلم
بما كانوا عاملين (قوله فأبواه) أي المولود قال الطيبي الفاء إما للتعقيب أو السببية أو جزاء شرط
مقدر أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه إما بتعليمهما إياه أو بترغيبهما فيه و كونه تبعا لهما
في الدين يقتضي أن يكون حكمه حكمهما و خص الأبوان بالذكر للغالب فلا حجة فيه لمن حكم
بإسلام الطفل الذي يموت أبواه كافرين كما هو قول أحمد فقد استمر عمل الصحابة و من بعدهم على
عدم التعرض لأطفال أهل الذمة (قوله كمثل البهيمة تنتج البهيمة) أي تلدها فالبهيمة الثانية
بالنصب على المفعولية و قد تقدم بلفظ كما تنتج البهيمة بهيمة قال الطيبي قوله كما حال من الضمير
المنصوب في يهودانه أي يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة تشبيها بالبهيمة التي جدعت بعد
أن خلقت سليمة أو هو صفة مصدر محذوف أي يغيرانه تغييرا مثل تغييرهم البهيمة السليمة قال
و قد تنازعت الأفعال الثلاثة في كما على التقديرين (قوله تنتج) بضم أوله و سكون النون و فتح
المثناة بعدها جيم قال أهل اللغة نتجت الناقة على صيغة ما لم يسم فاعله تنتج بفتح المثناة و أنتج
الرجل ناقته ينتجها إنتاجا زاد في الرواية المتقدمة بهيمة جمعاء أي لم يذهب من بدنها شئ سميت بذلك
لاجتماع أعضائها (قوله هل ترى فيها جدعاء) قال الطيبي هو في موضع الحال أي سليمة مقولا في
حقها ذلك و فيه نوع التأكيد أي إن كل من نظر إليها قال ذلك لظهور سلامتها و الجدعاء
المقطوعة الأذن ففيه إيماء إلى أن تصميمهم على الكفر كان بسبب صممهم عن الحق و وقع في
الرواية المتقدمة بلفظ هل تحسون فيها من جدعاء و هو من الإحساس و المراد به العلم بالشئ يريد
199

أنها تولد لا جدع فيها و إنما يجدعها أهلها بعد ذلك و سيأتي في تفسير سورة الروم أن معنى قوله
لا تبديل لخلق الله أي لدين الله و توجيه ذلك * (تنبيه) * ذكر بن هشام في المغني عن
ابن هشام الخضراوي أنه جعل هذا الحديث شاهدا لورود حتى للاستثناء فذكره بلفظ كل
مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه و ينصرانه و قال ولك أن تخرجه
على أن فيه حذفا أي يولد على الفطرة و يستمر على ذلك حتى يكون يعني فتكون للغاية على
بابها انتهى و مال صاحب المغني في موضع آخر إلى أنه ضمن يولد معنى ينشأ مثلا و قد وجدت
الحديث في تفسير ابن مردويه من طريق الأسود بن سريع بلفظ ليست نسمة تولد إلا ولدت
على الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها الحديث و هو يؤيد الإحتمال المذكور و اللفظ
الذي ساقه الخضراوي لم أره في الصحيحين ولا غيرهما إلا عند مسلم كما تقدم في رواية حتى يعرب
عنه لسانه ثم وجدت أبا نعيم في مستخرجه على مسلم أورد الحديث من طريق كثير بن عبيد عن
محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري بلفظ ما من مولود يولد في بني آدم إلا يولد على الفطرة حتى
يكون أبواه يهودانه الحديث و كذا أخرجه ابن مردويه من هذا الوجه و هو عند مسلم عن
حاجب بن الوليد عن محمد بن حرب بلفظ ما من مولود إلا يولد على الفطرة أبواه يهود انه الحديث
(قوله باب) كذا ثبت لجميعهم إلا لأبي ذر و هو كالفصل من الباب الذي قبله و تعلق
الحديث به ظاهر من قوله في حديث سمرة المذكور و الشيخ في أصل الشجرة إبراهيم و الصبيان
حوله أولاد الناس و قد تقدم التنبيه على أنه أورده في التعبير بزيادة قالوا و أولاد المشركين فقال
و أولاد المشركين و سيأتي الكلام على بقية الحديث مستوفى في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى
(قوله في هذه الطريق فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده قال بعض أصحابنا عن موسى كلوب من
حديد في شدقه) كذا في رواية أبي ذر و هو سياق مستقيم و وقع في رواية غيره بخلاف ذلك
و البعض المبهم لم أعرف المراد به إلا أن الطبراني أخرجه في المعجم الكبير عن العباس بن الفضل
الإسقاطي عن موسى بن إسماعيل فذكر الحديث بطوله مثل حديث قبله و فيه بيده كلاب من
حديد (قوله فيه حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم على وسط النهر) قال يزيد و وهب بن جرير
200

عن جرير بن حازم و على شط النهر رجل و هذا التعليق عن هذين ثبت في رواية أبي ذر أيضا فأما
حديث يزيد و هو ابن هارون فوصله أحمد عنه فساق الحديث بطوله و فيه فإذا نهر من دم فيه
رجل و على شط النهر رجل و أما حديث وهب بن جرير فوصله أبو عوانة في صحيحه من طريقه
فساق الحديث بطوله و فيه حتى ينتهى إلى نهر من دم و رجل قائم في وسطه و رجل قائم على شاطئ
النهر الحديث و أصل الحديث عند مسلم من طريق وهب لكن باختصار و قوله فيه إذا ارتفعوا
كذا فيه بالفاء و العين المهملة و وقع في جمع الحميدي ارتقوا بالقاف فقط من الارتقاء و هو
الصعود (قوله باب موت يوم الاثنين) قال الزين بن المنير تعين وقت الموت ليس
لأحد فيه اختيار لكن في التسبب في حصوله مدخل كالرغبة إلى الله لقصد التبرك فمن لم تحصل له
الإجابة أثيب على اعتقاده و كأن الخبر الذي ورد في فضل الموت يوم الجمعة لم يصح عند البخاري
فاقتصر على ما وافق شرطه و أشار إلى ترجيحه على غيره و الحديث الذي أشار إليه أخرجه الترمذي
من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة
القبر و في إسناده ضعف و أخرجه أبو يعلى من حديث أنس نحوه و إسناده أضعف (قوله قالت
عائشة دخلت على أبي بكر) تعني أباها زاد أبو نعيم في المستخرج من هذا الوجه فرأيت به الموت
فقلت هيج هيج
من لا يزال دمعه مقنعا * فإنه في مرة مدفوق
فقال لا تقولي هذا و لكن قولي و جاءت سكرة الموت بالحق الآية ثم قال في أي يوم الحديث
و هذه الزيادة أخرجها بن سعد مفردة عن أبي أسامة عن هشام و قولها هيج بالجيم حكاية بكائها
(قوله في كم كفنتم النبي صلى الله عليه و سلم) أي كم ثوبا كفنتم النبي صلى الله عليه و سلم فيه
و قوله في كم معمول مقدم لكفنتم قيل ذكر لها أبو بكر ذلك بصيغة الاستفهام توطئة لها للصبر
على فقده و استنطاقا لها بما يعلم أنه يعظم عليه ذكره لما في بداءته لها بذلك من إدخال الغم العظيم
عليها لأنه يبعد أن يكون أبو بكر نسي ما سأل عنه مع قرب العهد و يحتمل أن يكون السؤال عن
قدر الكفن على حقيقته لأنه لم يحضر ذلك لاشتغاله بأمر البيعة و أما تعيين اليوم فنسيانه أيضا
محتمل لأنه صلى الله عليه و سلم دفن ليلة الأربعاء فيمكن أن يحصل التردد هل مات يوم الاثنين أو
الثلاثاء و قد تقدم الكلام على الكفن في موضعه (قوله قلت يوم الاثنين) بالنصب أي في يوم
الاثنين و قولها بعد ذلك قلت يوم الاثنين بالرفع أي هذا يوم الاثنين (قوله أرجو فيما بيني و بين
الليل) في رواية المستملي الليلة و لابن سعد من طريق الزهري عن عروة عن عائشة أول بدء مرض
أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادي الآخرة و كان يوما باردا فحم خمسة عشر
يوما و مات مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة وأشار الزين بن المنير
إلى أن الحكمة في تأخر وفاته عن يوم الاثنين مع أنه كان يحب ذلك ويرغب فيه لكونه قام في الأمر
بعد النبي صلى الله عليه و سلم فناسب أن تكون وفاته متأخرة عن الوقت الذي قبض فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم (قوله به ردع) بسكون المهملة بعدها عين الركعة أي لطخ لم يعمه كله
(قوله و زيدوا عليه ثوبين) زاد بن سعد عن أبي معاوية عن هشام جديدين (قوله فكفنوني
فيهما) أي المزيد و المزيد عليه و في رواية غير أبي ذر فيها أي الثلاثة (قوله خلق) بفتح المعجمة و اللام
201

أي غير جديد و في رواية أبي معاوية عند بن سعد ألا نجعلها جددا كلها قال لا وظاهره أن أبا بكر
كان يرى عدم المغالاة في الأكفان و يؤيده قوله بعد ذلك إنما هو للمهلة و روى أبو داود من حديث
على مرفوعا لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعا ولا يعارضه حديث جابر في الأمر بتحسين
الكفن أخرجه مسلم فإنه يجمع بينهما بحمل التحسين على الصفة وحمل المغالاة على الثمن وقيل
التحسين حق الميت فإذا أوصى بتركة أتبع كما فعل الصديق ويحتمل أن يكون اختار ذلك الثوب
بعينه لمعنى فيه من التبرك به لكونه صار إليه من النبي صلى الله عليه وسلم أو لكونه كان جاهد فيه
أو تعبد فيه ويؤيده ما رواه ابن سعد من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال قال أبو بكر كفنوني
في ثوبي اللذين كنت أصلى فيهما (قوله إنما هو) أي الكفن (قوله للمهلة) قال عياض روى
بضم الميم وفتحها وكسرها (قلت) جزم به الخليل و قال ابن حبيب هو بالكسر الصديد و بالفتح
التمهل و بالضم عكر الزيت و المراد هنا الصديد و يحتمل أن يكون المراد بقوله إنما هو أي الجديد
و أن يكون المراد بالمهلة على هذا التمهل أي أن الجديد لمن يريد البقاء والأول أظهر و يؤيده قول
القاسم بن محمد بن أبي بكر قال كفن أبو بكر في ريطة بيضاء و ريطة ممصرة و قال إنما هو لما يخرج
من أنفه و فيه أخرجه بن سعد و له عنه من وجه آخر إنما هو للمهل و التراب و ضبط الأصمعي هذه
بالفتح و في هذا الحديث استحباب التكفين في الثياب البيض و تثليث الكفن و طلب الموافقة
فيما وقع للأكابر تبركا بذلك وفيه جواز التكفين في الثياب المغسولة وإيثار الحي بالجديد والدفن
بالليل وفضل أبي بكر وصحة فراسته و ثباته عند وفاته وفيه أخذ المرء العلم عمن دونه و قال أبو عمر
فيه أن التكفين في الثوب الجديد والخلق سواء وتعقب بما تقدم من احتمال أن يكون أبو بكر
اختاره لمعنى فيه وعلى تقدير أن لا يكون كذلك فلا دليل فيه على المساواة (قوله باب
موت الفجاءة البغتة) قال ابن رشيد هو مضبوط بالكسر على البدل ويجوز الرفع على أنه خبر
مبتدأ محذوف أي هي البغتة ووقع في رواية الكشميهني بغتة والفجاءة بضم الفاء وبعد
الجيم مد ثم همز ويروي بفتح ثم سكون بغير مد وهي الهجوم على من لم يشعر به وموت الفجأة
وقوعه بغير سبب من مرض وغيره قال ابن رشيد مقصود المصنف والله أعلم الإشارة إلى أنه ليس
بمكروه لأنه صلى الله عليه وسلم لم يظهر منه كراهيته لما أخبره الرجل بأن أمه افتلتت نفسها وأشار
إلى ما رواه أبو داود بلفظ موت الفجأة أخذة أسف وفي إسناده مقال فجري على عادته في الترجمة
بما لم يوافق شرطه وإدخال ما يومئ إلى ذلك ولو من طرف خفي انتهى والحديث المذكور أخرجه
أبو داود من حديث عبيد بن خالد السلمي و رجاله ثقات إلا أن راويه رفعه مرة ووقفه أخرى وقوله
أسف أي غضب وزنا ومعنى وروى بوزن فاعل أي غضبان ولأحمد من حديث أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم مر بجدار مائل فأسرع وقال أكره موت الفوات قال ابن بطال وكان ذلك
والله أعلم لما في موت الفجأة من خوف حرمان الوصية وترك الاستعداد للمعاد بالتوبة وغيرها
من الأعمال الصالحة وقد روى بن أبي الدنيا في كتاب الموت من حديث أنس نحو حديث
عبيد بن خالد وزاد فيه المحروم من حرم وصيته انتهى وفي مصنف ابن أبي شيبة عن عائشة وابن
مسعود موت الفجأة راحة للمؤمن وأسف على الفاجر وقال ابن المنير لعل البخاري أراد بهذه
الترجمة أن من مات فجأة فليستدرك ولده من أعمال البر ما أمكنه مما يقبل النيابة كما وقع في حديث
202

الباب وقد نقل عن أحمد وبعض الشافعية كراهة موت الفجأة ونقل النووي عن بعض القدماء
أن جماعة من الأنبياء والصالحين ماتوا كذلك قال النووي وهو محبوب للمراقبين (قلت) وبذلك
يجتمع القولان (قوله حدثنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني (قوله أن رجلا) هو سعد بن
عبادة واسم أمه عمرة وسيأتي حديثه والكلام عليه في الوصايا إن شاء الله تعالى (قوله افتلتت)
بضم المثناة وكسر اللام أي سلبت على ما لم يسم فاعله يقال أفتلت فلان أي مات فجأة وافتلتت
نفسه كذلك وضبطه بعضهم بفتح السين أما على التمييز وأما على أنه مفعول ثان والفلتة
و الافتلات ما وقع بغتة من غير روية و ذكره ابن قتيبة بالقاف وتقديم المثناة و قال هي كلمة تقال
لمن قتله الحب و لمن مات فجأة و المشهور في الرواية بالفاء و الله أعلم (قوله باب ما جاء
في قبر النبي صلى الله عليه و سلم و أبي بكر و عمر) قال ابن رشيد قال بعضهم مراده بقوله قبر النبي صلى
الله عليه و سلم المصدر من قبرته قبرا و الأظهر عندي أنه أراد الاسم و مقصوده بيان صفته
من كونه مسنما أو غير مسنم و غير ذلك بما يتعلق بعضه ببعض (قوله قول الله عز وجل فاقبره)
يريد تفسير الآية ثم أماته فأقبره أي جعله ممن يقبر لا ممن يلقى حتى تأكله الكلاب مثلا و قال
أبو عبيدة في المجاز أقبره أمر بأن يقبر (قوله أقبرت الرجل إذا جعلت له قبرا وقبرته دفنته) قال
يحيى الفراء في المعاني يقال أقبره جعله مقبورا و قبره دفنه (قوله كفاتا الخ) روى عبد بن حميد من
طريق مجاهد قال في قوله ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء و أمواتا قال يكونون فيها ما أرادوا ثم
يدفنون فيها ثم أورد المصنف في الباب أحاديث * أولها حديث عائشة أن كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليتعذر في مرضه و قد ضبط في روايتنا بالعين المهملة و الذال المعجمة أي يتمنع و حكى
ابن التين أنه في رواية القابسي بالقاف و الدال المهملة أي يسأل عن قدر ما بقي إلى يومها لأن
المريض يجد عند بعض أهله من الأنس ما لا يجد عند بعض و سيأتي الكلام على فوائد هذا
الحديث و الذي بعده في باب الوفاة النبوية آخر المغازي أن شاء الله تعالى و المقصود من ايرادهما
هنا بيان أنه صلى الله عليه و سلم دفن في بيت عائشة و تقدم ثانيهما في باب ما يكره من اتخاذ القبور
على المساجد من طريق هلال المذكور و في باب بناء المسجد على القبر من وجه آخر و في أبواب
المساجد أيضا (قوله و عن هلال) يعني بالإسناد المذكور إليه (قوله كناني عروة بن الزبير)
أي الذي روى عنه ذلك الحديث و اختلف في كنية هلال فالمشهور أنه أبو عمرو و قيل أبو أمية و قيل
أبو الجهم (قوله عن سفيان التمار) هو ابن دينار على الصحيح و قيل ابن زياد و الصواب أنه
غيره و كل منهما عصفري كوفي و هو من كبار أتباع التابعين و قد لحق عصر الصحابة و لم أر له رواية
عن صحابي (قوله مسنما) أي مرتفعا زاد أبو نعيم في المستخرج و قبر أبي بكر و عمر كذلك
و استدل به على أن المستحب تسنيم القبور و هو قول أبي حنيفة و مالك و أحمد و المزني و كثير من
الشافعية و ادعى القاضي حسين اتفاق الأصحاب عليه و تعقب بأن جماعة من قدماء الشافعية
استحبوا التسطيح كما نص عليه الشافعي و به جزم الماوردي و آخرون و قول سفيان التمار
لا حجة فيه كما قال البيهقي لاحتمال أن قبره صلى الله عليه وسلم لم يكن في الأول مسنما فقد روى أبو
داود و الحاكم من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال دخلت على عائشة فقلت يا أمه اكشفي لي
عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم و صاحبيه فكشفت له عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة
203

مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء زاد الحاكم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما و أبا بكر
رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه و سلم و عمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه و سلم وهذا كان
في خلافة معاوية فكأنها كانت في الأول مسطحة ثم لما بني جدار القبر في إمارة عمر بن
عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعه و قد روى أبو بكر الآجري
في كتاب صفة قبر النبي صلى الله عليه و سلم من طريق إسحق بن عيسى ابن بنت داود بن أبي هند عن
غنيم بن بسطام المديني قال رأيت قبر النبي صلى الله عليه و سلم في إمارة عمر بن عبد العزيز فرأيته
مرتفعا نحوا من أربع أصابع و رأيت قبر أبي بكر وراء قبره و رأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل
منه ثم الاختلاف في ذلك في أيهما أفضل لا في أصل الجواز و رجح المزني التسنيم من حيث المعنى
بأن المسطح يشبه ما يصنع للجلوس بخلاف المسنم و رجحه ابن قدامة بأنه يشبه أبنية أهل الدنيا
و هو من شعار أهل البدع فكان التسنيم أولى و يرجح التسطيح ما رواه مسلم من حديث فضالة
ابن عبيد أنه أمر بقبر فسوى ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمر بتسويتها (قوله
حدثنا فروة) هو ابن أبي المغراء و على هو ابن مسهر و ثبت ذلك في رواية أبي ذر (قوله لما سقط
عليهم الحائط) أي حائط حجرة النبي صلى الله عليه و سلم و في رواية الحموي عنهم و السبب في ذلك
ما رواه أبو بكر الآجري من طريق شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة قال أخبرني أبي قال كان
الناس يصلون إلى القبر فأمر به عمر بن عبد العزيز فرفع حتى لا يصلي إليه أحد فلما هدم بدت قدم
بساق وركبة ففزع عمر بن عبد العزيز فأتاه عروة فقال هذا ساق عمر وركبته فسري عن عمر بن
عبد العزيز و روى الآجري من طريق مالك بن مغول عن رجاء بن حياة قال كتب الوليد بن
عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز و كان قد اشترى حجر أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أن اهدمها
و وسع بها المسجد فقعد عمر في ناحية ثم أمر بهدمها فما رأيته باكيا أكثر من يومئذ ثم بناه كما أراد
فلما أن بنى البيت على القبر و هدم البيت الأول ظهرت القبور الثلاثة و كان الرمل الذي عليها
قد انهار ففزع عمر بن عبد العزيز و أراد أن يقوم فيسويها بنفسه فقلت له أصلحك الله انك أن
قمت قام الناس معك فلو أمرت رجلا أن يصلحها و رجوت أنه يأمرني بذلك فقال يا مزاحم
يعني مولاه قم فأصلحها قال رجاء و كان قبر أبي بكر عند وسط النبي صلى الله عليه و سلم و عمر خلف
أبي بكر رأسه عند وسطه و هذا ظاهره يخالف حديث القاسم فإن أمكن الجمع وإلا فحديث القاسم
أصح و أما ما أخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن عائشة أبو بكر عن يمينه و عمر عن يساره فسنده
ضعيف و يمكن تأويله و الله أعلم (قوله و عن هشام) هو بالإسناد المذكور و قد أخرجه
المصنف في الاعتصام من وجه آخر عن هشام وأخرجه الإسماعيلي من طريق عبدة عن هشام
وزاد فيه و كان في بيتها موضع قبر (قوله لا أزكى) بضم أوله و فتح الكاف على البناء للمجهول أي
لا يثني على بسببه و يجعل لي بذلك مزية و فضل و أنا في نفس الأمر يحتمل أن لا أكون كذلك و هذا
منها على سبيل التواضع و هضم النفس بخلاف قولها لعمر كنت أريده لنفسي فكأن اجتهادها
في ذلك تغير أو لما قالت ذلك لعمر كان قبل أن يقع لها ما وقع في قصة الجمل فاستحيت بعد ذلك أن
تدفن هناك و قد قال عنها عمار بن ياسر و هو أحد من حاربها يومئذ أنها زوجة نبيكم في الدنيا
و الآخرة و سيأتي ذلك مبسوطا في كتاب الفتن أن شاء الله تعالى و هو كما قال رضي الله تعالى عنهم
204

أجمعين (قوله رأيت عمر بن الخطاب قال يا عبد الله بن عمر) هذا طرف من حديث طويل سيأتي
في مناقب عثمان و زاد فيه و قل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين وفي أوله قدر ورقة
في سياق مقتله و في آخره قدر صفحة في قصة بيعة عثمان قال ابن التين قول عائشة في قصة عمر كنت
أريده لنفسي يدل على أنه لم يبق ما يسع الا موضع قبر واحد فهو يغاير قولها
عند وفاتها لا تدفني عندهم فإنه يشعر بأنه بقي من البيت موضع للدفن و الجمع بينهما أنها كانت أولا تظن أنه لا يسع
الا قبرا واحدا فلما دفن ظهر لها أن هناك وسعا لقبر آخر و سيأتي الكلام عليه مستوفى هناك
أن شاء الله تعالى قال ابن بطال إنما استأذنها عمر لأن الموضع كان بيتها و كان لها فيه حق و كان لها
أن تؤثر به على نفسها فآثرت عمر و فيه الحرص على مجاورة الصالحين في القبور طمعا في إصابة
الرحمة إذا نزلت عليهم و في دعاء من يزورهم من أهل الخير و في قول عمر قل يستأذن عمر فإن أذنت
أن من وعد عدة جاز له الرجوع فيها ولا يلزم بالوفاء و فيه أن من بعث رسول في حاجة مهمة أن له
أن يسأل الرسول قبل وصوله إليه ولا يعد ذلك من قلة الصبر بل من الحرص على الخير و الله أعلم
(قوله باب ما ينهى من سب الأموات) قال الزين بن المنير لفظ الترجمة يشعر
بانقسام السب إلى منهى و غير منهى و لفظ الخبر مضمونه النهي عن السب مطلقا و الجواب
أن عمومه مخصوص بحديث أنس السابق حيث قال صلى الله عليه و سلم عند ثنائهم بالخير و بالشر
وجبت و أنتم شهداء الله في الأرض و لم ينكر عليهم و يحتمل أن اللام في الأموات عهدية و المراد به
المسلمون لأن الكفار مما يتقرب إلى الله بسبهم و قال القرطبي في الكلام على حديث وجبت
يحتمل أجوبة الأول أن الذي كان يحدث عنه بالشر كان مستظهرا به فيكون من باب لا غيبة
لفاسق أو كان منافقا ثانيها يحمل النهي على ما بعد الدفن و الجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه
ثالثها يكون النهي العام متأخرا فيكون ناسخا و هذا ضعيف و قال ابن رشيد ما محصله أن السب
ينقسم في حق الكفار و في حق المسلمين أما الكافر فيمنع إذا تأذى به الحي المسلم و أما المسلم فحيث
تدعو الضرورة إلى ذلك كأن يصير من قبيل الشهادة و قد يجب في بعض المواضع و قد يكون
فيه مصلحة للميت كمن علم أنه أخذ ماله بشهادة زور و مات الشاهد فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم
أن ذلك المال يرد إلى صاحبه قال و لأجل الغفلة عن هذا التفصيل ظن بعضهم أن البخاري
سها عن حديث الثناء بالخير و الشر و إنما قصد البخاري أن يبين أن ذلك الجائز كان على معنى
الشهادة و هذا الممنوع هو على معنى السب و لما كان المتن قد يشعر بالعموم اتبعه بالترجمة
التي بعده و تأول بعضهم الترجمة الأولى على المسلمين خاصة و الوجه عندي حمله على العموم
إلا ما خصصه الدليل بل لقائل أن يمنع أن ما كان على جهة الشهادة و قصد التحذير يسمى سبا في
اللغة و قال ابن بطال سب الأموات يجرئ مجرى الغيبة فإن كان أغلب أحوال المرء الخير
و قد تكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع و إن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له فكذلك الميت
و يحتمل أن يكون النهي على عمومه فيما بعد الدفن و المباح ذكر الرجل بما فيه قبل الدفن ليتعظ
بذلك فساق الأحياء فإذا صار إلى قبره أمسك عنه لإفضائه إلى ما قدم و قد عملت عائشة راوية هذا
الحديث بذلك في حق من استحق عندها اللعن فكانت تلعنه و هو حي فلما مات تركت ذلك و نهت
205

عن لعنه كما سأذكره (قوله أفضوا) أي وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر و استدل به على منع سب
الأموات مطلقا و قد تقدم أن عمومه مخصوص و أصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار
و الفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم و التنفير عنهم وقد أجمع العلماء على جواز جرح
المجروحين من الرواة أحياء و أمواتا (قوله و رواه عبد الله بن عبد القدوس و محمد بن أنس عن
الأعمش) أي متابعين لشعبة و أنس والد محمد كالجادة و هو كوفي سكن الدينور وثقه أبو زرعة
و غيره و روى عنه من شيوخ البخاري إبراهيم بن موسى الرازي و أما ابن عبد القدوس فذكره
البخاري في التاريخ فقال إنه صدوق إلا أنه يروي عن قوم ضعفاء و اختلف كلام غيره فيه و ليس له
في الصحيح غير هذا الموضع الواحد و وقع لنا أيضا من رواية محمد بن فضيل عن الأعمش بزيادة فيه
أخرجه عمر بن شبة في كتاب أخبار البصرة عن محمد بن يزيد الرفاعي عنه بهذا السند إلى مجاهد أن
عائشة قالت ما فعل يزيد الأرجي لعنه الله قالوا مات قالت استغفر الله قالوا ما هذا فذكرت
الحديث و أخرج من طريق مسروق أن عليا بعث يزيد بن قيس الأرجي في أيام الجمل برسالة فلم
ترد عليه جوابا فبلغها أنه عاب عليها ذلك فكانت تلعنه ثم لما بلغها موته نهت عن لعنه وقالت
إن رسول الله نهانا عن سب الأموات و صححه ابن حبان من وجه آخر عن الأعمش عن مجاهد
بالقصة (قوله تابعه علي بن الجعد) وصله المصنف في الرقاق عنه (قوله ومحمد بن عرعرة وابن أبي
عدي) لم أره من طريق محمد بن عرعرة موصولا وطريق ابن أبي عدي ذكرها الإسماعيلي و وصله
أيضا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة وهو عند أحمد عنه (قوله باب
ذكر شرار الموتى) تقدم في الباب قبله من شرح ذلك ما فيه كفاية وحديث الباب أورده هنا
مختصرا وسيأتي مطولا مع الكلام عليه في تفسير الشعراء إن شاء الله تعالى * (خاتمة) * اشتمل
كتاب الجنائز من الأحاديث المرفوعة على مائتي حديث و عشرة أحاديث المعلق من ذلك والمتابعة
ستة وخمسون حديثا والبقية موصولة المكرر من ذلك فيه وفيما مضى مائة حديث وتسعة
أحاديث والخالص مائة حديث وحديث وافقه مسلم على تخريجها سوى أربعة وعشرين حديثا
وهي حديث عائشة أقبل أبو بكر على فرسه وحديث أم العلاء في قصة عثمان بن مظعون وحديث
أنس أخذ الراية زيد فأصيب وحديثه ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة وحديث عبد الرحمن
ابن عوف قتل مصعب بن عمير وحديث سهل بن سعد أن امرأة جاءت ببردة منسوجة وحديث
أنس شهدنا بنتا للنبي صلى الله عليه وسلم وحديث أبي سعيد إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال
وحديث ابن عباس في القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب وحديث جابر في قصة قتلى أحد
زملوهم بدمائهم وحديثه في قصة إستشهاد أبيه ودفنه وحديث صفية بنت شيبة في تحريم مكة
وحديث أنس في قصة الغلام اليهودي وحديث ابن عباس كنت أنا وأمي من المستضعفين وقد
وهم المزي تبعا لأبي مسعود في جعله من المتفق وقد تعقبه الحميدي على أبي مسعود فأجاد وحديث
أبي هريرة الذي يخنق نفسه كما أوضحته فيما مضى وحديث عمر أيما مسلم شهد له أربعة بخير
وحديث بنت خالد بن سعيد في التعوذ وحديث البراء لما توفي إبراهيم وحديث سمرة في الرؤيا بطوله
لكن عند مسلم طرف يسير من أوله وحديث عائشة توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
الاثنين وحديثها في وصيتها أن لا تدفن معهم وحديث عمر في قصة وصيته عند قتله وحديث
206

عائشة لا تسبوا الأموات وحديث ابن عباس في قول أبي لهب وفيه من الآثار الموقوفة
على الصحابة ومن بعدهم ثمانية وأربعون أثرا منها ستة موصولة والبقية معلقة والله سبحانه
وتعالى أعلم بالصواب
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (كتاب الزكاة) *
البسملة ثابتة في الأصل ولأكثر الرواة باب بدل كتاب وسقط ذلك لأبي ذر فلم يقل باب ولا كتاب
وفي بعض النسخ كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة * والزكاة في اللغة النماء يقال زكا الزرع إذا
نما ويرد أيضا في المال وترد أيضا بمعنى التطهير وشرعا بالاعتبارين معا أما بالأول فلأن إخراجها
سبب للنماء في المال أو بمعنى أن الأجر بسببها يكثر أو بمعنى أن متعلقها الأموال ذات النماء
كالتجارة والزراعة ودليل الأول ما نقص مال من صدقة ولأنها يضاعف ثوابها كما جاء أن الله
يربي الصدقة وأما بالثاني فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل وتطهير من الذنوب وهي الركن
الثالث من الأركان التي بني الإسلام عليها كما تقدم في كتاب الإيمان وقال ابن العربي تطلق
الزكاة على الصدقة الواجبة والمندوبة والنفقة والحق والعفو وتعريفها في الشرع إعطاء
جزء من النصاب الحولي إلى فقير ونحوه غير هاشمي ولا مطلبي ثم لها ركن وهو الإخلاص
وشرط هو السبب وهو ملك النصاب الحولي وشرط من تجب عليه وهو العقل والبلوغ والحرية
ولها حكم وهو سقوط الواجب في الدنيا وحصول الثواب في الأخرى وحكمة وهي التطهير من
الأدناس ورفع الدرجة واسترقاق الأحرار انتهى وهو جيد لكن في شرط من تجب عليه
اختلاف والزكاة أمر مقطوع به في الشرع يستغني عن تكلف الاحتجاج له وإنما وقع
الاختلاف في بعض فروعه وأما أصل فرضية الزكاة فمن جحدها كفر وإنما ترجم المصنف بذلك على
عادته في إيراد الأدلة الشرعية المتفق عليها والمختلف فيها (قوله وقول الله) هو بالرفع قال الزين
ابن المنير مبتدأ وخبره محذوف أي هو دليل على ما قلناه من الوجوب ثم أورد المصنف في الباب
ستة أحاديث * أولها حديث أبي سفيان هو ابن حرب الطويل في قصة هرقل أورده هنا معلقا
واقتصر منه على قوله يأمر بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف ودلالته على الوجوب ظاهرة
ثانيها حديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن ودلالته على وجوب الزكاة أوضح من الذي قبله
ثالثها حديث أبي أيوب في سؤال الرجل عن العمل الذي يدخل به الجنة وأجيب بأن تقيم
الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم وفي دلالته على الوجوب غموض وقد أجيب عنه بأجوبة
أحدها أن سؤاله عن العمل الذي يدخل الجنة يقتضي أن لا يجاب بالنوافل قبل الفرائض
فتحمل على الزكاة الواجبة ثاني الأجوبة أن الزكاة قرينة الصلاة كما سيأتي في الباب من قول
أبي بكر الصديق وقد قرن بينهما في الذكر هنا ثالثها أنه وقف دخول الجنة على أعمال من جملتها أداء
الزكاة فيلزم أن من لم يعملها لم يدخل ومن لم يدخل الجنة دخل النار وذلك يقتضي الوجوب رابعها
أنه أشار إلى القصة التي في حديث أبي أيوب والقصة التي في حديث أبي هريرة الذي يعقبه
واحدة فأراد أن يفسر الأول بالثاني لقوله فيه وتؤدي الزكاة المفروضة وهذا أحسن الأجوبة
207

وقد أكثر المصنف من استعمال هذه الطريقة * رابع الأحاديث حديث أبي هريرة وقد أوضحناه
خامسها حديث ابن عباس في وفد عبد القيس وهو ظاهر أيضا سادسها حديث أبي هريرة في قصة
أبي بكر في قتال مانعي الزكاة واحتجاجه في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم أن عصمة النفس
والمال تتوقف على أداء الحق وحق المال الزكاة فأما حديث أبي سفيان فقد تقدم الكلام عليه
مستوفى في بدء الوحي وأما حديث ابن عباس في بعث معاذ فسيأتي الكلام عليه في أواخر كتاب
الزكاة قبل أبواب صدقة الفطر بستة أبواب وقوله في أوله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
معاذا إلى اليمن فقال ادعهم هكذا أورده في التوحيد مختصرا في أوله واختصر أيضا في آخره
وأورده في التوحيد عن أبي عاصم مثله لكنه قرنه برواية غيره وقد أخرجه الدارمي في مسنده
عن أبي عاصم ولفظه في أوله أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال إنك ستأتي
قوما أهل كتاب فادعهم وفي آخره بعد قوله فقرائهم فإن هم أطاعوا لك في ذلك فإياك وكرائم
أموالهم وإياك ودعوة المظلوم فإنها ليس لها من دون الله حجاب وكذا قال في المواضع كلها فإن
أطاعوا لك في ذلك والذي عند البخاري هنا فإن هم أطاعوا لذلك وستأتي هذه الزيادة من وجه
آخر مع شرحها إن شاء الله تعالى وأما حديث أبي أيوب فقوله فيه عن ابن عثمان الإبهام فيه
من الراوي عن شعبة وذلك أن اسم هذا الرجل عمرو وكان شعبة يسميه محمدا وكان الحذاق من
أصحابه يبهمونه كما وقع في رواية حفص بن عمرو كما سيأتي في الأدب عن أبي الوليد عن شعبة وكان
بعضهم يقول محمد كما قال شعبة وبيان ذلك في طريق بهز التي علقها المصنف هنا ووصله في كتاب
الأدب الآتي عن عبد الرحمن بن بشير عن بهز بن أسد وكذا أخرجه مسلم والنسائي من طريق بهز
(قوله عن موسى بن طلحة عن أبي أيوب) هو الأنصاري ووقع في رواية مسلم الآتي ذكرها حدثنا
موسى بن طلحة حدثني أبو أيوب (قوله أن رجلا) هذا الرجل حكى ابن قتيبة في غريب الحديث له
أنه أبو أيوب الراوي وغلطه بعضهم في ذلك فقال إنما هو راوي الحديث وفي التغليط نظر إذ لا مانع
أن يبهم الراوي نفسه لغرض له ولا يقال يبعد لوصفه في رواية أبي هريرة التي بعد هذه بكونه
أعرابيا لأنا نقول لا مانع من تعدد القصة فيكون السائل في حديث أبي أيوب هو نفسه لقوله
إن رجلا والسائل في حديث أبي هريرة أعرابي آخر قد سمي فيما رواه البغوي وابن السكن
والطبراني في الكبير وأبو مسلم الكجي في السنن من طريق محمد بن جحادة وغيره عن المغيرة بن عبد
الله اليشكري أن أباه حدثه قال انطلقت إلى الكوفة فدخلت المسجد فإذا رجل من قيس
يقال له ابن المنتفق وهو يقول وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبته فلقيته بعرفات
فزاحمت عليه فقيل لي إليك عنه فقال دعوا الرجل أرب ما له قال فزاحمت عليه حتى خلصت
إليه فأخذت بخطام راحلته فما غير علي قال شيئين أسألك عنهما ما ينجيني من النار وما يدخلني
الجنة قال فنظر إلى السماء ثم أقبل علي بوجهه الكريم فقال لئن كنت أو جزت المسألة لقد
أعظمت وطولت فاعقل علي أعبد الله لا تشرك به شيئا وأقم الصلاة المكتوبة وأد الزكاة
المفروضة وصم رمضان وأخرجه البخاري في التاريخ من طريق يونس بن أبي إسحق عن المغيرة
ابن عبد الله اليشكري عن أبيه قال غدوت فإذا رجل يحدثهم قال وقال جرير عن الأعمش
عن عمرو بن مرة عن المغيرة بن عبد الله قال سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر
208

الاختلاف فيه عن الأعمش وأن بعضهم قال فيه عن المغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه والصواب
المغيرة بن عبد الله اليشكري وزعم الصيرفي أن اسم ابن المنتفق هذا لقيط بن صبرة وافد بني
المنتفق فالله أعلم وقد يؤخذ من هذه الرواية أن السائل في حديث أبي هريرة هو السائل في
حديث أبي أيوب لأن سياقه شبيه بالقصة التي ذكرها أبو هريرة لكن قوله في هذه الرواية أرب
ما له في رواية أبي أيوب دون أبي هريرة وكذا حديث أبي أيوب وقع عند مسلم من رواية عبد الله بن
نمير عن عمرو بن عثمان بلفظ أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر فأخذ
بخطام ناقته ثم قال يا رسول الله أخبرني فذكره وهذا شبيه بقصة سؤال ابن المنتفق وأيضا فأبو
أيوب لا يقول عن نفسه إن أعرابيا والله أعلم وقد وقع نحو هذا السؤال لصخر بن القعقاع
الباهلي ففي حديث الطبراني أيضا من طريق قزعة بن سويد الباهلي حدثني أبي حدثني خالي
واسمه صخر بن القعقاع قال لقيت النبي صلى الله عليه وسلم بين عرفة ومزدلفة فأخذت بخطام
ناقته فقلت يا رسول الله ما يقربني من الجنة ويباعدني من النار فذكر الحديث وإسناده حسن
(قوله قال ما له ما له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرب ما له) كذا في هذه الرواية لم يذكر فاعل
قال ما له ما له وفي رواية بهز المعلقة هنا الموصولة في كتاب الأدب قال القوم ما له ما له قال ابن بطال
هو استفهام والتكرار للتأكيد وقوله أرب بفتح الهمزة والراء منونا أي حاجة وهو مبتدأ وخبره
محذوف استفهم أولا ثم رجع إلى نفسه فقال له أرب انتهى وهذا بناء على أن فاعل قال النبي
صلى الله عليه وسلم وليس كذلك لما بيناه بل المستفهم الصحابة والمجيب النبي صلى الله عليه وسلم
وما زائدة كأنه قال له حاجة ما وقال بن الجوزي المعنى له حاجة مهمة مفيدة جاءت به لأنه قد علم
بالسؤال أن له حاجة وروى بكسر الراء وفتح الموحدة بلفظ الفعل الماضي وظاهره الدعاء والمعنى
التعجب من السائل وقال النضر بن شميل يقال أرب الرجل في الأمر إذا بلغ فيه جهده وقال
الأصمعي أرب في الشئ صار ماهرا فيه فهو أريب وكأنه تعجب من حسن فطنته والتهدي إلى
موضع حاجته ويؤيده قوله في رواية مسلم المشار إليها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد وفق أو
لقد هدي وقال ابن قتيبة قوله أرب من الآراب وهي الأعضاء أي سقطت أعضاؤه وأصيب بها
كما يقال تربت يمينك وهو مما جاء بصيغة الدعاء ولا يراد حقيقته وقيل لما رأى الرجل يزاحمه دعا
عليه لكن دعاؤه على المؤمن طهر له كما ثبت في الصحيح وروى بفتح أوله وكسر الراء والتنوين
أي هو أرب أي حاذق فطن ولم أقف على صحة هذه الرواية وجزم الكرماني بأنها ليست
محفوظة وحكى القاضي عن رواية لأبي ذر أرب بفتح الجميع وقال لا وجه له (قلت) وقعت
في الأدب من طريق الكشميهني وحده * وقوله يدخلني الجنة بضم اللام والجملة في موضع جر
صفة لقوله بعمل ويجوز الجزم جوابا للأمر ورده بعض شراح المصابيح لأن قوله بعمل يصير غير
موصوف مع أنه نكرة فلا يفيد وأجيب بأنه موصوف تقديرا لأن التنكير للتعظيم فأفاد
ولأن جزاء الشرط محذوف والتقدير إن عملته يدخلني (قوله وتصل الرحم) أي تواسي ذوي
القرابة في الخيرات وقال النووي معناه أن تحسن إلى أقاربك ذوي رحمك بما تيسر على حسب
حالك وحالهم من إنفاق أو سلام أو زيارة أو طاعة أو غير ذلك وخص هذه الخصلة من بين خلال
الخير نظرا إلى حال السائل كأنه كان لا يصل رحمه فأمره به لأنه المهم بالنسبة إليه ويؤخذ منه
209

تخصيص بعض الأعمال بالحض عليها بحسب حال المخاطب وافتقاره للتنبيه عليها أكثر مما
سواها إما لمشقتها عليه وإما لتسهيله في أمرها (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف (قوله
أخشى أن يكون محمد غير محفوظ إنما هو عمرو) وجزم في التاريخ بذلك وكذا قال مسلم في شيوخ
شعبة والدارقطني في العلل وآخرون المحفوظ عمرو بن عثمان وقال النووي اتفقوا على أنه وهم
من شعبة وأن الصواب عمرو والله أعلم وأما حديث أبي هريرة فقد تقدم الكلام عليه في كون
الأعرابي السائل فيه هل هو السائل في حديث أبي أيوب أولا والأعرابي بفتح الهمزة من سكن
البادية كما تقدم (قوله عن يحيى بن سعيد بن حيان عن أبي زرعة) قال أبو علي وقع عند الأصيلي
عن أبي أحمد الجرجاني هنا عن يحيى بن سعيد بن أبي حيان أو عن يحيى بن سعيد عن أبي حيان وهو
خطأ إنما هو يحيى بن سعيد بن حيان كما لغيره من الرواة (قوله وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي
الزكاة المفروضة) قيل فرق بين القيدين كراهية لتكرير اللفظ الواحد وقيل عبر في الزكاة بالمفروضة
للاحتراز عن صدقة التطوع فإنها زكاة لغوية وقيل احترز من الزكاة المعجلة قبل الحول فإنها
زكاة وليست مفروضة (قوله فيه وتصوم رمضان) لم يذكر الحج لأنه كان حينئذ حاجا ولعله
ذكره له فاختصره (قوله قال والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا) زاد مسلم عن أبي بكر بن إسحاق
عن عفان بهذا السند شيئا أبدا ولا أنقص منه وباقي الحديث مثله وظاهر قوله من سره أن ينظر
إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا إما أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم أطلع على ذلك
فأخبر به أو في الكلام حذف تقديره إن دام على فعل الذي أمر به ويؤيده قوله في حديث أبي
أيوب عند مسلم أيضا إن تمسك بما أمر به دخل الجنة قال القرطبي في هذا الحديث وكذا
حديث طلحة في قصة الأعرابي وغيرهما دلالة على جواز ترك التطوعات لكن من داوم على ترك
السنن كان نقصا في دينه فإن كان تركها تهاونا بها ورغبة عنها كان ذلك فسقا يعني لورود الوعيد
عليه حيث قال صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس مني وقد كان صدر الصحابة ومن
تبعهم يواظبون على السنن مواظبتهم على الفرائض ولا يفرقون بينهما في اغتنام ثوابهما وإنما
احتاج الفقهاء إلى التفرقة لما يترتب عليه من وجوب الإعادة وتركها ووجوب العقاب على
الترك ونفيه ولعل أصحاب هذه القصص كانوا حديثي عهد بالإسلام فاكتفي منهم بفعل
ما وجب عليهم في تلك الحال لئلا يثقل ذلك عليهم فيملوا حتى إذا انشرحت صدورهم للفهم عنه
والحرص على تحصيل ثواب المندوبات سهلت عليهم انتهى وقد تقدم الكلام على شئ من هذا
في شرح حديث طلحة في كتاب الإيمان (قوله حدثنا مسدد عن يحيى) هو القطان (قوله عن أبي
حيان) هو يحيى ابن سعيد بن حيان المذكور في الإسناد الذي قبله وأفادت هذه الرواية تصريح
أبي حيان بسماعه له من أبي زرعة وبطل التردد الذي وقع عند الجرجاني لكن لم يذكر يحيى القطان
في هذا الإسناد أبا هريرة كما هو في رواية أبي ذر وغيرها من الروايات المعتمدة وثبت ذكره في بعض
الروايات وهو خطأ فقد ذكر الدارقطني في التتبع أن رواية القطان مرسلة كما تقدم ذلك في المقدمة
وأما حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس فقد تقدم الكلام عليه مستوفى في أواخر كتاب
210

الإيمان وحجاج شيخ البخاري هنا هو ابن منهال (قوله وقال سليمان وأبو النعمان عن حماد)
يعني ابن زيد بالإسناد المذكور في طريق حجاج (الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله) أي وافقا
حجاجا على سياقه إلا في إثبات الواو في قوله وشهادة أن لا إله إلا الله فحذفاها وهو أصوب فأما
سليمان فهو ابن حرب وقد وصل المصنف حديثه هذا عنه في الغازي وأما أبو النعمان فهو
محمد بن الفضل وقد وصل المصنف حديثه هذا عنه في الخمس وأما حديث أبي هريرة في قصة
أبي بكر في قتال مانعي الزكاة فقد تقدم الكلام عليه في شرح حديث ابن عمر في باب قوله فإن
تابوا وأقاموا الصلاة ويأتي الكلام على بقية ما يختص به في كتاب أحكام المرتدين إن شاء الله
وقوله في هذه الرواية لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر كان تامة بمعنى حصل
والمراد به قام مقامه * (تكميل) * اختلف في أول وقت فرض الزكاة فذهب الأكثر إلى أنه
وقع بعد الهجرة فقيل كان في السنة الثانية قبل فرض رمضان أشار إليه النووي في باب السير
من الروضة وجزم ابن الأثير في التاريخ بأن ذلك كان في التاسعة وفيه نظر فقد تقدم في حديث
ضمام بن ثعلبة وفي حديث وفد عبد القيس وفي عدة أحاديث ذكر الزكاة وكذا مخاطبة أبي
سفيان مع هرقل وكانت في أول السابعة وقال فيها يأمرنا بالزكاة لكن يمكن تأويل كل ذلك كما
سيأتي في آخر الكلام وقوى بعضهم ما ذهب إليه ابن الأثير بما وقع في قصة ثعلبة بن حاطب
المطولة ففيها لما أنزلت آية الصدقة بعث النبي صلى الله عليه وسلم عاملا فقال ما هذه إلا جزية
أو أخت الجزية والجزية إنما وجبت في التاسعة فتكون الزكاة في التاسعة لكنه حديث
ضعيف لا يحتج به وادعى ابن خزيمة في صحيحه أن فرضها كان قبل الهجرة واحتج بما أخرجه
من حديث أم سلمة في قصة هجرتهم إلى الحبشة وفيها أن جعفر بن أبي طالب قال للنجاشي في جملة
ما أخبره به عن النبي صلى الله عليه وسلم ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام انتهى وفي استدلاله
بذلك نظر لأن الصلوات الخمس لم تكن فرضت بعد ولا صيام رمضان فيحتمل أن تكون مراجعة
جعفر لم تكن في أول ما قدم على النجاشي وإنما أخبره بذلك بعد مدة قد وقع فيها ما ذكر من قصة
الصلاة والصيام وبلغ ذلك جعفرا فقال يأمرنا بمعنى يأمر به أمته وهو بعيد جدا وأولى ما حمل
عليه حديث أم سلمة هذا إن سلم من قدح في إسناده أن المراد بقوله يأمرنا بالصلاة والزكاة
والصيام أي في الجملة ولا يلزم من ذلك أن يكون المراد بالصلاة الصلوات الخمس ولا بالصيام صيام
رمضان ولا بالزكاة هذه الزكاة المخصوصة ذات النصاب والحول والله أعلم ومما يدل على أن
فرض الزكاة كان قبل التاسعة حديث أنس المتقدم في العلم في قصة ضمام بن ثعلبة وقوله أنشدك
الله آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا وكان قدوم ضمام سنة
خمس كما تقدم وإنما الذي وقع في التاسعة بعث العمال لأخذ الصدقات وذلك يستدعي تقدم
فريضة الزكاة قبل ذلك ومما يدل على أن فرض الزكاة وقع بعد الهجرة اتفاقهم على أن صيام
رمضان إنما فرض بعد الهجرة لأن الآية الدالة على فرضيته مدنية بلا خلاف وثبت عند أحمد
وابن خزيمة أيضا والنسائي وابن ماجة والحاكم من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال أمرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ثم نزلت فريضة الزكاة فلم يأمرنا
ولم ينهنا ونحن نفعله إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح إلا أبا عمار الراوي له عن قيس بن سعد وهو
كوفي اسمه عريب بالمهملة المفتوحة ابن حميد وقد وثقه أحمد وابن معين وهو دال على أن فرض
211

صدقة الفطر كان قبل فرض الزكاة فيقتضي وقوعها بعد فرض رمضان وذلك بعد الهجرة
وهو المطلوب ووقع في تاريخ الإسلام في السنة الأولى فرضت الزكاة وقد أخرج البيهقي في الدلائل
حديث أم سلمة المذكور من طريق المغازي لابن إسحق من رواية يونس بن بكير عنه وليس فيه
ذكر الزكاة وابن خزيمة أخرجه من حديث ابن إسحاق لكن من طريق سلمة بن الفضل عنه وفي
سلمة مقال والله أعلم (قوله باب البيعة على إيتاء الزكاة) قال الزين بن المنير
هذه الترجمة أخص من التي قبلها لتضمنها أن بيعة الإسلام لا تتم إلا بالتزام إيتاء الزكاة وأن
مانعها ناقض لعهده مبطل لبيعته فهو أخص من الإيجاب لأن كل ما تضمنته بيعة النبي صلى الله
عليه وسلم واجب وليس كل واجب تضمنته بيعته وموضوع التخصيص الاهتمام والاعتناء بالذكر
حال البيعة قال وأتبع المصنف الترجمة بالآية معتضدا بحكمها لأنها تضمنت أنه لا يدخل في
التوبة من الكفر وينال أخوة المؤمنين في الدين إلا من أقام الصلاة وآتى الزكاة انتهى وقد
تقدم الكلام على حديث جرير مستوفى في آخر كتاب الإيمان (قوله باب
إثم مانع الزكاة) قال الزين بن المنير هذه الترجمة أخص من التي قبلها لتضمن حديثها تعظيم
إثم مانع الزكاة والتنصيص على عظيم عقوبته في الدار الآخرة وتبرى نبيه منه بقوله له لا أملك لك
من الله شيئا وذلك مؤذن بانقطاع رجائه وإنما تتفاوت الواجبات بتفاوت المثوبات والعقوبات
فما شددت عقوبته كان إيجابه آكد مما جاء فيه مطلق العقوبة وعبر المصنف بالإثم ليشمل من
تركها جحدا أو بخلا والله أعلم (قوله وقول الله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة الآية)
فيه تلميح إلى تقوية قول من قال من الصحابة وغيرهم إن الآية عامة في حق الكفار والمؤمنين
خلافا لمن زعم أنها خاصة بالكفار وسيأتي ذكر ذلك في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى وذلك
مأخوذ من قوله في حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب أنا مالك أنا كنزك وقد وقع نحو ذلك أيضا
في الحديث الأول عند النسائي والطبراني في مسند الشاميين من طريق شعيب أيضا في آخر
الحديث وأفرد البخاري الجملة المحذوفة فذكرها في تفسير براءة بهذا الإسناد باختصار * (تنبيه) *
المراد بسبيل الله في الآية المعنى الأعم لا خصوص أحد السهام الثمانية التي هي مصارف
الزكاة وإلا لاختص بالصرف إليه بمقتضى هذه الآية (قوله تأتي الإبل على صاحبها) يعني يوم
القيامة كما سيأتي (قوله على خير ما كانت) أي من العظم والسمن ومن الكثرة لأنها تكون
عنده على حالات مختلفة فتأتي على أكملها ليكون ذلك أنكى له لشدة ثقلها (قوله إذا هو لم يعط
فيها حقها) أي لم يؤد زكاتها وقد رواه مسلم من حديث أبي ذر بهذا اللفظ (قوله تطؤه بأخفافها)
في رواية همام عن أبي هريرة في ترك الحيل فتخبط وجهه بأخفافها ولمسلم من طريق أبي صالح
عنه ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها منها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر
ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مرت عليه أولاها
ردت عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين العباد ويرى سبيله إما
إلى الجنة وإما إلى النار وللمصنف من حديث أبي ذر إلا أتى بها يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه
* (تنبيه) * كذا في أصل مسلم كلما مرت عليه أولاها ردت عليه أخراها قال عياض قالوا هو
تغيير وتصحيف وصوابه ما في الرواية التي بعده من طريق سهيل عن أبيه كلما مر عليه أخراها رد
212

عليه أولاها وبهذا ينتظم الكلام وكذا وقع عند مسلم من حديث أبي ذر أيضا وأقره النووي
على هذا وحكاه القرطبي وأوضح وجه الرد بأنه إنما يرد الأول الذي قد مر قبل وأما الآخر فلم
يمر بعد فلا يقال فيه رد ثم أجاب بأنه يحتمل أن المعنى أن أول الماشية إذا وصلت إلى آخرها تمشي
عليه تلاحقت بها أخراها ثم إذا أرادت الأولى الرجوع بدأت الأخرى بالرجوع فجاءت
الأخرى أول حتى تنتهي إلى آخر الأولى وكذا وجهه الطيبي فقال إن المعنى أن أولاها إذا مرت
على التتابع إلى أن تنتهي إلى الأخرى ثم ردت الأخرى من هذه الغاية وتبعها ما يليها إلى أن
تنتهي أيضا إلى الأولى والله أعلم (قوله في الغنم تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها) بكسر الطاء من
تنطحه ويجوز الفتح زاد في رواية أبي صالح المذكورة ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه
بقرونها وزاد فيه ذكر البقر أيضا وذكر في البقر والغنم ما ذكر في الإبل وسيأتي ذكر البقر في حديث
أبي ذر أيضا في باب مفرد (قوله قال ومن حقها أن تحلب على الماء) بحاء مهملة أي لمن يحضرها
من المساكين وإنما خص الحلب بموضع الماء ليكون أسهل على المحتاج من قصد المنازل وأرفق
بالماشية وذكره الداودي بالجيم وفسره بالإحضار إلى المصدق وتعقبه ابن دحية وجزم بأنه
تصحيف ووقع عند أبي داود من طريق أبي عمر الغداني عن أبي هريرة ما يوهم أن هذه الجملة
مرفوعة ولفظه قلنا يا رسول الله ما حقها قال إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنحتها وحلبها على
الماء وحمل عليها في سبيل الله وسيأتي في أواخر الشرب هذه القطعة وحدها مرفوعة من وجه
آخر عن أبي هريرة (قوله ولا يأتي أحدكم) في رواية النسائي من طريق علي بن عياش عن شعيب
ألا لا يأتين أحدكم وهذا حديث آخر متعلق بالغلول من الغنائم وقد أخرجه المصنف مفردا من
طريق أبي زرعة عن أبي هريرة ويأتي الكلام عليه في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى وقوله في
هذه الرواية لها يعار بتحتانية مضمومة ثم مهملة صوت المعز وفي رواية المستملي والكشميهني
هنا ثغاء بضم المثلثة ثم معجمة بغير راء ورجحه ابن التين وهو صياح الغنم وحكى ابن التين عن القزاز
أنه رواه تعار بمثناة ومهملة وليس بشئ وقوله رغاء بضم الراء ومعجمة صوت الإبل وفي الحديث
إن الله يحيى البهائم ليعاقب بها مانع الزكاة وفي ذلك معاملة له بنقيض قصده لأنه قصد منع حق
الله منها وهو الارتفاق والانتفاع بما يمنعه منها فكان ما قصد الإنتفاع به أضر الأشياء عليه
والحكمة في كونها تعاد كلها مع أن حق الله فيها إنما هو في بعضها لأن الحق في جميع المال غير
متميز ولأن المال لما لم تخرج زكاته غير مطهر وفيه أن في المال حقا سوى الزكاة وأجاب العلماء
عنه بجوابين أحدهما أن هذا الوعيد كان قبل فرض الزكاة أو يؤيده ما سيأتي من حديث ابن عمر
في الكنز لكن يعكر عليه أن فرض الزكاة متقدم على إسلام أبي هريرة كما تقدم تقريره
* ثاني الأجوبة أن المراد بالحق القدر الزائد على الواجب ولا عقاب بتركه وإنما ذكر استطرادا لما
ذكر حقها بين الكمال فيه وإن كان له أصل يزول الذم بفعله وهو الزكاة ويحتمل أن يراد ما إذا
كان هناك مضطر إلى شرب لبنها فيحمل الحديث على هذه الصورة وقال ابن بطال في المال حقان
فرض عين وغيره فالحلب من الحقوق التي هي من مكارم الأخلاق * (تنبيه) * زاد النسائي
في آخر هذا الحديث قال ويكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع يفر منه صاحبه ويطلبه
أنا كنزك فلا يزال حتى يلقمه إصبعه وهذه الزيادة قد أفرد البخاري بعضها كما قدمنا إلى قوله
213

أقرع ولم يذكر بقيته وكأنه استغنى عنه بطريق أبي صالح عن أبي هريرة وهو ثاني حديثي
الباب (قوله عن أبي صالح) كذا رواه عبد الرحمن وتابعه زيد بن أسلم عن أبي صالح عند مسلم
وساقه مطولا وكذا رواه مالك عن عبد الله بن دينار ورواه ابن حبان من طريق ابن
عجلان عن القعقاع بن حلية عن أبي صالح لكنه وقفه على أبي هريرة وخالفهم عبد العزيز
ابن أبي سلمة فرواه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أخرجه النسائي ورجحه لكن قال ابن
عبد البر رواية عبد العزيز خطأ بين لأنه لو كان عند عبد الله بن دينار عن ابن عمر ما رواه عن
أبي صالح أصلا انتهى وفي هذا التعليل نظر وما المانع أن يكون له فيه شيخان نعم الذي يجري على
طريقة أهل الحديث أن رواية عبد العزيز شاذة لأنه سلك الجادة ومن عدل عنها دل على مزيد
حفظه (قوله مثل له) أي صور أو ضمن مثل معنى التصيير أي صير ماله على صورة شجاع والمراد
بالمال الناض كما أشرت إليه في تفسير براءة ووقع في رواية زيد بن أسلم ما من صاحب ذهب
ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها في نار
جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره ولا تنافي بين الروايتين لاحتمال اجتماع الأمرين معا
فرواية ابن دينار توافق الآية التي ذكرها وهي سيطوقون ورواية زيد بن أسلم توافق قوله تعالى
يوم يحمى عليها في نار جهنم الآية قال البيضاوي خص الجنب والجبين والظهر لأنه جمع المال
ولم يصرفه في حقه لتحصيل الجاه والتنعم بالمطاعم والملابس أو لأنه أعرض عن الفقير وولاه
ظهره أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة لاشتمالها على الأعضاء الرئيسة وقيل المراد بها الجهات
الأربع التي هي مقدم البدن ومؤخره وجنباه نسأل الله السلامة والمراد بالشجاع وهو بضم
المعجمة ثم جيم الحية الذكر وقيل الذي يقوم على ذنبه ويواثب الفارس والأقرع الذي تقرع رأسه
أي تمعط لكثرة سمه وفي كتاب أبي عبيد سمي أقرع لأن شعر رأسه يتمعط لجمعه السم فيه وتعقبه
القزاز بأن الحية لا شعر برأسها فلعله يذهب جلد رأسه وفي تهذيب الأزهري سمي أقرع لأنه يقري
السم ويجمعه في رأسه حتى تتمعط فروة رأسه قال ذو الرمة
قري السم حتى أنمار فروة رأسه * عن العظم صل قاتل اللسع ما رده
وقال القرطبي الأقرع من الحيات الذي أبيض رأسه من السم ومن الناس الذي لا شعر برأسه
(قوله له زبيبتان) تثنيه زبيبة بفتح الزاي وموحدتين وهما الزبدتان اللتان في الشدقين يقال تكلم
حتى زبد شدقاه أي خرج الزبد منهما وقيل هما النكتتان السوداوان فوق عينيه وقيل نقطتان
يكتنفان فاه وقيل هما في حلقه بمنزلة زنمتي العنز وقيل لحمتان على رأسه مثل القرنين وقيل نابان
يخرجان من فيه (قوله يطوقه) بضم أوله وفتح الواو الثقيلة أي يصير له ذلك الثعبان طوقا (قوله
ثم يأخذ بلهزمتيه) فاعل يأخذ هو الشجاع والمأخوذ يد صاحب المال كما وقع مبينا في رواية همام
عن أبي هريرة الآتية في ترك الحيل بلفظ لا يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه (قوله بلهزمتيه)
بكسر اللام وسكون الهاء بعدها زاي مكسورة وقد فسر في الحديث بالشدقين وفي الصحاح
هما العظمان الناتئان في اللحيين تحت الأذنين وفي الجامع هما لحم الخدين الذي يتحرك إذا
أكل الإنسان (قوله ثم يقول أنا مالك أنا كنزك) وفائدة هذا القول الحسرة والزيادة في التعذيب
حيث لا ينفعه الندم وفيه نوع من التهكم وزاد في ترك الحيل من طريق همام عن أبي هريرة يفر
منه صاحبه ويطلبه وفي حديث ثوبان عند ابن حبان يتبعه فيقول أنا كنزك الذي تركته بعدك
214

فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيمضغها ثم يتبعه سائر جسده ولمسلم في حديث جابر يتبع صاحبه
حيث ذهب وهو يفر منه فإذا رأى أنه لا بد منه أدخل يده في فيه فجعل يقضمها كما يقضم الفحل
وللطبراني في حديث ابن مسعود ينقر رأسه وظاهر الحديث أن الله يصير نفس المال بهذه الصفة
وفي حديث جابر عند مسلم إلا مثل له كما هنا قال القرطبي أي صور أو نصب وأقيم من قولهم مثل
قائما أي منتصبا (قوله ثم تلا ولا يحسبن الذين يبخلون الآية) في حديث ابن مسعود عند
الشافعي والحميدي ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الآية ونحوه في رواية الترمذي قرأ
مصداقه سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وفي هذين الحديثين تقوية لقول من قال المراد
بالتطويق في الآية الحقيقة خلافا لمن قال إن معناه سيطوقون الإثم وفي تلاوة النبي صلى الله عليه
وسلم الآية دلالة على أنها نزلت في مانعي الزكاة وهو قول أكثر أهل العلم بالتفسير وقيل أنها
نزلت في اليهود الذين كتموا صفة النبي صلى الله عليه وسلم وقيل نزلت فيمن له قرابة لا يصلهم قاله
مسروق (قوله باب ما أدى زكاته فليس بكنز لقول النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيما
دون خمس أواق صدقة) قال ابن بطال وغيره وجه استدلال البخاري بهذا الحديث للترجمة أن
الكنز المنفي هو المتوعد عليه الموجب لصاحبه النار لا مطلق الكنز الذي هو أعم من ذلك وإذا تقرر
ذلك فحديث لا صدقة فيما دون خمس أواق مفهومه أن ما زاد على الخمس ففيه الصدقة ومقتضاه
أن كل مال أخرجت منه صدقة فلا وعيد على صاحبه فلا يسمى ما يفضل بعد إخراجه الصدقة
كنزا وقال ابن رشيد وجه التمسك به أن ما دون الخمس وهو الذي لا تجب فيه الزكاة قد عفى عن
الحق فيه فليس بكنز قطعا والله قد أثنى على فاعل الزكاة ومن أثني عليه في واجب حق المال
لم يلحقه ذم من جهة ما أثنى عليه فيه وهو المال انتهى ويتلخص أن يقال ما لم تجب فيه الصدقة
لا يسمى كنزا لأنه معفو عنه فليكن ما أخرجت منه الزكاة كذلك لأنه عفي عنه بإخراج ما وجب
منه فلا يسمى كنزا ثم إن لفظ الترجمة لفظ حديث روي مرفوعا وموقوفا عن ابن عمر أخرجه مالك
عن عبد الله بن دينار عنه موقوفا وكذا أخرجه الشافعي عنه ووصله البيهقي والطبراني من طريق
الثوري عن عبد الله بن دينار وقال إنه ليس بمحظوظ وأخرجه البيهقي أيضا من رواية عبد الله بن
نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بلفظ كل ما أديت زكاته وأن كان تحت سبع أرضين
فليس بكنز وكل ما لا تؤدى زكاته فهو كنز وأن كان ظاهرا على وجه الأرض أورده مرفوعا ثم قال
ليس بمحظوظ والمشهور وقفه وهذا يؤيد ما تقدم من أن المراد بالكنز معناه الشرعي وفي الباب
عن جابر أخرجه الحاكم بلفظ إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره ورجح أبي زرعة والبيهقي
وغيرهما وقفه كما عند البزار وعن أبي هريرة أخرجه الترمذي بلفظ إذا أديت زكاة مالك فقد
قضيت ما عليك وقال حسن غريب وصححه الحاكم وهو على شرط ابن حبان وعن أم سلمة عند
الحاكم وصححه ابن القطان أيضا وأخرجه أبو داود وقال ابن عبد البر في سنده مقال وذكر شيخنا في
شرح الترمذي أن سنده جيد وعن ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا بلفظ الترجمة وأخرجه
أبو داود مرفوعا بلفظ أن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم وفيه قصة قال ابن
عبد البر والجمهور على أن الكنز المذموم ما لم تؤد زكاته ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعا إذا
أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك فذكر بعض ما تقدم من الطرق ثم قال ولم يخالف في ذلك
215

إلا طائفة من أهل الزهد كأبي ذر وسيأتي شرح ما ذهب إليه من ذلك في هذا الباب (قوله وقال
أحمد بن شبيب) كذا للأكثر وفي رواية أبي ذر حدثنا أحمد وقد وصله أبو داود في كتاب الناسخ
والمنسوخ عن محمد بن يحيى وهو الذهلي عن أحمد بن شبيب شوال ووقع لنا بعلو في جزء الذهلي
وسياقه أتم مما في البخاري وزاد فيه سؤال الأعرابي أترث العمة قال ابن عمر لا أدري فلما أدبر
قبل ابن عمر يديه ثم قال نعم ما قال أبو عبد الرحمن يعني نفسه سئل عما لا يدري فقال لا أدري وزاد
في آخره بعد قوله طهرة للأموال ثم ألتفت إلي فقال ما أبالي لو كان لي مثل أحد ذهبا أعلم عدده
أزكيه وأعمل فيه بطاعة الله تعالى وهو عند ابن ماجة من طريق عقيل عن الزهري (قوله
من كنزها فلم يؤد زكاتها) أفرد الضمير إما على سبيل تأويل الأموال أو عودا إلى الفضة لأن
الانتفاع بها أكثر أو كان وجودها في زمنهم أكثر من الذهب أو على الاكتفاء ببيان حالها
عن بيان حال الذهب والحامل على ذلك رعاية لفظ القرآن حيث قال ينفقونها قال صاحب
الكشاف أفرد ذهابا إلى المعنى دون اللفظ لأن كل واحد منهما جملة وافية وقيل المعنى
ولا ينفقونها والذهب كذلك وهو كقول الشاعر * وإني وقيار بها لغريب * أي وقيار كذلك
(قوله انما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة هذا مشعر بأن الوعيد على الاكتناز وهو حبس
ما فضل عن الحاجة عن المواساة به كان في أول الإسلام ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة لما فتح الله
الفتوح وقدرت نصب الزكاة فعلى هذا المراد بنزول الزكاة بيان نصبها ومقاديرها لا إنزال أصلها
والله أعلم وقول ابن عمر لا أبالي لو كان لي مثل أحد ذهبا كأنه يشير إلى قول أبي ذر الآتي آخر
الباب والجمع بين كلام ابن عمر وحديث أبي ذر أن يحمل حديث أبي ذر على مال تحت يد الشخص
لغيره فلا يجب أن يحبسه عنه أو يكون له لكنه ممن يرجى فضله وتطلب عائدته كالإمام الأعظم
فلا يجب أن يدخر عن المحتاجين من رعيته شيئا ويحمل حديث ابن عمر على مال يملكه قد أدى
زكاته فهو يحب أن يكون عنده ليصل به قرابته ويستغني به عن مسئلة الناس وكان أبو ذر
يحمل الحديث على إطلاقه فلا يرى بادخار شئ أصلا قال ابن عبد البر وردت عن أبي ذر آثار كثيرة
تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز يذم فاعله
وأن آية الوعيد نزلت في ذلك وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم وحملوا الوعيد على مانعي
الزكاة وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابي حيث قال هل علي غيرها قال
لا إلا أن تطوع انتهى والظاهر أن ذلك كان في أول الأمر كما تقدم عن ابن عمر وقد استدل له
ابن بطال بقوله تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو أي ما فضل عن الكفاية فكان ذلك
واجبا في أول الأمر ثم نسخ والله أعلم وفي المسند من طريق يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال
كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الشدة ثم يخرج إلى قومه
ثم يرخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسمع الرخصة ويتعلق بالأمر الأول ثم ذكر المصنف
في الباب ثلاثة أحاديث * أحدها حديث أبي سعيد في تقدير نصب زكاة الورق وغيره (قوله
أخبرني يحيى بن أبي كثير) تعقبه الدارقطني وأبو مسعود بأن عبد الوهاب بن نجدة خالف
إسحق بن يزيد شيخ البخاري فيه فقال عن شعيب عن الأوزاعي حدثني يحيى بن سعيد وحماد
ورواه داود بن رشيد وهشام بن خالد جميعا عن شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى غير
منسوب وقال الوليد بن مسلم رواه عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن اليمان عن يحيى بن سعيد
216

وقال الإسماعيلي هذا الحديث مشهور عن يحيى بن سعيد رواه عنه الخلق وقد رواه داود بن
رشيد عن شعيب فقال عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد انتهى وقد تابع إسحق بن يزيد سليمان
ابن عبد الرحمن الدمشقي عن شعيب بن إسحاق أخرجه أبو عوانة والإسماعيلي من طريقه وذلك
دال على أنه عند شعيب عن الأوزاعي على الوجهين لكن دلت رواية الوليد بن مسلم على أن
رواية الأوزاعي عن يحيى بن سعيد بغير واسطة موهومة أو مدلسة ولذلك عدل عنها البخاري
واقتصر على طريق يحيى بن أبي كثير والله أعلم (قوله عن أبيه يحيى بن عمارة) في رواية يحيى بن
سعيد عن عمرو أنه سمع أباه وسيأتي الكلام عليه مستوفى بعد بضعة وعشرين بابا * ثانيها حديث
أبي ذر مع معاوية (قوله حدثنا علي سمع هشيما) كذا للأكثر وفي رواية أبي ذر عن مشايخه حدثنا
علي بن أبي هاشم وهو المعروف بابن طبراخ بكسر المهملة وسكون الموحدة وآخره غدا ووقع
في أطراف المزي عن علي بن عبد الله المديني وهو خطأ (قوله عن زيد بن وهب) هو التابعي الكبير
الكوفي أحد المخضرمين (قوله بالربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة مكان معروف بين مكة
والمدينة نزل به أبو ذر في عهد عثمان ومات به وقد ذكر في هذا الحديث سبب نزوله وإنما سأله زيد
ابن وهب عن ذلك لأن مبغضي عثمان كانوا يشنعون عليه أنه نفى أبا ذر وقد بين أبو ذر أن نزوله
في ذلك المكان كان باختياره نعم أمره عثمان بالتنحي عن المدينة لدفع المفسدة التي خافها على غيره
من مذهبه المذكور فاختار الربذة وقد كان يعدوا إليها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه
أصحاب السنن من وجه آخر عنه وفيه قصه له في التيمم وروينا في فوائد أبي الحسن بن جذلم بأسناده
إلى عبد الله بن الصامت قال دخلت مع أبي ذر على عثمان فحسر عن رأسه فقال والله ما أنا منهم
يعني الخوارج فقال إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة فقال لا حاجة لي في ذلك ائذن لي بالربذة
قال نعم ورواه أبو داود الطيالسي من هذا الوجه دون آخره وقال بعد قوله ما أنا منهم ولا أدركهم
سيماهم التحليق يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت وفي
طبقات ابن سعد من وجه آخر إن ناسا من أهل الكوفة قالوا لأبي ذر وهو بالربذة أن هذا الرجل
فعل بك وفعل هل أنت ناصب لنا راية يعني فنقاتله فقال لا لو أن عثمان سيرني من المشرق إلى
المغرب لسمعت وأطعت (قوله كنت بالشام) يعني بدمشق ومعاوية إذ ذاك عامل عثمان عليها
وقد بين السبب في سكناه الشام ما أخرجه أبو يعلى من طريق أخرى عن زيد بن وهب حدثني
أبو ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ البناء أي بالمدينة سلعا فارتحل إلى الشام
فلما بلغ البناء سلعا قدمت الشام فسكنت بها فذكر الحديث نحوه وعنده أيضا بإسناد فيه ضعف
عن ابن عباس قال استأذن أبو ذر على عثمان فقال إنه يؤذينا فلما دخل قال له عثمان أنت الذي
تزعم إنك خير من أبي بكر وعمر قال لا ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أحبكم
إلي وأقربكم مني من بقي على العهد الذي عاهدته عليه وأنا باق على عهده قال فأمره أن يلحق
بالشام وكان يحدثهم ويقول لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم إلا ما ينفقه في سبيل الله أو يعده
لغريم فكتب معاوية إلى عثمان إن كان لك بالشام حاجة فابعث إلى أبي ذر فكتب إليه عثمان أن
أقدم علي فقدم (قوله في والذين يكنزون الذهب والفضة) سيأتي في تفسير براءة من طريق جرير عن
حصين بلفظ فقرأت والذين يكنزون الذهب والفضة إلى آخر الآية (قوله نزلت في أهل الكتاب)
217

في رواية جرير ما هذه فينا (قوله فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني) في رواية الطبري أنهم
كثروا عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشام قال فخشي عثمان على أهل المدينة ما خشيه
معاوية على أهل الشام (قوله إن شئت تنحيت) في رواية الطبري فقال له تنح قريبا قال والله
لن أدع ما كنت أقوله وكذا لابن مردويه من طريق ورقاء عن حصين بلفظ والله لا أدع ما قلت
(قوله حبشيا) في رواية ورقاء عبدا حبشيا ولأحمد وأبي يعلى من طريق أبي حرب بن أبي
الأسود عن عمه عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له كيف تصنع إذا أخرجت منه أي
المسجد النبوي قال آتي الشام قال كيف تصنع إذا أخرجت منها قال أعود إليه أي المسجد
قال كيف تصنع إذا أخرجت منه قال أضرب بسيفي قال أدلك على ما هو خير لك من ذلك
وأقرب رشدا قال تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك وعند أحمد أيضا من طريق شهر بن
حوشب عن أسماء بنت يزيد عن أبي ذر نحوه والصحيح أن إنكار أبي ذر كان على السلاطين الذين
يأخذون المال لأنفسهم ولا ينفقونه في وجهه وتعقبه النووي بالابطال لأن السلاطين
حينئذ كانوا مثل أبي بكر وعمر وعثمان وهؤلاء لم يخونوا (قلت) لقوله محمل وهو أنه أراد من يفعل
ذلك وإن لم يوجد حينئذ من يفعله وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن الكفار
مخاطبون بفروع الشريعة لاتفاق أبي ذر ومعاوية على أن الآية نزلت في أهل الكتاب وفيه
ملاطفة الأئمة للعلماء فإن معاوية لم يجسر على الإنكار عليه حتى غالبا من هو أعلى منه في أمره
وعثمان لم يحنق على أبي ذر مع كونه كان مخالفا له في تأويله وفيه التحذير من الشقاق والخروج
على الأئمة والترغيب في الطاعة لأولي الأمر وأمر الأفضل بطاعة المفضول خشية المفسدة
وجواز الاختلاف في الاجتهاد والأخذ بالشدة في الأمر بالمعروف وإن أدى ذلك إلى فراق
الوطن وتقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة لأن في بقاء أبي ذر بالمدينة مصلحة كبيرة في بث
علمه في طالب العلم ومع ذلك فرجح عند عثمان دفع ما يتوقع من المفسدة من الأخذ بمذهبه
الشديد في هذه المسئلة ولم يأمره بعد ذلك بالرجوع عنه لأن كلا منهما كان مجتهدا * الحديث
الثالث (قوله حدثنا عياش) هو ابن الوليد الرقام وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى والجريري
بضم الجيم هو سعيد وأبو العلاء هو يزيد أبو عبد الله بن الشخير وأردف المصنف هذا الإسناد
بالإسناد الذي بعده وإن كان أنزل منه لتصريح عبد الصمد وهو ابن عبد الوارث فيه بتحديث
أبي العلاء للجريري والأحنف لأبي العلاء وقد روى الأسود بن شيبان عن أبي العلاء يزيد
المذكور عن أخيه مطرف عن أبي ذر طرفا من آخر هذا الحديث أيضا وأخرجه أحمد
وليس ذلك بعلة لحديث الأحنف لأن حديث الأحنف أتم سياقا وأكثر فوائد ولا مانع
أن يكون ليزيد فيه شيخان (قوله جلست إلى ملأ) في رواية مسلم والإسماعيلي من طريق
إسماعيل بن علية عن الجريري قدمت المدينة فبينما أنا في حلقة من قريش (قوله خشن
الشعر الخ) كذا للأكثر بمعجمتين من الخشونة وللقابسي بمهملتين من الحسن والأول أصح ووقع
في رواية مسلم أخشن الثياب أخشن الجسد أخشن الوجه فقام عليهم وليعقوب بن سفيان من
طريق حميد بن هلال عن الأحنف قدمت المدينة فدخلت مسجدها إذ دخل رجل آدم طوال
أبيض الرأس واللحية يشبه بعضه بعضا فقالوا هذا أبو ذر (قوله بشر الكانزين) في رواية
218

الإسماعيلي بشر الكنازين (قوله برضف) بفتح الراء وسكون المعجمة بعدها فاء هي الحجارة المحماة
وأحدها رضفة (قوله نغض) بضم النون وسكون المعجمة بعدها ضاد معجمة العظم الدقيق الذي
على طرف الكتف أو على أعلى الكتف قال الخطابي هو الشاخص منه وأصل النغض الحركة
فسمي ذلك الموضع نغضا لأنه يتحرك بحركة الإنسان (قوله يتزلزل) أي يضطرب ويتحرك في
رواية الإسماعيلي فيتجلجل بجيمين وزاد إسماعيل في هذه الرواية فوضع القوم رؤوسهم فما رأيت
أحدا منهم رجع إليه شيئا قال فأدبر فاتبعته حتى جلس إلى سارية (قوله وأنا لا أدري من
هو) زاد مسلم من طريق خليد العصري (3) عن الأحنف فقلت من هذا قالوا هذا أبو ذر
فقمت إليه فقلت ما شئ سمعتك تقوله قال ما قلت الا شيا سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم
وفي هذه الزيادة رد لقول من قال أنه موقوف على أبي ذر فلا يكون حجة على غيره ولأحمد من
طريق يزيد الباهلي عن الأحنف كنت بالمدينة فإذا أنا برجل يفر منه الناس حين يرونه قلت
من أنت قال أبو ذر قلت ما نفر الناس عنك قال إني أنهاهم عن الكنوز التي كان ينهاهم عنها
رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله إنهم لا يعقلون شيئا) بين وجه ذلك في آخر الحديث
حيث قال إنما يجمعون الدنيا وقوله لا أسألهم دنيا في رواية إسماعيل المذكورة فقلت ما لك
ولا خوانك من قريش لا تعتريهم ولا تصيب منهم قال وربك لا أسألهم دنيا الخ (قوله قلت
ومن خليلك قال النبي صلى الله عليه وسلم) فاعل قال هو أبو ذر والنبي صلى الله عليه وسلم
خبر المبتدأ كأنه قال خليلي النبي صلى الله عليه وسلم وسقط بعد ذلك قال النبي صلى الله
عليه وسلم أو قال فقط وكأن بعض الرواة ظنها مكررة فحذفها ولا بد من إثباتها (قوله يا أبا ذر
أتبصر أحدا) وهو حديث مستقل سيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الرقاق وعلى ما وقع في
هذه الرواية من قوله إلا ثلاثة دنانير إن شاء الله تعالى وإنما أورده أبو ذر للأحنف لتقوية ما ذهب
إليه من ذم اكتناز المال وهو ظاهر في ذلك إلا أنه ليس على الوجوب ومن ثم عقبة المصنف
بالترجمة التي تليه فقال باب انفاق المال في حقه وأورده فيه الحديث الدال على الترغيب في ذلك
وهو من أدل دليل على أن أحاديث الوعيد محمولة على من لا يؤدي الزكاة واما حديث ما أحب
لو أن لي أحدا ذهبا فمحمول على الأولوية لان جمع المال وإن كان مباحا لكن الجامع مسؤول غمه
وفى المحاسبة خطر وإن كان الترك أسلم وما ورد من الترغيب في تحصيله وانفاقه في حقه فمحمول
على من وثق بأنه يجمعه من الحلال الذي يامن خطر المحاسبة عليه فإنه إذا أنفقه حصل له ثواب
ذلك النفع المتعدى ولا يتأتى ذلك لمن لم يحصل شيئا كما تقدم شاهدة في حديث ذهب أهل الدثور
بالأجور والله أعلم وقد تقدم الكلام على حديث الباب ومستوفى في أوائل كتاب العلم قال الزين بن
المنير في هذا الحديث حجة على جواز انفاق جميع المال وبذله في الصحة والخروج عنه بالكلية في
وجوه البر ماله يؤد إلى حرمان الوارث ونحو ذلك مما منع منه الشرع (قوله وان هؤلاء لا يعقلون)
هو من كلام أبي ذر كرره تأكيدا لكلامه ولربط ما بعده عليه (قوله باب الرياء
في الصدقة) قال الزين بن المنير يحتمل أن يكون مراده إبطال الرياء للصدقة فيحمل على ما تمحض
منها لحب المحمدة والثناء من الخلق بحيث لولا ذلك لم يتصدق بها (قوله لقوله تعالى يا أيها الذين
آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى إلى قوله والله لا يهدي القوم الكافرين) قال الزين بن
المنير وجه الاستدلال من الآية أن الله تعالى شبه مقارنة المن والأذى للصدقة أو إتباعها بذلك
219

بإنفاق الكافر المرائي الذي لا يجد بين يديه شيئا منه ومقارنة الرياء من المسلم لصدقته أقبح من
مقارنة الإيذاء وأولى أن يشبه بإنفاق الكافر المرائي في إبطال إنفاقه اه‍ وقال ابن رشيد اقتصر
البخاري في هذه الترجمة على الآية ومراده أن المشبه بالشئ يكون أخفى من المشبه به لأن الخفي
ربما شبه بالظاهر ليخرج من حيز الخفاء إلى الظهور ولما كان الإنفاق رياء من غير المؤمن ظاهرا
في إبطال الصدقة شبه به الإبطال بالمن والأذى أي حالة هؤلاء في الإبطال كحالة هؤلاء هذا من
حيث الجملة ولا يبعد أن يراعى حال التفصيل أيضا لأن حال المان شبيه بحال المرائي لأنه لما من
ظهر أنه لم يقصد وجه الله وحال المؤذي يشبه حال الفاقد للإيمان من المنافقين لأن من يعلم أن
للمؤذي ناصرا ينصره لم يؤذه فعلم بهذا أن حالة المرائي أشد من حالة المان والمؤذي انتهى
ويتلخص أن يقال لما كان المشبه به أقوى من المشبه وابطال الصدقة بالمن والأذى قد شبه
بإبطالها بالرياء فيها كان أمر الرياء أشد (قوله وقال ابن عباس صلدا ليس عليه شئ) وصله بن
جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هكذا في قوله فتركه صلدا أي ليس عليه شئ
وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه الآية قال هذا مثل ضربه الله لأعمال
الكفار يوم القيامة يقول لا يقدرون على شئ مما كسبوا يومئذ كما ترك هذا المطر الصفا نقيا
ليس عليه شئ ومن طريق أسباط عن السدي نحوه (قوله وقال عكرمة وابل مطر شديد
والطل الندى) وصله عبد بن حميد عن روح بن عبادة عن عثمان بن غياث سمعت عكرمة قال
في قوله وابل قال مطر شديد والطل الندى (قوله باب لا تقبل صدقة من غلول)
كذا للأكثر على البناء للمجهول وفي رواية المستملى لا يقبل الله وهذا طرف من حديث أخرجه
مسلم باللفظ الأول وقد سبق باقيه في ترجمته في كتاب الطهارة وأخرجه الحسن بن سفيان في
مسنده عن أبي كامل أحد مشايخ مسلم فيه بلفظ لا يقبل الله صلاة إلا بطهور ولا صدقة من غلول
ولأبي داود من حديث أبي المليح عن أبيه مرفوعا لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير
طهور وإسناده صحيح (قوله ولا يقبل إلا من كسب طيب) هذا للمستملي وحده وهو طرف من
حديث أبي هريرة الآتي بعده (قوله لقوله قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى إلى
قوله حليم) قال ابن المنير جرى المصنف على عادته في إيثار الخفي على الجلي وذلك أن في الآية أن
الصدقة لما تبعتها سيئة الأذى بطلت والغلول أذى إن قارن الصدقة أبطلها بطريق الأولى أو لأنه
جعل المعصية اللاحقة للطاعة بعد تقررها تبطل الطاعة فكيف إذا كانت الصدقة بعين المعصية
لأن الغال في دفعه المال إلى الفقير غاصب متصرف في ملك الغير فكيف تقع المعصية طاعة معتبرة
وقد أبطلت المعصية الطاعة المحققة من أول أمرها وتعقبه ابن رشيد بأنه ينبني على أن الأذى
أعم من أن يكون من جهة المتصدق للمتصدق عليه أو إيذائه لغيره كما في الغلول فيكون من باب
الأولى وقد لا يسلم هذا في معنى الآية لبعده فإن الظاهر أن المراد بالأذى في الآية إنما هو ما يكون
من جهة المسؤول للسائل فإنه عطف على المن وجمع معه بالواو والذي يظهر أن البخاري قصد أن
المتصدق عليه إذا علم أن المتصدق به غلول أو غصب أو نحوه تأذى بذلك ولم يرضى به كما قاء أبو بكر
اللبن لما علم أنه من وجه غير طيب وقد صدق على المتصدق أنه مؤذ له بتعريضه أبا كل ما لو علمه لم يقبله
والله أعلم (قوله قول معروف) فسره بالرد الجميل وقوله ومغفرة أي عفو عن السائل إذا وجد
220

منه ما يثقل على المسؤول وقيل المراد عفو من الله بسبب الرد الجميل وقيل عفو من جهة السائل
أي معذرة منه للمسؤول لكونه رده ردا جميلا والثاني أظهر وظاهر الآية أن الصدقة تحبط بالمن
والأذى بعد أن تقع سالمة لكن يمكن أن يقال لعل قبولها موقوف على سلامتها من المن والأذى
فإن وقع ذلك عدم الشرط فعدم المشروط فعبر عن ذلك بالإبطال والله أعلم * (تنبيهان) * الأول
دل قوله لا تقبل صدقة من غلول على أن الغال لا تبرأ ذمته إلا برد الغلول إلى أصحابه بأن
يتصدق به إذا جهلهم مثلا والسبب فيه أنه من حق الغانمين فلو جهلت أعيانهم لم يكن له أن
يتصرف فيه بالصدقة على غيرهم * الثاني وقع هنا للمستملي والكشميهني وابن شبويه باب
الصدقة من كسب طيب لقوله تعالى ويربي الصدقات إلى قوله ولا هم يحزنون وعلى هذا
فتخلو الترجمة التي قبل هذا من الحديث وتكون كالتي قبلها في الاقتصار على الآية لكن
تزيد عليها بالإشارة إلى لفظ الحديث الذي في الترجمة ومناسبة الحديث لهذه الترجمة
ظاهرة ومناسبته للتي قبلها من جهة مفهوم المخالفة لأنه دل بمنطوقه على أن الله لا يقبل إلا من
كان من كسب طيب فمفهومه أن ما ليس بطيب لا يقبل والغلول فرد من أفراد غير الطيب فلا
يقبل والله أعلم ثم إن هذه الترجمة إن كان باب بغير تنوين فالجملة خبر المبتدأ والتقدير هذا باب
فضل الصدقة من كسب طيب وإن كان منونا فما بعده مبتدأ والخبر محذوف تقديره الصدقة
من كسب طيب مقبولة أو يكثر الله ثوابها ومعنى الكسب المكسوب والمراد به ما هو أعم من
تعاطي التكسب أو حصول المكسوب بغير تعاط كالميراث وكأنه ذكر الكسب لكونه
الغالب في تحصيل المال والمراد بالطيب الحلال لأنه صفة الكسب قال القرطبي أصل الطيب
المستلذ بالطبع ثم أطلق على المطلق بالشرع وهو الحلال وأما قول المصنف لقوله تعالى ويربي
الصدقات بعد قوله الصدقة من كسب طيب فقد اعترضه ابن التين وغيره بأن تكثير أجر الصدقة
ليس علة لكون الصدقة من كسب طيب بل الأمر على عكس ذلك فإن الصدقة من الكسب
الطيب سبب لتكثير الأجر قال ابن التين وكان الأبين أن يستدل بقوله تعالى أنفقوا من طيبات
ما كسبتم وقال ابن بطال لما كانت الآية مشتملة على أن الربا يمحقه الله لأنه حرام دل ذلك على
أن الصدقة التي تتقبل لا تكون من جنس الممحوق وقال الكرماني لفظ الصدقات وإن كان
أعم من أن يكون من الكسب الطيب ومن غيره ولكنه مقيد بالصدقات التي من الكسب الطيب
بقرينة السياق نحو ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون (قوله بعدل تمرة) أي بقيمتها لأنه بالفتح
المثل وبالكسر الحمل بكسر المهملة هذا قول الجمهور وقال الفراء بالفتح المثل من غير جنسه
وبالكسر من جنسه وقيل بالفتح مثله في القيمة وبالكسر في النظر وأنكر البصريون هذه
التفرقة وقال الكسائي هما بمعنى كما أن لفظ المثل لا يختلف وضبط في هذه الرواية للأكثر
بالفتح (قوله ولا يقبل الله إلا الطيب) في رواية سليمان بن بلال الآتي ذكرها ولا يصعد إلى
الله إلا الطيب وهذه جملة معترضة بين الشرط والجزاء لتقرير ما قبله زاد سهيل في روايته الآتي
ذكرها فيضعها في حقها قال القرطبي وإنما لا يقبل الله الصدقة بالحرام لأنه غير مملوك للمتصدق
وهو ممنوع من التصرف فيه والمتصدق به متصرف فيه فلو قبل منه لزم أن يكون الشئ مأمورا
منهيا من وجه واحد وهو محال (قوله يتقبلها بيمينه) في رواية سهيل إلا أخذها بيمينه وفي رواية
221

مسلم بن أبي مريم الآتي ذكرها فيقبضها وفي حديث عائشة عند البزار فيتلقاها الرحمن بيده
(قوله فلوه) بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو وهو المهر لأنه يفلي أي يفطم وقيل هو كل فطيم
من ذات حافر والجمع أفلاء كعدو وأعداء وقال أبو زيد إذا فتحت الفاء شددت الواو وإذا كسرتها
سكنت اللام كجرو وضرب به المثل لأنه يزيد زيادة بينة ولأن الصدقة نتاج العمل وأحوج ما يكون
النتاج إلى التربية إذا كان فطيما فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال وكذلك عمل بن آدم
لا سيما الصدقة فإن العبد إذا تصدق من كسب طيب لا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال
حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم نسبة ما بين التمرة إلى الجبل ووقع
في رواية القاسم عن أبي هريرة عند الترمذي فلوه أو مهره ولعبد الرزاق من وجه آخر عن القاسم
مهره أو فصيله وفي رواية له عند البزار مهره أو رضيعه أو فصيله ولابن خزيمة من طريق
سعيد بن يسار عن أبي هريرة فلوه أو قال فصيله وهذا يشعر بأن أو للشك قال المازري هذا
الحديث وشبهه إنما عبر به على ما اعتادوا في خطابهم ليفهموا عنه فكنى عن قبول الصدقة باليمين
وعن تضعيف أجرها بالتربية وقال عياض لما كان الشئ الذي يرتضى يتلقى باليمين ويؤخذ بها
استعمل في مثل هذا واستعير للقبول لقول القائل * تلقاها عرابة باليمين * أي هو مؤهل للمجد
والشرف وليس المراد بها الجارحة و قيل عبر اليمين عن جهة القبول إذا الشمال بضده و قيل
المراد يمين الذي تدفع إليه الصدقة و أضافها إلى الله تعالى إضافة ملك واختصاص لوضع هذه
الصدقة في يمين الآخذ لله تعالى وقيل المراد سرعة القبول وقيل حسنه وقال الزين بن المنير
الكناية عن الرضا والقبول بالتلقي باليمين لتثبيت المعاني المعقولة من الأذهان وتحقيقها في
النفوس تحقيق المحسوسات أي لا يتشكك في القبول كما لا يتشكك من عاين التلقي للشئ بيمينه
لا أن التناول كالتناول المعهود ولا أن المتناول به جارحة وقال الترمذي في جامعه قال أهل العلم
من أهل السنة والجماعة نؤمن بهذه الأحاديث ولا نتوهم فيها تشبيها ولا نقول كيف هكذا
روي عن مالك وابن عيينة وابن المبارك وغيرهم وأنكرت الجهمية هذه الروايات انتهى
وسيأتي الرد عليهم مستوفى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى (قوله حتى تكون مثل
الجبل) ولمسلم من طريق سعيد بن يسار عن أبي هريرة حتى تكون أعظم من الجبل ولابن
جرير من وجه آخر عن القاسم حتى يوافي بها يوم القيامة وهي أعظم من أحد يعنى التمرة وهي
في رواية القاسم عن الترمذي بلفظ حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد قال وتصديق ذلك في
كتاب الله يمحق الله الربى ويربي الصدقات وفي رواية ابن جرير التصريح بأن تلاوة الآية
من كلام أبي هريرة وزاد عبد الرزاق في روايته من طريق القاسم أيضا فتصدقوا والظاهر أن
المراد بعظمها أن عينها تعظم لتثقل في الميزان ويحتمل أن يكون ذلك معبرا به عن ثوابها (قوله
تابعه سليمان) هو ابن بلال (عن بن دينار) أي عن أبي صالح عن أبي هريرة وهذه المتابعة ذكرها
المصنف في التوحيد فقال وقال خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال فساق مثله إلا أن فيه مخالفة
في اللفظ يسيرة وقد وصله أبو عوانة والجوزقي من طريق محمد بن معاذ بن يوسف عن خالد بن مخلد
بهذا الإسناد ووقع في صحيح مسلم حدثنا أحمد بن عثمان حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان عن سهيل
عن أبي صالح ولم يسق يسير كله وهذا إن كان أحمد بن عثمان حفظه فلسليمان فيه شيخان عبد الله
222

ابن دينار وسهيل عن أبي صالح وقد غفل صاحب الأطراف فسوى بين روايتي الصحيحين في هذا
وليس بجيد (قوله وقال ورقاء) هو ابن عمر (عن ابن دينار عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة) يعني
أن ورقاء خالف عبد الرحمن وسليمان فجعل شيخ بن دينار فيه سعيد بن يسار بدل أبي صالح ولم أقف
على رواية ورقاء هذه موصولة وقد أشار الداودي إلى أنها وهم لتوارد الرواة عن أبي صالح دون
سعيد بن يسار وليس ما قال بجيد لأنه محفوظ عن سعيد بن يسار من وجه آخر كما أخرجه مسلم
والترمذي وغيرهما نعم رواية ورقاء شاذة بالنسبة إلى مخالفة سليمان وعبد الرحمن والله أعلم
* (تنبيه) * وقفت على رواية ورقاء موصولة وقد ثبت ذلك في كتاب التوحيد (قوله ورواه مسلم
ابن أبي مريم وزيد بن أسلم وسهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة) أما رواية مسلم فرويناها موصولة
في كتاب الزكاة ليوسف بن يعقوب القاضي قال حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا سعيد بن سلمة
هو ابن أبي الحسام عنه به وأما رواية زيد بن أسلم وسهيل فوصلهما مسلم وقد قدمت ما في سياق
الثلاثة من فائدة وزيادة (قوله باب الصدقة قبل الرد) قال الزين بن المنير ما ملخصه
مقصوده بهذه الترجمة الحث على التحذير من التسويف بالصدقة لما في المسارعة إليها من تحصيل
النمو المذكور قيل لأن التسويف بها قد يكون ذريعة إلى عدم القابل لها إذ لا يتم مقصود
الصدقة إلا بمصادفة المحتاج إليها وقد أخبر الصادق أنه سيقع فقد الفقراء المحتاجين إلى الصدقة
بأن يخرج الغني صدقته فلا يجد من يقبلها فإن قيل إن من أخرج صدقته مثاب على نيته ولو لم
يجد من يقبلها فالجواب أن الواجد يثاب ثواب المجازاة والفضل والناوي يثاب ثواب الفضل
فقط والأول أربح والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث في كل منها الإنذار
بوقوع فقدان من يقبل الصدقة * أولها حديث حارثة بن وهب وهو الخزاعي (قوله فإنه يأتي
عليكم زمان) سيأتي بعد سبعة أبواب من وجه آخر بلفظ فسيأتي (قوله يقول الرجل) أي الذي
يريد المتصدق أن يعطيه إياها (قوله فأما اليوم فلا حاجة لي بها) في رواية الكشميهني فيها والظاهر
أن ذلك يقع في زمن كثرة المال وفيضه قرب الساعة كما قال ابن بطال ومن ثم أورده المصنف
في كتاب الفتن كما سيأتي وهو بين من سياق حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب وقد ساقه
في الفتن بالإسناد المذكور هنا مطولا ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى وقوله
حتى يهم بفتح أوله وضم الهاء ورب المال منصوب على المفعولية وفاعله قوله من يقبله يقال همه
الشئ أحزنه ويروى بضم أوله يقال أهمه الأمر أقلقه وقال النووي في شرح مسلم ضبطوه
بوجهين أشهرهما بضم أوله وكسر الهاء ورب المال مفعول والفاعل من يقبل أي يحزنه والثاني
بفتح أوله وضم الهاء ورب المال فاعل ومن مفعول أي يقصد والله أعلم (قوله لا أرب لي) زاد
223

في الفتن به أي لا حاجة لي به لاستغنائي عنه * ثالثها حديث عدي بن حاتم وقد أورده المصنف بأتم
من هذا السياق ويأتي الكلام عليه مستوفى وشاهده هنا قوله فيه فإن الساعة لا تقوم حتى
يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه وهو موافق لحديث أبي هريرة الذي قبله ومشعر بأن
ذلك يكون في آخر الزمان وحديث أبي موسى الآتي بعده مشعر بذلك أيضا وقد أشار عدي بن
حاتم كما سيأتي في علامات النبوة إلى أن ذلك لم يقع في زمانه وكانت وفاته في خلافة معاوية بعد
استقرار أمر الفتوح فانتفى قول من زعم أن ذلك وقع في ذلك الزمان قال ابن التين إنما يقع ذلك
بعد نزول عيسى حين تخرج الأرض بركاتها حتى تشبع الرمانة أهل البيت ولا يبقى في الأرض
كافر ويأتي الكلام على اتقاء النار ولو بشق تمرة في الباب الذي يليه * رابعها حديث أبي موسى
(قوله من الذهب) خصه بالذكر مبالغة في عدم من يقبل الصدقة وكذا قوله يطوف ثم لا يجد من
يقبلها وقوله ويرى الرجل الخ تقدم الكلام عليه مستوفى في باب رفع العلم من كتاب العلم
(قوله باب اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة ومثل الذين ينفقون
أموالهم إلى قوله فيها من كل الثمرات) قال الزين بن المنير وغيره جمع المصنف بين لفظ الخبر والآية
لاشتمال ذلك كله على الحث على الصدقة قليلها وكثيرها فإن قوله تعالى أموالهم يشمل قليل
النفقة وكثيرها ويشهد له قوله لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس فإنه يتناول القليل
والكثير إذ لا قائل بحل القليل دون الكثير وقوله اتقوا النار ولو بشق تمرة يتناول الكثير
والقليل أيضا والآية أيضا مشتملة على قليل الصدقة وكثيرها من جهة التمثيل المذكور فيها
بالطل والوابل فشبهت الصدقة بالقليل بإصابة الطل والصدقة بالكثير بإصابة الوابل وأما ذكر
القليل من الصدقة بعد ذكر شق التمرة فهو من عطف العام على الخاص ولهذا أورد في الباب
حديث أبي مسعود الذي كان سببا لنزول قوله تعالى والذين لا يجدون إلا جهدهم وقال الشيخ
عز الدين بن عبد السلام تقدير الآية مثل تضعيف أجور الذين ينفقون كمثل تضعيف ثمار
الجنة بالمطر إن قليلا فقليل وإن كثيرا فكثير وكأن البخاري أتبع الآية الأولى التي ضربت
مثلا بالربوة بالآية الثانية التي تضمنت ضرب المثل لمن عمل وأشار يفقده أحوج ما كان إليه
للإشارة إلى اجتناب الرياء في الصدقة ولأن قوله تعالى والله بما تعملون بصير يشعر بالوعيد بعد
الوعد فأوضحه بذكر الآية الثانية وكأن هذا هو السر في اقتصاره على بعضها اختصارا ثم ذكر
المصنف في الباب ثلاثة أحاديث * أحدها حديث أبي مسعود من وجهين تاما ومختصرا (قوله
عن سليمان) هو الأعمش وأبو مسعود هو الأنصاري البدري (قوله لما نزلت آية الصدقة) كأنه
يشير إلى قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة الآية (قوله كنا نحامل) أي نحمل على ظهورنا
بالأجرة يقال حاملت بمعنى حملت كسافرت وقال الخطابي يريد نتكلف الحمل بالأجرة لنكتسب
ما نتصدق به ويؤيده قوله في الرواية الثانية التي بعد هذه حيث قال انطلق أحدنا إلى السوق
فيحامل أي يطلب الحمل بالأجرة (قوله فجاء رجل فتصدق بشئ كثير) هو عبد الرحمن بن عوف
كما سيأتي في التفسير والشئ المذكور كان ثمانية آلاف أو أربعة آلاف (قوله وجاء رجل) هو
أبو عقيل بفتح العين كما سيأتي في التفسير ونذكر هناك إن شاء الله تعالى الاختلاف في اسمه واسم
أبيه ومن وقع له ذلك أيضا من الصحابة كأبي خيثمة وأن الصاع إنما حصل لأبي عقيل لكونه أجر
224

نفسه على النزح من البئر بالحبل (قوله فقالوا) سمي من اللامزين في مغازي الواقدي معتب بن
قشير وعبد الرحمن بن نبتل بنون ومثناة مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة ثم لام (قوله يلمزون)
أي يعيبون وشاهد الترجمة قوله والذين لا يجدون إلا جهدهم (قوله سعيد بن يحيى) أي ابن
سعيد الأموي (قوله فيحامل) بضم التحتانية واللام مضمومة بلفظ المضارع من المفاعلة
ويروي بفتح المثناة وفتح اللام أيضا ويؤيده قوله في رواية زائدة الآتية في التفسير فيحتال
أحدنا حتى يجئ بالمد (قوله فيصيب المد) أي في مقابلة أجرته فيتصدق به (قوله وإن لبعضهم
اليوم لمائة ألف) زاد في التفسير كأنه يعرض بنفسه وأشار بذلك إلى ما كانوا عليه في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم من قلة الشئ وإلى ما صاروا إليه بعده من التوسع لكثرة الفتوح ومع ذلك
فكانوا في العهد الأول يتصدقون بما يجدون ولو جهدوا والذين أشار إليهم آخرا بخلاف ذلك
* (تنبيه) * وقع بخط مغلطاي في شرحه وإن لبعضهم اليوم ثمانية آلاف وهو تصحيف * ثانيها
حديث عدي بن حاتم وهو بلفظ الترجمة وهو طرف من حديثه المذكور في الباب الذي قبله
وبشق بكسر المعجمة نصفها أو جانبها أي ولو كان الاتقاء بالتصدق بشق تمرة واحدة فإنه يفيد وفي
الطبراني من حديث فضالة بن عبيد مرفوعا اجعلوا بينكم وبين النار حجابا ولو بشق تمرة ولأحمد
من حديث ابن مسعود مرفوعا بإسناد صحيح ليتق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة وله من حديث
عائشة بإسناد حسن يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من
الشبعان ولأبي يعلى من حديث أبي بكر الصديق نحوه وأتم منه بلفظ تقع من الجائع موقعها من
الشبعان وكأن الجامع بينهما في ذلك حلاوتها وفي الحديث الحث على الصدقة بما قل وما جل وأن
لا يحتقر ما يتصدق به وأن اليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار * ثالثها حديث عائشة
وسيأتي في الأدب من وجه آخر عن الزهري بسنده وفيه التقييد بالإحسان ولفظه من ابتلي من
البنات بشئ فأحسن إليهن كن له سترا من النار وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله
تعالى ومناسبته للترجمة من جهة أن الأم المذكورة لما قسمت التمرة بين ابنتيها صار لكل واحدة
منهما شق تمرة وقد دخلت في عموم خبر الصادق أنها ممن ستر من النار لأنها ممن ابتلي بشئ من
البنات فأحسن ومناسبة فعل عائشة للترجمة من قوله والقليل من الصدقة وللآية من قوله
والذين لا يجدون إلا جهدهم لقولها في الحديث فلم تجد عندي غير تمرة وفيه شدة حرص عائشة
على الصدقة امتثالا لوصيته صلى الله عليه وسلم لها حيث قال لا يرجع من عندك سائل ولو بشق
تمرة رواه البزار من حديث أبي هريرة (قوله باب فضل صدقة الشحيح الصحيح)
كذا لأبي ذر ولغيره أي الصدقة أفضل وصدقة الشحيح الصحيح لقوله تعالى وأنفقوا مما رزقناكم
من قبل أن يأتي أحدكم الموت الآية فعلى الأول المراد فضل من كان كذلك على غيره وهو واضح
وعلى الثاني كأنه تردد في إطلاق أفضلية من كان كذلك فأورد الترجمة بصيغة الاستفهام قال
زين بن المنير ما ملخصه مناسبة الآية للترجمة أن معنى الآية التحذير من التسويف بالإنفاق
استبعاد الحلول الأجل واشتغالا بطول الأمل والترغيب في المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية
وفوات الأمنية والمراد بالصحة في الحديث من لم يدخل في مرض مخوف فيتصدق عند انقطاع
أمله من الحياة كما أشار إليه في آخره بقوله ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم ولما كانت مجاهدة
225

النفس على إخراج المال مع قيام مانع الشح دالا على صحة القصد وقوة الرغبة في القربة كان
ذلك أفضل من غيره وليس المراد أن نفس الشح هو السبب في هذه الأفضلية والله أعلم
* (تنبيه) * وقع في رواية غير أبي ذر تقديم آية المنافقين على آية البقرة وفي رواية أبي ذر
بالعكس (قوله حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد (قوله جاء رجل) لم أقف على تسميته ويحتمل أن
يكون أبا ذر ففي مسند أحمد عنه أنه سأل أي الصدقة أفضل لكن في الجواب جهد من مقل
أو سؤال فقير وكذا روى الطبراني من حديث أبي أمامة أن أبا ذر سأل فأجيب (قوله أي
الصدقة أعظم أجرا) في الوصايا من وجه آخر عن عمارة بن القعقاع أي الصدقة أفضل (قوله
أن تصدق) بتشديد الصاد وأصله تتصدق فأدغمت إحدى التاءين (قوله وأنت صحيح شحيح) في
الوصايا وأنت صحيح حريص قال صاحب المنتهى الشح بخل مع حرص وقال صاحب المحكم
الشح مثلث الشين والضم أعلى وقال صاحب الجامع كأن الفتح في المصدر والضم في الاسم وقال
الخطابي فيه أن المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه وأن سخاوته بالمال في مرضه لا تمحو
عنه سيمة البخل فلذلك شرط صحة البدن في الشح بالمال لأنه في الحالتين يجد للمال وقعا في قلبه لما
يأمله من البقاء فيحذر معه الفقر وأحد الأمرين للموصي والثالث للوارث لأنه إذا شاء أبطله قال
الكرماني ويحتمل أن يكون الثالث للموصي أيضا لخروجه عن الاستقلال بالتصرف فيما يشاء
فلذلك نقص ثوابه عن حال الصحة قال ابن بطال وغيره لما كان الشح غالبا في الصحة فالسماح
فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للأجر بخلاف من يئس من الحياة ورأى مصير المال لغيره
(قوله وتأمل) بضم الميم أي تطمع (قوله إذا بلغت) أي الروح والمراد قاربت بلوغه إذ لو
بلغته حقيقة لم يصح شئ من تصرفاته ولم يجر للروح ذكر اغتناء بدلالة السياق والحلقوم مجرى
النفس قاله أبو عبيدة وقد تقدم في أواخر كتاب العلم وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث
في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى (قوله باب) كذا للأكثر وبه جزم الإسماعيلي
وسقط لأبي ذر فعلى روايته هو من ترجمة فضل صدقة الصحيح وعلى رواية غيره فهو بمنزلة
الفصل منه وأورد فيه المصنف قصة سؤال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم منه أيتهن أسرع
لحوقا به وفيه قوله لهن أطولكن يدا الحديث ووجه تعلقه بما قبله أن هذا الحديث تضمن أن
الإيثار والاستكثار من الصدقة في زمن القدرة على العمل سبب للحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم
وذلك الغاية في الفضيلة أشار إلى هذا الزين بن المنير وقال ابن رشيد وجه المناسبة أنه تبين في
الحديث أن المراد بطول اليد المقتضي للحاق به الطول وذلك إنما يتأتى للصحيح لأنه إنما يحصل
بالمداومة في حال الصحة وبذلك يتم المراد والله أعلم (قوله إن بعض أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم) لم أقف على تعيين المساءلة منهن عن ذلك إلا عند ابن حبان من طريق يحيى بن حماد عن أبي
عوانة بهذا الإسناد قالت فقلت بالمثناة وقد أخرجه النسائي من هذا الوجه بلفظ فقلن بالنون
فالله أعلم (قوله أسرع بك لحوقا) منصوب على التمييز وكذا قوله يدا وأطولكن مرفوع على
أنه خبر مبتدأ محذوف (قوله فأخذوا قصبة يذرعونها) أي يقدرونها بذراع كل واحدة منهن
وإنما ذكره بلفظ جمع المذكر بالنظر إلى لفظ الجمع لا بلفظ جماعة النساء وقد قيل في قول الشاعر *
وإن شئت حرمت النساء سواكم * أنه ذكره بلفظ جمع المذكر تعظيما وقوله أطولكن يناسب ذلك
226

وإلا لقال طولاكن (قوله فكانت سودة) زاد ابن سعد عن عفان عن أبي عوانة بهذا الإسناد
بنت زمعة بن قيس (قوله أطولهن يدا) في رواية عفان ذراعا وهي تعين أنهن فهمن من لفظ اليد
الجارحة (قوله فعلمنا بعد) أي لما ماتت أول نسائه به لحوقا (قوله إنما) بالفتح والصدقة بالرفع
وطول يدها بالنصب لأنه الخبر (قوله وكانت أسرعنا) كذا وقع في الصحيح بغير تعيين ووقع في
التاريخ الصغير للمصنف عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد فكانت سودة أسرعنا الخ وكذا
أخرجه البيهقي في الدلائل وابن حبان في صحيحه من طريق العباس الدوري عن موسى وكذا في
رواية عفان عند أحمد وابن سعد عنه قال ابن سعد قال لنا محمد بن عمر يعني الواقدي هذا الحديث
وهل في سودة وإنما هو في زينب بنت جحش فهي أول نسائه به لحوقا وتوفيت في خلافة عمر وبقيت
سودة إلى أن توفيت في خلافة معاوية في شوال سنة أربع وخمسين قال ابن بطال هذا الحديث
سقط منه ذكر زينب لاتفاق أهل السير على أن زينب أول من مات من أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم يعني أن الصواب وكانت زينب أسرعنا الخ ولكن يعكر على هذا التأويل تلك الروايات
المتقدمة المصرح فيها بأن الضمير لسودة وقرأت بخط الحافظ أبي علي الصدفي ظاهر هذا اللفظ
أن سودة كانت أسرع وهو خلاف المعروف عند أهل العلم أن زينب أول من مات من الأزواج ثم
نقله عن مالك من روايته عن الواقدي قال ويقويه رواية عائشة بنت طلحة وقال ابن الجوزي هذا
الحديث غلط من بعض الرواة والعجب من البخاري كيف لم ينبه عليه ولا أصحاب التعاليق ولا
علم بفساد ذلك الخطابي فإنه فسره وقال لحوق سودة به من أعلام النبوة وكل ذلك وهم وإنما هي
زينب فإنها كانت أطولهن يدا بالعطاء كما رواه مسلم من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة بلفظ
فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل وتتصدق انتهى وتلقى مغلطاي كلام ابن الجوزي
فجزم به ولم ينسبه له وقد جمع بعضهم بين الروايتين فقال الطيبي يمكن أن يقال فيما رواه البخاري
المراد الحاضرات من أزواجه دون زينب وكانت سودة أولهن موتا (قلت) وقد وقع نحوه
في كلام مغلطاي لكن يعكر على هذا أن في رواية يحيى بن حماد عند ابن حبان أن نساء النبي صلى
الله عليه وسلم اجتمعن عنده لم تغادر منهن واحدة ثم هو مع ذلك إنما يتأتى على أحد القولين في
وفاة سودة فقد روى البخاري في تاريخه بإسناد صحيح إلى سعيد بن هلال أنه قال ماتت سودة في
خلافة عمر وجزم الذهبي في التاريخ الكبير بأنها ماتت في آخر خلافة عمر وقال ابن سيد الناس إنه
المشهور وهذا يخالف ما أطلقه الشيخ محيي الدين حيث قال أجمع أهل السير على أن زينب أول من
مات من أزواجه وسبقه إلى نقل الإتفاق ابن بطال كما تقدم ويمكن الجواب بأن النقل مقيد بأهل
السير فلا يرد نقل قول من خالفهم من أهل النقل ممن لا يدخل في زمرة أهل السير وأما على قول
الواقدي الذي تقدم فلا يصح وقد تقدم عن ابن بطال أن الضمير في قوله فكانت لزينب وذكرت
ما يعكر عليه لكن يمكن أن يكون تفسيره بسودة من بعض الرواة لكون غيرها لم يتقدم له ذكر فلما
لم يطلع على قصة زينب وكونها أول الأزواج لحوقا به جعل الضمائر كلها لسودة وهذا عندي
من أبي عوانة فقد خالفه في ذلك ابن عيينة عن فراس كما قرأت بخط ابن رشيد أنه قرأه بخط أبي
القاسم بن الورد ولم أقف إلى الآن على رواية ابن عيينة هذه لكن روى يونس بن بكير في زيادات
المغازي والبيهقي في الدلائل باسناده عنه عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي التصريح بأن ذلك
227

لزينب لكن قصر زكريا في إسناده فلم يذكر مسروقا ولا عائشة ولفظه قلن النسوة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم أينا أسرع بك لحوقا قال أطولكن يدا فأخذن يتذارعن أيتهن أطول يدا
فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدا في الخير والصدقة ويؤيده أيضا ما روى الحاكم في
المناقب من مستدركه من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لأزواجه أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا قالت عائشة فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت
زينب بنت جحش وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه
وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة وكانت زينب امرأة صناعة باليد وكانت تدبغ وتخرز وتصدق
في سبيل الله قال الحاكم على شرط مسلم انتهى وهي رواية مفسرة مبينة مرجحة لرواية عائشة بنت
طلحة في أمر زينب قال ابن رشيد والدليل على أن عائشة لا تعني سودة قولها فعلمنا بعد إذ قد
أخبرت عن سودة بالطول الحقيقي ولم تذكر سبب الرجوع عن الحقيقة إلى المجاز إلا الموت فإذا
طلب السامع سبب العدول لم يجد إلا الإضمار مع أنه يصلح أن يكون المعنى فعلمنا بعد أن المخبر
عنها إنما هي الموصوفة بالصدقة لموتها قبل الباقيات فينظر السامع ويبحث فلا يجد إلا زينب
فيتعين الحمل عليه وهو من باب إضمار ما لا يصلح غيره كقوله تعالى حتى توارت بالحجاب قال الزين
ابن المنير وجه الجمع أن قولها فعلمنا بعد يشعر إشعارا قويا أنهن حملن طول اليد على ظاهره ثم
علمن بعد ذلك خلافه وأنه كناية عن كثرة الصدقة والذي علمنه آخرا خلاف ما اعتقدنه أولا وقد
انحصر الثاني في زينب للاتفاق على أنها أولهن موتا فتعين أن تكون هي المرادة وكذلك بقية
الضمائر بعد قوله فكانت واستغنى عن تسميتها لشهرتها بذلك انتهى وقال الكرماني يحتمل
أن يقال إن في الحديث اختصارا أو اكتفاء بشهرة القصة لزينب ويؤول الكلام بأن الضمير
راجع إلى المرأة التي علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها أول من يلحق به وكانت كثيرة الصدقة
(قلت) الأول هو المعتمد وكأن هذا هو السر في كون البخاري حذف لفظ سودة من سياق
الحديث لما أخرجه في الصحيح لعلمه بالوهم فيه وإنه لما ساقه في التاريخ بإثبات ذكرها ذكر ما يرد
عليه من طريق الشعبي أيضا عن عبد الرحمن بن أبزي قال صليت مع عمر على أم المؤمنين زينب
بنت جحش وكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به وقد تقدم الكلام على تاريخ
وفاتها في كتاب الجنائز وأنه سنة عشرين وروى ابن سعد من طريق برزة بنت رافع قالت لما
خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها فتعجبت وسترته بثوب وأمرت بتفرقته
إلى أن كشف الثوب فوجدت تحته خمسة وثمانين درهما ثم قالت اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد
عامي هذا فماتت فكانت أول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به وروى ابن أبي خيثمة من
طريق القاسم بن معن قال كانت زينب أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به فهذه
روايات يعضد بعضها بعضا ويحصل من مجموعها أن في رواية أبي عوانة وهما وقد ساقه يحيى
ابن حماد عنه مختصرا ولفظه فأخذن قصبة يتذارعنها فماتت سودة بنت زمعة وكانت كثيرة
الصدقة فعلمنا أنه قال أطولكن يدا بالصدقة هذا يسير عند ابن حبان من طريق الحسن بن
مدرك عنه ولفظه عند النسائي عن أبي داود وهو الحراني عنه فأخذن قصبة فجعلن يذر عنها
228

فكانت سودة أسرعهن به لحوقا وكانت أطولهن يدا وكأن ذلك من كثرة الصدقة وهذا
السياق لا يحتمل التأويل إلا أنه محمول على ما تقدم ذكره من دخول الوهم على الراوي
في التسمية خاصة والله أعلم وفي الحديث علم من أعلام النبوة ظاهر وفيه جواز إطلاق اللفظ
المشترك بين الحقيقة والمجاز بغير قرينة وهو لفظ أطولكن إذا لم يكن محذور قال الزين بن
المنير لما كان السؤال عن آجال مقدرة لا تعلم إلا بالوحي أجابهن بلفظ غير صريح وأحالهن
على ما لا يتبين إلا بآخر ه وساغ ذلك لكونه ليس في الأحكام التكليفية وفيه أن من حمل
الكلام على ظاهره وحقيقته لم يلم وإن كان مراد المتكلم مجازه لأن نسوة النبي صلى الله عليه
وسلم حملن طول اليد على الحقيقة فلم ينكر عليهن وأما ما رواه الطبراني في الأوسط من طريق يزيد
ابن الأصم عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهن ليس ذلك أعني إنما أعني أصنعكن يدا
فهو ضعيف جدا ولو كان ثابتا لم يحتجن بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذرع أيديهن كما تقدم في
رواية عمرة عن عائشة وقال المهلب في الحديث دلالة على أن الحكم للمعاني لا للألفاظ لأن النسوة
فهمن من طول اليد الجارحة وإنما المراد بالطول كثرة الصدقة وما قاله لا يمكن إطراده في جميع
الأحوال والله أعلم (قوله باب الآية صدقة العلانية وقوله عز وجل الذين ينفقون
أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية إلى قوله ولا هم يحزنون) سقطت هذه الترجمة للمستملي وثبتت
للباقين وبه جزم الإسماعيلي ولم يثبت فيها لمن ثبتها حديث وكأنه أشار إلى أنه لم يصح فيها على
شرطه شئ وقد أختلف في سبب نزول الآية المذكورة فعند عبد الرزاق بإسناد فيه ضعف إلى ابن
عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب كان عنده أربعة دراهم فأنفق بالليل واحدا وبالنهار واحدا
وفي السر واحدا وفي العلانية واحدا وذكره الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس أيضا
وزاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أما إن ذلك لك وقيل نزلت في أصحاب الخيل الذين
يربطونها في سبيل الله أخرجه ابن أبي حاتم في حديث أبي أمامة وعن قتادة وغيره نزلت في قوم
أنفقوا في سبيل الله من غير إسراف ولا تقتير ذكره الطبري وغيره وقال الماوردي يحتمل أن يكون
في إباحة الارتفاق بالزروع والثمار لأنه يرتفق بها كل مار في ليل أو نهار في سر وعلانية وكانت أعم
(قوله باب صدقة السر وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورجل تصدق
بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه وقوله تعالى إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن
تؤتوها الفقراء فهو خير لكم الآية وإذا تصدق على غني وهو لا يعلم ثم ساق حديث أبي هريرة في
قصة الذي خرج بصدقته فوضعها في يد سارق ثم زانية ثم غني كذا وقع في رواية أبي ذر ووقع في
رواية غيره باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم وكذا هو عند الإسماعيلي ثم ساق الحديث
ومناسبته ظاهرة ويكون قد اقتصر في ترجمة صدقة السر على الحديث المعلق وعلى الآية وعلى
ما في رواية أبي ذر فيحتاج إلى مناسبة بين ترجمة صدقة السر وحديث المتصدق ووجهها أن
الصدقة المذكورة وقعت بالليل لقوله في الحديث فأصبحوا يتحدثون بل وقع في صحيح مسلم
التصريح بذلك لقوله فيه لأتصدقن الليلة كما سيأتي فدل على أن صدقته كانت سرا إذ لو كانت
بالجهر نهارا لما خفي عنه حال الغني لأنها في الغالب لا تخفى بخلاف الزانية والسارق ولذلك خص
الغني بالترجمة دونهما وحديث أبي هريرة المعلق طرف من حديث سيأتي بعد باب بتمامه وقد تقدم
229

مع الكلام عليه مستوفي في باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وهو أقوى الأدلة على أفضلية
إخفاء الصدقة وأما الآية فظاهرة في تفضيل صدقة السر أيضا ولكن ذهب الجمهور إلى أنها
نزلت في صدقة التطوع ونقل الطبري وغيره الإجماع على أن الاعلان في صدقة الفرض أفضل
من الإخفاء وصدقة التطوع على العكس من ذلك وخالف يزيد بن أبي حبيب فقال إن الآية نزلت
في الصدقة على اليهود والنصارى قال فالمعنى إن تؤتوها أهل الكتابين ظاهرة فلكم فضل وإن
تؤتوها فقراءكم سرا فهو خير لكم قال وكان يأمر باخفاء الصدقة مطلقا ونقل أبو إسحق الزجاج
أن إخفاء الزكاة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفضل فأما بعده فإن الظن يساء بمن أخفاها
فلهذا كان إظهار الزكاة المفروضة أفضل قال ابن عطية ويشبه في زماننا أن يكون الإخفاء
بصدقة الفرض أفضل فقد كثر المانع لها وصار إخراجها عرضة للرياء انتهى وأيضا فكان السلف
يعطون زكاتهم للسعاة وكان من أخفاها أتهم بعدم الإخراج وأما اليوم فصار كل أحد يخرج
زكاته بنفسه فصار اخفاؤها أفضل والله أعلم وقال الزين بن المنير لو قيل أن ذلك يختلف
باختلاف الأحوال لما كان بعيدا فإذا كان الإمام مثلا جائرا ومال من وجبت عليه مخفيا
فالإسرار أولى وإن كان المتطوع ممن يقتدي به ويتبع وتنبعث الهمم على التطوع بالإنفاق وسلم
قصده فالاظهار أولى والله أعلم (قوله باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم) أي
فصدقته مقبولة (قوله عن الأعرج عن أبي هريرة) في رواية مالك في الغرائب للدارقطني عن
أبي الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز أخبره أنه سمع أبا هريرة (قوله قال رجل) لم أقف على اسمه
ووقع عند أحمد من طريق ابن لهيعة عن الأعرج في هذا الحديث أنه كان من بني إسرائيل
(قوله لأتصدقن) بصدقة في رواية أبي عوانة عن أبي أمية عن أبي اليمان بهذا الإسناد
لأتصدقن الليلة وكرر كذلك في المواضع الثلاثة وكذا أخرجه أحمد من طريق ورقاء ومسلم من
طريق موسى بن عقبة والدارقطني في غرائب مالك كلهم عن أبي الزناد وقوله لأتصدقن من
باب الالتزام كالنذر مثلا والقسم فيه مقدر كأنه قال والله لأتصدقن (قوله فوضعها في يد
سارق) أي وهو لا يعلم أنه سارق (قوله فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق) في رواية أبي أمية
تصدق الليلة على سارق وفي رواية ابن لهيعة تصدق الليلة على فلان السارق ولم أر في شئ من
الطرق تسمية أحد من الثلاثة المتصدق عليهم وقوله تصدق بضم أوله على البناء للمفعول
(قوله فقال اللهم لك الحمد) أي لا لي لأن صدقتي وقعت بيد من لا يستحقها فلك الحمد حيث كان
ذلك بإرادتك أي لا بإرادتي فإن إرادة الله كلها جميلة قال الطيبي لما عزم على أن يتصدق على
مستحق فوضعها بيد زانية حمد الله على أنه لم يقدر أن يتصدق على من هو أسوأ حالا منها أو أجرى
الحمد مجرى التسبيح في استعماله عند مشاهدة ما يتعجب منه تعظيما لله فلما تعجبوا من فعله تعجب
هو أيضا فقال اللهم لك الحمد على زانية أي التي تصدقت عليها فهو متعلق بمحذوف انتهى ولا يخفى
بعد هذا الوجه وأما الذي قبله فأبعد منه والذي يظهر الأول وأنه سلم وفوض ورضي بقضاء الله
فحمد الله على تلك الحال لأنه المحمود على جميع الحال لا يحمد على المكروه سواه وقد ثبت أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما لا يعجبه قال اللهم لك الحمد على كل حال (قوله فأتى فقيل له)
في رواية الطبراني في مسند الشاميين عن أحمد بن عبد الوهاب عن أبي اليمان بهذا الإسناد
230

فساءه ذلك فأتى في منامه وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عنه وكذا الإسماعيلي من طريق علي بن
عياش عن شعيب وفيه تعيين أحد الاحتمالات التي ذكرها ابن التين وغيره قال الكرماني قوله
أتى أي أرى في المنام أو سمع هاتفا ملكا أو غيره أو أخبره نبي أو أفتاه عالم وقال غيره أو أتاه ملك
فكلمه فقد كانت الملائكة تكلم بعضهم في بعض الأمور وقد ظهر بالنقل الصحيح أنها كلها
لم تقع إلا النقل الأول (قوله أما صدقتك على سارق) زاد أبو أمية فقد قبلت وفي رواية موسى بن
عقبة وابن لهيعة أما صدقتك فقد قبلت وفي رواية الطبراني أن الله قد قبل صدقتك وفي الحديث
دلالة على أن الصدقة كانت عندهم مختصة بأهل الحاجة من أهل الخير ولهذا تعجبوا من
الصدقة على الأصناف الثلاثة وفيه أن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته ولو لم تقع
الموقع واختلف الفقهاء في الإجزاء إذا كان ذلك في زكاة الفرض ولا دلالة في الحديث على
الإجزاء ولا على المنع ومن ثم أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام ولم يجزم بالحكم فإن قيل إن
الخبر إنما تضمن قصة خاصة وقع الاطلاع فيها على قبول الصدقة برؤيا صادقة اتفاقية فمن أين
يقع تعميم الحكم فالجواب أن التنصيص في هذا الخبر على رجاء الاستعفاف هو الدال على تعدية
الحكم فيقتضي إرتباط القبول بهذه الأسباب وفيه فضل صدقة السر وفضل الإخلاص
واستحباب إعادة الصدقة إذا لم تقع الموقع وأن الحكم للظاهر حتى يتبين سواه وبركة التسليم
والرضا وذم التضجر بالقضاء كما قال بعض السلف لا تقطع الخدمة ولو ظهر لك عدم القبول (قوله
باب إذا تصدق) أي الشخص (على ابنه وهو لا يشعر) قال الزين بن المنير لم يذكر جواب
الشرط اختصارا وتقديره جاز لأنه يصير لعدم شعوره كالأجنبي ومناسبة الترجمة للخبر من جهة
أن يزيد أعطى من يتصدق عنه ولم يحجر عليه وكان هو السبب في وقوع الصدقة في يد ولده قال
وعبر في هذه الترجمة بنفي الشعور وفي التي قبلها بنفي العلم لأن المتصدق في السابقة بذل وسعه في
طلب إعطاء الفقير فأخطأ اجتهاده فناسب أن ينفي عنه العلم وأما هذا فباشر التصدق غيره فناسب
أن ينفي عن صاحب الصدقة الشعور (قوله حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي وأبو الجويرية
بالجيم مصغرا اسمه حطان بكسر المهملة وكان سماعه من معن ومعن أمير على غزاة بالروم في
خلافة معاوية كما رواه أبو داود من طريق أبي الجويرية (قوله أنا وأبي وجدي) اسم جده
الأخنس بن حبيب السلمي كما جزم به ابن حبان وغير واحد ووقع في الصحابة لمطين وتبعه البارودي
والطبراني وابن منده وأبو نعيم أن اسم جد معن بن يزيد ثور فترجموا في كتبهم بثور وساقوا حديث
الباب من طريق الجراح والد وكيع عن أبي الجويرية عن معن بن يزيد بن ثور السلمي أخرجه
مطين عن سفيان بن وكيع عن أبيه عن جده ورواه البارودي والطبراني عن مطين ورواه ابن
منده عن البارودي وأبو نعيم عن الطبراني وجمهور الرواة عن أبي الجويرية لم يسموا جد معن بل
تفرد سفيان بن وكيع بذلك وهو ضعيف وأظنه كان فيه عن معن بن يزيد أبي ثور السلمي فتصحفت
أداة الكنية بابن فإن معنا كان يكنى أبا ثور فقد ذكر خليفة بن خياط في تاريخه أن معن بن يزيد
وابنه ثورا قتلا يوم مرج راهط مع الضحاك بن قيس وجمع ابن حبان بين القولين بوجه آخر فقال
في الصحابة ثور السلمي جد معن بن يزيد بن الأخنس السلمي لأمه فإن كان ضبطه فقد زال الإشكال
والله أعلم وروي عن يزيد بن أبي حبيب أن معن بن يزيد شهد بدرا هو وأبوه وجده ولم يتابع على ذلك
231

فقد روى أحمد والطبراني من طريق صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن يزيد بن
الأخنس السلمي أنه أسلم فأسلم معه جميع أهله إلا امرأة واحدة أبت أن تسلم فأنزل الله تعالى على
رسوله صلى الله عليه وسلم ولا تمسكوا بعصم الكوافر فهذا دال على أن إسلامه كان متأخرا لأن
الآية متأخرة الإنزال عن بدر قطعا وقد فرق البغوي وغيره في الصحابة بين يزيد بن الأخنس وبين
يزيد والد معن والجمهور على أنه هو (قوله وخطب على فأنكحني) أي طلب لي النكاح فأجيب يقال
خطب المرأة إلى وليها إذا أرادها الخاطب لنفسه وعلى فلان إذا أرادها لغيره والفاعل النبي صلى
الله عليه وسلم لأن مقصود الراوي بيان أنواع علاقاته به من المبايعة وغيرها ولم أقف على
اسم المخطوبة ولو ورد أنها ولدت منه لضاهي بيت الصديق في الصحبة من جهة كونهم أربعة
في نسق وقد وقع ذلك لأسامة بن زيد بن حارثة فروى الحاكم في المستدرك أن حارثة قدم فأسلم وذكر
الواقدي في المغازي أن أسامة ولد له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تتبعت نظائر
لذلك أكثرها فيه مقال ذكرتها في النكت على علوم الحديث لابن الصلاح (قوله وكان أبى يزيد)
بالرفع على البدلية (قوله فوضعها عند رجل) لم أقف على اسمه وفي السياق حذف تقديره وأذن
له أن يتصدق بها على محتاج إليها إذنا مطلقا (قوله فجئت فأخذتها) أي من المأذون له في التصدق
بها بإذنه لا بطريق الاعتداء ووقع عند البيهقي من طريق أبي حمزة السكري عن أبي الجويرية
في هذا الحديث قلت ما كانت خصومتك قال كان رجل يغشى المسجد فيتصدق على رجال
يعرفهم فظن أني بعض من يعرف فذكر الحديث (قوله فأتيته) الضمير لأبيه أي فأتيت أبي
بالدنانير المذكورة (قوله والله ما إياك أردت) يعني لو أردت انك تأخذها لناولتها لك ولم أوكل
فيها أو كأنه كان يرى أن الصدقة على الولد لا تجزئ أو يرى أن الصدقة على الأجنبي أفضل (قوله
فخاصمته) تفسير لقوله أولا وخاصمت إليه (قوله لك ما نويت) أي إنك نويت أن تتصدق بها
على من يحتاج إليها وابنك يحتاج إليها فوقعت الموقع وإن كان لم يخطر ببالك أنه يأخذها (قوله
ولك ما أخذت يا معن) أي لأنك أخذتها محتاجا إليها قال ابن رشيد الظاهر أنه لم يرد بقوله والله
ما إياك أردت أي أني أخرجتك بنيتي وإنما أطلقت لمن تجزئ عني الصدقة عليه ولم تخطر أنت
ببالي فأمضى النبي صلى الله عليه وسلم الإطلاق لأنه فوض للوكيل بلفظ مطلق فنفذ فعله وفيه
دليل على العمل بالمطلقات على إطلاقها وإن احتمل أن المطلق لو خطر بباله فرد من الأفراد لقيد
اللفظ به والله أعلم واستدل به على جواز دفع الصدقة إلى كل أصل وفرع ولو كان ممن تلزمه نفقته
ولا حجة فيه لأنها واقعة حال فاحتمل أن يكون معنا كان مستقلا لا يلزم أباه يزيد نفقته وسيأتي
الكلام على هذه المسئلة مبسوطا في باب الزكاة على الزوج بعد ثلاثين بابا إن شاء الله تعالى وفيه
جواز الافتخار بالمواهب الربانية والتحدث بنعم الله وفيه جواز التحاكم بين الأب والإبن وأن
ذلك بمجرده لا يكون عقوقا وجواز الاستخلاف في الصدقة ولا سيما صدقة التطوع لأن فيه نوع
إسرار وفيه أن للمتصدق أجر ما نواه سواء صادف المستحق أولا وأن الأب لا رجوع له في الصدقة
على ولده خلاف الهبة والله أعلم (قوله باب الصدقة باليمين) أي حكم أو باب
بالتنوين والتقدير أي فاضلة أو يرغب فيها ثم أورد فيه حديث أبي هريرة سبعة يظلهم الله في عرشه
وفي قوله حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وقد تقدم الكلام عليه مستوفي كما بينته قريبا ثم أورد
232

فيه أيضا حديث حارثة بن وهب الذي تقدم في باب الصدقة قبل الرد وفيه يمشي الرجل بصدقته
فيقول الرجل لو جئت بها أمس لقبلتها منك قال ابن رشيد مطابقة الحديث للترجمة من جهة أنه
اشترك مع الذي قبله في كون كل منهما حاملا لصدقته لأنه إذا كان حاملا لها بنفسه كان
أخفى لها فكان في معنى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ويحمل المطلق في هذا على المقيد
في هذا أي المناولة باليمين قال ويقوي أن ذلك مقصده اتباعه بالترجمة التي بعدها حيث قال
من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه وكأنه قصد في هذا من حملها بنفسه (قوله
باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه) قال الزين بن المنير فائدة قوله ولم
يناول بنفسه التنبيه على أن ذلك مما يغتفر وأن قوله في الباب قبله الصدقة باليمين لا يلزم منه
المنع من إعطائها بيد الغير وإن كانت المباشرة أولى (قوله وقال أبو موسى) هو الأشعري
(قوله هو أحد المتصدقين) ضبط في جميع روايات الصحيحين بفتح القاف على التثنية قال القرطبي
ويجوز الكسر على الجمع أي هو متصدق من المتصدقين وهذا التعليق طرف من حديث وصله
بعد ستة أبواب بلفظ الخازن والخازن خادم المالك في الخزن وإن لم يكن خادمه حقيقة ثم أورد
المصنف هنا حديث عائشة إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها الحديث قال ابن رشيد نبه بالترجمة
على أن هذا الحديث مفسر بها لأن كلا من الخازن والخادم والمرأة أمين ليس له أن يتصرف
إلا بإذن المالك نصا أو عرفا إجمالا أو تفصيلا انتهى وسيأتي البحث في ذلك بعد سبعة أبواب
(قوله باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى) أورد في الباب حديث أبي هريرة بلفظ
خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وهو مشعر بأن النفي في اللفظ الأول للكمال لا للحقيقة فالمعنى
لا صدقة كاملة إلا عن ظهر غنى وقد أورده أحمد من طريق أبي صالح بلفظ إنما الصدقة ما كان
عن ظهر غنى وهو أقرب إلى لفظ الترجمة وأخرجه أيضا من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن
عطاء عن أبي هريرة بلفظ الترجمة قال لا صدقة إلا عن ظهر غنى الحديث وكذا ذكره المصنف
تعليقا في الوصايا وساقه مغلطاي بإسناد له إلى أبي هريرة بلفظه وليس هو باللفظ المذكور في
الكتاب الذي ساقه منه فلا يغتر به ولا بمن تبعه على ذلك (قوله ومن تصدق وهو محتاج إلى آخر
الترجمة) كأنه أراد تفسير الحديث المذكور بأن شرط المتصدق أن لا يكون محتاجا لنفسه أو لمن
تلزمه نفقته ويلتحق بالتصدق سائر التبرعات وأما قوله فهو رد عليه فمقتضاه أن ذا الدين
المستغرق لا يصح منه التبرع لكن محل هذا عند الفقهاء إذا حجر عليه الحاكم بالفلس وقد نقل
فيه صاحب المغني وغيره الإجماع فيحمل إطلاق المصنف عليه واستدل له المصنف بالأحاديث
التي علقها وأما قوله إلا أن يكون معروفا بالصبر فهو من كلام المصنف وكلام ابن التين يوهم أنه
بقية الحديث فلا يغتر به وكأن المصنف أراد أن يخص به عموم الحديث الأول والظاهر أنه
يختص بالمحتاج ويحتمل أن يكون عاما ويكون التقدير إلا أن يكون كل من المحتاج أو من تلزمه
النفقة أو صاحب الدين معروفا بالصبر ويقوي الأول التمثيل الذي مثل به من فعل أبي بكر
والأنصار قال ابن بطال أجمعوا على أن المديان لا يجوز له أن يتصدق بماله ويترك قضاء الدين
فتعين حمل ذلك على المحتاج وحكى ابن رشيد عن بعضهم أنه يتصور في المديان فيما إذا عامله الغرماء
على أن يأكل من المال فلو آثر بقوته وكان صبورا جاز له ذلك وإلا كان إيثاره سببا في أن يرجع
لاحتياجه فيأكل فيتلف أموالهم فيمنع وإذا تقرر ذلك فقد اشتملت الترجمة على خمسة أحاديث
233

معلقة وفي الباب أربعة أحاديث موصولة فأما المعلقة فأولها قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم
من أخذ أموال الناس وهو طرف من حديث لأبي هريرة موصول عنده في الاستقراض
ثانيها قوله كفعل أبي بكر حين تصدق بماله هذا مشهور في السير وورد في حديث مرفوع
أخرجه أبو داود وصححه الترمذي والحاكم من طريق زيد بن أسلم عن أبيه سمعت عمر يقول أمرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن
سبقته يوما فجئت بنصف مالي وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أبي بكر
ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله الحديث تفرد به هشام بن سعد عن زيد وهشام
صدوق فيه مقال من جهة حفظه قال الطبري وغيره قال الجمهور من تصدق بماله كله في صحة
بدنه وعقله حيث لا دين عليه وكان صبورا على الإضاقة ولا عيال له أو له عيال يصبرون أيضا فهو
جائز فإن فقد شئ من هذه الشروط كره وقال بعضهم هو مردود وروي عن عمر حيث رد على
غيلان الثقفي قسمة ماله ويمكن أن يحتج له بقصة المدبر الآتي ذكره فإنه صلى الله عليه وسلم باعه
وأرسل ثمنه إلى الذي دبره لكونه كان محتاجا وقال آخرون يجوز من الثلث ويرد عليه الثلثان
وهو قول الأوزاعي ومكحول وعن مكحول أيضا يرد ما زاد على النصف قال الطبري والصواب
عندنا الأول من حيث الجواز والمختار من حيث الاستحباب أن يجعل ذلك من الثلث جمعا بين
قصة أبي بكر وحديث كعب والله أعلم ثالثها قوله وكذلك آثر الأنصار المهاجرين هو مشهور
أيضا في السير وفيه أحاديث مرفوعة منها حديث أنس قدم المهاجرون المدينة وليس بأيديهم شئ
فقاسمهم الأنصار وسيأتي موصولا في الهبة وحديث أبي هريرة في قصة الأنصاري الذي آثر ضيفه
بعشائه وعشاء أهله وسيأتي موصولا في تفسير سورة الحشر رابعها قوله ونهى النبي صلى الله
عليه وسلم عن إضاعة المال هو طرف من حديث المغيرة وقد تقدم بتمامه في آخر صفة الصلاة
خامسها قوله وقال كعب يعني ابن مالك الخ وهو طرف من حديثه الطويل في قصة توبته
وسيأتي بتمامه في تفسير صورة التوبة وأما الموصولة فأولها حديث أبي هريرة خير الصدقة ما كان
عن ظهر غنى فعبد الله المذكور في الإسناد هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد ومعنى الحديث
أفضل الصدقة ما وقع من غير محتاج إلى ما يتصدق به لنفسه أو لمن تلزمه نفقته قال الخطابي لفظ
الظهر يرد في مثل هذا إشباعا للكلام والمعنى أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله بعد أن
يستبقي منه قدر الكفاية ولذلك قال بعده وابدأ بمن تعول وقال البغوي المراد غنى يستظهر به
على النوائب التي تنوبه ونحوه قولهم ركب متن السلامة والتنكير في قوله غنى للتعظيم
هذا هو المعتمد في معنى الحديث وقيل المراد خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسئلة
وقيل عن للسبيبة والظهر زائد أي خير الصدقة ما كان سببها غنى في المتصدق وقال النووي
مذهبنا أن التصدق بجميع المال مستحب لمن لا دين عليه ولا له عيال لا يصبرون ويكون
هو ممن يصبر على الإضاقة والفقر فإن لم يجمع هذه الشروط فهو مكروه وقال القرطبي في المفهم
يرد على تأويل الخطابي بالآيات والأحاديث الواردة في فضل المؤثرين على أنفسهم ومنها حديث
أبي ذر أفضل الصدقة جهد من مقل والمختار أن معنى الحديث أفضل الصدقة ما وقع بعد القيام
بحقوق النفس والعيال بحيث لا يصير المتصدق محتاجا بعد صدقته إلى أحد فمعنى الغنى في هذا
234

الحديث حصول ما تدفع به الحاجة الضرورية كالأكل عند الجوع المشوش الذي لا صبر عليه
وستر العورة والحاجة إلى ما يدفع به عن نفسه الأذى وما هذا سبيله فلا يجوز الإيثار به بل يحرم
وذلك أنه إذا آثر غيره به أدى إلى إهلاك نفسه أو الاضرار بها أو كشف عورته فمراعاة حقه أولى
على كل حال فإذا سقطت هذه الواجبات صح الايثار وكانت صدقته هي الأفضل لأجل ما يتحمل
من مضض الفقر وشدة مشقته فبهذا يندفع التعارض بين الأدلة أن شاء الله (قوله وابدأ بمن
تعول) فيه تقديم نفقة نفسه وعياله لأنها منحصرة فيه بخلاف نفقة غيرهم وسيأتي شرحه في
النفقات إن شاء الله تعالى * ثانيها حديث حكيم بن حزام اليد العليا خير من اليد السفلى الحديث
وشاهد الترجمة منه قوله فيه وخير الصدقة عن ظهر غنى وهشام المذكور في الإسناد هو ابن عروة
ابن الزبير وقوله فيه ومن يستعف يعفه الله يأتي الكلام عليه في حديث أبي سعيد بعد أبواب
* ثالثها حديث أبي هريرة قال بهذا أي بحديث حكيم أورده معطوفا على إسناد حديث حكيم
بلفظ وعن وهيب والظاهر أنه حمله عن موسى بن إسماعيل عنه بالطريقين معا وكأن هشاما حدث
به وهيبا تارة عن أبيه عن حكيم وتارة عن أبيه عن أبي هريرة أو حدثه به عنهما مجموعا ففرقه
وهيب أو الراوي عنه وقد وصل حديث أبي هريرة من طريق وهيب الإسماعيلي قال أخبرني
ابن ياسين حدثنا محمد بن سفيان حدثنا حبان هو ابن هلال حدثنا وهيب حدثنا هشام بن عروة
عن أبيه عن أبي هريرة قال مثل حديث حكيم * رابعها حديث ابن عمر من وجهين في ذكر اليد
العليا وإنما أورده ليفسر به ما أجمل في حديث حكيم قال ابن رشيد والذي يظهر أن حديث
حكيم بن حزام لما اشتمل على شيئين حديث اليد العليا وحديث لا صدقة الا عن ظهر غنى ذكر
معه حديث ابن عمر المشتمل على الشئ الأول تكثيرا لطرقه ويحتمل أن يكون مناسبة
حديث اليد العليا للترجمة من جهة أن إطلاق كون اليد العليا هي المنفقة محله ما إذا كان
الإنفاق لا يمنع منه بالشرع كالمديان المحجور عليه فعمومه مخصوص بقوله لا صدقة الا عن
ظهر غنى والله أعلم * (تنبيه) * لم يسق البخاري متن طريق حماد عن أيوب وعطف عليه
طريق مالك فربما أوهم إنهما سواء وليس كذلك لما سنذكره عن أبي داود وقال ابن عبد البر
في التمهيد لم تختلف الرواة عن مالك أي في سياقه كذا قال وفيه نظر كما سيأتي وقال القرطبي وقع
تفسير اليد العليا والسفلى في حديث ابن عمر هذا وهو نص يرفع الخلاف ويدفع تعسف
من تعسف في تأويله ذلك انتهى لكن ادعى أبو العباس الداني في أطراف الموطأ أن التفسير
المذكور مدرج في الحديث ولم يذكر مستندا لذلك ثم وجدت في كتاب العسكري في الصحابة
بإسناد له فيه انقطاع عن أبن عمر أنه كتب إلى بشر بن مروان إني سمعت النبي صلى الله عليه
وسلم يقول اليد العليا خير من اليد السفلى ولا أحسب اليد السفلى إلا السائلة ولا العليا إلا
المعطية فهذا يشعر بأن التفسير من كلام ابن عمر ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله
ابن دينار عن ابن عمر قال كنا نتحدث أن العليا هي المنفقة (قوله وذكر الصدقة والتعفف
والمسئلة) كذا للبخاري بالواو قبل المسئلة وفي رواية مسلم عن قتيبة عن مالك والتعفف
عن المسئلة ولأبي داود والتعفف منها أي من أخذ الصدقة والمعنى أنه كان يحض الغني على
الصدقة والفقير على التعفف عن المسئلة أو يحضه على التعفف ويذم المسئلة (قوله فاليد
العليا هي المنفقة) قال أبو داود قال الأكثر عن حماد بن زيد المنفقة وقال واحد عنه
235

المتعففة وكذا قال عبد الوارث عن أيوب انتهى فأما الذي قال عن حماد المتعففة بالعين وفاءين
فهو مسدد كذلك رويناه عنه في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه ومن طريقه أخرجه ابن
عبد البر في التمهيد وقد تابعه على ذلك أبو الربيع الزهراني كما رويناه في كتاب الزكاة ليوسف بن
يعقوب القاضي حدثنا أبو الربيع وأما رواية عبد الوارث فلم أقف عليها موصولة وقد أخرجه
أبو نعيم في المستخرج من طريق سليمان بن حرب عن حماد بلفظ واليد العليا يد المعطي وهذا
يدل على أن من رواه عن نافع بلفظ المتعففة فقد صحف قال ابن عبد البر ورواه موسى بن عقبة
عن نافع فاختلف عليه أيضا فقال حفص بن ميسرة عنه المنفقة كما قال مالك (قلت) وكذلك قال
فضيل بن سليمان عنه أخرجه ابن حبان من طريقه قال ورواه إبراهيم بن طهمان عن موسى
فقال المنفقة قال ابن عبد البر رواية مالك أولى وأشبه بالأصول ويؤيده حديث طارق المحاربي
عند النسائي قال قدمنا المدينة فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو
يقول يد المعطي العليا انتهى ولابن أبي شيبة والبزار من طريق ثعلبة بن زهدم مثله وللطبراني
بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام مرفوعا يد الله فوق يد المعطي ويد المعطي فوق يد المعطى ويد
المعطى أسفل الأيدي وللطبراني من حديث عدي الجذامي مرفوعا مثله ولأبي داود وابن
خزيمة من حديث أبي الأحوص عوف بن مالك عن أبيه مرفوعا الأيدي ثلاثة فيد الله العليا ويد
المعطي التي تليها ويد السائل السفلى ولأحمد والبزار من حديث عطية السعدي اليد المعطية
هي العليا ويتحتم هي السفلى فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية
وأن السفلى هي السائلة وهذا هو المعتمد وهو قول الجمهور وقيل اليد السفلى الآخذة سواء كان
بسؤال أم بغير سؤال وهذا أباه قوم واستندوا إلى أن الصدقة تقع في يد الله قبل يد المتصدق عليه
قال ابن العربي التحقيق أن السفلى يد السائل وأما يد الآخذ فلا لأن يد الله هي المعطية ويد الله
هي الآخذة وكلتاهما عليا وكلتاهما يمين انتهى وفيه نظر لأن البحث إنما هو في أيدي الآدميين
وأما يد الله تعالى فباعتبار كونه مالك كل شئ نسبت يده إلى الاعطاء وباعتبار قبوله للصدقة
ورضاه بها نسبت يده إلى الأخذ ويده العليا على كل حال وأما يد الآدمي فهي أربعة يد المعطي
وقد تضافرت الأخبار بأنها عليا ثانيها يد السائل وقد تضافرت بأنها سفلى سواء أخذت أم لا وهذا
موافق لكيفية الإعطاء والأخذ غالبا وللمقابلة بين العلو والسفل المشتق منهما ثالثها يد
المتعفف عن الأخذ ولو بعد أن تمد إليه يد المعطي مثلا وهذه توصف بكونها عليا علوا معنويا
رابعها يد الآخذ بغير سؤال وهذه قد أختلف فيها فذهب جمع إلى أنها سفلى وهذا بالنظر إلى
الأمر المحسوس وأما المعنوي فلا يطرد فقد تكون عليا في بعض الصور وعليه يحمل كلام من
أطلق كونها عليا قال ابن حبان اليد المتصدقة أفضل من السائلة لا الآخذة بغير سؤال إذ محال
أن تكون اليد التي أبيح لها استعمال فعل باستعماله دون من فرض عليه إتيان شئ فأتى به أو تقرب
إلى ربه متنفلا فربما كان الآخذ لما أبيح له أفضل وأورع من الذي يعطى انتهى وعن الحسن
البصري اليد العليا المعطية والسفلى المانعة ولم يوافق عليه وأطلق آخرون من المتصوفة
أن اليد الآخذة أفضل من المعطية مطلقا وقد حكى ابن قتيبة في غريب الحديث ذلك عن قوم ثم
قال وما أرى هؤلاء إلا قوما استطابوا السؤال فهم يحتجون للدناءة ولو جاز هذا لكان المولى من
236

فوق هو الذي كان رقيقا فأعتق والمولى من أسفل هو السيد الذي أعتقه انتهى وقرأت في مطلع
الفوائد للعلامة جمال الدين بن نباتة في تأويل الحديث المذكور معنى آخر فقال اليد هنا هي
النعمة وكأن المعنى أن العطية الجزيلة خير من العطية القليلة قال وهذا حث على المكارم بأوجز
لفظ ويشهد له أحد التأويلين في قوله ما أبقت غنى أي ما حصل به للسائل غنى عن سؤاله كمن
أراد أن يتصدق بألف فلو أعطاها لمائة إنسان لم يظهر عليهم الغنى بخلاف ما لو أعطاها لرجل
واحد قال وهو أولى من حمل اليد على الجارحة لأن ذلك لا يستمر إذ فيمن يأخذ من هو خير عند
الله ممن يعطي (قلت) التفاضل هنا يرجع إلى الإعطاء والأخذ ولا يلزم منه أن يكون المعطي
أفضل من الآخذ على الإطلاق وقد روى إسحق في مسنده من طريق عمرو بن عبد الله بن عروة بن
الزبير إن حكيم بن حزام قال يا رسول الله ما اليد العليا قال التي تعطي ولا تأخذ فقوله ولا تأخذ
صريح في أن الآخذة ليست بعليا والله أعلم وكل هذه التأويلات المتعسفة تضمحل عند
الأحاديث المتقدمة المصرحة بالمراد فأولى ما فسر الحديث بالحديث ومحصل ما في الآثار
المتقدمة أن أعلى الأيدي المنفقة ثم المتعففة عن الأخذ ثم الآخذة بغير سؤال وأسفل الأيدي
السائلة والمانعة والله أعلم قال ابن عبد البر وفي الحديث إباحة الكلام للخطيب بكل ما يصلح
من موعظة بعدم وقربة وفيه الحث على الإنفاق في وجوه الطاعة وفيه تفضيل الغنى مع
القيام بحقوقه على الفقر لأن العطاء إنما يكون مع الغنى وقد تقدم الخلاف في ذلك في حديث
ذهب أهل الدثور في أواخر صفة الصلاة وفيه كراهة السؤال والتنفير عنه ومحله إذا لم تدع إليه
ضرورة من خوف هلاك ونحوه وقد روى الطبراني من حديث ابن عمر بإسناد فيه مقال مرفوعا
ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجا وسيأتي حديث حكيم مطولا في باب
الاستعفاف عن المسئلة وفيه بيان سببه إن شاء الله تعالى (قوله باب المنان
بما أعطى لقوله تعالى الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى
الآية) هذه الترجمة ثبتت في رواية الكشميهني وحده بغير حديث وكأنه أشار إلى ما رواه مسلم
من حديث أبي ذر مرفوعا ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة المنان الذي لا يعطي شيئا إلا من به
الحديث ولما لم يكن على شرطه اقتصر على الإشارة إليه ومناسبة الآية للترجمة واضحة من
جهة أن النفقة في سبيل الله لما كان المان بها مذموما كان ذم المعطي في غيرها من باب الأولى
قال القرطبي المن غالبا يقع من البخيل والمعجب فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت
حقيرة في نفسها والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة وأنه منعم بماله على المعطى
وإن كان أفضل منه في نفس الأمر وموجب ذلك كله الجهل ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه
ولو نظر مصيره لعلم أن المنة للآخذ لما يترتب له من الفوائد (قوله باب من أحب
تعجيل الصدقة من يومها) ذكر فيه حديث عقبة بن الحرث صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العصر
فأسرع ثم دخل البيت الحديث وفيه كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن
أبيته فقسمته قال ابن بطال فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به فإن الآفات تعرض والموانع
تمنع والموت لا يؤمن والتسويف غير محمود زاد غيره وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد
من المطل المذموم وأرضى للرب وأمحى للذنب وقد تقدمت بقية فوائده في أواخر صفة الصلاة
237

وقال الزين بن المنير ترجم المصنف بالاستحباب وكان يمكن أن يقول كراهة تبييت الصدقة
لأن الكراهة صريحة في الخبر واستحباب التعجيل مستنبط من قرائن سياق الخبر حيث أسرع
في الدخول والقسمة فجرى على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى (قوله أن أبيته) أي أتركه
حتى يدخل عليه الليل يقال بات الرجل دخل في الليل وبيته تركه حتى دخل الليل (قوله
باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها) قال الزين بن المنير يجتمع التحريض
والشفاعة في أن كلا منهما إيصال الراحة للمحتاج ويفترقان في أن التحريض معناه الترغيب
بذكر ما في الصدقة من الأجر والشفاعة فيها معنى السؤال والتقاضي للإجابة انتهى ويفترقان
بأن الشفاعة لا تكون إلا في خير بخلاف التحريض وبأنها قد تكون بغير تحريض وذكر المصنف
في الباب ثلاثة أحاديث * أولها حديث ابن عباس في تحريض النساء على الصدقة وقد تقدم
مبسوطا في العيدين وقوله هنا عن عدي هو ابن ثابت وقوله القلب بضم القاف وسكون اللام
آخرها موحدة هو السوار وقيل هو مخصوص بما كان من عظم والخرص بضم المعجمة وسكون
الراء بعدها مهملة هي الحلقة ثانيها * حديث أبي موسى اشفعوا تؤجروا وقد أورد في باب
الشفاعة من كتاب الأدب ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى وعبد الواحد
في الإسناد هو ابن زياد قال ابن بطال المعنى اشفعوا يحصل لكم الأجر مطلقا سواء قضيت الحاجة
أو لا * ثالثها حديث أسماء وهي بنت أبي بكر الصديق لا توكي فيوكى عليك كذا عنده بفتح الكاف
ولم يذكر الفاعل وفي رواية له لا تحصي فيحصى الله عليك فأبرز الفاعل وكلاهما بالنصب
لكونه جواب النهي وبالفاء (قوله عبدة) هو ابن سليمان وهشام هو ابن عروة وفاطمة هي
بنت المنذر بن الزبير وهي زوج هشام وأسماء جدتهما لأبويهما وقوله حدثنا عثمان عن عبدة
أي شوال المذكور ويحتمل أن يكون الحديث كان عند عبدة عن هشام باللفظين فحدث به
تارة هكذا وتارة هكذا وقد رواه النسائي والإسماعيلي من طريق أبي معاوية عن هشام باللفظين
معا وسيأتي في الهبة عند المصنف من طريق ابن نمير عن هشام باللفظين لكن بعين المهملة بدل
الكاف وهو بمعناه يقال أوعيت المتاع في الوعاء أوعية إذا جعلته فيه ووعيت الشئ حفظته
وإسناد الوعي إلى الله مجاز عن الإمساك والإيكاء شد رأس الوعاء بالوكاء وهو الرباط الذي يربط به
والإحصاء معرفة قدر الشئ وزنا أو عددا وهو من باب المقابلة والمعنى النهي عن منع الصدقة
خشية النفاد فإن ذلك أعظم الأسباب لقطع مادة البركة لأن الله يثيب على العطاء بغير حساب
ومن لا يحاسب عند الجزاء لا يحسب عليه عند العطاء ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب
فحقه أن يعطي ولا يحسب * وقيل المراد بالإحصاء عد الشئ لأن يدخر ولا ينفق منه وأحصاه الله
قطع البركة عنه أو حبس مادة الرزق أو المحاسبة عليه في الآخرة وسيأتي ذكر سبب هذا الحديث في
كتاب الهبة مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى قال ابن رشيد قد تخفي مناسبة حديث أسماء
لهذه الترجمة وليس بخاف على الفطن ما فيه من معنى التحريض والشفاعة معا فإنه يصلح أن
يقال في كل منهما وهذه هي النكتة في ختم الباب به (قوله باب الصدقة فيما استطاع)
أورد فيه حديث أسماء المذكور من وجه آخر عنها من وجهين وساقه هنا على لفظ حجاج بن محمد
لخلو طريق أبي عاصم من التقييد بالاستطاعة وسيأتي في الهبة بلفظ أبي عاصم وسياقه أتم وقوله
238

ارضخي بكسر الهمزة من الرضخ بمعجمتين وهو العطاء اليسير فالمعنى أنفقي بغير إجحاف ما دمت
قادرة مستطيعة (قوله باب الصدقة تكفر الخطيئة) أورد فيه حديث حذيفة
فتنة الرجل في أهله وولده تكفرها الصلاة والصدقة الحديث وقد تقدم في باب الصلاة وسيأتي
الكلام عليه مبسوطا في علامات النبوة إن شاء الله تعالى (قوله باب من تصدق
في الشرك ثم أسلم) أي هل يعتد له بثواب ذلك أو لا قال الزين بن المنير لم يبت الحكم من أجل قوة
الاختلاف فيه (قلت) وقد تقدم البحث في ذلك مستوفي في كتاب الإيمان في الكلام على حديث
إذا أسلم العبد فحسن إسلامه وأنه لا مانع من أن الله يضيف إلى حسناته في الإسلام ثواب
ما كان صدر منه في الكفر تفضلا وإحسانا (قوله أتحنث) بالمثلثة أي أتقرب والحنث في الأصل
الإثم وكأنه أراد ألقى عني الإثم ولما أخرج البخاري هذا الحديث في الأدب عن أبي اليمان عن
شعيب عن الزهري قال في آخره ويقال أيضا عن أبي اليمان أتحنت يعني بالمثنى ونقل عن
أبي إسحق أن التحنت التبرر قال وتابعه هشام بن عروة عن أبيه وحديث هشام أورده في العتق
بلفظ كنت أتحنت بها يعني أتبرر بها قال عياض رواه جماعة من الرواة في البخاري
بالمثلثة وبالمثناة وبالمثلثة أصح رواية ومعنى (قوله من صدقة أو عتاقة أو صلة) كذا هنا بلفظ أو وفي
رواية شعيب المذكورة بالواو في الموضعين وسقط لفظ الصدقة من رواية عبد الرزاق عن معمر
وفي رواية هشام المذكورة أنه أعتق في الجاهلية مائتي رقبة وحمل على مائتي بعير وزاد في آخره
فوالله لا أدع شيئا صنعته في الجاهلية إلا فعلت في الإسلام مثله (قوله أسلمت على ما سلف من خير)
قال المازري ظاهره أن الخير الذي أسلفه كتب له والتقدير أسلمت على قبول ما سلف لك من خير
وقال الحربي معناه ما تقدم لك من الخير الذي عملته هو لك كما تقول أسلمت على أن أحوز لنفسي
ألف درهم وأما من قال إن الكافر لا يثاب فحمل معنى الحديث على وجوه أخرى منها أن يكون
المعنى انك بفعلك ذلك اكتسبت طباعا جميلة فانتفعت بتلك الطباع في الإسلام وتكون تلك
العادة قد مهدت لك معونة على فعل الخير أو أنك اكتسبت بذلك ثناء جميلا فهو باق لك في الإسلام
أو أنك ببركة فعل الخير هديت إلى الإسلام لأن المبادئ عنوان الغايات أو أنك بتلك الأفعال
رزقت الرزق الواسع قال ابن الجوزي قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم وري عن جوابه فأنه سأل
هل لي فيها من أجر فقال أسلمت على ما سلف من خير والعتق فعل خير وكأنه أراد إنك فعلت الخير
والخير يمدح فاعله ويجازى عليه في الدنيا فقد روى مسلم من حديث أنس مرفوعا أن الكافر
يثاب في الدنيا بالرزق على ما يفعله من حسنة (قوله باب أجر الخادم إذا تصدق
بأمر صاحبه غير مفسد) قال ابن العربي اختلف السلف فيما إذا تصدقت المرأة من بيت
زوجها فمنهم من أجازه لكن في الشئ اليسير الذي لا يؤبه له ولا يظهر به النقصان ومنهم من حمله
على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الإجمال وهو اختيار البخاري ولذلك قيد الترجمة بالأمر به
ويحتمل أن يكون ذلك محمولا على العادة وأما التقييد بغير الإفساد فمتفق عليه ومنهم من قال
المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه وليس ذلك بأن
يفتئتوا على رب البيت بالإنفاق على القفراء بغير إذن ومنهم من فرق بين المرأة والخادم فقال المرأة
لها حق في مال الزوج والنظر في بيتها فجاز لها أن تتصدق بخلاف الخادم فليس له تصرف
239

في متاع مولاه فيشترط يأمر فيه وهو متعقب بأن المرأة إذا استوفت حقها فتصدقت منه فقد
تخصصت به وإن تصدقت من غير حقها رجعت المسئلة كما كانت والله أعلم ثم أورد المصنف في
الباب حديثين * أحدهما حديث عائشة وسيأتي في الباب الذي بعده ثانيهما حديث أبي موسى
وقد قيد الخازن فيه بكونه مسلما فأخرج الكافر لأنه لا نية له وبكونه أمينا فأخرج الخائن لأنه
مأزور ورتب الأجر على إعطائه ما يؤمر به غير ناقص لكونه خائنا أيضا وبكون نفسه بذلك طيبة
لئلا يعدم النية فيفقد الأجر وهي قيود لا بد منها (قوله الذي ينفذ) بفاء مكسورة مثقلة ومخففة
(قوله باب أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة) قد تقدمت
مباحثه في الذي قبله ولم يقيده بالأمر كما قيد الذي قبله فقيل إنه فرق بين المرأة والخادم بأن المرأة لها
أن تتصرف في بيت زوجها بما ليس فيه إفساد للرضا بذلك في الغالب بخلاف الخادم والخازن
ويدل على ذلك ما رواه المصنف من حديث همام عن أبي هريرة بلفظ إذا أنفقت المرأة من كسب
زوجها من غير أمره فلها نصف أجره وسيأتي في البيوع وأورد فيه المصنف حديث عائشة
المذكور من ثلاثة طرق تدور على أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق عنها أولها شعبة عن
منصور والأعمش عنه ولم يسق لفظه بتمامه ثانيها حفص بن غياث عن الأعمش وحده ثالثها
جرير عن منصور وحده ولفظ الأعمش إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها ولفظ منصور إذا
أنفقت من طعام بيتها وقد أورده الإسماعيلي من حديث شعبة ولفظه إذا تصدقت المرأة من بيت
زوجها كتب لها أجر ولزوجها مثل ذلك وللخازن مثل ذلك لا ينقص كل واحد منهم من أجر
صاحبه شيئا وللزوج بما اكتسب و لها بما أنفقت غير مفسدة ولشعبة فيه إسناد آخر أورده
الإسماعيلي أيضا من روايته عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن عائشة ليس فيه مسروق وقد
أخرجه الترمذي بالاسنادين وقال إن رواية منصور والأعمش بذكر مسروق فيه أصح (قوله في
هذه الرواية وله مثله) أي مثل أجرها (وللخازن مثل ذلك) أي بالشروط المذكورة في حديث أبي
موسى وظاهره يقتضي تساويهم في الأجر ويحتمل أن يكون المراد بالمثل حصول الأجر في الجملة
وإن كان أجر الكاسب أوفر لكن التعبير في حديث أبي هريرة الذي ذكرته بقوله فلها نصف أجره
يشعر بالتساوي وقد سبق قبل بستة أبواب من طريق جرير أيضا وزاد في آخره لا ينقص بعضهم
أجر بعض والمراد عدم المساهمة والمزاحمة في الأجر ويحتمل أن يراد مساواة بعضهم بعضا والله
أعلم وفي الحديث فضل الأمانة وسخاوة النفس وطيب النفس في فعل الخير و الإعانة على فعل
الخير (قوله باب قول الله تعالى فأما من أعطى واتقى الآية) قال الزين بن المنير أدخل
هذه الترجمة بين أبواب الترغيب في الصدقة ليفهم أن المقصود الخاص بها الترغيب في الإنفاق في
وجوه البر وأن ذلك موعود عليه بالخلف في العاجل زيادة على الثواب الآجل (قوله اللهم أعط
منفق مال خلفا) قال الكرماني هو معطوف على الآية وحذف أداة العطف كثير وهو مذكور
على سبيل البيان للحسنى أي تيسير الحسني له إعطاء الخلف (قلت) قد أخرج الطبري من طرق
متعددة عن ابن عباس في هذه الآية قال أعطى مما عنده واتقى ربه وصدق بالخلف من الله تعالى
240

ثم حكى عن غيره أقوالا أخرى قال وأشبهها بالصواب قول ابن عباس والذي يظهر لي أن البخاري
أشار بذلك إلى سبب نزول الآية المذكورة وهو بين فيما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق قتادة حدثني
خالد العصري عن أبي الدرداء مرفوعا نحو حديث أبي هريرة المذكور في الباب وزاد في آخره
فأنزل الله في ذلك فأما من أعطى واتقى إلى قوله للعسرى وهو عند أحمد من هذا الوجه لكن ليس
فيه آخره وقوله منفق مال بالإضافة ولبعضهم منفقا مالا خلفا ومالا مفعول منفق بدليل رواية
الإضافة ولولاها احتمل أن يكون مفعول أعطى والأول أولى من جهة أخرى وهي أن سياق
الحديث للحض على إنفاق المال فناسب أن يكون مفعول منفق وأما الخلف فإبهامه أولى
ليتناول المال والثواب وغيرهما وكم من متق مات قبل أن يقع له الخلف المالي فيكون خلفه
الثواب المعد له في الآخرة أو يدفع عنه من السوء ما يقابل ذلك (قوله حدثنا إسماعيل حدثني
أخي) هو أبو بكر بن أبي أويس وسليمان هو ابن بلال وأبو الحباب بضم المهملة وموحدتين
الأولى خفيفة وسماه مسلم في روايته سعيد بن يسار وهو عم معاوية الراوي عنه ومزرد بضم
الميم وفتح الزاي وتشديد الراء الثقيلة واسم أبي مزرد عبد الرحمن وهذا الإسناد كله مدنيون
(قوله ما من يوم) في حديث أبي الدرداء ما من يوم طلعت فيه الشمس إلا وبجنبتيها ملكان
يناديان يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم إن ما قل وكفى خير مما كثر
وألهى ولا غربت شمسه إلا وبجنبتيها ملكان يناديان فذكر مثل حديث أبي هريرة (قوله إلا
ملكان) في حديث أبي الدرداء إلا وبجنبتيها ملكان والجنبة بسكون النون الناحية وقوله خلفا
أي عوضا (قوله أعط ممسكا تلفا) التعبير بالعطية في هذا للمشاكلة لأن التلف ليس بعطية وأفاد
حديث أبي هريرة أن الكلام المذكور موزع بينهما فنسب إليهما في حديث أبي الدرداء نسبة
المجموع إلى المجموع وتضمنت الآية الوعد بالتيسير لمن ينفق في وجوه البر والوعيد بالتعسير
لعكسه والتيسير المذكور أعم من أن يكون لأحوال الدنيا أو لأحوال الآخرة وكذا دعاء الملك
بالخلف يحتمل الأمرين وأما الدعاء بالتلف فيحتمل أسيد ذلك المال بعينه أو أسيد نفس صاحب
المال والمراد به فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها قال النووي الإنفاق الممدوح ما كان
في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات وقال القرطبي وهو يعم الواجبات والمندوبات
لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق هذا الدعاء إلا أن يغلب عليه البخل المذموم بحيث
لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه ولو أخرجه وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في قوله في
حديث أبي موسى طيبة بها نفسه والله أعلم (قوله باب مثل المتصدق والبخيل) قال
الزين بن المنير قام التمثيل في خبر الباب مقام الدليل على تفضيل المتصدق على البخيل فاكتفى
المصنف بذلك على أن يضمن الترجمة مقاصد الخبر على التفصيل (قوله حدثنا موسى) هو ابن
إسماعيل التبوذكي وابن طاوس أسمه عبد الله ولم يسق المتن من هذه الطريق الأولى هنا وقد
أورده في الجهاد عن موسى بهذا الإسناد فساقه بتمامه (قوله أن عبد الرحمن) هو ابن هرمز
الأعرج (قوله مثل البخيل والمنفق) وقع عند مسلم من طريق سفيان عن أبي الزناد مثل المنفق
والتصدق قال عياض وهو وهم ويمكن أن يكون حذف مقابله لدلالة السياق عليه قلت قد رواه
الحميدي وأحمد وابن أبي عمر وغيرهم في مسانيدهم عن ابن عيينة فقالوا في روايتهم مثل المنفق
241

والبخيل كما في رواية شعيب عن أبي الزناد وهو الصواب ووقع في رواية الحسن بن مسلم عن طاوس
ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق أخرجها المصنف في اللباس (قوله
عليهما جبتان من حديد كذا في هذه الرواية بضم الجيم بعدها موحدة ومن رواه فيها بالنون فقد
صحف وكذا رواية الحسن بن مسلم ورواه حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن طاوس بالنون ورجحت
لقوله من حديد والجنة في الأصل الحصن وسميت بها الدرع لأنها تجن صاحبها أي تحصنه والجبة
بالموحدة ثوب مخصوص ولا مانع من إطلاقه على الدرع واختلف في رواية الأعرج والأكثر على
أنها بالموحدة أيضا (قوله من ثديهما) بضم المثلثة جمع ثدي وتراقيهما بمثناة وقاف جمع ترقوة
(قوله سبغت) أي امتدت وغطت (قوله أو وفرت) شك في الراوي وهو بتخفيف الفاء من
الوفور ووقع في رواية الحسن بن مسلم انبسطت وفي رواية الأعرج اتسعت عليه و كلها متقاربة
(قوله حتى تخفي بنانه) أي تستر أصابعه وفي رواية القدرة حتى تجن بكسر الجيم وتشديد النون
وهي بمعنى تخفي وذكرها الخطابي في شرحه للبخاري كرواية الحميدي وبنانه بفتح الموحدة ونونين
الأولى خفيفة الإصبع ورواه بعضهم ثيابه بمثلثة وبعد الألف موحدة وهو تصحيف وقد وقع في
رواية الحسن بن مسلم حتى تغشى بمعجمتين أنامله (قوله وتعفو أثره) بالنصب أي تستر أثره يقال
عفى الشئ وعفوته أنا السري ومتعدى ويقال عفت الدار إذا غطاها التراب والمعنى أن الصدقة
تستر خطاياه كما يغطي الثوب الذي يجر على الأرض أثر صاحبه إذا مشى بمرور الذيل عليه (قوله
لزقت) في رواية مسلم انقبضت وفي رواية همام غاصت كل حلقة مكانها وفي رواية سفيان عند
مسلم قلصت وكذا في رواية الحسن بن مسلم عند المصنف والمفاد واحد لكن الأولى نظر فيها إلى
صورة الضيق والأخيرة نظر فيها إلى سبب الضيق وزعم ابن التين أن فيه إشارة إلى أن البخيل
يكوى بالنار يوم القيامة قال الخطابي وغيره وهذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للبخيل
والمتصدق فشبههما برجلين أراد كل واحد منهما أن يلبس درعا يستتر به من سلاح عدوه فصبها
على رأسه ليلبسها والدروع أول ما تقع على الصدر والثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كميها
فجعل المنفق كمن لبس درعا سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه وهو معنى قوله حتى تعفو
أثره أي تستر جميع بدنه وجعل البخيل كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه كلما أراد لبسها اجتمعت
في عنقه فلزمت ترقوته وهو معنى قوله قلصت أي تضامت واجتمعت والمراد أن الجواد إذا هم
بالصدقة انفسح لها صدره وطابت نفسه فتوسعت في الإنفاق والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة
شحت نفسه فضاق صدره وانقبضت يداه ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وقال المهلب
المراد أن الله يستر المنفق في الدنيا والآخرة بخلاف البخيل فإنه يفضحه ومعنى تعفو أثره تمحو
خطاياه وتعقبه عياض بأن الخبر جاء على التمثيل لا على الإخبار عن كائن قال وقيل هو تمثيل
لنماء المال بالصدقة والبخل بضده وقيل تمثيل لكثرة الجود والبخل وأن المعطي إذا أعطى
انبسطت يداه بالعطاء وتعود ذلك وإذا أمسك صار ذلك عادة وقال الطيبي قيد المشبه به بالحديد
إعلاما بأن القبض والشدة من جبلة الإنسان وأوقع المتصدق موقع السخي لكونه جعله
في مقابلة البخيل إشعارا بأن السخاء هو ما أمر به الشارع وندب إليه من الإنفاق لا ما يتعاناه
المسرفون (قوله فهو يوسعها ولا تتسع) وقع في رواية سفيان عند مسلم قال أبو هريرة فهو يوسعها
242

ولا تتسع وهذا يوهم أن يكون مدرجا وليس كذلك وقد وقع التصريح برفع هذه الجملة في طريق
طاوس عن أبي هريرة ففي رواية ابن طاوس عند المصنف في الجهاد فسمع النبي صلى الله عليه
وسلم يقول فيجتهد أن يوسعها ولا تتسع وفي رواية مسلم فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكره وفي رواية الحسن بن مسلم عندهما فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه
هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتسع ووقع عند أحمد من طريق ابن إسحاق عن أبي الزناد في
هذا الحديث وأما البخيل فإنها لا تزداد عليه إلا استحكاما وهذا بالمعنى (قوله تابعه الحسن بن
مسلم عن طاوس) وصله المصنف في اللباس من طريقه (قوله وقال حنظلة عن طاوس) ذكره
في اللباس أيضا تعليقا بلفظ وقال حنظلة سمعت طاوسا سمعت أبا هريرة وقد وصله الإسماعيلي
من طريق إسحق الأزرق عن حنظلة (قوله وقال الليث حدثني جعفر) هو ابن ربيعة وابن
هرمز هو عبد الرحمن الأعرج ولم تقع لي رواية الليث موصولة إلى الآن وقد رأيته عنه بإسناد
آخر أخرجه ابن حبان من طريق عيسى بن حماد عن الليث عن ابن عجلان عن أبي الزناد بسنده
(قوله باب صدقة الكسب والتجارة لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من
طيبات ما كسبتم الآية إلى قوله حميد) هكذا أورد هذه الترجمة مقتصرا على الآية بغير حديث
وكأنه أشار إلى ما رواه شعبة عن الحكم عن مجاهد في هذه الآية يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من
طيبات ما كسبتم قال من التجارة الحلال أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق آدم عنه
وأخرجه الطبري من طريق هشيم عن شعبة ولفظه من طيبات ما كسبتم قال من التجارة ومما
أخرجنا لكم من الأرض قال من الثمار ومن طريق أبي بكر الهذلي عن محمد بن سيرين عن
عبيدة بن عمرو عن علي قال في قوله ومما أخرجنا لكم من الأرض قال يعني من الحب والثمر كل
شئ عليه زكاة قال الزين بن المنير لم يقيد الكسب في الترجمة بالطيب كما في الآية استغناء عن
ذلك بما قدم في ترجمة باب الصدقة من كسب طيب (قوله باب على كل مسلم
صدقة فمن لم يجد فليعمل بالمعروف) قال الزين بن المنير نصب هذه الترجمة علما على الخبر مقتصرا
على بعض ما فيه إيجازا (قوله سعيد بن أبي بردة) أي ابن أبي موسى الأشعري ووقع التصريح
به عند أبي عوانة في صحيحه (قوله على كل مسلم صدقة) أي على سبيل الاستحباب المتأكد أو على
ما هو أعم من ذلك والعبارة صالحة للإيجاب والاستحباب كقوله عليه الصلاة والسلام على
المسلم ست خصال فذكر منها ما هو مستحب اتفاقا وزاد أبو هريرة في حديثه تقييد ذلك بكل
يوم كما سيأتي في الصلح من طريق همام عنه ولمسلم من حديث أبي ذر مرفوعا يصبح على كل سلامي
من أحدكم صدقة والسلامي بضم المهملة وتخفيف اللام المفصل وله في حديث عائشة خلق
الله كل إنسان من بني آدم على ستين وثلثمائة مفصل (قوله فقالوا يا نبي الله فمن لم يجد كأنهم
فهموا من لفظ الصدقة العطية فسألوا عمن ليس عنده شئ فبين لهم أن المراد بالصدقة ما هو
أعم من ذلك ولو بإغاثة الملهوف والأمر بالمعروف وهل تلتحق هذه الصدقة بصدقة التطوع التي
تحسب يوم القيامة من الفرض الذي أخل به فيه نظر الذي يظهر أنها غيرها لما تبين من حديث
عائشة المذكور أنها شرعت بسبب عتق المفاصل حيث قال في آخر هذا الحديث فإنه يمسي
يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار (قوله الملهوف) أي المستغيث وهو أعم من أن يكون
243

مظلوما أو عاجزا (قوله فليعمل بالمعروف) في رواية المصنف في الأدب من وجه آخر عن شعبة
فليأمر بالخير أو بالمعروف زاد أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة وينهى عن المنكر
(قوله وليمسك) في روايته في الأدب قالوا فإن لم يفعل قال فليمسك عن الشر وكذا لمسلم من طريق
أبي أسامة عن شعبة وهو أصح سياقا فظاهر سياق الباب أن الأمر بالمعروف والإمساك عن الشر
رتبة واحدة وليس كذلك بل الإمساك هو الرتبة الأخيرة (قوله فإنها) كذا وقع هنا بضمير
المؤنث وهو باعتبار الخصلة من الخير وهو الإمساك ووقع في رواية الأدب فإنه أي الإمساك له
أي للمسك قال الزين بن المنير إنما يحصل ذلك للممسك عن الشر إذا نوى بالإمساك القربة
بخلاف محض الترك والإمساك أعم من أن يكون عن غيره فكأنه تصدق عليه بالسلامة منه
فإن كان شره لا يتعدى نفسه فقد تصدق على نفسه بأن منعها من الإثم قال وليس ما تضمنه الخبر
من قوله فإن لم يجد ترتيبا وإنما هو للإيضاح لما يفعله من عجز عن خصلة من الخصال المذكورة فإنه
يمكنه خصلة أخرى فمن أمكنه أن يعمل بيده فيتصدق وأن يغيث الملهوف وأن يأمر بالمعروف
وينهى عن المنكر ويمسك عن الشر فليفعل الجميع ومقصود هذا الباب أن أعمال الخير تنزل
منزلة الصدقات في الأجر ولا سيما في حق من لا يقدر عليها ويفهم منه أن الصدقة في حق القادر
عليها أفضل من الأعمال القاصرة ومحصل ما ذكر في حديث الباب أنه لا بد من الشفقة
على خلق الله وهي إما بالمال أو غيره والمال إما حاصل أو مكتسب وغير المال إما فعل وهو
الإغاثة وإما ترك وهو الإمساك انتهى وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به ترتيب هذا
الحديث أنه ندب إلى الصدقة وعند العجز عنها ندب إلى ما يقرب منها أو يقوم مقامها وهو العمل
والانتفاع وعند العجز عن ذلك ندب إلى ما يقوم مقامه وهو الإغاثة وعند عدم ذلك ندب إلى
فعل المعروف أي من سوى ما تقدم كإماطة الأذى وعند عدم ذلك ندب إلى الصلاة فإن لم يطق
فترك الشر وذلك آخر المراتب قال ومعنى الشر هنا ما منعه الشرع ففيه تسلية للعاجز عن
فعل المندوبات إذا كان عجزه عن ذلك عن غير اختيار (قلت) وأشار بالصلاة إلى ما وقع
في آخر حديث أبي ذر عند مسلم ويجزئ عن ذلك كله ركعتا الضحى وهو يؤيد ما قدمناه أن هذه
الصدقة لا يكمل منها ما يختل من الفرض لأن الزكاة لا تكمل الصلاة ولا العكس فدل على
افتراق الصدقتين واستشكل الحديث مع تقدم ذكر الأمر بالمعروف وهو من فروض
الكفاية فكيف تجزئ عنه صلاة الضحى وهي من التطوعات وأجيب بحمل الأمر هنا على
ما إذا حصل من غيره فسقط به الفرض وكأن في كلامه هو زيادة في تأكيد ذلك فلو تركه أجزأت
عنه صلاة الضحى كذا قيل وفيه نظر والذي يظهر أن المراد أن صلاة الضحى تقوم مقام الثلثمائة
وستين حسنة التي يستحب للمرء أن يسعى في تحصيلها كل يوم ليعتق مفاصله التي هي بعددها
لا أن المراد أن صلاة الضحى تغني عن الأمر بالمعروف وما ذكر معه وإنما كان كذلك لأن الصلاة
عمل بجميع الجسد فتتحرك المفاصل كلها فيها بالعبادة ويحتمل أن يكون ذلك لكون الركعتين
يشتملان على ثلاثمائة وستين ما بين قول وفعل إذا جعلت كل حرف من القراءة مثلا صدقة
وكأن صلاة الضحى خصت بالذكر لكونها أول تطوعات النهار بعد الفرض وراتبته وقد أشار في
حديث أبي ذر إلى أن صدقة السلامي نهارية لقوله يصبح على كل سلامي من أحدكم وفي حديث
244

أبي هريرة كل يوم تطلع فيه الشمس وفي حديث عائشة فيمسي وقد زحزح نفسه عن النار وفي
الحديث أن الأحكام تجري على الغالب لأن في المسلمين من يأخذ الصدقة المأمور بصرفها وقد
قال على كل مسلم صدقة وفيه مراجعة العالم في تفسير المجمل وتخصيص العام وفيه فضل
التكسب لما فيه من الإعانة وتقديم النفس على الغير والمراد بالنفس ذات الشخص وما يلزمه
والله أعلم (قوله باب قدر كم يعطي من الزكاة والصدقة ومن أعطى شاة) أورد فيه
حديث أم عطية في إهدائها الشاة التي تصدق بها عليها قال الزين بن المنير عطف الصدقة على
الزكاة من عطف العام على الخاص إذ لو اقتصر على الزكاة لأفهم أن غيرها بخلافها وحذف
مفعول يعطى اختصارا لكونهم ثمانية أصناف وأشار بذلك إلى الرد على من كره أن يدفع إلى
شخص واحد قدر النصاب وهو محكي عن أبي حنيفة وقال محمد بن الحسن لا بأس به انتهى وقال
غيره لفظ الصدقة يعم الفرض والنفل والزكاة كذلك لكنها لا تطلق غالبا إلا على المفروض دون
التطوع فهي أخص من الصدقة من هذا الوجه ولفظ الصدقة من حيث الإطلاق على
الفرض مرادف الزكاة لا من حيث الإطلاق على النفل وقد تكرر في الأحاديث لفظ الصدقة
على المفروضة ولكن الأغلب التفرقة والله أعلم (قوله بعث إلى نسيبة الأنصارية) هي أم عطية
كذا وقع في رواية ابن السكن عن الفربري عن البخاري في آخر هذا الحديث وكان السياق
يقتضي أن يقول بعث إلي بلفظ ضمير المتكلم الجرور كما وقع عند مسلم من طريق ابن علية عن خالد
لكنه في هذا السياق وضع الظاهر موضع المضمر إما تجريدا وإما التفاتا وسيأتي الكلام على بقية
فوائد هذا الحديث في باب إذا حولت الصدقة في أواخر كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى (قوله
باب زكاة الورق) أي الفضة يقال ورق بفتح الواو وبكسرها وبكسر الراء وسكونها
قال ابن المنير لما كانت الفضة هي المال الذي يكثر دورانه في أيدي الناس ويروج بكل مكان كان
أولى بأن يقدم على ذكر تفاصيل الأموال الزكوية (قوله عن عمرو بن يحيى المازني) في موطأ ابن
وهب عن مالك أن عمرو بن يحيى حدثه (قوله عن أبيه) في مسند الحميدي عن سفيان سألت عمرو
ابن يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني فحدثني عن أبيه وفي رواية يحيى بن سعيد وهو
الأنصاري التي ذكرها المصنف عقب هذا الإسناد التصريح بسماع عمرو وهو ابن يحيى المذكور
له من أبيه وهذا هو السر في إيراده للإسناد خاصة وقد حكى ابن عبد البر عن بعض أهل العلم أن
حديث الباب لم يأت إلا من حديث أبي سعيد الخدري قال وهذا هو الأغلب إلا أنني وجدته من
رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ومن طريق محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن جابر انتهى
ورواه سهيل في الأموال لأبي عبيد ورواية مسلم في المستدرك وقد أخرجه مسلم من وجه آخر
عن جابر وجاء أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة وأبي رافع ومحمد بن عبد الله
ابن جحش أخرج أحاديث الأربعة الدارقطني ومن حديث ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة وأبو
عبيد أيضا (قوله خمس ذود) بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة وسيأتي الكلام عليه في
باب مفرد (قوله خمس أواق) زاد مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي
سعيد خمس أواق من الورق صدقة وهو مطابق للفظ الترجمة وكأن المصنف أراد أن يبين بالترجمة
ما أبهم في لفظ الحديث اعتمادا على الطريق الأخرى وأواق بالتنوين وبإثبات التحتانية مشددا
245

ومخففا جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد التحتانية وحكى الجباني وقية بحذف الألف وفتح الواو
ومقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهما بالإتفاق والمراد بالدرهم الخالص من الفضة
سواء كان مضروبا أو غير مضروب قال عياض قال أبو عبيد إن الدرهم لم يكن معلوم القدر حتى
جاء عبد الملك بن مروان فجمع العلماء فجعلوا كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل قال وهذا يلزم منه
أن يكون صلى الله عليه وسلم أحال بنصاب الزكاة على أمر مجهول وهو مشكل والصواب أن
معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن شئ منها من ضرب الإسلام وكانت مختلفة في الوزن بالنسبة إلى
العدد فعشرة مثلا وزن عشرة وعشرة وزن ثمانية فاتفق الرأي على أن تنقش بكتابة عربية
ويصير وزنها وزنا واحد أو قال غيره لم يتغير المثقال في جاهلية ولا إسلام وأما الدرهم فأجمعوا على
أن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم ولم يخالف في أن نصاب الزكاة مائتا درهم يبلغ مائة وأربعين
مثقالا من الفضة الخالصة إلا ابن حبيب الأندلسي فإنه إنفرد بقوله إن كل أهل بلد يتعاملون
بدراهميهم وذكر ابن عبد البر اختلافا في الوزن بالنسبة إلى دراهم الأندلس وغيرها من دراهم
البلاد وكذا خرق المريسي الإجماع فاعتبر النصاب بالعدد لا الوزن وانفرد السرخسي من
الشافعية بحكاية وجه في المذهب أن الدراهم المغشوشة إذا بلغت قدرا لو ضم إليه قيمة الغش
من نحاس مثلا لبلغ نصابا فإن الزكاة تجب فيه كما نقل عن أبي حنيفة واستدل بهذا الحديث
على عدم الوجوب فيما إذا نقص من النصاب ولو حبة واحدة خلافا لمن سامح بنقص يسير كما
نقل عن بعض المالكية (قوله أوسق) جمع وسق بفتح الواو ويجوز كسرها كما حكاه صاحب
المحكم وجمعه حينئذ أوساق كحمل وأحمال وقد وقع كذلك في رواية لمسلم وهو ستون صاعا
بالإتفاق ووقع في رواية ابن ماجة من طريق أبي البختري عن أبي سعيد نحو هذا الحديث وفيه
والوسق ستون صاعا وأخرجها أبو داود أيضا لكن قال ستون مختوما والدارقطني من حديث
عائشة أيضا والوسق ستون صاعا ولم يقع في الحديث بيان المكيل بالأوسق لكن في رواية مسلم
ليس فيما دون خمس أوسق من تمر ولا حب صدقة وفي رواية له ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ
خمسة أوسق ولفظ دون في المواضع الثلاثة بمعنى أقل لا أنه نفي عن غير الخمس الصدقة كما زعم
بعض من لا يعتد بقوله واستدل بهذا الحديث على وجوب الزكاة في الأمور الثلاثة واستدل
به على أن الزروع لا زكاة فيها حتى تبلغ خمسة أوسق وعن أبي حنيفة تجب في قليله وكثيره لقوله
صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء العشر وسيأتي البحث في ذلك في باب مفرد إن شاء الله تعالى
ولم يتعرض الحديث للقدر الزائد على المحدود وقد أجمعوا في الأوساق على أنه لا وقص فيها وأما
الفضة فقال الجمهور هو كذلك وعن أبي حنيفة لا شئ فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ النصاب
وهو أربعون فجعل لها وقصا كالماشية واحتج عليه الطبراني بالقياس على الثمار والحبوب
والجامع كون الذهب والفضة مستخرجين من الأرض بكلفة ومؤنة وقد أجمعوا على ذلك في
خمسة أوسق فما زاد * (فائدة) * أجمع العلماء على إشتراط الحول في الماشية والنقد دون المعشرات
والله أعلم (قوله باب العرض في الزكاة) أي جواز أخذ العرض وهو بفتح المهملة
وسكون الراء بعدها غدا والمراد به ما عدا النقدين قال ابن رشيد وافق البخاري في هذه المسئلة
الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل وقد أجاب الجمهور عن قصة معاذ وعن
246

الأحاديث كما سيأتي عقب كل منها (قوله وقال طاوس قال معاذ لأهل اليمن) هذا التعليق صحيح
الإسناد إلى طاوس لكن طاوس لم يسمع من معاذ فهو منقطع فلا يغتر بقول من قال ذكره البخاري
بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه وأما باقي الإسناد
فلا إلا أن إيراده له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده وكأنه عضده عنده الأحاديث
التي ذكرها في الباب وقد روينا أثر طاوس المذكور في كتاب الخراج ليحيى بن آدم من رواية ابن
عيينة عن إبراهيم بن ميسرة وعمرو بن دينار فرفعهما كلاهما عن طاوس وقوله خميص قال
الداودي والجوهري وغيرهما ثوب خميس بسين مهملة هو ثوب طوله خمسة أذرع وقيل سمي
بذلك لأن أول من عمله الخميس ملك من ملوك اليمن وقال عياض ذكره البخاري بالصاد وأما أبو
عبيدة فذكره بالسين قال أبو عبيدة كأن معاذا عنى الصفيق من الثياب وقال عياض قد يكون
المراد ثوب خميص أي خميصة لكن ذكره على إرادة الثوب وقوله لبيس أي ملبوس فعيل بمعنى
مفعول وقوله في الصدقة يرد قول من قال إن ذلك كان قي الخراج وحكى البيهقي أن بعضهم قال
فيه من الجزية بدل الصدقة فإن ثبت ذلك سقط الاستدلال لكن المشهور الأول وقد رواه ابن أبي
شيبة عن وكيع عن الثوري عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس أن معاذا كان يأخذ العروض
في الصدقة وأجاب الإسماعيلي باحتمال أن يقول المعنى إئتوني به آخذه منكم مكان الشعير
والذرة الذي آخذه شراء بما آخذه فيكون بقبضه قد بلغ محله ثم يأخذ مكانه ما يشتريه مما هو أوسع
عندهم وأنفع للآخذ قال ويؤيده أنها لو كانت من الزكاة لم تكن مردودة على الصحابة وقد أمره
النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها على فقرائهم وأجيب بأنه لا مانع
من أنه كان يحمل الزكاة إلى الإمام ليتولى قسمتها وقد احتج به من يجيز نقل الزكاة من بلد إلى بلد
وهي مسئلة خلافية أيضا وقيل في الجواب عن قصة معاذ أنها اجتهاد منه فلا حجة فيه وفيه نظر
لأنه كان أعلم الناس بالحلال والحرام وقد بين له النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن ما يصنع
وقيل كانت تلك واقعة حال لا دلالة فيها لاحتمال أن يكون علم بأهل المدينة حاجة لذلك وقد قام
الدليل على خلاف عمله ذلك وقال القاضي عبد الوهاب المالكي كانوا يطلقون على الجزية اسم
الصدقة فلعل هذا منها وتعقب بقوله مكان الشعير والذرة ومما كانت الجزية حينئذ من أولئك
من شعير ولا ذرة إلا من النقدين وقوله أهون عليكم أراد معنى تسلط السهولة عليهم فلم يقل
أهون لكم وقوله وخير لأصحاب محمد أي أرفق بهم لأن مؤنة النقل ثقيلة فرأى الأخف في ذلك
خيرا من الأثقل (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم وأما خالد) هو طرف من حديث لأبي هريرة
أوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة فقيل منع ابن جميل الحديث وسيأتي موصولا
في باب قول الله وفي الرقاب مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى (قوله وقال النبي صلى
الله عليه وسلم تصدقن ولو من حليكن فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها فجعلت المرأة تلقي
خرصها وسخابها ولم يخص الذهب والفضة من العروض) أما الحديث فطرف من حديث لابن
عباس أخرجه المصنف بمعناه وقد تقدم في العيدين وهو عند مسلم بلفظه من طريق عدي بن
ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وأوله خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى
الحديث وفيه فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها والخرص بضم المعجمة وسكون الراء بعدها
247

مهملة الحلقة التي تجعل في الأذن وقد ذكره المصنف موصولا في آخر الباب لكن لفظه فجعلت
المرأة تلقي وأشار أيوب إلى أذنه وحلقه وقد وقع تفسير ذلك بما ذكره في الترجمة من قوله تلقي
خرصها وسخابها لأن الخرص من الأذن والسخاب من الحلق والسخاب بكسر المهملة بعدها
معجمة وآخره موحدة القلادة وقوله فلم يستثن وقوله فلم يخص كل من الكلامين للبخاري ذكرهما
بيانا لكيفية الاستدلال على أداء العرض في الزكاة وهو مصير منه إلى أن مصارف الصدقة
الواجبة كمصارف صدقة التطوع بجامع ما فيهما من قصد القربة والمصروف إليهم بجامع الفقر
والاحتياج إلا ما استثناه الدليل وأما من وجهه فقال لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء
بالصدقة في ذلك اليوم وأمره على الوجوب صارت صدقة واجبة ففيه نظر لأنه لو كان للإيجاب
هنا لكان مقدرا وكانت المجازفة فيه وقبول ما تيسر غير جائز ويمكن أن يكون تمسك بقوله
تصدقن فأنه مطلق يصلح لجميع يجري الصدقات واجبها ونفلها وجميع يجري المتصدق به عينا
وعرضا ويكون قوله ولو من حليكن للمبالغة أي ولو لم تجدن إلا ذلك وموضع الاستدلال منه
للعرض قوله وسخا بها لأنه قلادة تتخذ من مسك وقرفل ونحوها تجعل في العنق والبخاري فيما
عرف بالاستقراء من طريقته يتمسك بالمطلقات تمسك غيره بالعمومات ثم ذكر المصنف في الباب
حديث أنس أن أبا بكر كتب له فذكر طرفا من حديث الصدقات وسيأتي معظمه في باب زكاة
الغنم وموضع الدلالة منه قبول ما هو أنفس مما يجب على المتصدق وإعطاؤه التفاوت من جنس
غير الجنس الواجب وكذا العكس لكن أجاب الجمهور عن ذلك بأنه لو كان كذلك لكان ينظر إلى
ما بين الشيئين في القيمة فكان العرض يزيد تارة وينقص أخرى لاختلاف ذلك في الأمكنة
والأزمنة فلما قدر الشارع التفاوت بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص كان ذلك هو الواجب في الأصل
في مثل ذلك ولولا تقدير الشارع بذلك لتعينت بنت المخاض مثلا ولم يجز أن تبدل بنت لبون
مع التفاوت والله أعلم (قوله باب لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع)
في رواية الكشميهني متفرق بتقديم التاء وتشديد الراء قال الزين بن المنير لم يقيد المصنف الترجمة
بقوله خشية الصدقة لاختلاف نظر العلماء في المراد بذلك كما سيأتي (قوله ويذكر عن سالم عن
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أي مثل لفظ هذه الترجمة وهو طرف من حديث أخرجه
أبو داود وأحمد والترمذي والحاكم وغيرهم من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عنه موصولا
وسفيان بن حسين ضعيف في الزهري وقد خالفه من هو أحفظ منه في الزهري فأرسله الحاكم من
طريق يونس بن يزيد عن الزهري وقال إن فيه تقوية لرواية سفيان بن حسين لأنه قال عن الزهري
قال أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها فذكر الحديث ولم يقل إن ابن عمر حدثه به
ولهذه العلة لم يجزم به البخاري لكن أورده شاهدا لحديث أنس الذي وصله البخاري في الباب
ولفظه ولا يجمع بين متفرق بتقديم التاء أيضا وزاد خشية الصدقة واختلف في المراد بالخشية
كما سنذكره وفي الباب عن علي عند أصحاب السنن وعن سويد بن غفلة قال أتانا مصدق النبي
صلى الله عليه وسلم فقرأت في عهده فذكر مثله أخرجه النسائي وعن سعد بن أبي وقاص أخرجه
البيهقي قال مالك في الموطأ معنى هذا الحديث أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون
شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا تجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة أو يكون للخليطين
248

مائتا شاة وشاتان فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد إلا شاة
واحدة وقال الشافعي هو خطاب لرب المال من جهة وللساعي من جهة فأمر كل واحد منهم
أن لا يحدث شيا من الجمع والتفريق خشية الصدقة فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع
أو يفرق لتقل والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر فمعنى قوله خشية الصدقة
أي خشية أن تكثر الصدقة أو خشية أن تقل الصدقة فلما كان محتملا للأمرين لم يكن الحمل على
أحدهما بأولى من الآخر فحمل عليهما معا لكن الذي يظهر أن حمله على المالك أظهر والله أعلم
واستدل به على أن من كان عنده دون النصاب من الفضة ودون النصاب من الذهب مثلا أنه
لا يجب ضم بعضه إلى بعض حتى يصير نصابا كاملا فتجب فيه الزكاة خلافا لمن قال يضم على
الأجزاء كالمالكية أو على القيم كالحنفية واستدل به لأحمد على أن من كان له ماشية ببلد لا تبلغ
النصاب كعشرين شاة مثلا بالكوفة ومثلها بالبصرة أنها لا تضم باعتبار كونها ملك رجل
واحد وتؤخذ منها الزكاة لبلوغها النصاب قاله ابن المنذر وخالفه الجمهور فقالوا يجمع على
صاحب المال أمواله ولو كانت في بلدان شتى ويخرج منها الزكاة واستدل به على إبطال الحيل
والعمل على المقاصد المدلول عليها بالقرائن وأن زكاة العين لا تسقط بالهبة مثلا والله أعلم (قوله
باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) اختلف في المراد بالخليط
كما سيأتي فعند أبي حنيفة أنه الشريك قال ولا يجب على أحد منهم فيما يملك إلا مثل الذي كان
يجب عليه لو لم يكن خلط وتعقبه ابن جرير بأنه لو كان تفريقها مثل جمعها في الحكم لبطلت فائدة
الحديث وإنما نهى عن أمر لو فعله لكانت فيه فائدة قبل النهي ولو كان كما قال لما كان لتراجع
الخليطين بينهما بالسوية معنى (قوله يتراجعان) قال الخطابي معناه أن يكون بينهما أربعون
شاة مثلا لكل واحد منهما عشرون قد عرف كل منهما عين ماله فيأخذ المصدق من أحدهما
شاة فيرجع المأخوذ من ماله على خليطه بقيمة نصف شاة وهذه تسمى خلطة الجوار (قوله وقال
طاوس وعطاء الخ) هذا التعليق وصله أبو عبيده في كتاب الأموال قال حدثنا حجاج عن ابن
جريج أخبرني عمرو بن دينار عن طاوس قال إذا كان الخليطان يعلمان أموالهما لم يجمع مالهما
في الصدقة قال يعني ابن جريج فذكرته لعطاء فقال ما أراه إلا حقا وهكذا رواه عبد الرزاق عن
ابن جريج عن شيخه وقال أيضا عن ابن جريج قلت لعطاء ناس خلطاء لهم أربعون شاة قال
عليهم شاة قلت فلواحد تسعة وثلاثون شاة ولآخر شاة قال عليهما شاة (قوله وقال سفيان
لا تجب حتى يتم لهذا أربعون شاة ولهذا أربعون شاة) قال عبد الرزاق عن الثوري قولنا لا يجب
على الخليطين شئ إلا أن يتم لهذا أربعون ولهذا أربعون انتهى وبهذا قال مالك وقال
الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث إذا بلغت ماشيتهما النصاب زكيا والخلطة عندهم أن يجتمعا
في المسرح والمبيت والحوض والفحل والشركة أخص منهما وفي جامع سفيان الثوري عن
عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية
(قلت) لعبيد الله ما يعني بالخليطين قال إذا كان المراح واحدا والراعي واحدا والدلو واحدا ثم
أورد المصنف طرفا من حديث أنس المذكور وفيه لفظ الترجمة واختلف في المراد بالخليط فقال
أبو حنيفة هو الشريك واعترض عليه بأن الشريك قد لا يعرف عين ماله وقد قال إنهما
249

يتراجعان بينهما بالسوية ومما يدل على أن الخليط لا يستلزم أن يكون شريكا قوله تعالى وإن
كثيرا من الخلطاء وقد بينه قبل ذلك بقوله إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة
واعتذر بعضهم عن الحنفية بأنهم لم يبلغهم هذا الحديث أو رأوا أن الأصل قوله ليس فيما دون
خمس ذود صدقة وحكم الخلطة بغير هذا الأصل فلم يقولوا به (قوله باب زكاة الإبل)
سقط لفظ باب من رواية الكشميهني والحموي (قوله ذكره أبو بكر وأبو ذر وأبو هريرة رضي الله
عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم) أما حديث أبي بكر فقد ذكره مطولا كما سيأتي بعد باب
من رواية أنس عنه ولأبي بكر حديث آخر تقدم أيضا فيما يتعلق بقتال مانعي الزكاة وأما
حديث أبي ذر فسيأتي بعد ستة أبواب من رواية المعرور بن سويد عنه في وعيد من لا يؤدي
زكاة إبله وغيرها ويأتي معه حديث أبي هريرة أيضا في ذلك إن شاء الله تعالى ثم ذكر المصنف
حديث الغلام الذي سأل عن شأن الهجرة وموضع الحاجة منه قوله فهل لك من إبل تؤدي
صدقتها قال نعم وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الهجرة إن شاء الله تعالى قال الزين بن المنير
في هذه الأحاديث أحكام متعددة تتعلق بهذه الترجمة منها إيجاب الزكاة والتسوية بينها وبين
الصلاة في قتال مانعيها حتى لو منعوا عقالا وهو الذي تربط به الإبل وتسميتها فريضة وذلك أعلى
الواجبات وتوعد من لم يؤدها بالعقوبة في الدار الآخرة كما في حديثي أبي ذر وأبي هريرة وفي
حديث أبي سعيد فضل أداء زكاة الإبل ومعادلة إخراج أداء حق الله منها لفضل الهجرة فإن
في الحديث إشارة إلى أن استقراره بوطنه إذا أدى زكاة إبله يقوم له مقام ثواب هجرته وإقامته
بالمدينة (قوله باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده) أورد فيه طرفا
من حديث أنس المذكور وليس فيه ما ترجم به وقد أورد الحكم الذي ترجم به في باب العرض
في الزكاة وحذفه هنا فقال ابن بطال هذه غفلة منه وتعقبه ابن رشيد وقال بل هي غفلة ممن ظن
به الغفلة وإنما مقصده أن يستدل على من بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده هي و لا ابن
لبون لكن عنده مثل حقة وهي أرفع من بنت مخاض لأن بينهما بنت لبون وقد تقرر أن بين
بنت اللبون وبنت المخاض عشرين درهما أو شاتين وكذلك سائر ما وقع ذكره في الحديث من سن
يزيد أو ينقص إنما ذكر فيه ما يليها لا ما يقع بينهما بتفاوت درجة فأشار البخاري إلى أنه يستنبط
من الزائد والناقص والمنفصل ما يكون منفصلا بحساب ذلك فعلى هذا من بلغت صدقته بنت
مخاض وليست عنده إلا حقة أن يرد عليه المصدق أربعين درهما أو أربع شياه جبرانا أو بالعكس
فلو ذكر اللفظ الذي ترجم به لما أفهم هذا الغرض فتدبره انتهى قال الزين بن المنير من أمعن
النظر في تراجم هذا الكتاب وما أودعه فيها من أسرار المقاصد استبعد أن يغفل أم يهمل أو يضع
لفظا بغير معنى أو يرسم في الباب خبرا يكون غيره به أقعد وأولى وإنما قصد بذكر ما لم يترجم به أن
يقرر أن المفقود إذا وجد الأكمل منه أو الأنقص شرع الجبران كما شرع ذلك فيما تضمنه هذا الخبر
من ذكر الأسنان فإنه لا فرق بين فقد بنت المخاض ووجود الأكمل منها قال ولو جعل العمدة في هذا
الباب الخبر المشتمل على ذكر فقد بنت المخاض لكان نصا في الترجمة ظاهرا فلما تركه واستدل بنظيره
250

أفهم ما ذكرناه من الإلحاق بنفي الفرق وتسويته بين فقد بنت المخاض ووجود الأكمل منها وبين
فقد الحقة ووجود الأكمل منها والله أعلم (قوله باب زكاة الغنم) قال الزين بن المنير
حذف وصف الغنم بالسائمة وهو ثابت في الخبر إما لأنه لم يعتبر هذا المفهوم أو لتردده من جهة
تعارض وجوه النظر فيه عنده وهي مسئلة خلافية شهيرة والراجح في مفهوم الصفة أنها إن كانت
تناسب الحكم مناسبة العلة لمعلولها اعتبرت وإلا فلا ولا شك أن السوم يشعر بخفة المؤنة ودرء
المشقة بخلاف العلف فالراجح اعتباره هنا والله أعلم (قوله حدثني ثمامة) هو عم الراوي عنه لأنه
عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك وهذا الإسناد مسلسل بالبصريين من آل أنس بن
مالك وعبد الله بن المثنى اختلف فيه قول ابن معين فقال مرة صالح ومرة ليس بشئ وقواه
أبو زرعة وأبو حاتم والعجلي وأما النسائي فقال ليس بالقوي وقال العقيلي لا يتابع في أكثر حديثه
انتهى وقد تابعه على حديثه هذا حماد بن سلمة فرواه عن ثمامة أنه أعطاه كتابا زعم أن أبا بكر كتبه
لأنس وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث بعثه مصدقا فذكر الحديث هكذا أخرجه
أبو داود عن أبي سلمة عنه ورواه أحمد في مسنده قال حدثنا أبو كامل حدثنا حماد قال أخذت
هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس أن أبا بكر فذكره وقال إسحق بن راهويه في
مسنده أخبرنا النضر بن شميل حدثنا حماد بن سلمة أخذنا هذا الكتاب من ثمامة يحدثه عن أنس
عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره فوضح أن حمادا سمعه من ثمامة وأقرأه الكتاب فانتفى تعليل
من أعله بكونه مكاتبة وانتفى تعليل من أعله بكون عبد الله بن المثنى لم يتابع عليه (قوله أن أبا بكر
رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين) أي عاملا عليها وهي اسم لإقليم مشهور
يشتمل على مدن معروفة قاعدتها هجر وهكذا ينطق به بلفظ التثنية والنسبة إليه بحراني
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم هذه) * قال الماوردي يستدل به على إثبات البسملة في ابتداء
الكتب وعلى أن الابتداء بالحمد ليس بشرط (قوله هذه فريضة الصدقة) أي نسخة فريضة
فحذف المضاف للعلم به وفيه أن اسم الصدقة يقع على الزكاة خلافا لمن منع ذلك من الحنفية
(قوله التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين) ظاهر في رفع الخبر إلى النبي صلى الله
عليه وسلم وأنه ليس موقوفا على أبي بكر وقد صرح برفعه في رواية إسحق المقدم ذكرها ومعنى
فرض هنا أوجب أو شرع يعني بأمر الله تعالى وقيل معناه قدر لأن إيجابها ثابت في الكتاب
ففرض النبي صلى الله عليه وسلم لها بيانه للمجمل من الكتاب بتقدير الأنواع والأجناس وأصل
الفرض قطع الشئ الصلب ثم استعمل في التقدير لكونه مقتطعا من الشئ الذي يقدر منه ويرد
بمعنى البيان كقوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وبمعنى الإنزال كقوله تعالى إن الذي
فرض عليك القرآن وبمعنى الحل كقوله تعالى ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له وكل
ذلك لا يخرج عن معنى التقدير ووقع استعمال الفرض بمعنى اللزوم حتى كاد يغلب عليه وهو
لا يخرج أيضا عن معنى التقدير وقد قال الراغب كل شئ ورد في القرآن فرض على فلان فهو
بمعنى الإلزام وكل شئ ورد فرض له فهو بمعنى لم يحرمه عليه وذكر أن معنى قوله تعالى إن الذي
فرض عليك القرآن أي أوجب عليك العمل به وهذا يؤيد قول الجمهور إن الفرض مرادف
للوجوب وتفريق الحنفية بين الفرض والواجب باعتبار ما يثبتان به لا مشاحة فيه وإنما النزاع
251

في حمل ما ورد من الأحاديث الصحيحة على ذلك لأن اللفظ السابق لا يحمل على الاصطلاح
الحادث والله أعلم (قوله على المسلمين) استدل به على أن الكافر ليس مخاطبا بذلك وتعقب بأن
المراد بذلك كونها لا تصح منه لا أنه لا يعاقب عليها وهو محل النزاع (قوله والتي أمر الله بها
رسوله) كذا في كثير من نسخ البخاري ووقع في كثير منها بحذف بها وأنكرها النووي في شرح
المهذب ووقع في رواية أبي داود المقدم ذكرها التي أمر بغير واو على أنها بدل من الأولى (قوله فمن
سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها) أي على هذه الكيفية المبينة في هذا الحديث وفيه دلالة
على دفع الأموال الظاهرة إلى الإمام (قوله ومن سئل فوقها فلا يعط) أي من سئل زائدا على ذلك
في سن أو عدد فله المنع ونقل الرافعي الإتفاق على ترجيحه وقيل معناه فليمنع الساعي وليتول
هو إخراجه بنفسه أو بساع آخر فإن الساعي الذي طلب الزيادة يكون بذلك متعديا وشرطه أن
يكون أمينا لكن محل هذا إذا طلب الزيادة بغير تأويل (قوله في كل أربع وعشرين من الإبل
فما دونها) أي إلى خمس (قوله من الغنم) كذا للأكثر وفي رواية ابن السكن بإسقاط من وصوبها
بعضهم وقال عياض من أثبتها فمعناه زكاتها أي الإبل من الغنم ومن للبيان لا للتبعيض ومن
حذفها فالغنم مبتدأ والخبر مضمر في قوله في كل أربع وعشرين وما بعده وإنما قدم الخبر لأن الغرض
بيان المقادير التي تجب فيها الزكاة والزكاة إنما تجب بعد وجود النصاب فحسن التقديم واستدل
به على تعين إخراج الغنم في مثل ذلك وهو قول مالك وأحمد فلو أخرج بعيرا عن الأربع والعشرين
لم يجزه وقال الشافعي والجمهور يجزئه لأنه يجزئ عن خمس وعشرين فما دونها أولى ولأن الأصل أن
يجب من جنس المال وإنما عدل عنه رفقا بالمالك فإذا رجع باختياره إلى الأصل أجزأه فإن كان
قيمة البعير مثلا دون قيمة أربع شياة ففيه خلاف عند الشافعية وغيرهم والأقيس أنه لا يجزئ
واستدل بقوله في كل أربع وعشرين على أن الأربع مأخوذة عن الجمع وإن كانت الأربع الزائدة
على العشرين وقصا وهو قول الشافعي في البويطي وقال في غيره إنه عفو ويظهر أثر الخلاف فيمن
له مثلا تسع من الإبل فتلف منها أربعة بعد الحول وقبل التمكن حيث قلنا إنه شرط في الوجوب
وجبت عليه شاة بلا خلاف وكذا إن قلنا التمكن شرط في الضمان وقلنا الوقص عفو وإن قلنا
يتعلق به الفرض وجب خمسة أتساع شاة والأول قول الجمهور كما نقله ابن المنذر وعن مالك رواية
كالأول * (تنبيه) * الوقص بفتح الواو والقاف ويجوز إسكانها وبالسين المهملة بدل الصاد
هو ما بين الفرضين عند الجمهور واستعمله الشافعي فيما دون النصاب الأول أيضا والله أعلم (قوله
فإذا بلغت خمسا وعشرين) فيه أن في هذا القدر بنت مخاض وهو قول الجمهور إلا ما جاء عن
علي أن في خمس وعشرين خمس شياه فإذا صارت ستا وعشرين كان فيها بنت مخاض أخرجه ابن
أبي شيبة وغيره عنه موقوفا ومرفوعا وإسناد المرفوع ضعيف (قوله إلى خمس وثلاثين) استدل
به على أنه لا يجب فيما بين العددين شئ غير بنت مخاض خلافا لمن قال كالحنفية تستأنف الفريضة
فيجب في كل خمس من الإبل شاة مضافة إلى بنت المخاض (قوله ففيها بنت مخاض أنثى) زاد حماد بن
سلمة في روايته فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر وقوله أنثى وكذا قوله ذكر للتأكيد أو لتنبيه
رب المال ليطيب نفسا بالزيادة وقيل احترز بذلك من الخنثى وفيه بعد وبنت المخاض بفتح الميم
والمعجمة الخفيفة وآخره غدا هي التي أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها والماخض
252

الحامل أي دخل وقت حملها وإن لم تحمل وابن اللبون الذي دخل في ثالث سنة فصارت أمه لبونا
بوضع الحمل (قوله إلى خمس وأربعين) إلى للغاية وهو يقتضي أن ما قبل الغاية يشتمل عليه
الحكم المقصود بيانه بخلاف ما بعدها فلا يدخل إلا بدليل وقد دخلت هنا بدليل قوله بعد ذلك
فإذا بلغت ستا وأربعين فعلم أن حكمها حكم ما قبلها (قوله حقة طروقة الجمل) حقة بكسر
المهملة وتشديد القاف والجمع حقاق بالكسر والتخفيف وطروقة بفتح أوله أي مطروقة وهي
فعولة بمعنى مفعولة كحلوبة بمعنى محلوبة والمراد أنها بلغت أن يطرقها الفحل وهي التي أتت عليها
ثلاث سنين ودخلت في الرابعة (قوله جذعة) بفتح الجيم والمعجمة وهي التي أتت عليها أربع
ودخلت في الخامسة (قوله فإذا بلغت يعني ستا وسبعين) كذا في الأصل بزيادة يعني وكان العدد
حذف من الأصل اكتفاء بدلالة الكلام عليه فذكره بعض رواته وأتى بلفظ يعني لينبه على أنه
مزيد أو شك أحد رواته فيه وقد ثبت بغير لفظ يعني في رواية الإسماعيلي من طريق أخرى عن
الأنصاري شيخ البخاري فيه فيحتمل أن يكون الشك فيه من البخاري وقد وقع في رواية حماد
ابن سلمة بإثباته أيضا (قوله فإذا زادت على عشرين ومائة) أي واحدة فصاعدا وهذا قول الجمهور
وعن الأصطخري من الشافعية تجب ثلاث بنات لبون لزيادة بعض واحدة لصدق الزيادة وتتصور
المسئلة في الشركة ويرده ما في كتاب عمر المذكور إذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث
بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة ومقتضاه أن ما زاد على ذلك فزكاته بالإبل خاصة وعن
أبي حنيفة إذا زادت على عشرين ومائة رجعت إلى فريضة الغنم فيكون في خمس وعشرين ومائة
ثلاث بنات لبون وشاة (قوله فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة وفي صدقة الغنم الخ) * (تنبيه) *
اقتطع البخاري من بين هاتين الجملتين قوله ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة إلى آخر
ما ذكره في الباب الذي قبله وقد ذكر آخره في باب العرض في الزكاة وزاد بعد قوله فيه يقبل
سنه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهما أو شاتين فإن لم يكن عنده بنت مخاض على
وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شئ وهذا الحكم متفق عليه فلو لم يجد واحدا
منهما فله أن يشتري أيهما شاء على الأصح عند الشافعية وقيل يتعين شراء بنت مخاض وهو قول
مالك وأحمد وقوله ويعطي معها عشرين درهما أو شاتين هو قول الشافعي وأحمد وأصحاب
الحديث وعن الثوري عشرة وهي رواية عن إسحاق وعن مالك يلزم رب المال بشراء ذلك السن
بغير جبران قال الخطابي يشبه أن يكون الشارع جعل الشاتين أو العشرين درهما تقديرا
في الجبران لئلا يكل الأمر إلى اجتهاد الساعي لأنه يأخذها على المياه حيث لا حاكم ولا مقوم غالبا
فضبطه بشئ يرفع التنازع كالصاع في المصراة والغرة في الجنين والله أعلم وبين هاتين الجملتين قوله
وفي صدقة الغنم وسيأتي التنبيه على ما حذفه منه أيضا في موضع آخر قريبا (قوله إذا كانت)
في رواية الكشميهني إذا بلغت (قوله فإذا زادت على عشرين ومائة) في كتاب عمر فإذا كانت
إحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين ففيها شاتان وقد تقدم قول الأصطخري في ذلك والتعقب
عليه (قوله فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة) مقتضاه أنه لا تجب الشاة الرابعة حتى توفي
أربعمائة وهو قول الجمهور قالوا فائدة ذكر الثلثمائة لبيان النصاب الذي بعده لكون ما قبله
مختلفا وعن بعض الكوفيين كالحسن بن صالح ورواية عن أحمد إذا زادت على الثلثمائة واحدة
253

وجب الأربع (قوله ففي كل مائة شاة شاة (3) فإذا كانت سائمة الرجل) * (تنبيه) * اقتطع
البخاري أيضا من بين هاتين الجملتين قوله ولا يخرج في الصدقة هرمة إلى آخر ما ذكره في الباب
الذي يليه واقتطع منه أيضا قوله ولا يجمع بين متفرق إلى آخر ما ذكره في بابه وكذا قوله وما كان
من خليطين إلى آخر ما ذكره في بابه ويلي هذا قوله هنا فإذا كانت سائمة الرجل الخ وهذا
حديث واحد يشتمل على هذه الأحكام التي فرقها المصنف في هذه الأبواب غير مراع
للترتيب فيها بل بحسب ما ظهر له من مناسبة إيراد التراجم المذكورة (قوله وفي الرقة) بكسر
الراء وتخفيف القاف الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة قيل أصلها الورق
فحذفت الواو وعوضت الهاء وقيل يطلق على الذهب والفضة بخلاف الورق فعلى هذا فقيل أن
الأصل في زكاة النقدين نصاب الفضة فإذا بلغ الذهب ما قيمته مائتا درهم فضة خالصة وجبت فيه
الزكاة وهو ربع العشر وهذا قول الزهري وخالفه الجمهور (قوله فإن لم تكن) أي الفضة
(إلا تسعين ومائة) يوهم أنها إذا زادت على التسعين ومائة قبل بلوغ المائتين أن فيها صدقة وليس
كذلك وإنما ذكر التسعين لأنه آخر عقد قبل المائة والحساب إذا جاوز الآحاد كان تركيبه
بالعقود كالعشرات والمئين والألوف فذكر التسعين ليدل على أن لا صدقة فيما نقص عن
المائتين ويدل عليه قوله الماضي ليس فيما دون خمس أواق صدقة (قوله إلا أن يشاء ربها
في المواضع الثلاثة) أي إلا أن يتبرع متطوعا (قوله باب لا يؤخذ في الصدقة هرمة
إلى قوله ما شاء المصدق) اختلف في ضبطه فالأكثر على أنه بالتشديد والمراد المالك وهذا اختيار
أبي عبيد وتقدير الحديث لا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب أصلا ولا يؤخذ التيس وهو فحل الغنم
إلا برضا المالك لكونه يحتاج إليه ففي أخذه بغير اختياره إضرار به والله أعلم وعلى هذا
فالاستثناء مختص بالثالث ومنهم من ضبطه بتخفيف الصاد وهو الساعي وكأنه يشير بذلك إلى
التفويض إليه في اجتهاده لكونه يجري مجرى الوكيل فلا يتصرف بغير المصلحة فيتقيد بما
تقتضيه القواعد وهذا قول الشافعي في البويطي ولفظه ولا تؤخذ ذات عوار ولا تيس ولا هرمة
إلا أن يرى المصدق أن ذلك أفضل للمساكين فيأخذه على النظر انتهى وهذا أشبه بقاعدة
الشافعي في تناول الاستثناء جميع ما ذكر قبله فلو كانت الغنم كلها معيبة مثلا أو تيوسا أجزأه أن
يخرج منها وعن المالكية يلزم المالك أن يشتري شاة مجزئة تمسكا بظاهر هذا الحديث وفي رواية
أخرى عندهم كالأول (قوله هرمة) بفتح الهاء وكسر الراء الكبيرة التي سقطت أسنانها (قوله
ذات عوار) بفتح العين المهملة وبضمها أي معيبة وقيل بالفتح العيب وبالضم العور وأختلف
في ضبطها فالأكثر على أنه ما يثبت به الرد في البيع وقيل ما يمنع الإجزاء في الأضحية ويدخل في
المعيب المريض والذكورة بالنسبة إلى الأنوثة والصغير سنا بالنسبة إلى سن أكبر منه (قوله
باب أخذ العناق) بفتح المهملة أورد فيه طرفا من قصة عمر مع أبي بكر في قتال مانع
الزكاة وفيه قوله لو منعوني عناقا وكأن البخاري أشار بهذه الترجمة بعد الترجمة السابقة إلى
جواز أخذ الصغيرة من الغنم في الصدقة لأن الصغيرة لا شئ فيها سوى صغر السن فهي أولي أن
تؤخذ من الهرمة إذا رأى الساعي ذلك وهذا هو السر في اختيار لفظ الأخذ في الترجمة دون
الإعطاء وخالف في ذلك المالكية فقالوا معناه كانوا يؤدون عنها ما يلزم أداؤه وقال أبو حنيفة
ومحمد بن الحسن لا يؤدي عنها إلا من غيرها وقيل المراد بالعناق في هذا الحديث الجذعة من الغنم
254

وهو خلاف الظاهر والله أعلم (قوله في أثناء الإسناد وقال الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد
الخ) وصله الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عن الليث ولليث فيه إسناد من طريق أخرى
ستأتي في كتاب المرتدين عن عقيل عن ابن شهاب (قوله لا تؤخذ كرائم أموال
الناس في الصدقة) هذه الترجمة مقيدة لمطلق الحديث لأن فيه وتوق كرائم أموال الناس بغير
تقييد بالصدقة وأموال الناس يستوي التوقي لها بين الكرائم وغيرها فقيدها في الترجمة بالصدقة
وهو بين من سياق الحديث لأنه ورد في شأن الصدقة والكرائم جمع كريمة يقال ناقة كريمة أي
غزيرة اللبن والمراد نفائس الأموال من أي صنف كان وقيل له نفيس لأن نفس صاحبه تتعلق به
وأصل الكريمة كثيرة الخير وقيل للمال النفيس كريم لكثرة منفعته وسيأتي الكلام على بقية
الحديث قبيل أبواب زكاة الفطر إن شاء الله تعالى (قوله باب ليس فيما دون خمس
ذود صدقة) الذود بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة قال الزين بن المنير أضاف خمس إلى
ذود وهو مذكر لأنه يقع على المذكر والمؤنث وأضافه إلى الجمع لأنه يقع على المفرد والجمع وأما
قول ابن قتيبة إنه يقع على الواحد فقط فلا يدفع ما نقله غيره أنه يقع على الجمع انتهى والأكثر على
أن الذود من الثلاثة إلى العشرة وأنه لا واحد له من لفظه وقال أبو عبيد من الثنتين إلى العشرة
قال وهو يختص بالإناث وقال سيبويه تقول ثلاث ذود لأن الذود مؤنث وليس باسم كسر عليه
مذكر وقال القرطبي أصله ذاد يذود إذا دفع شيئا فهو مصدر وكأن من كان عنده دفع عن نفسه
معرة الفقر وشدة الفاقة والحاجة وقوله من الإبل بيان للذود وأنكر بن قتيبة أن يراد بالذود
الجمع وقال لا يصح أن يقال خمس ذود كما لا يصح أن يقال خمس ثوب وغلطه العلماء في ذلك لكن
قال أبو حاتم السجستاني تركوا القياس في الجمع فقالوا خمس ذود لخمس من الإبل كما قالوا
ثلاثمائة على غير قياس قال القرطبي وهذا صريح في أن الذود واحد في لفظه والأشهر ما قاله
المتقدمون إنه لا يقصر على الواحد قال الزين بن المنير أيضا هذه الترجمة تتعلق بزكاة الإبل وإنما
اقتطعها من ثم لأن الترجمة المتقدمة مسوقة للإيجاب وهذه للنفي فلذلك فصل بينهما بزكاة
الغنم وتوابعه كذا قال ولا يخفى تكلفه والذي يظهر لي أن لها تعلقا بالغنم التي تعطى في الزكاة من
جهة أن الواجب في الخمس شاة وتعلقها بزكاة الإبل ظاهر فلها تعلق بهما كالتي قبلها (قوله
عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني) كذا وقع في رواية مالك والمعروف أنه محمد بن
عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة نسب إلى جده ونسب جده إلى جده (قوله
عن أبيه) كذا رواه مالك وروى إسحق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير
عن محمد هذا عن عمرو بن يحيى وعباد بن تميم كلاهما عن أبي سعيد ونقل البيهقي عن محمد بن يحيى
الذهلي أن محمدا سمعه من ثلاثة أنفس وأن الطريقين محفوظان وقد سبق باقي الكلام على
حديث الباب في باب زكاة الورق (قوله باب زكاة البقر) البقر اسم جنس يكون
للمذكر والمؤنث اشتق من بقرت الشئ إذا شققته لأنها تبقر الأرض بالحراثة قال الزين بن المنير
أخر زكاة البقر لأنها أقل النعم وجودا ونصبا ولم يذكر في الباب شيئا مما يتعلق بنصابها لكون ذلك لم
يقع على شرطه فتقدير الترجمة إيجاب زكاة البقر لأن جملة ما ذكره في الباب يدل على ذلك من جهة
255

الوعيد على تركها إذ لا يتوعد على ترك غير الواجب قال ابن رشيد وهذا الدليل يحتاج إلى مقدمة
وهو أنه ليس في البقر حق واجب سوى الزكاة وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الزكاة حيث
قال باب إثم مانع الزكاة وذكر فيه حديث أبي هريرة لكن ليس فيه ذكر البقر ومن ثم أورد في هذا
الباب حديث أبي ذر وأشار إلى أن ذكر البقر وقع أيضا في طريق أخرى في حديث أبي هريرة
والله أعلم وزعم ابن بطال أن حديث معاذ المرفوع إن في كل ثلاثين بقرة تبيعا وفي كل أربعين
مسنة متصل صحيح وإن مثله في كتاب الصدقات لأبي بكر وعمر وفي كلامه نظر أما حديث معاذ
فأخرجه أصحاب السنن وقال الترمذي حسن وأخرجه الحاكم في المستدرك وفي الحكم بصحته
نظر لأن مسروقا لم يلق معاذا وإنما حسنه الترمذي لشواهده ففي الموطأ من طريق طاوس
عن معاذ نحوه وطاوس عن معاذ منقطع أيضا وفي الباب عن علي عند أبي داود وأما قوله
إن مثله في كتاب الصدقة لأبي بكر فوهم منه لأن ذكر البقر لم يقع في شئ من طرق حديث أبي بكر
نعم هو في كتاب عمر والله أعلم (قوله وقال أبو حميد) هو الساعدي وهذا طرف من حديث أورده
المصنف موصولا من طرق وهذا القدر وقع عنده موصولا في كتاب ترك الحيل في أثناء الحديث
المذكور (قوله لأعرفن) أي لأعرفنكم غدا هذه الحالة وفي رواية الكشميهني لا أعرفن
بحرف النفي أي ما ينبغي أن تكونوا على هذه الحال فأعرفكم بها (قوله ما جاء الله رجل)
ما مصدرية أي مجئ رجل إلى الله (قوله لها خوار) بضم المعجمة وتخفيف الواو صوت البقر
(قوله ويقال جؤار) هذا كلام البخاري يريد بذلك أن هذا الحرف جاء بالخاء المعجمة وتخفيف
الواو وبالجيم والواو المهموزة ثم فسره فقال تجأرون ترفعون أصواتكم وهذه عادة البخاري إذا
مرت به لفظة غريبة توافق كلمة في القرآن نقل تفسير تلك الكلمة التي من القرآن والتفسير
المذكور رواه ابن أبي حاتم عن السدي وروى من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله
يجأرون قال يستغيثون وقال القزاز الخوار بالمعجمة والجؤار بالجيم بمعنى واحد في البقر وقال ابن
سيده خار الرجل رفع صوته بتضرع (قوله عن المعرور بن سويد) هو بالعين المهملة (قوله
قال انتهيت إليه) هو مقول المعرور والضمير يعود على أبي ذر (4) وهو الحالف وقوله أو كما حلف
يشير بذلك إلى أنه لم يضبط اللفظ الذي حلف به وقوله أعظم بالنصب على الحال وأسمنه عطف
عليه وقوله جازت أي مرت وردت أي أعيدت (قوله لا يؤدي حقها) في رواية مسلم من طريق
وكيع وأبي معاوية كلاهما عن الأعمش لا يؤدي زكاتها وهو أصرح في مقصود الترجمة وقد
تقدم الكلام على بقية المتن في أوائل الزكاة واستدل بقوله يكون له إبل أو بقر على استواء زكاة
البقر والإبل في النصاب ولا دلالة فيه لأنه قرن معه الغنم وليس نصابها مثل نصاب الإبل اتفاقا
* (تنبيه) * أخرج مسلم في أول هذا الحديث قصة فيها هم الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا
وهكذا وقد أفرد البخاري هذه القطعة فأخرجها في كتاب الأيمان والنذور بهذا الإسناد ولم
يذكر هناك القدر الذي ذكره هنا (قوله رواه بكير) يعني ابن عبد الله بن الأشج ومراد البخاري
بذلك موافقة هذه الرواية لحديث أبي ذر في ذكر البقر لأن الحديثين مستويان في جميع ما وردا
فيه وقد أخرجه مسلم موصولا من طريق بكير بهذا الإسناد مطولا (قوله باب
الزكاة على الأقارب) قال الزين بن المنير وجه استدلاله لذلك بأحاديث الباب أن صدقة التطوع
256

على الأقارب لما لم ينقص أجرها بوقوعها موقع الصدقة والصلة معا كانت صدقة الواجب
كذلك لكن لا يلزم من جواز صدقة التطوع على من يلزم المرء نفقته أن تكون الصدقة
الواجبة كذلك وقد اعترضه الإسماعيلي بأن الذي في الأحاديث التي ذكرها مطلق الصدقة
لا الصدقة الواجبة فلا يتم استدلاله إلا إن أراد الاستدلال على أن الأقارب في الزكاة أحق بها
إذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم صرف الصدقة المتطوع بها إلى الأقارب أفضل فذلك حينئذ له
وجه وقال ابن رشيد قد يؤخذ ما اختاره المصنف من حديث أبي طلحة فيما فهمه من الآية
وذلك أن النفقة في قوله حتى تنفقوا أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا فعمل بها أبو طلحة في
فرد من أفراده فيجوز أن يعمل بها في بقية مفرداته ولا يعارضها قوله تعالى إنما الصدقات
للفقراء الآية لأنها تدل على حصر الصدقة الواجبة في المذكورين وأما صنيع أبي طلحة فيدل
على تقديم ذوي القربى إذا اتصفوا بصفة من صفات أهل الصدقة على غيرهم وسيأتي ذكر من
يستثنى من الأقارب في الصدقة الواجبة بعد بابين (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم له أجران
أجر القرابة وأجر الصدقة) هذا طرف من حديث فيه قصة لامرأة ابن مسعود وسيأتي موصولا
بعد ثلاثة أبواب ثم ذكر المصنف في الباب حديثين حديث أنس في تصدق أبي طلحة بأرضه
وحديث أبي سعيد في قصة امرأة ابن مسعود وغير ذلك فأما حديث أنس فسيأتي الكلام عليه
مستوفى في كتاب الوقف وقوله فيه بير حاء بفتح الموحدة وسكون التحتانية وفتح الراء وبالمهملة
والمد وجاء في ضبطه أوجه كثيرة جمعها ابن الأثير في النهاية فقال يروى بفتح الباء وبكسرها وبفتح
الراء وضمها وبالمد والقصر فهذه ثمان لغات وفي رواية حماد بن سلمة بريحا بفتح أوله وكسر الراء
وتقديمها على التحتانية وفي سنن أبي داود بأريحا مثله لكن بزيادة ألف وقال الباجي أفصحها
بفتح الباء وسكون الياء وفتح الراء مقصور وكذا جزم به الصغاني وقال إنه فيعلى من البراح قال
ومن ذكره بكسر الموحدة وظن أنها بئر من آبار المدينة فقد صحف (قوله تابعه روح) يعني
عن مالك في قوله رابح بالموحدة وسيأتي من طريقه موصولا في البيوع (قوله وقال يحيى بن
يحيى وإسماعيل عن مالك رائح) يعني بالتحتانية أما رواية يحيى فستأتي موصولة في الوكالة
وعزاها مغلطاي لتخريج الدارقطني فأبعد وأما رواية إسماعيل وهو ابن أبي أويس فوصلها
المصنف في التفسير وقد وهم صاحب المطالع فقال رواية يحيى بن يحيى بالموحدة وكأنه اشتبه
عليه الأندلسي بالنيسابوري فالذي عناه هو الأندلسي والذي عناه البخاري النيسابوري قال
الداني في أطرافه رواه يحيى بن يحيى الأندلسي بالموحدة وتابعه جماعة ورواه يحيى بن يحيى
النيسابوري بالمثناة وتابعه إسماعيل وابن وهب ورواه القعنبي بالشك انتهى ورواية القعنبي
وصلها البخاري في الأشربة بالشك كما قال والرواية الأولى واضحة من الربح أي ذو ربح وقيل
257

هو فاعل بمعنى مفعول أي هو مال مربوح فيه وأما الثانية فمعناها رائح عليه أجره قال ابن بطال
والمعنى أن مسافته قريبة وذلك أنفس الأموال وقيل معناه يروح بالأجر ويغدو به واكتفى
بالرواح عن الغدو وادعى الإسماعيلي أن من رواها بالتحتانية فقد صحف والله أعلم وأما حديث
أبي سعيد فقد تقدم الكلام على صدره مستوفى في كتاب الحيض وبقية ما فيه من قصة امرأة
ابن مسعود يأتي الكلام عليه بعد بابين مستوفى إن شاء الله تعالى وقوله فيه فقيل يا رسول الله
هذه زينب القائل هو بلال كما سيأتي وقوله ائذنوا لها فأذن لها فقالت يا رسول الله الخ لم يبين
أبو سعيد ممن سمع ذلك فإن يكن حاضرا عند النبي صلى الله عليه وسلم حال المراجعة المذكورة
فهو من مسنده وإلا فيحتمل أن يكون حمله عن زينب صاحبة القصة والله أعلم (قوله
باب ليس على المسلم في فرسه صدقة) وقال في الذي يليه ليس على المسلم في عبده صدقة
ثم أورد حديث أبي هريرة بلفظ الترجمتين مجموعا من طريقين لكن في الأولى بلفظ غلامه بدل
عبده قال ابن رشيد أراد بذلك الجنس في الفرس والعبد لا الفرد الواحد إذ لا خلاف في ذلك في
العبد المتصرف والفرس المعد للركوب ولا خلاف أيضا أنها لا تؤخذ من الرقاب وإنما قال
بعض الكوفيين يؤخذ منها بالقيمة ولعل البخاري أشار إلى حديث علي مرفوعا قد عفوت عن
الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة الحديث أخرجه أبو داود وغيره وإسناده حسن والخلاف في
ذلك عن أبي حنيفة إذا كانت الخيل ذكرانا وإناثا نظرا إلى النسل فإذا انفردت فعنه روايتان ثم
عنده أن المالك يتخير بين أن يخرج عن كل فرس دينارا أو يقوم ويخرج ربع العشر
واستدل عليه بهذا الحديث وأجيب بحمل النفي فيه على الرقبة لا على القيمة واستدل به من قال
من أهل الظاهر بعدم وجوب الزكاة فيهما مطلقا ولو كانا للتجارة وأجيبوا بأن زكاة التجارة
ثابتة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره فيخص به عموم هذا الحديث والله أعلم (قوله
باب الصدقة على اليتامى) قال الزين بن المنير عبر بالصدقة دون الزكاة لتردد الخبر بين
صدقة الفرض والتطوع لكون ذكر اليتيم جاء متوسطا بين المسكين وابن السبيل وهما من
مصارف الزكاة وقال ابن رشيد لما قال باب ليس على المسلم في فرسه صدقة علم أنه يريد الواجبة
إذ لا خلاف في التطوع فلما قال الصدقة على اليتامى أحال على معهود (قوله حدثنا هشام)
هو الدستوائي (عن يحيى) هو ابن أبي كثير وسيأتي الكلام على المتن مستوفى في الرقاق وقوله
في هذه الطريق ان مما أخاف في رواية الحموي أني مما أخاف وقوله فرأينا أنه ينزل عليه في رواية
الكشميهني فأرينا بتقديم الهمزة وقوله إلا آكلة الخضر في رواية الكشميهني الخضراء بزيادة
258

ألف وقوله أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم شك من يحيى وسيأتي في الجهاد من طريق فليح عن
هلال بلفظ فجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين وابن السبيل (قوله باب
الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر قاله أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم) يشير إلى حديثه
السابق موصولا في باب الزكاة على الأقارب وسنذكر ما فيه في هذا الحديث قال ابن رشيد أعاد
الأيتام في هذه الترجمة لعموم الأولى وخصوص الثانية ومجمل الحديثين في وجه الاستدلال
بهما على العموم لأن الإعطاء أعم من كونه واجبا أو مندوبا (قوله عن عمرو بن الحرث) هو
ابن أبي ضرار بكسر المعجمة الخزاعي ثم المصطلقي أخو جويرية بنت الحرث زوج النبي صلى الله
عليه وسلم له صحبة وروى هنا عن صحابية ففي الإسناد تابعي عن تابعي الأعمش عن شقيق وصحابي
عن صحابي عمرو عن زينب وهي بنت معاوية ويقال بنت عبد الله بن معاوية بن عتاب الثقفية
ويقال لها أيضا رابطة وقع ذلك في صحيح ابن حبان في نحو هذه القصة ويقال هما ثنتان عند
الأكثر وممن جزم به ابن سعد وقال الكلاباذي رابطة هي المعروفة بزينب وبهذا جزم
الطحاوي فقال رابطة هي زينب لا يعلم أن لعبد الله امرأة في زمن رسول الله صلى الله عليه
وسلم غيرها ووقع عند الترمذي عن هناد عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن عمرو
ابن الحرث بن المصطلق عن ابن أخي زينب امرأة عبد الله عن امرأة عبد الله فزاد في الإسناد
رجلا والموصوف بكونه ابن أخي زينب هو عمرو بن الحرث نفسه وكأن أباه كان أخا زينب
لأمها لأنها ثقفية وهو خزاعي ووقع عند الترمذي أيضا من طريق شعبة عن الأعمش عن
أبي وائل عن عبد الله بن عمرو بن الحرث ابن أخي زينب امرأة عبد الله عن زينب فجعله عبد الله
ابن عمرو هكذا جزم به المزي وعقد لعبد الله بن عمرو في الأطراف ترجمة لم يزد فيها على ما في هذا
الحديث ولم أقف على ذلك في الترمذي بل وقفت على عدة نسخ منه ليس فيها إلا عمرو بن الحرث
وقد حكى ابن القطان الخلاف فيه على أبي معاوية وشعبة وخالف الترمذي في ترجيح رواية
شعبة في قوله عن عمرو بن الحرث عن ابن أخي زينب لانفراد أبي معاوية بذلك قال ابن القطان
لا يضره الانفراد لأنه حافظ وقد وافقه حفص بن غياث في رواية عنه وقد زاد في الإسناد رجلا
لكن يلزم من ذلك أن يتوقف في صحة الإسناد لأن ابن أخي زينب حينئذ لا يعرف حاله وقد
حكى الترمذي في العلل المفردات أنه سأل البخاري عنه فحكم على رواية أبي معاوية بالوهم وأن
الصواب رواية الجماعة عن الأعمش عن شقيق عن عمرو بن الحرث ابن أخي زينب (قلت) ووافقه
منصور عن شقيق أخرجه أحمد فإن كان محفوظا فلعل أبا وائل حمله عن الأب والإبن وإلا
فالمحفوظ عن عمرو بن الحرث وقد أخرجه النسائي من طريق شعبة على الصواب فقال عمرو بن
الحرث (قوله قال فذكرته لإبراهيم) القائل هو الأعمش وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي وأبو عبيدة
هو ابن عبد الله بن مسعود ففي هذه الطريق ثلاثة من التابعين ورجال الطريقين كلهم كوفيون
(قوله كنت في المسجد فرأيت إلخ) في هذا زيادة على ما في حديث أبي سعيد المتقدم وبيان
السبب في سؤالها ذلك ولم أقف على تسمية الأيتام الذين كانوا في حجرها (قوله فوجدت امرأة
من الأنصار) في رواية الطيالسي المذكورة فإذا امرأة من الأنصار يقال لها زينب وكذا
أخرجه النسائي من طريق أبي معاوية عن الأعمش وزاد من وجه آخر عن علقمة عن عبد الله
259

قال انطلقت امرأة عبد الله يعني ابن مسعود وامرأة أبي مسعود يعني عقبة بن عمرو الأنصاري
(قلت) لم يذكر ابن سعد لأبي مسعود امرأة أنصارية سوى هزيلة بنت ثابت بن ثعلبة الخزرجية
فلعل لها اسمين أو وهم من سماها زينب انتقالا من اسم امرأة عبد الله إلى اسمها (قوله وأيتام لي
في حجري) في رواية النسائي المذكورة على أزواجنا وأيتام في جحورنا وفي رواية الطيالسي
المذكورة أنهم بنو أخيها وبنو أختها وللنسائي من طريق علقمة لإحداهما فضل مال وفي
حجرها بنو أخ لها أيتام وللأخرى فضل مال وزوج خفيف ذات اليد وهذا القول كناية عن الفقر
(قوله و لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة) أي أجر صلة الرحم وأجر منفعة الصدقة وهذا
ظاهره أنها لم تشافهه بالسؤال ولا شافهها بالجواب وحديث أبي سعيد السابق ببابين يدل على
أنها شافهته وشافهها لقولها فيه يا نبي الله إنك أمرت وقوله فيه صدق زوجك فيحتمل أن يكونا
قصتين ويحتمل في الجمع بينهما أن يقال تحمل هذه المراجعة على المجاز وإنما كانت على لسان بلال
والله أعلم واستدل بهذا الحديث على جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها وهو قول الشافعي
والثوري وصاحبي أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وعن أحمد كذا أطلق بعضهم ورواية
المنع عنه مقيدة بالوارث و عبارة الجوزقي ولا لمن تلزمه مؤنته فشرحه ابن قدامة بماقيدته قال
والأظهر الجواز مطلقا إلا للأبوين والولد وحملوا الصدقة في الحديث على الواجبة لقولها أتجزئ
عني وبه جزم المازري وتعقبه عياض بأن قوله ولو من حليكن وكون صدقتها كانت من صناعتها
يدلان على التطوع وبه جزم النووي وتأولوا قوله أتجزئ عني أي في الوقاية من النار كأنها خافت
أن صدقتها على زوجها لا تحصل لها المقصود وما أشار إليه من الصناعة احتج به الطحاوي لقول
أبي حنيفة فأخرج من طريق رابطة امرأة ابن مسعود أنها كانت امرأة صنعاء اليدين فكانت
تنفق عليه وعلى ولده قال فهذا يدل على أنها صدقة تطوع وأما الحلي فإنما يحتج به على من
لا يوجب فيه الزكاة وأما من يوجب فلا وقد روى الثوري عن حماد عن إبراهيم عن علقمة قال
قال ابن مسعود لامرأته في حليها إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة فكيف يحتج على الطحاوي
بما لا يقول به لكن تمسك الطحاوي بقولها في حديث أبي سعيد السابق وكان عندي حلي لي
فأردت أن أتصدق به لأن الحلي ولو قيل بوجوب الزكاة فيه إلا أنها لا تجب في جميعه كذا قال وهو
متعقب لأنها وإن لم تجب في عينه فقد تجب فيه بمعنى أنه قدر النصاب الذي وجب عليها إخراجه
واحتجوا أيضا بأن ظاهر قوله في حديث أبي سعيد المذكور زوجك وولدك أحق من تصدقت به
عليهم دال على أنها صدقة تطوع لأن الولد لا يعطى من الزكاة الواجبة بالإجماع كما نقله ابن المنذر
وغيره وفي هذا الاحتجاج نظر لأن الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة من يلزم المعطي
نفقته والأم لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود أبيه وقال ابن التيمي قوله وولدك محمول على أن
الإضافة للتربية لا للولادة فكأنه ولده من غيرها وقال ابن المنير أعتل من منعها من إعطائها
زكاتها لزوجها بأنها تعود إليها في النفقة فكأنها ما خرجت عنها وجوابه أن احتمال رجوع
الصدقة إليها واقع في التطوع أيضا ويؤيد المذهب الأول أن ترك الاستفصال ينزل منزلة
العموم فلما ذكرت الصدقة ولم يستفصلها عن تطوع ولا واجب فكأنه قال تجزئ عنك فرضا
كان أو تطوعا وأما ولدها فليس في الحديث تصريح بأنها تعطي ولدها من زكاتها بل معناه أنها
260

إذا أعطت زوجها فأنفقه على ولدها كانوا أحق من الأجانب فالإجزاء يقع بالاعطاء للزوج
والوصول إلى الولد بعد بلوغ الزكاة محلها والذي يظهر لي أنهما قضيتان إحداهما في سؤالها عن
تصدقها بحليها على زوجها وولده والأخرى في سؤالها عن النفقة والله أعلم وفي الحديث الحث
على الصدقة على الأقارب وهو محمول في الواجبة على من لا يلزم المعطى نفقته منهم واختلف
في علة المنع فقيل لأن أخذهم لها يصيرهم أغنياء فيسقط بذلك نفقتهم عن المعطي أو لأنهم أغنياء
بإنفاقه عليهم والزكاة لا تصرف لغني وعن الحسن وطاوس لا يعطي قرابته من الزكاة شيئا وهو
رواية عن مالك وقال ابن المنذر أجمعوا على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة لأن نفقتها
واجبة عليه فتستغني بها عن الزكاة وأما إعطاؤها للزوج فاختلف فيه كما سبق وفيه الحث على
صلة الرحم وجواز تبرع المرأة بمالها بغير إذن زوجها وفيه عظة النساء وترغيب ولي الأمر في
أفعال الخير للرجال والنساء والتحدث مع النساء الأجانب عند أمن الفتنة والتخويف من
المؤاخذة بالذنوب وما يتوقع بسببها من العذاب وفيه فتيا العالم مع وجود من هو أعلم منه وطلب
الترقي في تحمل العلم قال القرطبي ليس إخبار بلال باسم المرأتين بعد أن استكتمتاه بإذاعة سر
ولا كشف أمانة لوجهين أحدهما أنهما لم تلزماه بذلك وإنما علم أنهما رأتا أن لا ضرورة تحوج إلى
كتمانهما ثانيهما أنه أخبر بذلك جوابا لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم لكون إجابته أوجب
من التمسك بما أمرتاه به من الكتمان وهذا كله بناء على أنه التزم لهما بذلك ويحتمل أن تكونا
سألتاه ولا يجب إسعاف كل سائل (قوله حدثنا عبدة) هو ابن سليمان وهشام هو ابن عروة وفي
الإسناد تابعي عن تابعي هشام عن أبيه وصحابية عن صحابية زينب عن أمها (قوله على بني أبي
سلمة) أي ابن عبد الأسد وكان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم فتزوجها النبي صلى الله
عليه وسلم غنم من أبي سلمة عمر ومحمد وزينب ودرة وليس في حديث أم سلمة تصريح بأن الذي
كانت تنفقه عليهم من الزكاة فكان القدر المشترك من الحديث حصول الإنفاق على الأيتام
والله أعلم (قوله فلك أجر ما أنفقت عليهم) رواه الأكثر بالإضافة على أن تكون ما موصولة وجوز
أبو جعفر الغرناطي نزيل حلب تنوين أجر على أن تكون ما ظرفية ذكر ذلك لنا عنه الشيخ
برهان الدين المحدث بحلب (قوله باب قول الله تعالى وفي الرقاب والغارمين وفي
سبيل الله) قال الزين بن المنير اقتطع البخاري هذه الآية من التفسير للاحتياج إليها في بيان
مصارف الزكاة (قوله ويذكر عن ابن عباس يعتق من زكاة ماله ويعطي في الحج) وصله
أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق حسان أبي الأشرس عن مجاهد عنه أنه كان لا يرى بأسا أن
يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج وأن يعتق منه الرقبة أخرجه عن أبي معاوية عن الأعمش
عنه وأخرج عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال
أعتق من زكاة مالك وتابع أبا معاوية عبدة بن سليمان رويناه في فوائد يحيى بن معين رواية
أبي بكر بن علي الروزي عنه عن عبدة عن الأعمش عن أبي الأشرس ولفظه كان يخرج زكاته ثم
يقول جهزوا منها إلى الحج وقال الميموني قلت لأبي عبد الله يشتري الرجل من زكاة ماله
الرقاب فيعتق ويجعل في ابن السبيل قال نعم ابن عباس يقول ذلك ولا أعلم شيئا يدفعه وقال
الخلال أخبرنا أحمد بن هاشم قال قال أحمد كنت أرى أن يعتق من الزكاة ثم كففت عن ذلك
261

لأني لم أره يصح قال حرب فاحتج عليه بحديث ابن عباس فقال هو مضطرب انتهى وإنما وصفه
بالاضطراب للاختلاف في إسناده على الأعمش كما ترى ولهذا لم يجزم به البخاري وقد اختلف
السلف في تفسير قوله تعالى وفي الرقاب فقيل المراد شراء الرقبة لتعتق وهو رواية ابن القاسم عن
مالك واختيار أبي عبيد وأبي ثور وقول إسحق وإليه مال البخاري وابن المنذر وقال أبو عبيد أعلى
ما جاء فيه قول ابن عباس وهو أولى بالاتباع وأعلم بالتأويل وروى ابن وهب عن مالك أنها في
المكاتب وهو قول الشافعي والليث والكوفيين وأكثر أهل العلم ورجحه الطبري وفيه قول
ثالث أن سهم الرقاب يجعل نصفين نصف لكل مكاتب يدعي الإسلام ونصف يشتري بها رقاب
ممن صلى وصام أخرجه ابن أبي حاتم وأبو عبيد في الأموال بإسناد صحيح عن الزهدي أنه كتب ذلك
لعمر بن عبد العزيز واحتج للأول بأنها لو اختصت بالمكاتب لدخل في حكم الغارمين لأنه غارم
وبأن شراء الرقيق ليعتق أولى من إعانة المكاتب لأنه قد يعان ولا يعتق ولأن المكاتب عبد ما بقي
عليه درهم والزكاة لا تصرف للعبد ولأن الشراء يتيسر في كل وقت بخلاف الكتابة ولأن ولاءه
يرجع للسيد فيأخذ المال والولاء بخلاف ذلك فإن عتقه يتنجز ويصير ولاؤه للمسلمين وهذا الأخير
على طريقة مالك في ذلك وقال أحمد وإسحق يرد ولاؤه في شراء الرقاب للمعتق أيضا وعن مالك
الولاء للمعتق تمسكا بالعموم وقال عبيد الله العنبري يجعل في بيت المال وأما سبيل الله فالأكثر
على أنه يختص بالغازي غنيا كان أو فقيرا إلا أن أبا حنيفة قال يختص بالغازي المحتاج وعن
أحمد وإسحق الحج من سبيل الله وقد تقدم أثر ابن عباس وقال ابن عمر أما أن الحج من سبيل الله
أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح عنه وقال ابن المنذر إن ثبت حديث أبي لاس يعني الآتي في هذا
الباب قلت بذلك وتعقب بأنه يحتمل أنهم كانوا فقراء وحملوا عليها خاصة ولم يتملكوها (قوله
وقال الحسن إلخ) هذا صحيح عنه أخرج أوله ابن أبي شيبة من طريقه وهو مصير منه إلى القول
بالمسئلتين معا الإعتاق من الزكاة والصرف منها في الحج إلا أن تنصيصه على شراء الأب لم يوافقه
عليه الباقون لأنه يعتق عليه ولا يصير ولاؤه للمسلمين فيستعيد المنفعة ويوفر ما كان يخرجه
من خالص ماله لدفع عار استرقاق أبيه وقوله في أيها أعطيت جزت كذا في الأصل بغير همز أي
قضت وفيه مصير منه إلى أن اللام في قوله للفقراء لبيان المصرف لا للتمليك فلو صرف الزكاة في
صنف واحد كفى (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن خالدا إلخ) سيأتي موصولا في هذا
الباب (قوله ويذكر عن أبي لاس) بسين مهملة خزاعي أختلف في اسمه فقيل زياد وقيل عبد
الله بن عنمة بمهملة ونون مفتوحتين وقيل غير ذلك له صحبة وحديثان هذا أحدهما وقد وصله
أحمد وابن خزيمة والحاكم وغيرهم من طريقه ولفظ أحمد على إبل من إبل الصدقة ضعاف للحج
فقلنا يا رسول الله ما نرى أن تحمل هذه فقال إنما يحمل الله الحديث ورجاله ثقات إلا أن فيه
عنعنة بن إسحاق ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته (قوله عن الأعرج) في رواية النسائي من
طريق علي بن عياش عن شعيب مما حدثه عبد الرحمن الأعرج مما ذكر أنه سمع أبا هريرة يقول
قال قال عمر فذكره صرح بالتحديث في الإسناد وزاد فيه عمر والمحفوظ أنه في مسند أبي هريرة
وإنما جرى لعمر فيه ذكر فقط (قوله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة) في رواية مسلم
من طريق ورقاء عن أبي الزناد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ساعيا على الصدقة وهو
262

مشعر بأنها صدقة الفرض لأن صدقة التطوع لا يبعث عليها السعاة وقال ابن القصار المالكي
الأليق أنها صدقة التطوع لأنه لا يظن بهؤلاء الصحابة أنهم منعوا الفرض وتعقب بأنهم
ما منعوه كلهم جحدا ولا عنادا أما ابن جميل فقد قيل إنه كان منافقا ثم تاب بعد ذلك كذا حكاه
المهلب وجزم القاضي حسين في تعليقه أن فيه نزلت ومنهم من عاهد الله الآية انتهى والمشهور
أنها نزلت في ثعلبة وأما خالد فكان متأولا بأجزاء ما حبسه عن الزكاة وكذلك العباس
لاعتقاده ما سيأتي التصريح به ولهذا عذر النبي صلى الله عليه وسلم خالدا والعباس ولم يعذر
ابن جميل (قوله فقيل منع ابن جميل) قائل ذلك عمر كما سيأتي في حديث ابن عباس في الكلام
على قصة العباس ووقع في رواية ابن أبي الزناد عند أبي عبيد فقال بعض من يلمز أي يعيب وابن
جميل لم أقف على اسمه في كتب الحديث لكن وقع في تعليق القاضي الحسين المروزي الشافعي
وتبعه الروياني أن اسمه عبد الله ووقع في شرح الشيخ سراج الدين بن الملقن أن ابن بزيزة سماه
حميدا ولم أر ذلك في كتاب ابن بزيزة ووقع في رواية ابن جريج أبو جهم بن حذيفة بدل ابن جميل
وهو خطأ لإطباق الجميع علي ابن جميل وقول الأكثر أنه كان أنصاريا وأما أبو جهم بن حذيفة
فهو قرشي فافترقا وذكر بعض المتأخرين أن أبا عبيد البكري ذكر في شرح الأمثال له أنه
أبو جهم ابن جميل (قوله والعباس) زاد ابن أبي الزناد عن أبيه عند أبي عبيد أن يعطوا
الصدقة قال فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذب عن اثنين العباس وخالد (قوله
ما ينقم) بكسر القاف أي ما ينكر أو يكره وقوله فأغناه الله ورسوله إنما ذكر رسول الله
صلى الله عليه وسلم نفسه لأنه كان سببا لدخوله في الإسلام فأصبح غنيا بعد فقره بما أفاء الله
على رسوله وأباح لأمته من الغنائم وهذا السياق من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم لأنه إذا
لم يكن له عذر إلا ما ذكر من أن الله أغناه فلا عذر له وفيه التعريض بكفران أن النعم وتقريع بسوء
الصنيع في مقابلة الإحسان (قوله احتبس) أي حبس (قوله وأعتده) بضم المثناة
جمع عتد بفتحتين ووقع في رواية مسلم أعتاده وهو جمعه أيضا قيل هو ما يعده الرجل من
الدواب والسلاح وقيل الخيل خاصة يقال فرس عتيد أي صلب أو معد للركوب أو سريع
الوثوب أقوال وقيل أن لبعض رواة البخاري وأعبده بالموحدة جمع عبد حكاه عياض والأول
هو المشهور (قوله فهي عليه صدقة ومثلها معها) كذا في رواية شعيب ولم يقل ورقاء ولا موسى
ابن عقبة صدقة فعلى الرواية الأولى يكون صلى الله عليه وسلم ألزمه بتضعيف صدقته ليكون
أرفع لقدره وأنبه لذكره وأنفى للذم عنه فالمعنى فهي صدقة ثابتة عليه سيصدق بها ويضيف إليها
مثلها كرما ودلت رواية مسلم على أنه صلى الله عليه وسلم التزم بإخراج ذلك عنه لقوله فهي على
وفيه تنبيه على سبب ذلك وهو قوله إن العم صنو الأب تفضيلا له وتشريفا ويحتمل أن يكون
تحمل عنه بها فيستفاد منه أن الزكاة تتعلق بالذمة كما هو أحد قولي الشافعي وجمع بعضهم بين
رواية علي ورواية عليه بأن الأصل رواية علي ورواية عليه مثلها إلا أن فيها زيادة هاء السكت
حكاه ابن الجوزي عن ابن ناصر وقيل معنى قوله علي أي هي عندي قرض لأنني استسلفت منه
صدقة عامين وقد ورد ذلك صريحا فيما أخرجه الترمذي وغيره من حديث علي وفي إسناده مقال
وفي الدارقطني من طريق موسى بن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنا كنا احتجنا فتعجلنا
263

من العباس صدقة ماله سنتين وهذا مرسل وروى الدارقطني أيضا موصولا بذكر طلحة فيه
وإسناد المرسل أصح وفي الدارقطني أيضا من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
عمر ساعيا فأتى العباس فأغلظ له فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن العباس قد أسلفنا زكاة
ماله العام والعام المقبل وفي إسناده ضعف وأخرجه أيضا هو والطبراني من حديث أبي رافع
نحو هذا وإسناده ضعيف أيضا ومن حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من
العباس صدقته سنتين وفي إسناده محمد بن ذكوان وهو ضعيف ولو ثبت لكان رافعا للاشكال
ولرجح به سياق رواية مسلم على بقية الروايات وفيه رد لقول من قال إن قصة التعجيل إنما وردت
في وقت غير الوقت الذي بعث فيه عمر لأخذ الصدقة وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة
العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق والله أعلم وقيل المعنى استسلف منه قدر صدقة
عامين فأمر أن يقاص به من ذلك واستبعد ذلك بأنه لو كان وقع لكان صلى الله عليه وسلم أعلم عمر
بأنه لا يطالب العباس وليس ببعيد ومعنى عليه على التأويل الأول أي لازمة له وليس معناه أنه
يقبضها لأن الصدقة عليه حرام لكونه من بني هاشم ومنهم من حمل رواية الباب على ظاهرها
فقال كان ذلك قبل تحريم الصدقة على بني هاشم ويؤيده رواية موسى بن عقبة عن أبي الزناد
عن ابن خزيمة بلفظ فهي له بدل عليه وقال البيهقي اللام هنا بمعنى على لتتفق الروايات وهذا أولى
لأن المخرج واحد وإليه مال ابن حبان وقيل معناها فهي له أي القدر الذي كان يراد منه أن
يخرجه لأنني التزمت عنه بإخراجه وقيل إنه أخرها عنه ذلك العام إلى عام قابل فيكون عليه
صدقة عامين قاله أبو عبيد وقيل أنه كان استدان حين فادى عقيلا وغيره فصار من جملة الغارمين
فساغ له أخذ الزكاة بهذا الإعتبار وأبعد الأقوال كلها قول من قال كان هذا في الوقت الذي
كان فيه التأديب بالمال فألزم العباس بامتناعه من أداء الزكاة بأن يؤدي ضعف ما وجب
عليه لعظمة قدره وجلالته كما في قوله تعالى في نساء النبي صلى الله عليه وسلم يضاعف لها
العذاب ضعفين الآية وقد تقدم بعضه في أول الكلام واستدل بقصة خالد على جواز إخراج
مال الزكاة في شراء السلاح وغيره من آلات الحرب والإعانة بها في سبيل الله بناء على أنه
عليه الصلاة والسلام أجاز لخالد أن يحاسب نفسه بما حبسه فيما يجب عليه كما سبق وهي
طريقة البخاري وأجاب الجمهور بأجوبة أحدها أن المعنى أنه صلى الله عليه وسلم لم يقبل
إخبار من أخبره بمنع خالد حملا على أنه لم يصرح بالمنع وإنما نقلوه عنه بناء على ما فهموه
ويكون قوله تظلمونه أي بنسبتكم إياه إلى المنع وهو لا يمنع وكيف يمنع الفرض وقد تطوع
بتحبيس سلاحه وخيله ثانيها أنهم ظنوا أنها للتجارة فطالبوه بزكاة قيمتها فأعلمهم عليه الصلاة
والسلام بأنه لا زكاة عليه فيما حبس وهذا يحتاج لنقل خاص فيكون فيه حجة لمن أسقط
الزكاة عن الأموال المحبسة ولمن أوجبها في عروض التجارة ثالثها أنه كان نوى بإخراجها عن
ملكه الزكاة عن ماله لأن أحد الأصناف سبيل الله وهم المجاهدون وهذا يقوله من يجيز إخراج
القيم في الزكاة كالحنفية ومن يجيز التعجيل كالشافعية وقد تقدم استدلال البخاري به على
إخراج العروض في الزكاة واستدل بقصة خالد على مشروعية تحبيس الحيوان والسلاح وأن
الوقف يجوز بقاؤه تحت يد محتبسة وعلى جواز إخراج العروض في الزكاة وقد سبق ما فيه وعلى
264

صرف الزكاة إلى صنف واحد من الثمانية وتعقب ابن دقيق العيد جميع ذلك بأن القصة واقعة
عين محتملة لما ذكر ولغيره فلا ينهض الاستدلال بها على شئ مما ذكر قال ويحتمل أن يكون تحبيس
خالد ارصادا وعدم تصرف ولا يبعد أن يطلق على ذلك التحبيس فلا يتعين الاستدلال بذلك لما
ذكر وفي الحديث بعث الإمام العمال لجباية الزكاة وتنبيه الغافل على ما أنعم الله به من نعمة
الغنا بعد الفقر ليقوم بحق الله عليه والعيب على من منع الواجب وجواز ذكره في غيبته بذلك
وتحمل الإمام عن بعض رعيته ما يجب عليه والاعتذار عن بعض الرعية بما يسوغ الإعتذار
به والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب (قوله باب الاستعفاف عن المسئلة) أي
في شئ من غير المصالح الدينية وذكر في الباب ثلاثة أحاديث * أحدها حديث أبي سعيد (قوله
أن ناسا من الأنصار) لم يتعين لي أسماؤهم إلا أن النسائي روى من طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد
الخدري عن أبيه ما يدل على أن أبا سعيد راوي هذا الحديث خوطب بشئ من ذلك ولفظه ففي
حديثه سرحتني أمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني لأسأله من حاجة شديدة فأتيته وقعدت
فاستقبلني فقال من استغنى أغناه الله الحديث وزاد فيه ومن سأل وله أوقية فقد ألحف فقلت
ناقتي خير من أوقية فرجعت ولم أسأله وعند الطبراني من حديث حكيم بن حزام أنه ممن خوطب
ببعض ذلك ولكنه ليس أنصاريا إلا بالمعنى الأعم (قوله حتى نفد) بكسر الفاء أي فرغ
(قوله فلن أدخره عنكم) أي أحبسه وأخبؤه وأمنعكم إياه منفردا به عنكم وفيه ما كان
عليه من السخاء وإنفاذ أمر الله وفيه إعطاء السائل مرتين والاعتذار إلى السائل والحض
على التعفف وفيه جواز السؤال للحاجة وإن كان الأولى تركه والصبر حتى يأتيه رزقه بغير مسئلة
وقوله ومن يستعفف في رواية الكشميهني يستعفف * ثانيها حديث أبي هريرة والزبير بن العوام
بمعناه وفي رواية الزبير زيادة فيبيعها فيكف الله بها وجهه وذلك مراد في حديث أبي هريرة
وحذف لدلالة السياق عليه وفي رواية أبي هريرة يأتي رجلا وفي حديث الزبير يسأل الناس
والمعنى واحد وزاد في أول حديث أبي هريرة قوله والذي نفسي بيده ففيه القسم على الشئ
المقطوع بصدقة لتأكيده في نفس السامع وفيه الحض على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولو
أمتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك ولولا قبح المسئلة في نظر الشرع لم يفضل
ذلك عليها وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال ومن ذل الرد إذا لم يعط ولما يدخل على
المسؤول من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل وأما قوله خير له فليست بمعنى أفعل التفضيل
إذ لاخير في السؤال مع القدرة على الإكتساب والأصح عند الشافعية أن سؤال من هذا حاله
حرام ويحتمل أن يكون المراد بالخير فيه بحسب اعتقاد السائل وتسميته الذي يعطاه خيرا وهو
في الحقيقة شر والله أعلم * ثالثها حديث حكيم بن حزام (قوله أن هذا المال خضرة) أنت الخبر
لأن المراد الدنيا (قوله خضرة حلوة) شبهه بالرغبة فيه والميل إليه وحرص النفوس عليه
بالفاكهة الخضراء المستلذة فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده بالنسبة إلى اليابس والحلو
مرغوب فيه على انفراده بالنسبة للحامض فالاعجاب بهما إذا اجتمعا أشد (قوله بسخاوة نفس)
265

أي بغير شره ولا إلحاح أي من أخذه بغير سؤال وهذا بالنسبة إلى الآخذ ويحتمل أن يكون بالنسبة
إلى المعطي أي بسخاوة نفس المعطي أي انشراحه بما يعطيه (قوله كالذي يأكل ولا يشبع) أي
الذي يسمى جوعه كذابا لأنه من علة به وسقم فكلما أكل إزداد سقما ولم يجد شبعا (قوله
اليد العليا) تقدم الكلام عليه مستوفى في باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى (قوله لا أرزأ) بفتح
الهمزة وإسكان الراء وفتح الزاي بعدها همزة أي لا أنقص ماله بالطلب منه وفي رواية لإسحاق
قلت فوالله لا تكون يدي بعدك تحت يد من أيدي العرب وإنما إمتنع حكيم من أخذ العطاء مع
أنه حقه لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئا فيعتاد الأخذ فتتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده ففطمها
عن ذلك وترك ما يريبه إلى ما لا يربيه وإنما أشهد عليه عمر لأنه أراد أن لا ينسبه أحد لم يعرف باطن
الأمر إلى منع حكيم من حقه (قوله حتى توفي) زاد إسحق بن راهويه في مسنده من طريق عمر بن
عبد الله بن عروة مرسلا أنه ما أخذ من أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا معاوية ديوانا ولا غيره حتى
مات لعشر سنين مع إمارة معاوية قال بن أبي جمرة في حديث حكيم فوائد منها أنه قد يقع الزهد
مع الأخذ فإن سخاوة النفس هو زهدها تقول سخت بكذا أي جادت وسخت عن كذا أي
لم تلتفت إليه ومنها أن الأخذ مع سخاوة النفس يحصل أجر الزهد والبركة في الرزق فيتبين أن
الزهد يحصل خيري الدنيا والآخرة وفيه ضرب المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة لأن الغالب
من الناس لا يعرف البركة إلا في الشئ الكثير فبين بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق
الله تعالى وضرب لهم المثل بما يعهدون فالأكل إنما يأكل لشبع فإذا أكل ولم يشبع كان عناء
في حقه بغير فائدة وكذلك المال ليست الفائدة في عينه وإنما هي لما يتحصل به من المنافع فإذا كثر
عند المرء بغير تحصيل منفعة كان وجوده كالعدم وفيه أنه ينبغي للإمام أن لا يبين للطالب ما في
مسئلته من المفسدة إلا بعد قضاء حاجته لتقع موعظته له الموقع لئلا يتخيل أن ذلك سبب لمنعه من
حاجته وفيه جواز تكرار السؤال ثلاثا وجواز المنع في الرابعة والله أعلم وفي الحديث أيضا أن
سؤال الأعلى ليس بعار وأن رد السائل بعد ثلاث ليس بمكروه وأن الإجمال في الطلب مقرون
بالبركة وقد زاد إسحق بن راهويه في مسنده عن طريق معمر عن الزهري في آخره فمات حين مات
وإنه لمن أكثر قريش مالا وفيه أيضا سبب ذلك وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى حكيم بن
حزام دون ما أعطى أصحابه فقال حكيم يا رسول الله ما كنت أظن أن تقصر بي دون أحد من
الناس فزاده ثم استزاده حتى رضي فذكر نحو الحديث (قوله باب من أعطاه الله
شيئا من غير مسئلة ولا إشراف نفس وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) في رواية المستملي تقديم
الآية وسقطت للأكثر ومطابقتها لحديث الباب من جهة دلالتها على مدح من يعطي السائل
وغير السائل وإذا كان المعطي ممدوحا فعطيته مقبولة وآخذها غير ملوم وقد اختلف أهل العلم
بالتفسير في المراد بالمحروم فروى الطبري من طريق ابن شهاب أنه المتعفف الذي لا يسأل وأخرجه
ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن شهاب أنه بلغه فذكر مثله وأخرجه الطبري عن قتادة مثله
وأخرج فيه أقوالا أخر وعلى التفسير المذكور تنطبق الترجمة والإشراف بالمعجمة التعرض للشئ
والحرص عليه من قولهم أشرف على كذا إذا تطاول له وقيل للمكان المرتفع شرف لذلك وتقدير
جواب الشرط فليقبل أي من أعطاه الله مع انتفاء القيدين المذكورين فليقبل وإنما حذفه
266

للعلم به وأوردها بلفظ العموم وإن كان الخبر ورد في الإعطاء من بيت المال لأن الصدقة للفقير
في معنى العطاء للغني إذا انتفى الشرطان قال أبو داود سألت أحمد عن إشراف النفس فقال
بالقلب وقال يعقوب بن محمد سألت أحمد عنه فقال هو أن يقول مع نفسه يبعث إلي فلان بكذا
وقال الأثرم يضيق عليه أن يرده إذا كان كذلك (قوله فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني) زاد في
رواية شعيب عن الزهري الآتية في الأحكام حتى أعطاني مرة مالا فقلت أعطه من هو أفقر إليه
مني فقال خذه فتموله وتصدق به وذكر شعيب فيه عن الزهري إسنادا آخر قال أخبرني السائب بن
يزيد أن حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم على عمر في خلافته
فذكر قصة فيها هذا الحديث والسائب فمن فوقه صحابة ففيه أربعة من الصحابة في نسق وقد
أخرجه مسلم من رواية عمرو بن الحرث عن الزهري بالاسنادين لكن قال فيه عن سالم عن أبيه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر فذكره جعله من مسند ابن عمر وأخرجه مسلم أيضا
من وجه آخر عن ابن السعدي عن عمر لكن قال فيه ابن الساعدي وزاد فيه إن عطية النبي
صلى الله عليه وسلم لعمر بسبب العمالة ولهذا قال الطحاوي ليس معنى هذا الحديث
في الصدقات وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام وليست هي من جهة الفقر ولكن من
الحقوق فلما قال عمر أعطه من هو أفقر إليه مني لم يرض بذلك لأنه إنما أعطاه لمعنى غير الفقر قال
ويؤيده قوله في رواية شعيب خذه فتموله فدل ذلك على أنه ليس من الصدقات وقال الطبري
اختلفوا في قوله فخذه بعد إجماعهم على أنه أمر ندب فقيل هو ندب لكل من أعطى عطية أبى
قبولها كائنا من كان وهذا هو الراجح يعني بالشرطين المتقدمين وقيل هو مخصوص بالسلطان
ويؤيده حديث سمرة في السنن إلا أن يسأل ذا سلطان وكان بعضهم يقول يحرم قبول العطية
من السلطان وبعضهم يقول يكره وهو محمول على ما إذا كانت العطية من السلطان الجائر
والكراهة محمولة على الورع وهو المشهور من تصرف السلف والله أعلم والتحقيق في المسئلة أن
من علم كون ماله حلال أفلا ترد عطيته ومن علم كون ماله حراما فتحرم عطيته ومن شك فيه
فالاحتياط رده وهو الورع ومن اباحه أخذ بالأصل قال ابن المنذر واحتج من رخص فيه بأن الله
تعالى قال في اليهود سماعون للكذب أكالون للسحت وقد رهن الشارع درعه عند يهودي مع
علمه بذلك وكذلك أخذ الجزية منهم مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخمر والخنزير والمعاملات
الفاسدة وفي حديث الباب أن للإمام أن يعطي بعض رعيته إذا رأى لذلك وجها وإن كان غيره
أحوج إليه منه وأن رد عطية الإمام ليس من الأدب ولا سيما من الرسول صلى الله عليه وسلم
لقوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه الآية (قوله باب من سأل الناس تكثرا) أي
فهو مذموم قال ابن رشيد حديث المغيرة في النهي عن كثرة السؤال الذي أورده في الباب الذي
يليه أصرح في مقصود الترجمة من حديث الباب وإنما آثره عليه لأنه من عادته أن يترجم بالأخفى
أو لاحتمال أن يكون المراد بالسؤال في حديث المغيرة النهي عن المسائل المشكلة كالأغلوطات أو
السؤال عما لا يعني أو عما لم يقع مما يكره وقوعه قال وأشار مع ذلك إلى حديث ليس على شرطه
وهو ما أخرجه الترمذي من طريق حبشي بن جنادة في أثناء حديث مرفوع وفيه ومن سأل
الناس ليثرى ماله كان خموشا في وجهه يوم القيامة فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر انتهى وفي
267

صحيح مسلم من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة ما هو مطابق للفظ الترجمة فاحتمال كونه أشار إليه
أولى ولفظه من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا الحديث والمعنى أنه يسأل ليجمع الكثير من
غير احتياج إليه (قوله عن عبيد الله بن أبي جعفر) في رواية أبي صالح الآتية حدثنا عبيد الله
(قوله مزعة لحم) مزعة بضم الميم وحكى كسرها وسكون الزاي بعدها مهملة أي قطعة وقال ابن
التين ضبطه بعضهم بفتح الميم والزاي والذي أحفظه عن المحدثين الضم قال الخطابي يحتمل أن
يكون المراد أنه يأتي ساقطا لا قدر له ولا جاه أو يعذب في وجهه حتى يسقط لحمه لمشاكلة العقوبة
في مواضع الجناية من الأعضاء لكونه أذل وجهه بالسؤال أو أنه يبعث ووجهه عظم كله فيكون
ذلك شعاره الذي يعرف به انتهى والأول صرف للحديث عن ظاهره وقد يؤيده ما أخرجه
الطبراني والبزار من حديث مسعود بن عمرو مرفوعا لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق
وجهه فلا يكون له عند الله وجه وقال ابن أبي جمرة معناه أنه ليس في وجهه من الحسن شئ لأن
حسن الوجه هو بما فيه من اللحم ومال المهلب إلى حمله على ظاهره وإلى أن السر فيه أن الشمس
تدنو يوم القيامة فإذا جاء لا لحم بوجهه كانت أذية الشمس له أكثر من غيره قال والمراد به من
سأل تكثرا وهو غني لا تحل له الصدقة وأما من سأل وهو مضطر فذلك مباح له فلا يعاقب عليه
انتهى وبهذا تظهر مناسبة إيراد هذا الطرف من حديث الشفاعة عقب هذا الحديث قال ابن
المنير في الحاشية لفظ الحديث دال على ذم تكثير السؤال والترجمة لمن سأل تكثرا والفرق بينهما
ظاهر لكن لما كان المتوعد عليه على ما تشهد به القواعد هو السائل عن غنى وأن سؤال ذي
الحاجة مباح نزل البخاري الحديث على من يسأل ليكثر ماله (قوله بآدم ثم بموسى) هذا فيه
اختصار وسيأتي في الرقاق في حديث الشفاعة الطويل ذكر من يقصدونه بين آدم وموسى وبين
موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وكذا الكلام على بقية ما في حديث الشفاعة مما يحتاج إلى
الشرح (قوله وزاد عبد الله بن صالح) كذا عند أبي ذر وسقط قوله ابن صالح من رواية الأكثر
ولهذا جزم خلف وأبو نعيم بأنه ابن صالح وقد رويناه في الإيمان لابن منده من طريق أبي زرعة
الرازي عن يحيى بن بكير وعبد الله بن صالح جميعا عن الليث وساقه بلفظ عبد الله بن صالح وقد
رواه موصولا من طريق عبد الله بن صالح وحده البزار عن محمد بن إسحاق الصغاني والطبراني في
الأوسط عن مطلب بن شعيب وابن منده في كتاب الإيمان من طريق يحيى بن عثمان ثلاثتهم عن
عبد الله بن صالح فذكره وزاد بعد قوله استغاثوا بآدم فيقول لست بصاحب ذلك وتابع عبد الله
ابن صالح على هذه الزيادة عبد الله بن عبد الحكم عن الليث أخرجه ابن منده أيضا (قوله بحلقة
الباب) أي باب الجنة أو هو مجاز عن القرب إلى الله تعالى والمقام المحمود هو الشفاعة العظمى
التي اختص بها وهي إراحة أهل الموقف من أهوال القضاء بينهم والفراغ من حسابهم والمراد
بأهل الجمع أهل الحشر لأنه يوم يجمع فيه الناس كلهم وسيأتي بقية الكلام على المقام المحمود في
تفسير سورة سبحان إن شاء الله تعالى (قوله وقال معلي) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد اللام
المفتوحة وهو ابن أسد وقد وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه عنه ومن طريقه البيهقي وآخر
حديثه مزعة لحم وفيه قصة لحمزة بن عبد الله بن عمر مع أبيه في ذلك ولهذا قيده المصنف بقوله في
المسئلة أي في الشق الأول من الحديث دون الزيادة ورويناه أيضا في معجم أبي سعيد بن الأعرابي
268

قال حدثنا حمدان بن علي عن معلى بن أسد به وفي هذا الحديث أن هذا الوعيد يختص بمن أكثر
السؤال لا من ندر ذلك منه ويؤخذ منه جواز سؤال غير المسلم لأن لفظ الناس يعم قاله ابن أبي جمرة
وحكى عن بعض الصالحين أنه كان إذا أحتاج سأل ذميا لئلا يعاقب المسلم بسببه لورده (قوله
باب قول الله عز وجل لا يسألون الناس إلحافا وكم الغنى وقول النبي صلى الله عليه
وسلم لا يجد غنى يغنيه لقول الله عز وجل للفقراء الذي أحصروا الآية) هذه اللام التي في قوله
لقول الله لام التعليل لأنه أورد الآية تفسيرا لقوله في الترجمة وكم الغنى وكأنه يقول وقول النبي
صلى الله عليه وسلم ولا يجد غنى يغنيه مبين لقدر الغنى لأن الله تعالى جعل الصدقة للفقراء
الموصوفين بهذه الصفة أي من كان كذلك فليس بغني ومن كان بخلافها فهو غني فحاصله أن
شرط السؤال عدم وجدان الغنى لوصف الله الفقراء بقوله لا يستطيعون ضربا في الأرض إذ من
استطاع ضربا فيها فهو وأجد لنوع من الغنى والمراد بالذين أحصروا الذين حصرهم الجهاد
أي منعهم الاشتغال به من الضرب في الأرض أي التجارة لاشتغالهم به عن التكسب قال ابن
علية كل محيط يحصر بفتح أوله وضم الصاد والأعذار المانعة تحصر بضم المثناة وكسر الصاد
أي تجعل المرء كالمحاط به وللفقراء يتعلق بمحذوف تقديره الإنفاق المقدم ذكره لهؤلاء انتهى
وأما قول المصنف في الترجمة وكم الغنى فلم يذكر فيه حديثا صريحا فيحتمل أنه أشار إلى أنه لم يرد
فيه شئ على شرطه ويحتمل أن يستفاد المراد من قوله في حديث أبي هريرة الذي لا يجد غنى يغنيه
فإن معناه لا يجد شيا يقع موقعا من حاجته فمن وجد ذلك كان غنيا وقد ورد فيه ما أخرجه
الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعا من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة
ومسألته في وجهه خموش قيل يا رسول الله وما يغنيه قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب
وفي إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف وقد تكلم فيه شعبة من أجل هذا الحديث وحدث به
سفيان الثوري عن حكيم فقيل له إن شعبة لا يحدث عنه قال لقد حدثني به زبيد بن عبد الرحمن
عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد يعني شيخ حكيم أخرجه الترمذي أيضا ونص أحمد فيه علل الخلال
وغيرها على أن رواية زبيد موقوفة وقد تقدم حديث أبي سعيد قريبا من عند النسائي في باب
الاستعفاف وفيه من سأل وله أوقية فقد ألحف وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه بلفظ فهو
ملحف وفي الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند النسائي بلفظ فهو الملحف وعن
عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد له صحبة في أثناء حديث مرفوع قال فيه من سأل منكم وله
أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا أخرجه أبو داود وعن سهل بن الحنظلية قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار فقالوا يا رسول الله وما يغنيه
قال قدر ما يغديه ويعشيه أخرجه أبو داود أيضا وصححه ابن حبان قال الترمذي في حديث ابن
مسعود والعمل على هذا عند بعض أصحابنا كالثوري وابن المبارك وأحمد وإسحق قال ووسع
قوم في ذلك فقالوا إذا كان عنده خمسون درهما أو أكثر وهو محتاج فله أن يأخذ من الزكاة وهو
قول الشافعي وغيره من أهل العلم انتهى وقال الشافعي قد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع
الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله وفي المسئلة مذاهب أخرى أحدهما
قول أبي حنيفة إن الغني من ملك نصابا فيحرم عليه أخذ الزكاة واحتج بحديث ابن عباس في
269

بعث معاذ إلى اليمن وقول النبي صلى الله عليه وسلم له تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم
فوصف من تؤخذ الزكاة منه بالغني وقد قال لا تحل الصدقة لغني ثانيها أن حده من وجد
ما يغديه ويعشيه على ظاهر حديث سهل بن الحنظلية حكاه الخطابي عن بعضهم ومنهم من قال
وجهه من لا يجد غداء ولا عشاء على دائم الأوقات ثالثها أن حده أربعون درهما وهو قول أبي
عبيد بن سلام على ظاهر حديث أبي سعيد وهو الظاهر من تصرف البخاري لأنه اتبع ذلك قوله
لا يسألون الناس إلحافا وقد تضمن الحديث المذكور أن من سأل وعنده هذا القدر فقد سأل
إلحافا ثم أورد المصنف في الباب أربعة أحاديث * أولها حديث أبي هريرة في ذكر المسكين أورده
من طريقين والمسكين مفعيل من السكون قاله القرطبي قال فكأنه من قلة المال سكنت حركاته
ولذا قال تعالى أو مسكينا ذا متربة أي لاصق بالتراب (قوله الأكلة والأكلتان) بالضم فيهما
ويؤيده ما في رواية الأعرج الآتية آخر الباب اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان وزاد فيه الذي
يطوف على الناس قال أهل اللغة الأكلة بالضم واللقمة وبالفتح المرة من الغداء والعشاء (قوله
ليس له غنى) زاد في رواية الأعرج غنى يغنيه وهذه صفة زائدة على اليسار المنفي إذ لا يلزم من
حصول اليسار للمرء أن يغنى به بحيث لا يحتاج إلى شئ آخر وكأن المعنى نفي اليسار المقيد بأنه
يغنيه مع وجود أصل اليسار وهذا كقوله تعالى لا يسألون الناس إلحافا (قوله ويستحي) زاد
في رواية الأعرج ولا يفطن به وفي رواية الكشميهني له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس وهو
بنصب يتصدق ويسأل وموضع الترجمة منه قوله ليس له غنى وقد أورده المصنف في التفسير من
طريق أخرى عن أبي هريرة يظهر تعلقها بهذه الترجمة أكثر من هذه الطريق ولفظه هناك إنما
المسكين الذي يتعفف اقرؤا إن شئتم يعني قوله لا يسألون الناس إلحافا كذا وقع فيه بزيادة يعني
وقد أخرجه مسلم وأحمد من هذا الوجه بدونها وكذلك وقع فيه بزيادة ابن أبي حاتم في تفسيره *
ثانيها حديث المغيرة فابن أشوع بالشين المعجمة وزان أحمد في رواية الكشميهني ابن الأشوع وهو
سعيد بن عمرو بن الأشوع نسب لجده وكاتب المغيرة هو وراد (قوله وإضاعة الأموال) في رواية
الكشميهني المال وموضع الترجمة منه قوله وكثرة السؤال قال ابن التين فهم منه البخاري سؤال
الناس ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن المشكلات أو عما لا حاجة للسائل به ولذلك قال
صلى الله عليه وسلم ذروني ما تركتكم (قلت) وحمله على المعنى الأعم أولى ويستقيم مراد البخاري
مع ذلك وقد مضى بعض شرحه في كتاب الصلاة ويأتي في كتاب الأدب وفي الرقاق مستوفي إن شاء
الله تعالى * ثالثها حديث سعد بن أبي وقاص أورده بإسنادين وموضع الترجمة منه قوله في الرواية
الثانية فجمع بين عنقي وكتفي ثم قال أقبل أي سعد وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب
الإيمان وأنه أمر بالاقبال أو بالقبول ووقع عند مسلم اقبالا أي سعد على أنه مصدر أي أتقابلني
اقبالا بهذه المعارضة وسياقه يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كره منه الحاحه عليه في المسئلة ويحتمل
أن يكون من جهة المشفوع ان له ترك السؤال فمدح (قوله وعن أبيه عن صالح) هو معطوف
270

على الإسناد الأول وكذا أخرجه مسلم عن الحسن الحلواني عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد (قوله
أبو عبد الله) هو المصنف (قوله فكبكبوا الخ) تقدمت الإشارة إليه في الإيمان وجرى المصنف
على عادته في إيراد تفسير اللفظة الغريبة إذا وافق ما في الحديث ما في القرآن وقوله غير واقع أي
لازما وإذا وقع أي إذا كان متعديا والفرض أن هذه الكلمة من النوادر حيث كان الثلاثي متعديا
والمزيد فيه لازما عكس القاعدة التصريفية قيل ويجوز أن يكون ألف أكب للصيرورة (قوله
صالح بن كيسان) يعني المذكور في الإسنادين (قوله أكبر من الزهري) يعني في السن ومثل هذا
جاء عن أحمد وابن معين وقال علي بن المديني كان أسن من الزهري فإن مولده سنة خمسين وقيل
بعدها ومات سنة ثلاث وعشرين ومائة وقيل سنة أربع وأما صالح بن كيسان فمات سنة أربعين
ومائة وقيل قبلها وذكر الحاكم في مقدار عمره سنا تعقبوه عليه وقوله أدرك ابن عمر يعني أدرك
السماع منه وأما الزهري فمختلف في لقيه له والصحيح أنه لم يلقه وإنما يروي عن ابنه سالم عنه
والحديثان اللذان وقع في رواية معمر عنه أنه سمعهما من ابن عمر ثبت ذكر سالم بينهما في رواية غيره
والله أعلم * رابعها حديث أبي هريرة الدال على ذم السؤال ومدح الاكتساب وقد تقدم الكلام
عليه مستوفى في باب الاستعفاف عن المسئلة وفي الحديث الأول أن المسكنة إنما تحمد مع العفة
عن السؤال والصبر على الحاجة وفيه استحباب الحياء في كل الأحوال وحسن الإرشاد لوضع
الصدقة وأن يتحرى وضعها فيمن صفته التعفف دون الالحاح وفيه دلالة لمن يقول إن الفقير
أسوأ حالا من المسكين وأن المسكين الذي له شئ لكنه لا يكفيه والفقير الذي لا شئ له كما تقدم
توجيهه ويؤيده قوله تعالى أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فسماهم مساكين مع
أن لهم سفينة يعملون فيها وهذا قول الشافعي وجمهور أهل الحديث والفقه وعكس آخرون
فقالوا المسكين أسوأ حالا من الفقير وقال آخرون هما سواء وهذا قول ابن القاسم وأصحاب
مالك وقيل الفقير الذي يسأل والمسكين الذي لا يسأل حكاه ابن بطال وظاهره أيضا أن المسكين
من اتصف بالتعفف وعدم الإلحاف في السؤال لكن قال ابن بطال معناه المسكين الكامل وليس
المراد نفي أصل المسكنة عن الطواف بل هي كقوله أتدرون من المفلس الحديث وقوله تعالى
ليس البر الآية وكذا قرره القرطبي وغير واحد والله أعلم (قوله باب خرص
التمر) أي مشروعيته والخرص بفتح المعجمة وحكى كسرها وبسكون الراء بعدها مهملة هو حزر
ما على النخل من الرطب تمرا حكى الترمذي عن بعض أهل العلم أن تفسيره أن الثمار إذا أدركت
من الرطب والعنب مما تجب فيه الزكاة بعث السلطان خارصا ينظر فيقول يخرج من هذا كذا
وكذا زبيبا وكذا وكذا تمرا فيحصيه وينظر مبلغ العشر فيثبته عليهم ويخلي بينهم وبين الثمار فإذا
جاء وقت الجذاذ أخذ منهم العشر انتهى وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول
منها والبيع من زهوها وإيثار الأهل والجيران والفقراء لأن في منعهم منها تضييقا لا يخفى وقال
الخطابي أنكر أصحاب الرأي الخرص وقال بعضهم إنما كان يفعل تخويفا للمزارعين لئلا
يخونوا لا ليلزم به الحكم لأنه تخمين وغرور أو كان يجوز قبل تحريم الربا والقمار وتعقبه الخطابي
بأن تحريم الربا والميسر متقدم والخرص عمل به في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات ثم
أبو بكر وعمر فمن بعدهم ولم ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبي قال وأما
271

قولهم أنه تخمين وغرور فليس كذلك بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر وادراكه بالخرص الذي
هو نوع من المقادير وحكى أبو عبيد عن قوم منهم أن الخرص كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم
لأنه كان يوفق من الصواب ما لا يوفق له غيره وتعقبه بأنه لا يلزم من كون غيره لا
يسدد لما كان يسدد له سواء أن ثبت بذلك الخصوصية وإن كان المرء لا يجب عليه الأتباع إلا فيما يعلم أنه يسدد
فيه كتسديد الأنبياء لسقط الأتباع وترد هذه الحجة أيضا بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم
الخراص في زمانه والله أعلم واعتل الطحاوي بأنه يجوز أن يحصل للثمرة آفة فتتلفها فيكون
ما يؤخذ من صاحبها مأخوذا بدلا مما لم يسلم له وأجيب بأن القائلين به لا يضمنون أرباب الأموال
ما تلف بعد الخرص قال ابن المنذر أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل
الجذاذ فلا ضمان (قوله عن عمرو بن يحيى) هو المازني ولمسلم من وجه آخر عن وهيب حدثنا
عمرو بن يحيى (قوله عن عباس الساعدي) هو ابن سهل بن سعد ووقع في رواية أبي داود عن سهل
ابن بكار شيخ البخاري فيه عن العباس الساعدي يعني ابن سهل بن سعد وفي رواية الإسماعيلي
من وجه آخر عن وهيب حدثنا عمرو بن يحيى حدثنا عباس بن سهل الساعدي (قوله غزوة
تبوك) سيأتي شرحها في المغازي (قوله فلما جاء وادي القرى) هي مدينة قديمة بين المدينة
والشام سيأتي ذكرها في البيوع وأغرب ابن قرقول فقال إنها من أعمال المدينة (قوله إذا
امرأة في حديقة لها) استدل به على جواز الابتداء بالنكرة لكن بشرط الإفادة قال ابن مالك
لا يمتنع الابتداء بالنكرة المحضة على الإطلاق بل إذا لم تحصل فائدة فلو اقترن بالنكرة المحضة
قرينة يتحصل بها الفائدة جاز الابتداء بها نحو انطلقت فإذا سبع في الطريق الخ ووقع في رواية
سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى عند مسلم فأتينا على حديقة امرأة ولم أقف على اسمها في شئ
من الطرق (قوله أخرصوا) بضم الراء زاد سليمان فخرصنا ولم أقف على أسماء من خرص منهم
(قوله وخرص) في رواية سليمان وخرصها (قوله أحصي) أي احفظي عدد كيلها وفي رواية
سليمان أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله تعالى وأصل الإحصاء العدد بالحصى لأنهم كانوا
لا يحسنون الكتابة فكانوا يضبطون العدد بالحصى (قوله ستهب الليلة) زاد سليمان عليكم (قوله
فلا يقومن أحد) في رواية سليمان فلا يقم فيها أحد منكم (قوله فليعقله) أي يشده بالعقال وهو
الحبل وفي رواية سليمان فليشد عقاله وفي رواية ابن إسحاق في المغازي عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم
عن عباس بن سهل ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له (قوله فقام رجل فالقته بجبل
طي) في رواية الكشميهني بجبلي طي وفي رواية الإسماعيلي من طريق عفان عن وهيب ولم يقم فيها
أحد غير رجلين ألقتهما بجبل طي وفيه نظر بينته رواية ابن إسحاق ولفظه ففعل الناس ما أمرهم
إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج آخر في طلب بعير له فأما الذي ذهب لحاجته
فإنه خنق على مذهبه وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبل طي فأخبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألم أنهكم أن يخرج رجل إلا ومعه صاحب له ثم دعا للذي
أصيب على مذهبه فشفي وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من
تبوك والمراد بجبلي طي المكان الذي كانت القبيلة المذكورة تنزله واسم الجبلين المذكورين
أجأ بهمزة وجيم مفتوحتين بعدهما همزة بوزن قمر وقد لا تهمز فيكون بوزن عصا وسلمى وهما
272

مشهوران ويقال إنهما سميا باسم رجل وامرأة من العماليق ولم أقف على اسم الرجلين
المذكورين وأظن ترك ذكرهما وقع عمدا فقد وقع في آخر حديث ابن إسحاق أن عبد الله بن أبي
بكر حدثه أن العباس بن سهل سمى الرجلين ولكنه استكتمني أياهما قال وأبى عبد الله أن
يسميهما لنا (قوله وأهدى ملك أيلة) بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام مفتوحة بلدة
قديمة بساحل البحر تقدم ذكرها في باب الجمعة في القرى والمدن ووقع في رواية سليمان عند مسلم
وجاء رسول ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء
وفي مغازي ابن إسحاق ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يوحنا بن روبة
صاحب أيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية وكذا رواه إبراهيم الحربي في
الهدايا من حديث علي فأستفيد من ذلك اسمه واسم أبيه فلعل العلماء اسم أمه ويوحنا بضم
التحتانية وفتح المهملة وتشديد النون وروبة بضم الراء وسكون الواو بعدها موحدة واسم البغلة
المذكورة دلدل هكذا جزم به النووي ونقل عن العلماء أنه لا يعرف له بغلة سواها وتعقب بأن
الحاكم أخرج في المستدرك عن ابن عباس أن كسرى أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها
بحبل من شعر ثم أردفني خلفه الحديث وهذه غير دلدل ويقال أن النجاشي أهدى له بغلة وأن
صاحب دومة الجندل أهدى له بغلة وأن دلدل إنما أهداها له المقوقس وذكر السهيلي أن التي
كانت تحته يوم حنين تسمى فضة وكانت شهباء ووقع عند مسلم في هذه البغلة أن فروة أهداها له
(قوله وكتب له ببحرهم) أي ببلدهم أو المراد بأهل بحرهم لأنهم كانوا سكانا بساحل البحر أي
أنه أقره عليهم بما التزموه من الجزية وفي بعض الروايات ببحرتهم أي بلدتهم وقيل البحرة الأرض
وذكر ابن إسحاق الكتاب وهو بعد البسملة هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليوحنا بن
روبة وأهل أيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبي وساق بقية الكتاب (قوله
كم جاء حديقتك) أي تمر حديقتك وفي رواية مسلم فسأل المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها وقوله
عشرة بالنصب على نزع الخافض أو على الحال وقوله خرص بالنصب أيضا إما بدلا وإما بيانا ويجوز
الرفع فيهما وتقديره الحاصل عشرة أوسق وهو خرص رسول الله (قوله فلما قال ابن بكار كلمة
معناها أشرف على المدينة) ابن بكار هو سهل شيخ البخاري فكأن البخاري شك في هذه اللفظة
فقال هذا وقد رواه أبو نعيم في المستخرج عن فاروق عن أبي مسلم وغيره عن سهل فذكرها بهذا اللفظ
سواء وسيأتي الكلام على بقية الحديث وما يتعلق بالمدينة في فضل المدينة وما يتعلق بالأنصار في
مناقب الأنصار فإنه ساق ذلك هناك أتم مما هنا وقوله طابة هو من أسماء المدينة كطيبة (قوله
وقال سليمان بن بلال حدثني عمرو) يعني ابن يحيى بالإسناد المذكور وهذه الطريق موصولة في
فضائل الأنصار (قوله وقال سليمان) هو ابن بلال المذكور وسعد بن سعيد هو الأنصاري أخو
يحيى بن سعيد وعباس هو ابن سهل بن سعد وهي موصولة في فوائد علي بن خزيمة قال حدثنا أبو
إسماعيل الترمذي حدثنا أيوب بن سليمان أي ابن بلال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان
ابن بلال فذكره وأوله أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دنا من المدينة أخذ طريق
غراب لأنها أقرب إلى المدينة وترك الأخرى فساق الحديث ولم يذكر أوله واستفيد منه بيان
قوله أني متعجل إلى المدينة فمن أحب فليتعجل معي أي أني سالك الطريق القريبة فمن أراد فليأت
273

معي يعني ممن له اقتدار على ذلك دون بقية الجيش وظهر أن عمارة بن غزية خالف عمرو بن يحيى
في إسناد الحديث فقال عمرو عن عباس عن أبي حميد وقال عمارة عن عباس عن أبيه فيحتمل
أن يسلك طريق الجمع بأن يكون عباس أخذ القدر المذكور وهو أحد جبل يحبنا ونحبه عن
أبيه وعن أبي حميد معا أو حمل الحديث عنهما معا أو كله عن أبي حميد ومعظمه عن أبيه وكان
يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا ولذلك كان لا يجمعهما وقد وقع في رواية ابن إسحاق
المذكورة عباس بن سهل بن سعد أو عباس عن سهل فتردد فيه هل هو مرسل أو رواه عن أبيه
فيوافق قول عمارة لكن سياق عمرو بن يحيى أتم من سياق غيره والله أعلم وفي هذا الحديث
مشروعية الخرص وقد تقدم ذكر الخلاف فيه أول الباب واختلف القائلون به هل هو واجب
أو مستحب فحكى الصيمري من الشافعية وجها بوجوبه وقال الجمهور هو مستحب إلا إن تعلق
به حق لمحجور مثلا أو كان شركاؤه غير مؤتمنين فيجب لحفظ مال الغير واختلف أيضا هل يختص
بالنخل أو يلحق به العنب أو يعم كل ما ينتفع به رطبا وجافا وبالأول قال شريح القاضي وبعض
أهل الظاهر والثاني قول الجمهور وإلى الثالث نحا البخاري وهل يمضي قول الخارص أو يرجع إلى
ما آل إليه الحال بعد الجفاف الأول قول مالك وطائفة والثاني قول الشافعي ومن تبعه وهل
يكفي خارص واحد عارف ثقة أو لا بد من اثنين وهما قولان للشافعي والجمهور على الأول
واختلف أيضا هل هو إعتبار أو تضمين وهما قولان للشافعي أظهرهما الثاني وفائدته جواز
التصرف في جميع الثمرة ولو أتلف المالك الثمرة بعد الخرص أخذت منه الزكاة بحساب ما خرص
وفيه أشياء من أعلام النبوة كالإخبار عن الريح وما ذكر في تلك القصة وفيه تدريب الأتباع
وتعليمهم وأخذ الحذر مما يتوقع الخوف منه وفضل المدينة والأنصار ومشروعية المفاضلة بين
الفضلاء بالإجمال والتعيين ومشروعية الهدية والمكافأة عليها * (تكميل) * في السنن وصحيح
ابن حبان من حديث سهيل بن أبي حثمة مرفوعا إذا خرصتم فجدوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا
الثلث فدعوا الربع وقال بظاهرة الليث وأحمد وإسحق وغيرهم وفهم منه أبو عبيد في كتاب
الأموال أنه القدر الذي يأكلونه بحسب احتياجهم إليه فقال يترك قدر احتياجهم وقال مالك
وسفيان لا يترك لهم شئ وهو المشهور عن الشافعي قال ابن العربي والمتحصل من صحيح النظر
أن يعمل بالحديث وهو قدر المؤنة ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب مما يؤكل رطبا
(قوله قال أبو عبيد) هو القاسم بن سلام الإمام المشهور صاحب الغريب وكلامه هذا في
غريب الحديث له وقال صاحب المحكم هو من الرياض كل أرض استدارت وقيل كل أرض
ذات شجر مثمر ونخل وقيل كل حفرة تكون في الوادي يحتبس فيها الماء فإذا لم يكن فيه ماء فهو
حديقة ويقال الحديقة أعمق من الغدير والحديقة القطعة من الزرع يعني أنه من المشترك
(قوله باب العشر فيما يسقى من ماء السماء والماء الجاري) قال الزين بن المنير
عدل عن لفظ العيون الواقع في الخبر إلى الماء الجاري ليجريه مجرى التفسير للمقصود من ماء
العيون وأنه الماء الذي يجري بنفسه من غير نضح وليبين أن الذي يجري بنفسه من نهر أو غدير
حكمه حكم ما يجري من العيون انتهى وكأنه أشار إلى ما في بعض طرقه فعند أبي داود فيما
سقت السماء والأنهار والعيون الحديث (قوله ولم ير عمر بن عبد العزيز في العسل شيئا) أي
274

زكاة وصله مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز
إلى أبي وهو بمنى لا تأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد
الرزاق بإسناد صحيح إلى نافع مولى ابن عمر قال بعثني عمر بن عبد العزيز على اليمن فأردت أن آخذ
من العسل العشر فقال مغيرة بن حكيم الصنعاني ليس فيه شئ فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز فقال
صدق هو عدل رضا ليس فيه شئ وجاء عن عمر بن عبد العزيز ما يخالفه أخرجه عبد الرزاق
عن ابن جريج عن كتاب إبراهيم بن ميسرة قال ذكر لي بعض من لا أتهم من أهلي أنه تذاكر هو
وعروة بن محمد السعدي فزعم عروة أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن صدقة العسل فزعم
عروة أنه كتب إليه إنا قد وجدنا بيان صدقة العسل بأرض الطائف فخذ منه العشر انتهى وهذا
إسناد ضعيف لجهالة الواسطة والأول أثبت وكأن البخاري أشار إلى تضعيف ما روى أن في العسل
العشر وهو ما أخرجه عبد الرزاق بسنده عن أبي هريرة قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى أهل اليمن أن يؤخذ من العسل العشر وفي إسناده عبد الله بن محرر وهو بمهملات وزن محمد
قال البخاري في تاريخه عبد الله متروك ولا يصح في زكاة العسل شئ قال الترمذي لا يصح في هذا
الباب شئ قال الشافعي في القديم حديث أن في العسل العشر ضعيف وفي أن لا يؤخذ منه
العشر ضعيف إلا عن عمر بن عبد العزيز انتهى وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق
طاوس أن معاذا لما أتى اليمن قال لم أؤمر فيهما بشئ يعني العسل وأوقاص البقر وهذا منقطع
وأما ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء هلال أحد
بني متعان أي بضم الميم وسكون المثناة بعدها مهملة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور
نحل له وكان سأله أن يحمي له واديا فحماه له فلما ولي عمر كتب إلى عامله إن أدى إليك عشور نحله
فاحم له سلبه وإلا فلا وإسناده صحيح إلى عمرو وترجمة عمرو قوية على المختار لكن حيث لا تعارض
وقد ورد ما يدل على أن هلالا أعطى ذلك تطوعا فعند عبد الرزاق عن صالح بن دينار أن عمر بن
عبد العزيز كتب إلى عثمان بن محمد ينهاه أن يأخذ من العسل صدقة إلا إن كان النبي صلى الله
عليه وسلم أخذها فجمع عثمان أهل العسل فشهدوا أن هلال بن سعد قدم على النبي صلى الله
عليه وسلم بعسل فقال ما هذا قال صدقة فأمر برفعها ولم يذكر عاشوراء لكن الإسناد الأول
أقوى إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحمى كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب وقال ابن المنذر
ليس في العسل خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة فيه وهو قول الجمهور وعن أبي حنيفة وأحمد
وإسحق يجب العشر فيما أخذ من غير أرض الخراج وما نقله عن الجمهور مقابله قول الترمذي بعد
أن أخرج حديث ابن عمر فيه والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وقال بعض أهل العلم ليس
في العسل شئ وأشار شيخنا في شرحه إلى أن الذي نقله ابن المنذر أقوى قال ابن المنير مناسبة
أثر عمر في العسل للترجمة من جهة أن الحديث يدل على أن لا عشر فيه لأنه خص العشر أو نصفه
بما يسقى فأفهم أن ما لا يسقى لا يعشر زاد ابن رشيد فإن قيل المفهوم إنما ينفى العشر أو نصفه
لا مطلق الزكاة فالجواب أن الناس قائلان مثبت للعشر وناف للزكاة أصلا فتم المراد قال ووجه
إدخاله العسل أيضا للتنبيه على الخلاف فيه وأنه لا يرى فيه زكاة وإن كانت النحل تتغذى
مما يسقى من السماء لكن المتولد بالمباشرة كالزرع ليس كالمتولد بواسطة حيوان كاللبن فإنه
275

متولد عن الرعي ولا زكاة فيه (قوله عثريا) بفتح المهملة والمثلثة وكسر الراء وتشديد التحتانية
وحكى عن ابن الأعرابي تشديد المثلثة ورده ثعلب وحكى ابن عديس في المثلث فيه ضم أوله
وإسكان ثانيه قال الخطابي هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي زاد ابن قدامة عن القاضي أبي
يعلى وهو المستنقع في بركة ونحوها يصب إليه من ماء المطر في سواق تشق له قال واشتقاقه من
العاثور وهي الساقية التي يجري فيها الماء لأن الماشي يعثر فيها قال ومنه الذي يشرب من الأنهار
بغير مؤنة أو يشرب بعروقه كأن يغرس في أرض يكون الماء قريبا من وجهها فيصل إليه عروق
الشجر فيستغني عن السقي وهذا التفسير أولى من إطلاق أبي عبيد أن العثري ما سقته السماء
لان سياق الحديث يدل على المغايرة وكذا قول من فسر العثري بأنه الذي لا حمل له لأنه لا زكاة
فيه قال ابن قدامة لا نعلم في هذه التفرقة التي ذكرناها خلافا (قوله بالنضح) بفتح النون
وسكون المعجمة بعدها مهملة أي بالسانية وهي رواية مسلم والمراد بها الإبل التي يستقى عليها
وذكر الإبل كالمثال وإلا فالبقر وغيرها كذلك في الحكم (قوله قال أبو عبد الله هذا
تفسير الأول الخ) هكذا وقع في رواية أبي ذر هذا الكلام عقب حديث ابن عمر في العثري
ووقع في رواية غيره عقب حديث أبي سعيد المذكور في الباب الذي بعده وهو الذي وقع عند
الإسماعيلي أيضا وجزم أبو علي الصدفي بأن ذكره عقب حديث ابن عمر من قبل بعض نساخ
الكتاب انتهى ولم يقف الصغاني على اختلاف الروايات فجزم بأنه وقع هنا في جميعها قال وحقه
أن يذكر في الباب الذي يليه * (قلت) * ولذكره عقب كل من الحديثين وجه لكن تعبيره
بالأول يرجح كونه بعد حديث أبي سعيد لأنه هو المفسر للذي قبله وهو حديث ابن عمر فحديث ابن
عمر بعمومه ظاهر في عدم اشتراط النصاب وفي إيجاب الزكاة في كل ما يسقى بمؤنة وبغير مؤنة
ولكنه عند الجمهور مختص بالمعنى الذي سيق لأجله وهو التمييز بين ما يجب فيه العشر أو نصف
العشر بخلاف حديث أبي سعيد فإنه مساق لبيان جنس المخرج منه وقدره فأخذ به الجمهور
عملا بالدليلين كما سيأتي بسط القول فيه بعد إن شاء الله تعالى وقد جزم الإسماعيلي بأن كلام
البخاري وقع عقب حديث أبي سعيد ودل حديث الباب على التفرقة في القدر المخرج الذي يسقى
بنضح أو بغير نضح فإن وجد ما يسقى بهما فظاهره أنه يجب فيه ثلاثة أرباع العشر إذا تساوى
ذلك وهو قول أهل العلم قال ابن قدامة لا نعلم فيه خلافا وإن كان أحدهما أكثر كان حكم
الأقل تبعا للأكثر نص عليه أحمد وهو قول الثوري وأبي حنيفة واحد قولي الشافعي والثاني
يؤخذ بالقسط ويحتمل أن يقال إن أمكن فصل كل واحد منهما أخذ بحسابه وعن ابن القاسم
صاحب مالك العبرة بما تم به الزرع وانتهى ولو كان أقل قاله ابن التين عن حكاية أبي محمد بن أبي
زيد عنه والله أعلم * (تنبيه) * قال النسائي عقب تخريج هذا الحديث رواه نافع عن ابن عمر
عن عمر قال وسالم أجل من نافع وقول نافع أولى بالصواب * وقوله بعده هذا تفسير الأول لأنه
لم يوقت في الأول أي لم يذكر حدا للنصاب وقوله وبين في هذا يعني في حديث أبي سعيد (قوله
والزيادة مقبولة) أي من الحافظ والثبت بتحريك الموحدة الثبات والحجة (قوله والمفسر
يقضي على المبهم) أي الخاص يقضي على العام لأن فيما سقت عام يشمل النصاب ودونه
وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة خاص بقدر النصاب وأجاب بعض الحنفية بأن محل
276

ذلك ما إذا كان البيان وفق المبين لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه أما إذا انتفى شئ من أفراد العام
مثلا فيمكن التمسك به كحديث أبي سعيد هذا فإنه دل على النصاب فيما يقبل التوسيق
وسكت عما لا يقبل التوسيق فيمكن التمسك بعموم قوله فيما سقت السماء العشر أي مما لا يمكن
التوسيق فيه عملا بالدليلين وأجاب الجمهور بما روي مرفوعا لا زكاة في الخضراوات رواه
الدارقطني من طريق علي وطلحة ومعاذ مرفوعا وقال الترمذي لا يصح فيه شئ إلا مرسل
موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو دال على أن الزكاة إنما هي فيما يكال مما
يدخر للاقتيات في حال الاختيار وهذا قول مالك والشافعي وعن أحمد يخرج من جميع ذلك
ولو كان لا يقتات وهو قول محمد وأبي يوسف وحكى ابن المنذر الإجماع على أن الزكاة
لا تجب فيما دون خمسة أوسق مما أخرجت الأرض إلا أن أبا حنيفة قال تجب في جميع ما يقصد
بزراعته نماء الأرض إلا الحطب والقصب والحشيش والشجر الذي ليس له ثمر انتهى وحكى
عياض عن داود أن كل ما يدخل فيه الكيل يراعى فيه النصاب وما لا يدخل فيه الكيل ففي قليله
وكثيره الزكاة وهو نوع من الجمع بين الحديثين المذكورين والله أعلم وقال ابن العربي أقوى
المذاهب وأحوطها للمساكين قول أبي حنيفة وهو التمسك بالعموم قال وقد زعم الجويني أن
الحديث إنما جاء لتفصيل ما تقل مما تكثر مؤنته قال ابن العربي لا مانع أن يكون الحديث
يقتضي الوجهين والله أعلم (قوله كما روى الخ) أي كما أن المثبت مقدم على النافي في حديثي الفضل
وبلال وحديث الفضل أخرجه أحمد وغيره وحديث بلال سيأتي موصولا في كتاب الحج أن شاء
الله تعالى (تكميل) اختلف في هذا النصاب هل هو تحديد أو تقريب وبالأول جزم أحمد
وهو أصح الوجهين للشافعية إلا إن كان نقصا يسيرا جدا مما لا ينضبط فلا يضر قاله ابن دقيق
العيد وصحح النووي في شرح مسلم أنه تقريب واتفقوا على وجوب الزكاة فيما زاد على الخمسة
أوسق بحسابه ولا وقص فيها (قوله باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)
أورد فيه حديث أبي سعيد وقد تقدم ذكره في باب زكاة الورق وذكر فيه قدر الوسق
وقوله هنا ليس فيما أقل ما زائدة وأقل في موضع جر بفي وقد ذكره بعده بلفظ وليس في أقل
(قوله باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل وهل يترك الصبي فيمس تمر الصدقة)
الصرام بكسر المهملة الجداد والقطاف وزنا ومعنى وقد اشتمل هذا الباب على ترجمتين
أما الأولى فلها تعلق بقوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده واختلفوا في المراد بالحق فيها فقال
ابن عباس هي الواجبة وأخرجه ابن جرير عن أنس وقال ابن عمر هو شئ سوى الزكاة أخرجه
ابن مردويه وبه قال عطاء وغيره وحديث الباب يشعر بأنه غير الزكاة وكأنه المراد بما أخرجه
احمد وأبو داود من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جاد عشرة أوسق
من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين وقد تقدم ذكره في باب القسمة وتعليق القنو
في المسجد من كتاب الصلاة وأما الترجمة الثانية فربطها بالترك إشارة منه إلى أن الصبا وإن كان
مانعا من توجيه الخطاب إلى الصبي فليس مانعا من توجيه الخطاب إلى الولي بتأديبه وتعليمه
وأوردها بلفظ الاستفهام لاحتمال أن يكون النهي خاصا بمن لا يحل له تناول الصدقة (قوله
كوم) بفتح الكاف وسكون الواو معروف وأصله القطعة العظيمة من الشئ والمراد به ما اجتمع من
277

التمر كالعرمة ويروي كوما بالنصب أي حتى يصير التمر عنده كوما (قوله فأخذ أحدهما)
سيأتي بعد بابين من رواية شعبة عن محمد بن زياد بلفظ فأخذ الحسن بن علي (قوله فجعله) أي
المأخوذ وفي رواية الكشميهني فجعلها أي التمرة وسيأتي بقية الكلام عليه قريبا قال الإسماعيلي
قوله عند صرام النخل أي بعد أن يصير تمرا لأن النخل قد يصرم وهو رطب فيتمر في المربد ولكن
ذلك لا يتطاول فحسن أن ينسب إلى الصرام كما في قوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده فإن المراد بعد
أن يداس وينقى والله أعلم (قوله باب من باع ثماره أو أرضه أو نخله أو زرعه وقد وجب
فيه العشر أو الصدقة فأدى الزكاة من غيره أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة الخ) ظاهر سياق هذه
الترجمة أن المصنف يرى جواز بيع الثمرة بعد بدو الصلاح ولو وجبت فيها الزكاة بالخرص مثلا
لعموم قوله حتى يبدو صلاحها وهو أحد قولي العلماء والثاني لا يجوز بيعها بعد الخرص لتعلق
حق المساكين بها وهو أحد قولي الشافعي وقائل هذا حمل الحديث على الجواز بعد الصلاح وقبل
الخرص جمعا بين الحديثين وأما قوله العشر أو الصدقة فمن العام بعد الخاص وفيه إشارة إلى
الرد على من جعل من الثمار العشر مطلقا من غير اعتبار نصاب ولم يرد أن الصدقة تسقط بالبيع
وأما قوله فأدى الزكاة من غيره فلأنه إذا باع بعد وجوب الزكاة فقد فعل أمرا جائزا كما تقدم
فتعلقت الزكاة بذمته فله أن يعطيها من غيره أو يخرج قيمتها على رأى من يجيزه وهو اختيار البخاري
كما سبق وأما قوله ولم يخص من وجبت عليه الزكاة ممن لم تجب فيتوقف على مقدمة أخرى وهي
أن الحق يتعلق بالصلاح وظاهر القرآن يقتضي أن وجوب الإيتاء إنما هو يوم الحصاد على رأى
من جعلها في الزكاة إلا أن يقال إنما تعرضت الآية لبيان زمن الإيتاء لا لبيان زمان الوجوب
والظاهر أن المصنف اعتمد في تصحيح هذه المقدمة استعمال الخرص عند الصلاح لتعلق حق
المساكين فطواها بتقديمه حكم الخرص فيما سبق أشار إلى ذلك ابن رشيد وقال ابن بطال أراد
البخاري الرد على أحد قولي الشافعي بفساد البيع كما تقدم وقال أبو حنيفة المشتري بالخيار
ويؤخذ العشر منه ويرجع هو على البائع وعن مالك العشر على البائع إلا أن يشترطه على
المشتري وهو قول الليث وعن أحمد الصدقة على البائع مطلقا وهو قول الثوري والأوزاعي والله
أعلم (قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الثمرة) أسنده في الباب بمعناه وأما هذا
اللفظ فمذكور عنده في موضعين من كتاب البيع من حديث ابن عمر وسيأتي الكلام هناك على
حديثه وعلى حديث أنس أيضا وقوله وكان إذا سئل عن صلاحها قال حتى تذهب عاهته أي
الثمر وفي رواية الكشميهني عاهتها وهو مقول ابن عمر بينه مسلم في روايته من طريق محمد بن جعفر
عن شعبة ولفظه فقيل لابن عمر ما صلاحه قال تذهب عاهته (قوله باب هل يشتري
الرجل صدقته) قال الزين بن المنير أورد الترجمة بالاستفهام لأن تنزيل حديث الباب على سببه
يضعف معه تعميم المنع لاحتمال تخصيصه بالشراء بدون القيمة لقوله وظننت أنه يبيعه برخص
وكذا إطلاق الشارع العود عليه بمعنى أنه في معنى رجوع بعضها إليه بغير عوض قال وقصد
بهذه الترجمة التنبيه على أن الذي تضمنته الترجمة التي قبلها من جواز بيع الثمرة قبل إخراج
الزكاة ليس من جنس شراء الرجل صدقته والفرق بينهما دقيق وقال ابن المنذر ليس لأحد أن
يتصدق ثم يشتريها للنهي الثابت ويلزم من ذلك فساد البيع إلا إن ثبت الإجماع على جوازه
278

(قوله ولا بأس أن يشتري صدقة غيره) قد أستدل له بما ذكر ومراده قوله صلى الله عليه وسلم
في الحديث لا تعد وقوله العائد في صدقته ولو كان المراد تعميم المنع لقال لا تشتروا الصدقة مثلا
وسيأتي لذلك مزيد بيان في باب إذا حولت الصدقة ثم أورد المصنف حديث عمر في تصدقه بالفرس
واستئذانه في شرائه بعد ذلك من طريقين فسياق الأولى يقتضي أنه من حديث ابن عمر والثانية
أنه من مسند عمر ورجح الدارقطني الأولى لكن حيث جاء من طريق سالم وغيره من الرواة عن
ابن عمر فهو من مسنده وأما رواية أسلم مولى عمر فهي عن عمر نفسه والله أعلم (قوله تصدق
بفرس) أي حمل عليه رجلا في سبيل الله كما في الطريق الثانية والمعنى أنه ملكه له ولذلك ساغ
له بيعه ومنهم من قال كان عمر قد حبسه وإنما ساغ للرجل بيعه لأنه حصل فيه هزال عجز لأجله
عن اللحاق وضعف عن ذلك وانتهى إلى حالة عدم الانتفاع به وأجاز ذلك ابن القاسم ويدل على
أنه حمل تمليك قوله ولا تعد في صدقتك ولو كان حبسا لعلله به وقوله فيها فأضاعه الذي كان عنده أي
بترك القيام عليه بالخدمة والعلف ونحوهما وقال في الأولى فوجده يباع (قوله وإن أعطاكه
بدرهم) هو مبالغة في رخصه وهو الحامل له على شرائه (قوله ولا تعد) في رواية أحمد من طريق
هشام بن سعد عن زيد بن أسلم ولا تعودن وسمي شراءه برخص عودا في الصدقة من حيث أن
الغرض منها ثواب الآخرة فإذا اشتراها برخص فكأنه أختار عرض الدنيا على الآخرة مع أن
العادة تقتضي بيع مثل ذلك برخص لغير المتصدق فكيف بالمتصدق فيصير راجعا في ذلك
المقدار الذي سومح فيه * (فائدة) * أفاد ابن سعد في الطبقات أن اسم هذا الفرس الورد وأنه كان
لتميم الداري فأهداه للنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه لعمر ولم أقف على اسم الرجل الذي حمله عليه
(قوله كالعائد في قيئه) استدل به على تحريم ذلك لأن القئ حرام قال القرطبي وهذا هو الظاهر من
سياق الحديث ويحتمل أن يكون التشبيه للتنفير خاصة لكون القئ مما يستقذر وهو قول
الأكثر ويلتحق بالصدقة الكفارة والنذر وغيرهما من القربات وأما إذا ورثه فلا كراهة وأبعد
من قال يتصدق به (قوله في الطريق الأولى ولهذا كان ابن عمر لا يترك أن يبتاع شيئا تصدق به
إلا جعله صدقة) كذا في رواية أبي ذر وعلى حرف لا تضبيب ولا أدري ما وجهه وبإثبات النفي يتم
المعنى أي كان إذا اتفق له أن يشتري شيئا مما تصدق به لا يتركه في ملكه حتى يتصدق به وكأنه فهم
أن النهي عن شراء الصدقة إنما هو لمن أراد أن يتملكها لا لمن يردها صدقة وفي الحديث كراهة
الرجوع في الصدقة وفصل الحمل في سبيل الله والإعانة على الغزو بكل شئ وأن الحمل في سبيل الله
تمليك وأن للمحمول بيعه والانتفاع بثمنه وسيأتي تكميل الكلام على هذا الحديث في أبوب
الهبة إن شاء الله تعالى (قوله باب ما يذكر من الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم
وآله) لم يعين الحكم لشهرة الاختلاف فيه والنظر فيه في ثلاثة مواضع * أولها المراد بالآل
هنا بنو هاشم وبنو المطلب على الأرجح من أقوال العلماء وسيأتي دليله في أبواب الخمس في آخر
الجهاد قال الشافعي أشركهم النبي صلى الله عليه وسلم في سهم ذوي القربى ولم يعط أحدا من
قبائل قريش غيرهم وتلك العطية عوض عوضوه بدلا عما حرموه من الصدقة وعن أبي حنيفة
ومالك بنو هاشم فقط وعن أحمد في بني المطلب روايتان وعن المالكية فيما بين هاشم وغالب بن
فهر قولان فعن أصبغ منهم هم بنو قصي وعن غيره بنو غالب بن فهر * ثانيها كان يحرم على النبي
279

صلى الله عليه وسلم صدقة الفرض والتطوع كما نقل فيه غير واحد منهم الخطابي الإجماع لكن
حكى غير واحد عن الشافعي في التطوع قولا وكذا في رواية عن أحمد ولفظه في رواية الميموني
لا يحل للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته صدقة الفطر وزكاة الأموال والصدقة يصرفها الرجل
على محتاج يريد بها وجه الله فأما غير ذلك فلا أليس يقال كل معروف صدقة قال ابن قدامة ليس
ما نقل عنه من ذلك بواضح الدلالة وإنما أراد أن ما ليس من صدقة الأموال كالقرض والهدية
وفعل المعروف كان غير محرم قال الماوردي يحرم عليه كل ما كان من الأموال متقوما وقال غيره
لا تحرم عليه الصدقة العامة كمياه الآبار وكالمساجد وسيأتي دليل تحريم الصدقة مطلقا في اللقطة
واختلف هل كان تحريم الصدقة من خصائصه دون الأنبياء أو كلهم سواء في ذلك * ثالثها هل
يلتحق به آله في ذلك أم لا قال ابن قدامة لا نعلم خلافا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة
كذا قال وقد نقل الطبري الجواز أيضا عن أبي حنيفة وقيل عنه يجوز لهم إذا حرموا سهم
ذوي القربى حكاه الطحاوي ونقله بعض المالكية عن الأبهري منهم وهو وجه لبعض الشافعية
وعن أبي يوسف يحل من بعضهم لبعض لا من غيرهم وعند المالكية في ذلك أربعة أقوال
مشهورة الجواز المنع جواز التطوع دون الفرض عكسه وأدلة المنع ظاهرة من حديث الباب
ومن غيره ولقوله تعالى قل ما أسألكم عليه من أجر ولو أحلها لآله لأوشك أن يطعنوا
فيه ولقوله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
الصدقة أوساخ الناس كما رواه مسلم ويؤخذ من هذا جواز التطوع دون الفرض وهو قول
أكثر الحنفية والمصحح عند الشافعية والحنابلة وأما عكسه فقالوا أن الواجب حق لازم لا يلحق
بأخذه ذلة بخلاف التطوع ووجه التفرقة بين بني هاشم وغيرهم أن موجب المنع رفع يد الأدنى
على الأعلى فأما الأعلى على مثله فلا ولم أر لمن أجاز مطلقا دليلا إلا ما تقدم عن أبي حنيفة
(قوله سمعت أبا هريرة قال أخذ الحسن) في رواية معمر عن محمد بن زياد أنه سمع أب هريرة قال كنا
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم تمرا من تمر الصدقة والحسن في حجره أخرجه أحمد
(قوله فجعلها في فيه) زاد أبو مسلم الكجي من طريق الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد فلم يفطن له
النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام ولعابه يسيل فضرب النبي صلى الله عليه وسلم شدقه وفي رواية
معمر فلما فرغ حمله على عاتقه فسال لعابه فرفع رأسه فإذا تمرة في فيه (قوله كخ) بفتح الكاف
وكسرها وسكون المعجمة مثقلا ومخففا وبكسر الخاء منونة وغير منونة فيخرج من ذلك ست لغات
والثانية توكيد للأولى وهي كلمة تقال لردع الصبي عند تناوله ما يستقذر قيل عربية وقيل
أعجمية وزعم الداودي أنها معربة وقد أوردها البخاري في باب من تكلم بالفارسية (قوله
ليطرحها) زاد مسلم إرم بها وفي رواية حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عند أحمد فنظر إليه فإذا هو
يلوك تمرة فحرك خده وقال ألقها يا بني ألقها يا بني ويجمع بين هذا وبين قوله كخ كخ بأنه كلمه
أولا بهذا فلما تمادى قال له كخ كخ إشارة إلى استقذار ذلك له ويحتمل العكس بأن يكون كلمه أولا
بذلك فلما تمادى نزعها من فيه (قوله إنا لا نأكل الصدقة) في رواية مسلم إنا لا تحل لنا الصدقة وفي
رواية معمر إن الصدقة لا تحل لآل محمد وكذا عند أحمد و الطحاوي من حديث الحسن بن علي
نفسه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر على جرين من تمر الصدقة فأخذت منه تمرة فألقيتها
280

في في فأخذها بلعابها فقال إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وإسناده قوي وللطبراني والطحاوي
من حديث أبي ليلى الأنصاري نحوه وفي الحديث دفع الصدقات إلى الإمام والانتفاع بالمسجد
في الأمور العامة وجواز إدخال الأطفال المساجد وتأديبهم بما ينفعهم ومنعهم مما يضرهم ومن
تناول المحرمات وإن كانوا غير مكلفين ليتدربوا بذلك واستنبط بعضهم منه منع ولي الصغيرة
إذا اعتدت من الزينة وفيه الإعلام بسبب النهي ومخاطبة من لا يميز لقصد إسماع من يميز
لأن الحسن إذ ذاك كان طفلا وأما قوله أما شعرت وفي رواية البخاري في الجهاد أما تعرف
ولمسلم أما علمت فهو شئ يقال عند الأمر الواضح وإن لم يكن المخاطب بذلك عالما أي كيف خفي
عليك هذا مع ظهوره وهو أبلغ من الزجر من قوله لا تفعل وقد تقدم ذكر بعض فوائده قبل بابين
(قوله باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) لم يترجم لأزواج
النبي صلى الله عليه وسلم ولا لموالي النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يثبت عنده فيه شئ وقد نقل ابن
بطال أنهن أي الأزواج لا يدخلن في ذلك باتفاق الفقهاء وفيه نظر فقد ذكر ابن قدامة أن الخلال
أخرج من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة قالت إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة قال وهذا يدل
على تحريمها (قلت) وإسناده إلى عائشة حسن وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا وهذا لا يقدح فيما
نقله ابن بطال وروى أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان وغيره عن أبي رافع مرفوعا
إنا لا تحل لنا الصدقة وإن موالي القوم من أنفسهم وبه قال أحمد وأبو حنيفة وبعض المالكية
كابن الماجشون وهو الصحيح عند الشافعية وقال الجمهور يجوز لهم لأنهم ليسوا منهم حقيقة
ولذلك لم يعوضوا بخمس الخمس ومنشأ الخلاف قوله منهم أو من أنفسهم هل يتناول المساواة في
حكم تحريم الصدقة أو لا وحجة الجمهور أنه لا يتناول جميع الأحكام فلا دليل فيه على تحريم
الصدقة لكنه ورد على سبب الصدقة وقد اتفقوا على أنه لا يخرج السبب وإن اختلفوا هل يخص
به أو لا ويمكن أن يستدل لهم بحديث الباب لأنه يدل على جوازها لموالي الأزواج وقد تقدم
أن الأزواج ليسوا في ذلك من جملة الآل فمواليهم أحرى بذلك قال ابن المنير في الحاشية إنما أورد
البخاري هذه الترجمة ليحقق أن الأزواج لا يدخل مواليهن في الخلاف ولا يحرم عليهن الصدقة
قولا واحدا لئلا يظن الظان أنه لما قال بعض الناس بدخول الأزواج في الآل أنه يطرد
في مواليهن فبين أنه لا يطرد ثم أورد المصنف في الباب حديثين * أحدهما حديث ابن عباس في
الانتفاع بجلد الشاة لقوله فيه أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة وسيأتي الكلام عليه مستوفى
في الذبائح إن شاء الله تعالى ولم أقف على اسم هذه المولاة * ثانيهما حديث عائشة في قصة بريرة
وفيه قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به عليها هو لها صدقة ولنا هدية وسيأتي
الكلام عليه مستوفى في العتق إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * قال الإسماعيلي هذه الترجمة
مستغنى عنها فإن تسمية المولى لغير فائدة وإنما هو لسوق الحديث على وجهه فقط كذا قال وقد
علمت ما فيها من الفائدة (قوله باب إذا تحولت الصدقة) في رواية أبي ذر إذا
حولت بضم أوله أي فقد جاز للهاشمي تناولها (قوله حدثنا خالد) هو الحذاء والإسناد كله
بصريون (قوله هل عندكم شئ) أي من الطعام وقوله نسيبة بالنون و المهملة والموحدة مصغر
اسم أم عطية (قوله من الشاة التي بعثت) بفتح المثناة أي بعثت بها أنت (قوله بلغت محلها)
أي أنها لما تصرفت فيها بالهدية لصحة ملكها لها انتقلت عن حكم الصدقة فحلت محل الهدية
281

وكانت تحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف الصدقة كما سيأتي في الهبة وهذا تقرير ابن
بطال بعد أن ضبط محلها بفتح الحاء وضبطه بعضهم بكسرها من الحلول أي بلغت مستقرها
والأول أولى وعليه عول البخاري في الترجمة وهذا نظير قصة بريرة كما سيأتي بسطه في كتاب
الهبة ثم أورد المصنف حديث أنس في قصة بريرة مختصرا وقال بعده وقال أبو داود أنبأنا شعبة
فذكر الإسناد دون المتن لتصريح قتادة فيه بالسماع وأبو داود هو الطيالسي وقد أخرجه في
مسنده كذلك ورأيته في النسخة التي وقفت عليها منه معنعنا وقد أخرجه الإسماعيلي من
طريق معاذ عن شعبة فصرح بسماع قتادة من أنس أيضا واستنبط البخاري من قصة بريرة وأم
عطية أن للهاشمي أن يأخذ من سهم العاملين إذا عمل على الزكاة وذلك أنه إنما يأخذ على عمله قال
فلما حل للهاشمي أن يأخذ ما يملكه بالهدية مما كان صدقة لا بالصدقة كذلك يحل له أخذ
ما يملكه بعمله لا بالصدقة واستدل به أيضا على جواز صدقة التطوع لأزواج النبي صلى الله عليه
وسلم لأنهم فرقوا بين أنفسهم وبينه صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم ذلك بل أخبرهم أن تلك
الهدية بعينها خرجت عن كونها صدقة بتصرف المتصدق عليه فيها كما تقدم تقريره والله
أعلم (قوله باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا) قال
الإسماعيلي ظاهر حديث الباب أن الصدقة ترد على فقراء من أخذت من أغنيائهم وقال
ابن المنير أختار البخاري جواز نقل الزكاة من بلد المال لعموم قوله فترد في فقرائهم لأن الضمير
يعود على المسلمين فأي فقير منهم ردت فيه الصدقة في أي جهة كان فقد وافق عموم الحديث
انتهى والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الحديث عدم النقل وأن الضمير يعود على المخاطبين
فيختص بذلك فقراؤهم لكن رجح ابن دقيق العيد الأول وقال إنه وإن لم يكن الأظهر إلا أنه
يقويه أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر في الزكاة كما لا تعتبر
في الصلاة فلا يختص بهم الحكم وإن اختص بهم خطاب المواجهة انتهى وقد اختلف العلماء
في هذه المسئلة فأجاز النقل الليث وأبو حنيفة وأصحابهما ونقله ابن المنذر عن الشافعي واختاره
والأصح عند الشافعية والمالكية والجمهور ترك النقل فلو خالف ونقل أجزأ عند المالكية
على الأصح ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها ولا يبعد أنه اختيار
البخاري لأن قوله حيث كانوا يشعر بأنه لا ينقلها عن بلد وفيه من هو متصف بصفة الاستحقاق
(قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك وزكريا بن إسحاق مكي وكذا من فوقه (قوله عن يحيى)
في رواية وكيع عن زكريا حدثني يحيى أخرجه مسلم (قوله عن أبي معبد) في رواية إسماعيل
ابن أمية عن يحيى أنه سمع أبا معبد يقول سمعت ابن عباس يقول أخرجه المصنف في التوحيد
(قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن) كذا في جميع الطرق
إلا ما أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وإسحق بن إبراهيم ثلاثتهم عن
وكيع فقال فيه عن ابن عباس عن معاذ بن جبل قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى
هذا فهو من مسند معاذ وظاهر سياق مسلم أن اللفظ مدرج لكن لم أر ذلك في غير رواية أبي بكر
ابن أبي شيبة وسائر الروايات أنه من مسند ابن عباس فقد أخرجه الترمذي عن أبي كريب عن
وكيع فقال فيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وكذا هو في مسند
282

إسحق بن إبراهيم وهو ابن راهويه قال حدثنا وكيع به وكذا رواه عن وكيع أحمد في مسنده
أخرجه أبو داود عن أحمد وسيأتي في المظالم عن يحيى بن موسى عن وكيع كذلك وأخرجه ابن
خزيمة في صحيحه عن محمد بن عبد الله المخرمي وجعفر بن محمد الثعلبي وللإسماعيلي من طريق أبي
خيثمة وموسى ابن السندي والدارقطني من طريق يعقوب بن إبراهيم الدورقي وإسحق بن إبراهيم
البغوي كلهم عن وكيع كذلك فإن ثبتت رواية أبي بكر فهو من مرسل ابن عباس لكن ليس
حضور ابن عباس لذلك ببعيد لأنه كان في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهو إذ ذاك مع
أبويه بالمدينة وكان بعث معاذ إلى اليمن سنة عشر قبل حج النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره
المصنف في أواخر المغازي وقيل كان ذلك في أواخر سنة تسع عند منصرفه صلى الله عليه وسلم
من تبوك رواه الواقدي بإسناده إلى كعب بن مالك وأخرجه ابن سعد في الطبقات عنه ثم حكى ابن
سعد أنه كان في ربيع الآخر سنة عشر وقيل بعثه عام الفتح سنة ثمان واتفقوا على أنه لم يزل على
اليمن إلى أن قدم في عهد أبي بكر ثم توجه إلى الشام فمات بها واختلف هل كان معاذ واليا
أو قاضيا فجزم ابن عبد البر بالثاني والغساني بالأول (قوله ستأتي قوما أهل كتاب) هي كالتوطئة
للوصية لتستجمع همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة فلا تكون العناية في
مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان وليس فيه أن جميع من يقدم عليهم من أهل الكتاب
بل يجوز أن يكون فيهم من غيرهم وإنما خصهم بالذكر تفضيلا لهم على غيرهم (قوله فإذا جئتهم)
قيل عبر بلفظ إذا تفاؤلا بحصول الوصول إليهم (قوله فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله) كذا للأكثر وقد تقدم في أول الزكاة بلفظ وأنى رسول الله كذا في رواية زكريا بن إسحاق
لم يختلف عليه فيها وأما إسماعيل بن أمية ففي رواية روح بن القاسم عنه فأول ما تدعوهم
إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله وفي رواية الفضل بن العلاء عنه إلى أن يوحدوا الله فإذا عرفوا ذلك
ويجمع بينها بأن المراد بعبادة الله توحيده وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه بالرسالة ووقعت
البداءة بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شئ غيرهما إلا بهما فمن كان منهم غير موحد
فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين ومن كان موحدا فالمطالبة له
بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة وإن كانوا يعتقدون ما يقتضي الإشراك
أو يستلزمه كمن يقول ببنوة عزير أو يعتقد التشبيه فتكون مطالبتهم بالتوحيد لنفي ما يلزم من
عقائدهم واستدل به من قال من العلماء أنه لا يشترط التبري من كل دين يخالف دين الإسلام
خلافا لمن قال إن من كان كافرا بشئ وهو مؤمن بغيره لم يدخل في الإسلام إلا بترك اعتقاد
ما كفر به والجواب أن اعتقاد الشهادتين يستلزم ترك اعتقاد التشبيه ودعوى بنوة عزير وغيره
فيكتفي بذلك واستدل به على أنه لا يكفي في الإسلام الاقتصار على شهادة إن لا إله إلا الله حتى
يضيف إليها الشهادة لمحمد بالرسالة وهو قول الجمهور وقال بعضهم يصير بالأولى مسلما ويطالب
بالثانية وفائدة الخلاف تظهر بالحكم بالردة * (تنبيهان) * أحدهما كان أصل دخول اليهودية
في اليمن في زمن أسعد أبي كرب وهو تبع الأصغر كما حكاه ابن إسحاق في أوائل
السيرة النبوية
(ثانيهما) قال ابن العربي في شرح الترمذي تبرأت اليهود في هذه الأزمان من القول بأن العزير
ابن الله وهذا لا يمنع كونه كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك نزل في زمنه
283

واليهود معه بالمدينة وغيرها فلم ينقل عن أحد منهم أنه رد ذلك ولا تعقبه والظاهر أن القائل بذلك
طائفة منهم لا جميعهم بدليل أن القائل من النصارى إن المسيح ابن الله طائفة منهم لا جميعهم
فيجوز أن تكون تلك الطائفة انقرضت في هذه الأزمان كما انقلب اعتقاد معظم اليهود
عن التشبيه إلى التعطيل وتحول معتقد النصارى في الابن والأب إلى أنه من الأمور المعنوية
لا الحسية فسبحان مقلب القلوب (قوله فإن هم أطاعوا لك بذلك) أي شهدوا وانقادوا وفي
رواية ابن خزيمة فإن هم أجابوا لذلك وفي رواية الفضل بن العلاء كما تقدم فإذا عرفوا ذلك وعدى
أطاع باللام وإن كان يتعدى بنفسه لتضمنه معنى انقاد واستدل به على أن أهل الكتاب ليسوا
بعارفين وإن كانوا يعبدون الله ويظهرون معرفته لكن قال حذاق المتكلمين ما عرف الله من
شبهه بخلقه أو أضاف إليه اليد أو أضاف إليه الولد فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله وإن
سموه به واستدل به على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع حيث دعوا أولا إلى الإيمان فقط ثم دعوا
إلى العمل ورتب ذلك عليها بالفاء وأيضا فإن قوله فإن هم أطاعوا فأخبرهم يفهم منه أنهم لو لم
يطيعوا لا يجب عليهم شئ وفيه نظر لأن مفهوم الشرط مختلف في الاحتجاج به وأجاب بعضهم
عن الأول بأنه استدلال ضعيف لأن الترتيب في الدعوة لا يستلزم الترتيب في الوجوب كما أن
الصلاة والزكاة لا ترتيب بينهما في الوجوب وقد قدمت إحداهما على الأخرى في هذا الحديث
ورتبت الأخرى عليها بالفاء ولا يلزم من عدم الإتيان بالصلاة إسقاط الزكاة وقيل الحكمة في
ترتيب الزكاة على الصلاة أن الذي يقر بالتوحيد ويجحد الصلاة يكفر بذلك فيصير ماله فيئا فلا
تنفعه الزكاة وأما قول الخطابي إن ذكر الصدقة أخر عن ذكر الصلاة لأنها إنما تجب على قوم
دون قوم وأنها لا تكرر تكرار الصلاة فهو حسن وتمامه أن يقال بدأ بالأهم فالأهم وذلك
من التلطف في الخطاب لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مرة لم يأمن النفرة (قوله خمس صلوات)
استدل به على أن الوتر ليس بفرض وقد تقدم البحث فيه في موضعه (قوله فإن هم أطاعوا لك
بذلك) قال ابن دقيق العيد يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد اقرارهم بوجوبها
عليهم والتزامهم لها والثاني أن يكون المراد الطاعة بالفعل وقد يرجح الأول بأن المذكور هو
الأخبار بالفريضة فتعود الإشارة بذلك إليها ويترجح الثاني بأنهم لو أخبروا بالفريضة فبادروا
إلى الامتثال بالفعل لكفي ولم يشترط التلفظ بخلاف الشهادتين فالشرط عدم الإنكار والاذعان
للوجوب انتهى والذي يظهر أن المراد القدر المشترك بين الأمرين فمن امتثل بالإقرار أو بالفعل
كفاه أو بهما فأولى وقد وقع في رواية الفضل بن العلاء بعد ذكر الصلاة فإذا صلوا وبعد ذكر
الزكاة فإذا أقروا بذلك فخذ منهم (قوله صدقة) زاد في رواية أبي عاصم عن زكريا في أموالهم
كما تقدم في أول الزكاة وفي رواية الفضل بن العلاء افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من
غنيهم فترد على فقيرهم (قوله تؤخذ من أغنيائهم) استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض
الزكاة وصرفها إما بنفسه وإما بنائبه فمن أمتنع منها أخذت منه قهرا (قوله على فقرائهم)
استدل به لقول مالك وغيره إنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد وفيه بحث كما قال ابن
دقيق العيد لاحتمال أن يكون ذكر الفقراء لكونهم الغالب في ذلك وللمطابقة بينهم وبين
الأغنياء وقال الخطابي وقد يستدل به من لا يرى على المديون زكاة ما في يده إذا لم يفضل من الدين
284

الذي عليه قدر نصاب لأنه ليس بغنى إذا كان إخراج ماله مستحقا لغرمائه (قوله فإياك وكرائم
أموالهم) كرائم منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره قال ابن قتيبة ولا يجوز حذف الواو
والكرائم جمع كريمة أي نفيسة ففيه ترك أخذ خيار المال والنكتة فيه أن الزكاة لمواساة
الفقراء فلا يناسب ذلك الإجحاف بمال الأغنياء إلا إن رضوا بذلك كما تقدم البحث فيه (قوله
واتق دعوة المظلوم) أي تجنب الظلم لئلا يدعوا عليك المظلوم وفيه تنبيه على المنع من جميع
أنواع الظلم والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم الإشارة إلى أن أخذها ظلم
وقال بعضهم عطف واتق على عامل إياك المحذوف وجوبا فالتقدير اتق نفسك أن تتعرض
للكرائم وأشار بالعطف إلى أن أخذ الكرائم ظلم ولكنه عمم إشارة إلى التحرز عن الظلم مطلقا
(قوله حجاب) أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصيا كما جاء
في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على
نفسه وإسناده حسن وليس المراد أن لله تعالى حجابا يحجبه عن الناس وقال الطيبي
قوله اتق دعوة المظلوم تذييل لاشتماله على الظلم الخاص من أخذ الكرائم وعلى غيره وقوله فإنه
ليس بينها وبين الله حجاب تعليل للاتقاء وتمثيل للدعاء كمن يقصد دار السلطان متظلما فلا يحجب
وسيأتي لهذا مزيد في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى قال ابن العربي إلا أنه وإن كان مطلقا
فهو مقيد بالحديث الآخر أن الداعي على ثلاث مراتب إما أن يعجل له ما طلب وإما أن يدخر له
أفضل منه وإما أن يدفع عنه من السوء مثله وهذا كما قيد مطلق قوله تعالى أم من يجيب المضطر إذا
دعاه بقوله تعالى فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وفي الحديث أيضا الدعاء إلى التوحيد قبل
القتال وتوصية الإمام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام وغيرها وفيه بعث السعاة لأخذ الزكاة
وقبول خبر الواحد ووجوب العمل به وإيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون لعموم قوله من
أغنيائهم قاله عياض وفيه بحث وأن الزكاة لا تدفع إلى الكافر لعود الضمير في فقرائهم إلى
المسلمين سواء قلنا بخصوص البلد أو العموم وأن الفقير لا زكاة عليه وأن ملك نصابا لا يعطي من
الزكاة من حيث أنه جعل المأخوذ منه غنيا وقابله بالفقير ومن ملك النصاب فالزكاة مأخوذة
منه فهو غني والغني مانع من إعطاء الزكاة إلا من استثنى قال ابن دقيق العيد وليس هذا البحث
بالشديد القوة وقد تقدم أنه قول الحنفية وقال البغوي فيه أن المال إذا تلف قبل التمكن من
الأداء سقطت الزكاة لإضافة الصدقة إلى المال وفيه نظر أيضا * (تكميل) * لم يقع في هذا
الحديث ذكر الصوم والحج مع أن بعث معاذ كما تقدم كان في آخر الأمر وأجاب ابن الصلاح بأن
ذلك تقصير من بعض الرواة وتعقب بأنه يفضى إلى ارتفاع الوثوق بكثير من الأحاديث النبوية
لاحتمال الزيادة والنقصان وأجاب الكرماني بأن اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر ولهذا
كررا في القرآن فمن ثم لم يذكر الصوم والحج في هذا الحديث مع أنهما من أركان الإسلام والسر
في ذلك أن الصلاة والزكاة إذا وجبا على المكلف لا يسقطان عنه أصلا بخلاف الصوم فأنه قد
يسقط بالفدية والحج فإن الغير قد يقوم مقامه فيه كما في المعضوب ويحتمل أنه حينئذ لم يكن شرع
انتهى وقال شيخنا شيخ الإسلام إذا كان الكلام في بيان الأركان لم يخل الشارع منه
بشئ كحديث ابن عمر بني الإسلام على خمس فإذا كان في الدعاء إلى الإسلام اكتفى بالأركان
285

الثلاثة الشهادة والصلاة والزكاة ولو كان بعد وجود فرض الصوم والحج كقوله تعالى
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة في موضعين من براءة مع أن نزولها بعد فرض الصوم
والحج قطعا وحديث ابن عمر أيضا أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا
الصلاة ويؤتوا الزكاة وغير ذلك من الأحاديث قال والحكمة في ذلك أن الأركان الخمسة
إعتقادي وهو الشهادة وبدني وهو الصلاة ومالي وهو الزكاة اقتصر في الدعاء إلى الإسلام عليها
ليفرع الركنين الأخيرين عليها فإن الصوم بدني محض والحج بدني مالي وأيضا فكلمة الإسلام
هي الأصل وهي شاقة على الكفار والصلوات شاقة لتكررها والزكاة شاقة لما في جبلة الإنسان
من حب المال فإذا أذعن المرء لهذه الثلاثة كان ما سواها أسهل عليه بالنسبة إليها والله أعلم
(قوله باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة وقوله تعالى خذ من أموالهم
صدقة إلى قوله سكن لهم) قال الزين بن المنير عطف الدعاء على الصلاة في الترجمة ليبين أن لفظ
الصلاة ليس محتما بل غيره من الدعاء ينزل منزلته انتهى ويؤيد عدم الانحصار في لفظ الصلاة
ما أخرجه النسائي من حديث وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم قال في رجل بعث بناقة حسنة
في الزكاة اللهم بارك فيه وفي إبله وأما استدلاله بالآية لذلك فكأنه فهم من سياق الحديث
مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فحمله على امتثال الأمر في قوله تعالى وصل عليهم
وروى ابن أبي حاتم وغيره بإسناد صحيح عن السدي في قوله تعالى وصل عليهم قال أدع لهم وقال
ابن المنير في الحاشية عبر المصنف في الترجمة بالإمام ليبطل شبهة أهل الردة في قولهم للصديق إنما
قال الله لرسوله وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم وهذا خاص بالرسول فأراد أن يبين أن كل
إمام داخل في الخطاب (قوله عن عمرو) هو ابن مرة بن عبد الله بن طارق المرادي الكوفي تابعي
صغير لم يسمع من الصحابة إلا من ابن أبي أوفى قال شعبة كان لا يدلس (قوله عن عبد الله) سيأتي
في المغازي بلفظ سمعت ابن أبي أوفى وكان من أصحاب الشجرة (قوله قال اللهم صل على فلان)
في رواية غير أبي ذر على آل فلان (قوله على آل أبي أوفى) يريد أبا أوفى نفسه لأن الآل يطلق على
ذات الشئ كقوله في قصة أبي موسى لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود وقيل لا يقال ذلك
إلا في حق الرجل الجليل القدر واسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحرث الأسلمي شهد هو وابنه
عبد الله بيعة الرضوان تحت الشجرة وعمر عبد الله إلى أن كان آخر من مات من الصحابة
بكوفة وذلك سنة سبع وثمانين واستدل به على جواز الصلاة على غير الأنبياء وكرهه مالك
والجمهور قال ابن التين وهذا الحديث يعكر عليه وقد قال جماعة من العلماء يدعو آخذ الصدقة
للمتصدق بهذا الدعاء لهذا الحديث وأجاب الخطابي عنه قديما بأن أصل الصلاة الدعاء إلا أنه
يختلف بحسب المدعو له فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته دعاء لهم بالمغفرة وصلاة أمته
عليه دعاء له بزيادة القربى والزلفى ولذلك كان لا يليق بغيره انتهى واستدل به على استحباب دعاء
آخذ الزكاة لمعطيها وأوجبه بعض أهل الظاهر وحكاه الحناطي وجها لبعض الشافعية وتعقب
بأنه لو كان واجبا لعلمه النبي صلى الله عليه وسلم السعاة ولأن سائر ما يأخذه الإمام من الكفارات
والديون وغيرهما لا يجب عليه فيها الدعاء فكذلك الزكاة وأما الآية فيحتمل أن يكون الوجوب
خاصا به لكون صلاته سكنا لهم بخلاف غيره (قوله باب ما يستخرج من البحر) أي
286

هل تجب فيه الزكاة أو لا وإطلاق الاستخراج أعم من أن يكون بسهولة كما يوجد في الساحل أو
بصعوبة كما يوجد بعد الغوص ونحوه (قوله وقال ابن عباس رضي الله عنهما ليس العنبر بركاز إنما
هو شئ دسره البحر) أختلف في العنبر فقال الشافعي في كتاب السلم من الأم أخبرني عدد ممن أثق
بخبره أنه نبات يخلقه الله في جنبات البحر قال وقيل أنه يأكله حوت فيموت فيلقيه البحر فيؤخذ
فيشق بطنه فيخرج منه وحكى ابن رستم عن محمد بن الحسن أنه ينبت في البحر بمنزلة الحشيش في البر
وقيل هو شجر ينبت في البحر فيتكسر فيلقيه الموج إلى الساحل وقيل يخرج من عين قاله ابن سينا
قال وما يحكي من أنه روث دابة أو قيؤها أو من زبد البحر بعيد وقال ابن البيطار في جامعه هو روث
دابة بحرية وقيل هو شئ ينبت في قعر البحر ثم حكى نحو ما تقدم عن الشافعي وأما الركاز فبكسر
الراء وتخفيف الكاف وآخره زاي سيأتي تحقيقه في الباب الذي بعده ودسره أي دفعه ورمى به
إلى الساحل وهذا التعليق وصله الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أذينة عن
ابن عباس فذكر مثله وأخرجه البيهقي من طريقه ومن طريق يعقوب بن سفيان حدثنا الحميدي
وغيره عن ابن عيينة وصرح فيه بسماع أذينة له من ابن عباس وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه
عن وكيع عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار مثله وأذينة بمعجمة ونون مصغر تابعي ثقة وقد
جاء عن ابن عباس التوقف فيه فأخرج ابن أبي شيبة من طريق طاوس قال سئل ابن عباس عن
العنبر فقال إن كان فيه شئ ففيه الخمس ويجمع بين القولين بأنه كان يشك فيه ثم تبين له أن لا زكاة
فيه فجزم بذلك (قوله وقال الحسن في العنبر واللؤلؤ الخمس) وصله أبو عبيد في كتاب الأموال من
طريقه بلفظ أنه كان يقول في العنبر الخمس وكذلك اللؤلؤ (قوله فإنما جعل النبي صلى الله عليه
وسلم الخ) سيأتي موصولا في الذي بعده وأراد بذلك الرد على ما قال الحسن لأن الذي يستخرج
من البحر لا يسمى في لغة العرب ركازا على ما سيأتي شرحه قال ابن القصار ومفهوم الحديث أن
غير الركاز لا خمس فيه ولا سيما اللؤلؤ والعنبر لأنهما يتولدان من حيوان البحر فاشبها السمك
انتهى (قوله وقال الليث الخ) هكذا أورده مختصرا وقد أورده ثم وصله في البيوع وسيأتي الكلام
عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى ووقع هنا في روايتنا من طريق أبي ذر معلقا ووصله أبو ذر
فقال حدثنا علي بن وصيف حدثنا محمد بن غسان حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث به وقرأت
بخط الحافظ أبي علي الصدفي هذا الحديث رواه عاصم بن علي عن الليث فلعل البخاري إنما لم
يسنده عنه لكونه ما سمعه منه أو لأنه تفرد به فلم يوافقه عليه أحد انتهى والأول بعيد سلمنا لكن
لم ينفرد به عاصم فقد اعترف أبو علي بذلك فقال في آخر كلامه رواه محمد بن رمح عن الليث (قلت)
وكأنه لم يقف على الموضع الذي وصله فيه البخاري عن عبد الله بن صالح وبالله التوفيق قال
الإسماعيلي ليس في هذا الحديث شئ يناسب الترجمة رجل اقترض قرضا فارتجع قرضه وكذا قال
الداودي حديث الخشبة ليس من هذا الباب في شئ وأجاب أبو عبد الملك بأنه أشار به إلى أن كل ما
ألقاه البحر جاز أخذه ولا خمس فيه وقال ابن المنير موضع الاستشهاد منه أخذ الرجل الخشبة على
أنها حطب فإذا قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا فيستفاد منه إباحة ما يلفظه البحر من مثل ذلك
مما نشأ في البحر أو عطب فانقطع ملك صاحبه وكذلك ما لم يتقدم عليه ملك لأحد من باب الأولى
وكذلك ما يحتاج إلى معاناة وتعب في استخراجه أيضا وقد فرق الأوزاعي بين ما يوجد في الساحل
287

فيخمس أو في البحر بالغوص أو نحوه فلا شئ فيه وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب فيه شئ إلا ما روي
عن عمر بن عبد العزيز كما أخرجه ابن أبي شيبة وكذا الزهري والحسن كما تقدم وهو قول أبي
يوسف ورواية عن أحمد (قوله باب في الركاز الخمس الركاز) بكسر الراء وتخفيف
الكاف وآخره زاي المال المدفون مأخوذ من الركز بفتح الراء يقال ركزه يركزه ركزا إذا دفنه
فهو مركوز وهذا متفق عليه واختلف في المعدن كما سيأتي (قوله وقال مالك وابن إدريس
الركاز دفن الجاهلية الخ) أما قول مالك فرواه أبو عبيد في كتاب الأموال حدثني يحيى بن
عبد الله بن بكير عن مالك قال المعدن بمنزلة الزرع تؤخذ منه الزكاة كما تؤخذ من الزرع حتى
يحصد قال وهذا ليس بركاز إنما الركاز دفن الجاهلية الذي يؤخذ من غير أن يطلب بمال
ولا يتكلف له كثير عمل انتهى وهكذا هو في سماعنا من الموطأ رواية يحيى بن بكير لكن قال فيه عن
مالك عن بعض أهل العلم وأما قوله في قليله وكثيره الخمس فنقله ابن المنذر عنه كذلك وفيه عند
أصحابه عنه اختلاف وقوله دفن الجاهلية بكسر الدال وسكون الفاء الشئ المدفون كذبح
بمعنى مذبوح وأما بالفتح فهو المصدر ولا يراد هنا وأما ابن إدريس فقال ابن التين قال أبو ذر يقال
إن ابن إدريس هو الشافعي ويقال عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي وهو أشبه كذا قال وقد
جزم أبو زيد المروزي أحد الرواة عن الفربري بأنه الشافعي وتابعه البيهقي وجمهور الأئمة ويؤيده
أن ذلك وجد في عبارة الشافعي دون الأودي فروى البيهقي في المعرفة من طريق الربيع قال قال
الشافعي والركاز الذي فيه الخمس دفن الجاهلية ما وجد في غير ملك لأحد وأما قوله في قليله وكثيره
الخمس فهو قوله في القديم كما نقله ابن المنذر واختاره وأما في الجديد فقال لا يجب فيه الخمس
حتى يبلغ نصاب الزكاة والأول قول الجمهور كما نقله ابن المنذر أيضا وهو مقتضى ظاهر الحديث
(قوله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المعدن جبار وفي الركاز الخمس) أي فغاير بينهما وهذا
وصله في آخر الباب من حديث أبي هريرة ويأتي الكلام عليه (قوله وأخذ عمر بن عبد العزيز
من المعادن من كل مائتين خمسة) وصله أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق الثوري عن عبد الله
ابن أبي بكر بن عمرو بن حزم نحوه وروى البيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن عمر بن
عبد العزيز جعل المعدن بمنزلة الركاز يؤخذ منه الخمس ثم عقب بكتاب آخر فجعل فيه الزكاة
(قوله وقال الحسن ما كان من ركاز في أرض الحرب ففيه الخمس وما كان في أرض السلم ففيه
الزكاة) وصله ابن أبي شيبة من طريق عاصم الأحول عنه بلفظ إذا وجد الكنز في أرض العدو
ففيه الخمس وإذا وجد في أرض العرب ففيه الزكاة قال ابن المنذر ولا أعلم أحدا فرق هذه التفرقة
غير الحسن (قوله وإن وجدت اللقطة في أرض العدو فعرفها وإن كانت من العدو ففيها الخمس)
لم أقف عليه موصولا وهو بمعنى ما تقدم عنه (قوله وقال بعض الناس المعدن ركاز الخ) قال ابن
التين المراد ببعض الناس أبو حنيفة (قلت) وهذا أول موضع ذكره فيه البخاري بهذه الصيغة
ويحتمل أن يريد به أبا حنيفة وغيره من الكوفيين ممن قال بذلك قال ابن بطال ذهب أبو حنيفة
والثوري وغيرهما إلى أن المعدن كالركاز واحتج لهم بقول العرب أركز الرجل إذا أصاب ركازا
وهي قطع من الذهب تخرج من المعادن والحجة للجمهور تفرقة النبي صلى الله عليه وسلم بين
المعدن والركاز بواو العطف فصح أنه غيره قال وما ألزم به البخاري القائل المذكور قد يقال
288

لمن وهب له الشئ أو ربح ربحا كثيرا أو كثر ثمره أركزت حجة بالغة لأنه لا يلزم من
الاشتراك في الأسماء الاشتراك في المعنى إلا إن أوجب ذلك من يجب التسليم له وقد أجمعوا على أن المال الموهوب
لا يجب فيه الخمس وإن كان يقال له أركز فكذلك المعدن وأما قوله ثم ناقض إلى آخر كلامه
فليس كما قال وإنما أجاز له أبو حنيفة أن يكتمه إذا كان محتاجا بمعنى أنه يتأول أن له حقا في بيت المال
ونصيبا في الفئ فأجاز له أن يأخذ الخمس لنفسه عوضا عن ذلك لا أنه أسقط الخمس عن المعدن اه‍
وقد نقل الطحاوي المسئلة التي ذكرها ابن بطال ونقل أيضا أنه لو وجد في داره معدنا فليس عليه
شئ وبهذا يتجه إعتراض البخاري والفرق بين المعدن والركاز في الوجوب وعدمه أن المعدن
يحتاج إلى عمل ومؤنة ومعالجة لاستخراجه بخلاف الركاز وقد جرت عادة الشرع أن ما غلظت
مؤنته خفف عنه في قدر الزكاة وما خفت زيد فيه وقيل إنما جعل في الركاز الخمس لأنه مال كافر
فنزل من وجده منزلة الغنائم فكان له أربعة أخماسه وقال الزين بن المنير كأن الركاز مأخوذ من
أركزته في الأرض إذا غرزته فيها وأما المعدن فإنه ينبت في الأرض بغير وضع واضع هذه حقيقتهما
فإذا افترقا في أصلهما فكذلك في حكمهما (قوله العجماء جبار) في رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة
العجماء عقلها جبار وسيأتي في الديات مع الكلام عليه إن شاء الله تعالى وسميت البهيمة عجماء لأنها
لا تتكلم (قوله والمعدن جبار) أي هدر وليس المراد أنه لا زكاة فيه وإنما المعنى أن من استأجر
رجلا للعمل في معدن مثلا فهلك فهو هدر ولا شئ على من استأجره وسيأتي بسطه في الديات
(قوله وفي الركاز الخمس) قد تقدم ذكر الاختلاف في الركاز وأن الجمهور ذهبوا إلى أنه المال
المدفون لكن حصره الشافعية فيما يوجد في الموات بخلاف ما إذا وجده في طريق مسلوك
أو مسجد فهو لقطة وإذا وجده في أرض مملوكة فإن كان المالك الذي وجده فهو له وإن كان غيره
فإن دعاه المالك فهو له وإلا فهو لمن تلقاه عنه إلى أن ينتهي الحال إلى من أحيى تلك الأرض قال
الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد من قال من الفقهاء بأن في الركاز الخمس إما مطلقا أو في أكثر
الصور فهو أقرب إلى الحديث وخصه الشافعي أيضا بالذهب والفضة وقال الجمهور لا يختص
واختاره ابن المنذر واختلفوا في مصرفه فقال مالك وأبو حنيفة والجمهور مصرفه مصرف خمس
الفئ وهو اختيار المزني وقال الشافعي في أصح قوليه مصرفه مصرف الزكاة وعن أحمد روايتان
وينبني على ذلك ما إذا وجده ذمي فعند الجمهور يخرج منه الخمس وعند الشافعي لا يؤخذ منه
شئ واتفقوا على أنه لا يشترط فيه الحول بل يجب إخراج الخمس في الحال وأغرب ابن العربي
في شرح الترمذي فحكى عن الشافعي الإشتراط ولا يعرف ذلك في شئ من كتبه ولا من كتب
أصحابه (قوله باب قول الله تعالى والعاملين عليها ومحاسبة المصدقين مع الإمام)
قال ابن بطال اتفق العلماء على أن العاملين عليها السعاة المتولون لقبض الصدقة وقال المهلب
حديث الباب أصل في محاسبة المؤتمن وأن المحاسبة تصحح أمانته وقال ابن المنير في الحاشية يحتمل
أن يكون العامل المذكور صرف شيا من الزكاة في مصارفه فحوسب على الحاصل والمصروف
(قلت) والذي يظهر من مجموع الطرق أن سبب مطالبته بالمحاسبة ما وجد معه من جنس مال
الصدقة وادعى أنه أهدي إليه ثم أورد المصنف فيه طرفا من حديث أبي حميد في قصة ابن اللتبية
وفيه فلما جاء حاسبه وسيأتي الكلام عليه حيث ذكره المصنف مستوفى في الأحكام إن شاء الله
289

تعالى وابن اللتبية المذكور اسمه عبد الله فيما ذكر بن سعد وغيره ولم أعرف اسم أمه وقوله على
صدقات بني سليم أفاد العسكري بأنه بعث على صدقات بني ذبيان فلعله كان على القبيلتين
واللتبية بضم اللام وسكون المثناة بعدها موحدة من بني لتب حي من الأزد قاله ابن دريد قيل
أنها كانت أمه فعرف بها وقيل اللتبية بفتح اللام والمثناة (قوله باب استعمال
إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل) قال ابن بطال غرض المصنف في هذا الباب إثبات
وضع الصدقة في صنف واحد خلافا لمن قال يجب استيعاب الأصناف الثمانية وفيما قال نظر
لاحتمال أن يكون ما أباح لهم من الإنتفاع إلا بما هو قدر حصتهم على أنه ليس في الخبر
أيضا أنه ملكهم رقابها وإنما فيه أنه أباح لهم شرب ألبان الإبل للتداوي فاستنبط منه
البخاري جواز استعمالها في بقية المنافع إذ لا فرق وأما تمليك رقابها فلم يقع وتقدير الترجمة
استعمال إبل الصدقة وشرب ألبانها فاكتفى عن التصريح بالشرب لوضوحه فغاية ما يفهم
من حديث الباب أن للإمام أن يخص بمنفعة مال الزكاة دون الرقبة صنفا دون صنف بحسب
الاحتياج على أنه ليس في الخبر أيضا تصريح بأنه لم يصرف من ذلك شيا لغير العرنيين فليست
الدلالة منه لذلك بظاهرة أصلا بخلاف ما ادعى ابن بطال أنه حجة قاطعة (قوله تابعه أبو قلابة
وحميد وثابت عن أنس) أما متابعة أبي قلابة فتقدمت في الطهارة وأما متابعة حميد فوصلها
مسلم والنسائي وابن خزيمة وأما متابعة ثابت فوصلها المصنف في الطب وقد سبق الكلام على
الحديث مستوفى في كتاب الطهارة (قوله باب وسم الإمام إبل الصدقة بيده)
ذكر فيه طرفا من حديث أنس في قصة عبد الله بن أبي طلحة وفيه مقصود الباب وسيأتي في الذبائح
من وجه آخر عن أنس أنه رآه يسم غنما في آذانها ويأتي هناك النهي عن الوسم في الوجه (قوله
في الإسناد حدثنا الوليد) هو ابن مسلم وأبو عمرو هو الأوزاعي كما ثبت في رواية غير أبي ذر (قوله
وفي يده الميسم) بوزن مفعل مكسور الأول وأصله موسم لأن فاءه واو لكنها لما سكنت
وكسر ما قبلها قلبت ياء وهي الحديدة التي يوسم بها أي يعلم وهو نظير الخاتم والحكمة فيه تمييزها
وليردها من أخذها ومن التقطها وليعرفها صاحبها فلا يشتريها إذا تصدق بها مثلا لئلا يعود
في صدقته ولم أقف على تصريح بما كان مكتوبا على ميسم النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ابن
الصباغ من الشافعية نقل إجماع الصحابة على أنه يكتب (2) في ميسم الزكاة زكاة أو صدقة وفي
حديث الباب حجة على من كره الوسم من الحنفية بالميسم لدخوله في عموم النهي عن المثلة وقد
ثبت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنه مخصوص من العموم المذكور للحاجة
كالختان للآدمي قال المهلب وغيره في هذا الحديث أن للإمام أن يتخذ ميسما وليس للناس أن
يتخذوا نظيره وهو كالخاتم وفيه اعتناء الإمام بأموال الصدقة وتوليها بنفسه ويلتحق به جميع أمور
المسلمين وفيه جواز إيلام الحيوان للحاجة وفيه قصد أهل الفضل لتحنيك المولود لأجل البركة
وفيه جواز تأخير القسمة لأنها لو عجلت لاستغني عن الوسم وفيه مباشرة أعمال المهنة وترك
الاستنابة فيها للرغبة في زيادة الأجر ونفي الكبر والله أعلم
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (أبواب صدقة الفطر) *
290

(باب صدقة الفطر) كذا للمستملي واقتصر الباقون على باب وما بعده ولأبي نعيم
كتاب بدل باب وأضيفت الصدقة للفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان وقال ابن قتيبة
المراد بصدقة الفطر صدقة النفوس مأخوذة من الفطرة التي هي أصل الخلقة والأول أظهر
ويؤيده قوله في بعض طرق الحديث كما سيأتي زكاة الفطر من رمضان (قوله ورأى أبو العالية
وعطاء وابن سيرين صدقة الفطر فريضة) وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ووصله ابن
أبي شيبة من طريق عاصم الأحول عن الآخرين وإنما اقتصر البخاري على ذكر هؤلاء الثلاثة
لكونهم صرحوا بفرضيتها وإلا فقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك لكن الحنفية
يقولون بالوجوب دون الفرض على قاعدتهم في التفرقة وفي نقل الإجماع مع ذلك نظر لأن
إبراهيم بن علية وأبا بكر بن كيسان الأصم قالا إن وجوبها نسخ واستدل لهما بما روى النسائي
وغيره عن قيس بن سعد بن عبادة قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن
تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله وتعقب بأن في إسناده راويا مجهولا
وعلى تقدير الصحة فلا دليل فيه على النسخ لاحتمال الإكتفاء بالأمر الأول لأن نزول فرض
لا يوجب سقوط فرض آخر ونقل المالكية عن أشهب أنها سنة مؤكدة وهو قول بعض أهل
الظاهر وابن اللبان من الشافعية وأولوا قوله فرض في الحديث بمعنى قدر قال ابن دقيق العيد هو
أصله في اللغة لكن نقل في عرف الشرع إلى الوجوب فالحمل عليه أولى انتهى ويؤيده تسميتها
زكاة وقوله في الحديث على كل حر وعبد والتصريح بالأمر بها في حديث قيس بن سعد وغيره
ولدخولها في عموم قوله تعالى وآتوا الزكاة فبين صلى الله عليه وسلم تفاصيل ذلك ومن جملتها
زكاة الفطر وقال الله تعالى قد أفلح من تزكى وثبت أنها نزلت في زكاة الفطر وثبت في الصحيحين
إثبات حقيقة الفلاح (3) لمن اقتصر على الواجبات قيل وفيه نظر لأن في الآية وذكر اسم ربه
فصلى فيلزم وجوب صلاة العيد ويجاب بأنه خرج بدليل عموم هن خمس لا يبدل القول لدي (قوله
حدثنا محمد بن جهضم) بالجيم والضاد المعجمة وزن جعفر وعمر بن نافع هو مولى ابن عمر ثقة ليس
له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في النهي عن القزع (قوله زكاة الفطر) زاد مسلم
من رواية مالك عن نافع من رمضان واستدل به على أن وقت وجوبها غروب الشمس ليلة
الفطر لأنه وقت الفطر من رمضان وقيل وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد لأن الليل
ليس محلا للصوم وإنما يتبين الفطر الحقيقي بالأكل بعد طلوع الفجر والأول قول الثوري
وأحمد وإسحق والشافعي في الجديد وإحدى الروايتين عن مالك والثاني قول أبي حنيفة
والليث والشافعي في القديم والرواية الثانية عن مالك ويقويه قوله في حديث الباب وأمر
بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة قال المازري قيل أن الخلاف ينبني على أن قوله
الفطر من رمضان الفطر المعتاد في سائر الشهر فيكون الوجوب بالغروب أو الفطر الطارئ بعد
فيكون بطلوع الفجر وقال ابن دقيق العيد الاستدلال بذلك لهذا الحكم ضعيف لأن الإضافة
إلى الفطر لا تدل على وقت الوجوب بل تقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر من رمضان وأما
وقت الوجوب فيطلب من أمر آخر وسيأتي شئ من ذلك في باب الصدقة قبل العيد (قوله صاعا
من تمر أو صاعا من شعير) انتصب صاعا على التمييز أو أنه مفعول ثان ولم تختلف الطرق عن ابن
291

عمر في الاقتصار على هذين الشيئين إلا ما أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق عبد
العزيز بن أبي داود عن نافع فزاد فيه السلت والزبيب فأما السلت فهو بضم المهملة وسكون
اللام بعدها مثناة نوع من الشعير وأما الزبيب فسيأتي ذكره في حديث أبي سعيد وأما حديث
ابن عمر فقد حكم مسلم في كتاب التمييز على عبد العزيز فيه بالوهم وسنذكر البحث في ذلك في الكلام
على حديث أبي سعيد (قوله على العبد والحر) ظاهر إخراج العبد عن نفسه ولم يقل به إلا داود
فقال يجب على السيد أن يمكن العبد من الإكتساب لها كما يجب عليه أن يمكنه من الصلاة
وخالفه أصحابه والناس واحتجوا بحديث أبي هريرة مرفوعا ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر
أخرجه مسلم وفي رواية له ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر والرقيق وقد
تقدم من عند البخاري قريبا بغير الاستثناء ومقتضاه أنها على السيد وهل تجب عليه ابتداء
أو تجب على العبد ثم يتحملها السيد وجهان للشافعية وإلى الثاني نحا البخاري كما سيأتي في
الترجمة التي تلي هذه (قوله والذكر والأنثى) ظاهره وجوبها على المرأة سواء كان لها زوج أم لا
وبه قال الثوري وأبو حنيفة وابن المنذر وقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحق تجب
على زوجها إلحاقا بالنفقة وفيه نظر لأنهم قالوا إن أعسر وكانت الزوجة أمة وجبت فطرتها
على السيد بخلاف النفقة فافترقا واتفقوا على أن المسلم لا يخرج عن زوجته الكافرة مع أن
نفقتها تلزمه وإنما احتج الشافعي بما رواه من طريق محمد بن علي الباقر مرسلا نحو حديث ابن
عمر وزاد فيه ممن تمونون وأخرجه البيهقي من هذا الوجه فزاد في إسناده ذكر علي وهو منقطع أيضا
وأخرجه من حديث ابن عمر وإسناده ضعيف أيضا (قوله والصغير والكبير) ظاهره وجوبها
على الصغير لكن المخاطب عنه وليه فوجوبها على هذا في مال الصغير وإلا فعلى من تلزمه نفقته
وهذا قول الجمهور وقال محمد بن الحسن هي على الأب مطلقا فإن لم يكن له أب فلا شئ عليه وعن
سعيد بن المسيب والحسن البصري لا تجب إلا على من صام واستدل لهما بحديث ابن عباس
مرفوعا صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث أخرجه أبو داود وأجيب بأن ذكر التطهير
خرج على الغالب كما أنها تجب على من لم يذنب كمتحقق الصلاح أو من أسلم قبل غروب الشمس
بلحظة ونقل ابن المنذر الإجماع على أنها لا تجب على الجنين قال وكان أحمد يستحبه ولا يوجبه
ونقل بعض الحنابلة رواية عنه بالإيجاب وبه قال ابن حزم لكن قيده بمائة وعشرين يوما من
يوم حمل أمه به وتعقب بأن الحمل غير محقق وبأنه لا يسمى صغيرا لغة ولا عرفا واستدل بقوله في
حديث ابن عباس طهرة للصائم على أنها تجب على الفقير كما تجب على الغني وقد ورد ذلك صريحا
في حديث أبي هريرة عند أحمد وفي حديث ثعلبة بن أبي صغير عند الدارقطني وعن الحنفية
لا تجب إلا على من ملك نصابا ومقتضاه أنها لا تجب على الفقير على قاعدتهم في الفرق بين الغني
والفقير واستدل لهم بحديث أبي هريرة المتقدم لا صدقة إلا عن ظهر غنى واشترط الشافعي ومن
تبعه أن يكون ذلك فاضلا عن قوت يومه ومن تلزمه نفقته وقال ابن بزيزة لم يدل دليل على
إعتبار النصاب فيها لأنها زكاة بدنية لا مالية (قوله من المسلمين) فيه رد على من زعم أن مالكا تفرد
بها وسيأتي بسط ذلك في الأبواب الذي بعده (قوله وأمر بها الخ) استدل بها على كراهة تأخيرها
عن ذلك وحمله ابن حزم على التحريم وسيأتي البحث في ذلك بعد أبواب (قوله باب
292

صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين) ظاهره أنه يرى أنها تجب على العبد وإن كان سيده
يتحملها عنه ويؤيده عطف الصغير عليه فإنها تجب عليه وإن كان الذي يخرجها غيره (قوله
من المسلمين) قال ابن عبد البر لم تختلف الرواة عن مالك في هذه الزيادة إلا أن قتيبة بن سعيد رواه
عن مالك بدونها وأطلق أبو قلابة الرقاشي ومحمد بن وضاح وابن الصلاح ومن تبعه أن مالكا تفرد
بها دون أصحاب نافع وهو متعقب برواية عمر بن نافع المذكورة في الباب الذي قبله وكذا أخرجه
مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع بهذه الزيادة وقال أبو عوانة في صحيحه لم يقل فيه من
المسلمين غير مالك والضحاك ورواية عمر بن نافع ترد عليه أيضا وقال أبو داود بعد أن أخرجه من
طريق مالك وعمر بن نافع رواه عبد الله العمري عن نافع فقال على كل مسلم ورواه سعيد بن عبد
الرحمن الجمحي عن عبيد الله بن عمر عن نافع فقال فيه من المسلمين والمشهور عن عبيد الله ليس
فيه من المسلمين انتهى وقد أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق سعيد بن عبد الرحمن
المذكورة وأخرج الدارقطني وابن الجارود طريق عبد الله العمري وقال الترمذي في الجامع
بعد رواية مالك رواه غير واحد عن نافع ولم يذكر فيه من المسلمين وقال في العلل التي في آخر
الجامع روى أيوب وعبيد الله بن عمر وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع ولم يذكر فيه من
المسلمين وروى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه انتهى وهذه العبارة
أولى من عبارته الأولى ولكن لا يدري من عني بذلك وقال النووي في شرح مسلم رواه ثقتان
غير مالك عمر بن نافع والضحاك انتهى وقد وقع لنا من رواية جماعة غيرهما منهم كثير بن فرقد عند
الطحاوي والدارقطني والحاكم ويونس بن يزيد عند الطحاوي والمعلى بن إسماعيل عند ابن حبان
في صحيحه وابن أبي ليلى عند الدارقطني أخرجه من طريق عبد الرزاق عن الثوري عن ابن أبي
ليلى وعبيد الله بن عمر كلاهما عن نافع وهذه الطريق ترد على أبي داود في إشارته إلى أن سعيد بن
عبد الرحمن تفرد بها عن عبيد الله بن عمر لكن يحتمل أن يكون بعض رواته حمل لفظ ابن أبي ليلى
على لفظ عبيد الله وقد اختلف فيه على أيوب أيضا كما اختلف على عبيد الله بن عمر فذكر ابن عبد
البر أن أحمد بن خالد ذكر عن بعض شيوخه عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب عن حماد
عن أيوب فذكر فيه من المسلمين قال ابن عبد البر وهو خطأ والمحفوظ فيه عن أيوب ليس فيه
من المسلمين انتهى وقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عبد الله بن شوذب عن أيوب
وقال فيه أيضا من المسلمين وذكر شيخنا سراج الدين بن الملقن في شرحه تبعا لمغلطاي أن البيهقي
أخرجه من طريق أيوب بن موسى وموسى بن عقبة ويحيى بن سعيد ثلاثتهم عن نافع وفيه
الزيادة وقد تتبعت تصانيف البيهقي فلم أجد فيها هذه الزيادة من رواية أحد من هؤلاء الثلاثة وفي
الجملة ليس فيمن روى هذه الزيادة أحد مثل مالك لأنه لم يتفق على أيوب وعبيد الله في زيادتها
وليس في الباقين مثل يونس لكن في الراوي عنه وهو يحيى بن أيوب مقال واستدل بهذه
الزيادة على إشتراط الإسلام في وجوب زكاة الفطر ومقتضاه أنها لا تجب على الكافر عن نفسه
وهو أمر متفق عليه وهل يخرجها عن غيره كمستولدته المسلمة مثلا نقل ابن المنذر فيه الإجماع
على عدم الوجوب لكن فيه وجه للشافعية ورواية عن أحمد وهل يخرجها المسلم عن عبده
الكافر قال الجمهور لا خلافا لعطاء والنخعي والثوري والحنفية وإسحق واستدلوا بعموم قوله
293

ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر وقد تقدم وأجاب الآخرون بأن الخاص
يقضي على العام فعموم قوله في عبده مخصوص بقوله من المسلمين وقال الطحاوي قوله من
المسلمين صفة للمخرجين لا للمخرج عنهم وظاهر الحديث يأباه لأن فيه العبد وكذا الصغير في
رواية عمر بن نافع وهما ممن يخرج عنه فدل على أن صفة الإسلام لا تختص بالمخرجين ويؤيده
رواية الضحاك عند مسلم بلفظ على كل نفس من المسلمين حر أو عبد الحديث وقال القرطبي
ظاهر الحديث أنه قصد بيان مقدار الصدقة ومن تجب عليه ولم يقصد فيه بيان من يخرجها عن
نفسه ممن يخرجها عن غيره بل شمل الجميع ويؤيده حديث أبي سعيد الآتي فإنه دال على أنهم
كانوا يخرجون عن أنفسهم وعن غيرهم لقوله فيه عن كل صغير وكبير لكن لا بد من أن يكون
بين المخرج وبين الغير ملابسة كما بين الصغير ووليه والعبد وسيده والمرأة وزوجها وقال الطيبي
قوله من المسلمين حال من العبد وما عطف عليه وتنزيلها على المعاني المذكورة أنها جاءت
مزدوجة على التضاد للاستيعاب لا للتخصيص فيكون المعنى فرض على جميع الناس من
المسلمين وأما كونها فيم وجبت وعلى من وجبت فيعلم من نصوص أخرى انتهى ونقل ابن المنذر
أن بعضهم احتج بما أخرجه من حديث ابن إسحاق حدثني نافع أن ابن عمر كان يخرج عن أهل
بيته حرهم وعبدهم صغيرهم وكبيرهم مسلمهم وكافرهم من الرقيق قال وابن عمر راوي الحديث
وقد كان يخرج عن عبده الكافر وهو أعرف بمراد الحديث وتعقب بأنه لو صح حمل على أنه كان
يخرج عنهم تطوعا ولا مانع منه واستدل بعموم قوله من المسلمين على تناولها لأهل البادية
خلافا للزهري وربيعة والليث في قولهم أن زكاة الفطر تختص بالحاضرة وسنذكر بقية
ما يتعلق بزكاة الفطر عن العبيد في أواخر أبواب صدقة الفطر إن شاء الله تعالى (قوله
باب صدقة الفطر صاع من شعير) أورد فيه حديث أبي سعيد مختصرا من رواية
سفيان وهو الثوري وسيأتي بعد بابين من وجه آخر عنه تاما وقد أخرجه ابن خزيمة عن
الزعفراني عن قبيصة شيخ البخاري فيه تاما وقوله فيه كنا نطعم الصدقة اللام للعهد عن صدقة
الفطر (قوله باب صدقة الفطر صاع من طعام) في رواية غير أبي ذر صاعا بالنصب
ووجه الرفع ظاهر على أنه الخبر وأما النصب فبتقدير فعل الإخراج أي باب إخراج صدقة الفطر
صاعا من طعام أو على أنه خبر كان الذي حذف أو ذكر على سبيل الحكاية مما في لفظ الحديث
(قوله صاعا من طعام أو صاعا من شعير) ظاهره أن الطعام غير الشعير وما ذكر معه وسيأتي
البحث فيه بعد باب (قوله باب صدقة الفطر صاعا من تمر) كذا وقع عند أبي ذر
بالنصب كرواية الجماعة (قوله حدثنا الليث عن نافع) لم أره إلا بالعنعنة وسماع الليث من
نافع صحيح ولكن أخرجه الطحاوي والدارقطني والحاكم وغيرهم من طريق يحيى بن بكير
عن الليث عن كثير بن فرقد عن نافع وزاد فيه من المسلمين كما تقدم فإن كان محفوظا احتمل أن
يكون الليث سمعه من نافع بدون هذه الزيادة ومن كثير بن فرقد عنه بها وقد وقع عند
الإسماعيلي من طريق أبي الوليد عن الليث عن نافع في أول هذا الحديث أن ابن عمر كان يقول
لا تجب في مال صدقة حتى يحول الحول عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصدقة الفطر
الحديث (قوله أمر) استدل به على الوجوب وفيه نظر لأنه يتعلق بالمقدار لا بأصل الإخراج
294

(قوله قال عبد الله فجعل الناس عدله) بكسر المهملة أي نظيره وقد تقدم القول على هذه
المادة في باب الصدقة من كسب طيب (قوله مدين من حنطة) أي نصف صاع وأشار ابن عمر
بقوله الناس إلى معاوية ومن تبعه وقد وقع ذلك صريحا في حديث أيوب عن نافع أخرجه
الحميدي في مسنده عن سفيان بن عيينة حدثنا أيوب ولفظه صدقة الفطر صاع من شعير
أو صاع من تمر قال ابن عمر فلما كان معاوية عدل الناس نصف صاع بر بصاع من شعير وهكذا
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من وجه آخر عن سفيان وهو المعتمد وهو موافق لقول أبي سعيد
الآتي بعده وهو أصرح منه وأما ما وقع عند أبي داود من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن
نافع قال فيه فلما كان عمر كثرت الحنطة فجعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من برمن تلك
الأشياء فقد حكم مسلم في كتاب التمييز على عبد العزيز فيه بالوهم وأوضح الرد عليه وقال ابن عبد
البر قول ابن عيينة عندي أولى وزعم الطحاوي أن الذي عدل عن ذلك عمر ثم عثمان وغيرهما
فأخرج عن يسار بن نمير أن عمر قال له أني أحلف لا أعطي قوما ثم يبدو لي فأفعل فإذا رأيتني فعلت
ذلك فأطعم عني عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة أو صاعا من تمر أو صاعا من
شعير ومن طريق أبي الأشعث قال خطبنا عثمان فقال أدوا زكاة الفطر مدين من حنطة
وسيأتي بقية الكلام على ذلك في الباب الذي بعده (قوله باب صاع من زبيب)
أي أجزائه وكأن البخاري أراد بتفريق هذه التراجم الإشارة إلى ترجيح التخيير في هذه الأنواع
إلا أنه لم يذكر الأقط وهو ثابت في حديث أبي سعيد وكأنه لا يراه مجزئا في حال وجد أن غيره
كقول أحمد وحملوا الحديث على أن من كان يخرجه كان قوته إذ ذاك أو لم يقدر على غيره وظاهر
الحديث يخالفه وعند الشافعية فيه خلاف وزعم الماوردي أنه يختص بأهل البادية وأما
الحاضرة فلا يجزئ عنهم بلا خلاف وتعقبه النووي في شرح المهذب وقال قطع الجمهور بأن
الخلاف في الجميع (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري (قوله عن أبي سعيد) تقدم في رواية مالك
بلفظ أنه سمع أبا سعيد (قوله كنا نعطيها) أي زكاة الفطر (قوله في زمان النبي صلى الله عليه وسلم)
هذا حكمه الرفع لإضافته إلى زمنه صلى الله عليه وسلم ففيه إشعار باطلاعيه صلى الله عليه وسلم على
ذلك وتقريره له ولا سيما في هذه الصورة التي كانت توضع عنده وتجمع بأمره وهو الآمر بقبضها
وتفرقتها (قوله صاعا من طعام أو صاعا من تمر) هذا يقتضي المغايرة بين الطعام وبين ما ذكر بعده
وقد حكى الخطابي أن المراد بالطعام هنا الحنطة وأنه اسم خاص له قال ويدل على ذلك ذكر الشعير
وغيره من الأقوات والحنطة أعلاها فلولا أنه أرادها بذلك لكان ذكرها عند التفصيل كغيرها
من الأقوات ولا سيما حيث عطفت عليها بحرف أو الفاصلة وقال هو وغيره وقد كانت لفظه
الطعام تستعمل في الحنطة عند الإطلاق حتى إذا قيل أذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق
القمح وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه لأنما غلب استعمال اللفظ فيه كان خطوره عند
الإطلاق أقرب انتهى وقد رد ذلك ابن المنذر وقال ظن أصحابنا أن قوله في حديث أبي سعيد
صاعا من طعام حجة لمن قال صاعا من حنطة وهذا غلط منه وذلك أن أبا سعيد أجمل الطعام
ثم فسره ثم أورد طريق حفص بن ميسرة المذكورة في الباب الذي يلي هذا وهي ظاهرة فيما قال
ولفظه كنا نخرج صاعا من طعام وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر وأخرج الطحاوي
295

نحوه من طريق أخرى عن عياض وقال فيه ولا يخرج غيره قال وفي قوله فلما جاء معاوية وجاءت
السمراء دليل على أنها لم تكن قوتا لهم قبل هذا فدل على أنها لم تكن كشيرة ولا قوتا فكيف
يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن موجودا انتهى كلامه وأخرج ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما
من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم عن عياض بن عبد الله قال قال
أبو سعيد وذكروا عنده صدقة رمضان فقال لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم صاع تمر أو صاع حنطة أو صاع شعير أو صاع أقط فقال له رجل من القوم أو
مدين من قمح فقال لا تلك قيمة معاوية مطوية لا أقبلها ولا أعمل بها قال ابن خزيمة ذكر الحنطة في
خبر أبي سعيد غير محفوظ ولا أدري ممن الوهم وقوله فقال رجل الخ دال على أن ذكر الحنطة
في أول القصة خطأ إذ لو كان أبو سعيد أخبر أنهم كانوا يخرجون منها في عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم صاعا لما كان الرجل يقول له أو مدين من قمح وقد أشار أبو داود إلى رواية ابن إسحاق
هذه وقال إن ذكر الحنطة فيه غير محفوظ وذكر أن معاوية بن هشام روى في هذا الحديث عن
سفيان نصف صاع من بر وهو وهم وأن ابن عيينة حدث به عن ابن عجلان عن عياض فزاد فيه
أو صاع من دقيق وأنهم أنكروا عليه فتركه قال أبو داود وذكر الدقيق وهم من ابن عيينة
وأخرج ابن خزيمة أيضا من طريق فضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر قال لم تكن الصدقة على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التمر والزبيب والشعير ولم تكن الحنطة ولمسلم من وجه
آخر عن عياض عن أبي سعيد كنا نخرج من ثلاثة أصناف صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا
من شعير وكأنه سكت عن الزبيب في هذه الرواية لقلته بالنسبة إلى الثلاثة المذكورة وهذه
الطرق كلها أخذت على أن المراد بالطعام في حديث أبي سعيد غير الحنطة فيحتمل أن تكون
الذرة فإنه المعروف عند أهل الحجاز الآن وهي قوت غالب لهم وقد روى الجوزقي من طريق ابن
عجلان عن عياض في حديث أبي سعيد صاعا من تمر صاعا من سلت أو ذرة وقال الكرماني يحتمل
أن يكون قوله صاعا من شعير إلخ بعد قوله صاعا من طعام من باب عطف الخاص على العام لكن
محل العطف أن يكون الخاص أشرف وليس الأمر هنا كذلك وقال ابن المنذر أيضا لا نعلم في
القمح خبرا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه ولم يكن البر بالمدينة ذلك الوقت إلا
الشئ اليسير منه فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير وهم
الأئمة فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم ثم أسند عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر
وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة أنهم رأوا أن في زكاة الفطرة نصف
صاع من قمح انتهى وهذا مصير منه إلى اختيار ما ذهب إليه الحنفية لكن حديث أبي سعيد دال
على أنه لم يوافق على ذلك وكذلك ابن عمر فلا إجماع في المسئلة خلافا للطحاوي وكأن الأشياء التي
ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة
دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان فلا فرق بين الحنطة وغيرها هذه حجة
الشافعي ومن تبعه وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالاجتهاد بناء
منه على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية وكانت الحنطة إذ ذاك غالية الثمن لكن يلزم على قولهم
أن تعتبر القيمة في كل زمان فيختلف الحال ولا ينضبط وربما لزم في بعض الأحيان إخراج آصع
296

من حنطة ويدل على أنهم لحظوا ذلك ما روى جعفر الفريابي في كتاب صدقة الفطر أن ابن عباس
لما كان أمير البصرة أمرهم بإخراج زكاة الفطر وبين لهم أنها صاع من تمر إلى أن قال أو نصف
صاع من بر قال فلما جاء علي ورأى رخص أسعارهم قال اجعلوها صاعا من كل فدل على أنه كان
ينظر إلى القيمة في ذلك ونظر أبو سعيد إلى الكيل كما سيأتي ومن عجيب تأويله قوله أن أبا سعيد
ما كان يعرف القمح في الفطرة وأن الخبر الذي جاء فيه أنه كان يخرج صاعا أنه كان يخرج النصف
الثاني تطوعا وأن قوله في حديث ابن عمر فجعل الناس عدله مدين من حنطة أن المراد بالناس
الصحابة فيكون إجماعا وكذا قوله في حديث أبي سعيد عند أبي داود فأخذ الناس بذلك وأما قول
الطحاوي إن أبا سعيد كان يخرج النصف الآخر تطوعا فلا يخفى تكلفه والله أعلم (قوله فلما
جاء معاوية) زاد مسلم في روايته فلم يزل يخرجه حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فكلم الناس على
المنبر وزاد ابن خزيمة وهو يومئذ خليفة (قوله وجاءت السمراء) أي القمح الشامي (قوله
يعدل مدين) في رواية مسلم أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر وزاد قال أبو سعيد
أما أنا فلا أزال أخرجه أبدا ما عشت وله من طريق ابن عجلان عن عياض فأنكر ذلك أبو سعيد
وقال لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي داود من هذا
الوجه لا أخرج أبدا إلا صاعا وللدارقطني وابن حزيمة والحاكم فقال له رجل مدين من قمح فقال
لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها وقد تقدم ذكر هذه الرواية وما فيها ولابن خزيمة وكان
ذلك أول ما ذكر الناس المدين وهذا يدل على وهن ما تقدم عن عمر وعثمان إلا أن يحمل على أنه
كان لم يطلع على ذلك من قصتهما قال النووي تمسك بقول معاوية من قال بالمدين من الحنطة
وفيه نظر لأنه فعل صحابي قد خالفه فيه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبة منه وأعلم
بحال النبي صلى الله عليه وسلم وقد صرح معاوية بأنه رآه لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه
وسلم وفي حديث أبي سعيد ما كان عليه من شدة الإتباع والتمسك بالآثار وترك العدول إلى
الإجتهاد مع وجود النص وفي صنيع معاوية وموافقة الناس له دلالة على جواز الإجتهاد وهو
محمود لكنه مع وجود النص فاسد الإعتبار (قوله باب الصدقة قبل العيد)
قال ابن التين أي قبل خروج الناس إلى صلاة العيد وبعد صلاة الفجر وقال ابن عيينة في تفسيره
عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته فإن الله يقول
قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ولابن خزيمة من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن
جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية فقال نزلت في زكاة الفطر ثم أخرج
المصنف في الباب حديث ابن عمر وقد تقدم مطولا في الباب الأول وحديث أبي سعيد وقد
تقدمت الإشارة إليه في الباب الذي قبله وقوله في الإسناد حدثنا أبو عمر هو حفص بن ميسرة
وزيد هو ابن أسلم ودل حديث ابن عمر على أن المراد بقوله يوم الفطر أي أوله وهو ما بين صلاة
الصبح إلى صلاة العيد وحمل الشافعي التقييد بقبل صلاة العيد على الاستحباب لصدق اليوم
على جميع النهار وقد رواه أبو معشر عن نافع عن ابن عمر بلفظ كان يأمرنا أن نخرجها قبل أن
نصلي فإذا انصرف قسمه بينهم وقال أغنوهم عن الطلب أخرجه سعيد بن منصور ولكن
أبو معشر ضعيف ووهم ابن العربي في عزو هذه الزيادة لمسلم وسيأتي بقية حكم هذه المسئلة
297

في الباب الذي يليه (قوله باب صدقة الفطر على الحر والمملوك) قيل في هذه
الترجمة تكرار لما تقدم من قوله باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين وأجاب بن
رشيد باحتمالين أحدهما أن يكون أراد تقوية معارضة العموم في قوله والمملوك لمفهوم
قوله من المسلمين أو أراد أن زكاة العبد من حيث هو مال لا من حيث هو نفس وعلى كل تقدير
فيستوي في ذلك مسلمهم وكافرهم وقال الزين بن المنير غرضه من الأولى أن الصدقة لا تخرج
عن كافر ولهذا قيدها بقوله من المسلمين وغرضه من هذه تمييز من تجب عليه أو عنه بعد وجود
الشرط المذكور ولذلك استغنى عن ذكره فيها (قوله وقال الزهري الخ) وصله ابن المنذر في
كتابه الكبير ولم أقف على إسناده وذكر بعضه أبو عبيد في كتاب الأموال قال حدثنا عبد الله بن صالح
عن الليث عن يونس عن ابن شهاب قال ليس على المملوك زكاة ولا يزكي عنه سيده إلا زكاة
الفطر وما نقله المصنف عن الزهري هو قول الجمهور وقال النخعي والثوري والحنفية لا يلزم
السيد زكاة الفطر عن عبيد التجارة لأن عليه فيهم الزكاة ولا تجب في مال واحد زكاتان (قوله
فكان ابن عمر يعطي التمر) في رواية مالك في الموطأ عن نافع كان ابن عمر لا يخرج إلا التمر في زكاة
الفطر إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرا ولابن خزيمة من طريق عبد الوارث عن أيوب كان ابن عمر
إذا أعطى أعطى التمر إلا عاما واحدا (قوله فأعوز) بالمهملة والزاي أي احتاج يقال أعوزني
الشئ إذا احتجت إليه فلم أقدر عليه وفيه دلالة على أن التمر أفضل ما يخرج في صدقة الفطر وقد
روى جعفر الفريابي من طريق أبي مجلز قال قلت لابن عمر قد أوسع الله والبر أفضل من التمر أفلا
تعطي البر قال لا أعطي إلا كما كان يعطي أصحابي ويستنبط من ذلك أنهم كانوا يخرجون من
أعلى الأصناف التي يقتات بها لأن التمر أعلى من غيره مما ذكر في حديث أبي سعيد وإن كان ابن
عمر فهم منه خصوصية التمر بذلك والله أعلم (قوله حتى إن كان يعطي عن بني) زاد في نسخة
الصغاني قال أبو عبد الله يعني بني نافع قال الكرماني روى بفتح أن وكسرها وشرط المفتوحة
قد وشرط المكسورة اللام فإما أن يحمل على الحذف أو تكون أن مصدرية وكان زائدة
وقول نافع هذا هو شاهد الترجمة وجه الدلالة منه أن ابن عمر راوي الحديث فهو أعلم بالمراد منه
من غيره وأولاد نافع إن كان رزقهم وهو بعد في الرق فلا إشكال وإن كان رزقهم بعد أن أعتق
فلعل ذلك كان من ابن عمر على سبيل التبرع أو كان يرى وجوبها على جميع من يمونه ولو لم تكن
نفقته واجبة عليه وقد روى البيهقي من طريق موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر كان يؤدي
زكاة الفطر عن كل مملوك له في أرضه وغير أرضه وعن كل إنسان يعوله من صغير وكبير وعن
رقيق امرأته وكان له مكاتب فكان لا يؤدي عنه وروى ابن المنذر من طريق ابن إسحاق قال
حدثني نافع أن ابن عمر كان يخرج صدقة الفطر عن أهل بيته كلهم حرهم وعبدهم صغيرهم
وكبيرهم مسلمهم وكافرهم من الرقيق وهذا يقوي بحث ابن رشيد المتقدم وقد حمله ابن المنذر على
أنه كان يعطي عن الكافر منهم تطوعا (قوله وكان ابن عمر يعطيها للذين يقبلونها) أي الذي
ينصبه الإمام لقبضها وبه جزم ابن بطال وقال ابن التيمي معناه من قال أنا فقير والأول أظهر
ويؤيده ما وقع في نسخة الصغاني عقب الحديث قال أبو عبد الله هو المصنف كانوا يعطون للجمع
لا للفقراء وقد وقع في رواية ابن خزيمة من طريق عبد الوارث عن أيوب قلت متى كان ابن عمر
298

يعطي قال إذا قعد العامل قلت متى يقعد العامل قال قبل الفطر بيوم أو يومين ولمالك في
الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي يجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة
وأخرجه الشافعي عنه وقال هذا حسن وأنا أستحبه يعني تعجيلها قبل يوم الفطر انتهى ويدل
على ذلك أيضا ما أخرجه البخاري في الوكالة وغيرها عن أبي هريرة قال وكلني رسول الله صلى الله
عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان الحديث وفيه أنه أمسك الشيطان ثلاث ليال وهو يأخذ من
التمر فدل على أنهم كانوا يعجلونها وعكسه الجوزقي فاستدل به على جواز تأخيرها عن يوم الفطر
وهو محتمل للأمرين (قوله باب صدقة الفطر على الصغير والكبير) أورد فيه
حديث ابن عمر من طريق يحيى وهو القطان عن عبيد الله وهو ابن عمر العمري عن نافع عنه
وقد تقدم الكلام عليه * (خاتمة) * اشتمل كتاب الزكاة من الأحاديث المرفوعة على مائة
حديث واثنين وسبعين حديثا الموصول منها مائة حديث وتسعة عشر حديثا والبقية متابعة
ومعلقة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة حديث سواء والخالص اثنان وسبعون حديثا وافقه
مسلم على تخريجها سوى سبعة عشر حديثا وهي حديث أبي ذر مع عثمان ومعاوية وحديث ابن
عمر في ذم الذي يكنز وحديث أبي هريرة لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال وحديث عدي بن
حاتم جاء رجلان أحدهما يشكو العيلة وحديث عائشة أينا أسرع لحوقا بك وحديث معن
ابن يزيد في الصدقة على الولد وحديث أبي بكر الصديق في إيثاره بماله وحديث أبي هريرة خير
الصدقة عن ظهر غنى وحديث أنس عن أبي بكر في الزكاة وحديث ابن عمر لا يجمع بين متفرق
ولا يفرق بين مجتمع وحديث أبي سعيد في قصة زينب امرأة ابن مسعود وحديث أبي لاس في
ركوب إبل الصدقة وحديث الزبير لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب وحديث سهل بن سعد
أحد جبل يحبنا ونحبه وحديث ابن عمر فيما سقت السماء العشر وحديث الفضل بن عباس
في الصلاة في الكعبة وحديث أبي هريرة في قصة الرجل من بني إسرائيل وفيه من الآثار عن
الصحابة والتابعين عشرون أثرا منها أثر ابن عمر في قوله لحكيم بن حزام لما أبى أن يأخذ حقه من
الفئ والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (كتاب الحج) *
(باب وجوب الحج وفضله وقول الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع
إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) كذا لأبي ذر وسقط لغيره البسملة وباب ولبعضهم
قوله وقول الله وفي رواية الأصيلي كتاب المناسك و قدم المصنف الحج على الصيام لمناسبة لطيفة
تقدم ذكرها في المقدمة ورتبه على مقاصد متناسبة فبدأ بما يتعلق بالمواقيت ثم بدخول مكة
وما معها ثم بصفة الحج ثم بأحكام العمرة ثم بمحرمات الإحرام ثم بفضل المدينة ومناسبة هذا
الترتيب غير خفية على الفطن وأصل الحج في اللغة القصد وقال الخليل كثرة القصد إلى معظم
وفي الشرع القصد إلى البيت الحرام بأعمال مخصوصة وهو بفتح المهملة وبكسرها لغتان نقل
الطبري أن الكسر لغة أهل نجد والفتح لغيرهم ونقل عن حسين الجعفي أن الفتح الاسم والكسر
المصدر وعن غيره عكسه ووجوب الحج معلوم من الدين بالضرورة وأجمعوا على أنه لا يتكرر
299

إلا لعارض كالنذر واختلف هل هو على الفور أو التراخي وهو مشهور وفي وقت ابتداء فرضه
فقيل قبل الهجرة وهو شاذ وقيل بعدها ثم اختلف في سنته فالجمهور على أنها سنة ست لأنها نزل
فيها قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض ويؤيده
قراءة علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ وأقيموا أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عنهم وقيل
المراد بالإتمام الإكمال بعد الشروع وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك وقد وقع في قصة ضمام
ذكر الأمر بالحج وكان قدومه على ما ذكر الواقدي سنة خمس وهذا يدل إن ثبت على تقدمه على
سنة خمس أو وقوعه فيها وسيأتي مزيد بسط في الكلام على هذه المسئلة في أول الكلام على
العمرة وأما فضله فمشهور ولا سيما في الوعيد على تركه في الآية وسيأتي في باب مفرد ولكن لم يورد
المصنف في الباب غير حديث الخثعمية وشاهد الترجمة منه خفي وكأنه أراد اثبات فضله من
جهة تأكيد الأمر به بحيث أن العاجز عن الحركة إليه يلزمه أن يستنيب غيره ولا يعذر بترك ذلك
وسيأتي الكلام على حديث الخثعمية والاختلاف في إسناده على الزهري في أواخر محرمات
الإحرام والمراد منه هنا تفسير الاستطاعة المذكورة في الآية وأنها لا تختص بالزاد والراحلة بل
تتعلق بالمال والبدن لأنها لو اختصت للزم المعضوب أن يشد على الراحلة ولو شق عليه قال ابن
المنذر لا يثبت الحديث الذي فيه ذكر الزاد والراحلة والآية الكريمة عامة ليست مجملة فلا تفتقر
إلى بيان وكأنه كلف كل مستطيع قدر بمال أو ببدن وسيأتي بيان الاختلاف في ذلك في الكلام
على الحديث المذكور إن شاء الله تعالى * (تقسيم) * الناس قسمان من يجب عليه الحج ومن لا يجب
الثاني العبد وغير المكلف وغير المستطيع ومن لا يجب عليه إما أن يجزئه المأتي به أو لا الثاني
العبد وغير المكلف والمستطيع إما أن تصح مباشرته منه أو لا الثاني غير المميز ومن لا تصح
مباشرته إما أن يباشر عنه غيره أو لا الثاني الكافر فتبين أنه لا يشترط لصحة الحج إلا الإسلام
(قوله باب قول الله تعالى يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) قيل
أن المصنف أراد أن الراحلة ليست شرطا للوجوب وقال ابن القصار في الآية دليل قاطع لمالك
أن الراحلة ليست من شرط السبيل فإن المخالف يزعم أن الحج لا يجب على الراجل وهو خلاف
الآية انتهى وفيه نظر وقد روى الطبري من طريق عمر بن در قال قال مجاهد كانوا لا يركبون
فأنزل الله يأتوك رجالا وعلى كل ضامر فأمرهم بالزاد ورخص لهم في الركوب والمتجر وروى ابن
أبي حاتم من طريق محمد بن كعب عن ابن عباس ما فاتني شئ أشد علي أن لا أكون حججت ماشيا
لأن الله يقول يأتوك رجالا وعلى كل ضامر فبدأ بالرجال قبل الركبان (قوله فجاجا الطرق
الواسعة) قال يحيى الفراء في المعاني في سورة نوح قوله فجاجا واحدها فج وهي الطرق الواسعة
واعترضه الإسماعيلي فقال يقال الفج الطريق بين الجبلين فإذا لم يكن كذلك لم يسم الطريق فجا
كذا قال وهو قول بعض أهل اللغة وجزم أبو عبيد ثم الأزهري بأن الفج الطريق الواسع وقد نقل
صاحب المحكم أن الفج الطريق الواسع في جبل أو في قبل جبل وهو أوسع من الشعب وروى ابن
أبي حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله فجاجا يقول طرقا مختلفة
ومن طريق شعبة عن قتادة قال طرقا وأعلاما وقال أبو عبيدة في المجاز فج عميق أي بعيد القعر
وهذا تفسير العميق يقال بئر عميقة القعر أي بعيدة القعر ثم ذكر المصنف حديث ابن عمر في إهلال
300

رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته وحديث جابر نحوه وسيأتي الكلام عليه
بعد أبواب وغرضه منه الرد على من زعم أن الحج ماشيا أفضل لتقديمه في الذكر على الراكب
فبين أنه لو كان أفضل لفعله النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أنه لم يحرم حتى استوت به راحلته ذكر
ذلك ابن المنير في الحاشية وقال غيره مناسبة الحديث للآية أن ذا الحليفة فج عميق والركوب
مناسب لقوله وعلى كل ضامر وقال الإسماعيلي ليس في الحديثين شئ مما ترجم الباب به ورد
بأن فيهما الإشارة إلى أن الركوب أفضل فيؤخذ منه جواز المشي (قوله رواه أنس وابن عباس)
أي اهلاله بعد ما استوت به راحلته وسيأتي حديث أنس موصولا في باب من بات بذي الحليفة
حتى أصبح وحديث ابن عباس قبله في باب ما يلبس المحرم من الثياب في أثناء حديث قال ابن
المنذر اختلف في الركوب والمشي للحجاج أيهما أفضل فقال الجمهور الركوب أفضل لفعل النبي
صلى الله عليه وسلم ولكونه أعون على الدعاء والابتهال ولما فيه من المنفعة وقال إسحق
ابن راهويه المشي أفضل لما فيه من التعب ويحتمل أن يقال يختلف باختلاف الأحوال
والأشخاص فالله أعلم * (تنبيه) * أحمد بن عيسى شيخ المصنف في حديث ابن عمر وقع هكذا في
رواية أبي ذر ووافقه أبو علي الشبوي وأهمله الباقون وإبراهيم شيخه في حديث جابر وقع مهملا
للأكثر وفي رواية أبي ذر حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي وهو الحافظ المعروف بالفراء الصغير
(قوله باب الحج على الرحل) فتح الراء وسكون المهملة وهو للبعير كالسرج للفرس
أشار بهذا إلى أن التقشف أفضل من الترفه (قوله وقال أبان) هو ابن يزيد العطار والقاسم هو
ابن محمد بن أبي بكر الصديق وهذه الطريق وصلها أبو نعيم في المستخرج من طريق حرمي بن
حفص عن أبان بن يزيد العطار به وسمعناه بعلو في فوائد أبي العباس بن نجيح ولم يخرج البخاري
لمالك بن دينار وهو الزاهد المشهور البصري غير هذا الحديث الواحد المعلق والغرض منه قوله
فيه وحملها على قتب وهو بفتح القاف والمثناة بعدها موحدة رحل صغير على قدر السنام وقد
ذكره في آخر الباب موصولا بلفظ فأحقبها أي أردفها على الحقيبة وهي الزنار الذي يجعل
في مؤخر القتب فقوله في رواية أبان على قتب أي حملها على مؤخر قتب والحاصل أنه أردفها
وكان هو على قتب فإن القصة واحدة وسيأتي بسط القول في اعتمار عائشة من التنعيم
في أبواب العمرة (قوله وقال عمر شدوا الرحال في الحج فإنه أحد الجهادين) وصله عبد الرزاق
وسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي عن عابس بن ربيعة وهو بموحدة ومهملة أنه سمع
عمر يقول وهو يخطب إذا وضعتم السروج فشدوا الرحال إلى الحج والعمرة فإنه أحد الجهادين
ومعناه إذا فرغتم من الغزو فحجوا واعتمروا وتسمية الحج جهادا إما من باب التغليب أو على
الحقيقة والمراد جهاد النفس لما فيه من إدخال المشقة على البدن والمال وسيأتي في ثاني
أحاديث الباب الذي بعده ما يؤيده (قوله حدثنا محمد بن أبي بكر هو المقدمي) كذا وقع في رواية
أبي ذر ولغيره وقال محمد بن أبي بكر وقد وصله الإسماعيلي قال حدثنا أبو يعلى والحسن بن
سفيان وغيرهما قالوا حدثنا محمد بن أبي بكر به وعزرة بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها راء تأنيث
عزر وهو المنع ومنه قوله تعالى ويعزروه ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون وقد أنكره علي بن
المديني لما سئل عنه فقال ليس هذا من حديث يزيد بن زريع والله أعلم (قوله وكانت زاملته)
أي الراحلة التي ركبها وهي وإن لم يجر لها ذكر لكن دل عليها ذكر الرحل والزاملة البعير الذي
301

يحمل عليه الطعام والمتاع من الزمل وهو الحمل والمراد أنه لم تكن معه زاملة تحمل طعامه
ومتاعه بل كان ذلك محمولا معه على راحلته وكانت هي الراحلة والزاملة وروى سعيد بن منصور
من طريق هشام بن عروة قال كان الناس يحجون وتحتهم أزودتهم وكان أول من حج على رحل
وليس تحته شئ عثمان بن عفان وقوله فيه ولم يكن شحيحا إشارة إلى أنه فعل ذلك تواضعا واتباعا
لا عن قلة وبخل وقد روى ابن ماجة هذا الحديث بلفظ آخر لكن إسناده ضعيف فذكر بعد
قوله على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم ثم قال اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة (قوله
حدثنا عمرو) هو ابن علي الفلاس وأبو عاصم هو النبيل شيخ البخاري وروى عنه هنا بواسطة
ونابل والد أيمن بنون وموحدة (قوله فأحقبها على ناقة) في رواية الكشميهني ناقته وسيأتي
الكلام عليه (قوله باب فضل الحج المبرور) قال ابن خالويه المبرور المقبول
وقال غيره الذي لا يخالطه شئ من الإثم ورجحه النووي وقال القرطبي الأقوال التي ذكرت في
تفسيره متقاربة المعنى وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه ووقع موقعا لما طلب من المكلف على
الوجه الأكمل والله أعلم وقد تقدم في ذلك أقوال أخر مع مباحث الحديث الأول في باب من
قال أن الإيمان هو العمل من كتاب الإيمان منها أنه يظهر بآخره فإن رجع خيرا مما كان
عرف أنه مبرور ولأحمد والحاكم من حديث جابر قالوا يا رسول الله ما بر الحج قال إطعام الطعام
وإفشاء السلام وفي إسناده ضعف فلو ثبت لكان هو المتعين دون غيره * الحديث الثاني (قوله
حدثنا عبد الرحمن بن المبارك) هو العيشي بالتحتانية والشين المعجمة بصري وليس أخا لعبد الله
ابن المبارك المروزي الفقيه المشهور وشيخه خالد هو ابن عبد الله الواسطي (قوله نرى الجهاد
أفضل العمل) وهو بفتح النون أي نعتقد ونعلم وذلك لكثرة ما يسمع من فضائله في الكتاب
والسنة وقد رواه جرير عن صهيب عند النسائي بلفظ فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل من
الجهاد (وقوله لكن أفضل الجهاد) اختلف في ضبط لكن فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة
قال القابسي وهو الذي تميل إليه نفسي وفي رواية الحموي لكن بكسر الكاف وزيادة ألف
قبلها بلفظ الاستدراك والأول أكثر فائدة لأنه يشتمل على اثبات فضل الحج وعلى وجوب
سؤالها عن الجهاد وسماه جهادا لما فيه من مجاهدة النفس وسيأتي بقية الكلام في أواخر كتاب
الحج في باب حج النساء إن شاء الله تعالى والمحتاج إليه هنا كونه جعل الحج أفضل الجهاد * الحديث
الثالث (قوله سمعت أبا حازم) هو سلمان وأما أبو حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد فلم
يسمع من أبي هريرة وسيار أبو الحكم الراوي عنه بتقديم المهملة وتشديد التحتانية (قوله من
حج لله) في رواية منصور عن أبي حازم الآتية قبيل جزاء الصيد من حج هذا البيت ولمسلم من طريق
جرير عن منصور من أتى هذا البيت وهو يشمل الحج والعمرة وقد أخرجه الدارقطني من طريق
الأعمش عن أبي حازم بلفظ من حج أو اعتمر لكن في الإسناد إلى الأعمش ضعف (قوله فلم يرفث)
الرفث الجماع ويطلق على التعريض به وعلى الفحش في القول وقال الأزهري الرفث اسم
جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة وكان ابن عمر يخصه بما خوطب به النساء وقال عياض هذا
من قول الله تعالى فلا رفث ولا فسوق والجمهور على أن المراد به في الآية الجماع انتهى والذي
يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك وإليه نحا القرطبي وهو المراد بقوله في الصيام فإذا
302

كان صوم أحدكم فلا يرفث * (فائدة) * فاء الرفث مثلثة في الماضي والمضارع والأفصح الفتح
في الماضي والضم في المستقبل والله أعلم (قوله ولم يفسق) أي لم يأت بسيئة ولا معصية
وأغرب ابن الأعرابي فقال إن لفظ الفسق لم يسمع في الجاهلية ولا في أشعارهم وإنما هو إسلامي
وتعقب بأنه كثر استعماله في القرآن وحكايته عمن قبل الإسلام وقال غيره أصله انفسقت
الرطبة إذا خرجت فسمي الخارج من الطاعة فاسقا (قوله رجع كيوم ولدته أمه) أي بغير
ذنب وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن
مرداس المصرح بذلك وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري قال الطيبي الفاء في قوله فلم
يرفث معطوف على الشرط وجوابه رجع أي صار والجار والمجرور خبر له ويجوز أن يكون حالا
أي صار مشابها لنفسه في البراءة عن الذنوب في يوم ولدته أمه اه‍ وقد وقع في رواية الدارقطني
المذكورة رجع كهيئته يوم ولدته أمه وذكر لنا بعض الناس أن الطيبي أفاد أن الحديث إنما لم
يذكر فيه الجدال كما ذكر في الآية على طريق الاكتفاء بذكر البعض وترك ما دل عليه ما ذكر
ويحتمل أن يقال إن ذلك يختلف بالقصد لأن وجوده لا يؤثر في ترك مغفرة ذنوب الحاج إذا كان
المراد به المجادلة في أحكام الحج فيما يظهر من الأدلة أو المجادلة بطريق التعميم فلا يؤثر أيضا فإن
الفاحش منها داخل في عموم الرفث والحسن منها ظاهر في عدم التأثير والمستوي الطرفين لا يؤثر
أيضا (قوله باب فرض مواقيت الحج والعمرة) المواقيت جمع ميقات كمواعيد
وميعاد ومعنى فرض قدر أو أوجب وهو ظاهر نص المصنف وأنه لا يجيز الإحرام بالحج والعمرة من
قبل الميقات ويزيد ذلك وضوحا ما سيأتي بعد قليل حيث قال ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل
ذي الحليفة وقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على الجواز وفيه نظر فقد نقل عن إسحاق وداود
وغيرهما عدم الجواز وهو ظاهر جواب ابن عمر ويؤيده القياس على الميقات الزماني فقد أجمعوا
على أنه لا يجوز التقدم عليه وفرق الجمهور بين الزماني والمكاني فلم يجيزوا التقدم على الزماني
وأجازوا في المكاني وذهب طائفة كالحنفية وبعض الشافعية إلى ترجيح التقدم وقال مالك يكره
وسيأتي شئ من ذلك في ترجمة الحج أشهر معلومات في قوله وكره عثمان أن يحرم من خراسان (قوله
حدثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي ورجال هذا الإسناد سوى ابن عمر كوفيون وجبير والد زيد
بالجيم والموحدة مصغر ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وفي الرواة زيد بن جبيرة بفتح الجيم
وزيادة هاء في آخره لم يخرج له البخاري شيئا (قوله وله فسطاط و سرداق) الفسطاط معروف وهي
الخيمة وأصله عمود الخباء الذي يقوم عليه وقيل لا يقال لها ذلك إلا إذا كانت من قطن وهو أيضا
مما يغطى به صحن الدار من الشمس وغيرها وكل ما أحاط بشئ فهو سرادق ومنه أحاط بهم سرادقها
(قوله فسألته) فيه التفات لأنه قال أولا إنه أتى ابن عمر فكان السياق يقتضي أن يقول فسأله
لكن وقع عند الإسماعيلي قال فدخلت عليه فسألته (قوله فرضها) أي قدرها وعينها ويحتمل
أن يكون المراد أوجبها وبه يتم مراد المصنف ويؤيده قرينة قول السائل من أين يجوز لي وسيأتي
الكلام على الحديث بعد باب (قوله باب قول الله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد
التقوى) قال مقاتل بن حيان لما نزلت قام رجل فقال يا رسول الله ما نجد زادا فقال تزود ما تكف
به وجهك عن الناس وخير ما تزودتم التقوى أخرجه ابن أبي حاتم (قوله حدثنا يحيى بن بشر
303

بكسر الموحدة وبالمعجمة وهو البلخي ولم يخرج للجريري الذي أخرج له مسلم وهو من طبقته
وجعلهما ابن طاهر وأبو علي الجياني رجلا واحدا والصواب التفرقة (قوله كان أهل اليمن
يحجون ولا يتزودون) زاد ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس يقولون نحج بيت الله أفلا
يطعمنا (قوله فإذا قدموا المدينة) في رواية الكشميهني مكة وهو أصوب وكذا أخرجه أبو نعيم
من طريق محمد بن عبد الله المخرمي عن شبابة (قوله رواه ابن عيينة عن عمرو) يعني ابن دينار (عن
عكرمة مرسلا) يعني لم يذكر فيه ابن عباس وهكذا أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة وكذا
أخرجه الطبري عن عمرو بن علي ابن أبي حاتم عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري كلاهما عن ابن
عيينة مرسلا قال ابن أبي حاتم وهو أصح من رواية ورقاء (قلت) وقد اختلف فيه علي ابن عيينة
فأخرجه النسائي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه موصولا بذكر ابن عباس فيه لكن حكى
الإسماعيلي عن ابن صاعد أن سعيدا حدثهم به في كتاب المناسك موصولا قال وحدثنا به في
حديث عمرو بن دينار فلم يجاوز به عكرمة انتهى والمحفوظ عن ابن عيينة ليس فيه ابن عباس
لكن لم ينفرد شبابة بوصله فقد أخرجه الحاكم في تاريخه من طريق الفرات بن خالد عن سفيان
الثوري عن ورقاء موصولا وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس كما سبق قال المهلب
في هذا الحديث من الفقه أن ترك السؤال من التقوى ويؤيده أن الله مدح من لم يسأل الناس
إلحافا فإن قوله فإن خير الزاد التقوى أي تزودوا واتقوا أذى الناس بسؤالكم إياهم والإثم في
ذلك قال وفيه أن التوكل لا يكون مع السؤال وإنما التوكل المحمود أن لا يستعين بأحد في شئ
وقيل هو قطع النظر عن الأسباب بعد تهيئة الأسباب كما قال عليه السلام أعقلها وتوكل (قوله
باب مهل أهل مكة للحج والعمرة) المهل بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام موضع
الإهلال وأصله رفع الصوت لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام ثم أطلق على نفس
الإحرام اتساعا قال ابن الجوزي وإنما يقوله بفتح الميم من لا يعرف وقال أبو البقاء العكبري هو
مصدر بمعنى الإهلال كالمدخل والمخرج بمعنى الإدخال والإخراج وأشار المصنف بالترجمة إلى
حديث ابن عمر فإنه سيأتي بلفظ مهل وأما حديث الباب فذكره بلفظ وقت أي حدد وأصل
التوقيت أن يجعل للشئ وقت يختص به ثم اتسع فيه فأطلق على المكان أيضا قال ابن الأثير
التوقيت والتأقيت أن يجعل للشئ وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة يقال وقت الشئ
بالتشديد يوقته ووقت بالتخفيف يقته إذا بين مدته ثم اتسع فيه فقيل للموضع ميقات وقال ابن
دقيق العيد قيل إن التوقيت في اللغة التحديد والتعيين فعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت وقوله
هنا وقت يحتمل أن يريد به التحديد أي حد هذه المواضع للإحرام ويحتمل أن يريد به تعليق الإحرام
بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر وقال عياض وقت أي حدد وقد يكون بمعنى
أوجب ومنه قوله تعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا انتهى ويؤيده الرواية
الماضية بلفظ فرض (قوله وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة) أي مدينته عليه
الصلاة والسلام (ذا الحليفة) بالمهملة والفاء مصغرا مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير
ميلين قاله ابن حزم وقال غيره بينهما عشر مراحل وقال النووي بينها وبين المدينة ستة أميال
ووهم من قال بينهما ميل واحد وهو ابن الصباغ وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب وبها
304

بئر يقال لها بئر علي (قوله الجحفة) بضم الجيم وسكون المهملة وهي قرية خربة بينها وبين مكة
خمس مراحل أو ستة وفي قول النووي في شرح المهذب ثلاث مراحل نظر وسيأتي في حديث
ابن عمر أنها مهيعة بوزن علقمة وقيل بوزن لطيفة وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بها قال ابن
الكلبي كان العماليق يسكنون يثرب فوقع بينهم وبين بني عبيل بفتح المهملة وكسر الموحدة وهم
إخوة عاد حرب فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سيل فاجتحفهم أي استأصلهم فسميت
الجحفة ووقع في حديث عائشة عند النسائي ولأهل الشام ومصر الجحفة والمكان الذي يحرم منه
المصريون الآن رابغ بوزن فاعل براء وموحدة وغين معجمة قريب من الجحفة واختصت الجحفة
بالحمى فلا ينزلها أحد إلا حم كما سيأتي في فضائل المدينة (قوله ولأهل نجد قرن المنازل) أما نجد
فهو كل مكان مرتفع وهو اسم لعشرة مواضع والمراد منها هنا التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها
الشام والعراق والمنازل بلفظ جمع المنزل والمركب الإضافي هو اسم المكان ويقال له قرن أيضا
بلا إضافة وهو بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون وضبطه صاحب الصحاح بفتح الراء وغلطوه
بالغ النووي فحكى الإتفاق على تخطئته في ذلك لكن حكى عياض عن تعليق القابسي
أن من قاله بالإسكان أراد الجبل ومن قاله بالفتح أراد الطريق والجبل المذكور بينه وبين
مكة من جهة المشرق مرحلتان وحكى الروياني عن بعض قدماء الشافعية أن المكان الذي
يقال له قرن موضعان أحدهما في هبوط وهو الذي يقال له قرن المنازل والآخر في صعود
وهو الذي يقال له قرن الثعالب والمعروف الأول وفي أخبار مكة للفاكهي أن قرن
الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة ذراع وقيل له
قرن الثعالب لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت
وقد وقع ذكره في حديث عائشة في إتيان النبي صلى الله عليه وسلم الطائف يدعوهم إلى
الإسلام وردهم عليه قال فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب الحديث ذكره ابن إسحاق في السيرة
النبوية ووقع في مرسل عطاء عند الشافعي ولأهل نجد قرن ولمن سلك نجدا من أهل اليمن
وغيرهم قرن المنازل ووقع في عبارة القاضي حسين في سياقه لحديث ابن عباس هذا ولأهل
نجد اليمن ونجد الحجاز قرن وهذا لا يوجد في شئ من طرق حديث ابن عباس وإنما يوجد ذلك
من مرسل عطاء وهو المعتمد فإن لأهل اليمن إذا قصدوا مكة طريقين إحداهما طريق أهل
الجبال وهو يصلون إلى قرن أو يحاذونه فهو ميقاتهم كما هو ميقات أهل المشرق والأخرى طريق
أهل تهامة فيمرون بيلملم أو يحاذونه فهو ميقاتهم لا يشاركهم فيه إلا من أتى عليه من غيرهم
(قوله ولأهل اليمن يلملم) بفتح التحتانية واللام وسكون الميم بعدها لام مفتوحة ثم ميم مكان على
مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلا ويقال لها ألملم بالهمزة وهو الأصل والياء تسهيل لها وحكى
ابن السيد فيه يرمرم براءين بدل اللامين * (تنبيه) * أبعد المواقيت من مكة ذو الحليفة ميقات
أهل المدينة فقيل الحكمة في ذلك أن تعظم أجور أهل المدينة وقيل رفقا بأهل الآفاق لأن
أهل المدينة أقرب الآفاق إلى مكة أي ممن له ميقات معين (قوله هن لهم) أي المواقيت
المذكورة لأهل البلاد المذكورة ووقع في رواية أخرى كما يأتي في باب دخول مكة بغير إحرام بلفظ
هن لهن أي المواقيت للجماعات المذكورة أو لأهلهن على حذف المضاف والأول هو الأصل
305

ووقع في باب مهل أهل اليمن بلفظ هن لأهلهن كما شرحته وقوله هن ضمير جماعة المؤنث وأصله
لمن يعقل وقد استعمل فيما لا يعقل لكن فيما دون العشرة وقوله ولمن أتى عليهن أي على المواقيت
من غير أهل البلاد المذكورة ويدخل في ذلك من دخل بلدا ذات ميقات ومن لم يدخل فالذي
لا يدخل لا إشكال فيه إذا لم يكن له ميقات معين والذي يدخل فيه خلاف كالشامي إذا أراد
الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته
الأصلي فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور وأطلق النووي الإتفاق ونفى الخلاف في شرحيه لمسلم
والمهذب في هذه المسئلة فلعله أراد في مذهب الشافعي وإلا فالمعروف عند المالكية أن للشامي
مثلا إذا جاوز ذا الحليفة بغير إحرام إلى ميقاته الأصلي وهو الجحفة جاز له ذلك وإن كان الأفضل
خلافه وبه قال الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية قال ابن دقيق العيد قوله ولأهل الشام
الجحفة يشمل من مر من أهل الشام بذي الحليفة ومن لم يمر وقوله ولمن أتى عليهن من غير أهلهن
يشمل الشامي إذا مر بذي الحليفة وغيره فهنا عمومان قد تعارضا انتهى ملخصا ويحصل الانفكاك
عنه بأن قوله هن لهن مفسر لقوله مثلا وقت لأهل المدينة ذا الحليفة وأن المراد بأهل المدينة
ساكنوها ومن سلك طريق سفرهم فمر على ميقاتهم ويؤيده عراقي خرج من المدينة فليس له
مجاوزة ميقات المدينة غير محرم ويترجح بهذا قول الجمهور وينتفي التعارض (قوله ممن أراد الحج
والعمرة) فيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام وسيأتي في ترجمة مفردة (قوله ومن كان
دون ذلك) أي بين الميقات ومكة (قوله فمن حيث أنشأ) أي فميقاته من حيث أنشأ الإحرام إذ
السفر من مكانه إلى مكة وهذا متفق عليه إلا ما روي عن مجاهد أنه قال ميقات هؤلاء نفس مكة
واستدل به ابن حزم على أن من ليس له ميقات فميقاته من حيث شاء ولا دلالة فيه لأنه يختص بمن
كان دون الميقات أي إلى جهة مكة كما تقدم ويؤخذ منه أن من سافر غير قاصد للنسك فجاوز
الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك أنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى
الميقات لقوله فمن حيث أنشأ (قوله حتى أهل مكة) يجوز فيه الرفع والكسر (قوله من مكة)
أي لا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام منه بل يحرمون من مكة كالآفاقي الذي بين
الميقات ومكة فإنه يحرم من مكانه ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات ليحرم منه وهذا خاص
بالحاج واختلف في أفضل الأماكن التي يحرم منها كما سيأتي في ترجمة مفردة وأما المعتمر فيجب
عليه أن يخرج إلى أدنى الحل كما سيأتي بيانه في أبواب العمرة قال المحب الطبري لا أعلم أحدا جعل
مكة ميقاتا للعمرة فتعين حمله على القارن واختلف في القارن فذهب الجمهور إلى أن حكمه حكم
الحاج في الإهلال من مكة وقال ابن الماجشون يجب عليه الخروج إلى أدنى الحل ووجهه أن
العمرة إنما تندرج في الحج فيما محله واحد كالطواف والسعي عند من يقول بذلك وأما الإحرام
فمحله فيهما مختلف وجواب هذا الإشكال أن المقصود من الخروج إلى الحل في حق المعتمر أن يرد
على البيت الحرام من الحل فيصح كونه وافدا عليه وهذا يحصل للقارن لخروجه إلى عرفة وهي
من الحل ورجوعه إلى البيت لطواف الإفاضة فحصل المقصود بذلك أيضا واختلف فيمن جاوز
الميقات مريدا للنسك فلم يحرم فقال الجمهور يأثم ويلزمه دم فأما لزوم الدم فبدليل غير هذا وأما
الإثم فلترك الواجب وقد تقدم الحديث من طريق ابن عمر بلفظ فرضها وسيأتي بلفظ يهل وهو
306

خبر بمعنى الأمر والأمر لا يرد بلفظ الخبر إلا إذا أريد تأكيده وتأكيد الأمر للوجوب وسبق
في العلم بلفظ من أين تأمرنا أن نهل ولمسلم من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم أهل المدينة وذهب عطاء والنخعي إلى عدم الوجوب ومقابله قول سعيد بن
جبير لا يصح حجة وبه قال ابن حزم وقال الجمهور لو رجع إلى الميقات قبل التلبس بالنسك سقط
عنه الدم قال أبو حنيفة بشرط أن يعود ملبيا ومالك بشرط أن لا يبعد وأحمد لا يسقط بشئ
* (تنبيه) * الأفضل في كل ميقات أن يحرم من طرفه الأبعد من مكة فلو أحرم من طرفه الأقرب
جاز (قوله باب ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة) قد تقدمت
الإشارة إلى هذا في باب فرض المواقيت واستنبط المصنف من إيراد الخبر بصيغة الخبر مع إرادة
الأمر تعين ذلك وأيضا فلم ينقل عن أحد ممن حج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرم قبل ذي
الحليفة ولولا تعين الميقات لبادروا إليه لأنه يكون أشق فيكون أكثر أجرا وقد تقدم شرح المتن
في الذي قبله (قوله قال عبد الله) هو ابن عمر (قوله وبلغني إلخ) سيأتي من رواية ابنه سالم عنه بعد
باب بلفظ زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولم أسمعه وتقدم في العلم من وجه آخر بلفظ لم
أفقه هذه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشعر بأن الذي بلغ ابن عمر ذلك جماعة وقد ثبت
ذلك من حديث ابن عباس كما في الباب قبله ومن حديث جابر عند مسلم ومن حديث عائشة
عند النسائي ومن حديث الحرث عمرو السهمي عند أحمد وأبي داود والنسائي (قوله
باب مهل أهل الشام) أورد فيه حديث ابن عباس وقد تقدم قبل باب وحماد المذكور
في الإسناد هو ابن زيد (قوله باب مهل أهل نجد) أورد فيه حديث ابن عمر من
طريقين إلى الزهري فعلي شيخه في الإسناد الأول هو ابن المديني وأحمد في الثاني هو ابن عيسى
كما ثبت في رواية أبي ذر وقد تقدم الكلام عليه قريبا (قوله باب مهل من كان دون
المواقيت) أي دونها إلى مكة أورد فيه حديث ابن عباس من وجه آخر وحماد هو ابن زيد وعمرو
هو ابن دينار (قوله باب مهل أهل اليمن) أورد فيه حديث ابن عباس وقد سبق
ما فيه * (تكميل) * حكى الأثرم عن أحمد أنه سئل في أي سنة وقت النبي صلى الله عليه وسلم
المواقيت فقال عام حج انتهى وقد سبق حديث ابن عمر في العلم بلفظ أن رجلا قام في المسجد فقال
يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل (قوله باب ذات عرق لأهل العراق) هي بكسر
العين وسكون الراء بعدها قاف سمي بذلك لأن فيه عرقا وهو الجبل الصغير وهي أرض سبخة
307

تنبت الطرفاء بينها وبين مكة مرحلتان والمسافة اثنان وأربعون ميلا وهو الحد الفاصل بين
نجد وتهامة (قوله لما فتح هذان المصران) كذا للأكثر بضم فتح على البناء لما لم يسم فاعله وفي
رواية الكشميهني لما فتح هذين المصرين بفتح الفاء والتاء على حذف الفاعل والتقدير لما فتح الله
وكذا ثبت في رواية أبي نعيم في المستخرج وبه جزم عياض وأما ابن مالك فقال تنازع فتح وأتوا
وهو على إعمال الثاني وإسناد الأول إلى ضمير عمر ووقع عند الإسماعيلي من طريق يحيى بن سعيد
عن عبيد الله مختصرا وزاد في الإسناد عن عمر أنه حد لأهل العراق ذات عرق والمصران تثنية
مصر والمراد بهما الكوفة والبصرة وهما سرتا العراق والمراد بفتحهما غلبة المسلمين على مكان
أرضهما وإلا فهما من تمصير المسلمين (قوله وهو جور) بفتح الجيم وسكون الواو بعدها راء أي
ميل والجور الميل عن القصد ومنه قوله تعالى ومنها جائر (قوله فانظروا حذوها) أي اعتبروا
ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتا وظاهره أن عمر حد لهم
ذات عرق باجتهاد منه وقد روى الشافعي من طريق أبي الشعثاء قال لم يوقت رسول الله صلى الله
عليه وسلم لأهل المشرق شيئا فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق وروى أحمد عن هشيم عن يحيى
ابن سعيد وغيره عن نافع عن ابن عمر فذكر حديث المواقيت وزاد فيه قال ابن عمر فآثر الناس
ذات عرق على قرن وله عن سفيان عن صدقة عن ابن عمر فذكر حديث المواقيت قال فقال له
قائل فأين العراق فقال ابن عمر لم يكن يومئذ عراق وسيأتي في الإعتصام من طريق عبد الله
ابن دينار عن ابن عمر قال لم يكن عراق يومئذ ووقع في غرائب مالك للدارقطني من طريق
عبد الرزاق عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق
قرنا قال عبد الرزاق قال لي بعضهم إن مالكا محاه من كتابه قال الدارقطني تفرد به عبد الرزاق
(قلت) والإسناد إليه ثقات أثبات وأخرجه إسحق بن راهويه في مسنده عنه وهو غريب
جدا وحديث الباب يرده وروى الشافعي من طريق طاوس قال لم يوقت رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل المشرق وقال في الأم لم يثبت عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه حد ذات عرق وإنما أجمع عليه الناس وهذا كله يدل على أن ميقات ذات عرق
ليس منصوصا وبه قطع الغزالي والرافعي في شرح المسند والنووي في شرح مسلم وكذا
وقع في المدونة لمالك وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في الشرح الصغير
والنووي في شرح المهذب أنه منصوص وقد وقع ذلك في حديث جابر عند مسلم إلا أنه مشكوك
في رفعه أخرجه من طريق ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يسأل عن المهل فقال
سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه
بلفظ فقال سمعت أحسبه يريد النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه أحمد من رواية ابن
لهيعة وابن ماجة من رواية إبراهيم بن يزيد كلاهما عن أبي الزبير فلما يشكا في رفعه ووقع
في حديث عائشة وفي حديث الحرث بن عمرو السهمي كلاهما عند أحمد وأبي داود والنسائي
وهذا يدل على أن للحديث أصلا فلعل من قال إنه غير منصوص لم يبلغه أو رأى ضعف الحديث
باعتبار أن كل طريق لا يحلو عن مقال ولهذا قال ابن خزيمة رويت في ذات عرق أخبار
لا يثبت شئ منها عند أهل الحديث وقال ابن المنذر لم نجد في ذات عرق حديثا ثابتا انتهى
308

لكن الحديث انتهى بمجموع الطرق يقوى كما ذكرنا وأما إعلال من أعله بأن العراق لم تكن
فتحت يومئذ فقال ابن عبد البر هي غفلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل
النواحي قبل الفتوح لكنه علم أنها ستفتح فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق انتهى وبهذا أجاب
الماوردي وآخرون لكن يظهر لي أن مراد من قال لم يكن العراق يومئذ أي لم يكن في تلك
الجهة ناس مسلمون والسبب في قول ابن عمر ذلك أنه روى الحديث بلفظ أن رجلا قال يا رسول
الله من أين تأمرنا أن نهل فأجابه وكل جهة عينها في حديث ابن عمر كان من قبلها ناس مسلمون
بخلاف المشرق والله أعلم وأما ما أخرجه أبو داود والترمذي من وجه آخر عن ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق فقد تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف
وإن كان حفظه فقد جمع بينه وبين حديث جابر وغيره بأجوبة منها أن ذات عرق ميقات
الوجوب والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق ومنها أن العقيق ميقات لبعض
العراقيين وهم أهل المدائن والآخر ميقات لأهل البصرة وقع ذلك في حديث لأنس عند
الطبراني وإسناده ضعيف ومنها أن ذات عرق كانت أولا في موضع العقيق الآن ثم حولت
وقربت إلى مكة فعلى هذا فذات عرق والعقيق شئ واحد ويتعين الإحرام من العقيق
ولم يقل به أحد وإنما قالوا يستحب احتياطا وحكى ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه كان
يحرم من الربذة وهو قول القاسم بن عبد الرحمن وخصيف الجزري قال ابن المنذر وهو
أشبه في النظر إن كانت ذات عرق غير منصوصة وذلك أنها تحاذي ذا الحليفة وذات عرق
بعدها والحكم فيمن ليس له ميقات أن يحرم من أول ميقات يحاذيه لكن لما سن عمر ذات
عرق وتبعه عليه الصحابة واستمر عليه العمل كان أولى بالاتباع واستدل به على أن من ليس له
ميقات أن عليه أن يحرم إذا حاذى ميقاتا من هذه المواقيت الخمسة ولا شك أنها محيطة
بالحرم فذو الحليفة شامية ويلملم يمانية فهي مقابلها وإن كانت إحداهما أقرب إلى مكة
من الأخرى وقرن شرقية والجحفة غربية فهي مقابلها وإن كانت إحداهما كذلك وذات
عرق تحاذي قرنا فعلى هذا فلا تخلو بقعة من بقاع الأرض من أن تحاذي ميقاتا من هذه
المواقيت فبطل قول من قال من ليس له ميقات ولا يحاذي ميقاتا هل يحرم من مقدار أبعد
من المواقيت أو أقربها ثم حكى فيه خلافا والفرض أن هذه الصورة لا تتحقق لما قلته إلا
أن يكون قائلة فرضه فيمن لم يطلع على المحاذاة كمن يجهلها وقد نقل النووي في شرح المهذب
أنه يلزمه أن يحرم على مرحلتين اعتبارا بقول عمر هذا في توقيته ذات عرق وتعقب بأن عمر
إنما حدها لأنها تحاذي قرنا وهذه الصورة إنما هي حيث يجهل المحاذاة فلعل القائل بالمرحلتين
أخذ بالأقل لأن ما زاد عليه مشكوك فيه لكن مقتضى الأخذ بالاحتياط أن يعتبر الأكثر الأبعد
ويحتمل أن يفرق بين من عن يمين الكعبة وبين من عن شمالها لأن المواقيت التي عن يمينها أقرب
من التي عن شمالها فيقدر لليمين الأقرب وللشمال الأبعد والله أعلم ثم أن مشروعية المحاذاة
مختصة بمن ليس له أمامه ميقات معين فأما من له ميقات معين كالمصري مثلا يمر ببدر وهي
تحاذي ذا الحليفة فليس عليه أن يحرم منها بل له التأخير حتى يأتي الجحفة والله أعلم * (تنبيه) *
العقيق المذكور هنا واد يتدفق ماؤه في غوري تهامة وهو غير العقيق المذكور بعد
بابين كما سيأتي بيانه (قوله باب) كذا في الأصول بغير ترجمة وهو بمنزلة الفصل من
309

الأبواب التي قبله ومناسبته لها من جهة دلالة حديثه على استحباب صلاة ركعتين عند إرادة
الإحرام من الميقات وقد ترجم عليه بعض الشارحين نزول البطحاء والصلاة بذي الحليفة وحكى
القطب أنه في بعض النسخ قال وسقط في نسخة سماعنا لفظ باب وفي شرح ابن بطال الصلاة بذي
الحليفة (قوله أناخ) بالنون والخاء المعجمة أي أبرك بعيره والمراد أنه نزل بها والبطحاء قد بين أنها
التي بذي الحليفة وقوله فصلى بها يحتمل أن يكون للإحرام ويحتمل أن يكون للفريضة وسيأتي
من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى العصر بذي الحليفة ركعتين ثم أن هذا النزول يحتمل
أن يكون في الذهاب وهو الظاهر من تصرف المصنف ويحتمل أن يكون في الرجوع ويؤيده
حديث ابن عمر الذي بعده بلفظ وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي وبات حتى أصبح
ويمكن الجمع بأنه كان يفعل الأمرين ذهابا وإيابا والله أعلم (قوله باب خروج النبي
صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة) قال عياض هو موضع معروف على طريق من أراد
الذهاب إلى مكة من المدينة كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى ذي الحليفة فيبيت بها
وإذا رجع بات بها أيضا ودخل على طريق المعرس بفتح الراء المثقلة وبالمهملتين وهو مكان معروف
أيضا وكل من الشجرة والمعرس على ستة أميال من المدينة لكن المعرس أقرب وسيأتي في الباب
الذي بعده مزيد بيان في ذلك قال ابن بطال كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كما يفعل في العيد
يذهب من طريق ويرجع من أخرى وقد تقدم القول في حكمة ذلك مبسوطا وقد قال بعضهم إن
نزوله هناك لم يكن قصدا وإنما كان اتفاقا حكاه إسماعيل القاضي في أحكامه عن محمد بن الحسن
وتعقبه والصحيح أنه كان قصدا لئلا يدخل المدينة ليلا ويدل عليه قوله وبات حتى يصبح ولمعنى
فيه وهو التبرك به كما سيأتي في الباب الذي بعده وقد تقدمت الإشارة إلى شئ من حديث الباب
في أواخر أبواب المساجد وسياقه هناك أبسط من هذا (قوله باب قول النبي صلى الله
عليه وسلم العقيق واد مبارك) أورد فيه حديث عمر في ذلك وليس هو من قول النبي صلى الله عليه
وسلم وإنما حكاه عن الآتي الذي أتاه لكن روى أبو أحمد بن عدي من طريق يعقوب بن إبراهيم
الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا تخيموا بالعقيق فإنه مبارك فكأنه أشار
إلى هذا وقوله تخيموا بالخاء المعجمة والتحتانية أمر بالتخيم والمراد به النزول هناك وذكر ابن الجوزي
في الموضوعات عن حمزة الأصبهاني أنه ذكر في كتاب التصحيف أن الرواية بالتحتانية تصحيف وأن
الصواب بالمثناة الفوقانية ولما قاله اتجاه لأنه وقع في معظم الطرق ما يدل على أنه من الخاتم وهو
من طريق يعقوب بن الوليد عن هشام بلفظه ووقع في حديث عمر تختموا بالعقيق فإن جبريل
أتاني به من الجنة الحديث وأسانيده ضعيفة (قوله آت من ربي) هو جبريل (قوله فقال صل
في هذا الوادي المبارك) يعني وادي العقيق وهو بقرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال
روى الزبير بن بكار في أخبار المدينة أن تبعا لما رجع من المدينة انحدر في مكان فقال هذا عقيق
الأرض فسمي العقيق (قوله وقل عمرة في حجة) برفع عمرة للأكثر وبنصبها لأبي ذر على حكاية
اللفظ أي قل جعلتها عمرة وهذا دال على أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا وسيأتي بيان ذلك بعد
أبواب وأبعد من قال معناه عمرة مدرجة في حجة أي أن عمل العمرة يدخل في عمل الحج فيجزى
لهما طواف واحد وقال من معناه أنه يعتمر في تلك السنة بعد فراغ حجه وهذا أبعد من الذي قبله
310

لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك نعم يحتمل أن يكون أمر أن يقول ذلك لأصحابه ليعلمهم
مشروعية القرآن وهو كقوله دخلت العمرة في الحج قال الطبري واعترضه ابن المنير في الحاشية
فقال ليس نظيره لأن قوله دخلت إلخ تأسيس قاعدة وقوله عمرة في حجة بالتنكير يستدعي الوحدة
وهو إشارة إلى الفعل الواقع من القرآن إذ ذاك (قلت) ويؤيده ما يأتي في كتاب الإعتصام بلفظ
عمرة وحجة بواو العطف وسيأتي بيان ذلك بعد أبواب وفي الحديث فضل العقيق كفضل المدينة
وفضل الصلاة فيه وفيه استحباب نزول الحاج في منزلة قريبة من البلد ومبيتهم بها ليجتمع إليهم
من تأخر عنهم ممن أراد مرافقتهم وليستدرك حاجته من نسيها مثلا فيرجع إليها من قريب (قوله
في حديث ابن عمر أنه أري) بضم الهمزة أي في المنام وفي رواية كريمة رؤي بتقديم الراء أي رآه غيره
(قوله وهو معرس) في رواية الكشميهني في معرس بالتنوين وقوله ببطن الوادي تبين من حديث
ابن عمر الذي قبله أنه وادي العقيق (قوله وقد أناخ بنا سالم) هو مقول موسى بن عقبة الراوي
عنه وقوله يتوخى بالخاء المعجمة أي يقصد والمناخ بضم الميم المبرك (قوله وهو أسفل) بالنصب
ويجوز الرفع والمراد بالمسجد الذي كان هناك في ذلك الزمان وقوله بينه أي بين المعرس وفي رواية
الحموي بينهم أي بين النازلين وبين الطريق وقوله وسط من ذلك بفتح المهملة أي متوسط بين بطن
الوادي وبين الطريق وعند أبي ذر وسطا من ذلك بالنصب (قوله باب غسل الخلوق
ثلاث مرات من الثياب) الخلوق بفتح الخاء المعجمة نوع من الطيب مركب فيه زعفران (قوله
قال أبو عاصم) هو من شيوخ البخاري ولم أره عنه إلا بصيغة التعليق وبذلك جزم الإسماعيلي
فقال ذكره عن أبي عاصم بلا خبر وأبو نعيم فقال ذكره بلا رواية وحكى الكرماني أنه وقع في بعض
النسخ حدثنا محمد حدثنا أبو عاصم ومحمد هو ابن معمر أو ابن بشار ويحتمل أن يكون البخاري ولم
يقع في المتن ذكر الخلوق وإنما أشار به إلى ما ورد في بعض طرقه وهو في أبواب العمرة بلفظ وعليه
أثر الخلوق (قوله أن يعلى) هو ابن أمية التميمي وهو المعروف بابن منية بضم الميم وسكون النون
وفتح التحتانية وهي أمه وقيل جدته وهو والد صفوان الذي روى عنه وليست رواية صفوان
عنه لهذا الحديث بواضحة لأنه قال فيها إن يعلى قال لعمر ولم يقل أن يعلى أخبره أنه قال لعمر فإن
يكن صفوان حضر مراجعتهما وإلا فهو منقطع لكن سيأتي في أبواب العمرة من وجه آخر عن
صفوان بن يعلى عن أبيه فذكر الحديث (قوله جاءه رجل) سيأتي بعد أبواب بلفظ جاء أعرابي
ولم أقف على اسمه لكن ذكر ابن فتحون في الذيل عن تفسير الطرطوشي أن اسمه عطاء بن منية
قال ابن فتحون إن ثبت ذلك فهو أخو يعلى بن منية راوي الخبر ويجوز أن يكون خطأ من اسم
الرواي فإنه من رواية عطاء عن صفوان بن يعلى بن منية عن أبيه ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى
أحدا ووقع في شرح شيخنا سراج الدين بن الملقن ما نصه هذا الرجل يجوز أن يكون عمرو بن
سواد إذ في كتاب الشفاء للقاضي عياض عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق
فقال ورس ورس حط حط وغشيني بقضيب بيده في بطني فأوجعني الحديث فقال شيخنا لكن
عمرو هذا لا يدرك ذا فإنه صاحب ابن وهب انتهى كلامه وهو معترض من وجهين أما أولا
فليست هذه القصة شبيهة بهذه القصة حتى يفسر المؤلف بها وأما ثانيا ففي الاستدراك غفلة
عظيمة لأن من يقول أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لا يتخيل فيه أنه صاحب ابن وهب صاحب
311

مالك بل إن ثبت فهو آخر وافق اسمه اسمه واسم أبيه اسم أبيه والفرض أنه لم يثبت لأنه انقلب
على شيخنا وإنما الذي في الشفاء سواد بن عمرو وقيل سوادة بن عمرو أخرج حديثه المذكور
عبد الرزاق في مصنفه والبغوي في معجم الصحابة وروى الطحاوي من طريق أبي حفص بن عمر
وعن يعلى أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو متخلق فقال ألك امرأة قال لا قال اذهب
فاغسله فقد يتوهم من لا خبرة له أن يعلى بن أمية هو صاحب القصة وليس كذلك فإن راوي هذا
الحديث يعلى بن مرة الثقفي وهي قصة أخرى غير قصة صاحب الإحرام نعم روى الطحاوي في
موضع آخر أن يعلى بن أمية صاحب القصة قال حدثنا سليمان بن شعيب حدثنا عبد الرحمن هو ابن
زياد الوضاحي حدثنا شعبة عن قتادة عن عطاء بن أبي رباح أن رجلا يقال له يعلى بن أمية أحرم
وعليه جبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعها قال قتادة قلت لعطاء إنما كنا نرى أن
نشقها فقال عطاء إن الله لا يحب الفساد (قوله قد أظل به) بضم أوله وكسر الظاء المعجمة أي
جعل عليه كالظلة ووقع عند الطبراني في الأوسط وابن أبي حاتم أن الآية نزلت على النبي صلى الله
عليه وسلم حينئذ قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله ويستفاد منه أن المأمور به وهو الاتمام
يستدعي وجوب اجتناب ما يقع في العمرة (قوله يغط) بفتح أوله وكسر المعجمة وتشديد الطاء
المهملة أي ينفخ والغطيط صوت النفس المتردد من النائم أو المغمى وسبب ذلك شدة ثقل الوحي
وكان سبب إدخال يعلى رأسه عليه في تلك الحال أنه كان يحب لو رآه في حالة نزول الوحي كما سيأتي
في أبواب العمرة من وجه آخر عنه وكان يقول ذلك لعمر فقال له عمر حينئذ تعالى فانظر وكأنه علم
أن ذلك لا يشق على النبي صلى الله عليه وسلم (قوله سرى) بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة
أي كشف عنه شيئا بعد شئ (قوله اغسل الطيب الذي بك) هو أعم من أن يكون بثوبه أو ببدنه
وسيأتي البحث فيه (قوله واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك) في رواية الكشميهني كما تصنع
وسيأتي في أبواب العمرة بلفظ كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ولمسلم من طريق قيس بن سعد عن
عطاء وما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك وهو دال على أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك
قال ابن العربي كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا
وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد وقال ابن
المنير في الحاشية قوله واصنع معناه أترك لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة
وهي أن الترك فعل قال وأما قول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة
ففيه نظر لأن التروك مشتركة بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف
وما بعده وقال النووي كما قال ابن بطال وزاد ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج وقال
الباجي المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق لأنه صرح له بهما فلم يبق إلا الفدية كذا قال
ولا وجه لهذا الحصر بل الذي تبين من طريق أخرى أن المأمور به الغسل والنزع وذلك أن
عند مسلم والنسائي من طريق سفيان عن عمرو بن دينار وعن عطاء في هذا الحديث فقال ما كنت
صانعا في حجك قال أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذا الخلوق فقال ما كنت صانعا في حجك
فاصنعه في عمرتك (قوله فقلت لعطاء) القائل هو ابن جريج وهو دال على أنه فهم من السياق أن
قوله ثلاث مرات من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم لكن يحتمل أن يكون من كلام الصحابي وأنه
312

صلى الله عليه وسلم أعاد لفظه اغسله مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا
لتفهم عنه نبه عليه عياض قال الإسماعيلي ليس في حديث الباب أن الخلوق كان على الثوب كما
في الترجمة وإنما فيه أن الرجل كان متضمخا وقوله له اغسل الطيب الذي بك يوضح أن الطيب
لم يكن في ثوبه وإنما كان على بدنه ولو كان على الجبة لكان في نزعها كفاية من جهة الإحرام اه‍
والجواب أن البخاري على عادته يشير إلى ما وقع في بعض طرق الحديث الذي يورده وسيأتي
في محرمات الإحرام من وجه آخر بلفظ عليه قميص فيه أثر صفرة والخلوق في العادة إنما يكون في
الثوب ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن قتادة عن عطاء بلفظ رأى رجلا عليه
جبة عليها أثر خلوق ولمسلم من طريق رباح بن أبي معروف عن عطاء مثله وقال سعيد بن منصور
حدثنا هشيم أخبرنا عبد الملك ومنصور وغيرهما عن عطاء عن يعلى بن أمية أن رجلا قال
يا رسول الله أني أحرمت وعلي جبتي هذه وعلى جبته ردغ من خلوق الحديث وفيه فقال اخلع
هذه الجبة واغسل هذا الزعفران واستدل بحديث يعلى على منع استدامة الطيب بعد
الإحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن وهو قول مالك ومحمد بن الحسن وأجاب الجمهور بأن
قصة يعلى كانت بالجعرانة كما ثبت في هذا الحديث وهي في سنة ثمان بلا خلاف وقد ثبت
عن عائشة أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديها عند إحرامها كما سيأتي في الذي
بعده وكان ذلك في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر
وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب فلعل علة الأمر فيه
ما خالطه من الزعفران وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقا محرما وغير محرم وفي حديث ابن
عمر الآتي قريبا ولا يلبس أي المحرم من الثياب شيئا مسه زعفران وفي حديث ابن عباس الآتي
أيضا ولم ينه إلا عن الثياب المزعفرة وسيأتي مزيد في ذلك في الباب الذي بعده واستدل به على أن
من أصابه طيب في إحرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه وقال مالك إن
طال ذلك عليه لزمه وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية يجب مطلقا وعلى أن المحرم إذا صار عليه
مخيط نزعه ولا يلزمه تمزيقه ولا شقه خلافا للنخعي والشعبي حيث قالا لا ينزعه من قبل رأسه
لئلا يصير مغطيا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما وعن علي نحوه وكذا عن الحسن وأبي قلابة
وقد وقع عند أبي داود بلفظ اخلع عنك الجبة فخلعها من قبل رأسه وعلى أن المفتي والحاكم
إذا لم يعرف الحكم يمسك حتى يتبين له وعلى أن بعض الأحكام ثبت بالوحي وإن لم يكن مما يتلى
لكن وقع عند الطبراني في الأوسط أن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى وأتموا
الحج والعمرة لله وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم بالاجتهاد إلا إذا لم يحضره
الوحي (قوله باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل
ويدهن) أراد بهذه الترجمة أن يبين أن الأمر بغسل الخلوق الذي في الحديث قبله إنما هو
بالنسبة إلى الثياب لأن المحرم لا يلبس شيئا مسه الزعفران كما سيأتي في الباب الذي بعده وأما
الطيب فلا يمنع استدامته على البدن وأضاف إلى التطيب المقتصر عليه في حديث الباب
الترجل والادهان لجامع ما بينهما من الترفه فكأنه يقول يلحق بالتطيب سائر الترفهات فلا
يحرم على المحرم كذا قال ابن المنير والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما سيأتي بعد أربعة أبواب
313

من طريق كريب عن ابن عباس قال انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترجل
وأدهن الحديث وقوله ترجل أي سرح شعره وكأنه يؤخذ من قوله في حديث عائشة طيبته
في مفرقه لأن فيه نوع ترجيل وسيأتي من وجه آخر بزيادة وفي أصول شعره (قوله وقال ابن
عباس إلخ) أما شم الريحان فقال سعيد بن منصور حدثنا ابن عيينة عن أيوب عن عكرمة عن
ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا للمحرم بشم الريحان وروينا في المعجم الأوسط مثله عن عثمان
وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر خلافه واختلف في الريحان فقال إسحق يباح وتوقف أحمد وقال
الشافعي يحرم وكرهه مالك والحنفية ومنشأ الخلاف أن كل ما يتخذ منه الطيب يحرم بلا خلاف
وأما غيره فلا وأما النظر في المرآة فقال الثوري في جامعه رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه عن
هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس قال لا بأس أن ينظر في المرآة وهو محرم وأخرجه ابن
أبي شيبة عن بن إدريس عن هشام به ونقل كراهته عن القاسم بن محمد وأما التداوي فقال أبو بكر
ابن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر وعباد بن العوام عن أشعث عن عطاء عن ابن عباس أنه كان
يقول يتداوى المحرم بما يأكل وقال أيضا حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الضحاك عن ابن
عباس قال إذا شققت يد المحرم أو رجلاه فليدهنهما بالزيت أو بالسمن ووقع في الأصل يتداوى
بما يأكل الزيت والسمن وهما بالجر في روايتنا وصحح عليه ابن مالك عطفا على ما الموصولة فإنها
مجرورة بالباء ووقع في غيرها بالنصب وليس المعنى عليه لأن الذي يأكل هو الآكل لا المأكول
لكن يجوز على الاتساع وفي هذا الأثر رد على مجاهد في قوله أن تداوى بالسمن أو الزيت فعليه دم
أخرجه ابن أبي شيبة * (تنبيه) * قوله يشم بفتح الشين المعجمة على الأشهر وحكى ضمها (قوله
وقال عطاء يتختم ويلبس الهميان) هو بكسر الهاء معرب يشبه تكة السراويل يجعل فيها النفقة
ويشد في الوسط وقد روى الدارقطني من طريق الثوري عن ابن إسحاق عن عطاء قال لا بأس
بالخاتم للمحرم وأخرج أيضا من طريق شريك عن أبي إسحق عن عطاء وربما ذكره عن سعيد
ابن جبير عن ابن عباس قال لا بأس بالهميان والخاتم للمحرم والأول أصح وأخرجه الطبراني
وابن عدي في الكامل من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا وإسناده ضعيف قال ابن عبد البر أجاز
ذلك فقهاء الأمصار وأجازوا عقده إذا لم يمكن إدخال بعضه في بعض ولم ينقل عن أحد كراهته
إلا عن ابن عمر وعنه جوازه ومنع إسحق عقده وقيل أنه تفرد بذلك وليس كذلك فقد أخرج ابن أبي
شيبة بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال لا بأس بالهميان للمحرم ولكن لا يعقد عليه السير
ولكن يلفه لفا وقال ابن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين عن إسماعيل بن عبد الملك قال رأيت
على سعيد بن جبير خاتما وهو محرم وعلى عطاء (قوله وطاف ابن عمر وهو محرم وقد حزم على
بطنه بثوب) وصله الشافعي من طريق طاوس قال رأيت ابن عمر يسعى وقد حزم على بطنه بثوب
وروى من وجه آخر عن نافع أن ابن عمر لم يكن عقد الثوب عليه وإنما غرز طرفه على إزاره
وروى ابن أبي شيبة من طريق مسلم بن جندب سمعت ابن عمر يقول لا تعقد عليك شيئا وأنت
محرم قال ابن التين هو محمول على أنه شده على بطنه فيكون كالهميان ولم يشده فوق المئزر
وإلا فمالك يرى على من فعل ذلك الفدية (قوله ولن تر عائشة بالتبان بأسا للذين يرحلون هودجها)
وقع في نسخة الصغاني بعد قوله بأسا قال أبو عبد الله يعني الذين الخ التبان بضم المثناة وتشديد
314

الموحدة سراويل قصير بغير أكمام والهودج بفتح الهاء وبالجيم معروف ويرحلون بفتح أوله
وسكون الراء وفتح الحاء المهملة قال الجوهري رحلت البعير أرحله بفتح أوله رحلا إذا شددت على
ظهره الرحل قال الأعشى * رحلت أميمة غدوة أجمالها * وسيأتي في التفسير استشهاد
البخاري بقول الشاعر * إذا ما قمت أرحلها بليل * وعلى هذا فوهم من ضبطه هنا بتشديد
الحاء المهملة وكسرها وقد وصل أثر عائشة سعيد بن منصور من طريق عبد الرحمن بن القاسم
عن أبيه عن عائشة أنها حجت ومعها غلمان لها وكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشئ فأمرتهم
أن يتخذوا التبابين فيلبسونها وهم محرمون وأخرجه من وجه آخر مختصرا بلفظ يشدون
هودجها وفي هذا رد علي ابن التين في قوله أرادت النساء لأنهن يلبسن المخيط بخلاف الرجال
وكأن هذا أجرة رأته عائشة وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم
(قوله سفيان) هو الثوري ومنصور هو ابن المعتمر والإسناد إلى ابن عمر كوفيون وكذا إلى عائشة
(قوله يدهن بالزيت) أي عند الإحرام بشرط أن لا يكون مطيبا كما أخرجه الترمذي من وجه
آخر عنه مرفوعا والموقوف عنه أخرجه ابن أبي شيبة وهو أصح ويؤيده ما تقدم في كتاب الغسل
من طريق محمد بن المنتشر أن ابن عمر قال لأن أطلى بقطران أحب إلي من أن أتطيب ثم أصبح
محرما وفيه إنكار عائشة عليه وكان ابن عمر يتبع في ذلك أباه فإنه كان يكره استدامة الطيب بعد
الإحرام كما سيأتي وكانت عائشة تنكر عليه ذلك وقد روى سعيد بن منصور من طريق عبد الله
ابن عبد الله بن عمر أن عائشة كانت تقول لا بأس بأن يمس الطيب عند الإحرام قال فدعوت
رجلا وأنا جالس بجنب ابن عمر فأرسلته إليها وقد علمت قولها ولكن أحببت أن يسمعه أبي فجاءني
رسولي فقال إن عائشة تقول لا بأس بالطيب عند الإحرام فأصب ما بدا لك قال فسكت ابن عمر
وكذا كان سالم بن عبد الله بن عمر يخالف أباه وجده في ذلك لحديث عائشة قال ابن عيينة أخبرنا
عمرو بن دينار عن سالم أنه ذكر قول عمر في الطيب ثم قال قالت عائشة فذكر الحديث قال سالم
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع (قوله فذكرته لإبراهيم) هو مقول منصور
وإبراهيم هو النخعي (قوله فقال ما تصنع بقوله) يشير إلى ما بينته وإن كان لم يتقدم إلا ذكر
الفعل ويؤخذ منه أن المفزع في النوازل إلى السنن وأنه مستغني بها عن آراء الرجال وفيها المقنع
(قوله كأني أنظر) أرادت بذلك قوة تحققها لذلك بحيث أنها لشدة استحضارها له كأنها
ناظرة إليه (قوله وبيص) بالموحدة المكسورة وآخره صاد مهملة هو البريق وقد تقدم في
الغسل قول الإسماعيلي أن الويبص زيادة على البريق وأن المراد به التلألؤ وأنه يدل على وجود
عين قائمة لا الريح فقط (قوله في مفارق) جمع مفرق وهو المكان الذي يفترق فيه الشعر في وسط
الرأس قيل ذكرته بصيغة الجمع تعميما لجوانب الرأس التي يفرق فيها الشعر (قوله لاحرامه) أي
لأجل إحرامه وللنسائي حين أراد أن يحرم ولمسلم نحوه كما سيأتي قريبا (قوله ولحله) أي بعد أن
يرمي ويحلق واستدل بقولها كنت أطيب على أن كان لا تقتضي التكرار لأنها لم يقع منها ذلك
إلا مرة واحدة وقد صرحت في رواية عروة عنها بأن ذلك كان في حجة الوداع كما سيأتي في كتاب
اللباس كذا استدل به النووي في شرح مسلم وتعقب بأن المدعي تكراره إنما هو التطيب
لا الإحرام ولا مانع من أن يتكرر التطيب لأجل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى
315

ما فيه وقال النووي في موضع آخر المختار أنها لا تقتضي تكرارا ولا استمرارا وكذا قال الفخر في
المحصول وجزم ابن الحاجب بأنها تقتضيه قال ولهذا استفدنا من قولهم كان حاتم يقري الضيف
إن ذلك كان يتكرر منه وقال جماعة من المحققين أنها تقتضي التكرار ظهورا وقد أنكر قرينة أخذت
على عدمه لكن يستفاد من سياقه لذلك المبالغة في اثبات ذلك والمعنى أنها كانت تكرر فعل
التطيب لو تكرر منه فعل الإحرام لما اطلعت عليه من استحبابه لذلك على أن هذه اللفظة لم تتفق
الرواة عنها عليها فسيأتي للبخاري من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم شيخ مالك
فيه هنا بلفظ طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الطرق ليس فيها صيغة كان والله أعلم
واستدل به على استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وجواز استدامته بعد الإحرام وأنه لا يضر
بقاء لونه ورائحته وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وهو قول الجمهور وعن مالك يحرم ولكن
لا فديه وفي رواية عنه تجب وقال محمد بن الحسن يكره أن يتطيب قبل الإحرام بما يبقي عينه
بعده واحتج المالكية بأمور منها أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بعد أن تطيب لقوله في رواية ابن
المنتشر المتقدمة في الغسل ثم طاف بنسائه ثم مطرف محرما فإن المراد بالطواف الجماع وكان من
عادته أن يغتسل عند كل واحدة ومن ضرورة ذلك أن لا يبقى للطيب أثر ويرده قوله في الرواية
الماضية أيضا ثم أصبح محرما ينضح طيبا فهو ظاهر في أن نضح الطيب وهو ظهور رائحته كان
في حال إحرامه ودعوى بعضهم أن فيه تقديما وتأخيرا والتقدير طاف على نسائه ينضح طيبا
ثم أصبح محرما خلاف الظاهر ويرده قوله في رواية الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عند مسلم
كان إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد ثم أراه في رأسه ولحيته بعد ذلك وللنسائي وابن حبان
رأيت الطيب في مفرقه بعد ثلاث وهو محرم وقال بعضهم إن الوبيص كان بقايا الدهن المطيب
الذي تطيب به فزال وبقي أثره من غير رائحة ويرده قول عائشة ينضح طيبا وقال بعضهم بقي أثره
لا عينه قال ابن العربي ليس في شئ من طرق حديث عائشة أن عينه بقيت انتهى وقد روى
أبو داود وابن أبي شيبة من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت كنا نضمخ وجوهنا بالمسك
المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلا ينهانا فهذا صريح في بقاء عين الطيب ولا يقال إن ذلك خاص بالنساء لأنهم أجمعوا على
أن الرجال والنساء سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين وقال بعضهم كان ذلك
طيبا لا رائحة له تمسكا برواية الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة بطيب لا يشبه طيبكم
قال بعض رواته يعني لا بقاء له أخرجه النسائي ويرد هذا التأويل ما في الذي قبله ولمسلم من
رواية منصور بن زاذان عن عبد الرحمن بن القاسم بطيب فيه مسك وله من طريق الحسن بن
عبيد الله عن إبراهيم كأني انظر إلى وبيص المسك وللشيخين من طريق عبد الرحمن بن الأسود
عن أبيه بأطيب ما أجد وللطحاوي والدارقطني من طريق نافع عن ابن عمر عن عائشة بالغالية
الجيدة وهذا يدل على أن قولها بطيب لا يشبه طيبكم أي أطيب منه لا كما فهمه القائل يعني ليس
له بقاء وادعى بعضهم أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم قاله المهلب وأبو الحسن القصار
وأبو الفرج من المالكية قال بعضهم لأن الطيب من دواعي النكاح فنهى الناس عنه وكان هو
أملك الناس لأربه ففعله ورجحه ابن العربي بكثرة ما ثبت له من الخصائص في النكاح وقد ثبت
316

عنه أنه قال حبب إلي النساء والطيب أخرجه النسائي من حديث أنس وتعقب بأن الخصائص
لا تثبت بالقياس وقال المهلب إنما خص بذلك لمباشرته الملائكة لأجل الوحي وتعقب بأنه فرع
ثبوت الخصوصية وكيف بها ويردها حديث عائشة بنت طلحة المتقدم وروى سعيد بن منصور
بإسناد صحيح عن عائشة قالت طيبت أبي بالمسك لإحرامه حين أحرم وبقولها طيبت رسول الله
صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين أخرجه الشيخان من طريق عمر بن عبد الله بن عروة عن جده
عنها وسيأتي من طريق سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ وأشارت بيديها واعتذر بعض
المالكية بأن عمل أهل المدينة على خلافه وتعقب بما رواه النسائي من طريق أبي بكر بن عبد
الرحمن بن الحرث بن هشام أن سليمان بن عبد الملك لما حج جمع ناسا من أهل العلم منهم القاسم بن
محمد وخارجة بن زيد وسالم وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز وأبو بكر بن عبد
الرحمن بن الحرث فسألهم عن التطيب قبل الإفاضة فكلهم أمر به فهؤلاء فقهاء أهل المدينة
من التابعين قد اتفقوا على ذلك فكيف يدعى مع ذلك العمل على خلافه (قوله ولحله قبل أن
يطوف بالبيت) أي لأجل إحلاله من إحرامه قبل أن يطوف طواف الإفاضة وسيأتي في اللباس
من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ قبل أن يفيض وللنسائي من هذا
الوجه وحين يريد أن يزور البيت ولمسلم نحوه من طريق عمرة عن عائشة وللنسائي من طريق
ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة ولحله بعد ما يرمي جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت
واستدل به على حل الطيب وغيره من محرمات الإحرام بعد رمي جمرة العقبة ويستمر امتناع الجماع
ومتعلقاته على الطواف بالبيت وهو دال على أن للحج تحللين فمن قال أن الحلق نسك كما
هو قول الجمهور وهو الصحيح عند الشافعية يوقف استعمال الطيب وغيره من المحرمات المذكورة
عليه ويؤخذ ذلك من كونه صلى الله عليه وسلم في حجته رمى ثم حلق ثم طاف فلولا أن الطيب
بعد الرمي والحلق لما اقتصرت على الطواف في قولها قبل أن يطوف بالبيت قال النووي في
شرح المهذب ظاهر كلام ابن المنذر وغيره أنه لم يقل بأن الحلق ليس بنسك إلا الشافعي وهو في
رواية عن أحمد وحكى عن أبي يوسف واستدل به على جواز استدامة الطيب بعد الإحرام
وخالف الحنفية فأوجبوا فيه الفدية قياسا على اللبس وتعقب بأن استدامة اللبس لبس
واستدامة الطيب ليس بطيب ويظهر ذلك بما لو حلف وقد تقدم التعقب على من زعم أن المراد
بريق الدهن أو أثر الطيب الذي لا رائحة له بما فيه كفاية (قوله باب من أهل ملبدا)
أي أحرم وقد لبد شعر رأسه أي جعل فيه شيئا نحو الصمغ ليجتمع شعره لئلا يتشعث في الإحرام
أو يقع فيه القمل ثم أورد حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في ذلك وهو مطابق للترجمة
وقوله سمعته يهل ملبدا أي سمعته يهل في حال كونه ملبدا ولأبي داود والحاكم من طريق نافع عن
ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام لبد رأسه بالعسل قال ابن عبد السلام يحتمل أنه بفتح المهملتين
ويحتمل أنه بكسر المعجمة وسكون المهملة وهو ما يغسل به الرأس من خطمي أو غيره (قلت)
ضبطناه في روايتنا في سنن أبي داود بالمهملتين (قوله باب الإهلال عند مسجد
ذي الحليفة) أي لمن حج من المدينة أورد فيه حديث سالم أيضا عن أبيه في ذلك من وجهين
وساقه بلفظ مالك وأما لفظ سفيان فأخرجه الحميدي في مسنده بلفظ هذه البيداء التي تكذبون
317

فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند
المسجد مسجد ذي الحليفة وأخرجه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن موسى بن عقبة
بلفظ كان ابن عمر إذا قيل له الإحرام من البيداء قال البيداء التي تكذبون فيها الخ إلا أنه
قال من عند الشجرة حين قام به بعيره وسيأتي للمصنف بعد أبواب ترجمة من أهل حين استوت
به راحلته وأخرج فيه من طريق صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر قال أهل النبي صلى الله
عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة وكان ابن عمر فقلنا على رواية ابن عباس الآتية بعد
بابين بلفظ ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل وقد أزال الاشكال ما رواه أبو داود
والحاكم من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم في إهلاله فذكر الحديث وفيه فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب من
مجلسه فأهل الحنفية حين فرغ منها فسمع منه قوم فحفظوه ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل
وأدرك ذلك منه قوم لم يشهدوه في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا إنما أهل حين استقلت
به راحلته ثم مضى فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل أحد ما سمع
وإنما كان اهلاله في مصلاه وأيم الله ثم أهل ثانيا وثالثا وأخرجه الحاكم من وجه آخر من
طريق عطاء عن ابن عباس نحوه دون القصة فعلى هذا فكان إنكار ابن عمر على من يخص
الإهلال بالقيام على شرف البيداء وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف
في الأفضل * (فائدة) * البيداء هذه فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي قاله أبو عبيد
البكري وغيره (قوله باب ما لا يلبس المحرم من الثياب) المراد بالمحرم من أحرم بحج أو
عمرة أو قرن وحكى أبن دقيق العيد أن ابن عبد السلام كان يستشكل معرفة حقيقة الإحرام يعني
على مذهب الشافعي ويرد على من يقول إنه النية لأن النية شرط في الحج الذي الإحرام ركنه وشرط
الشئ غيره ويعترض على من يقول إنه التلبية بأنها ليست ركنا وكأنه يحوم على تعيين فعل تتعلق به
النية في الابتداء انتهى والذي يظهر أنه مجموع الصفة الحاصلة من تجرد وتلبية ونحو ذلك وسيأتي
في آخر باب التلبية ما يتعلق بشئ من هذا الغرض (قوله إن رجلا قال يا رسول الله) لم أقف على
اسمه في شئ من الطرق وسيأتي في باب ما ينهى من الطيب للمحرم ومن طريق الليث عن نافع بلفظ
ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام وعند النسائي من طريق عمر بن نافع عن أبيه
ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا وهو مشعر بأن السؤال عن ذلك كان قبل الإحرام وقد حكى
الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري أن في رواية ابن جريج والليث عن نافع أن ذلك كان في المسجد
ولم أر ذلك في شئ من الطرق عنهما نعم أخرج البيهقي من طريق حماد بن زيد عن أيوب ومن طريق
عبد الوهاب بن عطاء عن عبد الله بن عون كلاهما عن نافع عن ابن عمر قال نادى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بذلك المكان وأشار نافع إلى مقدم المسجد فذكر الحديث وظهر
أن ذلك كان بالمدينة ووقع في حديث ابن عباس الآتي في أواخر الحج أنه صلى الله عليه وسلم
خطب بذلك في عرفات فيحمل على التعدد ويؤيده أن حديث ابن عمر أجاب به السائل وحديث
ابن عباس ابتدأ به في الخطبة (قوله ما يلبس المحرم من الثياب قال لا يلبس القمص الخ) قال
النووي قال العلماء هذا الجواب من بديع الكلام وجزله لأن ما لا يلبس منحصر فحصل التصريح
318

به وأما الملبوس الجائز فغير منحصر فقال لا يلبس كذا أي ويلبس ما سواه انتهى وقال البيضاوي
سئل عما يلبس فأجاب بما لا يلبس ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما يجوز وإنما عدل عن
الجواب لأنه أخصر وأحصر وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم
العارض في الإحرام المحتاج لبيانه إذ الجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب فكان الأليق
السؤال عما لا يلبس وقال غيره هذا يشبه أسلوب الحكيم ويقرب منه قوله تعالى يسألونك
ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين الآية فعدل عن جنس المنفق وهو المسؤول عنه
إلى ذكر المنفق عليه لأنه أهم وقال ابن دقيق العيد يستفاد منه أن المعتبر في الجواب
ما يحصل منه المقصود كيف كان ولو بتغيير أو زيادة ولا تشترط المطابقة انتهى وهذا
كله بناء على سياق هذه الرواية وهي المشهورة عن نافع وقد رواه أبو عوانة من طريق بن
جريج عن نافع بلفظ ما يترك المحرم وهي شاذة والاختلاف فيها علي ابن جريج لا على نافع
ورواه سالم عن ابن عمر بلفظ أن رجلا قال ما يجتنب المحرم من الثياب أخرجه أحمد وابن
خزيمة وأبو عوانة في صحيحيهما من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عنه وأخرجه
أحمد عن ابن عيينة عن الزهري فقال مرة ما يترك ومرة ما يلبس وأخرجه المصنف في أواخر
الحج من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري بلفظ نافع فالاختلاف فيه على الزهري يشعر
بأن بعضهم رواه بالمعنى فاستقامت رواية نافع لعدم الاختلاف فيها واتجه البحث المتقدم
وطعن بعضهم في قول من قال من الشراح أن هذا من أسلوب الحكيم بأنه كان يمكن الجواب
بما يحصر أنواع ما لا يلبس كأن يقال ما ليس بمخيط ولا على قدر البدن كالقميص أو بعضه
كالسراويل أو الخف ولا يستر الرأس أصلا ولا يلبس ما مسه طيب كالورس والزعفران ولعل
المراد من الجواب المذكور ذكر المهم وهو ما يحرم لبسه ويوجب الفدية (قوله المحرم)
أجمعوا على أن المراد به هنا الرجل ولا يلتحق به المرأة في ذلك قال ابن المنذر أجمعوا على أن
للمرأة لبس جميع ما ذكر وإنما تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس
ويؤيده قوله في آخر حديث الليث الآتي في آخر الحج لا تنتقب المرأة كما سيأتي البحث فيه
وقوله لا تلبس بالرفع على الخبر وهو في معنى النهي وروى بالجزم على أنه نهي قال عياض أجمع
المسلمون على أن ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم وأنه نبه بالقميص والسراويل
على كل مخيط وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطي الرأس به مخيطا أو غيره وبالخفاف على
كل ما يستر الرجل انتهى وخص ابن دقيق العيد الإجماع الثاني بأهل القياس وهو
واضح والمراد بتحريم المخيط ما يلبس على الموضع الذي جعل له ولو في بعض البدن فأما لو ارتدى
بالقميص مثلا فلا بأس وقال الخطابي ذكر العمامة والبرنس معا ليدل على أنه لا يجوز تغطية
الرأس لا بالمعتاد ولا بالنادر قال ومن النادر المكتل يحمله على رأسه (قلت) إن أراد أنه
يجعله على رأسه كلابس القبع صح ما قال وإلا فمجرد وضعه على رأسه على هيئة الحامل
لحاجته لا يضر على مذهبه ومما لا يضر أيضا الانغماس في الماء فإنه لا يسمى لابسا وكذا ستر
الرأس باليد (قوله إلا أحد) قال ابن المنير في الحاشية يستفاد منه جواز استعمال أحد
في الاثبات خلافا لمن خصه بضرورة الشعر قال والذي يظهر لي بالاستقراء أنه لا يستعمل
319

في الاثبات إلا إن كان يعقبه نفي (قوله لا يجد نعلين) زاد معمر في روايته عن الزهري
عن سالم في هذا الموضع زيادة حسنة تفيد ارتباط ذكر النعلين بما سبق وهي قوله وليحرم
أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد نعلين فليلبس الخفين واستبدل بقوله فإن لم يجد على
أن وأجد النعلين لا يلبس الخفين المقطوعين وهو قول الجمهور وعن بعض الشافعية جوازه
وكذا عند الحنفية وقال ابن العربي إن صارا كالنعلين جاز وإلا متى سترا من ظاهر الرجل شيئا لم
يجز إلا للفاقد والمراد بعدم الوجدان أن لا يقدر على تحصيله إما لفقده أو ترك بذل المالك له
وعجزه عن الثمن أن وجد من يبيعه أو الأجرة ولو بيع بغبن لم يلزمه شراؤه أو وهب له لم يجب
قبوله إلا إن أعير له (قوله فليلبس) ظاهر الأمر للوجوب لكنه لما شرع للتسهيل لم يناسب
التثقيل وإنما هو للرخصة (قوله وليقطعهما أسفل من الكعبين) في رواية ابن أبي ذئب الماضية
في آخر كتاب العلم حتى يكونا تحت الكعبين والمراد كشف الكعبين في الإحرام وهما العظمان
الناتئان عند مفصل الساق والقدم ويؤيده ما روى ابن أبي شيبة عن جرير عن هشام بن عروة
عن أبيه قال إذ اضطر المحرم إلى الخفين خرق ظهورهما وترك فيهما قدر ما يستمسك رجلاه
وقال محمد بن الحسن ومن تبعه من الحنفية الكعب هنا هو العظم الذي في وسط القدم
عند معقد الشراك وقيل أن ذلك لا يعرف عند أهل اللغة وقيل إنه لا يثبت عن محمد وأن السبب
في نقله عنه أن هشام بن عبيد الله الرازي سمعه يقول في مسئلة المحرم إذا لم يجد النعلين حيث
يقطع خفيه فأشار محمد بيده إلى موضع القطع ونقله هشام إلى غسل الرجلين في الطهارة وبهذا
يتعقب على من نقل عن أبي حنيفة كابن بطال أنه قال إن الكعب هو الشاخص في ظهر
القدم فإنه لا يلزم من نقل ذلك عن محمد بن الحسن على تقدير صحته عنه أن يكون قول أبي
حنيفة ونقل عن الأصمعي وهو قول الإمامية أن الكعب عظم مستدير تحت عظم الساق حيث
مفصل الساق والقدم وجمهور أهل اللغة على أن في كل قدم كعبين وظاهر الحديث أنه
لا فدية على من لبسهما إذا لم يجد النعلين وعن الحنفية تجب وتعقب بأنها لو وجبت لبينها النبي
صلى الله عليه وسلم لأنه وقت الحاجة واستدل به على اشتراط القطع خلافا للمشهور عن أحمد
فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع لإطلاق حديث ابن عباس الآتي في أواخر الحج بلفظ ومن
لم يجد نعلين فليلبس خفين وتعقب بأنه موافق على قاعدة حمل المطلق على المقيد فينبغي أن
يقول بها هنا وأجاب الحنابلة بأشياء منها دعوى النسخ في حديث ابن عمر فقد روى الدارقطني
من طريق عمرو بن دينار أنه روى عن ابن عمر حديثه وعن جابر بن زيد عن ابن عباس حديثه وقال
انظروا أي الحديثين قبل ثم حكى الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري أنه قال حديث ابن عمر
قبل لأنه كان بالمدينة قبل الإحرام وحديث ابن عباس بعرفات وأجاب الشافعي عن هذا في الأم
فقال كلاهما صادق حافظ وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس لاحتمال أن تكون عزبت عنه
أو شك أو قالها فلم يقلها عنه بعض رواته انتهى وسلك بعضهم الترجيح بين الحديثين قال ابن
الجوزي حديث ابن عمر اختلف في وقفه ورفعه وحديث ابن عباس لم يختلف في رفعه انتهى وهو
تعليل مردود بل لم يختلف على ابن عمر في رفع الأمر بالقطع إلا في رواية شاذة على أنه اختلف
في حديث ابن عباس أيضا فرواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
320

موقوفا ولا يرتاب أحد من المحدثين أن حديث ابن عمر أصح من حديث ابن عباس لأن حديث
ابن عمر جاء بإسناد وصف بكونه أصح الأسانيد واتفق عليه عن ابن عمر غير واحد من الحفاظ
منهم نافع وسالم بخلاف حديث ابن عباس فلم يأت مرفوعا إلا من رواية جابر بن زيد عنه حتى قال
الأصيلي إنه شيخ بصري لا يعرف كذا قال وهو معروف موصوف بالفقه عند الأئمة واستدل
بعضهم بالقياس على السراويل كما سيأتي البحث فيه في حديث ابن عباس إن شاء الله تعالى
وأجيب بأن القياس مع وجود النص فاسد الاعتبار واحتج بعضهم بقول عطاء أن القطع فساد
والله لا يحب الفساد وأجيب بأن الافساد إنما يكون فيما نهى الشرع عنه لا فيما أذن فيه وقال
ابن الجوزي يحمل الأمر بالقطع على الإباحة لا على الاشتراط عملا بالحديثين ولا يخفى تكلفه قال
العلماء والحكمة في منع المحرم من اللباس والطيب البعد عن الترفه والاتصاف بصفة الخاشع
وليتذكر بالتجرد القدوم على ربه فيكون أقرب إلى مراقبته وامتناعه من ارتكاب المحظورات
(قوله ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس) قيل عدل عن طريقة ما تقدم ذكره
إشارة إلى اشتراك الرجال والنساء في ذلك وفيه نظر بل الظاهر أن نكتة العدول أن الذي يخالطه
الزعفران والورس لا يجوز لبسه سواء كان مما يلبسه المحرم أو لا يلبسه والورس بفتح الواو وسكون
الراء بعدها مهملة نبت أصفر طيب الريح يصبغ به قال ابن العربي ليس الورس بطيب ولكنه
نبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملاءمة الشم فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم
وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب واستدل بقوله مسه على تحريم ما صبغ كله أو بعضه ولو
خفيت رائحته قال مالك في الموطأ إنما يكره لبس المصبغات لأنها تنفض وقال الشافعية إذا صار
الثوب بحيث لو أصابه الماء لم تفح له رائحة لم يمنع والحجة فيه حديث ابن عباس الآتي في الباب
الذي تقدم بلفظ ولم ينه عن شئ من الثياب إلا المزعفرة التي تردع الجلد وأما المغسول فقال
الجمهور إذا ذهبت الرائحة جاز خلافا لمالك واستدل لهم بما روى أبو معاوية عن عبيد الله بن عمر
عن نافع في هذا الحديث إلا أن يكون غسيلا أخرجه يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده عنه
وروى الطحاوي عن أحمد بن أبي عمران أن يحيى بن معين أنكره على الحماني فقال له عبد الرحمن
ابن صالح الأزدي قد كتبته عن أبي معاوية وقام في الحال فأخرج له أصله فكتبه عنه يحيى بن
معين انتهى وهي زيادة شاذة لأن أبا معاوية وإن كان متقنا لكن في حديثه عن غير الأعمش مقال
قال أحمد أبو معاوية مضطرب الحديث في عبيد الله ولم يجئ بهذه الزيادة غيره (قلت) والحماني
ضعيف وعبد الرحمن الذي تابعه فيه مقال واستدل به المهلب على منع استدامة الطيب وفيه نظر
واستنبط من منع لبس الثوب المزعفر منع أكل الطعام الذي فيه الزعفران وهذا قول الشافعية
وعن المالكية خلاف وقال الحنفية لا يحرم لأن المراد اللبس والتطيب والآكل لا يعد متطيبا
* (تنبيه) * زاد الثوري في روايته عن أيوب عن نافع في هذا الحديث ولا القباء أخرجه عبد
الرزاق عنه ورواه الطبراني من وجه آخر عن الثوري وأخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق
حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع أيضا والقباء بالقاف والموحدة معروف ويطلق
على كل ثوب مفرج ومنع لبسه على المحرم متفق عليه إلا أن أبا حنيفة قال يشترط أن يدخل يديه
في كميه لا إذا ألقاه على كتفيه ووافقه أبو ثور والخرقي من الحنابلة وحكى الماوردي نظيره إن
كان كمه ضيقا فإن كان واسعا فلا (قوله باب الركوب والارتداف في الحج)
321

أورد فيه حديث ابن عباس في اردافه صلى الله عليه وسلم أسامة ثم الفضل وسيأتي الكلام
عليه في باب التلبية والتكبير غداة النحر والقصة وأن كانت وردت في حالة الدفع من عرفات إلى
منى لكن يلحق بها ما تضمنته الترجمة في جميع حالات الحج قال ابن المنير والظاهر أنه صلى الله
عليه وسلم قصد باردافه من ذكر ليحدث عنه بما يتفق له في تلك الحال من التشريع (قوله
باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر) هذه الترجمة مغايرة للسابقة التي
قبلها من حيث أن تلك معقودة لما لا يلبس من أجناس الثياب وهذه لما يلبس من أنواعها
والأزر بضم الهمزة والزاي جمع إزار (قوله ولبست عائشة الثياب المعصفرة وهي محرمة)
وصله سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد قال كانت عائشة تلبس الثياب المعصفرة وهي
محرمة إسناده صحيح وأخرجه البيهقي من طريق ابن أبي مليكة أن عائشة كانت تلبس الثياب
الموردة بالعصفر الخفيف وهي محرمة وأجاز الجمهور لبس المعصفر للمحرم وعن أبي حنيفة
العصفر طيب وفيه الفدية واحتج بأن عمر كان ينهى عن الثياب المصبغة وتعقبه ابن المنذر
بأن عمر كره ذلك لئلا يقتدي به الجاهل فيظن جواز لبس المورس والمزعفر ثم ساق له قصة مع
طلحة فيها بيان ذلك (قوله وقالت) أي عائشة (لا تلثم) بمثناة واحدة وتشديد المثلثة وهو على
حذف إحدى التاءين وفي رواية أبي ذر تلتثم بسكون اللام وزيادة مثناة بعدها أي لا تغطي شفتها
بثوب وقد وصله البيهقي وسقط من رواية الحموي من الأصل وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم
حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت تسدل المرأة جلبابها من فوق رأسها
على وجهها وفي مصنف ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن هشام عن الحسن وعطاء قالا لا تلبس
المحرمة القفازين والسراويل ولا تبرقع ولا تلثم وتلبس ما شاءت من الثياب إلا ثوبا ينفض عليها
ورسا أو زعفرانا وهذا يشبه ما ذكر في الأصل عن عائشة (قوله وقال جابر) أي ابن عبد الله
الصحابي (لا أرى المعصفر طيبا) أي تطيبا وصله الشافعي ومسدد بلفظ لا تلبس المرأة ثياب الطيب
ولا أرى المعصفر طيبا وقد تقدم الخلاف في ذلك (قوله ولم تر عائشة بأسا بالحلي والثوب
الأسود والمورد والخف للمرأة) وصله البيهقي من طريق ابن باباه المكي أن امرأة سألت عائشة
ما تلبس المرأة في إحرامها قالت عائشة تلبس من خزها وبزها وأصباغها وحليها وأما المورد والمراد
ما صبغ على لون الورد فسيأتي موصولا في باب طواف النساء في آخر حديث عطاء عن عائشة وأما
الخف فوصله ابن أبي شيبة عن ابن عمر والقاسم بن محمد والحسن وغيرهم قال ابن المنذر أجمعوا
على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها فتسدل
عليه الثوب سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الرجال ولا تخمره إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر
قالت كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر تعني جدتها قال ويحتمل أن يكون
ذلك التخمير سدلا كما جاء عن عائشة قالت كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بنا ركب
سدلنا الثوب على وجوهنا ونحن محرمات فإذا جاوزنا رفعناه انتهى وهذا الحديث أخرجه هو
من طريق مجاهد عنها وفي إسناده ضعف (قوله وقال إبراهيم) أي النخعي (لا بأس أن يبدل ثيابه)
وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة كلاهما عن هشيم عن مغيرة وعبد الملك ويونس أما مغيرة
فعن إبراهيم وأما عبد الملك فعن عطاء وأما يونس فعن الحسن قالوا يغير المحرم ثيابه ما شاء لفظ
322

سعيد وفي رواية ابن أبي شيبة إنهم لم يروا بأسا أن يبدل المحرم ثيابه قال سعيد وحدثنا جرير عن
مغيرة عن إبراهيم قال كان أصحابنا إذا أتوا بئر ميمون اغتسلوا ولبسوا أحسن ثيابهم فدخلوا فيها
مكة (قوله حدثنا فضيل) هو بالتصغير (قوله ترجل) أي سرح شعره (قوله وادهن) قال ابن
المنذر أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن والشيرج وأن يستعمل ذلك
في جميع بدنه سوى رأسه ولحيته وأجمعوا أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه ففرقوا بين الطيب
والزيت في هذا فقياس كون المحرم ممنوعا من استعمال الطيب في رأسه أن يباح له استعمال
الزيت في رأسه وقد تقدمت الإشارة إلى الخلاف في ذلك قبل بأبواب (قوله التي تردع) بالمهملة
أي تلطخ يقال ردع إذا التطخ والردع أثر الطيب وردع به الطيب إذا لزق بجلده قال ابن بطال
وقد روى بالمعجمة من قولهم أردغت الأرض إذا كثرت مناقع المياه فيها والردغ بالغين المعجمة الطين
انتهى ولم أر في شئ من الطرق ضبط هذه اللفظة بالغين المعجمة ولا تعرض لها عياض لا ابن قرقول
والله أعلم ووقع في الأصل تردع على الجلد قال ابن الجوزي الصواب حذف على كذا قال
واثباتها موجه أيضا كما تقدم (قوله فأصبح بذي الحليفة) أي وصل إليها نهارا ثم بات بها كما سيأتي
صريحا في الباب الذي بعده من حديث أنس (قوله حتى استوى على البيداء أهل) تقدم نقل
الخلاف في ذلك وطريق الجمع بين المختلف فيه (قوله وذلك لخمس بقين من ذي القعدة) أخرج
مسلم مثله من حديث عائشة احتج به ابن حزم في كتاب حجة الوداع له على أن خروجه صلى الله عليه
وسلم من المدينة كان يوم الخميس قال لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس بلا شك لأن الوقفة كانت
يوم الجمعة بلا خلاف وظاهر قول ابن عباس لخمس يقتضي أن يكون خروجه من المدينة يوم
الجمعة بناء على ترك عد يوم الخروج وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا كما
سيأتي قريبا من حديث أنس فتبين أنه لم يكن يوم الجمعة فتعين أنه يوم الخميس وتعقبه ابن القيم
بأن المتعين أن يكون يوم السبت بناء على عد يوم الخروج أو على ترك عده ويكون ذو القعدة تسعا
وعشرين يوما انتهى ويؤيده ما رواه ابن سعد والحاكم في الإكليل أن خروجه صلى الله عليه
وسلم من المدينة كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة وفيه رد على من منع إطلاق القول في
التاريخ لئلا يكون الشهر ناقصا فلا يصح الكلام فيقول مثلا لخمس إن بقين بزيادة أداة الشرط
وحجة المجيز أن الإطلاق يكون على الغالب ومقتضى قوله أنه دخل مكة لأربع خلون من ذي
الحجة أن يكون دخلها صبح يوم الأحد وبه صرح الواقدي (قوله والطيب والثياب) أي كذلك
وقوله الحجون بفتح المهملة بعدها جيم مضمومة هو الجبل المطل على المسجد بأعلى مكة على يمين
المصعد وهناك مقبرة أهل مكة وسيأتي بقية شرح ما اشتمل عليه حديث ابن عباس هذا مفرقا
في الأبواب (قوله باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح) يعني إذا كان حجه من
المدينة والمراد من هذه الترجمة مشروعية المبيت بالقرب من البلد التي يسافر منها ليكون أمكن
من التوصل إلى مهماته التي ينساها مثلا قال ابن بطال ليس ذلك من سنن الحج وإنما هو من جهة
الرفق ليلحق به من تأخر عنه قال ابن المنير لعله أراد أن يدفع توهم من يتوهم أن الإقامة بالميقات
وتأخير الإحرام شبيه بمن تعداه بغير إحرام فبين أن ذلك غير لازم حتى ينفصل عنه (قوله قاله ابن
عمر) يشير إلى حديثه المتقدم في باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة (قوله
323

حدثني ابن المنكدر) كذا رواه الحفاظ من أصحاب ابن جريج عنه وخالفهم عيسى بن يونس
فقال عن ابن جريج عن الزهري عن أنس وهي رواية شاذة (قوله وبذي الحليفة ركعتين) فيه
مشروعية قصر الصلاة لمن خرج من بيوت البلد وبات خارجا عنها ولو لم يستمر سفره واحتج به أهل
الظاهر في قصر الصلاة في السفر القصير ولا حجة فيه لأنه كابتداء سفر لا المنتهى وقد تقدم البحث
في ذلك في أبواب قصر الصلاة وتقدم الخلاف في ابتداء إهلاله صلى الله عليه وسلم قريبا (قوله
في الرواية الثانية حدثنا عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد الثقفي (قوله وأحسبه) الشك فيه من
أبي قلابة وقد تقدم في طريق ابن المنكدر التي قبلها بغير شك وسيأتي بعد بابين من طريق أخرى
عن أيوب بأتم من هذا السياق (قوله باب رفع الصوت بالإهلال) قال الطبري
الإهلال هنا رفع الصوت بالتلبية وكل رافع صوته بشئ فهو مهل به وأما أهل القوم الهلال فأرى
أنه من هذا لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم عند رؤيته انتهى وسيأتي اختيار البخاري خلاف ذلك
بعد أبواب (قوله وسمعتهم يصرخون بهما جميعا) أي بالحج والعمرة ومراد أنس بذلك من نوى
منهم القران ويحتمل أن يكون على سبيل التوزيع أي بعضهم بالحج وبعضهم بالعمرة قاله
الكرماني ويشكل عليه قوله في الطريق الأخرى يقول لبيك بحجة وعمرة معا وسيأتي إنكار ابن
عمر على أنس ذلك وسيأتي ما فيه في باب التمتع والقران وفيه حجة للجمهور في استحباب رفع
الأصوات بالتلبية وقد روى مالك في الموطأ وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم
من طريق خلاد بن السائب عن أبيه مرفوعا جاءني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي يرفعون
أصواتهم بالإهلال ورجاله ثقات إلا أنه اختلف على التابعي في صحابيه وروى ابن أبي شيبة بإسناد
صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال كنت مع ابن عمر فلبى حتى أسمع ما بين الجبلين وأخرج أيضا
بإسناد صحيح من طريق المطلب بن عبد الله قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح أصواتهم واختلف الرواة عن مالك فقال ابن القاسم عنه
لا يرفع صوته بالتلبية إلا في المسجد الحرام ومسجد منى وقال في الموطأ لا يرفع صوته بالتلبية
في مسجد الجماعات ولم يستثن شيئا ووجه الاستثناء أن المسجد الحرام جعل للحاج والمعتمر
وغيرهما وكان الملبي إنما يقصد إليه فكان ذلك وجه الخصوصية وكذلك مسجد منى (قوله
باب التلبية) هي مصدر لبى أي قال لبيك ولا يكون عامله إلا مضمرا (قوله لبيك) هو لفظ
مثنى عند سيبويه ومن تبعه وقال يونس هو اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير
كلدى وعلى ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر وعن الفراء هو منصوب على المصدر وأصله لبا لك فثنى
على التأكيد أي إلبابا بعد إلباب وهذه التثنية ليست حقيقية بل هي للتكثير أو المبالغة ومعناه
إجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة قال ابن الأنباري ومثله حنانيك أي تحننا بعد تحنن وقيل معنى
لبيك اتجاهي وقصدي إليك مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أي تواجهها وقيل معناه محبتي
لك مأخوذ من قولهم امرأة لبة أي محبة وقيل إخلاصي لك من قولهم حب لباب أي خالص
وقيل أنا مقيم على طاعتك من قولهم لب الرجل بالمكان إذا أقام وقيل قربا منك من الإلباب وهو
القرب وقيل خاضعا لك والأول أظهر وأشهر لأن المحرم مستجيب لدعاء الله إياه في حج بيته ولهذا
من دعا فقال لبيك فقد استجاب وقال ابن عبد البر قال جماعة من أهل العلم معنى التلبية إجابة
324

دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج انتهى وهذا أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن
أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد
والأسانيد إليهم قوية وأقوى ما فيه عن ابن عباس ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن
أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عنه قال لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء
البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال رب وما يبلغ صوتي قال أذن وعلي البلاغ قال فنادى
إبراهيم يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض
أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن
عباس وفيه فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء وأول من أجابه أهل اليمن فليس
حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ قال ابن المنير في الحاشية
وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء
منه سبحانه وتعالى (قوله إن الحمد) روى بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها على التعليل
والكسر أجود عند الجمهور وقال ثعلب لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لك على كل حال ومن
فتح قال معناه لبيك لهذا السبب وقال الخطابي لهج العامة بالفتح وحكاه الزمخشري عن
الشافعي وقال ابن عبد البر المعنى عندي واحد لأن من فتح أراد لبيك لأن الحمد لك على كل حال
وتعقب بأن التقييد ليس في الحمد وإنما هو في التلبية قال ابن دقيق العيد الكسر أجود لأنه
يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة وأن الحمد والنعمة لله على كل حال والفتح يدل على
التعليل فكأنه يقول أجبتك لهذا السبب والأول أعم فهو أكثر فائدة ولما حكى الرافعي
الوجهين من غير ترجيح رجح النووي الكسر وهذا خلاف ما نقله الزمخشري أن الشافعي
أختار الفتح وأن أبا حنيفة أختار الكسر (قوله والنعمة لك) المشهور فيه النصب قال عياض
ويجوز الرفع على الابتداء ويكون الخبر محذوفا والتقدير أن الحمد لك والنعمة مستقرة لك
قاله ابن الأنباري وقال ابن المنير في الحاشية قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك لأن الحمد متعلق
النعمة ولهذا يقال الحمد لله على نعمه فجمع بينهما كأنه قال لا حمد إلا لك لأنه لا نعمة إلا لك
وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله لأنه صاحب الملك (قوله
والمالك) بالنصب أيضا على المشهور ويجوز الرفع وتقديره والملك كذلك ووقع عند مسلم
من رواية موسى بن عقبة عن نافع وغيره عن ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
استوت به راحلته عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال لبيك الحديث وللمصنف في اللباس من
طريق الزهري عن سالم عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا يقول لبيك
اللهم لبيك الحديث وقال في آخره لا يزيد على هذه الكلمات زاد مسلم من هذا الوجه قال
ابن عمر كان عمر يهل بهذا ويزيد لبيك اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك والرغباء إليك والعمل
وهذا القدر في رواية مالك أيضا عنده عن نافع عن ابن عمر أنه كان يزيد فيها فذكر نحوه فعرف
أن ابن عمر اقتدي في ذلك بأبيه وأخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة قال كانت
تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ذا النعماء والفضل الحسن
واستدل به على استحباب الزيادة على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قال الطحاوي
325

بعد أن أخرجه من حديث ابن عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعمرو بن معد يكرب أجمع
المسلمون جميعا على هذه التلبية غير أن قوما قالوا لا بأس أن يزيد فيها من الذكر لله ما أحب وهو
قول محمد والثوري والأوزاعي واحتجوا بحديث أبي هريرة يعني الذي أخرجه النسائي وابن ماجة
وصححه ابن حبان والحاكم قال كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق لبيك
وبزيادة ابن عمر المذكورة وخالفهم آخرون فقالوا لا ينبغي أن يزاد على ما علمه رسول الله صلى الله
عليه وسلم الناس كما في حديث عمرو بن معد يكرب ثم فعله هو ولم يقل لبوا بما شئتم مما هو من جنس
هذا بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة فكذا لا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئا مما علمه ثم أخرج
حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمع رجلا يقول لبيك ذا المعارج فقال أنه
لذو المعارج وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فهذا سعد قد كره
الزيادة في التلبية وبه نأخذ انتهى ويدل على الجواز ما وقع عند النسائي من طريق عبد الرحمن
ابن يزيد عن ابن مسعود قال كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ففيه دلالة على أنه قد
كان يلبي بغير ذلك وما تقدم عن عمر وابن عمر وروى سعيد بن منصور من طريق الأسود بن يزيد
أنه كان يقول لبيك غفار الذنوب وفي حديث جابر الطويل في صفة الحج حتى استوت به ناقته
على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك الخ قال وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد عليهم
شيئا منه ولزم تلبيته وأخرجه أبو داود من الوجه الذي أخرجه منه مسلم قال والناس يزيدون ذا
المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا وفي رواية البيهقي
ذا المعارج وذا الفواضل وهذا يدل على أن الاقتصار عل التلبية المرفوعة أفضل لمداومته هو صلى
الله عليه وسلم عليها وأنه لا بأس بالزيادة لكونه لم يردها عليهم وأقرهم عليها وهو قول الجمهور وبه
صرح أشهب وحكى ابن عبد البر عن مالك الكراهة قال وهو أحد قولي الشافعي وقال الشيخ
أبو حامد حكى أهل العراق عن الشافعي يعني في القديم أنه كره الزيادة على المرفوع وغلطوا بل
لا يكره ولا يستحب وحكى الترمذي عن الشافعي قال فإن زاد في التلبية شيئا من تعظيم الله فلا
بأس وأحب إلي أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن ابن عمر حفظ
التلبية عنه ثم زاد من قبله زيادة ونصب البيهقي الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي فقال الاقتصار
على المرفوع أحب ولا ضيق أن يزيد عليها قال وقال أبو حنيفة أن زاد فحسن وحكى في المعرفة
عن الشافعي قال ولا ضيق على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر وغيره من تعظيم الله ودعائه غير أن
الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك انتهى وهذا أعدل الوجوه
فيفرد ما جاء مرفوعا وإذا أختار قول ما جاء موقوفا أو أنشأه هو من قبل نفسه مما يليق قاله على
انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع وهو شبيه بحال الدعاء في التشهد فإنه قال فيه ثم ليتخير من المسئلة
والثناء ما شاء أي بعد أن يفرغ من المرفوع كما تقدم ذلك في موضعه * (تكميل) * لم يتعرض
المصنف لحكم التلبية وفيها مذاهب أربعة يمكن توصيلها إلى عشرة * الأول أنها سنة من السنن
لا يجب بتركها شئ وهو قول الشافعي وأحمد * ثانيها واجبة ويجب بتركها دم حكاه الماوردي
عن أبن أبي هريرة من الشافعية وقال إنه وجد للشافعي نصا يدل عليه وحكاه ابن قدامة عن بعض
المالكية والخطابي عن مالك وأبي حنيفة وأغرب النووي فحكى عن مالك أنها سنة ويجب
326

بتركها دم ولا يعرف ذلك عندهم إلا أن ابن الجلاب قال التلبية في الحج مسنونة غير مفروضة
وقال ابن التين يريد أنها ليست من أركان الحج وإلا فهي واجبة ولذلك يجب بتركها الدم ولو لم
تكن واجبة لم يجب وحكى ابن العربي أنه يجب عندهم بترك تكرارها دم وهذا قدر زائد على
أصل الوجوب * ثالثها واجبة لكن يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج كالتوجه على الطريق وبهذا
صدر ابن شاس من المالكية كلامه في الجواهر له وحكى صاحب الهداية من الحنفية مثله لكن
زاد القول الذي يقوم مقام التلبية من الذكر كما في مذهبهم من أنه لا يجب لفظ معين وقال ابن
المنذر قال أصحاب الرأي إن كبر أو هلل أو سبح ينوي بذلك الإحرام فهو محرم * رابعها أنها ركن
في الإحرام لا ينعقد بدونها حكاه ابن عبد البر عن الثوري وأبي حنيفة وابن حبيب من المالكية
والزبيري من الشافعية وأهل الظاهر قالوا هي نظير تكبيرة الإحرام للصلاة و يقويه ما تقدم من
بحث ابن عبد السلام عن حقيقة الإحرام وهو قول عطاء أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح
عنه قال التلبية فرض الحج وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وطاوس وعكرمة وحكى النووي عن
داود أنه لا بد من رفع الصوت بها وهذا قدر زائد على أصل كونها ركنا (قوله عن أبي عطية) هو
مالك بن عامر وسيأتي الخلاف في اسمه في تفسير سورة البقرة ورجال هذا الإسناد إلى عائشة
كوفيون إلا شيخ البخاري وأردف المصنف حديث ابن عمر بحديث عائشة لما فيه من الدلالة على
أنه كان يديم ذلك وقد تقدم أن في حديث جابر عند مسلم التصريح بالمداومة (قوله تابعه أبو
معاوية) يعني تابع سفيان وهو الثوري عن الأعمش وروايته وصلها مسدد في مسنده عنه
وكذلك أخرجها الجوزقي من طريق عبد الله بن هشام عنه (قوله وقال شعبة الخ) وصله أبو
داود الطيالسي في مسنده عن شعبة ولفظه مثل لفظ سفيان إلا أنه زاد فيه ثم سمعتها تلبي وليس
فيه قوله لا شريك لك وهذا أخرجه أحمد عن غندر عن شعبة وسليمان شيخ شعبة فيه هو الأعمش
والطريقان جميعا محفوظان وهو محمول على أن للأعمش فيه شيخين ورجح أبو حاتم في العلل رواية
الثوري ومن تبعه على رواية شعبة فقال أنها وهم وخيثمة هو ابن عبد الرحمن الجعفي وأفادت هذه
الطريق بيان سماع أبي عطية له من عائشة والله أعلم (قوله باب التحميد والتسبيح
والتكبير قبل الإهلال) سقط من رواية المستملي لفظ التحميد والمراد بالإهلال هنا التلبية وقوله
عند الركوب أي بعد الاستواء على الدابة لا حال وضع الرجل مثلا في الركاب وهذا الحكم وهو
استحباب التسبيح وما ذكر معه قبل الإهلال قل من تعرض لذكره مع ثبوته وقيل أراد المصنف الرد
على من زعم أنه يكتفى بالتسبيح وغيره عن التلبية ووجه ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أتى بالتسبيح
وغيره ثم لم يكتف به حتى لبى ثم أورد المصنف حديث أنس وهو مشتمل على أحكام فتقدم منها
ما يتعلق بقصر الصلاة وبالإحرام وسيأتي ما يتعلق بالقرآن قريبا (قوله ثم بات بها حتى أصبح
ثم ركب) ظاهره أن إهلاله كان بعد صلاة الصبح لكن عند مسلم من طريق أبي حسان عن ابن
عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها ثم ركب راحلته
فلما استوت به على البيداء أهل بالحج وللنسائي من طريق الحسن عن أنس أنه صلى الله عليه
وسلم صلى الظهر بالبيداء ثم ركب ويجمع بينهما بأنه صلاها في آخر ذي الحليفة وأول البيداء
والله أعلم (قوله ثم أهل بحج وعمرة) يأتي الكلام عليه في باب التمتع والقرآن قريبا إن شاء الله تعالى
327

(قوله حتى كان يوم التروية) بضم يوم لأن كان تامة (قوله ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بدنات
بيده قياما وذبح بالمدينة كبشين أملحين قال أبو عبد الله) هو المصنف (قال بعضهم هذا عن أيوب
عن رجل عن أنس) هكذا وقع عند الكشميهني والبعض المبهم هنا ليس هو إسماعيل بن علية كما
زعم بعضهم فقد أخرجه المصنف عن مسدد عنه في باب نحر البدن قائمة بدون هذه الزيادة ويحتمل
أن يكون حماد بن سلمة فقد أخرجه الإسماعيلي من طريقه عن أيوب لكن صرح بذكر أبي قلابة
ووهيب أيضا ثقة حجة فقد جعله من رواية أيوب عن أبي قلابة عن أنس فعرف أنه المبهم وقد
تابعه عبد الوهاب الثقفي على حديث ذبح الكبشين الأملحين عن أيوب عن أبي قلابة كما
سيأتي في الأضاحي إن شاء الله تعالى (قوله باب من أهل حين استوت به
راحلته قائمة) أورد فيه حديث ابن عمر مختصرا وقد تقدم الكلام عليه قريبا ورواية صالح بن
كيسان عن نافع من الأقران وقد سمع ابن جريج من نافع كثيرا وروى هذا عنه بواسطة وهو دال
على قلة تدليسه والله أعلم (قوله باب الإهلال مستقبل القبلة) زاد المستملي الغداة
بذي الحليفة وسيأتي شرحه (قوله وقال أبو معمر) هو عبد الله بن عمرو لا إسماعيل القطيعي وقد
وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق عباس الدوري عن أبي معمر وقال ذكره البخاري بلا رواية
(قوله إذا صلى بالغداة) أي صلى الصبح بوقت الغداة وللكشميهني إذا صلى الغداة أي الصبح
(قوله فرحلت) بتخفيف الحاء (قوله استقبل القبلة قائما) أي مستويا على ناقته أو وصفه بالقيام
لقيام ناقته وقد وقع في الرواية الثانية بلفظ فإذا استوت به راحلته قائمة وفهم الداودي من
قوله استقبل القبلة قائما أي في الصلاة فقال في السياق تقديم وتأخير فكأنه قال أمر براحلته
فرحلت ثم استقبل القبلة قائما أي فصلى صلاة الإحرام ثم ركب حكاه ابن التين قال وإن كان
ما في الأصل محفوظا فلعله لقرب إهلاله من الصلاة انتهى ولا حاجة إلى دعوى التقديم والتأخير
بل صلاة الإحرام لم تذكر هنا والاستقبال إنما وقع بعد الركوب وقد رواه ابن ماجة وأبو عوانة
في صحيحه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ كان إذا أدخل رجله في الغرز واستوت به ناقته
قائما أهل (قوله ثم يمسك) الظاهر أنه أراد يمسك عن التلبية وكأنه أراد بالحرم المسجد والمراد
بالإمساك عن التلبية التشاغل بغيرها من الطواف وغيره لا تركها أصلا وسيأتي نقل الخلاف في
ذلك وأن ابن عمر كان لا يلبي في طوافه كما رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عطاء قال كان ابن
عمر يدع التلبية إذا دخل الحرم ويراجعها بعد ما يقضي طوافه بين الصفا والمروة وأخرج
نحوه من طريق القاسم بن محمد عن ابن عمر قال الكرماني ويحتمل أن يكون مراده بالحرم منى
يعني فيوافق الجمهور في استمرار التلبية حتى يرمي جمرة العقبة لكن يشكل عليه قوله في رواية
إسماعيل ابن علية إذا دخل أدنى الحرم والأولى أن المراد بالحرم ظاهره لقوله بعد ذلك حتى إذا جاء
ذا طوى فجعل غاية الإمساك الوصول إلى ذي طوى والظاهر أيضا أن المراد بالإمساك ترك تكرار
التلبية ومواظبتها ورفع الصوت بها الذي يفعل في أول الإحرام لا ترك التلبية رأسا والله أعلم
(قوله ذا طوى بضم الطاء وبفتحها وقيدها الأصيلي بكسرها واد معروف بقرب مكة ويعرف
اليوم ببئر الزاهر وهو مقصور منون وقد لا ينون ونقل الكرماني أن في بعض الروايات حتى إذا
حاذى طوى بحاء مهملة بغير همز وفتح الذال قال والأول هو الصحيح لأن اسم الموضع ذو طوى
328

لا طوى فقط (قوله وزعم) هو من إطلاق الزعم على القول الصحيح وسيأتي من رواية ابن علية
عن أيوب بلفظ ويحدث (قوله تابعه إسماعيل) هو ابن علية (عن أيوب في الغسل) أي و غيره لكن
من غير مقصود الترجمة لأن هذه المتابعة وصلها المصنف كما سيأتي بعد أبواب عن يعقوب بن
إبراهيم حدثنا ابن علية به ولم يقتصر فيه على الغسل بل ذكره كله إلا القصة لأولى وأوله كان
إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية والباقي مثله ولهذه النكتة أورد المصنف طريق فليح عن
نافع المقتصرة على القصة الأولى بزيادة ذكر الدهن الذي ليست له رائحة طيبة ولم يقع في رواية
فليح التصريح باستقبال القبلة لكنه من لا زم الموجه إلى مكة في ذلك الموضع أن يستقبل القبلة
وقد صرح بالاستقبال في الرواية الأولى وهما حديث واحد وإنما أحتاج إلى رواية فليح للنكتة
التي بينتها والله أعلم وبهذا التقرير يندفع اعتراض الإسماعيلي عليه في إيراده حديث فليح وأنه
ليس فيه للاستقبال ذكر قال المهلب استقبال القبلة بالتلبية هو المناسب لأنها إجابة لدعوة
إبراهيم ولأن المجيب لا يصلح له أن يولي المجاب ظهره بل يستقبله قال وإنما كان ابن عمر يدهن
ليمنع بذلك القمل عن شعره ويجتنب ما له رائحة طيبة صيانة للاحرام (قوله باب
التلبية إذا انحدر في الوادي) أورد فيه حديث ابن عباس أما موسى كأني أنظر إليه إذا انحدر
إلى الوادي يلبي وفيه قصة وسيأتي بهذا الإسناد بأتم من هذا السياق في كتاب اللباس وقوله
أما موسى كأني أنظر إليه قال المهلب هذا وهم من بعض رواته لأنه لم يأت أثر ولا خبر أن موسى
حي وأنه سيحج وإنما أتى ذلك عن عيسى فاشتبه على الراوي ويدل عليه قوله في الحديث الآخر
ليهلن ابن مريم بفج الروحاء انتهى وهو تغليط للثقات بمجرد التوهم فسيأتي في اللباس بالإسناد
المذكور بزيادة ذكر إبراهيم فيه أفيقال أن الراوي غلط فزاده وقد أخرج مسلم الحديث من
طريق أبي العالية عن ابن عباس بلفظ كأني أنظر إلى موسى هابطا من الثنية واضعا أصبعيه
في أذنيه مارا بهذا الوادي وله جؤار إلى الله بالتلبية قاله لما مر بوادي الأزرق واستفيد منه
تسمية الوادي وهو خلف أمج بينه وبين مكة ميل واحد وأمج بفتح الهمزة والميم وبالجيم قرية ذات
مزارع هناك وفي هذا الحديث أيضا ذكر يونس أفيقال أن الراوي الآخر غلط فزاد يونس وقد
اختلف أهل التحقيق في معنى قوله كأني أنظر على أوجه الأول هو على الحقيقة والأنبياء أحياء
عند ربهم يرزقون فلا مانع أن يحجوا في هذا الحال كما ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أنه
صلى الله عليه وسلم رأى موسى قائما في قبره يصلي قال القرطبي حببت إليهم العبادة فهم يتعبدون
بما يجدونه من دواعي أنفسهم لا بما يلزمون به كما يلهم أهل الجنة الذكر ويؤيده أن عمل الآخرة
ذكر ودعاء لقوله تعالى دعواهم فيها سبحانك اللهم الآية لكن تمام هذا التوجيه أن يقال أن
المنظور إليه هي أرواحهم فلعلها مثلت له صلى الله عليه وسلم في الدنيا كما مثلت له ليلة الإسراء
وأما أجسادهم فهي في القبور قال ابن المنير وغيره يجعل الله لروحه مثالا فيرى في اليقظة
كما يرى في النوم ثانيها كأنه مثلت له أحوالهم التي كانت في الحياة الدنيا كيف تعبدوا وكيف
حجوا وكيف لبوا ولهذا قال كأني ثالثها كأنه أخبر بالوحي عن ذلك فلشدة قطعه به قال كأني
أنظر إليه رابعها كأنها رؤية منام تقدمت له فأخبر عنها لما حج عندما تذكر ذلك ورؤيا الأنبياء
وحي وهذا هو المعتمد عندي لما سيأتي في أحاديث الأنبياء من التصريح بنحو ذلك في أحاديث أخر
329

وكون ذلك كان في المنام والذي قبله أيضا ليس ببعيد والله أعلم قال ابن المنير في الحاشية توهيم
المهلب للراوي وهم منه وإلا فأي فرق بين موسى وعيسى لأنه لم يثبت أن عيسى منذ رفع نزل إلى
الأرض وإنما ثبت أنه سينزل (قلت) أراد المهلب بأن عيسى لما ثبت أنه سينزل كان كالمحقق فقال
كأني أنظر إليه ولهذا استدل المهلب بحديث أبي هريرة الذي فيه ليهلن ابن مريم بالحج والله أعلم
(قوله إذا انحدر) كذا في الأصول وحكى عياض أن بعض العلماء أنكر اثبات الألف وغلط
رواته قال وهو غلط منه إذ لا فرق بين إذا وإذ هنا لأنه وصفه حالة انحداره فيما مضى وفي الحديث
أن التلبية في بطون الأودية من سنن المرسلين وأنها تتأكد عند الهبوط كما تتأكد عند الصعود
* (تنبيه) * لم يصرح أحد ممن روى هذا الحديث عن ابن عون بذكر النبي صلى الله عليه وسلم قاله
الإسماعيلي ولا شك أنه مراد لأن ذلك لا يقوله ابن عباس من قبل نفسه ولا عن غير النبي صلى الله
عليه وسلم والله أعلم (قوله باب كيف تهل الحائض والنفساء) أي كيف تحرم (قوله
أهل تكلم به الخ) هكذا في رواية المستملي والكشميهني وليس هذا مخالفا لما قدمناه من أن أصل
الإهلال رفع الصوت لأن رفع الصوت يقع بذكر الشئ عند ظهوره (قوله وما أهل لغير الله به وهو
من استهلال الصبي) أي أنه من رفع الصوت بذلك فاستهل الصبي أي رفع صوته بالصياح إذا خرج
من بطن أمه وأهل به لغير الله أي رفع الصوت به عند الذبح للأصنام ومنه استهلال المطر
والدمع وهو صوت وقعه بالأرض ومن لازم ذلك الظهور غالبا (قوله فأهللنا بعمرة) قال عياض
اختلفت الروايات في إحرام عائشة اختلافا كثيرا (قلت) وسيأتي بسط القول فيه بعد
بابين في باب التمتع والقران (قوله فقال انقضى رأسك) هو بالقاف وبالمعجمة (وامتشطي
وأهلي بالحج) وهو شاهد الترجمة وقد سبق في كتاب الحيض بلفظ وافعلي ما يفعل الحاج غير أن
لا تطوفي بالبيت وسيأتي بقية الكلام عليه بعد هذا (قوله ثم طافوا طوافا آخر) كذا
للكشميهني والجرجاني ولغيرهما طوافا واحدا والأول هو الصواب قاله عياض قال الخطابي
استشكل بعض أهل العلم أمره لها بنقض رأسها ثم بالامتشاط وكان الشافعي يتأوله على أنه
أمرها أن تدع العمرة وتدخل عليها الحج فتصير قارنة قال وهذا لا يشاكل القصة وقيل
أن مذهبها أن المعتمر إذا دخل مكة استباح ما يستبيحه الحاج إذا رمى الجمرة قال وهذا لا يعلم
وجهه وقيل كانت مضطرة إلى ذلك قال ويحتمل أن يكون نقض رأسها كان لأجل الغسل
لتهل بالحج لا سيما إن كانت ملبدة فتحتاج إلى نقض الضفر وأما الامتشاط فلعل المراد به
تسريحها شعرها بأصابعها برفق حتى لا يسقط منه شئ ثم تضفره كما كان (قوله
باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم) أي
فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فجاز الإحرام على الإبهام لكن لا يلزم منه جواز
تعليقه إلا على فعل من يتحقق أنه يعرفه كما وقع في حديثي الباب وأما مطلق الإحرام على الإبهام
فهو جائز ثم يصرفه المحرم لما شاء لكونه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك وهذا قول الجمهور
وعن المالكية لا يصح الإحرام على الإبهام وهو قول الكوفيين قال ابن المنير وكأنه مذهب
البخاري لأنه أشار بالترجمة إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن لأن عليا وأبا موسى لم يكن عندهما
أصل يرجعان إليه في كيفية الإحرام فأحالاه على النبي صلى الله عليه وسلم وأما الآن فقد
330

استقرت الأحكام وعرفت مراتب الإحرام فلا يصح ذلك والله أعلم وكأنه أخذ الإشارة من
تقييده بزمن النبي صلى الله عليه وسلم (قوله قاله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم) يشير إلى ما أخرجه موصولا في باب بعث علي إلى اليمن من كتاب المغازي من طريق بكر
ابن عبد الله المزني عن ابن عمر فذكر فيه حديثا فقدم علينا علي بن أبي طالب من اليمن حاجا
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بما أهللت فإن معنا أهلك قال أهللت بما أهل به النبي صلى الله
عليه وسلم الحديث وإنما قال له فإن معنا أهلك لأن فاطمة كانت قد تمتعت بالعمرة وأحلت كما بينه
مسلم من حديث جابر (قوله حدثنا عبد الصمد) هو ابن عبد الوارث بن سعيد ومروان الأصفر
يقال اسم أبيه خاقان وهو أبو خلف البصري وروى أيضا عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما من
الصحابة وليس له في البخاري عن أنس سوى هذا الحديث وهو من أفراد الصحيح قال الترمذي
حسن غريب وقال الدارقطني في الأفراد لا أعلم رواه عن سليم بن حيان غير عبد الصمد بن
عبد الوارث (قوله قدم علي من اليمن) سيأتي في المغازي ذكر سبب بعث علي إلى اليمن وأن ذلك
قبل حجة الوداع وبيان ذلك من حديث البراء بن عازب ومن حديث بريدة (قوله وزاد محمد بن بكر
عن ابن جريج) يعني عن عطاء عن جابر ثبت هذا التعليق في رواية أبي ذر وقد وصله الإسماعيلي
من طريق محمد بن بشار وأبو عوانة في صحيحه عن عمار بن رجاء كلاهما عن محمد بن بكر به وسيأتي
معلقا أيضا في المغازي من هذا الوجه مقرونا بطريق مكي بن إبراهيم أيضا هناك أتم والمذكور في
كل من الموضعين قطعة من الحديث وأورد بقيته بهذين السندين معلقا وموصولا في كتاب
الاعتصام والمراد بقوله في طريق مكي وذكر قول سراقة أي سؤاله أعمرتنا لعامنا هذا أو للأبد
قال بل للأبد وسيأتي موصولا في أبواب العمرة من وجه آخر عن عطاء عن جابر (قوله وامكث
حراما كما أنت) في حديث ابن عمر المشار إليه قال فأمسك فإن معنا هديا (قوله عن طارق بن
شهاب) في رواية أيوب بن عائذ الآتية في المغازي عن قيس بن مسلم سمعت طارق بن شهاب (قوله
عن أبي موسى) هو الأشعري وفي رواية أيوب المذكورة حدثني أبو موسى (قوله بعثني النبي صلى
الله عليه وسلم إلى قومي باليمن) سيأتي تحرير وقت ذلك وسببه في كتاب المغازي (قوله وهو
بالبطحاء) زاد في رواية شعبة عن قيس الآتية في باب متى يحل المعتمر منيخ أي نازل بها وذلك في
ابتداء قدومه (قوله بما أهللت) في رواية شعبة فقال أحججت قلت نعم قال بما أهللت (قوله قلت
أهللت) في رواية شعبة قلت لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال أحسنت (قوله
فأمرني فطفت) في رواية شعبة طف بالبيت وبالصفا والمروة (قوله فأتيت امرأة من قومي)
في رواية شعبة امرأة من قيس والمتبادر إلى الذهن من هذا الإطلاق أنها من قيس عيلان
وليس بينهم وبين الأشعريين نسبة لكن في رواية أيوب بن عائذ امرأة من نساء بني قيس وظهر لي
من ذلك أن المراد بقيس قيس بن سليم والد أبي موسى الأشعري وأن المرأة زوج بعض أخوته وكان
لأبي موسى من الأخوة أبو رهم وأبو بردة قيل ومحمد (قوله أو غسلت رأسي) كذا فيه بالشك
وأخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بلفظ وغسلت رأسي بواو العطف
(قوله فقدم عمر) ظاهر سياقه أن قدوم عمر كان في تلك الحجة وليس كذلك بل البخاري اختصره
وقد أخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهدي أيضا بعد قوله وغسلت رأسي فكنت أفتي
331

الناس بذاك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر فإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال إنك لا تدري
ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك فذكر القصة وفيه فلما قدم قلت يا أمير المؤمنين ما هذا
الذي أحدثت في شأن النسك فذكر جوابه وقد اختصره المصنف أيضا من طريق شعبة لكنه
أبين من هذا ولفظه فكنت أفتي به حتى كانت خلافة عمر فقال إن أخذنا الحديث ولمسلم أيضا من
طريق إبراهيم بن أبي موسى الأشعري عن أبيه أنه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل رويدك ببعض
فتياك الحديث وفي هذه الرواية تبين عمر العلة التي لأجلها كره التمتع وهي قوله قد علمت أن النبي
صلى الله عليه وسلم فعله ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن أي بالنساء ثم يروحوا في الحج تقطر
رؤوسهم انتهى وكان من رأى عمر عدم الترفه للحج بكل طريق فكره لهم قرب عهدهم بالنساء لئلا
يستمر الميل إلى ذلك بخلاف من بعد عهده به ومن يفطم ينفطم وقد أخرج مسلم من حديث جابر
أن عمر قال افصلوا حجكم عن عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم وفي رواية أن الله يحل لرسول
ما شاء فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله (قوله أن نأخذ بكتاب الله إلخ) محصل جواب عمر في منعه
الناس من التحلل بالعمرة أن كتاب الله دال على منع التحلل لأمره بالإتمام فيقتضي استمرار الإحرام
إلى فراغ الحج وأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا دالة على ذلك لأنه لم يحل حتى بلغ
الهدي محله لكن الجواب عن ذلك ما أجاب به هو صلى الله عليه وسلم حيث قال ولولا أن معي
الهدي لأحللت فدل على جواز الإحلال لمن لم يكن معه هدي وتبين من مجموع ما جاء عن عمر في
ذلك أنه منع منه سدا للذريعة وقال المازري قيل أن المتعة التي نهى عنها عمر فسخ الحج إلى
العمرة وقيل العمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه وعلى الثاني إنما نهى عنها ترغيبا في الإفراد الذي
هو أفضل لا أنه يعتقد بطلانها وتحريمها وقال عياض الظاهر أنه نهى عن الفسخ ولهذا كان
يضرب الناس عليها كما رواه مسلم بناء على معتقده أن الفسخ كان خاصا بتلك السنة قال النووي
والمختار أنه نهى عن المتعة المعروفة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه وهو على
التنزيه للترغيب في الأفراد كما يظهر من كلامه ثم انعقد الإجماع على جواز التمتع من غير كراهة
ونفي الاختلاف في الأفضل كما سيأتي في الباب الذي بعده ويمكن أن يتمسك من يقول بأنه إنما
نهى عن الفسخ بقوله في الحديث الذي أشرنا إليه قريبا من مسلم أن الله يحل لرسوله ما شاء والله
أعلم وفي قصة أبي موسى وعلي دلالة على جواز تعليق الإحرام بإحرام الغير مع اختلاف آخر
الحديثين في التحلل وذلك أن أبا موسى لم يكن معه هدي فصار له حكم النبي صلى الله عليه وسلم
لو لم يكن معه هدي وقد قال لولا الهدي لأحللت أي وفسخت الحج إلى العمرة كما فعله أصحابه
بأمره كما سيأتي وأما علي فكان معه هدي فلذلك أمره بالبقاء على إحرامه وصار مثله قارنا قال
النووي هذا هو الصواب وقد تأوله الخطابي وعياض بتأويلين غير مرضيين انتهى فأما تأويل
الخطابي فإنه قال فعل أبى موسى يخالف فعل علي وكأنه أراد بقوله أهللت كإهلال النبي صلى الله
عليه وسلم أي كما يبينه لي ويعينه لي من أنواع ما يحرم به فأمره أن يحل بعمل عمرة لأنه لم يكن معه
هدي وأما تأويل عياض فقال المراد بقوله فكنت أفتي الناس بالمتعة أي بفسخ الحج إلى العمرة
والحامل لهما على ذلك اعتقادهما أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا مع قوله لولا أن معي الهدي
لأحللت أي فسخت الحج وجعلته عمرة فلهذا أمر أبا موسى بالتحلل لأنه لم يكن معه هدي
332

بخلاف علي قال عياض وجمهور الأئمة على أن فسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بالصحابة انتهى
وقال ابن المنير في الحاشية ظاهر كلام عمر التفريق بين ما دل عليه الكتاب ودلت عليه السنة وهذا
التأويل يقتضي أنهما يرجعان إلى معنى واحد ثم أجاب بأنه لعله أراد إبطال وهم من توهم أنه
خالف السنة حيث منع من الفسخ فبين أن الكتاب والسنة متوافقان على الأمر بالإتمام وأن
الفسخ كان خاصا بتلك السنة لإبطال اعتقاد الجاهلية أن العمرة لا تصح في أشهر الحج انتهى وأما
إذا قلنا كان قارنا على ما هو الصحيح المختار فالمعتمد ما ذكر النووي والله أعلم وسيأتي بيان
اختلاف الصحابة في كيفية التمتع في باب التمتع والقران إن شاء الله تعالى واستدل به على جواز
الإحرام المبهم وأن المحرم به يصرفه لما شاء وهو قول الشافعي وأصحاب الحديث ومحل ذلك
ما إذا كان الوقت قابلا بناء على أن الحج لا ينعقد في غير أشهره كما سيأتي في الباب الذي يليه
(قوله باب قول الله تعالى الحج أشهر معلومات إلى قوله في الحج وقوله يسألونك عن
الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) قال العلماء تقدير قوله الحج أشهر معلومات أي الحج حج
أشهر معلومات أو أشهر الحج أو وقت الحج أشهر معلومات فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه
مقامه وقال الواحدي يمكن حمله على غير إضمار وهو أن الأشهر جعلت نفس الحج اتساعا
لكون الحج يقع فيها كقولهم ليل نائم وقال الشيخ أبو إسحق في المهذب المراد وقت إحرام
الحج لأن الحج لا يحتاج إلى أشهر فدل على أن المراد وقت الإحرام به وأجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج
ثلاثة أولها شوال ولكن اختلفوا هل هي ثلاثة بكاملها وهو قول مالك ونقل عن الإملاء للشافعي
أو شهران وبعض الثالث وهو قول الباقين ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير
وآخرون عشر ليال من ذي الحجة وهل يدخل يوم النحر أو لا قال أبو حنيفة وأحمد نعم وقال
الشافعي في المشهور المصحح عنه لا وقال بعض أتباعه تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا
في ليلته وهو شاذ واختلف العلماء أيضا في إعتبار هذه الأشهر هل هو على الشرط أو الاستحباب
فقال ابن عمر وابن عباس وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين هو شرط فلا يصح الإحرام بالحج
إلا فيها وهو قول الشافعي وسيأتي استدلال ابن عباس لذلك في هذا الباب واستدل بعضهم
بالقياس على الوقوف وبالقياس على إحرام الصلاة وليس بواضح لأن الصحيح عند الشافعية أن
من أحرم بالحج في غير أشهره انقلب عمرة تجزئه عن عمرة الفرض وأما الصلاة فلو أحرم قبل الوقت
انقلب نفلا بشرط أن يكون ظانا دخول الوقت لا عالما فاختلفا من وجهين (قوله وقال ابن
عمر رضي الله عنهما أشهر الحج إلخ) وصله الطبري والدارقطني من طريق ورقاء عن عبد الله بن
دينار عنه قال الحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وروى البيهقي من
طريق عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله والاسنادان صحيحان وأما
ما رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال من اعتمر في أشهر الحج شوال أو ذي
القعدة أو ذي الحجة قبل الحج فقد استمتع فلعله تجوز في إطلاق ذي الحجة جمعا بين الروايتين والله
أعلم (قوله وقال ابن عباس إلخ) وصله ابن خزيمة والحاكم والدارقطني من طريق الحاكم عن
مقسم عنه قال لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج ورواه
ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس قال لا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج (قوله وكره
عثمان رضي الله عنه أن يحرم من خراسان أو كرمان) وصله سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا
333

يونس بن عبيد أخبرنا الحسن هو البصري أن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان فلما قدم على
عثمان لامه فيما صنع وكرهه وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال أحرم
عبد الله بن عامر من خراسان فقدم على عثمان فلامه وقال غزوت وهان عليك نسكك وروى
أحمد بن سيار في تاريخ مرو من طريق داود بن أبي هند قال لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال
لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي هذا محرما فأحرم من نيسابور فلما قدم على عثمان لامه
على ما صنع وهذه أسانيد يقوي بعضها بعضا وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق
محمد بن إسحاق أن ذلك كان في السنة التي قتل فيها عثمان ومناسبة هذا الأثر للذي قبله أن بين
خراسان ومكة أكثر من مسافة أشهر الحج فيستلزم أن يكون أحرم في غير أشهر الحج فكره ذلك
عثمان وإلا فظاهره يتعلق بكراهة الإحرام قبل الميقات فيكون من متعلق الميقات المكاني
لا الزماني ثم أورد المصنف في الباب حديث عائشة في قصة عمرتها وسيأتي الكلام عليه مستوفى
في الباب الذي بعده وشاهد الترجمة منه قولها خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر
الحج وليالي الحج وحرم الحج فإن هذا كله يدل على أن ذلك كان مشهورا عندهم معلوما وقوله
فيه وحرم الحج بضم الحاء المهملة والراء أي أزمنته وأمكنته وحالاته وروى بفتح الراء وهو
جمع حرمة أي ممنوعات الحج وقوله يا هنتاه بفتح الهاء والنون وقد تسكن النون بعدها مثناة
وآخرها هاء ساكنة كناية عن شئ لا يذكره باسمه تقول في النداء للمذكر يا هن وقد تزاد الهاء
في آخره للسكت فتقول يا هنة وأن تشبع الحركة في النون فتقول يا هناه وتزاد في جميع
ذلك للمؤنث مثناة وقال بعضهم الألف والهاء في آخره كهما في الندبة وقوله قلت لا أصلي
كناية عن أنها حاضت قال ابن المنير كنت عن الحيض بالحكم الخاص به أدبا منها وقد ظهر أثر
ذلك في بناتها المؤمنات فكلهن يكنين عن الحيض بحرمان الصلاة أو غير ذلك وقوله
فلا يضرك في رواية الكشميهني فلا يضيرك بكسر الضاد وتخفيف التحتانية من الضير
وقوله النفر الثاني هو رابع أيام منى وقوله فإني أنظركما في رواية الكشميهني أنتظركما بزيادة
مثناة وقوله حتى إذا فرغت أي من الاعتمار وفرغت من الطواف وحذف الأول للعلم به (قوله
باب التمتع والقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي) أما التمتع
فالمعروف أنه الاعتمار في أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والإهلال بالحج في تلك السنة قال
الله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ويطلق التمتع في عرف السلف على
القران أيضا قال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقوله تعالى فمن تمتع بالعمرة
إلى الحج أنه الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج قال ومن التمتع أيضا القران لأنه تمتع بسقوط سفر
للنسك الآخر من بلده ومن التمتع فسخ الحج أيضا إلى العمرة انتهى وأما القران فوقع في رواية
أبي ذر الإقران بالألف وهو خطأ من حيث اللغة كما قاله عياض وغيره وصورته الإهلال بالحج
والعمرة معا وهذا لا خلاف في جوازه أو الإهلال بالعمرة ثم يدخل عليها الحج أو عكسه وهذا
مختلف فيه وأما الإفراد فالإهلال بالحج وحده في أشهره عند الجميع وفي غير أشهره أيضا عند
من يجيزه والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء وأما فسخ الحج فالإحرام بالحج ثم يتحلل
منه بعمل عمرة فيصير متمتعا وفي جوازه اختلاف آخر وظاهر تصرف المصنف إجازته فإن تقدير
334

الترجمة باب مشروعية التمتع إلخ ويحتمل أن يكون التقدير باب حكم التمتع إلخ فلا يكون فيه
دلالة على أنه يجيزه ثم أورد المصنف في الباب سبعة أحاديث * الأول حديث عائشة من وجهين
(قوله خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) تقدم في الباب قبله بيان الوقت الذي خرجوا فيه
(قوله ولا نرى إلا أنه الحج) ولأبي الأسود عن عروة عنها كما سيأتي مهلين بالحج ولمسلم من طريق
القاسم عنها لا نذكر إلا الحج وله من هذا الوجه لبينا بالحج وظاهره أن عائشة مع غيرها من الصحابة
كانوا أولا محرمين بالحج لكن في رواية عروة عنها هنا فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة
ومنا من أهل بالحج فيحمل الأول على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر
الحج فخرجوا لا يعرفون إلا الحج ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام وجوز لهم
الاعتمار في أشهر الحج وسيأتي في باب الاعتمار بعد الحج من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها فقال
من أحب أن يهل بعمرة فليهل ومن أحب أن يهل بحج فليهل ولأحمد من طريق ابن شهاب عن
عروة فقال من شاء فليهل بعمرة ومن شاء فليهل بحج ولهذه النكتة أورد المصنف في الباب حديث
ابن عباس كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور فأشار إلى الجمع بين ما اختلف عن
عائشة في ذلك وأما عائشة نفسها فسيأتي في أبواب العمرة وفي حجة الوداع ومن المغازي من طريق
هشام بن عروة عن أبيه عنها في أثناء هذا الحديث قالت وكنت ممن أهل بعمرة وسبق في كتاب الحيض
من طريق ابن شهاب نحوه عن عروة زاد أحمد من وجه آخر عن الزهري ولم أسق هديا فادعى
إسماعيل القاضي وغيره أن هذا غلط من عروة وأن الصواب رواية الأسود والقاسم وعروة عنها
أنها أهلت بالحج مفردا وتعقب بأن قول عروة عنها أنها أهلت بعمرة صريح وأما قول الأسود
وغيره عنها لا نرى إلا الحج فليس صريحا في إهلالها بحج مفرد فالجمع بينهما ما تقدم من غير تغليط
عروة وهو أعلم الناس بحديثها وقد وافقه جابر بن عبد الله الصحابي كما أخرجه مسلم عنه وكذا رواه
طاوس ومجاهد عن عائشة ويحتمل في الجمع أيضا أن يقال أهلت عائشة بالحج مفردا كما فعل
غيرها من الصحابة وعلى هذا ينزل حديث الأسود ومن تبعه ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه
أن يفسخوا الحج إلى العمرة ففعلت عائشة ما صنعوا فصارت متمتعة وعلى هذا يتنزل حديث
عروة ثم لما دخلت مكة وهي حائض فلم تقدر على الطواف لأجل الحيض أمرها أن تحرم بالحج
على ما سيأتي من الاختلاف في ذلك والله أعلم (قوله فلما قدمنا تطوفنا بالبيت) أي غيرها لقولها
بعده فلم أطف فإنه تبين به أن قولها تطوفنا من العام الذي أريد به الخاص (قوله فأمر النبي
صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل) أي من الحج بعمل العمرة وهذا هو فسخ الحج
المترجم به (قوله ونساؤه لم يسقن) أي الهدي (فأحللن) أي وهي منهن لكن منعها من التحلل
كونها حاضت ليلة دخولهم مكة وقد مضى في الباب قبله بيان ذلك وأنها بكت وأن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لها كوني في حجك فظاهره أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تجعل عمرتها حجا
ولهذا قالت يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج فأعمرها لأجل ذلك من التنعيم وقال مالك
ليس العمل على حديث عروة قديما ولا حديثا قال ابن عبد البر يريد ليس عليه العمل في رفض
العمرة وجعلها حجا بخلاف جعل الحج عمرة فإنه وقع للصحابة واختلف في جوازه من بعدهم لكن
أجاب جماعة من العلماء عن ذلك باحتمال أن يكون معنى قوله ارفضي عمرتك أي اتركي التحلل
335

منها وادخلي عليها الحج فتصير قارنة ويؤيده قوله في رواية لمسلم وأمسكي عن العمرة أي عن
أعمالها وإنما قالت عائشة وأرجع بحج لاعتقادها أن إفراد العمرة بالعمل أفضل كما وقع لغيرها
من أمهات المؤمنين واستبعد هذا التأويل لقولها في رواية عطاء عنها وأرجع أنا بحجة وليس
معها عمرة أخرجه أحمد وهذا يقوي قول الكوفيين إن عائشة تركت العمرة وحجت مفردة
وتمسكوا في ذلك بقولها في الرواية المتقدمة دعي عمرتك وفي رواية ارفضي عمرتك ونحو ذلك
واستدلوا به على أن للمرأة إذا أهلت بالعمرة متمتعة فحاضت قبل أن تطوف أن تترك العمرة
وتهل بالحج مفردا كما فعلت عائشة لكن في رواية عطاء عنها ضعف والرافع للإشكال في ذلك
ما رواه مسلم من حديث جابر أن عائشة أهلت بعمرة حتى إذا كانت بسرف حاضت فقال لها
النبي صلى الله عليه وسلم أهلي بالحج حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وسعت فقال قد حللت من
حجك وعمرتك قالت يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت قال فأعمرها من
التنعيم ولمسلم من طريق طاوس عنها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم طوافك يسعك لحجك
وعمرتك فهذا صريح في أنها كانت قارنة لقوله قد حللت من حجك وعمرتك وإنما أعمرها من
التنعيم تطييبا لقلبها لكونها لم تطف بالبيت لما دخلت معتمرة وقد وقع في رواية لمسلم وكان النبي
صلى الله عليه وسلم رجلا سهلا إذا هويت الشئ تابعها عليه وسيأتي الكلام على قصة صفية
في أواخر الحج وعلى ما في قصة اعتمار عائشة من الفوائد في أبواب العمرة إن شاء الله تعالى
(قوله وأرجع أنا بحجة) في رواية الكشميهني وأرجع لي بحجة (قوله في الطريق الثانية فأما
من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة لم يحلوا حتى كان يوم النحر) كذا فيه هنا وسيأتي في حجة
الوداع بلفظ فلم يحلوا بزيادة فاء وهو الوجه * الحديث الثاني (قوله عن الحكم) هو ابن عتيبة
بالمثناة والموحدة مصغرا الفقيه الكوفي وعلي بن الحسين هو زين العابدين (قوله شهدت
عثمان وعليا) سيأتي في آخر الباب من طريق سعيد بن المسيب أن ذلك كان بعسفان (قوله
وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما) أي بين الحج والعمرة (فلما رأى علي) في رواية سعيد
ابن المسيب فقال علي ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي
رواية الكشميهني إلا أن تنهى بحرف الاستثناء زاد مسلم من هذا الوجه فقال عثمان دعنا عنك
قال إني لا أستطيع أن أدعك وقوله وأن يجمع بينهما يحتمل أن تكون الواو عاطفة فيكون نهى
عن التمتع القران معا ويحتمل أن يكون عطفا تفسيريا وهو على ما تقدم أن السلف كانوا
يطلقون على القران تمتعا ووجهه أن القارن يتمتع بترك النصب بالسفر مرتين فيكون المراد
أن يجمع بينهما قرانا أو إيقاعا لهما في سنة واحدة بتقديم العمرة على الحج وقد رواه النسائي من
طريق عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب بلفظ نهى عثمان عن التمتع وزاد فيه فلبي
علي أصحابه بالعمرة فلم ينههم عثمان فقال له علي ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع قال
بلى وله من وجه آخر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا زاد مسلم من طريق
عبد الله بن شقيق عن عثمان قال أجل ولكنا كنا خائفين قال النووي لعله أشار إلى عمرة القضية
سنة سبع لكن لم يكن في تلك السنة حقيقة تمتع إنما كان عمرة وحدها (قلت) هي رواية
شاذة فقد روى الحديث مروان بن الحكم وسعيد بن المسيب وهما أعلم من عبد الله بن شقيق
336

فلم يقولا ذلك والتمتع إنما كان في حجة الوداع وقد قال ابن مسعود كما ثبت عنه في الصحيحين كنا
آمن ما يكون الناس وقال القرطبي قوله خائفين أي من أن يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من
تمتع كذا قال وهو جمع حسن ولكن لا يخفى بعده ويحتمل أن يكون عثمان أشار إلى أن الأصل
في اختياره صلى الله عليه وسلم فسخ إلى العمرة (3) في حجة الوداع دفع اعتقاد قريش منع العمرة
في أشهر الحج وكان ابتداء ذلك بالحديبية لأن إحرامهم بالعمرة كان في ذي القعدة وهو من أشهر
الحج وهناك يصح إطلاق كونهم خائفين أي من وقوع القتال بينهم وبين المشركين وكان
المشركون صدوهم عن الوصول إلى البيت فتحللوا من عمرتهم وكانت أول عمرة وقعت في أشهر
الحج ثم جاءت عمرة القضية في ذي القعدة أيضا ثم أراد صلى الله عليه وسلم تأكيد ذلك بالمبالغة
فيه حتى أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة (قوله ما كنت لأدع إلخ) زاد النسائي والإسماعيلي
فقال عثمان تراني أنهى الناس وأنت تفعله فقال ما كنت أدع وفي قصة عثمان وعلي من الفوائد
إشاعة العالم ما عنده من العلم وإظهاره ومناظرة ولاة الأمور وغيرهم في تحقيقه لمن قوي على
ذلك لقصد مناصحة المسلمين والبيان بالفعل مع القول وجواز الاستنباط من النص لأن عثمان
لم يخف عليه أن التمتع والقران جائزان وإنما نهى عنهما ليعمل بالأفضل كما وقع لعمر لكن خشي
علي أن يحمل غيره النهي على التحريم فأشاع جواز ذلك وكل منهما مجتهد مأجور * (تنبيه) *
ذكر ابن الحاجب حديث عثمان في التمتع دليلا لمسئلة إتفاق أهل العصر الثاني بعد اختلاف
أهل العصر الأول فقال وفي الصحيح أن عثمان كان نهى عن المتعة قال البغوي ثم صار إجماعا
وتعقب بأن نهى عثمان عن المتعة إن كان المراد به الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج فلم يستقر الإجماع
عليه لأن الحنفية يخالفون فيه وإن كان المراد به فسخ الحج إلى العمرة فكذلك لأن الحنابلة
يخالفون فيه ثم وراء ذلك أن رواية النسائي السابقة مشعرة بأن عثمان رجع عن النهي فلا يصح
التمسك به ولفظ البغوي بعد أن ساق حديث عثمان في شرح السنة هذا خلاف علي وأكثر
الصحابة على الجواز واتفقت عليه الأئمة بعد فحمله على أن عثمان نهى عن التمتع المعهود والظاهر
أن عثمان ما كان يبطله وإنما كان يرى أن الإفراد أفضل منه وإذا كان كذلك فلم تتفق الأئمة
على ذلك فإن الخلاف في أي الأمور الثلاثة أفضل باق والله أعلم وفيه أن المجتهد لا يلزم مجتهدا
آخر بتقليده لعدم إنكار عثمان على علي ذلك مع كون عثمان الإمام إذ ذاك والله أعلم * الحديث
الثالث عن ابن عباس قال كانوا يرون أن العمرة بفتح أوله أي يعتقدون والمراد أهل الجاهلية
ولابن حبان من طريق أخرى عن ابن عباس قال والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا
يقولون فذكر نحوه فعرف بهذا تعيين القائلين (قوله من أفجر الفجور) هذا من تحكماتهم الباطلة
المأخوذة عن غير أصل (قوله ويجعلون المحرم صفر) كذا هو في جميع الأصول من الصحيحين
قال النووي كان ينبغي أن يكتب بالألف لكن على تقدير حذفها لا بد من قراءته منصوبا
لأنه مصروف بلا خلاف يعني والمشهور عن اللغة الربيعية كتابة المنصوب بغير ألف فلا يلزم من
كتابته بغير ألف أن لا يصرف فيقرأ بالألف وسبقه عياض إلى نفي الخلاف فيه لكن في المحكم كان
أبو عبيدة لا يصرفه فقيل له إنه لا يمتنع الصرف حتى يجتمع علتان فما هما قال المعرفة والساعة
337

وفسره المطرزي بأن مراده بالساعة أن الأزمنة ساعات والساعة مؤنثة انتهى وحديث ابن
عباس هذا حجة قوية لأبي عبيدة ونقل بعضهم أن في صحيح مسلم صفرا بالألف وأما جعلهم ذلك
فقال النووي قال العلماء المراد الإخبار عن النسئ الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية فكانوا
يسمون المحرم صفرا ويحلونه ويؤخرون تحريم المحرم إلى نفس صفر لئلا تتوالى عليهم ثلاثة أشهر
محرمة فيضيق عليهم فيها ما اعتادوه من المقاتلة والغارة بعضهم على بعض فضللهم الله في ذلك
فقال إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا الآية (قوله ويقولون إذا برأ الدبر)
بفتح المهملة والموحدة أي ما كان يحصل بظهور الإبل من الحمل عليها ومشقة السفر فإنه كان
يبرأ بعد انصرافهم من الحج وقوله وعفا الأثر أي اندرس أثر الإبل وغيرها في سيرها ويحتمل
أثر الدبر المذكور وفي سنن أبي داود وعفا الوبر أي كثر وبر الإبل الذي حلق بالرحال وهذه
الألفاظ تقرأ ساكنة الراء لإرادة السجع ووجه تعلق جواز الاعتمار بانسلاخ صفر مع كونه
ليس من أشهر الحج وكذلك المحرم إنهم لما جعلوا المحرم صفرا ولا يستقرون ببلادهم في الغالب
ويبرأ دبر إبلهم إلا عند انسلاخه ألحقوه بأشهر الحج على طريق التبعية وجعلوا أول أشهر
الاعتمار شهر المحرم الذي هو في الأصل صفر والعمرة عندهم في غير أشهر الحج وأما تسمية
الشهر صفرا فقال رؤية أصلها أنهم كانوا يغيرون فيه بعضهم على بعض فيتركون منازلهم
صفرا أي خالية من المتاع وقيل لإصفار أماكنهم من أهلها (قوله قدم النبي صلى الله عليه
وسلم) كذا في الأصول من رواية موسى بن إسماعيل عن وهيب وقد أخرجه المصنف
في أيام الجاهلية عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب بلفظ فقدم بزيادة فاء وهو الوجه وكذا
أخرجه مسلم من طريق بهز بن أسد والإسماعيلي من طريق إبراهيم بن الحجاج كلاهما عن
وهيب (قوله صبيحة رابعة) أي يوم الأحد (قوله مهلين بالحج) في رواية إبراهيم بن الحجاج
وهم يلبون بالحج وهي مفسرة لقوله مهلين واحتج به من قال كان حج النبي صلى الله عليه وسلم
مفردا وأجاب من قال كان قارنا بأنه لا يلزم من إهلاله بالحج أن لا يكون أدخل عليه العمرة (قوله
أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم) أي لما كانوا يعتقدونه أولا وفي رواية إبراهيم بن الحجاج
فكبر ذلك عندهم (قوله أي الحل) كأنهم كانوا يعرفون أن للحج تحللين فأرادوا بيان ذلك
فبين لهم أنهم يتحللون الحل كله لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد ووقع في رواية الطحاوي أي
الحل نحل قال الحل كله * الحديث الرابع حديث أبي موسى قدمت على النبي صلى الله عليه
وسلم فأمرني بالحل هكذا أورده مختصرا وقد تقدم تاما مشروحا قبل بباب ووقع للكشميهني
فأمره بالحل على الالتفات * الحديث الخامس حديث حفصة أنها قالت يا رسول الله ما شأن
الناس حلوا بعمرة الحديث لم يقع في رواية مسلم قبله بعمرة وذكر ابن عبد البر أن أصحاب مالك
ذكرها بعضهم وحذفها بعضهم واستشكل كيف حلوا بعمرة مع قولها ولم تحل من عمرتك
والجواب أن المراد بقولها بعمرة أي أن احرامهم بعمرة كان سببا لسرعة حلهم واستدل به على
أن من ساق الهدي لا يتحلل من عمل العمرة حتى يحل بالحج ويفرغ منه لأنه جعل العلة في بقائه
على إحرامه كونه أهدى وكذا وقع في حديث جابر سابع أحاديث الباب وأخبر أنه لا يحل حتى
ينحر الهدي وهو قول أبي حنيفة وأحمد ومن وافقهما ويؤيده قوله في حديث عائشة أول
حديث الباب فأمر من لم يكن ساق الهدي أن يحل والأحاديث بذلك متظافرة وأجاب بعض
338

المالكية والشافعية عن ذلك بأن السبب في عدم تحلله من العمرة كونه أدخلها على الحج وهو
مشكل عليه لأنه يقول أن حجه كان مفردا وقال بعض العلماء ليس لمن قال كان مفردا عن هذا
الحديث انفصال لأنه إن قال به استشكل عليه كونه علل عدم التحلل بسوق الهدي لأن عدم
التحلل لا يمتنع على من كان قارنا عنده وجنح الأصيلي وغيره إلى توهيم مالك في قوله ولم تحل أنت
من عمرتك وأنه لم يقله أحد في حديث حفصة غيره وتعقبه ابن عبد البر على تقدير تسليم انفراده
بأنها زيادة حافظ فيجب قبولها على أنه لم ينفرد فقد تابعه أيوب وعبيد الله بن عمر وهما مع ذلك
حفاظ أصحاب نافع انتهى ورواية عبيد الله بن عمر عند مسلم وقد أخرجه مسلم من رواية ابن
جريج والبخاري من رواية موسى بن عقبة والبيهقي من رواية شعيب بن أبي حمزة ثلاثتهم عن
نافع بدونها ووقع في رواية عبيد الله بن عمر عند الشيخين فلا أحل حتى أحل من الحج ولا تنافي
هذه رواية مالك لأن القارن لا يحل من العمرة ولا من الحج حتى ينحر فلا حجة فيه لمن تمسك بأنه
صلى الله عليه وسلم كان متمتعا كما سيأتي لأن قول حفصة ولم تحل من عمرتك وقوله هو حتى أحل
من الحج ظاهر في أنه كان قارنا وأجاب من قال كان مفردا عن قوله ولم تحل من عمرتك بأجوبة
أحدها قاله الشافعي معناه ولم تحل أنت من إحرامك الذي ابتدأته معهم بنية واحدة بدليل قوله
لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة وقيل معناه ولم تحل من حجك
بعمرة كما أمرت أصحابك قالوا وقد تأتي من بمعنى الباء كقوله عز وجل يحفظونه من أمر الله
أي بأمر الله والتقدير ولم تحل أنت بعمرة من إحرامك وقيل ظنت أنه فسخ حجه بعمرة كما فعل
أصحابه بأمره فقالت لم لم تحل أنت أيضا من عمرتك ولا يخفى ما في بعض هذه التأويلات من
التعسف والذي تجتمع به الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا بمعنى أنه ادخل العمرة على
الحج بعد أن أهل به مفردا لا أنه أول ما أهل أحرم بالحج والعمرة معا وقد تقدم حديث عمر مرفوعا
وقل عمرة في حجة وحديث أنس ثم أهل بحج وعمرة ولمسلم من حديث عمران بن حصين جمع بين حج
وعمرة ولأبي داود والنسائي من حديث البراء مرفوعا أني سقت الهدي وقرنت وللنسائي من
حديث علي مثله ولأحمد من حديث سراقة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن في حجة الوداع وله
من حديث أبي طلحة جمع بين الحج والعمرة وللدارقطني من حديث أبي سعيد وأبي قتادة والبزار
من حديث ابن أبي أوفى ثلاثتهم مرفوعا مثله وأجاب البيهقي عن هذه الأحاديث وغيرها نصرة
لمن قال إنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا فنقل عن سليمان بن حرب أن رواية أبي قلابة
عن أنس أنه سمعهم يصرخون بهما جميعا أثبت من رواية من روى عنه أنه صلى الله عليه وسلم
جمع بين الحج والعمرة ثم تعقبه بأن قتادة وغيره من الحفاظ رووه عن أنس كذلك فالاختلاف فيه
على أنس نفسه قال فلعله سمع النبي صلى الله عليه وسلم يعلم غيره كيف يهل بالقران فظن أنه أهل
عن نفسه وأجاب عن حديث حفصة بما نقل عن الشافعي أن معنى قولها ولم تحل أنت من عمرتك
أي من إحرامك كما تقدم وعن حديث عمر بأن جماعة رووه بلفظ صلي في هذا الوادي وقال
عمرة في حجة قال وهؤلاء أكثر عددا ممن رواه وقل عمرة في حجة فيكون أذنا في القران لا أمرا للنبي
صلى الله عليه وسلم في حال نفسه وعن حديث عمران بأن المراد بذلك إذنه لأصحابه في القران
بدليل روايته الأخرى أنه صلى الله عليه وسلم أعمر بعض أهله في العشر وروايته الأخرى أنه صلى
339

الله عليه وسلم تمتع فإن مراده بكل ذلك إذنه في ذلك وعن حديث البراء بأنه ساقه في قصة علي وقد
رواها أنس يعني كما تقدم في هذا الباب وجابر كما أخرجه مسلم وليس فيها لفظ وقرنت وأخرج
حديث مجاهد عن عائشة قالت لقد علم ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتمر ثلاثا سوى
التي قرنها في حجته أخرجه أبو داود وقال البيهقي تفرد أبو إسحاق عن مجاهد بهذا وقد رواه منصور
عن مجاهد بلفظ فقالت ما اعتمر في رجب قط وقال هذا هو المحفوظ يعني كما سيأتي في أبواب العمرة
ثم أشار إلى أنه اختلف فيه علي أبي إسحق فرواه زهير بن معاوية عنه هكذا وقال زكريا عن أبي
إسحق عن البراء ثم روى حديث جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم حج حجتين قبل أن يهاجر وحجة
قرن معها عمرة يعني بعد ما هاجر وحكى عن البخاري أنه أعله لأنه من رواية زيد بن الحباب عن
الثوري عن جعفر عن أبيه عنه وزيد ربما يهم في الشئ والمحفوظ عن الثوري مرسل والمعروف
عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بالحج خالصا ثم روى حديث ابن عباس نحو حديث
مجاهد عن عائشة وأعله بداود العطار وقال إنه تفرد بوصله عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن
عباس ورواه ابن عيينة عن عمرو فأرسله لم يذكر ابن عباس ثم روي حديث الصبي بن معبد أنه أهل
بالحج والعمرة معا فأنكر عليه فقال له عمر هديت لسنة نبيك الحديث وهو في السنن وفيه قصة
وأجاب عنه بأنه يدل على جواز القران لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا ولا يخفى ما في هذه
الأجوبة من التعسف وقال النووي الصواب الذي نعتقده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
قارنا ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في تلك السنة بعد الحج ولا شك أن القران أفضل من
الإفراد الذي لا يعتمر في سنته عندنا ولم ينقل أحد أن الحج وحده أفضل من القران كذا قال
والخلاف ثابت قديما وحديثا أما قديما فالثابت عن عمر أنه قال إن أتم لحجكم وعمرتكم أن
تنشئوا لكل منهما سفرا وعن ابن مسعود نحوه أخرجه ابن أبي شيبة وغيره وأما حديثا فقد
صرح القاضي حسين والمتولي بترجيح الأفراد ولو لم يعتمر في تلك السنة وقال صاحب الهداية
من الحنفية الخلاف بيننا وبين الشافعي مبني على أن القارن يطوف طوافا واحدا وسعيا
واحدا فبهذا قال إن الإفراد أفضل ونحن عندنا أن القارن يطوف طوافين وسعيين فهو أفضل
لكونه أكثر عملا وقال الخطابي اختلفت الرواية فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم به محرما
والجواب عن ذلك بأن كل راو أضاف إليه ما أمر به اتساعا ثم رجح بأنه كان أفرد الحج وهذا
هو المشهور عند المالكية والشافعية وقد بسط الشافعي القول فيه في اختلاف الحديث وغيره
ورجح أنه صلى الله عليه وسلم أحرم إحراما مطلقا ينتظر ما يؤمر به فنزل عليه الحكم بذلك وهو
على الصفا ورجحوا الإفراد أيضا بأن الخلفاء الراشدين واظبوا عليه ولا يظن بهم المواظبة على
ترك الأفضل وبأنه لم ينقل عن أحد منهم أنه كره الإفراد وقد نقل عنهم كراهية التمتع والجمع
بينهما حتى فعله على لبيان الجواز وبأن الإفراد لا يجب فيه دم بالإجماع بخلاف التمتع والقران
انتهى وهذا ينبني على أن دم القرآن دم جبران وقد منعه من رجح القران وقال إنه دم فضل وثواب
كالأضحية ولو كان دم نقص لما قام الصيام مقامه ولأنه يؤكل منه ودم النقص لا يؤكل منه
كدم الجزاء قاله الطحاوي وقال عياض نحو ما قال الخطابي وزاد وأما إحرامه هو فقد تضافرت
الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا وأما رواية من روى متمتعا فمعناه أمر به لأنه صرح بقوله
340

ولولا أن معي الهدي لأحللت فصح أنه لم يتحلل وأما رواية من روى القران فهو إخبار عن آخر
أحواله لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادي وقيل له قل عمرة في حجة انتهى وهذا
الجمع هو المعتمد وقد سبق إليه قديما ابن المنذر وبينه ابن حزم في حجة الوداع بيانا شافيا ومهده
المحب الطبري تمهيدا بالغا يطول ذكره ومحصله أن كل من روى عنه الإفراد حمل على ما أهل به في
أول الحال وكل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به أصحابه وكل من روى عنه القران أراد ما استقر
عليه أمره ويترجح رواية من روى القرآن بأمور منها أن معه زيادة علم على من روى الإفراد
وغيره وبأن من روى الإفراد والتمتع اختلف عليه في ذلك فأشهر من روي عنه الإفراد عائشة
وقد ثبت عنها أنه اعتمر مع حجته كما تقدم وابن عمر وقد ثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالعمرة
ثم أهل بالحج كما سيأتي في أبواب الهدي وثبت أنه جمع بين حج وعمرة ثم حدث أن النبي صلى الله
عليه وسلم فعل ذلك وسيأتي أيضا وجابر وقد تقدم قوله إنه اعتمر مع حجته أيضا وروى القران عنه
جماعة من الصحابة لم يختلف عليهم فيه وبأنه لم يقع في شئ من الروايات النقل عنه من لفظه أنه
قال أفردت ولا تمتعت بل صح عنه أنه قال قرنت وصح عنه أنه قال لولا أن معي الهدي لأحللت
وأيضا فإن من روي عنه القران لا يحتمل حديثه التأويل إلا بتعسف بخلاف من روى الإفراد
فإنه محمول على أول الحال وينتفي التعارض ويؤيده أن من جاء عنه الإفراد جاء عنه صورة
القران كما تقدم ومن روى عنه التمتع فإنه محمول على الاقتصار على سفر واحد للنسكين
ويؤيده أن من جاء عنه التمتع لما وصفه وصفه بصورة القران لأنهم اتفقوا على أنه لم يحل من
عمرته حتى أتم عمل جميع الحج وهذه إحدى صور القران وأيضا فإن رواية القران جاءت عن
بضعة عشر صحابيا بأسانيد جياد بخلاف روايتي الإفراد والتمتع وهذا يقتضي رفع الشك عن
ذلك والمصير إلى أنه كان قارنا ومقتضى ذلك أن يكون القران أفضل من الإفراد ومن التمتع
وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين وبه قال الثوري وأبو حنيفة وإسحق بن راهويه واختاره
من الشافعية المزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي ومن المتأخرين تقي الدين السبكي وبحث مع
النووي في اختياره أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا وأن الإفراد مع ذلك أفضل مستندا إلى أنه
صلى الله عليه وسلم أختار الإفراد أولا ثم ادخل عليه العمرة لبيان جواز الاعتمار في أشهر الحج
لكونهم كانوا يعتقدونه من أفجر الفجور كما في ثالث أحاديث الباب وملخص ما يتعقب عليه كلامه
أن البيان قد سبق منه صلى الله عليه وسلم في عمره الثلاث فإنه أحرم بكل منها في ذي القعدة
عمرة الحديبية التي صد عن البيت فيها وعمرة القضية التي بعدها وعمرة الجعرانة ولو كان
أراد باعتماره مع حجته بيان الجواز فقط مع أن الأفضل خلافه لاكتفى في ذلك بأمره أصحابه
أن يفسخوا حجهم إلى العمرة وذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن التمتع
أفضل لكونه صلى الله عليه وسلم تمناه فقال لولا أني سقت الهدي لأحللت ولا يتمنى إلا الأفضل
وهو قول أحمد بن حنبل في المشهور عنه وأجيب بأنه إنما تمناه تطييبا لقلوب أصحابه لحزنهم على
فوات موافقته وإلا فالأفضل ما اختاره الله له واستمر عليه وقال ابن قدامة يترجح التمتع بأن الذي
يفرد إن اعتمر بعدها فهي عمرة مختلف في اجزائها عن حجة الإسلام بخلاف عمرة التمتع فهي
مجزئة بلا خلاف فيترجح التمتع على الإفراد ويليه القران وقال من رجح القران هو أشق من
341

التمتع وعمرته مجزئة بلا خلاف فيكون أفضل منهما وحكى عياض عن بعض العلماء أن الصور
الثلاث في الفضل سواء وهو مقتضى يطلق ابن خزيمة في صحيحه وعن أبي يوسف القران
والتمتع في الفضل سواء وهما أفضل من الإفراد وعن أحمد من ساق الهدي فالقران أفضل له
ليوافق فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يسق الهدي فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه وأمر
به أصحابه زاد بعض أتباعه ومن أراد أن ينشئ لعمرته من بلده سفرا فالإفراد أفضل له قال
وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة فمن قال الإفراد أفضل فعلى هذا
يتنزل لأن أعمال سفرين للنسكين أكثر مشقة فيكون أعظم أجرا ولتجزئ عنه عمرته من غير
نقص ولا اختلاف ومن العلماء من جمع بين الأحاديث على نمط آخر مع موافقته على أنه كان
قارنا كالطحاوي وابن حبان وغيرهما فقيل أهل أولا بعمرة ثم لم يتحلل منها إلى أن أدخل عليها
الحج يوم التروية ومستند هذا القائل حديث ابن عمر الآتي في أبواب الهدي بلفظ فبدأ
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة ثم أهل بالحج وهذا لا ينافي إنكار ابن عمر على أنس كونه نقل
أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج والعمرة كما سيأتي في حجة الوداع من المغازي لاحتمال أن
يكون محل إنكاره كونه نقل أنه أهل بهما معا وإنما المعروف عنده أنه أدخل أحد النسكين على
الآخر لكن جزمه بأنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالعمرة مخالف لما عليه أكثر الأحاديث فهو
مرجوح وقيل أهل أولا الحنفية مفردا ثم استمر على ذلك إلى أن أمر أصحابه بأن يفسخوا حجهم
فيجعلوه عمرة وفسخ معهم ومنعه من التحلل من عمرته المذكورة ما ذكره في حديث الباب وغيره
من سوق الهدي فاستمر معتمرا إلى أن أدخل عليها الحج حتى تحلل منهما جميعا وهذا يستلزم أنه
أحرم بالحج أولا وآخرا وهو محتمل لكن الجمع الأول أولى وقيل إنه صلى الله عليه وسلم أهل
بالحج مفردا واستمر عليه إلى أن تحلل منه بمنى ولم يعتمر في تلك السنة وهو مقتضى من رجح أنه
كان مفردا والذي يظهر لي أن من أنكر القران من الصحابة نفى أن يكون أهل بهما
جميعا في أول الحال ولا ينفي أن يكون أهل بالحج مفردا ثم أدخل عليه العمرة فيجتمع القولان
كما تقدم والله أعلم (قوله ولم تحلل) بكسر اللام الأولى أي لم تحل وإظهار التضعيف لغة معروفة
(قوله لبدت) بتشديد الموحدة أي شعر رأسي وقد تقدم بيان التلبيد وهو أن يجعل فيه شئ
ليلتصق به ويؤخذ منه استحباب ذلك للمحرم (قوله فلا أحل حتى أنحر) يأتي الكلام عليه
في الحديث السابع * الحديث السادس (قوله أبو جمرة) بالجيم والراء (قوله تمتعت فنهاني ناس)
لم أقف على أسمائهم وكان ذلك في زمن ابن الزبير وكان ينهى عن المتعة كما رواه مسلم من حديث
أبي الزبير عنه وعن جابر ونقل ابن أبي حاتم عن ابن الزبير أنه كان لا يرى التمتع الا للمحصر ووافقه
علقمة وإبراهيم وقال الجمهور لا اختصاص بذلك للحصر (قوله فأمرني) أي أن أستمر على
عمرتي ولأحمد ومسلم من طريق غندر عن شعبة فأتيت ابن عباس فسألته عن ذلك فأمرني بها
ثم انطلقت إلى البيت فنمت فأتاني آت في منامي (قوله وعمرة متقبلة) في رواية النضر عن شعبة
كما سيأتي في أبواب الهدي متعة متقبلة وهو خبر مبتدأ محذوف أي هذه عمرة متقبلة وقد
تقدم تفسير المبرور في أوائل الحج (قوله فقال سنة أبي القاسم) هو خبر مبتدأ محذوف أي
هذه سنة ويجوز فيه النصب أي وافقت سنة أبي القاسم أو على الاختصاص وفي رواية النضر
342

فقال الله أكبر سنة أبي القاسم وزاد فيه زيادة يأتي الكلام عليها هناك إن شاء الله تعالى (قوله
ثم قال لي) أي ابن عباس (أقم عندي وأجعل لك سهما من مالي) أي نصيبا (قال شعبة) فقلت
يعني لأبي جمرة (ولم) أي استفهمه عن سبب ذلك (فقال للرؤيا) أي لأجل الرؤيا المذكورة
ويؤخذ منه إكرام من أخبر المرء بما يسره وفرح العالم بموافقته الحق والاستئناس بالرؤيا
لموافقة الدليل الشرعي وعرض الرؤيا على العالم والتكبير عند المسرة والعمل بالأدلة الظاهرة
والتنبيه على اختلاف أهل العلم ليعمل بالراجح منه الموافق للدليل * الحديث السابع (قوله
حدثنا أبو شهاب) هو الأكبر واسمه موسى بن نافع (قوله حجك مكيا) في رواية الكشميهني حجتك
مكية يعني قليلة الثواب لقلة مشقتها وقال ابن بطال معناه إنك تنشئ حجك من مكة كما ينشئ
أهل مكة منها فيفوتك فضل الإحرام من الميقات (قوله فدخلت على عطاء) أي ابن أبي رباح
(قوله يوم ساق البدن معه) بضم الموحدة وإسكان الدال جمع بدنة وذلك في حجة الوداع وقد رواه
مسلم عن ابن نمير عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ عام ساق الهدي (قوله فقال لهم أحلوا من
إحرامكم الخ) أي اجعلوا حجكم عمرة وتحللوا منها بالطواف والسعي (قوله وقصروا) إنما أمرهم
بذلك لأنهم يهلون بعد قليل بالحج فأخر الحلق لأن بين دخولهم وبين يوم التروية أربعة أيام
فقط (قوله واجعلوا التي قدمتم بها متعة) أي اجعلوا الحجة المفردة التي أهللتم بها عمرة تتحللوا منها
فتصيروا متمتعين فأطلق على العمرة متعة مجازا والعلاقة بينهما ظاهرة ووقع في رواية عبد الملك بن
أبي سليمان عن عطاء عند مسلم فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة ونحوه في رواية الباقر
عن جابر في الخبر الطويل عند مسلم (قوله فقال افعلوا ما أمرتكم فلولا أني سقت الهدي الخ)
فيه ما كان عليه عليه السلام من تطييب قلوب أصحابه وتلطفه بهم وحلمه عنهم (قوله لا يحل منى
حرام) بكسر حاء يحل أي شئ حرام والمعنى لا يحل منى ما حرم علي ووقع في رواية مسلم لا يحل منى
حراما بالنصب على المفعولية وعلى هذا فيقرأ يحل بضم أوله والفاعل محذوف تقديره لا يحل المريض
المكث ونحو ذلك منى شيئا حراما حتى يبلغ الهدي محله أي إذا نحر يوم من واستدل به على أن من
اعتمر فساق هديا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر وقد تقدم حديث حفصة نحوه ويأتي
حديث عائشة من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عنها بلفظ من أحرم بعمرة فأهدى فلا يحل
حتى ينحر وتأول ذلك المالكية والشافعية على أن معناه ومن أحرم بعمرة وأهدى فليهل بالحج ولا
يحل حتى ينحر هديه ولا يخفى ما فيه (قلت) فإنه خلاف ظاهر الأحاديث المذكورة وبالله التوفيق
(قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف (قوله أبو شهاب ليس له حديث مسند إلا هذا) أي لم يرو
حديثا مرفوعا إلا هذا الحديث قال مغلطاي كأنه يقول من كان هكذا لا يجعل حديثه أصلا
من أصول العلم (قلت) إذا كان موصوفا بصفة من يصحح حديثه لم يضره ذلك مع أنه قد توبع
عليه ثم كلام مغلطاي محمول على ظاهر الإطلاق وقد أجاب غيره بأنه مقيد بالرواية عن عطاء فإن
حديثه هذا طرف من حديث جابر الطويل الذي انفرد مسلم بسياقه من طريق جعفر بن محمد
ابن علي عن أبيه عن جابر وفي هذا الطرف زيادة بيان لصفة التحلل من العمرة ليس في الحديث
الطويل حيث قال فيه أحلوا من احرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم أقيموا
حلالا إلى يوم التروية وأهلوا بالحج ويستفاد منه جواز جواب المفتي لمن سأله عن حكم خاص
343

بأن يذكر له قصة مسندة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتمل على جواب سؤاله ويكون
ما اشتملت عليه من الفوائد الزائدة على ذلك زيادة خير وينبغي أن يكون محل ذلك لائقا بحال
السائل ثم ذكر المصنف حديث اختلاف عثمان وعلي في التمتع وقد تقدم من وجه آخر وهو ثاني
أحاديث هذا الباب فاشتملت أحاديث الباب على ما ترجم به فحديث عائشة من طريق يؤخذ
منه الفسخ والإفراد وحديث علي من طريقه يؤخذ منه التمتع والقران وحديث ابن عباس
يؤخذ منه الفسخ وكذا حديث أبي موسى وجابر وحديث حفصة يؤخذ منه أن من تمتع بالعمرة
إلى الحج لا يحل من عمرته إن كان ساق الهدي وكذا حديث جابر وحديث ابن عباس الثاني
يؤخذ منه مشروعية التمتع وكذا حديث جابر أيضا والله أعلم (قوله باب من لبى بالحج
وسماه) أورد فيه حديث جابر مختصرا من طريق مجاهد عنه وهو بين فيما ترجم له ويؤخذ
منه فسخ الجح إلى العمرة وقد ذهب الجمهور إلى أنه منسوخ وذهب ابن عباس على أنه محكم
وبه قال أحمد وطائفة يسيرة (قوله باب التمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)
كذا في رواية أبي ذر وسقط لغيره على عهد الخ ولبعضهم باب بغير ترجمة وكذا ذكره الإسماعيلي
والأول أولى وفي الترجمة إشارة إلى الخلاف في ذلك وإن كان الأمر استقر بعد على الجواز (قوله
حدثني مطرف) هو ابن عبد الله بن الشخير ورجال الإسناد كلهم بصريون (قوله عن عمران)
هو ابن حصين الهدي ولمسلم من طريق شعبة عن قتادة عن مطرف بعث إلي عمران بن حصين
في مرضه الذي توفي فيه فقال أني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك فذكر الحديث
(قوله ونزل القرآن) أي بجوازه يشير إلى قوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج الآية ورواه
مسلم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن همام بلفظ ولم ينزل فيه القرآن أي بمنعه وتوضحه
رواية مسلم الأخرى من طريق شعبة وسعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة بلفظ ثم لم ينزل
فيها كتاب الله ولم ينه عنها نبي الله وزاد من طريق شعبة عن حميد بن هلال عن مطرف ولم ينزل فيه
قرآن بحرمة وله من طريق أبي العلاء عن مطرف فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم تنه عنه حتى مضى
لوجهه وللإسماعيلي من طريق عفان بن همام تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل
فيه القرآن ولم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينسخها شئ وقد أخرجه المصنف في تفسير
البقرة من طريق أبي رجاء العطاردي عن عمران بلفظ أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن بحرمة فلم ينه عنها حتى مات قال رجل برأيه ما شاء
(قوله قال رجل برأيه ما شاء) وفي رواية أبي العلاء ارتأى كل امرئ بعد ما شاء أن يرتئي قائل ذلك
هو عمران بن حصين ووهم من زعم أنه مطرف الراوي عنه لثبوت ذلك في رواية أبي رجاء عن
عمران كما ذكرته قبل وحكي الحميدي أنه وقع في البخاري في رواية أبي رجاء عن عمران قال البخاري
يقال أنه عمر أي الرجل الذي عناه عمران بن حصين ولم أر هذا في شئ من الطرق التي اتصلت لنا من
البخاري لكن نقله الإسماعيلي عن البخاري كذلك فهو عمدة الحميدي في ذلك وبهذا جزم
القرطبي والنووي وغيرهما وكأن البخاري أشار بذلك إلى رواية الجريري عن مطرف فقال في
آخره ارتأى رجل برأيه ما شاء يعني عمر كذا في الأصل أخرجه مسلم عن محمد بن حاتم عن وكيع عن
الثوري عنه وقال ابن التين يحتمل أن يريد عمر أو عثمان وأغرب الكرماني فقال ظاهر سياق كتاب
البخاري أن المراد به عثمان وكأنه لقرب عهده بقصة عثمان مع علي جزم بذلك وذلك غير لازم فقد
344

سبقت قصة عمر مع أبي موسى في ذلك ووقعت لمعاوية أيضا مع سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم
قصة في ذلك والأولى أن يفسر بعمر فإنه أول من نهى عنها وكأن من بعده كان تابعا له في ذلك
ففي مسلم أيضا أن ابن الزبير كان ينهى عنها وابن عباس يأمر بها فسألوا جابرا فأشار إلى أن أول
من نهى عنها عمر ثم في حديث عمران هذا ما يعكر على عياض وغيره في جزمهم أن المتعة التي نهى
عنها عمر وعثمان هي فسخ الحج إلى العمرة لا العمرة التي يحج بعدها فإن في بعض طرقه عند مسلم
التصريح بكونها متعة الحج وفي رواية له أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمر بعض أهله
في العشر وفي رواية له جمع بين حج وعمرة ومراده التمتع المذكور وهو الجمع بينهما في عام واحد
كما سيأتي صريحا في الباب بعده في حديث ابن عباس وقد تقدم البحث فيه في حديث أبي موسى
وفيه من الفوائد أيضا جواز نسخ القرآن بالقرآن ولا خلاف فيه وجواز نسخه بالسنة وفيه
اختلاف شهير ووجه الدلالة منه قوله ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مفهومه
أنه لو نهى عنها لامتنعت ويستلزم رفع الحكم ومقتضاه جواز النسخ وقد يؤخذ منه أن
الإجماع لا ينسخ به لكونه حصر وجوه المنع في نزول آية أو نهي من النبي صلى الله عليه وسلم
وفيه وقوع الاجتهاد في الأحكام بين الصحابة وإنكار بعض المجتهدين على بعض بالنص (قوله
باب قول الله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) أي تفسير قوله
وذلك في الآية إشارة إلى التمتع لأنه سبق فيها فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي إلى
أن قال ذلك واختلف السلف في المراد بحاضري المسجد فقال نافع والأعرج هم أهل مكة
بعينها وهو قول مالك واختاره الطحاوي ورجحه وقال طاوس وطائفة هم أهل الحرم وهو الظاهر
وقال مكحول من كان منزله دون المواقيت وهو قول الشافعي في القديم وقال في الجديد من كان
من مكة على دون مسافة القصر ووافقه أحمد وقال مالك أهل مكة ومن حولها سوى أهل
المناهل كعسفان وسوى أهل منى وعرفة (قوله وقال أبو كامل) وصله الإسماعيلي قال حدثنا
القاسم المطرز حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو كامل فذكره بطوله لكنه قال عثمان بن سعد بدل
عثمان بن غياث وكلاهما بصري وله رواية عن عكرمة لكن عثمان بن غياث ثقة وعثمان بن سعد
ضعيف وقد أشار الإسماعيلي إلى أن شيخه القاسم وهم في قوله عثمان بن سعد ويؤيده أن
أبا مسعود الدمشقي ذكر في الأطراف أنه وجده من رواية مسلم بن الحجاج عن أبي كامل كما ساقه
البخاري قال فأظن البخاري أخذه عن مسلم لأنني لم أجده إلا من رواية مسلم كذا قال وتعقب
باحتمال أن يكون البخاري أخذه عن أحمد بن سنان فإنه أحد مشايخه ويحتمل أيضا أن يكون
أخذه عن أبي كامل نفسه فإنه أدركه وهو من الطبقة الوسطى من شيوخه ولم نجد له ذكرا في كتابه
غير هذا الموضع وأبو معشر البراء اسمه يوسف بن يزيد والبراء بالتشديد نسبة له إلى بري السهام
(قوله فلما قدمنا مكة) أي قربها لأن ذلك كان بسرف كما تقدم عن عائشة (قوله اجعلوا
إهلالكم الحنفية عمرة) الخطاب بذلك لمن كان أهل بالحج مفردا كما تقدم واضحا عن عائشة أنهم
كانوا ثلاث فرق (قوله طفنا) في رواية الأصيلي فطفنا بزيادة فاء وهو الوجه ووجه الأول بالحمل
على الاستئناف أو هو جواب لما وقال جملة حالية وقد مقدرة فيها (قوله ونسكنا المناسك) أي من
الوقوف والمبيت وغير ذلك (قوله وأتينا النساء) المراد به غير المتكلم لأن ابن عباس لم يكن إذ ذاك
345

بالغا (قوله عشية التروية) أي بعد الظهر ثامن ذي الحجة وفيه حجة على من استحب تقديمه على يوم
التروية كما نقل عن الحنفية وعن الشافعية يختص استحباب يوم التروية بعد الزوال بمن ساق
الهدي (قوله فقد تم حجنا) للكشميهني وقد بالواو ومن هنا إلى آخر الحديث موقوف علي ابن
عباس ومن هنا إلى أوله مرفوع (قوله فصيام ثلاثة أيام في الحج) سيأتي عن ابن عمر وعائشة
موقوفا أن آخرها يوم عرفة فإن لم يفعل صام أيام منى أي الثلاثة التي بعد يوم النحر وهي أيام
التشريق وبه قال الزهري والأوزاعي ومالك والشافعي في القديم ثم رجع عنه وأخذ بعموم
النهي عن صيام أيام التشريق (قوله وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم) كذا أورده ابن عباس وهو
تفسير منه للرجوع في قوله تعالى إذا رجعتم ويوافقه حديث ابن عمر الآتي في باب من ساق البدن
معه من طريق عقيل عن الزهري عن سالم عن ابن عمر مرفوعا قال للناس من كان منكم أهدى
فإنه لا يحل إلى أن قال فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وهذا قول
الجمهور وعن الشافعي معناه الرجوع إلى مكة وعبر عنه مرة بالفراغ من أعمال الحج ومعنى
الرجوع التوجه من مكة فيصومها في الطريق إن شاء وبه قال إسحاق بن راهويه (قوله الشاة
تجزى) أي عن الهدي وهي جملة حالية وقعت بدون واو وسيأتي في أبواب الهدي بيان ذلك
(قوله بين الحج والعمرة) بيان للمراد بقوله فجمعوا النسكين وهو بإسكان السين قال الجوهري
النسك بالإسكان العبادة وبالضم الذبيحة (قوله فإن الله أنزله) أي الجمع بين الحج والعمرة وأخذ
بقوله فمن تمتع بالعمرة إلى الحج (قوله وسنة نبيه) أي شرعه حيث أمر أصحابه به (قوله غير أهل
مكة) بنصب غير ويجوز كسره وذلك إشارة إلى التمتع وهذا مبني على مذهبه بأن أهل مكة لا متعة
لهم وهو قول الحنفية وعند غيرهم أن الإشارة إلى حكم التمتع وهو الفدية فلا يجب على أهل
مكة بالتمتع دم إذا أحرموا من الحل بالعمرة وأجاب الكرماني بجواب ليس طائلا (قوله التي ذكر
الله) أي بعد آية التمتع حيث قال الحج أشهر معلومات وقد تقدم نقل الخلاف في ذي الحجة هل
هو بكماله أو بعضه (قوله فمن تمتع في هذه الأشهر) ليس لهذا القيد مفهوم لأن الذي يعتمر
في غير أشهر الحج لا يسمى متمتعا ولا دم عليه وكذلك المكي عند الجمهور وخالفه فيه أبو حنيفة
كما تقدم والله أعلم ويدخل في عموم قوله فمن تمتع من أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى
بلده ثم حج منها وبه قال الحسن البصري وهو مبني على أن التمتع إيقاع العمرة في أشهر الحج فقط
والذي ذهب إليه الجمهور أن التمتع أن يجمع الشخص الواحد بينهما في سفر واحد في أشهر
الحج في عام واحد وأن يقدم العمرة وأن لا يكون مكيا فمتى اختل شرط من هذه الشروط لم يكن
متمتعا (قوله والجدال المراء) روى ابن أبي نسيبة من طريق مقسم عن ابن عباس قال ولا جدال
في الحج تماري صاحبك حتى تغضبه وكذا أخرجه عن ابن عمر مثله ومن طريق عكرمة
وإبراهيم النخعي وعطاء بن يسار وغيرهم نحو قول ابن عباس وأخرج من طريق عبد العزيز بن
رفيع عن مجاهد قال قوله ولا جدال في الحج قال قد استقام أمر الحج ومن طريق ابن نجيح
عن مجاهد قال قد صار الحج في ذي الحجة لا شهر ينسأ ولا شك في الحج لأن أهل الجاهلية كانوا
يحجون في غير ذي الحجة (قوله باب الاغتسال عند دخول مكة) قال ابن المنذر
الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء وليس في تركه عندهم فدية وقال أكثرهم
346

يجزئ منه الوضوء وفي الموطأ أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام وظاهره أن
غسله لدخول مكة كان لجسد دون رأسه وقال الشافعية إن عجز عن الغسل تيمم وقال ابن التين
لم يذكر أصحابنا الغسل لدخول مكة وإنما ذكروه للطواف والغسل لدخول مكة هو في الحقيقة
للطواف (قوله ثم يبيت بذي طوى) بضم الطاء وبفتحها (قوله ويغتسل) أي به (قوله كان
يفعل ذلك) يحتمل أن الإشارة به إلى الفعل الأخير وهو الغسل وهو مقصود الترجمة ويحتمل أنها
إلى الجميع وهو الأظهر فسيأتي في الباب الذي يليه ذكر المبيت فقط مرفوعا من رواية أخرى عن
ابن عمر وتقدم الحديث بأتم من هذا في باب الإهلال مستقبل القبلة (قوله باب
دخول مكة نهارا أو ليلا) أورد فيه حديث ابن عمر في المبيت بذي طوى حتى يصبح وهو ظاهر في
الدخول نهارا وقد أخرجه مسلم من طريق أيوب عن نافع بلفظ كان لا يقدم مكة إلا بات بذي
طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا وأما الدخول ليلا فلم يقع منه صلى الله عليه وسلم
إلا في عمرة الجعرانة فإنه صلى الله عليه وسلم أحرم من الجعرانة ودخل مكة ليلا فقضى أمر العمرة
ثم رجع ليلا فأصبح بالجعرانة كبائت كما رواه أصحاب السنن الثلاثة من حديث محرش الكعبي
وترجم عليه النسائي دخول مكة ليلا وروى سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي قال كانوا
يستحبون يدخلوا مكة نهارا ويخرجوا منها ليلا وأخرج عن عطاء إن شئتم فأدخلوا ليلا
إنكم لستم كرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان إماما فأحب أن يدخلها نهارا ليراه الناس
انتهى وقضية هذا أن من كان إماما يقتدى به استحب له أن يدخلها نهارا (قوله باب
من أين يدخل مكة) أورد فيه حديث مالك عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يدخل من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى أخرجه عن إبراهيم بن المنذر عن
معن بن عيسى عنه وليس هو في الموطأ ولا رأيته في غرائب مالك للدارقطني ولم أقف عليه إلا من
رواية معن بن عيسى وقد تابع إبراهيم بن المنذر عليه عبد الله بن جعفر البرمكي وقد عز علي
الإسماعيلي استخراجه فأخرجه عن ابن ناجية عن البخاري مثله وزاد في آخره يعني ثنيتي مكة
وهذه الزيادة قد أخرجها أيضا أبو داود حيث أخرج الحديث عن عبد الله بن جعفر البرمكي
عن معن بن عيسى مثله وقد ذكره المصنف في الباب الذي بعده من طريق أخرى عن نافع
وسياقه أبين من سياق مالك (قوله من أين يخرج من مكة) (قوله من
كداء) بفتح الكاف والمد قال أبو عبيد لا يصرف وهذه الثنية هي التي ينزل منها إلى المعلى مقبرة
أهل مكة وهي التي يقال لها الحجون بفتح المهملة وضم الجيم وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية
ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي ثم سهل في عصرنا هذا منها سنة إحدى عشرة وثمانمائة
موضع ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة وكل عقبة
في جبل أو طريق عال فيه تسمي ثنية (قوله الثنية السفلى) ذكر في ثاني حديثي الباب وخرج
من كدا وهو بضم الكاف مقصور وهي عند باب شبيكة بقرب شعب الشاميين من ناحية
347

قعيقعان وكان بناء هذا الباب عليها في القرن السابع (قوله من أعلى مكة) كذا رواه
أبو أسامة فقبله والصواب ما رواه عمرو وحاتم عن هشام دخل من كداء من أعلى مكة ثم ظهر لي
أن الوهم فيه ممن دون أبي أسامة فقد رواه أحمد عن أبي أسامة على الصواب (قوله قال هشام)
هو ابن عروة بالإسناد المذكور (قوله وكان عروة يدخل من كلتيهما) في رواية الكشميهني على بدل من
(قوله وأكثر ما يدخل من كدا) بالضم والقصر للجميع وكذا في رواية حاتم ووهيب وهي
الطريقة الرابعة لحديث عائشة (قوله وكانت أقربهما إلى منزله) فيه اعتذار هشام لأبيه
لكونه روى الحديث وخالفه لأنه رأى أن ذلك ليس بحتم السري وكان ربما فعله وكثيرا ما يفعل
غيره بقصد التيسير قال عياض والقرطبي وغيرهما اختلف في ضبط كداء وكدا فالأكثر على
أن العليا بالفتح والمد والسفلى بالضم والقصر وقيل بالعكس قال النووي وهو غلط قالوا
واختلف في المعنى الذي لأجله خالف صلى الله عليه وسلم بين طريقيه فقيل ليتبرك به كل من في
طريقه فذكر شيئا مما تقدم في العيد وقد استوعبت ما قيل فيه هناك وبعضه لا يتأتى اعتباره هنا
والله أعلم وقيل الحكمة في ذلك المناسبة بجهة العلو عند الدخول لما فيه من تعظيم المكان
وعكسه الإشارة إلى فراقه وقيل لأن إبراهيم لما دخل مكة دخل منها وقيل لأنه صلى الله
عليه وسلم خرج منها مختفيا في الهجرة فأراد أن يدخلها ظاهرا عاليا وقيل لأن من جاء من تلك
الجهة كان مستقبلا للبيت ويحتمل أن يكون ذلك لكونه دخل منها يوم الفتح فاستمر على ذلك
والسبب في ذلك قول أبي سفيان بن حرب للعباس لا أسلم حتى أرى الخيل تطلع من كداء فقلت
ما هذا قال شئ طلع بقلبي وأن الله لا يطلع الخيل هناك أبدا قال العباس فذكرت أبا سفيان
بذلك لما دخل وللبيهقي من حديث ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر كيف قال
حسان فأنشده
عدمت بنيتي أن لم تروها تثير * النقع مطلعها كداء
فتبسم وقال أدخلوها من حيث قال حسان * (تنبيه) * حكى الحميدي عن أبي العباس
العذري أن بمكة موضعا ثالثا يقال له كدي وهو بالضم والتصغير يخرج منه إلى جهة اليمن
قال المحب الطبري حققه العذري عن أهل المعرفة بمكة قال وقد بني عليها باب مكة الذي يدخل منه
أهل اليمن * (تنبيهات) * أولها محمود في الطريق الثانية من حديث عائشة هو ابن غيلان وعمرو
في الطريق الثالثة هو ابن الحرث وأحمد في أول الإسناد لم أره منسوبا في شئ من الروايات وقد تقدم
في أوائل الحج أحمد عن ابن وهب وأنه أحمد بن عيسى فيشبه أن يكون هو المذكور هنا وحاتم
في الطريق الثالثة هو ابن إسماعيل (التنبيه الثاني) اختلف على هشام بن عروة في وصل هذا
الحديث وإرساله وأورد البخاري الوجهين مشيرا إلى أن رواية الإرسال لا تقدح في رواية الوصل
لأن الذي وصله حافظ وهو ابن عيينة وقد تابعه ثقتان ولعله إنما أورد الطريقين المرسلين
ليستظهر بهما على وهم أبي أسامة الذي أشرت إليه أولا (الثالث) وقع في رواية المستملي وحده
في آخر الباب قال أبو عبد الله كداء وكدا موضعان والمراد بأبي عبد الله المصنف وهذا تفسير
غير مفيد فمعلوم أنهما موضعان بمجرد السياق وقد يسر الله بنقل ما فيها من ضبط وتعيين جهة
كل منهما (قوله باب فضل مكة وبنيانها وقوله تعالى وإذ جعلنا البيت
348

مثابة للناس وأمنا فساق الآيات إلى قوله التواب الرحيم) كذا في رواية كريمة وساق الباقون
بعض الآية الأولى ولأبي ذر كلها ثم قال إلى قوله التواب الرحيم ثم ساق المصنف في الباب
حديث جابر في بناء الكعبة وحديث عائشة في ذلك من أربعة طرق وليس في الآيات ولا الحديث
ذكر لبنيان مكة لكن بنيان الكعبة كان سبب بنيان مكة وعمارتها فاكتفى به واختلف في أول
من بني الكعبة كما سيأتي في أحاديث الأنبياء في الكلام على حديث أبي ذر أي مسجد وضع في
الأرض أول وكذا قصة بناء إبراهيم وإسماعيل لها يأتي في أحاديث الأنبياء ويقتصر هنا على قصة
بناء قريش لها وعلى قصة بناء ابن الزبير وما غيره الحجاج بعده لتعلق ذلك بحديثي الباب والبيت
اسم غالب للكعبة كالنجم للثريا وقوله تعالى مثابة أي مرجعا للحجاج والعمار يتفرقون عنه
ثم يعودون إليه روى عبد بن حميد بإسناد جيد عن مجاهد قال يحجون ثم يعودون وهو مصدق
وصف به الموضع وقوله وأمنا أي موضع أمن وهو كقوله أولم يروا أنا جعلنا حرم آمنا والمراد
ترك القتال فيه كما سيأتي شرحه في الكلام على حديث الباب الذي بعده وقوله واتخذوا من
مقام إبراهيم مصلى أي وقلنا اتخذوا منه موضع ويجوز أن يكون معطوفا على
اذكروا نعمتي أو على معنى مثابة أي ثوبوا إليه واتخذوا والأمر فيه للاستحباب بالاتفاق وقرأ
نافع وابن عامر واتخذوا بلفظ الماضي عطفا على جعلنا أو على تقدير إذ أي وإذ جعلنا وإذ
اتخذوا ومقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدميه على الأصح وسيأتي شرحه في قصة إبراهيم
من أحاديث الأنبياء وعن عطاء مقام إبراهيم عرفة وغيرها من المناسك لأنه قام فيها ودعا وعن
النخعي الحرم كله وكذا رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وقد تقدمت الإشارة إلى شئ
من ذلك في أوائل كتاب الصلاة وقوله والركع السجود استدل به على جواز صلاة الفرض
والنفل داخل البيت وخالف مالك في الفرض (قوله اجعل هذا بلدا آمنا) يأتي الكلام عليه
في حديث إن إبراهيم حرم مكة وأنه لا يعارض حديث إن الله حرم هذا البلد يوم خلق السماوات
والأرض لأن معنى الأول أن إبراهيم أعلم الناس بذلك والثاني ما سبق من تقدير الله وقوله من
آمن بدل من أهله أي وارزق المؤمنين من أهله خاصة ومن كفر عطف على من آمن قيل قاس
إبراهيم الرزق على الإمامة فعرف الفرق بينهما وأن الرزق قد يكون استدراجا وإلزاما للحجة
وسيأتي الكلام على القواعد في تفسير البقرة وأنها الأساس وظاهره أنه كان مؤسسا قبل إبراهيم
ويحتمل أن يكون المراد بالرفع نقلها من مكانها إلى مكان البيت كما سيأتي عند نقل الاختلاف
في ذلك إن شاء الله تعالى وقوله ربنا تقبل منا أي يقولان ربنا تقبل منا وقد أظهره ابن مسعود
في قراءته (قوله وأرنا مناسكنا) قال عبد بن حميد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا سليمان التيمي عن
أبي مجلز قال لما فرغ إبراهيم من البيت أتاه جبريل فأراه الطواف بالبيت سبعا قال وأحسبه
وبين الصفا والمروة ثم أتى به عرفة فقال أعرفت قال نعم قال فمن ثم سميت عرفات ثم أتى به جمعا
فقال ههنا يجمع الناس الصلاة ثم أتى به منى فعرض لهما الشيطان فأخذ جبريل سبع حصيات
فقال ارمه بها وكبر مع كل حصاة (قوله وتب علينا) قيل طلبا الثبات على الإيمان لأنهما
معصومان وقيل أراد أن يعرف الناس أن ذلك الموقف مكان التوبة وقيل المعنى وتب على من
اتبعنا (قوله حدثني عبد الله بن محمد) هو الجعفي وهذا أحد الأحاديث التي أخرجها البخاري
349

عن شيخه أبي عاصم النبيل بواسطة (قوله لما بنيت الكعبة) هذا من مرسل الصحابي لأن
جابرا لم يدرك هذه القصة فيحتمل أن يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو ممن حضرها
من الصحابة وقد روى الطبراني وأبو نعيم في الدلائل من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير قال سألت
جابرا هل يقوم الرجل عريانا فقال أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما انهدمت الكعبة نقل
كل بطن من قريش وأن النبي صلى الله عليه وسلم نقل مع العباس وكانوا يضعون ثيابهم على
العواتق يتقوون بها أي على حمل الحجارة فقال النبي صلى الله عليه وسلم فاعتقلت رجلي فخررت
وسقط ثوبي فقلت للعباس هلم ثوبي فلست أتعرى بعدها إلا إلى الغسيل لكن ابن لهيعة ضعيف
وقد تابعه عبد العزيز بن سليمان عن أبي الزبير ذكره أبو نعيم فإن كان محفوظا وإلا فقد حضره
من الصحابة العباس كما في حديث الباب فلعل جابرا حمله عنه وروى الطبراني أيضا والبيهقي في
الدلائل من طريق عمرو بن أبي قيس والطبري في التهذيب من طريق هارون بن المغيرة أبو نعيم
في المعرفة من طريق قيس بن الربيع وفي الدلائل من طريق شعيب بن خالد كلهم عن سماك بن
حرب عن عكرمة عن ابن عباس حدثني أبي العباس بن عبد المطلب قال لما بنت قريش
الكعبة انفردت رجلين رجلين ينقلون الحجارة فكنت أنا وابن أخي فجعلنا نأخذ أزرنا فنضعها
على مناكبنا ونجعل عليها الحجارة فإذا دنونا من الناس لبسنا أزرنا فبينما هو أمامي إذ صرع
فسعيت وهو شاخص ببصره إلى السماء قال فقلت لابن أخي ما شأنك قال نهيت أن أمشي
عريانا قال فكتمته حتى أظهر الله نبوته تابعه الحكم بن أبان عن عكرمة أخرجه أبو نعيم
أيضا وروى ذلك أيضا من طريق النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس ليس فيه العباس
وقال في آخره فكان أول شئ رأى من النبوة والنضر ضعيف وقد خبط في إسناده وفي متنه فإنه
جعل القصة في معالجة زمزم بأمر أبي طالب وهو غلام وكذا روى بن إسحاق في السيرة عن أبيه
عمن حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني لمع غلمان هم أسناني قد جعلنا أزرنا على أعناقنا
لحجارة ننقلها إذ لكمني لاكم لكمة شديدة ثم قال اشدد عليك إزارك فكأن هذه قصة
أخرى واغتر بذلك الأزرقي فحكى قولا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بنيت الكعبة كان غلاما
ولعل عمدته في ذلك ما سيأتي عن معمر عن الزهري ولحديث معمر شاهد من حديث أبي الطفيل
أخرجه عبد الرزاق ومن طريقه الحاكم والطبراني قال كانت الكعبة في الجاهلية مبنية
بالرضم ليس فيها مدر وكانت قدر ما يقتحمها العناق وكانت ثيابها توضع عليها تسدل سدلا
وكانت ذات ركنين كهيئة هذه الحلقة فأقبلت سفينة من الروم حتى إذا كانوا قريبا
من جدة انكسرت فخرجت قريش لتأخذ خشبها فوجدوا الرومي الذي فيها نجارا فقدموا به
وبالخشب ليبنوا به البيت فكانوا كلما أرادوا القرب منه لهدمه بدت لهم حية فاتحة فاها فبعث الله
طيرا أعظم من النسر فغرز مخالبه فيها فألقاها نحو أجياد فهدمت قريش الكعبة وبنوها بحجارة
الوادي فرفعوها في السماء عشرين ذراعا فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يحمل الحجارة من أجياد
وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة فذهب يضعها على عاتقه فبدت عورته من صغرها فنودي يا محمد
خمر عورتك فلم ير عريانا بعد ذلك وكان بين ذلك وبين المبعث خمس سنين قال معمر وأما الزهري
فقال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلم أجمرت امرأة الكعبة فطارت شرارة من مجمرها
350

في ثياب الكعبة فاحترقت فتشاورت قريش في هدمها وهابوه فقال الوليد إن الله لا يهلك من يريد
الإصلاح فارتقى على ظاهر البيت ومعه العباس فقال اللهم لا نريد إلا الإصلاح ثم هدم فلما رأوه
سالما تابعوه قال عبد الرزاق وأخبرنا ابن جريج قال قال مجاهد كان ذلك قبل المبعث بخمس
عشرة سنة وكذا رواه ابن عبد البر من طريق محمد بن جبير بن مطعم بإسناد له وبه جزم موسى بن
عقبة في مغازيه والأول أشهر وبه جزم ابن إسحاق ويمكن الجمع بينهما بأن يكون الحريق تقدم
وقته على الشروع في البناء وذكر ابن إسحاق أن السيل كان يأتي فيصيب الكعبة فيتساقط من
بنائها وكان رضما فوق القامة فأرادت قريش رفعها وتسقيفها وذلك أن نفرا سرقوا كنز الكعبة
فذكر القصة مطولة في بنائهم الكعبة وفي اختلافهم فيمن يضع الحجر الأسود حتى رضوا بأول انظر
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحكموه في ذلك فوضعه بيده قال وكانت الكعبة على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر ذراعا ووقع عند الطبراني من طريق أخرى عن ابن خثيم عن
أبي الطفيل أن اسم ماتت المذكور بأقوم وللفاكهي من طريق ابن جريج مثله قال وكان
يتجر إلى بندر وراء ساحل عدن فانكسرت سفينته بالشعيبة فقال لقريش إن أجريتم عيري
مع عيركم إلى الشام أعطيتكم الخشب ففعلوا وروى سفيان بن عيينة في جامعه عن عمرو بن دينار
أنه سمع عبيد بن عمير يقول اسم الذي بنى الكعبة لقريش بأقوم وكان روميا وقال الأزرقي كان
طولها سبعة وعشرين ذراعا فاقتصرت قريش منها على ثمانية عشر ونقصوا من عرضها أذرعا
أدخلوها في الحجر (قوله فخر إلى الأرض) في رواية زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار الماضية
في باب كراهية التعري من أوائل الصلاة فجعله على منكبه فسقط مغشيا عليه (قوله فطمحت
عيناه) بفتح المهملة والميم أي ارتفعتا والمعنى أنه صار ينظر إلى فوق وفي رواية عبد الرزاق
عن ابن جريج في أوائل السيرة النبوية ثم أفاق فقال (قوله أرني إزاري) أي أعطني وحكى
ابن التين كسر الراء وسكونها وقد قرئ بهما وفي رواية عبد الرزاق الآتية إزاري إزاري
بالتكرير (قوله فشده عليه) زاد زكريا بن إسحاق فما رؤى بعد ذلك عريانا وقد تقدم شاهدها
من حديث أبي الطفيل الحديث الثاني ساقه من أربعة طرق (قوله في الطريق الأولى عن سالم
ابن عبد الله) أي ابن عمر (قوله أن عبد الله بن محمد ابن أبي بكر) أي الصديق ووقع في رواية مسلم
أبي بكر بن أبي قحافة وعبد الله هذا هو أخو القاسم بن محمد (قوله أخبر عبد الله بن عمر بنصب
عبد الله على المفعولية وظاهره أن سالما كان حاضرا لذلك فيكون من روايته عن عبد الله بن محمد
وقد صرح بذلك أبو أويس عن ابن شهاب لكنه سماه عبد الرحمن بن محمد فوهم أخرجه أحمد
وأغرب إبراهيم بن طهمان فرواه عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أخرجه الدارقطني
في غرائب مالك والمحفوظ الأول وقد رواه معمر عن ابن شهاب عن سالم لكنه اختصره وأخرجه
مسلم من طريق نافع عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر عن عائشة فتابع سالما فيه وزاد في المتن
ولأنفقت كنز الكعبة ولم أر هذه الزيادة إلا من هذا الوجه ومن طريق أخرى أخرجها أبو عوانة
من طريق القاسم بن محمد عن عبد الله بن الزبير عن عائشة وسيأتي البحث فيها في باب كسوة
الكعبة (قوله قومك) أي قريش (قوله اقتصروا عن قواعد إبراهيم) سيأتي بيان ذلك
في الطريق التي تلي هذه (قوله لولا حدثان) بكسر المهملة وسكون الدال بعدها مثلثة بمعنى
351

الحدوث أي قرب عهدهم (قوله لفعلت) أي لرددتها على قواعد إبراهيم (قوله فقال عبد الله)
أي ابن عمر بالإسناد المذكور وقد رواه معمر عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه بهذه القصة مجردة
(قوله لئن كانت) ليس هذا شكا من ابن عمر في صدق عائشة لكن يقع في كلام العرب كثيرا صورة
التشكيك والمراد التقرير واليقين (قوله ما أرى) بضم الهمزة أي أظن وهي رواية معمر وزاد في
آخر الحديث ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك ونحوه في رواية أبي أويس المذكورة
(قوله استلام) افتعال من السلام والمراد هنا لمس الركن بالقبلة أو اليد (قوله يليان) أي يقربان
من الحجر بكسر المهملة وسكون الجيم وهو معروف على صفة نصف الدائرة وقدرها تسع
وثلاثون ذراعا والقدر الذي أخرج من الكعبة سيأتي قريبا (قوله في الطريقة الثانية حدثنا
الأشعث) هو ابن أبي الشعثاء المحاربي وقد تقدم في العلم من وجه آخر عن الأسود بزيادة نبهنا على
ما فيها هناك (قوله عن الجدر) بفتح الجيم وسكون المهملة كذا للأكثر وكذا هو في مسند مسدد
شيخ البخاري فيه وفي رواية المستملي الجدار قال الخليل الجدر لغة في الجدار انتهى ووهم من
ضبطه بضمها لأن المراد الحجر ولأبي داود الطيالسي في مسنده عن أبي الأحوص شيخ مسدد فيه
الجدر أو الحجر بالشك ولأبي عوانة من طريق شيبان عن الأشعث الحجر بغير شك (قوله أمن
البيت هو قال نعم) هذا ظاهره أن الحجر كله من البيت وكذا قوله في الطريق الثانية أن ادخل
الجدر في البيت وبذلك كان يفتي ابن عباس كما رواه عبد الرزاق عن أبيه عن مرثد بن شرحبيل
قال سمعت ابن عباس يقول لو وليت من البيت ما ولى ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت فلم
يطاف به إن لم يكن من البيت وروى الترمذي والنسائي من طريق علقمة عن أمه عن عائشة
قالت كنت أحب أن أصلي في البيت فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر
فقال صلي فيه فإنما هو قطعة من البيت ولكن قومك استقصروه حين بنوا الكعبة فأخرجوه من
البيت ونحوه لأبي داود من طريق صفية بنت شيبة عن عائشة ولأبي عوانة من طريق قتادة عن
عروة عن عائشة ولأحمد من طريق سعيد بن جبير عن عائشة وفيه أنها أرسلت إلى شيبة الحجبي ليفتح
لها البيت بالليل فقال ما فتحناه في جاهلية ولا إسلام بليل وهذه الروايات كلها مطلقة وقد جاءت
روايات أصح منها مقيدة منها لمسلم من طريق أبي قزعة عن الحرث بن عبد الله عن عائشة
في حديث الباب حتى أزيد فيه من الحجر وله من وجه آخر عن الحرث عنها فإن بدا لقومك أن يبنوه
بعدي فهلمي لأريك ما تركوا منه فأراها قريبا من سبعة أذرع وله من طريق سعيد بن ميناء عن
عبد الله بن الزبير عن عائشة في هذا الحديث وزدت فيها من الحجر ستة أذرع وسيأتي في آخر
الطريق الرابعة قول يزيد بن رومان الذي رواه عن عروة أنه أراه لجرير بن حازم فحزره ستة أذرع
أو نحوها ولسفيان بن عيينة في جامعه عن داود بن شابور عن مجاهد أن ابن الزبير زاد فيها ستة
أذرع مما يلي الحجر وله عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن الزبير ستة أذرع وشبر وهكذا ذكر الشافعي
عن عدد لقيهم من أهل العلم من قريش كما أخرجه البيهقي في المعرفة عنه وهذه الروايات كلها
تجتمع على أنها فوق الستة ودون السبعة وأما رواية عطاء عند مسلم عن عائشة مرفوعا لكنت
أدخل فيها من الحجر خمسة أذرع فهي شاذة والرواية السابقة أرجح لما فيها من الزيادة عن الثقات
الحفاظ ثم ظهر لي لرواية عطاء وجه وهو أنه أريد بها ما عدا الفرجة التي بين الركن والحجر
352

فتجتمع مع الروايات الأخرى فإن الذي عدا الفرجة أربعة أذرع وشئ ولهذا وقع عند الفاكهي
من حديث أبي عمرو بن عدي بن الحمراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة في هذه القصة
ولأدخلت فيها من الحجر أربعة أذرع فيحمل هذا على إلغاء الكسر ورواية عطاء على جبره
ويجمع بين الروايات كلها بذلك ولم أر من سبقني إلى ذلك وسأذكر ثمرة هذا البحث في آخر الكلام
على هذا الحديث (قوله ألم ترى) أي ألم تعرفي (قوله قصرت بهم النفقة) بتشديد الصاد أي
النفقة الطيبة التي أخرجوها لذلك كما جزم به الأزرقي وغيره ويوضحه ما ذكر ابن إسحاق في السيرة
عن عبد الله بن أبي نجيح أنه أخبر عن عبد الله بن صفوان بن أمية أن أبا وهب بن عابد بن عمران بن
مخزوم وهو جد جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي قال لقريش لا تدخلوا فيه من كسبكم
إلا الطيب ولا تدخلوا فيه مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس وروى سفيان بن عيينة
في جامعه عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه أنه شهد عمر بن الخطاب أرسل إلى شيخ من بني زهرة
أدرك ذلك فسأله عمر عن بناء الكعبة فقال إن قريشا تقربت لبناء الكعبة أي بالنفقة الطيبة
فعجزت فتركوا بعض البيت في الحجر فقال عمر صدقت (قوله ليدخلوا) في رواية المستملي يدخلوا
بغير لام زاد مسلم من طريق الحرث بن عبد الله عن عائشة فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها
يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط (قوله حديث عهدهم) بتنوين حديث (قوله
بجاهلية) في رواية الكشميهني بالجاهلية وقد تقدم في العلم من طريق الأسود حديث عهد بكفر
ولأبي عوانة من طريق قتادة عن عروة عن عائشة حديث عهد بشرك (قوله فأخاف أن تنكر
قلوبهم) في رواية شيبان عن أشعث تنفر بالفاء بدل الكاف ونقل ابن بطال عن بعض علمائهم
أن النفرة التي خشيها صلى الله عليه وسلم أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم (قوله أن ادخالي
الجدر) كذا وقع هنا وهو مؤول بمعنى المصدر أي أخاف إنكار قلوبهم ادخالي الحجر وجواب لولا
محذوف وقد رواه مسلم عن سعيد بن منصور عن أبي الأحوص بلفظ فأخاف أن تنكر قلوبهم
لنظرت ان أدخل فأثبت جواب لولا وكذا أثبته الإسماعيلي من طريق شيبان عن أشعث ولفظه
لنظرت فأدخلته (قوله في الطريق الثالثة عن هشام) هو ابن عروة (قوله عن عائشة) كذا
رواه مسلم من طريق أبي معاوية والنسائي من طريق عبدة بن سليمان وأبو عوانة من طريق علي
ابن مسهر وأحمد عن عبد الله بن نمير كلهم عن هشام وخالفهم القاسم بن معن فرواه عن هشام
عن أبيه عن أخيه عبد الله بن الزبير عن عائشة أخرجه أبو عوانة ورواية الجماعة أرجح فإن
رواية عروة عن عائشة لهذا الحديث مشهورة من غير هذا الوجه فسيأتي في الطريق الرابعة
من طريق يزيد بن رومان عنه وكذا لأبي عوانة من طريق قتادة وأبي النضر كلاهما عن عروة عن
عائشة بغير واسطة ويحتمل أن يكون عروة حمل عن أخيه عن عائشة منه شيئا زائدا على روايته
عنها كما وقع للأسود بن يزيد مع ابن الزبير فيما تقدم شرحه في كتاب العلم (قوله وجعلت له
خلفا) بفتح المعجمة وسكون اللام بعدها فاء وقد فسره في الرواية المعلقة وضبطه الحربي
في الغريب بكسر الخاء المعجمة قال والخالفة عمود في مؤخر البيت والصواب الأول وبينه قوله
في الرواية الرابعة وجعلت لها بابين * (تنبيه) * قوله وجعلت بسكون اللام وضم التاء عطفا على
قوله لبنيته وضبطها القابسي بفتح اللام وسكون المثناة عطفا على استقصرت وهو وهم فإن
353

قريشا لم تجعل له بابا من خلف وإنما هم النبي صلى الله عليه وسلم بجعله فلا يغتر بمن حفظ هذه
الكلمة بفتح ثم سكون (قوله قال أبو معاوية حدثنا هشام) يعني بن عروة بسنده هذا (خلفا
يعني بابا) والتفسير المذكور من قول هشام بينه أبو عوانة من طريق علي بن مسهر عن هشام قال
الخلف الباب وطريق أبي معاوية وصلها مسلم والنسائي ولم يقع في روايتهما التفسير المذكور
وأخرجه ابن خزيمة عن أبي كريب عن أبي أسامة وأدرج التفسير ولفظه وجعلت لها خلفا يعني
بابا آخر من خلف يقابل الباب المقدم (قوله في الطريق الرابعة حدثنا يزيد) هو ابن هارون كما جزم
به أبو نعيم في المستخرج (قوله عن عروة) كذا رواه الحفاظ من أصحاب يزيد بن هارون عنه فأخرجه
أحمد بن حنبل وأحمد بن سنان وأحمد بن منيع في مسانيدهم عنه هكذا والنسائي عن
عبد الرحمن بن محمد بن سلام والإسماعيلي من طريق هارون الجمال والزعفراني كلهم عن يزيد بن
هارون وخالفهم الحرث بن أبي أسامة فرواه عن يزيد بن هارون فقال عن عبد الله بن الزبير بدل
عروة بن الزبير وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي الأزهر عن وهب بن جرير بن حازم عن
أبيه قال الإسماعيلي إن كان أبو الأزهر ضبطه فكأن يزيد بن رومان سمعه من الأخوين (قلت)
قد تابعه محمد بن مشكان كما أخرجه الجوزقي عن الدغولي عنه عن وهب بن جرير ويزيد قد حمله
عن الأخوين لكن رواية الجماعة أوضح فهي أصح (قوله حديث عهد) كذا لجميع الرواة
بالإضافة وقال المطرزي لا يجوز حذف الواو في مثل هذا والصواب حديثو عهد والله أعلم
(قوله فذلك الذي حمل بن الزبير على هدمه) زاد وهب بن جرير في روايته وبنائه (قوله قال يزيد)
هو ابن رومان بالإسناد المذكور (وشهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه إلى قوله كأسنمة الإبل)
هكذا ذكره يزيد بن رومان مختصرا وقد ذكره مسلم وغيره واضحا فروى مسلم من طريق عطاء بن
أبي رباح قال لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاه أهل الشام فكان من أمره ما كان
وللفاكهي في كتاب مكة من طريق أبي أويس عن يزيد بن رومان وغيره قالوا لما أحرق أهل الشام
الكعبة ورموها بالمنجنيق وهت الكعبة ولابن سعد في الطبقات من طريق أبي الحرث بن زمعة
قال ارتحل الحصين بن نمير يعني الأمير الذي كان يقاتل ابن الزبير من قبل يزيد بن معاوية لما
أتاهم موت يزيد بن معاوية في ربيع الآخر سنة أربع وستين قال فأمر ابن الزبير بالخصاص التي
كانت حول الكعبة فهدمت فإذا الكعبة تنفض أي تتحرك متوهنة ترتج من أعلاها إلى أسفلها
فيها أمثال جيوب النساء من حجارة المنجنيق وللفاكهي من طريق عثمان بن ساج بلغني أنه
لما قدم جيش الحصين بن نمير أحرق بعض أهل الشام على باب بني جمح وفي المسجد يومئذ خيام
فمشى الحريق حتى أخذ في البيت فظن الفريقان أنهم هالكون وضعف بناء البيت حتى أن
الطير ليقع عليه فتتناثر حجارته ولعبد الرزاق عن أبيه عن مرثد بن شرحبيل أنه حضر ذلك قال
كانت الكعبة قد وهت من حريق أهل الشام قال فهدمها ابن الزبير فتركه ابن الزبير حتى قدم
الناس الموسم يريد أن يحزبهم على أهل الشام فلما صدر الناس قال أشيروا علي في الكعبة الحديث
ولابن سعد من طريق ابن أبي مليكة قال لم يبن ابن الزبير الكعبة حتى حج الناس سنة أربع وستين
ثم بناها حين استقبل سنة خمس وستين وحكى عن الواقدي أنه رد ذلك وقال لأثبت عندي
أنه ابتدأ بناءها بعد رحيل الجيش بسبعين يوما وجزم الأزرقي بأن ذلك كان في نصف جمادي
354

الآخرة سنة أربع وستين (قلت) ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون ابتداء البناء في ذلك
الوقت وامتد أمده إلى الموسم ليراه أهل الآفاق ليشنع بذلك على بني أمية ويؤيده أن في تاريخ
المسيحي أن الفراغ من بناء الكعبة كان في سنة خمس وستين وزاد المحب الطبري أنه كان في شهر
رجب والله أعلم وأن لم يكن هذا الجمع مقبولا فالذي في الصحيح مقدم على غيره وذكر مسلم في
رواية عطاء إشارة ابن عباس عليه بأن لا يفعل وقول ابن الزبير لو أن أحدكم احترق بيته بناه حتى
يجدده وأنه استخار الله ثلاثا ثم عزم على أن ينقضها قال فتحاماه الناس حتى صعد رجل فألقى
منه حجارة فلما لم يره الناس أصابه شئ تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض وجعل ابن الزبير
أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه وقال ابن عيينة في جامعه عن داود بن سابور عن مجاهد
قال خرجنا إلى منى فأقمنا بها ثلاثا ننتظر العذاب وارتقى ابن الزبير على جدار الكعبة هو بنفسه
فهدم وفي رواية أبي أويس المذكورة ثم عزل ما كان يصلح أن يعاد في البيت فبنوا به فنظروا إلى
ما كان لا يصلح منها أن يبني به فأمر به أن يحفر له في جوف الكعبة فيدفن واتبعوا قواعد إبراهيم
من نحو الحجر فلم يصيبوا شيئا حتى شق علي ابن الزبير ثم أدركوها بعد ما أمعنوا فنزل عبد الله بن الزبير
فكشفوا له عن قواعد إبراهيم وهي صخر أمثال الخلف من الإبل فانفضوا له أي حركوا تلك
القواعد بالعتل فنفضت قواعد البيت ورأوه بنيانا مربوطا بعضه ببعض فحمد الله وكبره
ثم أحضر الناس فأمر بوجوههم وأشرافهم فنزلوا حتى شاهدوا ما شاهدوه ورأوا بنيانا متصلا
فأشهدهم على ذلك وفي رواية عطاء وكان طول الكعبة ثمان عشرة ذراعا فزاد ابن الزبير في طولها
عشرة أذرع وقد تقدم من وجه آخر أنه كان طولها عشرين ذراعا فلعل رواية جبر الكسر وجزم
الأزرقي بأن الزيادة تسعة أذرع فلعل عطاء جبر الكسر أيضا وروى عبد الرزاق من طريق ابن
سابط عن زيد أنهم كشفوا عن القواعد فإذا الحجر مثل الخلفة والحجارة مشبكة بعضها ببعض
وللفاكهي من وجه آخر عن عطاء قال كنت في الأمناء الذين جمعوا على حفره فحفروا قامة
ونصفا فهجموا على حجارة لها عروق تتصل بزرد عرق المروة فضربوه فارتجت قواعد البيت
فكبر الناس فبنى عليه وفي رواية مرثد عن عبد الرزاق فكشف عن ربض في الحجر آخذ
بعضه ببعض فتركه مكشوفا ثمانية أيام ليشهدوا عليه فرأيت ذلك الربض مثل خلف الإبل
وجه حجر ووجه حجران ورأيت الرجل يأخذ العتلة فيضرب بها من ناحية الركن فيهتز
الركن الآخر قال مسلم في رواية عطاء وجعل له بابين أحدهما يدخل منه والآخر يخرج منه
وفي رواية الأسود التي في العلم ففعله عبد الله بن الزبير وفي رواية إسماعيل بن جعفر عند الإسماعيلي
فنقضه عبد الله بن الزبير فجعل له بابين في الأرض ونحوه للترمذي من طريق شعبة عن أبي إسحق
وللفاكهي من طريق أبي أويس عن موسى بن ميسرة أنه دخل الكعبة بعد ما بناها ابن الزبير
فكان الناس لا يزدحمون فيها يدخلون من باب ويخرجون من آخر (فصل) لم يذكر المصنف رحمه
الله قصة تغيير الحجاج لما صنعه ابن الزبير وقد ذكرها مسلم في رواية عطاء قال فلما قتل ابن الزبير
كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره أن ابن الزبير قد وضعه على أس نظر العدول من أهل
مكة إليه فكتب إليه عبد الملك إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شئ أما
ما زاد في طوله فأقره وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه وسد بابه الذي فتحه فنقضه وأعاده إلى بنائه وللفاكهي من طريق
355

أبي أويس عن هشام بن عروة فبادر يعني الحجاج فهدمها وبنى شقها الذي يلي الحجر ورفع بابها وسد
الباب الغربي قال أبو أويس فأخبرني غير واحد من أهل العلم أن عبد الملك ندم على إذنه
للحجاج في هدمها ولعن الحجاج ولابن عيينة عن داود بن سابور عن مجاهد فرد الذي كان ابن الزبير
أدخل فيها من الحجر قال فقال عبد الملك وددنا أنا تركنا أبا خبيب وما تولى من ذلك وقد أخرج
قصة ندم عبد الملك على ذلك مسلم من وجه آخر فعنده من طريق الوليد بن عطاء أن الحرث بن
عبد الله بن أبي ربيعة وفد على عبد الملك في خلافته فقال ما أظن أبا خبيب يعني ابن الزبير سمع
من عائشة ما كان يزعم أنه سمع منها فقال الحرث بلى أنا سمعته منها زاد عبد الرزاق عن ابن جريج
فيه وكان الحرث مصدقا لا يكذب فقال عبد الملك أنت سمعتها تقول ذلك قال نعم فنكت ساعة
بعصاه وقال وددت أني تركته وما تحمل وأخرجها أيضا من طريق أبي قزعة قال بينما عبد الملك
يطوف بالبيت إذ قال قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين فذكر الحديث فقال له
الحرث لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث بهذا فقال لو كنت سمعته قبل
أن أهدمه لتركته على بناء ابن الزبير * (تنبيه) * جميع الروايات التي جمعتها في هذه القصة
متفقة على أن ابن الزبير جعل الباب بالأرض ومقتضاه أن يكون الباب الذي زاده على سمته وقد
ذكر الأزرقي أن جملة ما غيره الحجاج الجدار الذي من جهة الحجر والباب المسدود الذي في الجانب
الغربي عن يمين الركن اليماني وما تحت عتبة الباب الأصلي وهو أربعة أذرع وشبر وهذا
موافق لما في الروايات المذكورة لكن المشاهد الآن في ظهر الكعبة باب مسدود يقابل الباب
الأصلي وهو في الارتفاع مثله ومقتضاه أن يكون الباب الذي كان على عهد ابن الزبير لم يكن
لاصقا بالأرض فيحتمل أن يكون لاصقا كما صرحت به الروايات لكن الحجاج لما غيره رفعه
ورفع الباب الذي يقابله أيضا ثم بدا له فسد الباب المجدد لكن لم أر النقل بذلك صريحا وذكر
الفاكهي في أخبار مكة أنه شاهد هذا الباب المسدود من داخل الكعبة في سنة ثلاث وستين
ومائتين فإذا هو مقابل باب الكعبة وهو بقدره في الطول والعرض وإذا في أعلاه كلاليب ثلاثة
كما في الباب الموجود سواء فالله أعلم (قوله فحزرت) بتقديم الزاي على الراء أي قدرت (قوله ستة
أذرع أو نحوها) قد ورد ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الطريق الثانية
وأنها أرجح الروايات وأن الجمع بين المختلف منها ممكن كما تقدم وهو أولى من دعوى الاضطراب
والطعن في الروايات المقيدة لأجل الاضطراب كما جنح إليه ابن الصلاح وتبعه النووي لأن شرط
الاضطراب أن تتساوى الوجوه بحيث يتعذر الترجيح أو الجمع ولم يتعذر ذلك هنا فيتعين حمل
المطلق على المقيد كما هي قاعدة مذهبهما ويؤيده أن الأحاديث المطلقة والمقيدة متواردة على
سبب واحد وهو أن قريشا قصروا عن بناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأن ابن الزبير أعاده على
بناء إبراهيم وأن الحجاج أعاده على بناء قريش ولم تأت رواية قط صريحة أن جميع الحجر من بناء
إبراهيم في البيت قال المحب الطبري في شرح التنبيه له والأصح أن القدر الذي في الحجر من البيت
قدر سبعة أذرع والرواية التي جاء فيها أن الحجر من البيت مطلقة فيحمل المطلق على المقيد فإن
إطلاق اسم الكل على البعض سائغ مجازا وإنما قال النووي ذلك نصرة لما رجحه من أن جميع
الحجر من البيت وعمدته في ذلك أن الشافعي نص على إيجاب الطواف خارج الحجر ونقل ابن عبد البر
356

الإتفاق عليه ونقل غيره أنه لا يعرف في الأحاديث المرفوعة ولا عن أحد من الصحابة ومن
بعدهم أنه طاف من داخل الحجر وكان عملا مستمرا ومقتضاه أن يكون جميع الحجر من البيت وهذا
متعقب فإنه لا يلزم من إيجاب الطواف من ورائه أن يكون كله من البيت فقد نص الشافعي
أيضا كما ذكره البيهقي في المعرفة أن الذي في الحجر من البيت نحو من ستة أذرع ونقله عن عدة من
أهل العلم من قريش لقيهم كما تقدم فعلى هذا فلعله رأى إيجاب الطواف من وراء الحجر احتياطا
وأما العمل فلا حجة فيه على الإيجاب فلعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده فعلوه استحبابا
للراحة من تسور الحجر لا سيما والرجال والنساء يطوفون جميعا فلا يؤمن من المرأة التكشف
فلعلهم أرادوا حسم هذه المادة وأما ما نقله المهلب عن ابن أبي زيد أن حائط الحجر لم يكن مبنيا
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى كان عمر فبناه ووسعه قطعا للشك وأن الطواف
قبل ذلك كان حول البيت ففيه نظر وقد أشار المهلب إلى أن عمدته في ذلك ما سيأتي في باب بنيان
الكعبة في أوائل السيرة النبوية بلفظ لم يكن حول البيت حائط كانوا يصلون حول البيت حتى
كان عمر فبنى حوله حائطا جدره قصيرة فبناه ابن الزبير انتهى وهذا إنما هو في حائط المسجد لا في
الحجر فدخل الوهم على قائله من هنا ولم يزل الحجر موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما
صرح به كثير من الأحاديث الصحيحة نعم في الحكم بفساد طواف من دخل الحجر وخلى بينه وبين
البيت سبعة أذرع نظر وقد قال بصحته جماعة من الشافعية كإمام الحرمين ومن المالكية كأبي
الحسن اللخمي وذكر الأزرقي أن عرض ما بين الميزاب ومنتهى الحجر سبعة عشر ذراعا وثلث
ذراع منها عرض جدار الحجر ذراعان وثلث وفي بطن الحجر خمسة عشر ذراعا فعلى هذا فنصف الحجر
ليس من البيت فلا يفسد طواف من طاف دونه والله أعلم وأما قول المهلب إن الفضاء لا يسمى
بيتا وإنما البيت البنيان لأن شخصا لو حلف لا يدخل بيتا فانهدم ذلك البيت فلا يحنث بدخوله
فليس بواضح فإن المشروع من الطواف ما شرع للخليل بالاتفاق فعلينا أن نطوف حيث طاف
ولا يسقط ذلك بانهدام حرم البيت لأن العبادات لا يسقط المقدور عليها منها بفوات المعجوز عنه
فحرمة البقعة ثابتة ولو فقد الجدار وأما اليمين فمتعلقة بالعرف ويؤيده ما قلناه أنه لو انهدم مسجد
فنقلت حجارته إلى موضع آخر بقيت حرمة المسجد بالبقعة التي كان بها ولا حرمة لتلك الحجارة
المنقولة إلى غير مسجد فدل على أن البقعة أصل للجدار بخلاف العكس أشار إلى ذلك ابن المنير
في الحاشية وفي حديث بناء الكعبة من الفوائد غير ما تقدم ما ترجم عليه المصنف في العلم وهو
ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر عنه فهم بعض الناس والمراد بالاختيار في عبارته المستحب
وفيه اجتناب ولي الأمر ما يتسرع الناس إلى إنكاره وما يخشى منه تولد الضرر عليهم في دين
أو دنيا وتألف قلوبهم بما لا يترك فيه أمر واجب وفيه تقديم الأهم فالأهم من دفع المفسدة
وجلب المصلحة وإنهما إذا تعارضا بدئ بدفع المفسدة وأن المفسدة إذا أمن وقوعها عاد استحباب
عمل المصلحة وحديث الرجل مع أهله في الأمور العامة وحرص الصحابة على امتثال أوامر النبي
صلى الله عليه وسلم * (تكميل) * حكى ابن عبد البر وتبعه عياض وغيره عن الرشيد أو المهدي
أو المنصور أنه أراد أن يعيد الكعبة على ما فعله ابن الزبير فناشده مالك في ذلك وقال أخشى
أن يصير ملعبة للملوك فتركه (قلت) وهذا بعينه خشية جدهم الأعلى عبد الله بن عباس رضي
357

الله عنهما فأشار علي ابن الزبير لما أراد أم يهدم الكعبة ويجدد بناءها بأن يرم ما وهي منها
ولا يتعرض لها بزيادة ولا نقص وقال له لا آمن أن يجئ من بعدك أمير فيغير الذي صنعت
أخرجه الفاكهي من طريق عطاء عنه وذكر الأزرقي أن سليمان بن عبد الملك هم بنقض ما فعله
الحجاج تم ترك ذلك لما ظهر له أنه فعله بأمر أبيه عبد الملك ولم أقف في شئ من التواريخ على أن
أحدا من الخلفاء ولا من دونهم غير من الكعبة شيئا مما صنعه الحجاج إلى الآن إلا في الميزاب والباب
وعتبته وكذا وقع الترميم في جدارها غير مرة وفي سقفها وفي سلم سطحها وجدد فيها الرخام فذكر
الأزرقي عن ابن جريج أن أول من فرشها بالرخام الوليد بن عبد الملك ووقع في جدارها الشامي
ترميم في شهور سنة سبعين ومائتين ثم في شهور سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ثم في شهور سنة
تسع عشرة وستمائة ثم في سنة أربع عشرة وثمانمائة وقد ترادفت
الأخبار الآن في وقتنا هذا في سنة اثنتين وعشرين أن جهة الميزاب فيها ما يحتاج إلى ترميم فاهتم
بذلك سلطان الإسلام الملك المؤيد وأرجو من الله تعالى أن يسهل له ذلك ثم حججت سنة أربع
وعشرين وتأملت المكان الذي قيل عنه فلم أجده في تلك البشاعة وقد رمم ما تشعث من الحرم
في أثناء سنة خمس وعشرين إلى أن نقض سقفها في سنة سبع وعشرين على يدي بعض الجند
فجدد لها سقفا ورخم السطح فلما كان سنة ثلاث وأربعين صار المطر إذا نزل ينزل إلى داخل
الكعبة أشد مما كان أولا فأداه رأيه الفاسد إلى نقض السقف مرة أخرى وسد ما كان في
السطح من الطاقات التي كان يدخل منها الضوء إلى الكعبة ولزم من ذلك امتهان الكعبة بل
صار العمال يصعدون فيها بغير أدب فغار بعض المجاورين فكتب إلى القاهرة يشكو ذلك
فبلغ السلطان الظاهر فأنكر أن يكون أمر بذلك وجهز بعض الجند لكشف ذلك فتعضب
للأول بعض من جاور واجتمع الباقون رغبة ورهبة فكتبوا محضرا بأنه ما فعل شيئا إلا عن ملاء
منهم وأن كل ما فعله مصلحة فسكن غضب السلطان وغطى عنه الأمر وقد جاء عن عياش بن أبي
ربيعة المخزومي وهو بالتحتانية قبل الألف وبعدها معجمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن هذه
الأمة لا تزال بخير ما عظموا هذه الحرمة يعني الكعبة حق تعظيمها فإذا ضيعوا ذلك (3) هلكوا
أخرجه أحمد وابن ماجة وعمر بن شبة في كتاب مكة وسنده حسن فنسأل الله تعالى الأمن من
الفتن بحلمه وكرمه ومما يتعجب منه أنه لم يتفق الاحتياج في الكعبة إلى الإصلاح إلا فيما صنعه
الحجاج إما من الجدار الذي بناه في الجهة الشامية وإما في السلم الذي جدده للسطح والعتبة وما
عدا ذلك مما وقع فإنما هو لزيادة محضة كالرخام أو لتحسين كالباب والميزاب وكذا ما حكاه
الفاكهي عن الحسن بن مكرم عن عبد الله بن بكر السهمي عن أبيه قال جاورت بمكة فعابت
أي بالعين المهملة والباء الموحدة أسطوانة من أساطين البيت فأخرجت وجئ بأخرى
ليدخلوها مكانها فطالت عن الموضع وأدركهم الليل والكعبة لا تفتح ليلا فتركوها ليعودوا من
غد ليصلحوها فجاءوا من غد فأصابوها أقدم من قدح أي بكسر القاف وهو السهم وهذا إسناد
قوي رجاله ثقات وبكر هو ابن حبيب من كبار أتباع التابعين وكأن القصة كانت في أوائل دولة
بني العباس وكانت الأسطوانة من خشب والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله باب
فضل الحرم) أي المكي الذي سيأتي ذكر حدوده في باب لا يعضد شجر الحرم (قوله وقوله
358

تعالى إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها الآية) وجه تعلقها بالترجمة من
جهة إضافة الربوبية إلى البلدة فإنه على سبيل التشريف لها وهي أصل الحرم (قوله أولم
نمكن لهم حرما آمنا الآية) روى النسائي في التفسير أن الحرث بن مر بن نوفل قال للنبي
صلى الله عليه وسلم إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا فأنزل الله عز وجل ردا عليه أولم
نمكن لهم حرما آمنا الآية أي أن الله جعلهم في بلد أمين وهم منه في أمان في حال كفرهم فكيف
لا يكون أمنا لهم بعد أن أسلموا وتابعوا الحق وأورد المصنف في الباب حديث ابن عباس أن هذا
البلد حرمه الله أخرجه مختصرا وسيأتي بأتم من هذا السياق في باب لا يحل القتال بمكة ويأتي
الكلام عليه مستوفى قريبا هناك إن شاء الله تعالى (قوله باب توريث دور مكة
وبيعها وشرائها وأن الناس في المسجد الحرام سواء خاصة لقوله تعالى إن الذين كفروا ويصدون
عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء الآية) أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف
حديث علقمة بن نضلة قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة
إلا السوائب من أحتاج سكن أخرجه ابن ماجة وفي إسناده انقطاع وارسال وقال بظاهره
ابن عمر ومجاهد وعطاء قال عبد الرزاق عن ابن جريج كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم
فأخبرني أن عمر نهى أن تبوب دور مكة لأنها ينزل الحاج في عرصتها فكان أول من بوب داره
سهيل بن عمرو واعتذر عن ذلك لعمر وروى الطحاوي من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد
أنه قال مكة مباح لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها وروى عبد الرزاق من طريق إبراهيم بن
مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها وبه قال الثوري وأبو حنيفة
وخالفه صاحبه أبو يوسف واختلف عن محمد وبالجواز قال الجمهور واختاره الطحاوي ويجاب
عن حديث علقمة على تقدير صحته بحمله على ما سيجمع به ما اختلف عن عمر في ذلك واحتج
الشافعي بحديث أسامة الذي أورده البخاري في هذا الباب قال الشافعي فأضاف الملك إليه وإلى
من ابتاعها منه وبقوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح من دخل دار أبي سفيان فهو آمن فأضاف
الدار إليه واحتج ابن خزيمة بقوله تعالى للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم
فنسب الله الديار إليهم كما نسب الأموال إليهم ولو كانت الديار ليست بملك لهم لما كانوا مظلومين
في الإخراج من دور ليست بملك لهم قال ولو كانت الدور التي باعها عقيل لا تملك لكان جعفر
وعلي أولى بها إذ كانا مسلمين دونه وسيأتي في البيوع أثر عمر أنه اشترى دارا للسجن بمكة
ولا يعارض ما جاء عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه كان ينهى أن تغلق دور مكة في زمن الحاج
أخرجه عبد بن حميد وقال عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن مجاهد أن عمر قال يا أهل مكة
لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث شاء وقد تقدم من وجه آخر عن عمر فيجمع بينهما
بكراهة الكراء رفقا بالوفود ولا يلزم من ذلك منع البيع والشراء وإلى هذا جنح الإمام أحمد
وآخرون واختلف عن مالك في ذلك قال القاضي إسماعيل ظاهر القران يدل على أن المراد به
المسجد الذي يكون فيه النسك والصلاة لا سائر دور مكة وقال الأبهري لم يختلف قول مالك
وأصحابه في أن مكة فتحت عنوة واختلفوا هل من بها على أهلها لعظم حرمتها أو أقرت للمسلمين
ومن ثم جاء الاختلاف في بيع دورها والكراء والراجح عند من قال أنها فتحت عنوة أن النبي
359

صلى الله عليه وسلم من بها على أهلها فخالفت حكم غيرها من البلاد في ذلك ذكره السهيلي وغيره
وليس الاختلاف في ذلك ناشئا عن هذه المسئلة فقد اختلف أهل التأويل في المراد بقوله هنا
المسجد الحرام هل هو الحرم كله أو مكان الصلاة فقط واختلفوا أيضا هل المراد بقوله سواء
في الأمن والاحترام أو فيما هو أعم من ذلك وبواسطة ذلك نشأ الاختلاف المذكور أيضا قال
ابن خزيمة لو كان المراد بقوله تعالى سواء العاكف فيه والباد جميع الحرم وأن اسم المسجد الحرام
واقع على جميع الحرم لما جاز حفر بئر ولا قبر ولا التغوط ولا البول ولا إلقاء الجيف والنتن قال
ولا نعلم عالما منع من ذلك ولا كره لحائض ولا لجنب دخول الحرم ولا الجماع فيه ولو كان
كذلك لجاز الاعتكاف في دور مكة وحوانيتها ولا يقول بذلك أحد والله أعلم (قلت) والقول
بأن المراد بالمسجد الحرام الحرم كله ورد عن ابن عباس وعطاء ومجاهد أخرجه ابن أبي حاتم
وغيره عنهم والأسانيد بذلك كلها إليهم ضعيفة وسنذكر في باب فتح مكة من المغازي الراجح من
الخلاف في فتحها صلحا أو عنوة إن شاء الله تعالى (قوله البادي الطاري) هو تفسير منه بالمعنى
وهو مقتضى ما جاء عن ابن عباس وغيره كما رواه عبد بن حميد وغيره وقال الإسماعيلي البادي الذي
يكون في البدو وكذا من كان ظاهر البلد فهو باد ومعنى الآية أن المقيم والطارئ سيان وروى
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة سواء العاكف فيه والباد قال سواء فيه أهل مكة وغيرهم (قوله
معكوفا محبوسا) كذا وقع هنا وليست هذه الكلمة في الآية المذكورة وإنما هي في آية الفتح
ولكن مناسبة ذكرها هنا قوله في هذه الآية العاكف والتفسير المذكور قاله أبو عبيدة في المجاز
والمراد بالعاكف المقيم وروى الطحاوي من طريق سفيان عن أبي حصين قال أردت أن أعتكف
وأنا بمكة فسألت سعيد بن جبير فقال أنت عاكف ثم قرأ هذه الآية (قوله عن علي بن الحسين
عن عمرو بن عثمان) في رواية مسلم عن حرملة وغيره عن ابن وهب أن علي بن الحسين أخبره أن عمرو
ابن عثمان أخبره (قوله أين تنزل في دارك) حذف أداة الاستفهام من قوله في دارك بدليل رواية
ابن خزيمة والطحاوي عن يونس عن عبد الأعلى عن ابن وهب بلفظ أتنزل في دارك وكذا أخرجه
الجوزقي من وجه آخر عن أصبغ شيخ البخاري فيه وللمصنف في المغازي من طريق محمد بن أبي
حفصة عن الزهري أين تنزل غدا فكأنه استفهمه أولا عن مكان نزوله ثم ظن أنه ينزل في داره
فاستفهمه عن ذلك وظاهر هذه القصة أن ذلك كان حين أراد دخول مكة ويزيده وضوحا رواية
زمعة بن صالح عن الزهري بلفظ لما كان يوم الفتح قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة قيل
أين تنزل أفي بيوتكم الحديث وروى علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن
محمد بن علي بن حسين قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أين تنزل قال وهل ترك لنا
عقيل من طل قال علي بن المديني ما أشك أن محمد بن علي بن الحسين أخذ هذا الحديث عن أبيه
لكن في حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك حين أراد أن ينفر من منى فيحمل على
تعدد القصة (قوله وهل ترك عقيل) في رواية مسلم وغيره وهل ترك لنا (قوله من رباع أو دور)
الرباع جمع ربع بفتح الراء وسكون الموحدة وهو المنزل المشتمل على أبيات وقيل هو الدار فعلى هذا
فقوله أو دور إما للتأكيد أو من شك الرواي وفي رواية محمد بن أبي حفصة من منزل وأخرج هذا
الحديث الفاكهي من طريق محمد بن أبي حفصة وقال في آخره ويقال أن الدار التي أشار إليها كانت
360

دار هاشم بن عبد مناف ثم صارت لعبد المطلب ابنه فقسمها بين ولده حين عمر فمن ثم صار للنبي صلى
الله عليه وسلم حق أبيه عبد الله وفيها ولد النبي صلى الله عليه وسلم (قوله وكان عقيل الخ) محصل
هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استولى عقيل وطالب على الدار كلها باعتبار ما ورثاه
من أبيهما لكونهما كانا لم يسلما وباعتبار ترك النبي صلى الله عليه وسلم لحقه منها بالهجرة وفقد
طالب ببدر فباع عقيل الدار كلها وحكى الفاكهي أن الدار لم تزل بأولاد عقيل إلى أن باعوها لمحمد
ابن يوسف أخي الحجاج (2) بمائة ألف دينار وزاد في روايته من طريق محمد بن أبي حفصة فكان
علي بن الحسين يقول من أجل ذلك تركنا نصيبنا من الشعب أي حصة جدهم علي من أبيه
أبي طالب وقال الداودي وغيره كان من هاجر من المؤمنين باع قريبه الكافر داره وأمضى النبي
صلى الله عليه وسلم تصرفات الجاهلية تأليفا لقلوب من أسلم منهم وسيأتي في الجهاد مزيد بسط
في هذه المسئلة إن شاء الله تعالى وقال الخطابي وعندي أن تلك الدار إن كانت قائمة على ملك
عقيل فإنما لم ينزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها دور هجروها في الله تعالى فلم يرجعوا فيما
تركوه وتعقب بأن سياق الحديث يقتضي أن عقيلا باعها ومفهومه أنه لو تركها لنزلها (قوله
فكان عمر) في رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب عند الإسماعيلي فمن أجل ذلك كان عمر يقول
وهذا القدر الموقوف على عمر قد ثبت مرفوعا بهذا الإسناد وهو عند المصنف في المغازي من
طريق محمد بن أبي حفصة ومعمر عن الزهري وأخرجه مفردا في الفرائض من طريق ابن جريج
عنه وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى ويختلج في خاطري أن القائل وكان
عمر الخ هو ابن شهاب فيكون منقطعا عن عمر (قوله قال ابن شهاب وكانوا يتأولون الخ) أي كانوا
يفسرون قوله تعالى بعضهم أولياء بعض بولاية الميراث أي يتولى بعضهم بعضا في الميراث وغيره
(قوله باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم مكة) أي موضع نزوله ووقع هنا في نسخة
الصغاني قال أبو عبد الله نسبت الدور إلى عقيل وتورث الدور وتباع وتشترى (قلت) والمحل
اللائق بهذه الزيادة الباب الذي قبله لما تقدم تقريره والله أعلم (قوله حين أراد قدوم مكة) بين في
الرواية التي بعدها أن ذلك كان حين رجوعه من منى (قوله إن شاء الله تعالى) هو على سبيل التبرك
والامتثال للآية (قوله في الطريق الثانية عن أبي سلمة) في رواية مسلم عن زهير بن حرب عن
الوليد بن مسلم بسنده حدثني أبو سلمة حدثنا أبو هريرة (قوله يعني بذلك المحصب) في رواية المستملي
يعني ذلك والأول أصح ويختلج في خاطري أن جميع ما بعد قوله يعني المحصب إلى آخر الحديث من
قول الزهري أدرج في الخبر فقد رواه شعيب كما في هذا الباب وإبراهيم بن سعد كما سيأتي في السيرة
ويونس كما سيأتي في التوحيد كلهم عن ابن شهاب مقتصرين على الموصول منه إلى قوله على الكفر
ومن ثم لم يذكر مسلم في روايته شيئا من ذلك (قوله وذلك أن قريشا وكنانة) فيه إشعار بأن في كنانة
من ليس قرشيا إذ العطف يقتضي المغايرة فيترجح القول بأن قريشا من ولد فهر بن مالك على
القول بأنهم ولد كنانة نعم لم يعقب النضر غير مالك ولا مالك غير فهر فقريش ولد النضر بن كنانة
وأما كنانة فأعقب من غير النضر فلهذا وقعت المغايرة (قوله تحالفت على بني هاشم وبني عبد
المطلب أو بني المطلب) كذا وقع عنده بالشك ووقع عند البيهقي من طريق أخرى عن الوليد وبني
المطلب بغير شك فكأن الوهم منه فسيأتي على الصواب ويأتي شرحه في أواخر الباب (قوله أن
لا يناكحوهم ولا يبايعوهم) في رواية محمد بن مصعب عن الأوزاعي عند أحمد أن لا يناكحوهم
361

ولا يخالطوهم وفي رواية داود بن رشيد عن الوليد عند الإسماعيلي وأن لا يكون بينهم وبينهم شئ
وهي أعم وهذا هو المراد بقوله في الحديث على الكفر (قوله حتى يسلموا) بضم أوله واسكان
المهملة وكسر اللام (قوله وقال سلامة عن عقيل) وصله ابن خزيمة في صحيحه من طريقه
(قوله ويحيى بن الضحاك عن الأوزاعي) وقع في رواية أبي ذر وكريمة ويحيى عن الضحاك وهو
وهم وهو يحيى بن عبد الله بن الضحاك نسب لجده البابلتي بموحدتين وبعد اللام المضمومة
مثناة مشددة نزيل حران وليس له في البخاري إلا هذا الموضع ويقال أنه لم يسمع من الأوزاعي
ويقال إن الأوزاعي كان زوج أمه وطريقه هذه وصلها أبو عوانة في صحيحه والخطيب
في المدرج وقد تابعه على الجزم بقوله بني هاشم وبني المطلب محمد بن مصعب عن الأوزاعي أخرجه
أحمد وأبو عوانة أيضا وسيأتي شرح هذه القصة في السيرة النبوية إن شاء الله تعالى (قوله
باب قول الله عز وجل وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني إلى قوله
لعلهم يشكرون) لم يذكر في هذه الترجمة حديثا وكأنه أشار إلى حديث ابن عباس في قصة
اسكان إبراهيم لهاجر وابنها في مكان مكة وسيأتي مبسوطا في أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى
ووقع في شرح ابن بطال ضم هذا الباب إلى الذي بعده فقال بعد قوله يشكرون وقول الله جعل
الله الكعبة البيت الحرام الخ ثم قال فيه أبو هريرة فذكر أحاديث الباب الثاني (قوله
باب قول الله تعالى جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس إلى قوله عليم) كأنه
يشير إلى أن المراد بقوله قياما أي قواما وأنها ما دامت موجودة فالدين قائم ولهذه النكتة
أورد في الباب قصة هدم الكعبة في آخر الزمان وقد روى بن أبي حاتم بإسناد صحيح عن الحسن
البصري أنه تلى هذه الآية فقال لا يزال الناس على دين ما حجوا البيت واستقبلوا القبلة
وعن عطاء قال قياما للناس لو تركوه عاما لم ينظروا أن يهلكوا ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة
أحاديث * أولها حديث أبي هريرة يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة وسيأتي الكلام
عليه في الباب الذي بعده * ثانيها حديث عائشة في صيام عاشوراء قبل نزول فرض رمضان
وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد في آخر كتاب الصيام والمقصود منه هنا قوله في هذه
الطريق وكان يوما تستر فيه الكعبة فإنه يفيد أن الجاهلية كانوا يعظمون الكعبة قديما
بالستور ويقومون بها وعرف بهذا جواب الإسماعيلي في قوله ليس في الحديث مما ترجم به
شئ سوى بيان اسم الكعبة المذكورة في الآية ويستفاد من الحديث أيضا معرفة الوقت الذي
كانت الكعبة تكسى فيه من كل سنة وهو يوم عاشوراء وكذا ذكر الواقدي باسناده عن
أبي جعفر الباقر أن الأمر استمر على ذلك في زمانهم وقد تغير ذلك بعد فصارت تكسى في يوم النحر
وصاروا يعمدون إليه في ذي القعدة فيعلقون كسوته إلى نحو نصفه ثم صاروا يقطعونها
فيصير البيت كهيئة المحرم فإذا حل الناس يوم النحر كسوة الكسوة الجديدة * (تنبيه) * قال
الإسماعيلي جمع البخاري بين رواية عقيل وابن أبي حفصة في المتن وليس في رواية عقيل ذكر الستر
ثم ساقه بدونه من طريق عقيل وهو كما قال وعادة البخاري التجوز في مثل هذا وقد رواه الفاكهي
من طريق بن أبي حفصة فصرح بسماع الزهري له عن عروة ثالثها حديث أبي سعيد الخدري
في حج البيت بعد يأجوج ومأجوج أورده موصولا من طريق إبراهيم وهو ابن طهمان عن
الحجاج بن الحجاج وهو الباهلي البصري عن قتادة عن عبد الله بن أبي عتبة عنه وقال بعده
362

سمع قتادة عبد الله بن أبي عتبة وعبد الله سمع أبا سعيد الخدري وغرضه بهذا أنه لم يقع فيه
تدليس وهل أراد بهذا أن كلا منهما سمع هذا الحديث بخصوصه أو في الجملة فيه احتمال وقد
وجدته من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة مصرحا بسماع قتادة من عبد الله بن أبي عتبة
في حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها وهو عند أحمد وعند أبي
عوانة في مستخرجه من وجه آخر (قوله ليحجن) بضم أوله وفتح المهملة والجيم (قوله تابعه
أبان وعمران عن قتادة) أي على لفظ المتن فأما متابعة أبان وهو ابن يزيد العطار فوصلها
الإمام أحمد عن عفان وسويد بن عمرو الكلبي وعبد الصمد بن عبد الوارث ثلاثتهم عن
أبان فذكر مثله وأما متابعة عمران وهو القطان فوصلها أحمد أيضا عن سليمان بن داود وهو
الطيالسي عنه وكذا أخرجه ابن خزيمة وأبو يعلى من طريق الطيالسي وقد تابع هؤلاء سعيد
ابن أبي عروبة عن قتادة أخرجه عبد بن حميد عن روح بن عبادة عنه ولفظه أن الناس ليحجون
ويعتمرون ويغرسون النخل بعد خروج يأجوج ومأجوج (قوله فقال عبد الرحمن) يعني
ابن مهدي (عن شعبة) يعني عن قتادة بهذا السند (لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت) وصله
الحاكم من طريق أحمد بن حنبل عنه قال البخاري والأول أكثر أي لاتفاق من تقدم
ذكره على هذا اللفظ وانفراد شعبة بما يخالفهم وإنما قال ذلك لأن ظاهرهما التعارض لأن
المفهوم من الأول أن البيت يحج بعد أشراط الساعة ومن الثاني أنه لا يحج بعدها ولكن
يمكن الجمع بين الحديثين فإنه لا يلزم من حج الناس بعد خروج يأجوج ومأجوج أن يمتنع الحج
في وقت ما عند قرب ظهور الساعة ويظهر والله أعلم أن المراد بقوله ليحجن البيت أي مكان
البيت لما سيأتي بعد باب أن الحبشة إذا خربوه لم يعمر بعد ذلك (قوله باب كسوة
الكعبة) أي حكمها في التصرف فيها ونحو ذلك (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري في الطريقين
وإنما قدم الأولى مع نزولها لتصريح سفيان بالتحديث فيها وأما ابن عيينة فلم يسمعه من واصل
بل رواه عن الثوري عنه أخرجه ابن خزيمة من طريقه (قوله جلست مع شيبة) هو ابن عثمان بن
طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الله بن عبد الدار بن قصي العبدري الحجبي بفتح المهملة والجيم
ثم موحدة نسبة إلى حجب الكعبة يكنى أبا عثمان (قوله على الكرسي) في رواية عبد الرحمن
ابن محمد المحاربي عن الشيباني عند ابن ماجة والطبراني بهذا السند بعث معي رجل بدراهم هدية
إلى البيت فدخلت البيت وشيبة جالس على كرسي فناولته إياها فقال لك هذه فقلت لا ولو كانت
لي لم آتك بها قال إما إن قلت ذلك فقد جلس عمر بن الخطاب مجلسك الذي أنت فيه فذكره (قوله
فيها) أي الكعبة (قوله صفراء ولا بيضاء) أي ذهبا ولا فضة قال القرطبي غلط من ظن أن المراد
بذلك حلية الكعبة وإنما أراد الكنز الذي بها وهو ما كان يهدى إليها فيدخر ما يزيد عن الحاجة
وأما الحلي فمحبسة عليها كالقناديل فلا يجوز صرفها في غيرها وقال ابن الجوزي كانوا في الجاهلية
يهدون إلى الكعبة المال تعظيما لها فيجتمع فيها (قوله إلا قسمته) أي المال وفي رواية عمر بن شبة
في كتاب مكة عن قبيصة شيخ البخاري فيه إلا قسمتها وفي رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان
عند المصنف في الاعتصام إلا قسمتها بين المسلمين وعند الإسماعيلي من هذا الوجه لا أخرج
حتى أقسم مال الكعبة بين فقراء المسلمين ومثله في رواية المحاربي المذكورة (قوله قلت إن
363

صاحبيك لم يفعلا) في رواية ابن المهدي المذكورة قلت ما أنت بفاعل قال لم قلت لم يفعله
صاحباك وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه وكذا المحاربي قال ولم ذاك قلت لأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه وأبو بكر وهما أحوج منك إلى المال فلم يحركاه (قوله هما
المرآن) تثنية مرء بفتح الميم ويجوز ضمها والراء ساكنة على كل حال بعدها همزة أي الرجلان
(قوله اقتدى بهما) في رواية عمر بن شبة تكرير قوله المرآن اقتدي بهما وفي رواية ابن مهدي في
الاعتصام يقتدي بهما على البناء للمجهول وفي رواية الإسماعيلي والمحاربي فقام كما هو وخرج
ودار نحو هذه القصة بين عمر أيضا وأبي بن كعب أخرجه عبد الرزاق وعمر بن شبة من طريق
الحسن إن عمر أراد أن يأخذ كنز الكعبة فينفقه في سبيل الله فقال له أبي بن كعب قد سبقك
صاحباك فلو كان فضلا لفعلاه لفظ عمر بن شبة وفي رواية عبد الرزاق فقال له أبي بن كعب والله
ما ذاك لك قال ولم قال أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن بطال أراد عمر لكثرته إنفاقه في
منافع المسلمين ثم لما ذكر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض له أمسك وإنما تركا ذلك والله
أعلم لأن ما جعل في الكعبة وسبل لها يجري مجرى الأوقاف فلا يجوز تغييره عن وجهه وفي ذلك
تعظيم الإسلام وترهيب العدو * (قلت) * أما التعليل الأول فليس بظاهر من الحديث بل يحتمل
أن يكون تركه صلى الله عليه وسلم لذلك رعاية لقلوب قريش كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم
ويؤيده ما وقع عند مسلم في بعض طرق حديث عائشة في بناء الكعبة لأنفقت كنز الكعبة
ولفظه لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالأرض
الحديث فهذا التعليل هو المعتمد وحكى الفاكهي في كتاب مكة أنه صلى الله عليه وسلم وجد فيها
يوم الفتح ستين أوقية فقيل له لو استعنت بها على حربك فلم يحركه وعلى هذا فإنفاقه جائز كما جاز
لابن الزبير بناؤها على قواعد إبراهيم لزوال سبب الامتناع ولولا قوله في الحديث في سبيل الله
لأمكن أن يحمل الإنفاق على ما يتعلق بها فيرجع إلى أن حكمه حكم التحبيس ويمكن أن يحمل
قوله في سبيل الله على ذلك لأن عمارة الكعبة يصدق عليه أنه في سبيل الله واستدل التقي السبكي
بحديث الباب على جواز تعليق قناديل الذهب والفضة في الكعبة ومسجد المدينة فقال هذا
الحديث عمدة في مال الكعبة وهو ما يهدى إليها أو ينذر لها قال وأما قول الرافعي لا يجوز تحلية
الكعبة بالذهب والفضة ولا تعليق قناديلها فيها حكى الوجهين في ذلك أحدهما الجواز تعظيما
كما في المصحف والآخر المنع إذ لم ينقل من فعل السلف فهذا مشكل لأن للكعبة من التعظيم
ما ليس لبقية المساجد بدليل تجويز سترها بالحرير والديباج وفي جواز ستر المساجد بذلك خلاف
ثم تمسك للجواز بما وقع في أيام الوليد بن عبد الملك من تذهيبه سقوف المسجد النبوي قال ولم
ينكر ذلك عمر بن عبد العزيز ولا أزاله في خلافته ثم استدل للجواز بأن تحريم استعمال الذهب
الفضة إنما هو فيما يتعلق بالأواني المعدة للأكل والشرب ونحوهما قال وليس في تحلية المساجد
بالقناديل الذهب شئ من ذلك وقد قال الغزالي من كتب القرآن بالذهب فقد أحسن فإنه
لم يثبت في الذهب إلا تحريمه على الأمة فيما ينسب للذهب وهذا بخلافه فيبقى على أصل الحل ما لم
ينته إلى الإسراف انتهى وتعقب بأن تجويز ستر الكعبة بالديباج قام الإجماع عليه وأما التحلية
بالذهب والفضة فلم ينقل عن فعل من يقتدي به والوليد لا حجة في فعله وترك عمر بن عبد العزيز
364

النكير أو الإزالة يحتمل عدة معان فلعله كان لا يقدر على الإنكار خوفا من سطوة الوليد ولعله
لم يزلها لأنه لا يتحصل منها شئ ولا سيما إن كان الوليد جعل في الكعبة صفائح فلعله رأى أن تركها
أولى لأنها صارت في حكم المال الموقوف فكأنه أحفظ لها من غيره وربما أدى قلعه إلى
إزعاج بناء الكعبة فتركه ومع هذه الاحتمالات لا يصلح الاستدلال بذلك للجواز وقوله أن الحرام
من الذهب إنما هو استعماله في الأكل والشرب إلخ هو متعقب بأن استعمال كل شئ بحسبه
واستعمال قناديل الذهب هو تعليقها للزينة وأما استعمالها للإيقاد فممكن على بعد وتمسكه
بما قاله الغزالي يشكل عليه بأن الغزالي قيده بما لم بنته إلى الإسراف والقنديل الواحد من
الذهب يكتب تحلية عدة مصاحف وقد أنكر السبكي على الرافعي تمسكه في المنع بكون ذلك لم
ينقل عن السلف وجوابه أن الرافعي تمسك بذلك مضموما إلى شئ آخر وهو أنه قد صح النهي عن
استعمال الحرير والذهب فلما استعمل السلف الحرير في الكعبة دون الذهب مع عنايتهم بها
وتعظيمها دل على أنه بقي عندهم على عموم النهي وقد نقل الشيخ الموفق الإجماع على تحريم
استعمال أواني الذهب والقناديل من الأواني بلا شك واستعمال كل شئ بحسبه والله أعلم
* (تنبيه) * قال الإسماعيلي ليس في حديث الباب لكسوة الكعبة ذكر يعني فلا يطابق الترجمة
وقال ابن بطال معنى الترجمة صحيح ووجهها أنه معلوم أن الملوك في كل زمان كانوا يتفاخرون
بكسوة الكعبة برفيع الثياب المنسوجة بالذهب وغيره كما يتفاخرون بتسبيل الأموال لها فأراد
البخاري أن عمر لما رأى قسمة الذهب والفضة صوابا كان حكم الكسوة حكم المال تجوز قسمتها بل
ما فضل من كسوتها أولى بالقسمة وقال ابن المنير في الحاشية يحتمل أن يكون مقصوده التنبيه على
أن كسوة الكعبة مشروع والحجة فيه أنها لم تزل تقصد بالمال يوضع فيها على معنى الزينة إعظاما
لها فالكسوة من هذا القبيل قال ويحتمل أن يكون أراد ما في بعض طرق الحديث كعادته
ويكون هناك طريق موافقة للترجمة إما لخلل شرطها وإما لتبحر الناظر في ذلك وإذا تقرر ذلك
فيحتمل أن يكون أخذه من قول عمر لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة فالمال يطلق على كل شئ
فيدخل فيه الكسوة وقد ثبت في الحديث ليس لك من مالك إلا ما لبست فأبليت قال ويحتمل
أيضا فذكر نحو ما قال ابن بطال وزاد فأراد التنبيه على أنه موضع اجتهاد وإن رأى عمر جواز
التصرف في المصالح وأما الترك الذي احتج به عليه شيبة فليس صريحا في المنع والذي يظهر جواز
قسمة الكسوة العتيقة إذ في بقائها تعريض لإتلافها ولا جمال في كسوة عتيقة مطوية قال
ويؤخذ من رأى عمر أن صرف المال في المصالح آكد من صرفه في كسوة الكعبة لكن الكسوة
في هذه الأزمنة أهم قال واستدلال ابن بطال بالترك على إيجاب بقاء الأحباس لا يتم إلا إن كان
القصد بمال الكعبة إقامتها وحفظ أصولها إذا احتيج إلى ذلك ويحتمل أن يكون القصد منه
منفعة أهل الكعبة وسدنتها أو ارصاده لمصالح الحرم أو لأعم من ذلك وعلى كل تقدير فهو تحبيس
لا نظير له فلا يقاس عليه انتهى ولم أر في شئ من طريق حديث شيبة هذا ما يتعلق بالكسوة إلا أن
الفاكهي روى في كتاب مكة من طريق علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة رضي الله عنها
قالت دخل علي شيبة الحجبي فقال يا أم المؤمنين إن ثياب الكعبة تجتمع عندنا فتكثر فننزعها
ونحفر بيارا فنعمقها وندفنها لكي لا تلبسها الحائض والجنب قالت بئسما صنعت ولكن بعها
365

فاجعل ثمنها في سبيل الله وفي المساكين فإنها إذا نزعت عنها لم يضر من لبسها من حائض أو جنب
فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن فتباع له فيضعها حيث أمرته وأخرجه البيهقي من هذا الوجه
لكن في إسناده راو ضعيف وإسناد الفاكهي سالم منه وأخرج الفاكهي أيضا من طريق ابن
خيثم حدثني رجل من بني شيبة قال رأيت شيبة بن عثمان يقسم ما سقط من كسوة الكعبة على
المساكين وأخرج من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه أن عمر كان ينزع كسوة البيت كل سنة
فيقسمها على الحاج فلعل البخاري أشار إلى شئ من ذلك (فصل) في معرفة بدء كسوة البيت
روى الفاكهي من طريق عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه أنه سمعه يقول زعموا أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن سب أسعد وكان أول من كسا البيت الوصائل ورواه الواقدي عن
معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه الحرث بن أبي أسامة في مسنده عنه ومن
وجه آخر عن عمر موقوفا وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال بلغنا أن تبعا أول من كسى
الكعبة الوصائل فسترت بها قال وزعم بعض علمائنا أن أول من كسا الكعبة إسماعيل عليه
السلام وحكى الزبير بن بكار عن بعض علمائهم أن عدنان أول من وضع أنصاب الحرم وأول من
كسى الكعبة أو كسيت في زمنه وحكى البلاذري أن أول من كساها الأنطاع عدنان بن أد
وروى الواقدي أيضا عن إبراهيم بن أبي ربيعة قال كسى البيت في الجاهلية الأنطاع ثم كساه
رسول الله صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية ثم كساه عمر وعثمان القباطي ثم كساه الحجاج
الديباج وروى الفاكهي بإسناد حسن عن سعيد بن المسيب قال لما كان عام الفتح أتت امرأة
تجمر الكعبة فاحترقت ثيابها وكانت كسوة المشركين فكساها المسلمون بعد ذلك وقال أبو بكر بن
أبي شيبة حدثنا وكيع عن حسن هو ابن صالح عن ليث هو ابن أبي سليم قال كانت كسوة الكعبة
على عهد النبي صلى الله عليه وسلم المسوح والانطاع ليث ضعيف والحديث معضل وقال أبو بكر
أيضا حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عجوز من أهل مكة قالت أصيب ابن عفان وأنا بنت
أربع عشرة سنة قالت ولقد رأيت البيت وما عليه كسوة إلا ما يكسوه الناس الكساء الأحمر
يطرح عليه والثوب الأبيض وقال ابن إسحاق بلغني أن البيت لم يكسى في عهد أبي بكر ولا عمر
يعني لم يجدد له كسوة وروى الفاكهي بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكسو بدنه القباطي
والحبرات يوم يقلدها فإذا كان يوم النحر نزعها ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان فناطها على الكعبة
زاد في رواية صحيحة أيضا فلما كست الأمراء الكعبة جللها القباطي ثم تصدق بها وهذا يدل على
أن الأمر كان مطلقا للناس ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن علقمة بن أبي علقمة عن
أمه قالت سألت عائشة أنكسوا الكعبة قالت الأمراء يكفونكم وروى عبد الرزاق عن الأسلمي
هو ابن إبراهيم بن أبي يحيى عن هشام بن عروة أن أول من كساها الديباج عبد الله بن الزبير
وإبراهيم ضعيف وتابعه محمد بن الحسن بن زبالة وهو ضعيف أيضا أخرجه الزبير عنه عن هشام
وروى الواقدي عن إسحاق بن عبد الله عن أبي جعفر الباقر قال كساها يزيد بن معاوية الديباج
وإسحق بن أبي فروة ضعيف وقال عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرت أن عمر كان يكسوها
القباطي وأخبرني غير واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم كساها القباطي والحبرات وأبو بكر
وعمر وعثمان وأول من كساها الديباج عبد الملك بن مروان وأن من أدرك ذلك من الفقهاء قالوا
366

أصاب ما نعلم لها من كسوة أوفق منه وروى أبو عروبة في الأوائل له عن الحسن قال أول من لبس
الكعبة القباطي النبي صلى الله عليه وسلم وروى الفاكهي في كتاب مكة من طريق مسعر عن
جسرة قال أصاب خالد بن جعفر بن كلاب لطيمة في الجاهلية فيها نمط من ديباج فأرسل به إلى
الكعبة فنيط عليها فعلى هذا هو أول من كسى الكعبة الديباج وروى الدارقطني في المؤتلف
أن أول من كسا الكعبة الديباج نتيلة (2) بنت جنان والدة العباس بن عبد المطلب كانت أضلت
العباس صغيرا فنذرت إن وجدته أن تكسو الكعبة الديباج وذكر الزبير بن بكار أنها أضلت
ابنها ضرار بن عبد المطلب شقيق العباس فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت فرده عليها رجل
من جذام فكست الكعبة ثيابا بيضا وهذا محمول على تعدد القصة وحكى الأزرقي أن معاوية
كساها الديباج والقباطي والحبرات فكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء والقباطي في آخر
رمضان فحصلنا في أول من كساها مطلقا على ثلاثة أقوال إسماعيل وعدنان وتبع وهو أسعد
المذكور في الرواية الأولى ولا تعارض بين ما روي عنه أنه كساها الأنطاع والوصائل لأن الأزرقي
حكى في كتاب مكة أي تبعا أرى في المنام أن يكسو الكعبة فكساها الأنطاع ثم أرى أن يكسوها
فكساها الوصائل وهو ثياب حبرة من عصب اليمن ثم كساها الناس بعده في الجاهلية ويجمع بين
الأقوال الثلاثة إن كانت ثابتة بأن إسماعيل أول من كساها مطلقا وأما تبع فأول من كساها
ما ذكر وأما عدنان فلعله أول من كساها بعد إسماعيل وسيأتي في أوائل غزوة الفتح ما يشعر أنها
كانت تكسى في رمضان وحصلنا في أول من كساها الديباج على ستة أقوال خالد أو نتيلة
أو معاوية أو يزيد أو ابن الزبير أو الحجاج ويجمع بينها بأن كسوة خالد ونتيلة لم تشملها كلها وإنما
كان فيما كساها شئ من الديباج وأما معاوية فلعله كساها في آخر خلافته فصادف ذلك
خلافة ابنه يزيد وأما ابن الزبير فكأنه كساها ذلك بعد تجديد عمارتها فأوليته بذلك الاعتبار
لكن لم يداوم على كسوتها الديباج فلما كساها الحجاج بأمر عبد الملك استمر ذلك فكأنه أول من
داوم على كسوتها الديباج في كل سنة وقول ابن جريج أول من كساها ذلك عبد الملك يوافق
القول الأخير فإن الحجاج إنما كساها بأمر عبد الملك وقول ابن إسحاق إن أبا بكر وعمر لم يكسيا
الكعبة فيه نظر لما تقدم عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن عمر كان ينزعها كل سنة لكن يعارض ذلك
ما حكاه الفاكهي عن بعض المكيين أن شيبة بن عثمان استأذن معاوية في تجريد الكعبة فأذن
له فكان أول من جردها من الخلفاء وكانت كسوتها قبل ذلك تطرح عليها شيئا فوق شئ وقد تقدم
سؤال شيبة لعائشة أنها تجتمع عندهم فتكثر وذكر الأزرقي أن أول من ظاهر الكعبة بين كسوتين
عثمان بن عفان وذكر الفاكهي أن أول من كساها الديباج الأبيض المأمون بن الرشيد واستمر
بعده وكسيت في أيام الفاطميين الديباج الأبيض وكساها محمد بن سبكتكين ديباجا أصفر وكساها
الناصر العباسي ديباجا أخضر ثم كساها ديباجا أسود فاستمر إلى الآن ولم تزل الملوك يتداولون
كسوتها إلى أن وقف عليها الصالح إسماعيل بن الناصر في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة قرية
من نواحي القاهرة يقال لها بياسوس كان اشترى الثلثين منها من وكيل بيت المال ثم وقفها كلها
على هذه الجهة فاستمر ولم تزل تكسى من هذا الوقف إلى سلطنة الملك المؤيد شيخ سلطان العصر
367

فكساها من عنده سنة لضعف وقفها ثم فوض أمرها إلى بعض أمنائه وهو القاضي زين الدين
عبد الباسط بسط الله له في رزقه وعمره فبالغ في تحسينها بحيث يعجز الواصف عن صفة حسنها
جزاه الله على ذلك أفضل المجازاة وحاول ملك الشرق شاه روخ (2) في سلطنة الأشرف برسباي أن
يأذن له في كسوة الكعبة فامتنع فعاد راسله أن يأذن له أن يكسوها من داخلها فقط فأبى فعاد
راسله أن يرسل الكسوة إليه ويرسلها إلى الكعبة ويكسوها ولو يوما واحدا واعتذر بأنه نذر
أن يكسوها ويريد الوفاء بنذره فاستفتى أهل العصر فتوقفت عن الجواب وأشرت إلى أنه إن
خشي منه الفتنة فيجاب دفعا للضرر وتسرع جماعة إلى عدم الجواز ولم يستندوا إلى طائل بل
إلى موافقة هوى السلطان ومات الأشرف على ذلك (قوله باب هدم الكعبة)
أي في آخر الزمان (قوله وقالت عائشة) في رواية غير أبي ذر قالت بحذف الواو وهذا طرف
من حديث وصله المصنف في أوائل البيوع من طريق نافع بن جبير عنها بلفظ يغزو جيش
الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم وسيأتي
الكلام عليه هناك ومناسبته لهذه الترجمة من جهة أن فيه إشارة إلى أن غزو الكعبة سيقع فمرة
يهلكهم الله قبل الوصول إليها وأخرى يمكنهم والظاهر أن غزو الذين يخربونه متأخر عن الأولين
(قوله عبيد الله بن الأخنس) بمعجمة ونون ثم مهملة وزن الأحمر وعبيد الله بالتصغير كوفي يكنى
أبا مالك (قوله كأني به) كذا في جميع الروايات عن ابن عباس في هذا الحديث والذي يظهر
أن في الحديث شيئا حذف ويحتمل أن يكون هو ما وقع في حديث علي عند أبي عبيد في غريب
الحديث من طريق أبي العالية عن علي قال استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال
بينكم وبينه فكأني برجل من الحبشة أصلع أو قال أصمع حمش الساقين قاعد عليها وهي تهدم
ورواه الفاكهي من هذا الوجه ولفظه أصعل بدل أصلع وقال قائما عليها يهدمها بمسحاته
ورواه يحيى الحماني في مسنده من وجه آخر عن علي مرفوعا (قوله كأني به أسود أفحج) بوزن
أفعل بفاء ثم حاء ثم جيم والفحج تباعد ما بين الساقين قال الطيبي وفي إعرابه أوجه قيل هو
حال من خبر كان وهو باعتبار المعنى الذي أشبه الفعل وقيل هما حالان من خبر كان وذو الحال إما
المستقر المرفوع أو المجرور والثاني أشبه أو هما بدلان من الضمير المجرور وعلى كل حال
يلزم إضمار قبل الذكر وهو مبهم يفسره ما بعده كقولك رأيته رجلا وقيل هما منصوبان على
التمييز وقوله حجرا حجرا حال كقولك بوبتة بابا بابا وقوله في حديث علي أصلع أو أصعل أو أصمع
الأصلع من ذهب شعر مقدم رأسه والأصعل الصغير الرأس والأصمع الصغير الأذنين وقوله
حمش الساقين بحاء الركعة وميم ساكنة ثم معجمة أي دقيق الساقين وهو موافق لقوله في رواية
أبي هريرة ذو السويقتين كما سيأتي في الحديث الذي بعده (قوله يقلعها حجرا حجرا) زاد
الإسماعيلي والفاكهي في آخره يعني الكعبة (قوله عن ابن شهاب) كذا رواه الليث عن يونس
وتابعه عبد الله بن وهب عن يونس عند أبي نعيم في المستخرج وخالفهما ابن المبارك فرواه عن
يونس عن الزهري فقال عن سحيم مولى بني زهرة عن أبي هريرة رواه الفاكهي من طريق نعيم
ابن حماد عن ابن المبارك فإن كان محفوظا فيكون للزهري فيه شيخان عن أبي هريرة (قوله
ذو السويقتين) تثنية سويقة وهي تصغير ساق أي له ساقان دقيقتان (قوله من الحبشة) أي
368

رجل من الحبشة ووقع هذا الحديث عند أحمد من طريق سعيد بن سمعان عن أبي هريرة يأتم
من هذا السياق ولفظه يبايع للرجل بين الركن والمقام ولن يستحل هذا البيت إلا أهله فإذا
استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب ثم يجئ الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا وهم الذين
يستخرجون كنزه ولأبي قرة في السنن من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا لا يستخرج كنز
الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة ونحوه لأبي داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
وزاد أحمد والطبراني من طريق مجاهد عنه فيسلبها حليتها ويجردها من كسوتها كأني أنظر
إليه أصيلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته أو بمعوله وللفاكهي من طريق مجاهد نحوه وزاد قال
مجاهد فلما هدم ابن الزبير الكعبة جئت أنظر إليه هل أرى الصفة التي قال عبد الله بن عمرو فلم
أرها قيل هذا الحديث يخالف قوله تعالى أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ولأن الله حبس عن
مكة الفيل ولم يمكن أصحابه من تخريب الكعبة ولم تكن إذ ذاك قبلة فكيف يسلط عليها الحبشة
بعد أن صارت قبلة للمسلمين وأجيب بأن ذلك محمول على أنه يقع في آخر الزمان قرب قيام الساعة
حيث لا يبقى في الأرض أحد يقول الله الله كما ثبت في صحيح مسلم لا تقوم الساعة حتى لا يقال في
الأرض الله الله ولهذا وقع في رواية سعيد بن سمعان لا يعمر بعده أبدا وقد وقع قبل ذلك فيه من
القتال وغزو أهل الشام له في زمن يزيد بن معاوية ثم من بعده في وقائع كثيرة من أعظمها وقعة
القرامطة بعد الثلاثمائة فقتلوا من المسلمين في المطاف من لا يحصى كثرة وقلعوا الحجر الأسود فحولوه
إلى بلادهم ثم أعادوه بعد مدة طويلة ثم غزى مرارا بعد ذلك وكل ذلك لا يعارض قوله تعالى
أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا لأن ذلك إنما وقع بأيدي المسلمين فهو مطابق لقوله صلى الله عليه
وسلم ولن يستحل هذا البيت إلا أهله فوقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم وهو من علامات نبوته
وليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن المذكور فيها والله أعلم (قوله باب ما ذكر في
الحجر الأسود) أورد فيه حديث عمر في تقبيل الحجر وقوله لا تضر ولا تنفع وكأنه لم يثبت عنده فيه
على شرطه شئ غير ذلك وقد وردت فيه أحاديث منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا
إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس آله نورهما ولولا ذلك لأضاء آما بين المشرق
والمغرب أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان وفي إسناده رجى أبو يحيى وهو ضعيف قال
الترمذي حديث غريب ويروي عن عبد الله بن عمرو موقوفا وقال ابن أبي حاتم عن أبيه وقفه
أشبه والذي رفعه ليس بقوي ومنها حديث ابن عباس مرفوعا نزل الحجر الأسود من الجنة وهو
أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم أخرجه الترمذي وصححه وفيه عطاء بن السائب وهو
صدوق لكنه اختلط وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه لكن له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة
فيقوى بها وقد رواه النسائي من طريق حماد بن سلمة عن عطاء مختصرا ولفظه الحجر الأسود من
الجنة وحماد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط وفي صحيح ابن خزيمة أيضا عن أبن عباس مرفوعا
أن لهذا الحجر لسانا وشفتين يشهدان لمن استلمه يوم القيامة بحق وصححه أيضا ابن حبان والحاكم
وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم أيضا (قوله عن إبراهيم) هو ابن يزيد النخعي وقد رواه
سفيان وهو الثوري بإسناد آخر عن إبراهيم وهو ابن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة عن عمر
أخرجه مسلم (قوله اني أعلم إنك حجر) في رواية أسلم الآتية بعد باب عن عمر أنه قال أما والله
369

إني لأعلم أنك (قوله لا تضر ولا تنفع) أي إلا بإذن الله وقد روى الحاكم من حديث أبي سعيد أن
عمر لما قال هذا قال له علي بن أبي طالب إنه يضر وينفع وذكر أن الله لما أخذ المواثيق على ولد
آدم كتب ذلك في رق وألقمه الحجر قال وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى يوم
القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد وفي إسناده أبو هارون العبدي
وهو ضعيف جدا وقد روى النسائي من وجه آخر ما يشعر بأن عمر رفع قوله ذلك إلى النبي صلى الله
عليه وسلم أخرجه من طريق طاوس عن ابن عباس قال رأيت عمر قبل الحجر ثلاثا ثم قال إنك حجر
لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك ثم قال رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك قال الطبري إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد
بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت
العرب تفعل في الجاهلية فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه أتباع لفعل رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان وقال المهلب
حديث عمر هذا يرد على من قال أن الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده ومعاذ الله أن يكون
لله جارحة وإنما شرع تقبيله اختيارا ليعلم بالمشاهدة طاعة من يطيع وذلك شبيه بقصة إبليس
حيث أمر بالسجود لآدم وقال الخطابي معنى أنه يمين الله في الأرض أن من صافحه في الأرض
كان له عند الله عهد وجرت العادة بأن العهد يعقده الملك بالمصافحة لمن يريد موالاته
والاختصاص به فخاطبهم بما يعهدونه وقال المحب الطبري معناه أن كل ملك إذا قدم عليه الوافد
قبل يمينه فلما كان الحاج أول ما يقدم يسن له تقبيله نزل منزلة يمين الملك ولله المثل الأعلى وفي
قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحسن الأتباع فيما لم يكشف عن معانيها وهو قاعدة
عظيمة في أتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة فيه وفيه دفع ما وقع لبعض
الجهال من أن في الحجر الأسود خاصة ترجع إلى ذاته وفيه بيان السنن بالقول والفعل وأن الإمام
إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد أن يبادر إلى بيان الأمر ويوضح ذلك وسيأتي بقية
الكلام على التقبيل والاستلام بعد تسعة أبواب قال شيخنا في شرح الترمذي فيه كراهة تقبيل
ما لم يرد الشرع بتقبيله وأما قول الشافعي ومهما قبل من البيت فحسن فلم يرد به الاستحباب لأن
المباح من جملة الحسن عند الأصوليين * (تكميل) * اعترض بعض الملحدين على الحديث
الماضي فقال كيف سودته خطايا المشركين ولم تبيضه طاعات أهل التوحيد وأجيب بما قال
ابن قتيبة لو شاء الله لكان كذلك وإنما أجرى الله العادة بأن السواد يصبغ ولا ينصبغ على العكس
من البياض وقال المحب الطبري في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر
الصلد فتأثيرها في القلب أشد قال وروى عن ابن عباس إنما غيره بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا
إلى زينة الجنة فإن ثبت فهذا هو الجواب (قلت) أخرجه الحميدي في فضائل مكة بإسناد
ضعيف والله أعلم (قوله باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء)
أورد فيه حديث ابن عمر عن بلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة بين العمودين
وتعقب بأنه يغاير الترجمة من جهة أنها تدل على التخيير والفعل المذكور يدل على التعيين
وأجيب بأنه حمل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموضع بعينه على سبيل الاتفاق لاعلى
370

سبيل القصد لزيادة فضل في ذلك المكان على غيره ويحتمل أن يكون مراده أن ذلك الفعل ليس
حتما وإن كانت الصلاة في تلك البقعة التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من غيرها
ويؤيده ما سيأتي في الباب الذي يليه من تصريح ابن عمر بنص الترجمة مع كونه كان يقصد
المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه لفضله وكأن المصنف أشار بهذه الترجمة
إلى الحكمة في إغلاق الباب حينئذ وهو أولى من دعوى ابن بطال ان الحكمة فيه لئلا يظن
الناس أن ذلك سنة وهو مع ضعفه منتقض بأنه لو أراد إخفاء ذلك ما اطلع عليه بلال ومن كان
معه وإثبات الحكم بذلك يكفي فيه نقل الواحد وقد تقدم بسط هذا في باب الغلق للكعبة من
كتاب الصلاة وظاهر الترجمة أنه يشترط للصلاة في جميع الجوانب إغلاق الباب ليصير مستقبلا
في حال الصلاة غير الفضاء والمحكي عن الحنيفة الجواز مطلقا وعن الشافعية وجه مثله لكن
يشترط أن يكون للباب عتبة بأي قدر كانت ووجه يشترط أن يكون قدر قامة المصلي ووجه
يشترط أن يكون قدر مؤخرة الرجل وهو المصحح عندهم وفي الصلاة فوق ظهر الكعبة نظير هذا
الخلاف والله أعلم وأما قول بعض الشارحين إن قوله ويصلي في أي نواحي البيت شاء يعكر على
الشافعية فيما إذا كان البيت مفتوحا ففيه نظر لأنه جعله حيث يغلق الباب وبعد الغلق لا توقف
عندهم في الصحة (قوله دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت) كان ذلك في عام الفتح كما وقع
مبينا من رواية يونس بن يزيد عن نافع عند المصنف في كتاب الجهاد بزيادة فوائد ولفظه أقبل النبي
صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته وفي رواية فليح عن نافع الآتية في المغازي
وهو مردف أسامة يعني ابن زيد على القصواء ثم اتفقا ومعه بلال وعثمان بن طلحة حتى أناخ في
المسجد وفي رواية فليح عند البيت وقال لعثمان ائتنا بالمفتاح فجاءه بالمفتاح ففتح له الباب فدخل
ولمسلم وعبد الرزاق من رواية أيوب عن نافع ثم دعا عثمان بن طلحة بالمفتاح فذهب إلى أمه
فأبت أن تعطيه فقال والله لتعطينه أو لأخرجن هذا السيف من صلبي فلما رأت ذلك أعطته
فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح الباب فظهر من رواية فليح أن فاعل فتح هو عثمان
المذكور لكن روى الفاكهي من طريق ضعيفة عن ابن عمر قال كان بنو أبي طلحة يزعمون
أنه لا يستطيع أحد فتح الكعبة غيرهم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها بيده
وعثمان المذكور هو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عبد الدار بن قصي بن كلاب
ويقال له الحجبي بفتح المهملة والجيم ولآل بيته الحجبة لحجبهم الكعبة ويعرفون الآن بالشيبيين
نسبة إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وهو ابن عم عثمان هذا لا ولده وله أيضا صحبة ورواية واسم
أم عثمان المذكورة سلافة بضم المهملة والتخفيف والفاء (قوله هو وأسامة بن زيد وبلال
وعثمان) زاد مسلم من طريق أخرى ولم يدخلها معهم أحد ووقع عند النسائي من طريق ابن
عون عن نافع ومعه الفضل بن عباس وأسامة وبلال وعثمان زاد الفضل ولأحمد من حديث ابن
عباس حدثني أخي الفضل وكان معه حين دخلها أنه لم يصل في الكعبة وسيأتي البحث فيه بعد
بابين (قوله فأغلقوا عليهم) زاد في رواية حسان بن عطية عن نافع عند أبي عوانة من داخل
وزاد يونس فمكث نهارا طويلا وفي رواية فليح زمانا بدل نهارا وفي رواية جويرية عن نافع التي
مضت في أوائل الصلاة فأطال ولمسلم من رواية ابن عون عن نافع فمكث فيها مليا وله من رواية
371

عبيد الله عن نافع فأجافوا عليهم الباب طويلا ومن رواية أيوب عن نافع فمكث فيها ساعة
وللنسائي من طريق ابن أبي مليكة فوجدت شيئا فذهبت ثم جئت سريعا فوجدت النبي صلى
الله عليه وسلم خارجا منها ووقع في الموطأ بلفظ فأغلقها عليه والضمير لعثمان وبلال ولمسلم من
طريق ابن عون عن نافع فأجاف عليهم عثمان الباب والجمع بينهما أن عثمان هو المباشر لذلك
لأنه من وظيفته ولعل بلالا ساعده في ذلك ورواية الجمع يدخل فيها الآمر بذلك والراضي به
(قوله فلما فتحوا كنت أول من ولج) وفي رواية فليح ثم خرج فابتدر الناس الدخول فسبقتهم
وفي رواية أيوب وكنت رجلا شابا قويا فبادرت الناس فبدرتهم وفي رواية جويرية كنت أول
الناس ولج على أثره وفي رواية ابن عون فرقيت الدرجة فدخلت البيت وفي رواية مجاهد الماضية
في أوائل الصلاة عن ابن عمر وأجد بلالا قائما بين البابين وأفاد الأزرقي في كتاب مكة أن خالد بن
الوليد كان على الباب يذب عنه الناس وكأنه جاء بعد ما دخل النبي صلى الله عليه وسلم وأغلق
(قوله فلقيت بلالا فسألته) زاد في رواية مالك عن نافع الماضية في أوائل الصلاة ما صنع وفي
رواية جويرية ويونس وجمهور أصحاب نافع فسألت بلالا أين صلى اختصروا أول السؤال وثبت
في رواية سالم هذه حيث قال هل صلى فيه قال نعم وكذا في رواية مجاهد وابن أبي مليكة عن ابن عمر
فقلت أصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة قال نعم فظهر أنه استثبت أولا هل صلى أو لا ثم سأل
عن موضع صلاته من البيت ووقع في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم فأخبرني بلال أو عثمان
ابن طلحة على الشك والمحفوظ أنه سأل بلالا كما في رواية الجمهور ووقع عند أبي عوانة من طريق
العلاء بن عبد الرحمن عن ابن عمر أنه سأل بلالا وأسامة بن زيد حين خرجا أين صلى النبي صلى الله
عليه وسلم فيه فقالا على جهته وكذا أخرجه البزار نحوه ولأحمد والطبراني من طريق أبي الشعثاء
عن ابن عمر قال أخبرني أسامة أنه صلى فيه ههنا ولمسلم والطبراني من وجه آخر فقلت أين صلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا فإن كان محفوظا حمل على أنه ابتدأ بلالا بالسؤال كما تقدم تفصيله
ثم أراد زيادة الاستثبات في مكان الصلاة فسأل عثمان أيضا وأسامة ويؤيد ذلك قوله في رواية
ابن عون عند مسلم ونسيت أن أسألهم كم صلى بصيغة الجمع وهذا أولى من جزم عياض بوهم
الرواية التي أشرنا إليها من عند مسلم وكأنه لم يقف على بقية الروايات ولا يعارض قصته مع قصة
أسامة ما أخرجه مسلم أيضا من حديث ابن عباس أن أسامة بن زيد أخبره أن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يصل فيه ولكنه كبر في نواحيه فإنه يمكن الجمع بينهما بأن أسامة حيث أثبتها اعتمد في
ذلك على غيره وحيث نفاها أراد ما في علمه لكونه لم يره صلى الله عليه وسلم حين صلى وسيأتي مزيد
بسط فيه بعد بابين في الكلام على حديث ابن عباس إن شاء الله تعالى (قوله بين العمودين
اليمانيين) في رواية جويرية بين العمودين المقدمين وفي رواية مالك عن نافع جعل عمودا عن
يمينه وعمودا عن يساره وفي رواية عنه عمودين عن يمينه وقد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في
باب الصلاة بين السواري بما يغني عن إعادته لكن نذكر هنا ما لم يتقدم ذكره فوقع في رواية فليح
الآتية في المغازي بين ذينك العمودين المقدمين وكان البيت على ستة أعمدة سطرين صلى بين
العمودين من السطر المقدم وجعل باب البيت خلف ظهره وقال في آخر روايته وعند المكان
الذي صلى فيه مرمرة حمراء وكل هذا أخبار عما كان عليه البيت قبل أن يهدم ويبنى في زمن ابن
372

الزبير فأما الآن فقد بين موسى بن عقبة في روايته عن نافع كما في الباب الذي يليه أن بين موقفه
صلى الله عليه وسلم وبين الجدار الذي استقبله قريبا من ثلاثة أذرع وجزم برفع هذه الزيادة مالك
عن نافع فيما أخرجه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن مهدي والدارقطني في الغرائب من طريقه
وطريق عبد الله بن وهب وغيرهما عنه ولفظه وصلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع وكذا
أخرجها أبو عوانة من طريق هشام بن سعد عن نافع وهذا فيه الجزم بثلاثة أذرع لكن رواه
النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك بلفظ نحو من ثلاثة أذرع وهي موافقة لرواية موسى
ابن عقبة وفي كتاب مكة للأزرقي والفاكهي من وجه آخر أن معاوية سأل ابن عمر أين صلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اجعل بينك وبين الجدار ذراعين أو ثلاثة فعلى هذا ينبغي لمن
أراد الأتباع في ذلك أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع فإنه تقع قدماه في مكان قدميه صلى
الله عليه وسلم إن كانت ثلاثة أذرع سواء وتقع ركبتاه أو يداه ووجهه إن كان أقل من ثلاثة
والله أعلم وأما مقدار صلاته حينئذ فقد تقدم البحث فيه في أوائل الصلاة وأشرت إلى الجمع
بين رواية مجاهد عن ابن عمر أنه صلى ركعتين وبين رواية من روى عن نافع أن ابن عمر قال نسيت
أن أسأله كم صلى وإلى الرد على من زعم أن رواية مجاهد غلط بما فيه مقنع بحمد الله تعالى وفي هذا
الحديث من الفوائد رواية الصاحب عن الصاحب وسؤال المفضول مع وجود الأفضل
والاكتفاء به والحجة بخبر الواحد ولا يقال هو أيضا خبر واحد فكيف يحتج للشئ بنفسه لأنا
نقول هو فرد ينضم إلى نظائر مثله يوجب العلم بذلك وفيه اختصاص السابق بالبقعة الفاضلة
وفيه السؤال عن العلم والحرص فيه وفضيلة ابن عمر لشدة حرصه على تتبع آثار النبي صلى الله
عليه وسلم ليعمل بها وفيه أن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم
في بعض المشاهد الفاضلة ويحضره من هو دونه فيطلع على ما لم يطلع عليه لأن أبا بكر وعمر وغيرهما
ممن هو أفضل من بلال ومن ذكر معه لم يشاركوهم في ذلك واستدل به المصنف فيما مضى على
أن الصلاة إلى المقام غير واجبة وعلى جواز الصلاة بين السواري في غير الجماعة وعلى مشروعية
الأبواب والغلق للمساجد وفيه أن السترة إنما تشرع حيث يخشى المرور فإنه صلى الله عليه وسلم
صلى بين العمودين ولم يصل إلى أحدهما والذي يظهر أنه ترك ذلك للاكتفاء بالقرب من الجدار
كما تقدم أنه كان بين مصلاه والجدار نحو ثلاثة أذرع وبذلك ترجم له النسائي على أن حد الدنو
من السترة أن لا يكون بينهما أكثر من ثلاثة أذرع ويستفاد منه أن قول العلماء تحية المسجد
الحرام الطواف مخصوص بغير داخل الكعبة لكونه صلى الله عليه وسلم جاء فأناخ عند البيت
فدخله فصلى فيه ركعتين فكانت تلك الصلاة إما لكون الكعبة كالمسجد المستقل أو هو تحية
المسجد العام والله أعلم وفيه استحباب دخول الكعبة وقد روى ابن خزيمة والبيهقي من حديث
ابن عباس مرفوعا من دخل البيت دخل في حسنة وخرج مغفورا له قال البيهقي تفرد به عبد الله
ابن المؤمل وهو ضعيف ومحل استحبابه ما لم يؤذ أحدا بدخوله وروى ابن أبي شيبة من قول ابن
عباس أن دخول البيت ليس من الحج في شئ وحكى القرطبي عن بعض العلماء أن دخول البيت
من مناسك الحج ورده بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دخله عام الفتح ولم يكن حينئذ محرما
وأما ما رواه أبو داود والترمذي وصححه هو وابن خزيمة والحاكم عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم
373

خرج من عندها وهو قرير العين ثم رجع وهو كئيب فقال دخلت الكعبة فأخاف أن أكون
شققت على أمتي فقد يتمسك به لصاحب هذا القول المحكي لكون عائشة لم تكن معه
في الفتح ولا في عمرته بل سيأتي بعد بابين أنه لم يدخل في الكعبة في عمرته فتعين أن القصة كانت
في حجته وهو المطلوب وبذلك جزم البيهقي وإنما لم يدخل في عمرته لما كان في البيت من الأصنام
والصور كما سيأتي وكان إذ ذاك لا يتمكن من إزالتها بخلاف عام الفتح ويحتمل أن يكون
صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعائشة بالمدينة بعد رجوعه فليس في السياق ما يمنع ذلك
وسيأتي النقل عن جماعة من أهل العلم أنه لم يدخل الكعبة في حجته وفيه استحباب الصلاة
في الكعبة وهو ظاهر في النقل ويلتحق فيه الفرض إذ لا فرق بينهما في مسئلة الاستقبال للمقيم
وهو قول الجمهور وعن ابن عباس لا تصح الصلاة داخلها مطلقا وعلله بأنه يلزم من ذلك استدبار
بعضها وقد ورد الأمر باستقبالها فيحمل على استقبال جميعها وقال به بعض المالكية
والظاهرية والطبري وقال المازري المشهور في المذهب منع صلاة الفرض داخلها ووجوب
الإعادة وعن ابن عبد الحكم الإجزاء وصححه ابن عبد البر وابن العربي وعن ابن حبيب يعيد أبدا
وعن أصبغ إن كان معتمدا وأطلق الترمذي عن مالك جواز النوافل وقيده بعض أصحابه بغير
الرواتب وما تشرع فيه الجماعة وفي شرح العمدة لابن دقيق العيد كره مالك الفرض أو منعه
فكأنه أشار إلى اختلاف النقل عنه في ذلك ويلتحق بهذه المسئلة الصلاة في الحجر ويأتي فيها
الخلاف السابق في أول الباب في الصلاة إلى جهة الباب نعم إذا استدبر الكعبة واستقبل الحجر لم
يصح على القول بأن تلك الجهة منه ليست من الكعبة ومن المشكل ما نقله النووي في زوائد
الروضة عن الأصحاب أن صلاة الفرض داخل الكعبة إن لم يرج جماعة أفضل منها خارجها
ووجه الإشكال أن الصلاة خارجها متفق على صحتها بين العلماء بخلاف داخلها فكيف يكون
المختلف في صحته أفضل من المتفق (قوله باب الصلاة في الكعبة) أورد فيه حديث
ابن عمر في ذلك من طريق عبد الله بن المبارك عن موسى بن عقبة عن نافع (قوله قبل) بكسر القاف
وفتح الموحدة أي مقابل (قوله يتوخى) بتشديد الخاء المعجمة أي يقصد (قوله وليس على أحد
بأس الخ) الظاهر أنه من كلام ابن عمر مع احتمال أن يكون من كلام غيره وقد تقدم الحديث
المرفوع في كتاب الصلاة في باب الصلاة بين السواري (قوله باب من لم يدخل
الكعبة) كأنه أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من زعم أن دخولها من مناسك الحج وقد تقدم
البحث فيه قبل بباب واقتصر المصنف على الاحتجاج بفعل ابن عمر لأنه أشهر من روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم دخول الكعبة فلو كان دخولها عنده من المناسك لما أخل به مع كثرة أتباعه
(قوله وكان ابن عمر الخ) وصله سفيان الثوري في جامعه من رواية عبد الله بن الوليد
العدني عنه عن حنظلة عن طاوس قال كان ابن عمر يحج كثيرا ولا يدخل البيت وأخرجه
الفاكهي في كتاب مكة من هذا الوجه (قوله خالد بن عبد الله) هو الطحان البصري وهذا
الإسناد نصفه بصري ونصفه كوفي (قوله اعتمر) أي في سنة سبع عام القضية (قوله
أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة) الهمزة للاستفهام أي في تلك العمرة (قال
لا) قال النووي قال العلماء سبب ترك دخوله ما كان في البيت من الأصنام والصور ولم يكن
374

المشركون يتركونه ليغيرها فلما كان في الفتح أمر بإزالة الصور ثم دخلها يعني كما في حديث ابن
عباس الذي بعده انتهى ويحتمل أن يكون دخول البيت لم يقع في الشرط فلو أراد دخوله لمنعوه
كما منعوه من الإقامة بمكة زيادة على الثلاث فلم يقصد دخوله لئلا يمنعوه وفي السيرة عن علي
أنه دخلها قبل الهجرة فأزال شيئا من الأصنام وفي الطبقات عن عثمان بن طلحة نحو ذلك فإن ثبت
ذلك لم يشكل على الوجه الأول لأن ذلك الدخول كان لإزالة شئ من المنكرات لا لقصد العبادة
والإزالة في الهدنة كانت غير ممكنة بخلاف يوم الفتح * (تنبيه) * استدل المحب الطبري به على أنه
صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة في حجته وفي فتح مكة ولا دلالة فيه على ذلك لأنه لا يلزم من نفي كونه
دخلها في عمرته أنه دخلها في جميع أسفاره والله أعلم (قوله باب من كبر في نواحي
الكعبة) أورد فيه حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كبر في البيت ولم يصل فيه وصححه
المصنف واحتج به مع كونه يرى تقديم حديث بلال في إثباته الصلاة فيه عليه ولا معارضة في ذلك
بالنسبة إلى الترجمة لأن ابن عباس أثبت التكبير ولم يتعرض له بلال وبلال أثبت الصلاة ونفاها ابن
عباس فاحتج المصنف بزيادة ابن عباس وقد يقدم اثبات بلال على نفي غيره لأمرين أحدهما أنه لم
يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وإنما أسند نفيه تارة لأسامة وتارة لأخيه الفضل مع أنه
لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة وقد روى أحمد من طريق ابن عباس عن أخيه
الفضل نفي الصلاة فيها فيحتمل أن يكون تلقاه عن أسامة فإنه كان معه كما تقدم وقد مضى في
كتاب الصلاة أن ابن عباس روى عنه نفي الصلاة فيها عند مسلم وقد وقع اثبات صلاته فيها عن
أسامة من رواية ابن عمر عن أسامة عند أحمد وغيره فتعارضت الرواية في ذلك عنه فتترجح رواية
بلال من جهة أنه مثبت وغيره ناف ومن جهة أنه لم يختلف عليه في الإثبات واختلف على من
نفى وقال النووي وغيره يجمع بين اثبات بلال ونفي أسامة بأنهم لما دخلوا الكعبة اشتغلوا
بالدعاء فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فاشتغل أسامة بالدعاء في ناحية والنبي صلى الله
عليه وسلم في ناحية ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربه منه ولم يره أسامة لبعده
واشتغاله ولأن بإغلاق الباب تكون الظلمة مع احتمال أن يحجبه عنه بعض الأعمدة فنفاها عملا
بظنه وقال المحب الطبري يحتمل أن يكون أسامة غاب عنه بعد دخوله لحاجة فلم يشهد صلاته
انتهى ويشهد له ما رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران
عن عمير مولى ابن عباس عن أسامة قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة فرأى
صورا فدعا بدلو من ماء فأتيته به فضرب به الصور فهذا الإسناد جيد قال القرطبي فلعله استصحب
النفي لسرعة عوده انتهى وهو مفرع على أن هذه القصة وقعت عام الفتح فإن لم يكن فقد روى
عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق علي بن بذيمة وهو تابعي وأبوه بفتح الموحدة ثم معجمة وزن عظيمة
قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة ودخل معه بلال وجلس أسامة على الباب فلما خرج
وجد أسامة قد احتبى فأخذ بحبوته فحلها الحديث فلعله احتبى فاستراح فنعس فلم يشاهد
صلاته فلما سئل عنها نفاها مستصحبا للنفي لقصر زمن احتبائه وفي كل ذلك إنما نفي رؤيته لا ما في
نفس الأمر ومنهم من جمع بين الحديثين بغير ترجيح أحدهما على الآخر وذلك من أوجه
أحدها حمل الصلاة المثبتة على اللغوية والمنفية على الشرعية وهذه طريقة من يكره الصلاة
375

داخل الكعبة فرضا ونفلا وقد تقدم البحث فيه ويرد هذا الحمل ما تقدم في بعض طرقه من تعيين
قدر الصلاة فظهر أن المراد بها الشرعية لا مجرد الدعاء ثانيها قال القرطبي يمكن حمل الاثبات
على التطوع والنفي على الفرض وهذه طريقة المشهور من مذهب مالك وقد تقدم البحث
فيها ثالثها قال المهلب شارح البخاري يحتمل أن يكون دخول البيت وقع مرتين صلى في
إحداهما ولم يصل في الأخرى وقال ابن حبان الأشبه عندي في الجمع أن يجعل الخبران في
وقتين فيقال لما دخل الكعبة في الفتح صلى فيها على ما رواه ابن عمر عن بلال ويجعل نفي ابن
عباس الصلاة في الكعبة في حجته التي حج فيها لأن ابن عباس نفاها وأسنده إلى أسامة وابن عمر
أثبتها وأسند إثباته إلى بلال وإلى أسامة أيضا فإذا حمل الخبر على ما وصفنا بطل التعارض وهذا
جمع حسن لكن تعقبه النووي بأنه لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم دخل في يوم الفتح لا في
حجة الوداع ويشهد له ما روى الأزرقي في كتاب مكة عن سفيان عن غير واحد من أهل العلم أنه
صلى الله عليه وسلم إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح ثم حج فلم يدخلها وإذا كان الأمر
كذلك فلا يمتنع أن يكون دخلها عام الفتح مرتين ويكون المراد بالواحدة التي في خبر ابن
عيينة وحدة السفرة لا الدخول وقد وقع عند الدارقطني من طريق ضعيفة ما يشهد لهذا
الجمع والله أعلم ويؤيد الجمع الأول ما أخرجه عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق حماد
عن أبي حمزة عن ابن عباس قال قلت له كيف أصلي في الكعبة قال كما تصلي في الجنازة تسبح
وتكبر ولا تركع ولا تسجد ثم عند أركان البيت سبح وكبر وتضرع واستغفر ولا تركع ولا تسجد
وسنده صحيح (قوله وفيه الآلهة) أي الأصنام وأطلق عليها الآلهة باعتبار ما كانوا
يزعمون وفي جواز إطلاق ذلك وقفة والذي يظهر كراهته وكانت تماثيل على صور شتى
فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول البيت وهي فيه لأنه لا يقر على باطل ولأنه لا يحب
فراق الملائكة وهي لا تدخل ما فيه صورة (قوله الأزلام) سيأتي شرحها مبينا حيث ذكرها
المصنف في تفسير المائدة (قوله أم والله) كذا للأكثر ولبعضهم أما بإثبات الألف (قوله لقد
علموا) قيل وجه ذلك أنهم كانوا يعلمون اسم أول من أحدث الاستقسام بها وهو عمرو بن لحي
وكانت نسبتهم إلى إبراهيم وولده الاستقسام بها افتراء عليهما لتقدمهما على عمرو (قوله
باب كيف كان بدء الرمل) أي ابتداء مشروعيته وهو بفتح الراء والميم هو الإسراع
وقال ابن دريد هو شبيه بالهرولة وأصله أن يحرك الماشي منكبيه في مشيه وذكر حديث ابن
عباس في قصة الرمل في عمرة القضية وسيأتي الكلام عليه مستوفى في المغازي وعلى ما يتعلق
بحكم الرمل بعد باب وقوله أن يرملوا بضم الميم وهو في موضع مفعول يأمرهم تقول أمرته
كذا وأمرته بكذا والأشواط بفتح الهمزة بعدها معجمة جمع شوط بفتح الشين وهو الجري مرة إلى
الغاية والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة والإبقاء بكسر الهمزة وبالموحدة والقاف الرفق
والشفقة وهو بالرفع على أنه فاعل لم يمنعه ويجوز النصب وفي الحديث جواز تسمية الطوفة شوطا
ونقل عن مجاهد والشافعي كراهته ويؤخذ منه جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك
للكفار إرهابا لهم ولا يعد ذلك من الرياء المذموم وفيه جواز المعاريض بالفعل كما يجوز بالقول
وربما كانت بالفعل أولى (قوله باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول
376

ما يطوف ويرمل ثلاثا) أورد فيه حديث ابن عمر في ذلك وهو مطابق للترجمة من غير مزيد وقوله
يخب بفتح أوله وضم الخاء المعجمة بعدها موحدة أي يسرع في مشيه والخبب بفتح المعجمة والموحدة
بعدها موحدة أخرى العدو السريع يقال خبت الدابة إذا أسرعت وراوحت بين قدميها وهذا
يشعر بترادف الرمل والخبب عند هذا القائل وقوله أول منصوب على الظرف وقوله من
السبع بفتح أوله أي السبع طوفات وظاهره أن الرمل يستوعب الطوفة فهو مغاير لحديث ابن
عباس الذي قبله لأنه صريح في عدم الاستيعاب وسيأتي القول فيه في الباب الذي بعده
في الكلام على حديث عمر إن شاء الله تعالى (قوله باب الرمل في الحج والعمرة) أي
في بعض الطواف والقصد إثبات بقاء مشروعيته وهو الذي عليه الجمهور وقال ابن عباس ليس
هو بسنة من شاء رمل ومن شاء لم يرمل (قوله حدثني محمد هو ابن سلام) كذا لأبي ذر وللباقين
سوى ابن السكن غير منسوب وأما أبو نعيم فقال بعد أن أخرج الحديث من طريق محمد بن
عبد الله بن نمير عن شريح (3) أخرجه البخاري عن محمد ويقال هو ابن نمير ورجح أبو علي الجيابي
أنه محمد بن رافع لكونه روى في موضع آخر عنه عن شريح ويحتمل أن يكون ابن يحيى الذهلي وهو
قول الحاكم والصواب أنه ابن سلام كما نسبه أبو ذر وجزم بذلك أبو علي بن السكن في روايته على أن
شريحا شيخ محمد فيه قد أخرج عنه البخاري بغير واسطة في الجمعة وغيرها فيحتمل أن يكون محمد
هو البخاري نفسه والله أعلم (قوله سعى) أي أسرع المشي في الطوفات الثلاث الأول وقوله
في الحج والعمرة أي حجة الوداع وعمرة القضية لأن الحديبية لم يمكن فيها من الطواف والجعرانة
لم يكن ابن عمر معه فيها ولهذا أنكرها والتي مع حجته اندرجت أفعالها في الحج فلم يبق إلا عمرة
القضية نعم عند الحاكم من حديث أبي سعيد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته وعمره كلها
وأبو بكر وعمر والخلفاء (قوله تابعه الليث قال حدثني كثير الخ) وصلها النسائي من طريق شعيب
ابن الليث عن أبيه والبيهقي من طريق يحيى بن بكير عن الليث قال حدثني فذكره بلفظ أن
عبد الله بن عمر كان يخب في طوافه حين يقدم في حج أو عمرة ثلاثا ويمشي أربعا قال وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك (قوله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للركن) أي
للأسود وظاهره أنه خاطبه بذلك وإنما فعل ذلك ليسمع الحاضرين (قوله ثم قال) أي بعد استلامه
(قوله ما لنا وللرمل) في رواية بعضهم والرمل بغير لام وهو بالنصب على الأفصح وزاد أبو داود
من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فيم الرمل والكشف عن المناكب الحديث والمراد به
الاضطباع وهي هيئة تعين على إسراع المشي بأن يدخل رداءه تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه على
منكبه الأيسر فيبدي منكبه الأيمن ويستر الأيسر وهو مستحب عند الجمهور سوى مالك
قاله ابن المنذر (قوله إنما كنا رأينا) بوزن فاعلنا من الرؤية أي أريناهم بذلك أنا أقوياء قاله
عياض وقال ابن مالك من الرياء أي أظهرنا لهم القوة ونحن ضعفاء ولهذا روى رأيينا بياءين
حملا له على الرياء وإن كان أصله الرئاء بهمزتين ومحصله أن عمر كان هم بترك الرمل في الطواف لأنه
عرف سببه وقد انقضى فهم أن يتركه لفقد سببه ثم رجع عن ذلك لاحتمال أن تكون له حكمة
ما اطلع عليها فرأى أن الأتباع أولى من طريق المعنى وأيضا أن فاعل ذلك إذا فعله تذكر السبب
الباعث على ذلك فيتذكر نعمة الله على إعزاز الإسلام وأهله (قوله فلا نحب أن نتركه) زاد
377

يعقوب بن سفيان عن سعيد شيخ البخاري فيه في آخره ثم رمل أخرجه الإسماعيلي من طريقه
ويؤيده أنهم اقتصروا عند مراءاة المشركين على الإسراع إذا مروا من جهة الركنين
الشاميين لأن المشركين كانوا بإزاء تلك الناحية فإذا مروا بين الركنين اليمانيين مشوا على
هيئتهم كما هو بين في حديث ابن عباس ولما رملوا في حجة الوداع أسرعوا في جميع كل طوفة
فكانت سنة مستقلة ولهذه النكتة سأل عبيد الله بن عمر نافعا كما في الحديث الذي بعده عن
مشي عبد الله بن عمر بين الركنين اليمانيين فأعلمه أنه إنما كان يفعله ليكون أسهل عليه في استلام
الركن أي كان يرفق بنفسه ليتمكن من استلام الركن عند الازدحام وهذا الذي قاله نافع
إن كان استند فيه إلى فهمه فلا يدفع احتمال أن يكون ابن عمر فعل ذلك أتباعا للصفة الأولى
من الرمل لما عرف من مذهبه في الأتباع * (تكميل) * لا يشرع تدارك الرمل فلو تركه
في الثلاث لم يقضه في الأربع لأن هيئتها السكينة فلا تغير ويختص بالرجال فلا رمل على النساء
ويختص بطواف يعقبه سعي على المشهور ولا فرق في استحبابه بين ماش وراكب ولا دم بتركه
عند الجمهور واختلف عند المالكية وقال الطبري قد ثبت أن الشارع رمل ولا مشرك يومئذ
بمكة يعني في حجة الوداع فعلم أنه من مناسك الحج إلا أن تاركه ليس تاركا لعمل بل لهيئة مخصوصة
فكان كرفع الصوت بالتلبية فمن لبى خافضا صوته لم يكن تاركا للتلبية بل لصفتها ولا شئ عليه
* (تنبيه) * قال الإسماعيلي بعد أن خرج الحديث الثالث مقتصرا على المرفوع منه وزاد فيه
قال نافع ورأيت عبد الله يعني ابن عمر يزاحم على الحجر حتى يدمى قال الإسماعيلي ليس هذا
الحديث من هذا الباب في شئ يعني باب الرمل وأجيب بأن القدر المتعلق بهذه الترجمة
منه ثابت عند البخاري ووجهه أن معنى قوله كان ابن عمر يمشي بين الركنين أي دون غيرهما
وكان يرمل ومن ثم سأل الراوي نافعا عن السبب في كونه كان يمشي في بعض دون بعض والله
أعلم * (تنبيه آخر) * استشكل قول عمر راءينا مع أن الرياء بالعمل مذموم والجواب أن صورته
وإن كانت صورة الرياء لكنها ليست مذمومة لأن المذموم أن يظهر العمل ليقال إنه عامل ولا
يعمله بغيبة إذا لم يره أحد وأما الذي وقع في هذه القصة فإنما هو من قبيل المخادعة في الحرب لأنهم
أوهموا المشركين أنهم أقوياء لئلا يطمعوا فيهم وثبت أن الحرب خدعة (قوله باب
استلام الركن بالمحجن) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم بعدها نون هو عصا محنية الرأس
والحجن الإعوجاج وبذلك سمي الحجون والاستلام افتعال من السلام بالفتح أي التحية قاله
الأزهري وقيل من السلام بالكسر أي الحجارة والمعنى أنه يومئ بعصاه إلى الركن حتى يصيبه
(قوله عن عبيد الله) كذا قال يونس وخالفه الليث وأسامة بن زيد وزمعة بن صالح فرووه عن
الزهري قال بلغني عن ابن عباس ولهذه النكتة استظهر البخاري بطريق ابن أخي الزهري
فقال تابعه الدراوردي عن ابن أخي الزهري وهذه المتابعة أخرجها الإسماعيلي عن الحسين
ابن سفيان عن محمد بن عباد عن عبد العزيز الدراوردي فذكره ولم يقل في حجة الوداع ولا على بعير
وسيأتي البحث في مسئلة الطواف راكبا بعد خمسة عشر بابا (قوله يستلم الركن بمحجن) زاد
مسلم من حديث أبي الطفيل ويقبل المحجن وله من حديث ابن عمر أنه استلم الحجر بيده ثم قبله ورفع
ذلك ولسعيد بن المنصور من طريق عطاء قال رأيت أبا سعيد وأبا هريرة وابن عمر وجابرا إذا استلموا
378

الحجر قبلوا أيديهم قيل وابن عباس قال وابن عباس أحسبه قال كثيرا وبهذا قال الجمهور أن
السنة أن يستلم الركن ويقبل يده فإن لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشئ في يده وقبل ذلك الشئ
فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك وعن مالك في رواية لا يقبل يده وكذا قال القاسم وفي رواية
عند المالكية يضع يده على فمه من غير تقبيل (قوله باب من لم يستلم إلا الركنين
اليمانيين) أي دون الركنين الشاميين واليماني بتخفيف الياء على المشهور لأن الألف عوض عن
ياء النسب فلو شددت لكان جمعا بين العوض والمعوض وجوز سيبويه التشديد وقال إن
الألف زائدة (قوله وقال محمد بن بكر أخبرنا ابن جريج) لم أره من طريق محمد بن بكر وقد أخرجه
الجوزقي من طريق عثمان بن الهيثم به ومن في قوله ومن يتقي استفهامية على سبيل الإنكار
(قوله وكان معاوية يستلم الأركان) وصله أحمد والترمذي والحاكم من طريق عبد الله بن عثمان
ابن خيثم عن أبي الطفيل قال كنت مع ابن عباس ومعاوية فكان معاوية لا يمر بركن إلا استلمه
فقال ابن عباس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الحجر واليماني فقال معاوية ليس شئ
من البيت مهجورا وأخرج مسلم المرفوع فقط من وجه آخر عن ابن عباس وروى أحمد أيضا من
طريق شعبة عن قتادة عن أبي الطفيل قال حج معاوية وابن عباس فجعل ابن عباس يستلم الأركان
كلها فقال معاوية إنما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين الركنين اليمانيين فقال ابن
عباس ليس من أركانه شئ مهجور قال عبد الله بن أحمد في العلل سألت أبي عنه فقال قلبه
شعبة وقد كان شعبة يقول الناس يخالفونني في هذا ولكنني سمعته من قتادة هكذا انتهى وقد
رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة على الصواب أخرجه أحمد أيضا وكذا أخرجه من طريق
مجاهد عن ابن عباس نحوه وروى الشافعي من طريق محمد بن كعب القرظي إن ابن عباس كان
يمسح الركن اليماني والحجر وكان ابن الزبير يمسح الأركان كلها ويقول ليس شئ من البيت
مهجورا فيقول ابن عباس لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ولفظ رواية مجاهد
المذكورة عن ابن عباس أنه طاف مع معاوية فقال معاوية ليس شئ من البيت مهجورا فقال له
ابن عباس لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة فقال معاوية صدقت وبهذا يتبين ضعف
من حمله على التعدد وأن اجتهاد كل منهما تغير إلى ما أنكره على الآخر وإنما قلت ذلك لأن
مخرج الحديثين واحد وهو قتادة عن أبي الطفيل وقد جزم أحمد بأن شعبة قلبه فسقط التجويز
العقلي (قوله إنه) الهاء للشأن (قوله لا يستلم هذان الركنان) كذا للأكثر على البناء للمجهول
وللحموي والمستملي لا نستلم هذين الركنين بفتح النون ونصب هذين الركنين على المفعولية (قوله
وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن) وصله ابن أبي شيبة من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير أنه رأى
أباه يستلم الأركان كلها وقال أنه ليس شئ منه مهجورا وأخرج الشافعي نحوه عنه من وجه آخر
كما تقدم وفي الموطأ عن هشام بن عروة بن الزبير أن أباه كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها
وأخرجه سعيد بن منصور عن الدراوردي عن هشام بلفظ إذا بدأ استلم الأركان كلها وإذا ختم
ثم أورد المصنف حديث ابن عمر قال لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين
اليمانيين وقد تقدم قول ابن عمر إنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين
الشاميين لأن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم وعلى هذا المعنى حمل ابن التين تبعا لابن القصار
379

استلام ابن الزبير لهما لأنه لما عمر الكعبة أتم البيت على قواعد إبراهيم انتهى وتعقب ذلك
بعض الشراح بأن ابن الزبير طاف مع معاوية واستلم الكل ولم يقف على هذا الأثر وإنما وقع
ذلك لمعاوية مع ابن عباس وأما ابن الزبير فقد أخرج الأزرقي في كتاب مكة فقال إن ابن الزبير لما
فرغ من بناء البيت وأدخل فيه من الحجر ما أخرج منه ورد الركنين على قواعد إبراهيم خرج إلى
التنعيم واعتمر وطاف بالبيت واستلم الأركان الأربعة فلم يزل البيت على بناء ابن الزبير إذا طاف
الطائف استلم الأركان جميعها حتى قتل ابن الزبير وأخرج من طريق ابن إسحاق قال بلغني أن
آدم لما حج استلم الأركان كلها وأن إبراهيم وإسماعيل لما فرغا من بناء البيت طافا به سبعا يستلمان
الأركان وقال الداودي ظن معاوية أنهما ركنا البيت الذي وضع عليه من أول وليس كذلك لما
سبق من حديث عائشة والجمهور على ما دل عليه حديث ابن عمر وروى ابن المنذر وغيره استلام
جميع الأركان أيضا عن جابر وأنس والحسن والحسين من الصحابة وعن سويد بن غفلة من
التابعين وقد يشعر ما تقدم في أوائل الطهارة من حديث عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر رأيتك
تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها فذكر منها ورأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين
الحديث بأن الذين رآهم عبيد بن جريج من الصحابة والتابعين كانوا لا يقتصرون في الاستلام
على الركنين اليمانيين وقال بعض أهل العلم اختصاص الركنين مبين بالسنة ومستند التعميم
القياس وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شئ من البيت مهجورا بأنا لم ندع استلامهما
هجرا للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به ولكنا نتبع السنة فعلا أو تركا ولو كان ترك استلامهما
هجرا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرا لها ولا قائل به ويؤخذ منه حفظ المراتب
وإعطاء كل ذي حق حقه وتنزيل كل أحد منزلته * (فائدة) * في البيت أربعة أركان الأول له
فضيلتان كون الحجر الأسود فيه وكونه على قواعد إبراهيم وللثاني الثانية فقط وليس للآخرين
شئ منهما فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط ولا يقبل الآخران ولا يستلمان هذا على رأي
الجمهور واستحب بعضهم تقبيل الركن اليماني أيضا * (فائدة أخرى) * استنبط بعضهم من
مشروعية تقبيل الأركان جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره فأما تقبيل يد
الآدمي فيأتي في كتاب الأدب وأما غيره فنقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي
صلى الله عليه وسلم وتقبيل قبره فلم ير به بأسا واستبعد بعض أتباعه صحة ذلك ونقل عن ابن
أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور
الصالحين وبالله التوفيق (قوله باب تقبيل الحجر) بفتح المهملة والجيم أي
الأسود أورد فيه حديث عمر مختصرا وقد تقدم الكلام عليه قبل أبواب ثم أورد فيه حديث
ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله ولابن المنذر من طريق أبي خالد عن
عبيد الله عن نافع رأيت ابن عمر استلم الحجر وقبل يده وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يفعله ويستفاد منه استحباب الجمع بين التسليم والتقبيل بخلاف الركن اليماني
فيستلمه فقط والاستلام المسح باليد والتقبيل بالفم وروى الشافعي من وجه آخر عن ابن عمر
قال استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه ثم وضع شفتيه عليه طويلا الحديث واختص
الحجر الأسود بذلك لاجتماع الفضيلتين له كما تقدم (قوله حدثنا حماد) في رواية أبي الوقت ابن
380

زيد (قوله عن الزبير بن عربي) في رواية أبي داود الطيالسي عن حماد حدثنا الزبير (سأل
رجل) هو الزبير الراوي كذلك وقع عند أبي داود الطيالسي عن حماد حدثنا الزبير
سألت ابن عمر (قوله أرأيت إن زحمت) أي أخبرني ما أصنع إذا زحمت وزحمت بضم الزاي
بغير اشباع وفي بعض الروايات بزيادة واو (قوله اجعل أرأيت باليمن) يشعر بأن الرجل
يماني وقد وقع في رواية أبي داود المذكورة اجعل أرأيت عند ذلك الكوكب وإنما قال له ذلك
لأنه فهم منه معارضة الحديث بالرأي فأنكر عليه ذلك وأمره إذا سمع الحديث أن يأخذ به
ويتقي الرأي والظاهر أن ابن عمر لم ير الزحام عذرا في ترك الاستلام وقد روى سعيد بن
منصور من طريق القاسم بن محمد قال رأيت ابن عمر يزاحم على الركن حتى يدمى ومن طريق
أخرى أنه قيل له في ذلك فقال هوت الأفئدة إليه فأريد أن يكون فؤادي معهم وروى
الفاكهي من طرق عن ابن عباس كراهة المزاحمة وقال لا يؤذى ولا يؤذى * (فائدة) *
المستحب في التقبيل أن لا يرفع به صوته وروى الفاكهي عن سعيد بن جبير قال إذا قبلت
الركن فلا ترفع بها صوتك كقبلة النساء * (تنبيه) * قال أبو علي الجياني وقع عند الأصيلي عن
أبي أحمد الجرجاني الزبير بن عدي بدال مهملة بعدها ياء مشددة وهو وهم وصوابه عربي براء
مهمله مفتوحة بعدها موحدة ثم ياء مشددة كذلك رواه سائر الرواة عن الفربري انتهى وكأن
البخاري استشعر هذا التصحيف فأشار إلى التحذير منه فحكى الفربري أنه وجد في كتاب أبي جعفر
يعني محمد بن أبي حاتم وراق البخاري قال قال أبو عبد الله يعني البخاري الزبير بن عربي هذا بصري
والزبير بن عدي كوفي انتهى هكذا وقع عند أبي ذر عن شيوخه عن الفربري وعند الترمذي
من غير رواية الكرخي وعقب هذا الحديث الزبير هذا هو ابن عربي وأما الزبير بن عدي فهو
كوفي ويؤيده أن في رواية أبي داود المقدم ذكرها الزبير بن العربي بزيادة ألف ولام وذلك مما يرفع
الاشكال والله أعلم (قوله باب من أشار إلى الركن) أي الأسود (إذا أتى عليه)
أورد فيه حديث ابن عباس طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير كلما أتى على الركن
أشار إليه وقد تقدم قبل بابين بزيادة شرح فيه قال ابن التين تقدم أنه كان يستلمه بالمحجن
فيدل على قربه من البيت لكن من طاف راكبا يستحب له أن يبعد إن خاف أن يؤذي أحدا
فيحمل فعله صلى الله عليه وسلم على الأمن من ذلك انتهى ويحتمل أن يكون في حال استلامه
قريبا حيث أمن ذلك وأن يكون في حال إشارته بعيدا حيث خاف ذلك (قوله باب
التكبير عند الركن) أورد فيه حديث ابن عباس المذكور وزاد أشار إليه بشئ كان عنده وكبر
والمراد بالشئ المحجن الذي تقدم في الرواية الماضية قبل بابين وفيه استحباب التكبير عند الركن
الأسود في كل طوفة (قوله تابعه إبراهيم بن طهمان عن خالد) يعني في التكبير وأشار بذلك إلى
أن رواية عبد الوهاب عن خالد المذكورة في الباب الذي قبله الخالية عن التكبير لا تقدح في زيادة
خالد بن عبد الله لمتابعة إبراهيم وقد وصل طريق إبراهيم في كتاب الطلاق وسيأتي الكلام
في طواف المريض راكبا في بابه إن شاء الله تعالى (قوله باب من طاف بالبيت إذا
قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته الخ) قال ابن بطال غرضه بهذه الترجمة الرد على من زعم أن المعتمر
إذا طاف حل قبل أن يسعى بين الصفا والمروة فأراد أن يبين أن قول عروة فلما مسحوا الركن حلوا
381

محمول على أن المراد لما استلموا الحجر الأسود وطافوا وسعوا حلوا بدليل حديث ابن عمر الذي
أردفه به في هذا الباب وزعم ابن التين أن معنى قول عروة مسحوا الركن أي ركن المروة أي عند
ختم السعي وهو متعقب برواية ابن الأسود عن عبد الله مولى أسماء عن أسماء قالت اعتمرت أنا
وعائشة والزبير وفلان وفلان فلما مسحنا البيت أحللنا أخرجه المصنف وسيأتي في أبواب
العمرة وقال النووي لا بد من تأويل قوله مسحوا الركن لأن المراد به الحجر الأسود ومسحه
يكون في أول الطواف ولا يحصل التحلل بمجرد مسحه بالإجماع فتقديره فلما مسحوا الركن
وأتموا طوافهم وسعيهم وحلقوا حلوا وحذفت هذه المقدرات للعلم بها لظهورها وقد أجمعوا
على أنه لا يتحلل قبل تمام الطواف ثم مذهب الجمهور أنه لا بد من السعي بعده ثم الحلق وتعقب
بأن المراد بمسح الركن الكناية عن تمام الطواف لا سيما واستلام الركن يكون في كل طوفة
فالمعنى فلما فرغوا من الطواف حلوا وأما السعي والحلق فمختلف فيهما كما قال ويحتمل أن
يكون المعنى فلما فرغوا من الطواف وما يتبعه حلوا (قلت) وأراد بمسح الركن هنا استلامه
بعد فراغ الطواف والركعتين كما وقع في حديث جابر فحينئذ لا يبقى إلا تقدير وسعوا لأن
السعي شرط عند عروة بخلاف ما نقل عن ابن عباس وأما تقدير حلقوا فينظر في رأي عروة
فإن كان الحلق عنده نسكا فيقدر في كلامه وإلا فلا (قوله أخبرني عمرو) هو بن الحارث كما
سيأتي بعد أربعة عشر بابا من وجه آخر عن ابن وهب (قوله عن محمد بن عبد الرحمن) هو أبو
الأسود النوفلي المدني المعروف بيتيم عروة (قوله ذكرت لعروة قال فأخبرتني عائشة) حذف
البخاري صورة السؤال وجوابه واقتصر على المرفوع منه وقد ذكره مسلم من هذا الوجه
ولفظه أن رجلا من أهل العراق قال له سل لي عروة بن الزبير عن رجل يهل بالحج فإذا طاف
أيحل أم لا فإن قال لك لا يحل فقل له إن رجلا يقول ذلك قال فسألته قال لا يحل من
أهل بالحج إلا بالحج قال فتصدى لي الرجل فحدثته فقال فقل له فإن رجلا كان يخبر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك وما شأن أسماء والزبير فعلا ذلك قال فجئته أي عروة
فذكرت له ذلك فقال من هذا فقلت لا أدري أي لا أعرف اسمه قال فما باله لا يأتيني بنفسه
يسألني أظنه عراقيا يعني وهم يتعنتون في المسائل قال قد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبرتني عائشة أن أول شئ بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أنه توضأ فذكر
الحديث والرجل الذي سأل لم أقف على اسمه وقوله فإن رجلا كان يخبر عني به ابن عباس
فإنه كان يذهب إلى أن من لم يسق الهدي وأهل بالحج إذا طاف يحل من حجه وأن من
أراد أن يستمر على حجه لا يقرب البيت حتى يرجع من عرفة وكان يأخذ ذلك من أمر النبي صلى
الله عليه وسلم لمن لم يسق الهدي من أصحابه أن يجعلوها عمرة وقد أخرج المصنف ذلك في باب
حجة الوداع في أواخر المغازي من طريق ابن جريج حدثني عطاء عن ابن عباس قال إذا طاف
بالبيت فقد حل فقلت من أين قال هذا ابن عباس قال من قوله سبحانه ثم محلها إلى البيت العتيق
ومن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع قلت إنما كان
ذلك بعد ذلك المعرف قال كان ابن عباس يراه قبل وبعد وأخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن جريج
بلفظ كان ابن عباس يقول لا يطوف بالبيت حاج ولا غيره إلا حل قلت لعطاء من أين تقول
382

ذلك فذكره ولمسلم من طريق قتادة سمعت أبا حسان الأعرج قال قال رجل لابن عباس ما هذه
الفتيا أن من طاف بالبيت فقد حل فقال سنة نبيكم وإن رغمتم وله من طريق وبرة بن عبد
الرحمن قال كنت جالسا عند ابن عمر فجاءه رجل فقال أيصلح لي أن أطوف بالبيت قبل أن آتي
الموقف فقال نعم فقال فإن ابن عباس يقول لا تطف بالبيت حتى تأتي الموقف فقال ابن عمر قد حج
رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف فبقول رسول الله أحق أن
فأخذ أو بقول ابن عباس إن كنت صادقا وإذا تقرر ذلك فمعنى قوله في حديث أبي الأسود قد
فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أي أمر به وعرف أن هذا مذهب لابن عباس خالفه فيه
الجمهور ووافقه فيه ناس قليل منهم إسحق بن راهويه وعرف أن مأخذه فيه ما ذكر وجواب
الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يفسخوا حجهم فيجعلوه عمرة ثم اختلفوا
فذهب الأكثر إلى أن ذلك كان خاصا بهم وذهب طائفة إلى أن ذلك جائز لمن بعدهم واتفقوا
كلهم أن من أهل بالحج مفردا لا يضره الطواف بالبيت وبذلك احتج عروة في حديث الباب
أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالطواف ولم يحل من حجه ولا صار عمرة وكذا أبو بكر وعمر
فمعنى قوله ثم لم تكن عمرة أي لم تكن الفعلة عمرة هذا إن كان بالنصب على أنه خبر كان ويحتمل
أن تكون كان تامة والمعنى ثم لم تحصل عمرة وهي على هذا بالرفع وقد وقع في رواية مسلم بدل عمرة
غيره بغين معجمة وياء ساكنة وآخره هاء قال عياض وهو تصحيف وقال النووي لها وجه أي
لم يكن غير الحج وكذا وجهه القرطبي (قوله ثم حججت مع أبي الزبير) كذا للأكثر والزبير
بالكسر بدل من أبي ووقع في رواية الكشميهني مع ابن الزبير يعني أخاه عبد الله قال عياض وهو
تصحيف وسيأتي في الطريق الآتية بعد أربعة عشر بابا مع أبي الزبير بن العوام وكأن سبب
هذا التصحيف أنه وقع في تلك الطريق من الزيادة بعد ذكر أبي بكر وعمر ذكر عثمان ثم معاوية
وعبد الله بن عمر قال ثم حججت مع أبي الزبير فذكره وقد عرف أن قتل الزبير كان قبل معاوية وابن
عمر لكن لا مانع أن يحجا قبل قتل الزبير فرأهما عروة أو لم يقصد بقوله ثم الترتيب فإن فيها أيضا ثم
آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر فأعاد ذكره مرة أخرى وأغرب بعض الشارحين فرجح رواية
الكشميهني موجها لها بما ذكرته وقد أوضحت جوابه بحمد الله (قوله وقد أخبرتني أمي) هي أسماء
بنت أبي بكر وأختها هي عائشة واستشكل من حيث أن عائشة في تلك الحجة لم تطف لأجل حيضها
وأجيب بالحمل على أنه أراد حجة أخرى غير حجة الوداع فقد كانت عائشة بعد النبي صلى الله عليه
وسلم تحج كثيرا وسيأتي الإلمام بشئ من هذا في أبواب العمرة إن شاء الله تعالى (قوله فلما مسحوا
الركن حلوا) أي صاروا حلالا وقد تقدم في أول الباب ما فيه من الإشكال وجوابه وفي هذا
الحديث استحباب الابتداء بالطواف للقادم لأنه تحية المسجد الحرام واستثنى بعض الشافعية
ومن وافقه المرأة الجميلة أو الشريفة التي لا تبرز فيستحب لها تأخير الطواف إلى الليل إن دخلت
نهارا وكذا من خاف فوت مكتوبة أو جماعة مكتوبة أو مؤكدة أو فائتة فإن ذلك كله يقدم
على الطواف وذهب الجمهور إلى أن من ترك طواف القدوم لا شئ عليه وعن مالك وأبي ثور من
الشافعية عليه دم وهل يتداركه من تعمد تأخيره لغير عذر وجهان كتحية المسجد وفيه الوضوء
للطواف وسيأتي حيث ترجم له المصنف بعد أربعة عشر بابا * الحديث الثاني حديث ابن عمر
383

أخرجه من وجهين كلاهما من رواية نافع عنه أحدهما أن رواية موسى بن عقبة والآخر
من رواية عبيد الله والراوي عنهما واحد وهو أبو ضمرة أنس بن عياض زاد في رواية موسى ثم
سجد سجدتين والمراد بهما ركعتا الطواف ثم سعى بين الصفا والمروة وزاد في رواية عبيد الله
أنه كان يسعى ببطن المسيل وقد تقدم ما يتعلق بالرمل قبل خمسة أبواب وأما السعي بين الصفا
والمروة فسيأتي الكلام عليه حيث ترجم له المصنف بعد خمسة عشر بابا إن شاء الله تعالى
والمراد ببطن المسيل الوادي لأنه موضع السيل (قوله باب طواف النساء مع
الرجال) أي هل يختلطن بهم أو يطفن معهم على حدة بغير اختلاط أو ينفردن (قوله
وقال لي عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم) هذا أحد الأحاديث التي أخرجها عن شيخه عن أبي
عاصم النبيل بواسطة وقد ضاق على الإسماعيلي مخرجه فأخرجه أولا من طريق البخاري ثم
أخرجه هكذا وكذا البيهقي وأما أبو نعيم فأخرجه أولا من طريق البخاري ثم أخرجه
من طريق أبي قرة موسى بن طارق عن ابن جريج قال مثله غير قصة عطاء مع عبيد بن عمير قال
أبو نعيم هذا حديث عزيز ضيق المخرج (قلت) قد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن
جريج بتمامه وكذا وجدته من وجه آخر أخرجه الفاكهي في كتاب مكة عن ميمون بن
الحكم الصنعاني عن محمد بن جعشم وهو بجيم ومعجمة مضمومتين بينهما عين مهملة قال أخبرني
ابن جريج فذكره بتمامه أيضا (قوله إذ منع ابن هشام) هو إبراهيم أو أخوه محمد بن هشام بن
إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي وكانا خالي هشام بن عبد
الملك فولى محمدا إمرة مكة وولي أخاه إبراهيم بن هشام إمرة المدينة وفوض هشام لإبراهيم
إمرة الحج بالناس في خلافته فلهذا قلت يحتمل أن يكون المراد ثم عذبهما يوسف بن عمر
الثقفي حتى ماتا في محنته في أول ولاية الوليد بن يزيد بن عد الملك بأمره سنة خمس وعشرين
ومائة قاله خليفة بن خياط في تاريخه وظاهر هذا أن ابن هشام أول من منع ذلك لكن روى
الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء
قال فرأى رجلا معهن فضربه بالدرة وهذا إن صح لم يعارض الأول لأن ابن هشام منعهن
أن يطفن حين يطوف الرجال مطلقا فلهذا أنكر عليه عطاء واحتج بصنيع عائشة وصنيعها
شبيه بهذا المنقول عن عمر قال الفاكهي ويذكر عن ابن عيينة أن أول من فرق بين الرجال
والنساء في الطواف خالد بن عبد الله القشيري انتهى وهذا إن ثبت فلعله منع ذلك وقتا ثم تركه
فإنه كان أمير مكة في زمن عبد الملك بن مروان وذلك قبل ابن هشام بمدة طويلة (قوله كيف
تمنعهن) معناه أخبرني ابن جريج بزمان المنع قائلا فيه كيف تمنعهن (قوله وقد طاف
نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال) أي غير مختلطات بهن (قوله بعد الحجاب) في
رواية المستملي أبعد بإثبات همزة الاستفهام وكذا هو للفاكهي (قوله إي لعمري) هو
بكسر الهمزة بمعنى نعم (قوله لقد أدركته بعد الحجاب) ذكر عطاء هذا الرفع توهم ميتوهم أنه
حمل ذلك عن غيره ودل على أنه رأى ذلك منهن والمراد بالحجاب نزول آية الحجاب وهي قوله تعالى
وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب وكان ذلك في تزويج النبي صلى الله عليه
وسلم بزينب بنت جحش كما سيأتي في مكانه ولم يدرك ذلك عطاء قطعا (قوله يخالطن) في رواية
384

المستملي يخالطهن في الموضعين والرجال بالرفع على الفاعلية (قوله حجرة) بفتح المهملة وسكون
الجيم بعدها راء أي ناحية قال القزاز هو مأخوذ من قولهم نزل فلان حجرة من الناس أي معتزلا
وفي رواية الكشميهني حجزة بالزاي وهي رواية عبد الرزاق فإنه فسره في آخره فقال يعني محجوزا
بينها وبين الرجال بثوب وأنكر ابن قرقول حجرة بضم أوله وبالراء وليس بمنكر فقد حكاه ابن
عديس وابن سيده فقالا يقال قعد حجرة بالفتح والضم أي ناحية (قوله فقالت امرأة) زاد
الفاكهي معها ولم أقف على اسم هذه المرأة ويحتمل أن تكون دقرة بكسر المهملة وسكون
القاف امرأة روى عنها يحيى بن أبي كثير أنها كانت تطوف مع عائشة بالليل فذكر قصة أخرجها
الفاكهي (قوله انطلقي عنك) أي عن جهة نفسك (قوله يخرجن) زاد الفاكهي وكن
يخرجن الخ (قوله متنكرات) في رواية عبد الرزاق مستترات واستنبط منه الداودي جواز
النقاب للنساء في الإحرام وهو في غاية البعد (قوله إذا دخلن البيت قمن) في رواية الفاكهي
سترن (قوله حين يدخلن) في رواية الكشميهني حتى يدخلن وكذا هو للفاكهي والمعنى إذا
أردن دخول البيت وقفن حتى يدخلن حال كون الرجال مخرجين منه (قوله وكنت آتي عائشة
أنا وعبيد بن عمير) أي الليثي والقائل ذلك عطاء وسيأتي في أول الهجرة من طريق الأوزاعي
عن عطاء قال زرت عائشة مع عبيد بن عمير (قوله وهي مجاورة في جوف ثبير) أي مقيمة فيه
واستنبط منه ابن بطال الاعتكاف في غير المسجد لأن ثبيرا خارج عن مكة وهو في طريق منى
انتهى وهذا مبني على أن المراد بثبير الجبل المشهور الذي كانوا في الجاهلية يقولون له أشرق ثبير
كما نغير وسيأتي ذلك بعد قليل وهذا هو الظاهر وهو جبل المزدلفة لكن بمكة خمسة جبال أخرى
يقال لكل منها ثبير ذكرها أبو عبيد البكري وياقوت وغيرهما فيحتمل أن يكون المراد لأحدها
لكن يلزم من إقامة عائشة هناك أنها أرادت الاعتكاف سلمنا لكن لعلها اتخذت في المكان
الذي جاورت فيه مسجدا اعتكفت فيه وكأنها لم يتيسر لها مكان في المسجد الحرام تعتكف
فيه فاتخذت ذلك (قوله وما حجابها) زاد الفاكهي حينئذ (قوله تركية) قال عبد الرزاق
هي قبة صغيرة من لبود تضرب في الأرض (قوله درعا موردا) أي قميصا لونه لون الورد ولعبد
الرزاق درعا معصفرا وأنا صبي فبين بذلك سبب رؤيته إياها ويحتمل أن يكون رأى ما عليها
اتفاقا وزاد الفاكهي في آخره قال عطاء وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن
تطوف راكبة في خدرها من وراء المصلين في جوف المسجد وأفرد عبد الرزاق هذا وكأن
البخاري حذفه لكونه مرسلا فاغتنى عنه بطريق مالك الموصولة فأخرجها عقبة (قوله عن
محمد بن عبد الرحمن) هو أبو الأسود يتيم عروة (قوله عن أم سلمة) هي والدة زينب الراوية عنها
(قوله أني أشتكي) أي أنها ضعيفة وقد بين المصنف من طريق هشام بن عروة عن أبيه سبب
طواف أم سلمة وأنه طواف الوداع وسيأتي بعد ستة أبواب (قوله وأنت راكبة) في رواية هشام على
بعيرك (قوله والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي) في رواية هشام والناس يصلون وبين فيه أنها صلاة
الصبح وقد تقدم البحث في ذلك في صفة الصلاة وفيه جواز الطواف للراكب إذا كان لعذر
وإنما أمرها أن تطوف من وراء الناس ليكون أستر لها ولا تقطع صفوفهم أيضا ولا يتأذون
بدابتها فأما طواف الراكب من غير عذر فسيأتي البحث فيه بعد أبواب ويلتحق بالراكب المحمول
385

إذا كان له عذر وهل يجزئ هذا الطواف عن الحامل والمحمول فيه بحث واحتج به بعض المالكية
لطهارة بول ما يؤكل لحمه وقد تقدم توجيه ذلك والتعقب عليه في باب إدخال البعير المسجد للعلة
(قوله باب الكلام في الطواف) أي إباحته وإنما لم يصرح بذلك لأن الخبر
ورد في كلام يتعلق بأمر بمعروف لا بمطلق الكلام ولعله أشار إلى الحديث المشهور عن ابن عباس
موقوفا ومرفوعا الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام فمن نطق فلا ينطق إلا بخير
أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان وقد استنبط منه ابن عبد السلام أن
الطواف أفضل أعمال الحج لأن الصلاة أفضل من الحج فيكون ما اشتملت عليه أفضل قال وأما
حديث الحج عرفة فلا يتعين التقدير معظم الحج عرفة بل يجوز إدراك الحج بالوقوف بعرفة
(قلت) وفيه نظر ولو سلم فما لا يتقوم الحج إلا به أفضل مما ينجبر والوقوف والطواف سواء
بذلك فلا تفضيل (قوله بإنسان ربط يده إلى إنسان) زاد أحمد عن عبد الرزاق عن ابن جريج إلى
إنسان آخر وفي رواية النسائي من طريق حجاج عن ابن جريج بإنسان قد ربط يده بإنسان (قوله
بسير) بمهملة مفتوحة وياء ساكنة معروف وهو ما يقد من الجلد وهو الشراك (قوله أو بشئ
غير ذلك) كأن الراوي لم يضبط ما كان مربوطا به وقد روى أحمد والفاكهي من طريق عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك رجلين وهما مقترنان فقال ما بال
القران قالا إنا نذرنا لنقترنن حتى نأتي الكعبة فقال أطلقا أنفسكما ليس هذا نذرا إنما النذر
ما يبتغى به وجه الله وإسناده إلى عمرو حسن ولم أقف على تسمية هذين الرجلين صريحا إلا أن
في الطبراني من طريق فاطمة بنت مسلم حدثني خليفة بن بشر عن أبيه أنه أسلم فرد عليه النبي
صلى الله عليه وسلم ماله وولده ثم لقيه هو وابنه طلق بن بشر مقترنين بحبل فقال ما هذا فقال
حلفت لئن رد الله علي مالي وولدي لأحجن بيت الله مقرونا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحبل
فقطعه وقال لهما حجا إن هذا من عمل الشيطان فيمكن أن يكون بشر وابنه طلق صاحبي هذه
القصة وأغرب الكرماني فقال قيل اسم الرجل المقود هو ثواب ضد العقاب انتهى ولم أر ذلك
لغيره ولا أدري من أين أخذه (قوله قد) بضم القاف وسكون الدال فعل أمر وفي رواية أحمد
والنسائي قده بإثبات هاء الضمير وهو للرجل المقود قال النووي وقطعه عليه الصلاة والسلام
السير محمول على أنه لم يمكن إزالة هذا المنكر إلا بقطعه أو أنه دل على صاحبه فتصرف فيه وقال
غيره كان أهل الجاهلية يتقربون إلى الله بمثل هذا الفعل (قلت) وهو بين من سياق حديثي
عمرو بن شعيب وخليفة بن بشر وقال ابن بطال في هذا الحديث إنه يجوز للطائف فعل ما خف
من الأفعال وتغيير ما يراه الطائف من المنكر وفيه الكلام في الأمور الواجبة والمستحبة
والمباحة قال ابن المنذر أولى ما شغل المرء به نفسه في الطواف ذكر الله وقراءة القرآن ولا يحرم
الكلام المباح إلا أن الذكر أسلم وحكى ابن التين خلافا في كراهة الكلام المباح وعن مالك
تقييد الكراهة بالطواف الواجب قال ابن المنذر واختلفوا في القراءة فكان ابن المبارك يقول
ليس شئ أفضل من قراءة القرآن وفعله مجاهد واستحبه الشافعي وأبو ثور وقيده الكوفيون
بالسر وروي عن عروة والحسن كراهته وعن عطاء ومالك أنه محدث وعن مالك لا بأس به إذا
أخفاه ولم يكثر منه قال ابن المنذر من أباح القراءة في البوادي والطرق ومنعه في الطواف لا حجة
386

له ونقل ابن التين عن الداودي أن في هذا الحديث من نذر ما لا طاعة لله تعالى فيه لا يلزمه
وتعقبه بأنه ليس في هذا الحديث شئ من ذلك وإنما ظاهر الحديث أنه كان ضرير البصر ولهذا
قال له قده بيده انتهى ولا يلزم من أمره له بأن يقوده أنه كان ضريرا بل يحتمل أن يكون بمعنى آخر
غير ذلك وأما ما أنكره من النذر فمتعقب بما في النسائي من طريق خالد بن الحرث عن ابن جريج
في هذا الحديث أنه قال إنه نذر ولهذا أخرجه البخاري في أبواب النذر كما سيأتي الكلام عليه
مشروحا هناك إن شاء الله تعالى (قوله باب إذا رأى سيرا أو شيئا يكره في الطواف
قطعه) أورد فيه حديث ابن عباس من وجه آخر عن ابن جريج بأسناده ولفظه رأى رجلا
يطوف بالكعبة بزمام أو غيره فقطعه وهذا مختصر من الحديث الذي قبله وقد تقدم الكلام
عليه في الذي قبله قال ابن بطال وإنما قطعه لأن القود بالأزمة إنما يفعل بالبهائم وهو مثلة
(قوله باب لا يطوف بالبيت عريان) أورد فيه حديث أبي هريرة في ذلك وفيه
حجة لاشتراط ستر العورة في الطواف كما يشترط في الصلاة وقد تقدم طرف من ذلك في أوائل
الصلاة والمخالف في ذلك الحنفية قالوا ستر العورة في الطواف ليس بشرط فمن طاف عريانا أعاد
ما دام بمكة فإن خرج لزمه دم وذكر ابن إسحاق في سبب هذا الحديث أن قريشا ابتدعت قبل
الفيل أو بعده أن لا يطوف بالبيت أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا في ثياب
أحدهم فإن لم يجد طاف عريانا فإن خالف وطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ ثم لم ينتفع بها فجاء الإسلام
فهدم ذلك كله (قوله أن لا يحج) بالنصب وفي رواية صالح بن كيسان عن الزهري عند المؤلف في
التفسير أن لا يحجن وهو يعين ذلك للنهي وقوله ولا يطوف يجوز فيه النصب والتقدير وأن
لا يطوف والرفع على أن أن مخففة من الثقيلة ويجوز أن يقرأ بفتح الطاء وتشديد الواو وسكون
الفاء عطفا على الذي قبله وسيأتي الكلام على بقية شرح هذا الحديث في تفسير براءة إن شاء الله
تعالى (قوله باب إذا وقف في الطواف) أي هل ينقطع طوافه أو لا وكأنه
أشار بذلك إلى ما روي عن الحسن أن من أقيمت عليه الصلاة وهو في الطواف فقطعه أن يستأنفه
ولا يبني على ما مضى وخالفه الجمهور فقالوا يبني وقيده مالك بصلاة الفريضة وهو قول الشافعي
وفي غيرها إتمام الطواف أولى فإن خرج بنى وقال أبو حنيفة وأشهب يقطعه ويبني واختار
الجمهور قطعه للحاجة وقال نافع طول القيام في الطواف بدعة (قوله وقال عطاء الخ) وصل
نحوه عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء الطواف الذي يقطعه علي الصلاة وأعتد به
أيجزئ قال نعم وأحب إلي أن لا يعتد به قال فأردت أن اركع قبل أن أتم سبعي قالا أوف سبعك
إلا أن تمنع من الطواف وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا عبد الملك عن عطاء أنه كان
يقول في الرجل يطوف بعض طوافه ثم تحضر الجنازة يخرج فيصلي عليها ثم يرجع فيقضي
ما بقي عليه من طوافه (قوله ويذكر نحوه عن ابن عمر) وصل نحوه سعيد بن منصور حدثنا
إسماعيل بن زكريا عن جميل بن زيد قال رأيت ابن عمر طاف بالبيت فأقيمت الصلاة فصلى مع القوم
ثم قام فبنى على ما مضى من طوافه (قوله وعبد الرحمن بن أبي بكر) وصله عبد الرزاق عن ابن
جريج عن عطاء أن عبد الرحمن بن أبي بكر طاف في إمارة عمرو بن سعيد على مكة يعني في خلافة
معاوية فخرج عمرو إلى الصلاة فقال له عبد الرحمن انظرني حتى انصرف على وتر فانصرف على
387

ثلاثة أطواف يعني ثم صلى ثم أتم ما بقي وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن ابن عباس قال من
بدت له حاجة وخرج إليها فليخرج على وتر من طوافه ويركع ركعتين ففهم بعضهم منه أنه
يجزئ عن ذلك ولا يلزمه الإتمام ويؤيده ما رواه عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن عطاء إن
كان الطواف تطوعا وخرج في وتر فإنه يجزئ عنه ومن طريق أبي الشعثاء أنه أقيمت الصلاة
وقد طاف خمسة أطواف فلم يتم ما بقي * (تنبيه) * لم يذكر البخاري في الباب حديثا مرفوعا
إشارة إلى أنه لم يجد فيه حديثا على شرطه وقد أسقط ابن بطال من شرحه ترجمة الباب الذي
يليه فصارت أحاديثه لترجمة إذا وقف في الطواف ثم استشكل إيراد كونه عليه الصلاة والسلام
طاف أسبوعا وصلى ركعتين في هذا الباب وأجاب بأنه يستفاد منه أنه عليه الصلاة والسلام لم
يقف ولا جلس في طوافه فكانت السنة فيه الموالاة (قوله باب صلى النبي
صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين) السبوع بضم المهملة والموحدة لغة قليلة في الأسبوع قال
ابن التين هو جمع سبع بالضم ثم السكون كبرد وبرود ووقع في حاشية الصحاح مضبوطا بفتح
أوله (قوله وقال نافع الخ) وصله عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد
الله عن ابن عمر أنه كان يطوف بالبيت سبعا ثم يصلي ركعتين وعن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن
عمر كان يكره قرن الطواف ويقول على كل سبع صلاة ركعتين وكان لا يقرن (قوله وقال
إسماعيل بن أمية) وصله ابن أبي شيبة مختصرا قال حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن
الزهري قال مضت السنة أن مع كل أسبوع ركعتين ووصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
بتمامه وأراد الزهري أن يستدل على أن المكتوبة لا تجزئ عن ركعتي الطواف بما ذكره من
أنه صلى الله عليه وسلم لم يطف أسبوعا قط إلا صلى ركعتين وفي الاستدلال بذلك نظر لأن قوله
إلا صلى ركعتين أعم من أن يكون نفلا أو فرضا لأن الصبح ركعتان فيدخل في ذلك لكن الحيثية
مرعية والزهري لا يخفى عليه هذا القدر فلم يرد بقوله إلا صلى ركعتين أي من غير المكتوبة ثم
أورد المصنف حديث ابن عمر قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ثم صلى
خلف المقام ركعتين الحديث وسيأتي الكلام عليه مستوفى في أبواب العمرة إن شاء الله تعالى
(قوله وطاف بين الصفا والمروة) فيه تجوز لأنه يسمى سعيا لا طوافا إذ حقيقة الطواف الشرعية
فيه غير موجودة أو هي حقيقة لغوية (قوله قال وسألت) القائل هو عمرو بن دينار الراوي عن
ابن عمر ووجه الدلالة منه لمقصود الترجمة وهو أن القران بين الأسابيع خلاف الأولى من جهة
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله وقد قال خذوا عني مناسككم وهذا قول أكثر الشافعية
وأبي يوسف وعن أبي حنيفة ومحمد يكره وأجازه الجمهور بغير كراهة وروى ابن أبي شيبة
بإسناد جيد عن المسور بن مخرمة أنه كان يقرن بين الأسابيع إذا طاف بعد الصبح والعصر فإذا
طلعت الشمس أو غربت صلى لكل أسبوع ركعتين وقال بعض الشافعية إن قلنا إن ركعتي
الطواف واجبتان كقول أبي حنيفة والمالكية فلا بد من ركعتين لكل طواف وقال الرافعي
ركعتا الطواف وإن قلنا بوجوبهما فليستا بشرط في صحة الطواف لكن في تعليل بعض
أصحابنا ما يقتضي اشتراطهما وإذا قلنا بوجوبهما هل يجوز فعلهما عن قعود مع القدرة فيه
وجهان أصحهما لا ولا يسقط بفعل فريضة كالظهر إذا قلنا بالوجوب والأصح أنهما سنة
388

كقول الجمهور (قوله باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة)
أي لم يطف تطوعا ويقرب بضم الراء ويجوز كسرها أورد فيه حديث ابن عباس في ذلك وهو
ظاهر فيما ترجم له وهذا لا يدل على أن الحاج منع من الطواف قبل الوقوف فلعله صلى الله
عليه وسلم ترك الطواف تطوعا خشية أن يظن أحد أنه واجب وكان يحب التخفيف على أمته
واجتزأ عن ذلك بما أخبرهم به من فضل الطواف بالبيت ونقل عن مالك أن الحاج لا يتنفل
بطواف حتى يتم حجه وعنه الطواف بالبيت أفضل من صلاة النافلة لمن كان من أهل البلاد
البعيدة وهو المعتمد * (تنبيه) * نقل ابن التين عن الداودي أن الطواف الذي طافه النبي
صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة من فروض الحج ولا يكون إلا وبعده السعي ثم ذكر ما يتعلق
بالمتمتع قال ابن التين وقوله من فروض الحج ليس بصحيح لأنه كان مفردا والمفرد لا يجب عليه
طواف القدوم لقدومه وليس طواف القدوم للحج ولا هو فرض من فروضه وهو كما قال (قوله
باب من صلى ركعتي الطواف خارجا من المسجد) هذه الترجمة معقودة لبيان إجزاء
صلاة ركعتي الطواف في أي موضع أراد الطائف وإن كان ذلك خلف المقام أفضل وهو متفق
عليه إلا في الكعبة أو الحجر ولذلك عقبها بترجمة من صلى ركعتي الطواف خلف المقام (قوله
وصلى عمر خارجا من الحرم) سيأتي شرحه في الباب الذي يلي الباب بعده (قوله عن أم سلمة
قالت (2) شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثني محمد بن حرب الخ) هكذا عطف
هذه على التي قبلها وساقه هنا على لفظ الرواية الثانية وتجوز في ذلك فإن اللفظين مختلفان وقد
تقدم لفظ الرواية الأولى في باب طواف النساء مع الرجال ويأتي بعد بابين أيضا (قوله يحيى
ابن أبي زكريا الغساني) هو يحيى بن يحيى اشتهر باسمه واشتهر أبوه بكنيته والغساني بغين معجمة
وسين مهملة مشددة نسبة إلى بني غسان قال أبو علي الجياني وقع لأبي الحسن القابسي في هذا
الإسناد تصحيف في نسب يحيى فضبطه بعين مهملة ثم شين معجمة وقال ابن التين قيل هو
العشاني بعين مهملة ثم معجمة خفيفة نسبة إلى بني عشانة وقيل هو بالهاء يعني بلا نون نسبة
إلى بني عشاه (قلت) وكل ذلك تصحيف والأول هو المعتمد قال ابن قرقول رواه القابسي
بمهملة ثم معجمة خفيفة وهو وهم (قوله عن هشام) هو ابن عروة (قوله عن عروة عن أم
سلمة) كذا للأكثر ووقع للأصيلي عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة و قوله عن
زينب زيادة في هذه الطريق فقد أخرجه أبو علي بن السكن عن علي بن عبد الله بن مبشر عن محمد
ابن حرب شيخ البخاري فيه ليس فيه زينب وقال الدارقطني في كتاب التتبع في طريق يحيى
ابن أبي زكريا هذه هذا منقطع فقد رواه حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب
بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة ولم يسمعه عروة عن أم سلمة انتهى ويحتمل أن يكون ذلك حديثا
آخر فإن حديثها هذا في طواف الوداع كما بيناه قبل قليل وأما هذه الرواية فذكرها الأثرم قال
قال لي أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم
سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه يوم النحر بمكة قال أبو عبد الله هذا خطأ
فقد قال وكيع عن هشام عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه صلاة الصبح
يوم النحر بمكة قال وهذا أيضا عجيب ما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمكة وقد سألت
389

يحيى بن سعيد يعني القطان عن هذا فحدثني به عن هشام بلفظ أمرها أن توافي ليس فيه هاء قال
أحمد وبين هذين فرق فإذا عرف ذلك تبين التغاير بين القصتين فإن إحداهما صلاة الصبح يوم النحر
والأخرى صلاة صبح يوم الرحيل من مكة وقد أخرج الإسماعيلي حديث الباب من طريق
حسان بن إبراهيم وعلي بن هاشم ومحاضر بن المورع وعبدة بن سليمان وهو عند النسائي
أيضا من طريق عبدة كلهم عن هشام عن أبيه عن أم سلمة وهذا هو المحفوظ وسماع عروة من أم
سلمة ممكن فإنه أدرك من حياتها نيفا وثلاثين سنة وهو معها في بلد واحد وقد تقدم الكلام على
حديث أم سلمة في باب طواف النساء مع الرجال وموضع الحاجة منه هنا قوله في آخره فلم يصل
حتى خرجت أي من المسجد أو من مكة فدل على جواز صلاة الطواف خارجا من المسجد
إذ لو كان ذلك شرطا لازما لما أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وفي رواية حسان عند
الإسماعيلي إذا قامت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك من وراء الناس وهم يصلون قالت ففعلت
ذلك ولم أصل حتى خرجت أي فصليت وبهذا ينطبق الحديث مع الترجمة وفيه رد على من قال
يحتمل أن تكون أكملت طوافها قبل فراغ صلاة الصبح ثم أدركتهم في الصلاة فصلت معهم
صلاة الصبح ورأت أنها تجزئها عن ركعتي الطواف وإنما لم يبت البخاري الحكم في هذه المسئلة
لاحتمال كون ذلك يختص بمن كان له عذر لكون أم سلمة كانت شاكية ولكون عمر إنما فعل
ذلك لكونه طاف بعد الصبح وكان لا يرى التنفل بعده مطلقا حتى تطلع الشمس كما سيأتي واضحا
بعد باب واستدل به على أن من نسي ركعتي الطواف قضاهما حيث ذكرهما من حل أو حرم
وهو قول الجمهور وعن الثوري يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم وعن مالك إن لم
يركهما حتى تباعد ورجع إلى بلده فعليه دم قال ابن المنذر ليس ذلك أكثر من صلاة المكتوبة
وليس على من تركها غير قضائها حيث ذكرها (قوله باب من صلى ركعتي الطواف
خلف المقام) أورد فيه حديث ابن عمر الماضي قبل بابين وسيأتي الكلام عليه في أبواب العمرة وهو
ظاهر فيما ترجم له وفي حديث جابر الطويل في صفة حجة الوداع عند مسلم طاف ثم تلى واتخذوا من
مقام إبراهيم مصلى فصلى عند المقام ركعتين قال ابن المنذر احتملت قراءته أن تكون صلاة
الركعتين خلف المقام فرضا لكن أجمع أهل العلم على أن الطائف تجزئه ركعتا الطواف حيث شاء
إلا شيئا ذكر عن مالك في أن من صلى ركعتي الطواف الواجب في الحجر يعيد وقد تقدم الكلام
على ما يتعلق بذلك مستوفى في أوائل كتاب الصلاة في باب قول الله تعالى واتخذوا من مقام إبراهيم
مصلى (قوله باب الطواف بعد الصبح والعصر) أي ما حكم صلاة الطواف حينئذ
وقد ذكر فيه آثارا مختلفة ويظهر من صنيعه أنه يختار فيه التوسعة وكأنه أشار إلى ما رواه الشافعي
وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما من حديث جبير بن مطعم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحدا
طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار وإنما لم يخرجه لأنه ليس على شرطه وقد
أورد المصنف أحاديث تتعلق بصلاة الطواف ووجه تعلقها بالترجمة إما من جهة أن الطواف
صلاة فحكمهما واحد أو من جهة أن الطواف مستلزم لصلاة للتي تشرع بعده وهو أظهر
وأشار به إلى الخلاف المشهور في المسئلة قال ابن عبد البر كره الثوري والكوفيون الطواف
390

بعد العصر والصبح قالوا فإن فعل فليؤخر الصلاة ولعل هذا عند بعض الكوفيين وإلا فالمشهور
عند الحنفية أن الطواف لا يكره وإنما تكره الصلاة قال ابن المنذر رخص في الصلاة بعد
الطواف في كل وقت جمهور الصحابة ومن بعدهم ومنهم من كره ذلك أخذا بعموم النهي عن
الصلاة بعد الصبح وبعد العصر وهو قول عمر والثوري وطائفة وذهب إليه مالك وأبو حنيفة
وقال أبو الزبير رأيت البيت يخلوا بعد هاتين الصلاتين ما يطوف به أحد وروى أحمد بإسناد
حسن عن أبي الزبير عن جابر قال كنا نطوف فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة ولم نكن نطوف
بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس قال وسمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول تطلع الشمس بين قرني شيطان (قوله وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي
ركعتي الطواف ما لم تطلع الشمس) وصله سعيد بن منصور من طريق عطاء أنهم صلوا الصبح
بغلس وطاف ابن عمر بعد الصبح سبعا ثم التفت إلى أفق السماء فرأى أن عليه غلسا قال
فأتبعته حتى انظر أي شئ يصنع فصلى ركعتين قال وحدثنا داود العطار عن عمرو بن دينار رأيت
ابن عمر طاف سبعا بعد الفجر وصلى ركعتين وراء المقام هذا إسناد صحيح وهذا جار على
مذهب ابن عمر في اختصاص الكراهة بحال طلوع الشمس وحال غروبها وقد تقدم ذلك عنه
صريحا في أبواب المواقيت وروى الطحاوي من طريق مجاهد قال كان ابن عمر يطوف بعد
العصر ويصلي ما كانت الشمس بيضاء حية نقية فإذا اصفرت وتغيرت طاف طوافا واحدا حتى
يصلي المغرب ثم يصلي ركعتين وفي الصبح نحو ذلك وقد جاء عن ابن عمر أنه كان لا يطوف بعد
هاتين الصلاتين قال سعيد بن أبي عروبة في المناسك عن أيوب عن نافع ان ابن عمر كان لا يطوف
بعد صلاة العصر ولا بعد صلاة الصبح وأخرجه ابن المنذر من طريق حماد عن أيوب أيضا
ومن طريق أخرى عن نافع كان ابن عمر إذا طاف بعد الصبح لا يصلي حتى تطلع الشمس وإذا طاف
بعد العصر لا يصلي حتى تغرب الشمس ويجمع بين ما اختلف عنه في ذلك بأنه كان في الأغلب
يفعل ذلك والذي يعتمد من رأيه عليه التفصيل السابق (قوله وطاف عمر بعد الصبح فركب حتى
صلى الركعتين بذي طوى) وصله مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن
عبد القاري عن عمر به وروى الأثرم عن أحمد عن سفيان عن الزهري مثله إلا أنه قال عن
عروة بدل حميد قال أحمد أخطأ فيه سفيان قال الأثرم وقد حدثني به نوح بن يزيد من أصله عن
إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري كما قال سفيان انتهى وقد رويناه بعلو في أمالي
ابن منده من طريق سفيان ولفظه ان عمر طاف بعد الصبح سبعا ثم خرج إلى المدينة فلما كان
بذي طوى وطلعت الشمس صلى ركعتين (قوله عن حبيب) هو المعلم كما جزم به المزي في الأطراف
وقد ضاق على الإسماعيلي وأبي نعيم مخرجه فتركه الإسماعيلي وأخرجه أبو نعيم من طريق
البخاري هذه والحسن بن عمر البصري شيخه جزم المزي بأنه الحسن بن عمر بن شقيق وهو
من أهل البصرة وكان يتجر إلى بلخ فكان يقال له البلخي وسيأتي له ذكر في كتاب اللباس (قوله
ثم قعدوا إلى المذكر) بالمعجمة وتشديد الكاف أي الواعظ وضبطه ابن الأثير في النهاية بالتخفيف
بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه قال وأرادت موضع الذكر إما الحجر وإما الحجر (قوله الساعة التي
تكره فيها الصلاة) أي التي عند طلوع الشمس وكأن المذكورين كانوا يتحرون ذلك الوقت
391

فأخروا الصلاة إليه قصدا فلذلك أنكرت عليهم عائشة هذا أن كانت ترى أن الطواف سبب
لا تكره مع وجوده الصلاة في الأوقات المهية ويحتمل أنها كانت تحمل النهي على عمومه ويدل
لذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن عبد الملك عن عطاء عن عائشة أنها قالت إذا
أردت الطواف بالبيت بعد صلاة الفجر أو العصر فطف وأخر الصلاة حتى تغيب الشمس أو حتى
تطلع فصل لكل أسبوع ركعتين وهذا إسناد حسن (قوله قال عبد العزيز) يعني بالإسناد
المذكور وليس بمعلق وكأن عبد الله بن الزبير استنبط جواز الصلاة بعد الصبح من جواز الصلاة
بعد العصر فكان يفعل ذلك بناء على اعتقاده أن ذلك على عمومه وقد تقدم الكلام على ذلك
مبسوطا في أواخر المواقيت قبيل الأذان وبينا هناك أن عائشة أخبرت أنه صلى الله عليه وسلم
لم يتركهما وأن ذلك من خصائصه حنث المواظبة على ما يفعله من النوافل لا صلاة الراتبة
في وقت الكراهة فأغنى ذلك عن اعادته هنا والذي يظهر أن ركعتي الطواف تلتحق بالرواتب
والله أعلم (قوله باب المريض يطوف راكبا) أورد فيه حديث ابن عباس وحديث
أم سلمة والثاني ظاهر فيما ترجم له لقولها فيه إني أشتكي وقد تقدم الكلام عليهما في باب إدخال
البعير المسجد للعلة في أواخر أبواب المساجد وأن المصنف حمل سبب طوافه صلى الله عليه وسلم
راكبا على أنه كان عن شكوى وأشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس أيضا
بلفظ قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته ووقع في حديث
جابر عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس وليسألوه فيحتمل أن يكون
فعل ذلك للأمرين وحينئذ لا دلالة فيه على جواز الطواف راكبا لغير عذر وكلام الفقهاء يقتضي
الجواز إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيها والذي يترجح المنع لأن طوافه صلى الله عليه
وسلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد ووقع في حديث أم سلمة طوفي من وراء الناس وهذا
يقتضي منع الطواف في المطاف وإذا حوط المسجد أمتنع داخله إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز
بعد التحويط بخلاف ما قبله فإنه كان لا يحرم التلويث كما في السعي وعلى هذا فلا فرق في الركوب
إذا ساغ بين البعير والفرس والحمار وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا فللحاجة إلى
أخذ المناسك عنه ولذلك عده بعض من جمع خصائصه فيها واحتمل أيضا أن تكون راحلته
عصمت من التلويث حينئذ كرامة له فلا يقاس غيره عليه وأبعد من استدل به على طهارة بول
البعير وبعره وقد تقدم حديث ابن عباس قبل أبواب وزاد أبو داود في آخر حديثه فلما فرغ من
طوافه أناخ فصلى ركعتين واستدل به للتكبير عند الركن وتقدم الكلام على حديث أم سلمة
أيضا * (تنبيه) * خالد هو الطحان وخالد شيخه هو الحذاء (قوله باب سقاية الحاج)
قال الفاكهي حدثنا أحمد بن محمد حدثنا الحسن بن محمد بن عبيد الله حدثنا ابن جريج عن عطاء
قال سقاية الحاج زمزم وقال الأزرقي كان عبد مناف يحمل الماء في الروايا والقرب إلى مكة
ويسكبه في حياض من أدم بفناء الكعبة للحجاج ثم فعله ابنه هاشم بعده ثم عبد المطلب فلما حفر
زمزم كان عمي الزبيب فينبذه في ماء زمزم ويسقي الناس قال ابن إسحاق لما ولي قصي بن
كلاب أمر الكعبة كان إليه الحجابة والسقاية واللواء والرفادة ودار الندوة ثم تصالح بنوه على
أن لعبد مناف السقاية والرفادة والبقية للأخوين ثم ذكر نحو ما تقدم وزاد ثم ولي السقاية من
392

بعد عبد المطلب ولده العباس وهو يومئذ من أحدث إخوته سنا فلم تزل بيده حتى قام الإسلام
وهي بيده فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه فهي اليوم إلى بني العباس وروى الفاكهي
من طريق الشعبي قال تكلم العباس وعلي وشيبة بن عثمان في السقاية والحجابة فأنزل الله
عز وجل أجعلتم سقاية الحاج الآية إلى قوله حتى يأتي الله بأمره قال حتى تفتح مكة ومن طريق
ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن العباس لما مات أراد علي أن يأخذ السقاية فقال له طلحة أشهد
لرأيت أباه يقوم عليها وأن أباك أبا طالب لنازل في إبله بالأراك بعرفة قال فكف علي عن السقاية
ومن طريق ابن جريج قال قال العباس يا رسول الله لو جمعت لنا الحجابة والسقاية فقال إنما
أعطيتكم ما ترزؤن ولم أعطكم ما ترزؤن الأول بضم أوله وسكون الراء وفتح الزاي والثاني بفتح
أوله وضم الزاي أي أعطيتكم ما ينقصكم لا ما تنقصون به الناس وروى الطبراني والفاكهي
حديث السائب المخزومي أنه كان يقول اشربوا من سقاية العباس فإنه من السنة ثم ذكر
البخاري في الباب حديثين * أحدهما حديث ابن عمر في الاذن للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى
وسيأتي الكلام عليه في أواخر صفة الحج * ثانيهما حديث ابن عباس في قصة شربه صلى الله عليه
وسلم من شراب السقاية (قوله حدثنا إسحاق) هو الواسطي وقد مضى هذا الإسناد بعينه في أول
الباب الذي قبله (قوله فاستسقى) أي طلب الشرب والفضل هو ابن العباس أخو عبد الله وأمه
هي أم الفضل لبابة بنت الحرث الهلالية وهي والدة عبد الله أيضا (قوله إنهم يجعلون أيديهم
فيه) في رواية الطبراني من طريق يزيد بن أبي زياد عن عكرمة في هذا الحديث أن العباس قال له
إن هذا قد مرث أفلا أسقيك من بيوتنا قال لا ولكن اسقني مما يشرب منه الناس (قوله قال
اسقني) زاد أبو علي بن السكن في روايته فناوله العباس الدلو (قوله فشرب منه) في رواية يزيد
المذكورة فأتى به فذاقه فقطب ثم دعا بماء فكسره قال وتقطيبه إنما كان لحموضته وكسره بالماء
ليهون عليه شربه وعرف بهذا جنس المطلوب شربه إذ ذاك وقد أخرج مسلم من طريق بكر بن
عبد الله المزني قال كنت جالسا مع ابن عباس فقال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفه
أسامة فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة وقال أحسنتم كذا فاصنعوا (قوله
لولا أن تغلبوا) بضم أوله على البناء للمجهول قال الداودي أي إنكم لا تتركوني أستقي ولا أحب أن
أفعل بكم ما تكرهون فتغلبوا كذا قال وقال غيره معناه لولا أن تقع لكم الغلبة بأن يجب عليكم
ذلك بسبب فعلي وقيل معناه لولا أن يغلبكم الولاة عليها حرصا على حيازة هذه المكرمة والذي
يظهر أن معناه لولا أن تغلبكم الناس على هذا العمل إذا رأوني قد عملته لرغبتهم في الاقتداء بي
فيغلبوكم بالمكاثرة لفعلت ويؤيد هذا ما أخرج مسلم من حديث جابر أتى النبي صلى الله عليه وسلم
بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن تغلبكم الناس على
سقايتكم لنزعت معكم واستدل بهذا على أن سقاية الحاج خاصة ببني العباس وأما الرخصة
في المبيت ففيها أقوال للعلماء هي أوجه الشافعية أصحها لا يختص بهم ولا بسقايتهم واستدل به
الخطابي على أن أفعاله للوجوب وفيه نظر وقال ابن بزيزة أراد بقوله لولا أن تغلبوا قصر
السقاية عليهم وأن لا يشاركوا فيها واستدل به على أن الذي أرصد للمصالح العامة لا يحرم على
النبي صلى الله عليه وسلم ولا على آله تناوله لأن العباس أرصد سقاية زمزم لذلك وقد شرب منها
393

النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن المنير في الحاشية يحمل الأمر في مثل هذا على أنها مرصدة للنفع
العام فتكون للغني في معنى الهدية وللفقير صدقة وفيه أنه لا يكره طلب السقي من الغير ولا رد
ما يعرض على المرء من الإكرام إذا عارضته مصلحة أولى منه لأن رده لما عرض عليه العباس مما
يؤتى به من نبيذ لمصلحة التواضع التي ظهرت من شربه مما يشرب منه الناس وفيه الترغيب
في سقي الماء خصوصا ماء زمزم وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحرص أصحابه على الاقتداء
به وكراهة التقذر والتكره للمأكولات والمشروبات قال ابن المنير في الحاشية وفيه أن الأصل
في الأشياء الطهارة لتناوله صلى الله عليه وسلم من الشراب الذي غمست فيه الأيدي (قوله
باب ما جاء في زمزم) كأنه لم يثبت عنده في فضلها حديث على شرطه صريحا وقد
وقع في مسلم من حديث أبي ذر أنها طعام طعم زاد الطيالسي من الوجه الذي أخرجه منه مسلم
وشفاء سقم وفي المستدرك من حديث ابن عباس مرفوعا ماء زمزم لما شرب له رجاله موثقون
إلا أنه اختلف في إرساله ووصله وإرساله أصح وله شاهد من حديث جابر وهو أشهر منه أخرجه
الشافعي وابن ماجة ورجاله ثقات إلا عبد الله بن المؤمل المكي فذكر العقيلي أنه تفرد به لكن ورد
من رواية غيره عند البيهقي من طريق إبراهيم بن طهمان ومن طريق حمزة الزيات كلاهما عن أبي
الزبير بن سعيد عن جابر ووقع في فوائد ابن المقري من طريق سويد بن سعيد عن ابن المبارك عن
ابن أبي الموالي عن ابن المنكدر عن جابر وزعم الدمياطي أنه على رسم الصحيح وهو كما قال من
حيث الرجال إلا أن سويدا وإن خرج له مسلم فإنه خلط وطعنوا فيه وقد شذ بأسناده والمحفوظ
عن ابن مبارك عن ابن المؤمل وقد جمعت في ذلك جزءا والله أعلم وسميت زمزم لكثرتها يقال ماء
زمزم أي كثير وقيل لاجتماعها نقل عن ابن هشام وقال أبو زيد الزمزمة من الناس خمسون
ونحوهم وعن مجاهد إنما سميت زمزم لأنها مشتقة من الهزمة والهزمة الغمز بالعقب في
الأرض أخرجه الفاكهي بإسناد صحيح عنه وقيل لحركتها قاله الحربي وقيل لأنها زمت بالميزان
لئلا تأخذ يمينا وشمالا وستأتي قصتها في شأن إسماعيل وهاجر في أحاديث الأنبياء وقصة حفر عبد
المطلب لها في أيام الجاهلية إن شاء الله تعالى (قوله وقال عبدان) سيأتي في أحاديث الأنبياء أتم
منه بلفظ وقال لي عبدان وأورده هنا مختصرا وقد وصله الجوزقي بتمامه عن الدغولي عن محمد بن
الليث عن عبدان بطوله وقد تقدم الكلام عليه في أوائل الصلاة والمقصود منه هنا قوله
ثم غسله بماء زمزم (قوله حدثنا محمد) في رواية أبي ذر هو ابن سلام والفزاري هو مروان بن
معاوية وغلط من قال هو أبو إسحق وعاصم هو بن سليمان الأحول قال ابن بطال وغيره أراد
البخاري أن الشرب من ماء زمزم من سنن الحج وفي المصنف عن طاوس قال شرب نبيذ السقاية
من تمام الحج وعن عطاء لقد أدركته وأن الرجل ليشربه فتلزق شفتاه من حلاوته وعن ابن
جريج عن نافع أن ابن عمر لم يكن يشرب من النبيذ في الحج فكأنه لم يثبت عنده أن النبي صلى
الله عليه وسلم شرب منه لأنه كان كثير الإتباع للآثار أو خشي أن يظن الناس أن ذلك من تمام
الحج كما نقل عن طاوس (قوله فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير) عند ابن ماجة من هذا
الوجه قال عاصم فذكرت ذلك لعكرمة فحلف بالله ما فعل أي ما شرب قائما لأنه كان حينئذ
راكبا انتهى وقد تقدم أن عند أبي داود من رواية عكرمة عن ابن عباس أنه أناخ فصلى
394

ركعتين فلعل شربه من زمزم كان بعد ذلك ولعل عكرمة إنما أنكر شربه قائما لنهيه عنه لكن
ثبت عن علي عند البخاري أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائما فيحمل على بيان الجواز (قوله
باب طواف القارن) أي هل يكتفي بطواف واحد أو لا بد من طوافين أورد فيه حديث
عائشة في حجة الوداع وفيه وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا وحديث ابن
عمر في حجة عام نزل الحجاج بابن الزبير أورده من وجهين في كل منهما أنه جمع بين الحج والعمرة أهل
بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج وطاف لهما طوافا واحدا كما في الطريق الأولى و في الطريق الثانية
ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول وفي هذه الرواية رفع احتمال قد يؤخذ
من الرواية الأولى أن المراد بقوله طوافا واحدا أي طاف لكل منهما طوافا يشبه الطواف
الذي للآخر والحديثان ظاهران في أن القارن لا يجب عليه إلا طواف واحد كالمفرد وقد
رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر أصرح من سياق حديثي الباب في الرفع
ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي
واحد وأعله الطحاوي بأن الدراوردي أخطأ فيه وأن الصواب أنه موقوف وتمسك في تخطئته بما
رواه أيوب والليث وموسى بن عقبة وغير واحد عن نافع نحو سياق ما في الباب من أن ذلك وقع
لابن عمر وأنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لا أنه روى هذا اللفظ عن النبي صلى الله
عليه وسلم اه‍ وهو تعليل مردود فالدراوردي صدوق وليس ما رواه مخالفا لما رواه غيره فلا مانع
من أن يكون الحديث عند نافع على الوجهين واحتج الحنيفة بما روي عن علي أنه جمع بين الحج
والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعل وطرقه عن علي عند عبد الرزاق والدارقطني وغيرهما ضعيفة وكذا أخرج من حديث ابن
مسعود بإسناد ضعيف نحوه وأخرج من حديث ابن عمر نحو ذلك وفيه الحسن بن عمارة وهو
متروك والمخرج في الصحيحين وفي السنن عنه من طرق كثيرة الإكتفاء بطواف واحد وقال
البيهقي أن ثبتت الرواية أنه طاف طوافين فيحمل على طواف القدوم وطواف الإفاضة وأما
السعي مرتين فلم يثبت وقال ابن حزم لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من
أصحابه في ذلك شئ أصلا (قلت) لكن روى الطحاوي وغيره مرفوعا (1) عن علي وابن
مسعود ذلك بأسانيد لا بأس بها إذا اجتمعت ولم أر في الباب أصح من حديثي ابن عمر وعائشة
المذكورين في هذا الباب وقد أجاب الطحاوي عن حديث ابن عمر بأنه اختلف عليه في كيفية
إحرام النبي صلى الله عليه وسلم وأن الذي يظهر من مجموع الروايات عنه أنه صلى الله عليه وسلم
أحرم أولا بحجة ثم فسخها فصيرها عمرة ثم تمتع بها إلى الحج كذا قال الطحاوي مع جزمه قبل ذلك
بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا وهب أن ذلك كما قال فلم لا يكون قول ابن عمر هكذا فعل رسول
الله صلى الله عليه وسلم أي أمر من كان قارنا أن يقتصر على طواف واحد وحديث ابن
عمر المذكور ناطق بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا فإنه مع قوله فيه تمتع رسول الله صلى الله
عليه وسلم وصف فعل القران حيث قال بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وهذا من صور القران
وغايته أنه سماه تمتعا لأن الإحرام عنده بالعمرة في أشهر الحج كيف كان يسمى تمتعا ثم أجاب عن
حديث عائشة بأنها أرادت بقولها وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا لهما طوافا
395

واحدا يعني الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج لأن حجتهم كانت مكية والحجة المكية لا يطاف لها
إلا بعد عرفة قال والمراد بقولها جمعوا بين الحج والعمرة جمع متعة لا جمع قران انتهى وإني
لكثير التعجب منه في هذا الموضع كيف ساغ له هذا التأويل وحديث عائشة مفصل للحالتين
فإنها صرحت بفعل من تمتع ثم من قرن حيث قالت فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثم حلوا طوافا
آخر بعد أن رجعوا من منى فهؤلاء أهل التمتع ثم قالت وأما الذين جمعوا الخ فهؤلاء أهل القران
وهذا أبين من أن يحتاج إلى إيضاح والله المستعان وقد روى مسلم من طريق أبي الزبير أنه
سمع جابر بن عبد الله يقول لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا
واحدا ومن طريق طاوس عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يسعك طوافك لحجك
وعمرتك وهذا صريح في الإجزاء وإن كان العلماء اختلفوا فيما كانت عائشة محرمة به قال
عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل قال حلف طاوس ما طاف أحد من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجه وعمرته إلا طوافا واحدا وهذا إسناد صحيح وفيه بيان ضعف
ما روى عن علي وابن مسعود من ذلك وقد روى آل بيت علي عنه مثل الجماعة قال جعفر بن محمد
الصادق عن أبيه أنه كان يحفظ عن علي للقارن طواف واحد خلاف ما يقول أهل العراق ومما
يضعف ما روى عن علي من ذلك أن أمثل طرقه عنه رواية عبد الرحمن بن أذينة عنه وقد ذكر فيها
أنه يمتنع على من ابتدأ الإهلال بالحج أن يدخل عليه العمرة وأن القارن يطوف طوافين ويسعى
سعيين والذين احتجوا بحديثه لا يقولون بامتناع إدخال العمرة على الحج فإن كانت الطريق
صحيحة عندهم لزمهم العمل بما دلت عليه وإلا فلا حجة فيها وقال ابن المنذر احتج أبو أيوب (1)
من طريق النضر بأنا أجزنا جميعا للحج والعمرة سفرا واحدا وإحراما واحدا وتلبية واحدة
فكذلك يجزي عنهما طواف واحد وسعي واحد لأنهما خالفا في ذلك سائر العبادات وفي هذا
القياس مباحث كثيرة لا نطيل بها واحتج غيره بقوله صلى الله عليه وسلم دخلت العمرة في الحج
إلى يوم القيامة وهو صحيح كما سلف فدل على أنها لا تحتاج بعد أن دخلت فيه إلى عمل آخر غير
عمله والحق أن المتبع في ذلك السنة الصحيحة وهي مستغنية عن غيرها وقد تقدم الكلام على
بقية حديث عائشة وسيأتي الكلام على حديث ابن عمر في أبواب المحصر إن شاء الله تعالى
وننبه هناك على اختلاف الرواية فيه (قوله لا آمن) كذا للأكثر بالمد وفتح الميم الخفيفة
أي أخاف وللمستملي لا أيمن بياء ساكنة بين الهمزة والميم فقيل إنها إمالة وقيل لغة تميمية
وهي عندهم بكسر الهمزة (قوله فإن حيل) كذا للأكثر وللكشميهني وأن يحل بضم الياء
وفتح المهملة واللام ساكنة وقوله في الطريق الثانية بطوافه الأول أي الذي طافه يوم
النحر للإفاضة وتوهم بعضهم أنه أراد طواف القدوم فحمله على السعي وقال ابن عبد البر
فيه حجة لمالك في قوله أن طواف القدوم إذا وصل بالسعي يجزئ عن طواف الإفاضة لمن تركه
جاهلا أو نسيه حتى رجع إلى بلده وعليه الهدي قال ولا أعلم أحدا قال به غيره وغير
أصحابه وتعقب بأنه إن حمل قوله طوافه الأول على طواف القدوم فإنه أجزأ عن طواف
الإفاضة كان ذلك دالا على الإجزاء مطلقا ولو تعمده لا بقيد الجهل والنسيان لا إذا حملنا قوله
طوافه الأول على طواف الإفاضة يوم النحر أو على السعي ويؤيد التأويل الثاني حديث جابر
396

عند مسلم لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا
طوافه الأول وهو محمول على ما حمل عليه حديث ابن عمر المذكور والله أعلم * (تنبيه) *
وقع هنا عقب الطريق الثانية لحديث ابن عمر المذكور في نسخة الصغاني تعلية السند
المذكور لبعض الرواة ولفظه قال أبو إسحق حدثنا قتيبة ومحمد بن رمح قالا حدثنا الليث
مثله وأبو إسحق هذا إن كان هو المستملى فقد سقط بينه وبين قتيبة وابن رمح رجل وإن كان غيره
فيحتمل أن يكون إبراهيم بن معقل النسفي الراوي عن البخاري والله أعلم (قوله
باب الطواف على وضوء) أورد فيه حديث عائشة أن أول شئ بدأ به النبي صلى الله
عليه وسلم حين قدم أنه توضأ ثم طاف الحديث بطوله وليس فيه دلالة على الاشتراط إلا إذا انضم
إليه قوله صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم وباشتراط الوضوء للطواف قال الجمهور
وخالف فيه بعض الكوفيين ومن الحجة عليهم قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت غير
أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري وسيأتي بيان الدلالة منه بعد بابين (قوله ما كانوا يبدؤون بشئ
حين يضعون أقدامهم من الطواف بالبيت) قال ابن بطال لا بد من زيادة لفظ أول بعد لفظ
أقدامهم وأجاب الكرماني بأن معناه ما كانوا يبدؤون بشئ آخر حين يضعون أقدامهم في
المسجد لأجل الطواف انتهى وحاصله أنه لم يتعين حذف لفظ أول بل يجوز أن يكون
الحذف في موضع آخر لكن الأول أولى لأن الثاني يحتاج إلى جعل من بمعنى من أجل وهو قليل
وأيضا فلفظ أول قد ثبت في بعض الروايات وثبت أيضا في مكان آخر من الحديث نفسه ووقع
في رواية الكشميهني حتى يضعوا بدل حين يضعون وتوجيهه واضح (قوله ثم إنهما لا تحلان)
أي سواء كان إحرامهما بالحج وحده أو بالقران خلافا لمن قال أن من حج مفردا فطاف حل
بذلك كما تقدم عن ابن عباس وقوله أمي يعني أسماء بنت أبي بكر وخالته هي عائشة وقد تقدم
الكلام على فوائد هذا الحديث في باب من طاف إذا قدم * (تنبيه) * قال الداودي ما ذكر من
حج عثمان هو من كلام عروة وما قبله من كلام عائشة وقال أبو عبد الملك منتهى حديث
عائشة عند قوله ثم لم تكن عمرة ومن قوله ثم حج أبو بكر الخ من كلام عروة انتهى فعلى هذا يكون
بعض هذا منقطعا لأن عروة لم يدرك أبا بكر ولا عمر نعم أدرك عثمان وعلي قول الداودي يكون
الجميع متصلا وهو الأظهر (قوله باب وجوب الصفا والمروة وجعل من
شعائر الله) أي وجوب السعي بينهما مستفاد من كونهما جعلا من شعائر الله قاله ابن المنير في
الحاشية وتمام هذا نقل أهل اللغة في تفسير الشعائر قال الأزهري الشعائر المقالة التي ندب الله
إليها وأمر بالقيام عليها وقال الجوهري الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل علما لطاعة الله
ويمكن أن يكون الوجوب مستفادا من قول عائشة ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا
والمروة وهو في بعض طرق حديثها المذكور في هذا الباب عند مسلم واحتج ابن المنذر للوجوب
بحديث صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجراه بكسر المثناة وسكون الجيم بعدها راء ثم ألف
ساكنة ثم هاء وهي إحدى نساء بني عبد الدار قالت دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين
فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي وسمعته يقول
اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي أخرجه الشافعي وأحمد وغيرهما وفي إسناد هذا الحديث
397

عبد الله بن المؤمل وفيه ضعف ومن ثم قال ابن المنذر إن ثبت فهو حجة في الوجوب (قلت) له
طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة مختصرة وعند الطبراني عن ابن عباس كالأولى وإذا انضمت إلى
الأولى قويت و اختلف على صفية بنت شيبة في اسم الصحابية التي أخبرتها به ويجوز أن تكون
أخذته عن جماعة فقد وقع عند الدارقطني عنها أخبرتني نسوة من بني عبد الدار فلا يضره
الاختلاف والعمدة في الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم واستدل
بعضهم بحديث أبي موسى في إهلاله وقد تقدم في أبواب المواقيت وفيه طف بالبيت وبين الصفا
والمروة واختلف أهل العلم في هذا فالجمهور قالوا هو ركن لا يتم الحج بدونه وعن أبي حنيفة
واجب يجبر بالدم وبه قال الثوري في الناسي لا في العامد وبه قال عطاء وعنه أنه سنة لا يجب
بتركه شئ وبه قال أنس فيما نقله ابن المنذر واختلف عن أحمد كهذه الأقوال الثلاثة وعند
الحنفية تفصيل فيما إذا ترك بعض السعي كما هو عندهم في الطواف بالبيت وأغرب ابن العربي
فحكى الإجماع على أن السعي ركن في العمرة وإنما الاختلاف في الحج وأغرب الطحاوي فقال
في كلام له على المشعر الحرام قد ذكر الله أشياء في الحج لم يرد بذكرها إيجابها في قول أحد من
الأمة من ذلك قوله إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية وكل أجمع على أنه لو حج ولم يطوف
بهما أن حجه قد تم وعليه دم وقد أطنب ابن المنير في الرد عليه في حاشيته على ابن بطال (قوله فوالله
ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة الخ) الجواب محصله أن عروة احتج للإباحة باقتصار
الآية على رفع الجناح فلو كان واجبا لما اكتفى بذلك لأن رفع الإثم علامة المباح ويزداد
المستحب بإثبات الأجر ويزداد الوجوب عليهما بعقاب التارك ومحصل جواب عائشة أن الآية
ساكتة عن الوجوب وعدمه مصرحة برفع الإثم عن الفاعل وأما المباح فيحتاج إلى رفع الإثم
عن التارك والحكمة في التعبير بذلك مطابقة جواب السائلين لأنهم توهموا من كونهم كانوا
يفعلون ذلك في الجاهلية أنه لا يستمر في الإسلام فخرج الجواب مطابقا لسؤالهم وأما الوجوب
فيستفاد من دليل آخر ولا مانع أن يكون الفعل واجبا ويعتقد إنسان امتناع إيقاعه على
صفة مخصوصة فيقال له لا جناح عليك في ذلك ولا يستلزم ذلك نفي الوجوب ولا يلزم من نفي
الإثم عن الفاعل نفي الإثم عن التارك فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفي الإثم عن التارك وقد
وقع في بعض الشواذ باللفظ الذي قالت عائشة أنها لو كانت للإباحة لكانت كذلك حكاه
الطبري وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وغيرهم عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن
عباس وأجاب الطبري بأنها محمولة على القراءة المشهورة ولا زائدة وكذا قال الطحاوي وقال
غيره لا حجة في الشواذ إذا خالفت المشهور وقال الطحاوي أيضا لا حجة لمن قال إن السعي
مستحب بقوله فمن تطوع خيرا لأنه راجع إلى أصل الحج والعمرة لا إلى خصوص السعي
لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع والله أعلم (قوله
يهلون) أي يحجون (قوله لمناة) بفتح الميم والنون الخفيفة صنم كان في الجاهلية وقال ابن
الكلبي كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي لهذيل وكانوا يعبدونها والطاغية صفة لها اسلامية
(قوله بالمشلل) بضم أوله وفتح المعجمة ولامين الأولى مفتوحة مثقلة هي الثنية المشرفة على
قديد زاد سفيان عن الزهري بالمشلل من قديد أخرجه مسلم وأصله للمصنف كما سيأتي
398

في تفسير النجم وله في تفسير البقرة من طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال قلت
لعائشة وأنا يومئذ حديث السن فذكر الحديث وفيه كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد
أي مقابله وقديد بقاف مصغر قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه قاله أبو عبيد البكري
(قوله فكان من أهل يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة) وقوله بعد ذلك (إنا كنا نتحرج أن
نطوف بين الصفا والمروة) ظاهره أنهم كانوا في الجاهلية لا يطوفون بين الصفا والمروة ويقتصرون
على الطواف بمناة فسألوا عن حكم الإسلام في ذلك ويصرح بذلك رواية سفيان المذكورة
بلفظ إنما كان من أهل بمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة وفي رواية
معمر عن الزهري إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة أخرجه البخاري تعليقا ووصله
أحمد وغيره وفي رواية يونس عن الزهري عند مسلم إن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم
وغسان يهلون لمناة فتحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة وكان ذلك سنة في آبائهم من أحرم
لمناة لم يطف بين الصفا والمروة فطرق الزهري متفقة وقد اختلف فيه على هشام بن عروة عن أبيه
فرواه مالك عنه بنحو رواية شعيب عن الزهري ورواه أبو أسامة عنه بلفظ إنما أنزل الله هذا في
أناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا أهلوا لمناة في الجاهلية فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا
والمروة أخرجه مسلم وظاهره يوافق رواية الزهري وبذلك جزم محمد بن إسحاق فيما رواه
الفاكهي من طريق عثمان بن ساج عنه أن عمرو بن لحي نصب مناة على ساحل البحر مما يلي
قديد فكانت الأزد وغسان يحجونها ويعظمونها إذا طافوا بالبيت وأفاضوا من عرفات
وفرغوا من منى أتوا مناة فأهلوا لها فمن أهل لها لم يطف بين الصفا والمروة قال وكانت مناة
للأوس والخزرج والأزد من غسان ومن دان دينهم من أهل يثرب فهذا يوافق رواية الزهري
وأخرج مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام هذا الحديث فخالف جميع ما تقدم ولفظه إنما
كان ذلك لأن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر يقال لهما أساف ونائلة
فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلون فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا
يصنعون في الجاهلية فهذه الرواية تقتضي أن تحرجهم إنما كان لئلا يفعلوا في الإسلام شيئا
كانوا يفعلونه في الجاهلية لأن الإسلام أبطل أفعال الجاهلية إلا ما أذن فيه الشارع فخشوا
أن يكون ذلك من أمر الجاهلية الذي أبطله الشارع فهذه الرواية توجيهها ظاهر بخلاف
رواية أبي أسامة فإنها تقتضي أن التحرج عن الطواف بين الصفا والمروة لكونهم كانوا لا يفعلونه
في الجاهلية ولا يلزم من تركهم فعل شئ في الجاهلية أن يتحرجوا من فعله في الإسلام ولولا
الزيادة التي في طريق يونس حيث قال وكانت سنة في آبائهم الخ لكان الجمع بين الروايتين ممكنا
بأن نقول وقع في رواية الزهري حذف تقديره أنهم كانوا يهلون في الجاهلية لمناة ثم يطوفون
بين الصفا والمروة فكان من أهل أي بعد ذلك في الإسلام يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة لئلا
يضاهي فعل الجاهلية ويمكن أيضا أن يكون في رواية أبي أسامة حذف تقديره كانوا إذا أهلوا
أهلوا لمناة في الجاهلية فجاء الإسلام فظنوا أنه أبطل ذلك فلا يحل لهم ويبين ذلك رواية أبي
معاوية المذكورة حيث قال فيها فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا
399

يصنعون في الجاهلية إلا أنه وقع فيها وهم غير هذا نبه عليه عياض فقال قوله لصنمين على شط
البحر وهم فإنهما ما كانا قط على شط البحر وإنما كانا على الصفا والمروة إنما كانت مناة مما يلي
جهة البحر انتهى وسقط من روايته أيضا اهلالهم أولا لمناة فكأنهم كانوا يهلون لمناة فيبدأون
بها ثم يطوفون بين الصفا والمروة لأجل أساف ونائلة فمن ثم تحرجوا من الطواف بينهما في
الإسلام ويؤيد ما ذكرناه حديث أنس المذكور في الباب الذي بعده بلفظ أكنتم تكرهون
السعي بين الصفا والمروة فقال نعم لأنها كانت من شعار الجاهلية وروى النسائي بإسناد قوي عن
زيد بن حارثة قال كان على الصفا والمروة صنمان من نحاس يقال لهما أساف ونائلة كان
المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما الحديث وروى الطبراني وابن أبي حاتم في التفسير بإسناد
حسن من حديث ابن عباس قال قالت الأنصار إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية
فأنزل الله عز وجل إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية وروى الفاكهي وإسماعيل القاضي
في الأحكام بإسناد صحيح عن الشعبي قال كان صنم بالصفا يدعى أساف ووثن بالمروة يدعى نائلة
فكان أهل الجاهلية يسعون بينهما فلما جاء الإسلام رمى بهما وقالوا إنما كان ذلك يصنعه أهل
الجاهلية من أجل أوثانهم فأمسكوا عن السعي بينهما قال فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة
من شعائر الله الآية وذكر الواحدي في أسبابه عن ابن عباس نحو هذا وزاد فيه يزعم أهل
الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخا حجرين فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما فلما طالت
المدة عبدا والباقي نحوه وروى الفاكهي بإسناد صحيح إلى أبي مجلز نحوه وفي كتاب مكة
لعمر بن شبة بإسناد قوي عن مجاهد في هذه الآية قال قالت الأنصار إن السعي بين هذين
الحجرين من أمر الجاهلية فنزلت ومن طريق الكلبي قال كان الناس أول ما أسلموا كرهوا
الطواف بينهما لأنه كان على كل واحد منهما صنم فنزلت فهذا كله يوضح قوة رواية أبي معاوية
وتقدمها على رواية غيره ويحتمل أن يكون الأنصار في الجاهلية كانوا فريقين منهم من كان
يطوف بينهما على ما اقتضته رواية أبي معاوية ومنهم من كان لا يقربهما على ما اقتضته
رواية الزهري واشتركا الفريقان في الإسلام على التوقف عن الطواف بينهما لكونه كان
عندهم جميعا من أفعال الجاهلية فيجمع بين الروايتين بهذا وقد أشار إلى نحو هذا الجمع
البيهقي والله أعلم * (تنبيه) * قول عائشة سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بين الصفا
والمروة أي فرضه بالسنة وليس مرادها نفي فرضيتها ويؤيده قولها لم يتم الله حج أحدكم ولا عمرته
ما لم يطف بينهما (قوله ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن) القائل هو الزهري ووقع في رواية
سفيان عن الزهري عند مسلم قال الزهري فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن
هشام فأعجبه ذلك (قوله إن هذا العلم) كذا للأكثر أي أن هذا هو العلم المتين وللكشميهني أن
هذا لعلم بفتح اللام وهي المؤكدة وبالتنوين على أنه الخبر (قوله أن الناس إلا من ذكرت
عائشة) إنما ساغ له هذا الاستثناء مع أن الرجال الذين أخبروه أطلقوا ذلك لبيان الخبر عنده
من رواية الزهري له عن عروة عنها ومحصل ما أخبر به أبو بكر بن عبد الرحمن أن المانع لهم من
التطوف بينهما أنهم كانوا يطوفون بالبيت وبين الصفا والمروة في الجاهلية فلما أنزل الله
الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بينهما ظنوا رفع ذلك الحكم فسألوا هل عليهم من حرج إن
400

فعلوا ذلك بناء على ما ظنوه من أن التطوف بينهما من فعل الجاهلية ووقع في رواية سفيان
المذكورة إنما كان من لا يطوف بينهما من العرب يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من
أمر الجاهلية وهو يؤيد ما شرحناه أولا (قوله فاسمع هذه الآية نزلت في الفريقين) كذا في
معظم الروايات بإثبات الهمزة وضم العين بصيغة المضارعة للمتكلم وضبطه الدمياطي في نسخته
بالوصل وسكون العين بصيغة الأمر والأول أصوب فقد وقع في رواية سفيان المذكورة فأراها
نزلت وهو بضم الهمزة أي أظنها وحاصله أن سبب نزول الآية على هذا الأسلوب كان للرد على
الفريقين الذين تحرجوا أن يطوفوا بينهما لكونه عندهم من أفعال الجاهلية والذين امتنعوا
من الطواف بينهما لكونهما لم يذكرا (قوله حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت) يعني
تأخر نزول آية البقرة في الصفا والمروة عن آية الحج وهي قوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق
ووقع في رواية المستملي وغيره حتى ذكر بعد ذلك ما ذكر الطواف بالبيت وفي توجيهه
عسر وكأن قوله الطواف بالبيت بدل من قوله ما ذكر بتقدير الأول إنما امتنعوا من السعي بين
الصفا والمروة لأن قوله وليطوفوا بالبيت العتيق دل على الطواف بالبيت ولا ذكر للصفا والمروة
فيه حتى نزل إن الصفا والمروة من شعائر الله بعد نزول وليطوفوا بالبيت وأما الثاني فيجوز أن
تكون ما مصدرية أي بعد ذلك الطواف بالبيت الطواف بين الصفا والمروة والله أعلم (قوله
باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة) أي في كيفيته (قوله وقال ابن عمر الخ) وصله
الفاكهي من طريق ابن جريج أخبرني نافع قال نزل ابن عمر من الصفا حتى إذا حاذى باب بني
عباد سعى حتى إذا انتهى إلى الزقاق الذي يسلك بين دار بني أبي حسين ودار بنت قرظة ومن
طريق عبيد الله بن أبي يزيد قال رأيت ابن عمر يسعى من مجلس أبي عباد إلى زقاق ابن أبي حسين
قال سفيان هو بين هذين العلمين وروى ابن أبي شيبة من طريق عثمان بن الأسود عن مجاهد
وعطاء قال رأيتهما يسعيان من خوخة بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين قال فقلت لمجاهد فقال
هذا بطن المسيل الأول اه‍ والعلمان اللذان أشار إليهما معروفان إلى الآن وروى ابن خزيمة
والفاكهي من طريق أبي الطفيل قال سألت ابن عباس عن السعي فقال لما بعث الله جبريل
إلى إبراهيم ليريه المناسك عرض له الشيطان بين الصفا والمروة فأمر الله أن يجيز الوادي قال ابن
عباس فكانت سنة وسيأتي في أحاديث الأنبياء أن ابتداء ذلك كان من هاجر وروى الفاكهي
بإسناد حسن عن ابن عباس قال هذا ما أورثتكموه أم إسماعيل وسيأتي حديثه في آخر الباب في
سبب فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ثم أورد المصنف في الباب أربعة أحاديث * أولها حديث
ابن عمر (قوله حدثنا محمد بن عبيد) زاد أبو ذر في روايته هو ابن أبي حاتم ولغيره محمد بن عبيد
ابن ميمون وهو الصواب وبه جزم أبو نعيم ولعل حاتما اسم جد له إن كانت رواية أبي ذر فيه
مضبوطة وقد ذكر أبو علي الجياني أنه رآه بخط أبي محمد الأصيلي في نسخته حدثنا محمد بن عبيد
ابن حاتم (قوله كان إذا طاف (2) الطواف الأول) أي طواف القدوم (قوله خب)
بفتح المعجمة وتشديد الموحدة وقد تقدم في باب من طاف إذا قدم مكة (قوله وكان يسعى بطن
المسيل) أي المكان الذي يجتمع فيه السيل وقوله بطن منصوب على الظرف وهذا مرفوع عن
ابن عمر وكأن المصنف بدأ بالموقوف عنه في الترجمة لكونه مفسرا لحد السعي والمراد به شدة
401

المشي وأن كان جميع ذلك يسمى سعيا (قوله فقلت لنافع) القائل عبيد الله بن عمر المذكور
وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بالاستلام قبل بأبواب * الثاني حديث ابن عمر أيضا في طواف
النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة أورده من وجهين وقد تقدم في باب صلى
النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين قال شيخنا ابن الملقن هنا قال صاحب المحيط من
الحنفية لو بدأ بالمروة وختم بالصفا أعاد شوطا فإن البداءة واجبة ولا أصل لما قال الكرماني
أن الترتيب ليس بشرط ولكن تركه مكروه لترك السنة فيستحب إعادة الشوط (قلت)
الكرماني المذكور عالم من الحنفية وليس هو شمس الدين شارح البخاري وإنما نبهت على ذلك
لئلا يتوهم أن شيخنا وقف على شرحه ونقل منه فإن هذا الكلام ما هو في شرح شمس الدين
وشمس الدين شافعي المذهب يرى الترتيب شرطا في صحة السعي * الثالث حديث أنس في نزول
قوله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله وقد تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله
* الرابع حديث ابن عباس إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة
ليري المشركين قوته والمراد بالسعي هنا شدة المشي وقد تقدم القول فيه في باب بدء الرمل (قوله
زاد الحميدي الخ) أي زاد التصريح بالتحديث من عمرو لسفيان ومن عطاء لعمرو هكذا رويناه
في مسند الحميدي رواية بشر بن موسى عنه ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج وأخرج
مسلم في هذا الباب حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الركعتين بعد طوافه خرج
إلى الصفا فقال أبدأ بما بدأ الله به واستدل به على اشتراط البداءة بالصفا ورواه النسائي بلفظ
الأمر فقال ابدؤا بما بدأ الله به * (تكميل) * قال ابن عبد السلام المروة أفضل من الصفا لأنها تقصد
بالذكر والدعاء أربع مرات بخلاف الصفا فإنما يقصد ثلاثا قال وأما البداءة بالصفا فليس بوارد
لأنه وسيلة (قلت) وفيه نظر لأن الصفا تقصد أربعا أيضا أولها عند البداءة فكل منهما مقصود
بذلك ويمتاز بالابتداء وعند التنزل يتعادلان ثم ما ثمرة هذا التفضيل مع أن العبادة المتعلقة بهما
لا تتم إلا بهما معا (قوله باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف
بالبيت وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة) جزم بالحكم الأول لتصريح الأخبار التي
402

ذكرها في الباب بذلك وأورد المسئلة الثانية مورد الاستفهام للاحتمال وكأنه أشار إلى ما روي
عن مالك في حديث الباب بزيادة لا بين الصفا والمروة قال ابن عبد البر لم يقله أحد عن مالك
إلا يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري (قلت) فإن كان يحيى حفظه فلا يدل على اشتراط الوضوء
للسعي لأن السعي يتوقف على تقدم طواف قبله فإذا كان الطواف ممتنعا أمتنع لذلك لا لاشتراط
الطهارة له وقد روي عن ابن عمر أيضا قال تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت
وبين الصفا والمروة أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح قال وحدثنا ابن فضيل عن عاصم قلت
لأبي العالية تقرأ الحائض قال لا ولا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ولم يذكر ابن المنذر عن
أحد من السلف اشتراط الطهارة للسعي إلا عن الحسن البصري وقد حكى المجد بن تيمية من
الحنابلة رواية عندهم مثله وأما ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر بإسناد صحيح إذا طافت ثم
حاضت قبل أن تسعى بين الصفا والمروة فلتسع وعن عبد الأعلى عن هشام عن الحسن مثله وهذا
إسناد صحيح عن الحسن فلعله يفرق بين الحائض والمحدث كما سيأتي وقال ابن بطال كأن البخاري
فهم أن قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت أن لها
أن تسعى ولهذا قال وإذا سعى على غير وضوء اه‍ وهو توجيه جيد لا يخالف التوجيه الذي
قدمته وهو قول الجمهور وحكى ابن المنذر عن عطاء قولين فيمن بدأ بالسعي قبل الطواف بالبيت
وبالاجزاء قال بعض أهل الحديث واحتج بحديث أسامة بن شريك أن رجلا سأل النبي صلى
الله عليه وسلم فقال سعيت قبل أن أطوف قال طف ولا حرج وقال الجمهور لا يجزئه وأولوا
حديث أسامة على من سعى بعد طواف القدوم وقبل طواف الإفاضة ثم أورد المصنف في الباب
ثلاثة أحاديث * الأول حديث عائشة وفيه افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى
تطهري وهو بفتح التاء والطاء المهملة المشددة وتشديد الهاء أيضا وهو 2 على حذف إحدى
التائين وأصله تتطهري ويؤيده قوله في رواية مسلم حتى تغتسلي والحديث ظاهر في نهي الحائض
عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد وذلك يقتضي
بطلان الطواف لو فعلته وفي معنى الحائض الجنب والمحدث وهو قول الجمهور وذهب جمع من
الكوفيين إلى عدم الاشتراط قال ابن أبي شيبة حدثنا غندر حدثنا شعبة سألت الحكم وحمادا
ومنصورا وسليمان عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة فلم يروا به بأسا وروي عن عطاء
إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدا ثم حاضت أجزأ عنها وفي هذا تعقب على النووي حيث
قال في شرح المهذب انفرد أبو حنيفة بأن الطهارة ليست بشرط في الطواف واختلف أصحابه
في وجوبها وجبرانه بالدم إن فعله اه‍ ولم ينفردوا بذلك كما ترى فلعله أراد انفرادهم عن الأئمة
403

الثلاثة لكن عند أحمد رواية أن الطهارة للطواف واجبة تجبر بالدم وعند المالكية قول يوافق
هذا * الحديث الثاني حديث جابر في الإهلال بالحج وفيه قصة قدوم علي ومعه الهدي
وقصة عائشة حاضت فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت الحديث وسيأتي الكلام
عليه مستوفي في باب عمرة التنعيم من أبواب العمرة والاحتياج منه لقوله غير أنها لم تطف بالبيت
* (تنبيه) * ساقه المؤلف هنا رحمه الله بلفظ خليفة وسيأتي لفظ محمد بن المثنى في باب عمرة التنعيم
* الحديث الثالث حديث حفصة كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن فقدمت امرأة فنزلت قصر بني
خلف وفيه ويعتزل الحيض المصلى وقد تقدم في الحيض وفي العيدين وتقدم الكلام عليه
مستوفى في كتاب الحيض والمحتاج إليه هنا قولها في آخره أوليس تشهد عرفة وتشهد كذا
وتشهد كذا فهو المطابق لقول جابر فنسكت المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وكذا قولها
ويعتزل الحيض المصلى فإنه يناسب قوله أن الحائض لا تطوف بالبيت لأنها إذا أمرت باعتزال
المصلى كان اعتزالها للمسجد بل للمسجد الحرام بل للكعبة من باب الأولى (قوله
باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي والحاج إذا خرج من منى) كذا في معظم
الروايات وفي نسخة معتمدة من طريق أبي الوقت إلى منى وكذا ذكره ابن بطال في شرحه
والإسماعيلي في مستخرجه ولا إشكال فيها وعلى الأول فلعله أشار إلى الخلاف في ميقات المكي
قال النووي ميقات من بمكة من أهلها أو غيرهم نفس مكة على الصحيح وقيل مكة وسائر الحرم
اه‍ والثاني مذهب الحنفية واختلف في الأفضل فاتفق المذهبان على أنه من باب المنزل وفي قول
للشافعي من المسجد وحجة الصحيح ما تقدم في أول كتاب الحج من حديث ابن عباس حتى أهل
مكة يهلون منها وقال مالك وأحمد وإسحق يهل من جوف مكة ولا يخرج إلى الحل إلا محرما
واختلفوا في الوقت الذي يهل فيه فذهب الجمهور إلى أن الأفضل أن يكون يوم التروية وروى
مالك وغيره بإسناد منقطع وابن المنذر بإسناد متصل عن عمر أنه قال لأهل مكة مالكم يقدم الناس
عليكم شعثا التجارة تنضحون طيبا مدهنين إذا رأيتم الهلال فأهلوا الحنفية وهو قول ابن الزبير
ومن أشار إليهم عبيد بن جريج بقوله لابن عمر أهل الناس إذا رأوا الهلال وقيل أن ذلك محمول
على الاستحباب وبه قال مالك وأبو ثور وقال ابن المنذر الأفضل أن يهل يوم التروية إلا المتمتع
الذي لا يجد الهدي ويريد الصوم فيعجل الإهلال ليصوم ثلاثة أيام بعد أن يحرم واحتج الجمهور
بحديث أبي الزبير عن جابر وهو الذي علقه المصنف في هذا الباب وقوله في الترجمة للمكي أي
إذا أراد الحج وقوله الحاج أي الآفاقي إذا كان قد دخل مكة متمتعا (د قوله وسئل عطاء الخ)
وصله سعيد بن منصور من طريقه بلفظ رأيت ابن عمر في المسجد فقيل له قد رؤي الهلال فذكر
قصة فيها فأمسك حتى كان يوم التروية فأتى البطحاء فلما استوت به راحلته أحرم وروى مالك
في الموطأ أن ابن عمر أهل لهلال ذي الحجة وذلك أنه كان يرى التوسعة في ذلك (قوله وقال عبد
الملك الخ) الظاهر أن عبد الملك هو ابن أبي سليمان وقد وصله مسلم من طريقه عن عطاء عن جابر
قال أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة
فكبر ذلك علينا الحديث وفيه أيها الناس أحلوا فأحللنا حتى كان يوم التروية وجعلنا مكة
بظهر أهللنا بالحج وقد روى عبد الملك ابن جريج نحو هذه القصة وسيأتي في أثناء حديث
404

* (تنبيه) * قوله بظهر أي وراء ظهورنا وقوله أهللنا بالحج أي جعلنا مكة من ورائنا في يوم التروية
حال كوننا مهلين الحنفية فعلم أنهم حين الخروج من مكة كانوا محرمين ويوضح ذلك ما بعده (قوله
وقال أبو الزبير عن جابر أهللنا من البطحاء) وصله أحمد ومسلم من طريق ابن جريج عنه عن
جابر قال أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى قال فأهللنا من
الأبطح وأخرجه مسلم مطولا من طريق الليث عن أبي الزبير فذكر قصة فسخهم الحج إلى العمرة
وقصة عائشة لما حاضت وفيه ثم أهللنا يوم التروية وزاد من طريق زهير عن أبي الزبير أهللنا بالحج
وفي حديثه الطويل عنده نحوه * (تنبيه) * يوم التروية سيأتي الكلام عليه في الترجمة التي بعد
هذه (قوله وقال عبيد بن جريج لابن عمر الخ) وصله المؤلف في أوائل الطهارة في اللباس بأتم من
سياقه هنا قال ابن بطال وغيره وجه احتجاج ابن عمر على ما ذهب إليه أنه يهل يوم التروية إذا كان
بمكة بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهو إنما أهل حين انبعثت به راحلته بذي الحليفة ولم يكن
بمكة ولا كان ذلك يوم التروية من جهة أنه صلى الله عليه وسلم أهل من ميقاته من حين ابتدائه في
عمل حجته واتصل له عمله ولم يكن بينهما مكث ربما انقطع به العمل فكذلك المكي إذا أهل يوم
التروية اتصل عمله بخلاف ما لو أهل من أول الشهر وقد قال ابن عباس لا يهل أحد من مكة بالحج
حتى يريد الرواح إلى منى (قوله باب أين يصلي الظهر يوم التروية) أي يوم
الثامن من ذي الحجة وسمي التروية بفتح المثناة وسكون الراء وكسر الواو وتخفيف التحتانية
لأنهم كانوا يروون فيها إبلهم ويتروون من الماء لأن تلك الأماكن لم تكن إذ ذاك فيها آبار
ولا عيون وأما الآن فقد كثرت جدا واستغنوا عن حمل الماء وقد روى الفاكهي في كتاب مكة
من طريق مجاهد قال قال عبد الله بن عمر يا مجاهد إذا رأيت الماء بطريق مكة ورأيت البناء يعلو
أخاشبها فخذ حذرك وفي رواية فاعلم أن الأمر قد أظلك وقيل في تسميته التروية أقوال أخرى شاذة
منها أن آدم رأى فيه حواء واجتمع بها ومنها أن إبراهيم رأى في ليلته أنه يذبح ابنه فأصبح متفكرا
يتروى ومنها أن جبريل عليه السلام أرى فيه إبراهيم مناسك الحج ومنها أن الإمام يعلم
الناس فيه مناسك الحج ووجه شذوذها أنه لو كان من الأول لكان يوم الرؤية أو الثاني لكان
يوم التروي بتشديد الواو أو من الثالث لكان من الرؤيا أو من الرابع لكان من الرواية (قوله
حدثني عبد الله بن محمد) هو الجعفي وإسحق الأزرق هو ابن يوسف وسفيان هو الثوري قال
الترمذي بعد أن أخرجه صحيح يستغرب من حديث إسحق الأزرق عن الثوري يعني أن إسحق
تفرد به وأظن أن لهذه النكتة أردفه البخاري بطريق أبي بكر بن عياش عن عبد العزيز ورواية
أبي بكر وإن كان قصر فيها كما سنوضحه لكنها متابعة قوية لطريق إسحق وقد وجدنا له شواهد
منها ما وقع في حديث جابر الطويل في صفة الحج عند مسلم فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى
فأهلوا الحنفية وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء
والفجر الحديث وروى أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم من حديث ابن عباس قال صلى النبي
صلى الله عليه وسلم بمنى خمس صلوات وله عن ابن عمر أنه كان يحب إذا استطاع أن يصلي الظهر بمنى
يوم التروية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمنى وحديث ابن عمر في الموطأ
عن نافع عنه موقوفا ولابن خزيمة والحاكم من طريق القاسم بن محمد عن عبد الله بن الزبير قال
405

من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر وما بعدها والفجر بمنى ثم يغدون إلى عرفة (قوله يوم النفر)
بفتح النون وسكون الفاء يأتي الكلام عليه في أواخر أبواب الحج (قوله حدثنا علي) لم أره
منسوبا في شئ من الروايات والذي يظهر لي أنه ابن المديني وقد ساق المصنف الحديث على لفظ
إسماعيل بن أبان وإنما قدم طريق علي لتصريحه فيها بالتحديث بين أبي بكر وهو ابن عياش وعبد
العزيز وهو ابن رفيع (قوله فلقيت أنسا ذاهبا) في رواية الكشميهني راكبا (قوله انظر حيث
يصلي أمراؤك فصل) هذا فيه اختصار يوضحه رواية سفيان وذلك أنه في رواية سفيان بين له
المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية وهو منى كما تقدم ثم خشي
عليه أن يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة مع الجماعة فقال له صل
مع الأمراء حيث يصلون وفيه إشعار بأن الأمراء إذ ذاك كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك
اليوم بمكان معين فأشار أنس إلى أن الذي يفعلونه جائز وإن كان الإتباع أفضل ولما خلت رواية
أبي بكر بن عياش عن القدر المرفوع وقع في بعض الطرق عنه وهم فرواه الإسماعيلي من رواية
عبد الحميد بن بيان عنه بلفظ أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر هذا اليوم قال صلي حيث
يصلي أمراؤك قال الإسماعيلي قوله صلى غلط (قلت) ويحتمل أن يكون كانت صل بصيغة
الأمر كغيرها من الروايات فأشبع الناسخ اللام فكتب بعدها ياء فقرأها الراوي بفتح اللام
وأغرب الحميدي في جمعه فحذف لفظ فصل من آخر رواية أبي بكر بن عياش فصار ظاهره أن أنسا
أخبر أنه صلى حيث يصلي الأمراء وليس كذلك فهذا بعينه الذي أطلق الإسماعيلي أنه غلط
وقال أبو مسعود في الأطراف جود إسحق عن سفيان هذا الحديث ولم يجوده أبو بكر بن عياش
(قلت) وهو كما قال وقد قدمت عذر البخاري في تخريجه وأنه أراد به دفع من يتوقف في تصحيحه
لتفرد إسحق به عن سفيان ووقع في رواية عبد الله بن محمد في هذا الباب زيادة لفظة لم يتابعه عليها
سائر الرواة عن إسحاق وهي قوله أين صلى الظهر والعصر فإن لفظ العصر لم يذكره غيره فسيأتي في
أواخر صفة الحج عن أبي موسى محمد بن المثنى عند المصنف وكذا أخرجه ابن خزيمة عن أبي موسى
وأخرجه أحمد في مسنده عن إسحاق نفسه وأخرجه مسلم عن زهير بن حرب وأبو داود عن أحمد بن
إبراهيم والترمذي عن أحمد بن منيع ومحمد بن وزير والنسائي عن محمد بن إسماعيل بن علية وعبد
الرحمن بن محمد بن سلام والدارمي عن أحمد بن حنبل ومحمد بن أحمد وأبو عوانة في صحيحه عن
سعدان بن يزيد وابن الجارود في المنتقي عن محمد بن وزير وسمويه في فوائده عن محمد بن بشار بندار
وأخرجه ابن المنذر والإسماعيلي من طريق بندار زاد الإسماعيلي وزهير بن حرب وعبد الحميد
ابن بيان وأحمد بن منيع كلهم وهم اثنا عشر نفسا عن إسحاق الأزرق ولم يقل أحد منهم في روايته
والعصر وادعى الداودي أن ذكر العصر هنا وهم وإنما ذكر العصر في النفر وتعقب بأن العصر
مذكور في هذه الرواية في الموضعين وقد تقدم التصريح في حديث جابر عند مسلم بأنه صلى
الظهر والعصر وما بعد ذلك إلى صبح يوم عرفة بمنى فالزيادة في نفس الأمر صحيحة إلا أن عبد الله
ابن محمد تفرد بذكرها عن إسحاق دون بقية أصحابه والله أعلم * (تكميل) * ليس لعبد العزيز بن
رفيع عن أنس في الصحيحين إلا هذا الحديث الواحد وله من غير أنس أحاديث تقدم بعضها في
باب من طاف بعد الصبح والمراد بالنفر الرجوع من منى بعد انقضاء أعمال الحج والمراد بالأبطح
406

المحصب كما سيأتي في مكانه وفي الحديث أن السنة أن يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمنى وهو قول
الجمهور وروى الثوري في جامعه عن عمرو بن دينار قال رأيت ابن الزبير صلى الظهر يوم
التروية بمكة وقد تقدمت رواية القاسم عنه أن السنة أن يصليها بمنى فلعله فعل ما نقله عمرو عنه
لضرورة أو لبيان الجواز وروى ابن المنذر من طريق ابن عباس قال إذا زاغت الشمس فليرح
إلى مني قال ابن المنذر في حديث ابن الزبير أن من السنة أن يصلي الإمام الظهر والعصر والمغرب
والعشاء والصبح بمنى قال به علماء الأمصار قال ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على
من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئا ثم روى عن عائشة أنها لم تخرج من مكة يوم التروية حتى دخل
الليل وذهب ثلثه قال ابن المنذر والخروج إلى منى في كل وقت مباح إلا أن الحسن وعطاء قالا
لا بأس أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين وكرهه مالك وكره الإقامة بمكة يوم
التروية حتى يمسي إلا إن أدركه وقت الجمعة فعليه أن يصليها قبل أن يخرج وفي الحديث أيضا
الإشارة إلى متابعة أولي الأمر والاحتزار عن مخالفة الجماعة (قوله باب الصلاة
بمنى) أي هل يقصر الرباعية أم لا وقد تقدم البحث في ذلك في أبواب قصر الصلاة في الكلام
على نظير هذه الترجمة وأورد فيها أحاديث الباب الثلاثة لكن غاير في بعض أسانيدها فإنه أورد
حديث ابن عمر هناك من طريق نافع عنه وهنا من طريق ولده عبيد الله عنه (قوله وعثمان
صدرا من خلافته) زاد في رواية نافع المذكورة ثم أتمها وأورد حديث حارثة هناك عن أبي
الوليد وهنا عن آدم كلاهما عن شعبة وحديث ابن مسعود هناك من رواية عبد الواحد وهنا من
رواية سفيان كلاهما عن الأعمش (قوله فليت حظي 2 من أربع ركعتان) قال الداودي خشي
ابن مسعود أن لا يجزئ الأربع فاعلها وتبع عثمان كراهة لخلافه وأخبر بما يعتقده وقال غيره يريد
أنه لو صلى أربعا تكلفها فليتها تقبل كما تقبل الركعتان انتهى والذي يظهر أنه قال ذلك على سبيل
التفويض إلى الله لعدم إطلاعه على الغيب وهل يقبل الله صلاته أم لا فتمنى أن يقبل منه من
الأربع التي يصليها ركعتان ولو لم يقبل الزائد وهو يشعر بأن المسافر عنده مخير بين القصر والإتمام
والركعتان لا بد منهما ومع ذلك فكان يخاف أن لا يقبل منه شئ فحاصله أنه قال إنما أتم متابعة
لعثمان وليت الله قبل مني ركعتين من الأربع وقد تقدم الكلام على بقية فوائد هذه الأحاديث
في أبواب القصر وعلى السبب في إتمام عثمان بمنى ولله الحمد (قوله باب صوم يوم
عرفة) يعني بعرفة أورد فيه حديث أم الفضل وسيأتي الكلام عليه في كتاب الصيام مستوفى
إن شاء الله تعالى وترجم له بنظير هذه الترجمة سواء (قوله باب التلبية و التكبير
إذا غدا من منى إلى عرفة) أي مشروعيتهما وغرضه بهذه الترجمة الرد على من قال يقطع المحرم
التلبية إذا راح إلى عرفة وسيأتي البحث فيه بعد أربعة عشر بابا إن شاء الله تعالى (قوله عن محمد
ابن أبي بكر الثقفي) تقدم في العيدين من وجه آخر عن مالك حدثني محمد وليس لمحمد المذكور في
الصحيح عن أنس ولا غيره غير هذا الحديث الواحد وقد وافق أنسا على روايته عبد الله بن عمر
أخرجه مسلم (قوله وهما غاديان) أي ذاهبان غدوة (قوله كيف كنتم تصنعون) أي من
407

الذكر ولمسلم من طريق موسى بن عقبة عن محمد بن أبي بكر قلت لأنس غداة عرفة ما تقول في
التلبية في هذا اليوم (قوله فلا ينكر عليه) بضم أوله على البناء للمجهول في رواية موسى بن
عقبة لا يعيب أحدنا على صاحبه وفي حديث ابن عمر المشار إليه من طريق عبد الله بن أبي سلمة
عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى
عرفات منا الملبي ومنا المكبر وفي رواية له قال يعني عبد الله بن أبي سلمة فقلت له يعني لعبيد الله
عجبا لكم كيف لم تسألوه ماذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع وأراد عبد الله بن أبي سلمة
بذلك الوقوف على الأفضل لأن الحديث يدل على التخيير بين التكبير والتلبية من تقريره لهم
صلى الله عليه وسلم على ذلك فأراد أن يعرف ما كان يصنع هو ليعرف الأفضل من الأمرين وسيأتي
من حديث ابن مسعود بيان ذلك إن شاء الله تعالى (قوله باب التهجير بالرواح
يوم عرفة) أي من نمرة لحديث ابن عمر أيضا غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح في
صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل نمرة وهو منزل الإمام الذي ينزل فيه بعرفة حتى إذا كان عند
صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس
ثم راح فوقف أخرجه أحمد وأبو داود وظاهره أنه توجه من منى حين صلى الصبح بها لكن في
حديث جابر الطويل عند مسلم أن توجهه صلى الله عليه وسلم منها كان بعد طلوع الشمس ولفظه
فضربت له قبة بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت فأتى بطن الوادي انتهى
ونمرة بفتح النون وكسر الميم موضع بقرب عرفات خارج الحرم بين الحرم وطرف عرفات
(قوله عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (قوله كتب عبد الملك) يعني ابن مروان (إلى الحجاج)
يعني ابن يوسف الثقفي حين أرسله إلى قتال ابن الزبير كما سيأتي مبينا بعد باب (قوله في الحج) أي
في أحكام الحج وللنسائي من طريق أشهب عن مالك في أمر الحج وكان ابن الزبير لم يمكن الحجاج
وعسكره من دخول مكة فوقف قبل الطواف (قوله فجاء ابن عمر رضي الله عنهما وأنا معه) القائل
هو سالم ووقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فركب هو وسالم وأنا معهما وفي روايته
قال ابن شهاب وكنت يومئذ صائما فلقيت من الحر شدة واختلف الحفاظ في رواية معمر هذه فقال
يحيى بن معين هي وهم وابن شهاب لم ير ابن عمر ولا سمع منه وقال الذهلي لست أدفع رواية معمر
لان ابن وهب روى عن العمري عن ابن شهاب نحو رواية معمر وروى عنبسة بن خالد عن يونس
عن ابن شهاب قال وفدت إلى مروان وأنا محتلم قال الذهلي ومروان مات سنة خمس وستين وهذه
القصة كانت سنة ثلاث وسبعين انتهى وقال غيره إن رواية عنبسة هذه أيضا وهم وإنما قال
الزهري وفدت على عبد الملك ولو كان الزهري وفد على مروان لأدرك جلة الصحابة ممن ليست له
عنهم رواية إلا بواسطة وقد أدخل مالك وعقيل واليهما المرجع في حديث الزهري بينه وبين ابن عمر
في هذه القصة سالما فهذا هو المعتمد (قوله فصاح عند سرادق الحجاج) أي خيمته زاد الإسماعيلي
من هذا الوجه أين هذا أي الحجاج ومثله يأتي بعد باب من رواية القعنبي (قوله وعليه ملحفة)
بكسر الميم أي إزار كبير والمعصفر المصبوغ بالعصفر وقوله يا أبا عبد الرحمن هي كنية ابن عمر وقوله
الرواح بالنصب أي عجل أو رح (قوله إن كنت تريد السنة) في رواية ابن وهب أن كنت تريد أن
تصيب السنة (قوله فأنظرني) بالهمزة وكسر الظاء المعجمة أي أخرني وللكشميهني بألف وصل وضم
408

الظاء أي انتظرني (قوله فنزل) يعني ابن عمر كما صرح به بعد بابين (قوله فاقصر) بألف موصولة
ومهملة ومكسورة قال ابن عبد البر هذا الحديث يدخل عندهم في المسند لأن المراد بالسنة سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطلقت ما لم تضف إلى صاحبها كسنة العمرين (قلت)
وهي مسئلة خلاف عند أهل الحديث والأصول وجمهورهم على ما قال ابن عبد البر وهي
طريقة البخاري ومسلم ويقويه قول سالم لابن شهاب إذ قال له أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال وهل يتبعون في ذلك إلا سنته وسيأتي بعد باب (قوله وعجل الوقوف) قال ابن عبد البر
كذا رواه القعنبي وأشهب وهو عندي غلط لأن أكثر الرواة عن مالك قالوا وعجل الصلاة قال
ورواية القعنبي لها وجه لأن تعجيل الوقوف يستلزم تعجيل الصلاة (قلت) قد وافق القعنبي
عبد الله بن يوسف كما ترى ورواية أشهب التي أشار إليها عند النسائي فهؤلاء ثلاثة رأوه هكذا
فالظاهر أن الاختلاف فيه من مالك وكأنه ذكره باللازم لأن الغرض بتعجيل الصلاة حينئذ تعجيل
الوقوف قال ابن بطال وفي هذا الحديث الغسل للوقوف بعرفة لقول الحجاج لعبد الله أنظرني
فانتظره وأهل العلم يستحبونه انتهى ويحتمل أن يكون ابن عمر إنما انتظره لحمله على أن اغتساله
عن ضرورة نعم روى مالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان يغتسل لوقوفه عشية عرفة وقال
الطحاوي فيه حجة لمن أجاز المعصفر للمحرم وتعقبه ابن المنير في الحاشية بأن الحجاج لم يكن يتقي المنكر
الأعظم من سفك الدماء وغيره حتى يتقي المعصفر وإنما لم ينهه ابن عمر لعلمه بأنه لا ينجع فيه النهي
ولعلمه بأن الناس لا يقتدون بالحجاج انتهى ملخصا وفيه نظر لأن الاحتجاج إنما هو بعدم إنكار ابن
عمر فبعدم إنكاره يتمسك الناس في اعتقاد الجواز وقد تقدم الكلام على مسئلة المعصفر في بابه
وقال المهلب فيه جواز تأمير الأدون على الأفضل وتعقبه ابن المنير أيضا بأن صاحب الأمر في ذلك
هو عبد الملك وليس بحجة ولا سيما في تأمير الحجاج وأما ابن عمر فإنما أطاع لذلك فرارا من الفتنة
قال وفيه أن إقامة الحج إلى الخلفاء وأن الأمير يعمل في الدين بقول أهل العلم ويصير إلى رأيهم
وفيه مداخلة العلماء السلاطين وأنه لا نقيصة عليهم في ذلك وفيه فتوى التلميذ بحضرة معلمه عند
السلطان وغيره وابتداء العالم بالفتوى قبل أن يسئل عنه وتعقبه ابن المنير بأن ابن عمر إنما ابتدأ
بذلك لمسئلة عبد الملك له في ذلك فإن الظاهر أنه كتب إليه بذلك كما كتب إلى الحجاج قال وفيه
الفهم بالإشارة والنظر لقول سالم فجعل الحجاج ينظر إلى عبد الله فلما رأى ذلك قال صدق انتهى
وفيه طلب العلو في العلم لتشوف الحجاج إلى سماع ما أخبره به سالم من أبيه ابن عمر ولم ينكر ذلك ابن
عمر وفيه تعليم الفاجر السنن لمنفعة الناس وفيه احتمال المفسدة الخفيفة لتحصيل المصلحة الكبيرة
يؤخذ ذلك من مضي ابن عمر إلى الحجاج وتعليمه وفيه الحرص على نشر العلم لانتفاع الناس به وفيه
صحة الصلاة خلف الفاسق وأن التوجه إلى المسجد الذي بعرفة حين تزول الشمس للجمع بين
الظهر والعصر في أول وقت الظهر سنة ولا يضر التأخر بقدر ما يشتغل به المرء من متعلقات
الصلاة كالغسل ونحوه وسيأتي بقية ما فيه في الذي يليه (قوله باب الوقوف على
الدابة بعرفة) أورد فيه حديث أم الفضل في فطره صلى الله عليه وسلم يوم عرفة بها وقد تقدم
قريبا ويأتي الكلام عليه في كتاب الصيام وموضع الحاجة منه قوله فيه وهو واقف على بعيره
وأصرح منه حديث جابر الطويل عند مسلم ففيه ثم ركب إلى الموقف فلم يزل واقفا حتى غربت
409

الشمس واختلف أهل العلم في أيهما أفضل الركوب أم تركه بعرفة فذهب الجمهور إلى أن الأفضل
الركوب لكونه صلى الله عليه وسلم وقف راكبا ومن حيث النظر فإن في الركوب عونا على الاجتهاد
في الدعاء والتضرع المطلوب حينئذ كما ذكروا مثله في الفطر وذهب آخرون إلى أن استحباب
الركوب يختص بمن يحتاج الناس إلى التعليم منه وعن الشافعي قول أنهما سواء واستدل به على
أن الوقوف على ظهر الدواب مباح وأن النهي الوارد في ذلك محمول على ما إذا أجحف بالدابة
(قوله باب الجمع بين الصلاتين بعرفة) لم يبين حكم ذلك وقد ذهب الجمهور إلى أن ذلك
الجمع المذكور يختص بمن يكون مسافرا بشرطه وعن مالك والأوزاعي وهو وجه للشافعية أن
الجمع بعرفة جمع للنسك فيجوز لكل أحد وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن القاسم بن محمد سمعت
ابن الزبير يقول إن من سنة الحج أن الإمام يروح إذا زالت الشمس يخطب فيخطب الناس
فإذا فرغ من خطبته نزل فصلى الظهر والعصر جميعا واختلف فيمن صلى وحده كما سيأتي (قوله
وكان ابن عمر إلى آخره) وصله إبراهيم الحربي في المناسك له قال حدثنا الحوضي عن همام أن نافعا
حدثه أن ابن عمر كان إذا لم يدرك الإمام يوم عرفة جمع بين الظهر والعصر في منزله وأخرج الثوري
في جامعه رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع مثله وأخرجه
ابن المنذر من هذا الوجه وبهذا قال الجمهور وخالفهم في ذلك النخعي والثوري وأبو حنيفة فقالوا
يختص الجمع بمن صلى مع الإمام وخالف أبا حنيفة في ذلك صاحباه والطحاوي ومن أقوى الأدلة
لهم صنيع ابن عمر هذا وقد روى حديث جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين وكان مع ذلك
يجمع وحده فدل على أنه عرف أن الجمع لا يختص بالامام ومن قواعدهم أن الصحابي إذا خالف
ما روى دل على أن عنده علما بأن مخالفه أرجح تحسينا للظن به فينبغي أن يقال هذا هنا وهذا في
الصلاة بعرفة وأما صلاة المغرب فعند أبي حنيفة وزفر ومحمد يجب تأخيرها إلى العشاء فلو صلاها
في الطريق أعاد وعن مالك يجوز لمن به أو بدابته عذر فيصليها لكن بعد مغيب الشفق الأحمر وعن
المدونة يعيد من صلى المغرب قبل أن يأتي جمعا وكذا من جمع بينها وبين العشاء بعد مغيب الشفق
فيعيد العشاء وعن أشهب إن جاء جمعا قبل الشفق جمع وقال ابن القاسم حتى يغيب وعند
الشافعية وجمهور أهل العلم لو جمع تقديما أو تأخيرا قبل جمع أو بعد أن نزلها أو أفرد أجزأ وفاتت
السنة واختلافهم مبني على أن الجمع بعرفة وبمزدلفة للنسك أو للسفر (قوله وقال الليث الخ)
وصله الإسماعيلي من طريق يحيى بن بكير وأبي صالح جميعا عن الليث (قوله سأل عبد الله) يعني
ابن عمر (قوله فهجر الصلاة) أي صلى بالهاجرة وهي شدة الحر (قوله إنهم كانوا يجمعون بين
الظهر والعصر في السنة) بضم المهملة وتشديد النون أي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وكأن ابن
عمر فهم من قول ولده سالم فهجر بالصلاة أي الظهر والعصر معا فأجاب بذلك فطابق كلام ولده
وقال الطيبي قوله في السنة هو حال من فاعل يجمعون أي متوغلين في السنة قاله تعريضا بالحجاج
(قوله فقلت لسالم) القائل هو ابن شهاب وقوله أفعل بهمزة استفهام وقوله وهل يتبعون بذلك
بتشديد المثناة وكسر الموحدة بعدها مهملة كذا للأكثر من الإتباع وللكشميهني يبتغون في
ذلك بسكون الموحدة وفتح المثناة بعدها غين معجمة من الابتغاء أي لا يطلبون في ذلك الفعل
الا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية الحموي بحذف في وهي مقدرة (قوله
410

باب قصر الخطبة بعرفة) أورد فيه حديث ابن عمر الماضي قريبا وفيه قول سالم إن كنت
تريد السنة اليوم فاقصر الخطبة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى وقيد المصنف قصر الخطبة
بعرفة اتباعا للفظ الحديث وقد أخرج مسلم الأمر باقتصار الخطبة في أثناء حديث لعمار أخرجه
في الجمعة قال ابن التين أطلق أصحابنا العراقيون أن الإمام لا يخطب يوم عرفة وقال المدنيون
والمغاربة يخطب وهو قول الجمهور ويحمل قول العراقيين على معنى أنه ليس لما يأتي به من الخطبة
تعلق بالصلاة كخطبة الجمعة وكأنهم أخذوه من قول مالك كل صلاة يخطب لها يجهر فيها بالقراءة
فقيل له فعرفة يخطب فيها ولا يجهر بالقراءة فقال إنما تلك للتعليم (قوله باب التعجيل
إلى الموقف) كذا للأكثر هذه الترجمة بغير حديث وسقط من رواية أبي ذر أصلا ووقع في نسخة
الصغاني هنا ما لفظه يدخل في الباب حديث مالك عن ابن شهاب يعني الذي رواه عن سالم وهو
المذكور في الباب الذي قبل هذا ولكني أريد أن أدخل فيه غير معاد يعني حديثا لا يكون تكرر
كله سندا ومتنا (قلت) وهو يقتضي أن أصل قصده أن لا يكرر فيحمل على أن كلما وقع فيه من
تكرار الأحاديث إنما هو حيث يكون هناك مغايرة إما في السند وإما في المتن حتى أنه لو أخرج
الحديث في الموضعين عن شيخين حدثاه به عن مالك لا يكون عنده معادا ولا مكررا وكذا
لو أخرجه في موضعين بسند واحد لكن اختصر من المتن شيئا أو أورده في موضع موصولا
وفي موضع معلقا وهذه الطريق لم يخالفها إلا في مواضع يسيرة مع طول الكتاب إذا بعد ما بين
البابين بعدا شديدا ونقل الكرماني أنه رأى في بعض النسخ عقب هذه الترجمة قال أبو عبد الله
يعني المصنف يزاد في هذا الباب هم حديث مالك عن ابن شهاب ولكني لا أريد أن أدخل فيه
معادا أي مكررا (قلت) كأنه لم يحضره حينئذ طريق للحديث المذكور عن مالك غير الطريقين
اللتين ذكرهما وهذا يدل على أنه لا يعيد حديثا إلا لفائدة إسنادية أو متنية كما قدمته وأما قوله في
هذه الزيادة التي نقلها الكرماني هم فهي بفتح الهاء وسكون الميم قال الكرماني قيل إنها فارسية
وقيل عربية ومعناها قريب من معنى أيضا (قلت) صرح غير واحد من علماء العربية ببغداد
بأنها لفظة اصطلح عليها أهل بغداد وليست بفارسية ولا هي عربية قطعا وقد دل كلام الصغاني
في نسخته التي أتقنها وحررها وهو من كثرة اللغة خلو كلام البخاري عن هذه اللفظة (قوله
باب الوقوف بعرفة) أي دون غيرها فيما دونها أو فوقها وأورد المصنف في ذلك حديثين
* الأول (قوله حدثنا سفيان هو ابن عيينة) وعمرو هو ابن دينار (قوله أضللت بعيرا) كذا للأكثر
في الطريق الثانية وفي رواية الكشميهني لي كما في الأولى (قوله فذهبت أطلبه يوم عرفة) في رواية
الحميدي في مسنده ومن طريقه أخرجه أبو نعيم أضللت بعيرا لي يوم عرفة فخرجت أطلبه بعرفة
فعلى هذا فقوله يوم عرفة يتعلق بأضللت فإن جبيرا إنما جاء إلى عرفة ليطلب بعيره لا ليقف بها
(قوله من الحمس) بضم المهملة وسكون الميم بعدها مهملة سيأتي تفسيره (قوله فما شأنه ههنا) في
رواية الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وابن أبي عمر جميعا عن سفيان فما له خرج من
الحرم وزاد مسلم في روايته عن عمرو الناقد وأبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بعد قوله فما شأنه ههنا
وكانت قريش تعد من الحمس وهذه الزيادة توهم أنها من أصل الحديث وليس كذلك بل هي من
قول سفيان بينه الحميدي في مسنده عنه ولفظه متصلا بقوله ما شأنه ههنا قال سفيان والأحمس
411

الشديد على دينه وكانت قريش تسمى الحمس وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم إنكم إن
عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم فكانوا لا يخرجون من الحرم ووقع عند الإسماعيلي
من طريقيه بعد قوله فما له خرج من الحرم قال سفيان الحمس يعني قريشا وكانت تسمى الحمس
وكانت لا تجاوز الحرم ويقولون نحن أهل الله لا نخرج من الحرم وكان سائر الناس يقف بعرفة
وذلك قوله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس انتهى وعرف بهاتين الزيادتين معنى حديث جبير
وكأن البخاري حذفهما استغناء بالرواية عن عروة لكن في سياق سفيان فوائد زائدة وقد روى
بعض ذلك ابن خزيمة وإسحق بن راهويه في مسنده موصولا من طريق ابن إسحاق حدثنا عبد الله
ابن أبي بكر عن عثمان بن أبي سليمان عن عمه نافع بن جبير عن أبيه قال كانت قريش إنما تدفع
من المزدلفة ويقولون نحن الحمس فلا نخرج من الحرم وقد تركوا الموقف بعرفة قال فرأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية يقف مع الناس بعرفة على جمل له ثم يصبح مع قومه
بالمزدلفة فيقف معهم ويدفع إذا دفعوا ولفظ يونس بن بكير عن ابن إسحاق في المغازي مختصرا
وفيه توفيقا من الله له وأخرجه إسحق أيضا عن الفضل بن موسى عن عثمان بن الأسود عن عطاء
بن جبير بن مطعم قال أضللت حمارا لي في الجاهلية فوجدته بعرفة فرأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم واقفا بعرفات مع الناس فلما أسلمت علمت أن الله وفقه لذلك وأما تفسير الحمس فروى
إبراهيم الحربي في غريب الحديث من طريق ابن جريج عن مجاهد قال الحمس قريش ومن كان
يأخذ مأخذها من القبائل كالأوس والخزرج وخزاعة وثقيف وغزوان وبني عامر وبني صعصعة
وبني كنانة إلا بني بكر والأحمس في كلام العرب الشديد وسموا بذلك لما شددوا على أنفسهم وكانوا إذا
أهلوا بحج أو عمرة لا يأكلون لحما ولا يضربون وبرا ولا شعرا وإذا قدموا مكة وضعوا ثيابهم التي
كانت عليهم وروى إبراهيم أيضا من طريق عبد العزيز بن عمران المدني قال سموا حمسا
بالكعبة لأنها حمساء حجرها أبيض يضرب إلى السواد انتهى والأول أشهر وأكثر وأنه من
التحمس وهو التشدد قال أبو عبيدة معمر بن المثنى تحمس تشدد ومنه حمس الوغى إذا أشتد
وسيأتي مزيد لذلك في الكلام على الحديث الذي بعده وأفادت هذه الرواية أن رواية جبير له
لذلك كانت قبل الهجرة وذلك قبل أن يسلم جبير وهو نظير روايته أنه سمعه يقرأ في المغرب
بالطور وذلك قبل أن يسلم جبير أيضا كما تقدم وتضمن ذلك التعقب على السهيلي حيث ظن أن
رواية جبير لذلك كانت في الإسلام في حجة الوداع فقال انظر كيف أنكر جبير هذا وقد حج بالناس
عتاب سنة ثمان وأبو بكر سنة تسع ثم قال إما أن يكونا وقفا بجمع كما كانت قريش تصنع وإما أن
يكون جبير لم يشهد معهما الموسم وقال الكرماني وقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة كانت
سنة عشر وكان جبير حينئذ مسلما لأنه أسلم يوم الفتح فإن كان سؤاله عن ذلك إنكارا أو تعجبا فلعله
لم يبلغه نزول قوله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وإن كان للاستفهام عن حكمة
المخالفة عما كانت عليه الحمس فلا إشكال ويحتمل أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقفة
بعرفة قبل الهجرة انتهى ملخصا وهذا الأخير هو المعتمد كما بينته قبل بدلائله وكأنه تبع السهيلي
في ظنه أنها حجة الوداع أو وقع له اتفاقا ودل هذا الحديث على أن المراد بقوله تعالى ثم أفيضوا من
حيث أفاض الناس الإفاضة من عرفة وظاهر سياق الآية أنها الإفاضة من مزدلفة لأنها
412

ذكرت بلفظة ثم بعد ذكر الأمر بالذكر عند المشعر الحرام وأجاب بعض المفسرين بأن الأمر بالذكر
عند المشعر الحرام بعد الإفاضة من عرفات التي سيقت بلفظ الخبر لما ورد منه على المكان الذي
تشرع الإفاضة منه فالتقدير فإذا أفضتم اذكروا ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس
لا من حيث كان الحمس يفيضون أو التقدير فإذا أفضتم من عرفات إلى المشعر الحرام فاذكروا
الله عنده ولتكن إفاضتكم من المكان الذي يفيض فيه الناس غير الحمس * الحديث الثاني (قوله
قال عروة) في رواية عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه فذكره (قوله والحمس
قريش وما ولدت) زاد معمر وكان ممن ولدت قريش خزاعة وبنو كنانة وبنو عامر بن صعصعة وقد
تقدم في أثر مجاهد أن منهم أيضا غزوان وغيرهم وذكر إبراهيم الحربي في غريبه عن أبي عبيدة
معمر بن المثنى قال كانت قريش إذا خطب إليهم الغريب اشترطوا عليه أن ولدها على دينهم
فدخل في الحمس من غير قريش ثقيف وليث وخزاعة وبنو عامر بن صعصعة يعني وغيرهم وعرف
بهذا أن المراد بهذه القبائل من كانت له من أمهاته قرشية لا جميع القبائل المذكورة (قوله
فأخبرني أبي) القائل هو هشام بن عروة والموصول من الحديث هذا القدر في سبب نزول هذه
الآية وسيأتي في تفسير البقرة من وجه آخر أتم من هذا وقوله فدفعوا إلى عرفات في رواية
الكشميهني فرفعوا بالراء ولمسلم من طريق أبي أسامة عن هشام رجعوا إلى عرفات والمعنى أنهم
أمروا أن يتوجهوا إلى عرفات ليقفوا بها ثم يفيضوا منها وقد تقدم في طريق جبير سبب
امتناعهم من ذلك وتقدم الكلام على قصة الطواف عريانا في أوائل الصلاة وعرف برواية
عائشة أن المخاطب بقوله تعالى أفيضوا النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به من كان لا يقف بعرفة
من قريش وغيرهم وروى ابن أبي حاتم وغيره عن الضحاك أن المراد بالناس هنا إبراهيم الخليل
عليه السلام وعنه المراد به الإمام وعن غيره آدم وقرئ في الشواذ الناسي بكسر السين بوزن
القاضي والأول أصح نعم الوقوف بعرفة موروث عن إبراهيم كما روى الترمذي وغيره من طريق
يزيد بن شيبان قال كنا وقوفا بعرفة فأتانا ابن مريع فقال إني رسول رسول الله إليكم يقول لكم
كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم الحديث ولا يلزم من ذلك أن يكون هو المراد
خاصة بقوله من حيث أفاض الناس بل هو الأعم من ذلك والسبب فيه ما حكته عائشة رضي الله
عنها وأما الإتيان في الآية بقوله ثم فقيل هي بمعنى الواو وهذا اختيار الطحاوي وقيل لقصد
التأكيد لا لمحض الترتيب والمعنى فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ثم اجعلوا
الإفاضة التي تفيضونها من حيث أفاض الناس لا من حيث كنتم تفيضون قال الزمخشري
وموقع ثم هنا موقعها من قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم فتأتي ثم لتفاوت
ما بين الإحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من
عرفات بين لهم مكان الإفاضة فقال ثم أفيضوا لتفاوت ما بين الإفاضتين وأن إحداهما صواب
والأخرى خطأ قال الخطابي تضمن قوله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس الأمر بالوقوف
بعرفة لأن الإفاضة إنما تكون عند اجتماع قبله وكذا قال ابن بطال وزاد وبين الشارع مبتدأ
الوقوف بعرفة ومنتهاه (قوله باب السير إذا دفع من عرفة) أي صفته (قوله عن أبيه)
في رواية ابن خزيمة من طريق سفيان عن هشام سمعت أبي (قوله سئل أسامة وأنا جالس في رواية
413

النسائي من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك وأنا جالس معه وفي رواية مسلم من طريق
حماد بن زيد عن هشام عن أبيه سئل أسامة وأنا شاهده وقال سألت أسامة بن زيد (قوله
حين دفع) في رواية يحيى بن يحيى الليثي وغيره عن مالك في الموطأ حين دفع من عرفة (قوله العنق)
بفتح المهملة والنون هو السير الذي بين الإبطاء والإسراع قال في المشارق هو سير سهل في
سرعة وقال القزاز العنق سير سريع وقيل المشي الذي يتحرك به عنق الدابة وفي الفائق
العنق الخطو الفسيح وانتصب العنق على المصدر المؤكد من لفظ الفعل (قوله نص) أي
أسرع قال أبو عبيد النص تحريك الدابة حتى يستخرج به أقصى ما عندها وأصل النص غاية
المشي ومنه نصصت الشئ رفعته ثم استعمل في ضرب سريع من السير (قوله قال هشام) يعني ابن
عروة الراوي وكذا بين مسلم من طريق حميد بن عبد الرحمن وأبو عوانة من طريق أنس بن عياض
كلاهما عن هشام أن التفسير من كلامه وأدرجه يحيى القطان فيما أخرجه المصنف في الجهاد
وسفيان فيما أخرجه النسائي وعبد الرحيم بن سليمان ووكيع فيما أخرجه ابن خزيمة كلهم عن
هشام وقد رواه إسحق في مسنده عن وكيع ففصله وجعل التفسير من كلام وكيع وقد رواه ابن
خزيمة من طريق سفيان ففصله وجعل التفسير من كلام سفيان وسفيان ووكيع إنما أخذا التفسير
المذكور عن هشام فرجع التفسير إليه وقد رواه أكثر رواة الموطأ عن مالك فلم يذكروا التفسير
وكذلك رواه أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة ومسلم من طريق حماد بن زيد كلاهما عن
هشام قال ابن خزيمة في هذا الحديث دليل على أن الحديث الذي رواه ابن عباس عن أسامة أنه
قال فما رأيت ناقته رافعة يدها حتى أتى جمعا أنه محمول على حال الزحام دون غيره اه‍ وأشار بذلك
إلى ما أخرجه حفص من طريق الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن أسامة أن النبي صلى الله
عليه وسلم أردفه حين أفاض من عرفة وقال أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيجاف
قال فما رأيت ناقته رافعة يدها حتى أتى جمعا الحديث وأخرجه أبو داود وسيأتي للمصنف بعد باب
من حديث ابن عباس ليس فيه أسامة ويأتي الكلام عليه هناك وأخرج مسلم من طريق عطاء
عن ابن عباس عن أسامة في أثناء حديث قال فما زال يسير على هينته حتى أتى جمعا وهذا يشعر
بأن ابن عباس إنما أخذه عن أسامة كما ستأتي الحجة لذلك وقال ابن عبد البر في هذا الحديث كيفية
السير في الدفع عن عرفة إلى مزدلفة لأجل الاستعجال الولاء لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء
المزدلفة فيجمع بين المصلحتين من الوقار والسكينة عند الزحمة ومن الإسراع عند عدم الزحام
وفيه أن السلف كانوا يحرصون على السؤال عن كيفية أحواله صلى الله عليه وسلم في جميع
حركاته وسكونه ليقتدوا به في ذلك (قوله فجوة) بفتح الفاء وسكون الجيم المكان المتسع كما سيأتي
تفسيره في آخر الباب ورواه أبو مصعب ويحيى بن بكير وغيرهما عن مالك بلفظ فرجة بضم الفاء
وسكون الراء وهو بمعنى الفجوة (قوله في رواية المستملي وحده قال أبو عبد الله) هو المصنف
فجوة متسع والجمع فجوات أي بفتحتين وفجاء أي بكسر الفاء والمد وكذلك ركوة وركاء وركوات
(قوله مناص ليس حين فرار) أي هرب أي تفسير قوله تعالى ولات حين مناص وإنما ذكر هذا
الحرف هنا لقوله نص ولا تعلق له به إلا لدفع وهم من يتوهم أن أحدهما مشتق من الآخر
وإلا فمادة نص غير مادة ناص قال أبو عبيدة في المجاز المناص الحدود من قوله ناص ينوص
414

(قوله باب النزول بين عرفة وجمع) أي لقضاء الحاجة ونحوها وليس من المناسك
(قوله عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري وروايته عن موسى بن عقبة من رواية الأقران
لأنهما تابعيان صغيران وقد حمله موسى عن كريب فصار في الإسناد ثلاثة من التابعين (قوله
حيث أفاض) في رواية أبي الوقت حين وهي أولى لأنها ظرف زمان وحيث ظرف مكان
* (نكتة) * في حيث ست لغات ضم آخرها وفتحه وكسره وبالواو بدل الياء مع الحركات (قوله
مال إلى الشعب) بين محمد بن أبي حرملة في روايته الآتية بعد حديث عن كريب أنه قرب المزدلفة
وأردف المصنف بهذا الحديث حديث ابن عمر أنه كان يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في
ذلك في كونه يقضي الحاجة بالشعب ويتوضأ لكنه لا يصلي إلا بالمزدلفة وقوله فينتفض بفاء
وضاد معجمة أي يستجمر وقد سبق بيانه في كتاب الطهارة وأخرجه الفاكهي من وجه آخر
عن ابن عمر من طريق سعيد بن جبير قال دفعت مع ابن عمر من عرفة حتى إذا وازينا الشعب الذي
يصلي فيه الخلفاء المغرب دخله ابن عمر فتنفض فيه ثم توضأ وكبر فانطلق حتى جاء جمعا فأقام فصلى
المغرب فلما سلم قال الصلاة ثم صلى العشاء وأصله في الجمع بجمع عند مسلم وأصحاب السنن وروى
الفاكهي أيضا من طريق ابن جريج قال قال عطاء أردف النبي صلى الله عليه وسلم أسامة فلما
جاء الشعب الذي يصلي فيه الخلفاء الآن المغرب نزل فاهراق الماء ثم توضأ وظاهر هذين الطريقين
أن الخلفاء كانوا يصلون المغرب عند الشعب المذكور قبل دخول وقت العشاء وهو خلاف السنة
في الجمع بين الصلاتين بمزدلفة ووقع عند مسلم من طريق محمد بن عقبة عن كريب لما أتى الشعب
الذي ينزله الأمراء وله من طريق إبراهيم بن عقبة عن كريب الشعب الذي ينيخ الناس فيه
للمغرب والمراد بالخلفاء والأمراء في هذا الحديث بنو أمية فلم يوافقهم ابن عمر على ذلك وقد جاء
عن عكرمة إنكار ذلك وروى الفاكهي أيضا من طريق ابن أبي نجيح سمعت عكرمة يقول
اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبالا واتخذتموه مصلى وكأنه أنكر بذلك على من ترك
الجمع بين الصلاتين لمخالفته السنة في ذلك وكان جابر يقول لا صلاة إلا بجمع أخرجه ابن المنذر
بإسناد صحيح ونقل عن الكوفيين وعند ابن القاسم صاحب مالك وجوب الإعادة وعن أحمد
إن صلى أجزأه وهو قول أبي يوسف والجمهور (قوله عن محمد بن أبي حرملة) هو المدني مولى
آل حويطب ولا يعرف اسم أبيه وكان خصيف يروي عنه فيقول حدثني محمد بن حويطب
فذكر ابن حبان أن خصيفا كان ينسبه إلى جد مواليه والإسناد من شيخ قتيبة الخ كلهم
مدنيون (قوله ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الدال أي ركبت وراءه وفيه
الركوب حال الدفع من عرفة والارتداف على الدابة ومحله إذا كانت مطيقة وارتداف أهل
الفضل ويعد ذلك من إكرامهم للرديف لا من سوء أدبه (قوله فصببت عليه الوضوء) بفتح
الواو أي الماء الذي يتوضأ به ويؤخذ منه الاستعانة في الوضوء وللفقهاء فيها تفصيل لأنها
إما أن تكون في إحضار الماء مثلا أو في صبه على المتوضئ أو مباشرة غسل أعضائه فالأول جائز
والثالث مكروه إلا إن كان لعذر واختلف في الثاني والأصح أنه لا يكره بل هو خلاف الأولى
فأما وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فهو إما لبيان الجواز وهو حينئذ أفضل في حقه
أو للضرورة (قوله وضوءا خفيفا) أي خففه بأن توضأ مرة مرة وخفف استعمال الماء بالنسبة
415

إلى غالب عادته وهو معنى قوله في رواية مالك الآتية بعد باب بلفظ فلم يسبغ الوضوء وأغرب
ابن عبد البر فقال معنى قوله فلم يسبغ الوضوء أي استنجى به وأطلق عليه اسم الوضوء اللغوي لأنه
من الوضاءة وهي النظافة ومعنى الإسباغ الإكمال أي لم يكمل وضوئه فيتوضأ للصلاة قال وقد
قيل إنه توضأ وضوءا خفيفا ولكن الأصول تدفع هذا لأنه لا يشرع الوضوء لصلاة واحدة مرتين
وليس ذلك في رواية مالك ثم قال وقد قيل إن معنى قوله لم يسبغ الوضوء أي لم يتوضأ في جميع
أعضاء الوضوء بل اقتصر على بعضها واستضعفه أه‍ وحكى ابن بطال أن عيسى بن دينار من
قدماء أصحابهم سبق ابن عبد البر إلى ما اختاره أولا وهو متعقب بهذه الرواية الصريحة وقد
تابع محمد بن أبي حرملة عليها محمد بن عقبة أخو موسى أخرجه مسلم بمثل لفظه وتابعهما
إبراهيم بن عقبة أخو موسى أيضا أخرجه مسلم أيضا بلفظ فتوضأ وضوءا ليس بالبالغ وقد تقدم في
الطهارة من طريق يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن موسى بن عقبة بلفظ فجعلت أصب عليه
ويتوضأ ولم تكن عادته صلى الله عليه وسلم أن يباشر ذلك أحد منه حال الاستنجاء ويوضحه ما أخرجه
مسلم أيضا من طريق عطاء مولى ابن سباع عن أسامة في هذه القصة قال فيها أيضا ذهب إلى الغائط
فلما رجع صببت عليه من الإداوة قال القرطبي اختلف الشراح في قوله ولم يسبغ الوضوء هل المراد
به اقتصر به على بعض الأعضاء فيكون وضوءا لغويا أو اقتصر على بعض العدد فيكون وضوءا
شرعيا قال وكلاهما محتمل لكن يعضد من قال بالثاني قوله في الرواية الأخرى وضوءا خفيفا
لأنه لا يقال في الناقص خفيف ومن موضحات ذلك أيضا قول أسامة له الصلاة فإنه يدل على أنه
رآه يتوضأ وضوئه للصلاة الولاء ولذلك قال له أتصلي كذا قال ابن بطال وفيه نظر لأنه لا مانع أن يقول
له ذلك لاحتمال أن يكون مراده أتريد الصلاة فلم لم تتوضأ وضوءها وجوابه بأن الصلاة أمامك
معناه أن المغرب لا تصلى هنا فلا تحتاج إلى وضوء الصلاة وكأن أسامة ظن أنه صلى الله عليه وسلم
نسي صلاة المغرب ورأى وقتها قد كاد أن يخرج أو خرج فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أنها في
تلك الليلة يشرع تأخيرها لتجمع مع العشاء بالمزدلفة ولم يكن أسامة يعرف تلك السنة قبل ذلك
وأما اعتلال ابن عبد البر بأن الوضوء لا يشرع مرتين لصلاة واحدة فليس بلازم لاحتمال أنه
توضأ ثانيا عن حدث طارئ وليس الشرط بأنه لا يشرع تجديد الوضوء إلا لمن أدى به صلاة فرضا
أو نفلا متفق عليه بل ذهب جماعة إلى جوازه وإن كان الأصح خلافه وإنما توضأ أولا ليستديم
الطهارة ولا سيما في تلك الحالة لكثرة الاحتياج إلى ذكر الله حينئذ وخفف الوضوء لقلة الماء
حينئذ وقد تقدم شئ من هذا في أوائل الطهارة وقال الخطابي إنما ترك اسباغه حين نزل
الشعب ليكون مستصحبا للطهارة في طريقه وتجوز فيه لأنه لم يرد أن يصلي به فلما نزل وأرادها
أسبغه وقول أسامة الصلاة بالنصب على إضمار الفعل أي تذكر الصلاة أو صل ويجوز الرفع
على تقدير حضرت الصلاة مثلا وقوله الصلاة أمامك بالرفع وأمامك بفتح الهمزة وبالنصب
على الظرفية أي الصلاة ستصلى بين يديك أو أطلق الصلاة على مكانها أي المصلى بين يديك أو معنى
أمامك لا تفوتك وستدركها وفيه تذكير التابع بما تركه متبوعه ليفعله أو يعتذر عنه أو يبين
له وجه صوابه (قوله حتى أتى المزدلفة فصلى أي لم يبدأ بشئ قبل الصلاة ووقع في رواية إبراهيم
ابن عقبة عند مسلم ثم سار حتى بلغ جمعا فصلى المغرب والعشاء وقد بينه في رواية مالك بعد باب
416

بلفظ حتى جاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان
بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما وبين مسلم من وجه آخر عن إبراهيم بن عقبة
عن كريب أنهم لم يزيدوا بين الصلاتين على الإناخة ولفظه فأقام المغرب ثم أناخ الناس ولم يحلوا
حتى أقام العشاء فصلوا ثم حلوا وكأنهم صنعوا ذلك رفقا بالدواب أو للأمن من تشويشهم بها
وفيه إشعار بأنه خفف القراءة في الصلاتين وفيه أنه لا بأس بالعمل اليسير بين الصلاتين اللتين
يجمع بينهما ولا يقطع ذلك الجمع وسيأتي البحث في ذلك بعد ثلاثة أبواب وقوله في رواية مالك ولم
يصل بينهما أي لم يتنفل وسيأتي حديث ابن عمر في ذلك بعد بابين (قوله ثم ردف الفضل) أي
ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الفضل بن العباس بن عبد المطلب ووقع في
رواية إبراهيم بن عقبة عند مسلم قال كريب فقلت لأسامة كيف فعلتم حين أصبحتم قال ردفه
الفضل بن العباس وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي يعني إلى منى وسيأتي الكلام على
التلبية بعد سبعة أبواب واستدل بالحديث على جمع التأخير وهو إجماع بمزدلفة لكنه عند
الشافعية وطائفة بسبب السفر وعند الحنفية والمالكية بسبب النسك وأغرب الخطابي فقال
فيه دليل على أنه لا يجوز أن يصلي الحاج المغرب إذا أفاض من عرفة حتى يبلغ المزدلفة ولو أجزأته
في غيرها لما أخرها النبي صلى الله عليه وسلم عن وقتها المؤقت لها في سائر الأيام (قوله
باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند الإفاضة) أي من عرفة (قوله
حدثنا إبراهيم بن سويد) هو المدني وهو ثقة لكن قال ابن حبان في حديثه مناكير انتهى وهذا
الحديث قد تابعه عليه سليمان بن بلال عند الإسماعيلي والراوي عند إبراهيم بن سويد مدني
أيضا واسم جده حبان ووهم الأصيلي فسماه مولى حكاه الجياني وخطؤه فيه (قوله مولى
المطلب) أي ابن عبد الله بن حنطب (قوله مولى والبة) بكسر اللام بعدها موحدة خفيفة بطن
من بني أسد (قوله أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة) أي من عرفة (قوله زجرا) بفتح
الزاي وسكون الجيم بعدها راء أي صياحا لحث الإبل (قوله وضربا) زاد في رواية كريمة
وصوتا وكأنها تصحيف من قوله وضربا فظنت معطوفة (قوله عليكم بالسكينة) أي في السير
والمراد السير بالرفق وعدم المزاحمة (قوله فإن البر ليس بالإيضاع) أي السير السريع ويقال
هو سير مثل الخبب فبين صلى الله عليه وسلم أن تكلف الإسراع في السير ليس من البر أي مما
يتقرب به ومن هذا أخذ عمر بن عبد العزيز قوله لما خطب بعرفة ليس السابق من سبق بعيره
وفرسه ولكن السابق من غفر له وقال المهلب إنما نهاهم عن الإسراع إبقاء عليهم لئلا يجحفوا
بأنفسهم مع بعد المسافة (قوله أوضعوا أسرعوا) هو من كلام المصنف وهو قول أبو
عبيدة في المجاز (قوله خلالكم من التخلل بينكم) هو أيضا من قول أبي عبيدة ولفظه
ولأوضعوا أي لأسرعوا خلالكم أي بينكم وأصله من التخلل وقال غيره المعنى وليسعوا بينكم
بالنميمة يقال أوضع البعير أسرعه وخص الراكب لأنه أسرع من الماشي وقوله وفجرنا
خلالهما بينهما هو قول أبي عبيدة أيضا ولفظه وفجرنا خلالهما أي وسطهما وبينهما وإنما ذكر
البخاري هذا التفسير لمناسبة أوضعوا للفظ الإيضاع ولما كان متعلق أوضعوا الخلال ذكر
تفسيره تكثيرا للفائدة (قوله باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة) أي المغرب
417

والعشاء ذكر فيه حديث أسامة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى قبل باب (قوله عن كريب عن
أسامة) قال ابن عبد البر رواه أصحاب مالك عنه هكذا إلا أشهب وابن الماجشون فإنهما
أدخلا بين كريب وأسامة عبد الله بن عباس أخرجه النسائي (قوله باب من
جمع بينهما) أي بين الصلاتين المذكورتين (ولم يتطوع) أي لم يتنفل بينهما (قوله جمع النبي صلى
الله عليه وسلم المغرب والعشاء) كذا لأبي ذر ولغيره بين المغرب والعشاء (قوله بجمع) بفتح
الجيم وسكون الميم أي المزدلفة وسميت جمعا لأن آدم اجتمع فيها مع حواء وازدلف إليها أي دنا
منها وروى عن قتادة أنها سميت جمعا لأنها يجمع فيها بين الصلاتين وقيل وصفت بفعل
أهلها لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون إلى الله أي يتقربون إليه بالوقوف فيها وسميت المزدلفة
إما لاجتماع الناس بها أو لاقترابهم إلى منى أو لازدلاف الناس منها جميعا أو للنزول بها في كل
زلفة من الليل أو لأنها منزلة وقربة إلى الله أو لازدلاف آدم إلى حواء بها (قوله بإقامة) لم يذكر
الأذان وسيأتي البحث فيه بعد باب (قوله ولم يسبح بينهما) أي لم يتنفل وقوله ولاعلى إثر كل
واحدة منهما أي عقبها ويستفاد منه أنه ترك التنفل عقب المغرب وعقب العشاء ولما لم يكن بين
المغرب والعشاء مهلة صرح بأنه لم يتنفل بينهما بخلاف العشاء فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه لم
يتنفل عقبها لكنه تنفل بعد ذلك في أثناء الليل ومن ثم قال الفقهاء تؤخر سنة العشاءين عنهما
ونقل ابن المنذر الإجماع على ترك التطوع بين الصلاتين بالمزدلفة لأنهم اتفقوا على أن السنة
الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة ومن تنفل بينهما لم يصح أنه جمع بينهما انتهى ويعكر على نقل
الإتفاق فعل ابن مسعود الآتي في الباب الذي بعده (قوله حدثنا يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري
وفي روايته عن عدي بن ثابت رواية تابعي عن تابعي وفي رواية عبد الله بن يزيد شيخ عدي فيه
رواية صحابي عن صحابي والإسناد كله دائر بين مدني وكوفي وزاد مسلم من رواية الليث عن يحيى
عن عدي عن عبد الله بن يزيد وكان أميرا على الكوفة على عهد ابن الزبير (قوله بالمزدلفة) مبين
لقوله في رواية مالك عن يحيى بن سعيد التي أخرجها المصنف في المغازي بلفظ أنه صلى مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم في جحة الوداع المغرب والعشاء جميعا وللطبراني من طريق جابر الجعفي عن
عدي بهذا الإسناد صلى بجمع المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة وفيه رد على قول ابن
حزم أن حديث أبي أيوب ليس فيه ذكر أذان ولا إقامة لأن جابرا وإن كان ضعيفا فقد تابعه محمد
ابن أبي ليلى عن عدي على ذكر اشتراط فيه عند الطبراني أيضا فيقوي كل واحد منهما بالآخر
(قوله باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما) أي من المغرب والعشاء بالمزدلفة
(قوله زهير) هو الجعفي وأبو إسحق هو السبيعي وشيخه هو النخعي وعبد الله هو ابن مسعود
(قوله حج عبد الله) في رواية أحمد عن حسن بن موسى وللنسائي من طريق حسين بن عياش
كلاهما عن زهير بالإسناد حج عبد الله بن مسعود فأمرني علقمة أن ألزمه فلزمته فكنت
معه وفي رواية إسرائيل الآتية بعد باب خرجت مع عبد الله إلى مكة ثم قدمنا جمعا (قوله
حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك) أي من مغيب الشفق (قوله فأمر رجلا) لم أقف على اسمه
ويحتمل أن يكون هو عبد الرحمن بن يزيد فإن في رواية حسن وحسين المذكورتين فكنت
معه فأتينا المزدلفة فلما كان حين طلع الفجر قال قم فقلت له إن هذه الساعة ما رأيتك صليت فيها
418

(قوله ثم أمر أرى رجلا فأذن وأقام قال عمرو ولا أعلم الشك إلا من زهير) أرى بضم الهمزة أي
أظن وقد بين عمرو وهو ابن خالد شيخ البخاري فيه أنه من شيخه زهير وأخرجه الإسماعيلي
من طريق الحسن بن موسى عن زهير مثل ما رواه عنه عمرو ولم يقل ما قال عمرو وأخرجه البيهقي
من طريق عبد الرحمن بن عمرو عن زهير وقال فيه ثم أمر قال زهير أرى فأذن وأقام وسيأتي بعد
باب رواية إسرائيل عن أبي إسحق بأصرح مما قال زهير ولفظه ثم قدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل
صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما والعشاء بفتح العين ورواه ابن خزيمة وأحمد من طريق
ابن أبي زائدة عن أبي إسحق بلفظ فأذن وأقام ثم صلى المغرب ثم تعشى ثم قام فأذن وأقام وصلى
العشاء ثم بات بجمع حتى إذا طلع الفجر فأذن وأقام ولأحمد من طريق جرير بن حازم عن أبي إسحق
فصلى بنا المغرب ثم دعا بعشاء فتعشى ثم قام فصلى العشاء ثم رقد ووقع عند الإسماعيلي من رواية
شبابة عن ابن أبي ذئب في هذا الحديث ولم يتطوع قبل كل واحدة منهما ولا بعدها ولأحمد من
رواية زهير فقلت له أن هذه لساعة ما رأيتك صليت فيها (قوله فلما طلع الفجر) في رواية المستملي
والكشميهني فلما حين طلع الفجر وفي رواية الحسين بن عياش عن زهير فلما كان حين طلع الفجر
(قوله قال عبد الله) هو ابن مسعود (قوله عن وقتهما) كذا للأكثر وفي رواية السرخسي عن
وقتها بالإفراد وسيأتي في رواية إسرائيل بعد باب رفع هذه الجملة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
(قوله حين يبزغ) بزاي مضمومة وغين معجمة أي يطلع وفي هذا الحديث مشروعية الأذان
والإقامة لكل من الصلاتين إذا جمع بينهما قال ابن حزم لم نجده مرويا عن النبي صلى الله عليه
وسلم ولو ثبت عنه لقلت به ثم أخرج من طريق عبد الرزاق عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحق في
هذا الحديث قال أبو إسحق فذكرته لأبي جعفر محمد بن علي فقال أما نحن أهل البيت فهكذا
نصنع قال ابن حزم وقد روى عن عمر من فعله قلت أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح عنه ثم تأوله بأنه
محمول على أن أصحابه تفرقوا عنه فأذن لهم ليجتمعوا ليجمع بهم ولا يخفى تكلفه ولو تأتي له ذلك
في حق عمر لكونه كان الإمام الذي يقيم للناس حجهم لم يتأت له في حق ابن مسعود لأنه إن كان معه
ناس من أصحابه لا يحتاج في جمعهم إلى من يؤذن لهم وقد أخذ بظاهره مالك وهو اختيار البخاري
وروى ابن عبد البر عن أحمد بن خالد أنه كان يتعجب من مالك حيث أخذ بحديث ابن مسعود وهو
من رواية الكوفيين مع كونه موقوفا ومع كونه لم يروه ويترك ما روى عن أهل المدينة وهو
مرفوع قال ابن عبد البر وأعجب أنا من الكوفيين حتن أخذوا بما رواه أهل المدينة وهو أن
يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة وتركوا ما رووا في ذلك عن ابن مسعود مع أنهم لا يعدلون به
أحدا (قلت) الجواب عن ذلك أن مالكا اعتمد على صنيع عمر في ذلك وإن كان لم يروه في الموطأ
واختار الطحاوي ما جاء عن جابر يعني في حديثه الطويل الذي أخرجه مسلم أنه جمع بينهما بأذان
واحد وإقامتين وهذا قول الشافعي في القديم ورواية عن أحمد وبه قال ابن الماجشون
وابن حزم وقواه الطحاوي بالقياس على الجمع بين الظهر والعصر بعرفة وقال الشافعي في الجديد
والثوري وهو رواية عن أحمد يجمع بينهما بإقامتين فقط وهو ظاهر حديث أسامة الماضي قريبا
حيث قال فأقام المغرب ثم أناخ الناس ولم يحلوا حتى أقام العشاء وقد جاء عن ابن عمر كل واحد من
هذه الصفات أخرجه الطحاوي وغيره وكأنه كان يراه من الأمر الذي يتخير فيه الإنسان وهو
419

المشهور عن أحمد واستدل بحديث ابن مسعود على جواز التنفل بين الصلاتين لمن أراد الجمع
بينهما لكون ابن مسعود تعشى بين الصلاتين ولا حجة فيه لأنه لم يرفعه ويحتمل أن لا يكون قصد
الجمع وظاهر صنيعه يدل على ذلك لقوله إن المغرب تحول عن وقتها فرأى أنه وقت هذه المغرب
خاصة ويحتمل أن يكون قصد الجمع وكان يرى أن العمل بين الصلاتين لا يقطعه إذا كان ناويا للجمع
ويحتمل قوله تحول عن وقتها أي المعتاد وأما إطلاقه على صلاة الصبح أنها تحول عن وقتها فليس
معناه أنه أوقع الفجر قبل طلوعها وإنما أراد أنها وقعت قبل الوقت المعتاد فلعلها فيه في الحضر ولا
حجة فيه لمن منع التغليس بصلاة الصبح لأنه ثبت عن عائشة وغيرها كما تقدم في المواقيت التغليس
بها بل المراد هنا أنه كان إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر صلى ركعتي الفجر في بيته ثم خرج فصلى الصبح
مع ذلك بغلس وأما بمزدلفة فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم فبادر بالصلاة أول ما بزغ
حتى أن بعضهم كان لم يتبين له طلوعه وهو بين في رواية إسرائيل الآتية حيث قال ثم صلى
الفجر حين طلع الفجر قائل يقول طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع واستدل الحنفية بحديث ابن
مسعود هذا على ترك الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة وجمع لقول ابن مسعود ما رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين وأجاب المجوزون بأن من حفظ حجة
على من لم يحفظ وقد ثبت الجمع بين الصلاتين من حديث ابن عمر وأنس وابن عباس وغيرهم
وتقدم في موضعه بما فيه كفاية وأيضا فالإستدلال به إنما هو من طريق المفهوم وهم لا يقولون
به وأما من قال به فشرطه أن لا يعارضه منطوق وأيضا فالحصر فيه ليس على ظاهره لإجماعهم
على مشروعية الجمع بين الظهر والعصر بعرفة (قوله باب من قدم ضعفة أهله) أي
من نساء وغيرهم (بليل) أي من منزله بجمع (فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم) ضبطه الكرماني
بفتح القاف وكسر الدال قال وحذف الفاعل للعلم به وهو من ذكر أولا وبفتح الدال على البناء
المجهول وقوله إذا غاب القمر بيان للمراد من قوله في أول الترجمة بليل ومغيب القمر تلك
الليلة يقع عند أوائل الثلث الأخير ومن ثم قيده الشافعي ومن تبعه بالنصف الثاني قال صاحب
المغني لا نعلم خلافا في جواز تقديم الضعفة بليل من جمع إلى منى ثم ذكر المصنف في الباب أربعة
أحاديث * الأول حديث ابن عمر (قوله قال سالم) في رواية ابن وهب عند مسلم عن يونس
عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره (قوله المشعر) بفتح الميم والعين وحكى الجوهري كسر
الميم وقيل إنه لغة أكثر العرب وقال ابن قرقول كسر الميم لغة الرواية وقال ابن قتيبة لم يقرأ بها في
الشواذ وقيل بل قرئ حكاه الهذلي وسمي المشعر لأنه معلم للعبادة والحرام لأنه من الحرم أو
لحرمته وقوله ما بدا لهم بغير همز أي ظهر لهم وأشعر ذلك بأنه لا توقيف لهم فيه (قوله ثم
يرجعون) في رواية مسلم ثم يدفعون وهو أوضح ومعنى الأول أنهم يرجعون عن الوقوف إلى
الدفع ثم يقدمون منى على ما فصل في الخبر وقوله لصلاة الفجر أي عند صلاة الفجر (قوله وكان
ابن عمر يقول أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا وقع فيه أرخص وفي بعض
الروايات رخص بالتشديد وهو أظهر من حيث المعنى لأنه من الترخيص لامن الرخص واحتج به
ابن المنذر لقول من أوجب المبيت بمزدلفة على غير الضعفة لأن حكم من لم يرخص له ليس كحكم من
رخص له قال ومن زعم أنهما سواء لزمه أن يجيز المبيت على منى لسائر الناس لكونه صلى الله عليه
420

وسلم أرخص لأصحاب السقاية وللرعاء أن لا يبيتوا بمنى قال فإن قال لا تعدوا بالرخص مواضعها
فليستعمل ذلك هنا ولا يأذن لأحد أن يتقدم من جمع إلا لمن رخص له رسول الله صلى الله عليه
وسلم انتهى وقد اختلف السلف في هذه المسئلة فقال علقمة والنخعي والشعبي من ترك المبيت
بمزدلفة فاته الحج وقال عطاء والزهري وقتادة والشافعي والكوفيون وإسحق عليه دم قالوا ومن
بات بها لم يجز له الدفع قبل النصف وقال مالك إن مر بها فلم ينزل فعليه دم وإن نزل فلا دم عليه متى
دفع وفي حديث ابن عمر دلالة على جواز رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس لقوله أن من يقدم
عند صلاة الفجر إذا قدم رمى الجمرة وسيأتي ذلك صريحا من صنيع أسماء بنت أبي بكر في الحديث
الثالث من هذا الباب ويأتي الكلام عليه فيه إن شاء الله تعالى * الحديث الثاني حديث ابن
عباس وفائدته تعيين من أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم من أهله في ذلك وأورده من وجهين في
الثاني منهما أنه ليس البعث المذكور خاصا له لأن اللفظ الأول وهو قوله بعثني قد يوهم اختصاصه
بذلك وفي الثاني أنا ممن قدم فأفهم أنه لم يختص وقوله في الثاني في ضعفة أهله قد أخرجه المصنف
في باب حج الصبيان من طريق حماد عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ في الثقل زاد مسلم من هذا الوجه
وقال في الضعفة ولسفيان فيه إسناد آخر أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه عن عمرو بن
دينار عن عطاء عن ابن عباس مثله وقد أخرج طريق عطاء هذه مطولة الطحاوي من رواية
إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفراء عن عطاء ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
للعباس ليلة المزدلفة اذهب بضعفاء ونسائنا فليصلوا الصبح بمنى وليرموا جمرة العقبة قبل أن
تصيبهم دفعة الناس قال فكان عطاء يفعله بعد ما كبر وضعف ولأبي داود من طريق حبيب عن
عطاء عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفاء أهله بغلس ولأبي عوانة في
صحيحه من طريق أبي الزبير عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم العيال
والضعفة إلى منى من المزدلفة * الحديث الثالث حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق (قوله حدثني
عبد الله مولى أسماء) هو ابن كيسان المدني يكنى أبا عمر ليس له في البخاري سوى هذا الحديث
وآخر سيأتي في أبواب العمرة وقد صرح ابن جريج بتحديث عبد الله له هكذا في رواية مسدد هذه
عن يحيى وكذا رواه مسلم عن محمد بن أبي بكر المقدمي وابن خزيمة عن بندار وكذا أخرجه أحمد في
مسنده كلهم عن يحيى وأخرجه مسلم من طريق عيسى بن يونس وأخرجه الإسماعيلي من طريق
داود العطار والطبراني من طريق ابن عيينة والطحاوي من طريق سعيد بن سالم وأبو نعيم من
طريق محمد بن بكير كلهم عن ابن جريج وأخرجه أبو داود عن محمد بن خلاد عن يحيى القطان عن
ابن جريج عن عطاء أخبرني مخبر عن أسماء وأخرجه مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء أن مولى
أسماء أخبره وكذا أخرجه الطبراني من طريق أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد فالظاهر أن ابن
جريج سمعه عن عطاء ثم لقي عبد الله فأخذه عنه ويحتمل أن يكون مولى أسماء شيخ عطاء غير
عبد الله (قوله قالت فارتحلوا) في رواية مسلم قالت ارتحل بي (قوله فمضينا حتى رمت الجمرة)
في رواية ابن عيينة فمضينا بها (قوله يا هنتاه) أي يا هذه وقد سبق ضبطه في باب الحج أشهر معلومات
(قوله ما أرانا) بضم الهمزة أي أظن وفي رواية مسلم بالجزم فقلت لها لقد غلسنا وفي رواية مالك
لقد جئنا منى بغلس وفي رواية داود العطار لقد ارتحلنا بليل وفي رواية أبي داود فقلت أنا رمينا
421

الجمرة بليل وغلسنا أي جئنا بغلس (قوله أذن للظعن) بضم الظاء المعجمة جمع ظعينة وهي المرأة في
الهودج ثم أطلق على المرأة مطلقا وفي رواية أبي داود المذكورة إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية مالك لقد كنا نفعل ذلك مع من هو خير منك تعني النبي صلى الله
عليه وسلم واستدل بهذا الحديث على جواز الرمي قبل طلوع الشمس عند من خص التعجيل
بالضعفة وعند من لم يخصص وخالف في ذلك الحنفية فقالوا لا يرمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع
الشمس فإن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جاز وإن رماها قبل الفجر أعادها وبهذا قال
أحمد وإسحق والجمهور وزاد إسحق ولا يرميها قبل طلوع الشمس وبه قال النخعي ومجاهد والثوري
وأبو ثور ورأى جواز ذلك قبل طلوع الفجر عطاء وطاوس والشعبي والشافعي واحتج الجمهور
بحديث ابن عمر الماضي قبل هذا واحتج إسحق بحديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال لغلمان بني عبد المطلب لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس وهو حديث حسن أخرجه أبو داود
والنسائي والطحاوي وابن حبان من طريق الحسن العرني وهو بضم المهملة وفتح الراء بعدها
نون عن ابن عباس وأخرجه الترمذي والطحاوي من طرق عن الحكم عن مقسم عنه وأخرجه
أبو داود من طريق حبيب عن عطاء وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا ومن ثم صححه الترمذي وابن
حبان وإذا كان من رخص له منع أن يرمي قبل طلوع الشمس فمن لم يرخص له أولى واحتج الشافعي
بحديث أسماء هذا ويجمع بينه وبين حديث ابن عباس بحمل الأمر في حديث ابن عباس على
الندب ويؤيده ما أخرجه الطحاوي من طريق شعبة مولى ابن عباس عنه قال بعثني النبي صلى
الله عليه وسلم مع أهله وأمرني أن أرمي مع الفجر وقال ابن المنذر السنة أن لا يرمي إلا بعد طلوع
الشمس كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر لأن فاعله مخالف للسنة
ومن رمى حينئذ فلا إعادة عليه إذ لا أعلم أحدا قال لا يجزئه واستدل به أيضا على إسقاط الوقوف
بالمشعر الحرام عن الضعفة ولا دلالة فيه لأن رواية أسماء ساكتة على الوقوف وقد بينته رواية ابن
عمر التي قبلها وقد اختلف السلف في هذه المسئلة فكان بعضهم يقول من مر بمزدلفة فلم ينزل بها
فعليه دم ومن نزل بها ثم دفع منها في أي وقت كان من الليل فلا دم عليه ولو لم يقف مع الإمام وقال
مجاهد وقتادة والزهري والثوري من لم يقف بها فقد ضيع نسكا وعليه دم وهو قول أبي حنيفة
وأحمد وإسحق وأبي ثور وروى عن عطاء وبه قال الأوزاعي لا دم عليه مطلقا وإنما هو منزل من شاء
نزل به ومن شاء لم ينزل به وروى الطبري بسند فيه ضعف عن عبد الله بن عمرو مرفوعا إنما جمع
منزل لدلج المسلمين وذهب ابن بنت الشافعي وابن خزيمة إلى أن الوقوف بها ركن لا يتم الحج إلا به
وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه ونقله ابن المنذر عن علقمة والنخعي والعجب أنهم قالوا من لم يقف بها
فاته الحج ويجعل إحرامه عمرة واحتج الطحاوي بأن الله لم يذكر الوقوف وإنما قال فاذكروا الله
عند المشعر الحرام وقد أجمعوا على أن من وقف بها بغير ذكر أن حجه تام فإذا كان الذكر المذكور في
الكتاب ليس من صلب الحج فالموطن الذي يكون الذكر فيه أحرى أن لا يكون فرضا قال وما
احتجوا به من حديث عروة بن مضرس وهو بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها
مهملة رفعه قال من شهد معنا صلاة الفجر بالمزدلفة وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا
فقد تم حجة لاجماعهم أنه لو بات بها ووقف ونام عن الصلاة فلم يصلها مع الإمام حتى فاتته أن حجه
422

تام انتهى وحديث عروة أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والدارقطني والحاكم ولفظ
أبي داود عنه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف يعني بجمع قلت جئت يا رسول الله من
جبل طيئ فأكللت مطيتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا
فقد تم حجه وقضى تفثه وللنسائي من أدرك جمعا مع الإمام والناس حتى يفيضوا فقد أدرك
الحج ومن لم يدرك مع الإمام والناس فلم يدرك ولأبي يعلى ومن لم يدرك جمعا فلا حج له وقد صنف
أبو جعفر العقيلي جزأ في إنكار هذه الزيادة وبين أنها من رواية مطرف عن الشعبي عن عروة
وأن مطرفا كان يهم في المتون وقد ارتكب ابن حزم الشطط فزعم أنه من لم يصل صلاة الصبح
بمزدلفة مع الإمام أن الحج يفوته التزاما لما ألزمه به الطحاوي ولم يعتبر ابن قدامة مخالفته هذه
فحكى الإجماع على الإجزاء كما حكاه الطحاوي وعند الحنفية يجب بترك الوقوف بها دم لمن ليس
به عذر ومن جملة الأعذار عندهم الزحام * الحديث الرابع حديث عائشة أورده من طريقين
(قوله عن القاسم) هو ابن محمد بن أبي بكر والد عبد الرحمن الراوي عنه (قوله استأذنت سودة)
أي بنت زمعة أم المؤمنين (قوله ثقيلة) أي من عظم جسمها (ثبطة) بفتح المثلثة وكسر
الموحدة بعدها مهملة خفيفة أي بطيئة الحركة كأنها تثبط بالأرض أي تشبث بها ولم يذكر محمد
ابن كثير شيخ البخاري فيه عن سفيان وهو الثوري ما استأذنته سودة فيه فلذلك عقبه بطريق
أفلح عن القاسم المبينة لذلك وقد أخرجه ابن ماجة من طريق وكيع عن الثوري فبين ذلك
ولفظه أن سودة بنت زمعة كانت امرأة ثبطة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدفع
من جمع قبل دفعة الناس فأذن لها ولأبي عوانة من طريق قبيصة عن الثوري قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم سودة ليلة جمع وأخرجه مسلم من طريق وكيع فلم يسق ومن طريق عبيد
الله بن عمر العمري عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ وددت أني كنت استأذنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم كما استأذنته سودة فأصلي الصبح بمنى فأرمي الجمرة قبل أن يأتي الناس فذكر بقية
الحديث مثل سياق محمد بن كثير وله نحوه من طريق أيوب عن عبد الرحمن بن القاسم وفيه من
الزيادة وكانت عائشة لا تفيض إلا مع الإمام (قوله حدثنا أفلح بن حميد عن القاسم) في رواية
الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن أفلح أخبرنا القاسم وله من طريق أبي بكر الحنفي عن أفلح
سمعت القاسم (قوله أن تدفع قبل حطمة الناس) في رواية مسلم عن القعنبي عن أفلح أن تدفع
قبله وقبل حطمة الناس والحطمة بفتح الحاء وسكون الطاء المهملتين الزحمة (قوله فلأن
أكون) بفتح اللام فهو مبتدأ وخبره أحب وقولها مفروح أي ما يفرح به من كل شئ * (تنبيه) *
وقع عند مسلم عن القعنبي عن أفلح بن حميد ما يشعر بأن تفسير الثبطة بالثقيلة من القاسم راوي
الخبر ولفظه وكانت امرأة ثبطة يقول القاسم والثبطة الثقيلة ولأبي عوانة من طريق ابن أبي
فديك عن أفلح بعد أن ساق الحديث بلفظ وكانت امرأة ثبطة قال الثبطة الثقيلة وله من طريق
أبي عامر العقدي عن أفلح وكانت امرأة ثبطة يعني ثقيلة فعلى هذا فقوله في رواية محمد بن كثير
عند المصنف وكانت امرأة ثقيلة ثبطة من الإدراج الواقع قبل ما أدرج عليه وأمثلته قليلة جدا
وسببه أن الراوي أدرج التفسير بعد الأصل فظن الراوي الآخر أن اللفظين ثابتان في أصل
المتن فقدم وأخر والله أعلم (قوله باب متى يصلي الفجر بجمع) ذكر فيه حديث
423

ابن مسعود مختصرا ومطولا (قوله حدثني عمارة) هو ابن عمير وعبد الرحمن هو ابن يزيد النخعي
والإسناد كله كوفيون (قوله لغير ميقاتها) في رواية غير أبي ذر بغير بالموحدة بدل اللام والمراد
في غير وقتها المعتاد كما بيناه في الكلام عليه قبل باب (قوله في الطريق الثانية خرجت) في رواية
غير أبي ذر خرجنا (قوله والعشاء بينهما) بفتح المهملة لا بكسرها أي الأكل وقد تقدم إيضاحه
(قوله فلا يقدم) بفتح الدال (قوله حتى يعتموا) أي يدخلوا في العتمة وهو وقت العشاء الآخرة كما
تقدم بيانه في المواقيت (قوله لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن) يعني عثمان كما بين في آخر الكلام
وقوله فما أدري هو كلام عبد الرحمن بن يزيد الراوي عن ابن مسعود وأخطأ من قال أنه كلام
ابن مسعود والمراد أن السنة الدفع من المشعر الحرام عند الإسفار قبل طلوع الشمس خلافا لما
كان عليه أهل الجاهلية كما في حديث عمر الذي بعده * (فائدة) * وقع في رواية جرير بن حازم
عن أبي إسحق عند أحمد من الزيادة في هذا الحديث أن نظير هذا القول صدر من ابن مسعود عن
الدفع من عرفة أيضا ولفظه لما وقفنا بعرفة غابت الشمس فقال لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن
كان قد أصاب قال فما أدري أكلام ابن مسعود أسرع أو إفاضة عثمان قال فأوضع الناس ولم
يزد ابن مسعود على العنق حتى أتى جمعا وله من طريق زكريا عن أبي إسحق في هذا الحديث
أفاض ابن مسعود من عرفة على هينته لا يضرب بعيره حتى أتى جمعا وقال سعيد بن منصور حدثنا
سفيان وأبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد أن ابن مسعود أوضع
بعيره في وادي محسر وهذه الزيادة مرفوعة في حديث جابر الطويل في صفة الحج عند مسلم (قوله
فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة) سيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى
(قوله باب متى يدفع من جمع) أي بعد الوقوف بالمشعر الحرام (قوله عن أبي إسحق
هو السبيعي (قوله لا يفيضون) زاد يحيى القطان عن شعبة من جمع أخرجه الإسماعيلي وكذا هو
للمصنف في أيام الجاهلية من رواية سفيان الثوري عن أبي إسحق وزاد الطبراني من رواية
عبيد الله بن موسى عن سفيان حتى يروا الشمس على ثبير (قوله ويقولون أشرق ثبير) أشرق بفتح
أوله فعل أمر من الإشراق أي أدخل في الشروق وقال ابن التين وضبطه بعضهم بكسر الهمزة
كأنه ثلاثي من شرق وليس ببين والمشهور أن المعنى لتطلع عليك الشمس وقيل معناه أضئ يا جبل
وليس ببين أيضا وثبير بفتح المثلثة وكسر الموحدة جبل معروف هناك وهو على يسار الذاهب إلى
منى وهو أعظم جبال مكة عرف برجل من هذيل اسمه ثبير دفن فيه زاد أبو الوليد عن شعبة كيما
نغير أخرجه الإسماعيلي ومثله لابن ماجة من طريق حجاج بن أرطاة عن أبي إسحق وللطبري من
طريق إسرائيل عن أبي إسحق أشرق ثبير لعلنا نغير قال الطبري معناه كيما ندفع للنحر وهو من
قولهم أغار الفرس إذا أسرع في عدوه قال ابن التين وضبطه بعضهم بسكون الراء في ثبير وفي نغير
لإرادة السجع (قوله ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس) الإفاضة الدفعة قاله الأصمعي ومنه أفاض
القوم في الحديث إذا دفعوا فيه ويحتمل أن يكون فاعل أفاض عمر فيكون انتهاء حديثه ما قبل
هذا ويحتمل أن يكون فاعل أفاض النبي صلى الله عليه وسلم لعطفه على قوله خالفهم وهذا هو
المعتمد وقد وقع في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عند الترمذي فأفاض وفي رواية الثوري
424

فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فأفاض وللطبري من طريق زكريا عن أبي إسحق بسنده كان
المشركون لا ينفرون حتى تطلع الشمس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك فنفر قبل
طلوع الشمس وله من رواية إسرائيل فدفع لقدر صلاة القوم المسفرين لصلاة الغداة وأوضح
من ذلك ما وقع في حديث جابر الطويل عند مسلم ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام
فاستقبل القبلة فدعا الله تعالى وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن
تطلع الشمس وقد تقدم حديث ابن مسعود في ذلك وصنيع عثمان بما يوافقه وروى ابن
المنذر من طريق الثوري عن أبي إسحق سألت عبد الرحمن بن يزيد متى دفع عبد الله من جمع قال
كانصراف القوم المسفرين من صلاة الغداة وروى الطبري من حديث علي قال لما أصبح
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة غدا فوقف على قزح وأردف الفضل ثم قال هذا
الموقف وكل المزدلفة موقف حتى إذا أسفر دفع وأصله في الترمذي دون قوله حتى إذا أسفر
ولابن خزيمة والطبري من طريق عكرمة عن ابن عباس كان أهل الجاهلية يقفون بالمزدلفة
حتى إذا طلعت الشمس فكانت على رؤس الجبال كأنها العمائم على رؤس الرجال دفعوا فدفع
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسفر كل شئ قبل أن تطلع الشمس وللبيهقي من حديث
المسور بن مخرمة نحوه وفي هذا الحديث فضل الدفع من الموقف بالمزدلفة عند الأسفار وقد
تقدم بيان الاختلاف فيمن دفع قبل الفجر ونقل الطبري الإجماع على أن من لم يقف فيه حتى
طلعت الشمس فاته الوقوف قال ابن المنذر وكان الشافعي وجمهور أهل العلم يقولون بظاهر هذه
الأخبار وكان مالك يرى أن يدفع قبل الإسفار واحتج له بعض أصحابه بأن النبي صلى الله عليه
وسلم لم يعجل الصلاة مغلسا إلا ليدفع قبل الشمس فكل من بعد دفعه من طلوع الشمس كان أولى
(قوله باب التلبية والتكبير غداة النحر حتى يرمي) في رواية الكشميهني حين يرمي
وهو أصوب قال الكرماني ليس في الحديث ذكر التكبير فيحتمل أن يكون أشار إلى الذكر الذي
في خلال التلبية وأراد أن يستدل على أن التكبير غير مشروع حينئذ لأن قوله لم يزل يدل على
إدامة التلبية وإدامتها تدل على ترك ما عداها أو هو مختصر من حديث فيه ذكر التكبير انتهى
والمعتمد أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما جرت به عادته فعند أحمد وابن أبي شيبة والطحاوي
من طريق مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك
التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخلطها بتكبير (قوله فأخبر الفضل) في رواية مسلم من طريق
عيسى بن يونس عن ابن جريج عن عطاء فأخبرني ابن عباس أن الفضل أخبره (قوله في الطريق
الثانية فكلاهما) أي الفضل بن عباس وأسامة بن زيد وفي ذكر أسامة إشكال لما تقدم في باب
النزول بين عرفة وجمع أن عند مسلم في رواية إبراهيم بن عقبة عن كريب أن أسامة قال
وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي لأن مقتضاه أن يكون أسامة سبق إلى رمي الجمرة فيكون
إخباره بمثل ما أخبر به الفضل من التلبية مرسلا لكن لا مانع أنه يرجع مع النبي صلى الله عليه
وسلم إلى الجمرة أو يقيم بها حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرج مسلم أيضا من حديث
أم الحصين قالت فرأيت أسامة بن زيد وبلالا في حجة الوداع وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي
صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة * (تنبيه) * زاد ابن
425

أبي شيبة من طريق علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل في هذا الحديث فرماها سبع
حصيات يكبر مع كل حصاة وسيأتي هذا الحكم بعد نيف وثلاثين بابا وفي هذا الحديث أن التلبية
تستمر إلى رمي الجمرة يوم النحر وبعدها يشرع الحاج في التحلل وروى ابن المنذر بإسناد صحيح
عن ابن عباس أنه كان يقول التلبية شعار الحج فإن كنت حاجا فلب حتى بدء حلك وبدء حلك أن
ترمي جمرة العقبة وروى سعيد بن منصور من طريق ابن عباس قال حججت مع عمر إحدى عشرة
حجة وكان يلبي حتى يرمي الجمرة وباستمرارها قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحق
وأتباعهم وقالت طائفة يقطع المحرم التلبية إذا دخل الحرم وهو مذهب ابن عمر لكن كان يعاود
التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة وقالت طائفة يقطعها إذا راح إلى الموقف رواه ابن المنذر
وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة وسعد بن أبي وقاص وعلي وبه قال مالك وقيده
بزوال الشمس يوم عرفة وهو قول الأوزاعي والليث وعن الحسن البصري مثله لكن قال إذا
صلى الغداة يوم عرفة وهو بمعنى الأول وقد روى الطحاوي بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن يزيد
قال حججت مع عبد الله فلما أفاض إلى جمع جعل يلبي فقال رجل أعرابي هذا فقال عبد الله أنسي
الناس أم ضلوا وأشار الطحاوي إلى أن كل من روى عنه ترك التلبية من يوم عرفة أنه تركها
للاشتغال بغيرها من الذكر لا على أنها لا تشرع وجمع في ذلك بين ما اختلف من الآثار والله أعلم
واختلفوا أيضا هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة أو عند تمام الرمي فذهب إلى الأول الجمهور
وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي ويدل لهم ما روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد
عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم من
عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة قال ابن
خزيمة هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى وأن المراد بقوله حتى رمى جمرة العقبة
أي أتم رميها (قوله باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي إلى قوله تعالى
حاضري المسجد الحرام) كذا في رواية أبي ذر وأبي الوقت وساق في طريق كريمة ما بين قوله الهدي
وقوله حاضري المسجد الحرام وغرض المصنف بذلك تفسير الهدي وذلك أنه لما انتهى في صفة
الحج إلى الوصول إلى منى أراد أن يذكر أحكام الهدي والنحر لأن ذلك يكون غالبا بمنى والمراد
بقوله فمن تمتع أي في حال الأمن لقوله فإذا أمنتم فمن تمتع وفيه حجة للجمهور في أن التمتع لا يختص
بالمحصر وروى الطبري عن عروة قال في قوله فإذا أمنتم أي من الوجع ونحوه قال الطبري والأشبه
بتأويل الآية أن المراد بها الأمن من الخوف لأنها نزلت وهم خائفون بالحديبية فبينت لهم
ما يعملون حال الحصر وما يعملون حال الأمن (قوله أخبرنا النضر) هو ابن شميل صاحب العربية
(قوله أبو جمرة) بالجيم والراء وقد تقدم لهذا الحديث طريق في آخر باب التمتع والقرآن وقد
تقدم الكلام عليه هناك والغرض منه هنا بيان الهدي (قوله وسألته) أي ابن عباس (عن
الهدي) فقال فيها أي المتعة يعني يجب على من تمتع دم (قوله جزور) بفتح الجيم وضم الزاي أي
بعير ذكرا كان أو أنثى وهو مأخوذ من الجزر أي القطع ولفظها مؤنث تقول هذه الجزور (قوله أو
شرك) بكسر الشين المعجمة وسكون الراء أي مشاركة في دم أي حيث يجزئ الشئ الواحد عن جماعة
وهذا موافق لما رواه مسلم عن جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج
426

فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة وبهذا قال
الشافعي والجمهور سواء كان الهدي تطوعا أو واجبا وسواء كانوا كلهم متقربين بذلك أو كان
بعضهم يريد التقرب وبعضهم يريد اللحم وعن أبي حنيفة يشترط في الاشتراك أن الريح كلهم
متقربين بالهدي وعن زفر مثله بزيادة أن تكون أسبابهم واحدة وعن داود وبعض المالكية
يجوز في هدي التطوع دون الواجب وعن مالك لا يجوز مطلقا واحتج له إسماعيل القاضي بأن
حديث جابر إنما كان بالحديبية حيث كانوا محصرين وأما حديث ابن عباس فخالف أبا جمرة عنه
ثقات أصحابه فرووا عنه أن ما استيسر من الهدي شاة ثم ساق ذلك بأسانيد صحيحة عنهم عن ابن
عباس قال وقد روى ليث عن طاوس عن ابن عباس مثل رواية أبي جمرة وليث ضعيف قال
وحدثنا سليمان عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن ابن عباس قال ما كنت أرى أن
دما واحدا يقضي عن أكثر من واحد انتهى وليس بين رواية أبي جمرة ورواية غيره منافاة لأنه
زاد عليهم ذكر الاشتراك ووافقهم على ذكر الشاة وإنما أراد ابن عباس بالاقتصار على الشاة
الرد على من زعم اختصاص الهدي بالإبل والبقر وذلك واضح فيما سنذكره بعد هذا وأما رواية
محمد عن ابن عباس فمنقطعة ومع ذلك لو كانت متصلة احتمل أن يكون ابن عباس أخبر أنه كان
لا يرى ذلك من جهة الاجتهاد حتى صح عنده النقل بصحة الاشتراك فأفتى به أبا جمرة وبهذا
تجتمع الأخبار وهو أولى من الطعن في رواية من أجمع العلماء على توثيقه والاحتجاج بروايته
وهو أبو جمرة الضبعي وقد روى عن ابن عمر أنه كان لا يرى التشريك ثم رجع عن ذلك لما بلغته
السنة قال أحمد حدثنا عبد الوهاب حدثنا مجاهد عن الشعبي قال سألت ابن عمر قلت الجزور
والبقرة تجزئ عن سبعة قال يا شعبي ولها سبعة أنفس قال قلت فإن أصحاب محمد يزعمون أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الجزور عن سبعة والبقرة عن سبعة قال فقال ابن عمر لرجل
أكذلك يا فلان قال نعم قال ما شعرت بهذا وأما تأويل إسماعيل لحديث جابر بأنه كان بالحديبية
فلا يدفع الاحتجاج بالحديث بل روى مسلم من طريق أخرى عن جابر في أثناء حديث قال فأمرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحللنا أن نهدي ونجمع النفر منا في الهدية وهذا يدل على
صحة أصل الاشتراك واتفق من قال بالاشتراك على أنه لا يكون في أكثر من سبعة إلا إحدى
الروايتين عن سعيد بن المسيب فقال تجزئ عن عشرة وبه قال إسحق بن راهويه وابن خزيمة
من الشافعية واحتج لذلك في صحيحه وقواه واحتج له ابن خزيمة بحديث رافع بن خديج أنه صلى الله
عليه وسلم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير الحديث وهو في الصحيحين وأجمعوا على أن الشاة
لا يصح الاشتراك فيها وقوله أو شاة هو قول الجمهور ورواه الطبري وابن أبي حاتم بأسانيد صحيحة
عنهم ورويا بإسناد قوي عن القاسم بن محمد عن عائشة وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من
الهدي إلا من الإبل والبقر ووافقهما القاسم وطائفة قال إسماعيل القاضي في الأحكام له أظنهم
ذهبوا إلى ذلك لقوله تعالى والبدن جعلناها لكم من شعائر الله فذهبوا إلى تخصيص ما يقع عليه
اسم البدن قال ويرد هذا قوله تعالى هديا بالغ الكعبة وأجمع المسلمون أن في الظبي شاة فوقع عليها
اسم هدي (قلت) قد احتج بذلك ابن عباس فأخرج الطبري بإسناد صحيح إلى عبد الله بن عبيد بن
عمير قال قال ابن عباس الهدي شاة فقيل له في ذلك فقال أنا قرأ عليكم من كتاب الله ما تقوون به
427

ما في الظبي قالوا شاة قال فإن الله تعالى يقول هديا بالغ الكعبة (قوله ومتعة متقبلة) قال
الإسماعيلي وغيره تفرد النضر بقوله متعة ولا أعلم أحدا من أصحاب شعبة رواه عنه إلا قال عمرة
وقال أبو نعيم قال أصحاب شعبة كلهم عمرة إلا النضر فقال متعة (قلت) وقد أشار المصنف إلى
هذا بما علقه بعد (قوله وقال آدم ووهب بن جرير وغندر عن شعبة عمرة الخ) أما طريق آدم
فوصلها عنه في باب التمتع والقرآن وأما طريق وهب بن جرير فوصلها البيهقي من طريق إبراهيم
ابن مرزوق عن وهب وأما طريق غندر فوصلها أحمد عنه وأخرجها مسلم عن أبي موسى
وبندار كلاهما عن غندر (قوله باب ركوب البدن لقوله تعالى والبدن
جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها
إلى قوله تعالى وبشر المحسنين) هكذا في رواية أبي ذر وأبي الوقت وساق في رواية كريمة الآيتين
واستدل المصنف لجواز ركوب البدن بعموم قوله تعالى لكم فيها خير وأشار إلى قول إبراهيم
النخعي لكم فيها خير من شاء ركب ومن شاء حلب أخرجه ابن أبي حاتم وغيره عنه بإسناد جيد
والبدن بسكون الدال في قراءة الجمهور وقرأ الأعرج وهي رواية عن عاصم بضمها وأصلها من
الإبل وألحقت بها البقر شرعا (قوله قال مجاهد سميت البدن لبدنها) هو بفتح الموحدة والمهملة
للأكثر وبضمها وسكون الدال لبعضهم وفي رواية الكشميهني لبدانتها أي سمنها وكذا أخرجه
عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إنما سميت البدن من قبل السمانة (قوله
والقانع السائل والمعتر الذي يعتر بالبدن من غني أو فقير) أي يطيف بها متعرضا لها وهذا التعليق
أخرجه أيضا عبد بن حميد من طريق عثمان بن الأسود قلت لمجاهد ما القانع قال جارك الذي
ينتظر ما دخل بيتك والمعتر الذي يعتر ببابك ويريك نفسه ولا يسألك شيئا وأخرج ابن أبي حاتم
من طريق سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال القانع هو الطامع وقال مرة هو
السائل ومن طريق الثوري عن فرات عن سعيد بن جبير المعتر الذي يعتريك يزورك ولا يسألك
ومن طريق ابن جريج عن مجاهد المعتر الذي يعتر بالبدن من غني أو فقير وقال الخليل في العين
القنوع المتذلل للمسئلة قنع إليه مال وخضع وهو السائل والمعتر الذي يعترض ولا يسأل ويقال
قنع بكسر النون إذا رضي وقنع بفتحها إذا سأل وقرأ الحسن المعتري وهو بمعنى المعتر (قوله
وشعائر الله استعظام البدن واستحسانها) أخرجه عبد بن حميد أيضا من طريق ورقاء عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد في قوله ومن يعظم شعائر الله قال استعظام البدن استحسانها واستسمانها ورواه
ابن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس ونحوه لكن فيه ابن أبي ليلى
وهو سئ الحفظ (قوله والعتيق عتقه من الجبابرة) أخرج عبد بن حميد أيضا من طريق سفيان
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إنما سمي العتيق لأنه أعتق من الجبابرة وقد جاء هذا مرفوعا
أخرجه البزار من حديث عبد الله بن الزبير (قوله ويقال وجبت سقطت إلى الأرض ومنه
وجبت الشمس) هو قول ابن عباس وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مقسم عن ابن عباس قال فإذا
وجبت أي سقطت وكذا أخرجه الطبري من طريقين عن مجاهد (قوله عن الأعرج) لم تختلف
الرواة عن مالك عن أبي الزناد فيه ورواه ابن عيينة عن أبي الزناد فقال عن الأعرج عن أبي هريرة
أو عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة أخرجه سعيد بن منصور عنه
428

وقد رواه الثوري عن أبي الزناد بالإسنادين مفرقا (قوله رأى رجلا) لم أقف على اسمه بعد طول
البحث (قوله يسوق بدنة) كذا في معظم الأحاديث ووقع لمسلم من طريق بكير بن الأخنس عن
أنس مر ببدنة أو هدية ولأبي عوانة من هذا الوجه أو هدي وهو مما يوضح أنه ليس المراد بالبدنة
مجرد مدلولها اللغوي ولمسلم من طريق المغيرة عن أبي الزناد بينا رجل يسوق بدنة مقلدة وكذا
من طريق همام عن أبي هريرة وسيأتي للمصنف في باب تقليد البدن أنها كانت مقلدة نعلا (قوله
فقال اركبها) زاد النسائي من طريق سعيد عن قتادة والجوزقي من طريق حميد عن ثابت كلاهما
عن أنس وقد جهده المشي ولأبي يعلى من طريق الحسن عن أنس حافيا لكنها ضعيفة (قوله
ويلك في الثانية أو في الثالثة) وقع في رواية همام عند مسلم ويلك اركبها ويلك اركبها ولأحمد
من رواية عبد الرحمن بن إسحاق والثوري كلاهما عن أبي الزناد ومن طريق عجلان عن أبي هريرة
قال اركبها ويحك قال أنها بدنة قال اركبها ويحك زاد أبو يعلى من رواية الحسن فركبها وقد قلنا
أنها ضعيفة لكن سيأتي للمصنف من طريق عكرمة عن أبي هريرة فلقد رأيته راكبها يساير
النبي صلى الله عليه وسلم والنعل في عنقها وتبين بهذه الطرق أنه أطلق البدنة على الواحدة من
الإبل المهداة إلى البيت الحرام ولو كان المراد مدلولها اللغوي لم يحصل الجواب بقوله أنها بدنة
لأن كونها من الإبل معلوم فالظاهر أن الرجل ظن أنه خفي كونها هديا فلذلك قال أنها بدنة
والحق أنه لم يخف ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم لكونها كانت مقلدة ولهذا قال له لما زاد
في مراجعته ويلك واستدل به على جواز ركوب الهدي سواء كان واجبا أو متطوعا به لكونه
صلى الله عليه وسلم لم يستفصل صاحب الهدي عن ذلك فدل على أن الحكم لا يختلف بذلك
وأصرح من هذا ما أخرجه أحمد من حديث علي أنه سئل هل يركب الرجل هديه فقال لا بأس
قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالرجال يمشون فيأمرهم يركبون هديه أي هدي النبي
صلى الله عليه وسلم إسناده صالح وبالجواز مطلقا قال عروة بن الزبير ونسبه ابن المنذر لأحمد
وإسحق وبه قال هل الظاهر وهو الذي جزم به النووي في الروضة تبعا لأصله في الضحايا ونقله
في شرح المهذب عن القفال والماوردي ونقل فيه عن أبي حامد والبندنيجي وغيرهما تقييده
بالحاجة وقال الروياني تجويزه بغير حاجة يخالف النص وهو الذي حكاه الترمذي عن الشافعي
وأحمد وإسحق وأطلق ابن عبد البر كراهة ركوبها بغير حاجة عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة
وأكثر الفقهاء وقيده صاحب الهداية من الحنفية بالاضطرار إلى ذلك وهو المنقول عن الشعبي
عند ابن أبي شيبة ولفظه لا يركب الهدي إلا من لا يجد منه بدا ولفظ الشافعي الذي نقله ابن المنذر
وترجم له البيهقي يركب إذا اضطر ركوبا غير فادح وقال ابن العربي عن مالك يركب للضرورة فإذا
استراح نزل ومقتضى من قيده بالضرورة أن من انتهت ضرورته لا يعود إلى ركوبها إلا من
ضرورة أخرى والدليل على اعتبار هذه القيود الثلاثة وهي الاضطرار والركوب بالمعروف
وانتهاء الركوب بانتهاء الضرورة ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا بلفظ اركبها بالمعروف إذا
ألجئت إليها حتى تجد ظهرا فإن مفهومه أنه إذا وجد غيرها تركها وروى سعيد بن منصور من
طريق إبراهيم النخعي قال يركبها إذا أعيا قدر ما يستريح على ظهرها وفي المسئلة مذهب
خامس وهو المنع مطلقا نقله ابن العربي عن أبي حنيفة وشنع عليه ولكن الذي نقله الطحاوي
429

وغيره الجواز بقدر الحاجة إلا أنه قال ومع ذلك يضمن ما نقص منها بركوبه وضمان النقص
وافق عليه الشافعية في الهدي الواجب كالنذر ومذهب سادس وهو وجوب ذلك نقله ابن
عبد البر عن بعض أهل الظاهر تمسكا بظاهر الأمر ولمخالفة ما كانوا عليه في الجاهلية من البحيرة
والسائبة ورده بأن الذين ساقوا الهدي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا كثيرا ولم يأمر
أحدا منهم بذلك انتهى وفيه نظر لما تقدم من حديث علي وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور
بإسناد صحيح رواه أبو داود في المراسيل عن عطاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالبدنة إذا
أحتاج إليها سيدها أن يحمل عليها ويركبها غير منهكها (قلت) ماذا قال الراجل والمتيع اليسير
فإن نتجت حمل عليها ولدها ولا يمتنع القول بوجوبه إذا تعين طريقا إلى انقاذ مهجة إنسان من
الهلاك واختلف المجيزون هل يحمل عليها متاعه فمنعه مالك وأجازه الجمهور وهل يحمل عليها
غيره أجازه الجمهور أيضا على التفصيل المتقدم ونقل عياض الإجماع على أنه لا يؤجرها وقال
الطحاوي في اختلاف العلماء قال أصحابنا والشافعي أن احتلب منها شيئا تصدق به فإن أكله
تصدق بثمنه ويركب إذا أحتاج فإن نقصه ذلك ضمن وقال مالك لا يشرب من لبنه فإن شرب
لم يغرم ولا يركب إلا عند الحاجة فإن ركب لم يغرم وقال الثوري لا يركب إلا إذا اضطر (قوله
ويلك) قال القرطبي قالها له تأديبا لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه وبهذا جزم ابن
عبد البر وابن العربي وبالغ حتى قال الويل لمن راجع في ذلك بعد هذا قال ولولا أنه صلى الله عليه
وسلم اشترط على ربه ما اشترط لهلك ذلك الرجل لا محالة قال القرطبي ويحتمل أن يكون فهم عنه
أنه يترك ركوبها على عادة الجاهلية في السائبة وغيرها فزجره عن ذلك فعلى الحالتين هي إنشاء
ورجحه عياض وغيره قالوا والأمر هنا وإن قلنا إنه للارشاد لكنه استحق الذم بتوقفه على امتثال
الأمر والذي يظهر أنه ما ترك الامتثال عنادا ويحتمل أن يكون ظن أنه يلزمه غرم بركوبها أو إثم
وأن الاذن الصادر له بركوبها إنما هو للشفقة عليه فتوقف فلما أغلظ له بادر إلى الامتثال وقيل
لأنه كان أشرف على هلكة من الجهد وويل كلمة تقال لمن وقع في هلكة فالمعنى أشرفت على
الهلكة فاركب فعلى هذا هي إخبار وقيل هي كلمة تدعم بها العرب كلامها ولا تقصد معناها
كقوله لا أم لك ويقويه ما تقدم في بعض الروايات بلفظ ويحك بدل ويلك قال الهروي ويل
يقال لمن وقع في هلكة يستحقها وويح لمن وقع في هلكة لا يستحقها وفي الحديث تكرير الفتوى
والندب إلى المبادرة إلى امتثال الأمر وزجر من لم يبادر إلى ذلك وتوبيخه وجواز مسايرة الكبار
في السفر وأن الكبير إذا رأى مصلحة للصغير لا يأنف عن إرشاده إليها واستنبط منه المصنف
جواز انتفاع الواقف بوقفه وهو موافق للجمهور في الأوقاف العامة أما الخاصة فالوقف على
النفس لا يصح عند الشافعية ومن وافقهم كما سيأتي بيانه في مكانه إن شاء الله تعالى (قوله عن
أنس) في رواية علي بن الجعد عن شعبة عند الإسماعيلي سمعت أنس بن مالك (قوله قال اركبها
ثلاثا) كذا في رواية أبي ذر مختصرا وفي رواية غيره قال أنها بدنة قال اركبها قال إنها بدنة قال
اركبها ثلاثا وكذا أخرجه أبو مسلم الكجي في السنن عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه ومن
طريقه أبو نعيم في المستخرج وأخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن مسلم كذلك لكن قال
في آخره ويلك بدل ثلاثا وللترمذي من طريق أبي عوانة عن قتادة فقال له في الثالثة أو الرابعة
430

اركبها ويحك أو ويلك وللنسائي من طريق سعيد عن قتادة قال في الرابعة اركبها ويلك (قوله
باب من ساق البدن معه) أي من الحل إلى الحرم قال المهلب أراد المصنف أن يعرف أن
السنة في الهدي أن يساق من الحل إلى الحرم فإن اشتراه من الحرم خرج به إذا حج إلى عرفة وهو
قول مالك قال فإن لم يفعل فعليه البدل وهو قول الليث وقال الجمهور إن وقف به بعرفة فحسن
وإلا فلا بدل عليه وقال أبو حنيفة ليس بسنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ساق الهدي من
الحل لأن مسكنه كان خارج الحرم وهذا كله في الإبل فأما البقر فقد يضعف عن ذلك والغنم
أضعف ومن ثم قال مالك لا يساق إلا من عرفة أو ما قرب منها لأنها تضعف عن قطع طول المسافة
(قوله عن عقيل) في رواية مسلم من طريق شعيب بن الليث عن أبيه حدثني عقيل (قوله تمتع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج) قال المهلب معناه أمر بذلك لأنه
كان ينكر على أنس قوله أنه قرن ويقول بل كان مفردا وأما قوله وبدأ فأهل بالعمرة فمعناه أمرهم
بالتمتع وهو أن يهلوا بالعمرة أولا ويقدموها قبل الحج قال ولا بد من هذا التأويل لدفع التناقض
عن ابن عمر (قلت) لم يتعين هذا التأويل المتعسف وقد قال إن المنير في الحاشية أن حمل قوله تمتع
على معنى أمر من أبعد التأويلات والاستشهاد عليه بقوله رجم وإنما أمر بالرجم من أوهن
الاستشهادات لأن الرجم من وظيفة الإمام والذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه وأما أعمال الحج
من إفراد وقران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه ثم أجاز تأويلا أخر وهو أن الراوي عهد
أن الناس لا يفعلون إلا كفعله لا سيما مع قوله خذوا عني مناسككم فلما تحقق أن الناس تمتعوا
ظن أنه عليه الصلاة والسلام تمتع فأطلق ذلك (قلت) ولم يتعين هذا أيضا بل يحتمل أن يكون
معنى قوله تمتع محمولا على مدلوله اللغوي وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها
وغيرها بل قال النووي أن هذا هو المتعين قال وقوله بالعمرة إلى الحج أي بإدخال العمرة
على الحج وقد قدمنا في باب التمتع والقرآن تقرير هذا التأويل وإنما المشكل هنا قوله بدأ فأهل
بالعمرة ثم أهل بالحج لأن الجمع بين الأحاديث الكثيرة في هذا الباب استقر كما تقدم على أنه بدأ أولا
بالحج ثم أدخل عليه العمرة وهذا بالعكس وأجيب عنه بأن المراد به صورة الإهلال أي لما أدخل
العمرة على الحج لبى بهما فقال لبيك بعمرة وحجة معا وهذا مطابق لحديث أنس المتقدم لكن
قد أنكر ابن عمر ذلك على أنس فيحتمل أن يحمل إنكار ابن عمر عليه كونه أطلق أنه صلى الله
عليه وسلم جمع بينهما أي في ابتداء الأمر ويعين هذا التأويل قوله في نفس الحديث وتمتع الناس
الخ فإن الذين تمتعوا إنما بدؤا بالحج لكن فسخوا حجهم إلى العمرة حتى حلوا بعد ذلك بمكة ثم
حجوا من عامهم (قوله فساق معه الهدي من ذي الحليفة) أي من الميقات وفيه الندب إلى
سوق الهدي من المواقيت ومن الأماكن البعيدة وهي من السنن التي أغفلها كثير من الناس
(قوله فإنه لا يحل من شئ) تقدم بيانه في حديث حفصة في باب التمتع والقرآن (قوله ويقصر)
كذا لأبي ذر وأما الأكثر فعندهم وليقصر وكذا في رواية مسلم قال النووي معناه أنه يفعل
الطواف والسعي والتقصير ويصير حلالا وهذا دليل على أن الحلق أو التقصير نسك وهو الصحيح
وقيل استباحة محظور قال وإنما أمره بالتقصير دون الحلق مع أن الحلق أفضل ليبقى له شعر
يحلقه في الحج (قوله وليحلل) هو أمر معناه الخبر أي قد صار حلالا فله فعل كل ما كان
431

محظورا عليه في الإحرام ويحتمل أن يكون أمرا على الإباحة لفعل ما كان عليه حراما قبل
الإحرام (قوله ثم ليهل بالحج) أي يحرم وقت خروجه إلى عرفة ولهذا أتى بثم الدالة على التراخي
فلم يرد أنه يهل بالحج عقب إهلاله من العمرة (قوله وليهد) (3) أي هدي التمتع وهو واجب
بشروطه (قوله فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج) أي لم يجد الهدي بذلك المكان
ويتحقق ذلك بأن يعدم الهدي أو يعدم ثمنه حينئذ أو يجد ثمنه لكن يحتاج إليه لأهم من ذلك
أو يجده لكن يمتنع صاحبه من بيعه أو يمتنع من بيعه إلا بغلائه فينقل إلى الصوم كما هو نص
القرآن والمراد بقوله في الحج أي بعد الإحرام به وقال النووي هذا هو الأفضل فإن صامها قبل
الإهلال بالحج أجزأه على الصحيح وأما قبل التحلل من العمرة فلا على الصحيح قاله مالك وجوزه
الثوري وأصحاب الرأي وعلى الأول فمن استحب صيام عرفة بعرفة قال يحرم يوم السابع
ليصوم السابع والثامن والتاسع وإلا فيحرم يوم السادس ليفطر بعرفة فإن فاته الصوم قضاه
وقيل يسقط ويستقر الهدي في ذمته وهو قول الحنفية وفي صوم أيام التشريق لهذا قولان
للشافعية أظهرهما لا يجوز قال النووي وأصحهما من حيث الدليل الجواز (قوله ثم خب)
تقدم الكلام عليه في باب استلام الحجر الأسود وتقدم الكلام على السعي في بابه وقوله ثم سلم
فانصرف فأتى الصفا ظاهره أنه لم يختلل بينهما عمل آخر لكن في حديث جابر الطويل في صفة
الحج عند مسلم ثم رجع إلى الحجر فاستلمه ثم خرج من باب الصفا (قوله ثم حل من كل شئ حرم
منه) تقدم أن سبب عدم إحلاله كونه ساق الهدي وإلا لكان يفسخ الحج إلى العمرة ويتحلل
منها كما أمر به أصحابه واستدل به على أن التحلل لا يقع بمجرد طواف القدوم خلافا لابن عباس
وهو واضح وقد تقدم البحث فيه وقوله وفعل مثل ما فعل إشارة إلى عدم خصوصيته بذلك وفيه
مشروعية طواف القدوم للقارن والرمل فيه إن عقبه بالسعي وتسمية السعي طوافا وطواف
الإفاضة يوم النحر واستدل به على أن الحلق ليس بركن وليس بواضح لأنه لا يلزم من ترك ذكره
في هذا الحديث أن لا يكون وقع بل هو داخل في عموم قوله حتى قضى حجه * (تنبيه) * وقع بين
قوله وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قوله من أهدى وساق الهدي من
الناس في رواية أبي الوقت لفظ باب وقال فيه عن عروة عن عائشة الخ وهو خطأ شنيع فإن قوله
من أهدى فاعل قوله وفعل فالفصل بينهما بلفظ باب خطأ ويصير فاعل فعل محذوفا وأغرب
الكرماني فشرحه على أن فاعل فعل هو ابن عمر راوي الخبر وأما أبو نعيم في المستخرج فساق
الحديث بتمامه الخ ثم أعاد هذا اللفظ بترجمة مستقلة وساق حديث عائشة بالإسناد الذي قبله
وقال في كل منهما أخرجه البخاري عن يحيى بن بكير وهذا قريب (4) والأصوب ما رواه الأكثر
ووقع في رواية أبي الوليد الباجي عن أبي ذر بعد قوله ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاصلة
صورتها وبعدها من أهدى وساق الهدي من الناس وعن عروة أن عائشة أخبرته قال
أبو الوليد أمرنا أبو ذر أن نضرب على هذه الترجمة يعني قوله من أهدى وساق الهدي من الناس
انتهى وهو عجيب من أبي الوليد ومن شيخه فإن قوله من أهدى هو صفة لقوله وفعل ولكنهما
ظنا أنها ترجمة فحكما عليها بالوهم وليس كذلك وكذا أخرجه مسلم من رواية شعيب فساق
حديث ابن عمر إلى قوله من الناس ثم أعاد الإسناد بعينه إلى عائشة قال عن رسول الله صلى الله
432

عليه وسلم في تمتعه الحنفية إلى العمرة وتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن عبد الله وقد
تعقب المهلب قول الزهري بمثل الذي أخبرني سالم فقال يعني مثله في الوهم لأن أحاديث عائشة
كلها شاهدة بأنه حج مفردا (قلت) وليس وهما إذ لا مانع من الجمع بين الروايتين بمثل ما جمعنا به بين
المختلف عن ابن عمر بأن يكون المراد بالإفراد في حديثها البداءة بالحج وبالتمتع بالعمرة إدخالها
على الحج وهو أولى من توهيم جبل من جبال الحفظ والله أعلم (قوله باب من
اشترى الهدي من الطريق) أي سواء كان في الحل أو الحرم إذ سوقه معه من بلده ليس بشرط
وقال ابن بطال أراد أن يبين أن مذهب ابن عمر في الهدي أنه ما أدخل من الحل إلى الحرم لأن
قديدا من الحل (قلت) لا يخفى أن الترجمة أعم من فعل ابن عمر فكيف تكون بيانا له (قوله
فإني لا آمنها) بالمد وفتح الميم الخفيفة وقد تقدم في باب طواف القارن بلفظ لا آمن والهاء هنا
ضمير الفتنة أي لا آمن الفتنة أن تكون سببا في صدك عن البيت وسيأتي بيان ذلك في باب المحصر
مع بقية الكلام عليه وفي رواية المستملي والسرخسي هنا لا أيمنها وقد تقدم ضبطه وشرحه في
باب طواف القارن (قوله أن تصد) في رواية السرخسي أن ستصد (قوله فأهل بالعمرة)
زاد في رواية أبي ذر من الدار وكذا أخرجه أبو نعيم من رواية علي بن عبد العزيز عن أبي النعمان
شيخ البخاري فيه ويؤخذ منه جواز الإحرام من قبل الميقات وللعلماء فيه اختلاف فنقل
ابن المنذر الإجماع على الجواز ثم قيل هو أفضل من الإحرام من الميقات وقيل دونه وقيل مثله
وقيل من كان له ميقات معين فهو في حقه أفضل وإلا فمن داره وللشافعية في أرجحية الميقات من
الدار اختلاف وقال الرافعي يؤخذ من تعليلهم أن من آمن على نفسه كان أرجح في حقه وإلا
فمن الميقات أفضل وقد تقدم قول المصنف وكره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان في باب
قوله تعالى الحج أشهر معلومات (قوله فلم يحل حتى حل) في رواية السرخسي حتى أحل بزيادة
ألف والحاء مفتوحة وهي لغة شهيرة يقال حل وأحل (قوله باب من أشعر وقلد
بذي الحليفة ثم أحرم) قال ابن بطال غرضه أن يبين أن المستحب أن لا يشعر المحرم ولا يقلد إلا في
ميقات بلده انتهى والذي يظهر أن غرضه الإشارة إلى رد قول مجاهد لا يشعر حتى يحرم أخرجه
ابن أبي شيبة لقوله في الترجمة من أشعر ثم أحرم ووجه الدلالة لذلك من حديث المسور قوله حتى
إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأحرم فإن ظاهره البداءة بالتقليد ومن حديث عائشة قوله
ثم قلدها وأشعرها وما حرم عليه شئ فإنه يدل على أن تقدم الإحرام ليس شرطا في صحة التقليد
والإشعار وأبين من ذلك لتحصيل مقصود الترجمة ما أخرجه مسلم من حديث ابن عباس قال
صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في سنامها الأيمن وسلت
الدم وقلدها نعلين) ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج وسيأتي الكلام على
حديث المسور حيث ساقه المصنف مطولا في كتاب الشروط وعلى حديث عائشة بعد بابين (قوله
زمن الحديبية) وقع عند الكشميهني من المدينة (قوله في صدر الباب وقال نافع كان ابن عمر الخ)
وصله مالك في الموطأ قال عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة على
ساكنها الصلاة والسلام قلده بذي الحليفة يقلده قبل أن يشعره وذلك في مكان واحد وهو متوجه
إلى القبلة يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ثم
433

يدفع به فإذا قدم غداة النحر نحره وعن نافع عن ابن عمر كان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره
قال بسم الله والله أكبر وأخرج البيهقي من طريق ابن وهب عن مالك وعبد الله بن عمر عن نافع
أن عبد الله بن عمر كان يشعر بدنه من الشق الأيسر إلا أن تكون صعابا فإذا لم يستطع أن يدخل
بينها أشعر من الشق الأيمن وإذا أراد أن يشعرها وجهها إلى القبلة وتبين بهذا أن ابن عمر كان
يطعن في الأيمن تارة وفي الأيسر أخرى بحسب ما يتهيأ له ذلك وإلى الإشعار في الجانب الأيمن
ذهب الشافعي وصاحبا أبي حنيفة وأحمد في رواية وإلى الأيسر ذهب مالك وأحمد في رواية
ولم أر في حديث ابن عمر ما يدل على تقدم ذلك على إحرامه وذكر ابن عبد البر في الإستذكار عن
مالك قال لا يشعر الهدي إلا عند الإهلال يقلده ثم يشعره ثم يصلي ثم يحرم وفي هذا الحديث
مشروعية الإشعار وفائدته الإعلام بأنها صارت هديا ليتبعها من يحتاج إلى ذلك وحتى لو
اختلطت بغيرها تميزت أو ضلت عرفت أو عطبت عرفها المساكين بالعلامة فأكلوها مع ما في
ذلك من تعظيم شعار الشرع وحث الغير عليه وأبعد من منع الإشعار واعتل باحتمال أنه كان
مشروعا قبل النهي عن المثلة فإن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال بل وقع الإشعار في حجة الوداع
وذلك بعد النهي عن المثلة بزمان وسيأتي نقل الخلاف في ذلك بعد باب (قوله باب
فتل القلائد للبدن والبقر) أورد فيه حديث حفصة ما شأن الناس حلوا وحديث عائشة كان
يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه قال ابن المنير في الحاشية ليس في الحديثين ذكر البقر
إلا أنهما مطلقان وقد صح أنه أهداهما جميعا كذا قال وكأنه أراد حديث عائشة دخل علينا
يوم النحر بلحم بقر الحديث وسيأتي بعد أبواب ولا دلالة فيه على أنه كان ساق البقر وترجمة
البخاري صحيحة لأنه إن كان المراد بالهدي في الحديث الإبل والبقر معا فلا كلام وإن كان
المراد الإبل خاصة فالبقر في معناها وقد سبق الكلام على حديث حفصة مستوفى في باب التمتع
والقرآن ومناسبته للترجمة من جهة أن التقليد يستلزم تقدم الفتل عليه ويوضح ذلك حديث
عائشة المذكور معه ويأتي الكلام عليه بعد باب * (تنبيه) * أخذ بعض المتأخرين من
اقتصار البخاري في هذه الترجمة على الإبل والبقر أنه موافق لمالك وأبي حنيفة في أن الغنم
لا تقلد وغفل هذا المتأخر عن أن البخاري أفرد ترجمة لتقليد الغنم بعد أبواب يسيرة كعادته في
تفريق الأحكام في التراجم (قوله باب إشعار البدن) ذكر في حديث عروة
عن المسور معلقا وقد تقدم موصولا قبل باب وحديث عائشة فتلت قلائد هدي النبي صلى الله
عليه وسلم ثم أشعرها وقلدها الحديث وفيه مشروعية الإشعار وهو أن يكشط جلد البدنة حتى
يسيل دم ثم يسلته فيكون ذلك علامة على كونها هديا وبذلك قال الجمهور من السلف والخلف
وذكر الطحاوي في اختلاف العلماء كراهته عن أبي حنيفة وذهب غيره إلى استحبابه للاتباع
حتى صاحباه أبو يوسف ومحمد فقالا هو حسن قال وقال مالك يختص الإشعار بمن لها سنام قال
الطحاوي ثبت عن عائشة وابن عباس التخيير في الإشعار وتركه فدل على أنه ليس بنسك لكنه غير
مكروه لثبوت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الخطابي وغيره اعتلال من كره الإشعار
بأنه من المثلة مردود بل هو باب آخر كالكي وشق أذن الحيوان ليصير علامة وغير ذلك من
الوسم وكالختان والحجامة وشفقة الإنسان على المال عادة فلا يخشى ما توهموه من سريان
434

الجرح حتى يفضي إلى الهلاك ولو كان ذلك هو الملحوظ لقيد الذي كرهه به كأن يقول الإشعار
الذي يفضي بالجرح إلى السراية حتى تهلك البدنة مكروه فكان قريبا وقد كثر تشنيع المتقدمين
على أبي حنيفة في إطلاقه كراهة الإشعار وانتصر له الطحاوي في المعاني فقال لم يكره أبو حنيفة
أصل الإشعار وإنما كره ما يفعل على وجه يخاف منه هلاك البدن كسراية الجرح لا سيما مع
الطعن بالشفرة فأراد سد الباب عن العامة لأنهم لا يراعون الحد في ذلك وأما من كان عارفا
بالسنة في ذلك فلا وفي هذا تعقب على الخطابي حيث قال لا أعلم أحدا كره الإشعار إلا أبا حنيفة
وخالفه صاحباه فقالا بقول الجماعة انتهى وروي عن إبراهيم النخعي أيضا أنه كره الإشعار ذكر
ذلك الترمذي قال سمعت أبا السائب يقول كنا عند وكيع فقال له رجل روي عن إبراهيم النخعي
أنه قال الإشعار مثلة فقال له وكيع أقول لك أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول قال
إبراهيم ما أحقك بأن تحبس انتهى وفيه تعقب علي ابن حزم في زعمه أنه ليس لأبي حنيفة في
ذلك سلف وقد بالغ ابن حزم في هذا الموضع ويتعين الرجوع إلى ما قال الطحاوي فإنه أعلم من غيره
بأقوال أصحابه * (تنبيه) * اتفق من قال بالإشعار بإلحاق البقر في ذلك بالإبل إلا سعيد بن
جبير واتفقوا على أن الغنم لا تشعر لضعفها ولكون صوفها أو شعرها يستر موضع الإشعار وأما
على ما نقل عن مالك فلكونها ليست ذات أسمة والله أعلم (قوله باب من قلد
القلائد بيده) أي الهدايا وله حالان إما أن يسوق الهدي ويقصد النسك فإنما يقلدها
ويشعرها عند إحرامه وإما أن يسوقه ويقيم فيقلدها من مكانه وهو مقتضى حديث الباب
وسيأتي بيان ما يقلد به بعد باب والغرض بهذه الترجمة أنه كان عالما بابتداء التقليد ليترتب عليه
ما بعده قال ابن التين يحتمل أن يكون قول عائشة ثم قلدها بيده بيانا لحفظها للأمر ومعرفتها
به ويحتمل أن تكون أرادت أنه صلى الله عليه وسلم تناول ذلك بنفسه وعلم وقت التقليد ومع ذلك
فلم يمتنع من شئ يمتنع منه المحرم لئلا يظن أحد أنه استباح ذلك قبل أن يعلم بتقليد الهدي (قوله
عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم) كذا للأكثر وسقط عمرو من رواية أبي ذر وعمرة هي
خالة عبد الله الراوي عنها والإسناد كله مدنيون إلا شيخ البخاري (قوله أن زياد بن أبي سفيان)
كذا وقع في الموطأ وكأن شيخ مالك حدث به كذلك في زمن بني أمية وأما بعدهم فما كان يقال له
إلا زياد بن أبيه وقيل استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد وكانت أمه سمية مولاة
الحرث بن كلدة الثقفي تحت عبيد المذكور فولدت زيادا على فراشه فكان ينسب إليه فلما كان
في خلافة معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأن زيادا ولده فاستلحقه معاوية لذلك وزوج
ابنه ابنته وأمر زيادا على العراقين البصرة والكوفة جمعهما له ومات في خلافة معاوية سنة
ثلاث وخمسين * (تنبيه) * وقع عند مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك في هذا الحديث أن ابن
زياد بدل قوله أن زياد بن أبي سفيان وهو وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه قال النووي وجميع من
تكلم على صحيح مسلم والصواب ما وقع في البخاري وهو الموجود عند جميع رواة الموطأ (قوله
حتى ينحر هديه) زاد مسلم في روايته وقد بعثت بهدي فاكتبي إلي بأمرك زاد الطحاوي من رواية
ابن وهب عن مالك أو مري صاحب الهدي أي الذي معه الهدي أي بما يصنع (قوله قالت
عمرة) هو بالسند المذكور وقد روى الحديث المرفوع عن عائشة القاسم وعروة كما مضى
435

قريبا مختصرا ورواه عنها أيضا مسروق وسيأتي في آخر الباب الذي بعده مختصرا وأورده في
الضحايا مطولا وترجم هناك على حكم من أهدى وأقام هل يصير محرما أو لا ولم يترجم به هنا ولفظه
هناك عن مسروق أنه قال يا أم المؤمنين أن رجلا يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر
فيوصي أن تقلد بدنته فلا يزال من ذلك اليوم محرما حتى يحل الناس فذكر الحديث نحوه
ولفظ الطحاوي في حديث مسروق قال قلت لعائشة إن رجالا ههنا يبعثون بالهدي إلى البيت
ويأمرون الذي يبعثون معه بمعلم لهم يقلدها في ذلك اليوم فلا يزالون محرمين حتى يحل الناس
الحديث وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا محدث عن عائشة وقيل
لها إن زيادا إذا بعث بالهدي أمسك عما يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه فقالت عائشة أوله كعبة
يطوف بها قال وحدثنا يعقوب حدثنا هشام عن أبيه بلغ عائشة أن زيادا بعث بالهدي وتجرد
فقالت إن كنت لأفتل قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يبعث بها وهو مقيم عندنا ما يجتنب
شيئا وروى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن
الهدير أنه رأى رجلا متجردا بالعراق فسأل عنه فقالوا أنه أمر بهديه أن يقلد قال ربيعة فلقيت
عبد الله بن الزبير فذكرت له ذلك فقال بدعة ورب الكعبة ورواه ابن أبي شيبة عن الثقفي عن يحيى
ابن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم أن ربيعة أخبره أنه رأى ابن عباس وهو أمير على البصرة في
زمان علي متجردا على منبر البصرة فذكره فعرف بهذا اسم المبهم في رواية مالك قال ابن التين
خالف ابن عباس في هذا جميع الفقهاء واحتجت عائشة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وما روته
في ذلك يجب أن يصار إليه ولعل ابن عباس رجع عنه انتهى فيه قصور شديد فإن ابن عباس
لم ينفرد بذلك بل ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية
عن أيوب وابن المنذر من طريق ابن جريج كلاهما عن نافع أن ابن عمر كان إذا بعث بالهدي
يمسك عما يمسك عنه المحرم إلا أنه لا يلبي ومنهم قيس بن سعد بن عبادة أخرج سعيد بن
منصور من طريق سعيد بن المسيب عنه نحو ذلك وروى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن علي بن
الحسين عن عمر وعلى أنهما قالا في الرجل يرسل ببدنته أنه يمسك عما يمسك عنه المحرم وهذا
منقطع وقال ابن المنذر قال عمر وعلي وقيس بن سعد وابن عمر وابن عباس والنخعي وعطاء وابن
سيرين وآخرون من أرسل الهدي وأقام حرم عليه ما يحرم على المحرم وقال ابن مسعود وعائشة
وأنس وابن الزبير وآخرون لا يصير بذلك محرما وإلى ذلك صار فقهاء الأمصار ومن حجة الأولين
ما رواه الطحاوي وغيره من طريق عبد الملك بن جابر عن أبيه قال كنت جالسا عند النبي صلى الله
عليه وسلم فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه وقال أني أمرت ببدني التي بعثت بها
أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من
رأسي الحديث وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده إلا أن نسبة ابن عباس إلى التفرد بذلك خطأ وقد
ذهب سعيد بن المسيب إلى أنه لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم إلا الجماع ليلة جمع رواه ابن أبي
شيبة عنه بإسناد صحيح نعم جاء عن الزهري ما يدل على أن الأمر استقر على خلاف ما قال ابن عباس
ففي نسخة أبي وابنه عن شعيب عنه وأخرجه البيهقي من طريقه قال أول من كشف العمي عن
الناس وبين السنة في ذلك عائشة فذكر الحديث عن عروة وعمرة عنها قال فلما بلغ الناس
436

قول عائشة أخذوا به وتركوا فتوى ابن عباس وذهب جماعة من فقهاء الفتوى إلى أن من
أراد النسك صار بمجرد تقليده الهدي محرما حكاه ابن المنذر عن الثوري وأحمد وإسحق قال
وقال أصحاب الرأي من ساق الهدي وأم البيت ثم قلد وجب عليه الإحرام قال وقال الجمهور
لا يصير بتقليد الهدي محرما ولا يجب عليه شئ ونقل الخطابي عن أصحاب الرأي مثل قول ابن
عباس وهو خطأ عليهم فالطحاوي أعلم بهم منه ولعل الخطابي ظن التسوية بين المسألتين (قوله
بيدي) فيه رفع مجاز أن تكون أرادت أنها فتلت بأمرها (قوله مع أبي) بفتح الهمزة وكسر
الموحدة الخفيفة تريد بذلك أباها أبا بكر الصديق واستفيد من ذلك وقت البعث وأنه كان في سنة
تسع عام حج أبو بكر بالناس قال ابن التين أرادت عائشة بذلك علمها بجميع القصة ويحتمل أن تريد
أنه آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حج في العام الذي يليه حجة الوداع لئلا يظن ظان أن ذلك
كان في أول الإسلام ثم نسخ فأرادت إزالة هذا اللبس وأكملت ذلك بقولها فلم يحرم عليه شئ
كان له حلا حتى نحر الهدي أي وانقضى أمره ولم يحرم وترك إحرامه بعد ذلك أخرى وأولى لأنه
إذا انتفى في وقت الشبهة فلأن ينتفي عند انتفاء الشبهة أولى وحاصل اعتراض عائشة علي ابن
عباس أنه ذهب إلى ما أفتى به قياسا للتولية في أمر الهدي على المباشرة له فبينت عائشة أن هذا
القياس لا اعتبار له في مقابلة هذه السنة الظاهرة وفي الحديث من الفوائد تناول الكبير الشئ
بنفسه وإن كان له من يكفيه إذا كان مما يهتم به ولا سيما ما كان من إقامة الشرائع وأمور الديانة
وفيه تعقب بعض العلماء على بعض ورد الاجتهاد بالنص وأن الأصل في أفعاله صلى الله عليه
وسلم التأسي به حتى تثبت الخصوصية (قوله باب تقليد الغنم) قال ابن المنذر
أنكر مالك وأصحاب الرأي تقليدها زاد غيره وكأنهم لم يبلغهم الحديث ولم نجد لهم حجة إلا قول
بعضهم أنها تضعف عن التقليد وهي حجة ضعيفة لأن المقصود من التقليد العلامة وقد اتفقوا
على أنها لا تشعر لأنها تضعف عنه فتقلد بما لا يضعفها والحنفية في الأصل يقولون ليست الغنم
من الهدي فالحديث حجة عليهم من جهة أخرى وقال ابن عبد البر احتج من لم ير باهداء الغنم
بأنه صلى الله عليه وسلم حج مرة واحدة ولم يهد فيها غنما انتهى وما أدري ما وجه الحجة منه
لأن حديث الباب دال على أنه أرسل بها وأقام وكان ذلك قبل حجته قطعا فلا تعارض بين الفعل
والترك لأن مجرد الترك لا يدل على نسخ الجواز ثم من الذي صرح من الصحابة بأنه لم يكن في هداياه
في حجته غنم حتى يسوغ الاحتجاج بذلك ثم ساق ابن المنذر من طريق عطاء وعبيد الله بن أبي
يزيد وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهم قالوا رأينا الغنم تقدم مقلدة ولابن أبي شيبة عن ابن عباس
نحوه والمراد بذلك الرد على من ادعى الإجماع على ترك إهداء الغنم وتقلدها وأعل بعض المخالفين
حديث الباب بأن الأسود تفرد عن عائشة بتقليد الغنم دون بقية الرواة عنها من أهل بيتها
وغيرهم قال المنذري وغيره وليست هذه بعلة لأنه حافظ ثقة لا يضره التفرد (قوله حدثنا عبد
الواحد) هو ابن زياد وإنما أردف البخاري بطريقه طريق أبي نعيم مع أن طريق أبي نعيم عنده أعلى
درجة لتصريح الأعمش بالتحديث عن إبراهيم في رواية عبد الواحد مع أن في رواية عبد الواحد
زيادة التقليد وزيادة إقامته في أهله حلالا ثم أردفه برواية منصور عن إبراهيم استظهارا لرواية
عبد الواحد لما في حفظ عبد الواحد عندهم وإن كان هو عنده حجة وأما اردافه برواية مسروق
437

مع أنه لا تصريح فيها بكون القلائد للغنم فلأن لفظ الهدي أعم من أن يكون لغنم أو غيرها
فالغنم فرد من أفراد ما يهدى وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أهدى الإبل وأهدى البقر فمن ادعى
اختصاص الإبل بالتقليد فعليه البيان وعامر في طريق مسروق هو الشعبي وزكريا الراوي
عنه هو ابن أبي زائدة وقد ذكرت في الباب الذي قبله أنه أخرج طريق مسروق من وجه آخر
عن الشعبي مطولا (قوله باب القلائد من العهن) بكسر المهملة وسكون الهاء
أي الصوف وقيل هو المصبوغ منه وقيل هو الأحمر خاصة (قوله عن أم المؤمنين) هي عائشة
بينه يحيى بن حكيم عن معاذ أخرجه أبو نعيم في المستخرج وكذا وقعت تسميتها عند الإسماعيلي
من وجه آخر عن ابن عون (قوله فتلت قلائدها) أي الهدايا وفي رواية يحيى المذكورة أنا فتلت
تلك القلائد ولمسلم من وجه آخر عن ابن عون مثله وزاد فأصبح فينا حلالا يأتي ما يأتي الحلال من
أهله وفيه رد على من كره القلائد من الأوبار واختار أن تكون من نبات الأرض وهو منقول عن
ربيعة ومالك وقال ابن التين لعله أراد أنه الأولى مع القول بجواز كونها من الصوف والله أعلم
(قوله باب تقليد النعل) يحتمل أن يريد الجنس ويحتمل أن يريد الوحدة أي النعل
الواحدة فيكون فيه إشارة إلى من اشترط نعلين وهو قول الثوري وقال غيره تجزئ الواحدة وقال
آخرون لا تتعين النعل بل كل ما قام مقامها أجزأ حتى أذن الإداوة ثم قيل الحكمة في تقليد النعل
أن فيه إشارة إلى السفر والجد فيه فعلى هذا يتعين والله أعلم وقال ابن المنير في الحاشية الحكمة
فيه أن العرب تعتد النعل مركوبة لكونها تقي عن صاحبها وتحمل عنه وعر الطريق وقد كنى
بعض الشعراء عنها بالناقة فكأن الذي أهدى خرج عن مركوبه لله تعالى حيوانا وغيره كما خرج
حين أحرم عن ملبوسه ومن ثم استحب تقليد نعلين لا واحدة وهذا هو الأصل في نذر المشي حافيا
إلى مكة (قوله حدثنا محمد) كذا للأكثر غير منسوب ولابن السكن محمد بن سلام ولأبي ذر
محمد هو ابن سلام ورجح أبو علي الجياني أنه محمد بن المثنى لأن المصنف روى عن محمد بن المثنى
عن عبد الأعلى حديثا غير هذا سيأتي قريبا وأيده غيره بأن الإسماعيلي وأبا نعيم أخرجاه في
مستخرجيهما من رواية محمد بن المثنى وليس ذلك بلازم والعمدة على ما قال ابن السكن فإنه حافظ
(قوله عن عكرمة) هو مولى ابن عباس وأما عكرمة بن عمار فهو تلميذ يحيى بن أبي كثير لا شيخه
وقد تقدم الكلام على حديث الباب قبل تسعة أبواب (قوله تابعه محمد بن بشار الخ) المتابع
بالفتح هنا هو معمر والمتابع بالكسر ظاهر السياق أنه محمد بن بشار وفي التحقيق هو علي بن
المبارك وإنما أحتاج معمر عنده إلى المتابعة لأن في رواية البصريين عنه مقالا لكونه حدثهم
بالبصرة من حفظه وهذا من رواية البصريين ولم تقع لي رواية محمد بن بشار موصولة وقد
أخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع عن علي بن المبارك بمتابعة عثمان بن عمرو قال إن حسينا
المعلم رواه عن يحيى بن أبي كثير أيضا (قوله باب الجلال للبدن) بكسر الجيم وتخفيف
اللام جمع جل بضم الجيم وهو ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه (قوله وكان ابن عمر
لا يشق من الجلال إلا موضع السنام فإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدم ثم يتصدق
بها) هذا التعليق وصل بعضه مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يشق جلال بدنه
وعن نافع أن ابن عمر كان يجلل بدنه القباطي والحلل ثم يبعث بها إلى الكعبة فيكسوها إياها
438

وعن مالك أنه سأل عبد الله بن دينار ما كان ابن عمر يصنع بجلال بدنه حين كسيت الكعبة هذه
الكسوة قال كان يتصدق بها وقال البيهقي بعد أن أخرجه من طريق يحيى بن بكير عن مالك
زاد فيه غيره عن مالك إلا موضع السنام إلى آخر الأثر المذكور قال المهلب ليس التصدق بجلال
البدن فرضا وإنما صنع ذلك ابن عمر لأنه أراد أن لا يرجع في شئ أهل به لله ولا في شئ أضيف إليه
انتهى وفائدة شق الجل من موضع السنام ليظهر الإشعار لئلا يستتر ما تحتها وروى ابن المنذر
من طريق أسامة بن زيد عن نافع أن ابن عمر كان يجلل بدنه الأنماط والبرود والحبر حتى يخرج من
المدينة ثم ينزعها فيطويها حتى يكون يوم عرفة فيلبسها إياها حتى ينحرها ثم يتصدق بها قال نافع
وربما دفعها إلى بني شيبة وأورد المصنف حديث علي في التصدق بجلال البدن مختصرا وسيأتي
الكلام عليه مستوفى بعد سبعة أبواب إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * ما في هذه الأحاديث من
استحباب التقليد والإشعار وغير ذلك يقتضي أن إظهار التقرب بالهدي أفضل من إخفائه
والمقرر أن إخفاء العمل الصالح غير الفرض أفضل من إظهاره فأما أن يقال أن أفعال الحج مبنية على
الظهور كالإحرام والطوف والوقوف فكان الإشعار والتقليد كذلك فيخص الحج من عموم
الإخفاء وإما أن يقال لا يلزم من التقليد والإشعار إظهار العمل الصالح لأن الذي يهديها يمكنه
ان يبعثها مع من يقلدها ويشعرها ولا يقول أنها لفلان فتحصل سنة التقليد مع كتمان العمل
وأبعد من استدل بذلك على أن العمل إذا شرع فيه صار فرضا وإما أن يقال أن التقليد جعل علما
لكونها هديا حتى لا يطمع صاحبها في الرجوع فيها (قوله باب من اشترى هديه
من الطريق وقلدها) تقدم قبل ثمانية أبواب من اشترى الهدي من الطريق وأورد فيه حديث
ابن عمر هذا من وجه آخر وإنما زادت هذه الترجمة التقليد وقد تقدم القول فيه مستوفى في باب
من قلد القلائد بيده وحديث ابن عمر يأتي الكلام عليه مستوفى في أبواب المحصر إن شاء الله
تعالى لكن قوله في هذه الرواية عام حجة الحرورية وفي رواية الكشميهني حج الحرورية في عهد ابن
الزبير مغاير لقوله في باب طواف القارن من رواية الليث عن نافع عام نزول الحجاج بابن الزبير لأن
حجة الحرورية كانت في السنة التي مات فيها يزيد بن معاوية سنة أربع وستين وذلك قبل أن
يتسمى ابن الزبير بالخلافة ونزول الحجاج بابن الزبير كان في سنة ثلاث وسبعين وذلك في آخر أيام
ان الزبير فإما أن يحمل على أن الراوي أطلق على الحجاج وأتباعه حرورية لجامع ما بينهم من
الخروج على أئمة الحق وإما أن يحمل على تعدد القصة وقد ظهر من رواية أيوب عن نافع أن القائل
لابن عمر الكلام المذكور هو ولده عبيد الله كما تقدم في باب من اشترى الهدي من الطريق
وسيأتي في أول الإحصار مزيد بيان لذلك إن شاء الله تعالى (قوله باب ذبح الرجل
البقر عن نسائه من غير أمرهن) أما التعبير بالذبح مع أن حديث الباب بلفظ النحر فإشارة إلى
ما ورد في بعض طرقه بلفظ الذبح وسيأتي بعد سبعة أبواب من طريق سليمان بن بلال عن يحيى
ابن سعيد ونحر البقر جائز عند العلماء إلا أن الذبح مستحب عندهم لقوله تعالى إن الله يأمركم أن
تذبحوا بقرة وخالف الحسن بن صالح فاستحب نحرها وأما قوله من غير أمرهن فأخذه من
استفهام عائشة عن اللحم لما دخل به عليها ولو كان ذبحه بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام لكن ليس
ذلك دافعا للاحتمال فيجوز أن يكون علمها بذلك تقدم بأن يكون استأذنهن في ذلك لكن لما
439

أدخل اللحم عليها احتمل عندها أن يكون هو الذي وقع الاستئذان فيه وأن يكون غير ذلك
فاستفهمت عنه لذلك (قوله عن عمرة) في رواية سليمان المذكورة حدثتني عمرة (قوله لا نرى)
بضم النون أي لا نظن وقوله إلا الحج تقدم القول فيه في الكلام على باب التمتع والإفراد والقرآن
وقوله فدخل علينا بضم الدال على البناء المجهول (قوله بلحم بقر) قال ابن بطال أخذ بظاهره
جماعة فأجازوا الاشتراك في الهدي والأضحية ولا حجة فيه لأنه يحتمل أن يكون عن كل واحدة بقرة
وأما رواية يونس عن الزهري عن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن
أزواجه بقرة واحدة فقد قال إسماعيل القاضي تفرد يونس بذلك وقد خالفه غيره اه‍ ورواية يونس
أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما ويونس ثقة حافظ وقد تابعه معمر عند النسائي أيضا ولفظه
أصرح من لفظ يونس قال ما ذبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة وروى النسائي أيضا من
طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر
من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن صححه الحاكم وهو شاهد قوي لرواية الزهري وأما ما رواه
عمار الدهني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت ذبح عنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم حججنا بقرة بقرة أخرجه النسائي أيضا فهو شاذ مخالف لما تقدم وقد رواه المصنف
في الأضاحي ومسلم أيضا من طريق ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ ضحى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر ولم يذكر ما زاده عمار الدهني وأخرجه مسلم أيضا من طريق
عبد العزيز الماجشون عن عبد الرحمن لكن بلفظ أهدى بدل ضحى والظاهر أن التصرف من
الرواة لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية فإن رواية أبي هريرة صريحة
في أن ذلك كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ أهدى وتبين أنه هدي التمتع
فليس فيه حجة على مالك في قوله لا ضحايا على أهل منى وتبين توجيه الاستدلال به على جواز
الاشتراك في الهدي والأضحية والله أعلم واستدل به على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما عمله
عنه بغير أمره ولا علمه وتعقب باحتمال الاستئذان كما تقدم في الكلام على الترجمة وفيه جواز
الأكل من الهدي والأضحية وسيأتي نقل الخلاف فيه بعد سبعة أبواب (قوله قال يحيى) هو ابن
سعيد الأنصاري بالإسناد المذكور كله إليه (قوله فذكرته للقاسم) يعني ابن محمد بن أبي بكر
الصديق (قوله فقال أتتك بالحديث على وجهه) أي ساقته لك سياقا تاما لم تختصر منه شيئا وكأنه
يشير بذلك إلى روايته هو عن عائشة فإنها مختصرة كما قدمت الإشارة إليها في هذا الباب
(قوله باب النحر في منحر النبي صلى الله عليه وسلم بمنى) قال ابن التين منحر النبي صلى
الله عليه وسلم عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد انتهى وكأنه أخذه من أثر أخرجه الفاكهي
من طريق ابن جريج عن طاوس قال كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بمنى عن يسار المصلى
قال وقال غير طاوس من أشياخنا مثله وزاد وأمر بنسائه أن ينزلن جنب الدار بمنى وأمر
الأنصار أن ينزلوا الشعب وراء الدار (قلت) والشعب هو عند الجمرة المذكورة قال ابن التين
وللنحر فيه فضيلة على غيره لقوله صلى الله عليه وسلم هذا المنحر وكل منى منحر انتهى والحديث
المذكور أخرجه مسلم من حديث جابر ولفظه نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم
وهذا ظاهره أن نحره صلى الله عليه وسلم بذلك المكان وقع عن اتفاق لا لشئ يتعلق بالنسك ولكن
440

ابن عمر كان شديد الأتباع وقد روى عمر بن شبة في كتابه من طريق ابن جريج عن عطاء قال كان
ابن عمر لا ينحر إلا بمنى وحكى ابن بطال قول مالك في النحر بمنى للحاج والنحر بمكة للمعتمر وأطال في
تقرير ذلك وترجيحه ولا خلاف في الجواز وإن اختلف في الأفضل (قوله حدثنا إسحاق بن
إبراهيم) هو المعروف بابن راهويه كذلك أخرجه في مسنده وأخرجه من طريقه أبو نعيم (قوله
قال عبيد الله) أي ابن عمر بالإسناد المذكور والمعنى أن مراد نافع بإطلاق المنحر منحر رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقد روى المصنف هذا الحديث في الأضاحي أوضح من هذا ولفظه حدثني
محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا خالد بن الحرث فذكر الحديث قال قال عبيد الله يعني منحر النبي
صلى الله عليه وسلم ولهذا أردفه المصنف هنا بطريق موسى بن عقبة عن نافع المصرحة بإضافة
المنحر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الخبر وأفادت رواية موسى زيادة وقت بعث
الهدي إلى المنحر وأنها من آخر الليل وقوله مع حجاج بضم المهملة جمع حاج وقوله فيهم الحر
والمملوك معناه أنه لا يشترط بعث الهدي مع الأحرار دون الأرقاء وسيأتي في الأضاحي من
طريق كثير بن فرقد عن نافع عن ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى
وهذا محمول على الأضحية بالمدينة (قوله باب من نحر هديه بيده) أورد فيه حديث
أنس مختصرا وفيه نحر النبي صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن وسيأتي بعد باب واحد بتمامه
بالإسناد الذي ساقه هنا سواء وليست هذه الترجمة وحديثها عند أكثر الرواة بل ثبتت لأبي ذر عن
المستملي وحده وفي نسخة الصغاني بعد الترجمة ما نصه حديث سهل بن بكار عن وهيب فاكتفى
بالإشارة (قوله باب نحر الإبل مقيدة) أورد فيه حديث ابن عمر وهو مطابق لما ترجم له
(قوله عن يونس) هو ابن عبيد في رواية الإسماعيلي من طريق محمد بن عبد الأعلى عن يزيد بن
زريع أخبرنا يونس والإسناد سوى الصحابي كلهم بصريون (قوله عن زياد بن جبير) بجيم
وموحدة مصغر بصري تابعي ثقة ليس له في الصحيحين سوى هذا الحديث وحديث آخر أخرجه
المصنف في النذر بهذا الإسناد وأخرجه في الصوم بإسناد آخر إلى يونس بن عبيد وقد سبق
في أوائل الحج حديث غير هذا من طريق زيد بن جبير عن ابن عمر وهو غير زياد بن جبير هذا وليس
أخا له أيضا لأن زيدا طائي كوفي وزياد ثقفي بصري لكنهما اشتركا في الثقة وفي الرواية عن ابن
عمر (قوله أتى على رجل) لم أقف على اسمه (قوله قد أناخ بدنته ينحرها) زاد أحمد عن إسماعيل بن
علية عن يونس لينحرها بمنى (قوله ابعثها) أي أثرها يقال بعثت الناقة أثرتها وقوله قياما أي
عن قيام وقياما مصدر بمعنى قائمة وهي حال مقدرة أو قوله ابعثها أي أقمها أو العامل محذوف
تقديره انحرها وقد وقع في رواية عند الإسماعيلي انحرها قائمة (قوله مقيدة) أي معقولة الرجل
قائمة على ما بقي من قوائمها ولأبو داود من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها وقال سعيد بن منصور حدثنا
هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير رأيت ابن عمر ينحر بدنته وهي معقولة إحدى يديها
(قوله سنة محمد) بنصب سنة بعامل مضمر كالاختصاص أو التقدير متبعا سنة محمد (قلت)
ويجوز الرفع ويدل عليه رواية الحربي في المناسك بلفظ فقال له انحرها قائمة فإنها سنة محمد وفي
هذا الحديث استحباب نحر الإبل على الصفة المذكورة وعن الحنفية يستوي نحرها قائمة
441

وباركة في الفضيلة وفيه تعليم الجاهل وعدم السكوت على مخالفة السنة وإن كان مباحا
وفيه أن قول الصحابي من السنة كذا مرفوع عند الشيخين لاحتجاجهما بهذا الحديث
في صحيحيهما (قوله وقال شعبة عن يونس أخبرني زياد) هذا التعليق أخرجه إسحق بن
راهويه في مسنده قال أخبرنا النضر بن شميل حدثنا شعبة عن يونس سمعت زياد بن جبير يقول
انتهيت مع ابن عمر فإذا رجل قد أضجع بدنته وهو يريد أن ينحرها فقال قياما مقيدة سنة محمد صلى
الله عليه وسلم وقد نسب مغلطاي ومن تبعه تعليق شعبة المذكور لتخريج إبراهيم الحربي عن
عمرو بن مرزوق عن شعبة فراجعته فوجدته فيه عن يونس عن زياد بالعنعنة وليس في ذلك
وفاء بمقصود البخاري فإنه أخرج طريق شعبة لبيان سماع يونس له من زياد وكذا أخرجه أحمد
عن محمد بن جعفر غندر عن شعبة بالعنعنة (قوله باب نحر البدن قائمة) في
رواية الكشميهني قياما (قوله وقال ابن عمر سنة محمد) يشير إلى حديثه في الباب الذي قبله
(قوله وقال ابن عباس صواف قياما) وهكذا ذكره سفيان بن عيينة في تفسيره عن عبيد الله بن
أبي يزيد عنه في تفسير قوله تعالى اذكروا اسم الله عليها صواف قال قياما أخرجه سعيد بن منصور
عن ابن عيينة وأخرجه عبد بن حميد عن أبي نعيم عنه وقوله صواف بالتشديد جمع صافة أي
مصطفة في قيامها ووقع في مستدرك الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله تعالى صوافن
أي قياما على ثلاثة قوائم معقولة وهي قراءة ابن مسعود صوافن بكسر الفاء بعدها نون جمع
صافنة وهي التي رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب (قوله حدثنا سهل بن بكار) الإسناد
إلى آخره بصريون (قوله فبات بها فلما أصبح) في رواية الكشميهني فبات بها حتى أصبح وقد تقدم
الكلام عليه في أوائل الحج والمراد منه هنا قوله ونحر بيده سبع بدن قياما كذا في رواية أبي ذر 2
وفي رواية كريمة وغيرها سبعة بدن فقيل في توجيهها أراد أبعرة فلذا ألحق بها الهاء والجمع بينه
وبين ما قبله واضح وسيأتي بيان ما نحره وعدده في حديث علي إن شاء الله تعالى قريبا ويأتي
الكلام على حديث التضحية بالكبشين في كتاب الأضاحي (قوله في الطريق الثانية وعن
أيوب عن رجل عن أنس) المراد به بيان اختلاف إسماعيل بن علية ووهيب على أيوب فيه فساقه
وهيب عنه بإسناد واحد وفصل إسماعيل بعضه فقال عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس وقال في
بعضه عن أيوب عن رجل عن أنس قال الداودي لو كان كله عند أيوب عن أبي قلابة ما أبهمه
وقال ابن التين يحتمل أن يكون إسماعيل شك فيه أو نسيه ووهيب ثقة فقد جزم بأن جميع
الحديث عنه وقد تقدم الكلام على شئ من هذا في باب التسبيح والتحميد في أوائل الجح
* (تنبيه) * حكى ابن بطال عن المهلب أنه وقع عنده هنا فلما أهل لنا بهما جميعا قال ومعناه أمر من
أهل بالقرآن لأنه هو كان مفردا فمعنى أهل لنا أي أباح لنا الإهلال فكان ذلك أمرا وتعليما لهم
كيف يهلون وإلا فما معنى لنا في هذا الموضع انتهى ولم أقف في شئ من الروايات التي اتصلت لنا في
هذا الحديث ولا في غيره على ما ذكر وإنما الذي في أصولنا فلما علا على البيداء لبى بهما جميعا
ولعله وقع في نسخته فلما علا على البيداء أهل وفي أخرى لبى فكتبت لبى بألف فصارت صورتها لنا
بنون خفيفة وجمع بينها وبين الرواية الأخرى فصارت أهل لنا ولا وجود لذلك في شئ من الطرق
(قوله باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئا) فاعل يعطى محذوف أي
442

صاحب الهدي والجزار منصوب على المفعولية وروى بفتح الطاء والجزار بالرفع (قوله
أخبرنا سفيان) هو الثوري (قوله عن عبد الرحمن) سيأتي في الباب الذي بعده التصريح
بالأخبار بين مجاهد وعبد الرحمن وبين عبد الرحمن وعلي (قوله وقال سفيان) هو المذكور
بالإسناد المذكور وليس معلقا وقد وصله النسائي قال أخبرنا إسحق بن منصور حدثنا عبد
الرحمن هو ابن مهدي حدثنا سفيان وعبد الكريم المذكور هو الجزري كما في الرواية التي في الباب
بعده (قوله فقمت على البدن) أي التي أرصدها للهدي وفي الرواية الأخرى أن أقوم على البدن
أي عند نحرها أو للاحتفاظ بها ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك أي على مصالحها في علفها
ورعيها وسقيها وغير ذلك ولم يقع في هذه الرواية عدد البدن لكن وقع في الرواية الثالثة أنها مائة
بدنة ولأبي داود من طريق ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد نحر النبي صلى الله عليه وسلم
ثلاثين بدنة وأمرني فنحرت سائرها وأصح منه ما وقع عند مسلم في حديث جابر الطويل فإن فيه
ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا فنحر ما غبر
وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببعضة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من
مرقها فعرف بذلك أن البدن كانت مائة بدنة وأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر منها ثلاثا وستين
ونحر علي الباقي والجمع بينه وبين رواية ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثين ثم أمر عليا أن
ينحر فنحر سبعا وثلاثين مثلا ثم نحر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا وثلاثين فإن ساغ هذا الجمع وإلا
فما في الصحيح أصح (قوله ولا أعطي عليها شيئا في جزارتها) وكذا قوله في الرواية التي في الباب بعده
(ولا يعطي في جزارتها شيئا) ظاهرهما أن لا يعطي الجزار شيئا البتة وليس ذلك المراد بل المراد أن
لا يعطي الجزار منها شيئا كما وقع عند مسلم وظاهره مع ذلك غير مراد بل بين النسائي في روايته من
طريق شعيب بن إسحاق عن ابن جريج أن المراد منع عطية الجزار من الهدي عوضا عن أجرته
ولفظه ولا يعطى في جزارتها منها شئ واختلف في الجزارة فقال ابن التين الجزارة بالكسر اسم
للفعل وبالضم اسم للسواقط فعلى هذا فينبغي أن يقرأ بالكسر وبه صحت الرواية فإن صحت بالضم
جاز أن يكون المراد لا يعطى من بعض الجزور أجرة الجزار وقال ابن الجوزي وتبعه المحب
الطبري الجزارة بالضم اسم لما يعطي كالعمالة وزنا ومعنى وقيل هو بالكسر كالحجامة والخياطة
وجوز غيره الفتح وقال ابن الأثير الجزارة بالضم كالعمالة ما يأخذه الجزار من الذبيحة عن أجرته
وأصلها أطراف البعير الرأس واليدان والرجلان سميت بذلك لأن الجزار كان يأخذها عن أجرته
(قوله باب يتصدق بجلود الهدي) أورد فيه حديث علي من رواية ابن جريج
عن عبد الكريم الجزري وهو ابن مالك والحسن بن مسلم وهو المكي جميعا عن مجاهد وساقه
بلفظ الحسن بن مسلم وأما لفظ عبد الكريم فقد أخرجه مسلم من طريق ابن أبي خيثمة زهير بن
معاوية عنه نحوه وزاد وقال نحن نعطيه من عندنا (قوله وأن يقسم بدنه) بسكون الدال المهملة
ويجوز ضمها (قوله لحومها وجلودها وجلالها) زاد ابن خزيمة من هذا الوجه في روايته على
المساكين (قوله ولا يعطى في جزارتها شيئا) زاد مسلم وابن خزيمة ولا يعطى في جزارتها منها شيئا
قال ابن خزيمة المراد بقوله يقسمها كلها على المساكين إلا ما أمر به من كل بدنة ببضعة فطبخت كما
في حديث جابر يعني الطويل عند مسلم كما تقدم التنبيه عليه قال والنهي عن إعطاء الجزار
443

المراد به أن لا يعطى منها عن أجرته وكذا قال البغوي في شرح السنة قال وأما إذا أعطي أجرته
كاملة ثم تصدق عليه إذا كان فقيرا كما يتصدق على الفقراء فلا بأس بذلك وقال غيره إعطاء
الجزار على سبيل الأجرة ممنوع لكونه معاوضة وأما إعطاؤه صدقة أو هدية أو زيادة على حقه
فالقياس الجواز ولكن إطلاق الشارع ذلك قد يفهم منه منع الصدقة لئلا تقع مسامحة في
الأجرة لأجل ما يأخذه فيرجع إلى المعاوضة قال القرطبي ولم يرخص في إعطاء الجزار منها في
أجرته إلا الحسن البصري وعبد الله بن عبيد بن عمير واستدل به على منع بيع الجلد قال
القرطبي فيه دليل على أن جلود الهدي وجلالها لا تباع لعطفها على اللحم واعطائها حكمه وقد
اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذلك الجلود والجلال وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحق وأبو ثور وهو
وجه عند الشافعية قالوا ويصرف ثمنه مصرف الأضحية واستدل أبو ثور على أنهم اتفقوا على
جواز الانتفاع به وكل ما جاز الانتفاع به جاز بيعه وعورض باتفاقهم على جواز الأكل من لحم
هدي التطوع ولا يلزم من جواز أكله جواز بيعه وسيأتي الكلام على الأكل منها في الباب الذي
بعده وأقوى من ذلك في رد قوله ما أخرجه أحمد في حديث قتادة بن النعمان مرفوعا لا تبيعوا
لحوم الأضاحي والهدي وتصرفوا وكلوا واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوا وإن أطعمتم من
لحومها فكلوا إن شئتم (قوله باب يتصدق بجلال البدن) أورد فيه حديث
علي من طريق أخرى عن مجاهد وقد تقدم الكلام عليه قبل أبواب في باب الجلال للبدن وفي
حديث علي من الفوائد سوق الهدي والوكالة في نحر الهدي والاستئجار عليه والقيام عليه
وتفرقته والاشراك فيه وأن من وجب عليه شئ لله فله تخليصه ونظيره الزرع يعطى عشره
ولا يحسب شيئا من نفقته على المساكين (قوله باب وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت
أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك
رجالا) وقوله (إلى قوله خير له عند ربه) وقع سياق الآيات كلها في رواية كريمة والمراد منها هنا
قوله تعالى فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ولذلك عطف عليها في الترجمة وما يأكل من
البدن وما يتصدق أي بيان المراد من الآية (قوله وقال عبيد الله) هو ابن عمر العمري (أخبرني
نافع عن ابن عمر لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر ويؤكل مما سوى ذلك) وصله ابن أبي شيبة عن
ابن نمير عنه بمعناه قال إذا عطبت البدنة أو كسرت أكل منها صاحبها ولم يبدلها إلا أن تكون
نذرا أو جزاء صيد ورواه الطبري من طريق القطان عن عبيد الله بلفظ التعليق المذكور وهذا
القول إحدى الروايتين عن أحمد وهو قول مالك وزاد إلا فدية الأذى والرواية الأخرى عن
أحمد ولا يؤكل إلا من هدي التطوع والتمتع والقرآن وهو قول الحنفية بناء على أصلهم أن دم
التمتع والقرآن دم نسك لا دم جبران (قوله وقال عطاء يأكل ويطعم من المتعة) هذا التعليق
وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه وروى سعيد بن منصور من وجه آخر عن عطاء لا يؤكل
من جزاء الصيد ولا مما يجعل للمساكين من النذر وغير ذلك ولا من الفدية ويؤكل مما سوى
ذلك وروى عبد بن حميد من وجه آخر عنه إن شاء أكل من الهدي والأضحية وإن شاء لم يأكل
ولا تخالف بين هذه الآثار عن عطاء فإن حاصلها ما دل عليه الأثر الثاني وزعم ابن القصار
المالكي أن الشافعي تفرد بمنع الأكل من دم التمتع * (تنبيه) * وقع في رواية كريمة بعد قوله فهو
خير له عند ربه وقبل قوله وما يأكل من البدن وما يتصدق لفظ باب وسقط من رواية أبي ذر وهو
444

الصواب (قوله كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى) بإضافة ثلاث إلى منى وسيأتي
الكلام عليه مستوفى إن شاء الله تعالى في أواخر كتاب الأضاحي وهو من الحكم المتفق على
نسخه (قوله سليمان) هو ابن بلال ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري والإسناد كله مدنيون وخالد
وإن كان أصله كوفيا فقد سكن المدينة مدة وقد تقدم الكلام على حديث عائشة هذا في باب
ذبح الرجل البقر عن نسائه وقوله في رواية سليمان هذه حتى إذا دنونا من مكة أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت ثم يحل كذا للأكثر من طريق الفربري
وكذا وقع في رواية النسفي لكن جعل على قوله ثم ضبة ووقع في رواية أبي ذر بلفظ أن بدل ثم
ولا اشكال فيها وكذا أخرجه مسلم عن القعنبي عن سليمان بن بلال بلفظ أن يحل وزاد قبلها إذا
طاف بالبيت وبين الصفا والمروة وقد شرحه الكرماني على لفظ ثم فقال جواب إذا محذوف
والتقدير يتم عمرته ثم يحل قال ويجوز أن يكون جواب من ثم محذوفا ويجوز أن تكون ثم
زائدة كما قال الأخفش في قوله تعالى أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم أن تاب جواب حتى
إذا (قلت) وكله تكلف وقد تبين من رواية مسلم أن التغيير من بعض الرواة ولا سيما وقد وقع مثله
في رواية أبي ذر الهروي وتقدمت رواية مالك قريبا ومثلها في الجهاد وكذا للإسماعيلي من
وجه آخر عن يحيى بن سعيد وهو الصواب (قوله باب الذبح قبل الحلق) أورد
فيه حديث السؤال عن الحلق قبل الذبح ووجه الاستدلال به لما ترجم له أن السؤال عن ذلك
دال على أن السائل عرف أن الحكم على عكسه وقد أورد حديث ابن عباس من طرق ثم حديث
أبي موسى فأما الطريق الأولى لحديث ابن عباس فمن طريق منصور بن زاذان عن عطاء عنه
بلفظ سئل عمن حلق قبل أن يذبح ونحوه والثانية من طريق أبي بكر وهو ابن عياش عن عبد
العزيز بن رفيع عن عطاء عن ابن عباس فذكر فيه الزيارة قبل الرمي والحلق قبل الذبح والذبح
قبل الرمي وعرف به المراد بقوله في رواية منصور ونحوه والثالثة من رواية ابن خثيم عن عطاء
(قوله وقال عبد الرحيم بن سليمان عن ابن خثيم) 2 وهو عبد الله بن عثمان وهذه الرواية المعلقة
وصلها الإسماعيلي من طريق الحسن بن حماد عنه ولفظه أن رجلا قال يا رسول الله طفت
بالبيت قبل أن أرمي قال إرم ولا حرج وصله الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن محمد بن عمرو
الأشعثي عن عبد الرحيم وقال تفرد به عبد الرحيم عن ابن خثيم كذا قال والرواية التي تلي هذه
ترد عليه وعرف بهذا أن مراد البخاري أصل الحديث لا خصوص ما ترجم به من الذبح قبل
الحلق (قوله وقال القاسم بن يحيى حدثني ابن خثيم) لم أقف على طريقه موصولة (قوله وقال
عفان أراه عن وهيب حدثنا ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) القائل أراه هو البخاري
فقد أخرجه أحمد عن عفان بدونها ولفظه جاء رجل فقال يا رسول الله حلقت ولم أنحر قال
لا حرج فانحر وجاءه آخر فقال يا رسول الله نحرت قبل أن أرمي قال فارم ولا حرج وزعم خلف أن
445

البخاري قال فيه حدثنا عفان والمراد بهذا التعليق بيان الاختلاف فيه علي ابن خثيم هل شيخه
فيه عطاء أو سعيد بن جبير كما اختلف فيه على عطاء هل شيخه فيه ابن عباس أو جابر فالذي يتبين
من صنيع البخاري ترجيح كونه عن ابن عباس ثم كونه عن عطاء وأن الذي يخالف ذلك شاذ وإنما
قصد بإيراده بيان الاختلاف وفي رواية عفان هذه الدلالة على تعدد السائلين عن الأحكام
المذكورة (قوله وقال حماد يعني ابن سلمة الخ) هذه الطريق وصلها النسائي والطحاوي
والإسماعيلي وابن حبان من طرق عن حماد بن سلمة به نحو سياق عبد العزيز بن رفيع والطريق
الرابعة من طريق عكرمة عن ابن عباس (قوله عبد الأعلى) هو ابن عبد الأعلى وخالد هو الحذاء
وكأن البخاري استظهر به لما وقع في طريق عطاء من الاختلاف فأراد أن يبين أن لحديث ابن
عباس أصلا آخر وفي طريق عكرمة هذه زيادة حكم الرمي بعد المساء فإن فيه إشعارا بأن الأصل
في الرمي أن يكون نهارا وسيأتي الكلام على حكم هذه المسألة بعد أربعة أبواب وأما حديث أبي
موسى فقد تقدم الكلام عليه في باب التمتع والقرآن ومطابقته للترجمة من قول عمر فيه لم يحل
حتى بلغ الهدي محله لأن بلوغ الهدي محله يدل على ذبح الهدي فلو تقدم الحلق عليه لصار
متحللا قبل بلوغ الهدي محله وهذا هو الأصل وهو تقديم الذبح على الحلق وأما تأخيره فهو
رخصة كما سيأتي (قوله ففلت) بفاء التعقيب بعدها فاء ثم لام خفيفة مفتوحتين ثم مثناة أي
تتبعت القمل منه (قوله باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق) أي بعد ذلك
عند الاحلال قيل أشار بهذه الترجمة إلى الخلاف فيمن لبد هل يتعين عليه الحلق أو لا فنقل ابن
بطال عن الجمهور تعين ذلك حتى عن الشافعي وقال أهل الرأي لا يتعين بل إن شاء قصر اه‍ وهذا
قول الشافعي في الجديد وليس للأول دليل صريح وأعلى ما فيه ما سيأتي في اللباس عن عمر من
ضفر رأسه فليحلق وأورد المصنف في هذا الباب حديث حفصة وفيه أني لبدت رأسي وليس فيه
تعرض للحلق إلا أنه معلوم من حاله صلى الله عليه وسلم أنه حلق رأسه في حجه وقد ورد ذلك صريحا
في حديث ابن عمر كما في أول الباب الذي بعده وأردفه ابن بطال بحديث حفصة فجعله من هذا
الباب لمناسبته للترجمة وقد قلت غير مرة إنه لا يلزمه أن يأتي بجميع ما اشتمل عليه الحديث في
الترجمة بل إذا وجدت واحدة كفت وقد تقدم الكلام على حديث حفصة في باب التمتع والقرآن
(قوله باب الحلق والتقصير عند الإحلال) قال ابن المنير في الحاشية أفهم البخاري
بهذه الترجمة أن الحلق نسك لقوله عند الإحلال وما يصنع عند الإحلال وليس هو نفس التحلل
وكأنه استدل على ذلك بدعائه صلى الله عليه وسلم لفاعله والدعاء يشعر بالثواب والثواب لا يكون
إلا على العبادة لا على المباحات وكذلك تفضيله الحلق على التقصير يشعر بذلك لأن المباحات
لا تتفاضل والقول بأن الحلق نسك قول الجمهور إلا رواية مضعفة عن الشافعي أنه استباحة
محظور وقد أوهم كلام ابن المنذر أن الشافعي تفرد بها لكن حكيت أيضا عن عطاء وعن أبي
يوسف وهي رواية عن أحمد وعن بعض المالكية وسيأتي ما فيه بعد بابين ثم ذكر المصنف في
446

الباب لابن عمر ثلاثة أحاديث ولأبي هريرة حديثا ولابن عباس حديثا * فالحديث الأول لابن
عمر من طريق شعيب بن أبي حمزة قال قال نافع كان ابن عمر يقول حلق رسول الله صلى الله عليه
وسلم في حجته وهذا طرف من حديث طويل أوله لما نزل الحجاج بابن الزبير الحديث نبه على ذلك
الإسماعيلي * والحديث الثاني لابن عمر في الدعاء للمحلقين وسيأتي بسطه * والحديث الثالث لابن
عمر من طريق جويرية بن أسماء عن نافع أن عبد الله وهو ابن عمر قال حلق النبي صلى الله عليه
وسلم وطائفة من أصحابه وقصر بعضهم وكأن البخاري لم يقع له على شرطه التصريح بمحل الدعاء
للمحلقين فاستنبط من الحديث الأول والثالث أن ذلك كان في حجة الوداع لأن الأول صرح بأن
حلاقه وقع في حجته والثالث لم يصرح بذلك إلا أنه بين فيه أن بعض الصحابة حلق وبعضهم قصر
وقد أخرجه في المغازي من طريق موسى بن عقبة عن نافع بلفظ حلق في حجة الوداع وأناس من
أصحابه وقصر بعضهم وأخرج مسلم من طريق الليث بن سعد عن نافع مثل حديث جويرية
سواء وزاد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يرحم الله المحلقين فأشعر ذلك بأن ذلك وقع في
حجة الوداع وسنذكر البحث فيه مع ابن عبد البر هنا إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * أفاد ابن
خزيمة في صحيحه من الوجه الذي أخرجه البخاري منه في المغازي من طريق موسى بن عقبة عن
نافع متصلا بالمتن المذكور قال وزعموا أن الذي حلقه معمر بن عبد الله بن نضلة وبين أبو
مسعود في الأطراف أن قائل وزعموا ابن جريج الراوي له عن موسى بن عقبة (قوله قالوا
والمقصرين يا رسول الله) لم أقف في شئ من الطرق على الذي تولى السؤال في ذلك بعد البحث
الشديد والواو في قوله والمقصرين معطوفة على شئ محذوف تقديره قل والمقصرين أو قل وارحم
المقصرين وهو يسمى العطف التلقيني وفي قوله صلى الله عليه وسلم والمقصرين إعطاء المعطوف
حكم المعطوف عليه ولو تخلل بينهما السكوت لغير عذر (قوله قال والمقصرين) كذا في معظم
الروايات عن مالك إعادة الدعاء للمحلقين مرتين وعطف المقصرين عليهم في المرة الثالثة وانفرد
يحيى بن بكير دون رواة الموطأ بإعادة ذلك ثلاث مرات نبه عليه ابن عبد البر في التقصي وأغفله في
التمهيد بل قال فيه إنهم لم يختلفوا على مالك في ذلك وقد راجعت أصل سماعي من موطأ يحيى بن
بكير فوجدته كما قال في التقصي (قوله وقال الليث) وصله مسلم ولفظه رحم الله المحلقين مرة
أو مرتين قالوا والمقصرين قال والمقصرين والشك فيه من الليث وإلا فأكثرهم موافق لما
رواه مالك (قوله وقال عبيد الله) بالتصغير وهو العمري وروايته وصلها مسلم من رواية عبد
الوهاب الثقفي عنه باللفظ الذي علقه البخاري وأخرجه أيضا عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه
عنه بلفظ رحم الله المحلقين قالوا والمقصرين فذكر مثل رواية مالك سواء وزاد قال رحم الله
المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال والمقصرين وبيان أن كونها في الرابعة أن قوله
والمقصرين معطوف على مقدر تقديره يرحم الله المحلقين وإنما قال ذلك بعد أن دعا للمحلقين
ثلاث مرات صريحا فيكون دعاؤه للمقصرين في الرابعة وقد رواه أبو عوانة في مستخرجه من
طريق الثوري عن عبيد الله بلفظ قال في الثالثة والمقصرين والجمع بينهما واضح بأن من قال
في الرابعة فعلى ما شرحناه ومن قال في الثالثة أراد أن قوله والمقصرين معطوف على الدعوة
الثالثة أو أراد بالثالثة مسئلة السائلين في ذلك وكان صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث كما ثبت
447

ولو لم يدع لهم بعد ثالث مسئلة ما سألوه ذلك وأخرجه أحمد من طريق أيوب عن نافع بلفظ اللهم
اغفر للمحلقين قالوا وللمقصرين حتى قالها ثلاثا أو أربعا ثم قال والمقصرين ورواية من جزم
مقدمة على رواية من شك (قوله حدثنا عياش بن الوليد) هو الرقام بالتحتانية والمعجمة ووقع
في رواية ابن السكن بالموحدة والمهملة وقال أبو علي الجياني الأول أرجح بل هو الصواب وكان
القابسي يشك عن أبي زيد فيه فيهمل ضبطه فيقول عباس أو عياش (قلت) لم يخرج البخاري
للعباس بالموحدة والمهملة ابن الوليد إلا ثلاثة أحاديث نسبه في كل منها النرسي أحدها في
علامات النبوة والآخر في المغازي والثالث في الفتن ذكره معلقا قال وقال عباس النرسي وأما
الذي بالتحتانية والمعجمة فأكثر عنه وفي الغالب لا ينسبه والله أعلم (قوله قالها ثلاثا) أي قوله
اللهم اغفر للمحلقين وهذه الرواية شاهدة لأن عبيد الله العمري حفظ الزيادة * (تنبيه) * لم أر في
حديث أبي هريرة من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير عنه إلا من رواية محمد بن فضيل هذه
بهذا الإسناد في جميع ما وقفت عليه من السنن والمسانيد فهي من أفراده عن عمارة ومن أفراد
عمارة عن أبي زرعة وتابع أبا زرعة عليه عبد الرحمن بن يعقوب أخرجه مسلم من رواية العلاء
ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ولم يسق يسير وساقه أبو عوانة ورواية أبي زرعة أتم
واختلف المتكلمون على هذا الحديث في الوقت الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذلك فقال ابن عبد البر لم يذكر أحد من رواة نافع عن ابن عمر أن ذلك كان يوم الحديبية وهو تقصير
وحذف وإنما جرى ذلك يوم الحديبية حين صد عن البيت وهذا محفوظ مشهور من حديث ابن
عمر وبن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وحبشي بن جنادة وغيرهم ثم أخرج حديث أبي سعيد
بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لأهل الحديبية للمحلقين ثلاثا وللمقصرين
مرة وحديث ابن عباس بلفظ حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم رحم الله المحلقين الحديث وحديث أبي هريرة من طريق محمد بن فضيل الماضي ولم
يسق لفظه بل قال فذكر معناه وتجوز في ذلك فإنه ليس في رواية أبي هريرة تعيين الموضع ولم يقع
في شئ من طرقه التصريح بسماعه لذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ولو وقع لقطعنا بأنه كان في
حجة الوداع لأنه شهدها ولم يشهد الحديبية ولم يسق ابن عبد البر عن ابن عمر في هذا شيئا ولم أقف على
تعيين الحديبية في شئ من الطرق عنه وقد قدمت في صدر الباب أنه مخرج من مجموع الأحاديث
عنه أن ذلك كان في حجة الوداع كما يومئ إليه صنيع البخاري وحديث أبي سعيد الذي أخرجه ابن
عبد البر أخرجه أيضا الطحاوي من طريق الأوزاعي وأحمد وابن أبي شيبة وأبو داود الطيالسي
من طريق هشام الدستوائي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم الأنصاري عن أبي سعيد
وزاد فيه أبو داود أن الصحابة حلقوا يوم الحديبية إلا عثمان وأبا قتادة وأما حديث ابن عباس
فأخرجه ابن ماجة من طريق ابن إسحاق حدثني ابن أبي نجيح عن مجاهد عنه وهو عند ابن إسحاق
في المغازي بهذا الإسناد وأن ذلك كان بالحديبية وكذلك أخرجه أحمد وغيره من طريقه وأما
حديث حبشي بن جنادة فأخرجه ابن أبي شيبة من طريق أبي إسحق عنه ولم يعين المكان
وأخرجه أحمد من هذا الوجه وزاد في سياقه عن حبشي وكان ممن شهد حجة الوداع فذكر هذا
الحديث وهذا يشعر بأنه كان في حجة الوداع وأما قول ابن عبد البر فوهم فقد ورد تعيين الحديبية
448

من حديث جابر عند أبي قرة في السنن ومن طريق الطبراني في الأوسط ومن حديث المسور بن
مخرمة عند ابن إسحاق في المغازي وورد تعيين حجة الوداع من حديث أبي مريم السلولي عند أحمد
وابن أبي شيبة ومن حديث أم الحصين عند مسلم ومن حديث قارب بن الأسود الثقفي عند أحمد
وابن أبي شيبة ومن حديث أم عمارة عند الحرث فالأحاديث التي فيها تعيين حجة الوداع أكثر
عددا وأصح إسنادا ولهذا قال النووي عقب أحاديث ابن عمر وأبي هريرة وأم الحصين هذه
الأحاديث تدل على أن هذه الواقعة كانت في حجة الوداع قال وهو الصحيح المشهور وقيل كان في
الحديبية وجزم بأن ذلك كان في الحديبية إمام الحرمين في النهاية ثم قال النووي لا يبعد أن يكون
وقع في الموضعين انتهى وقال عياض كان في الموضعين ولذا قال ابن دقيق العيد أنه الأقرب
(قلت) بل هو المتعين لتظافر الروايات بذلك في الموضعين كما قدمناه إلا أن السبب في الموضعين
مختلف فالذي في الحديبية كان بسبب توقف من توقف من الصحابة عن الإحلال لما دخل عليهم
من الحزن لكونهم منعوا من الوصول إلى البيت مع اقتدارهم في أنفسهم على ذلك فخالفهم
النبي صلى الله عليه وسلم وصالح قريشا على أن يرجع من العام المقبل والقصة مشهورة كما ستأتي
في مكانها فلما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإحلال توقفوا فأشارت أم سلمة أن يحل هو صلى
الله عليه وسلم قبلهم ففعل فتبعوه فحلق بعضهم وقصر بعض وكان من بادر إلى الحلق أسرع إلى
امتثال الأمر ممن اقتصر على التقصير وقد وقع التصريح بهذا السبب في حديث ابن عباس
المشار إليه قبل فإن في آخره عند ابن ماجة وغيره أنهم قالوا يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم
بالرحمة قال لأنهم لم يشكوا وأما السبب في تكرير الدعاء للمحلقين في حجة الوداع فقال ابن الأثير
في النهاية كان أكثر من حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسق الهدي فلما أمرهم أن
يفسخوا الحج إلى العمرة ثم يتحللوا منها ويحلقوا رؤوسهم شق عليهم ثم لما لم يكن لهم بد من الطاعة
كان التقصير في أنفسهم أخف من الحلق ففعله أكثرهم فرجح النبي صلى الله عليه وسلم فعل من
حلق لكونه أبين في امتثال الأمر انتهى وفيما قاله نظر وإن تابعه عليه غير واحد لأن المتمتع
يستحب في حقه أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج إذا كان ما بين النسكين متقاربا وقد كان
ذلك في حقهم كذلك والأولى ما قاله الخطابي وغيره إن عادة العرب أنها كانت تحب توفير الشعر
والتزين به وكان الحلق فيهم قليلا وربما كانوا يرونه من الشهرة ومن زي الأعاجم فلذلك كرهوا
الحلق واقتصروا على التقصير وفي حديث الباب من الفوائد أن التقصير يجزئ عن الحلق وهو
مجمع عليه إلا ما روي عن الحسن البصري أن الحلق يتعين في أول حجة حكاه ابن المنذر بصيغة
التمريض وقد ثبت عن الحسن خلافه قال ابن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى عن هشام عن الحسن
في الذي لم يحج قط فإن شاء حلق وإن شاء قصر نعم روى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال إذا حج
الرجل أول حجة حلق فإن حج أخرى فإن شاء حلق وإن شاء قصر ثم روى عنه أنه قال كانوا يحبون
أن يحلقوا في أول حجة وأول عمرة انتهى وهذا يدل على أن ذلك للاستحباب لا للزوم نعم عند
المالكية والحنابلة أن محل تعيين الحلق والتقصير أن لا يكون المحرم لبد شعره أو ضفره أو عقصه
وهو قول الثوري والشافعي في القديم والجمهور وقال في الجديد وفاقا للحنفية لا يتعين إلا إن
نذره أو كان شعره خفيفا لا يمكن تقصيره أو لم يكن له شعر فيمر الموسى على رأسه وأغرب الخطابي
449

فاستدل بهذا الحديث لتعين الحلق لمن لبد ولا حجة فيه وفيه أن الحلق أفضل من التقصير ووجهه
أنه أبلغ في العبادة وأبين للخضوع والذلة وأدل على صدق النية والذي يقصر يبقي على نفسه شيئا
مما يتزين به بخلاف الحالق فإنه يشعر بأنه ترك ذلك لله تعالى وفيه إشارة إلى التجرد ومن ثم استحب
الصلحاء إلقاء الشعور عند التوبة والله أعلم وأما قول النووي تبعا لغيره في تعليل ذلك بأن المقصر
يبقي على نفسه الشعر الذي هو زينة والحاج مأمور بترك الزينة بل هو أشعث أغبر ففيه نظر
لأن الحلق إنما يقع بعد انقضاء زمن الأمر بالتقشف فإنه يحل له عقبه كل شئ إلا النساء في الحج
خاصة واستدل بقوله المحلقين على مشروعية حلق جميع الرأس لأنه الذي تقتضيه الصيغة
وقال بوجوب حلق جميعه مالك وأحمد واستحبه الكوفيون والشافعي ويجزئ البعض عندهم
واختلفوا فيه فعن الحنفية الربع إلا أبا يوسف فقال النصف وقال الشافعي أقل ما يجب حلق
ثلاث شعرات وفي وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة والتقصير كالحلق فالأفضل أن يقصر من
جميع شعر رأسه ويستحب أن لا ينقص عن قدر الأنملة وإن اقتصر على دونها أجزأ هذا
للشافعية وهو مرتب عند غيرهم على الحلق وهذا كله في حق الرجال وأما النساء فالمشرع
في حقهن التقصير بالإجماع وفيه حديث لابن عباس عند أبي داود ولفظه ليس على النساء حلق
وإنما على النساء التقصير وللترمذي من حديث علي نهى أن تحلق المرأة رأسها وقال جمهور
الشافعية لو حلقت أجزأها ويكره وقال القاضيان أبو الطيب وحسين لا يجوز والله أعلم
وفي الحديث أيضا مشروعية الدعاء لمن فعل ما شرع له وتكرار الدعاء لمن فعل الراجح من الأمرين
المخير فيهما والتنبيه بالتكرار على الرجحان وطلب الدعاء لمن فعل الجائز وإن كان مرجوحا (قوله
عن الحسن بن مسلم) في رواية يحيى بن سعيد عن ابن جريج حدثني الحسن بن مسلم أخرجه مسلم
والإسناد سوى أبي عاصم مكيون وفيه رواية صحابي عن صحابي ومعاوية هو ابن أبي سفيان
الخليفة المشهور (قوله عن معاوية) في رواية مسلم أن معاوية بن أبي سفيان أخبره (قوله
قصرت) أي أخذت من شعر رأسه وهو يشعر بأن ذلك كان في نسك إما في حج أو عمرة وقد ثبت أنه
حلق في حجته فتعين أن يكون في عمرة ولا سيما وقد روى مسلم في هذا الحديث أن ذلك كان بالمروة
ولفظه قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة أو رأيته يقصر عنه
بمشقص وهو على المروة وهذا يحتمل أن يكون في عمرة القضية أو الجعرانة لكن وقع عند مسلم من
طريق أخرى عن طاوس بلفظ أما علمت أني قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص
وهو على المروة فقلت له لا أعلم هذه إلا حجة عليك وبين المراد في ذلك في رواية النسائي فقال بدل
قوله فقلت له لا الخ يقول ابن عباس وهذه على معاوية أن ينهى الناس عن المتعة وقد تمتع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولأحمد من وجه آخر عن طاوس عن ابن عباس قال تمتع رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى مات الحديث وقال وأول من نهى عنها معاوية قال ابن عباس فعجبت منه وقد
حدثني أنه قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص انتهى وهذا يدل على أن ابن عباس
حمل ذلك على وقوعه في حجة الوداع لقوله لمعاوية إن هذه حجة عليك إذ لو كان في العمرة لما كان
فيه على معاوية حجة وأصرح منه ما وقع عند أحمد من طريق قيس بن سعد عن عطاء أن معاوية
حدث أنه أخذ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العشر بمشقص معي وهو
450

محرم وفي كونه في حجة الوداع نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله فكيف
يقصر عنه على المروة وقد بالغ النووي هنا في الرد على من زعم أن ذلك كان في حجة الوداع فقال
هذا الحديث أمرهم على أن معاوية قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة لأن النبي
صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارنا وثبت أنه حلق بمنى وفرق أبو طلحة شعره بين الناس
فلا يصح حمل تقصير معاوية على حجة الوداع ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع
لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلما إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان هذا هو الصحيح المشهور ولا يصح
قول من حمله على حجة الوداع وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعا لأن هذا غلط فاحش
فقد تظاهرت الأحاديث في مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له ما شأن الناس حلوا من
العمرة ولم تحل أنت من عمرتك فقال أني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر (قلت)
ولم يذكر الشيخ هنا ما مر في عمرة القضية والذي رجحه من كون معاوية إنما أسلم يوم الفتح صحيح
من حيث السند لكن يمكن الجمع بأنه كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره
إلا يوم الفتح وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق من ترجمة معاوية تصريح معاوية بأنه أسلم
بين الحديبية والقضية وأنه كان يخفي إسلامه خوفا من أبويه وكان النبي صلى الله عليه وسلم
لما دخل في عمرة القضية مكة خرج أكثر أهلها عنها حتى لا ينظرونه وأصحابه يطوفون بالبيت
فلعل معاوية كان ممن تخلف بمكة لسبب اقتضاه ولا يعارضه أيضا قول سعد بن أبي وقاص فيما
أخرجه مسلم وغيره فعلناها يعني العمرة في أشهر الحج وهذا يومئذ كافر بالعرش بضمتين يعني
بيوت مكة يشير إلى معاوية لأنه يحمل على أنه أخبر بما استصحبه من حاله ولم يطلع على إسلامه
لكونه كان يخفيه ويعكر على ما جوزوه أن تقصيره كان في عمرة الجعرانة أن النبي صلى الله عليه
وسلم ركب من الجعرانة بعد أن أحرم بعمرة ولم يستصحب أحدا معه إلا بعض أصحابه المهاجرين
فقدم مكة فطاف وسعى وحلق ورجع إلى الجعرانة فأصبح بها كبائت فخفيت عمرته على كثير من
الناس كذا أخرجه الترمذي وغيره ولم يعد معاوية فيمن كان صحبه حينئذ ولا كان معاوية
فيمن تخلف عنه بمكة في غزوة حنين حتى يقال لعله وجده بمكة بل كان مع القوم وأعطاه مثل
ما أعطى أباه من الغنيمة مع جملة المؤلفة وأخرج الحاكم في الإكليل في آخر قصة غزوة حنين أن
الذي حلق رأسه صلى الله عليه وسلم في عمرته التي اعتمرها من الجعرانة أبو هند عبد بني بياضة فإن
ثبت هذا وثبت أن معاوية كان حينئذ معه أو كان بمكة فقصر عنه بالمروة أمكن الجمع بأن يكون
معاوية قصر عنه أولا وكان الحلاق غائبا في بعض حاجته ثم حضر فأمره أن يكمل إزالة الشعر
بالحلق لأنه أفضل ففعل وإن ثبت أن ذلك كان في عمرة القضية وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق
فيها جاء هذا الاحتمال بعينه وحصل التوفيق بين الأخبار كلها وهذا مما فتح الله علي به في هذا
الفتح ولله الحمد ثم لله الحمد أبدا قال صاحب الهدي الأحاديث الصحيحة المستفيضة تدل على أنه
صلى الله عليه وسلم لم يحل من إحرامه إلى يوم النحر كما أخبر عن نفسه بقوله فلا أحل حتى أنحر
وهو خبر لا يدخله الوهم بخلاف خبر غيره ثم قال ولعل معاوية قصر عنه في عمرة الجعرانة فنسي
بعد ذلك وظن أنه كان في حجته انتهى ولا يعكر على هذا إلا رواية قيس بن سعد المتقدمة لتصريحه
فيها بكون ذلك في أيام العشر إلا أنها شاذة وقد قال قيس بن سعد عقبها والناس ينكرون ذلك
451

انتهى وأظن قيسا رواها بالمعنى ثم حدث بها فوقع له ذلك وقال بعضهم يحتمل أن يكون في قول
معاوية قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص حذف تقديره قصرت أنا شعري عن
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ويعكر عليه قوله في رواية أحمد قصرت عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم عند المروة أخرجه من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن عباس وقال ابن
حزم يحتمل أن يكون معاوية قصر عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شعر لم يكن الحلاق
استوفاه يوم النحر وتعقبه صاحب الهدي بأن الحالق لا يبقي شعرا يقصر منه ولا سيما وقد قسم
صلى الله عليه وسلم شعره بين الصحابة الشعرة والشعرتين وأيضا فهو صلى الله عليه وسلم لم يسع بين
الصفا والمروة إلا سعيا واحدا في أول ما قدم فماذا يصنع عند المروة في العشر (قلت) وفي رواية
العشر نظر كما تقدم وقد أشار النووي إلى ترجيح كونه في الجعرانة وصوبه المحب الطبري وابن
القيم وفيه نظر لأنه جاء أنه حلق في الجعرانة واستبعاد بعضهم أن معاوية قصر عنه في عمرة الحديبية
لكونه لم يكن أسلم ليس ببعيد (قوله بمشقص) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح القاف وآخره صاد
مهملة قال القزاز هو نصل عريض يرمى به الوحش وقال صاحب المحكم هو الطويل من النصال
وليس بعريض وكذا أبو عبيد والله أعلم (قوله باب تقصير المتمتع بعد العمرة)
أي عند الإحلال منها (قوله حدثنا محمد بن أبي بكر) هو المقدمي وفضيل شيخه بالتصغر
(قوله ثم يحلوا ويحلقوا أو يقصروا) فيه التخيير بين الحلق والتقصير للمتمتع وهو على التفصيل
الذي قدمناه إن كان بحيث يطلع شعره فالأولى له الحلق وإلا فالتقصير ليقع له الحلق في الحج والله
أعلم (قوله باب الزيارة يوم النحر) أي زيارة الحاج البيت للطواف به وهو طواف
الإفاضة ويسمى أيضا طواف الصدر وطواف الركن (قوله وقال أبو الزبير الخ) وصله أبو داود
والترمذي وأحمد من طريق سفيان وهو الثوري عن أبي الزبير به قال ابن القطان الفاسي
هذا الحديث مخالف لما رواه بن عمر وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف يوم النحر نهارا
انتهى فكأن البخاري عقب هذا بطريق أبي حسان ليجمع بين الأحاديث بذلك فيحمل حديث
جابر وابن عمر على اليوم الأول وحديث ابن عباس هذا على بقية الأيام (قوله ويذكر عن أبي
حسان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى) وصله الطبراني من
طريق قتادة عنه وقال ابن المديني في العلل روى قتادة حديثا غريبا لا نحفظه عن أحد من
أصحاب قتادة إلا من حديث هشام فنسخته من كتاب ابنه معاذ بن هشام ولم أسمعه منه عن أبيه عن
قتادة حدثني أبو حسان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة ما أقام
بمنى وقال الأثرم قلت لأحمد تحفظ عن قتادة فذكر هذا الحديث فقال كتبوه من كتاب معاذ
قلت فإن هنا إنسانا يزعم أنه سمعه من معاذ فأنكر ذلك وأشار الأثرم بذلك إلى إبراهيم بن
محمد بن عرعرة فإن من طريقه أخرجه الطبراني بهذا الإسناد وأبو حسان اسمه مسلم بن
عبد الله قد أخرج له مسلم حديثا غير هذا عن ابن عباس وليس هو من شرط البخاري ولرواية أبي
حسان هذه شاهد مرسل أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عيينة حدثنا ابن طاوس عن أبيه أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض كل ليلة (قوله وقال لنا أبو نعيم الخ ثم قال رفعه
عبد الرزاق حدثنا عبيد الله) وصله ابن خزيمة والإسماعيلي من طريق عبد الرزاق بلفظ
452

أبي نعيم وزاد في آخره ويذكر أي ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وفيه التنصيص
على الرجوع إلى منى بعد القيلولة في يوم النحر ومقتضاه أن يكون خرج منها إلى مكة لأجل
الطواف قبل ذلك ثم ذكر المصنف حديث أبي سلمة أن عائشة قالت حججنا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأفضنا يوم النحر أي طفنا طواف الإفاضة وهو مطابق للترجمة وذكر فيه قصة
صفية وسيأتي الكلام عليه في باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت قريبا (قوله ويذكر عن
القاسم وعروة والأسود عن عائشة أفاضت صفية يوم النحر) وغرضه بهذا أن أبا سلمة لم ينفرد عن
عائشة بذلك وإنما لم يجزم به لأن بعضهم أورده بالمعنى كما نبينه أما طريق القاسم فهي عند مسلم
من طريق أفلح بن حميد عنه عن عائشة قالت كنا نتخوف أن تحيض صفية قبل أن تفيض فجاءنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا صفية قلنا قد أفاضت قال فلا إذا ورواه أحمد من
وجه آخر عن القاسم عنها أن صفية حاضت بمنى وكانت قد أفاضت الحديث وأما طريق عروة
فرواه المصنف في المغازي من طريق شعيب عن الزهري عنه عن عائشة أن صفية حاضت بعد
ما أفاضت وأخرجه الطحاوي عقب رواية الأسود عن عائشة بلفظ أكنت أفضت يوم النحر
قالت نعم أخرجه من طريق يونس عن الزهري به وقال نحوه وأما طريق الأسود فوصلها
المصنف في باب الإدلاج من المحصب بلفظ حاضت صفية الحديث وفيه أطافت يوم النحر فقيل
نعم (قوله باب إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيا أو جاهلا) أورد
فيه حديث ابن عباس في ذلك وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده ولم يبين الحكم في
الترجمة إشارة منه إلى أن الحكم برفع الحرج مقيد بالجاهل أو الناسي فيحتمل اختصاصهما
بذلك أو إلى أن نفي الحرج لا يستلزم رفع وجوب القضاء أو الكفارة وهذه المسألة مما وقع
فيها الاختلاف بين العلماء كما سنبينه إن شاء الله تعالى وكأنه أشار بلفظ النسيان والجهل إلى
ما ورد في بعض طرق الحديث كما يأتي بيانه أيضا في الباب الذي يليه وأما قوله إذا رمى بعد
ما أمسى فمنتزع من حديث ابن عباس في الباب قال رميت بعد ما أمسيت أي بعد دخول المساء
وهو يطلق على ما بعد الزوال إلى أن يشتد الظلام فلم يتعين لكون الرمي المذكور كان بالليل
(قوله باب الفتيا على الدابة عند الجمرة) هذه الترجمة تقدمت في كتاب العلم لكن
بلفظ باب الفتيا وهو واقف على الدابة أو غيرها ثم قال بعد أبواب كثيرة باب السؤال والفتيا عند
رمي الجمار وأورد في كل من الترجمتين حديث عبد الله بن عمرو والمذكور في هذا الباب ومثل
هذا لا يقع له إلا نادرا وقد اعترض عليه الإسماعيلي بأنه ليس في شئ من الروايات عن مالك أنه
كان على دابة بل في رواية يحيى القطان عنه أنه جلس في حجة الوداع فقام رجل ثم قال الإسماعيلي
فإن ثبت في شئ من الطرق أنه كان على دابة فيحمل قوله جلس على أنه ركبها وجلس عليها (قلت)
وهذا هو المتعين فقد أورد هو رواية صالح بن كيسان بلفظ وقف على راحلته وهي بمعنى جلس
والدابة تطلق على المركوب من ناقة وفرس وبغل وحمار فإذا ثبت في الراحلة كان الحكم في
البقية كذلك ثم قال الإسماعيلي أن صالح بن كيسان تفرد بقوله وقف على راحلته وليس كما
قال فقد ذكر ذلك أيضا يونس عند مسلم ومعمر عند أحمد والنسائي كلاهما عن الزهري وقد أشار
المصنف إلى ذلك بقوله تابعه معمر أي في قوله وقف على راحلته ثم أورد المصنف حديث عبد الله
453

ابن عمرو وهو ابن العاصي كما في الطريق الثانية بخلاف ما وقع في بعض نسخ العمدة وشرح عليه
ابن دقيق العيد ومن تبعه على أنه ابن عمر بضم العين أي ابن الخطاب وأورده المصنف من أربعة
طرق عن الزهري عن عيسى بن طلحة وطلحة هو ابن عبيد الله أحد العشرة عن عبد الله ولم أره من
حديثه إلا بهذا الإسناد وقد اختلف أصحاب الزهري عليه في سياقه وأتمهم عنه سياقا صالح
ابن كيسان وهي الطريق الثالثة ولم يسق المصنف لفظها وهي عند أحمد في مسنده عن يعقوب
وفيه زيادة على سياق ابن جريج ومالك وقد تابعه يونس عن الزهري عند مسلم بزيادة أيضا
سنبينها (قوله مالك عن ابن شهاب) كذا في الموطأ وعند النسائي من طريق يحيى وهو
القطان عن مالك حدثني الزهري (قوله عن عيسى) في رواية صالح حدثني عيسى (قوله
عن عبد الله) في رواية صالح أنه سمع عبد الله وفي رواية ابن جريج وهي الثانية أن عبد الله
حدثه (قوله في الثانية حدثنا سعيد بن يحيى حدثنا أبي) هو يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد
ابن العاصي الأموي (قوله في الطريق الثالثة حدثني إسحق) كذا للأكثر غير منسوب
ونسبه أبو علي بن السكن فقال إسحق بن منصور وأورده أبو نعيم في المستخرج من مسند
إسحق بن راهويه وهو المترجح عندي لتعبيره بقوله أخبرنا يعقوب لأن إسحق بن راهويه
لا يحدث عن مشايخه إلا بلفظ الإخبار بخلاف إسحق بن منصور فيقول حدثنا (قوله
وقف في حجة الوداع) لم يعين المكان ولا اليوم لكن تقدم في كتاب العلم عن إسماعيل عن
مالك بمنى وكذا في رواية معمر وفيه من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري عند الجمرة
وفي رواية ابن جريج وهي الطريق الثانية هنا يخطب يوم النحر وفي رواية صالح ومعمر كما تقدم
على راحلته قال عياض جمع بعضهم بين هذه الروايات بأنه موقف واحد على أن معنى خطب أي
علم الناس لا أنها من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن يكون ذلك في موطنين أحدهما على
راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك وقت الخطبة
المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي
هذا الاحتمال الثاني فإن قيل لا منافاة بين هذا الذي صوبه وبين الذي قبله فإنه ليس في شئ من
طرق الحديثين حديث ابن عباس وحديث عبد الله بن عمرو بيان الوقت الذي خطب فيه من
النهار (قلت) نعم لم يقع التصريح بذلك لكن في رواية ابن عباس أن بعض السائلين قال رميت
بعد ما أمسيت وهذا يدل على أن هذه القصة كانت بعد الزوال لأن المساء يطلق على ما بعد الزوال
وكأن السائل علم أن السنة للحاج أن يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحى فلما أخرها إلى بعد الزوال سأل
عن ذلك على أن حديث عبد الله بن عمرو من مخرج واحد لا يعرف له طريق إلا طريق الزهري
هذه عن عيسى عنه والاختلاف فيه من أصحاب الزهري وغايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر
واجتمع من مرويهم ورواية ابن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب
عند الجمرة وإذا تقرر أن ذلك كان بعد الزوال يوم النحر تعين أنها الخطبة التي شرعت لتعليم بقية
المناسك فليس قوله خطب مجازا عن مجرد التعليم بل حقيقة ولا يلزم من وقوفه عند الجمرة أن
يكون حينئذ رماها فسيأتي في آخر الباب الذي يليه من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم
وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى مني (قوله
454

فقال رجل) لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة وسأبين
أنهم كانوا جماعة لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه
وكأن هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم (قوله لم أشعر) أي لم أفطن يقال شعرت بالشئ شعورا
إذا فطنت له وقيل الشعور العلم ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور وقد بينه يونس عند
مسلم ولفظه لم أشعر أن الرمي قبل النحر فنحرت قبل أن أرمي وقال آخر لم أشعر أن النحر قبل الحلق
فحلقت قبل أن أنحر وفي رواية ابن جريج كنت أحسب أن كذا قبل كذا وقد تبين ذلك في رواية
يونس وزاد في رواية ابن جريج وأشباه ذلك ووقع في رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند
مسلم حلقت قبل أن أرمي وقال آخر أفضت إلى البيت قبل أن أرمي وفي حديث معمر عند أحمد
زيادة الحلق قبل الرمي أيضا فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء الحلق
قبل الذبح والحلق قبل الرمي والنحر قبل الرمي والإفاضة قبل الرمي والأوليان في حديث ابن
عباس أيضا كما مضى وعند الدارقطني من حديث ابن عباس أيضا السؤال عن الحلق قبل الرمي
وكذا في حديث جابر وفي حديث أبي سعيد عند الطحاوي وفي حديث علي عند أحمد السؤال
عن الإفاضة قبل الحلق وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معا قبل الحلق
وفي حديث جابر الذي علقه المصنف فيما مضى ووصله ابن حبان وغيره السؤال عن الإفاضة قبل
الذبح وفي حديث أسامة بن شريك عند أبي داود السؤال عن السعي قبل الطواف (قوله
إذبح ولا حرج) أي لا ضيق عليك في ذلك وقد تقدم في باب الذبح قبل الحلق تقرير ترتيبه وذلك
أن وظائف يوم النحر بالاتفاق أربعة أشياء رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق
أو التقصير ثم طواف الإفاضة وفي حديث أنس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى
فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى فنحر وقال للحالق خذ ولأبي داود رمى ثم نحر ثم حلق وقد أجمع
العلماء على مطلوبية هذا الترتيب إلا أن ابن الجهم المالكي استثنى القارن فقال لا يحلق حتى
يطوف كأنه لاحظ أنه في عمل العمرة والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف ورد عليه النووي
بالإجماع ونازعه ابن دقيق العيد في ذلك واختلفوا في جواز تقديم بعضها على بعض فأجمعوا
على الإجزاء في ذلك كما قاله ابن قدامة في المغني إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع
وقال القرطبي روي عن ابن عباس ولم يثبت عنه أن من قدم شيئا على شئ فعليه دم وبه قال سعيد بن
جبير وقتادة والحسن والنخعي وأصحاب الرأي انتهى وفي نسبة ذلك إلى النخعي وأصحاب الرأي
نظر فإنهم لا يقولون بذلك إلا في بعض المواضع كما سيأتي قال وذهب الشافعي وجمهور السلف
والعلماء وفقهاء أصحاب الحديث إلى الجواز وعدم وجوب الدم لقوله للسائل لا حرج فهو
ظاهر في رفع الإثم والفدية معا لأن اسم الضيق يشملهما قال الطحاوي ظاهر الحديث يدل على
التوسعة في تقديم بعض هذه الأشياء على بعض قال إلا أنه يحتمل أن يكون قوله لا حرج أي
لا إثم في ذلك الفعل وهو كذلك لمن كان ناسيا أو جاهلا وأما من تعمد المخالفة فتجب عليه
الفدية وتعقب بأن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل ولو كان واجبا لبينه صلى الله عليه وسلم
حينئذ لأنه وقت الحاجة ولا يجوز تأخيره وقال الطبري لم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج
إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجزئ لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضعان عن المرء الحكم
455

الذي يلزمه في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فإنه لا يأثم بتركه جاهلا أو ناسيا لكن يجب عليه الإعادة
والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض فإن
كان الترتيب واجبا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع
تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج وأما احتجاج النخعي ومن تبعه في تقديم الحلق على غيره بقوله
تعالى ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله قال فمن حلق قبل الذبح إهراق دما عنه رواه ابن
أبي شيبة بسند صحيح فقد أجيب بأن المراد ببلوغ محله وصوله إلى الموضع الذي يحل ذبحه فيه وقد
حصل وإنما يتم ما أراد أن لو قال ولا تحلقوا حتى نحروا واحتج الطحاوي أيضا بقول ابن عباس
من قدم شيئا من نسكه أو أخره فليهرق لذلك دما قال وهو أحد من روى أن لا حرج فدل على أن
المراد بنفي الحرج نفي الإثم فقط وأجيب بأن الطريق بذلك إلى ابن عباس فيها ضعف فإن ابن أبي
شيبة أخرجها وفيها إبراهيم بن مهاجر وفيه مقال وعلى تقدير الصحة فيلزم من يأخذ بقول ابن
عباس أن يوجب الدم في كل شئ من الأربعة المذكورة ولا يخصه بالحلق قبل الذبح أو قبل الرمي
وقال ابن دقيق العيد منع مالك وأبو حنيفة تقديم الحلق على الرمي والذبح لأنه حينئذ يكون
حلقا قبل وجود التحليلين وللشافعي قول مثله وقد بني القولان له على أن الحلق نسك أو استباحة
محظور فإن قلنا إنه نسك جاز تقديمه على الرمي وغيره لأنه يكون من أسباب التحلل وإن قلنا إنه
استباحة محظور فلا قال وفي هذا البناء نظر لأنه لا يلزم من كون الشئ نسكا أن يكون من
أسباب التحلل لأن النسك ما يثاب عليه وهذا مالك يرى أن الحلق نسك ويرى أنه لا يقدم على
الرمي مع ذلك وقال الأوزاعي أن أفاض قبل الرمي إهراق دما وقال عياض اختلف عن مالك
في تقديم الطواف على الرمي وروى ابن عبد الحكم عن مالك أنه يجب عليه إعادة الطواف فإن
توجه إلى بلده بلا إعادة وجب عليه دم قال ابن بطال وهذا يخالف حديث ابن عباس وكأنه
لم يبلغه انتهى (قلت) وكذا هو في رواية ابن أبي حفصة عن الزهري في حديث عبد الله بن عمرو
وكأن مالكا لم يحفظ ذلك عن الزهري (قوله فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شئ قدم ولا
أخر) في رواية يونس عند مسلم وصالح عند أحمد فما سمعته سئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء
أو يجهل من تقديم بعض الأمور على بعض أو أشباهها إلا قال افعلوا ذلك ولا حرج واحتج
به وبقوله في رواية مالك لم أشعر بأن الرخصة تختص بمن نسي أو جهل لا بمن تعمد قال صاحب
المغني قال الأثرم عن أحمد إن كان ناسيا أو جاهلا فلا شئ عليه وإن كان عالما فلا لقوله في الحديث
لم أشعر وأجاب بعض الشافعية بأن الترتيب لو كان واجبا لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي
والطواف فإنه لو سعى قبل أن يطوف وجب إعادة السعي وأما ما وقع في حديث أسامة بن شريك
فمحمول على من سعى بعد طواف القدوم ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل
الطواف أي طواف الركن ولم يقل بظاهر حديث أسامة إلا أحمد وعطاء فقالا لو لم يطف للقدوم
ولا لغيره وقدم السعي قبل طواف الإفاضة أجزأه أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عنه وقال
ابن دقيق العيد ما قاله أحمد قوي من جهة أن الدليل دل على وجوب أتباع الرسول في الحج
بقوله خذوا عني مناسككم وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت
بقول السائل لم أشعر فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الأتباع
456

في الحج وأيضا فالحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يجز اطراحه ولا شك أن عدم
الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يمكن اطراحه بالحاق العمد به إذ
لا يساويه وأما التمسك بقول الراوي فما سئل عن شئ الخ فإنه يشعر بأن الترتيب مطلقا غير مراعي
فجوابه أن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل
والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه فلا يبقى حجة في حال العمد والله أعلم (قوله في رواية ابن
جريج فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهن كلهن أفعل ولا حرج) قال الكرماني اللام في قوله لهن
متعلقة بقال أي قال لأجل هذه الأفعال أو بمحذوف أي قال يوم النحر لأجلهن أو بقوله لا حرج
أي لا حرج لأجلهن انتهى ويحتمل أن تكون اللام بمعنى عن أي قال عنهن كلهن * (تكميل) *
قال ابن التين هذا الحديث لا يقتضي رفع الحرج في غير المسئلتين المنصوص عليهما يعني
المذكورتين في رواية مالك لأنه خرج جوابا للسؤال ولا يدخل فيه غيره انتهى وكأنه غفل عن
قوله في بقية الحديث فما سئل عن شئ قدم ولا أخر وكأنه حمل ما أبهم فيه على ما ذكر لكن قوله
في رواية ابن جريج وأشباه ذلك يرد عليه وقد تقدم فيما حررناه من مجموع الأحاديث عدة
صور وبقيت عدة صور لم تذكرها الرواة إما اختصارا وإما لكونها لم أنكر وبلغت بالتقسيم أربعا
وعشرين صورة منها صورة الترتيب المتفق عليها والله أعلم وفي الحديث من الفوائد جواز
القعود على الراحلة للحاجة ووجوب أتباع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم لكون الذين خالفوها
لما علموا سألوه عن حكم ذلك واستدل به البخاري على أن من حلف على شئ ففعله ناسيا أن لا شئ
عليه كما سيأتي في الإيمان والنذور إن شاء الله تعالى (قوله وقف النبي) في رواية ابن جريج أنه
شهد النبي صلى الله عليه وسلم (قوله تابعه معمر عن الزهري) قد سبق أن أحمد وصله (قوله
باب الخطبة أيام منى) أي مشروعيتها خلافا لمن قال أنها لا تشرع وأحاديث الباب
صريحة في ذلك إلا حديث جابر بن زيد عن ابن عباس وهو ثاني أحاديث الباب فإن فيه التقييد
بالخطبة بعرفات وقد أجاب عنه ابن المنير كما سيأتي وأيام منى أربعة يوم النحر وثلاثة أيام بعده وليس
في شئ من أحاديث الباب التصريح بغير يوم النحر وهو الموجود في أكثر الأحاديث كحديث
الهرماس بن زياد وأبي أمامة كلاهما عند أبي داود وحديث جابر بن عبد الله عند أحمد
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال أي يوم أعظم حرمة الحديث وقد تقدم
حديث عبد الله بن عمرو وفيه ذكر الخطبة يوم النحر وأما قوله في حديث ابن عمر أنه قال ذلك
بمنى فهو مطلق فيحمل على المقيد فيتعين يوم النحر فلعل المصنف أشار إلى ما ورد في بعض طرق
حديث الباب كما عند أحمد من طريق أبي حرة الرقاشي عن عمه فقال كنت آخذا بزمام ناقة
رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس فذكر نحو حديث
أبي بكرة فقوله في أوسط أيام التشريق يدل أيضا على وقوع ذلك أيضا في اليوم الثاني أو الثالث
وفي حديث سراء بنت نبهان عند أبي داود خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الرؤس فقال أي
يوم هذا أليس أوسط أيام التشريق وفي الباب عن كعب بن عاصم عند الدارقطني وعن ابن أبي
نجيح عن رجلين من بني بكر عند أبي داود وعن أبي نضرة عمن سمع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم
عند أحمد قال ابن المنير في الحاشية أراد البخاري الرد على من زعم أن يوم النحر لا خطبة فيه
457

للحاج وأن المذكور في هذا الحديث من قبيل الوصايا العامة لا على أنه من شعار الحج فأراد
البخاري أن يبين أن الراوي قد سماها خطبة كما سمى التي وقعت في عرفات خطبة وقد اتفقوا
على مشروعية الخطبة بعرفات فكأنه ألحق المختلف فيه بالمتفق عليه انتهى والله أعلم وسنذكر
نقل الاختلاف في مشروعية الخطبة يوم النحر في آخر الباب وعلي بن عبد الله المذكور
في الإسناد الأول هو ابن المديني ويحيى بن سعيد هو القطان وفضيل بالتصغير وغزوان بفتح المعجمة
وسكون الزاي (قوله فقال يا أيها الناس أي يوم هذا قالوا يوم حرام) كذا في حديث ابن
عباس هذا وفي حديث أبي بكرة ثالث أحاديث الباب أتدرون أي يوم هذا قالوا الله ورسوله أعلم
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى وحديث ابن عمر
المذكور بعده نحوه إلا أنه ليس فيه فسكت الخ بل فيه بعد قولهم أعلم قال هذا يوم حرام فقيل في
الجمع بين الحديثين لعلهما واقعتان وليس بشئ لأن الخطبة يوم النحر إنما تشرع مرة واحدة
وقد قال في كل منهما أن ذلك كان يوم النحر وقيل في الجمع بينهما إن بعضهم بادر بالجواب وبعضهم
سكت وقيل في الجمع إنهم فوضوا أولا كلهم بقولهم الله ورسوله أعلم فلما سكت أجاب بعضهم
دون بعض وقيل وقع السؤال في الوقت الواحد مرتين بلفظين فلما كان في حديث أبي بكرة
فخامة ليست في الأول لقوله فيه أتدرون سكتوا عن الجواب بخلاف حديث ابن عباس لخلوه
عن ذلك أشار إلى ذلك الكرماني وقيل في حديث ابن عباس اختصار بينته رواية أبي بكرة وابن
عمر فكأنه أطلق قولهم يوم حرام باعتبار أنهم قرروا ذلك بقولهم بلى وسكت في رواية ابن عمر عن
ذكر جوابهم وهذا جمع حسن وقد تقدم الكلام في هذا باختصار في كتاب العلم في باب قوله رب
مبلغ أوعى من سامع (قوله يوم حرام) أي يحرم فيه القتال وكذلك الشهر وكذلك البلد وسيأتي
الكلام على قوله لا ترجعوا بعدي كفارا في كتاب الفتن مستوعبا إن شاء الله تعالى (قوله فأعادها
مرارا) لم أقف على عددها صريحا ويشبه أن يكون ثلاثا كعادته صلى الله عليه وسلم (قوله ثم
رفع رأسه) زاد الإسماعيلي من هذا الوجه إلى السماء (قوله قال ابن عباس فوالذي نفسي بيده
أنها لوصيته) يريد بذلك الكلام الأخير وهو قوله صلى الله عليه وسلم فليبلغ الشاهد الغائب إلى
آخر الحديث وقد رواه أحمد بن حنبل عن عبد الله بن نمير عن فضيل بإسناد الباب بلفظ ثم قال ألا
فليبلغ الخ وهو يوضح ما قلناه والله أعلم (قوله إلى أمته) في رواية أحمد عن ابن نمير أنها لوصيته إلى
ربه وكذلك رواه عمرو بن علي الفلاس والمقدمي عن يحيى بن سعيد أخرجه أبو نعيم من طريقهما
* (تنبيه) * لستة أيام متوالية من أيام ذي الحجة أسماء * الثامن يوم التروية * والتاسع عرفة
* والعاشر النحر * والحادي عشر القر * والثاني عشر النفر الأول * والثالث عشر النفر الثاني
وذكر مكي بن أبي طالب أن السابع يسمى يوم الزينة وأنكره النووي (قوله في الحديث الثاني
أخبرنا عمرو) هو ابن دينار وقوله يخطب بعرفات هو طرف من حديث سيأتي في باب لبس الخفين
للمحرم عن أبي الوليد عن شعبة بهذا الإسناد وبعده متصلا يخطب بعرفات بقوله من لم يجد
النعلين فليلبس الخفين الحديث وذكره بعده بباب عن آدم عن شعبة بلفظ خطبنا النبي صلى الله
عليه وسلم بعرفات فقال من لم يجد فذكر الحديث (قوله تابعه ابن عيينة عن عمرو) أي أن سفيان
ابن عيينة تابع شعبة في رواية هذا الحديث والمراد به أصل الحديث فإن أحمد أخرجه في مسنده
458

عن سفيان بن عيينة ولفظه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول من لم يجد فذكره فلم
يعين موضع الخطبة وكذلك رواه الحميدي وابن أبي شيبة وغيرهما عن سفيان وهو عند مسلم
وغيره من طريق سفيان كذلك (قوله في الحديث الثالث حدثني عبد الله بن محمد) هو الجعفي
وأبو عامر هو العقدي وقرة هو ابن خالد * وحميد بن عبد الرحمن هو الحميري وإنما كان عند ابن
سيرين أفضل من عبد الرحمن بن أبي بكرة لأنه دخل في الولايات وكان حميد زاهدا (قوله أليس
يوم النحر) بنصب يوم على أنه خبر ليس والتقدير أليس اليوم يوم النحر ويجوز الرفع على أنه اسم
ليس والتقدير أليس يوم النحر هذا اليوم الأول أوضح لكن يؤيد هذا الثاني قوله أليس ذو الحجة
أي أليس ذو الحجة هذا الشهر (قوله بالبلدة الحرام) كذا فيه بتأنيث البلد وتذكير الحرام وذلك
أن لفظ الحرام اضمحل منه معنى الوصفية وصار اسما قال الخطابي يقال أن البلدة اسم خاص
بمكة وهي المرادة بقوله تعالى إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة وقال الطيبي المطلق محمول على
الكامل وهي الجامعة للخير المستعجمة للكمال كما أن الكعبة تسمى البيت ويطلق عليها ذلك وقد
اختصرت ذلك من كلام طويل للتوربشتي (قوله إلى يوم تلقون) بفتح يوم وكسره مع التنوين
وعدمه وترك التنوين مع الكسر هو الذي ثبتت به الرواية (قوله اللهم اشهد) تقدم أنه أعاد
ذلك في حديث ابن عباس وإنما قال ذلك لأنه كان فرضا عليه أن يبلغ فأشهد الله على أنه أدى
ما أوجبه عليه والمبلغ بفتح اللام أي رب شخص بلغه كلامي فكان أحفظ له وأفهم لمعناه من الذي
نقله له قال المهلب فيه أنه يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم ما ليس لمن تقدمه إلا
أن ذلك يكون في الأقل لأن رب موضوعة للتقليل (قلت) هي في الأصل كذلك إلا أنها استعملت
في التكثير بحيث غلبت على الاستعمال الأول لكن يؤيد أن التقليل هنا مراد أنه وقع في رواية
أخرى تقدمت في العلم بلفظ عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه وفي الحديث دلالة على جواز تحمل
الحديث لمن لم يفهم معناه ولا فقهه إذا ضبط ما يحدث به ويجوز وصفه بكونه من أهل العلم
بذلك وفي الحديث من الفوائد أيضا وجوب تبليغ العلم على الكفاية وقد يتعين في حق بعض
الناس وفيه تأكيد التحريم وتغليظه بأبلغ ممكن من تكرار ونحوه وفيه مشروعية ضرب المثل
وإلحاق النظير بالنظير ليكون أوضح للسامع وإنما شبه حرمة الدم والعرض والمال بحرمة اليوم
والشهر والبلد لأن المخاطبين بذلك كانوا لا يرون تلك الأشياء ولا يرون هتك حرمتها ويعيبون
على من فعل ذلك أشد العيب وإنما قدم السؤال عنها تذكارا لحرمتها وتقريرا لما ثبت في نفوسهم
ليبنى عليه ما أراد تقريره على سبيل التأكيد (قوله عن أبيه) هو محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر
فروايته عن جده (قوله أفتدرون) في رواية الإسماعيلي عن القاسم المطرز عن محمد بن المثنى شيخ
البخاري قال أو تدرون (قوله وقال هشام بن الغاز) بالغين المعجمة وآخره زاي خفيفة وقد وصله
ابن ماجة قال حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا هشام وأخرجه الطبراني عن
أحمد بن المعلى والإسماعيلي عن جعفر الفريابي كلاهما عن هشام بن عمار وعن جعفر الفريابي
459

عن دحيم عن الوليد بن مسلم عن هشام بن الغاز ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود (قوله بين
الجمرات) بفتح الجيم والميم فيه تعيين البقعة التي وقف فيها كما أن في الرواية التي قبلها تعيين
المكان كما أن في حديثي ابن عباس وأبي بكرة تعيين اليوم ووقع تعيين الوقت من اليوم في رواية
رافع بن عمرو المزني عند أبي داود والنسائي ولفظه رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس
بمنى حين ارتفع الضحى الحديث (قوله في الحجة التي حج) هذا هو المعروف عند من ذكر أولا ووقع في
رواية الكشميهني في حجته التي حج وللطبراني في حجة الوداع (قوله بهذا) أي بالحديث الذي تقدم
من طريق محمد بن زيد عن جده وأراد المصنف بذلك أصل الحديث وأصل معناه لكن السياق
مختلف فإن في طريق محمد بن زيد أنهم أجابوا بقولهم الله ورسوله أعلم وفي هذا عند ابن ماجة وغيره
في أجوبتهم قالوا يوم النحر قالوا بلد حرام قالوا شهر حرام ويجمع بينهما بنحو ما تقدم وهو أنهم
أجابوا أولا بالتفويض فلما سكت أجابوا بالمطلوب وأغرب الكرماني فقال قوله بهذا أي وقف
متلبسا بهذا الكلام (قوله وقال هذا يوم الحج الأكبر) فيه دليل لمن يقول إن يوم الحج الأكبر
هو يوم النحر وسيأتي البحث فيه في أول تفسير سورة براءة إن شاء الله تعالى (قوله فطفق) في رواية
ابن ماجة وغيره بين قوله يوم الحج الأكبر وبين قوله فطفق من الزيادة ودماؤكم وأموالكم
وأعراضكم عليكم حرام كحرمة هذا البلد في هذا اليوم وقد وقع معنى ذلك في طريق محمد بن زيد
أيضا (قوله فودع الناس) وقع في طريق ضعيفة عند البيهقي من حديث ابن عمر سبب ذلك
ولفظه أنزلت إذا جاء نصر الله والفتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق
وعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت له فركب فوقف بالعقبة واجتمع الناس إليه
فقال يا أيها الناس فذكر الحديث وفي هذه الأحاديث دلالة على مشروعية الخطبة يوم النحر وبه
أخذ الشافعي ومن تبعه وخالف ذلك المالكية والحنفية قالوا خطب الحج ثلاثة سابع ذي الحجة
ويوم عرفة وثاني يوم النحر بمنى ووافقهم الشافعي إلا أنه قال بدل ثاني النحر ثالثه لأنه أول النفر
وزاد خطبة رابعة وهي يوم النحر وقال إن بالناس حاجة إليها ليتعلموا أعمال ذلك اليوم من الرمي
والذبح والحلق والطواف وتعقبه الطحاوي بأن الخطبة المذكورة ليست من متعلقات الحج
لأنه لم يذكر فيها شيئا من أمور الحج وإنما ذكر فيها وصايا عامة ولم ينقل أحد أنه علمهم فيها شيئا من
الذي يتعلق بيوم النحر فعرفنا أنها لم تقصد لأجل الحج وقال ابن القصار إنما فعل ذلك من أجل
تبليغ ما ذكره لكثرة الجمع الذي اجتمع من أقاصي الدنيا فظن الذي رآه أنه خطب قال وأما
ما ذكره الشافعي أن بالناس حاجة إلى تعليمهم أسباب التحلل المذكورة فليس بمتعين لأن الإمام
يمكنه أن يعلمهم إياها يوم عرفة اه‍ وأجيب بأنه نبه صلى الله عليه وسلم في الخطبة المذكورة على
تعظيم يوم النحر وعلى تعظيم شهر ذي الحجة وعلى تعظيم البلد الحرام وقد جزم الصحابة المذكورون
بتسميتها خطبة فلا يلتفت لتأويل غيرهم وما ذكره من إمكان تعليم ما ذكر يوم عرفة يعكر عليه
في كونه يرى مشروعية الخطبة ثاني يوم النحر وكان يمكن أن يعلموا ذلك يوم عرفة بل كان يمكن
أن يعلموا يوم التروية جميع ما يأتي بعده من أعمال الحج لكن لما كان في كل يوم أعمال ليست في
غيره شرع تجديد التعليم بحسب تجديد الأسباب وقد بين الزهري وهو عالم أهل زمانه أن الخطبة
ثاني يوم النحر نقلت من خطبة يوم النحر وأن ذلك من عمل الأمراء يعني من بني أمية قال ابن
460

أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان هو الثوري عن ابن جريج عن الزهري قال كان النبي صلى الله
عليه وسلم يخطب يوم النحر فشغل الأمراء فأخروه إلى الغد وهذا وإن كان مرسلا لكنه يعتضد
بما سبق وبأن به أن السنة الخطبة يوم النحر لا ثانية وأما قول الطحاوي إنه لم ينقل أنه علمهم شيئا
من أسباب التحلل فلا ينفي وقوع ذلك أو شيئا منه في نفس الأمر بل قد ثبت في حديث عبد الله بن
عمرو بن العاص كما تقدم في الباب قبله أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر وذكر
فيه السؤال عن تقدم بعض المناسك على بعض فكيف ساغ للطحاوي هذا النفي المطلق مع
روايته هو لحديث عبد الله بن عمرو وثبت أيضا في بعض طرق أحاديث الباب أنه صلى الله عليه
وسلم قال للناس حينئذ خذوا عني مناسككم فكأنه وعظهم بما وعظهم به وأحال في تعليمهم على
تلقي ذلك من أفعاله ومما يرد به على تأويل الطحاوي ما أخرجه ابن ماجة من حديث ابن مسعود
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته بعرفات أتدرون أي يوم هذا الحديث
ونحوه للطبراني في الكبير من حديث ابن عباس وأخرج أحمد من حديث نبيط بن شريط أنه
رأى النبي صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفة على بعير أحمر يخطب فسمعته يقول أي يوم أحرم قالوا
هذا اليوم قال فأي بلد أحرم الحديث ونحوه لأحمد من حديث العداء بن خالد فهذا الحديث
الذي وقع في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم خطب به يوم النحر قد ثبت أنه خطب به قبل ذلك يوم
عرفة وأما الأحاديث التي وردت عن الصحابة بتصريحهم أنه صلى الله عليه وسلم خطب يوم النحر
غير ما تقدم فمنها حديث الهرماس بن زياد أخرجه أبو داود ولفظه رأيت النبي صلى الله عليه
وسلم يخطب الناس على ناقته الجدعاء يوم الأضحى وحديث أبي أمامة سمعت خطبة النبي صلى الله
عليه وسلم بمنى يوم النحر أخرجه عبد الرحمن وحديث معاذ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونحن بمنى أخرجه وحديث رافع بن عمرو رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى أخرجه وأخرج من مرسل
مسروق أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم النحر والله أعلم (قوله باب هل
يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى) مقصوده بالغير من كان له عذر من مرض أو شغل
كالحطابين والرعاء (قوله عن عبيد الله) هو ابن عمر العمري (قوله رخص رسول الله صلى الله
عليه وسلم) كذا اقتصر عليه وأحال به على ما بعده ولفظه عند الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن
موسى عن عيسى بن يونس المذكور في الإسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للعباس
أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته (قوله في طريق ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم
أذن) كذا اقتصر عليه أيضا وأحال به على ما بعده ولفظه عند أحمد في مسنده عن محمد بن بكر
المذكور في الإسناد أذن للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية (قوله
تابعه أبو أسامة) أي تابع ابن نمير وصله مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن نمير وأبو أسامة
عن عبيد الله ولفظه مثل رواية ابن نمير (قوله وعقبة بن خالد) وصله عثمان بن أبي شيبة في مسنده
عنه (قوله وأبو ضمرة) يعني أنس بن عياض وقد تقدم في باب سقاية الحاج في أثناء أبواب
الطواف ولفظه مثل رواية ابن نمير والنكتة في استظهار البخاري بهذه المتابعات بعد إيراده له
من ثلاثة طرق لشك وقع في رواية يحيى بن سعيد القطان في وصله فقد أخرجه أحمد عن يحيى عن
461

عبيد الله عن نافع قال ولا أعلمه إلا عن ابن عمر قال الإسماعيلي وقد وصله أيضا بغير شك موسى بن
عقبة والدراوردي وعلي بن مسهر ومحمد بن فليح وغيرهم كلهم عن عبيد الله وأرسله ابن المبارك عن
عبيد الله (قلت) الظاهر أن عبيد الله كان ربما شك في وصله بدليل رواية يحيى القطان وكأنه كان
في أكثر أحواله يجزم بوصله بدليل رواية الجماعة وفي الحديث دليل على وجوب المبيت بمنى وأنه
من مناسك الحج لأن التعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة وأن الاذن وقع للعلة المذكورة
وإذا لم توجد أو ما في معناها لم يحصل يأمر وبالوجوب قال الجمهور وفي قول للشافعي ورواية
عن أحمد وهو مذهب الحنفية أنه سنة ووجوب الدم بتركه مبني على هذا الخلاف ولا يحصل
المبيت إلا بمعظم الليل وهل يختص الاذن بالسقاية وبالعباس أو بغير ذلك من الأوصاف المعتبرة
في هذا الحكم فقيل يختص الحكم بالعباس وهو جمود وقيل يدخل معه آله وقيل قومه وهم بنو
هاشم وقيل كل من أحتاج إلى السقاية فله ذلك ثم قيل أيضا يختص الحكم بسقاية العباس
حتى لو عملت سقاية لغيره لم يرخص لصاحبها في المبيت لأجلها ومنهم من عممه وهو الصحيح في
الموضعين والعلة في ذلك إعداد الماء للشاربين وهل يختص ذلك بالماء أو يلتحق به ما في معناه من
الأكل وغيره محل احتمال وجزم الشافعية بإلحاق من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته
أو مريض يتعاهده بأهل السقاية كما جزم الجمهور بإلحاق الرعاء خاصة وهو قول أحمد واختاره
ابن المنذر أعنى الاختصاص بأهل السقاية والرعاء لإبل والمعروف عن أحمد اختصاص العباس
بذلك وعليه اقتصر صاحب المغني وقال المالكية يجب الدم في المذكورات سوى الرعاء قالوا
ومن ترك المبيت بغير عذر وجب عليه دم عن كل ليلة وقال الشافعي عن كل ليلة إطعام مسكين
وقيل عنه التصدق بدرهم وعن الثلاث دم وهي رواية عن أحمد والمشهور عنه وعن الحنفية
لا شئ عليه وقد تقدم الكلام على سقاية العباس في الباب المشار إليه في أول الكلام على هذا
الباب وفي الحديث أيضا استئذان الأمراء والكبراء فيما يطرأ من المصالح والأحكام وبدار من
استؤمر إلى الأذن عند ظهور المصلحة والمراد بأيام منى ليلة الحادي عشر واللتين بعده ووقع في
رواية روح عن ابن جريج عند أحمد أن مبيت تلك الليلة بمنى وكأنه عنى ليلة الحادي عشر لأنها
تعقب يوم الإفاضة وأكثر الناس يفيضون يوم النحر ثم في الذي يليه وهو الحادي عشر والله أعلم
(قوله باب رمي الجمار) أي وقت رميها أو حكم الرمي وقد اختلف فيه فالجمهور
على أنه واجب يجبر تركه بدم وعند المالكية سنة مؤكدة فيجبر وعندهم رواية أن رمي جمرة
العقبة ركن يبطل الحج بتركه ومقابله قول بعضهم أنها إنما تشرع حفظا للتكبير فإن تركه وكبر
أجزأه حكاه ابن جرير عن عائشة وغيرها (قوله وقال جابر رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر
ضحى الحديث) وصله مسلم وابن خزيمة وابن حبان من طريق ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن
جابر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة ضحى يوم النحر وحده ورمى بعد ذلك بعد
زوال الشمس ورواه الدارمي عن عبيد الله بن موسى عن ابن جريج بلفظ التعليق لكن قال
وبعد ذلك عند زوال الشمس ورواه إسحق بن راهويه في مسنده عن عيسى بن يونس عن ابن
جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا فذكره (قوله عن وبرة) بفتح الواو والموحدة هو ابن عبد
الرحمن المسلي بضم الميم وسكون المهملة بعدها لام كوفي ثقة ورجال الإسناد إلى ابن عمر
462

كوفيون (قوله متى أرمي الجمار) يعني في غير يوم الأضحى (قوله فارمه) بهاء ساكنة للسكت
وقوله إذا رمى إمامك فارمه يعني الأمير الذي على الحج وكأن ابن عمر خاف عليه أن يخالف الأمير
فيحصل له منه ضرر فلما أعاد عليه المسئلة لم يسعه الكتمان فأعلمه بما كانوا يفعلونه في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم وقد رواه ابن عيينة عن مسعر بهذا الإسناد فقال فيه فقلت له أرأيت إن
أخر إمامي أي الرمي فذكر له الحديث أخرجه ابن أبي عمر في مسنده عنه ومن طريقه
الإسماعيلي وفيه دليل على أن السنة أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال وبه قال
الجمهور وخالف فيه عطاء وطاوس فقالا يجوز قبل الزوال مطلقا ورخص الحنفية في الرمي
في يوم النفر قبل الزوال وقال إسحق إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزئه
(قوله باب رمي الجمار من بطن الوادي) كأنه أشار بذلك إلى رد ما رواه ابن أبي شيبة
وغيره عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلو إذا رمى الجمرة لكن يمكن الجمع بين هذا وبين
حديث الباب بأن التي ترمي من بطن الوادي هي جمرة العقبة لكونها عند الوادي بخلاف
الجمرتين الأخريين ويوضح ذلك قوله في حديث ابن مسعود في الطريق الآتية بعد باب بلفظ
حين رمى جمرة العقبة وكذا روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون عن عمر أنه رمى جمرة
العقبة في السنة التي أصيب فيها وفي غيرها من بطن الوادي ومن طريق الأسود رأيت عمر رمى
جمرة العقبة من فوقها وفي إسناد هذا الثاني حجاج بن أرطاة وفيه ضعف وسنذكر بقية الكلام
عليه هناك (قوله وقال عبد الله بن الوليد) هو العدني هكذا رويناه موصولا في جامع سفيان
الثوري رواية العدني عنه من طريق عبد الرحمن بن منده بأسناده إلى عبد الله بن الوليد وفائدة
هذا التعليق بيان سماع سفيان وهو الثوري له من الأعمش وتمتاز جمرة العقبة عن الجمرتين
الأخريين بأربعة أشياء اختصاصها بيوم النحر وأن لا يوقف عندها وترمى ضحى ومن أسفلها
استحبابا (قوله باب رمي الجمار بسبع حصيات ذكره ابن عمر عن النبي صلى الله
عليه وسلم) يشير بذلك إلى حديث ابن عمر الموصول عنده بعد بابين ويأتي الكلام عليه هناك
وأشار في الترجمة إلى رد ما رواه قتادة عن ابن عمر قال ما أبالي رميت الجمار بست أو سبع وأن ابن
عباس أنكر ذلك وقتادة لم يسمع من ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة وروى من
طريق مجاهد من رمى بست فلا شئ عليه ومن طريق طاوس يتصدق بشئ وعن مالك والأوزاعي
من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك يجبره بدم وعن الشافعية في ترك حصاة مد وفي ترك
حصاتين مدان وفي ثلاثة فأكثر دم وعن الحنفية إن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف
صاع وإلا فدم (قوله عن إبراهيم) هو ابن يزيد النخعي ورواية الحكم عنه لهذا الحديث
مختصرة وقد ساقها الأعمش عنه أتم من هذا كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه (قوله
باب يكبر مع كل حصاة قاله ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) يأتي الكلام عليه
بعد باب (قوله عن عبد الواحد هو ابن زياد البصري (قوله سمعت الحجاج) يعني ابن يوسف
463

الأمير المشهور ولم يقصد الأعمش الرواية عنه فلم يكن بأهل لذلك وإنما أراد أن يحكي القصة
ويوضح خطأ الحجاج فيها بما ثبت عمن يرجع إليه في ذلك بخلاف الحجاج وكان لا يرى إضافة
السورة إلى الاسم فرد عليه إبراهيم النخعي بما رواه عن ابن مسعود من الجواز (قوله جمرة
العقبة) هي الجمرة الكبرى وليست من منى بل هي حد منى من جهة مكة وهي التي بايع النبي
صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة والجمرة اسم لمجتمع الحصى سميت بذلك لاجتماع
الناس بها يقال تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا وقيل إن العرب تسمي الحصى الصغار جمارا فسميت
تسمية الشئ بلازمه وقيل لأن آدم أو إبراهيم لما عرض له إبليس فحصبه جمر بين يديه أي أسرع
فسميت بذلك (قوله فاستبطن الوادي) في رواية أبي معاوية عن الأعمش فقيل له أي لعبد الله
ابن مسعود إن ناسا يرمونها من فوقها الحديث أخرجه مسلم (قوله حاذى) بمهملة وبالذال
المعجمة من المحاذاة وقوله اعترضها أي الشجرة يدل على أنه كان هناك شجرة عند الجمرة وقد روى
ابن أبي شيبة عن الثقفي عن أيوب قال رأيت القاسم وسالما ونافعا يرمون من الشجرة ومن طريق
عبد الرحمن بن الأسود أنه كان إذا جاوز الشجرة رمى العقبة من تحت غصن من أغصانها وقوله
فرمى أي الجمرة وفي رواية الحكم عن إبراهيم في الباب الذي قبله جعل البيت عن يساره ومنى عن
يمينه ووقع في رواية أبي صخرة عن عبد الرحمن بن يزيد لما أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي
واستقبل القبلة أخرجه الترمذي والذي قبله هو الصحيح وهذا شاذ في إسناده المسعودي وقد
اختلط وبالأول قال الجمهور وجزم الرافعي من الشافعية بأنه يستقبل الجمرة ويستدبر القبلة
وقيل يستقبل القبلة ويجعل الجمرة عن يمينه وقد أجمعوا على أنه من حيث رماها جاز سواء
استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وسطها والاختلاف في
الأفضل (قوله مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة) قال ابن المنير خص عبد الله سورة
البقرة بالذكر لأنها التي ذكر الله فيها الرمي فأشار إلى أن فعله صلى الله عليه وسلم مبين لمراد كتاب الله
تعالى (قلت) ولم أعرف موضع ذكر الرمي من سورة البقرة والظاهر أنه أراد أن يقول أن كثيرا
من أفعال الحج مذكور فيها فكأنه قال هذا مقام الذي أنزلت عليه أحكام المناسك منبها بذلك
على أن أفعال الحج توقيفية وقيل خص البقرة بذلك لطولها وعظم قدرها وكثرة ما فيها من
الأحكام أو أشار بذلك إلى أنه يشرع الوقوف عندها بقدر سورة البقرة والله أعلم واستدل بهذا
الحديث على اشتراط رمي الجمرات واحدة واحدة لقوله يكبر مع كل حصاة وقد قال صلى الله عليه
وسلم خذوا عني مناسككم وخالف في ذلك عطاء وصاحبه أبو حنيفة فقالا لو رمى السبع دفعة
واحدة أجزأه وفيه ما كان الصحابة عليه من مراعاة حال النبي صلى الله عليه وسلم في كل حركة
وهيئة ولا سيما في أعمال الحج وفيه التكبير عند رمي حصى الجمار وأجمعوا على أن من لم يكبر فلا شئ
عليه * (فائدة) * زاد محمد بن عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن أبيه في هذا الحديث عن ابن مسعود
أنه لما فرغ من رمي جمرة العقبة قال اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا (قوله باب
من رمى جمرة العقبة ولم يقف قاله ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) سيأتي موصولا في الباب
الذي بعده وعنه أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه ولا نعرف فيه خلافا
(قوله باب إذا رمى الجمرتين يقوم مستقبل القبلة ويسهل) المراد بالجمرتين
464

ما سوى جمرة العقبة وهي التي يبدأ بها في الرمي في أول يوم ثم تصير أخيرة في كل يوم بعد ذلك
(قوله حدثنا طلحة بن يحيى) أي ابن النعمان بن أبي عياش الزرقي الأنصاري المدني نزيل بغداد
وثقه ابن معين وقال أحمد مقارب الحديث وقال أبو حاتم ليس بقوي وزعم ابن طاهر أنه ليس له
في البخاري سوى هذا الحديث (قلت) لكنه لم يحتج به على انفراده فقد استظهر له بمتابعة
سليمان بن بلال في الباب الذي بعده وبمتابعة عثمان بن عمر أيضا كلاهما عن يونس كما سيأتي بعد
باب وتابعهم عبد الله بن عمر النميري عن يونس عند الإسماعيلي (قوله الجمرة الدنيا) بضم الدال
وبكسرها أي القريبة إلى جهة مسجد الحنيف وهي أول الجمرات التي ترمى من ثاني يوم النحر
(قوله يسهل) بضم أوله وسكون المهملة أي يقصد السهل من الأرض وهو المكان المصطحب
الذي لا ارتفاع فيه (قوله ثم يأخذ ذات الشمال) أي يمشي إلى جهة شماله (فيقوم طويلا)
في رواية سليمان فيقوم قياما طويلا وسيأتي الكلام فيه بعد باب (قوله ويرفع يديه) أي في
الدعاء (قوله ثم يرمى الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال) أي ليقف داعيا في مكان لا يصيبه الرمي
وفي رواية سليمان ثم يرمي الجمرة الوسطى كذلك فيأخذ ذات الشمال وفي رواية عثمان ثم ينحدر
ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف مستقبل القبلة (قوله ثم يرمي جمرة ذات العقبة) هو نحو
يا نساء المؤمنات أي يأتي الجمرة ذات العقبة وثبت كذلك في رواية سليمان وفي رواية عثمان بن عمر
ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة (قوله ثم ينصرف) في رواية سليمان ولا يقف عندها (قوله
باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى) قال ابن قدامة لا نعلم لما تضمنه حديث ابن
عمر هذا مخالفا إلا ما روي عن مالك من ترك رفع اليدين عند الدعاء بعد رمي الجمار فقال ابن المنذر
لا أعلم أحدا أنكر رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة إلا ما حكاه ابن القاسم عن مالك انتهى ورده
ابن المنير بأن الرفع لو كان هنا سنة ثابتة ما خفي عن أهل المدينة وغفل رحمه الله تعالى عن أن
الذي رواه من أعلم أهل المدينة من الصحابة في زمانه وابنه سالم أحد الفقهاء السبعة من أهل
المدينة والراوي عنه ابن شهاب عالم المدينة ثم الشام في زمانه فمن علماء المدينة أن لم يكونوا هؤلاء
والله المستعان (قوله باب الدعاء عند الجمرتين) أي وبيان مقداره (قوله
وقال محمد حدثنا عثمان بن عمر) قال أبو علي الجياني اختلف في محمد هذا فنسبه أبو علي بن
السكن فقال محمد بن بشار (قلت) وهو المعتمد وقال الكلاباذي هو محمد بن بشار أو محمد بن
المثنى وجزم غيره بأنه الذهلي (قوله قال الزهري سمعت الخ) هو بالإسناد المصدر به الباب
ولا اختلاف بين أهل الحديث أن الإسناد بمثل هذا السياق موصول وغايته أنه من تقديم المتن
على بعض السند وإنما اختلفوا في جواز ذلك وأغرب الكرماني فقال هذا الحديث من مراسيل
الزهري ولا يصير بما ذكره آخرا مسندا لأنه قال يحدث بمثله لا بنفسه كذا قال وليس مراد المحدث
465

بقوله في هذا بمثله إلا نفسه وهو كما لو ساق المتن بإسناد ثم عقبه بإسناد آخر ولم يعد المتن بل قال بمثله
ولا نزاع بين أهل الحديث في الحكم بوصل مثل هذا وكذا عند أكثرهم لو قال بمعناه خلافا لمن
يمنع الرواية بالمعنى وقد أخرج الحديث المذكور الإسماعيلي عن ابن ناجية عن محمد بن المثنى
وغيره عن عثمان بن عمر وقال في آخره قال الزهري سمعت سالما يحدث بهذا عن أبيه عن النبي
صلى الله عليه وسلم فعرف أن المراد بقوله مثله نفسه وإذا تكلم المرء في غير فنه أتى بهذه العجائب
وفي الحديث مشروعية التكبير عند رمي كل حصاة وقد أجمعوا على أن من تركه لا يلزمه شئ
إلا الثوري فقال يطعم وإن جبره بدم أحب إلي وعلى الرمي بسبع وقد تقدم ما فيه وعلى استقبال
القبلة بعد الرمي والقيام طويلا وقد وقع تفسيره فيما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عطاء
كان ابن عمر يقوم عند الجمرتين مقدار ما يقرأ سورة البقرة وفيه التباعد من موضع الرمي عند
القيام للدعاء حتى لا يصيب رمي غيره وفيه مشروعية رفع اليدين في الدعاء وترك الدعاء والقيام
عند جمرة العقبة ولم يذكر المصنف حال الرامي في المشي والركوب وقد روى ابن أبي شيبة بإسناد
صحيح إن ابن عمر كان يمشي إلى الجمار مقبلا ومدبرا وعن جابر أنه كان لا يركب إلا من ضرورة (قوله
باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة) أورد فيه حديث عائشة طيبت رسول
الله صلى الله عليه وسلم بيدي حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف الحديث ومطابقته
للترجمة من جهة أنه صلى الله عليه وسلم لما أفاض من مزدلفة لم تكن عائشة مسايرته وقد ثبت
أنه استمر راكبا إلى أن رمى جمرة العقبة فدل ذلك على أن تطييبها له وقع بعد الرمي وأما الحلق قبل
الإفاضة فلأنه صلى الله عليه وسلم حلق رأسه بمنى لما رجع من الرمي وأخذه من حديث الباب من
جهة التطيب فإنه لا يقع إلا بعد التحلل والتحلل الأول يقع بأمرين من ثلاثة الرمي والحلق
والطواف فلولا أنه حلق بعد أن رمى لم يتطيب وفي هذا الحديث حجة لمن أجاز الطيب وغيره من
محظورات الإحرام بعد التحلل الأول ومنعه مالك وروى عن عمر وابن عمر وغيرهما وقد تقدم
الكلام على حديث الباب مستوفي في باب الطيب عند الإحرام وأحلت على هذا السياق هناك
* (تنبيه) * قوله حين أحرم أي حين أراد الإحرام وقوله حين أحل أي لما وقع الإحلال وإنما كان
كذلك لأن الطيب بعد وقوع الإحرام لا يجوز والطيب عند إرادة الحل لا يجوز لأن المحرم ممنوع
من الطيب والله أعلم (قوله باب طواف الوداع) قال النووي طواف الوداع واجب
يلزم بتركه دم على الصحيح عندنا وهو قول أكثر العلماء وقال مالك وداود وابن المنذر هو سنة لا شئ
في تركه انتهى والذي رأيته في الأوسط لابن المنذر أنه واجب للأمر به إلا أنه لا يجب بتركه شئ
(قوله أمر الناس) كذا في رواية عبد الله بن طاوس عن أبيه على البناء لما لم يسم فاعله والمراد به
النبي صلى الله عليه وسلم وكذا قوله خفف وقد رواه سفيان أيضا عن سليمان الأحول عن طاوس
فصرح فيه بالرفع ولفظه عن ابن عباس قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت أخرجه مسلم هو والذي قبله عن
سعيد بن منصور عن سفيان بالاسنادين فرقهما فكأن طاوسا حدث به على الوجهين ولهذا وقع
في رواية كل من الراويين عنه ما لم يقع في رواية الآخر وفيه دليل على وجوب طواف الوداع
للأمر المؤكد به وللتعبير في حق الحائض بالتخفيف كما تقدم والتخفيف لا يكون إلا من أمر
466

مؤكد واستدل به على أن الطهارة شرط لصحة الطواف وسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده
(قوله عن قتادة) سيأتي بعد باب من وجه آخر عن ابن وهب التصريح بتحديث قتادة ويأتي
الكلام هناك والمقصود منه هنا قوله في آخره ثم ركب إلى البيت فطاف به (قوله تابعه الليث)
أي تابع عمرو بن الحرث في روايته لهذا الحديث عن قتادة بطريق أخرى إلى قتادة وقد وصله
البزار والطبراني من طريق عبد الله بن صالح غالبا الليث عن الليث وخالد شيخ الليث هو ابن
يزيد وذكر البزار والطبراني أنه تفرد بهذا الحديث عن سعيد وأن الليث تفرد به عن خالد وأن
سعيد بن أبي هلال لم يرو عن قتادة عن أنس غير هذا الحديث (قوله باب إذا حاضت
المرأة بعد ما أفاضت) أي هل يجب عليها طواف الوداع أو يسقط وإذا وجب هل يجبر بدم أم لا
وقد تقدم معنى هذه الترجمة في كتاب الحيض بلفظ باب المرأة تحيض بعد الإفاضة قال ابن المنذر
قال عامة الفقهاء بالأمصار ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع وروينا عن عمر
ابن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضا لطواف الوداع وكأنهم
أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها ثم أسند عن عمر بإسناد
صحيح إلى نافع عن ابن عمر قال طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثم حاضت فأمر عمر بحبسها بمكة بعد
أن ينفر الناس حتى تطهر وتطوف بالبيت قال وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك
وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة يشير بذلك إلى ما تضمنته أحاديث هذا الباب وقد روى
ابن أبي شيبة من طريق القاسم بن محمد كان الصحابة يقولون إذا أفاضت المرأة قبل أن تحيض فقد
فرغت إلا عمر فإنه كان يقول يكون آخر عهدها بالبيت وقد وافق عمر على رواية ذلك عن النبي
صلى الله عليه وسلم غيره فروى أحمد وأبو داود والنسائي والطحاوي واللفظ لأبي داود من طريق
الوليد بن عبد الرحمن عن الحرث بن عبد الله بن أوس الثقفي قال أتيت عمر فسألته عن المرأة
تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض قال ليكن آخر عهدها بالبيت فقال الحرث كذلك أفتاني
وفي رواية أبي داود هكذا حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم واستدل الطحاوي بحديث
عائشة وبحديث أم سليم على نسخ حديث الحرث في حق الحائض (قوله حاضت) أي بعد أن
أفاضت يوم النحر كما تقدم في باب الزيارة يوم النحر (قوله فذكر) كذا في هذه الرواية بضم الذال
على البناء للمجهول وقد تقدم في الباب المذكور من وجه آخر أن عائشة هي التي ذكرت له ذلك
(قوله أحابستنا) أي مانعتنا من التوجه من مكة في الوقت الذي أردنا التوجه فيه ظنا منه
صلى الله عليه وسلم أنها ما طافت طواف إفاضة وإنما قال ذلك لأنه كان لا يتركها ويتوجه
ولا يأمرها بالتوجه معه وهي باقية على إحرامها فيحتاج إلى أن يقيم حتى تطهر وتطوف وتحل
الحل الثاني (قوله قالوا) سيأتي في الطريق التي في آخر الباب أن صفية هي قالت بلى وفي رواية
الأعرج عن أبي سلمة عن عائشة التي مضت في باب الزيارة يوم النحر حججنا فأفضنا يوم النحر فحاضت
صفية فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله فقلت يا رسول الله أنها حائض
الحديث وهذا مشكل لأنه صلى الله عليه وسلم إن كان علم أنها طافت طواف الإفاضة فكيف
يقول أحابستنا هي وإن كان ما علم فكيف يريد وقاعها قبل التحلل الثاني ويجاب عنه بأنه
صلى الله عليه وسلم ما أراد ذلك منها إلا بعد أن استأذنه نساؤه في طواف الإفاضة فأذن لهن فكان
467

بانيا على أنها قد حلت فلما قيل له أنها حائض جوز أن يكون وقع لها قبل ذلك حتى منعها من طواف
الإفاضة فاستفهم عن ذلك فأعلمته عائشة أنها طافت معهن فزال عنه ما خشيه من ذلك والله أعلم
وقد سبق في كتاب الحيض من طريق عمرة عن عائشة أنه قال لهم لعلها تحبسنا ألم تكن طافت
معكن قالوا بلى وسأذكر بقية اختلاف ألفاظ هذه القصة في آخر الباب إن شاء الله تعالى (قوله
فلا إذا) أي فلا حبس علينا حينئذ أي إذا أفاضت فلا مانع لنا من التوجه لأن الذي يجب عليها
قد فعلته (قوله حماد) هو ابن زيد (قوله إن أهل المدينة) أي بعض أهلها وقد رواه الإسماعيلي
من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب بلفظ أن ناسا من أهل المدينة (قوله قال لهم تنفر) زاد
الثقفي فقالوا لا نبالي أفتيتنا أو لم تفتنا زيد بن ثابت يقول لا تنفر (قوله فكان فيمن سألوا أم سليم)
في رواية الثقفي فسألوا أم سليم وغيرها فذكرت صفية كذا ذكره مختصرا وساقه الثقفي بتمامه
قال فأخبرتهم أن عائشة قالت لصفية أفي الخيبة أنت إنك لحابستنا فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما ذاك قالت عائشة صفية حاضت قيل أنها قد أفاضت قال فلا إذا فرجعوا إلى ابن
عباس فقالوا وجدنا الحديث كما حدثتناه (قوله رواه خالد) يعني الحذاء (وقتادة عن عكرمة)
أما رواية خالد فوصلها البيهقي من طريق معلى بن منصور عن هشيم عنه عن عكرمة عن ابن
عباس قال إذا طافت يوم النحر ثم حاضت فلتنفر وقال زيد بن ثابت لا تنفر حتى تطهر وتطوف
بالبيت ثم أرسل زيد بعد ذلك إلى ابن عباس أني وجدت الذي قلت كما قلت وأما رواية قتادة فوصلها
أبو داود الطيالسي في مسنده قال حدثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن عكرمة قال اختلف
ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة إذا حاضت وقد طافت بالبيت يوم النحر فقال زيد يكون
آخر عهدها بالبيت وقال ابن عباس تنفر إن شاءت فقالت الأنصار لا نتابعك يا ابن عباس وأنت
تخالف زيدا فقال سلوا صاحبتكم أم سليم يعني فسألوها فقالت حضت بعد ما طفت بالبيت
فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنفر وحاضت صفية فقالت لها عائشة حبستنا
فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنفر ورواه سعيد بن أبي عروبة في كتاب المناسك الذي رويناه
من طريق محمد بن يحيى القطعي عن عبد الأعلى عنه قال عن قتادة عن عكرمة نحوه وقال فيه
لا نتابعك إذا خالفت زيد بن ثابت وقال فيه وأنبئت أن صفية بنت حيي حاضت بعد ما طافت
بالبيت يوم النحر فقالت لها عائشة الخيبة لك حبستنا فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
فأمرها أن تنفر وهكذا أخرجه إسحاق في مسنده عن عبدة عن سعيد وفي آخره وكان
ذلك من شأن أم سليم أيضا * (تنبيه) * طريق قتادة هذه هي المحفوظة وقد شذ عباد بن
العوام فرواه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مختصرا في قصة أم سليم أخرجه
الطحاوي من طريقه انتهى ولقد اختصر البخاري حديث عكرمة جدا ولولا تخريج هذه
الطرق لما ظهر المراد منه فلله الحمد على ما أنعم به وتفضل وقد روى هذه القصة طاوس عن
ابن عباس متابعا لعكرمة أخرجه مسلم والنسائي والإسماعيلي من طريق الحسن بن مسلم
عن طاوس كنت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون
آخر عهدها بالبيت فقال ابن عباس أما لا فسل فلانة الأنصارية هل أمرها النبي صلى الله
عليه وسلم قال فرجع إليه فقال ما أراك إلا قد صدقت لفظ مسلم وللنسائي كنت
468

عند ابن عباس فقال له زيد بن ثابت أنت الذي تفتي وقال فيه فسألها ثم رجع وهو يضحك
فقال الحديث كما حدثتني وللإسماعيلي بعد قوله أنت الذي الخ قال نعم قال فلا تفت بذلك
قال فسل فلانة والباقي نحو سياق مسلم وزاد في إسناده عن ابن جريج قال وقال عكرمة
ابن خالد عن زيد وابن عباس نحوه وزاد فيه فقال ابن عباس سل أم سليم وصواحبها هل
أمرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فسألهن فقلن قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم بذلك وقد عرف برواية عكرمة الماضية أن الأنصارية هي أم سليم وأما صواحبها فلم أقف
على تسميتهن (قوله حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم ووهيب هو ابن خالد وابن طاوس هو عبد الله
(قوله رخص) بضم الراء على البناء لما لم يسم فاعله ووقع في رواية يحيى بن حسان عن وهيب
عند النسائي رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله قال وسمعت بن عمر) القائل ذلك
هو طاوس بالإسناد المذكور بينه النسائي في روايته المذكورة (قوله ثم سمعته يقول بعد)
سيأتي أن ذلك كان قبل موت ابن عمر بعام (قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن) هذا
من مراسيل الصحابة وكذا ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه والحاكم من طريق عبيد الله بن
عمر عن نافع عن ابن عمر قال من حج فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحيض رخص لهن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فإن ابن عمر لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وسنوضح ذلك فعند النسائي
من طريق إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عمر أنه كان يقول قريبا من سنتين عن الحائض
لا تنفر حتى يكون آخر عهدها بالبيت ثم قال بعد أنه رخص للنساء وله وللطحاوي من طريق عقيل
عن الزهري عن طاوس أنه سمع ابن عمر يسئل عن النساء إذا حضن قبل النفر وقد أفضن يوم
النحر فقال إن عائشة كانت تذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصة لهن وذلك قبل موته
بعام وفي رواية الطحاوي قبل موت ابن عمر بعام وروى ابن أبي شيبة أن ابن عمر كان يقيم على
الحائض سبعة أيام حتى تطوف طواف الوداع قال الشافعي كأن ابن عمر سمع الأمر بالوداع ولم
يسمع الرخصة أولا ثم بلغته الرخصة فعمل بها وقد تقدم شئ من الكلام على هذا الحديث في
أواخر الحيض (قوله عن منصور) هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي والأسود هو خاله وهو
نخعي أيضا وقد سبق الكلام على حديث عائشة فيما يتعلق بطواف الحائض في باب تقضي
الحائض المناسك إلا الطواف ويأتي الكلام على حديث عمرتها في أبواب العمرة (قوله ليلة
الحصبة) في رواية المستملي ليلة الحصباء وقوله بعده ليلة النفر عطف بيان لليلة الحصباء
والمراد بتلك الليلة التي يتقدم النفر من منى قبلها فهي شبيهة بليلة عرفة وفيه تعقب على من قال
كل ليلة تسبق يومها إلا ليلة عرفة فإن يومها يسبقها فقد شاركتها ليلة النفر في ذلك (قوله فيه
ما كنت تطوفين بالبيت ليالي قدمنا مكة قلت لا) كذا للأكثر وفي رواية أبي ذر عن المستملي
قلت بلا وهي محمولة على أن المراد ما كنت أطوف (قوله وحاضت صفية) أي في أيام منى
وسيأتي في أبواب الإدلاج من المحصب أن حيضها كان ليلة النفر زاد الحاكم عن إبراهيم
عند مسلم لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة
فقال عقري الحديث وهذا يشعر بأن الوقت الذي أراد منها ما يريد الرجل من أهله كان
بالقرب من وقت النفر من منى واستشكله بعضهم بناء على ما فهمه أن ذلك كان وقت الرحيل
469

وليس ذلك بلازم لاحتمال أن يكون الوقت الذي أراد منها ما أراد سابقا على الوقت الذي رآها
فيه على باب خبائها الذي هو وقت الرحيل بل ولو اتحد الوقت لم يكن ذلك مانعا من الإرادة
المذكورة (قوله عقري حلقي) بالفتح فيهما ثم السكون وبالقصر بغير تنوين في الرواية
ويجوز في اللغة التنوين وصوبه أبو عبيد لأن معناه الدعاء بالعقر والحلق كما يقال سقيا ورعيا
ونحو ذلك من المصادر التي يدعى بها وعلى الأول هو نعت لا دعاء ثم معنى عقري عقرها الله أي
جرحها وقيل جعلها عاقرا لا تلد وقيل عقر قومها ومعنى حلقي حلق شعرها وهو زينة المرأة أو
أصابها وجع في حلقها أو حلق قومها بشؤمها أي أهلكهم وحكى القرطبي أنها كلمة تقولها
اليهود للحائض فهذا أصل هاتين الكلمتين ثم اتسع العرب في قولهما بغير إرادة حقيقتهما كما
قالوا قاتله الله وتربت يداه ونحو ذلك قال القرطبي وغيره شتان بين قوله صلى الله عليه وسلم
هذا لصفية وبين قوله لعائشة لما حاضت معه في الحج هذا شئ كتبه الله على بنات آدم لما يشعر به
من الميل لها والحنو عليها بخلاف صفية (قلت) وليس فيه دليل على اتضاع قدر صفية عنده
لكن اختلف الكلام باختلاف المقام فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفا على ما فاتها من
النسك فسلاها بذلك وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله فأبدت المانع فناسب كل منهما
ما خاطبها به في تلك الحالة (قوله فلا بأس انفري) هو بيان لقوله في الرواية الماضية أول الباب فلا
إذا وفي رواية أبي سلمة قال اخرجوا وفي رواية عمرة قال اخرجي وفي رواية الزهري عن عروة
عن عائشة في المغازي فلتنفر ومعانيها متقاربة والمراد بها كلها الرحيل من منى إلى جهة المدينة
وفي أحاديث الباب أن طواف الإفاضة ركن وأن الطهارة شرط لصحة الطواف وأن طواف
الوداع واجب وقد تقدم ذلك واستدل به على أن أمير الحاج يلزمه أن يؤخر الرحيل لأجل من
تحيض ممن لم تطف للإفاضة وتعقب باحتمال أن تكون إرادته صلى الله عليه وسلم تأخير
الرحيل إكراما لصفية كما احتبس بالناس على عقد عائشة وأما الحديث الذي أخرجه البزار من
حديث جابر وأخرجه البيهقي في فوائده من طريق أبي هريرة مرفوعا أميران وليسا بأميرين
من تبع جنازة فليس له أن ينصرف حتى تدفن أو يأذن أهلها والمرأة تحج أو تعتمر مع قوم فتحيض
قبل طواف الركن فليس لهم أن ينصرفوا حتى تطهر أو تأذن لهم فلا دلالة فيه على الوجوب إن
كان صحيحا فإن في إسناد كل منهما ضعفا شديدا وقد ذكر مالك في الموطأ أنه يلزم الجمال أن يحبس
لها إلى انقضاء أكثر مدة الحيض وكذا على النفساء واستشكله بن المواز بأن فيها تعريضا
للفساد كقطع الطريق وأجاب عياض بأن محل ذلك مع أمن الطريق كما أن محله أن يكون مع
المرأة محرم (قوله وقال مسدد قلت لا وتابعه جرير عن منصور في قوله لا) هذا التعليق لم يقع
في رواية أبي ذر وثبت لغيره فأما رواية مسدد فرويناها كذلك في مسنده رواية أبي خليفة عنه
قال حدثنا أبو عوانة فذكر الحديث بسنده ومتنه وقال فيه ما كنت طفت ليالي قدمنا قلت لا وأما
رواية جرير فوصلها المصنف في باب التمتع والقرآن عن عثمان بن أبي شيبة عنه وقال فيه ما كنت
طفت ليالي قدمنا مكة قلت لا وهذا يؤيد صحة ما وقع في رواية المستملي حيث وقع عنده بلى موضع
لا كما تقدم وتقدم توجيهه (قوله باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح) أي
البطحاء التي بين مكة ومنى وهي ما انبطح من الوادي واتسع وهي التي يقال لها المحصب والمعرس
470

وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة وقد تقدم الكلام على حديث أنس الأول في باب أين يصلي الظهر
يوم التروية وهو مطابق لما ترجم به هنا وفي سياق حديث أنس الثاني ما يشعر بأنه صلى بالأبطح
وهو المحصب مع ذلك المغرب والعشاء ورقد ثم ركب إلى البيت فطاف به أي طواف الوداع وأما
قوله فيه أنه صلى الظهر فلا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال لأنه رمى فنفر فنزل
المحصب فصلى الظهر به (قوله باب المحصب) بمهملتين ثم موحدة بوزن محمد
أي ما حكم النزول به وقد نقل ابن المنذر الاختلاف في استحبابه مع الاتفاق على أنه ليس من
المناسك (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري (قوله عن هشام) هو ابن عروة وفي رواية الإسماعيلي
من طريق يزيد بن هارون عن سفيان حدثنا هشام (قوله إنما كان منزلا) في رواية مسلم من
طريق عبد الله بن نمير عن هشام نزول الأبطح ليس بسنة إنما نزله الحديث (قوله أسمح) أي
أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي في ذلك البطئ والمعتدل ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر
ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة (قوله تعني بالأبطح) في رواية الكشميهني تعني الأبطح بحذف
الموحدة وفي رواية مسلم المذكورة كان أسمح لخروجه إذا خرج (قوله حدثنا سفيان) هو
ابن عيينة (قال عمرو) هو ابن دينار وعطاء هو ابن أبي رياح قال الدارقطني هذا الحديث سمعه
سفيان من الحسن بن صالح عن عمرو بن دينار يعني أنه دلسه هنا عن عمرو وتعقب بأن الحميدي
أخرجه في مسنده عن سفيان قال حدثنا عمرو وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة
عن سفيان فانتفت تهمة تدليسه (قوله ليس التحصيب بشئ) أي من أمر المناسك الذي
يلزم فعله قاله ابن المنذر وقد روى أحمد من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة قالت ثم أرتحل حتى
نزل الحصبة قالت والله ما نزلها إلا من أجلي وروى مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق سليمان
ابن يسار عن أبي رافع قال لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من
منى ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل اه‍ لكن لما نزله النبي صلى الله عليه وسلم كان النزول
به مستحبا أتباعا له لتقريره على ذلك وقد فعله الخلفاء بعده كما رواه مسلم من طريق عبد الرزاق عن
عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ينزلون الأبطح
وسيأتي للمصنف في الباب الذي يليه لكن ليس فيه ذكر أبي بكر ومن طريق أخرى عن نافع عن
ابن عمر أنه كان يرى التحصيب سنة قال نافع وقد حصب رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء
بعده فالحاصل أن من نفي أنه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه
شئ ومن أثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم لا الإلزام بذلك
ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل كما دل عليه حديث
أنس ويأتي نحوه من حديث ابن عمر في الباب الذي يليه (قوله باب النزول
بذي طوى قبل أن يدخل مكة والنزول بالبطحاء التي بذي الحليفة) أي قبل أن يدخل المدينة
والمقصود بهذه الترجمة الإشارة إلى أن أتباعه صلى الله عليه وسلم في النزول بمنازله لا يختص
بالمحصب وقد تقدم الكلام على مكان الدخول إلى مكة في أوائل الحج والنزول ببطحاء ذي
الحليفة صريح في حديث الباب (قوله بذي الطوى) كذا للمستملي والسرخسي بإثبات
الألف واللام ولغيرهما بحذفهما (قوله بين الثنيتين) أي التي بين الثنيتين (قوله لم ينخ ناقته
471

إلا عند باب المسجد) أي إذا بات بذي طوى ثم أصبح ركب ناقته فلم ينخها إلا بباب المسجد
(قوله فيصلي سجدتين) وفي رواية الكشميهني ركعتين (قوله وكان إذا صدر) أي رجع
متوجها نحو المدينة (قوله سئل عبيد الله) يعني ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب
العمري (قوله نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وابن عمر) هو عن النبي صلى الله عليه
وسلم مرسل وعن عمر منقطع وعن ابن عمر موصول ويحتمل أن يكون نافع سمع بذلك من ابن عمر
فيكون الجميع موصولا ويدل عليه رواية عبد الرزاق التي قدمتها في الباب الذي قبله (قوله
وعن نافع) هو معطوف على الإسناد الذي قبله وليس بمعلق وقد رواه البيهقي من طريق حميد بن
مسعدة عن خالد بن الحرث مثله (قوله يصلي بها يعني المحصب) قيل فسر الضمير المؤنث بلفظ مذكر
وأراد البقعة ولأن من أسمائها البطحاء (قوله قال خالد) هو ابن الحرث راوي أصل الإسناد
وهو مؤيد للعطف الذي قبله (قوله لا أشك في العشاء) يريد أنه شك في ذكر المغرب وقد رواه
سفيان بن عيينة بغير شك في المغرب ولا غيرها عن أيوب وعن عبيد الله بن عمر جميعا عن نافع
أن ابن عمر كان يصلي بالأبطح الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم يهجع هجعة أخرجه الإسماعيلي
وهو عند أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني وعن أيوب عن نافع
كلاهما عن ابن عمر (قوله باب من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة) تقدم
الكلام على النزول بذي طوى والمبيت بها إلى الصبح لمن أراد أن يدخل مكة في أوائل الحج
والمقصود بهذه الترجمة مشروعية المبيت بها أيضا للراجع من مكة وغفل الداودي فظن أن هذا
المبيت متحد بالمبيت بالمحصب فجعل ذا طوى هو المحصب وهو غلط منه إنما يقع المبيت
بالمحصب في الليلة التي تلي يوم النفر من منى فيصبح سائرا إلى أن يصل إلى ذي طوى فينزل بها
ويبيت فهذا الذي يدل عليه سياق حديث الباب (قوله وقال محمد بن عيسى) هو ابن الطباع
أخو إسحق البصري (حدثنا حماد) اختلف في حماد هذا فجزم الإسماعيلي بأنه ابن سلمة وجزم
المزي بأنه ابن زيد فلم يذكر حماد بن سلمة في شيوخ محمد بن عيسى وذكر حماد بن زيد ولم أنكر لي
رواية محمد بن عيسى موصولة وقد أخرج الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق حماد بن زيد عن أيوب
طرفا من الحديث وليس فيه مقصود الترجمة وهذا الطرف تقدم في باب الاغتسال لدخول مكة
من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب وأخرجه الإسماعيلي هنا عن الحسن بن سفيان عن محمد
ابن أبان عن حماد بن سلمة عن أيوب ولم يذكر مقصود الترجمة فلم يتضح لي صحة ما قال أن حمادا
في التعليق عن محمد بن عيسى هذا هو ابن سلمة بل الظاهر أنه ابن زيد والله أعلم وليس لمحمد بن عيسى
هذا في البخاري سوى هذا الموضع وآخر في كتاب الأدب سيأتي بسط القول فيه إن شاء الله
تعالى (قوله وإذا نفر مر بذي طوى) في رواية الكشميهني وإذا نفر مر من ذي طوى الخ قال ابن
بطال وليس هذا أيضا من مناسك الحج (قلت) وإنما يؤخذ منه أماكن نزوله صلى الله عليه
وسلم ليتأسى به فيها إذ لا يخلو شئ من أفعاله عن حكمة (قوله باب التجارة أيام
الموسم والبيع في أسواق الجاهلية) أي جواز ذلك والموسم بفتح الميم وسكون الواو وكسر
المهملة قال الأزهري سمي بذلك لأنه معلم يجتمع إليه الناس مشتق من السمة وهي العلامة
وذكر في حديث الباب من أسواق الجاهلية اثنين وترك اثنين سنذكرهما إن شاء الله تعالى
472

(قوله قال عمرو بن دينار) في رواية إسحق بن راهويه في مسنده عن عيسى بن يونس عن ابن جريج
أخبرني عمرو بن دينار (قوله عن ابن عباس) هذا هو المحفوظ ووقع عند الإسماعيلي عن
المنيعي عن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن أبي زائدة عن ابن جريج عن عمرو عن ابن الزبير قال
الإسماعيلي كذا في كتابي وعليه صح (قلت) وهو وهم من بعض رواته كأنه دخل عليه حديث
في حديث فإن حديث ابن الزبير عند ابن عيينة وابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد عنه وهو
أخصر من سياق ابن عباس وقد رواه ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس ثم لم يختلف عليه في ذلك
وكذلك رواه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن أبي زائدة (قوله كان ذو المجاز) بفتح الميم
وتخفيف الجيم وفي آخره زاي وهو بلفظ ضد الحقيقة وعكاظ بضم المهملة وتخفيف الكاف
وفي آخره ظاء مشالة زاد ابن عيينة عن عمرو كما سيأتي في أوائل البيوع وفي تفسير البقرة ومجنة
وهي بفتح الميم وكسر الجيم وتشديد النون (قوله متجر الناس في الجاهلية) أي مكان تجارتهم
وفي رواية ابن عيينة أسواقا في الجاهلية فأما ذو المجاز فذكر الفاكهي من طريق ابن إسحاق أنها
كانت بناحية عرفة إلى جانبها وعند الأزرقي من طريق هشام بن الكلبي أنه كان لهذيل على
فرسخ من عرفة ووقع في شرح الكرماني أنه كان بمنى وليس بشئ لما رواه الطبري عن مجاهد
أنهم كانوا لا يبيعون ولا يبتاعون في الجاهلية بعرفة ولا منى لكن سيأتي عن تخريج
الحاكم خلاف ذلك وأما عكاظ فعن ابن إسحاق أنها فيما بين نخلة والطائف إلى بلد يقال له
الفتق بضم الفاء والمثناة بعدها قاف وعن ابن الكلبي أنها كانت وراء قرن المنازل بمرحلة على
طريق صنعاء وكانت لقيس وثقيف وأما مجنة فعن ابن إسحاق أنها كانت بمر الظهران إلى جبل
يقال له الأصغر وعن ابن الكلبي كانت بأسفل مكة على بريد منها غربي البيضاء وكانت لكنانة
وذكر من أسواق العرب في الجاهلية أيضا حباشة بضم المهملة وتخفيف الموحدة
وبعد الألف معجمة وكانت في ديار بارق نحو قنوني بفتح القاف وبضم النون الخفيفة وبعد
الألف نون مقصورة من مكة إلى جهة اليمن على ست مراحل قال وإنما لم يذكر هذه السوق
في الحديث لأنها لم تكن من مواسم الحج وإنما كانت تقام في شهر رجب قال الفاكهي
ولم تزل هذه الأسواق قائمة في الإسلام إلى أن كان أول ما ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج
سنة تسع وعشرين ومائة وآخر ما ترك منها سوق حباشة في زمن داود بن عيسى بن موسى
العباسي في سنة سبع وتسعين ومائة ثم أسند عن ابن الكلبي أن كل شريف كان إنما
يحضر سوق بلده إلا سوق عكاظ فإنهم كانوا يتوافون بها من كل جهة فكانت أعظم تلك
الأسواق وقد وقع ذكرها في أحاديث أخرى منها حديث ابن عباس انطلق النبي صلى الله عليه
وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ الحديث في قصة الجن وقد مضى في الصلاة
ويأتي في التفسير وروى الزبير بن بكار في كتاب النسب من طريق حكيم بن حزام أنها كانت
تقام صبح هلال ذي القعدة إلى أن يمضي عشرون يوما قال ثم يقام سوق مجنة عشرة أيام إلى
هلال ذي الحجة ثوم يقوم سوق ذي المجاز ثمانية أيام ثم يتوجهون إلى منى للحج وفي حديث أبي
الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في الموسم
بمجنة وعكاظ يبلغ رسالات ربه الحديث أخرجه أحمد وغيره (قوله كأنهم) أي المسلمين (قوله
473

كرهوا ذلك) في رواية ابن عيينة فكأنهم تأثموا أي خشوا من الوقوع في الإثم للاشتغال في أيام
النسك بغير العبادة وأخرج الحاكم في المستدرك من طريق عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس
أن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج فخافوا البيع
وهم حرم فأنزل الله تعالى لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج قال فحدثني
عبيد بن عمير أنه كان يقرأها في المصحف ولأبي داود وإسحق بن راهويه من طريق مجاهد عن ابن
عباس كانوا لا يتجرون بمنى فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات وقرأ هذه الآية وأخرجه
إسحق في مسنده من هذا الوجه بلفظ كانوا يمنعون البيع والتجارة في أيام الموسم يقولون أنها
أيام ذكر فنزلت وله من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عباس كانوا يكرهون أن يدخلوا في حجهم
التجارة حتى نزلت (قوله حتى نزلت الخ) سيأتي في تفسير البقرة عن ابن عمر قول آخر في سبب
نزولها (قوله في مواسم الحج) قال الكرماني هو كلام الراوي ذكره تفسيرا انتهى وفاته ما زاده
المصنف في آخر حديث ابن عيينة في البيوع قرأها ابن عباس ورواه ابن عمر في مسنده عن ابن
عيينة وقال في آخره وكذلك كان ابن عباس يقرأها وروى الطبري بإسناد صحيح عن أيوب عن
عكرمة أنه كان يقرأها كذلك فهي على هذا من القراءة الشاذة وحكمها عند الأئمة حكم
التفسير واستدل بهذا الحديث على جواز البيع والشراء للمعتكف قياسا على الحج والجامع
بينهما العبادة وهو قول الجمهور وعن مالك كراهة ما زاد على الحاجة كالخبز إذا لم يجد من يكفيه
وكذا كرهه عطاء ومجاهد والزهري ولا ريب أنه خلاف الأولى والآية إنما نفت الجناح ولا
يلزم من نفيه نفي أولوية مقابله والله أعلم (قوله باب الإدلاج من المحصب) وقع
في رواية لأبي ذر الإدلاج بسكون الدال والصواب تشديدها فإنه بالسكون سير أول الليل
وبالتشديد سير آخره وهو المراد هنا والمقصود الرحيل من مكان المبيت بالمحصب سحرا وهو الواقع
في قصة عائشة ويحتمل أن تكون الترجمة لأجل رحيل عائشة مع أخيها للاعتمار فإنها رحلت
معه من أول الليل فقصد المصنف التنبيه على أن المبيت ليس بلازم وأن السير من هناك من أول
الليل جائز وسيأتي الكلام على حديث عائشة قريبا في أبواب العمرة (قوله حدثنا أبي) هو
حفص بن غياث والإسناد كله إلى عائشة كوفيون وليس في المتن الذي ساقه من طريق حفص
مقصود الترجمة وإنما أشار إلى أن القصة التي في روايته وفي رواية محاضر واحدة وقد تقدم
الكلام على قصة صفية قريبا (قوله وزادني محمد) وقع في رواية أبي علي بن السكن محمد بن سلام
ومحاضر بضم الميم وحاء مهملة خفيفة وبعد الألف ضاد معجمة لم يخرج عنه البخاري في كتابه
إلا تعليقا لكن هذا الموضع ظاهره الوصل ويأتي الكلام على حديث عائشة مستوفى إن شاء
الله تعالى وقوله فيه فخرج معها أخوها هو عبد الرحمن بن أبي بكر كما سيأتي وقوله فيه فلقيناه أي
أنهما لقيا النبي صلى الله عليه وسلم (مدلجا) هو بتشديد الدال أي سائرا من آخر الليل فإنهما لما
رجعا إلى المنزل بعد أن قضت عائشة العمرة صادفا النبي صلى الله عليه وسلم متوجها إلى طواف
الوداع وقوله موعدك كذا وكذا أي موضع المنزلة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى * (خاتمة) *
اشتمل كتاب الحج من أوله إلى أبواب العمرة على ثلاثمائة واثني عشر حديثا المعلق منها سبعة
وخمسون حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وأحد وتسعون حديثا
474

والخالص منها مائة وأحد وعشرون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث جابر في
الإهلال إذا استقلت الراحلة وحديث أنس في الحج على رحل رث وحديث عائشة لكن أفضل
الجهاد حج مبرور وحديث ابن عباس في نزول وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وحديث عمر حد
لأهل نجد قرنا وحديثه وقل عمرة في حجة وحديث ابن عباس انطلق من المدينة بعد ما ترجل
وأدهن وحديثه أنه سئل عن متعة الحج وحديث أبي سعيد ليحجن البيت وليعتمرن بعد يأجوج
ومأجوج وحديث ابن عباس في هدم الكعبة على يد الأسود وحديثه في ترك دخول الكعبة
وفيها الأصنام وحديث ابن عمر في استلام الحجر وتقبيله وحديث عائشة في طوافها حجرة من
الرجال وحديث ابن عباس مر برجل يطوف وقد خزم أنفه وحديث الزهري المرسل لم يطف
إلا صلى ركعتين وحديث ابن عباس قدم فطاف وسعى وحديث عائشة في كراهة الطواف بعد
الصبح وحديث ابن عباس في الشرب من سقاية العباس وحديث ابن عمر في تعجيل الوقوف
وحديث ابن عباس ليس البر بالإيضاع وحديثه في تقديم الضعفة وحديث عمر في إفاضة
المشركين من مزدلفة وحديث المسور ومروان في الهدي وحديث ابن عمر في النحر في المنحر
وحديث جابر في السؤال عن الحلق قبل الذبح وحديث ابن عمر حلق في حجته وحديث ابن
عباس أخر الزيارة إلى الليل وحديث عائشة في ذلك وحديث جابر في رمي جمرة العقبة ضحى وبعد
ذلك بعد الزوال وحديث ابن عمر في هذا المعنى وحديثه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع ويكبر مع
كل حصاة وحديثه في نزول المحصب وحديث ابن عباس كان ذو المجاز وعكاظ وفيه من الآثار
الموقوفة عن الصحابة والتابعين ستون أثرا أكثرها معلق والله أعلم
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
(أبواب العمرة)
باب وجوب العمرة وفضلها) سقطت البسملة لأبي ذر وثبتت الترجمة هكذا في
روايته عن المستملي وسقط عنده من غيره أبواب العمرة وثبت لأبي نعيم في المستخرج كتاب العمرة
وللأصيلي وكريمة باب العمرة وفضلها حسب والعمرة في اللغة الزيارة وقيل أنها مشتقة من عمارة
المسجد الحرام وجزم المصنف بوجوب العمرة وهو متابع في ذلك للمشهور عن الشافعي وأحمد
وغيرهما من أهل الأثر والمشهور عن المالكية أن العمرة تطوع وهو قول الحنفية واستدلوا
بما رواه الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال
يا رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي فقال لا وإن تعتمر خير لك أخرجه الترمذي والحجاج
ضعيف وقد روى ابن لهيعة عن عطاء عن جابر مرفوعا الحج والعمرة فريضتان أخرجه ابن
عدي وابن لهيعة ضعيف ولا يثبت في هذا الباب عن جابر شئ بل روى ابن الجهم المالكي بإسناد
حسن عن جابر ليس مسلم إلا عليه عمرة موقوف على جابر واستدل الأولون بما ذكر في هذا الباب
وبقول صبي بن معبد لعمر رأيت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما فقال له هديت
لسنة نبيك أخرجه أبو داود وروى ابن خزيمة وغيره في حديث عمر سؤال جبريل عن الإيمان
والإسلام فوقع فيه وإن تحج وتعتمر وإسناده قد أخرجه مسلم لكن لم يسق لفظه وبأحاديث أخر
475

غير ما ذكر وبقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله أي أقيموها وزعم الطحاوي أن معنى قول ابن عمر
العمرة واجبة أي وجوب كفاية ولا يخفى بعده مع اللفظ الوارد عن ابن عمر كما سنذكره وذهب
ابن عباس وعطاء وأحمد إلى أن العمرة لا تجب على أهل مكة وإن وجبت على غيرهم (قوله وقال
ابن عمر) هذا التعليق وصله ابن خزيمة والدارقطني والحاكم من طريق ابن جريج أخبرني نافع أن
ابن عمر كان يقول ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع سبيلا فمن
زاد شيئا فهو خير وتطوع وقال سعيد بن أبي عروبة في المناسك عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال
الحج والعمرة فريضتان (قوله وقال ابن عباس) هذا التعليق وصله الشافعي وسعيد بن
منصور كلاهما عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت طاوسا يقول سمعت ابن عباس
يقول والله أنها لقرينتها في كتاب الله وأتموا الحج والعمرة لله وللحاكم من طريق عطاء عن
ابن عباس الحج والعمرة فريضتان وإسناده ضعيف والضمير في قوله لقرينتها للفريضة وكان
أصل الكلام أن يقول لقرينته لأن المراد الحج (قوله عن سمي) قال ابن عبد البر تفرد سمي
بهذا الحديث واحتاج إليه الناس فيه فرواه عنه مالك والسفيانان وغيرهما حتى أن سهيل بن
أبي صالح حدث به عن سمي عن أبي صالح فكأن سهيلا لم يسمعه من أبيه وتحقق بذلك تفرد سمي
به فهو من غرائب الصحيح (قوله العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) أشار ابن عبد البر إلى أن
المراد تكفير الصغائر دون الكبائر قال وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى تعميم ذلك ثم بالغ في
الإنكار عليه وقد تقدم التنبيه على الصواب في ذلك في أوائل مواقيت الصلاة واستشكل
بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر فماذا تكفر العمرة والجواب أن
تكفير العمرة مقيد بزمنها وتكفير الاجتناب عام لجميع عمر العبد فتغايرا من هذه الحيثية وأما
مناسبة الحديث لأحد شقي الترجمة وهو وجوب العمرة فمشكل بخلاف الشق الآخر وهو
فضلها فإنه واضح وكأن المصنف والله أعلم أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث المذكور وهو
ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعا تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة
بينهما تنفي الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة فإن
ظاهره التسوية بين أصل الحج والعمرة فيوافق قول ابن عباس أنها لقرينتها في كتاب الله وأما إذا
اتصف الحج بكونه مبرورا فذلك قدر زائد وقد تقدم الكلام على المراد به في أوائل الحج ووقع عند
أحمد وغيره من حديث جابر مرفوعا الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة قيل يا رسول الله ما بر الحج
قال إطعام الطعام وإفشاء السلام ففي هذا تفسير المراد بالبر في الحج ويستفاد من حديث ابن
مسعود المذكور المراد بالتكفير المبهم في حديث أبي هريرة وفي حديث الباب دلالة على استحباب
الاستكثار من الاعتمار خلافا لقول من قال يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية
ولمن قال مرة في الشهر من غيرهم واستدل لهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى
سنة وأفعاله على الوجوب أو الندب وتعقب بأن المندوب لم ينحصر في أفعاله فقد كان يترك الشئ
وهو يستحب فعله لرفع المشقة عن أمته وقد ندب إلى ذلك بلفظه فثبت الاستحباب من غير تقييد
واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسا بأعمال الحج إلا ما نقل عن الحنفية أنه
يكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق ونقل الأثرم عن أحمد إذا أعتمر فلا بد أن يحلق
476

أو يقصر فلا يعتمر بعد ذلك إلى عشرة أيام ليمكن حلق الرأس فيها قال ابن قدامة هذا يدل على
كراهة الاعتمار عنده في دون عشرة أيام وقال ابن التين قوله العمرة إلى العمرة يحتمل أن
تكون إلى بمعنى مع فيكون التقدير العمرة مع العمرة مكفرة لما بينهما وفي الحديث أيضا إشارة
إلى جواز الاعتمار قبل الحج وهو من حديث ابن مسعود الذي أشرنا إليه عند الترمذي
وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه (قوله باب من اعتمر قبل الحج) أي هل
تجزئه العمرة أم لا (قوله حدثنا أحمد بن محمد) هو المروزي وعبد الله هو ابن المبارك (قوله أن
عكرمة بن خالد) هو المخزومي (قوله سأل) هذا السياق يقتضي أن هذا الإسناد مرسل لأن ابن
جريج لم يدرك زمان سؤال عكرمة لابن عمر ولهذا استظهر البخاري بالتعليق عن ابن إسحاق
المصرح بالاتصال ثم بالإسناد الآخر عن ابن جريج فهو يرفع هذا الاشكال المذكور حيث
قال عن ابن جريج قال قال عكرمة فإن قيل أن ابن جريج ربما دلس فالجواب أن ابن خزيمة
أخرجه من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج قال قال عكرمة بن خالد فذكره (قوله لا بأس) زاد
أحمد وابن خزيمة فقال لا بأس على أحد أن يعتمر قبل أن يحج (قوله قال عكرمة) هو ابن خالد
بالإسناد المذكور (قوله وقال إبراهيم بن سعد الخ) وصله أحمد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد
بالإسناد المذكور ولفظه حدثنا عكرمة بن خالد بن العاصي المخزومي قال قدمت المدينة في نفر من
أهل مكة فلقيت عبد الله بن عمر فقلت إنا لم نحج قط أفنعتمر من المدينة قال نعم وما يمنعكم من
ذلك فقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمره كلها قبل حجه قال فاعتمرنا قال ابن بطال
هذا يدل على أن فرض الحج كان قد نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قبل اعتماره ويتفرع عليه
هل الحج على الفور أو التراخي وهذا يدل على أنه على التراخي قال وكذلك أمر النبي صلى الله
عليه وسلم أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة دال على ذلك انتهى وقد نوزع في ذلك إذ لا يلزم من
صحة تقديم أحد النسكين على الآخر نفي الفورية فيه وقد تقدم في أول الحج نقل الخلاف
في ابتداء فرض الحج وسيأتي الكلام على عدة عمر النبي صلى الله عليه وسلم في الباب الذي
يليه ومن الصريح في الترجمة الأثر المذكور في آخر الباب الذي يليه عن مسروق وعطاء
ومجاهد قالوا اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج وحديث البراء في ذلك أيضا (قوله
باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم) أورد فيه حديث عائشة وابن عمر في أنه اعتمر أربعا
وكذا حديث أنس وختم بحديث البراء أنه اعتمر مرتين والجمع بينه وبين أحاديثهم أنه لم يعد
العمرة التي قرنها بحجته لأن حديثه مقيد بكون ذلك وقع في ذي القعدة والتي في حجته كانت
في ذي الحجة وكأنه لم يعد أيضا التي صد عنها وإن كانت وقعت في ذي القعدة أو عدها ولم يعد عمرة
الجعرانة لخفائها عليه كما خفيت على غيره كما ذكر ذلك محرش الكعبي فيما أخرجه الترمذي وروى
يونس بن بكير في زيادات المغازي وعبد الرزاق جميعا عن عمر بن ذر عن مجاهد عن أبي هريرة قال
اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر في ذي القعدة وهو موافق لحديث عائشة وابن عمر وزاد
عليه تعيين الشهر لكن روى سعيد بن منصور عن الدراوردي عن هشام عن أبيه عن عائشة أن
النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر عمرتين في ذي القعدة وعمرة في شوال إسناده قوي وقد
رواه مالك عن هشام عن أبيه مرسلا لكن قولها في شوال مغاير لقول غيرها في ذي القعدة ويجمع
477

بينهما بأن يكون ذلك وقع في آخر شوال وأول ذي القعدة ويؤيده ما رواه ابن ماجة بإسناد صحيح
عن مجاهد عن عائشة لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة (قوله حدثنا جرير)
هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر (قوله المسجد) يعني مسجد المدينة النبوية (قوله
جالس إلى حجرة عائشة) في رواية مفضل عن منصور عن أحمد فإذا ابن عمر مستند إلى حجرة عائشة
(قوله وإذا أناس) في رواية الكشميهني فإذا ناس بغير ألف (قوله فقال بدعة) تقدم الكلام على
ذلك والبحث فيه في أبواب التطوع (قوله ثم قال له) يعني عروة وصرح به مسلم في روايته عن إسحاق
بن راهويه عن جرير (قوله قال أربع) كذا للأكثر ولأبي ذر قال أربعا أي اعتمر أربعا قال
ابن مالك الأكثر في جواب الاستفهام مطابقة اللفظ والمعنى وقد يكتفى بالمعنى فمن الأول قوله
تعالى قال هي عصاي في جواب وما تلك بيمينك يا موسى ومن الثاني قوله عليه الصلاة والسلام
أربعين في جواب قولهم كم يلبث فأضمر يلبث ونصب به أربعين ولو قصد تكميل المطابقة لقال
أربعون لأن الاسم المستفهم به في موضع الرفع فظهر بهذا أن النصب والرفع جائزان في مثل قوله
أربع إلا أن النصب أقيس وأكثر نظائر (قوله إحداهن في رجب) كذا وقع في رواية منصور
عن مجاهد وخالفه أبو إسحق فرواه عن مجاهد عن ابن عمر قال اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم
مرتين فبلغ ذلك عائشة فقالت اعتمر أربع عمر أخرجه أحمد وأبو داود فاختلفا جعل منصور
الاختلاف في شهر العمرة وأبو إسحق الاختلاف في عدد الاعتمار ويمكن تعدد السؤال بأن
يكون ابن عمر سئل أولا عن العدد فأجاب فردت عليه عائشة فرجع إليها فسئل مرة ثانية فأجاب
بموافقتها ثم سئل عن الشهر فأجاب بما في ظنه وقد أخرج أحمد من طريق الأعمش عن مجاهد
قال سأل عروة بن الزبير ابن عمر في أي شهر اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجب (قوله
فكرهنا أن نرد عليه) زاد إسحق في روايته ونكذبه (قوله وسمعنا استنان عائشة) أي حس
مرور السواك على أسنانها وفي رواية عطاء عن عروة عند مسلم وإنا لنسمع ضربها بالسواك
تستن (قوله عمرات) يجوز في ميمها الحركات الثلاث (قوله يا أماه) كذا للأكثر بسكون الهاء
ولأبي ذر يا أمه بسكون الهاء أيضا بغير ألف وقول عروة لهذا بالمعنى الأخص لكونها خالته
وبالمعنى الأعم لكونها أم المؤمنين (قوله يرحم الله أبا عبد الرحمن) هو عبد الله بن عمر ذكرته
بكنيته تعظيما له ودعت له إشارة إلى أنه نسي وقولها (ما اعتمر) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم
(عمرة إلا وهو) أي ابن عمر (شاهده) أي حاضر معه وقالت ذلك مبالغة في نسبته إلى النسيان ولم
تنكر عائشة على ابن عمر إلا قوله إحداهن في رجب (قوله وما اعتمر في رجب قط) زاد عطاء عن
عروة عند مسلم في آخره قال وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم سكت (قوله عن عروة بن الزبير سألت
عائشة) كذا أورده مختصرا وأخرجه مسلم من هذا الوجه مطولا ذكر فيه قصة ابن عمر وسؤاله
له نحو ما رواه مجاهد إلا أنه لم يقل فيه كم اعتمر وقد أشرت إلى ما فيه من فائدة زائدة وأغرب
الإسماعيلي فقال هذا الحديث لا يدخل في باب كم اعتمر وإنما يدخل في باب متى اعتمر اه‍ وجوابه
أن غرض البخاري الطريق الأولى وإنما أورد هذه لينبه على الخلاف في السياق (قوله وعمرة
الجعرانة إذ قسم غنيمة أراه حنين) كذا وقع هنا بنصب غنيمة بغير تنوين وكأن الراوي طرأ عليه
شك فأدخل بين المضاف والمضاف إليه لفظ أراه وهو بضم الهمزة أي أظنه وقد رواه مسلم عن
478

هدبة عن همام بغير شك فقال حيث قسم غنائم حنين وسقط من رواية حسان هذه العمرة الرابعة
ولهذا استظهر المصنف بطريق أبي الوليد التي ذكرها في آخر الحديث وهو قوله وعمرة مع حجته
وكذا أخرجه مسلم من طريق عبد الصمد عن هشام فتبين بهذا أن التقصير فيه من حسان شيخ
البخاري وقال الكرماني العمرة الرابعة في هذا الحديث داخلة في ضمن الحج لأنه صلى الله عليه
وسلم إما أن يكون قارنا أو متمتعا فالعمرة حاصلة أو مفردا لكن أفضل أنواع الأفراد لا بد فيه من
العمرة في تلك السنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك الأفضل انتهى وليس ما ادعى أنه
الأفضل متفقا عليه بين العلماء فكيف ينسب فعل ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفعل النبي
صلى الله عليه وسلم هو الذي يحتج به إذا نسب لأحد فعله على ما يختار بعض المجتهدين رجحانه
(قوله في رواية أبي الوليد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث ردوه ومن القابل عمرة الحديبية)
قال ابن التين هذا أراه وهما لأن التي ردوه فيها هي عمرة الحديبية وأما التي من قابل فلم يردوه
منها (قلت) لا وهم في ذلك لأن كلا منهما كان من الحديبية ويحتمل أن يكون قوله عمرة الحديبية
يتعلق بقوله حيث ردوه (قوله حدثنا هدبة حدثنا همام وقال اعتمر) أي بالإسناد المذكور
وهو عن قتادة أن أنس بن مالك أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن
في ذي القعدة إلا التي مع حجته الحديث كذا ساقه مسلم عن هداب بن خالد وهو هدبة المذكور
وقوله إلا التي مع حجته استشكل ابن التين هذا الاستثناء فقال هو كلام زائد والصواب أربع
عمر في ذي القعدة عمرة من الحديبية الحديث قال وقد عد التي مع حجته في الحديث فكيف
يستثنيها أولا وأجاب عياض بأن الرواية صواب وكأنه قال في ذي القعدة منها ثلاث والرابعة
عمرته في حجته أو المعنى كلها في ذي القعدة إلا التي اعتمر في حجته لأن التي في حجته كانت
في ذي الحجة (قوله شريح بن مسلمة) بمعجمة أوله ومهملة آخره وإبراهيم بن يوسف أي ابن إسحاق
ابن أبي إسحق السبيعي ورجال هذا الحديث كلهم كوفيون إلا عطاء ومجاهدا وقد سبق
الكلام عليه وتقدم الكلام على الخلاف فيما كان صلى الله عليه وسلم به محرما في حجته والجمع
بين ما اختلف فيه من ذلك فأغنى عن إعادته والمشهور عن عائشة أنه كان مفردا وحديثه
هذا يشعر بأنه كان قارنا وكذا ابن عمر أنكر على أنس كونه كان قارنا مع أن حديثه هذا
يدل على أنه كان قارنا لأنه لم ينقل أنه اعتمر بعد حجته فلم يبق إلا أنه اعتمر مع حجته ولم يكن متمتعا
لأنه اعتذر عن ذلك بكونه ساق الهدي واحتاج ابن بطال إلى تأويل ما وقع عن عائشة
وابن عمر هنا فقال إنما تجوز نسبة العمرة الرابعة إليه باعتبار أنه أمر الناس بها وعملت
بحضرته لا أنه صلى الله عليه وسلم اعتمرها بنفسه ومن تأمل ما تقدم من الجمع استغنى عن
هذا التأويل المتعسف وقال ابن التين في عدهم عمرة الحديبية التي صد عنها ما يدل على أنها
عمرة تامة وفيه إشارة إلى صحة قول الجمهور إنه لا يجب القضاء على من صد عن البيت خلافا
للحنفية ولو كانت عمرة القضية بدلا عن عمرة الحديبية لكانتا واحدة وإنما سميت عمرة القضية
والقضاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاضى قريشا فيها لا أنها وقعت قضاء عن العمرة التي صد
عنها إذ لو كان كذلك لكانتا عمرة واحدة وفيه دلالة على جواز الاعتمار في أشهر الحج بخلاف
ما كان عليه المشركون وفي هذا الحديث أن الصحابي الجليل المكثر الشديد الملازمة للنبي
479

صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أحواله وقد يدخله الوهم والنسيان لكونه غير معصوم
وفيه رد بعض العلماء على بعض وحسن الأدب في الرد وحسن التلطف في استكشاف الصواب
إذا ظن السامع خطأ المحدث وقال النووي سكوت ابن عمر على إنكار عائشة يدل على أنه كان
اشتبه عليه أو نسي أو شك وقال القرطبي عدم إنكاره على عائشة يدل على أنه كان على وهم وأنه
رجع لقولها وقد تعسف من قال أن ابن عمر أراد بقوله اعتمر في رجب عمرة قبل هجرته لأنه وإن
كان محتملا لكن قول عائشة ما اعتمر في رجب يلزم منه عدم مطابقة ردها عليه لكلامه ولا سيما
وقد بينت الأربع وأنها لو كانت قبل الهجرة فما الذي كان يمنعه أن يفصح بمراده فيرجع الإشكال
وأيضا فإن قول هذا القائل لأن قريشا كانوا يعتمرون في رجب يحتاج إلى نقل وعلى تقديره فمن أين
له أنه صلى الله عليه وسلم وافقهم وهب أنه وافقهم فكيف اقتصر على مرة (قوله باب
عمرة في رمضان) كذا في جميع النسخ ولم يصرح في الترجمة بفضيلة ولا غيرها ولعله أشار إلى
ما روي عن عائشة قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأفطر وصمت
وقصر وأتممت الحديث أخرجه الدارقطني من طريق العلاء بن زهير عن عبد الرحمن بن الأسود
ابن يزيد عن أبيه عنها وقال إن إسناده حسن وقال صاحب الهدي أنه غلط لأن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يعتمر في رمضان (قلت) ويمكن حمله على أن قولها في رمضان متعلق بقولها خرجت
ويكون المراد سفر فتح مكة فإنه كان في رمضان واعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة من
الجعرانة لكن في ذي القعدة كما تقدم بيانه قريبا وقد رواه الدارقطني بإسناد آخر إلى العلاء بن
زهير فلم يقل في الإسناد عن أبيه ولا قال فيه في رمضان (قوله حدثنا يحيى) هو القطان وقوله
عن عطاء في رواية مسلم عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني عطاء (قوله
لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها) القائل نسيت اسمها ابن جريج بخلاف
ما يتبادر إلى الذهن من أن القائل عطاء وإنما قلت ذلك لأن المصنف أخرج الحديث في باب حج
النساء من طريق حبيب المعلم عن عطاء فسماها ولفظه لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من
حجته قال لأم سنان الأنصارية ما منعك من الحج الحديث ويحتمل أن عطاء كان ناسيا لاسمها لما
حدث به ابن جريج وذاكرا له لما حدث به حبيبا وقد خالفه يعقوب بن عطاء فرواه عن أبيه عن ابن
عباس قال جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت حج أبو طلحة وابنه وتركاني
فقال يا أم سليم عمرة في رمضان تعدل حجة معي أخرجه ابن حبان وتابعه محمد بن عبد الرحمن بن
أبي ليلى عن عطاء أخرجه ابن أبي شيبة وتابعهما معقل الجزري لكن خالف في الإسناد قال عن
عطاء عن أم سليم فذكر الحديث دون القصة فهؤلاء ثلاثة يبعد أن يتفقوا على الخطأ فلعل حبيبا
لم يحفظ اسمها كما ينبغي لكن رواه أحمد بن منيع في مسنده بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن
امرأة من الأنصار يقال لها أم سنان أنها أرادت الحج فذكر الحديث نحوه دون ذكر قصة زوجها
وقد اختلف في صحابيه على عطاء اختلافا آخر يأتي ذكره في باب حج النساء وقد وقع شبيه بهذه
القصة لأم معقل أخرجه النسائي من طريق معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن
الحرث عن امرأة من بني أسد يقال لها أم معقل قالت أردت الحج فاعتل بعيري فسألت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة وقد اختلف
480

في إسناده فرواه مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال جاءت امرأة فذكره مرسلا
وأبهمها ورواه النسائي أيضا من طريق عمارة ابن عمير وغيره عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي
معقل ورواه أبو داود من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن رسول مروان
عن أم معقل والذي يظهر لي أنهما قصتان وقعتا لامرأتين فعند أبي داود من طريق عيسى بن
معقل عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أم معقل قالت لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم
حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله وأصابنا مرض فهلك أبو معقل فلما رجع
رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجته جئت فقال ما منعك أن تحجي معنا فذكرت ذلك له
قال فهلا حججت عليه فإن الحج في سبيل الله فأما إذا فاتك فاعتمري في رمضان فإنها كحجة
ووقعت لأم طليق قصة مثل هذه أخرجها أبو علي بن السكن وابن منده في الصحابة والدولابي
في الكنى من طريق طلق بن حبيب إن أبا طليق حدثه أن امرأته قالت له وله جمل وناقة أعطني
جملك أحج عليه قال جملي حبيس في سبيل الله قالت إنه في سبيل الله أن أحج عليه فذكر
الحديث وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت أم طليق وفيه ما يعدل الحج قال عمرة
في رمضان وزعم ابن عبد البر أن أم معقل هي أم طليق لها كنيتان وفيه نظر لأن أبا معقل مات في
عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبا طليق عاش حتى سمع منه طلق بن حبيب وهو من صغار التابعين
فدل على تغاير المرأتين ويدل عليه تغاير السياقين أيضا ولا معدل عن تفسير المبهمة في حديث ابن
عباس بأنها أم سنان أو أم سليم لما في القصة التي في حديث ابن عباس من التغاير للقصة التي في
حديث غيره ولقوله في حديث ابن عباس أنها أنصارية وأما أم معقل فإنها أسدية ووقعت لأم
الهيثم أيضا والله أعلم (قوله أن تحجي) في رواية كريمة والأصيلي أن تحجين بزيادة النون
وهي لغة (قوله ناضح) بضاد معجمة ثم مهملة أي بعير قال ابن بطال الناضح البعير أو الثور
أو الحمار الذي يستقى عليه لكن المراد به هنا البعير لتصريحه في رواية بكر بن عبد الله المزني عن
ابن عباس في رواية أبي داود بكونه جملا وفي رواية حبيب المذكورة وكان لنا ناضحان وهي أبين
وفي رواية مسلم من طريق حبيب كانا لأبي فلان زوجها (قوله وابنه) إن كانت هي أم سنان
فيحتمل أن يكون اسم ابنها سنانا وإن كانت هي أم سليم فلم يكن لها يومئذ ابن يمكن أن يحج سوى
أنس وعلى هذا فنسبته إلى أبي طلحة بكونه ابنه مجازا (قوله ننضح عليه) بكسر الضاد (قوله
فإذا كان رمضان) بالرفع وكان تامة وفي رواية الكشميهني فإذا كان في رمضان (قوله فإن عمرة
في رمضان حجة) وفي رواية مسلم فإن عمرة فيه تعدل حجة ولعل هذا هو السبب في قول المصنف
أو نحوا مما قال قال ابن خزيمة في هذا الحديث أن الشئ يشبه بالشئ ويجعل عدله إذا أشبهه في
بعض المعاني لا جميعها لأن العمرة لا يقضي بها فرض الحج ولا النذر وقال ابن بطال فيه دليل
على أن الحج الذي ندبها إليه كان تطوعا لإجماع الأمة على أن العمرة لا تجزئ عن حجة الفريضة
وتعقبه ابن المنير بأن الحجة المذكورة هي حجة الوداع قال وكانت أول حجة أقيمت في الإسلام فرضا
لأن حج أبي بكر كان إنذارا قال فعلى هذا يستحيل أن تكون تلك المرأة كانت قامت بوظيفة الحج
(قلت) وما قاله غير مسلم إذ لا مانع أن تكون حجت مع أبي بكر وسقط عنها الفرض بذلك لكنه
بني على أن الحج إنما فرض في السنة العاشرة حتى يسلم مما يرد على مذهبه من القول بأن الحج
481

على الفور وعلى ما قاله ابن خزيمة فلا يحتاج إلى شئ مما بحثه ابن بطال فالحاصل أنه أعلمها أن
العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن
الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى الحديث نظير
ما جاء أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وقال ابن العربي حديث العمرة هذا صحيح وهو
فضل من الله ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها وقال ابن الجوزي فيه
أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد وقال غيره
يحتمل أن يكون المراد عمرة فريضة في رمضان كحجة فريضة وعمرة نافلة في رمضان كحجة نافلة وقال
ابن التين قوله كحجة يحتمل أن يكون على بابه ويحتمل أن يكون لبركة رمضان ويحتمل أن يكون
مخصوصا بهذه المرأة (قلت) الثالث قال به بعض المتقدمين ففي رواية أحمد بن منيع المذكورة
قال سعيد بن جبير ولا نعلم هذا إلا لهذه المرأة وحدها ووقع عند أبي داود من حديث يوسف
ابن عبد الله بن سلام عن أم معقل في آخر حديثها قال فكانت تقول الحج حجة والعمرة عمرة
وقد قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لي فما أدري إلي خاصة تعني أو للناس عامة انتهى
والظاهر حمله على العموم كما تقدم والسبب في التوقف استشكال ظاهره وقد صح جوابه والله أعلم
(فصل) لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا في أشهر الحج كما تقدم وقد ثبت فضل العمرة في
رمضان بحديث الباب فأيهما أفضل الذي يظهر أن العمرة في رمضان لغير النبي صلى الله عليه
وسلم أفضل وأما في حقه فما صنعه هو أفضل لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه
فأراد الرد عليهم بالقول والفعل وهو لو كان مكروها لغيره لكان في حقه أفضل والله أعلم وقال
صاحب الهدي يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يشتغل في رمضان من العبادة بما هو أهم من
العمرة وخشي من المشقة على أمته إذ لو اعتمر في رمضان لبادروا إلى ذلك مع ما هم عليه من المشقة
في الجمع بين العمرة والصوم وقد كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض
على أمته وخوفا من المشقة عليهم (قوله باب العمرة ليلة الحصبة وغيرها) الحصبة
بالمهملتين وموحدة وزن الضربة والمراد بها ليلة المبيت بالمحصب وقد سبق الكلام على التحصيب
في أواخر أبواب الحج وأورد المصنف في حديث عائشة وفيه فلما كان ليلة الحصبة أرسل معي
عبد الرحمن إلى التنعيم قال ابن بطال فقه هذا الباب أن الحاج يجوز له أن يعتمر إذا تم حجه بعد
انقضاء أيام التشريق وليلة الحصبة هي ليلة النفر الأخير لأنها آخر أيام الرمي واختلف السلف
في العمرة أيام الحج فروى عبد الرزاق باسناده عن مجاهد قال سئل عمر وعلي وعائشة عن
العمرة ليلة الحصبة فقال عمر هي خير من لا شئ وقال علي نحوه وقالت عائشة العمرة على قدر
النفقة انتهى وأشارت بذلك إلى أن الخروج لقصد العمرة من البلد إلى مكة أفضل من الخروج
من مكة إلى أدنى الحل وسيأتي تقرير ذلك بعد بابين وسيأتي الكلام على الحديث بعد باب
ومحمد شيخ البخاري فيه هو ابن سلام قوله (باب عمرة التنعيم) يعني هل تتعين لمن
كان بمكة أم لا وإذا لم تتعين هل لها فضل على الاعتمار من غيرها من جهات الحل أو لا قال
صاحب الهدي لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة ولا اعتمر بعد
الهجرة إلا داخلا إلى مكة ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل ثم يدخل مكة بعمرة كما يفعل
الناس اليوم ولا ثبت عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها انتهى وبعد
482

أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته واختلف السلف في جواز الاعتمار في السنة أكثر من
مرة فكرهه مالك وخالفه مطرف وطائفة من أتباعه وهو قول الجمهور واستثنى أبو حنيفة يوم
عرفة ويوم النحر وأيام التشريق ووافقه أبو يوسف إلا في يوم عرفة واستثنى الشافعي البائت بمنى
لرمي أيام التشريق وفيه وجه اختاره بعض الشافعية فقال بالجواز مطلقا كقول الجمهور والله
أعلم واختلفوا أيضا هل يتعين التنعيم لمن اعتمر من مكة فروى الفاكهي وغيره من طريق محمد بن
سيرين قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل مكة التنعيم ومن طريق عطاء قال
من أراد العمرة ممن هو من أهل مكة أو غيرها فليخرج إلى التنعيم أو إلى الجعرانة فليحرم منها
وأفضل ذلك أن يأتي وقتا أي ميقاتا من مواقيت الحج قال الطحاوي ذهب قوم إلى أنه لا ميقات
للعمرة لمن كان بمكة إلا التنعيم ولا ينبغي مجاوزته كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحج وخالفهم
آخرون فقالوا ميقات العمرة الحل وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بالاحرام من التنعيم
لأنه كان أقرب الحل من مكة ثم روي من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة في حديثها قالت وكان
أدنانا من الحرم التنعيم فاعتمرت منه قال فثبت بذلك أن ميقات مكة للعمرة الحل وأن التنعيم
وغيره في ذلك سواء (قوله عن عمرو) هو ابن دينار (قوله سمع عمرو بن أوس) يعني أنه سمع ولفظ
أنه مما يحذف من الإسناد خطأ في الغالب كما يحذف إحدى لفظتي قال وقد بين سفيان سماعه له
من عمرو بن دينار في آخره ووقع عند الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار قال سفيان هذا مما
يعجب شعبة يعني التصريح بالإخبار في جميع الإسناد (قوله ويعمرها من التنعيم) معطوف
على قوله أمره أن يردف وهذا يدل على أن إعمارها من التنعيم كان بأمر النبي صلى الله عليه
وسلم وأصرح منه ما أخرجه أبو داود من طريق حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيها أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا عبد الرحمن أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم الحديث
ونحوه رواية مالك السابقة في أوائل الحج عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أرسلني النبي صلى
الله عليه وسلم مع عبد الرحمن إلى التنعيم ورواية الأسود عن عائشة السابقة في أواخر الحج قال
فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم وسيأتي بعد باب من وجه آخر عن الأسود والقاسم جميعا عنها بلفظ
فاخرجي إلى التنعيم وهو صريح بأن ذلك كان عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم وكل ذلك يفسر
قوله في رواية القاسم عنها السابقة في أوائل الحج حيث أورده بلفظ أخرج بأختك من الحرم وأما
ما رواه أحمد من طريق ابن أبي مليكة عنها في هذا الحديث قال ثم أرسل إلى عبد الرحمن بن أبي
بكر فقال احملها خلفك حتى تخرج من الحرم فوالله ما قال فتخرجها إلى الجعرانة ولا إلى التنعيم
فهي رواية ضعيفة لضعف أبي عامر الخراز الراوي له عن ابن أبي مليكة ويحتمل أن يكون قوله
فوالله الخ من كلام من دون عائشة قاله متمسكا بإطلاق قوله فأخرجها من الحرم لكن الروايات
المقيدة بالتنعيم مقدمة على المطلقة فهو أولى ولا سيما مع صحة أسانيدها والله أعلم * (فائدة) *
زاد أبو داود في روايته بعد قوله إلى التنعيم فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم فإنها عمرة متقبلة
وزاد أحمد في رواية له وذلك ليلة الصدر وهو بفتح المهملة والدال أي الرجوع من منى وفي قوله
فإذا هبطت بها إشارة إلى المكان الذي أحرمت منه عائشة والتنعيم بفتح المثناة وسكون النون
وكسر المهملة مكان معروف خارج مكة وهو على أربعة أميال من مكة إلى جهة المدينة كما نقله
الفاكهي وقال المحب الطبري التنعيم أبعد من أدنى الحل إلى مكة بقليل وليس بطرف الحل بل
483

بينهما نحو من ميل ومن أطلق عليه أدنى الحل فقد تجوز (قلت) أو أراد بالنسبة إلى بقية
الجهات وروى الفاكهي من طريق عبيد بن عمير قال إنما سمي التنعيم لأن الجبل الذي عن يمين
الداخل يقال له ناعم والذي عن اليسار يقال له منعم والوادي نعمان وروى الأزرقي من طريق
ابن جريج قال رأيت عطاء يصف الموضع الذي اعتمرت منه عائشة قال فأشار إلى الموضع الذي
ابتنى فيه محمد بن علي بن شافع المسجد الذي وراء الأكمة وهو المسجد الخرب ونقل الفاكهي
عن ابن جريج وغيره أن ثم مسجدين يزعم أهل مكة أن الخرب الأدنى من الحرم هو الذي اعتمرت
منه عائشة وقيل هو المسجد الأبعد على الأكمة الحمراء ورجحه المحب الطبري وقال الفاكهي
لا أعلم إلا أني سمعت ابن أبي عمر يذكر عن أشياخه أن الأول هو الصحيح عندهم وفي هذا الحديث
جواز الخلوة بالمحارم سفرا وحضرا وإرداف المحرم محرمة معه واستدل به على تعين الخروج إلى
الحل لمن أراد العمرة ممن كان بمكة وهو أحد قولي العلماء والثاني تصح العمرة ويجب عليه دم
لترك الميقات وليس في حديث الباب ما يدفع ذلك واستدل به على أن أفضل جهات الحل التنعيم
وتعقب بأن إحرام عائشة من التنعيم إنما وقع لكونه أقرب جهة الحل إلى الحرام لا أنه الأفضل
وسيأتي إيضاح هذا في باب أجر العمرة على قدر التعب (قوله عن عطاء) هو ابن أبي رباح
(قوله وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة) هذا مخالف لما رواه أحمد
ومسلم وغيرهما من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن الهدي كان مع النبي صلى
الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وذوي اليسار وسيأتي بعد بابين للمصنف من طريق أفلح عن القاسم
بلفظ ورجال من أصحابه ذوي قوة ويجمع بينهما بأن كلا منهما ذكر من اطلع عليه وقد روى مسلم
أيضا من طريق مسلم القرى وهو بضم القاف وتشديد الراء عن ابن عباس في هذا الحديث
وكان طلحة ممن ساق الهدي فلم يحل وهذا شاهد لحديث جابر في ذكر طلحة في ذلك وشاهد لحديث
عائشة في أن طلحة لم ينفرد بذلك وداخل في قولها وذوي اليسار ولمسلم من حديث أسماء بنت أبي
بكر أن الزبير كان ممن كان معه الهدي (قوله وكان على قدم من اليمن) في رواية ابن جريج عن
عطاء عند مسلم من سعايته وسيأتي بيان ذلك في أواخر المغازي (قوله بما أهل به رسول الله صلى
الله عليه وسلم) في رواية ابن جريج عن عطاء عن جابر وعن ابن جريج عن طاوس عن ابن عباس
في هذا الحديث عند المصنف في الشركة فقال أحدهما يقول لبيك بما أهل به رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقال الآخر يقول لبيك بحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يقيم على
إحرامه وأشركه في الهدي وقد تقدم بيان ذلك في باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل الحج (قوله وأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه
أن يجعلوها عمرة) زاد ابن جريج عن عطاء فيه وأصيبوا النساء قال عطاء ولم يعزم عليهم ولكن
أحلهن لهم يعني إتيان النساء لأن من لازم الإحلال إباحة إتيان النساء وقد تقدم شرح ذلك
في آخر باب التمتع والقرآن (قوله وأن عائشة حاضت) في رواية عائشة نفسها كما تقدم أن
حيضها كان بسرف قبل دخولهم مكة وفي رواية أبي الزبير عن جابر عند مسلم أن دخول النبي
صلى الله عليه وسلم عليها وشكواها ذلك له كان يوم التروية ووقع عند مسلم من طريق مجاهد عن
عائشة أن طهرها كان بعرفة وفي رواية القاسم عنها وطهرت صبيحة ليلة عرفة حتى قدمنا منى وله
من طريقه فخرجت في حجتي حتى نزلنا منى فتطهرت ثم طفنا بالبيت الحديث واتفقت الروايات
484

كلها حتى أنها طافت طواف الإفاضة من يوم النحر واقتصر النووي في شرح مسلم على النقل عن
أبي محمد بن حزم أن عائشة حاضت يوم السبت ثالث ذي الحجة وطهرت يوم السبت عاشره يوم النحر
وإنما أخذه ابن حزم من هذه الروايات التي في مسلم ويجمع بين قول مجاهد وقول القاسم أنها رأت
الطهر وهي بعرفة ولم تتهيأ للاغتسال إلا بعد أن نزلت منى أو انقطع الدم عنها بعرفة وما رأت الطهر
إلا بعد أن نزلت منى وهذا أولى والله أعلم (قوله وأنطلق بالحج) تمسك به من قال أن عائشة لما
حاضت تركت عمرتها واقتصرت على الحج وقد تقدم البحث فيه في باب التمتع والقرآن (قوله وأن
سراقة لقي النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة وهو يرميها) يعني وهو يرمي جمرة العقبة وفي رواية يزيد
ابن زريع عن حبيب المعلم عند المصنف في كتاب التمني وهو يرمي جمرة العقبة هذا فيه بيان المكان
الذي سأل فيه سراقة عن ذلك ورواية مسلم من طريق ابن جريج عن عطاء عن جابر كذلك
وسياق مسلم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر يقتضي أنه قال له ذلك لما أمر أصحابه أن
يجعلوا حجهم عمرة وبذلك تمسك من قال إن سؤاله كان عن فسخ الحج عن العمرة ويحتمل أن يكون
السؤال وقع عن الأمرين لتعدد المكانين (قوله ألكم هذه خاصة يا رسول الله قال لابل للأبد)
في رواية يزيد بن زريع ألنا هذه خاصة وفي رواية جعفر عند مسلم فقام سراقة فقال يا رسول الله
ألعامنا هذه أم للأبد فشبك أصابعه واحدة في الأخرى وقال دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل
للأبد أبدا قال النووي معناه عند الجمهور أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إبطالا لما كان عليه
الجاهلية وقيل معناه جواز القرآن أي دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج وقيل معناه سقط
وجوب العمرة وهذا ضعيف لأنه يقتضي النسخ بغير دليل وقيل معناه جواز فسخ الحج إلى
العمرة قال وهو ضعيف وتعقب بأن سياق السؤال يقوي هذا التأويل بل الظاهر أن السؤال
وقع عن الفسخ والجواب وقع عما هو أعم من ذلك حتى يتناول التأويلات المذكورة إلا الثالث
والله أعلم (قوله باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي) كأنه يشير بذلك إلى أن اللازم من
قول من قال أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة بكماله كما هو منقول في رواية عن مالك وعن
الشافعي أيضا ومن أطلق أن التمتع هو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج كما نقل ابن عبد البر فيه
الإتفاق فقال لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقول الله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما
استيسر من الهدي هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج أن من أحرم بالعمرة في ذي الحجة بعد الحج
فعليه الهدي وحديث الباب دال على خلافه لكن القائل بأن ذا الحجة كله من أشهر الحج يقول
أن التمتع هو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج قبل الحج فلا يلزمهم ذلك (قوله خرجنا موافين
لهلال ذي الحجة) أي قرب طلوعه وقد تقدم أنها قالت خرجنا لخمس بقين من ذي القعدة والخمس
قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال وهم في الطريق لأنهم دخلوا مكة في الرابع من ذي الحجة
(قوله لأهللت بعمرة) في رواية السرخسي لأحللت بالحاء المهملة أي من الحج (قوله أرسل
معي عبد الرحمن إلى التنعيم فأردفها) فيه التفات لأن السياق يقتضي أن يقول فأردفني
(قوله مكان عمرتها) تقدم توجيهه وأن المراد مكان عمرتها التي أرادت أن تكون منفردة
عن الحج قال عياض وغيره الصواب في الجمع بين الروايات المختلفة عن عائشة أنها أحرمت بالحج
كما هو ظاهر رواية القاسم وغيره عنها ثم فسخته إلى العمرة لما فسخ الصحابة وعلى هذا يتنزل قول
عروة عنها أحرمت بعمرة فلما حاضت وتعذر عليها التحلل من العمرة لأجل الحيض وجاء وقت
485

الخروج إلى الحج أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة واستمرت إلى أن تحللت وعليه يدل قوله
لها في رواية طاوس عنها عند مسلم طوافك يسعك لحجك وعمرتك وأما قوله لها هذه مكان عمرتك
فمعناه العمرة المنفردة التي حصل لغيرها التحلل منها بمكة ثم أنشأوا الحج منفردا فعلى هذا فقد
حصل لعائشة عمرتان وكذا قولها يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج أي يرجعون بحج
منفرد وعمرة منفردة وأما قوله في هذا الحديث فقضى الله حجها وعمرتها ولم يكن في شئ من ذلك
هدي ولا صدقة ولا صوم فظاهره أن ذلك من قول عائشة وكذا أخرجه مسلم وابن ماجة من
رواية عبدة بن سليمان ومسلم من طريق ابن نمير والإسماعيلي من طريق علي بن مسهر وغيره لكن
قد تقدم الحديث في الحيض من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة الخ فقال في آخره قال هشام
ولم يكن في شئ من ذلك الخ فتبين أنه في رواية يحيى القطان ومن وافقه مدرج وكذا أخرجه أبو
داود من طريق وهيب والحمادين عن هشام ووقع في الحديث موضع آخر مدرج وهو قوله قبل
ذلك فقضى الله حجها وعمرتها فقد بين أحمد في روايته عن وكيع عن هشام أنه من قول عروة وبينه
مسلم عن أبي كريب عن وكيع بيانا شافيا فإنه أخرجه عقب رواية عبدة عن هشام وقال فيه
فساق الحديث بنحوه وقال في آخره قال عروة فقضى الله حجها وعمرتها قال هشام ولم يكن في
ذلك هدي ولا صيام ولا صدقة وساقه الجوزقي من طريق مسلم بهذا الإسناد بتمامه بغير حوالة
ورواه ابن جريج عن هشام فلم يذكر الزيادة أخرجه أبو عوانة وكذا أخرجه الشيخان من طريق
الزهري وأبي الأسود عن عروة بدون الزيادة قال ابن بطال قوله فقضى الله حجها وعمرتها إلى آخر
الحديث ليس من قول عائشة وإنما هو من كلام هشام بن عروة حدث به هكذا في العراق فوهم
فيه فظهر بذلك أن لا دليل فيه لمن قال إن عائشة لم تكن قارنة حيث قال لو كانت قارنة لوجب
عليها الهدي للقرآن وحمل قوله لها أرفضي عمرتك على ظاهره لكن طريق الجمع بين مختلف
الأحاديث تقتضي ما قررناه وقد ثبت عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه
بالبقر كما تقدم وروى مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى عنها فيحمل على
أنه صلى الله عليه وسلم أهدى عنها من غير أن يأمرها بذلك ولا أعلمها به قال القرطبي أشكل ظاهر
هذا الحديث ولم يكن في ذلك هدي على جماعة حتى قال عياض لم تكن عائشة قارنة ولا متمتعة
وإنما أحرمت بالحج ثم نوت فسخه إلى عمرة فمنعها من ذلك حيضها فرجعت إلى الحج فأكملته
ثم أحرمت عمرة مبتدأة فلم يجب عليها هدي قال وكأن عياضا لم يسمع قولها كنت ممن أهل
بعمرة ولا قوله صلى الله عليه وسلم لها طوافك يسعك لحجك وعمرتك والجواب عن ذلك أن هذا
الكلام مدرج من قول هشام كأنه نفى ذلك بحسب علمه ولا يلزم من ذلك نفيه في نفس الأمر
ويحتمل أن يكون قوله لم يكن في ذلك هدي أي لم تتكلف له بل قام به عنها انتهى وقال ابن
خزيمة معنى قوله لم يكن في شئ من ذلك هدي أي في تركها لعمل العمرة الأولى وإدراجها
لها في الحج ولا في عمرتها التي اعتمرتها من التنعيم أيضا وهذا تأويل حسن والله أعلم (قوله
باب أجر العمرة على قدر النصب) بفتح النون والمهملة أي التعب (قوله وعن
ابن عون) هو معطوف على الإسناد المذكور وقد بينه أحمد ومسلم من رواية ابن علية
عن ابن عون بالاسنادين وقال فيه يحدثان ذلك عن أم المؤمنين ولم يسمها قال فيه لا أعرف
حديث ذا من حديث ذا وظهر بحديث يزيد بن زريع أنها عائشة وأنهما رويا ذلك 3 عنها بخلاف
486

سياق يزيد (قوله يصدر الناس) أي يرجعون (قوله بمكان كذا وكذا) في رواية إسماعيل بحبل
كذا وضبطه في صحيح مسلم وغيره بالجيم وفتح الموحدة لكن أخرجه الإسماعيلي من طريق حسين
ابن حسن عن ابن عون وضبطه بالحاء المهملة يعني وإسكان الموحدة والمكان المبهم هنا هو
الأبطح كما تبين في غير هذا الطريق (قوله على قدر نفقتك أو نصبك) قال الكرماني أو إما
للتنويع في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإما شك من الراوي والمعنى أن الثواب في العبادة يكثر
بكثرة النصب أو النفقة والمراد النصب الذي لا يذمه الشرع وكذا النفقة قاله النووي انتهى
ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أحمد بن منيع عن إسماعيل على قدر نصبك أو على قدر تعبك
وهذا يؤيد أنه من شك الراوي وفي روايته من طريق حسين بن حسن على قدر نفقتك أو نصبك
أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه الدارقطني والحاكم من طريق هشام عن ابن
عون بلفظ أن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك بواو العطف وهذا يؤيد الاحتمال الأول
وقوله في رواية ابن علية لا أعرف حديث ذا من حديث ذا قد أخرج الدارقطني والحاكم من وجه
آخر ما يدل على أن السياق الذي هنا للقاسم فإنهما أخرجا من طريق سفيان وهو الثوري عن
منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في عمرتها إنما
أجرك في عمرتك على قدر نفقتك واستدل به على أن الاعتمار لمن كان بمكة من جهة الحل القريبة
أقل أجرا من الاعتمار من جهة الحل البعيدة وهو ظاهر هذا الحديث وقال الشافعي في الإملاء
أفضل بقاع الحل للاعتمار الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم منها ثم التنعيم لأنه أذن
لعائشة منها قال وإذا تنحى عن هذين الموضعين فأين أبعد حتى يكون أكثر لسفره كان أحب إلي
وحكى الموفق في المغني عن أحمد أن المكي كلما تباعد في العمرة كان أعظم لأجره وقال الحنفية
أفضل بقاع الحل للاعتمار التنعيم ووافقهم بعض الشافعية والحنابلة ووجهه ما قدمناه أنه
لم ينقل أن أحدا من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة إلى الحل ليحرم بالعمرة
غير عائشة وأما اعتماره صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فكان حين رجع من الطائف مجتازا
إلى المدينة ولكن لا يلزم من ذلك تعين التنعيم للفضل لما دل عليه هذا الخبر أن الفضل في زيادة
التعب والنفقة وإنما يكون التنعيم أفضل من جهة أخرى تساويه إلى الحل لا من جهة أبعد منه
والله أعلم وقال النووي ظاهر الحديث أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب
والنفقة وهو كما قال لكن ليس ذلك بمطرد فقد يكون بعض العبادة أخف من بعض وهو أكثر
فضلا وثوابا بالنسبة إلى الزمان كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليال من رمضان غيرها وبالنسبة
للمكان كالصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعات في غيره وبالنسبة إلى شرف
العبادة المالية والبدنية كصلاة الفريضة بالنسبة إلى أكثر من عدد ركعاتها أو أطول من
قراءتها ونحو ذلك من صلاة النافلة وكدرهم من الزكاة بالنسبة إلى أكثر منه من التطوع أشار إلى
ذلك ابن عبد السلام في القواعد قال وقد كانت الصلاة قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم وهي
شاقة على غيره وليست صلاة غيره مع مشقتها مساوية لصلاته مطلقا والله أعلم (قوله
باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع) أورد فيه
حديث عائشة في عمرتها من التنعيم وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن أخرج بأختك من
الحرم فلتهل بعمرة ثم أفرغا من طوافكما الحديث قال ابن بطال لا خلاف بين العلماء أن المعتمر
487

إذا طاف فخرج إلى بلده أنه يجزئه من طواف الوداع كما فعلت عائشة انتهى وكأن البخاري لما
لم يكن في حديث عائشة التصريح بأنها ما طافت للوداع بعد طواف العمرة لم يبت الحكم في
الترجمة وأيضا فإن قياس من يقول إن إحدى العبادتين لا تندرج في الأخرى أن يقول بمثل ذلك
هنا ويستفاد من قصة عائشة أن السعي إذا وقع بعد طواف الركن إن قلنا إن طواف الركن يغني
عن طواف الوداع أن تخلل السعي بين الطواف والخروج لا يقطع أجزاء الطواف المذكور عن
الركن والوداع معا (قوله في الحديث فنزلنا بسرف) في رواية أبي ذر وأبي الوقت سرف بحذف
الباء وكذا لمسلم من طريق إسحق بن عيسى بن الطباع عن أفلح (قوله لأصحابه من لم يكن معه
هدي) ظاهره أن أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بفسخ الحج إلى العمرة كان بسرف قبل دخولهم
مكة والمعروف في غير هذه الرواية أن قوله لهم ذلك بعد دخول مكة ويحتمل التعدد (قوله
قلت لا أصلي) كنت بذلك عن الحيض وهي من لطيف الكنايات (قوله كتب عليك كذا) للأكثر
على البناء لما لم يسم فاعله ولأبي ذر كتب الله عليك وكذا لمسلم (قوله فكوني في حجتك) في
رواية أبي ذر في حجك وكذا لمسلم (قوله حتى نفرنا من منى فنزلنا المحصب) في هذا السياق اختصار
بينته رواية مسلم بلفظ حتى نزلنا منى فتطهرت ثم طفت بالبيت فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
المحصب (قوله فدعا عبد الرحمن) في رواية مسلم عبد الرحمن بن أبي بكر (قوله أخرج بأختك
الحرم) في رواية الكشميهني من الحرم وهي أوضح وكذا لمسلم (قوله فأتينا في جوف الليل) في
رواية الإسماعيلي من آخر الليل وهي أوفق لبقية الروايات وظاهرها أنها أتت إلى النبي صلى الله
عليه وسلم وقد تقدم قبل أبواب أنها قالت فلقيته وأنا منهبطة وهو مصعد أو العكس والجمع بينهما
واضح كما سيأتي (قوله فارتحل الناس ومن طاف بالبيت) هو من عطف الخاص على العام لأن
الناس أعم من الطائفين ولعلها أرادت بالناس من لم يطف طواف الوداع ويحتمل أن يكون
الموصول صفة الناس من باب توسط العاطف بين الصفة والموصوف كقوله تعالى إذ يقول
المنافقون والذين في قلوبهم مرض وقد أجاز سيبويه نحو مررت بزيد وصاحبك إذا أراد
بالصاحب زيدا المذكور وهذا كله بناء على صحة هذا السياق والذي يغلب عندي أنه وقع فيه
تحريف والصواب فارتحل الناس ثم طاف بالبيت الخ وكذا وقع عند أبي داود من طريق
أبي بكر الحنفي عن أفلح بلفظ فأذن في أصحابه بالرحيل فارتحل فمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف
به حين خرج ثم انصرف متوجها إلى المدينة وفي رواية مسلم فأذن في أصحابه بالرحيل فخرج فمر
بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة وقد أخرجه البخاري من هذا الوجه بلفظ
فارتحل الناس فمر متوجها إلى المدينة أخرجه في باب الحج أشهر معلومات قال عياض قوله في
رواية القاسم يعني هذه فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله فقال فهل فرغت قلت نعم
فأذن بالرحيل وفي رواية الأسود عن عائشة يعني التي مضت في باب إذا حاضت بعد ما أفاضت
فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة أو أنا مصعدة وهو منهبط
منها وفي رواية صفية عنها يعني عند مسلم فأقبلنا حتى أتيناه وهو بالحصبة وهذا موافق لرواية
القاسم وهما موافقان لحديث أنس يعني الذي مضى في باب طواف الوداع أنه صلى الله عليه
وسلم رقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به قال وفي حديث الباب من الإشكال قوله فمر
بالبيت فطاف به بعد أن قال لعائشة أفرغت قالت نعم مع قولها في الرواية الأخرى أنه توجه
488

لطواف الوداع وهي راجعة إلى المنزل الذي كان به قال فيحتمل أنه أعاد طواف الوداع لأن
منزله كان بالأبطح وهو بأعلى مكة وخروجه من مكة إنما كان من أسفلها فكأنه لما توجه طالبا
للمدينة اجتاز بالمسجد ليخرج من أسفل مكة فكرر الطواف ليكون آخر عهده بالبيت انتهى
والقاضي في هذا معذور لأنه لم يشاهد تلك الأماكن فظن أن الذي يقصد الخروج إلى المدينة
من أسفل مكة يتحتم عليه المرور بالمسجد وليس كذلك كما شاهده من عاينه بل الراحل من منزله
بالأبطح يمر مجتازا من ظاهر مكة إلى حيث مقصده من جهة المدينة ولا يحتاج إلى المرور بالمسجد
ولا يدخل إلى البلد أصلا قال عياض وقد وقع في رواية الأصيلي في البخاري فخرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم ومن طاف بالبيت قال فلم يذكر أنه أعاد الطواف فيحتمل أن طوافه هو طواف
الوداع وأن لقاءه لعائشة كان حين انتقل من المحصب كما عند عبد الرزاق أنه كره أن يقتدي الناس
بإناخته بالبطحاء فرحل حتى أناخ على ظهر العقبة أو من ورائها ينتظرها قال فيحتمل أن يكون
لقاؤه لها كان في هذا الرحيل وأنه المكان الذي عنته في رواية الأسود بقوله لها موعدك بمكان
كذا وكذا ثم طاف بعد ذلك طواف الوداع انتهى وهذا التأويل حسن وهو يقتضي أن الرواية
التي عزاها للأصيلي مسكوت عن ذكر طواف الوداع فيها وقد بينا أن الصواب فيها فمر بالبيت
فطاف به بدل قوله ومن طاف بالبيت ثم في عزو عياض ذلك إلى الأصيلي وحده نظر فإن كل
الروايات التي وقفنا عليها في ذلك سواء حتى رواية إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري والله
أعلم (قوله موجها) بضم الميم وفتح الواو وتشديد الجيم وفي رواية ابن عساكر متوجها بزيادة تاء
وبكسر الجيم وقد تقدمت مباحث هذا الحديث قريبا (قوله باب يفعل بالعمرة
ما يفعل بالحج) في رواية المستملي يفعل في العمرة وللكشميهني ما يفعل في الحج أي من التروك لا من
الأفعال أو المراد بعض الأفعال لا كلها والأول أرجح لما يدل عليه سياق حديث يعلى بن أمية
وقد تقدم تقريره في أوائل الحج مع مباحثه (قوله كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي فأنزل الله
على النبي صلى الله عليه وسلم) لم أقف في شئ من الروايات على بيان المنزل حينئذ من القرآن وقد
استدل به جماعة من العلماء على أن من الوحي ما لا يتلى لكن وقع عند الطبراني في الأوسط من
طريق أخرى أن المنزل حينئذ قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله ووجه الدلالة منه على
المطلوب عموم الأمر بالإتمام فإنه يتناول الهيئات والصفات والله أعلم (قوله وأنق الصفرة) بفتح
الهمزة وسكون النون ووقع للمستملي هنا بهمزة وصل ومثناة مشددة من التقوى قال صاحب
المطالع وهي أوجه وإن رجعا إلى معنى واحد ووقع لابن السكن اغسل أثر الخلوق وأثر الصفرة
والأول هو المشهور ثم ذكر المصنف في الباب حديث عائشة في قوله تعالى إن الصفا والمروة من
شعائر الله ووجه الدلالة منه اشتراك الحج والعمرة في مشروعية السعي بين الصفا والمروة لقوله
تعالى فمن حج البيت أو اعتمر وقد تقدمت مباحثه مستوفاة في باب وجوب الصفا والمروة في أثناء
الحج وقوله أن لا يطوف بهما في رواية الكشميهني بينهما (قوله زاد سفيان وأبو معاوية عن
489

هشام) يعني عن أبيه عن عائشة (قوله ما أتم الله حج امرئ الخ) أما رواية سفيان فوصلها الطبري
من طريق وكيع عنه عن هشام فذكر الموقوف فقط وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن
عائشة موقوفا أيضا وأما رواية أبي معاوية فوصلها مسلم وقد تقدم الكلام على ما فيها من
فائدة وبحث في الباب المشار إليه (قوله باب متى يحل المعتمر) أشار بهذه الترجمة إلى
مذهب ابن عباس وقد تقدم القول فيه قال ابن بطال لا أعلم خلافا بين كثرة الفتوى أن المعتمر
لا يحل حتى يطوف ويسعى إلا ما شذ به ابن عباس فقال يحل من العمرة بالطواف ووافقه إسحق
ابن راهويه ونقل عياض عن بعض أهل العلم أن بعض الناس ذهب إلى أن المعتمر إذا دخل الحرم
حل وإن لم يطف ولم يسع وله أن يفعل كل ما حرم على المحرم ويكون الطواف والسعي في حقه
كالرمي والمبيت في حق الحاج وهذا من شذوذ المذاهب وغرائبها وغفل القطب الحلبي فقال فيمن
استلم الركن في ابتداء الطواف وأحل حينئذ إنه لا يحصل له التحلل بالإجماع (قوله وقال عطاء
عن جابر الخ) هو طرف من حديث تقدم موصولا في باب عمرة التنعيم وبين المصنف بحديث عمرو
ابن دينار عن جابر وهو ثالث أحاديث الباب أن المراد بقوله في هذه الرواية يطوفوا أي بالبيت
وبين الصفا والمروة لجزم جابر بأنه لا يحل له أن يقرب امرأته حتى يطوف بين الصفا والمروة ثم
ذكر المصنف في الباب أحاديث * أولها حديث ابن أبي أوفى وهو مشتمل على ثلاثة أحاديث
(قوله حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن جرير) إسحق هو ابن راهويه وقد أورده في مسنده بلفظ
أخبرنا جرير وهو ابن عبد الحميد وإسماعيل هو ابن أبي خالد وسيأتي الكلام على حديث
عبد الله بن أبي أوفى في المغازي وعلى ما يتعلق بخديجة في مناقبها إن شاء الله تعالى وتقدم
الكلام على قوله أدخل الكعبة في باب من لم يدخل الكعبة في أثناء الحج وقوله لا في جواب
أدخل الكعبة معناه أنه لم يدخلها في تلك العمرة * الثاني حديث عمرو بن دينار عن ابن عمر
مرفوعا وعن جابر موقوفا (قوله عن عمرو بن دينار) تقدم هذا الحديث بهذا الإسناد
عن الحميدي في كتاب الصلاة في أبواب القبلة بلفظ حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار فعبر
بالتحديث هناك والعنعنة هنا وساق الإسناد والمتن جميعا بغير زيادة ووقوع مثل هذا نادر جدا
(قوله عن رجل طاف بالبيت في عمرة) في رواية أبي ذر عن رجل طاف في عمرته وقد تقدم بعض
الكلام على هذا الحديث في الصلاة وأن ابن عمر أشار إلى الاتباع وأن جابرا أفتاهم بالحكم
وهو قول الجمهور إلا ما روي عن ابن عباس أنه يحل من جميع ما حرم عليه بمجرد الطواف ووقع
عند النسائي من طريق غندر عن شعبة عن عمرو بن دينار أنه قال وهو سنة وكذا أخرجه أحمد
عن محمد بن جعفر وهو غندر به (قوله أيأتي امرأته) أي يجامعها والمراد هل حصل له التحلل من
الإحرام قبل السعي أم لا وقوله لا يقربنها بنون التأكيد المراد نهي المباشرة بالجماع ومقدماته
لا مجرد القرب منها (قوله وطاف بين الصفا والمروة) أي سعى وإطلاق الطواف على السعي إما
للمشاكلة وإما لكونه نوعا من الطواف ولوقوعه في مصاحبة طواف البيت (قوله أسوة) بكسر
الهمزة ويجوز ضمها (قوله وسألنا جابر) القائل هو عمرو بن دينار وقد تقدم هذا
الحديث في باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام من طريق شعبة وفي باب السعي من طريق
ابن جريج كلاهما عن عمرو بن دينار عن ابن عمر بالحديث دون السؤالين لابن عمر ولجابر
وفي الحديث أن السعي واجب في العمرة وكذا صلاة ركعتي الطواف وفي تعيينهما خلف المقام
490

خلف سبق في بابه المشار إليه ونقل ابن المنذر الاتفاق على جوازهما في أي موضع شاء الطائف
إلا أن مالكا كرههما في الحجر ونقل بعض أصحابنا عن الثوري أنه كان يعينهما خلف المقام
* الثالث حديث أبي موسى في إهلاله كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم وشاهد الترجمة منه قوله
طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم أحل فإنه يقتضي تأخير الإحلال عن السعي وقد تقدم الكلام
عليه مستوفي في باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم (قوله يأمرنا بالتمام) في رواية
الكشميهني يأمر (قوله حتى يبلغ) في رواية الكشميهني بلغ بلفظ الفعل الماضي وقوله في أوله
أحججت أي هل أحرمت بالحج أو نويت الحج وهذا كقوله له بعد ذلك بما أهللت أي بما أحرمت أي
بحج أو عمرة * الرابع حديث أسماء بنت أبي بكر (قوله حدثنا أحمد) كذا للأكثر غير منسوب
وفي رواية كريمة حدثنا أحمد بن عيسى وفي رواية أبي ذر حدثنا أحمد بن صالح وقد أخرجه
مسلم عن أحمد بن عيسى عن ابن وهب (قوله أخبرنا عمرو) هو ابن الحرث وعبد الله مولى أسماء
تقدم له حديث عنها غير هذا في باب من قدم ضعفة أهله وليس له عنده غيرهما وهذا الإسناد
نصفه مصريون ونصفه مدنيون (قوله بالحجون) بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة جبل معروف
بمكة وقد تكرر ذكره في الأشعار وعنده المقبرة المعروفة بالمعلى على يسار الداخل إلى مكة ويمين
الخارج منها إلى منى وهذا الذي ذكرنا محصل ما قاله الأزرقي والفاكهي وغيرهما من العلماء
وأغرب السهيلي فقال الحجون على فرسخ وثلث من مكة وهو غلط واضح فقد قال أبو عبيد
البكري الحجون الجبل المشرف بحذاء المسجد الذي يلي شعب الجزارين وقال أبو علي القالي
الحجون ثنية المدنيين أي من قدم من المدينة وهي مقبرة أهل مكة عن شعب الجرارين انتهى
ويدل على غلط السهيلي قول الشاعر
سنبكيك ما أرسى ثبير مكانه * وما دام جارا للحجون المحصب
وقد تقدم ذكر المحصب وحده وأنه خارج مكة وروى الواقدي عن أشياخه أن قصي بن كلاب
لما مات دفن بالحجون فتدافن الناس بعده وأنشد الزبير لبعض أهل مكة
كم بالحجون وبينه من سيد * بالشعب بين دكادك وأكام
والجرارين التي تقدم جمع جرار بجيم وراء ثقيلة ذكرها الرضى الشاطبي وكتب على الراء صح صح
وذكر الأزرقي أنه شعب أبي دب رجل من بني عامر (قلت) قد جهل هذا الشعب الآن إلا أن بين
سور مكة الآن وبين الجبل المذكور مكانا يشبه الشعب فلعله هو (قوله ونحن يومئذ خفاف)
زاد مسلم في روايته خفاف الحقائب والحقائب جمع حقيبة بفتح المهملة وبالقاف وبالموحدة
وهي ما احتقبه الراكب خلفه من حوائجه في موضع الرديف (قوله فاعتمرت أنا وأختي) أي بعد
أن فسخوا الحج إلى العمرة ففي رواية صفية بنت شيبة عن أسماء قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم مهلين بالحج فقال من كان معه هدي فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدي فليحل فلم يكن
معي هدي فأحللت وكان مع الزبير هدي فلم يحل انتهى وهذا مغاير لذكرها الزبير مع من أحل
في رواية عبد الله مولى أسماء فإن قضية رواية صفية عن أسماء أنه لم يحل لكونه ممن ساق الهدي
فإن جمع بينهما بأن القصة المذكورة وقعت لها مع الزبير في غير حجة الوداع كما أشار إليه النووي
على بعده وإلا فقد رجح عند البخاري رواية عبد الله مولى أسماء فاقتصر على إخراجها دون رواية
صفية بنت شيبة وأخرجهما مسلم مع ما فيهما من الاختلاف ويقوي صنيع البخاري ما تقدم
491

في باب الطواف على وضوء من طريق محمد بن عبد الرحمن وهو أبو الأسود المذكور في هذا الإسناد
قال سألت عروة بن الزبير فذكر حديثا وفي آخره وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير
وفلان وفلان بعمرة فلما مسحوا الركن حلوا والقائل أخبرتني عروة المذكور وأمه هي أسماء
بنت أبي بكر وهذا موافق لرواية عبد الله مولى أسماء عنها وفيه إشكال آخر وهو ذكرها لعائشة
فيمن طاف والواقع أنها كانت حينئذ حائضا وكنت أولته هناك على أن المراد أن تلك العمرة كانت
في وقت آخر بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن سياق رواية هذا الباب تأباه فإنه ظاهر في أن
المقصود العمرة التي وقعت لهم في حجة الوداع والقول فيما وقع من ذلك في حق الزبير كالقول
في حق عائشة سواء وقد قال عياض في الكلام عليه ليس هو على عمومه فإن المراد من عدا
عائشة لأن الطرق الصحيحة فيها أنها حاضت فلم تطف بالبيت ولا تحللت من عمرتها قال وقيل لعل
عائشة أشارت إلى عمرتها التي فعلتها من التنعيم ثم حكى التأويل السابق وأنها أرادت عمرة أخرى
في غير التي في حجة الوداع وخطأه ولم يعرج على ما يتعلق بالزبير من ذلك (قوله وفلان وفلان)
كأنها سمت بعض من عرفته ممن لم يسق الهدي ولم أقف على تعيينهم فقد تقدم من حديث عائشة
أن أكثر الصحابة كانوا كذلك (قوله فما مسحنا البيت) أي طفنا بالبيت فاستلمنا الركن وقد
تقدم في باب الطواف على غير وضوء من حديث عائشة بلفظ مسحنا الركن وساغ هذا المجاز لأن
كل من طاف بالبيت يمسح الركن فصار يطلق على الطواف كما قال عمر بن أبي ربيعة
ولما قضينا من منى كل حاجة * ومسح بالأركان من هو ماسح
أي طاف من هو طائف قال عياض ويحتمل أن يكون معنى مسحوا طافوا وسعوا وحذف
السعي اختصارا لما كان منوطا بالطواف قال ولا حجة في هذا الحديث لمن لم يوجب السعي لأن
أسماء أخبرت أن ذلك كان في حجة الوداع وقد جاء مفسرا من طرق أخرى صحيحة أنهم طافوا معه
وسعوا فيحمل ما أجمل على ما بين والله أعلم واستدل به على أن الحلق أو التقصير استباحة
محظور لقولها إنهم أحلوا بعد الطواف ولم يذكر الحلق وأجاب من قال بأنه نسك بأنها سكتت
عنه ولا يلزم من ذلك ترك فعله فإن القصة واحدة وقد ثبت الأمر بالتقصير في عدة أحاديث منها
حديث جابر المصدر بذكره واختلفوا فيمن جامع قبل أن يقصر بعد أن طاف وسعى فقال الأكثر
عليه الهدي وقال عطاء لا شئ عليه وقال الشافعي تفسد عمرته وعليه المضي في فاسدها وقضاؤها
واستدل به الطبري على أن من ترك التقصير حتى يخرج من الحرم لا شئ عليه بخلاف من قال
عليه دم (قوله باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو) أورد المصنف
هنا تراجم تتعلق بآداب الراجع من السفر لتعلق ذلك بالحاج والمعتمر وهذا في حق المعتمر الآفاقي
وقد ترجم لحديث الباب حديث نافع عن ابن عمر في الدعوات ما يقول إذا أراد سفرا أو رجع
ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى (قوله باب استقبال الحاج
القادمين والثلاثة على الدابة) اشتملت هذه الترجمة على حكمين وأورد فيها حديث ابن عباس لما
قدم النبي صلى الله عليه وسلم استقبله أغيلمة بني عبد المطلب أي صبيانهم ودلالة حديث الباب
على الثاني ظاهرة وقد أفردها بالذكر قبيل كتاب الأدب وأورد فيها هذا الحديث بعينه ويأتي
الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى وبيان أسماء من حمله من بني عبد المطلب وقوله أغيلمة
492

تصغير غلمة بكسر الغين المعجمة وغلمة جمع غلام وأما الحكم الأول فأخذه من حديث الباب
من طريق العموم لأن قدومه صلى الله عليه وسلم مكة أعم من أن يكون في حج أو عمرة أو غزو
وقوله القادمين صفة للحاج لأنه يقال للمفرد وللجمع وكون الترجمة لتلقي القادم من الحج
والحديث دال على تلقي القادم للحج ليس بينهما تخالف لاتفاقهما من حيث المعنى والله أعلم
(قوله باب القدوم بالغداة) أورد فيه حديث ابن عمر في خروجه صلى الله عليه وسلم
إلى مكة من طريق الشجرة ومبيته بذي الحليفة إذا رجع وفيه ما ترجم له وقد تقدم الكلام على
هذا الحديث في أوائل الحج (قوله باب الدخول بالعشي) قال الجوهري العشية
من صلاة المغرب إلى العتمة وقيل هي من حين الزوال (قلت) والمراد هنا الأول وكأنه عقب
الترجمة الأولى بهذه ليبين أن الدخول في الغداة لا يتعين وإنما المنهي عنه الدخول ليلا وقد بين
علة ذلك في حديث جابر حيث قال لتمتشط الشعثة الحديث وسيأتي الكلام عليه مستوفى
في كتاب النكاح (قوله باب لا يطرق أهله) أي لا يدخل عليهم ليلا إذا قدم من سفر
يقال طرق يطرق بضم الراء وأما قوله في حديث جابر في الباب الذي بعده أن يطرق أهله ليلا
فللتأكيد لأجل رفع المجاز لاستعمال طرق في النهار وقد حكى ابن فارس طرق بالنهار وهو مجاز
(قوله إذا بلغ المدينة) في رواية السرخسي إذا دخل والمراد بالمدينة البلد الذي يقصد دخولها
والحكمة في هذا النهي مبينة في حديث جابر المذكور في الباب حيث أورده مطولا في أبواب
عشرة النساء من كتاب النكاح ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى (قوله
باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة) قال الإسماعيلي قوله أسرع ناقته ليس بصحيح
والصواب أسرع بناقته يعني أنه لا يتعدى بنفسه وإنما يتعدى بالباء وفيما قاله نظر فقد حكى
صاحب المحكم أن أسرع يتعدى بنفسه ويتعدى بحرف الجر وقال الكرماني قول البخاري
أسرع ناقته أصله أسرع بناقته فنصب بنزع الخافض (قوله محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير
المدني أخو إسماعيل (قوله فأبصر درجات) بفتح المهملة والراء بعدها جيم جمع درجة كذا للأكثر
والمراد طرقها المرتفعة وللمستملي دوحات بفتح المهملة وسكون الواو بعدها مهملة جمع دوحة
وهي الشجرة العظيمة وفي رواية إسماعيل بن جعفر عن حميد جدرات بضم الجيم والدال كما وقع
في هذا الباب وهو جمع جدر بضمتين جمع جدار وقد رواه الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ جدران
بسكون الدال وآخره نون جمع جدار وله من رواية أبي ضمرة عن حميد بلفظ جدر قال
صاحب المطالع جدرات أرجح من دوحات ومن درجات (قلت) وهي رواية الترمذي من طريق
إسماعيل بن جعفر أيضا (قوله أوضع) أي أسرع السير (قوله زاد الحرث بن عمير عن حميد) يعني عن
أنس (من حبها) وهو يتعلق بقوله حركها أي حرك دابته بسبب حبه المدينة ثم قال المصنف
حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر عن حميد عن أنس قال جدرات تابعه الحرث بن
عمير يعني في قوله جدرات ورواية الحرث بن عمير هذه وصلها الإمام أحمد قال حدثنا إبراهيم
ابن إسحاق حدثنا الحرث بن عمير عن حميد الطويل عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات المدينة أوضع ناقته وأن كان على دابة حركها من حبها
وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق خالد بن مخلد عن محمد بن جعفر بن أبي كثير والحرث
493

ابن عمير جميعا عن حميد وقد أورد المصنف طريق قتيبة المذكورة في فضائل المدينة بلفظ الحرث
ابن عمير إلا أنه قال راحلته بدل ناقته ووقع في نسخة الصغاني وزاد الحرث بن عمير وغيره عن
حميد وقد نبهت على من رواه كذلك موافقا للحرث بن عمير في الزيادة المذكورة وفي الحديث
دلالة على فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه (قوله باب
قول الله تعالى وأتوا البيوت من أبوابها) أي بيان نزول هذه الآية (قوله عن أبي إسحق)
هو السبيعي (قوله كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤوا) هذا ظاهر في اختصاص ذلك بالأنصار لكن
سيأتي في حديث جابر أن سائر العرب كانوا كذلك إلا قريشا ورواه عبد بن حميد من مرسل
قتادة كما قال البراء وكذلك أخرجه الطبري من مرسل الربيع بن أنس نحوه (قوله إذا حجوا)
سيأتي في تفسير البقرة من طريق إسرائيل عن أبي إسحق بلفظ إذا أحرموا في الجاهلية
(قوله فجاء رجل من الأنصار) هو قطبة بضم القاف وإسكان المهملة بعدها موحدة ابن
عامر بن حديدة بمهملات وزن كبيرة الأنصاري الخزرجي السلمي كما أخرجه ابن خزيمة والحاكم
في صحيحيهما من طريق عمار بن زريق عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال كانت قريش
تدعي الحمس وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون
من الأبواب فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان فخرج من بابه فخرج معه قطبة بن
عامر الأنصاري فقالوا يا رسول الله إن قطبة رجل فاجر فإنه خرج معك من الباب فقال ما حملك
على ذلك فقال رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت قال أني أحمسي قال فإن ديني دينك فأنزل الله الآية
وهذا الإسناد وإن كان على شرط مسلم لكن اختلف في وصله على الأعمش عن أبي سفيان فرواه
عبد بن حميد عنه فلم يذكر جابرا أخرجه تقي وأبو الشيخ في تفسيرهما من طريقه وكذا سماه
الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس وكذا ذكر مقاتل بن سليمان في تفسيره وجزم
البغوي وغيره من المفسرين بأن هذا الرجل يقال له رفاعة بن تابوت واعتمدوا في ذلك على
ما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير من طريق داود بن أبي هند عن قيس بن جبير النهشلي قال
كانوا إذا أحرموا لم يأتوا بيتا من قبل بابه ولكن من قبل ظهره وكانت الحمس تفعله فدخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا فاتبعه رجل يقال له رفاعة بن تابوت ولم يكن من الحمس
فذكر القصة وهذا مرسل والذي قبله أقوى إسنادا فيجوز أن يحمل على التعدد في القصة إلا أن
في هذا المرسل نظرا من وجه آخر لأن رفاعة بن تابوت معدود في المنافقين وهو الذي هبت الريح
العظيمة لموته كما وقع مبهما في صحيح مسلم ومفسرا في غيره من حديث جابر فإن لم يحمل على أنهما
رجلان توافق اسمهما واسم أبويهما وإلا فكونه قطبة بن عامر أولى ويؤيده أن في مرسل
الزهري عند الطبري فدخل رجل من الأنصار من بني سلمة وقطبة من بني سلمة بخلاف رفاعة ويدل
على التعدد اختلاف القول في الإنكار على الداخل فإن في حديث جابر فقالوا إن قطبة رجل
فاجر وفي مرسل قيس بن جبير فقالوا يا رسول الله نافق رفاعة لكن ليس بممتنع أن يتعدد
القائلون في القصة الواحدة وقد وقع في حديث ابن عباس عند ابن جريج أن القصة وقعت
أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وفي إسناده ضعف وفي مرسل الزهري أن ذلك وقع
في عمرة الحديبية وفي مرسل السدي عند الطبري أيضا أن ذلك وقع في حجة الوداع وكأنه أخذه
من قوله كانوا إذا حجوا لكن وقع في رواية الطبري كانوا إذا أحرموا فهذا يتناول الحج والعمرة
494

والأقرب ما قال الزهري وبين الزهري السبب في صنيعهم ذلك فقال كان ناس من الأنصار إذا
أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شئ فكان الرجل إذا أهل فبدت له حاجة في بيته لم يدخل
من الباب من أجل السقف أن يحول بينه وبين السماء واتفقت الروايات على نزول الآية في
سبب الإحرام إلا ما أخرجه عبد بن حميد بإسناد صحيح عن الحسن قال كان الرجل من الجاهلية
يهم بالشئ يصنعه فيحبس عن ذلك فلا يأتي بيتا من قبل بابه حتى يأتي الذي كان هم به فجعل ذلك من
باب الطيرة وغيره جعل ذلك بسبب الإحرام وخالفهم محمد بن كعب القرظي فقال كان الرجل إذا
أعتكف لم يدخل منزله من باب البيت فنزلت أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد (3) ضعيف وأغرب
الزجاج في معانيه فجزم بأن سبب نزولها ما روي عن الحسن لكن ما في الصحيح أصح والله أعلم
واتفقت الروايات على أن الحمس كانوا لا يفعلون ذلك بخلاف غيرهم وعكس ذلك مجاهد فقال
كان المشركون إذا أحرم الرجل منهم ثقب كوة في ظهر بيته فدخل منها فجاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذات يوم ومعه رجل من المشركين فدخل من الباب وذهب المشرك ليدخل من الكوة
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنك فقال أني أحمسي فقال وأنا أحمسي فنزلت أخرجه
الطبري (قوله باب السفر قطعة من العذاب) قال ابن المنير أشار البخاري بإيراد
هذه الترجمة في أواخر أبواب الحج والعمرة أن الإقامة في الأهل أفضل من المجاهدة انتهى وفيه
نظر لا يخفى لكن يحتمل أن يكون المصنف أشار بإيراده في الحج إلى حديث عائشة بلفظ إذا قضى
أحدكم حجه فليعجل إلى أهله وسيأتي بيان من أخرجه (قوله عن سمي) كذا لأكثر الرواة عن مالك
وكذا هو في الموطأ وصرح يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك بتحديث سمي له به وشذ خالد بن
مخلد عن مالك فقال عن سهيل بدل سمي أخرجه ابن عدي وذكر الدارقطني أن ابن الماجشون
رواه عن مالك عن سهيل أيضا فتابع خالد بن مخلد لكن قال الدارقطني أن أبا علقمة القروي تفرد
به عن ابن الماجشون وأنه وهم فيه ورواه الطبراني عن أحمد عن بشير الطيالسي عن محمد بن جعفر
الوركاني عن مالك عن سهيل وخالفه موسى بن هارون فرواه عن الوركاني عن مالك عن سمي قال
الدارقطني حدثنا به دعلج عن موسى قال والوهم في هذا من الطبراني أو من شيخه وسمي هو المحفوظ
في رواية مالك قاله ابن عدي وأخرجه الدارقطني وغيرهما ولم يروه عن سمي غير مالك قاله ابن
عبد البر ثم أسند عن عبد الملك بن الماجشون قال قال مالك ما لأهل العراق يسألونني عن
حديث السفر قطعة من العذاب فقيل له لم يروه عن سمي أحد غيرك فقال لو عرفت ما حدثت به
وكان مالك ربما أرسله لذلك ورواه عتيق بن يعقوب عن مالك عن أبي النضر عن أبي صالح ووهم
فيه أيضا على مالك أخرجه الطبراني والدارقطني ورواه رواد بن الجراح عن مالك فزاد فيه إسنادا
آخر فقال عن ربيعة عن القاسم عن عائشة وعن سمي باسناده فذكره قال الدارقطني أخطأ فيه
رواد بن الجراح وأخرجه ابن عبد البر من طريق أبي مصعب عن عبد العزيز الدراوردي عن سهيل
عن أبيه وهذا يدل على أن له في حديث سهيل أصلا وأن سميا لم ينفرد به وقد أخرجه أحمد في
مسنده من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة وأخرجه ابن عدي من طريق جمهان عن أبي
هريرة أيضا فلم ينفرد به أبو صالح وأخرجه الدارقطني والحاكم من طريق هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة بإسناد جيد فلم ينفرد به أبو هريرة بل في الباب عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد
495

وجابر عند ابن عدي بأسانيد ضعيفة (قوله السفر قطعة من العذاب) أي جزء منه والمراد
بالعذاب الألم الناشئ عن المشقة لما يحصل في الركوب والمشي من ترك المألوف (قوله يمنع
أحدكم كأنه) فصله عما قبله بيانا لذلك بطريق الاستئناف كالجواب لمن قال لم كان كذلك فقال يمنع
أحدكم نومه الخ أي وجه التشبيه الاشتمال على المشقة وقد ورد التعليل في رواية سعيد المقبري
ولفظه السفر قطعة من العذاب لأن الرجل يشتغل فيه عن صلاته وصيامه فذكر الحديث والمراد
بالمنع في الأشياء المذكورة منع كمالها لا أصلها وقد وقع عند الطبراني بلفظ لا يهنأ أحدكم بنومه
ولا طعامه ولا شرابه وفي حديث ابن عمر عند ابن عدي وأنه ليس له دواء إلا سرعة السير (قوله
نهمته) بفتح النون وسكون الهاء أي حاجته من وجهه أي من مقصده وبيانه في حديث ابن
عباس عند ابن عدي بلفظ إذا قضى أحدكم وطره من سفره وفي رواية رواد بن الجراح فإذا فرغ
أحدكم من حاجته (قوله فليعجل إلى أهله) في رواية عتيق وسعيد المقبري فليعجل الرجوع إلى أهله
وفي رواية أبي مصعب فليعجل الكرة إلى أهله وفي حديث عائشة فليعجل الرحلة إلى أهله فإنه أعظم
لأجره قال ابن عبد البر زاد فيه بعض الضعفاء عن مالك وليتخذ لأهله هدية وإن لم يجد إلا حجرا يعني
حجر الزناد قال وهي زيادة منكرة وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة واستحباب
استعجال الرجوع ولا سيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة ولما في الإقامة في الأهل من الراحة
المعينة على صلاح الدين والدنيا ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة على والعبادة قال ابن
بطال ولا تعارض بين هذا الحديث وحديث ابن عمر مرفوعا سافروا تصحوا فإنه لا يلزم من الصحة
بالسفر لما فيه من الرياضة أن لا يكون قطعة من العذاب لما فيه من المشقة فصار كالدواء المر
المعقب للصحة وإن كان في تناوله الكراهة واستنبط منه الخطابي تغريب الزاني لأنه قد أمر
بتعذيبه والسفر من جملة العذاب ولا يخفى ما فيه * (لطيفة) * سئل إمام الحرمين حين جلس
موضع أبيه لم كان السفر قطعة من العذاب فأجاب على الفور لأن فيه فراق الأحباب (قوله
باب المسافر إذا جد به السير ويعجل إلى أهله) أي ماذا يصنع كذا ثبتت الواو في رواية
الكشميهني وهي رواية النسفي أيضا وأورد المصنف فيه قصة ابن عمر حين بلغه عن صفية شدة
الوجع فأسرع السير وقد تقدم الكلام عليه في أبواب تقصير الصلاة وسيأتي من هذا الوجه
في أبواب الجهاد وبالله التوفيق * (خاتمة) * اشتملت أبواب العمرة وما في آخرها من آداب
الرجوع من السفر من الأحاديث المرفوعة على أربعين حديثا المعلق منها أربعة والبقية
موصولة المكرر منها فيها وفيما مضى أحد وعشرون حديثا وافقه مسلم على تخريجها
سوى حديث ابن عمر في الاعتمار قبل الحج وحديث البراء فيه وحديث عائشة
العمرة على قدر النصب وحديث ابن عباس في إرداف اثنين وفيه من
الموقوفات خمسة آثار منها ثلاثة موصولة في ضمن
حديث البراء والله سبحانه وتعالى
أعلم بالصواب
* (تم الجزء الثالث و يليه الجزء الرابع أوله أبواب المحصر و جزاء الصيد) *
496