الكتاب: فتح الباري
المؤلف: ابن حجر
الجزء: ٦
الوفاة: ٨٥٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع:
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

فتح الباري
شرح صحيح البخاري
للامام الحافظ
شهاب الدين ابن حجر العسقلاني
رحمه الله تعالى
الجزء السادس
دار المعرفة
للطباعة والنشر
بيروت - لبنان
الطبعة الثانية
أعيد طبعه بالأوفست
1

بسم الله الرحمن الرحيم
قوله كتاب الجهاد
كذا لابن شبويه وكذا النسفي لكن قدم البسملة وسقط كتاب للباقين واقتصروا على باب فضل
الجهاد لكن عند القابسي كتاب فضل الجهاد ولم يذكر باب ثم قال بعد أبواب كثيرة كتاب الجهاد
باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام وسيأتي والجهاد بكسر الجيم أصله لغة المشقة يقال
جهدت جهادا بلغت المشقة وشرعا بذل الجهد في قتال الكفار ويطلق أيضا على مجاهدة
النفس والشيطان والفساق فأما مجاهدة النفس فعلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بها ثم على
تعليمها وأما مجاهدة الشيطان فعلى دفع ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات وأما
مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب. وأما مجاهدة الفساق فباليد ثم اللسان ثم
القلب وقد روى النسائي من حديث سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة بن الفاكه بالفاء وكسر
الكاف بعدها هاء في أثناء حديث طويل قال فيقول أي الشيطان يخاطب الانسان تجاهد
فهو جهد النفس والمال واختلف في جهاد الكفار هل كان أولا فرض عين أو كفاية وسيأتي
البحث فيه في باب وجوب النفير (قوله باب فضل الجهاد والسير) بكسر المهملة
وفتح التحتانية جمع سيرة وأطلق ذلك على أبواب الجهاد لأنها متلقاة من أحوال النبي صلى الله عليه
وسلم في غزواته (قوله وقول الله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم
الجنة الآيتين إلى قوله وبشر المؤمنين) كذا للنسفي وابن شبويه وساق في رواية الأصيلي وكريمة
2

الآيتين جميعا وعند أبي ذر إلى قوله وعدا عليه حقا ثم قال إلى قوله والحافظون لحدود الله وبشر
المؤمنين والمراد بالمبايعة في الآية ما وقع في ليلة العقبة من الأنصار أو أعم من ذلك وقد ورد
ما يدل على الاحتمال الأول عند أحمد عن جابر وعند الحاكم في الإكليل عن كعب بن مالك وفي
مرسل محمد بن كعب قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال
أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم
قالوا فما لنا إذا فعلنا ذلك قال الجنة قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزل ان الله اشترى
الآية (قوله قال بن عباس الحدود الطاعة) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه
في قوله تلك حدود الله يعني طاعة الله وكأنه تفسير باللازم لان من أطاع وقف عند امتثال أمره
واجتناب نهيه ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث الأول حديث ابن مسعود أي العمل
أفضل وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت وأغرب الداودي فقال في شرح هذا الحديث أن أوقع
الصلاة في ميقاتها كان الجهاد مقدما على بر الوالدين وان أخرها كان البر مقدما على الجهاد ولا
أعرف له في ذلك مستندا فالذي يظهر أن تقديم الصلاة على الجهاد والبر لكونها لازمة للمكلف
في كل أحيانه وتقديم البر على الجهاد لتوقفه على اذن الأبوين وقال الطبري انما خص صلى الله
عليه وسلم هذه الثلاثة بالذكر لأنها عنوان على ما سواها من الطاعات فان من ضيع الصلاة
المفروضة حتى يخرج وقتها من غير عذر مع خفة مؤنتها عليه وعظيم فضلها فهو لما سواها أضيع
ومن لم يبر والديه مع وفور حقهما عليه كان لغيرهما أقل برا ومن ترك جهاد الكفار مع شدة
عداوتهم للدين كان لجهاد غيرهم من الفساق أترك فظهر أن الثلاثة تجتمع في أن من حافظ عليها
كان لما سواها أحفظ ومن ضيعها كان لما سواها أضيع الثاني حديث بن عباس لا هجرة بعد
الفتح وسيأتي شرحه بعد أبواب في باب وجوب النفير الثالث حديث عائشة جهادكن الحج وقد
تقدم شرحه في كتاب الحج ووجه دخوله في هذا الباب من تقريره صلى الله عليه وسلم لقولها
نرى الجهاد أفضل الأعمال الرابع (قوله حدثنا إسحاق) كذا للأكثر غير منسوب وللأصيلي وابن
عساكر حدثنا إسحاق بن منصور وأما أبو علي الجياني فقال لم أره منسوبا لاحد وهو اما ابن راهويه
أو ابن منصور (قوله جاء رجل) لم أقف على اسمه (قوله قال لا أجده) هو جواب النبي صلى الله
عليه وسلم وقوله قال هل تستطيع كلام مستأنف ولمسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه
بلفظ قيل ما يعدل الجهاد قال لا تستطيعونه فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول
لا تستطيعونه وقال في الثالثة مثل الجهاد في سبيل الله الحديث وأخرج الطبراني نحو هذا
الحديث من حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه وقال في آخره لم يبلغ العشر من عمله وسيأتي
بقية الكلام عليه في الباب الذي يليه (قوله قال ومن يستطيع ذلك) في رواية أبي بكر بن أبي
شيبة عن سفيان قال لا أستطيع ذلك وهذه فضيلة ظاهرة للمجاهد في سبيل الله تقتضي أن
لا يعدل الجهاد شئ من الأعمال وأما ما تقدم في كتاب العيدين من حديث ابن عباس مرفوعا
ما العمل في أيام أفضل منه في هذه يعني أيام العشر قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد
فيحتمل أن يكون عموم حديث الباب خص بما دل عليه حديث ابن عباس ويحتمل أن يكون
الفضل الذي في حديث الباب مخصوصا بمن خرج قاصدا المخاطرة بنفسه وماله فأصيب كما في بقية
3

حديث ابن عباس خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشئ فمفهومه أن من رجع بذلك لا ينال
الفضيلة المذكورة لكن يشكل عليه ما وقع في آخر حديث الباب 2 وتوكل الله للمجاهد الخ
ويمكن أن يجاب بأن الفضل المذكور أولا خاص بمن لم يرجع ولا يلزم من ذلك أن لا يكون لمن يرجع
أجر في الجملة كما سيأتي البحث فيه في الذي بعده وأشد مما تقدم في الاشكال ما أخرجه الترمذي
وابن ماجة وأحمد وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء مرفوعا ألا أنبئكم بخير أعمالكم
وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم
من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله فإنه ظاهر في أن
الذكر بمجرده أفضل من أبلغ ما يقع للمجاهد وأفضل من الانفاق مع ما في الجهاد والنفقة من
النفع المتعدي قال عياض اشتمل حديث الباب على تعظيم أمر الجهاد لان الصيام وغيره مما ذكر
من فضائل الأعمال قد عدلها كلها الجهاد حتى صارت جميع حالات المجاهد وتصرفاته المباحة
معادلة لاجر المواظب على الصلاة وغيرها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لا تستطيع ذلك وفيه
أن الفضائل لا تدرك بالقياس وانما هي إحسان من الله تعالى لمن شاء واستدل به على أن الجهاد
أفضل الأعمال مطلقا لما تقدم تقريره وقال ابن دقيق العيد القياس يقتضي أن يكون الجهاد
أفضل الأعمال التي هي وسائل لان الجهاد وسيلة إلى اعلان الدين ونشره واخماد الكفر ودحضه
ففضيلته بحسب فضيلة ذلك والله أعلم (قوله قال أبو هريرة ان فرس المجاهد ليستن) أي يمرح
بنشاط وقال الجوهري هو أن يرفع يديه ويطرحهما معا وقال غيره أن يلج في عدوه مقبلا أو مدبرا
وفي المثل استنت الفصال حتى القرعى يضرب لمن يتشبه بمن هو فوقه وقوله في طوله بكسر المهملة
وفتح الواو وهو الحبل الذي يشد به الدابة ويمسك طرفه ويرسل في المرعى وقوله فيكتب له حسنات
بالنصب على أنه مفعول ثان أي يكتب له الاستنان حسنات وهذا القدر ذكره أبو حصين عن أبي
صالح هكذا موقوفا وسيأتي بعد بضعة وأربعين بابا في باب الخيل ثلاثة من طريق زيد بن أسلم عن
أبي صالح مرفوعا ويأتي بقية الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى (قوله
باب أفضل الناس مؤمن مجاهد) في رواية الكشميهني يجاهد بلفظ المضارع (قوله
وقوله يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة) أي تفسير هاتين الآيتين وقد روى ابن أبي حاتم
من طريق سعيد بن جبير أن هذه الآية لما نزلت قال المسلمون لو علمنا هذه التجارة لأعطينا فيها
الأموال والاهلين فنزلت تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون الآية هكذا ذكره مرسلا وروى
هو والطبري من طريق قتادة قال لولا أن الله بينها ودل عليها لتلهف عليها رجال أن يكونوا يعلمونها
حتى يطلبونها (قوله قيل يا رسول الله) لم أقف على اسمه وقد تقدم ان أبا ذر سأله عن نحو ذلك
(قوله أي الناس أفضل) في رواية مالك من طريق عطاء بن يسار مرسلا ووصله الترمذي
والنسائي وابن حبان من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن عطاء بن يسار عن ابن عباس خير
الناس منزلا وفي رواية للحاكم أي الناس أكمل ايمانا وكأن المراد بالمؤمن من قام بما تعين عليه
القيام به ثم حصل هذه الفضيلة وليس المراد من اقتصر على الجهاد وأهمل الواجبات العينية
وحينئذ فيظهر فضل المجاهد لما فيه من بذل نفسه وماله لله تعالى ولما فيه من النفع المتعدي وانما
كان المؤمن المعتزل يتلوه في الفضيلة لان الذي يخالط الناس لا يسلم من ارتكاب الآثام فقد
4

لا يفي هذا بهذا وهو مقيد بوقوع الفتن (قوله مؤمن في شعب) في رواية مسلم من طريق معمر
عن الزهري رجل معتزل (قوله يتقي الله) في رواية مسلم من طريق الزبيدي عن الزهري يعبد الله
وفي حديث ابن عباس معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس والترمذي
وحسنه والحاكم وصححه من طريق ابن أبي ذئاب عن أبي هريرة أن رجلا مر بشعب فيه عين
عذبة فأعجبه فقال لو اعتزلت ثم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تفعل فان مقام أحدكم
في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما وفي الحديث فضل الانفراد لما فيه من السلامة
من الغيبة واللغو ونحو ذلك وأما اعتزال الناس أصلا فقال الجمهور محل ذلك عند وقوع الفتن
كما سيأتي بسطه في كتاب الفتن ويؤيد ذلك رواية بعجة بن عبد الله عن أبي هريرة مرفوعا يأتي على
الناس زمان يكون خير الناس فيه منزلة من أخذ بعنان فرسه في سبيل الله يطلب الموت في مظانه
ورجل في شعب من هذه الشعاب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويدع الناس الا من خير أخرجه مسلم
وابن حبان من طريق أسامة بن زيد الليثي عن بعجة وهو بموحدة وجيم مفتوحتين بينهما مهملة
ساكنة قال ابن عبد البر انما أوردت هذه الأحاديث بذكر الشعب والجبل لا ذلك في الأغلب
يكون خاليا من الناس فكل موضع يبعد على الناس فهو داخل في هذا المعنى (قوله مثل المجاهد
في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله) فيه إشارة إلى اعتبار الاخلاص وسيأتي بيانه في
حديث أبي موسى بعد اثنى عشر بابا (قوله كمثل الصائم القائم) ولمسلم من طريق أبي صالح عن
أبي هريرة كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا وصيام زاد النسائي من هذا
الوجه الخاشع الراكع الساجد وفي الموطأ وابن حبان كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من
صيام ولا صلاة حتى يرجع ولأحمد والبزار من حديث النعمان بن بشير مرفوعا مثل المجاهد
في سبيل الله كمثل الصائم نهاره القائم ليله وشبه حال الصائم القائم بحال المجاهد في سبيل الله في نيل
الثواب في كل حركة وسكون لان المراد من الصائم القائم من لا يفتر ساعة عن العبادة فأجره مستمر
وكذلك المجاهد لا تضيع ساعة مساعاته بغير ثواب لما تقدم من حديث ان المجاهد لتستن فرسه
فيكتب له حسنات وأصرح منه قوله تعالى ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب الآيتين (قوله
وتوكل الله الخ) تقدم معناه مفردا في كتاب الايمان من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة وسياقه
أتم ولفظه انتدب الله ولمسلم من هذا الوجه بلفظ تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه الا ايمان بي
وفيه التفات لان فيه انتقالا من ضمير الحضور إلى ضمير الغيبة وقال ابن مالك فيه حذف القول
والاكتفاء بالمقول وهو سائغ شائع سواء كان حالا أو غير حال فمن الحال قوله تعالى ويستغفرون
للذين آمنوا ربنا وسعت أي قائلين ربنا وهذا مثله أي قائلا لا يخرجه الخ وقد اختلفت الطرق
عن أبي هريرة في سياقه فرواه مسلم من طريق الأعرج عنه بلفظ تكفل الله لمن جاهد في سبيله
لا يخرجه من بيته إلا جهاد في سبيله وتصديق كلمته وسيأتي كذلك من طريق أبي الزناد في كتاب
الخمس وكذلك أخرجه مالك في الموطأ عن أبي الزناد في كتاب الخمس وأخرجه الدارمي من وجه
آخر عن أبي الزناد بلفظ لا يخرجه الا الجهاد في سبيل الله وتصديق كلماته نعم أخرجه أحمد
والنسائي من حديث ابن عمر فوقع في روايته التصريح بأنه من الأحاديث الإلهية ولفظه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكى عن ربه قال أيما عبد من عبادي خرج مجاهدا في سبيلي
5

ابتغاء مرضاتي ضمنت له إن رجعته أن أرجعه بما أصاب من أجر أو غنيمة الحديث رجاله ثقات
وأخرجه الترمذي من حديث عبادة بلفظ يقول الله عز وجل المجاهد في سبيلي هو على ضامن ان
رجعته رجعته بأجر أو غنيمة الحديث وصححه الترمذي وقوله تضمن الله وتكفل الله وانتدب
الله بمعنى واحد ومحصله تحقيق الوعد المذكور في قوله تعالى ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم
وأموالهم بأن لهم الجنة وذلك التحقيق على وجه الفضل منه سبحانه وتعالى وقد عبر صلى الله
عليه وسلم عن الله سبحانه وتعالى بتفضله بالثواب بلفظ الضمان ونحوه مما جرت به عادة المخاطبين
فيما تطمئن به نفوسهم وقوله لا يخرجه الا الجهاد نص على اشتراط خلوص النية في الجهاد
وسيأتي بسط القول فيه بعد أحد عشر بابا وقوله فهو على ضامن أي مضمون أو معناه أنه
ذو ضمان (قوله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة) أي بأن يدخله الجنة ان توفاه في رواية أبي زرعة
الدمشقي عن أبي اليمان ان توفاه بالشرطية والفعل الماضي أخرجه الطبراني وهو أوضح (قوله
أن يدخله الجنة) أي بغير حساب ولا عذاب أو المراد أن يدخله الجنة ساعة موته كما ورد
ان أرواح الشهداء تسرح في الجنة وبهذا التقرير يندفع ايراد من قال ظاهر الحديث التسوية
بين الشهيد والراجع سالما لان حصول الاجر يستلزم دخول الجنة ومحصل الجواب ان المراد
بدخول الجنة دخول خاص (قوله أو يرجعه) بفتح أوله وهو منصوب بالعطف على يتوفاه (قوله
مع أجر أو غنيمة) أي مع أجر خالص ان لم يغنم شيئا أو مع غنيمة خالصة معها اجر وكأنه سكت عن
الاجر الثاني الذي مع الغنيمة لنقصه بالنسبة إلى الاجر الذي بلا غنيمة والحامل على هذا التأويل
أن ظاهر الحديث انه إذا غنم لا يحصل له أجر وليس ذلك مرادا بل المراد أو غنيمة معها أجر أنقص
من أجر من لم يغنم لان القواعد تقتضي أنه عند عدم الغنيمة أفضل منه وأتم أجرا عند وجودها
فالحديث صريح في نفي الحرمان وليس صريحا في نفي الجمع وقال الكرماني معنى الحديث أن
المجاهد اما يستشهد أو لا والثاني لا ينفك من أجر أو غنيمة مع امكان اجتماعهما فهي قضية
مانعة الخلو لا الجمع وقد قيل في الجواب عن هذا الاشكال ان أو بمعنى الواو وبه جزم ابن عبد البر
والقرطبي ورجحها التوربشتي والتقدير بأجر وغنيمة وقد وقع كذلك في رواية لمسلم من طريق
الأعرج عن أبي هريرة رواه كذلك عن يحيى بن يحيى عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد
وقد رواه جعفر الفريابي وجماعة عن يحيى بن يحيى فقالوا أجر أو غنيمة بصيغة أو وقد رواه مالك في
الموطأ بلفظ أو غنيمة ولم يختلف عليه الا في رواية يحيى بن بكير عنه فوقع فيه بلفظ وغنيمة ورواية
يحيى بن بكير عن مالك فيها مقال ووقع عند النسائي من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن
أبي هريرة بالواو أيضا وكذا من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة وكذلك أخرجه أبو داود باسناد
صحيح عن أبي أمامة بلفظ بما نال من أجر وغنيمة فإن كانت هذه الروايات محفوظة تعين القول
بان أو في هذا الحديث بمعنى الواو كما هو مذهب نحاة الكوفيين لكن فيه اشكال صعب لأنه
يقتضي من حيث المعنى أن يكون الضمان وقع بمجموع الامرين لكل من رجع وقد لا يتفق ذلك
فان كثيرا من الغزاة يرجع بغير غنيمة فما فر منه الذي ادعى ان أو بمعنى الواو وقع في نظيره لأنه يلزم
على ظاهرها أن من رجع بغنيمة رجع بغير أجر كما يلزم على أنها بمعنى الواو أن كل غاز يجمع له بين
الاجر والغنيمة معا وقد روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا ما من
6

غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة الا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث فإن لم
يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم وهذا يؤيد التأويل الأول وان الذي يغنم يرجع باجر لكنه أنقص
من أجر من لم يغنم فتكون الغنيمة في مقابلة جزاء من أجر الغزو فإذا قوبل أجر الغانم بما حصل
له من الدنيا وتمتعه به باجر من لم يغنم مع اشتراكهما في التعب والمشقة كان أجر من غنم دون أجر
من لم يغنم وهذا موافق لقول خباب في الحديث الصحيح الآتي فمنا من مات ولم يأكل من أجره
شيئا الحديث واستشكل بعضهم نقص ثواب المجاهد بأخذه الغنيمة وهو مخالف لما يدل عليه
أكثر الأحاديث وقد اشتهر تمدح النبي صلى الله عليه وسلم بحل الغنيمة وجعلها من فضائل أمته
فلو كانت تنقص الاجر ما وقع التمدح بها وأيضا فان ذلك يستلزم أن يكون أجر أهل بدر أنقص
من أجر أهل أحد مثلا مع أن أهل بدر أفضل بالاتفاق وسبق إلى هذا الاشكال ابن عبد البر
وحكاه عياض وذكر أن بعضهم أجاب عنه بأنه ضعف حديث عبد الله بن عمرو لأنه من رواية
حميد بن هانئ وليس بمشهور وهذا مردود لأنه ثقة يحتج به عند مسلم وقد وثقه النسائي وابن
يونس وغيرهما ولا يعرف فيه تجريح لاحد ومنهم من حمل نقص الاجر على غنيمة أخذت على
غير وجهها وظهور فساد هذا الوجه يغني عن الاطناب في رده إذ لو كان الامر كذلك لم يبق لهم
ثلث الاجر ولا أقل منه ومنهم من حمل نقص الاجر على من قصد الغنيمة في ابتداء جهاده وحمل
تمامه على من قصد الجهاد محضا وفيه نظر لان صدر الحديث مصرح بأن المقسم راجع إلى من
أخلص لقوله في أوله لا يخرجه الا ايمان بي وتصديق برسلي وقال عياض الوجه عندي اجراء
الحديثين على ظاهرهما واستعمالهما على وجههما ولم يجب عن الاشكال المتعلق بأهل بدر
وقال ابن دقيق العيد لا تعارض بين الحديثين بل الحكم فيهما جار على القياس لان الأجور
تتفاوت بحسب زيادة المشقة فيما كان أجره بحسب مشقته إذ للمشقة دخول في الاجر وانما
المشكل العمل المتصل بأخذ الغنائم يعني فلو كانت تنقص الاجر لما كان السلف الصالح
يثابرون عليها فيمكن أن يجاب بأن أخذها من جهة تقديم بعض المصالح الجزئية على بعض لان
أخذ الغنائم أول ما شرع كان عونا على الدين وقوة لضعفاء المسلمين وهي مصلحة عظمي يغتفر لها
بعض النقص في الاجر من حيث هو وأما الجواب عمن استشكل ذلك بحال أهل بدر فالذي
ينبغي أن يكون التقابل بين كمال الاجر ونقصانه لمن يغزو بنفسه إذا لم يغنم أو يغزو فيغنم فغايته
أن حال أهل بدر مثلا عند عدم الغنيمة أفضل منه عند وجودها ولا ينفي ذلك أن يكون حالهم
أفضل من حال غيرهم من جهة أخرى ولم يرد فيهم نص أنهم لو لم يغنموا كان أجرهم بحاله من غير
زيادة ولا يلزم من كونه مغفورا لهم وأنهم أفضل المجاهدين أن لا يكون وراءهم مرتبة أخرى
وأما الاعتراض بحل الغنائم فغير وارد إذ لا يلزم من الحل ثبوت وفاء الاجر لكل غاز والمباح في
الأصل لا يستلزم الثواب بنفسه لكن ثبت أن أخذ الغنيمة واستيلاءها من الكفار يحصل
الثواب ومع ذلك فمع صحة ثبوت الفضل في أخذ الغنيمة وصحة التمدح بأخذها لا يلزم من ذلك ان
كل غاز يحصل له من أجر غزاته نظير من لم يغنم شيئا البتة (قلت) والذي مثل باهل بدر أراد
التهويل والا فالامر على ما تقرر آخرا بأنه لا يلزم من كونهم مع أخذ الغنيمة أنقص أجرا مما لو لم
يحصل لهم أجر الغنيمة أن يكونوا في حال أخذهم الغنيمة مفضولين بالنسبة إلى من بعدهم كمن شهد
7

أحدا لكونهم لم يغنموا شيئا بل أجر البدري في الأصل أضعاف أجر من بعده مثال ذلك أن يقول
لو فرض أن أجر البدري بغير غنيمة ستمائة وأجر الاحدى مثلا بغير غنيمة مائة فإذا نسبنا ذلك
باعتبار حديث عبد الله بن عمرو كان للبدري لكونه أخذ الغنيمة مائتان وهي ثلث الستمائة
فيكون أكثر أجرا من الاحدى وانما امتاز أهل بدر بذلك لكونها أول غزوة شهدها النبي صلى
الله عليه وسلم في قتال الكفار وكان مبدأ اشتهار الاسلام وقوة أهله فكان لمن شهدها مثل أجر
من شهد المغازي التي بعدها جميعا فصارت لا يوازيها شئ في الفضل والله أعلم واختار ابن عبد البر
أن المراد بنقص أجر من غنم أن الذي لا يغنم يزداد أجره لحزنه على ما فاته من الغنيمة كما يؤجر
من أصيب بما له فكان الاجر لما نقص عن المضاعفة بسبب الغنيمة عند ذلك كالنقص من أصل
الاجر ولا يخفى مباينة هذا التأويل لسياق حديث عبد الله بن عمرو الذي تقدم ذكره وذكر بعض
المتأخرين للتعبير بثلثي الاجر في حديث عبد الله بن عمرو حكمة لطيفة بالغة وذلك أن الله أعد
للمجاهدين ثلاث كرامات دنيويتان وأخروية فالدنيويتان السلامة والغنيمة والأخروية
دخول الجنة فإذا رجع سالما غانما فقد حصل له ثلثا ما أعد الله له وبقي له عند الله الثلث وان
رجع بغير غنيمة عوضه الله عن ذلك ثوابا في مقابلة ما فاته وكان معنى الحديث أنه يقال للمجاهد
إذا فات عليك شئ من أمر الدنيا عوضتك عنه ثوابا وأما الثواب المختص بالجهاد فهو حاصل
للفريقين معا قال وغاية ما فيه عد ما يتعلق بالنعمتين الدنيويتين أجرا بطريق المجاز والله أعلم وفي
الحديث أن الفضائل لا تدرك دائما بالقياس بل هي بفضل الله وفيه استعمال التمثيل في الاحكام
وأن الأعمال الصالحة لا تستلزم الثواب لاعيانها وانما تحصل بالنية الخالصة اجمالا وتفصيلا
والله أعلم (قوله باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء) قال ابن المنير وغيره
وجه دخول هذه الترجمة في الفقه أن الظاهر من الدعاء بالشهادة يستلزم طلب نصر الكافر
على المسلم وإعانة من يعصي الله على من يطيعه لكن القصد الأصلي انما هو حصول الدرجة
العليا المترتبة على حصول الشهادة وليس ما ذكره مقصودا لذاته وانما يقع من ضرورة الوجود
فاغتفر حصول المصلحة العظمى من دفع الكفار واذلالهم وقهرهم بقصد قتلهم بحصول ما يقع
في ضمن ذلك من قتل بعض المسلمين وجاز تمني الشهادة لما يدل عليه من صدق من وقعت له من
اعلاء كلمة الله حتى بذل نفسه في تحصيل ذلك ثم أورد المصنف فيه حديث أنس في قصة أم
حرام والمراد منه قول أم حرام ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها وسيأتي الكلام على استيفاء
شرحه في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وهو ظاهر فيما ترجم له في حق النساء ويؤخذ منه
حكم الرجال بطريق الأولى وأغرب بن التين فقال ليس في الحديث تمني الشهادة وانما فيه تمني
الغزو ويجاب بأن الشهادة هي الثمرة العظمى المطلوبة في الغزو وأم حرام بفتح المهملتين هي خالة
أنس ولم يختلف على مالك في اسناده لكن رواه بشر بن عمر عنه فقال عن أنس عن أم حرام وهو
موافق رواية محمد بن يحيى بن خبان عن أنس التي ستأتي (قوله وقال عمر الخ) تقدم في أواخر
الحج بأتم من هذا السياق وتقدم هناك شرحه وبيان من وصله (قوله باب درجات
المجاهدين في سبيل الله) أي بيانها وقوله يقال هذه سبيلي أي ان السبيل يذكر ويؤنث وبذلك
جزم الفراء فقال في قوله تعالى ليضل عن سبيل الله ويتخذها هزؤا الضمير يعود على آيات القرآن
8

وإن شئت جعلته للسبيل لأنها قد تؤنث قال الله تعالى قل هذه سبيلي وفي قراءة أبي بن كعب وان
يروا سبيل الرشد لا يتخذوها سبيلا انتهى ويحتمل أن يكون قوله تعالى هذه إشارة إلى الطريقة
أي هذه الطريقة المذكورة هي سبيلي فلا يكون فيه دليل على تأنيث السبيل (قوله غزا) بضم
المعجمة وتشديد الزاي مع التنوين (وأحدها غاز) وقع هذا في رواية المستملى وحده وهو من كلام
أبي عبيدة قال وهو مثل قول وقائل انتهى (قوله هم درجات لهم درجات) هو من كلام أبي
عبيدة أيضا قال قوله هم درجات أي منازل ومعناه لهم درجات وقال غيره التقدير هم ذوو
درجات (قوله عن هلال بن علي) في رواية محمد بن فليح عن أبيه حدثني هلال (قوله عن عطاء
ابن يسار) كذا لأكثر الرواة عن فليح وقال أبو عامر العقدي عن فليح عن هلال عن عبد الرحمن
ابن أبي عمرة بدل عطاء بن يسار أخرجه أحمد واسحق في مسنديهما عنه وهو وهم من فليح في حال
تحديثه لأبي عامر وعند فليح بهذا الاسناد حديث غير هذا سيأتي في الباب الذي بعد هذا فلعله
انتقل ذهنه من حديث إلى حديث وقد نبه يونس بن محمد في روايته عن فليح على أنه كان ربما شك
فيه فاخرج أحمد عن يونس عن فليح عن هلال عن عبد الرحمن بن أبي عمرة وعطاء بن يسار عن أبي
هريرة فذكر هذا الحديث قال فليح ولا أعلمه الا ابن أبي عمرة قال يونس ثم حدثنا به فليح فقال
عطاء بن يسار ولم يشك انتهى وكأنه رجع إلى الصواب فيه ولم يقف ابن حبان على هذه العلة
فأخرجه من طريق أبي عامر والله الهادي إلى الصواب وقد وافق فليحا على روايته إياه عن هلال
عن عطاء عن أبي هريرة محمد بن جحادة عن عطاء أخرجه الترمذي من روايته مختصرا ورواه زيد
ابن أسلم عن عطاء بن يسار فاختلف عليه فقال هشام بن سعد وحفص بن ميسرة والدراوردي
عنه عن عطاء عن معاذ بن جبل أخرجه الترمذي وابن ماجة وقال همام عن زيد عن عطاء عن
عبادة بن الصامت أخرجه الترمذي والحاكم ورجح رواية الدراوردي ومن تابعه على رواية
همام ولم يتعرض لرواية هلال مع أن بين عطاء بن يسار ومعاذ انقطاعا (قوله وصام رمضان
الخ) قال ابن بطال لم يذكر الزكاة والحج لكونه لم يكن فرض (قلت) بل سقط ذكره على أحد
الرواة فقد ثبت الحج في الترمذي في حديث معاذ بن جبل وقال فيه لا أدري أذكر الزكاة أم لا
وأيضا فان الحديث لم يذكر لبيان الأركان فكان الاقتصار على ما ذكر إن كان محفوظا لأنه هو
المتكرر غالبا وأما الزكاة فلا تجب الا على من له مال بشرطه والحج فلا يجب الا مرة على
التراخي (قوله وجلس في بيته) فيه تأنيس لمن حرم الجهاد وانه ليس محروما من الاجر بل له من
الايمان والتزام الفرائض ما يوصله إلى الجنة وان قصر عن درجة المجاهدين (قوله فقالوا يا رسول
الله) الذي خاطبه بذلك هو معاذ بن جبل كما في رواية الترمذي أو أبو الدرداء كما وقع عند الطبراني
وأصله في النسائي لكن قال فيه فقلنا (قوله وان في الجنة مائة درجة) قال الطيبي هذا الجواب
من أسلوب الحكيم أي بشرهم بدخولهم الجنة بما ذكر من الأعمال ولا تكتف بذلك بل بشرهم
بالدرجات ولا تقتنع بذلك بل بشرهم بالفردوس الذي هو أعلاها (قلت) لو لم يرد الحديث الا كما
وقع هنا لكان ما قال متجها لكن وردت في الحديث زيادة دلت على أن قوله في الجنة مائة درجة
تعليل لترك البشارة المذكورة فعند الترمذي من رواية معاذ المذكورة قلت يا رسول الله
ألا أخبر الناس قال ذر الناس يعملون فان في الجنة مائة درجة فظهر أن المراد لا تبشر الناس بما
9

ذكرته من دخول الجنة لمن آمن وعمل الأعمال المفروضة عليه فيقفوا عند ذلك ولا يتجاوزوه إلى
ما هو أفضل منه من الدرجات التي تحصل بالجهاد وهذه هي النكتة في قوله أعدها الله للمجاهدين
وإذا تقرر هذا كان فيه تعقب أيضا على قول بعض شراح المصابيح سوى النبي صلى الله عليه وسلم
بين الجهاد في سبيل الله وبين عدمه وهو الجلوس في الأرض التي ولد المرء فيها ووجه التعقب
ان التسوية ليست على عمومها وانما هي في أصل دخول الجنة لا في تفاوت الدرجات كما قررته
والله أعلم وليس في هذا السياق ما ينفي أن يكون في الجنة درجات أخرى أعدت لغير المجاهدين
دون درجة المجاهدين (قوله كما بين السماء والأرض) في رواية محمد بن جحادة عند الترمذي ما بين
كل درجتين مائة عام وللطبراني من هذا الوجه خمسمائة عام فان كانتا محفوظتين كان اختلاف
العدد بالنسبة إلى اختلاف السير زاد الترمذي من حديث أبي سعيد لو أن العالمين اجتمعوا في
إحداهن لوسعتهم (قوله أوسط الجنة وأعلى الجنة) المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل كقوله
تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا فعلى هذا فعطف الاعلى عليه للتأكيد وقال الطيبي المراد
بأحدهما العلو الحسي وبالآخر العلو المعنوي وقال بن حبان المراد بالأوسط السعة وبالأعلى
الفوقية (قوله وأرى) بضم الهمزة وهو شك من يحيى بن صالح شيخ البخاري فيه وقد رواه غيره
عن فليح فلم يشك منهم يونس بن محمد عند الإسماعيلي وغيره (قوله ومنه تفجر أنهار الجنة) أي
من الفردوس ووهم من زعم أن الضمير للعرش فقد وقع في حديث عبادة بن الصامت عند
الترمذي والفردوس أعلاها درجة ومنها أي من الدرجة التي فيها الفردوس تفجر أنهار الجنة
الأربعة ومن فوقها يكون عرش الرحمن وروى إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق شيبان
عن قتادة عنه قال الفردوس أوسط الجنة وأفضلها وهو يؤيد التفسير الأول (قوله قال محمد بن
فليح عن أبيه وفوقه عرش الرحمن) يعني أن محمدا روى هذا الحديث عن أبيه باسناده هذا فلم
يشك كما شك يحيى بن صالح بل جزم عنه بقوله وفوقه عرش الرحمن قال أبو علي الجياني وقع في
رواية أبي الحسن القابسي حدثنا محمد بن فليح وهو وهم لان البخاري لم يدركه (قلت) وقد أخرج
البخاري رواية محمد بن فليح لهذا الحديث في كتاب التوحيد عن إبراهيم بن المنذر عنه بتمامه
ويأتي بقية شرحه هناك ورجال اسناده كلهم مدنيون والفردوس هو البستان الذي يجمع كل شئ
وقيل هو الذي فيه العنب وقيل هو بالرومية وقيل بالقبطية وقيل بالسريانية وبه جزم أبو إسحاق
الزجاج وفي الحديث فضيلة ظاهرة للمجاهدين وفيه عظم الجنة وعظم الفردوس منها وفيه إشارة
إلى أن درجة المجاهد قد ينالها غير المجاهد اما بالنية الخالصة أو بما يوازيه من الأعمال الصالحة
لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الجميع بالدعاء بالفردوس بعد ان أعلمهم انه أعد للمجاهدين وقيل
فيه جواز الدعاء بما لا يحصل للداعي لما ذكرته والأول أولى والله أعلم (قوله حدثنا موسى) هو
ابن إسماعيل وجرير هو ابن حازم وحديث سمرة تقدم بطوله في الجنائز وهذه القطعة شاهدة
لحديث أبي هريرة المذكور قبله ومفسرة لان المراد بالأوسط الأفضل لوصفه دار الشهداء في
حديث سمرة بأنها أحسن وأفضل (قوله باب الغدوة والروحة في سبيل الله) أي
فضلها والغدوة بالفتح المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى
انتصافه والروحة المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى
10

غروبها (قوله في سبيل الله) أي الجهاد (قوله وقاب قوس أحدكم) أي قدره وألقاب بتخفيف
القاف وآخره موحدة معناه القدر وكذلك القيد بكسر القاف بعدها تحتانية ساكنة ثم دال
وبالموحدة بدل الدال وقيل ألقاب ما بين مقبض القوس وسيته وقيل ما بين الوتر والقوس وقيل
المراد بالقوس هنا الذراع الذي يقاس به وكأن المعنى بيان فضل قدر الذراع من الجنة (قوله عن
أنس) في رواية أبي إسحاق عن حميد سمعت أنس بن مالك وهو في الباب الذي يليه والاسناد كله
بصريون (قوله لغدوة) في رواية الكشميهني الغدوة بزيادة ألف في أوله بصيغة التعريف
والأول أشهر واللام للقسم (قوله خير من الدنيا وما فيها) قال ابن دقيق العيد يحتمل وجهين
أحدهما أن يكون من باب تنزيل المغيب منزلة المحسوس تحقيقا له في النفس لكون الدنيا
محسوسة في النفس مستعظمة في الطباع فلذلك وقعت المفاضلة بها والا فمن المعلوم ان جميع
ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة والثاني ان المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب
الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لأنفقها في طاعة الله تعالى (قلت) ويؤيد هذا الثاني
ما رواه ابن المبارك في كتاب الجهاد من مرسل الحسن قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
جيشا فيهم عبد الله بن رواحة فتأخر ليشهد الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم والحاصل أن
المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له
أمر عظم من جميع ما في الدنيا فكيف بمن حصل منها أعلى الدرجات والنكتة في ذلك ان سبب
التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا فنبه هذا المتأخر ان هذا القدر اليسير من
الجنة أفضل من جميع ما في الدنيا (قوله عن عبد الرحمن بن أبي عمرة) هو الأنصاري والاسناد كله
مدنيون (قوله لقاب قوس في الجنة) في حديث أنس في الباب الذي يليه لقاب قوس أحدكم
وهو المطابق لترجمة هذا الباب (قوله خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب) هو المراد بقوله في الذي
قبله خير من الدنيا وما فيها (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري (قوله عن أبي حازم) هو ابن دينار
(قوله الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل) في رواية مسلم من طريق وكيع عن سفيان غدوة
أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا والمعنى واحد وفي الطبراني من طريق أبي غسان عن أبي
حازم لروحة بزيادة لام القسم (قوله * الحور العين وصفتهن *) كذا لأبي ذر بغير باب وثبت
لغيره ووقع عند بن بطال باب نزول الحور العين الخ ولم أره لغيره (قوله يحار فيها الطرف) أي
يتحير قال ابن التين هذا يشعر بأنه رأى أن اشتقاق الحور من الحيرة وليس كذلك فان الحور بالواو
والحيرة بالياء وأما قول الشاعر * حوراء عيناء من العين الحير * فهو للاتباع (قلت) لعل
البخاري لم يرد الاشتقاق الأصغر (قوله شديدة سواد العين شديدة بياض العين) كأنه يريد
تفسير العين والعين بالكسر جمع عيناء وهي الواسعة العين الشديدة السواد والبياض قاله
أبو عبيدة (قوله وزوجناهم بحور أنكحناهم) هو تفسير أبي عبيدة ولفظه زوجناهم أي جعلناهم
أزواجا أي اثنين اثنين كما تقول زوجت النعل بالنعل وقال في موضع آخر أي جعلنا ذكران
أهل الجنة أزواجا بحور من النساء وتعقب بان زوج لا يتعدى بالباء قاله الإسماعيلي وغيره وفيه
نظر لان صاحب المحكم حكاه لكن قال إنه قليل والله أعلم (قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو
11

الجعفي ومعاوية بن عمرو هو الأزدي وهو من شيوخ البخاري يروى عنه تارة بواسطة كما هنا
وتارة بلا واسطة كما في كتاب الجمعة (قوله حدثنا أبو إسحاق) هو الفزاري إبراهيم بن محمد
واشتمل هذا السياق على أربعة أحاديث الأول يأتي شرحه بعد ثلاثة عشر بابا الثاني تقدم
شرحه في الذي قبله الثالث والرابع يأتي شرحهما في صفة الجنة من كتاب الرقاق وقوله في الباب
ولقاب قوس أحدكم تقدم شرح ألقاب في الذي قبله وقوله هنا أو موضع قيد يعني سوطه شك من
الراوي هل قال قاب أو قيد وقد تقدم انهما بمعنى وهو المقدار وقوله يعني سوطه تفسير
للقيد غير معروف ولهذا جزم بعضهم بأنه تصحيف وأن الصواب قد بكسر القاف وتشديد الدال
وهو السوط المتخذ من الجلد (قلت) ودعوى الوهم في التفسير أسهل من دعوى التصحيف في
الأصل ولا سيما والقيد بمعنى ألقاب كما بينته والمقصود من ذلك لهذه الترجمة الأخير وقوله فيه
ولنصيفها بفتح النون وكسر الصاد المهملة بعدها تحتانية ساكنة ثم فاء هو الخمار بكسر المعجمة
وتخفيف الميم قال المهلب انما أورد حديث أنس هذا ليبين المعنى الذي من أجله يتمنى الشهيد
ان يرجع إلى الدنيا ليقتل مرة أخرى في سبيل الله لكونه يرى من الكرامة بالشهادة فوق ما في
نفسه إذ كل واحدة يعطاها من الحور العين لو أطلت على الدنيا لأضاءت كلها انتهى وروى
ابن ماجة من طريق شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال ذكر الشهيد عند النبي صلى الله عليه
وسلم فقال لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى تبتدره زوجاته من الحور العين وفي يد كل واحدة
منها حلة خير من الدنيا وما فيها ولأحمد والطبراني من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا ان
للشهيد عند الله سبع خصال فذكر الحديث وفيه ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين
اسناده حسن وأخرجه الترمذي من حديث المقدام بن معد يكرب وصححه (قوله
باب تمني الشهادة) تقدم توجيهه في أول كتاب الجهاد وان تمنيها والقصد لها مرغب
فيه مطلوب وفي الباب أحاديث صريحة في ذلك منها عن أنس مرفوعا من طلب الشهادة صادقا
أعطيها ولو لم يصبها أي أعطي ثوابها ولو لم يقتل أخرجه مسلم وأصرح منه في المراد ما أخرجه الحاكم
بلفظ من سأل القتل في سبيل الله صادقا ثم مات أعطاه الله أجر شهيد وللنسائي من حديث معاذ
مثله وللحاكم من حديث سهل بن حنيف مرفوعا من سال الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل
الشهداء وان مات على فراشه (قوله إن أبا هريرة) هذا الحديث رواه عن أبي هريرة جماعة من
التابعين منهم سعيد بن المسيب هنا وأبو زرعة بن عمرو في باب الجهاد من الايمان من كتاب الايمان
وأبو صالح وهو في باب الجعائل والحملان في أثناء كتاب الجهاد والأعرج وهو في كتاب التمني وهمام
وهو عند مسلم وسأذكر ما في رواية كل واحد منهم من زيادة فائدة (قوله والذي نفسي بيده لولا
أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم) في رواية أبي زرعة وأبي صالح لولا أن أشق على أمتي
ورواية الباب تفسر المراد بالمشقة المذكورة وهي أن نفوسهم لا تطيب بالتخلف ولا يقدرون
على التأهب لعجزهم عن آلة السفر من مركوب وغيره وتعذر وجوده عند النبي صلى الله عليه
وسلم وصرح بذلك في رواية همام ولفظه لكن لا أجد سعة فاحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني
ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي وفي رواية أبي زرعة عند مسلم نحوه ورواه الطبراني من
حديث أبي مالك الأشعري وفيه ولو خرجت ما بقي أحد فيه خير الا انطلق معي وذلك يشق علي
12

وعليهم ووقع في رواية أبي صالح من الزيادة ويشق على أن يتخلفوا عني (قوله والذي نفسي بيده
لوددت) وقع في رواية أبي زرعة المذكورة بلفظ ولوددت اني أقتل بحذف القسم وهو مقدر لما
بينته هذه الرواية فظهر أن اللام لام القسم وليست بجواب لولا وفهم بعض الشراح ان قوله
لوددت معطوف على قوله ما قعدت فقال يجوز حذف اللام واثباتها من جواب لولا وجعل الودادة
ممتنعة خشية وجود المشقة لو وجدت وتقدير الكلام عنده لولا أن أشق على أمتي لوددت اني أقتل
في سبيل الله ثم شرع يتكلف استشكال ذلك والجواب عنه وقد بينت رواية الباب انها جملة
مستأنفة وان اللام جواب القسم ثم النكتة في ايراد هذه الجملة عقب تلك إرادة تسلية الخارجين
في الجهاد عن مرافقته لهم وكانه قال الوجه الذي يسيرون له فيه من الفضل ما أتمنى لأجله اني
أقتل مرات فمهما فاتكم من مرافقتي والقعود معي من الفضل يحصل لكم مثله أو فوقه من فضل
الجهاد فراعى خواطر الجميع وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المغازي وتخلف عنه
المشار إليهم وكان ذلك حيث رجحت مصلحة خروجه على مراعاة حالهم وسيأتي بيان ذلك في
باب من حبسه العذر (قوله أقتل في سبيل الله) استشكل بعض الشراح صدور هذا التمني من
النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بأنه لا يقتل وأجاب ابن التين بان ذلك لعله كان قبل نزول قوله
تعالى والله يعصمك من الناس وهو متعقب فان نزولها كان في أوائل ما قدم المدينة وهذا
الحديث صرح أبو هريرة بأنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وانما قدم أبو هريرة في أوائل سنة
سبع من الهجرة والذي يظهر في الجواب أن تمنى الفضل والخير لا يستلزم الوقوع فقد قال صلى
الله عليه وسلم وددت لو أن موسى صبر كما سيأتي في مكانه وسيأتي في كتاب التمني نظائر لذلك وكأنه
صلى الله عليه وسلم أراد المبالغة في بيان فضل الجهاد وتحريض المسلمين عليه قال ابن التين وهذا
أشبه وحكى شيخنا ابن الملقن أن بعض الناس زعم أن قوله ولوددت مدرج من كلام أبي هريرة قال
وهو بعيد قال النووي في هذا الحديث الحض على حسن النية وبيان شدة شفقة النبي صلى الله
عليه وسلم على أمته ورأفته بهم واستحباب طلب القتل في سبيل الله وجواز قول وددت حصول
كذا من الخير وان علم أنه لا يحصل وفيه ترك بعض المصالح لمصلحة راجحة أو أرجح أو لدفع مفسدة
وفيه جواز تمني ما يمتنع في العادة والسعي في إزالة المكروه عن المسلمين وفيه ان الجهاد على
الكفاية إذ لو كان على الأعيان ما تخلف عنه أحد (قلت) وفيه نظر لان الخطاب انما يتوجه
للقادر وأما العاجز فمعذور وقد قال سبحانه غير أولي الضرر وأدلة كون الجهاد فرض كفاية
تؤخذ من غير هذا وسيأتي البحث في باب وجوب النفير إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا يوسف بن
يعقوب الصفار) بالمهملة وتشديد الفاء كوفي ثقة يكنى أبا يعقوب لم يخرج عنه البخاري سوى
هذا الحديث ورجال الاسناد من شيخه إسماعيل بن علية فصاعدا بصريون وسيأتي شرح المتن في
غزوة مؤتة من كتاب المغازي ووجه دخوله في هذه الترجمة من قوله ما يسرهم انهم عندنا أي
لما رأوا من الكرامة بالشهادة فلا يعجبهم ان يعودوا إلى الدنيا كما كانوا من غير أن يستشهدوا
مرة أخرى وبهذا التقرير يحصل الجمع بين حديثي الباب ودليل ما ذكرته من الاستثناء ما سيأتي
بعد أبواب من حديث أنس أيضا مرفوعا ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا الا الشهيد
الحديث (قوله باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم) أي من
13

المجاهدين ومن موصولة وكانه ضمنها معنى الشرط فعطف عليها بالفاء وعطف الفعل الماضي على
المستقبل وهو قليل وكان نسق الكلام أن يقول من صرع فمات أو من يصرع فيموت وقد سقط
لفظ فمات من رواية النسفي (قوله وقول الله عز وجل ومن يخرج من بيته مهاجرا الآية) أي
يحصل الثواب بقصد الجهاد إذا خلصت النية فحال بين القاصد وبين الفعل مانع فان قوله ثم
يدركه الموت أعم من أن يكون بقتل أو وقوع من دابته وغير ذلك فتناسب الآية الترجمة وقد
روى الطبري من طريق سعيد بن جبير والسدي وغيرهما ان الآية نزلت في رجل كان مسلما مقيما
بمكة فلما سمع قوله تعالى ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها قال لأهله وهو مريض أخرجوني
إلى جهة المدينة فاخرجوه فمات في الطريق فنزلت واسمه ضمرة على الصحيح وقد أوضحت ذلك في
كتابي في الصحابة (قوله وقع وجب) ليس هذا في رواية المستملي وثبت لغيره وهو تفسير أبي عبيدة
في المجاز قال قوله فقد وقع أجره على الله أي وجب ثوابه ثم ذكر المصنف حديث أم حرام وقد تقدم
قريبا أن شرحه يأتي في كتاب الاستئذان والشاهد منه قوله فيه فقربت إليها دابة لتركبها
فصرعتها فماتت مع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها أن تكون من الأولين وانهم كالملوك على
الأسرة في الجنة وقوله في الرواية الماضية فصرعت عن دابتها لا يعارض قوله في هذه الرواية
فقربت لتركبها فصرعتها لان التقدير فقربت إليها دابة لتركبها فركبتها فصرعتها قال ابن بطال
وروى بن وهب من حديث عقبة بن عامر مرفوعا من صرع عن دابته في سبيل الله فمات فهو
شهيد فكانه لما لم يكن على شرط البخاري أشار إليه في الترجمة (قلت) هو عند الطبراني واسناده
حسن قال وفي حديث أم حرام ان حكم الراجع من الغزو حكم الذاهب إليه في الثواب ويحيى
المذكور في هذا الاسناد هو بن سعيد الأنصاري وفي الاسناد تابعيان هو وشيخه وصحابيان أنس
وخالته وقوله فيه أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية كان ذلك في سنة ثمان وعشرين في
خلافة عثمان (قوله باب من ينكب) بضم أوله وسكون النون وفتح الكاف بعدها
موحدة والنكبة أن يصيب العضو شئ فيدميه والمراد بيان فضل من وقع له ذلك في سبيل الله ثم
ذكر فيه حديثين أحدهما حديث أنس في قصة قتل خاله وهو حرام بن ملحان وسيأتي شرحه في
كتاب المغازي في غزوة بئر معونة وقوله فيه عن إسحاق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة (قوله بعث
النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر) قال الدمياطي هو وهم فان بني سليم
مبعوث إليهم والمبعوث هم القراء وهم من الأنصار (قلت) التحقيق ان المبعوث إليهم بنو عامر
14

وأما بنو سليم فغدروا بالقراء المذكورين والوهم في هذا السياق من حفص بن عمر شيخ البخاري
فقد أخرجه هو في المغازي عن موسى بن إسماعيل عن همام فقال بعث أخا لام سليم في سبعين
راكبا وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل الحديث ويأتي شرحه مستوفى هناك فلعل الأصل
بعث أقواما معهم أخو أم سليم إلى بني عامر فصارت من بني سليم وقد تكلف لتأويله بعض
الشراح فقال يحمل على أن أقواما منصوب بنزع الخافض أي بعث إلى أقوام من بني سليم
منضمين إلى بني عامر وحذف مفعول بعث اكتفاء بصفة المفعول عنه أو في زائدة ويكون
سبعين مفعول بعث ويحتمل أن تكون من ليست بيانية بل ابتدائية أي بعث أقواما ولم يصفهم
من بني سليم أو من جهة بني سليم انتهى وهذا أقرب من التوجيه الأول ولا يخفى ما فيهما من
التكلف وقوله في آخر الحديث على رعل بكسر الراء وسكون المهملة بعدها لام هم بطن من بني
سليم وكذا بعض من ذكر معهم وسيأتي الحديث في أواخر الجهاد أنه دعا على أحياء من بني سليم
حيث قتلوا القراء وهو أصرح في المقصود ثانيهما حديث جندب وسيأتي الكلام عليه في باب
ما يجوز من الشعر من كتاب الأدب ووقع فيه بلفظ نكبت إصبعه وهو الموافق للترجمة وكانه أشار
فيها إلى حديث معاذ الذي أشير إليه في الباب الذي يليه وفي الباب ما أخرجه أبو داود والحاكم
والطبراني من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا من وقصه فرسه أو بعيره في سبيل الله أو لدغته
هامة أو مات على أي حتف شاء الله فهو شهيد (قوله باب من يجرح في سبيل الله)
أي فضله (قوله لا يكلم) بضم أوله وسكون الكاف وفتح اللام أي يجرح (قوله أحد) قيده في
رواية همام عن أبي هريرة بالمسلم (قوله والله أعلم بمن يكلم في سبيله) جملة معترضة قصد بها التنبيه
على شرطية الاخلاص في نيل هذا الثواب (قوله الا جاء يوم القيامة واللون لون الدم) في رواية
همام عن أبي هريرة الماضية في كتاب الطهارة تكون يوم القيامة كهيئتها إذا طعنت تفجر دما
(قوله والريح ريح المسك) في رواية همام والعرف فتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء وهو
الرائحة ولأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من حديث معاذ بن جبل من جرح
جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجئ يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها الزعفران وريحها
المسك وعرف بهذه الزيادة أن الصفة المذكورة لا تختص بالشهيد بل هي حاصلة لكل من جرح
ويحتمل أن يكون المراد بهذا الجرح هو ما يموت صاحبه بسببه قبل اندماله لا ما يندمل في الدنيا
فان أثر الجراحة وسيلان الدم يزول ولا ينفي ذلك أن يكون له فضل في الجملة لكن الظاهر أن الذي
يجئ يوم القيامة وجرحه يثعب دما من فارق الدنيا وجرحه كذلك ويؤيده ما وقع عند ابن حبان
في حديث معاذ المذكور عليه طابع الشهداء وقوله كأغزر ما كانت لا ينافي قوله كهيئتها لان المراد
لا ينقص شيئا بطول العهد قال العلماء الحكمة في بعثه كذلك أن يكون معه شاهد بفضيلته
ببذله نفسه في طاعة الله تعالى واستدل بهذا الحديث على أن الشهيد يدفن بدمائه وثيابه ولا
يزال عنه الدم بغسل ولا غيره ليجئ يوم القيامة كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم وفيه نظر لأنه
لا يلزم من غسل الدم في الدنيا أن لا يبعث كذلك ويغني عن الاستدلال لترك غسل الشهيد
في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد زملوهم بدمائهم كما سيأتي بسطه في
مكانه إن شاء الله تعالى (قوله باب قول الله عز وجل قل هل تربصون بنا الا إحدى
15

الحسنيين) سيأتي في تفسير براءة تفسير إحدى الحسنيين بأنه الفتح أو الشهادة وبه تتبين مناسبة
قول المصنف بعد هذا والحرب سجال وهو بكسر المهملة وتخفيف الجيم أي تارة وتارة ففي غلبة
المسلمين يكون لهم الفتح وفي غلبة المشركين يكون للمسلمين الشهادة ثم أورد المصنف طرفا
من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وقد تقدم شرحه في كتاب بدء الوحي والغرض منه قوله فيه
فزعمت أن الحرب بينكم سجال أو دول وقال ابن المنير التحقيق انه ما ساق حديث هرقل الا لقوله
وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة قال فبذلك يتحقق ان لهم إحدى الحسنيين ان
انتصروا فلهم العاجلة والعاقبة وان انتصر عدوهم فللرسل العاقبة انتهى وهذا لا يستلزم نفي
التقرير الأول و لا يعارضه بل الذي يظهر أن الأول أولى لأنه من نقل أبي سفيان عن حال النبي صلى الله عليه وسلم وأما الآخر فمن قول هرقل مستندا فيه إلى ما تلقفه من الكتب * (نكتة) *
أفاد القزاز أن دال دول مثلثة (قوله باب قول الله عز وجل من المؤمنين رجال
صدقوا ما عاهدوا الله عليه الآية) المراد بالمعاهدة المذكورة ما تقدم ذكره من قوله تعالى
ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار وكان ذلك أول ما خرجوا إلى أحد وهذا قول ابن إسحاق
وقيل ما وقع ليلة العقبة من الأنصار إذ بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم ان يؤوه وينصروه
ويمنعوه والأول أولى وقوله فمنهم من قضى نحبه أي مات وأصل النحب النذر فلما كان كل حي
لا بد له من الموت فكأنه نذر لازم له فإذا مات فقد قضاه والمراد هنا من مات على عهده لمقابلته بمن
ينتظر ذلك وأخرج ذلك ابن أبي حاتم باسناد حسن عن ابن عباس (قوله حدثنا محمد بن سعيد
الخزاعي) هو بصري يلقب بمردويه ماله في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في غزوة خيبر
وعبد الاعلى هو ابن عبد الاعلى السامي بالمهملة (قوله سألت أنسا) كذا أورده وعطف عليه
الطريق الأخرى فاشعر بان السياق لها وأفادت رواية عبد الاعلى تصريح حميد له بالسماع من
أنس فمن تدليسه وقد أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من رواية ثابت عن أنس (قوله
حدثنا زياد) لم أره منسوبا في شئ من الروايات وزعم الكلاباذي ومن تبعه انه ابن عبد الله
البكائي بفتح الموحدة وتشديد الكاف وهو صاحب بن إسحاق وراوي المغازي عنه وليس
له ذكر في البخاري سوى هذا الموضع (قوله غاب عمي أنس بن النضر) زاد ثابت عن أنس الذي
سميت به (قوله عن قتال بدر) زاد ثابت فكبر عليه ذلك (قوله أول قتال) أي لان بدرا أول
غزوة خرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه مقاتلا وقد تقدمها غيرها لكن ما خرج فيها
صلى الله عليه وسلم بنفسه مقاتلا (قوله لئن الله أشهدني) أي أحضرني (قوله ليرين الله ما أصنع)
بتشديد النون للتأكيد واللام جواب القسم المقدر ووقع في رواية ثابت عند مسلم ليراني الله
بتخفيف النون بعدها تحتانية وقوله ما اصنع أعربه النووي بدلا من ضمير المتكلم وفي رواية
محمد بن طلحة عن حميد الآتية في المغازي ليرين الله ما أجد وهو بضم الهمزة وكسر الجيم
وتشديد الدال أو بفتح الهمزة وضم الجيم مأخوذ من الجد ضد الهزل وزاد ثابت وهاب أن
يقول غيرها أي خشي ان يلتزم شيئا فيعجز عنه فابهم وعرف من السياق ان مراده انه يبالغ في
القتال وعدم الفرار (قوله وانكشف المسلمون) في رواية عبد الوهاب الثقفي عن حميد عند
الإسماعيلي وانهزم الناس وسيأتي بيان ذلك في غزوة أحد (قوله أعتذر) أي من فرار المسلمين
16

(وأبرأ) أي من فعل المشركين (قوله ثم تقدم) أي نحو المشركين (فاستقبله سعد بن معاذ) زاد
ثابت عن أنس منهزما كذا في مسند الطيالسي ووقع عند النسائي مكانها مهيم وهو تصحيف
فيما أظن (قوله فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر) كأنه يريد والده ويحتمل ان يريد ابنه
فإنه كان له ابن يسمى النضر وكان إذ ذاك صغيرا ووقع في رواية عبد الوهاب فوالله وفي رواية
عبد الله بن بكر عن حميد عند الحرث بن أبي أسامة عنه والذي نفسي بيده والظاهر أنه قال
بعضها والبقية بالمعنى وقوله الجنة بالنصب على تقدير عامل نصب أي أريد الجنة أو نحوه
ويجوز الرفع اي هي مطلوبي (قوله اني أجد ريحها) أي ريح الجنة (من دون أحد) وفي
رواية ثابت واها لريح الجنة أجدها دون أحد قال ابن بطال وغيره يحتمل ان يكون على
الحقيقة وانه وجد ريح الجنة حقيقة أو وجد ريحا طيبة ذكره طيبها بطيب ريح الجنة ويجوز
ان يكون أراد انه استحضر الجنة التي أعدت للشهيد فتصور انها في ذلك الموضع الذي يقاتل
فيه فيكون المعنى اني لأعلم ان الجنة تكتسب في هذا الموضع فاشتاق لها وقوله واها قاله
اما تعجبا واما تشوقا إليها فكأنه لما ارتاح لها واشتاق إليها صارت له قوة من استنشقها
حقيقة (قوله قال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع أنس 3) قال ابن بطال يزيد ما استطعت
ان أصف ما صنع أنس من كثرة ما أغنى وأبلى في المشركين (قلت) وقع عند يزيد بن هارون عن
حميد فقلت أنا معك فلم أستطع ان أصنع ما صنع وظاهره انه نفى استطاعة اقدامه الذي
صدر منه حتى وقع له ما وقع من الصبر على تلك الأهوال بحيث وجد في جسده ما يزيد على الثمانين
من طعنة وضربة ورمية فاعترف سعد بأنه لم يستطع أن يقدم اقدامه ولا يصنع صنيعه وهذا أولى
مما تأوله ابن بطال (قوله فوجدنا به) في رواية عبد الله بن بكر قال أنس فوجدناه بين القتلى وبه
(قوله بضعا وثمانين) لم أر في شئ من الروايات بيان هذا البضع وقد تقدم أنه ما بين الثلاث
والتسع وقوله ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم أو هنا للتقسيم ويحتمل أن تكون
بمعنى الواو وتفصيل مقدار كل واحدة من المذكورات غير معين (قوله وقد مثل به) بضم الميم
وكسر المثلثة وتخفيفها وقد تشدد وهو من المثلة بضم الميم وسكون المثلثة وهو قطع الأعضاء
من أنف وأذن ونحوها (قوله فما عرفه أحد الا أخته في رواية ثابت فقالت عمتي الربيع بنت
النضر أخته فما عرفت أخي الا ببنانه زاد النسائي من هذا الوجه وكان حسن البنان والبنان
الإصبع وقيل طرف الإصبع ووقع في رواية محمد بن طلحة المذكورة بالشك ببنانه أو بشامة
بالشين المعجمة والأولى أكثر (قوله قال أنس كنا نرى أو نظن) شك من الراوي وهما بمعنى واحد
وفي رواية أحمد عن يزيد بن هارون عن حميد فكنا نقول وكذا لعبد الله بن بكر وفي رواية أحمد بن
سنان عن يزيد وكانوا يقولون أخرجه بن أبي حاتم عنه وكأن التردد فيه من حميد ووقع في رواية
ثابت وأنزلت هذه الآية بالجزم (قوله وقال إن أخته) كذا وقع هنا عند الجميع ولم يعين القائل
وهو أنس بن مالك راوي الحديث والضمير في قوله أخته للنضر بن أنس ويحتمل أن يكون فاعل
قال واحدا من الرواة دون أنس ولم أقف على تعيينه ولا استخرج الإسماعيلي هذا الحديث هنا
وهي تسمى الربيع بالتشديد أي أخت أنس بن النضر وهي عمة أنس بن مالك وسيأتي شرح
قصتها في كتاب القصاص وفي قصة أنس بن النضر من الفوائد جواز بذل النفس في الجهاد وفضل
17

الوفاء بالعهد ولو شق على النفس حتى يصل إلى اهلاكها وأن طلب الشهادة في الجهاد لا يتناوله
النهي عن الالقاء إلى التهلكة وفيه فضيلة ظاهرة لأنس بن النضر وما كان عليه من صحة
الايمان وكثرة التوقي والتورع وقوة اليقين قال الزين بن المنير من أبلغ الكلام وأفصحه
قول أنس بن النضر في حق المسلمين أعتذر إليك وفي حق المشركين أبرأ إليك فأشار إلى أنه لم
يرض الامرين جميعا مع تغايرهما في المعنى وسيأتي في غزوة أحد من المغازي بيان ما وقعت
الإشارة إليه هنا من انهزام بعض المسلمين ورجوعهم وعفو الله عنهم رضي الله عنهم أجمعين
(قوله وحدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس وأخوه هو أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو ابن بلال
وقوله أراه عن محمد بن أبي عتيق هو بضم الهمزة أي أظنه وهو قول إسماعيل المذكور (قوله عن
خارجة بن زيد) أي ابن ثابت وللزهري في هذا الحديث شيخ آخر وهو عبيد بن السباق لكن
اختلف خارجة وعبيد في تعيين الآية التي ذكر زيد أنه وجدها مع خزيمة فقال خارجة انها قوله
تعالى من المؤمنين رجال صدقوا وقال عبيد انها قوله تعالى لقد جاءكم رسول من أنفسكم وقد
أخرج البخاري الحديثين جميعا بالاسنادين المذكورين فكأنهما جميعا صحا عنده ويؤيد ذلك
أن شعيبا حدث عن الزهري بالحديثين جميعا وكذلك رواهما عن الزهري جميعا إبراهيم بن سعد
كما سيأتي في فضائل القرآن وفي رواية عبيد بن السباق زيادات ليست في رواية خارجة وانفرد
خارجة بوصف خزيمة بأنه الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين وسأذكر ما في
هذه الزيادة من بحث في تفسير سورة الأحزاب إن شاء الله تعالى والسياق الذي ساقه هنا لابن
أبي عتيق وأما سياق شعيب فسيأتي بيانه في تفسير الأحزاب وقال فيه عن الزهري أخبرني
خارجة وتأتي بقية مباحثه في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى (قوله باب عمل
صالح قبل القتال) وقال أبو الدرداء انما تقاتلون بأعمالكم) هكذا وقع عند الجميع ولعله كان
قاله أبو الدرداء وقال إنما تقاتلون بأعمالكم وإنما قلت ذلك لأنني وجدت ذلك في المجالسة
للدينوري من طريق أبي إسحاق الفزاري عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد أن أبا الدرداء
قال أيها الناس عمل صالح قبل الغزو فإنما تقاتلون بأعمالكم ثم ظهر لي سبب تفصيل البخاري وذلك
أن هذه الطريق منقطعة بين ربيعة وأبي الدرداء وقد روى ابن المبارك في كتاب الجهاد عن سعيد
ابن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن ابن حلبس بفتح المهملة والموحدة بينهما لام ساكنة وآخره
سين مهملة عن أبي الدرداء قال انما تقاتلون بأعمالكم ولم يذكر ما قبله فاقتصر البخاري على ما ورد
بالاسناد المتصل فعزاه إلى أبي الدرداء ولذلك جزم به عنه واستعمل بقية ما ورد عنه بالاسناد المنقطع
في الترجمة إشارة إلى أنه لم يغفله (قوله وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون إلى قوله
بنيان مرصوص) ذكر فيه حديث البراء في قصة الذي قتل حين أسلم قال ابن المنير مناسبة الترجمة
والآية للحديث ظاهرة وفي مناسبة الترجمة للآية خفاء وكأنه من جهة أن الله عاتب من قال إنه
يفعل الخير ولم يفعله وأثنى على من وفي وثبت عند القتال أو من جهة أنه أنكر على من قدم على
القتال قولا غير مرضى فكشف الغيب أنه أخلف فمفهومه ثبوت الفضل في تقديم الصدق والعزم
الصحيح على الوفاء وذلك من أصلح الأعمال انتهى وهذا الثاني أظهر فيما أرى والله أعلم وقال
الكرماني المقصود من الآية في هذه الترجمة قوله في آخرها صفا كأنهم بنيان مرصوص لان
18

الصف في القتال من العمل الصالح قبل القتال انتهى وسيأتي تفسير قوله مرصوص في التفسير
(قوله حدثني محمد بن عبد الرحيم) هو الحافظ المعروف بصاعقة وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق
السبيعي (قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل) لم أقف على اسمه ووقع عند مسلم من
طريق زكريا ابن أبي زائدة عن أبي إسحاق انه من الأنصار ثم من بني النبيت بفتح النون وكسر
الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناه فوق ولولا ذلك لأمكن تفسيره بعمرو بن ثابت بن وقش
بفتح الواو والقاف بعدها معجمة وهو المعروف بأصرم بن عبد الأشهل فان بني عبد الأشهل بطن من
الأنصار من الأوس وهم غير بني النبيت وقد أخرج ابن إسحاق في المغازي قصة عمرو بن ثابت باسناد
صحيح عن أبي هريرة أنه كان يقول أخبروني عن رجل دخل الجنة لم يصل صلاة ثم يقول هو عمرو
ابن ثابت قال ابن إسحاق قال الحصين بن محمد قلت لمحمود بن لبيد كيف كانت قصته قال كان يأبى
الاسلام فلما كان يوم أحد بدا له فأخذ سيفه حتى أتى القوم فدخل في عرض الناس فقاتل حتى
وقع جريحا فوجده قومه في المعركة فقالوا ما جاء بك أشفقة على قومك أم رغبة في الاسلام قال
بل رغبة في الاسلام قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصابني ما أصابني فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم انه من أهل الجنة وروى أبو داود والحاكم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة
عن أبي هريرة كان عمرو يأبى الاسلام لأجل ربا كان له في الجاهلية فلما كان يوم أحد قال أين قومي
قالوا بأحد فاخذ سيفه ولحقهم فلما رأوه قالوا إليك عنا قال إني قد أسلمت فقاتل حتى جرح فجاءه
سعد بن معاذ فقال خرجت غضبا لله ولرسوله ثم مات فدخل الجنة وما صلى صلاة فيجمع بين
الروايتين بأن الذين رأوه قالوا له إليك عنا ناس غير قومه وأما قومه فما شعروا بمجيئه حتى وجدوه
في المعركة ويجمع بينهما وبين حديث الباب بأنه جاء أولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستشاره ثم
أسلم ثم قاتل فرآه أولئك الذين قالوا له إليك عنا ويؤيد هذا الجمع قوله لهم قاتلت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكأن قومه وجدوه بعد ذلك فقالوا له ما قالوا ويؤيد الجمع أيضا ما وقع في سياق
حديث البراء عند النسائي فإنه أخرجه من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق نحو رواية إسرائيل
وفيه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو أني حملت على القوم فقاتلت حتى أقتل أكان خيرا لي
ولم أصل صلاة قال نعم ونحوه لسعيد بن منصور من وجه آخر عن أبي إسحاق وزاد في أوله أنه قال
أخير لي أن أسلم قال نعم فأسلم فإنه موافق لقول أبي هريرة انه دخل الجنة وما صلى لله صلاة وأما
كونه من بني عبد الأشهل ونسب في رواية مسلم إلى بني النبيت فيمكن أن يحمل على أن له في بني
النبيت نسبة ما فإنهم اخوة بني عبد الأشهل يجمعهم الأنساب إلى الأوس (قوله مقنع) بفتح
القاف والنون مشددة وهو كناية عن تغطية وجهه بآلة الحرب (قوله وأجر كثيرا) بالضم على
البناء أي أجر أجرا كثيرا وفي هذا الحديث أن الاجر الكثير قد يحصل بالعمل اليسير فضلا من
الله واحسانا (قوله باب من أتاه سهم غرب) بتنوين سهم وبفتح المعجمة وسكون الراء
بعدها موحدة هذا هو الأشهر وسيأتي بيان الخلاف فيه (قوله حدثنا محمد بن عبد الله) جزم
الكلاباذي وتبعه غير واحد بأنه الذهلي وهو محمد بن يحيى بن عبد الله نسبه البخاري إلى جده ووقع
في رواية أبي علي بن السكن حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد
الراء فإن لم يكن ابن السكن نسبه من قبل نفسه والا فما قاله هو المعتمد وقد أخرجه بن خزيمة في
19

التوحيد من صحيحه عن محمد بن يحيى الذهلي عن حسين بن محمد وهو المروزي بهذا الاسناد (قوله إن
أم الربيع بنت البراء) كذا لجميع رواة البخاري وقال بعد ذلك وهي أم حارثة بن سراقة وهذا
الثاني هو المعتمد والأول وهم نبه عليه غير واحد من آخرهم الدمياطي فقال قوله أم الربيع بنت
البراء وهم وانما هي الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن عمرو وقد تقدم
ذكر قتل أخيها أنس بن النضر وذكرها في آخر حديثه قريبا وهي أم حارثة بن سراقة بن الحرث
ابن عدي من بني عدي بن النجار ذكره ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما فيمن شهد بدرا
واتفقوا على أنه رماه حبان بكسر المهملة بعدها موحدة ثقيلة بن العرقة بفتح المهملة وكسر
الراء بعدها قاف وهو على حوض فأصاب نحره فمات (قلت) ووقع في رواية ابن خزيمة المذكورة
أن الربيع بنت البراء بحذف أم فهذا أشبه بالصواب لكن ليس في نسب الربيع بنت النضر
أحد اسمه البراء فلعله كان فيه الربيع عمة البراء فان البراء بن مالك أخو أنس بن مالك فكل منهما
ابن أخيها أنس بن النضر وقد رواه الترمذي وابن خزيمة أيضا من طريق سعيد بن أبي عروبة
عن قتادة فقال عن أنس أن الربيع بنت النضر أتت النبي صلى الله عليه وسلم وكان ابنها حارثة
ابن سراقة أصيب يوم بدر الحديث ورواه النسائي من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن
أنس قال انطلق حارثة بن عمتي فجاءت عمتي أمه وحكى أبو نعيم الأصبهاني ان الحكم بن عبد الملك
رواه عن قتادة كذلك وقال حارثة بن سراقة قال ابن الأثير في جامع الأصول الذي وقع في كتب
النسب و المغازي وأسماء الصحابة أن أم حارثة هي الربيع بنت النضر عمة أنس وأجاب الكرماني
بأنه لا وهم للبخاري لأنه ليس في رواية النسفي الا الاقتصار على قول أنس ان أم حارثة ابن سراقة
قال فيحمل على أنه كان في رواية الفربري حاشية لبعض الرواة غير صحيحة فألحقت بالمتن انتهى
وقد راجعت أصل النسفي من نسخة ابن عبد البر فوجدتها موافقة لرواية الفربري فالنسخة
التي وقعت للكرماني ناقصة وادعاء الزيادة في مثل هذا الكتاب مردود على قائله والظاهر أن لفظ
أم وبنت وهم كما تقدم توجيهه قريبا والخطب فيه سهل ولا يقدح ذلك في صحة الحديث ولا في ضبط
رواته وقد وقع في رواية سعيد بن أبي عروبة التي ضبط فيها اسم الربيع بنت النضر وهم في اسم
ابنها فسماه الحرث بدل حارثة وقد روى هذا الحديث أبان عن قتادة فقال إن أم حارثة لم ترد
أخرجه أحمد وكذلك أخرجه من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وسيأتي كذلك في المغازي
من طريق حميد عن أنس ثم شرع الكرماني في ابداء احتمالات بعيدة متكلفة لتوجيه الرواية
التي في البخاري فقال يحتمل أن يكون للربيع ابن يسمى الربيع يعني بالتخفيف من زوج آخر غير
سراقة يسمى البراء وأن يكون بنت البراء خبرا لان وضمير هي راجع إلى الربيع وأن يكون بنت
صفة لوالدة الربيع فأطلق الام على الجدة تجوزا وأن تكون إضافة الام إلى الربيع للبيان أي
الام التي هي الربيع وبنت مصحف من عمة قال وارتكاب بعض هذه التكلفات أولى من تخطئة
العدول الاثبات (قلت) انما اختار البخاري رواية شيبان على رواية سعيد لتصريح شيبان في
روايته بتحديث أنس لقتادة وللبخاري حرص على مثل ذلك إذا وقعت الرواية عن مدلس أو معاصر
وقد قال هو في تسمية من شهد بدرا وحارثة ابن الربيع وهو حارثة بن سراقة فلم يعتمد على ما وقع في
رواية شيبان أنه حارثة ابن أم الربيع بل جزم بالصواب والربيع أمه وسراقة أبوه (قوله أصابه
20

سهم غرب) أي لا يعرف راميه أو لا يعرف من أين أتى أو جاء على غير قصد من راميه قاله أبو عبيد
وغيره والثابت في الرواية بالتنوين وسكون الراء وأنكره بن قتيبة فقال كذا تقوله العامة
والأجود فتح الراء والإضافة وحكى الهروي عن ابن زيد ان جاء من حيث لا يعرف فهو بالتنوين
والاسكان وان عرف راميه لكن أصاب من لم يقصد فهو بالإضافة وفتح الراء قال وذكره الأزهري
بفتح الراء لا غير وحكى بن دريد وابن فارس والقزاز وصاحب المنتهى وغيرهم الوجهين مطلقا وقال
ابن سيده أصابه سهم غرب وغرب إذا لم يدر من رماه وقيل إذا أتاه من حيث لا يدري وقيل إذا قصد
غيره فأصابه قال وقد يوصف به (قلت) فحصلنا من هذا على أربعة أوجه وقصة حارثة منزلة على
الثاني فان الذي رماه قصد غرته فرماه وحارثة لا يشعر به وقد وقع في رواية ثابت عند أحمد أن حارثة
خرج نظارا زاد النسائي من هذا الوجه ما خرج لقتال (قوله اجتهدت عليه في البكاء) قال الخطابي
أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على هذا أي فيؤخذ منه الجواز (قلت) كان ذلك قبل تحريم
النوح فلا دلالة فيه فان تحريمه كان عقب غزوة أحد وهذه القصة كانت عقب غزوة بدر ووقع
في رواية سعيد بن أبي عروبة اجتهدت في الدعاء بدل قوله في البكاء وهو خطأ ووقع ذلك في بعض
النسخ دون بعض ووقع في رواية حميد الآتية في صفة الجنة من الرقاق وعند النسائي فإن كان
في الجنة لم أبك عليه وهو دال على صحة الرواية بلفظ البكاء وقال في رواية حميد هذه والا فسترى
ما أصنع ونحوه في رواية حماد عن ثابت عند أحمد (قوله إنها جنان في الجنة) كذا هنا وفي رواية
سعيد بن أبي عروبة انها جنان في جنة وفي رواية أبان عند أحمد انها جنان كثيرة في جنة وفي رواية
حميد المذكورة انها جنان كثيرة فقط والضمير في قوله إنها جنان يفسره ما بعده وهو كقولهم هي
العرب تقول ما شاءت والقصد بذلك التفخيم والتعظيم ومضى الكلام على الفردوس قريبا
(قوله باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا) أي فضله أو الجواب محذوف
تقديره فهو المعتبر (قوله عن عمرو) هو ابن مرة (قوله عن أبي وائل عن أبي موسى) في رواية
غندر عن شعبة في فرض الخمس سمعت أبا وائل حدثنا أبو موسى (قوله جاء رجل) في رواية غندر
المذكورة قال أعرابي وهذا يدل على وهم ما وقع عند الطبراني من وجه آخر عن أبي موسى أنه قال
يا رسول الله فذكره فان أبا موسى وان جاز ان يبهم نفسه لكن لا يصفها بكونه أعرابيا وهذا
الأعرابي يصلح أن يفسر بلاحق بن ضميرة وحديثه عند أبي موسى المديني في الصحابة من طريق
عفير بن معدان سمعت لاحق بن ضميرة الباهلي قال وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم فسألته
عن الرجل يلتمس الاجر والذكر فقال لا شئ له الحديث وفي اسناده ضعف وروينا في فوائد أبي بكر
ابن أبي الحديد باسناد ضعيف عن معاذ بن جبل أنه قال يا رسول الله كل بني سلمة يقاتل فمنهم من
يقاتل رياء الحديث فلو صح لاحتمل أن يكون معاذ أيضا سأل عما سأل عنه الأعرابي لان سؤال
معاذ خاص وسؤال الأعرابي عام ومعاذ أيضا لا يقال له أعرابي فيحمل على التعدد (قوله الرجل
يقاتل للمغنم) في رواية منصور عن أبي وائل الماضية في العلم فقال ما القتال في سبيل الله فان أحدنا
يقاتل (قوله والرجل يقاتل للذكر) أي ليذكر بين الناس ويشتهر بالشجاعة وهي رواية الأعمش
عن أبي وائل الآتية في التوحيد حيث قال ويقاتل شجاعة (قوله والرجل يقاتل ليرى مكانه)
في رواية الأعمش ويقاتل رياء فمرجع الذي قبله إلى السمعة ومرجع هذا إلى الرياء وكلاهما مذموم
21

وزاد في رواية منصور والأعمش ويقاتل حمية أي لمن يقاتل لأجله من أهل أو عشيرة أو صاحب
وزاد في رواية منصور ويقاتل غضبا أي لأجل حظ نفسه ويحتمل أن يفسر القتال للحمية بدفع
المضرة والقتال غضبا بجلب المنفعة فالحاصل من رواياتهم أن القتال يقع بسبب خمسة أشياء
طلب المغنم واظهار الشجاعة والرياء والحمية والغضب وكل منها يتناوله المدح والذم فلهذا لم
يحصل الجواب بالاثبات ولا بالنفي (قوله من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)
المراد بكلمة الله دعوة الله إلى الاسلام ويحتمل أن يكون المراد أنه لا يكون في سبيل الله الا من
كان سبب قتاله طلب اعلاء كلمة الله فقط بمعنى أنه لو أضاف إلى ذلك سببا من الأسباب المذكورة
أخل بذلك ويحتمل أن لا يخل إذا حصل ضمنا لا أصلا ومقصودا وبذلك صرح الطبري فقال إذا
كان أصل الباعث هو الأول لا يضره ما عرض له بعد ذلك وبذلك قال الجمهور لكن روى أبو داود
والنسائي من حديث أبي أمامة باسناد جيد قال جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس
الاجر والذكر ماله قال لا شئ له فأعادها ثلاثا كل ذلك يقول لا شئ له ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ان الله لا يقبل من العمل الا ما كان له خالصا وابتغى به وجهه ويمكن أن يحمل هذا على من
قصد الامرين معا على حد واحد فلا يخالف المرجح أولا فتصير المراتب خمسا أن يقصد الشيئين
معا أو يقصد أحدهما صرفا أو يقصد أحدهما ويحصل الآخر ضمنا فالمحذور أن يقصد غير
الاعلاء فقد يحصل الاعلاء ضمنا وقد لا يحصل ويدخل تحته مرتبتان وهذا ما دل عليه حديث
أبي موسى ودونه أن يقصدهما معا فهو محذور أيضا على ما دل عليه حديث أبي أمامة والمطلوب
أن يقصد الاعلاء صرفا وقد يحصل غير الاعلاء وقد لا يحصل ففيه مرتبتان أيضا قال ابن أبي
جمرة ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد اعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه
انتهى ويدل على أن دخول غير الاعلاء ضمنا لا يقدح في الاعلاء إذا كان الاعلاء هو الباعث
الأصلي ما رواه أبو داود باسناد حسن عن عبد الله بن حوالة قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم على أقدامنا لنغنم فرجعنا ولم نغنم شيئا فقال اللهم لا تكلهم إلي الحديث وفي إجابة النبي صلى
الله عليه وسلم بما ذكر غاية البلاغة والايجاز وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم لأنه لو أجابه
بأن جميع ما ذكره ليس في سبيل الله احتمل أن يكون ما عدا ذلك كله في سبيل الله وليس كذلك
فعدل إلى لفظ جامع عدل به عن الجواب عن ماهية القتال إلى حال المقاتل فتضمن الجواب
وزيادة ويحتمل أن يكون الضمير في قوله فهو راجعا إلى القتال الذي في ضمن قاتل أي فقتاله قتال
في سبيل الله واشتمل طلب اعلاء كلمة الله على طلب رضاه وطلب ثوابه وطلب دحض أعدائه
وكلها متلازمة والحاصل مما ذكر أن القتال منشؤه القوة العقلية والقوة الغضبية والقوة
الشهوانية ولا يكون في سبيل الله الا الأول وقال ابن بطال انما عدل النبي صلى الله عليه وسلم
عن لفظ جواب السائل لان الغضب والحمية قد يكونان لله فعدل النبي صلى الله عليه وسلم عن
ذلك إلى لفظ جامع فأفاد دفع الالباس وزيادة الافهام وفيه بيان أن الأعمال انما تحتسب بالنية
الصالحة وأن الفضل الذي ورد في المجاهد يختص بمن ذكر وقد تقدم بعض مباحثه في أواخر كتاب
العلم وفيه جواز السؤال عن العلة وتقدم العلم على العمل وفيه ذم الحرص على الدنيا وعلى
القتال لحظ النفس في غير الطاعة (قوله باب من اغبرت قدماه في سبيل الله) أي
22

بيان ماله من الفضل (قوله وقول الله عز وجل ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن
يتخلفوا عن رسول الله إلى قوله إن الله لا يضيع أجر المحسنين) قال ابن بطال مناسبة الآية للترجمة
انه سبحانه وتعالى قال في الآية ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار وفي الآية الا كتب لهم به عمل
صالح قال ففسر صلى الله عليه وسلم العمل الصالح ان النار لا تمس من عمل بذلك قال والمراد
في سبيل الله جميع طاعاته انتهى وهو كما قال الا أن المتبادر عند الاطلاق من لفظ سبيل الله
الجهاد وقد أورده المصنف في فضل المشي إلى الجمعة استعمالا للفظ في عمومه ولفظه هناك حرمه
الله على النار وقال ابن المنير مطابقة الآية من جهة أن الله أثابهم بخطواتهم وان لم يباشروا
قتالا وكذلك دل الحديث على أن من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار سواء باشر قتالا
أم لا انتهى ومن تمام المناسبة ان الوطء يتضمن المشي المؤثر لتغيير القدم ولا سيما في ذلك الزمان
(قوله حدثنا إسحاق قال أبو علي الجياني نسبه الأصيلي ابن منصور (قلت) وأخرجه الإسماعيلي
من طريق إسحاق بن زيد الخطابي نزيل حران عن محمد بن المبارك المذكور لكن زاد في آخر المتن
قوله فتمسهما النار أبدا فالظاهر أنه ابن منصور ويؤيده أن أبا نعيم أخرجه من طريق الحسن بن
سفيان عن إسحاق بن منصور ويزيد المذكور في الاسناد بالزاي وعباية بفتح المهملة وأبو عبس
بسكون الموحدة هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة (قوله ما اغبرتا) كذا في رواية المستملي
بالتثنية وهو لغة وللباقين ما اغبرت وهو الأفصح زاد أحمد من حديث أبي هريرة ساعة من نهار
وقوله فتمسه النار بالنصب والمعنى ان المس ينتفي بوجود الغبار المذكور وفي ذلك إشارة إلى عظيم
قدر التصرف في سبيل الله فإذا كان مجرد مس الغبار للقدم يحرم عليها النار فكيف بمن سعى وبذل
جهده واستنفذ وسعه وللحديث شواهد منها ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء
مرفوعا من اغبرت قدماه في سبيل الله باعد الله منه النار مسيرة ألف عام للراكب المستعجل
وأخرج ابن حبان من حديث جابر أنه كان في غزاة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول فذكر نحو حديث الباب قال فتواثب الناس عن دوابهم فما رؤى أكثر ماشيا من ذلك
اليوم (قوله باب مسح الغبار عن الرأس في سبيل الله) قال ابن المنير ترجم بهذا
وبالذي بعده دفعا لتوهم كراهية غسل الغبار ومسحه لكونه من جملة آثار الجهاد كما كره بعض
السلف المسح بعد الوضوء (قلت) والفرق بينهما من جهة أن التنظيف مطلوب شرعا والغبار أثر
الجهاد وإذا انقضى فلا معنى لبقاء أثره وأما الوضوء فالمقصود به الصلاة فاستحب بقاء أثره حتى
يحصل المقصود فافترق المسحان ثم أورد حديث أبي سعيد في قصة عمار في بناء المسجد وقد تقدم
الكلام عليه مستوفى في باب التعاون في بناء المسجد في أوائل الصلاة وفيه ما يتعلق بقوله فأتيناه
وهو وأخوه في حائط لهما والمراد منه هنا قوله ومر به النبي صلى الله عليه وسلم فمسح عن رأسه
الغبار (قوله باب الغسل بعد الحرب والغبار) تقدم توجيهه في الباب الذي قبله
وذكر فيه حديث عائشة في اغتساله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الخندق وسيأتي الكلام عليه
مستوفى في المغازي وقوله في هذه الرواية ووضع أي السلاح وصرح بذلك في رواية الأصيلي
وغيره (قوله حدثنا محمد) كذا للأكثر ونسبه أبو ذر فقال ابن سلام وقوله عصب بفتح المهملتين
23

والتخفيف أي أحاط به فصار عليه مثل العصابة (قوله باب فضل قول الله تعالى
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون إلى قوله وان الله لا يضيع
أجر المؤمنين) كذا لأبي ذر وساق الأصيلي وكريمة الآيتين ومعنى قوله فضل قول الله أي فضل
من ورد فيه قول الله وقد حذف الإسماعيلي لفظ فضل من الترجمة ثم ذكر فيه حديثين أحدهما
حديث أنس في قصة الذين قتلوا في بئر معونة أوردها مختصرة وستأتي بتمامها في المغازي وأشار
بايراد الآية إلى ما ورد في بعض طرقه كما سأذكره هناك في آخره عند قوله فأنزل فيهم بلغوا قومنا أنا
قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه زاد عمر بن يونس عن إسحاق بن أبي طلحة فيه فنسخ بعد ما قرأناه
زمانا وأنزل الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله الآية ثانيهما حديث جابر اصطبح
ناس الخمر يوم أحد ثم قتلوا شهداء سيأتي في المغازي أن والد جابر كان من جملة من أشار إليهم قال
ابن المنير مطابقته للترجمة فيه عسر الا أن يكون مراده أن الخمر التي شربوها يومئذ لم تضرهم
لان الله عز وجل أثنى عليهم بعد موتهم ورفع عنهم الخوف والحزن وانما كان ذلك لأنها كانت
يومئذ مباحة (قلت) ويمكن أن يكون أورده للإشارة إلى أحد الأقوال في سبب نزول الآية
المترجم بها فقد روى الترمذي من حديث جابر أيضا أن الله لما كلم والد جابر وتمنى أن يرجع إلى
الدنيا ثم قال يا رب بلغ من ورائي فأنزل الله ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله الآية (قوله فقيل
لسفيان من آخر ذلك اليوم قال ليس هذا فيه) أي ان في الحديث فقتلوا شهداء من آخر ذلك اليوم
فأنكر ذلك سفيان وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق القواريري عن سفيان بهذه الزيادة
ولكن بلفظ اصطبح قوم الخمر أول النهار وقتلوا آخر النهار شهداء فلعل سفيان كان نسيه ثم تذكر
وقد أخرجه المصنف في المغازي عن عبد الله بن محمد عن سفيان بدون الزيادة وأخرجه في تفسير
المائدة عن صدقة بن الفضل عن سفيان باثباتها وسيأتي بقية شرحه في كتاب المغازي إن شاء الله
تعالى (قوله باب ظل الملائكة على الشهيد) ذكر فيه حديث جابر في قصة قتل أبيه
وسيأتي بيانه في غزوة أحد وهو ظاهر فيما ترجم له وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الجنائز (قوله
قلت لصدقة) القائل هو المصنف وصدقة هو ابن الفضل شيخه فيه وقد تقدم في الجنائز عن علي
ابن عبد الله وهو ابن المديني عن سفيان وفي آخره حتى رفع وكذلك رواه الحميدي وجماعة عن
سفيان (قوله باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا) أورد فيه حديث قتادة سمعت أنس
ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا الحديث وقد
ورد بلفظ التمني وذلك فيما أخرجه النسائي والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول الله تعالى يا ابن آدم كيف
وجدت منزلك فيقول أي رب خير منزل فيقول سل وتمنه فيقول ما أسألك وأتمنى ان تردني
إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات لما رأى من فضل الشهادة الحديث ولمسلم من حديث
ابن مسعود رفعه في الشهداء قال فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال هل تشتهون شيئا قالوا نريد أن
ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى ولابن أبي شيبة من مرسل سعيد بن
24

جبير أن المخاطب بذلك حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وللترمذي وحسنه والحاكم وصححه من
حديث جابر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبرك ما قال الله لأبيك قال يا عبد الله
تمن علي أعطك قال يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية قال إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قول
شعبة في الاسناد (سمعت قتادة) في رواية أبي خالد الأحمر عن شعبة عن قتادة وحميد كلاهما
عن أنس أخرجه مسلم (قوله ما أحد) في رواية أبي خالد ما من نفس (قوله يدخل الجنة) في
رواية أبي خالد لها عند الله خير (قوله وله ما على الأرض من شئ) في رواية أبي خالد وأن لها
الدنيا وما فيها (قوله لما يرى من الكرامة) في رواية أبي خالد لما يرى من فضل الشهادة ولم يقل
عشر مرات وكأن أبا خالد ساقه على لفظ حميد والله أعلم قال ابن بطال هذا الحديث أجل ما جاء
في فضل الشهادة قال وليس في أعمال البر ما تبذل فيه النفس غير الجهاد فلذلك عظم فيه الثواب
(قوله باب الجنة تحت بارقة السيوف) هو من إضافة الصفة إلى الموصوف وقد
تطلق البارقة ويراد بها نفس السيف فتكون الإضافة بيانية وقد أورده بلفظ تحت ظلال
السيوف وكأنه أشار بالترجمة إلى حديث عمار بن ياسر فأخرج الطبراني باسناد صحيح عن عمار
ابن ياسر أنه قال يوم صفين الجنة تحت الابارقة كذا وقع فيه والصواب البارقة وهي السيوف
اللامعة وكذا وقع على الصواب في ترجمة عمار من طبقات ابن سعد وروى سعيد بن منصور
باسناد رجاله ثقات من مرسل أبي عبد الرحمن الحبلي مرفوعا الجنة تحت الابارقة ويمكن تخريجه
على ما قاله الخطابي الابارقة جمع إبريق وسمي السيف ابريقا فهو افعيل من البريق ويقال أبرق
الرجل بسيفه إذا لمع به والبارقة اللمعان قال ابن المنير كان البخاري أراد أن السيوف لما كانت
لها بارقة كان لها أيضا ظل قال القرطبي وهو من الكلام النفيس الجامع الموجز المشتمل على
ضروب من البلاغة مع الوجازة وعذوبة اللفظ فإنه أفاد الحض على الجهاد والاخبار بالثواب
عليه والحض على مقاربة العدو واستعمال السيوف والاجتماع حين الزحف حتى تصير
السيوف تظل المتقاتلين وقال ابن الجوزي المراد أن الجنة تحصل بالجهاد والظلال جمع ظل
وإذا تدانى الخصمان صار كل منهما تحت ظل سيف صاحبه لحرصه على رفعه عليه ولا يكون
ذلك إلا عند التحام القتال (قوله وقال المغيرة الخ) هو طرف من حديث طويل وصله المصنف
بتمامه في الجزية وقوله هنا عن رسالة ربنا ثبت للكشميهني وحده وهو كذلك في الطريق
الموصولة ويحتمل أن يكون حذف هنا اختصارا (قوله وقال عمر الخ) هو طرف من حديث
سهل بن حنيف في قصة عمرة الحديبية وسيأتي بتمامه موصولا في المغازي وتقدمت الإشارة
إليه في الشروط (قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو الجعفي وأبو اسحق هو الفزاري وعمر بن
عبيد الله أي ابن معمر هو التيمي وكان أميرا على حرب الخوارج (قوله وكان كاتبه) أي ان سالما
كان كاتب عبد الله بن أبي أوفى (قال كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى) الضمير لعمر بن عبيد الله
قال الدارقطني في التتبع أخرجا حديث موسى بن عقبة عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله
قال كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى فقرأته الحديث قال وأبو النضر لم يسمع من ابن أبي أوفى فهو
حجة في رواية المكاتبة وتعقب بأن شرط الرواية بالمكاتبة عند أهل الحديث أن تكون الرواية
صادرة إلى المكتوب إليه وابن أبي أوفى لم يكتب إلى سالم انما كتب إلى عمر بن عبيد الله فعلى هذا
25

تكون رواية سالم له عن عبد الله بن أبي أوفى من صور الوجادة ويمكن أن يقال الظاهر أنه من
رواية سالم عن مولاه عمر بن عبيد الله بقراءته عليه لأنه كان كاتبه أبي عن عبد الله بن أبي أوفى انه
كتب إليه فيصير حينئذ من صور المكاتبة وفيه تعقب على من صنف في رجال الصحيحين فإنهم لم
يذكروا لعمر بن عبيد الله ترجمة وقد ذكره ابن أبي حاتم وذكر له رواية عن بعض التابعين ولم يذكر
فيه جرحا (قوله واعلموا ان الجنة) هكذا أورده هنا مختصرا وذكر طرفا منه أيضا بهذا الاسناد بعد
أبواب في باب الصبر عند القتال وأخرجه بعد أبواب كثيرة في باب تأخير القتال حتى تزول الشمس
بهذا الاسناد مطولا ثم أخرجه بعد أبواب أيضا مطولا من وجه آخر في النهي عن تمني لقاء العدو
ويأتي الكلام على شرحه هناك إن شاء الله تعالى (قوله تابعه الأويسي عن ابن أبي الزناد عن
موسى بن عقبة) قلت الأويسي هو عبد العزيز بن عبد الله أحد شيوخ البخاري وقد حدث
عنه بهذا الحديث موصولا خارج الصحيح ورويناه في كتاب الجهاد لابن أبي عاصم قال حدثنا
محمد بن إسماعيل البخاري به وقد رواه عمر بن شبة عن الأويسي فبين ان ذلك كان يوم الخندق
قال المهلب في هذه الأحاديث جواز القول بأن قتلى المسلمين في الجنة لكن على الاجمال لا على
التعيين (قوله باب من طلب الولد للجهاد) أي ينوي عند المجامعة حصول الولد
ليجاهد في سبيل الله فيحصل له بذلك أجر وان لم يقع ذلك (قوله وقال الليث الخ) وصله أبو نعيم في
المستخرج من طريق يحيى بن بكير عن الليث بهذا الاسناد وسيأتي الكلام عليه في كتاب الأيمان
والنذور إن شاء الله تعالى ثم تعجلت فشرحته في ترجمة سليمان (قوله باب الشجاعة
في الحرب والجبن) أي مدح الشجاعة وذم الجبن والجبن بضم الجيم وسكون الموحدة ضد
الشجاعة وأورد فيه حديثين أحدهما عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع
الناس وسيأتي شرحه بعد عشرين بابا ومضى بعض شرحه في آخر الهبة وقوله وجدناه بحرا
أي واسع الجري ثانيهما حديث جبير بن مطعم في مقفله صلى الله عليه وسلم من حنين والغرض
منه قوله في آخره ثم لا تجدونني بخيلا ولا جبانا وسيأتي شرحه في كتاب فرض الخمس وعمر بن محمد
ابن جبير بن مطعم لم يرو عنه غير الزهري وقد وثقه النسائي وهذا مثال للرد على من زعم أن شرط
البخاري ان لا يروي الحديث الذي يخرجه أقل من اثنين عن أقل من اثنين فان هذا الحديث
ما رواه عن محمد بن جبير غير ولده عمر ثم ما رواه عن عمر غير الزهري هذا مع تفرد الزهري بالرواية
عن عمر مطلقا وقد سمع الزهري من محمد بن جبير أحاديث وكانه لم يسمع هذا منه فحمله عن ولده
والله أعلم وقوله فيه مقفله بفتح الميم وسكون القاف وفتح الفاء وباللام يعني زمان رجوعه وقوله
فعلقت بفتح العين وكسر اللام الخفيفة بعدها قاف وفي رواية الكشميهني فطفقت وهو بوزنه
ومعناه وقوله اضطروه إلى سمرة أي ألجؤه والى شجرة من شجر البادية ذات شوك وقوله فخطفت
بكسر الطاء وقوله العضاه بكسر المهملة بعدها معجمة خفيفة وفي آخره هاء هو شجر ذو شوك يقرأ
في الوصل وفي الوقف بالهاء وقوله نعم بفتح النون والعين كذا لأبي ذر بالرفع على أنه اسم كان وعدد
بالنصب خبر مقدم ولغيره نعما بالنصب اما على التمييز واما على أنه الخبر وعدد هو الاسم والله أعلم
26

(قوله باب ما يتعوذ من الجبن) كذا للجميع بضم أول يتعوذ على البناء للمجهول
وذكر فيه حديثين أحدهما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص في التعوذ من الجبن وغيره وسيأتي
شرحه في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وقوله في آخره فحدثت به مصعبا فصدقه قائل ذلك
هو عبد الملك بن عمير ومصعب هو ابن سعد بن أبي وقاص وأغرب المزي فقال في الأطراف في
رواية عمرو بن ميمون هذه عن سعد لم يذكر البخاري مصعبا وذكره النسائي كذا قال وهو ثابت
عند البخاري في جميع الروايات وقوله في أوله كان سعد يعلم بنيه لم أقف على تعيينهم وقد ذكر محمد
ابن سعد في الطبقات أولاد سعد فذكر من الذكور أربعة عشر نفسا ومن الأثاث سبع عشرة
وروى عنه الحديث منهم خمسة عامر ومحمد ومصعب وعائشة وعمر ثانيهما حديث أنس بن
مالك في التعوذ من العجز والكسل وغيرهما وسيأتي شرحه أيضا في الدعوات والفرق بين العجز
والكسل ان الكسل ترك الشئ مع القدرة على الاخذ في عمله والعجز عدم القدرة (قوله
باب من حدث بمشاهده في الحرب قاله أبو عثمان) أي النهدي (عن سعد) أي ابن
أبي وقاص وأشار بذلك إلى ما سيأتي موصولا في المغازي عن أبي عثمان عن سعد اني أول من
رمى بسهم في سبيل الله والى ما سيأتي أيضا موصولا في فضل طلحة عن أبي عثمان لم يبق مع النبي
صلى الله عليه وسلم في تلك الأيام التي قاتل فيها غير طلحة وسعد عن حديثهما أي انهما حدثاه بذلك
(قوله حدثنا حاتم) هو ابن إسماعيل ومحمد بن يوسف هو الكندي وهو سبط للسائب المذكور
والسائب صحابي صغير ابن صحابيين والاسناد كله مدنيون الا قتيبة (قوله وسعدا) أي ابن أبي
وقاص (قوله فما سمعت أحدا منهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية يحيى بن
سعيد الأنصاري عن السائب صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة فما سمعته يحدث عن النبي
صلى الله عليه وسلم بحديث واحد أخرجه ابن ماجة وسعد بن مالك هو ابن أبي وقاص وأخرجه
آدم بن أبي اياس في العلم له من هذا الوجه فقال فيه صحبت سعدا كذا وكذا سنة (قوله الا أني
سمعت طلحة يحدث عن يوم أحد) لم يعين ما حدث به من ذلك وقد أخرج أبو يعلى من طريق يزيد
ابن خصيفة عن السائب بن يزيد عمن حدثه عن طلحة انه ظاهر بين ذرعين يوم أحد قال ابن
بطال وغيره كان كثير من كبار الصحابة لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية المزيد
والنقصان وقد تقدم بيان ذلك في العلم وأما تحديث طلحة فهو جائز إذا أمن الرياء والعجب
ويترقى إلى الاستحباب إذا كان هناك من يقتدي بفعله (قوله باب وجوب
النفير) بفتح النون وكسر الفاء أي الخروج إلى قتال الكفار وأصل النفير مفارقة مكان إلى
مكان لأمر حرك ذلك (قوله وما يجب من الجهاد والنية) أي وبيان القدر الواجب من الجهاد
ومشروعية النية في ذلك وللناس في الجهاد حالان إحداهما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
والاخرى بعده فأما الأولى فأول ما شرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة اتفاقا ثم بعد
ان شرع هل كان فرض عين أو كفاية قولان مشهوران للعلماء وهما في مذهب الشافعي وقال
الماوردي كان عينا على المهاجرين دون غيرهم ويؤيده وجوب الهجرة قبل الفتح في حق كل
من أسلم إلى المدينة لنصر الاسلام وقال السهيلي كان عينا على الأنصار دون غيرهم ويؤيده
مبايعتهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة على أن يؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
27

وينصروه فيخرج من قولهما انه كان عينا على الطائفتين كفاية في حق غيرهم ومع ذلك فليس في
حق الطائفتين على التعميم بل في حق الأنصار إذا طرق المدينة طارق وفي حق المهاجرين إذا
أريد قتال أحد من الكفار ابتداء ويؤيد هذا ما وقع في قصة بدر فيما ذكره ابن إسحاق فإنه
كالصريح في ذلك وقيل كان عينا في الغزوة التي يخرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها
والتحقيق انه كان عينا على من عينه النبي صلى الله عليه وسلم في حقه ولو لم يخرج الحال الثاني
بعده صلى الله عليه وسلم فهو فرض كفاية على المشهور الا أن تدعو الحاجة إليه كأن يدهم العدو
ويتعين على من عينه الامام ويتأدى فرض الكفاية بفعله في السنة مرة عند الجمهور ومن حجتهم
ان الجزية تجب بدلا عنه ولا تجب في السنة أكثر من مرة اتفاقا فليكن بدلها كذلك وقيل يجب
كلما أمكن وهو قوي والذي يظهر أنه استمر على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن
تكاملت فتوح معظم البلاد وانتشر الاسلام في أقطار الأرض ثم صار إلى ما تقدم ذكره
والتحقيق أيضا ان جنس جهاد الكفار متعين على كل مسلم اما بيده واما بلسانه واما بماله واما
بقلبه والله أعلم (قوله وقول الله عز وجل انفروا خفافا وثقالا الآية) هذه الآية متأخرة عن
التي بعدها والامر فيها مقيد بما قبلها لأنه تعالى عاتب المؤمنين الذين يتأخرون بعد الامر بالنفير ثم
عقب ذلك بان قال انفروا خفافا وثقالا وكان المصنف قدم آية الامر على آية العتاب لعمومها
وقد روى الطبري من رواية أبي الضحى قال أول ما نزل من براءة انفروا خفافا وثقالا وقد فهم
بعض الصحابة من هذا الامر العموم فلم يكونوا يتخلفون عن الغزو حتى ماتوا منهم أبو أيوب
الأنصاري والمقداد بن الأسود وغيرهم ومعنى قوله خفافا وثقالا متأهبين أو غير متأهبين نشاطا
أو غير نشاط وقيل رجالا وركبانا (قوله وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا
في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض الآية) قال الطبري يجوز أن يكون قوله تعالى الا تنفروا يعذبكم
عذابا أليما خاصا والمراد به من استنفره رسول الله صلى الله عليه وسلم فامتنع وأخرج عن الحسن
البصري وعكرمة انها منسوخة بقوله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة ثم تعقب ذلك
والذي يظهر انها مخصوصة وليست بمنسوخة والله أعلم وطريق عكرمة أخرجها أبو داود من
وجه آخر حسن عنه عن ابن عباس (قوله ويذكر عن ابن عباس انفروا ثبات سرايا متفرقين) وصله
الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه بهذا أي اخرجوا سرية بعد سرية أو انفروا جميعا أي
مجتمعين وزعم بعضهم أنها ناسخة لقوله تعالى انفروا خفافا وثقالا والتحقيق أن لا نسخ بل
الرجوع في الآيتين إلى تعيين الامام والى الحاجة إلى ذلك * (تنبيه) * وقع في رواية أبي ذر
والقابسي ثباتا بالألف وهو غلط لا وجه له لأنه جمع ثبة كما سترى (قوله ويقال واحد الثبات
ثبة) أي بضم المثلثة وتخفيف الموحدة بعدها هاء تأنيث وهو قول أبي عبيدة في المجاز وزاد
ومعناها جماعات في تفرقة ويؤيده قوله بعده أو انفروا جميعا قال وقد يجمع ثبة على ثبين وقال
النحاس ليس من هذا ثبة الحوض وهو وسطه سمي بذلك لأن الماء يثوب إليه أي يرجع إليه
ويجتمع فيه لأنها من ثاب يثوب وتصغيرها ثويبة وثبة بمعنى الجماعة من ثبا يثبو وتصغيرها ثبية
والله أعلم (قوله لا هجرة بعد الفتح) أي فتح مكة قال الخطابي وغيره كانت الهجرة فرضا في أول
الاسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع فلما فتح الله مكة دخل الناس في
28

دين الله أفواجا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل
به عدو انتهى وكانت الحكمة أيضا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من
الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه وفيهم نزلت ان الذين توفاهم
الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله
واسعة فتهاجروا فيها الآية وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على
الخروج منها وقد روى النسائي من طريق بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعا
لا يقبل الله من مشرك عملا بعدما أسلم أو يفارق المشركين ولأبي داود من حديث سمرة مرفوعا
أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين وهذا محمول على من لم يأمن على دينه وسيأتي مزيد
لذلك في أبواب الهجرة من أول كتاب المغازي إن شاء الله تعالى (قوله ولكل جهاد نية) قال
الطيبي وغيره هذا الاستدراك يقتضي مخلفة حكم ما بعده لما قبله والمعنى ان الهجرة التي
هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت الا أن المفارقة
بسبب الجهاد باقية وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب
العلم والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك (قوله وإذا استنفرتم فانفروا) قال النووي يريد
ان الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة وإذا أمركم الامام
بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه وقال الطيبي قوله ولكن جهاد
معطوف على محل مدخول ولا هجرة أي الهجرة من الوطن اما للفرار من الكفار أو إلى الجهاد
أو إلى غير ذلك كطلب العلم فانقطعت الأولى وبقي الأخريان فاغتنموهما ولا تقاعدوا عنهما بل إذا
استنفرتم فانفروا قلت وليس الامر في انقطاع الهجرة من الفرار من الكفار على ما قال وقد
تقدم تحرير ذلك وقال ابن العربي الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الاسلام وكانت
فرضا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واستمرت بعده لمن خاف على نفسه والتي انقطعت أصلا هي
القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان وفي الحديث بشارة بأن مكة تبقى دار اسلام
أبدا وفيه وجوب تعيين الخروج في الغزو على من عينه الامام وان الأعمال تعتبر بالنيات
* (تكملة) * قال ابن أبي جمرة ما محصله ان هذا الحديث يمكن تنزيله على أحوال السالك لأنه
أولا يؤمر بهجرة مألوفاته حتى يحصل له الفتح فإذا لم يحصل له أمر بالجهاد وهو مجاهدة النفس
والشيطان مع النية الصالحة في ذلك (قوله باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم)
أي القاتل فيسدد بعد أي يعيش على سداد أي استقامة في الدين (قوله ويقتل) في رواية النسفي
أو يقتل وعليها اقتصر ابن بطال والإسماعيلي وهي أليق بمراد المصنف قال ابن المنير في الترجمة
فيسدد والذي وقع في الحديث فيستشهد وكانه نبه بذلك على أن الشهادة ذكرت للتنبيه على وجوه
التسديد وان كل تسديد كذلك وإن كانت الشهادة أفضل لكن دخول الجنة لا يختص بالشهيد
فجعل المصنف الترجمة كالشرح لمعنى الحديث (قلت) ويظهر لي ان البخاري أشار في الترجمة
إلى ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا لا يجتمعان في النار
مسلم قتل كافرا ثم سدد المسلم وقارب الحديث (قوله عن أبي الزناد) كذا هو في الموطأ ولمالك
فيه اسناد آخر رواه أيضا عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس أخرجه الدارقطني (قوله يضحك الله
29

إلى رجلين) في رواية النسائي من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد ان الله يعجب من رجلين قال
الخطابي الضحك الذي يعتري البشر عندما يستخفهم الفرح أو الطرب غير جائز على الله تعالى
وانما هذا مثل ضرب لهذا الصنيع الذي يحل محل الاعجاب عند البشر فإذا رأوه أضحكهم
ومعناه الاخبار عن رضا الله بفعل أحدهما وقبوله للآخر ومجازاتهما على صنيعهما بالجنة مع
اختلاف حاليهما قال وقد تأول البخاري الضحك في موضع آخر على معنى الرحمة وهو قريب
وتأويله على معنى الرضا أقرب فان الضحك يدل على الرضا والقبول قال والكرام يوصفون عندما
يسألهم السائل بالبشر وحسن اللقاء فيكون المعنى في قوله يضحك الله أي يجزل العطاء قال
وقد يكون معنى ذلك أن يعجب الله ملائكته ويضحكهم من صنيعهما وهذا يتخرج على
المجاز ومثله في الكلام يكثر وقال ابن الجوزي أكثر السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا ويرونه
كما جاء وينبغي ان يراعى في مثل هذا الامرار اعتقاد انه لا يشبه صفات الله صفات الخلق ومعنى
الامرار عدم العلم بالمراد منه مع اعتقاد التنزيه (قلت) ويدل على أن المراد بالضحك الاقبال
بالرضا تعديته بالى تقول ضحك فلان إلى فلان إذا توجه إليه طلق الوجه مظهرا للرضا عنه (قوله
يدخلان الجنة) زاد مسلم من طريق همام عن أبي هريرة قالوا كيف يا رسول الله (قوله يقاتل
هذا في سبيل الله فيقتل) زاد همام فيلج الجنة قال ابن عبد البر معنى هذا الحديث عند أهل
العلم ان القاتل الأول كان كافرا (قلت) وهو الذي استنبطه البخاري في ترجمته ولكن لا مانع
ان يكون مسلما لعموم قوله ثم يتوب الله على القاتل كما لو قتل مسلم مسلما عمدا بلا شبهة ثم تاب
القاتل واستشهد في سبيل الله وانما يمنع دخول مثل هذا من يذهب إلى أن قاتل المسلم عمدا
لا تقبل له توبة وسيأتي البحث فيه في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى ويؤيد الأول انه وقع في
رواية همام ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الاسلام وأصرح من ذلك ما أخرجه أحمد
من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بلفظ قيل كيف يا رسول الله قال يكون
أحدهما كافرا فيقتل الآخر ثم يسلم فيغزو فيقتل (قوله ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد)
زاد همام فيهديه إلى الاسلام ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد قال ابن عبد البر يستفاد من هذا
الحديث ان كل من قتل في سبيل الله فهو في الجنة (قوله حدثنا الزهري) في رواية علي بن المديني
في المغازي عن سفيان سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية وفي رواية ابن أبي عمر في مسنده عن
سفيان سمعت إسماعيل بن أمية يسأل الزهري (قوله أخبرني عنبسة) بفتح المهملة وسكون النون
(ابن سعيد) أي ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية (قوله عن أبي هريرة) في رواية الزبيدي
عن الزهري التصريح بسماع عنبسة له من أبي هريرة وسيأتي بيان ذلك في المغازي (قوله فقال
بعض بني سعيد بن العاص لا تسهم له) هو أبان بن سعيد كما بينته رواية الزبيدي (قوله فقلت
هذا قاتل ابن قوقل) بقافين وزن جعفر يعني النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بمهملتين وزن
أحمد بن فهم بن ثعلبة بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون بعدها ميم ابن عمرو بن عوف الأنصاري
الأوسي وقوقل لقب ثعلبة وقيل لقب أصرم وقد ينسب النعمان إلى جده فيقال النعمان بن
قوقل وله ذكر في حديث جابر عند مسلم قال جاء النعمان بن قوقل فقال يا رسول الله أرأيت إذا
صليت المكتوبات الحديث وروى البغوي في الصحابة ان النعمان بن قوقل قال يوم أحد
30

أقسمت عليك يا رب أن لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في الجنة فاستشهد ذلك اليوم فقال
النبي صلى الله عليه وسلم لقد رأيته في الجنة وذكر بعض أهل المغازي ان صفوان بن أمية هو الذي
قتله وهو مرجوح بهذا الحديث الذي في البخاري ولعلهما جميعا اشتركا في قتله وسيأتي بقية
شرح حديث أبي هريرة هذا في كتاب المغازي والمراد منه هنا قول أبان أكرمه الله
على يدي ولم يهني على يديه وأراد بذلك ان النعمان استشهد بيد أبان فأكرمه الله بالشهادة ولم يقتل أبان على كفره
فيدخل النار وهو المراد بالإهانة بل عاش أبان حتى تاب وأسلم وكان اسلامه قبل خيبر بعد
الحديبية وقال ذلك الكلام بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأقره عليه وهو موافق لما تضمنته
الترجمة (قوله من قدوم ضأن) قال ابن دقيق العيد وقع للجميع هنا بالنون الا في رواية الهمداني
فباللام وهو الصواب وهو السدر البري قلت وسيأتي في غزوة خيبر بابسط من هذا (قوله فلا
أدري أسهم له أم لم يسهم) سيأتي في غزوة خيبر في آخره فقال له يا أبان اجلس ولم يقسم لهم واحتج
به من قال إن من حضر بعد فراغ الوقعة ولو كان خرج مددا لهم أن لا يشارك من حضرها وهو
قول الجمهور وعند الكوفيين يشاركهم وأجاب عنهم الطحاوي بان النبي صلى الله عليه وسلم
كان أرسل إلى نجد قبل ان يشرع في التجهيز إلى خيبر فلذلك لم يقسم له وأما من أراد الخروج مع
الجيش فعاقه عائق ثم لحقهم فإنه الذي يقسم له كما أسهم النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان وغيره
ممن لم يحضر الوقعة لكن كانوا ممن أراد الخروج معه فعاقهم عن ذلك عوائق شرعية (قوله
قال سفيان) أي ابن عيينة ووقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان وحدثنيه السعيدي
أيضا وفي رواية ابن أبي عمر عن سفيان سمعت السعيدي (قوله وحدثنيه السعيدي) هو معطوف
على قوله حدثنا الزهري وهو موصول بالاسناد الذي قبله (قوله السعيدي هو عمرو إلى آخره) هو
كلام البخاري ووقع لغير أبي ذر قال أبو عبد الله فذكره (قوله باب من اختار
الغزو على الصوم) أي لئلا يضعفه الصوم عن القتال ولا يمتنع ذلك لمن عرف انه لا ينقصه كما سيأتي
بعد ستة أبواب (قوله لا يصوم) في رواية أبي الوليد عند أبي نعيم وعلي بن الجعد كلاهما عن شعبة
عند الإسماعيلي لا يكاد يصوم وفي رواية عاصم بن علي عن شعبة عند الإسماعيلي كان قلما
يصوم فدل على أن النفي في رواية آدم ليس على اطلاقه وقد وافق آدم سليمان بن حرب عند
الإسماعيلي أيضا (قوله الا يوم فطر أو أضحى) أي فكان لا يصومهما والمراد بيوم الأضحى
ما تشرع فيه الأضحية فيدخل أيام التشريق وفي هذه القصة اشعار بان أبا طلحة لم يكن يلازم
الغزو بعد النبي صلى الله عليه وسلم وانما ترك التطوع بالصوم لأجل الغزو خشية أن يضعفه عن
القتال مع أنه في آخر عمره رجع إلى الغزو فروى ابن سعد والحاكم وغيرهما من طريق حماد بن سلمة
عن ثابت عن أنس ان أبا طلحة قرأ انفروا خفافا وثقالا فقال استنفرنا الله شيوخا وشبانا جهزوني
فقال له بنوه نحن نغزو عنك فأبى فجهزوه فغزا في البحر فمات فدفنوه بعد سبعة أيام ولم يتغير قال
المهلب مثل النبي صلى الله عليه وسلم المجاهد بالصائم لا يفطر يعني كما تقدم في أول الجهاد فلذلك
قدمه أبو طلحة على الصوم فلما توطأ الاسلام وعلم أنه صار في سعة أراد أن يأخذ حظه من الصوم
إذ فاته الغزو وفيه انه كان لا يرى بصيام الدهر بأسا * (تنبيه) * وقع عند الحاكم في المستدرك
من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ان أبا طلحة أقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
31

أربعين سنة لا يفطر الا يوم فطر أو أضحى وعلى الحاكم فيه مأخذان أحدهما ان أصله في البخاري
فلا يستدرك ثانيهما ان الزيادة في مقدار حياته بعد النبي صلى الله عليه وسلم غلط فإنه لم يقم
بعده سوى ثلاث أو أربع وعشرين سنة فلعلها كانت أربعا وعشرين فتغيرت (قوله
باب الشهادة سبع سوى القتل) اختلف في سبب تسمية الشهيد شهيدا فقال النضر
ابن شميل لأنه حي فكان أرواحهم شاهدة أي حاضرة وقال ابن الأنباري لان الله وملائكته
يشهدون له بالجنة وقيل لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة وقيل لأنه يشهد له
بالأمان من النار وقيل لان عليه شاهدا بكونه شهيدا وقيل لأنه لا يشهده عند موته الا ملائكة
الرحمة وقيل لأنه الذي يشهد يوم القيامة بابلاغ الرسل وقيل لان الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة
وقيل لان الأنبياء تشهد له بحسن الاتباع لهم وقيل لان الله يشهد له بحسن نيته واخلاصه وقيل
لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره وقيل لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ودار الآخرة
وقيل لأنه مشهود له بالأمان من النار وقيل لان عليه علامة شاهد بأنه قد نجا وبعض هذه يختص
بمن قتل في سبيل الله وبعضها يعم غيره وبعضها قد ينازع فيه وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه
مالك من رواية جابر بن عتيك بفتح المهملة وكسر المثناة بعدها تحتانية ساكنة ثم كاف ان النبي
صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فذكر الحديث وفيه ما تعدون الشهيد فيكم قالوا
من يقتل في سبيل الله وفيه الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله فذكر زيادة على حديث أبي
هريرة الحريق وصاحب ذات الجنب والمرأة تموت بجمع وتوارد مع أبي هريرة في المبطون
والمطعون والغريق وصاحب الهدم فأما صاحب ذات الجنب فهو مرض معروف ويقال له
الشوصة وأما المرأة تموت بجمع فهو بضم الجيم وسكون الميم وقد تفتح الجيم وتكسر أيضا وهي
النفساء وقيل التي يموت ولدها في بطنها ثم تموت بسبب ذلك وقيل التي تموت بمزدلفة وهو خطأ
ظاهر وقيل التي تموت عذراء والأول أشهر (قلت) حديث جابر بن عتيك أخرجه أيضا أبو داود
والنسائي وابن حبان وقد روى مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة شاهدا لحديث جابر
ابن عتيك ولفظه ما تعدون الشهداء فيكم وزاد فيه ونقص فمن زيادته ومن مات في سبيل الله
فهو شهيد ولأحمد من حديث عبادة بن الصامت نحو حديث جابر بن عتيك ولفظه وفي النفساء
يقتلها ولدها جمعا شهادة وله من حديث راشد بن حبيش نحوه وفيه والسل وهو بكسر المهملة
وتشديد اللام وللنسائي من حديث عقبة بن عامر خمس من قبض فيهن فهو شهيد فذكر فيهم
النفساء وروى أصحاب السنن وصححه الترمذي من حديث سعيد بن زيد مرفوعا من قتل دون ماله
فهو شهيد وقال في الدين والدم والاهل مثل ذلك وللنسائي من حديث سويد بن مقرن مرفوعا
من قتل دون مظلمته فهو شهيد قال الإسماعيلي الترجمة مخالفة للحديث وقال ابن بطال لا تخرج
هذه الترجمة من الحديث أصلا وهذا يدل على أنه مات قبل ان يهذب كتابه وأجاب ابن المنير بان
ظاهر كلام ابن بطال ان البخاري أراد أن يدخل حديث جابر بن عتيك فأعجلته المنية عن ذلك
وفيه نظر قال ويحتمل ان يكون أراد التنبيه على أن الشهادة لا تنحصر في القتل بل لها أسباب أخر
وتلك الأسباب اختلفت الأحاديث في عددها ففي بعضها خمسة وفي بعضها سبعة والذي وافق
شرط البخاري الخمسة فنبه بالترجمة على أن العدد الوارد ليس على معنى التحديد انتهى وقال
32

بعض المتأخرين يحتمل ان يكون بعض الرواة يعني رواة الخمسة نسي الباقي (قلت) وهو احتمال
بعيد لكن يقربه ما تقدم من الزيادة في حديث أبي هريرة عند مسلم وكذا وقع لأحمد من وجه آخر
عنه والمجنوب شهيد يعني صاحب ذات الجنب والذي يظهر انه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم
أعلم زيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شئ من ذلك وقد اجتمع لنا من الطرق
الجيدة أكثر من عشرين خصلة فان مجموع ما قدمته مما اشتملت عليه الأحاديث التي ذكرتها
أربع عشرة خصلة وتقدم في باب من ينكب في سبيل الله حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا
من وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه على أي حتف شاء الله تعالى فهو شهيد
وصحح الدارقطني من حديث ابن عمر موت الغريب شهادة ولابن حبان من حديث أبي هريرة
من مات مرابطا مات شهيدا الحديث وللطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا المرء يموت على
فراشه في سبيل الله شهيد وقال ذلك أيضا في المبطون واللديغ والغريق والشريق والذي
يفترسه السبع والخار عن دابته وصاحب الهدم وذات الجنب ولأبي داود من حديث أم حرام
المائد في البحر الذي يصيبه القئ له أجر شهيد وقد تقدمت أحاديث فيمن طلب الشهادة بنية صادقة
انه يكتب شهيدا في باب تمني الشهادة ويأتي في كتاب الطب حديث فيمن صبر في الطاعون انه
شهيد وتقدم حديث عقبة بن عامر فيمن صرعته دابته وانه عند الطبراني وعنده من حديث
ابن مسعود باسناد صحيح ان من يتردى من رؤس الجبال وتأكله السباع ويغرق في البحار لشهيد
عند الله ووردت أحاديث أخرى في أمور أخرى لم أعرج عليها لضعفها قال ابن التين هذه كلها
ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بان جعلها تمحيصا لذنوبهم وزيادة في
أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء (قلت) والذي يظهر ان المذكورين ليسوا في المرتبة سواء
ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر والدارمي وأحمد والطحاوي من
حديث عبد الله بن حبشي وابن ماجة من حديث عمرو بن عنبسة ان النبي صلى الله عليه وسلم
سئل أي الجهاد أفضل قال من عقر جواده وأهريق دمه وروى الحسن بن علي الحلواني في كتاب
المعرفة له باسناد حسن من حديث ابن أبي طالب قال كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد غير أن
الشهادة تتفاضل وسيأتي شرح كثير من هذه الأمراض المذكورة في كتاب الطب وكذا الكلام
على حديث أنس في الطاعون إن شاء الله تعالى ويتحصل مما ذكر في هذه الأحاديث ان الشهداء
قسمان شهيد الدنيا وشهيد الآخرة وهو من يقتل في حرب الكفار مقبلا غير مدبر مخلصا وشهيد
الآخرة وهو من ذكر بمعنى انهم يعطون من جنس اجر الشهداء ولا تجري عليهم أحكامهم في
الدنيا وفي حديث العرباض بن سارية عند النسائي وأحمد ولأحمد من حديث عتبة بن عبد نحوه
مرفوعا يختصم الشهداء والمتوفون على الفرش في الذين يتوفون من الطاعون فيقول انظروا
إلى جراحهم فان أشبهت جراح المقتولين فإنهم معهم ومنهم فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم
وإذا تقرر ذلك فيكون اطلاق الشهداء على غير المقتول في سبيل الله مجازا فيحتج به من يجيز
استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه والمانع يجيب بأنه من عموم المجاز فقد يطلق الشهيد على من
قتل في حرب الكفار لكن لا يكون له ذلك في حكم الآخرة لعارض يمنعه كالانهزام وفساد النية
والله أعلم (قوله الشهداء خمسة ثم قال والشهيد في سبيل الله) قال الطيبي يلزم منه حمل الشئ على
33

نفسه لان قوله خمسة خبر للمبتدأ والمعدود بعده بيان له وأجاب بأنه من باب قول الشاعر
* أنا أبو النجم وشعري شعري * ويحتمل أن يكون المراد بالشهيد في سبيل الله المقتول فكأنه
قال والمقتول فعبر عنه بالشهيد ويؤيده قوله في رواية جابر بن عتيك الشهداء سبعة سوى القتيل
في سبيل الله ويجوز أن يكون لفظ الشهيد مكررا في كل واحد منها فيكون من التفصيل بعد
الاجمال والتقدير الشهداء خمسة الشهيد كذا والشهيد كذا إلى آخره (قوله باب
قول الله عز وجل لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) ذكر فيه حديثي البراء بن
عازب وزيد بن ثابت في سبب نزولها وفيه ذكر ابن أم مكتوم وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى
في تفسير سورة النساء قوله باب الصبر عند القتال ذكر فيه طرفا من حديث ابن
أبي أوفى وقد تقدم التنبيه عليه قريبا (قوله باب التحريض على القتال) ذكر فيه
حديث أنس في حفر الخندق وسيأتي الكلام عليه مستوفى في المغازي وانتزاع الترجمة منه من
جهة ان في مباشرته صلى الله عليه وسلم الحفر بنفسه تحريضا للمسلمين على العمل ليتأسوا به في ذلك
(قوله باب حفر الخندق) ذكر فيه حديث أنس من وجه آخر وسيأتي في المغازي
وسياقه هناك أتم وذكر فيه حديث البراء بن عازب في ذلك من وجهين ويأتي هناك شرحه
مستوفى إن شاء الله تعالى (قوله باب من حبسه العذر عن الغزو) العذر الوصف
الطارئ على المكلف المناسب للتسهيل عليه ولم يذكر الجواب وتقديره فله أجر الغازي إذا صدقت
نيته (قوله حدثنا زهير) هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي وقرن روايته برواية حماد بن زيد مع أن
34

في رواية زهير تعيين الغزوة وتصريح أنس بالتحديث وفي كل منهما فائدة ليست في رواية حماد
لكنه أراد أن زهيرا لم ينفرد بقوله عن حميد عن أنس وقد تابعهما على ترك الواسطة بين حميد
وأنس معتمر بن سليمان وجماعة (قوله خلفنا) بسكون اللام أي وراءنا وضبطه بعضهم بتشديد
اللام وسكون الفاء (قوله الاوهم معنا فيه حبسهم العذر) في رواية الإسماعيلي من طريق
أخرى عن حماد بن زيد الا وهم معكم فيه بالنية ولابن حبان وأبي عوانة من حديث جابر
الا شركوكم في الاجر بدل قوله الا كانوا معكم والمراد بالعذر ما هو أعم من المرض وعدم القدرة
على السفر وقد رواه مسلم من حديث جابر بلفظ حبسهم المرض وكأنه محمول على الأغلب (قوله
وقال موسى) أي ابن إسماعيل (حدثنا حماد) هو ابن سلمة (قوله قال أبو عبد الله هو المصنف
الأول عندي أصح) يعني حذف موسى بن أنس من الاسناد وقد خالفه الإسماعيلي في ذلك فقال
حماد عالم بحديث حميد مقدم فيه على غيره انتهى (قلت) وانما قال ذلك لتصريح حميد بتحديث
أنس له كما تراه من رواية زهير وكذلك قال معتمر (قلت) ولا مانع من أن يكونا محفوظين فلعل
حميدا سمعه من موسى عن أبيه ثم لقي أنسا فحدثه به أو سمعه من أنس فثبته فيه ابنه موسى ويؤيد
ذلك ان سياق حماد عن حميد أتم من سياق زهير ومن وافقه عن حميد فقد أخرجه أبو داود عن
موسى بن إسماعيل بالاسناد المذكور بلفظ لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير ولا أنفقتم
من نفقة ولا قطعتم من واد الا وهم معكم فيه قالوا يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة
قال حبسهم العذر وكذلك أورده أحمد عن عفان عن حماد وأخرجه عن أبي كامل عن حماد فلم يذكر
في الاسناد حميدا نعم أخرجه أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس نحو سياق حماد الا انه لم يذكر
النفقة قال المهلب يشهد لهذا الحديث قوله تعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي
الضرر الآية فإنه فاضل بين المجاهدين والقاعدين ثم استثنى أولي الضرر من القاعدين فكأنه
ألحقهم بالفاضلين وفيه ان المرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه العذر عن العمل (قوله
باب فضل الصوم في سبيل الله) قال ابن الجوزي إذا أطلق ذكر سبيل الله فالمراد به
الجهاد وقال القرطبي سبيل الله طاعة الله فالمراد من صام قاصدا وجه الله (قلت) ويحتمل ان
يكون ما هو أعم من ذلك ثم وجدته في فوائد أبي الطاهر الذهلي من طريق عبد الله بن عبد العزيز
الليثي عن المقبري عن أبي هريرة بلفظ ما من مرابط يرابط في سبيل الله فيصوم يوما في سبيل الله
الحديث وقال ابن دقيق العيد العرف الأكثر استعماله في الجهاد فان حمل عليه كانت الفضيلة
لاجتماع العبادتين قال ويحتمل أن يراد بسبيل الله طاعته كيف كانت والأول أقرب ولا يعارض
ذلك ان الفطر في الجهاد أولى لان الصائم يضعف عن اللقاء كما تقدم تقريره في باب من اختار الغزو
على الصوم لان الفضل المذكور محمول على من لم يخش ضعفا ولا سيما من اعتاد به فصار ذلك من
الأمور النسبية فمن لم يضعفه الصوم عن الجهاد فالصوم في حقه أفضل ليجمع بين الفضيلتين وقد
تقدم مزيد لذلك في كتاب الصيام في الكلام على الصوم في السفر (قوله أخبرني يحيى بن سعيد
هو الأنصاري وسهيل بن أبي صالح لم يخرج له البخاري موصولا الا هذا ولم يحتج به لأنه قرنه بيحيى
ابن سعيد وقد اختلف في اسناده على سهيل فرواه الأكثر عنه هكذا وخالفهم شعبة فرواه عنه عن
صفوان بن يزيد عن أبي سعيد أخرجه النسائي ولعل لسهيل فيه شيخين وأخرجه النسائي أيضا
35

من طريق أبي معاوية عن سهيل عن المقبري عن أبي سعيد ووهم فيه أبو معاوية وانما يرويه
المقبري عن أبي هريرة لا عن أبي سعيد وإنما رواه سهيل من حديث أبي هريرة عن أبيه عنه لا عن
المقبري كذلك أخرجه النسائي من طريق سعيد بن عبد الرحمن عن سهيل عن أبيه وكذا أخرجه
أحمد عن أنس بن عياض عن سهيل (قوله سبعين خريفا) الخريف زمان معلوم من السنة والمراد
به هنا العام وتخصيص الخريف بالذكر دون بقية الفصول الصيف والشتاء والربيع لان
الخريف أزكى الفصول لكونه يجنى فيه الثمار ونقل الفاكهاني أن الخريف يجتمع فيه
الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة دون غيره ورد بان الربيع كذلك قال القرطبي ورد ذكر
السبعين لإرادة التكثير كثيرا انتهى ويؤيده ان النسائي أخرج الحديث المذكور عن عقبة بن
عامر والطبراني عن عمرو بن عنبسة وأبو يعلى عن معاذ بن أنس فقالوا جميعا في رواياتهم مائة عام
(قوله باب فضل النفقة في سبيل الله) ذكر فيه حديثين أحدهما عن أبي هريرة
من أنفق زوجين في سبيل الله وقد تقدم في أول الصوم من وجه آخر وقوله في هذا الاسناد عن أبي
سلمة يأتي الكلام عليه وعلى قوله أي فل في فضل أبي بكر وان الخطابي جزم انه ترخيم من فلان
وجزم غيره بأنه لغة فيه وتقدم في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين التنبيه على وهم القابسي في
قوله سعيد بن حفص وقوله زوجين أي شيئين من أي نوع كان مما ينفق والزوج يطلق على
الواحد وعلى الاثنين وهو هنا على الواحد جزما وقوله كل خزينة باب كأنه من المقلوب لان المراد
خزنة كل باب قال المهلب في هذا الحديث ان الجهاد أفضل الأعمال لان المجاهد يعطى أجر المصلي
والصائم والمتصدق وان لم يفعل ذلك لان باب الريان للصائمين وقد ذكر في هذا الحديث ان
المجاهد يدعى من تلك الأبواب كلها بانفاق قليل من المال في سبيل الله انتهى وما جرى فيه على
ظاهر الحديث يرده ما قدمته في الصيام من زيادة في الحديث لأحمد حيث قال فيه لكل أهل عمل
باب يدعون بذلك العمل وهذا يدل على أن المراد بسبيل الله ما هو أعم من الجهاد وغيره من
الأعمال الصالحة وقوله لاتوى عليه بالمثناة والأكثر انه مقصور وحكى ابن فارس المد ثانيهما
حديث أبي سعيد انما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض وسيأتي شرحه
مستوفى في الرقاق إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا قوله فجعله في سبيل الله فإنه مطابق لما ترجم
له وقد روى النسائي وصححه ابن حبان من حديث خريم بالراء مصغر ابن فاتك بفاء ومثناة
مكسورة رفعه من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف (قلت) وهو موافق لقوله
تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة الآية وقوله في هذه الرواية وانه كل
ما ينبت الربيع يقتل أو يلم بضم أوله وكسر اللام وتشديد الميم أي يقرب من القتل وقوله أكلت
حتى إذا امتدت وقع في السياق حذف تقديره الا آكلة الخضر أكلت وقد بين في الرواية الأخرى
وكذا أثبته الأصيلي هنا وسقط للباقين وكذا سقط قوله حبطا وهو بفتح المهملة والموحدة وهو
انتفاخ البطن من كثرة الاكل (قوله باب فضل من جهز غازيا) أي هيأ له أسباب سفره
(أو خلفه) بفتح المعجمة واللام الخفيفة أي قام بحال من يتركه (قوله حدثنا الحسين) هو المعلم
36

نسبه الطبراني عن حفص بن عمر عن أبي معمر وكذا صرح به مسلم في روايته من وجه آخر عنه
ويحيى هو ابن أبي كثير وفي الاسناد ثلاثة من التابعين في نسق هو وأبو سلمة وبسر وهو بضم
الموحدة وسكون المهملة وقد سمع أبو سلمة من زيد بن خالد وحدث عنه هنا بواسطة وحدث عنه
بلا واسطة في غير هذا عند أبي داود والترمذي وصححه وغيرهما (قوله فقد غزا) قال بن حبان
معناه انه مثله في الاجر وان لم يغز حقيقة ثم أخرجه من وجه آخر عن بسر بن سعيد بلفظ كتب له
مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجره شئ ولابن ماجة وابن حبان من حديث عمر نحوه بلفظ من
جهز غازيا حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع وأفادت فائدتين إحداهما ان الوعد
المذكور مرتب على تمام التجهيز وهو المراد بقوله حتى يستقل ثانيهما انه يستوي معه في الاجر
إلى أن تنقضي تلك الغزوة وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعث بعثا وقال ليخرج من كل رجلين رجل والاجر بينهما وفي رواية له ثم قال للقاعد
وأيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج ففيه إشارة إلى أن الغازي
إذا جهز نفسه أو قام بكفاية من يخلفه بعده كان له الاجر مرتين وقال القرطبي لفظة نصف يشبه
أن تكون مقحمة أي مزيدة من بعض الرواة وقد احتج بها من ذهب إلى أن المراد بالأحاديث التي
وردت بمثل ثواب الفعل حصول أصل الاجر له بغير تضعيف وان التضعيف يختص بمن باشر العمل
قال القرطبي ولا حجة له في هذا الحديث لوجهين أحدهما انه لا يتناول محل النزاع لان المطلوب انما
هو ان الدال على الخير مثلا هل له مثل أجر فاعله مع التضعيف أو بغير تضعيف وحديث الباب انما
يقتضي المشاركة والمشاطرة فافترقا ثانيهما ما تقدم من احتمال كون لفظة نصف زائدة (قلت) ولا
حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح والذي يظهر في توجيهها انها أطلقت بالنسبة إلى مجموع
الثواب الحاصل للغازي والخالف له بخير فان الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما
مثل ما للآخر فلا تعارض بين الحديثين واما من وعد بمثل ثواب العمل وان لم يعمله إذا كانت له
فيه دلالة أو مشاركة أو نية صالحة فليس على اطلاقه في عدم التضعيف لكل أحد وصرف
الخبر عن ظاهره يحتاج إلى مستند وكأن مستند القائل ان العامل يباشر المشقة بنفسه بخلاف
الدال ونحوه لكن من يجهز الغازي بماله مثلا وكذا من يخلفه فيمن يترك بعده يباشر شيئا
من المشقة أيضا فان الغازي لا يتأتى منه الغزو الا بعد ان يكفي ذلك العمل فصار كأنه
يباشر معه الغزو بخلاف من اقتصر على النية مثلا والله أعلم وستكون لنا عودة إلى البحث في
هذا في الكلام على قوله قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن في شرح فضائل القرآن إن شاء الله
تعالى (قوله عن إسحاق بن عبد الله) أي ابن أبي طلحة وفي رواية عمرو بن عاصم عن همام أخبرنا
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أخرجه ابن سعد عنه وعند الإسماعيلي من طريق حبان بن هلال
عن همام حدثنا إسحاق (قوله لم يكن يدخل بالمدينة بيتا غير بيت أم سليم) قال الحميدي لعله أراد
على الدوام والا فقد تقدم انه كان يدخل على أم حرام وقال ابن التين يريد انه كان يكثر الدخول
على أم سليم والا فقد دخل على أختها أم حرام ولعلها أي أم سليم كانت شقيقة المقتول أو وجدت
عليه أكثر من أم حرام (قلت) لا حاجة إلى هذا التأويل فان بيت أم حرام وأم سليم واحد ولا مانع
أن تكون الأختان في بيت واحد كبير لكل منهما فيه معزل فنسب تارة إلى هذه وتارة إلى هذه
37

(قوله فقيل له) لم أقف على اسم القائل (قوله اني أرحمها قتل أخوها معي) هذه العلة أولى من
قول من قال انما كان يدخل عليها لأنها كانت محرما له وسيأتي بيان ما في هذه القصة في كتاب
الاستئذان إن شاء الله تعالى والمراد بقوله أخوها حرام بن ملحان الذي تقدم ذكره في باب من
ينكب في سبيل الله وستأتي قصة قتله في غزوة بئر معونة من كتاب المغازي والمراد بقوله معي أي مع
عسكري أو على أمري وفي طاعتي لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يشهد بئر معونة وانما أمرهم
بالذهاب إليها وغفل القرطبي فقال قتل أخوها معه في بعض حروبه وأظنه يوم أحد ولم يصب في
ظنه والله أعلم * (تنبيه) * قال ابن المنير مطابقة حديث أنس للترجمة من جهة قوله أو خلفه في
أهله لان ذلك أعم من أن يكون في حياته أو بعد موته والنبي صلى الله عليه وسلم كان يجبر قلب
أم سليم بزيارتها ويعلل ذلك بأن أخاها قتل معه ففيه انه خلفه في أهله بخير بعد وفاته وذلك من
حسن عهده صلى الله عليه وسلم (قوله باب التحنط عند القتال) أي استعمال
الحنوط وهو ما يطيب به الميت وقد تقدم بيانه في كتاب الجنائز (قوله عن موسى بن أنس) أي ابن
مالك (قوله ذكر يوم اليمامة كذا للحموي وللباقين وذكر بزيادة الواو وهي للحال (قوله يوم
اليمامة) أي حين حاصرت المسلمون مسيلمة الكذاب وأتباعه في خلافة أبي بكر الصديق (قوله
أتى أنس بن مالك ثابت بن قيس) بالنصب على المفعولية قال الحميدي كذا قال لم يقل عن أنس
وأخرجه البرقاني من وجه آخر فقال عن موسى بن أنس عن أبيه قال أتيت ثابت بن قيس (قلت)
وصله الطبري والإسماعيلي من طريق ابن أبي زائدة عن ابن عون وقال ابن سعد في الطبقات
حدثنا الأنصاري حدثنا ابن عون حدثنا موسى بن أنس عن أنس بن مالك قال لما كان يوم اليمامة
جئت إلى ثابت بن قيس بن شماس فذكره وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أخرى عن
الأنصاري كذلك (قوله وقد حسر) بمهملتين مفتوحتين أي كشف وزنه ومعناه (قوله يا عم)
انما دعاه بذلك لأنه كان أسن منه ولأنه من قبيلة الخزرج (قوله ما يحبسك) أي يؤخرك وفي
رواية الأنصاري فقلت يا عم ألا ترى ما يلقى الناس زاد معاذ بن معاذ عن ابن عون عند الإسماعيلي
ألا تجئ وكذا أخرجه خليفة في تاريخه عن معاذ وقال في جوابه بلى يا ابن أخي الآن (قوله
ألا) بالتشديد وتجئ بالنصب (قوله وجعل يتحنط يعني من الحنوط) كذا في الأصل وكان قائلها
أراد دفع من يتوهم انها من الحنطة ولم يقع ذلك في رواية الأنصاري المذكورة (قوله فذكر من
الناس انكشافا) في رواية ابن أبي زائدة فجاء حتى جلس في الصف والناس ينكشفون أي
ينهزمون (قوله فقال هكذا عن وجوهنا) أي افسحوا لي حتى أقاتل (قوله ما كنا نفعل مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بل كان الصف لا ينحرف عن موضعه (قوله بئس ما عودتم
أقرانكم) كذا للأكثر ووقع في رواية المستملي عودكم أقرانكم اي نظراؤكم وهو جمع قرن
بكسر القاف وهو الذي يعادل الآخر في الشدة والقرن بكسر القاف من يعادل في السن وأراد
ثابت بقوله هذا توبيخ المنهزمين أي عودتم نظراءكم في القوة من عدوكم الفرار منهم حتى طمعوا
فيكم وزاد معاذ بن معاذ الأنصاري وابن أبي زائدة في روايتهما فتقدم فقاتل حتى قتل (قوله رواه
حماد أي ابن سلمة (عن ثابت عن أنس) كذا قال وكانه أشار إلى أصل الحديث والا فرواية حماد
أتم من رواية موسى بن أنس وقد أخرجه ابن سعد والطبراني والحاكم من طرق عنه ولفظه ان
38

ثابت بن قيس بن شماس جاء يوم اليمامة وقد تحنط ولبس ثوبين أبيضين يكفن فيهما وقد انهزم
القوم فقال اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون واعتذر إليك مما صنع هؤلاء ثم قال
بئس ما عودتم أقرانكم منذ اليوم خلوا بيننا وبينهم ساعة فحمل فقاتل حتى قتل وكانت درعه
قد سرقت فرآه رجل فيما يرى النائم فقال إنها في قدر تحت أكاف بمكان كذا فأوصاه بوصايا
فوجدوا الدرع كما قال وأنفذوا وصاياه وأخرج الحاكم قصة الدرع والوصية مطولة من وجه
آخر عن بنت ثابت بن قيس المذكورة وفيها أنه أوصى بعتق بعض رقيقه وسمي الواقدي في كتاب
الردة من وجه آخر من أوصى بعتقه وهم سعد وسالم وأفاد الواقدي ان رائي المنام هو بلال المؤذن
قال المهلب وغيره فيه جواز استهلاك النفس في الجهاد وترك الاخذ بالرخصة والتهيئة للموت
بالتحنط والتكفين وفيه قوة ثابت بن قيس وصحة يقينه ونيته وفيه التداعي إلى الحرب
والتحريض عليها وتوبيخ من يفر وفيه الإشارة إلى ما كان الصحابة عليه في عهد النبي صلى الله
عليه وسلم من الشجاعة والثبات في الحرب واستدل به على أن الفخذ ليست عورة وقد مضى البحث
فيه في أوائل كتاب الصلاة (قوله باب فضل الطليعة) أي من يبعث إلى العدو
ليطلع على أحوالهم وهو اسم جنس يشمل الواحد فما فوقه وقد تقدم في كتاب الشروط في حديث
المسور الطويل بيان ذلك (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري (قوله من يأتيني بخبر القوم يوم
الأحزاب) في رواية وهب بن كيسان عن جابر عند النسائي لما اشتد الامر يوم بني قريظة قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتينا بخبرهم الحديث وفيه ان الزبير توجه إلى ذلك ثلاث مرات
ومنه يظهر المراد بالقوم في رواية ابن المنكدر وسيأتي بيان ذلك في المغازي وان الأحزاب من
قريش وغيرهم لما جاءوا إلى المدينة وحفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق بلغ المسلمين أن بني
قريظة من اليهود نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين ووافقوا قريشا على حرب المسلمين
وسيأتي الكلام على شرح الحواري في المناقب إن شاء الله تعالى (قوله باب هل
يبعث الطليعة وحده) ذكر فيه حديث جابر المذكور من رواية سفيان بن عيينة وقوله
ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس قال صدقة أظنه يوم الخندق صدقة هو ابن الفضل شيخ
البخاري فيه وما ظنه هو الواقع فقد رواه الحميدي عن ابن عيينة فقال يوم الخندق ولم يشك
وفي الحديث جواز استعمال التجسس في الجهاد وفيه منقبة للزبير وقوة قلبه وصحة يقينه وفيه
جواز سفر الرجل وحده وان النهي عن السفر وحده انما هو حيث لا تدعو الحاجة إلى ذلك
وسيأتي مزيد بحث في ذلك في أواخر الجهاد في باب السير وحده واستدل به بعض المالكية على
أن طليعة اللصوص المحاربين يقتل وإن كان لم يباشر قتلا ولا سلبا وفي أخذه من هذا الحديث
تكلف (قوله باب سفر الاثنين) أي جوازه والمراد سفر الشخصين لا سفر يوم الاثنين بخلاف ما فهمه الداودي ثم اعترض على البخاري ورده ابن التين بان البخاري أورد
فيه حديث مالك بن الحويرث أذنا وأقيما وأشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه ان النبي صلى الله
عليه وسلم قال لهما ذلك حين أرادا السفر إلى قومهما فيؤخذ الجواز من إذنه لهما (قلت) و كأنه
لمح بضعف الحديث الوارد في الزجر عن سفر الواحد والاثنين وهو ما أخرجه أصحاب السنن من
رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة
39

ركب (قلت) وهو حديث حسن الاسناد وقد صححه ابن خزيمة والحاكم وأخرجه الحاكم من
حديث أبي هريرة وصححه وترجم له ابن خزيمة النهي عن سفر الاثنين وان ما دون الثلاثة عصاة
لان معنا قوله شيطان أي عاص وقال الطبري هذا الزجر زجر أدب وارشاد لما يخشى على
الواحد من الوحشة والوحدة وليس بحرام فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده
لا يأمن من الاستيحاش لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف والحق ان الناس يتباينون
في ذلك فيحتمل ان يكون الزجر عن ذلك وقع لحسم المادة فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك
وقيل في تفسير قوله الراكب شيطان أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان أو أشبه الشيطان في
فعله وقيل انما كره ذلك لان الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه وكذلك الاثنان إذا
ماتا أو أحدهما لم يجد من يعينه بخلاف الثلاثة ففي الغالب تؤمن تلك الخشية (قلت) وسيأتي
الالمام بشئ من هذا بعد أبواب كثيرة في باب السير وحده ومضى شرح حديث مالك بن
الحويرث في كتاب الصلاة (قوله باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)
هكذا ترجم بلفظ الحديث من غير مزيد وقد استنبط منه ما يأتي في الباب بعده وذكر فيه ثلاثة
أحاديث * الأول حديث ابن عمر (قوله الخيل في نواصيها الخير) كذا في الموطأ ليس فيه معقود
ووقع باثباتها عند الإسماعيلي من رواية عبد الله بن نافع عن مالك وسيأتي في علامات النبوة
من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع باثباتها وذلك في رواية أبي ذر عن الكشميهني وحده * الحديث
الثاني حديث عروة بن الجعد (قوله عن حصين) بالتصغير هو ابن عبد الرحمن وابن أبي السفر بفتح
المهملة والفاء هو عبد الله (قوله عن عروة بن الجعد) في رواية زكريا عن الشعبي حدثنا عروة
وهو في الباب الذي بعده (قوله قال سليمان) هو ابن حرب (عن شعبة عن عروة بن أبي الجعد)
يعني ان سليمان بن حرب خالف حفص بن عمر في اسم والد عروة فقال حفص عروة بن الجعد وقال
سليمان عروة بن أبي الجعد وطريق سليمان وصلها الطبراني عن أبي مسلم الكجي عنه وأخرجها
أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أبي مسلم قال الإسماعيلي قال أكثر الرواة عن شعبة عروة
ابن الجعد الا سليمان وابن أبي عدي (قلت) رواية ابن أبي عدي عند النسائي وتابعهما مسلم بن
إبراهيم أخرجه ابن أبي خيثمة عنه ولشعبة فيه اسناد آخر فقال فيه عروة بن الجعد أيضا أخرجه
مسلم من طريق غندر عنه عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن عروة (قوله تابعه مسدد
عن هشيم عن حصين الخ) هكذا رويناه موصولا في مسند مسدد رواية معاذ بن المثنى عنه وقال
فيه عروة بن أبي الجعد كما قال البخاري ولكن رواه أحمد في مسنده عن هشيم فقال عروة البارقي
وكذا قال زكريا في الباب الذي بعده وكذا أخرجه مسلم من طريق بن فضيل وابن إدريس عن
حصين وأخرجه من طريق جرير عن حصين فقال عروة بن الجعد وصوب ابن المديني أنه عروة بن
أبي الجعد وذكر ابن أبي حاتم أن اسم أبي الجعد سعد وأما الرشاطي فقال هو عروة بن عياض بن
أبي الجعد نسب في الرواية إلى جده قال وكان ممن شهد فتوح الشام ونزلها ثم نقله عثمان إلى
الكوفة (قلت) ويأتي في علامات النبوة انه كان يرتبط الخيل الكثيرة حتى قال الراوي رأيت في
داره سبعين فرسا ولمسدد في هذا الحديث شيخ آخر سيأتي في باب حل الغنائم عنه عن خالد وهو
الطحان عن حصين وقال فيه أيضا عروة البارقي ووقع في رواية ابن إدريس عن حصين في هذا
40

الحديث من الزيادة والإبل عز لأهلها والغنم بركة أخرجه البرقاني في مستخرجه ونبه عليه الحميدي
والبارقي بالموحدة وكسر الراء بعدها قاف نسبة إلى بارق جبل باليمن وقيل ماء بالسراة نزله بنو عدي
ابن حارثة بن عمر وقبيلة من الأزد ولقب به منهم سعد بن عدي وكان يقال له بارق وزعم الرشاطي
انه منسوب إلى ذي بارق قبيلة من ذي رعين (قوله حدثنا يحيى) هو القطان وأبو التياح بمثناة
وتحتانية ثقيلة وآخره مهملة والاسناد كله بصريون (قوله البركة في نواصي الخيل) كذا
وقع ولا بد فيه من شئ محذوف يتعلق به المجرور وأولى ما يقدر ما ثبت في رواية أخرى فقد أخرجه
الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي بن شعبة بلفظ البركة تنزل في نواصي الخيل وأخرجه من
طريق ابن مهدي عن شعبة بلفظ الخير معقود في نواصي الخيل وسيأتي في علامات النبوة من
طريق خالد بن الحرث عن شعبة بلفظ حديث عروة البارقي الا أنه ليس فيه إلى يوم القيامة قال
عياض إذا كان في نواصيها البركة فيبعد أن يكون فيها شؤم فيحتمل ان يكون الشؤم الآتي
ذكره في غير الخيل التي ارتبطت للجهاد وان الخيل التي أعدت له هي المخصوصة بالخير والبركة
أو يقال الخير والشر يمكن اجتماعهما في ذات واحدة فإنه فسر الخير بالاجر والمغنم ولا يمنع ذلك
أن يكون ذلك الفرس مما يتشاءم به (قلت) وسيأتي مزيد لذلك بعد ثلاثة أبواب (قوله الخيل)
المراد بها ما يتخذ للغزو بأن يقاتل عليه أو يرتبط لأجل ذلك لقوله في الحديث الآتي بعد أربعة
أبواب الخيل ثلاثة الحديث فقد روى أحمد من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا الخيل في نواصيها
الخير معقود إلى يوم القيامة فمن ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليها احتسابا كان شبعها
وجوعها وزيها وظمؤها وأرواثها وأبوالها فلاحا في موازينه يوم القيامة الحديث ولقوله
في رواية زكريا كما في الباب الذي يليه الاجر والمغنم وقوله الاجر بدل من قوله الخير أو هو خبر مبتدأ
محذوف أي هو الاجر والمغنم ووقع عند مسلم من رواية جرير عن حصين قالوا بم ذاك يا رسول الله
قال الاجر والمغنم قال الطيبي يحتمل ان يكون الخير الذي فسر بالاجر والمغنم استعارة لظهوره
وملازمته وخص الناصية لرفعة قدرها وكانه شبهه لظهوره بشئ محسوس معقود على مكان
مرتفع فنسب الخير إلى لازم المشبه به وذكر الناصية تجريدا للاستعارة والمراد بالناصية هنا الشعر
المسترسل على الجبهة قاله الخطابي وغيره قالوا ويحتمل أن يكون كنى بالناصية عن جميع ذات
الفرس كما يقال فلان مبارك الناصية ويبعده لفظ الحديث الثالث وقد روى مسلم من حديث
جرير قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرسه بإصبعه ويقول فذكر الحديث
فيحتمل أن تكون الناصية خصت بذلك لكونها المقدم منها إشارة إلى أن الفضل في الاقدام بها
على العدو دون المؤخر لما فيه من الإشارة إلى الادبار واستدل به على أن الذي ورد فيها من الشؤم
على غير ظاهره لكن يحتمل أن يكون المراد هنا جنس الخيل أي أنها بصدد أن يكون فيها الخير فاما
من ارتبطها لعمل غير صالح فحصول الوزر لطريان ذلك الامر العارض وسيأتي مزيد لذلك في
مكانه بعد أبواب قال عياض في هذا الحديث مع وجيز لفظه من البلاغة والعذوبة ما لا مزيد عليه
في الحسن مع الجناس السهل الذي بين الخيل والخير قال الخطابي وفيه إشارة إلى أن المال الذي
يكتسب باتخاذ الخيل من خير وجوه الأموال وأطيبها والعرب تسمي المال خيرا كما تقدم في
الوصايا في قوله تعالى ان ترك خيرا الوصية وقال ابن عبد البر فيه إشارة إلى تفضيل الخيل على غيرها
41

من الدواب لأنه لم يأت عنه صلى الله عليه وسلم في شئ غيرها مثل هذا القول وفي النسائي عن أنس
ابن مالك لم يكن شئ أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل الحديث الثالث (قوله
باب الجهاد ماض مع البر والفاجر) هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه بنحوه أبو داود
وأبو يعلى مرفوعا وموقوفا عن أبي هريرة ولا بأس برواته الا أن مكحولا لم يسمع من أبي هريرة
وفي الباب عن أنس أخرجه سعيد بن منصور وأبو داود أيضا وفي اسناده ضعف (قوله لقول النبي
صلى الله عليه وسلم الخيل معقود الخ) سبقه إلى الاستدلال بهذا الإمام أحمد لأنه صلى الله عليه
وسلم ذكر بقاء الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة وفسره بالاجر والمغنم والمغنم المقترن بالاجر
انما يكون من الخيل بالجهاد ولم يقيد ذلك بما إذا كان الامام عادلا فدل على أن لا فرق في حصول
هذا الفضل بين أن يكون الغزو مع الإمام العادل أو الجائر وفي الحديث الترغيب في الغزو على
الخيل وفيه أيضا بشرى ببقاء الاسلام وأهله إلى يوم القيامة لان من لازم بقاء الجهاد بقاء
المجاهدين وهم المسلمون وهو مثل الحديث الآخر لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق
الحديث واستنبط منه الخطابي اثبات سهم للفرس يستحقه الفارس من أجله فان أراد السهم
الزائد للفارس على الراجل فلا نزاع فيه وان أراد ان للفرس سهمين غير سهم راكبه فهو محل
النزاع ولا دلالة من الحديث عليه وسيأتي القول فيه قريبا إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * حكى ابن
التين انه وقع في رواية أبي الحسن القابسي في لفظ الترجمة الجهاد ماض على البر والفاجر قال
ومعناه انه يجب على كل أحد (قلت) الا أنه لم يقع في شئ من النسخ التي وقفنا عليها وقد وجدته في
نسخة قديمة من رواية القابسي كالجماعة والذي يليق بلفظ الحديث ما وقع في سائر الأصول بلفظ
مع بدل على والله أعلم (تكملة) روى حديث الخيل معقود في نواصيها الخير جمع من الصحابة غير
من تقدم ذكره وهم ابن عمر وعروة وأنس وجرير وممن لم يتقدم سلمة بن نفيل وأبو هريرة عند النسائي
وعتبة بن عبد عند أبي داود وجابر وأسماء بنت يزيد وأبو ذر عند أحمد والمغيرة وابن مسعود
عند أبي يعلى وأبو كبشة عند أبي عوانة وابن حبان في صحيحيهما وحذيفة عند البزار وسوادة بن
الربيع وأبو أمامة وعريب وهو بفتح المهملة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة
المليكي والنعمان بن بشير وسهل بن الحنظلية عند الطبراني وعن علي عند ابن أبي عاصم في الجهاد
وفي حديث جابر من الزيادة في نواصيها الخير والنيل وهو بفتح النون وسكون التحتانية بعدها لام
وزاد أيضا وأهلها معانون عليها فخذوا بنواصيها وادعوا بالبركة وقوله وأهلها معانون عليها في
رواية سلمة بن نفيل أيضا (قوله باب من احتبس فرسا في سبيل الله لقوله عز وجل
ومن رباط الخيل) أي بيان فضله وروى ابن مردويه في التفسير من حديث ابن عباس في هذه
الآية قال إن الشيطان لا يستطيع ناصية فرس (قوله حدثنا علي بن حفص) هو المروزي
قال البخاري في التاريخ لقيته بعسقلان سنة سبع عشرة (قلت) وما أخرج عنه غير هذا
الحديث وآخر في مناقب الزبير موقوفا وآخر في آخر كتاب القدر قرنه فيه ببشر بن محمد وقد تعقب
ابن أبي حاتم تسميته على البخاري في الجزء الذي جمع فيه أوهامه وقال الصواب انه علي بن الحسين
ابن نشيط بفتح النون وكسر المعجمة بوزن عظيم قال وقد لقيه أبي بعسقلان سنة سبع عشرة
(قلت) فيحتمل أن يكون حفص اسم جده وقد وقع للبخاري نسبة بعض مشايخه إلى أجدادهم
42

(قوله أخبرنا طلحة بن أبي سعيد) هو المصري نزيل الإسكندرية وكان أصله من المدينة وليس له
في البخاري سوى هذا الموضع بل قال أبو سعيد بن يونس ما روى حديثا مسندا غيره (قوله
وتصديقا بوعده) أي الذي وعد به من الثواب على ذلك وفيه إشارة إلى المعاد كما أن في لفظ الايمان
إشارة إلى المبدأ وقوله شبعه بكسر أوله أي ما يشبع به وكذا قوله ريه بكسر الراء وتشديد
التحتانية ووقع في حديث أسماء بنت يزيد الذي أشرت إليه في الباب الماضي ومن ربطها رياء
وسمعة الحديث وقال فيه فان شبعها وجوعها إلى آخره خسران في موازينه قال المهلب وغيره
في هذا الحديث جواز وقف الخيل للمدافعة عن المسلمين ويستنبط منه جواز وقف غير الخيل
من المنقولات ومن غير المنقولات من باب الأولى وقوله وروثه يريد ثواب ذلك لا أن الأرواث
بعينها توزن وفيه ان المرء يؤجر بنيته كما يؤجر العامل وانه لا بأس بذكر الشئ المستقذر بلفظه
للحاجة لذلك وقال ابن أبي جمرة يستفاد من هذا الحديث ان هذه الحسنات تقبل من صاحبها
لتنصيص الشارع على انها في ميزانية بخلاف غيرها فقد لا تقبل فلا تدخل الميزان وروى ابن
ماجة من حديث تميم الدار مرفوعا من ارتبط فرسا في سبيل الله ثم عالج علفه بيده كان له بكل
حبة حسنة (قوله باب اسم الفرس والحمار) أي مشروعية تسميتهما وكذا
غيرهما من الدواب بأسماء تخصها غير أسماء أجناسها وقد اعتنى من ألف في السيرة النبوية
بسرد أسماء ما ورد في الاخبار من خيله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من دوابه وفي الأحاديث
الواردة في هذا الباب ما يقوي قول من ذكر أنساب بعض الخيول العربية الأصيلة لان الأسماء
توضع للتمييز بين افراد الجنس وذكر البخاري في هذا الباب أربعة أحاديث * الأول حديث أبي
قتادة في قصة صيد الحمار الوحشي وقد تقدمت مباحثه في كتاب الحج والغرض منه قوله فيه
فركب فرسا يقال له الجرادة وهو بفتح الجيم وتخفيف الراء والجراد اسم جنس ووقع في السيرة
لابن هشام ان اسم فرس أبي قتادة الحزوة أي بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها واو فاما أن
يكون لها اسمان واما أن أحدهما تصحف والذي في الصحيح هو المعتمد ومحمد بن أبي بكر شيخ
البخاري فيه هو المقدمي وحكى أبو علي الجياني انه وقع في نسخة أبي زيد المروزي محمد بن بكر وهو
غلط * الثاني حديث سهل وهو ابن سعد الساعدي (قوله يقال له اللحيف) يعني بالمهملة
والتصغير قال ابن قرقول وضبطوه عن ابن سراج بوزن رغيف (قلت) ورجحه الدمياطي وبه
جزم الهروي وقال سمي بذلك لطول ذنبه فعيل بمعنى فاعل وكانه يلحق الأرض بذنبه (قوله وقال
بعضهم اللخيف) بالخاء المعجمة وحكوا فيه الوجهين وهذه رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل وهو
أخو أبي بن عباس ولفظه عند ابن منده كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن سعد
والد سهل ثلاثة أفراس فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يسميهن لزاز بكسر اللام وبزايين الأولى
خفيفة والظرب بفتح المعجمة وكسر الراء بعدها موحدة واللخيف وحكى سبط ابن الجوزي ان
البخاري قيده بالتصغير والمعجمة قال وكذا حكاه بن سعد عن الواقدي وقال أهداه له ربيعة بن أبي
البراء مالك بن عامر العامري وأبوه الذي يعرف بملاعب الأسنة انتهى ووقع عند ابن أبي خيثمة
أهداه له فروة بن عمرو وحكى ابن الأثير في النهاية انه روى بالجيم بدل الخاء المعجمة وسبقه إلى ذلك
صاحب المغيث ثم قال فان صح فهو سهم عريض النصل كأنه سمي بذلك لسرعته وحكى ابن
43

الجوزي انه روى بالنون بدل اللام من النحافة * الثالث حديث معاذ بن جبل (قوله عن عمرو بن
ميمون) هو الأودي بفتح الهمزة وسكون الواو من كبار التابعين وسيأتي انه أدرك الجاهلية في
أخبار الجاهلية وأبو اسحق الراوي عنه هو السبيعي والاسناد كله كوفيون الا الصحابي وأبو
الأحوص شيخ يحيى بن آدم فيه كنت أظن أنه سلام بالتشديد وهو ابن سليم وعلى ذلك يدل كلام
المزي لكن أخرج هذا الحديث النسائي عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي عن يحيى بن آدم
شيخ شيخ البخاري فيه فقال عن عمار بن زريق عن أبي إسحاق والبخاري أخرجه ليحيى بن آدم عن أبي
الأحوص عن أبي إسحاق وكنية عمار بن زريق أبو الأحوص فهو هو ولم أر من نبه على ذلك وقد
أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبو داود عن هناد بن السري كلاهما عن أبي الأحوص عن
أبي إسحاق وأبو الأحوص هذا هو سلام ابن سليم فان أبا بكر وهنادا أدركاه ولم يدركا عمارا والله
أعلم (قوله كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير) بالمهملة والفاء مصغر
مأخوذ من العفر وهو لون التراب كأنه سمى بذلك للونه والعفرة حمرة يخالطها بياض وهو تصغير
أعفر أخرجوه عن بناء أصله كما قالوا سويد في تصغير أسود ووهم من ضبطه بالغين المعجمة وهو غير
الحمار الآخر الذي يقال له يعفور وزعم ابن عبدوس انهما واحد وقواه صاحب الهدى ورده
الدمياطي فقال عفير أهداه المقوقس ويعفور أهداه فروة بن عمرو وقيل بالعكس ويعفور
بسكون المهملة وضم الفاء هو اسم ولد الظبي كأنه سمي بذلك لسرعته قال الواقدي نفق يعفور
منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع وبه جزم النووي عن ابن الصلاح وقيل طرح
نفسه في بئر يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع ذلك في حديث طويل ذكره ابن حبان
في ترجمة محمد بن مرثد في الضعفاء وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم غنمه من خيبر وانه كلم النبي
صلى الله عليه وسلم وذكر له انه كان ليهودي وانه خرج من جده ستون حمارا لركوب الأنبياء
فقال ولم يبق منهم غيري وأنت خاتم الأنبياء فسماه يعفورا وكان يركبه في حاجته ويرسله إلى
الرجل فيقرع بابه برأسه فيعرف انه أرسل إليه فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر أبي
الهيثم بن التيهان فتردى فيها فصارت قبره قال ابن حبان لا أصل له وليس سنده بشئ (قوله إن
تعبدوه ولا تشركوا) في رواية الكشميهني ان تعبدوا بحذف المفعول (قوله فيتكلوا) بتشديد
المثناة وفي رواية الكشميهني بسكون النون وقد تقدم شرح ذلك في أواخر كتاب العلم وسيأتي
هذا الحديث في الرقاق من طريق أنس بن مالك عن معاذ ولم يسم فيه الحمار ونستكمل بقية
الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى وتقدم في العلم من حديث أنس بن مالك أيضا لكن فيما يتعلق
بشهادة أن لا إله إلا الله وهذا فيما يتعلق بحق الله على العباد فهما حديثان ووهم الحميدي ومن تبعه
حيث جعلوهما حديثا واحدا نعم وقع في كل منهما منعه صلى الله عليه وسلم ان يخبر بذلك الناس
لئلا يتكلوا ولا يلزم من ذلك ان يكونا حديثا واحدا وزاد في الحديث الذي في العلم فأخبر بها
معاذ عند موته تاثما ولم يقع ذلك هنا والله أعلم * الحديث الرابع حديث أنس في فرس أبي طلحة
وقد تقدم في أواخر الهبة مع شرحه وهو ظاهر فيما ترجم به هنا (قوله باب ما يذكر
من شؤم الفرس) أي هل هو على عمومه أو مخصوص ببعض الخيل وهل هو على ظاهره أو مؤول
وسيأتي تفصيل ذلك وقد أشار بايراد حديث سهل بعد حديث ابن عمر إلى أن الحصر الذي
44

في حديث ابن عمر ليس على ظاهره وبترجمة الباب الذي بعده وهي الخيل لثلاثة إلى أن الشؤم
مخصوص ببعض الخيل دون بعض وكل ذلك من لطيف نظره ودقيق فكره (قوله أخبرني سالم)
كذا صرح شعيب عن الزهري باخبار سالم له وشذ ابن أبي ذئب فأدخل بين الزهري وسالم محمد
ابن زبيد بن قنقد واقتصر شعيب على سالم وتابعه ابن جريج عن ابن شهاب عند أبي عوانة وكذا
عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري كما سيأتي في الطب وكذا قال أكثر أصحاب سفيان عنه عن
الزهري ونقل الترمذي عن ابن المديني والحميدي ان سفيان كان يقول لم يرو الزهري هذا
الحديث الا عن سالم انتهى وكذا قال أحمد عن سفيان انما نحفظه عن سالم لكن هذا الحصر
مردود فقد حدث به مالك عن الزهري عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما ومالك من
كبار الحفاظ ولا سيما في حديث الزهري وكذا رواه ابن أبي عمر عن سفيان نفسه أخرجه مسلم
والترمذي عنه وهو يقتضي رجوع سفيان عما سبق من الحصر وأما الترمذي فجعل رواية ابن
أبي عمر هذه مرجوحة وقد تابع مالكا أيضا يونس من رواية ابن وهب عنه كما سيأتي في الطب
وصالح بن كيسان عند مسلم وأبو أويس عند أحمد ويحيى بن سعيد وابن أبي عتيق وموسى بن
عقبة ثلاثتهم عند النسائي كلهم عن الزهري عنهما ورواه إسحاق بن راشد عن الزهري فاقتصر
على حمزة أخرجه النسائي وكذا أخرجه ابن خزيمة وأبو عوانة من طريق عقيل وأبو عوانة من
طريق شبيب بن سعيد كلاهما عن الزهري ورواه القاسم بن مبرور عن يونس فاقتصر على حمزة
أخرجه النسائي أيضا وكذا أخرجه أحمد من طريق رباح بن زيد عن معمر مقتصرا على حمزة
وأخرجه النسائي من طريق عبد الواحد عن معمر فاقتصر على سالم فالظاهر أن الزهري يجمعنهما
تارة ويفرد أحدهما أخرى وقد رواه اسحق في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فقال
عن سالم أو حمزة أو كلاهما وله أصل عن حمزة من غير رواية الزهري أخرجه مسلم من طريق عتبة بن
مسلم عنه والله أعلم (قوله انما الشؤم) بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوا (قوله في
ثلاث) يتعلق بمحذوف تقديره كائن قاله ابن العربي قال والحصر فيها بالنسبة إلى العادة لا بالنسبة
إلى الخلقة انتهى وقال غيره انما خصت بالذكر لطول ملازمتها وقد رواه مالك وسفيان وسائر
الرواة بحذف انما لكن في رواية عثمان بن عمر لا عدوى ولا طيرة وانما الشؤم في الثلاثة قال مسلم
لم يذكر أحد في حديث ابن عمر لا عدوى الا عثمان بن عمر (قلت) ومثله في حديث سعد بن أبي وقاص
الذي أخرجه أبو داود لكن قال فيه ان تكن الطيرة في شئ الحديث والطيرة والشؤم بمعنى
واحد كما سأبينه في أواخر شرح الطب إن شاء الله تعالى وظاهر الحديث أن الشؤم والطيرة في هذه
الثلاثة قال ابن قتيبة ووجهه ان أهل الجاهلية كانوا يتطيرون فنهاهم النبي صلى الله عليه
وسلم وأعلمهم أن لا طيرة فلما أبوا أن ينتهوا بقيت الطيرة في هذه الأشياء الثلاثة (قلت) فمشى ابن
قتيبة على ظاهره ويلزم على قوله إن من تشاءم بشئ منها نزل به ما يكره قال القرطبي ولا يظن
به انه يحمله على ما كانت الجاهلية تعتقده بناء على أن ذلك يضر وينفع بذاته فان ذلك خطأ وانما
عنى ان هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس فمن وقع في نفسه شئ أبيح له أن يتركه ويستبدل به
غيره (قلت) وقد وقع في رواية عمر العسقلاني وهو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن
ابن عمر كما سيأتي في النكاح بلفظ ذكروا الشؤم فقال إن كان في شئ ففي ولمسلم ان يك من الشؤم
45

شئ حق وفي رواية عتبة بن مسلم إن كان الشؤم في شئ وكذا في حديث جابر عند مسلم وهو
موافق لحديث سهل بن سعد ثاني حديثي الباب وهو يقتضي عدم الجزم بذلك بخلاف رواية
الزهري قال ابن العربي معناه إن كان خلق الله الشؤم في شئ مما جرى من بعض العادة فإنما
يخلقه في هذه الأشياء قال المازري مجمل هذه الرواية ان يكن الشؤم حقا فهذه الثلاث أحق
به بمعنى ان النفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها وجاء عن عائشة انها أنكرت هذا
الحديث فروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن محمد بن راشد عن مكحول قال قيل لعائشة ان أبا
هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشؤم في ثلاثة فقالت لم يحفظ انه دخل وهو يقول
قاتل الله اليهود يقولون الشؤم في ثلاثة فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله (قلت) ومكحول
لم يسمع من عائشة فهو منقطع لكن روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن
أبي حسان ان رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا ان أبا هريرة قال إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال الطيرة في الفرس والمرأة والدار فغضبت غضبا شديدا وقالت ما قاله
وانما قال إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك انتهى ولا معنى لانكار ذلك على أبي هريرة
مع موافقة من ذكرنا من الصحابة له في ذلك وقد تأوله غيرها على أن ذلك سيق لبيان اعتقاد
الناس في ذلك لا انه أخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك وسياق الأحاديث الصحيحة
المتقدم ذكرها يبعد هذا التأويل قال ابن العربي هذا جواب ساقط لأنه صلى الله عليه وسلم
لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية والحاصلة وانما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه
انتهى وأما ما أخرجه الترمذي من حديث حكيم بن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول لا شؤم وقد يكون اليمن في المرأة والدار والفرس ففي اسناده ضعف مع مخالفته
للأحاديث الصحيحة وقال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر سمعت من يفسر هذا الحديث يقول
شؤم المرأة إذا كانت غير ولود وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه وشؤم الدار جار السوء وروى
أبو داود في الطب عن ابن القاسم عن مالك انه سئل عنه فقال كم من دار سكنها ناس فهلكوا
قال المازري فيحمله مالك على ظاهره والمعنى ان قدر الله ربما اتفق ما يكره عند سكنى الدار فتصير
في ذلك كالسبب فتسامح في إضافة الشئ إليه اتساعا وقال ابن العربي لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى
الدار وانما هو عبارة عن جرى العادة فيها فأشار إلى أنه ينبغي للمرء الخروج عنها صيانة لاعتقاده
عن التعلق بالباطل وقيل معنى الحديث ان هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها مع كراهة
أمرها لملازمتها بالسكنى والصحبية ولو لم يعتقد الانسان الشؤم فيها فأشار الحديث إلى الامر
بفراقها ليزول التعذيب (قلت) وما أشار إليه ابن العربي في تأويل كلام مالك أولى وهو نظير
الامر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوي والمراد بذلك حسم المادة وسد الذريعة لئلا يوافق
شئ من ذلك القدر فيعتقد من وقع له ان ذلك من العدوي أو من الطيرة فيقع في اعتقاد ما نهى
عن اعتقاده فأشير إلى اجتناب مثل ذلك والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلا أن يبادر إلى
التحول منها لأنه متى استمر فيها ربما حمله ذلك على اعتقاد صحة الطيرة والتشاؤم واما ما رواه أبو داود
وصححه الحاكم من طريق إسحاق بن طلحة عن أنس قال رجل يا رسول الله انا كنا في دار كثير
فيها عددنا وأموالنا فتحولنا إلى أخرى فقل فيها ذلك فقال ذروها ذميمة وأخرج من حديث
46

فروة بن مسيك بالمهملة مصغرا ما يدل على أنه هو السائل وله شاهد من حديث عبد الله بن شداد
ابن الهاد أحد كبار التابعين وله رواية باسناد صحيح إليه عند عبد الرزاق قال ابن العربي ورواه
مالك عن يحيى بن سعيد منقطعا قال والدار المذكورة في حديثه كانت دار مكمل بضم الميم
وسكون الكاف وكسر الميم بعدها لام وهو ابن عوف أخو عبد الرحمن بن عوف قال وانما
أمرهم بالخروج منها لاعتقادهم ان ذلك منها وليس كما ظنوا لكن الخالق جل وعلا جعل ذلك وفقا
لظهور قضائه وأمرهم بالخروج منها لئلا يقع لهم بعد ذلك شئ فيستمر اعتقادهم قال ابن العربي
وأفاد وصفها بكونها ذميمة جواز ذلك وأن ذكرها بقبيح ما وقع فيها سائغ من غير أن يعتقد أن ذلك
كان منها ولا يمتنع ذم محل المكروه وإن كان ليس منه شرعا كما يذم العاصي على معصيته وإن كان
ذلك بقضاء الله تعالى وقال الخطابي هو استثناء من غير الجنس ومعناه ابطال مذهب الجاهلية
في التطير فكانه قال إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس يكره سيره
فليفارقه قال وقيل إن شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها وشؤم المرأة أن لا تلد وشؤم الفرس
أن لا يغزى عليه وقيل المعنى ما جاء باسناد ضعيف رواه الدمياطي في الخيل إذا كان الفرس
ضروبا فهو مشؤم وإذا حنت المرأة إلى بعلها الأول فهي مشؤمة وإذا كانت الدار بعيدة من
المسجد لا يسمع منها الاذان فهي مشؤمة وقيل كان قوله ذلك في أول الأمر ثم نسخ ذلك
بقوله تعالى ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم الا في كتاب الآية حكاه ابن عبد البر
والنسخ لا يثبت بالاحتمال لا سيما مع امكان الجمع ولا سيما وقد ورد في نفس هذا الخبر نفي التطير
ثم اثباته في الأشياء المذكورة وقيل يحمل الشؤم على قلة الموافقة وسوء الطباع وهو كحديث
سعد بن أبي وقاص رفعه من سعادة المرء المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الهنئ ومن
شقاوة المرء المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء أخرجه أحمد وهذا يختص ببعض
أنواع الأجناس المذكورة دون بعض وبه صرح ابن عبد البر فقال يكون لقوم دون قوم وذلك
كله بقدر الله وقال المهلب ما حاصله ان الخاطب بقوله الشؤم في ثلاثة من التزم التطير ولم يستطع
صرفه عن نفسه فقال لهم انما يقع ذلك في هذه الأشياء التي تلازم في غالب الأحوال فإذا كان
كذلك فاتركوها عنكم ولا تعذبوا أنفسكم بها ويدل على ذلك تصديره الحديث بنفي الطيرة
واستدل لذلك بما أخرجه ابن حبان عن أنس رفعه لا طيرة والطيرة على من تطير وان تكن في
شئ ففي المرأة الحديث وفي صحته نظر لأنه من رواية عتبة بن حميد عن عبيد الله بن أبي بكر عن
أنس وعتبة مختلف فيه وسيكون لنا عودة إلى بقية ما يتعلق بالتطير والفأل في آخر كتاب الطب
حيث ذكره المصنف إن شاء الله تعالى تكميل اتفقت الطرق كلها على الاقتصار على الثلاثة
المذكورة ووقع عند ابن إسحاق في رواية عبد الرزاق المذكورة قال معمر قالت أم سلمة والسيف
قال أبو عمر رواه جويرية عن مالك عن الزهري عن بعض أهل أم سلمة عن أم سلمة (قلت)
أخرجه الدارقطني في غرائب مالك واسناده صحيح إلى الزهري ولم ينفر به جويرية بل تابعه
سعيد بن داود عن مالك أخرجه الدارقطني أيضا قال والمبهم المذكور هو أبو عبيدة بن عبد الله
ابن زمعة سماه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري في روايته (قلت) أخرجه ابن ماجة من هذا
الوجه موصولا فقال عن الزهري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن زينب بنت أم سلمة
47

عن أم سلمة انها حدثت بهذه الثلاثة وزادت فيهن والسيف وأبو عبيدة المذكور هو ابن بنت
أم سلمة أمه زينب بنت أم سلمة وقد روى النسائي حديث الباب من طريق ابن أبي ذئب عن
الزهري فادرج فيه السيف و خالف فيه في الاسناد أيضا (قوله عن أبي حازم) هو سلمة بن دينار
(قوله إن كان في شئ ففي المرأة والفرس والمسكن) كذا في جميع النسخ وكذا هو في الموطأ لكن
زاد في آخره يعني الشؤم وكذا رواه مسلم ورواه إسماعيل بن عمر عن مالك ومحمد بن سليمان الحراني
عن مالك بلفظ إن كان الشؤم في شئ ففي المرأة إلى آخره أخرجهما الدارقطني لكن لم يقل
إسماعيل في شئ وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني من رواية هشام بن سعد عن أبي حازم قال
ذكروا الشؤم عند سهل بن سعد فقال فذكره وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر لكن لم يسق لفظه
(قوله باب الخيل لثلاثة) هكذا اقتصر على صدر الحديث وأحال بتفسيره على
ما ورد فيه وقد فهم بعض الشراح منه الحصر فقال اتخاذ الخيل لا يخرج عن أن يكون مطلوبا
أو مباحا أو ممنوعا فيدخل في المطلوب الواجب والمندوب ويدخل في الممنوع المكروه والحرام
بحسب اختلاف المقاصد واعترض بعضهم بان المباح لم يذكر في الحديث لان القسم الثاني
الذي يتخيل فيه ذلك جاء مقيدا بقوله ولم ينس حق الله فيها فيلتحق بالمندوب قال والسر فيه انه
صلى الله عليه وسلم غالبا انما يعتني بذكر ما فيه حض أو منع وأما المباح الصرف فيسكت عنه
لما عرف ان سكوته عنه عفو ويمكن ان يقال القسم الثاني هو في الأصل المباح الا أنه ربما ارتقى
إلى الندب بالقصد بخلاف القسم الأول فإنه من ابتدائه مطلوب والله أعلم (قوله وقول الله
عز وجل الخيل والبغال والحمير الآية) أي ان الله خلقها للركوب والزينة فمن استعملها في
ذلك فعل ما أبيح له فان اقترن بفعله قصد طاعة ارتقى إلى الندب أو قصد معصية حصل له الاثم
وقد دل حديث الباب على هذا التقسيم (قوله عن زيد بن أسلم) الاسناد كله مدنيون (قوله
الخيل لثلاثة) في رواية الكشميهني الخيل ثلاثة ووجه الحصر في الثلاثة ان الذي يقتني الخيل
اما ان يقتنيها للركوب أو للتجارة وكل منهما اما ان يقترن به فعل طاعة الله وهو الأول أو معصيته
وهو الأخير أو يتجرد عن ذلك وهو الثاني (قوله في مرج أو روضة) شك من الراوي والمرج
موضع الكلأ وأكثر ما يطلق على الموضع المطمئن والروضة أكثر ما يطلق في الموضع المرتفع
وقد مضى الكلام على قوله أرواثها وآثارها قبل بابين (قوله فما أصابت في طيلها) بكسر الطاء
المهملة وفتح التحتانية بعدها لام هو الحبل الذي يربط به ويطول لها لترعى ويقال له طول بالواو
المفتوحة أيضا كما تقدم في أول الجهاد وتقدم تفسير الاستنان هناك وقوله ولم يرد أن يسقيها فيه
ان الانسان يؤجر على التفاصيل التي تقع في فعل الطاعة إذا قصد أصلها وان لم يقصد تلك
التفاصيل وقد تأوله بعض الشراح فقال ابن المنير قيل انما أجر لان ذلك وقت لا ينتفع بشربها
فيه فيغتم صاحبها بذلك فيؤجر وقيل إن المراد حيث تشرب من ماء الغير بغير اذنه فيغتم صاحبها
لذلك فيؤجر وكل ذلك عدول عن القصد (قوله رجل ربطها فخرا) هكذا وقع بحذف أحد
الثلاثة وهو من ربطها تغنيا وسيأتي بتمامه بهذا الاسناد بعينه في علامات النبوة وتقدم تاما من
وجه آخر عن مالك في أواخر كتاب الشرب وقوله تغنيا بفتح المثناة والمعجمة ثم نون ثقيلة مكسورة
وتحتانية اي استغناء عن الناس تقول تغنيت بما رزقني الله تغنيا وتغانيت تغانيا واستغنيت
48

استغناء كلها بمعنى وسيأتي بسط ذلك في فضائل القرآن في الكلام على قوله ليس منا من لم يتغن
بالقرآن وقوله تعففا أي عن السؤال والمعنى انه يطلب بنتاجها أو بما يحصل من أجرتها ممن
يركبها أو نحو ذلك الغنى عن الناس والتعفف عن مسألتهم ووقع في رواية سهيل عن أبيه عند
مسلم وأما الذي هي له ستر فالرجل يتخذها تعففا وتكرما وتجملا وقوله ولم ينس حق الله في رقابها
قيل المراد حسن ملكها وتعهد شبعها وريها والشفقة عليها في الركوب وانما خص رقابها
بالذكر لأنها تستعار كثيرا في الحقوق اللازمة ومنه قوله تعالى فتحرير رقبة وهذا جواب من لم
يوجب الزكاة في الخيل وهو قول الجمهور وقيل المراد بالحق اطراق فحلها والحمل عليها في سبيل الله
وهو قول الحسن والشعبي ومجاهد وقيل المراد بالحق الزكاة وهو قول حماد وأبي حنيفة وخالفه
صاحباه وفقهاء الأمصار قال أبو عمر لا أعلم أحدا سبقه إلى ذلك (قوله فخرا) أي تعاظما وقوله
ورياء أي اظهارا للطاعة والباطن بخلاف ذلك ووقع في رواية سهيل المذكورة وأما الذي هي عليه
وزر فالذي يتخذها أشرا وبطرا وبذخا ورياء للناس (قوله ونواء لأهل الاسلام) بكسر النون
والمد هو مصدر تقول ناوأت العدو مناوأة ونواء وأصله من ناء إذا نهض ويستعمل في المعاداة قال
الخليل ناوأت الرجل ناهضته بالعداوة وحكى عياض عن الداودي الشارح انه وقع عنده ونوى
بفتح النون والقصر قال ولا يصح ذلك قلت حكاه الإسماعيلي عن رواية إسماعيل بن أبي أويس فان
ثبت فمعناه وبعدا لأهل الاسلام أي منهم والظاهر أن الواو في قوله ورياء ونواء بمعنى أو لأن هذه
الأشياء قد تفترق في الاشخاص وكل واحد منها مذموم على حدته وفي هذا الحديث بيان ان
الخيل انما تكون في نواصيها الخير والبركة إذا كان اتخاذها في الطاعة أو في الأمور المباحة والا
فهي مذمومة (قوله وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) لم أقف على تسمية السائل صريحا
وسيأتي ما قيل فيه في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى (قوله عن الحمر فقال ما أنزل على فيها الا
هذه الآية الجامعة الفاذة) بالفاء وتشديد المعجمة سماها جامعة لشمولها لجميع الأنواع من طاعة
ومعصية وسماها فاذة لانفرادها في معناها قال ابن التين والمراد أن الآية دلت على أن من عمل
في اقتناء الحمير طاعة رأى ثواب ذلك وان عمل معصية رأى عقاب ذلك قال ابن بطال فيه تعليم
الاستنباط والقياس لأنه شبه ما لم يذكر الله حكمه في كتابه وهو الحمر بما ذكره من عمل مثقال ذرة
من خير أو شر إذ كان معناهما واحدا قال وهذا نفس القياس الذي ينكره من لا فهم عنده
وتعقبه ابن المنير بان هذا ليس من القياس في شئ وانما هو استدلال بالعموم واثبات لصيغته
خلافا لمن أنكر أو وقف وفيه تحقيق لاثبات العمل بظواهر العموم وأنها ملزمة حتى يدل دليل
التخصيص وفيه إشارة إلى الفرق بين الحكم الخاص المنصوص والعام الظاهر وان الظاهر دون
المنصوص في الدلالة (قوله باب من ضرب دابة غيره في الغزو) أي اعانة له
ورفقا به (قوله حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم وتقدم هذا الحديث بهذا الاسناد في المظالم
مختصرا وساقه هنا تاما وقد تقدمت مباحثه مستوفاة في الشروط (قوله أم عمرة) في رواية
الكشميهني أو بدل أم (قوله فليعجل في رواية الكشميهني فليتعجل (قوله أرمك) براء وكاف
وزن أحمر والمراد به ما خالط حمرته سواد (قوله ليس فيها شية) بكسر المعجمة وفتح التحتانية الخفيفة
أي علامة والمراد انه ليس فيه لمعة من غير لونه ويحتمل أن يريد ليس فيه عيب ويؤيده قوله
49

والناس خلفي فبينا أنا كذلك إذ قام على لأنه يشعر بأنه أراد انه كان قويا في سيره لا عيب فيه من
جهة ذلك حتى كأنه صار قدام الناس فطرأ عليه حينئذ الوقوف (قوله إذ قام على) أي وقف فلم
يسر من التعب (قوله باب الركوب على الدابة الصعبة) بسكون العين أي
الشديدة (قوله والفحولة) بالفاء والمهملة جمع فحل والتاء فيه لتأكيد الجمع كما جوزه الكرماني
وأخذ المصنف ركوب الصعبة من ركوب الفحل لأنه في الغالب أصعب ممارسة من الأنثى وأخذ
كونه كان فحلا من ذكره بضمير المذكر وقال ابن المنير هو استدلال ضعيف لان العود يصح على
اللفظ ولفظ الفرس مذكر وإن كان يقع على المؤنث وعكسه الجماعة فيجوز إعادة الضمير على
اللفظ وعلى المعنى قال وليس في حديث الباب ما يدل على تفضيل الفحولة الا أن نقول أثنى عليه
الرسول وسكت عن الأنثى فثبت التفضيل بذلك وقال ابن بطال معلوم ان المدينة لم تخل عن إناث
الخيل ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا جملة من أصحابه انهم ركبوا غير الفحول الا ما ذكر
عن سعد بن أبي وقاص كذا قال وهو محل توقف وقد روى الدارقطني ان فرس المقداد كان أنثى
(قوله وقال راشد بن سعد) هو المقرأ بفتح الميم وتضم وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة
تابعي وسط شامي مات سنة ثلاث عشرة ومائة وما له في البخاري سوى هذا الأثر الواحد (قوله
كان السلف) أي من الصحابة فمن بعدهم وقوله أجرأ وأجسر بهمز أجرأ من الجراءة وبغير همز
من الجري وأجسر بالجيم والمهملة من الجسارة وحذف المفضل عليه اكتفاء بالسياق أي من
الإناث أو المخصية وروى أبو عبيدة في كتاب الخيل له عن عبد الله بن محيريز نحو هذا الأثر وزاد
وكانوا يستحبون إناث الخيل في الغارات والبيات وروى الوليد بن مسلم في الجهاد له من طريق
عبادة بن نسي بنون ومهملة مصغرا وابن محيريز انهم كانوا يستحبون إناث الخيل في الغارات
والبيات ولما خفي من أمور الحرب ويستحبون الفحول في الصفوف والحصون ولما ظهر من
أمور الحرب وروي عن خالد بن الوليد انه كان لا يقاتل الا على أنثى لأنها تدفع البول وهي أقل
صهيلا والفحل يحبسه في جريه حتى ينفتق ويؤذى بصهيله ثم ذكر المصنف حديث أنس في فرس
أبي طلحة وقد تقدم قريبا وان شرحه سبق في كتاب الهبة وأحمد بن محمد شيخه فيه هو المروزي
ولقبه مردويه واسم جده موسى وقال الدارقطني هو الذي لقبه شبويه واسم جده ثابت والأول
أكثر (قوله باب سهام الفرس) أي ما يستحقه الفارس من الغنيمة بسبب فرسه
(قوله وقال مالك يسهم للخيل والبراذين جمع برذون بكسر الموحدة وسكون الراء وفتح المعجمة
والمراد الجفاة الخلقة من الخيل وأكثر ما تجلب من بلاد الروم ولها جلد على السير في الشعاب
والجبال والوعر بخلاف الخيل العربية (قوله لقوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها)
قال ابن بطال وجه الاحتجاج بالآية ان الله تعالى امتن بركوب الخيل وقد أسهم لها رسول الله
صلى الله عليه وسلم واسم الخيل يقع على البرذون والهجين بخلاف البغال والحمير وكأن الآية
استوعبت ما يركب من هذا الجنس لما يقتضيه الامتنان فلما لم ينص على البرذون والهجين فيها
دل على دخولها في الخيل (قلت) وانما ذكر الهجين لان مالكا ذكر هذا الكلام في الموطأ
وفيه والهجين والمراد بالهجين ما يكون أحد أبويه عربيا والآخر غير عربي وقيل الهجين الذي
أبوه فقط عربي وأما الذي أمه فقط عربية فيسمى المقرف وعن أحمد الهجين البرذون ويحتمل
50

أن يكون أراد في الحكم وقد وقع لسعيد بن منصور وفي المراسيل لأبي داود عن مكحول ان النبي
صلى الله عليه وسلم هجن الهجين يوم خيبر وعرب العراب فجعل للعربي سهمين وللهجين سهما
وهذا منقطع ويؤيده ما روى الشافعي في الام وسعيد بن منصور من طريق علي بن الأقمر قال
أغارت الخيل فأدركت العراب وتأخرت البراذن فقام ابن المنذر الوادعي فقال لا أجعل ما أدرك كمن لم يدرك فبلغ ذلك عمر فقال هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به أمضوها على ما قال فكان أول
من أسهم للبراذين دون سهام العراب وفي ذلك يقول شاعرهم
ومنا الذي قد سن في الخيل سنة * * وكانت سواء قبل ذاك سهامها
وهذا منقطع أيضا وقد أخذ أحمد بمقتضى حديث مكحول في المشهور عنه كالجماعة وعنه
ان بلغت البراذين مبالغ العربية سوى بينهما والا فضلت العربية واختارها الجوزجاني وغيره
وعن الليث يسهم للبرذون والهجين دون سهم الفرس (قوله ولا يسهم لأكثر من فرس) هو بقية
كلام مالك وهو قول الجمهور وقال الليث وأبو يوسف وأحمد واسحق يسهم لفرسين لا لأكثر
وفي ذلك حديث أخرجه الدارقطني باسناد ضعيف عن أبي عمرة قال أسهم لي رسول الله صلى الله
عليه وسلم لفرسي أربعة أسهم ولي سهما فأخذت خمسة أسهم قال القرطبي ولم يقل أحد انه
يسهم لأكثر من فرسين الا ما روى عن سليمان بن موسى أنه يسهم لكل فرس سهمان بالغا ما بلغت
ولصاحبه سهما أي غير سهمي الفرس (قوله عن عبيد الله) هو ابن عمر العمري (قوله جعل للفرس
سهمين ولصاحبه سهما) أي غير سهمي الفرس فيصير للفارس ثلاثة أسهم وسيأتي في غزوة خيبر
ان نافعا فسره كذلك ولفظه إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم فإن لم يكن معه فرس فله
سهم ولأبي داود عن أحمد عن أبي معاوية عن عبيد الله بن عمر بلفظ أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة
أسهم سهما له وسهمين لفرسه وبهذا التفسير يتبين أن لا وهم فيما رواه أحمد بن منصور الرمادي عن
أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وابن نمير كلاهما عن عبيد الله بن عمر فيما أخرجه الدارقطني
بلفظ أسهم للفارس سهمين قال الدارقطني عن شيخه أبي بكر النيسابوري وهم فيه الرمادي
وشيخه (قلت) لا لان المعنى أسهم للفارس بسبب فرسه سهمين غير سهمه المختص به وقد رواه ابن
أبي شيبة في مصنفه ومسنده بهذا الاسناد فقال للفرس وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب
الجهاد له عن ابن أبي شيبة وكأن الرمادي رواه بالمعنى وقد أخرجه أحمد عن أبي أسامة وابن نمير
معا بلفظ أسهم للفرس وعلى هذا التأويل أيضا يحمل ما رواه نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن
عبيد الله مثل رواية الرمادي أخرجه الدارقطني وقد رواه علي بن الحسن بن شقيق وهو أثبت من
نعيم عن ابن المبارك بلفظ أسهم للفرس وتمسك بظاهر هذه الرواية بعض من احتج لأبي حنيفة
في قوله إن للفرس سهما واحدا ولراكبه سهم آخر فيكون للفارس سهمان فقط ولا حجة فيه
لما ذكرنا واحتج له أيضا بما أخرجه أبو داود من حديث مجمع بن جارية بالجيم والتحتانية في حديث
طويل في قصة خيبر قال فأعطى للفارس سهمين وللراجل سهما وفي اسناده ضعف ولو ثبت يحمل
على ما تقدم لأنه يحتمل الامرين والجمع بين الروايتين أولى ولا سيما والأسانيد الأولة أثبت ومع
رواتها زيادة علم وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود من حديث أبي عمرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم أعطى للفرس سهمين ولكل إنسان سهما فكان للفارس ثلاثة أسهم وللنسائي من حديث
51

الزبير ان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب له أربعة أسهم سهمين لفرسه وسهما له وسهما لقرابته
قال محمد بن سحنون انفرد أبو حنيفة بذلك دون فقهاء الأمصار ونقل عنه أنه قال أكره ان أفضل
بهيمة على مسلم وهي شبهة ضعيفة لان السهام في الحقيقة كلها للرجل (قلت) لو لم يثبت الخبر
لكانت الشبهة قوية لان المراد المفاضلة بين الراجل والفارس فلولا الفرس ما ازداد الفارس
سهمين عن الراجل فمن جعل للفارس سهمين فقد سوى بين الفرس وبين الرجل وقد تعقب هذا
أيضا لان الأصل عدم المساواة بين البهيمة والانسان فلما خرج هذا عن الأصل بالمساواة فلتكن
المفاضلة كذلك وقد فضل الحنفية الدابة على الانسان في بعض الأحكام فقالوا لو قتل كلب صيد
قيمته أكثر من عشرة آلاف أداها فإن قتل عبدا مسلما لم يؤد فيه الا دون عشرة آلاف درهم
والحق ان الاعتماد في ذلك على الخبر ولم ينفرد أبو حنيفة بما قال فقد جاء عن عمر وعلي وأبي
موسى لكن الثابت عن عمر وعلى كالجمهور واستدل للجمهور من حيث المعنى بان الفرس يحتاج
إلى مؤنة لخدمتها وعلفها وبأنه يحصل بها من الغنى في الحرب ما لا يخفى واستدل به على أن
المشرك إذا حضر الوقعة وقاتل مع المسلمين يسهم له وبه قال بعض التابعين كالشعبي ولا حجة فيه
إذ لم يرد هنا صيغة عموم واستدل للجمهور بحديث لم تحل الغنائم لاحد قبلنا وسيأتي في مكانه
وفي الحديث حض على اكتساب الخيل واتخاذها للغزو لما فيها من البركة واعلاء الكلمة
واعظام الشوكة كما قال تعالى ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم واختلف فيمن خرج
إلى الغزو ومعه فرس فمات قبل حضور القتال فقال مالك يستحق سهم الفرس وقال الشافعي
والباقون لا يسهم له الا إذا حضر القتال فلو مات الفرس في الحرب استحق صاحبه وان مات
صاحبه استمر استحقاقه وهو للورثة وعن الأوزاعي فيمن وصل إلى موضع القتال فباع فرسه
يسهم له لكن يستحق البائع مما غنموا قبل العقد والمشتري مما بعده وما اشتبه قسم وقال غيره
يوقف حتى يصطلحا وعن أبي حنيفة من دخل أرض العدو راجلا لا يقسم له الا سهم راجل ولو
اشترى فرسا وقاتل عليه واختلف في غزاة البحر إذا كان معهم خيل فقال الأوزاعي والشافعي
يسهم له (تكميل) هذا الحديث يذكره الأصوليون في مسائل القياس في مسئلة الايماء أي إذا
اقترن الحكم بوصف لولا أن ذلك الوصف للتعليل لم يقع الاقتران فلما جاء سياق واحد أنه صلى
الله عليه وسلم أعطى للفرس سهمين وللراجل سهما دل على افتراق الحكم (قوله
باب من قاد دابة غيره في الحرب) ذكر فيه حديث البراء بن عازب ان هوازن كانوا قوما
رماة الحديث والغرض منه قوله فيه وأبو سفيان وهو ابن الحارث بن عبد المطلب آخذ بلجامها
وسيأتي شرحه مستوفى في غزوة حنين من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى (قوله
باب الركاب والغرز للدابة) قيل الركاب يكون من الحديد والخشب والغرز لا يكون
الا من الجلد وقيل هما مترادفان أو الغرز للجمل والركاب للفرس وذكر فيه حديث ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل رجله في الغرز أهل الحديث وهو ظاهر فيما ترجم له من
الغرز وأما الركاب فألحقه به لأنه في معناه وقال ابن بطال كأنه أشار إلى أن ما جاء عن عمر أنه قال
اقطعوا الركب وثبوا على الخيل وثبا ليس على منع اتخاذ الركب أصلا وانما أراد تدريبهم على
ركوب الخيل (قوله باب ركوب الفرس العرى) بضم المهملة وسكون الراء أي ليس
52

عليه سرج ولا أداة ولا يقال في الآدميين إنما يقال عريان قاله ابن فارس قال وهي من النوادر
انتهى وحكى ابن التين انه ضبط في الحديث بكسر الراء وتشديد التحتانية وليس في كتب اللغة
ما يساعده * ذكر فيه حديث أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم استقبلهم على فرس عرى ما عليه
سرج في عنقه سيف وهو طرف من الحديث الذي تقدم في أنه استعار فرسا لأبي طلحة وقد
أخرجه الإسماعيلي من طريق أخرى عن حماد بن زيد وفي أوله فزع أهل المدينة ليلة فتلقاهم
النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس بغير سرج وفي رواية له وهو على
فرس لأبي طلحة وقد سبق في باب الشجاعة في الحرب في حديث أوله كان النبي صلى الله عليه وسلم
أحسن الناس وأشجع الناس بعض هذا الحديث وقد سبق شرحه في الهبة وفيه ما كان عليه
النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع والفروسية البالغة فان الركوب المذكور لا يفعله الا من
أحكم الركوب وأدمن على الفروسية وفيه تعليق السيف في العنق إذا أحتاج إلى ذلك حيث
يكون أعون له وفي الحديث ما يشير إلى أنه ينبغي للفارس ان يتعاهد الفروسية ويروض طباعه
عليها لئلا يفجأه شدة فيكون قد استعد لها (قوله باب الفرس القطوف) أي
البطئ المشي قال أبو زيد وغيره فطفت الدابة تقطف قطافا وقطوفا والقطوف من الدواب
المقارب الخطو وقيل الضيق المشي وقال الثعالبي ان مشى وثبا فهو قطوف وإن كان يرفع يديه
ويقوم على رجليه فهو سبوت وان التوى براكبه فهو قموص وان منع ظهره فهو شموس ذكر
فيه حديث أنس ان أهل المدينة فزعوا مرة فركب النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة كان
يقطف الحديث وقوله يقطف بكسر الطاء وبضمها وقد سبق شرحه في الهبة وقوله أو كان فيه
قطاف شك من الراوي وسيأتي في باب السرعة والركض من طريق محمد بن سيرين عن أنس
بلفظ فركب فرسا لأبي طلحة بطيئا وقوله لا يجارى بضم أوله زاد في نسخة الصغاني قال أبو عبد الله
أي لا يسابق لأنه لا يسبق في الجري وفيه بركة النبي صلى الله عليه وسلم لكونه ركب ما كان
بطيئا فصار سابقا وسيأتي في رواية محمد بن سيرين المذكورة فما سبق بعد ذلك اليوم (قوله
باب السبق بين الخيل) أي مشروعية ذلك والسبق بفتح المهملة وسكون الموحدة
مصدر وهو المراد هنا وبالتحريك الرهن الذي يوضع لذلك ثم قال (باب اضمار الخيل
للسبق) إشارة إلى أن السنة في المسابقة ان يتقدم اضمار الخيل وإن كانت التي لا تضمر لا تمنع
المسابقة عليها ثم قال (باب غاية السباق للخيل المضمرة) أي بيان ذلك وبيان غاية
التي لم تضمر وذكر في الأبواب الثلاثة حديث ابن عمر في ذلك وقوله في الطريق الأولى من الحفياء
بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها تحتانية ومد مكان خارج المدينة من جهة (3) ويجوز
القصر وحكى الحازمي تقديم الياء التحتانية على الفاء وحكى عياض ضم أوله وخطأه وقوله فيها
أجرى قال في التي تليها سابق وهو بمعناه وقال فيها قال ابن عمر وكنت فيمن أجرى وقال في الرواية
التي تليها وان عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها وسفيان في الرواية الأولى هو الثوري وشيخه
عبيد الله بالتصغير هو ابن عمر العمري والطريق الثانية عن الليث مختصرة وقد أخرجها تامة
النسائي عن قتيبة عن الليث وهو عند مسلم لكن لم يسبق لفظه وقوله في الأولى قال عبد الله قال
سفيان حدثني عبيد الله فعبد الله هو ابن الوليد العدني كذا رويناه في جامع سفيان الثوري من
53

روايته عنه وأراد بذلك تصريح الثوري عن شيخه بالتحديث ووهم من قال فيه وقال أبو عبد الله
وزاد الإسماعيلي من طريق اسحق وهو الأزرق عن الثوري في آخره قال ابن عمر وكنت فيمن
أجرى فوثب بي فرسي جدارا وأخرجه مسلم من طريق أيوب عن نافع وقال فيه فسبقت الناس
فطفف بن الفرس مسجد بني زريق أي جاوز بي المسجد الذي كان هو الغاية وأصل التطفيف
مجاوزة الحد وقوله في آخر الثانية قال أبو عبد الله هو المصنف وقوله أمدا غاية فطال عليهم الأمد
وقع هذا في رواية المستملى وحده وهو تفسير أبي عبيدة في المجاز وهو متفق عليه عند أهل اللغة قال
النابغة * سبق الجواد إذا استولى على الأمد ومعاوية في الرواية الثالثة هو ابن عمر
الأزدي وأبو اسحق هو الفزاري وقوله فيها قال سفيان هو موصول بالاسناد المذكور ولم يسند
سفيان ذلك وقد ذكر نحوه موسى بن عقبة في الرواية الثالثة الا ان سفيان قال في المسافة التي
بين الحفياء والثنية خمسة أو ستة وقال موسى ستة أو سبعة وهو اختلاف قريب وقال سفيان
في المسافة الثانية ميل أو نحوه وقد وقع في رواية الترمذي من طريق عبيد الله بن عمر ادراج ذلك
في نفس الخبر والخبر بالستة وبالميل قال ابن بطال انما ترجم لطريق الليث بالاضمار وأورده بلفظ
سابق بين الخيل التي لم تضمر ليشير بذلك إلى تمام الحديث وقال ابن المنير لا يلتزم ذلك في تراجمه
بل ربما ترجم مطلقا لما قد يكون ثابتا ولما قد يكون منفيا فمعنى قوله اضمار الخيل للسبق أي هل
هو شرط أم لا فبين بالرواية التي ساقها ان ذلك ليس بشرط ولو كان غرضه الاقتصار المجرد لكان
الاقتصار على الطرف المطابق للترجمة أولى لكنه عدل عن ذلك للنكتة المذكورة وأيضا فلإزالة
اعتقاد أن التضمير لا يجوز لما فيه من مشقة سوقها والخطر فيه فبين انه ليس بممنوع بل مشروع
والله أعلم (قلت) ولا منافاة بين كلامه وكلام ابن بطال بل أفاد النكتة في الاقتصار (قوله
أضمرت) بضم أوله وقوله لم تضمر بسكون الضاد المعجمة والمراد به ان تعلف الخيل حتى تسمن
وتقوى ثم يقلل علفها بقدر القوت وتدخل بيتا وتغشى بالجلال حتى تحمى فتعرق فإذا جف
عرقها خف لحمها وقويت على الجري وفي الحديث مشروعية المسابقة وانه ليس من العبث بل
من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة وهي دائرة
بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك قال القرطبي لا خلاف في جواز المسابقة على
الخيل وغيرها من الدواب وعلى الاقدام وكذا الترامي بالسهام واستعمال الأسلحة لما في ذلك من
التدريب على الحرب وفيه جواز اضمار الخيل ولا يخفى اختصاص استحبابها بالخيل المعدة
للغزو وفيه مشروعية الاعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة وفيه نسبة الفعل إلى الآمر به
لان قوله سابق أي أمر أو أباح * (تنبيه) * لم يتعرض في هذا الحديث للمراهنة على ذلك لكن ترجم
الترمذي له باب المراهنة على الخيل ولعله أشار إلى ما أخرجه أحمد من رواية عبد الله بن عمر المكبر
عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل وراهن وقد أجمع العلماء
كما تقدم على جواز المسابقة بغير عوض لكن قصرها مالك والشافعي على الخف والحافر
والنصل وخصه بعض العلماء بالخيل وأجازه عطاء في كل شئ واتفقوا على جوازها بعوض بشرط
أن يكون من غير المتسابقين كالامام حيث لا يكون له معهم فرس وجوز الجمهور أن يكون من
أحد الجانبين من المتسابقين وكذا إذا كان معهما ثالث محلل بشرط أن لا يخرج من عنده شيئا
54

ليخرج العقد عن صورة القمار وهو أن يخرج كل منهما سبقا فمن غلب أخذ السبقين فاتفقوا على
منعه ومنهم من شرط في المحلل أن يكون لا يتحقق السبق في مجلس السبق وفيه ان المراد بالمسابقة
بالخيل كونها مركوبة لا مجرد ارسال الفرسين بغير راكب لقوله في الحديث وان عبد الله بن
عمر كان فيمن سابق بها كذا استدل به بعضهم وفيه نظر لان الذي لا يشترط الركوب لا يمنع صورة
الركوب وانما احتج الجمهور بأن الخيل لا تهتدي بأنفسها لقصد الغاية بغير راكب وربما نفرت
وفيه نظر لان الاهتداء لا يختص بالركوب فلو أن السائس كان ماهرا في الجري بحيث لو كان مع
كل فرس ساع يهديها إلى الغاية لأمكن وفيه جواز إضافة المسجد إلى قوم مخصوصين وقد ترجم
له البخاري بذلك في كتاب الصلاة وفيه جواز معاملة البهائم عند الحاجة بما يكون تعذيبا لها في
غير الحاجة كالإجاعة والاجراء وفيه تنزيل الخلق منازلهم لأنه صلى الله عليه وسلم غاير بين منزلة
المضمر وغير المضمر ولو خلطهما لأتعب غير المضمر (قوله باب ناقة النبي صلى الله عليه
وسلم) كذا أفرد الناقة في الترجمة إشارة إلى أن العضباء والقصواء واحدة (قوله وقال ابن عمر
أردف النبي صلى الله عليه وسلم أسامة على القصواء) هو طرف من حديث وصله المصنف في الحج
وقد تقدم شرحه في حجة الوداع (قوله وقال المسور ما خلأت القصواء) هو طرف من الحديث
الطويل الماضي مع شرحه في كتاب الشروط وفيه ضبط القصواء (قوله حدثنا معاوية هو ابن
عمرو الأزدي وأبو اسحق هو الفزاري (قوله طوله موسى عن حماد عن ثابت عن أنس) أي رواه
مطولا وهذا التعليق وقع في رواية المستملى وحده هنا وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي وحماد
هو ابن سلمة ووقع في رواية من عدا الهروي بعد سياق رواية زهير وقد وصله أبو داود عن موسى
ابن إسماعيل المذكور وليس سياقه بأطول من سياق زهير بن معاوية عن حميد نعم هو أطول من
سياق أبي إسحاق الفزاري فتترجح رواية المستملي وكانه اعتمد رواية أبي إسحاق لما وقع فيها من
التصريح بسماع حميد من أنس وأشار إلى أنه روى مطولا من طريق ثابت ثم وجده من رواية
حميد أيضا مطولا فأخرجه والله أعلم (قوله لا تسبق قال حميد أو لا تكاد تسبق) شك منه وهو
موصول بالاسناد المذكور وفي بقية الروايات بغير شك وقوله إن لا يرتفع شئ من الدنيا وفي رواية
موسى بن إسماعيل أن لا يرفع شيئا وكذا للمصنف في الرقاق وكذا قال النفيلي عن زهير عند أبي
داود وفي رواية شعبة عند النسائي أن لا يرفع شئ نفسه في الدنيا وقوله فجاء اعرابي فسبقها
في رواية ابن المبارك وغيره عن حميد عند أبي نعيم فسابقها فسبقها وفي رواية شعبة سابق
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي ولم أقف على اسم هذا الأعرابي بعد التتبع الشديد (قوله
على قعود) بفتح القاف ما استحق الركوب من الإبل قال الجوهري هو البكر حتى يركب وأقل
ذلك ان يكون ابن سنتين إلى أن يدخل السادسة فيسمى جملا وقال الأزهري لا يقال الا للذكر
ولا يقال للأنثى قعودة وانما يقال لها قلوص قال وقد حكى الكسائي في النوادر قعودة للقلوص
وكلام الأكثر على خلافه وقال الخليل القعودة من الإبل ما يقعده الراعي لحمل متاعه والهاء فيه
للمبالغة (قوله حتى عرفه) أي عرف أثر المشقة وفي رواية المصنف في الرقاق فلما رأى ما في
وجوههم وقالوا سبقت العضباء الحديث والعضباء بفتح المهملة وسكون المعجمة بعدها موحدة
ومد هي المقطوعة الأذن أو المشقوقة وقال ابن فارس كان ذلك لقبا لها لقوله تسمى العضباء
55

ولقوله يقال لها العضباء ولو كانت تلك صفتها لم يحتج لذلك وقال الزمخشري العضباء منقول من
قولهم ناقة عضباء أي قصيرة اليد واختلف هل العضباء هي القصواء أو غيرها فجزم الحربي بالأول
وقال تسمى العضباء والقصواء والجدعاء وروى ذلك ابن سعد عن الواقدي وقال غيره بالثاني
وقال الجدعاء كانت شهباء وكان لا يحمله عند نزول الوحي غيرها وذكر له عدة نوق غير هذه
تتبعها من اعتنى بجمع السيرة وفي الحديث اتخاذ الإبل للركوب والمسابقة عليها وفيه التزهيد
في الدنيا للإشارة إلى أن كل شئ منها لا يرتفع الا اتضع وفيه الحث على التواضع وفيه حسن خلق
النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه وعظمته في صدور أصحابه (قوله باب الغزو على
الحمير) كذا في رواية المستملى وحده بغير حديث وضم النسفي هذه الترجمة للتي بعدها فقال باب
الغزو على الحمير وبغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء ولم يتعرض لذلك أحد من الشراح وهو
مشكل على الحالين لكن في رواية المستملى أسهل لأنه يحمل على أنه وضع الترجمة وأخلى بياضا
للحديث اللائق بها فاستمر ذلك وكانه أراد أن يكتب طريقا لحديث معاذ كنت ردف النبي صلى
الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير وقد تقدم قريبا في باب اسم الفرس والحمار وكونه كان
راكبه يحتمل ان يكون في الحضر وفي السفر فيحصل مقصود الترجمة على طريقة من لا يفرق بين
المطلق والعام والله أعلم وأما رواية النسفي فليس في حديثي الباب الا ذكر البغلة خاصة ويمكن
ان يكون أخلى آخر الباب بياضا كما قلنا في رواية المستملى أو يؤخذ حكم الحمار من البغلة وقد
أخرج عبد بن حميد من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم خيبر على حمار مخطوم
بحبل من ليف وفي سنده مقال (قوله باب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء)
قاله أنس يشير إلى حديثه الطويل في قصة حنين وسيأتي موصولا مع شرحه في المغازي وفيه وهو
على بغلة بيضاء (قوله وقال أبو حميد أهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء) يشير إلى
حديثه الطويل في غزوة تبوك وقد مضى موصولا في أواخر كتاب الزكاة وفيه هذا القدر وزيادة
وتقدمت الإشارة إلى اسم صاحب أيلة هناك مع بقية شرح الحديث ومما ينبه عليه هنا ان
البغلة البيضاء التي كان عليها في حنين غير البغلة البيضاء التي أهداها له ملك أيلة لان ذلك كان في
تبوك وغزوة حنين كانت قبلها وقد وقع في مسلم من حديث العباس ان البغلة التي كانت تحته
في حنين أهداها له فروة بن نفاثة بضم النون بعدها فاء خفيفة ثم مثلثة وهذا هو الصحيح وذكر
أبو الحسين بن عبدوس ان البغلة التي ركبها يوم حنين دلدل وكانت شهباء أهداها له المقوقس
وان التي أهداها له فروة يقال لها فضة ذكر ذلك ابن سعد وذكر عكسه والصحيح ما في مسلم ثم ذكر
المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث عمرو بن الحارث وهو أخو جويرية أم المؤمنين قالت
ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بغلته البيضاء الحديث وقد تقدم في أول الوصايا وان
شرحه يأتي في الوفاة آخر المغازي ثانيهما حديث البراء في قصة حنين وقد تقدم قريبا وفيه والنبي
صلى الله عليه وسلم على بغلة بيضاء وسيأتي شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى واستدل به على
جواز اتخاذ البغال وانزاء الحمر على الخيل وأما حديث علي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال انما
يفعل ذلك الذين لا يعلمون أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان فقال الطحاوي أخذ به قوم
فحرموا ذلك ولا حجة فيه لان معناه الحض على تكثير الخيل لما فيها من الثواب وكأن المراد الذين
56

لا يعلمون الثواب المرتب على ذلك (قوله باب جهاد النساء) ذكر فيه حديث
عائشة جهادكن الحج وقد تقدم في أول الجهاد ومضى شرحه في كتاب الحج وله شاهد من حديث
أبي هريرة أخرجه النسائي بلفظ جهاد الكبير أي العاجز الضعيف والمرأة الحج والعمرة (قوله
فيه وقال عبد الله بن الوليد) هو العدني وروايته موصولة في جامع سفيان وقوله في الطريق
الأخرى وعن حبيب بن أبي عمرة هو موصول من رواية قبيصة المذكورة والحاصل ان عنده
فيه عن سفيان اسنادين وقد وصله الإسماعيلي من طريق هناد بن السرى عن قبيصة كذلك
وقال ابن بطال دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء ولكن ليس في قوله
جهادكن الحج انه ليس لهن ان يتطوعن بالجهاد وانما لم يكن عليهن واجبا لما فيه من مغايرة
المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد (قلت) وقد لمح
البخاري بذلك في ايراده الترجمة مجملة وتعقيبها بالتراجم المصرحة بخروج النساء إلى الجهاد (قوله
باب غزو المرأة في البحر) ذكر فيه حديث أنس في قصة أم حرام وقد تقدم قريبا في
باب فضل من يصرع في سبيل الله ويأتي شرحه في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وقوله في آخره
قال أنس فتزوجت عبادة بن الصامت ظاهره انها تزوجته بعد هذه المقالة ووقع في رواية اسحق
عن أنس في أول الجهاد بلفظ وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله
صلى الله عليه وسلم وظاهره انها كانت حينئذ زوجته فاما ان يحمل على انها كانت زوجته ثم
طلقها ثم راجعها بعد ذلك وهذا جواب ابن التين واما أن يجعل قوله في رواية اسحق وكانت تحت
عبادة جملة معترضة أراد الراوي وصفها به غير مقيد بحال من الأحوال وظهر من رواية غيره انه
انما تزوجها بعد ذلك وهذا الثاني أولي لموافقة محمد بن يحيى بن حبان عن أنس على أن عبادة
تزوجها بعد ذلك كما سيأتي بعد اثني عشر بابا وقوله في آخره فركبت البحر مع بنت قرظة هي زوج
معاوية واسمها فاختة وقيل كنود وكانت تحت عتبة بن سهل قبل معاوية ويحتمل ان يكون معاوية
تزوج الأختين واحدة بعد أخرى وهذه رواية بن وهب في موطآته عن ابن لهيعة عمن سمع
قال ومعاوية أول من ركب البحر للغزاة وذلك في خلافة عثمان وأبوها قرظة بفتح القاف والراء
والظاء المعجمة هو ابن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف وهي قرشية نوفلية وظن بعض الشراح انها
بنت قرظة بن كعب الأنصاري فوهم والذي قلته صرح به خليفة بن خياط في تاريخه وزاد أن
ذلك كان سنة ثمان وعشرين والبلاذري في تاريخه أيضا وذكر ان قرظة بن عبد عمرو مات كافرا
فيكون لها هي رؤية وكذا لأخيها مسلم بن قرظة الذي قتل يوم الجمل مع عائشة * (تنبيهان) *
يتعلقان بهذا الاسناد (أحدهما) وقع في هذا الاسناد حدثنا أبو إسحاق هو الفزاري عن عبد الله
ابن عبد الرحمن الأنصاري هكذا هو في جميع الروايات ليس بينهما أحد وزعم أبو مسعود في
الأطراف انه سقط بينهما زائدة بن قدامة وأقره المزي على ذلك وقواه بان المسيب بن واضح رواه
عن أبي إسحاق الفزاري عن زائدة عن أبي طوالة وقد قال أبو علي الجياني تأملته في السير لأبي إسحاق
الفزاري فلم أجد فيها زائدة ثم ساقه من طريق عبد الملك بن حبيب عنه عن أبي طوالة ليس بينهما
زائدة ورواية المسيب بن واضح خطأ وهو ضعيف لا يقضى بزيادته على خطا ما وقع في الصحيح
57

ولا سيما وقد أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن معاوية بن عمرو شيخ شيخ البخاري فيه كما أخرجه
البخاري سواء ليس فيه زائدة وسبب الوهم من أبي مسعود ان معاوية بن عمرو رواه أيضا عن زائدة
عن أبي طوالة فظن أبو مسعود انه عند معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن زائدة وليس كذلك بل
هو عنده عن أبي إسحاق وزائدة معا جمعهما تارة وفرقهما أخرى أخرجه أحمد عنه عاطفا لروايته
عن أبي إسحاق على روايته عن زائدة وأخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة عن معاوية بن
عمرو عن زائدة وحده به وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن جعفر الصائغ عن معاوية فوضحت
صحة ما وقع في الصحيح ولله الحمد (ثانيهما) هذا الحديث رواه عن أنس إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن
يحيى بن حبان وأبو طوالة فقال اسحق في روايته عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل
على أم حرام وقال أبو طوالة في روايته دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنت ملحان وكلاهما
ظاهر في أنه من مسند أنس وأما محمد بن يحيى فقال عن أنس عن خالته أم حرام وهو ظاهر في أنه من
مسند أم حرام وهو المعتمد وكأن أنسا لم يحضر ذلك فحمله عن خالته وقد حدث به عن أم حرام
عمير بن الأسود أيضا كما سيأتي بعد أبواب وقد أحال المزي برواية أبي طوالة في مسند أنس على
مسند أم حرام ولم يفعل ذلك في رواية إسحاق بن أبي طلخة فأوهم خلاف الواقع الذي حررته والله
الهادي (قوله باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه) ذكر فيه طرفا من
حديث عائشة في قصة الإفك وهو ظاهر فيما ترجم له وسيأتي شرح حديث الإفك تاما في التفسير
وفيه التصريح بان حمل عائشة معه كان بعد القرعة بين نسائه (قوله باب غزو
النساء وقتالهن مع الرجال) وقع في هذه الترجمة حديث الربيع بنت معوذ وسيأتي بعد باب وفي
حديث أم عطية الذي مضى في الحيض وفي حديث ابن عباس عند مسلم كان يغزو بهن فيداوين
الجرحى الحديث ووقع في حديث آخر مرسل أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال كان
النساء يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد ويسقين المقاتلة ويداوين الجرحى ولأبي داود
من طريق حشرج بن زياد عن جدته انهن خرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حنين وفيه ان
النبي صلى الله عليه وسلم سألهن عن ذلك فقلن خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله ونداوي
الجرحى ونناول السهام ونسقي السويق ولم أر في شئ من ذلك التصريح بأنهن قاتلن ولأجل ذلك
قال ابن المنير بوب على قتالهن وليس هو في الحديث فاما ان يريد ان اعانتهن للغزاة غزو واما ان
يريد انهن ما ثبتن لسقي الجرحى ونحو ذلك الا وهن بصدد أن يدافعن عن أنفسهن وهو الغالب
انتهى وقد وقع عند مسلم من وجه آخر عن أنس ان أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين فقالت اتخذته
ان دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه ويحتمل أن يكون غرض البخاري بالترجمة ان يبين
انهن لا يقاتلن وان خرجن في الغزو فالتقدير بقوله وقتالهن مع الرجال أي هل هو سائغ أو إذا
خرجن مع الرجال في الغزو يقتصرن على ما ذكر من مداواة الجرحى ونحو ذلك ثم ذكر المصنف
حديث أنس لما كان يوم أحد انهزم الناس الحديث والغرض منه قوله فيه ولقد رأيت عائشة
بنت أبي بكر وأم سليم وانهما لمشمرتان وقد أخرجه في المغازي بهذا الاسناد بأتم من هذا السياق
ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى وقوله خدم سوقهما بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة وهي
الخلاخيل وهذه كانت قبل الحجاب ويحتمل انها كانت عن غير قصد للنظر وقوله تنقزان بضم
58

القاف بعدها زاي والقرب بكسر القاف وبالموحدة جمع قربة وقوله وقال غيره تنقلان القرب
يعني باللام دون الزاي وهي رواية جعفر بن مهران عن عبد الوارث أخرجها الإسماعيلي وقوله
تنقزان قال الداودي معناه تسرعان المشي كالهرولة وقال عياض قيل معنى تنقزان تثبان
والنقز الوثب والقفز كناية عن سرعة السير وضبطوا القرب بالنصب وهو مشكل على هذا
التأويل بخلاف رواية تنقلان قال وكان بعض الشيوخ يقرؤه برفع القرب على أن الجملة حال
وقد تخرج رواية النصب على نزع الخافض كأنه قال تثبان بالقرب قال وضبطه بعضهم تنقزان
بضم أوله أي تحركان القرب لشدة عدوهما وتصح على هذا رواية النصب وقال الخطابي أحسب
الرواية تزفران بدل تنقزان والزفر حمل القرب الثقال كما في الحديث الذي بعده (قوله
باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو) أي جواز ذلك (قوله قال ثعلبة بن أبي مالك)
في رواية ابن وهب عن يونس عند أبي نعيم في المستخرج عن ثعلبة القرظي بضم القاف وفتح الراء
بعدها معجمة مختلف في صحبته قال ابن معين له رواية وقال ابن سعد قدم أبو مالك واسمه عبد الله
ابن سام من اليمن وهو من كندة فتزوج امرأة من بني قريظة فعرف بهم وحالف الأنصار (قلت)
وكانت اليهودية قد فشت في اليمن فلذلك صاهرهم أبو مالك وكأنه قتل في بني قريظة فقد ذكر
مصعب الزبيري ان ثعلبة ممن لم يكن أثبت قوله فترك وكان ثعلبة امام قومه وله حديث مرفوع
عند ابن ماجة لكن جزم أبو حاتم بأنه مرسل وقد صرح الزهري عنه بالاخبار في حديث آخر
سيأتي في باب لواء النبي صلى الله عليه وسلم قوله فقال له بعض من عنده لم أقف على اسمه (قوله
يريدون أم كلثوم) كان عمر قد تزوج أم كلثوم بنت علي وأمها فاطمة ولهذا قالوا لها بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكانت قد ولدت في حياته وهي أصغر بنات فاطمة عليها السلام (قوله أم
سليط) كذا فيه بفتح المهملة وكسر اللام وزن رغيف ولم أر لها في كتب من صنف في الصحابة
ذكرا الا في الاستيعاب فذكرها مختصرة بالذي هنا وقد ذكرها ابن سعد في طبقات النساء وقال هي
أم قيس بنت عبيد بن زياد بن ثعلبة من بني مازن تزوجها أبو سليط بن أبي حارثة عمرو بن قيس
من بني عدي بن النجار فولدت له سليطا وفاطمة يعني فلذلك يقال لها أم سليط وذكر انها شهدت
خيبر وحنينا وغفل عن ذكر شهودها أحدا وهو ثابت بهذا الحديث وذكر في ترجمة أم عمارة
الأنصارية شبيها بهذه القصة من وجه آخر عن عمر لكن فيه فقال بعضهم أعطه صفية بنت أبي
عبيد زوج عبد الله بن عمر وقال فيه أيضا لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما التفت
يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا وأنا أراها تقاتل دوني فهذا يشعر بان القصة تعددت (قوله تزفر)
بفتح أوله وسكون الزاي وكسر الفاء أي تحمل وزنا ومعنى (قوله قال أبو عبد الله تزفر تخيط)
كذا في رواية المستملى وحده وتعقب بان ذلك لا يعرف في اللغة وانما الزفر الحمل وهو بوزنه
ومعناه قال الخليل زفر بالحمل زفرا نهض به والزفر أيضا القربة نفسها وقيل إذا كانت مملوءة ماء
ويقال للاماء إذا حملن القرب زوافر والزفر أيضا البحر الفياض وقيل الزافر الذي يعين في حمل
القربة (قلت) وقع عند أبي نعيم في المستخرج بعد ان أخرجه من طريق عبد الله بن وهب عن
يونس قال عبد الله تزفر تحمل وقال أبو صالح كاتب الليث تزفر تخرز (قلت) فلعل هذا مستند
البخاري في تفسيره وسيأتي بقية الكلام على فوائد هذا الحديث في غزوة أحد إن شاء الله تعالى
59

(قوله باب مداواة النساء الجرحى) أي من الرجال وغيرهم (في الغزو) ثم قال بعده
باب رد النساء الجرحى والقتلى كذا للأكثر وزاد الكشميهني إلى المدينة (قوله عن الربيع)
بالتشديد وأبوها معوذ بالتشديد أيضا والذال المعجمة لها ولأبيها صحبة (قوله كنا مع النبي صلى الله
عليه وسلم نسقي (كذا أورده في الأول مختصرا وأورده في الذي بعده وسياقه أتم وأوفى بالمقصود
وزاد الإسماعيلي من طريق أخرى عن خالد بن ذكوان ولا نقاتل وفيه جواز معالجة المرأة
الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة قال ابن بطال ويختص ذلك بذوات المحارم ثم بالمتجالات منهن
لان موضع الجرح لا يلتذ بلمسه بل يقشعر منه الجلد فان دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن
بغير مباشرة ولا مس ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها ان
الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من ورآه حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر
تيمم وقال الأوزاعي تدفن كما هي قال ابن المنير الفرق بين حال المداواة وتغسيل الميت ان الغسل
عبادة والمداواة ضرورة والضرورات تبيح المحظورات (قوله باب نزع السهم
من البدن) ذكر فيه حديث أبي موسى في قصة عمه أبي عامر باختصار وساقه في غزوة حنين بتمامه
وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى قال المهلب فيه جواز نزع السهم من البدن وإن كان في
غبه الموت وليس ذلك من الالقاء إلى التهلكة إذا كان يرجو الانتفاع بذلك قال ومثله البط
والكي وغير ذلك من الأمور التي يتداوى بها وقال ابن المنير لعله ترجم بهذا لئلا يتخيل ان الشهيد
لا ينزع منه السهم بل يبقى فيه كما أمر بدفنه بدمائه حتى يبعث كذلك فبين بهذه الترجمة ان هذا
مما شرع انتهى والذي قاله المهلب أولى لان حديث الباب يتعلق بمن أصابه ذلك وهو في الحياة
بعد والذي أبداه ابن المنير يتعلق بنزعه بعد الوفاة (قوله باب الحراسة في الغزو
في سبيل الله) أي بيان ما فيها من الفضل وذكر فيه حديثين أحدهما عن عائشة (قوله أخبرنا
يحيى بن سعيد) هو الأنصاري وعبد الله بن عامر بن ربيعة هو العنزي له رؤية ولأبيه صحبة ورواية
(قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم) سهر فلما قدم المدينة قال ليت رجلا صالحا من أصحابي
يحرسني الليلة) هكذا في هذه الرواية ولم يبين زمان السهر وظاهره ان السهر كان قبل القدوم
والقول بعده وقد أخرجه مسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد وقال فيه سهر رسول الله
صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال فذكره وظاهره ان السهر والقول معا كانا بعد
القدوم وقد أخرجه النسائي من طريق أبي إسحاق الفزاري عن يحيى بن سعيد بلفظ كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة يسهر من الليل وليس المراد بقدومه المدينة أول
قدومه إليها من الهجرة لان عائشة إذ ذاك لم تكن عنده ولا كان سعد أيضا ممن سبق وقد أخرجه
أحمد عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد بلفظ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سهر ذات ليلة
وهي إلى جنبه قالت فقلت ما شأنك يا رسول الله الحديث وقد روى الترمذي من طريق عبد الله
ابن شقيق عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية والله يعصمك
من الناس واسناده حسن واختلف في وصله وارساله (قوله جئت لأحرسك) في رواية الليث
المذكورة فقال وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه فدعا له
رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله فنام النبي صلى الله عليه وسلم) زاد المصنف في التمني من طريق
60

سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد حتى سمعنا غطيطه وفي الحديث الاخذ بالحذر والاحتراس من
العدو وأن على الناس ان يحرسوا سلطانهم خشية القتل وفيه الثناء على من تبرع بالخير وتسميته
صالحا وانما عانى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع قوة توكله للاستنان به في ذلك وقد ظاهر بين
درعين مع أنهم كانوا إذا اشتد البأس كان امام الكل وأيضا فالتوكل لا ينافي تعاطي الأسباب لان
التوكل عمل القلب وهي عمل البدن وقد قال إبراهيم عليه السلام ولكن ليطمئن قلبي وقال عليه
الصلاة والسلام أعقلها وتوكل قال ابن بطال نسخ ذلك كما دل عليه حديث عائشة وقال القرطبي
ليس في الآية ما ينافي الحراسة كما أن اعلام الله بنصر دينه واظهاره ما يمنع الامر بالقتال واعداد
العدد وعلى هذا فالمراد العصمة من الفتنة والاضلال أو ازهاق الروح والله أعلم * ثانيهما عن أبي
هريرة * (قوله وزاد لنا عمرو) بن مرزوق (3) هكذا وعمرو هو من شيوخ البخاري وقد صرح
بسماعه منه في مواضع أخرى وجميع الاسناد سواه مدنيون وفيه تابعيان عبد الله بن دينار
وأبو صالح والمراد بالزيادة قوله في آخره تعس وانتكس الخ وقد وصله أبو نعيم من طريق أبي مسلم
الكجي وغيره عن عمرو بن مرزوق وسيأتي مزيد لهذا في التمني إن شاء الله تعالى (قوله تعس عبد
الدينار) الحديث سيأتي بهذا الاسناد والمتن في كتاب الرقاق ونذكر شرحه هناك إن شاء الله تعالى
والغرض منه هنا قوله في الطريق الثانية طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه الحديث لقوله إن كان في
الحراسة كان في الحراسة (قوله تعس) بفتح أوله وكسر المهملة ويجوز فتحها وهو ضد سعد تقول
تعس فلان أي شقي وقيل معنى التعس الكب على الوجه قال الخليل التعس ان يعثر فلا يفيق
من عثرته وقيل التعس الشر وقيل البعد وقيل الهلاك وقيل التعس ان يخر على وجهه والنكس
ان يخر على رأسه وقيل تعس أخطأ حجته وبغيته وقوله وانتكس بالمهملة أي عاوده المرض وقيل
إذا سقط اشتغل بسقطته حتى يسقط أخرى وحكى عياض ان بعضهم رواه انتكش بالمعجمة وفسره
بالرجوع وجعله دعاء له لا عليه والأول أولى (قوله وإذا شيك فلا انتقش شيك بكسر المعجمة
وسكون التحتانية بعدها كاف وانتقش بالقاف والمعجمة والمعنى إذا أصابته الشوكة فلا وجد
من يخرجها منه بالمنقاش تقول نقشت الشوك إذا استخرجته وذكر ابن قتيبة ان بعضهم رواه
بالعين المهملة بدل القاف ومعناه صحيح لكن مع ذكر الشوكة تقوى رواية القاف ووقع في رواية
الأصيلي عن أبي زيد المروزي وإذا شيت بمثناة فوقانية بدل الكاف وهو تغيير فاحش وفي الدعاء
بذلك إشارة إلى عكس مقصوده لان من عثر فدخلت في رجله الشوكة فلم يجد من يخرجها يصير
عاجزا عن الحركة والسعي في تحصيل الدنيا وفي قوله طوبى لعبد الخ إشارة إلى الحض على العمل
بما يحصل به خير الدنيا والآخرة (قوله أشعث) صفة لعبد وهو مجرور بالفتحة لعدم الصرف ورأسه
بالرفع الفاعل قال الطيبي أشعث رأسه مغبرة قدماه حالان من قوله لعبد لأنه موصوف وقال
الكرماني يجوز الرفع ولم يوجهه وقال غيره ويجوز في أشعث الرفع على أنه صفة رأس أي رأسه
أشعث وكذا قوله مغبرة قدماه (قوله إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان
في الساقة) هذا من المواضع التي اتحد فيها الشرط والجزاء لفظا لكن المعنى مختلف والتقدير إن كان
المهم في الحراسة كان فيها وقيل معنى فهو في الحراسة أي فهو في ثواب الحراسة وقيل هو
للتعظيم أي إن كان في الحراسة فهو في أمر عظيم والمراد منه لازمه أي فعليه أن يأتي بلوازمه
61

ويكون مشتغلا بخويصة عمله وقال ابن الجوزي المعنى انه خامل الذكر لا يقصد السمو فان اتفق له
السير سار فكأنه قال إن كان في الحراسة استمر فيها وإن كان في الساقة استمر فيها (قوله إن استأذن
لم يؤذن له وان شفع لم يشفع) فيه ترك حب الرياسة والشهرة وفضل الخمول والتواضع وسيأتي مزيد
لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى (قوله فتعسا كأنه يقول فأتعسهم الله) وقع هذا في رواية
المستملى وهي على عادة البخاري في شرح اللفظة التي توافق ما في القرآن بتفسيرها وهكذا قال أهل
التفسير في قوله تعالى والذين كفروا فتعسا لهم (قوله طوبى فعلى من كل شئ طيب وهي
ياء حولت إلى الواو وهو من يطيب) كذا في رواية المستملي أيضا والقول فيه كالقول في الذي قبله
وقال غيره المراد الدعاء له بالجنة لان طوبى أشهر شجرها وأطيبه فدعا له ان ينالها ودخول الجنة
ملزوم نيلها * (تكميل) * ورد في فضل الحراسة عدة أحاديث ليست على شرط البخاري منها
حديث عثمان مرفوعا حرس ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها أخرجه
ابن ماجة والحاكم وحديث سهل بن معاذ عن أبيه مرفوعا من حرس وراء المسلمين متطوعا لم ير
النار بعينه الا تحلة القسم أخرجه أحمد وحديث أبي ريحانة مرفوعا حرمت النار على عين سهرت
في سبيل الله أخرجه النسائي ونحوه للترمذي عن ابن عباس وللطبراني من حديث معاوية بن
حيدة ولأبي يعلى من حديث أنس واسنادها حسن وللحاكم عن أبي هريرة نحوه (قوله
باب الخدمة في الغزو) أي فضلها سواء كانت من صغير لكبير أو عكسه أو مع
المساواة وأحاديث الباب الثلاثة يؤخذ منها حكم هذه الأقسام وثلاثتها عن أنس * الأول
(قوله حدثنا محمد بن عرعرة) بمهملتين وقد ذكر الطبراني في الأوسط انه تفرد به عن شعبة وهو من
كبار شيوخ البخاري ممن روى عنه الباقون بواسطة (قوله صحبت جرير بن عبد الله) في رواية مسلم
عن نصر بن علي عن محمد بن عرعرة خرجت مع جرير بن عبد الله البجلي في سفر (قوله فكان
يخدمني وهو أكبر من أنس) فيه التفات أو تجريد لأنه قال من أنس ولم يقل مني وفي رواية مسلم
عن محمد بن المثنى عن ابن عرعرة وكان جرير أكبر من أنس ولعل هذه الجملة من قول ثابت وزاد
مسلم عن نصر بن علي فقلت لا تفعل (قوله يصنعون شيئا) في رواية نصر يصنعون برسول الله
صلى الله عليه وسلم شيئا أي من التعظيم وأبهم ذلك مبالغة في تكثير ذلك (قوله لا أجد أحدا منهم
الا أكرمته) في رواية نصر آليت أي حلفت ان لا أصحب أحدا منهم الا خدمته وفي رواية
للإسماعيلي من وجه آخر عن ابن عرعرة لا أزال أحب الأنصار وفي هذا الحديث فضل الأنصار
وفضل جرير وتواضعه ومحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها
المصنف في غير مظنتها وأليق المواضع بها المناقب * الحديث الثاني حديث أنس أيضا خرجت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه وسيأتي بأتم من هذا السياق بعد بابين * الحديث
الثالث حديث أنس أيضا وعاصم هو ابن سليمان ومورق بتشديد الراء المكسورة وهما تابعيان
في نسق والاسناد كله بصريون (قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) زاد مسلم من وجه آخر
عن عاصم في سفر فمنا الصائم ومنا المفطر قال فنزلنا منزلا في يوم حار (قوله أكثرنا ظلا من يستظل
بكسائه) في رواية مسلم وأكثرنا ظلا صاحب الكساء وزاد ومنا من يتقي الشمس بيده (قوله فاما
الذين صاموا فلم يصنعوا شيا) في رواية مسلم فسقط الصوام أي عجزوا عن العمل (قوله وأما الذين
62

أفطروا فبعثوا الركاب) أي أثاروا الإبل لخدمتها وسقيها وعلفها وفي رواية مسلم فضربوا الأخبية
وسقوا الركاب (قوله بالاجر) اي الوافر وليس المراد نقص أجر الصوام بل المراد ان المفطرين
حصل لهم أجر عملهم ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام فلذلك قال بالاجر كله
لوجود الصفات المقتضية لتحصيل الاجر منهم قال ابن أبي صفرة فيه ان أجر الخدمة في الغزو
أعظم من أجر الصيام (قلت) وليس ذلك على العموم وفيه الحض على المعاونة في الجهاد وعلى
ان الفطر في السفر أولى من الصيام وان الصيام في السفر جائز خلافا لمن قال لا ينعقد وليس في
الحديث بيان كونه إذ ذاك كان صوم فرض أو تطوع وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها
المصنف أيضا في غير مظنتها لكونه لم يذكره في الصيام واقتصر على ايراده هنا والله أعلم (قوله
باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر) ذكر فيه حديث أبي هريرة وهو ظاهر
فيما ترجم له لأنه يتناول حالة السفر من هذا الاطلاق بطريق الأولى والسلامي تقدم تفسيره في
الصلح مع بعض الكلام عليه ويأتي بقيته بعد خمسين بابا في باب من أخذ بالركاب وقوله حدثنا
إسحاق بن نصر هو ابن إبراهيم بن نصر نسب لجده السعدي وهو بالمهملة الساكنة وفتح أوله وقيل
بالضم والمعجمة وقوله كيوم منصوب على الظرفية وقوله يعين يأتي توجيهه وقوله يحامله أي
يساعده في الركوب وفي الحمل على الدابة قال ابن بطال وبين في الرواية الآتية في باب من أخذ
بالركاب ان المراد من أعان صاحب الدابة عليها حيث قال ويعين الرجل على دابته قال وإذا أجر
من فعل ذلك بدابة غيره فإذا حمل غيره على دابة نفسه احتسابا كان أعظم أجرا وقوله دل الطريق
بفتح الدال أي بيانه لمن احتاج إليه وهو بمعنى الدلالة (قوله باب فضل رباط يوم
في سبيل الله وقول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا الآية الرباط بكسر
الراء وبالموحدة الخفيفة ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم قال ابن
التين بشرط ان يكون غير الوطن قاله ابن حبيب عن مالك (قلت) وفيه نظر في إطلاقه فقد
يكون وطنه وينوي بالإقامة فيه دفع العدو ومن ثم اختار كثير من السلف سكنى الثغور فبين
المرابطة والحراسة عموم وخصوص وجهي واستدلال المصنف بالآية اختيار لأشهر التفاسير
فعن الحسن البصري وقتادة اصبروا على طاعة الله وصابروا أعداء الله في الجهاد ورابطوا في
سبيل الله وعن محمد بن كعب القرظي اصبروا على الطاعة وصابروا لانتظار الوعد ورابطوا العدو
واتقوا الله فيما بينكم وعن زيد بن أسلم اصبروا على الجهاد وصابروا العدو ورابطوا الخيل قال
ابن قتيبة أصل الرباط ان يربط هؤلاء خيلهم وهؤلاء خيلهم استعدادا للقتال قال الله تعالى وأعدوا
لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل وأخرج ذلك ابن أبي حاتم وابن جرير وغيرهما وتفسيره
برباط الخيل يرجع إلى الأول وفي الموطأ عن أبي هريرة مرفوعا وانتظار الصلاة فذلكم الرباط
وهو في السنن عن أبي سعيد وفي المستدرك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان الآية نزلت في
ذلك واحتج بأنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو فيه رباط انتهى وحمل الآية على
الأول أظهر وما احتج به أبو سلمة لا حجة فيه ولا سيما مع ثبوت حديث الباب فعلى تقدير تسليم انه
لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رباط فلا يمنع ذلك من الامر به والترغيب فيه ويحتمل
ان يكون المراد كلا من الامرين أو ما هو أعم من ذلك وأما التقييد باليوم في الترجمة واطلاقه في
63

الآية فكأنه أشار إلى أن مطلقها يقيد بالحديث فإنه يشعر بان أقل الرباط يوم لسياقه في مقام
المبالغة وذكره مع موضع سوط يشير إلى ذلك أيضا (قوله سمع أبا النضر) هو هاشم بن القاسم
والتقدير انه سمع وهي تحذف من الخط كثيرا (قوله خير من الدنيا وما عليها) تقدم في أوائل الجهاد
من حديث سهل بن سعد هذا مختصرا بلفظ وما فيها والتعبير بقوله وما عليها أبلغ وتقدم الكلام
هناك على حديث الروحة والغدوة وكذا على حديث موضع سوط أحدكم لكن من حديث أنس
وسيأتي من حديث سهل بن سعد أيضا في صفة الجنة ووقع في حديث سلمان عند أحمد والنسائي
وابن حبان رباط يوم أو ليلة خير من صيام شهر وقيامه ولأحمد والترمذي وابن ماجة عن عثمان رباط
يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل قال ابن بزيزة ولا تعارض بينهما لأنه
يحمل على الاعلام بالزيادة في الثواب عن الأول أو باختلاف العاملين (قلت) أو باختلاف العمل
بالنسبة إلى الكثرة والقلة ولا يعارضان حديث الباب أيضا لان صيام شهر وقيامه خير من الدنيا
وما عليها (قوله باب من غزا بصبي للخدمة) يشير إلى أن الصبي لا يخاطب بالجهاد
ولكن يجوز الخروج به بطريق التبعية ويعقوب المذكور في الاسناد هو ابن عبد الرحمن
الإسكندراني وعمرو هو ابن أبي عمرو مولى المطلب وسأذكر معظم شرحه في غزوة خيبر من كتاب
المغازي إن شاء الله تعالى وقد اشتمل على عدة من أحاديث الاستعاذة ويأتي شرحها في الدعوات وقصة
صفية بنت حيي والبناء بها ويأتي شرح ذلك في النكاح وقوله صلى الله عليه وسلم لاحد هذا جبل
يحبنا ونحبه وقوله عن المدينة اللهم إني أحرم ما بين لابتيها وقد تقدم شرحه في أواخر الحج وقد
تقدم من أصل الحديث شئ يتعلق بستر العورة في كتاب الصلاة لكن ذلك القدر ليس في هذه
الرواية والغرض من الحديث هنا صدره وقد استشكل من حيث إن ظاهره ان ابتداء خدمة أنس
للنبي صلى الله عليه وسلم من أول ما قدم المدينة لأنه صح عنه أنه قال خدمت النبي صلى الله عليه
وسلم تسع سنين وفي رواية عشر سنين وخيبر كانت سنة سبع فيلزم ان يكون انما خدمه أربع
سنين قاله الداودي وغيره وأجيب بان معنى قوله لأبي طلحة التمس لي غلاما من غلمانكم تعيين من
يخرج معه في تلك السفرة فعين له أبو طلحة أنسا فيسخط الالتماس على الاستئذان في المسافرة به
لا في أصل الخدمة فإنها كانت متقدمة فيجمع بين الحديثين بذلك وفي الحديث جواز استخدام
اليتيم بغير أجرة لان ذلك لم يقع ذكره في هذا الحديث وحمل الصبيان في الغزو وكذا قاله بعض
الشراح وتبعوه وفيه نظر لان أنسا حينئذ كان قد زاد على خمسة عشر لان خيبر كانت سنة
سبع من الهجرة وكان عمره عند الهجرة ثمان سنين ولا يلزم من عدم ذكر الأجرة عدم وقوعها
(قوله هذا جبل يحبنا ونحبه) قيل هو على الحقيقة ولا مانع من وقوع مثل ذلك بان يخلق الله
المحبة في بعض الجمادات وقيل هو على المجاز والمراد أهل أحد على حد قوله تعالى واسأل القرية
وقال الشاعر وما حب الديار شغفن قلبي * ولكن حب من سكن الديارا
64

(قوله باب ركوب البحر) كذا أطلق الترجمة وخصوص ايراده في أبواب الجهاد
يشير إلى تخصيصه بالغزو وقد اختلف السلف في جواز ركوبه وتقدم في أوائل البيوع قول
مطر الوراق ما ذكره الله الا بحق واحتج بقوله تعالى هو الذي يسيركم في البر والبحر وفي حديث
زهير بن عبد الله يرفعه من ركب البحر إذا ارتج فقد برئت منه الذمة وفي رواية فلا يلومن الا نفسه
أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث وزهير مختلف في صحبته وقد أخرج البخاري حديثه في
تاريخه فقال في روايته عن زهير عن رجل من الصحابة واسناده حسن وفيه تقييد المنع بالارتجاج
ومفهومه الجواز عند عدمه وهو المشهور من أقوال العلماء فإذا غلبت السلامة فالبر والبحر
سواء ومنهم من فرق بين الرجل والمرأة وهو عن مالك فمنعه للمرأة مطلقا وهذا الحديث حجة
للجمهور وقد تقدم قريبا ان أول من ركبه للغزو معاوية بن أبي سفيان في خلافة عثمان وذكر
مالك ان عمر كان يمنع الناس من ركوب البحر حتى كان عثمان فما زال معاوية يستأذنه حتى أذن له
(قوله عن يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري وقد سبق الحديث قريبا وان شرحه سيأتي في كتاب
الاستئذان (قوله باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب) أي ببركتهم
ودعائهم (قوله وقال ابن عباس أخبرني أبو سفيان) أي ابن حرب فذكر طرفا من الحديث
الطويل وقد تقدم موصولا في بدء الوحي والغرض منه قوله في الضعفاء وهم اتباع الرسل وطريق
الاحتجاج به حكاية ابن عباس ذلك وتقريره له ثم ذكر في الباب حديثين * الأول قوله حدثنا محمد بن
طلحة أي أبو مصرف وقوله عن طلحة أي ابن مصرف وهو والد محمد بن طلحة الراوي عنه ومصعب
ابن سعد أي ابن أبي وقاص وقوله رأى سعد أي ابن أبي وقاص وهو والد مصعب الراوي عنه ثم إن
صورة هذا السياق مرسل لان مصعبا لم يدرك زمان هذا القول لكن هو محمول على أنه سمع
ذلك من أبيه وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي فأخرجه من
طريق معاذ بن هانئ حدثنا محمد بن طلحة فقال فيه عن مصعب بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكر المرفوع دون ما في أوله وكذا أخرجه هو والنسائي من طريق مسعر عن
طلحة بن مصرف عن مصعب عن أبيه ولفظه انه ظن أن له فضلا على من دونه الحديث ورواه
عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا أيضا لكنه اختصره ولفظه ينصر المسلمون
بدعاء المستضعفين أخرجه أبو نعيم في ترجمته في الحلية من رواية عبد السلام بن حرب عن أبي خالد
الدالاني عن عمرو بن مرة وقال غريب من حديث عمرو تفرد به عبد السلام (قوله رأى) أي ظن
وهي رواية النسائي (قوله على من دونه) زاد النسائي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أي بسبب شجاعته ونحو ذلك (قوله هل تنصرون وترزقون الا بضعفائكم) في رواية النسائي انما
نصر الله هذه الأمة بضعفتهم بدعواتهم وصلاتهم واخلاصهم وله شاهد من حديث أبي الدرداء
عند أحمد والنسائي بلفظ انما تنصرون وترزقون بضعفائكم قال ابن بطال تأويل الحديث ان
الضعفاء أشد اخلاصا في الدعاء وأكثر خشوعا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا
وقال المهلب أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفي الزهو على غيره وترك
احتقار المسلم في كل حالة وقد روى عبد الرزاق من طريق مكحول في قصة سعد هذه زيادة مع
ارسالها فقال قال سعد يا رسول الله أرأيت رجلا يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون
65

نصيبه كنصيب غيره فذكر الحديث وعلى هذا فالمراد بالفضل إرادة الزيادة من الغنيمة فاعلمه صلى
الله عليه وسلم ان سهام المقاتلة سواء فإن كان القوي يترجح بفضل شجاعته فان الضعيف يترجح
بفضل دعائه واخلاصه وبهذا يظهر السر في تعقيب المصنف له بحديث أبي سعيد الثاني (قوله عن
عمرو) هو ابن دينار وجابر هو ابن عبد الله وروايته عن أبي سعيد من رواية الاقران (قوله يغزو
فئام) بكسر الفاء ويجوز فتحها وبهمزة على التحتانية ويجوز تسهيلها أي جماعة وسيأتي شرحه
في علامات النبوة وفضائل الصحابة قال ابن بطال هو كقوله في الحديث الآخر خيركم قرني ثم الذين
يلونهم ثم الذين يلونهم لأنه يفتح للصحابة لفضلهم ثم للتابعين لفضلهم ثم لتابعيهم لفضلهم قال ولذلك
كان الضلاح والفضل والنصر للطبقة الرابعة أقل فكيف بمن بعدهم والله المستعان (قوله
باب لا يقال فلان شهيد) أي على سبيل القطع بذلك الا إن كان بالوحي وكانه أشار إلى
حديث عمر انه خطب فقال تقولون في مغازيكم فلان شهيد ومات فلان شهيدا ولعله قد يكون
قد أوقر راحلته ألا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات
في سبيل الله أو قتل فهو شهيد وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما من
طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء بفتح المهملة وسكون الجيم ثم فاء عن عمر وله شاهد في حديث
مرفوع أخرجه أبو نعيم من طريق عبد الله بن الصلت عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم من تعدون الشهيد قالوا من أصابه السلاح قال كم من أصابه السلاح وليس بشهيد
ولا حميد وكم من مات على فراشه حتف أنفه عند الله صديق وشهيد وفي اسناده نظر فإنه من رواية
عبد الله بن خبيق بالمعجمة والموحدة والقاف مصغر عن يوسف بن أسباط الزاهد المشهور وعلى
هذا فالمراد النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد بل يجوز ان يقال ذلك على طريق
الاجمال (قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الله أعلم بمن يجاهد في سبيله والله أعلم
بمن يكلم في سبيله) أي يجرح وهذا طرف من حديث تقدم في أوائل الجهاد من طريق سعيد بن
المسيب عن أبي هريرة باللفظ الأول ومن طريق الأعرج عنه باللفظ الثاني ووجه أخذ الترجمة
منه يظهر من حديث أبي موسى الماضي من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
ولا يطلع على ذلك الا بالوحي فمن ثبت أنه في سبيل الله أعطى حكم الشهادة فقوله والله أعلم بمن
يكلم في سبيله أي فلا يعلم ذلك الا من أعلمه الله فلا ينبغي اطلاق كون كل مقتول في الجهاد انه في
سبيل الله ثم ذكر المصنف حديث سهل بن سعد في قصة الذي بالغ في القتال حتى قال المسلمون
ما أجزأ أحد ما أجزأ ثم كان آخر أمره أن قتل نفسه وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي حيث
ذكره المصنف ووجه أخذ الترجمة منه انهم شهدوا برجحانه في أمر الجهاد فلو كان قتل لم يمتنع
66

أن يشهدوا له بالشهادة وقد ظهر منه انه لم يقاتل لله وانما قاتل غضبا لقومه فلا يطلق على كل
مقتول في الجهاد أنه شهيد لاحتمال ان يكون مثل هذا وإن كان مع ذلك يعطى حكم الشهداء في
الاحكام الظاهرة ولذلك أطبق السلف على تسمية المقتولين في بدر وأحد وغيرهما شهداء والمراد
بذلك الحكم الظاهر المبني على الظن الغالب والله أعلم وروى سعيد بن منصور باسناد صحيح عن
مجاهد قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك قال لا يخرج معنا الا مقوى فخرج
رجل على بكر ضعيف فوقص فمات فقال الناس الشهيد الشهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا بلال ناد ان الجنة لا يدخلها عاص وفيه إشارة إلى أن الشهيد لا يدخل النار لأنه صلى الله عليه
وسلم قال إنه من أهل النار ولم يتبين منه الا قتل نفسه وهو بذلك عاص لا كافر لكن يحتمل ان يكون
النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على كفره في الباطن أو انه استحل قتل نفسه وقد يتعجب من المهلب
حيث قال إن حديث الباب ضد ما ترجم به البخاري لأنه قال لا يقال فلان شهيد والحديث فيه
ضد الشهادة وكانه لم يتأمل مراد البخاري وهو ظاهر كما قررته بحمد الله تعالى (قوله
باب التحريض على الرمي وقول الله عز وجل وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن
رباط الخيل الآية) لمح بما جاء في تفسير القوة في هذه الآية انها الرمي وهو عند مسلم من حديث
عقبة بن عامر ولفظه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر وأعدوا لهم
ما استطعتم من قوة ألا ان القوة الرمي ثلاثا ولأبي داود وابن حبان من وجه آخر عن عقبة
ابن عامر رفعه ان الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به
ومنبله فارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلى من أن تركبوا الحديث وفيه ومن ترك الرمي بعد علمه
رغبة عنه فإنها نعمة كفرها ولمسلم من وجه آخر عن عقبة رفعه من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو
فقد عصى ورواه ابن ماجة بلفظ فقد عصاني قال القرطبي انما فسر القوة بالرمي وإن كانت القوة
تظهر باعداد غيره من آلات الحرب لكون الرمي أشد نكاية في العدو وأسهل مؤنة لأنه قد يرمي
رأس الكتيبة فيصاب فينهزم من خلفه وذكر المصنف في الباب حديثين * أحدهما حديث سلمة
ابن الأكوع (قوله مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم) أي من بني أسلم القبيلة المشهورة
وهي بلفظ افعل التفضيل من السلامة (قوله ينتضلون) بالضاد المعجمة أي يترامون والتناضل
الترامي للسبق ونضل فلان فلانا إذا غلبه (قوله وانا مع بني فلان) في حديث أبي هريرة في نحو هذه
القصة عند ابن حبان والبزار وأنا مع ابن الأدرع انتهى واسم ابن الأدرع محجن وقع ذلك من
حديث حمزة بن عمرو الأسلمي في هذا الحديث عند الطبراني قال فيه وانا مع محجن بن الأدرع ومثله
في مرسل عروة أخرجه السراج عن قتيبة عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عنه وهو صحابي معروف
له حديث آخر في الأدب المفرد للبخاري وفي أبي داود والنسائي وابن خزيمة وقيل اسم ابن الأدرع
سلمة حكاه ابن منده قال والأدرع لقب واسمه ذكوان والله أعلم (قوله قالوا كيف نرمي وأنت
معهم) اسم قائل ذلك منهم نضلة الأسلمي ذكره ابن إسحاق في المغازي عن سفيان بن فروة الأسلمي
عن أشياخ من قومه من الصحابة قالوا بينا محجن بن الأدرع يناضل رجلا من أسلم يقال له نضلة
فذكر الحديث وفيه فقال نضلة وألقى قوسه من يده والله لا ارمى معه وأنت معه (قوله وانا معكم
كلكم) بكسر اللام ووقع في رواية عروة وانا مع جماعتكم والمراد بالمعية معية القصد إلى الخير
67

ويحتمل ان يكون قام مقام المحلل فيخرج السبق من عنده ولا يخرج كما تقدم ولا سيما وقد خصه
بعضهم بالامام قال المهلب يستفاد منه ان من صار السلطان عليه في جملة المناضلين له ان لا
يتعرض لذلك كما فعل هؤلاء القوم حيث أمسكوا لكون النبي صلى الله عليه وسلم مع الفريق الآخر
خشية ان يغلبوهم فيكون النبي صلى الله عليه وسلم مع من وقع عليه الغلب فامسكوا عن ذلك
تأدبا معه انتهى وتعقب بان المعنى الذي أمسكوا له لم ينحصر في هذا بل الظاهر أنهم أمسكوا لما
استشعروا من قوة قلوب أصحابهم بالغلبة حيث صار النبي صلى الله عليه وسلم معهم وذلك من أعظم
الوجوه المشعرة بالنصر وقد وقع في رواية حمزة بن عمر عند الطبراني فقالوا من كنت معه فقد
غلب وكذا في رواية ابن إسحاق فقال نضلة لا نغلب من كنت معه واستدل بهذا الحديث على أن
اليمن من بني إسماعيل وفيه نظر لما سيأتي في مناقب قريش من أنه استدلال بالأخص على الأعم
وفيه ان الجد الاعلى يسمى أبا وفيه التنويه بذكر الماهر في صناعته ببيان فضله وتطييب قلوب
من هم دونه وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بأمور الحرب وفيه الندب إلى
اتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها وفيه حسن أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم
* الحديث الثاني حديث أبي أسيد بضم الهمزة ووقع في رواية السرخسي وحده بفتحها وهو
خطأ وقوله إذا أكثبوكم كذا في نسخ البخاري بمثلثة ثم موحدة والكثب بفتحتين القرب
فالمعنى إذا دنوا منكم وقد استشكل بان الذي يليق بالدنو المطاعنة بالرمح والمضاربة بالسيف
وأما الذي يليق برمي النبل فالبعد وزعم الداودي ان معنى أكثبوكم كاثروكم قال وذلك أن
النبل إذا رمى في الجمع لم يخطئ غالبا ففيه ردع لهم وقد تعقب هذا التفسير بأنه لا يعرف
وتفسير الكثب بالكثرة غريب والأول هو المعتمد وقد بينته رواية أبي داود حيث
زاد في آخره واستبقوا نبلكم وفي رواية له ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم فظهر ان معنى الحديث
الامر بترك الرمي والقتال حتى يقربوا لانهم إذا رموهم على بعد قد لا تصل إليهم وتذهب في غير
منفعة والى ذلك الإشارة بقوله واستبقوا نبلكم وعرف بقوله ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم
ان المراد بالقرب المطلوب في الرمي قرب نسبي بحيث تنالهم السهام لأقرب قريب بحيث يلتحمون
معهم والنبل بفتح النون وسكون الموحدة جمع نبله ويجمع أيضا على نبال وهي السهام العربية
اللطاف * (تنبيه) * وقع في اسناد هذا الحديث اختلاف سأبينه إن شاء الله تعالى في غزوة بدر
(قوله باب اللهو بالحراب ونحوها) أي من آلات الحرب وكأنه يشير بقوله
ونحوها إلى ما روى أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان من حديث عقبة بن عامر مرفوعا ليس
من اللهو أي مشروع أو مطلوب الا تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله ثم
أورد فيه حديث أبي هريرة بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم الحديث ولم يقع
في هذه الرواية ذكر الحراب وكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما تقدم بيانه في باب أصحاب
الحراب في المسجد من كتاب الصلاة وذكرنا فوائده هناك وفي كتاب العيدين قال ابن التين يحتمل
أن يكون عمر لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلم أنه رآهم أو ظن أنه رآهم واستحيا ان يمنعهم
وهذا أولى لقوله في الحديث وهم يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) وهذا لا يمنع
الاحتمال المذكور أولا ويحتمل أن يكون انكاره لهذا شبيه انكاره على المغنيتين وكان من شدته
68

في الدين ينكر خلاف الأولى والجد في الجملة أولى من اللعب المباح وأما النبي صلى الله عليه وسلم
فكان بصدد بيان الجواز وقوله زاد على حدثنا عبد الرزاق وقع في رواية الكشميهني زادنا علي
(قوله باب المجن) في رواية ابن شبويه الترسة جمع ترس والمجن
بكسر الميم وفتح الجيم وتثقيل النون أي الدرقة قال ابن المنير وجه هذه التراجم دفع من يتخيل
ان اتخاذ هذه الآلات ينافي التوكل والحق ان الحذر لا يرد القدر ولكن يضيق مسالك الوسوسة
لما طبع عليه البشر (قوله ومن يترس بترس صاحبه) أي فلا بأس به ثم ذكر فيه أربعة أحاديث
(الأول) حديث أنس كان أبو طلحة بترس مع النبي صلى الله عليه وسلم بترس واحد الحديث أورده
مختصرا من هذا الوجه وسيأتي بأتم من هذا السياق في المناقب في غزوة أحد قيل إن الرامي
يحتاج إلى من يستره لشغله يديه جميعا بالرمي فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يترسه بترسه
(ثانيها) حديث سهل وهو ابن سعد لما كسرت بيضة النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه الحديث
والغرض منه قوله وكان على يختلف بالماء في المجن وقد تقدمت له طريق أخرى قريبا ويأتي
الكلام عليه في غزوة أحد إن شاء الله تعالى (ثالثها) حديث عمر كانت أموال بني النضير مما أفاء
الله على رسوله الحديث ذكر منه طرفا وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب فرض الخمس وفي
الفرائض والغرض منه قوله هنا ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة لان المجن من جملة آلات
السلاح كما روى سعيد بن منصور باسناد صحيح عن ابن عمر انه كانت عنده درقة فقال لولا أن عمر
قال لي احبس سلاحك لأعطيت هذه الدرقة لبعض أولادي (رابعها) حديث علي في قوله صلى
الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص ارم فداك أبي وأمي وسيأتي شرحه مستوفى في المناقب وفي
غزوة أحد وقوله فيه حدثنا قبيصة هو ابن عقبة وسفيان هو الثوري وزعم أبو نعيم في المستخرج
ان لفظ قبيصة هنا تصحيف ممن دون البخاري وان الصواب حدثنا قتيبة وعلى هذا فسفيان هو
ابن عيينة لان قتيبة لم يسمع من الثوري لكن لا أعرف لانكاره معنى إذ لا مانع أن يكون عند
السفيانين وقد أخرجه المصنف في الأدب من طريق يحيى القطان عن سفيان الثوري ووقع في
رواية النسفي هنا عن مسدد عن يحيى أيضا ودخول هذا الحديث هنا غير ظاهر لأنه لا يوافق واحدا
من ركني الترجمة وقد أثبت ابن شبويه في روايته قبله لفظ باب بغير ترجمة وله مناسبة بالترجمة التي
قبله من جهة ان الرامي لا يستغني عن شئ يقي به عن نفسه سهام من يراميه وفي حديث علي جواز
التفدية وسيأتي بسط ذلك بادلته وبيان ما يعارضه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى (قوله
باب الدرق) جمع درقة أي جواز اتخاذ ذلك أو مشروعيته (قوله حدثنا إسماعيل
69

هو ابن أبي أويس كما جزم به المزي في الاراف وأغفل ذلك في التهذيب وهذا الحديث قد تقدم
في أول العيدين عن أحمد عن ابن وهب وبينت هناك الاختلاف في أبيه وهو المراد بقوله في هذا
الباب قال أحمد يعني عن ابن وهب بهذا السند وقوله فيه فقال دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا
في رواية أبي ذر عمد بدل غفل وكذا في رواية أبي زيد المروزي قال عياض ورواية الأكثر هي
الوجه (قوله باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق) الحمائل بالمهملة جمع حميلة
وهي ما يقلد به السيف وأورد فيه حديث أنس وقد تقدم في باب الفرس العرى وباب الشجاعة
في الحرب وسياقه هنا أتم وسبق شرحه في الهبة والغرض منه هنا قوله وفي عنقه السيف فدل
على جواز ذلك وقوله لم تراعوا وقع في رواية الحموي والكشميهني مرتين قال ابن المنير مقصود
المصنف من هذه التراجم ان يبين زي السلف في آلة الحرب وما سبق استعماله في زمن النبي صلى
الله عليه وسلم ليكون أطيب للنفس وأنفى للبدعة (قوله باب ما جاء في حلية
السيوف) أي من الجواز وعدمه (قوله سمعت سليمان بن حبيب) هو المحاربي قاضي دمشق في
زمن عمر بن عبد العزيز وغيره ومات سنة عشرين أو بعدها وليس له في البخاري سوى هذا
الحديث (قوله لقد فتح الفتوح قوم) وقع عند ابن ماجة لتحديث أبي أمامة بذلك سبب وهو
دخلنا على أبي أمامة فرأى في سيوفنا شيئا من حلية فضة فغضب وقال فذكره وزاد الإسماعيلي
في روايته انه دخل عليه بحمص وزاد فيه لأنتم أبخل من أهل الجاهلية ان الله يرزق الرجل
منكم الدرهم ينفقه في سبيل الله بسبعمائة ثم أنتم تمسكون وأخرجه هشام بن عمار في فوائده
والطبراني من طريقه من وجه آخر عن سليمان بن حبيب قال نزلنا حمص قافلين من الروم فإذا
عبد الله بن أبي زكريا ومكحول فانطلقنا إلى أبي أمامة فإذا شيخ هرم فلما تكلم إذا رجل يبلغ حاجته
ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ ما أرسل به وأنتم تبلغون عنا ثم نظر إلى سيوفنا فإذا فيها
شئ من الفضة فغضب حتى اشتد غضبه (قوله العلابي) بفتح المهملة وتخفيف اللام وكسر
الموحدة جمع علباء بسكون اللام وقد فسره الأوزاعي في رواية أبي نعيم في المستخرج فقال
العلابي الجلود الخام التي ليست بمدبوغة وقال غيره العلابي العصب تؤخذ رطبة فيشد بها جفون
السيوف وتلوى عليها فتجف وكذلك تلوى رطبة على ما يصدع من الرماح وقال الخطابي هي
عصب العنق وهي أمتن ما يكون من عصب البعير وزعم الداودي أن العلابي ضرب من
الرصاص فأخطأ كما نبه عليه القزاز في شرح غريب الجامع وكانه لما رآه قرن بالآنك ظنه ضربا
منه وزاد هشام بن عمار في روايته والحديد وزاد فيه أشياء لا تتعلق بالجهاد والآنك بالمد وضم
النون بعدها كاف وهو الرصاص وهو واحد لا جمع له وقيل هو الرصاص الخالص وزعم
الداودي أن الآنك القصدير وقال ابن الجوزي الآنك الرصاص القلعي وهو بفتح اللام منسوب
إلى القلعة موضع بالبادية ينسب ذلك إليه وتنسب إليه السيوف أيضا فيقال سيوف قلعية وكأنه
معدن يوجد فيه الحديد والرصاص وفي هذا الحديث ان تحلية السيوف وغيرها من آلات الحرب
بغير الفضة والذهب أولى وأجاب من أباحها بأن تحلية السيوف بالذهب والفضة انما شرع
لارهاب العدو وكان لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك غنية لشدتهم في أنفسهم
70

وقوتهم في ايمانهم (قوله باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة) ذكر
فيه حديث جابر في قصة الأعرابي الذي اخترط سيف النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم والغرض
منه قوله فنزل تحت شجرة فعلق بها سيفه وسيأتي شرحه في كتاب المغازي (قوله باب
لبس البيضة) بفتح الموحدة وهي ما يلبس في الرأس من آلات السلاح ذكر فيه حديث سهل بن
سعد الماضي قبل أربعة أبواب لقوله فيه وهشمت البيضة على رأسه وقد تقدمت الإشارة إلى مكان
شرحه (قوله باب من لم ير كيسر السلاح وعقر الدواب عند الموت) كأنه يشير إلى رد
ما كان عليه أهل الجاهلية من كسر السلاح وعقر الدواب إذا مات الرئيس فيهم وربما كان يعهد
بذلك لهم قال ابن المنير وفي ذلك إشارة إلى انقطاع عمل الجاهلي الذي كان يعمله لغير الله وبطلان
آثاره وخمول ذكره بخلاف سنة المسلمين في جميع ذلك انتهى ولعل المصنف لمح بذلك إلى من نقل
عنه انه كسر رمحه عند الاصطدام حتى لا يغنمه العدو أن لو قتل وكسر جفن سيفه وضرب بسيفه
حتى قتل كما جاء نحو ذلك عن جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة فأشار إلى أن هذا شئ فعله جعفر
وغيره عن اجتهاد والأصل عدم جواز اتلاف المال لأنه يفعل شيئا محققا في أمر غير محقق وذكر
فيه حديث عمرو بن الحارث الخزاعي ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم أي عند موته الا سلاحه
الحديث وقد تقدم في الوصايا وسيأتي شرحه في المغازي وزعم الكرماني ان مناسبته للترجمة انه
صلى الله عليه وسلم مات وعليه دين ولم يبع فيه شيئا من سلاحه ولو كان رهن درعه وعلى هذا
فالمراد بكسر السلاح بيعه ولا يخفى بعده (قوله باب تفرق الناس عن الامام
عند القائلة والاستظلال بالشجر) ذكر فيه حديث جابر الماضي قبل بابين من وجهين وهو ظاهر
فيما ترجم له وقد تقدمت الإشارة إلى مكان شرحه قال القرطبي هذا يدل على أنه صلى الله عليه
وسلم كان في هذا الوقت لا يحرسه أحد من الناس بخلاف ما كان عليه في أول الأمر فإنه كان
يحرس حتى نزل قوله تعالى والله يعصمك من الناس (قلت) قد تقدم ذلك قبل أبواب لكن قد قيل إن
هذه القصة سبب نزول قوله تعالى والله يعصمك من الناس وذلك فيما أخرجه ابن أبي شيبة من
طريق محمد بن عمر وعن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كنا إذا نزلنا طلبنا للنبي صلى الله عليه وسلم أعظم
شجرة وأظلها فنزل تحت شجرة فجاء رجل فاخذ سيفه فقال يا محمد من يمنعك مني قال الله فأنزل الله
والله يعصمك من الناس وهذا اسناد حسن فيحتمل إن كان محفوظا ان يقال كان مخيرا في اتخاذ
الحرس فتركه مرة لقوة يقينه فلما وقعت هذه القصة ونزلت هذه الآية ترك ذلك (قوله
71

باب ما قيل في الرماح) أي في اتخاذها واستعمالها أي من الفضل (قوله ويذكر عن ابن
عمر الخ) هو طرف من حديث أخرجه أحمد من طريق أبي منيب بضم الميم وكسر النون ثم
تحتانية ساكنة ثم موحدة الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة عن ابن عمر بلفظ بعثت بين
يدي الساعة مع السيف وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري
ومن تشبه بقوم فهو منهم وأخرج أبو داود منه قوله من تشبه بقوم فهو منهم حسب من هذا
الوجه وأبو منيب لا يعرف اسمه وفي الاسناد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان مختلف في توثيقه وله
شاهد مرسل باسناد حسن أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن النبي
صلى الله عليه وسلم بتمامه وفي الحديث إشارة إلى فضل الرمح والى حل الغنائم لهذه الأمة والى ان
رزق النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها لا في غيرها من المكاسب ولهذا قال بعض العلماء انها
أفضل المكاسب والمراد بالصغار وهو بفتح المهملة وبالمعجمة بذل الجزية وفي قوله تحت ظل رمحي
إشارة إلى أن ظله ممدود إلى أبد الآباد والحكمة في الاقتصار على ذكر الرمح دون غيره من آلات
الحرب كالسيف ان عادتهم جرت بجعل الرايات في أطراف الرمح فلما كان ظل الرمح أسبغ كان
نسبة الرزق إليه أليق وقد تعرض في الحديث الآخر لظل السيف كما سيأتي قريبا من قوله صلى
الله عليه وسلم الجنة تحت ظلال السيوف فنسب الرزق إلى ظل الرمح لما ذكرته ان المقصود بذكر
الرمح الراية ونسبت الجنة إلى ظل السيف لان الشهادة تقع به غالبا ولان ظل السيف يكثر
ظهوره بكثرة حركة السيف في يد المقاتل ولان ظل السيف لا يظهر الا بعد الضرب به لأنه قبل ذلك
يكون مغمودا معلقا وذكر المصنف في الباب حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي باسنادين
لمالك وقد تقدم شرحه مستوفى في الحج والغرض منه قوله فسألهم رمحه فأبوا (قوله
باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم) أي من أي شئ كانت وقوله والقميص
في الحرب أي حكمه وحكم لبسه (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم اما خالد فقد احتبس
ادراعه في سبيل الله) هو طرف من حديث لأبي هريرة تقدم شرحه في كتاب الزكاة والادراع
جمع درع وهو القميص المتخذ من الزرد وأشار المصنف بذكر هذا الحديث إلى أن النبي صلى الله
عليه وسلم كما لبس الدرع فيما ذكره في الباب ذكر الدرع ونسبه إلى بعض الشجعان من الصحابة
فدل على مشروعيته وان لبسها لا ينافي التوكل ثم ذكر فيه أحاديث * الأول حديث ابن عباس في
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر والغرض منه قوله وهو في الدرع وقوله فيه حدثنا عبد الوهاب
هو ابن عبد المجيد الثقفي وقوله وقال وهيب يعني ابن خالد حدثنا خالد يوم بدر يعني ان وهيب
ابن خالد رواه عن خالد وهو الحذاء شيخ عبد الوهاب فيه عن عكرمة عن ابن عباس فزاد بعد قوله
وهو في قبة يوم بدر وقد رواه محمد بن عبد الله بن حوشب عن عبد الوهاب كذلك كما سيأتي في
المغازي وكذلك قال إسحاق بن راهويه عن عبد الوهاب الثقفي فلعل محمد بن المثنى شيخ البخاري لم
72

يحفظها ورواية وهيب وصلها المؤلف في تفسير سورة القمر ويأتي بيان ما استشكل من هذا
الحديث في غزوة بدر وهو من مراسيل الصحابة لان ابن عباس لم يحضر ذلك وسيأتي ما فيه هناك
ثانيها حديث عائشة توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة الحديث (قوله وقال يعلى
حدثنا الأعمش درع من حديد) يعني أن يعلى وهو ابن عبيد رواه عن الأعمش بالاسناد المذكور
فزاد ان الدرع كانت من حديد وقد وصله المؤلف في السلم كذلك (قوله وقال معلى عن عبد
الواحد) يعني ان معلى بن أسد رواه عن عبد الواحد بن زياد فقال فيه أيضا رهنه درعا من حديد
وقد وصله المصنف في الاستقراض وتقدم الكلام على شرحه مستوفى في كتاب الرهن ثالثها
حديث أبي هريرة في البخيل المتصدق وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الزكاة والغرض منه هنا
ذكر الجبتين فإنه روى بالموحدة وهو المناسب لذكر القميص في الترجمة وروى بالنون وهو المناسب
للدرع وقد تقدم بيان اختلاف الرواة في ذلك هناك والجبة بالموحدة ما قطع من الثياب مشمرا
قاله في المطالع ومحل استشهاده للترجمة وإن كان الممثل به في المثل لا يشترط وجوده فضلا عن
مشروعيته من جهة انه مثل بدرع الكريم فتشبيه الكريم المحمود بالدرع يشعر بان الدرع محمود
وموضع الشاهد منه درع الكريم لا درع البخيل وكأنه أقام الكريم مقام الشجاع لتلازمهما
غالبا وكذلك ضدهما (قوله باب الجبة في السفر والحرب) ذكر فيه حديث
المغيرة في قصة المسح على الخفين وفيه وعليه جبة شامية وفيه فذهب يخرج يديه من كميه وكانا
ضيقين وهو ظاهر فيما ترجم له وقد تقدم الكلام على الحديث مستوفى في باب المسح على الخفين
من كتاب الطهارة (قوله باب الحرير في الحرب) ذكر فيه حديث أنس في
الرخصة للزبير وعبد الرحمن بن عوف في قميص الحرير ذكره من خمسة طرق ففي رواية سعيد بن
أبي عروبة عن قتادة من حكة كانت بهما وكذا قال شعبة في أحد الطريقين وفي رواية همام عن
قتادة في أحد الطريقين يعني القمل ورجح ابن التين الرواية التي فيها الحكة وقال لعل أحد الرواة
تأولها فأخطأ وجمع الداودي باحتمال أن يكون إحدى العلتين بأحد الرجلين وقال ابن العربي
قد ورد انه أرخص لكل منهما فالافراد يقتضي ان لكل حكمة (قلت) ويمكن الجمع بان
الحكة حصلت من القمل فنسبت العلة تارة إلى السبب وتارة إلى سبب السبب ووقع في رواية
محمد بن بشار عن غندر رخص أو أرخص كذا بالشك وقد أخرجه أحمد عن غندر بلفظ رخص
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا قال وكيع عن شعبة كما سيأتي في كتاب اللباس وأما تقييده
بالحرب فكأنه أخذه من قوله في رواية همام فرأيته عليهما في غزاة ووقع في رواية أبي داود في
السفر من حكة وقد ترجم له في اللباس ما يرخص للرجال من الحرير للحكة ولم يقيده بالحرب فزعم
73

بعضهم ان الحرب في الترجمة بالجيم وفتح الراء وليس كما زعم لأنها لا يبقى لها في أبواب الجهاد مناسبة
ويلزم منه إعادة الترجمة في اللباس إذ الحكة والجرب متقاربان وجعل الطبري جوازه في
الغزو مستنبطا من جوازه للحكة فقال دلت الرخصة في لبسه بسبب الحكة ان من قصد بلبسه
ما هو أعظم من أذى الحكة كدفع سلاح العدو ونحو ذلك فإنه يجوز وقد تبع الترمذي البخاري
فترجم له باب ما جاء في لبس الحرير في الحرب ثم المشهور عن القائلين بالجواز انه لا يختص بالسفر
وعن بعض الشافعية يختص وقال القرطبي الحديث حجة على من منع الا أن يدعي الخصوصية
بالزبير وعبد الرحمن ولا تصح تلك الدعوى (قلت) قد جنح إلى ذلك عمر رضي الله عنه فروى ابن
عساكر من طريق ابن عوف عن ابن سيرين ان عمر رأى على خالد بن الوليد قميص حرير فقال ما هذا
فذكر له خالد قصة عبد الرحمن بن عوف فقال وأنت مثل عبد الرحمن أو لك مثل ما لعبد الرحمن ثم
أمر من حضره فمزقوه رجاله ثقات الا أن فيه انقطاعا وقد اختلف السلف في لباسه فمنع مالك وأبو
حنيفة مطلقا وقال الشافعي وأبو يوسف بالجواز للضرورة وحكى ابن حبيب عن ابن الماجشون
انه يستحب في الحرب وقال المهلب لباسه في الحرب لارهاب العدو وهو مثل الرخصة في الاختيال
في الحرب انتهى ووقع في كلام النووي تبعا لغيره ان الحكمة في لبس الحرير للحكة لما فيه من
البرودة وتعقب بان الحرير حار فالصواب ان الحكمة فيه لخاصة فيه لدفع ما تنشأ عنه الحكة
كالقمل والله أعلم (قوله باب ما يذكر في السكين) ذكر فيه حديث جعفر بن عمرو
ابن أمية عن أبيه رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة الحديث وفي الطريق الأخرى
فألقى السكين وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة (قوله باب ما قيل في قتال
الروم) أي من الفضل واختلف في الروم فالأكثر أنهم من ولد عيص بن إسحاق بن إبراهيم واسم
جدهم قيل روماني وقيل هو ابن ليطا بن يونان بن يافث بن نوح (قوله عن خالد بن معدان)
بفتح الميم وسكون المهملة والاسناد كله شاميون وإسحاق بن يزيد شيخ البخاري فيه هو إسحاق بن
إبراهيم بن يزيد الفراديسي نسب لجده (قوله عمير بن الأسود العنسي) بالنون والمهملة وهو شامي
قديم يقال اسمه عمرو وعمير بالتصغير لقبه وكان عابدا مخضرما وكان عمر يثني عليه ومات في
خلافة معاوية وليس له في البخاري سوى هذا الحديث عند من يفرق بينه وبين أبي عياض
عمرو بن الأسود والراجح التفرقة وأم حرام بمهملتين تقدم ذكرها في أوائل الجهاد في حديث أنس
وقد حدث عنها أنس هذا الحديث أتم من هذا السياق وأخرج الحسن بن سفيان هذا الحديث
في مسنده عن هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة بسند البخاري وزاد في آخره قال هشام رأيت قبرها
بالساحل (قوله يغزون مدينة قيصر) يعني القسطنطينية قال المهلب في هذا الحديث منقبة
لمعاوية لأنه أول من غزا البحر ومنقبة لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر وتعقبه ابن التين
وابن المنير بما حاصله انه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاص إذ لا يختلف
أهل العلم ان قوله صلى الله عليه وسلم مغفور لهم مشروط بان يكونوا من أهل المغفرة حتى
لو ارتد واحد ممن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتفاقا فدل على أن المراد مغفور لمن
وجد شرط المغفرة فيه منهم وأما قول ابن التين يحتمل أن يكون لم يحضر مع الجيش فمردود الا أن
يريد لم يباشر القتال فيمكن فإنه كان أمير ذلك الجيش بالاتفاق وجوز بعضهم ان المراد بمدينة قيصر
74

المدينة التي كان بها يوم قال النبي صلى الله عليه وسلم تلك المقالة وهي حمص وكانت دار مملكته
إذ ذاك وهذا يندفع بان في الحديث ان الذين يغزون البحر قبل ذلك وان أم حرام فيهم وحمص
كانت قد فتحت قبل الغزوة التي كانت فيها أم حرام والله أعلم (قلت) وكانت غزوة يزيد المذكورة
في سنة اثنتين وخمسين من الهجرة وفي تلك الغزاة مات أبو أيوب الأنصاري فاوصى أن يدفن عند
باب القسطنطينية وان يعفى قبره ففعل به ذلك فيقال أن الروم صاروا بعد ذلك يستسقون به وفي
الحديث أيضا الترغيب في سكنى الشام وقوله قد أوجبوا أي فعلوا فعلا وجبت لهم به الجنة
(قوله باب قتال اليهود) ذكر فيه حديثي ابن عمر وأبي هريرة في ذلك وهو اخبار
بما يقع في مستقبل الزمان (قوله الفروي) بفتح الفاء والراء منسوب إلى جده أبي فروة واسحق
هذا غير إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الضعيف وهو أعني إسحاق بن عبد الله عم والد هذا
واسحق هذا ربما روى عنه البخاري بواسطة وهذا الحديث مما حدث به مالك خارج الموطأ ولم
ينفرد به اسحق المذكور بل تابعه ابن وهب ومعن بن عيسى وسعيد بن داود والوليد بن مسلم
أخرجها الدارقطني في غرائب مالك وأخرج الإسماعيلي طريق ابن وهب فقط (قوله تقاتلون)
فيه جواز مخاطبة الشخص والمراد غيره ممن يقول بقوله ويعتقد اعتقاده لأنه من المعلوم ان
الوقت الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم لم يأت بعد وانما أراد بقوله تقاتلون مخاطبة المسلمين
ويستفاد منه ان الخطاب الشفاهي يعم المخاطبين ومن بعدهم وهو متفق عليه من جهة الحكم
وانما وقع الاختلاف فيه في حكم الغائبين هل وقع بتلك المخاطبة نفسها أو بطريق الالحاق
وهذا الحديث يؤيد من ذهب إلى الأول وفيه إشارة إلى بقاء دين الاسلام إلى أن ينزل عيسى
عليه السلام فإنه الذي يقاتل الدجال ويستأصل اليهود الذين هم تبع الدجال على ما ورد من
طريق أخرى وسيأتي بيانها مستوفى في علامات النبوة إن شاء الله تعالى (قوله باب
قتال الترك) اختلف في أصل الترك فقال الخطابي هم بنو قنطوراء أمة كانت لإبراهيم عليه
السلام وقال كراع هم الديلم وتعقب بأنهم جنس من الترك وكذلك الغز وقال أبو عمرو هم من أولاد
يافث وهم أجناس كثيرة وقال وهب بن منبه هم بنو عم يأجوج ومأجوج لما بنى ذو القرنين
السد كان بعض يأجوج ومأجوج غائبين فتركوا لم يدخلوا مع قومهم فسموا الترك وقيل إنهم
من نسل تبع وقيل من ولد افريدون بن سام بن نوح وقيل ابن يافث لصلبه وقيل ابن كومي بن
يافث * ذكر فيه حديثين أحدهما حديث عمرو بن تغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام
بعدها موحدة والحسن هو البصري والاسناد كله بصريون (قوله من أشراط الساعة) زاد
الكشميهني في أوله ان (قوله ينتعلون نعال الشعر) هذا والحديث الذي بعده ظاهر في أن الذين
ينتعلون الشعر غير الترك وقد وقع للإسماعيلي من طريق محمد بن عباد قال بلغني ان أصحاب بابك
كانت نعالهم الشعر (قلت) بابك بموحدتين مفتوحتين وآخره كاف يقال له الخرمي بضم
المعجمة وتشديد الراء المفتوحة وكان من طائفة من الزنادقة استباحوا المحرمات وقامت لهم
شوكة كبيرة في أيام المأمون وغلبوا على كثير من بلاد العجم كطبرستان والري إلى أن قتل بابك
المذكور في أيام المعتصم وكان خروجه في سنة إحدى ومائتين أو قبلها وقتله في سنة اثنتين
وعشرين (قوله المجان) بالجيم وتشديد النون جمع مجن وقد تقدم ذكره قبل أبواب والمطرقة التي
75

ألبست الأطرقة من الجلود وهي الأغشية تقول طارقت بين النعلين أي جعلت إحداهما على
الأخرى وقال الهروي هي التي أطرقت بالعصب أي ألبست به * ثانيهما حديث أبي
هريرة في ذلك (قوله باب قتال الذين ينتعلون الشعر) ذكر فيه حديث أبي هريرة المذكور
من وجه آخر (قوله قال سفيان وزاد فيه أبو الزناد) هو موصول بالاسناد المذكور وأخطأ من
زعم أنه معلق وقد وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن عبادة عن سفيان بالاسنادين معا (قوله
رواية) هو عوض عن قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع عند الإسماعيلي من طريق محمد
ابن عباد عن سفيان بلفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في الباب الذي قبله من وجه آخر
عن الأعرج بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيه حمر الوجوه ولم يذكر صغار الأعين
وقوله ذلف الأنوف أي صغارها والعرب تقول أملح النساء الذلف وقيل الذلف الاستواء
في طرف الأنف وقيل قصر الانف وانبطاحه وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في علامات
النبوة إن شاء الله تعالى (قوله باب من صف أصحابه عند الهزيمة) أي صف من
ثبت معه بعد هزيمة من انهزم ذكر فيه حديث البراء في قصة حنين وهو ظاهر فيما ترجم له ووقع
في آخره ثم صف أصحابه وذلك بعد ان نزل واستنصر والمراد بقوله واستنصر أي استنصر الله بعد
أن رمى الكفار بالتراب وسيأتي شرح ذلك مستوفى في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى (قوله
باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة) ذكر فيه خمسة أحاديث * الأول
حديث علي لما كان يوم الأحزاب الحديث (قوله عن هشام) هو الدستوائي وزعم الأصيلي
انه ابن حسان ورام بذلك تضعيف الحديث فأخطأ من وجهين وتجاسر الكرماني فقال
76

المناسب انه هشام بن عروة وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في تفسير سورة البقرة إن شاء الله
تعالى وفيه الدعاء عليهم بان يملأ الله بيوتهم وقبورهم نار وليس فيه الدعاء عليهم بالهزيمة لكن
يؤخذ ذلك من لفظ الزلزلة لان في احراق بيوتهم غاية التزلزل لنفوسهم * ثانيها حديث أبي هريرة
في الدعاء في القنوت وفيه اللهم اشدد وطأتك على مضر ودخوله في الترجمة بطريق العموم لان
شدة الوطأة يدخل تحتها ما ترجم به فان المراد اشدد عليهم البأس والعقوبة والاخذ الشديد وابن
ذكوان المذكور في الاسناد هو أبو الزناد واسمه عبد الله وقد تقدم من وجه آخر في كتاب الوتر
ويأتي شرحه مستوفى في التفسير إن شاء الله تعالى * ثالثها حديث ابن أبي أوفى وهو ظاهر فيما
ترجم له والمراد الدعاء عليهم إذا انهزموا ان لا يستقر لهم قرار وقال الداودي أراد أن تطيش
عقولهم وترعد أقدامهم عند اللقاء فلا يثبتوا وقد ذكر الإسماعيلي من وجه آخر زيادة في هذا
الدعاء وسيأتي التنبيه عليها في باب لا تتمنوا لقاء العدو إن شاء الله تعالى * رابعها حديث عبد الله
ابن مسعود في قصة الجزور التي نحرت بمكة وفيه اللهم عليك بقريش وفيه ما قررته في
الحديث الثاني (قوله قال أبو إسحاق) هو بالاسناد المذكور وكانه لما حدث سفيان بهذا
الحديث كان نسي السابع وقول المصنف قال يوسف بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق أمية بن خلف
وقال شعبة أمية أو أبي والصحيح أمية أراد بذلك ان أبا إسحاق حدث به مرة فقال أبي بن خلف
وهذه رواية سفيان وهو الثوري هنا وحدث به أخرى فقال أمية وهي رواية شعبة وحدث به
أخرى فشك فيه ويوسف المذكور هو ابن إسحاق بن أبي إسحاق نسبه إلى جده وقد وصل المصنف
حديثه بطوله في الطهارة وطريق شعبة وصلها المؤلف أيضا في كتاب المبعث وقد بينت في الطهارة
ان إسرائيل روى عن أبي إسحاق هذا الحديث فسمى السابع وذكرت ما فيه من البحث * خامسها
حديث عائشة في قصة اليهود وفيه فلم تسمعي ما قلت وعليكم وكأنه أشار إلى ما ورد في بعض
طرقه في آخره يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا وقد ذكرها الإسماعيلي هنا من الوجه الذي
أخرجه البخار ففيه مشروعية الدعاء على المشركين ولو خشي الداعي أنهم يدعون عليه وسيأتي
الكلام عليه مستوفى في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى (قوله باب هل
يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب) المراد بالكتاب الأول التوراة والإنجيل وبالكتاب
الثاني ما هو أعم منهما ومن القرآن وغير ذلك وأورد فيه طرفا من حديث ابن عباس في شان هرقل
وقد ذكره بعد بابين من وجه آخر عن ابن شهاب بطوله واسحق شيخه فيه هو ابن منصور وهذه
الطريق أهملها المزي في الأطراف وارشادهم منه ظاهر وأما تعليمهم الكتاب فكانه استنبطه
من كونه كتب إليهم بعض القرآن بالعربية وكأنه سلطهم على تعليمه إذ لا يقرءونه حتى
يترجم لهم ولا يترجم لهم حتى يعرف المترجم كيفية استخراجه وهذه المسئلة مما اختلف فيه
السلف فمنع مالك من تعليم الكافر القرآن ورخص أبو حنيفة واختلف قول الشافعي والذي
يظهر أن الراجح التفصيل بين من يرجى منه الرغبة في الدين والدخول فيه مع الامن منه ان
يتسلط بذلك إلى الطعن فيه وبين من يتحقق ان ذلك لا ينجع فيه أو يظن أنه يتوصل بذلك إلى
الطعن في الدين والله أعلم ويفرق أيضا بين القليل منه والكثير كما تقدم في أوائل كتاب الحيض
(قوله باب الدعاء للمشركين بالهدي ليتألفهم) ذكر فيه حديث أبي
77

هريرة في قدوم الطفيل بن عمرو الدوسي وقول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اهد دوسا وهو
ظاهر فيما ترجم له وقوله ليتألفهم من تفقه بالمصنف إشارة منه إلى الفرق بين المقامين وانه صلى
الله عليه وسلم كان تارة يدعو عليهم وتارة يدعو لهم فالحالة الأولى حيث تشتد شوكتهم
ويكثر اذاهم كما تقدم في الأحاديث التي قبل هذا بباب والحالة الثانية حيث تؤمن غائلتهم
ويرجى تألفهم كما في قصة دوس وسيأتي شرح الحديث المذكور في المغازي إن شاء الله تعالى
(قوله باب دعوة اليهود والنصارى) أي إلى الاسلام وقوله وعلى ما يقاتلون إشارة
إلى أن ما ذكر في الباب الذي بعده عن علي حيث قال تقاتلوهم حتى يكونوا مثلنا وفيه أمره صلى
الله عليه وسلم له بالنزول بساحتهم ثم دعائهم إلى الاسلام ثم القتال ووجه أخذه من حديثي الباب
انه صلى الله عليه وسلم كتب إلى الروم يدعوهم إلى الاسلام قبل ان يتوجه إلى مقاتلتهم (قوله
وما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر) قد ذكر ذلك في الباب مسندا وقوله
والدعوة قبل القتال كأنه يشير إلى حديث ابن عون في اغارة النبي صلى الله عليه وسلم على بني
المصطلق على غرة وهو متخرج عنده في كتاب الفتن وهو محمول عند من يقول باشتراط الدعاء قبل
القتال على أنه بلغتهم الدعوة وهي مسئلة خلافية فذهب طائفة منهم عمر بن عبد العزيز إلى
اشتراط الدعاء إلى الاسلام قبل القتال وذهب الأكثر إلى أن ذلك كان في بدء الامر قبل انتشار
دعوة الاسلام فإن وجد من لم تبلغه الدعوة لم يقاتل حتى يدعى نص عليه الشافعي وقال مالك من
قربت داره قوتل بغير دعوة لاشتهار الاسلام ومن بعدت داره فالدعوة أقطع للشك وروى سعيد
ابن منصور باسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي أحد كبار التابعين قال كنا ندعو وندع (قلت) وهو
منزل على الحالين المتقدمين ثم ذكر في الباب حديثين * أحدهما حديث أنس في اتخاذ الخاتم
وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب اللباس * ثانيهما حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه
وسلم بعث كتابه إلى كسرى وسيأتي شرحه في أواخر المغازي وفيه ان المبعوث به كان عبد الله بن
حذافة السهمي ونذكر هناك ما يتعلق بكسرى وما المراد بعظيم البحرين وفي الحديث الدعاء إلى
الاسلام بالكلام والكتابة وان الكتابة تقوم مقام النطق وفيه ارشاد المسلم إلى الكافر وان العادة
جرت بين الملوك بترك قتل الرسل ولهذا مزق كسرى الكتاب ولم يتعرض للرسول (قوله
باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الاسلام والنبوة وان لا يتخذ بعضهم بعضا
أربابا من دون الله وقوله تعالى ما كان لبشر ان يؤتيه الله الكتاب الآية) أورد فيه أحاديث * أحدها
78

حديث ابن عباس في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر وفيه حديث عن أبي سفيان بن حرب
وقد تقدم بطوله في بدء الوحي والكلام عليه مستوفى وهو ظاهر فيما ترجم به ويأتي شئ من الكلام
عليه في تفسير سورة آل عمران إن شاء الله تعالى وأما قوله تعالى ما كان لبشر فالمراد من الآية
الانكار على من قال كونوا عبادا لي من دون الله ومثلها قوله تعالى يا عيسى ابن مريم أأنت قلت
79

للناس الآية وقوله تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله الآية * ثانيها حديث
سهل بن سعد في اعطاء على الراية يوم خيبر وسيأتي شرحه في المغازي والغرض منه قوله ثم ادعهم
إلى الاسلام * ثالثها حديث أنس في ترك الاغارة على من سمع منهم الاذان ذكره من وجهين وسيأتي
شرحه في غزوة خيبر أيضا وهو دال على جواز قتال من بلغته الدعوة بغير دعوة فيجمع بينه وبين
حديث سهل الذي قبله بان الدعوة مستحبة لا شرط وفيه دلالة على الحكم بالدليل لكونه كف عن
القتال بمجرد سماع الاذان وفيه الاخذ بالأحوط في أمر الدعاء لأنه كف عنهم في تلك الحالة مع
احتمال أن لا يكون ذاك على الحقيقة ووقع هنا فلما أصبح خرجت يهود خيبر بمساحيهم ووقع
في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم فأتيناهم حين بزغت الشمس ويجمع بأنهم وصلوا
أول البلد عند الصبح فنزلوا فصلوا فتوجهوا وأجرى النبي صلى الله عليه وسلم فرسه حينئذ في زقاق
خيبر كما في الرواية الأخرى فوصل في آخر الزقاق إلى أول الحصون حين بزغت الشمس * رابعها
حديث أبي هريرة أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله الحديث وهو ظاهر فيما ترجم
له أولا حيث قال وعلام تقاتلون وقد مضى شرحه في كتاب الايمان في الكلام على حديث ابن
عمر لكن في حديث ابن عمر زيادة إقامة الصلاة وايتاء الزكاة وقد وردت الأحاديث بذلك زائدا
بعضها على بعض ففي حديث أبي هريرة الاقتصار على قول لا إله إلا الله وفي حديثه من وجه آخر
عند مسلم حتى يشهدوا ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وفي حديث ابن عمر ما ذكرت وفي
حديث أنس الماضي في أبواب القبلة فإذا صلوا واستقبلوا وأكلوا ذبيحتنا قال الطبري وغيره أما
الأول فقال له في حالة قتاله لأهل الأوثان الذين لا يقرون بالتوحيد واما الثاني فقاله في حالة قتال أهل
الكتاب الذين يعترفون بالتوحيد ويجحدون نبوته عموما أو خصوصا وأما الثالث ففيه الإشارة إلى أن
من دخل في الاسلام وشهد بالتوحيد وبالنبوة ولم يعمل بالطاعات ان حكمهم أن يقاتلوا حتى
يذعنوا إلى ذلك وقد تقدمت الإشارة إلى شئ من ذلك في أبواب القبلة (قوله رواه عمر وابن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم) أي مثل حديث أبي هريرة أما رواية عمر فوصلها المؤلف في الزكاة
وأما رواية ابن عمر فوصلها المؤلف في الايمان (قوله باب من أراد غزوة فورى
بغيرها ومن أحب الخروج إلى السفر يوم الخميس) أما الجملة الأولى فمعنى ورى ستر وتستعمل في
اظهار شئ مع إرادة غيره وأصله من الورى بفتح ثم سكون وهو ما يجعل وراء الانسان لان من ورى
80

بشئ كأنه جعله وراءه وقيل هو في الحرب أخذ العدو على غرة وقيده السيرافي في شرح سيبويه
بالهمزة قال وأصحاب الحديث لم يضبطوا فيه الهمز وكأنهم سهلوها وأما الخروج يوم الخميس فلعل
سببه ما روى من قوله صلى الله عليه وسلم بورك لامتي في بكورها يوم الخميس وهو حديث ضعيف
أخرجه الطبراني من حديث نبيط بنون وموحدة مصغر ابن شريط بفتح المعجمة أوله وكونه صلى الله
عليه وسلم كان يحب الخروج يوم الخميس لا يستلزم المواظبة عليه لقيام مانع منه وسيأتي بعد باب
انه خرج في بعض أسفاره يوم السبت ثم أورد المصنف أطرافا من حديث كعب بن مالك الطويل في
قصة غزوة تبوك ظاهرة فيما ترجم له وروى سعيد بن منصور عن مهدي بن ميمون عن واصل مولى
أبي عتيبة قال بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر أحب ان يخرج يوم الخميس وقوله في
الطريق الثانية وعن يونس عن الزهري هو موصول بالاسناد الأول عن عبد الله وهو ابن المبارك
عن يونس ووهم من زعم أن الطريق الثانية معلقة وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن
المبارك عن يونس بالحديثين جميعا بالوجهين نعم توقف الدارقطني في هذه الرواية التي وقع فيها
التصريح بسماع عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك من جده وقد أوضحت ذلك في المقدمة
والحاصل ان رواية الزهري للجملة الأولى هي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك
وروايته للجملة الثانية المتعلقة بيوم الخميس هي عن عمه عبد الرحمن بن كعب بن مالك وقد سمع
الزهري منهما جميعا وحدث يونس عنه بالحديثين مفصلا وأراد البخاري بذلك دفع الوهم واللبس
عمن يظن فيه اختلافا وسيأتي مزيد بسط لذلك في المغازي إن شاء الله تعالى (قوله
باب الخروج بعد الطهر) ذكر فيه حديث أنس وقد تقدم في الحج وكانه أورده إشارة إلى
أن قوله صلى الله عليه وسلم بورك لامتي في بكورها لا يمنع جواز التصرف في غير وقت البكور وانما
خص البكور بالبركة لكونه وقت النشاط وحديث بورك لامتي في بكورها أخرجه أصحاب
السنن وصححه ابن حبان من حديث صخر الغامدي بالغين المعجمة وقد اعتنى بعض الحفاظ بجمع
طرقه فبلغ عدد من جاء عنه من الصحابة نحو العشرين نفسا (قوله باب الخروج
آخر الشهر) أي ردا على من كره ذلك من طريق الطيرة وقد نقل ابن بطال ان أهل الجاهلية كانوا
يتحرون أوائل الشهور للأعمال ويكرهون التصرف في محاق القمر (قوله وقال كريب عن ابن
عباس رضي الله عنهما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة لخمس بقين) هو طرف من حديث
وصله المصنف في الحج ثم أورد حديث عمرة عن عائشة في ذلك وقد مضى الكلام عليهما في كتاب
الحج وفيه استعمال الفصيح في التاريخ وهو ما دام في النصف الأول من الشهر يؤرخ بما خلا وإذا
دخل النصف الثاني يؤرخ بما بقي وقد استشكل قول ابن عباس وعائشة انه خرج لخمس بقين لان
ذا الحجة كان أوله الخميس للاتفاق على أن الوقفة كانت الجمعة فيلزم من ذلك أن يكون خرج يوم
الجمعة ولا يصح ذلك لقول أنس في الحديث الذي قبله انه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة
أربعا ثم خرج وأجيب بان الخروج كان يوم السبت وانما قال الصحابة لخمس بقين بناء على العدد
لان ذا القعدة كان أوله الأربعاء فاتفق ان جاء ناقصا فجاء أول ذي الحجة الخميس فظهر ان الذي كان
بقي من الشهر أربع لا خمس كذا أجاب به جمع من العلماء ويحتمل ان يكون الذي قال لخمس بقين أراد
ضم يوم الخروج إلى ما بقي لان التأهب وقع في أوله وان اتفق التأخير إلى أن صليت الظهر فكأنهم
81

لما تأهبوا باتوا ليلة السبت على سفر اعتدوا به من جملة أيام السفر والله أعلم (قوله باب
الخروج في رمضان) ذكر فيه حديث ابن عباس في ذلك وقد مضى شرحه في كتاب الصيام وأراد به
رفع وهم من يتوهم كراهة ذلك (قوله باب التوديع عند السفر) أي أعم من أن
يكون من المسافر للمقيم أو عكسه وحديث الباب ظاهر للأول ويؤخذ الثاني منه بطريق الأولى
وهو الأكثر في الوقوع (قوله وقال ابن وهب إلى آخره) وصله النسائي والإسماعيلي من طريقه
وسيأتي موصولا للمصنف من وجه آخر ويأتي شرحه هناك بعد اثنين وأربعين بابا وفيه تسمية
من أبهم في هذا (قوله باب السمع والطاعة للامام) زاد في رواية الكشميهني ما لم
يأمر بمعصية والاطلاق محمول عليه كما هو في نص الحديث ثم ساق حديث ابن عمر في ذلك من
وجهين وساقه على لفظ الرواية الثانية وسيأتي الكلام عليه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى
وساقه هنا بلفظ الرواية الأولى وقيد الترجمة هناك بما وقع هنا في رواية الكشميهني وقوله فلا سمع
ولا طاعة بالفتح فيهما والمراد نفي الحقيقة الشرعية لا الوجودية (قوله باب
يقاتل من وراء الامام ويتقى به) يقاتل بفتح المثناة ولم يزد البخار على لفظ الحديث والمراد به
المقاتلة للدفع عن الامام سواء كان ذلك من خلفه حقيقة أو قدامه ووراء يطلق على المعنيين
(قوله نحن الآخرون السابقون) وبهذا الاسناد من أطاعني فقد أطاع الله الحديث الجملة
الأولى طرف من حديث سبق بيانه في كتاب الجمعة وسبق في الطهارة ان عادته في ايراد هذه النسخة
وهي شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ان يصدر بأول حديث فيها ويعطف الباقي
عليه لكونه سمعها هكذا وأن مسلما في نسخة معمر عن همام عن أبي هريرة سلك طريقا نحو هذه
فإنه يقول في أول كل حديث منها فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيت
وكيت وتكلف ابن المنير فقال وجه مطابقة الترجمة لقوله نحن الآخرون السابقون الإشارة إلى أنه
الامام وانه يجب على كل أحد ان يقاتل عنه وينصره لأنه وان تأخر في الزمان لكنه متقدم في
أخذ العهد على كل من تقدمه انه ان أدرك زمانه أن يؤمن به وينصره فهم في الصورة امامه وفي
الحقيقة خلفه فناسب ذلك قوله يقاتل من ورائه لأنه أعم من أن يراد بها الخلف أو الامام وقوله
فيه وان قال بغيره فان عليه منه كذا هنا قيل استعمل القول بمعنى الفعل حيث قال فان قال بغيره
كذا قال بعض الشراح وليس بظاهر فإنه قسيم قوله فان أمر فيحمل على أن المراد وان أمر والتعبير
عن الامر بالقول لا أشكال فيه وقيل معنى قال هنا حكم ثم قيل إنه مشتق من القيل بفتح القاف
وسكون التحتانية وهو الملك الذي ينفذ حكمه بلغة حمير وقوله فان عليه منه أي وزرا وحذف
في هذه الرواية على طريق الاكتفاء لدلالة مقابله عليه وقد ثبت في غير هذه الرواية كما سيأتي إن شاء الله
تعالى ويحتمل أن يكون من في قوله فان عليه منه تبعيضية أي فان عليه بعض ما يقول وفي رواية
أبي زيد المروزي منه بضم الميم وتشديد النون بعدها هاء تأنيث وهو تصحيف بلا ريب وبالأول جزم
82

أبو ذر وقوله انما الامام جنة بضم الجيم أي سترة لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويكف أذى بعضهم
عن بعض والمراد بالامام كل قائم بأمور الناس والله أعلم وسيأتي بقية شرحه في كتاب الأحكام
(قوله باب البيعة في الحرب على أن لا يفروا وقال بعضهم على الموت) كأنه
أشار إلى أن لا تنافي بين الروايتين لاحتمال أن يكون ذلك في مقامين أو أحدهما يستلزم الآخر
(قوله لقوله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين الآية) قال ابن المنير أشار البخاري بالاستدلال
بالآية إلى أنهم بايعوا على الصبر ووجه أخذه منها قوله تعالى فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم
والسكينة الطمأنينة في موقف الحرب فدل ذلك على أنهم أضمروا في قلوبهم أن لا يفروا فأعانهم
على ذلك وتعقب بان البخاري انما ذكر الآية عقب القول الصائر إلى أن المبايعة وقعت على
الموت ووجه انتزاع ذلك منها ان المبايعة فيها مطلقة وقد أخبر سلمة بن الأكوع وهو ممن بايع تحت
الشجرة انه بايع على الموت فدل ذلك على أنه لا تنافي بين قولهم بايعوه على الموت وعلى عدم
الفرار لان المراد بالمبايعة على الموت ان لا يفروا ولو ماتوا وليس المراد ان يقع الموت ولا بد وهو
الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله بل بايعهم على الصبر أي على الثبات وعدم الفرار سواء أفضى
بهم ذلك إلى الموت أم لا والله أعلم وسيأتي في المغازي موافقة المسيب بن حزن والد سعيد لابن
عمر على خفاء الشجرة وبيان الحكمة في ذلك وهو ان لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير
فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد ان لها قوة نفع أو ضر
كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها والى ذلك أشار ابن عمر بقوله كانت رحمة من الله أي كان
خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى ويحتمل أن يكون معنى قوله رحمة من الله أي كانت
الشجرة موضع رحمة الله ومحل رضوانه لنزول الرضا عن المؤمنين عندها ثم ذكر فيه خمسة
أحاديث * أحدها حديث ابن عمر رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي
بايعنا أي النبي صلى الله عليه وسلم تحتها أي في عمرة الحديبية (قوله فسألنا نافعا) قائل ذلك هو
جويرية بن أسماء الراوي عنه وقد تعقبه الإسماعيلي بان هذا من قول نافع وليس بمسند وأجيب
بان الظاهر أن نافعا انما جزم بما أجاب به لما فهمه عن مولاه ابن عمر فيكون مسندا بهذه الطريقة
* ثانيها حديث عبد الله بن زيد أي ابن عاصم الأنصاري المازني (قوله لما كان زمن الحرة) أي
الوقعة التي كانت بالمدينة في زمن يزيد بن معاوية سنة ثلاث وستين كما سيأتي بيان ذلك في
موضعه إن شاء الله تعالى (قوله إن ابن حنظلة) أي عبد الله بن حنظلة ابن أبي عامر الذي
يعرف أبوه بغسيل الملائكة والسبب في تلقيبه بذلك انه قتل بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة
وعلقت امرأته تلك الليلة بابنه عبد الله بن حنظلة فمات النبي صلى الله عليه وسلم وله سبع سنين
وقد حفظ عنه وأتى الكرماني بأعجوبة فقال ابن حنظلة هو الذي كان يأخذ البيعة ليزيد بن معاوية
والمراد به نفس يزيد لان جده أبا سفيان كان يكنى أيضا أبا حنظلة فيكون التقدير أن ابن أبي
حنظلة ثم حذف لفظ أبي تخفيفا أو يكون نسب إلى عمه حنظلة بن أبي سفيان استخفافا
واستهجانا واستبشاعا بهذه الكلمة المرة انتهى ولقد أطال رحمه الله في غير طائل وأتى بغير
الصواب ولو راجع موضعا آخر من البخاري لهذا الحديث بعينه لرأى فيه ما نصه لما كان يوم
الحرة والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة فقال عبد الله بن زيد علام يبايع إلى حنظلة الناس
83

الحديث من هذا الموضع في أثناء غزوة الحديبية من كتاب المغازي فهذا يرد احتماله الثاني
وأما احتماله الأول فيرده اتفاق أهل النقل على أن الأمير الذي كان من قبل يزيد بن معاوية واسمه
مسلم بن عقبة لا عبد الله بن حنظلة وان ابن حنظلة كان الأمير على الأنصار وان عبد الله بن مطيع
كان الأمير على من سواهم وانهما قتلا جميعا في تلك الوقعة والله المستعان (قوله لا أبايع على
هذا أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه ايماء إلى أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم
على ذلك وليس بصريح ولذلك عقبه المصنف بحديث سلمة بن الأكوع لتصريحه فيه بذلك
قال ابن المنير والحكمة في قول الصحابي انه لا يفعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم إن كان
مستحقا للنبي صلى الله عليه وسلم على كل مسلم ان يقيه بنفسه وكان فرضا عليهم ان لا يفروا عنه
حتى يموتوا دونه وذلك بخلاف غيره * ثالثها حديث سلمة فقوله فقلت له يا أبا مسلم هي كنية سلمة
ابن الأكوع والقائل فقلت له الراوي عنه وهو يزيد بن أبي عبيد مولاه وهذا الحديث أحد
ثلاثيات البخاري وقد أخرجه في الاحكام أيضا ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى
قال ابن المنير الحكمة في تكراره البيعة لسلمة انه كان مقداما في الحرب فأكد عليه العقد
احتياطا (قلت) أو لأنه كان يقاتل قتال الفارس والراجل فتعددت البيعة بتعدد الصفة
* رابعها حديث أنس كانت الأنصار يوم الخندق تقول نحن الذين بايعوا محمدا على
الجهاد ما بقينا أبدا وهو ظاهر فيما ترجم به وقد تقدم موصولا في أوائل الجهاد ويأتي الكلام
عليه في المغازي إن شاء الله تعالى * خامسها حديث مجاشع وهو ابن مسعود وأخوه اسمه مجالد
بجيم وسيأتي الكلام عليه في المغازي في غزوة الفتح إن شاء الله تعالى (قوله باب عزم
الامام على الناس فيما يطيقون) المراد بالعزم الامر الجازم الذي لا تردد فيه والذي يتعلق به الجار
والمجرور محذوف تقديره مثلا محله والمعنى وجوب طاعة الامام محله فيما لهم به طاقة (قوله
قال عبد الله) أي ابن مسعود وهذا الاسناد كله كوفيون (قوله أتاني اليوم رجل) لم أقف
على اسمه (قوله مؤديا) بهمزة ساكنة وتحتانية خفيفة أي كامل الأداء أي أداة الحرب ولا يجوز
حذف الهمزة منه لئلا يصير من أودى إذا هلك وقال الكرماني معناه قويا وكأنه فسره باللازم
وقوله نشيطا بنون وبمعجمة من النشاط (قوله نخرج مع أمرائنا) كذا في الرواية بالنون
من قوله نخرج وعلى هذا فالمراد بقوله رجلا أحدنا أو هو محذوف الصفة أي رجلا منا وعلى
هذا عول الكرماني لان السياق يقتضي أن يقول مع أمرائه وفيه حينئذ التفات ويحتمل أن
يكون بالتحتانية بدل النون وفيه أيضا التفات (قوله لا نحصيها) أي لا نطيقها لقوله تعالى علم أن
لن تحصوه وقيل لا ندري أهي طاعة أم معصية والأول مطابق لما فهم البخاري فترجم به والثاني
موافق لقول ابن مسعود وإذا شك في نفسه شئ سأل رجلا فشفاه منه أي من تقوى الله أن لا يقدم
المرء على ما يشك فيه حتى يسأل من عنده علم فيدله على ما فيه شفاؤه وقوله شك نفسه في شئ من
المقلوب إذ التقدير وإذا شك نفسه في شئ أو ضمن شك معنى لصق والمراد بالشئ ما يتردد في جوازه
وعدمه وقوله حتى يفعله غاية لقوله لا يعزم أو للعزم الذي يتعلق به المستثنى وهو مرة والحاصل
84

ان الرجل سأل ابن مسعود عن حكم طاعة الأمير فاجابه ابن مسعود بالوجوب بشرط أن يكون
المأمور به موافقا لتقوى الله تعالى (قوله ما غبر) بمعجمة وموحدة مفتوحتين أي مضى وهو من
الأضداد يطلق على ما مضى وعلى ما بقي وهو هنا محتمل للأمرين قال ابن الجوزي هو بالماضي هنا
أشبه كقوله ما أذكر والنغب بمثلثة مفتوحة ومعجمة ساكنة ويجوز فتحها قال القزاز وهو أكثر
وهو الغدير يكون في ظل فيبرد ماؤه ويروق وقيل هو ما يحتفره السيل في الأرض المنخفضة فيصير
مثل الأخدود فيبقى الماء فيه فتصفقه الريح فيصير صافيا باردا وقيل هو نقرة في صخرة يبقى فيها الماء
كذلك فشبه ما مضى من الدنيا بما شرب من صفوه وما بقي منها بما تأخر من كدره وإذا كان هذا
في زمان ابن مسعود وقد مات هو قبل مقتل عثمان ووجود تلك الفتن العظيمة فماذا يكون اعتقاده
فيما جاء بعد ذلك وهلم جرا وفي الحديث انهم كانوا يعتقدون وجوب طاعة الامام وأما توقف
ابن مسعود عن خصوص جوابه وعدوله إلى الجواب العام فللاشكال الذي وقع له من ذلك وقد
أشار إليه في بقية حديثه ويستفاد منه التوقف في الافتاء فيما أشكل من الامر كما لو أن بعض
الأجناد استفتى ان السلطان عينه في أمر مخوف بمجرد التشهي وكلفه من ذلك ما لا يطيق فمن
أجابه بوجوب طاعة الامام أشكل الامر لما وقع من الفساد وان أجابه بجواز الامتناع أشكل
الامر لما قد يفضي به ذلك إلى الفتنة فالصواب التوقف عن الجواب في ذلك وأمثاله والله الهادي
إلى الصواب (قوله باب كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر
القتال حتى تزول الشمس) أي لان الرياح تهب غالبا بعد الزوال فيحصل بها تبريد حدة السلاح
والحرب وزيادة في النشاط أورد فيه حديث عبد الله بن أبي أوفى بمعنى ما ترجم به لكن ليس فيه إذا
لم يقاتل أول النهار وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه فعند أحمد من وجه آخر عن موسى
ابن عقبة بهذا الاسناد انه كان صلى الله عليه وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس
ولسعيد بن منصور من وجه آخر عن ابن أبي أوفى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمهل إذا زالت
الشمس ثم ينهض إلى عدوه وللمصنف في الجزية من حديث النعمان بن مقرن كان إذا لم يقاتل أول
النهار أنتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان
من وجه آخر وصححاه وفي روايتهم حتى تزول الشمس وتهب الأرواح وينزل النصر فيظهر أن
فائدة التأخير لكون أوقات الصلاة مظنة إجابة الدعاء وهبوب الريح قد وقع النصر به في الأحزاب
فصار مظنة لذلك والله أعلم وقد أخرج الترمذي حديث النعمان بن مقرن من وجه آخر عنه
لكن فيه انقطاع ولفظه يوافق ما قلته قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا طلع
الفجر أمسك حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قاتل فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس
فإذا زالت الشمس قاتل فإذا دخل وقت العصر أمسك حتى يصليها ثم يقاتل وكان يقال عند ذلك
تهيج رياح النصر ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم * (تنبيه) * وقع في رواية الإسماعيلي من
هذا الوجه زيادة في الدعاء وسيأتي التنبيه عليها في باب لا تتمنوا لقاء العدو مع بقية الكلام على
شرحه إن شاء الله تعالى (قوله باب استئذان الرجل) أي من الرعية (الامام) أي في
الرجوع أو التخلف عن الخروج أو نحو ذلك (قوله انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا
85

كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) قال ابن التين هذه الآية احتج بها الحسن على
أنه ليس لأحد أن يذهب من العسكر حتى يستأذن الأمير وهذا عند سائر الفقهاء كان خاصا
بالنبي صلى الله عليه وسلم كذا قال والذي يظهر أن الخصوصية في عموم وجوب الاستئذان والا
فلو كان ممن عينه الامام فطرأ له ما يقتضي التخلف أو الرجوع فإنه يحتاج إلى الاستئذان ثم أورد
فيه حديث جابر في قصة جمله وقد تقدم شرحه في كتاب الشروط والغرض منه هنا قوله اني عروس
فاستأذنته فاذن لي وسيأتي الكلام على ما يتعلق بتزويجه في النكاح * (تنبيه) * قوله في آخر هذا
الحديث قال المغيرة هذا في قضائنا حسن لا نرى به بأسا هذا موصول بالاسناد المذكور إلى المغيرة
وهو ابن مقسم الضبي أحد فقهاء الكوفة ومراده بذلك ما وقع من جابر من اشتراط ركوب جمله
إلى المدينة وأغرب الداودي فقال مراده جواز زيادة الغريم على حقه وان ذلك ليس خاصا بالنبي
صلى الله عليه وسلم وقد تعقبه ابن التين بان هذه الزيادة لم ترد في هذه الطريق هنا وهو كما قال
(قوله باب من غزا وهو حديث عهد بعرسة) بكسر العين أي بزوجته وبضمها أي
بزمان عرسه وفي رواية الكشميهني بعرس وهو يؤيد الاحتمال الثاني (قوله فيه جابر عن النبي
صلى الله عليه وسلم) يشير إلى حديثه المذكور في الباب قبله وان ذلك في بعض طرقه وسيأتي في أوائل
النكاح من طريق سيار عن الشعبي بلفظ فقال ما يعجلك قلت كنت حديث عهد بعرس الحديث
قوله باب من اختار الغزو بعد البناء فيه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم)
يشير إلى حديثه الآتي في الخمس من طريق همام عنه فقال غزا نبي من الأنبياء فقال لا يتبعني
رجل ملك بضع امرأة ولما يبنى بها الحديث وسيأتي شرحه هناك وترجم عليه في النكاح من أحب
البناء بعد الغزو وساق الحديث والغرض هنا من ذلك ان يتفرغ قلبه للجهاد ويقبل عليه
بنشاط لان الذي يعقد عقده على امرأة يبقى متعلق الخاطر بها بخلاف ما إذا دخل بها فإنه يصير
الامر في حقه أخف غالبا ونظيره الاشتغال بالاكل قبل الصلاة * (تنبيهان) * أحدهما أورد
الداودي هذه الترجمة محرفة ثم اعترضها وذلك أنه وقع عنده باب من اختار الغزو قبل البناء
فاعترضه بان الحديث فيه انه اختار البناء قبل الغزو (قلت) وعلى تقدير صحة ما وقع عند الداودي
فلا يلزمه الاعتراض لأنه أورد الترجمة مورد الاستفهام فكأنه قال ما حكم من اختار الغزو قبل
البناء هل يمنع كما دل عليه الحديث أو يسوغ ويحمل الحديث على الأولوية ثانيهما قال
الكرماني كأنه اكتفى بالإشارة إلى هذا الحديث لأنه لم يكن على شرطه (قلت) ولم يستحضر أنه
أورده موصولا في مكان آخر كما سيأتي قريبا والجواب الصحيح انه جرى على عادته الغالبة في أنه
لا يعيد الحديث الواحد إذا اتحد مخرجه في مكانين بصورته غالبا بل يتصرف فيه بالاختصار
ونحوه في أحد الموضعين (قوله باب مبادرة الامام عند الفزع) ذكر فيه حديث أنس
86

في ركوب النبي صلى الله عليه وسلم فرس أبي طلحة وقد تقدم الكلام عليه في الهبة ومضى مرارا
منها في باب الشجاعة في الحرب (قوله باب السرعة والركض في الفزع) ذكر فيه
حديث انس المذكور من وجه آخر وقد تقدم ومحمد المذكور في اسناده هو ابن سيرين (قوله
باب الخروج في الفزع وحده) كذا ثبتت هذه الترجمة بغير حديث وكأنه أراد أن يكتب
فيه حديث أنس المذكور من وجه آخر فاخترم قبل ذلك قال الكرماني ويحتمل أن يكون اكتفى
بالإشارة إلى الحديث الذي قبله كذا قال وفيه بعد وقد ضم أبو علي بن شبويه هذه الترجمة إلى التي
بعدها فقال باب الخروج في الفزع وحده والجعائل إلى آخره وليس في أحاديث باب الجعائل
مناسبة لذلك أيضا الا أنه يمكن حمله على ما قلت أولا قال ابن بطال جملة ما في هذه التراجم ان الامام
ينبغي له أن يشح بنفسه لما في ذلك من النظر للمسلمين الا أن يكون من أهل الغناء الشديد والثبات
البالغ فيحتمل ان يسوغ له ذلك وكان في النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ما ليس في غيره ولا سيما
مع ما علم أن الله يعصمه وينصره (قوله باب الجعائل والحملان في السبيل) الجعائل
بالجيم جمع جعيلة وهي ما يجعله القاعد من الأجرة لمن يغزو عنه والحملان بضم المهملة وسكون
الميم مصدر كالحمل تقول حمل حملا وحملانا قال ابن بطال ان اخرج الرجل من ماله شيئا فتطوع به
أو أعان الغازي على غزوه بفرس ونحوها فلا نزاع فيه وانما اختلفوا فيما إذا أجر نفسه أو فرسه في
الغزو فكره ذلك مالك وكره أن يأخذ جعلا على أن يتقدم إلى الحصن وكره أصحاب أبي حنيفة
الجعائل الا إن كان بالمسلمين ضعف وليس في بيت المال شئ وقالوا ان أعان بعضهم بعضا جاز لا على
وجه البدل وقال الشافعي لا يجوز أن يغزو بجعل يأخذه وانما يجوز من السلطان دون غيره لان
الجهاد فرض كفاية فمن فعله وقع عن الفرض ولا يجوز أن يستحق على غيره عوضا انتهى ويؤيده
ما رواه عبد الرزاق من طريق ابن سيرين عن ابن عمر قال يمتع القاعد الغازي بما شاء فاما انه يبيع
غزوه فلا ومن وجه آخر عن ابن سيرين سئل ابن عمر عن الجعائل فكرهه وقال أرى الغازي يبيع
غزوه والجاعل يفر من غزوه والذي يظهر أن البخاري أشار إلى الخلاف فيما يأخذه الغازي هل
يستحقه بسبب الغزو فلا يتجاوزه إلى غيره أو يملكه فيتصرف فيه بما شاء كما سيأتي بيان ذلك
(قوله وقال مجاهد قلت لابن عمر الغزو) هو بالنصب على الاغراء والتقدير عليك الغزو أو على
حذف فعل أي أريد الغزو وفي رواية الكشميهني أتغزو بالاستفهام وهذا الأثر وصله في المغازي
في غزوة الفتح بمعناه وسيأتي بيانه هناك ونبه به على مراد ابن عمر بالأثر الذي رواه عنه ابن سيرين
وانه لا يكره اعانة الغازي (قوله وقال عمر الخ) وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي إسحاق سليمان
الشيباني عن عمرو بن قرة قال جاءنا كتاب عمر بن الخطاب ان ناسا فذكر مثله قال أبو إسحاق فقمت
إلى أسير ابن عمرو فحدثته بما قال فقال صدق جاءنا كتاب عمر بذلك وأخرجه البخاري في تاريخه
من هذا الوجه وهو اسناد صحيح (قوله وقال طاوس ومجاهد الخ) وصله ابن أبي شيبة بمعناه
87

عنهما ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث * أحدها حديث عمر في قصة الفرس الذي حمل عليه
فوجده يباع الحديث وقد تقدم شرحه في الهبة * ثانيها حديث ابن عمر في هذه القصة نفسها وقد
تقدم أيضا * ثالثها حديث أبي هريرة في التحريض على الغزو وقد تقدم في أول الجهاد ووجه
دخول قصة فرس عمر من جهة ان النبي صلى الله عليه وسلم أقر المحمول عليه على التصرف فيه
بالبيع وغيره فدل على تقوية ما ذهب إليه طاوس من أن للآخذ التصرف في المأخوذ وقال ابن
المنير كل من أخذ مالا من بيت المال على عمل إذا أهمل العمل يرد ما أخذ وكذا الاخذ على عمل
لا يتأهل له ويحتاج إلى تأويل ما ذهب إليه عمر في الامر المذكور بان يحمل على الكراهة وقد قال
سعيد بن المسيب من أعان بشئ في الغزو فإنه للذي يعطاه إذا بلغ رأس المغزى أخرجه ابن أبي شيبة
وغيره وروى مالك في الموطأ عن ابن عمر إذا بلغت وادي القرى فشانك به أي تصرف فيه وهو قول
الليث والثوري ووجه دخول حديث أبي هريرة انه متعلق بالركن الثاني من الترجمة وهو الحملان
في سبيل الله لقوله أولا ولا أجد ما احملهم عليه (قوله باب الأجير) للأجير في الغزو
حالان اما أن يكون استؤجر للخدمة أو استؤجر ليقاتل فالأول قال الأوزاعي وأحمد واسحق
لا يسهم له وقال الأكثر يسهم له لحديث سلمة كنت أجيرا لطلحة أسوس فرسه أخرجه مسلم وفيه أن
النبي صلى الله عليه وسلم أسهم له وقال الثوري لا يسهم للأجير الا ان قاتل وأما الأجير إذا استؤجر
ليقاتل فقال المالكية والحنفية لا يسهم له وقال الأكثر له سهمه وقال احمد واستأجر الامام
قوما على الغزو لم يسهم لهم سوى الأجرة وقال الشافعي هذا فيمن لم يجب عليه الجهاد أما الحر
البالغ المسلم إذا حضر الصف فإنه يتعين عليه الجهاد فيسهم له ولا يستحق أجرة (قوله وقال
الحسن وابن سيرين يقسم للأجير من المغنم) وصله عبد الرزاق عنهما بلفظ يسهم للأجير ووصله
ابن أبي شيبة عنهما بلفظ العبد والأجير إذا شهدا القتال أعطوا من الغنيمة (قوله وأخذ عطية
ابن قيس فرسا على النصف الخ) وهذا الصنيع جائز عند من يجيز المخابرة وقال بصحته هنا الأوزاعي
وأحمد خلافا للثلاثة وقد تقدمت مباحث المخابرة في كتاب المزارعة ثم ذكر المصنف حديث
صفوان بن يعلى عن أبيه وهو يعلى بن أمية قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة
تبوك الحديث وسيأتي شرحه في القصاص والغرض منه قوله فاستأجرت أجيرا قال المهلب
استنبط البخاري من هذا الحديث جواز استئجار الحر في الجهاد وقد خاطب الله المؤمنين بقوله
واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه الآية فدخل الأجير في هذا الخطاب قلت وقد أخرج
الحديث أبو داود من وجه آخر عن يعلى بن أمية أوضح من الذي هنا ولفظه اذن رسول
الله صلى الله عليه وسلم في الغزو وأنا شيخ ليس لي خادم فالتمست أجيرا يكفيني وأجري له سهمي فوجدت
رجلا فلما دنا الرحيل أتاني فقال ما أدري ما سهمك وما يبلغ فسم لي شيئا كان السهم أو لم يكن
فسميت له ثلاثة دنانير الحديث وقوله في هذه الرواية فهو أوثق أعمالي في رواية السرخسي أحمالي
بالمهملة وللمستملي بالجيم والذي قاتل الأجير هو يعلى بن أمية نفسه كما رواه مسلم من حديث
عمران بن حصين (تنبيهان) الأول وقع في رواية المستملي بين أثر عطية بن قيس وحديث يعلى بن أمية
باب استعارة الفرس في الغزو وهو خطأ لأنه يستلزم أن يخلو باب الأجير من حديث مرفوع ولا
مناسبة بينه وبين حديث يعلى بن أمية وكأنه وجد هذه الترجمة في الطرة خالية عن حديث
88

فظن أن هذا موضعها وإن كان كذلك فحكمها حكم الترجمة الماضية قريبا وهي باب الخروج
في الفزع وحده وكأنه أراد أن يورد فيه حديث أنس في قصة فرس أبي طلحة أيضا فلم يتفق ذلك
ويقوي هذا ان ابن شبويه جعده هذه الترجمة مستقلة قبل باب الأجير بغير حديث وأوردها
الإسماعيلي عقب باب الأجير وقال لم يذكر فيها حديثا ثانيهما وقع في رواية أبي ذر تقديم باب
الجعائل وما بعده إلى هنا وأخر ذلك الباقون وقدموا عليه باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه
وسلم والخطب فيه قريب (قوله باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم) اللواء
بكسر اللام والمد هي الراية ويسمى أيضا العلم وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش ثم صارت
تحمل على رأسه وقال أبو بكر بن العربي اللواء غير الراية فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى
عليه والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح وقيل اللواء دون الراية وقيل اللواء العلم الضخم
والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار والراية يتولاها صاحب الحرب وجنح الترمذي إلى
التفرقة فترجم بالألوية وأورد حديث جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة ولواؤه
أبيض ثم ترجم للرايات وأورد حديث البراء ان راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء
مربعة من نمرة وحديث ابن عباس كانت رايته سوداء ولواؤه أبيض أخرجه الترمذي وابن
ماجة وأخرج الحديث أبو داود والنسائي أيضا ومثله لابن عدي من حديث أبي هريرة ولأبي يعلى
من حديث بريدة وروى أبو داود من طريق سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم رأيت راية
رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء ويجمع بينها باختلاف الأوقات وروى أبو يعلى عن أنس
رفعه ان الله أكرم أمتي بالألوية اسناده ضعيف ولأبي الشيخ من حديث ابن عباس كان مكتوبا
على رايته لا إله إلا الله محمد رسول الله وسنده واه وقيل كانت له راية تسمى العقاب سوداء مربعة
وراية تسمى الراية البيضاء وربما جعل فيها شئ أسود وذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث * أحدها
(قوله عن ثعلبة بن أبي مالك) تقدم ذكره في باب حمل النساء القرب في الغزو (قوله إن قيس
ابن سعد) أي ابن عبادة الصحابي ابن الصحابي وهو سيد الخزرج ابن سيدهم وسيأتي للمصنف من
حديث أنس في الاحكام انه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة (قوله
وكان صاحب لواء النبي صلى الله عليه وسلم) أي الذي يختص بالخزرج من الأنصار وكان النبي صلى
الله عليه وسلم في مغازيه يدفع إلى رأس كل قبيلة لواء يقاتلون تحته وأخرج أحمد باسناد قوي من
حديث ابن عباس ان راية النبي صلى الله عليه وسلم كانت تكون مع علي وراية الأنصار مع سعد
ابن عبادة الحديث (قوله أراد الحج فرجل) هو بتشديد الجيم وأخطأ من قالها بالمهملة واقتصر
البخاري على هذا القدر من الحديث لأنه موقوف وليس من غرضه في هذا الباب وانما أراد منه أن
قيس بن سعد كان صاحب اللواء النبوي ولا يتقرر في ذلك الا بإذن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا
القدر هو المرفوع من الحديث تاما وهو الذي يحتاج إليه هنا وقد أخرج الإسماعيلي الحديث
تاما من طريق الليث التي أخرجها المصنف منها فقال بعد قوله فرجل أحد شقى رأسه فقام غلام له
فقلد هديه فنظر قيس هديه وقد قلد فأهل بالحج ولم يرجل شق رأسه الآخر وأخرجه من طريق
أخرى عن الزهري بتمامه نحوه وفي ذلك مصير من قيس بن سعد إلى أن الذي يريد الاحرام إذا قلد
هديه يدخل في حكم المحرم وقرأت في كلام بعض المتأخرين ان بعض الشارحين تحير في شرح
89

القدر الذي وقع في البخاري وتكلف له وجوها عجيبة فلينظر المراد بالشارح المذكور فاني لم أقف
عليه ثم رأيت ما نقله المتأخر المذكور في كلام صاحب المطالع وأبهم الشارح الذي تحير وقال إنه
حمل الكلام ما لا يحتمله وذكر الدمياطي في الحاشية ان البخاري ذكر بقية الحديث في آخر
الكتاب وليس في الكتاب شئ من ذلك * ثانيها حديث سلمة بن الأكوع في قصة علي يوم خيبر
وسيأتي شرحه في كتاب المغازي والغرض منه قوله لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله
فإنه مشعر بان الراية لم تكن خاصة بشخص معين بل كان يعطيها في كل غزوة لمن يريد وقد أخرجه
أحمد من حديث بريدة بلفظ اني دافع اللواء إلى رجل يحبه الله ورسوله الحديث وهذا مشعر
بان الراية واللواء سواء * ثالثها حديث نافع بن جبير سمعت العباس أي ابن عبد المطلب يقول
للزبير أي ابن العوام ههنا أمرك النبي صلى الله عليه وسلم ان تركز الراية وهو طرف من حديث
أورده المصنف في غزوة الفتح وسيأتي شرحه مستوفى هناك وأبين هناك إن شاء الله تعالى ما في
سياقه من صورة الارسال والجواب عن ذلك وأبين تعيين المكان المشار إليه وانه الحجون وهو بفتح
المهملة وضم الجيم الخفيفة قال الطبري في حديث علي ان الامام يؤمر على الجيش من يوثق
بقوته وبصيرته ومعرفته وسيأتي بقية شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى وقال المهلب وفي
حديث الزبير ان الراية لا تركز الا بإذن الامام لأنها علامة على مكانه فلا يتصرف فيها الا بأمره
وفي هذه الأحاديث استحباب اتخاذ الألوية في الحروب وان اللواء يكون مع الأمير أو من يقيمه
لذلك عند الحرب وقد تقدم حديث أنس أخذ الراية زيد بن حارثة فأصيب ثم أخذها جعفر
فأصيب الحديث ويأتي تمام شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى أيضا (قوله باب
قول النبي صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب مسيرة شهر وقول الله عز وجل سنلقى في قلوب الذين
كفروا الرعب قاله جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى حديثه الذي أوله أعطيت خمسا
لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي فان فيه ونصرت بالرعب مسيرة شهر وقد تقدم شرحه في التيمم
ووقع في الطبراني من حديث أبي أمامة شهرا أو شهرين وله من حديث السائب بن يزيد شهرا امامي
وشهرا خلفي وظهر لي ان الحكمة في الاقتصار على الشهر انه لم يكن بينه وبين الممالك الكبار التي
حوله أكثر من ذلك كالشام والعراق واليمن ومصر ليس بين المدينة النبوية للواحدة منها
الا شهر فما دونه ودل حديث السائب على أن التردد في الشهر والشهرين اما ان يكون الراوي
سمعه كما في حديث السائب واما انه لا أثر لتردده وحديث السائب لا ينافي حديث جابر وليس
المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب بل هو وما ينشأ عنه من الظفر بالعدو ثم ذكر المصنف في
الباب حديثين * أحدهما حديث أبي هريرة الذي أوله بعثت بجوامع الكلم وفيه ونصرت
بالرعب وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب التعبير إن شاء الله
تعالى وجوامع الكلم القرآن فإنه تقع فيه المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة وكذلك يقع في
الأحاديث النبوية الكثير من ذلك ومفاتيح خزائن الأرض المراد منها ما يفتح لأمته من بعده من
الفتوح وقيل المعادن وقول أبي هريرة وأنتم تنتثلونها بوزن تفتعلونها من النثل بالنون
والمثلثة أي تستخرجونها تقول نثلت البئر إذا استخرجت ترابها * ثانيهما حديث أبي سفيان في
قصة هرقل ذكر طرفا منها وقد تقدم بهذا الاسناد بطوله في بدء الوحي والغرض منه هنا قوله إنه يخافه
90

ملك بني الأصفر لأنه كان بين المدينة وبين المكان الذي كان قيصر ينزل فيه مدة شهر أو نحوه
(قوله باب حمل الزاد في الغزو وقول الله عز وجل وتزودوا فان خير الزاد التقوى)
أشار بهذه الترجمة إلى أن حمل الزاد في السفر ليس منافيا للتوكل وقد تقدم في الحج في تفسير الآية
من حديث ابن عباس ما يؤيد ذلك ثم ذكر فيه أربعة أحاديث * أحدها حديث أسماء بنت أبي بكر
في تسميتها ذات النطاقين والغرض منه قولها فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به فإنه ظاهر
في حمل آلة الزاد في السفر وسيأتي الكلام على شرحه في أبواب الهجرة والنطاق بكسر النون
ما تشد به المرأة وسطها ليرتفع به ثوبها من الأرض عند المهنة * ثانيها حديث جابر كنا نتزود لحوم
الأضاحي الحديث وسيأتي شرحه في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى * ثالثها حديث سويدم
ابن النعمان وفيه فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالأطعمة وفي رواية مالك بالأزواد وقد تقدم في
الطهارة مع الكلام عليه وقوله في هذه الرواية فلكنا بضم اللام أي أدرنا اللقمة في الفم وقوله
وشربنا قال الداودي لا أراه محفوظا الا إن كان أراد المضمضة كذا قال ويحتمل أن يكون
بعضهم استف السويق وبعضهم جعله في الماء وشربه فلا اشكال * رابعها حديث سلمة وهو ابن
الأكوع خفت أزواد الناس وأملقوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر ابلهم الحديث
وهو ظاهر فيما ترجم به وقوله فيه أملقوا أي فني زادهم ومعنى أملق افتقر وقد يأتي متعديا بمعنى
أفنى (قوله فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر ابلهم) أي بسبب نحر ابلهم أوفيه حذف
تقديره فاستأذنوه في نحر ابلهم (قوله ناد في الناس يأتون) أي فهم يأتون ولذلك رفعه وزاد في
الشركة فبسط لذلك نطع وقد تقدم ان فيه أربع لغات فتح النون وكسرها وفتح الطاء وسكونها
(قوله وبرك) بالتشديد أي دعا بالبركة وقوله عليهم في رواية الكشميهني عليه أي على الطعام ومثله
في الشركة (قوله فاحتثى الناس) بمهملة ساكنة ثم مثناة ثم مثلثة أي أخذوا حثية حثية وقوله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهد إلى آخر الشهادتين أشار إلى أن ظهور المعجزة مما يؤيد
الرسالة وفي الحديث حسن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم واجابته إلى ما يلتمس منه
أصحابه واجراؤهم على العادة البشرية في الاحتياج إلى الزاد في السفر ومنقبة ظاهرة لعمر دالة
على قوة يقينه بإجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى حسن نظره للمسلمين على أنه ليس في
اجابه النبي صلى الله عليه وسلم لهم على نحر ابلهم ما يتحتم انهم يبقون بلا ظهر لاحتمال ان يبعث
الله لهم يا يحملهم من غنيمة ونحوها لكن أجاب عمر إلى ما أشار به لتعجيل المعجزة بالبركة التي حصلت
في الطعام وقد وقع لعمر شبيه بهذه القصة في الماء وذلك فيما أخرجه ابن خزيمة وغيره وستأتي
الإشارة إليه في علامات النبوة وقول عمر ما بقاؤكم بعد إبلكم أي لان توالي المشي ربما أفضى إلى
الهلاك وكأن عمر أخذ ذلك من النهي عن الحمر الأهلية يوم خيبر استبقاء لظهورها قال ابن بطال
استنبط منه بعض الفقهاء انه يجوز للامام في الغلاء الزام من عنده ما يفضل عن قوته ان
91

يخرجه للبيع لما في ذلك من صلاح الناس وفي حديث سلمة جواز المشورة على الامام بالمصلحة
وان لم يتقدم منه الاستشارة (قوله باب حمل الزاد على الرقاب) أي عند تعذر حمله
على الدواب ذكر فيه حديث جابر في قصة العنبر مقتصرا على بعضه والغرض منه قوله ونحن
ثلاثمائة نحمل زادنا على رقابنا وسيأتي شرحه مستوفى في أواخر المغازي (قوله باب
ارداف المرأة خلف أخيها) ذكر فيه حديث عائشة في ارتدافها في العمرة خلف أخيها عبد الرحمن
وحديث عبد الرحمن بن أبي بكر في ذلك وقد تقدم الكلام عليهما مستوفى في كتاب الحج ويشبه
أن يكون وجه دخوله هنا حديث عائشة المتقدم جهادكن الحج (قوله باب
الارتداف في الغزو والحج) ذكر فيه حديث أنس كنت رديف أبي طلحة وانهم ليصرخون بهما وقد
تقدم شرحه في الحج (قوله باب الردف على الحمار) ذكر فيه حديث أسامة بن زيد
مختصرا في ارتدافه النبي صلى الله عليه وسلم وقد سبقت الإشارة إليه في الصلح ويأتي شرحه
مستوفى في آخر تفسير آل عمران ويظهر وجه دخوله في أبواب الجهاد وحديث عبد الله وهو ابن عمر
في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة وقد تقدم في الصلاة وفي الحج والغرض منه (قوله
في أوله أقبل يوم الفتح مردفا أسامة بن زيد لكنه كان يومئذ راكبا على راحلة (قوله
باب من أخذ بالركاب ونحوه) أي من الإعانة على الركوب وغيره (قوله حدثنا إسحاق
أخبرنا عبد الرزاق) كذا هو غير منسوب وقد تقدم في باب فضل من حمل متاع صاحبه في
السفر عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق لكن سياقه مغاير لسياقه هنا وتقدم في الصلح عن إسحاق
ابن منصور عن عبد الرزاق مقتصرا على بعضه وهو أشبه بسياقه هنا فليفسر به هذا المهمل هنا
(قوله كل سلامي) بضم المهملة وتخفيف اللام أي أنملة وقيل كل عظم مجوف صغير وقيل هو
في الأصل عظم يكون في فرسن البعير واحده وجمعه سواء وقيل جمعه سلاميات وقوله كل
يوم عليه صدقة بنصب كل على الظرفية وقوله عليه مشكل قال ابن مالك المعهود في كل إذا
أضيفت إلى نكرة من خبر وتمييز وغيرهما ان تجئ على وفق المضاف كقوله تعالى كل نفس
ذائقة الموت وهنا جاء على وفق كل في قوله كل سلامي عليه صدقة وكان القياس أن يقول عليها
صدقة لان السلامي مؤنثة لكن دل مجيئها في هذا الحديث على الجواز ويحتمل أن يكون ضمن
92

السلامي معنى العظم أو المفصل فأعاد الضمير عليه كذلك والمعنى على كل مسلم مكلف بعد كل
مفصل من عظامه صدقة لله تعالى على سبيل الشكر له بان جعل عظامه مفاصل يتمكن بها من
القبض والبسط وخصت بالذكر لما في التصرف بها من دقائق الصنائع التي اختص بها الآدمي
(قوله يعدل) فاعله الشخص المسلم المكلف وهو مبتدأ على تقدير العدل نحو تسمع بالمعيدي خير
من أن تراه وقد قال سبحانه وتعالى ومن آياته يريكم البرق (قوله ويعين الرجل على دابته فيحمل
عليها) هو موضع الترجمة فان قوله فيحمل عليها أعم من أن يريد يحمل عليها المتاع أو الراكب وقوله
أو يرفع عليها متاعه اما شك من الراوي أو تنويع وحمل الراكب أعم من أن يحمله كما هو أو يعينه
في الركوب فتصح الترجمة قال ابن المنير لا تؤخذ الترجمة من مجرد صيغة الفعل فإنه مطلق بل من
جهة عموم المعنى وقد روى مسلم من حديث العباس في غزوة حنين قال وانا آخذ بركاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم الحديث (قوله ويميط الأذى عن الطريق) تقدم في باب اماطة الأذى عن
الطريق من هذا الوجه معلقا وحكى ابن بطال عن بعض من تقدمه أن هذا من قول أبي هريرة
موقوف وتعقبه بان الفضائل لا تدرك بالقياس وانما تؤخذ توقيفا من النبي صلى الله عليه وسلم
(قوله باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو) سقط لفظ كراهية الا للمستملي
فاثبتها وبثبوتها يندفع الاشكال الآتي (قوله وكذلك يروى عن محمد بن بشر عن عبد الله) هو
ابن عمر (عن نافع عن ابن عمر) وتابعه ابن إسحاق عن نافع اما رواية محمد بن بشر فوصلها
إسحاق بن راهويه في مسنده عنه ولفظه كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى
أرض العدو مخافة أن يناله العدو وقال الدارقطني والبرقاني لم يروه بلفظ الكراهة الا محمد بن بشر
وأما متابعة ابن إسحاق فهي بالمعنى لان أحمد أخرجه من طريقه بلفظ نهى ان يسافر بالمصحف إلى
ارض العدو والنهي يقتضي الكراهة لأنه لا ينفك عن كراهة التنزيه أو التحريم (قوله وقد
سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أرض العدو وهم يعلمون القرآن) أشار البخاري بذلك إلى
أن المراد بالنهي عن السفر بالقرآن السفر بالمصحف خشية أن يناله العدو لا السفر بالقرآن
نفسه وقد تعقبه الإسماعيلي بأنه لم يقل أحد ان من يحسن القرآن لا يغزو العدو في دارهم وهو
اعتراض من لم يفهم مراد البخاري وادعى المهلب ان مراد البخاري بذلك تقوية القول بالتفرقة
بين العسكر الكثير والطائفة القليلة فيجوز في تلك دون هذه والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث
مالك في ذلك وهو بلفظ نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو وأورده ابن ماجة من طريق
عبد الرحمن بن مهدي عن مالك وزاد مخافة أن يناله العدو رواه ابن وهب عن مالك فقال خشية
أن يناله العدو وأخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك فقال قال مالك أراه مخافة فذكره قال أبو
عمر كذا قال يحيى بن يحيى الأندلسي ويحيى بن بكير وأكثر الرواة عن مالك جعلوا التعليل من
كلامه ولم يرفعوه وأشار إلى أن ابن وهب تفرد برفعها وليس كذلك لما قدمته من رواية ابن
ماجة وهذه الزيادة رفعها ابن إسحاق أيضا كما تقدم وكذلك أخرجها مسلم والنسائي وابن ماجة
من طريق الليث عن نافع ومسلم من طريق أيوب بلفظ فاني لا آمن أن يناله العدو فصح انه
مرفوع وليس بمدرج ولعل مالكا كان يجزم به ثم صار يشك في رفعه فجعله من تفسير نفسه قال
ابن عبد البر أجمع الفقهاء أن لا يسافر بالمصحف في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه
93

واختلفوا في الكبير المأمون عليه فمنع مالك أيضا مطلقا وفصل أبو حنيفة وأدار الشافعية
الكراهة مع الخوف وجودا وعدما وقال بعضهم كالمالكية واستدل به على منع بيع المصحف
من الكافر لوجود المعنى المذكور فيه وهو التمكن من الاستهانة به ولا خلاف في تحريم ذلك
وانما وقع الاختلاف هل يصح لو وقع ويؤمر بإزالة ملكه عنه أم واستدل به على منع تعلم
الكافر القرآن فمنع مالك مطلقا وأجاز الحنفية مطلقا وعن الشافعي قولان وفصل بعض
المالكية بين القليل لأجل مصلحة قيام الحجة عليهم فأجاز وبين الكثير فمنعه ويؤيده قصة هرقل
حيث كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآيات وقد سبق في باب هل يرشد الكافر بشئ من
هذا وقد نقل النووي الاتفاق على جواز الكتابة إليهم بمثل ذلك * (تنبيه) * ادعى ابن بطال
ان ترتيب هذا الباب وقع فيه غلط من الناسخ وان الصواب أن يقدم حديث مالك قبل قوله
وكذلك يروى عن محمد بن بشر إلى آخره قال وانما احتاج إلى المتابعة لان بعض الناس زاد في
الحديث مخافة أن يناله العدو ولم تصح هذه الزيادة عند مالك ولا عند البخاري انتهى وما ادعاه
من الغلط مردود فإنه استند إلى أنه لم يتقدم شئ يشار إليه بقوله كذلك وليس كما قال لأنه أشار
بقوله كذلك إلى لفظ الترجمة كما بينته من رواية المستملى وأما ما ادعاه من سبب المتابعة فليس كما
قال فان لفظ الكراهية تفرد به محمد بن بشر ومتابعة ابن إسحاق له انما هي في أصل الحديث لكنه
أفاد ان المراد بالقرآن المصحف لا حامل القرآن (قوله باب التكبير عند الحرب)
أي جوازه أو مشروعيته وذكر فيه حديث أنس في قصة خيبر وفيه قوله صلى الله عليه و سلم الله
أكبر خربت خيبر وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب المغازي والذي نادى بالنهي عن لحوم الحمر
الأهلية هو أبو طلحة كما وقع عند مسلم وقوله تابعه علي عن سفيان يعني علي بن المديني شيخه
وسيأتي في علامات النبوة (قوله باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير) أورد فيه
حديث أبي موسى كنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا الحديث وسيأتي شرحه
في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى (قوله أربعوا) بفتح الموحدة أي ارفقوا قال الطبري فيه
كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين انتهى وتصرف
البخاري يقتضي ان ذلك خاص بالتكبير عند القتال وأما رفع الصوت في غيره فقد تقدم في كتاب
الصلاة حديث ابن عباس ان رفع الصوت بالذكر كان على العهد النبوي إذا انصرفوا من المكتوبة
وتقدم البحث فيه هناك (قوله باب التسبيح إذا هبط واديا) أورد فيه حديث جابر كنا إذا
أصعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا ثم قال باب التكبير إذا علا شرفا وأورد فيه حديث جابر
المذكور وفيه وإذا تصوبنا سبحنا أي انحدرنا والتصويب النزول والفدفد بفائين مفتوحتين
بينهما مهملة هي الأرض الغليظة ذات الحصى وقيل المستوية وقيل المكان المرتفع الصلب وقوله
94

حدثنا عبد الله حدثني عبد العزيز بن أبي سلمة زعم أبو مسعود ان عبد الله هو ابن صالح وتعقبه
الجياني بأنه وقع في رواية ابن السكن عبد الله بن يوسف وهو المعتمد وسالم المذكور في اسناده هو
ابن أبي الجعد وأما سالم المذكور في الذي بعده فهو ابن عبد الله بن عمر وقد تقدم الحديث من
طريق أخرى عن ابن عمر في أواخر الحج والغرض من حديث ابن عمر قوله فيه كلما أوفى على ثنية أو
فدفد كبر ثلاثا قال المهلب تكبيره صلى الله عليه وسلم عند الارتفاع استشعار لكبرياء الله عز وجل
وعند ما يقع عليه العين من عظيم خلقه انه أكبر من كل شئ وتسبيحه في بطون الأودية مستنبط
من قصة يونس فان بتسبيحه في بطن الحوت نجاه الله من الظلمات فسبح النبي صلى الله عليه وسلم في
بطون الأودية لينجيه الله منها وقيل مناسبة التسبيح في الأماكن المنخفضة من جهة ان التسبيح
هو التنزيه فناسب تنزيه الله عن صفات الانخفاض كما ناسب تكبيره عند الأماكن المرتفعة ولا يلزم
من كون جهتي العلو والسفل محال على الله أن لا يوصف بالعلو لان وصفه بالعلو من جهة المعنى
والمستحيل كون ذلك من جهة الحس ولذلك ورد في صفته العالي والعلي والمتعالي ولم يرد ضد ذلك
وإن كان قد أحاط بكل شئ علما جل وعز (قوله باب يكتب للمسافر ما كان يعمل
في الإقامة) أي إذا كان سفره في غير معصية (قوله أخبرنا العوام) هو ابن حوشب بمهملة ثم معجمة
وزن جعفر (قوله سمعت أبا بردة) هو ابن أبي موسى الأشعري (قوله واصطحب هو ويزيد بن أبي
كبشة في سفر) أي مع يزيد ويزيد ابن أبي كبشة هذا شامي واسم أبيه حيويل بفتح المهملة وسكون
التحتانية وكسر الواو بعدها تحتانية أخرى ساكنة ثم لام وهو ثقة ولي خراج السند لسليمان بن
عبد الملك ومات في خلافته وليس له في البخاري ذكر الا في هذا الموضع (قوله فكان يزيد يصوم في
السفر) في رواية هشيم عن العوام بن حوشب وكان يزيد بن أبي كبشة يصوم الدهر أخرجه
الإسماعيلي (قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية هشيم عن العوام عند أبي داود
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول غير مرة ولا مرتين (قوله إذا مرض العبد أو سافر) في رواية
هشيم إذا كان العبد يعمل عملا صالحا فشغله عن ذلك مرض (قوله كتب له مثل ما كان يعمل
مقيما صحيحا) هو من اللف والنشر المقلوب فالإقامة في مقابل السفر والصحة في مقابل المرض
وهو في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها كما ورد ذلك
صريحا عند أبي داود من طريق العوام بن حوشب بهذا الاسناد في رواية هشيم وعنده في آخره
كأصلح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم ووقع أيضا في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا أن
العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله إذا
كان طليقا حتى أطلقه أو أكفته إلي أخرجه عبد الرزاق وأحمد وصححه الحاكم ولأحمد من حديث
أنس رفعه إذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله
فان شفاه غسله وطهره وان قبضه غفر له ورحمه ولرواية إبراهيم السكسكي عن أبي بردة متابع
أخرجه الطبراني من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده بلفظ ان الله يكتب للمريض
أفضل ما كان يعمل في صحته ما دام في وثاقه الحديث وفي حديث عائشة عند النسائي ما من امرئ
تكون له صلاة من الليل يغلبه عليها نوم أو وجع الا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة
95

قال ابن بطال وهذا كله في النوافل وأما صلاة الفرائض فلا تسقط بالسفر والمرض والله أعلم
وتعقبه ابن المنير بأنه تحجر واسعا ولا مانع من دخول الفرائض في ذلك بمعنى انه إذا عجز عن
الاتيان بها على الهيئة الكاملة أن يكتب له أجر ما عجز عنه كصلاة المريض جالسا يكتب له أجر
القائم انتهى وليس اعتراضه بجيد لأنهما لم يتواردا على محل واحد واستدل به على أن المريض
والمسافر إذا تكلف العمل كان أفضل من عمله وهو صحيح مقيم وفي هذه الأحاديث تعقب على من
زعم أن الاعذار المرخصة لترك الجماعة تسقط الكراهة والاثم خاصة من غير أن تكون محصلة
للفضيلة بذلك جزم النووي في شرح المهذب وبالأول جزم الروياني في التلخيص ويشهد لما قال
حديث أبي هريرة رفعه من توضأ فاحسن وضوءه ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا
أعطاه الله مثل أجر من صلى وحضر لا ينقص ذلك من أجره شيئا أخرجه أبو داود والنسائي
والحاكم واسناده قوي وقال السبكي الكبير في الحلبيات من كانت عادته ان يصلي جماعة فتعذر
فانفرد كتب له ثواب الجماعة ومن لم تكن له عادة لكن أراد الجماعة فتعذر فانفرد يكتب له ثواب
قصده لا ثواب الجماعة لأنه وإن كان قصده الجماعة لكنه قصد مجرد ولو كان يتنزل منزلة من صلى
جماعة كان دون من جمع والأولى سبقها فعل ويدل للأول حديث الباب وللثاني ان أجر الفعل
يضاعف وأجر القصد لا يضاعف بدليل من هم بحسنة كتبت له حسنة واحدة كما سيأتي في كتاب
الرقاق قال ويمكن أن يقال إن الذي صلى منفردا ولو كتب له أجر صلاة الجماعة لكونه اعتادها
فيكتب له ثواب صلاة منفرد بالأصالة وثواب مجمع بالفضل انتهى ملخصا (قوله باب
السير وحده) ذكر فيه حديثين * أحدهما عن جابر في انتداب الزبير وحده وقد تقدم في باب هل
يبعث الطليعة وحده وتعقبه الإسماعيلي فقال لا اعلم هذا الحديث كيف يدخل في هذا الباب
وقرره ابن المنير بأنه لا يلزم من كون الزبير انتدب أن لا يكون سار معه غيره متابعا له (قلت) لكن قد
ورد من وجه آخر ما يدل على أن الزبير توجه وحده وسيأتي في مناقب الزبير من طريق عبد الله بن
الزبير ما يدل على ذلك وفيه قلت يا أبت رأيتك تختلف فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
يأتيني بخبر بني قريظة فانطلقت الحديث (قوله قال سفيان الحواري الناصر) هو موصول
عن الحميدي عنه * ثانيهما حديث ابن عمر (قوله لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب
بليل وحده) ساقه على لفظ أبي نعيم وقوله ما أعلم اي الذي أعلمه من الآفات التي تحصل من ذلك
والوحدة بفتح الواو يجوز كسرها ومنعه بعضهم * (تنبيهان) * أحدهما قال المزي في الأطراف
قال البخاري حدثنا أبو الوليد عن عاصم بن محمد به وقال بعده وأبو نعيم عن عاصم ولم يقل حدثنا
أبو نعيم ولا في كتاب حماد بن شاكر حدثنا أبو نعيم انتهى والذي وقع لنا في جميع الروايات عن
الفربري عن البخاري حدثنا أبو نعيم وكذلك وقع في رواية النسفي عن البخاري فقال حدثنا أبو
الوليد فساق الاسناد ثم قال وحدثنا أبو الوليد وأبو نعيم قالا حدثنا عاصم فذكره وبذلك جزم أبو
نعيم الأصبهاني في المستخرج فقال بعد ان أخرجه من طريق عمرو بن مرزوق عن عاصم بن محمد
أخرجه البخاري عن أبي نعيم وأبي الوليد فلعل لفظ حدثنا في رواية أبي نعيم سقط من رواية حماد
ابن شاكر وحده ثانيهما ذكر الترمذي ان عاصم بن محمد تفرد برواية هذا الحديث وفيه نظر لان
96

عمر بن محمد أخاه قد رواه معه عن أبيه أخرجه النسائي قال ابن المنير السير لمصلحة الحرب أخص
من السفر والخبر ورد في السفر فيؤخذ من حديث جابر جواز السفر منفردا للضرورة والمصلحة
التي لا تنتظم الا بالانفراد كارسال الجاسوس والطليعة والكراهة لما عدا ذلك ويحتمل أن تكون
حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الامن وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة وقد وقع
في كتب المغازي بعث كل من حذيفة ونعيم بن مسعود وعبد الله بن أنيس وخوات بن جبير وعمرو
ابن أمية وسالم بن عمير وبسسة 2 في عدة مواطن وبعضها في الصحيح وتقدم في الشروط شئ من
ذلك ويأتي في باب الجاسوس بعد قليل (قوله باب السرعة في السير) أي
في الرجوع إلى الوطن (قوله وقال أبو حميد قال النبي صلى الله عليه وسلم اني متعجل الخ)
هو طرف من حديث سبق في الزكاة بطوله وتقدم الكلام عليه هناك ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث
أحدها حديث أسامة بن زيد في سير العنق وقد تقدم شرحه مستوفى في الحج وقوله قال سئل
أسامة بن زيد كان يحيى يقول وأنا أسمع فسقط عني القائل ذلك هو محمد بن المثنى شيخ البخاري
وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق بندار والدورقي وغيرهما عن يحيى بن سعيد وقال فيه سئل
أسامة وأنا شاهده * ثانيها حديث ابن عمر في جمعه بين الصلاتين لما بلغه وجع صفية بنت
أبي عبيد وهي زوجته وقد تقدم في أواخر أبواب العمرة بهذا الاسناد مع الكلام عليه * ثالثها
حديث أبي هريرة السفر قطعة من العذاب وقد تقدم شرحه في أواخر أبواب العمرة وقوله
نهمته بفتح النون على المشهور أي رغبته قال المهلب تعجله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليريح
نفسه ويفرح أهله وتعجله إلى المزدلفة ليعجل الوقوف بالمشعر الحرام وتعجل ابن عمر إلى زوجته
ليدرك من حياتها ما يمكنه ان تعهد إليه بما لا تعهد إلى غيره (قوله باب إذا حمل
على فرس فرآها تباع) ذكر فيه حديث ابن عمر في ذلك وحديث عمر نفسه وقد تقدما قريبا وبيان
مكان شرحهما وقوله في حديث عمر ابتاعه أو إضاعة شك من الراوي ولا معنى لقوله ابتاعه لأنه
لم يشتره وانما عرضه للبيع فيحتمل أن يكون في الأصل باعه فهو بمعنى عرضه للبيع والله أعلم
(قوله باب الجهاد بإذن الأبوين) كذا أطلق وهو قول الثوري وقيده بالاسلام
الجمهور ولم يقع في حديث الباب أنهما منعاه لكن لعله أشار إلى حديث أبي سعيد الآتي (قوله
سمعت أبا العباس الشاعر وكان لا يتهم في حديثه) تقدم القول في ذلك في باب صوم داود من كتاب
الصيام وقد خالف الأعمش شعبة فرواه ابن ماجة من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب بن
أبي ثابت عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو فلعل لحبيب فيه اسنادين ويؤيده ان بكر بن
97

بكار رواه عن شعبة عن حبيب عن عبد الله بن باباه كذلك (قوله جاء رجل) يحتمل أن يكون هو
جاهمة بن العباس بن مرداس فقد روى النسائي وأحمد من طريق معاوية بن جاهمة أن جاهمة
جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئت لأستشيرك فقال هل لك
من أم قال نعم قال ألزمها الحديث ورواه البهيقي من طريق ابن جريج عن محمد بن طلحة بن ركانة عن
معاوية بن جاهمة السلمي عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستأذنه في الجهاد فذكره
وقد اختلف في اسناده على محمد بن طلحة اختلافا كثيرا بينته في ترجمة جاهمة من كتابي في الصحابة
(قوله ففيهما فجاهد) أي خصصهما بجهاد النفس في رضاهما ويستفاد منه جواز التعبير
عن الشئ بضده إذا فهم المعنى لان صيغة الامر في قوله فجاهد ظاهرها ايصال الضرر الذي كان
يحصل لغيرهما لهما وليس ذلك مرادا قطعا وانما المراد ايصال القدر المشترك من كلفة الجهاد
وهو تعب البدن والمال ويؤخذ منه ان كل شئ يتعب النفس يسمى جهادا وفيه أن بر الوالد
قد يكون أفضل من الجهاد وان المستشار يشير بالنصيحة المحضة وان المكلف يستفصل عن
الأفضل في أعمال الطاعة ليعمل به لأنه سمع فضل الجهاد فبادر إليه ثم لم يقنع حتى استأذن فيه
فدل على ما هو أفضل منه في حقه ولولا السؤال ما حصل له العلم بذلك ولمسلم وسعيد بن منصور من
طريق ناعم مولى أم سلمة عن عبد الله بن عمرو في نحو هذه القصة قال ارجع إلى والديك فأحسن
صحبتهما ولأبي داود وابن حبان من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو ارجع فأضحكهما كما
أبكيتهما وأصرح من ذلك حديث أبي سعيد عند أبي داود بلفظ ارجع فاستأذنهما فان أذنا
لك فجاهد والا فبرهما وصححه ابن حبان قال جمهور العلماء يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو
أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين لان برهما فرض عين عليه والجهاد فرض كفاية فإذا تعين الجهاد
فلا اذن ويشهد له ما أخرجه ابن حبان من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو جاء رجل إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال قال الصلاة قال ثم مه قال الجهاد قال فان لي
والدين فقال آمرك بوالديك خيرا فقال والذي بعثك بالحق نبيا لأجاهدن ولأتركنهما قال فأنت
أعلم وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقا بين الحديثين وهل يلحق الجد والجدة بالأبوين في
ذلك الأصح عند الشافعية نعم والأصح أيضا أن لا يفرق بين الحر والرقيق في ذلك لشمول طلب البر
فلو كان الولد رقيقا فاذن له سيده لم يعتبر اذن أبويه ولهما الرجوع في الاذن الا ان حضر الصف
وكذا لو شرطا أن لا يقاتل فحضر الصف فلا أثر للشرط واستدل به على تحريم السفر بغير اذن لان
الجهاد إذا منع مع فضيلته فالسفر المباح أولى نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث يتعين السفر
طريقا إليه فلا منع وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف وفي الحديث فضل بر الولدين وتعظيم
حقهما وكثرة الثواب على برهما وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى (قوله
باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل) أي من الكراهة وقيده بالإبل لورود
الخبر فيها بخصوصها (قوله عن عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن عمرو بن حزم وعباد بن تميم
هو المازني وهو وشيخه والراوي عنه أنصاريون مدنيون وعبد الله وعباد تابعيان (قوله إن
أبا بشير الأنصاري أخبره) ليس لأبي بشير وهو بفتح الموحدة ثم معجمة في البخاري غير هذا الحديث
الواحد وقد ذكره الحاكم أبو أحمد فيمن لا يعرف اسمه وقيل اسمه قيس بن عبد الحرير بمهملات
98

مصغر ابن عمرو ذكر ذلك ابن سعد وساق نسبه إلى مازن الأنصاري وفيه نظر لأنه وقع في رواية
عثمان بن عمر عن مالك عند الدارقطني نسبة أبي بشير ساعديا فإن كان قيس يكنى أبا بشير أيضا فهو
غير صاحب هذا الحديث وأبو بشير المازني هذا عاش إلى بعد الستين وشهد الحرة وجرح بها ومات
من ذلك (قوله في بعض أسفاره) لم أقف على تعيينها (قوله قال عبد الله حسبت أنه قال) عبد الله
هو ابن أبي بكر الراوي وكأنه شك في هذه الجملة ولم أرها من طريقه الا هكذا (قوله فأرسل) قال ابن
عبد البر في رواية روح بن عبادة عن مالك أرسل مولاه زيدا قال ابن عبد البر وهو زيد بن حارثة
فيما يظهر لي (قوله في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة) كذا هنا بلفظ أو وهي للشك أو للتنويع
ووقع في رواية أبي داود عن القعنبي بلفظ ولا قلادة وهو من عطف العام على الخاص وبهذا جزم
المهلب ويؤيد الأول ما روى عن مالك أنه سئل عن القلادة فقال ما سمعت بكراهتها الا في الوتر
وقوله وتر بالمثناة في جميع الروايات قال ابن الجوزي ربما صحف من لا علم له بالحديث فقال وبر
بالموحدة (قلت) حكى ابن التين ان الداودي جزم بذلك وقال هو ما ينتزع عن الجمال يشبه
الصوف قال ابن التين فصحف قال ابن الجوزي وفي المراد بالأوتار ثلاثة أقوال أحدها انهم كانوا
يقلدون الإبل أوتار القسي لئلا تصيبها العين بزعمهم فأمروا بقطعها اعلاما بان الأوتار لا ترد من
أمر الله شيئا وهذا قول مالك (قلت) وقع ذلك متصلا بالحديث من كلامه في الموطأ وعند
مسلم وأبي داود وغيرهما قال مالك أرى ان ذلك من أجل العين ويؤيده حديث عقبة بن عامر
رفعه من علق تميمة فلا أتم الله له أخرجه أبو داود أيضا والتميمة ما علق من القلائد خشية العين
ونحو ذلك قال ابن عبد البر إذا اعتقد الذي قلدها أنها تر العين فقد ظن أنها ترد القدر وذلك لا يجوز
اعتقاده ثانيها النهي عن ذلك لئلا تختنق الدابة بها عند شدة الركض ويحكى ذلك عن محمد بن
الحسن صاحب أبي حنيفة وكلام أبي عبيد يرجحه فإنه قال نهى عن ذلك لان الدواب تتأذى بذلك
ويضيق عليها نفسها ورعيها وربما تعلقت بشجرة فاختنقت أو تعوقت عن السير ثالثها انهم كانوا
يعلقون فيها الأجراس حكاه الخطابي وعليه يدل تبويب البخاري وقد روى أبو داود والنسائي
من حديث أم حبيبة أم المؤمنين مرفوعا لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس وأخرجه النسائي من
حديث أم سلمة أيضا والذي يظهر ان البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرقه فقد أخرجه
الدارقطني من طريق عثمان بن عمر المذكور بلفظ لا تبقين قلادة من وتر ولا جرس في عنق بعير الا
قطع (قلت) ولا فرق بين الإبل وغيرها في ذلك الا على القول الثالث فلم تجر العادة بتعليق
الأجراس في رقاب الخيل وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي وهب الحساني رفعه
اربطوا الخيل وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار فدل على أن لا اختصاص للإبل فلعل التقييد بها في
الترجمة للغالب وقد حمل النضر بن شميل الأوتار في هذا الحديث على معنى الثأر فقال معناه
لا تطلبوا بها ذحول الجاهلية قال القرطبي وهو تأويل بعيد وقال النووي ضعيف والى نحو قول
النضر جنح وكيع فقال المعنى لا تركبوا الخيل في الفتن فان من ركبها لم يسلم أن يتعلق به وتر يطلب
به والدليل على أن المراد بالأوتار جمع الوتر بالتحريك لا الوتر بالاسكان ما رواه أبو داود أيضا
من حديث رويفع بن ثابت رفعه من عقد لحيته أو تقلد وترا فان محمدا برئ منه فإنه عند الرواة
أجمع بفتح المثناة والجرس بفتح الجيم والراء ثم مهملة معروف وحكى عياض اسكان الراء
99

والتحقيق ان الذي بالفتح اسم الآلة وبالاسكان اسم الصوت وروى مسلم من حديث العلاء بن
عبد الرحمن عن أبي هريرة رفعه الجرس مزمار الشيطان وهو دال على أن الكراهية فيه لصوته
لان فيها شبها بصوت الناقوس وشكله قال النووي وغيره الجمهور على أن النهي
للكراهة وانها كراهة تنزيه وقيل للتحريم وقيل يمنع منه قبل الحاجة ويجوز إذا وقعت الحاجة وعن مالك
تختص الكراهة من القلائد بالوتر ويجوز بغيرها إذا لم يقصد دفع العين هذا كله في تعليق التمائم
وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه فاما ما فيه ذكر الله فلا نهي فيه فإنه انما يجعل للتبرك به والتعوذ
بأسمائه وذكره وكذلك لا نهي عما يعلق لأجل الزينة ما لم يبلغ الخيلاء أو السرف واختلفوا في
تعليق الجرس أيضا ثالثها يجوز بقدر الحاجة ومنهم من أجاز الصغير منها دون الكبير وأغرب ابن
حبان فزعم أن الملائكة لا تصحب الرفقة التي يكون فيها الجرس إذا كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيها (قوله باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة أو كان له عذر
هل يؤذن له) ذكر فيه حديث ابن عباس في ذلك وفيه قوله أذهب فاحجج مع امرأتك وقد سبق
الكلام عليه في أواخر أبواب المحضر من الحج ويستفاد منه ان الحج في حق مثله أفضل من الجهاد
لأنه اجتمع له مع حج التطوع في حقه تحصيل حج الفرض لامرأته وكان اجتماع ذلك له أفضل من
مجرد الجهاد الذي يحصل المقصود منه بغيره وفيه مشروعية كتابة الجيش ونظر الامام لرعيته
بالمصلحة (قوله باب الجاسوس) بجيم ومهملتين أي حكمه إذا كان من جهة
الكفار ومشرعيته إذا كان من جهة المسلمين (قوله والتجسس التبحث) هو تفسير أبي عبيدة
(قوله وقول الله عز وجل لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية) مناسبة الآية أما لما سيأتي
في التفسير ان القصة المذكورة في حديث الباب كانت سبب نزولها وأما لأن ينتزع منها حكم
جاسوس الكفار فإذا اطلع عليه بعض المسلمين لا يكتم أمره بل يرفعه إلى الامام ليرى فيه رأيه وقد
اختلف العلماء في جواز قتل جاسوس الكفار وسيأتي البحث فيه بعد أحد وثلاثين بابا ثم ذكر فيه
حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة وسيأتي الكلام على شرحه في تفسير سورة الممتحنة إن شاء الله
تعالى ونذكر فيه المرأة وتسمية من عرف ممن كاتبه حاطب من أهل مكة وقوله فيه
روضة خاخ بمنقوطتين من فوق والظعينة بالظاء المعجمة المرأة وقوله في آخره قال سفيان وأي اسناد
هذا أي عجبا لجلالة رجاله وصريح اتصاله (قوله باب الكسوة للأسارى) أي
بما يواري عوراتهم إذ لا يجوز النظر إليها (قوله عن عمرو) هو ابن دينار (قوله لما كان يوم بدر أتى
100

بأسارى من المشركين (قوله وأتى بالعباس) أي ابن عبد المطلب (قوله يقدر عليه) بضم الدال
وانما كان ذلك لان العباس كان بين الطول وكذلك كان عبد الله بن أبي (قوله فلذلك نزع النبي
صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه) أي لعبد الله بن أبي عند دفنه وقد تقدم شرح ذلك في أواخر
الجنائز وما يحتمل في ذلك من الادراج وقوله في آخر الحديث قال ابن عيينة كانت له أي
لعبد الله بن أبي وقوله يد أي نعمة وهو محصل ما سبق من قوله في الجنائز كانوا يرون الخ (قوله
باب فضل من أسلم على يديه رجل) ذكر فيه حديث سهل بن سعد في قصة علي يوم
خيبر والمراد منه قوله صلى الله عليه وسلم لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم وهو
ظاهر فيما ترجم له وسيأتي شرح الحديث في المغازي إن شاء الله تعالى (قوله باب
الأسارى في السلاسل) ذكر فيه حديث أبي هريرة عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل
وقد أخرجه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد بلفظ يقادون إلى الجنة بالسلاسل وقد
تقدم توجيه العجب في حق الله في أوائل الجهاد وان معناه الرضا ونحو ذلك قال ابن المنير إن كان
المراد حقيقة وضع السلاسل في الأعناق فالترجمة مطابقة وإن كان المراد المجاز عن الاكراه فليست
مطابقة (قلت) المراد بكون السلاسل في أعناقهم مقيد بحالة الدنيا فلا مانع من حمله على حقيقته
والتقدير يدخلون الجنة وكانوا قبل أن يسلموا في السلاسل وسيأتي في تفسير آل عمران من وجه
آخر عن أبي هريرة في قوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس قال خير الناس للناس يأتون بهم
في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الاسلام قال ابن الجوزي معناه انهم أسروا وقيدوا فلما
عرفوا صحة الاسلام دخلوا طوعا فدخلوا الجنة فكان الاكراه على الأسر والتقييد هو السبب
الأول وكانه أطلق على الاكراه التسلسل ولما كان هو السبب في دخول الجنة أقام المسبب مقام
السبب وقال الطيبي ويحتمل أن يكون المراد بالسلسلة الجذب الذي يجذبه الحق من خلص عباده
من الضلالة إلى الهدى ومن الهبوط في مهاوي الطبيعة إلى العروج للدرجات لكن الحديث
في تفسير آل عمران يدل على أنه على الحقيقة ونحوه ما أخرجه من طريق أبي الطفيل رفعه
رأيت ناسا من أمتي يساقون إلى الجنة في السلاسل كرها قلت يا رسول الله من هم قال قوم من
العجم يسبيهم المهاجرون فيدخلونهم في الاسلام مكرهين وأما إبراهيم الحربي فمنع حمله على حقيقة
التقييد وقال المعنى يقادون إلى الاسلام مكرهين فيكون ذلك سبب دخولهم الجنة وليس المراد
أن ثم سلسلة وقال غيره يحتمل أن يكون المراد المسلمين المأسورين عند أهل الكفر يموتون على ذلك
أو يقتلون فيحشرون كذلك وعبر عن الحشر بدخول الجنة لثبوت دخولهم عقبة والله أعلم
(قوله باب فضل من أسلم من أهل الكتابين) ذكر فيه حديث أبي بردة وانه سمع أباه
101

يقول ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين الحديث وقد تقدم الكلام عليه في العتق قال المهلب جاء
النص في هؤلاء الثلاثة لينبه به على سائر من أحسن في معنيين في أي فعل كان من أفعال البر
وقد تقدمت مباحث هذا الحديث في كتاب العلم ويأتي الكلام على ما يتعلق بمن يعتق الأمة
ثم يتزوجها في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى قال ابن المنير مؤمن أهل الكتاب لا بد أن يكون
مؤمنا بنبينا صلى الله عليه وسلم لما أخذ الله عليهم من العهد والميثاق فإذا بعث فايمانه مستمر
فكيف يتعدد ايمانه حتى يتعدد أجره ثم أجاب بان ايمانه الال بان الموصوف بكذا رسول
والثاني بان محمدا هو الموصوف فظهر التغاير فثبت التعدد انتهى ويحتمل أن يكون تعدد أجره
لكونه لم يعاند كما عاند غيره ممن أضله الله على علم فحصل له الاجر الثاني بمجاهدته نفسه على مخالفة
أنظاره (قوله باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري) أي هل يجوز ذلك
أم لا ويبيتون مبني للمفعول وفهم من تقييده بإصابة من ذكر قصر الخلاف عليه وجواز البيات
إذا عري عن ذلك قال أحمد لا بأس بالبيات ولا أعلم أحدا كرهه (قوله بياتا ليلا) كذا في جميع
النسخ بالموحدة ثم التحتانية الخفيفة وبعد الألف مثناة وهذه عادة المصنف إذا وقع في الخبر
لفظة توافق ما وقع في القرآن أورد تفسير اللفظ الواقع في القرآن جمعا بين المصلحتين وتبركا
بالامرين ووقع عند غير أبي ذر من الزيادة هنا لنبيتنه ليلا بيت ليلا وهذا جميع ما وقع في القرآن
من هذه المادة وهذه الأخيرة بيت يريد قوله بيت طائفة منهم غير الذي تقول وهي في السبعة
قال أبو عبيدة كل شئ قدر بليل يبيت قال الشاعر
هبت لتعذلني بليل أسمع * سفها تبيتك الملامة فاهجعي
وأغرب ابن المنير فصحف بياتا فجعلها نياما بنون وميم من النوم فصارت هكذا فيصاب الولدان
والذراري نياما ليلا ثم تعقبه فقال العجب من زيادته في الترجمة نياما وما هو في الحديث الا ضمنا
الا أن الغالب انهم إذا وقع بهم ليلا كان أكثرهم نياما لكن ما الحاجة إلى التقييد بالنوم والحكم
سواء نياما كانوا أو ايقاظا الا أن يقال إن قتلهم نياما أدخل في الاغتيال من كونهم أيقاظا فنبه
على جواز مثل ذلك انتهى وقد صحف ثم تكلف ومعنى البيات المراد في الحديث ان يغار على
الكفار بالليل بحيث لا يميز بين أفرادهم (قوله عن عبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة ووقع
في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان عن الزهري أخبرني عبيد الله (قوله فسئل) لم أقف على
اسم السائل ثم وجدت في صحيح ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري بسنده عن الصعب
قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم قال نعم فظهر أن
الراوي هو السائل (قوله عن أهل الدار أي المنزل هكذا في البخاري وغيره ووقع في بعض النسخ
من مسلم سئل عن الذراري قال عياض الأول هو الصواب ووجه النووي الثاني وهو واضح
(قوله هم منهم) أي في الحكم تلك الحالة وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد
إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء الا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم (قوله
وسمعته يقول) كذا للأكثر ولأبي ذر فسمعته بالفاء والأول أوضح وقوله لا حمى الا لله ولرسوله
تقدم الكلام عليه في الشرب وقوله وعن الزهري هو موصول بالاسناد الأول وكان ابن عيينة
يحدث بهذا الحديث مرتين مرة مجردا هكذا ومرة يذكر فيه سماعه إياه أولا من عمرو بن دينار
102

عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذكر سماعه إياه من الزهري وننبه على نكتة في المتن
وهي ان في رواية عمرو بن دينار قال هم من آبائهم وفي رواية الزهري قال هم منهم وقد أوضح ذلك
الإسماعيلي في روايته عن جعفر الفريابي عن علي بن المديني وهو شيخ البخاري فيه فذكر الحديث
وقال قال علي ردده سفيان في هذا المجلس مرتين وقوله في سياق هذا الباب عن الزهري عن
النبي صلى الله عليه وسلم يوهم ان رواية عمرو بن دينار عن الزهري هكذا بطريق الارسال وبذلك
جزم بعض الشراح وليس كذلك فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق العباس بن يزيد حدثنا
سفيان قال كان عمرو يحدثنا قبل أن يقدم المدينة الزهري عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس
عن الصعب قال سفيان فقدم علينا الزهري فسمعته يعيده ويبديه فذكر الحديث وزاد الإسماعيلي
في طريق جعفر الفريابي عن علي عن سفيان وكان الزهري إذا حدث بهذا الحديث قال وأخبرني
ابن كعب بن مالك عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى
عن قتل النساء والصبيان انتهى وهذا الحديث أخرجه أبو داود بمعناه من وجه آخر عن الزهري
وكان الزهري أشار بذلك إلى نسخ حديث الصعب وقال مالك والأوزاعي لا يجوز قتل النساء
والصبيان بحال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا
معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم وقد أخرج ابن حبان في حديث الصعب زيادة
في آخره ثم نهى عنهم يوم حنين وهي مدرجة في حديث الصعب وذلك بين في سنن أبي داود فإنه
قال في اخره قال سفيان قال الزهري ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتل
النساء والصبيان ويؤيد كون النهي في غزوة حنين ما سيأتي في حديث رياح بن الربيع الآتي
فقال لأحدهم الحق خالدا فقل له لا تقتل ذرية ولا عسيفا والعسيف بمهملتين وفاء الأجير وزنا
ومعنى وخالد أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح وفي ذلك العام كانت غزوة حنين
وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر قال لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة أتى
بامرأة مقتولة فقال ما كانت هذه تقاتل ونهى فذكر الحديث وأخرج أبو داود في المراسيل عن
عكرمة ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة بالطائف فقال ألم أنه عن قتل النساء من
صاحبها فقال رجل أنا يا رسول الله أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني فقتلتها فأمر بها ان
توارى ويحتمل في هذه التعدد والذي جنح إليه غيرهم الجمع بين الحديثين كما تقدمت الإشارة إليه
وهو قول الشافعي والكوفيين وقالوا إذا قاتلت المرأة جاز قتلها وقال ابن حبيب من المالكية
لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت الا ان باشرت القتل وقصدت إليه قال وكذلك الصبي المراهق
ويؤيد قول الجمهور ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث رياح بن الربيع وهو
بكسر الراء والتحتانية التميمي قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فرأى الناس
مجتمعين فرأى امرأة مقتولة فقال ما كانت هذه لتقاتل فان مفهومه انها لو قاتلت لقتلت واتفق
الجميع كما نقل ابن بطال وغيره على منع القصد إلى قتل النساء والولدان أما النساء فلضعفهن
وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفر ولما في استبقائهم جميعا من الانتفاع بهم أما بالرق أو
بالفداء فيمن يجوز أن يفادى به وحكى الحازمي قولا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر
حديث الصعب وزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي وهو غريب وسيأتي الكلام على قتل المرأة المرتدة
103

في كتاب القصاص وفي الحديث دليل على جواز العمل بالعام حتى يرد الخاص لان الصحابة تمسكوا
بالعمومات الدالة على قتل أهل الشرك ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان
فحص ذلك العموم ويحتمل أن يستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت
الحاجة ويستنبط منه الرد على من يتخلى عن النساء وغيرهن من أصناف الأموال زهدا لانهم
وإن كان قد يحصل منهم الضرر في الدين لكن يتوقف تجنبهم على حصول ذلك الضرر فمتى حصل
اجتنبت وإلا فليتناول من ذلك بقدر الحاجة (قوله باب قتل الصبيان في الحرب)
أورد فيه حديث ابن عمر من طريق ليث وهو ابن سعد بلفظ فأنكر ثم قال باب قتل النساء في
الحرب وأورد الحديث المذكور من طريق عبيد الله وهو ابن عمر بلفظ فنهى وإسحاق بن إبراهيم
شيخه فيه هو ابن راهويه هكا أورده في مسند بهذا السياق وزاد في آخره فاقر به أبو أسامة
وقال نعم وعلى هذا فلا حجة فيه لمن قال فيه أن من قال لشيخه حدثكم فلان فسكت جاز ذلك مع
القرينة لأنه تبين من هذه الطريق الأخرى أنه لم يسكت وقد تقدمت أحكامه في الباب الذي قبله
ورواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
قتل النساء والصبيان وقال هما لمن غلب (قوله باب لا يعذب بعذاب الله) هكذا
بت الحكم في هذه المسئلة لوضوح دليلها عنده ومحله إذا لم يتعين التحريق طريقا إلى الغلبة
على الكفار حال الحرب (قوله عن بكير) بموحدة وكاف مصغر ولأحمد عن هشام بن القاسم عن
الليث حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج فأفاد نسبته وتصريحه بالتحديث (قوله عن أبي هريرة)
كذا في جميع الطرق عن الليث ليس بين سليمان بن يسار وأبي هريرة فيه أحد وكذلك أخرجه
النسائي من طريق عمرو بن الحارث وغيره عن بكير ومضى قبل أبواب معلقا وخالفهم محمد بن إسحاق
فرواه في السيرة عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير فادخل بين سليمان وأبي هريرة رجلا وهو
أبو إسحاق الدوسي وأخرجه الدارمي وابن السكن وابن حبان في صحيحه من طريق ابن إسحاق
وأشار الترمذي إلى هذه الرواية ونقل عن البخاري أن رواية الليث أصح وسليمان قد صح سماعه
من أبي هريرة يعني وهو غير مدلس فتكون رواية ابن إسحاق من المزيد في متصل الأسانيد (قوله
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال إن وجدتم فلانا وفلانا) زاد الترمذي عن قتيبة
بهذا الاسناد رجلين من قريش وفي رواية ابن إسحاق بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية
انا فيها (قلت) وكان أمير السرية المذكورة حمزة بن عمرو الأسلمي أخرجه أبو داود من طريقه
باسناد صحيح لكن قال في روايته ان وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار هكذا بالافراد وكذلك رويناه
في فوائد علي بن حرب عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح مرسلا وسماه هبار بن الأسود ووقع في رواية
ابن إسحاق ان وجدتم هبار بن الأسود والرجل الذي سبق منه إلى زينب ما سبق فحرقوهما بالنار
يعني زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زوجها أبو العاص بن الربيع لما أسره
الصحابة ثم أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة شرط عليه ان يجهز له ابنته زينب فجهزها
فتبعها هبار بن الأسود ورفيقه فنخسا بعيرها فأسقطت ومرضت من ذلك والقصة مشهورة
عند ابن إسحاق وغيره وقال في روايته وكانا نخسا بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
خرجت من مكة وقد أخرجه سعيد بن منصور عن بن عيينة عن ابن أبي نجيح ان هبار بن الأسود
104

أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ وهي في خدرها فأسقطت فبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم سرية فقال إن وجدتموه فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أشعلوا فيه النار ثم قال إني
لأستحي من الله لا ينبغي لاحد ان يعذب بعذاب الله الحديث فكان افراد هبار بالذكر لكونه
كان الأصل في ذلك والآخر كان تبعا له وسمي ابن السكن في روايته من طريق ابن إسحاق الرجل
الآخر نافع بن عبد قيس وبه جزم ابن هشام في زوائد السيرة عليه وحكى السهيلي عن مسند
البزار انه خالد بن عبد قيس فلعله تصحف عليه وانما هو نافع كذلك هو في النسخ المعتمدة من مسند
البزار وكذلك أورده ابن بشكوال من مسند البزار وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه
من طريق ابن لهيعة كذلك (قلت) وقد أسلم هبار هذا ففي رواية ابن أبي نجيح المذكورة فلم تصبه
السرية وأصابه الاسلام فهاجر فذكر قصة اسلامه وله حديث عند الطبراني وآخر عند ابن
منده وذكر البخاري في تاريخه لسليمان بن يسار عنه رواية في قصة جرت له مع عمر في الحج وعاش
هبار هذا إلى خلافة معاوية وهو بفتح الهاء وتشديد الموحدة ولم أقف لرفيقه على ذكر في الصحابة
فلعله مات قبل أن يسلم (قوله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج) في رواية
ابن إسحاق حتى إذا كان من الغد وفي رواية عمرو بن الحارث فاتيناه نودعه حين أردنا الخروج
وفي رواية ابن لهيعة فلما ودعنا وفي رواية حمزة الأسلمي فوليت فناداني فرجعت (قوله وان
النار لا يعذب بها الا الله) هو خبر بمعنى النهي ووقع في رواية ابن لهيعة وانه لا ينبغي وفي رواية
ابن إسحاق ثم رأيت أنه لا ينبغي أن يعذب بالنار الا الله وروى أبو داود من حديث ابن مسعود رفعه
انه لا ينبغي أن يعذب بالنار الا رب النار وفي الحديث قصة واختلف السلف في التحريق فكره ذلك
عمر وابن عباس وغيرهما مطلقا سواء كان ذلك بسبب كفر أو في حال مقاتلة أو كان قصاصا وأجازه
علي وخالد بن الوليد وغيرهما وسيأتي ما يتعلق بالقصاص قريبا وقال المهلب ليس هذا النهي على
التحريم بل على سبيل التواضع ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة وقد سمل النبي صلى الله عليه
وسلم أعين العرنيين بالحديد المحمى وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة وحرق خالد بن
الوليد بالنار ناسا من أهل الردة وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها
قاله الثوري والأوزاعي وقال ابن المنير وغيره لا حجة فيما ذكر للجواز لان قصة العرنيين كانت قصاصا
أو منسوخة كما تقدم وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي آخر وقصة الحصون والمراكب مقيدة
بالضرورة إلى ذلك إذا تعين طريقا للظفر بالعدو ومنهم من قيده بان لا يكون معهم نساء ولا صبيان
كما تقدم وأما حديث الباب فظاهر النهي فيه التحريم وهو نسخ لامره المتقدم سواء كان بوحي
إليه أو باجتهاد منه وهو محمول على من قصد إلى ذلك في شخص بعينه وقد اختلف في مذهب مالك
في أصل المسئلة وفي التدخين وفي القصاص بالنار وفي الحديث جواز الحكم بالشئ اجتهادا ثم
الرجوع عنه واستحباب ذكر الدليل عند الحكم لرفع الالباس والاستنابة في الحدود ونحوها
وأن طول الزمان لا يرفع العقوبة عمن يستحقها وفيه كراهة قتل مثل البرغوث بالنار وفيه نسخ
السنة بالسنة وهو اتفاق وفيه مشروعية توديع المسافر لأكابر أهل بلده وتوديع أصحابه له
أيضا وفيه جواز نسخ الحكم قبل العمل به أو قبل التمكن من العمل به وهو اتفاق الا عن بعض
المعتزلة فيما حكاه أبو بكر بن العربي وهذه المسئلة غير المسئلة المشهورة في الأصول في وجوب
العمل بالناسخ قبل العلم به وقد تقدم شئ من ذلك في أوائل الصلاة في الكلام على حديث الاسراء
105

وقد اتفقوا على أنهم ان تمكنوا من العلم به ثبت حكمة في حقهم اتفاقا فإن لم يتمكنوا فالجمهور انه
لا يثبت وقيل يثبت في الذمة كما لو كان نائما ولكنه معذور (قوله عن أيوب) صرح الحميدي
عن سفيان بتحديث أيوب له به (قوله إن عليا حرق قوما) في رواية الحميدي المذكورة ان عليا
أحرق المرتدين يعني الزنادقة وفي رواية ابن أبي عمر ومحمد بن عباد عند الإسماعيلي جميعا عن
سفيان قال رأيت عمرو بن دينار وأيوب وعمارا الدهني اجتمعوا فتذاكروا الذين حرقهم علي
فقال أيوب فذكر الحديث فقال عمار لم يحرقهم ولكن حفر لهم حفائر وخرق بعضها إلى بعض
ثم دخن عليهم فقال عمرو بن دينار قال الشاعر
لترم بي المنايا حيث شاءت * إذا لم ترم بي في الحفرتين
إذا ما أججوا حطبا ونارا هناك * الموت نقدا غير دين
انتهى وكأن عمرو بن دينار أراد بذلك الرد على عمار الذهبي في انكاره أصل التحريق ثم وجدت
في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص حدثنا لوين حدثنا سفيان بن عيينة فذكره عن أيوب
وحده ثم أورده عن عمار وحده قال ابن عيينة فذكرته لعمرو بن دينار فأنكره وقال فأين قوله
أوقدت ناري ودعوت قنبرا فظهر بهذا صحة ما كنت ظننته وسيأتي للمصنف في استتابة المرتدين
في آخر الحدود من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال أتى على بزنادقة فأحرقهم ولأحمد
من هذا الوجه ان عليا أتى بقوم من هؤلاء الزنادقة ومعهم كتب فامر بنار فأججت ثم أحرقهم
وكتبهم وروى ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه قال كان ناس يعبدون
الأصنام في السر ويأخذون العطاء فأتى بهم على فوضعهم في السجن واستشار الناس فقالوا
اقتلهم فقال لا بل اصنع بهم كما صنع بأبينا إبراهيم فحرقهم بالنار (قوله لان النبي صلى الله عليه
وسلم قال لا تعذبوا بعذاب الله) هذا أصرح في النهي من الذي قبله وزاد أحمد وأبو داود
والنسائي من وجه آخر عن أيوب في آخره فبلغ ذلك عليا فقال ويح ابن عباس وسيأتي الكلام
على قوله من بدل دينه فاقتلوه في استتابة المرتدين إن شاء الله تعالى (قوله باب فاما
منا بعد واما فداء) فيه حديث ثمامة كأنه يشير إلى حديث أبي هريرة في قصة اسلام ثمامة بن
أثال وستأتي موصولة مطولة في أواخر كتاب المغازي والمقصود منها هنا قوله فيه ان تقتل تقتل ذا
دم وان تنعم تنعم على شاكر وان كنت تريد المال فسل منه ما شئت فان النبي صلى الله عليه وسلم
أقره على ذلك ولم ينكر عليه التقسيم ثم من عليه بعد ذلك فكان في ذلك تقوية لقول الجمهور
ان الامر في أسرى الكفرة من الرجال إلى الامام يفعل ما هو الاحظ للاسلام والمسلمين وقال
الزهري ومجاهد وطائفة لا يجوز أخذ الفداء من أسارى الكفار أصلا وعن الحسن وعطاء
لا تقتل الأسارى بل يتخير بين المن والفداء وعن مالك لا يجوز المن بغير فداء وعن الحنفية لا يجوز
المن أصلا لا بفداء ولا بغيره فيرد الأسير حربيا قال الطحاوي وظاهر الآية حجة للجمهور وكذا
حديث أبي هريرة في قصة ثمامة لكن في قصة ثمامة ذكر القتل وقال أبو بكر الرازي احتج أصحابنا
لكراهة فداء المشركين بالمال بقوله تعالى لولا كتاب من الله سبق الآية ولا حجة لهم لان ذلك كان
قبل حل الغنيمة فان فعله بعد إباحة الغنيمة فلا كراهة انتهى وهذا هو الصواب فقد حكى ابن القيم
في الهدى اختلافا أي الامرين أرجح ما أشار به أبو بكر من أخذ الفداء أو ما أشار به عمر من القتل
فرجحت طائفة رأى عمر لظاهر الآية ولما في القصة من حديث عمر من قول النبي صلى الله عليه
106

وسلم أبكي لما عرض على أصحابك من العذاب لاخذهم الفداء ورجحت طائفة رأي أبي بكر لأنه
الذي استقر عليه الحال حينئذ ولموافقة رأيه الكتاب الذي سبق ولموافقة حديث سبقت رحمتي
غضبي ولحصول الخير العظيم بعد من دخول كثير منهم في الاسلام والصحبة ومن ولد لهم من كان
ومن تجدد إلى غير ذلك مما يعرف بالتأمل وحملوا التهديد بالعذاب على من أختار الفداء فيحصل
عرض الدنيا مجردا وعفا الله عنهم ذلك وحديث عمر المشار إليه في هذه القصة أخرجه أحمد مطولا
وأصله في صحيح مسلم بالسند المذكور (قوله وقوله عز وجل ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى
يثخن في الأرض يعني يغلب في الأرض تريدون عرض الدنيا الآية) كذا وقع في رواية أبي ذر وكريمة
وسقط للباقين وتفسير يثخن بمعنى يغلب قاله أبو عبيدة وزاد ويبالغ وعن مجاهد الاثخان القتل
وقيل المبالغة فيه وقيل معناه حتى يتمكن في الأرض وأصل الاثخان في اللغة الشدة والقوة وأشار
المصنف بهذه الآية إلى قول مجاهد وغيره ممن منع أخذ الفداء من أسارى الكفار وحجتهم منها
انه تعالى أنكر اطلاق أسرى كفار بدر على مال فدل على عدم جواز ذلك بعد واحتجوا بقوله
تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال فلا يستثنى من ذلك الا من يجوز أخذ الجزية منه
وقال الضحاك بل قوله تعالى فاما منا بعد وأما فداء ناسخ لقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم وقال أبو عبيد نسخ في شئ من هذه الآيات بل هي محكمة وذلك أنه صلى الله عليه
وسلم عمل بما دلت عليه كلها في جميع أحكامه فقتل بعض الكفار يوم بدر وفدى بعضا ومن على
بعض وكذا قتل بني قريظة ومن على بني المصطلق وقتل ابن خطل وغيره بمكة ومن على سائرهم
وسبى هوازن ومن عليهم ومن على ثمامة بن أثال فدل كل ذلك على ترجيح قول الجمهور ان ذلك
راجع إلى رأي الامام ومحصل أحوالهم تخيير الامام بعد الأسر بين ضرب الجزية لمن شرع أخذها
منه أو القتل أو الاسترقاق أو المن بلا عوض أو بعوض هذا في الرجال وأما النساء والصبيان
فيرقون بنفس الأسر ويجوز المفاداة بالأسيرة الكافرة بأسير مسلم أو مسلمة عند الكفار ولو أسلم
الأسير زال القتل اتفاقا وهل يصير رقيقا أو تبقى بقية الخصال قولان للعلماء (قوله باب هل للأسير ان يقتل أو يخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة فيه
المسور عن النبي صلى الله عليه وسلم) يشير بذلك إلى قصة أبي بصير وقد تقدم بسطها في أواخر
الشروط وهي ظاهرة فيما ترجم له وهي من مسائل الخلاف أيضا ولهذا لم يبت الحكم فيها قال
الجمهور ان ائتمنوه يف لهم بالعهد حتى قال مالك لا يجوز أن يهرب منهم وخالفه أشهب فقال
لو خرج به الكافر ليفادي به فله أن يقتله وقال أبو حنيفة والطبري اعطاؤه العهد على ذلك باطل
ويجوز له أن لا يفي لهم به وقال الشافعية يجوز أن يهرب من أيديهم ولا يجوز أن يأخذ من أموالهم
قالوا وان لم يكن بينهم عهد جاز له ان يتخلص منهم بكل طريق ولو بالقتل وأخذ المال وتحريق الدار
وغير ذلك وليس في قصة أبي بصير تصريح بأنه كان بينه وبين من تسلمه ليرده إلى المشركين عهد
ولهذا تعرض للقتل فقتل أحد الرجلين وانفلت الآخر ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم
كما تقدم مستوفى (قوله باب إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق) أي جزاء بفعله
هذه الترجمة يليق ان تذكر قبل بابين فلعل تأخيرها من تصرف النقلة ويؤيد ذلك انهما سقطا
جميعا للنسفي وثبت عنده ترجمة إذا حرق المشرك تلو ترجمة لا يعذب بعذاب الله وكأنه أشار بذلك
إلى تخصيص النهي في قوله لا يعذب بعذاب الله بما إذا لم يكن ذلك على سبيل القصاص وقد
107

تقدمت الإشارة إلى ذلك وقد أورد المصنف في الباب حديث أنس في قصة العرنيين وليس فيه
التصريح بأنهم فعلوا ذلك بالرعاء لكنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه وذلك فيما أخرجه مسلم
من وجه آخر عن أنس قال انما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين لانهم سملوا أعين
الرعاء قال ابن بطال ولو لم يرد ذلك لكان أخذ ذلك من قصة العرنيين بطريق الأولى لأنه إذا جاز
سمل أعينهم وهو تعذيب بالنار ولو لم يفعلوا ذلك بالمسلمين فجوازه ان فعلوه أولى وقد تقدم
الكلام عليه مستوفى في كتاب الطهارة في باب أبوال الإبل وهو في أواخر أبواب الوضوء قبيل
كتاب الغسل وقوله حدثنا معلى بضم الميم وهو ابن أسد وثبت كذلك في رواية الأصيلي وآخرين
وقوله فيه ابغنا رسلا أي أعنا على طلبه والرسل بكسر الراء الدر من اللبن والذود بفتح المعجمة
وسكون الواو بعدها مهملة الثلاث من الإبل إلى العشرة والصريخ صوت المستغيث وترجل
بالجيم أي ارتفع (قوله باب كذا لهم بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب قبله
والمناسبة بينهما ان لا يتجاوز بالتحريق حيث يجوز إلى من لم يستوجب ذلك فإنه أورد فيه حديث
أبي هريرة في تحريق قرية النمل وأشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه ان الله أوحى إليه فهلا نملة
واحدة فان فيه إشارة إلى أنه لو حرق التي قرصته وحدها لما عوتب ولا يخفى ان صحة الاستدلال
بذلك متوقفة على أن شرع من قبلنا هل هو شرع لنا وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في بدء
الخلق إن شاء الله تعالى (قوله باب حرق الدور والنخيل) أي التي للمشركين كذا
وقع في جميع النسخ حرق وضبطوه بفتح أوله واسكان الراء وفيه نظر لأنه لا يقال في المصدر حرق
وانما يقال تحريق واحراق لأنه رباعي فلعله كان حرق بتشديد الراء بلفظ الفعل الماضي وهو
المطابق للفظ الحديث والفاعل محذوف تقديره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله أو باذنه وقد ترجم
في التي قبلها باب إذا حرق وعلى هذا فقوله الدور منصوب بالمفعولية والنخيل كذلك نسقا عليه
ثم ذكر فيه حديثين ظاهرين فيما ترجم له * أحدهما عن جرير في قصة ذي الخلصة بفتح المعجمة واللام
والمهملة وحكى تسكين اللام وسيأتي شرحه في أواخر المغازي وقوله فيه كعبة اليمانية أي كعبة
الجهة اليمانية على رأي البصريين * ثانيهما حديث ابن عمر حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل
بني النضير أورده مختصرا هكذا وسيأتي بتمامه في المغازي مع شرحه إن شاء الله تعالى وقد ذهب
الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور واحتجوا
بوصية أبي بكر لجيوشه ان لا يفعلوا شيئا من ذلك وأجاب الطبري بان النهي محمول على القصد لذلك
بخلاف ما إذا أصابوا ذلك في خلال القتال كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف وهو نحو ما أجاب
به في النهي عن قتل النساء والصبيان وبهذا قال أكثر أهل العلم ونحو ذلك القتل بالتغريق وقال
غيره انما نهى أبو بكر جيوشه عن ذلك لأنه علم أن تلك البلاد ستفتح فأراد ابقاءها على المسلمين والله
108

أعلم (قوله باب قتل المشرك النائم) ذكر فيه قصة قتل أبي رافع اليهودي من حديث
البراء بن عازب أورده من وجهين مطولا ومختصرا وسيأتي شرحها في كتاب المغازي إن شاء الله
تعالى وهي ظاهرة فيما ترجم له لان الصحابي طلب قتل أبي رافع وهو نائم وانما ناداه ليتحقق انه هو
لئلا يقتل غيره ممن لا غرض له إذ ذاك في قتله وبعد ان أجابه كان في حكم النائم لأنه حينئذ استمر
على خيال نومه بدليل انه بعد ان ضربه لم يفر من مكانه ولا تحول من مضجعه حتى عاد إليه فقتله
وفيه جواز التجسيس على المشركين وطلب غرتهم وجواز اغتيال ذوي الأذية البالغة منهم وكان
أبو رافع يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤلب عليه الناس ويؤخذ منه جواز قتل المشرك
بغير دعوة إن كان قد بلغته الدعوة قبل ذلك وأما قتله إذا كان نائما فمحله ان يعلم أنه مستمر على كفره
وانه قد يئس من فلاحه وطريق العلم بذلك اما بالوحي واما بالقرائن الدالة على ذلك (قوله
باب لا تمنوا لقاء العدو) ذكر فيه حديث عبد الله بن أبي أوفى في ذلك وقد تقدم
مقطعا في أبواب منها الجنة تحت البارقة واقتصر على قوله واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف
ومنها الصبر عند القتال واقتصر على قوله وإذا لقيتموهم فاصبروا ومنه الدعاء على المشركين
بالهزيمة واقتصر على الفصل المتعلق بالحديث منه وقد تقدم الكلام فيه على شئ في اسناده في أول
ترجمة وأورده بتمامه في القتال بعد الزوال وتقدم الكلام فيما يتعلق بذلك فيه (قوله لا تمنوا
لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا) قال ابن بطال حكمة النهي ان المرء لا يعلم
ما يؤل إليه الامر وهو نظير سؤال الله العافية من الفتن وقد قال الصديق لان أعافى فاشكر أحب
إلي من أن ابتلى فاصبر وقال غيره انما نهى عن تمنى لقاء العدو لما فيه من صورة الاعجاب
والاتكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو وكل ذلك يباين الاحتياط والاخذ
بالحزم وقيل يحمل النهي على ما إذا وقع الشك في المصلحة أو حصول الضرر والا فالقتال فضيلة
وطاعة ويؤيد الأول تعقيب النهي بقوله وسلوا الله العافية وأخرج سعيد بن منصور من طريق
يحيى بن أبي كثير مرسلا لا تمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون عسى ان تبتلوا بهم وقال ابن دقيق
العيد لما كان لقاء الموت من أشق الأشياء على النفس وكانت الأمور الغائبة ليست كالأمور
المحققة لم يؤمن أن يكون عند الوقوع كما ينبغي فيكره التمني لذلك ولما فيه لو وقع من احتمال ان
يخالف الانسان ما وعد من نفسه ثم أمر بالصبر عند وقول الحقيقة انتهى واستدل بهذا
الحديث على منع طلب المبارزة وهو رأي الحسن البصري وكان علي يقول لا تدع إلى المبارزة فإذا
109

دعيت فأجب تنصر لان الداعي باغ وقد تقدم قول على في ذلك (قوله ثم قال اللهم منزل الكتاب
إلى آخره) أشار بهذا الدعاء إلى وجوه النصر عليهم فبالكتاب إلى قوله تعالى قاتلوهم يعذبهم الله
بأيديكم وبمجرى السحاب إلى القدرة الظاهرة في تسخير السحاب حيث يحرك الريح بمشيئة الله
تعالى وحيث يستمر في مكانه مع هبوب الريح وحيث تمطر تارة وأخرى لا تمطر فأشار بحركته إلى
اعانة المجاهدين في حركتهم في القتال وبوقوفه إلى امساك أيدي الكفار عنهم وبانزال المطر إلى
غنيمة ما معهم حيث يتفق قتلهم وبعدمه إلى هزيمتهم حيث لا يحصل الظفر بشئ منهم وكلها
أحوال صالحة للمسلمين وأشار بهازم الأحزاب إلى التوسل بالنعمة السابقة والى تجريد التوكل
واعتقاد ان الله هو المنفرد بالفعل وفيه التنبيه على عظم هذه النعم الثلاث فان بانزال الكتاب
حصلت النعمة الأخروية وهي الاسلام وباجراء السحاب حصلت النعمة الدنيوية وهي الرزق
وبهزيمة الأحزاب حصل حفظ النعمتين وكانه قال اللهم كما أنعمت بعظيم النعمتين الأخروية
والدنيوية وحفظتهما فابقهما وروى الإسماعيلي في هذا الحديث من وجه آخر انه صلى الله عليه
وسلم دعا أيضا فقال اللهم أنت ربنا وربهم ونحن عبيدك وهم عبيدك نواصينا ونواصيهم بيدك
فاهزمهم وانصرنا عليهم ولسعيد بن منصور من طريق أبي عبد الرحمن 2 الحبلي عن النبي صلى الله
عليه وسلم مرسلا نحوه لكن بصيغة الامر عطفا على قوله وسلوا الله العافية فان بليتم بهم
فقولوا اللهم فذكره وزاد وغضوا أبصاركم واحملوا عليهم على بركة الله (قوله وقال موسى بن عقبة
الخ) هو معطوف على الاسناد الماضي وكأنه يشير إلى أنه عنده بالاسناد الواحد على وجهين
مطولا ومختصرا وهذا ما في رواية أبي ذر واقتصر غيره لهذا المتن المختصر على الاسناد المذكور
ولم يسوقوه مطولا والله أعلم (قوله وقال أبو عامر) هو العقدي وقال الكرماني لعله
عبد الله بن براد الأشعري كذا قال ولم يصب فإنه ما لا بن براد رواية عن المغيرة وقد وصله مسلم
والنسائي والإسماعيلي وغيرهم من طرق عن أبي عامر العقدي عن مغيرة به وفي الحديث استحباب
الدعاء عند اللقاء والاستنصار ووصية المقاتلين بما فيه صلاح أمرهم وتعليمهم بما يحتاجون إليه
وسؤال الله تعالى بصفاته الحسنى وبنعمه السالفة ومراعاة نشاط النفوس لفعل الطاعة
والحث على سلوك الأدب وغير ذلك (قوله باب الحرب خدعة) أورده من طريق
همام بن منبه عن أبي هريرة مطولا ومختصرا ومن حديث جابر مختصرا وفي أول المطول ذكر
كسرى وقيصر وسيأتي الكلام على هذا في علامات النبوة وقوله خدعة بفتح المعجمة وبضمها مع
سكون المهملة فيهما وبضم أوله وفتح ثانيه قال النووي اتفقوا على أن الأولى الأفصح حتى قال
ثعلب بلغنا انها لغة النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك جزم أبو ذر الهروي والقزاز والثانية ضبطت
كذلك في رواية الأصيلي قال أبو بكر بن طلحة أراد ثعلب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل
هذه البنية كثيرا لوجازة لفظها ولكونها تعطي معنى البنيتين الأخيرتين قال ويعطى معناها
أيضا الامر باستعمال الحيلة مهما أمكن ولو مرة والا فقاتل قال فكانت مع اختصارها كثيرة
المعنى ومعنى خدعة بالاسكان انها تخدع أهلها من وصف الفاعل باسم المصدر أو أنها وصف
المفعول كما يقال هذا الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه وقال الخطابي معناه انها مرة واحدة أي
إذا خدع مرة واحدة لم تقل عثرته وقيل الحكمة في الاتيان بالتاء للدلالة على الوحدة فان الخداع
110

إن كان من المسلمين فكأنه حضهم على ذلك ولو مرة واحدة وإن كان من الكفار فكأنه حذرهم
من مكرهم ولو وقع مرة واحدة فلا ينبغي التهاون بهم لما ينشأ عنهم من المفسدة ولو قل وفي اللغة
الثالثة صيغة المبالغة كهمزة ولمزة وحكى المنذري لغة رابعة بالفتح فيهما قال وهو جمع خادع أي
ان أهلها بهذه الصفة وكأنه قال أهل الحرب خدعة (قلت) وحكى مكي ومحمد بن عبد الواحد لغة
خامسة كسر أوله مع الاسكان قرأت ذلك بخط مغلطاي وأصل الخدع اظهار أمر واضمار خلافه
وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب والندب إلى خداع الكفار وان من لم يتيقظ لذلك
لم يأمن ان ينعكس الامر عليه قال النووي واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما
أمكن الا ان يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز قال ابن العربي الخداع في الحرب يقع
بالتعريض وبالكمين ونحو ذلك وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج
إليه آكد من الشجاعة ولهذا وقع الاقتصار على ما يشير إليه بهذا الحديث وهو كقوله الحج عرفة
قال ابن المنير معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها انما هي
المخادعة لا المواجهة وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر * (تكميل) *
ذكر الواقدي ان أول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة في غزوة الخندق (قوله
باب الكذب في الحرب) ذكر فيه حديث جابر في قصة قتل كعب بن الأشرف وسيأتي
مطولا مع شرحه في كتاب المغازي قال ابن المنير الترجمة غير مطابقة لان الذي وقع منهم في قتل
كعب بن الأشرف يمكن أن يكون تعريضا لان قولهم عنانا أي كلفنا بالأوامر والنواهي وقولهم
سألنا الصدقة أي طلبها منا ليضعها مواضعها وقولهم فنكره ان ندعه إلى آخره معناه نكره فراقه
ولا شك انهم كانوا يحبون الكون معه أبد انتهى والذي يظهر انه لم يقع منهم فيما قالوه بشئ من
الكذب أصلا وجميع ما صدر منهم تلويح كما سبق لكن ترجم بذلك لقول محمد بن مسلمة للنبي صلى
الله عليه وسلم أولا ائذن لي أن أقول قال قل فإنه يدخل فيه الاذن في الكذب تصريحا وتلويحا
وهذه الزيادة وان لم تذكر في سياق حديث الباب فهي ثابتة فيه كما في الباب الذي بعده على أنه لو لم
يرد ذلك لما كانت الترجمة منافرة للحديث لان معناها حينئذ باب الكذب في الحرب هل يسوغ
مطلقا أو يجوز منه الايماء دون التصريح وقد جاء من ذلك صريحا ما أخرجه الترمذي من حديث
أسماء بنت يزيد مرفوعا لا يحل الكذب الا في ثلاث تحدث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في
الحرب وفي الاصلاح بين الناس وقد تقدم في كتاب الصلح ما في حديث أم كلثوم بنت عقبة لهذا
المعنى من ذلك ونقل الخلاف في جواز الكذب مطلقا أو تقييده بالتلويح قال النووي الظاهر
إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى وقال ابن العربي الكذب في الحرب
من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ولو كان تحريم
الكذب بالعقل ما انقلب حلالا انتهى ويقويه ما أخرجه أحمد وابن حبان من حديث أنس في
قصة الحجاج بن علاط الذي أخرجه النسائي وصححه الحاكم في استئذانه النبي صلى الله عليه
وسلم أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة واذن له النبي صلى الله عليه وسلم
واخباره لأهل مكة ان أهل خيبر هزموا المسلمين وغير ذلك مما هو مشهور فيه ولا يعارض ذلك
ما أخرجه النسائي من طريق مصعب بن سعد عن أبيه في قصة عبد الله بن أبي سرح وقول
111

الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم لما كف عن بيعته هلا أومأت إلينا بعينك قال ما ينبغي لنبي
أن تكون له خائنة الأعين لان طريق الجمع بينهما ان المأذون فيه بالخداع والكذب في الحرب
حالة الحرب خاصة وأما حال المبايعة فليست بحال حرب كذا قال وفيه نظر لان قصة الحجاج بن
علاط أيضا لم تكن في حال حرب والجواب المستقيم أن تقول المنع مطلقا من خصائص النبي صلى
الله عليه وسلم فلا يتعاطى شيئا من ذلك وإن كان مباحا لغيره ولا يعارض ذلك ما تقدم من أنه كان إذا
أراد غزوة ورى بغيرها فان المراد انه كان يريد أمرا فلا يظهره كان يريد أن يغزو جهة الشرق
فيسأل عن أمر في جهة الغرب ويتجهز للسفر فيظن من يراه ويسمعه أنه يريد جهة الغرب واما ان
يصرح بإرادته الغرب وانما مراده الشرق فلا والله أعلم وقال ابن بطال سألت بعض شيوخي
عن معنى هذا الحديث فقال الكذب المباح في الحرب ما يكون من المعاريض لا التصريح
بالتأمين مثلا قال وقال المهلب موضع الشاهد للترجمة من حديث الباب قول محمد بن مسلمة
قد عنانا فإنه سألنا الصدقة لان هذا الكلام يحتمل أن يفهم ان اتباعهم له انما هو للدنيا فيكون
كذبا محضا ويحتمل أن يريد انه أتعبنا بما يقع لنا من محاربة العرب فهو من معاريض الكلام
وليس فيه شئ من الكذب الحقيقي الذي هو الاخبار عن الشئ بخلاف ما هو عليه ثم قال ولا
يجوز الكذب الحقيقي في شئ من الدين أصلا قال ومحال ان يأمر بالكذب من يقول من كذب
علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار انتهى وقد تقدم جواب ذلك بما يغني عن اعادته (قوله
باب الفتك باهل الحرب) أي جواز قتل الحربي سرا وبين هذه الترجمة وبين الترجمة
الماضية وهي قتل المشرك النائم عموم وخصوص وجهي وذكر هنا طرفا من حديث جابر في قصة
قتل كعب بن الأشرف وقد تقدم التنبيه عليه في الباب الذي قبله وانما فتكوا به لأنه نقض العهد
وأعان على حرب النبي صلى الله عليه وسلم وهجاه ولم يقع لاحد ممن توجه إليه تامين له بالتصريح
وانما أوهموه ذلك وآنسوه حتى تمكنوا من قتله (قوله باب ما يجوز من الاحتيال
والحذر مع من يخشى معرته) بفتح الميم والمهملة وتشديد الراء أي شره وفساده (قوله وقال الليث
إلى آخره) وصله الإسماعيلي من طريق يحيى بن بكير وأبي صالح كلاهما عن الليث وقد علق
المصنف طرفا منه في أواخر الجنائز كما مضى وسيأتي شرحه قريبا بعد ستة عشر بابا (قوله
باب الرجز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق) الرجز بفتح الراء والجيم والزاي من
بحور الشعر على الصحيح وجرت عادة العرب باستعماله في الحرب ليزيد في النشاط ويبعث الهمم
وفيه جواز تمثل النبي صلى الله عليه وسلم بشعر غيره وسيأتي بسط ذلك في أوائل المغازي إن شاء الله
تعالى وفيه جواز رفع الصوت في عمل الطاعة لينشط نفسه وغيره (قوله فيه سهل وأنس
عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه يزيد عن سلمة) أما حديث سهل وهو ابن سعد فوصله في
غزوة الخندق وفيه اللهم لا عيش الا عيش الآخرة وسيأتي وأما حديث أنس فقد تقدم موصولا
في باب حفر الخندق في أوائل الجهاد وفيه مثل ذلك أيضا بزيادة وأما حديث يزيد وهو ابن أبي
عبيد عن سلمة وهو ابن الأكوع فسيأتي في غزوة خيبر وفيه اللهم لولا أنت ما اهتدينا وقصة
112

عامر بن الأكوع وسيأتي أيضا بعد أربعة أبواب ارتجاز سلمة أيضا بقوله واليوم يوم الرضع
وقوله هنا في حديث البراء ان العدا قد بغوا علينا يأتي الكلام عليه في كتاب التمني عقب كتاب الأحكام
وكأن المصنف أشار في الترجمة بقوله ورفع الصوت في حفر الخندق إلى أن كراهة رفع
الصوت في الحرب مختصة بحالة القتال وذلك فيما أخرجه أبو داود من طريق قيس بن عباد قال
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند القتال (قوله
باب من لا يثبت على الخيل) أي ينبغي لأهل الخير ان يدعوا له بالثبات وفيه إشارة إلى
فضيلة ركوب الخيل والثبات عليها ذكر فيه حديث جرير ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم
منذ أسلمت وسيأتي الكلام عليه في المناقب وقوله الا تبسم في وجهه فيه التفات من التكلم إلى
الغيبة ووقع في رواية السرخسي والكشميهني على الأصل بلفظ في وجهي وقوله ولقد شكوت
إليه أني لا أثبت على الخيل وهو موضع الترجمة وقد تقدم في باب حرق الدور والنخيل ويأتي شرحه في
المغازي إن شاء الله تعالى وقوله هاديا مهديا زعم ابن بطال ان فيه تقديما وتأخيرا قال لأنه لا يكون
هاديا لغيره الا بعد ان يهتدي هو فيكون مهديا انتهى وليست هنا صيغة ترتيب (قوله
باب دواء الجرحى باحراق الحصير وغسل المرأة عن أبيها الدم عن وجهه وحمل الماء في
الترس) اشتمل هذا الباب على ثلاثة أحكام وحديث الباب ظاهر فيها وقد أفرد الثاني منها في كتاب
الطهارة وأورد فيه هذا الحديث بعينه وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي إن شاء الله تعالى
(قوله باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب) أي من المقاتلة في أحوال
الحرب (قوله وعقوبة من عصى امامه) أي بالهزيمة وحرمان الغنيمة (قوله وقال الله عز وجل
ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم يعني الحرب) كذا لأبي ذر وقوله يعني الحرب للكشميهني
113

وحده ووقع في رواية الأصيلي في هذا الموضع قال قتادة الريح الحرب وهذا قد وصله عبد الرزاق
في تفسيره عن معمر عن قتادة بهذا نحوه وهو تفسير مجازي فالمراد بالريح القوة في الحرب والفشل
بفتح الفاء والمعجمة الجبن يقال فشل إذا هاب أن يقدم جبنا وذكر في الباب حديثين * أحدهما
حديث أبي موسى وفيه ولا تختلفا وسيأتي شرحه في مكانه من أواخر المغازي * ثانيهما حديث
البراء في قصة غزاة أحد والغرض منه ان الهزيمة وقعت بسبب مخالفة الرماة لقول النبي صلى الله
عليه وسلم لا تبرحوا من مكانكم وسيأتي شرحه أيضا مستوفى في الكلام على غزوة أحد إن شاء الله
تعالى (قوله باب إذا فزعوا بالليل) أي ينبغي لأمير العسكر أن يكشف الخبر بنفسه
أو بمن يندبه لذلك ذكر فيه حديث أنس في فرس أبي طلحة وقد تقدم شرحه في أواخر الهبة
وتقدم في كتاب الجهاد مرارا (قوله باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته
يا صباحاه حتى يسمع الناس) ذكر فيه حديث سلمة بن الأكوع في قصة غطفان وفزارة وسيأتي
شرحه في غزوة ذي قرد من كتاب المغازي وقوله يا صباحاه هو منادى مستغاث والألف للاستغاثة
والهاء للسكت وكأنه نادى الناس استغاثة بهم في وقت الصباح وقال ابن المنير الهاء للندبة
وربما سقطت في الوصل وقد ثبتت في الرواية فيوقف عليها بالسكون وكانت عادتهم يغيرون
في وقت الصباح فكأنه قال تأهبوا لما دهمكم صباحا وقوله الرضع بتشديد المعجمة بصيغة الجمع
والمراد بهم اللئام أي اليوم يوم هلاك اللئام وقوله فأسجح بهمزة قطع أي أحسن أو ارفق وقوله
يقرون بضم أوله والتخفيف من القرى والراء مفتوحة ومضمومة وقيل معنى الضم يجمعون
الماء واللبن وقيل يغزون بغين معجمة وزاي وهو تصحيف قال ابن المنير موضع هذه الترجمة أن
هذه الدعوة ليست من دعوى الجاهلية المنهي عنها لأنها استغاثة على الكفار (قوله
باب من قال خذها وأنا ابن فلان) هي كلمة تقال عند التمدح قال ابن المنير موقعها
من الاحكام انها خارجة عن الافتخار المنهي عنه لاقتضاء الحال ذلك (قلت) وهو قريب من
جواز الاختيال بالخاء المعجمة في الحرب دون غيرها (قوله وقال سلمة خذها وأنا ابن الأكوع)
هذا طرف من حديثه المذكور في الباب الذي قبله لكنه بمعناه وقد أخرجه مسلم بلفظه من
طريق أخرى عن سلمة بن الأكوع وقال فيه فخرجت في آثار القوم وألحق رجلا منهم فأصكه
سهما في رجله حتى خلص نصل السهم من كتفه قال قلت خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم
الرضع الحديث ثم ذكر المصنف حديث البراء بن عازب في ثبات النبي صلى الله عليه وسلم يوم
حنين وقوله أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وسيأتي شرحه في غزوة حنين ان شاء
114

الله تعالى (قوله باب إذا نزل العدو على حكم رجل) أي فأجازه الامام نفذ
ذكر فيه حديث أبي سعيد في نزول بني قريظة على حكم سعد بن معاذ وسيأتي شرحه في غزوة
بني قريظة إن شاء الله تعالى قال ابن المنير يستفاد من الحديث لزوم حكم المحكم برضا الخصمين
(قوله باب قتل الأسير وقتل الصبر) في رواية الكشميهني قتل الأسير صبرا وهي
أخصر أورد فيه حديث أنس في قتل ابن خطل وقد تقدم شرحه في أواخر الحج وقد تقدم أن
الامام يتخير متبعا ما هو الاحظ للاسلام والمسلمين بين قتل الأسير أو المن عليه بفداء أو بغير فداء
أو استرقاقه (قوله باب هل يستأسر الرجل ومن لم يستأسر) أي هل يسلم نفسه
للأسر أم لا (ومن صلى ركعتين عند القتل) ذكر فيه حديث أبي هريرة في بعث عاصم بن ثابت ومن
معه مع بني لحيان وقصة قتل خبيب بن عدي وسيأتي شرحها مستوفى في المغازي وفيها ما ترجم
له من الأمور الثلاثة وقوله فيه فأخبرني عبيد الله بن عياض القائل فأخبرني هو ابن شهاب كما
115

سيأتي ايضاحه هناك (قوله باب فكاك الأسير) أي من أيدي العدو بمال أو بغيره
والفكاك بفتح الفاء ويجوز كسرها التخليص وأورد فيه حديثين * أحدهما حديث أبي موسى
فكوا العاني أي الأسير كذا وقع في تفسير العاني في الحديث وهو بالمهملة والنون وزن القاضي
والتفسير من قبل جرير أو قتيبة وإلا فقد أخرج المصنف في الطب من طريق أبي عوانة عن
منصور فلم يذكره وأخرجه في الأطعمة من طريق الثوري عن منصور وقال في آخره قال سفيان
العاني الأسير قال ابن بطال فكاك الأسير واجب على الكفاية وبه قال الجمهور وقال إسحاق بن
راهويه من بيت المال وروى عن مالك أيضا وقال أحمد يفادى بالرؤس وأما بالمال فلا أعرفه ولو
كان عند المسلمين أسارى وعند المشركين أسارى واتفقوا على المفاداة تعينت ولم تجز مفاداة
أسارى المشركين بالمال * ثانيهما حديث أبي جحيفة قلت لعلي هل عندكم شئ من الوحي الحديث
وقد مضى شرحه في كتاب العلم وسيأتي الكلام على بقية ما فيه في الديات إن شاء الله تعالى
(قوله باب فداء المشركين) أي بمال يؤخذ منهم تقدم في الباب الذي قبله القول
في شئ من ذلك وأورد فيه ثلاثة أحاديث * أولها حديث أنس في استئذان الأنصار أن يتركوا
للعباس فداءه وقد تقدم ايراده في كتاب العتق * ثانيهما حديثه قال أتى بمال من البحرين فقال
العباس أعطني فاني فاديت نفسي وعقيلا وأورده معلقا مختصرا وقد تقدم بأتم منه في المساجد
وبيان من وصله وقوله فاديت نفسي وعقيلا يريد ابن أبي طالب ويقال انه أسر معهما أيضا الحارث
ابن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب وان العباس افتداه أيضا وقد ذكر ابن إسحاق كيفية ذلك واستدل
به ابن بطال على جواز اعطاء بعض الأصناف من الزكاة ولا دلالة فيه لان المال لم يكن من الزكاة
وعلى تقدير كونه منها فالعباس ليس من أهل الزكاة فان قيل انما أعطاه من سهم الغارمين كما أشار
إليه الكرماني فقد تعقب ولكن الحق ان المال المذكور كان من الخراج أو الجزية وهما من
مال المصالح وسيأتي بيان ذلك في كتاب الجزية * ثالثها حديث جبير بن مطعم سمعت النبي صلى الله
عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ذكره لقوله فيه وكان جاء في أسارى بدر اي في طلب فداء أسارى
بدر وقد تقدم شرح المتن في القراءة في الصلاة ويأتي الكلام على ما تضمنته هذه الأحاديث
الثلاثة في غزوة بدر من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى (قوله باب الحربي إذا دخل
دار الاسلام بغير أمان) هل يجوز قتله وهي من مسائل الخلاف قال مالك يتخير فيه الامام وحكمه
حكم أهل الحرب وقال الأوزاعي والشافعي ان ادعى انه رسول قبل منه وقال أبو حنيفة وأحمد
لا يقبل ذلك منه وهو فئ للمسلمين (قوله أبو العميس) بالمهملتين مصغر (قوله عن اياس) بكسر
الهمزة وتخفيف التحتانية وفي رواية الطحاوي من طريق أخرى عن أبي نعيم عن أبي العميس
حدثنا اياس (قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين لم أقف على اسمه ووقع في رواية
عكرمة بن عمار عن اياس عند مسلم أن ذلك كان في غزوة هوازن وسمي الجاسوس عينا لان جل عمله
بعينه أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينا (قوله فجلس عند
116

أصحابه يتحدث ثم انفتل) في رواية النسائي من طريق جعفر بن عون عن أبي العميس فلما طعم
انسل وفي رواية عكرمة عند مسلم فقيد الجمل ثم تقدم يتغدى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة
ورقة في الظهر إذ خرج يشتد (قوله اطلبوه واقتلوه) زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق يحيى
الحماني عن أبي العميس أدركوه فإنه عين زاد أبو داود عن الحسن بن علي عن أبي نعيم فيه
فسبقتهم إليه فقتلته (قوله فقتلته فنفله سلبه) كذا فيه وفيه التفات من ضمير المتكلم إلى
الغيبة وكان السياق يقتضي أن يقول فنفلني وهي رواية أبي داود وزاد هو ومسلم من طريق
عكرمة بن عمار المذكور فاتبعه رجل من أسلم على ناقة ورقاء فخرجت أعدو حتى أخذت بخطام
الجمل فأنخته فلما وضع ركبته بالأرض اخترطت سيفي فاضرب رأسه فبدر فجئت براحلته وما
عليها أقودها فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من قتل الرجل قالوا ابن الأكوع قال
له سلبه أجمع وترجم عليه النسائي قتل عيون المشركين وقد ظهر من رواية عكرمة الباعث
على قتله وانه اطلع على عورة المسلمين وبادر ليعلم أصحابه فيغتنمون غرتهم وكان في قتله مصلحة
للمسلمين قال النووي فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق وأما المعاهد والذمي فقال
مالك والأوزاعي ينتقض عهده بذلك وعند الشافعية خلاف أما لو شرط عليه ذلك في عهده
فينتقض اتفاقا وفيه حجة لمن قال إن السلب كله للقاتل وأجاب من قال لا يستحق ذلك الا بقول
الامام انه ليس في الحديث ما يدل على أحد الامرين بل هو محتمل لهما لكن أخرجه الإسماعيلي
من طريق محمد بن ربيعة عن أبي العميس بلفظ قام رجل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم انه عين
للمشركين فقال من قتله فله سلبه قال فأدركته فقتلته فنفلني سلبه فهذا يؤيد الاحتمال الثاني
بل قال القرطبي لو قال القاتل يستحق السلب بمجرد القتل لم يكن لقول النبي صلى الله عليه وسلم
له سلبه أجمع مزيد فائدة وتعقب باحتمال أن يكون هذا الحكم انما ثبت من حينئذ وقد استدل
به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لان قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شئ عام في كال
غنيمة فبين صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بزمن طويل أن السلب للقاتل سواء قيدنا ذلك بقول الامام
أم لا وأما قول مالك لم يبلغني ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك الا يوم حنين فان أراد ان ابتداء
هذا الحكم كان يوم حنين فهو مردود لكن على غير مالك ممن منعه فان مالكا انما نفى البلاغ
وقد ثبت في سنن أبي داود عن عوف بن مالك أنه قال لخالد بن الوليد في غزوة مؤتة ان النبي صلى الله
عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل وكانت مؤتة قبل حنين بالاتفاق وقال القرطبي فيه ان للامام
ان ينفل جميع ما أخذته السرية من الغنيمة لمن يراه منهم وهذا يتوقف على أنه لم يكن هناك غنيمة
الا ذلك السلب (قلت) وما أبداه احتمالا هو الواقع فقد وقع في رواية عكرمة بن عمار ان ذلك كان
في غزوة هوازن وقد اشتهر ما وقع فيها بعد ذلك من الغنائم قال ابن المنير ترجم بالحربي إذا دخل
بغير أمان وأورد الحديث المتعلق بعين المشركين وهو جاسوسهم وحكم الجاسوس مخالف
لحكم الحربي المطلق الداخل بغير أمان فالدعوى أعم من الدليل وأجيب بان الجاسوس المذكور
أوهم انه ممن له أمان فلما قضى حاجته من التجسيس انطلق مسرعا ففطن له فظهر انه حربي دخل
بغير أمان وقد تقدم بيان الاختلاف فيه (قوله باب يقاتل عن أهل الذمة ولا
يسترقون أي ولو نقضوا العهد أورد فيه طرفا من قصة قتل عمر بن الخطاب وهو قوله وأوصيه بذمة
117

الله وذمة رسوله الحديث وسيأتي مبسوطا في المناقب وقد تعقبه ابن التين بأنه ليس في الحديث
ما يدل على ما ترجم به من عدم الاسترقاق وأجاب ابن المنير بأنه أخذ من قوله وأوصيه بذمة الله
فان مقتضى الوصية بالاشفاق ان لا يدخلوا في الاسترقاق والذي قال إنهم يسترقون إذا نقضوا
العهد ابن القاسم وخالفه أشهب والجمهور ومحل ذلك إذا سبى الحربي الذمي ثم أسر المسلمون
الذمي وأغرب ابن قدامة فحكى الاجماع وكأنه لم يطلع على خلاف ابن القاسم وكأن البخاري
اطلع عليه فلذلك ترجم به (قوله باب جوائز الوفد (باب هل
يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم) كذا في جميع النسخ من طريق الفربري الا ان في رواية
أبي علي بن شبويه عن الفربري تأخير ترجمة جوائز الوفد عن الترجمة هل يستشفع وكذا هو عند
الإسماعيلي وبه يرتفع الاشكال فان حديث ابن عباس مطابق لترجمة جوائز الوفد لقوله فيه
وأجيزوا الوفد بخلاف الترجمة الأخرى وكأنه ترجم بها وأخلى بياضا ليورد فيها حديثا يناسبها
فلم يتفق ذلك ووقع للنسفي حذف ترجمة جوائز الوفد أصلا واقتصر على ترجمة هل يستشفع وأورد
فيها حديث ابن عباس المذكور وعكسه رواية محمد بن حمزة عن الفربري وفي مناسبته لها غموض
ولعله من جهة ان الاخراج يقتضي رفع الاستشفاع والحض على اجازة الوفد يقتضي حسن
المعاملة أو لعل إلى في الترجمة بمعنى اللام أي هل يستشفع لهم عند الامام وهل يعاملون ودلالة
أخرجوهم من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد لذلك ظاهرة والله أعلم وسيأتي شرح حديث ابن
عباس المذكور في الوفاة من آخر المغازي وقوله حدثنا قبيصة حدثنا ابن عيينة كذا لأكثر
الرواة عن الفربري وكذا في رواية النسفي ولم يقع في الكتاب لقبيصة رواية عن سفيان بن عيينة الا
هذه وروايته فيه عن سفيان الثوري كثيرة جدا وحكى الجياني عن رواية ابن السكن عن الفربري
في هذا قتيبة بدل قبيصة وروايته عن قتيبة لهذا الحديث بعينه ستأتي في أواخر المغازي وقتيبة
مشهور بالرواية عن ابن عيينة دون قبيصة والحديث حديث ابن عيينة لا الثوري (قوله وقال
يعقوب بن محمد) أي ابن عيسى الزهري وأثره هذا وصله إسماعيل القاضي في كتاب أحكام القرآن
عن أحمد بن المعدل عن يعقوب وأخرجه يعقوب بن شبة عن أحمد بن المعدل عن يعقوب بن محمد
عن مالك بن أنس مثله وقال الزبير بن بكار في أخبار المدينة أخبرت عن مالك عن ابن شهاب قال
جزيرة العرب المدينة قال الزبير قال غيره جزيرة العرب ما بين العذيب إلى حضرموت قال الزبير
وهذا أشبه وحضرموت آخر اليمن وقال الخليل بن أحمد سميت جزيرة العرب لان بحر فارس
وبحر الحبشة والفرات ودجلة أحاطت بها وهي أرض العرب ومعدنها وقال الأصمعي هي ما لم
يبلغه ملك فارس من أقصى عدن إلى أطراف الشام وقال أبو عبيد من أقصى عدن إلى ريف
العراق طولا ومن جدة وما والاها من الساحل إلى أطراف الشام عرضا (قوله قال يعقوب
والعرج أول تهامة) العرج بفتح المهملة وسكون الراء بعدها جيم موضع بين مكة والمدينة وهو غير
العرج بفتح الراء الذي من الطائف وقال الأصمعي جزيرة العرب ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف
العراق طولا ومن جده وما والاها إلى أطراف الشام عرضا وسميت جزيرة العرب لإحاطة البحار
بها يعني بحر الهند وبحر القلزم وبحر فارس وبحر الحبشة وأضيفت إلى العرب لأنها كانت بأيديهم
قبل الاسلام وبها أوطانهم ومنازلهم لكن الذي يمنع المشركون من سكناه منها الحجاز خاصة وهو
118

مكة والمدينة واليمامة وما والاها لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب لاتفاق
الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب هذا مذهب الجمهور وعن
الحنفية يجوز مطلقا الا المسجد وعن مالك يجوز دخولهم الحرم للتجارة وقال الشافعي لا يدخلون
الحرم أصلا الا بإذن الامام لمصلحة المسلمين خاصة (قوله باب التجمل للوفد) ذكر
فيه حديث ابن عمر في حلة عطارد وسيأتي شرحه في اللباس قال ابن المنير موضع الترجمة انه
ما أنكر عليه طلبه للتجمل للوفود ولما ذكر وانما أنكر التجمل بهذا الصنف المنهي عنه (قوله
باب كيف يعرض الاسلام على الصبي) ذكر فيه حديث ابن عمر في قصة ابن صياد وقد
تقدم توجيه هذه الترجمة في باب هل يعرض الاسلام على الصبي في كتاب الجنائز ووجه مشروعية
عرض الاسلام على الصبي في حديث الباب من قوله صلى الله عليه وسلم لابن صياد أتشهد أني
رسول الله وكان إذ ذاك لم يحتلم فإنه يدل على المدعى ويدل على صحة اسلام الصبي وانه لو أقر لقبل
لأنه فائدة العرض (قوله أن عمر انطلق الخ) هذا الحديث فيه ثلاث قصص أوردها المصنف
تامة في الجنائز من طريق يونس وهنا من طريق معمر وفي الأدب من طريق شعيب واقتصر في
الشهادات على الثانية وذكرها أيضا فيما مضى من الجهاد من وجه آخر واقتصر في الفتن على
الثالثة وقد مضى شرح أكثر مفرداته في الجنائز وقوله قبل ابن صياد بكسر القاف وفتح الموحدة
أي إلى جهته وقوله وقد قارب ابن صياد يومئذ يحتلم في رواية يونس وشعيب وقد قارب ابن صياد
الحلم ولم يقع ذلك في رواية الإسماعيلي فاعترض به فقال لا يلزم من كونه غلاما أن يكون لم يحتلم
(قوله اشهد أنك رسول الأميين) فيه اشعار بان اليهود الذين كان ابن صياد منهم كانوا معترفين
ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن يدعون انها مخصوصة بالعرب وفساد حجتهم واضح جدا
لانهم إذا أقروا بأنه رسول الله استحال ان يكذب على الله فإذا ادعى انه رسوله إلى العرب والى
غيرها تعين صدقه فوجب تصديقه (قوله فقال ابن صياد أتشهد اني رسول الله) في حديث أبي
سعيد عند الترمذي فقال أتشهد أنت اني رسول الله (قوله قال له النبي صلى الله عليه وسلم آمنت
بالله ورسله) وللمستملي ورسوله بالافراد وفي حديث أبي سعيد آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر قال الزين بن المنير انما عرض النبي صلى الله عليه وسلم الاسلام علي ابن صياد بناء
على أنه ليس الدجال المحذر منه (قلت) ولا يتعين ذلك بل الذي يظهر ان أمره كان محتملا فأراد
اختباره بذلك فان أجاب غلب ترجيح انه ليس هو وان لم يجب تمادى الاحتمال أو أراد باستنطاقه
اظهار كذبه المنافي لدعوى النبوة ولما كان ذلك هو المراد اجابه بجواب منصف فقال آمنت بالله
ورسله وقال القرطبي كان ابن صياد على طريقة الكهنة يخبر بالخبر فيصح تارة ويفسد أخرى
فشاع ذلك ولم ينزل في شأنه وحي فأراد النبي صلى الله عليه وسلم سلوك طريقة يختبر حاله بها اي فهو
السبب في انطلاق النبي صلى الله عليه وسلم إليه وقد روى أحمد من حديث جابر قال ولدت امرأة
من اليهود غلاما ممسوحة عينه والاخرى طالعة ناتئة فأشفق النبي صلى الله عليه وسلم ان يكون
هو الدجال وللترمذي عن أبي بكرة مرفوعا يمكث أبو الدجال وأمه ثلاثين عاما لا يولد لهما ثم يولد
119

لهما غلام أضر شئ وأقله منفعة قال ونعتهما فقال أما أبوه فطويل ضرب اللحم كأن أنفه منقار
وأما أمه ففرضاخة أي بفاء مفتوحة وراء ساكنة وبمعجمتين والمعنى انها ضخمة طويلة اليدين
قال فسمعنا بمولود بتلك الصفة فذهبت أنا والزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه يعني ابن صياد
فإذا هما بتلك الصفة ولأحمد والبزار من حديث أبي ذر قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى
أمه فقال سلها كم حملت به فقالت حملت به اثني عشر شهرا فلما وقع صاح صياح الصبي ابن شهر
انتهى فكان ذلك هو الأصل في إرادة استكشاف أمره (قوله ماذا ترى قال ابن صياد يأتيني
صادق وكاذب) في حديث جابر عند الترمذي ونحوه لمسلم فقال أرى حقا وباطلا وأرى عرشا
على الماء وفي حديث أبي سعيد عنده أرى صادقين وكاذبا ولأحمد أرى عرشا على البحر حوله
الحيتان (قوله قال لبس) بضم اللام وتخفيف الموحدة المكسورة بعدها مهملة اي خلط وفي
حديث أبي الطفيل عند احمد فقال تعوذوا بالله من شر هذا (قوله اني قد خبأت لك خبأ) بكسر
المعجمة وبفتحها وسكون الموحدة بعدها همز وبفتح المعجمة وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة
ثم همز أي أخفيت لك شيئا (قوله هو الدخ) بضم المهملة بعدها معجمة وحكى صاحب المحكم الفتح
ووقع عند الحاكم الزخ بفتح الزاي بدل الدال وفسره بالجماع واتفق الأئمة على تغليطه في ذلك
ويرده ما وقع في حديث أبي ذر المذكور فأراد ان يقال الدخان فلم يستطع فقال الدخ وللبزار
والطبراني في الأوسط من حديث زيد بن حارثة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم خبأ له سورة
الدخان وكأنه أطلق السورة وأراد بعضها فان عند أحمد عن عبد الرزاق في حديث الباب
وخبأت له يوم تأتي السماء بدخان مبين وأما جواب ابن صياد بالدخ فقيل إنه اندهش فلم يقع
من لفظ الدخان الا على بعضه وحكى الخطابي ان الآية حينئذ كانت مكتوبة في يد النبي صلى
الله عليه وسلم فلم يهتد ابن صياد منها الا لهذا القدر الناقص على طريقة الكهنة ولهذا قال
له النبي صلى الله عليه وسلم لن تعدو قدرك أي قدر مثلك من الكهان الذين يحفظون من القاء
شياطينهم ما يحفظونه مختلطا صدقه بكذبه وحكى أبو موسى المديني ان السر في امتحان النبي
صلى الله عليه وسلم له بهذه الآية الإشارة إلى أن عيسى بن مريم يقتل الدجال بجبل الدخان
فأراد التعريض لابن صياد بذلك واستبعد الخطابي ما تقدم وصوب أنه خبأ له الدخ وهو نبت
يكون بين البساتين وسبب استبعاده له أن الدخان لا يخبا في اليد ولا الكم ثم قال الا ان يكون
خبأ له اسم الدخان في ضميره وعلى هذا فيقال كيف اطلع ابن صياد أو شيطانه على ما في الضمير
ويمكن ان يجاب باحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تحدث مع نفسه أو أصحابه بذلك
قبل أن يختبره فاسترق الشيطان ذلك أو بعضه (قوله اخسأ) سيأتي الكلام عليها في كتاب
الأدب في باب مفرد (قوله فلن تعدو قدرك) أي لن تجاوز ما قدر الله فيك أو مقدار أمثالك من
الكهان قال العلماء استكشف النبي صلى الله عليه وسلم أمره ليبين لأصحابه تمويهه لئلا
يلتبس حاله على ضعيف لم يتمكن في الاسلام ومحصل ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
له على طريق الفرض والتنزل ان كنت صادقا في دعواك الرسالة ولم يختلط عليك الامر آمنت
بك وان كنت كاذبا وخلط عليك الامر فلا وقد ظهر كذبك والتباس الامر عليك فلا تعدو قدرك
(قوله إن يكن هو) كذا للأكثر وللكشميهني ان يكن على وصل الضمير واختار ابن مالك
120

جوازه ثم الضمير لغير مذكور لفظا وقد وقع في حديث ابن مسعود عند أحمد أن يكون هو الذي
تخاف فلن تستطيعه وفي مرسل عروة عند الحارث بن أبي أسامة ان يكن هو الدجال (قوله فلن
تسلط عليه) في حديث جابر فلست بصاحبه انما صاحبه عيسى بن مريم (قوله وان لم يكن هو
فلا خير لك في قتله) قال الخطابي وانما لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتله مع ادعائه النبوة
بحضرته لأنه كان غير بالغ ولأنه كان من جملة أهل العهد (قلت) الثاني هو المتعين وقد جاء
مصرحا به في حديث جابر عند أحمد وفي مرسل عروة فلا يحل لك قتله ثم إن في السؤال عندي نظرا
لأنه لم يصرح بدعوى النبوة وانما أوهم انه يدعي الرسالة ولا يلزم من دعوى الرسالة دعوى النبوة
قال الله تعالى انا أرسلنا الشياطين على الكافرين الآية (قوله قال ابن عمر انطلق النبي صلى الله
عليه وسلم هو وأبي بن كعب) هذه هي القصة الثانية من هذا الحديث وهو موصول بالاسناد الأول
وقد أفردها أحمد عن عبد الرزاق باسناد حديث الباب ووقع في حديث جابر ثم جاء النبي صلى الله
عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر ونفر من المهاجرين والأنصار وانا معهم ولأحمد من حديث أبي
الطفيل انه حضر ذلك أيضا وقد تقدم في الجنائز شرح ما في هذا الفصل من المفردات وبيان
اختلاف الرواة وقوله طفق أي جعل ويتقي أي يستتر ويختل أي يسمع في خفية ووقع في حديث
جابر رجاء أن يسمع من كلامه شيئا ليعلم أصادق هو أم كاذب (قوله أي صاف) بمهملة وفاء وزن باغ
زاد في رواية يونس هذا محمد وفي حديث جابر فقالت يا عبد الله هذا أبو القاسم قد جاء وكأن الراوي
عبر باسمه الذي تسمى به في الاسلام وأما اسمه الأول فهو صاف (قوله لو تركته بين) أي أظهر لنا
من حاله ما نطلع به على حقيقته والضمير لام ابن صياد أي لو لم تعلمه بمجيئنا لتمادي على ما كان فيه
فسمعنا ما يستكشف به أمره وغفل بعض الشراح فجعل الضمير للزمزمة أي لو لم يتكلم بها لفهمنا
كلامه لكن عدم فهمنا لما يقول كونه يهمهم كذا قال والأول هو المعتمد (قوله وقال سالم
قال ابن عمر) هذه هي القصة الثالثة وهي موصولة بالاسناد المذكور وقد أفردها أحمد أيضا
وسيأتي الكلام عليها في الفتن وفي قصة ابن صياد اهتمام الامام بالأمور التي يخشى منها الفساد
والتنقيب عليها واظهار كذب المدعى الباطل وامتحانه بما يكشف حاله والتجسس على أهل الريب
وان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيما لم يوح إليه فيه وقد اختلف العلماء في أمر ابن صياد
اختلافا كثيرا سأستوفيه إن شاء الله تعالى في الكلام على حديث جابر انه كأنه يحلف ان ابن الصياد
هو الدجال حيث ذكره المصنف في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى وفيه الرد على من يدعي الرجعة
إلى الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم لعمر ان يكن هو الذي تخاف منه فلن تستطيعه لأنه لو جاز أن
الميت يرجع إلى الدنيا لما كان بين قتل عمر له حينئذ وكون عيسى ابن مريم هو الذي يقتله بعد ذلك
منافاة والله أعلم (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود أسلموا تسلموا
قاله المقبري عن أبي هريرة) هو طرف من حديث سيأتي موصولا مع الكلام عليه في الجزية
(قوله باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم) أشار
بذلك إلى الرد على من قال من الحنفية ان الحربي إذا أسلم في دار الحرب وأقام بها حتى غلب
المسلمون عليها فهو أحق بجميع ماله الا أرضه وعقاره فإنها تكون فيأ للمسلمين وقد خالفهم
أبو يوسف في ذلك فوافق الجمهور ويوافق الترجمة حديث أخرجه أحمد عن صخر بن العيلة البجلي
121

قال فرقوم من بني سليم عن أرضهم فأخذتها فأسلموا وخاصموني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فردها
عليهم وقال إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وما له (قوله حدثنا محمود) هو ابن غيلان وقوله
حدثنا عبد الله هو ابن المبارك وهذه رواية أبي ذر وحده وللباقين عبد الرزاق بدل عبد الله وبه جزم
الإسماعيلي وأبو نعيم (قوله قلت يا رسول الله أين تنزل غدا الحديث) ذكره مختصرا وقد تقدم في
باب توريث دور مكة وشرائها من كتاب الحج بتمامه وتقدم شرحه هناك وفيه ما ترجم له هنا لكنه
مبني على أن مكة فتحت عنوة والمشهور عند الشافعية انها فتحت صلحا وسيأتي تحرير مباحث
ذلك في غزوة الفتح من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى ويمكن ان يقال لما أقر النبي صلى الله عليه
وسلم عقيلا على تصرفه فيما كان لأخويه على وجعفر وللنبي صلى الله عليه وسلم من الدور والرباع
بالبيع وغيره ولم يغير النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولا انتزعها ممن هي في يده لما ظفر كان في ذلك
دلالة على تقرير من بيده دار أو أرض إذا أسلم وهي في يده بطريق الأولى وقال القرطبي يحتمل أن
يكون مراد البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم من على أهل مكة بأموالهم ودورهم من قبل أن
يسلموا فتقرير من أسلم يكون بطريق الأولى (قوله وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم
ان لا يبايعوهم ولا يؤووهم) هكذا وقع هذا القدر معطوفا على حديث أسامة وذكر الخطيب ان
هذا مدرج في رواية الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة وانما هو عند
الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وذلك أن ابن وهب رواه عن يونس عن الزهري ففصل بين
الحديثين وروى محمد بن أبي حفصة عن الزهري الحديث الأول فقط وروى شعيب والنعمان بن
راشد وإبراهيم بن سعد والأوزاعي عن الزهري الحديث الثاني فقط لكن عن أبي سلمة عن أبي هريرة
(قلت) أحاديث الجميع عند البخاري وطريق ابن وهب عنده لحديث أسامة في الحج ولحديث أبي
هريرة في التوحيد وأخرجهما مسلم معا في الحج وقد قدمت في الكلام على حديث أسامة في الحج
ما وقع فيه من ادراج أيضا والله المستعان (قوله أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يدعى هنيا)
بالنون مصغر بغير همز وقد يهمز وهذا المولى لم أر من ذكره في الصحابة مع ادراكه وقد وجدت له
رواية عن أبي بكر وعمر وعمرو بن العاص روى عنه ابنه عمير وشيخ من الأنصار وغيرهما وشهد صفين
مع معاوية ثم تحول إلى علي لما قتل عمار ثم وجدت في كتاب مكة لعمر بن شبة ان آل هني ينتسبون
في همدان وهم موالي آل عمر انتهى ولولا أنه كان من الفضلاء النبهاء الموثوق بهم لما استعمله عمر
(قوله على الحمى) بين ابن سعد من طريق عمير بن هنى عن أبيه انه كان على حمى الربذة وقد تقدم
بعض ذلك في كتاب الشرب (قوله اضمم جناحك عن المسلمين) أي اكفف يدك عن ظلمهم وفي
رواية معن بن عيسى عن مالك عند الدارقطني في الغرائب اضمم جناحك للناس وعلى هذا فمعناه
استرهم بجناحك وهو كناية عن الرحمة والشفقة (قوله واتق دعوة المسلمين في رواية الإسماعيلي
والدارقطني وأبي نعيم دعوة المظلوم (قوله وأدخل) بهمزة مفتوحة ومعجمة مكسورة والصريمة
بالمهملة مصغر وكذا الغنيمة أي صاحب القطعة القليلة من الإبل والغنم ومتعلق الادخال
محذوف والمراد المرعى (قوله وإياي) فيه تحذير المتكلم نفسه وهو شاذ عند النحاة كذا قيل
والذي يظهر ان الشذوذ في لفظه والا فالمراد في التحقيق انما هو تحذير المخاطب وكأنه بتحذير نفسه
حذره بطريق الأولى فيكون أبلغ ونحوه نهي المرء نفسه ومراده نهى من يخاطبه كما سيأتي
122

قريبا في باب الغلول وقوله فيه ابن عوف هو عبد الرحمن وابن عفان هو عثمان وخصهما بالذكر
على طريق المثال لكثرة نعمهما لأنهما كانا من مياسير الصحابة ولم يرد بذلك منعهما البتة وانما
أراد انه إذا لم يسع المرعى الا نعم أحد الفريقين فنعم المقلين أولى فنهاه عن ايثارهما على غيرهما أو
تقديمهما قبل غيرهما وقد بين حكمة ذلك في نفس الخبر (قوله ببيته) كذا للأكثر بمثناة قبلها
تحتانية ساكنة بلفظ مفرد البيت وللكشميهني بنون قبل التحتانية بلفظ جمع البنين والمعنى
متقارب (قوله يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين) حذف المقول لدلالة السياق عليه ولأنه لا يتعين
في لفظ والتقدير يا أمير المؤمنين أنا فقير يا أمير المؤمنين أنا أحق ونحو ذلك (قوله أفتاركهم انا)
استفهام انكار ومعناه لا أتركهم محتاجين وقوله لا أبا لك بفتح الهمزة والموحدة وظاهره الدعاء
عليه لكنه على مجازه لا على حقيقته وهو بغير تنوين لأنه صار شبيها بالمضاف والا فالأصل
لا أبا لك والحاصل انهم لو منعوا من الماء والكلا لهلكت مواشيهم فاحتاج إلى تعويضهم
بصرف الذهب والفضة لهم لسد خلتهم وربما عارض ذلك الاحتياج إلى النقد في صرفه في مهم
آخر (قوله إنهم ليرون) بضم التحتانية أوله بمعنى الظن وبفتحها بمعنى الاعتقاد وقوله أني قد ظلمتهم
قال ابن التين يريد أرباب المواشي الكثيرة كذا قال والذي يظهر لي أنه أراد أرباب المواشي
القليلة لانهم المعظم والأكثر وهم أهل تلك البلاد من بوادي المدينة ويدل على ذلك قول عمر انها
لبلادهم وانما ساغ لعمر ذلك لأنه كان مواتا فحماه لنعم الصدقة لمصلحة عموم المسلمين وقد أخرج
ابن سعد في الطبقات عن معن بن عيسى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير
عن أبيه أن عمر أتاه رجل من أهل البادية فقال يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية
وأسلمنا عليها في الاسلام ثم تحمى علينا فجعل عمر ينفخ ويفتل شاربه وأخرجه الدارقطني في
غرائب مالك من طريق ابن وهب عن مالك بنحوه وزاد فلما رأى الرجل ذلك ألح عليه فلما أكثر
عليه قال المال مال الله والعباد عباد الله ما أنا بفاعل وقال ابن المنير لم يدخل ابن عفان ولا ابن
عوف في قوله قاتلوا عليها في الجاهلية فالكلام عائد على عموم أهل المدينة لا عليهما والله أعلم وقال
المهلب انما قال عمر ذلك لان أهل المدينة أسلموا عفوا وكانت أموالهم لهم ولهذا ساوم بني النجار
بمكان مسجده قال فاتفق العلماء على من أسلم من أهل الصلح فهو أحق بأرضه ومن أسلم من أهل
العنوة فارضه فئ للمسلمين لان أهل العنوة غلبوا على بلادهم كما غلبوا على أموالهم بخلاف أهل
الصلح في ذلك وفي نقل الاتفاق نظر لما بينا أول الباب وهو ومن بعده حملوا الأرض على أرض
أهل المدينة التي أسلم أهلها عليها وهي في ملكهم وليس المراد ذلك هنا وانما حمى عمر بعض الموات
مما فيه نبات من غير معالجة أحد وخص ابل الصدقة وخيول المجاهدين وأذن لمن كان مقلا ان
يرعى فيه مواشيه رفقا به فلا حجة فيه للمخالف وأما قوله يرون اني ظلمتهم فأشار به إلى أنهم يدعون
انهم أولى به لا أنهم منعوا حقهم الواجب لهم (قوله لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله)
أي من الإبل التي كان يحمل عليها من لا يجد ما يركب وجاء عن مالك ان عدة ما كان في الحمى في
عهد عمر بلغ أربعين ألفا من ابل وخيل وغيرها وفي الحديث ما كافيه عمر من القوة وجودة
النظر والشفقة على المسلمين وهذا الحديث ليس في الموطأ قال الدارقطني في غرائب مالك هو
حديث غريب صحيح (قوله باب كتابة الامام الناس) أي من المقاتلة أو غيرهم والمراد
123

ما هو أعم من كتابته بنفسه أو بأمره (قوله حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي وسفيان هو الثوري
(قوله اكتبوا لي من تلفظ بالاسلام) في رواية أبي معاوية عن الأعمش عند مسلم احصوا بدل
اكتبوا وهي أعم من اكتبوا وقد يفسر احصوا باكتبوا (قوله فقلنا نخاف) هو استفهام تعجب
وحذفت منه أداة الاستفهام وهي مقدرة وزاد أبو معاوية في روايته فقال إنكم لا تدرون لعلكم
ان تبتلوا وكأن ذلك وقع عند ترقب ما يخاف منه ولعله كان عند خروجهم إلى أحد أو غيرها ثم
رأيت في شرح ابن التين الجزم بان ذلك كان عند حفر الخندق وحكى الداودي احتمال ان ذلك
وقع لما كانوا بالحديبية لأنه قد اختلف في عددهم هل كانوا ألفا وخمسمائة أو ألفا وأربعمائة
أو غير ذلك مما سيأتي في مكانه وأما قول حذيفة فلقد رأيتنا ابتلينا إلى آخره فيشبه ان يكون
أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان من ولاية بعض أمراء الكوفة كالوليد بن عقبة
حيث كان يؤخر الصلاة أو لا يقيمها على وجهها وكان بعض الورعين يصلي وحده سرا ثم يصلي
معه خشية من وقوع الفتنة وقيل كان ذلك حين أتم عثمان الصلاة في السفر وكان بعضهم
يقصر سرا وحده خشية الانكار عليه ووهم من قال إن ذلك كان أيام قتل عثمان لان حذيفة
لم يحضر ذلك وفي ذلك علم من أعلام النبوة من الاخبار بالشئ قبل وقوعه وقد وقع أشد من
ذلك بعد حذيفة في زمن الحجاج وغيره (قوله حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش فوجدناهم
خمسمائة) يعني ان أبا حمزة خالف الثوري عن الأعمش في هذا الحديث بهذا السند فقال خمسمائة
ولم يذكر الألف (قوله قال أبو معاوية ما بين ستمائة إلى سبعمائة) أي ان أبا معاوية خالف الثوري
أيضا عن الأعمش بهذا الاسناد في العدة وطريق أبي معاوية هذه وصلها مسلم وأحمد والنسائي
وابن ماجة وكان رواية الثوري رجحت عند البخاري فلذلك اعتمدها لكونه أحفظهم مطلقا وزاد
عليهم وزيادة الثقة الحافظ مقدمة وأبو معاوية وإن كان أحفظ أصحاب الأعمش بخصوصه
ولذلك اقتصر مسلم على روايته لكنه لم يجزم بالعدد فقدم البخاري رواية الثوري لزيادتها بالنسبة
لرواية الاثنين ولجزمها بالنسبة لرواية أبي معاوية وأما ما ذكره الإسماعيلي ان يحيى بن سعيد
الأموي وأبا بكر بن عياش وافقا أبا حمزة في قوله خمسمائة فتتعارض الأكثرية والا حفظية فلا
يخفى بعد ذلك الترجيح بالزيادة وبهذا يظهر رجحان نظر البخاري على غيره وسلك الداودي
الشارح طريق الجمع فقال لعلهم كتبوا مرات في مواطن وجمع بعضهم بان المراد بالألف
وخمسمائة جميع من أسلم من رجل وامرأة وعبد وصبي وبما بين الستمائة إلى السبعمائة الرجال
خاصة وبالخمسمائة المقاتلة خاصة وهو أحسن من الجمع الأول وإن كان بعضهم أبطله بقوله في
الرواية الأولى ألف وخمسمائة رجل لامكان ان يكون الراوي أراد بقوله رجل نفس وجمع
بعضهم بان المراد بالخمسمائة المقاتلة من أهل المدينة خاصة وبما بين الستمائة إلى السبعمائة هم
ومن ليس بمقاتل وبالأف وخمسمائة هم ومن حولهم من أهل القرى والبوادي (قلت) ويخدش
في وجوه هذه الاحتمالات كلها اتحاد مخرج الحديث ومداره على الأعمش بسنده واختلاف
أصحابه عليه في العدد المذكور والله أعلم وفي الحديث مشروعية كتابة دواوين الجيوش
وقد يتعين ذلك عند الاحتياج إلى تمييز من يصلح للمقاتلة بمن لا يصلح وفيه وقوع العقوبة على
الاعجاب بالكثرة وهو نحو قوله تعالى ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم الآية وقال ابن المنير
124

موضع الترجمة من الفقه ان لا يتخيل أن كتابة الجيش واحصاء عدده يكون ذريعة لارتفاع
البركة بل الكتابة المأمور بها لمصلحة دينية والمؤاخذة التي وقعت في حنين كانت من جهة
الاعجاب ثم ذكر المصنف حديث ابن عباس قال رجل يا رسول الله اني اكتتبت في غزوة كذا
وهو يرجح الرواية الأولى بلفظ اكتبوا لأنها مشعرة بأنه كان من عادتهم كتابة من يتعين للخروج
في المغازي وقد تقدم شرح الحديث في الحج مستوفي (قوله باب ان الله ليؤيد
الدين بالرجل الفاجر) ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة الرجل الذي قاتل وقال النبي صلى الله
عليه وسلم انه من أهل النار وظهر بعد ذلك أنه قتل نفسه وسيأتي شرحه مستوفي في المغازي وهو
ظاهر فيما ترجم به وساقه هنا على لفظ معمر وهذا هو السبب في عطفه لطريقه على طريق شعيب
وقال المهلب وغيره لا يعارض هذا قوله صلى الله عليه وسلم لا نستعين بمشرك لأنه أما خاص بذلك
الوقت واما ان يكون المراد به الفاجر غير المشرك (قلت) الحديث أخرجه مسلم وأجاب عنه
الشافعي بالأول وحجة النسخ شهود صفوان بن أمية حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشرك
وقصته مشهورة في المغازي وأجاب غيره في الجمع بينهما بأوجه غير هذه منها انه صلى الله عليه
وسلم تفرس في الذي قال له لا أستعين بمشرك الرغبة في الاسلام فرده رجاء ان يسلم فصدق ظنه
ومنها ان الامر فيه إلى رأي الامام وفي كل منهما نظر من جهة انها نكرة في سياق النفي فيحتاج
مدعى التخصيص إلى دليل وقال الطحاوي قصة صفوان لا تعارض قوله لا أستعين بمشرك لان
صفوان خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم باختياره لا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك (قلت)
وهي تفرقة لا دليل عليها ولا أثر لها وبيان ذلك أن المخالف لا يقول به مع الاكراه وأما الامر
فالتقرير يقوم مقامه قال ابن المنير موضع الترجمة من الفقه ان لا يتخيل في الامام إذا حمى حوزة
الاسلام وكان غير عادل انه يطرح النفع في الدين لفجوره فيجوز الخروج عليه فأراد ان هذا
التخيل مندفع بهذا النص وان الله قد يؤيد دينه بالفاجر وفجوره على نفسه (قوله
باب من تأمر في الحرب من غير امرأة إذا خاف العدو) أي جاز ذلك ذكر فيه حديث
أنس في قصة أخذ خالد الراية في يوم مؤتة وسيأتي شرحه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى وهو
ظاهر فيما ترجم له به أيضا قال ابن المنير يؤخذ من حديث الباب ان من تعين لولاية وتعذرت
مراجعة الامام ان الولاية تثبت لذلك المعين شرعا وتجب طاعته حكما كذا قال ولا يخفى ان محله
ما إذا اتفق الحاضرون عليه قال ويستفاد منه صحة مذهب مالك في أن المرأة إذا لم يكن لها ولي الا
السلطان فتعذر اذن السلطان ان يزوجها الآحاد وكذا إذا غاب امام الجمعة قدم الناس لأنفسهم
(قوله باب العون بالمدد) بفتح الميم ما يمد به الأمير بعض العسكر من الرجال ذكر فيه
حديث أنس في قصة بئر معونة وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي وهو ظاهر فيما ترجم به أيضا
قال ابن المنير وفيه ان الاجتهاد والعمل بالظاهر لا يضر صاحبه ان يقع التخلف ممن ظن به الوفاء
125

* (تنبيه) * قال الدمياطي قوله في هذه الطريق أتاه رعل وذكوان وعصية ولحيان وهم لان
هؤلاء ليسوا أصحاب بئر معونة وانما هم أصحاب الرجيع وهو كما قال وسأبين ذلك واضحا في
المغازي إن شاء الله تعالى (قوله باب من غلب العدو فأقام على عرصتهم
ثلاثا) العرصة بفتح المهملتين وسكون الراء بينهما هي البقعة الواسعة بغير بناء من دار وغيرها
(قوله ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة) كذا رواه قتادة ورواه ثابت عن أنس بغير ذكر أبي طلحة
وهذه الطريق عن روح بن عبادة عن سعيد وهو ابن أبي عروبة مختصرة وقد أوردها المصنف
في المغازي في غزوة بدر عن شيخ آخر عن روح بأتم من هذا السياق ويأتي شرحه هناك إن شاء الله
تعالى (قوله تابعه معاذ وعبد الاعلى عن قتادة إلى آخره) أما متابعة معاذ وهو ابن معاذ العنبري
فوصلها أصحاب السنن الثلاثة من طريقه ولفظه أحب ان يقيم بالعرصة ثلاثا وأما متابعة
عبد الاعلى وهو ابن عبد الاعلى السامي بالمهملة فوصلها أبو بكر بن أبي شيبة عنه ومن طريق
الإسماعيلي وأخرجها مسلم عن يوسف بن حماد عنه قال المهلب حكمة الإقامة لإراحة الظهر
والأنفس ولا يخفى ان محله إذا كان في أمن من عدو وطارق والاقتصار على ثلاث يؤخذ منه ان
الأربعة إقامة وقال ابن الجوزي انما كان يقيم ليظهر تأثير الغلبة وتنفيذ الاحكام وقلة
الاحتفال فكأنه يقول من كانت فيه قوة منكم فليرجع إلينا وقال ابن المنير يحتمل أن يكون المراد
ان تقع ضيافة الأرض التي وقعت فيها المعاصي بايقاع الطاعة فيها بذكر الله واظهار شعار المسلمين
وإذا كان ذلك في حكم الضيافة ناسب ان يقيم عليها ثلاثا لان الضيافة ثلاثة (قوله باب
من قسم الغنيمة في غزوه وسفره) أشار بذلك إلى الرد على قول الكوفيين ان الغنائم لا تقسم في دار
الحرب واعتلوا بان الملك لا يتم عليها الا بالاستيلاء ولا يتم الاستيلاء الا باحرازها في دار الاسلام
وقال الجمهور هو راجع إلى نظر الامام واجتهاده وتمام الاستيلاء يحصل باحرازها بأيدي المسلمين
ويدل على ذلك ان الكفار لو أعتقوا حينئذ رقيقا لم ينفذ عتقهم ولو أسلم عبد الحربي ولحق بالمسلمين
صار حرا ثم ذكر فيه طرفا من حديث رافع وهو ابن خديج معلقا وسيأتي بتمامه موصولا مع شرحه
في كتاب الذبائح وحديث أنس اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين
وهو طرف من حديثه المتقدم في الحج بهذا الاسناد وسيأتي في غزوة الحديبية أيضا بتمامه وكلا
الحديثين ظاهر فيما ترجم له (قوله باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم)
أي هل يكون أحق به أو يدخل الغنيمة وهذا مما اختلف فيه فقال الشافعي وجماعة لا يملك أهل
الحرب بالغلبة شيئا من مال المسلم ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها وعن علي والزهري وعمرو
ابن دينار والحسن لا يرد أصلا ويختص به أهل المغانم وقال عمر وسليمان بن ربيعة وعطاء والليث
ومالك وأحمد وآخرون وهي رواية عن الحسن أيضا ونقلها ابن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء
السبعة ان وجده صاحبه قبل القسمة فهو أحق به وأن وجده بعد القسمة فلا يأخذه الا بالقسمة
واحتجوا بحديث عن ابن عباس مرفوعا بهذا التفصيل أخرجه الدارقطني واسناده ضعيف
جدا وعن أبي حنيفة كقول مالك الا في الآبق فقال هو والثوري صاحبه أحق به مطلقا (قوله
وقال ابن نمير) يعني عبد الله وطريقه هذه وصلها أبو داود وابن ماجة (قوله ذهب وقوله فأخذه)
126

في رواية الكشميهني ذهبت وقال فأخذها والفرس اسم جنس يذكر ويؤنث (قوله في زمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا وقع في رواية ابن نمير ان قصة الفرس في زمن النبي صلى الله
عليه وسلم وقصة العبد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وخالفه يحيى وهو القطان عن عبيد الله وهو
العمري كما هي الرواية الثانية في الباب فجعلهما معا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكذا وقع في
رواية موسى بن عقبة عن نافع وهي الرواية الثالثة في الباب فصرح بأن قصة الفرس كانت في
زمن أبي بكر وقد وافق ابن نمير إسماعيل بن زكريا أخرجه الإسماعيلي من طريقه وأخرجه من طريق
ابن المبارك عن عبيد الله فلم يعين الزمان لكن قال في روايته انه افتدى الغلام بروميين وكأن
هذا الاختلاف هو السبب في ترك المصنف الجزم في الترجمة بالحكم لتردد الرواة في رفعه ووقفه
لكن للقائل به أن يحتج بوقوع ذلك في زمن أبي بكر الصديق والصحابة متوافرون من غير نكير منهم
وقوله في رواية موسى بن عقبة يوم لقي المسلمون كذا هنا بحذف المفعول وبينه الإسماعيلي في
روايته عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة وأبو نعيم من طريق أحمد بن يحيى الحلواني كلاهما عن أحمد
ابن يونس شيخ البخاري فيه فقال فيه يوم لقي المسلمون طيأ وأسدا وزاد فيه سبب أخذ العدو لفرس
ابن عمر ففيه فاقتحم الفرس بعبد الله بن عمر جرفا فصرعه وسقط بن عمر فعار الفرس والباقي مثله
وروى عبد الرزاق أن العبد الذي أبق لابن عمر كان يوم اليرموك أخرجه عن معمر عن أيوب عن
نافع عنه (قوله قال أبو عبد الله عار) بمهملة وراء مشتق من العير (وهو حمار وحش) أي هرب
قال ابن التين أراد انه فعل فعله في النفار وقال الخليل يقال عار الفرس والكلب عيارا أي أفلت
وذهب وقال الطبري يقال ذلك للفرس إذا فعله مرة بعد مرة ومنه قيل للبطال من الرجال
الذي لا يثبت على طريقه عيار ومنه سهم عاير إذا كان لا يدري من أين أتى (قوله باب
من تكلم بالفارسية) أي بلسان الفرس قيل إنهم ينتسبون إلى فارس بن كومرث واختلف في
كومرث قيل إنه من ذرية سام بن نوح وقيل من ذرية يافث بن نوح وقيل إنه ولد آدم لصلبه وقيل إنه
آدم نفسه وقيل لهم الفرس لان جدهم الاعلى ولد له سبعة عشر ولدا كان كل منهم شجاعا فارسا
فسموا الفرس وفيه نظر لان الاشتقاق يختص باللسان العربي والمشهور ان إسماعيل بن إبراهيم
عليهما السلام أول من ذللت له الخيل والفروسية ترجع إلى الفرس من الخيل وأمة الفرس كانت
موجودة (قوله والرطانة) بكسر الراء ويجوز فتحها هو كلام غير العربي قالوا فقه هذا الباب
يظهر في تأمين المسلمين لأهل الحرب بألسنتهم وسيأتي مزيد لذلك في أواخر الجزية في باب إذا قالوا
صبأنا ولم يقولوا أسلمنا وقال الكرماني الحديث الأول كان في غزوة الخندق والآخران بالتبعية
كذا قال ولا يخفى بعده والذي أشرت إليه أقرب (قوله وقول الله عز وجل واختلاف ألسنتكم
وألوانكم وقال وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه) كأنه أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يعرف الألسنة لأنه أرسل إلى الأمم كلها على اختلاف ألسنتهم فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى
عموم رسالته فاقتضى ان يعرف ألسنتهم ليفهم عنهم ويفهموا عنه ويحتمل أن يقال لا يستلزم ذلك
نطقه بجميع الألسنة لامكان الترجمان الموثوق به عندهم ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة
أحاديث * أحدها طرف من حديث جابر في قصة بركة الطعام الذي صنعه بالخندق وسيأتي بتمامه
بهذا الاسناد مع شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى والغرض منه قوله إن جابرا قد صنع سورا
127

وهو بضم المهملة وسكون الواو قال الطبري السور بغير همز الصنيع من الطعام الذي يدعى
إليه وقيل الطعام مطلقا وهو بالفارسية وقيل بالحبشية وبالهمز بقية الشئ والأول هو المراد هنا
قال الإسماعيلي السور كلمة بالفارسية قيل له أليس هو الفضلة قال لم يكن هناك شئ فضل ذلك منه
انما هو بالفارسية من أتى دعوة وأشار المصنف إلى ضعف ما ورد من الأحاديث الواردة في كراهة
الكلام بالفارسية كحديث كلام أهل النار بالفارسية وكحديث من تكلم بالفارسية زادت في خبثه
ونقصت من مروأته أخرجه الحاكم في مستدركه وسنده واه وأخرج فيه أيضا عن عمر رفعه من
أحسن العربية فلا يتكلمن بالفارسية فإنه يورث النفاق الحديث وسنده واه أيضا * ثانيها
حديث أم خالد بنت خالد وسيأتي بهذا الاسناد في كتاب الأدب ويأتي شرحه في اللباس والغرض
منه قوله سنه سنه وهو بفتح النون وسكون الهاء وفي رواية الكشميهني سناه بزيادة ألف والهاء
فيهما للسكت وقد تحذف قال ابن قرقول هو بفتح النون الخفيفة عند أبي ذر وشددها الباقون
وهي بفتح أوله للجميع الا القابسي فكسره (قوله في آخره قال عبد الله فبقيت حتى ذكر) أي
ذكر الراوي من بقائها أمدا طويلا وفي نسخة الصغاني وغيرها حتى ذكرت ولبعضهم حتى دكن
بمهملة وآخره نون أي اتسخ وسيأتي في كتاب الأدب ووقع في نسخة الصغاني هنا من الزيادة في آخر
الباب قال أبو عبد الله هو المصنف لم تعش امرأة مثل ما عاشت هذه يعني أم خالد (قلت) وادراك
موسى بن عقبة لها دال على طول عمرها لأنه لم يلق من الصحابة غيرها (تنبيه) خالد بن سعيد المذكور
في السند شيخ عبد الله وهو ابن المبارك هو خالد بن سعيد بن عمر بن سعيد بن العاص أخو إسحاق بن
سعيد وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد كرره عنه كما نبهت عليه وفي طبقته
خالد بن سعيد بن أبي مريم المدني لكن لم يخرج له البخاري ولا لابن المبارك عنه رواية وأوهم
الكرماني ان شيخ ابن المبارك هنا هو خالد بن الزبير بن العوام ولا أدري من أين له ذلك بل لم أر
لخالد بن الزبير رواية في شئ من الكتب الستة ثم راجعت كلامه فعلمت مراده فإنه قال لفظ
خالد المذكور هنا ثلاث مرار والثاني غير الأول وهو خالد بن الزبير بن العوام والثالث غير الثاني
وهو خالد بن سعيد بن العاص فقوله والثاني يوهم أن المراد خالد بن سعيد وانما مراده خالد المذكور
في كنية أم خالد وكان يغني عن هذا التطويل أن يقول إن أم خالد سمعت ولدها باسم والدها وكان
الزبير بن العوام تزوجها فولدت له خالد بن الزبير فهذا يوضح المراد مع مزيد الفائدة والذي نبه
عليه ليس تحته كبير أمر فان خالد بن سعيد الراوي عن أم خالد لا يظن أحد أنه أبوها الا من
يقف مع مجرد التجويز العقلي فان من المقطوع به عند المحدثين ان عبد الله بن المبارك ما أدركها
فضلا عن أن يروي عن أبيها وأبوها استشهد في خلافة أبي بكر أو عمر فانحصرت الفائدة في التنبيه
على سبب كنية أم خالد * ثالثها حديث أبي هريرة ان الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة
الحديث والغرض منه قوله كخ كخ وهي كلمة زجر للصبي عما يريد فعله وقد تقدم شرحه في
أواخر كتاب الزكاة وقد نازع الكرماني في كون الألفاظ الثلاثة عجمية لان الأول يجوز أن
يكون من توافق اللغتين والثاني يجوز أن يكون أصله حسنة فحذف أوله ايجازا والثالث من
أسماء الأصوات وقد أجاب عن الأخير ابن المنير فقال وجه مناسبته أنه صلى الله عليه وسلم خاطبه
بما يفهمه مما لا يتكلم به الرجل مع الرجل فهو كمخاطبة العجمي بما يفهمه من لغته (قلت)
128

وبهذا يجاب عن الباقي ويزاد بان تجويزه حذف أول حرف من الكلمة لا يعرف وتشبيهه بقوله
كفى بالسيف شالا يتجه لان حذف الأخير معهود في الترخيم والله أعلم (قوله باب
الغلول) بضم المعجمة واللام أي الخيانة في المغنم قال ابن قتيبة سمي بذلك لان آخذه يغله في متاعه
أي يخفيه فيه ونقل النووي الاجماع على أنه من الكبائر (قوله وقول الله عز وجل ومن يغلل
يأت بما غل يوم القيامة) أورد فيه حديث أبي هريرة قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول
فعظمه الحديث ويحيى هو القطان وأبو حيان هو يحيى بن سعيد التيمي (قوله لا ألفين) بضم
أوله وبالفاء اي لا أجد هكذا الرواية للأكثر بلفظ النفي المؤكد والمراد به النهي وبالفاء وكذا
عند الحموي والمستملي لكن روى بفتح الهمزة وبالقاف من اللقاء وكذا لبعض رواة مسلم والمعنى
قريب ومنهم من حذف الألف على أن اللام للقسم وفي توجيهه تكلف والمعروف انه بلفظ النفي
المراد به النهي وهو وإن كان من نهى المرء نفسه فليس المراد ظاهره وانما المراد نهي من يخاطبه
عن ذلك وهو أبلغ (قوله أحدكم يوم القيامة على رقبته) في رواية مسلم يجئ يوم القيامة وعلى
رقبته وهو حال من الضمير في يجئ وشاة فاعل الظرف لاعتماده أي هي حالة شنيعة ولا ينبغي لكم
ان أراكم عليها يوم القيامة وفي حديث عبادة بن الصامت في السنن إياكم والغلول فإنه عار على أهله
يوم القيامة (قوله على رقبته شاة لها ثغاء) بضم المثلثة وتخفيف المعجمة وبالمد صوت الشاة يقال
ثغت تثغو وقوله فرس له حمحمة يأتي في آخر الحديث (قوله لا أملك لك شيئا) أي من المغفرة لان
الشفاعة أمرها إلى الله وقوله قد بلغتك أي فليس لك عذر بعد الابلاغ وكأنه صلى الله عليه وسلم
أبرز هذا الوعيد في مقام الزجر والتغليظ والا فهو في القيامة صاحب الشفاعة في مذنبي الأمة
(قوله بعير له رغاء) بضم الراء وتخفيف المعجمة وبالمد صوت البعير (قوله صامت) أي الذهب
والفضة وقيل ما لا روح فيه من أصناف المال وقوله رقاع تخفق أي تتقعقع وتضطرب إذا
حركتها الرياح وقيل معناه تلمع والمراد بها الثياب قاله ابن الجوزي وقال الحميدي المراد بها
ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع واستبعده ابن الجوزي لان الحديث سيق لذكر الغلول
الحسي فحمله على الثياب أنسب وزاد في رواية مسلم نفس لها صياح وكأنه أراد بالنفس ما يغله من
الرقيق من امرأة أو صبي قال المهلب هذا الحديث وعيد لمن أنفذه الله عليه من أهل العاصي
ويحتمل أن يكون الحمل المذكور لا بد منه عقوبة له بذلك ليفتضح على رؤس الاشهاد وأما بعد ذلك
فإلى الله الامر في تعذيبه أو العفو عنه وقال غيره هذا الحديث يفسر قوله عز وجل يأت بما غل
يوم القيامة أي يأت به حاملا له على رقبته ولا يقال إن بعض ما يسرق من النقد أخف من البعير
مثلا والبعير أرخص ثمنا فكيف يعاقب الأخف جناية بالأثقل وعكسه لان الجواب ان المراد
بالعقوبة بذلك فضيحة الحامل على رؤس الاشهاد في ذلك الموقف العظيم لا بالثقل والخفة قال
ابن المنير أظن الامراء فهموا تجريس السارق ونحوه من هذا الحديث وقد تقدم شرح بعض
هذا الحديث في أوائل الزكاة * (تكميل) * قال ابن المنذر أجمعوا على أن على الغال أن يعيد
ما غل قبل القسمة وأما بعدها فقال الثوري والأوزاعي والليث ومالك يدفع إلى الامام خمسة
ويتصدق بالباقي وكان الشافعي لا يرى بذلك ويقول إن كان ملكه فليس عليه ان يتصدق به وإن كان
لم يملكه فليس له الصدقة بمال غيره قال والواجب أن يدفعه إلى الامام كالأموال الضائعة
129

قوله وقال أيوب عن أبي حيان فرس له حمحمة) كذا للأكثر في الموضعين فرس له حمحمة بمهملتين
مفتوحتين بينهما ميم ساكنة ثم ميم قبل الهاء وهو صوت الفرس عند العلف وهو دون الصهيل
ووقع في رواية الكشميهني في الرواية الأولى على رقبته له حمحمة بحذف لفظ فرس وكذا هو في
رواية النسفي وأبي علي بن شبويه فعلى هذا تكون فائدة ذكر طريق أيوب التنصيص على
ذكر الفرس ولمسلم من طريق ابن علية عن أبي حيان بالاسناد الأول فرس له حمحمة وهو
الموجود في الروايات كلها وطريق أيوب وصلها مسلم من طريق حماد ومن طريق عبد الوارث
جميعا عن أيوب عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة ولم يسق لفظها وقد رويناها في كتاب
الزكاة ليوسف القاضي بالحديث بتمامه وفيه ويجئ رجل على عنقه فرس له حمحمة ورأيت
في بعص النسخ في الرواية الأولى فرس له حمحة بميم واحدة ولا معنى له فإن كان مضبوطا فكأنه
نبه بهذه الرواية المعلقة على وجه الصواب (قوله باب القليل من الغلول)
أي هل يلتحق بالكثير في الحكم أم لا (قوله ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم
انه حرق متاعه) يعني في حديثه الذي ساقه في الباب في قصة الذي غل العباءة وقوله وهذا أصح
أشار إلى تضعيف ما روى عن عبد الله بن عمرو في الامر بحرق رحل الغال والإشارة بقوله هذا
إلى الحديث الذي ساقه والامر بحرق رحل الغال أخرجه أبو داود من طريق صالح بن محمد بن
زائدة الليثي المدني أحد الضعفاء قال دخلت مع سلمة بن عبد الملك أرض الروم فأتى برجل قد غل
فسأل سالما أي ابن عبد الله بن عمر عنه فقال سمعت أبي يحدث عن عمر عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه ثم ساقه من وجه آخر عن سالم موقوفا قال
أبو داود هذا أصح وقال البخاري في التاريخ يحتجون بهذا الحديث في احراق رحل الغال وهو
باطل ليس له أصل وراويه لا يعتمد عليه وروى الترمذي عنه أيضا أنه قال صالح منكر الحديث وقد
جاء في غير حديث ذكر الغال وليس فيه الامر بحرق متاعه (قلت) وجاء من غير طريق صالح بن
محمد أخرجه أبو داود أيضا من طريق زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثم أخرجه
من وجه آخر عن زهير عن عمر بن شعيب موقوفا عليه وهو الراجح وقد أخذ بظاهر هذا الحديث
احمد في رواية وهو قول مكحول والأوزاعي وعن الحسن يحرق متاعه كله الا الحيوان والمصحف
وقال الطحاوي لو صح الحديث لاحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال * (تنبيه) * حكى
بعض الشراح عن رواية الأصيلي انه وقع فيها هنا ويذكر عن عبد الله بن عمرو الخ بدل قوله
ولم يذكر عبد الله بن عمرو فإن كان كما ذكر فقد عرف المراد بذلك ويكون قوله هذا أصح إشارة
إلى أن حديث الباب الذي لم يذكر فيه التحريق أصح من الرواية التي ذكرها بصيغة التمريض
وهي التي أشرت إليها من نسخة عمرو بن شعيب قوله عن عمرو هو ابن دينار وكذا هو عند
ابن ماجة عن هشام بن عمار عن سفيان (قوله على ثقل) بمثلثة وقاف مفتوحتين العيال وما
يثقل حمله من الأمتعة (قوله كركرة) ذكر الواقدي أنه كان أسود يمسك دابة رسول الله صلى الله
عليه وسلم في القتال وروى أبو سعيد النيسابوري في شرف المصطفى انه كان نوبيا أهداه له هوذة
ابن علي الحنفي صاحب اليمامة فأعتقه وذكر البلاذري انه مات في الرق أو اختلف في ضبطه فذكر
عياض انه يقال بفتح الكافين وبكسرهما وقال النووي انما اختلف في كافه الأولى وأما
130

الثانية فمكسورة اتفاقا وقد أشار البخاري إلى الخلاف في ذلك بقوله في آخر الحديث قال ابن
سلام كركرة وأراد بذلك ان شيخه محمد بن سلام رواه عن ابن عيينة بهذا الاسناد بفتح الكاف
وصرح بذلك الأصيلي في روايته فقال يعني بفتح الكاف والله أعلم قال عياض هو للأكثر بالفتح
في رواية علي وبالكسر في رواية ابن سلام وعند الأصيلي بالكسر في الأول وقال القابسي لم يكن
عند المروزي فيه ضبط الا اني أعلم ان الأول خلاف الثاني وفي الحديث تحريم قليل الغلول
وكثيره وقوله هو في النار أي يعذب على معصيته أو المراد هو في النار ان لم يعف الله عنه (قوله
باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم) ذكر فيه حديث رافع بن خديج في ذبحهم
الإبل التي أصابوها لأجل الجوع ونصبهم وامر النبي صلى الله عليه وسلم باكفاء القدور وفيه قصة
البعير الذي ندو فيه السؤال عن الذبح بالنصب وسيأتي الكلام على شرحه مستوفي في كتاب
الذبائح وقد مضى في الشركة وغيرها وموضع الترجمة منه أمره صلى الله عليه وسلم باكفاء
القدور فإنه مشعر بكراهة ما صنعوا من الذبح بغير اذن وقال المهلب انما أكفا القدور ليعلم أن
الغنيمة انما يستحقونها بعد قسمته لها وذلك أن القصة وقعت في دار الاسلام لقوله فيها بذي
الحليفة وأجاب ابن المنير بأنه قد قيل إن الذبح إذا كان على طريق التعدي كان المذبوح ميتة
وكأن البخاري انتصر لهذا المذهب أو حمل الأكفاء على العقوبة بالمال وإن كان ذلك المال
لا يختص بأولئك الذين ذبحوا لكن لما تعلق به طمعهم كانت النكاية حاصلة لهم قال وإذا جوزنا
هذا النوع من العقوبة فعقوبة صاحب المال في ماله أولى ومن ثم قال مالك يراق اللبن المغشوش
ولا يترك لصاحبه وان زعم أنه ينتفع به بغير البيع أدبا له انتهى وقال القرطبي المأمور باكفائه
انما هو المرق عقوبة للذين تعجلوا وأما نفس اللحم فلم يتلف بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغانم
لان النهي عن إضاعة المال تقدم والجناية بطبخه لم تقع من الجميع إذ من جملتهم أصحاب الخمس
ومن الغانمين من لم يباشر ذلك وإذا لم ينقل انهم أحرقوه وأتلفوه تعين تأويله على وفق القواعد
الشرعية ولهذا قال في الحمر الأهلية لما أمر باراقتها انها رجس ولم يقل ذلك في هذه القصة فدل
على أن لحومها لم تترك بخلاف تلك والله أعلم وسيأتي بيان ما أبيح للغازي من الاكل من المغانم
ما داموا في بلاد العدو في باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب في أواخر فرض الخمس
(قوله باب البشارة في الفتوح) ذكر فيه حديث جرير في قصة ذي الخلصة وسيأتي
شرحه في أواخر المغازي والمراد منه قوله في آخره فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره
وقوله في آخره قال مسدد بيت في خثعم يريد أن مسددا رواه عن يحيى القطان بالاسناد الذي ساقه
المصنف عن محمد بن المثنى عن يحيى فقال بدل قوله وكان بيتا في خثعم (3) وهذه الرواية هي
131

الصواب وقد رواه أحمد في مسنده عن يحيى فقال بيتا لخثعم وهي موافقة لرواية مسدد (قوله
باب ما يعطى للبشير وأعطى كعب بن مالك ثوبين حين بشر بالتوبة) يشير إلى حديثه
الطويل في قصة تخلفه في غزوة تبوك وسيأتي في المغازي وهو ظاهر فيما ترجم له وسيأتي أن البشير
هو سلمة بن الأكوع (قوله باب لا هجرة بعد الفتح) أي فتح مكة أو المراد ما هو أعم من
ذلك إشارة إلى أن حكم غير مكة في ذلك حكمها فلا تجب الهجرة من بلد قد فتحه المسلمون أما قبل
فتح البلد فمن به من المسلمين أحد ثلاثة الأول قادر على الهجرة منها لا يمكنه اظهار دينه ولا أداء
واجباته فالهجرة منه واجبة الثاني قادر لكنه يمكنه اظهار دينه وأداء واجباته فمستحبة
لتكثير المسلمين بها ومعونتهم وجهاد الكفار والأمن من غدرهم والراحة من رؤية المنكر بينهم
الثالث عاجز يعذر من أسر أو مرض أو غيره فتجوز له الإقامة إن حمل على نفسه وتكلف
الخروج منها أجر وقد ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث ابن عباس وقد تقدم
في باب وجوب النفير في أوائل الجهاد الثاني حديث مجاشع بن مسعود وقد تقدم في باب البيعة
في الحرب الثالث حديث عائشة انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه مكة وسيأتي بأتم من هذا
السياق في باب الهجرة إلى المدينة أول المغازي (قوله باب إذا اضطر الرجل إلى النظر
في شعور أهل الذمة والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهن) أورد فيه حديث علي في قصة المرأة
التي كتب معها حاطب إلى أهل مكة ومناسبته للترجمة ظاهرة في رؤية الشعر من قوله في الرواية
الأخرى فأخرجته من عقاصها وهي ذوائبها المضفورة وفي التجريد من قول علي لأجردنك وقد
تقدم في باب الجاسوس من وجه آخر عن علي ويأتي شرحه في تفسير سورة الممتحنة وقوله في
الاسناد عن أبي عبد الرحمن هو السلمي وقوله وكان عثمانيا أي يقدم عثمان على علي في الفضل
وقوله فقال لابن عطية هو حبان بكسر المهملة وبالموحدة على الصحيح كما سيأتي في استتابة
المرتدين وقوله وكان علويا أي يقدم عليا في الفضل على عثمان وهو مذهب مشهور لجماعة من أهل
السنة بالكوفة قال ابن المنير ليس في الحديث بيان هل كانت المرأة مسلمة أو ذمية لكن لما
استوى حكمهما في تحريم النظر لغير حاجة شملهما الدليل وقال ابن التين إن كانت مشركة لم
توافق الترجمة وأجيب بأنها كانت ذات عهد فحكمها حكم أهل الذمة وقوله فأخرجت من
حجزتها كذا هنا بحذف المفعول وفي الأخرى فأخرجته والحجزة بضم المهملة وسكون الجيم بعدها
زاي معقد الازار والسراويل ووقع في رواية القابسي من حزتها بحذف الجيم قيل هي لغة عامية
وتقدم في باب الجاسوس انها أخرجته من عقاصها وجمع بينهما بأنها أخرجته من حجزتها
فأخفته في عقاصها ثم اضطرت إلى اخراجه أو بالعكس أو بان تكون عقيصتها طويلة بحيث تصل
إلى حجزتها فربطته في عقيصتها وغرزته بحجزتها وهذا الاحتمال أرجح وأجاب بعضهم باحتمال أن
132

يكون معها كتابان إلى طائفتين أو المراد بالحجزة العقدة مطلقا وتكون رواية العقيصة أوضح من
رواية الحجزة أو المراد بالحجزة الحبل لان الحجز هو شد وسط يدي البعير بحبل ثم يخالف فتعقد رجلاه
ثم يشد طرفاه إلى حقويه ويسمى أيضا الحجاز (قوله باب استقبال الغزاة) أي عند
رجوعهم (قوله حدثنا عبد الله بن الأسود) في رواية الكشميهني ابن أبي الأسود وهو عبد الله
ابن محمد بن حميد الأسود وحميد جده يكنى أبا الأسود وهو الذي قرنه بيزيد بن زريع فنسب تارة
إلى جده وأخرى إلى جد أبيه وما لحميد بن الأسود في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في تفسير
سورة البقرة وقرنه فيه أيضا بيزيد بن زريع وعبد الله شيخ البخاري يكنى أبا بكر وهو بها أشهر
وكان من الحفاظ وهو ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي (قوله قال ابن الزبير لابن جعفر) كل منهما
يسمى عبد الله (قوله قال نعم فحملنا وتركك) ظاهره ان القائل فحملنا هو عبد الله بن جعفر وان
المتروك هو ابن الزبير وأخرجه مسلم من طريق أبي أسامة وابن علية كلاهما عن حبيب بن الشهيد
بهذا الاسناد مقلوبا ولفظه قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير جعل المستفهم عبد الله بن جعفر
والقائل فحملنا عبد الله بن الزبير والذي في البخاري أصح ويؤيده ما تقدم في الحج عن ابن عباس
قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة استقبلته أغيلمة من بني عبد المطلب فحمل واحدا بين
يديه وآخر خلفه فان ابن جعفر من بني عبد المطلب بخلاف ابن الزبير وإن كان عبد المطلب جد أبيه
لكنه جده لامه وأخرج أحمد والنسائي من طريق خالد بن سارة عن عبد الله بن جعفر ان النبي
صلى الله عليه وسلم حمله خلفه وحمل قثم بن عباس بين يديه وقد حكى ابن التين عن الداودي أنه قال
في هذا الحديث من الفوائد حفظ اليتيم يشير إلى أن جعفر بن أبي طالب كان مات فعطف النبي صلى
الله عليه وسلم على ولده عبد الله فحمله بين يديه وهو كما قال وأغرب ابن التين فقال إن في الحديث
النص بأنه صلى الله عليه وسلم حمل ابن عباس وابن الزبير ولم يحمل ابن جعفر قال ولعل الداودي
ظن أن قوله فحملنا وتركك من كلام ابن جعفر وليس كذلك كذا قال والذي قاله الداودي هو
الظاهر من سياق البخاري فما أدري كيف قال ابن التين انه نص في خلافه وقد نبه عياض على أن
الذي وقع في البخاري هو الصواب قال وتأويل رواية مسلم ان يجعل الضمير في حملنا لابن جعفر
فيكون المتروك ابن الزبير قال ووقع على الصواب أيضا عند ابن أبي شيبة وابن أبي خيثمة وغيرهما
(قلت) وقد روى أحمد الحديث عن ابن علية فبين سبب الوهم ولفظه مثل مسلم لكن زاد بعد
قوله قال نعم قال فحملنا قال أحمد وحدثنا به مرة أخرى فقال فيه قال نعم فحملنا يعني وأسقط قال
التي بعد نعم (قلت) وباثباتها توافق رواية البخاري وبحذفها تخالفها والله أعلم وفي حديث
ابن جعفر أيضا جواز الفخر بما يقع من اكرام النبي صلى الله عليه وسلم وثبوت الصحبة له ولابن
الزبير وهما متقاربان في السن وقد حفظا غير هذا ثم ذكر المصنف حديث السائب بن يزيد في
الملاقاة وسيأتي في أواخر المغازي ووقع لابن التين هنا في المراد بثنية الوداع شئ رده عليه شيخنا
ابن الملقن والصواب مع ابن التين (قوله باب ما يقول إذا رجع من الغزو) ذكر
فيه حديثين أحدهما حديث ابن عمر في قوله آيبون تائبون الحديث وقد تقدم شرحه في
أواخر الحج ثانيهما حديث أنس في قصة وقوع صفية عن الناقة أخرجه من وجهين الثاني منهما
في رواية الكشميهني وحده وسيأتي شرحه في غزوة خيبر إن شاء الله تعالى وقوله فيه كنا مع النبي
133

صلى الله عليه وسلم مقفله من عسفان قال الدمياطي هذا وهم لان غزوة عسفان إلى بني لحيان
كانت سنة ست وارداف صفية كان في غزوة خيبر سنة سبع وجوز بعضهم أن يكون في طريق
خيبر مكان يقال له عسفان وهو مردود والذي يظهر أن الراوي أضاف المقفل إلى عسفان لان
غزوة خيبر كانت عقبها وكأنه لم يعتد بالإقامة المتخللة بين الغزوتين لتقاربهما وهذا كما قيل في
حديث سلمة بن الأكوع الآتي في تحريم المتعة في غزوة أوطاس وانما كان تحريم المتعة بمكة
فأضافها إلى أوطاس لتقاربهما والعلم عند الله تعالى (قوله باب الصلاة إذا قدم من
سفر) ذكر فيه حديث جابر في ذلك وقد تقدم في أبواب الصلاة وهو ظاهر فيما ترجم له وكذا الذي
بعده وحديث كعب بن مالك تقدم في الصلاة أيضا وهو طرف من حديثه الطويل (قوله
باب الطعام عند القدوم) أي من السفر وهذا الطعام يقال له النقيعة بالنون والقاف
قيل اشتق من النقع وهو الغبار لان المسافر يأتي وعليه غبار السفر وقيل النقيعة من اللبن إذا برد
وقيل غير ذلك (قوله وكان ابن عمر يفطر لمن يغشاه) أي لأجل من يغشاه والأصل فيه أن ابن عمر
كان لا يصوم في السفر لا فرضا ولا تطوعا وكان يكثر من ص ومن التطوع في الحضر وكان إذا سافر
أفطر وإذا قدم صام اما قضاء إن كان سافر في رمضان واما تطوعا إن كان في غيره لكنه يفطر أول
قدومه لأجل الذين يغشونه للسلام عليه والتهنئة بالقدوم ثم يصوم ووقع في رواية الكشميهني
يصنع بدل يفطر والمعنى صحيح لكن الأول أصوب فقد وصله إسماعيل القاضي في كتاب أحكام
القرآن من طريق أيوب عن نافع قال كان ابن عمر إذا كان مقيما لم يفطر وإذا كان مسافرا لم يصم
فإذا قدم أفطر أياما لغاشيته ثم يصوم قال ابن بطال فيه اطعام الامام والرئيس أصحابه عند
القدوم من السفر وهو مستحب عند السلف ويسمى النقيعة بنون وقاف وزن عظيمة ونقل عن
المهلب ان ابن عمر كان إذا قدم من سفر أطعم من يأتيه ويفطر معهم ويترك قضاء رمضان لأنه كان
لا يصوم في السفر فإذا انتهى الطعام ابتدأ قضاء رمضان قال وقد جاء هذا مفسرا في كتاب الأحكام
لإسماعيل القاضي وتعقبه ابن بطال بان الأثر الذي أخرجه إسماعيل ليس فيه ما ادعاه
المهلب يعني من التقييد برمضان وإن كان يتناوله بعمومه وانما حمل المهلب على ذلك ما جاء عن ابن
عمر انه كان يقول فيمن نوى الصوم ثم أفطر انه متلاعب وانه دعي إلى وليمة فحضر ولم يأكل واعتذر
بأنه نوى الصوم فاحتاج أن يقيده بقضاء رمضان والحق انه لا يحتاج إلى ذلك إذا حمل على الصورة
134

التي ابتدأت بها وهو انه لا ينوي الصوم حينئذ بل يقصد الفطر لأجل ما ذكر ثم يستأنف الصوم
تطوعا كان أو قضاء والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث جابر في قصة بيع جمله من طريق محارب عنه
باختصار والغرض منه قوله فلما قدم صرارا أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها الحديث وصرار
بكسر المهملة والتخفيف ووهم من ذكره بمعجمة أوله وهو موضع بظاهر المدينة على ثلاثة أميال
منها من جهة المشرق وقوله في أول السند حدثنا محمد هو ابن سلام وقد حدث به عن وكيع وممن
يسمى محمد من شيوخ البخاري محمد بن المثنى ومحمد بن العلاء وغيرهما ولكن تقرر ان البخاري
حيث يطلق محمد لا يريد الا الذهلي أو ابن سلام ويعرف تعيين أحدهما من معرفة من يروي عنه
والله أعلم وقوله زاد معاذ أي ابن معاذ العنبري وهو موصول عند مسلم وأراد البخاري بايراد
طريق أبي الوليد الإشارة إلى أن القدر الذي ذكره طرف من الحديث وبهذا يندفع اعتراض من
قال إن حديث أبي الوليد لا يطابق الترجمة وان اللائق به الباب الذي قبله والحاصل ان الحديث
عند شعبة عن محارب فروى وكيع طرفا منه وهو ذبح البقرة عند قدوم المدينة وروى أبو الوليد
وسليمان بن حرب عنه طرفا منه وهو أمره جابرا بصلاة ركعتين عند القدوم وروى عنه معاذ
جميعه وفيه قصة البعير وذكر ثمنه لكن باختصار وقد تابع كلا من هؤلاء عن شعبة في سياقه
جماعة (خاتمة) اشتمل كتاب الجهاد من أوله إلى هنا من الأحاديث المرفوعة على ثلاثمائة وستة
وسبعين حديثا المعلق منها أربعون طريقا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى
مائتان وستة وستون والخالص مائة وعشرة أحاديث وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث
أبي هريرة الجنة مائة درجة وحديثه لولا أن رجالا وحديث جابر اصطبح ناس الخمر وحديث المغيرة
بلغنا نبينا و حديث سهل بن حنيف في قول عمر و حديث السائب بن يزيد عن طلحة و حديث أنس
عن أبي طلحة وحديثه في قصة ثابت بن قيس وحديث سهل في أسماء الخيل وحديث أنس في
العضباء لا تسبق وحديث سعد انما تنصرون بضعفائكم وحديث سلمة ارموا وأنا مع ابن الأدرع
وحديث أبي أسيد إذا أكثبوكم وحديث أبي أمامة في حلية السيوف وحديث ابن عمر بعثت بين
يدي الساعة وحديث ابن عباس في الدعاء ببدر لكن أخرجه مسلم من طريق أخرى عن ابن
عباس عن عمر وحديث عمرو بن تغلب في قتال الترك وحديث أبي هريرة في التحريق وحديث ابن
مسعود فيما غبر من الدنيا وحديث قيس بن سعد في الترجيل وحديث العباس في الراية وحديث
جابر في التسبيح وحديث أبي موسى إذا مرض العبد وحديث ابن عمر في السير وحده وحديث
أبي هريرة في الأسارى وحديث ابن عباس مع علي وحديث أبي هريرة في قصة قتل خبيب وفيه
حديث بنت عياض وحديث سلمة في عين المشركين وحديث عمر في هني وحديث عبد الله بن عمرو
في قصة الغال وحديث السائب بن يزيد في الملاقاة وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة
وعشرون أثرا والله أعلم (قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب فرض الخمس) كذا وقع
عند الإسماعيلي وللأكثر باب وحذفه بعضهم وثبتت البسملة للأكثر والخمس بضم المعجمة والميم
ما يؤخذ من الغنيمة والمراد بقوله فرض الخمس أي وقت فرضه أو كيفية فرضه أو ثبوت فرضه
والجمهور على أن ابتداء فرض الخمس كان بقوله تعالى واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه
وللرسول الآية وكانت الغنائم تقسم على خمسة أقسام فيعزل خمس منها يصرف فيمن ذكر في
135

الآية وسيأتي البحث في مستحقيه بعد أبواب وكان خمس هذا الخمس لرسول الله صلى الله عليه
وسلم واختلف فيمن يستحقه بعده فمذهب الشافعي أنه يصرف في المصالح وعنه يرد على الأصناف
الثمانية المذكورين في الآية وهو قول الحنفية مع اختلافهم فيهم كما سيأتي وقيل يختص به
الخليفة ويقسم أربعة أخماس الغنيمة على الغانمين الا السلب فإنه للقاتل على الراجح كما سيأتي
وذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث علي بن أبي طالب في قصة الشارفين (قوله
كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر) الشارف المسن من النوق ولا يقال للذكر عند
الأكثر وحكى إبراهيم الحربي عن الأصمعي جوازه قال عياض جمع فاعل على فعل بضمتين قليل
(قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس قال ابن بطال ظاهره ان الخمس
شرع يوم بدر ولم يختلف أهل السير ان الخمس لم يكن يوم بدر وقد ذكر إسماعيل القاضي في غزوة بني
قريظة قال قيل إنه أول يوم فرض فيه الخمس قال وقيل نزل بعد ذلك قال ولم يأت ما فيه بيان شاف
وانما جاء صريحا في غنائم حنين قال ابن بطال وإذا كان كذلك فيحتاج قول على إلى تأويل قال
ويمكن ان يكون ما ذكر ابن إسحاق في سرية عبد الله بن جحش التي كانت في رجب قبل بدر
بشهرين وان ابن إسحاق قال ذكر لي بعض آل جحش ان عبد الله قال لأصحابه ان لرسول الله صلى
الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس وذلك قبل ان يفرض الله الخمس فعزل له الخمس وقسم سائر الغنيمة بين
أصحابه قال فوقع رضا الله بذلك قال فيحمل قول على وكن قد أعطاني شارفا من الخمس أي من
الذي حصل من سرية عبد الله بن جحش (قلت) ويعكر عليه ان في الرواية الآتية في المغازي وكان
النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ والعجب أن ابن بطال عزا هذه
الرواية لأبي داود وجعلها شاهدة لما تأوله وغفل عن كونها في البخاري الذي شرحه وعن كون
ظاهرها شاهدا عليه لا له ولم أقف على ما نقله عن أهل السير صريحا في أنه لم يكن في غنائم بدر خمس
والعجب أنه يثبت في غنيمة السرية التي قبل بدر الخمس ويقول إن الله رضي بذلك وينفيه في يوم بدر
مع أن الأنفال التي فيها التصريح بفرض الخمس نزل غالبها في قصة بدر وقد جزم الداودي الشارح
بان آية الخمس نزلت يوم بدر وقال السبكي نزلت الأنفال في بدر وغنائمها والذي يظهر ان آية قسمة
الغنيمة نزلت بعد تفرقة الغنائم لان أهل السير نقلوا أنه صلى الله عليه وسلم قسمها على السواء
وأعطاها لمن شهد الوقعة أو غاب لعذر تكرما منه لان الغنيمة كانت أولا بنص أول سورة الأنفال
للنبي صلى الله عليه وسلم قال ولكن يعكر على ما قال أهل السير حديث علي يعني حديث الباب
حيث قال أعطاني شارفا من الخمس يومئذ فإنه ظاهر في أنه كان فيها خمس (قلت) ويحتمل أن
تكون قسمة غنائم بدر وقعت على السواء بعد ان أخرج الخمس للنبي صلى الله عليه وسلم على
ما تقدم من قصة سرية عبد الله بن جحش وافادت آية الأنفال وهي قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم إلى
آخرها بيان مصرف الخمس لا مشروعية أصل الخمس والله أعلم وأما ما نقله عن أهل السير
فأخرجه ابن إسحاق باسناد حسن يحتج بمثله عن عبادة بن الصامت قال فلما اختلفنا في الغنيمة
وساءت اخلاقنا انتزعها الله منا فجعلها لرسوله فقسمها على الناس عن سواء أي على سواء ساقه
مطولا وأخرجه أحمد والحاكم من طريقه وصححه ابن حبان من وجه آخر ليس فيه ابن إسحاق
(قوله ابنتي بفاطمة) أي أدخل بها والبناء الدخول بالزوجة وأصله أنهم كانوا من أراد ذلك بنيت له
136

قبة فخلا فيها باهله واختلف في وقت دخول علي بفاطمة وهذا الحديث يشعر بأنه كان عقب وقعة
بدر ولعله كان في شوال سنة اثنتين فان وقعة بدر كانت في رمضان منها وقيل تزوجها في السنة
الأولى ولعل قائل ذلك أراد العقد ونقل ابن الجوزي انه كان في صفر سنة اثنتين وقيل في رجب
وقيل في ذي الحجة (قلت) وهذا الأخير يشبه أن يحمل على شهر الدخول بها وقيل تأخر دخوله بها
إلى سنة ثلاث فدخل بها بعد وقعة أحد حكاه ابن عبد البر وفيه بعد (قوله واعدت رجلا
صواغا) بفتح الصاد المهملة والتشديد ولم أقف على اسمه ووقع في رواية ابن جريج في الشرب
طابع بمهملتين وموحدة وطالع بلام بدل الموحدة أي من يدله ويساعده وقد يقال إنه اسم
الصائغ المذكور كذا قال بعضهم وفيه بعد (قوله مناختان) كذا للأكثر وهو باعتبار المعنى
لأنهما ناقتان وفي رواية كريمة مناخان باعتبار لفظ الشارف (قوله إلى جنب حجرة رجل من
الأنصار) لم أقف على اسمه (قوله فرجعت حين جمعت ما جمعت) زاد في رواية ابن جريج عن ابن
شهاب في الشرب وحمزة بن عبد المطلب يشرب في ذلك البيت أي الذي أناخ الشارفين بجانبه
ومعه قينة بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون هي الجارية المغنية فقالت
ألا يا حمز للشرف النواء * والشرف جمع شارف كما تقدم والنواء بكسر النون والمد مخففا
جمع ناوية وهي الناقة السمينة وحكى الخطابي ان ابن جرير الطبري رواه ذا الشرف بفتح الشين
وفسره بالرفعة وجعله صفة لحمزة وفتح نون النواء وفسره بالبعد اي الشرف البعيد اي مناله بعيد
قال الخطابي وهو خطأ وتصحيف وحكى الإسماعيلي ان أبا يعلى حدثه به من طريق ابن جريج
فقال الثواء بالثاء المثلثة قال فلم نضبطه ووقع في رواية القابسي والأصيلي النوى بالقصر وهو
خطأ أيضا وقال الداودي النواء الخباء وهذا أفحش في الغلط وحكى المرزباني في معجم الشعراء ان
هذا الشعر لعبد الله بن السائب بن أبي السائب المخزومي جد أبي السائب المخزومي المدني وبقيته
وهن معقلات بالفناء
ضع السكين في اللبات منها * وضرجهن حمزة بالدماء
وعجل من أطايبها لشرب * قديدا من طبيخ أو شواء
والشرب بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة جمع شارب كتاجر وتجر والفناء بكسر الفاء
والمد الجانب أي جانب الدار التي كانوا فيها والقديد اللحم المطبوخ والضريج بمعجمة وجيم
التلطيخ فإن كان ثابتا فقد عرف بعض المبهم في قوله في شرب من الأنصار لكن المخزومي ليس
من الأنصار وكان قائل ذلك أطلقه عليهم بالمعنى الأعم وأراد الذي نظم هذا الشعر وأمر القينة
أن تغنى به أن يبعث همة حمزة لما عرف من كرمه على نحر الناقتين ليأكلوا من لحمهما وكأنه قال
انهض إلى الشرف فانحرها وقد تبين ذلك من بقية الشعر وفي قولها للشرف بصيغة الجمع مع أنه
لم يكن هناك الاثنتان دلالة على جواز اطلاق صيغة الجمع على الاثنين وقوله يا حمز ترخيم وهو
بفتح الزاي ويجوز ضمها (قوله قد أجبت) وقع مثله في رواية عنبسة في المغازي وهو بضم أوله
وفي رواية الكشميهني هنا قد جبت بضم الجيم بغير الف اي قطعت وهو الصواب وعند مسلم من
طريق ابن وهب عن يونس قد اجتبت وهو صواب أيضا والجب الاستئصال في القطع (قوله
وأخذ من أكبادهما) زاد ابن جريج قلت لابن شهاب ومن السنام قال قد جب أسنمتهما والسنام
137

ما على ظهر البعير وقوله بقر بفتح الموحدة والقاف أي شق (قوله فلم أملك عيني حين رأيت)
في رواية الكشميهني حيث رأيت والمراد انه بكى من شدة القهر الذي حصل له وفي رواية ابن
جريج رأيت منظرا أفظعني بفاء وظاء مشالة معجمة أي نزل بي أمر مفظع أي مخيف مهول وذلك
لتصوره تأخر الابتناء بزوجته بسبب فوات ما يستعان به عليه أو لخشية أن ينسب في حقها إلى
تقصير لا لمجرد فوات الناقتين (قوله حتى أدخل) كذا فيه بصيغة المضارع مبالغة في استحضار
صورة الحال (قوله فطفق يلوم حمزة في رواية ابن جريج فدخل على حمزة فتغيظ عليه (قوله هل
أنتم الا عبيد لأبي) في رواية ابن جريج لآبائي قيل أراد ان أباه عبد المطلب جد للنبي صلى الله عليه
وسلم ولعلي أيضا والجد يدعى سيدا وحاصله ان حمزة أراد الافتخار عليهم بأنه أقرب إلى عبد المطلب
منهم (قوله القهقرى) هو المشي إلى خلف وكأنه فعل ذلك خشية أن يزداد عبث حمزة في حال
سكره فينتقل من القول إلى الفعل فأراد أن يكون ما يقع من حمزة بمرأى منه ليدفعه ان وقع منه شئ
(قوله وخرجنا معه) زاد ابن جريج وذلك قبل تحريم الخمر أي ولذلك لم يؤاخذ النبي صلى الله عليه
وسلم حمزة بقوله وفي هذه الزيادة رد على من احتج بهذه القصة على أن طلاق السكران لا يقع فإنه
إذا عرف ان ذلك كان قبل تحريم الخمر كات ترك المؤاخذة لكونه لم يدخل على نفسه الضرر والذي
يقول يقع طلاق السكران يحتج بأنه أدخل على نفسه السكر وهو محرم عليه فعوقب بامضاء
الطلاق عليه فليس في هذا الحديث حجة لاثبات ذلك ولا نفيه قال أبو داود سمعت أحمد بن صالح
يقول في هذا الحديث أربع وعشرون سنة قلت وفيه ان الغانم يعطي من الغنيمة من جهتين من
الأربعة أخماس بحق الغنيمة ومن الخمس إذا كان ممن له فيه حق وان لمالك الناقة الانتفاع بها في
الحمل عليها وفيه الاناخة على باب الغير إذا عرف رضاه بذلك وعدم تضرره به وان البكاء الذي
يجلبه الحزن غير مذموم وان المرء قد لا يملك دمعه إذا غلب عليه الغيظ وفيه ما ركب في الانسان
من الأسف على فوت ما فيه نفعه وما يحتاج إليه وان استعداء المظلوم على من ظلمه واخباره بما ظلم
به خارج عن الغيبة والنميمة وفيه قبول خبر الواحد وجواز الاجتماع في الشرب المباح جواز
تناول ما يوضع بين أيدي القوم وجواز الغناء بالمباح من القول وانشاد الشعر والاستماع من
الأمة والتخير فيما يأكله وأكل الكبد وإن كانت دما وفيه ان السكر كان مباحا في صدر الاسلام
وهو رد على من زعم أن السكر لم يبح قط ويمكن حمل ذلك على السكر الذي يفقد معه التمييز من
أصله وفيه مشروعية وليمة العرس وسيأتي شرحها في النكاح ومشروعية الصياغة والتكسب
بها وقد تقدم في أوائل البيوع وجواز جمع الإذخر وغيره من المباحات والتكسب بذلك وقد
تقدم في أواخر الشرب وفيه الاستعانة في كل صناعة بالعارف بها قال المهلب وفيه أن العادة
جرت بان جناية ذوي الرحم مغتفرة (قلت) وفيه نظر لان ابن أبي شيبة روى عن أبي بكر بن عياش
ان النبي صلى الله عليه وسلم أغرم حمزة ثمن الناقتين وفيه علة تحريم الخمر وفيه ان للامام ان يمضي
إلى بيت من بلعه انهم على منكر ليغيره وقال غيره فيه حل تذكية الغاصب لأن الظاهر أنه
ما بقر خواصرهما وجب أسنمتهما الا بعد التذكية المعتبرة وفيه سنة الاستئذان في الدخول
وان الاذن للرئيس يشمل أتباعه لان زيد بن حارثة وعليا دخلا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو
الذي كان استأذن فاذنوا له وان السكران يلام إذا كان يعقل اللوم وان للكبير في بيته ان يلقي
138

رداءه تخفيفا وانه إذا أراد لقاء أتباعه يكون على أكمل هيئة لأنه صلى الله عليه وسلم لما أراد ان
يخرج إلى حمزة أخذ رداءه وان الصاحي لا ينبغي له ان يخاطب السكران وان الذاهب من بين يدي
زائل العقل لا يوليه ظهره كما تقدم وفيه إشارة إلى عظم قدر عبد المطلب وجواز المبالغة في
المدح لقول حمزة هل أنتم الا عبيد لأبي ومراده كالعبيد ونكتة التشبيه انهم كانوا عنده
في الخضوع له وجواز تصرفه في مالهم في حكم العبيد وفيه ان الكلام يختلف باختلاف
القائلين (قلت) وفي كثير من هذه الانتزاعات نظر والله أعلم * الثاني حديث عائشة في قصة فاطمة
(قوله عن صالح) هو ابن كيسان (قوله أن فاطمة سألت أبا بكر) زاد معمر عن الزهري والعباس
أتيا أبا بكر وسيأتي في الفرائض (قوله ما ترك) هو بدل من قوله ميراثها وفي رواية الكشميهني مما
ترك وفي هذه القصة رد على من قرأ قوله لا يورث بالتحتانية أوله وصدقة بالنصب على الحال وهي
دعوى من بعض الرافضة فادعى ان الصواب في قراءة هذا الحديث هكذا والذي توارد عليه
أهل الحديث في القديم والحديث لا نورث بالنون وصدقة بالرفع وان الكلام جملتان وما تركنا في
موضع الرفع بالابتداء وصدقة خبره يؤيده وروده في بعض طرق الصحيح ما تركنا فهو صدقة وقد
احتج بعض المحدثين على بعض الامامية بان أبا بكر احتج بهذا الكلام على فاطمة رضي الله عنهما
فيما التمست منه من الذي خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأراضي وهما من أفصح
الفصحاء وأعلمهم بمدلولات الألفاظ ولو كان الامر كما يقرؤه الرافضي لم يكن فيما احتج به أبو بكر
حجة ولا كان جوابه مطابقا لسؤالها وهذا واضح لمن انصف (قوله مما أفاء الله عليه) سيأتي بيانه
قريبا (قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية معمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يرد تأويل الداودي الشارح في قوله إن فاطمة حملت كلام أبي بكر على أنه لم يسمع ذلك من
رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما سمعه من غيره ولذلك غضبت وما قدمته من التأويل أولى (قوله
فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته) في رواية معمر فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى
ماتت ووقع عند عمر بن شبة من وجه آخر عن معمر فلم تكلمه في ذلك المال وكذا نقل الترمذي
عن بعض مشايخه ان معنى قول فاطمة لأبي بكر وعمر لا أكلمكما أي في هذا الميراث وتعقبه
الشاشي بان قرينة قوله غضبت يدل على انها امتنعت من الكلام جملة وهذا صريح الهجر وأما
ما أخرجه أحمد وأبو داود من طريق أبي الطفيل قال أرسلت فاطمة إلى أبي بكر أنت ورثت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله قال لا بل أهله قالت فأين سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعلها للذي
يقوم من بعده فرأيت أن أرده على المسلمين قالت فأنت وما سمعته فلا يعارض ما في الصحيح من
صريح الهجران ولا يدل على الرضا بذلك ثم مع ذلك ففيه لفظة منكرة وهي قول أبي بكر بل أهله
فإنه معارض للحديث الصحيح ان النبي لا يورث نعم روى البيهقي من طريق الشعبي أن أبا بكر عاد
فاطمة فقال لها علي هذا أبو بكر يستأذن عليك قالت أتحب ان آذن له قال نعم فاذنت له فدخل
عليها فترضاها حتى رضيت وهو وإن كان مرسلا فإسناده إلى الشعبي صحيح وبه يزول الاشكال في
جواز تمادي فاطمة عليها السلام على هجر أبي بكر وقد قال بعض الأئمة انما كانت هجرتها
انقباضا عن لقائه والاجتماع به وليس ذلك من الهجران المحرم لان شرطه أن يلتقيا فيعرض
139

هذا وهذا وكأن فاطمة عليها السلام لما خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بحزنها
ثم بمرضها وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها تأويل الحديث
على خلاف ما تمسك به أبو بكر وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله لا نورث ورأت ان
منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع ان تورث عنه وتمسك أبو بكر بالعموم واختلفا في أمر
محتمل للتأويل فلما صمم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك فان ثبت حديث الشعبي أزال
الاشكال وأخلق بالامر أن يكون كذلك لما علم من وفور عقلها ودينها عليها السلام وسيأتي في
الفرائض زيادة في هذه القصة ويأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى وقد وقع في حديث أبي سلمة
عن أبي هريرة عند الترمذي جاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت من يرثك قال أهلي وولدي قالت
فما لي لا ارث أبي قال أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ولكني أعول
من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله (قوله وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك
رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة) هذا يؤيد ما تقدم من أنها
لم تطلب من جميع ما خلف وانما طلبت شيئا مخصوصا فاما خيبر ففي رواية معمر المذكورة وسهمه
من خيبر وقد روى أبو داود باسناد صحيح إلى سهل بن أبي خيثمة قال قسم رسول الله صلى الله عليه
وسلم خيبر نصفين نصفها لنوائبه وحاجته ونصفها بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما
ورواه بمعناه من طرق أخرى عن بشير بن يسار مرسلا ليس فيه سهل واما فدك وهي بفتح الفاء
والمهملة بعدها كاف بلد بينها وبين المدينة ثلاث مراحل وكان من شأنها ما ذكر أصحاب المغازي
قاطبة ان أهل فدك كانوا من يهود فلما فتحت خيبر أرسل أهل فدك يطلبون من النبي صلى الله
عليه وسلم الأمان على أن يتركوا البلد ويرحلوا وروى أبو داود من طريق ابن إسحاق عن الزهري
وغيره قالوا بقيت بقية من خيبر تحصنوا فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ان يحقن دماءهم
ويسيرهم ففعل فسمع بذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
خاصة ولأبي داود أيضا من طريق معمر عن ابن شهاب صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل فدك
وقرى سماها وهو يحاصر قوما آخرين يعني بقية أهل خيبر وأما صدقته بالمدينة فروى أبو داود
من طريق معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم فذكر قصة بني النضير فقال في آخره وكانت نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه
وسلم خاصة أعطاها إياه فقال ما أفاء الله على رسوله منهم الآية قال فأعطى أكثرها للمهاجرين وبقي
منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة وروى عمر بن شبة من طريق أبي
عون عن الزهري قال كانت صدقة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أموالا لمخيريق بالمعجمة والقاف
مصغر وكان يهوديا من بقايا بني قينقاع نازلا ببني النضير فشهد أحدا فقتل به فقال النبي صلى الله
عليه وسلم مخيريق سابق يهود وأوصى مخيريق بأمواله للنبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق
الواقدي بسنده عن عبد الله بن كعب قال قال مخيريق ان أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث
أراه الله فهي عامة صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وكانت أموال مخيريق في بني النضير
وعلى هذا فقوله في الحديث الآتي وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من بني النضير شمل
جميع ذلك (قوله لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به الا عملت به)
140

في رواية شعيب عن الزهري الآتية في المناقب واني والله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا تمسك به
من قال إن سهم النبي يصرفه الخليفة بعده لمن كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرفه له وما بقي منه
يصرف في المصالح وعن الشافعي يصرف في المصالح وهو لا ينافي الذي قبله وفي وجه هو للامام وقال
مالك والثوري يجتهد فيه الامام وقال أحمد يصرف في الخيل والسلاح وقال ابن جرير يرد إلى
الأربعة قال ابن المنذر كان أحق الناس بهذا القول من يوجب قسم الزكاة بين جميع الأصناف
فان فقد صنف رد على الباقين يعني الشافعي وقال أبو حنيفة يرد مع سهم ذوي القربى إلى الثلاثة
وقيل يرد خمس الخمس من الغنيمة إلى الغانمين ومن الفئ إلى المصالح (قوله فاما صدقته) اي
صدقة النبي صلى الله عليه وسلم (قوله فدفعها عمر إلى علي والعباس) سيأتي بيان ذلك في
الحديث الذي يليه (قوله واما خيبر) أي الذي كان يخص النبي صلى الله عليه وسلم منها وفدك
فأمسكها عمر أي لم يدفعها لغيره وبين سبب ذلك وقد ظهر بهذا ان صدقة النبي صلى الله عليه وسلم
تختص بما كان من بني النضير واما سهمه من خيبر وفدك فكان حكمه إلى من يقوم بالامر بعده
وكان أبو بكر يقدم نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها مما كان يصرفه فيصرفه من
خيبر وفدك وما فضل من ذلك جعله في المصالح وعمل عمر بعده بذلك فلما كان عثمان تصرف في
فدك بحسب ما رآه فروى أبو داود من طريق مغيرة بن مقسم قال جمع عمر بن عبد العزيز بني
مروان فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفق من فدك على بني هاشم ويزوج أيمهم
وان فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى وكانت كذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر
ثم أقطعها مروان يعني في أيام عثمان قال الخطابي انما أقطع عثمان فدك لمروان لأنه تأول ان
الذي يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم يكون للخليفة بعده فاستغنى عثمان عنها بأمواله فوصل بها
بعض قرابته ويشهد لصنيع أبي بكر حديث أبي هريرة المرفوع الآتي بعد باب بلفظ ما تركت
بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة فقد عمل أبو بكر وعمر بتفصيل ذلك بالدليل الذي قام
لهما وسيأتي تمام البحث في قوله لا نورث في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى (قوله فهما على
ذلك إلى اليوم) هو كلام الزهري أي حين حدث بذلك (قوله قال أبو عبد الله) أي المصنف
(اعتراك افتعلت) كذا فيه ولعله كان افتعلك وكذا وقع في المجاز لأبي عبيدة وقوله من عروته
فأصبته ومنه يعروه واعتراني أراد بذلك شرح قوله يعروه وبين تصاريفه وان معناه الإصابة كيفما
تصرف وأشار إلى قوله تعالى ان تقول الا اعتراك بعض آلهتنا بسوء وهذه عادة البخاري
يفسر اللفظة الغريبة من الحديث بتفسير اللفظة الغريبة من القرآن * الحديث الثالث حديث
عمر مع العباس وعلي وقع قبله في رواية أبي ذر وحده قصة فدك وكأنها ترجمة لحديث من أحاديث
الباب وقد بينت أمر فدك في الذي قبله (قوله حدثنا إسحاق بن محمد الفروي) هو شيخ البخاري
الذي تقدم قريبا في باب قتال اليهود وقد حدث عنه بواسطة كما تقدم في الصلح وفي رواية ابن شبويه
عن الفربري حدثنا محمد بن إسحاق الفروي وهو مقلوب وحكى عياض عن رواية القابسي مثله
قال وهو وهم قلت وهذا الحديث مما رواه مالك خارج الموطأ وفي هذا الاسناد لطيفة من علوم
الحديث مما لم يذكره ابن الصلاح وهي تشابه الطرفين مثاله ما وقع هنا ابن شهاب عن مالك وعنه
141

مالك الاعلى ابن أوس والأدنى ابن أنس (قوله وكان محمد بن جبير) أي ابن مطعم قد ذكر لي ذكرا من
حديثه ذلك أي الآتي ذكره (قوله فانطلقت حتى ادخل) كذا فيه بصيغة المضارعة في موضع
الماضي في الموضعين وهي مبالغة لإرادة استحضار صورة الحال ويجوز ضم ادخل على أن حتى
عاطفة اي انطلقت فدخلت والفتح على أن حتى بمعنى إلى أن (قوله مالك بن أوس) بن الحدثان
بفتح المهملتين والمثلثة وهو نصرى بالنون المفتوحة والصاد المهملة الساكنة وأبوه صحابي وأما هو
فقد ذكر في الصحابة وقال ابن أبي حاتم وغيره لا تصح له صحبة وحكى ابن أبي خيثمة عن مصعب أو غيره
انه ركب الخيل في الجاهلية (قلت) فعلى هذا لعله لم يدخل المدينة الا بعد موت النبي صلى الله عليه
وسلم كما وقع لقيس بن أبي حازم دخل أبوه وصحب وتأخر هو مع امكان ذلك وقد تشارك أيضا في أنه
قيل في كل منهما انه أخذ عن العشرة وليس لمالك بن أوس هذا في البخاري سوى هذا الحديث
وآخر في البيوع وفي صنيع ابن شهاب ذلك أصفي طلب علو الاسناد لأنه لم يقتنع بالحديث عنه
حتى دخل عليه ليشافهه به وفيه حرص ابن شهاب على طلب الحديث وتحصيله * (تنبيه) * ظن
قوم ان الزهري تفرد برواية هذا الحديث فقال أبو علي الكرابيسي أنكره قوم وقالوا هذا من
مستنكر ما رواه ابن شهاب قال فان كانوا علموا انه ليس بفرد فهيهات وان لم يعلموا فهو جهل فقد
رواه عن مالك بن أوس عكرمة بن خالد وأيوب بن خالد ومحمد بن عمرو بن عطاء وغيرهم (قوله
حين متع النهار) بفتح الميم والمثناة الخفيفة بعدها مهملة أي علا وامتد وقيل هو ما قبل الزوال
ووقع في رواية مسلم من طريق جويرية عن مالك حين تعالى النهار وفي رواية يونس عن ابن شهاب
عند عمر بن شبة بعد ما ارتفع النهار (قوله إذا رسول عمر) لم اقف على اسمه ويحتمل أن يكون هو
يرفا الحاجب الآتي ذكره (قوله على رمال سرير) بكسر الراء وقد تضم وهو ما ينسج من سعف
النخل وأغرب الداودي فقال هو السرير الذي يعمل من الجريد وفي رواية جويرية فوجدته في
بيته جالسا على سرير مفضيا إلى رماله أي ليس تحته فراش والافضاء إلى الشئ لا يكون بحائل
وفيه إشارة إلى أن العادة أن يكون على السرير فراش (قوله فقال يا مال) كذا هو بالترخيم أي
مالك ويجوز في اللام الكسر على الأصل والضم على أنه صار اسما مستقلا فيعرب اعراب المنادى
المفرد (قوله إنه قدم علينا من قومك) أي من بني نصر بن معوية بن بكر بن هوازن وفي رواية
جويرية عند مسلم دف أهل أبيات أي ورد جماعة بأهليهم شيئا بعد شئ يسيرون قليلا قليلا والدفيف
السير اللين وكأنهم كانوا قد أصابهم جدب في بلادهم فانتجعوا المدينة (قوله برضخ) بفتح الراء
وسكون المعجمة بعدها خاء معجمة أي عطية غير كثيرة ولا مقدرة وقوله لو أمرت به غيري قاله تحرجا
من قبول الأمانة ولم يبين ما جرى له فيه اكتفاء بقرينة الحال والظاهر أنه قبضه لعزم عمر عليه ثاني
مرة (قوله أتاه حاجبه يرفا) بفتح التحتانية وسكون الراء بعدها فاء مشبعة بغير همز وقد تهمز وهي
روايتنا من طريق أبي ذر ويرفا هذا كان من موالي عمر أدرك الجاهلية ولا تعرف له صحبة وقد حج
مع عمر في خلافة أبي بكر وله ذكر في حديث ابن عمر قال قال عمر لمولى له يقال له يرفا إذا جاء طعام يزيد
ابن أبي سفيان فاعلمني فذكر قصة وروى سعيد بن منصور عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن يرفا
قال قال لي عمر اني أنزلت نفسي من مال المسلمين منزلة مال اليتيم وهذا يشعر بأنه عاش إلى خلافة
معاوية (قوله هل لك في عثمان) أي ابن عفان (وعبد الرحمن) ولم أر في شئ من طرقه زيادة على
142

الأربعة المذكورين الا في رواية للنسائي وعمر بن شبة من طريق عمرو بن دينار عن ابن شهاب
وزاد فيها وطلحة بن عبيد الله وكذا في رواية الامامي عن ابن شهاب عند عمر بن شبة أيضا وكذا
أخرجه أبو داود من طريق أبي البختري عن رجل لم يسمه قال دخل العباس وعلي فذكر القصة
بطولها وفيها ذكر طلحة لكن لم يذكر عثمان (قوله فاذن لهم فدخلوا) في رواية شعيب في
المغازي فادخلهم (قوله ثم قال هل لك في علي وعباس) زاد شعيب يستأذنان (قوله فقال عباس
يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا) زاد شعيب ويونس فاستب علي وعباس وفي رواية عقيل عن
ابن شهاب في الفرائض اقض بيني وبين هذا الظالم استبا وفي رواية جويرية وبين هذا الكاذب
الآثم الغادر الخائن ولم أر في شئ من الطرق انه صدر من علي في حق العباس شئ بخلاف ما يفهم
قوله في رواية عقيل استبا واستصوب المازري صنيع من حذف هذه الألفاظ من هذا الحديث
وقال لعل بعض الرواة وهم فيها وإن كانت محفوظة فأجود ما تحمل عليه ان العباس قاله دلالا
على علي لأنه كان عنده بمنزلة الولد فأراد ردعه عما يعتقد انه مخطئ فيه وان هذه الأوصاف يتصف
بها لو كان يفعل ما يفعله عن عمد قال ولا بد من هذا التأويل لوقوع ذلك بمحضر الخليفة ومن ذكر
معه ولم يصدر منهم انكار لذلك مع ما علم من تشددهم في انكار المنكر (قوله وهما يختصمان فيما أفاء
الله على رسوله من مال بني النضير) يأتي القول فيه قريبا (قوله فقال الرهط) في رواية مسلم فقال
القوم وزاد فقال مالك بن أوس يخيل إلي انهم قد كانوا يذموهم لذلك (قلت) ورأيت في رواية
معمر عن الزهري في مسند ابن أبي عمر فقال الزبير بن العوام اقض بينهما فأفادت تعيين من باشر
سؤال عمر في ذلك (قوله تئيدكم) كذا في رواية أبي ذر بفتح المثناة وكسر التحتانية مهموز وفتح
الدال قال ابن التين أصلها تيدكم والتؤدة الرفق ووقع في رواية الأصيلي بكسر أوله وضم الدال
وهو اسم فعل كرويدا أي اصبروا وأمهلوا وعلى رسلكم وقيل إنه مصدر تاد يتيد كما يقال سيروا
سيركم ورد بأنه لم يسمع في اللغة ويؤيد الأول ما وقع في رواية عقيل وشعيب ايتدوا أي تمهلوا وكذا
عند مسلم وأبي داود وللإسماعيلي من طريق بشر بن عمر عن مالك فقال عمر ايتد بلفظ الامر
للمفرد (قوله أنشدكما أتعلمان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك) كذا فيه وفي رواية
مسلم قالا نعم ومعنى أنشدكما أسئلكما رافعا نشدي أي صوتي (قوله إن الله قد خص رسوله صلى
الله عليه وسلم في هذا الفئ بشئ) في رواية مسلم بخاصة لم يخصص بها غيره وفي رواية عمرو بن دينار
عن ابن شهاب في التفسير كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله فكانت له خاصة وكان
ينفق على أهله منها نفقة سنة ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله وفي رواية
سفيان عن معمر عن الزهري الآتية في النفقات كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيع نخل بني
النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم أي ثمر النخل وفي رواية أبي داود من طريق أسامة بن زيد عن ابن
شهاب كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا بنو النضير وخيبر وفدك فاما بنو النضير
فكانت حبسا لنوائبه وأما فدك فكانت حبسا لأبناء السبيل وأما خيبر فجزأها بين المسلمين ثم
قسم جزأ لنفقة أهله وما فضل منه جعله في فقراء المهاجرين ولا تعارض بينهما لاحتمال أن يقسم
في فقراء المهاجرين وفي مشترى السلاح والكراع وذلك مفسر لرواية معمر عند مسلم ويجعل
ما بقي منه مجعل مال الله وزاد أبو داود في رواية أبي البختري المذكورة وكان ينفق على أهله
143

ويتصدق بفضله وهذا لا يعارض حديث عائشة انه صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة على
شعير لأنه يجمع بينهما بأنه كان يدخر لأهله قوت سنتهم ثم في طول السنة يحتاج لمن يطرقه إلى
اخراج شئ منه فيخرجه فيحتاج إلى أن يعوض من يأخذ منها عوضه فلذلك استدان (قوله
ما احتازها) كذا للأكثر بحاء مهملة وزاي معجمة وفي رواية الكشميهني بخاء معجمة وراء مهملة هذا
ظاهر في أن ذلك كان مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم الا انه واسى به أقرباءه وغيرهم بحسب حاجتهم
ووقع في رواية عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس عند النسائي ما يؤيد ذلك (قوله ثم قال لعلي
وعباس أنشدكما الله هل تعلمان ذلك) زاد في رواية عقيل قالا نعم (قوله ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه
وسلم فقال أبو بكر أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله
صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية عقيل وأنتما حينئذ وأقبل على علي وعباس تزعمان أن أبا بكر
كذا وكذا وفي رواية شعيب كما تقولان وفي رواية مسلم من الزيادة فجئتما تطلب ميراثك من ابن
أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نورث
ما تركنا صدقة فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا وكان الزهري كان يحدث به تارة فيصرح وتارة فيكنى
وكذلك مالك وقد حذف ذلك في رواية بشر بن عمر عنه عند الإسماعيلي وغيره وهو نظير ما سبق
من قول العباس لعلي وهذه الزيادة من رواية عمر عن أبي بكر حذفت من رواية اسحق الفروي شيخ
البخاري وقد ثبتت أيضا في رواية بشر بن عمر عنه عند أصحاب السنن والإسماعيلي وعمرو بن مرزوق
وسعيد بن داود كلاهما عند الدارقطني كلاهما عن مالك على ما قال جويرية عن مالك واجتماع
هؤلاء عن مالك يدل على أنهم حفظوه وهذا القدر المحذوف من رواية اسحق ثبت من روايته في
موضع آخر من الحديث لكن جعل القصة فيه لعمر حيث قال جئتني يا عباس تسألني نصيبك من
ابن أخيك وفيه فقلت لكما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث فاشتمل هذا الفصل على
مخالفة اسحق لبقية الرواة عن مالك في كونهم جعلوا القصة عند أبي بكر وجعلوا الحديث
المرفوع من حديث أبي بكر من رواية عمر عنه وإسحاق الفروي جعل القصة عند عمر وجعل
الحديث المرفوع من روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة أبي بكر وقد وقع في رواية
شعيب عن ابن شهاب نظير ما وقع في رواية اسحق الفروي سواء وكذلك وقع في رواية يونس عن
ابن شهاب عند عمر بن شبة وأما رواية عقيل الآتية في الفرائض فاقتصر فيها على أن القصة وقعت
عند عمر بغير ذكر الحديث المرفوع أصلا وهذا يشعر بان لسياق اسحق الفروي أصلا فلعل
القصتين محفوظتان واقتصر بعض الرواة على ما لم يذكره الآخر ولم يتعرض أحد من الشراح
لبيان ذلك وفي ذلك اشكال شديد وهو ان أصل القصة صريح في أن العباس وعليا قد علما بأنه
صلى الله عليه وسلم قال لا نورث فان كانا سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يطلبانه من أبي
بكر وان كانا انما سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد
144

ذلك من عمر والذي يظهر والله أعلم حمل الامر في ذلك على ما تقدم في الحديث الذي قبله في حق
فاطمة وان كلا من علي وفاطمة والعباس اعتقد أن عموم قوله لا نورث مخصوص ببعض ما يخلفه
دون بعض ولذلك نسب عمر إلى علي وعباس أنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما في ذلك وأما
مخاصمة علي وعباس بعد ذلك ثانيا عند عمر فقال إسماعيل القاضي فيما رواه الدارقطني من طريقه
لم يكن في الميراث انما تنازعا في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف كذا قال لكن في رواية
النسائي وعمر بن شبة من طريق أبي البختري ما يدل على أنهما أرادا أن يقسم بينهما على سبيل
الميراث ولفظه في آخره ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي ويقول هذا
أريد نصيبي من امرأتي والله لا أقضي بينكما الا بذلك أي الا بما تقدم من تسليمها لهما على سبيل
الولاية وكذا وقع عند النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس نحوه وفي السنن لأبي
داود وغيره أرادا أن عمر يقسمها بينهما لينفرد كل منهما بنظر ما يتولاه فامتنع عمر من ذلك وأراد
أن لا يقع عليها اسم قسم ولذلك أقسم على ذلك وعلى هذا اقتصر أكثر الشراح واستحسنوه وفيه
من النظر ما تقدم وأعجب من ذلك جزم ابن الجوزي ثم الشيخ محيي الدين بان عليا وعبا سالم يطلبا
من عمر الا ذلك مع أن السياق صريح في أنهما جاءاه مرتين في طلب شئ واحد لكن العذر لابن
الجوزي والنووي انهما شرحا اللفظ الوارد في مسلم دون اللفظ الوارد في البخاري والله أعلم وأما
قول عمر جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك فإنما عبر بذلك لبيان قسمة الميراث كيف
يقسم أن لو كان هناك ميراث لا انه أراد الغض منهما بهذا الكلام وزاد الامامي عن ابن شهاب
عند عمر بن شبة في آخره فاصلحا أمركما والا لم يرجع والله اليكما فقاما وتركا الخصومة وأمضيت
صدقة وزاد شعيب في آخره قال ابن شهاب فحدثت به عروة فقال صدق مالك بن أوس انا سمعت
عائشة تقول فذكر حديثا قال وكانت هذه الصدقة بيد على منعها عباسا فغلبه عليها ثم كانت بيد
الحسن ثم بيد الحسين ثم بيد علي بن الحسين والحسن بن الحسن ثم بيد زيد بن الحسن وهي صدقة
رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مثله وزاد في آخره قال
معمر ثم كانت بيد عبد الله بن حسن حتى ولي هؤلاء يعني بني العباس فقبضوها وزاد إسماعيل
القاضي أن اعراض العباس عنها كان في خلافة عثمان قال عمر بن شبة سمعت أبا غسان هو محمد بن
يحيى المدني يقول إن الصدقة المذكورة اليوم بيد الخليفة يكتب في عهده يولى عليها من قبله من
يقبضها ويفرقها في أهل الحاجة من أهل المدينة (قلت) كان ذلك على رأس المائتين ثم تغيرت
الأمور والله المستعان * واختلف العلماء في مصرف الفئ فقال مالك الفئ والخمس سواء يجعلان
في بيت المال ويعطى الامام أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بحسب اجتهاده وفرق الجمهور بين
خمس الغنيمة وبين الفئ فقال الخمس موضوع فيما عينه الله فيه من الأصناف المسمين في آية
الخمس من سورة الأنفال لا يتعدى به إلى غيرهم وأما الفئ فهو الذي يرجع النظر في مصرفه إلى
رأي الامام بحسب المصلحة وانفرد الشافعي كما قال ابن المنذر وغيره بان الفئ يخمس وان أربعة
أخماسه للنبي صلى الله عليه وسلم وله خمس الخمس كما في الغنيمة وأربعة أخماس الخمس لمستحق نظيرها
من الغنيمة وقال الجمهور مصرف الفئ كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتجوا بقول عمر
فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وتأول الشافعي قول عمر المذكور بأنه يريد
145

الأخماس الأربعة قال ابن بطال مناسبة ذكر حديث عائشة في قصة فاطمة في باب فرض الخمس
أن الذي سألت فاطمة ان تأخذه من جملته خيبر والمراد به سهمه صلى الله عليه وسلم منها وهو الخمس
وسيأتي في المغازي بلفظ مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر وفي حديث عمر
انه يجب ان يتولى أمر كل قبيلة كبيرهم لأنه أعرف باستحقاق كل رجل منهم وان للامام ان
ينادي الرجل الشريف الكبير باسمه وبالترخيم حيث لم يرد بذلك تنقيصه وفيه استعفاء المرء من
الولاية وسؤاله الامام ذلك بالرفق وفيه اتخاذ الحاجب والجلوس بين يدي الامام والشفاعة
عنده في انفاذ الحكم وتبيين الحاكم وجه حكمه وفيه إقامة الامام من ينظر على الوقف نيابة
عنه والتشريك بين الاثنين في ذلك ومنه يؤخذ جواز أكثر منهما بحسب المصلحة وفيه جواز
الادخار خلافا لقول من أنكره من مشددي المتزهدين وان ذلك لا ينافي التوكل وفيه جواز
اتخاذ العقار واستغلال منفعته ويؤخذ منه جواز اتخاذ غير ذلك من الأموال التي يحصل
بها النماء والمنفعة من زراعة وتجارة وغير ذلك وفيه ان الامام إذا قام عنده الدليل صار إليه
وقضى بمقتضاه ولم يحتج إلى أخذه من غيره ويؤخذ منه جواز حكم الحاكم بعلمه وان الأتباع
إذا رأوا من الكبير انقباضا لم يفاتحوه حتى يفاتحهم بالكلام واستدل به على أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان لا يملك شيئا من الفئ ولا خمس الغنيمة الا قدر حاجته وحاجة من يمونه
وما زاد على ذلك كان له فيه التصرف بالقسم والعطية وقال آخرون لم يجعل الله لنبيه ملك
رقبة ما غنمه وانما ملكه منافعه وجعل له منه قدر حاجته وكذلك القائم بالامر بعده وقال ابن
الباقلاني في الرد على من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يورث احتجوا بعموم قوله تعالى
يوصيكم الله في أولادكم قال أما من أنكر العموم فلا استغراق عنده لكل من مات انه يورث وأما
من أثبته فلا يسلم دخول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ولو سلم دخوله لوجب تخصيصه لصحة الخبر
وخبر الآحاد يخصص وإن كان لا ينسخ فكيف بالخبر إذا جاء مثل مجئ هذا الخبر وهو لا نورث
(قوله باب أداء الخمس من الدين) أورد فيه حديث ابن عباس في قصة وفد
عبد القيس وقد تقدم شرحه في كتاب الايمان وترجم عليه هناك أداء الخمس من الايمان وهو
على قاعدته في ترادف الايمان والاسلام والدين وقد تقدم في كتاب الايمان من شرح ذلك
ما فيه كفاية وتقدم في أول الخمس بيان ما يتعلق به (قوله باب نفقة نساء النبي
صلى الله عليه وسلم بعد وفاته) ذكر فيه ثلاثة أحاديث * أحدها حديث أبي هريرة لا تقتسم
ورثتي دينارا وقد تقدم بهذا الاسناد في أواخر الوقف وتقدم ما يتعلق بشرحه قبل بباب وسيأتي
بقية ما يتعلق منه بالميراث في الفرائض واختلف في المراد بقوله عاملي فقيل الخليفة بعده وهذا
هو المعتمد وهو الذي يوافق ما تقدم في حديث عمر وقيل يريد بذلك العامل على النخل وبه جزم
الطبري وابن بطال وأبعد من قال المراد بعامله حافر قبره عليه الصلاة والسلام وقال ابن دحية
في الخصائص المراد بعامله خادمه وقيل العامل على الصدقة وقيل العامل فيها كالأجير وقوله في
هذه الرواية دينار كذا وقع في رواية مالك عن أبي الزناد في الصحيحين فقيل هو تنبيه بالأدنى على
الاعلى وأخرجه مسلم من رواية سفيان بن عيينة عن أبي الزناد بلفظ دينارا ولا درهما وهي
زيادة حسنة وتابعه عليها سفيان الثوري عن أبي الزناد عند الترمذي في الشمائل واستدل به
146

على أجرة القسام * ثانيها حديث عائشة في قصة الشعير الذي كان في رفها فكالته ففني وسيأتي
بسنده ومتنه وشرحه في الرقاق وتقدم الالمام بشئ من ذلك في باب ما يستحب من الكيل أوائل
البيوع قال ابن المنير وجه دخول حديث عائشة في الترجمة انها لو لم تستحق النفقة بعد موت
النبي صلى الله عليه وسلم لأخذ الشعير منها * ثالثها حديث أبي إسحاق وهو السبيعي عن عمرو بن
الحرث ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الا سلاحه الحديث وقد تقدم في الوصايا وان شرحه يأتي
مستوفى في أواخر المغازي ووقع عند القابسي في أوله حدثنا يحيى عن سفيان فسقط عليه شيخ
البخاري مسدد ولا بد منه نبه عليه الجياني ولو كان على ظاهر ما عنده لأمكن أن يكون يحيى هو
ابن موسى أو ابن جعفر وسفيان هو ابن عيينة (قوله باب ما جاء في بيوت أزواج
النبي صلى الله عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهن وقول الله عز وجل وقرن في بيوتكن ولا
تدخلوا بيوت النبي الا أن يؤذن لكم) قال ابن المنير غرضه بهذه الترجمة أن يبين أن هذه النسبة
تحقق دوام استحقاقهن للبيوت ما بقين لان نفقتهن وسكناهن من خصائص النبي صلى الله عليه
وسلم والسر فيه حبسهن عليه ثم ذكر فيه سبعة أحاديث * الأول حديث عائشة استأذن أزواجه
أن يمرض في بيتي ذكره مختصرا * ثانيها حديثها توفي في بيتي وفي نوبتي وفيه ذكر السواك مع
عبد الرحمن وسيأتي الكلام عليهما مستوفى في أواخر المغازي إن شاء الله تعالى * ثالثها حديث
صفية بنت حيي انها جاءت تزوره وهو معتكف والغرض منه قولها فيه عند باب أم سلمة وقد تقدم
شرحه في الاعتكاف * رابعها حديث ابن عمر ارتقيت فوق بيت حفصة وقد تقدم شرحه في
الطهارة * خامسها حديث عائشة كان يصلي العصر والشمس لم تخرج من حجرتها وقد تقدم شرحه
في المواقيت * سادسها حديث عبد الله وهو ابن عمر الفتنة ههنا وسيأتي شرحه في الفتن والغرض
منه قوله وأشار نحو مسكن عائشة واعترض الإسماعيلي بان ذكر المسكن لا يناسب ما قصد لأنه
يستوي فيه المالك والمستعير وغيرهما * سابعها حديث عائشة انها سمعت صوت انسان يستأذن
147

في بيت حفصة وقد تقدم بهذا الاسناد في الشهادات ويأتي شرحه في الرضاع * (تنبيه) * وقع في
سياقه في الشهادات زيادة على سبيل الوهم في رواية أبي ذر وكذا في رواية الأصيلي عن شيخه وقد
ضرب عليها في بعض نسخ أبي ذر والصواب حذفها ولفظ الزيادة فقلت يا رسول الله أراه فلانا
لعم حفصة من الرضاعة فقالت عائشة فهذا القدر زائد والصواب حذفه كما نبه عليه صاحب
المشارق قال الطبري قيل كان النبي صلى الله عليه وسلم ملك كلا من أزواجه البيت الذي هي فيه
فسكن بعده فيهن بذلك التمليك وقيل انما لم ينازعهن في مساكنهن لان ذلك من جملة مؤنتهن التي
كان النبي صلى الله عليه وسلم استثناها لهن مما كان بيده أيام حياته حيث قال ما تركت بعد نفقة
نسائي قال وهذا أرجح ويؤيده ان ورثتهن لم يرثن عنهن منازلهن ولو كانت البيوت ملكا لهن
لانتقلت إلى ورثتهن وفي ترك ورثتهن حقوقهم منها دلالة على ذلك ولهذا زيدت بيوتهن في المسجد
النبوي بعد موتهن لعموم نفعه للمسلمين كما فعل فيما كان يصرف لهن من النفقات والله أعلم
وادعى المهلب ان النبي صلى الله عليه وسلم كان حبس عليهن بيوتهن ثم استدل به على أن من
حبس دارا جاز له أن يسكن منها في موضع وتعقبه ابن المنير بمنع أصل الدعوى ثم على التنزل
لا يوافق ذلك مذهبه الا ان صرح بالاستثناء ومن أين له ذلك (قوله باب ما ذكر من
درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك)
الغرض من هذه الترجمة تثبيت انه صلى الله عليه وسلم لم يورث ولا بيع موجوده بل ترك بيد من
صار إليه للتبرك به ولو كانت ميراثا لبيعت وقسمت ولهذا قال بعد ذلك مما لم تذكر قسمته وقوله مما
تبرك أصحابه أي به وحذفه للعلم به كذا للأصيلي ولأبي ذر عن شيخيه شرك بالشين من الشركة وهو
ظاهر وفي رواية الكشميهني مما يتبرك به أصحابه وهو يقوي رواية الأصيلي وأما قول المهلب انه
انما ترجم بذلك ليتأسى به ولاة الأمور في اتخاذ هذه الآلات ففيه نظر وما تقدم أولى وهو الأليق
لدخوله في أبواب الخمس ثم ذكر فيه أحاديث ليس فيها مما ترجم به الا الخاتم والنعل والسيف وذكر
فيه الكساء والإزار ولم يصرح بهما في الترجمة فمما ذكره في الترجمة ولم يخرج حديثه في الباب
الدرع ولعله أراد أن يكتب فيها حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة فلم يتفق
ذلك وقد سبق في البيوع والرهن ومن ذلك العصا ولم يقع لها ذكر في الأحاديث التي أوردها
ولعله أراد ان يكتب حديث ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم كان يستلم الركن بمحجن وقد مضى
في الحج وسيأتي في حديث علي في تفسير سورة والليل إذا يغشى ذكر المخصرة وأنه صلى الله عليه
وسلم جعل ينكت بها في الأرض وهي عصا يمسكها الكبير يتكئ عليها وكان قضيبه صلى الله
عليه وسلم (2) من شوحط وكانت عند الخلفاء بعده حتى كسرها جهجاه الغفاري في زمن عثمان
ومن ذلك الشعر ولعله أراد أن يكتب فيه حديث أنس الماضي في الطهارة في قول ابن سيرين
عندنا شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم صار إلينا من قبل أنس وأما قوله و آنيته بعد ذكر
القدح فمن عطف العام على الخاص ولم يذكر في الباب من الآنية سوى القدح وفيه كفاية لأنه
يدل على ما عداه وأما الأحاديث التي أوردها في الباب * فالأول منها حديث أنس في الخاتم
والغرض منه قوله فيه ان أبا بكر ختم الكتاب بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مطابق لقوله في
الترجمة وما استعمل الخلفاء من ذلك وسيأتي في اللباس فيه من الزيادة أنه كان في يد أبي بكر وفي
148

يد عمر بعده وانه سقط من يد عثمان ويأتي شرحه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى * الثاني حديثه
انه أخرج نعلين جرداوين بالجيم اي لا شعر عليهما وقيل خلقتين (قوله لهما) في رواية الكشميهني
لها (قبالان) بكسر القاف وتخفيف الموحدة (قوله فحدثني ثابت) القائل هو عيسى بن طهمان
راوي الحديث عن أنس وكأنه رأى النعلين مع أنس ولم يسمع منه نسبتهما فحدثه بذلك ثابت عن
أنس وسيأتي شرحه في اللباس أيضا إن شاء الله تعالى * الثالث حديث عائشة (قوله عن أبي
بردة) هو ابن أبي موسى (قوله كساء ملبدا) أي ثخن وسطه وصفق حتى صار يشبه اللبد
ويقال المراد هنا المرقع (قوله وزاد سليمان) هو ابن المغيرة (عن حميد) هو ابن هلال وصله مسلم
عن شيبان بن فروخ عن سليمان بن المغيرة به وسيأتي بقية شرحه في كتاب اللباس أيضا * الرابع
حديث أنس (قوله عن أبي حمزة) هو السكري (قوله عن عاصم عن ابن سيرين) كذا للأكثر
ووقع في رواية أبي زيد المروزي باسقاط ابن سيرين وهو خطا وقد أخرجه البزار في مسنده
عن البخاري بهذا الاسناد وقال لا نعلم من رواه عن عاصم هكذا الا أبا حمزة وقال الدارقطني
خالفه شريك فقال عن عاصم عن انس لم يذكر ابن سيرين والصحيح قول أبي حمزة (قلت) قد رواه أبو
عوانة عن عاصم ففصل بعضه عن أنس وبعضه عن ابن سيرين عن انس وسيأتي بيانه في الأشربة
ونبه على ذلك أبو علي الجياني وسيأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى (قوله إن قدح النبي صلى
الله عليه وسلم انكسر فاتخذ) في رواية أبي ذر بضم المثناة على البناء للمفعول وفي رواية غيره
بفتحها على البناء للفاعل والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم أو لأنس وجزم بعض الشراح بالثاني
واحتج برواية بلفظ فجعلت مكان الشعب سلسلة ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون فجعلت بضم
الجيم على البناء للمجهول فرجع إلى الاحتمال لابهام الجاعل (قوله قال عاصم) هو الأحول
الراوي (رأيت القدح وشربت فيه) * الخامس حديث المسور بن مخرمة في خطبة على بنت أبي
جهل وسيأتي الكلام عليه مستوفى في النكاح والغرض منه ما دار بين المسور بن مخرمة
وعلي بن الحسين في أمر سيف النبي صلى الله عليه وسلم وأراد المسور بذلك صيانة سيف النبي
صلى الله عليه وسلم لئلا يأخذه من لا يعرف قدره والذي يظهر ان المراد بالسيف المذكور
ذو الفقار الذي تنفله يوم بدر ورأى فيه الرؤيا يوم أحد وقال الكرماني مناسبة ذكر المسور
لقصة خطبة بنت أبي جهل عند طلبه للسيف من جهة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يحترز عما يوجب وقوع التكدير بين الأقرباء أي فكذلك ينبغي أن تعطيني السيف حتى لا يحصل
بينك وبين أقربائك كدورة بسببه أو كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يراعي جانب بني عمه
العبشميين فأنت أيضا راع جانب بني عمك النوفليين لان المسور نوفلي كذا قال والمسور زهري
لا نوفلي قال أو كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب رفاهية خاطر فاطمة عليها السلام
149

فانا أيضا أحب رفاهية خاطرك لكونك ابن ابنها فتعطني السيف حتى أحفظه لك (قلت)
وهذا الأخير هو المعتمد وما قبله ظاهر التكلف وسأذكر اشكالا يتعلق بذلك في كتاب المناقب إن شاء الله
تعالى * السادس (قوله عن محمد بن سوقة) بضم المهملة وسكون الواو ثقة عابد مشهور
وهو وشيخه منذر بن يعلى أبو يعلى الثوري كوفيان قرينان من صغار التابعين (قوله لو كان على
ذاكرا عثمان) زاد الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن قتيبة ذاكرا عثمان بسوء وروى ابن
أبي شيبة من وجه آخر عن محمد بن سوقة حدثني منذر قال كنا عند ابن الحنفية فنال بعض
القوم من عثمان فقال مه فقلنا له أكان أبوك يسب عثمان فقال ما سبه ولو سبه يوما لسبه يوم جئته
فذكره (قوله جاءه ناس فشكوا سعاة عثمان) لم أقف على تعيين الشاكي ولا المشكو والسعاة جمع
ساع وهو العامل الذي يسعى في استخراج الصدقة ممن تجب عليه ويحملها إلى الامام (قوله فقال لي
علي اذهب إلى عثمان فأخبره أنها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ان الصحيفة التي أرسل
بها إلى عثمان مكتوب فيها بيان مصارف الصدقات وقد بين في الرواية الثانية أنه قال له خذ هذا
الكتاب فان فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة وفي رواية ابن أبي شيبة خذ كتاب السعاة
فاذهب به إلى عثمان (قوله اغنها) بهمزة مفتوحة ومعجمة ساكنة وكسر النون أي اصرفها تقول
أغن وجهك عي أي اصرفه ومثله قوله لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه أي يصده ويصرفه
عن غيره ويقال قوله اغنها عنا بألف وصل من الثلاثي وهي كلمة معناها الترك والاعراض ومنه
واستغنى الله أي تركهم الله لان كل من استغنى عن شئ تركه تقول غنى فلان عن كذا فهو غان
بوزن علم فهو عالم وفي رواية ابن أبي شيبة لا حاجة لنا فيه وقيل كان علم ذلك عند عثمان فاستغنى
عن النظر في الصحيفة وقال الحميدي في الجمع قال بعض الرواة عن ابن عيينة لم يجد علي بدا حين
كان عنده علم منه ان ينهيه إليه ونرى أن عثمان انما رده لان عنده علما من ذلك فاستغنى عنه
ويستفاد من الحديث بذل النصيحة للأمراء وكشف أحوال من يقع منه الفساد من أتباعهم
وللامام التنقيب عن ذلك ويحتمل أن يكون عثمان لم يثبت عنده ما طعن به على سعاته أو ثبت
عنده وكان التدبير يقتضي تأخير الانكار أو كان الذي أنكره من المستحبات لا من الواجبات
ولذلك عذره على ولم يذكره بسوء (قوله فأخبرته فقال ضعها حيث أخذتها) في رواية ابن أبي
شيبة ضعه موضعه (قوله وقال الحميدي الخ) هو في كتاب النوادر له بهذا الاسناد والحميدي
من شيوخ البخاري في الفقه والحديث كما تقدم في أول هذا الكتاب وأراد بروايته هذه بيان
تصريح سفيان بالتحديث وكذا التصريح بسماع محمد بن سوقة من منذر ولم أقف في شئ من
طرقه على تعيين ما كان في الصحيفة لكن أخرج الخطابي في غريب الحديث من طريق عطية عن
ابن عمر قال بعث على إلى عثمان بصحيفة فيها لا تأخذوا الصدقة من الرخة ولا من النخة قال
الخطابي النخة بنون ومعجمة أولاد الغنم والرخة براء ومعجمة أيضا أولاد الإبل انتهى وسنده
ضعيف لكنه مما يحتمل (قوله باب الدليل على أن الخمس) أي خمس الغنيمة
(لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين) النوائب جمع نائبة وهو ما ينوب الانسان
من الامر الحادث (وايثار النبي صلى الله عليه وسلم أهل الصفة والأرامل حين سألته فاطمة
وشكت إليه الطحن) في رواية الكشميهني والطحين (والرحى أن يخدمها من السبي فوكلها إلى الله
150

تعالى) ثم ذكر حديث علي ان فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن فبلغها ان النبي
صلى الله عليه وسلم أتى بسبي فأتته تسأله خادما فذكر الحديث وفيه ألا أدلكما على خير مما
سألتما فذكر الذكر عند النوم وسيأتي شرحه في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وليس فيه
ذكر أهل الصفة ولا الأرامل وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته وهو
ما أخرجه أحمد من وجه آخر عن علي في هذه القصة مطولا وفيه والله لا أعطيكم وأدع أهل
الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم ولكن أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم
وفي حديث الفضل بن الحسن الضمري عن ضباعة أو أم الحكم بنت الزبير قالت أصاب النبي
صلى الله عليه وسلم سبيا فذهبت أنا وأختي فاطمة نسأله فقال سبقكما يتامى بدر الحديث أخرجه
أبو داود وتقدم من حديث ابن عمر في الهبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة أن ترسل
الستر إلى أهل بيت بهم حاجة قال إسماعيل القاضي هذا الحديث يدل على أن للامام أن يقسم
الخمس حيث يرى لان الأربعة الأخماس استحقاق للغانمين والذي يختص بالامام هو الخمس وقد
منع النبي صلى الله عليه وسلم ابنته وأعز الناس عليه من أقربيه وصرفه إلى غيرهم وقال نحوه
الطبري لو كان سهم ذوي القربى قسما مفروضا لأخدم ابنته ولم يكن ليدع شيا اختاره الله لها
وأمتن به على ذوي القربى وكذا قال الطحاوي وزاد وان أبا بكر وعمر أخذا بذلك وقسما جميع
الخمس ولم يجعلا لذوي القربى منه حقا مخصوصا به بل بحسب ما يرى الامام وكذلك فعل علي
(قلت) في الاستدلال بحديث على هذا نظر لأنه يحتمل أن يكون ذلك من الفئ وأما خمس الخمس
من الغنيمة فقد روى أبو داود من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال قلت يا رسول الله
ان رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس الحديث وله من وجه آخر عنه ولاني رسول
الله عليه وسلم خمس الخمس فوضعته مواضعه حياته الحديث فيحتمل أن تكون قصة فاطمة
وقعت قبل فرض الخمس والله أعلم وهو بعيد لان قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه
الآية نزلت في غزوة بدر وقد مضى قريبا أن الصحابة أخرجوا الخمس من أول غنيمة غنموها
من المشركين فيحتمل أن حصة خمس الخمس وهو حق ذوي القربى من الفئ المذكور لم يبلغ
قدر الرأس الذي طلبته فاطمة فكان حقها من ذلك يسيرا جدا يلزم منه أن لو أعطاها الرأس أثر
في حق بقية المستحقين ممن ذكر وقال المهلب في هذا الحديث ان للامام أن يؤثر بعض مستحقي
الخمس على بعض ويعطى الأوكد فالأوكد ويستفاد من الحديث حمل الانسان أهله على
ما يحمل عليه نفسه من التقلل والزهد في الدنيا والقنوع بما أعد الله لأوليائه الصابرين في
الآخرة (قلت) وهذا كله بناء على ما يقتضيه ظاهر الترجمة وأما مع الاحتمال الذي ذكرته أخيرا
فلا يمكن أن يؤخذ من ذكر الايثار عدم وقوع الاشتراك في الشئ ففي ترك القسمة واعطاء أحد
المستحقين دون الآخر ايثار الآخذ على الممنوع فلا يلزم منه نفي الاستحقاق وسيأتي مزيد في
هذه المسألة بعد ثمانية أبواب (قوله باب قوله تعالى فأن لله خمسه وللرسول
يعني وللرسول قسم ذلك) هذا اختيار منه لاحد الأقوال في تفسير هذه الآية والأكثر على أن
اللام في قوله للرسول للملك وان للرسول خمس الخمس من الغنيمة سواء حضر القتال أو لم يحضر
وهل كان يملكه أو لا وجهان للشافعية ومال البخاري إلى الثاني واستدل له قال إسماعيل
151

القاضي لا حجة لمن ادعى ان الخمس يملكه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى واعلموا أنما غنمتم
من شئ فأن لله خمسه وللرسول لأنه تعالى قال يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول
واتفقوا على أنه قبل فرض الخمس كان يعطي الغنيمة للغانمين بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده فلما
فرض الخمس تبين للغانمين أربعة أخماس الغنيمة لا يشاركهم فيها أحد وانما خص النبي صلى الله
عليه وسلم بنسبة الخمس إليه إشارة إلى أنه ليس للغانمين فيه حق بل هو مفوض إلى رأيه وكذلك
إلى الامام بعده وقد تقدم نقل الخلاف فيه في الباب الأول وأجمعوا على أن اللام في قوله تعالى لله
للتبرك الا ما جاء عن أبي العالية فإنه قال تقسم الغنيمة خمسة أسهم ثم السهم الأول يقسم قسمين
قسم لله وهو للفقراء وقسم الرسول له وأما من بعده فيضعه الامام حيث يراه (قوله وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم انما أنا قاسم وخازن والله يعطي) لم يقع هذا اللفظ في سياق واحد وانما
هو مأخوذ من حديثين أما حديث انما أنا قاسم فهو طرف من حديث أبي هريرة المذكور في
الباب وتقدم في العلم من حديث معاوية بلفظ وانما أنا قاسم والله يعطي في أثناء حديث وأما
حديث انما أنا خازن والله يعطي فهو طرف من حديث معاوية المذكور ويأتي موصولا في
الاعتصام بهذا اللفظ ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث * الأول حديث جابر ذكره من
طرق (قوله عن سليمان) هو الأعمش وبين البخاري الاختلاف على شعبة هل أراد الأنصاري أن
يسمي ابنه محمدا أو القاسم وأشار إلى ترجح أنه أراد أن يسميه القاسم برواية سفيان وهو الثوري
له عن الأعمش فسماه القاسم ويترجح أنه أيضا من حيث المعنى لأنه لم يقع الانكار من الأنصار عليه
الا حيث لزم من تسمية ولده القاسم أن يصير يكنى أبا القاسم وسيأتي البحث في هذه المسألة في كتاب
الأدب إن شاء الله تعالى (قوله قال شعبة في حديث منصور ان الأنصاري قال حملته على عنقي)
هذا يقتضي أن يكون الحديث من رواية جابر عن الأنصاري بخلاف رواية غيره فإنها من مسند
جابر (قوله وقال حصين بعثت قاسما أقسم بينكم) هو من رواية شعبة عن حصين أيضا كما
سيأتي في الأدب (قوله وقال عمرو) هو ابن مرزوق وهو من شيوخ البخاري وطريقه هذه وصلها
أبو نعيم في المستخرج وكأن شعبة كان تارة يحدث به عن بعض مشايخه دون بعض وتارة يجمعهم
ويفصل ألفاظهم وقوله لا تكنوا وقع في رواية الكشميهني ولا تكنوا بفتح الكاف وتشديد
النون وقوله في رواية سفيان عن الأعمش لا نكنيك ولا ننعمك عينا وقع في رواية
الكشميهني بالجزم فيهما في الموضعين ومعنى قوله لا ننعمك عينا لا نكرمك ولا تقر عينك بذلك
وسيأتي في الأدب من الزيادة من وجه آخر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأنصاري سم
ابنك عبد الرحمن * الثاني حديث معاوية وهو يشتمل على ثلاثة أحكام من يرد الله به خيرا يفقهه
في الدين وقد تقدم شرح صدره في كتاب العلم ويأتي شرح الأخير منه في الاعتصام والغرض منه
152

قوله والله المعطي وأنا القاسم وهذا مطابق لأحاديث الباب * الحديث الثالث حديث أبي هريرة
(قوله ما أعطيكم ولا أمنعكم) في رواية أحمد عن شريح بن النعمان عن فليح في أوله والله المعطي
والمعنى لا أتصرف فيكم بعطية ولا منع برأيي وقوله انما أنا القاسم أضع حيث أمرت أي لا أعطى
أحدا ولا أمنع أحدا الا بأمر الله وقد أخرجه أبو داود من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ ان أنا
الا خازن * الرابع (قوله حدثنا عبد الله بن يزيد) هو أبو عبد الرحمن المقري (قوله حدثنا سعيد)
زاد المستملي بن أبي أيوب وأبو الأسود هو النوفلي الذي يقال له يتيم عروة والنعمان ابن أبي
عياش بالتحتانية والمعجمة أنصاري وهو زرقي وبذلك وصفه الدورقي واسم أبي عياش عبيد وقيل
زيد بن معاوية بن الصامت (قوله عن خولة الأنصارية) في رواية الإسماعيلي بنت ثامر الأنصارية
وزاد في أوله الدنيا خضرة حلوة وان رجالا وأخرجه الترمذي من طريق سعيد المقبري عن أبي
الوليد سمعت خولة بنت قيس وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول إن هذا المال خضرة حلوة من أصابه بحقه بورك له فيه ورب متخوض فيما شاءت نفسه
من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة الا النار قال الترمذي حسن صحيح وأبو الوليد اسمه عبيد
(قلت) فرق غير واحد بين خولة بنت ثامر وبين خولة بنت قيس وقيل إن قيس بن قهد بالقاف
لقبه ثامر وبذلك جزم علي بن المديني فعلى هذا فهي واحدة وقوله خضرة أنث على تأويل الغنيمة
بدليل قوله من مال الله ويحتمل ما هو أعم من ذلك وقوله خضرة أي مشتهاة والنفوس تميل إلى
ذلك وقوله من مال الله مظهر أقيم مقام المضمر أشعارا بأنه لا ينبغي التخوض في مال الله ورسوله
والتصرف فيه بمجرد التشهي وقوله ليس له يوم القيامة الا النار حكم مرتب على الوصف المناسب
وهو الخوض في مال الله ففيه اشعار بالغلبة (قوله يتخوضون) بالمعجمتين (في مال الله بغير حق)
أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل وهو أعم من أن يكون بالقسمة وبغيرها وبذلك تناسب
الترجمة * (تنبيه) قال الكرماني مناسبة حديث خولة للترجمة خفية ويمكن ان تؤخذ من
قوله يتخوضون في مال الله بغير حق أي بغير قسمة حق واللفظ وإن كان عاما لكن خصصناه بالقسمة
لتفهم منه الترجمة (قلت) ولا يحتاج إلى قيد الاعتذار لان قوله بغير يدخل في عمومه
الصورة المذكورة فيصح الاحتجاج به على شرطية القسمة في أموال الفئ والغنيمة بحكم العدل
واتباع ما ورد في الكتاب والسنة وكأن المصنف أراد بإيراده تخويف من يخالف ذلك ويستفاد
من هذه الأحاديث ان بين الاسم والمسمى به مناسبة لكن لا يلزم اطراد ذلك وأن من أخذ من
الغنائم شيئا بغير قسم الامام كان عاصيا وفيه ردع الولاة * ن يأخذوا من المال شيئا بغير حقه أو
يمنعوه من أهله (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أحلت لكم الغنائم)
كذا للجميع ووقع عند ابن التين أحلت لي وهو أشبه لأنه ذكر بهذا اللفظ في هذا الباب وهذا
الثاني طرف من حديث جابر الماضي في التيمم وقد تقدم بيان ما كان من قبلنا يصنع في الغنيمة
(قوله وقال الله عز وجل وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها الآية) هذه الآية نزلت في أهل
الحديبية بالاتفاق ولما انصرفوا من الحديبية فتحوا خيبر كما سيأتي في مكانه (قوله فهي للعامة)
أي الغنيمة لعموم المسلمين ممن قاتل (قوله حتى يبينه الرسول) أي حتى يبين الرسول من يستحق
ذلك ممن لا يستحقه وقد وقع بيان ذلك بقوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه الآية
153

ثم ذكر فيه ستة أحاديث * أحدها حديث عروة البارقي في الخيل وقد تقدم الكلام عليه في
الجهاد والغرض منه قوله في آخره الاجر والمغنم * ثانيها حديث أبي هريرة إذا هلك كسرى فلا
كسرى بعده وسيأتي الكلام عليه في علامات النبوة والغرض منه قوله لتنفقن كنوزهما
في سبيل الله وقد أنفقت كنوزهما في المغانم * ثالثها حديث جابر بن سمرة مثله واسحق هو ابن
راهويه وجرير هو ابن عبد الحميد وعبد الملك هو ابن عمير وذكر أبو علي الجياني انه لم ير اسحق هذا
منسوبا لاحد من الرواة لكن وجدناه بعده في مسند اسحق بهذا السياق فغلب على الظن انه
المراد * رابعها حديث جابر بن عبد الله ذكره مختصرا بلفظ أحلت لي الغنائم وقد تقدم شرحه
مستوفى في التيمم * خامسها حديث أبي هريرة تكفل الله لمن جاهد في سبيله وقد تقدم شرحه في
أوائل الجهاد والغرض منه قوله في آخره من أجر أو غنيمة * سادسها حديثه في قصة النبي الذي
غزى القرية (قوله عن ابن المبارك) كذا في جميع الروايات لكن قال أبو نعيم في المستخرج
أخرجه البخاري عن محمد بن العلاء عن ابن المبارك أو غيره وهذا الشك انما هو من أبي نعيم فقد
أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن محمد بن العلاء عن ابن المبارك وحده به (قوله غزا نبي من
الأنبياء) اي أراد أن يغزو وهذا النبي هو يوشع بن نون كما رواه الحاكم من طريق كعب الأحبار وبين
تسمية القرية كما سيأتي وقد ورد أصله من طريق مرفوعة صحيحة أخرجها أحمد من طريق هشام
عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الشمس لم تحبس لبشر
الا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس وأغرب ابن بطال فقال في باب استئذان الرجل الامام
في هذا المعنى حديث لداود عليه الصلاة والسلام أنه قال في غزوة خرج إليها لا يتبعني من ملك بضع
امرأة ولم يبن بها أو بنى دارا ولم يسكنها ولم أقف على ما ذكره مسندا لكن أخرج الخطيب في ذم
النجوم له من طريق أبي حذيفة والبخاري في المبتدا له باسناد له عن علي قال سال قوم يوشع منه
ان يطلعهم على بدء الخلق وآجالهم فأراهم ذلك في ماء من غمامة امطرها الله عليهم فكان أحدهم
يعلم متى يموت فبقوا على ذلك إلى أن قاتلهم داود على الكفر فاخرجوا إلى داود من لم يحضر
أجله فكان يقتل من أصحاب داود ولا يقتل منهم فشكى إلى الله ودعاه فحبست عليهم الشمس
فزيد في الهار فاختلطت الزيادة بالليل والنهار فاختلط عليهم حسابهم (قلت) واسناده ضعيف
جدا وحديث أبي هريرة المشار إلى عند أحمد أولى فان رجال اسناده محتج بهم في الصحيح فالمعتمد
انها لم تحبس الا ليوشع ولا يعارضه ما ذكره بن إسحاق في المبتدا من طريق يحيى بن عروة بن الزبير
عن أبيه ان الله لما أمر موسى بالمسير ببني إسرائيل أمره أن يحمل تابوت يوسف فلم يدل عليه حتى
كاد الفجر أن يطلع وكان وعد بني إسرائيل ان يسير بهم إذا طلع الفجر فدعا ربه أن يؤخر الطلوع
حتى فرغ من أمر يوسف ففعل لان الحصر انما وقع في حق يوشع بطلوع الشمس فلا ينفي ان
يحبس طلوع الفجر لغيره وقد اشتهر حبس الشمس ليوشع حتى قال أبو تمام في قصيدة
فوالله لا أدري أأحلام نائم * ألمت بنا أم كان في الركب يوشع
ولا يعارضه أيضا ما ذكره يونس بن بكير في زياداته في مغازي بن إسحاق ان النبي صلى الله عليه وسلم لما
154

أخبر قريشا صبيحة الاسراء انه رأى العير التي لهم وانها تقدم مع شروق الشمس فدعا الله فحبست
الشمس حتى دخلت العير وهذا منقطع لكن وقع في الأوسط للطبراني من حديث جابر ان النبي صلى
الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار واسناده حسن ووجه الجمع ان الحصر محمول
على ما مضى للأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فلم تحبس الشمس الا ليوشع وليس فيه نفي انها
تحبس بعد ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم وروى الطحاوي والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي
في الدلائل عن أسماء بنت عميس انه صلى الله عليه وسلم دعا لما نام على ركبة علي ففاتته صلاة
العصر فردت الشمس حتى صلى علي ثم غربت وهذا أبلغ في المعجزة وقد أخطأ ابن الجوزي بإيراده
له في الموضوعات وكذا ابن تيمية في كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه والله أعلم واما ما حكى
عياض ان الشمس ردت للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق لما شغلوا عن صلاة العصر حتى
غربت الشمس فردها الله عليه حتى صلى العصر كذا قال وعزاه للطحاوي والذي رأيته في مشكل
الآثار للطحاوي ما قدمت ذكره من حديث أسماء فان ثبت ما قال فهذه قصة ثالثة والله أعلم وجاء
أيضا انها حبست لموسى لما حمل تابوت يوسف كما تقدم قريبا وجاء أيضا انها حبست لسليمان بن
داود عليهما السلام وهو فيما ذكره الثعلبي ثم البغوي عن ابن عباس قال قال لي علي ما بلغك في قول
الله تعالى حكاية عن سليمان عليه الصلاة والسلام ردوها علي فقلت قال لي كعب كانت أربعة عشر
فرسا عرضها فغابت الشمس قبل أن يصلي العصر فامر بردها فضرب سوقها وأعناقها بالسيف
فقتلها فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها فقال علي كذب كعب وانما أراد
سليمان جهاد عدوه فتشاغل بعرض الخيل حتى غابت الشمس فقال للملائكة الموكلين بالشمس
بإذن الله لهم ردوها علي فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها وان أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون
بالظلم (قلت) أورد هذا الأثر جماعة ساكتين عليه جازمين بقولهم قال ابن عباس قلت لعلي
وهذا لا يثبت عن ابن عباس ولا عن غيره والثابت عن جمهور أهل العلم بالتفسير من الصحابة ومن
بعدهم ان الضمير المؤنث في قوله ردوها للخيل والله أعلم (قوله بضع امرأة) بضم الموحدة
وسكون المعجمة البضع يطلق على الفرج والتزويج والجماع والمعاني الثلاثة لائقة هنا ويطلق
أيضا على المهر وعلى الطلاق وقال الجوهري قال ابن السكيت البضع النكاح يقال ملك فلان
بضع فلانة (قوله ولما يبن بها) أي ولم يدخل عليها لكن التعبير يلما يشعر بتوقع ذلك قاله
الزمخشري في قوله تعالى ولما يدخل الايمان في قلوبكم ووقع في رواية سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة عند النسائي وأبي عوانة وابن حبان لا ينبغي لرجل بنى دارا ولم يسكنها أو تزوج
امرأة ولم يدخل بها وفي التقييد بعدم الدخول ما يفهم ان الامر بعد الدخول بخلاف ذلك فلا
يخفى فرق بين الامرين وإن كان بعد الدخول ربما استمر تعلق القلب لكن ليس هو كما قبل
الدخول غالبا (قوله ولم يرفع سقوفها) في صحيح مسلم ومسند أحمد ولما يرفع سقفها وهو بضم
القاف والفاء لتوافق هذه الرواية ووهم من ضبط بالاسكان وتكلف في توجيه الضمير المؤنث
للسقف (قوله أو خلفات) بفتح المعجمة وكسر اللام بعدها فاء خفيفة جمع خلفة وهي الحامل
من النوق وقد يطلق على غير النوق وأو في قوله غنما أو خلفات للتنويع ويكون قد حذف
وصف الغنم بالحمل لدلالة الثاني عليه أو هو على اطلاقه لان الغنم يقل صبرها فيخشى عليها
155

الضياع بخلاف النوق فلا يخشى عليها الا مع الحمل ويحتمل أن يكون قوله أو للشك أي هل قال
غنما بغير صفة أو خلفات أي بصفة انها حوامل كذا قال بعض الشراح والمعتمد انها للتنويع
فقد وقع في رواية أبي يعلى عن محمد بن العلاء ولا رجل له غنم أو بقر أو خلفات (قوله وهو ينتظر
ولادها) بكسر الواو وهو مصدر ولد ولادا وولادة (قوله فغزا) أي بمن تبعه ممن لم يتصف بتلك
الصفة (قوله فدنا من القرية) هي أريحا بفتح الهمزة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة
ومهملة مع القصر سماها الحاكم في روايته عن كعب وفي رواية مسلم فأدنى للقرية أي قرب
جيوشه لها (قوله فقال للشمس انك مأمورة) في رواية سعيد بن المسيب فلقي العدو عند
غيبوبة الشمس وبين الحاكم في روايته عن كعب سبب ذلك فإنه قال إنه وصل إلى القرية وقت
عصر يوم الجمعة فكادت الشمس أن تغرب ويدخل الليل وبهذا يتبين معنى قوله وأنا مأمور
والفرق بين المأمورين ان أمر الجمادات أمر تسخير وأمر العقلاء أمر تكليف وخطابه للشمس
يحتمل أن يكون على حقيقته وان الله تعالى خلق فيها تمييزا وادراكا كما سيأتي البحث فيه في الفتن
في سجودها تحت العرش واستئذانها من أن تطلع ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل استحضاره في
النفس لما تقرر انه لا يمكن تحولها عن عادتها الا بخرق العادة وهو نحو قول الشاعر
* شكى إلي جملي طول السرى * ومن ثم قال اللهم احبسها ويؤيد الاحتمال الثاني ان في رواية
سعيد بن المسيب فقال اللهم انها مأمورة واني مأمور فاحبسها علي حتى تقضي بيني وبينهم فحبسها
الله عليه (قوله اللهم احبسها علينا) في رواية أحمد اللهم احبسها علي شيئا وهو منصوب نصب
المصدر أي قدر ما تنقضي حاجتنا من فتح البلد قال عياض اختلف في حبس الشمس هنا فقيل
ردت على ادراجها وقيل وقفت وقيل بطئت حركتها وكل ذلك محتمل والثالث أرجح عند ابن بطال
وغيره ووقع في ترجمة هارون بن يوسف الرمادي ان ذلك كان في رابع عشرى حزيران وحينئذ يكون
النهار في غاية الطول (قوله فحبست حتى فتح الله عليه) في رواية أبي يعلى فواقع القوم فظفر (قوله
فجمع الغنائم فجاءت يعني النار) في رواية عبد الرزاق عند أحمد ومسلم فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار
زاد في رواية سعيد بن المسيب وكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله عليها النار فتأكلها (قوله فلم تطعمها)
أي لم تذق لها طعما وهو بطريق المبالغة (قوله فقال إن فيكم غلولا) هو السرقة من الغنيمة كما
تقدم (قوله فليبايعني من كل قبيلة رجل فلزقت) فيه حذف يظهر من سياق الكلام أي فبايعوه
فلزقت (قوله فلزقت يد رجلين أو ثلاثة) في رواية أبي يعلى فلزقت يد رجل أو رجلين وفي رواية سعيد
ابن المسيب رجلان بالجزم قال ابن المنير جعل الله علامة الغلول الزاق يد الغال وفيه تنبيه على
انها يد عليها حق يطلب أن يتخلص منه أو انها يد ينبغي ان يضرب عليها ويحبس صاحبها حتى
يؤدي الحق إلى الامام وهو من جنس شهادة اليد على صاحبها يوم القيامة (قوله فيكم الغلول)
زاد في رواية سعيد بن المسيب فقالا أجل غللنا (قوله فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب
فوضعوها فجاءت النار فأكلتها ثم أحل الله لنا الغنائم) في رواية النسائي فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم عند ذلك ان الله أطعمنا الغنائم رحمة رحمناها وتخفيفا خففه عنا (قوله رأى ضعفنا
وعجزنا فأحلها لنا) في رواية سعيد بن المسيب لما رأى من ضعفنا وفيه اشعار بان اظهار العجز بين
يدي الله تعالى يستوجب ثبوت الفضل وفيه اختصاص هذه الأمة بحل الغنيمة وكان ابتداء ذلك
156

من غزوة بدر وفيها نزل قوله تعالى فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا فأحل الله لهم الغنيمة وقد ثبت ذلك
في الصحيح من حديث ابن عباس وقد قدمت في أوائل فرض الخمس ان أول غنيمة خمست غنيمة
السرية التي خرج فيها عبد الله بن جحش وذلك قبل بدر بشهرين ويمكن الجمع بما ذكر ابن سعد أنه
صلى الله عليه وسلم أخر غنيمة تلك السرية حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم بدر قال المهلب
في هذا الحديث ان فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع ومحبة البقاء لان من ملك بضع امرأة
ولم يدخل بها أو دخل بها وكان على قرب من ذلك فان قلبه متعلق بالرجوع إليها ويجد الشيطان
السبيل إلى شغل قلبه عما هو عليه من الطاعة وكذلك غير المرأة من أحوال الدنيا وهو كما قال
لكن تقدم ما يعكر على الحاقه بما بعد الدخول وان لم يطل بما قبله ويدل على التعميم في الأمور
الدنيوية ما وقع في رواية سعيد بن المسيب من الزيادة أو له حاجة في الرجوع وفيه أن الأمور
المهمة لا ينبغي أن تفوض الا لحازم فارغ البال لها لان من له تعلق ربما ضعفت عزيمته وقلت
رغبته في الطاعة والقلب إذا تفرق ضعف فعل الجوارح وإذا اجتمع قوي وفيه أن من مضى كانوا
يغزون ويأخذون أموال أعدائهم واسلابهم لكن لا يتصرفون فيها بل يجمعونها وعلامة
قبول غزوهم ذلك ان تنزل النار من السماء فتأكلها وعلامة عدم قبوله أن لا تنزل ومن أسباب
عدم القبول أن يقع فيهم الغلول وقد من الله على هذه الأمة ورحمها لشرف نبيها عنده فأحل لهم
الغنيمة وستر عليهم الغلول فطوى عنهم فضيحة أمر عدم القبول فلله الحمد على نعمة تترى ودخل
في عموم أكل النار الغنيمة والسبي وفيه بعد لان مقتضاه اهلاك الذرية ومن لم يقاتل من النساء
ويمكن أن يستثنوا من ذلك ويلزم استثناؤهم من تحريم الغنائم عليهم ويؤيده انهم كانت لهم
عبيد وإماء فلو لم يجز لهم السبي لما كان لهم أرقاء ويشكل على الحصر انه كان السارق يسترق
كما في قصة يوسف ولم أر من صرح بذلك وفيه معاقبة الجماعة بفعل سفهائها وفيه أن أحكام الأنبياء
قد تكون بحسب الامر الباطن كما في هذه القصة وقد تكون بحسب الامر الظاهر كما في حديث
انكم تختصمون إلي الحديث واستدل به ابن بطال على جواز احراق أموال المشركين وتعقب
بأن ذلك كان في تلك الشريعة وقد نسخ بحل الغنائم لهذه الأمة وأجيب عنه بأنه لا يخفى عليه
ذلك ولكنه استنبط من احراق الغنيمة بأكل النار جواز احراق أموال الكفار إذا لم يوجد
السبيل إلى أخذها غنيمة وهو ظاهر لان هذا القدر لم يرد التصريح بنسخه فهو محتمل على أن شرع
من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخه واستدل به أيضا على أن قتال آخر النهار أفضل من أوله وفيه نظر
لان ذلك في هذه القصة انما وقع اتفاقا كما تقدم نعم في قصة النعمان بن مقرن مع المغيرة بن شعبة
في قتال الفرس التصريح باستحباب القتال حين تزول الشمس وتهب الرياح فالاستدلال به يغنى
عن هذا (قوله باب) بالتنوين (الغنيمة لمن شهد الوقعة) هذا لفظ أثر أخرجه
عبد الرزاق باسناد صحيح عن طارق بن شهاب أن عمر كتب إلى عمار أن الغنيمة لمن شهد الوقعة
ذكره في قصة (قوله حدثنا صدقة) هو ابن الفضل وقد تقدم هذا الحديث سندا ومتنا في المزارعة
ووجه أخذه من الترجمة أن عمر في هذا الحديث أيضا قد صرح بما دل عليه هذا الأثر الا أنه
عارض عنده حسن النظر لآخر المسلمين فيما يتعلق بالأرض خاصة فوقفها على المسلمين وضرب
عليها الخراج الذي يجمع مصلحتهم وتأول قوله تعالى والذين جاؤوا من بعدهم الآية وروى أبو عبيد
157

في كتاب الأموال من طريق ابن إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد
فشاور في ذلك فقال له علي دعهم يكونوا مادة للمسلمين فتركهم ومن طريق عبد الله بن أبي قيس
أن عمر أراد قسمة الأرض فقال له معاذ ان قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبتدرون
فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة ويأتي القوم يسدون من الاسلام مسدا فلا يجدون شيئا فانظر
أمرا يسع أولهم وآخرهم فاقتضى رأى عمر تأخير قسم الأرض وضرب الخراج عليها للغانمين
ولمن يجئ بعدهم فبقي ما عدا ذلك على اختصاص الغانمين به وبه قال الجمهور وذهب أبو حنيفة
إلى أن الجيش إذا فصلوا من دار الاسلام مددا لجيش آخر فوافوهم بعد الفتح انهم يشتركون
معهم في الغنيمة واحتج بما قسم صلى الله عليه وسلم للأشعريين لما قدموا مع جعفر من خيبر وبما
قسم النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يحضر الوقعة كعثمان في بدر ونحو ذلك فاما قصة الأشعريين
فسيأتي سياقها في غزوة خيبر والجواب عنها سيأتي بعد أبواب وأما الجواب عن مثل قصة عثمان
فأجاب الجمهور عنها بأجوبة أحدها ان ذلك خاص به لا بمن كان مثله ثانيها ان ذلك حيث كانت
الغنيمة كلها للنبي صلى الله عليه وسلم عند نزول يسألونك عن الأنفال ثم نزلت بعد ذلك واعلموا
انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول فصارت أربعة أخماس الغنيمة للغانمين ثالثها على تقدير
أن يكون ذلك بعد فرض الخمس فهو محمول على أنه أعطاء من الخمس والى ذلك جنح المصنف كما
سيأتي رابعها التفرقة بين من كان في حاجة تتعلق بمنفعة الجيش أو بإذن الامام فيسهم له بخلاف
غيره وهذا مشهور مذهب مالك وقال ابن بطال لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم في غير من شهد
الوقعة الا في خيبر فهي مستثناة من ذلك فلا يجعل أصلا يقاس عليه فإنه قسم لأصحاب
السفينة لشدة حاجتهم ولذلك أعطى الأنصار عوض ما كانوا أعطوا المهاجرين أول ما قدموا
عليهم قال الطحاوي ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم استطاب أنفس أهل الغنيمة بما اعطى
الأشعريين وغيرهم وهذا كله في الغنيمة المنقولة وقد تقدم في المزارعة بيان الاختلاف في
الأرض التي يملكها المسلمون عنوة قال ابن المنذر ذهب الشافعي إلى أن عمر استطاب أنفس
الغانمين الذين افتتحوا ارض السواد وان الحكم في ارض العنوة ان تقسم كما قسم النبي صلى الله
عليه وسلم خيبر وتعقب بأنه مخالف لتعليل عمر بقوله لولا آخر المسلمين لكن يمكن ان يقال معناه لولا
آخر المسلمين ما استطبت أنفس الغانمين واما قول عمر كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر
فإنه يريد بعض خيبر لا جميعها قاله الطحاوي وأشار إلى ما روي عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار
ان النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم خيبر عزل نصفها لنوائبه وما ينزل به وقسم النصف الباقي بين
المسلمين فلم يكن لهم عمال فدفعوها إلى اليهود ليعملوها على نصف ما يخرج منها الحديث والمراد
بالذي عزله ما افتتح صلحا وبالذي قسمه ما افتتح عنوة وسيأتي بيان ذلك بادلته في المغازي إن شاء الله
تعالى قال ابن المنير ترجم البخاري بان الغنيمة لمن شهد الوقعة وأخرج قول عمر المقتضي لوقف
الأرض المغنومة وهذا ضد ما ترجم به ثم أجاب بان المطابق لترجمته قول عمر كما قسم رسول الله صلى
الله عليه وسلم خيبر فأومأ البخاري إلى ترجيح القسمة الناجزة والحجة فيه أن الآتي الذي لم يوجد بعد
لا يستحق شيا من الغنيمة الحاضرة بدليل أن الذي يغيب عن الوقعة لا يستحق شيئا بطريق الأولى
(قلت) ويحتمل أن يكون البخاري أراد التوفيق بين ما جاء عن عمر أن الغنيمة لمن شهد الوقعة وبين
158

ما جاء عنه أنه يرى أن توقف الأرض بحمل الأول على أن عمومه مخصوص بغير الأرض قال ابن
المنير وجه احتجاج عمر بقوله تعالى والذين جاؤوا من بعدهم أن الواو عاطفة فيحصل اشتراك من
ذكر في الاستحقاق والجملة في قوله تعالى يقولون في موضع الحال فهي كالشرط للاستحقاق والمعنى
انهم يستحقون في حال الاستغفار ولو أعربناها استئنافية للزم ان كل من جاء بعدهم يكون
مستغفرا لهم والواقع بخلافه فتعين الأول واختلف في الأرض التي أبقاها عمر بغير قسمة فذهب
الجمهور إلى أنه وقفها لنوائب المسلمين وأجرى فيها الخراج ومنع بيعها وقال بعض الكوفيين
أبقاها ملكا لمن كان بها من الكفرة وضرب عليهم الخراج وقد اشتد نكير كثير من فقهاء أهل
الحديث على هذه المقالة ولبسطها موضع غير هذا والله أعلم (قوله باب من قاتل للمغنم
هل ينقص من أجره) ذكر فيه حديث أبي موسى قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم الرجل يقاتل
للمغنم الحديث وقد تقدم شرحه في أثناء الجهاد قال ابن المنير أراد البخاري ان قصد الغنيمة
لا يكون منافيا للاجر ولا منقصا إذا قصد معه اعلاء كلمة الله لان السبب لا يستلزم الحصر ولهذا
يثبت الحكم الواحد بأسباب متعددة ولو كان قصد الغنيمة ينافي قصد الاعلاء لما جاء الجواب عاما
ولقال مثلا من قاتل للمغنم فليس هو في سبيل الله (قلت) وما ادعى أن مراد البخاري فيه بعد
والذي يظهر أن النقص من الاجر أمر نسبي كما تقدم تحرير ذلك في أوائل الجهاد فليس من قصد
اعلاء كلمة الله محضا في الاجر مثل من ضم إلى هذا القصد قصدا آخر من غنيمة أو غيرها وقال بن
المنير في موضع آخر ظاهر الحديث أن من قاتل للمغنم يعني خاصة فليس في سبيل الله وهذا لا أجرا له
البتة فكيف يترجم بنقص الاجر وجوابه ما قدمته (قوله باب قسمة الامام)
ما يقدم عليه) أي من جهة أهل الحرب (قوله ويخبأ لمن لم يحضره) أي في مجلس القسمة أو غاب
عنه اي في غير بلد القسمة قال ابن المنير فيه رد لما اشتهر بين الناس ان الهدية لمن حضر (قلت)
قد سبق الكلام في الهبة على شئ من ذلك (قوله عن عبد الله بن أبي مليكة ان النبي صلى الله عليه
وسلم) هذا هو المعتمد انه من هذا الوجه مرسل ووقع في رواية الأصيلي عن ابن أبي مليكة عن
المسور وهو وهم ويدل عليه ان المصنف قال في آخره رواه ابن علية عن أيوب اي مثل الرواية
الأولى قال وقال حاتم بن وردان عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن المسور وتابعه الليث عن ابن
أبي مليكة فاتفق اثنان عن أيوب على ارساله ووصله ثالث عن أيوب ووافقه آخر عن شيخهم
واعتمد البخاري الموصول لحفظ من وصله ورواية إسماعيل بن علية تأتي موصولة في الأدب
ورواية حاتم بن وردان تقدمت موصولة في الشهادات ورواية الليث تقدمت موصولة في الهبة
وسيأتي شرح الحديث في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى والغرض منه قوله إن النبي صلى الله
عليه وسلم أهديت له أقبية وقوله فيه خبأت لك هذا وهو مطابق لما ترجم له قال ابن بطال
ما اهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين فحلال له أخذه لأنه فئ وله ان يهب منه ما شاء
ويؤثر به من شاء كالفئ وأما من بعده فلا يجوز له أن يختص به لأنه انما أهدى إليه لكونه أميرهم
وقد مضى ما يتعلق بذلك في كتاب الهبة (قوله باب كيف قسم النبي صلى الله عليه
وسلم قريظة والنضير وما أعطى من ذلك من نوائبه) ذكر فيه حديث أنس كان الرجل يجعل
159

للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات حتى افتتح قريظة والنضير وهو مختصر من حديث سيأتي بتمامه
مع بيان الكيفية المترجم بها في المغازي وتقدم التنبيه عليه في أواخر الهبة ومحصل القصة ان
أرض بني النضير كانت مما أفاء الله على رسوله وكانت له خالصة لكنه آثر بها المهاجرين وأمرهم
ان يعيدوا إلى الأنصار ما كانوا واسوهم به لما قدموا عليهم المدينة ولا شئ لهم فاستغنى الفريقان
جميعا بذلك ثم فتحت قريظة لما نقضوا العهد فحوصروا فنزلوا على حكم سعد بن معاذ وقسمها النبي
صلى الله عليه وسلم في أصحابه وأعطى من نصيبه في نوائبه اي في نفقات أهله ومن يطرأ عليه ويجعل
الباقي في السلاح وللكراع عدة في سبيل الله كما ثبت في الصحيحين من حديث مالك بن أوس عن
عمر في بعض طرقه مختصرا (قوله باب بركة الغازي في ماله) هو بالموحدة من البركة
وصحفها بعضهم فقال تركة بالمثناة قال عياض وهي وإن كانت متجهة باعتبار أن في القصة ذكر
ما خلفه الزبير لكن قوله حيا وميتا مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الامر يدل على أن الصواب
ما وقع عند الجمهور بالموحدة وقصة الزبير بن العوام في دينه وما جرى لابنه عبد الله في وفاته من
الأحاديث المذكورة في غير مظنتها والذي يدخل في المرفوع منه قول ابن الزبير وما ولي امارة قط
ولا جباية خراج ولا شيئا الا أن يكون في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهذا القدر هو المطابق
للترجمة وما عدا ذلك كله موقوف وقد ذكروه في مسند الزبير والأولى أن يذكر في مسند عبد الله
ابن الزبير الا أن يحمل على أنه تلقى ذلك عن أبيه ومع ذلك فلا بد من ذكره في حديث عبد الله بن
الزبير لان أكثره موقوف عليه وقد روى الترمذي من وجه آخر عن هشام بن عروة عن أبيه قال
أوصى الزبير إلى ابنه عبد الله يوم الجمل وقال ما مني عضو الا وقد خرج مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقوله قلت لأبي أسامة أحدثكم هشام بن عروة إلى آخره لم يقل في آخره نعم وهو ثابت
في مسند إسحاق بن راهويه بهذا الاسناد ولم أر هذا الحديث بتمامه الا من طريق أبي أسامة وقد
ساقه أبو ذر الهروي في روايته من وجه آخر عنه عاليا فقال حدثنا أبو إسحاق المستملي حدثنا محمد
ابن عبيد حدثنا جويرية بن محمد حدثنا أبو أسامة ووقفت على قطع منه من رواية علي بن مسهر
وغيرها سأبينها إن شاء الله تعالى (قوله لما وقف الزبير يوم الجمل) يريد الوقعة المشهورة التي
كانت بين علي بن أبي طالب ومن معه وبين عائشة رضي الله عنها ومن معها ومن جملتهم الزبير
ونسبت الوقعة إلى الجمل لان يعلى بن أمية الصحابي المشهور كان معهم فأركب عائشة على جمل
عظيم اشتراه بمائة دينار وقيل ثمانين وقيل أكثر من ذلك فوقفت به في الصف فلم يزل الذين معها
يقاتلون حول الجمل حتى عقر الجمل فوقعت عليهم الهزيمة هذا ملخص القصة وسيأتي الالمام بشئ
من سببها في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وكان ذلك في جمادى الأولى أو الآخرة سنة ست
وثلاثين (قوله لا يقتل اليوم الا ظالم أو مظلوم) قال ابن بطال معناه ظالم عند خصمه مظلوم عند
نفسه لان كلا من الفريقين كان يتأول أنه على الصواب وقال ابن التين معناه أنهم اما صحابي
متأول فهو مظلوم واما غير صحابي قاتل لأجل الدنيا فهو ظالم وقال الكرماني ان قيل جميع
الحروب كذلك فالجواب انها أول حرب وقعت بين المسلمين (قلت) ويحتمل أن تكون أو للشك من
الراوي وان الزبير انما قال أحد اللفظين أو للتنويع والمعنى لا يقتل اليوم الا ظالم بمعنى أنه ظن أن
الله يعجل للظالم منهم العقوبة أو لا يقتل اليوم الا مظلوم بمعنى أنه ظن أن الله يعجل له الشهادة وظن
160

على التقديرين أنه يقتل مظلوما اما لاعتقاده أنه كان مصيبا واما لأنه كان سمع من النبي صلى الله
عليه وسلم ما سمع علي وهو قوله لما جاءه قاتل الزبير بشر قاتل ابن صفية بالنار ورفعه إلى النبي صلى
الله عليه وسلم كما رواه أحمد وغيره من طريق زر بن حبيش عن علي باسناد صحيح ووقع عند الحاكم من
طريق عثام بن علي عن هشام بن عروة في هذا الحديث مختصرا قال والله لئن قتلت لأقتلن مظلوما
والله ما فعلت وما فعلت يعني شيئا من المعاصي (قوله واني لا أراني) بضم الهمزة من الظن ويجوز
فتحها بمعنى الاعتقاد وظنه أنه سيقتل مظلوما قد تحقق لأنه قتل غدرا بعد أن ذكره علي فانصرف
عن القتال فنام بمكان ففتك به رجل من بني تميم يسمى عمرو بن جرموز بضم الجيم والميم بينهما راء
ساكنة وآخره زاي فروى ابن أبي خيثمة في تاريخه من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى قال انا لمع
علي لما التقي الصفان فقال أين الزبير فجاء الزبير فجعلنا ننظر إلى يد علي يشير بها إذ ولي الزبير قبل
أن يقع القتال وروى الحاكم من طرق متعددة أن عليا ذكر الزبير بان النبي صلى الله عليه وسلم
قال له لتقاتلن عليا وأنت ظالم له فرجع لذلك وروى يعقوب بن سفيان وخليفة في تاريخهما
من طريق عمرو بن جاوان بالجيم قال فانطلق الزبير منصرفا فقتله عمرو بن جرموز بوادي السباع
(قوله وان من أكبر همي لديني) في رواية عثام انظر يا بني ديني فاني لا أدع شيئا أهم إلي منه (قوله
وأوصى بالثلث) أي ثلث ماله (وثلثه) أي ثلث الثلث وقد فسره في الخبر (قوله فان فضل من مالنا
فضل بعد قضاء الدين فثلثه لولدك) قال المهلب معناه ثلث ذلك الفضل الذي أوصى به من الثلث
لبنيه كذا قال وهو كلام معروف من خارج لكنه لا يوضح اللفظ الوارد وضبط بعضهم قول فثلثه
لولدك بتشديد اللام بصيغة الامر من التثليث وهو أقرب (قوله قال هشام) هو ابن عروة راوي
الخبر وهو متصل بالاسناد المذكور (قوله وكان بعض ولد عبد الله) اي ابن الزبير (قد وازى)
بالزاي أي ساوى وفيه استعمال وازى بالواو خلافا للجوهري فإنه قال يقال آزى بالهمز ولا يقال
وازى والمراد أنه ساواهم في السن قال ابن بطال يحتمل أنه ساوى بنو عبد الله في انصبائهم من
الوصية أولاد الزبير في انصبائهم من الميراث قال وهذا أولى والا لم يكن لذكر كثرة أولاد الزبير معنى
(قلت) وفيه نظر لأنه في تلك الحالة لم يظهر مقدار المال الموروث ولا الموصى به وأما قوله لا يكون
له معنى فليس كذلك لان المراد انه انما خص أولاد عبد الله دون غيرهم لانهم كبروا وتأهلوا حتى
ساووا أعمامهم في ذلك فجعل لهم نصيبا من المال ليتوفر على أبيهم حصته وقوله خبيب بالمعجمة
والموحدتين مصغر وهو أكبر ولد عبد الله بن الزبير وبه كان يكنيه من لا يريد تعظيمه لأنه كنى في
الأول بكنية جده لامه أبي بكر وقوله خبيب وعباد بالرفع أي هم خبيب وعباد وغيرهما واقتصر
عليهما كالمثال والا ففي أولاده أيضا من ساوى بعض ولد الزبير في السن ويجوز جره (3) على أنه بيان
للبعض وقوله وله أي للزبير وأغرب الكرماني فجعله ضميرا لعبد الله فلا يغتر به وقوله تسعة بنين
وتسع بنات فاما أولاد عبد الله إذ ذاك فهم خبيب وعباد وقد ذكرا وهاشم وثابت وأما سائر ولده
فولدوا بعد ذلك وأما أولاد الزبير فالتسعة الذكور هم عبد الله وعروة والمنذر أمهم أسماء بنت أبي
بكر وعمرو وخالد أمهما أم خالد بنت خالد بن سعيد ومصعب وحمزة أمهما الرباب بنت أنيف وعبيدة
وجعفر أمهما زينب بنت بشر وسائر ولد الزبير غير هؤلاء ماتوا قبله والتسع الإناث هن خديجة
الكبرى وأم الحسن وعائشة أمهن أسماء بنت أبي بكر وحبيبة وسودة وهند أمهن أم خالد ورملة
161

أمها الرباب وحفصة أمها زينب وزينب أمها أم كلثوم بنت عقبة (قوله الا أرضين منها
الغابة) كذا فيه وصوابه منهما بالتثنية والغابة بالغين المعجمة والموحدة الخفيفة أرض عظيم شهيرة
من عوالي المدينة (قوله ودارا بمصر) استدل به على أن مصر فتحت صلحا وفيه نظر لأنه لا يلزم من
قولنا فتحت عنوة امتناع بناء أحد الغانمين ولا غيرهم فيها (قوله لا ولكنه سلف) أي ما كان
يقبض من أحد وديعة الا ان رضي صاحبها أن يجعلها في ذمته وكان غرضه بذلك انه كان يخشى
على المال أن يضيع فيظن به التقصير في حفظه فرأى أن يجعله مضمونا فيكون أوثق لصاحب
المال وأبقى لمروءته زاد ابن بطال وليطيب له ربح ذلك المال (قلت) وروى الزبير بن بكار من
طريق هشام بن عروة ان كلا من عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومطيع بن الأسود وأبي العاص
ابن الربيع وعبد الله بن مسعود والمقداد بن عمرو أوصى إلى الزبير بن العوام (قوله وما ولي
خراجا قط الخ) أي ان كثرة ماله ما حصلت من هذه الجهات المقتضية لظن السوء بأصحابها
بل كان كسبه من الغنيمة ونحوها وقد روى الزبير بن بكار باسناده ان الزبير كان له ألف مملوك
يؤدون إليه الخراج وروى يعقوب بن سفيان مثله من وجه آخر (قوله قال عبد الله بن الزبير)
هو متصل بالاسناد المذكور وقوله فحسبت بفتح السين المهملة من الحساب (قوله فلقي حكيم بن
حزام) بالرفع على الفاعلية وعبد الله بالنصب على المفعولية قال ابن بطال انما قال له مائة ألف
وكتم الباقي لئلا يستعظم حكيم ما استدان به الزبير فيظن به عدم الحزم وبعبد الله عدم الوفاء
بذلك فينظر إليه بعين الاحتياج إليه فلما استعظم حكيم أمر مائة ألف احتاج عبد الله أن يذكر
له الجميع ويعرفه انه قادر على وفائه وكان حكيم بن حزام ابن عم الزبير بن العوام قال ابن بطال ليس
في قوله مائة ألف وكتمانه الزائد كذب لأنه أخبر ببعض ما عليه وهو صادق (قلت) لكن من
يعتبر مفهوم العدد يراه اخبارا بغير الواقع ولهذا قال ابن التين في قوله فان عجزتم عن شئ
فاستعينوا بي مع قوله في الأول ما أراكم تطيقون هذا بعض التجوز وكذا في كتمان عبد الله بن
الزبير ما كان على أبيه وقد روى يعقوب بن سفيان من طريق عبد الله بن المبارك ان حكيم بن
حزام بذل لعبد الله بن الزبير مائة ألف اعانة له على وفاء دين أبيه فامتنع فبذل له مائتي ألف فامتنع
إلى أربعمائة ألف ثم قال لم أرد منك هذا ولكن تنطلق معي إلى عبد الله بن جعفر فانطلق معه وبعبد
الله بن عمر يستشفع بهم عليه فلما دخلوا عليه قال أجئت بهؤلاء تستشفع بهم علي هي لك قال
لا أريد ذلك قال فاعطني بها نعليك هاتين أو نحوها قال لا أريد قال فهي عليك إلى يوم القيامة قال
لا قال فحكمك قال أعطيك بها أرضا فقال نعم فأعطاه قال فرغب معاوية فيها فاشتراها منه
بأكثر من ذلك (قوله وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله) أي ابن
الزبير (بألف ألف وستمائة ألف) كأنه قسمها ستة عشر سهما لأنه قال بعد ذلك لمعاوية انها
قومت كل سهم بمائة ألف (قوله فاتاه عبد الله بن جعفر) أي بن أبي طالب (قوله وقال عبد الله)
أي ابن الزبير (قوله فباع منها) أي من الغابة والدور لا من الغابة وحدها لأنه تقدم ان الدين
ألف ألف ومائتا الف وانه باع الغابة بألف ألف وستمائة ألف وقد جاء من وجه آخر انه باع نصيب
الزبير من الغابة لعبد الله بن جعفر في دينه فذكر الزبير بن بكار في ترجمة حكيم بن حزام عن عمه
162

مصعب بن عبد الله 3 بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال سمعت أبي يقول قال عبد الله بن الزبير قتل
أبي وترك دينا كثيرا فاتيت حكيم بن حزام أستعين برأيه وأستشيره فذكر قصة وفيها فقال ابن أخي
ذكرت دين أبيك فإن كان ترك مائة ألف فنصفها على قلت أكثر من ذلك إلى أن قال لله أنت كم ترك
أبوك قال فذكرت له أنه ترك ألفي ألف قال ما أراد أبوك الا أن يدعنا عالة قلت فإنه ترك وفاء وانما
جئت أستشيرك فيها بسبعمائة ألف لعبد الله بن جعفر وله شرك في الغابة فقال اذهب فقاسمه
فان سألك البيع قبل القسمة فلا تبعه ثم اعرض عليه فان رغب فبعه قال فجئت فجعل أمر
القسمة إلى فقسمتها وقلت اشتر مني ان شئت فقال قد كان لي دين وقد أخذتها منك به قال قلت
هي لك فبعث معاوية فاشتراها كلها منه بألفي ألف ويمكن الجمع باطلاق الكل على المعظم فقد
تقدم انه كان بقي منها بغير بيع أربعة أسهم ونصف بأربعمائة ألف وخمسين ألفا فيكون الحاصل
من ثمنها إذ ذاك ألف ألف ومائه ألف وخمسين ألفا خاصة فيبقى من الدين ألف ألف وخمسون ألفا
وكأنه باع بها شيئا من الدور وقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق علي بن مسهر عن هشام ابن عروة قال توفي الزبير وترك عليه من الدين ألفي ألف فضمنها عبد الله بن الزبير فاداها ولم
تقع في التركة داره التي بمكة ولا التي بالكوفة ولا التي بمصر هكذا أورده مختصرا فأفاد أنه كان له
دار بمكة ولم يقع ذكرها في الحديث الطويل ويستفاد منه ما أولته لأنه تقدم انه كان له إحدى
عشرة دارا بالمدينة وداران بالبصرة غير ما ذكر وروى أبو العباس السراج في تاريخه حدثنا أحمد
بن أبي السفر حدثنا أبو أسامة بسنده المذكور قال لما قدم يعني عبد الله بن الزبير مكة فاستقر
عنده أي ثبت قتل الزبير نظر فيما عليه من الدين فجاءه عبد الله بن جعفر فقال إنه كان لي على أخي
شئ ولا أحسبه ترك به وفاء أفتحب ان أجعله في حل فقال له ابن الزبير وكم هو قال أربعمائة ألف قال
فإنه ترك بها وفاء بحمد الله (قوله فقدم على معاوية) أي في خلافته وهذا فيه نظر لأنه ذكر أنه
أخر القسمة أربع سنين استبراء للدين كما سيأتي فيكون آخر الأربع سنة أربعين وذلك قبل أن
يجتمع الناس على معاوية فلعل هذا القدر من الغابة كان ابن الزبير أخذه من حصته أو من نصيب
أولاده ويؤيده ان في سياق القصة ما يؤخذ منه ان هذا القدر دار بينهم بعد وفاء الدين ولا يمنعه
قوله بعد ذلك فلما فرغ عبد الله من قضاء الدين لأنه يحمل على أن قصة وفادته على معاوية كانت
بعد وفاء الدين وما اتصل به من تأخر القسمة بين الورثة لاستبراء بقية من له دين ثم وفد بعد ذلك
وبهذا يندفع الاشكال المتقدم وتكون وفادته على معاوية في خلافته جزما والله أعلم (قوله
وقال ابن زمعة) هو عبد الله (قد أخذت سهما مائة ألف) هو بنصب مائة على نزع الخافض (قوله
فباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية) أي بعد ذلك (بستمائة ألف) أي فربح مائتي ألف (قوله
وكان للزبير أربع نسوة) أي مات عنهن وهن أم خالد والرباب وزينب المذكورات قبل وعاتكة
بنت يزيد أخت سعيد بن زيد أحد العشرة وأما أسماء وأم كلثوم فكان طلقهما وقيل أعاد أسماء
وطلق عاتكة فقتل وهي في عدتها منه فصولحت كما سيأتي (قوله ورفع الثلث) أي الموصى به (قوله
فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف) هذا يقتضي ان الثمن كان أربعة آلاف ألف وثمانمائة
ألف (قوله فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف) في رواية أبي نعيم من طريق أبي مسعود
الراوي عن أبي أسامة ان ميراث الزبير قسم على خمسين ألف ألف ومائتي ألف ونيف زاد على رواية
163

اسحق ونيف وفيه نظر لأنه إذا كان لكل زوجة ألف ألف ومائتا ألف فنصيب الأربع أربعة
آلاف ألف وثمانمائة ألف وهذا هو الثمن ويرتفع من ضربه في ثمانية ثمانية وثلاثون ألف ألف
وأربعمائة ألف وهذا القدر هو الثلثان فإذا ضم إليه الثلث الموصى به وهو قدر نصف الثلثين
وجملته تسعة عشر ألف ألف ومائتا ألف كان جملة ماله على هذا سبعة وخمسين الف الف وستمائة
ألف وقد نبه على ذلك قديما ابن بطال ولم يجب عنه لكنه وهم فقال وتسعمائة الف وتعقبه ابن
المنير فقال الصواب وستمائة الف وهو كما قال وقال ابن التين نقص عن التحرير سبعة آلاف الف
وأربعمائة الف يعني خارجا عن قدر الدين وهو كما قال وهذا تفاوت شديد في الحساب وقد ساق
البلاذري في تاريخه هذا الحديث عن الحسين بن علي بن الأسود عن أبي أسامة بسنده فقال فيه
وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة من ثمن عقاراته الف الف ومائة الف وكان الثمن أربعة
آلاف الف وأربعمائة الف وكان ثلثا المال الذي اقتسمه الورثة خمسة وثلاثين الف الف ومائتي
الف وكذلك أخرجه ابن سعد عن أبي أسامة فعلى هذا إذا انضم إليه نصفه وهو سبعة عشر ألف
الف وستمائة الف كان جميع المال اثنين وخمسين ألف ألف وثمانمائة الف فيزيد عما وقع في
الحديث ألفي ألف وستمائة الف وهو أقرب من الأول فلعل المراد ان القدر المذكور وهو ان لكل
زوجة الف الف ومائة الف كان لو قسم المال كله بغير وفاء الدين لكن خرج الدين من حصة
كل أحد منهم فيكون الذي يورث ما عدا ذلك وبهذا التقرير يخف الوهم في الحساب ويبقى
التفاوت أربعمائة ألف فقط لكن روى ابن سعد بسند آخر ضعيف عن هشام بن عروة عن أبيه
ان تركة الزبير بلغت أحدا أو اثنين وخمسين ألف الف وهذا أقرب من الأول لكنه أيضا
لا تحرير فيه وكأن القوم أتوا من عدم القاء البال لتحرير الحساب إذا الغرض فيه ذكر الكثرة التي
نشأت عن البركة في تركة الزبير إذ خلف دينا كثيرا ولم يخلف الا العقار المذكور ومع ذلك فبورك
فيه حتى تحصل منه هذا المال العظيم وقد جرت للعرب عادة بالغاء الكسور تارة وجبرها أخرى
فهذا من ذاك وقد وقع الغاء الكسور في هذه القصة في عدة روايات بصفات مختلفة ففي رواية علي
ابن مسهر عن هشام عند أبي نعيم بلغ ثم نساء الزبير ألف الف وترك عليه من الدين ألفي ألف وفي
رواية عثام بن علي عن هشام عند يعقوب بن سفيان ان الزبير قال لابنه انظر ديني وهو الف ألف
ومائتا الف وفي رواية أبي معاوية عن هشام ان قيمة ما تركه الزبير كان خمسين الف الف وفي رواية
السراج ان جملة ما حصل من عقاره نيف وأربعون الف ألف وعند ابن سعد من حديث ابن
عيينة ان ميراثه قسم على أربعين ألف الف وهكذا أخرجه الحميدي في النوادر عن سفيان عن
هشام بن عروة وفي المجالسة للدينوري من طريق محمد بن عبيد عن أبي أسامة ان الزبير ترك من
العروض قيمة خمسين ألف الف والذي يظهر أن الرواة لم يقصدوا إلى التحرير البالغ في ذلك كما تقدم
وقد حكى عياض عن ابن سعد ما تقدم ثم قال فعلى هذا يصح قوله إن جميع المال خمسون ألف
الف ويبقى الوهم في قوله ومائتا الف قال فان الصواب أن يقول مائة الف واحدة قال وعلى هذا
فقد وقع في الأصل الوهم في لفظ مائتا الف حيث وقع في نصيب الزوجات وفي الجملة فإنما الصواب
مائة ألف واحدة حيث وقع في الموضعين (قلت) وهو غلط فاحش يتعجب من وقوع مثله فيه
مع تيقظه للوهم الذي في الأصل وتفرغ باله للجمع والقسمة وذلك أن نصيب كل زوجة إذا كان
164

ألف الف ومائة الف لا يصح معه ان يكون جميع المال خمسين الف الف ومائة الف بل انما يصح
ان يكون جميع المال خمسين الف الف ومائة الف إذا كان نصيب كل زوجة الف الف وثلاثة
وأربعين ألفا وسبعمائة وخمسين على التحرير وقرأت بخط القطب الحلبي عن الدمياطي ان الوهم
انما وقع في رواية أبي أسامة عند البخاري في قوله في نصيب كل زوجة انه الف الف ومائتا الف وان
الصواب انه الف الف سواء بغير كسر وإذا اختص الوهم بهذه اللفظة وحدها خرج بقية ما فيه على
الصحة لأنه يقتضي ان يكون الثمن أربعة آلاف الف فيكون ثمنا من أصل اثنين وثلاثين وإذا
انضم إليه الثلث صار ثمانية وأربعين وإذا انضم إليها الدين صار الجميع خمسين الف الف ومائتي
الف فلعل بعض رواته لما وقع له ذكر مائتا الف عند الجملة ذكرها عند نصيب كل زوجة سهوا
وهذا توجيه حسن ويؤيده ما روى أبو نعيم في المعرفة من طريق أبي معشر عن هشام عن أبيه
قال ورثت كل امرأة للزبير ربع الثمن الف ألف درهم وقد وجهه الدمياطي أيضا بأحسن منه
فقال ما حاصله ان قوله فجميع مال الزبير خمسون الف الف ومائتا الف صحيح والمراد به قيمة ما خلفه
عند موته وان الزائد على ذلك وهو تسعة آلاف الف وستمائة الف بمقتضى ما يحصل من صرب
الف الف ومائتي الف وهو ربع الثمن في ثمانية مع ضم الثلث كما تقدم ثم قدر الدين حتى يرتفع من
الجميع تسعة وخمسون ألف ألف وثمانمائة ألف حصل هذا الزائد من نماء العقار والأراضي
في المدة التي أخر فيها عبد الله بن الزبير قسم التركة استبراء للدين كما تقدم وهذا التوجيه في غاية
الحسن لعدم تكلفه وتبقية الرواية الصحيحة على وجهها وقد تلقاه الكرماني فذكره ملخصا
ولم ينسبه لقائله ولعله من توارد الخواطر والله أعلم وأما ما ذكره الزبير بن بكار في النسب في ترجمة
عاتكة وأخرجه الحاكم في المستدرك أن عبد الله بن الزبير صالح عاتكة بنت زيد عن نصيبها
من الثمن على ثمانين ألفا فقد استشكله الدمياطي وقال بينه وبين ما في الصحيح بون بعيد والعجب
من الزبير كيف ما تصدى لتحرير ذلك (قلت) ويمكن الجمع بان يكون القدر الذي صولحت به
قدر ثلثي العشر من استحقاقها وكان ذلك برضاها ورد عبد الله بن الزبير بقية استحقاقها على
من صالحها له ولا ينافي ذلك أصل الجملة وأما ما أخرجه الواقدي عن أبي بكر بن أبي سبرة عن
هشام بن عروة عن أبيه قال قيمة ما ترك الزبير أحد وخمسون ألف ألف فلا يعارض ما تقدم
لعدم تحريره وقال ابن عيينة قسم مال الزبير على أربعين ألف ألف أخرجه ابن سعد وهو
محمول على الغاء الكسر وفي هذا الحديث من الفوائد ندب الوصية عند حضور أمر يخشى منه
الفوت وان للوصي تأخير قسمة الميراث حتى توفى ديون الميت وتنفذ وصاياه إن كان له ثلث
وأن له ان يستبرئ أمر الديون وأصحابها قبل القسمة وان يؤخرها بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده
ولا يخفى ان ذلك يتوقف على اجازة الورثة والا فمن طلب القسمة بعد وفاء الدين الذي وقع العلم به
وصمم عليها أجيب إليها ولم يتربص به انتظار شئ متوهم فإذا ثبت بعد ذلك شئ استعيد منه
وبهذا يتبين ضعف من استدل بهذه القصة لمالك حيث قال إن أجل المفقود أربع سنين والذي
يظهر ان ابن الزبير انما اختار التأخير أربع سنين لان المدن الواسعة التي يؤتى الحجاز من جهتها
إذ ذاك كانت أربعا اليمن والعراق والشام ومصر فبنى على أن كل قطر لا يتأخر أهله في الغالب
عن الحج أكثر من ثلاثة أعوام فيحصل استيعابهم في مدة الأربع ومنهم في طول المدة يبلغ الخبر
165

من وراءهم من الأقطار وقيل لان الأربع هي الغاية في الآحاد بحسب ما يمكن أن يتركب منه
العشرات لان فيها واحدا واثنين وثلاثة وأربعة ومجموع ذلك عشرة واختار الموسم لأنه مجمع
الناس من الآفاق وفيه جواز التربص بوفاء الدين إذا لم تكن التركة نقدا ولم يختر صاحب
الدين الا النقد وفيه جواز الوصية للأحفاد إذا كان من يحجبهم من الآباء موجودا وفيه ان
الاستدانة لا تكره لمن كان قادرا على الوفاء وفيه جواز شراء الوارث من التركة وان الهبة لا تملك
الا بالقبض وان ذلك لا يخرج المال عن ملك الأول لان ابن جعفر عرض علي ابن الزبير أن يحللهم
من دينه الذي كان على الزبير فامتنع ابن الزبير وفيه بيان جود ابن جعفر لسماحته بهذا المال
العظيم وان من عرض على شخص أن يهبه شيئا فامتنع ان الواهب لا يعد راجعا في هبته وأما
امتناع ابن الزبير فهو محمول على أن بقية الورثة وافقوه على ذلك وعلم أن غير البالغين ينفذون
له ذلك إذا بلغوا وأجاب ابن بطال بان هذا ليس من الامر المحكوم به عند التشاح وانما يؤمر
به في شرف النفوس ومحاسن الأخلاق اه والذي يظهر أن ابن الزبير تحمل بالدين كله على ذمته
والتزم وفاءه ورضي الباقون بذلك كما تقدمت الإشارة إليه قريبا لانهم لو لم يرضوا لم يفدهم
ترك بعض أصحاب الدين دينه لنقص الموجود في تلك الحالة عن الوفاء لظهور قلته وعظم كثرة
الدين وفيه مبالغة الزبير في الاحسان لأصدقائه لأنه رضي أن يحفظ لهم ودائعهم في غيبتهم
ويقوم بوصاياهم على أولادهم بعد موتهم ولم يكتف بذلك حتى احتاط لأموالهم وديعة أو وصية
بان كان يتوصل إلى تصييرها في ذمته مع عدم احتياجه إليها غالبا وانما ينقلها من اليد للذمة
مبالغة في حفظها لهم وفي قول ابن بطال المتقدم كان يفعل ذلك ليطيب له ربح ذلك المال نظر
لأنه يتوقف على ثبوت أنه كان يتصرف فيه بالتجارة وان كثرة ماله انما زادت بالتجارة والذي يظهر
خلاف ذلك لأنه لو كان كذلك لكان الذي خلفه حال موته يفي بالدين ويزيد عليه والواقع أنه كان
دون الديون بكثير الا أن الله تعالى بارك فيه بان ألقى في قلب من أراد شراء العقار الذي خلفه
الرغبة في شرائه حتى زاد على قيمته اضعافا مضاعفة ثم سرت تلك البركة إلى عبد الله بن جعفر لما
ظهر منه في هذه القصة من مكارم الأخلاق حتى ربح في نصيبه من الأرض ما أربحه
معاوية وفيه أن لا كراهة في الاستكثار من الزوجات والخدم وقال ابن الجوزي فيه رد على من
كره جمع الأموال الكثيرة من جهلة المتزهدين وتعقب بان هذا الكلام لا يناسب مقامه من
حيث كونه لهجا بالوعظ فان من شان الواعظ التحريض على الزهد في الدنيا والتقلل منها وكون
مثل هذا لا يكره للزبير وأنظاره لا يطرد وفيه بركة العقار والأرض لما فيه من النفع العاجل
والآجل بغير كثير تعب ولا دخول في مكروه كاللغو الواقع في البيع والشراء وفيه اطلاق اللفظ
المشترك لمن يظن به معرفة المراد والاستفهام لمن لم يتبين له لان الزبير قال لابنه استعن عليه مولاي
والمولى لفظ مشترك فجوز ابن الزبير أن يكون أراد بعض عتقائه مثلا فاستفهمه فعرف حينئذ
مراده وفيه منزلة الزبير عند نفسه وأنه في تلك الحالة كان في غاية الوثوق بالله والاقبال عليه
والرضا بحكمه والاستعانة به ودل ذلك على أنه كان في نفسه محقا مصيبا في القتال ولذلك قال إن
أكبر همه دينه ولو كان يعتقد أنه غير مصيب أو أنه آثم باجتهاده ذلك لكان اهتمامه بما هو فيه
من أمر القتال أشد ويحتمل أن يكون اعتمد على أن المجتهد يؤجر على اجتهاده ولو أخطأ وفيه شدة
166

أمر الدين لان مثل الزبير مع ما سبق له من السوابق وثبت له من المناقب رهب من وجوه مطالبة
من له في جهته حق بعد الموت وفيه استعمال التجوز في كثير من الكلام كما تقدم وقد وقع ذلك
أيضا في قوله أربع سنين في المواسم لأنه ان عد موسم سنة ست وثلاثين فلم يؤخر ذلك الا ثلاث
سنين ونصفا وان لم يعده فقد أخر ذلك أربع سنين ونصفا ففيه الغاء الكسر أو جبره وفيه قوة نفس
عبد الله بن الزبير لعدم قبوله ما سأله حكيم بن حزام من المعاونة وما سأله عبد الله بن جعفر من
المحاللة (قوله باب إذا بعث الامام رسولا في حاجة أو أمره بالمقام) اي ببلده (هل
يسهم له) أي مع الغانمين أم لا (قوله حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل وقوله عثمان بن موهب بوزن
جعفر قال أبو علي الجياني وقع في نسخة أبي محمد عن أبي أحمد يعني الأصيلي عن الجرجاني عمرو بن
عبد الله وهو غلط وذكر الحديث عن ابن عمر مختصرا في قصة تخلف عثمان عن بدر وسيأتي
مطولا بهذا الاسناد على الصواب في مناقب عثمان وقد تقدم بيان الاختلاف في هذه المسئلة
في باب الغنيمة لمن شهد الوقعة (قوله باب) بالتنوين (ومن الدليل) هو عطف على
الترجمة التي قبل ثمانية أبواب حيث قال الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقال هنا لنوائب المسلمين وقال بعد باب ومن الدليل على أن الخمس للامام والجمع بين هذه
التراجم أن الخمس لنوائب المسلمين والى النبي صلى الله عليه وسلم مع تولي قسمته أن يأخذ منه
ما يحتاج إليه بقدر كفايته والحكم بعده كذلك يتولى الامام ما كان يتولاه هذا محصل ما ترجم به
المصنف وقد تقدم توجيهه وتبيين الاختلاف فيه وجوز الكرماني أن تكون كل ترجمة على وفق
مذهب من المذاهب وفيه بعد لان أحدا لم يقل ان الخمس للمسلمين دون النبي صلى الله عليه وسلم
ودون الامام ولا للنبي صلى الله عليه وسلم دون المسلمين وكذا للامام فالتوجيه الأول هو اللائق
وقد أشار الكرماني أيضا إلى طريق الجمع بينها فقال لا تفاوت من حيث المعنى إذ نوائب رسول
الله صلى الله عليه وسلم نوائب المسلمين والتصرف فيه له وللامام بعده (قلت) والأولى أن يقال
ظاهر لفظ التراجم التخالف ويرتفع بالنظر في المعنى إلى التوافق وحاصل مذاهب العلماء أكثر
من ثلاثة * أحدها قول أئمة المخالفة الخمس يؤخذ من سهم الله ثم يقسم الباقي خمسة كما في الآية
الثاني عن بن عباس خمس الخمس لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم وأربعة للمذكورين
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد سهم الله ورسوله لذوي القربى ولا يأخذ لنفسه شيئا * الثالث قول
زين العابدين الخمس كله لذوي القربى والمراد باليتامى يتامى ذوي القربى وكذلك المساكين
وابن السبيل أخرجه ابن جرير عنه لكن السند إليه واه * الرابع هو للنبي صلى الله عليه وسلم
فخمسه لخاصته وباقيه لتصرفه * الخامس هو للامام ويتصرف فيه بالمصلحة كما يتصرف في الفئ
* السادس يرصد لمصالح المسلمين * السابع يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم لذوي القربى ومن
ذكر بعدهم في الآية (قوله ما سأل هوازن النبي صلى الله عليه وسلم برضاعه فيهم فتحلل من
المسلمين) هوازن فاعل والمراد القبيلة وأطلقها على بعضهم مجازا والنبي بالنصب على المفعولية
وقوله برضاعه أي بسبب رضاعه لان حليمة السعدية مرضعته كانت منهم وقد ذكر قصة سؤال
هوازن من طريق المسور بن مخرمة ومروان موصولة ولكن ليس فيها تعرض لذكر الرضاع
وانما وقع ذلك فيما أخرجه ابن إسحاق في المغازي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
167

فذكر القصة مطولة وفيها شعر زهير بن صرد حيث قال فيه
امنن على نسوة قد كنت ترضعها * إذ فوك يملؤه من محضها الدرر
وسيأتي بيان ما في سياقه من فائدة زائدة عند الكلام على حديث المسور في المغازي إن شاء الله
تعالى وتقدم شرح بعض ألفاظه في أواخر العتق (قوله وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعد
الناس أن يعطيهم من الفئ والانفال من الخمس وما أعطى الأنصار وما أعطى جابر بن عبد الله
من تمر خيبر) أما حديث الوعد من الفئ فيظهر من سياق حديث جابر وأما حديث الأنفال من
الخمس فمذكور في الباب من حديث ابن عمر وأما حديث اعطاء الأنصار فتقدم من حديث أنس
قريبا وأما حديث اعطاء جابر من تمر خيبر فهو في حديث أخرجه أبو داود وظهر من سياقه ان
حديث جابر الذي ترجم به المصنف للباب طرف منه ثم ذكر المصنف في الباب سبعة أحاديث
* الأول حديث المسور وقد نبهت عليه وتقدم بعضه بهذا الاسناد بعينه في الوكالة * الثاني
حديث أبي موسى الأشعري (قوله قال وحدثني القاسم بن عاصم الكليبي) بموحدة مصغر
والقائل ذلك هو أيوب بين ذلك عبد الوهاب الثقفي عن أيوب كما سيأتي في الايمان والنذور
(قوله فاتى ذكر دجاجة) كذا لأبي ذر فاتى بصيغة الفعل الماضي من الاتيان وذكر بكسر الذال
وسكون الكاف ودجاجة بالجر والتنوين على الإضافة وكذا للنسفي وفي رواية الأصيلي فاتى بضم
الهمزة على البناء لما لم يسم فاعله وذكر بفتحتين ودجاجة بالنصب والتنوين على المفعولية كأن
الراوي لم يستحضر اللفظ كله وحفظ منه لفظ دجاجة قال عياض وهذا أشبه لقوله في الطريق
الأخرى فاتى بلحم دجاج ولقوله في حديث الباب فدعاه للطعام أي الذي في الدجاجة وسيأتي في
النذور بلفظ فأتى بطعام فيه دجاج وهو المراد (قوله وعنده رجل من بني تيم الله) هو نسبة إلى
بطن من بني بكر بن عبد مناة وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في الايمان والنذور وأبين
هناك ما قيل في اسمه ومناسبته للترجمة من جهة انهم سألوه فلم يجد ما يحملهم عليه ثم حضر شئ
من الغنائم فحملهم منها وهو محمول على أنه حملهم على ما يختص بالخمس وإذا كان له التصرف
168

بالتنجيز من غير تعليق فكذا له التصرف بتنجيز ما علق * الثالث حديث ابن عمر (قوله بعث سرية)
ذكرها المصنف في المغازي بعد غزوة الطائف وسيأتي بيان ذلك في مكانه (قوله قبل نجد) بكسر
القاف وفتح الموحدة أي جهتها (قوله فغنموا إبلا كثيرة) في رواية عند مسلم فأصبنا إبلا وغنما
(قوله فكانت سهمانهم) أي أنصباؤهم والمراد أنه بلغ نصيب كل واحد منهم هذا القدر وتوهم
بعضهم ان ذلك جميع الأنصباء قال النووي وهو غلط (قوله اثنى عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا
ونفلوا بعيرا بعيرا) هكذا رواه مالك بالشك والاختصار وابها الذي نفلهم وقد وقع بيان ذلك في
رواية ابن إسحاق عن نافع عند أبي داود ولفظه فخرجت فيها فأصبنا نعما كثيرا وأعطانا أميرنا
بعيرا بعيرا لكل انسان ثم قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فقسم بيننا غنيمتنا فأصاب كل رجل
منا اثنا عشر بعيرا بعد الخمس وأخرجه أبو داود أيضا من طريق شعيب بن أبي حمزة عن نافع
ولفظه بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد واتبعت سرية من الجيش
وكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا فكانت
سهمانهم ثلاثة عشر بعيرا ثلاثة عشر بعيرا وأخرجه ابن عبد البر من هذا الوجه وقال في روايته
ان ذلك الجيش كان أربعة آلاف قال ابن عبد البر اتفق جماعة رواة الموطأ على روايته بالشك
الا الوليد بن مسلم فإنه رواه عن شعيب ومالك جميعا فلم يشك وكأنه حمل رواية مالك على رواية
شعيب (قلت) وكذا أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك والليث بغير شك فكأنه أيضا
حمل رواية مالك على رواية الليث قال ابن عبد البر وقال سائر أصحاب نافع اثني عشر بعيرا بغير
شك لم يقع الشك فيه الا من مالك (قوله ونفلوا بعيرا بعيرا) بلفظ الفعل الماضي من غير مسمى
والنفل زيادة يزادها الغازي على نصيبه من الغنيمة ومنه نفل الصلاة وهو ما عدا الفرض
واختلف الرواة في القسم والتنفيل هل كانا جميعا من أمير ذلك الجيش أو من النبي صلى الله عليه
وسلم أو أحدهما من أحدهما فرواية ابن إسحاق صريحة أن التنفيل كان من الأمير والقسم من
النبي صلى الله عليه وسلم وظاهر رواية الليث عن نافع عند مسلم ان ذلك صدر من أمير الجيش وأن
النبي صلى الله عليه وسلم كان مقررا لذلك ومجيزا له لأنه قال فيه ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم
وفي رواية عبد الله بن عمر عنده أيضا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا وهذا يمكن
أن يحمل على التقرير فتجتمع الروايتان قال النووي معناه ان أمير السرية نفلهم فاجازه النبي
صلى الله عليه وسلم فجازت نسبته لكل منهما وفي الحديث أن الجيش إذا انفرد منه قطعة فغنموا شيئا
كانت الغنيمة للجميع قال ابن عبد البر لا يختلف الفقهاء في ذلك أي إذا خرج الجيش جميعه ثم
انفردت منه قطعة انتهى وليس المراد الجيش القاعد في بلاد الاسلام فإنه لا يشارك الجيش
الخارج إلى بلاد العدو بل قال ابن دقيق العيد ان الحديث يستدل به على أن المنقطع من الجيش
عن الجيش الذي فيه الامام ينفرد بما يغنمه قال وانما قالوا بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبا
منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا انتهى وهذا القيد في مذهب مالك وقال إبراهيم النخعي
للامام أن ينفل السرية جميع ما غنمته دون بقية الجيش مطلقا وقيل إنه انفرد بذلك وفيه
مشروعية التنفيل ومعناه تخصيص من له أثر في الحرب بشئ من المال لكنه خصه عمرو ابن
شعيب بالنبي صلى الله عليه وسلم دون من بعده نعم وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش كأن
169

يحرض على القتال ويعد بان ينفل الربع إلى الثلث قبل القسم واعتل بان القتال حينئذ يكون
للدنيا قال فلا يجوز مثل هذا انتهى وفي هذا رد على من حكى الاجماع على مشروعيته وقد اختلف
العلماء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال
والثلاثة الأول مذهب الشافعي والأصح عندهم أنها من خمس الخمس ونقله منذر بن سعيد عن
مالك وهو شاذ عندهم قال ابن بطال وحديث الباب يرد على هذا لانهم نفلوا نصف السدس وهو
أكثر من خمس الخمس وهذا واضح وقد زاده ابن المنير ايضاحا فقال لو فرضنا انهم كانوا مائة لكان
قد حصل لهم ألف ومائتا بعير ويكون الخمس من الأصل ثلاثمائة بعير وخمسها ستون وقد نطق
الحديث بأنهم نفلوا بعيرا بعيرا فتكون جملة ما نفلوا مائة بعير وإذا كان خمس الخمس ستين لم يف
كله ببعير بعير لكل من المائة وهكذا كيفما فرضت العدد قال وقد ألجأ هذا الالزام بعضهم
فادعى ان جميع ما حصل للغانمين كان اثني عشر بعيرا فقيل له فيكون خمسها ثلاثة أبعرة فيلزم
أن تكون السرية كلها ثلاثة رجال كذا قيل قال ابن المنير وهو سهو على التفريع المذكور
بل يلزم أن يكون أقل من رجل بناء على أن النفل من خمس الخمس وقال ابن التين قد انفصل من
قال من الشافعية بان النفل من خمس الخمس بأوجه منها أن الغنيمة لم تكن كلها أبعرة بل كان فيها
أصناف أخرى فيكون التنفيل وقع من بعض الأصناف دون بعض * ثانيها أن يكون نفلهم من
سهمه من هذه الغزاة وغيرها فضم هذا إلى هذا فلذلك زادت العدة * ثالثها أن يكون نفل بعض
الجيش دون بعض قال وظاهر السياق يرد هذه الاحتمالات قال وقد جاء انهم كانوا عشرة وانهم
غنموا مائة وخمسين بعيرا فخرج منها الخمس وهو ثلاثون وقسم عليهم البقية فحصل لكل واحد اثنا
عشر بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا فعلى هذا فقد نفلوا ثلث الخمس (قلت) ان ثبت هذا لم يكن فيه رد
للاحتمال الأخير لأنه يحتمل أن يكون الذين نفلوا ستة من العشرة والله أعلم قال الأوزاعي
وأحمد وأبو ثور وغيرهم النفل من أصل الغنيمة وقال مالك وطائفة لا نفل الا من الخمس وقال
الخطابي أكثر ما روى من الاخبار يدل على أن النفل من أصل الغنيمة والذي يقرب من حديث
الباب أنه كان من الخمس لأنه أضاف الاثني عشر إلى سهمانهم فكأنه أشار إلى أن ذلك قد تقرر
لهم استحقاقه من الأخماس الأربعة الموزعة عليهم فيبقى للنفل من الخمس (قلت) ويؤيده
ما رواه مسلم في حديث الباب من طريق الزهري قال بلغني عن ابن عمر قال نفل رسول الله صلى
الله عليه وسلم سرية بعثها قبل نجد من ابل جاءوا بها نفلا سوى نصيبهم من المغنم لم يسق مسلم لفظه
وساقه الطحاوي ويؤيده أيضا ما رواه مالك عن عبد ربه بن سعيد عن عمرو بن شعيب ان النبي صلى
الله عليه وسلم قال مالي مما أفاء الله عليكم الا الخمس وهو مردود عليكم وصله النسائي من وجه
آخر حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأخرجه أيضا باسناد حسن من حديث عبادة
ابن الصامت فإنه يدل على أن ما سوى الخمس للمقاتلة وروى مالك أيضا عن ابن الزناد أنه سمع
سعيد بن المسيب قال كان الناس يعطون النفل من الخمس (قلت) وظاهره اتفاق الصحابة على
ذلك وقال ابن عبد البر ان أراد الامام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس
الغنيمة وان انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط
أن لا يزيد على الثلث انتهى وهذا الشرط قال به الجمهور وقال الشافعي لا يتحدد بل هو راجع إلى
170

ما يراه الامام من المصلحة ويدل له قوله تعالى قل الأنفال لله والرسول ففوض إليه أمرها والله أعلم
وقال الأوزاعي لا ينفل من أول الغنيمة ولا ينفل ذهبا ولا فضة وخالفه الجمهور وحديث الباب
من رواية بن إسحاق يدل لما قالوا واستدل به على تعين قسمة أعيان الغنيمة لا أثمانها وفيه نظر
لاحتمال أن يكون وقع ذلك اتفاقا أو بيانا للجواز وعند المالكية فيه أقوال ثالثها التخيير وفيه
أن أمير الجيش إذا فعل مصلحة لم ينقضها الامام * الرابع حديثه كان ينفل بعض من يبعث من
السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش وأخرجه مسلم وزاد في آخره والخمس واجب في
ذلك كله وليس فيه حجة لان النفل من الخمس لا من غيره بل هو محتمل لكل من الأقوال نعم فيه
دليل على أنه يجوز تخصيص بعض السرية بالتنفيل دون بعض قال ابن دقيق العيد للحديث
تعلق بمسائل الاخلاص في الأعمال وهو موضع دقيق المأخذ ووجه تعلقه به أن التنفيل يقع
للترغيب في زيادة العمل والمخاطرة في الجهاد ولكن لم يضرهم ذلك قطعا لكونه صدر لهم من النبي
صلى الله عليه وسلم فيدل على أن بعض المقاصد الخارجة عن محض التعبد لا تقدح في الاخلاص
لكن ضبط قانونها وتمييزها مما تضر مداخلته مشكل جدا * الخامس حديث أبي موسى في
مجيئهم من الحبشة وفي آخره وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا الا لمن شهد معه الا أصحاب
سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم وسيأتي شرحه مستوفى في غزوة خيبر من كتاب المغازي
والغرض منه هذا الكلام الأخير قال ابن المنير أحاديث الباب مطابقة لما ترجم به الا هذا الأخير
فان ظاهره أنه عليه الصلاة والسلام قسم لهم من أصل الغنيمة لا من الخمس إذ لو كان من الخمس
لم يكن لهم بذلك خصوصية والحديث ناطق بها قال لكن وجه المطابقة أنه إذا جاز للامام أن
يجتهد وينفذ اجتهاده في الأخماس الأربعة المختصة بالغانمين فيقسم منها لمن لم يشهد الوقعة فلان
ينفذ اجتهاده في الخمس الذي لا يستحقه معين وان استحقه صنف مخصوص أولى وقال ابن التين
يحتمل أن يكون أعطاهم برضا بقية الجيش انتهى وهذا جزم به موسى بن عقبة في مغازيه ويحتمل
أن يكون انما أعطاهم من الخمس وبهذا جزم أبو عبيد في كتاب الأموال وهو الموافق لترجمة
البخاري وأما قول ابن المنير لو كان من الخمس لم يكن هناك تخصيص فظاهر لكن يحتمل أن يكون
من الخمس وخصهم بذلك دون غيرهم ممن كان من شأنه أن يعطي من الخمس ويحتمل أن يكون
أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا قبل قسمة الغنيمة وبعد حوزها وهو أحد القولين
للشافعي وهذا الاحتمال يترجح بقوله أسهم لهم لان الذي يعطي من الخمس لا يقال في حقه أسهم
له الا تجوزا ولان سياق الكلام يقتضي الافتخار ويستدعي الاختصاص بما لم يقع لغيرهم كما
تقدم والله أعلم * السادس حديث جابر (قوله حدثنا علي) هو ابن عبد الله المديني وسفيان هو ابن
عيينة (قوله لو قد جاءنا مال البحرين) سيأتي ذلك في أول باب الجزية من حديث عمرو بن عوف
وأنه من الجزية لكن فيه فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فيحمل على أن الذي وعد به النبي صلى
الله عليه وسلم جابرا كان بعد السنة التي قدم فيها أبو عبيدة بالمال وظهر بذلك جهة المال
المذكور وأنه من الجزية فاغنى ذلك عن قول ابن بطال يحتمل أن يكون من الخمس أو من الفئ
(قوله أمر أبو بكر مناديا فنادى) لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون بلالا (قوله فحثى لي) بالمهملة
والمثلثة (قوله وقال مرة) القائل هو سفيان بهذا السند وقد تقدم الحديث في الهبة بالسند
171

الأول بدون هذه الزيادة إلى آخرها وتقدمت الزيادة بهذا الاسناد في الكفالة والحوالة إلى قوله
خذ مثليها (قوله قال سفيان) هو متصل بالسند المذكور وعمرو هو ابن دينار ومحمد بن علي
أي ابن الحسين بن علي وظهر من هذه الرواية المراد من قوله في رواية ابن المنكدر فحثالي ثلاثا
لكن قوله فحثي لي حثية مع قوله في الرواية التي قبلها وجعل سفيان يحثو بكفيه يقتضي أن
الحثية ما يؤخذ باليدين جميعا والذي قاله أهل اللغة أن الحثية ما يملأ الكف والحفنة ما يملأ
الكفين نعم ذكر أبو عبيد الهروي أن الحثية والحفنة بمعنى وهذا الحديث شاهد لذلك وقوله
حثية من حثى يحثي ويجوز حثوة من حثا يحثوا وهما لغتان وقوله تبخل عني أي من جهتي
(قوله وقال يعني بن المنكدر) الذي قال وقال هو سفيان والذي قال يعني هو علي بن المديني
(قوله وأي داء أدوى من البخل) قال عياض كذا وقع أدوى غير مهموز من دوى إذا كان به
مرض في جوفه والصواب أدوأ بالهمز لأنه من الداء فيحمل على أنهم سهلوا الهمزة ووقع في رواية
الحميدي في مسنده عن سفيان في هذا الحديث وقال بن المنكدر في حديثه فظهر بذلك اتصاله
إلى أبي بكر بخلاف رواية الأصيلي فإنها تشعر بان ذلك من كلام ابن المنكدر وقد روى حديث
أي داء أدوأ من البخل وقد تقدم في الكفالة توجيه وفاء أبي بكر لعدات النبي صلى الله عليه وسلم
وكذا في كتاب الهبة وان وعده صلى الله عليه وسلم لا يجوز اخلافه فنزل منزلة الضمان في الصحة
وقيل انما فعله أبو بكر على سبيل التطوع ولم يكن يلزمه قضاء ذلك وما تقدم في باب من أمر بانجاز
الوعد من كتاب الشهادات أولى وان جابرا لم يدع أن له دينا في ذمة النبي صلى الله عليه وسلم فلم
يطالبه أبو بكر ببينة ووفى ذلك له من بيت المال الموكول الامر فيه إلى اجتهاد الامام وعلى ذلك
يحوم المصنف وبه ترجم وانما أخر أبو بكر اعطاء جابر حتى قال له ما قال اما لأمر أهم من ذلك
أو خشية أن يحمله ذلك على الحرص على الطلب أو لئلا يكثر الطالبون لمثل ذلك ولم يرد به المنع
على الاطلاق ولهذا قال ما من مرة الا وأنا أريد ان أعطيك وسيأتي في أوائل الجزية بيان الخلاف
في مصرفها وظاهر ايراد البخاري هذا الحديث هنا أن مصرفها عنده مصرف الخمس والله أعلم
* الحديث السابع (قوله حدثنا قرة) بضم القاف وتشديد الراء ثم هاء وفي الاسناد بصريان
هو والراوي عنه وحجازيان شيخه والضحاك وقد خالف زيد بن الحباب مسلم بن إبراهيم فيه فقال
عن قرة عن أبي الزبير بدل عمرو بن دينار أخرجه مسلم وسياقه أتم ورواية البخاري أرجح فقد
وافق شيخه على ذلك عن قرة عثمان بن عمرو عند الإسماعيلي والنضر بن شميل عند أبي نعيم فاتفاق
هؤلاء الحفاظ الثلاثة أرجح من انفراد زيد بن الحباب عنهم ويحتمل أن يكون الحديث عند قرة
عن شيخين بدليل ان في رواية أبي الزبير زيادة على ما في رواية هؤلاء كلهم عن قرة عن عمرو وسيأتي
شرحه مستوفى في استتابة المرتدين عند الكلام على حديث أبي سعيد في المعنى وفي حديث أبي
سعيد بيان تسمية القائل المذكور وقوله في هذه الرواية لقد شقيت بضم المثناة للأكثر ومعناه
ظاهر ولا محذور فيه والشرط لا يستلزم الوقوع لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشقاء بل هو
عادل فلا يشقى وحكى عياض فتحها ورجحه النووي وحكاه الإسماعيلي عن رواية شيخه المنيعي
من طريق عثمان بن عمر عن قرة والمعنى لقد شقيت أي ضللت أنت أيها التابع حيث تقتدي بمن
لا يعدل أو حيث تعتقد في نبيك هذا القول الذي لا يصدر عن مؤمن (قوله باب
172

ما من النبي صلى الله عليه وسلم على الأسارى من غير أن يخمس) أراد بهذه الترجمة أنه كان له صلى الله
عليه وسلم أن يتصرف في الغنيمة بما يراه مصلحة فينفل من رأس الغنيمة وتارة من الخمس واستدل
على الأول بأنه كان يمن على الأسارى من رأس الغنيمة وتارة من الخمس فدل على أنه كان له أن ينفل
من رأس الغنيمة وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك وذكر فيه حديث جبير بن مطعم لو كان المطعم
حيا وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له قال ابن بطال وجه الاحتجاج به أنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز
في حقه أن يخبر عن شئ لو وقع لفعله وهو غير جائز فدل على أن للامام أن يمن على الأسارى بغير فداء
خلافا لمن منع ذلك كما تقدم واستدل به على أن الغنائم لا يستقر ملك الغانمين عليها الا بعد القسمة
وبه قال المالكية والحنفية وقال الشافعي يملكون بنفس الغنيمة والجواب عن حديث الباب
أنه محمول على أنه كان يستطيب أنفس الغانمين وليس في الحديث ما يمنع ذلك فلا يصلح للاحتجاج
به وللفريقين احتجاجات أخرى وأجوبة تتعلق بهذه المسئلة لم أطل بها هنا لأنها لا تؤخذ من
حديث الباب لا نفيا ولا اثباتا واستبعد ابن المنير الحمل المذكور فقال إن طيب قلوب الغانمين
بذلك من العقود الاختيارية فيحتمل ان لا يذعن بعضهم فكيف بت القول بأنه يعطيه إياهم مع
أن الامر موقوف على اختيار من يحتمل أن لا يسمح (قلت) والذي يظهر أن هذا كان باعتبار
ما تقدم في أول الأمر أن الغنيمة كانت للنبي صلى الله عليه وسلم يتصرف فيها حيث شاء وفرض
الخمس انما نزل بعد قسمة غنائم بدر كما تقرر فلا حجة إذا في هذا الحديث لما ذكرنا وقد أنكر الداودي
دخول التخميس في أسارى بدر فقال لم يقع فيهم غير أمرين اما المن بغير فداء واما الفداء بمال ومن لم
يكن له مال علم أولاد الأنصار الكتابة وأطال في ذلك ولم يأت بطائل ولا يلزم من وقوع شئ أو شيئين
مما خير فيه منع التخيير وقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم منهم عقبة بن أبي معيط وغيره وادعاؤه
أن قريشا لا يدخلون تحت الرق يحتاج إلى دليل خاص والا فاصل الخلاف هل يسترق العربي
أولا ثابت مشهور والله أعلم وسيأتي بقية شرحه في غزوة بدر إن شاء الله تعالى وقوله النتنى
بنونين مفتوحتين بينهما مثناة ساكنة مقصور جمع نتن أو نتين كزمن وزمنى أو جريح وجرحى
وروى بمهملة فموحدة ساكنة وهو تصحيف وأبعد من جعله هو الصواب (قوله باب
ومن الدليل على أن الخمس للامام) تقدم توجيه ذلك قبل بباب (قوله وقال عمر بن عبد العزيز
لم يعمهم) أي لم يعم قريشا وقوله ولم يخص قريبا دون من أحوج إليه اي دون من هو أحوج إليه
قال ابن مالك فيه حذف العائد على الموصول وهو قليل ومنه قراءة يحيى بن يعمر تماما على الذي
أحسن بضم النون اي الذي هو أحسن قال وإذا طال الكلام فلا ضعف ومنه وهو الذي في
السماء اله وفي الأرض اله اي وفي الأرض هو اله (قوله وإن كان الذي أعطى) اي أبعد قرابة ممن
لم يعط ووقع في هذا اختصار اقتضى توقفا في فهمه وقد من الله وله الحمد بتوجيهه وسياقه عند عمر
ابن شبة في أخبار المدينة موصولا مطولا فقال فيه وقسم لهم فسما لم يعم عامتهم ولم يخص به قريبا
دون من أحوج منه ولقد كان يومئذ فيمن اعطى من هو أبعد قرابة أي ممن لم يعط وقوله لما يشكو
تعليل لعطية الا بعد قرابة وقوله في جنبه اي جانبه وقوله من قومهم وحلفائهم اي وحلفاء
قومهم بسبب الاسلام وأشار بذلك إلى ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة من قريش
بسبب الاسلام وسيأتي بسطه في موضعه إن شاء الله تعالى (قوله عن ابن المسيب) في رواية يونس
173

عن ابن شهاب عند أبي داود وأخبرني سعيد بن المسيب (قوله عن جبير بن مطعم) في المغازي
من رواية يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن جبير بن مطعم أخبره (قوله مشيت أنا
وعثمان بن عفان) زاد أبو داود والنسائي من طريق يونس عن ابن شهاب فيما قسم من الخمس بين
بني هاشم وبني المطلب ولهما من رواية ابن إسحاق عن ابن شهاب وضع سهم ذوي القربى في بني
هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد شمس وانما اختص جبير وعثمان بذلك لان عثمان
من بني عبد شمس وجبير بن مطعم من بني نوفل وعبد شمس ونوفل وهاشم والمطلب سواء الجميع بنو
عبد مناف فهذا معنى قولهما ونحن وهم منك بمنزلة واحدة اي في الانتساب إلى عبد مناف ووقع
في رواية أبي داود المذكورة وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة وله في رواية ابن إسحاق فقلنا يا رسول
الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله منهم فما بال اخواننا بني المطلب
أعطيتهم وتركتنا (قوله شئ واحد) للأكثر بالشين المعجمة المفتوحة والهمزة وقال عياض رويناه
هكذا في البخاري بغير خلاف انتهى وقد وجدته في أصلي هنا من رواية الكشميهني وفي المغازي من
رواية المستملي وفي مناقب قريش من روايته وفي رواية الحموي بكسر المهملة وتشديد التحتانية
وكذلك كان يرويه يحيى بن معين وحده قال الخطابي هو أجود في المعنى وحكاها عياض رواية
خارج الصحيح وقال الصواب رواية الكافة لقوله فيه وشبك بين أصابعه وهذا دليل على
الاختلاط والامتزاج كالشئ الواحد لا على التمثيل والتنظير وهذه الزيادة التي أشار إليها وقعت
في رواية ابن إسحاق المذكورة ولفظه فقال أنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا اسلام وانما
نحن وهم شئ واحد وشبك بين أصابعه ووقع في رواية أبي زيد المروزي شئ أحد بغير واو وبهمز
الألف فقيل هما بمعنى وقيل الاحد الذي ينفرد بشئ لا يشاركه فيه غيره والواحد أول العدد وقيل
الاحد المنفرد بالمعنى والواحد المنفرد بالذات وقيل الاحد لنفي ما يذكر معه من العدد والواحد اسم
لمفتاح العدد من جنسه وقيل لا يقال أحد الا لله تعالى حكاه جميعه عياض (قوله وقال الليث
حدثني يونس) أي بهذا الاسناد (وزاد قال جبير ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس
ولا لبني نوفل) هو عندي من رواية عبد الله بن يوسف أيضا عن الليث فهو متصل ويحتمل أن
يكون معلقا وقد وصله المصنف في المغازي عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بتمامه وزاد
أبو داود في رواية يونس بهذا الاسناد وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه
وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده
وهذه الزيادة بين الذهلي في جمع حديث الزهري أنها مدرجة من كلام الزهري وأخرج ذلك مفصلا
من رواية الليث عن يونس وكأن هذا هو السر في حذف البخاري هذه الزيادة مع ذكره لرواية
يونس وروى مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم من طريق ابن شهاب عن يزيد بن هرمز عن ابن
عباس في سهم ذوي القربى قال هو لقربي رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه لهم النبي صلى الله
عليه وسلم وقد كان عمر عرض علينا من ذلك شيئا رأيناه دون حقنا فرددناه وللنسائي من وجه آخر
وقد كان عمر دعانا أن ينكح أيمنا ويخدم عائلنا ويقضي عن غارمنا فأبينا الا أن يسلمه لنا قال فتركناه
(قوله وقال بن إسحاق الخ) وصله المصنف في التاريخ وقوله عاتكة بنت مرة أي ابن هلال من
بني سليم وقوله وكان نوفل أخاهم لأبيهم لم يسم أمه وهي واقدة بالقاف بنت أبي عدي واسمه نوفل
174

ابن عبادة من بني مازن بن صعصعة وذكر الزبير بن بكار في النسب أنه كان يقال لهاشم والمطلب
البدران ولعبد شمس ونوفل الأبهران وهذا يدل على أن بين هاشم والمطلب ائتلافا سرى في
أولادهما من بعدهما ولهذا لما كتبت قريش الصحيفة بينهم وبين بني هاشم وحصر وهم في
الشعب دخل بنو عبد المطلب مع بني هاشم ولم تدخل بنو نوفل وبنو عبد شمس وستأتي الإشارة إلى
ذلك في أول المبعث إن شاء الله تعالى وفي الحديث حجة للشافعي ومن وافقه أن سهم ذوي القربى
لبني هاشم والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من قريش وعن عمر بن
عبد العزيز هم بنو هاشم خاصة وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين وهذا الحديث يدل
لالحاق بني المطلب بهم وقيل هم قريش كلها لكن يعطي الامام منهم من يراه وبهذا قال أصبغ
وهذا الحديث حجة عليه وفيه توهين قول من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم انما أعطاهم بعلة
الحاجة إذ لو أعطاهم بعلة الحاجة لم يخص قوما دون قوم والحديث ظاهر في أنه أعطاهم بسبب
النصرة وما أصابهم بسبب الاسلام من بقية قومهم الذين لم يسلموا والملخص ان الآية نصت على
استحقاق قربى النبي صلى الله عليه وسلم وهي متحققة في بني عبد شمس لأنه شقيق وفي بني نوفل إذا
لم تعتبر قرابة الام واختلف الشافعية في سبب اخراجهم فقيل العلة القرابة مع النصرة فلذلك
دخل بنو هاشم وبنو المطلب ولم يدخل بنو عبد شمس وبنو ونوفل لفقدان جزء العلة أو شرطها وقيل
الاستحقاق بالقرابة ووجد ببني عبد شمس ونوفل مانع لكونهم انحازوا عن بني هاشم وحاربوهم
والثالث أن القربى عام مخصوص وبينته السنة قال ابن بطال وفيه رد لقول الشافعي ان خمس
الخمس يقسم بين ذوي القربى لا يفضل غني على فقير وانه يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين
(قلت) ولا حجة فيه لما ذكر لا اثباتا ولا نفيا أما الأول فليس في الحديث الا انه قسم خمس الخمس بين
بني هاشم والمطلب ولم يتعرض لتفضيل ولا عدمه وإذا لم يتعرض فالأصل في القسمة إذا أطلقت
التسوية والتعميم فالحديث إذا حجة للشافعي لا عليه ويمكن التوصل إلى التعميم بان يأمر الامام
نائبه في كل إقليم بضبط من فيه ويجوز النقل من مكان إلى مكان للحاجة وقيل لا بل يختص كل
ناحية بمن فيها وأما الثاني فليس فيه تعرض لكيفية القسم لكن ظاهره التسوية وبها قال المزني
وطائفة فيحتاج من جعل سبيله سبيل الميراث إلى دليل والله أعلم وذهب الأكثر إلى تعميم ذوي
القربى في قسمة سهمهم عليهم بخلاف اليتامى فيخص الفقراء منهم عند الشافعي وأحمد وعن مالك
يعمهم في الاعطاء وعن أبي حنيفة يخص الفقراء من الصنفين وحجة الشافعي أنهم لما منعوا
الزكاة عموا بالسهم ولأنهم أعطوا بجهة القرابة اكراما لهم بخلاف اليتامى فإنهم أعطوا لسد
الخلة واستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة فان ذوي القربى
لفظ عام خص ببني هاشم والمطلب قال بن الحاجب ولم ينقل اقتران اجمالي مع أن الأصل عدمه
(قوله باب من لم يخمس الأسلاب) السلب بفتح المهملة واللام بعدها موحدة هو ما
يوجد مع المحارب من ملبوس وغيره عند الجمهور وعن أحمد لا تدخل الدابة وعن الشافعي يختص
بأداة الحرب (قوله ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس وحكم الامام فيه) أما قوله ومن قتل
قتيلا فله سلبه فهو قطعة من حديث أبي قتادة ثاني حديثي الباب وقد أخرجه المصنف بهذا القدر
حسب من حديث أنس وأما قوله من غير أن يخمس فهو من تفقهه وكأنه أشار بهذه الترجمة
175

إلى الخلاف في المسئلة وهو شهير والى ما تضمنته الترجمة ذهب الجمهور وهو ان القاتل يستحق
السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه أو لم يقل ذلك وهو ظاهر حديث أبي
قتادة ثاني حديثي الباب وقال إنه فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم واخبار عن الحكم الشرعي
وعن المالكية والحنفية لا يستحقه القاتل الا ان شرط له الامام ذلك وعن مالك يخير الامام بين
أن يعطي القاتل السلب أو يخمسه واختاره إسماعيل القاضي وعن إسحاق إذا كثرت الأسلاب
خمست وعن مكحول والثوري بخمس مطلقا وقد حكى عن الشافعي أيضا وتمسكوا بعموم قوله
واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه ولم يستثن شيئا واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم من
قتل قتيلا فله سلبه فإنه خصص ذلك العموم وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل من قتل قتيلا
فله سلبه الا يوم حنين قال مالك لم يبلغني ذلك في غير حنين وأجاب الشافعي وغيره بان ذلك حفظ عن
النبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن منها يوم بدر كما في أول حديثي الباب ومنها حديث حاطب
ابن أبي بلتعة انه قتل رجلا يوم أحد فسلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه أخرجه البيهقي
ومنها حديث جابر أن عقيل بن أبي طالب قتل يوم مؤتة رجلا فنفله النبي صلى الله عليه وسلم
درعه ثم كان ذلك مقررا عند الصحابة كما روى مسلم من حديث عوف بن مالك في قصته مع خالد
ابن الوليد وانكاره عليه أخذه السلب من القاتل الحديث بطوله وكما روى الحاكم والبيهقي باسناد
صحيح عن سعد بن أبي وقاص ان عبد الله بن جحش قال يوم أحد تعال بنا ندعو فدعا سعد فقال
اللهم ارزقني رجلا شديدا بأسه فأقاتله ويقاتلني ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذ سلبه
الحديث وكما روى أحمد باسناد قوي عن عبد الله بن الزبير قال كانت صفية في حصن حسان بن
ثابت يوم الخندق فذكر الحديث في قصة قتلها اليهودي وقولها لحسان انزل فاسلبه فقال مالي
بسلبه حاجة وكما روى ابن إسحاق في المغازي في قصة قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود يوم
الخندق أيضا فقال له عمر هلا استلبت درعه فإنه ليس للعرب خير منها فقال إنه اتقاني بسوأته
وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم انما قال ذلك يوم حنين بعد أن فرغ القتال كما هو صريح في ثاني
حديثي الباب حتى قال مالك يكره للامام أن يقول من قتل قتيلا فله سلبه لئلا تضعف نيات
المجاهدين ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الا بعد انقضاء الحرب وعن الحنفية لا كراهة في
ذلك وإذا قاله قبل الحرب أو في أثنائها استحق القاتل ثم أخرج المصنف فيه حديثين * أحدهما
حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة قتل أبي جهل والغرض منه هنا قوله في آخره كلاكما قتله
سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح فقد احتج به من قال إن اعطاء القاتل السلب مفوض إلى رأي الامام
وقرره الطحاوي وغيره بأنه لو كان يجب للقاتل لكان السلب مستحقا بالقتل ولكان جعله بينهما
لاشتراكهما في قتله فلما خص به أحدهما دل على أنه لا يستحق بالقتل وانما يستحق بتعيين الامام
وأجاب الجمهور بان في السياق دلالة على أن السلب يستحقه من أثخن في القتل ولو شاركه غيره في
الضرب أو الطعن قال المهلب نظره صلى الله عليه وسلم في السيفين واستلاله لهما هو ليرى ما بلغ
الدم من سيفيهما ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسلب لمن كان في ذلك أبلغ
ولذلك سألهما أولا هل مسحتما سيفيكما أم لا لأنهما لو مسحاهما لما تبين المراد من ذلك وانما
قال كلا كما قتله وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه ليطيب نفس الآخر وقال الإسماعيلي أقول
176

ان الأنصاريين ضرباه فأثخناه وبلغا به المبلغ الذي يعلم معه انه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال الا قدر
ما يطفأ وقد دل قوله كلاكما قتله على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة وابانتها أو بما يعلم أن عمل
كل من سيفيهما كعمل الآخر غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت لجراحه حتى
وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في القتل الا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت
فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى اثخانه وسيأتي تتمة شرحه في غزوة بدر مع قول ابن مسعود انه قتله
وتأتي كيفية الجمع هناك إن شاء الله تعالى (قوله حديثة) بالجر صفة للغلامين واسنانهما بالرفع
(قوله بين أضلع منهما) كذا للأكثر بفتح أوله وسكون المعجمة وضم اللام جمع ضلع وروى بضم اللام
وفتح العين من الضلاعة وهي القوة ووقع في رواية الحموي وحده بين أصلح منهما بالصاد والحاء
المهملتين ونسبه ابن بطال لمسدد شيخ البخاري وقد خالفه إبراهيم بن حمزة عند الطحاوي وموسى بن
إسماعيل عند ابن سنجر وعفان عند ابن أبي شيبة يعني كلهم عن يوسف شيخ البخاري فيه فقالوا أضلع
بالضاد المعجمة والعين قال واجتماع ثلاثة من الحفاظ أولى من انفراد واحد انتهى وقد ظهر أن
الخلاف على الرواة عن الفربري فلا يليق الجزم بان مسددا نطق به هكذا وقد رواه أحمد في مسنده
وأبو يعلى عن عبيد الله القواريري وبشر بن الوليد وغيرهما كلهم عن يوسف كالجماعة وكذلك
أخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن عفان كذلك (وقوله لا يفارق سوادي
سواده) بفتح السين وهو الشخص (قوله حتى يموت الأعجل منا) أي الأقرب أجلا وقيل إن لفظ
الأعجل تحريف وانما هو الأعجز وهو الذي يقع في كلام العرب كثيرا والصواب ما وقع في الرواية
لوضوح معناه (قوله قال محمد) هو المصنف (سمع يوسف) يعني ابن الماجشون (صالحا) يعني ابن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المذكور في الاسناد (وسمع إبراهيم أباه عبد الرحمن ابن عوف)
وهذه الزيادة لأبي ذر وأبي الوقت هنا وتقدم في الوكالة في حديث آخر بهذا الاسناد مثله وبينت
هناك سماع إبراهيم من أبيه واما سماع يوسف من صالح فوقع في رواية عفان عند الإسماعيلي
ولعل البخاري أشار إلى أن الذي أدخل بين يوسف وصالح في هذا الحديث رجلا لم يضبط وذلك فيما
أخرجه البزار والرجل هو عبد الواحد بن أبي عون ويحتمل ان يكون يوسف سمعه من صالح وثبته
فيه عبد الواحد والله أعلم * الحديث الثاني حديث أبي قتادة وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي
وقوله فيه عن ابن أفلح نسبه إلى جده وهو عمر بن كثير بن أفلح وفي الاسناد ثلاثة من التابعين في
نسق وكلهم مدنيون الا الراوي عن مالك وقد نزلها وقوله فاستدبرت كذا للأكثر وللكشميهني
فاستدرت بغير موحدة (قوله فقال رجل صدق يا رسول الله وسلبه عندي) لم أقف على اسمه
177

واستدل به على دخول من لا يسهم له في عموم قوله من قتل قتيلا وعن الشافعي في قول وبه قال مالك
لا يستحق السلب الا من استحق السهم لأنه قال إذا لم يستحق السهم فلا يستحق السلب بطريق
الأولى وعورض بان السهم علق على المظنة والسلب يستحق بالفعل فهو أولى وهذا هو الأصح
واستدل به على أن السلب للقاتل في كل حال حتى قال أبو ثور وابن المنذر يستحقه ولو كان المقتول
منهزما وقال أحمد لا يستحقه الا بالمبارزة وعن الأوزاعي إذا التقي الزحفان فلا سلب واستدل به
على أنه مستحق للقاتل الذي أثخنه بالقتل دون من ذفف عليه كما سيأتي في قصة ابن مسعود مع أبي
جهل في غزوة بدر واستدل به على أن السلب يستحقه القاتل من كل مقتول حتى لو كان المقتول
امرأة وبه قال أبو ثور وابن المنذر وقال الجمهور شرطه أن يكون المقتول من المقاتلة واتفقوا على أنه
لا يقبل قول من ادعى السلب الا ببينة تشهد له بأنه قتله والحجة فيه قوله في هذا الحديث له عليه
بينة فمفهومه انه إذا لم تكن له بينة لا يقبل وسياق أبي قتادة يشهد لذلك وعن الأوزاعي يقبل
قوله بغير بينة لان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه لأبي قتادة بغير بينة وفيه نظر لأنه وقع في مغازي
الواقدي ان أوس بن خولي شهد لأبي قتادة وعلى تقدير أن لا يصح فيحمل على أن النبي صلى الله
عليه وسلم علم أنه القاتل بطريق من الطرق وأبعد من قال من المالكية ان المراد بالبينة هنا الذي
أقر له أن السلب عنده فهو شاهد والشاهد الثاني وجود السلب فإنه بمنزلة الشاهد على أنه قتله
ولذلك جعل لوثا في باب القسامة وقيل انما استحقه أبو قتادة باقرار الذي هو بيده وهذا ضعيف
لان الاقرار انما يفيد إذا كان المال منسوبا لمن هو بيده فيؤاخذ باقراره والمال هنا منسوب
لجميع الجيش ونقل ابن عطية عن أكثر الفقهاء ان البينة هنا شاهد واحد يكتفى به (قوله
باب ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم) سيأتي بيانهم وانهم
من أسلم ونيته ضعيفة أو كان يتوقع باعطائه اسلام نظرائه في تفسير براءة (قوله وغيرهم) أي
غير المؤلفة ممن تظهر له المصلحة في اعطائه (قوله من الخمس ونحوه) أي من مال الخراج والجزية
والفئ قال إسماعيل القاضي في اعطاء النبي صلى الله عليه وسلم للمؤلفة من الخمس دلالة على أن
الخمس إلى الامام يفعل فيه ما يرى من المصلحة وقال الطبري استدل بهذه الأحاديث من زعم أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي من أصل الغنيمة لغير المقاتلين قال وهو قول مردود بدليل
القرآن والآثار الثابتة واختلف بعد ذلك من أين كان يعطي المؤلفة فقال مالك وجماعة
من الخمس وقال الشافعي وجماعة من خمس الخمس قيل ليس في أحاديث الباب شئ صريح
بالاعطاء من نفس الخمس (قوله رواه عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم) يشير إلى
حديثه الطويل في قصة حنين وسيأتي هناك موصولا مع الكلام عليه والغرض منه هنا قوله
لما أفاء الله على رسوله يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم الحديث ثم أورد في الباب تسعة
أحاديث * أحدها حديث حكيم بن حزام سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني
الحديث بطوله وفيه قصته مع عمر وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى في كتاب الزكاة * ثانيها
حديث ابن عمر في نذر عمر في الجاهلية وفيه وأصاب عمر جاريتين من سبى حنين وهو موضع
الترجمة (قوله عن نافع أن عمر قال يا رسول الله انه كان علي اعتكاف يوم) كذا رواه حماد بن زيد
عن أيوب عن نافع مرسلا ليس فيه ابن عمر وسيأتي في المغازي ان البخاري نقل أن بعضهم رواه
178

عن حماد بن زيد موصولا وهو عند مسلم وابن خزيمة لكن في القصة الثالثة المتعلقة بعمرة
الجعرانة لا في جميع الحديث وذكر هنا أن معمرا وصله أيضا عن أيوب ورواية معمر وصلها في
المغازي وهو في قصة النذر فقط وذكر في المغازي أيضا ان حماد بن سلمة رواه موصولا وسيأتي بيان
ذلك واضحا أيضا هناك وانه أيضا في النذر فقط ويأتي الكلام على ما يتعلق منه بالنذر في كتاب
الايمان والنذور والذي قدمته اتفق عليه جميع رواة البخاري الا الجرجاني فقال عن نافع
عن ابن عمر وهو وهم منه ويظهر ذلك من تصرف البخاري هنا وفي المغازي وبذلك جزم أبو علي
الجياني وقال الدارقطني حديث حماد بن زيد مرسل وحديث جرير بن حازم موصول وحماد
أثبت في أيوب من جرير فاما رواية معمر الموصولة فهي في قصة النذر فقط دون قصة الجاريتين
قال وقد روى سفيان بن عيينة عن أيوب حديث الجاريتين فوصله عنه قوم وأرسله آخرون
(قوله فامره) في رواية جرير بن حازم عند مسلم أن سؤاله لذلك وقع وهو بالجعرانة بعد ان رجع
إلى الطائف (قوله وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين) أي من هوازن لم أر من سماهما وفي رواية
ابن عيينة عند الإسماعيلي موصولا أن عمر قال فذكر حديث النذر قال فامرني أن أعتكف
فلم أعتكف حتى كان بعد حنين وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني جارية فبينا أنا معتكف
إذ سمعت تكبيرا الحديث (قوله قال من رسول الله صلى الله عليه وسلم على السبي)
ستأتي صفة ذلك في المغازي وفي هذا السياق حذف تقديره فنظر أو سأل عن سبب سعيهم في
السكك فقيل له فقال لعمر وفي رواية ابن عيينة المذكورة فقلت ما هذا فقالوا السبي أسلموا
فارسلهم النبي صلى الله عليه وسلم فقلت والجارية فارسلها (قوله قال اذهب فأرسل الجاريتين)
يستفاد منه الاخذ بخبر الواحد * (تنبيه) * اتفقت الروايات كلها على أن قوله ورواه معمر بفتح
الميمين بينهما مهملة ساكنة وحكى بعض الشراح أنه بضم الميم وبعد العين مثناة مفتوحة ثم ميم
مكسورة وهو تصحيف (قوله قال نافع ولم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ولو
اعتمر لم يخف على عبد الله) هكذا رواه أبو النعمان شيخ البخاري مرسلا ووصله مسلم وابن خزيمة
جميعا عن أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد فقال في روايته عن نافع ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال لم يعتمر منها وقد ذكرت في أبواب العمرة الأحاديث الواردة
في اعتماره من الجعرانة وتقدم في أواخر الجهاد في باب من قسم الغنيمة في غزوه أيضا حديث أنس
في ذلك وذكرت في أبواب العمرة سبب خفاء عمرة النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة على كثير من
أصحابه فليراجع منه ومن حفظ حجة على من لم يحفظ قال ابن التين ليس كل ما علمه ابن عمر حدث
به نافعا ولا كل ما حدث به نافعا حفظه (قلت) وهذا يرده رواية مسلم التي ذكرتها فان حاصله
ان ابن عمر كان يعرفها ولم يحدث بها نافعا ودلت رواية مسلم على أن ابن عمر كان ينفيها قل وليس
كل ما علمه ابن عمر لم يدخل عليه فيه نسيان انتهى وهذا أيضا يقتضي أنه كان عرف بها ونسيها
وليس كذلك بل لم يعرف بها لا هو ولا عدد كثير من الصحابة * ثالثها حديث عمرو بن تغلب
بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة وهو النمري بفتح النون والميم (قوله أخاف
ظلعهم) بفتح الظاء المعجمة المشالة واللام وبالمهملة أي اعوجاجهم (وجزعهم) بالجيم والزاي
بوزنه وأصل الظلع الميل وأطلق هنا على مرض القلب وضعف اليقين (قوله والغناء) بفتح المعجمة
179

ثم النون ومد وهو الكفاية وفي رواية الكشميهني بالكسر والقصر بلفظ ضد الفقر وقوله بكلمة
رسول الله صلى الله عليه وسلم أي التي قالها في حقه وهي ادخاله إياه في أهل الخير والغناء وقيل
المراد الكلمة التي قالها في حق غيره فالمعنى لا أحب أن يكون لي حمر النعم بدلا من الكلمة
المذكورة التي لي أو يكون لي ذلك وتقال تلك الكلمة في حقي (قوله زاد أبو عاصم عن جرير)
هو ابن حازم وقد تقدم موصولا في أواخر الجمعة عن محمد بن معمر عن أبي عاصم وهو من المواضع
التي تمسك بها من زعم أن البخاري قد يعلق عن بعض شيوخه ما بينه وبينهم فيه واسطة مثل هذا
فان أبا عاصم شيخه وقد علق عنه هذا هنا ولما ساقه موصولا أدخل بينه وبين أبي عاصم واسطة
(قوله أو بسبي) في رواية الكشميهني بشئ وهو أشمل * رابعها حديث أنس في عطية المؤلفين يوم
حنين ذكره مطولا ومختصرا وسيأتي شرحه مستوفى في غزوة حنين فقد ذكره هناك من أربعة
أوجه عن أنس * خامسها حديث جبير بن مطعم وإبراهيم في اسناده هو ابن سعد وصالح هو ابن
كيسان وعمر بن محمد بن جبير تقدم ذكره في أوائل الجهاد في باب الشجاعة في الحرب مع الكلام
على بعض شرح المتن وقوله مقفله من حنين أي مرجعه كذا للكشميهني ووقع لغيره هنا مقبلا
وهو منصوب على الحال والسمرة بفتح المهملة وضم الميم شجرة طويلة متفرقة الرأس قليلة الظل
صغيرة الورق والشوك صلبة الخشب قاله ابن التين وقال القزاز والعضاه شجر الشوك كالطلح
والعوسج والسدر وقال الداودي السمرة هي العضاه وقال الخطابي ورق السمرة أثبت وظلها
أكثف ويقال هي شجرة الطلح واختلف في واحدة العضاه فقيل عضة بفتحتين مثل شفة وشفاه
والأصل عضهة وشفهة فحذفت الهاء وقيل واحدها عضاهة (قوله فخطفت رداءه) في مرسل
180

عمرو بن سعيد عند عمر بن شبة في كتاب مكة حتى عدلوا بناقته عن الطريق فمر بسمرات فانتهسن
ظهره وانتزعن رداءه فقال ناولوني ردائي فذكر نحو حديث جبير بن مطعم وفيه فنزل ونزل الناس
معه فأقبلت هوازن فقالوا جئنا نستشفع بالمؤمنين إليك ونستشفع بك إلى المؤمنين فذكر
القصة وفيه ذم الخصال المذكورة وهي البخل والكذب والجبن وأن امام المسلمين لا يصلح أن
يكون فيه خصلة منها وفيه ما كان في النبي صلى الله عليه وسلم من الحلم وحسن الخلق وسعة
الجود والصبر على جفاة الاعراب وفيه جواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة
كخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك ولا يكون ذلك من الفخر المذموم وفيه رضا السائل
للحق بالوعد إذا تحقق عن الواعد التنجيز وفيه أن الامام مخير في قسم الغنيمة ان شاء بعد فراغ
الحرب وان شاء بعد ذلك وقد تقدم البحث فيه * سادسها حديث أنس في قصة الأعرابي الذي
جبذ رداء النبي صلى الله عليه وسلم وهو في معنى الذي قبله ونجران بنون وجيم وزن شعبان بلدة
مشهورة وسيأتي شرحه في الأدب والغرض منه قوله ثم أمر له بعطاء * سابعها حديث ابن
مسعود قال لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة الحديث وسيأتي
شرحه في غزوة حنين إن شاء الله تعالى وعيينة بمهملة وتحتانية مصغرا هو ابن حصن الفزاري
* ثامنها حديث أسماء بنت أبي بكر كنت أنقل النوى من أرض الزبير الحديث وسيأتي في كتاب
النكاح بأتم من هذا السياق ويأتي شرحه هناك وقوله وقال أبو ضمرة هو أنس بن عياض
وهشام هو ابن عروة بن الزبير والغرض بهذا التعليق بيان فائدتين إحداهما ان أبا ضمرة خالف
أبا أسامة في وصله فأرسله * ثانيتهما ان في رواية أبي ضمرة تعيين الأرض المذكورة وانها كانت
مما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير فاقطع الزبير منها وبذلك يرتفع استشكال الخطابي
حيث قال لا أدري كيف أقطع النبي صلى الله عليه وسلم أرض المدينة وأهلها قد أسلموا راغبين
في الدين الا أن يكون المراد ما وقع من الأنصار أنهم جعلوا للنبي صلى الله عليه وسلم ما لا يبلغه
المامن من أرضهم فاقطع النبي صلى الله عليه وسلم من شاء منه * تاسعها حديث ابن عمر في معاملة
أهل خيبر وفيه قصة أجلاء عمر لهم باختصار وقد مر شرحه في كتاب المزارعة وقوله فيه نترككم
من الترك وفي رواية الكشميهني نقركم من التقرير وقوله هنا وكانت الأرض لما ظهر عليها لليهود
وللرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين كذا للأكثر وفي رواية ابن السكن لما ظهر عليها لله
وللرسول وللمسلمين فقد قيل إن هذا هو الصواب وقال ابن أبي صفرة والذي في الأصل صحيح
أيضا قال والمراد بقوله لما ظهر عليها أي لما ظهر على فتح أكثرها قبل أن يسأله اليهود أن يصالحوه
فكانت لليهود فلما صالحهم على أن يسلموا له الأرض كانت لله ولرسوله ويحتمل ان يكون على حذف
مضاف اي ثمرة الأرض ويحتمل ان يكون المراد بالأرض ما هو أعم من المفتتحة وغير المفتتحة
والمراد بظهوره عليها غلبته لهم فكان حينئذ بعض الأرض لليهود وبعضها للرسول وللمسلمين
وقال ابن المنير أحاديث الباب مطابقة للترجمة الا هذا الأخير فليس فيه للعطاء ذكر ولكن فيه
ذكر جهات مطابقة للترجمة قد علم من مكان آخر انها كانت جهات عطاء فبهذه الطريق تدخل
تحت الترجمة والله أعلم (قوله باب ما يصيب) اي المجاهد (من الطعام في أرض
الحرب) أي هل يجب تخميسه في الغانمين أو يباح أكله للمقاتلين وهي مسئلة خلاف والجمهور
181

على جواز أخذ الغانمين من القوت وما يصلح به وكل طعام يعتاد أكله عموما وكذلك علف الدواب
سواء كان قبل القسمة أو بعدها بإذن الامام وبغير اذنه والمعنى فيه أن الطعام يعز في دار الحرب
فأبيح للضرورة والجمهور أيضا على جواز الاخذ ولو لم تكن الضرورة ناجزة واتفقوا على جواز
ركوب دوابهم ولبس ثيابهم واستعمال سلاحهم في حال الحرب ورد ذلك بعد انقضاء الحرب
وشرط الأوزاعي فيه اذن الامام وعليه أن يرده كلما فرغت حاجته ولا يستعمله في غير الحرب ولا
ينتظر برده انقضاء الحرب لئلا يعرضه للهلاك وحجته حديث رويفع بن ثابت مرفوعا من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذ دابة من المغنم فيركبها حتى إذا أعجفها ردها إلى المغانم وذكر في
الثوب مثل ذلك وهو حديث حسن أخرجه أبو داود والطحاوي ونقل عن أبي يوسف أنه حمله على
ما إذا كان الآخذ غير محتاج يبقى دابته أو ثوبه بخلاف من ليس له ثوب ولا دابة وقال الزهري
لا يأخذ شيئا من الطعام ولا غيره الا بإذن الامام وقال سليمان بن موسى يأخذ الا ان نهى الامام
وقال ابن المنذر قد وردت الأحاديث الصحيحة في التشديد في الغلول واتفق علماء الأمصار على
جواز أكل الطعام وجاء الحديث بنحو ذلك فليقتصر عليه وأما العلف فهو في معناه وقال مالك
يباح ذبح الانعام للاكل كما يجوز أخذ الطعام وقيده الشافعي بالضرورة إلى الاكل حيث لا طعام
وقد تقدم في باب ما يكره من ذبح الإبل في أواخر الجهاد شئ من ذلك ثم ذكر المصنف في الباب
ثلاثة أحاديث * أحدها (قوله عن عبد الله بن مغفل) بالمعجمة والفاء وزن محمد وفي رواية بهز بن
أسد عن شعبة عند مسلم سمعت عبد الله بن مغفل وفي رواية سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال
حدثني عبد الله بن مغفل والاسناد كله بصريون (قوله فرمى انسان) لم أقف على اسمه ولأبي داود
من طريق سليمان بن المغيرة دلى بجراب يوم خيبر فالتزمته (قوله بجراب) بكسر الجيم (قوله فنزوت)
بالنون والزاي أي وثبت مسرعا ووقع في رواية سليمان بن المغيرة فالتزمته فقلت لا أعطى اليوم
أحدا من هذا شيئا وقد أخرج ابن وهب بسند معضل أن صاحب المغانم كعب بن عمرو بن زيد
الأنصاري أخذ منه الجراب فقال النبي صلى الله عليه وسلم خل بينه وبين جرابه وبهذا يتبين معنى
قوله فاستحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعله استحيا من فعله ذلك ومن قوله معا وموضع
الحجة منه عدم انكار النبي صلى الله عليه وسلم بل في رواية مسلم ما يدل على رضاه فإنه قال فيه فإذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما وزاد أبو داود الطيالسي في آخره فقال هو لك وكأنه عرف
شدة حاجته إليه فسوغ له الاستئثار به وفي قوله فاستحييت إشارة إلى ما كانوا عليه من توقير النبي
صلى الله عليه وسلم ومن معاناة التنزه عن خوارم المروءة وفيه جواز أكل الشحوم التي توجد عند
اليهود وكانت محرمة على اليهود وكرهها مالك وعن أحمد تحريمها وسيأتي ذلك في باب مفرد في كتاب
الذبائح إن شاء الله تعالى * ثانيها حديث ابن عمر كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله
ولا نرفعه رواه يونس بن محمد عند أبي نعيم وأحمد بن إبراهيم عند الإسماعيلي كلاهما عن حماد
ابن زيد فزاد فيه والفواكه ورواه الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن حماد بن زيد بلفظ كنا
نصيب العسل والسمن في المغازي فنأكله ومن طريق جرير بن حازم عن أيوب بلفظ أصبنا طعاما
وأغناما يوم اليرموك فلم يقسم وهذا الموقوف لا يغاير الأول لاختلاف السياق وللأول حكم
المرفوع للتصريح بكونه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما يوم اليرموك فكان بعده فهو
182

موقوف يوافق المرفوع (قوله ولا نرفعه) أي ولا نحمله على سبيل الادخار ويحتمل أن يريد ولا
نرفعه إلى متولى أمر الغنيمة أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا نستأذنه في أكله اكتفاء بما سبق
منه من الاذن * ثالثها حديث عبد الله بن أبي أوفى في ذبحهم الحمر الأهلية يوم خيير وفيه الامر
باراقتها وفيه اختلافهم في سبب النهي هل هو لكونها لم تخمس أو لتحريم الحمر الأهلية وسيأتي
البحث في ذلك في كتاب الذبائح والغرض منه هنا أنه يشعر بان عادتهم جرت بالاسراع إلى
المأكولات وانطلاق الأيدي فيها ولولا ذلك ما قدموا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك
وقد ظهر أنه لم يأمرهم بإراقة لحوم الحمر الا لأنها لم تخمس وأما حديث ثعلبة بن الحكم قال أصبنا
يوم خيبر غنما فذكر الامر بإكفائها وفيه فإنها لا تحل النهبة قال ابن المنذر انما كان ذلك لأجل
ما وقع من النهبة لان أكل نعم أهل الحرب غير جائز ومن أحاديث الباب حديث عبد الله بن أبي
أوفى أيضا أصبنا طعاما يوم خيبر فكان الرجل يجئ فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف أخرجه
أبو داود والحاكم والطحاوي ولفظه فيأخذ منه حاجته (قوله قال عبد الله) هو ابن أبي أوفى راوي
الحديث وبين ذلك في المغازي من وجه آخر عن الشيباني بلفظ قال ابن أبي أوفى فتحدثنا فذكر
نحوه ولمسلم من طريق علي بن مسهر عن الشيباني قال فتحدثنا بيننا أي الصحابة وقوله وقال
آخرون اي من الصحابة والحاصل أن الصحابة اختلفوا في علة النهي عن لحم الحمر هل هو لذاتها
أو لعارض وسيأتي في المغازي في هذا الحديث قول من قال لأنها كانت تأكل العذرة (قوله
وسألت سعيد بن جبير) قائل ذلك هو الشيباني ورواية الشيباني عن سعيد بن جبير لغير هذا
الحديث عند النسائي (قوله باب الجزية) كذا للأكثر ووقع عند ابن بطال وأبي
نعيم كتاب الجزية ووقع لجميعهم البسملة أوله سوى أبي ذر (قوله الجزية والموادعة مع أهل الذمة
والحرب) فيه لف ونشر مرتب لان الجزية مع أهل الذمة والموادعة مع أهل الحرب والجزية من
جزأت الشئ إذا قسمته ثم سهلت الهمزة وقيل من الجزاء أي لأنها جزاء تركهم ببلاد الاسلام أو من
الاجزاء لأنها تكفى من توضع عليه في عصمة دمه والموادعة المتاركة والمراد بها متاركة أهل الحرب
مدة معينة لمصلحة قال ابن المنير وليس في أحاديث الباب ما يوافقها الا الحديث الأخير في تأخير
النعمان بن مقرن القتال وانتظاره زوال الشمس (قلت) وليست هذه الموادعة المعروفة والذي
يظهر أن الصواب ما وقع عند أبي نعيم من اثبات لفظ كتاب في صدر هذه الترجمة ويكون الكتاب
معقودا للجزية والمهادنة والأبواب المذكورة بعد ذلك مفرعة عنه والله أعلم قال العلماء الحكمة
في وضع الجزية أن الذل الذي يلحقهم ويحملهم على الدخول في الاسلام مع ما في مخالطة المسلمين
من الاطلاع على محاسن الاسلام واختلف في سنة مشروعيتها فقيل في سنة ثمان وقيل في سنة
تسع (قوله وقول الله عز وجل قاتلوا الذين الخ) هذه الآية هي الأصل في مشروعية
الجزية ودل منطوق الآية على مشروعيتها مع أهل الكتاب ومفهومها أن غيرهم لا يشاركهم
فيها (قوله يعني أذلاء) هو تفسير وهم صاغرون قال أبو عبيدة في المجاز الصاغر الذليل الحقير قال
وقوله عن يد أي عن طيب نفس وكل من أطاع لقاهر وأعطاه عن طيب نفس من يده فقد أعطاه
عن يد وقيل معنى قوله عن يد اي نعمة منكم عليهم وقيل يعطيها من يده ولا يبعث بها وعن الشافعي
المراد بالصغار هنا التزام حكم الاسلام وهو يرجع إلى التفسير اللغوي لان الحكم على
183

الشخص بما لا يعتقده ويضطر إلى احتماله يستلزم الذل (قوله والمسكنة مصدر المسكين فلان
أسكن من فلان أحوج منه ولم يذهب إلى السكون) هذا الكلام ثبت في كلام أبي عبيدة في المجاز
والقائل ولم يذهب إلى السكون قيل هو الفربري الراوي عن البخاري أراد أن ينبه على أن قول
البخاري أسكن من المسكنة لا من السكون وإن كان أصل المادة واحدا ووجه ذكر المسكنة هنا
أنه لما فسر الصغار بالذلة وجاء في وصف أهل الكتاب أنهم ضربت عليهم الذلة والمسكنة ناسب ذكر
المسكنة عند ذكر الذلة (قوله وما جاء في أخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس والعجم) هذه
بقية الترجمة قيل وعطف العجم على من تقدم ذكره من عطف الخاص على العام وفيه نظر والظاهر
أن بينهما خصوصا وعموما وجهيا فاما اليهود والنصارى فهم المراد باهل الكتاب بالاتفاق وأما
المجوس فقد ذكر مستنده في الباب وفرق الحنفية فقالوا تؤخذ من مجوس العجم دون مجوس
العرب وحكى الطحاوي عنهم تقبل الجزية من أهل الكتاب ومن جميع كفار العجم ولا يقبل من
مشركي العرب الا الاسلام أو السيف وعن مالك تقبل من جميع الكفار الا من ارتد وبه قال
الأوزاعي وفقهاء الشام وحكى ابن القاسم عنه لا تقبل من قريش وحكى ابن عبد البر الاتفاق على
قبولها من المجوس لكن حكى ابن التين عن عبد الملك انها لا تقبل الا من اليهود والنصارى فقط
ونقل أيضا الاتفاق على أنه لا يحل نكاح نسائهم ولا أكل ذبائحهم لكن حكى غيره عن أبي ثور حل
ذلك قال ابن قدامة هذا خلاف اجماع من تقدمه (قلت) وفيه نظر فقد حكى ابن عبد البر عن
سعيد بن المسيب أنه لم يكن يرى بذبيحة المجوسي بأسا إذا أمره المسلم بذبحها وروى ابن أبي شيبة
عنه وعن عطاء وطاوس وعمرو بن دينار أنهم لم يكونوا يرون بأسا بالتسري بالمجوسية وقال
الشافعي تقبل من أهل الكتاب عربا كانوا أو عجما ويلتحق بهم المجوس في ذلك واحتج بالآية
المذكورة فان مفهومها أنها لا تقبل من غير أهل الكتاب وقد أخذها النبي صلى الله عليه وسلم
من المجوس فدل على الحاقهم بهم واقتصر عليه وقال أبو عبيد ثبتت الجزية على اليهود
والنصارى بالكتاب وعلى المجوس بالسنة واحتج غيره بعموم قوله في حديث بريدة وغيره فإذا لقيت
عدوك من المشركين فادعهم إلى الاسلام فان أجابوا والا فالجزية واحتجوا أيضا بان أخذها من
المجوس يدل على ترك مفهوم الآية فلما انتفى تخصيص أهل الكتاب بذلك دل على أن لا مفهوم
لقوله من أهل الكتاب وأجيب بان المجوس كان لهم كتاب ثم رفع وروى الشافعي وغيره في ذلك
حديثا عن علي وسيأتي في هذا الباب ذكره وتعقب بقوله تعالى انما أنزل الكتاب على طائفتين
من قبلنا وأجيب بان المراد مما اطلع عليه القائلون وهم قريش لانهم لم يشتهر عندهم من جميع
الطوائف من له كتاب الا اليهود والنصارى وليس في ذلك نفى بقية الكتب المنزلة كالزبور وصحف
إبراهيم وغير ذلك (قوله وقال ابن عيينة الخ) وصله عبد الرزاق عنه به وزاد بعد قوله أهل الشام
من أهل الكتاب تؤخذ منهم الجزية الخ وأشار بهذا الأثر إلى جواز التفاوت في الجزية وأقل
الجزية عند الجمهور دينار لكل سنة وخصه الحنفية بالفقير وأما المتوسط فعليه ديناران
وعلى الغني أربعة وهو موافق لاثر مجاهد كما دل عليه حديث عمر وعند الشافعية أن للامام أن
يماكس حتى يأخذها منهم وبه قال أحمد وروى أبو عبيد من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه بعث عثمان بن حنيف بوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين وأربعة
184

وعشرين واثني عشر وهذا على حساب الدينار باثني عشر وعن مالك لا يزاد على الأربعين وينقص
منها عمن لا يطيق وهذا محتمل أن يكون جعله على حساب الدينار بعشرة والقدر الذي لا بد منه
دينار وفيه حديث مسروق عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن قال خذ من
كل حالم دينار أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي والحاكم واختلف السلف في أخذها من
الصبي فالجمهور لا على مفهوم حديث معاذ وكذا الا تؤخذ من شيخ فان ولا زمن ولا امرأة ولا
مجنون ولا عاجز عن الكسب ولا أجير ولا من أصحاب الصوامع والديارات في قول والأصح عند
الشافعية الوجوب على من ذكر آخر ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث يشتمل الأخير على
حديثين * أحدها حديث عبد الرحمن بن عوف (قوله سمعت عمرا) هو ابن دينار (قوله كنت
جالسا مع جابر بن زيد) هو أبو الشعثاء البصري وعمرو بن أوس هو الثقفي المتقدم ذكر روايته عن
عبد الرحمن بن أبي بكر في الحج وعن عبد الله بن عمرو في التهجد وليست له هنا رواية بل ذكره عمرو بن
دينار ليبين أن بجالة لم يقصده بالتحديث وانما حدث غيره فسمعه هو وهذا وجه من وجوه التحمل
بالاتفاق وانما اختلفوا هل يسوغ أن يقول حدثنا والجمهور على الجواز ومنع منه النسائي
وطائفة قليلة وقال البرقاني يقول سمعت فلانا (قوله فحدثهما بجالة) هو بفتح الموحدة والجيم
الخفيفة تابعي شهير كبير تميمي بصري وهو ابن عبدة بفتح المهملة والموحدة ويقال فيه عبد
بالسكون بلا هاء وما له في البخاري سوى هذا الموضع (قوله عام حج مصعب بن الزبير باهل البصرة)
أي وحج حينئذ بجالة معه وبذلك صرح أحمد في روايته عن سفيان وكان مصعب أميرا على البصرة
من قبل أخيه عبد الله بن الزبير وقتل مصعب بعد ذلك بسنة أو سنتين (قوله كنت كاتبا لجزء) بفتح
الجيم وسكون الزاي بعدها همزة هكذا يقوله المحدثون وضبطه أهل النسب بكسر الزاي بعدها
تحتانية ساكنة ثم همزة ومن قاله بلفظ التصغير فقد صحف وهو ابن معاوية بن حصن بن عبادة
التميمي السعدي عم الأحنف بن قيس وهو معدود في الصحابة وكان عامل عمر على الأهواز ووقع
في رواية الترمذي أنه كان على تنادر (قلت) هي من قرى الأهواز وذكر البلاذري أنه عاش إلى
خلافة معاوية وولى لزياد بعض عمله (قوله قبل موته بسنة) كان ذلك سنة اثنتين وعشرين لان عمر
قتل سنة ثلاث (قوله فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس) زاد مسدد وأبو يعلى في روايتهما اقتلوا
كل ساحر قال فقتلنا في يوم ثلاث سواحر وفرقنا بين المحارم منهم وصنع طعاما فدعاهم وعرض
السيف على فخذيه فأكلوا بغير زمزمة قال الخطابي أراد عمر بالتفرقة بين المحارم من المجوس منعهم
من اظهار ذلك وافشاء عقودهم به وهو كما شرط على النصارى أن لا يظهروا صليبهم (قلت) قد روى
سعيد بن منصور من وجه آخر عن بجالة ما يبين سبب ذلك ولفظه أن فرقوا بين المجوس وبين
محارمهم كيما نلحقهم باهل الكتاب فهذا يدل على أن ذلك عند عمر شرط في قبول الجزية منهم وأما
الامر بقتل الساحر فهو من مسائل الخلاف وقد وقع في رواية سعيد بن منصور المذكورة من
الزيادة واقتلوا كل ساحر وكاهن وسيأتي الكلام على حكم الساحر في باب هل يعفى عن الذمي إذا
سحر (قوله ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف) قلت إن كان
هذا من جملة كتاب عمر فهو متصل وتكون فيه رواية عمر عن عبد الرحمن بن عوف وبذلك
وقع التصريح في رواية الترمذي ولفظه فجاءنا كتاب عمر انظر مجوس من قبلك فخذ منهم الجزية
185

فان عبد الرحمن بن عوف أخبرني فذكره لكن أصحاب الأطراف ذكروا هذا الحديث في ترجمة
بجالة بن عبدة عن عبد الرحمن بن عوف وليس بجيد وقد أخرج أبو داود من طريق قشير بن عمرو
عن بجالة عن ابن عباس قال جاء رجل من مجوس هجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما خرج قلت
له ما قضى الله ورسوله فيكم قال شر الاسلام أو القتل قال وقال عبد الرحمن بن عوف قبل منهم
الجزية قال ابن عباس فاخذ الناس بقول عبد الرحمن وتركوا ما سمعت وعلى هذا فبجالة يرويه
عن ابن عباس سماعا وعن عمر كتابة كلاهما عن عبد الرحمن بن عوف وروى أبو عبيد باسناد
صحيح عن حذيفة لولا أني رأيت أصحابي أخذوا الجزية من المجوس ما أخذتها وفي الموطأ عن
جعفر بن محمد عن أبيه ان عمر قال لا أدري ما أصنع بالمجوس فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد
لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب وهذا منقطع مع ثقة
رجاله ورواه ابن المنذر والدارقطني في الغرائب من طريق أبي على الحنفي عن مالك فزاد فيه عن
جده وهو منقطع أيضا لان جده علي بن الحسين لم يلحق عبد الرحمن بن عوف ولا عمر فإن كان
الضمير في قوله عن جده يعود على محمد بن علي فيكون متصلا لان جده الحسين بن علي سمع
من عمر بن الخطاب ومن عبد الرحمن بن عوف وله شاهد من حديث مسلم بن العلاء بن الحضرمي
أخرجه الطبراني في آخر حديث بلفظ سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب قال أبو عمر هذا من الكلام
العام الذي أريد به الخاص لان المراد سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط (قلت) وقع في آخر
رواية أبي على الحنفي قال مالك في الجزية واستدل بقوله سنة أهل الكتاب على أنهم ليسوا أهل
كتاب لكن روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما باسناد حسن عن علي كان المجوس أهل كتاب
يقرؤونه وعلم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم
وقال إن آدم كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه وقتل من خالفه فاسرى على كتابهم وعلى ما في
قلوبهم منه فلم يبق عندهم منه شئ وروى عبد بن حميد في تفسير سورة البروج باسناد صحيح عن
ابن أبزي لما هزم المسلمون أهل فارس قال عمر اجتمعوا فقال إن المجوس ليسوا أهل كتاب فنضع
عليهم ولا من عبدة الأوثان فنجرى عليهم أحكامهم فقال علي بل هم أهل كتاب فذكر نحوه لكن
قال وقع على ابنته وقال في آخره فوضع الأخدود لمن خالفه فهذا حجة لمن قال كان لهم كتاب
وأما قول ابن بطال لو كان لهم كتاب ورفع لرفع حكمه ولما استثنى حل ذبائحهم ونكاح نسائهم
فالجواب أن الاستثناء وقع تبعا للأثر الوارد في ذلك لان في ذلك شبهة تقتضي حقن الدم بخلاف
النكاح فإنه مما يحتاط له وقال ابن المنذر ليس تحريم نسائهم وذبائحهم متفقا عليه ولكن
الأكثر من أهل العلم عليه وفي الحديث قبول خبر الواحد وأن الصحابي الجليل قد يغيب عنه علم
ما اطلع عليه غيره من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأحكامه وانه لا نقص عليه في ذلك وفيه
التمسك بالمفهوم لان عمر فهم من قوله أهل الكتاب اختصاصهم بذلك حتى حدثه عبد الرحمن بن
عوف بالحاق المجوس بهم فرجع إليه * ثانيها حديث عمرو بن عوف (قوله الأنصاري) المعروف
عند أهل المغازي أنه من المهاجرين وهو موافق لقوله هنا وهو حليف لبني عامر بن لؤي لأنه
يشعر بكونه من أهل مكة ويحتمل أن يكون وصفه بالأنصاري بالمعنى الأعم ولا مانع أن يكون
أصله من الأوس والخزرج ونزل مكة وحالف بعض أهلها فبهذا الاعتبار يكون أنصاريا مهاجريا
186

ثم ظهر لي ان لفظة الأنصاري وهم وقد تفرد بها شعيب عن الزهري ورواه أصحاب الزهري كلهم
عنه بدونها في الصحيحين وغيرهما وهو معدود في أهل بدر باتفاقهم ووقع عند موسى بن عقبة
في المغازي أنه عمير بن عوف بالتصغير وسيأتي في الرقاق من طريق موسى بن عقبة عن الزهري
بغير تصغير وكانه كان يقال فيه بالوجهين وقد فرق العسكري بين عمير بن عوف وعمرو بن عوف
والصواب الوحدة (قوله بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين) اي البلد المشهور بالعراق وهي
بين البصرة وهجر وقوله يأتي بجزيتها اي بجزية أهلها وكان غالب أهلها إذ ذاك المجوس ففيه
تقوية للحديث الذي قبله ومن ثم ترجم عليه النسائي أخذ الجزية من المجوس وذكر ابن سعد أن
النبي صلى الله عليه وسلم بعد قسمة الغنائم بالجعرانة أرسل العلاء إلى المنذر بن ساوى عامل
الفرس على البحرين يدعوه إلى الاسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية (قوله وكان
النبي صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين) كان ذلك في سنة الوفود سنة تسع من الهجرة
والعلاء بن الحضرمي صحابي شهير واسم الحضرمي عبد الله بن مالك بن ربيعة وكان من أهل
حضرموت فقدم مكة فحالف بها بني مخزوم وقيل كان اسم الحضرمي في الجاهلية زهرمز وذكر
عمر بن شبة في كتاب مكة عن أبي غسان عن عبد العزيز بن عمران أن كسرى لما أغار بنو تميم
وبنو شيبان على ماله أرسل إليهم عسكرا عليهم زهرمز فكانت وقعة ذي قار فقتلوا الفرس
وأسروا أميرهم فاشتراه صخر بن رزين الديلي فسرقه منه رجل من حضرموت فتبعه صخر حتى
افتداه منه فقدم به مكة وكان صناعا فعتق وأقام بمكة وولد له أولاد نجباء وتزوج أبو سفيان
ابنته الصعبة فصارت دعواهم في آل حرب ثم تزوجها عبيد الله بن عثمان والد طلحة أحد العشرة
فولدت له طلحة قال وقال غير عبد العزيز ان كلثوم بن رزين أو أخاه الأسود خرج تاجرا فرأى
بحضرموت عبدا فارسيا نجارا يقال له زهرمز فقدم به مكة ثم اشتراه من مولاه وكان حميريا يكنى
أبا رفاعة فأقام بمكة فصار يقال له الحضرمي حتى غلب على اسمه فجاور أبا سفيان وانقطع إليه
وكان آل رزين حلفاء لحرب بن أمية وأسلم العلاء قديما ومات الثلاثة المذكورون أبو عبيدة
والعلاء باليمن وعمرو بن عوف في خلافة عمر رضي الله عنهم (قوله فقدم أبو عبيدة) تقدم في كتاب
الصلاة بيان المال المذكور وقدره وقصة العباس في الاخذ منه وهي التي ذكرت هنا أيضا
(قوله فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافقت صلاة الصبح) يؤخذ منه أنهم كانوا لا يجتمعون
في كل الصلوات في التجميع الا لأمر يطرأ وكانوا يصلون في مساجدهم إذ كان لكل قبيلة
مسجد يجتمعون فيه فلأجل ذلك عرف النبي صلى الله عليه وسلم أنهم اجتمعوا لأمر ودلت القرينة
على تعيين ذلك الامر وهو احتياجهم إلى المال للتوسعة عليهم فأبوا الا أن يكون للمهاجرين
مثل ذلك وقد تقدم هناك من حديث أنس فلما قدم المال رأوا أن لهم فيه حقا ويحتمل ان يكون
وعدهم بان يعطيهم منه إذا حضر وقد وعد جابرا بعد هذا أن يعطيه من مال البحرين فوفى له
أبو بكر (قوله فتعرضوا له) أي سألوه بالإشارة (قوله قالوا أجل يا رسول الله) قال الأخفش أجل
في المعنى مثل نعم لكن نعم يحسن أن تقال جواب الاستفهام وأجل أحسن من نعم في التصديق
(قوله فأبشروا) أمر معناه الاخبار بحصول المقصود (قوله فتنافسوها) يأتي الكلام عليه
في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى وفي هذا الحديث أن طلب العطاء من الامام لا غضاضة فيه
187

وفيه البشرى من الامام لأتباعه وتوسيع أملهم منه وفيه من أعلام النبوة اخباره صلى الله
عليه وسلم بما يفتح عليهم وفيه أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين ووقع في حديث عبد الله
ابن عمرو بن العاص عند مسلم مرفوعا تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو
ذلك وفيه إشارة إلى أن كل خصلة من المذكورات مسببة عن التي قبلها وسيأتي بقية الكلام
على ذلك في الرقاق إن شاء الله تعالى * ثالثها (قوله حدثنا المعتمر بن سليمان) كذا في جميع النسخ
بسكون العين المهملة وفتح المثناة وكسر الميم وكذا وقع في مستخرج الإسماعيلي وغيره في هذا
الحديث وزعم الدمياطي أن الصواب المعمر بفتح المهملة وتشديد الميم المفتوحة بغير مثناة قال
لان عبد الله بن جعفر الرقي لا يروي عن المعتمر البصري وتعقب بان ذلك ليس بكاف في رد الروايات
الصحيحة وهب أن أحدهما لم يدخل بلد الآخر أما يجوز أن يكونا التقيا مثلا في الحج أو في الغزو
وما ذكره معارض بمثله فان المعمر بن سليمان رقي وسعيد بن عبيد الله بصري فمهما استبعد من لقاء
الرقي البصري جاء مثله في لقاء الرقي للبصري وأيضا فالذين جمعوا رجال البخاري لم يذكروا فيهم
المعمر بن سليمان الرقي وأطبقوا على ذكر المعتمر بن سليمان التيمي البصري وأغرب الكرماني فحكى
انه قيل الصواب في هذا معمر بن راشد يعني شيخ عبد الرزاق (قلت) وهذا هو الخطأ بعينه فليست
لعبد الله بن جعفر الرقي عن معمر بن راشد رواية أصلا والله المستعان ثم رأيت سلف الدمياطي فيما
جزم به فقال ابن قرقول في المطالع وقع في التوحيد وفي الجزية عن الفضل بن يعقوب عن عبد الله
ابن جعفر عن معتمر بن سليمان عن سعيد بن عبيد الله كذا للجميع في الموضعين قالوا وهو وهم وانما
هو المعمر بن سليمان الرقي وكذا كان في أصل الأصيلي فزاد فيه التاء وأصلحه في الموضعين قال
الأصيلي المعتمر هو الصحيح وقال غيره المعمر هو الصحيح والرقي لا يروي عن المعتمر قال ولم يذكر الحاكم
ولا الباجي في رجال البخاري المعمر بن سليمان بل قال الباجي في ترجمة عبد الله بن جعفر يروى عن
المعتمر ولم يذكر له البخاري عنه رواية (قوله حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي) هو ابن جبير بن حية
المذكور بعد وزياد بن جبير شيخه هو ابن عمه (قوله عن جبير بن حية) هو جد زياد وحية أبوه
بمهملة وتحتانية مثقلة وهو من كبار التابعين واسم جده مسعود بن معتب بمهملة ومثناة ثم موحدة
ومنهم من عده في الصحابة وليس ذلك عندي ببعيد لان من شهد الفتوح في وسط خلافة عمر يكون
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مميزا وقد نقل ابن عبد البر أنه لم يبق في سنة حجة الوداع من قريش
وثقيف أحد الا أسلم وشهدها وهذا منهم وهو من بيت كبير فان عمه عروة بن مسعود كان رئيس
ثقيف في زمانه والمغيرة بن شعبة ابن عمه ووقع في رواية الطبري من طريق مبارك بن فضالة عن
زياد بن جبير حدثني أبي ولسعيد حفيده رواية أخرى في الأشربة والتوحيد وعمه زياد بن جبير
تقدمت له روايات أخرى في الصوم والحج وذكر أبو الشيخ أن جبير بن حية ولي امرة أصبهان
ومات في خلافة عبد الملك بن مروان (قوله بعث عمر الناس في أفناء الأمصار) أي في مجموع
البلاد الكبار والافناء بالفاء والنون ممدود جمع فنو بكسر الفاء وسكون النون ويقال فلان من
افناء الناس إذا لم تعين قبيلته والمصر المدينة العظيمة ووقع عند الكرماني الأنصار بالنون بدل
الميم وشرح عليه ثم قال وفي بعضها الأمصار (قوله فأسلم الهرمزان) في السياق اختصار كثير
لان اسلام الهرمزان كان بعد قتال كثير بينه وبين المسلمين بمدينة تستر ثم نزل على حكم عمر فاسره
188

أبو موسى الأشعري وأرسل به إلى عمر مع أنس فأسلم فصار عمر يقربه ويستشيره ثم اتفق أن
عبيد الله بالتصغير ابن عمر بن الخطاب اتهمه بأنه واطأ أبا لؤلؤة على قتل عمر فعدا على الهرمزان
فقتله بعد قتل عمر وستأتي قصة اسلام الهرمزان بعد عشرة أبواب وهو بضم الهاء وسكون الراء
وضم الميم بعدها زاي وكان من عظماء الفرس (قوله اني مستشيرك في مغازي) بالتشديد
وهذه إشارة إلى ما في قصده ووقع في رواية ابن أبي شيبة من طريق معقل بن يسار أن عمر شاور
الهرمزان في فارس وأصبهان وأذربيجان أي بأيها يبدأ وهذا يشعر بان المراد أنه استشاره في
جهات مخصوصة والهرمزان كان من أهل تلك البلاد وكان أعلم بأحوالها من غيره وعلى هذا
ففي قوله في حديث الباب فالرأس كسرى والجناح قيصر والجناح الآخر فارس نظر لان
كسرى هو رأس أهل فارس وأما قيصر صاحب الروم فلم يكن كسرى رأسا لهم وقد وقع عند
الطبري من طريق مبارك بن فضالة المذكورة قال فان فارس اليوم رأس وجناحان وهذا موافق
لرواية ابن أبي شيبة وهو أولى لان قيصر كان بالشام ثم ببلاد الشمال ولا تعلق لهم بالعراق وفارس
والمشرق ولو أراد أن يجعل كسرى رأس الملوك وهو ملك المشرق وقيصر ملك الروم دونه ولذلك
جعله جناحا لكان المناسب أن يجعل الجناح الثاني ما يقابله من جهة اليمين كملوك الهند والصين
مثلا لكن دلت الرواية الأخرى على أنه لم يرد الا أهل بلاده التي هو عالم بها وكأن الجيوش
إذ ذاك كانت بالبلاد الثلاثة وأكثرها وأعظمها بالبلدة التي فيها كسرى لأنه كان رأسهم (قوله
فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى) في رواية مبارك أن الهرمزان قال فاقطع الجناحين يلن لك
الرأس فأنكر عليه عمر فقال بل أقطع الرأس أولا فيحتمل أنه لما أنكر عليه عاد فأشار عليه
بالصواب (قوله واستعمل علينا النعمان بن مقرن) بالقاف وتشديد الراء وهو المزني وكان من
أفاضل الصحابة هاجر هو واخوة له سبعة وقيل عشرة وقال ابن مسعود ان للايمان بيوتا وان
بيت آل مقرن من بيوت الايمان وكان النعمان قدم على عمر بفتح القادسية ففي رواية ابن أبي
شيبة المذكورة فدخل عمر المسجد فإذا هو بالنعمان يصلي فقعد فلما فرغ قال إني مستعملك قال
أما جابيا فلا ولكن غازيا قال فإنك غاز فخرج معه الزبير وحذيفة وابن عمر والأشعث وعمرو بن
معد يكرب وفي رواية الطبري المذكورة فأراد عمر المسير بنفسه ثم بعث النعمان ومعه ابن عمر
وجماعة وكتب إلى أبي موسى أن يسير باهل البصرة والى حذيفة أن يسير باهل الكوفة حتى
يجتمعوا بنهاوند وهي بفتح النون والهاء والواو وسكون النون الثانية قال وإذا التقيتم فأميركم
النعمان بن مقرن (قوله حتى إذا كنا بأرض العدو) وقد عرف من رواية الطبري انها نهاوند
(قوله خرج علينا عامل كسرى) سماه مبارك بن فضالة في روايته بندار وعند ابن أبي شيبة
أنه ذو الجناحين فلعل أحدهما لقبه (قوله فقام ترجمان) في رواية الطبري من الزيادة فلما
اجتمعوا أرسل بندار إليهم أن أرسلوا إلينا رجلا نكلمه فأرسلوا إليه المغيرة وفي رواية ابن أبي
شيبة وكان بينهم نهر فسرح إليهم المغيرة فعبر النهر فشاور ذو الجناحين أصحابه كيف نقعد للرسول
فقالوا له اقعد في هيئة الملك وبهجته فقعد على سريره ووضع التاج على رأسه وقام أبناء الملوك
حوله سماطين عليهم أساور الذهب والقرطة والديباج قال فأذن للمغيرة فاخذ بضبعيه رجلان
ومعه رمحه وسيفه فجعل يطعن برمحه في بسطهم ليتطيروا وفي رواية الطبري قال المغيرة فمضيت
189

ونكست رأسي فدفعت فقلت لهم ان الرسول لا يفعل به هذا (قوله ما أنتم) هكذا خاطبه بصيغة
من لا يعقل احتقارا له وفي رواية ابن أبي شيبة فقال إنكم معشر العرب أصابكم جوع وجهد
فجئتم فان شئتم مرناكم بكسر الميم وسكون الراء أي أعطيناكم الميرة أي الزاد ورجعتم وفي
رواية الطبري انكم معشر العرب أطول الناس جوعا وأبعد الناس من كل خير وما منعني
أن آمر هؤلاء الأساورة أن ينتظموكم بالنشاب الا تنجسا لجيفكم قال فحمدت الله وأثنيت عليه
ثم قلت ما أخطأت شيا من صفتنا كذلك كنا حتى بعث الله إلينا رسوله (قوله نعرف أباه وأمه)
زاد في رواية ابن أبي شيبة في شرف منا أوسطنا حسبا واصدقنا حديثا (قوله فامرنا نبينا رسول
ربنا ان نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية) هذا القدر هو الذي يحتاج إليه في
هذا الباب وفيه اخبار المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال المجوس حتى يؤدوا الجزية
ففيه دفع لقول من زعم أن عبد الرحمن بن عوف تفرد بذلك وزاد في رواية الطبري وانا والله
لا نرجع إلى ذلك الشقاء حتى نغلبكم على ما في أيديكم (قوله فقال النعمان) هكذا وقع في هذه
الرواية مختصرا قال ابن بطال قول النعمان للمغيرة ربما أشهدك الله مثلها أي مثل هذه الشدة
وقوله فلم يندمك أي ما لقيت معه من الشدة ولم يحزنك أي لو قتلت معه لعلمك بما تصير إليه من
النعيم وثواب الشهادة قال وقوله ولكني شهدت الخ كلام مستأنف وابتداء قصة أخرى اه
وقد بين مبارك بن فضالة في روايته عن زياد بن جبير ارتباط كلام النعمان بما قبله وبسياقه يتبين
أنه ليس قصة مستأنفة وحاصله ان المغيرة أنكر على النعمان تأخير القتال فاعتذر النعمان بما
قاله وما أول به قوله فلم يندمك الخ فيه أيضا نظر والذي يظهر أنه أراد بقوله فلم يندمك اي على
التأني والصبر حتى تزول الشمس وقوله ولم يحزنك شرحه على أنه بالمهملة والنون من الحزن وفي
رواية المستملي بالخاء المعجمة بغير نون وهو أوجه لوفاق ما قبله وهو نظير ما تقدم في وفد عبد القيس
غير خزايا ولا ندامى ولفظ مبارك ملخصا انهم أرسلوا إليهم اما أن تعبروا إلينا النهر أو نعبر إليكم قال
النعمان اعبروا إليهم قال فتلاقوا وقد قرن بعضهم بعضا وألقوا حسك الحديد خلفهم لئلا يفروا
قال فرأى المغيرة كثرتهم فقال لم أر كاليوم فشلا أن عدونا يتركون يتأهبون أما والله لو كان
الامر إلي لقد أعجلتهم وفي رواية ابن أبي شيبة فصاففناهم فرشقونا حتى أسرعوا فينا فقال المغيرة
للنعمان انه قد أسرع في الناس فلو حملت فقال النعمان انك لذو مناقب وقد شهدت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم مثلها وفي رواية الطبري قد كان الله أشهدك أمثالها والله ما منعني ان أناجزهم
الا شئ شهدته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله حتى تهب الأرواح) جمع ريح وأصله
الواو لكن لما انكسر ما قبل الواو الساكنة انقلبت ياء والجمع يرد الأشياء إلى أصولها وقد
حكى ابن جنى جمع ريح على أرياح (قوله وتحضر الصلوات) في رواية ابن أبي شيبة وتزول الشمس
وهو بالمعنى وزاد في رواية الطبري ويطيب القتال وفي رواية ابن أبي شيبة وينزل النصر وزادا
معا واللفظ لمبارك بن فضالة عن زياد بن جبير فقال النعمان اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم
بفتح يكون فيه عز الاسلام وذل الكفر والشهادة لي ثم قال إني هاز اللواء فتيسروا للقتال وفي
رواية ابن أبي شيبة فليقض الرجل حاجته وليتوضأ ثم هازه الثانية فتأهبوا وفي رواية ابن أبي
شيبة فلينظر الرجل إلى نفسه ويرمي من سلاحه ثم هازه الثالثة فاحملوا ولا يلوين أحد على أحد
190

ولو قتلت فان قتلت فعلى الناس حذيفة قال فحمل وحمل الناس فوالله ما علمت أن أحدا يومئذ
يريد أن يرجع إلى أهله حتى يقتل أو يظفر فثبتوا لنا ثم انهزموا فجعل الواحد يقع على الآخر
فيقتل سبعة وجعل الحسك الذي جعلوه خلفهم يعقرهم وفي رواية ابن أبي شيبة ووقع
ذو الجناحين عن بغلة شهباء فانشق بطنه ففتح الله على المسلمين وفي رواية الطبري وجعل النعمان
يتقدم باللواء فلما تحقق الفتح جاءته نشابة في خاصرته فصرعته فسجاه أخوه معقل ثوبا وأخذ
اللواء ورجع الناس فنزلوا وبايعوا حذيفة فكتب بالفتح إلى عمر مع رجل من المسلمين (قلت)
وسماه سيف في الفتوح طريف بن سهم وعند ابن أبي شيبة من طريق علي بن زيد بن جدعان
عن أبي عثمان هو النهدي أنه ذهب بالبشارة إلى عمر فيمكن أن يكونا ترافقا وذكر الطبري ان ذلك
كان سنة تسع عشرة وقيل سنة إحدى وعشرين وفي الحديث منقبة للنعمان ومعرفة المغيرة
بالحرب وقوة نفسه وشهامته وفصاحته وبلاغته ولقد اشتمل كلام هذا الوجيز على بيان
أحوالهم الدنيوية من المطعم والملبس ونحوهما وعلى أحوالهم الدينية أولا وثانيا وعلى
معتقدهم من التوحيد والرسالة والايمان بالمعاد وعلى بيان معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
واخباره بالمغيبات ووقوعها كما أخبر وفيه فضل المشورة وأن الكبير لا نقص عليه في مشاورة من
هو دونه وأن المفضول قد يكون أميرا على الأفضل لان الزبير بن العوام كان في جيش عليه فيه
النعمان بن مقرن والزبير أفضل منه اتفاقا ومثله تأمير عمرو بن العاص على جيش فيه أبو بكر
وعمر كما سيأتي في أواخر المغازي وفيه ضرب المثل وجودة تصور الهرمزان ولذلك استشاره عمر
وتشبيه الغائب المجوس بحاضر محسوس لتقريبه إلى الفهم وفيه البداءة بقتال الأهم فالأهم
وبيان ما كان العرب عليه في الجاهلية من الفقر وشظف العيش والارسال إلى الامام بالبشارة
وفضل القتال بعد زوال الشمس على ما قبله وقد تقدم ذلك في الجهاد ولا يعارضه ما تقدم أنه صلى
الله عليه وسلم كان يغير صباحا لان هذا عند المصاففة وذاك عند الغارة (قوله باب
إذا وادع الامام ملك القرية هل يكون ذلك لبقيتهم) أي لبقية أهل القرية أورد فيه طرفا من
حديث أبي حميد الساعدي غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبوك فاهدى ملك أيلة بغلة
الحديث وقد تقدم بتمامه في كتاب الزكاة وقوله وكساه بردا كذا فيه بالواو ولأبي ذر بالفاء وهو
أولى لان فاعل كسا هو النبي صلى الله عليه وسلم وقوله ببحرهم أي بقريتهم قال ابن المنير لم يقع في
لفظ الحديث عند البخاري صيغة الأمان ولا صيغة الطلب لكنه بناه على العادة في أن الملك الذي
أهدى انما طلب إبقاء ملكه وانما يبقى ملكه ببقاء رعيته فيؤخذ من هذا أن موادعته موادعة
لرعيته (قلت) وهذا القدر لا يكفي في مطابقة الحديث للترجمة لان العادة بذلك معروفة من غير
الحديث وانما جرى البخاري على عادته في الإشارة إلى بعض طرق الحديث الذي يورده وقد
ذكر ذلك بن إسحاق في السيرة فقال لما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه بحنة بن رؤبة
صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فهو عندهم
بسم الله الرحمن الرحيم هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله لبحنة بن رؤبة وأهل أيلة فذكره
قال ابن بطال العلماء مجمعون على أن الامام إذا صالح ملك القرية أنه يدخل في ذلك الصلح بقيتهم
واختلفوا في عكس ذلك وهو ما إذا استأمن لطائفة معينة هل يدخل هو فيهم فذهب الأكثر
191

إلى أنه لا بد من تعيينه لفظا وقال أصبغ وسحنون لا يحتاج إلى ذلك بل يكتفى بالقرينة لأنه لم يأخذ
الأمان لغيره الا وهو يقصد ادخال نفسه (قوله باب الوصاة باهل ذمة رسول الله
صلى الله عليه وسلم) الوصاة بفتح الواو والمهملة مخففا بمعنى الوصية تقول وصيته وأوصيته توصية
والاسم الوصاة والوصية وقد تقدم بسطه في أول كتاب الوصايا (قوله والذمة العهد والآل
القرابة) هو تفسير الضحاك في قوله تعالى لا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة وهو كقول الشاعر
وأشهد أن ألك من قريش * كال السقب من رأل النعام
وقال أبو عبيدة في المجاز الال العهد والميثاق واليمين ومجاز الذمة التذمم والجمع ذمم وقال غيره
يطلق الال أيضا على العهد وعلى الجواز وعن مجاهد الال الله وأنكره عليه غير واحد (قوله
حدثنا أبو جمرة) هو بالجيم والراء الضبعي صاحب ابن عباس وجويرية بن قدامة بالجيم مصغر ماله
في البخاري سوى هذا الموضع وهو مختصر من حديث طويل في قصة مقتل عمر وسأذكر ما فيه من
فائدة زائدة في الكلام على حديث عمر المذكور في مناقبه وقيل إن جويرية هذا هو جارية بن
قدامة الصحابي المشهور وقد بينت في كتابي في الصحابة ما يقويه فان ثبت والا فهو من كبار التابعين
(قوله أوصيكم بذمة الله فإنه ذمة نبيكم ورزق عيالكم) في رواية عمرو بن ميمون وأوصيه بذمة
الله وذمة رسوله ان يوفى لهم بعهدهم وان يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا الا طاقتهم (قلت)
ويستفاد من هذه الزيادة أن لا يؤخذ من أهل الجزية الا قدر ما يطيق المأخوذ منه وقوله في هذه
الرواية ورزق عيالكم أي ما يؤخذ منهم من الجزية والخراج قال المهلب في الحديث الحض على
الوفاء بالعهد وحسن النظر في عواقب الأمور والاصلاح لمعاني المال وأصول الاكتساب
(قوله باب ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين وما وعد من مال البحرين
والجزية ولمن يقسم الفئ والجزية) اشتملت هذه الترجمة على ثلاثة أحكام وأحاديث الباب ثلاثة
موزعة عليها على الترتيب * فأما اقطاعه صلى الله عليه وسلم من البحرين فالحديث الأول دال على
أنه صلى الله عليه وسلم هم بذلك وأشار على الأنصار به مرارا فلما لم يقبلوا تركه فنزل المصنف
ما بالقوة منزلة ما بالفعل وهو في حقه صلى الله عليه وسلم واضح لأنه لا يأمر الا بما يجوز فعله والمراد
بالبحرين البلد المشهور بالعراق وقد تقدم في فرض الخمس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان
صالحهم وضرب عليه الجزية وتقدم في كتاب الشرب في الكلام على هذا الحديث أن المراد
باقطاعها للأنصار تخصيصهم بما يتحصل من جزيتها وخراجها لا تمليك رقبتها لان أرض الصلح
192

لا تقسم ولا تقطع * وأما ما وعد من مال البحرين والجزية فحديث جابر دال عليه وقد مضى في
الخمس مشروحا * وأما مصرف الفئ والجزية فعطف الجزية على الفئ من عطف الخاص على
العام لأنها من جملة الفئ قال الشافعي وغيره من العلماء الفئ كل ما حصل للمسلمين مما لم يوجفوا
عليه بخيل ولا ركاب وحديث أنس المعلق يشعر بأنه راجع إلى نظر الامام يفضل من شاء بما شاء
وقد تقدم الحديث بهذا الاسناد المعلق بعينه في المساجد من كتاب الصلاة وذكرت هناك من وصله
وبعض فوائده وأعاده في الجهاد وغيره بأخصر من هذا وتقدم في الخمس أن المال الذي أتى به من
البحرين كان من الجزية وان مصرف الجزية مصرف الفئ وتقدم بيان الاختلاف في مصرف
الفئ وان المصنف يختار أنه إلى نظر الامام والله أعلم وروى عبد الرزاق في حديث عمر الطويل
حين دخل عليه العباس وعلي يختصمان قال قرأ عمر ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى
الآية فقالوا استوعبت هذه المسلمين ورواه أبو عبيدة من وجه آخر وقال فيه فاستوعبت هذه
الآية الناس فلم يبق أحد الا له فيها حق الا بعض من تملكون من أرقائكم قال أبو عبيد حكم
الفئ والخراج والجزية واحد ويلتحق به ما يؤخذ من مال أهل الذمة من العشر إذا اتجروا في
بلاد الاسلام وهو حق المسلمين يعم به الفقير والغني وتصرف منه أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية
وما ينوب الامام من جميع ما فيه صلاح الاسلام والمسلمين واختلف الصحابة في قسم الفئ
فذهب أبو بكر إلى التسوية وهو قول علي وعطاء واختيار الشافعي وذهب عمر وعثمان إلى التفضيل
وبه قال مالك وذهب الكوفيون إلى أن ذلك إلى رأي الامام ان شاء فضل وان شاء سوى قال ابن
بطال أحاديث الباب حجة لمن قال بالتفضيل كذا قال والذي يظهر أن من قال بالتفضيل يشترط
التعميم بخلاف من قال إنه إلى نظر الامام وهو الذي يدل عليه أحاديث الباب والله أعلم وروى
أبو داود من حديث عوف بن مالك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه فئ قسمه من يومه
فأعطى الآهل حظين وأعطى الأعزب حظا واحدا وقال ابن المنذر انفرد الشافعي بقوله ان
في الفئ الخمس كخمس الغنيمة ولا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا من بعدهم لان الآيات
التاليات لآية الفئ معطوفات على آية الفئ من قوله للفقراء المهاجرين إلى آخرها فهي مفسرة
لما تقدم من قوله ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى والشافعي حمل الآية الأولى على أن
القسمة انما وقعت لمن ذكر فيها فقط ثم لما رأى الاجماع على أن أعطية المقاتلة وارزاق الذرية وغير
ذلك من مال الفئ تأول ان الذي ذكر في الآية هو الخمس فجعل خمس الفئ واجبا لهم وخالفه عامة
أهل العلم اتباعا لعمر والله أعلم وفي قصة العباس دلالة على أن سهم ذوي القربى من الفئ لا يختص
بفقيرهم لان العباس كان من الأغنياء قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد في قول عمر ما على الأرض
مسلم الا وله من هذا الفئ حق الا ما ملكت أيمانكم قال يقول الفئ للغنى والفقير وكذا قال
إسحاق بن راهويه (قوله باب اثم من قتل معاهدا بغير جرم) كذا قيده في الترجمة
وليس التقييد في الخبر لكنه مستفاد من قواعد الشرع ووقع منصوصا في رواية أبي معاوية
الآتي ذكرها بلفظ بغير حق وفيما أخرجه النسائي وأبو داود من حديث أبي بكرة بلفظ من قتل
نفسا معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة وسيأتي الكلام على المتن في الديات فإنه ذكره فيه
بهذا الاسناد بعينه وعبد الواحد شيخ شيخه هو ابن زياد والحسن بن عمرو هو الفقيمي بالفاء والقاف
193

مصغر كوفي ثقة ما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الأدب (قوله مجاهد عن عبد الله بن
عمرو) أي ابن العاص كذا قال عبد الواحد عن الحسن بن عمرو وتابعه أبو معاوية عند ابن ماجة
وعمرو بن عبد الغفار الفقيمي عند الإسماعيلي فهؤلاء ثلاثة رووه هكذا وخالفهم مروان بن
معاوية فرواه عن الحسن بن عمرو فزاد فيه رجلا بين مجاهد وعبد الله بن عمرو وهو جنادة بن أبي
أمية أخرجه من طريقه النسائي ورجح الدارقطني رواية مروان لأجل هذه الزيادة لكن سماع
مجاهد من عبد الله بن عمرو ثابت وليس بمدلس فيحتمل أن يكون مجاهد سمعه أولا من جنادة
ثم لقي عبد الله بن عمر وأسمعاه معا وثبته فيه جنادة فحدث به عن عبد الله بن عمرو تارة وحدث به
عن جنادة أخرى ولعل السر في ذلك ما وقع بينهما من زيادة أو اختلاف لفظ فان لفظ النسائي
من طريقه من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة فقال من أهل الذمة ولم يقل معاهدا
وهو بالمعنى ووقع في رواية أبي معاوية بغير حق كما تقدم ووقع في رواية الجميع أربعين عاما الا عمرو
ابن عبد الغفار فقال سبعين ووقع مثله في حديث أبي هريرة عند الترمذي * (تنبيهان) *
أحدهما اتفقت النسخ على أن الحديث من مسند عبد الله بن عمرو بن العاص الا ما رواه الأصيلي
عن الجرجاني عن الفربري فقال عبد الله بن عمر بضم العين بغير واو وهو تصحيف نبه عليه
الجياني * ثانيهما قوله لم يرح بفتح الياء والراء وأصله يراح أي وجد الريح وحكى ابن التين ضم
أوله وكسر الراء قال والأول أجود وعليه الأكثر وحكى ابن الجوزي ثالثة وهو فتح أوله وكسر
ثانيه من راح يريح والله أعلم (قوله باب اخراج اليهود من جزيرة العرب) تقدم
الكلام على جزيرة العرب في باب هل يستشفع إلى أهل الذمة من كتاب الجهاد وتقدم فيه حديث
ابن عباس ثاني حديثي الباب ولفظه أخرجوا المشركين وكأن المصنف اقتصر على ذكر اليهود
لانهم يوحدون الله تعالى الا القليل منهم ومع ذلك أمر باخراجهم فيكون اخراج غيرهم من
الكفار بطريق الأولى (قوله وقال عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أقركم ما أقركم الله) هو طرف
من قصة أهل خيبر وقد تقدم موصولا في المزارعة مع الكلام عليه ثم ذكر فيه حديثين * أحدهما
حديث أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم لليهود أسلموا تسلموا وسيأتي بأتم من هذا السياق في
كتاب الاكراه وفي الاعتصام ولم أر من صرح بنسب اليهود المذكورين والظاهر أنهم بقايا من اليهود
تأخروا بالمدينة بعد أجلاء بني قينقاع وقريظة والنضير والفراغ من أمرهم لأنه كان قبل اسلام أبي
هريرة وانما جاء أبو هريرة بعد فتح خيبر كما سيأتي بيان ذلك كله في المغازي وقد أقر النبي صلى الله عليه
وسلم يهود خيبر على أن يعملوا في الأرض كما تقدم واستمروا إلى أن أجلاهم عمر ويحتمل والله
أعلم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فتح ما بقي من خيبر هم باجلاء من بقي ممن صالح من
اليهود ثم سألوه أن يبقيهم ليعملوا في الأرض فبقاهم أو كان قد بقي بالمدينة من اليهود المذكورين
طائفة استمروا فيها معتمدين على الرضا بابقائهم للعمل في أرض خيبر ثم منعهم النبي صلى الله عليه
وسلم من سكنى المدينة أصلا والله أعلم بل سياق كلام القرطبي في شرح مسلم يقتضي أنه فهم ان
المراد بذلك بنو النضير ولكن لا يصح ذلك لتقدمه على مجئ أبي هريرة وأبو هريرة يقول في هذا
الحديث انه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وبيت المدراس بكسر أوله هو البيت الذي يدرس
فيه كتابهم أو المراد بالمدراس العالم الذي يدرس كتابهم والأول أرجح لان في الرواية الأخرى حتى
194

أتى المدراس وقوله أسلموا تسلموا من الجناس الحسن لسهولة لفظه وعدم تكلفه وقد تقدم نظيره
في كتاب هرقل أسلم تسلم وقوله اعلموا جملة مستأنفة كأنهم قالوا في جواب قوله أسلموا
لم قلت هذا وكررته فقال اعلموا اني أريد أن أجليكم فان أسلمتم سلمتم من ذلك ومما هو أشق منه
وقولهم (3) قد بلغت كلمة مكر ومداجاة ليدافعوه بما يوهمه ظاهرها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم
ذلك أريد أي التبليغ (قوله فمن يجد منكم بماله) من الوجدان أي يجد مشتريا أو من الوجد اي
المحبة أي يحبه والغرض ان منهم من يشق عليه فراق شئ من ماله مما يعسر تحويله فقد أذن له
في بيعه * ثانيهما حديث ابن عباس فيما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاته والغرض منه
قوله أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ووقع في رواية الجرجاني أخرجوا اليهود والأول أثبت
(قوله حدثنا محمد حدثنا ابن عيينة) محمد هذا هو ابن سلام وقد تقدم في كتاب الوضوء في حديث
آخر حدثنا محمد بن سلام حدثنا ابن عيينة وسيأتي الكلام على شرح المتن في الوفاة آخر المغازي إن شاء الله
تعالى قال الطبري فيه أن على الامام اخراج كل من دان بغير دين الاسلام من كل بلد
غلب عليها المسلمون عنوة إذا لم يكن بالمسلمين ضرورة إليهم كعمل الأرض ونحو ذلك وعلى ذلك
أقر عمر من أقر بالسواد والشام وزعم أن ذلك لا يختص بجزيرة العرب بل يلتحق بها ما كان على
حكمها (قوله باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم) ذكر فيه حديث أبي
هريرة في قصة اليهود في سم الشاة بعد فتح خيبر وسيأتي الكلام عليه مستوفى في المغازي ولم يجزم
البخاري بالحكم إشارة إلى ما وقع من الاختلاف في معاقبة المرأة التي أهدت السم وسيأتي بسطه
هناك إن شاء الله تعالى (قوله باب دعاء الامام على من نكث عهدا) ذكر فيه
حديث أنس في القنوت وقد سبق شرحه مستوفى في كتاب الوتر * وقوله حدثنا ثابت بن يزيد أوله
تحتانية ووهم من قال فيه زيد بغير ياء وعاصم شيخه هو الأحول والاسناد كله بصريون (قوله
باب أمان النساء وجوارهن) الجوار بكسر الجيم وضمها المجاورة والمراد هنا الإجارة
195

تقول جاورته أجاوره مجاورة وجوارا وأجرته أجيره اجارة وجوارا ذكر فيه حديث أم هانئ وقد
تقدم في أوائل الصلاة ما يتعلق بالمراد بفلان بن هبيرة وغير ذلك من فوائده ووقع هنا للداودي
الشارح وهم فإنه قال قوله عام الحديبية وهم من عبد الله بن يوسف والذي قاله غيره يوم الفتح
وتعقبه ابن التين بان الروايات كلها على خلاف ما قال الداودي وليس فيها الا يوم الفتح على
الصواب قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة الاشيأ ذكره عبد الملك يعني ابن
الماجشون صاحب مالك لا أحفظ ذلك عن غيره قال إن أمر الأمان إلى الامام وتأول ما ورد مما
يخالف ذلك على قضايا خاصة قال ابن المنذر وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم يسعى بذمتهم أدناهم
على دلالة على اغفال هذا القائل انتهى وجاء عن سحنون مثل قول ابن الماجشون فقال هو إلى الامام
أن أجازه جاز وان رده رد (قوله باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بذمتهم
أدناهم) ذكر فيه حديث علي في الصحيفة ومحمد شيخه هو ابن سلام نسبه ابن السكن والغرض
منه قوله فيه وذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه مثل ذلك أي مثل ما ذكر من الوعيد في حق
من أحدث في المدينة حدثا وهو ظاهر فيما يتعلق بصدر الترجمة وأما قوله يسعى بذمتهم أدناهم
فأشار به إلى ما ورد في بعض طرقه وقد تقدم بيانه في فضل المدينة في أواخر الحج ويأتي بهذا اللفظ
بعد خمسة أبواب ودخل في قوله أدناهم اي أقلهم كل وضيع بالنص وكل شريف بالفحوى فدخل
في أدناهم المرأة والعبد والصبي والمجنون فاما المرأة فتقدم في الباب الذي قبله واما العبد فأجاز
الجمهور أمانه قاتل أو لم يقاتل وقال أبو حنيفة ان قاتل جاز أمانه والا فلا وقال سحنون إذا أذن
له سيده في القتال صح أمانه والا فلا واما الصبي فقال ابن المنذر أجمع أهل العلم أن أمان الصبي غير
جائز قلت وكلام غيره يشعر بالتفرقة بين المراهق وغيره وكذلك المميز الذي يعقل والخلاف عن
المالكية والحنابلة واما المجنون فلا يصح أمانه بلا خلاف كالكافر لكن قال الأوزاعي ان غزا
الذمي مع المسلمين فامن أحدا فان شاء الامام أمضاه والا فليرده إلى مأمنه وحكى ابن المنذر عن
الثوري انه استثنى من الرجال الأحرار الأسير في أرض الحرب فقال لا ينفذ أمانه وكذلك الأجير
وقد مضى كثير من فوائد هذا الحديث في فضل المدينة وتأتي بقيته في كتاب الفرائض إن شاء الله
تعالى (قوله باب إذا قالوا) أي المشركون حين يقاتلون (صبأنا) اي وأرادوا الاخبار
بأنهم أسلموا (ولم يحسنوا أسلمنا) أي جريا منهم على لغتهم هل يكون ذلك كافيا في رفع القتال عنهم
أم لا قال ابن المنير مقصود الترجمة أن المقاصد تعتبر بادلتها كيفما كانت الأدلة لفظية أو غير
لفظية بأي لغة كانت (قوله وقال ابن عمر فجعل خالد يقتل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبرأ إليك
مما صنع خالد) هذا طرف من حديث طويل أخرجه المؤلف في غزوة الفتح من المغازي ويأتي
الكلام عليه مستوفى هناك وحاصله ان خالد بن الوليد غزا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قوما فقالوا
صبأنا وأرادوا أسلمنا فلم يقبل خالد ذلك منهم وقتلهم بناء على ظاهر اللفظ فبلغ النبي صلى الله عليه
وسلم ذلك فأنكره فدل على أنه يكتفى من كل قوم بما يعرف من لغتهم وقد عذر النبي صلى الله
عليه وسلم خالد بن الوليد في اجتهاده ولذلك لم يقد منه وقال ابن بطال لا خلاف أن الحاكم إذا
قضى بجور أو بخلاف قول أهل العلم أنه مردود لكن ينظر فإن كان على وجه الاجتهاد فان الاثم
ساقط واما الضمان فيلزم عند الأكثر وقال الثوري وأهل الرأي وأحمد واسحق ما كان في قتل
196

أو جراح ففي بيت المال وقال الأوزاعي والشافعي وصاحبا أبي حنيفة على العاقلة وقال ابن
الماجشون لا يلزم فيه ضمان وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الأحكام وهذا من المواضع التي
يتمسك بها في أن البخاري يترجم ببعض ما ورد في الحديث وان لم يورده في تلك الترجمة فإنه ترجم
بقوله صبأنا ولم يوردها واكتفى بطرف الحديث الذي وقعت هذه اللفظة فيه (قوله وقال عمر
إذا قال مترس فقد آمنه ان الله يعلم الألسنة كلها) وصله عبد الرزاق من طريق أبي وائل قال
جاءنا كتاب عمر ونحن نحاصر قصر فارس فقال إذا حاصرتم قصرا فلا تقولوا انزل على حكم الله
فإنكم لا تدرون ما حكم الله ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم وإذا لقي الرجل الرجل
فقال لا تخف فقد أمنه وإذا قال مترس فقد أمنه ان الله يعلم الألسنة كلها وأول هذا الأثر أخرجه
مسلم من طريق بريدة مرفوعا في حديث طويل * ومترس كلمة فارسية معناها لا تخف وهي بفتح
الميم وتشديد المثناة واسكان الراء بعدها مهملة وقد تخفف التاء وبه جزم بعض من لقيناه من العجم
وقيل باسكان المثناة وفتح الراء ووقع في الموطأ رواية يحيى بن يحيى الأندلسي مطرس بالطاء بدل المثناة
قال ابن قرقول هي كلمة أعجمية والظاهر أن الراوي فخم المثناة فصارت تشبه الطاء كما يقع من
كثير من الأندلسيين (قوله وقال تكلم لا بأس) فاعل قال هو عمر وروى ابن أبي شيبة ويعقوب
ابن سفيان في تاريخه من طرق باسناد صحيح عن أنس بن مالك قال حاصرنا تستر فنزل الهرمزان
على حكم عمر فلما قدم به عليه استعجم فقال له عمر تكلم لا باس عليك وكان ذلك تأمينا من عمر
ورويناه مطولا في سنن سعيد بن منصور حدثنا هشيم أخبرنا حميد وفي نسخة إسماعيل بن جعفر من
طريق ابن خزيمة عن علي بن حجر عنه عن حميد عن أنس قال بعث معي أبو موسى بالهرمزان إلى
عمر فجعل عمر يكلمه فلا يتكلم فقال له تكلم قال أكلام حي أم كلام ميت قال تكلم لا باس فذكر
القصة قال فأراد قتله فقلت لا سبيل إلى ذلك قد قلت له تكلم لا باس فقال من يشهد لك فشهد لي
الزبير بمثل ذلك فتركه فأسلم وفرض له في العطاء قال ابن المنير يستفاد منه أن الحاكم إذا نسي
حكمه فشهد عنده اثنان به نفذه وأنه إذا توقف في قبول شهادة الواحد فشهد الثاني بوفقه انتفت
الريبة ولا يكون ذلك قدحا في شهادة الأول وقوله إن الله يعلم الألسنة كلها المراد اللغات ويقال
انها ثنتان وسبعون لغة ستة عشر في ولد سام ومثلها في ولد حام والبقية في ولد يافث (قوله
باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره) أي كالأسرى (قوله وان جنحوا
للسلم جنحوا طلبوا السلم فاجنح لها) أي ان هذه الآية دالة على مشروعية المصالحة مع المشركين
وتفسير جنحوا بطلبوا هو للمصنف وقال غيره معنى جنحوا مالوا وقال أبو عبيدة السلم والسلم
واحد وهو الصلح وقال أبو عمر والسلم بالفتح الصلح والسلم بالكسر الاسلام ومعنى الشرط في الآية
أن الامر بالصلح مقيد بما إذا كان الاحظ للاسلام المصالحة أما إذا كان الاسلام ظاهرا على الكفر
ولم تظهر المصلحة في المصالحة فلا * ذكر فيه حديث سهل بن أبي حثمة في قصة عبد الله بن سهل وقتله
بخيبر والغرض منه قوله انطلق إلى خيبر وهي يومئذ صلح وفهم المهلب من قوله في آخره فعقله النبي
صلى الله عليه وسلم من عنده انه يوافق قوله في الترجمة والمصالحة مع المشركين بالمال فقال انما وداه
من عنده استئلافا لليهود وطمعا في دخولهم في الاسلام وهذا الذي قاله يرده ما في نفس الحديث
من غير هذه الطريق فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فإنه مشعر بان سبب اعطائه ديته
197

من عنده كان تطييبا لقلوب أهله ويحتمل أن يكون كل منهما سببا لذلك وبهذا تتم الترجمة وأما
أصل المسألة فاختلف فيه فقال الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي عن موادعة امام المسلمين أهل
الحرب على مال يؤديه إليهم فقال لا يصلح ذلك الا عن ضرورة كشغل المسلمين عن حربهم قال ولا
بأس أن يصالحهم على غير شئ يؤدونه إليهم كما وقع في الحديبية وقال الشافعي إذا ضعف المسلمون
عن قتال المشركين جازت لهم مهادنتهم على غير شئ يعطونهم لان القتل للمسلمين شهادة وان
الاسلام أعز من أن يعطى المشركون على أن يكفوا عنهم الا في حالة مخافة اصطلام المسلمين لكثرة
العدو لأن ذلك من معاني الضرورات وكذلك إذا أسر رجل مسلم فلم يطلق الا بفدية جاز وأما
قول المصنف واثم من لم يف بالعهد فليس في حديث الباب ما يشعر به وسيأتي البحث فيه في كتاب
القسامة من كتاب الديات إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * قوله في نسب محيصة بن مسعود ابن زيد
يقال إن الصواب كعب بدل زيد (قوله باب فضل الوفاء بالعهد) ذكر فيه طرفا من
حديث أبي سفيان في قصة هرقل قال ابن بطال أشار البخاري بهذا إلى أن الغدر عند كل أمة قبيح
مذموم وليس هو من صفات الرسل (قوله باب هل يعفى عن الذمي إذا سحر) قال ابن
بطال لا يقتل ساحر أهل العهد لكن يعاقب الا أن قتل بسحره فيقتل أو أحدث حدثا فيؤخذ به
وهو قول الجمهور وقال مالك ان أدخل بسحره ضررا على مسلم نقض عهده بذلك وقال أيضا
يقتل الساحر ولا يستتاب وبه قال أحمد وجماعة وهو عندهم كالزنديق وقوله وقال ابن وهب الخ
وصله ابن وهب في جامعه هكذا (قوله وكان من أهل الكتاب) قال الكرماني ترجم بلفظ الذمي
وسئل الزهري بلفظ أهل العهد وأجاب بلفظ أهل الكتاب فالأولان متقاربان وأما أهل الكتاب
فمراده من له منهم عهد وكان الامر في نفس الامر كذلك قال ابن بطال لا حجة لابن شهاب في قصة
الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان لا ينتقم لنفسه ولان السحر لم يضره في شئ من أمور
الوحي ولا في بدنه وانما كان اعتراه شئ من التخيل وهذا كما تقدم أن عفريتا تفلت عليه ليقطع
صلاته فلم يتمكن من ذلك وانما ناله من ضرر السحر ما ينال المريض من ضرر الحمى (قلت) ولهذا
الاحتمال لم يجزم المصنف بالحكم ثم ذكر طرفا من حديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم سحر
وأشار بالترجمة إلى ما وقع في بقية القصة ان النبي صلى الله عليه وسلم لما عوفي أمر بالبئر فردمت
وقال كرهت أن أثير على الناس شرا وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى حيث ذكره المصنف تاما
في كتاب الطب إن شاء الله تعالى (قوله باب ما يحذر) بضم أوله مخففا ومثقلا
من الغدر (قوله وقول الله عز وجل وان يريدوا أن يخدعوك فان حسبك الله الآية هو بالجر
عطفا على لفظ الغدر وحسب باسكان المهملة أي كاف وفي هذه الآية إشارة إلى أن احتمال
طلب العدو للصلح خديعة لا يمنع من الإجابة إذا ظهر للمسلمين بل يعزم ويتوكل على الله سبحانه
(قوله سمعت بسر بن عبيد الله) بضم الموحدة وسكون المهملة والاسناد كله شاميون الاشيخ
البخاري وفي تصريح عبد الله بن العلاء بالسماع له من بسر دلالة على أن الذي وقع في رواية
الطبراني من طريق دحيم عن الوليد عن عبد الله بن العلاء عن زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله
فزاد في الاسناد زيد بن واقد فهو من المزيد في متصل الأسانيد وقد أخرجه أبو داود وابن ماجة
والإسماعيلي وغيرهم من طرق ليس فيها زيد بن واقد (قوله أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة
198

تبوك وهو في قبة من أدم) زاد في رواية المؤمل بن الفضل عن الوليد عند أبي داود فسلمت فرد فقال
ادخل فقلت أكلي يا رسول الله قال كلك فدخلت فقال الوليد قال عثمان بن أبي العاتكة انما قال
ذلك من صغر القبة (قوله ستا) أي ست علامات لقيام الساعة أو لظهور أشراطها المقتربة منها
(قوله ثم موتان) بضم الميم وسكون الواو قال القزاز هو الموت وقال غيره الموت الكثير الوقوع
ويقال بالضم لغة تميم وغيرهم يفتحونها ويقال للبليد موتان القلب بفتح الميم والسكون وقال
ابن الجوزي يغلط بعض المحدثين فيقول موتان بفتح الميم والواو وانما ذاك اسم الأرض التي لم تحى
بالزرع والاصلاح * (تنبيه) * في رواية ابن السكن ثم موتتان بلفظ التثنية وحينئذ فهو بفتح الميم
(قوله كعقاص الغنم) بضم العين المهملة 3 وتخفيف القاف وآخره مهملة هو داء يأخذ الدواب
فيسيل من أنوفها شئ فتموت فجأة قال أبو عبيد ومنه أخذ الاقعاص وهو القتل مكانه وقال ابن
فارس العقاص داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق ويقال ان هذه الآية ظهرت في طاعون
عمواس في خلافة عمر وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس (قوله ثم استفاضة المال) أي كثرته وظهرت
في خلافة عثمان عند تلك الفتوح العظيمة والفتنة المشار إليها افتتحت بقتل عثمان واستمرت الفتن
بعده والسادسة لم تجئ بعد (قوله هدنة) بضم الهاء وسكون المهملة بعدها نون هي الصلح على ترك
القتال بعد التحرك فيه (قوله بني الأصفر) هم الروم (قوله غاية) أي راية وسميت بذلك لأنها غاية
المتبع إذا وقفت وقف ووقع في حديث ذي مخبر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الموحدة عند أبي
داود في نحو هذا الحديث بلفظ راية بدل غاية وفي أوله ستصالحون الروم صلحا أمنا ثم تغزون أنتم
وهم عدوا فتنصرون ثم تنزلون مرجا فيرفع رجل من أهل الصليب الصليب فيقول غلب الصليب
فيغضب رجل من المسلمين فيقوم إليه فيدفعه فعند ذلك تغدر الروم ويجتمعون للملحمة فيأتون
فذكره ولابن ماجة من حديث أبي هريرة مرفوعا إذا وقعت الملاحم بعث الله بعثا من الموالي
يؤيد الله بهم الدين وله من حديث معاذ بن جبل مرفوعا الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية
وخروج الدجال في سبعة أشهر وله من حديث عبد الله بن بسر رفعه بين الملحمة وفتح المدينة ست
سنين ويخرج الدجال في السابعة واسناده أصح من اسناد حديث معاذ قال ابن الجوزي رواه
بعضهم غابة بموحدة بدل التحتانية والغابة الأجمة كأنه شبه كثرة الرماح بالأجمة وقال الخطابي
الغابة الغيضة فاستعيرت للرايات ترفع لرؤساء الجيش لما يشرع معها من الرماح وجملة العدد
المشار إليه تسعمائة ألف وستون ألفا ولعل أصله ألف ألف فألغيت كسوره ووقع مثله في رواية
ابن ماجة من حديث ذي مخبر ولفظه فيجتمعون للملحمة فيأتون تحت ثمانين غابة تحت كل غابة
اثنا عشر ألفا ووقع عند الإسماعيلي من وجه آخر عن الوليد بن مسلم قال تذاكرنا هذا الحديث
وشيخا من شيوخ المدينة فقال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يقول في هذا
الحديث مكان فتح بيت المقدس عمران بيت المقدس قال المهلب فيه أن الغدر من أشراط الساعة
وفيه أشياء من علامات النبوة قد ظهر أكثرها وقال ابن المنير أما قصة الروم فلم تجتمع إلى الآن
ولا بلغنا انهم غزوا في البر في هذا العدد فهي من الأمور التي لم تقع بعد وفيه بشارة ونذارة وذلك أنه
دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش وفيه إشارة إلى أن عدد جيوش المسلمين
سيكون اضعاف ما هو عليه ووقع في رواية للحاكم من طريق الشعبي عن عوف بن مالك في هذا
199

الحديث ان عوف بن مالك قال لمعاذ في طاعون عمواس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي
اعدد ستا بين يدي الساعة فقد وقع منهن ثلاث يعني موته صلى الله عليه وسلم وفتح بيت المقدس
والطاعون قال وبقي ثلاث فقال له معاذ ان لهذا أهلا ووقع في الفتن لنعيم بن حماد أن هذه القصة
تكون في زمن المهدي على يد ملك من آل هرقل (قوله باب كيف ينبذ إلى أهل
العهد وقول الله عز وجل واما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) أي اطرح إليهم
عهدهم وذلك بان يرسل إليهم من يعلمهم بان العهد انتقض قال ابن عباس أي على مثل وقيل على
عدل وقيل أعلمهم انك قد حاربتهم حتى يصيروا مثلك في العلم بذلك وقال الأزهري المعنى إذا
عاهدت قوما فخشيت منهم النقض فلا توقع بهم بمجرد ذلك حتى تعلمهم * ثم ذكر فيه حديث أبي
هريرة بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى الحديث وقد تقدم شرحه في الحج وانه سيشرح
في تفسير براءة قال المهلب خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم غدر المشركين فلذلك بعث من
ينادي بذلك (قوله باب اثم من عاهد ثم غدر) الغدر حرام باتفاق سواء كان في حق
المسلم أو الذمي (قوله وقول الله عز وجل الذين عاهدت منهم) ذكر فيه ثلاثة أحاديث * أحدها
حديث عبد الله بن عمرو في علامات المنافق وهو ظاهر فيما ترجم له وقد مضى شرحه في كتاب
الايمان * ثانيها حديث علي ما كتبنا عن النبي صلى الله عليه وسلم الا القرآن الحديث وقد تقدم
التنبيه عليه قريبا والمراد منه قوله من أخفر مسلما وهو بالخاء المعجمة والفاء أي نقض عهده
* ثالثها حديث أبي هريرة (قوله وقال أبو موسى) هو محمد بن المثنى شيخ البخاري وقد تكرر نقل
الخلاف في هذه الصيغة هل تقوم مقام العنعنة فتحمل على السماع أو لا تحمل على السماع الا
ممن جرت عادته أن يستعملها فيه وبهذا الأخير جزم الخطيب وهذا الحديث قد وصله أبو نعيم
في المستخرج من طريق موسى بن عباس عن أبي موسى مثله ووقع في بعض نسخ البخاري حدثنا
أبو موسى والأول هو الصحيح وبه جزم الإسماعيلي وأبو نعيم وغيرهما (وإسحاق بن سعيد) أي ابن
عمرو بن سعيد بن العاص وقد وافقه أخوه خالد بن سعيد أخرجه الإسماعيلي من طريقه بنحوه
(قوله إذا لم تجتبوا) من الجباية بالجيم والموحدة وبعد الألف تحتانية أي لم تأخذوا من الجزية
والخراج شيئا (قوله تنتهك) بضم أوله أي تتناول مما لا يحل من الجور والظلم (قوله فيمنعون ما في
أيديهم) أي يمتنعون من أداء الجزية قال الحميدي أخرج مسلم معنى هذا الحديث من وجه آخر
عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رفعه منعت العراق درهمها وقفيزها وساق الحديث بلفظ الفعل
200

الماضي والمراد به ما يستقبل مبالغة في الإشارة إلى تحقق وقوعه ولمسلم عن جابر أيضا مرفوعا
يوشك أهل العراق أن لا يجتبى إليهم بعير ولا درهم قالوا مم ذلك قال من قبل العجم يمنعون ذلك
وفيه علم من أعلام النبوة والتوصية بالوفاء لأهل الذمة لما في الجزية التي تؤخذ منهم من نفع
المسلمين وفيه التحذير من ظلمهم وأنه متى وقع ذلك نقضوا العهد فلم يجتب المسلمون منهم شيئا
فتضيق أحوالهم وذكر ابن حزم أن بعض المالكية احتج بقوله في حديث أبي هريرة منعت العراق
درهمها الحديث على أن الأرض المغنومة لا تقسم ولا تباع وان المراد بالمنع منع الخراج ورده بان
الحديث ورد في الانذار بما يكون من سوء العاقبة وان المسلمين سيمنعون حقوقهم في آخر الامر
وكذلك وقع (قوله باب) كذا هو بلا ترجمة عند الجميع وهو كالفصل من الباب
الذي قبله وذكر فيه حديثين أحدهما عن سهل بن حنيف في قصة الحديبية وذكره من وجهين
والطريق الأولى منهما مختصرة وقد ساقه منها بتمامه في الاعتصام وقد تقدمت الإشارة إلى
فوائده في الكلام على حديث المسور في كتاب الشروط وسيأتي ما يتعلق منه بصفين في كتاب
الفتن إن شاء الله تعالى والثاني حديث أسماء بنت أبي بكر في وفود أمها ووجه تعلق الأول من
جهة ما آل إليه أمر قريش في نقضها العهد من الغلبة عليهم وقهرهم بفتح مكة فإنه يوضح ان مآل
الغدر مذموم ومقابل ذلك ممدوح ومن هنا يتبين تعلق الحديث الثاني ووجهه ان عدم الغدر
اقتضى جواز صلة القريب ولو كان على غير دين الواصل وقد تقدم حديث أسماء في الهبة مشروحا
وقول سهل بن حنيف يوم أبي جندل أراد به يوم الحديبية وانما نسبه لأبي جندل لأنه لم يكن فيه
على المسلمين أشد من قصته كما تقدم بيانه وعبد العزيز بن سياه في اسناده بالمهملة المكسورة بعدها
تحتانية خفيفة وبالهاء وصلا ووقفا وهو مصروف مع أنه أعجمي وكانه ليس بعلم عندهم وانما قال
سهل بن حنيف لأهل صفين ما قال لما ظهر من أصحاب على كراهية التحكيم فاعلمهم بما جرى يوم
الحديبية من كراهة أكثر الناس للصلح ومع ذلك فاعقب خيرا كثيرا وظهر أن رأي النبي صلى
الله عليه وسلم في الصلح أتم وأحمد من رأيهم في المناجزة وسيأتي بقية فوائده في كتاب التفسير
والاعتصام إن شاء الله تعالى (قوله باب المصالحة على ثلاثة أيام أو وقت معلوم) أي
201

يستفاد من وقوع المصالحة على ثلاثة أيام جوازها في وقت معلوم ولو لم تكن ثلاثة وأورد فيه
حديث البراء في العمرة وقد تقدم في الصلح وسيأتي شرح ما يتعلق بكتابة الصلح منه في كتاب
المغازي إن شاء الله تعالى (قوله باب الموادعة من غير وقت وقول النبي صلى الله
عليه وسلم أقركم على ما أقركم الله) هو طرف من حديث معاملة أهل خيبر وقد تقدم شرحه في
المزارعة وبيان الاختلاف في أصل المسألة وأما ما يتعلق بالجهاد فالموادعة فيه لاحد لها معلوم
لا يجوز غيره بل ذلك راجع إلى رأي الامام بحسب ما يراه الأحظ والأحوط للمسلمين (قوله
باب طرح جيف المشركين في البئر ولا يؤخذ لهم ثمن) ذكر فيه حديث ابن مسعود في
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على أبي جهل بن هشام وغيره من قريش وفيه فلقد رأيتهم قتلوا يوم
بدر فألقوا في بئر وقد تقدم بهذا الاسناد في باب الطهارة ومضى شرحه أيضا ويأتي في المغازي
مزيد لذلك (قوله ولا يؤخذ لهم ثمن) أشار به إلى حديث ابن عباس ان المشركين أرادوا أن
يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم أخرجه الترمذي وغيره
وذكر ابن إسحاق في المغازي أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسد نوفل بن
عبد الله بن المغيرة وكان اقتحم الخندق فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا بثمنه ولا جسده
فقال ابن هشام بلغنا عن الزهري أنهم بذلوا فيه عشرة آلاف وأخذه من حديث الباب من جهة
ان العادة تشهد أن أهل قتلى بدر لو فهموا انه يقبل منهم فداء أجسادهم لبذلوا فيها ما شاء الله فهذا
شاهد لحديث ابن عباس وإن كان اسناده غير قوي (قوله باب اثم الغادر للبر
والفاجر) أي سواء كان من بر لفاجر أو بر أو من فاجر لبر أو فاجر وبين هذه الترجمة والترجمة
السابقة بثلاثة أبواب عموم وخصوص ذكر فيه أربعة أحاديث * أحدها وثانيها حديث ابن
مسعود وأنس معا لكل غادر لواء وقوله وعن ثابت قائل ذلك هو شعبة بينه مسلم في روايته من
طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن ثابت عن أنس وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة
عن أبي الوليد شيخ البخاري فيه بالاسنادين معا قال في موضعين وبهذا يرد على من جوز أن
يكون ذلك معطوفا على قوله عن أبي الوليد فيكون من رواية الأعمش عن ثابت وليس كذلك
ولم يرقم المزي في التهذيب في رواية الأعمش عن ثابت رقم البخاري (قوله قال أحدهما ينصب
وقال الآخر يرى يوم للقيامة يعرف به) ليس في رواية مسلم المذكورة ينصب ولا يرى وقد زاد
مسلم من طريق غندر عن شعبة يقال هذه غدرة فلان وله من حديث أبي سعيد يرفع له بقدر
غدرته وله من حديثه من وجه آخر عند استه قال به المنير كأنه عومل بنقيض قصده لان عادة
اللواء أن يكون على الرأس فنصب عند السفل زيادة في فضيحته لان الأعين غالبا تمتد إلى
الألوية فيكون ذلك سببا لامتدادها إلى التي بدت له ذلك اليوم فيزداد بها فضيحة * ثالثها حديث
ابن عمر في ذلك (قوله ينصب يوم القيامة بغدرته) اي بقدر غدرته كما في رواية مسلم قال القرطبي
202

هذا خطاب منه للعرب بنحو ما كانت تفعل لانهم كانوا يرفعون للوفاء راية بيضاء وللغدر راية
سوداء ليلوموا الغادر ويذموه فاقتضى الحديث وقوع مثل ذلك للغادر ليشتهر بصفته في القيامة
فيذمه أهل الموقف وأما الوفاء فلم يرد فيه شئ ولا يبعد أن يقع كذلك وقد ثبت لواء الحمد لنبينا
صلى الله عليه وسلم وقد تقدم تفسير الغدر قريبا والكلام على اللواء وما الفرق بينه وبين الراية
في باب مفرد في كتاب الجهاد وفي الحديث غلظ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة
لان غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير ولأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء وقال عياض
المشهور أن هذا الحديث ورد في ذم الامام إذا غدر في عهوده لرعيته أو لمقاتلته أو للامامة التي
تقلدها والتزم القيام بها فمتى خان فيها أو ترك الرفق فقد غدر بعهده وقيل المراد نهي الرعية عن
الغدر بالامام فلا يخرج عليه ولا يتعرض لمعصيته لما يترتب على ذلك من الفتنة قال والصحيح
الأول قلت ولا أدري ما المانع من حمل الخبر على أعم من ذلك وسيأتي مزيد بيان لذلك في كتاب
الفتن حيث أورده المصنف فيه أتم مما هنا وان الذي فهمه ابن عمر راوي الحديث هو هذا والله أعلم
وفيه أن الناس يدعون يوم القيامة بآبائهم لقوله فيه هذه غدرة فلان بن فلان وهي رواية ابن عمر
الآتية في الفتن قال ابن دقيق العيد وان ثبت أنهم يدعون بأمهاتهم فقد يخص هذا من
العموم وتمسك به قوم في ترك الجهاد مع ولاة الجور الذين يغدرون كما حكاه الباجي رابعها حديث
ابن عباس لا هجرة بعد الفتح ساقه بتمامه وقد تقدم شرحه في أواخر الجهاد وباقيه في الحج وفي
تعلقه بالترجمة غموض قال ابن بطال وجهه ان محارم الله عهوده إلى عباده فمن انتهك منها شيا
كان غادرا وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة أمن الناس ثم أخبر ان القتال بمكة حرام فأشار
إلى أنهم آمنون من أن يغدر بهم أحد فيما حصل لهم من الأمان وقال ابن المنير وجهه ان النص
على أن مكة اختصت بالحرمة الا في الساعة المستثناة لا يختص بالمؤمن البر فيها إذ كل بقعة كذلك
فدل على انها اختصت بما هو أعم من ذلك وقال الكرماني يمكن أن يؤخذ من قوله وإذا استنفرتم
فانفروا إذ معناه لا تغدروا بالأئمة ولا تخالفوهم لان ايجاب الوفاء بالخروج مستلزم لتحريم الغدر
أو أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغدر باستحلال القتال بمكة بل كان بإحلال الله له
ساعة ولولا ذلك لما جاز له (قلت) ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع من سبب الفتح الذي
ذكر في الحديث وهو غدر قريش بخزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم لما تحاربوا مع بني بكر
حلفاء قريش فأمدت قريش بني بكر وأعانوهم على خزاعة وبيتوهم فقتلوا منهم جماعة وفي ذلك
يقول شاعرهم يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم
ان قريشا أخلفوك الموعدا * ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وسيأتي شرح ذلك في المغازي مفصلا فكان عاقبة نقض قريش العهد بما فعلوه أن غزاهم
المسلمون حتى فتحوا مكة واضطروا إلى طلب الأمان وصاروا بعد العز والقوة في غاية الوهن إلى
أن دخلوا في الاسلام وأكثرهم لذلك كاره ولعله أشار بقوله في الترجمة بالبر إلى المسلمين وبالفاجر
إلى خزاعة لان أكثرهم إذ ذاك لم يكن أسلم بعد والله أعلم * (خاتمة) * اشتملت أحاديث فرض
الخمس والجزية والموادعة وهي في التحقيق بقايا الجهاد وانما أفردها زيادة في الايضاح كما
أفردت العمرة وجزاء الصيد من كتاب الحج من الأحاديث المرفوعة على مائة وستة عشر حديثا
203

المعلق منها سبعة عشر طريقا والبقية موصوله المكرر منها فيها وفيما مضى سبعة وستون حديثا
والبقية خالصة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أنس في صفة نقش الخاتم وحديثه في
النعلين وحديثه في القدح وحديث أبي هريرة ما أعطيكم ولا أمنعكم وحديث خولة ان رجالا
يخوضون وحديث تركة الزبير وحديث سؤال هوازن من طريق عمرو بن شعيب وحديث اعطاء
جابر من تمر خيبر وحديث ابن عمر لم يعتمر من الجعرانة وحديثه كنا نصيب في مغازينا العسل فهذه
في الخمس وحديث عبد الرحمن بن عوف في المجوس وحديث عمر فيه وحديث ابن عمرو من قتل
معاهدا وحديث ابن شهاب فيمن سحر وحديث عوف في الملاحم وحديث أبي هريرة كيف أنتم
إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما وفيها من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم عشرون أثرا والله أعلم
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب بدء الخلق) *
كذا للأكثر وسقطت البسملة لأبي ذر وللنسفي ذكر بدل كتاب وللصغاني أبواب بدل كتاب وبدء
الخلق بفتح أوله وبالهمز أي ابتداؤه والمراد بالخلق المخلوق (قوله باب ما جاء في قول
الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وقال الربيع بن خثيم) بالمعجمة والمثلثة
مصغر وهو كوفي من كبار التابعين والحسن هو البصري (قوله كل عليه هين) اي البدء والإعادة
أي انهما حملا أهون على غير التفضيل وان المراد بها الصفة كقوله الله أكبر وكقول الشاعر
* لعمرك ما أدري واني لأوجل * أي واني لوجل وأثر الربيع وصله الطبري من طريق منذر
الثوري عنه نحوه وأما أثر الحسن فروى الطبري أيضا من طريق قتادة وأظنه عن الحسن ولكن
لفظه واعادته أهون عليه من بدئه وكل على الله هين وظاهر هذا اللفظ ابقاء صيغة أفعل على بابها
وكذا قال مجاهد فيما أخرجه ابن أبي حاتم وغيره وقد ذكر عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن
قتادة أن ابن مسعود كان يقرؤها وهو عليه هين وحكى بعضهم عن ابن عباس أن الضمير للمخلوق
لأنه ابتدئ نطفة ثم علقة ثم مضغة والإعادة أن يقول له كن فيكون فهو أهون على المخلوق انتهى
ولا يثبت هذا عن ابن عباس بل هو من تفسير الكلبي كما حكاه الفراء لأنه يقتضي تخصيصه
بالحيوان ولان الضمير الذي بعده وهو قوله وله المثل الاعلى يصير معطوفا على غير المذكور قبله
قريبا وقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس باسناد صحيح في قوله أهون عليه أيسر وقال الزجاج
خوطب العباد بما يعقلون لان عندهم أن البعث أهون من الابتداء فجعله مثلا وله المثل الاعلى
وذكر الربيع عن الشافعي في هذه الآية قال هو أهون عليه أي في القدرة عليه لا أن شيئا يعظم
على الله لأنه يقول لما لم يكن كن فيخرج متصلا وأخرجه أبو نعيم وأخرج ابن أبي حاتم نحوه عن
الضحاك واليه نحا الفراء والله أعلم (قوله وهين وهين مثل لين ولين وميت وميت وضيق وضيق)
الأول بالتشديد والثاني بالتخفيف في الجميع قال أبو عبيدة في تفسير الفرقان في قوله تعالى فأحيينا
به بلدة ميتا هي مخففة بمنزلة هين ولين وضيق بالتخفيف فيها والتشديد وسيأتي ذلك أيضا في آخر
تفسير سورة النحل وعن ابن الأعرابي أن العرب تمدح بالهين اللين مخففا وتذم بهما مثقلا فالهين
بالتخفيف من الهون وهو السكينة والوقار ومنه يمشون هونا وعينه واو بخلاف الهين بالتشديد
(قوله أفعيينا أفأعيا علينا حين أنشأكم وأنشأ خلقكم) كأنه أراد ان معنى قوله أفعيينا استفهام
انكار أي ما أعجزنا الخلق الأول حين أنشأناكم وكأنه عدل عن التكلم إلى الغيبة لمراعاة اللفظ
204

الوارد في القرآن في قوله تعالى هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وقد روى الطبري من طريق
ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى أفعيينا بالخلق الأول يقول أفأعيا علينا انشاؤكم خلقا
جديدا فتشكوا في البعث وقال أهل اللغة عييت بالامر إذا لم أعرف وجهه ومنه العي في الكلام
(قوله لغوب النصب) أي تفسير قوله وما مسنا من لغوب أي من نصب والنصب التعب وزنا
ومعنى وهذا تفسير مجاهد فيما أخرجه ابن أبي حاتم وأخرج من طريق قتادة قال أكذب الله
جل وعلا اليهود في زعمهم أنه استراح في اليوم السابع فقال وما مسنا من لغوب اي من اعياء
وغفل الداودي الشارح فظن أن النصب في كلام المصنف بسكون الصاد وأنه أراد ضبط اللغوب
فقال متعقبا عليه لم أر أحدا نصب اللام في الفعل قال وانما هو بالنصب الأحمق (قوله أطوارا
طورا كذا وطورا كذا) يريد تفسير قوله تعالى وقد خلقكم أطوارا والأطوار الأحوال المختلفة
واحدها طور بالفتح وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في معنى
الأطوار كونه مرة نطفة ومرة علقة الخ وأخرج الطبري عن ابن عباس وجماعة نحوه وقال
المراد اختلاف أحوال الانسان من صحة وسقم وقيل معناه أصنافا في الألوان واللغات ثم ذكر
المصنف في الباب أربعة أحاديث * أحدها حديث عمران بن حصين (قوله عن صفوان بن محرز
عن عمران) في رواية أبي عاصم عن سفيان في المغازي حدثنا صفوان حدثنا عمران (قوله جاء نفر
من بني تميم) يعني وفدهم وسيأتي بيان وقت قدومهم ومن عرف منهم في أواخر المغازي (قوله
أبشروا) بهمزة قطع من البشارة (قوله فقالوا بشرتنا) القائل ذلك منهم الأقرع بن حابس ذكره ابن
الجوزي (قوله فتغير وجهه) اما للأسف عليهم كيف آثروا الدنيا واما لكونه لم يحضره
ما يعطيهم فيتالفهم به أو لكل منهما (قوله فجاءه أهل اليمن) هم الأشعريون قوم أبي موسى وقد
أورد البخاري حديث عمران هذا وفيه ما يستأنس به لذلك ثم ظهر لي أن المراد بأهل اليمن هنا نافع بن
زيد الحميري مع من وفد معه من أهل حمير وقد ذكرت مستند ذلك في باب قدوم الأشعريين
وأهل اليمن وأن هذا هو السر في عطف أهل اليمن على الأشعريين مع أن الأشعريين من جملة أهل
اليمن لما كان زمان قدوم الطائفتين مختلفا ولكل منهما قصة غير قصة الآخرين وقع العطف
(قوله اقبلوا البشرى) بضم أوله وسكون المعجمة والقصر أي اقبلوا مني ما يقتضي أن تبشروا
إذا أخذتم به بالجنة كالفقه في الدين والعمل به وحكى عياض أن في رواية الأصيلي اليسرى
بالتحتانية والمهملة قال والصواب الأول (قوله إذ لم يقبلها) في الرواية الأخرى أن لم يقبلها وهو
بفتح أن اي من أجل تركها لها ويروي بكسر ان (قوله فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يحدث
بدء الخلق والعرش) اي عن بدء الخلق وعن حال العرش وكأنه ضمن يحدث معنى يذكر وكأنهم
سألوا عن أحوال هذا العالم وهو الظاهر ويحتمل أن يكونوا سألوا عن أول جنس المخلوقات فعلى
الأول يقتضي السياق أنه أخبر أن أول شئ خلق منه السماوات والأرض وعلى الثاني يقتضي أن
العرش والماء تقدم خلقهما قبل ذلك ووقع في قصة نافع بن زيد نسالك عن أول هذا الامر (قوله
قالوا جئناك نسألك) كذا للكشميهني ولغيره جئناك لنسألك وزاد في التوحيد ونتفقه في الدين
وكذا هي في قصة نافع بن زيد التي أشرت إليها آنفا (قوله عن هذا الامر) اي الحاضر الموجود
والامر يطلق ويراد به المأمور ويراد به الشأن والحكم والحث على الفعل غير ذلك (قوله
205

كان الله ولم يكن شئ غيره) في الرواية الآتية في التوحيد ولم يكن شئ قبله وفي رواية غير البخاري
ولم يكن شئ معه والقصة متحدة فاقتضى ذلك أن الرواية وقعت بالمعنى ولعل راويها أخذها من
قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه في صلاة الليل كما تقدم من حديث ابن عباس أنت الأول فليس
قبلك شئ لكن رواية الباب أصرح في العدم وفيه دلالة على أنه لم يكن شئ غيره لا الماء ولا العرش
ولا غيرهما لان كل ذلك غير الله تعالى ويكون قوله وكان عرشه على الماء معناه أنه خلق الماء
سابقا ثم خلق العرش على الماء وقد وقع في قصة نافع بن زيد الحميري بلفظ كان عرشه على الماء ثم
خلق القلم فقال اكتب ما هو كائن ثم خلق السماوات والأرض وما فيهن فصرح بترتيب المخلوقات
بعد الماء والعرش (قوله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شئ وخلق السماوات
والأرض) هكذا جاءت هذه الأمور الثلاثة معطوفة بالواو و وقع في الرواية التي في التوحيد ثم
خلق السماوات والأرض ولم يقع بلفظ ثم الا في ذكر خلق السماوات والأرض وقد روى مسلم من
حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا ان الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض
بخمسين ألف سنة مكان عرشه على الماء وهذا الحديث يؤيد رواية من روى ثم خلق السماوات
والأرض باللفظ الدال على الترتيب * (تنبيه) * وقع في بعض الكتب في هذا الحديث كان الله
ولا شئ معه وهو الآن على ما عليه كان وهي زيادة ليست في شئ من كتب الحديث نبه على ذلك
العلامة تقي الدين بن تيمية وهو مسلم في قوله وهو الآن إلى آخره وأما لفظ ولا شئ معه فرواية
الباب بلفظ ولا شئ غيره بمعناها ووقع في ترجمة نافع بن زيد الحميري المذكور كان الله لا شئ غيره
بغير واو (قوله وكان عرشه على الماء) قال الطيبي هو فصل مستقل لان القديم من لم يسبقه شئ
ولم يعارضه في الأولية لكن أشار بقوله وكان عرشه على الماء إلى أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا
العالم لكونهما خلقا قبل خلق السماوات والأرض ولم يكن تحت العرش إذ ذاك الا الماء ومحصل
الحديث أن مطلق قوله وكان عرشه على الماء مقيد بقوله ولم يكن شئ غيره والمراد بكان في الأول
الأزلية وفي الثاني الحدوث بعد العدم وقد روى أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين
العقيلي مرفوعا ان الماء خلق قبل العرش وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة ان الله
لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء وأما ما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث عبادة بن الصامت
مرفوعا أول ما خلق الله القلم ثم قال اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة فيجمع بينه وبين
ما قبله بان أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة أي
أنه قيل له اكتب أول ما خلق وأما حديث أول ما خلق الله العقل فليس له طريق ثبت وعلى
تقدير ثبوته فهذا التقدير الأخير هو تأويله والله أعلم وحكى أبو العلاء الهمداني ان للعلماء قولين
في أيهما خلق أولا العرش أو القلم قال والأكثر على سبق خلق العرش واختار ابن جرير ومن تبعه
الثاني وروى ابن أبي حازم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال خلق الله اللوح المحفوظ
مسيرة خمسمائة عام فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش اكتب فقال وما أكتب قال
علمي في خلقي إلى يوم القيامة ذكره في تفسير سورة سبحان وليس فيه سبق خلق القلم على العرش بل
فيه سبق العرش وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن
عباس قال أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فقال يا رب وما أكتب قال اكتب القدر فجرى
206

بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة وأخرج سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن أبي بشر
عن مجاهد قال بدء الخلق العرش والماء والهواء وخلقت الأرض من الماء والجمع بين هذه الآثار
واضح (قوله وكتب) أي قدر (في الذكر) أي في محل الذكر اي في اللوح المحفوظ (كل شئ) اي من
الكائنات وفي الحديث جواز السؤال عن مبدأ الأشياء والبحث عن ذلك وجواز جواب العالم
بما يستحضره من ذلك وعليه الكف ان خشي على السائل ما يدخل على معتقده وفيه أن جنس
الزمان ونوعه حادث وان الله أوجد هذه المخلوقات بعد ان لم تكن لا عن عجز عن ذلك بل مع القدرة
واستنبط بعضهم من سؤال الأشعريين عن هذه القصة ان الكلام في أصول الدين وحدوث
العالم مستمران في ذريتهم حتى ظهر ذلك منهم في أبي الحسن الأشعري أشار إلى ذلك ابن عساكر
(قوله فنادى مناد) في الرواية الأخرى فجاء رجل فقال يا عمران ولم أقف على اسمه في شئ من
الروايات (قوله ذهبت ناقتك يا ابن الحصين) أي انفلتت ووقع في الرواية الأولى فجاء رجل فقال
يا عمران راحلتك أي أدرك راحلتك فهو بالنصب أو ذهبت راحلتك فهو بالرفع ويؤيده الرواية
الأخرى ولم أقف على اسم هذا الرجل وقوله تفلتت بالفاء أي شردت (قوله فإذا هي يقطع)
بفتح أوله (دونها السراب) بالضم اي يحول بيني وبين رؤيتها والسراب بالمهملة معروف وهو
ما يرى نهارا في الفلاة كأنه ماء (قوله فوالله لوددت اني كنت تركتها) في التوحيد انها ذهبت
ولم أقم يعني لأنه قام قبل أن يكمل النبي صلى الله عليه وسلم حديثه في ظنه فتأسف على ما فاته من
ذلك وفيه ما كان عليه من الحرص على تحصيل العلم وقد كنت كثير التطلب لتحصيل ما ظن عمران
أنه فاته من هذه القصة إلى أن وقفت على قصة نافع بن زيد الحميري فقوي في ظني انه لم يفته شئ من
هذا القصة بخصوصها لخلو قصة نافع بن زيد عن قدر زائد على حديث عمران الا أن في آخره بعد
قوله وما فيهن واستوى على عرشه عز وجل * الحديث الثاني حديث عمر قال قام فينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم الحديث (قوله
وروى عيسى عن رقبة) كذا للأكثر وسقط منه رجل فقال ابن الفلكي ينبغي ان يكون بين
عيسى ورقبة أبو حمزة وبذلك جزم أبو مسعود وقال الطرقي سقط أبو حمزة من كتاب الفربري وثبت
في رواية حماد بن شاكر فعنده عن البخاري روى عيسى عن أبي حمزة عن رقبة قال وكذا قال ابن
رميح عن الفربري (قلت) وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج وهو يروي الصحيح عن الجرجاني عن
الفربري فالاختلاف فيه حينئذ عن الفربري ثم رأيته سقط أيضا من رواية النسفي لكن جعل
بين عيسى ورقبة ضبة ويغلب على الظن أن أبا حمزة ألحق في رواية الجرجاني وقد وصفوه بقلة
الاتقان وعيسى المذكور هو ابن موسى البخاري ولقبه غنجار بمعجمة مضمومة ثم نون ساكنة ثم
جيم وليس له في البخاري الا هذ الموضع وقد وصل الحديث المذكور من طريق عيسى المذكور
عن أبي حمزة وهو محمد بن ميمون السكري عن رقبة الطبراني في مسند رقبة المذكور وهو بفتح الراء
والقاف والموحدة الخفيفة ابن مصقلة بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وقد تبدل سينا بعدها
قاف ولم ينفرد به عيسى فقد أخرجه أبو نعيم من طريق علي بن الحسن بن شقيق عن أبي حمزة
نحوه لكن باسناد ضعيف (قوله حتى دخل أهل الجنة) هي غاية قوله أخبرنا اي أخبرنا عن مبتدأ
الخلق شيئا بعد شئ إلى أن انتهى الاخبار عن حال الاستقرار في الجنة والنار ووضع الماضي
207

موضع المضارع مبالغة للتحقق المستفاد من خبر الصادق وكان السياق يقتضي أن يقول حتى
يدخل ودل ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتدئت إلى أن
تفنى إلى أن تبعث فشمل ذلك الاخبار عن المبدأ والمعاش والمعاد وفي تيسير ايراد ذلك كله في مجلس
واحد من خوارق العادة أمر عظيم ويقرب ذلك مع كون معجزاته لامرية في كثرتها أنه صلى الله
عليه وسلم أعطى جوامع الكلم ومثل هذا من جهة أخرى ما رواه الترمذي من حديث عبد الله بن
عمرو بن العاص قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال للذي في يده
اليمنى هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم
فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا ثم قال للذي في شماله مثله في أهل النار وقال في آخر الحديث
فقال بيديه فنبذهما ثم قال فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير واسناده
حسن ووجه الشبه بينهما أن الأول فيه تيسير القول الكثير في الزمن القليل وهذا فيه تيسير الجرم
الواسع في الظرف الضيق وظاهر قوله فنبذهما بعد قوله وفي يده كتابان أنهما كانا مرئيين لهم
والله أعلم ولحديث الباب شاهد من حديث حذيفة سيأتي في كتاب القدر إن شاء الله تعالى ومن
حديث أبي زيد الأنصاري أخرجه احمد ومسلم قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة
الصبح فصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ثم نزل فصلى بنا الظهر ثم صعد المنبر فخطبنا ثم صلى
العصر كذلك حتى غابت الشمس فحدثنا بما كان وما هو كائن فاعلمنا أحفظنا لفظ أحمد وأخرجه
من حديث أبي سعيد مختصرا ومطولا وأخرجه الترمذي من حديثه مطولا وترجم له باب ما قام
به النبي صلى الله عليه وسلم مما هو كائن إلى يوم القيامة ثم ساقه بلفظ صلى بنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوما صلاة العصر ثم قام يحدثنا فلم يدع شيا يكون إلى قيام الساعة الا أخبرنا به حفظه من
حفظه ونسيه من نسيه ثم ساق الحديث وقال حسن وفي الباب عن حذيفة وأبي زيد بن اخطب
وأبي مريم والمغيرة بن شعبة انتهى ولم يقع له حديث عمر حديث الباب وهو على شرطه وأفاد حديث
أبي زيد بيان المقام المذكور زمانا ومكانا في حديث عمر رضي الله عنه وأنه كان على المنبر من
أول النهار إلى أن غابت الشمس والله أعلم * ثالثها حديث أبي هريرة وهو من الإلهيات (قوله عن
أبي أحمد) هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري وسفيان هو الثوري (قوله يشتمني ابن آدم) بكسر
التاء من يشتمني والشتم هو الوصف بما يقتضي النقص ولا شك أن دعوى الولد لله يستلزم الامكان
المستدعى للحدوث وذلك غاية النقص في حق الباري سبحانه وتعالى والمراد من الحديث هنا قوله
ليس يعيدني كما بدأني وهو قول منكري البعث من عباد الأوثان * رابعها حديث أبي هريرة أيضا
(قوله لما قضى الله الخلق) أي خلق الخلق كقوله تعالى فقضاهن سبع سماوات أو المراد أوجد
جنسه وقضى يطلق بمعنى حكم وأتقن وفرغ وأمضى (قوله كتب في كتابه) أي أمر القلم أن
يكتب في اللوح المحفوظ وقد تقدم في حديث عبادة بن الصامت قريبا فقال للقلم اكتب فجرى
بما هو كائن ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب اللفظ الذي قضاه وهو كقوله تعالى كتب الله لأغلبن
أنا ورسلي (قوله فهو عنده فوق العرش) قيل معناه دون العرش وهو كقوله تعالى بعوضة فما
فوقها والحامل على هذا التأويل استبعاد أن يكون شئ من المخلوقات فوق العرش ولا محذور في
اجراء ذلك على ظاهره لان العرش خلق من خلق الله ويحتمل أن يكون المراد بقوله فهو عنده أي
208

ذكره أو علمه فلا تكون العندية مكانية بل هي إشارة إلى كمال كونه مخفيا عن الخلق مرفوعا عن
حيز ادراكهم وحكى الكرماني أن بعضهم زعم أن لفظ فوق زائد كقوله فان كن نساء فوق
اثنتين والمراد اثنتان فصاعدا ولم يتعقبه وهو متعقب لان محل دعوى الزيادة ما إذا بقي الكلام
مستقيما مع حذفها كما في الآية وأما في الحديث فإنه يبقى مع الحذف فهو عنده العرش وذلك غير
مستقيم (قوله إن رحمتي) بفتح ان على انها بدل من كتب وبكسرها على حكاية مضمون
الكتاب (قوله غلبت) في رواية شعيب عن أبي الزناد في التوحيد سبقت بدل غلبت والمراد من
الغضب لازمه وهو إرادة ايصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب لان السبق والغلبة باعتبار
التعلق أي تعلق الرحمة غالب سابق على تعليق الغضب لان الرحمة مقتضى ذاته المقدسة وأما
الغضب فإنه متوقف على سابقة عمل من العبد الحادث وبهذا التقرير يندفع استشكال من
أورد وقوع العذاب قبل الرحمة في بعض المواطن كمن يدخل النار من الموحدين ثم يخرج
بالشفاعة وغيرها وقيل معنى الغلبة الكثرة والشمول تقول غلب على فلان الكرم أي أكثر
أفعاله وهذا كله بناء على أن الرحمة والغضب من صفات الذات وقال بعض العلماء الرحمة والغضب
من صفات الفعل لا من صفات الذات ولا مانع من تقدم بعض الأفعال على بعض فتكون
الإشارة بالرحمة إلى اسكان آدم الجنة أول ما خلق مثلا ومقابلها ما وقع من اخراجه منها وعلى
ذلك استمرت أحوال الأمم بتقديم الرحمة في خلقهم بالتوسع عليهم من الرزق وغيره ثم يقع بهم
العذاب على كفرهم وأما ما أشكل من أمر من يعذب من الموحدين فالرحمة سابقة في حقهم أيضا
ولولا وجودها لخلدوا أبدا وقال الطيبي في سبق الرحمة إشارة إلى أن قسط الخلق منها أكثر من
قسطهم من الغضب وانها تنالهم من غير استحقاق وان الغضب لا ينالهم الا باستحقاق فالرحمة
تشمل الشخص جنينا ورضيعا وفطيما وناشئا قبل أن يصدر منه شئ من الطاعة ولا يلحقه الغضب
الا بعد أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحق معه ذلك (قوله باب ما جاء في سبع أرضين)
اي في بيان وضعها (قوله وقول الله سبحانه وتعالى الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض
مثلهن الآية) قال الداودي فيه دلالة على أن الأرضين بعضها فوق بعض مثل السماوات ونقل عن
بعض المتكلمين ان المثلية في العدد خاصة وان السبع متجاورة وحكى ابن التين عن بعضهم ان
الأرض واحدة قال وهو مردود بالقرآن والسنة (قلت) لعله القول بالتجاور والا فيصير صريحا في
المخالفة ويدل للقول الظاهر ما رواه ابن جرير من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن
عباس في هذه الآية ومن الأرض مثلهن قال في كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الأرض من
الخلق هكذا أخرجه مختصرا واسناده صحيح وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق عطاء بن
السائب عن أبي الضحى مطولا وأوله اي سبع أرضين في كل ارض آدم كآدمكم ونوح كنوحكم
وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيسى ونبي كنبيكم قال البيهقي اسناده صحيح الا انه شاذ بمرة وروى
ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس قال لو حدثتكم بتفسير هذه الآية لكفرتم وكفركم
تكذيبكم بها ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه وزاد وهن مكتوبات بعضهن على
بعض وظاهر قوله تعالى ومن الأرض مثلهن يرد أيضا على أهل الهيئة قولهم إن لا مسافة بين
كل ارض وارض وإن كانت فوقها وأن السابعة صماء لا جوف لها وفي وسطها المركز وهي نقطة
209

مقدرة متوهمة إلى غير ذلك من أقوالهم التي لا برهان عليها وقد روى احمد والترمذي من حديث
أبي هريرة مرفوعا ان بين كل سماء وسماء خمسمائة عام وأن سمك كل سماء كذلك وان بين كل ارض
وارض خمسمائة عام وأخرجه إسحاق بن راهويه والبزار من حديث أبي ذر نحوه ولأبي داود
والترمذي من حديث العباس بن عبد المطلب مرفوعا بين كل سماء وسما إحدى أو اثنان
وسبعون سنة وجمع بين الحديثين بان اختلاف المسافة بينهما باعتبار بطء السير وسرعته (قوله
والسقف المرفوع السماء هو تفسير مجاهد أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وغيرهما من
طريق ابن أبي نجيح عنه ومن طريق قتادة نحوه وسيأتي عن علي مثله في باب الملائكة ولابن أبي
حاتم من طريق الربيع بن أنس السقف المرفوع العرش كذا قال والأول أكثر وهو يقتضي
الرد على من قال إن السماء كرية لان السقف في اللغة العربية لا يكون كريا (قوله سمكها) بفتح
المهملة وسكون الميم (بناءها) بالمد يريد تفسير قوله تعالى رفع سمكها أي رفع بنيانها وهو تفسير ابن
عباس أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد
مثله وزاد بغير عمد ومن طريق قتادة مثله (قوله والحبك استواؤها وحسنها) هو تفسير ابن
عباس أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه وأخرج من طريق
سعد الإسكاف عن عكرمة عنه بلفظ ذات الحبك اي البهاء والجمال غير أنها كالبرد المسلسل ومن
طريق علي بن أبي طلحة عنه قال ذات الحبك أي الخلق الحسن والحبك بضمتين جمع حبيكة
كطرق وطريقة وزنا ومعنى وقيل واحدها حباك كمثال ومثل وقيل الحبك الطريق التي ترى في
السماء من اثار الغيم وروى الطبري عن الضحاك نحوه وقيل هي النجوم أخرجه الطبري باسناد
حسن عن الحسن وروى الطبري عن عبد الله بن عمرو أن المراد بالسماء هنا السماء السابعة
(قوله أذنت سمعت وأطاعت) يريد تفسير قوله تعالى إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت
ومعنى سمعها وإطاعتها قبولها ما يراد منها وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال وأذنت لربها اي أطاعت ومن طريق الضحاك أذنت لربها اي سمعت ومن طريق
سعيد بن جبير وحقت اي حق لها ان تطيع (قوله وألقت أخرجت ما فيها من الموتى وتخلت اي
عنهم) يريد تفسير بقية الآيات وهو عند ابن أبي حاتم من طريق مجاهد نحوه ومن طريق سعيد
ابن جبير ألقت ما استودعها الله من عباده وتخلت عنهم إليه (قوله طحاها دحاها) هو تفسير
مجاهد أخرجه عبد بن حميد وغيره من طريقه والمعنى بسطها يمينا وشمالا من كل جانب وأخرج
ابن أبي حاتم أيضا من طريق ابن عباس والسدي وغيرهما دحاها اي بسطها (قوله بالساهرة
وجه الأرض كان فيها الحيوان نومهم وسهرهم) هو تفسير عكرمة أخرجه ابن أبي حاتم أو المراد
بالأرض أرض القيامة وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مصعب بن ثابت عن أبي حازم عن سهل
ابن سعد في قوله فإذا هم بالساهرة قال ارض بيضاء عفراء كالخبزة وسيأتي من وجه آخر عن أبي
حازم مرفوعا في الرقاق لكن ليس فيه تفسير الساهرة ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث
* أحدها حديث عائشة من ظلم قيد شبر وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب المظالم * ثانيها
حديث ابن عمر في المعنى وقد تقدم هناك أيضا وعبد الله في اسناده هو ابن المبارك والراوي
عنه بشر بن محمد مروزي سمع من ابن المبارك بخراسان وهو يؤيد البحث الذي قدمته من أنه
210

لا يلزم من كون هذا الحديث ليس في كتب ابن المبارك بخراسان أن لا يكون حدث به هناك
ويحتمل أن يكون بشر صحب ابن المبارك فسمعه منه بالبصرة فيصح أنه لم يحدث به الا بالبصرة
والله أعلم * ثالثها حديث أبي بكرة ان الزمان قد استدار كهيئته وسيأتي بأتم من هذا السياق في
آخر المغازي في الكلام على حجة الوداع ويأتي شرحه في تفسير براءة ومضى شرح أكثره في العلم
وبعضه في الحج (قوله عن محمد بن سيرين عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة) اسم ابن أبي بكرة
عبد الرحمن كما تقدم في باب رب مبلغ أوعى من سامع في كتاب العلم من وجه آخر عن أيوب وذكر
أبو علي الجياني انه سقط من نسخة الأصيلي هنا عن ابن أبي بكرة وثبت لسائر الرواة عن الفربري
(قلت) وكذا ثبت في رواية النسفي عن البخاري قال الجياني ووقع في رواية القابسي هنا عن أيوب
عن محمد بن أبي بكرة وهو وهم فاحش (قلت) وافق الأصيلي لكن صحف عن فصارت ابن فلذلك
وصفه بفحش الوهم وسيأتي هذا الحديث بالسند المذكور هنا في باب حجة الوداع من كتاب المغازي
على الصواب للجماعة أيضا حتى الأصيلي واستمر القابسي على وهمه فقال هناك أيضا عن محمد بن
أبي بكرة * رابعها حديث سعيد بن زيد في قصته مع أروى بنت أنيس في مخاصمتها له في الأرض
وقد تقدمت مباحثه مستوفاة في كتاب المظالم (قوله كهيئته) الكاف صفة مصدر محذوف
تقديره استدار استدارة مثل صفته يوم خلق السماء والزمان اسم لقليل الوقت وكثيره وزعم
يوسف بن عبد الملك في كتابه تفضيل الأزمنة ان هذه المقالة صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم في
شهر مارس وهو أدار وهو برمهات بالقبطية وفيه يستوي الليل والنهار عند حلول الشمس برج
الحمل (قوله وقال ابن أبي الزناد عن هشام) اي ابن عروة (عن أبيه قال لي سعيد بن زيد) أراد
المصنف بهذا التعليق بيان لقاء عروة سعيدا وقد لقي عروة من هو أقدم وفاة من سعيد كوالده
الزبير وعلى وغيرهما (قوله باب في النجوم وقال قتادة الخ) وصله عبد بن حميد من
طريق شيبان عنه به وزاد في آخره وان ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة من
غرس بنجم كذا كان كذا ومن سافر بنجم كذا كان كذا ولعمري ما من النجوم نجم الا ويولد به
الطويل والقصير والأحمر والأبيض والحسن والدميم وما علم هذه النجوم وهذه الدابة وهذا
الطائر شئ من هذا الغيب انتهى وبهذه الزيادة تظهر مناسبة ايراد المصنف ما أورده من تفسير
الأشياء التي ذكرها من القرآن وإن كان ذكر بعضها وقع استطرادا والله أعلم قال الداودي قول
قتادة في النجوم حسن الا قوله أخطأ وأضاع نفسه فإنه قصر في ذلك بل قائل ذلك كافر انتهى ولم
يتعين الكفر في حق من قال ذلك وانما يكفر من نسب الاختراع إليها واما من جعلها علامة على
حدوث أمر في الأرض فلا وقد تقدم تقرير ذلك وتفصيله في الكلام على حديث زيد بن خالد فيمن
قال مطرنا بنوء كذا في باب الاستسقاء وقال أبو علي الفارسي في قوله تعالى وجعلناها رجوما
الضمير للسماء أي وجعلنا شهبها رجوما على حذف مضاف فصار الضمير للمضاف إليه وذكر ابن
دحية في التنوير من طريق أبي عثمان النهدي عن سليمان الفارسي قال النجوم كلها معلقة
كالقناديل من السماء الدنيا كتعليق القناديل في المساجد (قوله وقال ابن عباس هشيما متغيرا)
لم أره عنه من طريق موصولة لكن ذكره إسماعيل بن أبي زياد في تفسيره عن ابن عباس وقال أبو
عبيدة قوله هشيما أي يابسا متفتتا وتذروه الرياح أي تفرقه (قوله والأب ما تأكل الانعام) هو
211

تفسير ابن عباس أيضا وصله ابن أبي حاتم من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عنه قال الأب
ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب ولا تأكله الناس ومن طريق ابن عباس قال الأب الحشيش
ومن طريق عطاء والضحاك الأب هو كل شئ ينبت على وجه الأرض زاد الضحاك الا الفاكهة
وروى ابن جرير من طريق إبراهيم التيمي ان أبا بكر الصديق سئل عن الأب فقال أي سماء تظلني
وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله بغير علم وهذا منقطع وعن عمر أنه قال عرفنا الفاكهة
فما الأب ثم قال إن هذا لهو التكلف فهو صحيح عنه أخرجه عبد بن حميد من طرق صحيحة عن
أنس عن عمر وسيأتي بيان ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى (قوله والأنام الخلق) هو
تفسير ابن عباس أيضا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تعالى
والأرض وضعها للأنام قال للخلق والمراد بالخلق المخلوق ومن طريق سماك عن عكرمة عن ابن
عباس قال الأنام الناس وهذا أخص من الذي قبله ومن طريق الحسن قال الجن والإنس
وعن الشعبي قال هو كل ذي روح (قوله برزخ حاجب) في رواية المستملي والكشميهني حاجز
بالزاي وهذا تفسير ابن عباس أيضا وصله ابن أبي حاتم من الوجه المذكور أولا (قوله وقال
مجاهد الفافا ملتفة والغلب الملتفة) وصلهما عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد
قال وجنات ألفافا قال ملتفة ومن طريقه قال وحدائق غلبا اي ملتفة وروى ابن أبي حاتم من
طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس الحدائق التفت والغلب ما غلظ ومن طريق
عكرمة عنه الغلب شجر بالجبل لا يحمل يستظل به ومن طريق علي بن أبي طلحة عنه قال وجنات
ألفافا أي مجتمعة وقال أهل اللغة الالفاف جمع لف أو لفيف وعن الكسائي هو جمع الجمع وقال
الطبري اللفاف جمع لفيفة وهي الغليظة وليس الالتفاف من الغلظ في شئ الا أن يراد انه غلظ
بالالتفاف (قوله فراشا مهادا كقوله ولكم في الأرض مستقر) هو قول قتادة والربيع بن
أنس وصله الطبري عنهما ومن طريق السدي بأسانيده فراشا هي فراش يمشي عليها وهي المهاد
والقرار (قوله نكدا قليلا) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق السدي قال لا يخرج الا نكدا
قال النكد الشئ القليل الذي لا ينفع ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال هذا مثل
ضرب للكفار كالبلد السبخة المالحة التي لا تخرج منها البركة (قوله باب صفة
الشمس والقمر بحسبان) أي تفسير ذلك وقوله قال مجاهد كحسبان الرحى وصله الفريابي في
تفسيره من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد ومراده انهما يجريان على حسب الحركة الرحوية
الدورية وعلى وضعها وقوله وقال غيره بحساب ومنازل لا يعدوانها ووقع في نسخة الصغاني هو
ابن عباس وقد وصله عبد بن حميد من طريق أبي مالك وهو الغفاري مثله وروى الحربي والطبري
عن ابن عباس نحوه باسناد صحيح وبه جزم الفراء (قوله حسبان جماعة الحساب) يعني ان حسبان
جماعة الحساب كشهبان جمع شهاب وهذا قول أبي عبيدة في المجاز وقال الإسماعيلي من جعله
من الحساب احتمل الجمع واحتمل المصدر تقول حسب حسبانا ثم هو من الحساب بالفتح ومن
الظن بالكسر أي في الماضي (قوله ضحاها ضوؤها) وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح
عن مجاهد قال والشمس وضحاها قال صوؤها قال الإسماعيلي يريد أن الضحى يقع في صدر النهار
وعنده تشتد إضاءة الشمس وروى ابن أبي حاتم من طريق قتادة والضحاك قال ضحاها النهار
212

(قوله أن تدرك القمر لا يستر ضوء أحدهما ضوء الآخر الخ) وصله الفريابي في تفسيره من طريق
ابن أبي نجيح عن مجاهد بتمامه (قوله نسلخ نخرج الخ) وصله الفريابي من طريقه أيضا بلفظ يخرج
أحدهما من الآخر ويجري كل منهما في فلك (قوله واهية وهيها تشققها) هو قول الفراء
وروى الطبري عن ابن عباس في قوله واهية قال متمزقة ضعيفة (قوله ارجائها ما لم تنشق منها
فهو على حافتيها) يريد تفسير قوله تعالى والملك على ارجائها ووقع في رواية الكشميهني فهو على
حافتها وكأنه أفرد باعتبار لفظ الملك وجمع باعتبار الجنس وروى عبد بن حميد من طريق قتادة في
قوله والملك على أرجائها اي على حافات السماء وروى الطبري عن سعيد بن المسيب مثله وعن
سعيد بن جبير على حافات الدنيا وصوب الأول وأخرج عن ابن عباس قال والملك على حافات
السماء حين تنشق والارجاء بالمد جمع رجا بالقصر والمراد النواحي (قوله أغطش وجن أظلم)
يريد تفسير قوله تعالى أغطش ليلها وتفسير قوله فلما جن عليه الليل أي أظلم في الموضعين والأول
تفسير قتادة أخرجه عبد بن حميد من طريقه قال قوله أغطش ليلها اي أظلم ليلها وقد توقف فيه
الإسماعيلي فقال معنى أغطش ليلها جعله مظلما وأما أغطش غير متعد فان ساغ فهو صحيح المعنى
ولكن المعروف أظلم الوقت جاءت ظلمته وأظلمنا وقعنا في ظلمة (قلت) لم يرد البخاري القاصر لأنه
في نفس الآية متعد وانما أراد تفسير قوله أغطش فقط وأما الثاني فهو تفسير أبي عبيدة قال في
قوله تعالى فلما جن عليه الليل أي غطى عليه وأظلم (قوله وقال الحسن كورت تكور حتى
يذهب ضوؤها) وصله ابن أبي حاتم من طريق أبي رجاء عنه وكأن هذا كان يقوله قبل أن يسمع
حديث أبي سلمة عن أبي هريرة الآتي ذكره في هذا الباب والا فمعنى التكوير اللف تقول كورت
العمامة تكويرا إذا لفقتها والتكوير أيضا الجمع تقول كورته إذا جمعته وقد أخرج الطبري من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إذا الشمس كورت يقول أظلمت ومن طريق الربيع بن خيثم
قال كورت أي رمى بها ومن طريق أبي يحيى عن مجاهد كورت قال اضمحلت قال الطبري التكوير
في الأصل الجمع وعلى هذا فالمراد انها تلف ويرمى بها فيذهب ضوؤها (قوله والليل وما وسق
اي جمع من دابة) وصله عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن نحوه (قوله اتسق
استوى) وصله عبد بن حميد أيضا من طريق منصور عنه في قوله والقمر إذا اتسق قال استوى
(قوله بروجا منازل الشمس والقمر) وصله ابن حميد وروى الطبري من طريق مجاهد قال البروج
الكواكب ومن طريق أبي صالح قال هي النجوم الكبار وقيل هي قصور في السماء رواه عبد بن
حميد من طريق يحيى بن رافع ومن طريق قتادة قال هي قصور على أبواب السماء فيها الحرس وعند
أهل الهيئة ان البروج غير المنازل فالبروج اثنا عشر والمنازل ثمانية وعشرون وكل برج عبارة
عن منزلتين وثلث منها (قوله فالحرور بالنهار مع الشمس) وصله إبراهيم الحربي عن الأثرم عن أبي
عبيدة قال الحرور بالنهار مع الشمس وقال الفراء الحرور الحر الدائم ليلا كان أو نهارا والسموم
بالنهار خاصة (قوله وقال ابن عباس ورؤبة الحرور بالليل والسموم بالنهار) أما قول ابن عباس فلم
أره موصولا عنه بعد وأما قول رؤبة وهو ابن العجاج التميمي الراجز المشهور فذكره أبو عبيدة عنه
في المجاز وقال السدي المراد بالظل والحرور في الآية الجنة والنار أخرجه ابن أبي حاتم عنه (قوله
يقال يولج يكور) كذا في رواية أبي ذر ورأيت في رواية ابن شبويه يكون بنون وهو أشبه وقال أبو
213

عبيدة يولج أي ينقص من الليل فيزيد في النهار وكذلك النهار وروى عبد بن حميد من طريق
مجاهد قال ما نقص من أحدهما دخل في الآخر يتقاصان ذلك في الساعات ومن طريق قتادة
نحوه قال يولج ليل الصيف في نهاره اي يدخل ويدخل نهار الشتاء في ليله (قوله وليجة كل شئ
أدخلته في شئ) هو قول أبى عبيدة قال قوله من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة كل شئ
أدخلته في شئ ليس منه فهو وليجة والمعنى لا تتخذوا أولياء ليس من المسلمين ثم ذكر المصنف في
الباب ستة أحاديث * أولها حديث أبي ذر في تفسير قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها وسيأتي
شرحه مستوفى في تفسير سورة يس والغرض منه هنا بيان سير الشمس في كل يوم وليلة وظاهره
مغاير لقول أهل الهيئة أن الشمس مرصعة في الفلك فإنه يقتضي ان الذي يسير هو الفلك وظاهر
الحديث أنها هي التي تسير وتجري ومثله قوله تعالى في الآية الأخرى كل في فلك يسبحون أي
يدورون قال ابن العربي أنكر قوم سجودها وهو صحيح ممكن وتأوله قوم على ما هي عليه من
التسخير الدائم ولا مانع أن تخرج عن مجراها فتسجد ثم ترجع (قلت) ان أراد بالخروج
الوقوف فواضح والا فلا دليل على الخروج ويحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو
موكل بها من الملائكة أو تسجد بصورة الحال فيكون عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع
في ذلك الحين * ثانيها حديث أبي هريرة (قوله عن عبد الله الداناج) بتخفيف النون وآخره جيم
هو لقبه ومعناه العالم بلغة الفرس وهو في الأصل داناه فعرب وعبد الله المذكور تابعي صغير
واسم أبيه فيروز وذكر البزار أنه لم يرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن غير هذا الحديث ووقع في روايته
من طريق يونس بن محمد عن عبد العزيز بن المختار عنه سمعت أبا سلمة يحدث في زمن خالد القسري
في هذا المسجد وجاء الحسن أي البصري فجلس إليه فقال أبو سلمة حدثنا أبو هريرة فذكره ومثله
أخرجه الإسماعيلي وقال في مسجد البصرة ولم يقل خالد القسري وأخرجه الخطابي من طريق
يونس بهذا الاسناد فقال في زمن خالد بن عبد الله أي ابن أسيد أي بفتح الهمزة وهو أصح فان خالدا
هذا كان قد ولى البصرة لعبد الملك قبل الحجاج بخلاف خالد القسري (قوله مكوران) زاد في رواية
البزار ومن ذكر معه في النار فقال الحسن وما ذنبهما فقال أبو سلمة أحدثك عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وتقول وما ذنبهما قال البزار لا يروى عن أبي هريرة الا من هذا الوجه
انتهى وأخرج أبو يعلى معناه من حديث أنس وفيه ليراهما من عبدهما كما قال تعالى انكم وما
214

تعبدون من دون الله حصب جهنم وأخرجه الطيالسي من هذا الوجه مختصرا وأخرج ابن
وهب في كتاب الأهوال عن عطاء بن يسار في قوله تعالى وجمع الشمس والقمر قال يجمعان يوم
القيامة ثم يقذفان في النار ولابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه موقوفا أيضا قال الخطابي ليس
المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك ولكنه تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن
عبادتهم لهما كانت باطلا وقيل إنهما خلقا من النار فأعيدا فيها وقال الإسماعيلي لا يلزم من
جعلهما في النار تعذيبهما فان لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها لتكون لأهل النار عذابا وآلة
من الآت العذاب وما شاء الله من ذلك فلا تكون هي معذبة وقال أبو موسى المديني في غريب
الحديث لما وصفه بأنهما يسبحان في قوله كل في فلك يسبحون وان كل من عبد من دون الله
الا من سبقت له الحسنى يكون في النار وكانا في النار يعذب بهما أهلهما بحيث لا يبرحان منهما
فصارا كأنهما ثوران عقيران * ثالثها بقية الأحاديث عن عبد الله بن عمرو ومن بعده في ذكر
الكسوف وقد تقدمت كلها مشروحة في كتاب الكسوف وقوله في الحديث الأخير عن أبي
مسعود كذا في الأصول بأداة الكنية وهو أبو مسعود البدري ووقع في بعض النسخ عن ابن
مسعود بالموحدة والنون وهو تصحيف (قوله باب ما جاء في قوله تعالى وهو الذي
يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته) نشرا بضم النون والمعجمة وسيأتي تفسيره في الباب (قوله
قاصفا تقصف كل شئ) يريد تفسير قوله تعالى فيرسل عليكم قاصفا من الريح قال أبو عبيدة هي
التي تقصف كل شئ أي تحطم وروى الطبري من طريق ابن جريج قال قال ابن عباس القاصف
التي تفرق هكذا ذكره منقطعا (قوله لواقح ملاقح ملقحة) يريد تفسير قوله تعالى وأرسلنا الرياح
لواقح وان أصل لواقح ملاقح وواحدها ملقحة وهو قول أبي عبيدة وفاقا لابن اسحق وأنكره
غيرهما قالوا لواقح جمع لاقحة ولاقح وقال الفراء فان قيل الريح ملقحة لأنها تلقح الشجر فكيف
قيل لها لواقح فالجواب على وجهين أحدهما ان تجعل الريح هي التي تلقح بمرورها على التراب
والماء فيكون فيها اللقاح فيقال ريح لاقح كما يقال ماء ملاقح ويؤيده وصف ريح العذاب بأنها
عقيم ثانيهما أن وصفها باللقح لكون اللقح يقع فيها كما تقول ليل نائم وقال الطبري الصواب
أنها لاقحة من وجه ملقحة من وجه لان لقحها حملها الماء والقاحها عملها في السحاب ثم أخرج
من طريق قوي عن ابن مسعود قال يرسل الله الرياح فتحمل الماء فتلقح السحاب وتمر به فتدر كما
تدر اللقحة ثم تمطر وقال الأزهري جعل الريح لاقحا لأنها تقل السحاب وتصرفه ثم تمر به فتستدره
والعرب تقول للريح الجنوب لافح وحامل وللشمال حائل وعقيم (قوله اعصار ريح عاصف
تهب من الأرض إلى السماء كعموم فيه نار) يريد تفسير قوله تعالى فأصابها اعصار وهو تفسير
أبي عبيدة بلفظه وروى الطبري عن السدي قال الاعصار الريح والنار السموم وعن الضحاك
قال الاعصار ريح فيها برد شديد والأول أظهر لقوله تعالى فيه نار (قوله صر برد) يريد تفسير
قوله تعالى ريح فيها صر قال أبو عبيدة الصر شدة البرد وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق معمر
قال كان الحسن يقول فأصابها اعصار يقول صر برد كذا قال (قوله نشرا متفرقة) هو
مقتضى كلام أبي عبيدة فإنه قال قوله نشرا أي من كل مهب وجانب وناحية ثم ذكر المصنف في
الباب حديثين أحدهما حديث بن عباس (قوله عن الحكم) هو ابن عتيبة بالمثناة والموحدة
215

مصغر (قوله نصرت بالصبا) بفتح المهملة وتخفيف الموحدة مقصور هي الريح الشرقية
والدبور بفتح أوله وتخفيف الموحدة المضمومة مقابلها يشير صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى
في قصة الأحزاب فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وروى الشافعي باسناد فيه انقطاع أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال نصرت بالصبا وكانت عذابا على من كان قبلنا وقيل إن الصبا هي التي
حملت ريح قميص يوسف إلى يعقوب قبل أن يصل إليه قال ابن بطال في هذا الحديث تفضيل
بعض المخلوقات على بعض وفيه اخبار المرء عن نفسه بما فضله الله به على سبيل التحدث بالنعمة
لا على الفخر وفيه الاخبار عن الأمم الماضية واهلاكها * ثانيهما حديث عائشة وقد تقدم شرحه
في كتاب الاستسقاء وقوله فيه مخيلة بفتح الميم وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة هي
السحابة التي يخال فيها المطر (قوله فإذا أمطرت السماء سري عنه) فيه رد على من زعم أنه لا يقال
أمطرت الا في العذاب وأما الرحمة فيقال مطرت وقوله سري عنه بضم المهملة وتشديد الراء
بلفظ المجهول أي كشف عنه وفي الحديث تذكر ما يذهل المرء عنه مما وقع للأمم الخالية
والتحذير من السير في سبيلهم خشية من وقوع مثل ما أصابهم وفيه شفقته صلى الله عليه وسلم
على أمته ورأفته بهم كما وصفه الله تعالى قال ابن العربي فان قيل كيف يخشى النبي صلى الله
عليه وسلم أن يعذب القوم وهو فيهم مع قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم والجواب
ان الآية نزلت بعد هذه القصة ويتعين الحمل على ذلك لان الآية دلت على كرامة له صلى الله عليه
وسلم ورفعه فلا يتخيل انحطاط درجته أصلا (قلت) ويعكر عليه ان آية الأنفال كانت في
المشركين من أهل بدر وفي حديث عائشة اشعار بأنه كان يواظب على ذلك من صنيعه كان إذا رأى
فعل كذا والأولى في الجواب أن يقال إن في آية الأنفال احتمال التخصيص بالمذكورين أو بوقت
دون وقت أو مقام الخوف يقتضي غلبة عدم الامن من مكر الله وأولى من الجميع أن يقال
خشي على من ليس هو فيهم أن يقع بهم العذاب أما المؤمن فشفقة عليه لايمانه وأما الكافر فلرجاء
اسلامه وهو بعث رحمة للعالمين (قوله باب ذكر الملائكة) جمع ملك بفتح اللام فقيل
مخف من مالك وقيل مشتق من الألوكة وهي الرسالة وهذا قول سيبويه والجمهور وأصله لاك
وقيل أصله الملك بفتح ثم سكون وهو الاخذ بقوة وحينئذ لا مدخل للميم فيه وأصل وزنه مفعل
فتركت الهمزة لكثرة الاستعمال وظهرت في الجمع وزيدت الهاء أما للمبالغة وأما لتأنيث الجمع
وجمع على القلب والا لقيل مالكة وعن أبي عبيدة الميم في الملك أصلية وزنه فعل كأسد هو من
الملك بالفتح وسكون اللام وهو الاخذ بقوة وعلى هذا فوزن ملائكة فعائلة ويؤيده أنهم جوزوا
في جمعه أملاك وأفعال لا يكون جمعا لما في أوله ميم زائدة قال جمهور أهل الكلام من المسلمين
الملائكة أجسام لطيفة أعطيت قدرة على التشكل باشكال مختلفة ومسكنها السماوات وأبطل
من قال إنها الكواكب أو انها الأنفس الخيرة التي فارقت أجسادها وغير ذلك من الأقوال التي
لا يوجد في الأدلة السمعية شئ منها وقد جاء في صفة الملائكة وكثرتهم أحاديث منها ما أخرجه مسلم
عن عائشة مرفوعا خلقت الملائكة من نور الحديث ومنها ما أخرجه الترمذي وابن ماجة
والبزار من حديث أبي ذر مرفوعا أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع الا
وعليه ملك ساجد الحديث ومنها ما أخرجه الطبراني من حديث جابر مرفوعا ما في السماوات
216

السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف الا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد وللطبراني نحوه من
حديث عائشة وذكر في ربيع الأبرار عن سعيد بن المسيب قال الملائكة ليسوا ذكورا ولا إناثا
ولا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون ولا يتوالدون (قلت) وفي قصة الملائكة مع إبراهيم وسارة
ما يؤيد أنهم لا يأكلون وأما ما وقع في قصة الاكل من الشجرة أنها شجرة الخلد التي تأكل منها
الملائكة فليس بثابت وفي هذا وما ورد من القرآن رد على من أنكر وجود الملائكة من الملاحدة
وقدم المصنف ذكر الملائكة على الأنبياء لا لكونهم أفضل عنده بل لتقدمهم في الخلق ولسبق
ذكرهم في القرآن في عدة آيات كقوله تعالى كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ومن يكفر بالله
وملائكته وكتبه ورسله ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين
وقد وقع في حديث جابر الطويل عند مسلم في صفة الحج ابدؤا بما بدأ الله به ورواه النسائي بصيغة
الامر ابدأ بما بدأ الله به ولأنهم وسائط بين الله وبي الرسل في تبليغ الوحي والشرائع فناسب
أن يقدم الكلام فيهم على الأنبياء ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أفضل من الأنبياء وقد ذكرت مسئلة
تفضيل الملائكة في كتاب التوحيد عند شرح حديث ذكرته في ملا خير منهم والله أعلم ومن أدلة
كثرتهم ما يأتي في حديث الاسراء أن البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون
(قوله وقال أنس قال عبد الله بن سلام إلى آخره) هو طرف من حديث وصله المصنف في كتاب
الهجرة وسيأتي بأتم من هذا السياق هناك مع شرحه (قوله وقال ابن عباس لنحن الصافون
الملائكة) وصله عبد الرزاق من طريق سماك عن عكرمة عنه وللطبراني عن عائشة مرفوعا ما في
السماء موضع قدم الا وعليه ملك قائم أو ساجد فذلك قوله تعالى وانا لنحن الصافون ثم ذكر
المصنف في الباب أحاديث تزيد على ثلاثين حديثا وهو من نوادر ما وقع في هذا الكتاب أعني كثرة
ما فيه من الأحاديث فان عادة المصنف غالبا يفصل الأحاديث بالتراجم ولم يصنع ذلك هنا وقد
اشتملت أحاديث الباب على ذكر بعض من اشتهر من الملائكة كجبريل ووقع ذكره في أكثر أحاديثه
وميكائيل وهو في حديث سمرة وحده والملك الموكل بتصوير ابن آدم ومالك خازن النار وملك
الجبال والملائكة الذين في كل سماء والملائكة الذين ينزلون في السحاب والملائكة الذين يدخلون
البيت المعمور والملائكة الذين يكتبون الناس يوم الجمعة وخزنة الجنة والملائكة الذين يتعاقبون
ووقع ذكر الملائكة على العموم في كونهم لا يدخلون بيتا فيه تصاوير وأنهم يؤمنون على قراءة
المصلي ويقولون ربنا ولك الحمد ويدعون لمنتظر الصلاة ويلعنون من هجر ت فراش زوجها وما
بعد الأول محتمل أن يكون المراد خاصا منهم فاما جبريل فقد وصفه الله تعالى بأنه روح القدس
وبأنه الروح الأمين وبأنه رسول كريم ذو قوة مكين مطاع أمين وسيأتي في التفسير أن معناه
عبد الله وهو وإن كان سريانيا لكنه وقع فيه موافقة من حيث المعنى للغة العرب لان الجبر هو
اصلاح ما وهي وجبريل موكل بالوحي الذي يحصل به الاصلاح العام وقد قيل إنه عربي وانه مشتق
من جبروت الله واستبعد للاتفاق على منع صرفه وفي اللفظة ثلاث عشرة لغة * أولها جبريل
بكسر الجيم وسكون الموحدة وكسر الراء وسكون التحتانية بغير همز ثم لام خفيفة وهي قراءة أبي
عمرو وابن عامر ونافع ورواية عن عاصم * ثانيها بفتح الجيم قرأها ابن كثير * ثالثها مثله لكن بفتح
الراء ثم همزة قرأها حمزة والكسائي * رابعها مثله بحذف ما بين الهمزة واللام قرأها يحيى بن يعمر
217

ورويت عن عاصم * خامسها بتشديد اللام رويت عن عاصم * سادسها بزيادة ألف بعد الراء
ثم همزة ثم ياء ثم لام خفيفة قرأها عكرمة * سابعها مثلها بغير همز قرأها الأعمش * ثامنها مثل
السادسة الا أنها بياء قبل الهمز * تاسعها جبرال بفتح ثم سكون وألف بعد الراء ولام خفيفة
* عاشرها مثله لكن بياء بعد الألف قرأها طلحة ابن مصرف * حادي عشرها جرين مثل كثير لكن
بنون * ثاني عشرها مثله لكن بكسر الجيم * ثالث عشرها مثل حمزة لكن بنون بدل اللام لخصته
من اعراب السمين وروى الطبري عن أبي العالية قال جبريل من الكروبيين وهم سادة
الملائكة وروى الطبراني من حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل
على اي شئ أنت قال على الريح والجنود قال وعلى اي شئ ميكائيل قال على النبات والقطر
قال وعلى اي شئ ملك الموت قال على قبض الأرواح الحديث وفي اسناده محمد بن عبد الرحمن بن
أبي ليلى وقد ضعف لسوء حفظه ولم يترك وروى الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعا وزيد
أي من أهل السماء جبريل وميكائيل الحديث وفي الحديث الذي أخرجه الطبراني في كيفية
خلق آدم ما يدل على أن خلق جبريل كان قبل خلق آدم وهو مقتضى عموم قوله تعالى وإذ قلنا
للملائكة اسجدوا لآدم وفي التفسير أيضا أنه يموت قبل موت ملك الموت بعد فناء العالم والله أعلم
وأما ميكائيل فروى الطبراني عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل مالي لم أر
ميكائيل ضاحكا قال ما ضحك منذ خلقت النار وأما ملك التصوير فلم أقف على اسمه وأما مالك
خازن النار فيأتي ذكره في تفسير سورة الزخرف إن شاء الله تعالى وأما ملك الجبال فلم أقف على
اسمه أيضا ومن مشاهير الملائكة إسرافيل ولم يقع له ذكر في أحاديث الباب وقد روى النقاش أنه
أول من سجد من الملائكة فجوزي بولاية اللوح المحفوظ وروى الطبراني من حديث ابن عباس
أنه الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين أن يكون نبيا عبدا أو نبيا ملكا فأشار إليه
جبريل أن تواضع فاختار أن يكون نبيا عبدا وروى أحمد والترمذي عن أبي سعيد قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته وانتظر
أن يؤذن له الحديث وقد اشتمل كتاب العظمة لأبي الشيخ من ذكر الملائكة على أحاديث
وآثار كثيرة فليطلبها منه من أراد الوقوف على ذلك وفيه عن علي أنه ذكر الملائكة فقال منهم
الامناء على وحيه والحفظة لعباده والسدنة لجنانه والثابتة في الأرض السفلى أقدامهم المارقة
من السماء العليا أعناقهم الخارجة عن الأقطار أكثافهم الماسة لقوائم العرش أكتافهم
* الحديث الأول حديث الاسراء أورده بطوله من طريق قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة
وسأذكر شرحه في السيرة النبوية قبيل أبواب الهجرة إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا
ما يتعلق بالملائكة وقد ساقه هنا على لفظ خليفة وهناك على لفظ هدبة بن خالد وسأبين ما بينهما
من التفاوت إن شاء الله تعالى وقوله بطست من ذهب ملآن كذا للأكثر وللكشميهني
ملأى والتذكير باعتبار الاناء والتأنيث باعتبار الطست لأنها مؤنثة ووجدت بخط الدمياطي
ملئ بضم الميم على لفظ الفعل الماضي فعلى هذا لا تغاير بينه وبين قوله ملآن وقوله مراق البطن
بفتح الميم وتخفيف الراء وتشديد القاف هو ما سفل من البطن ورق من جلده وأصله مرافق
218

وسميت بذلك لأنها موضع رقة الجلد وقوله بدابة أبيض ذكره باعتبار كونه مركوبا وقوله في
آخره وقال همام عن قتادة إلى آخره يريد أن هماما فصل في سياقه قصة البيت المعمور من قصة
الاسراء فروى أصل الحديث عن قتادة عن أنس وقصة البيت عن قتادة عن الحسن وأما سعيد
وهو ابن أبي عروبة وهشام وهو الدستوائي فادرجا قصة البيت المعمور في حديث انس والصواب
رواية همام وهي موصولة هنا عن هدبة عنه ووهم من زعم أنها معلقة فقد روى الحسن ابن
سفيان في مسنده الحديث بطوله عن هدبة فاقتص الحديث إلى قوله فرفع لي البيت المعمور قال
قتادة فحدثنا الحسن عن أبي هريرة انه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك
ولا يعودون فيه وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان وأبي يعلى والبغوي وغير واحد
كلهم عن هدبة به مفصلا وعرف بذلك مراد البخاري بقوله في البيت المعمور وأخرج الطبري من
طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البيت
المعمور مسجد في السماء بحذاء الكعبة لو خر لخر عليها يدخله سبعون ألف ملك كل يوم إذا
خرجوا منه لم يعودوا وهذا وما قبله يشعر بان قتادة كان تارة يدرج قصة البيت المعمور في حديث
أنس وتارة يفصلها وحين يفصلها تارة يذكر سندها وتارة يبهمه وقد روى اسحق في مسنده
والطبري وغير واحد من طريق خالد بن عرعرة عن علي أنه سئل عن السقف المرفوع قال السماء
وعن البيت المعمور قال بيت في السماء بحيال البيت حرمته في السماء كحرمة هذا في الأرض
يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون إليه وفي رواية للطبري أن السائل عن ذلك هو
عبد الله بن الكوا ولابن مردويه عن ابن عباس نحوه وزاد وهو على مثل البيت الحرام لو سقط
لسقط عليه من حديث عائشة ونحوه باسناد صالح ومن حديث عبد الله بن عمرو نحوه باسناد
219

ضعيف وهو عند الفاكهي في كتاب مكة بإسناد صحيح عنه لكن موقوفا عليه وروى ابن مردويه
أيضا وابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة مرفوعا نحو حديث على وزاد وفي السماء نهر يقال له
نهر الحيوان يدخله جبريل كل يوم فينغمس ثم يخرج فينتفض فيخر عنه سبعون ألف قطرة
يخلق الله من كل قطرة ملكا فهم الذين يصلون فيه ثم لا يعودون إليه واسناده ضعيف وقد روى ابن
المنذر نحوه بدون ذكر النهر من طريق صحيحة عن أبي هريرة لكن موقوفا وجاء عن الحسن ومحمد بن
عباد بن جعفر ان البيت المعمور هو الكعبة والأول أكثر وأشهر وأكثر الروايات أنه في السماء
السابعة وجاء من وجه آخر عن انس مرفوعا انه في السماء الرابعة وبه جزم شيخنا في القاموس وقيل
هو في السماء السادسة وقيل هو تحت العرش وقيل إنه بناه آدم لما أهبط إلى الأرض ثم رفع زمن
الطوفان وكأن هذا شبهة من قال إنه الكعبة ويسمى البيت المعمور الضراح والضريح * الحديث
الثاني حديث ابن مسعود حدثنا الصادق المصدوق وسيأتي شرحه في كتاب القدر والغرض منه
قوله فيه ثم يبعث الله ملكا ويؤمر بأربع كلمات فان فيه أن الملك موكل بما ذكر عند تصوير الآدمي
وسيأتي ما وقع فيه من الاختلاف هناك والمراد بقوله الصادق اي في قوله والمصدوق اي فيما
وعده به ربه * الحديث الثالث حديث أبي هريرة اورده من طريقين موصولة ومعلقة وساقه على
لفظ المعلقة وهي متابعة أبي عاصم وقد وصلها في الأدب عن عمرو بن علي عن أبي عاصم وساقه على
لفظه هنا وهو أحد المواضع التي يستدل بها على أنه قد يعلق عن بعض مشايخه ما هو عنده عنه
بواسطة لان أبا عاصم من شيوخه (قوله إذا أحب الله العبد الخ) زاد روح بن عبادة عن ابن جريج
في آخره عند الإسماعيلي وإذا أبغض فمثل ذلك وقد أخرجه أحمد عن روح بدون الزيادة وسيأتي تمام
شرحه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى * الحديث الرابع حديث عائشة (قوله حدثنا محمد حدثنا
ابن أبي مريم) قال الجياني محمد هذا هو الذهلي كذا قال وقد قال أبو ذر بعد أن ساقه محمد هذا هو
البخاري وهذا هو الأرجح عندي فان الإسماعيلي وأبا نعيم لم يجدا الحديث من غير رواية البخاري
فأخرجاه عنه ولو كان عند غير البخاري لما ضاق عليهما مخرجه ونصف هذا الاسناد الاعلى
مدنيون ونصفه الأدنى مصريون ولليث في هذا الحديث شيخ آخر سيأتي في صفة إبليس قريبا ويأتي
شرحه مستوفى في الطب وقوله العنان هو السحاب وزنا ومعنى وواحده عنانة كسحابة
كذلك وقوله وهو السحاب من تفسير بعض الرواة أدرجه في الخبر * الحديث الخامس حديث
أبي هريرة وقد تقدم شرحه في الجمعة وقوله فيه عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن وقوله والأغر كذا
220

للأكثر بالمعجمة والراء الثقيلة ووقع في رواية الكشميهني والأعرج بالعين المهملة الساكنة وآخره
جيم والأول أرجح فإنه مشهور من رواية الأغر نعم أخرجه النسائي من وجهين آخرين عن الزهري
عن الأعرج وحده ورواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب
وأبي عبد الله الأغر ثلاثتهم عن أبي هريرة أفاده الجياني عن ابن السكن قال وبان بذلك أن الحديث
حديث الأغر لا الأعرج (قلت) بل ورد من رواية الأعرج أيضا أخرجه النسائي من طريق عقيل
ومن طريق عمرو بن الحرث كلاهما عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة فظهر أن الزهري حمله
عن جماعة وكان تارة يفرده عن بعضهم وتارة يذكره عن اثنين منهم وتارة عن ثلاثة والله أعلم وقد
تقدم في الجمعة من رواية ابن أبي ذئب وأخرجه مسلم من رواية يونس عن الزهري عن الأغر وحده
وأخرجه النسائي أيضا من رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن أبي سلمة والأغر جمع بينهما
كإبراهيم بن سعد وأخرجه مسلم والنسائي من طريق سفيان عن الزهري عن سعيد وحده ورواه
مالك عن الزهري عن ابن سلمة وحده * الحديث السادس حديث أبي هريرة في الدعاء لحسان
والغرض منه ذكر روح القدس وقد تقدم شرحه في المساجد من كتاب الصلاة وبينت أنه من رواية
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أو عن حسان وأنه لم يحضر مراجعته لحسان وقد أخرجه
الإسماعيلي من رواية عبد الجبار بن العلاء عن سفيان قال ما حفظت عن الزهري الا عن سعيد
عن أبي هريرة فعلى هذا فكأن أبا هريرة حدث سعيدا بالقصة بعد وقوعها بمدة ولهذا قال
الإسماعيلي سياق البخاري صورته صورة الارسال وهو كما قال وقد ظهر الجواب عنه بهذه الرواية
* الحديث السابع حديث البراء بن عازب في ذكر حسان أيضا والغرض منه الإشارة إلى أن المراد
بروح القدس في الحديث الذي قبله جبريل وسيأتي شرحه في كتاب الأدب وقوله قال النبي صلى الله
عليه وسلم لحسان يقتضي انه من مسند البراء بن عازب ولكن أخرجه الترمذي من رواية يزيد بن
زريع عن سعيد فجعله من رواية البراء عن حسان * الحديث الثامن حديث أنس كأني أنظر إلى
غبار ساطع في سكة بني غنم السكة بكسر المهملة والتشديد الزقاق وبنو غنم بفتح المعجمة وسكون
النون بطن من الخزرج وهم بنو غنم بن مالك بن النجار منهم أبو أيوب الأنصاري وآخرون ووهم من
زعم أن المراد بهم هنا بنو غنم حي من بني تغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة فان أولئك لم يكونوا
بالمدينة يومئذ (قوله زاد موسى موكب جبريل) موسى هو ابن إسماعيل التبوذكي ومراده انه روى
هذا الحديث عن جرير بن حازم بالاسناد المذكور فزاد في المتن هذه الزيادة وطريق موسى هذه
موصولة في المغازي عنه وهو مما يدل على أنه قد يعلق عن بعض مشايخه ما سمعه منه فلم يطرد له في
ذلك عمل مستمر فان كلا من أبي عاصم وموسى من مشايخه وقد علق عن أبي عاصم ما أخذه عنه
بواسطة وعلق عن موسى ما أخذه عنه بغير واسطة ففيه رد على من قال كل ما يعلقه عن مشايخه
محمول على أنه سمعه منهم وفيه رد على من قال إن الذي يذكر عن مشايخه من ذلك يكون مما حمله
عنهم بالمناولة لأنه صرح في المغازي بتحديث موسى له بهذا الحديث فلو كان مناولة لم يصرح
بالتحديث وقوله موكب جبريل يجوز فيه الحركات الثلاث كنظائره ورجح ابن التين الخفض
واسحق المذكور في الرواية الأولى هو ابن راهويه كما بينه ابن السكن وجزم به الكلاباذي وسيأتي
بقية شرح المتن في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى * الحديث التاسع حديث عائشة ان الحرث بن
221

هشام سأل عن كيفية مجئ الوحي وقد تقدم شرحه في أول الكتاب وقدمت ان عامر بن صالح
الزبيري رواه عن هشام فجعله من رواية عائشة عن الحرث بن هشام واني وجدت له متابعا على ذلك
عند ابن منده وهو يتضمن الرد على الحاكم حيث زعم أن عامر بن صالح تفرد بالزيادة المذكورة
والمتابع المذكور أخرجه ابن منده من طريق عبد الله بن الحرث عن هشام عن أبيه عن عائشة
عن الحرث بن هشام قال سألت * الحديث العاشر حديث أبي هريرة من أنفق زوجين وقد تقدم
الكلام عليه في أول الجهاد والغرض منه ذكر خزنة الجنة وقوله في الاسناد حدثنا يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال الإسماعيلي في الجهاد أدخل الأوزاعي بين يحيى وأبي سلمة
في هذا الحديث محمد بن إبراهيم التيمي (قلت) روايته عنه عند النسائي ويحيى معروف
بالرواية عن أبي سلمة فلعل محمدا أثبته في هذا الحديث * الحديث الحادي عشر حديث عائشة
في سلام جبريل وسيأتي الكلام عليه في المناقب (3) وإسماعيل شيخ البخاري فيه هو ابن أبي
أويس وسليمان هو ابن بلال ويونس هو ابن يزيد الأيلي وقد خالفه معمر عن الزهري في اسناده
فقال عن عروة عن عائشة أخرجه النسائي وقال هذا خطأ والصواب رواية يونس * الحديث
الثاني عشر حديث ابن عباس في نزول قوله تعالى وما نتنزل الا بأمر ربك وسيأتي شرحه في تفسير
سورة مريم وسياقه هنا على لفظ وكيع ويحيى الراوي عنه هو ابن موسى ويقال ابن جعفر وعمر بن
ذر بضم العين اتفاقا وغلط من قال فيه عمرو * الحديث الثالث عشر حديثه في الأحرف السبعة
وسيأتي شرحه في فضائل القرآن * الحديث الرابع عشر حديثه في مدارسة جبريل في رمضان
وقد تقدم شرحه في كتاب الصيام وقوله وعن عبد الله أخبرنا معمر بهذا الاسناد هو موصول عن
محمد بن مقاتل وكأن ابن المبارك كان يفصل الرواية فيه عن شيخيه وقد تقدم نظير ذلك في بدء الوحي
* الحديث الخامس عشر والسادس عشر قوله وروى أبو هريرة وفاطمة رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضه القرآن أما حديث أبي هريرة فوصله في فضائل
القرآن ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى وأما حديث فاطمة فوصله في علامات النبوة ويأتي
شرحه هناك أيضا إن شاء الله تعالى * الحديث السابع عشر حديث أبي مسعود في صلاة جبريل
بالنبي صلى الله عليه وسلم وتقدم مشروحا في أوائل الصلاة وقوله فصلى أمام رسول الله صلى
222

الله عليه وسلم بفتح الهمزة من أمام وحكى ابن مالك انه روى بالكسر واستشكله لان امام معرفة
والموضع موضع الحال فوجب جعله نكرة بالتأويل * الحديث الثامن عشر حديث أبي ذر وقد
تقدم مضموما إلى حديث آخر في كتاب الاستقراض ويأتي مطولا في الاستئذان ويأتي شرحه هناك
إن شاء الله تعالى وقوله هنا قال وان زنى لم يعين القائل وبين في تلك الرواية انه أبو ذر الراوي وقوله
في آخره قال وان فيه دلالة على جواز حذف فعل الشرط والاكتفاء بحرفه قاله ابن مالك وفيه نظر
لأنه يتبين بالرواية الأخرى أن هذا من تصرف بعض الرواة * الحديث التاسع عشر حديث أبي
هريرة الملائكة يتعاقبون تقدم مشروحا في أوائل الصلاة * الحديث العشرون حديث أبي هريرة
إذا قال أحدكم أمين الحديث وهو باسناد الذي قبله عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن
الأعرج عنه ووقع في كثير من النسخ هنا باب إذا قال أحدكم إلى آخر الحديث فصار ترجمة بغير
حديث وصارت الأحاديث التي تتلوه لا تعلق لها به فاشكل أمره جدا وسقط لفظ باب من رواية أبي
ذر فخف الاشكال لكن لو قال وبهذا الاسناد أو وبه قال أو نحو ذلك لزال الاشكال و قد صنع ذلك
الإسماعيلي فإنه ساق حديث يتعاقبون فلما فرغ قال وبهذا الاسناد إذا قال أحدكم فساقه من
طريقين عن أبي الزناد كذلك وظهر بهذا أن هذا الحديث وما بعده من الأحاديث بقية ترجمة
ذكر الملائكة والله أعلم * الحديث الحادي والعشرون حديث عائشة حشوت وسادة تقدم في
البيوع ويأتي شرحه في اللباس ومحمد شيخ البخاري فيه هو ابن سلام وقد تقدم قبل أبواب
حديث آخر قال فيه حدثنا ابن سلام حدثنا مخلد بن يزيد * الحديث الثاني والعشرون حديث أبي
طلحة وشيخ البخاري فيه هو أحمد بن صالح كما جزم به أبو نعيم قال الدارقطني لم يذكر الأوزاعي ابن
عباس في اسناده يعنى حيث رواه عن الزهري عن عبيد الله قال والقول قول من أثبته قال ورواه
سالم أبو النضر عن عبيد الله نحو رواية الأوزاعي (قلت) هو عند الترمذي والنسائي من طريق أبى
النضر عن عبيد الله بن عبد الله قال دخلت على أبى طلحة نحوه وأخرج النسائي رواية الأوزاعي
فأثبت ابن عباس تارة وأسقطه تارة ورجح رواية من أثبته وسيأتى شرحه مستوفى في كتاب اللباس
223

إن شاء الله تعالى * الحديث الثالث والعشرون حديث ابن عمر (قوله حدثني عمرو) كذا للأكثر
وظن بعضهم انه ابن الحرث وهو خطأ لأنه لم يدرك سالما والصواب عمر بضم العين بغير واو وهو ابن
محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وثبت كذلك في رواية الكشميهني وكذا وقع في اللباس
عن يحيى بن سليمان بهذا الاسناد وقوله وعد النبي صلى الله عليه وسلم جبريل فقال انا لا ندخل
كذا أورده هنا مختصرا وساقه في اللباس بتمامه وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى * الحديث
الرابع والعشرون حديث أبي هريرة إذا قال الامام سمع الله لمن حمده تقدم مشروحا في صفة
الصلاة * الحديث الخامس والعشرون حديثه أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه وقد
تقدم مشروحا أيضا في صفة الصلاة وابن فليح هو محمد ووقع في بعض النسخ ابن أفلح وهو تصحيف
* الحديث السادس والعشرون حديث يعلى بن أمية (قوله حدثنا سفيان) هو ابن عيينة وعمرو
هو ابن دينار وعطاء هو ابن أبي رباح وصفوان بن يعلى أي ابن أمية وفي الاسناد ثلاثة من التابعين
في نسق وهم مكيون (قوله يقرأ على المنبر ونادوا يا مال) في رواية الكشميهني (ونادوا يا مالك)
وسيأتي الكلام عليه في التفسير (قوله قال سفيان) هو ابن عيينة (في قراءة عبد الله) أي ابن
مسعود (ونادوا يا مال) يعني بغير كاف * الحديث السابع والعشرون حديث عائشة أنها قالت
للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليكم يوم كان أشد من يوم أحد الحديث (قوله ابن عبد يا ليل)
بتحتانية وبعد الألف لام مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم لام (ابن عبد كلال) بضم الكاف
وتخفيف اللام وآخره لام واسمه كنانة والذي في المغازي ان الذي كلمه هو عبد يا ليل نفسه وعند
أهل النسب ان عبد كلال أخوه لا أبوه وانه عبد يا ليل بن عمرو بن عمير بن عوف ويقال اسم ابن
عبد يا ليل مسعود وله أخ أعمى له ذكر في السيرة في قذف النجوم عند المبعث النبوي وكان ابن
عبد يا ليل من أكابر أهل الطائف من ثقيف وقد روى عبد بن حميد في تفسيره من طريق ابن أبي
نجيح عن مجاهد في قوله تعالى على رجل من القريتين عظيم قال نزلت في عتبة بن ربيعة وابن
عبد يا ليل الثقفي ومن طريق قتادة قال هما الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود ورواه ابن أبي حاتم
من وجه آخر عن مجاهد وقال فيه يعني كنانة وروى الطبري من طريق السدي قال هما الوليد
ابن المغيرة وكنانة بن عبد بن عمرو بن عمير عظيم أهل الطائف وقد ذكر موسى بن عقبة وابن اسحق
أن كنانة بن عبد يا ليل وفد مع وفد الطائف سنة عشر فاسلموا وذكره بن عبد البر في الصحابة لذلك
لكن ذكر المديني أن الوفد أسلموا الا كنانة فخرج إلى الروم ومات بها بعد ذلك والله أعلم وذكر
موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم لما مات أبو طالب توجه إلى
الطائف رجاء ان يؤوه فعمد إلى ثلاثة نفر من ثقيف وهم سادتهم وهم اخوة عبد يا ليل وحبيب
ومسعود بنو عمرو فعرض عليهم نفسه وشكى إليهم ما انتهك منه قومه فردوا عليه أقبح رد وكذا
ذكره ابن إسحاق بغير اسناد مطولا وذكر ابن سعد أن ذلك كان في شوال سنة عشر من المبعث وأنه
كان بعد موت أبي طالب وخديجة (قوله على وجهي) أي على الجهة المواجهة لي (قوله بقرن
224

الثعالب) هو ميقات أهل نجد ويقال له قرن المنازل أيضا وهو على يوم وليلة من مكة وقرن كل
جبل صغير منقطع من جبل كبير وحكى عياض أن بعض الرواة ذكره بفتح الراء قال وهو غلط وحكى
القابسي أن من سكن الراء أراد الجبل ومن حركها أراد الطريق التي بقرب منه وأفاد ابن سعد أن
مدة اقامته صلى الله عليه وسلم بالطائف كانت عشرة أيام (قوله ملك الجبال) أي الموكل بها (قوله
فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت ان شئت) كذا لأبي ذر عن شيخيه وله عن الكشميهني
مثله الا أنه قال فما شئت وقد رواه الطبراني عن مقدام بن داود عن عبد الله بن يوسف شيخ البخاري
فقال يا محمد ان الله بعثني إليك وأنا ملك الجبال لتأمرني بأمرك فيما شئت ان شئت (قوله ذلك)
مبتدأ وخبره محذوف تقديره كما علمت أو كما قال جبريل وقوله ما شئت استفهام وجزاؤه مقدر 3 أي
ان شئت فعلت (قوله الأخشبين) بالمعجمتين هما جبلا مكة أبو قبيس والذي يقابله وكأنه قعيقعان
وقال الصغاني بل هو الجبل الأحمر الذي يشرف على قعيقعان ووهم من قال هو ثور كالكرماني
وسميا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما والمراد باطباقهما أن يلتقيا على من بمكة ويحتمل أن يريد
انهما يصيران طبقا واحدا (قوله بل أرجو) كذا لأكثرهم وللكشميهني أنا أرجو وفي هذا الحديث
بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على قومه ومزيد صبره وحلمه وهو موافق لقوله تعالى فبما
رحمة من الله لنت لهم وقوله وما أرسلناك الا رحمة للعالمين * الحديث الثامن والعشرون حديث
ابن مسعود في قوله تعالى فكان قاب قوسين وسيأتي الكلام عليه في تفسير سورة النجم * الحديث
التاسع والعشرون حديثه في قوله تعالى لقد رأى من آيات ربه الكبرى وسيأتي الكلام عليه أيضا
في تفسير سورة النجم وقوله فيه رأى رفرفا أخضر كذا للأكثر وفي رواية الحموي والمستملي خضرا
وهو بفتح أوله وكسر ثانيه مصروفا يقولون أخضر خضر كما قالوا أعور عور ولبعضهم بسكون
ثانيه بلفظ التأنيث ويحتاج إلى ثبوت ان الرفرف يؤنث وقد زعم بعضهم أنه جمع رفرفة فعلى هذا
فيتجه وقال الكرماني تبعا للخطابي يحتمل أن يكون جبريل بسط أجنحته كما يبسط الثوب وهذا
لا يخفى بعده * الحديث الثلاثون حديث عائشة ذكره من وجهين أحدهما من رواية القاسم
عنها قالت من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم أي دخل في أمر عظيم (4) أو الخبر محذوف والثاني
من رواية مسروق قال قلت لعائشة فأين قوله ثم دنى فتدلى الحديث نحوه ومحمد بن يوسف شيخه
فيه هو البيكندي كما جزم به أبو علي الجياني وابن أشوع بالمعجمة وزن أحمد واسمه سعيد بن عمرو بن
أشوع نسبة لجده وللأكثر ابن الأشوع ووهم من قال هنا عن أبي الأشوع فإنها ليست كنيته
وسيأتي شرحه أيضا في تفسير سورة النجم * الحديث الحادي والثلاثون حديث سمرة رأيت
الليلة رجلين أتياني ذكره مختصرا جدا وقد مضى مطولا في أواخر الجنائز والمقصود منه ذكر مالك
225

خازن النار وجبريل وميكائيل * الحديث الثاني والثلاثون حديث أبي هريرة إذا دعى الرجل
امرأته إلى فراشه الحديث (قوله تابعه شعبة وأبو حمزة وابن داود وأبو معاوية عن الأعمش) أي
عن أبي حازم عن أبي هريرة فاما متابعة شعبة فوصلها المؤلف في النكاح وسيأتي شرح المتن هناك
وأما متابعة أبي حمزة فلم أجدها وأما متابعة ابن داود وهو عبد الله الخريبي بالمعجمة والراء والموحدة
مصغر فوصلها مسدد في مسنده الكبير عنه وأما متابعة أبي معاوية فوصلها مسلم والنسائي من
طريقه * الحديث الثالث والثلاثون حديث جابر في فترة الوحي وقد تقدم مشروحا في بدء الوحي
* الحديث الرابع والثلاثون حديث ابن عباس في رؤية الأنبياء ومالك خزن النار وغير ذلك
وسيأتي شرحه في أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى قال الإسماعيلي جمع البخاري بين روايتي
شعبة وسعيد وساقه على لفظ سعيد وفي روايته زيادة ظاهرة على رواية شعبة (قلت) سأبين ذلك
هناك إن شاء الله تعالى * الحديث الخامس والثلاثون والسادس والثلاثون (قوله قال أنس
وأبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تحرس الملائكة المدينة من الدجال) أما حديث أنس
فوصله المؤلف في فضل المدينة أواخر الحج وتقدم الكلام عليه هناك وكذا حديث أبي بكرة وقد
وصله المؤلف أيضا في الفتن ويأتي الالمام بما يتعلق به هناك إن شاء الله تعالى وقوله آدم طوالا هو بمد
ألف آدم كلفظ جد البشر والمراد هنا وصف موسى بالادمة وهي لون بين البياض والسواد (قوله
باب ما جاء في صفة الجنة وانها مخلوقة) أي موجودة الآن وأشار بذلك إلى الرد على من زعم
من المعتزلة أنها لا توجد الا يوم القيامة وقد ذكر المصنف في الباب أحاديث كثيرة دالة على ما ترجم به
فمنها ما يتعلق بكونها موجودة الآن ومنها ما يتعلق بصفتها وأصرح مما ذكره في ذلك ما أخرجه
أحمد وأبو داود باسناد قوي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما خلق الله الجنة قال
لجبريل اذهب فانظر إليها الحديث (قوله وقال أبو العالية مطهرة من الحيض والبول والبصاق
(3) كلما رزقوا منها إلى آخره) وصله ابن أبي حاتم من طريقه مفرقا دون أوله وأخرج من طريق
مجاهد نحوه وزاد ومن المني والولد ومن طريق قتادة لكن قال من الأذى والاثم وروى هذا عن
قتادة موصولا قال عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا ولا يصح اسناده وأخرج الطبري نحو ذلك
عن عطاء وأتم منه وروى ابن أبي حاتم أيضا من طريق يحيى بن أبي كثير قال يطوف الولدان على
أهل الجنة بالفواكه فيأكلونها ثم يؤتون بمثلها فيقول أهل الجنة هذا الذي آتيتمونا به آنفا
فيقولون لهم كلوا فان اللون واحد والطعم مختلف وقيل المراد بالقبلية هنا ما كان في الدنيا
وروى ابن أبي حاتم أيضا والطبري ذلك من طريق السدي بأسانيده قال أتوا بالثمرة في الجنة
فلما نظروا إليها قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا ورجح هذا الطبري من جهة ما دلت عليه
الآية من عموم قولهم ذلك في كل ما رزقوه قال فيدخل في ذلك أول رزق رزقوه فيتعين أن لا
226

يكون قبله الا ما كان في الدنيا (قوله يشبه بعضه بعضا ويختلف في الطعم) هو كقول ابن عباس
ليس في الدنيا مما في الجنة الا الأسماء وقال الحسن معنى قوله متشابها أي خيارا لارداءة فيه
* (تنبيه) * وقع في رواية الكشميهني هذا الذي رزقنا من قبل أتينا ولغيره أوتينا وهو الصواب قال
ابن التين هو من أوتيته بمعنى أعطيته وليس من أتيته بالقصر بمعنى جئته (قوله قطوفها يقطفون
كيف شاءوا دانية قريبة) أما قوله يقطفون كيف شاؤوا فرواه عبد بن حميد من طريق إسرائيل
عن أبي إسحاق عن البراء قال في قوله قطوفها دانية قال يتناول منها حيث شاء وأما قوله دانية
قريبة فرواه ابن أبي حاتم من طريق الثوري عن أبي إسحاق عن البراء أيضا ومن طريق قتادة قال
دنت فلا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك (قوله الأرائك السرر) رواه عبد بن حميد باسناد صحيح من
طريق حصين عن مجاهد عن ابن عباس قال الأرائك السرر في الحجال ومن طريق منصور عن
مجاهد نحوه ولم يذكر ابن عباس ومن طريق الحسن ومن طريق عكرمة جميعا أن الأريكة هي
الحجلة على السرير وعن ثعلب الأريكة لا تكون الا سرير متخذا في قبة عليه شواره (قوله
وقال الحسن النضرة في الوجه والسرور في القلب) رواه عبد بن حميد من طريق مبارك بن
فضالة عن الحسن في قوله تعالى ولقاهم نضرة وسرورا فذكره (قوله وقال مجاهد سلسبيلا
حديدة الجرية) وصله سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق مجاهد وحديدة بفتح المهملة
وبدالين مهملتين أيضا أي قوية الجرية وذكر عياض أن القابسي رواها حريدة براء بدل الدال
الأولى وفسرها بلينة قال والذي قاله لا يعرف وانما فسروا السلسبيل بالسهلة اللينة الجرية
(قلت) يشير بذلك إلى تفسير قتادة رواه عبد بن حميد عنه قال في قوله تعالى عينا فيها تسمى
سلسبيلا قال سلسة لهم يصرفونها حيث شاؤوا وقد روى عبد بن حميد أيضا عن مجاهد قال تجري
شبه السيل وهذا يؤيد رواية الأصيلي أنه أراد قوة الجري والذي يظهر أنهما لم يتواردا على محل
واحد بل أراد مجاهد صفة جرى العين وأراد قتادة صفة الماء وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة قال
السلسبيل اسم العين المذكورة وهو ظاهر الآية ولكن استبعد لوقوع الصرف فيه وأبعد من
زعم أنه كلام مفصول من فعل أمر واسم مفعول (قوله غول وجع البطن ينزفون لا تذهب
عقولهم) رواه عبد بن حميد من طريق مجاهد قال في قوله لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون فذكره
(قوله وقال ابن عباس دهاقا ممتلئة) وصله عبد بن حميد من طريق عكرمة عنه قال الكأس
الدهاق الممتلئة المتتابعة وسيأتي في أيام الجاهلية من وجه آخر (قوله كواعب نواهد) وصله
ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله تعالى كواعب أترابا قال نواهد
انتهى وهو جمع ناهد والناهد هي التي بدا نهدها (قوله الرحيق الخمر) وصله ابن جرير ن طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى رحيق مختوم قال الخمر ختم بالمسك وقيل الرحيق هو
الخالص من كل شئ (قوله التسنيم يعلو شراب أهل الجنة) وصله عبد بن حميد باسناد صحيح عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال التسنيم يعلو شراب أهل الجنة وهو صرف للمقربين ويمزج
لأصحاب اليمين (قوله ختامه طينه مسك) وصله ابن أبي حاتم من طريق مجاهد في قوله ختامه
مسك قال طينه مسك قال ابن القيم في حادي الأرواح تفسير مجاهد هذا يحتاج إلى تفسير والمراد
ما يبقى آخر الانامن الدردى مثلا قال وقال بعض الناس معناه آخر شربهم يختم برائحة المسك
(قلت) هذا أخرجه ابن أبي حاتم أيضا من طريق أبي الدرداء قال في قوله ختامه مسك قال هو
227

شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم وعن سعيد بن جبير ختامه آخر طعمه (قوله
نضاختان فياضتان) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قوله يقال
موضونة منسوجة منه وضين الناقة) هو قول الفراء قال في قوله موضونة أي منسوجة وانما
سمت العرب وضين الناقة وضينا لأنه منسوج وقال أبو عبيدة في المجاز في قوله على سرر موضونة
يقال متداخلة كما يوصل حلق الدرع بعضها في بعض مضاعفة قال والوضين البطان إذا نسج
بعضه على بعض مضاعفا وهو وضين في موضع موضون وروى ابن أبي حاتم من طريق الضحاك
في قوله موضونة قال التوضين التشبيك والنسج يقول وسطها مشبك منسوج ومن طريق
عكرمة في قوله موضونة قال مشبكة بالدر والياقوت (قوله والكوب ما لا أذن له ولا عروة
والأباريق ذوات الآذان والعرى) هو قول الفراء سواء وروى عبد بن حميد من طريق قتادة قال
الكوب الذي دون الإبريق ليس له عروة (قوله عربا مثقلة) أي مضمومة الراء (واحدها عروب
مثل صبور وصبر) أي على وزنه وهذا قول الفراء وحكى عن الأعمش قال كنت أسمعهم يقولون
عربا بالتخفيف وهو كالرسل والرسل بالتخفيف في لغة تميم وبكر قال الفراء والوجه التثقيل لان كل
فعول أو فعيل أو فعال جمع على هذا المثال فهو مثقل مذكرا كان أو مؤنثا (قلت) مرادهم
بالتثقيل الضم وبالتخفيف الاسكان (قوله يسميها أهل مكة العربة الخ) جزم الفراء بأنها الغنجة
وأخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة ومن طريق بريدة قال هي الشكلة بلغة أهل مكة والمغنوجة
بلغة أهل المدينة ومثله في كتاب مكة للفاكهي وروى ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم قال
هي الحسنة الكلام ومن طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعا العرب كلامهن عربي
وهو ضعيف منقطع وأخرج الطبري من طريق تميم بن حذام في قوله عربا قال العربة الحسنة
التبعل كانت العرب تقول إذا كانت المرأة حسنة التبعل انها لعربة ومن طريق عبد الله
ابن عبيد بن عمير المكي قال العربة التي تشتهي زوجها ألا ترى ان الرجل يقول للناقة انها لعربة
(قوله وقال مجاهد روح جنة ورخاء والريحان الرزق) يريد تفسير قوله تعالى فروح وريحان قال
الفريابي حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فروح قال جنة وريحان قال رزق
أخرجه البيهقي في الشعب من طريق آدم عن ورقاء بسنده بلفظ فروح وريحان قال الروح جنة
ورخاء والريحان الرزق (قوله والمنضود الموز والمخضود الموقر حملا ويقال أيضا الذي لا شوك له)
وصله الفريابي والبيهقي عن مجاهد في قوله وطلح منضود قال الموز المتراكم والسدر المخضود الموقر
حملا ويقال أيضا الذي لا شوك فيه وذلك لانهم كانوا يعجبون بوج وظلاله من طلح وسدر (قلت)
و ج بفتح الواو وتشديد الجيم بالطائف وكأن عياضا لم يقف على ذلك فزعم في أواخر المشارق أن
الذي وقع في البخاري تخليط قال والصواب والطلح الموز والمنضود الموقر حملا الذي نضد بعضه
على بعض من كثرة حمله كذا قال وقد نقل الطبري القولين عن جمع من العلماء بأسانيده إليهم فنقل
الأول عن مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير ونقل الثاني عن ابن عباس وقتادة وعكرمة وقسامة بن
زهير وغيرهم وكأن عياضا استبعد تفسير الخضد بالثقل لان الخضد في اللغة القطع وقد نقل أهل
اللغة أيضا ان الخضد التثني وعليه يحمل التأويل الأول أي انه من كثرة حمله انثنى وأما التأويل
الذي ذكره هو فقد نقل الطبري اتفاق أهل التأويل من الصحابة والتابعين على أن المراد بالطلح
المنضود الموز وأسند عن علي انه كان يقولها والطلع بالعين قال فقيل له أفلا تغيرها قال إن القرآن
228

لا يهاج اليوم فظهر بذلك فساد الاعتراض وأن الذي وقع في الأصل هو الصواب والله أعلم (قوله
والعرب المحببات إلى أزواجهن) كذا أخرجه عبد بن حميد والفريابي والطبري وغيرهم من طريق
مجاهد وغيره ورواه الفريابي من وجه آخر عن مجاهد قال العرب العواشق وأخرج الطبري نحوه
عن أم سلمة مرفوعا (قوله مسكوب جار) يريد تفسير قوله تعالى وماء مسكوب وقوله وفرش
مرفوعة بعضها فوق بعض وصله والذي قبله الفريابي أيضا عن مجاهد وقال أبو عبيدة في المجاز
المرفوعة العالية تقول بناء مرتفع أي عال وروى ابن حبان والترمذي من حديث أبي سعيد
الخدري في قوله وفرش مرفوعة قال ارتفاعها مسيرة خمسمائة عام قال القرطبي معناه ان الفرش
الدرجة وهذا القدر ارتفاع قال وقيل المراد بالفرش المرفوعة النساء المرتفعات القدر لحسنهن
وجمالهن (قوله لغوا باطلا تأثيما كذبا) يريد تفسير قوله تعالى لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما وقد
وصله أيضا الفريابي عن مجاهد كذلك (قوله أفنان أغصان) يريد تفسير قوله تعالى ذواتا
أفنان وقوله وجنى الجنتين دان ما يجتنى من قريب وصل ذلك الطبري عن مجاهد وعن الضحاك
يعني أفنان ألوان من الفاكهة وواحدها على هذا فن وعلى الأول فنن وقوله مدهامتان سوداوان
من الري وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ مسوادتان وقال الفراء قوله مدهامتان يعني خضراوان
إلى السواد من الري وعن عطية كادتا أن تكونا سوداوين من شدة الري وهما خضراوان إلى
السواد ثم ذكر المصنف في الباب ستة عشر حديثا * الأول حديث ابن عمر في عرض مقعد الميت
عليه وقد تقدم شرحه في أواخر الجنائز وهو من أوضح الأدلة على مقصود الترجمة وقوله في آخر
فمن أهل النار زاد إبراهيم بن شريك عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه حتى يبعثه الله يوم القيامة
أخرجه الإسماعيلي وقد تقدمت هذه الزيادة أيضا والكلام عليها في الجنائز * الثاني حديث أبي
رجاء وهو العطاردي عن عمران بن حصين في أكثر أهل الجنة وسيأتي شرحه في كتاب الرقاق مع
بيان الاختلاف فيه على أبي رجاء والغرض منه هنا قوله اطلعت في الجنة فإنه يدل على أنها
موجودة حالة اطلاعه وهو مقصود الترجمة وسلم بفتح المهملة وسكون اللام وزرير بوزن عظيم أوله
زاي بعدها راء وآخره راء أيضا * الثالث حديث أبي هريرة في قصة القصر الذي رأى لعمر في الجنة
وسيأتي شرحه في مناقبه والغرض منه قوله رأيتني في الجنة وهذا وإن كان مناما لكن رؤيا
الأنبياء حق ومن ثم أعمل حكم غيرة عمر حتى امتنع من دخول القصر وقد روى أحمد من حديث
معاذ قال إن عمر من أهل الجنة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ما يرى في يقظته أو نومه
سواء وانه قال بينا أنا في الجنة إذ رأيت فيها جارية فقلت لمن هذه فقيل لعمر بن الخطاب * الرابع
حديث أبي موسى الخيمة درة مجوفة طولها كذا للأكثر وللسرخسي والمستملي در مجوف طوله
وقع عندهما بصيغة المذكر ووجهه أن المقصود معنى الخيمة وهو الشئ الساتر ونحو ذلك وسيأتي
شرح هذا الحديث في تفسير سورة الرحمن وقوله وقال أبو عبد الصمد والحرث بن عبيد عن أبي
عمران ستون ميلا يعني أنهما رويا هذا الحديث بهذا الاسناد فقالا ستون بدل قول همام ثلاثون
وطريق أبي عبد الصمد وهو عبد العزيز بن عبد الصمد العمي وصلها المؤلف هناك وطريق
229

الحرث ابن عبيد وهو ابن قدامة وصلها مسلم ولفظه ان للعبد في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة
طولها ستون ميلا * الحديث الخامس حديث أبي هريرة فيما أعد لأهل الجنة سيأتي شرحه في
تفسير سورة السجدة * الحديث السادس والسابع حديث أبي هرير في صفة أهل الجنة أورده
من طريقين وقد ذكره من طريق ثالثة سيأتي في هذا الباب أيضا وقد ذكر بعضه في صفة آدم من
وجه رابع (قوله أول زمرة) أي جماعة (قوله صورتهم على صورة القمر ليلة البدر) أي في
الاضاءة وسيأتي بيان ذلك في الرقاق بلفظ يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا تضئ وجوههم
إضاءة القمر ليلة البدر وفي الرواية الثانية هنا والذين على أثرهم كأشد كوكب إضاءة زاد مسلم
في رواية أخرى ثم هم بعد ذلك منازل (قوله لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون) زاد في
في صفة آدم ولا يبولون ولا يتفلون وفي الرواية الثانية لا يسقمون وقد اشتمل ذلك على نفي جميع
صفات النقص عنهم ولمسلم من حديث جابر يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون
طعامهم ذلك جشاء كريح المسك وكأنه مختصر مما أخرجه النسائي من حديث زيد بن أرقم قال
جاء رجل من أهل الكتاب فقال يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال نعم ان
أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع قال الذي يأكل ويشرب تكون له
الحاجة وليس في الجنة أذى قال تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك
وسمى الطبراني في روايته هذا السائل ثعلبة بن الحرث قال ابن الجوزي لما كانت أغذية أهل
الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لم يكن فيها أذى ولا فضلة تستقذر بل يتولد عن تلك الأغذية
أطيب ريح وأحسنه (قوله آنيتهم فيها الذهب) زاد في الرواية الثانية والفضة وقال في الامشاط
عكس ذلك وكأنه اكتفى في الموضعين بذكر أحدهما عن الآخر فإنه يحتمل أن يكون الصنفان
لكل منهم ويحتمل أن يكون أحد الصنفين لبعضهم والآخر للبعض الآخر ويؤيده حديث أبي
موسى مرفوعا جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما الحديث
متفق عليه ويؤيد الأول ما أخرجه الطبراني باسناد قوي عن انس مرفوعا ان أدنى أهل الجنة
درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحفتان واحدة من ذهب والاخرى
من فضة الحديث * (تنبيه) * المشط بتثليث الميم والأفصح ضمها (قوله ومجامرهم الألوة) الألوة
العود الذي يبخر به قيل جعلت مجامرهم نفس العود لكن في الرواية الثانية ووقود مجامرهم
الألوة فعلى هذا في رواية الباب تجوز ووقع في رواية الصغاني بعد قوله الألوة قال أبو اليمان يعني
العود والمجامر جمع مجمرة وهي المبخرة سميت مجمرة لأنها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من
البخور والالوة بفتح الهمزة ويجوز ضمها وبضم اللام وتشديد الواو وحكى ابن التين كسر الهمزة
وتخفيف الواو والهمزة أصلية وقيل زائدة قال الأصمعي أراها فارسية عربت وقد يقال إن رائحة
العود انما تفوح بوضعه في النار والجنة لا نار فيها ومن ثم قال الإسماعيلي بعد تخريج الحديث
المذكور ينظر هل في الجنة نار ويجاب باحتمال ان يشتعل بغير نار بل بقوله كن وانما سميت مجمرة
باعتبار ما كان في الأصل ويحتمل ان يشتعل بنار لا ضرر فيها ولا احراق أو يفوح بغير اشتعال ونحو
ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعا ان الرجل في الجنة ليشتهي الطير
فيحر بين يديه مشويا وفيه الاحتمالات المذكورة وقد ذكر نحو ذلك ابن القيم في الباب الثاني
230

والأربعين من حادي الأرواح وزاد في الطير أو يشوى خارج الجنة أو بأسباب قدرت لإنضاجه
ولا تتعين النار قال وقريب من ذلك قوله تعالى هم وأزواجهم في ظلال أكلها دائم وظلها
وهي لا شمس فيها وقال القرطبي قد يقال أي حاجة لهم إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تتسخ
وأي حاجة لهم إلى البخور وريحهم أطيب من المسك قال ويجاب بأن نعيم أهل الجنة من أكل
وشرب وكسوة وطيب ليس عن ألم جوع أو ظما أو عرى أو نتن وانما هي لذات متتالية ونعم
متوالية والحكمة في ذلك أنهم ينغمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا وقال النووي مذهب
أهل السنة أن تنعم أهل الجنة على هيئة تنعم أهل الدنيا الا ما بينهما من التفاضل في اللذة ودل
الكتاب والسنة على أن نعيمهم لا انقطاع له (قوله ولكل واحد منهم زوجتان) اي من نساء الدنيا
فقد روى أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة وان له من
الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا وفي سنده شهر بن حوشب وفيه مقال
ولأبي يعلى في حديث الصور الطويل من وجه آخر عن أبي هريرة في حديث مرفوع فيدخل
الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله وزوجتين من ولد آدم وأخرجه الترمذي من
حديث أبي سعيد رفعه ان أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم وثنتان وسبعون زوجة وقال
غريب ومن حديث المقدام بن معد يكرب عنده للشهيد ست خصال الحديث وفيه ويتزوج
ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجة والدارمي رفعه ما أحد
يدخل الجنة الا زوجه الله ثنتين وسبعين من الحور العين وسبعين وثنتين من أهل الدنيا وسنده
ضعيف جدا وأكثر ما وقفت عليه من ذلك ما أخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في البعث من
حديث عبد الله بن أبي أوفى رفعه ان الرجل من أهل الجنة ليزوج خمسمائة حوراء أو أنه ليفضي
إلى أربعة آلاف بكر وثمانية آلاف ثيب وفيه راو لم يسم وفي الطبراني من حديث ابن عباس ان
الرجل من أهل الجنة ليفضي إلى مائة عذراء وقال ابن القيم ليس في الأحاديث الصحيحة زيادة
على زوجتين سوى ما في حديث أبي موسى ان في الجنة للمؤمن لخيمة من لؤلؤة له فيها أهلون
يطوف عليهم (قلت) الحديث الأخير صححه الضياء وفي حديث أبي سعيد عند مسلم في صفة أدنى
أهل الجنة ثم يدخل عليه زوجتاه والذي يظهر أن المراد أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان وقد
أجاب بعضهم باحتمال أن تكون التثنية تنظيرا لقوله جنتان وعينان ونحو ذلك أو المراد تثنية
التكثير والتعظيم نحو لبيك وسعديك ولا يخفى ما فيه واستدل أبو هريرة بهذا الحديث على أن
النساء في الجنة أكثر من الرجال كما أخرجه مسلم من طريق ابن سيرين عنه وهو واضح لكن
يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف المتقدم رأيتكن أكثر أهل النار ويجاب
بأنه لا يلزم من أكثريتهن في النار نفى أكثريتهن في الجنة لكن يشكل على ذلك قوله صلى الله عليه
وسلم في الحديث الآخر اطلعت في الجنة فرأيت أقل ساكنيها النساء ويحتمل أن يكون الراوي
رواه بالمعنى الذي فهمه من أن كونهن أكثر ساكني النار يلزم منه أن يكن أقل ساكني الجنة
وليس ذلك بلازم لما قدمته ويحتمل أن يكون ذلك في أول الأمر قبل خروج العصاة من النار
بالشفاعة والله أعلم * (تنبيه) * قال النووي كذا وقع زوجتان بتاء التأنيث وهي لغة تكررت
في الحديث والأكثر خلافها وبه جاء القرآن وذكر أبو حاتم السجستاني أن الأصمعي كان ينكر
231

زوجة ويقول انما هي زوج قال فأنشدناه قول الفرزدق
وان الذي يسعى ليفسد زوجتي * لساع إلى أسد الشرا يستنيلها
قال فسكت ثم ذكر له شواهد أخرى (قوله مخ سوقهما من وراء اللحم) في الرواية الثالثة والعظم
والمخ بضم الميم وتشديد المعجمة ما في داخل العظم والمراد به وصفها بالصفاء البالغ وان ما في داخل
العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد ووقع عند الترمذي ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة
حتى يرى مخها ونحوه لأحمد من حديث أبي سعيد وزاد ينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة
(قوله قلب واحد) في رواية الأكثر بالإضافة وللمستملي بالتنوين قلب واحد وهو من التشبيه
الذي حذفت أداته أي كقلب رجل واحد وقد فسره بقوله لا تحاسد بينهم ولا اختلاف اي ان
قلوبهم طهرت عن مذموم الأخلاق (قوله يسبحون الله بكرة وعشيا) اي قدرهما قال القرطبي
هذا التسبيح ليس عن تكليف والزام وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله يلهمون
التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس ووجه التشبيه أن تنفس الانسان لا كلفة عليه فيه ولا بد له
منه فجعل تنفسهم تسبيحا وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه وامتلأت بحبه ومن
أحب شيئا أكثر من ذكره وقد وقع في خبر ضعيف أن تحت العرش ستارة معلقة فيه ثم تطوى فإذا
نشرت كانت علامة البكور وإذا طويت كانت علامة العشي (قوله في آخر الرواية الثانية قال
مجاهد الابكار أول الفجر والعشي ميل الشمس إلى أن أراه تغرب) كذا في الأصل وكأن المصنف
شك في لفظ تغرب فأدخل قبلها أراه وهو بضم الهمزة اي أظنه فهي جملة معترضة بين أن والفعل
وقد وصله عبد بن حميد والطبري وغيره من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ إلى أن تغيب وهو
بالمعنى الذي ظنه المصنف قال الطبري الابكار مصدر تقول أبكر فلان في حاجته يبكر ابكارا إذا
خرج من بين طلوع الفجر إلى وقت الضحى وأما العشي فمن بعد الزوال قال الشاعر
فلا الظل من برد الضحى يستطيعه * ولا الفئ من برد العشي يذوق
قال والفئ يكون من عند زوال الشمس ويتناهى بمغيبها * الحديث الثامن حديث سهل بن سعد
في عدد من يدخل الجنة بغير حساب وسيأتي شرحه في الرقاق إن شاء الله تعالى * الحديث التاسع
حديث انس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس الحديث وسيأتي شرحه في كتاب اللباس
ومضى معظمه في كتاب الهبة والغرض منه هنا ذكر مناديل سعد بن معاذ في الجنة * الحديث العاشر
حديث البراء ابن عازب في ذلك وذكره عقب حديث أنس لان في حديث أنس تعجب الناس منها
وبين ذلك في حديث البراء حيث وفع فيه فجعلوا يعجبون من حسنه ولينه وسيأتي شرحه أيضا في
اللباس إن شاء الله تعالى * الحديث الحادي عشر حديث سهل بن سعد موضع سوط في الجنة خير
232

من الدنيا وما فيها وقد تقدم شرحه في أول الجهاد من حديث أنس * الحديث الثاني عشر حديث
أنس ان في الجنة لشجرة (قوله حدثنا روح بن عبد المؤمن) هو بفتح الراء وهو بصري مشهور
وكذا بقية رجال الاسناد وسعيد هو بن أبي عروبة وليس لروح بن عبد المؤمن في البخاري سوى
هذا الحديث الواحد وقد أخرجه الترمذي من طريق معمر عن قتادة وزاد في آخر الحديث وأن
شئتم فاقرءوا وظل ممدود الحديث الثالث عشر حديث أبي هريرة في ذلك وفيه الزيادة المشار إليها
وفيه ولقاب قوس وهذا الأخير تقدم في الجهاد مع الكلام عليه والشجرة المذكورة قال بن
الجوزي يقال أنها طوبى قلت وشاهد ذلك في حديث عتبة بن عبد السلمي عند أحمد والطبراني
وابن حبان فهذا هو المعتمد خلافا لمن قال إنما نكرت للتنبيه على اختلاف جنسها بحسب
شهوات أهل الجنة قوله يسير الراكب أي أي راكب فرض ومنهم من حمله على الوسط
المعتدل وقوله في ظلها أي في نعيمها وراحتها ومنه قولهم عيش ظليل وقيل معنى ظلها ناحيتها
وأشار بذلك إلى امتدادها ومنه قولهم أنا في ظلك أي ناحيتك قال القرطبي والمحوج إلى هذا
التأويل أن الظل في عرف أهل الدنيا ما بقي من حر الشمس وأذاها وليس في الجنة شمس ولا أذى
وروى ابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن ابن عباس قال الظل الممدود شجرة في الجنة
على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام من كل نواحيها فيخرج أهل الجنة يتحدثون
في ظلها فيشتهي بعضهم اللهو فيرسل الله ريحا فيحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا * الحديث
الرابع عشر تقدم في السادس * الحديث الخامس عشر حديث البراء لما مات إبراهيم يعني ابن
النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان له مرضعا في الجنة وقد تقدم الكلام
عليه في الجنائز * الحديث السادس عشر حديث أبي سعيد في تفاضل أهل الجنة (قوله عن
صفوان بن سليم) عند مسلم في رواية ابن وهب عن مالك أخبرني صفوان وهذا من صحيح أحاديث
مالك التي ليست في الموطأ ووهم أيوب بن سويد فرواه عن مالك عن زيد بن أسلم بدل صفوان
ذكره الدارقطني في الغرائب وكأنه دخل له اسناد حديث في اسناد حديث فان رواية مالك عن
زيد بدل صفوان فهذا السند وقفت عليه في حديث آخر سيأتي في أواخر الرقاق وفي التوحيد
(قوله عن أبي سعيد) في رواية فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أخرجه
الترمذي وصححه وابن خزيمة ونقل الدارقطني في الغرائب عن الذهلي أنه قال لست أدفع حديث
فليح يجوز أن يكون عطاء بن يسار حدث به عن أبي سعيد وعن أبي هريرة انتهى وقد رواه أيوب بن
سويد عن مالك فقال عن أبي حازم عن سهل بن سعد ذكره الدارقطني في الغرائب وقال إنه وهم
فيه أيضا (قلت) ولكنه له أصل من حديث سهل بن سعد عند مسلم ويأتي أيضا في باب صفة أهل
الجنة والنار في الرقاق من حديث سهل أيضا لكنه مختصر عند الشيخين (قوله يتراءون) (3) في
233

رواية لمسلم يرون والمعنى ان أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل حتى أن أهل
الدرجات العلا ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم وقد بين ذلك في الحديث بقوله لتفاضل ما بينهم
(قوله الدري) هو النجم الشديد الاضاءة وقال الفراء هو النجم العظيم المقدار وهو بضم المهملة
وكسر الراء المشددة بعدها تحتانية ثقيلة وقد تسكن وبعدها همزة ومد وقد يكسر أوله على
الحالين فتلك أربع لغات ثم قيل إن المعنى مختلف فبالتشديد كأنه منسوب إلى الدر لبياضه
وضيائه وبالهمز كأنه مأخوذ من درأ أي دفع لاندفاعه عند طلوعه ونقل ابن الجوزي عن
الكسائي تثليث الدال قال فبالضم نسبة إلى الدر وبالكسر الجاري وبالفتح اللامع (قوله
الغابر) كذا للأكثر وفي رواية الموطأ الغاير بالتحتانية بدل الموحدة قال عياض كأنه الداخل
في الغروب وفي رواية الترمذي الغارب وفي رواية الأصيلي بالمهملة والزاي قال عياض معناه
الذي يبعد للغروب وقيل معناه الغائب ولكن لا يحسن هنا لان المراد أن بعده عن الأرض كبعد
غرف الجنة عن ربضها في رأي العين والرواية الأولى هي المشهورة ومعنى الغابر هنا الذاهب
وقد فسره في الحديث بقوله من المشرق إلى المغرب والمراد بالأفق السماء وفي رواية مسلم من
الأفق من المشرق أو المغرب قال القرطبي من الأولى لابتداء الغاية أو هي للظرفية ومن الثانية
مبينة لها وقد قيل إنها ترد لانتهاء الغاية أيضا قال وهو خروج عن أصلها وليس معروفا عند
أكثر النحويين قال ووقع في نسخ البخاري إلى المشرق وهو أوضح ووقع في رواية سهل بن سهل
عند مسلم كما تراءون الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي واستشكله ابن التين وقال انما
تغور الكواكب في المغرب خاصة فكيف وقع ذكر المشرق وهذا مشكل على رواية الغاير
بالتحتانية وأما بالموحدة فالغابر يطلق على الماضي والباقي فلا اشكال (قوله قال بلى) قال
القرطبي بلى حرف جواب وتصديق والسياق يقتضي أن يكون الجواب بالاضراب عن الأول
وايجاب الثاني فلعها كانت بل فغيرت ببلى وقوله رجال خبر مبتدأ محذوف تقديره وهم رجال اي
تلك المنازل منازل رجال آمنوا (قلت) حكى ابن التين أن في رواية أبي ذر بل بدل بلى ويمكن توجيه
بلى بأن التقدير نعم هي منازل الأنبياء بايجاب الله تعالى لهم ذلك ولكن قد يتفضل الله تعالى على
غيرهم بالوصول إلى تلك المنازل وقال ابن التين يحتمل أن تكون بلى جواب النفي في قولهم
لا يبلغها غيرهم وكأنه قال بلى يبلغها رجال غيرهم (قوله وصدقوا المرسلين) أي حق تصديقهم
والا لكان كل من آمن بالله وصدق رسله وصل إلى تلك الدرجة وليس كذلك ويحتمل أن يكون
التنكير في قوله رجال يشير إلى ناس مخصوصين موصوفين بالصفة المذكورة ولا يلزم أن يكون كل
من وصف بها كذلك لاحتمال أن يكون لمن بلغ تلك المنازل صفة أخرى وكأنه سكت عن الصفة
التي اقتضت لهم ذلك والسر فيه أنه قد يبلغها من له عمل مخصوص ومن لا عمل له كان بلوغها انما
هو برحمة الله تعالى وقد وقع في رواية الترمذي من وجه آخر عن أبي سعيد وان أبا بكر وعمر لمنهم
وأنعما وروى الترمذي أيضا عن علي مرفوعا ان في الجنة لغرفا ترى ظهورها من بطونها
وبطونها من ظهورها فقال أعرابي لمن هي يا رسول الله قال هي لمن ألان الكلام وأدام الصيام
وصلى بالليل والناس نيام وقال ابن التين قيل إن المعنى انهم يبلغون درجات الأنبياء وقال
الداودي يعني انهم يبلغون هذه المنازل التي وصف وأما منازل الأنبياء فإنها فوق ذلك (قلت) وقع
في حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي قال بلى والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله ورسوله
234

هكذا فيه بزيادة الواو العاطفة ففسد تأويل الداودي والله المستعان ويحتمل أن يقال إن
الغرف المذكورة لهذه الأمة وأما من دونهم فهم الموحدون من غيرهم أو أصحاب الغرف الذين
دخلوا الجنة من أول وهلة ومن دونهم من دخل بالشفاعة ويؤيد الذي قبله قوله في صفتهم هم
الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين وتصديق جميع المرسلين انما يتحقق لامة محمد صلى الله
عليه وسلم بخلاف من قبلهم من الأمم فإنهم وإن كان فيهم من صدق بمن سيجئ من بعده من
الرسل فهو بطريق التوقع لا بطريق الواقع والله أعلم (قوله باب صفة أبواب
الجنة) هكذا ترجم بالصفة ولعله أراد بالصفة العدد أو التسمية فإنه أورد فيه حديث سهل
ابن سعد مرفوعا في الجنة ثمانية أبواب الحديث وقال فيه قال النبي صلى الله عليه وسلم من
أنفق زوجين في سبيل الله دعي من باب الجنة وأشار بهذا إلى حديث أسنده في الصيام وفي
الجهاد من حديث أبي هريرة وفيه فمن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل
الصلاة دعي من باب الصلاة الحديث وقد سبق شرح حديث سهل بن سعد في الصيام وحديث
أبي هريرة فيه وفي الجهاد ويأتي بقية شرحه في فضل أبي بكر إن شاء الله تعالى (قوله فيه عبادة)
كأنه يشير إلى ما وصله هو في ذكر عيسى من أحاديث الأنبياء من طريق جنادة بن أبي أمية عن
عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من شهد أن لا إله إلا الله الحديث وفيه أدخله
الله من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء وقد وردت هذه العدة لأبواب الجنة في عدة أحاديث منها
حديث أبي هريرة المعلق في الباب ومنها حديث عبادة المعلق فيه أيضا وعن عمر عند أحمد وأصحاب
السنن وعن عتبة بن عبد عند الترمذي وابن ماجة وورد في صفة أبواب الجنة ان ما بين المصراعين
مسيرة أربعين سنة ومن حديث أبي سعيد ومعاوية بن حيدة ولقيط بن عامر وأحاديث الثلاثة
عند أحمد وهي مرفوعة ولها شاهد عند مسلم من حديث عتبة بن غزوان لكنه موقوف
* (تنبيه) * وقع حديث سهل المسند مقدما على الحديثين المعلقين في رواية أبي ذر ووقع لغيره
تأخير المسند عن المعلقين (قوله باب صفة النار وأنها مخلوقة) القول فيه كالقول
في باب صفة الجنة سواء (قوله غساقا يقال غسقت عينه ويغسق الجرح) وهذا مأخوذ من كلام
أبي عبيدة فإنه قال في قوله تعالى الا حميما وغساقا الحميم الماء الحار والغساق ما همي وسال يقال
غسقت من العين ومن الجرح ويقال عينه تغسق أي تسيل والمراد في الآية ما سال من أهل النار
من الصديد رواه الطبري من قول قتادة ومن قول إبراهيم وعطية بن سعد وغيرهم وقيل من
دموعهم أخرجه أيضا من قول عكرمة وغيره وقيل الغساق البارد الذي يحرق ببرده رواه أيضا من
قول ابن عباس ومجاهد وأبي العالية قال أبو عبيد الهروي من قرأه بالتشديد أراد السائل ومن
قرأه بالتخفيف أراد البارد وقيل الغساق المنتن رواه الطبري عن عبد الله بن بريدة وقال إنها
بالطخارية وله شاهد من حديث أبي سعيد أخرجه الترمذي والحاكم مرفوعا لو أن دلوا من غساق
يهراق إلى الدنيا لأنتن أهل الدنيا وأخرج الطبري من حديث عبد الله بن عمر موقوفا الغساق القيح
الغليظ لو أن قطرة منه تهراق بالمغرب لأنتن أهل المشرق (قوله وكأن الغساق والغسيق واحد)
كذا لأبي ذر والغسيق بوزن فعيل ولغيره والغسق بفتحتين قال الطبري في قوله تعالى ومن شر
غاسق إذا وقب الغاسق الليل إذا لبس الأشياء وغطاها وانما أريد بذلك هجومه على الأشياء هجوم
السيل وكأن المراد بالآية السائل من الصديد الجامع بين شدة البرد وشدة النتن وبهذا تجتمع
235

الأقوال والله أعلم (قوله غسلين كل شئ غسلته فخرج منه شئ فهو غسلين فعلين من الغسل من
الجرح والدبر) هو كلام أبي عبيدة في المجاز وقد روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس قال الغسلين صديد أهل النار والدبر بفتح المهملة والموحدة هو ما يصيب الإبل من
الجراحات * (تنبيه) * قوله تعالى في هذه الآية ولا طعام الا من غسلين يعارضه ظاهر قوله تعالى في
الآية الأخرى ليس لهم طعام الا من ضريع وجمع بينهما بأن الضريع من الغسلين وهذا يرده
ما سيأتي في التفسير ان الضريع نبات وقيل الاختلاف بحسب من يطعم من أهل النار فمن اتصف
بالصفة الأولى فطعامه من غسلين ومن اتصف بالثانية فطعامه من ضريع والله أعلم (قوله وقال
عكرمة حصب جهنم حطب بالحبشية وقال غيره حاصبا الريح العاصف والحاصب ما يرمى به
الريح ومنه حصب جهنم يرمى به في جهنم هم حصبها) أما قول عكرمة فوصله ابن أبي حاتم من
طريق عبد الملك بن أبجر سمعت عكرمة بهذا وروى الطبري عن مجاهد مثله لكن لم يقل بالحبشية
وروى الفراء عن علي وعائشة أنهما قرآها حطب بالطاء وروى الطبري عن ابن عباس أنه
قرأها بالضاد المعجمة قال وكأنه أراد انهم الذين تسجر بهم النار لان كل شئ هيجت به النار فهو
حصب لها وأما قول غيره فقال أبو عبيدة في قوله تعالى أو يرسل عليكم حاصبا اي ريحا عاصفا
يحصب وفي قوله حصب جهنم كل شئ ألقيته في النار فقد حصبتها به وروى الطبري عن
الضحاك قال في قوله حصب جهنم قال تحصب بهم جهنم وهو الرمي يقول يرمي بهم فيها (قوله
ويقال حصب في الأرض ذهب والحصب مشتق من حصباء الحجارة) روى الطبري عن ابن جريج
في قوله أو يرسل عليكم حاصبا قال مطر الحجارة (قوله صديد قيح ودم) قال أبو عبيدة في قوله
تعالى ويسقى من ماء صديد قال الصديد القيح والدم (قوله خبت طفئت) أخرج الطبري من
طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى كلما خبت قال طفئت ومن طريق علي ابن أبي
طلحة عن ابن عباس سكنت ومثله قال أبو عبيدة ورجح لانهم يقولون للنار إذا سكن لهيبها
وعلا الجمر رماد خبت فإن طفئ معظم الجمر قالوا خمدت فان طفئ كله قالوا همدت ولا شك ان
نار جهنم لا تطفأ (قوله تورون تستخرجون أوريت أوقدت) يريد تفسير قوله تعالى أفرأيتم
النار التي تورون وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى تورون اي تستخرجون من أوريت قال
وأكثر ما يقال وريت (قوله للمقوين للمسافرين والقي القفر) روى الطبري من طريق علي بن
أبي طلحة عن ابن عباس قال للمقوين للمسافرين ومن طريق قتادة والضحاك مثله ومن
طريق مجاهد قال للمقوين أي المستمتعين المسافر والحاضر وقال الفراء قوله تعالى ومتاعا
للمقوين أي منفعة للمسافرين إذا نزلوا بالأرض والأرض القي يعني بكسر القاف والتشديد
القفر الذي لا شئ فيه ورجح هذا الطبري واستشهد على ذلك (قوله وقال ابن عباس صراط
الجحيم) سواء الجحيم ووسط الجحيم روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله
تعالى فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال في وسط الجحيم ومن طريق قتادة والحسن مثله (قوله لشوبا
من حميم يخلط طعامهم ويساط بالحميم) روى الطبري من طريق السدي قال في قوله تعالى ثم إن
لهم عليها لشوبا من حميم الشوب الخلط وهو المزج وقال أبو عبيدة تقول العرب كل شئ خلطته
بغيره فهو مشوب (قوله زفير وشهيق صوت شديد وصوت ضعيف) هو تفسير ابن عباس أخرجه
الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه ومن طريق أبي العالية قال الزفير في الحلق
236

والشهيق في الصدر ومن طريق قتادة قال هو كصوت الحمار أوله زفير وآخره شهيق وقال الداودي
الشهيق هو الذي يبقى بعد الصوت الشديد من الحمار (قوله وردا عطاشا) روى ابن أبي حاتم من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا قال عطاشا ومن
طريق مجاهد قال منقطعة أعناقهم من الظمأ وقوله وردا هو مصدر وردت والتقدير ذوي ورد
وهذا ينافي العطش لكن لا يلزم من الورود على الماء الوصول إلى تناوله فسيأتي في حديث الشفاعة
أنهم يشكون العطش فترفع لهم جهنم سراب ماء فيقال الا تردون فيردونها فيتساقطون فيها
(قوله غيا خسرانا) أخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه في قوله تعالى فسوف يلقون غيا قال
خسرانا وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه في هذه الآية
قال واد في جهنم بعيد القصر خبيث الطعم (قوله وقال مجاهد يسجرون توقد لهم النار) كذا في
رواية أبي ذر ولغيره بهم وهو أوضح وكذا أخرجه عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد به
(قوله ونحاس الصفر يصب على رؤسهم) أخرجه عبد بن حميد من طريق منصور عن مجاهد
في قوله تعالى يرسل عليكما شواظ من نار قال قطعة من نار حمراء ونحاس قال يذاب الصفر
فيصب على رؤسهم (قوله يقال ذوقوا باشروا وجربوا وليس هذا من ذوق الفم) لم أر هذا لغير
المصنف وهو كما قال والذوق يطلق ويراد به حقيقته وهو ذوق الفم ويطلق ويراد به الذوق المعنوي
وهو الادراك وهو المراد في قوله ذوقوا ما كنتم تعملون وقوله ذلكم فذوقوه وقوله ذق انك أنت
العزيز الكريم وكذلك في قوله لا يذوقون فيها الموت وبلغني عن بعض علماء العصر انه فسره هنا
بمعنى التخيل وجعل الاستثناء متصلا وهو دقيق وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي برزة الأسلمي
مرفوعا والطبري من حديث عبد الله بن عمرو موقوفا لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الآية
فذوقوا فلن نزيدكم الا عذابا (قوله مارج خالص من النار) روى الطبري من طريق علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى وخلق الجان من مارج من نار قال من خالص النار ومن طريق
الضحاك عن ابن عباس قال خلقت الجن من مارج وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا
التهبت وسيأتي قول مجاهد في ذلك في تفسير سورة الرحمن إن شاء الله تعالى وقال الفراء المارج نار
دون الحجاب ويروى خلق السماء منها ومنها هذه الصواعق (قوله مرج الأمير رعيته إذا خلاهم
يعدو بعضهم على بعض فهم في أمر مريج أمر ملتبس (3) ومرج أمر الناس اختلط) في رواية
الكشميهني أمر منتشر وهو تصحيف قال أبو عبيدة في قوله تعالى فهم في أمر مريج أي مختلط
يقال مرج أمر الناس أي اختلط وأهمل وروى الطبري عن ابن عباس في قوله تعالى فهم في أمر
مريج قال مختلف ومن طريق سعيد بن جبير ومجاهد قال ملتبس ومن طريق قتادة قال من ترك
الحق مرج عليه رأيه والتبس عليه دينه (قوله مرج البحرين مرجت دابتك تركتها) قال
أبو عبيدة في قوله تعالى مرج البحرين يلتقيان بينهما هو كقولك مرجت دابتك خليت عنها
وتركتها وقال الفراء قوله مرج البحرين يلتقيان قال أرسلهما ثم يلتقيان بعد وروى الطبري من
طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال المراد بالبحرين هنا بحر السماء والأرض يلتقيان كل
عام ومن طريق سعيد بن جبير وابن أبزى مثله ومن طريق قتادة والحسن قال هما بحرا فارس
والروم قال الطبري والأول أولى لأنه سبحانه وتعالى قال بعد ذلك يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان
وانما يخرج اللؤلؤ من أصداف بحر الأرض عن قطر السماء (قلت) وفي هذا دفع لمن جزم
237

بأن المراد بهما البحر الحلو والبحر الملح وجعل قوله منهما من مجاز التغليب ثم ذكر المصنف في الباب
عشرة أحاديث * الأول حديث أبي ذر في الامر بالابراد وفيه قصة وقد تقدم شرحه في المواقيت
من كتاب الصلاة والغرض منه قوله فان شدة الحر من فيح جهنم * الثاني حديث أبي سعيد في ذلك
وليس فيه قصة وقد تقدم كذلك * الثالث حديث أبي هريرة اشتكت النار إلى ربها الحديث وقد
تقدم كذلك وهذه الأحاديث من أقوى الأدلة على ما ذهب إليه الجمهور من أن جهنم موجودة
الآن * الرابع حديث ابن عباس في أن الحمى من فيح جهنم * الخامس حديث رافع بن خديج
في ذلك * السادس حديث عائشة في ذلك * السابع حديث ابن عمر في ذلك وسيأتي شرح الجميع
في الطب إن شاء الله تعالى * الثامن حديث أبي هريرة (قوله ناركم جزء) زاد مسلم في روايته جزء
واحد (قوله من سبعين جزأ) في رواية لأحمد من مائة جزء والجمع بأن المراد المبالغة في الكثرة
لا العدد الخاص أو الحكم للزائد زاد الترمذي من حديث أبي سعيد لكل جزء منها حرها (قوله إن
كانت لكافية) ان هي المخففة من الثقيلة أي ان نار الدنيا كانت مجزئة لتعذيب العصاة
(قوله فضلت عليهن) كذا هنا والمعنى على نيران الدنيا وفي رواية مسلم فضلت عليها أي على النار
قال الطيبي ما محصله انما أعاد صلى الله عليه وسلم حكاية تفضيل نار جهنم على نار الدنيا إشارة إلى
المنع من دعوى الاجزاء أي لا بد من الزيادة ليتميز ما يصدر من الخالق من العذاب على ما يصدر
من خلقه (قوله مثل حرها) زاد أحمد وابن حبان من وجه آخر عن أبي هريرة وضربت بالبحر
مرتين ولولا ذلك ما انتفع بها أحد ونحوه للحاكم وابن ماجة عن أنس وزادا فإنها لتدعو الله أن
لا يعيدها فيها وفي الجامع لابن عيينة عن ابن عباس رضي الله عنهما هذه النار ضربت بماء البحر
سبع مرات ولولا ذلك ما انتفع بها أحد * التاسع حديث يعلى بن أمية وقد تقدمت الإشارة إليه
في باب الملائكة * العاشر حديث أسامة بن زيد (قوله لو أتيت فلانا فكلمته) هو عثمان كما في صحيح
238

مسلم وسيأتي بيان ذلك وبيان السبب فيه في كتاب الفتن وكذا طريق غندر عن شعبة التي علقها
المصنف هنا فقد وصلها هناك والله أعلم (قوله باب صفة إبليس وجنوده) إبليس
اسم أعجمي عند الأكثر وقيل مشتق من أبلس إذا أيئس قال ابن الأنباري لو كان عربيا لصرف
كإكليل وقال الطبري انما لم يصرف وإن كان عربيا لقلة نظيره في كلام العرب فشبهوه بالعجمي
وتعقب بأن ذلك ليس من موانع الصرف وبأن له نظائر كإخريط واصليت واستبعد كونه مشتقا
أيضا بأنه لو كان كذلك لكان انما سمي إبليس بعد يأسه من رحمة الله بطرده ولعنه وظاهر القرآن
أنه كان يسمى بذلك قبل ذلك كذا قيل ولا دلالة فيه لجواز أن يسمى بذلك باعتبار ما سيقع له نعم روى
الطبري وابن أبي الدنيا عن ابن عباس قال كان اسم إبليس حيث كان مع الملائكة عزازيل ثم
إبليس بعد وهذا يؤيد ذلك القول والله أعلم ومن أسمائه الحارث والحكم وكنيته أبو مرة وفي
كتاب ليس لابن خالويه كنيته أبو الكروبيين وقوله وجنوده كأنه يشير بذلك إلى حديث أبي
موسى الأشعري مرفوعا قال إذا أصبح إبليس بث جنوده فيقول من أضل مسلما ألبسته التاج
الحديث أخرجه ابن حبان والحاكم والطبراني ولمسلم من حديث جابر سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده
أعظمهم فتنة واختلف هل كان من الملائكة ثم مسخ لما طرد أو لم يكن منهم أصلا على قولين
مشهورين سيأتي بيانهما في التفسير إن شاء الله تعالى (قوله وقال مجاهد ويقذفون يرمون
دحورا مطرودين) يريد تفسير قوله تعالى ويقذفون من كل جانب دحورا الآية وقد وصله عبد
ابن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كذلك وهذه صفة من يسترق السمع من الشياطين
وسيأتي بيانه في التفسير أيضا (قوله وقال ابن عباس مدحورا مطرودا يريد تفسير قوله تعالى
فتلقى في جهنم ملوما مدحورا وقد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة وانما ذكره البخاري
هنا استطرادا لذكره دحورا قبله وإن كان لا يتعلق بإبليس وجنوده (قوله ويقال مريدا متمردا)
هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى وان يدعون الا شيطانا مريدا اي متمردا (قوله بتكه قطعه)
قال أبو عبيدة في قوله وليبتكن آذان الانعام أي ليقطعن يقال بتكه قطعه (قوله واستفزز
استخف بخيلك الفرسان والرجل الرجالة وأحدها راجل مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر) هو
كلام أبي عبيدة أيضا (قوله لأحتنكن لأستأصلن) قال أبو عبيدة في قوله تعالى لأحتنكن
ذريته الا قليلا يقول لأستميلنهم ولأستأصلنهم يقال احتنك فلان ما عند فلان إذا أخذ جميع
ما عنده (قوله قرين شيطان) روى ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى
قال قائل منهم اني كان لي قرين قال شيطان وعن غير مجاهد خلافه وروى الطبري عن مجاهد
والسدي في قوله تعالى وقيضنا لهم قرناء قال شياطين ثم ذكر المصنف في الباب سبعة وعشرين
حديثا * الأول حديث عائشة قالت سحر النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وسيأتي شرحه
في كتاب الطب ووجه ايراده هنا من جهة أن السحر انما يتم باستعانة الشياطين على ذلك
وسيأتي ايضاح ذلك هناك وقد أشكل ذلك على بعض الشراح (قوله وقال الليث كتب إلي
هشام بن عروة إلى آخره) رويناه موصولا في نسخة عيسى بن حماد رواية أبي بكر بن أبي داود عنه
* الحديث الثاني حديث أبي هريرة في عقد الشيطان على رأس النائم تقدم شرحه في صلاة
239

الليل وأخو إسماعيل هو أبو بكر عبد الحميد ابن أبي أويس ووهم من سماه عبد الله
* الحديث الثالث حديث ابن مسعود في بول الشيطان في اذن النائم عن الصلاة تقدم شرحه في
صلاة الليل أيضا * الحديث الرابع حديث ابن عباس في الندب إلى التسمية عند الجماع يأتي
شرحه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى * الحديث الخامس حديث ابن عمر في النهي عن الصلاة
عند طلوع الشمس تقدم شرحه في الصلاة والقائل لا أدري أي ذلك قال هشام هو عبدة بن
سليمان الراوي عنه وقوله حاجب الشمس هو طرف قرصها الذي يبدو عند طلوع الشمس
ويبقى عند الغروب وقرنا الشيطان جانبا رأسه يقال إنه ينتصب في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا
طلعت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها وكذا عند غروبها
وعلى هذا فقوله تطلع بين قرني الشيطان أي بالنسبة إلى من يشاهد الشمس عند طلوعها فلو
شاهد الشيطان لرآه منتصبا عندها وقد تمسك به من رد على أهل الهيئة القائلين بأن الشمس في
السماء الرابعة والشياطين قد منعوا من ولوج السماء ولا حجة فيه لما ذكرنا والحق أن الشمس
في الفلك الرابع والسماوات السبع عند أهل الشرع غير الأفلاك خلافا لأهل الهيئة ومحمد شيخ
البخاري فيه هو ابن سلام ثبت كذلك عند ابن السكن وبه جزم أبو نعيم والجياني * السادس حديث
أبي سعيد في الاذن بقتل المار بين يدي المصلي تقدم شرحه في الصلاة * السابع حديث أبي هريرة
في حفظ زكاة رمضان تقدم شرحه في كتاب الوكالة * الثامن حديث يأتي الشيطان (قوله من خلق
ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته) أي عن الاسترسال معه في ذلك بل يلجأ إلى الله في دفعه ويعلم أنه
يريد افساد دينه وعقله بهذه الوسوسة فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها قال الخطابي
وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه وكف عن مطاولته
في ذلك اندفع قال وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان
قال والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور فإذا راعى
الطريقة وأصاب الحجة انقطع وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها
إلى أن يفضى بالمرء إلى الحيرة نعوذ بالله من ذلك قال الخطابي على أن قوله من خلق ربك كلام
متهافت ينقض آخره أوله لان الخالق يستحيل أن يكون مخلوقا ثم لو كان السؤال متجها لاستلزم
التسلسل وهو محال وقد أثبت العقل ان المحدثات مفتقرة إلى محدث فلو كان هو مفتقرا إلى محدث
240

لكان من المحدثات انتهى والذي نحا إليه من التفرقة بين وسوسة الشيطان ومخاطبة البشر فيه
نظر لأنه ثبت في مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث لا يزال الناس يتساءلون
حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله فسوى
في الكف عن الخوض في ذلك بين كل سائل عن ذلك من بشر وغيره وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة
قال سألني عنها اثنان وكان السؤال عن ذلك لما كان واهيا لم يستحق جوابا أو الكف عن ذلك
نظير الامر بالكف عن الخوض في الصفات والذات قال المازري الخواطر على قسمين فالتي
لا تستقر ولا يجلبها شبهة هي التي تندفع بالاعراض عنها وعلى هذا ينزل الحديث وعلى مثلها
ينطلق اسم الوسوسة وأما الخواطر المستقرة الناشئة عن الشبهة فهي التي لا تندفع إلا بالنظر
والاستدلال وقال الطيبي انما أمر بالاستعاذة والاشتغال بأمر آخر ولم يأمر بالتأمل والاحتجاج
لان العلم باستغناء الله جل وعلا عن الموجد أمر ضروري لا يقبل المناظرة ولان الاسترسال في
الفكر في ذلك لا يزيد المرء الا حيرة ومن هذا حاله فلا علاج له الا الملجأ إلى الله تعالى والاعتصام به
وفي الحديث إشارة إلى ذم كثرة السؤال عما لا يعني المرء وعما هو مستغن عنه وفيه علم من أعلام
النبوة لاخباره بوقوع ما سيقع فوقع وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى
* الحديث التاسع حديث أبي هريرة إذا دخل رمضان صفدت الشياطين تقدم شرحه في الصيام
* العاشر حديث أبي بن كعب في قصة موسى والخضر سيأتي شرحه في التفسير * الحديث الحادي
عشر حديث ابن عمر في طلوع الفتنة من قبل المشرق سيأتي شرحه في الفتن وحاصله ان منشأ الفتن
من جهة المشرق وكذا وقع * الثاني عشر حديث جابر ومحمد بن عبد الله الأنصاري المذكور في
السند هو من شيوخ البخاري وحدث عنه هنا بواسطة (قوله إذا استجنح الليل أو كان جنح الليل)
في رواية الكشميهني أو قال جنح الليل وهو بضم الجيم وبكسرها والمعنى اقباله بعد غروب
الشمس يقال جنح الليل أقبل واستجنح حان جنحه أو وقع وحكى عياض انه وقع في رواية أبي ذر
استنجع بالعين المهملة بدل الحاء وهو تصحيف وعند الأصيلي أول الليل بدل قوله أو كان جنح
الليل وكان في قوله وكان جنح الليل تأمل أي حصل (قوله فخلوهم) كذا للأكثر بفتح الخاء المعجمة
وللسرخسي بضم الحاء المهملة قال ابن الجوزي انما خيف على الصبيان في تلك الساعة لأن النجاسة
التي تلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالبا والذكر الذي يحرز منهم مفقود من
الصبيان غالبا والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به فلذلك خيف على الصبيان
في ذلك الوقت والحكمة في انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار لان
الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره وكذلك كل سواد ولهذا قال في حديث أبي ذر فما يقطع
الصلاة قال الكلب الأسود شيطان أخرجه مسلم (قوله وأغلق بابك) هو خطاب لمفرد والمراد به
كل أحد فهو عام بحسب المعنى ولا شك أن مقابلة المفرد بالمفرد تفيد التوزيع وسيأتي بقية
الكلام على فوائد هذا الحديث في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى * الثالث عشر حديث صفية
241

تقدم في الاعتكاف وفيه ان الله جعل للشيطان قوة على التوصل إلى باطن الانسان وقيل ورد
على سبيل الاستعارة أي ان وسوسته تصل في مسام البدن مثل جرى الدم من البدن * الرابع
عشر حديث سليمان بن صرد في الاستعاذة يأتي في الأدب والودج بفتح الدال وبالجيم عرق في
العنق * الخامس عشر حديث ابن عباس تقدم في الرابع وقوله قال وحدثنا الأعمش قائل ذلك
هو شعبة فله فيه شيخان * السادس عشر حديث أبي هريرة (قوله حدثنا محمود) هو ابن غيلان
وقد تقدم هذا الحديث بهذا الاسناد في أواخر الصلاة وقوله هنا فذكره أي ذكر تمام الحديث
وتمامه هناك فدعته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية الحديث وقد تقدم هناك شرح قوله
فدعته ويأتي الكلام على بقية فوائده في أحاديث الأنبياء في ترجمة سليمان عليه السلام ويأتي
الكلام على امكان رؤية الجن في أول الباب الذي يلي هذا وفي الحديث إباحة ربط من يخشي هربه
ممن في قتله حق وفيه إباحة العمل اليسير في الصلاة وأن المخاطبة فيها إذا كانت بمعنى الطلب من
الله لا تعد كلاما فلا يقطع الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق هذا الحديث أعوذ بالله
منك كما سيأتي إن شاء الله تعالى * الحديث السابع عشر حديث أبي هريرة إذا نودي بالصلاة أدبر
الشيطان وقد تقدم شرحه في أواخر الصلاة في الكلام على سجود السهو * الحديث الثامن عشر
حديثه كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه بإصبعيه وسيأتي شرحه في ترجمة عيسى بن مريم من
أحاديث الأنبياء وقوله في جنبه كذا للأكثر بالافراد ولأبي ذر والجرجاني جنبيه بالتثنية وذكر
عياض ان في كتابه من رواية الأصيلي جنبه بالافراد لكن بياء مثناة من تحت بدل الموحدة قال وهو
تصحيف (قلت) لعل نقطته سقطت من القلم فلا ينبغي أن يعد ذلك رواية والله المستعان والمراد
بالحجاب الجلدة التي فيها الجنين أو الثوب الملفوف على الطفل * الحديث التاسع عشر حديث
أبي الدرداء في فضل عمار أورده مختصرا جدا من وجهين وسيأتي بتمامه في المناقب والغرض
منه قوله الذي أجاره الله من الشيطان فإنه يشعر بأن له مزية بذلك على غيره ومقتضاه أن للشيطان
تسلطا على من لم يجره الله منه * الحديث العشرون حديث عائشة في ذكر الكهان أورده معلقا عن
242

الليث وقد تقدمت الإشارة إليه في صفة الملائكة وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي
حاتم الرازي عن أبي صالح كاتب الليث عنه وقال يقال إن البخاري حمله عن عبد الله بن صالح
* الحديث الحادي والعشرون حديث أبي هريرة في التثاؤب وسيأتي شرحه في الأدب وبيان
الاختلاف فيه على سعيد المقبري هل هو عنده عن أبي هريرة بلا واسطة أو بواسط أبيه * الحديث
الثاني والعشرون حديث عائشة في قصة قتل والد حذيفة وسيأتي شرحها في غزوة أحد * الحديث
الثالث والعشرون حديثها في الالتفات في الصلاة وقد تقدم شرحه في الصلاة * الحديث الرابع
والعشرون حديث أبي قتادة الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان الحديث وأورده من
وجهين وسيأتي شرحه في التعبير وفائدة الطريق الثانية وإن كانت الأولى أعلى منها التصريح
فيها بتحديث عبد الله بن أبي قتادة ليحيى ابن أبي كثير * الحديث الخامس والعشرون حديث أبي
هريرة في فضل قول لا إله إلا الله وسيأتي شرحه في الدعوات * الحديث السادس والعشرون حديث
سعد استأذن عمر على النبي صلى الله علي وسلم وعنده نسوة الحديث وسيأتي شرحه في المناقب
* الحديث السابع والعشرون حديث أبي هريرة في الامر بالاستنثار وفيه فان الشيطان يبيت على
خيشومه والخيشوم بفتح الخاء المعجمة وبسكون الياء التحتانية وضم المعجمة وسكون الواو هو الانف
وقيل المنخر وقوله فليستنثر أكثر فائدة من قوله فليستنشق لان الاستنثار يقع على الاستنشاق بغير
عكس فقد يستنشق ولا يستنثر والاستنثار من تمام فائدة الاستنشاق لان حقيقة الاستنشاق
جذب الماء بريح الانف إلى أقصاه والاستنثار اخراج ذلك الماء والمقصود من الاستنشاق
تنظيف داخل الانف والاستنثار يخرج ذلك الوسخ مع الماء فهو من تمام الاستنشاق وقيل إن
243

الاستنثار مأخوذ من النثرة وهي طرف الأنف وقيل الانف نفسه فعلى هذا فمن استنشق فقد
استنثر لأنه يصدق أنه تناول الماء بأنفه أو بطرف أنفه وفيه نظر ثم إن ظاهر الحديث ان هذا يقع
لكل نائم ويحتمل أن يكون مخصوصا بمن لم يحترس من الشيطان بشئ من الذكر لحديث أبي هريرة
المذكور قبل حديث سعد فان فيه فكانت له حرزا من الشيطان وكذلك آية الكرسي وقد تقدم
فيه ولا يقربك شيطان ويحتمل أن يكون المراد بنفي القرب هنا أنه لا يقرب من المكان الذي
يوسوس فيه وهو القلب فيكون مبيته على الانف ليتوصل منه إلى القلب إذا استيقظ فمن استنثر
منعه من التوصل إلى ما يقصد من الوسوسة فحينئذ فالحديث متناول لكل مستيقظ ثم إن
الاستنشاق من سنن الوضوء اتفاقا لكل من استيقظ أو كان مستيقظا وقالت طائفة بوجوبه في
الغسل وطائفة بوجوبه في الوضوء أيضا وهل تتأدى السنة بمجرده بغير استنثار أم لا خلاف وهو
محل بحث وتأمل والذي يظهر انها لا تتم الا به لما تقدم والله أعلم (قوله باب ذكر
الجن وثوابهم وعقابهم) أشار بهذه الترجمة إلى اثبات وجود الجن والى كونهم مكلفين فأما اثبات
وجودهم فقد نقل امام الحرمين في الشامل عن كثير من الفلاسفة والزنادقة والقدرية أنهم
أنكروا وجودهم رأسا قال ولا يتعجب ممن أنكر ذلك من غير المشرعين انما العجب من المشرعين مع
نصوص القرآن والأخبار المتواترة قال وليس في قضية العقل ما يقدح في اثباتهم قال وأكثر
ما استروح إليه من نفاهم حضورهم عند الانس بحيث لا يرونهم ولو شاؤوا لأبدوا أنفسهم قال وانما
يستبعد ذلك من لم يحط علما بعجائب المقدورات وقال القاضي أبو بكر وكثير من هؤلاء يثبتون
وجودهم وينفونه الآن ومنه من يثبتهم وينفي تسلطهم على الانس وقال عبد الجبار المعتزلي
الدليل على اثباتهم السمع دون العقل إذ لا طريق إلى اثبات أجسام غائبة لان الشئ لا يدل على
غيره من غير أن يكون بينهما تعلق ولو كان اثباتهم باضطرار لما وقع الاختلاف فيه الا انا قد علمنا
بالاضطرار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتدين باثباتهم وذلك أشهر من أن يتشاغل بايراده
وإذا ثبت وجودهم فقد تقدم في أوائل صفة النار تفسير قوله تعالى وخلق الجان من مارج من
نار واختلف في صفتهم فقال القاضي أبو بكر الباقلاني قال بعض المعتزلة الجن أجساد رقيقة
بسيطة قال وهذا عندنا غير ممتنع ان ثبت به سمع وقال أبو يعلى بن الفراء الجن أجسام مؤلفة
وأشخاص ممثلة يجوز أن تكون رقيقة وأن تكون كثيفة خلافا للمعتزلة في دعواهم أنها رقيقة
وان امتناع رؤيتنا لهم من جهة رقتها وهو مردود فان الرقة ليست بمانعة عن الرؤية ويجوز أن
يخفى عن رؤيتنا بعض الأجسام الكثيفة إذا لم يخلق الله فينا ادراكها وروى البيهقي في
مناقب الشافعي باسناده عن الربيع سمعت الشافعي يقول من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته
الا أن يكون نبيا انتهى وهذا محمول على من يدعي رؤيتهم على صورهم التي خلقوا عليها وأما من
ادعى أنه يرى شيئا منهم بعد أن يتطور على صور شتى من الحيوان فلا يقدح فيه وقد تواردت
الاخبار بتطورهم في الصور واختلف أهل الكلام في ذلك فقيل هو تخييل فقط ولا ينتقل أحد
عن صورته الأصلية وقيل بل ينتقلون لكن لا باقتدارهم على ذلك بل بضرب من الفعل إذا فعله
انتقل كالسحر وهذا قد يرجع إلى الأول وفيه أثر عن عمر أخرجه بن أبي شيبة باسناد صحيح ان
الغيلان ذكروا عند عمر فقال إن أحدا لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها
244

ولكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا رأيتم ذلك فأذنوا وإذا ثبت وجودهم فقد اختلف في أصلهم
فقيل إن أصلهم من ولد إبليس فمن كان منهم كافرا سمي شيطانا وقيل إن الشياطين خاصة أولاد
إبليس ومن عداهم ليسوا من ولده وحديث ابن عباس الآتي في تفسير سورة الجن يقوي انهم
نوع واحد من أصل واحد واختلف صنفه فمن كان كافرا سمي شيطانا والا قيل له جني وأما
كونهم مكلفين فقال ابن عبد البر الجن عند الجماعة مكلفون وقال عبد الجبار لا نعلم خلافا
بين أهل النظر في ذلك الا ما حكى زرقان عن بعض الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم وليسوا
بمكلفين قال والدليل للجماعة ما في القرآن من ذم الشياطين والتحرز من شرهم وما أعد لهم من
العذاب وهذه الخصال لا تكون الا لمن خالف الامر وارتكب النهي مع تمكنه من أن لا يفعل
والآيات والأخبار الدالة على ذلك كثيرة جدا وإذا تقرر كونهم مكلفين فقد اختلفوا هل كان
فيهم نبي منهم أم لا فروى الطبري من طريق الضحاك بن مزاحم اثبات ذلك قال ومن قال بقول
الضحاك احتج بان الله تعالى أخبر أن من الجن والإنس رسلا أرسلوا إليهم فلو جاز أن المراد برسل
الجن رسل الانس لجاز عكسه وهو فاسد انتهى وأجاب الجمهور عن ذلك بأن معنى الآية أن رسل
الانس رسل من قبل الله إليهم ورسل الجن بثهم الله في الأرض فسمعوا كلام الرسل من الانس
وبلغوا قومهم ولهذا قال قائلهم انا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى الآية واحتج ابن حزم بأنه
صلى الله عليه وسلم قال وكان النبي يبعث إلى قومه قال وليس الجن من قوم الانس فثبت أنه كان
منهم أنبياء إليهم قال ولم يبعث إلى الجن من الانس نبي الا نبينا صلى الله عليه وسلم لعموم بعثته إلى
الجن والإنس باتفاق انتهى وقال ابن عبد البر لا يختلفون أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الإنس والجن
وهذا مما فضل به على الأنبياء ونقل عن ابن عباس في قوله تعالى في سورة غافر ولقد جاءكم
يوسف من قبل بالبينات قال هو رسول الجن وهذا ذكره (3) وقال امام الحرمين في الارشاد في
أثناء الكلام مع العيسوية وقد علمنا ضرورة أنه صلى الله عليه وسلم ادعى كونه مبعوثا إلى الثقلين
وقال ابن تيمية اتفق على ذلك علماء السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين (قلت) وثبت
التصريح بذلك في حديث وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الإنس والجن فيما أخرجه البزار
بلفظ (4) وعن ابن الكلبي كان النبي يبعث إلى الانس فقط وبعث محمد إلى الإنس والجن وإذا
تقرر كونهم مكلفين فهم مكلفون بالتوحيد وأركان الاسلام وأما ما عداه من الفروع فاختلف
فيه لما ثبت من النهي عن الروث والعظم وانهما زاد الجن وسيأتي في السيرة النبوية حديث
أبي هريرة وفي آخره فقلت ما بال الروث والعظم قال هما طعام الجن الحديث فدل على جواز
تناولهم للروث وذلك حرام على الانس وكذلك روى أحمد والحاكم من طريق عكرمة عن ابن
عباس قال خرج رجل من خيبر فتبعه رجلان وآخر يتلوهما يقول ارجعا حتى ردهما ثم لحقه
فقال له ان هذين شيطانان فإذا أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرأ عليه السلام وأخبره
أنا في جمع صدقاتنا ولو كانت تصلح له لبعثنا بها إليه فلما قدم الرجل المدينة أخبر النبي صلى الله
عليه وسلم بذلك فنهى عن الخلوة أي عن السفر منفردا واختلف أيضا هل يأكلون ويشربون
ويتناكحون أم لا فقيل بالنفي وقيل بمقابله ثم اختلفوا فقيل أكلهم وشربهم تشمم واسترواح
لا مضغ ولا بلع وهو مردود بما رواه أبو داود من حديث أمية بن مخشى قال كان رسول الله صلى
245

الله عليه وسلم جالسا ورجل يأكل ولم يسم ثم سمى في آخره فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما زال
الشيطان يأكل معه فلما سمى استقاء ما في بطنه وروى مسلم من حديث ابن عمر قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكلن أحدكم بشماله ويشرب بشماله فان الشيطان يأكل
بشماله ويشرب بشماله وروى ابن عبد البر عن وهب بن منبه أن الجن أصناف فخالصهم ريح
لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون وجنس منهم يقع منهم ذلك ومنهم السعالى والغول والقطرب
وهذا ان ثبت كان جامعا للقولين الأولين ويؤيده ما روى ابن حبان والحاكم من حديث أبي ثعلبة
الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن على ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة يطيرون
في الهواء وصنف حياة وعقارب وصنف يحلون ويظعنون وروى ابن أبي الدنيا من حديث أبي
الدرداء مرفوعا نحوه لكن قال في الثالث وصنف عليم الحساب والعقاب وسيأتي شئ من هذا
في الباب الذي يليه وروى ابن أبي الدنيا من طريق يزيد بن يزيد بن جابر أحد ثقات الشاميين من
صغار التابعين قال ما من أهل بيت الا وفي سقف بيتهم من الجن وإذا وضع الغداء نزلوا فتغدوا
معهم والعشاء كذلك واستدل مقال بأنهم يتناكحون بقوله تعالى لم يطمثهن انس قبلهم
ولا جان وبقوله تعالى أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني والدلالة من ذلك ظاهرة واعتل من أنكر
ذلك بأن الله تعالى أخبر ان الجان خلق من نار وفي النار من اليبوسة والخفة ما يمنع معه التوالد
والجواب أن أصلهم من النار كما أن أصل الآدمي من التراب وكما أن الآدمي ليس طينا حقيقة
كذلك الجني ليس نارا حقيقة وقد وقع في الصحيح في قصة تعرض الشيطان للنبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال فأخذته فخنقته حتى وجدت برد ريقه على يدي (قلت) وبهذا الجواب يندفع ايراد
من استشكل قوله تعالى الا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب فقال كيف تحرق النار النار
وأما قول المصنف وثوابهم وعقابهم فلم يختلف من أثبت تكليفهم أنهم يعاقبون على المعاصي
واختلف هل يثابون فروى الطبري وابن أبي حاتم من طريق أبي الزناد موقوفا قال إذا دخل أهل
الجنة الجنة وأهل النار النار قال الله لمؤمن الجن وسائر الأمم أي من غير الانس كونوا ترابا فحينئذ
يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا وروى ابن أبي الدنيا عن ليث بن أبي سليم قال ثواب الجن أن
يجاروا من النار يقال لهم كونوا ترابا وروى عن أبي حنيفة نحو هذا القول وذهب الجمهور إلى
أنهم يثابون على الطاعة وهو قول الأئمة الثلاثة والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وغيرهم
ثم اختلفوا هل يدخلون مدخل الانس على أربعة أقوال أحدها نعم وهو قول الأكثر وثانيها
يكونون في ربض الجنة وهو منقول عن مالك وطائفة وثالثها أنهم أصحاب الأعراف ورابعها
التوقف عن الجواب في هذا وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي يوسف قال قال ابن أبي ليلى
في هذا لهم ثواب قال فوجدنا مصداق ذلك في كتاب الله تعالى ولكل درجات مما عملوا (قلت)
وإلى هذا أشار المصنف بقوله قبلها يا معشر الجن ألم يأتكم رسل منكم فإن قوله ولكل درجات مما
عملوا يلي الآية التي بعد هذه الآية واستدل بهذه الآية أيضا بن عبد الحكم واستدل ابن وهب
بمثل ذلك بقوله تعالى أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس
الآية فإن الآية بعدها أيضا ولكل درجات مما عملوا وروى أبو الشيخ في تفسيره عن مغيث
بن سمى أحد التابعين قال ما من شئ الا وهو يسمع زفير جهنم الا الثقلين الذين عليهم الحساب
246

والعقاب ونقل عن مالك أنه استدل على أن عليهم العقاب ولهم الثواب بقوله تعالى ولمن خاف
مقام ربه جنتان ثم قال فبأي آلاء ربكما تكذبان والخطاب للانس والجن فإذا ثبت أن فيهم
مؤمنين والمؤمن من شأنه أن يخاف مقام ربه ثبت المطلوب والله أعلم (قوله بخسا نقصانا) يريد
تفسير قوله تعالى حكاية عن الجن فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا قال يحيى الفراء
البخس النقص والرهق الظلم ومفهوم الآية أن من يكفر فإنه يخاف فدل ذلك على ثبوت تكليفهم
(قوله وقال مجاهد وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا الخ) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن
مجاهد به وفيه فقال أبو بكر فمن أمهاتهم قالوا بنات سروات الجن إلى آخره وفيه قال علمت الجن
أنهم سيحضرون للحساب (قلت) وهذا الكلام الأخير هو المتعلق بالترجمة وسروات بفتح
المهملة والراء جمع سرية بتخفيف الراء أي شريفة ووقع هنا في رواية أبي ذر وأمهاتهن ولغيره
وأمهاتهم وهو أصوب ووقع أيضا لغير الكشميهني جند محضرون بالافراد وروايته أشبه (قوله
جند محضرون عند الحساب) وصله الفريابي أيضا بالاسناد المذكور عن مجاهد ثم ذكر المصنف
حديث أبي سعيد لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا انس الا شهد له وقد تقدم مشروحا في كتاب
الاذان والغرض منه هنا أنه يدل على أن الجن يحشرون يوم القيامة والله أعلم (قوله
باب قوله عز وجل وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن إلى قوله أولئك في ضلال مبين
سيأتي القول في تعيينهم وتعيين بلدهم في التفسير إن شاء الله تعالى (قوله صرفنا أي وجهنا)
هو تفسير المصنف وقوله (مصرفا معدلا) هو تفسير أبي عبيدة واستشهد بقول أبى كبير
بالموحدة الهذلي
أزهير هل عن ميتة من مصرف * أم لا خلود لباذل متكلف
* (تنبيه) * لم يذكر المصنف في هذا الباب حديثا واللائق به حديث ابن عباس الذي تقدم في صفة
الصلاة في توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ واستماع الجن لقراءته وسيأتي شرحه بتمامه
في التفسير إن شاء الله تعالى وقد أشار إليه المصنف بالآية التي صدر بها هذا الباب (قوله
باب قول الله تعالى وبث فيها من كل دابة) كأنه أشار إلى سبق خلق الملائكة والجن
على الحيوان أو سبق جميع ذلك على خلق آدم والدابة لغة ما دب من الحيوان واستثنى بعضهم
الطير لقوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه والأول أشهر لقوله تعالى ما من
دابة الا هو آخذ بناصيتها وعرفا ذوات الأربع وقيل يختص بالفرس وقيل بالحمار والمراد هنا المعنى
اللغوي وفى حديث أبي هريرة عند مسلم ان خلق الدواب كان يوم الأربعاء وهو دال على أن ذلك قبل
خلق آدم (قوله قال ابن عباس الثعبان الحية الذكر) وصله ابن أبي حاتم من طريقه وقيل الثعبان
الكبير من الحيات ذكرا كان أو أنثى (قوله يقال الحيات أجناس الجان والأفاعي والأساود) في
رواية الأصيلي الجنان أجناس قال عياض الأول هو الصواب (قلت) هو قول أبى عبيدة قاله
في تفسير سورة القصص قال في قوله كأنها جان وفى قوله حية تسعى كأنها جان من الحيات أو من
حية الجان فجرى على أن ذلك شئ واحد وقيل كانت العصا في أول الحال جانا وهي الحية الصغيرة
ثم صارت ثعبانا فحينئذ القى العصا وقيل اختلف وصفها باختلاف أحوالها فكانت كالحية
في سعيها وكالجان في حركتها وكالثعبان في ابتلاعها والأفاعي جمع أفعى وهي الأنثى من الحيات
247

والذكر منها أفعوان بضم الهمزة والعين وكنية الأفعوان أبو حيان وأبو يحيى لأنه يعيش ألف
سنة وهو الشجاع الأسود الذي يواثب الانسان ومن صفة الأفعى إذا قفئت عينها عادت ولا
تغمض حدقتها البتة والأساود جمع أسود قال أبو عبيد هي حية فيها سواد وهي أخبث الحيات
ويقال له أسود سالخ لأنه يسلخ جلده كل عام وفي سنن أبي داود والنسائي عن ابن عمر مرفوعا أعوذ
بالله من أسد وأسود (2) وقيل هي حية رقيقة رقشاء دقيقة العنق عريضة الرأس وربما كانت ذات
قرنين والهاء في الحية للوحدة كدجاجة وقد عد لها بن خالويه في كتاب ليس سبعين اسما (قوله
آخذ بناصيتها في ملكه وسلطانه) قال أبو عبيدة في قوله تعالى ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها أي
في قبضته وملكه وسلطانه وخص الناصية بالذكر على عادة العرب في ذلك تقول ناصية فلان في يد
فلان إذا كان في طاعته ومن ثم كانوا يجزون ناصية الأسير إذا أطلقوه (قوله ويقال صافات
بسط أجنحتهن) وقوله (يقبضن يضربن بأجنحتهن) هو قول أبي عبيدة أيضا قال في قوله تعالى أو لم
يروا إلى الطير فوقهم صافات أي باسطات أجنحتهن ويقبضن يضربن بأجنحتهن وروى ابن أبي حاتم
من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى صافات قال بسط أجنحتهن ثم ذكر المصنف في
الباب أحاديث * الأول حديث أبي لبابة (قوله واقتلوا ذا الطفيتين) تثنية طفية بضم الطاء
المهملة وسكون الفاء وهي خوصة المقل والطفي خوص المقل شبة به الخط الذي على ظهر الحية
وقال ابن عبد البر يقال أن ذا الطفيتين جنس من الحيات يكون على ظهره خطان أبيضان (قوله
والأبتر) هو مقطوع الذنب زاد النضر بن شميل أنه أزرق اللون لا تنظر إليه حامل الا ألقت وقيل
الأبتر الحية القصيرة الذنب قال الداودي هو الأفعى التي تكون قدر شبر أو أكثر قليلا وقوله
والأبتر يقتضي التغاير بين ذي الطفيتين والأبتر ووقع في الطريق الآتية لا تقتلوا الحيات الا كل
أبتر ذي طفيتين وظاهره اتحادهما لكن لا ينفي المغايرة (قوله فإنهما يطمسان البصر) أي
يمحوان نوره وفي رواية أبن أبي مليكة عن ابن عمر ويذهب البصر وفي حديث عائشة فإنه يلتمس
البصر (قوله ويستسقطان الحبل) هو بفتح المهملة والموحدة الجنين وفي رواية ابن أبي مليكة
عن ابن عمر الآتية بعد أحاديث فإنه يسقط الولد وفي حديث عائشة الآتي بعد أحاديث ويصيب
الحبل وفي رواية أخرى عنها ويذهب الحبل وكلها بمعنى (قوله قال عبد الله) هو ابن عمر وفي رواية
يونس عن الزهري التي يأتي التنبيه عليها قال ابن عمر فكنت لا أترك حية الا قتلتها حتى طاردت
حية من ذوات البيوت الحديث وقوله أطارد أي أتبع وأطلب (قوله فناداني أبو لبابة) بضم
اللام وبموحدتين صحابي مشهور اسمه بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة وقيل مصغر وقيل بتحتانية
ومهملة مصغر وقيل رفاعة وقيل بل اسمه كنيته ورفاعة وبشير أخواه واسم جده زنبر بزاي ونون
وموحدة وزن جعفر وهو أوسى من بني أمية بن زيد وشذ من قال اسمه مروان وليس له في الصحيح
الا هذا الحديث وكان أحد النقباء وشهد أحدا ويقال شهد بدرا واستعمله النبي صلى الله عليه
وسلم على المدينة وكانت معه راية قومه يوم الفتح ومات في أول (3) خلافة عثمان على الصحيح (قوله إنه
نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت) أي اللاتي يوجدن في البيوت وظاهره التعميم في جميع
البيوت وعن مالك تخصيصه ببيوت أهل المدينة وقيل يختص ببيوت المدن دون غيرها وعلى كل
قول فتقتل في البراري والصحاري من غير انذار وروى الترمذي عن ابن المبارك انها الحية التي
248

تكون كأنها فضة ولا تلتوي في مشيتها (قوله وهي العوامر) هو كلام الزهري أدرج في الخبر
وقد بينه معمر في روايته عن الزهري فساق الحديث وقال في آخره قال الزهري وهي العوامر
قال أهل اللغة عمار البيوت سكانها من الجن وتسميتهن عوامر لطول لبثهن في البيوت مأخوذ من
العمر وهو طول البقاء وعند مسلم من حديث أبي سعيد مرفوعا أن لهذه البيوت عوامر فإذا
رأيتم منها شيئا فحرجوا عليه ثلاثا فان ذهب والا فاقتلوه واختلف في المراد بالثلاث فقيل ثلاث
مرات وقيل ثلاثة أيام ومعنى قوله حرجوا عليهن أن يقال لهن أنتن في ضيق وحرج ان لبثت عندنا
أو ظهرت لنا أو عدت إلينا (قوله وقال عبد الرزاق عن معمر فرآني أبو لبابة أو زيد بن الخطاب
يريد أن معمرا رواه عن الزهري بهذا الاسناد على الشك في اسم الذي لقي عبد الله بن عمر وروايته
هذه أخرجها مسلم ولم يسق لفظها وساقه أحمد والطبراني من طريقه (قوله وتابعه يونس) أي
ابن يزيد وابن عيينة أي سفيان واسحق الكلبي والزبيدي أي أن هؤلاء الأربعة تابعوا معمرا على
روايته بالشك المذكور فاما رواية يونس فوصلها مسلم ولم يسق لفظها وساقه أبو عوانة وأما رواية
ابن عيينة فأخرجها أحمد والحميدي في مسنديهما عنه ووصلها مسلم وأبو داود من طريقه وفي
رواية مسلم وكان ابن عمر يقتل كل حية وجدها فأبصره أبو لبابة بن عبد المنذر أو زيد بن الخطاب
وأما رواية اسحق وهو ابن يحيى الكلبي فرويناها في نسخته وأما رواية الزبيدي وهو محمد بن
الوليد الحمصي فوصلها مسلم وفي روايته قال عبد الله بن عمر فكنت لا أترك حية أراها الا قتلتها
وزاد في روايته قال الزهري وترى ذلك من سميتها (قوله وقال صالح وابن أبي حفصة وابن مجمع
الخ) يعني أن هؤلاء الثلاثة رووا الحديث عن الزهري فجمعوا فيه بين أبي لبابة وزيد بن الخطاب
فأما رواية صالح وهو بن كيسان فوصلها مسلم ولم يسق لفظها وساقه أبو عوانة وأما رواية ابن
أبي حفصة واسمه محمد فرويناها في نسخته من طريق أبي أحمد بن عدي موصولة وأما رواية ابن
مجمع وهو إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بالجيم وتشديد الميم الأنصاري المدني فوصلها البغوي وابن
السكن في كتاب الصحابة قال بن السكن لم أجد من جمع بين أبي لبابة وزيد بن الخطاب الا ابن مجمع
هذا وجعفر بن برقان وفي روايتهما عن الزهري مقال انتهى وغفل عما ذكره البخاري وهو عنده
عن الفربري عنه فسبحان من لا يذهل ويحتمل أنه لم تقع له موصولة من رواية ابن أبي حفصة
وصالح فصار من رواه بالجمع أربعة لكن ليس فيهم من يقارب الخمسة الذين رووه بالشك الا صالح
ابن كيسان وسيأتي في الباب الذي يليه من وجه آخر ان الذي رأى ابن عمر هو أبو لبابة بغير شك
وهو يرجح ما جنح إليه البخاري من تقديمه لرواية هشام بن يوسف عن معمر المقتصرة على
ذكر أبي لبابة والله أعلم وليس لزيد بن الخطاب أخي عمر رواية في الصحيح الا في هذا الموضع وزعم
الداودي أن الجن لا تتمثل بذي الطفيتين والأبتر فلذلك أذن في قتلهما وسيأتي التعقب عليه
بعد قليل وفي الحديث النهي عن قتل الحيات التي في البيوت الا بعد الانذار الا أن يكون أبتر
أو ذا طفيتين فيجوز قتله بغير انذار ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم الاذن في قتل غيرهما بعد
الانذار وفيه فإن ذهب والا فاقتلوه فإنه كافر قال القرطبي والامر في ذلك للارشاد نعم ما كان منها
محقق الضرر وجب دفعه * الثاني حديث أبي سعيد الخدري يوشك أن يكون خير مال المسلم
الحديث وقد تقدم في أوائل الايمان ويأتي شرحه في كتاب الفتن * (تنبيهان) * الأول ذكر المزي
249

في الأطراف تبعا لأبي مسعود ان البخاري أورد الحديث من هذه الطريق في الجزية وهو وهم
وانما هو في بدء الخلق * الثاني وقع في أكثر الروايات قبل حديث أبي سعيد هذا باب خير مال
المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال وسقطت هذه الترجمة من رواية النسفي ولم يذكرها الإسماعيلي
أيضا وهو اللائق بالحال لان الأحاديث التي تلى حديث أبي سعيد ليس فيها ما يتعلق بالغنم الا
حديث أبي هريرة المذكور بعده * الثالث حديث أبي هريرة (قوله رأس الكفر نحو المشرق)
في رواية الكشميهني قبل المشرق وهو بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهته وفي ذلك إشارة
إلى شدة كفر المجوس لان مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة
إلى المدينة وكانوا في غاية القوة والتكبر والتجبر حتى مزق ملكهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم
كما سيأتي في موضعه واستمرت الفتن من قبل المشرق كما سيأتي بيانه واضحا في الفتن (قوله والفخر)
بالخاء المعجمة معروف ومنه الاعجاب بالنفس (والخيلاء) بضم المعجمة وفتح التحتانية والمد الكبر
واحتقار الغير (قوله الفدادين) بتشديد الدال عند الأكثر وحكى أبو عبيد عن أبي عمرو الشيباني
انه خففها وقال إنه جمع فدان والمراد به البقر التي يحرث عليها وقال الخطابي الفدان آلة الحرث
والسكة فعلى الأول فالفدادون جمع فدان وهو من يعلو صوته في ابله وخيله وحرثه ونحو ذلك
والفديد هو الصوت الشديد وحكى الأخفش ووهاه ان المراد بالفدادين من يسكن الفدافد جمع
فدفد وهي البراري والصحاري وهو بعيد وحكى أبو عبيدة معمر بن المثنى أن الفدادين هم أصحاب
الإبل الكثيرة من المائتين إلى الألف وعلى ما حكاه أبو عمرو الشيباني من التخفيف فالمراد أصحاب
الفدادين على حذف مضاف ويؤيد الأول لفظ الحديث الذي بعده وغلظ القلوب في الفدادين
عند أصول أذناب الإبل وقال أبو العباس الفدادون هم الرعاة والجمالون وقال الخطابي انما ذم
هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمور دينهم وذلك يفضى إلى قساوة القلب (قوله أهل
الوبر) بفتح الواو والموحدة أي ليسوا من أهل المدر لان العرب تعبر عن أهل الحضر باهل المدر
وعن أهل البادية باهل الوبر واستشكل بعضهم ذكر الوبر بعد ذكر الخيل وقال إن الخيل لا وبر لها
ولا اشكال فيه لان المراد ما بينته وقوله في آخر الحديث في ربيعة ومضر أي في الفدادين منهم
(قوله والسكينة) تطلق على الطمأنينة والسكون والوقار والتواضع قال ابن خالويه لا نظير لها أي
في وزنها الا قولهم على فلان ضريبة أي خراج معلوم وانما خص أهل الغنم بذلك لانهم غالبا دون
أهل الإبل في التوسع والكثرة وهما من سبب الفخر والخيلاء وقيل أراد بأهل الغنم أهل اليمن لان
غالب مواشيهم الغنم بخلاف ربيعة ومضر فإنهم أصحاب ابل وروى ابن ماجة من حديث أم هانئ
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها اتخذي الغنم فان فيها بركة * الرابع حديث أبي مسعود (قوله
حدثنا يحيى) هو القطان وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم (قوله أشار رسول الله
صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن فقال الايمان يمان) فيه تعقب على من زعم أن المراد بقوله يمان
الأنصار لكون أصلهم من أهل اليمن لان في إشارته إلى جهة اليمن ما يدل على أن المراد به أهلها
حينئذ لا الذين كان أصلهم منها وسبب الثناء على أهل اليمن اسراعهم إلى الايمان وقبولهم وقد
تقدم قبولها البشرى حين لم تقبلها بنو تميم في أول بدء الخلق وسيأتي بقية شرحه في أول المناقب
وبيان الاختلاف بقوله الايمان يمان وقوله قرنا الشيطان أي جانبا رأسه قال الخطابي ضرب المثل
250

بقرني الشيطان فيما لا يحمد من الأمور وقوله أرق أفئدة أي ان غشاء قلب أحدهم رقيق وإذا رق
الغشاء أسرع نفوذ الشئ إلى ما وراءه * الحديث الخامس حديث أبي هريرة (قوله عن جعفر بن
ربيعة) هذا الحديث مما اتفق عليه الأئمة الخمسة أصحاب الأصول على اخراجه عن شيخ واحد وهو
قتيبة بهذا الاسناد (قوله إذا سمعتم صياح الديكة) بكسر المهملة وفتح التحتانية جمع ديك وهو ذكر
الدجاج وللديك خصيصة ليست لغيره من معرفة الوقت الليلي فإنه يقسط أصواته فيها تقسيطا
لا يكاد يتفاوت ويوالي صياحه قبل الفجر وبعده لا يكاد يخطئ سواء أطال الليل أم قصر ومن ثم
أفتى بعض الشافعية باعتماد الديك المجرب في الوقت ويؤيده الحديث الذي سأذكره عن زيد بن خالد
(قوله فإنها رأت ملكا) بفتح اللام قال عياض كان السبب فيه رجاء تأمين الملائكة على دعائه
واستغفارهم له وشهادتهم له بالاخلاص ويؤخذ منه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين تبركا
بهم وصحح ابن حبان وأخرجه أبو داود وأحمد من حديث زيد بن خالد رفعه لا تسبوا الديك فإنه
يدعو إلى الصلاة وعند البزار من هذا الوجه سبب قوله صلى الله عليه وسلم ذلك وان ديكا صرخ
فلعنه رجل فقال ذلك قال الحليمي يؤخذ منه ان كل من استفيد منه الخير لا ينبغي ان يسب ولا
أن يستهان به بل يكرم ويحسن إليه قال وليس معنى قوله فإنه يدعو إلى الصلاة أن يقول بصوته
حقيقة صلوا أو حانت الصلاة بل معناه ان العادة جرت بأنه يصرخ عند طلوع الفجر وعند الزوال
فطرة فطره الله عليها (قوله وإذا سمعتم نهاق الحمير) زاد النسائي والحاكم من حديث جابر ونباح
الكلاب (قوله فإنها رأت شيطانا) روى الطبراني من حديث أبي رافع رفعه لا ينهق الحمار حتى
يرى شيطانا أو يتمثل له شيطان فإذا كان ذلك فاذكروا الله وصلوا علي قال عياض وفائدة الامر
بالتعوذ لما يخشى من شر الشيطان وشر وسوسته فيلجأ إلى الله في دفع ذلك قال الداودي يتعلم من
الديك خمس خصال حسن الصوت والقيام في السحر والغيرة والسخاء وكثرة الجماع * السادس
حديث جابر أورده من وجه آخر وسيأتي شرحه في أثناء هذا الباب والقائل قال وأخبرني عمرو هو
ابن جريج واسحق المذكور في أوله هو ابن راهويه كما عند أبي نعيم ويحتمل أن يكون ابن منصور
وقد أهمل المزي في الأطراف تبعا لخلف عزوه إلى هذا الموضع * السابع حديث أبي هريرة (قوله
عن خالد) هو الحذاء ومحمد هو ابن سيرين والاسناد كله بصريون إلى أبي هريرة (قوله واني لا أراها
الا الفأر) باسكان الهمزة وعند مسلم من طريق أخرى عن ابن سيرين بلفظ الفارة مسخ وآية ذلك
أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه ويوضع بين يديها لبن الإبل فلا تشربه (قوله فحدثت كعبا)
قائل ذلك هو أبو هريرة ووقع في رواية مسلم فقال له كعب أنت سمعت هذا (قوله فقلت أفأقرأ
التوراة) هو استفهام انكار وفي رواية مسلم أفأنزلت علي التوراة وفيه ان أبا هريرة لم يكن يأخذ
عن أهل الكتاب وان الصحابي الذي يكون كذلك إذا أخبر بما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه يكون
للحديث حكم الرفع وفي سكوت كعب عن الرد على أبي هريرة دلالة على تورعه وكأنهما جميعا لم
يبلغهما حديث ابن مسعود قال وذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم القردة والخنازير فقال إن الله
لم يجعل للمسخ نسلا ولا عقبا وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك وعلى هذا يحمل قوله صلى الله
عليه وسلم لا أراها الا الفار وكأنه كان يظن ذلك ثم أعلم بأنها ليست هي قال ابن قتيبة ان صح هذا
251

الحديث والا فالقردة والخنازير هي الممسوخ بأعيانها توالدت (قلت) الحديث صحيح وسيأتي
مزيد لذلك في أواخر أحاديث الأنبياء * الثامن حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
للوزغ فويسق ولم أسمعه أمر بقتله هو قول عائشة رضي الله عنها قال ابن التين هذا لا حجة فيه لأنه
لا يلزم من عدم سماعها عدم الوقوع وقد حفظ غيرها كما ترى (قلت) قد جاء عن عائشة من وجه آخر
عند أحمد وابن ماجة أنه كان في بيتها رمح موضوع فسئلت فقالت نقتل به الوزغ فان النبي صلى الله
عليه وسلم أخبرنا أن إبراهيم لما ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة الا أطفأت عنه النار الا الوزغ
فإنها كانت تنفخ عليه فامر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها انتهى والذي في الصحيح أصح ولعل
عائشة سمعت ذلك من بعض الصحابة وأطلقت لفظ أخبرنا مجازا أي أخبر الصحابة كما قال ثابت
البناني خطبنا عمران وأراد انه خطب أهل البصرة فإنه لم يسمع منه والله أعلم (قوله وزعم سعد بن
أبي وقاص) قائل ذلك يحتمل أن يكون عروة فيكون متصلا فإنه سمع من سعد ويحتمل أن تكون
عائشة فيكون من رواية القرين عن قرينه ويحتمل أن يكون من قول الزهري فيكون منقطعا
وهذا الاحتمال الأخير أرجح فان الدارقطني أخرجه في الغرائب من طريق ابن وهب عن يونس
ومالك معا عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للوزغ فويسق
وعن ابن شهاب عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقد
أخرج مسلم والنسائي وابن ماجة وابن حبان حديث عائشة من طريق ابن وهب وليس عندهم
حديث سعد وقد أخرج مسلم وأبو داود وأحمد وابن حبان من طريق معمر عن الزهري عن عامر
ابن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا وكان الزهري وصله
لمعمر وأرسله ليونس ولم أر من نبه على ذلك من الشراح ولا من أصحاب الأطراف فلله الحمد * التاسع
حديث أم شريك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ هكذا أورده مختصرا وسيأتي
بأتم من هذا في قصة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وقد تقدم في الذي قبله حديث عائشة بأتم منه
وأم شريك اسمها غزية بالمعجمتين مصغر وقيل غزيلة يقال هي عامرية قرشية ويقال أنصارية
ويقال دوسية * العاشر حديث عائشة في قتل ذي الطفيتين والأبتر أورده باسنادين إليها في كل
واحد منهما وأورد بعده حديث ابن عمر في ذلك عن أبي لبابة من وجهين وقد تقدم من وجه
آخر في أول الباب (قوله في أول طريقي حديث عائشة تابعه حماد بن سلمة) يريد أن حمادا تابع
أبا أسامة في روايته إياه عن هشام واسم أبي أسامة أيضا حماد ورواية حماد بن سلمة وصلها أحمد
عن عفان عنه (قوله عن أبي يونس القشيري) هو حاتم بن أبي صغيرة وهو بصري ومن دونه وأما
من فوقه فمدني (قوله أن ابن عمر كان يقتل الحيات ثم نهى) هو بفتح النون وفاعل نهى هو ابن
عمر وقد بين بعد ذلك سبب نهيه عن ذلك وكان ابن عمر أولا يأخذ بعموم أمره صلى الله عليه وسلم
بقتل الحيات وقد أخرج أبو داود من حديث عائشة مرفوعا اقتلوا الحيات فمن تركهن مخافة
ثأرهن فليس مني (قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم هدم حائطا له فوجد فيه سلخ حية) هو بكسر
السين المهملة وسكون اللام بعدها معجمة وهو جلدها كذا وقع هنا مرفوعا وأخرجه مسلم من
وجه آخر موقوفا فاخرج من طريق الليث عن نافع ان أبا لبابة كلم ابن عمر ليفتح له بابا في داره
يستقرب بها إلى المسجد فوجد الغلمان جلد جان فقال ابن عمر التمسوه فاقتلوه فقال أبو لبابة
252

لا تقتلوه ومن طريق يحيى بن سعيد وعمر بن نافع عن نافع نحوه ويحتمل أن تكون القصة وقعت
مرتين ويدل لذلك قول ابن عمر في هذه الرواية وكنت أقتلها لذلك وهو القاتل فلقيت أبا لبابة
(قوله لا تقتلوا الجنان الا كل ذي طفيتين) إن كان الاستثناء متصلا ففيه تعقب على من زعم
أن ذا الطفيتين والأبتر ليس من الجنان ويحتمل أن يكون منقطعا أي لكن كل ذي طفيتين
فاقتلوه والجنان بكسر الجيم وتشديد النون جمع جان وهي الحية الصغيرة وقيل الرقيقة الخفيفة
وقيل الدقيقة البيضاء * الحادي عشر حديث عائشة وابن عمر في الخمس التي لا جناح على المحرم في
قتلهن وقع في حديث عائشة الحديا وفي حديث ابن عمر الحدأة والحديا بصيغة التصغير وقد أنكر
ثابت في الدلائل هذه الصيغة وقال الصواب الحديأه أو الحدية أي بهمزة وزيادة هاء أو بالتشديد
بغير همز قال والصواب أن الحدياه ليس من هذا وانما هو من التحدي يقولون فلان يتحدى فلانا
أي ينازعه ويغالبه وعن ابن أبي حاتم أهل الحجاز يقولون لهذا الطائر الحديا ويجمعونه الحدادي
وكلاهما خطأ وأما الأزهري فصوبه وقال الحدياه تصغير الحدى وقد تقدم شرح الحديث
مستوفى في كتاب الحج * (تنبيه) * وقع في رواية السرخسي هنا باب إدا وقع الذباب في شراب أحدكم
فليغمسه ولا معنى لذكره هنا ووقع عنده أيضا باب خمس من الدواب فواسق وسقط من رواية غيره
وهو أولى * الثاني عشر حديث جابر (قوله حدثنا كثير) هو ابن شنظير بكسر المعجمة وسكون
النون بعدها ظاء معجمة بصري قد قال فيه ابن معين ليس بشئ قال الحاكم مراده بذلك انه ليس له
من الحديث ما يشتغل به وقد قال فيه ابن معين مرة صالح وكذا قال أحمد وقال ابن عدي أرجو
أن تكون أحاديثه مستقيمة (قلت) وما له في البخاري سوى هذا الحديث وقد تربع عليه كما تراه في
آخر الحديث وآخر في السلام على المصلى وله متابع عند مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر (قوله
رفعه) كذا هنا ووقع عند الإسماعيلي من وجهين عن حماد بن زيد قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (قوله خمروا الآنية) أي غطوها ومضى في الرواية التي في صفة إبليس وخمر اناءك واذكر
اسم الله ولو أن تعرض عليه شيئا وهو بضم الراء وبكسرها وسيأتي مزيد لذلك في الأشربة (قوله
وأوكئوا) بكسر الكاف بعدها همزة أي اربطوها وشدوها والوكاء اسم ما يسد به فم القربة
(قوله وأجيفوا) بالجيم والفاء أي أغلقوها تقول أجفت الباب إذا أغلقته وقال القزاز تقول
جفأت الباب أغلقته قال ابن التين لم أر من ذكره هكذا غيره وفيه نظر فان أجيفوا لامه فاء
وجفأت لامه همزة زاد في الرواية الماضية وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فان الشيطان
لا يفتح بابا مغلقا (قوله واكفتوا) بهمزة وصل وكسر الفاء ويجوز ضمها بعدها مثناة أي
ضموهم إليكم والمعنى امنعوهم من الحركة في ذلك الوقت (قوله عند المساء) في الرواية المتقدمة في
هذا الباب إذا جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم (قوله فان للجن انتشارا وخطفة) بفتح الخاء
المعجمة والطاء المهملة والفاء في الرواية الماضية فان الشياطين تنتشر حينئذ وإذا ذهبت ساعة من
الليل وفي رواية الكشميهني فإذا ذهب وكأنه ذكره باعتبار الوقت (قوله فان الفويسقة) هي
الفارة قد تقدم في تفسير ذلك في الحج (قوله اجترت) بالجيم وتشديد الراء في رواية الإسماعيلي ربما
جرت وسيأتي في الاستئذان حديث ابن عمر مرفوعا لا تتركوا النار في بيوتكم حين تناموا قال
النووي هذا عام يدخل فيه نار السراج وغيره وأما القناديل المعلقة فان خيف بسببها حريق
253

دخلت في ذلك وان حصل الامن منها كما هو الغالب فلا بأس بها لانتفاء العلة وقال القرطبي
جميع أو أمر هذا الباب من باب الارشاد إلى المصلحة ويحتمل أن تكون للندب ولا سيما في حق من
يفعل ذلك بنية امتثال الامر وقال ابن العربي ظن قوم وان الامر بغلق الأبواب عام في الأوقات
كلها وليس كذلك وانما هو مقيد بالليل وكان اختصاص الليل بذلك لان النهار غالبا محل التيقظ
بخلاف الليل والأصل في جميع ذلك يرجع إلى الشيطان فإنه هو الذي يسوق الفارة إلى حرق
الدار (قوله قال ابن جريج وحبيب عن عطاء فان للشياطين) يعني أن ابن جريج وحبيبا وهو
المعلم رويا هذا الحديث عن عطاء عن عائشة كما رواه كثير بن شنظير الا أنهما قالا في روايتهما فان
للشيطان بدل قول كثير في روايته فان للجن ورواية ابن جريج قد تقدمت موصولة في أوائل هذا
الباب ورواية حبيب وصلها أحمد وأبو يعلى من طريق حماد بن سلمة عن حبيب المذكور
* الحديث الثالث عشر حديث ابن مسعود في قصة الحية (قوله وعن إسرائيل عن الأعمش) يعني
أن يحيى بن آدم رواه عن إسرائيل عن شيخين أفردهما ولم يختلف عليه في أنه من رواية إبراهيم
وهو النخعي عن علقمة (قوله رطبة) أي غضة طرية في أول ما تلاها ووصفت هي بالرطوبة
والمراد بالرطوبة رطوبة فيه أي انهم أخذوها عنه قبل أن يجف ريقه من تلاوتها ويحتمل أن
يكون وصفها بالرطوبة لسهولتها والأول أشبه وقوله وقيت شركم ووقيتم شرها أي قتلكم
إياها وهو شر بالنسبة إليها وإن كان خيرا بالنسبة إليهم وفيه جواز قتل الحية في الحرم
وجواز قتلها في جحرها والجحر بضم الجيم وسكون المهملة معروف * الحديث الرابع عشر
والخامس عشر حديث ابن عمر وأبي هريرة معا وهو من طريق عبيد الله بالتصغير وهو ابن عمر
العمري عن نافع عن ابن عمر وعن سعيد المقبري عن أبي هريرة والقائل قال وحدثنا عبيد الله
هو ابن عبد الاعلى المذكور في الاسناد المذكور وهو ابن عبد الاعلى البصري (قوله وتابعه
أبو عوانة عن مغيرة) أي عن إبراهيم وطريق أبي عوانة ستأتي في تفسير المرسلات (قوله وقال
حفص) هو ابن غياث (وأبو معاوية وسليمان بن قرم عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن
عبد الله) يعني ان هؤلاء الثلاثة خالفوا إسرائيل فجعلوا الأسود بدل علقمة ورواية حفص وصلها
المؤلف في الحج وأما رواية أبي معاوية فاخرجها أحمد عنه وهي عند مسلم وأما رواية سليمان بن
قرم فلم أقف عليها موصولة (قوله دخلت امرأة) لم أقف على اسمها ووقع في رواية انها حميرية وفي
أخرى أنها من بني إسرائيل وكذا لمسلم ولا تضاد بينهما لان طائفة من حمير كانوا قد دخلوا في
اليهودية فنسبت إلى دينها تارة والى قبيلتها أخرى وقد وقع ما يدل على ذلك في كتاب البعث للبيهقي
وأبداه عياض احتمالا وأغرب النووي فأنكره (قوله في هرة) أي بسبب هرة ووقع في رواية همام
عن أبي هريرة عند مسلم من جرا هرة وهو بمعناه وجرا بفتح الجيم وتشديد الراء مقصور ويجوز
فيه المد والهرة أنثى السنور والهر الذكر ويجمع الهر على هررة كقرد وقردة وتجمع الهرة على
هرر كقربة وقرب ووقع في حديث جابر الماضي في الكسوف وعرضت علي النار فرأيت فيها
امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها الحديث (قوله من خشاش الأرض) بفتح المعجمة
ويجوز ضمها وكسرها وبمعجمتين بينهما ألف الأولى خفيفة والمراد هوام الأرض وحشراتها
من فارة ونحوها وحكى النووي أنه روى بالحاء المهملة والمراد نبات الأرض قال وهو ضعيف
254

أو غلط وظاهر هذا الحديث أن المرأة عذبت بسبب قتل هذه الهرة بالحبس قال عياض يحتمل
أن تكون المرأة كافرة فعذبت بالنار حقيقة أو بالحساب لان من نوقش الحساب عذب ثم يحتمل
أن تكون المرأة كافرة فعذبت بكفرها وزيدت عذابا بسبب ذلك أو مسلمة وعذبت بسبب ذلك
قال النووي الذي يظهر أنها كانت مسلمة وانما دخلت النار بهذه المعصية كذا قال ويؤيد
كونها كافرة ما أخرجه البيهقي في البعث والنشور وأبو نعيم في تاريخ أصبهان من حديث عائشة
وفيه قصة لها مع أبي هريرة وهو بتمامه عند أحمد وفيه جواز اتخاذ الهرة ورباطها إذا لم يهمل
اطعامها وسقيها ويلتحق بذلك غير الهرة مما في معناها وان الهر لا يملك وانما يجب اطعامه على
من حبسه كذا قال القرطبي وليس في الحديث دلالة على ذلك وفيه وجوب نفقة الحيوان على
مالكه كذا قال النووي وفيه نظر لأنه ليس في الخبر أنها كانت في ملكها لكن في قوله هرة لها كما
هي رواية همام ما يقرب من ذلك * الحديث السادس عشر حديث أبي هريرة (قوله حدثنا
إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله نزل نبي من الأنبياء) قيل هو العزيز وروى الحكيم الترمذي
في النوادر أنه موسى عليه السلام وبذلك جزم الكلاباذي في معاني الأخبار والقرطبي في
التفسير (قوله فلدغته) بالدال المهملة والغين المعجمة أي قرصته وليس هو بالذال المعجمة والعين
المهملة فان ذاك معناه الاحراق (قوله فامر بجهازه) بفتح الجيم ويجوز كسرها بعدها زاي أي
متاعه (قوله ثم أمر ببيتها فاحرق) أي بيت النمل وفي رواية الزهري الماضية في الجهاد فأمر بقرية
النمل فأحرقت وقرية النمل موضع اجتماعهن والعرب تفرق في الأوطان فيقولون لمسكن
الانسان وطن ولمسكن الإبل عطن وللأسد عرين وغابة وللظبي كناس وللدب وجار وللطائر عش
وللزنبور كور ولليربوع نافق وللنمل قرية (قوله فهلا نملة واحدة) يجوز فيه النصب على تقدير
عامل محذوف تقديره فهلا أحرقت نملة واحدة وهي التي آذتك بخلاف غيرها فلم يصدر منها
جناية واستدل بهذا الحديث على جواز احراق الحيوان المؤذي بالنار من جهة أن شرع من
قبلنا شرع لنا إذا لم يأت في شرعنا ما يرفعه ولا سيما ان ورد على لسان الشارع ما يشعر باستحسان
ذلك لكن ورد في شرعنا النهي عن التعذيب بالنار قال النووي هذا الحديث محمول على أنه
كان جائزا في شرع ذلك النبي جواز قتل النمل وجواز التعذيب بالنار فإنه لم يقع عليه العتب في
أصل القتل ولا في الاحراق بل في الزيادة على النملة الواحدة وأما في شرعنا فلا يجوز احراق
الحيوان بالنار الا في القصاص بشرطه وكذا لا يجوز عندنا قتل النمل لحديث ابن عباس في السنن
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة انتهى وقد قيد غيره كالخطابي النهي عن
قتله من النمل بالسليماني وقال البغوي النمل الصغير الذي يقال له الذر يجوز قتله ونقله صاحب
الاستقصاء عن الصيمري وبه جزم الخطابي وفي قوله إن القتل والاحراق كان جائزا في شرع ذلك
النبي نظر لأنه لو كان كذلك لم يعاتب أصلا ورأسا إذا ثبت أن الأذى طبعه وقال عياض في هذا
الحديث دلالة على جواز قتل كل مؤذ ويقال ان لهذه القصة سببا وهو ان هذا النبي مر على قرية
أهلكها الله تعالى بذنوب أهلها فوقف متعجبا فقال يا رب قد كان فيهم صبيان ودواب ومن لم يقترف
ذنبا ثم نزل تحت شجرة فجرت له هذه القصة فنبهه الله جل وعلا على أن الجنس المؤذي يقتل
وان لم يؤذ وتقتل أولاده وان لم تبلغ الأذى انتهى وهذا هو الظاهر وان ثبتت هذه القصة تعين
255

المصير إليه والحاصل أنه لم يعاتب انكارا لما فعل بل جوابا له وايضاحا لحكمة شمول الهلاك
لجميع أهل تلك القرية فضرب له المثل بذلك أي إذا اختلط من يستحق الاهلاك بغيره وتعين اهلاك
الجميع طريقا إلى اهلاك المستحق جاز اهلاك الجميع ولهذا نظائر كتترس الكفار بالمسلمين وغير
ذلك والله سبحانه أعلم وقال الكرماني النمل غيره مكلف فكيف أشير في الحديث إلى أنه لو أحرق
نملة واحدة جاز مع أن القصاص انما يكون بالمثل لقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها ثم أجاب
بتجويز ان التحريق كان جائزا عنده ثم قال يرد على قولنا كان جائزا لو كان كذلك لما ذم عليه
وأجاب بأنه قد يذم الرفيع القدر على خلاف الأولى انتهى والتعبير بالذم في هذا لا يليق بمقام
النبي فينبغي أن يعبر بالعتاب وقال القرطبي ظاهر هذا الحديث أن هذا النبي انما عاتبه الله
حيث انتقم لنفسه باهلاك جمع آذاه منه واحد وكان الأولى به الصبر والصفح وكأنه وقع له ان
هذا النوع مؤذ لبني آدم وحرمة بني آدم أعظم من حرمة الحيوان فلو انفرد هذا النظر ولم ينضم
إليه التشفي لم يعاتب قال والذي يؤيد هذا التمسك بأصل عصمة الأنبياء وانهم أعلم بالله وباحكامه
من غيرهم وأشدهم له خشية انتهى * (تكملة) * النملة واحدة النمل وجمع الجمع نمال والنمل أعظم
الحيوانات حيلة في طلب الرزق ومن عجيب أمره أنه إذا وجد شيئا ولو قل أنذر الباقين ويحتكر
في زمن الصيف للشتاء وإذا خاف العفن على الحب أخرجه إلى ظاهر الأرض وإذا حفر مكانه
اتخذها تعاريج لئلا يجري إليها ماء المطر وليس في الحيوان ما يحمل أثقل منه غيره والذر في النمل
كالزنبور في النحل (قوله أمة من الأمم مسبحة 3) استدل به على أن الحيوان يسبح الله تعالى حقيقة
ويتأيد به قول من حمل قوله وان من شئ الا يسبح بحمده على الحقيقة وتعقب بان ذلك لا يمنع
الحمل على المجاز بأن يكون سببا للتسبيح * الحديث السابع عشر حديث أبي هريرة في الذباب إذا
وقع في الاناء وسيأتى شرحه في كتاب الطب * (تنبيه) * وقع قبل هذا الحديث في رواية أبي ذر عن
بعض شيوخه باب إذا وقع الذباب وساقه بلفظ الحديث وحذف عند الباقين وهو أولى فان
الأحاديث التي بعده لا تعلق لها بذلك كما تقدم نظيره * الحديث الثامن عشر حديث أبي هريرة
في المرأة التي سقت الكلب وسيأتى شرحه في أواخر أحاديث الأنبياء في ترجمة عيسى بن مريم
* الحديث التاسع عشر حديث أبي طلحة في الصورة وسيأتى شرحه في كتاب اللباس * الحديث
العشرون حديث ابن عمر قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب وسيأتى شرحه في كتاب
الصيد * الحديث الحادي والعشرون حديث أبي هريرة من أمسك كلبا ينقص من عمله وقد
تقدم شرحه في المزارعة * الحديث الثاني والعشرون حديث سفيان بن أبي زهير في المعنى وسبق
شرحه هناك أيضا * (خاتمة) * اشتمل كتاب بدء الخلق من الأحاديث المرفوعة على مائة وستين
256

حديثا المعلق منها اثنان وعشرون طريقا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة
وتسعون حديثا والخالص سبعة وستون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عمران
ابن حصين في بدء الخلق وحديث عمر فيه وحديث أبي هريرة تكور الشمس والقمر وحديث ابن
عباس في زيارة جبريل وحديث ابن عمر في الكلب وحديث يعلى بن أمية ونادوا يا مال وحديث
ابن مسعود في رؤية جبريل وحديث عائشة في الرؤية وحديث عمران اطلعت في الجنة وحديث
سهل في درجات الجنة وحديث أنس في الجنة شجرة وحديث أبي هريرة فيه وحديث ابن عباس
في الحمى وحديث عائشة في قتل والد حذيفة وحديث أبي هريرة إذا وقع الذباب في الاناء وفيه
عن الصحابة ومن بعدهم أربعون أثرا والله جل وعلا أعلم
قوله بسم الله الرحمن الرحيم
* (كتاب أحاديث الأنبياء) *
كذا في رواية كريمة في بعض النسخ وفي رواية أبي علي بن شبويه نحوه وقدم الآية الآتية في
الترجمة على الباب ووقع في ذكر عدد الأنبياء حديث أبي ذر مرفوعا انهم مائة ألف وأربعة
وعشرون ألفا الرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر صححه ابن حبان والأنبياء جمع نبي وقد قرئ بالهمز
فقيل هو الأصل وتركه تسهيل وقيل الذي بالهمز من النبأ والذي بغير همز من النبوة وهي الرفعة
والنبوة نعمة يمن بها على من يشاء ولا يبلغها أحد بعلمه ولا كشفه ولا يستحقها باستعداد ولايته
ومعناها الحقيقي شرعا من حصلت له النبوة وليست راجعة إلى جسم النبي ولا إلى عرض من
أعراضه بل ولا إلى علمه بكونه نبيا بل المرجع إلى اعلام الله له بأني نبأتك أو جعلتك نبيا وعلى هذا
فلا تبطل بالموت كما لا تبطل بالنوم والغفلة (قوله باب خلق آدم وذريته) ذكر
المصنف آثارا ثم أحاديث تتعلق بذلك ومما لم يذكره ما رواه الترمذي والنسائي والبزار وصححه ابن
حبان من طريق سعيد المقبري وغيره عن أبي هريرة مرفوعا ان الله خلق آدم من تراب فجعله طينا
ثم تركه حتى إذا كان حمأ مسنونا خلقه وصوره ثم تركه حتى إذا كان صلصالا كالفخار كان إبليس
يمر به فيقول لقد خلقت لأمر عظيم ثم نفخ الله فيه من روحه وكان أول ما جرى فيه الروح بصره
وخياشيمه فعطس فقال الحمد لله فقال الله يرحمك ربك الحديث وفي الباب عدة أحاديث منها
حديث أبي موسى مرفوعا أن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على
قدر الأرض الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان ومنها حديث أنس رفعه لما
خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه فجعل إبليس يطيف به فلما رآه أجوف عرف أنه لا يتمالك رواه
أحمد ومسلم وآدم اسم سرياني وهو عند أهل الكتاب آدام باشباع فتحة الدال بوزن خاتام ووزنه
فاعال وامتنع صرفه للعجمة والعلمية وقال الثعلبي التراب بالعبرانية آدام فسمى آدم به وحذفت
الألف الثانية وقيل هو عربي جزم به الجوهري والجواليقي وقيل هو بوزن أفعل من الأدمة
وقيل من الأديم لأنه خلق من أديم الأرض وهذا عن ابن عباس ووجهوه بأنه يكون كاعين ومنع
الصرف للوزن والعلمية وقيل هو من أدمت بين الشيئين إذا خلطت بينهما لأنه كان ماء وطينا
فخلطا جميعا (قوله صلصال طين خلط برمل فصلصل كما يصلصل الفخار) هو تفسير الفراء هكذا
ذكره وقال أبو عبيدة الصلصال اليابس الذي لم تصبه نار فإذا نقرته صل فسمعت له صلصلة فإذا
257

طبخ بالنار فهو فخار وكل شئ له صوت فهو صلصال وروى الطبري عن قتادة باسناده صحيح نحوه
(قوله ويقال منتن يريدون به صل كما يقولون صر الباب وصرصر عند الاغلاق مثل كبكبته
يعني كببته) أما تفسيره بالمنتن فرواه الطبري عن مجاهد وروى عن ابن عباس ان المنتن تفسيره
المسنون وأما بقيته فكأنه من كلام المصنف (قوله فمرت به استمر بها الحمل فأتمته) هو قول أبي
عبيدة (قوله أن لا تسجد أن تسجد) يعني أن لا زائدة وأخذه من كلام أبي عبيدة وكذا قاله
وزاد ولا من حروف الزوائد كما قال الشاعر
وتلحينني في اللهو أن لا أحبه * وللهو داع دائب غير غافل
وقيل ليست زائدة بل فيه حذف تقديره ما منعك من السجود فحملك على أن لا تسجد (قوله
وقول الله عز وجل وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة) كذا وقع هنا ووقع
في رواية أبي علي بن شبويه في صدر الترجمة وهو أولى ومثله للنسفي ولبعضهم هنا باب والمراد
بالخليفة آدم أسند الطبري من طريق ابن سابط مرفوعا قال والأرض مكة وذكر الطبري أن
مقتضى ما نقله السدي عن مشايخه انه خليفة الله في الأرض ومن وجه آخر أنهم يعنون بني آدم
يخلف بعضهم بعضا ومن ثم قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها الآية وحكى الماوردي
قولين آخرين انه خليفة الملائكة أو خليفة الجن وكل منهما بناء على أنه كان في الأرض من سكنها
قبل آدم وذكر الطبري قال زعم أبو عبيدة أن إذ في قوله وإذ قال ربك صلة ورد عليه فقال القرطبي
ان جميع المفسرين ردوه حتى قال الزجاج انها جرأة من أبي عبيدة (قوله لما عليها حافظ الا عليها
حافظ) وصله ابن أبي حاتم وزاد الا عليها حافظ من الملائكة وقال أبو عبيدة في قوله إن كل نفس
لما عليها حافظ ما زائدة (قوله في كبد في شدة خلق) هو قول ابن عباس أيضا رويناه في تفسير
ابن عيينة باسناد صحيح وزاد في آخره ثم ذكر مولده ونبات أسنانه وأخرجه الحاكم في المستدرك
وقال أبو عبيدة الكبد الشدة قال لبيد
يا عين هلا بكيت أربد إذ * قمنا وقام الخصوم في كبد
(قوله ورياشا المال) هو قول ابن عباس أيضا وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه
(قوله وقال غيره الرياش والريش واحد وهو ما ظهر من اللباس) هو قول أبي عبيدة وزاد تقول
أعطاني ريشه أي كسوته قال والرياش أيضا المعاش (قوله ما تمنون النطفة في أرحام النساء) هو
قول الفراء قال يقال أمنى ومنى والأول أكثر وقوله تمنون يعني النطف إذا قذفت في أرحام
النساء أأنتم تخلقون ذلك أم نحن (قوله وقال مجاهد على رجعه لقادر النطفة في الإحليل) وصله
الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه وقيل معناه قادر على رجع النطفة التي في الإحليل إلى
الصلب وهو محتمل ويعكر على تفسير مجاهد أن بقية الآيات دالة على أن الضمير للانسان ورجعه
يوم القيامة لقوله يوم تبلى السرائر إلى آخره (قوله كل شئ خلقه فهو شفع السماء شفع والوتر
الله) هو قول مجاهد أيضا وصله الفريابي والطبري ولفظه كل خلق الله شفع السماء والأرض
والبر والبحر والجن والانس والشمس والقمر ونحو هذا شفع والوتر الله وحده وبهذا زال
الاشكال فان ظاهر ايراد المصنف في اقتصاره على قوله السماء شفع يعترض عليه بان السماوات
سبع والسبع ليس بشفع وليس ذلك مراد مجاهد وانما مراده أن كل شئ له مقابل يقابله
258

ويذكر معه فهو بالنسبة إليه شفع كالسماء والأرض والانس والجن إلى آخره وروى الطبري
عن مجاهد أيضا قال في قوله تعالى ومن كل شئ خلقنا زوجين الكفر والايمان والشقاء والسعادة
والهدى والضلالة والليل والنهار والسماء والأرض والجن والانس والوتر الله وروى من طريق
أبي صالح نحوه وأخرج عن ابن عباس من طريق صحيحة أنه قال الوتر يوم عرفة والشفع يوم الذبح
وفي رواية أيام الذبح وهذا يناسب ما فسروا به قوله قبل ذلك وليال عشر أن المراد بها عشر ذي
الحجة (قوله في أحسن تقويم في أحسن خلق أسفل سافلين الا من آمن) هو تفسير مجاهد أخرجه
الفريابي أيضا (قوله خسر ضلال ثم استثنى فقال الا من آمن) هو تفسير مجاهد أخرجه الفريابي
أيضا قال في قوله إن الانسان لفي خسر يعني في ضلال ثم استثنى فقال الا من آمن وكأنه ذكره
بالمعنى والا فالتلاوة الا الذين آمنوا (قوله لازب لازم) يريد تفسير قوله تعالى فاستفتهم أهم أشد
خلقا أم من خلقنا انا خلقناهم من طين لازب وقد روى الطبري عن مجاهد في قوله من طين لازب قال
لازق ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال من التراب والماء يصير طينا يلزق وأما تفسيره
باللازم فكأنه بالمعنى وهو تفسير أبي عبيدة قال معنى اللازب اللازم قال النابغة * ولا يحسبون
الشر ضربة لازب * أي لازم (قوله ننشئكم في أي خلق نشاء) كأنه يريد تفسير قوله تعالى وننشئكم
فيما لا تعلمون وقول في أي خلق نشاء هو تفسير قوله فيما لا تعلمون (قوله نسبح بحمدك نعظمك) هو
تفسير مجاهد نقله الطبري وغيره عنه (قوله 3 وقال أبو العالية فتلقى آدم هو قوله تعالى ربنا ظلمنا
أنفسنا) وصله الطبري باسناد حسن واستشكل بان ظاهر الآيات ان هذا التلقي كان قبل الهبوط
لان بعده قلنا اهبطوا منها جميعا ويمكن الجواب بأن قوله قلنا اهبطوا كان سابقا للتلقي وليس في
الآيات صيغة ترتيب (قوله وقال فأزلهما استزلهما يتسنه يتغير آسن المسنون المتغير حما جمع حمأة
وهو الطين المتغير) كذا وقع عند أبي ذر وهو يوهم أنه من كلام أبي العالية وليس كذلك بل هي من
تفسير أبي عبيدة وكأنه كان في الأصل وقال غيره ووقع في رواية الأصيلي وغيره بحذف قال فكان
الامر فيه أشكل وقوله فأزلهما أي دعاهما إلى الزلة وايراد قوله يتسنه يتغير في أثناء قصة آدم ذكر
بطريق التبعية للمسنون لأنه قد يقال إنه مشتق منه قال الكرماني هنا بعد ان قال إن تفسير يتسنة
وآسن لعله ذكره بالتبعية لقوله مسنون وفي هذا تكثير لحجم الكتاب لا لتكثير الفوائد والله أعلم بمقصوده
(قلت) وليس من شأن الشارح أن يعترض على الأصل بمثل هذا ولا ارتياب أن في ايراد شرح
غريب الألفاظ الواردة في القرآن فوائد وادعاؤه نفى تكثير الفائدة مردود وهذا الكتاب وإن كان
أصل موضوعه ايراد الأحاديث الصحيحة فان أكثر العلماء فهموا من ايراده أقوال الصحابة
والتابعين وفقهاء الأمصار أن مقصوده أن يكون كتابه جامعا للرواية والدراية ومن جملة الدراية
شرح غريب الحديث وجرت عادته أن الحديث إذا وردت فيه لفظة غريبة وقعت أو أصلها أو
نظيره في القرآن أن يشرح اللفظة القرآنية فيفيد تفسير القرآن وتفسير الحديث معا ولما لم يجد في
بدء الخلق وقصص الأنبياء ونحو ذلك أحاديث توافق شرطه سد مكانها ببيان تفسير الغريب
الواقع في القرآن فكيف يسوغ نفي الفائدة عنه (قوله يخصفان أخذ الخصاف من ورق الجنة
يؤلفان الورق ويخصفان بعضه إلى بعض) هو تفسير أبي عبيدة وروى الطبري عن مجاهد في قوله
يخصفان قال يرفعان كهيئة الثوب وتقول العرب خصفت النعل أي خرزتها قوله سوآتهما
كناية عن فرجيهما) هو تفسير أبي عبيدة أيضا (قوله ومتاع إلى حين الحين عند العرب من ساعة
259

إلى ما لا يحصى عدده وهو ههنا إلى يوم القيامة) قال أبو عبيدة في قوله ومتاع إلى حين أي إلى وقت
يوم القيامة ورواه الطبري من طريق ابن عباس نحوه (قوله قبيله حيله الذي هو منهم) هو تفسير
أبي عبيدة أيضا وروى الطبري عن مجاهد في قوله وقبيله قال الجن والشياطين ثم ذكر المصنف في
الباب أحد عشر حديثا أفرد الأخير منها بباب في بعض النسخ * الحديث الأول حديث أبي هريرة
خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا كذا وقع من هذا الوجه وعبد الله الراوي عن معمر هو ابن
المبارك وقد رواه عبد الرزاق عن معمر فقال خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعا وهذه
الرواية تأتي في أول الاستئذان وقد تقدم الكلام على معنى هذه اللفظة في أثناء كتاب العتق وهذه
الرواية تؤيد قول من قال إن الضمير لآدم والمعنى ان الله تعالى أوجده على الهيئة التي خلقه
عليها لم ينتقل في النشأة أحوالا ولا تردد في الأرحام أطوارا كذريته بل خلقه الله رجلا كاملا
سويا من أول ما نفخ فيه الروح ثم عقب ذلك بقوله وطوله ستون ذراعا فعاد الضمير أيضا على آدم
وقيل معنى قوله على صورته أي لم يشاركه في خلقه أحد ابطالا لقول أهل الطبائع وخص بالذكر
تنبيها بالأعلى على الأدنى والله أعلم (قوله ستون ذراعا) يحتمل أن يريد بقدر ذراع نفسه ويحتمل أن
يريد بقدر الذراع المتعارف يومئذ عند المخاطبين والأول أظهر لان ذراع كل أحد بقدر ربعه فلو
كان بالذراع المعهود لكانت يده قصيرة في جنب طول جسده (قوله فلما خلقه قال اذهب فسلم)
سيأتي شرحه في أول الاستئذان (قوله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم) أي على صفته
وهذا يدل على أن صفات النقص من سواد وغيره تنتفي عند دخول الجنة وقد تقدم بيان ذلك في
باب صفة الجنة وزاد عبد الرزاق في روايته هنا وطوله ستون ذراعا واثبات الواو فيه ليلا يتوهم أن
قوله طوله تفسير لقوله على صورة آدم وعلى هذا فقوله وطوله إلى آخره من الخاص بعد العام ووقع
عند أحمد من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا كان طول آدم ستين ذراعا في سبعة
أذرع عرضا وأما ما روى عبد الرزاق من وجه آخر مرفوعا (3) ان آدم لما أهبط كانت رجلاه في
الأرض ورأسه في السماء فحطه الله إلى ستين ذراعا فظاهره أنه كان مفرط الطول في ابتداء خلقه
وظاهر الحديث الصحيح أنه خلق في ابتداء الامر على طول ستين ذراعا وهو المعتمد وروى ابن أبي
حاتم باسناد حسن عن أبي بن كعب مرفوعا ان الله خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرأس كأنه
نخلة سحوق (قوله فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن) أي ان كل قرن يكون نشأته في الطول
أقصر من القرن الذي قبله فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الامر على ذلك وقال
ابن التين قوله فلم يزل الخلق ينقص أي كما يزيد الشخص شيئا فشيئا ولا يتبين ذلك فيما بين الساعتين
ولا اليومين حتى إذا كثرت الأيام تبين فكذلك هذا الحكم في النقص ويشكل على هذا ما يوجد
الآن من آثار الأمم السالفة كديار ثمود فان مساكنهم تدل على أن قاماتهم لم تكن مفرطة
الطول على حسبما يقتضيه الترتيب السابق ولا شك أن عهدهم قديم وأن الزمان الذي بينهم
وبين آدم دون الزمان الذي بينهم وبين أول هذه الأمة ولم يظهر لي إلى الآن ما يزيل هذا الاشكال
* الحديث الثاني حديث أبي هريرة في صفة الجنة وقد تقدم في باب صفة الجنة وقوله الألنجوج
بفتح الهمزة واللام وسكون النون بجيمين الأولى مضمومة والواو ساكنة هو العود الذي يتبخر به
ولفظ الألنجوج هنا تفسير الألوة والعود تفسير التفسير وقوله في آخره على خلق رجل واحد هو
260

بفتح أول خلق لا بضمه وقوله ستون ذراعا في السماء أي في العلو والارتفاع * الحديث الثالث
حديث أم سلمة في سؤالها عن غسل المرأة إذا احتلمت وقد تقدم الكلام عليه في الطهارة والغرض
منه قوله في آخره فبم يشبه الولد * الحديث الرابع حديث أنس في قصة اسلام عبد الله بن سلام
وسيأتي بأتم من هذا السياق في أوائل الهجرة والغرض منه بيان سبب الشبه وقد علله هنا
بالسبق وفي حديث ثوبان عند مسلم بالعلو وسأذكر وجه الجمع بينهما في المكان المذكور إن شاء الله
تعالى * الحديث الخامس حديث أبي هريرة (قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) لم يسبق
للمتن المذكور طريق يعود عليها هذا الضمير وكأنه يشير به إلى أن اللفظ الذي حدثه به شيخه هو
بمعنى اللفظ الذي ساقه فكأنه كتب من حفظه وتردد في بعضه ويؤيده أنه وقع في نسخة الصغاني
بعد قوله نحوه يعني ولم أره من طريق ابن المبارك عن معمر الا عند المصنف وسيأتي عنده في ذكر
موسى عليه السلام من رواية عبد الرزاق عن معمر بهذا اللفظ الا أنه زاد في آخره الدهر (قوله
لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم) يختر بفتح أوله وسكون الخاء وكسر النون وبفتحها أيضا بعدها
زاي أي ينتن والخنز التغير والنتن قيل أصله ان بني إسرائيل ادخروا لحم السلوى وكانوا نهوا عن
ذلك فعوقبوا بذلك حكاه القرطبي وذكره غيره عن قتادة وقال بعضهم معناه لولا أن بني إسرائيل
سنوا ادخار اللحم حتى أنتن لما ادخر فلم ينتن وروى أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال في بعض
الكتب لولا أني كتبت الفساد على الطعام لخزنه الأغنياء عن الفقراء (قوله ولولا حواء) أي
امرأة آدم وهي بالمد قيل سميت بذلك لأنها أم كل حي وسيأتي صفة خلقها في الحديث الذي بعده
وقوله لم تخن أنثى زوجها فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الاكل من الشجرة حتى
وقع في ذلك فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم ولما كانت هي أم بنات آدم
أشبهنها بالولادة ونزع العرق فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول وليس المراد
بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش حاشا وكلا ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة
وحسنت ذلك لآدم عد ذلك خيانة له وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن
بحسبها وقريب من هذا حديث جحد آدم فجحدت ذريته وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال
فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أمهن الكبرى وأن ذلك من طبعهن فلا يفرط في لوم من وقع
منها شئ من غير قصد إليه أو على سبيل الندور وينبغي لهن أن لا يتسمكن بهذا في الاسترسال في
هذا النوع بل يضبطن أنفسهن ويجاهدن هواهن والله المستعان * الحديث السادس (قوله
موسى بن حزام) بكسر المهملة بعدها زاي خفيفة وهو ترمذي نزل بلخ وثقه النسائي وغيره وكان
زاهدا عالما بالسنة وما له في البخاري الا هذا الموضع (قوله عن ميسرة) هو ابن عمارة الأشجعي
261

الكوفي وما له في البخاري سوى هذا الحديث وقد ذكره في النكاح من وجه اخر وله حديث آخر
في تفسير آل عمران (قوله استوصوا) قيل معناه تواصوا بهن والباء للتعدية والاستفعال بمعنى
الافعال كالاستجابة بمعنى الإجابة وقال الطيبي السين للطلب وهو للمبالغة أي اطلبوا الوصية
من أنفسكم في حقهن أو اطلبوا الوصية من غيركم بهن كمن يعود مريضا فيستحب له أن يحثه على
الوصية والوصية بالنساء آكد لضعفهن واحتياجهن إلى من يقوم بأمرهن وقيل معناه اقبلوا
وصيتي فيهن واعملوا بها وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن (قلت) وهذا أوجه الأوجه في نظري
وليس مخالفا لما قال الطيبي (قوله خلقت من ضلع) بكسر المعجمة وفتح اللام ويجوز تسكينها
قيل فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر وقيل من ضلعه القصير أخرجه ابن إسحاق
وزاد اليسرى من قبل أن يدخل الجنة وجعل مكانه لحم ومعنى خلقت أي أخرجت كما تخرج النخلة
من النواة وقال القرطبي يحتمل أن يكون معناه أن المرأة خلقت من مبلغ ضلع فهي كالضلع زاد في
رواية الأعرج عن أبي هريرة عند مسلم لن تستقيم لك على طريقة (قوله وان أعوج شئ في الضلع
أعلاه) قيل فيه إشارة إلى أن أعوج ما في المرأة لسانها وفي استعمال أعوج استعمال لأفعل
في العيوب وهو شاذ وفائدة هذه المقدمة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج فلا ينكر اعوجاجها
أو الإشارة إلى أنها لا تقبل التقويم كما أن الضلع لا يقبله (قوله فان ذهبت تقيمه كسرته) قيل
هو ضرب مثل للطلاق أي ان أردت منها أن تترك اعوجاجها أفضى الامر إلى فراقها ويؤيده
قوله في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند مسلم وان ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها
ويستفاد من حديث الباب أن الضلع مذكر خلافا لمن جزم بأنه مؤنث واحتج برواية مسلم ولا حجة
فيه لان التأنيث في روايته للمرأة وقيل إن الضلع يذكر ويؤنث وعلى هذا فاللفظان صحيحان
* الحديث السابع حديث عبد الله وهو ابن مسعود يجمع خلق أحدكم في بطن أمه الحديث
بتمامه وسيأتي شرحه في كتاب القدر مستوفى إن شاء الله تعالى ومناسبته للترجمة من قوله فيها
وذريته فان فيه بيان خلق ذرية آدم * الحديث الثامن حديث أنس في ذلك وسيأتي أيضا
هناك * الحديث التاسع حديث أنس (قوله يرفعه) هي لفظة يستعملها المحدثون في موضع
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك (قوله إن الله تعالى يقول لاهون أهل النار عذابا)
يقال هو أبو طالب وسيأتي شرحه في أواخرا كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى ومناسبته للترجمة من
قوله وأنت في صلب آدم فان فيه إشارة إلى قوله تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم
ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم الآية * الحديث العاشر حديث عبد الله وهو ابن مسعود
لا تقتل نفس ظلما الا كان علي ابن آدم الأول كفل من دمها وسيأتي شرحه في القصاص وأورده
هنا ليلمح بقصة ابني آدم حيث قتل أحدهما الآخر ولم يصح على شرطه شئ من قصتهما وفيما قصه
262

الله علينا في القرآن من ذلك كفاية عن غيره واختلف في اسم القاتل فالمشهور قابيل بوزن
المقتول لكن أوله هاء وقيل اسم المقتول قين بلفظ الحداد وقيل قاين بزيادة ألف وذكر السدي
في تفسيره عن مشايخه بأسانيده أن سبب قتل قابيل لأخيه هابيل ان آدم كان يزوج ذكر كل بطن
من ولده بأنثى الآخر وان أخت قابيل كانت أحسن من أخت هابيل فأراد قابيل أن يستأثر
بأخته فمنعه آدم فلما ألح عليه أمرهما أن يقربا قربانا فقرب قابيل حزمة من زرع وكان صاحب
زرع وقرب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب مواش فنزلت نار فأكلت قربان هابيل دون قابيل
وكان ذلك سبب الشر بينهما وهذا هو المشهور ونقل الثعلبي بسند واه عن جعفر الصادق انه أنكر
أن يكون آدم زوج ابنا له بابنة له وانما زوج قابيل جنية وزوج هابيل حورية فغضب قابيل فقال
يا بني ما فعلته الا بأمر الله فقربا قربانا وهذا لا يثبت عن جابر ولا عن غيره ويلزم منه أن بني آدم من
ذرية إبليس لأنه أبو الجن كلهم أو من ذرية الحور العين وليس لذلك أصل ولا شاهد (قوله
باب الأرواح جنود مجندة) كذا ثبتت هذه الترجمة في معظم الروايات وهي متعلقة
بترجمة خلق آدم وذريته للإشارة إلى أنهم ركبوا من الأجسام والأرواح (قوله وقال الليث)
وصله المصنف في الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح عنه (قوله الأرواح جنود مجندة الخ) قال
الخطابي يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد وان الخير
من الناس يحن إلى شكله والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع
التي جبلت عليها من خير وشر فإذا اتفقت تعارفت وإذا اختلفت تناكرت ويحتمل أن يراد
الاخبار عن بدء الخلق في حال الغيب على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام وكانت تلتقي
فتتشاءم فلما حلت بالاجسام تعارفت بالامر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من
العهد المتقدم وقال غيره المراد ان الأرواح أول ما خلقت خلقت على قسمين ومعنى تقابلها
ان الأجساد التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت أو اختلفت على حسب ما خلقت عليه
الأرواح في الدنيا إلى غير ذلك بالتعارف (قلت) ولا يعكر عليه أن بعض المتنافرين ربما ائتلفا
لأنه محمول على مبدأ التلاقي فإنه يتعلق بأصل الخلقة بغير سبب وأما في ثاني الحال فيكون مكتسبا
لتجدد وصف يقتضي الألفة بعد النفرة كايمان الكافر واحسان المسئ وقوله جنود مجندة
أي أجناس مجنسة أو جموع مجمعة قال ابن الجوزي ويستفاد من هذا الحديث ان الانسان إذا
وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضى لذلك ليسعى في ازالته
حتى يتلخص من الوصف المذموم وكذلك القول في عكسه وقال القرطبي الأرواح وان اتفقت
في كونها أرواحا لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها فتتشاكل أشخاص النوع الواحد
وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة ولذلك تشاهد أشخاص
كل نوع تالف نوعها وتنفر من مخالفها ثم انا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتألف وبعضها
يتنافر وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتفاق والانفراد بسببها (قوله وقال يحيى بن أيوب) هو
المصري (حدثني يحيى بن سعيد بهذا) يعني مثل الذي قبله وقد وصله الإسماعيلي من طريق سعيد
بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب به ورويناه موصولا في مسند أبي يعلى وفيه قصة في أوله عن عمرة
بنت عبد الرحمن قالت كانت امرأة بمكة مزاحة فنزلت على امرأة مثلها في المدينة فبلغ ذلك
263

عائشة فقالت صدق حبي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله ورويناه في فوائد أبي بكر
ابن زنبور من طريق الليث أيضا بسنده الأول بهذه القصة بمعناها قال الإسماعيلي أبو صالح
ليس من شر هذا الكتاب ولا يحيى بن أيوب في الأصول وانما يخرج له البخاري في الاستشهاد
فأورد البخاري هذا الحديث من الطريقين بلا اسناد فصار أقوى مما لو ساقه باسناده وكان
سبب ذلك ان الناظر في كتابه ربما اعتقد ان له عنده اسنادا آخر ولا سيما وقد ساقه بصيغة الجزم
فيعتقد أنه على شرطه وليس الامر كذلك (قلت) وللمتن شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه
مسلم (قوله باب قول الله تعالى ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) كذا لأبي ذر
ويؤيده ما وقع في الترجمة من شرح الكلمات اللاتي من هذه القصة في سورة هود وفي رواية
الحفصي واتل عليهم نبأ نوح إلى قوله من المسلمين وللباقين انا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك
من قبل أن يأتيهم عذاب اليم إلى آخر السورة وقد ذكر بعض هذا الأخير في رواية أبي ذر قبل
الأحاديث المرفوعة ونوح هو ابن لمك بفتح اللام وسكون الميم بعدها كاف ابن متوشلخ بفتح الميم
وتشديد المثناة المضمومة بعدها واو ساكنة وفتح الشين المعجمة واللام بعدها معجمة ابن خنوخ بفتح
المعجمة وضم النون الخفيفة بعدها واو ساكنة ثم معجمة وهو إدريس فيما يقال وقد ذكر ابن جرير أن
مولد نوح كان بد وفاة آدم بمائة وستة وعشرين عاما وانه بعث وهو ابن ثلثمائة وخمسين وقيل
غير ذلك وأنه عاش بعد الطوفان ثلثمائة سنة وخمسين وقيل إن مدة عمره ألف سنة الا خمسين عاما
قبل البعثة وبعدها وبعد الغرق فالله أعلم وصحح ابن حبان من حديث أبي أمامة أن رجلا قال
يا رسول الله أنبي كان آدم قال نعم قال فكم كان بينه وبين نوح قال عشرة قرون (قوله قال ابن
عباس بادي الرأي ما ظهر لنا) وصله ابن أبي حاتم عن طريق عطاء عنه أي أول النظر قبل التأمل
(قوله أقلعي أمسكي وفار التنور نبع الماء) وصل ذلك ابن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس (قوله وقال عكرمة وجه الأرض) وصله ابن جرير من طريق أبي إسحاق
الشيباني عن عكرمة في قوله وفار التنور قال وجه الأرض (قوله وقال مجاهد الجودي جبل
بالجزيرة) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه وزاد تشامخت الجبال يوم الغرق وتواضع
هو لله فلم يغرق وأرسيت عليه سفينة نوح (قوله دأب حال) وصله الفريابي من طريق مجاهد
أيضا ثم ذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث * الأول حديث ابن عمر في ذكر الدجال وسيأتي
شرحه في الفتن والغرض منه قوله فيه ولقد أنذره نوح قومه وخص نوحا بالذكر لأنه أول من
ذكره وهو أول الرسل المذكورين في قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا * الثاني
حديث أبي هريرة في المعنى كذلك * الثالث حديث أبي سعيد في شهادة أمة محمد صلى الله عليه
وسلم لنوح بالتبليغ وسيأتي شرحه في تفسير سورة البقرة ويأتي في تفسير سورة نوح بيان السبب
في عبادة قوم نوح الأصنام * الرابع حديث أبي هريرة في الشفاعة (قوله فيه دعوة) (3) بضم أوله
264

الوليمة وقوله فرفعت إليه الذراع أي ذراع الشاة وسيأتي بيان ذلك في الأطعمة (قوله فنهس)
بنون ومهملة أي أخذ منها بأطراف أسنانه ووقع في رواية أبى در بالمعجمة وهو قريب من المهملة
(قوله أنا سيد الناس يوم القيامة) خصه بالذكر لظهور ذلك له يومئذ حيث تكون الأنبياء كلهم
تحت لوائه ويبعثه الله المقام المحمود كما سيأتي بيانه في الرقاق مع تتمة شرح الحديث إن شاء الله تعالى
والغرض منه هنا قوله فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وسماك الله عبدا
شكورا فأما كونه أول الرسل فقد استشكل بأن آدم كان نبيا وبالضرورة تعلم أنه كان على
شريعة من العبادة وان أولاده أخذوا ذلك عنه فعلى هذا فهو رسول إليهم فيكون هو أول رسول
فيحتمل أن تكون الأولية في قول أهل الموقف لنوح مقيده بقولهم إلى أهل الأرض لأنه في
زمن آدم لم يكن للأرض أهل أو لان رسالة آدم إلى بنيه كانت كالتربية للأولاد ويحتمل أن يكون
المراد انه رسول أرسل إلى بنيه وغيرهم من الأمم الذين أرسل إليهم مع تفرقهم في عدة بلاد وآدم انما
أرسل إلى بنيه فقط وكانوا مجتمعين في بلدة واحدة واستشكله بعضهم بإدريس ولا يرد لأنه
اختلف في كونه جد نوح كما تقدم وقد تقدم شئ من هذا في أول كتاب التيمم فيما يتعلق بخصوصية
نبينا بعموم البعثة عليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام وأما قولهم وسماك الله عبدا
شكورا فإشارة إلى قوله تعالى انه كان عبدا شكورا وروى عبد الرزاق بسند مقطوع ان نوحا
كان إذا ذهب إلى الغائط قال الحمد لله الذي رزقني لذته وأبقى في قوته واذهب عني اذاه * الخامس
حديث ابن مسعود في قراءة فهل من مدكر وسيأتي في تفسير اقتربت (قوله باب
وان الياس لمن المرسلين إذ قال لقومه الا تتقون إلى وتركنا عليه في الآخرين) سقط لفظ باب من
رواية أبي ذر وكأن المصنف رجح عنده كون إدريس ليس من أجداد نوح فلهذا ذكره بعده
وسأذكر ما في ذلك في الباب الذي يليه والياس بهمزة قطع وهو اسم عبراني وأما قوله تعالى سلام
على الياسين فقرأه الأكثر بصورة الاسم المذكور وزيادة ياء ونون في آخره وقرأ أهل المدينة
آل ياسين بفصل آل من ياسين وكان بعضهم يتأول ان المراد سلام على آل محمد صلى الله عليه وسلم
وهو بعيد ويؤيد الأول أن الله تعالى انما أخبر في كل موضع ذكر فيه نبيا من الأنبياء في هذه
السورة بان السلام عليه فكذلك السلام في هذا الموضع على الياس المبدأ بذكره وانما زيدت فيه
الياء والنون كما قالوا في إدريس ادراسين والله أعلم (قوله قال ابن عباس) وصله ابن جرير من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى سلام على الياسين يذكر بخير (قوله ويذكر
عن ابن مسعود وابن عباس ان الياس هو إدريس) أما قول ابن مسعود فوصله عبد بن حميد
وابن أبي حاتم باسناد حسن عنه قال الياس هو إدريس ويعقوب هو إسرائيل وأما قول ابن
عباس فوصله جويبير في تفسيره عن الضحاك عنه واسناده ضعيف ولهذا لم يجزم به البخاري وقد
أخذ أبو بكر بن العربي من هذا أن إدريس لم يكن جدا لنوح وانما هو من بني إسرائيل لان
265

الياس قد ورد انه من بني إسرائيل واستدل على ذلك بقوله عليه السلام للنبي صلى الله عليه
وسلم مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح ولو كان من أجداده لقال له كما قال له آدم وابرهيم
والابن الصالح وهو استدلال جيد الا أنه قد يجاب عنه بأنه قال ذلك على سبيل التواضع والتلطف
فليس ذلك نصا فيما زعم وقد قال ابن إسحاق في أول السيرة النبوية لما ساق النسب الكريم فلما بلغ
إلى نوح قال ابن لمك بن متوشلخ بن خنوخ وهو إدريس النبي فيما يزعمون وأشار بذلك إلى أن هذا
القول مأخوذ عن أهل الكتاب واختلف في ضبطه فالأكثر خنوخ بمعجمتين بعد الأولى نون بوزن
ثمود وقيل بزيادة ألف في أوله وسكون المعجمة الأولى وقيل غير ذلك لكن بحذف الواو وقيل
كذلك لكن بدل الخاء الأولى هاء وقيل كالثاني لكن بدل المعجمة مهملة واختلف في لفظ
إدريس فقيل هو عربي واشتقاقه من الدراسة وقيل له ذلك لكثرة درسه الصحف وقيل بل
هو سرياني وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه ابن حبان انه كان سريانيا ولكن لا يمنع
ذلك كون لفظ إدريس عربيا إذا ثبت بأن له اسمين (قوله باب ذكر إدريس) سقط
لفظ باب من رواية أبي ذر وزاد في رواية الحفصي وهو جد أبي نوح وقيل جد نوح (قلت) الأول
أولى من الثاني ما تقدم ولعل الثاني أطلق ذلك مجازا لان جد الأب جد ونقل بعضهم الاجماع
على أنه جد لنوح وفيه نظر لأنه ان ثبت ما قال ابن عباس ان الياس هو إدريس لزم أن يكون
إدريس من ذرية نوح لا أن نوحا من ذريته لقوله تعالى في سورة الأنعام ونوحا هدينا من قبل ومن
ذريته داود وسليمان إلى أن قال وعيسى والياس فدل على أن الياس من ذرية نوح سواء قلنا إن
الضمير في قوله ومن ذريته لنوح أو لإبراهيم لان إبراهيم من ذرية نوح فمن كان من ذرية
إبراهيم فهو من ذرية نوح لا محالة وذكر ابن إسحاق في المبتدا ان الياس هو ابن نسي بن فنحاص
ابن العيزار بن هارون أخي موسى بن عمران فالله أعلم وذكر وهب في المبتدا ان الياس عمر كما عمر
الخضر وانه يبقى إلى آخر الدنيا في قصة طويلة وأخرج الحاكم في المستدرك من حديث أنس أن
الياس اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم وأكلا جميعا وأن طوله ثلثمائة ذراع وانه قال إنه لا يأكل
في السنة الا مرة واحدة أورده الذهبي في ترجمة يزيد بن يزيد البلوي وقال إنه خبر باطل (قوله
وقوله تعالى ورفعناه مكانا عليا) ثم ساق حديث الاسراء من رواية أبي ذر وقد تقدم شرحه في
266

أوائل الصلاة وكأنه أشار بالترجمة إلى ما وقع فيه انه وجده في السماء الرابعة وهو مكان علي
بغير شك واستشكل بعضهم ذلك بأن غيره من الأنبياء أرفع مكانا منه ثم أجاب بأن المراد انه لم يرفع
إلى السماء من هو حي غيره وفيه نظر لان عيسى أيضا قد رفع وهو حي على الصحيح وكون إدريس
رفع وهو حي لم يثبت من طريق مرفوعة قوية وقد روى الطبري أن كعبا قال لابن عباس في قوله
تعالى ورفعناه مكانا عليا أن إدريس سأل صديقا له من الملائكة فحمله بين جناحيه ثم صعد به
فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت فقال له أريد أن تعلمني كم بقي من أجل إدريس قال
وأين إدريس قال هو معي فقال إن هذا لشئ عجيب أمرت بأن أقبض روحه في السماء الرابعة
فقلت كيف ذلك وهو في الأرض فقبض روحه فذلك قوله تعالى ورفعناه مكانا عليا وهذا من
الإسرائيليات والله أعلم بصحة ذلك وذكر ابن قتيبة ان إدريس رفع وهو ابن ثلثمائة وخمسين سنة
وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه ابن حبان أن إدريس كان نبيا رسولا وانه أول من خط
بالقلم وذكر ابن إسحاق له أوليات كثيرة منها أنه أول من خاط الثياب * (تنبيه) * وقع في أكثر
الروايات وقال عبدان وفي روايتنا من طريق أبي ذر حدثنا عبدان وصله أيضا الجوزقي من طريق
محمد بن الليث عن عبد الله بن عثمان وهو عبدان به (قوله باب قول الله تعالى والى
عاد أخاهم هودا) هو هود بن عبد الله بن رباح بن جاور (2) بن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح
وسماه أخا لهم لكونه من قبيلتهم لا من جهة اخوة الدين هذا هو الراجح في نسبه وأما ابن هشام
فقال اسمه عابر بن ارفحشد بن سام بن نوح (قوله إذ أنذر قومه بالأحقاف إلى قوله كذلك نجزي
القوم المجرمين) الأحقاف جمع حقف بكسر المهملة وهو المعوج من الرمل والمراد به هنا
مساكن عاد وروى عبد بن حميد من طريق قتادة أنهم كانوا ينزلون الرمل بأرض الشبجر وما
والاها وذكر ابن قتيبة انهم كانوا ثلاثة عشر قبيلة ينزلون الرمل بالدو والدهناء وعالج ووبار وعمان
إلى حضرموت وكانت ديارهم أخصب البلاد وأكثرها جنانا فلما سخط الله جل وعلا عليهم جعلها
مفاوز (قوله في عطاء وسليمان عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم) انتهى أما رواية
عطاء وهو ابن أبي رباح فوصلها المؤلف في باب ذكر الريح من بدء الخلق وأوله كان إذا رأى مخيلة
أقبل وأدبر وفي آخره وما أدري لعله كما قال قوم عاد فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم الآية وأما
رواية سليمان وهو ابن يسار فوصلها المؤلف في تفسير سورة الأحقاف ويأتي بقية الكلام عليه
هناك إن شاء الله تعالى (قوله وقول الله عز وجل وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر شديدة عاتية
قال ابن عيينة عتت على الخزان) أما تفسير الصرصر بالشديدة فهو قول أبي عبيدة في المجاز وأما
تفسير ابن عيينة فرويناه في تفسيره رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه عن غير واحد في قوله
عاتية قال عتت على الخزان وما خرج منها الا مقدار الخاتم وقد وقع هذا متصلا بحديث ابن
عباس الذي في هذا الباب عند الطبراني من طريق مسلم الأعور عن مجاهد عن ابن عباس
وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن مسلم الأعور فبين ان الزيادة مدرجة من مجاهد وجاء نحوها
عن علي موقوفا أخرجه ابن أبي حاتم من طريقه قال لم ينزل الله شيئا من الريح الا بوزن على
يدي ملك الا يوم عاد فإنه أذن لها دون الخزان فعتت على الخزان ومن طريق قبيصة بن ذؤيب أحد
كبار التابعين نحوه باسناد صحيح (قوله حسوما متتابعة) هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله سخرها
267

عليهم أي أدامها سبع ليال وثمانية أيام حسوما ولا متتابعة وقال الخليل هو من الحسم بمعنى
القطع (قوله أعجاز نخل خاوية أصولها فهل ترى لهم من باقية) بقية هو تفسير أبي عبيدة أيضا
قال قوله خاوية أي أصولها وهي على رأي من أنث النخل وشبههم باعجاز النخل إشارة إلى عظم
أجسامهم قال وهب بن منبه كان رأس أحدهم مثل القبة وقيل كان طوله اثني عشر ذراعا
وقيل كان أكثر من عشرة وروى ابن الكلبي قال كان طول أقصرهم ستين ذراعا وأطولهم مائة
والكلبي بألف وفي قوله فهل ترى لهم من باقية أي من بقية وفي التفسير ان الريح كانت تحمل
الرجل فترفعه في الهواء ثم تلقيه فتشدخ رأسه فيبقى جثة بلا رأس فذلك قوله كأنهم أعجاز نخل
خاوية وأعجاز النخل هي التي لا رؤس لها ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث * أحدها حديث
ابن عباس وفيه وأهلكت عاد بالدبور وورد في صفة اهلاكهم بالريح ما أخرجه ابن أبي حاتم من
حديث ابن عمر والطبراني من حديث ابن عباس رفعاه ما فتح الله على عاد من الريح الا موضع
الخاتم فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض فرآهم الحاضرة
فقالوا هذا عارض ممطرنا فألقتهم عليهم فهلكوا جميعا * ثانيها حديث أبي سعيد الخدري في ذكر
الخوارج (قوله وقال ابن كثير عن سفيان) كذا وقع هنا وأورده في تفسير براءة قائلا حدثنا محمد
ابن كثير فوصله لكنه لم يسقه بتمامه وانما اقتصر على طرف من أوله وسيأتي الكلام عليه
مستوفى في المغازي إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا قوله لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد أي
قتلا لا يبقي منهم أحدا إشارة إلى قوله تعالى فهل ترى لهم من باقية ولم يرد انه يقتلهم بالآلة التي
قتلت بها عاد بعينها ويحتمل أن يكون من الإضافة إلى الفاعل ويراد به القتل الشديد القوي
إشارة إلى أنهم موصوفون بالشدة والقوة ويؤيده أنه وقع في طريق أخرى قتل ثمود * ثالثها حديث
عبد الله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فهل من مدكر وسيأتي في التفسير إن شاء الله تعالى
(قوله باب قول الله تعالى والى ثمود أخاهم صالحا وقوله كذب أصحاب الحجر) هو
صالح بن عبيد بن أسيف بن ماشخ بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن ارم بن سام بن نوح وكانت
منازلهم بالحجر وهو بين تبوك والحجاز (قوله الحجر موضع ثمود وأما حرث حجر حرام) هو تفسير
أبي عبيدة قال في قوله تعالى وقالوا هذه انعام وحرث حجر أي حرام (قوله وكل ممنوع فهو حجر
ومنه حجرا محجورا) قال أبو عبيدة في قوله تعالى ويقولون حجرا محجورا أي حراما محرما (قوله
والحجر كل بناء بنيته وما حجرت عليه من الأرض فهو حجر ومنه سمي حطيم البيت حجرا) قال أبو
عبيدة ومن الحرام سمي حجر الكعبة وقال غيره سمي حطيما لأنه أخرج من البيت وترك هو
محطوما وقيل الحطيم ما بين الركن والباب سمي حطيما لازدحام الناس فيه (قوله كأنه مشتق
من محطوم) أي الحطيم (مثل قتيل من مقتول) وهذا على رأي الأكثر وقيل سمي حطيما لان
العرب كانت تطرح فيه ثيابها التي تطوف فيها وتتركها حتى تتحطم وتفسد بطول الزمان وسيأتي
هذا فيما بعد عن ابن عباس فعلى هذا هو فعيل بمعنى فاعل وقيل سمي حطيما لأنه كان من جملة
268

الكعبة فأخرج عنها وكأنه كسر منها فيصح لهم فعيل بمعنى مفعول وقوله مشتق ليس هو محمولا
على الاشتقاق الذي حدث اصطلاحه (قوله ويقال للأنثى من الخيل حجر ويقال للعقل حجر
وحجى) هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى لذي حجر أي عقل قال ويقال (3) للأنثى من الخيل حجر
(قوله وأما حجر اليمامة فهو المنزل) ذكره استطرادا والا فهذا بفتح أوله هي قصبة اليمامة البلد
المشهور بين الحجاز واليمن ثم ذكر المصنف في الباب حديث عبد الله بن زمعة في ذكر عاقر الناقة
(قوله ومنعة) بفتح الميم والنون والمهملة (قوله في قومه) كذا للأكثر وللكشميهني والسرخسي
في قوة (قوله كأبي زمعة) هو الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى وسيأتي بيان ذلك
في التفسير حيث ساقه المصنف مطولا وليس لعبد الله بن زمعة في البخاري غير هذا الحديث وهو
يشتمل على ثلاثة أحاديث وقد فرقها في النكاح وغيره وعاقر الناقة اسمه قدار بن سالف قيل كان
أحمر أزرق أصهب وذكر ابن إسحاق في المبتدا وغير واحد أن سبب عقرهم الناقة أنهم كانوا
اقترحوها على صالح عليه السلام فأجابهم إلى ذلك بعد أن تعنتوا في وصفها فأخرج الله له ناقة
من صخرة بالصفة المطلوبة فآمن بعض وكفر بعض واتفقوا على أن يتركوا الناقة ترعى حيث
شاءت وترد الماء يوما بعد يوم وكانت إذا وردت تشرب ماء البئر كله وكانوا يرفعون حاجتهم من
الماء في يومهم للغد ثم ضاق بهم الامر في ذلك فانتدب تسعة رهط منهم قدار المذكور فباشر
عقرها فلما بلغ ذلك صالحا عليه السلام أعلمهم بأن العذاب سيقع بهم بعد ثلاثة أيام فوقع كذلك
كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه وأخرج أحمد وابن أبي حاتم من حديث جابر رفعه ان الناقة
كانت ترد يومها فتشرب جميع الماء ويحتلبون منها مثل الذي كانت تشرب وفي سنده إسماعيل
ابن عياش وفي روايته عن غير الشاميين ضعف وهذا منها ثم ذكر المصنف حديث ابن عمر في بئر ثمود
(قوله حدثنا سليمان) هو ابن بلال (قوله فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين ويهريقوا ذلك الماء)
بين في رواية نافع عقب هذا عن ابن عمر انه أمرهم أن يهريقوا ما استقوا من بيارها وأن يعلفوا
الإبل العجين (قوله ويروى عن سبرة بن معبد وأبي الشموس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
بالقاء الطعام) أما حديث سبرة بن معبد فوصله أحمد والطبراني من طريق عبد العزيز بن الربيع
ابن سبرة بن معبد عن أبيه عن جده سبرة وهو بفتح المهملة وسكون الموحدة الجهني قال قال
رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم لأصحابه حين راح من الحجر من كان عجن منكم من هذا الماء عجينه
أو حاس به حيسا فليلقه وليس لسبرة بن معبد في البخاري الا هذا الموضع وقد أغفله المزي في
الأطراف كالذي بعده وأما حديث أبي الشموس وهو بمعجمة ثم مهملة وهو بكري لا يعرف اسمه
فوصل حديثه البخاري في الأدب المفرد والطبراني وابن منده من طريق سليم بن مطير عن أبيه عنه
قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فذكر الحديث وفيه فألقى ذو العجين عجينه
وذو الحيس حيسه ورواه ابن أبي عاصم من هذا الوجه وزاد فقلت يا رسول الله قد حسيت حيسة
أفألقمها راحلتي قال نعم (قوله وقال أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم من اعتجن بمائه) وصله
البزار من طريق عبد الله بن قدامة عنه انهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأتوا
على واد فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم انكم بواد ملعون فأسرعوا وقال من اعتجن عجينه
أو طبخ قدرا فليكبها الحديث وقال لا أعلمه الا بهذا الاسناد (قوله في آخر حديث نافع وأمرهم
269

أن يستقوا من البئر التي كان تردها الناقة) في رواية الكشميهني التي كانت تردها الناقة وتضمنت
هذه الرواية زيادة على الروايات الماضية وسئل شيخنا الامام البلقيني من أين علمت تلك البئر
فقال بالتواتر إذ لا يشترط فيه الاسلام انتهى والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها بالوحي
ويحمل كلام الشيخ على من سيجئ بعد ذلك وفي الحديث كراهة الاستقاء من بيار ثمود ويلتحق
بها نظائرها من الآبار والعيون التي كانت لمن هلك بتعذيب الله تعالى على كفره واختلف في
الكراهة المذكورة هل هي للتنزيه أو للتحريم أو على التحريم هل يمتنع صحة التطهر من ذلك الماء
أم لا وقد تقدم كثير من مباحث هذا الحديث في باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب من
أوائل الصلاة (قوله تابعه أسامة) يعني ابن زيد الليثي (عن نافع) أي عن ابن عمر روينا هذه
الطريق موصولة في حديث حرملة عن ابن وهب قال أخبرنا أسامة بن زيد فذكر مثل حديث
عبيد الله وهو ابن عمر العمري وفي آخره وأمرهم أن ينزلوا على بئر ناقة صالح ويستقوا منها (قوله
حدثنا محمد) هو ابن مقاتل وعبد الله هو ابن المبارك (قوله لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا) زاد في
رواية الكشميهني أنفسهم وهذا يتناول مساكن ثمود وغيرهم ممن هو كصفتهم وإن كان السبب
ورد فيهم (قوله في الرواية الأخرى حدثنا وهب) هو ابن جرير بن حازم ويونس هو ابن يزيد
الأيلي (قوله الا أن تكونوا باكين) كذا للجميع لكن زعم ابن التين انه وقع في رواية القابسي
الا أن تكونوا باكيين بتحتانيتين قال وليس بصحيح لان الياء الأولى مكسورة في الأصل
فاستثقلت الكسرة وحذفت إحدى الياءين لالتقاء الساكنين (قوله أن يصيبكم ما أصابهم)
أي كراهية أو خشية أن يصيبكم والتقدير عند الكوفيين لئلا يصيبكم ويؤيد الأول انه وقع
في رواية لأحمد الا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فتباكوا خشية أن يصيبكم ما أصابهم
وروى أحمد والحاكم باسناد حسن عن جابر قال لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال
لا تسألوا الآيات فقد سالها قوم صالح وكانت الناقة ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فعتوا
عن أمر ربهم وكانت تشرب يوما ويشربون لبنها يوما فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من
تحت أديم السماء منهم الا رجلا واحدا كان في حرم الله وهو أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه
ما أصاب قومه وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال أبو رغال هو الجد الاعلى لثقيف
وهو بكسر الراء وتخفيف الغين المعجمة * (تنبيه) * وقع هذا الباب في أكثر نسخ البخاري متأخرا
عن هذا الموضع بعدة أبواب والصواب اثباته هنا وهذا مما يؤيد ما حكاه أبو الوليد الباجي عن أبي
ذر الهروي أن نسخة الأصل من البخاري كانت ورقا غير محبوك فربما وجدت الورقة في غير
موضعها فنسخت على ما وجدت فوقع في بعض التراجم اشكال بحسب ذلك والا فقد وقع في
القرآن ما يدل على أن ثمود كانوا بعد عاد كما كان عاد بعد قوم نوح (قوله باب قول
الله تعالى ويسألونك عن ذي القرنين إلى قوله سببا) كذا لأبي ذر وساق غيره الآية ثم اتفقوا إلى
قوله آتوني زبر الحديد وفي ايراد المصنف ترجمة ذي القرنين قبل إبراهيم إشارة إلى توهين قول
من زعم أنه الإسكندر اليوناني لان الإسكندر كان قريبا من زمن عيسى عليه السلام وبين زمن
إبراهيم وعيسى أكثر من ألفي سنة والذي يظهر أن الإسكندر المتأخر لقب بذي القرنين تشبيها
بالمتقدم لسعة ملكه وغلبته على البلاد الكثيرة أو لأنه لما غلب على الفرس وقتل ملكهم انتظم
270

له ملك المملكتين الواسعتين الروم والفرس فلقب ذا القرنين لذلك والحق ان الذي قص الله نباه
في القرآن هو المتقدم والفرق بينهما من أوجه * أحدها ما ذكرته والذي يدل على تقدم ذي
القرنين ما روى الفاكهي من طريق عبيد بن عمير أحد كبار التابعين ان ذا القرنين حج ماشيا فسمع
به إبراهيم فتلقاه ومن طريق عطاء عن ابن عباس ان ذا القرنين دخل المسجد الحرام فسلم على
إبراهيم وصافحه ويقال انه أول من صافح ومن طريق عثمان بن ساج أن ذا القرنين سأل إبراهيم
أن يدعو له فقال وكيف وقد أفسدتم بئري فقال لم يكن ذلك عن أمري يعني ان بعض الجند
فعل ذلك بغير علمه وذكر ابن هشام في التيجان ان إبراهيم تحاكم إلى ذي القرنين في شئ فحكم له
وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أحمد أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان
الكعبة فاستفهمهما عن ذلك فقالا نحن عبدان مأموران فقال من يشهد لكما فقامت
خمسة أكبش فشهدت فقال قد صدقتما قال وأظن الأكبش المذكورة حجارة ويحتمل أن تكون
غنما فهذه الآثار يشد بعضها بعضا ويدل على قدم عهد ذي القرنين * ثاني الأوجه قال الفخر
الرازي في تفسيره كان ذو القرنين نبيا وكان الإسكندر كافرا وكان معلمه أرسطا طاليس وكان
يأتمر بأمره وهو من الكفار بلا شك وسأذكر ما جاء في أنه كان نبيا أم لا * ثالثها كان ذو القرنين
من العرب كما سنذكر بعد وأما الإسكندر فهو من اليونان والعرب كلها من ولد سام بن نوح
بالاتفاق وان وقع الاختلاف هل هم كلهم من بني إسماعيل أولا واليونان من ولد يافث بن نوح
على الراجح فافترقا وشبهة من قال إن ذا القرنين هو الإسكندر وما أخرجه الطبري ومحمد بن ربيع
الجيزي في كتاب الصحابة الذين نزلوا مصر باسناد فيه ابن لهيعة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه
وسلم عن ذي القرنين فقال كان من الروم فأعطى ملكا فصار إلى مصر وبنى الإسكندرية فلما فرغ
أتاه ملك فعرج به فقال انظر ما تحتك قال أرى مدينة واحدة قال تلك الأرض كلها وانما أراد الله
أن يريك وقد جعل لك في الأرض سلطانا فسر فيها وعلم الجاهل وثبت العالم وهذا لو صح لرفع
النزاع ولكنه ضعيف والله أعلم وقد اختلف في ذي القرنين فقيل كان نبيا كما تقدم وهذا مروي
أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعليه ظاهر القرآن وأخرج الحاكم من حديث أبي هريرة
قال النبي صلى الله عليه وسلم لا أدري ذو القرنين كان نبيا أو لا وذكر وهب في المبتدا انه كان عبدا
صالحا وان الله بعثه إلى أربعة أمم أمتين بينهما طول الأرض وأمتين بينهما عرض الأرض وهي
ناسك ومنسك وتأويل وهاويل فذكر قصة طويلة حكاها الثعلبي في تفسيره وقال الزبير في أوائل
كتاب النسب حدثنا إبراهيم بن المنذر عن عبد العزيز بن عمران عن هشام بن سعد عن سعيد بن أبي
هلال عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل سمعت ابن الكوى يقول لعلي بن أبي طالب أخبرني
ما كان ذو القرنين قال كان رجلا أحب الله فأحبه بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه ضربة
مات منها ثم بعثه الله إليهم فضربوه على قرنه ضربة مات منها ثم بعثه الله فسمى ذو القرنين
وعبد العزيز ضعيف ولكن توبع على أبي الطفيل أخرجه سفيان بن عيينة في جامعه عن ابن أبي
حسين عن أبي الطفيل نحوه وزاد وناصح الله فناصحه وفيه لم يكن نبيا ولا ملكا وسنده صحيح
سمعناه في الأحاديث المختارة للحافظ الضياء وفيه اشكال لان قوله ولم يكن نبيا مغاير لقوله بعثه
الله إلى قومه الا أن يحمل البعث على غير رسالة النبوة وقيل كان ملكا من الملائكة حكاه الثعلبي
271

وهذا مروي عن عمر أنه سمع رجلا يقول يا ذا القرنين فقال تسميه بأسماء الملائكة وحكى الجاحظ
في الحيوان ان أمه كانت من بنات آدم وان أباه كان من الملائكة قال واسم أبيه فيرى واسم أمه
غيري وقيل كان من الملوك وعليه الأكثر وقد تقدم من حديث على ما يومئ إلى ذلك وسيأتي في
ترجمة موسى في الكلام على أخبار الخضر واختلف في سبب تسميته ذا القرنين فتقدم قول علي
وقيل لأنه بلغ المشرق والمغرب أخرجه الزبير بن بكار من طريق سليمان بن أسيد عن ابن شهاب
قال انما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها وقرن الشمس من مطلعها وقيل لأنه
ملكهما وقيل رأى في منامه انه أخذ بقرني الشمس وقيل كان له قرنان حقيقة وهذا أنكره علي
في رواية القاسم بن أبي بزة وقيل لأنه كان له ضفيرتان تواريهما ثيابه وقيل لأنه كانت له غديرتان
طويلتان من شعره حتى كان يطأ عليهما وتسمية الضفيرة من الشعر قرنا معروف ومنه قول أم
عطية وضفرنا شعرها ثلاثة قرون ومنه قول جميل * فلثمت فاها آخذا بقرونها * وقيل كانت
صفحتا رأسه من نحاس وقيل لتاجه قرنان وقيل كان في رأسه شبه القرنين وقيل لأنه دخل النور
والظلمة وقيل لأنه عمر حتى فني في زمنه قرنان من الناس وقيل لان قرني الشيطان عند مطلع
الشمس وقد بلغه وقيل لأنه كان كريم الطرفين أمه وأبوه من بيت شرف وقيل لأنه كان إذا قاتل
قاتل بيديه وركابيه جميعا وقيل لأنه أعطي علم الظاهر والباطن وقيل لأنه ملك فارس والروم
وقد اختلف في اسمه فروى ابن مردويه من حديث ابن عباس وأخرجه الزبير في كتاب النسب
عن إبراهيم بن المنذر عن عبد العزيز بن عمران عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن
الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال ذوا القرنين عبد الله بن الضحاك بن معد بن عدنان
واسناده ضعيف جدا لضعف عبد العزيز وشيخه وهو مباين لما تقدم انه كان في زمن إبراهيم
فكيف يكون من ذريته لا سيما على قول من قال كان بين عدنان وإبراهيم أربعون أبا أو أكثر
وقيل اسمه الصعب وبه جزم كعب الأحبار وذكره ابن هشام في التيجان عن ابن عباس أيضا وقال
أبو جعفر بن حبيب في كتاب المحبر هو المنذر بن أبي القيس أحد ملوك الحيرة وأمه ماء السماء
ماوية بنت عوف بن جشم قال وقيل اسمه الصعب بن قرن بن همال من ملوك حمير وقال الطبري
هو سكندروس بن قيليوس وقيل فيليس وبالثاني جزم المسعودي وقيل اسمه الهميسع ذكره
الهمداني في كتب النسب قال وكنيته أبو الصعب وهو ابن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان
ابن سبا وقيل ابن عبد الله بن قرين بن منصور بن عبد الله بن الأزد وقيل باسقاط عبد الله الأول
وأما قول ابن إسحاق الذي حكاه ابن هشام عنه ان اسم ذي القرنين مرزبان بن مردية بدال مهملة
وقيل بزاي فقد صرح بأنه الإسكندر ولذلك اشتهر على الألسنة لشهرة السيرة لابن إسحاق قال
السهيلي والظاهر من علم الاخبار أنهما اثنان أحدهما كان على عهد إبراهيم ويقال ان إبراهيم
تحاكم إليه في بئر السبع بالشام فقضى لإبراهيم والآخر كان قريبا من عهد عيسى (قلت) لكن
الأشبه أن المذكور في القرآن هو الأول بدليل ما ذكر في ترجمة الخضر حيث جرى ذكره في قصة
موسى قريبا انه كان على مقدمة ذي القرنين وقد ثبت قصة الخضر مع موسى وموسى كان قبل
زمن عيسى قطعا وتأتي بقية أخبار الخضر هناك إن شاء الله تعالى فهذا على طريقة من يقول إنه
الإسكندر وحكم السهيلي انه قيل إنه رجل من ولد يونان بن يافث اسمه هرمس ويقال هرديس
272

وحكى القرطبي المفسر تبعا للسهيلي انه قيل إنه افريدون وهو الملك القديم للفرس الذي قتل
الضحاك الجبار الذي يقول فيه الشاعر
فكأنه الضحاك في فتكاته * بالعالمين وأنت افريدون
وللضحاك قصص طويلة ذكرها الطبري وغيره والذي يقوي أن ذا القرنين من العرب لكثرة
ما ذكروه في اشعارهم قال أعشى بن ثعلبة
والصعب ذو القرنين أمسى ثاويا * بالحنو في جدث هناك مقيم
والحنو بكسر المهملة وسكون النون في ناحية المشرق وقال الربيع بن ضبيع
والصعب ذو القرنين عمر ملكه * ألفين أمسى بعد ذاك رميما
وقال قس بن ساعدة
والصعب ذو القرنين أصبح ثاويا * باللحد بين ملاعب الأرياح
وقال تبع الحميري
قد كان ذو القرنين قبلي مسلما * ملكا تدين له الملوك وتحشد
من بعده بلقيس كانت عمتي * ملكتهم حتى أتاها الهدهد
وقال بعض الحارثين يفتخر بكون ذي القرنين من اليمن يخاطب قوما من مضر
سموا لنا واحدا منكم فنعرفه * في الجاهلية لاسم الملك محتملا
كالتبعين وذي القرنين يقبله * أهل الحجى وأحق القول ما قبلا
وقال النعمان بن بشير الأنصاري الصحابي ابن الصحابي
ومن ذا يعادينا من الناس معشر * كرام وذو القرنين منا وحاتم
انتهى ويؤخذ من أكثر هذه الشواهد ان الراجح في اسمه الصعب ووقع ذكر ذي القرنين أيضا
في شعر امرئ القيس وأوس بن حجر وطرفة بن العبد وغيرهم وأخرج الزبير بن إبراهيم بن المنذر
عن محمد بن الضحاك بن عثمان عن أبيه عن سفيان الثوري قال بلغني أنه ملك الدنيا كلها أربعة
مؤمنان وكافران سليمان النبي عليه السلام وذو القرنين ونمرود وبختنصر ورواه وكيع في تفسيره
عن العلاء بن عبد الكريم سمعت مجاهدا يقول ملك الأرض أربعة فسماهم (قوله سببا طريقا)
هو قول أبي عبيدة في المجاز وروى ابن أبي شيبة من حديث علي مرفوعا انه قيل له كيف بلغ
ذو القرنين المشرق والمغرب قال سخر له السحاب وبسط له النور وبدت له الأسباب (قوله زبر الحديد
واحدها زبرة وهي القطع) هو قول أبي عبيدة أيضا قال زبر الحديد أي قطع الحديد واحدها زبرة
(قوله حتى إذا ساوى بين الصدفين يقال عن ابن عباس الجبلين) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي
ابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله بين الصدفين قال بين الجبلين وقال أبو عبيدة قوله بين الصدفين
اي ما بين الناحيتين من الجبلين (قوله والسدين الجبلين) روى ابن أبي حاتم من حديث عقبة بن
عامر مرفوعا في قصة ذي القرنين وأنه سار حتى بلغ مطلع الشمس ثم أتى السدين وهما جبلان
لينان يزلق عنهما كل شئ فبنى السدين وفي اسناده ضعف والسدين بالفتح والضم بمعنى قاله
الكسائي وقال أبو عمرو بن العلاء ما كان من صنع الله فبالضم وما كان من صنع الآدمي فبالفتح
وقيل بالفتح ما رأيته وبالضم ما توارى عنك (قوله خرجا أجرا) روى ابن أبي حاتم من طريق ابن
273

جريج عن عطاء عن ابن عباس قال خرجا قال أجرا عظيم (قوله آتوني أفرغ عليه قطرا أصب عليه
رصاصا ويقال الحديد ويقال الصفر وقال ابن عباس النحاس) أما القول الأول والثاني فحكاهما
أبو عبيدة قال في قوله أفرغ عليه قطرا اي أصب عليه حديدا ذائبا وجعله قوم الرصاص انتهى
والرصاص بفتح الراء وبكسرها أيضا وأما الثالث فرواه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك قال
أفرغ عليه قطرا قال صفرا وأما قول ابن عباس فوصله ابن أبي حاتم باسناد صحيح إلى عكرمة
عن ابن عباس قال أفرغ عليه قطرا قال النحاس ومن طريق السدي قال القطر النحاس المذاب
وبناه لهم بالحديد والنحاس ومن طريق وهب بن منبه قال شرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب
وجعل خلاله عرقا من نحاس أصفر فصار كأنه برد محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد
(قوله فما اسطاعوا أن يظهروه يعلوه) هو قول أبي عبيدة قال فما اسطاعوا أن يظهروه أي ان
يعلوه تقول ظهرت فوق الجبل أي علوته (قوله اسطاع استفعل من طعت له فلذلك فتح اسطاع
يسطيع وقال بعضهم استطاع يستطيع) يعني بفتح الهمزة من استطاع وضم الياء من يستطيع
(قوله جعله دكاء ألزقه بالأرض ويقال ناقة دكاء لا سنام لها والدكداك من الأرض مثله حتى
صلب وتلبد) قال أبو عبيدة جعله دكاء أي تركه مدكوكا أي ألزقه بالأرض ويقال ناقة دكاء أي
لا سنام لها مستوية الظهر والعرب تصف الفاعل والمفعول بمصدرهما فمن ذلك جعله دكا أي
مدكوكا (قوله وقال قتادة حدب أكمة) قال عبد الرزاق في التفسير عن معمر عن قتادة في قوله
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون قال من كل أكمة ويأجوج
ومأجوج قبيلتان من ولد يافث بن نوح روى ابن مردويه والحاكم من حديث حذيفة مرفوعا
يأجوج أمة ومأجوج أمة كل أمة أربعمائة الف رجل لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف رجل
من صلبه كلهم قد حمل السلاح لا يمرون على شئ إذا خرجوا الا أكلوه ويأكلون من مات منهم
وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وقد أشار النووي وغيره إلى حكاية من زعم أن
آدم نام فاحتلم فاختلط منيه بتراب فتولد منه ولد يأجوج ومأجوج من نسله وهو قول منكر
جدا لا أصل له الا عن بعض أهل الكتاب وذكر ابن هشام في التيجان ان أمة منهم آمنوا بالله
فتركهم ذو القرنين لما بنى السد بأرمينية فسموا الترك لذلك (قوله وقال رجل للنبي صلى الله
عليه وسلم رأيت السد من مثل البرد المحبر قال رأيته) وصله ابن أبي عمر من طريق سعيد بن أبي عروبة
عن قتادة عن رجل من أهل المدينة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله قد رأيت سد
يأجوج ومأجوج قال كيف رأيته قال مثل البرد المحبر طريقة حمراء وطريقة سوداء قال قد رأيته
ورواه الطبراني من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن رجلين عن أبي بكرة ان رجلا اتى النبي صلى
الله عليه وسلم فقال فذكر نحوه وزاد فيه زيادة منكرة وهي والذي نفسي بيده لقد رأيته ليلة
أسري بي لبنة من ذهب ولبنة من فضة وأخرجه البزار من طريق يوسف بن أبي مريم الحنفي عن
أبي بكرة ورجل رأى السد فساقه مطولا ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث موصولة
* أحدها حديث زينب بنت جحش في ذكر ردم يأجوج ومأجوج وسيأتي شرحه مستوفى في آخر
274

كتاب الفتن * ثانيها حديث أبي هريرة نحوه باختصار ويأتي هناك أيضا * ثالثها حديث أبي سعيد في
بعث النار وسيأتي شرحه في أواخر الرقاق والغرض منه هنا ذكر يأجوج ومأجوج والإشارة
إلى كثرتهم وان هذه الأمة بالنسبة إليهم نحو عشر عشر العشر وانهم من ذرية آدم ردا على من قال
خلاف ذلك (قوله باب قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا وقوله إن إبراهيم
كان أمة قانتا لله وقوله إن إبراهيم لاواه حليم) وكأنه أشار بهذه الآيات إلى ثناء الله تعالى على
إبراهيم عليه السلام وإبراهيم بالسريانية معناه أب راحم والخليل فعيل بمعنى فاعل وهو من
الخلة بالضم وهي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله وهذا صحيح بالنسبة إلى
ما في قلب إبراهيم من حب الله تعالى وأما اطلاقه في حق الله تعالى فعلى سبيل المقابلة وقيل الخلة
أصلها الاستصفاء وسمي بذلك لأنه يوالي ويعادي في الله تعالى وخلة الله له نصره وجعله إماما
وقيل هو مشتق من الخلة بفتح المعجمة وهي الحاجة سمي بذلك لانقطاعه إلى ربه وقصره حاجته
عليه وسيأتي تفسير الآية في تفسير النحل إن شاء الله تعالى وإبراهيم هو ابن آزر واسمه تارح
بمثناة وراء مفتوحة وآخره حاء مهملة ابن ناحور بنون ومهملة مضمومة ابن شاروخ بمعجمة وراء
مضمومة وآخره خاء معجمة ابن راغوء بغين معجمة بن فالخ بفاء ولام مفتوحة بعدها معجمة ابن عبير
ويقال عابر وهو بمهملة وموحدة ابن شالخ بمعجمتين ابن ارفخشذ بن سام ابن نوح لا يختلف جمهور
أهل النسب ولا أهل الكتاب في ذلك الا في النطق ببعض هذه الأسماء نعم ساق ابن حبان في أول
تاريخه خلاف ذلك وهو شاذ (قوله وقال أبو ميسرة الرحيم بلسان الحبشة) يعني الأواه وهذا
الأثر وصله وكيع في تفسيره من طريق أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال الأواه
الرحيم بلسان الحبشة وروى ابن أبي حاتم من طريق ابن مسعود باسناد حسن قال الأواه
الرحيم ولم يقل بلسان الحبشة ومن طريق عبد الله بن شداد أحد كبار التابعين قال قال رجل
يا رسول الله ما الأواه قال الخاشع المتضرع في الدعاء ومن طريق ابن عباس قال الأواه الموقن
ومن طريق مجاهد قال الأواه الحفيظ الرجل يذنب الذنب سرا ثم يتوب منه سرا ومن وجه آخر
عن مجاهد قال الأواه المنيب الفقيه الموفق ومن طريق الشعبي قال الأواه المسبح ومن طريق
كعب الأحبار في قوله اواه قال كان إذا ذكر النار قال اواه من عذاب الله ومن طريق أبي ذر قال
كان رجل يطوف بالبيت ويقول في دعائه أوه أوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم انه لاواه رجاله
ثقات الا ان فيه رجلا مبهما وذكر أبو عبيدة انه فعال من التأوه ومعناه متضرع شفقا ولزوما
لطاعة ربه ثم ذكر المصنف في الباب عشرين حديثا * أحدها حديث ابن عباس في صفة
الحشر والمقصود منه قوله وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام وروى البيهقي في
الأسماء من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا أول من يكسى إبراهيم حلة من الجنة ويؤتى بكرسي
فيطرح عن يمين العرش ويؤتى بي فاكسى حلة لا يقوم لها البشر ويقال ان الحكمة في
خصوصية إبراهيم بذلك لكونه ألقي في النار عريانا وقيل لأنه أول من لبس السراويل ولا يلزم
275

من خصوصيته عليه السلام بذلك تفضيله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لان المفضول قد يمتاز
بشئ يخص به ولا يلزم منه الفضيلة المطلقة ويمكن أن يقال لا يدخل النبي صلى الله عليه وسلم
في ذلك على القول بان المتكلم لا يدخل في عموم خطابه وسيأتي مزيد لهذا في أواخر الرقاق
وقد ثبت لإبراهيم عليه السلام أو ليأت أخرى كثيرة منها أنه أول من ضاف الضيف وقص
الشارب واختتن ورأى الشيب وغير ذلك وقد أتيت على ذلك بأدلة في كتابي إقامة الدلائل على
معرفة الأوائل وسيأتي شرح حديث الباب مستوفى في أواخر الرقاق إن شاء الله تعالى * ثانيها
حديث أبي هريرة يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وسيأتي شرحه في تفسير الشعراء إن شاء الله
تعالى * ثالثها حديث ابن عباس في رؤية الصور في البيت أخرجه من وجهين وقد مضى أيضا
في الحج ويأتي شرحه فيما يتعلق بالأزلام في تفسير سورة المائدة إن شاء الله تعالى * رابعها حديث
أبي هريرة قيل يا رسول الله من أكرم الناس وسيأتي شرحه في قصة يعقوب (قوله وقال أبو أسامة
ومعتمر عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة) يعني أنهما خالفا يحيى القطان في الاسناد فلم يقولا
فيه عن سعيد عن أبيه ورواية أبي أسامة وصلها المصنف في قصة يوسف ورواية معتمر وصلها
المؤلف في قصة يعقوب * خامسها حديث سمرة في المنام الطويل الذي تقدم مع بعض شرحه
في آخر الجنائز ذكر منه هنا طرفا وهو قوله فأتينا على رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا وأنه
إبراهيم عليه السلام وسيأتي شرحه مستوفى إن شاء الله تعالى في كتاب التعبير * سادسها حديث
ابن عباس وقد سبق في الحج ويأتي شرحه في ذكر الدجال وغيره والغرض منه قوله أما إبراهيم
فانظروا إلى صاحبكم وأشار بذلك إلى نفسه فإنه كان أشبه الناس بإبراهيم عليه السلام * سابعها
حديث أبي هريرة اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم رويناه بالتشديد عن الأصيلي
والقابسي ووقع في رواية غيرهما بالتخفيف قال النووي لم يختلف الرواة عند مسلم في التخفيف
وأنكر يعقوب بن شيبة التشديد أصلا واختلف في المراد به فقيل هو اسم مكان وقيل اسم آلة
النجار فعلى الثاني هو بالتخفيف لا غير وعلى الأول ففيه اللغتان هذا قول الأكثر وعكسه
الداودي وقد أنكر ابن السكيت التشديد في الآلة ثم اختلف فقيل هي قرية بالشام وقيل
276

ثنية بالسراة والراجح أن المراد في الحديث الآلة فقد روى أبو يعلى من طريق علي بن رباح قال أمر
إبراهيم بالختان فأختتن بقدوم فاشتد عليه فاوحى الله إليه أن عجلت قبل أن نأمرك بآلته فقال
يا رب كرهت أن أؤخر أمرك (قوله حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب حدثنا أبو الزناد وقال بالقدوم
مخففة) يعني انه روى الحديث المذكور بالاسناد المذكور أولا وصرح بتخفيف الدال وهذا
يؤيد رواية الأصيلي والقابسي * (تنبيه) * وقع في بعض النسخ تقديم رواية أبي اليمان بعد رواية
قتيبة والذي هنا هو المعتمد (قوله تابعه عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد وتابعه عجلان
عن أبيه عن أبي هريرة ورواه محمد بن عمرو عن أبي أسلمة عن أبي هريرة) أما متابعة عبد الرحمن
ابن إسحاق فوصلها مسدد في مسنده عن بشر بن المفضل عنه ولفظه اختتن إبراهيم بعد ما مرت به
ثمانون واختتن بالقدوم وأما متابعة عجلان فوصلها أحمد عن يحيى القطان عن ابن عجلان مثل
رواية قتيبة وأما رواية محمد بن عمرو فوصلها أبو يعلى في مسنده من هذا الوجه ولفظه اختتن
إبراهيم على رأس ثمانين سنة واختتن بالقدوم فاتفقت هذه الروايات على أنه كان ابن ثمانين سنة
عند اختتانه ووقع في الموطأ موقوفا عن أبي هريرة وعند ابن حبان مرفوعا أن إبراهيم اختتن
وهو ابن مائة وعشرين سنة والظاهر أنه سقط من المتن شئ فان هذا القدر هو مقدار عمره
ووقع في آخر كتاب العقيقة لأبي الشيخ من طريق الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب
موصولا مرفوعا مثله وزاد وعاش بعد ذلك ثمانين سنة فعلى هذا يكون عاش مائتي سنة والله أعلم
وجمع بعضهم بان الأول حسب من مبدأ نبوته والثاني من مبدأ مولد ه‌ا * لحديث الثامن (قوله
حدثنا سعيد بن تليد بفتح المثناة وكسر اللام وبعد التحتانية الساكنة مهملة الرعيني بمهملتين
ونون مصغر مصري مشهور وأيوب هو السختياني ومحمد هو ابن سيرين وقد أورده المصنف من
وجهين عن أيوب وساقه على لفظ حماد بن زيد عن أيوب ولم يقع التصريح برفعه في روايته وقد
رواه في النكاح عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد فصرح برفعه لكن لم يسق لفظه ولم يقع
رفعه هنا في رواية النسفي ولا كريمة وهو المعتمد في رواية حماد بن زيد وكذا رواه عبد الرزاق عن
معمر غير مرفوع والحديث في الأصل مرفوع كما في رواية جرير بن حازم وكما في رواية هشام بن
حسان عن ابن سيرين عند النسائي والبزار وابن حبان وكذا تقدم في البيوع من رواية الأعرج
عن أبي هريرة مرفوعا ولكن ابن سيرين كان غالبا لا يصرح برفع كثير من حديثه (قوله لم يكذب
إبراهيم عليه الصلاة والسلام الا ثلاث كذبات) قال أبو البقاء الجيد أن يقال بفتح الذال في
الجمع لأنه جمع كذبة بسكون الذال وهو اسم لا صفة لأنك تقول كذب كذبة كما تقول ركع ركعة
ولو كان صفة لسكن في الجمع وقد أورد على هذا الحصر ما رواه مسلم من حديث أبي زرعة عن أبي
هريرة في حديث الشفاعة الطويل فقال في قصة إبراهيم وذكر كذباته ثم ساقه من طريق أخرى
من هذا الوجه وقال في آخره وزاد في قصة إبراهيم وذكر قوله في الكوكب هذا ربي وقوله لآلهتهم
بل فعله كبيرهم هذا وقوله اني سقيم انتهى قال القرطبي ذكر الكوكب يقتضي أنها أربع وقد
جاء في رواية ابن سيرين بصيغة الحصر فيحتاج في ذكر الكوكب إلى تأويل (قلت) الذي يظهر
أنها وهم من بعض الرواة فإنه ذكر قوله في الكوكب بدل قوله في سارة والذي اتفقت عليه الطرق
ذكر سارة دون الكوكب وكأنه لم يعد مع أنه أدخل من ذكر سارة لما نقل أنه قاله في حال الطفولية
277

فلم يعدها لان حال الطفولية ليست بحال تكليف وهذه طريقة ابن إسحاق وقيل انما قال ذلك
بعد البلوغ لكنه قاله على طريق الاستفهام الذي يقصد به التوبيخ وقيل قاله على طريق
الاحتجاج على قومه تنبيها على أن الذي يتغير لا يصلح للربوبية وهذا قول الأكثر أنه قال توبيخا
لقومه أو تهكما بهم وهو المعتمد ولهذا لم يعد ذلك في الكذبات وأما اطلاقه الكذب على الأمور
الثلاثة فلكونه قال قولا يعتقده السامع كذبا لكنه إذا حقق لم يكن كذبا لأنه من باب المعاريض
المحتملة للامرين فليس بكذب محض فقوله اني سقيم يحتمل أن يكون أراد أني سقيم أي سأسقم
واسم الفاعل يستعمل بمعنى المستقبل كثيرا ويحتمل أنه أراد اني سقيم بما قدر علي من الموت أو
سقيم الحجة على الخروج معكم وحكى النووي عن بعضهم أنه كان تأخذه الحمى في ذلك الوقت وهو
بعيد لأنه لو كان كذلك لم يكن كذبا لا تصريحا ولا تعريضا وقوله بل فعله كبيرهم قال القرطبي
هذا قاله تمهيدا للاستدلال على أن الأصنام ليست بآلهة وقطعا لقومه في قولهم إنها تضر وتنفع
وهذا الاستدلال يتجوز فيه في الشرط المتصل ولهذا أردف قوله بل فعله كبيرهم بقوله فاسألوهم
ان كانوا ينطقون قال ابن قتيبة معناه ان كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم هذا فالحاصل أنه مشترط
بقوله ان كانوا ينطقون أو انه أسند إليه ذلك لكونه السبب وعن الكسائي انه كان يقف عند
قوله بل فعله أي فعله من فعله كائنا من كان ثم يبتدئ كبيرهم هذا وهذا خبر مستقل ثم يقول
فاسألوهم إلى آخره ولا يخفى تكلفه وقوله هذه أختي يعتذر عنه بان مراده انها أخته في الاسلام
كما سيأتي واضحا قال ابن عقيل دلالة العقل تصرف ظاهر اطلاق الكذب على إبراهيم وذلك
أن العقل قطع بان الرسول ينبغي أن يكون موثوقا به ليعلم صدق ما جاء به عن الله ولا ثقة مع
تجويز الكذب عليه فكيف مع وجود الكذب منه وانما أطلق عليه ذلك لكونه بصورة
الكذب عند السامع وعلى تقديره فلم يصدر ذلك من إبراهيم عليه السلام يعني اطلاق الكذب
على ذلك الا في حال شدة الخوف لعلو مقامه والا فالكذب المحض في مثل تلك المقامات يجوز وقد
يجب لتحمل أخف الضررين دفعا لأعظمهما وأما تسميته إياها كذبات فلا يريد أنها تذم فان
الكذب وإن كان قبيحا مخلا لكنه قد يحسن في مواضع وهذا منها (قوله ثنتين منهن في ذات الله)
خصهما بذلك لان قصة سارة وإن كانت أيضا في ذات الله لكن تضمنت حظا لنفسه ونفعا له
بخلاف الثنتين الأخيرتين فإنهما في ذات الله محضا وقد وقع في رواية هشام بن حسان المذكورة
أن إبراهيم لم يكذب قط الا ثلاث كذبات كل ذلك في ذات الله وفي حديث ابن عباس عند أحمد
والله ان جادل بهن الا عن دين الله (قوله بينا هو ذات يوم وسارة) في رواية مسلم وواحدة في شأن
سارة فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة وكانت أحسن الناس واسم الجبار المذكور عمرو بن امرئ
القيس بن سبا وانه كان على مصر ذكره السهيلي وهو قول ابن هشام في التيجان وقيل اسمه
صادوق وحكاه ابن قتيبة وكان على الأردن وقيل سنان بن علوان بن عبيد بن عريج ابن عملاق بن
لاود بن سام بن نوح حكاه الطبري ويقال انه أخو الضحاك الذي ملك الأقاليم (قوله فقيل له ان هذا
رجل) في رواية المستملي ان هنا رجلا وفي كتاب التيجان ان قائل ذلك رجل كان إبراهيم يشتري
منه القمح فنم عليه عند الملك وذكر أن من جملة ما قاله للملك اني رأيتها تطحن وهذا هو السبب في
اعطاء الملك لها هاجر في آخر الامر وقال إن هذه لا تصلح أن تخدم نفسها (قوله من أحسن
278

الناس) في صحيح مسلم في حديث الاسراء الطويل من رواية ثابت عن أنس في ذكر يوسف أعطى
شطر الحسن زاد أبو يعلى من هذا الوجه أعطى يوسف وأمه شطر الحسن يعني سارة وفي رواية
الأعرج الماضية في أواخر البيوع هاجر إبراهيم بسارة فدخل بها قرية فيها ملك أو جبار فقيل
دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء واختلف في والد سارة مع القول بان اسمه هاران فقيل
هو ملك حران وان إبراهيم تزوجها لما هاجر من بلاد قومه إلى حران وقيل هي ابنة أخيه وكان
ذلك جائزا في تلك الشريعة حكاه ابن قتيبة والنقاش واستبعد وقيل بل هي بنت عمه وتوافق
الاسمان وقد قيل في اسم أبيها توبل (قوله فأرسل إليه فسأله عنها فقال من هذه قال أختي فأتى
سارة فقال يا سارة ليس على وجه الأرض الخ) هذا ظاهر في أنه سأله عنها أولا ثم أعلمها بذلك لئلا
تكذبه عنده وفي رواية هشام بن حسان أنه قال لها ان هذا الجبار ان يعلم انك امرأتي يغلبني
عليك فان سألك فاخبريه أنك أختي وانك أختي في الاسلام فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار
فأتاه فقال لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي أن تكون الا لك فأرسل إليها الحديث فيمكن أن يجمع
بينهما بان إبراهيم أحس بان الملك سيطلبها منه فأوصاها بما أوصاها فلما وقع ما حسبه أعاد عليها
الوصية واختلف في السبب الذي حمل إبراهيم على هذه الوصية مع أن ذلك الظالم يريد اغتصابها
على نفسها أختا كانت أو زوجة فقيل كان من دين ذلك الملك ان لا يتعرض الا لذوات الأزواج
كذا قيل ويحتاج إلى تتمة وهو ان إبراهيم أراد دفع أعظم الضررين بارتكاب اخفهما وذلك أن
اغتصاب الملك إياها واقع لا محالة لكن ان علم أن لها زوجا في الحياة حملته الغيرة على قتله
واعدامه أو حبسه واضراره بخلاف ما إذا علم أن لها أخا فان الغيرة حينئذ تكون من قبل الأخ
خاصة لا من قبل الملك فلا يبالي به وقيل أراد ان علم انك امرأتي ألزمني بالطلاق والتقرير الذي
قررته جاء صريحا عن وهب بن منبه فيما أخرجه عبد بن حميد في تفسيره من طريقه وقيل كان
من دين الملك ان الأخ أحق بان تكون أخته زوجته من غيره فلذلك قال هي أختي اعتمادا على
ما يعتقده الجبار فلا ينازعه فيها وتعقب بأنه لو كان كذلك لقال هي أختي وانا زوجها فلم اقتصر
على قوله هي أختي وأيضا فالجواب انما يفيد لو كان الجبار يريد أن يتزوجها لا ان يغتصبها
نفسها وذكر المنذري في حاشية السنن عن بعض أهل الكتاب انه كان من رأى الجبار المذكور
ان من كانت متزوجة لا يقربها حتى يقتل زوجها فلذلك قال إبراهيم هي أختي لأنه إن كان عادلا
خطبها منه ثم يرجو مدافعته عنها وإن كان ظالما خلص من القتل وليس هذا ببعيد مما قررته أولا
وهذا اخذ من كلام ابن الجوزي في مشكل الصحيحين فإنه نقله عن بعض علماء أهل الكتاب انه سأله
عن ذلك فأجاب به (قوله ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك) يشكل عليه كون لوط كان
معه كما قال تعالى فآمن له لوط ويمكن ان يجاب بان مراده بالأرض الأرض التي وقع له فيها ما وقع ولم
يكن معه لوط إذ ذاك (قوله فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فاخذ) كذا في أكثر الروايات
وفي بعضها ذهب يناولها يده وفي رواية مسلم فقام إبراهيم إلى الصلاة فلما دخلت عليه أي على
الملك لم يتمالك ان بسط يده إليها فقبضت يده قبضة شديدة وفي رواية أبي الزناد عن الأعرج من
الزيادة فقام إليها فقامت توضأ وتصلي وقوله في هذه الرواية فغط هو بضم المعجمة في أوله وقوله حتى
ركض برجله يعني انه اختنق حتى صار كأنه مصروع قيل الغط صوت النائم من شدة النفخ
279

وحكى ابن التين انه ضبط في بعض الأصول فغط بفتح الغين والصواب ضمها ويمكن الجمع بأنه عوقب
تارة بقبض يده وتارة بانصراعة وقوله فدعت من الدعاء في رواية الأعرج المذكورة ولفظه
فقالت اللهم ان كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي الا على زوجي فلا تسلط علي
الكافر ويجاب عن قولها ان كنت مع كونها قاطعة بأنه سبحانه وتعالى يعلم ذلك بأنها ذكرته على
سبيل الفرض هضما لنفسها (قوله فقال ادعى الله لي ولا أضرك) في رواية مسلم فقال لها ادعى الله
أن يطلق يدي ففعلت في رواية أبي الزناد المذكورة قال أبو سلمة قال أبو هريرة قالت اللهم ان يمت
يقولوا هي التي قتلته قال فأرسل (قوله ثم تناولها الثانية) في رواية الأعرج ثم قام إليها فقامت
توضأ وتصلي (قوله فاخذ مثلها أو أشد) في رواية مسلم فقبضت أشد من القبضة الأولى (قوله
فدعا بعض حجبته) بفتح المهملة والجيم والموحدة جمع حاجب في رواية مسلم ودعا الذي جاء بها ولم
أقف على اسمه (قوله انك لم تأتني بانسان انما آتيتني بشيطان في) رواية الأعرج ما أرسلتم إلي
الا شيطانا ارجعوها إلى إبراهيم وهذا يناسب ما وقع له من الصرع والمراد بالشيطان المتمرد من
الجن وكانوا قبل الاسلام يعظمون أمر الجن جدا ويرون كل ما وقع من الخوارق من فعلهم
وتصرفهم (قوله فاخدمها هاجر) أي وهبها لها لتخدمها لأنه أعظمها ان تخدم نفسها وفي رواية
مسلم فاخرجها من أرضي واعطها آجر ذكرها بهمزة بدل الهاء وهي كذلك في رواية الأعرج
والجيم مفتوحة على كل حال وهي اسم سرياني ويقال ان أباها كان من ملوك القبط وانها من
حفن بفتح المهملة وسكون الفاء قرية بمصر قال اليعقوبي كانت مدينة انتهى وهي الآن
كفر من عمل أنصنا بالبر الشرقي من الصعيد في مقابلة الأشمونين وفيها آثار عظيمة باقية (قوله
فاتته) في رواية الأعرج فأقبلت تمشي فلما رآها إبراهيم (قوله مهيم) في رواية المستملي مهيا وفي رواية
ابن السكن مهين بنون وهي بدل الميم وكان المستملي لما سمعها بنون ظنها نون تنوين ويقال ان
الخليل أول من قال هذه الكلمة ومعناها ما الخبر (قوله رد الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره)
هذا مثل تقوله العرب لمن أراد أمرا باطلا فلم يصل إليه ووقع في رواية الأعرج أشعرت ان الله
كبت الكافر وأخدم وليدة أي جارية للخدمة وكبت بفتح الكاف والموحدة ثم مثناة أي رده
خاسئا ويقال أصله كبد أي بلغ الهم كبده ثم أبدلت الدال مثناة ويحتمل أن يكون واخدم معطوفا
على كببت ويحتمل أن يكون فاعل أخدم هو الكافر فيكون استئنافا (قوله قال أبو هريرة تلك
أمكم يا بني ماء السماء) كأنه خاطب بذلك العرب لكثرة ملازمتهم للفلوات التي بها مواقع القطر
لأجل رعى دوابهم ففيه تمسك لمن زعم أن العرب كلهم من ولد إسماعيل وقيل أراد بماء السماء
زمزم لان الله أنبعها لهاجر فعاش ولدها بها فصاروا كأنهم أولادها قال ابن حبان في صحيحه كل
من كان من ولد إسماعيل يقال له ماء السماء لان إسماعيل ولد هاجر وقد ربي بماء زمزم وهي من ماء
السماء وقيل سموا بذلك لخلوص نسبهم وصفائه فأشبه ماء السماء وعلى هذا فلا متمسك فيه
وقيل المراد بماء السماء عامر والد عمرو بن عامر بن بقيا بن حارثة بن العطريف وهو جد الأوس
والخزرج قالوا انما سمي بذلك لأنه كان إذا قحط الناس أقام لهم ماله مقام المطر وهذا أيضا على
القول بان العرب كلها من ولد إسماعيل وسيأتي زيادة في هذه المسألة في أوائل المناقب إن شاء الله
تعالى وفي الحديث مشروعية أخوة الاسلام وإباحة المعاريض والرخصة في الانقياد للظالم
280

والغاصب وقبول صلة الملك الظالم وقبول هدية المشرك وإجابة الدعاء باخلاص النية وكفاية
الرب لمن أخلص في الدعاء بعمله الصالح وسيأتي نظيره في قصة أصحاب الغار وفيه ابتلاء الصالحين
لرفع درجاتهم ويقال ان الله كشف لإبراهيم حتى رأى حال الملك مع سارة معاينة وانه لم يصل منها
إلى شئ ذكر ذلك في التيجان ولفظه فامر بادخال إبراهيم وسارة عليه ثم نحى إبراهيم إلى خارج
القصر وقام إلى سارة فجعل الله القصر لإبراهيم كالقارورة الصافية فصار يراهما ويسمع كلامهما
وفيه ان من نابه أمر مهم من الكرب ينبغي له ان يفزع إلى الصلاة وفيه ان الوضوء كان مشروعا
للأمم قبلنا وليس مختصا بهذه الأمة ولا بالأنبياء لثبوت ذلك عن سارة والجمهور على انها ليست
بنبية * الحديث التاسع (قوله حدثنا عبيد الله بن موسى أو ابن سلام عنه) كأن البخاري شك
في سماعه له من عبيد الله بن موسى وهو من أكبر مشايخه وتحقق انه سمعه من محمد بن سلام عنه
فأورده هكذا وقد وقع له نظير هذا في أماكن عديدة (قوله عن عبد الحميد بن جبير) هو ابن شيبة
ابن عثمان الحجبي والاسناد كله حجازيون من ابن جريج فصاعدا وفي رواية الإسماعيلي من طريق
يحيى القطان وأبي عاصم عن ابن جريج أخبرني عبد الحميد (قوله أم شريك) في رواية أبي عاصم
إحدى نساء بني عامر بن لؤي ولفظ المتن انها استأمرت النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الوزغات
فأمر بقتلهن ولم يذكر الزيادة والوزغات بالفتح جمع وزغة وهي بالفتح أيضا وذكر بعض الحكماء ان
الوزغ اصم وانه لا يدخل في مكان فيه زعفران وانه يلقح بفيه وانه يبيض ويقال لكبارها سام
أبرص وهو بتشديد الميم * الحديث العاشر حديث ابن مسعود لما نزل الذين آمنوا ولم يلبسوا
ايمانهم بظلم * الحديث مضى شرحه في كتاب الايمان قال الإسماعيلي كذا أورد هذا الحديث
في ترجمة إبراهيم ولا أعلم فيه شيئا من قصة إبراهيم كذا قال وخفي عليه انه حكاية عن قول إبراهيم
عليه السلام لأنه سبحانه لما فرغ من حكاية قول إبراهيم في الكوكب والقمر والشمس ذكر محاجة
قومه له ثم حكى أنه قال لهم وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم يا لله ما لم ينزل به
عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن فهذا كله عن إبراهيم وقوله إن كنتم تعلمون خطاب
لقومه ثم قال الذين آمنوا إلى آخره يعني ان الذين هم أحق بالأمن هم الذين آمنوا وقال بعد ذلك
وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه فظهر تعلق ذلك بترجمة إبراهيم وروى الحاكم في المستدرك
من حديث علي رضي الله عنه انه قرأ هذه الآية الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم قال نزلت
هذه الآية في إبراهيم وأصحابه واقتصر الكرماني على قوله مناسبة هذا الحديث لقصة إبراهيم
اتصال هذه الآية بقوله وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه * الحديث الحادي عشر حديث
أبي هريرة في الشفاعة ذكر طرفا منه والغرض منه قول أهل الموقف لإبراهيم أنت نبي الله وخليله
من الأرض ووقع عند إسحاق بن راهويه ومن طريقه الحاكم في المستدرك من وجه آخر عن أبي
زرعة عن أبي هريرة في هذا الحديث فيقولون يا إبراهيم أنت خليل الرحمن قد سمع بخلتك أهل
السماوات والأرض وقد تقدم القول في معنى الخلة ويأتي شرح حديث الشفاعة في الرقاق
(قوله أمر بقتل الوزغ وقال كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام) ووقع في حديث عائشة عند
ابن ماجة وأحمد ان إبراهيم لما ألقى في النار لم يكن في الأرض دابة الا أطفأت عنه الا الوزغ
فإنها كانت تنفخ عليه فامر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها (قوله تابعه أنس عن النبي صلى
281

الله عليه وسلم) وصله المؤلف في التوحيد وفي غيره وسيأتي * (تنبيه) * وقع في رواية الحموي
والكشميهني قبل حديث أبي هريرة هذا ما صورته يزفون النسلان في المشي وفي رواية المستملي
والباقين باب بغير ترجمة وسقط ذلك من رواية النسفي ووهم من وقع عنده باب يزفون النسلان فإنه
كلام لا معنى له والذي يظهر ترجيح ما وقع عند المستملي وقوله باب بغير ترجمة يقع عندهم كالفصل
من الباب وتعلقه بما قبله واضح فان الكل من ترجمة إبراهيم وأما تفسير هذه الكلمة من القرآن
فإنها من جمله قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه حين كسر أصنامهم قال الله تعالى فأقبلوا إليه
يزفون قال مجاهد الوزيف النسلان أخرجه الطبري وابن أبي حاتم وروى ابن حاتم من
طريق السدي قال رجع إبراهيم عليه السلام إلى آلهتهم فإذا هي في بهو عظيم مستقبل باب البهو
صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى جنب بعض فإذا هم قد جعلوا طعاما بين يدي الأصنام
وقالوا إذا رجعنا وجدنا الآلهة بركت في طعامنا فأكلنا فلما نظر إليهم إبراهيم قال ألا تأكلون
مالكم لا تنطقون فاخذ حديدة فبقر كل صنم في حافتيه ثم علق الفأس في الصنم الأكبر ثم خرج
فلما رجعوا جمعوا لإبراهيم الحطب حتى أن المرأة لتمرض فتقول لئن عافاني الله لأجمعن لإبراهيم
حطبا فلما جمعوا له وأكثروا من الحطب وأرادوا احراقه قالت السماء والأرض والجبال
والملائكة ربنا خليلك إبراهيم يحرق قال أنا أعلم به وان دعاكم فأغيثوه فقال إبراهيم اللهم أنت
الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس أحد في الأرض يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل
انتهى وأظن البخاري إن كانت الترجمة محفوظة أشار إلى هذا القدر فإنه يناسب قولهم في حديث
الشفاعة أنت خليل الله من الأرض * الحديث الثاني عشر حديث ابن عباس في قصة إسماعيل
وزمزم ساقه من ثلاثة طرق الأولى (قوله عن عبد الله بن سعيد بن جبير) وقع في رواية ابن السكن
والإسماعيلي من طريق حجاج بن الشاعر عن وهب بن جرير زيادة أبي بن كعب ورواه النسائي عن
أحمد بن سعيد شيخ البخاري باسقاط عبد الله بن سعيد بن جبير وزيادة أبي ابن كعب قال النسائي
قال أحمد بن سعيد قال وهب وحدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه
ولم يذكر أبي بن كعب فوضح أن وهب بن جرير كان إذا رواه عن أبيه لم يذكر عبد الله بن سعيد وذكر
أبي بن كعب وإذا رواه عن حماد بن زيد ذكر عبد الله بن سعيد ولم يذكر أبي بن كعب وفي رواية
النسائي أيضا قال وهب بن جرير أتيت سلام بن أبي مطيع فحدثته بهذا عن حماد بن زيد فأنكره
انكارا شديدا ثم قال لي فأبوك ما يقول قلت يقول عن أيوب عن سعيد بن جبير فقال قد غلط انما
هو أيوب عن عكرمة بن خالد انتهى وليس ببعيد أن يكون لأيوب فيه عدة طرق فان إسماعيل بن
علية من كبار الحفاظ وقد قال فيه عن أيوب نبئت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ولم يذكر أبيا
وهو مما يؤيد رواية البخاري أخرجه الإسماعيلي من وجهين عن إسماعيل أحدهما هكذا والآخر
قال فيه عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير وقد رواه معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير بلا
واسطة كما أخرجه البخاري كما ترى وقد عاب الإسماعيلي على البخاري اخراجه رواية أيوب
لاضطرابها والذي يظهر ان اعتماد البخاري في سياق الحديث انما هو على رواية معمر عن كثير بن
كثير عن سعيد بن جبير وإن كان أخرجه مقرونا بأيوب فرواية أيوب اما عن سعيد بن جبير بلا
واسطة أو بواسطة ولده عبد الله ولا يستلزم ذلك قدحا لثقة الجميع فظهر أنه اختلاف لا يضر لأنه
282

يدور على ثقات حفاظ إن كان باثبات عبد الله بن سعيد بن جبير وأبي بن كعب فلا كلام وإن كان
باسقاطهما فأيوب قد سمع من سعيد بن جبير واما ابن عباس فإن كان لم يسمعه من النبي صلى
الله عليه وسلم فهو من مرسل الصحابة ولم يعتمد البخاري على هذا الاسناد الخالص كما ترى وقد
سبق إلى الاعتذار عن البخاري ورد كلام الإسماعيلي بنحو هذا الحافظ أبو علي الجياني في تقييد
المهمل الطريق الثانية (قوله وقال الأنصاري حدثنا ابن جريج قال أما كثير بن كثير فحدثني
قال إني وعثمان بن أبي سليمان جلوس مع سعيد بن جبير فقال ما هكذا حدثني ابن عباس ولكنه
قال اقبل إبراهيم بإسماعيل وأمه عليهم السلام وهي ترضعه معها شنة لم يرفعه) انتهى هكذا ساقه
مختصرا معلقا وقد وصله أبو نعيم في المستخرج عن فاروق الخطابي عن عبد العزيز بن معاوية عن
الأنصاري وهو محمد بن عبد الله لكنه أورده مختصرا أيضا وكذلك أخرجه عمر بن شبة في كتاب
مكة عن محمد بن عبد الله الأنصاري وزاد في روايته اني وعثمان وعمر بن أبي سليمان وعثمان بن
حبشي جلوس مع سعيد بن جبير فكأنه كان عند الأنصاري كذلك وقد رواه الأزرقي من طريق
مسلم بن خالد الزنجي والفاكهي من طريق محمد بن جعشم كلاهما عن ابن جريج فبين فيه سبب
قول سعيد بن جبير ما هكذا حدثني ابن عباس ولفظه عن ابن جريج عن كثير بن كثير قال كنت
أنا وعثمان بن أبي سليمان وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين في أناس مع سعيد بن جبير بأعلى
المسجد ليلا فقال سعيد بن جبير سلوني قبل أن لا تروني فسأله القوم فأكثروا فكان مما سئل عنه
ان قال رجل أحق ما سمعنا في المقام مقام إبراهيم ان إبراهيم حين جاء من الشام حلف لامرأته
أن لا ينزل بمكة حتى يرجع فقربت 2 إليه امرأة إسماعيل المقام فوضع رجله عليه حتى لا ينزل فقال
سعيد بن جبير ليس هكذا حدثنا ابن عباس ولكن فساق الحديث بطوله وأخرجه الفاكهي
عن ابن أبي عمر عن عبد الرزاق بلفظ فقال يا معشر الشباب سلوني فاني قد أوشكت أن أذب
من بين أظهركم فأكثر الناس مسئلته فقال له رجل أصلحك الله أرأيت هذا المقام هو كما كنا
نتحدث قال وما كنت تتحدث قال كنا نقول إن إبراهيم حين جاء عرضت عليه امرأة إسماعيل
النزول فأبى أن ينزل فجاءته بذا الحجر فوضعته له فقال ليس كذلك وهكذا أخرجه الإسماعيلي
من طرق عن معمر (قوله أول ما اتخذ النساء المنطق) بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء هو
ما يشد به الوسط ووقع في رواية ابن جريج النطق بضم النون والطاء وهو جمع منطق وكان السبب
في ذلك ان سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم فحملت منه بإسماعيل فلما ولدته غارت منها فحلفت
لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منطقا فشدت به وسطها وهربت وجرت ذيلها لتخفي
أثرها على سارة ويقال ان إبراهيم شفع فيها وقال لسارة حللي يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها
وكانت أول من فعل ذلك ووقع في رواية ابن علية عند الإسماعيلي أول ما أحدث العرب جر
الذيول عن أم إسماعيل وذكر الحديث ويقال ان سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل
وأمه إلى مكة لذلك وروى ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وغيره ان الله لما بوأ لإبراهيم مكان
البيت خرج بإسماعيل وهو طفل صغير وأمه قال وحملوا فيما حدثت على البراق (قوله حتى
وضعهما) في رواية الكشميهني فوضعهما (قوله عند دوحة) بفتح المهملة وسكون الواو ثم مهملة
الشجرة الكبيرة (قوله فوق الزمزم) في رواية الكشميهني فوق زمزم وهو المعروف وسيأتي
283

شرح أمرها في أوائل السيرة النبوية (قوله في أعلى المسجد) أي مكان المسجد لأنه لم يكن حينئذ
بني (قوله وسقاء فيه ماء) السقاء بكسر أوله قربة صغيرة وفي رواية إبراهيم بن نافع عن كثير التي
بعد هذه الرواية ومعها شنة بفتح المعجمة وتشديد النون وهي القربة العتيقة (قوله ثم قفي إبراهيم)
أي ولي راجعا إلى الشام وفي رواية ابن إسحاق فانصرف إبراهيم إلى أهله بالشام وترك إسماعيل
وأمه عند البيت (قوله فتبعته أم إسماعيل) في رواية ابن جريج فأدركته بكداء وفي رواية عمر بن
شبة من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنها نادته ثلاثا فأجابها في الثالثة فقالت له من
أمرك بهذا قال الله (قوله اذن لا يضيعنا) في رواية عطاء بن السائب فقالت لن يضيعنا وفي رواية
ابن جريج فقالت حسبي وفي رواية إبراهيم بن نافع عن كثير المذكورة بعد هذا الحديث في الباب
فقالت رضيت بالله (قوله حتى إذا كان عند الثنية) بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد التحتانية
وقوله من طريق كداء بفتح الكاف ممدود هو الموضع الذي دخل النبي صلى الله عليه وسلم
مكة منه وهو معروف وقد مضى الكلام عليه في الحج ووقع في رواية الأصيلي البنية بالموحدة
بدل المثلثة وهو تصحيف وضبط ابن الجوزي كدي بالضم والقصر وقال هي التي بأسفل مكة عند
قعيقعان (1) قال لأنه وقع في الحديث انهم نزلوا بأسفل مكة (قلت) وذلك ليس بمانع ان يرجع من
أعلى مكة فالصواب ما وقع في الأصول بفتح الكاف والمد (قوله ربنا اني أسكنت من ذريتي) في
رواية الكشميهني رب اني أسكنت والأول هو الموافق للتلاوة (قوله حتى إذا نفد ما في السقاء
عطشت) زاد الفاكهي من حديث أبي جهم فانقطع لبنها وفي روايته وكان إسماعيل حينئذ ابن
سنتين (قوله فجعلت (2) تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط) في رواية الكشميهني يتلمظ وهي رواية معمر
أيضا ومعنى يتلبط وهو بموحدة ومهملة يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض ويقرب منها رواية عطاء
ابن السائب فلما ظمئ إسماعيل جعل يضرب الأرض بعقبيه وفي رواية إبراهيم بن نافع كأنه ينشغ
للموت وهو بفتح الياء وسكون النون وفتح المعجمة بعدها غين معجمة أي يشهق ويعلو صوته
وينخفض كالذي ينازع (قوله ثم استقبلت الوادي) في رواية عطاء بن السائب والوادي يومئذ
عميق وفي حديث أبي جهم تستغيث ربها وتدعوه (قوله ثم سعت سعي الانسان المجهود) اي الذي
أصابه الجهد وهو الامر المشق (قوله سبع مرات) في حديث أبي جهم وكان ذلك أول ما سعى
بين الصفا والمروة وفي رواية إبراهيم بن نافع انها كانت في كل مرة تتفقد إسماعيل وتنظر ما حدث
له بعدها وقال في روايته فلم تقرها نفسها وهو بضم أوله وكسر القاف ونفسها بالرفع الفاعل أي
لم تتركها نفسها مستقرة فتشاهده في حال الموت فرجعت وهذا في المرة الأخيرة (قوله فقالت صه)
بفتح المهملة وسكون الهاء وبكسرها منونة كأنها خاطبت نفسها فقالت لها اسكتي وفي رواية
إبراهيم بن نافع وابن جريج فقالت أغثني إن كان عندك خير (قوله إن كان عندك غواث)
284

بفتح أوله للأكثر وتخفيف الواو وآخره مثلثة قيل وليس في الأصوات فعال بفتح أوله غيره وحكى
ابن الأثير ضم أوله والمراد به على هذا المستغيث وحكى ابن قر قول كسره أيضا والضم رواية أبي ذر
وجزاء الشرط محذوف تقديره فأغثني (قوله فإذا هي بالملك) في رواية إبراهيم بن نافع وابن
جريج فإذا جبريل وفي حديث علي عند الطبري باسناد حسن فناداها جبريل فقال من أنت
قالت أنا هاجر أم ولد إبراهيم قال فإلى من وكلكما قالت إلى الله قال وكلكما إلى كاف (قوله
فبحث بعقبه أو قال بجناحه) شك من الراوي وفي رواية إبراهيم بن نافع فقال بعقبه هكذا وعمز
عقبة على الأرض وهي تعين أن ذلك كان بعقبه وفي رواية ابن جريج فركض جبريل برجله وفي
حديث علي ففحص الأرض بإصبعه فنبعت زمزم وقال ابن إسحاق في روايته فزعم العلماء انهم لم
يزالوا يسمعون انها همزة جبريل (قوله حتى ظهر الماء) في رواية ابن جريج ففاض الماء وفي
رواية ابن نافع فانبثق الماء وهي بنون وموحدة ومثلثة وقاف أي تفجر (قوله فجعلت تحوضه) بحاء
مهملة وضاد معجمة وتشديد أي تجعله مثل الحوض وفي رواية ابن نافع فدهشت أم إسماعيل
فجعلت تحفر وفي رواية الكشميهني من رواية ابن نافع تحفن بنون بدل الراء والأول أصوب ففي
رواية عطاء بن السائب فجعلت تفحص الأرض بيديها (قوله وتقول بيدها هكذا) هو حكاية
فعلها وهذا من اطلاق القول على الفعل وفي حديث علي فجعلت تحبس الماء فقال دعيه فإنها
رواء (قوله لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من زمزم) شك من الراوي وفي رواية ابن نافع
لو تركته وهذا القدر صرح ابن عباس برفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه اشعار بان جميع
الحديث مرفوع (قوله عينا معينا) أي ظاهرا جاريا على وجه الأرض وفي رواية ابن نافع
كان الماء ظاهرا فعلى هذا فقوله معينا صفة الماء فلذلك ذكره ومعين بفتح أوله إن كان من عانه
فهو بوزن مفعل وأصله معون فحذفت الواو وإن كان من المعن وهو المبالغة في الطلب فهو بوزن
مفعول قال ابن الجوزي كان ظهور زمزم نعمة من الله محضة بغير عمل عامل فلما خالطها تحويط
هاجر داخلها كسب البشر فقصرت على ذلك فاغنى ذلك عن توجيه تذكير معين مع أن
الموصوف وهو المعين مؤنث (قوله لا تخافوا الضيعة) بفتح المعجمة وسكون التحتانية أي الهلاك
وفي حديث أبي جهم لا تخافي أن ينفد الماء وفي رواية علي بن الوازع عن أيوب عند الفاكهي
لا تخافي على أهل هذا الوادي ظمأ فإنها عين يشرب بها ضيفان الله زاد في حديث أبي جهم
فقالت بشرك الله بخير (قوله فان هذا بيت الله) في رواية الكشميهني فان ههنا بيت الله (قوله
يبني هذا الغلام) كذا فيه بحذف المفعول وفي رواية الإسماعيلي يبنيه زاد ابن إسحاق في روايته
وأشار لها إلى البيت وهو يومئذ مدرة حمراء فقال هذا بيت الله العتيق واعلمي أن إبراهيم وإسماعيل
يرفعانه (قوله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية) بالموحدة ثم المثناة وروى ابن أبي حاتم
من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال لما كان زمن الطوفان رفع البيت وكان الأنبياء
يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله لإبراهيم وأعلمه مكانه وروى البيهقي في الدلائل من طريق
أخرى عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بعث الله جبريل إلى آدم فامره ببناء البيت فبناه آدم ثم أمره
بالطواف به وقيل له أنت أول الناس وهذا أول بيت وضع للناس وروى عبد الرزاق عن ابن جريج
عن عطاء أن آدم أول من بني البيت وقيل بنته الملائكة قبله وعن وهب بن منبه أول من بناه شيث
285

ابن آدم والأول أثبت وسيأتي مزيد آخر شرح هذا الحديث (قوله فكانت) اي هاجر
(كذلك) أي على الحال الموصوفة وفيه اشعار بأنها كانت تغتذي بماء زمزم فيكفيها عن الطعام
والشراب (قوله حتى مرت بهم رفقة) بضم الراء وسكون الفاء ثم قاف وهم الجماعة المختلطون
سواء كانوا في سفر أم لا (قوله من جرهم) هو ابن قحطان بن عامر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن
نوح وقيل ابن يقطن قال ابن إسحاق وكان جرهم وأخوه قطورا أول من تكلم بالعربية عند تبلبل
الألسن وكان رئيس جرهم مضاض بن عمرو ورئيس قطورا السميدع ويطلق على الجميع جرهم
وفي رواية عطاء بن السائب وكانت جرهم يومئذ بواد قريب من مكة وقيل إن أصلهم من العمالقة
(قوله مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة) وقع في جميع الروايات بفتح الكاف والمد
واستشكله بعضهم بان كداء بالفتح والمد في أعلا مكة وأما الذي في أسفل مكة فبالضم والقصر يعني
فيكون الصواب هنا بالضم والقصر وفيه نظر لأنه لا مانع أن يدخلوها من الجهة العلياء وينزلوا من
الجهة السفلى (قوله فرأوا طائرا عائفا) بالمهملة والفاء هو الذي يحوم على الماء ويتردد ولا يمضي
عنه (قوله فارسلوا جريا) بفتح الجيم وكسر الراء وتشديد التحتانية أي رسولا وقد يطلق على
الوكيل وعلى الأجير قيل سمي بذلك لأنه يجري مجرى مرسله أو موكله أو لأنه يجري مسرعا في
حوائجه وقوله جريا أو جريين شك من الراوي هل أرسلوا واحدا أو اثنين وفي رواية إبراهيم بن
نافع فارسلوا رسولا ويحتمل الزيادة على الواحد ويكون الافراد باعتبار الجنس لقوله فإذا هم بالماء
بصيغة الجمع ويحتمل ان يكون الافراد باعتبار المقصود بالارسال والجمع باعتبار من يتبعه من خادم
ونحوه (قوله فألفى ذلك) بالفاء أي وجد أم إسماعيل بالنصب على المفعولية وهي تحب الانس بضم
الهمزة ضد الوحشة ويجوز الكسر أي تحت جنسها (قوله وشب الغلام) أي إسماعيل وفي
حديث أبي جهو نشأ إسماعيل بين ولدانهم (قوله وتعلم العربية منهم) فيه اشعار بان لسان أمه
وأبيه لم يكن عربيا وفيه تضعيف لقول من روى أنه أول من تكلم بالعربية وقد وقع ذلك من
حديث ابن عباس عند الحاكم في المستدرك بلفظ أول من نطق بالعربية إسماعيل وروى الزبير بن
بكار في النسب من حديث علي باسناد حسن قال أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل
وبهذا القيد يجمع بين الخبرين فتكون أوليته في ذلك بحسب الزيادة في البيان لا الأولية المطلقة
فيكون بعد تعلمه أصل العربية من جرهم الهمه الله العربية الفصيحة المبينة فنطق بها ويشهد
لهذا ما حكاه ابن هشام عن الشرقي بن قطامي ان عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن
قحطان وبقايا حمير وجرهم ويحتمل أن تكون الأولية في الحديث مقيدة بإسماعيل بالنسبة إلى بقية
اخوته من ولد إبراهيم فإسماعيل أول من نطق بالعربية من ولد إبراهيم وقال ابن دريد في كتاب
الوشاح أول من نطق بالعربية يعرب بن قحطان ثم إسماعيل (قلت) وهذا لا يوافق من قال إن
العرب كلها من ولد إسماعيل وسيأتي الكلام فيه في أوائل السيرة النبوية (قوله وأنفسهم) بفتح الفاء
بلفظ أفعل التفضيل من النفاسة أي كثرت رغبتهم فيه ووقع عند الإسماعيلي وأنسهم بغير فاء من
الانس وقال الكرماني أنفسهم أي رغبتهم في مصاهرته لنفاسته عندهم وقال ابن الأثير أنفسهم
عطفا على قوله تعلم العربية أي رغبهم فيه إذ صار نفيسا عندهم (قوله زوجوه امرأة منهم) حكى
الأزرقي عن ابن إسحاق ان اسمها عمارة بنت سعد بن أسامة وفي حديث أبي جهم أنها بنت صدى
286

ولم يسمها وحكى السهيلي ان اسمها جدي بنت سعد وعند عمر بن شبة أن اسمها حبى بنت أسعد بن
عملق وعند الفاكهي عن ابن إسحاق أنه خطبها إلى أبيها فزوجها منه (قوله وماتت) هاجر أي
في خلال ذلك (قوله فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل) في رواية عطاء بن السائب فقدم إبراهيم
وقد ماتت هاجر (قوله يطالع تركته) بكسر الراء أي يتفقد حال ما تركه هناك وضبطها بعضهم
بالسكون وقال التركة بالكسر بيض النعام ويقال لها التريكة قيل لها ذلك لأنها حين تبيض
تترك بيضها وتذهب ثم تعود تطلبه فتحضن ما وجدت سواء كان هو أم غيره وفيها ضرب الشاعر
المثل بقوله كتاركة بيضها بالعراء * وحاضنة بيض أخرى صباحا
قال ابن التين هذا يشعر بان الذبيح اسحق لان المأمور بذبحه كان عندما بلغ السعي وقد قال في هذا
الحديث ان إبراهيم ترك إسماعيل رضيعا وعاد إليه وهو متزوج فلو كان هو المأمور بذبحه لذكر في
الحديث أنه عاد إليه في خلال ذلك بين زمان الرضاع والتزويج وتعقب بأنه ليس في الحديث نفي
هذا المجئ فيحتمل أن يكون جاء وأمر بالذبح ولم يذكر في الحديث (قلت) وقد جاء ذكر مجيئه بين
الزمانين في خبر آخر ففي حديث أبي جهم كان إبراهيم يزور هاجر كل شهر على البراق يغدو غدوة
فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام وروى الفاكهي من حديث علي باسناد حسن نحوه
وان إبراهيم كان يزور إسماعيل وأمه على البراق فعلى هذا فقوله فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل
أي بعد مجيئه قبل ذلك مرارا والله أعلم (قوله فقالت خرج يبتغي لنا) أي يطلب لنا الرزق وفي
رواية ابن جريج وكان عيش إسماعيل الصيد يخرج فيتصيد وفي حديث أبي جهم وكان إسماعيل
يرعى ماشيته ويخرج متنكبا قوسه فيرمى الصيد وفي حديث ابن إسحاق وكانت مسارحه التي يرعى
فيها السدرة إلى السر من نواحي مكة (قوله ثم سألها عن عيشهم) زاد في رواية عطاء بن السائب
وقال هل عندك ضيافة (قوله فقالت نحن بشر نحن في ضيق وشدة فشكت إليه) في حديث أبي
جهم فقال لها هل من منزل قالت لا ها الله اذن قال فكيف عيشكم قال فذكرت جهدا فقالت
أما الطعام فلا طعام وأما الشاء فلا تحلب الا المصر أي الشخب وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ
انتهى والشخب بفتح المعجمة وسكون الخاء المعجمة ثم موحدة السيلان (قوله جاءنا شيخ كذا وكذا)
في رواية عطاء بن السائب كالمستخفة بشأنه (قوله عتبة بابك) بفتح المهملة والمثناة والموحدة
كناية عن المرأة وسماها بذلك لما فيها من الصفات الموافقة لها وهو حفظ الباب وصون ما هو داخله
وكونها محل الوطء ويستفاد منه أن تغيير عتبة الباب يصح أن يكون من كنايات الطلاق كان
يقول مثلا غيرت عتبة بابي أو عتبة بابي مغيرة وينوي بذلك الطلاق فيقع أخبرت بذلك عن شيخنا
الامام البلقيني وتمامه التفريع على شرع من قبلنا إذا حكاه النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره
(قوله وتزوج منهم امرأة أخرى) ذكر الواقدي وتبعه المسعودي ثم السهيلي أن اسمها سامة بنت
مهلهل بن سعد وقيل اسمها عاتكة ورأيت في نسخة قديمة من كتاب مكة لعمر بن شبة أنها بشامة
بنت مهلهل بن سعد بن عوف وهي مضبوطة بشامة بموحدة ثم معجمة خفيفة قال وقيل اسمها جدة
بنت الحرث بن مضاض وحكى ابن سعد عن ابن إسحاق أن اسمها رعلة بنت مضاض بن عمرو
الجرهمية وعن ابن الكلبي أنها رعلة بنت يشجب بن يعرب بن لودان بن جرهم وذكر الدارقطني في
المختلف أن اسمها السيدة بنت مضاض وحكاه السهيلي أيضا وفي حديث أبي جهم ونظر إسماعيل
287

إلى بنت مضاض بن عمرو فأعجبته فخطبها إلى أبيها فتزوجها وحكى محمد بن سعد الجواني ان اسمها
هالة بنت الحرث وقيل الحنفاء وقيل سلمى فحصلنا من اسمها على ثمانية أقوال ومن اسم أبيها على
أربعة (قوله نحن بخير وسعة) في حديث أبي جهم نحن في خير عيش بحمد الله ونحن في لبن كثير
ولحم كثير وماء طيب (قوله ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء) في حديث أبي
جهم ذكر اللبن مع اللحم والماء (قوله اللهم بارك لهم في اللحم والماء) في رواية إبراهيم بن نافع اللهم
بارك لهم في طعامهم وشرابهم قال قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بركة بدعوة إبراهيم وفيه
حذف تقديره في طعام أهل مكة وشرابهم بركة (قوله فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة الا لم
يوافقاه) في رواية الكشميهني لا يخلوان بالتثنية قال ابن القوطية خلوت بالشئ واختليت إذا لم
أخلط به غيره ويقال أخلى الرجل اللبن إذا لم يشرب غيره وفي حديث أبي جهم ليس أحد يخلو
على اللحم والماء بغير مكة الا اشتكى بطنه وزاد في حديثه وكذا في حديث عطاء بن السائب نحوه
فقالت انزل رحمك الله فأطعم واشرب قال إني لا أستطيع النزول قالت فاني أراك أشعث أفلا
أغسل رأسك وأدهنه قال بلى ان شئت فجاءته بالمقام وهو يومئذ أبيض مثل المهاة وكان في بيت
إسماعيل ملقى فوضع قدمه اليمني وقدم إليها شق رأسه وهو على دابته فغسلت شق رأسه الأيمن فلما
فرغ حولت له المقام حتى وضع قدمه اليسرى وقدم إليها برأسه فغسلت شق رأسه الأيسر فالأثر
الذي في المقام من ذلك ظاهر فيه موضع العقب والإصبع وعند الفاكهي من وجه آخر عن ابن
جريج عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن سارة داخلتها غيرة فقال لها إبراهيم لا أنزل
حتى أرجع إليك ونحوه في رواية عطاء بن السائب عند عمر بن شبة (قوله هل أتاكم من أحد) في
رواية عطاء بن السائب فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه فقال لامرأته هل جاءك أحد قالت نعم شيخ
أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا (قوله يثبت عتبة بابه) زاد في حديث أبي جهم فإنها صلاح
المنزل (قوله إن) أمسكك زاد في حديث أبي جهم ولقد كنت على كريمة وقد ازددت على كرامة
فولدت لإسماعيل عشرة ذكور زاد معمر في روايته فسمعت رجلا يقول كان إبراهيم يأتي على البراق
يعني في كل مرة وفي رواية عمر بن شبة وأعجب إبراهيم بجدة بنت الحرث فدعا لها بالبركة (قوله
يبري) بفتح أوله وسكون الموحدة والنبل بفتح النون وسكون الموحدة السهم قبل أن يركب فيه
نصله وريشه وهو السهم العربي ووقع عند الحاكم من رواية إبراهيم بن نافع في هذا الحديث يصلح
بيتا له وكأنه تصحيف والذي في البخاري هو الموافق لغيرها من الروايات (قوله دوحة) هي التي نزل
إسماعيل وأمه تحتها أول قدومهما كما تقدم ووقع في رواية إبراهيم بن نافع من وراء زمزم (قوله
فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد) يعني من الاعتناق والمصافحة وتقبيل اليد ونحو ذلك وفي
رواية معمر قال سمعت رجلا يقول بكيا حتى أجابهما الطير وهذا ان ثبت يدل على أنه تباعد لقاؤهما
(قوله إن الله أمرني بأمر) في رواية إبراهيم بن نافع ان ربك أمرني ان أبني له بيتا ووقع في حديث
أبي جهم عند الفاكهي أن عمر إبراهيم كان يومئذ مائة سنة وعمر إسماعيل ثلاثين سنة (قوله
وتعينني قال وأعينك) في رواية الكشميهني فاعينك بالفاء وفي رواية إبراهيم بن نافع ان الله قد
أمرني أن تعينني عليه قال إن أفعل بنصب اللام قال ابن التين يحتمل أن يقال أمره الله أن يبني
أو لا وحده ثم أمره أن يعينه إسماعيل قال فيكون الحديث الثاني متأخرا بعد الأول (قلت)
288

ولا يخفى تكلفه بل الجمع بينهما ممكن بان يكون أمره أن يبني وان إسماعيل يعينه فقال إبراهيم
لإسماعيل ان الله أمرني ان أبني البيت وتعينني وتخلل بين قوله أبني البيت وبين قوله وتعينني قول
إسماعيل فاصنع ما أمرك ربك (قوله وأشار إلى أكمة) بفتح الهمزة والكاف وقد تقدم بيان ذلك
في أوائل الكلام على هذا الحديث وللفاكهي من حديث عثمان فبناه إبراهيم وإسماعيل وليس
معهما يومئذ غيرهما يعني في مشاركتهما في البناء والا فقد تقدم أنه كان قد نزل الجرهميون مع
إسماعيل (قوله رفعا القواعد من البيت) في رواية أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن
سعيد عن ابن عباس القواعد التي رفعها إبراهيم كانت قواعد البيت قبل ذلك وفي رواية مجاهد
عند ابن أبي حاتم أن القواعد كانت في الأرض السابعة ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس
رفع القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك ومن طريق عطاء قال قال آدم يا رب اني لا أسمع
أصوات الملائكة قال ابن لي بيتا ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف بيتي الذي في السماء وفي
حديث عثمان وأبي جهم فبلغ إبراهيم من الأساس أساس آدم وجعل طوله في السماء تسعة أذرع
وعرضه في الأرض يعني دوره ثلاثين ذراعا وكان ذلك بذراعهم زاد أبو جهم وأدخل الحجر في البيت
وكان قبل ذلك زربا لغنم إسماعيل وانما بناه بحجارة بعضها على بعض ولم يجعل له سقفا وجعل له بابا
وحفر له بئرا عند بابه خزانة للبيت يلقى فيها ما يهدى للبيت وفي حديثه أيضا أن الله أوحى إلى
إبراهيم أن اتبع السكينة فحلقت على موضع البيت كأنها سحابة فحفرا يريدان أساس آدم
الأول وفي حديث علي عند الطبري والحاكم رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل
الرأس فكلمه فقال يا إبراهيم ابن علي ظلي أو على قدري ولا تزد ولا تنقص وذلك حين يقول الله
وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت الآية (قوله جاء بهذا الحجر) يعني المقام وفي رواية إبراهيم بن نافع
حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة فقام على حجر المقام زاد في حديث عثمان ونزل
عليه الركن والمقام فكان إبراهيم يقوم على المقام يبني عليه ويرفعه له إسماعيل فلما بلغ الموضع
الذي فيه الركن وضعه يومئذ موضعه وأخذ المقام فجعله لاصقا بالبيت فلما فرغ إبراهيم من بناء
الكعبة جاء جبريل فأراه المناسك كلها ثم قام إبراهيم على المقام فقال يا أيها الناس أجيبوا ربكم
فوقف إبراهيم وإسماعيل تلك المواقف وحجه اسحق وسارة من بيت المقدس ثم رجع إبراهيم إلى
الشام فمات بالشام وروى الفاكهي باسناد صحيح من طريق مجاهد عن ابن عباس قال قام
إبراهيم على الحجر فقال يا أيها الناس كتب عليكم الحج فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء
فاجابه من آمن ومن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة لبيك اللهم لبيك وفي حديث أبي
جهم ذهب إسماعيل لي الوادي يطلب حجرا فنزل جبريل بالحجر الأسود وقد كان رفع إلى السماء حين
غرقت الأرض فلما جاء إسماعيل فرأى الحجر الأسود قال من أين هذا من جاءك به قال إبراهيم من
لم يكلني إليك ولا إلى حجرك ورواه ابن أبي حاتم من طريق السدي نحوه وأنه كان بالهند وكان ياقوتة
بيضاء مثل الثغامة وهي بالمثلثة والمعجمة طير أبيض كبير وروى الفاكهي من طريق أبي بشر عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال والله ما بنياه بقصة ولا مدر ولا كان لهما من السعة والأعوان
ما يسقفانه ومن حديث علي كان إبراهيم يبني كل يوم سافا ومن حديث عبد الله بن عمرو بن
العاص عنده وعند ابن أبي حاتم انه كان بناه من خمسة أجبل من حراء وثبير ولبنان وجبل الطور
289

وجبل الخمر قال ابن أبي حاتم جبل الخمر يعني بفتح الخاء المعجمة هو جبل بيت المقدس وقال عبد
الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ان آدم بناه من خمسة أجبل حراء وطور زيتا وطور سيناء والجودي
ولبنان وكان ربضه من حراء ومن طريق محمد بن طلحة التيمي قال سمعت أنه أسس البيت من ستة
أجبل من أبي قبيس ومن الطور ومن قدس ومن ورقان ومن رضوى ومن أحد * الطريق الثالثة
(قوله حدثنا أبو عامر) هو العقدي وإبراهيم بن نافع هو المخزومي المكي (قوله لما كان بين
إبراهيم وبين أهله) يعني سارة (ما كان) يعني من غيرة سارة لما ولدت هاجر إسماعيل وقد مضت
بقية شرح الحديث ضمن الذي قبله * الحديث الثالث عشر (قوله عبد الواحد) هو ابن زياد
وإبراهيم التيمي هو ابن يزيد بن شريك وفي رواية لمسلم وابن خزيمة من طريق أخرى عن الأعمش
عن إبراهيم التيمي كنت أنا وأبي نجلس في الطريق فيعرض علي القرآن وأعرض عليه فقرأ
القرآن فسجد فقلت تسجد في الطريق قال نعم سمعت أبا ذر فذكره (قوله أي مسجد وضع في
الأرض أول) بضم اللام قال أبو البقاء وهي ضمة بناء لقطعه عن الإضافة مثل قبل وبعد
والتقدير أول كل شئ ويجوز الفتح مصروفا وغير مصروف (قوله ثم أي) بالتنوين وتركه كما
تقدم في حديث ابن مسعود أي الأعمال أفضل وهذا الحديث يفسر المراد بقوله تعالى ان
أول بيت وضع للناس للذي ببكة ويدل على أن المراد بالبيت بيت العبادة لا مطلق البيوت وقد ورد
ذلك صريحا عن علي أخرجه إسحاق بن راهويه وابن أبي حاتم وغيرهما باسناد صحيح عنه قال
كانت البيوت قبله ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة الله (قوله المسجد الأقصى) يعني مسجد
بيت المقدس قيل له الأقصى لبعد المسافة بينه وبين الكعبة وقيل لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة
290

وقيل لبعده عن الاقذار والخبائث والمقدس المطهر عن ذلك (قوله أربعون سنة) قال ابن
الجوزي فيه اشكال لان إبراهيم بني الكعبة وسليمان بنى بيت المقدس وبينهما أكثر من ألف
سنة انتهى ومستنده في أن سليمان عليه السلام هو الذي بني المسجد الأقصى ما رواه النسائي
من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا باسناد صحيح أن سليمان لما بنى بيت المقدس
سأل الله تعالى خلالا ثلاثا الحديث وفي الطبراني من حديث رافع بن عميرة أن داود عليه السلام
ابتدأ ببناء بيت المقدس ثم أوحى الله إليه اني لأقضي بناءه على يد سليمان وفي الحديث قصة قال
وجوابه أن الإشارة إلى أول البناء ووضع أساس المسجد وليس إبراهيم أول من بني الكعبة
ولا سليمان أول من بني بيت المقدس فقد روينا أن أول من بني الكعبة آدم ثم انتشر ولده في
الأرض فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس ثم بني إبراهيم الكعبة بنص القرآن
وكذا قال القرطبي ان الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما
لهما بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما (قلت) وقد مشى ابن حبان في صحيحه على ظاهر هذا
الحديث فقال في هذا الخبر رد على من زعم أن بين إسماعيل وداود ألف سنة ولو كان كما قال لكان
بينهما أربعون سنة وهذا عين المحال لطول الزمان بالاتفاق بين بناء إبراهيم عليه السلام البيت
وبين موسى عليه السلام ثم إن في نص القرآن ان قصة داود في قتل جالوت كانت بعد موسى
بمدة وقد تعقب الحافظ الضياء بنحو ما أجاب به ابن الجوزي وقال الخطابي يشبه أن يكون
المسجد الأقصى أول ما وضع بناءه بعض أولياء الله قبل داود وسليمان ثم داود وسليمان فزادا فيه
ووسعاه فأضيف إليهما بناؤه قال وقد ينسب هذا المسجد إلى ايلياء فيحتمل أن يكون هو بانيه
أو غيره ولست أحقق لم أضيف إليه (قلت) الاحتمال الذي ذكره أولا موجه وقد رأيت لغيره
أن أول من أسس المسجد الأقصى آدم عليه السلام وقيل الملائكة وقيل سام بن نوح عليه
السلام وقيل يعقوب عليه السلام فعلى الأولين يكون ما وقع ممن بعدهما تجديدا كما وقع في
الكعبة وعلى الأخيرين يكون الواقع من إبراهيم أو يعقوب أصلا وتأسيسا ومن داود تجديدا
لذلك وابتداء بناء فلم يكمل على يده حتى أكمله سليمان عليه السلام لكن الاحتمال الذي ذكره
ابن الجوزي أوجه وقد وجدت ما يشهد له ويؤيد قول من قال إن آدم هو الذي أسس كلا من
المسجدين فذكر ابن هشام في كتاب التيجان أن آدم لما بني الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت
المقدس وان يبنيه فبناه ونسك فيه وبناء آدم للبيت مشهور وقد تقدم قريبا حديث عبد الله بن
عمرو أن البيت رفع زمن الطوفان حتى بوأه الله لإبراهيم وروى ابن أبي حاتم من طريق معمر عن
قتادة قال وضع الله البيت مع آدم لما هبط ففقد أصوات الملائكة وتسبيحهم فقال الله له يا آدم
اني قد أهبطت بيتا يطاف به كما يطاف حول عرشي فانطلق إليه فخرج آدم إلى مكة وكان قد هبط
بالهند ومد له في خطوه فاتى البيت فطاف به وقيل إنه لما صلى إلى الكعبة أمر بالتوجه إلى بيت
المقدس فاتخذ فيه مسجدا وصلى فيه ليكون قبلة لبعض ذريته وأما ظن الخطابي ان إيليا اسم
رجل ففيه نظر بل هو اسم البلد فأضيف إليه المسجد كما يقال مسجد المدينة ومسجد مكة وقال
أبو عبيد البكري في معجم البلدان إيليا مدينة بيت المقدس فيه ثلاث لغات مد آخره وقصره
وحذف الياء الأولى قال الفرزدق
291

لوى ابن أبي الرقراق عينيه بعدما * دنى من أعالي ايلياء وغورا
وعلى ما قاله الخطابي يمكن الجمع بان يقال إنها سميت باسم بانيها كغيرها والله أعلم (قوله فصله)
بهاء ساكنة وهي هاء السكت وللكشميهني بحذفها (قوله فان الفضل فيه) أي في فعل الصلاة إذا
حضر وقتها زاد من وجه آخر عن الأعمش في آخره والأرض لك مسجد أي للصلاة فيه وفي جامع
سفيان بن عيينة عن الأعمش فان الأرض كلها مسجد أي صالحة للصلاة فيها ويخص هذا العموم
بما ورد فيه النهي والله أعلم * الحديث الرابع عشر والخامس عشر حديث أنس موصولا
وعبد الله بن زيد معلقا في حرم المدينة وذكر أحد والغرض منهما ذكر إبراهيم وانه حرم مكة وقد
تقدم الكلام عليهما في أواخر الحج وتقدم حديث الله بن زيد موصولا هناك * الحديث السادس
عشر حديث عائشة في قصة بناء الكعبة تقدم شرحه في أثناء الحج أيضا (قوله وقال إسماعيل
عبد الله بن أبي بكر) يعني ان إسماعيل بن أبي أويس روى الحديث المذكور عن مالك كما رواه
عبد الله بن يوسف فقال بدل قول عبد الله بن يوسف ان ابن أبي بكر أخبر ان عبد الله بن أبي بكر
أخبر وأبو بكر جد عبد الله المذكور هو الصديق وقد ساق المصنف حديث إسماعيل في التفسير
ولفظه عبد الله بن محمد بن أبي بكر وهو الواقع وكأنه عند التعليق نسبه لجده وأغفل المزي ذكر هذا
التعليق في أحاديث الأنبياء * الحديث السابع عشر حديث أبي حميد الساعدي في صفة الصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي شرحه في الدعوات والغرض منه قوله فيه كما صليت على
إبراهيم * الحديث الثامن عشر حديث كعب بن عجرة في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
وسيأتي شرحه في الدعوات أيضا وقد أورده في أواخر تفسير الأحزاب وتأتي الإشارة إليه هناك
إن شاء الله تعالى ووهم المزي في الأطراف فعزى رواية كعب بن عجرة هذه إلى الصلاة فقال روى
البخاري في الصلاة عن قيس بن حفص وموسى بن إسماعيل كلاهما عن عبد الواحد بن زياد إلى
آخر كلامه واغتر بذلك شيخنا ابن الملقن فإنه لما وصل إلى شرح هذا الحديث هنا أحال بشرحه
على الصلاة وقال تقدم في الصلاة وكأنه تبع شيخه مغلطاي في ذلك فإنه كذلك صنع ولم يتقدم
هذا الحديث عند البخاري في كتاب الصلاة أصلا والله الهادي إلى الصواب * الحديث التاسع
عشر حديث ابن عباس في التعويذ بكلمات الله التامة (قوله حدثنا جرير) لعثمان بن أبي شيبة فيه
شيخ آخر أخرجه الإسماعيلي عن عمران بن موسى وإبراهيم بن موسى قالا حدثنا عثمان بن أبي شيبة
حدثنا جرير وأبو حفص الأبار فرقهما عن منصور (قوله عن منصور) هو ابن المعتمر عن المنهال هو
292

ابن عمرو والاسناد إلى سعيد بن جبير كوفيون وقد رواه النسائي من طريق جرير عن الأعمش عن
المنهال فقال عن عبد الله بن الحرث بدل سعيد ولم يذكر فيه عن ابن عباس ورواه الإسماعيلي من
طريق أبي حفص الأبار عن الأعمش ومنصور فحمل رواية الأعمش على رواية منصور والصواب
التفصيل ولذلك لم يخرج رواية الأبار (قوله إن أباكما) يريد إبراهيم عليه السلام وسماه أبا لكونه
جدا أعلى (قوله بكلمات الله) قيل المراد بها كلامه على الاطلاق وقيل أقضيته وقيل ما وعد به كما
قال تعالى وتمت كلمة ربك الحسني على بني إسرائيل والمراد بها قوله تعالى ونريد أن نمن على الذين
استضعفوا في الأرض المراد بالتامة الكاملة وقيل النافعة وقيل الشافية وقيل المباركة وقيل
القاضية التي تمضي وتستمر ولا يردها شئ ولا يدخلها نقص ولا عيب قال الخطابي كان أحمد
يستدل بهذا الحديث على أن كلام الله غير مخلوق ويحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ
بمخلوق (قوله من كل شيطان) يدخل تحته شياطين الإنس والجن (قوله وهامة) بالتشديد واحدة
الهوام ذوات السموم وقيل كل ما له سم يقتل فاما ما لا يقتل سمه فيقال له السوام وقيل المراد كل
نسمة تهم بسوء (قوله ومن كل عين لامة) قال الخطابي المراد به كل داء وآفة تلم بالانسان من جنون
وخبل وقال أبو عبيد أصله من ألممت الماما وانما قال لامة لأنه أراد أنها ذات لمم وقال ابن
الأنباري يعني أنها تأتي في وقت بعد وقت وقال لامة ليواخي لفظ هامة لكونه أخف على اللسان
(قوله باب قوله ونبئهم عن ضيف إبراهيم الآية لا توجل لا تخف) كذا
اقتصر في هذا الباب على تفسير هذه الكلمة وبذلك جزم الإسماعيلي وقال ساق الآيتين بلا
حديث انتهى والتفسير المذكور مروي عن عكرمة عند ابن أبي حاتم ولعله كان عقب هذا في
الأصل بياض فحذف وقصة أضياف إبراهيم أوردها ابن أبي حاتم من طريق السدي مبينة وفيها
أنه لما قرب إليهم العجل قالوا انا لا نأكل طعاما الا بثمن قال إبراهيم ان له ثمنا قالوا وما ثمنه قال
تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره قال فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال حق لهذا أن
يتخذه ربه خليلا فلما رأى أنهم لا يأكلون فزع منهم ومن طريق عثمان بن محصن قال كانوا أربعة
جبريل وميكائيل وإسرافيل ورفاييل ومن طريق نوح ابن أبي شداد أن جبريل مسح بجناحيه
العجل فقام يدرج حتى لحق بأمه في الدار (قوله وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى) كذا
وقع هذا الكلام لأبي ذر متصلا بالباب ووقع في رواية كريمة بدل قوله ولكن ليطمئن قلبي وحكى
الإسماعيلي أنه وقع عنده باب قوله وإذ قال إبراهيم إلى آخره وسقط كل ذلك للنسفي فصار حديث
أبي هريرة تكملة الباب الذي قبله فكملت به الأحاديث عشرين حديثا وهو متجه (قوله عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب) في رواية الطبري من طريق عمرو بن الحرث عن يونس عن
الزهري أخبرني أبو سلمة وسعيد كذا قال يونس بن يزيد عن الزهري ورواه مالك عن الزهري فقال إن
سعيد بن المسيب وأبا عبيدة أخبراه عن أبي هريرة وسيأتي ذلك للمصنف قريبا وتابع مالكا أبو
أويس عن الزهري أخرجه أبو عوانة من طريقه ورجح ذلك عند النسائي فاقتصر عليه وكأن
البخاري جنح إلى تصحيح الطريقين فأخرجهما معا وهو نظر صحيح لان الزهري صاحب حديث
وهو معروف بالرواية عن هؤلاء فلعله سمعه منهم جميعا ثم هو من الأحاديث التي حدث بها مالك
خارج الموطأ واشتهر أن جويرة تفرد به عنه ولكن تابعه سعيد بن داود عن مالك أخرجه
293

الدارقطني في غرائب من طريقه (قوله نحن أحق بالشك من إبراهيم) سقط لفظ الشك من
بعض الروايات واختلف السلف في المراد بالشك هنا فحمله بعضهم على ظاهره وقال كان ذلك قبل
النبوة وحمله أيضا الطبري على ظاهره وجعل سببه حصول وسوسة الشيطان لكنها لم تستقر ولا
زلزلت الايمان الثابت واستند في ذلك إلى ما أخرجه هو وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم من
طريق عبد العزيز الماجشون عن محمد بن المنكدر عن ابن عباس قال أرجى آية في القرآن هذه
الآية وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى الآية قال ابن عباس هذا لما يعرض في
الصدور ويوسوس به الشيطان فرضي الله من إبراهيم عليه السلام بان قال بلى ومن طريق
معمر عن قتادة عن ابن عباس نحوه ومن طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس
نحوه وهذه طرق يشد بعضها بعضا والى ذلك جنح عطاء فروى ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج
سألت عطاء عن هذه الآية قال دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فقال ذلك
وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن إبراهيم أتى على دابة توزعتها الدواب
والسباع ومن طريق حجاج عن ابن جريج قال بلغني أن إبراهيم أتى على جيفة حمار عليه السباع
والطير فعجب وقال رب لقد علمت لتجمعنها ولكن رب أرني كيف تحيي الموتى وذهب آخرون إلى
تأويل ذلك فروى الطبري وابن أبي حاتم من طريق السدي قال لما اتخذ الله إبراهيم خليلا
استأذنه ملك الموت أن يبشره فأذن له فذكر قصة معه في كيفية قبض روح الكافر والمؤمن قال
فقام إبراهيم يدعو ربه رب أرني كيف تحيي الموتى حتى أعلم أني خليلك وروى ابن أبي حاتم من
طريق أبي العوام عن أبي سعيد قال ليطمئن قلبي بالخلة ومن طريق قيس بن مسلم عن سعيد بن
جبير قال ليطمئن قلبي اني خليلك ومن طريق الضحاك عن ابن عباس لأعلم أنك أجبت دعائي
ومن طريق علي بن أبي طلحة عنه لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك والى هذا الأخير جنح القاضي
أبو بكر الباقلاني وحكى ابن التين عن الداودي الشارح أنه قال طلب إبراهيم ذلك لتذهب عنه
شدة الخوف قال ابن التين وليس ذلك بالبين وقيل كان سبب ذلك أن نمرود لما قال له ما ربك قال
ربي الذي يحيى ويميت فذكر ما قص الله مما جرى بينهما فسال إبراهيم بعد ذلك ربه أن يريه
كيفية احياء الموتى من غير شك منه في القدرة ولكن أحب ذلك واشتاق إليه فأراد أن يطمئن
قلبه بحصول ما أراده أخرجه الطبري عن ابن إسحاق وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الحكم بن
أبان عن عكرمة قال المراد ليطمئن قلبي انهم يعلمون انك تحيي الموتى وقيل معناه أقدرني على
أحياء الموتى فتأدب في السؤال وقال ابن الحصار انما سأل أن يحيى الله الموتى على يديه فلهذا قيل
له في الجواب فصرهن إليك وحكى ابن التين عن بعض من لا تحصيل عنه أنه أراد بقوله قلبي
رجلا صالحا كان يصحبه سأله عن ذلك وأبعد منه ما حكاه القرطبي المفسر عن بعض الصوفية انه
سأل من ربه أن يريه كيف يحيى القلوب وقيل أراد طمأنينة النفس بكثرة الأدلة وقيل محبة
المراجعة في السؤال ثم اختلفوا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم نحن أحق بالشك فقال بعضهم
معناه نحن أشد اشتياقا إلى رؤية ذلك من إبراهيم وقيل معناه إذا لم نشك نحن فإبراهيم أولى
أن لا يشك أي لو كان الشك متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به منهم وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا
أنه لم يشك وانما قال ذلك تواضعا منه أو من قبل أن يعلمه الله بأنه أفضل من إبراهيم وهو كقوله
294

في حديث أنس عند مسلم ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية قال ذاك إبراهيم وقيل إن
سبب هذا الحديث أن الآية لما نزلت قال بعض الناس شك إبراهيم ولم يشك نبينا فبلغه ذلك
فقال نحن أحق بالشك من إبراهيم وأراد ما جرت به العادة في المخاطبة لمن أراد أن يدفع عن آخر شيا
قال مهما أردت أن تقوله لفلان فقله لي ومقصوده لا تقل ذلك وقيل أراد بقوله نحن أمته الذين
يجوز عليهم الشك واخراجه هو منه بدلالة العصمة وقيل معناه هذا الذي ترون أنه شك انا أولى به
لأنه ليس بشك انما هو طلب لمزيد البيان وحكى بعض علماء العربية ان أفعل ربما جاءت لنفي
المعنى عن الشيئين نحو قوله تعالى أهم خير أم قوم تبع اي لا خير في الفريقين ونحو قول القائل
الشيطان خير من فلان اي لا خير فيهما فعلى هذا فمعنى قوله نحن أحق بالشك من إبراهيم لا شك
عندنا جميعا وقال ابن عطية ترجم الطبري في تفسيره فقال وقال آخرون شك إبراهيم في القدرة
وذكر أثر ابن عباس وعطاء قال ابن عطية ومحمل قول ابن عباس عندي انها أرجى آية لما فيها من
الا دلال على الله وسؤال الاحياء في الدنيا أو لان الايمان يكفي فيه الاجمال ولا يحتاج إلى تنقير
وبحث قال ومحمل قول عطاء دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس اي من طلب المعاينة
قال وأما الحديث فمبني على نفي الشك والمراد بالشك فيه الخواطر التي لا تثبت وأما الشك المصطلح
وهو التوقف بين الامرين من غير مزية لأحدهما على الآخر فهو منفي عن الخليل قطعا لأنه يبعد
وقوعه ممن رسخ الايمان في قلبه فكيف بمن بلغ رتبة النبوة قال وأيضا فان السؤال لما وقع بكيف
دل على حال شئ موجود مقرر عند السائل والمسؤول كما تقول كيف علم فلان فكيف في الآية
سؤال عن هيئة الاحياء لا عن نفس الاحياء فإنه ثابت مقرر وقال ابن الجوزي انما صار أحق
من إبراهيم لما عانى من تكذيب قومه ودرهم عليه وتعجبهم من أمر البعث فقال أنا أحق ان أسأل
ما سأل إبراهيم لعظيم ما جرى لي مع قومي المنكرين لاحياء الموتى ولمعرفتي بتفضيل الله لي ولكن
لا أسأل في ذلك (قوله قال أو لم تؤمن) الاستفهام للتقرير ووجهه أنه طلب الكيفية وهو مشعر
بالتصديق بالاحياء (قوله بلى ولكن ليطمئن قلبي) أي ليزيد سكونا بالمشاهدة المنضمة إلى اعتقاد
القلب لان تظاهر الأدلة أسكن للقلوب وكأنه قال أنا مصدق ولكن للعيان لطيف معنى وقال
عياض لم يشك إبراهيم بأن الله يحيى الموتى ولكن أراد طمأنينة القلب وترك المنازعة لمشاهدة
الاحياء فحصل له العلم الأول بوقوعه وأراد العلم الثاني بكيفيته ومشاهدته ويحتمل أنه سأل زيادة
اليقين وان لم يكن في الأول شك لان العلوم قد تتفاوت في قوتها فأراد الترقي من علم اليقين إلى عين
اليقين والله أعلم (قوله ويرحم الله لوطا الخ) يأتي الكلام عليه قريبا في ترجمة لوط (قوله ولو لبثت
في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي) أي لأسرعت الإجابة في الخروج من السجن ولما
قدمت طلب البراءة فوصفه بشدة الصبر حيث لم يبادر بالخروج وانما قاله صلى الله عليه وسلم
تواضعا والتواضع لا يحط مرتبة الكبير بل يزيده رفعة وجلالا وقيل هو من جنس قوله
لا تفضلوني على يونس وقد قيل إنه قاله قبل أن يعلم أنه أفضل من الجميع وسيأتي تكملة لهذا
الحديث في قصة يوسف (قوله باب قول الله تعالى واذكر في الكتاب إسماعيل انه
كان صادق الوعد) تقدم في أواخر الشهادات سبب تسميته صادق الوعد ثم ذكر المصنف حديث
سلمة بن الأكوع ارموا بني إسماعيل وقد تقدم شرحه في باب التحريض على الرمي من كتاب الجهاد
295

واحتج به المصنف على أن اليمن من بني إسماعيل كما سيأتي في أوائل المناقب مع الكلام عليه (قوله
وأنا مع ابن فلان) وقف في رواية الكشميهني وانا مع بني فلان وكذا هو في الجهاد قيل والصواب
الأول لقوله في حديث أبي هريرة وانا مع ابن الأدرع وقد تقدم تسمية ابن الأدرع في الجهاد وقد
تقدم كثيرا من أخبار إسماعيل فيما مضى قريبا (قوله قصة إسحاق بن إبراهيم النبي صلى الله عليه)
ذكر ابن إسحاق ان هاجر لما حملت بإسماعيل غارت سارة فحملت بإسحاق فوضعتا معا فشب الغلامان
ونقل عن بعض أهل الكتاب خلاف ذلك وأن بين مولدهما ثلاث عشرة سنة والأول أولى (قوله
فيه ابن عمر وأبو هريرة) كأنه يشير بحديث ابن عمر إلى ما سيأتي في قصة يوسف وبحديث أبي
هريرة إلى الحديث المذكور في الباب الذي يليه وأغرب ابن التين فقال لم يقف البخاري على سنده
فأرسله وهو كلام من لم يفهم مقاصد البخاري لأنه يستلزم أن يكون البخاري أثبت في كتابه حديثا
لا يعرف له سندا ومع ذلك ذكره مرسلا ولم تجر للبخاري بذلك عادة حتى يحمل هذا الموضع عليها
ونحوه قول الكرماني قوله فيه اي الباب حديث من رواية ابن عمر في قصة إسحاق بن إبراهيم
عليهما السلام فأشار البخاري إليه اجمالا ولم يذكره بعينه لأنه لم يكن بشرطه انتهى وليس الامر
كذلك لما بينته والله المستعان (قوله باب أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت
إذ قال لبنيه الآية) أورد فيه حديث أبي هريرة أكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله الحديث
ومناسبته لهذه الترجمة من جهة موافقة الحديث الآية في سياق نسب يوسف عليه السلام
فان الآية تضمنت أن يعقوب خاطب أولاده عند موته محرضا لهم على الثبات على الاسلام وقال
له أولاده انهم يعبدون إلهه واله آبائه إبراهيم وإسماعيل واسحق ومن جملة أولاد يعقوب يوسف
عليه السلام فنص الحديث على نسب يوسف وانه ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وزاد أن
الأربعة أنبياء في نسق (قوله حدثنا إسحاق ابن إبراهيم) هو ابن راهويه الامام المشهور (قوله
سمع المعتمر) اي أنه سمع المعتمر وهم يحذفون أنه خطأ كما يحذفون قال خطأ ولا بد من ثبوتهما
لفظا وعبيد الله هو ابن عمر العمري (قوله أكرمهم أتقاهم) هو موافق لقوله تعالى ان أكرمكم عند
الله أتقاكم (قوله قالوا يا نبي الله ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف) الجواب الأول من
جهة الشرف بالأعمال الصالحة والثاني من جهة الشرف بالنسب الصالح (قوله أفعن معادن
العرب) أي أصولهم التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها وانما جعلت معادن لما فيها من الاستعداد
المتفاوت أو شبههم بالمعادن لكونهم أوعية الشرف كما أن المعادن أوعية للجواهر (قوله فخياركم
في الجاهلية خياركم في الاسلام إذا فقهوا) يحتمل أن يريد بقوله خياركم جمع خير ويحتمل أن يريد
أفعل التفضيل تقول في الواحد خير وأخير ثم القسمة رباعية فان الأفضل من جمع بين الشرف في
الجاهلية والشرف في الاسلام وكان شرفهم في الجاهلية بالخصال المحمودة من جهة ملائمة الطبع
ومنافرته خصوصا بالانتساب إلى الآباء المتصفين بذلك ثم الشرف في الاسلام بالخصال المحمودة
شرعا ثم أرفعهم مرتبة من أضاف إلى ذلك التفقه في الدين ومقابل ذلك من كان مشروفا في
الجاهلية واستمر مشروفا في الاسلام فهذا أدنى المراتب والقسم الثالث من شرف في الاسلام
وفقه ولم يكن شريفا في الجاهلية ودونه من كان كذلك لكن لم يتفقه والقسم الرابع من كان
شريفا في الجاهلية ثم صار مشروفا في الاسلام فهذا دون الذي قبله فان تفقه فهو أعلى رتبة
296

من الشريف الجاهل (قوله ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة إلى قوله فساء مطر المنذرين)
يقال إنه لوط بن هاران بن تارخ وهو ابن أخي إبراهيم عليه السلام وقد قص الله تعالى قصته مع
قومه في الأعراف وهود والشعراء والنمل والصافات وغيرها وحاصلها أنهم ابتدعوا وطء الذكور
فدعاهم لوط إلى التوحيد والى الاقلاع عن الفاحشة فأصروا على الامتناع ولم يتفق أن يساعده
منهم أحد وكانت مدائنهم تسمى سدوم وهي بغور زغر من البلاد الشامية فلما أراد الله اهلاكهم
بعث جبريل وميكائيل وإسرافيل إلى إبراهيم فاستضافوه فكان ما قص الله في سورة هود ثم
توجهوا إلى لوط فاستضافوه فخاف عليهم من قومه وأراد أن يخفى عليهم خبرهم فنمت عليهم امرأته
فجاءوا إليه وعاتبوه على كتمانه أمرهم وظنوا أنهم ظفروا بهم فأهلكهم الله على يد جبريل فقلب
مدائنهم بعد أن خرج عنهم لوط باهل بيته الا امرأته فإنها تأخرت مع قومها أو خرجت مع لوط
فأدركها العذاب فقلب جبريل المدائن بطرف جناحه فصار عاليها سافلها وصار مكانها بحيرة
منتنة لا ينتفع بمائها ولا بشئ مما حولها (قوله يغفر الله للوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد) أي إلى
الله سبحانه وتعالى يشير صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد
ويقال ان قوم لوط لم يكن فيهم أحد يجتمع معه في نسبه لانهم من سدوم وهي من الشام وكان أصل
إبراهيم ولوط من العراق فلما هاجر إبراهيم إلى الشام هاجر معه لوط فبعث الله لوطا إلى أهل سدوم
فقال لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة لكنت استنصر بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفاني ولهذا جاء
في بعض طرق هذا الحديث كما أخرجه أحمد من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال قال لوط لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قال فإنه كان يأوي
إلى ركن شديد ولكنه عنى عشيرته فما بعث الله نبيا الا في ذروة من قومه زاد ابن مردويه من هذا
الوجه ألم تر إلى قول قوم شعيب ولولا رهطك لرجمناك وقيل معنى قوله لقد كان يأوي إلى ركن شديد
أي إلى عشيرته لكنه لم يأو إليهم وأوى إلى الله انتهى والأول أظهر لما بيناه وقال النووي يجوز
أنه لما اندهش بحال الأضياف قال ذلك أو أنه التجأ إلى الله في باطنه وأظهر هذا القول للأضياف
اعتذارا وسمي العشيرة ركنا لان الركن يستند إليه ويمتنع به فشبههم بالركن من الجبل لشدتهم
ومنعتهم وسيأتي في الباب الذي بعده تفسير الركن بلفظ آخر (قوله باب فلما جاء
آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون) أي أنكرهم لوط (قوله بركنه بمن معه لانهم قوته) هو
تفسير الفراء وقال أبو عبيدة فتولى بركنه وبجانبه سواء انما يعني ناحيته وقال في قوله أو آوي
إلى ركن شديد أي عشيرة عزيزة منيعة كذا أورد المصنف هذه الجملة في قصة لوط وهو وهم فإنها
من قصة موسى والضمير لفرعون والسبب في ذلك أن ذلك وقع تلو قصة لوط حيث قال تعالى في آخر
قصة لوط وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم ثم قال عقب ذلك وفي موسى إذ أرسلناه إلى
فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه أو ذكره استطرادا لقوله في قصة لوط أو آوي إلى ركن شديد
(قوله تركنوا تميلوا) قال أبو عبيدة في قوله ولا تركنوا إلى الذين ظلموا لا تعدلوا إليهم ولا تميلوا تقول
ركنت إلى قولك أي أحببته وقبلته وهذه الآية لا تتعلق بقصة لوط أصلا ثم ظهر لي أنه ذكر هذه
اللفظة من أجل مادة ركن بدليل ايراده الكلمة الأخرى وهي ولا تركنوا (قوله فأنكرهم ونكرهم
واستنكرهم واحد) قال أبو عبيدة نكرهم وأنكرهم واحد وكذلك استنكرهم وهذا الانكار
297

من إبراهيم غير الانكار من لوط لان إبراهيم أنكرهم لما لم يأكلوا من طعامه وأما لوط فأنكرهم
لما لم يبالوا بمجئ قومه إليهم ولكن لها تعلق مع كونها لإبراهيم بقصة لوط (قوله يهرعون
يسرعون) قال أبو عبيدة يهرعون إليه أي يستحثون إليه قال الشاعر * بمعجلات نحوهم نهارع *
أي نسارع وقيل معناه يزعجون مع الاسراع (قوله دابر آخر) قال أبو عبيدة في تفسير قوله إن دابر
هؤلاء أي آخرهم (قوله صيحة هلكة) هو تفسير قوله إن كانت الا صيحة واحدة ولم أعرف وجه
دخوله هنا لكن لعله أشار إلى قوله فأخذتهم الصيحة مشرقين فإنها تتعلق بقوم لوط (قوله
للمتوسمين للناظرين) قال الفراء في قوله تعالى ان في ذلك لآيات للمتوسمين أي للمتفكرين
ويقال للناظرين المتفرسين وقال أبو عبيدة أي المتبصرين المتثبتين (قوله لبسبيل لبطريق) هو
تفسير أبي عبيدة والضمير في قوله وانها يعود على مدائن قوم لوط وقيل يعود على الآيات ثم أورد
المصنف حديث عبد الله وهو ابن مسعود قال قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فهل من مدكر يعني
بالدال المهملة وسيأتي بيان ذلك في تفسير القمر * (تنبيهان) * أحدهما هذه التفاسير وقعت
في رواية المستملي وحده (ثانيهما) أورد المصنف عقب هذا قصة ثمود وصالح وقد قدمتها في مكانها
عقب قصة عاد وهود وكأن السبب في ايرادها هنا أنه لما أورد التفاسير من سورة الحجر كان آخرها
قوله وانها لبسبيل مقيم ان في ذلك لآيات للمتوسمين وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا
منهم وانهما لبإمام مبين ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين الخ فجاءت قصة ثمود وهم أصحاب الحجر
في هذه السورة تالية لقصة قوم لوط وتخلل بينهما قصة أصحاب الأيكة مختصرة فأوردها من أوردها
على ذلك وقد قدمت الاعتذار عن ذلك فيما مضى (قوله باب أم كنتم شهداء إذ حضر
يعقوب الموت) كذا ثبتت هذه الترجمة هنا وهي مكررة كما سبق قريبا والصواب ان حديثها تلو
حديث الباب الذي يليها وهي من قصة يوسف عليه السلام وقوله أخبرنا عبد الصمد هو ابن
عبد الوارث (قوله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) وفي رواية الطبراني من طريق أبي
عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله وله من حديث ابن
عباس قالوا يا رسول الله من السيد قال يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله قالوا فما في أمتك سيد
قال رجل أعطى ما لا حلالا ورزق سماحة واسناده ضعيف (قوله باب قول الله تعالى
لقد كان في يوسف واخوته آيات للسائلين) اسم اخوة يوسف روبيل بضم الراء وسكون الواو وكسر
الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام وهو أكبرهم وشمعون بالشين المعجمة ولاوي ويهوذا ودانى
ونفتالي بفاء ومثناة وكاد وأشير وايساجر ورايلون وبنيامين وهم الأسباط وقد اختلف فيهم
فقيل كانوا أنبياء ويقال لم يكن فيهم نبي وانما المراد بالأسباط قبائل من بني إسرائيل فقد كان فيهم
من الأنبياء عدد كثير ثم ذكر المصنف في الباب سبعة أحاديث أحدها حديث أبي هريرة في أكرم
الناس أي أصلا ذكره من وجهين عن عبد الله بن عمر ثانيهما قال فيه أخبرنا محمد بن سلام أخبرني
عبدة وهو ابن سليمان ووقع في المستخرج لأبي نعيم ان البخاري أخرجه عن عثمان بن أبي شيبة عن
عبدة فالله أعلم وقد تقدم شرحه قريبا الحديث الثاني حديث عائشة مروا أبا بكر فليصل بالناس
298

وقد تقدم شرحه في أبواب الإمامة وأورده هنا مختصرا والغرض منه قوله إنكن صواحب يوسف
وقوله في أول الاسناد حدثنا الربيع بن يحيى في رواية أبي ذر بغير ألف ولام وزاد في رواية كريمة
البصري ووقع في نسخة حدثنا النضر حدثنا زائدة وهو غلط فاحش تصحيف من البصري وقد
تقدم ذكر مناسبته هناك وقد قص الله تعالى قصة يوسف مطولة في سورة لم يذكر فيها قصة لغيره
وقد روى ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا رحم الله يوسف لولا
الكلمة التي قالها اذكرني عند ربك ما لبث في السجن ما لبث الثالث حديث أبي موسى في المعنى
وقد تقدم أيضا * الرابع حديث أبي هريرة في الدعاء عند الرفع من الركوع اللهم أنج المستضعفين
وقد تقدم شرحه في الصلاة أيضا والغرض منه قوله اجعلها عليهم سنين كسني يوسف المراد
بسني يوسف ما قصه الله من ذكر السنين المجدبة في زمانه ويقال اسم الملك الذي رأى الرؤيا الريان
ابن الوليد من ذرية لاوي بن سام بن نوح * الخامس حديثه في ذكر لوط ويوسف وقد تقدم في
ترجمة إبراهيم * السادس حديث أم رومان والدة عائشة في قصة الإفك أورده لقول عائشة
فيه فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه وسيأتي في تفسير النور في سياق قصة الإفك عن عائشة
بلفظ والتمست اسم يعقوب فلم أجده فقلت ما أجد لي ولكم مثلا الا أبا يوسف ويأتي الكلام على
ما قيل في هذا الاسناد من التعليل بالانقطاع والجواب عنه في غزو بني المصطلق من كتاب
المغازي إن شاء الله تعالى * السابع حديث عائشة في تفسير قوله تعالى حتى إذا استيأس الرسل
وسيأتي شرحه في آخر تفسير سورة يوسف (قوله استيأسوا استفعلوا من يئست منه من يوسف)
299

وقع في كثير من الروايات افتعلوا والصواب الأول وفي تفسير ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق
فلما استيأسوا أي لما حصل لهم اليأس من يوسف (قوله ولا تيأسوا من روح الله معناه من الرجاء)
وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن بشير عن قتادة لا تيأسوا من روح الله أي من رحمة الله
* (تنبيه) * مطابقة هذا الحديث للترجمة وقوع الآية في سورة يوسف ودخوله هو في عموم
قوله وما أرسلنا قبلك الا رجالا نوحي إليهم وكان مقامه في السجن تلك المدة الطويلة إلى أن جاءه
النصر من عند الله تعالى بعد اليأس لأنه أمر الفتى الذي ظن أنه ناج أن يذكر قصته وأنه حبس
ظلما فلم يذكرها الا بعد سبع سنين وفي مثل هذا يحصل اليأس في العادة المطردة * الحديث
الثامن حديث ابن عمر الكريم ابن الكريم الحديث تقدم شرحه قبل هذا وعبدة شيخ المصنف
هو ابن عبد الله المروزي وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث وعبد الرحمن هو ابن عبد الله بن دينار
(قوله باب قول الله تعالى وأيوب إذ نادى ربه الآية) يقال هو أيوب بن ساري
ابن رغوال بن عيصوا بن إسحاق بن إبراهيم وقيل اسم أبيه موص والباقي سواء وقيل موص
ابن رزاح بن عيص وقيل أيوب بن رزاح بن موص بن عيصو ومنهم من زاد بين موص وعيص
ليقرن وزعم بعض المتأخرين أنه من ذرية روم بن عيص ولا يثبت ذلك وحكى ابن عساكر ان أمه
بنت لوط عليه السلام وان أباه كان ممن آمن بإبراهيم وعلى هذا فكان قبل موسى وقال ابن إسحاق
الصحيح انه كان من بني إسرائيل ولم يصح في نسبه شئ الا أن اسم أبيه امص والله أعلم وقال
الطبري كان بعد شعيب وقال ابن أبي خثيمة كان بعد سليمان وكان عيصو تزوج بشمت بنت عمه
إسماعيل فرزق منها رغوال وهو بغين معجمة (قوله اركض اضرب يركضون يعدون) روى ابن
جرير من طريق شعبة عن قتادة في قوله اركض برجلك قال ضرب برجله الأرض فإذا عينان
تنبعان فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى وقال الفراء في قوله تعالى إذا هم منها يركضون
أي يهربون وأخرج الطبري من طريق مجاهد في قوله لا تركضوا أي لا تفروا (قوله بينا أيوب)
أصل بينا بين أشبعت الفتحة ويغتسل خبر المبتدا والجملة في محل الجر بإضافة بين إليه والعامل خر
عليه أو هو مقدر وخر مفسر له ووقع عند أحمد وابن حبان من طريق بشير بن نهيك عن أبي هريرة
لما عافى الله أيوب أمطر عليه جرادا من ذهب (قوله عريانا) تقدم القول فيه في كتاب الغسل (قوله
خر عليه) أي سقط عليه وقوله رجل جراد أي جماعة جراد والجراد اسم جمع واحدة جرادة كتمر
وتمرة وحكى ابن سيده انه يقال للذكر جراد وللأنثى جرادة (قوله يحثي) بالمثلثة أي يأخذ بيديه
جميعا وفي رواية بشير بن نهيك يلتقط (قوله في ثوبه) في حديث ابن عباس عند ابن أبي حاتم فجعل
أيوب ينشر طرف ثوبه فيأخذ الجراد فيجعله فيه فكلما امتلأت ناحية نشر ناحية (قوله فناداه
ربه) يحتمل أن يكون بواسطة أو بالهام ويحتمل أن يكون بغير واسطة (قوله قال بلى) أي أغنيتني
(قوله ولكن لا غنى لي) بالقصر بغير تنوين وخبر لا قوله لي أو قوله عن بركتك وفي رواية بشير بن
نهيك فقال ومن يشبع من رحمتك أو قال من فضلك وفي الحديث جواز الحرص على الاستكثار
من الحلال في حق من وثق من نفسه بالشكر عليه وفيه تسمية المال الذي يكون من هذه الجهة
بركة وفيه فضل الغني الشاكر وسيأتي بقية مباحث هذه الخصلة الأخيرة في الرقاق إن شاء الله
تعالى واستنبط منه الخطابي جواز أخذ النثار في الاملاك وتعقبه ابن التين فقال هو شئ خص
300

الله به نبيه أيوب وهو بخلاف النثار فإنه من فعل الآدمي فيكره لما فيه من السرف ورد عليه بأنه
أذن فيه من قبل الشارع ان ثبت الخبر ويستأنس فيه بهذه القصة والله أعلم * (تنبيه) * لم يثبت
عند البخاري في قصة أيوب شئ فاكتفى بهذا الحديث الذي على شرطه وأصح ما ورد في قصته
ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير وصححه ابن حبان والحاكم من طريق نافع بن يزيد عن عقيل عن
الزهري عن أنس أن أيوب عليه السلام ابتلى فلبث في بلائه ثلاث عشرة سنة فرفضه القريب
والبعيد الا رجلين من اخوانه فكانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما للآخر لقد أذنب
أيوب ذنبا عظيما والا لكشف عنه هذا البلاء فذكره الآخر لأيوب يعني فحزن ودعا الله حينئذ
فخرج لحاجته وأمسكت امرأته بيده فلما فرغ أبطأت عليه فأوحى الله إليه أن اركض برجلك
فضرب برجله الأرض فنبعت عين فاغتسل منها فرجع صحيحا فجاءت امرأته فلم تعرفه فسألته عن
أيوب فقال اني أنا هو وكان له اندران أحدهما للقمح والآخر للشعير فبعث الله له سحابة فأفرغت
في أندر القمح الذهب حتى فاض وفي أندر الشعير الفضة حتى فاض وروى ابن أبي حاتم نحوه من
حديث ابن عباس وفيه فكساه الله حلة من حلل الجنة فجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت يا عبد الله
هل أبصرت المبتلى الذي كان هنا فلعل الذئاب ذهبت به فقال ويحك أنا هو وروى ابن أبي حاتم
من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير نحو حديث أنس وفي آخره قال فسجد وقال وعزتك لا أرفع
رأسي حتى تكشف عني فكشف عنه وعن الضحاك عن ابن عباس رد الله على امرأته شبابها حتى
ولدت له ستة وعشرين ولدا ذكرا وذكر وهب بن منبه ومحمد بن إسحاق في المبتدا قصة مطولة جدا
وحاصلها انه كان بحوران وكان له البثنية سهلها وجبلها وله أهل ومال كثير وولد فسلب ذلك كله
شيئا فشيئا وهو يصبر ويحتسب ثم ابتلى في جسده بأنواع من البلاء حتى ألقى خارجا من البلد
فرفضه الناس الا امرأته فبلغ من أمرها انها كانت تخدم بالاجرة وتطعمه إلى أن تجنبها الناس
خشية العدوي فباعت إحدى ضفيرتيها من بعض بنات الاشراف وكانت طويلة حسنة فاشترت
له به طعاما طيبا فلما أحضرته له حلف أن لا يأكله حتى تخبره من أين لها ذلك فكشفت عن رأسها
فاشتد حزنه وقال حينئذ رب اني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فعافاه الله تعالى وروى ابن أبي
حاتم عن مجاهد ان أيوب أول من أصابه الجدري ومن طريق الحسن أن إبليس أتى امرأته فقال
لها ان أكل أيوب ولم يسم عوفي فعرضت ذلك على أيوب فحلف ليضربنها مائة فلما عوفي أمره الله
أن يأخذ عرجونا فيه مائة شمراخ فيضربها ضربة واحدة وقيل بل قعد إبليس على الطريق في
صورة طبيب فقال لها إذا داويته فقال أنت شفيتني قنعت بذلك فعرضت ذلك عليه فغضب وكان
ما كان وذكر الطبري أن اسمها ليا بنت يعقوب وقيل رحمة بنت يوسف بن يعقوب وقيل بنت
افراثيم أو ميشا بن يوسف وأفاد ابن خالويه أنه يقال لها أم زيد واختلف في مدة بلائه فقيل
ثلاث عشرة سنة كما تقدم وقيل ثلاث سنين وهذا قول وهب وقيل سبع سنين وهو عن الحسن
وقتادة وقيل إن امرأته قالت له ألا تدعو الله ليعافيك فقال قد عشت صحيحا سبعين سنة أفلا
أصبر سبع سنين والصحيح ما تقدم انه لبث في بلائه ثلاث عشرة سنة وروى الطبري أن مدة عمره
كانت ثلاثا وتسعين سنة فعلى هذا فيكون عاش بعد ان عوفي عشر سنين والله أعلم (قوله
باب واذكر في الكتاب موسى انه كان مخلصا وكان رسولا نبيا إلى قوله نجيا) في رواية أبي
301

ذر قول الله واذكر الخ وليس فيه باب وساق في رواية كريمة إلى قوله أخاه هارون نبيا (قوله
يقال للواحد والاثنين) زاد الكشميهني والجمع نجى (ويقال خلصوا اعتزلوا نجيا والجمع أنجية
يتناجون) قال أبو عبيدة في قوله تعالى خلصوا نجيا أي اعتزلوا نجيا يتناجون والنجي يقع لفظه
على الواحد والجمع أيضا وقد يجمع فيقال نجى وأنجية قال لبيد
وشهدت أنجية الإفاقة عاليا * كعبي وأرداف الملوك شهود
وموسى هو ابن عمران بن لأهب بن عازر بن لاوي بن يعقوب عليه السلام لا اختلاف في نسبه ذكر
السدي في تفسير بأسانيده أن بدء أمر موسى ان فرعون رأى كأن نارا أقبلت من بيت المقدس
فأحرقت دور مصر وجميع القبط الا دور بني إسرائيل فلما استيقظ جمع الكهنة والسحرة فقالوا
هذا غلام يولد من هؤلاء يكون خراب مصر على يده فامر بقتل الغلمان فلما ولد موسى أوحى الله إلى
أمه ان أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم قالوا فكانت ترضعه فإذا خافت عليه جعلته في تابوت
وألقته في البحر وجعلت الحبل عندها فنسيت الحبل يوما فجرى به النيل حتى وقف على باب
فرعون فالتقطه الجواري فاحضروه عند امرأته ففتحت التابوت فرأته فأعجبها فاستوهبته من
فرعون فوهبه لها فربته حتى كان من أمره ما كان (قوله تلقف تلقم) هو تفسير أبي عبيدة قاله
في سورة الأعراف ثم أورد المصنف طرقا من حديث بدء الوحي وقد تقدم شرحه بتمامه في أول
الكتاب والغرض منه قوله الناموس الذي أنزل على موسى (قوله الناموس صاحب السر الذي
يطلعه بما يستره عن غيره) هو قول المصنف وقد تقدم قول من خصه بسر الخير (قوله
باب قول الله عز وجل وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا إلى قوله بالواد المقدس طوى)
سقط لفظ باب عند أبي ذر وكريمة (قوله آنست أبصرت) قال أبو عبيدة في قوله آنس من جانب
الطور نارا أي أبصر (قوله قال ابن عباس المقدس المبارك طوى اسم الوادي) هكذا وقع هذا
التفسير وما بعده في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني خاصة ولم يذكره جميع رواة البخاري هنا
وانما ذكروا بعضه في تفسير سورة طه وها أنا اشرحه هنا وأبين إذا أعيد في تفسير طه إن شاء الله
تعالى ما سبق منه هنا وقول ابن عباس هذا وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس به وروى هو والطبري من وجه آخر عن ابن عباس انه سمي طوى لان موسى طواه ليلا قال
الطبري فعلى هذا فالمعنى انك بالوادي المقدس طويته وهو مصدر أخرج من غير لفظه كأنه قال
طويت الوادي المقدس طوى وعن سعيد بن جبير قال قيل له طوى أي طأ الأرض حافيا وروى
الطبري عن مجاهد مثله وعن عكرمة أي طا بالوادي ومن وجه آخر عن ابن عباس كذلك وروى
ابن أبي حاتم من طريق مبشر بن عبيد والطبري من طريق الحسن قال قيل له طوى لأنه قدس
مرتين وقال الطبري قال آخرون معنى قوله طوى أي ثنى أي ناداه ربه مرتين انك بالوادي المقدس
وأنشد لذلك شاهدا قول عدي بن زيد
أعاذل ان اللوم في غير حينه * علي طوى من غيك المتردد
وقال أبو عبيدة طوى بكسر أوله قوم كقول الشاعر * ون كان حيانا عدي آخر الدهر * قال ومن
جعل طوى اسم أرض لم ينونه ومن جعله اسم الوادي صرفه ومن جعله مصدرا بمعنى نودي مرتين
صرفه تقول ناديته ثنى وطوى أي مرة بعد مرة وأنشد البيت المذكور (قوله سيرتها حالتها)
302

وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى سنعيدها سيرتها الأولى
يقول حالتها الأولى ورواه ابن جرير كذلك ومن طريق مجاهد وقتادة سيرتها هيئتها (قوله والنهي
التقي) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى يمشون في مساكنهم
ان في ذلك لآيات لاولي النهى قال لاولى التقي ومن طريق سعيد عن قتادة لأولى النهى لاولي
الورع قال الطبري خص أولى النهى لانهم أهل التفكر والاعتبار (قوله بملكنا بأمرنا) وصله ابن
أبي حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ما أخلفنا موعدك بملكنا
يقول بامرنا ومن طريق سعيد عن قتادة بملكنا أي بطاقتنا وكذا قال السدي ومن طريق ابن زيد
بهوانا واختلف أهل القراءة في ميم ملكنا فقرؤا بالضم والفتح والكسر ويمكن تخريج هذه
التأويلات على هذه القراءات (قوله هوى شقى) وصله ابن أبي حاتم من الطريق المذكورة في قوله
تعالى ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى قال يعني شقى وكذا أخرجه الطبري (قوله فارغا الا من
ذكر موسى) وصله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي في تفسير ابن عيينة من طريق عكرمة عن ابن
عباس في قوله تعالى وأصبح فؤاد أم موسى فارغا قال من كل الا من ذكر موسى وأخرج الطبري
من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه ومن طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس فارغا
لا تذكر الا موسى ومن طريق مجاهد وقتادة نحوه ومن طريق الحسن البصري أصبح فارغا من
العهد الذي عهد إليها انه سيرد عليها وقال أبو عبيدة في قوله فارغا أي من الحزن لعلمها أنه لم يغرق ورد
ذلك الطبري وقال إنه مخالف لجميع أقوال أهل التأويل وأم موسى اسمها بادونا وقيل أباذخت
ويقال يوحانذ (قوله ردءا كي يصدقني) وصله ابن أبي حاتم من الطريق المذكورة قيل وروى
الطبري من طريق السدي قال كيما يصدقني ومن طريق مجاهد وقتادة ردأ أي عونا (قوله
ويقال مغيثا أو معينا) يعني بالمعجمة والمثلثة وبالمهملة والنون قال أبو عبيدة في قوله ردأ يصدقني
اي معينا يقال فيه اردأت فلانا على عدوه أي أكنفته وأعنته اي صرت له كنفا (قوله يبطش
ويبطش) يعني بكسر الطاء وبضمها قال أبو عبيدة في تفسير قوله تعالى فلما أن أراد أن يبطش بالذي
هو عدو لهما بالطاء مكسورة ومضمومة لغتان (قلت) الكسر القراءة المشهورة هنا وفي قوله
تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى والضم قراءة ابن جعفر ورويت عن الحسن أيضا (قوله يأتمرون
يتشاورون) قال أبو عبيدة في قوله تعالى ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك أي يهمون بك ويتآمرون
ويتشاورون انتهى وهي بمعنى يتآمرون ومنه قول الشاعر
أرى الناس قد أحدثوا شيمة * وفي كل حادثة يؤتمر
وقال ابن قتيبة معناه يأمر بعضهم بعضا كقوله وائتمروا بينكم بمعروف (قوله والجذوة قطعة
غليظة من الخشب ليس لها لهب) قال أبو عبيدة في قوله تعالى أو جذوة من النار أي قطعة غليظة
من الحطب ليس فيها لهب قال الشاعر
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها * جزل الجذا غير خوار ولا دعر
والجذوة مثلثة الجيم (قوله سنشد سنعينك كلما عززت شيئا فقد جعلت له عضدا) وقال أبو عبيدة
في قوله تعالى سنشد عضدك بأخيك أي سنقويك به ونعينك تقول شد فلان عضد فلان إذا أعانه
وهو من عاضدته على أمره أي عاونته (قوله وقال غيره كلما لم ينطق بحرف أو فيه تمتمة أو فأفأة
303

فهي عقدة) هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى واحلل عقدة من لساني العقدة في اللسان
ما لم ينطق بحرف أو كانت فيه مسكة من تمتمة أو فأفأة وروى الطبري من طريق السدي قال لما
تحرك موسى أخذته آسية امرأة فرعون ترقصه ثم ناولته لفرعون فاخذ موسى بلحيته فنتفها
فاستدعى فرعون الذباحين فقالت آسية انه صبي لا يعقل فوضعت له جمرا وياقوتا وقالت إن أخذ
الياقوت فاذبحه وان اخذ الجمرة فاعرف انه لا يعقل فجاء جبريل فطرح في يده جمرة فطرحها في فيه
فاحترق لسانه فصارت في لسانه عقدة من يومئذ ومن طريق مجاهد وسعيد بن جبير نحو ذلك
والتمتمة هي التردد في النطق بالمثناة الفوقانية والفأفأة بالهمزة التردد في النطق بالفاء (قوله
أزرى ظهري) قال أبو عبيدة في قوله تعالى اشدد به ازري أي ظهري ويقال قد أزرني أي كان لي
ظهرا ومعينا وأورد الطبري باسناد لين عن ابن عباس في قوله اشدد به ازري قال ظهري (قوله
فيسحتكم فيهلككم) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهو قول أبى
عبيدة قال وتقول سحته وأسحته بمعنى قال الطبري سحت أكثر من أسحت وروى من طريق
قتادة في قوله فيسحتكم أي يستأصلكم والخطاب للسحرة ويقال ان اسم رؤسائهم غادون وساتور
وخطخط والمصفا (قوله المثلى تأنيث الأمثل يقول بدينكم يقال خذ المثلى خذ الأمثل) قال أبو
عبيدة في قوله بطريقتكم أي بسنتكم ودينكم وما أنتم عليه والمثلى تأنيث الأمثل تقول خذ
المثلى منهما للأنثيين وخذ الأمثل منهما إذا كان ذكرا والمراد بالمثلى الفضلي (قوله ثم ائتوا صفا
يقال هل أتيت الصف اليوم يعني المصلي الذي يصلي فيه) قال أبو عبيدة في قوله ثم ائتوا صفا أي
صفوفا وله معنى آخر من قولهم هل أتيت الصف اليوم أي المصلي الذي يصلي فيه (قوله فأوجس
أضمر خوفا فذهبت الواو من خيفة لكسرة الخاء) قال أبو عبيدة في قوله تعالى فأوجس منهم
خيفة أي فاضمر منهم خيفة اي خوفا فذهبت الواو فصارت ياء من أجل كسرة الخاء قال الكرماني
مثل هذا الكلام لا يليق بجلالة هذا الكتاب أن يذكر فيه انتهى وكأنه رأى فيه ما يخالف
اصطلاح المتأخرين من أهل علم التصريف فقال ذلك حيث قالوا في مثل هذا أصل خيفة خوفة
فقلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة وما عرف أنه كلام أحد الرؤس العلماء باللسان العربي وهو
أبو عبيدة معمر بن المثنى البصري (قوله في جذوع النخل على جذوع) هو قول أبي عبيدة
واستشهد بقول الشاعر * هم صلبوا العبدي في جذع نخلة * وقال انما جاء على موضع في إشارة
لبيان شدة التمكن في الظرفية (قوله خطبك بالك) قال أبو عبيدة في قوله قال فما خطبك أي
ما بالك وشأنك قال الشاعر * يا عجبا ما خطبه وخطبي * وروى الطبري من طريق السدي في قول
الله قال فما خطبك قال مالك يا سامري واسم السامري المذكور يأتي (قوله مساس مصدر
ماسه مساسا) قال الفراء قوله لا مساس اي لا أمس ولا أمس والمراد أن موسى أمرهم أن لا يؤاكلوه
ولا يخالطوه وقرئ لا مساس بفتح الميم وهي لغة فاشية واسم السامري موسى بن طفر وكان من قوم
يعبدون البقر وقال أبو عبيدة في قوله تعالى لا مساس إذا كسرت الميم جاز النصب والرفع والجر
بالتنوين وجاءت هنا منفية ففتحت بغير تنوين قال النابغة
فأصبح من ذاك كالسامري إذ قال موسى له لا مساسا
قال والمماسة والمخالطة واحد قال ومنهم من جعلها اسما فكسر آخرها بغير تنوين قال الشاعر
304

تميم كرهط السامري وقوله * ألا لا مريد السامري مساس
أجراها مجرى قطام وحزام (قوله لننسفنه لنذرينه) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس في قوله لننسفنه في اليم نسفا يقول لنذرينه في البحر (قوله الضحاء الحر) قال أبو
عبيدة في قوله تعالى وانك لا تظمأ فيها ولا تضحى اي لا تعطش ولا تضحى للشمس فتجد الحر وروى
الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس لا يصيبك فيها عطش ولا حر (قلت) وهذا
الموضع وقع استطرادا والا فلا تعلق له بقصة موسى عليه السلام (قوله قصيه اتبعي أثره وقد
يكون ان يقص الكلام نحن نقص عليك) أما الأول فهو قول مجاهد والسدي وغيرهما أخرجه
ابن جرير وقال أبو عبيدة في قوله تعالى وقالت لأخته قصيه أي اتبعي أثره تقول قصصت آثار
القوم واما الثاني فهو من قبل المصنف وأخت موسى اسمها مريم وافقتها في ذلك مريم بنت
عمران والدة عيسى عليه السلام (قوله عن جنب عن بعد وعن جنابة وعن اجتناب واحد) روى
الطبري من طريق مجاهد في قوله عن جنب قال عن بعد وقال أبو عبيدة في قوله تعالى فبصرت به
عن جنب أي عن بعد وتجنب ويقال ما تأتينا الا عن جنابة وعن جنب قال الشاعر
فلا تحرمني نائلا عن جنابة * فاني امرؤ وسط القباب غريب
وفي حديث القنوت الطويل عن ابن عباس الجنب أن يسمو بصر الانسان إلى الشئ البعيد وهو
إلى جنبه لم يشعر (قوله قال مجاهد على قدر موعد) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه
وروى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله على قدر يا موسى اي على ميقات (قوله
لا تنيا لا تضعفا) وصله الفريابي أيضا عن مجاهد وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس في قوله لا تنيا في ذكري قال لا تبطئا (قوله مكانا سوى منصف بينهم) وصله الفريابي
أيضا عن مجاهد وقال أبو عبيدة بضم أوله وبكسره كعدي وعدي والمعنى النصف والوسط (قوله
يبسا يابسا) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فاضرب لهم طريقا في البحر
يبسا أي يابسا وقال أبو عبيدة في قوله طريقا في البحر يبسا متحرك الحروف وبعضهم يسكن الباء
وتقول شاة يبس بالتحريك أي يابسة ليس لها لبن (قوله من زينة القوم الحلي الذي استعاروا من
آل فرعون) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولكنا حملنا أو زارا من
زينة القوم أي الحلي الذي استعاروا من آل فرعون وهي الأثقال أي الأوزار وروى الطبري من
طريق ابن زيد قال الأوزار الأثقال وهي الحلي الذي استعاروه من آل فرعون وليس المراد بها
الذنوب ومن طريق قتادة قال كان الله وقت لموسى ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر فلما مضت
الثلاثون قال السامري لبني إسرائيل انما أصابكم الذي أصابكم عقوبة بالحلى الذي كان معكم
وكانوا قد استعاروا ذلك من آل فرعون فساروا وهي معهم فقذفوها إلى السامري فصورها
صورة بقرة وكان قد صر في ثوبه قبضة من أثر حافر فرس جبريل فقذفها مع الحلي في النار فاخرج
عجلا يخور (قوله فقذفتها ألقيتها ألقى صنع) وقع في رواية الكشميهني فقذفناها وصله الفريابي
من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى فقبضت قبضة من أثر الرسول فقذفناها قال
ألقيناها وفي قوله ألقى السامري اي صنع وفي قوله فنبذتها اي ألقيتها (قوله فنسي موسى هم
يقولونه أخطأ الرب) وصله الفريابي عن مجاهد كذلك وروى الطبري من طريق السدي قال لما
305

خرج العجل فخار قال لهم السامري هذا إلهكم واله موسى فنسي أي فنسي موسى وضل ومن
طريق قتادة نحوه قال نسي موسى ربه ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس فنسي أي
السامري نسي ما كان عليه من الاسلام (قوله أن لا يرجع إليهم قولا في العجل) وصله الفريابي
عن مجاهد كذلك وقال أبو عبيدة تقدير القراءة بالضم أنه لا يرجع ومن لم يضم العين نصب بأن
* (تنبيه) * لمح المصنف بهذه التفاسير لما جرى لموسى في خروجه إلى مدين ثم في رجوعه إلى مصر
ثم في أخباره مع فرعون ثم في غرق فرعون ثم في ذهابه إلى الطور ثم في عبادة بني إسرائيل العجل
وكأنه لم يثبت عنده في ذلك من المرفوعات ما هو على شرطه وأصح ما ورد في جميع ذلك ما أخرجه
النسائي وأبو يعلى باسناد حسن عن ابن عباس في حديث القنوت الطويل في قدر ثلاث ورقات
وهو في تفسير طه عنده وعند ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه وغيرهم ممن خرج التفسير المسند
ثم ذكر المصنف في هذا الباب طرفا من حديث الاسراء من رواية قتادة عن أنس عن مالك بن
صعصعة وسيأتي بتمامه في السيرة النبوية واقتصر منه هنا على قوله حتى أتى السماء الخامسة فإذا
هارون الحديث بهذه القصة خاصة ثم قال تابعه ثابت وعباد بن أبي علي عن أنس وأراد بذلك ان
هذين تابعا قتادة عن أنس في ذكر هارون في السماء الخامسة لا في جميع الحديث بل ولا في الاسناد
فان رواية ثابت موصولة في صحيح مسلم من طريق حماد بن سلمة عنه ليس فيها ذكر مالك بن صعصعة
نعم فيها ذكر هارون في السماء الخامسة وكذلك في رواية عباد بن أبي علي وهو بصري ليس له في
البخاري ذكر الا في هذا الموضوع ووافق ثابتا في أنه لم يذكر لأنس فيه شيخا وقد وافقهما شريك عن
أنس في ذلك وفي كون هارون في الخامسة وسيأتي حديثه في أثناء السيرة النبوية وأما قتادة فقال
عن أنس عن مالك بن صعصعة واما الزهري فقال عن أنس عن أبي ذر كما مضى في أول الصلاة ولم
يذكر في حديثه هارون أصلا والى هذا أشار المصنف بالمتابعة والله أعلم (قوله باب وقال
رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه إلى قوله هو مسرف كذاب) كذا وقعت هذه الترجمة بغير
حديث ولعله أخلى بياضا في الأصل فوصل كنظائره ووقع هذا في رواية النسفي مضموما إلى ما في
الباب الذي بعده وهو متجه واختلف في اسم هذا الرجل فقيل هو يوشع بن نون وبه جزم ابن التين
وهو بعيد لان يوشع كان من ذرية يوسف عليه السلام ولم يكن من آل فرعون وقد قيل إن قوله من
آل فرعون متعلق بيكتم ايمانه والصحيح ان المؤمن المذكور كان من آل فرعون واستدل لذلك
الطبري بأنه لو كان من بني إسرائيل لم يصغ فرعون إلى كلامه ولم يستمع منه وذكر الثعلبي عن
السدي ومقاتل انه ابن ابن عم فرعون وقيل اسمه شمعان بالشين المعجمة قال الدارقطني في المؤتلف
لا يعرف شمعان بالشين المعجمة الا هذا وصححه السهيلي وعن الطبري اسمه حيزور وقيل حزقيل بن
برحايا وقيل حربيال قاله وهب بن منبه وقيل حابوت وعن ابن عباس اسمه حبيب وهو ابن عم
فرعون أخرجه عبد بن حميد وقيل هو حبيب النجار وهو غلط وذكر الوزير أبو القاسم المغربي في
أدب الخواص ان اسم صاحب فرعون حوتكة بن سود بن أسلم من قضاعة وعزاه لرواية أبي هريرة
(قوله باب قول الله تعالى وهل أتاك حديث موسى وكلم الله موسى تكليما) ذكر في
الباب ثلاثة أحاديث * أحدها حديث أبي هريرة في صفة موسى وعيسى وغير ذلك * ثانيها
حديث ابن عباس في ذلك وفيه ذكر يونس * ثالثها حديثه في صوم عاشوراء وقوله في حديث
306

أبي هريرة رأيت موسى وادا هو رجل ضرب بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة أي نحيف
(قوله رجل) بفتح الراء وكسر الجيم أي دهين الشعر مسترسله وقال ابن السكيت شعر رجل أي غير
جعد (قوله كأنه من رجال شنوءة) بفتح المعجمة وضم النون وسكون الواو بعدها همزة ثم هاء
تأنيث حي من اليمن ينسبون إلى شنوءة وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد
ولقب شنوءة لشنآن كان بينه وبين أهله والنسبة إليه شنوئى بالهمز بعد الواو وبالهمز بغير واو قال
ابن قتيبة سمي بذلك من قولك رجل فيه شنوءة أي تقززة والتقزز بقاف وزايين التباعد من
الأدناس قال الداودي رجال الزد معروفون بالطول انتهى ووقع في حديث ابن عمر عند
المصنف بعد كأنه من رجال الزطوهم معروفون بالطول والأدمة (قوله ورأيت عيسى) سيأتي
الكلام على ذلك في ترجمة عيسى (قوله وأنا أشبه ولد إبراهيم به) أي الخليل عليه السلام وزاد
مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر ورأيت جبريل فإذا أقرب الناس به شبها دحية (قوله ثم أتيت
بإناءين) سيأتي الكلام عليه في حديث الاسراء في السيرة النبوية إن شاء الله تعالى وقوله في
حديث ابن عباس سمعت أبا العالية هو الرياحي بكسر الراء وتخفيف التحتانية ثم مهملة واسمه
رفيع بالفاء مصغر وروى عن ابن عباس آخر يقال له أبو العالية وهو البراء بالتشديد نسبة إلى بري
السهام واسمه زياد بن فيروز وقيل غير ذلك وحديثه عن ابن عباس سبق في تقصير الصلاة (قوله
لا ينبغي لعبد) يأتي الكلام عليه في ترجمة يونس عليه السلام (قوله وذكر النبي صلى الله عليه وسلم
ليلة أسري به) في رواية الكشميهني ليلة أسري بي على الحكاية وهذا الحديث الواحد أفرده
أكثر الرواة فجعلوه حديثين أحدهما يتعلق بيونس عليه السلام والثاني حديث آخر وقوله فقال
موسى آدم طوال زعم ابن التين انه وقع هنا آدم جسيم طوال ولم أر لفظ جسيم في هذه الرواية
وقوله آدم بالمد أي أسمر وطوال بضم المهملة وتخفيف الواو وأما حديث ابن عباس في صوم
عاشوراء فسبق شرحه في كتاب الصيام (قوله باب قول الله تعالى وواعدنا موسى
ثلاثين ليلة إلى قوله وأنا أول المؤمنين) ساق في رواية كريمة الآيتين كلتيهما وقوله وأتممناها
بعشر فيه إشارة إلى أن المواعدة وقعت مرتين وقوله صعقا أي مغشيا عليه (قوله يقال دكة زلزلة)
هذا ذكره هنا لقوله في قصة موسى عليه السلام فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا قال أبو عبيدة جعله
دكا أي مستويا مع وجه الأرض وهو مصدر جعل صفة ويقال ناقة دكاء أي ذاهبة السنام مستو
ظهرها ووقع عند أبي مردويه مرفوعا ان الجبل ساخ في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة
وسنده واه وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي مالك رفعه لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة
أجبل فوقعت ثلاثة بمكة حرى وثور وثبير وثلاثة بالمدينة أحد ورضوي وورقان وهذا غريب مع
ارساله (قوله فدكتا فدككن جعل الجبال كالواحدة كما قال الله عز وجل ان السماوات والأرض
كانتا رتقا ولم يقل كن رتقا) ذكر هذا استطراد إذ لا تعلق له بقصة موسى وكذا قوله رتقا ملتصقتين
وقال أبو عبيدة الرتق التي ليس فيها ثقب ثم فتق الله السماء بالمطر وفتق الأرض بالشجر (قوله
307

اشربوا ثوب مشرب مصبوغ) يشير إلى أنه ليس من الشرب وقال أبو عبيدة في قوله تعالى
وأشربوا في قلوبهم العجل أي سقوه حتى غلب عليهم وهو من مجاز الحذف أي اشربوا في قلوبهم
حب العجل ومن قال إن العجل أحرق ثم ذرى في الماء فشربوه فلم يعرف كلام الغرب لأنها لا تقول
في الماء اشرب فلان في قلبه (قوله قال ابن عباس انبجست انفجرت) وصله ابن أبي حاتم من طريق
علي بن أبي طلحة عنه كذلك (قوله وإذ نتفنا الجبل رفعنا) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي
طلحة عنه أيضا ثم ذكر المصنف في الباب حديثين * أحدهما حديث أبي هريرة (3) في أن الناس
يصعقون وسيأتي شرحه قريبا * ثانيهما حديثه لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم وسبق شرحه في
ترجمة آدم (قوله باب) كذا لهم بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله
وتعلقه به ظاهر وسقط جميعه من رواية النسفي (قوله طوفان من السيل ويقال للموت الكثير
طوفان) قال أبو عبيدة الطوفان مجاز من السيل وهو من الموت المتتابع الزريع (قوله القمل
الحمنان يشبه صغار الحلم) قال أبو عبيدة القمل عند العرب هي الحمنان قال الأثرم الراوي عنه
والحمنان يعني بالمهملة ضرب من القردان وقيل هي أصغر وقيل أكبر وقيل الدبا بفتح المهملة
وتخفيف الموحدة مقصور (قوله حقيق حق) قال أبو عبيدة في قوله تعالى حقيق علي مجازه حق
على أن لا أقول على الله الا الحق وهذا على قراءة من قرأ حقيق علي بالتشديد واما من قرأها على
فإنه يقول معناه حريص أو محق (قوله سقط كل من ندم فقد سقط في يده) قال أبو عبيدة في قوله
ولما سقط في أيديهم يقال لكل من ندم وعجز عن شئ سقط في يده (قوله باب حديث
الخضر مع موسى عليهما السلام) ذكر فيه حديث ابن عباس عن أبي بن كعب من وجهين وسيأتي
308

أولهما بأتم من سياقه في تفسير سورة الكهف ونستوفي شرحه هناك ووقع هنا في رواية أبي ذر
عن المستملي خاصة عن الفربري حدثنا علي بن خشرم حدثنا سفيان بن عيينة الحديث بطوله وقد
تقدم التنبيه على مثل ذلك في كتاب العلم وذكر المصنف في هذا الباب حديث أبي هريرة انما سمي
الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء وتعلقه بالباب ظاهر من جهة ذكر
الخضر فيه وقد زاد عبد الرزاق في مصنفه بعد أن أخرجه بهذا الاسناد الفروة الحشيش الأبيض
وما أشبهه قال عبد الله بن أحمد بعد أن رواه عن أبيه عنه أظن هذا تفسيرا من عبد الرزاق انتهى
وجزم بذلك عياض وقال الحربي الفروة من الأرض قطعة يابسة من حشيش وهذا موافق لقول
عبد الرزاق وعن ابن الأعرابي الفروة ارض بيضاء ليس فيها نبات وبهذا جزم الخطابي ومن تبعه
وحكى عن مجاهد انه قيل له الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله والخضر قد اختلف في اسمه
قبل ذلك وفي اسم أبيه وفي نسبه وفي نبوته وفي تعميره فقال وهب بن منبه هو بليا بفتح الموحدة
وسكون اللام بعدها تحتانية ووجد بخط الدمياطي في أول الاسم بنقطتين وقيل كالأول بزيادة
ألف بعد الباء وقيل اسمه الياس وقيل اليسع وقيل عامر وقيل خضرون والأول أثبت ابن ملكان بن
فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفشخد بن سام بن نوح فعلى هذا فمولده قبل إبراهيم الخليل لأنه يكون ابن
عم جد إبراهيم وقد حكى الثعلبي قولين في أنه كان قبل الخليل أو بعده قال وهب وكنيته أبو العباس
وروى الدارقطني في الافراد من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال هو ابن آدم لصلبه
وهو ضعيف منقطع وذكر أبو حاتم السجستاني في المعمرين انه ابن قابيل بن آدم رواه عن أبي
عبيدة وغيره وقيل اسمه أرميا بن طيفاء حكاه ابن إسحاق عن وهب وارميا بكسر أوله وقيل بضمه
وأشبعها بعضهم واوا واختلف في اسم أبيه فقيل ملكان وقيل كلمان وقيل عاميل وقيل قابل
والأول أشهر وعن إسماعيل بن أبي أويس هو المعمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد وحكى
السهيلي عن قوم انه كان ملكا من الملائكة وليس من بني آدم وعن ابن لهيعة كان ابن فرعون
309

نفسه وقيل ابن بنت فرعون وقيل اسمه خضرون بن عاييل بن معمر بن عيصو ابن إسحاق بن إبراهيم
وقيل كان أبوه فارسيا رواه الطبري مطريق عبد الله بن شوذب وحكى ابن ظفر في تفسيره انه
كان من ذرية بعض من آمن بإبراهيم وقيل إنه الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه فلا يموت حتى ينفخ
في الصور وروى الدارقطني في الحديث المذكور قال مد للخضر في أجله حتى يكذب الدجال وقال
عبد الرزاق في مصنفه عن معمر في قصة الذي يقتله الدجال ثم يحييه بلغني انه الخضر وكذا قال
إبراهيم بن سفيان الراوي عن مسلم في صحيحه وروى ابن إسحاق في المبتدا عن أصحابه ان آدم أخبر
بنيه عند الموت بأمر الطوفان ودعا لمن يحفظ جسده بالتعمير حتى يدفنه فجمع نوح بنيه لما وقع
الطوفان وأعلمهم بذلك فحفظوه حتى كان الذي تولى دفنه الخضر وروى خيثمة بن سليمان من
طريق جعفر الصادق عن أبيه ان ذا القرنين كان له صديق من الملائكة فطلب منه انه يدله على
شئ يطول به عمره فدله على عين الحياة وهي داخل الظلمة فسار إليها والخضر على مقدمته فظفر بها
الخضر ولم يظفر بها ذو القرنين وروى عن مكحول عن كعب الأحبار قال أربعة من الأنبياء احياء
أمان لأهل الأرض اثنان في الأرض الخضر والياس واثنان في السماء إدريس وعيسى وحكى
ابن عطية البغوي عن أكثر أهل العلم انه نبي ثم اختلفوا هل هو رسول أم لا وقالت طائفة منهم
القشيري هو ولي وقال الطبري في تاريخه كان الخضر في أيام افريدون في قول عامة علماء الكتاب
الأول وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر وأخرج النقاش اخبارا كثيرة تدل على بقائه
لا تقوم بشئ منها حجة قاله ابن عطية قال ولو كان باقيا لكان له في ابتداء الاسلام ظهور ولم يثبت شئ
من ذلك وقال الثعلبي في تفسيره هو معمر على جميع الأقوال محجوب عن الابصار قال وقد قيل إنه
لا يموت إلا في آخر الزمان حين يرفع القرآن وقال القرطبي هو نبي عند الجمهور والآية تشهد
بذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعلم ممن هو دونه ولان الحكم بالباطل لا يطلع عليه الا الأنبياء
وقال ابن الصلاح هو حي عند جمهور العلماء والعامة معهم في ذلك وانما شذ بانكاره بعض المحدثين
وتبعه النووي وزاد ان ذلك متفق عليه بين الصوفية وأهل الصلاح وحكاياتهم في رؤيته
والاجتماع به أكثر من أن تحصر انتهى والذي جزم بأنه غير موجود الآن البخاري وإبراهيم الحربي
وأبو جعفر بن المنادى وأبو يعلى بن الفراء وأبو طاهر العبادي وأبو بكر بن العربي وطائفة وعمدتهم
الحديث المشهور عن ابن عمر وجابر وغيرهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر حياته لا يبقى
على وجه الأرض بعد مائة سنة ممن هو عليها اليوم أحد قال ابن عمر أراد بذلك انخرام قرنه وأجاب
من أثبت حياته بأنه كان حينئذ على وجه البحر أو وهو مخصوص من الحديث كما خص منه إبليس
بالاتفاق ومن حجج من أنكر ذلك قوله تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد وحديث ابن
عباس ما بعث الله نبيا الا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه أخرجه
البخاري ولم يأت في خبر صحيح انه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا قاتل معه وقد قال صلى الله
عليه وسلم يوم بدر اللهم ان تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فلو كان الخضر موجودا لم يصح
هذا النفي وقال صلى الله عليه وسلم رحم الله موسى لوددنا لو كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما
فلو كان الخضر موجودا لما حسن هذا التمني ولأحضره بين يديه وأراه العجائب وكان أدعى لايمان
الكفرة لا سيما أهل الكتاب وجاء في اجتماعه مع النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف أخرجه
310

ابن عدي من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ان النبي صلى الله عليه
وسلم سمع وهو في المسجد كلاما فقال يا أنس اذهب إلى هذا القائل فقل له يستغفر لي فذهب إليه
فقال قل له ان الله فضلك على الأنبياء بما فضل به رمضان على الشهور قال فذهبوا ينظرون فإذا هو
الخضر اسناده ضعيف وروى ابن عساكر من حديث أنس نحوه باسناد أو هي منه وروى الدارقطني
في الافراد من طريق عطاء عن ابن عباس مرفوعا يجتمع الخضر والياس كل عام في الموسم فيحلق
كل واحد منهما رأس صاحبه ويفترقان عن هؤلاء الكلمات بسم الله ما شاء الله الحديث في
اسناده محمد بن أحمد بن زيد بمعجمة ثم موحدة ساكنة وهو ضعيف وروى ابن عساكر من طريق هشام
ابن خالد عن الحسن بن يحيى عن ابن أبي رواد نحوه وزاد ويشربان من ماء زمزم شربة تكفيهما
إلى قابل وهذا معضل ورواه أحمد في الزهد باسناد حسن عن ابن أبي رواد وزاد انهما يصومان
رمضان ببيت المقدس وروى الطبري من طريق عبد الله بن شوذب نحوه وروى عن علي انه دخل
الطواف فسمع رجلا يقول يا من لا يشغله سمع عن سمع الحديث فإذا هو الخضر أخرجه ابن عساكر
من وجهين في كل منهما ضعف وهو في المجالسة من الوجه الثاني وجاء في اجتماعه ببعض الصحابة
فمن بعدهم اخبار أكثرها واهي الاسناد منها ما أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي من حديث أنس لما
قبض النبي صلى الله عليه وسلم دخل رجل فتخطاهم فذكر الحديث في التعزية فقال أبو بكر وعلي
هذا الخضر في اسناده عباد بن عبد الصمد وهو واه وروى سيف في الردة نحوه باسناد آخر
مجهول وروى ابن أبي حاتم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحوه وروى ابن وهب من
طريق ابن المنكدر أن عمر صلى على جنازة فسمع قائلا يقول لا تسبقنا فذكر القصة وفيها انه دعا
للميت فقال عمر خذوا الرجل فتوارى عنهم فإذا أثر قدمه ذراع فقال عمر هذا والله الخضر في
اسناده مجهول مع انقطاعه وروى أحمد في الزهد من طريق مسعر عن معن بن عبد الرحمن عن
عون بن عبد الله قال بينا رجل بمصر في فتنة ابن الزبير مهموما إذ لقيه رجل فسأله فأخبره باهتمامه
بما فيه الناس من الفتن فقال قل اللهم سلمني وسلم مني قال فقالها فسلم قال مسعر يرون انه الخضر
وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه وأبو عروبة من طريق رياح بالتحتانية ابن عبيدة قال رأيت
رجلا يماشي عمر بن عبد العزيز معتمدا على يديه فلما انصرف قلت له من الرجل قال رأيته قلت نعم
قال أحسبك رجلا صالحا ذاك أخي الخضر بشرني اني سأولي وأعدل لا بأس برجاله ولم يقع لي إلى
الآن خبر ولا أثر بسند جيد غيره وهذا لا يعارض الحديث الأول في مائة سنة فان ذلك كان
قبل المائة وروى ابن عساكر من طريق كرز بن وبرة قال أتاني أخ لي من أهل الشام فقال اقبل مني
هذه الهدية ان إبراهيم التيمي حدثني قال كنت جالسا بفناء الكعبة أذكر الله فجاءني رجل فسلم
علي فلم أر أحسن وجها منه ولا أطيب ريحا فقلت من أنت فقال أنا أخوك الخضر قال فعلمه شيئا
إذا فعله رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وفي اسناده مجهول وضعيف وروى ابن عساكر في
ترجمة أبي زرعة الرازي بسند صحيح انه رأى وهو شاب رجلا نهاه عن غشيان أبواب الامراء ثم رآه
بعد أن صار شيخا كبيرا على حالته الأولى فنهاه عن ذلك أيضا قال فالتفت لأكلمه فلم أره فوقع في
نفسي انه الخضر وروى عمر الجمحي في فرائده والفاكهي في كتاب مكة بسند فيه مجهول عن جعفر
ابن محمد أنه رأى شيخا كبيرا يحدث أباه ثم ذهب فقال له أبوه رده علي قال فتطلبته فلم أقدر عليه
311

فقال لي أبي ذاك الخضر وروى البيهقي من طريق الحجاج بن قرافصة ان رجلين كانا يتبايعان عند
ابن عمر قام عليهم رجل فنهاهما عن الحلف بالله ووعظهم بموعظة فقال ابن عمر لأحدهما اكتبها
منه فاستعاده حتى حفظها ثم تطلبه فلم يره قال وكانوا يرون انه الخضر (قوله باب)
كذا لأبي ذر وغيره بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله وتعلقه به ظاهر وأورد فيه أحاديث
أحدها حديث أبي هريرة قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وسيأتي شرحه في تفسير الأعراف
* ثانيها حديثه أن موسى كان رجلا حييا بفتح المهملة وكسر التحتانية الخفيفة بعدها أخرى
مثقلة بوزن فعيل من الحياء وقوله ستيرا بوزنه من الستر ويقال ستيرا بالتشديد (قوله في الاسناد
حدثنا عوف) هو الأعرابي (قوله عن الحسن ومحمد وخلاس) اما الحسن فهو البصري وأما
محمد فهو ابن سيرين وسماعه من أبي هريرة ثابت فقد أخرج أحمد هذا الحديث عن روح عن
عوف عن محمد وحده عن أبي هريرة وأما خلاس فبكسر المعجمة وتخفيف اللام وآخره مهملة هو
ابن عمر بصري يقال إنه كان على شرطة على وحديثه عنه في الترمذي والنسائي وجزم يحيى
القطان بان روايته عنه من صحيفته وقال أبو داود عن أحمد لم يسمع خلاس من أبي هريرة وقال
ابن أبي حاتم عن أبي زرعة كان يحيى القطان يقول روايته عن علي من كتاب وقد سمع من عمار
وعائشة وابن عباس (قلت) إذا ثبت سماعه من عمار وكان على شرطة على كيف يمتنع سماعه
من علي وقال أبو حاتم يقال وقعت عنده صحيفة عن علي وليس بقوي يعني في علي وقال صالح بن
أحمد عن أبيه كان يحيى القطان يتوقى ان يحدث عن خلاس عن علي خاصة وأطلق بقية الأئمة
توثيقه (قلت) وما له في البخاري سوى هذا الحديث وقد أخرجه له مقرونا بغيره واعاده سندا
ومتنا في تفسير الأحزاب وله عنه حديث آخر أخرجه في الايمان والنذور مقرونا أيضا بمحمد بن
سيرين عن أبي هريرة ووهم المزي فنسبه إلى الصوم وأما الحسن البصري فلم يسمع من أبي هريرة
عند الحفاظ النقاد وما وقع في بعض الروايات مما يخالف ذلك فهو محكوم بوهمه عندهم وما له في
البخاري عن أبي هريرة سوى هذا مقرونا وله حديث آخر في بدء الخلق مقرونا بابن سيرين وثالث
ذكره في أوائل الكتاب في الايمان مقرونا بابن سيرين أيضا (قوله لا يرى من جلده شئ استحياء
منه) هذا يشعر بان اغتسال بني إسرائيل عراة بمحضر منهم كان جائزا في شرعهم وانما اغتسل
موسى وحده استحياء (قوله واما ادرة) بضم الهمزة وسكون الدال على المشهور وبفتحتين أيضا
فيما حكاه الطحاوي عن بعض مشايخه ورجح الأول وقد تقدم بيانه في كتاب الغسل ووقع في رواية
ابن مردويه من طريق عثمان بن الهيثم عن عوف الجزم بأنهم قالوا إنه آدر (قوله فخلا يوما وحده
فوضع ثيابه) في رواية الكشميهني ثيابا اي ثيابا له والأول هو المعروف وظاهره انه دخل الماء عريانا
وعليه بوب المصنف في الغسل من اغتسل عريانا وقد قدمت توجيهه في كتاب الغسل ونقل ابن
الجوزي عن الحسن بن أبي بكر النيسابوري ان موسى نزل إلى الماء مؤتزرا فلما خرج تتبع الحجر
والمئزر مبتل بالماء علموا عند رؤيته انه غير آدر لان الأدرة تبين تحت الثوب المبلول بالماء انتهى
وهذا إن كان هذا الرجل قاله احتمالا فيحتمل لكن المنقول يخالفه لان في رواية علي بن زيد عن
أنس عند أحمد في هذا الحديث ان موسى كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه حتى يواري عورته
في الماء (قوله عدا بثوبه) بالعين المهملة اي مضى مسرعا (قوله ثوبي حجر ثوبي حجر) هو بفتح
312

الياء الأخيرة من ثوبي اي اعطني ثوبي اورد ثوبي وحجر بالضم على حذف حرف النداء وتقدم في
الغسل بلفظ ثوبي يا حجر (قوله وأبرأه مما يقولون) في رواية قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عند ابن
مردويه وابن خزيمة وأعدله صورة وفي روايته فقالت بنوا إسرائيل قاتل الله الأفاكين وكانت
براءته وفي رواية روح بن عبادة المذكورة فرأوه كأحسن الرجال خلقا فبرأه مما قالوا (قوله وقام
حجر فأخذ بثوبه) قلت كذا فيه وفي مسند إسحاق بن إبراهيم شيخ البخاري فيه وقام الحجر بالألف
واللام وكذا أخرجه أبو نعيم وابن مردويه من طريقه (قوله فوالله ان بالحجر لندبا) ظاهره انه
بقية الحديث وقد بين في رواية همام في الغسل انه قول أبي هريرة (قوله ثلاثا أو أربعا أو خمسا)
في رواية همام المذكور ستة أو سبعة ووقع عند ابن مردويه من رواية حبيب بن سالم عن أبي هريرة
الجزم بست ضربات (قوله فذلك قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى
فبرأه الله مما قالوا) لم يقع هذا في رواية همام وروى ابن مردويه من طريق عكرمة عن أبي هريرة قال
قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى الآية قال إن
بني إسرائيل كانوا يقولون إن موسى آدر فانطلق موسى إلى النهر يغتسل فذكر نحوه وفي رواية علي
ابن زيد المذكورة قريبا في آخره فرأوه ليس كما قالوا فأنزل تعالى لا تكونوا كالذين آذوا موسى وفي
الحديث جواز المشي عريانا للضرورة وقال ابن الجوزي لما كان موسى في خلوة وخرج من الماء
فلم يجد ثوبه تبع الحجر بناء على أن لا يصادف أحدا وهو عريان فاتفق أنه كان هناك قوم فاجتاز
بهم كما أن جوانب الأنهار وان خلت غالبا لا يؤمن وجود قوم قريب منها فبنى الامر على أنه لا يراه
أحد لأجل خلاء المكان فاتفق رؤية من رآه والذي يظهر أنه استمر يتبع الحجر على ما في الخبر
حتى وقف على مجلس لبني إسرائيل كان فيهم من قال فيه ما قال وبهذا تظهر الفائدة والا فلو كان
الوقوف على قوم منهم في الجملة لم يقع ذلك الموقع وفيه جواز للنظر إلى العورة عند الضرورة
الداعية لذلك من مداواة أو براءة من عيب كما لو ادعى أحد الزوجين على الآخر البرص ليفسح
النكاح فأنكر وفيه أن الأنبياء في خلقهم وخلقهم على غاية الكمال وان من نسب نبيا من
الأنبياء إلى نقص في خلقته فقد آذاه ويخشى على فاعله الكفر وفيه معجزة ظاهرة لموسى عليه
السلام وان الآدمي يغلب عليه طباع البشر لان موسى علم أن الحجر ما سار بثوبه الا بأمر من
الله ومع ذلك عامله معاملة من يعقل حتى ضربه ويحتمل أنه أراد بيان معجزة أخرى لقومه بتأثير
الضرب بالعصا في الحجر وفيه ما كان في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الصبر على الجهال
واحتمال آذاهم وجعل الله تعالى العاقبة لهم على من آذاهم وقد روى أحمد بن منيع في مسنده
باسناد حسن والطحاوي وابن مردويه من حديث على أن الآية المذكورة نزلت في طعن بني إسرائيل
على موسى بسبب هارون لأنه توجه معه إلى زيارة فمات هارون فدفنه موسى فطعن فيه
بعض بني إسرائيل وقالوا أنت قتلته فبرأه الله تعالى بان رفع لهم جسد هارون وهو ميت فخاطبهم
بأنه مات وفي الاسناد ضعف ولو ثبت لم يكن فيه ما يمنع أن يكون في الفريقين معا لصدق ان
كلا منهما آذى موسى فبرأه الله مما قالوا والله أعلم ثم أورد المصنف في الباب حديث ابن مسعود
في قول الرجل ان هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله والغرض منه ذكر موسى وقد تقدم في أواخر
فرض الخمس من الجهاد في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي من المؤلفة وعين هناك
313

موضع شرحه والله أعلم (قوله باب يعكفون على أصنام لهم متبر خسران وليتبروا
يدمروا ما علوا ما غلبوا) ثم ساق حديث جابر كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني الكباث
وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه قالوا أكنت ترعى الغنم
قال وهل من نبي الا وقد رعاها والكباث بفتح الكاف والموحدة الخفيفة وآخره مثلثة هو ثمر
الأراك ويقال ذلك للنضيج منه كذا نقله النووي عن أهل اللغة وقال أبو عبيد هو ثمر الأراك إذا
يبس وليس له عجم وقال القزاز هو الغض من ثمر الأراك وانما قال له الصحابة أكنت ترعى الغنم
لان في قوله لهم عليكم بالأسود منه دلالة على تمييزه بين أنواع والذي يميز بين أنواع ثمر الأراك غالبا
من يلازم رعي الغنم على ما ألفوه وقوله في الترجمة باب يعكفون على أصنام لهم أي تفسير ذلك
والمراد تفسير قوله تعالى وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ولم
يفسر المؤلف من الآية الا قوله تعالى فيها ان هؤلاء متبر ما هم فيه فقال إن تفسير متبر خسران
وهذا أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله إن هؤلاء متبر ما هم فيه
قال خسران والخسران تفسير التتبير الذي اشتق منه المتبر وأما قوله وليتبروا ليدمروا
فذكره استطرادا وهو تفسير قتادة أخرجه الطبري من طريق سعيد عنه في قوله وليتبروا ما علوا
تتبيرا قال ليدمروا ما غلبوا عليه تدميرا وأما حديث جابر في رعي الغنم فمناسبته للترجمة غير ظاهرة
وقال شيخنا ابن الملقن في شرحه قال بعض شيوخنا لا مناسبة قال شيخنا بل هي ظاهرة لدخول
عيسى فيمن رعى الغنم كذا رأيت في النسخة وكأنه سبق قلم وانما هو موسى لا عيسى وهذا مناسب
لذكر المتن في أخبار موسى وأما مناسبة الترجمة للحديث فلا والذي يهجس في خاطري أنه كان
بين التفسير المذكور وبين الحديث بياض أخلى لحديث يدخل في الترجمة ولترجمة تصلح لحديث
جابر ثم وصل ذلك كما في نظائره ومناسبة حديث جابر لقصص موسى من جهة عموم قوله وهل من
نبي الا وقد رعاها فدخل فيه موسى كما أشار إليه شيخنا بل وقع في بعض طرق هذا الحديث ولقد
بعث موسى وهو يرعى الغنم وذلك فيما أخرجه النسائي في التفسير من طريق أبي إسحاق عن نصر
ابن حزن قال افتخر أهل الإبل والشاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعث موسى وهو راعي غنم
الحديث ورجال اسناده ثقات ويؤيد هذا الذي قلت أنه وقع في رواية النسفي باب بغير ترجمة
وساق فيه حديث جابر ولم يذكر ما قبله وكأنه حذف الباب الذي فيه التفاسير الموقوفة كما هو
الأغلب من عادته واقتصر على الباب الذي فيه الحديث المرفوع وقد تكلف بعضهم وجه المناسبة
وهو الكرماني فقال وجه المناسبة بينهما ان بني إسرائيل كانوا مستضعفين جهالا ففضلهم الله
على العالمين وسياق الآية يدل عليه أي فيما يتعلق ببني إسرائيل فكذلك الأنبياء كانوا أولا
مستضعفين بحيث انهم كانوا يرعون الغنم انتهى والذي قاله الأئمة ان الحكمة في رعاية الأنبياء
للغنم ليأخذوا أنفسهم بالتواضع وتعتاد قلوبهم بالخلوة ويترقوا من سياستها إلى سياسة الأمم وقد
تقدم ايضاح هذا في أوائل الإجارة ولم يذكر المصنف من الآيات بالعبارة والإشارة الا قوله متبر
ما هم فيه ولا شك أن قوله وهو فضلكم على العالمين انما ذكر بعد هذا فكيف يحمل على أنه أشار إليه
دون ما قبله فالمعتمد ما ذكرته ونقل الكرماني عن الخطابي قال أراد أن الله لم يضع النبوة في أبناء
الدنيا والمترفين منهم وانما جعلها في أهل التواضع كرعاة الشاء وأصحاب الحرف (قلت) وهذه
314

أيضا مناسبة للمتن لا لخصوص الترجمة وقد نقل القطب الحلبي هذا عن الخطابي ثم قال وينظر
في وجه مناسبة هذا الحديث للترجمة (قوله باب وإذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم
أن تذبحوا بقرة الآية) لم يذكر فيه سوى شئ من التفسير عن أبي العالية وقصة البقرة أوردها
آدم بن أبي اياس في تفسيره قال حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية
في قوله تعالى ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قال كان رجل من بني إسرائيل غنيا ولم يكن له
ولد وكان له قريب وارث فقتله ليرثه ثم ألقاه على مجمع الطريق وأتى موسى فقال إن قريبي قتل وأتى
إلى أمر عظيم واني لا أجد أحدا يبين لي قاتله غيرك يا نبي الله فنادى موسى في الناس من كان عنده
علم من هذا فليبينه فلم يكن عندهم علم فاوحى الله إليه قل لهم فليذبحوا بقرة فعجبوا وقالوا كيف
نطلب معرفة من قتل هذا القتيل فنؤمر بذبح بقرة وكان ما قصة الله تعالى قال إنه يقول إنها
بقرة لا فارض ولا بكر يعني لا هرمة ولا صغيرة عوان بين ذلك أي نصف بين البكر والهرمة قالوا
ادع لنا ربك يبين لها ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها أي صاف تسر الناظرين أي
تعجبهم قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي الآية قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول أي لم يذلها العمل تثير
الأرض يعني ليست بذلول فتثير الأرض ولا تسقي الحرث يقول ولا تعمل في الحرث مسلمة أي من
العيوب لاشية فيها اي لا بياض قالوا الآن جئت بالحق قال ولو أن القوم حين أمروا بذبح بقرة
استرضوا أي بقرة كانت لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا فشدد عليهم ولولا أنهم استثنوا فقالوا وانا
إن شاء الله لمهتدون لما اهتدوا إليها أبدا فبلغنا أنهم لم يجدوها الا عند عجوز فأغلت عليهم في الثمن
فقال لهم موسى أنتم شددتم على أنفسكم فاعطوها ما سألت فذبحوها فاخذوا عظما منها
فضربوا به القتيل فعاش فسمي لهم قاتله ثم مات مكانه فاخذ قاتله وهو قريبه الذي كان يريد أن
يرثه فقتله الله على أسوأ عمله وأخرج ابن جرير هذه القصة مطولة من طريق العوفي عن ابن عباس
ومن طريق السدي كذلك وأخرجها هو وابن أبي حاتم وعبد بن حميد باسناد صحيح عن محمد بن
سيرين عن عبيدة بن عمرو السلماني أحد كبار التابعين وأما قوله صفراء ان شئت سوداء ويقال
صفراء كقوله جمالات صفر فهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى صفراء فاقع لونها ان شئت
صفراء وان شئت سوداء كقوله جمالات صفر أي سود والمعنى ان الصفرة يمكن حملها على معناها
المشهور وعلى معنى السود كما في قوله جمالات صفر فإنها فسرت بأنها صفر تضرب إلى سواد وقد
روى عن الحسن أنه أخذ انها سوداء من قوله فاقع لونها وقوله فادارأتم اختلفتم هو قول
أبي عبيدة أيضا قال وهو من التدارئ وهو التدافع (قوله وفاة موسى وذكره بعد) كذا لأبي ذر
باسقاط باب ولغيره باثباته وقوله وذكره بعد بضم دال بعد على البناء ثم أورد فيه أحاديث * الأول
حديث أبي هريرة في قصة موسى مع ملك الموت أورده موقوفا من طريق طاوس عنه ثم عقبه
برواية همام عنه مرفوعا وهذا هو المشهور عن عبد الرزاق وقد رفع محمد بن يحيى عنه رواية
طاوس أيضا أخرجه الإسماعيلي (قوله أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكه)
أي ضربه على عينه وفي رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد ومسلم جاء ملك الموت إلى موسى فقال
أجب ربك فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها وفي رواية عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عند أحمد
والطبري كان ملك الموت يأتي الناس عيانا فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه (قوله لا يريد الموت) زاد
315

همام وقد فقأ عيني فرد الله عليه عينه وفي رواية عمار فقال يا رب عبدك موسى فقأ عيني ولولا
كرامته عليك لشققت عليه (قوله فقل له يضع يده) في رواية أبي يونس فقل له الحياة تريد فان كنت تريد الحياة فضع يدك (قوله على متن) بفتح الميم وسكون المثناة هو الظهر وقيل مكتنف الصلب بين
العصب واللحم وفي رواية عمار على جلد ثور (قوله فله بما غطى يده) في رواية الكشميهني بما غطت
يده (قوله ثم الموت) في رواية أبي يونس قال فالآن يا رب من قريب وفي رواية عمار فأتاه فقال له
ما بعد هذا قال الموت قال فالآن والآن ظرف زمان غير متمكن وهو اسم لزمان الحال
الفاصل بين الماضي والمستقبل (قوله فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر)
قد تقدم شرح ذلك وبيانه في الجنائز (قوله فلو كنت ثم) بفتح المثلثة أي هناك (قوله من
جانب الطريق) رواية المستملي والكشميهني إلى جانب الطريق وهي رواية همام (قوله
تحت الكثيب الأحمر) في روايتهما عند الكثيب الأحمر وهي رواية همام أيضا والكثيب
بالمثلثة وآخره موحدة وزن عظيم الرمل المجتمع وزعم ابن حبان أن قبر موسى بمدين بين المدينة
وبيت المقدس وتعقبه الضياء بان أرض مدين ليست قريبة من المدينة ولا من بيت المقدس قال
وقد اشتهر عن قبر بأريحاء عنده كثيب أحمر أنه قبر موسى وأريحاء من الأرض المقدسة وزاد عمار
في روايته فشمه شمة فقبض روحه وكان يأتي الناس خفية يعني بعد ذلك ويقال انه أتاه بتفاحة
من الجنة فشمها فمات وذكر السدي في تفسيره أن موسى لما دنت وفاته مشى هو وفتاه يوشع بن
نون فجاءت ريح سوداء فظن يوشع أنها الساعة فالتزم موسى فانسل موسى من تحت القميص
فاقبل يوشع بالقميص وعن وهب بن منبه أن الملائكة تولوا دفنه والصلاة عليه وانه عاش مائة
وعشرين سنة (قوله قال وأخبرنا معمر عن همام الخ هو موصول بالاسناد المذكور ووهم من
قال إنه معلق فقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر ومسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق
كذلك وقوله في آخره نحوه أي ان رواية معمر عن همام بمعنى روايته عن ابن طاوس لا بلفظه
وقد بينت ذلك فيما مضى قال ابن خزيمة أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث وقالوا إن كان
موسى عرفة فقد استخف به وإن كان لم يعرفه فكيف لم يقتص له من فق ء عينه والجواب ان الله
لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ وانما بعثه إليه اختبارا وانما لطم موسى
ملك الموت لأنه رأى آدميا دخل داره بغير اذنه ولم يعلم أنه ملك الموت وقد أباح الشارع فق ء عين
الناظر في دار المسلم بغير اذن وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم والى لوط في صورة آدميين فلم يعرفاهم
ابتداء ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكول ولو عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه وعلى
تقدير أن يكون عرفه فمن أين لهذا المبتدع مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر ثم من أين
له أن ملك الموت طلب القصاص من موسى فلم يقتص له ولخص الخطابي كلام ابن خزيمة وزاد فيه
أن موسى دفعه عن نفسه لما ركب فيه من الحدة وان الله رد عين ملك الموت ليعلم موسى أنه جاءه
من عند الله فلهذا استسلم حينئذ وقال النووي لا يمتنع ان يأذن الله لموسى في هذه اللطمة امتحانا
للملطوم وقال غيره انما لطمه لأنه جاء لقبض روحه من قبل أن يخيره لما ثبت أنه لم يقبض نبي حتى
يخير فلهذا لما خيره في المرة الثانية أذعن قيل وهذا أولى الأقوال بالصواب وفيه نظر لأنه يعود أصل
السؤال فيقال لم أقدم ملك الموت على قبض نبي الله وأخل بالشرط فيعود الجواب ان ذلك وقع
316

امتحانا وزعم بعضهم ان معنى قوله فقأ عينه أي أبطل حجته وهو مردود بقوله في نفس الحديث
فرد الله عينه وبقوله لطمه وصكه وغير ذلك من قرائن السياق وقال ابن قتيبة انما فقأ موسى العين
التي هي تخييل وتمثيل وليست عينا حقيقة ومعنى رد الله عينه اي أعاده إلى خلقته الحقيقية
وقيل على ظاهره ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية ليرجع إلى موسى على كمال الصورة
فيكون ذلك أقوى في اعتباره وهذا هو المعتمد وجوز ابن عقيل أن يكون موسى أذن له أن يفعل
ذلك بملك الموت وأمر ملك الموت بالصبر على ذلك كما أمر موسى بالصبر على ما يصنع الخضر وفيه
أن الملك يتمثل بصورة الانسان وقد جاء ذلك في عدة أحاديث وفيه فضل الدفن في الأرض
المقدسة وقد تقدم شرح ذلك في الجنائز واستدل بقوله فلك بكل شعرة سنة على أن الذي بقي من
الدنيا كثير جدا لان عدد الشعر الذي تواريه اليد قدر المدة التي بين موسى وبعثه نبيا صلى الله
عليه وسلم مرتين وأكثر واستدل به على جواز الزيادة في العمر وقد قال به قوم في قوله تعالى
وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الا في كتاب انه زيادة ونقص في الحقيقة وقال الجمهور
والضمير في قوله من عمره للجنس لا للعين أي ولا ينقص من عمر آخر وهذا كقولهم عندي ثوب
ونصفه أي ونصف ثوب آخر وقيل المراد بقوله ولا ينقص من عمره أي وما يذهب من عمره فالجميع
معلوم عند الله تعالى والجواب عن قصة موسى ان أجله قد كان قرب حضوره ولم يبق منه
الا مقدار ما دار بينه وبين ملك الموت من المراجعتين فأمر بقبض روحه أولا مع سبق علم الله ان
ذلك لا يقع الا بعد المراجعة وان لم يطلع ملك الموت على ذلك أولا والله أعلم * الحديث الثاني حديث
أبي هريرة أيضا كذا (قوله أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب) كذا قال شعيب عن
الزهري * وتابعه محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب كما سيأتي في التوحيد وقال إبراهيم بن سعد عن
الزهري عن أبي سلمة والأعرج كما سيأتي في الرقاق والحديث محفوظ للزهري على الوجهين وقد
جمع المصنف بين الروايتين في التوحيد إشارة إلى ثبوت ذلك عنه على الوجهين وله أصل من حديث
الأعرج من رواية عبد الله بن الفضل عنه وسيأتي بعد ثلاثة أبواب ومن طريق أبي الزناد عنه كما
سيأتي في الرقاق ومن طريق أبي سلمة عن أبي هريرة أخرجه الترمذي وابن ماجة من طريق محمد
ابن عمرو عنه ورواه مع أبي هريرة أبو سعيد وقد تقدم في الاشخاص بتمامه قوله (استب رجل من
المسلمين ورجل من اليهود) وقع في رواية عبد الله بن الفضل سبب ذلك وأول حديثه بينما يهودي
يعرض سلعة أعطى بها شيئا كرهه فقال لا والذي اصطفى موسى على البشر ولم أقف على اسم هذا
اليهودي في هذه القصة وزعم ابن بشكوال أنه فنحاص بكسر الفاء وسكون النون ومهملتين
وعزاه لابن اسحق والذي ذكره ابن إسحاق لفنحاص مع أبي بكر الصديق في لطمه إياه قصة أخرى في
نزول قوله تعالى لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء الآية وأما كون اللاطم في
هذه القصة هو الصديق فهو مصرح به فيما أخرجه سفيان بن عيينة في جامعه وابن أبي الدنيا في
كتاب البعث من طريقه عن عمرو بن دينار عن عطاء وابن جدعان عن سعيد بن المسيب قال كان
بين رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبين رجل من اليهود كلام في شئ فقال عمرو
ابن دينار هو أبو بكر الصديق فقال اليهودي والذي اصطفى موسى على البشر فلطمه المسلم
317

الحديث (قوله فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم اليهودي) أي عند سماعه قول اليهودي والذي
اصطفى موسى على العالمين وانما صنع ذلك لما فهمه من عموم لفظ العالمين فدخل فيه محمد صلى
الله عليه وسلم وقد تقرر عند المسلم أن محمدا أفضل وقد جاء ذلك مبينا في حديث أبي سعيد أن
الضارب قال لليهودي حين قال ذلك أي خبيث على محمد فدل على أنه لطم اليهودي عقوبة له على
كذبه عنده ووقع في رواية إبراهيم بن سعد فلطم وجه اليهودي ووقع عند أحمد من هذا الوجه
فلطم على اليهودي وفي رواية عبد الله بن الفضل فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه وقال
أتقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وكذا وقع في حديث أبي سعيد ان الذي
ضربه رجل من الأنصار وهذا يعكر على قول عمرو بن دينار انه أبو بكر الصديق الا إن كان المراد
بالأنصار المعنى الأعم فان أبا بكر الصديق رضي الله عنه من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم
قطعا بل هو رأس من نصره ومقدمهم وسابقهم (قوله فأخبره بالذي كان من أمر المسلم) زاد في
رواية إبراهيم بن سعد فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم فسأله عن ذلك فأخبره وفي رواية ابن
الفضل فقال أي اليهودي يا أبا القاسم ان لي ذمة وعهدا فما بال فلان لطم وجهي فقال لم لطمت
وجهه فذكره فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رؤى في وجهه وفي حديث أبي سعيد
فقال ادعوه لي فجاء فقال أضربته قال سمعته بالسوق يحلف فذكر القصة (قوله لا تخيروني على
موسى) في رواية ابن الفضل فقال لا تفضلوا بين أنبياء الله وفي حديث أبي سعيد لا تخيروا بين
الأنبياء (قوله فان الناس يصعقوت فأكون أول من يفيق) في رواية إبراهيم بن سعد فان الناس
يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول من يفيق لم يبين في رواية الزهري من
الطريقين محل الإفاقة من أي الصعقتين ووقع في رواية عبد الله بن الفضل فإنه ينفخ في الصور
فيصعق من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث
وفي رواية الكشميهني أول من يبعث والمراد بالصعق غشي يلحق من سمع صوتا أو رأى شيئا يفزع
منه وهذه الرواية ظاهرة في أن الإفاقة بعد النفخة الثانية وأصرح من ذلك رواية الشعبي عن
أبي هريرة في تفسير الزمر بلفظ اني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الأخيرة وأما ما وقع في حديث
أبي سعيد فان الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من تنشق عنه الأرض كذا وقع بهذا
اللفظ في كتاب الاشخاص ووقع في غيرها فأكون أول من يفيق وقد استشكل وجزم المزي فيما
نقله عنه ابن القيم في كتاب الروح ان هذا اللفظ وهم من راوية وأن الصواب ما وقع في رواية غيره
فأكون أول من يفيق وان كونه صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض صحيح لكنه في
حديث آخر ليس فيه قصة موسى انتهى ويمكن الجمع بأن النفخة الأولى يعقبها الصعق من جميع
الخلق أحيائهم وأمواتهم وهو الفزع كما وقع في سورة النمل ففزع من في السماوات ومن في
الأرض ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادة فيما هم فيه وللاحياء موتا ثم ينفخ الثانية للبعث
فيفيقون أجمعين فمن كان مقبورا انشقت عنه الأرض فخرج من قبره ومن ليس بمقبور لا يحتاج
إلى ذلك وقد ثبت ان موسى ممن قبر في الحياة الدنيا ففي صحيح مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال مررت على موسى ليلة أسري بن عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره أخرجه
عقب حديث أبي هريرة وأبي سعيد المذكورين ولعله أشار بذلك إلى ما قررته وقد استشكل
318

كون جميع الخلق يصعقون مع أن الموتى لا احساس لهم فقيل المراد أن الذين يصعقون هم
الاحياء وأما الموتى فهم في الاستثناء في قوله تعالى الا من شاء الله أي الا من سبق له الموت قبل ذلك
فإنه لا يصعق والى هذ جنح القرطبي ولا يعارضه ما ورد في هذا الحديث ان موسى ممن استثني الله
لان الأنبياء أحياء عند الله وان كانوا في صورة الأموات بالنسبة إلى أهل الدنيا وقد ثبت ذلك
للشهداء ولا شك ان الأنبياء أرفع رتبة من الشهداء وورد التصريح بان الشهداء ممن استثنى الله
أخرجه إسحاق بن راهويه وأبو يعلى من طريق زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة وقال عياض
يحتمل أن يكون المراد صعقة فزع بعد البعث حين تنشق السماء والأرض وتعقبه القرطبي بأنه
صرح صلى الله عليه وسلم بأنه حين يخرج من قبره يلقى موسى وهو متعلق بالعرش وهذا انما هو
عند نفخة البعث انتهى ويرده قوله صريحا كما تقدم ان الناس يصعقون فأصعق معهم إلى آخر
ما تقدم قال ويؤيده انه عبر بقوله أفاق لأنه انما يقال أفاق من الغشي وبعث من الموت وكذا عبر
عن صعقة الطور بالإفاقة لأنها لم تكن موتا بلا شك وإذا تقرر ذلك كله ظهر صحة الحمل على انها
غشية تحصل للناس في الموقف هذا حاصل كلامه وتعقبه (قوله فأكون أول من يفيق)
لم تختلف الروايات في الصحيحين في اطلاق الأولية ووقع في رواية إبراهيم بن سعد عند أحمد
والنسائي فأكون في أول من يفيق أخرجه أحمد عن أبي كامل والنسائي من طريق يونس بن
محمد كلاهما عن إبراهيم فعرف ان اطلاق الأولية في غيرها محمول عليها وسببه التردد في موسى
عليه السلام كما سيأتي وعلى هذا يحمل سائر ما ورد في هذا الباب كحديث أنس عند مسلم رفعه
أنا أول من تنشق عنه الأرض وحديث عبد الله بن سلام عند الطبراني (قوله فإذا موسى باطش
بجانب العرش) أي آخذ بشئ من العرش بقوة والبطش الاخذ بقوة وفي رواية ابن الفضل فإذا
موسى آخذ بالعرش وفي حديث أبي سعيد آخذ بقائمة من قوائم العرش وكذا في رواية محمد بن عمرو
عن أبي سلمة عن أبي هريرة (قوله فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله)
أي فلم يكن ممن صعق أي فإن كان أفاق قبلي فهي فضيلة ظاهرة وإن كان ممن استثنى الله فلم يصعق
فهي فضيلة أيضا ووقع في حديث أبي سعيد فلا أدري كان فيمن صعق أي فأفاق قبلي أم حوسب
بصعقته الأولى أي التي صعقها لما سأل الرؤية وبين ذلك ابن الفضل في روايته بلفظ احوسب
بصعقته يوم الطور والجمع بينه وبين قوله أو كان ممن استثنى الله ان في رواية ابن الفضل وحديث
أبي سعيد بيان السبب في استثنائه وهو انه حوسب بصعقته يوم الطور فلم يكلف بصعقة أخرى
والمراد بقوله ممن استثنى الله قوله الا من شاء الله وأغرب الداودي الشارح فقال معنى قوله استثنى
الله أي جعله ثانيا كذا قال وهو غلط شنيع وقد وقع في مرسل الحسن في كتاب البعث لابن أبي
الدنيا في هذا الحديث فلا أدري أكان ممن استثنى الله ان لا تصيبه النفخة أو بعث قبلي وزعم ابن
القيم في كتاب الروح ان هذه الرواية وهو قوله أكان ممن استثنى الله وهم من بعض الرواة
والمحفوظ أو جوزي بصعقة الطور قال لان الذين استثنى الله قد ماتوا من صعقة النفخة لا من
الصعقة الأخرى فظن بعض الرواة ان هذه صعقة النفخة وان موسى داخل فيمن استثنى الله قال
وهذا لا يلتئم على سياق الحديث فان الإفاقة حينئذ هي افاقة البعث فلا يحسن التردد فيها وأما
الصعقة العامة فإنها تقع إذا جمعهم الله تعالى لفصل القضاء فيصعق الخلق حينئذ جميعا الا من
319

شاء الله ووقع التردد في موسى عليه السلام قال ويدل على ذلك قوله وأكون أول من يفيق وهذا
دال على أنه ممن صعق وتردد في موسى هل صعق فأفاق قبله أم لم يصعق قال ولو كان المراد الصعقة
الأولى للزم ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم جزم بأنه مات وتردد في موسى هل مات أم لا والواقع
ان موسى قد كان مات لما تقدم من الأدلة فدل على انها صعقة فزع لا صعقة موت والله أعلم ووقع
في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عند ابن مردويه أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة
فأنفض التراب عن رأسي فآتي قائمة العرش فأجد موسى قائما عندها فلا أدري أنفض التراب
عن رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله ويحتمل قوله في هذه الرواية أنفض التراب قبلي تجويز المعية
في الخروج من القبر أو هي كناية عن الخروج من القبر وعلى كل تقدير ففيه فضيلة لموسى كما تقدم
(تكميل) زعم ابن حزم ان النفخات يوم القيامة أربع الأولى نفخة إماتة يموت فيها من بقي حيا
في الأرض والثانية نفخة احياء يقوم بها كل ميت وينشرون من القبور ويجمعون للحساب
والثالثة نفخة فزع وصعق يفيقون منها كالمغشي عليه لا يموت منها أحد والرابعة نفخة افاقة من
ذلك الغشي وهذا الذي ذكره من كون الثنتين أربعا ليس بواضح بل هما نفختان فقط ووقع التغاير
في كل واحدة منهما باعتبار من يستمعها فالأولى يموت بها كل من كان حيا ويغشى على من لم يمت
ممن استثنى الله والثانية يعيش بها من مات ويفيق بها من غشي عليه والله أعلم قال العلماء في
نهيه صلى الله عليه وسلم عن التفضيل بين الأنبياء انما نهى عن ذلك من يقوله برأيه لا من يقوله
بدليل أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع أو المراد
لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل بحيث لا يترك للمفضول فضيلة فالامام مثلا إذا قلنا إنه أفضل
من المؤذن لا يستلزم نقص فضيلة المؤذن بالنسبة إلى الاذان وقيل النهي عن التفضيل انما هو
في حق النبوة نفسها كقوله تعالى لا نفرق بين أحد من رسله ولم ينه عن تفضيل بعض الذوات على
بعض لقوله تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض وقال الحليمي الأخبار الواردة في النهي عن التخيير
انما هي في مجادلة أهل الكتاب وتفضيل بعض الأنبياء على بعض بالمخايرة لان المخايرة إذا وقعت
بين أهل دينين لا يؤمن أن يخرج أحدهما إلى الازراء بالآخر فيفضي إلى الكفر فاما إذا كان
التخيير مستندا إلى مقابلة الفضائل لتحصيل الرجحان فلا يدخل في النهي وسيأتي مزيد لذلك في
قصة يونس إن شاء الله تعالى * الحديث الثالث حديث أبي هريرة احتج آدم وموسى سيأتي شرحه
في كتاب القدر والغرض منه شهادة آدم لموسى ان الله اصطفاه (تنبيه) قوله ثم تلومني كذا للأكثر
بالمثلثة والميم المشددة ووقع للأصيلي والمستملي بالموحدة وتخفيف الميم * الحديث الرابع حديث
ابن عباس في عرض الأمم أورده مختصرا وسيأتي بتمامه مع شرحه في الرقاق إن شاء الله تعالى
وفيه أن أمة موسى أكثر الأمم بعد أمة محمد صلى الله عليه وسلم (قوله باب قول
الله تعالى وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إلى قوله وكانت من القانتين) كذا للأكثر
وسقط من رواية أبي ذر للذين آمنوا امرأة فرعون والغرض من هذه الترجمة ذكر آسية وهي
بنت مزاحم امرأة فرعون قيل إنها من بني إسرائيل وانها عمة موسى وقيل إنها من العماليق
وقيل ابنة عم فرعون وأما مريم فسيأتي ذكرها مفردا بعد (قوله عن عمرو بن مرة عن مرة
الهمداني) مرة والد عمرو غير مرة شيخه وهو عمرو بن مرة بن عبيد الله بن طارق الجملي بفتح الجيم
320

والميم المرادي ثقة عابد من صغار التابعين وقد وقع في الأطعمة عمرو بن مرة الجملي وأما شيخه مرة
فهو ابن شراحبيل مخضرم ثقة عابد أيضا من كبار التابعين ويقال له مرة الطيب ومرة الخير
(قوله كمل) بضم الميم وبفتحها (قوله ولم يكمل من النساء الا آسية امرأة فرعون ومريم بنت
عمران) استدل بهذا الحصر على أنهما نبيتان لان أكمل النوع الانساني الأنبياء ثم الأولياء
والصديقون والشهداء فلو كانتا غير نبيتين للزم أن لا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة
والواقع أن هذه الصفات في كثير منهن موجودة فكانه قال ولم ينبأ من النساء الا فلانة وفلانة
ولو قال لم تثبت صفة الصديقية أو الولاية أو الشهادة الا لفلانة وفلانة لم يصح لوجود ذلك في
غيرهن الا أن يكون المراد في الحديث كمال غير الأنبياء فلا يتم الدليل على ذلك لأجل ذلك والله
أعلم وعلى هذا فالمراد من تقدم زمانه صلى الله عليه وسلم ولم يتعرض لاحد من نساء زمانه الا
لعائشة وليس فيه تصريح بأفضلية عائشة رضي الله عنها على غيرها لان فضل الثريد على غيره من
الطعام انما هو لما فيه من تيسير المؤنة وسهولة الإساغة وكان أجل أطعمتهم يومئذ وكل هذه
الخصال لا تسلتزم ثبوت الأفضلية له من كل جهة فقد يكون مفضولا بالنسبة لغيره من جهات
أخرى وقد ورد في هذا الحديث من الزيادة بعد قوله ومريم ابنت عمران وخديجة بنت خويلد
وفاطمة بنت محمد أخرجه الطبراني عن يوسف بن يعقوب القاضي عن عمرو بن مرزوق عن شعبة
بالسند المذكور هنا وأخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة عمرو بن مرة أحد رواته عند الطبراني
بهذا الاسناد وأخرجه الثعلبي في تفسيره من طريق عمرو بن مرزوق به وقد ورد من طريق صحيح
ما يقتضي أفضلية خديجة وفاطمة على غيرهما وذلك فيما سيأتي في قصة مريم من حديث علي
بلفظ خير نسائها خديجة وجاء في طريق أخرى ما يقتضي أفضلية خديجة وفاطمة وذلك فيما
أخرجه ابن حبان وأحمد وأبو يعلى والطبراني وأبو داود في كتاب الزهد والحاكم كلهم من طريق
موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية امرأة
فرعون وله شاهد من حديث أبي هريرة في الأوسط للطبراني ولأحمد في حديث أبي سعيد رفعه
فاطمة سيدة نساء أهل الجنة الا ما كان من مريم بنت عمران واسناده حسن وان ثبت ففيه حجة
لمن قال إن آسية امرأة فرعون ليست نبيه وسيأتي في مناقب فاطمة قوله صلى الله عليه وسلم لها
انها سيدة نساء أهل الجنة مع مزيد بسط لهذه المسئلة هناك إن شاء الله تعالى ويأتي في الأطعمة
زيادة فيما يتعلق بالثريد قال القرطبي الصحيح أن مريم نبية لان الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك
وأما آسية فلم يرد ما يدل على نبوتها وقال الكرماني لا يلزم من لفظ الكمال ثبوت نبوتها لأنه يطلق
لتمام الشئ وتناهيه في بابه فالمراد بلوغها النهاية في جميع الفضائل التي للنساء قال وقد نقل الاجماع
على عدم نبوة النساء كذا قال وقد نقل عن الأشعري أن من النساء من نبئ وهن ست حواء
وسارة وأم موسى وهاجر وآسية ومريم والضابط عنده أن من جاءه الملك عن الله بحكم من أمر
أو نهى أو باعلام مما سيأتي فهو نبي وقد ثبت مجئ الملك لهؤلاء بأمور شتى من ذلك من عند الله
عز وجل ووقع التصريح بالإيحاء لبعضهن في القرآن وذكر ابن حزم في الملل والنحل ان هذه
المسئلة لم يحدث التنازع فيها الا في عصره بقرطبة وحكى عنهم أقوالا ثالثها الوقف
321

قال وحجة المانعين قوله تعالى وما أرسلنا من قبلك الا رجالا قال وهذا لا حجة فيه فان أحدا لم يدع
فيهن الرسالة وانما الكلام في النبوة فقط قال وأصرح ما ورد في ذلك قصة مريم وفي قصة أم
موسى ما يدل على ثبوت ذلك لها من مبادرتها بالقاء ولدها في البحر بمجرد الوحي إليها بذلك قال وقد
قال الله تعالى بعد أن ذكر مريم والأنبياء بعدها أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين فدخلت
في عمومه والله أعلم ومن فضائل آسية امرأة فرعون انها اختارت القتل على الملك والعذاب
في الدنيا على النعيم التي كانت فيه وكانت فراستها في موسى عليه السلام صادقة حين قالت قرة
عين لي (قوله باب ان قارون كان من قوم موسى الآية) هو قارون بن يصفد بن
يصهر بن عم موسى وقيل كان عم موسى والأول أصح فقد روى ابن أبي حاتم باسناد صحيح عن
ابن عباس انه كان ابن عم موسى قال وكذا قال قتادة وإبراهيم النخعي وعبد الله بن الحرث وسماك
ابن حرب واختلف في تفسير بغي قارون فقيل الحسد لأنه قال ذهب موسى وهرون بالامر فلم
يبق لي شئ وقيل إنه واطأ امرأة من البغايا أن تقذف موسى بنفسها فألهمها الله أن اعترفت
بأنه هو الذي حملها على ذلك وقيل الكبر لأنه طغى بكثرة ماله. وقيل هو أول من أطال ثيابه حتى
زادت على قامته شبرا (قوله لتنوء لتثقل) هو تفسير ابن عباس أورده ابن أبي حاتم من طريق
علي بن أبي طلحة عنه في قوله ما ان مفاتحة لتنوء بالعصبة يقول تثقل (قوله قال ابن عباس أولى
القوة لا يرفعها العصبة من الرجال) واختلف في العصبة فقيل عشرة وقيل خمسة عشر وقيل
أربعون وقيل من عشرة إلى أربعين (قوله الفرحين المرحين) هو تفسير ابن عباس أورده ابن
أبي حاتم أيضا من طريق ابن أبي طلحة عنه في قوله إن الله لا يحب الفرحين اي المرحين والمعنى انهم
يبطرون فلا يشكرون الله على نعمه (قوله ويكأن الله مثل ألم تر ان الله) هو قول أبي عبيدة
واستشهد بقول الشاعر
ويكان من يكن له نشب * يجيب ومن يفتقر يعش عيش ضر
وذهب قطرب إلى أن وي كلمة تفجع وكأن حرف تشبيه وعن الفراء هي كلمة موصولة (قوله
يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يوسع عليه ويضيق) قال أبو عبيدة في قوله قل ان ربي يبسط الرزق
لمن يشاء يوسع ويكثر وفي قوله ويقدر هو مثل قوله ومن قدر عليه رزقه أي ضاق * (تنبيه) * لم
يذكر المصنف في قصة قارون الا هذه الآثار وهي ثابتة في رواية المستملى والكشميهني فقط وقد
أخرج ابن أبي حاتم باسناد صحيح عن ابن عباس قال كان موسى يقول لبني إسرائيل ان الله
يأمركم بكذا حتى دخل عليهم في أموالهم فشق ذلك على قارون فقال لبني إسرائيل ان موسى
يقول من زنى رجم فتعالوا نجعل لبغى شيئا حتى تقول ان موسى فعل بها فيرجم فنستريح منه
ففعلوا ذلك فلما خطبهم موسى قالوا له وان كنت أنت قال وان كنت أنا فقالوا فقد زنيت فجزع
فارسلوا إلى المرأة فلما جاءت عظم عليها موسى وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل الا صدقت
فأقرت بالحق فخر موسى ساجدا يبكي فاوحى الله إليه اني أمرت الأرض أن تطيعك فأمرها بما
شئت فأمرها فخسفت بقارون ومن معه وكان من قصة قارون انه حصل أموالا عظيمة جدا
حتى قيل كانت مفاتيح خزائنه كانت من جلود تحمل على أربعين بغلا وكان يسكن تنيس فحكى
أن عبد العزيز الحروري ظفر ببعض كنوز قارون وهو أمير على تنيس فلما مات تأمر ابنه علي
322

مكانه وتورع ابنه الحسن بن عبد العزيز عن ذلك فيقال ان عليا كتب إلى أخيه الحسن اني
استطيبت لك من مال أبيك مائة ألف دينار فخذها فقال أنا تركت الكثير من ماله لأنه لم يطب لي
فكيف آخذ هذا القليل وقد روى البخاري في هذا الصحيح عن الحسن بن عبد العزيز هذا
(قوله باب قول الله تعالى والى مدين أخاهم شعيبا) هو شعيب بن ميكيل بن يشجر
ابن لاوي بن يعقوب كذا قال ابن إسحاق ولا يثبت وقيل يشجر بن عنقا بن مدين بن إبراهيم وقيل
هو شعيب بن صفور بن عنقا بن ثابت بن مدين وكان مدين ممن آمن بإبراهيم لما أحرق وروى ابن
حبان في حديث أبي ذر الطويل أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ومحمد فعلى هذا هو من
العرب العاربة وقيل إنه من بني عنزة بن أسد ففي حديث سلمة بن سعيد العنزي أنه قدم على النبي
صلى الله عليه وسلم فانتسب إلى عنزة فقال نعم الحي عنزة مبغي عليهم منصورون رهط شعيب
وأختان موسى أخرجه الطبراني وفي اسناده مجاهيل (قوله إلى أهل مدين) لان مدين بلد ومثله
واسأل القرية واسال العير يعني أهل القرية وأهل العير هو قول أبي عبيدة قاله في تفسير سورة هود
(قوله وراءكم ظهريا لم يلتفتوا إليه) ويقال إذا لم تقض حاجته ظهرت حاجتي وجعلتني ظهريا قال
الظهري أن تأخذ معك دابة أو وعاء تستظهر به) قال أبو عبيدة في قوله وراءكم ظهريا أي ألقيتموه
خلف ظهوركم فلم تلتفتوا إليه وتقول للذي لا يقضي حاجتك ولا يلتفت إليها ظهرت بحاجتي
وجعلتها ظهرية أي خلف ظهرك قال الشاعر (وجدنا بني البرصاء من ولد الظهر * أي من
الذين يظهرون بهم ولا يلتفتون إليهم (قوله مكانتهم ومكانهم واحد) هكذا وقع وانما هو
في قصة شعيب مكانتكم في قوله ويا قوم اعملوا على مكانتكم ثم هو قول أبي عبيدة قال في تفسير
سورة يس في قوله مكانتهم المكان والمكانة واحد (قوله يغنوا يعيشوا) قال أبو عبيدة
في قوله تعالى كأن لم يغنوا فيها أي لم ينزلوا فيها ولم يعيشوا فيها قال والمغنى الدار الجمع مغاني يغني
بالغين المعجمة (قوله تأس تحزن آسي أحزن) قال أبو عبيدة في قوله فكيف آسى أي أحزن وأندم
وأتوجع والمصدر الأسي وأما قوله تأس تحزن فهو من قوله تعالى لموسى فلا تأس على القوم
الفاسقين وذكره المصنف هنا استطراد (قوله وقال الحسن انك لانت الحليم الرشيد يستهزئون
به) وصله ابن أبي حاتم من طريق أبي المليح عن الحسن البصري بهذا وأراد الحسن انهم قالوا
له ذلك على سبيل الاستعارة التهكمية ومرادهم عكس ذلك (قوله وقال مجاهد ليكة
الأيكة يوم الظلة اظلال العذاب عليهم) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد
في قوله كذب أصحاب ليكة كذا قرأها وهي قراءة أهل مكة ابن كثير وغيره وفي قوله عذاب
يوم الظلة قال اظلال العذاب إياهم * (تنبيه) * لم يذكر المصنف في قصة شعيب سوى
هذه الآثار وهي للكشميهني والمستملي فقط وقد ذكر الله تعالى قصته في الأعراف وهود
والشعراء والعنكبوت وغيرها وجاء عن قتادة انه أرسل إلى أمتين أصحاب مدين وأصحاب الأيكة
ورجح بأنه وصف في أصحاب مدين بأنه أخوهم بخلاف أصحاب الأيكة وقال في أصحاب مدين
أخذتهم الرجفة والصيحة وفي أصحاب الأيكة أخذهم عذاب يوم الظلة والجمهور على أن
أصحاب مدين هم أصحاب الأيكة وأجابوا عن ترك ذكر الاخوة في أصحاب الأيكة بأنه لما كانوا
يعبدون الأيكة ووقع في صدر الكلام بأنهم أصحاب الأيكة ناسب ان لا يذكر الاخوة وعن الثاني
323

بان المغايرة في أنواع العذاب إن كانت تقتضي المغايرة في المعذبين فليكن الذين عذبوا بالرجفة
غير الذين عذبوا بالصيحة والحق انهم أصابهم جميع ذلك فإنهم أصابهم حر شديد فخرجوا من
البيوت فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فرجفت بهم الأرض من تحتهم وأخذتهم الصيحة من
فوقهم وسيأتي الكلام على الأيكة في التفسير إن شاء الله تعالى (قوله باب قول الله
تعالى وان يونس لمن المرسلين إلى قوله وهو مليم) هو يونس بن متى بفتح الميم وتشديد المثناة مقصور
ووقع في تفسير عبد الرزاق انه اسم أمه وهو مردود بما في حديث ابن عباس في هذا الباب ونسبه
إلى أبيه فهذا أصح ولم أقف في شئ من الاخبار على اتصال نسبه وقد قيل إنه كان في زمن ملوك
الطوائف من الفرس (قوله قال مجاهد مذنب) يعني تفسير قوله وهو مليم وقد أخرجه ابن
جرير من طريق مجاهد قال فالتقمه الحوت وهو مليم من ألام الرجل إذا أتى بما يلام عليه ثم قال
الطبري المليم هو المكتسب اللوم (قوله والمشحون الموقر) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن
أبي نجيح عن مجاهد قال المشحون المملوء ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس المشحون
الموقر (قوله فلولا انه كان من المسبحين الآية فنبذناه بالعراء بوجه الأرض) قال أبو عبيدة في
قوله فنبذناه بالعراء اي بوجه الأرض * والعرب تقول نبذته بالعراء أي بالأرض الفضاء قال
الشاعر * ونبذت بالبلد العراء ثيابي * والعراء الذي لا شئ فيه يواري من شجر ولا غيره وقال الفراء
العراء المكان الخالي (قوله من يقطين من غير ذات أصل الدباء ونحوه) وصله عبد بن حميد من
طريق مجاهد وزاد ليس لها ساق وكذا قال أبو عبيدة كل شجرة لا تقوم على ساق فهي يقطين
نحو الدباء والحنظل والبطيخ والمشهور أنه القرع وقيل التين وقيل الموز وجاء في حديث مرفوع
في القرع هي شجرة أخي يونس (قوله ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم كظيم
مغموم) كذا فيه والذي قاله أبو عبيدة في قوله تعالى إذ نادى وهو مكظوم أي من الغم مثل كظيم
وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله وهو مكظوم يقول مغموم ثم
ذكر حديث ابن مسعود لا يقولن أحدكم اني خير من يونس بن متى وحديث ابن عباس لا ينبغي
لعبد أن يقول اني خير من يونس بن متى ونسبه إلى أبيه وحديث أبي هريرة في قصة المسلم الذي
لطم اليهودي وقد تقدم شرحها في أواخر قصة موسى وقال في آخره في هذه الرواية ولا أقول إن
أحدا أفضل من يونس بن متى وحديثه من وجه آخر مختصرا مقتصرا على مثل لفظ حديث
ابن عباس وقد وقع في حديث عبد الله بن جعفر عند الطبراني بلفظ لا ينبغي لنبي أن يقول الخ
وهذا يؤيد ان قوله في الطريق الأولى أن المراد بها النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية للطبراني
في حديث ابن عباس ما ينبغي لاحد أن يقول أنا عند الله خير من يونس وفي رواية للطحاوي انه
سبح الله في الظلمات فأشار إلى جهة الخيرية المذكورة وأما قوله في الرواية الأولى ونسبه إلى أبيه
ففيه إشارة إلى الرد على من زعم أن متى اسم أمه وهو محكى عن وهب بن منبه في المبتدا وذكره
الطبري وتبعه ابن الأثير في الكامل والذي في الصحيح أصح وقيل سبب قوله ونسبه إلى أبيه أنه كان
في الأصل يونس بن فلان فنسي الراوي اسم الأب وكنى عنه بفلان وقيل إن ذلك هو السبب في
نسبته إلى أمه فقال الذي نسي اسم أبيه يونس بن متى وهو أمه ثم اعتذر فقال ونسبه أي شيخه إلى
أبيه أي سماه فنسبه ولا يخفي بعد هذا التأويل وتكلفه قال العلماء انما قال صلى الله عليه وسلم
324

ذلك تواضعا إن كان قال بعد أن أعلم أنه أفضل الخلق وإن كان قاله قبل علمه بذلك فلا اشكال
وقيل خص يونس بالذكر لما يخشى على من سمع قصته أن يقع في نفسه تنقيص له فبالغ في ذكر فضله
لسد هذه الذريعة وقد روى قصته السدي في تفسيره بأسانيده عن ابن مسعود وغيره ان الله بعث
يونس إلى أهل نينوى وهي من أرض الموصل فكذبوه فوعدهم بنزول العذاب في وقت معين
وخرج عنهم مغاضبا لهم فلما رأوا آثار ذلك خضعوا وتضرعوا وآمنوا فرحمهم الله فكشف
عنهم العذاب وذهب يونس فركب سفينة فلججت به فاقترعوا فيمن يطرحونه منهم فوقعت القرعة
عليه ثلاثا فالتقمه الحوت وروى ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن ميمون عن ابن مسعود باسناد
صحيح إليه نحو ذلك وفيه وأصبح يونس فأشرف على القرية فلم ير العذاب وقع عليهم وكان في
شريعتهم من كذب قتل فانطلق مغاضبا حتى ركب سفينة وقال فيه فقال لهم يونس ان معهم
عبدا آبقا من ربه وانها لا تسير حتى تلقوه فقالوا لا نلقيك يا نبي الله أبدا قال فاقترعوا فخرج عليه
ثلاث مرات فالقوه فالتقمه الحوت فبلغ به قرار الأرض فسمع تسبيح الحصي فنادى في الظلمات
أن لا إله إلا أنت الآية وروى البزار وابن جرير من طريق عبد الله بن نافع عن أبي هريرة رفعه
لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت أمر الله الحوت أن لا يكسر له عظما ولا يخدش له لحما
فلما انتهى به إلى قعر البحر سبح الله فقالت الملائكة يا ربنا انا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة
قال ذاك عبدي يونس فشفعوا له فأمر الحوت فقذفه في الساحل قال ابن مسعود كهيئة
الفرخ ليس عليه ريش وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قال لبث في بطن
الحوت أربعين يوما ومن طريق جعفر الصادق قال سبعة أيام ومن طريق قتادة قال ثلاثا ومن
طريق الشعبي قال التقمه ضحى ولفظه عشية (قوله باب قوله تعالى واسألهم
عن القرية التي كانت حاضرة البحر) الجمهور ان القرية المذكورة أيلة وهي التي على طريق الحاج
الذاهب إلى مكة من مصر وحكى ابن التين عن الزهري أنها طبرية (قوله إذ يعدون في السبت
يتعدون يتجاوزون) قال أبو عبيدة في قوله تعالى إذ يعدون في السبت أي يتعدون فيه عما أمروا
ويتجاوزون (قوله شرعا شوارع إلى قوله كونوا قردة خاسئين) هو قول أبي عبيدة أيضا (قوله
بئيس) شديد قال أبو عبيدة في قوله تعالى فأخذناهم بعذاب بئيس أي شديد وزنا ومعنى قال
الشاعر حنقا علي وما ترى * لي فيهم أمرا بئيسا وهذا على إحدى القراءتين والاخرى بوزن حذر
وقرئ شاذا بوزن هين وهين مذكرين * (تنبيه) * لم يذكر المصنف في هذه القصة حديثا مسندا وقد
روى عبد الرزاق من حديث ابن عباس بسند فيه مبهم 3 وحكاه مالك عن يزيد بن رومان معضلا
وكذا قال قتادة ان أصحاب السبت كانوا من أهل أيلة وانهم لما تحيلوا على صيد السمك بان نصبوا
الشباك يوم السبت ثم صادوها يوم الأحد فأنكر عليهم قول ونهوهم فأغلظوا لهم فقالت طائفة
أخرى دعوهم واعتزلوا بنا عنهم فأصبحوا يوما فلم يروا الذين اعتدوا فتحوا أبوابهم فأمروا رجلا
ان يصعد على سلم فأشرف عليهم فرآهم قد صاروا قردة فدخلوا عليهم فجعلوا يلوذون بهم فيقول
الذين نهوهم ألم نقل لكم ألم ننهكم فيشيرون برؤوسهم وروى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن
ابن عباس انهم لم يعيشوا الا قليلا وهلكوا وروى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس صار
شبابهم قردة وشيوخهم خنازير (قوله باب قول الله تعالى وآتينا داود زبورا
325

هو داود بن ايشا بكسر الهمز وسكون التحتانية بعدها معجمة ابن عوبد بوزن جعفر بمهملة
وموحدة ابن باعر بموحدة ومهملة مفتوحة ابن سلمون بن يا رب بتحتانية وآخره موحدة ابن رام
ابن حضرون بمهملة ثم معجمة ابن فارص بفاء وآخره مهملة ابن يهوذ ابن يعقوب (قوله الزبر
الكتب واحدها زبور زبرت كتبت) قال أبو عبيدة في قوله تعالى في زبر الأولين أي كتب الأولين
واحدها زبور وقال الكسائي زبور بمعنى مزبور تقول زبرته فهو مزبور مثل كتبته فهو
مكتوب وقرئ بضم أوله وهو جمع زبر (قلت) الضم قراءة حمزة (قوله أوبي معه قال مجاهد سبحي
معه) وصله الفريابي من طريق مجاهد مثله وعن الضحاك هو بلسان الحبشة وقال قتادة معنى أوبى
سيرى (قوله أن اعمل سابغات الدروع) قال أبو عبيدة في قوله تعالى أن اعمل سابغات أي دروعا
واسعة طويلة (قوله وقدر في السرد المسامير والحلق ولا ترق المسمار فيسلس ولا تعظم فينفصم)
كذا في رواية الكشميهني ولغيره لا تدق بالدال بدل الراء وعندهم فيتسلسل وفي آخره فيفصم بغير
نون ووافقه الأصيلي في قوله فيسلس وهو بفتح اللام ومعناه فيخرج من الثقب برفق أو يصير
متحركا فيلين عند الخروج وأما الرواية الأخرى فيتسلسل أي يصير كالسلسلة في اللين والأول
أوجه والفصم بالفاء القطع من غير إبانة وهذا التفسير وصله الفريابي من طريق مجاهد في
قوله وقدر في السرد أي قدر المسامير والحلق وروى إبراهيم الحربي في غريب الحديث من
طريق مجاهد قوله وقدر في السرد لا ترق المسامير فيسلس ولا تغلظه فيفصمها وقال أبو عبيدة
يقال درع مسردة أي مستديرة الحلق قال أبو ذؤيب وعليهما مسرودتان قضاهما * داود أو صنع السوابغ تبع
وهو مثل مسمار السفينة (قوله أفرغ أنزل) لم أعرف المراد من هذه الكلمة هنا واستقريت
قصة داود في المواضع التي ذكرت فيها فلم أجدها وهذه الكلمة والتي بعدها في رواية الكشميهني
وحده (قوله بسطة زيادة وفضلا) قال أبو عبيدة في قوله وزاده بسطة في العلم والجسم أي زيادة
وفضلا وكثرة وهذه الكلمة في قصة طالوت وكأنه ذكرها لما كان آخرها متعلقا بداود فلمح بشئ
من قصة طالوت وقد قصها الله في القرآن ثم ذكر ثلاثة أحاديث * الأول حديث همام عن
أبي هريرة خفف على داود القرآن في رواية الكشميهني القراءة قيل المراد بالقرآن القراءة
والأصل في هذه اللفظة الجمع وكل شئ جمعته فقد قرأته وقيل المراد الزبور وقيل التوراة وقراءة
كل نبي تطلق على كتابه الذي أوحى إليه وانما سماه قرآنا للإشارة إلى وقوع المعجزة به كوقوع المعجزة
بالقرآن أشار إليه صاحب المصابيح والأول أقرب وانما ترددوا بين الزبور والتوراة لان الزبور
كله مواعظ وكانوا يتلقون الاحكام من التوراة قال قتادة كنا نتحدث أن الزبور مائة وخمسون
سورة كلها مواعظ وثناء ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود بل كان اعتماده على
التوراة أخرجه ابن أبي حاتم وغيره وفي الحديث ان البركة قد تقع في الزمن اليسير حتى يقع فيه
العمل الكثير قال النووي أكثر ما بلغنا من ذلك من كان يقرأ أربع ختمات بالليل وأربعا
بالنهار وقد بالغ بعض الصوفية في ذلك فادعى شيئا مفرطا والعلم عند الله (قوله بدوابه) في رواية
موسى بن عقبة الآتية بدابته بالافراد وكذا هو في التفسير ويحمل الافراد على الجنس
أو المراد بها ما يختص بركوبه وبالجمع ما يضاف إليها مما يركبه أتباعه (قوله فيقرأ القرآن قبل
326

أن تسرج) في رواية موسى فلا تسرج حتى يقرأ القرآن (قوله ولا يأكل الا من عمل يده)
تقدم شرحه في أوائل البيوع وان فيه دليلا على أنه أفضل المكاسب وقد استدل به على
مشروعية الإجارة من جهة ان عمل اليد أعم من أن يكون للغير أو للنفس والذي يظهر ان الذي
كان يعمله داود بيده هو نسج الدروع وألان الله له الحديد فكان ينسج الدروع ويبيعها ولا
يأكل الا من ثمن ذلك مع كونه كان من كبار الملوك قال الله تعالى وشددنا ملكه وفي حديث الباب
أيضا ما يدل على ذلك وانه مع سعته بحيث انه كان له دواب تسرج إذا أراد ان يركب ويتولى
خدمتها غيره ومع ذلك كان يتورع ولا يأكل الا مما يعمل بيده (قوله رواه موسى بن عقبة عن
صفوان بن سليم الخ) وصله المصنف في كتاب خلق أفعال العباد عن أحمد بن أبي عمرو عن أبيه وهو
حفص بن عبد الله عن إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة * الحديث الثاني والثالث حديث
عبد الله بن عمرو بن العاص في مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم له في قيام الليل وصيام النهار
أورده من طريقين وقد تقدم في صلاة الليل والغرض منه قوله صيام داود (قوله باب
أحب الصلاة إلى الله صلاة دواد الخ) يشير إلى الحديث المذكور قبله (قوله قال علي هو قول
عائشة ما ألفاه السحر عندي الا نائما) هكذا وقع في رواية المستملي والكشميهني وأما غيرهما فذكر
الطريق الثالثة مضمومة إلى ما قبله دون الباب ودون قول علي ولم أره منسوبا وأظنه علي بن
المديني شيخ البخاري وأراد بذلك بيان المراد بقوله وينام سدسه أي السدس الأخير وكأنه قال
يوافق ذلك حديث عائشة ما ألفاه بالفاء أي وجده والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم والسحر
الفاعل أي لم يجئ السحر والنبي صلى الله عليه وسلم عندي الا وجده نائما كما تقدم بيان ذلك في
قيام الليل (قوله باب واذكر عبدنا داود ذا الأيد انه أواب إلى قوله وفصل الخطاب)
الأيد القوة وكان داود موصوفا بفرط الشجاعة والأواب يأتي تفسيره قريبا (قوله قال مجاهد
الفهم في القضاء) أي المراد بفصل الخطاب وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي بشر عن مجاهد قال
الحكمة الصواب ومن طريق ليث عن مجاهد فصل الخطاب إصابة القضاء وفهمه ومن طريق
ابن جريج عن مجاهد قال فصل الخطاب العدل في الحكم وما قال من شئ أنفذه وقال الشعبي
فصل الخطاب قوله أما بعد وفي ذلك حديث مسند من طريق بلال بن أبي بردة عن أبيه عن جده
قال أول ما قال أما بعد داود النبي صلى الله عليه وسلم وهو فصل الخطاب أخرجه ابن أبي حاتم
وذكر عن ابن جرير باسناد صحيح عن الشعبي مثله وروى ابن أبي حاتم من طريق شريح قال فصل
327

الخطاب الشهود والايمان ومن طريق أبي عبد الرحمن السلمي نحوه (قوله ولا تشطط لا تسرف)
كذا وقع هنا وقال الفراء معناه لا تجر وروى ابن جرير من طريق قتادة في قوله ولا تشطط
أي لا تمل ومن طريق السدي قال لا تحف (قوله يقال للمرأة نعجة ويقال لها أيضا شاة) قال
أبو عبيدة في قوله ولي نعجة واحدة أي امرأة قال الأعشى
فرميت غفلة عينه عن شاته * فأصبت حبة قلبها وطحالها
(قوله فقال أكفلنيها مثل وكفلها زكريا ضمها) قال أبو عبيدة في قوله تعالى اكفلنيها وعزني
في الخطاب هو كقوله وكفلها زكريا أي ضمها إليه وتقول كفلت بالنفس أو بالمال ضمنته (قوله
وعزني غلبني صار أعز مني أعززته جعلته عزيزا في الخطاب يقال المحاورة) قال أبو عبيدة في قوله
وعزني في الخطاب أي صار أعز مني فيه وروى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال إن
دعا ودعوت كان أكثر مني وان بطشت وبطش كان أشد مني ومن طريق قتادة قال معناه قهرني
وظلمني وأما قوله يقال المحاورة فمراده تفسير الخطاب بالمحاورة وهي بالحاء المهملة أي المراجعة
بين الخصمين وهذا تفسير قوله تعالى وعزني في الخطاب (قوله الخلطاء الشركاء) حكاه ابن جرير
أيضا (قوله فتناه قال ابن عباس اختبرناه وقرأ عمر فتناه بتشديد التاء) أما قول ابن عباس فوصله
ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وأما قراءة عمر فمذكورة في الشواذ ولم
يذكرها أبو عبيد في القراءات المشهورة ونقل التشديد أيضا عن أبي رجاء العطاردي والحسن
البصري ثم ذكر حديث ابن عباس في السجود في ص أورده من وجهين ومحمد شيخه في الطريق
الأولى هو ابن سلام والعوام هو ابن حوشب بمهملة ثم معجمة (قوله أنسجد) بنون وللكشميهني
والمستملي أأسجد وسيأتي شرح الحديث في التفسير إن شاء الله تعالى (قوله قول الله تعالى ووهبنا
لداود سليمان) في رواية غير أبي ذر باب قول الله (قوله نعم العبد أنه أواب الراجع المنيب
هو تفسير الأواب وقد أخرج ابن جرير من طريق مجاهد قال الأواب الرجاع عن الذنوب ومن
طريق قتادة قال المطيع ومن طريق السدي قال هو المسبح (قوله من محاريب قال مجاهد
بنيان ما دون القصور) وصله عبد بن حميد عنه كذلك وقال أبو عبيدة المحارب جمع
محراب وهو مقدم كل بيت وهو أيضا المسجد والمصلى (قوله وجفان كالجواب كالحياض للإبل
وقال ابن عباس كالجوبة من الأرض) أما قول مجاهد فوصله عبد بن حميد عنه وأما قول ابن
عباس فوصله ابن أبي حاتم عنه وقال أبو عبيدة الجوابي جمع جابية وهو الحوض الذي يجبي
فيه الماء (قوله دابة الأرض) الأرضة 3 (قوله منسأته عصاه) هو قول ابن عباس وصله ابن أبي
حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه قال أبو عبيدة المنسأة العصا ثم ذكر تصريفها وهي مفعلة
من نسأت إذا زجرت الإبل أي ضربتها بالمنسأة (قوله فطفق مسحا بالسوق والأعناق يمسح
أعراف الخيل وعراقيبها) هو قول ابن عباس أخرجه ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه
328

وزاد في آخره حبا لها وروى من طريق الحسن قال كشف عراقيبها وضرب أعناقها وقال
لا تشغلني عن عبادة ربي مرة أخرى قال أبو عبيدة ومنه قوله مسح علاوته إذا ضرب عنقه قال
ابن جرير وقول ابن عباس أقرب إلى الصواب (قوله الأصفاد الوثاق) روى ابن جرير من طريق
السدي قال مقرنين في الأصفاد اي يجمع اليدين إلى العنق بالاغلال وقال أبو عبيدة الأصفاد
الأغلال واحدها صفد ويقال للغطاء أيضا صفد (قوله قال مجاهد الصافنات صفن الفرس رفع
إحدى رجليه حتى يكون على طرف الحافر) وصله الفريابي من طريقه قال صفن الفرس الخ
لكن قال يديه ووقع في أصل البخاري رجليه وصوب عياض ما عند الفريابي وقال أبو عبيدة
الصافن الذي يجمع بين يديه ويثني مقدم حافر إحدى رجليه (قولخ الجياد السراع) وصله
الفريابي من طريق مجاهد أيضا روى ابن جرير من طريق إبراهيم التيمي انها كانت عشرين
فرسا ذوات أجنحة (قوله جسدا شيطانا) قال الفريابي حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
في قوله وألقينا على كرسيه جسدا قال شيطانا يقال له آصف قال له سليمان كيف تفتن الناس
قال أرني خاتمك أخبرك فأعطاه فنبذه آصف في البحر فساخ فذهب ملك سليمان وقعد آصف على
كرسيه ومنعه الله نساء سليمان فلم يقربهن فأنكرته أم سليمان وكان سليمان يستطعم
ويعرفهم بنفسه فيكذبونه حتى أعطته امرأة حوتا فطيب بطنه فوجد خاتمه في بطنه فرد الله إليه
ملكه وفر آصف فدخل البحر وروى ابن جرير من وجه آخر عن مجاهد ان اسمه آصر آخره راء
ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ان اسم الجني صخر ومن طريق السدي كذلك وأخرج
القصة من طريقه مطولة والمشهور ان آصف اسم الرجل الذي كان عنده علم من الكتاب والله
أعلم (قوله رخاء طيبة) في رواية الكشميهني طيبا رواه الفريابي من الوجه المذكور في قوله
رخاء قال طيبة (قوله حيث أصاب حيث شاء) وصله الفريابي كذلك (قوله فامنن أعط بغير
حساب بغير حرج) وصله الفريابي من طريق مجاهد كذلك وقال أبو عبيدة في قوله بغير حساب
أي بغير ثواب ولا جزاء أو بغير منة ولا قلة ثم أورد المصنف أربعة أحاديث * أولها حديث أبي هريرة
في تفلت العفريت على النبي صلى الله عليه وسلم (قوله تفلت على) بتشديد اللام أي تعرض لي
فلته أي بغتة (قوله البارحة) أي الليلة الخالية الزائلة والبارح الزائل ويقال من بعد زوال
إلى آخر النهار البارحة (قوله فذكرت دعوة آخر سليمان) أي قوله وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من
بعدي وفي هذه إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقدر على ذلك الا انه تركه رعاية لسليمان
عليه السلام ويحتمل أن تكون خصوصية سليمان استخدام الجن في جميع ما يريده لا في هذا
القدر فقط واستدل الخطابي بهذا الحديث على أن أصحاب سليمان كانوا يرون الجن في اشكالهم
وهيئتهم حال تصرفهم قال وأما قوله تعالى انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم فالمراد الأكثر
الأغلب من أحوال بني آدم وتعقب بان نفى رؤية الانس للجن على هيئتهم ليس بقاطع من الآية
بل ظاهرها انه ممكن فان نفى رؤيتنا إياهم مقيد بحال رؤيتهم لنا ولا ينفي امكان رؤيتنا لهم في غير
تلك الحالة ويحتمل العموم وهذا الذي فهمه أكثر العلماء حتى قال الشافعي من زعم أنه يرى الجن
أبطلنا شهادته واستدل بهذه الآية والله أعلم (قوله عفريت متمرد من انس أو جان مثل زبنية
جماعته زبانية) الزبانية في الأصل اسم أصحاب الشرطة مشتق من الزبن وهو الدفع وأطلق على
329

الملائكة ذلك لانهم يدفعون الكفار في النار وواحد الزبانية زبنية وقيل زبنى وقيل زابن وقيل
زباني وقال قوم لا واحد له من لفظه وقيل واحدة زبنيت وزن عفريت ويقال عفرية لغة مستقلة
ليست مأخوذة من عفريت ومراد المصنف بقوله مثل زبنية أي انه قيل في عفريت عفرية
وهي قراءة رويت في الشواذ عن أبي بكر الصديق وعن أبي رجاء العطاردي وأبي السمال بالمهملة
واللام وقال ذو الرمة
كأنه كوكب في اثر عفرية * مصوب في ظلام الليل منتصب
وقد تقدم كثيرا من بيان أحوال الجن في باب صفة إبليس وجنوده من بدء الخلق قال ابن عبد البر
الجن على مراتب فالأصل جني فان خالط الانس قيل عامر ومن تعرض منهم للصبيان قيل أرواح
ومن زاد في الخبث قيل شيطان فان زاد على ذلك قيل مارد فان زاد على ذلك قيل عفريت وقال
الراغب العفريت من الجن هو العارم الخبيث وإذا بولغ فيه قيل عفريت نفريت وقال ابن قتيبة
العفريت الموثق الخلق وأصله من العفر وهو التراب ورجل عفر بكسر أوله وثانيه وتثقيل
ثالثه إذا بولغ فيه أيضا (قوله حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن) هو الحزامي وليس بالمخزومي واسم
جد الحزامي عبد الله بن خالد بن حزام واسم جد المخزومي الحرث بن عبد الله (قوله قال سليمان
بن داود لأطوفن الليلة) في رواية الحموي والمستملي لأطيفن وهما لغتان طاف بالشئ وأطاف
به إذا دار حوله وتكرر عليه وهو هنا كناية عن الجماع واللام جواب القسم وهو محذوف أي
والله لأطوفن ويؤيده قوله في آخره لم يحنث لان الحنث لا يكون الا عن قسم والقسم لا بد له من
مقسم به (قوله على سبعين امرأة) كذا هنا من رواية مغيرة وفي رواية شعيب كما سيأتي في
الايمان والنذور فقال تسعين وقد ذكر المصنف ذلك عقب هذا الحديث ورجح تسعين بتقديم
المثناة على سبعين وذكر ان ابن أبي الزناد رواه كذلك (قلت) وقد رواه سفيان بن عيينة
عن أبي الزناد فقال سبعين وسيأتي في كفارة الايمان من طريقه ولكن رواه مسلم عن ابن أبي عمر
عن سفيان فقال سبعين بتقديم السين وكذا هو في مسند الحميدي عن سفيان وكذا أخرجه
مسلم من رواية ورقاء عن أبي الزناد وأخرجه الإسماعيلي والنسائي وابن حبان من طريق
هشام بن عروة عن أبي الزناد قال مائة امرأة وكذا قال طاوس عن أبي هريرة كما سيأتي في
الايمان والنذور من رواية معمر وكذا قال أحمد عن عبد الرزاق من رواية هشام بن
حجير عن طاوس تسعين وسيأتي في كفارة الايمان ورواه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق
فقال سبعين وسيأتي في التوحيد من رواية أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة كان لسليمان
ستون امرأة ورواه أحمد وأبو عوانة من طريق هشام عن ابن سيرين فقال مائة امرأة وكذا
قال عمران بن خالد عن ابن سيرين عند ابن مردويه وتقدم في الجهاد من طريق جعفر بن ربيعة
عن الأعرج فقال مائة امرأة أو تسع وتسعون على الشك فمحصل الروايات ستون وسبعون
وتسعون وتسع وتسعون ومائة والجمع بينها ان الستين كن حرائر وما زاد عليهن كن سرارى
أو بالعكس وأما السبعون فللمبالغة وأما التسعون والمائة فكن دون المائة وفوق التسعين
فمن قال تسعون ألغى الكسر ومن قال مائة جبره ومن ثم وقع التردد في رواية جعفر وأما قول
بعض الشراح ليس في ذكر القليل نفى الكثير وهو من مفهوم العدد وليس بحجة عند الجمهور
330

فليس بكاف في هذا المقام وذلك أن مفهوم العدد معتبر عند كثيرين والله أعلم وقد حكى وهب
ابن منبه في المبتدا انه كان لسليمان ألف امرأة ثلثمائة مهيرة وسبعمائة سرية ونحوه مما أخرج
الحاكم في المستدرك من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب قال بلغنا انه كان لسليمان ألف بيت
من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة صريحة وسبعمائة سرية (قوله تحمل كل امرأة فارسا
يجاهد في سبيل الله) هذا قاله على سبيل التمني للخير وانما جزم به لأنه غلب عليه الرجا لكونه قصد
به الخير وأمر الآخرة لا لغرض الدنيا قال بعض السلف نبه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
على آفة التمني والاعراض عن التفويض قال ولذلك نسي الاستثناء ليمضي فيه القدر (قوله
فقال له صاحبه إن شاء الله) في رواية معمر عن طاوس الآتية فقال له الملك وفي رواية هشام بن
حجير فقال له صاحبه قال سفيان يعني الملك وفي هذا اشعار بان تفسير صاحبه بالملك ليس
بمرفوع ولكن في مسند الحميدي عن سفيان فقال له صاحبه أو الملك بالشك ومثلها لمسلم وفي الجملة
ففيه رد على من فسر صاحبه بأنه الذي عنده علم من الكتاب وهو آصف بالمد وكسر المهملة بعدها
فاء ابن برخيا بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر الراء وكسر المعجمة بعدها تحتانية وقال القرطبي في قوله فقال له
صاحبه أو الملك إن كان صاحبه فيعني به وزيره من الإنس والجن وإن كان الملك فهو الذي كان
يأتيه بالوحي قال وقد أبعد من قال المراد به خاطره وقال النووي قيل المراد بصاحبه الملك وهو
الظاهر من لفظه وقيل القرين وقيل صاحب له آدمي (قلت) ليس بين قوله صاحبه والملك منافاة
الا أن لفظة صاحبه أعم فمن ثم نشأ لهم الاحتمال ولكن الشك لا يؤثر في الجزم فمن جزم بأنه الملك
حجة على من لم يجزم (قوله فلم يقل) قال عياض بين في الطريق الأخرى بقوله فنسي (قلت) هي
رواية ابن عيينة عن شيخه وفي رواية معمر قال ونسي أن يقول إن شاء الله ومعنى قوله فلم يقل أي
بلسانه لا انه أبي ان يفوض إلى الله بل كان ذلك ثابتا في قلبه لكنه اكتفى بذلك أولا ونسي ان
يجريه على لسانه لما قيل له لشئ عرض له (قوله فطاف بهن) (1) في رواية ابن عيينة فأطاف بهن
وقد تقدم توجيهه (قوله الا واحدا ساقطا أحد شقيه) في رواية شعيب فلم يحمل منهن الا امرأة
واحدة جاءت بشق رجل وفي رواية أيوب عن ابن سيرين ولدت شق غلام وفي رواية هشام عنه
نصف انسان وهي رواية معمر حكى النقاش في تفسيره ان الشق المذكور هو الجسد الذي ألقي
على كرسيه وقد تقدم قول غير واحد من المفسرين ان المراد بالجسد المذكور شيطان وهو
المعتمد والنقاش صاحب مناكير (قوله لو قالها لجاهدوا في سبيل الله) في رواية شعيب لو قال إن شاء الله
وزاد في آخره فرسانا أجمعون وفي رواية ابن سيرين لو استثنى لحملت كل امرأة منهن فولدت
فارسا يقاتل في سبيل الله وفى رواية طاوس لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركا لحاجته كذا
عند المصنف من رواية هشام بن حجير وعند أحمد ومسلم مثله من رواية معمر وعند المصنف من
طريق معمر وكان أرجى لحاجته وقوله دركا بفتحتين من الادراك وهو كقوله تعالى لا تخاف دركا
أي لحاقا والمراد انه كان يحصل له ما طلب ولا يلزم من اخباره صلى الله عليه وسلم بذلك في حق
سليمان في هذه القصة ان يقع ذلك لكل من استثنى في أمنيته بل في الاستثناء رجو الوقوع وفي
ترك الاستثناء خشية عدم الوقوع وبهذا يجاب عن قول موسى للخضر ستجدني إن شاء الله صابرا
مع قول الخضر له آخرا ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا وفي الحديث فضل فعل الخير وتعاطي
331

أسبابه وأن كثيرا من المباح والملاذ يصير مستحبا بالنية والقصد وفيه استحباب الاستثناء لمن
قال سأفعل كذا وان اتباع المشيئة اليمين يرفع حكمها وهو متفق عليه بشرط الاتصال وسيأتي
بيان ذلك في الايمان والنذور مع بسط فيه وقد استدل بهذا الحديث من قال الاستثناء إذا
عقب اليمين ولو تخلل بينهما شئ يسير لا يضر فان الحديث دل على أن سليمان لو قال إن شاء الله
عقب قول الملك له قل إن شاء الله لأفاد مع التخلل بين كلاميه بمقدار كلام الملك وأجاب القرطبي
باحتمال ان يكون الملك قال ذلك في أثناء كلام سليمان وهو احتمال ممكن يسقط به الاستدلال
المذكور وفيه ان الاستثناء لا يكون الا باللفظ ولا يكفي فيه النية وهو اتفاق الا ما حكى عن
بعض المالكية وفيه ما خص به الأنبياء من القوة على الجماع الدال ذلك على صحة البنية وقوة
الفحولية وكمال الرجولية مع ما هم فيه من الاشتغال بالعبادة والعلوم وقد وقع للنبي صلى الله عليه
وسلم من ذلك أبلغ المعجزة لأنه مع اشتغاله بعبادة ربه وعلومه ومعالجة الخلق كان متقللا من
المآكل والمشارب المقتضية لضعف البدن على كثرة الجماع ومع ذلك فكان يطوف على نسائه في
ليلة بغسل واحد ومن إحدى عشرة مرأة وقد تقدم في كتاب الغسل ويقال ان كل من كان
أتقي لله فشهوته أشد لان الذي لا يتقي يتفرج بالنظر ونحوه وفيه جواز الاخبار عن الشئ
ووقوعه في المستقبل بناء على غلبة الظن فان سليمان عليه السلام جزم بما قال ولم يكن ذلك عن
وحي والا لوقع كذا قيل وقال القرطبي لا يظن بسليمان عليه السلام انه قطع بذلك على ربه الا من
جهل حال الأنبياء وأدبهم مع الله تعالى وقال ابن الجوزي فان قيل من أين لسليمان ان يخلق من
مائة هذا العدد في ليلة لا جائز ان يكون بوحي لأنه ما وقع ولا جائز ان يكون الامر في ذلك إليه لان
الإرادة لله والجواب انه من جنس التمني على الله والسؤال له ان يفعل والقسم عليه كقول أنس
ابن النضر والله لا يكسر سنها ويحتمل ان يكون لما أجاب الله دعوته ان يهب له ملكا لا ينبغي
لاحد من بعده كان هذا عنده من جملة ذلك فجزم به وأقرب الاحتمالات ما ذكرته أولا وبالله
التوفيق (قلت) ويحتمل أن يكون أوحى إليه بذلك مقيدا بشرط الاستثناء فنسي الاستثناء فلم
يقع ذلك لفقدان الشرط ومن ثم ساغ له أولا ان يحلف وأبعد من استدل به على جواز الحلف على
غلبة الظن وفيه جواز السهو على الأنبياء وأن ذلك لا يقدح في علو منصبهم وفيه جواز الاخبار
عن الشئ انه سيقع ومستند المخبر الظن مع وجود القرينة القوية لذلك وفيه جواز اضمار
المقسم به في اليمين لقوله لأطوفن مع قوله عليه السلام لم يحنث فدل على أن اسم الله فيه مقدر ان
قال أحد بجواز ذلك فالحديث حجة له بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد تقديره على لسان
الشارع وان وقع الاتفاق على عدم الجواز فيحتاج إلى تأويله كأن يقال لعل التلفظ باسم الله
وقع في الأصل وان لم يقع في الحكاية وذلك ليس بممتع فان من قال والله لأطوفن يصدق أنه قال
لأطوفن فان اللافظ بالمركب لافظ بالمفرد وفيه حجة لمن قال لا يشترط التصريح بمقسم به معين
فمن قال احلف أو اشهد ونحو ذلك فهو يمين وهو قول الحنفية وقيده المالكية بالنية وقال بعض
الشافعية ليست بيمين مطلقا وفيه جواز استعمال لو ولولا وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد عقده
له المصنف في أواخر الكتاب وفيه استعمال الكناية في اللفظ الذي يستقبح ذكره لقوله لأطوفن
بدل قوله لأجامعن * الحديث الثالث (قوله حدثنا إبراهيم التيمي عن أبيه) هو يزيد بن شريك
332

(قوله أي مسجد وضع أول) تقدم التنبيه عليه في أثناء قصة إبراهيم عليه السلام وقوله أدركتك
الصلاة أي وقت الصلاة وفيه إشارة إلى المحافظة على الصلاة في أول وقتها ويتضمن ذلك الندب
إلى معرفة الأوقات وفيه إشارة إلى أن المكان الأفضل للعبادة إذا لم يحصل لا يترك المأمور به
لفواته بل يفعل المأمور في المفضول لأنه صلى الله عليه وسلم كأنه فهم عن أبي ذر من تخصيصه
السؤال عن أول مسجد وضع أنه يريد تخصيص صلاته فيه فنبه على أن ايقاع الصلاة إذا حضرت
لا يتوقف على المكان الأفضل وفيه فضيلة الأمة المحمدية لما ذكر أن الأمم قبلهم كانوا لا يصلون الا
في مكان مخصوص وقد تقدم التنبيه عليه في كتاب التيمم وفيه الزيادة على السؤال في الجواب
لا سيما إذا كان للسائل في ذلك مزيد فائدة * الحديث الرابع (قوله في الاسناد عن عبد الرحمن) هو
الأعرج وهو كذلك في نسخة شعيب عن أبي الزناد عند الطبراني (قوله إنه سمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فجعل الفراش وهذه الدواب تقع في
النار وقال كانت امرأتان معهما ابناهما) هكذا أورده ومراده الحديث الثاني فإنه هو الذي
يدخل في ترجمة سليمان وكأنه ذكر ما قبله وهو طرف من حديث طويل لكونه سمع نسخة شعيب
عن أبي الزناد وهذا الحديث مقدم على الآخر وسمع الاسناد في السابق دون الذي يليه فاحتاج
أن يذكر شيئا من لفظ الحديث الأول لأجل الاسناد وقد تقدم في الطهارة للمصنف مثل هذا
الصنيع فذكر من هذه النسخة بعينها حديث لا يبولن أحدكم في الماء الدائم وذكر قبله طرفا من
حديث نحن الآخرون السابقون ولما ذكر في الجمعة حديث نحن الآخرون السابقون لم يضم
معه شيئا وذكر في الجهاد حديث من أطاعني فقد أطاع الله الحديث فقال قبله نحن الآخرون
السابقون أيضا وذكر في الديات حديث لو اطلع عليك رجل وقدم ذلك قبله أيضا لكنه أورد
حديث المرأتين وفي الفرائض ولم يضم معه في أوله شيئا من الحديث الآخر وكذا في بقية هذه
النسخة فلم يطرد للمصنف في ذلك عمل وكأنه حيث ضم إليه شيئا أراد الاحتياط وحيث لم يضم نبه
على الجواز والله أعلم وأما مسلم فإنه في نسخة همام عن أبي هريرة ينبه على أنه لم يسمع الاسناد في كل
حديث منها فإنه يسوق الاسناد إلى أبي هريرة ثم يقول فذكر أحاديث منها كذا وكذا وصنيعه في
ذلك حسن جدا والله أعلم * (تنبيه) * لم أر الحديث الأول تاما في صحيح البخاري وقد أورده
الحميدي في الجمع من طريق شعيب هذه وساق المتن بتمامه وقال إنه لفظ البخاري وان مسلما
أخرجه من رواية مغيرة وسفيان عن أبي الزناد به ومن طريق همام عن أبي هريرة وكذلك أطلق
المزي ان البخاري أخرجه في أحاديث الأنبياء فإن كان عني هذا الموضع فليس هو فيه بتمامه
وإن كان عنى موضعا آخر فلم أره فيه ثم وجدته في باب الانتهاء عن المعاصي من كتاب الرقاق ويأتي
شرحه هناك إن شاء الله تعالى (قوله مثلي) أي في دعائي الناس إلى الاسلام المنقذ لهم من النار
ومثل ما تزين لهم أنفسهم من التمادي على الباطل كمثل رجل الخ والمراد تمثيل الجملة بالجملة
لا تمثيل فرد بفرد (قوله استوقد) أي أوقد وزيادة السين والتاء للإشارة إلى أنه عالج ايقادها وسعي
في تحصيل آلاتها ووقع في حديث جابر عند مسلم مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا زاد أحمد
ومسلم من رواية همام عن أبي هريرة فلما أضاءت ما حوله (قوله فجعل الفراش) بفتح الفاء والشين
المعجمة معروف ويطلق الفراش أيضا على غوغاء الجراد الذي يكثر ويتراكم وقال في المحكم الفراش
333

دواب مثل البعوض واحدتها فراشة وقد شبه الله تعالى الناس في المحشر بالفراش المبثوث أي
في الكثرة والانتشار والاسراع إلى الداعي (قوله وهذه الدواب تقع في النار) قلت منها البرغش
والبعوض ووقع في حديث جابر فجعل الجنابذ والفراش والجنابذ جمع جنبذ وهو على القلب
والمعروف الجنادب جمع جندب بفتح الدال وضمها والجيم مضمومة وقد تكسر وهو على خلقة
الجرادة يصر في الليل صرا شديدا وقيل إن ذكر الجراد يسمى أيضا الجندب (قوله تقع في النار)
كذا فيه وانما هو في نسخة شعيب كما أخرجه أبو نعيم في المستخرج وهذه الدواب التي تقعن في
النار تقعن فيها قال النووي مقصود الحديث انه صلى الله عليه وسلم شبه المخالفين له بالفراش
وتساقطهم في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا مع حرصهم على الوقوع في ذلك ومنعه
إياهم والجامع بينهما اتباع الهوى وضعف التمييز وحرص كل من الطائفتين على هلاك نفسه
وقال القاضي أبو بكر بن العربي هذا مثل كثير المعاني والمقصود ان الخلق لا يأتون ما يجرهم إلى
النار على قصد الملكة وانما يأتونه على قصد المنفعة واتباع الشهوة كما أن الفراش يقتحم النار
لا ليهلك فيها بل لما يعجبه من الضياء وقد قيل إنها لا تبصر مجال وهو بعيد وانما قيل إنها تكون
في ظلمة فإذا رأت الضياء اعتقدت انه كوة يظهر منها النور فتقصده لأجل ذلك فتحترق وهي
لا تشعر وقيل إن ذلك لضعف بصرها فتظن انها في بيت مظلم وان السراج مثلا كوة فترمي بنفسها
إليه وهي من شدة طيرانها تجاوزه فتقع في الظلمة فترجع إلى أن تحترق وقيل إنها تتضرر بشدة
النور فتقصد اطفاءه فلشدة جهلها تورط نفسها فيما لا قدر لها عليه ذكر مغلطاي انه سمع
بعض مشايخ الطب يقوله وقال الغزالي التمثيل وقع على صورة الاكباب على الشهوات من
الانسان باكباب الفراش على التهافت في النار ولكن جهل الآدمي أشد من جهل الفراش لأنها
باغترارها بظواهر الضوء إذا احترقت انتهى عذابها في الحال والآدمي يبقي في النار مدة طويلة
أو أبدا والله المستعان (قوله وقال كانت امرأتان) ليس في سياق البخاري تصريح برفعه وهو
مرفوع عنده عن أبي اليمان عن شعيب في أواخر كتاب الفرائض أورده هناك وكذا هو في نسخة
شعيب عند الطبراني وغيره وفي رواية النسائي من طريق علي بن عياش عن شعيب حدثني
أبو الزناد مما حدثه عبد الرحمن الأعرج مما ذكر انه سمع أبا هريرة يحدث به عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال بينما امرأتان (قلت) ولم أقف على اسم واحدة من هاتين المرأتين ولا على اسم
واحد من ابنيهما في شئ من الطرق (قوله فتحاكما) في رواية الكشميهني فتحاكمتا وفي نسخة
شعيب فاختصما (قوله فقضى به للكبرى الخ) قيل كان ذلك على سبيل الفتيا منهما لا الحكم
ولذلك ساغ لسليمان ان ينقضه وتعقبه القرطبي بان في لفظ الحديث انه قضى بأنهما تحاكما وبان
فتيا النبي وحكمه سواء في وجوب تنفيذ ذلك وقال الداودي انما كان منهما على سبيل المشاورة
فوضح لداود صحة رأي سليمان فأمضاه قال ابن الجوزي استويا عند داود في اليد فقدم الكبرى
للسن وتعقبه القرطبي وحكى انه قيل كان من شرع داود ان يحكم للكبرى قال وهو فاسد لان
الكبر والصغر وصف طردي كالطول والقصر والسواد والبياض ولا أثر لشئ من ذلك في
الترجيح قال وهذا مما يكاد يقطع بفساده قال والذي ينبغي ان يقال إن داود عليه السلام قضى
به للكبرى لسبب اقتضى به عنده ترجيح قولها إذ لا بينة لواحدة منهما وكونه لم يعين في الحديث
334

اختصارا لا يلزم منه عدم وقوعه فيحتمل ان يقال إن الولد الباقي كان في يد الكبرى وعجزت
الأخرى عن إقامة البينة قال وهذا تأويل حسن جار على القواعد الشرعية وليس في السياق
ما يأباه ولا يمنعه فان قيل فكيف ساغ لسليمان نقض حكمه فالجواب انه لم يعمد إلى نقض
الحكم وانما احتال بحيلة لطيفة أظهرت ما في نفس الامر وذلك انهما لما أخبر تا سليمان
بالقصة فدعا بالسكين ليشقه بينهما ولم يعزم على ذلك في الباطن وانما أراد استكشاف الامر
فحصل مقصوده لذلك لجزع الصغرى الدال على عظيم الشفقة ولم يلتفت لي اقرارها بقولها هو ابن
الكبرى لأنه علم أنها آثرت حياته فظهر له من قرينة شفقة الصغرى وعدمها في الكبرى مع
ما انضاف إلى ذلك من القرينة الدالة على صدقها ما هجم به على الحكم للصغرى ويحتمل أن
يكون سليمان عليه السلام ممن يسوغ له ان يحكم بعلمه أو تكون الكبرى في تلك الحالة اعترفت
بالحق لما رأت من سليمان الجد والعزم في ذلك ونظير هذه القصة ما لو حكم حاكم على مدع منكر
بيمين فلما مضى ليحلفه من استخرج من المنكر ما اقتضى اقراره بما أراد ان يحلف على
جحده فإنه والحالة هذه يحكم عليه باقراره سواء كان ذلك قبل اليمين أو بعدها ولا يكون ذلك من
نقض الحكم الاتول ولكن من باب تبدل الاحكام بتبدل الأسباب وقال ابن الجوزي استنبط
سليمان لما رأى الامر محتملا فأجاد وكلاهما حكم بالاجتهاد لأنه لو كان داود حكم بالنص لما
ساغ لسليمان ان يحكم بخلافة ودلت هذه القصة على أن الفطنة والفهم موهبة من الله لا تتعلق
بكبر سن ولا صغره وفيه ان الحق في جهة واحدة وان الأنبياء يسوغ لهم الحكم بالاجتهاد
وإن كان وجود النص ممكنا لديهم بالوحي لكن في ذلك زيادة في أجورهم ولعصمتهم من الخطأ في
ذلك إذ لا يقرون لعصمتهم على الباطل وقال النووي ان سليمان فعل ذلك تحيلا على اظهار
الحق فكان كما لو اعترف المحكوم له بعد الحكم أن الحق لخصمه وفيه استعمال الحيل في
الاحكام لاستخراج الحقوق ولا يتأتى ذلك الا بمزيد الفطنة وممارسة الأحوال (قوله لا تفعل
يرحمك الله) وقع في رواية مسلم والإسماعيلي من طريق ورقاء عن أبي الزناد لا يرحمك الله قال
القرطبي ينبغي على هذه الرواية ان يقف قليلا بعد لا حتى يتبين للسامع ان الذي بعده كلام
مستأنف لأنه إذا وصله بما بعده يتوهم السامع انه دعا عليه وانما هو دعاء له ويزول الابهام في
مثل هذا بزيادة واو كأن يقول لا ويرحمك الله وفيه حجة لمن قال إن الام تستحلق والمشهور من
مذهب مالك والشافعي انه لا يصح وقد تعرض المصنف لذلك في أواخر كتاب الفرائض ويأتي
البحث فيه هناك إن شاء الله تعالى (قوله قال أبو هريرة) يعني بالاسناد إليه وليس تعليقا وقد وقع
كذلك في رواية الإسماعيلي من طريق ورقاء عن أبي الزناد والمدية مثلثة الميم قيل للسكين ذلك
لأنها تقطع مدى حياة الحيوان والسكين تذكر وتؤنث قيل لها ذلك لأنها تسكن حركة الحيوان
(قوله باب قول الله تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة إلى قوله عظيم) اختلف في
لقمان فقيل كان حبشيا وقيل كان نوبيا واختلف هل كان نبيا قال السهيلي كان نوبيا من أهل
أيلة واسم أبيه عنقا بن شيرون وقال غيره هو ابن باعور بن ناحر بن آزر فهو ابن أخي إبراهيم وذكر
وهب في المبتدا انه كان ابن أخت أيوب وقيل ابن خالته وروى الثوري في تفسيره عن أشعث عن
عكرمة عن ابن عباس قال كان لقمان عبدا حبشيا نجارا وفي مصنف ابن أبي شيبة عن خالد بن
ثابت الربعي أحد التابعين مثله وحكى أبو عبيد البكري في شرح الأمالي أنه كان مولى لقوم من
335

الأزد وروى الطبري من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب كان لقمان من
سودان مصر ذو مشافر أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة وفي المستدرك باسناد صحيح عن أنس
قال كان لقمان عند داود وهو يسرد الدرع فجعل لقمان يتعجب ويريد أن يسأله عن فائدته فتمنعه
حكمته أن يسال وهذا صريح في أنه عاصر داود عليه السلام وقد ذكره ابن الجوزي في التلقيح
بعد إبراهيم قبل إسماعيل واسحق والصحيح أنه كان في زمن داود وقد أخرج الطبري وغيره عن
مجاهد انه كان قاضيا على بني إسرائيل زمن داود عليه السلام وقيل إنه عاش ألف سنة نقل عن
ابن إسحاق وهو غلط ممن قاله وكأنه اختلط عليه بلقمان بن عاد وقيل إنه كان يفتي قبل بعث داود
وأغرب الواقدي فزعم أنه كان بين عيسى ونبينا عليهما الصلاة والسلام وشبهته ما حكاه أبو
عبيدة البكري انه كان عبدا لبني الحسحاس بن الأزد والأكثر انه كان صالحا قال شعبة عن الحكم
عن مجاهد كان صالحا ولم يكن نبيا وقيل كان نبيا أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق
إسرائيل عن جابر عن عكرمة (قلت) وجابر هو الجعفي ضعيف ويقال ان عكرمة تفرد بقوله كان
نبيا وقيل كان لرجل من بني إسرائيل فأعتقه وأعطاه ما لا يتجر فيه وروى ابن أبي حاتم من
طريق سعيد بن بشير عن قتادة ان لقمان خير بين الحكمة والنبوة فاختار الحكمة فسئل عن
ذلك فقال خفت ان أضعف عن حمل أعباء النبوة وفي سعيد بن بشير ضعف وقد روى سعيد بن
أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة قال التفقه في الدين ولم يكن نبيا وقد
تقدم تفسير المراد بالحكمة في أوائل كتاب العلم في شرح حديث ابن عباس اللهم علمه الحكمة
وقيل كان خياطا وقيل نجارا وقوله وإذ قال لقمان لابنه قال السهيلي اسم ابنه باران بموحدة وراء
مهملة وقيل فيه بالدال في أوله وقيل اسمه أنعم وقيل شكور وقيل بابلي (قوله ولا تصعر الاعراض
بالوجه) وهو تفسير لقوله تعالى ولا تصاعر خدك للناس وهو تفسير عكرمة أورده عنه الطبري
وأورد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ولا تصعر خدك للناس لا تتكبر عليهم قال
الطبري أصل الصعر يعني بالمهملتين داء يأخذ الإبل في أعناقها حتى تلفت أعناقها عن رؤسها
فيشبه به الرجل المتكبر المعرض عن الناس انتهى وقوله تصعر هي قراءة عاصم وابن كثير وأبي
جعفر وقال أبو عبيدة في القراءات له حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن أنه قرأها كذلك وقرأها
الباقون تصاعر قال أبو عبيدة والأول أحب إلي لما في الثانية من المفاعلة والغالب انه من اثنين
وتكون الأولى أشمل في اجتناب ذلك وقال الطبري القراءتان مشهورتان ومعناهما صحيح والله
أعلم ثم ذكر المصنف حديث ابن مسعود في نزول قوله تعالى الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم
وسيأتي شرحه في تفسير الانعام أورده من وجهين واسحق شيخه في الطريق الثانية هو ابن
راهويه وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج (قوله باب واضرب لهم مثلا أصحاب
القرية الآية فعززنا قال مجاهد شددنا وقال ابن عباس طائركم مصائبكم) أما قول مجاهد فوصله
الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه بهذا وأما قول ابن عباس فوصله ابن أبي حاتم من طريق علي
ابن أبي طلحة عنه به والقرية المراد بها أنطاكية فيما ذكر ابن إسحاق ووهب في المبتدا ولعلها كانت
مدينة بالقرب من هذه الموجودة لان الله أخبر أنه أهلك أهلها وليس لذلك أثر في هذه المدينة
الموجودة الان ولم يذكر المصنف في ذلك حديثا مرفوعا وقد روى الطبراني من حديث ابن عباس
336

مرفوعا السبق ثلاثة يوشع إلى موسى وصاحب يس إلى عيسى وعلي إلى محمد صلى الله عليه وسلم
وفي اسناده حسين بن حسين الأشقر وهو ضعيف فان ثبت دل على أن القصة كانت في زمن عيسى
أو بعده وصنيع المصنف يقتضي أنها قبل عيسى وروى ابن إسحاق في المبتدا عن أبي طوالة
عن كعب الأحبار أن اسم صاحب يس حبيب النجار وروى الثوري في تفسيره عن عاصم عن
أبي مجلز قال كان اسمه حبيب بن بري وعن حبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس هو حبيب
النجار وعن السدي كان قصارا وقيل كان اسكافا قال ابن إسحاق واسم الرسل الثلاثة صادق
وصدوق وشلوم وقال ابن جريج عن وهب بن سليمان عن شعيب الجبئي بالجيم والموحدة والهمز
بلا مد كان اسم الرسولين شمعون ويوحنا واسم الثالث بولص وعن قتادة كانوا رسلا من قبل
المسيح والله أعلم (قوله باب قول الله تعالى ذكر رحمة ربك عبدة زكريا إلى قوله
لم نجعل له من قبل سميا) في زكريا أربع لغات المد والقصر وحذف الألف مع تخفيف الياء وفيه
تشديدها أيضا وحذفها وقال الجوهري لا يصرف مع المد والقصر (قوله قال ابن عباس مثلا)
وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى هل تعلم له سميا
يقول هل تعلم له مثلا أو شبها ومن طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس في قوله
لم نجعل له من قبل سميا قال لم يسم يحيى قبله غيره وأخرجه الحاكم في المستدرك (قوله يقال
رضيا مرضيا) حكاه الطبري قال مرضيا ترضاه أنت وعبادك (قوله عتيا عصيا عتا يعتو)
كذا فيه بالصاد المهملة والصواب بالسين وروى الطبري باسناد صحيح عن ابن عباس قال
ما أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عتيا أو عسيا وقال أبو عبيدة في قوله تعالى
وقد بلغت من الكبر عتيا كل مبالغ من كبر أو كفر أو فساد فقد عتا يعتو عتيا (قوله ثلاث ليال
سويا ويقال صحيحا) هو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أخرجه ابن أبي حاتم عنه قال في قوله
ثلاث ليال سويا وأنت صحيح فحبس لسانه فكان لا يستطيع أن يتكلم وهو يقرأ التوراة ويسبح
ولا يستطيع ان يكلم الناس أخرجه ابن أبي حاتم من طريقه واخرج من طريق أبي عبد الرحمن
السلمي قال اعتقل لسانه من غير مرض (قوله فأوحى فأشار) هو قول محمد بن كعب ومجاهد
وغير واحد أخرجه ابن أبي حاتم عنهم (قوله حفيا لطيفا) هو قول ابن عباس أخرجه ابن أبي
حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وقال أبو عبيدة في قوله إنه كان بي حفيا أي محتفيا يقال
تحفيت بفلان (قوله عاقرا الذكر والأنثى سواء) قال أبو عبيدة العاقدة التي لا تلد والعاقر الذي
لا يلد قال عامر بن الطفيل
لبئس الفتى ان كنت أعور عاقرا * جبانا فما عذري لدى كل محضر
وقال أيضا لفظ الذكر فيه مثل لفظ الأنثى قال الثعلبي ولد يحيى وعمر زكريا مائة وعشرون سنة
وقيل تسعين وقيل اثنين وتسعين وقيل مائة الا سنتين وقيل الا سنة ثم أورد المصنف طرقا من
حديث الاسراء من رواية أنس عن مالك بن صعصعة والغرض منه ذكر يحيى بن زكريا وقال فيه
وفي عيسى بن مريم انهما ابنا خالة وزكريا هو ابن أدن ويقال ابن شبوي ويقال ابن بارخيا
ويقال ابن أبي ابن برخيا ومريم بنت عمران بن ناشي وهما من ذرية سليمان بن داود عليهما السلام
واسم أم مريم حنة بمهملة ونون بنت فاقود واسم أختها والدة يحيى ايشاع قال ابن إسحاق في
337

المبتدا كانت حنا عند عمران وأختها عند زكريا وكانت حنة أمسك عنها الولد ثم حملت بمريم
فمات عمران وهي حامل وروى ابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن بن القاسم سمعت مالك بن
أنس يقول بلغني أن عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا كان حملهما جميعا فبلغني أن أم يحيى قالت
لمريم اني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك قال مالك أراه لفضل عيسى على يحيى وقال الثعلبي ولد
يحيى قبل عيسى بستة أشهر واختلف في قوله وآتيناه الحكم صبيا فقيل نبئ وهو ابن تسع سنين
وقيل أقل من ذلك والمراد بالحكم الفهم في الدين قال ابن إسحاق كان زكريا وابنه آخر من بعث من
بني إسرائيل قبل عيسى وقال أيضا أراد بنو إسرائيل قتل زكريا ففر منهم فمر بشجرة فانفلقت له
فدخل فيها فالتأمت عليه فأخذ الشيطان بهدبة ثوبه فرأوها فوضعوا المنشار على الشجرة
فنشروها حتى قطعوه من وسطه في جوفها وأما يحيى فقتل بسبب امرأة أراد ملكهم أن
يتزوجها فقال له يحيى انها لا تحل لك لكونها كانت بنت امرأته فتوصلت إلى الملك حتى قتل
يحيى قال ابن إسحاق كان ذلك قبل أن يرفع عيسى وروى أصل هذه القصة الحاكم في المستدرك
من حديث عبد الله بن الزبير وروى أيضا من حديث ابن عباس أن دم يحيى كان يفور حتى قتل
عليه بختنصر من بني إسرائيل سبعين ألفا فسكن (قوله باب قول الله تعالى
واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا) وقوله (إذ قالت الملائكة يا مريم ان الله
يبشرك بكلمة) وقوله (ان الله اصطفى آدم ونوحا) هذه الترجمة معقودة لاخبار مريم عليها السلام
وقد قدمت شيئا من شأنها في الباب الذي قبله ومريم بالسريانية الخادم وسميت به والدة عيسى
فامتنع الصرف للتأنيث والعلمية ويقال ان مريم بلسان العرب من تكثر من زيارة الرجال من
النساء كالزير وهو من يكثر زيارة النساء واستشهد من زعم هذا بقول رؤبة
* قلت لزير لم تصله مريمه * حكاه أبو حيان في تفسير سورة البقرة وفيه نظر (قوله قال ابن
عباس وآل عمران المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد صلى الله عليه وسلم
يقولان ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهم المؤمنون) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن
أبي طلحة عنه وحاصله أن المراد بالاصطفاء بعض آل عمران وإن كان اللفظ عاما فالمراد به الخصوص
(قوله ويقال آل يعقوب أهل يعقوب إذا صغروا آل ردوه إلى الأصل قالوا أهيل) اختلف في آل
فقيل أصله أهل فقلبت الهاء همزة بدليل ظهور ذلك في التصغير هو يرد الأشياء إلى أصلها وهذا
قول سيبويه والجمهور وقيل أصله أول من آل يؤل إذا رجع لان الانسان يرجع إلى أهله فتحركت
الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وتصغيره على أويل (قوله عن الزهري قال حدثني سعيد بن
المسيب) كذا قال أكثر أصحاب الزهري وقال السدي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة
أخرجه الطبري (قوله ما من بني آدم مولود الا يمسه الشيطان حين يولد) في رواية سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة الماضية في باب صفة إبليس بيان المس المذكور ولفظه كل بني آدم يطعن الشيطان
في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب أي في المشيمة التي فيها
الولد قال القرطبي هذا الطعن من الشيطان هو ابتداء التسليط فحفظ الله مريم وابنها منه ببركة
دعوة أمها حيث قالت اني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ولم يكن لمريم ذرية غير عيسى
ووقع في رواية معمر عن الزهري عند مسلم الا نخسه الشيطان بنون وخاء معجمة ثم مهملة (قوله
338

فيستهل صارخا من مس الشيطان) في رواية معمر المذكورة من نخسة الشيطان أي سبب صراخ
الصبي أول ما يولد الألم من مس الشيطان إياه والاستهلال الصياح (قوله غير مريم وابنها) تقدم في
باب إبليس بذكر عيسى خاصة فيحتمل أن يكون هذا بالنسبة إلى المس وذاك بالنسبة إلى الطعن في
الجنب ويحتمل أن يكون ذاك قبل الاعلام بما زاد وفيه بعد لأنه حديث واحد وقد رواه خلاس
عن أبي هريرة بلفظ كل بني آدم قد طعن الشيطان فيه حين ولد غير عيسى وأمه جعل الله دون
الطعنة حجابا فأصاب الحجاب ولم يصبها والذي يظهر أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر
والزيادة من الحافظ مقبولة وأما قول بعضهم يحتمل أن يكون من العطف التفسيري والمقصود
الابن كقولك أعجبني زيد وكرمه فهو تعسف شديد (قوله ثم يقول أبو هريرة واني أعيذها بك
الخ) فيه بيان لان في رواية أبي صالح عن أبي هريرة ادراجا أن تلاوة الآية موقوفة على أبي هريرة
(قوله باب وإذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك الآية إلى قوله أيهم يكفل
مريم يقال يكفل يضم كفلها ضمها مخففة ليس من كفالة الديون وشبهها) أشار بقوله مخففة
إلى قراءة الجمهور وقرأها الكوفيون كفلها بالتشديد اي كفلها الله زكريا وفي قراءتهم زكريا
بالقصر الا أن أبا بكر بن عياش قرأه بالمد فاحتاج إلى أن يقرأ زكريا بفتح الهمزة وقال أبو عبيدة في
قولة تعالى وكفلها زكريا يقال كفلها بفتح الفاء وكسرها اي ضمها وفي قوله أيهم يكفل مريم أي
يضم انتهى وكسر الفاء هو في قراءة بعض التابعين واستدل بقوله تعالى ان الله اصطفاك على انها
كانت نبية وليس بصريح في ذلك وأيد بذكرها مع الأنبياء في صورة مريم ولا يمنع وصفها بأنها
صديقة فقد وصف يوسف بذلك وقد نقل عن الأشعري ان في النساء عدة نبيات وحصرهن ابن
حزم في ست حوا وسارة وهاجر وأم موسى وآسية ومريم وأسقط القرطبي سارة وهاجر ونقله
في التمهيد عن أكثر الفقهاء وقال القرطبي الصحيح ان مريم نبيه وقال عياض الجمهور على خلافه
ونقل النووي في الاذكار أن الامام نقل الاجماع على أن مريم ليست نبيه وعن الحسن ليس في
النساء نبيه ولا في الجن وقال السبكي الكبير لم يصح عندي في هذه المسئلة شئ ونقله السهيلي
في آخر الروض عن أكثر الفقهاء (قوله حدثنا النضر) هو ابن شميل وهشام هو ابن عروة بن الزبير
وعبد الله بن جعفر أي ابن أبي طالب قال الدارقطني رواه أصحاب هشام بن عروة عنه هكذا
وخالفهم ابن جريج وابن اسحق فروياه عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن
جعفر زاد في الاسناد عبد الله بن الزبير والصواب اسقاطه والله أعلم (قوله خير نسائها مريم) أي
نساء أهل الدنيا في زمانها وليس المراد أن مريم خير نسائها لأنه يصير كقولهم زيد أفضل اخوته
وقد صرحوا بمنعه فهو كما لو قيل فلان أفضل الدنيا وقد رواه النسائي من حديث ابن عباس بلفظ
أفضل نساء أهل الجنة فعلى هذا فالمعنى خير نساء أهل الجنة مريم وفي رواية خير نساء العالمين وهو
كقوله تعالى واصطفاك على نساء العالمين وظاهره ان مريم أفضل من جميع النساء وهذا لا يمتنع
عند من يقول إنها نبية وأما من قال ليست بنبية فيحمله على عالمي زمانها وبالأول جزم الزجاج
وجماعة واختاره القرطبي ويحتمل أيضا ان يراه نساء بني إسرائيل أو نساء تلك الأمة أو من فيه
مضمرة والمعنى انها من جملة النساء الفاضلات ويدفع ذلك حديث أبي موسى المتقدم بصيغة
الحصر انه لم يكمل من النساء غيرها وغير آسية (قوله وخير نسائها خديجة) اي نساء هذه الأمة قال
339

القاضي أبو بكر بن العربي خديجة أفضل نساء الأمة مطلقا لهذا الحديث وقد تقدم في آخر قصة
موسى حديث أبي موسى في ذكر مريم وآسية وهو يقتضي فضلهما على غيرهما من النساء ودل
هذا الحديث على أن مريم أفضل من آسية وان خديجة أفضل نساء هذه الأمة وكأنه لم يتعرض في
الحديث الأول لنساء هذه الأمة حيث قال ولم يكمل من النساء أي من نساء الأمم الماضية الا ان
حملنا الكمال على النبوة فيكون على اطلاقه وعند النسائي باسناد صحيح عن ابن عباس أفضل
نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية وعند الترمذي باسناد صحيح عن أنس حسبك من
نساء العالمين فذكرهن وللحاكم من حديث حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ملك
فبشره ان فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وسيأتي مزيد لذلك في ترجمة خديجة من مناقب الصحابة
(قوله باب قول الله تعالى إذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه
المسيح عيسى بن مريم) وقع في رواية أبي ذر بزيادة واو في أول هذه الآية وهو غلط وانما وقعت
الواو في أول الآية التي قبلها وأما هذه فبغير واو (قوله يبشرك ويبشرك واحد) يعني بفتح أوله
وسكون الموحدة وضم المعجمة وبضم أوله وفتح الموحدة وتشديد المعجمة والأولى وهي بالتخفيف
قراءة يحيى بن وثاب وحمزة والكسائي والبشير هو الذي يخبر المرء بما يسره من خير وقد يطلق في الشر
مجازا (قوله وجيها) أي (شريفا) قال أبو عبيدة الوجيه الذي يشرف وتوجهه الملوك أي تشرفه
وانتصب قوله وجيها على الحال (قوله وقال إبراهيم المسيح الصديق) وصله سفيان الثوري في
تفسيره رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود عنه عن منصور عن إبراهيم هو النخعي قال المسيح
الصديق قال الطبري مراد إبراهيم بذلك ان الله مسحه فطهره من الذنوب فهو فعيل بمعنى
مفعول (قلت) وهذا بخلاف تسمية الدجال المسيح فإنه فعيل بمعنى فاعل يقال إنه سمي بذلك
لكونه يمسح الأرض وقيل سمي بذلك لأنه ممسوح العين فهو بمعنى مفعول قيل في المسيح عيسى
أيضا انه مشتق من مسح الأرض لأنه لم يكن يستقر في مكان ويقال سمي بذلك لأنه كان لا يمسح
ذا عاهة الا برئ وقيل لأنه مسح بدهن البركة مسحه زكريا وقيل يحيى وقيل لأنه كان ممسوح
الأخمصين وقيل لأنه كان جميلا يقال مسحه الله اي خلقه خلقا حسنا ومنه قولهم به مسحة من
جمال وأغرب الداودي فقال لأنه كان يلبس المسوح (قوله وقال مجاهد الكهل الحليم) وصله
الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وكهلا ومن الصالحين قال الكهل الحليم انتهى
وقد قال أبو جعفر النحاس ان هذا لا يعرف في اللغة وانما الكهل عندهم من ناهز الأربعين أو
قاربها وقيل من جاوز الثلاثين وقيل ابن ثلاث وثلاثين انتهى والذي يظهر أن مجاهدا فسره
بلازمه الغالب لان الكهل غالبا يكون فيه وقار وسكينة وقد اختلف أهل العربية في قوله وكهلا
هل هو معطوف على قوله وجيها أو هو حال من الضمير في يكلم اي يكلمهم صغيرا وكهلا وعلى
الأول يتجه تفسير مجاهد (قوله الأكمه من يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل وقال غيره من يولد أعمى)
اما قول مجاهد فوصله الفريابي أيضا وهو قول شاذ تفرد به مجاهد والمعروف ان ذلك هو الأعشى
واما قول غيره قول الجمهور وبه جزم أبو عبيدة وأخرجه الطبري عن ابن عباس وروى عبد
ابن حميد من طريق سعيد عن قتادة كنا نتحدث ان الأكمه الذي يولد وهو مضموم العين ومن طريق
عكرمة الأكمه الأعمى وكذا رواه الطبري عن السدي وعن ابن عباس أيضا وعن الحسن
340

ونحوهم قال الطبري الأشبه بتفسير الآية قول قتادة لان علاج مثل ذلك لا يدعيه أحد والآية
سيقت لبيان معجزة عيسى عليه السلام فالأشبه ان يحمل المراد عليها ويكون أبلغ في اثبات
المعجزة والله أعلم ثم ذكر المصنف حديثين * أحدهما حديث أبي موسى الأشعري في فضل مريم
وآسية وقد تقدم شرحه في آخر قصة موسى عليه السلام * ثانيهما حديث أبي هريرة في فضل
نساء قريش (قوله وقال ابن وهب الخ) وصله مسلم عن حرملة عن ابن وهب وكذلك أخرجه
الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن حرملة وسيأتي للمصنف موصولا من وجه آخر عن ابن
وهب في النكاح قال القرطبي هذا تفضيل لنساء قريش على نساء العرب خاصة لانهم أصحاب
الإبل غالبا وسيأتي بقية شرحه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى (قوله أحناه) أشفقه حنى
يحنو ويحنى من الثلاثي وأحنى يحنى من الرباعي أشفق عليه وعطف والحانية التي تقوم بولدها بعد
موت الأب قال وحنت المرأة على ولدها إذا لم تتزوج بعد موت الأب قال ابن التين فان تزوجت
فليست بحانية قال الحسن الحانية التي لها ولد ولا تتزوج وفي بعض الكتب احنى بتشديد
النون والتنوين حكاه ابن التين وقال لعله مأخوذ من الحنان بفتح وتخفيف وهو الرحمة وحنت
المرأة إلى ولدها والى زوجها سواء كان بصوت أم لا ومن الذي بالصوت حنين الجذع وأصله ترجيع
صوت الناقة على اثر ولدها وكان القياس أحناهن لكن جرى لسان العرب بالافراد وقوله ولم
تركب مريم بعيرا قط إشارة إلى أن مريم لم تدخل في هذا التفضيل بل هو خاص بمن يركب الإبل
والفضل الوارد في خديجة وفاطمة وعائشة هو بالنسبة إلى جميع النساء الا من قيل إنها نبيه فان
ثبت في حق امرأة انها نبية فهي خارجة بالشرع لان درجة النبوة لا شئ بعدها وان لم يثبت فيحتاج
من يخرجهن إلى دليل خاص لكل منهن فأشار أبو هريرة إلى أن مريم لم تدخل في هذا العموم لأنه
قيد أصل الفضل بمن يركب الإبل ومريم لم تركب بعيرا قط وقد اعترض بعضهم فقال كأن أبا هريرة
ظن أن البعير لا يكون الا من الإبل وليس كما ظن بل يطلق البعير على الحمار قال ابن خالويه لم
تكن اخوة يوسف ركبانا إلى علي أحمرة ولم يكن عندهم ابل وانما كانت تحملهم في أسفارهم وغيرها
الاحمرة وكذا قال مجاهد هنا البعير الحمار وهي لغة حكاها الكواشي (3) واستدل بقوله اصطفاك
على نساء العالمين على انها كانت نبيه ويؤيده ذكرها في سورة مريم بمثل ما ذكر به الأنبياء ولا يمنع
وصفها بأنها صديقة فان يوسف وصف بذلك مع كونه نبيا وقد نقل عن الأشعري ان في النساء
نبيات وجزم ابن حزم بست حواء وسارة وهاجر وأم موسى وآسية ومريم ولم يذكر القرطبي سارة
ولا هاجر ونقله السهيلي في آخر الروض عن أكثر الفقهاء وقال القرطبي الصحيح ان مريم نبيه
وقال عياض الجمهور على خلافه وذكر النووي في الاذكار عن امام الحرمين انه نقل الاجماع على أن
مريم ليست نبيه ونسبه في شرح المهذب لجماعة وجاء عن الحسن البصري ليس في النساء نبيه
ولا في الجن وقال السبكي اختلف في هذه المسئلة ولم يصح عندي في ذلك شئ (قوله يقول أبو هريرة
على اثر ذلك ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط) في رواية لأحمد وأبي يعلى وقد علم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ان مريم لم تركب بعيرا قط أراد أبو هريرة بذلك أن مريم لم تدخل في النساء المذكورات
بالخيرية لأنه قيدهن بركوب الإبل ومريم لم تكن ممن يركب الإبل وكأنه كان يرى أنها أفضل
النساء مطلقا (قوله تابعه ابن أخي الزهري واسحق الكلبي عن الزهري) أما متابعة ابن أخي
341

الزهري وهو محمد بن عبد الله بن مسلم فوصلها أبو أحمد بن عدي في الكامل من طريق الدراوردي
عنه وأما متابعة اسحق الكلبي فوصلها الزهري في الزهريات عن يحيى بن صالح عنه (قوله
باب قوله تعالى يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم إلى وكيلا) قال عياض وقع في رواية
الأصيلي قل يا أهل الكتاب ولغيره بحذف قل وهو الصواب (قلت) هذا هو الصواب في هذه الآية
التي هي من سورة النساء لكن قد ثبت قل في الآية الأخرى في سورة المائدة قل يا أهل الكتاب
لا تغلوا في دينكم غير الحق الآية ولكن مراد المصنف آية سورة النساء بدليل ايراده لتفسير
بعض ما وقع فيها فالاعتراض متجه (قوله قال أبو عبيد كلمته كن فكان) هكذا في جميع الأصول
والمراد به أبو عبيد القاسم بن سلام ووقع نظيره في كلام أبي عبيدة معمر بن المثنى وفي تفسير
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله (قوله وقال غيره وروح منه أحياه فجعله روحا) هو قول أبي
عبيدة قال في قوله تعالى وكلمته ألقاها إلى مريم قوله كن فكان وروح منه الله تبارك وتعالى
أحياه فجعله روحا ولا تقولوا ثلاثة أي لا تقولوا هم ثلاثة (قوله ولا تقولوا ثلاثة) هو بقية الآية
التي فسرها أبو عبيدة (قوله عن الأوزاعي) في رواية الإسماعيلي من طريق علي بن المديني عن
الوليد حدثنا الأوزاعي (قوله عن عبادة) هو ابن الصامت في رواية ابن المديني المذكورة حدثني
عبادة وفي رواية مسلم عن جنادة حدثنا عبادة بن الصامت (قوله وان عيسى عبد الله ورسوله)
زاد ابن المديني في روايته وابن أمته قال القرطبي مقصود هذا الحديث التنبيه على ما وقع للنصارى
من الضلال في عيسى وأمه ويستفاد منه ما يلقنه النصراني إذا أسلم قال النووي هذا حديث
عظيم الموقع وهو من أجمع الأحاديث المشتملة على العقائد فإنه جمع فيه ما يخرج عنه جميع ملل
الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدهم وقال غيره في ذكر عيسى تعريض بالنصارى وايذان بان
ايمانهم مع قولهم بالتثليث شرك محض وكذا قوله عبده وفي ذكر رسوله تعريض باليهود في
انكارهم رسالته وقذفه بما هو منزه عنه وكذا أمه وفي قوله وابن أمته تشريف له وكذا تسميته
بالروح ووصفه بأنه منه كقوله تعالى وسخر لكم ما في السماوات و ما في الأرض جميعا منه فالمعنى انه
كائن منه كما أن معنى الآية الأخرى انه سخر هذه الأشياء كائنة منه أي انه مكون كل ذلك وموجده
بقدرته وحكمته وقوله وكلمته إشارة إلى أنه حجة الله على عباده أبدعه من غير أب وأنطقه في غير
أوانه وأحيى الموتى على يده وقيل سمي كلمة الله لأنه أوجده بقوله كن فلما كان بكلامه سمي به كما
يقال سيف الله وأسد الله وقيل لما قال في صغره اني عبد الله وأما تسميته بالروح فلما كان أقدره
عليه من احياء الموتى وقيل لكونه ذا روح وجد من غير جزء من ذي روح وقوله أدخله الله الجنة
من أي أبواب الجنة شاء (3) يقتضي دخوله الجنة وتخييره في الدخول من أبوابها وهو بخلاف ظاهر
حديث أبي هريرة الماضي في بدء الخلق فإنه يقتضي ان لكل داخل الجنة بابا معينا بدخل منه قال
ويجمع بينهما بأنه في الأصل مخير لكنه يرى أن الذي يختص به أفضل في حقه فيختاره فيدخله
مختارا لا مجبورا ولا ممنوعا من الدخول من غيره (قلت) ويحتمل أن يكون فاعل شاء هو الله والمعنى
أن الله يوفقه لعمل يدخله برحمة الله من الباب المعد لعامل ذلك العمل (قوله قال الوليد) هو ابن
مسلم وهو موصول بالاسناد المذكور وقد أخرجه مسلم عن داود بن رشيد عن الوليد بن مسلم عن
ابن جابر وحده به ولم يذكر الأوزاعي وأخرجه من وجه آخر عن الأوزاعي (قوله عن جنادة وزاد)
342

أي عن جنادة عن عبادة بالحديث المذكور وزاد في آخره وكذا أخرجه مسلم بالزيادة ولفظه
أدخله الله من اي أبواب الجنة الثمانية شاء وقد تقدمت الإشارة إليه في صفة الجنة من بدء الخلق
وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بدخول جميع الموحدين الجنة في كتاب الايمان بما أغنى عن
اعادته ومعنى قوله على ما كان من العمل أي من صلاح أو فساد لكن أهل التوحيد لا بد لهم من
دخول الجنة ويحتمل أن يكون معنى قوله على ما كان من العمل أي يدخل أهل الجنة الجنة على
حسب أعمال كل منهم في الدرجات * (تنبيه) * وقع في رواية الأوزاعي وحده فقال في آخره أدخله
الله الجنة على ما كان عليه من العمل بدل قوله في رواية ابن جابر من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء
وبينه مسلم في روايته وأخرج مسلم من هذا الحديث قطعة من طريق الصنابحي عن عبادة من
شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله حرم الله عليه النار وهو يؤيد ما سيأتي ذكره في الرقاق في
شرح حديث أبي ذر ان بعض الرواة يختصر الحديث وان المتعين على من يتكلم على الأحاديث
أن يجمع طرقها ثم يجمع ألفاظ المتون إذا صحت الطرق ويشرحها على أنه حديث واحد فان
الحديث أولى ما فسر بالحديث قال البيضاوي في قوله على ما كان عليه من العمل دليل على
المعتزلة من وجهين دعواهم أن العاصي يخلد في النار وأن من لم يتب يجب دخوله في النار لان قوله
على ما كان من العمل حال من قوله أدخله الله الجنة والعمل حينئذ غير حاصل ولا يتصور ذلك في
حق من مات قبل التوبة الا إذا أدخل الجنة قبل العقوبة وأما ما ثبت من لازم أحاديث الشفاعة
ان بعض العصاة يعذب ثم يخرج فيخص به هذا العموم والا فالجميع تحت الرجا كما أنهم تحت
الخوف وهذا معنى قول أهل السنة انهم في خطر المشيئة (قوله باب قول الله تعالى
واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها) هذا الباب معقود لاخبار عيسى عليه السلام
والأبواب التي قبله لاخبار أمه مريم وقد روى الطبري من طريق السدي قال أصاب مريم حيض
فخرجت من المسجد فأقامت شرقي المحراب (قوله فنبذناه ألقيناه) وصله الطبري من طريق علي
ابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى فنبذناه قال ألقيناه وقال أبو عبيدة في قوله إذ انتبذت
أي اعتزلت وتنحت (قوله اعتزلت شرقيا مما يلي الشرق) قال أبو عبيدة في قوله مكانا شرقيا مما
يلي الشرق وهو عند العرب خير من الغربي الذي يلي الغرب (قوله فأجاءها أفعلت من جئت
ويقال ألجأها اضطرها) قال أبو عبيدة في قوله فأجاءها المخاض مجازه أفعلها من جاءت وأجاءها
غيرها إليه يعني فهو من مزيد جاء قال زهير وجاء وسار متعمدا إليكم * أجاءته المخافة والرجاء
والمعنى ألجأته وقال الزمخشري ان اجاء منقول من جاء الا أن استعماله تغير بعد النقل إلى معنى
الالجاء (قوله تساقط تسقط) هو قول أبي عبيدة وضبط تسقط بضم أوله من الرباعي والفاعل
النخلة عند من قرأها بالمثناة أو الجذع عند من قرأها بالتحتانية (قوله قصيا قاصيا) هو تفسير مجاهد أخرجه الطبري عنه وقال أبو عبيدة في قوله مكانا قصيا أي بعيدا (قوله فريا عظيما) هو تفسير مجاهد وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه ومن طريق سعيد عن قتادة كذلك قال
أبو عبيدة في قوله لقد جئت شيئا فريا أي عجبا فائقا (قوله قال ابن عباس نسيا لم أكن شيا)
وصله ابن جرير من طريق ابن جريج أخبرني عطاء عن ابن عباس في قوله يا ليتني مت قبل هذا
343

وكنت نسيا منسيا اي لم أخلق ولم أكن شيئا (قوله وقال غيره النسي الحقير) هو قول السدي وقيل
هو ما سقط في منازل المرتحلين من رذالة أمتعتهم وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة
قال في قوله وكنت نسيا اي شيئا لا يذكر (قوله وقال أبو وائل علمت مريم ان التقي ذو نهية حين
قالت إن كنت تقيا) وصله عبد بن حميد من طريق عاصم قال قرأ أبو وائل اني أعوذ بالرحمن منك
ان كنت تقيا قال لقد علمت مريم ان التقي ذو نهية وقوله نهية بضم النون وسكون الهاء أي
ذو عقل وانتهاء عن فعل القبيح وأغرب من قال إنه اسم رجل يقال له تقي كان مشهورا بالفساد
فاستعاذت منه (قوله وقال وكيع عن إسرائيل الخ) ذكر خلف في الأطراف ان البخاري وصله
عن يحيى عن وكيع وان ذلك وقع في التفسير ولم نقف عليه في شئ من النسخ فلعله في رواية حماد
ابن شاكر عن البخاري (قوله سريا نهر صغير بالسريانية) كذا ذكره موقوفا من حديث البراء
معلقا وأورده الحاكم في المستدرك وابن أبي حاتم من طريق الثوري والطبري من طريق شعبة
كلاهما عن أبي إسحاق مثله وأخرجه ابن مردويه من طريق آدم عن إسرائيل به لكن لم يقل
بالسريانية وانما قال البراء السري الجدول وهو النهر الصغير وقد ذكر أبو عبيدة ان السري النهر
الصغير بالعربية أيضا وأنشد للبيد بن ربيعة
فرمى بها عرض السري فغادرا * مسجورة متجاوز أقلامها
والعرض بالضم الناحية وروى الطبري من طريق حصين عن عمرو بن ميمون قال السري الجدول
ومن طريق الحسن البصري قال السري هو عيسى وهذا شاذ وقد روى ابن مردويه في تفسيره
من حديث ابن عمر مرفوعا السري في هذه الآية نهر أخرجه الله لمريم لتشرب منه ثم ذكر المصنف
في الباب عشرة أحاديث * أولها حديث أبي هريرة في قصة جريج الراهب وغيره والغرض منه ذكر
الذين تكلموا في المهد وأورده في ترجمة عيسى لأنه أولهم (قوله لم يتكلم في المهد الا ثلاثة) قال
القرطبي في هذا الحصر نظر الا ان يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم الزيادة على
ذلك وفيه بعد ويحتمل أن يكون كلام الثلاثة المذكورين مقيدا بالمهد وكلام غيرهم من الأطفال
بغير مهد لكنه يعكر عليه ان في رواية ابن قتيبة ان الصبي الذي طرحته أمه في الأخدود كان ابن
سبعة أشهر وصرح بالمهد في حديث أبي هريرة وفيه تعقب على النووي في قوله إن صاحب
الأخدود لم يكن في المهد والسبب في قوله هذا ما وقع في حديث ابن عباس عند أحمد والبزار وابن
حبان والحاكم لم يتكلم في المهد الا أربعة فلم يذكر الثالث الذي هنا وذكر شاهد يوسف والصبي
الرضيع الذي قال لأمه وهي ماشطة بنت فرعون لما أراد فرعون القاء أمه في النار اصبري يا أمة
فانا على الحق وأخرج الحاكم نحوه من حديث أبي هريرة فيجتمع من هذا خمسة ووقع ذكر
شاهد يوسف أيضا في حديث عمران بن حصين لكنه موقوف وروى ابن أبي شيبة من مرسل
هلال بن يساف مثل حديث ابن عباس الا أنه لم يذكر ابن الماشطة وفي صحيح مسلم من حديث
صهيب في قصة أصحاب الأخدود أن امرأة جئ بها لتلقى في النار أو لتكفر ومعها صبي يرضع
فتقاعست فقال لها يا أمه اصبري فإنك على الحق وزعم الضحاك في تفسيره أن يحيى تكلم في المهد
أخرجه الثعلبي فان ثبت صاروا سبعة وذكر البغوي في تفسيره ان إبراهيم الخليل تكلم في المهد
وفي سير الواقدي ان النبي صلى الله عليه وسلم تكلم أوائل ما ولد وقد تكلم في زمن النبي صلى الله
344

عليه وسلم مبارك اليمامة وقصته في دلائل النبوة للبيهقي من حديث معرض بالضاد المعجمة والله
أعلم على أنه اختلف في شاهد يوسف فقيل كان صغيرا وهذا أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس
وسنده ضعيف وبه قال الحسن وسعيد بن جبير وأخرج عن ابن عباس أيضا ومجاهد أنه كان
ذا لحية وعن قتادة والحسن أيضا كان حكيما من أهلها (قوله وكان في بني إسرائيل رجل يقال
له جريج) بجيمين مصغر وقد روى حديثه عن أبي هريرة محمد بن سيرين كما هنا وتقدم في المظالم من
طريقه بهذا الاسناد والأعرج كما تقدم في أواخر الصلاة وأبو رافع وهو عند مسلم وأحمد وأبو سلمة
وهو عند أحمد ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي هريرة وعمران بن حصين وسأذكر ما في
رواية كل منهم من الفائدة وأول حديث أبي سلمة كان رجل في بني إسرائيل تاجرا وكان ينقص
مرة ويزيد أخرى فقال ما في هذه التجارة خير لألتمسن تجارة هي خير من هذه فبنى صومعة وترهب
فيها وكان يقال له جريج فذكر الحديث ودل ذلك على أنه كان بعد عيسى بن مريم وانه كان
من أتباعه لانهم الذين ابتدعوا الترهب وحبس النفس في الصوامع والصومعة بفتح المهملة
وسكون الواو هي البناء المرتفع المحدد أعلاه ووزنها فوعلة من صمعت إذا دققت لأنها دقيقة
الرأس (قوله جاءته أمه) في رواية الكشميهني فجاءته أمه وفي رواية أبي رافع كان جريج يتعبد في
صومعته فاتته أمه ولم أقف في شئ من الطرق على اسمها وفي حديث عمران بن حصين وكانت أمه
تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها فأتته يوما وهو في صلاته وفي رواية أبي رافع عند احمد فأتته
امه ذات يوم فنادته قالت أي جريج أشرف علي أكلمك أنا أمك (قوله فدعته فقال أجيبها أو
أصلي) زاد المصنف في المظالم بالاسناد الذي ذكره هنا فأبى ان يجيبها ومعنى قوله أمي وصلاتي اي
اجتمع علي إجابة أمي واتمام صلاتي فوفقني لأفضلهما وفي رواية أبي رافع فصادفته يصلي فوضعت
يدها على حاجبها فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فاختار صلاته فرجعت ثم اتته فصادفته
يصلي فقالت يا جريج انا أمك فكلمني فقال مثله فذكره وفي حديث عمران بن حصين انها جاءته
ثلاث مرات تناديه في كل مرة ثلاث مرات وفي رواية الأعرج عند الإسماعيلي فقال أمي
وصلاتي لرب أوثر صلاتي على أمي ذكره ثلاثا وكل ذلك محمول على أنه قاله في نفسه لا انه نطق به
ويحتمل ان يكون نطق به على ظاهره لان الكلام كان مباحا عندهم وكذلك كان في صدر الاسلام
وقد قدمت في أواخر الصلاة ذكر حديث يزيد بن حوشب عن أبيه رفعه لو كان جريج عالما لعلم
أن إجابة امه أولي من صلاته (قوله فقالت اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات) في رواية
الأعرج حتى ينظر في وجوه المياميس ومثله في رواية أبي سلمة وفي رواية أبي رافع حتى تريه
المومسة بالافراد وفي حديث عمران بن حصين فغضبت فقالت اللهم لا يموتن جريج حتى ينظر
في وجوه المومسات والمومسات جمع مومسة بضم الميم وسكون الواو وكسر الميم بعدها مهملة
وهي الزانية وتجمع على مواميس بالواو وجمع في الطريق المذكورة بالتحتانية وأنكره ابن
الخشاب أيضا ووجهه غيره كما تقدم في أواخر الصلاة وجوز صاحب المطالع فيه الهمزة بدل الياء
بل أثبتها رواية ووقع في رواية الأعرج فقالت أبيت أن تطلع إلي وجهك لا أماتك الله حتى تنظر في
وجهك زواني المدينة (قوله فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى فاتت راعيا فأمكنته من نفسها) في
رواية وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عند أحمد فذكر بنو إسرائيل عبادة جريج فقالت بغى منهم
345

ان شئتم لأفتننه قالوا قد شئنا فأتته فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأمكنت نفسها من راع كان
يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج ولم أقف على اسم هذه المرأة لكن في حديث عمران بن حصين
انها كانت بنت ملك القرية وفي رواية الأعرج وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم ونحوه
في رواية أبي رافع عند أحمد وفي رواية أبي سلمة وكان عند صومعته راعي ضأن وراعية معزى
ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأنها خرجت من دار أبيها بغير علم أهلها متنكرة وكانت تعمل
الفساد إلى أن ادعت انها تستطيع أن تفتن جريجا فاحتالت بان خرجت في صورة راعية ليمكنها
أن تأوي إلى ظل صومعته لتتوصل بذلك إلى فتنته (قوله فولدت غلاما) فيه حذف تقديره
فحملت حتى انقضت أيامها فولدت وكذا قوله فقالت من جريج فيه حذف تقديره فسئلت ممن
هذا فقالت من جريج وفي رواية أبي رافع التصريح بذلك ولفظه فقيل لها ممن هذا فقالت هو من
صاحب الدير وزاد في رواية أحمد فأخذت وكان من زنى منهم قتل فقيل لها ممن هذا قالت هو من
صاحب الصومعة زاد الأعرج نزل إلى من صومعته وفي رواية الأعرج فقيل لها من صاحبك
قالت جريج الراهب نزل إلي فأصابني زاد أبو سلمة في روايته فذهبوا إلى الملك فأخبروه قال
أدركوه فائتوني به (قوله فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه) وفي رواية أبي رافع فأقبلوا بفؤسهم
ومساحيهم إلى الدير فنادوه فلم يكلمهم فأقبلوا يهدمون ديره وفي حديث عمران فما شعر حتى سمع
بالفؤس في أصل صومعته فجعل يسألهم ويلكم مالكم فلم يجيبوه فلما رأى ذلك أخذ الحبل فتدلى
(قوله وسبوه) زاد أحمد عن وهب بن جرير وضربوه فقال ما شأنكم قالوا انك زنيت بهذه وفي
رواية أبي رافع عنده فقالوا أي جريج انزل فأبى يقبل على صلاته فأخذوا في هدم صومعته فلما
رأى ذلك نزل فجعلوا في عنقه وعنقها حبلا وجعلوا يطوفون بهما في الناس وفي رواية أبي سلمة
فقال له الملك ويحك يا جريج كنا نراك خير الناس فأحبلت هذه اذهبوا به فاصلبوه وفي حديث
عمران فجعلوا يضربونه ويقولون مراء تخادع الناس بعملك وفي رواية الأعرج فلما مروا به نحو
بيت الزواني خرجن ينظرن فتبسم فقالوا لم يضحك حتى مر بالزواني (قوله فتوضأ وصلى) وفي
رواية وهب بن جرير فقام وصلى ودعا وفي حديث عمران قال فتولوا عني فتولوا عنه فصلى ركعتين
(قوله ثم أتى الغلام فقال من أبوك يا غلام فقال الراعي) زاد في رواية وهب بن جرير فطعنه بإصبعه
فقال بالله يا غلام من أبوك فقال أنا ابن الراعي وفي مرسل الحسن عند ابن المبارك في البر والصلة
انه سألهم أن ينظروه فأنظروه فرأى في المنام من أمره ان يطعن في بطن المرأة فيقول أيتها
السخلة من أبوك ففعل فقال راعي الغنم وفي رواية أبي رافع ثم مسح رأس الصبي فقال من أبوك
قال راعي الضأن وفي روايته عند احمد فوضع إصبعه على بطنها وفي رواية أبي سلمة فأتى بالمرأة
والصبي وفمه في ثديها فقال له جريج يا غلام من أبوك فنزع الغلام فاه من الثدي وقال أبي راعي
الضأن وفي رواية الأعرج فلما أدخل على ملكهم قال جريج أين الصبي الذي ولدته فأتى به فقال
من أبوك قال فلان سمي أباه (قلت) ولم أقف على اسم الراعي ويقال ان اسمه صهيب وأما الابن
فتقدم في أواخر الصلاة بلفظ فقال يا أبا بوس وتقدم شرحه أواخر الصلاة وأنه ليس اسمه كما زعم
الداودي وانما المراد به الصغير وفي حديث عمران ثم انتهى إلى شجرة فأخذ منها غصنا ثم أتى
الغلام وهو في مهده فضربه بذلك الغصن فقال من أبوك ووقع في التنبيه لأبي الليث السمرقندي
346

بغير اسناد أنه قال للمرأة أين أصبتك قالت تحت شجرة فأتى تلك الشجرة فقال يا شجرة أسالك
بالذي خلقك من زنى بهذه المرأة فقال كل غصن منها راعي الغنم ويجمع بين هذا الاختلاف
بوقوع جميع ما ذكر بأنه مسح رأس الصبي ووضع إصبعه على بطن أمه وطعنه بإصبعه وضربه
بطرف العصا التي كانت معه وأبعد من جمع بينها بتعدد القصة وأنه استنطقه وهو في بطنها مرة
قبل أن تلد ثم استنطقه بعد ان ولد زاد في رواية وهب بن جرير فوثبوا إلى جريج فجعلوا يقبلونه
وزاد الأعرج في روايته فأبرأ الله جريجا وأعظم الناس أمر جريج وفي رواية أبي سلمة فسبح الناس
وعجبوا (قوله قالوا نبني صومعتك من ذهب قال لا الا من طين وفي رواية وهب بن جرير ابنوها
من طين كما كانت وفي رواية أبي رافع فقالوا نبني ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة قال لا ولكن
أعيدوه كما كان ففعلوا وفي نقل أبي الليث فقال له الملك نبنيها من ذهب قال لا قال من فضة قال
لا الا من طين زاد في رواية أبي سلمة فردوها فرجع في صومعته فقالوا له بالله مم ضحكت فقال
ما ضحكت الا من دعوة دعتها على أمي وفي الحديث ايثار إجابة الام على صلاة التطوع لان
الاستمرار فيها نافلة وإجابة الام وبرها واجب قال النووي وغيره انما دعت عليه فأجيبت لأنه
كان يمكنه أن يخفف ويجيبها لكن لعله خشي أن تدعوه إلى مفارقة صومعته والعود إلى الدنيا
وتعلقاتها كذا قال النووي وفيه نظر لما تقدم من أنها كانت تأتيه فيكلمها والظاهر أنها كانت
تشتاق إليه فتزوره وتقتنع برؤيته وتكليمه وكأنه انما لم يخفف ثم يجيبها لأنه خشي أن ينقطع
خشوعه وقد تقدم في أواخر الصلاة من حديث يزيد بن حوشب عن أبيه ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال لو كان جريج فقيها لعلم ان إجابة أمه أولى من عبادة ربه أخرجه الحسن بن سفيان وهذا
إذا حمل على اطلاقه استفيد منه جواز قطع الصلاة مطلقا لإجابة نداء الام نفلا كانت أو فرضا وهو
وجه في مذهب الشافعي حكاه الروياني وقال النووي تبعا لغيره هذا محمول على أنه كان مباحا في
شرعهم وفيه نظر قدمته في أواخر الصلاة والأصح عند الشافعية ان الصلاة إن كانت نفلا وعلم
تأذى الوالد بالترك وجبت الإجابة والا فلا وإن كانت فرضا وضاق الوقت لم تجب الإجابة وان لم
يضق وجب عند امام الحرمين وخالفه غيره لأنها تلزم بالشروع وعند المالكية أن إجابة الوالد في
النافلة أفضل من التمادي فيها وحكى القاضي أبو الوليد أن ذلك يختص بالام دون الأب وعند
ابن أبي شيبة من مرسل محمد بن المنكدر ما يشهد له وقال به مكحول وقيل إنه لم يقل به من السلف
غيره وفي الحديث أيضا عظم بر الوالدين وإجابة دعائهما ولو كان الولد معذورا لكن يختلف الحال
في ذلك بحسب المقاصد وفيه الرفق بالتابع إذا جرى منه ما يقتضي التأديب لان أم جريج مع
غضبها منه لم تدع عليه الا بما دعت به خاصة ولولا طلبها الرفق به لدعت عليه بوقوع الفاحشة أو
القتل وفيه ان صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن وفيه قوة يقين جريج المذكور وصحة رجائه
لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق ولولا صحة رجائه بنطقه ما استنطقه وفيه أن
الامرين إذا تعارضا بدئ بأهمهما وان الله يجعل لأوليائه عند ابتلائهم مخارج وانما يتأخر ذلك
عن بعضهم في بعض الأوقات تهذيبا وزيادة لهم في الثواب وفيه اثبات كرامات الأولياء ووقوع
الكرامة لهم باختيارهم وطلبهم وقال ابن بطال يحتمل أن يكون جريج كان نبيا فتكون معجزة
كذا قال وهذا الاحتمال لا يتأتى في حق المرأة التي كلمها ولدها المرضع كما في بقية الحديث وفيه
347

جواز الاخذ بالأشد في العبادة لمن علم من نفسه قوة على ذلك واستدل به بعضهم على أن بني إسرائيل
كان من شرعهم أن المرأة تصدق فيما تدعيه على الرجال من الوطئ ويلحق به الولد وأنه
لا ينفعه جحد ذلك الا بحجة تدفع قولها وفيه أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة وان المفزع في
الأمور المهمة إلى الله يكون بالتوجه إليه في الصلاة واستدل بعض المالكية بقول جريج من
أبوك يا غلام بأن من زنى بامرأة فولدت بنتا لا يحل له التزوج بتلك البنت خلافا للشافعية ولان
الماجشون من المالكية ووجه الدلالة أن جريجا نسب ابن الزنا للزاني وصدق الله نسبته بما
خرق له من العادة في نطق المولود بشهادته له بذلك وقوله أبي فلان الراعي فكانت تلك النسبة
صحيحة فيلزم أن يجري بينهما أحكام الأبوة والبنوة خرج التوارث والولاء بدليل فبقي ما عدا ذلك
على حكمة وفيه أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة خلافا لمن زعم ذلك وانما الذي يختص بها الغرة
والتحجيل في الآخرة وقد تقدم في قصة إبراهيم أيضا مثل ذلك في خبر سارة مع الجبار والله أعلم
(قوله وكانت امرأة) بالرفع ولم أقف على اسمها ولا على اسم ابنها ولا على اسم أحد ممن ذكر في القصة
المذكورة (قوله إذ مر بها راكب) وفي رواية خلاس عن أبي هريرة عند أحمد فارس متكبر
(قوله ذو شارة) بالشين المعجمة اي صاحب حسن وقيل صاحب هيئة ومنظر وملبس حسن يتعجب
منه ويشار إليه وفي رواية خلاس ذو شارة حسنة (قوله قال أبو هريرة كأني انظر) هو موصول
بالاسناد المذكور وفيه المبالغة في ايضاح الخبر بتمثيله بالفعل (قوله ثم مر) بضم الميم على البناء
للمجهول (قوله بأمة) زاد أحمد عن وهب بن جرير تضرب وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة
الآتية في ذكر بني إسرائيل تجرر ويلعب بها وهي بجيم مفتوحة بعدها راء ثقيلة ثم راء أخرى
(قوله فقالت له ذلك) أي سألت الام ابنها عن سبب كلامه (قوله قال الراكب جبار) في رواية
أحمد فقال يا أمتاه اما الراكب ذو الشارة فجبار من الجبابرة وفي رواية الأعرج فإنه كافر (قوله
يقولون سرقت زنيت) بكسر المثناة فيهما على المخاطبة وبسكونها على الخبر (قوله ولم تفعل) في
رواية أحمد يقولون سرقت ولم تسرق زنيت ولم تزن وهي تقول حسبي الله وفي رواية الأعرج
يقولون لها تزني وتقول حسبي الله ويقولون لها تسرقى وتقول حسبي الله ووقع في رواية خلاس
المذكورة أنها كانت حبشية أو زنجية وأنها ماتت فجروها حتى ألقوها وهذا معنى قوله في
رواية الأعرج تجرر وفي الحديث أن نفوس أهل الدنيا تقف مع الخيال الظاهر فتخاف سوء
الحال بخلاف أهل التحقيق فوقوفهم مع الحقيقة الباطنة فلا يبالون بذلك مع حسن السريرة
كما قال تعالى حكاية عن أصحاب قارون حيث خرج عليهم يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون وقال
الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير وفيه ان البشر طبعوا على ايثار الأولاد على الأنفس بالخير
لطلب المرأة الخير لابنها ودفع الشر عنه ولم تذكر نفسها * الحديث الثاني حديث أبي هريرة في
ذكر موسى وعيسى وقد تقدم في قصة موسى من هذا الوجه لكن زاد هنا اسنادا آخر فقال حدثنا
محمود وهو ابن غيلان عن عبد الرزاق وساقه على لفظه وكان ساقه هناك على لفظ هشام بن
يوسف وقوله في هذه الرواية فإذا رجل حسبته قال مضطرب القائل حسبته هو عبد الرزاق
والمضطرب الطويل غير الشديد وقيل الخفيف اللحم وتقدم في رواية هشام بلفظ ضرب وفسر
بالنحيف ولا منافاة بينهما وقال ابن التين هذا الوصف مغاير لقوله بعد هذا انه جسيم يعني في الرواية
348

التي بعد هذه وقال والذي وقع نعته بأنه جسيم انما هو الدجال وقال عياض رواية من قال ضري
أصح من رواية من قال مضطرب لما فيها من الشك قال وقد وقع في الرواية الأخرى جسيم وهو
ضد الضرب الا أن يراد بالجسيم الزيادة في الطول وقال التيمي لعل بعض لفظ هذا الحديث دخل
في بعض لان الجسيم نما ورد في صفة الدجال لا في صفة موسى انتهى والذي يتعين المصير إليه
ما جوزه عياض أن المراد بالجسيم في صفة موسى الزيادة في الطول ويؤيده قوله في الرواية التي
بعد هذه كأنه من رجال الزط وهم طوال غير غلاظ ووقع في حديث الاسراء وهو في بدء الخلق
رأيت موسى جعدا طوالا واستنكره الداودي فقال لا أراه محفوظا لان الطويل لا يوصف بالجعد
وتعقب بأنهما لا يتنافيان وقال النووي الجعودة في صفة موسى جعودة الجسم وهو اكتنازه
واجتماعه لا جعودة الشعر لأنه جاء انه كان رجل الشعر (قوله في صفة عيسى ربعة) هو بفتح الراء
وسكون الموحدة ويجوز فتحها وهو المربوع والمراد أنه ليس بطويل جدا ولا قصير جدا بل وسط
وقوله من ديماس هو بكسر المهملة وسكون التحتانية وآخره مهملة (قوله يعني الحمام) هو تفسير
عبد الرزاق ولم يقع ذلك في رواية هشام والديماس في اللغة السرب ويطلق أيضا على الكن
والحمام من جملة الكن والمراد من ذلك وصفه بصفاء اللون ونضارة الجسم وكثرة ماء الوجه حتى
كأنه كان في موضع كن فخرج منه وهو عرقان وسيأتي في رواية ابن عمر بعد هذا ينطف رأسه ماء
وهو محتمل لأن يراد الحقيقة وانه عرق حتى قطر الماء من رأسه ويحتمل أن يكون كناية عن مزيد
نضارة وجهه ويؤيده أن في رواية عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة عند أحمد وأبي داود يقطر رأسه
ماء وان لم يصبه بلل (قوله وأتيت بإناءين) يأتي الكلام عليه في الكلام على الاسراء في السيرة
النبوية إن شاء الله تعالى * الحديث الثالث (قوله أخبرنا عثمان بن المغيرة) هو الثقفي مولاهم
الكوفي ويقال له عثمان بن أبي زرعة وهو ثقة من صغار التابعين وليس له في البخاري غير هذا
الحديث الواحد (قوله عن ابن عمر) كذا وقع في جميع الروايات التي وقعت لنا من نسخ البخاري
وقد تعقبه أبو ذر في روايته فقال كذا وقع في جميع الروايات المسموعة عن الفربري مجاهد عن ابن
عمر قال ولا أدري أهكذا حدث به البخاري أو غلط فيه الفربري لاني رأيته في جميع الطرق عن
محمد بن كثير وغيره عن مجاهد عن ابن عباس ثم ساقه باسناده إلى حنبل بن إسحاق قال حدثنا محمد
ابن كثير وقال فيه ابن عباس قال وكذا رواه عثمان بن سعيد الدارمي عن محمد بن كثير قال وتابعه
نصر بن علي عن أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل وكذا رواه يحيى بن زكريا به أبي زائدة عن
إسرائيل انتهى وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عن الطبراني عن أحمد بن مسلم الخزاعي عن محمد بن
كثير وقال رواه البخاري عن محمد بن كثير فقال مجاهد عن ابن عمر ثم ساقه من طريق نصر بن علي
عن أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل فقال ابن عباس انتهى وأخرجه ابن منده في كتاب الايمان
من طريق محمد بن أيوب بن الضريس وموسى بن سعيد الدنداني كلاهما عن محمد بن كثير فقال فيه
ابن عباس ثم قال قال البخاري عن محمد بن كثير عن ابن عمر والصواب عن ابن عباس وقال
أبو مسعود في الأطراف انما رواه الناس عن محمد بن كثير فقال مجاهد عن ابن عباس ووقع في
البخاري في سائر النسخ مجاهد عن ابن عمر وهو غلط قال وقد رواه أصحاب إسرائيل منهم يحيى بن
أبي زائدة وإسحاق بن منصور والنضر بن شميل وآدم بن أبي اياس وغيرهم عن إسرائيل فقالوا ابن
349

عباس قال وكذلك رواه ابن عون عن مجاهد عن ابن عباس انتهى ورواية ابن عون تقدمت في
ترجمة إبراهيم عليه السلام ولكن لا ذكر لعيسى عليه السلام فيها وأخرجها مسلم عن شيخ البخاري
فيها وليس فيها لعيسى ذكر انما فيها ذكر إبراهيم وموسى حسب وقال محمد بن إسماعيل التيمي ويقع
في خاطري أن الوهم فيه من غير البخاري فان الإسماعيلي أخرجه من طريق نصر بن علي عن أبي
أحمد وقال فيه عن ابن عباس ولم ينبه على أن البخاري قال فيه عن ابن عمر فلو كان وقع له كذلك
لنبه عليه كعادته والذي يرجح أن الحديث لابن عباس لا لابن عمر ما سيأتي من انكار ابن عمر على
من قال إن عيسى أحمر وحلفه على ذلك وفي رواية مجاهد هذه فأما عيسى فاحمر جعد فهذا يؤيد
أن الحديث لمجاهد عن ابن عباس لا عن ابن عمر والله أعلم (قوله سبط) بفتح المهملة وكسر
الموحدة أي ليس بجعد وهذا نعت لشعر رأسه (قوله كأنه مرجال الزط) بضم الزاي وتشديد
المهملة جنس من السودان وقيل هم نوع من الهنود وهم طوال الأجسام مع نحافة فيها وقد زعم
ابن التين ان قوله في صفة موسى جسيم مخالف لقوله في الرواية الأخرى في ترجمته ضرب من
الرجال أي خفيف اللحم قال فلعل راوي الحديث دخل له بعض لفظه في بعض لان الجسيم ورد في
صفة الدجال وأجيب بأنه لا مانع أن يكون مع كونه خفيف اللحم جسيما بالنسبة لطوله فلو كان غير
طويل لأجتمع لحمه وكان جسيما * الحديث الرابع حديث ابن عمر في ذكر عيسى والدجال أورده من
طريق نافع عنه من وجهين موصولة ومعلقة ومن طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه (قوله
حدثنا موسى) هو ابن عقبة (قوله بين ظهراني) بفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء بلفظ التثنية أي
جالسا في وسط الناس والمراد أنه جلس بينهم مستظهرا لا مستخفيا وزيدت فيه الألف والنون
تأكيدا أو معناه أن ظهرا منه قدامة وظهرا خلفه وكأنهم حفوا به من جانبيه فهذا أصله ثم كثر
حتى استعمل في الإقامة بين قوم مطلقا ولهذا زعم بعضهم أن لفظة ظهراني في هذا الموضع زائدة
(قوله الا أن المسيح الدجال أعور العين اليمني كأن عينه عنبة طافية) أي بارزة وهو من طفا الشئ
يطفو بغير همزة إذا علا على غيره وشبهها بالعنبة التي تقع في العنقود بارزة عن نظائرها وسيأتي بسط
ذلك في كتاب الفتن (قوله وأراني) بفتح الهمزة ذكر بلفظ المضارع مبالغة في استحضار صورة الحال
(قوله آدم) بالمد اي أسمر (قوله كأحسن ما يرى) في رواية مالك عن نافع الآتية في كتاب اللباس
كأحسن ما أنت راء (قوله تضرب لمته) بكسر اللام أي شعر رأسه ويقال له إذا جاوز شحمة
الاذنين وألم بالمنكبين لمة وإذا جاوزت المنكبين فهي جمة وإذا قصرت عنهما فهي وفرة (قوله رجل
الشعر) بكسر الجيم أي قد سرحه ودهنه وفي رواية مالك له لمة قد رجلها فهي تقطر ماء وقد تقدم
أنه يحتمل أن يريد أنها تقطر من الماء الذي سرحها به أو ان المراد الاستنارة وكنى بذلك عن مزيد
النظافة والنضارة ووقع في رواية سالم الآتية في نعت عيسى أنه آدم سبط الشعر وفي الحديث
الذي قبله في نعت عيسى أنه جعد والجعد ضد السبط فيمكن أن يجمع بينهما بأنه سبط الشعر
ووصفه بالجعودة في جسمه لا شعره والمراد بذلك اجتماعه واكتنازه وهذا الاختلاف نظير
الاختلاف في كونه آدم أو احمر والأحمر عند العرب الشديد البياض مع الحمرة والآدم الأسمر
ويمكن الجمع بين الوصفين بأنه احمر لونه بسبب كالتعب وهو في الأصل أسمر وقد وافق أبو هريرة على
أن عيسى أحمر فظهر ان ابن عمر أنكر شيئا حفظه غيره وأما قول الداودي ان رواية من قال آدم
350

أثبت فلا أدري من أين وقع له ذلك مع اتفاق أبي هريرة وابن عباس على مخالفة ابن عمر وقد وقع في
رواية عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة في نعت عيسى انه مربوع إلى الحمرة والبياض والله أعلم
(قوله واضعا يديه على منكبي رجلين) لم أقف على اسمهما وفي رواية مالك متكئا على عواتق
رجلين والعواتق جمع عاتق وهو ما بين المنكب والعنق (قوله قططا) بفتح القاف والمهملة
بعدها مثلها هذا هو المشهور وقد تكسر الطاء الأولى والمراد به شدة جعودة الشعر ويطلق في
وصف الرجل ويراد به الذم يقال جعد اليدين وجعد الأصابع أي بخيل ويطلق على القصير أيضا
وأما إذا أطلق في الشعر فيحتمل الذم والمدح (قوله كأشبه من رأيت بابن قطن) بفتح القاف
والمهملة يأتي في الطريق التي تلي هذه (قوله تابعه عبيد الله) يعني ابن عمر العمري (عن نافع)
أي عن ابن عمر وروايته وصلها أحمد ومسلم من طريق أبي أسامة ومحمد بن بشر جميعا عن عبد الله
ابن عمر في ذكر المسيح الدجال فقط إلى قوله عنبة طافية ولم يذكر ما بعده وهذا يشعر بأنه يطلق
المتابعة ويريد أصل الحديث لا جميع ما اشتمل عليه (قوله حدثنا أحمد بن محمد المكي) هو
الأزرقي واسم جده الوليد بن عقبة ووهم من قال إنه القواس واسم جد القواس عون (قوله
عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (قوله لا والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر)
اللام في قوله لعيسى بمعنى عن وهي كقوله تعالى وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا
ما سبقونا إليه وقد تقدم بيان الجمع بين ما أنكره ابن عمر وأثبته غيره وفيه جواز اليمين على غلبة
الظن لان ابن عمر ظن أن الوصف اشتبه على الراوي وأن الموصوف بكونه أحمر انما هو الدجال
لا عيسى وقرب ذلك أن كلا منهما يقال له المسيح وهي صفة مدح لعيسى وصفة ذم للدجال كما تقدم
وكان ابن عمر قد سمع سماعا جزما في وصف عيسى انه آدم فساغ له الحلف على ذلك لما غلب على
ظنه أن من وصفه بأنه أحمر وأهم (بينا أنا نائم أطوف بالكعبة) هذا يدل على أن رؤيته
للأنبياء في هذه المرة غير المرة التي تقدمت في حديث أبي هريرة فان تلك كانت ليلة الاسراء وإن كان
قد قيل في الاسراء ان جميعه منام لكن الصحيح انه كان في اليقظة وقيل كان مرتين أو مرارا كما
سيأتي في مكانه ومثله ما أخرجه أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه ليلة أسري بي وضعت قدمي
حيث يضع الأنبياء أقدامهم من بيت المقدس فعرض على عيسى بن مريم الحديث قال عياض
رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء على ما ذكر في هذه الأحاديث إن كان مناما فلا اشكال فيه
وإن كان في اليقظة ففيه اشكال وقد تقدم في الحج ويأتي في اللباس من رواية ابن عون عن مجاهد
عن ابن عباس في حديث الباب من الزيادة وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم
بخلبة كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي وهذا مما يزيد الاشكال وقد قيل عن ذلك أجوبة
* أحدها أن الأنبياء أفضل من الشهداء والشهداء أحياء عند ربهم فكذلك الأنبياء فلا يبعد أن
يصلوا ويحجوا ويتقربوا إلى الله بما استطاعوا ما دامت الدنيا وهي دار تكليف باقية * ثانيها
انه صلى الله عليه وسلم أرى حالهم التي كانوا في حياتهم عليها فمثلوا له كيف كانوا وكيف كان حجهم
وتلبيتهم ولهذا قال أيضا في رواية أبي العالية عن ابن عباس عند مسلم كأني انظر إلى موسى
وكأني انظر إلى يونس * ثالثها أن يكون أخبر عما أوحي إليه صلى الله عليه وسلم من أمرهم وما
كان منهم فلهذا أدخل حرف التشبيه في الرواية وحيث أطلقها فهي محمولة على ذلك والله أعلم
351

وقد جمع البيهقي كتابا لطيفا في حياة الأنبياء في قبورهم أورد فيه حديث أنس الأنبياء احياء في
قبورهم يصلون أخرجه من طريق يحيى بن أبي كثير وهو من رجال الصحيح عن المستلم بن سعيد وقد
وثقه أحمد وابن حبان عن الحجاج الأسود وهو ابن أبي زياد البصري وقد وثقه أحمد وابن معين عن
ثابت عنه وأخرجه أيضا أبو يعلى في مسنده من هذا الوجه وأخرجه البزار لكن وقع عنده عن
حجاج الصواف وهو وهم والصواب الحجاج الأسود كما وقع التصريح به في رواية البيهقي وصححه
البيهقي وأخرجه أيضا من طريق الحسن بن قتيبة عن المستلم وكذلك أخرجه البزار وابن عدي
والحسن بن قتيبة ضعيف وأخرجه البيهقي أيضا من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
أحد فقهاء الكوفة عن ثابت بلفظ آخر قال إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين
ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور ومحمد سئ الحفظ وذكر الغزالي ثم الرافعي
حديثا مرفوعا أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث ولا أصل له الا أن أخذ من رواية
ابن أبي ليلى هذه وليس الاخذ بجيد لان رواية ابن أبي ليلى قابلة للتأويل قال البيهقي ان صح
فالمراد أنهم لا يتركون يصلون الا هذا المقدار ثم يكونون مصلين بين يدي الله قال البيهقي وشاهد
الحديث الأول ما ثبت في صحيح مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رفعه مررت بموسى
ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره وأخرجه أيضا من وجه آخر عن أنس
فان قيل هذا خاص بموسى قلنا قد وجدنا له شاهدا من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم أيضا
من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني
عن مسراي الحديث وفيه وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل
ضرب جعد كأنه 3 وفيه وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود وإذا
إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم فحانت الصلاة فأممتهم قال البيهقي وفي حديث سعيد
ابن المسيب عن أبي هريرة أنه لقيهم ببيت المقدس فحضرت الصلاة فأمهم نبينا صلى الله عليه
وسلم ثم اجتمعوا في بيت المقدس وفي حديث أبي ذر ومالك بن صعصعة في قصة الاسراء أنه لقيهم
بالسموات وطرق ذلك صحيحة فيحمل على أنه رأى موسى قائما يصلي في قبره ثم عرج به هو ومن ذكر
من الأنبياء إلى السماوات فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم اجتمعوا في بيت المقدس فحضرت
الصلاة فامهم نبينا صلى الله عليه وسلم قال وصلاتهم في أوقات مختلفة وفي أماكن مختلفة لا يرده
العقل وقد ثبت به النقل فدل ذلك على حياتهم (قلت) وإذا ثبت أنهم أحياء من حيث النقل فإنه
يقويه من حيث النظر كون الشهداء أحياء بنص القرآن والأنبياء أفضل من الشهداء ومن
شواهد الحديث ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رفعه وقال فيه وصلوا علي فان
صلاتكم تبلغني حيث كنتم سنده صحيح وأخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب بسند جيد بلفظ من
صلى على عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا بلغته وعند أبي داود والنسائي وصححه ابن خزيمة
وغيره عن أوس بن أوس رفعه في فضل يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فان صلاتكم
معروضة علي قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت قال إن الله حرم على
الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ومما يشكل على ما تقدم ما أخرجه أبو داود من وجه آخر عن
أبي هريرة رفعه ما من أحد يسلم علي الا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ورواته ثقات
ووجه الاشكال فيه أن ظاهره أن عود الروح إلى الجسد يقتضي انفصالها عنه وهو الموت
352

وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة * أحدها أن المراد بقوله رد الله علي روحي ان رد روحه كانت
سابقة عقب دفنه لا أنها تعاد ثم تنزع ثم تعاد * الثاني سلمنا لكن ليس هو نزع موت بل لا مشقة
فيه * الثالث أن المراد بالروح الملك الموكل بذلك * الرابع المراد بالروح النطق فتجوز فيه من
جهة خطابنا بما نفهمه * الخامس انه يستغرق في أمور الملا الاعلى فإذا سلم عليه رجع إليه فهمه
ليجيب من سلم عليه وقد استشكل ذلك من جهة أخر وهو أنه يستلزم استغراق الزمن كله في
ذلك لاتصال الصلاة والسلام عليه في أقطار الأرض ممن لا يحصي كثرة وأجيب بأن أمور الآخرة
لا تدرك بالعقل وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة والله أعلم (قوله سبط الشعر) تقدم
ما فيه (قوله يهادي) أي يمشي متمايلا بينهما (قوله ينطف) بكسر الطاء المهملة اي يقطر ومنه
النطفة كذا قال الداودي وقال غيره النطفة الماء الصافي وقوله أو يهراق وهو شك من الراوي
(قوله أعور عينه اليمنى) كذا هو بالإضافة وعينه بالجر للأكثر وهو من إضافة الموصوف إلى
صفته وهو جائز عند الكوفيين وتقديره عند البصريين عين صفحة وجهه اليمني ورواه الأصيلي
عينه بالرفع كأنه وقف على وصفه انه أعور وابتدأ الخبر عن صفة عينه فقال عينه كأنها كذا
وأبرز الضمير وفيه نظر لأنه يصير كأنه قال عينه كأن عينه ويحتمل أن يكون رفع على البدل
من الضمير في أعور الراجع على الموصوف وهو بدل بعض من كل وقال السهيلي لا يجوز أن
يرتفع بالصفة كما ترفع الصفة المشبهة باسم الفاعل لان أعور لا يكون نعتا الا لمذكر ويجوز أن
تكون عينه مرتفعة بالابتداء وما بعدها الخبر وقوله كأن عنبة طافية بالنصب على اسم كأن
والخبر مقدر محذوف تقديره كأن في وجهه وشاهده قول الشاعر * ان محلا وان مرتحلا *
أي أن لنا محلا وأن لنا مرتحلا قوله كأن عنبة طافية كذا للكشميهني ولغيره كان عينه عنبة
طافية وقد تقدم ضبطه قبل (قوله وأقرب الناس به شبها ابن قطن قال الزهري) أي بالاسناد
المذكور (رجل) أي ابن قطن (من خزاعة هلك في الجاهلية) (قلت) اسمه عبد العزى بن قطن بن
عمرو بن جندب بن سعيد بن عائد بن مالك بن المصطلق وأمه هالة بنت خويلد أفاده الدمياطي قال
وقال ذلك أيضا عن أكتم بن أبي الجون وانه قال يا رسول الله هل يضرني شبهه قال لا أنت مسلم
وهو كافر حكاه عن ابن سعد والمعروف في الذي شبه به صلى الله عليه وسلم أكتم بن عمرو بن لحي
جد خزاعة لا الدجال كذلك أخرجه أحمد وغيره وفيه دلالة على أن قوله صلى الله عليه وسلم ان
الدجال لا يدخل المدينة ولا مكة أي في زمن خروجه ولم يرد بذلك نفي دخوله في الزمن الماضي
والله أعلم * الحديث الخامس حديث أبي هريرة في ذكر عيسى بن مريم أورده من ثلاثة طرق
طريقين موصولين وطريقة معلقة (قوله أنا أولى الناس بابن مريم) في رواية عبد الرحمن بن
أبي عمرة عن أبي هريرة بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة أي أخص الناس به وأقربهم إليه لأنه
بشر بأنه يأتي من بعده قال الكرماني التوفيق بين هذا الحديث وبين قوله تعالى ان أولى
الناس بإبراهيم الذين اتبعوه وهذا النبي أن الحديث وارد في كونه صلى الله عليه وسلم متبوعا
والآية واردة في كونه تابعا كذا قال ومساق الحديث كمساق الآية فلا دليل على هذه التفرقة
والحق أنه لا منافاة ليحتاج إلى الجمع فكما أنه أولى الناس بإبراهيم كذلك هو أولى الناس بعيسى
ذاك من جهة قوة الاقتداء به وهذا من جهة قوة قرب العهد به (قوله والأنبياء أولاد علات) في
353

رواية عبد الرحمن المذكورة والأنبياء اخوة لعلات والعلات بفتح المهملة الضرائر وأصله أن من
تزوج امرأة ثم تزوج أخرى كأنه عل منها والعلل الشرب بعد الشرب وأولاد العلات الاخوة
من الأب وأمهاتهم شتى وقد بينه في رواية عبد الرحمن فقال أمهاتهم شتى ودينهم واحد وهو من
باب التفسير كقوله تعالى ان الانسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا
ومعنى الحديث أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد وان اختلفت فروع الشرائع وقيل المراد
أن أزمنتهم مختلفة (قوله ليس بيني وبينه نبي) هذا أورده كالشاهد لقوله انه أقرب الناس إليه
ووقع في رواية عبد الرحمن بن آدم وأنا أولى الناس بعيسى لأنه لم يكن بيني وبينه نبي واستدل به
على أنه لم يبعث بعد عيسى أحد الا نبينا صلى الله عليه وسلم وفيه نظر لأنه ورد أن الرسل الثلاثة
الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية المذكورة قصتهم في سورة يس كانوا من أتباع عيسى وان جرجيس
وخالد بن سنان كانا نبيين وكانا بعد عيسى والجواب ان هذا الحديث يضعف ما ورد من ذلك فإنه
صحيح بلا تردد وفي غيره مقال أو المراد انه لم يبعث بعد عيسى نبي بشريعة مستقلة وانما بعث بعده
من بعث بتقرير شريعة عيسى وقصة خالد بن سنان أخرجها الحاكم في المستدرك من حديث
ابن عباس ولها طرق جمعتها في ترجمته في كتابي في الصحابة * الحديث السادس حديث أبي هريرة
رأى عيسى رجلا يسرق الحديث أورده من طريقين موصولة ومعلقة (قوله وقال إبراهيم
ابن طهمان الخ) وصله النسائي عن أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري عن أبيه عن
إبراهيم وأحمد من شيوخ البخاري (قوله كلا والذي لا إله إلا الله) في رواية الكشميهني الا هو
وفي رواية ابن طهمان عند النسائي فقال لا والذي لا اله الا هو (قوله وكذبت عيني) بالتشديد
على التثنية ولبعضهم بالافراد وفي رواية المستملى كذبت بالتخفيف وفتح الموحدة وعيني بالافراد في
محل رفع ووقع في رواية مسلم وكذبت نفسي وفي رواية ابن طهمان وكذبت بصري قال ابن
التين قال عيسى ذلك على المبالغة في تصديق الحالف وأما قوله وكذبت عيني فلم يرد حقيقة
التكذيب وانما أراد كذبت عيني في غير هذا قاله ابن الجوزي وفيه بعد وقيل إنه أراد بالتصديق
والتكذيب ظاهر الحكم لا باطن الامر والا فالمشاهدة أعلى اليقين فكيف يكذب عينه ويصدق
قول المدعي ويحتمل أن يكون رآه مد يده إلى الشئ فظن أنه تناوله فلما حلف له رجع عن ظنه
وقال القرطبي ظاهر قول عيسى للرجل سرقت انه خبر جازم عما فعل الرجل من السرقة لكونه
رآه أخذ ما لا من حرز في خفية وقول الرجل كلا نفي لذلك ثم أكده باليمين وقول عيسى آمنت بالله
وكذبت عيني أي صدقت من حلف بالله وكذبت ما ظهر لي من كون الاخذ المذكور سرقة فإنه
يحتمل أن يكون الرجل أخذ ماله فيه حق أو ما أذن له صاحبه في أخذه أو أخذه ليقلبه وينظر فيه ولم
يقصد الغصب والاستيلاء قال ويحتمل أن يكون عيسى كان غير جازم بذلك وانما أراد استفهامه
بقوله سرقت وتكون أداة الاستفهام محذوفة وهو سائغ كثير انتهى واحتمال الاستفهام بعيد
مع جزمه صلى الله عليه وسلم بأن عيسى رأى رجلا يسرق واحتمال كونه يحل له الاخذ بعيد أيضا
بهذا الجزم بعينه والأول مأخوذ من كلام القاضي عياض وقد تعقبه ابن القيم في كتابه إغاثة
اللهفان فقال هذا تأويل متكلف والحق ان الله كان في قلبه أجل من أن يحلف به أحد كاذبا
فدار الامر بين تهمة الحالف وتهمة بصره فرد التهمة إلى بصره كما ظن آدم صدق إبليس لما حلف
354

له انه له ناصح (قلت) وليس بدون تأويل القاضي في التكلف والتشبيه غير مطابق والله أعلم
واستدل به على درء الحد بالشبهة وعلى منع القضاء بالعلم والراجح عند المالكية والحنابلة منعه
مطلقا وعند الشافعية جوازه الا في الحدود وهذه الصورة من ذلك وسيأتي بسطه في كتاب الأحكام
إن شاء الله تعالى * الحديث السابع حديث ابن عباس عن عمر هو من رواية الصحابي
عن الصحابي (قوله لا تطروني) بضم أوله والاطراء المدح بالباطل تقول أطريت فلانا مدحته
فأفرطت في مدحه (قوله كما أطرت النصارى ابن مريم) أي في دعواهم فيه الإلهية وغير
ذلك وهذا الحديث طرف من حديث السقيفة وقد ساقه المصنف مطولا في كتاب المحاربين
وذكر منه قطعا متفرقة فيما مضى ويأتي التنبيه عليها في مكانها * الحديث الثامن (قوله أخبرنا
عبد الله) هو ابن المبارك (قوله أن رجلا من أهل خراسان قال للشعبي فقال الشعبي) حذف
السؤال وقد بينه في رواية حبان بن موسى عن ابن المبارك فقال إن رجلا من أهل خراسان قال
للشعبي انا نقول عندنا ان الرجل إذا أعتق أم ولده ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته فقال الشعبي
فذكره أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عنه (قوله إذا أدب الرجل أمته) يأتي
الكلام عليه في النكاح (قوله 2 وإذا آمن الرجل بعيسى ثم آمن بي فله أجران) تقدم مباحث
ذلك في كتاب العلم مستوفاة وفيه إشارة إلى أنه لم يكن بين عيسى وبين نبينا صلى الله عليه وسلم نبي
وقد تقدم البحث في ذلك (قوله والعبد إذا اتقى ربه الخ) تقدمت الإشارة إليه في كتاب العتق
* الحديث التاسع حديث ابن عباس 3 انكم محشورون إلى الله حفاة الحديث وسيأتي البحث
فيه في أواخر الرقاق والغرض منه ذكر عيسى بن مريم في قوله وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم
(قوله قال الفربري ذكر عن أبي عبد الله) هو البخاري (عن قبيصة) هو ابن عقبة أحد شيوخ
البخاري أي انه حمل قوله من أصحابي أي باعتبار ما كان قبل الردة لا أنهم ماتوا على ذلك ولا شك
أن من ارتد سلب اسم الصحبة لأنها نسبة شريفة اسلامية فلا يستحقها من ارتد بعد أن اتصف
بها وقد أخرج الإسماعيلي الحديث المذكور عن إبراهيم بن موسى عن إسحاق عن قبيصة عن
سفيان الثوري به (قوله نزول عيسى بن مريم) يعني في أواخر الزمان كذا لأبي ذر بغير باب
وأثبته غيره وذكر فيه المصنف حديثين عن أبي هريرة أحدهما حديث والذي نفسي بيده
ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم الحديث (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن إبراهيم المعروف
بابن راهويه وانما جزمت بذلك مع تجويز أبي علي الجياني أن يكون هو أو إسحاق بن منصور لتعبيره
بقوله أخبرنا يعقوب بن إبراهيم لأن هذه العبارة يعتمدها إسحاق بن راهويه كما عرف بالاستقراء من
عادته أنه لا يقول الا أخبرنا ولا يقول حدثنا وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من
355

مسند إسحاق بن راهويه وقال أخرجه البخاري عن إسحاق (قوله أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا
أبي) هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (قوله والذي نفسي بيده) فيه
الحلف في الخبر مبالغة في تأكيده (قوله ليوشكن) بكسر المعجمة أي ليقربن أي لا بد من ذلك
سريعا (قوله أن ينزل فيكم) أي في هذه الأمة فإنه خطاب لبعض الأمة ممن لا يدرك نزوله
(قوله حكما) أي حاكما والمعنى أنه ينزل حاكما بهذه الشريعة فان هذه الشريعة باقية لا تنسخ بل
يكون عيسى حاكما من حكام هذه الأمة وفي رواية الليث عن ابن شهاب عند مسلم حكما مقسطا
وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب إماما مقسطا والمقسط العادل بخلاف القاسط فهو
الجائر ولأحمد من وجه آخر عن أبي هريرة اقرؤه من رسول الله السلام وعند أحمد من حديث
عائشة ويمكث عيسى في الأرض أربعين سنة وللطبراني من حديث عبد الله بن مغفل ينزل
عيسى بن مريم مصدقا بمحمد على ملته (قوله فيكسر الصليب ويقتل الخنزير) أي يبطل دين
النصرانية بأن يكسر الصليب حقيقة ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه ويستفاد منه تحريم
اقتناء الخنزير وتحريم أكله وأنه نجس لان الشئ المنتفع به لا يشرع اتلافه وقد تقدم ذكر شئ
من ذلك في أواخر البيوع ووقع للطبراني في الأوسط من طريق أبي صالح عن أبي هريرة فيكسر
الصليب ويقتل الخنزير والقرد زاد فيه القرد واسناده لا بأس به وعلى هذا فلا يصح الاستدلال
به على نجاسة عين الخنزير لان القرد ليس بنجس العين اتفاقا ويستفاد منه أيضا تغيير المنكرات
وكسر آلة الباطل ووقع في رواية عطاء بن ميناء عن أبي هريرة عند مسلم ولتذهبن الشحناء
والتباغض والتحاسد (قوله ويضع الحرب) في رواية الكشميهني الجزية والمعنى ان الدين
يصير واحدا فلا يبقى أحد من أهل الذمة يؤدي الجزية وقيل معناه ان المال يكثر حتى لا يبقى من
يمكن صرف مال الجزية له فتترك الجزية استغناء عنها وقال عياض يحتمل أن يكون المراد بوضع
الجزية تقريرها على الكفار من غير محاباة ويكون كثرة المال بسبب ذلك وتعقبه النووي وقال
الصواب ان عيسى لا يقبل الا الاسلام (قلت) ويؤيده أن عند أحمد من وجه آخر عن أبي
هريرة وتكون الدعوى واحدة قال النووي ومعنى وضع عيسى الجزية مع أنها مشروعة في
هذه الشريعة أن مشروعيتها مقيدة بنزول عيسى لما دل عليه هذا الخبر وليس عيسى بناسخ
لحكم الجزية بل نبينا صلى الله عليه وسلم هو المبين للنسخ بقوله هذا قال ابن بطال وانما قبلناها
قبل نزول عيسى للحاجة إلى المال بخلاف زمن عيسى فإنه لا يحتاج فيه إلى المال فان المال في
زمنه يكثر حتى لا يقبله أحد ويحتمل أن يقال إن مشروعية قبولها من اليهود والنصارى لما في
أيديهم من شبهة الكتاب وتعلقهم بشرع قديم بزعمهم فإذا نزل عيسى عليه السلام زالت الشبهة
بحصول معاينته فيصيرون كعبدة الأوثان في انقطاع حجتهم وانكشاف أمرهم فناسب أن
يعاملوا معاملتهم في عدم قبول الجزية منهم هكذا ذكره بعض مشايخنا احتمالا والله أعلم (قوله
ويفيض المال) بفتح أوله وكسر الفاء وبالضاد المعجمة أي يكثر وفي رواية عطاء بن ميناء المذكورة
وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد وسبب كثرته نزول البركات وتوالي الخيرات بسبب العدل
وعدم الظلم وحينئذ تخرج الأرض كنوزها وتقل الرغبات في اقتناء المال لعلمهم بقرب الساعة
(قوله حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها) أي أنهم حينئذ لا يتقربون إلى الله
356

الا بالعبادة لا بالتصدق بالمال وقيل معناه ان الناس يرغبون عن الدنيا حتى تكون السجدة
الواحدة أحب إليهم من الدنيا وما فيها وقد روى ابن مردويه من طريق محمد بن أبي حفصة عن
الزهري بهذا الاسناد في هذا الحديث حتى تكون السجدة واحدة لله رب العالمين (قوله ثم
يقول أبو هريرة واقرؤا ان شئتم وان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته الآية) هو موصول
بالاسناد المذكور قال ابن الجوزي انما تلى أبو هريرة هذه الآية للإشارة إلى مناسبتها لقوله حتى
تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها فإنه يشير بذلك إلى صلاح الناس وشدة ايمانهم
واقبالهم على الخير فهم لذلك يؤثرون الركعة الواحدة على جميع الدنيا والسجدة تطلق ويراد بها
الركعة قال القرطبي معنى الحديث ان الصلاة حينئذ تكون أفضل من الصدقة لكثرة المال
إذ ذاك وعدم الانتفاع به حتى لا يقبله أحد وقوله في الآية وان بمعنى ما أي لا يبقى أحد من أهل
الكتاب وهم اليهود والنصارى إذا نزل عيسى الا آمن به وهذا مصير من أبي هريرة إلى أن الضمير
في قوله الا ليؤمنن به وكذلك في قوله قبل موته يعود على عيسى أي الا ليؤمن بعيسى قبل موت
عيسى وبهذا جزم ابن عباس فيما رواه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عنه باسناد صحيح ومن
طريق أبي رجاء عن الحسن قال قبل موت عيسى والله انه الآن لحي ولكن إذا نزل آمنوا به
أجمعون ونقله عن أكثر أهل العلم ورجحه ابن جرير وغيره ونقل أهل التفسير في ذلك أقوالا أخر
وأن الضمير في قوله به يعود لله أو لمحمد وفي موته يعود على الكتابي على القولين وقيل على عيسى
وروى ابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس لا يموت يهودي ولا نصراني حتى يؤمن بعيسى
فقال له عكرمة أرأيت ان خر من بيت أو احترق أو أكله السبع قال لا يموت حتى يحرك شفتيه
بالايمان بعيسى وفي اسناده خصيف وفيه ضعف ورجح جماعة هذا المذهب بقراءة أبي بن كعب
الا ليؤمنن به قبل موته أي أهل الكتاب قال النووي معنى الآية على هذا ليس من أهل الكتاب
أحد يحضره الموت الا آمن عند المعاينة قبل خروج روحه بعيسى وانه عبد الله وابن أمته ولكن
لا ينفعه هذا الايمان في تلك الحالة كما قال تعالى وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا
حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن قال وهذا المذهب أظهر لان الأول يخص الكتابي الذي
يدرك نزول عيسى وظاهر القرآن عمومه في كل كتابي في زمن نزول عيسى وقبله قال العلماء
الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه فبين الله تعالى
كذبهم وأنه الذي يقتلهم أو نزوله لدنو أجله ليدفن في الأرض إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت
في غيرها وقيل إنه دعا الله لما رأى صفة محمد وأمته أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى
ينزل في آخر الزمان مجددا لأمر الاسلام فيوافق خروج الدجال فيقتله والأول أوجه وروى
مسلم من حديث ابن عمر في مدة إقامة عيسى بالأرض بعد نزوله أنها سبع سنين وروى نعيم بن
حماد في كتاب الفتن من حديث ابن عباس أن عيسى إذ ذاك يتزوج في الأرض ويقيم بها تسع
عشرة سنة وبإسناد فيه مبهم عن أبي هريرة يقيم بها أربعين سنة وروى أحمد وأبو داود باسناد
صحيح من طريق عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة مثله مرفوعا وفي هذا الحديث ينزل عيسى
عليه ثوبان ممصران فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويدعو الناس إلى الاسلام
ويهلك الله في زمانه الملل كلها الا الاسلام وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل
357

وتلعب الصبيان بالحيات وقال في آخره ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون وروى أحمد ومسلم من
طريق حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة ليهلن ابن مريم بفج الروحاء بالحج والعمرة الحديث
وفي رواية لأحمد من هذا الوجه ينزل عيسى فيقتل الخنزير ويمحي الصليب وتجمع له الصلاة
ويعطي المال حتى لا يقبل ويضع الخراج وينزل الروحاء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما وتلا أبو
هريرة وان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به الآية قال حنظلة قال أبو هريرة يؤمن به قبل موت
عيسى وقد اختلف في موت عيسى عليه السلام قبل رفعه والأصل فيه قوله تعالى اني متوفيك
ورافعك فقيل على ظاهره وعلى هذا فإذا نزل إلى الأرض ومضت المدة المقدرة له يموت ثانيا وقيل
معنى قوله متوفيك من الأرض فعلى هذا لا يموت الا في آخر الزمان واختلف في عمره حين رفع
فقيل ابن ثلاث وثلاثين وقيل مائة وعشرين * الحديث العاشر (قوله عن نافع مولى أبي قتادة
الأنصاري) هو أبو محمد بن عياش الأقرع قال ابن حبان هو مولى امرأة من غفار وقيل له مولى
أبي قتادة لملازمته له (قلت) وليس له عن أبي هريرة في الصحيح سوى هذا الحديث الواحد (قوله
كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وامامكم منكم) سقط قوله فيكم من رواية أبي ذر (قوله تابعه
عقيل والأوزاعي) يعني تابعا يونس عن ابن شهاب في هذا الحديث فاما متابعة عقيل فوصلها ابن
منده في كتاب الايمان من طريق الليث عنه ولفظه مثل سياق أبي ذر سواء وأما متابعة الأوزاعي
فوصلها ابن منده أيضا وابن حبان والبيهقي في البعث وابن الأعرابي في معجمه من طريق عنه ولفظه
مثل رواية يونس وقد أخرجه مسلم من طريق ابن أبي ذئب عن ابن شهاب بلفظ وأمكم منكم
قال الوليد بن مسلم فقلت لابن أبي ذئب ان الأوزاعي حدثنا عن الزهري فقال وامامكم منكم
قال ابن أبي ذئب أتدري ما أمكم منكم قلت تخبرني قال فأمكم بكتاب ربكم وأخرجه مسلم من
رواية ابن أخي الزهري عن عمه بلفظ كيف بكم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمكم وعند أحمد من
حديث جابر في قصة الدجال ونزول عيسى وإذا هم بعيسى فيقال تقدم يا روح الله فيقول ليتقدم
امامكم فليصل بكم ولابن ماجة في حديث أبي أمامة الطويل في الدجال قال وكلهم أي المسلمون
ببيت المقدس وامامهم رجل صالح قد تقدم ليصلي بهم إذ نزل عيسى فرجع الامام ينكص
ليتقدم عيسى فيقف عيسى بين كتفيه ثم يقول تقدم فإنها لك أقيمت وقال أبو الحسن الخسعي
الأبدي في مناقب الشافعي تواترت الاخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى يصلي خلفه
ذكر ذلك ردا للحديث الذي أخرجه ابن ماجة عن أنس وفيه ولا مهدي الا عيسى وقال أبو ذر
الهروي حدثنا الجوزقي عن بعض المتقدمين قال معنى قوله وامامكم منكم يعني أنه يحكم
بالقرآن لا بالإنجيل وقال ابن التين معنى قوله وامامكم منكم أن الشريعة المحمدية متصلة إلى يوم
القيامة وان في كل قرن طائفة من أهل العلم وهذا والذي قبله لا يبين كون عيسى إذا نزل يكون
إماما أو مأموما وعلى تقدير أن يكون عيسى إماما فمعناه أنه يصير معكم بالجماعة من هذه الأمة
قال الطيبي المعنى يؤمكم عيسى حال كونه في دينكم ويعكر عليه قوله في حديث آخر عند مسلم
فيقال له صل لنا فيقول لا ان بعضكم على بعض امراء تكرمة لهذه الأمة وقال ابن الجوزي
لو تقدم عيسى إماما لوقع في النفس اشكال ولقيل أتراه تقدم نائبا أو مبتدئا شرعا فصلى مأموما
لئلا يتدنس بغبار الشبهة وجه قوله لا نبي بعدي وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأمة مع
358

كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال ان الأرض لا تخلو عن قائم لله
بحجة والله أعلم (قوله باب ما ذكر عن بني إسرائيل) أي ذرية يعقوب بن إسحاق
ابن إبراهيم وإسرائيل لقب يعقوب أي من الأعاجيب التي كانت في زمانهم ذكر فيه أربعة
وثلاثين حدثنا * الحديث الأول وهو يشتمل على ثلاثة أحاديث وقوله حدثنا موسى بن إسماعيل
هذا هو الصواب ولبعضهم حدثنا مسدد بدل موسى وليس بصواب لان رواية مسدد ستأتي
في آخر هذا الباب موصولة ورواية موسى معلقة من أجل كلمة اختلفا فيها على أبي عوانة
وكلام أبي علي الغساني يوهم أن ذلك وقع هنا وليس كذلك وقوله حدثنا عبد الملك
هو ابن عمير (قوله قال عقبة ابن عمرو) هو أبو مسعود الأنصاري المعروف بالبدري (قوله إن
مع الدجال إذا خرج ماء الحديث) يأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب الفتن والغرض منه هنا
ايراد ما يليه وهو قصة الرجل الذي كان يبايع الناس وقصة الرجل الذي أوصى بنيه أن يحرقوه
فاما قصة الذي كان يبايع الناس فقد أوردها أيضا في أواخر هذا الباب من حديث أبي هريرة
وتقدم الكلام عليه في أثناء كتاب البيوع وقوله في هذه الرواية كنت أبايع الناس في الدنيا
وأجازيهم أي أقاضيهم والمجازاة المقاضاة أي آخذ منهم وأعطي ووقع في رواية للإسماعيلي
وأجازفهم بالجيم والزاي والفاء وفي أخرى بالمهملة والراء وكلاهما تصحيف لا يظهر والله أعلم
وأما قصة الذي أوصى بنيه أن يحرقوه فسيأتي الكلام عليها في أواخر هذا الباب حيث أورده
المصنف مفردا إن شاء الله تعالى (قوله فامتحشت) بضم المثناة وكسر المهملة بعدها معجمة أي
احترقت ولبعضهم بوزن احترقت وهو أشبه وقوله ثم انظروا يوما راحا أي شديد الريح (قوله في
آخره قال عقبة بن عمرو وأنا سمعته) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (يقول ذاك وكان نباشا) ظاهره
أن الذي سمعه أبو مسعود هو الحديث الأخير فقط لكن تبين من رواية شعبة عن عبد الملك بن
عمير أنه سمع الجميع فإنه أورد في الفتن قصة الذي كان يبايع الناس من حديث حذيفة وقال في
آخره قال أبو مسعود وانا سمعنه وكذلك قال في حديث الذي أوصى بنيه كما سيأتي في أواخر
هذا الباب وقوله وكان نباشا ظاهره انه من زيادة أبي مسعود في الحديث لكن أورده ابن حبان
من طريق ربعي عن حذيفة قال توفي رجل كان نباشا فقال لولده أحرقوني فدل على أن قوله
وكان نباشا من رواية حذيفة وأبي مسعود معا ووقع في رواية للطبراني بلفظ بينما حذيفة وأبو
مسعود جالسين فقال أحدهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن رجلا من بني إسرائيل
كان ينبش القبور فذكره وعرف منها وجه دخوله في هذا الباب * الحديث الثاني
(قوله لما نزل) بضم أوله وفي نسخة عند أبي ذر بفتحتين (برسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني
الموت أو ملك الموت ونقل النووي أنه في مسلم للأكثر بالضم وفي رواية بزيادة مثناة يعنى
359

المنية أورده مختصرا وقد تقدم بأتم من هذا في الصلاة ويأتي شرحه في أواخر المغازي إن شاء الله
تعالى والغرض منه ذم اليهود والنصارى في اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد وعبد الله الذي
في الاسناد هو ابن المبارك * الحديث الثالث (قوله عن فرات القزاز) بقاف وزايين معجمتين
وهو فرات بضم الفاء وتخفيف الراء آخره مثناة ابن عبد الرحمن وأبو حازم هو سلمان الأشجعي
(قوله تسوسهم الأنبياء) أي أنهم كانوا إذا ظهر فيهم فساد بعث الله لهم نبيا يقيم لهم أمرهم
ويزيل ما غيروا من أحكام التوراة وفيه إشارة الا أنه لا بد للرعية من قائم بأمورها يحملها على
الطريق الحسنة وينصف المظلوم من الظالم (قوله وانه لا نبي بعدي) أي فيفعل ما كان أولئك
يفعلون (قوله وسيكون خلفاء) أي بعدي وقوله فيكثرون بالمثلثة وحكى عياض أن منهم من
ضبطه بالموحدة وهو تصحيف ووجه بأن المراد اكبار قبيح فعلهم (قوله فوا) فعل أمر بالوفاء
والمعنى انه إذا بويع الخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها وبيعة الثاني باطلة
قال النووي سواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أم سواء كانوا في بلد واحد أو أكثر سواء
كانوا في بلد الامام المنفصل أم لا هذا هو الصواب الذي عليه الجمهور وقيل تكون لمن عقدت له
في بلد الامام دون غيره وقيل يقرع بينهما قال وهما قولان فاسدان وقال القرطبي في هذا
الحديث حكم بيعة الأول وأنه يجب الوفاء بها وسكت عن بيعة الثاني وقد نص عليه في حديث
عرفجة في صحيح مسلم حيث قال فاضربوا عنق الآخر (قوله أعطوهم حقهم) أي أطيعوهم
وعاشروهم بالسمع والطاعة فان الله يحاسبهم على ما يفعلونه بكم وستأتي تتمة القول في ذلك في
أوائل كتاب الفتن (قوله فان الله سائلهم عما استرعاهم) هو كحديث ابن عمر المتقدم كلكم راع
وكلكم مسؤول عن رعيته وسيأتي شرحه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وفي الحديث تقديم
أمر الدين على أمر الدنيا لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بتوفية حق السلطان لما فيه من أعلاء كلمة
الدين وكف الفتنة والشر وتأخير أمر المطالبة بحقه لا يسقطه وقد وعده الله أنه يخلصه ويوفيه
إياه ولو في الدار الآخرة * الحديث الرابع حديث أبي سعيد (قوله لتتبعن) بضم العين وتشديد
النون (سنن) بفتح المهملة أي طريق (من قبلكم) أي الذين قبلكم (قوله جحر) بضم الجيم
وسكون المهملة (ضب) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة دويبة معروفة يقال خصت بالذكر لان الضب
يقال له قاضي البهائم والذي يظهر أن التخصيص انما وقع لجحر الضب لشدة ضيقه وردآته ومع
ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم واتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الردئ لتبعوهم
(قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم فمن) هو استفهام انكاري أي ليس المراد غيرهم وسيأتي بقية
الكلام على هذا الحديث في كتاب الاعتصام * الحديث الخامس حديث أنس ذكروا النار
والناقوس الحديث أورده مختصرا وقد مضى شرحه تاما في كتاب الصلاة * الحديث السادس
حديث عائشة كانت تكره أن يجعل المصلي يده في خاصرته وتقول ان اليهود تفعله في رواية أبي
نعيم من طريق أحمد بن الفرات عن محمد بن يوسف شيخ البخاري فيه بلفظ انها كرهت الاختصار في
الصلاة وقالت انما يفعل ذلك اليهود ووقع عند الإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون عن سفيان
وهو الثوري بهذا الاسناد يعني وضع اليد على الخاصرة في الصلاة وقد تقدم البحث في هذه
المسئلة في أواخر الصلاة في الكلام على حديث أبي هريرة نهى عن الخصر في الصلاة (قوله
360

تابعه شعبة عن الأعمش) وصله ابن أبي شيبة من طريقه * الحديث السابع حديث ابن عمر
مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا الحديث تقدم شرحه مستوفى في كتاب
الصلاة * الحديث الثامن حديث عمر قاتل الله فلانا أورده مختصرا وقد تقدم تاما في كتاب
البيوع في أواخره مع شرحه (قوله تابعه جابر وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني في
تحريم شحوم الميتة دون القصة فاما حديث جابر فوصله المصنف في أواخر البيوع وفيه غير ذلك
وتقدم شرحه هناك وأما حديث أبي هريرة فوصله المصنف في أواخر البيوع أيضا من طريق
سعيد بن المسيب عنه * الحديث التاسع (قوله عن أبي كبشة السلولي) تقدم ذكره في كتاب الهبة
في حديث آخر وليس له في البخاري سوى هذين الحديثين (قوله بلغوا عني ولو آية) قال المعافى
النهرواني في كتاب الجليس له الآية في اللغة تطلق على ثلاثة معان العلامة الفاصلة والأعجوبة
الحاصلة والبلية النازلة فمن الأول قوله تعالى آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام الا رمزا ومن
الثاني ان في ذلك لآية ومن الثالث جعل الأمير فلانا اليوم آية ويجمع بين هذه المعاني الثلاثة انه
قيل لها آية لدلالتها وفصلها وابانتها وقال في الحديث ولو آية أي واحدة ليسارع كل سامع إلى
تبليغ ما وقع له من الآي ولو قل ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم اه كلامه
(قوله وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم لأنه كان تقدم
منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الاخذ عنهم والنظر في كتبهم ثم حصل التوسع في ذلك وكأن
النهي وقع قبل استقرار الاحكام الاسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة ثم لما زال
المحذور وقع الاذن في ذلك لما في سماع الاخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار وقيل معنى
قوله لا حرج لا تضيق صدوركم بما تسمعونه عنهم من الأعاجيب فان ذلك وقع لهم كثيرا
وقيل لا حرج في أن لا تحدثوا عنهم لان قوله أولا حدثوا صيغة أمر تقتضي الوجوب فأشار إلى
عدم الوجوب وأن الامر فيه للإباحة بقوله ولا حرج أي في ترك التحديث عنهم وقيل المراد
رفع الحرج عن حاكي ذلك لما في أخبارهم من الألفاظ الشنيعة نحو قولهم اذهب أنت وربك
فقاتلا وقولهم اجعل لنا الها وقيل المراد ببني إسرائيل أولاد إسرائيل نفسه وهم أولاد يعقوب
والمراد حدثوا عنهم بقصتهم مع أخيهم يوسف وهذا أبعد الأوجه وقال مالك المراد جواز التحدث
عنهم بما كان من أمر حسن أما ما علم كذبه فلا وقيل المعنى حدثوا عنهم بمثل ما ورد في القرآن
والحديث الصحيح وقيل المراد جواز التحدث عنهم بأي صورة وقعت من انقطاع أو بلاغ لتعذر
الاتصال في التحدث عنهم بخلاف الاحكام الاسلامية فان الأصل في التحدث بها الاتصال
ولا يتعذر ذلك لقرب العهد وقال الشافعي من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجيز التحدث
بالكذب فالمعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم
في التحدث به عنهم وهو نظير قوله إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ولم يرد
الاذن ولا المنع من التحدث بمن يقطع بصدقه (قوله ومن كذب علي متعمدا) تقدم شرحه
361

مستوفى في كتاب العلم وذكرت عدد من رواه وصفة مخارجه بما يغني عن الإعادة وقد اتفق العلماء
على تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه من الكبائر حتى بالغ الشيخ أبو محمد
الجويني فحكم بكفر من وقع منه ذلك وكلام القاضي أبو بكر بن العربي يميل إليه وجهل من
قال من الكرامية وبعض المتزهدة ان الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم يجوز فيما يتعلق
بتقوية أمر الدين وطريقة أهل السنة والترغيب والترهيب واعتلوا بأن الوعيد ورد في حق من
كذب عليه لا في الكذب له وهو اعتلال باطل لان المراد بالوعيد من نقل عنه الكذب سواء كان
له أو عليه والدين بحمد الله كامل غير محتاج إلى تقويته بالكذب * الحديث العاشر (قوله إن
اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم) يقتضي مشروعية الصبغ والمراد به صبغ شيب اللحية
والرأس ولا يعارضه ما ورد من النهي عن إزالة الشيب لان الصبغ لا يقتضي الإزالة ثم إن
المأذون فيه مقيد بغير السواد لما أخرجه مسلم من حديث جابر انه صلى الله عليه وسلم قال غيروه
وجنبوه السواد ولأبي داود وصححه ابن حبان من حديث ابن عباس مرفوعا يكون قوم في آخر
الزمان يخضبون كحواصل الحمام لا يجدون ريح الجنة واسناده قوي الا أنه اختلف في رفعه
ووقفه وعلى تقدير ترجيح وقفه فمثله لا يقال بالرأي فحكمه الرفع ولهذا اختار النووي أن
الصبغ بالسواد يكره كراهية تحريم وعن الحليمي أن الكراهة خاصة بالرجال دون النساء فيجوز
ذلك للمرأة لأجل زوجها وقال مالك الحناء والكتم واسع والصبغ بغير السواد أحب إلي
ويستثني من ذلك المجاهد اتفاقا وليس المراد بالصبغ في هذا الحديث صبغ الثياب ولا خضب
اليدين والرجلين بالحناء مثلا لان اليهود والنصارى لا يتركون ذلك وقد صرح الشافعية بتحريم
لبس الثياب المزعفرة للرجل وبتحريم خضب الرجال أيديهم وأرجلهم الا للتداوي وسيأتي بسط
القول في ذلك في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى * الحديث الحادي عشر (قوله حدثنا محمد) هو
ابن معمر نسبه ابن السكن عن الفربري وقيل هو الذهلي (قوله حدثنا حجاج) هو ابن منهال وجرير
هو ابن حازم والحسن هو البصري (قوله في هذا المسجد) هو مسجد البصرة (قوله وما نسينا
منذ حدثنا) أشار بذلك إلي تحققه لما حدث به وقرب عهده به واستمرار ذكره له (قوله وما نخشي
أن يكون جندب كذب) فيه إشارة إلى أن الصحابة عدول وان الكذب مأمون من قبلهم ولا سيما
على النبي صلى الله عليه وسلم (قوله كان فيمن كان قبلكم رجل) لم أقف على اسمه (قوله به جرح)
بضم الجيم وسكون الراء بعدها مهملة وتقدم في الجنائز بلفظ به جراح وهو بكسر الجيم وذكره
بعضهم بضم المعجمة وآخره جيم وهو تصحيف ووقع في رواية مسلم ان رجلا خرجت به قرحة وهي
بفتح القاف وسكون الراء حبة تخرج في البدن وكأنه كان به جرح ثم صار قرحة (قوله فجزع) أي
فلم يصبر على ألم تلك القرحة (قوله فأخذ سكينا فحز بها يده) السكين تذكر وتؤنث وقوله حز
بالحاء المهملة والزاي هو القطع بغير إبانة ووقع في رواية مسلم فلما أذته انتزع سهما من كنانته
فنكأها وهو بالنون والهمز أي نخس موضع الجرح ويمكن الجمع بأن يكون فجر الجرح بذبابة
السهم فلم ينفعه فحز موضعه بالسكين ودلت رواية البخاري على أن الجرح كان في يده (قوله فما
رقأ الدم) بالقاف والهمز أي لم ينقطع (قوله قال الله عز وجل بادرني عبدي بنفسه) هو كناية
عن استعجال المذكور الموت وسيأتي البحث فيه وقوله حرمت عليه الجنة جار مجرى التعليل
362

للعقوبة لأنه لما استعجل الموت بتعاطي سببه من انفاذ مقاتله فجعل له فيه اختيارا عصى الله به
فناسب أن يعاقبه ودل ذلك على أنه حزها لإرادة الموت لا لقصد المداواة التي يغلب على الظن
الانتفاع بها وقد استشكل قوله بادرني بنفسه وقوله حرمت عليه الجنة لان الأول يقتضي أن
يكون من قتل فقد مات قبل أجله لما يوهمه سياق الحديث من أنه لو لم يقتل نفسه كان قد تأخر
عن ذلك الوقت وعاش لكنه بادر فتقدم والثاني يقتضي تخليد الموحد في النار والجواب عن
الأول أن المبادرة من حيث التسبب في ذلك والقصد له والاختيار وأطلق عليه المبادرة لوجود
صورتها وانما استحق المعاقبة لان الله لم يطلعه على انقضاء أجله فاختار هو قتل نفسه فاستحق
المعاقبة لعصيانه وقال القاضي أبو بكر قضاء الله مطلق ومقيد بصفة فالمطلق يمضي على الوجه بلا
صارف والمقيد على الوجهين مثاله أن يقدر لواحد أن يعيش عشرين سنة ان قتل نفسه وثلاثين
سنة ان لم يقتل وهذا بالنسبة إلى ما يعلم به المخلوق كملك الموت مثلا وأما بالنسبة إلى علم الله فإنه
لا يقع الا ما علمه ونظير ذلك الواجب المخير فالواقع منه معلوم عند الله والعبد مخير في أي الخصال
يفعل والجواب عن الثاني من أوجه * أحدها أنه كان استحل ذلك الفعل فصارا كافرا * ثانيها كان
كافرا في الأصل وعوقب بهذه المعصية زيادة على كفره * ثالثها ان المراد أن الجنة حرمت عليه في
وقت ما كالوقت الذي يدخل فيه السابقون أو الوقت الذي يعذب فيه الموحدون في النار ثم
يخرجون * رابعها ان المراد جنة معينة كالفردوس مثلا * خامسها ان ذلك ورد على سبيل
التغليظ والتخويف وظاهره غير مراد * سادسها أن التقدير حرمت عليه الجنة ان شئت استمرار
ذلك * سابعها قال النووي يحتمل أن يكون ذلك شرع من مضى ان أصحاب الكبائر يكفرون
بفعلها وفي الحديث تحريم قتل النفس سواء كانت نفس القاتل أم غيره وقتل الغير يؤخذ
تحريمه من هذا الحديث بطريق الأولى وفيه الوقوف عند حقوق الله ورحمته بخلقه حيث حرم
عليهم قتل نفوسهم وأن الأنفس ملك الله وفيه التحديث عن الأمم الماضية وفضيلة الصبر على
البلاء وترك التضجر من الآلام لئلا يفضي إلى أشد منها وفيه تحريم تعاطي الأسباب المفضية إلى
قتل النفس وفيه التنبيه على أن حكم السراية على ما يترتب عليه ابتداء القتل وفيه الاحتياط
في التحديث وكيفية الضبط له والتحفظ فيه بذكر المكان والإشارة إلى ضبط المحدث وتوثيقه لمن
حدثه ليركن السامع لذلك والله أعلم * (قوله حديث أبرص وأقرع وأعمى) هكذا ترجم لهذا
الحديث في أثناء ذكر بني إسرائيل وهو الحديث الثاني عشر (قوله حدثنا أحمد بن إسحاق) هو
السرماري بفتح المهملة و يجوز كسرها وبعدها راء ساكنة نسبة إلى سرمارة من قرى بخاري
الزاهد المجاهد وهو من أقران البخاري مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين (قوله في السند
الثاني وحدثني محمد حدثنا عبد الله بن رجاء) يقال إن محمدا هذا هو الذهلي ويقال انه المصنف
نفسه كما قيل في الحديث الذي قبله ويؤيد ذلك أنه روى عن عبد الله بن رجاء في اللقطة وعدة
مواضع بغير واسطة لكن جزم أبو ذر بأنه عند المصنف عن محمد غير منسوب عن عبد الله بن رجاء
وجوز أنه الذهلي وساقه عن الجوزقي عن مكي بن عبدان عن الذهلي بطوله وكذلك جزم أبو نعيم
وساقه من طريق موسى بن العباس عن محمد بن يحيى وسيأتي في التوحيد حديث آخر أخرجه
البخاري بهذين السندين سواء إلى أبي هريرة وليس في البخاري لإسحاق بن أبي طلحة عن عبد الرحمن
363

ابن أبي عمرة سوى هذين الحديثين (قوله عن إسحاق بن عبد الله) هو ابن أبي طلحة صرح به شيبان في
روايته عن همام عند مسلم والإسماعيلي قوله بدا الله بتخفيف الدال المهملة بغير همز أي سبق في
علم الله فأراد إظهاره وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافيا لان ذلك محال في حق الله تعالى وقد
أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام بهذا الاسناد بلفظ أراد الله أن يبتليهم فلعل التغيير فيه
من الرواة مع أن في الرواية أيضا نظرا لأنه لم يزل مريدا والمعنى أظهر الله ذلك فيهم وقيل معنى أراد
قضى وقال صاحب المطالع ضبطناه على متقني شيوخنا بالهمز اي ابتدأ الله ان يبتليهم قال
ورواه كثير من الشيوخ بغير همز وهو خطأ انتهى وسبق إلى التخطئة أيضا الخطابي وليس كما
قال لأنه موجه كما ترى وأولى ما يحمل عليه ان المراد قضى الله أن يبتليهم وأما البدء الذي يراد به تغير
الامر عما كان عليه فلا (قوله قذرني الناس) بفتح القاف والذال المعجمة المكسورة أي اشمأزوا
من رؤيتي وفي رواية حكاها الكرماني قذروني الناس وهي على لغة أكلوني البراغيث (قوله
فمسحه) أي مسح على جسمه (قوله فقال وأي المال) في رواية الكشميهني بحذف الواو (قوله
الإبل أو قال البقر هو شك في ذلك ان الأبرص والأقرع قال أحدهما الإبل وقال الآخر البقر)
وقع عند مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام التصريح بان الذي شك في ذلك هو إسحاق بن عبد الله
ابن أبي طلحة راوي الحديث (قوله فأعطى ناقة عشراء) أي الذي تمنى الإبل والعشراء بضم العين
المهملة وفتح الشين المعجمة مع المدهى الحامل التي أتى عليها في حملها عشرة أشهر من يوم طرقها
الفحل وقيل يقال لها ذلك إلى أن تلد وبعد ما تضع وهي من أنفس المال (قوله يبارك لك فيها)
كذا وقع يبارك بضم أوله وفي رواية شيبان بارك الله بلفظ الفعل الماضي وابراز الفاعل (قوله
فمسحه) أي مسح على عينيه (قوله شاة والدا) أي ذات ولد ويقال حامل (قوله فانتج هذان)
أي صاحب الإبل والبقر (وولد هذا) أي صاحب الشاة وهو بتشديد اللام وأنتج في مثل هذا شاذ
والمشهور في اللغة نتجت الناقة بضم النون ونتج الرجل الناقة أي حمل عليها الفحل وقد سمع أنتجت
الفرس إذا ولدت فهي نتوج (قوله ثم إنه أتى الأبرص في صورته) أي في الصورة التي كان عليها
لما اجتمع به وهو أبرص ليكون ذلك أبلغ في إقامة الحجة عليه (قوله رجل مسكين) زاد شيبان وابن
سبيل (تقطعت به الحبال في سفره) في رواية الكشميهني بي الحبال في سفري والحبال بكسر
المهملة بعدها موحدة خفيفة جمع حبل أي الأسباب التي يقطعها في طلب الرزق وقيل العقبات
وقيل الحبل هو المستطيل من الرمل ولبعض رواة مسلم الحيال بالمهملة والتحتانية جمع حيلة أي لم
يبق لي حيلة ولبعض رواة البخاري الجبال بالجيم والموحدة وهو تصحيف قال ابن التين قول
الملك له رجل مسكين إلى آخره أراد أنك كنت هكذا وهو من المعاريض والمراد به ضرب المثل
ليتيقظ المخاطب (قوله أتبلغ عليه) في رواية الكشميهني أتبلغ به وأتبلغ بالغين المعجمة من البلغة
وهي الكفاية والمعنى أتوصل به إلى مرادي (قوله لقد ورثت لكابر عن كابر) في رواية الكشميهني
كابرا عن كابر وفي رواية شيبان انما ورثت هذا المال كابرا عن كابر أي كبير عن كبير في العز
364

والشرف (قوله فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله) أورده بلفظ الفعل الماضي لأنه أراد المبالغة في
الدعاء عليه (قوله فخذ ما شئت زاد) شيبان ودع ما شئت (قوله لا أحمدك اليوم بشئ أخذته لله)
كذا في البخاري بالمهملة والميم كذا قال عياض ان رواة البخاري لم تختلف في ذلك وليس كما قال
والمعنى لا أحمدك على ترك شئ تحتاج إليه من مالي كما قال الشاعر
* وليس على طول الحياة تندم * أي فوت طول الحياة وفي رواية كريمة وأكثر روايات مسلم
لا أجهدك بالجيم والهاء أي لا أشق عليك في رد شئ تطلبه مني أو تأخذه قال عياض لم يتضح هذا
المعنى لبعض الناس فقال لعله لا أحدك بمهملة وتشديد الدال بغير ميم أي لا أمنعك قال وهذا
تكلف انتهى ويحتمل أن يكون قوله أحمدك بتشديد الميم أي لا أطلب منك الحمد من قولهم فلان
يتحمد على فلان أي يمتن عليه اي لا أمتن عليك (قوله فإنما ابتليتم) أي امتحنتم (قوله فقد رضي
عنك) بضم أوله على البناء للمجهول في رضي وسخط قال الكرماني ما محصله كان مزاج الأعمى
أصح من مزاج رفيقيه لان البرص مرض يحصل من فساد المزاج وخلل الطبيعة وكذلك القرع
بخلاف العمي فإنه لا يستلزم ذلك بل قد يكون من أمر خارج فلهذا حسنت طباع الأعمى وساءت
طباع الآخرين وفي الحديث جواز ذكر ما اتفق لمن مضى ليتعظ به من سمعه ولا يكون ذلك
غيبة فيهم ولعل هذا هو السر في ترك تسميتهم ولم يفصح بما اتفق لهم بعد ذلك والذي يظهر أن
الامر فيهم وقع كما قال الملك وفيه التحذير من كفران النعم والترغيب في شكرها والاعتراف بها
وحمد الله عليها وفيه فضل الصدقة والحث على الرفق بالضعفاء واكرامهم وتبليغهم مآربهم
وفيه الزجر عن البخل لأنه حمل صاحبه على الكذب وعلى جحد نعمة الله تعالى (قوله أم حسبت
ان أصحاب الكهف) كذا لأبي ذر عن المستملي والكشميهني وحدهما إلى آخر الترجمة ولغيره في
أوله باب ولم يورد في ذلك الا تفاسير مما وقع في قصة أصحاب الكهف وسقط كله من رواية النسفي
(قوله الكهف الفتح في الجبل) هو قول الضحاك أخرجه عنه ابن أبي حاتم واختلف في مكان
الكهف فالذي تظافرت به الاخبار أنه في بلاد الروم وروى الطبري باسناد ضعيف عن ابن عباس
انه بالقرب من أيلة وقيل بالقرب من طرسوس وقيل بين أيلة وفلسطين وقيل بقرب زيزاء وقيل
بغرناطة من الأندلس وفي تفسير ابن مردويه عن ابن عباس أصحاب الكهف أعوان المهدي
وسنده ضعيف فان ثبت حمل على أنهم لم يموتوا بل هم في المنام إلى أن يبعثوا لإعانة المهدي وقد
ورد في حديث آخر بسند واه أنهم يحجون مع عيسى بن مريم (قوله والرقيم الكتاب مرقوم
مكتوب من الرقم) روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الرقيم الكتاب
وقوله مرقوم مكتوب هو قول أبي عبيدة قاله في تفسير قوله وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم
ووراء ذلك أقوال أخرى فاخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة ومن طريق عطية العوفي
وكذا قال أبو عبيدة الرقيم الوادي الذي فيه الكهف وأخرج الطبري أيضا من طريق ابن عباس
عن كعب الأحبار قال هو اسم القرية وروى ابن أبي حاتم من طريق أنس بن مالك ومن طريق
سعيد بن جبير أن الرقيم اسم الكلب وقيل الرقيم هو الغار كما سأبينه في حديث الغار وقيل الرقيم
الصخرة التي أطبقت على الوادي وسيأتي في تفسير سورة الكهف قول ابن عباس ان الرقيم لوح
من رصاص كتبت فيه أسماء أصحاب الكهف لما توجهوا عن قومهم ولم يدروا أين توجهوا
365

وسأشير إليه هنا مختصرا وقيل إن الذي كان مكتوبا في الرقيم شرعهم الذي كانوا عليه وقيل
الرقيم الدواة وقال قوم أخبر الله عن قصة أصحاب الكهف ولم يخبر عن قصة أصحاب الرقيم (قلت)
وليس كذلك بل السياق يقتضي ان أصحاب الكهف هم أصحاب الرقيم والله أعلم (قوله ربطنا
على قلوبهم ألهمناهم صبرا) هو قول أبي عبيدة (قوله شططا افراطا) قال أبو عبيدة في قوله لقد
قلنا إذا شططا أي جورا وغلوا قال الشاعر
الا يا لقومي قد أشطت عواذلي * ويزعمن أن أودي بحقي باطلي
وروى الطبري عن سعيد عن قتادة في قوله شططا قال كذبا (قوله الوصيد الفناء) هو بكسر الفاء
والمد وهو قول ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير عن سعيد بن جبير (قوله وجمعه وصائد
ووصد ويقال الوصيد الباب مؤصدة مطبقة آصد الباب وأوصد) قال أبو عبيدة في قوله وكلبهم
باسط ذراعيه بالوصيد أي على الباب وبفناء الباب لان الباب يؤصد أي يغلق والجمع وصائد ووصد
وقالوا الوصيد عتبة الباب أيضا تقول أوصد بابك وآصده وذكر الطبري عن أبي عمرو بن العلاء
ان أهل اليمن وتهامة يقولون الوصيد وأهل نجد يقولون الاصيد (قوله مؤصدة مطبقة) قال
أبو عبيدة في قوله نار مؤصدة اي مطبقة تقول أوصدت وآصدت اي أطبقت وهذا ذكره المؤلف
استطرادا (قوله بعثناهم أحييناهم) هو قول أبي عبيدة أيضا (قوله أزكى أكثر ريعا) قال
أبو عبيدة في قوله أيها أزكى طعاما اي أكثر قال الشاعر
قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة * وللسبع أزكى من ثلاث وأطيب
وروى عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة في قوله أزكى طعاما قال خير طعاما وروى
الطبري عن سعيد بن جبير أحل ورجحه الطبري (قوله فضرب الله على آذانهم فناموا) هو
قول ابن عباس كما سأذكره من طريقه وقيل معنى فضربنا على آذانهم أي سددنا عن نفوذ
الأصوات إليها (قوله رجما بالغيب لم يستبن) قال عبد الرزاق فتفسيره عن معمر عن قتادة
في قوله رجما بالغيب قال قذفا بالظن وقال أبو عبيدة في قوله رجما بالغيب قال الرجم ما لم يستيقنه
من الظن قال الشاعر
وما الحرب الا من علمتم وذقتم * وما هو عنها بالحديث المرجم
(قوله وقال مجاهد تقرضهم تتركهم) يأتي الكلام عليه في التفسير * (تنبيه) * لم يذكر المصنف
في هذه الترجمة حديثا مسندا وقد روى عبد بن حميد باسناد صحيح عن ابن عباس قصة أصحاب
الكهف مطولة غير مرفوعة وملخص ما ذكر أن ابن عباس غزا مع معاوية الصائفة فمروا
بالكهف الذي ذكر الله في القرآن فقال معاوية أريد أن أكشف عنهم فمنعه ابن عباس فصمم
وبعث ناسا فبعث الله ريحا فأخرجتهم قال فبلغ ابن عباس فقال إنهم كانوا في مملكة جبار يعبد
الأوثان فلما رأوا ذلك خرجوا منها فجمعهم الله على غير ميعاد فأخذ بعضهم على بعض العهود
والمواثيق فجاء أهاليهم يطلبونهم ففقدوهم فأخبروا الملك فامر بكتابة أسمائهم في لوح من رصاص
وجعله في خزانته فدخل الفتية الكهف فضرب الله على آذانهم فناموا فأرسل الله من يقلبهم
وحول الشمس عنهم فلو طلعت عليهم لأحرقتهم ولولا أنهم يقلبون لأكلتهم الأرض ثم ذهب ذلك
الملك وجاء آخر فكسر الأوثان وعبد الله وعدل فبعث الله أصحاب الكهف فارسلوا واحد منهم
366

يأتيهم بما يأكلون فدخل المدينة مستخفيا فرأى هيئة وناسا أنكرهم لطول المدة فدفع درهما
إلى خباز فاستنكر ضربه وهم بان يرفعه إلى الملك فقال أتخوفني بالملك وأبي دهقانة فقال من أبوك
قال فلان فلم يعرفه فاجتمع الناس فرفعوه إلى الملك فسأله فقال علي باللوح وكان قد سمع به فسمى
أصحابه فعرفهم من اللوح فكبر الناس وانطلقوا إلى الكهف وسبق الفتى لئلا يخافوا من
الجيش فلما دخل عليهم عمي الله على الملك ومن معه المكان فلم يدر أين يذهب الفتى فاتفق رأيهم
على أن يبنوا عليهم مسجدا فجعلوا يستغفرون لهم ويدعون لهم وذكر ابن أبي حاتم في تفسيره
عن شهر بن حوشب قال كان لي صاحب قوي النفس فمر بالكهف فأراد أن يدخله فنهي فأبى
فأشرف عليهم فابيضت عيناه وتغير شعره وعن عكرمة أن السبب فيما جرى لهم أنهم تذاكروا
هل يبعث الله الروح والجسد أو الروح فقط فالقى الله عليهم النوم فناموا المدة المذكورة ثم بعثهم
فعرفوا أن الجسد يبعث كما تبعث الروح وعن ابن عباس ان اسم الملك الأول دقيانوس واسم
الفتية مكسلمينا ومخشليشا وتمليخا ومرطونس وكنشطونس وبيرونس ودنيموس وفي النطق
بها اختلاف كثير ولا يقع الوثوق من ضبطها بشئ وأخرج أيضا عن مجاهد أن اسم كلبهم قطميروا
وعن الحسن قطمير وقيل غير ذلك وأما لونه فقال مجاهد كان أصفر وقيل غير ذلك وعن مجاهد
ان دراهمهم كان كخفاف الإبل وأن تمليخا هو الذي كان رسولهم لشراء الطعام وقد ساق ابن إسحاق
قصتهم في المبتدا مطولة وأفاد أن اسم الملك الصالح الذي عاشوا في زمنه بتدرسيس 3 وروى
الطبري من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير أن الكلب الذي كان معهم كان كلب صيد وعن
وهب بن منيه انه كان كلب حرث وعن مقاتل كان الكلب لكبيرهم وكان كلب غنم وقيل
كان انسانا طباخا تبعهم وليس بكلب حقيقة والأول المعتمد * الحديث الثالث عشر (قوله
حديث الغار) عقب المصنف قصة أصحاب الكهف بحديث الغار إشارة إلى ما ورد أنه قد قيل إن
الرقيم المذكور في قوله تعالى أم حسبت ان أصحاب الكهف والرقيم هو الغار الذي أصاب فيه
الثلاثة ما أصابهم وذلك فيما أخرجه البزار والطبراني باسناد حسن عن النعمان بن بشير أنه سمع
النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الرقيم قال انطلق ثلاثة فكانوا في كهف فوقع الجبل على باب
الكهف فأوصد عليهم فذكر الحديث (قوله بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم لم أقف على اسم
واحد منهم وفي حديث عقبة بن عامر عند الطبراني في الدعاء ان ثلاثة نفر من بني إسرائيل (قوله
يمشون) في حديث عقبة وكذا في حديث أبي هريرة عند ابن حبان والبزار أنهم خرجوا يرتادون
لأهليهم (قوله فأووا إلى غار) يجوز قصر ألف أووا ومدها وفي حديث انس عند أحمد وأبي يعلى
والبزار والطبراني فدخلوا غارا فسقط عليهم حجر متجاف حتى ما يرون منه خصاصه وفي رواية سالم
ابن عبد الله بن عمر عن أبيه حتى أووا المبيت إلى غار كذا للمصنف ولمسلم من هذا الوجه حتى
أواهم المبيت وهو أشهر في الاستعمال والمبيت في هذه الرواية منصوب على المفعولية وتوجيهه
ان دخول الغار من فعلهم فحسن أن ينسب الايواء إليهم (قوله فانطبق عليهم أي باب الغار
وفي رواية موسى بن عقبة عن نافع في المزارعة فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت
عليهم ويأتي في الأدب بلفظ فانطبقت عليهم وفيه حذف المفعول والتقدير نفسها أو المنفذ
ويؤيده ان في رواية سالم فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار زاد الطبراني في
367

حديث النعمان بن بشير من وجه آخر إذ وقع حجر من الجبل مما يهبط من خشية الله حتى سد فم
الغار (قوله فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه) في رواية موسى بن عقبة المذكورة
انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله ومثله لمسلم وفي رواية الكشميهني خالصة ادعوا الله بها ومن
طريقه في البيوع ادع الله بأفضل عمل عملتموه وفي رواية سالم انه لا ينجيكم الا ان تدعوا الله بصالح
أعمالكم وفي حديث أبي هريرة وأنس جميعا فقال بعضهم لبعض عفا الأثر ووقع الحجر ولا يعلم
بمكانكم الا الله ادعوا الله بأوثق أعمالكم وفي حديث علي عند البزار تفكروا في أحسن
أعمالكم فادعوا الله بها لعل الله يفرج عنكم وفي حديث النعمان بن بشير انكم لن تجدوا
شيئا خيرا من أن يدعو كل امرئ منكم بخير عمل عمله قط (قوله فقال اللهم ان كنت تعلم) كذا
لأبي ذر والنسفي وأبي الوقت لم يذكر القائل وللباقين فقال واحد منهم (قوله اللهم ان كنت تعلم)
فيه اشكال لان المؤمن يعلم قطعا ان الله يعلم ذلك وأجيب بأنه تردد في عمله ذلك هل له اعتبار عند
الله أم لا وكأنه قال إن كان عملي ذلك مقبولا فأجب دعائي وبهذا التقرير يظهر أن قوله اللهم على
بابها في النداء وقد ترد بمعنى تحقق الجواب كمن يسأل آخر عن شئ كأن يقول رأيت زيدا فيقول
اللهم نعم وقد ترد أيضا لندرة المستثنى كأن يقول شيئا ثم يستثني منه فيقول اللهم الا إن كان كذا
(قوله على فرق) بفتح الفاء والراء بعدها قاف وقد تسكن الراء وهو مكيال يسع ثلاثة آصع (قوله
من أرز) فيه ست لغات فتح الألف وضمها مع ضم الراء وبضم الألف مع سكون الراء وتشديد
الزاي وتخفيفها وقد تقدم في المزارعة انه فرق ذرة وتقدم هناك بيان الجمع بين الروايتين ويحتمل
انه استأجر أكثر من واحد وكان بعضهم بفرق ذرة وبعضهم بفرق أرز ويؤيد ذلك أنه وقع في
رواية سالم استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب وفي حديث
النعمان بن بشير نحوه كما سأذكره ووقع في حديث عبد الله بن أبي أوفي عند الطبراني في الدعاء
استأجرت قوما كل واحد منهم بنصف درهم فلما فرغوا أعطيتهم أجورهم فقال أحدهم والله لقد
عملت عمل اثنين والله لا آخذ الا درهما فذهب وتركه فبذرت من ذلك النصف درهم إلى آخره
ويجمع بينهما بان الفرق المذكور كانت قيمته نصف درهم إذ ذاك (قوله فذهب وتركه) في رواية
موسى بن عقبة فأعطيته فأبى ذاك ان يأخذ وفي روايته في المزارعة فلما قضى عمله قال اعطني
حقي فعرضت عليه حقه فرغب عنه وفي حديث أبي هريرة فعمل لي نصف النهار فأعطيته أجرا
فسخطه ولم يأخذه ووقع في حديث النعمان بن بشير بيان السبب في ترك الرجل أجرته ولفظه
كان لي أجراء يعملون فجاءني عمال فاستأجرت كل رجل منهم باجر معلوم فجاء رجل ذات يوم
نصف النهار فاستأجرته بشرط أصحابه فعمل في نصف نهاره كما عمل رجل منهم في نهاره كله فرأيت
علي في الذمام أن لا أنقصه مما استأجرت به أصحابه لما جهد في عمله فقال رجل منهم تعطي هذا مثل
ما أعطيتني فقلت يا عبد الله لم أبخسك شيئا من شرطك وانما هو مالي أحكم فيه بما شئت قال
فغضب وذهب وترك أجره وأما ما وقع في حديث أنس فاتاني يطلب أجره وأنا غضبان فزبرته
فانطلق وترك أجره فلا ينافي ذلك وطريق الجمع ان الأجير لما حسد الذي عمل نصف النهار وعاتب
المستأجر غضب منه وقال له لم أبخسك شيئا إلى آخره وزبره فغضب الأجير وذهب ووقع في حديث
علي وترك واحد منهم أجره وزعم أن أجره أكثر من أجور أصحابه (قوله واني عمدت إلى ذلك الفرق
368

فزرعته فصار من أمره أني اشتريت) وفي رواية الكشميهني ان اشتريت (منه بقرا وانه أتاني
يطلب أجره فقلت له اعمد إلى تلك البقر فسقها) وفي رواية موسى بن عقبة فزرعته حتى اشتريت
منه بقرا وراعيها وفيه فقال أتستهزئ بي فقلت لا وفي رواية أبي ضمرة فأخذها وفي رواية سالم
فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال وفيه فقلت له كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق
من أجرك وفي رواية الكشميهني من أجلك وفيه فاستاقه فلم يترك منه شيا ودلت هذه الرواية على أن
قوله في رواية نافع اشتريت بقرا انه لم يرد انه لم يشتر غيرها وانما كان الأكثر الأغلب البقر فلذلك
اقتصر عليها وفي حديث أنس وأبي هريرة جميعا فجمعته وثمرته حتى كان منه كل المال وقال
في فأعطيته ذلك كله ولو شئت لم أعطه الا الاجر الأول ووقع في حديث عبد الله بن أبي أوفى أنه
دفع إليه عشرة آلاف درهم وهو محمول على انها كانت قيمة الأشياء المذكورة وفي حديث
النعمان بن بشير فبذرته على حدة فأضعف ثم بذرته فأضعف حتى كثر الطعام وفيه فقال أتظلمني
وتسخر بي وفي رواية له ثم مرت بي بقر فاشتريت منها فصيلة فبلغت ما شاء الله والجمع بينهما ممكن
بان يكون زرع أولا ثم اشترى من بعضه بقرة ثم نتجت (قوله فان كنت تعلم أني فعلت ذلك من
خشيتك) وفي رواية موسى بن عقبة ابتغاء وجهك وكذا في رواية سالم والجمع بينهما ممكن وقد وقع
في حديث على عند الطبراني من مخافتك وابتغاء مرضاتك وفي حديث النعمان رجاء رحمتك
ومخافة عذابك (قوله ففرج عنا) في رواية موسى بن عقبة فافرج بوصل وضم الراء من الثلاثي
وضبطه بعضهم بهمزة وكسر الراء من الرباعي وزاد في روايته فافرج عنا فرجة نرى منها السماء
وفيه تقييد لاطلاق قوله في رواية سالم ففرج عنا ما نحن فيه وقوله قال ففرج عنهم وفي رواية
أبي ضمرة ففرج الله فرأوا السماء ولمسلم من هذا الوجه ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء
(قوله فانساخت عنهم الصخرة) اي انشقت وأنكره الخطابي لان معنى انساخ بالمعجمة غاب في
الأرض ويقال انصاخ بالصاد المهملة بدل السين أي انشق من قبل نفسه قال والصواب
انساحت بالحاء المهملة أي اتسعت ومنه ساحة الدار قال وانصاح بالصاد المهملة بدل السين اي
تصدع يقال ذلك للبرق (قلت) الرواية بالخاء المعجمة صحيحة وهي بمعنى انشقت وإن كان أصله
بالصاد فالصاد قد تقلب سينا ولا سيما مع الخاء المعجمة كالصخر والسخر ووقع في حديث سالم
فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج وفي حديث النعمان بن بشير فانصدع الجبل حتى رأوا
الضوء وفي حديث على فانصدع الجبل حتى طمعوا في الخروج ولم يستطيعوا وفي حديث أبي
هريرة وأنس فزال ثلث الحجر (قوله فقال الآخر اللهم ان كنت تعلم أنه كان لي) كذا للأكثر ولأبي
ذر محذف انه (قوله أبوان) هو من التغليب والمراد الأب والأم وصرح بذلك في حديث ابن أبي
أوفى (قوله شيخان كبيران) زاد في رواية أبي ضمرة عن موسى ولي صبية صغار فكنت أرعى عليهم
وفي حديث على أبوان ضعيفان فقيران ليس لهما خادم ولا راع ولا ولي غيري فكنت أرعى لهما
بالنهار وآوى إليهما بالليل (قوله فأبطأت عنهما ليلة) وفي رواية سالم فنأى بي طلب شئ يوما فلم أرح
عليهما حتى ناما وقد تقدم شرح قوله نأي والشئ لم يفسر ما هو في هذه الرواية وقد بين في رواية
مسلم من طريق أبي ضمرة ولفظه واني ناي بي ذات يوم الشجر والمراد أنه استطرد مع غنمه في الرعي
إلى أن بعد عن مكانه زيادة على العادة فلذلك أبطا وفي حديث علي فان الكلأ تناءى على أي تباعد
369

والكلأ المرعى (قوله وأهلي وعيالي) قال الداودي يريد بذلك الزوجة والأولاد والرقيق والدواب
وتعقبه ابن التين بان الدواب لا معنى لها هنا (قلت) انما قال الداودي ذلك في رواية سالم وكنت
لا أغبق قبلهما أهلا ولا ما لا وهو متجه فإنه إذا كان لا يقدم عليهما أولاده فكذلك لا يقدم عليهما
دوابه من باب الأولى (قوله يتضاغون) بالمعجمتين والضغاء بالمد الصياح ببكاء وقوله من الجوع
أي بسبب الجوع وفيه رد على من قال لعل الصياح كان بسبب غير الجوع وفي رواية موسى بن
عقبة والصبية يتضاغون (قوله وكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي فكرهت ان أوقظهما
وكرهت ان أدعهما فيستكنا لشربتهما) اما كراهته لايقاظهما فظاهر لان الانسان يكره أن يوقظ
من نومه ووقع في حديث علي ثم جلست عند رؤسهما بإنائي كراهية ان أورقهما أو أوذيهما وفي
حديث أنس كراهية ان أرد وسنهما وفي حديث ابن أبي أوفى وكرهت ان أوقظهما من نومهما
فيشق ذلك عليهما واما كراهته أن يدعهما فقد فسره بقوله فيستكنا لشربتهما أي يضعفا لأنه
عشاؤهما وترك العشاء يهرم وقوله يستكنا من الاستكانة وقوله لشربتهما اي لعدم شربتهما
فيصيران ضعيفين مسكينين والمسكين الذي لا شئ له (قوله من أحب الناس إلى) هو مقيد
لاطلاق رواية سالم حيث قال فيها كانت أحب الناس إلى وفي رواية موسى بن عقبة كأشد ما يحب
الرجل النساء والكاف زائدة أو أراد تشبيه محبته باشد المحبات (قوله راودتها عن نفسها) أي
بسبب نفسها أو من جهة نفسها وفي رواية سالم فأردتها على نفسها أي ليستعلى عليها (قوله فابت)
في رواية موسى بن عقبة فقالت لا ينال ذلك منها حتى (قوله الا أن آتيها بمائة دينار) وفي رواية
سالم فأعطيتها عشرين ومائة دينار ويحمل على انها طلبت منه المائة فزادها هو من قبل نفسه
عشرين أو ألغى غير سالم الكسر ووقع في حديث النعمان وعقبة بن عامر مائة دينار وأبهم ذلك
في حديث علي وأنس وأبي هريرة وقال في حديث ابن أبي أوفى ما لا ضخما (قوله فلما قعدت بين
رجليها) في رواية سالم حتى إذا قدرت عليها زاد في حديث ابن أبي أوفى وجلست منها مجلس الرجل
من المرأة وفي حديث النعمان بن بشير فلما كشفتها وبين في رواية سالم سبب اجابتها بعد امتناعها
فقال فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة أي سنة قحط فجاءتني فأعطيتها ويجمع بينه وبين رواية
نافع بأنها امتنعت أولا عفة ودافعت بطلب المال فلما احتاجت أجابت (قوله ولا تفض) بالفاء
والمعجمة أي لا تكسر والخاتم كناية عن عذرتها وكأنها كانت بكرا وكنت عن الافضاء بالكسر
وعن الفرج بالخاتم لان في حديث النعمان ما يدل على انها لم تكن بكرا ووقع في رواية أبي
ضمرة ولا تفتح الخاتم والألف واللام بدل من الضمير أي خاتمي ووقع كذلك في حديث أبي العالية
عن أبي هريرة عند الطبراني في الدعاء بلفظ انه لا يحل لك أن تفض خاتمي الا بحقه وقولها بحقه
أرادت به الحلال أي لا أحل لك ان تقربني الا بتزويج صحيح ووقع في حديث علي فقالت أذكرك
الله ان تركب مني ما حرم الله عليك قال فقلت أنا أحق أن أخاف ربي وفي حديث النعمان بن بشير
فلما أمكنتني من نفسها بكت فقلت ما يبكيك قالت فعلت هذا من الحاجة فقالت انطلقي وفي
رواية أخرى عن النعمان انها ترددت إليه ثلاث مرات تطلب منه شيئا من معروفة ويأبى عليها
الا أن تمكنه من نفسها فأجابت في الثالثة بعد أن استأذنت زوجها فاذن لها وقال لها أغنى
عيالك قال فرجعت فناشدتني بالله فأبيت عليها فأسلمت إلى نفسها فلما كشفتها ارتعدت من تحتي
370

فقلت مالك قالت أخاف الله رب العالمين فقلت خفتيه في الشدة ولم أخفه في الرخاء فتركتها وفي
حديث ابن أبي أوفى فلما جلست منها مجلس الرجل من المرأة أذكرت النار فقمت عنها والجمع
بين هذه الروايات ممكن والحديث يفسر بعضه بعضا وفي هذا الحديث استحباب الدعاء في الكرب
والتقرب إلى الله تعالى بذكر صالح العمل واستنجاز وعده بسؤاله واستنبط منه بعض الفقهاء
استحباب ذكر ذلك في الاستسقاء واستشكله المحب الطبري لما فيه من رؤية العمل والاحتقار
عند السؤال في الاستسقاء أولى لأنه مقام التضرع وأجاب عن قصة أصحاب الغار بأنهم
لم يستشفعوا بأعمالهم وانما سألوا الله إن كانت أعمالهم خالصة وقبلت أن يجعل جزاءها الفرج
عنهم فتضمن جوابه تسليم السؤال لكن بهذا القيد وهو حسن وقد تعرض النووي لهذا فقال
في كتاب الاذكار باب دعاء الانسان وتوسله بصالح عمله إلى الله وذكر هذا الحديث ونقل عن
القاضي حسين وغيره استحباب ذلك في الاستسقاء ثم قال وقد يقال إن فيه نوعا من ترك الافتقار
المطلق ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليهم بفعلهم فدل على تصويب فعلهم وقال السبكي
الكبير ظهر لي أن الضرورة قد تلجئ إلى تعجيل جزاء بعض الأعمال في الدنيا وأن هذا منه ثم
ظهر لي انه ليس في الحديث رؤية عمل بالكلية لقول كل منهم ان كنت تعلم اني فعلت ذلك ابتغاء
وجهك فلم يعتقد أحد منهم في عمله الاخلاص بل أحال امره إلى الله فإذا لم يجزموا بالاخلاص فيه
مع كونه أحسن أعمالهم فغيره أولي فيستفاد منه ان الذي يصلح في مثل هذا ان يعتقد الشخص
تقصيره في نفسه ويسئ الظن بها ويبحث على كل واحد من عمله يظن أنه أخلص فيه فيفوض
أمره إلى الله ويعلق الدعاء على علم الله به فحينئذ يكون إذا دعا راجيا للإجابة خائفا من الرد فإن لم
يغلب على ظنه اخلاصه ولو في عمل واحد فليقف عند حده ويستحي ان يسأل بعمل ليس بخالص
قال وانما قالوا ادعوا الله بصالح أعمالكم في أول الأمر ثم عند الدعاء لم يطلقوا ذلك ولا قال واحد
منهم أدعوك بعملي وانما قال إن كنت تعلم ثم ذكر عمله انتهى ملخصا وكأنه لم يقف على كلام المحب
الطبري الذي ذكرته فهو السابق إلى التنبيه على ما ذكر والله أعلم وفيه فضل الاخلاص في العلم
وفضل بر الوالدين وخدمتهما وايثارهما على الولد والاهل وتحمل المشقة لأجلهما وقد استشكل
تركه أولاده الصغار يبكون من الجوع طول ليلتهما مع قدرته على تسكين جوعهم فقيل كان في
شرعهم تقديم نفقة الأصل على غيرهم وقيل يحتمل ان بكاءهم ليس عن الجوع وقد تقدم ما يرده
وقيل لعلهم كانوا يطلبون زيادة على سد الرمق وهذا أولى وفيه فضل العفة والانكفاف عن
الحرام مع القدرة وأن ترك المعصية يمحو مقدمات طلبها وان التوبة تجب ما قبلها وفيه جواز
الإجارة بالطعام المعلوم بين المتآجرين وفضل أداء الأمانة واثبات الكرامة للصالحين واستدل به
على جواز بيع الفضولي وقد تقدم البحث فيه في البيوع وفيه أن المستودع إذا أتجر في مال
الوديعة كان الربح لصاحب الوديعة قاله أحمد وقال الخطابي خالفه الأكثر فقالوا إذا ترتب
المال في ذمة الوديع وكذا المضارب كان تصرف فيه بغير ما أذن له فيلزم ذمته انه ان أتجر فيه كان
الربح له وعن أبي حنيفة الغرامة عليه واما الربح فهو له لكن يتصدق به وفصل الشافعي فقال إن
اشترى في ذمته ثم نفذ الثمن من مال الغير فالعقد له والربح له وان اشترى بالعين فالربح
للمالك وقد تقدم نقل الخلاف فيه في البيوع أيضا وفيه الاخبار عما جرى للأمم الماضية ليعتبر
371

السامعون بأعمالهم فيعمل بحسنها ويترك قبيحها والله أعلم * (تنبيه) * لم يخرج الشيخان هذا
الحديث الا من رواية ابن عمر وجاء باسناد صحيح عن أنس أخرجه الطبراني في الدعاء من وجه آخر
حسن وبإسناد حسن عن أبي هريرة وهو في صحيح ابن حبان وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن
أبي هريرة وعن النعمان بن بشير من ثلاثة أوجه حسان أحدها عند أحمد والبزار وكلها عند
الطبراني وعن علي وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبي أوفى بأسانيد ضعيفة
وقد استوعب طرقه أبو عوانة في صحيحه والطبراني في الدعاء واتفقت الروايات كلها على أن
القصص الثلاثة في الأجير والمرأة والأبوين الا حديث عقبة بن عامر ففيه بدل الأجير أن الثالث
قال كنت في غنم أرعاها فحضرت الصلاة فقمت أصلي فجاء الذئب فدخل الغنم فكرهت أن
أقطع صلاتي فصبرت حتى فرغت فلو كان اسناده قويا لحمل على تعدد القصة ووقع في رواية الباب
من طريق عبيد الله العمري عن نافع تقديم الأجير ثم الأبوين ثم المرأة وخالفه موسى بن عقبة من
الوجهين فقدم الأبوين ثم المرأة ثم الأجير ووافقته رواية سالم وفي حديث أبي هريرة المرأة ثم
الأبوين ثم الأجير وفي حديث أنس الأبوين ثم الأجير ثم المرأة وفي حديث النعمان الأجير ثم
المرأة ثم الأبوين وفي حديث علي وابن أبي أوفى معا المرأة ثم الأجير ثم الأبوين وفي اختلافهم دلالة
على أن الرواية بالمعنى عندهم سائغة شائعة وأن لا أثر للتقديم والتأخير في مثل ذلك وأرجحها
في نظري رواية موسى بن عقبة لموافقة سالم لها فهي أصح طرق هذا الحديث وهذا من حيث
الاسناد وأما من حيث المعنى فينظر أي الثلاثة كان أنفع لأصحابه والذي يظهر انه الثالث لأنه
هو الذي أمكنهم أن يخرجوا بدعائه والا فالأول أفاد اخراجهم من الظلمة والثاني أفاد الزيادة في
ذلك وامكان التوسل إلى الخروج بان يمر مثلا هناك من يعالج لهم والثالث هو الذي تهيأ لهم
الخروج بسببه فهو أنفعهم لهم فينبغي أن يكون عمل الثالث أكثر فضلا من عمل الأخيرين
ويظهر ذلك من الأعمال الثلاثة فصاحب الأبوين فضيلته مقصورة على نفسه لأنه أفاد انه كان
بارا بأبويه وصاحب الأجير نفعه متعد وأفاد بأنه كان عظيم الأمانة وصاحب المرأة أفضلهم لأنه أفاد
انه كان في قلبه خشية ربه وقد شهد الله لمن كان كذلك بان له الجنة حيث قال وأما من خاف مقام
ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى وقد أضاف هذا الرجل إلى ذلك ترك الذهب
الذي أعطاه للمرأة فأضاف إلى النفع القاصر النفع المتعدي ولا سيما وقد قال إنها كانت بنت
عمه فتكون فيه صلة رحم أيضا وقد تقدم أن ذلك كان في سنة قحط فتكون الحاجة إلى ذلك
أحرى فيترجح على هذا رواية عبيد الله عن نافع وقد جاءت قصة المرأة أيضا أخيرة في حديث أنس
والله أعلم * الحديث الرابع عشر حديث أبي هريرة في قصة المرأة التي كانت ترضع ولدها فتكلم
وقد تقدم شرحه في قصة عيسى بن مريم وعبد الرحمن المذكور في الاسناد هو الأعرج * الحديث
الخامس عشر حديثه في قصة المرأة التي سقت الكلب (قوله يطيف) بضم أوله من أطاف
يقال اطفت بالشئ إذا أدمت المرور حوله (قوله بركية) بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد
التحتانية البئر مطوية أو غير مطوية وغير المطوية يقال لها جب وقليب ولا يقال لها بئر حتى تطوى
وقيل الركي البئر قبل أن تطوى فإذا طويت فهي الطوي (قوله بغي) بفتح الموحدة وكسر المعجمة
هي الزانية وتطلق على الأمة مطلقا (قوله موقها) بضم الميم وسكون الواو بعدها قاف هو الخف
372

وقيل ما يلبس فوق الخف (قوله فغفر لها) زاد الكشميهني به وقد تقدم الكلام على هذا الحديث
مشروحا في كتاب الشرب لكن وقع هناك وفي الطهارة ان الذي سقى الكلب رجل وانه سقاه في
خفه ويحتمل تعدد القصة وقدمت بقية الكلام في كتاب الشرب والله أعلم * الحديث السادس
عشر حديث معاوية (قوله عام حج) في رواية سعيد بن المسيب الآتية آخر الباب آخر قدمة قدمها
(قلت) وكان ذلك في سنة إحدى وخمسين وهي آخر حجة حجها في خلافته (قوله فتناول قصة) بضم
القاف وتشديد المهملة هي شعر الناصية والحرسي منسوب إلى الحرس وهو واحد الحراس
(قوله أين علماؤكم) فيه إشارة إلى أن العلماء إذ ذاك فيهم كانوا قد قلوا وهو كذلك لان غالب
الصحابة كانوا يومئذ قد ماتوا وكانه رأى جهال عوامهم صنعوا ذلك فأراد أن يذكر علماءهم
وينبهم بما تركوه من انكار ذلك ويحتمل أن يكون ترك من بقي من الصحابة ومن أكابر التابعين
إذ ذاك الانكار اما لاعتقاد عدم التحريم ممن بلغه الخبر فحمله على كراهة التنزيه أو كان يخشى
من سطوة الامراء في ذلك الزمان على من يستبد بالانكار لئلا ينسب إلى الاعتراض على أولي
الامر أو كانوا ممن لم يبلغهم الخبر أصلا أو بلغ بعضهم لكن لم يتذكروه حتى ذكرهم به معاوية
فكل هذه أعذار ممكنة لمن كان موجودا إذ ذاك من العلماء واما من حضر خطبة معاوية
وخاطبهم بقوله أين علماؤكم فلعل ذلك كان في خطبة غير الجمعة ولم يتفق أن يحضره الا من ليس
من أهل العلم فقال أين علماؤكم لان الخطاب بالانكار لا يتوجه الا على من علم الحكم وأقره
(قوله ويقول) هو معطوف على ينهى وفاعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم (قوله انما هلكت
بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم) فيه اشعار بان ذلك كان حراما عليهم فلما فعلوه كان سببا
لهلاكهم مع ما انضم إلى ذلك من ارتكابهم ما ارتكبوه من المناهي وسيأتي شرح ذلك مبسوطا
في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى * الحديث السابع عشر حديث أبي هريرة (قوله عن أبيه) هو
سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (قوله عن أبي هريرة) هذا هو المشهور عن إبراهيم بن
سعد وقيل عنه عن أبيه عن أبي سلمة عن عائشة كما سيأتي (قوله إنه قد كان فيما مضى قبلكم من
الأمم محدثون) بفتح الدال المهملة سيأتي شرحه مستوفي في مناقب عمر فان فيه انهم كانوا من بني إسرائيل
(قوله وانه إن كان في أمتي هذه منهم) في رواية أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد
وانه إن كان في أمتي أحد منهم (قوله فإنه عمر بن الخطاب) كذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم على
سبيل التوقع وكانه لم يكن اطلع على أن ذلك كائن وقد وقع بحمد الله ما توقعه النبي صلى الله عليه
وسلم في عمر رضي الله عنه ووقع من ذلك لغيره ما لا يحصى ذكره * الحديث الثامن عشر حديث
أبي سعيد (قوله عن أبي الصديق الناجي) في رواية مسلم من طريق معاذ عن شعبة عن قتادة انه
سمع أبا الصديق الناجي واسم أبي الصديق وهو بكسر الصاد المهملة وتشديد الدال المكسورة
بكر واسم أبيه عمرو وقيل قيس وليس له في البخاري سوى هذا الحديث (قوله كان في بني إسرائيل
رجل) لم أقف على اسمه ولا على اسم أحد من الرجال ممن ذكر في القصة زاد مسلم من طريق هشام
عن قتادة عند مسلم فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب (قوله فأتى راهبا) فيه اشعار
بأن ذلك كان بعد رفع عيسى عليه السلام لان الرهبانية انما ابتدعها أتباعه كما نص عليه في
القرآن (قوله فقال له توبة) بحذف أداة الاستفهام وفيه تجريد أو التفات لان حق السياق ان
373

يقول ألي توبة ووقع في رواية هشام فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة وزاد ثم سأل
عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم وقال فيه ومن يحول بينه وبين التوبة (قوله فقال له
رجل ائت قرية كذا وكذا) زاد في رواية هشام فان بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا
ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا كان نصف الطريق أتاه ملك الموت ووقعت لي
تسمية القريتين المذكورتين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا في المعجم الكبير
للطبراني قال فيه ان اسم القرية الصالحة نصرة واسم القرية الأخرى كفرة (قوله فناء) بنون ومد
أي بعد أو المعنى مال أو نهض مع تثاقل فعلى هذا فالمعنى فمال إلى الأرض التي طلبها هذا هو
المعروف في هذا الحديث وحكى بعضهم فيه فنأى بغير مد قبل الهمز وباشباعها بوزن سعى
تقول نأى ينأى نأيا أي بعد وعلى هذا فالمعنى فبعد على الأرض التي خرج منها ووقع في رواية
هشام عن قتادة ما يشعر بان قوله فناء بصدره ادراج فإنه قال في آخر الحديث قال قتادة قال الحسن
ذكر لنا أنه لما أتاه الموت ناء بصدره (قوله فاختصمت فيه) في رواية هشام من الزيادة فقالت ملائكة
الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب انه لم يعمل خيرا قط فأتاه ملك في
صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو لها (قوله فأوحى
الله إلى هذه أن تباعدي) أي إلى القرية التي خرج منها (والى هذه أن تقربي) اي القرية التي
قصدها وفي رواية هشام فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد (قوله أقرب بشبر فغفر له
في رواية معاذ عن شعبة فجعل من أهلها وفي رواية هشام فقبضته ملائكة الرحمة وفي الحديث
مشروعية التوبة من جميع الكبائر حتى من قتل الأنفس ويحمل على أن الله تعالى إذا قبل توبة
القاتل تكفل برضا خصمه وفيه ان المفتي قد يجيب بالخطا وغفل من زعم أنه انما قتل الأخير على
سبيل التأول لكونه أفتاه بغير علم لان السياق يقتضي انه كان غير عالم بالحكم حتى استمر يستفتي
وان الذي أفتاه استبعد ان تصح توبته بعد قتله لمن ذكر انه قتله بغير حق وانه انما قتله بناء على العمل
بفتواه لان ذلك اقتضى عنده ان لا نجاة له فيئس من الرحمة ثم تداركه الله فندم على ما صنع فرجع
يسأل وفيه إشارة إلى قلة فطنة الراهب لأنه كان من حقه التحرز ممن اجترأ على القتل حتى صار له
عادة بان لا يواجهه بخلاف مراده وان يستعمل معه المعاريض مداراة عن نفسه هذا لو كان
الحكم عنده صريحا في عدم قبول توبة القاتل فضلا عن أن الحكم لم يكن عنده الا مظنونا وفيه
أن الملائكة الموكلين ببني آدم يختلف اجتهادهم في حقهم بالنسبة إلى من يكتبونه مطيعا أو
عاصيا وانهم يختصمون في ذلك حتى يقضي الله بينهم وفيه فضل التحول من الأرض التي يصيب
الانسان فيها المعصية لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك اما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك
والفتنة بها واما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه ولهذا قال له الأخير ولا ترجع إلى
أرضك فإنها أرض سوء ففيه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في
زمن المعصية والتحول منها كلها والاشتغال بغيرها وفيه فضل العالم على العابد لان الذي أفتاه
أولا بان لا توبة له غلبت عليه العبادة فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل من استجرائه على
قتل هذا العدد الكثير وأما الثاني فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب ودله على طريق النجاة قال
عياض وفيه ان التوبة تنفع من القتل كما تنفع من سائر الذنوب وهو وإن كان شرعا لمن قبلنا وفي
374

الاحتجاج به خلاف لكن ليس هذا من موضع الخلاف لان موضع الخلاف إذا لم يرد في شرعنا
تقريره وموافقته أما إذا ورد فهو شرع لنا بلا خلاف ومن الوارد في ذلك قوله تعالى ان الله
لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وحديث عبادة بن الصامت ففيه بعد قوله ولا
تقتلوا النفس وغير ذلك من المنهيات فمن أصاب من ذلك شيئا فأمره إلى الله ان شاء عفا عنه وان شاء
عذبه متفق عليه (قلت) ويؤخذ ذلك أيضا من جهة تخفيف الآصار عن هذه الأمة بالنسبة إلى
من قبلهم من الأمم فإذا شرع لهم قبول توبة القاتل فمشروعيتها لنا بطريق الأولى وسيأتي
البحث في قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم الآية في التفسير إن شاء الله تعالى
واستدل به على أن في بني آدم من يصلح للحكم بين الملائكة إذا تنازعوا وفيه حجة لمن أجاز التحكيم
وان من رضي الفريقان بتحكيمه فحكمه جائز عليهم وسيأتي نقل الخلاف في ذلك في الحديث
الذي يلي ما بعده وفيه ان للحاكم إذا تعارضت عنده الأحوال وتعددت البينات أن يستدل
بالقرائن على الترجيح * الحديث التاسع عشر حديث أبي هريرة في قصة البقرة التي تكلمت (قوله
عن الأعرج عن أبي سلمة) هو من رواية الاقران وقد رواه الزهري أيضا عن أبي سلمة وسيأتي مع
شرحه مستوفي في المناقب (قوله بينا رجل يسوق بقرة) لم أقف على اسمه (قوله إذ ركبها
فضربها فقالت انا لم نخلق لهذا) استدل به على أن الدواب لا تستعمل الا فيما جرت العادة باستعمالها
فيه ويحتمل أن يكون قولها انما خلقنا للحرث للإشارة إلى معظم ما خلقت له ولم ترد الحصر في
ذلك لأنه غير مراد اتفاقا لان من أجل ما خلقت له انها تذبح وتؤكل بالاتفاق وقد تقدم قول
ابن بطال في ذلك في كتاب المزارعة (قوله فاني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر) هو محمول على أنه كان
أخبرهما بذلك فصدقاه أو أطلق ذلك لما اطلع عليه من أنهما يصدقان بذلك إذا سمعاه ولا يترددان
فيه (قوله وما هما ثم) بفتح المثلثة أي ليسا حاضرين وهو من كلام الراوي ولم يقع ذلك في رواية
الزهري (قوله وبينا رجل) هو معطوف على الخبر الذي قبله بالاسناد المذكور (قوله إذ عدا
الذئب) بالعين المهملة من العدوان (قوله هذا استنقذتها مني) في رواية الكشميهني استنقذها
بابهام الفاعل (قوله حدثنا علي حدثنا سفيان عن مسعر) هذا يدل على أنه سمعه من شيخه مفرقا
والحاصل ان لسفيان فيه اسنادين أحدهما أبو الزناد عن الأعرج والآخر مسعر عن سعد بن
إبراهيم كلاهما عن أبي سلمة وفي كل من الاسنادين رواية القرين عن قرينه لان الأعرج قرين أبي
سلمة كما تقدم لأنه شاركه في أكثر شيوخه ولا سيما أبو هريرة وإن كان أبو سلمة أكبر سنا من الأعرج
وسفيان بن عيينة قرين مسعر لأنه شاركه في أكثر شيوخه لا سيما سعد بن إبراهيم وإن كان مسعر
أكبر سنا من سفيان * الحديث العشرون حديث أبي هريرة أيضا اشترى رجل من رجل عقارا لم
أقف على اسمهما ولا على اسم أحد ممن ذكر في هذه القصة لكن في المبتدا لوهب بن منبه ان الذي
تحاكما إليه هو داود النبي عليه السلام وفي المبتدا لإسحاق بن بشر أن ذلك وقع في زمن ذي القرنين
من بعض قضاته فالله أعلم وصنيع البخاري يقتضي ترجيح ما وقع عند وهب لكونه أورده في ذكر
بني إسرائيل (قوله عقارا) العقار في اللغة المنزل والضيعة وخصه بعضهم بالنخل ويقال المتاع
النفيس الذي للمنزل عقار أيضا واما عياض فقال العقار الأصل من المال وقيل المنزل والضيعة
وقيل متاع البيت فجعله خلافا والمعروف في اللغة أنه مقول بالاشتراك على الجميع والمراد به هنا
375

الدار وصرح بذلك في حديث وهب بن منبه (قوله فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة
فيها ذهب فقال له خذ ذهبك فإنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع الذهب) وهذا صريح في أن العقد
انما وقع بينهما على الأرض خاصة فاعتقد البائع دخول ما فيها ضمنا وأعتقد المشتري انه لا يدخل
واما صورة الدعوى بينهما فوقعت على هذه الصورة وانهما لم يختلفا في صورة العقد التي وقعت
والحكم في شرعنا على هذا في مثل ذلك ان القول قول المشتري وان الذهب باق على ملك البائع
ويحتمل أنهما اختلفا في صورة العقد بان يقول المشتري لم يقع تصريح ببيع الأرض وما فيها بل
ببيع الأرض خاصة والبائع يقول وقع التصريح بذلك والحكم في هذه الصورة أن يتحالفا ويستردا
المبيع وهذا كله بناء على ظاهر اللفظ انه وجد فيه جرة من ذهب لكن في رواية إسحاق بن بشر ان
المشتري قال إنه اشترى دارا فعمرها فوجد فيها كنزا وان البائع قال له لما دعاه إلى أخذه ما دفنت
ولا علمت وانهما قالا للقاضي ابعث من يقبضه وتضعه حيث رأيت فامتنع وعلى هذا فحكم هذا
المال حكم الركاز في هذه الشريعة ان عرف انه من دفين الجاهلية والا فان عرف انه من دفين
المسلمين فهو لقطة وان جهل فحكمه حكم المال الضائع يوضع في بيت المال ولعلهم لم يكن في
شرعهم هذا التفصيل فلهذا حكم القاضي بما حكم به قوله (وقال الذي له الأرض) أي الذي
كانت له ووقع في رواية أحمد عن عبد الرزاق بيان المراد من ذلك ولفظه فقال الذي باع الأرض انما
بعتك الأرض ووقع في نسخ مسلم اختلاف فالأكثر رووه بلفظ فقال الذي شرى الأرض والمراد
باع الأرض كما قال أحمد ولبعضهم فقال الذي اشترى الأرض ووهمها القرطبي قال الا ان ثبت
ان لفظ اشترى من الأضداد كشرى فلا وهم وقوله فتحا كما ظاهره انهما حكماه في ذلك لكن
في حديث إسحاق بن بشر التصريح بأنه كان حاكما منصوبا للناس فان ثبت ذلك فلا حجة فيه لمن
جوز للمتداعيين أن يحكما بينهما رجلا وينفذ حكمه وهي مسئلة مختلف فيها فأجاز ذلك مالك
والشافعي بشرط أن يكون فيه أهلية الحكم وان يحكم بينهما بالحق سواء وافق ذلك رأي قاضي
البلد أم لا واستثنى الشافعي الحدود وشرط أبو حنيفة أن لا يخالف ذلك رأى قاضي البلد وجزم
القرطبي بأنه لم يصدر منه حكم على أحد منهما وانما أصلح بينهما لما ظهر له ان حكم المال
المذكور حكم المال الضائع فرأى انهما أحق بذلك من غيرهما لما ظهر له من ورعهما وحسن
حالهما وارتجى من طيب نسلهما وصلاح ذريتهما ويرده ما جزم به الغزالي في نصيحة الملوك
انهما تحاكما إلى كسرى فان ثبت هذا ارتفعت المباحث الماضية المتعلقة بالتحكيم لان الكافر
لا حجة فيما يحكم به ووقع في روايته عن أبي هريرة لقد رأيتنا يكثر تمارينا ومنازعتنا عند النبي
صلى الله عليه وسلم أيهما أكثر أمانة (قوله ألكما ولد) بفتح الواو واللام والمراد الجنس لأنه
يستحيل أن يكون للرجلين جميعا ولد واحد والمعنى ألكل منكما ولد ويجوز أن يكون قوله ألكما
ولد بضم الواو وسكون اللام وهي صيغة جمع أي أولاد ويجوز كسر الواو أيضا في ذلك (قوله
فقال أحدهما لي غلام) بين في رواية إسحاق بن بشر أن الذي قال لي غلام هو الذي اشترى العقار
(قوله أنكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا) هكذا وقع بصيغة الجمع
الانكاح والانفاق وبصيغة التثنية في النفسين وفي التصدق وكأن السر في ذلك أن الزوجين كانا
محجوزين وانكاحهما لا بد فيه مع ولييهما من غيرهما كالشاهدين وكذلك الانفاق قد يحتاج
376

فيه إلى المعين كالوكيل وأما تثنية النفسين فللإشارة إلى اختصاص الزوجين بذلك وقد وقع في
رواية إسحاق بن بشر ما يشعر بذلك ولفظه اذهبا فزوج ابنتك من ابن هذا وجهزوهما من هذا
المال وادفعا إليهما ما بقي يعيشان به وأما تثنية التصدق فللإشارة إلى أن يباشراها بغير واسطة
لما في ذلك من الفضل وأيضا فهي تبرع لا يصدر من غير الرشيد ولا سيما ممن ليس له فيها ملك ووقع
في رواية مسلم وأنفقا على أنفسكما والأول أوجه والله أعلم * الحديث الحادي والعشرون
حديث أسامة بن زيد في الطاعون وسيأتي شرحه مستوفى في الطب والغرض منه هنا قوله في
الحديث الطاعون رجز أرسل على بني إسرائيل ووقع هنا رجس بالسين المهملة بدل الزاي
والمحفوظ بالزاي ووجهه القاضي بان الرجس يقع على العقوبة أيضا وقد قال الفارابي والجوهري
الرجس العذاب (قوله في آخر الحديث فلا تخرجوا فرارا منه قال أبو النضر لا يخرجكم
الا فرارا منه) يريد أن الأولى رواية محمد بن المنكدر والثانية رواية أبي النضر فاما رواية ابن
المنكدر فلا اشكال فيها وأما رواية أبي النضر فروايتها بالنصب كالذي هنا مشكلة ورواها جماعة
بالرفع ولا اشكال فيها قال عياض في الشرح وقع لأكثر رواة الموطأ بالرفع وهو بين ان السبب
الذي يخرجكم الفرار ومجرد قصده لا غير ذلك لان الخروج إلى الاسفار والحوائج مباح ويطابق
الرواية الأخرى فلا تخرجوا فرارا منه قال ورواه بعضهم الا فرارا منه قال وقال ابن عبد البر
جاء بالوجهين ولعل ذلك كان من مالك وأهل العربية يقولون دخول الا هنا بعد النفي لايجاب
بعض ما نفى قبل من الخروج فكأنه نهى عن الخروج الا للفرار خاصة وهو ضد المقصود فان
المنهي عنه انما هو الخروج للفرار خاصة لا لغيره قال وجوز ذلك بعضهم وجعل قوله الا حالا من
الاستثناء اي لا تخرجوا إذا لم يكن خروجكم الا للفرار قال عياض ووقع لبعض رواة الموطأ
لا يخرجكم الافرار بأداة التعريف وبعدها افرار بكسر الهمزة وهو وهم ولحن وقال في المشارق
ما حاصله يجوز أن تكون الهمزة للتعدية يقال افره كذا من كذا ومنه قوله عليه الصلاة
والسلام لعدي بن حاتم إن كان لا يفرك من هذا الا ما ترى فيكون المعنى لا يخرجكم اقراره إياكم
وقال القرطبي في المفهم هذه الرواية غلط لأنه لا يقال أفر وانما يقال فرر قال وقال جماعة
من العلماء ادخال الا فيه غلط وقال بعضهم هي زائدة وتجوز زيادته كما تزاد لا وخرجه بعضهم بأنها
للايجاب فذكر نحو ما مضى قال والأقرب أن تكون زائدة وقال الكرماني الجمع بين قول ابن
المنكدر لا تخرجوا فرارا منه وبين قول أبي النضر لا يخرجكم الا فرارا منه مشكل فان ظاهره
التناقض ثم أجاب بأجوبة أحدها ان غرض الراوي ان أبا النضر فسر لا تخرجوا بان المراد منه
الحصر يعني الخروج المنهي هو الذي يكون لمجرد الفرار لا لغرض آخر فهو تفسير للمعلل المنهي
عنه لا للنهي (قلت) وهو بعيد لأنه يقتضي أن هذا اللفظ من كلام أبي النضر زاده بعد الخبر
وانه موافق لابن المنكدر على اللفظ الأول رواية والمتبادر خلاف ذلك والجواب الثاني كالأول
والزيادة مرفوعة أيضا فيكون روى اللفظين ويكون التفسير مرفوعا أيضا الثالث الا زائدة
بشرط ان تثبت زيادتها في كلام العرب * الحديث الثاني والعشرون حديث عائشة في ذلك
وسيأتي شرحه في الطب أيضا * الحديث الثالث والعشرون حديث عائشة في قصة المخزومية
377

التي سرقت وسيأتي شرحه في كتاب الحدود وأورده هنا بلفظ انما أهلك الذين من قبلكم وفي
بعض طرقه ان بني إسرائيل كانوا وهو المطابق للترجمة وسيأتي بسط ذلك إن شاء الله تعالى
* الحديث الرابع والعشرون وحديث ابن مسعود في النهي عن الاختلاف في القراءة وسيأتي
شرحه في فضائل القرآن * الحديث الخامس والعشرون حديث عبد الله وهو ابن مسعود
وشقيق هو أبو وائل (قوله كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه
قومه فادموه) لم أقف على اسم هذا النبي صريحا ويحتمل أن يكون هو نوح عليه السلام فقد
ذكر ابن إسحاق في المبتدا وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسير الشعراء من طريق ابن إسحاق قال حدثني
من لا أتهم عن عبيد بن عمير الليثي أنه بلغه أن قوم نوح كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه
فإذا أفاق قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون (قلت) وان صح ذلك فكأن ذلك كان في ابتداء
الامر ثم لما يئس منهم قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا وقد دكر مسلم بعد تخريج
هذا الحديث حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال في قصة أحد كيف يفلح قوم دموا وجه نبيهم فأنزل
الله ليس لك من الامر شئ ومن ثم قال القرطبي ان النبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكي والمحكي كما
سيأتي وأما النووي فقال هذا النبي الذي جرى له ما حكاه النبي صلى الله عليه وسلم من المتقدمين
وقد جرى لنبينا نحو ذلك يوم أحد (قوله وهو يمسح الدم عن وجهه) يحتمل أن ذلك لما وقع للنبي
صلى الله عليه وسلم ذكر لأصحابه أنه وقع لنبي آخر قبله وذلك فيما وقع له يوم أحد لما شج وجهه وجرى
الدم منه فاستحضر في تلك الحالة قصة ذلك النبي الذي كان قبله فذكر قصته لأصحابه تطبيبا لقلوبهم
وأغرب القرطبي فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكي وهو المحكي عنه قال وكأنه أوحى
إليه بذلك قبل وقوع القصة ولم يسم ذلك النبي فلما وقع له ذلك تعين أنه هو المعنى بذلك (قلت) ويعكر
عليه ان الترجمة لبني إسرائيل فيتعين الحمل على بعض أنبيائهم وفي صحيح ابن حبان من حديث
سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون قال ابن حبان
معنى هذا الدعاء الذي قال يوم أحد لما شج وجهه اي اغفر لهم ذنبهم في شج وجهي لا انه أراد الدعاء
لهم بالمغفرة مطلقا إذ لو كان كذلك لأجيب ولو أجيب لأسلموا كلهم كذا قال وكأنه بناه على أنه
لا يجوز أن يتخلف بعض دعائه على بعض أو عن بعض وفيه نظر لثبوت أعطاني اثنتين ومنعني
واحدة وسيأتي في تفسير سورة الأنعام ثم وجدت في مسند أحمد من طريق عاصم عن أبي وائل
ما يمنع تأويل القرطبي ويعين الغزوة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ولفظه قسم
رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين بالجعرانة قال فازدحموا عليه فقال إن عبدا من عباد الله
بعثه الله إلى قومه فكذبوه وشجوه فجعل يمسح الدم عن جبينه ويقول رب اغفر لقومي فإنهم
لا يعلمون قال عبد الله فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح جبهته يحكي الرجل
(قلت) ولا يلزم من هذا الذي قاله عبد الله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مسح أيضا بل الظاهر
أنه حكى صفة مسح جبهته خاصة كما مسحها ذلك النبي وظهر بذلك فساد ما زعمه القرطبي
* الحديث السادس والعشرون والسابع والعشرون والثامن والعشرون أحاديث أبي سعيد
وحذيفة وأبي هريرة في قصة الذي أوصى بان يحرق إذا مات أورده من طرق وتقدم في هذه الترجمة
من وجه آخر وسأذكر جميع فوائده هنا إن شاء الله تعالى (قوله عن عقبة بن عبد الغافر) بين في
378

الرواية المعلقة تلو هذه سماع قتادة من عقبة وعقبة المذكور أزدى بصري وليس له في البخاري
سوى هذا الحديث وحديث آخر تقدم في الوكالة وطريق معاذ هذه وصلها مسلم عن عبيد الله بن
معاذ العنبري عن أبيه به (قوله رغسه الله) بفتح الراء والغين المعجمة بعدها سين مهملة أي كثر ماله
وقيل رغس كل شئ أصله فكأنه قال جعل له أصلا من مال ووقع في مسلم رأسه الله بهمز بدل
الغين المعجمة قال ابن التين وهو غلط فان صح أي من جهة الرواية فكأنه كان فيه راشه يعني بألف
ساكنة بغير همز وبشين معجمة والريش والرياش المال انتهى ويحتمل في توجيه رواية مسلم أن
يقال معنى رأسه جعله رأسا ويكون بتشديد الهمزة وقوله ما لا أي بسبب المال (قوله قال عقبة
لحذيفة) هو عقبة بن عمرو ابن مسعود الأنصاري البدري (قوله حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل
التبوذكي وفي رواية الكشميهني حدثنا مسدد وصوب أبو ذر رواية الأكثر وبذلك جزم أبو نعيم في
المستخرج أنه عن موسى وموسى ومسدد جميعا قد سمعا من أبي عوانة لكن الصواب هنا موسى
لان المصنف ساق الحديث عن مسدد ثم بين أن موسى خالفه في لفظه منه وهي قوله في يوم راح فان
في رواية مسدد يوم حار وقد تقدم سياق موسى في أول باب ذكر بني إسرائيل وقال فيه انظروا
يوما راحا وقوله راحا أي كثير الريح ويقال ذلك للموضع الذي تخترقه الرياح قال الجوهري يوم
راح أي شديد الريح وإذا كان طيب الريح يقال الريح بتشديد الياء وقال الخطابي يوم راح أي
ذو ريح كما يقال رجل مال أي ذو مال وأما رواية الباب فقوله في يوم حار فهو بتخفيف الراء قال ابن
فارس الحور ريح تحن كحنين الإبل وقد نبه أبو علي الجياني على ما وقع من ذلك وظن بعض
المتأخرين أنه عني بذلك ما وقع في أول ذكر بني إسرائيل فاعترض عليه بأنه ليس هناك الا روايته
عن موسى بن إسماعيل في جميع الطرق وهو صحيح لكن مراد الجياني ما وقع هنا وهو بين لمن تأمل
ذلك (قوله حدثنا عبد الملك) هو ابن عمير المذكور في الاسناد الذي قبله ومراده أن عبد الملك رواه
بالاسناد المذكور مثل الرواية التي قبله الا في هذه اللفظة وهذا يقتضي خطأ من أورده في الرواية
الأولى بلفظ راح وهي رواية السرخسي وقد رواه أبو الوليد عن أبي عوانة فقال فيه في ريح
عاصف أخرجه المصنف في الرقاق (قوله حدثنا هشام) هو ابن يوسف (قوله كان رجل يسرف
على نفسه) تقدم في حديث حذيفة أنه كان نباشا وفي الرواية التي في الرقاق أنه كان يسئ الظن
بعمله وفيه انه لم يبتئر خيرا وسيأتي نقل الخلاف في تحريرها هناك إن شاء الله تعالى وفي حديث أبي
سعيد ان رجلا كان قبلكم (قوله أوروا) بفتح الهمزة وسكون الواو وضم الراء أي اقدحوا
وأشعلوا (قوله إذا أنامت فاحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني) بضم المعجمة وتشديد الراء في حديث
أبي سعيد فقال لبنيه لما حضر بضم المهملة وكسر المعجمة اي حضره الموت اي أبي كنت لكم قالوا
خير أب قال فاني لم أعمل خيرا قط فإذا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني بفتح أوله والتخفيف
وفي رواية الكشميهني ثم أذروني بزيادة همزة مفتوحة في أوله فالأول بمعنى دعوني أي اتركوني
والثاني من قوله أذرت الريح الشئ إذا فرقته بهبوبها وهو موافق لرواية أبي هريرة (قوله في
الريح) تقدم ما في رواية حذيفة من الخلاف في هذه اللفظة وفي حديث أبي سعيد في يوم عاصف
379

أي عاصف ريحه وفي حديث معاذ عن شعبة عند مسلم في ريح عاصف ووقع في حديث موسى بن
إسماعيل في أول الباب حتى إذا اكلت لحمي وخلصت إلى عظمي وامتحشت وهو بضم المثناة وكسر
المهملة بعدها شين معجمة أي وصل الحرق العظام والمحش احراق النار الجلد (قوله فوالله لئن
قدر الله على) في رواية الكشميهني لئن قدر علي ربي قال الخطابي قد يستشكل هذا فيقال كيف
يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على احياء الموتى والجواب أنه لم ينكر البعث وانما جهل
فظن أنه إذا فعل به ذلك لا يعاد فلا يعذب وقد ظهر ايمانه باعترافه بأنه انما فعل ذلك من خشية الله
قال ابن قتيبة قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك ورده ابن الجوزي
وقال جحده صفة القدرة كفر اتفاقا وانما قيل إن معنى قوله لئن قدر الله على أي ضيق وهي كقوله
ومن قدر عليه رزقه اي ضيق وأما قوله لعلي أضل الله فمعناه لعلي أفوته يقال ضل الشئ إذا فات
وذهب وهو كقوله لا يضل ربي لا ينسى ولعل هذا الرجل قال ذلك من شدة جزعه وخوفه كما غلظ
ذلك الآخر فقال أنت عبدي وأنا ربك أو يكون قوله لئن قدر علي بتشديد الدال اي قدر على أن
يعذبني ليعذبني أو على أنه كان مثبتا للصانع وكان في زمن الفترة فلم تبلغه شرائط الايمان
وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول ولم يقله
قاصد الحقيقة معناه بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه
وأبعد الأقوال قوله من قال إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر (قوله فامر الله الأرض
فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت) وفي حديث سلمان الفارسي عن أبي عوانة في صحيحه فقال الله له
كن فكان كأسرع من طرفة العين وهذا جميعه كما قال ابن عقيل اخبار عما سيقع له يوم القيامة
وليس كما قال بعضهم أنه خاطب روحه فان ذلك لا يناسب قوله فجمعه الله لان التحريق والتفريق
انما وقع على الجسد وهو الذي يجمع ويعاد عند البعث (قوله وقال غيره خشيتك) الغير المذكور
هو عبد الرزاق كذا رواه عن معمر بلفظ خشيتك بدل مخافتك وأخرجه أحمد عن عبد الرزاق
بهذا وقد وقع في حديث أبي سعد مخافتك وفي حديث حذيفة خشيتك (قوله في آخر حديث
أبي سعيد فتلقاه رحمته) في رواية الكشميهني فتلافاه قال ابن التين اما تلقاه بالقاف فواضح لكن
المشهور تعديته بالباء وقد جاء هنا بغير تعدية وعلى هذا فالرحمة منصوبة على المفعولين ويحتمل أن
يكون ذكر الرحمة وهي على هذا بالرفع قال واما تلافاه بالفاء فلا أعرف له وجها الا أن يكون أصله
فتلففه اي غشاه فلما اجتمعت الثلاث فاءات أبدلت الأخيرة ألفا مثل دساها كذا قال ولا يخفى
تكلفه والذي يظهر أنه من الثلاثي والقول فيه كالقول في التلقي وقد وقع في حديث سلمان مما
تلافاه عندهما ان غفر له * الحديث التاسع والعشرون حديث أبي هريرة في الذي كان يداين
الناس قد تقدم في البيوع * الحديث الثلاثون حديث عبد الله وهو ابن عمر في التي ربطت
الهرة ولم أقف على اسمها لكن تقدم أنها سوداء وانها حميرية وانها من بني إسرائيل وانه لا تنافي بين
ذلك وتقدم شرحه في أواخر بدء الخلق * الحديث الحادي والثلاثون (قوله عن أبي مسعود)
هذا هو المحفوظ ورواه إبراهيم بن سعد عن منصور عن عبد الملك فقال عن ربعي بن حراش عن
حذيفة حكاه الدارقطني في العلل قال ورواه أبو مالك الأشجعي أيضا عن ربعي عن حذيفة (قلت)
روايته عند أحمد وليس ببعيد أن يكون ربعي سمعه من أبي مسعود ومن حذيفة جميعا (قوله إن
380

مما أدرك الناس من كلام النبوة) الناس بالرفع في جميع الطرق ويجوز النصب أي مما بلغ الناس
وقوله من كلام النبوة أي مما اتفق عليه الأنبياء أي انه مما ندب إليه الأنبياء ولم ينسخ فيما نسخ من
شرائعهم لأنه أمر أطبقت عليه العقول وزاد أبو داود وأحمد وغيرهما النبوة الأولى أي التي قبل
نبينا صلى الله عليه وسلم (قوله فاصنع ما شئت) هو أمر بمعنى الخبر أو هو للتهديد أي اصنع ما شئت
فان الله يجزيك أو معناه انظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحي منه فافعله وإن كان مما
يستحي منه فدعه أو المعنى انك إذا لم تستح من الله من شئ يجب أن لا تستحي منه من أمر الدين
فافعله ولا تبال بالخلق أو المراد الحث على الحياء والتنويه بفضله أي لما لم يجز صنع جميع ما شئت لم يجز
ترك الاستحياء * الحديث الثاني والثلاثون حديث ابن عمر بينما رجل يجر ازاره من الخيلاء خسف
به سيأتي شرحه مستوفى في كتاب اللباس وعبد الله هو ابن المبارك وقد رواه عن يونس أيضا عبد
الله بن وهب أخرجه النسائي وأبو عوانة في صحيحه (قوله تابعه عبد الرحمن بن خالد) اي ابن
مسافر (عن الزهري) أي بهذا الاسناد وطريق عبد الرحمن هذه وصلها المؤلف في كتاب اللباس
* الحديث الثالث والثلاثون حديث أبي هريرة في فضل يوم الجمعة تقدم شرحه مستوفي في كتاب
الجمعة * الحديث الرابع والثلاثون حديث معاوية في النهي عن الوصل في الشعر وقد تقدم في
هذا الباب من وجه آخر وتقدمت الإشارة إلى مكان شرحه (قوله تابعه غندر عن شعبة) وصله
مسلم والنسائي من طريقه وأخرجه أحمد وابن أبي شيبة عن غندر وهو محمد بن جعفر به * (خاتمة) *
اشتمل كتاب أحاديث الأنبياء وما بعده من ذكر بني إسرائيل من الأحاديث المرفوعة على مائتي
حديث وتسعة أحاديث المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وسبعة وعشرون حديثا والخالص اثنان
وثمانون حديثا المعلق منها ثلاثون طريقا وسائرها موصول وافقه مسلم على تخريجها سوى
حديث عائشة الأرواح جنود وحديث قال رجل رأيت السد وهذان معلقان وحديث أبي هريرة
يلقي إبراهيم أباه وحديث ابن عباس في قصة زمزم وبناء البيت بطوله وحديثه في تعويذ الحسن
والحسين وحديث سبرة بن معبد وحديث أبي الشموس وحديث أبي ذر وهذه الثلاثة معلقات
وحديث أم رومان في قصة الإفك وحديث أبي هريرة انما سمي الخضر وحديث ابن مسعود في يونس
عليه السلام وحديث أبي هريرة خفف على داود القرآن وحديث عمر لا تطروني وحديث عائشة
في كراهية الاتكاء على الخاصرة وحديث عبد الله بن عمرو بلغوا عني وحديث أبي هريرة ان اليهود
لا يصبغون وحديث عائشة في الطاعون وحديث أبي مسعود في الحياء وفيه من الآثار
عن الصحابة فمن بعدهم ستة وثمانون أثرا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم (قوله بسم الله الرحمن الرحيم باب المناقب) كذا في الأصول التي وقفت
عليها من كتاب البخاري وذكر صاحب الأطراف وكذا في بعض الشروح أنه قال كتاب المناقب
فعلى الأول هو من جملة كتاب أحاديث الأنبياء وعلى الثاني هو كتاب مستقل والأول أولى فإنه
يظهر من تصرفه أنه قصد به سياق الترجمة النبوية بان يجمع فيه أمور النبي صلى الله عليه وسلم
من المبدأ إلى المنتهى فبدأ بمقدماتها من ذكر ما يتعلق بالنسب الشريف فذكر أشياء تتعلق
بالانساب ومن ثم ذكر أمورا تتعلق بالقبائل ثم النهي عن دعوى الجاهلية لان معظم فخرهم كان
بالانساب ثم ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله ومعجزاته واستطرد منها لفضائل أصحابه ثم
381

أتبعها بأحواله قبل الهجرة وما جرى له بمكة فذكر المبعث ثم اسلام الصحابة وهجرة الحبشة والمعراج
ووفود الأنصار والهجرة إلى المدينة ثم ساق المغازي على ترتيبها عنده ثم الوفاة فهذا آخر هذا الباب
وهو من جملة تراجم الأنبياء وختمها بخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم (قوله وقول الله
عز وجل يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى الآية) يشير إلى ما تضمنته هذه الآية من أن
المناقب عند الله انما هي بالتقوى بان يعمل بطاعته ويكف عن معصيته وقد ورد في الحديث
ما يوضح ذلك ففي صحيحي ابن خزيمة وابن حبان وتفسير ابن مردويه من رواية عبد الله بن
دينار عن ابن عمر قال خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فقال أما بعد يا أيها الناس فان الله
قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها يا أيها الناس الناس رجلان مؤمن تقي كريم على الله
وفاجر شقي هين على الله ثم تلا يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى ورجاله ثقات الا ان ابن
مردويه ذكر أن محمد بن المقري راوية عن عبد الله بن رجاء عن موسى بن عقبة وهم في قوله موسى
ابن عقبة وانما هو موسى بن عبيدة وابن عقبة ثقة وابن عبيدة ضعيف وهو معروف برواية موسى
ابن عبيدة كذلك أخرجه ابن أبي حاتم وغيره وروى أحمد والحارث وابن أبي حاتم من طريق أبي
نضرة حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى وهو على بعير يقول يا أيها الناس
ان ربكم واحد وان أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر الا بالتقوى خيركم
عند الله أتقاكم (قوله لتعارفوا) أي ليعرف بعضكم بعضا بالنسب يقول فلان بن فلان وفلان
ابن فلان أخرجه الطبري عن مجاهد (قوله وقوله تعالى واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام)
قال ابن عباس أي اتقوا الأرحام وصلوها أخرجه ابن أبي حاتم عنه والأرحام جمع رحم وذوو الرحم
الأقارب يطلق على كل من يجمع بينه وبين الآخر نسب والقراءة المشهورة والأرحام نصبا
وعليها جاء التفسير وقرأ حمزة والأرحام بالجر واختلف في توجيهه فقيل معطوف على الضمير المجرور
في به من غير إعادة الجار وهو جائز عند جمع ومنعه البصريون وقرأها ابن مسعود فيما قيل بالرفع
فان ثبت فهو مبتدأ والخبر محذوف تقديره مما يتقي أو مما يسأل به والمراد بذكر هذه الآية الإشارة
إلى الاحتياج إلى معرفة النسب أيضا لأنه يعرف به ذوو الأرحام المأمور بصلتهم وذكر ابن حزم في
مقدمة كتاب النسب له فصلا في الرد على من زعم أن علم النسب علم لا ينفع وجهل لا يضر بان في
علم النسب ما هو فرض على كل أحد وما هو فرض على الكفاية وما هو مستحب قال فمن ذلك ان
يعلم أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ابن عبد الله الهاشمي فمن زعم أنه لم يكن هاشميا فهو
كافر وان يعلم أن الخليفة من قريش وان يعرف من يلقاه بنسب في رحم محرمة ليجتنب تزويج
ما يحرم عليه متهم وان يعرف من يتصل به ممن يرثه أو يجب عليه بره من صلة أو نفقة أو معاونة وان
يعرف أمهات المؤمنين وان نكاحهن حرام على المؤمنين وان يعرف الصحابة وان حبهم مطلوب
وان يعرف الأنصار ليحسن إليهم لثبوت الوصية بذلك ولان حبهم ايمان وبغضهم نفاق قال ومن
الفقهاء من يفرق في الجزية وفي الاسترقاق بين العرب والعجم فحاجته إلى علم النسب آكد وكذا
من يفرق بين نصارى بني تغلب وغيرهم في الجزية وتضعيف الصدقة قال وما فرض عمر رضي الله
عنه الديوان الا على القبائل ولولا علم النسب ما تخلص له ذلك وقد تبعه على ذلك عثمان وعلي
وغيرهما وقال ابن عبد البر في أول كتابه النسب ولعمري لم ينصف من زعم أن علم النسب علم
382

لا ينفع وجهل لا يضر انتهى وهذا الكلام قد روى مرفوعا ولا يثبت وروى عن عمر أيضا ولا
يثبت بل ورد في المرفوع حديث تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم وله طرق أقواها ما أخرجه
الطبراني من حديث العلاء بن خارجة وجاء هذا أيضا عن عمر ساقه بن حزم باسناد رجاله موثقون
الا ان فيه انقطاعا والذي يظهر حمل ما ورد من ذمه على التعمق فيه حتى يشتغل عما هو أهم منه
وحمل ما ورد في استحسانه على ما تقدم من الوجوه التي أوردها ابن حزم ولا يخفى ان بعض ذلك
لا يختص بعلم النسب والله المستعان (قوله وما ينهى عن دعوى الجاهلية) سيأتي الكلام عليه
بعد أبواب قلائل (قوله الشعوب النسب البعيد والقبائل دون ذلك) هو قول مجاهد أخرجه
الطبري عنه وذكر أبو عبيدة مثال الشعب مضر وربيعة ومثال القبيلة من دون ذلك وأنشد
لعمرو بن أحمر
من شعب همدان أو سعد العشيرة أو * خولان أو مذحج هاجوا له طربا
(قوله حدثنا أبو بكر) هو ابن عياش الكوفي وكذا سائر الاسناد وأبو حصين بفتح أوله هو عثمان
ابن عاصم (قوله الشعوب القبائل العظام والقبائل البطون) أي ان المراد بلفظ القبائل في
القرآن ما هو في اصطلاح أهل النسب البطون وقد روى الطبري هذا الحديث عن خلاد بن أسلم
وأبي كريب كلاهما عن أبي بكر بن عياش بهذا الاسناد لكن قال في المتن الشعوب الجماع أي
الذي يجمع متفرقات البطون قال خلاد قال أبو بكر القبائل مثل بني تميم ودونها الأفخاذ انتهى
وقد قسمها الزبير بن بكار في كتاب النسب إلى شعب ثم قبيلة ثم عمارة بكسر العين ثم بطن ثم فخذ ثم
فصيلة وزاد غيره قبل الشعب الجذم وبعد الفصيلة العشيرة ومنهم من زاد بعد العشيرة الأسرة ثم
العترة فمثال الجذم عدنان ومثال الشعب مضر ومثال القبيلة كنانة وقتال العمارة قريش
وأمثلة ما دون ذلك لا تخفي ويقع في عباراتهم أشياء مرادفة لما تقدم كقولهم حي وبيت وعقيلة
وأرومة وجرثومة ورهط وغير ذلك ورتبها محمد بن أسعد النسابة المعروف بالحراني جميعها
وأردفها فقال جذم ثم جمهور ثم شعب ثم قبيلة ثم عمارة ثم بطن ثم فخذ ثم عشيرة ثم فصيلة ثم رهط ثم
أسرة ثم عترة ثم ذرية وزاد غيره في أثنائها ثلاثة وهي بيت وحي وجماعة فزادت على ما ذكر الزبير
عشرة وقال أبو إسحاق الزجاج القبائل للعرب كالاسباط لبني إسرائيل ومعنى القبيلة الجماعة
ويقال لكل ما جمع على شئ واحد قبيلة أخذا من قبائل الشجرة وهو غصونها أو من قبائل الرأس
وهو أعضاؤها سميت بذلك لاجتماعها ويقال المراد بالشعوب في الآية بطون العجم وبالقبائل
بطون العرب ثم ذكر المصنف في الباب سبعة أحاديث * الأول حديث أبي هريرة قيل
يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم الحديث أورده مختصرا وقد مضى في قصة يوسف
والغرض منه واضح وانما أطلق على يوسف أكرم الناس لكونه رابع نبي في نسق ولم يقع ذلك لغيره
فإنه اجتمع له الشرف في نسبه من وجهين * الحديث الثاني (قوله حدثنا عبد الواحد) هو ابن
زياد (قوله حدثنا كليب بن وائل) هذا هو المحفوظ ورواه عفان عن عبد الواحد فقال عن
عاصم بن كليب أخرجه الإسماعيلي وهو خطا من عفان وكليب بن وائل تابعي وسط كوفي
أصله من المدينة وهو ثقة عند الجميع الا ان أبا زرعة ضعفه بغير قادح وليس له في البخاري سوى
هذا الحديث (قوله حدثتني ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم) هي بنت أم سلمة زوج النبي صلى الله
383

عليه وسلم (قوله قالت ممن كان الا من مضر) في رواية الكشميهني فمن كان بزيادة فاء في
الجواب وهو استفهام انكار أي لم يكن الا من مضر (قوله مضر) هو ابن نزار بن معد بن عدنان
والنسب ما بين عدنان إلى إسماعيل بن إبراهيم مختلف فيه كما سيأتي وأما من النبي صلى الله عليه وسلم
إلى عدنان فمتفق عليه وقال ابن سعد في الطبقات حدثنا هشام بن الكلبي قال علمني أبي وأنا غلام
نسب النبي صلى الله عليه وسلم فقال محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وهو شيبة الحمد بن هاشم
واسمه عمرو بن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصي واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن
غالب بن فهر واليه جماع قريش وما كان فوق فهر فليس بقرشي بل هو كناني ابن مالك بن النضر
واسمه قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة واسمه عمرو بن الياس بن مضر وروى الطبراني باسناد
جيد عن عائشة قالت استقام نسب الناس إلى معد بن عدنان ومضر بضم الميم وفتح المعجمة يقال
سمي بذلك لأنه كان مولعا بشرب اللبن الماضر وهو الحامض وفيه نظر لأنه يستدعي انه كان له
اسم غيره قبل أن يتصف بهذه الصفة نعم يمكن أن يكون هذا اشتقاقه ولا يلزم ان يكون متصفا به
حالة التسمية وهو أول من حدا الإبل وروى ابن حبيب في تاريخه عن ابن عباس قال مات عدنان
وأبوه وابنه معد وربيعة ومضر وقيس وتميم وأسد وضبة على الاسلام على ملة إبراهيم وروى
الزبير بن بكار من وجه آخر عن ابن عباس لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين ولابن سعد
من مرسل عبد الله بن خالد رفعه لا تسبوا مضر فإنه كان قد أسلم (قوله من بني النضر بن كنانة)
اي المذكور وروى أحمد وابن سعد من حديث الأشعث بن قيس الكندي قال قلت يا رسول الله
انا نزعم انكم منا يعني من اليمن فقال نحن بنو النضر بن كنانة وروى ابن سعد من حديث عمرو بن
العاص باسناد فيه ضعف مرفوعا انا محمد بن عبد الله وانتسب حتى بلغ النضر بن كنانة
قال غير ذلك فقد كذب انتهى والى النصر تنتهي انساب قريش وسيأتي بيان ذلك في الباب
الذي يليه والى كنانة تنتهي أنساب أهل الحجاز وقد روى مسلم من حديث واثلة مرفوعا ان الله
اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني
من بني هاشم ولابن سعد من مرسل أبي جعفر الباقر ثم اختار بني هاشم من قريش ثم أختار بني
عبد المطلب من بني هاشم (قوله حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي (قوله وأظنها
زينب) كأن قائله موسى لان قيس بن حفص في الرواية التي قبلها قد جزم بأنها زينب وشيخهما
واحد لكن أخرجه الإسماعيلي من رواية حبان بن هلال عن عبد الواحد وقال لا أعلمها الا
زينب فكأن الشك فيه من شيخهم عبد الواحد كان يجزم بها تارة ويشك فيها أخرى (قوله
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدباء) بضم المهملة وتشديد الموحدة سيأتي شرحه في كتاب
الأشربة وأورده هنا لكونه سمع الحديث على هذه الصورة وهذا هو المرفوع منه فلم ير حذفه من
السياق على أنه لم يطرد له في ذلك عمل فإنه تارة يأتي بالحديث على وجهه كما صنع هنا وتارة يقتصر
على موضع حاجته منه كما تقدم في عدة مواطن (قوله والمقير والمزفت) كذا وقع هنا بالميم والقاف
المفتوحة قال أبو ذر هو خطأ والصواب النقير يعني بالنون وكسر القاف وهو واضح لئلا يلزم منه
التكرار إذا ذكر المزفت * الحديث الثالث يشتمل على ثلاثة أحاديث أولها (قوله حدثني
إسحاق بن إبراهيم) هو ابن راهويه (قوله تجدون الناس معادن) اي أصولا مختلفة والمعادن
384

جمع معدن وهو الشئ المستقر في الأرض فتارة يكون نفيسا وتارة يكون خسيسا وكذلك الناس
(قوله خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام) وجه التشبيه ان المعدن لما كان إذا استخرج
ظهر ما اختفى منه ولا تتغير صفته فكذلك صفة الشرف لا تتغير في ذاتها بل من كان شريفا في
الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس فان أسلم استمر شرفه وكان أشرف ممن أسلم من
المشروفين في الجاهلية وأما قوله إذا فقهوا ففيه إشارة إلى أن الشرف الاسلامي لا يتم الا بالتفقه
في الدين وعلى هذا فتنقسم الناس أربعة أقسام مع ما يقابلها الأول شريف في الجاهلية أسلم
وتفقه ويقابله مشروف في الجاهلية لم يسلم ولم يتفقه الثاني شريف في الجاهلية أسلم ولم يتفقه
ويقابله مشروف في الجاهلية لم يسلم وتفقه الثالث شريف في الجاهلية لم يسلم ولم يتفقه ويقابله
مشروف في الجاهلية أسلم ثم تفقه الرابع شريف في الجاهلية لم يسلم وتفقه ويقابله مشروف في
الجاهلية أسلم ولم يتفقه فارفع الأقسام من شرف في الجاهلية ثم أسلم وتفقه ويليه من كان مشروفا
ثم أسلم وتفقه ويليه من كان شريفا في الجاهلية ثم أسلم ولم يتفقه ويليه من كان مشروفا ثم أسلم
ولم يتفقه وأما من لم يسلم فلا اعتبار به سواء كان شريفا أو مشروفا سواء تفقه أو لم يتفقه والله أعلم
والمراد بالخيار والشرف وغير ذلك من كان متصفا بمحاسن الأخلاق كالكرم والعفة والحلم
وغيرها متوقيا لمساويها كالبخل والفجور والظلم وغيرها (قوله إذا فقهوا) بضم القاف ويجوز
كسرها * ثانيها (قوله ويجدون خير الناس في هذا الشأن) أي الولاية والامرة وقوله أشدهم
له كراهية اي ان الدخول في عهدة الامرة مكروه من جهة تحمل المشقة فيه وانما تشتد الكراهة
له ممن يتصف بالعقل والدين لما فيه من صعوبة العمل بالعدل وحمل الناس على رفع الظلم ولما
يترتب عليه من مطالبة الله تعالى للقائم به من حقوقه وحقوق عباده ولا يخفى خيرية من خاف
مقام ربه وأما قوله في الطريق التي بعد هذه وتجدون من خير الناس أشد الناس كراهية لهذا
الشأن حتى يقع فيه فإنه قيد الاطلاق في الرواية الأولى وعرف ان من فيه مراده وان من اتصف
بذلك لا يكون خير الناس على الاطلاق وأما قوله حتى يقع فيه فاختلف في مفهومه فقيل معناه
ان من لم يكن حريصا على الامرة غير راغب فيها إذا حصلت له بغير سؤال تزول عنه الكراهة فيها
لما يرى من اعانة الله له عليها فيأمن على دينه ممن كان يخاف عليه منها قبل أن يقع فيها ومن ثم
أحب من أحب استمرار الولاية من السلف الصالح حتى قاتل عليها وصرح بعض من عزل منهم بأنه
لم تسره الولاية بل ساءه العز وقيل المراد بقوله حتى يقع فيه أي فإذا وقع فيه لا يجوز له أن يكرهه
وقيل معنا ان العادة جرت بذلك وان من حرص على الشئ ورغب في طلبه قل أن يحصل له ومن
أعرض عن الشئ وقلت رغبته فيه يحصل له غالبا والله أعلم * ثالثها (قوله وتجدون شر الناس
ذا الوجهين) سيأتي شرحه في كتاب الأدب فقد أورده من وجه آخر مستقلا * الحديث الرابع
يشتمل على أربعة أحاديث الثلاثة المذكورة في الذي قبله و رابعها (قوله الناس تبع لقريش)
قيل هو خبر بمعنى الامر ويدل عليه قوله في رواية أخرى قدموا قريشا ولا تقدموها أخرجه
عبد الرزاق باسناد صحيح لكنه مرسل وله شواهد وقيل هو خبر على ظاهره والمراد بالناس بعض
الناس وهم سائر العرب من غير قريش وقد جمعت في ذلك تأليفا سميته لذة العيش بطرق الأئمة من
قريش وسأذكر مقاصده في كتاب الأحكام مع ايضاح هذه المسئلة قال عياض استدل الشافعية
385

بهذا الحديث على امامة الشافعي وتقديمه على غيره ولا حجة فيه لان المراد به هنا الخلفاء وقال
القرطبي صحبت المستدل بهذا غفلة مقارنة لصميم التقليد وتعقب بان مراد المستدل ان القرشية
من أسباب الفضل والتقدم كما أن من أسباب التقدم الورع مثلا فالمستويان في خصال الفضل إذا
تميز أحدهما بالورع مثلا كان مقدما على رفيقه فكذلك القرشية فثبت الاستدلال بها على
تقدم الشافعي ومزيته على من ساواه في العلم والدين لمشاركته له في الصفتين وتميزه عليه بالقرشية
وهذا واضح ولعل الغفلة والعصبية صحبت القرطبي فلله الامر وقوله كافرهم تبع لكافرهم وقع
مصداق ذلك لان العرب كانت تعظم قريشا في الجاهلية بسكناها الحرم فلما بعث النبي صلى الله
عليه وسلم ودعا إلى الله توقف غالب العرب عن اتباعه وقالوا ننظر ما يصنع قومه فلما فتح النبي صلى
الله عليه وسلم مكة وأسلمت قريش تبعتهم العرب ودخلوا في دين الله أفواجا واستمرت خلافة النبوة
في قريش فصدق ان كافرهم كان تبعا لكافرهم وصار مسلمهم تبعا لمسلمهم * الحديث الخامس
(قوله حدثني عبد الملك) هو ابن ميسرة و وقع منسوبا في تفسير حم عسق ويأتي شرحه مستوفي
هناك ودخوله في هذه الترجمة واضح من جهة تفسير المودة المطلوبة في الآية بصلة الرحم التي بينه
وبين قريش وهم الذين خوطبوا بذلك وذلك يستدعي معرفة النسب التي تحقق بها صلة الرحم قال
عكرمة كانت قريش تصل الأرحام في الجاهلية فلما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله خالفوه
وقاطعوه فأمرهم بصلة الرحم التي بينه وبينهم وسيأتي بيان الاختلاف في المراد بقوله المودة في
القربى في التفسير وقوله هنا ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش الأولى فيه قرابة
فنزلت فيه الا ان تصلوا قرابة بيني وبينكم كذا وقع هنا من رواية يحيى وهو القطان عن شعبة ووقع
في التفسير من رواية محمد بن جعفر وهو غندر عن شعبة بلفظ الا كان له فيهم قرابة فقال الا ان تصلوا
ما بيني وبينكم من القرابة وهذه الرواية واضحة والأولى مشكلة لأنها توهم ان المذكور بعد قوله
فنزلت من القرآن وليس كذلك وقد مشى بعض الشراح على ظاهره فقال كان هذا قرآنا فنسخ
وقال غيره يحتمل ان هذا الكلام معنى الآية فنسب إلى النزول مجازا وهو كقول حسان في قصيدته
المشهورة وقال الله قد أرسلت عبدا * يقول الحق ليس به خفاء
يريد أنه من قول الله بالمعنى (قلت) والذي يظهر لي ان الضمير في قوله فنزلت للآية المسؤول عنها وهي
قوله قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى وقوله الا ان تصلوا كلام ابن عباس تفسير
لقوله تعالى الا المودة في والقربى وقد أوضحت ذلك رواية الإسماعيلي من طريق معاذ بن معاذ عن
شعبة فقال في روايته فقال ابن عباس انه لم يكن بطن من بطون قريش الا للنبي صلى الله عليه وسلم
فيه قرابة فنزلت قل لا أسألكم عليه أجرا الا أن تصلوا قرابتي منكم وله من طريق يزيد بن زريع عن
شعبة مثله لكن قال الا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة فعرف بهذا أن المراد ذكر بعض الآية
بالمعنى على جهة التفسير وسبب ذلك خفاء معناها على سعيد بن جبير وسيأتي ذكر ما يتعلق بذلك
في التفسير إن شاء الله تعالى * الحديث السادس (قوله عن إسماعيل) هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن
أبي حازم (قوله يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم هذا صريح في رفعه وليس صريحا في أن الصحابي
سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم (قوله من ههنا) أي المشرق (قوله جاءت الفتن) ذكره بلفظ
الماضي مبالغة في تحقق وقوعه وإن كان المراد ان ذلك سيجئ (قوله نحو المشرق) أي وأشار إلى
386

جهة المشرق وقد تقدم في بدء الخلق من وجه آخر عن إسماعيل حدثني قيس عن عقبة بن عمرو أبي
مسعود قال إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث (وقوله والجفاء وغلظ القلوب)
قال القرطبي هما شيئان لمسمى واحد كقوله انما أشكو بثي وحزني إلى الله والبث هو الحزن
ويحتمل أن يقال المراد بالجفاء أن القلب لا يلين بالموعظة ولا يخشع لتذكره والمراد بالغلظ أنها
لا تفهم المراد ولا تعقل المعنى وقد مضى في الرواية التي في بدء الخلق بلفظ القسوة بدل الجفاء (قوله
في الفدادين) تقدم شرحه في بدء الخلق قال الكرماني مناسبة هذا الحديث والذي بعده للترجمة
من ضرورة ان الناس باعتبار الصفات كالقبائل وكون الأتقى منهم هو الأكرم انتهى ولقد أبعد
النجعة والذي يظهر أنها من جهة ذكر ربيعة ومضر لان معظم العرب يرجع نسبه إلى هذين
الأصلين وهم كانوا أجل أهل المشرق وقريش الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم أحد فروع
مضر فاما أهل اليمن فتعرض لهم في الحديث الذي بعده وسيأتي لهم ترجمة من نسب العرب كلهم
إلى إسماعيل * الحديث السابع (قوله في حديث أبي هريرة والايمان يمان والحكمة يمانية)
ظاهره نسبة الايمان إلى اليمن لان أصل يمان يمني فحذفت ياء النسب وعوض بالألف بدلها
وقوله يمانية هو بالتخفيف وحكى ابن السيد في الاقتضاب أن التشديد لغة وحكى الجوهري وغيره
أيضا عن سيبويه جواز التشديد في يماني وأنشد
يمانيا يظل يشد كيرا * وينفخ دائما لهب الشواظ
واختلف في المراد به فقيل معناه نسبة الايمان إلى مكة لان مبدأه منها ومكة يمانية بالنسبة إلى
المدينة وقيل المراد نسبة الايمان إلى مكة والمدينة وهما يمانيتان بالنسبة للشام بناء على أن هذه
المقالة صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم وهو حينئذ بتبوك ويؤيده قوله في حديث جابر عند
مسلم والايمان في أهل الحجاز وقيل المراد بذلك الأنصار لان أصلهم من اليمن ونسب الايمان إليهم
لانهم كانوا الأصل في نصر الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حكى جميع ذلك أبو عبيدة في غريب
الحديث له وتعقبه ابن الصلاح بأنه لا مانع من اجراء الكلام على ظاهره وان المراد تفضيل أهل
اليمن على غيرهم من أهل المشرق والسبب في ذلك اذعانهم إلى الايمان من غير كبير مشقة على
المسلمين بخلاف أهل المشرق وغيرهم ومن اتصف بشئ وقوى قيامه به نسب إليه اشعارا بكمال
حاله فيه ولا يلزم من ذلك نفى الايمان عن غيرهم وفي ألفاظه أيضا ما يقتضي أنه أراد به أقواما
بأعيانهم فأشار إلى من جاء منهم لا إلى بلد معين لقوله في بعض طرقه في الصحيح أتاكم أهل اليمن هم
ألين قلوبا وأرق أفئدة الايمان يمان والحكمة يمانية ورأس الكفر قبل المشرق ولامانع من اجراء
الكلام على ظاهره وحمل أهل اليمن على حقيقته ثم المراد بذلك الموجود منهم حينئذ لا كل أهل
اليمن في كل زمان فان اللفظ لا يقتضيه قال والمراد بالفقه الفهم في الدين والمراد بالحكمة العلم
المشتمل على المعرفة بالله انتهي وقد أبعد الحكيم الترمذي حيث زعم أن المراد بذلك شخص خاص
وهو أويس القرني وسيأتي في باب ذكر قحطان زيادة في هذا والله أعلم (قوله قال أبو عبد الله) هو
المصنف (قوله سميت اليمن لأنها عن يمين الكعبة) هو قول أبي عبيدة قاله في تفسير الواقعة وروى
عن قطرب قال انما سمي اليمن يمنا ليمنه والشام شأما لشؤمه وقال الهمداني في الأنساب لما ظعنت
العرب العاربة أقبل بنو قطن بن عامر فتيامنوا فقالت العرب تيامنت بنو قطن فسموا اليمن
387

وتشاءم الآخرون فسموا شاما وقيل إن الناس لما تفرقت ألسنتهم حين تبلبلت ببابل أخذ بعضهم
عن يمين الكعبة فسموا يمنا وأخذ بعضهم عن شمالها فسموا شأما وقيل انما سميت اليمن بيمن بن
قحطان وسميت الشام بسام بن نوح وأصله شام بالمعجمة ثم عرب بالمهملة (قوله والمشأمة الميسرة الخ
يريد أنهما بمعنى قال أبو عبيدة في تفسير قوله تعالى وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة أي
أصحاب الميسرة ويقال لليد اليسرى الشؤمي قال ويقال للجانب الأيسر الأشام انتهى ويقال المراد
بأصحاب المشامة أصحاب النار لانهم يمر بهم إليها وهي على ناحية الشمال ويقال لهم ذلك لانهم
يتناولون كتبهم بالشمال والله تعالى أعلم (قوله باب مناقب قريش) هم ولد النضر بن
كنانة وبذلك جزم أبو عبيدة أخرجه ابن سعد عن أبي بكر بن الجهم وروى عن هشام بن الكلبي عن
أبيه كان سكان مكة يزعمون أنهم قريش دون سائر بني النضر حتى رحلوا إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فسألوه من قريش قال من ولد النضر بن كنانة وقيل إن قريشا هم ولد فهر بن مالك بن النضر
وهذا قول الأكثر وبه جزم مصعب قال ومن لم يلده فهر فليس قرشيا وقد قدمت مثله عن ابن الكلبي
وقيل أول من نسب إلى قريش قصي بن كلاب فروى ابن سعد أن عبد الملك بن مروان سال محمد بن
جبير متى سميت قريش قريشا قال حين اجتمعت إلى الحرم بعد تفرقها فقال ما سمعت بهذا ولكن
سمعت أن قصيا كان يقال له القرشي ولم يسم أحد قريشا قبله وروى ابن سعد من طريق المقداد
لما فرغ قصي من نفى خزاعة من الحرم تجمعت إليه قريش فسميت يومئذ قريشا لحال تجمعها
والتقرش التجمع وقيل لتلبسهم بالتجارة وقيل لان الجد الاعلى جاء في ثوب واحد متجمعا فيه
فسمى قريشا وقيل من التقرش وهو أخذ الشئ أولا فأولا وقد أكثر ابن دحية من نقل الخلاف في
سبب تسمية قريش قريشا ومن أول من تسمى به وحكى الزبير بن بكار عن عمه مصعب ان أول من
تسمى قريشا قريش بن بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة وكان دليل بني كنانة في حروبهم فكان يقال
قدمت عير قريش فسميت قريش به قريشا وأبوه صاحب بدر الموضع المعروف وقال المطرزي
سميت قريش بدابة في البحر هي سيدة الدواب البحرية وكذلك قريش سادة الناس قال الشاعر
وقريش هي التي تسكن البحر * بها سميت قريش قريشا
تأكل الغث والسمين ولا * تترك فيه لذي جناحين ريشا
هكذا في البلاد حي قريش * يأكلون البلاد أكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبي * يكثر القتل فيهم والخموشا
وقال صاحب المحكم قريش دابة في البحر لا تدع دابة في البحر الا أكلتها فجميع الدواب ثخافها
وأنشد البيت الأول (قلت) والذي سمعته من أفواه أهل البحر القرش بكسر القاف وسكون الراء
لكن البيت المذكور شاهد صحيح فلعله من تغيير العامة فان البيت الأخير من الأبيات المذكورة
يدل على أنه من شعر الجاهلية ثم ظهر لي انه مصغر القرش الذي بكسر القاف وقد أخرج البيهقي من
طريق ابن عباس قال قريش تصغير قرش وهي دابة في البحر لا تمر بشئ من غث ولا سمين الا أكلته
وقيل سمي قريشا لأنه كان بقرش عن خلة الناس وحاجتهم ويسدها والتقريش هو التفتيش وقيل
سموا بذلك لمعرفتهم بالطعان والتقريش وقع الأسنة وقيل التقرش التنزه عن رذائل الأمور وقيل
هو من أقرشت الشجة إذا صدعت العظم ولم تهشمه وقيل أقرش بكذا إذا سعى فيه فوقع له وقيل
388

غير ذلك ثم ذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث * الأول (قوله كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث
سيأتي في الاحكام الرد على من زعم أن الزهري لم يسمعه من المذكور وأذكر إن شاء الله شرح هذه
المسئلة هناك (قوله من قحطان) هو جماع اليمن وفي انكار معاوية ذلك نظر لان الحديث الذي
استدل به مقيد بإقامة الدين فيحتمل أن يكون خروج القحطاني إذا لم تقم قريش أمر الدين وقد
وجد ذلك فان الخلافة لم تزل في قريش والناس في طاعتهم إلى أن استخفوا بأمر الدين فضعف
أمرهم وتلاشى إلى أن لم يبق لهم من الخلافة سوى اسمها المجرد في بعض الأقطار دون أكثرها
وسيأتي مصداق قول عبد الله بن عمرو بعد قليل من حديث أبي هريرة وقول عبد الله بن عمرو يكون
ملك من قحطان بين نعيم بن حماد في كتاب الفتن من وجه قوي عن عمرو بن عقبة بن أوس عن
عبد الله بن عمرو أنه ذكر الخلفاء ثم قال ورجل من قحطان وأخرجه باسناد جيد أيضا من حديث ابن
عباس قال فيه ورجل من قحطان كلهم صالح وروى أحمد والطبراني من حديث ذي مخمر الحبشي
مرفوعا كان الملك قبل قريش في حمير وسيعود إليهم وقال ابن التين انكار معاوية على عبد الله بن
عمر لأنه حمله على ظاهره وقد يخرج القحطاني في ناحية لا أن حكمه يشمل الأقطار وهذا الذي قاله
بعيد من ظاهر الخبر * الحديث الثاني (قوله انما بنوا هاشم وبنوا المطلب شئ واحد) هي رواية
الأكثر ووقع للحموي سى واحد بكسر المهملة وتشديد التحتانية وحكى ابن التين ان أكثر الروايات
بالمعجمة وان فيها أحد بدل واحد واستشكله بان لفظ أحد انما يستعمل في النفي تقول ما جاءني أحد
وأما في الاثبات فتقول جاءني واحد * الحديث الخامس (قوله وقال الليث حدثني أبو الأسود
محمد) اي ابن عبد الرحمن (عن عروة بن الزبير قال ذهب عبد الله بن الزبير مع أناس من بني زهرة إلى
عائشة وكانت أرق شئ عليهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا طرف من الحديث
الذي أورده موصولا بعده عن عبد الله بن يوسف عن الليث وفيه بيان السبب في ذلك ولم أره في جميع
النسخ الا هكذا معلقا وقرابة بني زهرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهين أحدهما
أنهم أقارب أمه لأنها آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة والثاني انهم اخوة
قصي بن كلاب بن مرة وهو جد والد جد النبي صلى الله عليه وسلم والمشهور عند جميع أهل النسب
ان زهرة اسم الرجل وشذ ابن قتيبة فزعم أنه اسم امرأته وان ولدها غلب عليهم النسب إليها وهو
مردود بقول امام أهل النسب هشام بن الكلبي ان اسم زهرة المغيرة فان ثبت قول ابن قتيبة فالمغيرة
اسم الأب وزهرة اسم امرأته فنسب أولادهما إلى أمهم ثم غلب ذلك حتى ظن أن زهرة اسم الأب
فقيل زهرة بن كلاب وزهرة بضم الزاي بلا خلاف (قوله حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان) هو
الثوري عن سعد بن إبراهيم) أي ابن عبد الرحمن بن عوف (ح قال يعقوب بن إبراهيم) أي
ابن سعد بن إبراهيم (حدثنا أبي عن أبيه) أما طريق أبي نعيم فسيأتي بهذا المتن بعد ثلاثة أبواب مع
شرح الحديث وأما طريق يعقوب بن إبراهيم فقال أبو مسعود حمل البخاري متن حديث يعقوب
على متن حديث الثوري ويعقوب انما قال عن أبيه عن صالح بن كيسان عن الأعرج كما أخرجه
389

مسلم ولفظه غفار وأسلم ومزينة ومن كان من جهينة خير عند الله من أسد وغطفان وطئ انتهى
فحاصله أن رواية يعقوب مخالفة لرواية الثوري في المتن والاسناد لان الثوري يرويه عن سعد بن
إبراهيم عن الأعرج ويعقوب يرويه عن أبيه عن صالح عن الأعرج (قلت) ولم يصب أبو مسعود
فيما جزم به فإنهما حديثان متغايران متنا واسنادا روى كلا منهما إبراهيم بن سعد أحدهما الذي
أخرجه مسلم وهو عنده عن صالح عن الأعرج والآخر الذي علقه البخاري وهو عنده عن أبيه عن
الأعرج ولو كان كما قال أبو مسعود لاقتضى أن البخاري أخطأ في قوله حدثنا أبي عن أبيه حدثني
الأعرج وكان الصواب أن يقول حدثنا أبي عن صالح عن الأعرج ونسبه البخاري إلى الوهم في
ذلك لا تقبل الا ببيان واضح قاطع ومن أين يوجد وقد ضاق مخرجه على الإسماعيلي فأخرجه من
طريق البخاري نفسه معلقا ولم يتعقبه ولا يلزم من عدم وجود هذا المتن بهذا الاسناد بعد التتبع
عدمه في نفس الامر والله أعلم * الحديث الثالث حديث ابن عمر لا يزال هذا الامر في قريش ما بقي
منهم اثنان قال الكرماني ليست الحكومة في زمننا لقريش فكيف يطابق الحديث وأجاب عن
ذلك بان في بلاد الغرب خليفة من قريش وكذا في مصر وتعقب بان الذي في الغرب هو الحفصي
صاحب تونس وغيرها وهو منسوب إلى أبي حفص رقيق عبد المؤمن صاحب بن تومرت الذي
كان على رأس المائة السادسة ادعى أنه المهدي ثم غلب أتباعه على معظم الغرب وسموا بالخلافة
وهم عبد المؤمن وذريته ثم انتقل ذلك إلى ذرية أبي حفص ولم يكن عبد المؤمن من قريش
وقد تسمى بالخلافة هو وأهل بيته واما أبو حفص فلم يكن يدعي انه من قريش في زمانه وانما ادعاه
بعض ولده ولما غلبوا على الامر فزعموا أنهم من ذرية أبي حفص عمر بن الخطاب وليس بيدهم
الآن الا المغرب الأدنى وأما الأقصى فمع بني الأحمر وهم منسوبون إلى الأنصار وأما الأوسط فمع بني
مرين وهم من البربر وأما قوله فخليفة من مصر فصحيح ولكنه لا حل بيده ولا ربط وانما له من
الخلافة الاسم فقط وحينئذ هو خبر بمعنى الامر والا فقد خرج هذا الامر عن قريش في أكثر البلاد
ويحتمل حمله على ظاهره وان المتغلبين على النظر في أمر الرعية في معظم الأقطار وان كانوا من غير
قريش لكنهم معترفون ان الخلافة في قريش ويكون المراد بالامر مجرد التسمية بالخلافة
لا الاستقلال بالحكم والأول أظهر والله أعلم * الحديث الرابع حديث جبير بن مطعم في السؤال
عن بني نوفل وعبد شمس تقدم شرحه في كتاب الخمس (قوله كان عبد الله بن الزبير أحب البشر إلى
عائشة) هو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر وكانت قد تولت تربيته حتى كانت تكنى به (قوله وكانت
لا تمسك شيئا) اي لا تدخر شيئا مما يأتيها من المال (قوله ينبغي أن يؤخذ على يديها) اي يحجر عليها
وصرح بذلك في حديث المسور بن مخرمة كما سيأتي بأوضح من هذا السياق لهذه القصة في كتاب
الأدب وسأذكر شرحه هناك إن شاء الله تعالى (قوله وقالت وددت اني جعلت حين حلفت عملا
أعمله فافرغ منه) استدل به على انعقاد النذر المجهول وهو قول المالكية لكنهم يجعلون فيه كفارة
يمين وظاهر قول عائشة وصنيعها ان ذلك لا يكفي وانه يحمل على أكثر ما يمكن أن ينذر ويحتمل أن
تكون فعلت ذلك تورعا لتيقن براءة الذمة وأبعد من قال تمنت ان يدوم لها العمل الذي عملته
للكفارة أي تصير تعتق دائما وكذا من قال تمنت انها بادرت إلى الكفارة حين حلفت ولم تكن هجرت
عبد الله بن الزبير تلك المدة ووجه بعد الأول انه لم يكن في السياق ما يقتضى منعها من العتق
390

فكيف تتمنى ما لا مانع لها من ايقاعه ثم إنه يقيد باقتدارها عليه لا الزامها به مع عدم الاقتدار وأما
بعد الثاني فلقولها في بعض طرق الحديث كما سيأتي انها كانت تذكر نذرها فتبكي حتى يبل دمعها
خمارها فان فيه إشارة إلى أنها كانت تظن انها ما وفت بما يجب عليها من الكفارة واستشكل ابن
التين وقوع الحنث عليها بمجرد دخول ابن الزبير مع الجماعة قال الا أن يكون لما سلموا عند دخولهم
ردت عليهم السلام وهو في جملتهم فوقع الحنث قبل ان يقتحم الحجاب انتهى وغفل عما وقع في
حديث المسور الذي أشرت إليه وفيه فقالت عائشة اني نذرت والنذر شديد فلم يزالا بها حتى كلمت
ابن الزبير مع أن التأويل الذي تأوله ابن التين لو لم يرد هذا التصريح لكان متعقبا ووجهه انه يجوز
لها رد السلام عليهم إذا نوت اخراجه ولا تحنث بذلك والله أعلم (قوله باب نزل القرآن
بلسان قريش) أورد فيه طرفا من حديث أنس في أمر عثمان بكتابة المصاحف وسيأتي مبسوطا
مشروحا في فضائل القرآن ووجه دخوله في مناقب قريش ظاهر والله أعلم (قوله باب
نسبة اليمن إلى إسماعيل) أي ابن إبراهيم الخليل ونسبة مضر وربيعة إلى إسماعيل متفق عليها وأما
اليمن فجماع نسبهم ينتهي إلى قحطان واختلف في نسبه فالأكثر انه ابن عابر بن شالخ بن ارفشخد بن
سام بن نوح وقيل هو من ولد هود عليه السلام وقيل هو هود نفسه و قيل ابن أخيه و يقال إن
قحطان أول من تكلم بالعربية وهو والد العرب المتعربة وأما إسماعيل فهو والد العرب المستعربة
وأما العرب العاربة فكانوا قبل ذلك كعاد وثمود وطسم وجديس وعمليق وغيرهم وقيل إن قحطان
أول من قيل له أبيت اللعن وعم صباحا وزعم الزبير بن بكار إلى أن قحطان من ذرية إسماعيل وانه
قحطان بن الهميسع بن تيم بن نبت بن إسماعيل عليه السلام وهو ظاهر قول أبي هريرة المتقدم في
قصة هاجر حيث قال وهو يخاطب الأنصار فتلك أمكم يا بني ماء السماء هذا هو الذي يترجح في نقدي
وذلك أن عدد الاباء بين المشهورين من الصحابة وغيرهم وبين قحطان متقارب من عدد الاباء بين
المشهورين من الصحابة وغيرهم وبين عدنان فلو كان قحطان هو هودا أو ابن أخيه أو قريبا من عصره
لكان في عداد عاشر جد لعدنان على المشهور أن بين عدنان وبين إسماعيل أربعة آباء أو خمسة وأما
على القول بان بين عدنان وإسماعيل نحو من أربعين أبا فذاك أبعد وهو قول غريب عند الأكثر مع أنه
حكاه كثيرون وهو أرجح عند من يقول إن معد بن عدنان كان في عصر بختنصر وقد وقع في
ذلك اضطراب شديد واختلاف متفاوت حتى أعرض الأكثر عن سياق النسب بين عدنان
وإسماعيل وقد جمعت مما وقع لي من ذلك أكثر من عشرة أقوال فقرأت في كتاب النسب لأبي رؤبة
علي بن محمد بن نصر فذكر فيه فصلا في نسب عدنان فقال قال طائفة هو ابن أد بن أدد بن زيد بن
معد بن مقدم بن هميسع بن نبت بن قيدار بن إسماعيل وقالت طائفة ابن أدد بن هميسع بن نبت بن
سلامان بن حمل بن نبت بن قيد وقالت طائفة بن أدد بن هميسع المقوم بن ناحور بن يسرح بن
يشجب بن مالك بن أيمن ابن نبت بن قيدار وقالت طائفة هو ابن أد بن أدد بن الهميسع بن يشجب بن
سعد بن بريح بن نمير بن حميل بن منحيم بن لافث بن الصابوح بن كنانة بن العوام بن نابت بن قيدار
وقالت طائفة بين عدنان وإسماعيل أربعون أبا قال واستخرجوا ذلك من كتاب رخيا كاتب أرميا
النبي وكان رخيا قد حمل معد بن عدنان من جزيرة العرب ليالي بختنصر خوفا عليه من معرة الجيش
فأثبت نسب معد بن عدنان في كتبه فهو معروف عند علماء أهل الكتاب قال ووجدت طائفة من
391

علماء العرب قد حفظت لمعد أربعين أبا بالعربية إلى إسماعيل واحتجت في أسمائهم باشعار من كان عالما
بأمر الجاهلية كأمية بن أبي الصلت قال فقابلته بقول أهل الكتاب فوجدت العدد متفقا واللفظ
مختلفا ثم ساق أسماء أربعين أبا بينهما وقد وجدت لغيره حكاية خلاف أزيد مما حكاه فعند ابن إسحاق
انه عدنان بن أدد بن يشجب بن يعرب بن قندر وعنه أيضا عدنان بن أد بن مقوم بن ناحور بن
يبرح بن يعرب بن يشجب بن ثابت بن إسماعيل وعن إبراهيم بن المنذر هو عدنان ابن أد بن أدد بن
الهميسع بن ثابت بن إسماعيل وحكاه مرة عن عبد الله بن عمران المدني فزاد فيه بين أدد والهميسع
زيدا وحكى أبو الفرج الأصبهاني عن دغفل النسابة انه ساق بين عدنان وإسماعيل سبعة وثلاثين أبا
فذكرها وهي مغايرة للمذكور قبل وقال هشام بن الكلبي في كتاب النسب له ونقله ابن سعد عنه
قال أخبرت عن أبي ولم أسمع منه انه ساق بين عدنان وإسماعيل أربعين أبا (قلت) فذكرها
وفيها مغايرة لما تقدم قال هشام وأخبرني رجل من أهل تدمر يكنى أبا يعقوب من مسلمي أهل
الكتاب وعلمائهم ان رخيا كاتب أرمياء أثبت نسب معد بن عدنان والأسماء التي عنده نحو هذه
الأسماء والخلاف من قبل اللغة قال وسمعت من يقول إن معد بن عدنان كان على عهد عيسى بن
مريم كذا قال وحكى الهمداني في الأنساب ما حكاه ابن الكلبي ثم ساق الأسماء سياقة أخرى
بأكثر من هذا العدد باثنين ثم قال وهذا مما أنكره ومما ينبغي ان يعقل ولا يذكر ولا يستعمل
بمخالفتها لما هو المشهور بين الناس كذا قال والذي ترجح في نظري ان الاعتماد على ما قاله ابن إسحاق
أولى وأولى منه ما أخرجه الحاكم والطبراني من حديث أم سلمة قالت عدنان هو ابن أد بن
زيد بن بري بن أعراق الثري واعراق الثري هو إسماعيل وهو موافق لما ذكرته آنفا عن إبراهيم بن
المنذر عن عبد الله بن عمران وهو موافق من يقول إن قحطان من ذرية إسماعيل لأنه والحالة هذه
يتقارب عدد الآباء بين كل من قحطان وعدنان وبين إسماعيل وعلى هذا فيكون معد بن عدنان كما
قال بعضهم في عهد موسى عليه السلام لا في عهد عيسى عليه السلام وهذا أولى لان عدد الآباء
بين نبينا وبين عدنان نحو العشرين فيبعد مع كون المدة التي بين نبينا وبين عيسى عليه السلام
كانت ستمائة سنة كما سيأتي في صحيح البخاري مع ما عرف من طول أعمارهم أن يكون معد في زمن
عيسى وانما رجح من رجح كون بين عدنان وإسماعيل العدد الكثير الذي تقدم مع الاضطراب فيه
استبعادهم أن يكون بين معد وهو في عصر عيسى بن مريم وبين إسماعيل أربعة أباء أو خمسة مع
طول المدة وما فروا منه وقعوا في نظيره كما أشرت إليه فالأقرب ما حررته وهو ان ثبت ان معد بن
عدنان كان في زمن عيسى فالمعتمد ان يكون بينه وبين إسماعيل العدد الكثير من الآباء وإن كان في
زمن موسى فالمعتمد ان بينهما العدد القليل والله أعلم (قوله منهم أسلم بن أفصى) بفتح الهمزة
وسكون الفاء بعدها مهملة مقصورا ووقع في رواية الجرجاني أفعى بعين مهملة بدل الصاد وهو
تصحيف وقوله بن حارثة بن عمرو بن عامر اي ابن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد
قال الرشاطي الأزد جرثومة من جراثيم قحطان وفيهم قبائل فمنهم الأنصار وخزاعة وغسان وبارق
وغامد والعتيك وغيرهم وهو الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب
ابن يعرب بن قحطان وأراد المصنف أن نسب حارثة بن عمرو متصل باليمن وقد خاطب النبي صلى الله
عليه وسلم بني أسلم بأنهم من بني إسماعيل كما في حديث سلمة بن الأكوع الذي في هذا الباب فدل
392

على أن اليمن من بني إسماعيل وفي هذا الاستدلال نظر لأنه لا يلزم من كون بني أسلم من بني إسماعيل
أن يكون جميع من ينسب إلى قحطان من بني إسماعيل لاحتمال أن يكون وقع في أسلم ما وقع في
اخوتهم خزاعة من الخلاف هل هم من بني قحطان أو من بني إسماعيل وقد ذكر ابن عبد البر من
طريق القعقاع بن أبي حدرد في حديث الباب ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بناس من بني أسلم
وخزاعة وهم يتناضلون فقال ارموا بني إسماعيل فعلى هذا فلعل من كان هناك من خزاعة كانوا
أكثر فقال ذلك على سبيل التغليب وأجاب الهمداني النسابة عن ذلك بأن قوله لهم يا بني إسماعيل
لا يدل على أنهم من ولد إسماعيل من جهة الآباء بل يحتمل ان يكون ذلك لكونهم من بني إسماعيل
من جهة الأمهات لان القحطانية والعدنانية قد اختلطوا بالصهارة فالقحطانية من بني إسماعيل من
جهة الأمهات وقد تقدمت مباحث هذا الحديث في كتاب في كتاب الجهاد ومما استدل به على أن اليمن
من ولد إسماعيل قول ابن المنذر بن عمرو بن حرام جد حسان بن ثابت
ورثنا من البهلول عمرو بن عامر * وحارثة الغطريف مجدا مؤثلا
مآثر من آل ابن بنت ابن مالك * وبنت ابن إسماعيل ما ان تحولا
وهذا أيضا مما يمكن تأويله كما قال الهمداني والله أعلم (قوله باب) كذا هو بلا ترجمة
وهو كالفصل من الباب الذي قبله ووجه تعلقه به من الحديثين الأولين ظاهر وهو الزجر عن
الادعاء إلى غير الأب الحقيقي لان اليمن إذا ثبت نسبهم إلى إسماعيل فلا ينبغي لهم أن ينسبوا إلى غيره
وأما الحديث الثالث فله تعلق بأصل الباب وهو ان عبد القيس ليسوا من مضر وأما الرابع
فللإشارة إلى ما وقع في بعض طرقه من الزيادة بذكر ربيعة ومضر * فأما الحديث الأول وهو من حديث
أبي ذر فقوله في الاسناد عن الحسين هو ابن واقد المعلم ووقع في رواية مسلم حدثنا حسين المعلم وقوله
عن أبي ذر في رواية الإسماعيلي حدثني أبو ذر وفي الاسناد ثلاثة من التابعين في نسق وقوله ليس
من رجل من زائدة والتعبير بالرجل للغالب والا فالمرأة كذلك حكمها (قوله ادعى لغير أبيه وهو
يعلمه الا كفر بالله) كذا وقع هنا كفر بالله ولم يقع قوله بالله في غير رواية أبي ذر ولا في رواية مسلم ولا
الإسماعيلي وهو أولى وان ثبت ذاك فالمراد من استحل ذلك مع علمه بالتحريم وعلى الرواية المشهورة
فالمراد كفر النعمة وظاهر اللفظ غير مراد وانما ورد على سبيل التغليظ والزجر لفاعل ذلك
أو المراد باطلاق الكفر ان فاعله فعل فعلا شبيها بفعل أهل الكفر وقد تقدم تقرير هذه المسئلة
في كتاب الايمان وقوله ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار في رواية مسلم
والإسماعيلي ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار وهو أعم مما تدل عليه رواية
البخاري على أن لفظة نسب وقعت في رواية الكشميهني دون غيره ومع حذفها يبقى متعلق الجار
والمجرور محذوفا فيحتاج إلى تقديره ولفظ نسب أولى ما قدر لوروده في بعض الروايات وقوله فليتبوا
أي ليتخذ منزلا من النار وهو اما دعاء أو خبر بلفظ الامر ومعناه هذا جزاؤه ان جوزي وقد يعفى
عنه وقد يتوب فيسقط عنه وقد تقدم تقدير ذلك (2) في كتاب الايمان في حديث من كذب علي وفي
الحديث تحريم الانتقاء من النسب المعروف والادعاء إلى غيره وقيد في الحديث بالعلم ولا بد منه في
الحالتين اثباتا ونفيا لان الاثم انما يترتب على العالم بالشئ المتعمد له وفيه جواز اطلاق الكفر
على المعاصي لقصد الزجر كما قررناه ويؤخذ من رواية مسلم تحريم الدعوى بشئ ليس هو للمدعي
393

فيدخل فيه الدعاوي الباطلة كلها مالا وعلما وتعلما ونسبا وحالا وصلاحا ونعمة وولاء وغير ذلك
ويزداد التحريم بزيادة المفسد المترتبة على ذلك واستدل به ابن دقيق العيد للمالكية في تصحيحهم
الدعوى على الغائب بغير مسخر لدخول المسخر في دعوى ما ليس له وهو يعلم أنه ليس له والقاضي
الذي يقيمه أيضا يعلم أن دعواه باطلة قال وليس هذا القانون منصوصا في الشرع حتى يخص به
عموم هذا الوعيد وانما المقصود ايصال الحق لمستحقه فترك مراعاة هذا القدر وتحصيل المقصود
من ايصال الحق لمستحقه أولى من الدخول تحت هذا الوعيد العظيم * الحديث الثاني (قوله
حدثنا علي بن عياش) بتحتانية ومعجمة (قوله حدثنا حريز) هو بفتح المهملة وكسر الراء وآخره
زاي وهو ابن عثمان الحمصي من صغار التابعين وهذا الاسناد من عوالي البخاري وشيخه عبد
الواحد بن عبد الله النصري بالنون المفتوحة بعدها صاد مهملة وهو دمشقي واسم جده كعب بن
عمير ويقال بسر بن كعب وهو من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وهو من صغار التابعين
ففي الاسناد رواية القرين عن القرين وقد ولي امرة الطائف لعمر بن عبد العزيز ثم ولي أمر
المدينة ليزيد بن عبد الملك وكان محمود السيرة ومات سنة بضع ومائة وليس له في البخاري سوى هذا
الحديث الواحد وقد رواه عنه أيضا زيد بن أسلم وهو أكبر منه سنا ولقاء للمشايخ لكنه أدخل بين
عبد الواحد وواثلة عبد الوهاب بن بخت رأيته في مستخرج ابن عبدان على الصحيحين من رواية
هشام بن سعد عن زيد وهشام فيه مقال وهذا عندي من المزيد في متصل الأسانيد أو هو مقلوب
كأنه عن زيد بن أسلم عن عبد الوهاب بن بخت عن عبد الواحد والله أعلم (قوله إن من أعظم
الفرا) بكسر الفاء مقصور وممدود وهو جمع فرية والفرية الكذب والبهت تقول فرى بفتح الراء
فلان كذا إذا اختلق يفري بفتح أوله وافترى اختلق (قوله أو يرى) بضم التحتانية أوله وكسر
الراء اي يدعي ان عينيه رأتا في المنام شيئا ما رأتاه ولأحمد وابن حبان والحاكم من وجه آخر عن
واثلة ان يفتري الرجل على عينيه فيقول رأيت ولم ير في المنام شيئا (قوله أو يقول) بفتح التحتانية
أوله وضم القاف وسكون الواو وفي رواية المستملي بفتح المثناة والقاف وتثقيل الواو المفتوحة وفي
الحديث تشديد الكذب في هذه الأمور الثلاثة وهي الخبر عن الشئ انه رآه في المنام ولم يكن رآه
والادعاء إلى غير الأب والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم فأما هذا الأخير فتقدم البحث فيه في
كتاب العلم وأما ما يتعلق بالمنام فيأتي في التعبير وأما الادعاء فتقدم قريبا فيما قبله وتقدم بيان
الحكمة في التشديد فيه والحكمة في التشديد في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم واضح فإنه
انما يخبر عن الله فمن كذب عليه كذب على الله عز وجل وقد اشتد النكير على من كذب على الله
تعالى في قوله تعالى فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته فسوى بين من كذب عليه
وبين الكافر وقال ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة والآيات في ذلك
متعددة وقد تمسك بعض أهل الجهل بقوله تعالى ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس
بغير علم وجاء في بعض طرق الحديث من كذب علي وأما المنام فإنه لما كان جزأ من الوحي كان
المخبر عنه بما لم يقع كالمخبر عن الله بما لم يلقه إليه أو لان الله يرسل ملك الرؤيا فيرى النائم ما شاء فإذا
أخبر عن ذلك بالكذب يكون كاذبا على الله وعلى الملك كما أن الذي يكذب على النبي صلى الله عليه
وسلم ينسب إليه شرعا لم يقله والشرع غالبا انما تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم على لسان الملك
394

فيكون الكاذب في ذلك كاذبا على الله وعلى الملك * الحديث الثالث حديث ابن عباس قدم وفد
عبد القيس تقدم الكلام عليه في كتاب الايمان ويأتي ما يتعلق بالأشربة منه في موضعه إن شاء الله
تعالى وقوله عن أبي جمرة هو بالجيم وقوله آمركم بأربعة وأنهاكم عن أربعة في رواية
الكشميهني بأربع في الموضعين والشئ إذا لم يذكر مميزه يجوز تذكيره وتأنيثه ومناسبة هذا الحديث
للترجمة من جهة ان جل العرب هم ربيعة ومضر ولا خلاف في نسبتهم إلى إسماعيل * الحديث
الرابع حديث ابن عمر في أن الفتنة من قبل المشرق وقد تقدم قريبا ويأتي شرحه في كتاب الفتن
إن شاء الله تعالى ومناسبته للترجمة من جهة ذكر المشرق وكلهم من مضر وربيعة كما تقدم
قريبا وفي بعض طرق هذا الحديث والايمان يمان ففيه إشارة إلى ذكر الأصول الثلاث
فاثنان لا خلاف أنهم من بني إسماعيل وانما الخلاف في الثالث (قوله باب ذكر
أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع) هذه خمس قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون
بني عامر بن صعصعة وبني تميم بن مر وغيرهما من القبائل فلما جاء الاسلام كانوا أسرع دخولا فيه
من أولئك فانقلب الشرف إليهم بسبب ذلك فأما أسلم فقد تقدم ذكر نسبهم في الباب الماضي
وأما غفار فبكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وهم بنو غفار بن مليل بميم ولامين مصغر ابن ضمرة
ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة وسبق منهم إلى الاسلام أبو ذر الغفاري وأخوه أنيس كما سيأتي شرح
ذلك قريبا ورجع أبو ذر إلى قومه فأسلم الكثير منهم وأما مزينة فبضم الميم وفتح الزاي وسكون
التحتانية بعدها نون وهو اسم امرأة عمرو بن أد بن طابخة بالموحدة ثم المعجمة ابن الياس بن مضر
وهي مزينة بنت كلب بن وبرة وهي أم أوس وعثمان ابني عمرو فولد هذين يقال لهم بنو مزينة
والمزنيون ومن قدماء الصحابة منهم عبد الله بن مغفل بن عبد نهم المزني وعمه خزاعي بن عبد نهم
وأياس بن هلال وابنه قرة بن اياس وهذا جد القاضي اياس بن معاوية بن قرة وآخرون وأما
جهينة فهم بنو جهينة بن زيد بن ليث بن أسود بن أسلم بضم اللام بن الحاف بالمهملة والفاء وزن
الياس ابن قضاعة من مشهوري الصحابة منهم عقبة بن عامر الجهني وغيره واختلف في قضاعة
فالأكثر أنهم من حمير فيرجع نسبهم إلى قحطان وقيل هم من ولد معد بن عدنان وأما أشجع
فبالمعجمة والجيم وزن أحمر وهم بنو أشجع بن ريث بفتح الراء وسكون التحتانية بعدها مثلثة ابن
غطفان بن سعد بن قيس من مشهوري الصحابة منهم نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف والحاصل
أن هذه القبائل الخمس من مصر أما مزينة وغفار وأشجع فبالاتفاق وأما أسلم وجهينة فعلى
قول ويرجحه ان الذين ذكروا في مقابلهم وهم تميم وأسد وغطفان وهوازن جميعهم من مضر
بالاتفاق وكانت منازل بني أسد بن خزيمة ظاهر مكة حتى وقع بينهم وبين خزاعة فقتل فضالة بن
عبادة بن مرارة الأسدي هلال بن أمية الخزاعي فقتلت خزاعة فضالة بصاحبها فنشبت الحرب
بينهم فبرحت بنو أسد عن منازلهم فحالفوا غطفان فصار يقال للطائفتين الحليفان أسد
وغطفان وتأخر من بني أسد آل جحش بن رياب فحالفوا بني أمية فلما أسلم آل جحش وهاجروا
احتوى أبو سفيان على دورهم بذلك الحلف ذكر ذلك عمر بن شبة في أخبار مكة ثم ذكر المصنف
في الباب أربعة أحاديث * الأول (قوله قريش والأنصار) تقدم ذكر قريش وسيأتي ذكر الأنصار في
أوائل الهجرة (قوله موالي) بتشديد التحتانية إضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي أنصاري
395

وهذا هو المناسب هنا وإن كان للمولى عدة معان ويروي بتخفيف التحتانية والمضاف محذوف
أي موالي الله ورسوله ويدل عليه قوله ليس لهم مولى دون الله ورسوله وهذه فضيلة ظاهرية
لهؤلاء القبائل والمراد من آمن منهم والشرف يحصل للشئ إذا حصل لبعضه قيل انما خصوا
بذلك لانهم بادروا إلى الاسلام فلم يسبوا كما سبي غيرهم وهذا إذا سلم يحمل على الغالب وقيل
المراد بهذا الخبر النهي عن استرقاقهم وأنهم لا يدخلون تحت الرق وهذا بعيد * الحديث الثاني
حديث غفار غفر الله لها (قوله حدثنا محمد بن غرير) هو بالمعجمة والراء المكررة مصغر (قوله أن
عبد الله) هو ابن عمر (قوله غفار غفر الله لها) هو لفظ خبر يراد به الدعاء ويحتمل أن يكون خبرا
على بابه ويؤيده قوله في آخره وعصية عصت الله ورسوله وعصية هم بطن من بني سليم ينسبون
إلى عصية بمهملتين مصغر ابن خفاف بضم المعجمة وفاءين مخفف ابن امرئ القيس بن بهثة بضم
الموحدة وسكون الهاء بعدها مثلثة ابن سليم وانما قال فيهم صلى الله عليه وسلم ذلك لانهم عاهدوه
فغدروا كما سيأتي بيان ذلك في كتاب المغازي في غزوة بئر معونة وقد تقدمت له طرق في الاستسقاء
وحكى ابن التين ان بني غفار كانوا يسرقون الحاج في الجاهلية فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم
بعد ان أسلموا ليمحى عنهم ذلك العار ووقع في هذا الحديث من استعمال جناس الاشتقاق
ما يلد على السمع لسهولته وانسجامه وهو من الاتفاقات اللطيفة * (تنبيه) * وقع هنا في رواية
كريمة وغيرها باب ابن أخت القوم منهم وذكر فيه حديث أنس في ذلك وهو عند أبي ذر قبل باب
قصة الحبش وسيأتي ووقع بعده أيضا عندهم باب قصة زمزم وفيه حديث اسلام أبي ذر وهو عند
أبي ذر بعد باب قصة خزاعة وسيأتي شرح هذين البابين في مكانهما إن شاء الله تعالى * الحديث
الثالث حديث أبي هريرة في ذلك (قوله حدثنا محمد) هو ابن سلام وقرأت بخط مغلطاي قيل هو
ابن سلام وقيل ابن يحيى الذهلي وهذا الثاني وهم فان الذهلي لم يدرك عبد الوهاب الثقفي والصواب
أنه ابن سلام كما ثبت عند أبي علي بن السكن في غير هذا الحديث ويحتمل أن يكون ابن حوشب
فقد خرج البخاري في تفسير اقتربت وفي الاكراه عن محمد بن عبد الله بن حوشب عن عبد الله
الثقفي فهو أولى أن يفسر به من محمد بن يحيى وقد أخرجه الإسماعيلي وأبو يعلى من طريق محمد
ابن المثنى عن عبد الوهاب فيحتمل أن يكون هو فإنه من شيوخ البخاري (قوله عن أيوب) هو
السختياني ومحمد هو ابن سيرين وذكر الإسماعيلي عن المنيعي ان عبد الوهاب الثقفي تفرد برواية
هذا الحديث عن أيوب * الحديث الرابع أورده من طرق (قوله في الطريق الأولى أرأيتم)
المخاطب بذلك الأقرع بن حابس كما في الرواية التي بعدها (قوله خيرا من بني تميم) أي ابن مر بضم
الميم وتشديد الراء ابن أد بضم الألف وتشديد الدال ابن طابخة بن الياس بن مضر وفيهم بطون كثيرة
جدا (قوله وبني أسد) أي ابن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وكانوا عددا كثيرا وقد ظهر
مصداق ذلك عقب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتد هؤلاء مع طليحة بن خويلد وارتد
الذين قبلهم وهم بنو تميم مع سجاح (قوله ومن بني عبد الله بن غطفان) بفتح المعجمة ثم المهملة ثم
الفاء والتخفيف أي ابن سعد بن قيس عيلان بن مضر وكان اسم عبد الله بن غطفان في الجاهلية
عبد العزي فصيره النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله وبنوه يعرفون ببني المحولة (قوله ومن بني
عامر بن صعصعة) أي ابن معاوية بن بكر بن هوازن وسيأتي نسب هوازن في الحديث الذي بعده
396

(قوله فقال رجل نعم 2) هو الأقرع بن حابس التميمي كما في الرواية التي بعد هذه (قوله عن محمد
ابن أبي يعقوب) هو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب نسب إلى جده وهو بصري من بني تميم قال
شعبة حدثني محمد بن أبي يعقوب وهو سيد بني تميم وهو ثقة عند الجميع (قوله إن الأقرع بن
حابس) بمهملة وموحدة مكسورة وبعدها سين مهملة (قوله انما بايعك سراق الحجيج) بالموحدة
وبعد الألف تحتانية وفي رواية بالمثناة وبعد الألف موحدة (قوله ابن أبي يعقوب شك) هو مقول
شعبة وقد ظهر من الرواية التي قبلها أن لا أثر لشكه وأن ذلك ثابت في الخبر (قوله لأخير منهم)
كذا فيه بوزن أفعل وهي لغة قليلة والمشهور لخير منهم وثبت كذلك في رواية الترمذي وانما
كانوا خيرا منهم لانهم سبقوهم إلى الاسلام والمراد الأكثر الأغلب (قوله عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال قال أسلم وغفار) كذا فيه بحذف فاعل قال الثاني وهو اصطلاح لمحمد بن سيرين إذا
قال عن أبي هريرة قال قال ولم يسم قائلا والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم وقد نبه على ذلك
الخطيب وتبعه ابن الصلاح وقد أخرج مسلم هذا الحديث عن زهير بن حرب عن ابن علية عن
أيوب فقال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا أخرجه أحمد من طريق معمر عن أيوب
(قوله وشئ من مزينة وجهينة) فيه تقيد لما أطلق في حديث أبي بكرة الذي قبله وكذا في قوله
يوم القيامة لان المعتبر بالخير والشر انما يظهر في ذلك الوقت (قوله وهوازن وغطفان) أما
غطفان فتقدم ذكره في حديث أبي هريرة وأما هوازن فذكرت في حديث أبي هريرة بدل بني عامر
ابن صعصعة وبنو عامر بن صعصعة من بني هوازن من غير عكس فذكر هوازن أشمل من ذكر بني
عامر ومن قبائل هوازن غير بني عامر بنو نصر بن معاوية وبنو سعد بن بكر بن هوازن وثقيف
وهو قيس بن منبه بن بكر بن هوازن والجميع يجمعهم هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة
بفتح المعجمة ثم المهملة ثم الفاء والتخفيف ابن قيس (قوله باب ذكر قحطان) تقدم
القول فيه وهل هو من ذرية إسماعيل أم لا والى قحطان تنتهي انساب أهل اليمن من حمير وكندة
وهمدان وغيرهم (قوله عن ثور بن زيد) هو الديلي المدني وأبو الغيث شيخه اسمه سالم (قوله لا تقوم
الساعة حتى يخرج رجل من قحطان) لم أقف على اسمه ولكن جوز القرطبي أن يكون جهجاه
الذي وقع ذكره في مسلم من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل
يقال له جهجاه أخرجه عقب حديث القحطاني (قوله يسوق الناس بعصاه) هو كناية عن الملك
شبهه بالراعي وشبه الناس بالغنم ونكتة التشبيه التصرف الذي يملكه الراعي في الغنم وهذا
الحديث يدخل في علامات النبوة من جملة ما أخبر به صلى الله عليه وسلم قبل وقوعه ولم يقع بعد
وقد روى نعيم بن حماد في الفتن من طريق ارطاة ابن المنذر أحد التابعين من أهل الشأم ان
القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي وأخرج أيضا من طريق عبد الرحمن بن
قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعا يكون بعد المهدي القحطاني والذي بعثني بالحق
ما هو دونه وهذا الثاني مع كونه مرفوعا ضعيف الاسناد والأول مع كونه موقوفا أصلح اسنادا
منه فان ثبت ذلك فهو في زمن عيسى بن مريم لما تقدم أن عيسى عليه السلام إذا نزل يجد
المهدي امام المسلمين وفي رواية أرطاة بن المنذر ان القحطاني يعيش في الملك عشرين سنة
واستشكل ذلك كيف يكون في زمن عيسى يسوق الناس بعصاة والامر انما هو لعيسى ويجاب
397

بجواز أن يقيمه عيسى نائبا عنه في أمور مهمة عامة وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن إن شاء الله
تعالى (قوله باب ما ينهى من دعوى الجاهلية) ينهى بضم أوله ودعوى الجاهلية
الاستغاثة عند إرادة الحرب كانوا يقولون يا آل فلان فيجتمعون فينصرون القائل ولو كان ظالما
فجاء الاسلام بالنهي عن ذلك وكأن المصنف أشار إلى ما ورد في بعض طرق جابر المذكور وهو
ما أخرجه إسحاق بن راهويه والمحاملي في الفوائد الأصبهانية من طريق أبي الزبير عن جابر قال
اقتتل غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فذكر الحديث وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم أدعوى الجاهلية قالوا لا قال لا بأس ولينضر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما فإن كان ظالما
فلينهه فإنه له نصر وعرف من هذا ان الاستغاثة ليست حراما وانما الحرام ما يترتب عليها من
دعوى الجاهلية (قوله حدثنا محمد) كذا للجميع غير منسوب وهو ابن سلام كما جزم به أبو نعيم في
المستخرج وأبو علي الجياني ويؤيد ذلك ما وقع في الوصايا بمثل هذه الطريق فعند الأكثر حدثنا
محمد غير منسوب وعند أبي ذر حدثنا محمد بن سلام (قوله غزونا) هذه الغزوة هي غزوة المريسيع
(قوله ثاب معه) بمثلثة وموحدة أي اجتمع (قوله رجل لعاب) أي بطال وقيل كان يلعب بالحراب
كما تصنع الحبشة وهذا الرجل هو جهجاه بن قيس الغفاري وكان أجير عمر بن الخطاب والأنصاري
هو سنان بن وبرة حليف بني سالم الخزرجي وسيأتي بيان ذلك في تفسير سورة المنافقين (قوله
فكسع) بفتح الكاف والمهملتين أي ضربه على دبره (قوله حتى تداعوا) كذا للأكثر بسكون
الواو بصيغة الجمع وفي بعض النسخ عن أبي ذر تداعوا بفتح العين والواو بصيغة التثنية والمشهور
في هذا تداعيا بالياء عوض الواو وكأنه بقاها على أصلها بالواو (قوله دعوها فإنها خبيثة) أي
دعوى الجاهلية وقيل الكسعة والأول هو المعتمد (قوله الا نقتل) بالنون وبالمثناة أيضا (قوله
هذا الخبيث لعبد الله) اللام بمعنى عن والتقدير قال عمر يريد عبد الله الا نقتل هذا الخبيث
وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في التفسير إن شاء الله تعالى (قوله وعن سفيان عن زبيد) هو
معطوف على قوله حدثنا سفيان عن الأعمش وهو موصول وليس بمعلق وقد تقدم في الجنائز من
رواية أبي نعيم عن سفيان عن زبيد ومن رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش
فكأنه كان عند ثابت بن محمد عن سفيان عن شيخه وكأنه سمعه منه مفرقا فحدث به فنقل عنه
كذلك (قوله باب قصة خزاعة) اختلف في نسبهم مع الاتفاق على أنهم من ولد عمرو
ابن لحي باللام والمهملة مصغر وهو ابن حارثة بن عمرو بن عامر بن ماء السماء وقد تقدم نسبه في أسلم
وأسلم هو عم عمرو بن لحي ويقال ان اسم لحي ربيعة وقد صحف بعض الرواة فقال عمرو بن يحيى
ووقع مثل ذلك في الجمع للحميدي والصواب باللام وتشديد الياء آخره مصغر ووقع في حديث
جابر عند مسلم رأيت أبا ثمامة عمرو بن مالك وفيه تغيير لكن أفاد ان كنية عمرو أبا ثمامة ويقال
لخزاعة بنو كعب نسبوا إلى جدهم كعب بن عمرو بن لحي قال ابن الكلبي لما تفرق أهل سبا
بسبب سيل العرم نزل بنو مازن على ماء يقال له غسان فمن أقام به منهم فهو غساني وانخزعت
منهم بنو عمرو بن لحي عن قومهم فنزلوا مكة وما حولها فسموا خزاعة وتفرقت سائر الأزد
398

وفي ذلك يقول حسان بن ثابت
ولما نزلنا بطن مر تخزعت * خزاعة منا في جموع كراكر
ووقع في حديث الباب انه عمرو بن لحي بن قمعه بن خندف وهذا يؤيد قول من يقول إن خزاعة
من مضر وذلك أن خندف بكسر المعجمة وسكون النون وفتح الدال بعدها فاء اسم امرأة الياس بن
مضر واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة لقبت بخندف لمشيتها والخندفة
الهرولة واشتهر بنوها بالنسبة إليها دون أبيهم لان الياس لما مات حزنت عليه حزنا شديدا بحيث
هجرت أهلها ودارها وساحت في الأرض حتى ماتت فكان من رأى أولادها الصغار يقول من
هؤلاء فيقال بنو خندف إشارة إلى أنها ضيعتهم وقمعة بفتح القاف والميم بعدها مهملة خفيفة
ويقال بكسر القاف وتشديد الميم وجمع بعضهم بين القولين أعني نسبة خزاعة إلى اليمن والى
مضر فزعم أن حارثة بن عمرو لما مات قمعه بن خندف كانت امرأته حاملا بلحي فولدته وهي عند
حارثة فتبناه فنسب إليه فعلى هذا فهو من مضر بالولادة ومن اليمن بالتبني وذكر ابن الكلبي أن
سبب قيام عمرو بن لحي بأمر الكعبة ومكة ان أمه فهيرة بنت عمرو بن الحرث بن مضاض
الجرهمي وكان أبوها آخر من ولي أمر مكة من جرهم فقام بأمر البيت سبطه عمرو بن لحي فصار
ذلك في خزاعة بعد جرهم ووقع بينهم في ذلك حروب إلى أن انجلت جرهم عن مكة ثم تولت خزاعة
أمر البيت ثلاثمائة سنة إلى أن كان آخرهم يدعى أبا غبشان بضم المعجمة وسكون الموحدة بعدها
معجمة أيضا واسمه المحرش بمهملة ثم معجمة ابن خليل بمهملة ولامين مصغر ابن حبشية بفتح المهملة
وسكون الموحد بعدها معجمة ثم ياء نسب ابن سلول بفتح المهملة ولامين الأولى مضمومة ابن عمرو
ابن لحي وهو خال قصي بن كلاب أخو أمه حبى بضم المهملة وتشديد الموحدة مع الإمالة وكان
في عقله شئ فخدعه قصي فاشترى منه أمر البيت بأذواد من الإبل ويقال بزق خمر فغلب قصي
حينئذ على أمر البيت وجمع بطون بني فهر وحارب خزاعة حتى أخرجهم من مكة وفيه يقول
الشاعر أبوكم قصي كان يدعى مجمعا * به جمع الله القبائل من فهر
وشرع قصي لقريش السقاية والرفادة فكان يصنع الطعام أيام مني والحياض للماء فيطعم الحجيج
ويسقيهم وهو الذي عمر دار الندوة بمكة فإذا وقع لقريش شئ اجتمعوا فيها وعقدوه بها (قوله عمرو
ابن لحي بن قمعه بن خندف أبو خزاعة) أي هو أبو خزاعة ووقع في رواية أبي نعيم عن إسرائيل بهذا
السند عند الإسماعيلي خزاعة بن قمعه بن عمرو بن خندف وفيه تغيير بالتقديم والتأخير وعنده
من طريق أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل عمرو أبو خزاعة بن قمعه بن خندف وهذا يوافق الأول
لكن بحذف لحي وبأن يعرب ابن قمعه اعراب عمرو لا اعراب أبو خزاعة وأصوبها الأول وهكذا
روى أبو حصين هذا الحديث عن أبي صالح مختصرا وأخرجه مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح
عن أبيه أتم منه ولفظه رأيت عمرو بن لحي بن قمعه بن خندف يجر قصبة في النار وأورده ابن إسحاق
في السيرة الكبرى عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي صالح أتم من هذا ولفظه سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول لأكتم بن الجون رأيت عمرو بن لحي يجر قصبة في النار لأنه أول من غير
دين إسماعيل فنصب الأوثان وسيب السائبة وبحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحامي ووقع لنا
بعلو في المعرفة وعند ابن مردويه من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه نحوه وللحاكم من طريق
399

محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة لكنه قال عمرو بن قمعه فنسبه إلى جده وروى الطبراني من
حديث ابن عباس رفعه أول من غير دين إبراهيم عمرو بن لحي بن قمعه بن خندف أبو خزاعة وذكر
الفاكهي من طريق عكرمة نحوه مرسلا وفيه فقال المقداد يا رسول الله من عمرو بن لحي قال أبو
هؤلاء الحي من خزاعة وذكر ابن إسحاق ان سبب عبادة عمرو بن لحي الأصنام أنه خرج إلى الشام
وبها يومئذ العماليق وهم يعبدون الأصنام فاستوهبهم واحدا منها وجاء به إلى مكة فنصبه إلى
الكعبة وهو هبل وكان قبل ذلك في زمن جرهم قد فجر رجل يقال اساف بامرأة يقال لها نائلة
في الكعبة فمسخهما الله جل وعلا حجرين فأخذهما عمرو بن لحي فنصبهما حول الكعبة فصار من
يطوف يتمسح بهما يبدأ باساف ويختم بنائلة وذكر محمد بن حبيب عن ابن الكلبي أن سبب ذلك
أن عمرو بن لحي كان له تابع من الجن يقال له أبو ثمامة فأتاه ليلة فقال أجب أبا ثمامة فقال لبيك
من تهامة فقال ادخل بلا ملامة فقال ايت سيف جده تجد آلهة معدة فخذها ولا تهب وادع إلى
عبادتها تجب قال فتوجه إلى جده فوجد الأصنام التي كانت تعبد في زمن نوح وإدريس وهي
ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر فحملها إلى مكة ودعا إلى عبادتها فانتشرت بسبب ذلك عبادة
الأصنام في العرب وسيأتي زيادة شرح ذلك في تفسير سورة نوح إن شاء الله تعالى (قوله قوله في
الرواية الأخرى عن أبي هريرة عمرو بن عامر الخزاعي) كذا وقع نسبه في حديث ابن مسعود عند
أحمد ولفظه أول من سيب السوائب وعبد الأصنام عمرو بن عامر أبو خزاعة وهذا مغاير لما تقدم
وكأنه نسب إلى جده لأمه عمرو بن حارثة بن عمرو بن عامر وهو مغاير لما تقدم من نسبة عمرو بن
لحي إلى مضر فان عامرا هو ابن ماء السماء بن سبا وهو جد جده عمرو بن لحي عند من نسبه إلى
اليمن ويحتمل أن يكون نسب إليه بطريق التبني كما تقدم قبل وسيأتي الكلام على الوصيلة
والسائبة وغيرهما في تفسير سورة المائدة إن شاء الله تعالى (قوله باب قصة اسلام
أبي ذر الغفاري) هكذا في رواية أبي ذر عن الحموي وحده وسقط للباقين وكأنه أولى لأن هذه
الترجمة ستأتي بعد اسلام أبي بكر وسعد وغيرهما ووقع للأكثر هنا قصة زمزم ووجه تعلقها بقصة
400

أبي ذر ما وقع له من الاكتفاء بماء زمزم في المدة التي أقام فيها بمكة وسيأتي شرح ذلك في مكانه إن شاء الله
تعالى (قوله باب قصة زمزم وجهل العرب) كذا لأبي ذر ولغيره باب جهل
العرب وهو أولى إذ لم يجر في حديث الباب لزمزم ذكر وأما الإسماعيلي فجمع هذه الأحاديث
في ترجمة واحدة وهو متجه (قوله قد خسر الذين قتلوا أولادهم) أي بناتهم وسيأتي بيان ذلك
في التفسير إن شاء الله تعالى ويؤخذ من هذه الآية مطابقتها للترجمة من قول ابن عباس إذا سرك
أن تعرف جهل العرب (قوله باب من انتسب إلى آبائه في الاسلام والجاهلية) اي
جواز ذلك خلافا لمن كره مطلقا فان محل الكراهة ما إذا أورده على طريق المفاخرة والمشاجرة
وقد روى أحمد وأبو يعلى باسناد حسن من حديث أبي ريحانة رفعه من انتسب إلى تسعة آباء
كفار يريد بهم عزا أو كرامة فهو عاشرهم في النار (قوله وقال ابن عمر وأبو هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم ان الكريم ابن الكريم الخ) تقدم حديث كل منهما موصولا في أحاديث الأنبياء
ووجه دلالته للترجمة انه لما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم نسبة يوسف عليه السلام إلى آبائه
كان دليلا على جواز ذلك لغيره في غيره ويكون ذلك مطابقا لركن الترجمة الأول (قوله وقال
البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنا ابن عبد المطلب) هو طرف من حديث تقدم موصولا في
الجهاد وهو في قصة غزوة حنين ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم انتسب إلى جده
عبد المطلب فيكون مطابقا لركن الترجمة الثاني (قوله لما نزلت وانذر عشيرتك الأقربين جعل
النبي صلى الله عليه وسلم ينادي يا بني فهر يا بني عدي ببطون قريش) في رواية الكشميهني لبطون
باللام بدل الموحدة ونداؤه للقبائل من قريش قبل عشيرته الأدنين ليتكرر انذار عشيرته ولدخول
قريش كلها في أقاربه ولان انذار العشيرة يقع بالطبع وانذار غيرهم يكون بطريق الأولى (قوله
وقال لنا قبيصة إلى آخره) هو موصول وليس بمعلق وقد وصله الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة
401

(قوله جعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم قبائل قبائل) قد فسره الذي قبله وأنه كان يسمى
رؤس القبائل كقوله يا بني عدي وأوضح منه حديث أبي هريرة الذي بعده حيث ناداهم طبقة
بعد طبقة إلى أن انتهى إلى عمته صفية بنت عبد المطلب وهي أم الزبير بن العوام والى ابنته فاطمة
عليها السلام وسيأتي شرح ذلك مبسوطا في تفسير سورة الشعراء وهذه القصة إن كانت وقعت
في صدر الاسلام بمكة فلم يدركها ابن عباس لأنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ولا أبو هريرة لأنه انما
أسلم بالمدينة وفي نداء فاطمة يومئذ أيضا ما يقتضي تأخر القصة لأنها كانت حينئذ صغيرة أو
مراهقة وإن كان أبو هريرة حضرها فلا يناسب الترجمة لأنه انما أسلم بعد الهجرة بمدة والذي
يظهر أن ذلك وقع مرتين مرة في صدر الاسلام ورواية ابن عباس وأبو هريرة لها من مرسل
الصحابة وهذا هو الموافق للترجمة من جهة دخولها في مبتدأ السيرة النبوية ويؤيد ذلك ما سيأتي
من أن أبا لهب كان حاضرا لذلك وهو مات في أيام بدر ومرة بعد ذلك حيث يمكن أن تدعي فيها
فاطمة عليها السلام أو يضر ذلك أبو هريرة أو ابن عباس (قوله باب ابن أخت
القوم منهم ومولى القوم منهم) اي فيما يرجع إلى المناظرة والتعاون ونحو ذلك وأما بالنسبة إلى
الميراث ففيه نزاع كما سيأتي بسطه في كتاب الفرائض (قوله الا ابن أخت لنا) هو النعمان بن
مقرن المزني كما أخرجه أحمد من طريق شعبة عن معاوية بن قرة في حديث أنس هذا ووقع ذلك في
قصة أخرى كما أخرجه الطبراني من حديث عتبة بن غزوان ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما
لقريش هل فيكم من ليس منكم قالوا لا الا ابن أختنا عتبة بن غزوان فقال ابن أخت القوم
منهم وله من حديث عمرو بن عوف ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته قال ادخلوا علي ولا
يدخل علي الا قرشي فقال هل معكم أحد غيركم قالوا معنا ابن الأخت والمولى قال حليف القوم
منهم ومولى القوم منهم وأخرج أحمد نحوه من حديث أبي موسى والطبراني نحوه من حديث
أبي سعيد * (تنبيه) * لم يذكر المصنف حديث مولى القوم منهم مع ذكره في الترجمة فزعم بعضهم
انه لم يقع له حديث على شرطه فأشار إليه وفيه نظر لأنه قد أورده في الفرائض من حديث أنس
ولفظه مولى القوم من أنفسهم والمراد بالمولى هنا المعتق بفتح المثناة أو الحليف وأما المولى من
أعلى فلا يراد هنا وسيأتي في غزوة حنين بيان سبب حديث الباب ووقع في حديث أبي هريرة
عند البزار مضمون الترجمة وزيادة عليها بلفظ مولى القوم منهم وحليف القوم منهم وابن أخت
القوم منهم (قوله باب قصة الحبش وقول النبي صلى الله عليه وسلم يا بني
أرفد) هو بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء اسم لجد لهم وقيل معنى أرفدة الأمة وقد
تقدم شئ من ذلك في أبواب العيدين والحبش هم الحبشة يقال إنهم من ولد حبش بن كوش بن
حام بن نوح وهم مجاورون لأهل اليمن يقطع بينهم البحر وقد غلبوا على اليمن قبل الاسلام
وملكوها وغزا أبرهة من ملوكهم الكعبة ومعه الفيل وقد ذكر ابن إسحاق قصته مطولة
وأخرجها الحاكم ثم البيهقي من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس ملخصة والى
هذا القدر أشار المصنف بذكرهم في مقدمة السيرة النبوية واستدل قوم من الصوفية بحديث
402

الباب على جواز الرقص وسماع الملاهي وطعن فيه الجمهور باختلاف المقصدين فان لعب
الحبشة بحرابهم كان للتمرين على الحرب فلا يحتج به للرقص في اللهو والله أعلم (قوله
باب من أحب أن لا يسب نسبه) هو بضم أول يسب والمراد بالنسب الأصل وبالسب
الشتم والمراد أن لا يشتم أهل نسبه (قوله حدثنا عبدة) هو ابن سليمان وهشام هو ابن عروة
(قوله استأذن حسان بن ثابت) اي ابن المنذر بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي وسبب هذا
الاستئذان مبين عند مسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اهجوا المشركين فإنه أشد عليهم من رشق النبل فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان فقال قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد
الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه فجعل يحركه ثم قال والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فرى
الأديم قال لا تعجل وروى أحمد من حديث كعب بن مالك قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم اهجوا المشركين بالشعر فان المؤمن يجاهد بنفسه وماله والذي نفس محمد بيده كأنما
تنضحونهم بالنبل وروى أحمد والبزار من حديث عمار بن ياسر قال لما هجانا المشركون قال
لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا لهم كما يقولون لكم (قوله كيف بنسبي فيهم) أي كيف
تهجو قريشا مع اجتماعي معهم في نسب واحد وفي هذا إشارة إلى أن معظم طرق الهجو الغض
بالآباء (قوله لاسلنك منهم) اي لأخلصن نسبك من نسبهم بحيث يختص الهجو بهم دونك وفي
رواية أبي سلمة المذكور فقال ائت أبا بكر فإنه أعلم قريش بأنسابها حتى يخلص لك نسبي فأتاه
حسان ثم رجع فقال قد محض لي نسبك (قوله كما تسل الشعرة من العجين) أشار بذلك إلى أن
الشعرة إذا أخرجت من العجين لا يتعلق بها منه شئ لنعومتها بخلاف ما إذا أسلت من العسل مثلا
فإنها قد يعلق بها منه شئ وأما إذا سلت من الخبز فإنها قد تنقطع قبل أن تخلص (قوله وعن أبيه)
هو موصول بالاسناد المذكور إلى عروة وليس بمعلق وقد أخرجه المصنف في الأدب عن محمد بن
سلام عن عبدة بهذا الاسناد فقال فيه وعن هشام عن أبيه فذكر الزيادة وكذلك أخرجه في
الأدب المفرد (قوله كان ينافح) بكسر الفاء بعدها مهملة ومعناه يدافع أو يرامي قال الكشميهني
في رواية أبي ذر عنه نفحت الدابة إذا رمحت بحوافرها ونفحه بالسيف إذا تناوله من يعيد وأصل
النفح بالمهملة الضرب وقيل للعطاء نفح كأن المعطي يضرب السائل به ووقع في رواية أبي سلمة
المذكورة قالت عائشة فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لحسان ان روح القدس لا يزال
يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله قالت وسمعته يقول هجاهم حسان فشفي وأشفى وقد تقدم في
أوائل الصلاة ما يدل على أن المراد بروح القدس جبريل عليه السلام ويأتي الكلام على الشعر
وأحكامه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى (قوله باب ما جاء في أسماء رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقوله عز وجل محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار وقوله من بعدي
اسمه أحمد) كأنه يشير إلى هذين الاسمين أشهر أسمائه وأشهرهما محمد وقد تكرر في القرآن
وأما أحمد فذكر فيه حكاية عن قول عيسى عليه السلام فأما محمد فمن باب التفعيل للمبالغة
وأما أحمد فمن باب التفضيل وقيل سمي أحمد لأنه علم منقول من صفة وهي أفعل التفضيل ومعناه
أحمد الحامدين وسبب ذلك ما ثبت في الصحيح أنه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامد لم يفتح بها على
403

أحد قبله وقيل الأنبياء حمادون وهو أحمدهم أي أكثرهم حمدا أو أعظمهم في صفة الحمد وأما
محمد فهو منقول من صفة الحمد أيضا وهو بمعنى محمود وفيه معنى المبالغة وقد أخرج المصنف في
التاريخ الصغير من طريق علي بن زيد قال كان أبو طالب يقول
وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد
والمحمد الذي حمد مرة بعد مرة كالممدح قال الأعشى
إليك أبيت اللعن كان وجيفها * إلى الماجد القرم الجواد المحمد
أي الذي حمد مرة بعد مرة أو الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة قال عياض كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم أحمد قبل أن يكون محمدا كما وقع في الوجود لان تسميته أحمد وقعت في الكتب
السالفة وتسميته محمدا وقعت في القرآن العظيم وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس وكذلك
في الآخرة يحمد ربه فيشفعه فيحمده الناس وقد خص بسورة الحمد وبلواء الحمد وبالمقام المحمود
وشرع له الحمد بعد الاكل وبعد الشرب وبعد الدعاء وبعد القدوم من السفر وسميت أمته
الحمادين فجمعت له معاني الحمد وأنواعه صلى الله عليه وسلم وذكر فيه حديثين * أحدهما قوله
عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه كذا وقع موصولا عند معن بن عيسى عن مالك وقال الأكثر
عن مالك عن الزهري عن محمد بن جبير مرسلا ووافق معنا على وصله عن مالك جويرية بن أسماء
عند الإسماعيلي ومحمد بن المبارك وعبد الله بن نافع عند أبي عوانة وأخرجه الدارقطني في
الغرائب عن آخرين عن مالك وقال إن أكثر أصحاب مالك أرسلوه (قلت) وهو معروف الاتصال
عن غير مالك وصله يونس بن يزيد وعقيل ومعمر وحديثهم عند مسلم وشعبة وحديثه عند
المصنف في التفسير وابن عيينة عند مسلم أيضا والترمذي كلهم عن الزهري ورواه عن جبير بن
مطعم أيضا ولده الآخر نافع وفي حديثه زيادة وعند المصنف في التاريخ وأخرجه أحمد وابن
سعد وصححه الحاكم وفي الباب عن أبي موسى الأشعري عند مسلم والمصنف في التاريخ وعن
حذيفة عند المصنف في التاريخ والترمذي وابن سعد و عن ابن عباس وأبي الطفيل عند ابن عدي
ومن مرسل مجاهد عند بن سعد وسأذكر ما في رواياتهم من زيادة فائدة (قوله عن محمد بن جبير)
في رواية شعيب المذكورة عن الزهري أخبرني محمد بن جبير (قوله لي خمسة أسماء) في رواية نافع
ابن جبير عند ابن سعد أنه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له أتحصي أسماء رسول الله صلى
الله عليه وسلم التي كان جبير بن مطعم يعدها قال نعم هي ست فذكر الخمسة التي ذكرها محمد بن جبير
وزاد الخاتم لكن روى البيهقي في الدلائل من طريق ابن أبي حفصة عن الزهري في حديث محمد بن
جبير بن مطعم وأنا العاقب قال يعني الخاتم وفي حديث حذيفة أحمد ومحمد والحاشر والمقفى ونبي
الرحمة وكذا في حديث أبي موسى الا أنه لم يذكر الحاشر وزعم بعضهم ان العدد ليس من قول
النبي صلى الله عليه وسلم وانما ذكره الراوي بالمعنى وفيه نظر لتصريحه في الحديث بقوله ان لي
خمسة أسماء والذي يظهر أنه أراد أن لي خمسة أسماء أختص بها لم يسم بها أحد قبلي أو معظمة
أو مشهورة في الأمم الماضية لا أنه أراد الحصر فيها قال عياض حمى الله هذه الأسماء أن يسمى بها
أحد قبله وانما تسمى بعض العرب محمد أقرب ميلاده لما سمعوا من الكهان والأحبار أن نبيا
سيبعث في ذلك الزمان يسمى محمدا فرجوا أن يكونوا هم فسموا أبنائهم بذلك قال وهم ستة
404

لا سابع لهم كذا قال وقال السهيلي في الروض لا يعرف في العرب من تسمى محمدا قبل النبي
صلى الله عليه وسلم الا ثلاثة محمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن أحيحة بن الحلاج ومحمد بن حمران
ابن ربيعة وسبق السهيلي إلى هذا القول أبو عبد الله بن خالويه في كتاب ليس وهو حصر مردود
وقد جمعت أسماء من تسمى بذلك في جزء مفرد فبلغوا نحو العشرين لكن مع تكرر في بعضهم
ووهم في بعض فيتلخص منهم خمسة عشر نفسا وأشهرهم محمد بن عدي بن ربيعة بن سواءة بن جشم
ابن سعد بن زيد مناة بن تميم السعدي روى حديثه البغوي وابن سعد وابن شاهين وابن
السكن وغيرهم من طريق العلاء بن الفضل عن أبيه عن جده عبد الملك بن أبي سوية عن أبيه عن
أبي سوية عن أبيه خليفة بن عبدة المنقري قال سألت محمد بن عدي بن ربيعة كيف سماك أبوك
في الجاهلية محمدا قال سألت أبي عما سألتني فقال خرجت رابع أربعة من بني تميم انا أحدهم
وسفيان بن مجاشع و يزيد بن عمرو بن ربيعة وأسامة بن مالك بن حبيب بن العنبر نريد ابن جفنة
الغساني بالشام فنزلنا على غدير عند دير فأشرف علينا الديراني فقال لنا انه يبعث منكم وشيكا
نبي فسارعوا إليه فقلنا ما اسمه قال محمد فلما انصرفنا ولد لكل منا ولد فسماه محمدا لذلك انتهى
وقال ابن سعد أخبرنا علي بن محمد عن مسلمة بن محارب عن قتادة بن السكن قال كان في بني تميم
محمد بن سفيان بن مجاشع قيل لأبيه انه سيكون نبي في العرب اسمه محمد فسمى ابنه محمدا فهؤلاء أربعة
ليس في السياق ما يشعر بان فيهم من له صحبة الا محمد بن عدي وقد قال ابن سعد لما ذكره في
الصحابة عداده في أهل الكوفة وذكر عبدان المروزي ان محمد بن أحيحة بن الحلاج أول من
تسمى في الجاهلية محمدا وكأنه تلقى ذلك من قصة تبع لما حاصر المدينة وخرج إليه أحيحة المذكور
هو والحبر الذي كان عندهم بيثرب فأخبره الخبر ان هذا بلد نبي يبعث يسمى محمدا فسمى ابنه محمدا
وذكر البلاذري منهم محمد بن عقبة بن أحيحة فلا أدري أهما واحد نسب مرة إلى جده أم هما
اثنان ومنهم محمد بن البراء البكري ذكره ابن حبيب وضبط البلاذري أباه فقال محمد بن بر بتشديد
الراء ليس بعدها ألف ابن طريف بن عتوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ولهذا
نسبوه أيضا العتواري وغفل ابن دحية فعد فيهم محمد بن عتوارة وهو هو نسب لجده الاعلى ومنهم
محمد بن اليحمد الأزدي ذكره المفجع البصري في كتاب المعقد ومحمد بن خولي الهمداني وذكره ابن
دريد ومنهم محمد بن حرماز بن مالك اليعمري ذكره أبو موسى في الذيل ومنهم محمد بن حمران
ابن أبي حمران واسمه ربيعة بن مالك الجعفي المعروف بالشويعر ذكره المرزباني فقال هو أحد من
سمى محمدا في الجاهلية وله قصة مع امرئ القيس ومنهم محمد بن خزاعي بن علقمة بن حرابة السلمي
من بني ذكوان ذكره ابن سعد عن علي بن محمد عن سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال سمى
محمد بن خزاعي طمعا في النبوة وذكره الطبري أن أبرهة الحبشي توجه وأمره ان يغزو بني كنانة
فقتلوه فكان ذلك من أسباب قصة الفيل وذكره محمد بن أحمد بن سليمان الهروي في كتاب الدلائل
فيمن تسمى محمدا في الجاهلية وذكر ابن سعد لأخيه قيس بن خزاعي يذكره من أبيات يقول فيها
فذلكم ذو التاج منا محمد * ورايته في حومة الموت تخفق
ومنهم محمد بن عمرو بن مغفل بضم أوله وسكون المعجمة وكسر الفاء ثم لام وهو والد هبيب
بموحدتين مصغر وهو على شرط المذكورين فان لولده صحبة ومات هو في الجاهلية ومنهم محمد
405

ابن الحرث بن حديج بن حويص ذكره أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين وذكر له قصة مع عمر
وقال إنه أحد من سمى في الجاهلية محمدا ومنهم محمد الفقيمي ومحمد الأسيدي ذكرهما ابن سعد ولم
ينسبهما بأكثر من ذلك فعرف بهذا وجه الرد على الحصر الذي ذكره السهيلي وكذا الذي ذكره
القاضي وعجب من السهيلي كيف لم يقف على ما ذكره عياض مع كونه كان قبله وقد تحرر لنا من
أسمائهم قدر الذي ذكره القاضي مرتين بل ثلاث مرار فإنه ذكر في الستة الذين جزم بهم محمد بن
مسلمة وهو غلط فإنه ولد بعد ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة ففضل له خمسة وقد خلص لنا خمسة
عشر والله المستعان (قوله وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر) قيل المراد إزالة ذلك من جزيرة
العرب وفيه نظر لأنه وقع في رواية عقيل ومعمر يمحو بي الله الكفرة ويجاب بأن المراد إزالة الكفر
بإزالة أهله وانما قيد بجزيرة العرب لان الكفر ما انمحى من جميع البلاد وقيل إنه محمول على الأغلب
أو انه ينمحي بسببه أولا فأولا إلى أن يضمحل في زمن عيسى بن مريم فإنه يرفع الجزية ولا
يقبل الا الاسلام وتعقب بأن الساعة لا تقوم الا على شرار الناس ويجاب بجواز أن يرتد بعضهم
بعد موت عيسى وترسل الريح فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة فحينئذ فلا يبقى الا الشرار وفي
رواية نافع بن جبير وأنا الماحي فان الله يمحو به سيئات من اتبعه وهذا يشبه أن يكون من قول
الراوي (قوله وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي) اي على أثري أي أنه يحشر قبل الناس
وهو موافق لقوله في الرواية الأخرى يحشر الناس على عقبي ويحتمل أن يكون المراد بالقدم
الزمان أي وقت قيامي على قدمي بظهور علامات الحشر إشارة إلى أنه ليس بعده نبي ولا شريعة
واستشكل التفسير بأنه يقضى بأنه محشور فكيف يفسر به حاشر وهو اسم فاعل وأجيب بأن
اسناد الفعل إلى الفاعل إضافة والإضافة تصح بأدنى ملابسة فلما كان لا أمة بعد أمته لأنه لا نبي
بعده نسب الحشر إليه لأنه يقع عقبه ويحتمل أن يكون معناه أنه أول من يحشر كما جاء في الحديث
الاخر أنا أول من تنشق عنه الأرض وقيل معنى القدم السبب وقيل المراد على مشاهدتي قائما
لله شاهد على الأمم ووقع في رواية نافع بن جبير وأنا حاشر بعثت مع الساعة وهو يرجح الأول
* (تنبيه) * قوله على عقبي بكسر الموحدة مخففا على الافراد ولبعضهم بالتشديد على التثنية
والموحدة مفتوحة (قوله وأنا العاقب) زاد يونس بن يزيد في روايته عن الزهري الذي ليس بعده
نبي وقد سماه الله رؤفا رحيما قال البيهقي في الدلائل قوله وقد سماه الله الخ مدرج من قول
الزهري (قلت) وهو كذلك وكأنه أشار إلى ما في آخر سورة براءة وأما قوله الذي ليس بعده نبي
فظاهر الادراج أيضا لكن وقع في رواية سفيان بن عيينة عند الترمذي وغيره بلفظ الذي ليس
بعدي نبي ووقع في رواية نافع بن جبير فإنه عقب الأنبياء وهو محتمل للرفع والوقف ومما وقع من
أسمائه في القرآن بالاتفاق الشاهد المبشر النذير المبين الداعي إلى الله السراج المنير وفيه أيضا
المذكر والرحمة والنعمة والهادي والشهيد والأمين والمزمل والمدثر وتقدم في حديث
عبد الله بن عمرو بن العاص المتوكل ومن أسمائه المشهورة المختار والمصطفى والشفيع المشفع
والصادق المصدوق وغير ذلك قال ابن دحية في تصنيف له مفرد في الأسماء النبوية قال بعضهم
أسماء النبي صلى الله عليه وسلم عدد أسماء الله الحسنى تسعة وتسعون اسما قال ولو بحث عنها باحث
لبلغت ثلاثمائة اسم وذكر في تصنيفه المذكور أماكنها من القرآن والاخبار وضبط ألفاظها
406

وشرح معانيها واستطرد كعادته إلى فوائد كثيرة وغالب الأسماء التي ذكرها وصف بها النبي صلى
الله عليه وسلم ولم يرد الكثير منها على سبيل التسمية مثل عده اللبنة بفتح اللام وكسر الموحدة ثم
النون في أسمائه للحديث المذكور في الباب بعده في القصر الذي من ذهب وفضة الا موضع لبنة
قال فكنت أنا اللبنة كذا وقع في حديث أبي هريرة وفي حديث جابر موضع اللبنة وهو المراد
ونقل ابن العربي في شرح الترمذي عن بعض الصوفية ان لله ألف اسم ولرسوله ألف اسم وقيل
الحكمة في الاقتصار على الخمسة المذكورة في هذا الحديث أنها أشهر من غيرها وموجودة في
الكتب القديمة وبين الأمم السالفة * الحديث الثاني (قوله سفيان) هو ابن عيينة (قوله عن
أبي الزناد) في رواية حدثنا أبو الزناد (قوله ألا تعجبون) في رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه
عند المصنف في التاريخ يا عباد الله انظروا وله من طريق محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة
بلفظ ألم تروا كيف والباقي سواء (قوله يشتمون مذمما) كان الكفار من قريش من شدة
كراهتهم في النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمونه باسمه الدال على المدح فيعدلون إلى ضده فيقولون
مذمم وإذا ذكروه بسوء قالوا فعل الله بمذمم ومذمم ليس هو اسمه ولا يعرف به فكان الذي يقع منهم
في ذلك مصروفا إلى غيره قال ابن التين استدل بهذا الحديث من أسقط حد القذف بالتعريض
وهم الأكثر خلافا لمالك وأجابه بأنه لم يقع في الحديث أنه لا شئ عليهم في ذلك بل الواقع أنهم
عوقبوا على ذلك بالقتل وغيره انتهى والتحقيق انه لا حجة فقى ذلك اثباتا ولا نفيا والله أعلم
واستنبط منه النسائي ان من تكلم بكلام مناف لمعنى الطلاق ومطلق الفرقة وقصد به الطلاق
لا يقع كمن قال لزوجته كلي وقصدي الطلاق فإنها لا تطلق لان الاكل لا يصلح أن يفسر به الطلاق
بوجه من الوجوه كما أن مذمما لا يمكن أن يفسر به محمد عليه أفضل الصلاة والسلام بوجه من
الوجوه (قوله باب خاتم النبيين) أي أنه المراد بالخاتم في أسمائه أنه خاتم النبيين
ولمح بما وقع له في القرآن وأشار إلى ما أخرجه في التاريخ من حديث العرباض بن سارية رفعه اني
عبد الله وخاتم النبيين وان آدم لمنجدل في طينته الحديث وأخرجه أيضا أحمد وصححه ابن حبان
والحاكم فأورد فيه حديثي أبي هريرة وجابر ومعناهما واحد وسياق أبي هريرة أتم ووقع في آخر
حديث جابر عند الإسماعيلي من طريق عفان عن سليم بن حبان فأنا موضع اللبنة جئت فختمت
الأنبياء (قوله مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى دارا) قيل المشبه به واحد والمشبه جماعة فكيف
صح التشبيه وجوابه انه جعل الأنبياء كرجل واحد لأنه لا يتم ما أراد من التشبيه الا باعتبار
الكل وكذلك الدار لا تتم الا باجتماع البنيان ويحتمل أن يكون من التشبيه التمثيلي وهو أن يوجد
وصف من أوصاف المشبه ويشبه بمثله من أحوال المشبه به فكأنه شبه الأنبياء وما بعثوا به من
ارشاد الناس ببيت أسست قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت وزعم ابن
العربي ان اللبنة المشار إليها كانت في أس الدار المذكورة وانها لولا وضعها لأنقضت تلك الدار
قال وبهذا يتم المراد من التشبيه المذكور انتهى وهذا إن كان منقولا فهو حسن والا فليس
بلازم نعم ظاهر السياق أن تكون اللبنة في مكان يظهر عدم الكمال في الدار بفقدها وقد وقع في
رواية همام عند مسلم الا موضع لبنة من زاوية من زواياها فيظهر أن المراد أنها مكملة محسنة
والا لاستلزم أن يكون الامر بدونها كان ناقصا وليس كذلك فان شريعة كل نبي بالنسبة إليه
407

كاملة فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع
الكاملة (قوله لولا موضع اللبنة) بفتح اللام وكسر الموحدة بعدها نون وبكسر اللام وسكون
الموحدة أيضا هي القطعة من الطين تعجن وتجبل وتعد للبناء ويقال لها ما لم تحرق لبنة فإذا
أحرقت فهي آجرة وقوله موضع اللبنة بالرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي لولا موضع اللبنة
يوهم النقص لكان بناء الدار كاملا ويحتمل أن تكون لولا تحضيضية وفعلها محذوف تقديره لولا
أكمل موضع اللبنة ووقع في رواية همام عند أحمد ألا وضعت ههنا لبنة فيتم بنيانك وفي
الحديث ضرب الأمثال للتقريب للأفهام وفضل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر النبيين
وان الله ختم به المرسلين وأكمل به شرائع الدين (قوله باب وفاة النبي صلى الله
عليه وسلم) كذا وقعت هذه الترجمة عند أبي ذر وسقطت من رواية النسفي ولم يذكرها الإسماعيلي
وفي ثبوتها هنا نظر فان محملها في آخر المغازي كما سيأتي والذي يظهر أن المصنف قصد بايراد حديث
عائشة هنا بيان مقدار عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقط لا خصوص زمن وفاته وأورده في الأسماء
لإشارة إلى أن من جملة صفاته عند أهل الكتاب ان مدة عمره القدر الذي عاشه وسيأتي نقل الخلاف
في مقداره في آخر المغازي إن شاء الله تعالى (قوله قال ابن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيب مثله)
أي مثل ما أخبر عروة عن عائشة وقول ابن شهاب موصول بالاسناد المذكور وقد أخرجه
الإسماعيلي من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب بالاسنادين معا مفرقا وهو من مرسل
سعيد بن المسيب ويحتمل أن يكون سعيد أيضا سمعه من عائشة رضي الله عنها (قوله
باب كنية النبي صلى الله عليه وسلم) الكنية بضم الكاف وسكون النون مأخوذة من
الكناية تقول كنيت عن الامر بكذا إذا ذكرته بغير ما يستدل به عليه صريحا وقد اشتهرت الكنى
للعرب حتى ربما غلبت على الأسماء كأبي طالب وأبي لهب وغيرهما وقد يكون للواحد كنية
واحدة فأكثر وقد يشتهر باسمه وكنيته جميعا فالاسم والكنية واللقب يجمعها العلم بفتحتين
وتتغاير بان اللقب ما أشعر بمدح أو ذم والكنية ما صدرت بأب أو أم وما عدا ذلك فهو اسم وكان
النبي صلى الله عليه وسلم يكنى أبا القاسم بولده القاسم وكان أكبر أولاده واختلف هل مات قبل
البعثة أو بعدها وقد ولد له إبراهيم في المدينة من مارية ومضى شئ من أمره في الجنائز وفي
حديث أنس أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم السلام عليك يا أبا إبراهيم وأورد المصنف
في الباب ثلاثة أحاديث * أحدها حديث أنس أورده مختصرا وقد مضى في البيوع بأتم منه وفيه
ان الرجل قال له لم أعنك وحينئذ نهى عن التكني بكنيته * ثانيها حديث جابر وسالم الراوي عنه
هو ابن الجعد وأورده أيضا مختصرا وقد مضى في الخمس بأتم منه أيضا وقوله في أوله حدثنا محمد
ابن كثير حدثنا شعبة كذا للأكثر وفي رواية أبي علي بن السكن سفيان بدل شعبة ومال الجياني
إلى ترجيح الأكثر فان مسلما أخرجه من طريق شعبة عن منصور * ثالثها حديث أبي هريرة
قوله قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم كذا وقع في هذه الطريق وهو لطيف وتقدم في العلم
بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اختلف في جواز التكني بكنيته صلى الله عليه
وسلم فالمشهور عن الشافعي المنع على ظاهر هذه الأحاديث وقيل يختص ذلك بزمانه وقيل بمن
تسمى باسمه وسيأتي بسط ذلك وتوجيه هذه المذاهب في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى (قوله
408

باب) كذا للأكثر بغير ترجمة كأبي ذر وأبي زيد من رواية القابسي عنه وكريمة وكذا
للنسفي وجزم به الإسماعيلي وضمه بعضهم إلى الباب الذي قبله ولا تظهر مناسبته له ولا يصلح أن
يكون فصلا من الذي قبله بل هو طرف من الحديث الذي بعده ولعل هذا من تصرف الرواة نعم
وجهه بعض شيوخنا بأنه أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ذا اسم وكنية لكن
لا ينبغي أن ينادي بشئ منهما بل يقال له يا رسول الله كما خاطبته خالة السائب لما أتت به إليه ولا
يخفى تكلفه (قوله جلدا) بفتح الجيم وسكون اللام أي قويا صلبا (قوله ابن أربع وتسعين) يشعر
بأنه رآه سنة اثنتين وتسعين لأنه كان له يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين كما ثبت من
حديثه ففيه رد لقول الواقدي انه مات سنة إحدى وتسعين على أنه يمكن توجيه قوله وأبعد من
قال مات قبل التسعين وقد قيل إنه مات سنة ست وتسعين وهو أشبه قال ابن أبي داود هو آخر من
مات من الصحابة بالمدينة وقال غيره بل محمود بن الربيع وقيل بل محمود بن لبيد فإنه مات سنة تسع
وتسعين (قوله باب خاتم النبوة) أي صفته وهو الذي كان بين كتفي النبي صلى الله
عليه وسلم وكان من علاماته التي كان أهل الكتاب يعرفونه بها وادعى عياض هنا أن الخاتم هو
أثر شق الملكين لما بين كتفيه وتعقبه النووي فقال هذا باطل لان الشق انما كان في صدره وبطنه
وكذا قال القرطبي وأثره انما كان خطا واضحا من صدره إلى مراق بطنه كما في الصحيحين قال ولم
يثبت قط أنه بلغ بالشق حتى نفذ من وراء ظهره ولو ثبت للزم عليه أن يكون مستطيلا من بين
كتفيه إلى قطنته لأنه الذي يحاذي الصدر من سرته إلى مراق بطنه قال فهذه غفلة من هذا
الامام ولعل ذلك وقع من بعض نساخ كتابه فإنه لم يسمع عليه فيما علمت كذا قال وقد وقفت على
مستند القاضي وهو حديث عتبة بن عبد السلمي الذي أخرجه أحمد والطبراني وغيرهما عنه أنه
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان بدء أمرك فذكر القصة في ارتضاعه في بني سعد وفيه
ان الملكين لما شقا صدره قال أحدهما للآخر خطه فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة انتهى فلما
ثبت ان خاتم النبوة كان بين كتفيه حمل ذلك عياض على أن الشق لما وقع في صدره ثم خيط حتى
التأم كما كان ووقع الختم بين كتفيه كان ذلك أثر الشق وفهم النووي وغيره منه أن قوله بين كتفيه
متعلق بالشق وليس كذلك بل هو متعلق باثر الختم ويؤيده ما وقع في حديث شداد بن أوس عند
أبي يعلى والدلائل لأبي نعيم ان الملك لما أخرج قلبه وغسله ثم أعاده ختم عليه بخاتم في يده من نور
فامتلأ نورا وذلك نور النبوة والحكمة فيحتمل أن يكون ظهر من وراء ظهره عند كتفه الأيسر
لان القلب في تلك الجهة وفي حديث عائشة عند أبي داود الطيالسي والحارث بن أبي أسامة
والدلائل لأبي نعيم أيضا ان جبريل وميكائيل لما تراءيا له عند المبعث هبط جبريل فسلقني لحلاوة
القفا ثم شق عن قلبي فاستخرجه ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم أعاده مكانه ثم لأمه ثم
ألقاني وختم في ظهري حتى وجدت مس الخاتم في قلبي وقال اقرأ الحديث هذا مستند القاضي
فيما ذكره وليس بباطل ومقتضى هذه الأحاديث أن الخاتم لم يكن موجودا حين ولادته ففيه
تعقيب على من زعم أنه ولد به وهو قول نقله أبو الفتح اليعمري بلفظ قيل ولد به وقيل حين وضع
نقله مغلطاي عن يحيى بن عائذ والذي تقدم أثبت ووقع مثله في حديث أبي ذر عند أحمد والبيهقي في
الدلائل وفيه وجعل خاتم النبوة بين كتفي كما هو الآن وفي حديث شداد بن أوس في المغازي لابن
409

عائذ في قصة شق صدره وهو في بلاد بني سعد بن بكر أقبل وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه
وثدييه الحديث وهذا قد يؤخذ منه ان الختم وقع في موضعين من جسده والعلم عند الله (قوله
حدثنا محمد بن عبيد الله) بالتصغير هو أبو ثابت المدني مشهور بكنيته والاسناد كله مدنيون
وأصل شيخه حاتم بن إسماعيل كوفي (قوله ذهبت بي خالتي) لم أقف على اسمها وأما أمه فاسمها علبة
بضم المهملة وسكون اللام بعدها موحدة بنت شريح أخت مخرمة بن شريح (قوله وقع) بفتح
الواو وكسر القاف وبالتنوين أي وجع وزنه ومعناه وقد مضى في الطهارة بلفظ وجع وجاء
بلفظ الفعل الماضي مبنيا للفاعل والمراد أنه كان يشتكي رجله كما ثبت في غير هذه الطريق (قوله
فمسح رأسي ودعا لي بالبركة) سيأتي شرحه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى (قوله فنظرت إلى خاتم
النبوة بين كتفيه) في حديث عبد الله بن سرجس عند مسلم أنه كان إلى جهة كتفه اليسرى (قوله
قال ابن عبيد الله الحجلة من حجل الفرس الذي بين عينيه وقال إبراهيم بن حمزة مثل زر الحجلة)
قلت هكذا وقع وكأنه سقط منه شئ لأنه يبعد من شيخه محمد بن عبيد الله أن يفسر الحجلة ولم يقع لها
في سياقه ذكر وكأنه كان فيه مثل زر الحجلة ثم فسرها وكذلك وقع في أصل النسفي تضبيب بين قوله
بين كتفيه وبين قوله قال ابن عبيد الله وأما التعليق عن إبراهيم بن حمزة فالمراد انه روى هذا
الحديث كما رواه محمد بن عبيد الله الا انه خالف في هذه الكلمة وسيأتي الحديث عنه موصولا
بتمامه في كتاب الطب وقد زعم ابن التين أنها في رواية ابن عبيد الله بضم المهملة وسكون الجيم وفي
رواية ابن حمزة بفتحهما وحكى ابن دحية مثله وزاد في الأول كسر المهملة مع ضمها وقيل الفرق
بين رواية بن حمزة وابن عبيد الله أن رواية ابن عبيد الله بتقديم الزاي على الراء على المشهور
ورواية ابن حمزة بالعكس بتقديم الراء على الزاي وهو مأخوذ من ارتز الشئ إذا دخل في الأرض
ومنه الرزة والمراد بها هنا البيضة يقال ارتزت الجرادة إذا أدخلت ذنبها في الأرض لتبيض وعلى
هذا فالمراد بالحجلة الطير المعروف وجزم السهيلي بان المراد بالحجلة هنا الكلة التي تعلق على السرير
ويزين بها للعروس كالبشخانات والزر على هذا حقيقة لأنها تكون ذات أزرار وعرى واستبعد
قول ابن عبيد الله بأنها من حجل الفرس الذي بين عينيه بان التحجيل انما يكون في القوائم وأما
الذي في الوجه فهو الغرة وهو كما قال الا ان منهم من يطلقه على ذلك مجازا وكأنه أراد أنها قدر
الزر والا فالغرة لا زر لها وجزم الترمذي بأن المراد بالحجلة الطير المعروف وان المراد بزرها بيضها
ويعضده ما سيأتي انه مثل بيضة الحمامة وقد وردت في صفة خاتم النبوة أحاديث متقاربة لما ذكر
هنا منها عند مسلم عن جابر بن سمرة كأنه بيضة حمامة ووقع في رواية ابن حبان من طريق سماك
ابن حرب كبيضة نعامة ونبه على أنها غلط (2) وعن عبد الله بن سرجس نظرت خاتم النبوة جمعا
عليه خيلان وعند ابن حبان من حديث ابن عمر مثل البندقة من اللحم وعند الترمذي كبضعة
ناشزة من اللحم وعند قاسم بن ثابت من حديث قرة بن اياس مثل السلعة وأما ما ورد من أنها
كانت كأثر محجم أو كالشامة السوداء أو الخضراء أو مكتوب عليها محمد رسول الله أو سر فأنت
المنصور أو نحو ذلك فلم يثبت منها شئ وقد أطنب الحافظ قطب الدين في استيعابها في شرح السيرة
وتبعه مغلطاي في الزهر الباسم ولم يبين شيئا من حالها والحق ما ذكرته ولا تغتر بما وقع منها في صحيح
ابن حبان فاتنه غفل حيث صحح ذلك والله أعلم قال القرطبي اتفقت الأحاديث الثابتة على أن
410

خاتم النبوة كان شيئا بارزا أحمر عند كتفه الأيسر قدره إذا قلل قدر بيضة الحمامة وإذا كبر جمع
اليد والله أعلم ووقع في حديث عبد الله بن سرجس عند مسلم ان خاتم النبوة كان بين كتفيه
عند ناغض كتفه اليسرى وفي حديث عباد بن عمر وعند الطبراني كأنه ركبة عنز على طرف كتفه
الأيسر ولكن سنده ضعيف قال العلماء السر في ذلك ان القلب في تلك الجهة وقد ورد في خبر
مقطوع ان رجلا سأل ربه أن يريه موضع الشيطان فرأى الشيطان في صورة ضفدع عند نغض
كتفه الأيسر حذاء قلبه له خرطوم كالبعوضة أخرجه ابن عبد البر بسند قوي إلى ميمون بن
مهران عن عمر بن عبد العزيز فذكره وذكره أيضا صاحب الفائق في مصنفه في م ص ر وله
شاهد مرفوع عن أنس عند أبي يعلى وابن عدي ولفظه ان الشيطان واضع خطمه على قلب ابن
آدم الحديث وأورد ابن أبي داود في كتاب الشريعة من طريق عروة بن رويم ان عيسى عليه
السلام سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من ابن آدم قال فإذا برأسه مثل الحية واضع رأسه
على تمرة القلب فإذا ذكر العبد ربه خنس وإذا غفل وسوس (قلت) وسيأتي لهذا مزيد في آخر
التفسير قال السهيلي وضع خاتم النبوة عند نغض كتفه صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم من
وسوسة الشيطان وذلك الموضع يدخل منه الشيطان (قوله باب صفة النبي
صلى الله عليه وسلم) أي خلقه وخلقه وأورد فيه أربعة وعشرين حديثا الأول حديث أبي بكر
المشتمل على أن الحسن بن علي كان يشبه جده صلى الله عليه وسلم (قوله عن ابن أبي مليكة) في
رواية الإسماعيلي أخبرني وفي أخرى حدثني ابن أبي مليكة (قوله عن عقبة بن الحرث) في
رواية الإسماعيلي أخبرني عقبة بن الحرث (قوله صلى أبو بكر رضي الله عنه العصر ثم خرج
يمشي) زاد الإسماعيلي في رواية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بليال وعلي يمشي إلى جانبه
(قوله بأبي) فيه حذف تقديره أفديه بأبي ووقع في رواية الإسماعيلي وارتجز فقال وابأبي شبيه
بالنبي وفي تسمية هذا رجزا نظر لأنه ليس بموزون وكأنه أطلق على السجع رجزا ووقع من بعض
الرواة تغيير وتصحيف رواية الأصل ولعلها كانت وابأبي وابأبي كما دلت عليه رواية الإسماعيلي
المذكورة فهذا يكون من مجز والرجز لكن قوله شبيه بالنبي يحتاج إلى شئ قبله فلعله كان شخص
أو أنت شبيه بالنبي أو نحو ذلك وأما الثالث فموزون (قوله وعلي يضحك) في رواية الإسماعيلي
وعلي يتبسم أي رضا بقول أبي بكر وتصديقا له وقد وافق أبا بكر على أن الحسن كان يشبه النبي
صلى الله عليه وسلم أبو جحيفة كما سيأتي في الحديث الذي بعده ووقع في حديث أنس كما سيأتي في
المناقب ان الحسين بن علي كان أشبههم بالنبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي وجه التوفيق بينهما
في المناقب إن شاء الله تعالى وأذكر فيه من شاركهما في ذلك إن شاء الله تعالى وفي الحديث فضل
أبي بكر ومحبته لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي في المناقب قوله لقرابة رسول الله صلى
الله عليه وسلم أحب إلي ان أصل من قرابتي وفيه ترك الصبي المميز يلعب لان الحسن إذ ذاك
كان ابن سبع سنين وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه ولعبه محمول على ما يليق
بمثله في ذلك الزمان من الأشياء المباحة بل على ما فيه تمرين وتنشيط ونحو ذلك والله أعلم
* الحديث الثاني حديث أبي جحيفة أورده من طريقين وإسماعيل فيهما هو ابن أبي خالد وابن
فضيل بالتصغير هو محمد (قوله كان أبيض قد شمط) بفتح المعجمة وكسر الميم أي صار سواد شعره
411

مخالطا لبياضه وقد بين في الرواية التي تلي هذا ان موضع الشمط كان في العنفقة ويؤيد ذلك حديث
عبد الله بن بسر المذكور بعده والعنفقة ما بين الذقن والشفة السفلى سواء كان عليها شعر أم لا
وتطلق على الشعر أيضا وعند مسلم من رواية زهير عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهذه منه بيضاء وأشار إلى عنفقته قيل مثل من أنت يومئذ قال أبري النبل
وأريشها (قوله وأمر لنا) أي له ولقومه من بني سواءة بضم المهملة وتخفيف الواو والمد والهمزة
وآخره هاء تأنيث ابن عامر بن صعصعة وكان أمر لهم بذلك على سبيل جائزة الوفد (قوله قلوصا)
بفتح القاف هي الأنثى من الإبل وقيل الشابة وقيل الطويلة القوائم وقوله فقبض النبي صلى الله
عليه وسلم قبل ان نقبضها فيه اشعار بان ذلك كان قرب وفاته صلى الله عليه وسلم وقد شهد أبو
جحيفة ومن معه من قومه حجة الوداع كما في الرواية التي بعد هذه فالذي يظهر أن أبا بكر وفي
لهم بالوعد المدكور كما صنع بغيرهم ثم وجدت ذلك منقولا صريحا ففي رواية الإسماعيلي من طريق
محمد بن فضيل بالاسناد المذكور فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئا فلما قام أبو بكر قال من
كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليجئ فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها وقد تقدم
البحث في هذه المسئلة في الهبة * الحديث الثالث حديث أبي جحيفة أيضا (قوله عن وهب
أبي جحيفة) هو اسم أبي جحيفة وهو مشهور بكنيته أكثر من اسمه وكان يقال له أيضا وهب الله
ووهب الخير (قوله ورأيت بياضا من تحت شفته السفلى العنفقة) بالكسر على أنه بدل من
الشفة وبالنصب على أنه بدل من قوله بياضا ووقع عند الإسماعيلي من طريق عبيد الله بن موسى
عن إسرائيل بهذا الاسناد من تحت شفته السفلى مثل موضع إصبع العنفقة وإصبع في هذه
الرواية بالتنوين واعراب العنفقة كالذي قبله وفي رواية شبابة بن سوار عن إسرائيل عنده رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم شابت عنفقته * الحديث الرابع وهو من ثلاثياته (قوله حدثنا عصام
ابن خالد) هو أبو إسحاق الحمصي الحضرمي من كبار شيوخ البخاري وليس له عنه في الصحيح غيره وأما
حريز فهو بفتح المهملة وتقدم قريبا انه من صغار التابعين (قوله أرأيت النبي صلى الله عليه
وسلم) يحتمل أن يكون أرأيت بمعنى أخبرني والنبي بالرفع على أنه اسم كان والتقدير أخبرني أكان
النبي صلى الله عليه وسلم شيخا ويحتمل أن يكون أرأيت استفهاما منه هل رأى النبي صلى الله
عليه وسلم ويكون النبي بالنصب على المفعولية وقوله كان شيخا استفهام ثان حذفت منه أداة
الاستفهام ويؤيد هذا الثاني رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن حريز بن عثمان قال رأيت
عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم بحمص والناس يسألونه فدنوت منه وأنا غلام
فقلت أنت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قلت شيخ كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم أم شاب قال فتبسم وفي رواية له فقلت له أكان النبي صلى الله عليه وسلم صبغ قال يا ابن أخي
لم يبلغ ذلك (قوله قال كان في عنفقته شعرات بيض) في رواية الإسماعيلي انما كانت شعرات
بيض وأشار إلى عنفقته وسيأتي بعد حديثين قول أنس انما كان شئ في صدغيه وسيأتي وجه
الجمع بينهما إن شاء الله تعالى * الحديث الخامس حديث أنس من رواية ربيعة عنه وهو ابن
أبي عبد الرحمن فروخ الفقيه المدني المعروف بربيعة الرأي وقد أورده من طريقين أحدهما من
رواية خالد وهو ابن يزيد الجمحي المصري وكان من أقران الليث بن سعد لكنه مات قبله وقد أكثر
412

عنه الليث (قوله كان ربعة) بفتح الراء وسكون الموحدة أي مربوعا والتأنيث باعتبار النفس
يقال رجل ربعة وامرأة ربعة وقد فسره في الحديث المذكور بقوله ليس بالطويل البائن ولا
بالقصير والمراد بالطويل البائن المفرط في الطول مع اضطراب القامة وسيأتي في حديث البراء
بعد قليل أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعا ووقع في حديث أبي هريرة عند الذهلي في
الزهريات باسناد حسن كان ربعة وهو إلى الطول أقرب (قوله أزهر اللون) أي أبيض مشرب
بحمرة وقد وقع ذلك صريحا في حديث أنس من وجه آخر عند مسلم وعند سعيد بن منصور
والطيالسي والترمذي والحاكم من حديث علي قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أبيض مشربا
بياضه بحمرة وهو عند ابن سعد أيضا عن علي وعن جابر وعند البيهقي من طرق عن علي وفي
الشمائل من حديث هند بن أبي هالة أنه أزهر اللون (قوله ليس بأبيض أمهق) كذا في الأصول
ووقع عند الداودي تبعا لرواية المروزي أمهق ليس بأبيض واعترضه الداودي وقال عياض انه
وهم قال وكذلك رواية من روى أنه ليس بالأبيض ولا الآدم ليس بصواب كذا قال وليس بجيد
في هذا الثاني لان المراد انه ليس بالأبيض الشديد البياض ولا بالآدم الشديد الأدمة وانما يخالط
بياضه الحمرة والعرب قد تطلق على من كان كذلك أسمر ولهذا جاء في حديث أنس عند أحمد والبزار
وابن منده باسناد صحيح وصححه ابن حبان ان النبي صلى الله عليه وسلم كان أسمر وقد رد المحب
الطبري هذه الرواية بقوله في حديث الباب من طريق مالك عن ربيعة ولا بالأبيض الأمهق
وليس بالآدم والجمع بينهما ممكن وأخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر عن أنس فذكر الصفة
النبوية قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض بياضه إلى السمرة وفي حديث يزيد الرقاشي
عن ابن عباس في صفة النبي صلى الله عليه وسلم رجل بين رجلين جسمه ولحمه أحمر وفي لفظ أسمر إلى
البياض أخرجه أحمد وسنده حسن وتبين من مجموع الروايات ان المراد بالسمرة الحمرة التي تخالط
البياض وان المراد بالبياض المثبت ما يخالطه الحمرة والمنفى ما لا يخالطه وهو الذي تكره العرب
لونه وتسميه أمهق وبهذا تبين ان رواية المروزي أمهق ليس بأبيض مقلوبة والله أعلم على أنه يمكن
توجيهها بأن المراد بالأمهق الأخضر اللون الذي ليس بياضه في الغاية ولا سمرته ولا حمرته فقد
نقل عن رؤبة ان المهق خضرة الماء فهذا التوجيه يتم على تقدير ثبوت الرواية وقد تقدم في
حديث أبي جحيفة اطلاق كونه أبيض وكذا في حديث أبي الطفيل عند مسلم وفي رواية عند
الطبراني ما أنسى شدة بياض وجهه مع شدة سواد شعره وكذا في شعر أبي طالب المتقدم في
الاستسقاء * وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * وفي حديث سراقة عند ابن إسحاق فجعلت
أنظر إلى ساقه كأنها جمارة ولأحمد من حديث محرش الكعبي في عمرة الجعرانة أنه قال فنظرت إلى
ظهره كأنه سبيكة فضة وعن سعيد بن المسيب انه سمع أبا هريرة يصف النبي صلى الله عليه وسلم
فقال كان شديد البياض أخرجه يعقوب بن سفيان والبزار باسناد قوي والجمع بينهما بما تقدم
وقال البيهقي يقال إن المشرب منه حمرة والى السمرة ما ضحى منه للشمس والريح وأما ما تحت
الثياب فهو الأبيض الأزهر (قلت) وهذا ذكره ابن أبي خيثمة عقب حديث عائشة في صفته
صلى الله عليه وسلم بأبسط من هذا وزاد ولونه الذي لا شك فيه الأبيض الأزهر وأما ما وقع
في زيادات عبد الله بن أحمد في المسند من طريق علي أبيض مشرب شديد الوضح فهو مخالف
413

لحديث أنس ليس بالأمهق وهو أصح ويمكن الجمع يحمل ما في رواية علي على ما تحت الثياب
مما لا يلاقي الشمس والله أعلم (قوله ليس بجعد قطط ولا سبط) بفتح أوله وكسر الموحدة
والجعودة في الشعر ان لا يتكسر ولا يسترسل والسبوطة ضده فكأنه أراد انه وسط بينهما ووقع
في حديث علي عند الترمذي وابن أبي خيثمة ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط كان جعدا رجلا
وقوله رجل بكسر الجيم ومنهم من يسكنها اي متسرح وهو مرفوع على الاستئناف أي هو رجل
ووقع عند الأصيلي بالخفض وهو وهم لأنه يصير معطوفا على المنفي وقد وجه على أنه خفضه على
المجاورة وفي بعض الروايات بفتح اللام وتشديد الجيم على أنه فعل ماض (قوله أنزل عليه) في
رواية مالك بعثه الله (قوله وهو ابن أربعين) في رواية مالك على رأس أربعين وهذا انما يتم على
القول بأنه بعث في الشهر الذي ولد فيه والمشهور عند الجمهور انه ولد في شهر ربيع الأول وانه
بعث في شهر رمضان فعلى هذا يكون له حين بعث أربعون سنة ونصف أو تسع وثلاثون ونصف
فمن قال أربعين ألغى الكسر أو جبر لكن قال المسعودي وابن عبد البر انه بعث في شهر ربيع
الأول فعلى هذا يكون له أربعون سنة سواء وقال بعضهم بعث وله أربعون سنة وعشرة أيام
وعند الجعابي أربعون سنة وعشرون يوما وعن الزبير بن بكار انه ولد في شهر رمضان وهو شاذ
فإن كان محفوظا وضم إلى المشهور ان المبعث في رمضان فيصح انه بعث عند اكمال الأربعين أيضا
وأبعد منه قول من قال بعث في رمضان وهو ابن أربعين سنة وشهرين فإنه يقتضي انه ولد في شهر
رجب ولم أر من صرح به ثم رأيته كذلك مصرحا به في تاريخ أبي عبد الرحمن العتقي وعزاه للحسين
ابن علي وزاد لسبع وعشرين من رجب وهو شاذ ومن الشاذ أيضا ما رواه الحاكم من طريق يحيى
ابن سعيد بن سعيد بن المسيب قال أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين
وهو قول الواقدي وتبعه البلاذري وابن أبي عاصم وفي تاريخ يعقوب بن سفيان وغيره عن
مكحول انه بعث بعد ثنتين وأربعين (وقوله فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه) مقتضي هذا انه
عاش ستين سنة وأخرج مسلم من وجه آخر عن أنس انه صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثا وستين وهو
موافق لحديث عائشة الماضي قريبا وبه قال الجمهور وقال الإسماعيلي لا بد أن يكون الصحيح
أحدهما وجمع غيره بالغاء الكسر وسيأتي بقية الكلام على هذا الموضع في الوفاة آخر المغازي إن شاء الله
تعالى (قوله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء) اي بل دون ذلك ولابن أبي خيثمة
من طريق أبي بكر بن عياش قلت لربيعة جالست أنسا قال نعم وسمعته يقول شاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم عشرين شيبة ههنا يعني العنفقة ولاسحق بن راهويه وابن حبان والبيهقي من
حديث ابن عمر كان شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة بيضاء في مقدمه
وقد اقتضى حديث عبد الله بن بسر ان شيبه كان لا يزيد على عشرة شعرات لايراده بصيغة جمع
القلة لكن خص ذلك بعنفقته فيحمل الزائد على ذلك في صدغيه كما في حديث البراء لكن وقع
عند ابن سعد باسناد صحيح عن حميد عن أنس في أثناء حديث قال ولم يبلغ ما في لحيته من الشيب
عشرين شعرة قال حميد وأومأ إلى عنفقته سبع عشرة وقد روى ابن سعد أيضا باسناد صحيح عن
ثابت عن أنس قال ما كان في رأس النبي صلى الله عليه وسلم ولحيته الا سبع عشرة أو ثماني عشرة
ولابن أبي خيثمة من حديث حميد عن أنس لم يكن في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون
414

شعرة بيضاء قال حميد كن سبع عشرة وفي مسند عبد بن حميد من طريق حماد عن ثابت عن أنس
ما عددت في رأسه ولحيته الا أربع عشرة شعرة وعند ابن ماجة من وجه آخر عن أنس إلا سبع
عشرة أو عشرين شعرة وروى الحاكم في المستدرك من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن انس
قال لو عددت ما أقبل علي من شيبه في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة وفي
حديث الهيثم بن زهير عند ثلاثون عددا (قوله قال ربيعة) هو موصول بالاسناد
المذكور (قوله فرأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر فسالت فقيل احمر من الطيب) لم أعرف
المسؤول المجيب بذلك الا ان في رواية ابن عقيل المذكورة من قبل ان عمر بن عبد العزيز قال لأنس
هل خضب النبي صلى الله عليه وسلم فاني رأيت شعرا من شعره قد لون فقال انما هذا الذي لون من
الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي غير لونه فيحتمل أن يكون
ربيعة سأل أنسا عن ذلك فأجابه ووقع في رجال مالك للدارقطني وهو في غرائب مالك له عن أبي
هريرة قال لما مات النبي صلى الله عليه وسلم خضب من كان عنده شئ من شعره ليكون أبقى لها
(قلت) فان ثبت هذا استقام انكار أنس ويقبل ما أثبته سواه التأويل وستأتي الإشارة إلى شئ
من ذلك في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى * الحديث السادس حديث البراء (قوله حدثنا إبراهيم
ابن يوسف) اي ابن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي (قوله وأحسنه خلقا) بفتح المعجمة للأكثر وضبطه
ابن التين بضم أوله واستشهد بقوله تعالى وانك لعلي خلق عظيم ووقع في رواية الإسماعيلي
بالشك وأحسنه خلقا أو خلقا ويؤيده قوله قبله أحسن الناس وجها فان فيه إشارة إلى الحسن
الحسى فيكون في الثاني إشارة إلى الحسن المعنوي وقد وقع في حديث أنس الذي يتعلق بفرس
أبي طلحة الذي قال فيه ان وجدناه لبحرا وهو عنده في مواضع منها ان في أوله في باب الشجاعة في
الحرب كان أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس فجمع صفات القوي الثلاث العقلية
والغضبية والشهوانية فالشجاعة تدل على الغضبية والجود يدل على الشهوية والحسن تابع
لاعتدال المزاج المستتبع لصفاء النفس الذي به جودة القريحة الدال على العقل فوصف
بالأحسنية في الجميع ومضى في الجهاد والخمس حديث جبير بن مطعم انه صلى الله عليه وسلم قال
ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا فأشار بعدم الجبن إلى كمال القوة الغضبية وهي الشجاعة
وبعدم الكذب إلى كمال القوة العقلية وهي الحكمة وبعدم البخل إلى كمال القوة الشهوانية
وهو الجود (قوله ليس بالطويل البائن ولا بالقصير) تقدم في حديث ربيعة عن أنس انه كان ربعة
ووقع في حديث عائشة عند ابن أبي خيثمة لم يكن أحد يماشيه من الناس ينسب إلى الطول
الا طاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه
نسبا إلى الطول ونسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الربعة وقوله البائن بالموحدة اسم فاعل
من بان أي ظهر على غيره أو فارق من سواء * الحديث السابع حديث قتادة سألت أنسا هل
خضب النبي صلى الله عليه وسلم قال انما كان شئ في صدغيه الصدغ بضم المهملة واسكان الدال
بعدها معجمة ما بين الاذن والعين ويقال ذلك أيضا للشعر المتدلي من الرأس في ذلك المكان وهذا
مغاير للحديث السابق ان الشعر الأبيض كان في عنفقته ووجه الجمع ما وقع عند مسلم من طريق
سعيد عن قتادة عن أنس قال لم يخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما كان البياض
415

في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نبذ اي متفرق وعرف من مجموع ذلك ان الذي شاب من
عنفقته أكثر مما شاب من غيرها ومراد أنس انه لم يكن في شعره ما يحتاج إلى الخضاب وقد صرح
بذلك في رواية محمد بن سيرين قال سالت أنس بن مالك أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خضب
قال لم يبلغ الخضاب ولمسلم من طريق حماد عن ثابت عن أنس لو شئت ان أعد شمطات كن في رأسه
لفعلت زاد ابن سعد والحاكم ما شانه بالشيب ولمسلم من حديث جابر بن سمرة فقد شمط مقدم
رأسه ولحيته وكان إذا ادهن لم يتبين فإذا لم يدهن تبين وأما ما رواه الحاكم وأصحاب السنن من
حديث أبي رمثة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران وله شعر قد علاه
الشيب وشيبه أحمر مخضوب بالحناء فهو موافق لقول ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يخضب بالصفرة وقد تقدم في الحج وغيره والجمع بينه وبين حديث أنس ان يحمل نفى أنس على
غلبة الشيب حتى يحتاج إلى خضابه ولم يتفق ادنه رآه وهو مخضب ويحمل حديث من أثبت
الخضب على أنه فعله لإرادة بيان الجواز ولم يواظب عليه وأما ما تقدم عن أنس وأخرجه الحاكم
من حديث عائشة قالت ما شانه الله ببيضاء فمحمول على أن تلك الشعرات البيض لم يتغير بها شئ
من حسنة صلى الله عليه وسلم وقد أنكر أحمد انكار أنس انه خضب وذكر حديث ابن عمر أنه رأى
النبي صلى الله عليه وسلم يخضب بالصفرة وهو في الصحيح ووافق مالك أنسا في انكار الخضاب
وتأول ما ورد في ذلك * الحديث الثامن حديث البزاء (قوله بعيد ما بين المنكبين) أي عريض
أعلى الظهر ووقع في حديث أبي هريرة عند ابن سعد رحب الصدر (قوله له شعر يبلغ شحمة أذنه)
في رواية الكشميهني اذنيه بالتثنية وفي رواية الإسماعيلي تكاد جمته تصيب شحمة اذنيه (قوله
وقال يوسف بن أبي إسحاق) هو يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق نسبه إلى جده (قوله إلى منكبيه)
أي زاد في روايته عن جده أبي إسحاق عن البراء في هذا الحديث له شعر يبلغ شحمة اذنيه إلى
منكبيه وطريق يوسف هذه أوردها المصنف قبل هذا بحديث لكنه اختصرها قال ابن التين
تبعا للداودي قوله يبلغ شحمة أذنيه مغاير لقوله إلى منكبيه وأجيب بان المراد ان معظم شعره
كان عند شحمة اذنه وما استرسل منه متصل إلى المنكب أو يحمل على حالتين وقد وقع نظير ذلك
في حديث أنس عند مسلم من رواية قتادة عنه ان شعره كان بين اذنيه وعاتقه وفي حديث حميد عنه
إلى أنصاف اذنيه ومثله عند الترمذي من رواية ثابت عنه وعند ابن سعد من رواية حماد عن
ثابت عنه لا يجاوز شعره أذنيه وهو محمول على ما قدمته أو على أحوال متغايرة وروى أبو داود
من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق
الوفرة ودون الجمة وفي حديث هند بن أبي هالة في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الترمذي
وغيره فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره أي جعله وفرة فهذا القيد يؤيد الجمع المتقدم
وروى أبو داود والترمذي من حديث أم هانئ قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وله
أربع غدائر ورجاله ثقات * الحديث التاسع حديث البراء أيضا (قوله حدثنا زهير) هو ابن
معاوية وأبو اسحق هو السبيعي (قوله سئل البراء) في رواية الإسماعيلي من طريق أحمد بن
يونس عن زهير حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال له رجل (قوله مثل السيف قال لا بل مثل القمر)
كأن السائل أراد انه مثل السيف في الطول فرد عليه البراء فقال بل مثل القمر أي في التدوير
416

ويحتمل أن يكون أراد مثل السيف في اللمعان والصقال فقال بل فوق ذلك وعدل إلى القمر
لجمعه الصفتين من التدوير واللمعان ووقع في رواية زهير المذكورة أكان وجه رسول الله صلى
الله عليه وسلم حديدا مثل السيف وهو يؤيد الأول وقد أخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة ان
رجلا قال له أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف قال لا بل مثل الشمس والقمر
مستديرا وانما قال مستديرا للتنبيه على أنه جمع الصفتين لان قوله مثل السيف يحتمل أن يريد به
الطول أو اللمعان فرده المسؤول ردا بليغا ولما جرى التعارف في أن التشبيه بالشمس انما يراد به غالبا
الاشراق والتشبيه بالقمر انما يراد به الملاحة دون غيرهما أتى بقوله وكان مستديرا إشارة إلى
أنه أراد التشبيه بالصفتين معا الحسن والاستدارة ولأحمد وابن سعد وابن حبان عن أبي هريرة
ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في جبهته قال الطيبي
شبه جريان الشمس في فلكها بجريان الحسن في وجهه صلى الله عليه وسلم وفيه عكس التشبيه
للمبالغة قال ويحتمل أن يكون من باب تناهي التشبيه جعل وجهه مقرا ومكانا للشمس
وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق يونس بن أبي يعفور عن أبي إسحاق السبيعي عن
امرأة من همدان قالت حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لها شبهيه قالت كالقمر
ليلة البدر لم أر قبله ولا بعده مثله وفي حديث الربيع بنت معوذ لو رأيته لرأيت الشمس طالعة
أخرجه الطبراني والدارمي وفي حديث يزيد الرقاشي المتقدم قريبا عن ابن عباس جميل دوائر
الوجه قد ملأت لحيته من هذه إلى هذه حتى كادت تملأ نحره وروى الذهلي في الزهريات من
حديث أبي هريرة في صفته صلى الله عليه وسلم كان أسيل الخدين شديد سواد الشعر أكحل العينين
أهدب الأشفار الحديث وكأن قوله أسيل الخدين هو الحامل على من سأل أكان وجهه مثل
السيف ووقع في حديث علي عند أبي عبيد في الغريب وكان في وجهه تدوير قال أبو عبيد في
شرحه يريد انه لم يكن في غاية من التدوير بل كان فيه سهولة وهي أحلى عند العرب * الحديث
العاشر (قوله حدثنا الحسن بن منصور البغدادي) هو أبو علي البغدادي الشطوي بفتح المعجمة
ثم المهملة لم يخرج عنه البخاري سوى هذا الموضع (قوله قال شعبة) هو متصل بالاسناد
المذكور (قوله وزاد فيه عون عن أبيه أبي جحيفة) سيأتي هذا الحديث بزيادته من وجه آخر في
آخر الباب وقد تقدم ما يتعلق بذلك في أوائل الصلاة (قوله فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من
المسك) وقع مثله في حديث جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه عند الطبراني باسناد قوي وفي
حديث جابر بن سمرة عند مسلم في أثناء حديث قال فمسح صدري فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما
أخرجها من جونة عطار وفي حديث وائل بن حجر عند الطبراني والبيهقي لقد كنت أصافح رسول
الله صلى الله عليه وسلم أو يمس جلدي جلده فأتعرفه بعد في يدي وانه لأطيب رائحة من المسك وفي
حديثه عند أحمد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فشرب منه ثم مح في الدلو ثم في البئر
ففاح منه مثل ريح المسك وروى مسلم حديث أنس في جمع أم سليم عرقه صلى الله عليه وسلم
وجعلها إياه في الطيب وفي بعض طرقه وهو أطيب الطيب وأخرج أبو يعلى والطبراني من
حديث أبي هريرة في قصة الذي استعان به صلى الله عليه وسلم على تجهيز ابنته فلم يكن عنده شئ
فاستدعى بقارورة فسلت له فيها من عرقه وقال له مرها فلتطيب به فكانت إذا تطيبت به شم أهل
417

المدينة رائحة ذلك الطيب فسموا بيت المطيبين وروى أبو يعلى والبزار باسناد صحيح عن أنس كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر في طريق من طرق المدينة وجد منه رائحة المسك فيقال مر
رسول الله صلى الله عليه وسلم * الحديث الحادي عشر حديث ابن عباس كان النبي صلى الله
عليه وسلم أجود الناس تقدم شرحه مستوفي في كتاب الصيام والغرض منه وصفه عليه السلام
بالجود * الحديث الثاني عشر حديث عائشة في قصة القائف وسيأتي شرحه في كتاب الفرائض
إن شاء الله تعالى والغرض منه هنا قولها تبرق أسارير وجهه والأسارير جمع اسرار وهي جمع
سر وهي الخطوط التي تكون في الجبهة * الحديث الثالث عشر حديث كعب بن مالك وهو
طرف من قصة توبته وسيأتي بطوله في المغازي مستوفي شرحه إن شاء الله تعالى (قوله استنار
وجهه كأنه قطعة قمر) أي الموضع الذي يبين فيه السرور وهو جبينه فلذلك قال قطعة قمر ولعله
كان حينئذ ملثما ويحتمل أن يكون يريد بقوله قطعة قمر القمر نفسه ووقع في حديث جبير بن
مطعم عند الطبراني التفت إلينا النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه مثل شقة القمر فهذا محمول على
صفته عند الالتفات وقد أخرج الطبراني حديث كعب بن مالك من طرق في بعضها كأنه دارة
قمر * الحديث الرابع عشر حديث أبي هريرة (قوله عن عمرو) هو ابن أبي عمرو مولى المطلب
واسم أبي عمرو ميسرة (قوله بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا) القرن الطبقة من الناس
المجتمعين في عصر واحد ومنهم من حدة بمائة سنة وقيل بسبعين وقيل بغير ذلك فحكى الحربي
الاختلاف فيه من عشرة إلى مائة وعشرين ثم تعقب الجميع وقال الذي أراه ان القرن كل أمة
هلكت حتى لم يبق منها أحد وقوله قرنا بالنصب حال للتفصيل (قوله حتى كنت من القرن الذي
كنت منه) في رواية الإسماعيلي حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه وسيأتي في أول مناقب
الصحابة حديث عمران بن حصين خير الناس قرني والكلام عليه مستوفي إن شاء الله تعالى
* الحديث الخامس عشر حديث ابن عباس (قوله عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله
ابن عتبة) هذا هو المشهور عن ابن شهاب وعنه فيه اسناد آخر أخرجه الحاكم من طريق مالك
عن زياد بن سعد عن أنس سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ما شاء الله ثم فرق بعد
وأخرجه أيضا أحمد وقال تفرد به حماد بن خالد عن مالك وأخطأ فيه والصواب عن عبيد الله
ابن عبد الله وقال ابن عبد البر الصواب عن مالك فيه عن الزهري مرسلا كما في الموطأ (قوله
يسدل شعره) بفتح أوله وسكون المهملة وكسر الدال ويجوز ضمها أي يترك شعر ناصيته على
جبهته قال النووي قال العلماء المراد ارساله على الجبين واتخاذه كالقصة أي بضم القاف بعدها
مهملة (قوله ثم فرق بعد) بفتح الفاء والراء أي ألقى شعر رأسه إلى جانبي رأسه فلم يترك منه شيئا على
جبهته ويفرقون بضم الراء وبكسرها وقد روى ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عروة عن
عائشة قالت أنا فرقت لرسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه أي شعر رأسه عن يافوخه ومن
طريقه أخرجه أبو داود وفي حديث هند بن أبي هالة في صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه ان انفرقت
418

عقيقته أي شعر رأسه الذي على ناصيته فرق والا فلا يجاوز شعره شحمة أذنه قال ابن قتيبة في
غريبه العقيقة شعر رأس الصبي قبل أن يحلق وقد يطلق عليه بعد الحلق مجازا وقوله كان
لا يفرق شعره الا إذا انفرق محمول على ما كان أولا لما بينه حديث ابن عباس (قوله وكان يحب
موافقة أهل الكتاب) أي حيث كان عباد الأوثان كثيرين (قوله فيما لم يؤمر فيه بشئ) أي
فيما لم يخالف شرعه لان أهل الكتاب في زمانه كانوا متمسكين ببقايا من شرائع الرسل فكانت
موافقتهم أحب إليه من موافقته عباد الأوثان فلما أسلم غالب عباد الأوثان أحب صلى الله عليه
وسلم حينئذ مخالفة أهل الكتاب واستدل به على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يجئ في شرعنا
ما يخالفه وتعقب بأنه عبر بالمحبة ولو كان كذلك لعبر بالوجوب وعلى التسليم ففي نفس الحديث
أنه رجع عن ذلك اخرا والله أعلم * الحديث السادس عشر حديث عبد الله بن عمرو أي ابن
العاص (قوله عن أبي حمزة) هو السكري والاسناد كله كوفيون سوى طرفيه وقد دخلاها (قوله
عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص في رواية مسلم عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن الأعمش
بسنده دخلنا على عبد الله بن عمرو حين قدم مع معاوية الكوفة فذكر رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال (قوله فاحشا ولا متفحشا) أي ناطقا بالفحش وهو الزيادة على الحد في الكلام السئ
والمتفحش المتكلف لذلك أي لم يكن له الفحش خلقا ولا مكتسبا ووقع عند الترمذي من طريق
أبي عبد الله الجدلي قال سألت عائشة عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت لم يكن فاحشا
ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح وتقدمت هذه
الزيادة في حديث عبد الله بن عمرو من وجه آخر بأتم من هذا السياق ويأتي في تفسير سورة الفتح
وقد روى المصنف في الأدب من حديث أنس لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابا ولا فحاشا
ولا لعانا كان يقول لاحدنا عند المعتبة ماله تربت جبينه ولأحمد من حديث أنس أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان لا يواجه أحدا في وجهه بشئ يكرهه ولأبي داود من حديث عائشة كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشئ لم يقل ما بال فلان يقول ولكن يقول
ما بال أقوام يقولون (قوله وكان يقول) أي النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية مسلم قال
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله إن من خياركم أحسنكم أخلافا) في رواية مسلم
أحاسنكم وحسن الخلق اختيار الفضائل وترك الرذائل وقد أخرج أحمد من حديث أبي هريرة
رفعه انما بعثت لأتمم صالح الأخلاق وأخرجه البزار من هذا الوجه بلفظ مكارم بدل صالح وأخرج
الطبراني في الأوسط باسناد حسن عن صفية بنت حي قالت ما رأيت أحدا أحسن خلقا من
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند مسلم من حديث عائشة كان خلقه القرآن يغضب لغضبه
ويرضى لرضاه * الحديث السابع عشر حديث عائشة (قوله بين أمرين) اي من أمور الدنيا يدل
عليه قوله ما لم يكن انما لان أمور الدين لا اثم فيها وأبهم فاعل خير ليكون أعم من أن يكون من
قبل الله أو من قبل المخلوقين وقوله الا أخذ أيسرهما اي أسهلهما وقوله وما لم يكن اثما اي ما لم
يكن الأسهل مقتضيا للإثم فإنه حينئذ يختار الأشد وفي حديث أنس عند الطبراني في الأوسط
الا اختار أيسرهما ما لم يكن لله فيه سخط ووقوع التخيير بين ما فيه اثم ومالا أتم فيه من قبل
المخلوقين واضح وأما من قبل الله ففيه اشكال لان التخيير انما يكون بين جائزين لكن إذا حملناه
419

على ما يفضي إلى الاثم أمكن ذلك بان يخيره بين أن يفتح عليه من كنوز الأرض ما يخشى من
الاشتغال به أن لا يتفرغ للعبادة مثلا وبين أن لا يؤتيه من الدنيا الا الكفاف فيختار الكفاف
وإن كانت السعة أسهل منه والاثم على هذا أمر نسبي لا يراد منه معنى الخطيئة لثبوت العصمة
له (قوله وما انتقم لنفسه) أي خاصة فلا يرد أمره بقتل عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن خطل
وغيرهما ممن كان يؤذيه لانهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله وقيل أرادت أنه لا ينتقم
إذا أوذي في غير السبب الذي يخرج إلى الكفر كما عفا عن الأعرابي الذي جفا في رفع صوته عليه
وعن الآخر الذي جبذ بردائه حتى أثر في كتفه وحمل الداودي عدم الانتقام على ما يختص
بالمال قال وأما العرض فقد اقتص ممن نال منه قال واقتص ممن لده في مرضه بعد نهيه عن ذلك
بان أمر بلدهم مع أنهم كانوا في ذلك تأولوا أنه انما نهاهم عن عادة البشرية من كراهة النفس
للدواء كذا قال وقد أخرج الحاكم هذا الحديث من طريق معمر عن الزهري بهذا الاسناد
مطولا وأوله ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما بذكر أي بصريح اسمه ولا ضرب بيده
شيئا قط الا أن يضرب بها في سبيل الله ولا سئل في شئ قط فمنعه الا أن يسئل مأثما ولا انتقم لنفسه
من شئ الا أن تنتهك حرمات الله فيكون لله ينتقم الحديث وهذا السياق سوى صدر الحديث
عند مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه به وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس
وفيه وما انتقم لنفسه الا أن تنتهك حرمة الله فان انتهكت حرمة الله كان أشد الناس غضبا لله
وفي الحديث الحث على ترك الاخذ بالشئ لعسر والاقتناع باليسر وترك الالحاح فيما لا يضطر
إليه ويؤخذ من ذلك الندب إلى الاخذ بالرخص ما لم يظهر الخطأ والحث على العفو الا في
حقوق الله تعالى والندب إلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحل ذلك ما لم يفض إلى ما هو
أشد منه وفيه ترك الحكم للنفس وإن كان الحاكم متمكنا من ذلك بحيث يؤمن منه الحيف
على المحكوم عليه لكن لحسم المادة والله أعلم * الحديث الثامن عشر حديث أنس أخرجه من
طريق حماد بن زيد وأخرجه مسلم بمعناه من رواية سليمان بن المغيرة عن ثابت عنه (قوله
ما مسست) بمهملتين الأولى مكسورة ويجوز فتحها والثانية ساكنة وكذا القول في ميم شممت
(قوله ولا ديباجا) هو من عطف الخاص على العام لان الديباج نوع من الحرير وهو بكسر
المهملة وحكى فتحها وقال أبو عبيدة الفتح مولد أي ليس بعربي) قوله ألين من كف رسول الله
صلى الله عليه وسلم) قيل هذا يخالف ما وقع في حديث أنس الآتي في كتاب اللباس أنه كان ضخم
اليدين وفي رواية له والقدمين وفي رواية له شثن القدمين والكفين وفي حديث هند بن أبي هالة
الذي أخرجه الترمذي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم فان فيه انه كان شثن الكفين والقدمين اي
غليظهما في خشونة وهكذا وصفه على من عدة طرق عنه عند الترمذي والحاكم وابن أبي خيثمة
وغيرهم وكذا في صفة عائشة له عند ابن أبي خيثمة والجمع بينهما أن المراد اللين في الجلد والغلظ في
العظام فيجتمع له نعومة البدن وقوته أو حيث وصف باللين واللطافة حيث لا يعمل بهما شيئا
كان بالنسبة إلى أصل الخلقة وحيث وصف بالغلط والخشونة فهو بالنسبة إلى امتهانهما بالعمل
فإنه يتعاطى كثيرا من أموره بنفسه صلى الله عليه وسلم وسيأتي مزيد لهذا في كتاب اللباس إن شاء الله
تعالى وفي حديث معاذ عند الطبراني والبزار أردفني النبي صلى الله عليه وسلم خلفه
420

في سفر فما مسست شيئا قط ألين من جلده صلى الله عليه وسلم (قوله أو عرفا) بفتح المهملة وسكون
الراء بعدها فاء وهو شك من الراوي ويدل عليه قوله بعد أطيب من ريح أو عرف والعرف الريح
الطيب ووقع في بعض الروايات بفتح الراء وبالقاف وأو على هذا للتنويع والأول هو المعروف
فقد تقدم في الصيام من طريق حميد عن أنس مسكة ولا عنبرة أطيب رائحة من ريح رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقوله عنبرة ضبط بوجهين أحدهما بسكون النون بعدها موحدة والآخر
بكسر الموحدة بعدها تحتانية والأول معروف والثاني طيب معمول من أخلاط يجمعها
الزعفران وقيل هو الزعفران نفسه ووقع عند البيهقي ولا شممت مسكا ولا عنبرا ولا عبيرا ذكرهما
جميعا وقد تقدم شئ من هذا في الحديث العاشر وقوله من ريح أو عرف بخفض ريح بغير
تنوين لأنه في حكم المضاف كقول الشاعر * بين ذراعي وجبهة الأسد * ووقع في أول حديث
عند مسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كان عرقه اللؤلؤ إذا مشى يتكفأ وما
مسست الخ * الحديث التاسع عشر حديث أبي سعيد أورده من طريقين (قوله عن عبد الله
ابن أبي عتبة) بضم المهملة وسكون المثناة بعدها موحدة وهو مولى أنس وهذا هو المحفوظ عن
قتادة وقد رواه الطبراني من وجه آخر عن شعبة عن قتادة فقال عن أبي السوار العدوي عن
عمران بن حصين به (قوله أشد حياء من العذراء) أي البكر وقوله في خدرها بكسر المعجمة أي في
سترها وهو من باب التتميم لان العذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر مما تكون خارجة عنه لكون
الخلوة مظنة وقوع الفعل بها فالظاهر أن المراد تقييده بما إذا دخل عليها في خدرها لا حيث
تكون منفردة فيه ومحل وجود الحياء منه صلى الله عليه وسلم في غير حدود الله ولهذا قال للذي
اعترف بالزنا أنكتها لا تكني كما سيأتي بيانه في الحدود وأخرج البزار هذا الحديث من حديث
أنس وزاد في آخره وكان يقول الحياء خير كله وأخرج من حديث ابن عباس قال كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من وراء الحجرات وما رأى أحد عورته قط واسناده حسن (قوله
حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى وابن مهدي قالا حدثنا شعبة مثله) يعني سندا ومتنا وقد أخرجه
الإسماعيلي من رواية أبي موسى محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي بسنده وقال فيه سمعت
عبد الله بن أبي عتبة يقول سمعت أبا سعيد الخدري يقول وأخرجه ابن حبان من طريق أحمد بن
سنان القطان قال قلت لعبد الرحمن بن مهدي يا أبا سعيد أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أشد حياء من العذراء في خدرها قال نعم عن مثل هذا فسل يا شعبة فذكره بتمامه (قوله وإذا
كره شيئا عرف في وجهه) أي ان ابن بشار زاد هذا على رواية مسدد وهذا يحتمل أن يكون في رواية
عبد الرحمن بن مهدي وحده وأن يكون في رواية يحيى أيضا ولم يقع لمسدده والأول المعتمد فقد
أخرجه الإسماعيلي من رواية المقدمي وأبي خيثمة وابن خلاد عن يحيى بن سعيد وليس فيه الزيادة
وأخرجه من رواية أبي موسى عن عبد الرحمن بن مهدي فذكرها وكذا أخرجه مسلم عن زهير
ابن حرب وأبي موسى محمد بن المثنى وأحمد بن سنان القطان كلهم عن ابن مهدي وأخرجه من
حديث معاذ والإسماعيلي من حديث علي بن الجعد كلاهما عن شعبة كذلك وأخرجه ابن
حبان من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة كذلك وقوله عرفناه في وجهه إشارة إلى تصحيح
ما تقدم من أنه لم يكن يواجه أحدا بما يكرهه بل يتغير وجهه فيفهم أصحابه كراهيته لذلك * الحديث
421

العشرون حديث أبي هريرة (قوله عن أبي حازم) هو الأشجعي واسمه سلمان وليس هو أبا حازم
سلمة بن دينار صاحب سهل ابن سعد (قوله ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط) في رواية
غندر عن شعبة عند الإسماعيلي ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاب طعاما قط وهو محمول
على الطعام المباح كما سيأتي تقرير ذلك في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى * الحديث الحادي
والعشرون حديث عبد الله بن مالك ابن بحينة وهو بتنوين مالك واعراب ابن بحينة اعراب ابن
مالك لان مالكا أبوه وبحينة أمه (قوله الأسدي) هو بسكون المهملة ويقال فيه الأزدي
بسكون الزاي وهذا مشهور في هذه النسبة يقال بالزاي وبالسين وغفل الداودي فقرأه بفتح
السين ثم أنكره وقد تقدم هذا الحديث في كتاب الصلاة وكذا قوله قال ابن بكير أي يحيى بن عبد
الله بن بكير (حدثنا بكر) أي ابن مضر بالاسناد المذكور (قوله بياض إبطيه) أي أن يحيى زاد لفظ
بياض لان في رواية قتيبة حتى يرى إبطيه واختلف في المراد بوصف إبطيه بالبياض فقيل لم يكن
تحتهما شعر فكانا كلون جسده ثم قيل لم يكن تحت إبطيه شعر البتة وقيل كان لدوام تعهده له
لا يبقى فيه شعر ووقع عند مسلم في حديث حتى رأينا عفرة إبطيه ولا تنافي بينهما لان الأعفر
ما بياضه ليس بالناصع وهذا شأن المغابن يكون لونها في البياض دون لون بقية الجسد * الحديث
الثاني والعشرون حديث أنس في رفع اليدين في الاستسقاء تقدم في موضعه مشروحا والغرض
منه ذكر بياض إبطيه والمراد بالحصر فيه الرفع على هيئة مخصوصة لا أصل الرفع فإنه ثابت عنه
كما في الخبر الذي بعده * الحديث الثالث والعشرون حديث أبي موسى ذكر منه طرفا معلقا هو
طرف من حديث سيأتي موصولا في المناقب في ترجمة أبي عامر الأشعري وقد علق طرفا منه في
الوضوء أيضا (قوله حدثنا الحسن بن الصباح) هو البزار الذي أخرج عنه الحديث الذي بعده
وقيل بل هذا هو الزعفراني نسبه إلى جده لأنه الحسن بن محمد بن الصباح (قوله سمعت عون بن
أبي جحيفة ذكر عن أبيه) في رواية شعبة عن عون سمعت أبي كما تقدم في أوائل الصلاة (قوله
دفعت) بضم أوله أي انه وصل إليه عن غير قصد والأبطح هو الذي خارج مكة ينزل فيه الحاج إذا
رجع من مني وقوله وكان بالهاجرة استئناف أو حال وقد تقدم هذا الحديث من وجه آخر في هذا
الباب وهو الحديث العاشر والمراد منه هنا قوله كأني انظر إلى وبيص ساقيه والوبيص بالموحدة
والمهملة البريق وزنا ومعنى * الحديث الرابع والعشرون حديث عائشة (قوله حدثنا الحسن
ابن الصباح البزار) بتقديم الزاي على الراء وهو واسطي سكن بغداد وكان من أئمة الحديث
وسفيان هو ابن عيينة فان الحسن بن الصباح ما لحق الثوري والثوري لا يروي عن الزهري
الا بواسطة (قوله لو عده العاد لأحصاه) اي لو عد كلماته أو مفرداته أو حروفه لا طاق ذلك وبلغ
آخرها والمراد بذلك المبالغة في الترتيل والتفهيم هذا الحديث هو الحديث الذي بعده اختلف
الرواة في سياقه بسطا واختصارا (قوله وقال الليث حدثني يونس) وصله الذهلي في الزهريات
عن أبي صالح عن الليث (قوله ألا يعجبك) بضم أوله واسكان ثانيه من الاعجاب وبفتح ثانيه
422

والتشديد من التعجيب (قوله أبا فلان) كذا للأكثر قال عياض هو منادي بكنيته (قلت)
وليس كذلك لما سأذكره وانما خاطبت عائشة عروة بقولها ألا يعجبك وذكرت له المتعجب منه
فقالت أبا فلان وحتى السياق أن تقول أبو فلان بالرفع على أنه فاعل لكنه جاء هكذا على اللغة
القليلة ثم حكت وجه التعجب فقالت جاء فجلس الخ ووقع في رواية الأصيلي وكريمة أبو فلان ولا
اشكال فيها وتبين من رواية مسلم وأبي داود انه هو أبو هريرة فأخرجه مسلم عن هارون بن معروف
وأبو داود عن محمد بن منصور الطوسي كلاهما عن سفيان لكن قال هارون عن سفيان عن
هشام بن عروة وقال الطوسي عن سفيان عن الزهري وكذا أخرجه الإسماعيلي عن ابن أبي عمر
عن سفيان عن هشام عن أبي يعلى وعن أبي معمر عن سفيان عن الزهري وكذا أخرجه أبو نعيم
من طريق القعنبي عن سفيان عن الزهري فكأن لسفيان فيه شيخين وفي رواية الجميع انه أبو
هريرة ووقع في رواية ابن وهب عند الإسماعيلي ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس ولأحمد ومسلم
وأبي داود من هذا الوجه ألا أعجبك من أبي هريرة ووقع للقابسي بفتح الهمزة بعدها مثناة
مفتوحة فعل ماض من الاتيان وفلان بالرفع والتنوين وهو تصحيف لأنه تبين من الرواية
الأخرى انه بصيغة الكنية لا بلفظ الاسم المجرد عنها والعجب أن القابسي أنكر عين روايته وقال
عياض هي الصواب لولا قوله بعده جاء (قلت) لأنه يصير تكرارا (قوله وكنت أسبح) اي أصلي
نافلة أو على ظاهره أي أذكر الله والأول أوجه (قوله ولو أدركته لرددت عليه) اي لأنكرت
عليه وبينت له أن الترتيل في التحديث أولى من السرد (قوله لم يكن يسرد الحديث كسردكم)
اي يتابع الحديث استعجالا بعضه اثر بعض لئلا يلتبس على المستمع زاد الإسماعيلي من رواية ابن
المبارك عن يونس انما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلا فهما تفهمه القلوب
واعتذر عن أبي هريرة بأنه كان واسع الرواية كثير المحفوظ فكان لا يتمكن من المهل عند إرادة
التحديث كما قال بعض البلغاء أريد أن اقتصر فتتزاحم القوافي علي في (قوله باب
كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه) في رواية الكشميهني عيناه * ولا ينام قلبه (قوله رواه
سعيد بن ميناء عن جابر) وصله في كتاب الاعتصام مطولا وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى
وأخرجه المصنف في الباب من حديث عائشة في صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل وفي آخره فقلت
يا رسول الله تنام قبل ان توتر قال تنام عيني ولا ينام قلبي وهذا قد تقدم في صلاة التطوع وتقدم
حديث ابن عباس في ذلك في صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل ثم ذكر طرفا من حديث شريك عن
أنس في المعراج وسيأتي بأتم من هذا في التوحيد (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله
حدثنا أخي) هو أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو ابن بلال (قوله جاءه ثلاثة نفر) هم ملائكة ولم
أتحقق أسماءهم (قوله فقال أولهم أيهم) هو مشعر بأنه كان نائما بين اثنين أو أكثر وقد قيل إنه
كان نائما بين عمه حمزة وابن عمه جعفر بن أبي طالب (قوله فكانت تلك) اي القصة أي لم يقع في تلك
الليلة غير ما ذكر من الكلام (قوله حتى جاؤوا إليه ليلة أخرى) اي بعد ذلك ومن هنا يحصل رفع
الاشكال في قوله قبل ان يوحى إليه كما سيأتي بيانه في مكانه (قوله فيما يرى قلبه والنبي صلى الله
عليه وسلم نائمة عيناه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم) قد تقدم مثل
423

هذا من قول عبيد بن عمير في أوائل الطهارة ومثله لا يقال من قبل الرأي وهو ظاهر في أن ذلك
من خصائصه صلى الله عليه وسلم لكنه بالنسبة للأمة وزعم القضاعي انه مما اختص به عن الأنبياء
أيضا وهذان الحديثان يردان عليه وقد تقدم في التيمم في الكلام على حديث عمران في قصة
المرأة صاحبة المزادتين ما يتعلق بكونه صلى الله عليه وسلم كان تنام عيناه ولا ينام قلبه فليراجع
منه من أراد الوقوف عليه (قوله باب علامات النبوة في الاسلام) العلامات
جمع علامة وعبر بها المصنف لكون ما يورده من ذلك أعم من المعجزة والكرامة والفرق بينهما
أن المعجزة أخص لأنه يشترط فيها ان يتحدى النبي من يكذبه بأن يقول إن فعلت كذلك أتصدق
باني صادق أو يقول من يتحداه لا أصدقك حتى تفعل كذا ويشترط أن يكون المتحدي به مما
يعجز عنه البشر في العادة المستمرة وقد وقع النوعان للنبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن
وسميت المعجزة لعجز من يقع عندهم ذلك عن معارضتها والهاء فيها للمبالغة أو هي صفة محذوف
وأشهر معجزات النبي صلى الله عليه وسلم القرآن لأنه صلى الله عليه وسلم تحدى به العرب وهم أفصح
الناس لسانا وأشدهم اقتدارا على الكلام بأن يأتوا بسورة مثله فعجزوا مع شدة عداوتهم له
وصدهم عنه حتى قال بعض العلماء اقصر سورة في القرآن انا أعطيناك الكوثر فكل قرآن من
سورة أخرى كان قدر انا أعطيناك الكوثر سواء كان آية أو أكثر أو بعض آية فهو داخل فيما
تحداهم به وعلى هذا فتصل معجزات القرآن من هذه الحيثية إلى عدد كثير جدا ووجوه اعجاز
القرآن من جهة حسن تأليفه والتئام كلماته وفصاحته وايجازه في مقام الايجاز وبلاغته ظاهرة
جدا مع ما انضم إلى ذلك من حسن نظمه وغرابة أسلوبه مع كونه على خلاف قواعد النظم والنثر
هذا إلى ما اشتمل عليه من الاخبار بالمغيبات مما وقع من أخبار الأمم الماضية مما كان لا يعلمه الا
أفراد من أهل الكتاب ولم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بأحد منهم ولا أخذ عنهم وبما
سيقع فوقع على وفق ما أخبر به في زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده هذا مع الهيبة التي تقع عند تلاوته
والخشية التي تلحق سامعه وعدم دخول الملال والسآمة على قارئه وسامعه مع تيسر حفظه
لمتعلميه وتسهيل سرده لتاليه ولا ينكر شيئا من ذلك الا جاهل أو معاند ولهذا أطلق الأئمة ان معظم
معجزات النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ومن أظهر معجزات القرآن ابقاؤه مع استمرار الاعجاز
وأشهر ذلك تحديه اليهود أن يتمنوا الموت فلم يقع ممن سلف منهم ولا خلف من تصدى لذلك ولا
أقدم مع شدة عداوتهم لهذا الدين وحرصهم على افساده والصد عنه فكان في ذلك أوضح معجزة
وأما ما عدا القرآن من نبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام وانشقاق القمر ونطق الجماد
فمنه ما وقع التحدي به ومنه ما وقع دالا على صدقه من غير سبق تحد ومجموع ذلك يفيد القطع بأنه
ظهر على يده صلى الله عليه وسلم من خوارق العادات شئ كثير كما يقطع بوجود جود حاتم وشجاعة
على وإن كانت أفراد ذلك ظنية وردت مورد الآحاد مع أن كثيرا من المعجزات النبوية قد اشتهر
وانتشر ورواه العدد الكثير والجم الغفير وأفاد الكثير منه القطع عند أهل العلم بالآثار والعناية
بالسير والاخبار وان لم يصل عند غيرهم إلى هذه الرتبة لعدم عنايتهم بذلك بل لو ادعى مدع ان غالب
هذه الوقائع مفيدة للقطع بطريق نظري لما كان مستبعدا وهو انه لامرية ان رواة الاخبار في
كل طبقة قد حدثوا بهذه الاخبار في الجملة ولا يحفظ عن أحد من الصحابة ولا من بعدهم مخالفة
424

الراوي فيما حكاه من ذلك ولا الانكار عليه فيما هنالك فيكون الساكت منهم كالناطق لان
مجموعهم محفوظ من الاغضاء على الباطل وعلى تقدير أن يوجد من بعضهم انكار أو طعن على
بعض من روى شيئا من ذلك فإنما هو من جهة توقف في صدق الراوي أو تهمته بكذب أو توقف في
ضبطه أو نسبته إلى سوء الحفظ أو جواز الغلط ولا يوجد من أحد منهم طعن في المروي كما وجد
منهم في غير هذا الفن من الاحكام والآداب وحروف القرآن ونحو ذلك وقد قرر القاضي عياض
ما قدمته من وجود إفادة القطع في بعض الأخبار عند بعض العلماء دون بعض تقريرا حسنا
ومثل ذلك بان الفقهاء من أصحاب مالك قد تواتر عندهم النقل ان مذهبه اجزاء النية من أول
رمضان خلافا للشافعي في ايجابه لها في كل ليلة وكذا ايجاب مسح جميع الرأس في الوضوء
خلافا للشافعي في اجزاء بعضها وان مذهبهما مع ايجاب النية في أول الوضوء واشتراط الولي في
النكاح خلافا لأبي حنيفة ونجد العدد الكثير والجم الغفير من الفقهاء من لا يعرف ذلك من
خلافهم فضلا عمن لم ينظر في الفقه وهو أمر واضح والله أعلم وذكر النووي في مقدمه شرح
مسلم ان معجزات النبي صلى الله عليه وسلم تزيد على ألف ومائتين وقال البيهقي في المدخل بلغت
ألفا وقال الزاهدي من الحنفية ظهر على يديه ألف معجزة وقيل ثلاثة آلاف وقد اعتنى بجمعها
جماعة من الأئمة كأبي نعيم والبيهقي وغيرهما (قوله في الاسلام) أي من حين المبعث وهلم
جرا دون ما وقع قبل ذلك وقد جمع ما وقع من ذلك قبل المبعث بل قبل المولد الحاكم في الإكليل وأبو
سعيد النيسابوري في شرف المصطفى وأبو نعيم والبيهقي في دلائل النبوة وسيأتي منه في هذا
الكتاب في قصة زيد بن عمرو بن نفيل في خروجه في ابتغاء الدين ومضى منه قصة ورقة بن نوفل وسلمان
الفارسي وقدمت في باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم قصة محمد بن عدي بن ربيعة في سبب تسميته
محمدا ومن مشهور ذلك قصة بحيرا الراهب وهي في السيرة لابن اسحق وروى أبو نعيم في الدلائل
من طريق شعيب بن شعيب أي ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبيه عن جده قال
كان بمر الظهران راهب يدعى عيصا فذكر الحديث وفيه أنه أعلم عبد الله بن عبد المطلب ليلة ولد له
النبي صلى الله عليه وسلم بأنه نبي هذه الأمة وذكر له أشياء من صفته وروى الطبراني من حديث
معاوية بن أبي سفيان عن أبيه ان أمية بن أبي الصلت قال له اني أجد في الكتب صفة نبي يبعث
من بلادنا وكنت أظن أني هو ثم ظهر لي أنه من بني عبد مناف قال فنظرت فلم أجد فيهم من هو
متصف باخلاقه الا عتبة بن ربيعة الا أنه جاوز الأربعين ولم يوح إليه فعرفت أنه غيره قال أبو
سفيان فلما بعث محمد قلت لامية عنه فقال أما انه حق فاتبعه فقلت له فأنت ما يمنعك قال الحياء من
نسيات ثقيف اني كنت أخبرهن اني هو ثم أصير تبعا لفتى من بني عبد مناف وروى ابن إسحاق من
حديث سلمة بن سلامة بن وقش وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان من طريقه قال كان لنا جار من
اليهود بالمدينة فخرج علينا قبل البعثة بزمان فذكر الحشر والجنة والنار فقلنا له وما آية ذلك قال
خروج نبي يبعث من هذه البلاد وأشار إلى مكة فقالوا متى يقع ذلك قال فرمى بطرفه إلى السماء
وأنا أصغر القوم فقال إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه قال فما ذهبت الأيام والليالي حتى بعث
الله نبيه وهو حي فآمنا به وكفر هو بغيا وحسدا وروى يعقوب بن سفيان باسناد حسن عن
عائشة قالت كان يهودي قد سكن مكة فلما كانت الليلة التي ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم قال
425

يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود قالوا لا تعلم قال انظروا فإنه ولد في هذه الليلة نبي هذه
الأمة بين كتفيه علامة لا يرضع ليلتين لان عفريتا من الجن وضع يده على فمه فانصرفوا فسألوا
فقيل لهم قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام فذهب اليهودي معهم إلى امه فأخرجته لهم فلما
رأى اليهودي العلامة خر مغشيا عليه وقال ذهبت النبوة من بني إسرائيل يا معشر قريش اما
والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب (قلت) ولهذه القصص نظائر
يطول شرحها ومما ظهر من علامات نبوته عند مولده وبعده ما أخرجه الطبراني عن عثمان بن أبي
العاص الثقفي عن امه انها حضرت آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم فلما ضربها المخاض قالت
فجعلت أنظر إلى النجوم تدلى حتى أقول لتقعن علي فلما ولدت خرج منها نور أضاء له البيت والدار
وشاهده حديث العرباض بن سارية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اني عبد الله
وخاتم النبيين وان آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك اني دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى بي
ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وان أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين
وضعته نورا أضاءت له قصور الشام أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم وفي حديث أبي
أمامة عند أحمد نحوه وأخرج ابن إسحاق عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله
نحوه وقالت أضاءت له بصري من أرض الشام وروى ابن حبان والحاكم في قصة رضاعه صلى
الله عليه وسلم من طريق ابن إسحاق باسناده إلى حليمة السعدية الحديث بطوله وفيه من العلامات
كثرة اللبن في ثدييها ووجود اللبن في شارفها بعد الهذال الشديد وسرعة مشي حمارها وكثرة اللبن
في شياهها بعد ذلك وخصب أرضها وسرعة نباتة وشق الملكين صدره وهذا الأخير أخرجه مسلم
من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه
فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء
زمزم ثم جمعه فأعاده مكانه الحديث وفي حديث مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه قال وكان
قد أتت عليه خمسون ومائة سنة قال لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
انكسر ايوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرافة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف
عام وغاضت بحيرة ساوه ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في
بلادها فلما أصبح كسرى أفزعه ما وقع فسأل علماء أهل مملكته عن ذلك فارسلوا إلى سطيح فذكر
القصة بطولها أخرجها ابن السكن وغيره في معرفة الصحابة ثم أورد المصنف في الباب نحو
خمسين حديثا * الحديث الأول حديث عمران بن حصين في قصة المرأة صاحبة المزادتين والمعجزة
فيها تكثير الماء القليل ببركته صلى الله عليه وسلم وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في أبواب
التيمم وقوله في هذه الرواية ايه بكسر الهمزة وسكون التحتانية وفي بعض النسخ أيها بالتنوين
مع الفتح وحكى الجوهري جواز فتح الهمزة في هذه وقوله مؤتمة أي ذات أيتام وقوله فمسح
بالعزلاوين في رواية الكشميهني في العزلاوين وهما تثنية عزلاء بسكون الزاي وبالمد وهو فم
القربة والجمع عزالي بكسر اللام الخفيفة وكذلك وقع في الرواية المتقدمة (قوله فشربنا عطاشا
أربعون رجلا) أي ونحن حينئذ أربعون وفي رواية الكشميهني أربعين بالنصب وتوجيهها ظاهر
وقوله وهي تكاد تبض بكسر الموحدة بعدها معجمة ثقيلة اي تسيل وحكى عياض عن بعض
426

الرواة بالصاد المهملة من البصيص وهو اللمعان ومعناه مستبعد هنا فان في نفس الحديث تكاد
تبض من الملء بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة فكونها تكاد تسيل من الملء ظاهر وأما
كونها تلمع من الملء فبعيد وقال ابن التين معنى قوله تبض بالمعجمة اي تشق يقال بض الماء من
العين إذا نبع وكذا بض العرق قال وفيه روايات أخرى روى تنض بنون وضاد معجمة وروى
تيصر بمثناة مفتوحة بعدها تحتانية ساكنة وصاد مهملة ثم راء قال وذكر الشيخ أبو الحسن ان
معناه تنشق قال ومنه صير الباب اي شق الباب ورده ابن التين بان صير عينه حرف علة فكان يلزم
أن يقول تصور وليس هذا شئ من الروايات ورأيت في رواية أبي ذر عن الكشميهني تنصب بفتح
المثناة وسكون النون وفتح الصاد المهملة بعدها موحدة فتوافق الرواية الأولى لأنها بمعنى تسيل
* الحديث الثاني والثالث عن انس في نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم أورده من
أربعة طرق من رواية قتادة وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة والحسن البصري وحميد وتقدم عنده
في الطهارة من رواية ثابت كلهم عن أنس وعند بعضهم ما ليس عند بعض وظهر لي من مجموع
الروايات أنهما قصتان في موطنين للتغاير في عدد من حضر وهي مغايرة واضحة يبعد الجمع فيها
وكذلك تعيين المكان الذي وقع ذلك فيه لان ظاهر رواية الحسن ان ذلك كان في سفر بخلاف
رواية قتادة فإنها ظاهرة في أنها كانت بالمدينة وسيأتي في غير حديث أنس أنها كانت في مواطن
أخر قال عياض هذه القصة رواها الثقات من العدد الكثير عن الجم الغفير عن الكافة متصلة
بالصحابة وكان ذلك في مواطن اجتماع الكثير منهم في المحافل ومجمع العساكر ولم يرد عن أحد
منهم انكار على راوي ذلك فهذا النوع ملحق بالقطعي من معجزاته وقال القرطبي قضية نبع
الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم تكررت منه في عدة مواطن في مشاهد عظيمة ووردت من
طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي قلت أخذ كلام عياض
وتصرف فيه قال ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا صلى الله عليه وسلم وحديث نبع الماء جاء
من رواية أنس عند الشيخين وأحمد وغيرهم من خمسة طرق وعن جابر بن عبد الله من أربعة طرق
وعن ابن مسعود عند البخاري والترمذي وعن ابن عباس عند أحمد والطبراني من طريقين وعن
ابن أبي ليلى والد عبد الرحمن عند الطبراني فعدد هؤلاء الصحابة ليس كما يفهم من اطلاقها وأما
تكثير الماء بان يلمسه بيده أو يتفل فيه أو يأمر بوضع شئ فيه كسهم من كنانته فجاء في حديث
عمران بن حصين في الصحيحين وعن البراء بن عازب عند البخاري وأحمد من طريقين وعن أبي
قتادة عند مسلم وعن أنس عند البيهقي في الدلائل وعن زياد بن الحرث الصدائي عنده وعن حبان
ابن بح بضم الموحدة وتشديد المهملة الصدائي أيضا فإذا ضم هذا إلى هذا بلغ الكثرة المذكورة
أو قاربها وأما من رواها من أهل القرن الثاني فهم أكثر عددا وإن كان شطر طرقه افرادا وفي
الجملة يستفاد منها الرد علي ابن بطال حيث قال هذا الحديث شهده جماعة كثيرة من الصحابة الا
أنه لم يرو الا من طريق أنس وذلك لطول عمره وتطلب الناس العلو في السند انتهى وهو ينادي
عليه بقلة الاطلاع والاستحضار لأحاديث الكتاب الذي شرحه وبالله التوفيق قال القرطبي
ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا صلى الله عليه وسلم حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه
ولحمه ودمه وقد نقل ابن عبد البر عن المزني أنه قال نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم
427

أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى بالعصا فتفجرت منه المياه لان خروج
الماء من الحجارة معهود بخلاف خروج الماء من بين اللحم والدم انتهى وظاهر كلامه أن الماء
نبع من نفس اللحم الكائن في الأصابع ويؤيده قوله في حديث جابر الآتي فرأيت الماء يخرج من
بين أصابعه وأوضح منه ما وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني فجاءوا بشن فوضع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يده عليه ثم فرق أصابعه فنبع الماء من أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم
مثل عصا موسى فان الماء تفجر من نفس العصا فتمسكه به يقتضي أن الماء تفجر من بين أصابعه
ويحتمل أن يكون المراد أن الماء كان ينبع من بين أصابعه بالنسبة إلى رؤية الرائي وهو في نفس
الامر للبركة الحاصلة فيه يفور ويكثر وكفه صلى الله عليه وسلم في الماء فرآه الرائي نابعا من بين
أصابعه والأول أبلغ في المعجزة وليس في الاخبار ما يرده وهو أولى (قوله عن سعيد) هو ابن أبي
عروبة (قوله عن أنس) لم أره من رواية قتادة الا معنعنا لكن بقية الخبر تدل على أنه سمعه من
أنس لقوله قلت كم كنتم لكن أخرجه أبو نعيم في الدلائل من طريق مكي بن إبراهيم عن سعيد
فقال عن قتادة عن الحسن عن أنس فهذا لو كان محفوظا اقتضى ان في رواية الصحيح انقطاعا
وليس كذلك لان مكي بن إبراهيم ممن سمع من سعيد بن أبي عروبة بعد الاختلاط (قوله وهو
بالزوراء) بتقديم الزاي على الراء وبالمد مكان معروف بالمدينة عند السوق وزعم الداودي انه
كان مرتفعا كالمنارة وكأنه أخذه من أمر عثمان بالتأذين على الزوراء وليس ذلك بلازم بل الواقع
ان المكان الذي أمر عثمان بالتأذين فيه كان بالزوراء لا انه الزوراء نفسها و وقع في رواية همام عن
قتادة عن أنس شهدت النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه عند الزوراء أو عند بيوت المدينة
أخرجه أبو نعيم وعند أبي نعيم من رواية شريك بن أبي نمر عن انس انه هو الذي أحضر الماء وأنه
أحضره إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بيت أم سلمة وانه رده بعد فراغهم إلى أم سلمة وفيه قدر ما
كان فيه أولا ووقع عنده في رواية عبيد الله بن عمر عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه
وسلم خرج إلى قباء فأتى من بعض بيوتهم بقدح صغير ووقع في حديث جابر الآتي التصريح بأن
ذلك كان في سفر ففي رواية نبيح العنزي عند أحمد عن جابر قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فحضرت الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما في القوم من طهور فجاء رجل بفضله
في أدواة فصبه في قدح فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن القوم أتوا ببقية الطهور فقالوا
تمسحوا تمسحوا فسمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال على رسلكم فضرب بيده في القدح
في جوف الماء ثم قال أسبغوا الطهور قال جابر فوالذي أذهب بصري لقد رأيت الماء يخرج من
بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توضؤا أجمعون قال حسبته قال كنا مائتين وزيادة
وجاء عن جابر قصة أخرى أخرجها مسلم من وجه آخر عنه في أواخر الكتاب في حديث طويل فيه
ان الماء الذي أحضروه له كان قطرة في اناء من جلد لو أفرغها لشربها يابس الاناء وانه لم يجد في
الركب قطرة ماء غيرها قال فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم وغمز بيده ثم قال ناد بجفنة
الركب فجئ بها فقال بيده في الجفنة فبسطها ثم فرق أصابعه ووضع تلك القطرة في قعر الجفنة
فقال خذ يا جابر فصب علي وقل بسم الله ففعلت قال فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ثم فارت
الجفنة ودارت حتى امتلأت فاتى الناس فاستقوا حتى رووا فرفع يده من الجفنة وهي ملأى
428

وهذه القصة أبلغ من جميع ما تقدم لاشتمالها على قلة الماء وعلى كثرة من استقى منه (قوله
زهاء ثلثمائة) هو بضم الزاي وبالمد أي قدر ثلاثمائة مأخوذة من زهوت الشئ إذا حصرته ووقع
عند الإسماعيلي من طريق خالد بن الحرث عن سعيد قال ثلثمائة بالجزم بدون قوله زهاء والله أعلم
* الحديث الرابع حديث جابر في نبع الماء أيضا (قوله عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى
الله عليه وسلم بيد يديه ركوة) كذا وقع في هذه الطريق ووقع في الأشربة من طريق الأعمش عن
سالم ان ذلك كان لما حضرت صلاة العصر وسيأتي شرح الحديث مستوفى في غزوة الحديبية إن شاء الله
تعالى وقوله جهش وهو بفتح الجيم والهاء بعدها معجمة اي أسرعوا لاخذ الماء وفي رواية
الكشميهني فجهش بزيادة فاء في أوله وقوله فجعل الماء يثور كذا للأكثر بمثلثة وللكشميهني
بالفاء وهما بمعنى وقوله روينا بكسر الواو من الري * الحديث الخامس حديث البراء في تكثير
الماء ببئر الحديبية وسيأتي الكلام عليه أيضا في غزوة الحديبية وأبين هناك التوفيق بينه وبين
حديث جابر الذي قبله إن شاء الله تعالى * الحديث السادس حديث أنس في تكثير الطعام
القليل (قوله قال أبو طلحة) هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس وقد اتفقت
الطرق على أن الحديث المذكور من مسند أنس وقد وافقه على ذلك أخوه لأمه عبد الله بن أبي
طلحة فرواه مطولا عن أبيه أخرجه أبو يعلى من طريقه باسناد حسن وأوله عن أبي طلحة قال
دخلت المسجد فعرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع الحديث والمراد بالمسجد
الموضع الذي أعده النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه حين محاصرة الأحزاب للمدينة في غزوة
الخندق (قوله ضعيفا اعرف فيه الجوع) فيه العمل على القرائن ووقع في رواية مبارك بن فضالة
عن بكر بن عبد الله وثابت عن أنس عند أحمد أن أبا طلحة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
طاويا وعند أبي يعلى من طريق محمد بن سيرين عن أنس ان أبا طلحة بلغه أنه ليس عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم طعام فذهب فأجر نفسه بصاع من شعير بعمل بقية يومه ذلك ثم جاء به الحديث
وفي رواية عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة وهو أخو اسحق راوي حديث الباب عن انس عند مسلم
وأبو يعلى قال رأى أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا يتقلب ظهر البطن وفي رواية
يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عند مسلم أيضا عن انس قال جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم
429

فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة فسالت بعض أصحابه فقالوا من الجوع
فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته فدخل على أم سليم فقال هل من شئ الحديث وفي رواية محمد بن
كعب عن أنس عند أبي نعيم جاء أبو طلحة إلى أم سليم فقال أعندك شئ فاني مررت على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء وقد ربط على بطنه حجرا من الجوع
(قوله فأخرجت أقراصا من شعير) في رواية محمد بن سيرين عن انس عند أحمد قال عمدت أم سليم إلى
نصف مدمن شعير فطحنته وعند المصنف من هذا الوجه ومن غيره عن أنس ان امه أم سليم عمدت
إلى مد من شعير جرشته ثم عملته وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن انس عند احمد ومسلم اتى أبو
طلحة بمد من شعير فامر به فصنع طعاما ولا منافاة بين ذلك لاحتمال أن تكون القصة تعددت وان
بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر ويمكن الجمع بان يكون الشعير في الأصل كان صاعا فأفردت
بعضه لعيالهم وبعضه للنبي صلى الله عليه وسلم ويدل على التعدد ما بين العصيدة والخبز المفتوت
الملتوت بالسمن من المغايرة وقد وقع لام سليم في شئ صنعته للنبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب
بنت جحش قريب من هذه القصة من تكثير الطعام وادخال عشرة عشرة كما سيأتي في مكانه في
الوليمة من كتاب النكاح ووقع عند احمد في رواية ابن سيرين عن انس عمدت أم سليم إلى نصف مد
من شعير فطحنته ثم عمدت إلى عكة فيها شئ من سمن فاتخذت منه خطيفة الحديث والخطيفة
هي العصيدة وزنا ومعنى وهذا بعينه يأتي للمصنف في الأطعمة (قوله ولا تثني ببعضه) اي لفتني به
يقال لاث العمامة على رأسه اي عصبها والمراد انها لفت بعضه على رأسه وبعضه على إبطه ووقع
في الأطعمة للمصنف عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك في هذا الحديث فلفت الخبز ببعضه
ودست الخبز تحت ثوبي وردتني ببعضه تقول دس الشئ يدسه دسا إذا أدخله في الشئ بقهر وقوة
(قوله فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلك أبو طلحة فقلت نعم قال بطعام قلت نعم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه قوموا) ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم ان أبا طلحة
استدعاه إلى منزله فلذلك قال لمن عنده قوموا وأول الكلام يقتضي ان أم سليم وأبا طلحة أرسلا
الخبز مع أنس فيجمع بأنهما أرادا بارسال الخبز مع أنس أن يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيأكله
فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم استحي وظهر له أن يدعو النبي
صلى الله عليه وسلم ليقوم معه وحده إلى المنزل فيحصل مقصودهم من اطعامه ويحتمل أن يكون
ذلك عن رأي من أرسله عهد إليه إذا رأى كثرة الناس أن يستدعي النبي صلى الله عليه وسلم وحده
خشية أن لا يكفيهم ذلك الشئ هو ومن معه وقد عرفوا ايثار النبي صلى الله عليه وسلم وانه لا يأكل
وحده وقد وجدت ان أكثر الروايات تقتضي أن أبا طلحة استدعى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه
الواقعة ففي رواية سعد بن سعيد عن أنس بعثني أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لادعوه وقد
جعل له طعاما وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس أمر أبو طلحة أم سليم أن تصنع للنبي صلى
الله عليه وسلم لنفسه خاصة ثم أرسلتني إليه وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس
فدخل أبو طلحة على أمي فقال هل من شئ فقالت نعم عندي كسر من خبز فان جاءنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم وحده أشبعناه وان جاء أحد معه قل عنهم وجميع ذلك عند مسلم وفي رواية مبارك
ابن فضالة المذكورة ان أبا طلحة قال اعجنيه وأصلحيه عسى ان ندعو رسول الله صلى الله عليه وسلم
430

فيأكل عندنا ففعلت فقالت ادع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية يعقوب بن عبد الله
ابن أبي طلحة عن أنس عند أبي نعيم وأصله عند مسلم فقال لي أبو طلحة يا أنس اذهب فقم قريبا من
رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قام فدعه حتى يتفرق أصحابه ثم اتبعه حتى إذا قام على عتبة بابه
فقال له ان أبي يدعوك وفي رواية عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة عند أبي يعلى عن أنس قال لي أبو
طلحة اذهب فادع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند المصنف من رواية ابن سيرين في الأطعمة
عن أنس ثم بعثني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتيته وهو في أصحابه فدعوته وعند أحمد من
رواية النضر بن انس عن أبيه قالت لي أم سليم اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له ان
رأيت أن تغدي عندنا فافعل وفي رواية عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أنس عند البغوي
فقال أبو طلحة اذهب يا بني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فادعه قال فجئته فقلت له ان أبي يدعوك
الحديث وفي رواية محمد بن كعب فقال يا بني اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه ولا تدع
معه غيره ولا تفضحني (قوله أرسلك أبو طلحة) بهمزة ممدودة للاستفهام وفي رواية محمد بن كعب
فقال للقوم انطلقوا فانطلقوا وهم ثمانون رجلا وفي رواية يعقوب فلما قلت له ان أبي يدعوك قال
لأصحابه يا هؤلاء تعالوا ثم أخذ بيدي فشدها ثم أقبل بأصحابه حتى إذا دنوا ارسل يدي فدخلت
وأنا حزين لكثرة من جاء معه (قوله فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالناس وليس عندنا ما نطعمهم) اي قدر ما يكفيهم (فقالت الله ورسوله أعلم) كأنها عرفت انه
فعل ذلك عمدا ليظهر الكرامة في تكثير ذلك الطعام ودل ذلك على فطنة أم سليم ورجحان عقلها
وفي رواية مبارك بن فضالة فاستقبله أبو طلحة فقال يا رسول الله ما عندنا الا قرص عملته أم سليم
وفي رواية سعد بن سعيد فقال أبو طلحة انما صنعت لك شيئا ونحوه في رواية ابن سيرين وفي رواية
عمرو بن عبد الله فقال أبو طلحة انما هو قرص فقال إن الله سيبارك فيه ونحوه في رواية عمرو بن
يحيى المازني وفي رواية يعقوب فقال أبو طلحة يا رسول الله انما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ولم
يكن عندنا ما يشبع من أرى فقال ادخل فان الله سيبارك فيما عندك وفي رواية النضر بن
أنس عن أبيه فدخلت على أم سليم وأنا مندهش وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ان أبا طلحة
قال يا أنس فضحتنا وللطبراني في الأوسط فجعل يرميني بالحجارة (قوله فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم هلمي يا أم سليم ما عندك) كذا لأبي ذر عن الكشميهني ولغيره هلم وهي لغة حجازية هلم
عندهم لا يؤنث ولا يثني ولا يجمع ومنه قوله تعالى والقائلين لاخوانهم هلم إلينا والمراد بذلك
طلب ما عندهما (قوله وعصرت أم سليم عكة فأدمته) أي صيرت ما خرج من العكة له أداما والعكة
بضم المهملة وتشديد الكاف اناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبا والعسل وفي رواية
مبارك بن فضالة فقال هل من سمن فقال أبو طلحة قد كان في العكة سمن فجاء بها فجعلا يعصرانها
حتى خرج ثم مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال بسم
الله فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يتميع وفي رواية سعد بن
سعيد فمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا فيها بالبركة وفي رواية النضر بن أنس فجئت بها
ففتح رباطها ثم قال بسم الله اللهم أعظم فيها البركة وعرف بهذا المراد بقوله وقال فيها ما شاء الله
أن يقول (قوله ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم) ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم دخل منزل أبي
431

طلحة وحده وصرح بذلك في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ولفظه فلما انتهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى الباب فقال لهم اقعدوا ودخل وفي رواية يعقوب أدخل على ثمانية فما زال حتى
دخل عليه ثمانون رجلا ثم دعاني ودعا أمي وأبا طلحة فأكلنا حتى شبعنا انتهى وهذا يدل على تعدد
القصة فان أكثر الروايات فيها انه أدخلهم عشرة عشرة سوى هذه فقال إنه أدخلهم ثمانية
ثمانية فالله أعلم (قوله فأكلوا) في رواية مبارك بن فضالة فوضع يده وسط القرص وقال كلوا
بسم الله فأكلوا من حوالي القصعة حتى شبعوا وفي رواية بكر بن عبد الله فقال لهم كلوا من بين
أصابعي (قوله ثم خرجوا) في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ثم قال لهم قوموا وليدخل عشرة
مكانكم (قوله والقوم سبعون أو ثمانون رجلا) كذا وقع بالشك وفي غيرها بالجزم بالثمانين كما
تقدم من رواية محمد بن كعب وغيره وفي رواية مبارك بن فضالة حتى أكل منه بضعة وثمانون
رجلا وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى حتى فعل ذلك بثمانين رجلا ثم أكل النبي صلى الله عليه
وسلم بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سؤرا أي فضلا وفي روايته عند أحمد قلت كم كانوا قالوا كانوا
نيفا وثمانين قال وأفضل لأهل البيت ما يشبعهم ولا منافاة بينهما لاحتمال أن يكون ألغى الكسر
ولكن وقع في رواية ابن سيرين عند أحمد حتى أكل منها أربعون رجلا وبقيت كما هي وهذا يؤيد
التغاير الذي أشرت إليه وأن القصة التي رواها ابن سيرين غير القصة التي رواها غيره وزاد مسلم في
رواية عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة وأفضل ما بلغوا جيرانهم وفي رواية عمرو بن عبد الله
وفضلت فضله فأهديناها لجيراننا ونحوه عند أبي نعيم من رواية عمارة بن غزية عن ربيعة عن
أنس بلفظ حتى أهدت أم سليم لجيراننا ولمسلم في أواخر رواية سعد بن سعيد حتى لم يبق منهم أحد
الا دخل فاكل حتى شبع وفي رواية له من هذا الوجه ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم دعا فيه بالبركة فعاد
كما كان وقد تقدم الكلام على شئ من فوائد هذا الحديث في أبواب المساجد من أوائل كتاب
الصلاة * (تكملة) * سئلت في مجلس الاملاء لما ذكرت حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حكمة
تبعيضهم فقلت يحتمل أن يكون عرف ان الطعام قليل وانه في صحفية واحدة فلا يتصور أن يتحلق
ذلك العدد الكثير فقيل لم لادخل الكل وبعض لمن يسعه التحليق فكان أبلغ في اشتراك الجميع
في الاطلاع على المعجزة بخلاف التبعيض فإنه يطرقه احتمال تكرر وضع الطعام لصغر الصحفة
فقلت يحتمل أن يكون ذلك لضيق البيت والله أعلم * الحديث السابع حديث عبد الله وهو ابن
مسعود في نبع الماء أيضا وتسبيح الطعام (قوله كنا نعد الآيات) أي الأمور الخارقة للعادات
(قوله بركة وأنتم تعدونها تخويفا) الذي يظهر أنه أنكر عليهم عد جميع الخوارق تخويفا والا
فليس جميع الخوارق بركة فان التحقيق يقتضى عد بعضها بركة من الله كشبع الخلق الكثير
من الطعام القليل وبعضها بتخويف من الله ككسوف الشمس والقمر كما قال صلى الله عليه
وسلم ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده وكأن القوم الذين خاطبهم
عبد الله بن مسعود بذلك تمسكوا بظاهر قوله تعالى وما نرسل بالآيات الا تخويفا ووقع عند
الإسماعيلي من طريق الوليد بن القاسم عن إسرائيل في أول هذا الحديث سمع عبد الله بن مسعود
بخسف فقال كنا أصحاب محمد نعد الآيات بركة الحديث (قوله كنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في سفر) هذا السفر يشبه أن يكون غزوة الحديبية لثبوت نبع الماء فيها كما سيأتي وقد وقع
432

مثل ذلك في تبوك ثم وجدت البيهقي في الدلائل جزم بالأول لكن لم يخرج ما يصرح به ثم وجدت
في بعض طرق هذا الحديث عند أبي نعيم في الدلائل ان ذلك كان في غزوة خيبر فاخرج من طريق
يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن إبراهيم في هذا الحديث قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في غزوة خيبر فأصاب الناس عطش شديد فقال يا عبد الله التمس لي ماء فاتيته بفضل ماء في
إداوة الحديث فهذا أولى ودل على تكرر وقوع ذلك حضرا أو سفرا (قوله فقال اطلبوا فضلة
من ماء فجاؤوا باناء فيه ماء قليل) ووقع عند أبي نعيم في الدلائل من طريق أبي الضحى عن ابن عباس
قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم بلالا بماء فطلبه فلم يجده فاتاه بشن فيه ماء الحديث وفي آخره
فجعل ابن مسعود يشرب ويكثر وهذا يشعر بان ابن عباس حمله عن ابن مسعود وان القصة واحدة
ويحتمل أن يكون كل من ابن مسعود وبلال أحضر الإداوة فان الشن بفتح المعجمة وبالنون هو
الإداوة اليابسة (قوله حي على الطهور المبارك) أي هلموا إلى الطهور وهو بفتح الطاء والمراد به
الماء ويجوز ضمها والمراد الفعل أي تطهروا (قوله والبركة من الله) البركة مبتدأ والخبر من
الله وهو إشارة إلى أن الايجاد من الله ووقع في حديث عمار بن زريق عن إبراهيم في هذا الحديث
فجعلت أبا درهم إلى الماء أدخله في جوفي لقوله البركة من الله وفي حديث ابن عباس فبسط كفه
فيه فنبعت تحت يده عين فجعل ابن مسعود يشرب ويكثر والحكمة في طلبه صلى الله عليه وسلم
في هذه المواطن فضلة الماء لئلا يظن أنه الموجد للماء ويحتمل أن يكون إشارة إلى أن الله أجرى
العادة في الدنيا غالبا بالتوالد وان بعض الأشياء يقع بينها التوالد وبعضها لا يقع ومن جملة ذلك
ما نشاهده من فوران بعض المائعات إذا خمرت وتركت زمانا ولم تجر العادة في الماء الصرف
بذلك فكانت المعجزة بذلك ظاهرة جدا (قوله ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل) أي في عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم غالبا ووقع ذلك عند الإسماعيلي صريحا أخرجه عن الحسن بن
سفيان عن بندار عن أبي أحمد الزبيري في هذا الحديث كنا نأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم
الطعام ونحن نسمع تسبيح الطعام وله شاهد أورده البيهقي في الدلائل من طريق قيس بن أبي حازم
قال كان أبو الدرداء وسليمان إذا كتب أحدهما إلى الآخر قال له بآية الصحفة وذلك انهما
بيناهما يأكلان في صحفة إذا سبحت وما فيها وذكر عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه قال مرض
النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل بطبق فيه عنب ورطب فأكل منه فسبح (قلت) وقد
اشتهر تسبيح الحصي ففي حديث أبي ذر قال تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات
فسبحن في يده حتى سمعت لهن حنينا ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن ثم وضعهن في يد عمر فسبحن
ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن أخرجه البزار والطبراني في الأوسط وفي رواية الطبراني فسمع
تسبيحهن من في الحلقة وفيه ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع أحد منا قال البيهقي في الدلائل كذا
رواه صالح بن أبي الأخضر ولم يكن بالحافظ عن الزهري عن سويد بن يزيد السلمي عن أبي ذر
والمحفوظ ما رواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال ذكر الوليد بن سويد ان رجلا من بني سليم
كان كبير السن ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر له عن أبي ذر بهذا * (فائدة) * ذكر ابن الحاجب عن
بعض الشيعة ان انشقاق القمر وتسبيح الحصي وحنين الجذع وتسليم الغزالة مما نقل آحادا مع
توفر الدواعي على نقله ومع ذلك لم يكذب رواتها وأجاب بأنه استغنى عن نقلها تواتر بالقرآن
433

وأجاب غيره بمنع نقلها آحادا وعلى تسليمه فمجموعها يفيد القطع كما تقدم في أول هذا الفصل
والذي أقول إنها كلها مشتهرة عند الناس وأما من حيث الرواية فليست على حد سواء فان حنين
الجذع وانشقاق القمر نقل كل منهما نقلا مستفيضا يفيد القطع عند من يطلع على طرق ذلك من
أئمة الحديث دون غيرهم ممن لا ممارسة له في ذلك وأما تسبيح الحصي فليست له الا هذه الطريق
الواحدة مع ضعفها وأما تسليم الغزالة فلم نجد له اسنادا لا من وجه قوي ولا من وجه ضعيف والله
أعلم * الحديث الثامن حديث جابر في قصة وفاء دين أبيه أورده مختصرا وقد ذكره في مواضع
أخرى مطولا (قوله حدثنا زكريا) هو ابن أبي زائدة وعامر هو الشعبي (قوله إن أباه) هو عبد الله
ابن عمرو بن حرام بالمهملتين وفي رواية مغيرة عن الشعبي في البيوع توفي عبد الله بن عمر وبن حرام
وعليه دين وفي رواية فراس عن الشعبي في الوصايا ان أباه استشهد يوم أحد وترك ست بنات وترك
عليه دينا وفي رواية وهب بن كيسان عن جابر أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من
اليهود فاستنظره جابر فأبى أن ينظره فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له فكلم
اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له فأبى وفي رواية ابن كعب بن مالك في الاستقراض والهبة عن
جابر ان أباه قتل يوم أحد شهيدا وعليه دين فاشتد الغرماء في حقوقهم فاتيت النبي صلى الله عليه
وسلم فكلمته فسألهم ان يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا ووقع عند أحمد من طريق نبيح
العنزي عن جابر قال قال لي أبي يا جابر لا عليك أن يكون في قطاري أهل المدينة حتى تعلم إلى ما يصير
أمرنا فذكر قصة قتل أبيه ودفنه قال وترك أبي عليه دينا من التمر فاشتد علي بعض غرمائه في
التقاضي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له وقلت فأحب أن تعينني عليه لعله أن ينظرني
طائفة من تمره إلى هذا الصرام المقبل قال نعم آتيك إن شاء الله قريبا من نصف النهار فذكر
الحديث في الضيافة وفيه ثم قال ادع فلانا لغريمي الذي اشتد في الطلب فجاء فقال أنظر جابرا
طائفة من دينك الذي على أبيه إلى الصرام المقبل فقال ما أنا بفاعل واعتل وقال انما هو مال
يتامى (قوله وليس عندي الا ما يخرج نخله) يعني انه لم يترك ما لا الا البستان المذكور (قوله ولا
يبلغ ما يخرج نخله سنين) أي في مدة سنين (ما عليه) أي من الدين (قوله فانطلق معي لكيلا يفحش
علي الغرماء فمشى) فيه حذف تقديره فقال نعم فانطلق فوصل إلى الحائط فمشى وقد تبين من
الروايات الأخرى التصريح بما وقع من ذلك ففي رواية مغيرة فقال اذهب فصنف تمرك أصنافا ثم
أرسل إلي ففعلت فجاء فجلس على أعلاه وفي رواية فراس في البيوع اذهب فصنف تمرك أصنافا
العجوة على حدة وعذق زيد على حدة وقوله عذق زيد بفتح المهملة وزيد الذي نسب إليه اسم
لشخص كأنه هو الذي كان ابتدأ غراسه فنسب إليه والعجوة من أجود تمر المدينة (قوله بيدر)
بفتح الموحدة وكسر المهملة وهو فعل أما أي اجعل التمر في البيادر كل صنف في بيدر والبيدر
بفتح الموحدة وسكون التحتانية وفتح الدال المهملة للتمر كالجرن للحب (قوله فدعا) في رواية ابن
كعب بن مالك فغدا علينا فطاف في النخل ودعا في تمره بالبركة وفي رواية الديال بن حرملة عن جابر
فجاء هو وأبو بكر وعمر فاستقرأ النخل يقوم تحت كل نخلة لا أدري ما يقول حتى مر على آخرها
الحديث أخرجه أحمد (قوله ثم آخر) اي مشي حول بيدر آخر فدعا وفي رواية فراس فدخل
النبي صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها فقال افرغوه اي افرغوه من البيدر وفي رواية مغيرة ثم
434

قال كل للقوم فكلتهم حتى أوفيتهم وفي رواية فراس ثم قال لجابر جد فاوف الذي له فجده بعد
ما رجع النبي صلى الله عليه وسلم (قوله فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم) في رواية مغيرة
وبقي تمري وكأنه لم ينقص منه شئ وفي رواية ابن كعب وبقي لنا من تمرها بقية ووقع في رواية
وهب بن كيسان فأوفاه ثلاثين وسقا وفضلت له سبعة عشر وسقا ويجمع بالحمل على تعدد الغرماء
فكأن أصل الدين كان منه ليهودي ثلاثون وسقا من صنف واحد فأوفاه وفضل من ذلك البيدر
سبعة عشر وسقا وكان منه لغير ذلك اليهودي أشياء أخر من أصناف أخرى فأوفاهم وفضل من
المجموع قدر الذي أوفاه ويؤيده قوله في رواية نبيح العنزي عن جابر فكلت له من العجوة فأوفاه الله
وفضل لنا من التمر كذا وكذا وكلت له من أصناف التمر فأوفاه الله وفضل لنا من التمر كذا وكذا
ووقع في رواية فراس عن الشعبي ما قد يخالف ذلك فعنه ثم دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما نظروا إليه كأنما أغروا بي تلك الساعة اي انهم شددوا عليه في المطالبة لعداوتهم للنبي صلى
الله عليه وسلم قال فلما رأى ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه
ثم قال ادعهم فما زال يكيل لهم حتى أدى الله أمانة والدي وأنا راض أن يؤديها الله ولا أرجع إلى
أخواتي بتمرة فسلم الله البيادر كلها حتى اني أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم كأن لم ينقص منه تمرة واحدة ووجه المخالفة فيه أن ظاهره أن الكيل جميعه كان بحضرة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وان التمر لم ينقص منه شئ البتة والذي مضى ظاهره ان ذلك بعد
رجوعه وان بعض التمر نقص ويجمع بأن ابتداء الكيل كان بحضرته صلى الله عليه وسلم وبقيته
كان بعد انصرافه وكان بعض البيادر التي أوفى منها بعض أصحاب الدين حيث كان بحضرة
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينقص منه شئ البتة ولما انصرف بقيت آثار بركته فلذلك أوفى
من أحد البيادر ثلاثين وسقا وفضل سبعة عشر وفي رواية نبيح ما يؤيد ذلك ففي روايته قال كل
له فان الله سوف يوفيه وفي حديثه فإذا الشمس قد دلكت فقال الصلاة يا أبا بكر فاندفعوا إلى
المسجد فقلت له أي للغريم قرب أوعيتك وفيه فجئت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
كأني شرارة فوجدته قد صلى فأخبرته فقال أين عمر فجاء يهرول فقال سل جابرا عن تمره وغريمه
فقال ما أنا بسائله قد علمت أن الله سيوفيه الحديث وقصة عمر قد وقعت في رواية ابن كعب فقيها
ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر اسمع يا عمر قال أن لا نكون قد علمنا أنك رسول
الله والله انك لرسول الله وفي رواية وهب فقال عمر لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليباركن الله فيها وقوله في رواية ابن كعب أن لا نكون بفتح الهمزة وتشديد اللام في
الروايات كلها وأصلها ان الخفيفة ضمت إليها لا النافية أي هذا السؤال انما يحتاج إليه من لا
يعلم أنك رسول الله فلذلك يشك في الخبر فيحتاج إلى الاستدلال وأما من علم أنك رسول الله فلا
يحتاج إلى ذلك وزعم بعض المتأخرين ان الرواية فيه بتخفيف اللام وأن الهمزة فيه للاستفهام
التقريري فأنكر عمر عدم علمه بالرسالة فأنتج انكاره ثبوت علمه بها وهو كلام موجه الا أن الرواية
انما هي بالتشديد وكذلك ضبطها عياض وغيره وقيل النكتة في اختصاص عمر باعلامه بذلك
انه كان معتنيا بقصة جابر مهتما بشأنه مساعدا له على وفاء دين أبيه وقيل لأنه كان حاضرا مع النبي
صلى الله عليه وسلم لما مشى في النخل وتحقق ان التمر الذي فيه لا يفي ببعض الدين فأراد اعلامه
435

بذلك لكونه شاهد أول الأمر بخلاف من لم يشاهد ثم وجدت ذلك صريحا في بعض طرقه ففي
رواية أبي المتوكل عن جابر عند أبي نعيم فذكر الحديث وفيه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعمر فقال انطلق بنا حتى نطوف بنخلك هذا فذكر الحديث وفي رواية أبي نضرة عن جابر عنده في
هذه القصة قال فأتاه هو وعمر فقال يا فلان خذ من جابر وأخر عنه فأبى فكاد عمر يبطش به فقال
النبي صلى الله عليه وسلم مه يا عمر هو حقه ثم قال اذهب بنا إلى نخلك الحديث وفيه فأتيت النبي
صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ائتني بعمر فأتيته فقال يا عمر سل جابرا عن نخله فذكر القصة
ووقع في رواية الديال بن حرمله ان أبا بكر وعمر جميعا كانا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره
قال فانطلق فأخبر أبا بكر وعمر قال فانطلقت فأخبرتهما الحديث ونحوه في رواية وهب بن
كيسان عن جابر وجمع البيهقي بين مختلف الروايات في ذلك بأن اليهودي المذكور كان له دين من تمر
ولغيره من الغرماء ديون أخرى فلما حضر الغرماء وطالبوا بحقوقهم وكال لهم جابر التمر ففضل تمر
الحائط كأنه لم ينقص شئ فجاء اليهودي بعدهم فطالب بدينه فجد له جابر ما بقي على النخلات فأوفاه
حقه منه وهو ثلاثون وسقا وفضلت منه سبعة عشر انتهى وهذا الجمع يقتضي انه لم يفضل من
الذي في البيادر شئ وقد صرح في الرواية المتقدمة انها فضلت كلها كأنه لم ينقص منها شئ فما
تقدم من الطريق التي جمعت به أولى والله أعلم وفي الحديث من الفوائد جواز الاستنظار في
الدين الحال وجواز تأخير الغريم لمصلحة المال الذي يوفى منه وفيه مشي الامام في حوائج رعيته
وشفاعته عند بعضهم في بعض وفيه علم ظاهر من أعلام النبوة لتكثير القليل إلى أن حصل به
وفاء الكثير وفضل منه * الحديث التاسع حديث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق في قصة
أضياف أبي بكر والمراد منه تكثير الطعام القليل (قوله عن أبيه) هو سليمان بن طرخان التيمي
أحد صغار التابعين وفي رواية أبي النعمان عن معتمر حدثنا أبي كما تقدم في الصلاة وأبو عثمان هو
النهدي (قوله إن أصحاب الصفة كانا أناسا فقراء) سيأتي ذكرهم في كتاب الرقاق وان الصفة
مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وكانوا يكثرون
فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر وقد سرد أسماءهم أبو نعيم في الحلية فزادوا
على المائة (قوله من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث) أي من أهل الصفة المذكورين
ووقع في رواية مسلم فليذهب بثلاثة قال عياض وهو غلط والصواب رواية البخاري لموافقتها
لسياق باقي الحديث وقال القرطبي ان حمل على ظاهره فسد المعنى لان الذي عنده طعام اثنين إذا
ذهب معه بثلاثة لزم أن يأكله في خمسة وحينئذ لا يكفيهم ولا يسد رمقهم بخلاف ما إذا ذهب
بواحد فإنه يأكله في ثلاثة ويؤيده قوله في الحديث الآخر طعام الاثنين يكفي أربعة أي القدر
الذي يشبع الاثنين يسد رمق أربعة ووجهها النووي بان التقدير فليذهب بمن يتم من عنده
ثلاثة أو فليذهب بتمام ثلاثة (قوله ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس
أو كما قال) أي فليذهب بخامس ان لم يكن عنده ما يقتضي أكثر من ذلك والا فليذهب بسادس
مع الخامس إن كان عنده أكثر من ذلك والحكمة في كونه يزيد كل أحد واحد فقط ان
عيشهم في ذلك الوقت لم يكن متسعا فمن كان عنده مثلا ثلاثة أنفس لا يضيق عليه ان يطعم
الرابع من قوتهم وكذلك الأربعة وما فوقها بخلاف ما لو زيدت الأضياف بعدد العيال فإنما
436

ذلك انما يحصل الاكتفاء فيه عند اتساع الحال ووقع في رواية أبي النعمان وان أربع فخامس
أو سادس وأو فيه للتنويع أو للتخيير كما في الرواية الأخرى ويحتمل أن يكون معنى أو سادس وإن كان
عنده طعام خمس فليذهب بسادس فيكون من عطف الجملة على الجملة وقوله وان أربع
فخامس بالجر فيهما والتقدير فإن كان عنده طعام أربع فليذهب بخامس أو بسادس فحذف
عامل الجر وأبقى عمله كما يقال مررت برجل صالح وان لا صالح فطالح أي ان لا أمر بصالح فقد
مررت بطالح ويجوز الرفع على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وهو أوجه قال ابن مالك
تضمن هذا الحديث حذف فعلين وعاملي جر مع بقاء عملهما بعد ان وبعد الفاء والتقدير من كان
عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وان قام بأربعة فليذهب بخامس أو سادس انتهى وهذا قاله
في الرواية التي في الصلاة وأما هذه الرواية وهي قوله بخامس بسادس فيكون حذف منها شئ آخر
والتقدير أو ان قام بخمسة فليذهب بسادس (قوله وان أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق النبي صلى
الله عليه وسلم بعشرة) عبر عن أبي بكر بلفظ المجئ لبعد منزله من المسجد وعن النبي صلى الله عليه
وسلم بالانطلاق لقربه وقوله بعد ذلك وأبو بكر ثلاثة بالنصب للأكثر أي أخذ ثلاثة فلا يكون قوله
قبل ذلك جاء بثلاثة تكرارا لان هذا بيان لابتداء ما جاء في نصيبه والأول لبيان من أحضرهم إلى
منزله وأبعد من قال ثلاثة بالرفع وقدره وأبو بكر أهله ثلاثا اي عدد أضيافه ودل ذلك على أن
أبا بكر كان عنده طعام أربعة ومع ذلك فاخذ خامسا وسادسا وسابعا فكأن الحكمة في أخذه
واحدا زائدا عما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم انه أراد أن يؤثر السابع بنصيبه إذ ظهر له انه لم يأكل
أولا معهم ووقع في رواية الكشميهني وأبو بكر بثلاثة فيكون معطوفا على قوله وانطلق النبي أي
وانطلق أبو بكر بثلاثة وهي رواية مسلم والأول أوجه والله أعلم (قوله قال فهو أنا وأبي وأمي)
القائل هو عبد الرحمن بن أبي بكر وقوله فهو أي الشأن وقوله أنا مبتدأ وخبره محذوف يدل
عليه السياق وتقديره في الدار (قوله ولا أدري هل قال امرأتي وخادمي) في رواية الكشميهني
وخادم بغير إضافة والقائل هل قال هو أبو عثمان الراوي عن عبد الرحمن كأنه شك في ذلك وقوله
بين بيتنا أي خدمتها مشتركة بين بيتنا وبيت أبي بكر وهو ظرف للخادم وأم عبد الرحمن هي
أم رومان مشهورة بكنيتها واسمها زينب وقيل وعلة بنت عامر بن عويمر وقيل عميرة من
ذرية الحرث بن غنم بن مالك بن كنانة كانت قبل أبي بكر عند الحرث بن سخبرة الأزدي فقدم مكة
فمات وخلف منها ابنه الطفيل فتزوجها أبو بكر فولدت له عبد الرحمن وعائشة وأسلمت أم رومان
قديما وهاجرت ومعها عائشة وأما عبد الرحمن فتأخر اسلامه وهجرته إلى هدنة الحديبية فقدم
في سنة سبع أو أول سنة ثمان واسم امرأته والدة أكبر أولاده أبي عتيق محمد أميمة بنت عدي بن
قيس السهمية والخادم لم أعرف اسمها (قوله وان أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم
لبث حتى صلى العشاء) ثم رجع ووقع في الرواية التي في الصلاة ثم لبث حتى صليت العشاء وفي
رواية حيث صليت ثم رجع فشرحه الكرماني فقال هذا يشعر بأن تعشى أبي بكر كان بعد
الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم والذي تقدم بعكسه والجواب ان الأول بيان حال أبي بكر في
عدم احتياجه إلى الطعام عند أهله والثاني فيه سياق القصة على الترتيب الواقع أو الأول تعشى
الصديق والثاني تعشى النبي صلى الله عليه وسلم والأول من العشاء بفتحها اي الاكل والثاني
437

بكسرها أي الصلاة فأحد هذه الاحتمالات ان أبا بكر لما جاء بالثلاثة إلى منزله لبث إلى وقت
صلاة العشاء فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى تعشى عنده وهذا لا يصح لأنه يخالف صريح
قوله في حديث الباب وان أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن الذي وقع عند البخاري
بلفظ ثم رجع بالجيم ليس متفقا عليه من الرواة لما سأذكره وظاهر قوله في هذه الرواية ثم رجع أي
إلى منزله وعلى هذا ففي قوله فلبث حتى تعشى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ما مضى من
الليل ما شاء الله تكرار وفائدته الإشارة إلى أن تأخره عند النبي صلى الله عليه وسلم كان بمقدار أن
تعشى معه وصلى العشاء وما رجع إلى منزله الا بعد ان مضى من الليل قطعة وذلك أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يؤخر صلاة العشاء كما تقدم في حديث أبي برزة ووقع عند
الإسماعيلي ثم ركع بالكاف أي صلى النافلة بعد العشاء فعلى هذا فالتكرار في قوله فلبث حتى
تعشى فقط وفائدته ما تقدم ووقع في رواية مسلم والإسماعيلي أيضا فلبث حتى نعس بعين وسين
مهملتين مفتوحتين من النعاس وهو أوجه وقال عياض انه الصواب وبه ينتفي التكرار من
المواضع كلها الا في قوله لبث وسببه اختلاف تعلق اللبث فالأول قال لبث حتى صلى العشاء ثم
قال فلبث حتى نعس والحاصل انه تأخر عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى صلى العشاء ثم تأخر
حتى نعس النبي صلى الله عليه وسلم وقام لينام فرجع أبو بكر حينئذ إلى بيته وقد ترجم عليه
المصنف في أبواب الصلاة قبيل الاذان باب السمر مع الضيف والاهل وأخذه من كون أبي بكر
رجع إلى أهله وضيفاته بعد أن صلى العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم فدار بينهم وبينه ما ذكر في
الحديث ووقع في رواية أبي داود من رواية الجريري عن أبي عثمان أو أبي السليل عن عبد الرحمن
ابن أبي بكر قال نزل بنا أضياف وكان أبو بكر يتحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا أرجع
إليك حتى تفرغ من ضيافة هؤلاء ونحوه يأتي في الأدب من طريق أخرى عن الجريري عن أبي
عثمان بلفظ ان أبا بكر تضيف رهطا فقال لعبد الرحمن دونك أضيافك فاني منطلق إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فافرغ من قراهم قبل أن أجئ وهذا يدل على أن أبا بكر أحضرهم إلى منزله وأمر
أهله ان يضيفوهم ورجع هو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويدل عليه صريح قوله في حديث
الباب وان أبا بكر جاء بثلاثة (قوله قالت له امرأته ما حبسك من أضيافك) في رواية الكشميهني
عن أضيافك وكذا هو في الصلاة ورواية مسلم (قوله أو ضيفك) شك من الراوي والمراد به الجنس
لانهم ثلاثة واسم الضيف يطلق على الواحد وما فوقه وقال الكرماني أو هو مصدر
يتناول المثنى والجمع كذا قال وليس بواضح (قوله أو عشيتهم) في رواية الكشميهني أو ما عشيتهم
بزيادة ما النافية وكذا في رواية مسلم والإسماعيلي والهمزة للاستفهام والواو للعطف على
مقدر بعد الهمزة وفي بعضها عشيتيهم باشباع الكسرة (قوله قد عرضوا عليهم) بفتح العين
والراء والفاعل محذوف أي الخدم أو الأهل أو نحو ذلك فغلبوهم أي ان آل أبي بكر عرضوا على
الأضياف العشاء فأبوا فعالجوهم فامتنعوا حتى غلبوهم وفي الرواية التي في الصلاة قد عرضوا
بضم أوله وتشديد الراء أي أطعموا من العراضة وهي الهدية قاله عياض قال وهو في الرواية
بتخفيف الراء وحكى ابن قرقول ان القياس بتشديد الراء وبه جزم الجوهري وقال الكرماني
موجها للتخفيف أي عرض الطعام عليهم فحذف الجار ووصل الفعل فهو من القلب كعرضت
438

الناقة على الحوض ووقع في الصلاة قد عرضنا عليهم فامتنعوا وحكى ابن التين انه وقع في بعض
الروايات عرصوا بصاد مهملة قال ولا أعرف لها وجها ووجهها غيره أنها من قولهم عرص إذا
نشط فكأنه يريد أنهم نشطوا في العزيمة عليهم ولا يخفى تكلفه وفي رواية الجريري فانطلق
عبد الرحمن فأتاهم بما عنده فقال أطعموا قالوا أين رب منزلنا قال أطعموا قالوا ما نحن بآكلين
حتى يجئ قال اقبلوا عنا قراكم فإنه ان جاء ولم تطعموا لنلقين منه أي شرا فأبوا وفي رواية مسلم
ألا تقبلوا عنا قراكم ضبطه عياض عن الأكثر بتخفيف اللام على استفتاح الكلام قال
القرطبي ويلزم عليه ان تثبت النون في تقبلون إذ لا موجب لحذفها وضبطها ابن أبي جعفر بتشديد
اللام وهو الوجه (قوله قال فذهبت فاختبأت) أي خوفا من خصام أبي بكر له وتغبظه عليه وفي
رواية الجريري فعرفت انه يجد على أي يغضب فلما جاء تغيبت عنه فقال يا عبد الرحمن فسكت ثم
قال يا عبد الرحمن فسكت (قوله فقال يا غنثر فجدع وسب) في رواية الجريري فقال يا غنثر أقسمت
عليك ان كنت تسمع صوتي لما جئت قال فخرجت فقلت والله مالي ذنب هؤلاء أضيافك فسلهم
قالوا صدقك قد أتانا وقوله فجدع وسب أي دعا عليه بالجدع وهو قطع الاذن أو الانف أو الشفة
وقيل المراد به السب والأول أصح وفي رواية الجريري فجزع بالزاي بدل الدال أي نسبه إلى الجزع
بفتحتين وهو الخوف وقيل المجازعة المخاصمة فالمعنى خاصم قال القرطبي ظن أبو بكر أن
عبد الرحمن فرط في حق الأضياف فلما تبين له الحال أدبهم بقوله كلوا لا هنيأ وسب أي شتم
وحذف المفعول للعلم به قوله غنثر بضم المعجمة وسكون النون وفتح المثلثة هذه الرواية
المشهورة وحكى ضم المثلثة وحكى عياض عن بعض شيوخه فتح أوله مع فتح المثلثة وحكاه
الخطابي بلفظ عنتر بلفظ اسم الشاعر المشهور وهو بالمهملة والمثناة المفتوحتين بينهما النون
الساكنة وروى عن أبي عمر عن ثعلب ان معناه الذباب وانه سمي بذلك لصوته فشبهه به حيث أراد
تحقيره وتصغيره وقال غيره معنى الرواية المشهورة الثقيل الوخم وقيل الجاهل وقيل السفيه
وقيل اللئيم وهو مأخوذ من الغثر ونونه زائدة وقيل هو ذباب أزرق شبهه به لتحقيره كما تقدم (قوله
وقال كلوا) زاد في الصلاة لا هنيئا وكذا هو في رواية مسلم أي لا أكلتم هنيئا وهو دعاء عليهم وقيل
خبر أي لم تتهنوا به في أول نضجه ويستفاد من ذلك جواز الدعاء على من لم يحصل منه الانصاف
ولا سيما عند الحرج والتغيظ وذلك أنهم تحكموا على رب المنزل بالحضور معهم ولم يكتفوا بولده
مع اذنه لهم في ذلك وكأن الذي حملهم على ذلك رغبتهم في التبرك بمؤاكلته ويقال انه انما خاطب
بذلك أهله لا الأضياف وقيل لم يرد الدعاء وانما أخبر أنهم فاتهم الهناء به إذ لم يأكلوه في وقته (قوله
وقال لا أطعمه أبدا) في رواية مسلم وكذا هو في الصلاة فقال والله لا أطعمه أبدا وفي رواية
الجريري فقال فإنما انتظرتموني والله لا أطعمه أبدا فقال الآخرون والله لا نطعمه حتى تطعمه
وفي رواية أبي داود من هذا الوجه فقال أبو بكر فما منعكم قالوا مكانك قال والله لا أطعمه أبدا
ثم اتفقا فقال لم أر في الشر كالليلة ويلكم ما أنتم لم تقبلون عنا قراكم هات طعامك فوضع فقال
بسم الله الأول من الشيطان فاكل وأكلوا قال ابن التين لم يخاطب أبو بكر أضيافه بذلك انما
خاطب أهله والرواية التي ذكرتها ترد عليه ووقع في رواية مسلم ألا تقبلون وهو بتشديد اللام
للأكثر ولبعضهم بتخفيفها (قوله وأيم الله) همزته همزة وصل عند الجمهور وقيل يجوز القطع
439

وهو مبتد أو خبره محذوف أي أيم الله قسمي وأصله أيمن الله فالهمزة حينئذ همزة قطع لكنها
لكثرة الاستعمال خففت فوصلت وحكى فيها لغات أيمن الله مثلثة النون ومن الله مختصرة
من الأولى مثلثة النون أيضا وأيم الله كذلك ومن الله كذلك وبكسر الهمزة أيضا وأم الله قال
ابن مالك وليس الميم بدلا من الواو ولا أصلها من خلافا لمن زعم ذلك ولا أيمن جمع يمين خلافا
للكوفيين وسيأتي تمام هذا في كتاب الايمان والنذور (قوله الا ربا) أي زاد وقوله من أسفلها
أي الموضع الذي أخذت منه (قوله فنظر أبو بكر فإذا شئ أو أكثر) والتقدير فإذا هي شئ أي قدر
الذي كان كذا عند المصنف هنا ووقع في الصلاة فإذا هي أي الجفنة كما هي أي كما كانت أولا
أو أكثر وكذلك في رواية مسلم والإسماعيلي وهو الصواب (قوله يا أخت بني فراس) زاد في
الصلاة ما هذا وخاطب أبو بكر بذلك امرأته أم رومان وبنو فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء
وآخره مهملة ابن غنم بن مالك بن كنانة وقال النووي التقدير يا من هي من بني فراس وفيه نظر
والعرب تطلق على من كان منتسبا إلى قبيلة انه أخوهم كما تقدم في العلم ضمام أخو بني سعد بن
بكر وقد تقدم أن أم رومان من ذرية الحرث بن غنم وهو أخو فراس بن غنم فلعل أبا بكر نسبها إلى
بني فراس لكونهم أشهر من بني الحرث ويقع في النسب كثيرا من ذلك وينسبون أحيانا إلى أخي
جدهم أو المعنى يا أخت القوم المنتسبين إلى بني فراس ولا شك ان الحرث أخو فراس فأولاد كل
منهما اخوة للآخرين لكونهم في درجتهم وحكى عياض انه قيل في أم رومان انها من بني فراس
ابن غنم لا من بني الحرث وعلى هذا فلا حاجة إلى هذا التأويل ولم أر في كتاب ابن سعد لها نسبا الا
إلى بني الحرث بن غنم ساق لها نسبين مختلفين فالله أعلم (قوله قالت لا وقرة عيني) قرة العين يعبر بها
عن المسرة ورؤية ما يحبه الانسان ويوافقه يقال ذلك لان عينه قرت أي سكنت حركتها من
التلفت لحصول فرضها فلا تستشرف لشئ آخر فكأنه مأخوذ من القرار وقيل معناه أنام
الله عينك وهو يرجع إلى هذا وقيل بل هو مأخوذ من القر وهو البرد أي أن عينه باردة لسروره
ولهذا قيل دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة ومن ثم قيل في ضده أسخن الله عينه وانما
حلفت أم رومان بذلك لما وقع عندها من السرور بالكرامة التي حصلت لهم ببركة الصديق رضي
الله عنه وزعم الداودي انها أرادت بقرة عينها النبي صلى الله عليه وسلم فأقسمت به وفيه بعد ولا
في قوله لا وقره عيني زائدة أو نافية على حذف تقديره لا شئ غير ما أقول (قوله لهي) أي الجفنة
أو البقية (أكثر مما قبل) كذا هنا وفي رواية مسلم أكثر منها قبل وهو أوجه وأكثر للأكثر بالمثلثة
ولبعضهم بالموحدة (قوله فأكل منها أبو بكر وقال انما كان الشيطان يعني يمينه) كذا هنا وفيه
حذف تقديره وانما كان الشيطان الحامل على ذلك يعني الحامل على يمينه التي حلفها في قوله
والله لا أطعمه ووقع عند مسلم والإسماعيلي وانما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه وهو أوجه
وأبعد من قال الضمير في قوله هذه اللقمة التي أكل أي هذه اللقمة لقمع الشيطان وارغامه لأنه
قصد بتزيينه له اليمين ايقاع الوحشة بينه وبين أضيافه فأخزاه أبو بكر بالحنث الذي هو خير
وظاهر هذا السياق مخالف لرواية الجريري فقال عياض في هذا السياق خطأ وتقديم وتأخير ثم
ذكر ما حاصله أن الصواب ما في رواية الجريري وهو ان رواية سليمان التيمي هذه تقتضي أن سبب
أكل أبي بكر من الطعام ما رآه من البركة فيه فرغب في الاكل منه وأعرض عن يمينه التي حلف
440

لما رجح عنده من التناول من البركة ورواية الجريري تقتضي أن سبب أكله من الطعام لجاج
الأضياف وحلفهم في أنهم لا يطعمون من الطعام حتى يأكل أبو بكر ولا شك في كونها أوجه
لكن يمكن رد رواية سليمان التيمي إليها بان يكون قوله فأكل منها أبو بكر معطوفا على قوله والله
لا أطعمه لا على القصة التي دلت على بركة الطعام وغايته أن حلف الأضياف أن لا يطعموه لم يقع
في رواية سليمان والله أعلم ثم ظهر لي أن ذلك من معتمر بن سليمان لا من أبيه فقد وقع في الأدب عند
المصنف من رواية ابن أبي عدي عن سليمان التيمي فحلفت المرأة لا تطعمه حتى تطعموه فقال أبو
بكر كان هذه من الشيطان فدعا بالطعام فأكل وأكلوا فجعلوا لا يرفعون لقمة الا ربا من أسفلها
ويحتمل أن يجمع بأن يكون أبو بكر أكل لأجل تحليل يمينهم شيئا ثم لما رأى البركة الظاهرة عاد
فأكل منها لتحصل له وقال كالمعتذر عن يمينه التي حلف انما كان ذلك من الشيطان والحاصل أن
الله أكرم أبا بكر فأزال ما حصل له من الحرج فعاد مسرورا وانفك الشيطان مدحورا واستعمل
الصديق مكارم الأخلاق فحنث نفسه زيادة في اكرام ضيفانه ليحصل مقصوده من أكلهم
ولكونه أكثر قدرة منهم على الكفارة ووقع في رواية الجريري عند مسلم فقال أبو بكر يا رسول
الله بروا وحنثت فقال بل أنت أبرهم وخيرهم قال ولم يبلغني كفارة وسقط ذلك من رواية الجريري
عند المصنف وكان سبب حذفه لهذه الزيادة ان فيها ادراجا بينته رواية أبي داود حيث جاء فيها
فأخبرت بضم الهمزة انه أصبح فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم الخ وقوله أبرهم أي أكثرهم برا
أي طاعة وقوله وخيرهم أي لأنك حنثت في يمينك حنثا مندوبا إليه مطلوبا فأنت أفضل منهم
بهذا الاعتبار وقوله ولم يبلغني كفارة استدل به على أنه لا تجب الكفارة في يمين اللجاج والغضب
ولا حجة فيه لأنه لا يلزم من عدم الذكر عدم الوجود فلمن أثبت الكفارة أن يتمسك بعموم قوله
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين ويحتمل أن يكون ذلك وقع
قبل مشروعية الكفارة في الايمان لكن يعكر عليه ما سيأتي من حديث عائشة أن أبا بكر لم يكن
يحنث في يمين حتى نزلت الكفارة وقال النووي قوله ولم تبلغني كفارة يعني انه لم يكفر قبل الحنث
فاما وجوب الكفارة فلا خلاف فيه كذا قال وقال غيره يحتمل أن يكون أبو بكر لما حلف أن
لا يطعمه أضمر وقتا معينا أو صفة مخصوصة أي لا أطعمه الآن أو لا أطعمه معكم أو عند الغضب
وهو مبني على أن اليمين هل تقبل التقييد في النفس أم لا ولا يخفى ما فيه من التكلف وقول أبي بكر
والله لا أطعمه أبدا يمين مؤكده ولا تحتمل أن تكون من لغو الكلام ولا من سبق اللسان (قوله
ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت) عنده أي الجفنة على حالها وانما لم يأكلوا منها في
الليل لكون ذلك وقع بعد أن مضى من الليل مدة طويلة (قوله ففرقنا اثنا عشر رجلا مع كل رجل
منهم أناس) كذا هو هنا من التفريق أي جعلهم اثنى عشر فرقة وحكى الكرماني ان في بعض
الروايات فقرينا بقاف وتحتانية من القرى وهو الضيافة ولم أقف على ذلك (اثنا عشر رجلا)
كذا للمصنف وعند مسلم اثنى عشر بالنصب وهو ظاهر والأول على طريق من يجعل المثنى
بالرفع في الأحوال الثلاثة ومنه قوله تعالى ان هذان لساحران ويحتمل أن يكون ففرقنا بضم
أوله على البناء للمجهول فارتفع اثنا عشر على أنه مبتدأ وخبره مع كل رجل منهم (قوله الله أعلم
كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم) يعني انه تحقق انه جعل عليهم اثنا عشر عريفا لكنه
441

لا يدري كم كان تحت يد كل عريف منهم لان ذلك يحتمل الكثرة والقلة غير أنه يتحقق انه بعث معهم
أي مع كل ناس عريفا (قوله قال أكلوا منها أجمعون أو كما قال) هو شك من أبي عثمان في لفظ
عبد الرحمن وأما المعنى فالحاصل ان جميع الجيش أكلوا من تلك الجفنة التي أرسل بها أبو بكر
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وظهر بذلك ان تمام البركة في الطعام المذكور كانت عند النبي صلى
الله عليه وسلم لان الذي وقع فيها في بيت أبي بكر ظهور أوائل البركة فيها وأما انتهاؤها إلى أن تكفي
الجيش كلهم فما كان الا بعد أن صارت عند النبي صلى الله عليه وسلم على ظاهر الخبر والله أعلم وقد
روى أحمد والترمذي والنسائي من حديث سمرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها ثريد
فاكل وأكل القوم فما زالوا يتداولونها إلى قريب من الظهر يأكل قوم ثم يقومون ويجئ
قوم فيتعاقبونه فقال رجل هل كانت تمد بطعام قال أما من الأرض فلا الا أن تكون كانت تمد
من السماء قال بعض شيوخنا يحتمل أن تكون هذه القصعة هي التي وقع فيها في بيت أبي بكر
ما وقع والله أعلم وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم التجاء الفقراء إلى المساجد عند
الاحتياج إلى المواساة إذا لم يكن في ذلك الحاح ولا الحاف ولا تشويش على المصلين وفيه استحباب
مواساتهم عند اجتماع هذه الشروط وفيه التوظيف في المخمصة وفيه جواز الغيبة عن الأهل
والولد والضيف إذا أعدت لهم الكفاية وفيه تصرف المرأة فيما تقدم للضيف والاطعام بغير اذن
خاص من الرجل وفيه جواز سب الوالد للولد على وجه التأديب والتمرين على أعمال الخير
وتعاطيه وفيه جواز الحلف على ترك المباح وفيه توكيد الرجل الصادق لخبره بالقسم وجواز
الحنث بعد عقد اليمين وفيه التبرك بطعام الأولياء والصلحاء وفيه عرض الطعام الذي تظهر فيه
البركة على الكبار وقبولهم ذلك وفيه العمل بالظن الغالب لان أبا بكر ظن أن عبد الرحمن فرط في
أمر الأضياف فبادر إلى سبه وقوى القرينة عنده اختباؤه منه وفيه ما يقع من لطف الله تعالى
بأوليائه وذلك أن خاطر أبي بكر تشوش وكذلك ولده وأهله وأضيافه بسبب امتناعهم من الاكل
وتكدر خاطر أبي بكر من ذلك حتى احتاج إلى ما تقدم ذكره من الحرج بالحلف وبالحنث وبغير
ذلك فتدارك الله ذلك ورفعه عنه بالكرامة التي أبداها له فانقلب ذلك الكدر صفاء والنكد سرورا
ولله الحمد والمنة * الحديث العاشر حديث أنس في الاستسقاء والمراد منه وقوع إجابة الدعاء في
الحال وقد تقدم شرحه في الاستسقاء وأورده هنا من طريقين لحماد بن زيد فقوله وعن يونس
هو ابن عبيد وهو معطوف على قوله عن عبد العزيز بن صهيب وحاصله أن حمادا سمعه عن أنس
عاليا ونازلا وذلك لأنه سمع من ثابت وحدث عنه هنا بواسطة وذكر البزار ان حمادا تفرد بطريق
يونس بن عبيد هذه (قوله وغيره يقول فعرفنا) وهو من العرافة وكذا اختلفت الرواة عند مسلم
هل قال فرقنا أو عرفنا وفي رواية الإسماعيلي فعرفنا من العرافة وجها واحدا وسمي العريف
عريفا لأنه يعرف الامام أحوال العسكر وزعم الكرماني ان فيه حذفا تقديره فرجعنا إلى
المدينة فعرفنا (قلت) ولا يتعين ذلك لجواز أن يكون تعريفهم وارسالهم قبل الرجوع إلى المدينة
(قوله هلكت الكراع) بضم أوله وحكى عن رواية الأصيلي كسرها وخطئ والمراد به الخيل وقد
يطلق على غيرها من الحيوان لكن المراد به هنا الحقيقة لأنه عطف عليه بعد ذلك غيره (قوله
كمثل الزجاجة) أي من شدة الصفاء ليس فيها شئ من السحاب (قوله فهاجت ريح أنشأت سحابا)
442

قال بعض شراح البخاري هذا فيه نظر لأنه انما يقال نشأ السحاب إذا ارتفع وأنشأ الله السحاب
لقوله وينشئ السحاب الثقال (قلت) المراد في حديث الباب الثاني ونسبة الانشاء إلى الريح
مجازية وذلك بإذن الله والأصل ان الكل بانشاء الله وهو كقوله أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون
وقد تقدم في بدء الخلق ان الريح تلقح السحاب (قوله غزاليها) بالزاي الخفيفة واللام المفتوحة
بعدها تحتانية ساكنة تثنية عزلي وقد تقدم ضبطها وتفسيرها قريبا (قوله فقام إليه ذلك الرجل
أو غيره) تقدم في الاستسقاء ما يقرب انه خارجة بن حصن الفزاري وما يوضح ان الذي قام أولا هو
الذي قام ثانيا وان انسا جزم به تارة وشك فيه أخرى (قوله تصدع) في رواية الكشميهني تتصدع
وهو الأصل (قوله إكليل) بكسر الهمزة وسكون الكاف هي العصابة التي تحيط بالرأس وأكثر
ما تستعمل فيما إذا كانت العصابة مكللة بالجوهر وهي من سمات ملوك الفرس وقد قيل إن أصله
ما أحاط بالظفر من اللحم ثم أطلق على كل ما أحاط بشئ والله أعلم * الحديث الحادي عشر والثاني
عشر حديث ابن عمر وجابر في حنين الجذع أورده عنهما من طرق أما حديث ابن عمر فقوله في
الطريق الأولى حدثنا أبو حفص واسمه عمر بن العلاء أخو عمرو بن العلاء تسمية أبي حفص لم أرها
الا في رواية البخاري والظاهر أنه هو الذي سماه وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق بندار عن
يحيى بن كثير فقال حدثنا أبو حفص بن العلاء فذكر الحديث ولم يسمه وقد تردد الحاكم أبو أحمد
في ذلك فذكر في ترجمة أبي حفص في الكنى هذا الحديث فساقه من طريق عبد الله بن رجاء
الغداني حدثنا أبو حفص بن العلاء فذكر حديث الباب ولم يقل اسمه عمر ثم ساقه من طريق عثمان
ابن عمر عن معاذ بن العلاء به ثم أخرج من طريق معتمر بن سليمان عن معاذ بن العلاء أبي غسان قال
وكذا ذكر البخاري في التاريخ ان معاذ بن العلاء يكنى أبا غسان قال الحاكم فالله أعلم أنهما أخوان
أحدهما يسمى عمر والآخر يسمى معاذا وحدثا معا عن نافع بحديث الجذع أو أحد الطريقين
غير محفوظ لان المشهور من أولاد العلاء أبو عمرو صاحب القراءات وأبو سفيان ومعاذ فاما أبو
حفص عمر فلا أعرفه الا في الحديث المذكور والله لا أعلم (قلت) وليس لمعاذ ولا لعمر في البخاري ذكر
الا في هذا الموضع وأما أبو عمرو بن العلاء فهو أشهر الاخوة وأجلهم وهو امام القراءات بالبصرة
وشيخ العربية بها وليس له أيضا في البخاري رواية ولا ذكر الا في هذا الموضع واختلف في اسمه
اختلافا كثيرا والأظهر ان اسمه كنيته وأما اخوه أبو سفيان بن العلاء فاخرج حديثه الترمذي
(قوله فأتاه فمسح يده عليه) في رواية الإسماعيلي من طريق يحيى بن السكن عن معاذ فأتاه
فاحتضنه فسكن فقال لو لم أفعل لما سكن نحوه في حديث ابن عباس عند الدارمي بلفظ لو لم
أحتضنه لحن إلى يوم القيامة ولأبي عوانة وابن خزيمة وأبي نعيم في حديث أنس والذي نفسي
بيده لو لم التزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر به
فدفن وأصله في الترمذي دون الزيادة ووقع في حديث الحسن عن أنس كان الحسن إذا حدث
بهذا الحديث يقول يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إلى
لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه وفي حديث أبي سعيد عند الدارمي فامر به ان يحفر له ويدفن
وفي حديث سهل بن سعد عند أبي نعيم فقال ألا تعجبون من حنين هذه الخشبة فاقبل الناس عليها
فسمعوا من حنينها حتى كثر بكاؤهم وأما حديث جابر فقوله في الطريق الأولى كان يقوم إلى شجرة
443

أو نخلة هو شك من الراوي وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع عن عبد الواحد فقام إلى
نخلة ولم يشك وهو قوله فقالت امرأة من الأنصار أو رجل شك من الراوي والمعتمد الأول وقد
تقدم بيانه في كتاب الجمعة والخلاف في اسمها والكلام على المتن مستوفى (قوله وقال عبد الحميد
أخبرنا عثمان بن عمر) عبد الحميد هذا لم أر من ترجم له في رجال البخاري الا ان المزي ومن تبعه
جزموا بأنه عبد بن حميد الحافظ المشهور وقالوا كان اسمه عبد الحميد وانما قيل له عبد بغير إضافة
تخفيفا وقد راجعت الموجود من مسنده وتفسيره فلم أر هذا الحديث فيه نعم وجدته من حديث
رفيقه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخرجه في مسنده المشهور عن عثمان بن عمر بهذا الاسناد
(قوله أخبرنا معاذ بن العلاء) في رواية الإسماعيلي من طريق أبي عبيدة الحداد عن معاذ بن
العلاء وهو أخو أبي عمرو بن العلاء القارئ (قوله عن نافع) في رواية الإسماعيلي وابن حبان
سمعت نافعا (قوله ورواه أبو عاصم) هو النبيل من كبار شيوخ البخاري (قوله عن ابن أبي رواد)
يعني عبد العزيز ورواد بفتح الراء المهملة وتشديد الواو اسمه ميمون وطريق أبي عاصم هذه وصلها
البيهقي من طريق سعيد بن عمر عن أبي عاصم مطولا وأخرجه أبو داود عن الحسن بن علي عن أبي
عاصم مختصرا (قوله دفع) بضم أوله بالدال وللكشميهني بالراء (قوله فضمه إليه) أي الجذع في
رواية الكشميهني فضمها أي الخشبة (قوله في الطريق الأخرى حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي
أويس وأخوه هو أبو بكر ويحيى بن سعيد هو الأنصاري وروايته عن حفص من رواية الاقران
لأنه في طبقته (قوله كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل) أي ان الجذوع كانت له كالأعمدة
(قوله فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جذع منها) أي حين يخطب وبه صرح الإسماعيلي
بلفظ كان إذا خطب يقوم إلى جذع (قوله كصوت العشار) بكسر المهملة بعدها معجمة خفيفة
جمع عشرا تقدم شرحه في الجمعة والعشراء الناقة التي انتهت في حملها إلى عشرة أشهر ووقع في
رواية عبد الواحد بن أيمن فصاحت النخلة صياح الصبي وفي حديث أبي الزبير عن جابر عند
النسائي في الكبير اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج انتهى والخلوج بفتح الخاء المعجمة
وضم اللام الخفيفة وآخره جيم الناقة التي انتزع منها ولدها وفي حديث أنس عند ابن خزيمة فحنت
الخشبة حنين الوالد وفي روايته الأخرى عند الدارمي خار ذلك الجذع كخوار الثور وفي حديث أبي
ابن كعب عند أحمد والدارمي وابن ماجة فلما جاوزه خار الجذع حتى تصدع وانشق وفي حديثه
فاخذ أبي بن كعب ذلك الجذع لما هدم المسجد فلم يزل عنده حتى بلى وعاد رفاتا وهذا لا ينافي
ما تقدم من أنه دفن لاحتمال أن يكون ظهر بعد الهدم عند التنظيف فاخذه أبي بن كعب وفي
حديث بريدة عند الدارمي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له اختر أن أغرسك في المكان الذي
كنت فيه فتكون كما كنت يعني قبل أن تصير جذعا وان شئت أن أغرسك في الجنة فتشرب من
أنهارها فيحسن نبتك وتثمر فيأكل منك أولياء الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم اختار أن أغرسه
في الجنة قال البيهقي قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي حملها الخلف عن السلف ورواية
الأخبار الخاصة فيها كالتكلف وفي الحديث دلالة على أن الجمادات قد يخلق الله لها ادراكا
كالحيوان بل كأشرف الحيوان وفيه تأييد لقول من يحمل وان من شئ الا يسبح بحمده على ظاهره
وقد نقل ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن أبيه عن عمرو بن سواد عن الشافعي قال ما أعطى الله
444

نبيا ما أعطى محمدا فقلت أعطى عيسى احياء الموتى قال أعطى محمدا حنين الجذع حتى سمع صوته
فهذا أكبر من ذلك * الحديث الثالث عشر حديث حذيفة في ذكر الفتنة (قوله حدثنا محمد)
هو ابن جعفر الذي يقال له غندر (قوله عن سليمان) هو الأعمش وقد وافقه على رواية أصل
الحديث عن أبي وائل وهو شقيق بن سلمة جامع بن شداد أخرجه المصنف في الصوم ووافق شقيقا
على روايته عن حذيفة ربعي بن حراش أخرجه أحمد ومسلم (قوله إن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه قال أيكم يحفظ) في رواية يحيى القطان عن الأعمش في الصلاة كنا جلوسا عند عمر فقال أيكم
والمخاطب بذلك الصحابة ففي رواية ربعي عن حذيفة انه قدم من عند عمر فقال سأل عمر أمس
أصحاب محمد أيكم سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة قال أنا أحفظ كما قال في رواية
المصنف في الزكاة أنا احفظه كما قاله (قوله قال هات انك لجرئ) في الزكاة (1) انك عليه
لجرئ فكيف (قوله فتنة الرجل في أهله وماله وجاره) زاد في الصلاة وولده (قوله تكفرها
الصلاة والصدقة) زاد في الصلاة والصوم قال بعض الشراح يحتمل أن يكون كل واحدة من
الصلاة وما معها مكفرة للمذكورات كلها لا لكل واحدة منها وأن يكون من باب اللف والنشر
بان الصلاة مثلا مكفرة للفتنة في الأهل والصوم في الولد الخ والمراد بالفتنة ما يعرض للانسان مع
من ذكر من البشر أو الالتهاء بهم أو ان يأتي لأجلهم بما لا يحل له أو يخل بما يجب عليه واستشكل ابن
أبي جمرة وقوع التكفير بالمذكورات للوقوع في المحرمات والاخلال بالواجب لان الطاعات
لا تسقط ذلك فان حمل على الوقوع في المكروه والاخلال بالمستحب لم يناسب اطلاق التكفير
والجواب التزام الأول وان الممتنع من تكفير الحرام والواجب ما كان كبيرة فهي التي فيها النزاع
وأما الصغائر فلا نزاع انها تكفر لقوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم
الآية وقد مضى شئ من البحث في هذا في كتاب الصلاة وقال الزين بن المنير الفتنة بالأهل تقع
بالميل إليهن أو عليهن في القسمة والايثار حتى في أولادهن ومن جهة التفريط في الحقوق الواجبة
لهن وبالمال يقع الاشتغال به عن العبادة أو بحبسه عن اخراج حق الله والفتنة بالأولاد تقع
بالميل الطبيعي إلى الولد وايثاره على كل أحد والفتنة بالجار تقع بالحسد والمفاخرة والمزاحمة
في الحقوق واهمال التعاقد ثم قال وأسباب الفتنة بمن ذكر غير منحصرة فيما ذكرت من الأمثلة
وأما تخصيص الصلاة وما ذكر معها بالتكفير دون سائر العبادات ففيه إشارة إلى تعظيم قدرها
لا نفى ان غيرها من الحسنات ليس فيها صلاحية التكفير ثم إن التكفير المذكور يحتمل أن يقع
بنفس فعل الحسنات المذكورة ويحتمل أن يقع بالموازنة والأول أظهر والله أعلم وقال ابن أبي
جمرة خص الرجل بالذكر لأنه في الغالب صاحب الحكم في داره وأهله والا فالنساء شقائق الرجال
في الحكم ثم أشار إلى أن التكفير لا يختص بالأربع المذكورات بل نبه بها على ما عداها والضابط
ان كل ما يشغل صاحبه عن الله فهو فتنة له وكذلك المكفرات لا تختص بما ذكر بل نبه به على
ما عداها فذكر من عبادة الافعال الصلاة والصيام ومن عبادة المال الصدقة ومن عبادة
الأقوال الامر بالمعروف (قوله ولكن التي تموج) أي الفتنة وصرح بذلك في الرواية التي في
الصلاة والفتنة بالنصب بتقدير فعل أي أريد الفتنة ويحتمل الرفع أي مرادي الفتنة (قوله تموج
كموج البحر) أي تضطرب اضطراب البحر عند هيجانه وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة
445

المنازعة وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة (قوله يا أمير المؤمنين لا باس عليك منها) زاد في
رواية ربعي تعرض الفتن على القلوب فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير
أبيض مثل الصفاة لا تضره فتنة وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى يصير أسود
كالكوز منكوسا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا وحدثته أن بينها وبينه بابا مغلقا (قوله إن
بينك وبينها بابا مغلقا) أي لا يخرج منها شئ في حياتك قال ابن المنير أثر حذيفة الحرص على
حفظ السر ولم يصرح لعمر بما سأل عنه وانما كنى عنه كناية وكأنه كان مأذونا له في مثل ذلك
وقال النووي يحتمل أن يكون حذيفة علم أن عمر يقتل ولكنه كره أن يخاطبه بالقتل لان عمر كان
يعلم أنه الباب فاتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير تصريح بالقتل انتهى وفي لفظ طريق ربعي
ما يعكر على ذلك على ما سأذكره وكأنه مثل الفتن بدار ومثل حياة عمر بباب لها مغلق ومثل موته
بفتح ذلك الباب فما دامت حياة عمر موجود فهي الباب المغلق لا يخرج مما هو داخل تلك الدار
شئ فإذا مات فقد انفتح ذلك الباب فخرج ما في تلك الدار (قوله قال يفتح الباب أو يكسر قال لا بل
يكسر قال ذلك أحرى أن لا يغلق) زاد في الصيام ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة قال ابن
بطال انما قال ذلك لان العادة أن الغلق انما يقع في الصحيح فاما إذا انكسر فلا يتصور غلقه حتى
يجبر انتهى ويحتمل أن يكون كنى عن الموت بالفتح وعن القتل بالكسر ولهذا قال في رواية ربعي
فقال عمر كسرا لا أبا لك لكن بقية رواية ربعي تدل على ما قدمته فان فيه وحدثته أن ذلك الباب
رجل يقتل أو يموت وانما قال عمر ذلك اعتمادا على ما عنده من النصوص الصريحة في وقوع
الفتن في هذه الأمة ووقوع الباس بينهم إلى يوم القيامة وسيأتي في الاعتصام حديث جابر في قوله
تعالى أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض الآية وقد وافق حذيفة على معنى روايته
هذه أبو ذر فروى الطبراني باسناد رجاله ثقات أنه لقي عمر فأخذ بيده فغمزها فقال له أبو ذر أرسل
يدي يا قفل الفتنة الحديث وفيه ان أبا ذر قال لا تصيبكم فتنة ما دام فيكم وأشار إلى عمر وروى
البزار من حديث قدامة بن مظعون عن أخيه عثمان أنه قال لعمر يا غلق الفتنة فسأله عن ذلك
فقال مررت ونحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذا غلق الفتنة لا يزال بينكم وبين
الفتنة باب شديد الغلق ما عاش (قوله قلنا علم عمر الباب) في رواية جامع بن شداد فقلنا لمسروق سله
أكان عمر يعلم من الباب فسأله فقال نعم وفي رواية أحمد عن وكيع عن الأعمش فقال مسروق
لحذيفة يا أبا عبد الله كان عمر يعلم (قوله كما أن دون غد الليلة) أي أن ليلة غد أقرب إلى اليوم من
غد (قوله اني حدثته) هو بقية كلام حذيفة والأغاليط جمع أغلوطة وهو ما يغالط به أي حدثته
حديثا صدقا محققا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم لاعن اجتهاد ولا رأي قال ابن بطال انما
علم عمر أنه الباب لأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم على حراء وأبو بكر وعثمان فرجف فقال
أثبت فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان أو فهم ذلك من قول حذيفة بل يكسر انتهى والذي
يظهر أن عمر علم الباب بالنص كما قدمت عن عثمان بن مظعون وأبي ذر فلعل حذيفة حضر ذلك
وقد تقدم في بدء الخلق حديث عمر أنه سمع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن بدء الخلق
حتى دخل أهل الجنة منازلهم وسيأتي في هذا الباب حديث حذيفة أنه قال أنا أعلم الناس بكل
فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة وفيه أنه سمع ذلك معه من النبي صلى الله عليه وسلم جماعة
446

ماتوا قبله فان قيل إذا كان عمر عارفا بذلك فلم يشك فيه حتى سال عنه فالجواب أن ذلك يقع مثله
عند شدة الخوف أو لعله خشي أن يكون نسي فسال من يذكره وهذا هو المعتمد (قوله فهبنا)
بكسر الهاء أي خفنا ودل ذلك على حسن تأدبهم مع كبارهم (قوله وأمرنا مسروقا) هو ابن
الأجدع من كبار التابعين وكان من اخصاء أصحاب ابن مسعود وحذيفة وغيرهما من كبار الصحابة
(قوله فسأله فقال من الباب قال عمر) قال الكرماني تقدم قوله أن بين الفتنة وبين عمر بابا
فكيف يفسر الباب بعد ذلك أنه عمر والجواب ان في الأول تجوزا والمراد بين الفتنة وبين حياة
عمر أو بين نفس عمر وبين الفتنة بدنه لان البدن غير النفس * (تنبيه) * غالب الأحاديث المذكورة
في هذا الباب من حديث حذيفة وهلم جرا يتعلق باخباره صلى الله عليه وسلم عن الأمور الآتية
بعده فوقعت على وفق ما أخبر به واليسير منها وقع في زمانه وليس في جميعها ما يخرج عن ذلك
الا حديث البراء في نزول السكينة وحديثه عن أبي بكر في قصة سراقة وحديث أنس في الذي
ارتد فلم تقبله الأرض * الحديث الرابع عشر حديث أبي هريرة وهو يشتمل على أربعة أحاديث
أحدها قتال الترك وقد أورده من وجهين آخرين عن أبي هريرة كما سأتكلم عليه ثانيها حديث
تجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الشأن وقد تقدم شرحه في أول المناقب وقوله في
هذا الموضع وتجدون أشد الناس كراهية لهذا الامر حتى يقع فيه كذا وقع عند أبي ذر مختصرا
الا في روايته عن المستملي فأورده بتمامه وبه يتم المعنى ثالثها حديث الناس معادن وقد تقدم
شرحه في المناقب أيضا * رابعها حديث يأتين على أحدكم زمان لان يراني أحب إليه من أن يكون
له مثل أهله وما له قال عياض وقد وقع للجميع ليأتين على أحدكم لكن وقع لأبي زيد المروزي في
عرضة بغداد أحدهم بالهاء والصواب بالكاف كذا أخرجه مسلم انتهى والأحاديث الأربعة
تدخل في علامات النبوة لاخباره فيها عما لا يقع فوقع كما قال لا سيما الحديث الأخير فان كل أحد
من الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم كان يود لو كان رآه وفقد مثل أهله وما له وانما قلت ذلك
لان كل أحد ممن بعدهم إلى زماننا هذا يتمنى مثل ذلك فكيف بهم مع عظيم منزلته عندهم ومحبتهم
فيه * الحديث الخامس عشر حديث أبي هريرة أورده من طرق (قوله لا تقوم الساعة حتى
تقاتلوا خوزا) هو بضم الخاء المعجمة وسكون الواو بعدها زاي قوم من العجم وقال أحمد وهم
عبد الرزاق فقاله بالجيم بدل الخاء المعجمة وقوله وكرمان هو بكسر الكاف على المشهور ويقال
بفتحها وهو ما صححه ابن السمعاني ثم قال لكن اشتهر بالكسر وقال الكرماني نحن أعلم ببلدنا
(قلت) جزم بالفتح ابن الجواليقي وقبله أبو عبيد البكري وجزم بالكسر الأصيلي وعبدوس وتبع
ابن السمعاني ياقوت والصغاني لكن نسب الكسر للعامة وحكى النووي الوجهين والراء ساكنة
على كل حال وتقدم في الرواية التي قبلها تقاتلون الترك واستشكل لان خوزا وكرمان ليسا من
بلاد الترك أما خوز فمن بلاد الأهواز وهي من عراق العجم وقيل الخوز صنف من الأعاجم وأما
كرمان فبلدة مشهورة من بلاد العجم أيضا بين خراسان وبحر الهند ورواه بعضهم خور كرمان
براء مهملة وبالإضافة والاشكال باق ويمكن أن يجاب بان هذا الحديث غير حديث قتال
الترك ويجتمع منهما الانذار بخروج الطائفتين وقد تقدم من الإشارة إلى شئ من ذلك في الجهاد
ووقع في رواية مسلم من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون
447

الترك قوما كان وجوههم المجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر (قوله حمر الوجوه
فطس الأنوف) الفطس الانفراش وفي الرواية التي قبلها دلف الأنوف جمع أدلفة بالمهملة
والمعجمة وهو الأشهر قيل معناه الصغر وقيل الدلف الاستواء في طرف الأنف ليس بحد غليظ وقيل
تشمير الانف عن الشفة العليا ودلف بسكون اللام جمع أدلف مثل حمر وأحمر وقيل الدلف غلظ
في الأرنبة وقيل تطامن فيها وقيل ارتفاع طرفه مع صغر أرنبته وقيل قصره مع انبطاحه وقد تقدم
بقية القول فيه في أثناء الجهاد (قوله وجوههم المجان المطرقة) في الرواية الماضية كان وجوههم
المجان المطرقة وقد تقدم ضبطه في أثناء الجهاد في باب قتال الترك قيل إن بلادهم ما بين مشارق
خراسان إلى مغارب الصين وشمال الهند إلى أقصى المعمور قال البيضاوي شبه وجوههم بالترسة
لبسطها وتدويرها وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها (قوله نعالهم الشعر) تقدم القول فيه في أثناء
الجهاد في باب قتال الترك قيل المراد به طول شعورهم حتى تصير أطرافها في أرجلهم موضع
النعال وقيل المراد أن نعالهم من الشعر بان يجعلوا نعالهم من شعر مظفور وقد تقدم التصريح
بشئ من ذلك في باب قتال الترك من كتاب الجهاد ووقع في رواية لمسلم كما تقدم من طريق سهيل
عن أبيه عن أبي هريرة يلبسون الشعر وزعم ابن دحية أن المراد به القندس الذي يلبسونه في
الشرابيش قال وهو جلد كلب الماء (قوله * تابعه غيره عن عبد الرزاق) كذا في الأصول التي
وقفت عليها وكذا ذكره المزي في الأطراف ووقع في بعض النسخ * تابعه عبدة وهو تصحيف وقد
أخرجه الإمامان أحمد واسحق في مسنديهما عن عبد الرزاق وجعله أحمد حديثين فصل آخره
فقال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا أقواما نعالهم الشعر
(قوله في الرواية الأخرى حدثنا سفيان) هو ابن عيينة وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن
أبي حازم (قوله أتينا أبا هريرة) في رواية أحمد عن سفيان عن إسماعيل عن قيس قال نزل علينا
أبو هريرة بالكوفة وكان بينه وبين مولانا قرابة قال سفيان وهم أي آل قيس بن أبي حازم موالي
لأحمس فاجتمعت أحمس قال قيس فاتيناه نسلم عليه فقال له أبي يا أبا هريرة هؤلاء أنسابك أتوك
ليسلموا عليك وتحدثهم قال مرحبا بهم وأهلا صحبت فذكره (قوله ثلاث سنين) كذا وقع فيه
شئ لأنه قدم في خيبر سنة سبع وكانت خيبر في صفر ومات النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول
سنة إحدى عشرة فتكون المدة أربع سنين وزيادة وبذلك جزم حميد بن عبد الرحمن الحميري قال
صحبت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة أخرجه أحمد وغيره
فكأن أبا هريرة اعتبر المدة التي لازم فيها النبي صلى الله عليه وسلم الملازمة الشديدة وذلك بعد
قدومهم من خيبر أولم يعتبر الأوقات التي وقع فيها سفر النبي صلى الله عليه وسلم من غزوه وحجه
وعمره لان ملازمته له فيها لم تكن كملازمته له في المدينة أو المدة المذكورة بقيد الصفة التي ذكرها
من الحرص وما عداها لم يكن وقع له فيها الحرص المذكور أو وقع له لكن كان حرصه فيها أقوى
والله أعلم (قوله لم أكن في سني) بكسر المهملة والنون وتشديد التحتانية على الإضافة أي في سني
عمري ووقع في رواية الكشميهني في شئ بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعد همزة واحد الأشياء
وقوله أحرص مني هو أفعل تفضيل والمفضل عليه هو أبو هريرة لكن باعتبارين فالأفضل المدة
التي هي ثلاث سنين والمفضول بقية عمره ووقع في رواية أحمد عن يحيى القطان عن إسماعيل بلفظ
448

ما كنت أعقل مني فيهن ولا أحب أن أعي ما يقول منها (قوله وهو هذا البارز وقال سفيان مرة
وهم أهل البارز) وقع ضبط الأولى بفتح الراء بعدها زاي وفي الثانية بتقديم الزاي على الراء
والمعروف الأول ووقع عند ابن السكن وعبدوس بكسر الزاي وتقديمها على الراء وبه جزم
الأصيلي وابن السكن ومنهم من ضبطه بكسر الراء قال القابسي معناه البارزين لقتال أهل
الاسلام أي الظاهرين في براز من الأرض كما جاء في وصف علي أنه بارز وظاهر ويقال معناه ان
القوم الذين يقاتلون تقول العرب هذا البارز إذا أشارت إلى شئ ضار وقال ابن كثير قول سفيان
المشهور في الرواية تقديم الراء على الزاي وعكسه تصحيف كأنه اشتبه على الراوي من البارز
وهو السوق بلغتهم وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق مروان بن معاوية وغيره عن إسماعيل
وقال فيه أيضا وهم هذا البارز وأخرجه أبو نعيم من طريق إبراهيم بن بشار عن سفيان وقال في
آخره قال أبو هريرة وهم هذا البارز يعني الأكراد وقال غيره البارز الديلم لان كلا منهما يسكنون
في براز من الأرض أو الجبال وهي بارزة عن وجه الأرض وقيل هي أرض فارس لان منهم من
يجعل الفاء موحدة والزاي سينا وقيل غير ذلك وقال ابن الأثير ذكره أبو موسى في الباء والزاي
وقيل البارز ناحية قريبة من كرمان بها جبال فيها أكراد فكأنهم سموا باسم بلادهم أو هو على
حذف أهل والذي في البخاري بتقديم الراء على الزاي وهم أهل فارس فكأنه أبدل السين زايا أي
والفاء باء وقد ظهر مصادق هذا الخبر وقد كان مشهورا في زمن الصحابة حديث اتركوا الترك
ما تركوكم فروى الطبراني من حديث معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله
وروى أبو يعلى من وجه آخر عن معاوية بن خديج قال كنت عند معاوية فأتاه كتاب عامله أنه
وقع بالترك وهزمهم فغضب معاوية من ذلك ثم كتب إليه لا تقاتلهم حتى يأتيك أمري فاني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الترك تجلي العرب حتى تلحقها بمنابت الشيخ قال فانا أكره
قتالهم لذلك وقال المسلمون الترك في خلافة بني أمية وكان ما بينهم وبين المسلمين مسدودا إلى أن
فتح ذلك شيئا بعد شئ وكثر السبي منهم وتنافس الملوك فيهم لما فيهم من الشدة والبأس حتى كان أكثر
عسكر المعتصم منهم ثم غلب الأتراك على الملك فقتلوا ابنه المتوكل ثم أولاده واحدا بعد واحد
إلى أن خالط المملكة الديلم ثم كان الملوك السامانية من الترك أيضا فملكوا بلاد العجم ثم غلب على
تلك الممالك آل سبكتكين ثم آل سلجوق وامتدت مملكتهم إلى العراق والشام والروم ثم كان
بقايا اتباعهم بالشام وهم آل زنكي وأتباع هؤلاء وهم بيت أيوب واستكثر هؤلاء أيضا من
الترك فغلبوهم على المملكة بالديار المصرية الشامية والحجازية وخرج على آل سلجون في
المائة الخامسة الغز فخربوا البلاد وفتكوا في العباد ثم جاءت الطامة الكبرى بالططر فكان
خروج جنكزخان بعد الستمائة فأسعرت بهم الدنيا نارا خصوصا المشرق باسره حتى لم يبق بلد
منه حتى دخله شرهم ثم كان خراب بغداد وقتل الخليفة المستعصم آخر خلفائهم على أيديهم
في سنة ست وخمسين وستمائة ثم لم تزل بقاياهم يخربون إلى إن كان آخرهم اللنك ومعناه الأعرج
واسمه تمر بفتح المثناة وضم الميم وربما أشبعت فطرق الديار الشامية وعاث فيها وحرق دمشق حتى
صارت خاوية على عروشها ودخل الروم والهند وما بين ذلك وطالت مدته إلى أن أخذه الله وتفرق
بنوه البلاد وظهر بجميع ما أوردته مصداق قوله صلى الله عليه وسلم ان بني قنطورا أول من سلب
449

أمتي ملكهم وهو حديث أخرجه الطبراني من حديث معاوية والمراد ببني قنطورا الترك
وقنطورا قيده ابن الجواليقي في المعرب بالمد وفي كتاب البارع بالقصر قيل كانت جارية لإبراهيم
الخليل عليه السلام فولدت له أولادا فانتشر منهم الترك حكاه ابن الأثير واستبعده وأما شيخنا في
القاموس فجزم به وحكى قولا آخر أن المراد بهم السودان وقد تقدم في باب قتال الترك من
الجهاد بقية ذلك وكأنه يريد بقوله أمتي أمة النسب لا أمة الدعوة يعني العرب والله أعلم * الحديث
السادس عشر حديث عمرو بن تغلب في معنى حديث أبي هريرة وهو شاهد قوي وقد تقدم
شرحه بما فيه غنية وتقدم ضبطه في أثناء كتاب الجهاد * الحديث السابع عشر حديث ابن عمر
تقاتلكم اليهود الحديث تقدم من وجه آخر في الجهاد في باب قتال اليهود قوله (تقاتلكم
اليهود فتسلطون عليهم) في رواية أحمد من طريق أخرى عن سالم عن أبيه ينزل الدجال هذه
السبخة أي خارج المدينة ثم يسلط الله عليه المسلمين فيقتلون شيعته حتى أن اليهودي ليختبئ تحت
الشجرة والحجر فيقول الحجر والشجرة للمسلم هذا يهودي فاقتله وعلى هذا فالمراد بقتال اليهود
وقوع ذلك إذا خرج الدجال ونزل عيسى وكما وقع صريحا في حديث أبي أمامة في قصة خروج
الدجال ونزول عيسى وفيه وراء الدجال سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلي فيدركه عيسى
عند باب لد فيقتله وينهزم اليهود فلا يبقى شئ مما يتوارى به يهودي الا أنطق الله ذلك الشئ فقال
يا عبد الله للمسلم هذا يهودي فتعال فاقتله الا الغرقد فإنها من شجرهم أخرجه ابن ماجة
مطولا وأصله عند أبي داود ونحوه في حديث سمرة عند أحمد باسناد حسن وأخرجه ابن منده
في كتاب الايمان من حديث حذيفة باسناد صحيح وفي الحديث ظهور الآيات قرب قيام الساعة
من كلام الجماد من شجرة وحجر وظاهره ان ذلك ينطق حقيقة ويحتمل المجاز بان يكون المراد انهم
لا يفيدهم الاختباء والأول أولى وفيه ان الاسلام يبقى إلى يوم القيامة وفي قوله صلى الله عليه
وسلم تقاتلكم اليهود جواز مخاطبة الشخص والمراد من هو منه بسبيل لان الخطاب كان
للصحابة والمراد من يأتي بعدهم بدهر طويل لكن لما كانوا مشتركين معهم في أصل الايمان ناسب
ان يخاطبوا بذلك * الحديث الثامن عشر حديث أبي سعيد يأتي على الناس زمان يغزون فيه
الحديث يأتي في أول مناقب الصحابة بأتم من هذا السياق وقد تقدم في باب من استعان بالضعفاء
من كتاب الجهاد * الحديث التاسع عشر حديث عدي بن حاتم أورده من وجهين (قوله أتاه
رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر) لم أقف على اسم واحد منهما (قوله الظعينة) بالمعجمة المرأة في
الهودج وهو في الأصل اسم للهودج (قوله الحيرة) بكسر المهملة وسكون التحتانية وفتح الراء
كانت بلد ملوك العرب الذين تحت حكم آل فارس وكان ملكهم يومئذ اياس بن قبيصة الطائي
وليها من تحت يدي كسرى بعد قتل النعمان بن المنذر ولهذا قال عدي بن حاتم فأين دعار طيئ ووقع
في رواية لأحمد من طريق الشعبي عند عدي بن حاتم قلت يا رسول الله فأين مقاتب طيئ ورجالها
ومقاتب بالقاف جمع مقتب وهو العسكر ويطلق على الفرسان (قوله حتى تطوف بالكعبة)
زاد أحمد من طريق أخرى عن عدي في غير جوار أحد (قوله فأين دعار طيئ) الدعار جمع داعر
وهو بمهملتين وهو الشاطر الخبيث المفسد وأصله عود داعر إذا كان كثير الدخان قال
الجواليقي والعامة تقوله بالذال المعجمة فكأنهم ذهبوا به إلى معنى القرع والمعروف الأول والمراد
450

قطاع الطريق وطيئ قبيلة مشهورة منها عدي بن حاتم المذكور وبلادهم ما بين العراق والحجاز
وكانوا يقطعون الطريق على من مر عليهم بغير جوار ولذلك تعجب عدي كيف تمر المرأة عليهم وهي
غير خائفة (قوله قد سعروا البلاد) أي أوقدوا نار الفتنة أي ملؤا الأرض شرا وفسادا وهو
مستعار من استعار النار وهو توقدها (قوله كنوز كسرى) وهو علم على من ملك الفرس لكن
كانت المقالة في زمن كسرى بن هرمز ولذلك استفهم عدي بن حاتم عنه وانما قال ذلك لعظمة
كسرى في نفسه إذ ذاك (قوله فلا يجد أحدا يقبله منه) أي لعدم الفقراء في ذلك الزمان تقدم في
الزكاة قول من قال إن ذلك عند نزول عيسى بن مريم عليه السلام ويحتمل أن يكون ذلك
إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز وبذلك جزم البيهقي وأخرج في الدلائل من طريق
يعقوب بن سفيان بسنده إلى عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال انما ولي عمر بن
عبد العزيز ثلاثين شهرا ألا والله ما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول اجعلوا هذا
حيث ترون في الفقراء فما يبرح حتى يرجع بماله يتذكر من يضعه فيه فلا يجده قد أغنى عمر الناس
قال البيهقي فيه تصديق ما روينا في حديث عدي بن حاتم انتهى ولا شك في رجحان هذا الاحتمال
على الأول لقوله في الحديث ولئن طالت بك حياة (قوله بشق تمرة) بكسر المعجمة أي نصفها وفي
رواية المستملي بشقة تمرة وكذا اختلفوا في قوله بعده فمن يجد شق تمرة قال المستملي شقة وقد
تقدم الكلام على ذلك في كتاب الزكاة (قوله ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي صلى الله
عليه وسلم) هو مقول عدي بن حاتم وقوله يخرج ملء كفه أي من المال فلا يجد من يقبله وفى
رواية أحمد المذكورة والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لان النبي صلى الله عليه وسلم قد قالها
وقد وقع ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وأمن به عدي وقد تقدم في أواخر كتاب الحج من
استدل به على جواز سفر المرأة وحدها في الحج الواجب والبحث في ذلك وتوجيه الاستدلال به بما
أغنى عن اعادته هنا وبالله التوفيق (قوله حدثنا سعدان بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة
يقال اسمه سعيد وسعدان لقبه وليس له في البخاري ولا لشيخه ولا لشيخ شيخه غير هذا الحديث
الواحد (قوله حدثنا أبو مجاهد) هو سعد الطائي المذكور في الاسناد الذي قبله ومحل بن خليفة
في الاسنادين هو بضم الميم وكسر المعجمة بعدها لام وقد قيل فيه بفتح المهملة وتقدم سياق متن هذا
الحديث في كتاب الزكاة وهو أخصر من سياق الذي قبله واطلاق المصنف قد يوهم انهما سواء
والله أعلم الحديث العشرون حديث عقبة وهو ابن عامر الجهني (قوله عن يزيد) هو ابن أبي
حبيب وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله والاسناد كله بصريون (قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم
خرج يوما) هذا مما حذف فيه لفظ انه وهي تحذف كثيرا من الخط ولا بد من النطق بها وقل من
نبه على ذلك فقد نبهوا على حذف قال خطا وقال ابن الصلاح لا بد من النطق بها وفيه بحث
ذكرته في النكت ووقع هنا لغير أبي ذر بلفظ أن بدل عن (قوله فصلى على أهل أحد) تقدم
الكلام عليه مستوفي في الجنائز وقوله ألا واني قد أعطيت مفاتيح خزائن إلى آخره وهو موافق
لحديث أبي هريرة والكلام عليه مستغن عن اعادته ووقع هنا لأبي ذر عن المستملي والسرخسي
451

خزائن مفاتيح على القلب وقد تقدم في الجنائز والمغازي بلفظ مفاتيح خزائن وكذا عند مسلم
والنسائي (قوله ولكني أخاف أن تنافسوا فيها) فيه انذار بما سيقع فوقع كما قال صلى الله عليه
وسلم وقد فتحت عليهم الفتوح بعده وآل الامر إلى أن تحاسدوا وتقاتلوا ووقع ما هو المشاهد
المحسوس لكل أحد مما يشهد بمصداق خبره صلى الله عليه وسلم ووقع من ذلك في هذا الحديث
اخباره بأنه فرطهم أي سابقهم وكان كذلك وان أصحابه لا يشركون بعده فكان كذلك ووقع
ما أنذر به من التنافس في الدنيا وتقدم في معنى ذلك حديث عمرو بن عوف مرفوعا ما الفقر
أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم ان تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم
وحديث أبي سعيد في معناه فوقع كما أخبر وفتحت عليهم الفتوح الكثيرة وصبت عليهم الدنيا
صبا وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق * الحديث الحادي والعشرون حديث أسامة بن زيد وقد
تقدم شرح بعضه في أواخر الحج ويأتي الكلام عليه في الفتن إن شاء الله تعالى * الحديث
الثاني والعشرون حديث زينب بنت جحش ويل للعرب من شر قد اقترب وسيأتي شرحه
مستوفي في آخر كتاب الفتن إن شاء الله تعالى * الحديث الثالث والعشرون حديث أم سلمة قالت
استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن أورده
مختصرا وسيأتي بتمامه في كتاب الفتن مع شرحه إن شاء الله تعالى وقوله فيه وعن الزهري هو
معطوف على اسناد حديث زينب بنت جحش وهو أبو اليمان عن شعيب عن الزهري ووهم من
زعم أنه معلق فإنه أورده بتمامه في الفتن عن أبي اليمان بهذا الاسناد * الحديث الرابع والعشرون
حديث أبي سعيد يأتي على الناس زمان تكون الغنم فيه خير مال المسلم الحديث وسيأتي الكلام
عليه في الفتن إن شاء الله تعالى وقوله في الاسناد عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة هو عبد الرحمن
ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحرث بن أبي صعصعة نسب إلى جده الاعلى وروايته لهذا الحديث
عن أبيه عبد الله لا عن أبي صعصعة ولا غيره من آبائه وقد تقدم ايضاح ذلك في كتاب الايمان
وقوله في هذه الرواية شعف الجبال أو سعف الجبال بالعين المهملة فيهما وبالشين المعجمة في الأولى
أو المهملة في الثانية والتي بالشين المعجمة معناها رؤس الجبال والتي بالمهملة معناها جريد النخل وقد
أشار صاحب المطالع إلى توهيمها ولكن يمكن تخريجها على إرادة تشبيه أعلى الجبل بأعلى النخلة
وجريد النخل يكون غالبا أعلى ما في النخلة لكونها قائمة والله أعلم * الحديث الخامس والعشرون
حديث أبي هريرة ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم الحديث وسيأتي الكلام عليه في كتاب
الفتن * الحديث السادس والعشرون حديث نوفل بن معاوية قال مثل حديث أبي هريرة
وسيأتي شرح المتن في الفتن وقوله وعن الزهري هو باسناد حديث أبي هريرة ال‍ الزهري ووهم
452

من زعم أنه معلق وقد أخرجه مسلم بالاسنادين معا من طريق صالح بن كيسان عن الزهري وقوله
الا أن أبا بكر يعني ابن عبد الرحمن شيخ الزهري وقوله يزيد من الصلاة صلاة من فاتته فكأنما
وتر أهله وما له يحتمل أن يكون أبو بكر زاد هذا مرسلا ويحتمل أن يكون زاده بالاسناد المذكور
عن عبد الرحمن بن مطيع بن الأسود عن نوفل بن معاوية وعبد الرحمن هذا هو أخو عبد الله
ابن مطيع الذي ولي الكوفة وهو مذكور في الصحابة وأما عبد الرحمن فتابعي على الصحيح وقد
ذكره ابن حبان وابن منده في الصحابة وليس له في البخاري غير هذا الحديث وشيخه نوفل بن معاوية
صحابي قليل الحديث من مسلمة الفتح عاش إلى خلافة يزيد بن معاوية ويقال انه جاوز المائة وليس
له في البخاري أيضا غير هذا الحديث وهو خال عبد الرحمن بن مطيع الراوي عنه قال الزبير بن
بكار اسم أمه كلثوم والمراد بالصلاة المذكورة صلاة العصر كذا أخرجه النسائي مفسرا من
طريق يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن نوفل بن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول من الصلاة صلاة فذكر مثل لفظ أبي بكر بن عبد الرحمن وزاد قال فقال ابن عمر سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هي صلاة العصر وقد تقدم في الصلاة في المواقيت حديث
بريدة في ذلك مشروحا وهو شاهد لصحة قول ابن عمر هذا والله أعلم * (تنبيه) * ذكر البخاري هذه
الزيادة هنا استطرادا لوقوعها في الحديث الذي أرادا ايراده في هذا الباب وان لم يكن لها تعليق
بهذا الباب والله أعلم * الحديث السابع والعشرون حديث ابن مسعود ستكون أثرة يأتي الكلام
عليه أيضا في الفتن إن شاء الله تعالى * الحديث الثامن والعشرون حديث أبي هريرة في قريش
وسيأتي أيضا في الفتن وقوله هنا في الطريق الأولى قال محمود حدثنا أبو داود أراد بذلك تصريح
أبي التياح بسماعه له من أبي زرعة بن عمرو وأبو داود هذا هو الطيالسي ولم يخرج له المصنف
الا استشهادا ومحمود هذا هو ابن غيلان أحد مشايخه المشهورين وقد نزل المصنف في الاسناد
الأول درجة بالنسبة إلى أبي أسامة لأنه سمع من الجمع الكثير من أصحابه حتى من شيخ شيخه في هذا
الحديث وهو أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة
والإسماعيلي من رواية أبي بكر وعثمان بن أبي شيبة عن أبي أسامة وهما ممن أكثر عنهما البخاري
وكأنه فاته عنهما ونزل فيه أيضا بالنسبة لرواية شعبة درجتين لأنه سمع من جماعة من أصحابه وهو
من غرائب حديث شعبة وقوله في الطريق الثانية فقال مروان غلمة قال الكرماني تعجب
مروان من وقوع ذلك من غلمة فاجابه أبو هريرة ان شئت صرحت بأسمائهم انتهى وكأنه غفل
عن الطريق المذكورة في الفتن فإنها ظاهرة في أن مروان لم يوردها مورد التعجب فان لفظه هناك
فقال مروان لعنة الله عليهم غلمة فظهر أن في هذا الطريق اختصارا ويحتمل أن يتعجب من فعلهم
ويلعنهم مع ذلك والله أعلم * الحديث التاسع والعشرون حديث حذيفة كان الناس يسألون
453

عن الخير يأتي في الفتن مع شرحه مستوفي إن شاء الله تعالى وقوله في الطريق الأخرى تعلم أصحابي
الخير وتعلمت الشر هو طرف من الطريق الآخر وهو بمعناه وقد أخرجه الإسماعيلي من هذا
الوجه باللفظ الأول الا أنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدل قوله كان الناس
* الحديث الثلاثون حديث أبي هريرة لا تقوم الساعة حتى تقتل فئتان الحديث أورده من
طريقين وفي الثانية ذكر الدجالين وهو حديث آخر مستقل من صحيفة همام وقد أفرده أحمد
ومسلم والترمذي وغيرهم وقوله فئتان بكسر الفاء بعدها همزة مفتوحة تثنية فئة أي جماعة
ووصفهما في الرواية الأخرى بالعظم أي بالكثرة والمراد بهما من كان مع علي ومعاوية لما تحاربا
بصفين وقوله دعواهما واحدة أي دينهما واحد لان كلا منهما كان يتسمى بالاسلام أو المراد ان
كلا منهما كان يدعي أنه المحق وذلك أن عليا كان إذ ذاك امام المسلمين وأفضلهم يومئذ باتفاق
أهل السنة ولان أهل الحل والعقد بايعوه بعد قتل عثمان وتخلف عن بيعته معاوية في أهل
الشام ثم خرج طلحة والزبير ومعهما عائشة إلى العراق فدعوا الناس إلى طلب قتلة عثمان لان
الكثير منهم انضموا إلى عسكر علي فحرج علي إليهم فراسلوه في ذلك فأبى أن يدفعهم إليهم الا بعد
قيام دعوى من ولي الدم وثبوت ذلك على من باشره بنفسه وكان بينهم ما سيأتي بسطه في كتاب
الفتن إن شاء الله تعالى ورحل علي بالعساكر طالبا الشام داعيا لهم إلى الدخول في طاعته مجيبا
لهم عن شبههم في قتلة عثمان بما تقدم فرحل معاوية باهل الشام فالتقوا بصفين بين الشام
والعراق فكانت بينهم مقتلة عظيمة كما أخبر به صلى الله عليه وسلم وآل الامر بمعاوية ومن معه
عند ظهور علي عليهم إلى طلب التحكيم ثم رجع علي إلى العراق فخرجت عليه الحرورية فقتلهم
بالنهروان ومات بعد ذلك وخرج ابنه الحسن بن علي بعده بالعساكر لقتال أهل الشام وخرج
إليه معاوية فوقع بينهم الصلح كما أخبر به صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة الآتي في الفتن ان
الله يصلح به بين فئتين من المسلمين وسيأتي بسط جميع ذلك هناك إن شاء الله تعالى * الحديث
الحادي والثلاثون حديث أبي هريرة المذكور (قوله حتى يبعث) بضم أوله أي يخرج وليس
المراد بالبعث بمعنى الارسال المقارن للنبوة بل هو كقوله تعالى انا أرسلنا الشياطين على الكافرين
(قوله دجالون كذابون) الدجل التغطية والتمويه ويطلق على الكذب أيضا فعلى هذا فقوله
كذابون تأكيد وقوله قريبا من ثلاثين كذا وقع بالنصب وهو على الحال من النكرة الموصوفة
ووقع في رواية أحمد قريب بالرفع على الصفة وقد أخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة الجزم
بالعدد المذكور بلفظ ان بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا كلهم يزعم أنه نبي وروى أبو يعلى
باسناد حسن عن عبد الله بن الزبير تسمية بعض الكذابين المذكورين بلفظ لا تقوم الساعة
حتى يخرج ثلاثون كذابا منهم مسيلمة والعنسي والمختار (قلت) وقد ظهر مصداق ذلك في آخر
زمن النبي صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة باليمامة والأسود العنسي باليمن ثم خرج في خلافة
أبي بكر طليحة بن خويلد في بني أسد بن خزيمة وسجاح التميمية في بني تميم وفيها يقول شبيب بن
ربعي وكان مؤدبها
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها * وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
وقتل الأسود قبل أن يموت النبي صلى الله عليه وسلم وقتل مسيلمة في خلافة أبي بكر وتاب طليحة
454

ومات على الاسلام على الصحيح في خلافة عمر ونقل ان سجاح أيضا تابت وأخبار هؤلاء مشهورة
عند الأخباريين ثم كان أول من خرج منهم المختار بن أبي عبيد الثقفي غلب على الكوفة في أول
خلافة ابن الزبير فاظهر محبة أهل البيت ودعا الناس إلى طلب قتلة الحسين فتبعهم فقتل كثيرا
ممن باشر ذلك أو أعان عليه فأحبه الناس ثم إنه زين له الشيطان أن ادعى النبوة وزعم أن جبريل
يأتيه فروى أبو داود الطيالسي باسناد صحيح عن رفاعة بن شداد قال كنت أبطن شئ بالمختار
فدخلت عليه يوما فقال دخلت وقد قام جبريل قبل من هذا الكرسي وروى يعقوب بن سفيان
باسناد حسن عن الشعبي أن الأحنف بن قيس أراه كتاب المختار إليه يذكر أنه نبي وروى أبو داود
في السنن من طريق إبراهيم النخعي قال قلت لعبيدة بن عمرو أترى المختار منهم قال أما انه من
الرؤس وقتل المختار سنة بضع وستين ومنهم الحرث الكذاب خرج في خلافة عبد الملك بن مروان
فقتل وخرج في خلافة بني العباس جماعة وليس المراد بالحديث من ادعى النبوة مطلقا فإنهم
لا يحصون كثرة لكون غالبهم ينشأ لهم ذلك عن جنون أو سوداء وانما المراد من قامت له شوكة
وبدت له شبهة كمن وصفنا * وقد أهلك الله تعالى من وقع له ذلك منهم وبقي منهم من يلحقه بأصحابه
وأخرهم الدجال الأكبر وسيأتي بسط كثير من ذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى * الحديث
الثاني والثلاثون حديث أبي سعيد في ذكرى ذي الخويصرة وقد تقدم طرف منه في قصة عاد من
أحاديث الأنبياء وأحلت على شرحه في المغازي وهو في أواخرها من وجه آخر مطولا وقوله في
هذه الرواية فقال عمر ائذن لي أضرب عنقه لا ينافي قوله في تلك الرواية فقال خالد لاحتمال أن
يكون كل منهما سأل في ذلك وقوله هنا دعه فان له أصحابا ليست الفاء للتعليل وانما هي لتعقيب
الاخبار والحجة لذلك ظاهرة في الرواية الآتية وقوله لا يجاوز ويحتمل انه لكونه لا تفقهه قلوبهم
ويحملونه على غير المراد به ويحتمل أن يكون المراد ان تلاوتهم لا ترتفع إلى الله وقوله يمرقون من
الدين إن كان المراد به الاسلام فهو حجة لمن يكفر الخوارج ويحتمل أن يكون المراد بالدين الطاعة
فلا يكون فيه حجة واليه جنح الخطابي وقوله الرمية بوزن فعيلة بمعنى مفعولة وهو الصيد المرمي
شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه ومن شدة سرعة
خروجه لقوة الرامي لا يعلق من جسد الصيد شئ وقوله ينظر في نصله أي حديدة السهم ورصافه
بكسر الراء ثم مهملة ثم فاء أي عصبه الذي يكون فوق مدخل النصل والرصاف جمع واحدة
رصفة بحركات ونضية بفتح النون وحكى ضمها وبكسر المعجمة بعدها تحتانية ثقيلة قد فسره في
الحديث بالقدح بكسر القاف وسكون الدال أي عود السهم قبل أن يراش وينصل وقيل هو
ما بين الريش والنصل قاله الخطابي قال ابن فارس سمي بذلك لأنه برى حتى عاد نضوا أي هزيلا
وحكى الجوهري عن بعض أهل اللغة ان النضي النصل والأول أولى والقذذ بضم القاف ومعجمتين
الأولى مفتوحة جمع قذة وهي ريش السهم يقال لكل واحدة قذة ويقال هو أشبهه به من القذة
بالقذة لأنها تجعل على مثال واحد وقوله آيتهم أي علامتهم وقوله بضعة بفتح الموحدة أي قطعة
لحم وقوله تدردر بدالين ورائين مهملات أي تضطرب والدردرة صوت إذا اندفع سمع له اختلاط
وقوله علي حين فرقة أي زمان فرقة وهو بضم الفاء أي افتراق وفي رواية الكشميهني على خير بخاء
معجمة وراء أي أفضل وفرقة بكسر الفاء أي طائفة وهي رواية الإسماعيلي ويؤيد الأول حديث
455

مسلم من وجه آخر عن أبي سعيد تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلها أولى الطائفتين بالحق
أخرجه هكذا مختصرا من وجهين وفي هذا وفي قوله صلى الله عليه وسلم تقتل عمارا الفئة الباغية
دلالة واضحة على أن عليا ومن معه كانوا على الحق وان من قاتلهم كانوا مخطئين في تأويلهم والله
أعلم وقوله في آخر الحديث فاتى به أي بذي الخويصرة حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله
عليه وسلم الذي نعته يريد ما تقدم من كونه أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة إلى آخره قال
بعض أهل اللغة النعت يختص بالمعاني كالطول والقصر والعمى والخرس والصفة بالفعل
كالضرب والجروح وقال غيره النعت للشئ الخاص والصفة أعم * الحديث الثالث والثلاثون
حديث علي في الخوارج وسيأتي شرحه في استتابة المرتدين وقوله سويد بن غفلة بفتح المعجمة
والفاء قال حمزة الكناني صاحب النسائي ليس يصح لسويد عن علي غيره وقوله الحرب خدعة
تقدم ضبطه وشرحه في الجهاد وقوله حدثاء الأسنان أي صغارها وسفها الأحلام أي
ضعفاء العقول وقوله يقولون من قول خير البرية أي من القرآن كما في حديث أبي سعيد الذي
قبله يقرؤن القرآن وكان أول كلمة خرجوا بها قولهم لا حكم الا الله وانتزعوها من القرآن وحملوها
على غير محملها وقوله فان في قتلهم أجرا لمن قتلهم في رواية الكشميهني فان قتلهم
* الحديث الرابع والثلاثون حديث خباب وسيأتي شرحه قريبا في باب ما لقي النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه بمكة وقوله فيه فيجاء كذا للأكثر بالجيم وقال عياض وقع في رواية الأصيلي
بالحاء المهملة وهو تصحيف والفيح الباب الواسع ولا معنى له هنا (قوله حتى يسير الراكب من
صنعاء إلى حضرموت) يحتمل أن يريد صنعاء اليمن وبينها وبين حضرموت من اليمن أيضا مسافة
بعيدة نحو خمسة أيام ويحتمل أن يريد صنعاء الشام والمسافة بينهما أبعد بكثير والأول أقرب
قال ياقوت هي قرية على باب دمشق عند باب الفراديس تتصل بالعقيبة (قلت) وسميت باسم من
نزلها من أهل صنعاء اليمن (الحديث الخامس والثلاثون حديث أنس في قصة ثابت بن قيس
ابن شماس (قوله أنبأني موسى بن أنس) كذا رواه من طريق أزهر عن ابن عون وأخرجه أبو عوانة
عن يحيى بن أبي طالب عن أزهر وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية يحيى بن أبي طالب ورواه
عبد الله بن أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين عن أزهر فقال عن ابن عون عن ثمامة بن عبد الله
ابن أنس بدل موسى بن أنس أخرجه أبو نعيم عن الطبراني عنه وقال لا أدري ممن الوهم قلت لم أره
في مسند أحمد وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن ابن عون عن موسى بن أنس
قال لما نزلت يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم قعد ثابت بن قيس في بيته الحديث وهذا
صورته مرسل الا انه يقوي ان الحديث لابن عون عن موسى لا عن ثمامة (قوله افتقد ثابت بن
قيس) أي ابن شماس خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع عند مسلم من وجه آخر عن أنس
قال كان ثابت بن قيس بن شماس خطيب الأنصار (قوله فقال رجل) وقع في رواية لمسلم من
456

طريق حماد عن ثابت عن أنس فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال يا أبا عمرو وما شأن
ثابت اشتكى فقال سعد انه كان لجاري وما علمت له بشكوى واستشكل ذلك بعض الحفاظ بأن
نزول الآية المذكورة كان في سنة الوفود بسبب الأقرع بن حابس وغيره وكان ذلك في سنة تسع
كما سيأتي في التفسير وسعد بن معاذ مات قبل لك في بني قريظة وذلك سنة خمس ويمكن الجمع
بأن الذي نزل في القصة ثابت مجرد رفع الصوت والذي نزل في قصة الأقرع أول السورة وهو قوله
لا تقدموا بين يدي الله ورسوله وقد نزل من هذه السورة سابقا أيضا قوله وان طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا فقد تقدم في كتاب الصلح من حديث أنس وفي آخره انها نزلت في قصة عبد الله
ابن أبي ابن سلول وفي السياق وذلك قبل أن يسلم عبد الله وكان اسلام عبد الله بعد وقعة بدر وقد
روى الطبري وابن مردويه من طريق زيد بن الحباب حدثني أبو ثابت بن ثابت بن قيس عن ثابت
ابن قيس قال لما نزلت هذه الآية قعد ثابت يبكي فمر به عاصم بن عدي فقال ما يبكيك قال أتخوف
أن تكون هذه الآية نزلت في فقال له رسول الله أما ترضى أن تعيش حميدا الحديث وهذا
لا يغاير أن يكون الرسول إليه من النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وروى ابن المنذر في
تفسيره من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس في هذه القصة فقال سعد بن عبادة يا رسول الله
هو جاري الحديث وهذا أشبه بالصواب لان سعد بن عبادة من قبيلة ثابت بن قيس فهو أشبه
أن يكون جاره من سعد بن معاذ لأنه من قبيلة أخرى (قوله أنا أعلم لك علمه) كذا للأكثر وفي رواية
حكاها الكرماني ألا بلام بدل النون وهي للتنبيه وقوله أعلم لك أي لأجلك وقوله علمه أي
خبره (قوله كان يرفع صوته) كذا ذكره بلفظ الغيبة وهو التفات وكان السياق يقتضي أن يقول
كنت أرفع صوتي (قوله فاتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا) أي مثل ما قال ثابت أنه لما نزلت
لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي جلس في بيته وقال أنا من أهل النار وفي رواية لمسلم فقال
ثابت أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا (قوله فقال موسى بن أنس) هو متصل
بالاسناد المذكور إلى موسى لكن ظاهره أن باقي الحديث مرسل وقد أخرجه مسلم متصلا بلفظ
قال فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال بل هو من أهل الجنة (قوله ببشارة عظيمة) هي
بكسر الموحدة وحكى ضمها (قوله ولكن من أهل الجنة) قال الإسماعيلي انما يتم الغرض بهذا
الحديث أي من ايراده في باب علامة النبوة بالحديث الآخر أي الذي مضى في كتاب الجهاد في
باب التحنط عند القتال فان فيه أنه قتل باليمامة شهيدا يعني وظهر بذلك مصداق قوله صلى الله
عليه وسلم انه من أهل الجنة لكونه استشهد (قلت) ولعل البخاري أشار إلى ذلك إشارة لان
مخرج الحديثين واحد والله أعلم ثم ظهر لي أن البخاري أشار إلى ما في بعض طرق حديث نزول
الآية المذكورة وذلك فيما رواه ابن شهاب عن إسماعيل بن محمد بن ثابت قال قال ثابت بن قيس
ابن شماس يا رسول الله اني أخشى أن أكون قد هلكت فقال وما ذاك قال نهانا الله أن نرفع
أصواتنا فوق صوتك وأنا جهير الحديث وفيه فقال له عليه الصلاة والسلام أما ترضى أن تعيش
سعيدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة وهذا مرسل قوي الاسناد أخرجه ابن سعد عن معن بن
عيسى عن مالك عنه وأخرجه الدارقطني في الغرائب من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن مالك
كذلك ومن طريق سعيد بن كثير عن مالك فقال فيه عن إسماعيل عن ثابت بن قيس وهو مع ذلك
457

مرسل لان إسماعيل لم يلحق ثابتا وأخرجه ابن مردويه من طريق صالح بن أبي الأخضر عن
الزهري فقال عن محمد بن ثابت بن قيس ان ثابتا فذكر نحوه وأخرجه ابن جرير من طريق
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري معضلا ولم يذكر فوقه أحدا وقال في آخره فعاش حميدا وقتل
شهيدا يوم مسيلمة وأصرح من ذلك ما روى ابن سعد باسناد صحيح أيضا من مرسل عكرمة قال
لما نزلت يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم الآية قال ثابت بن قيس كنت أرفع صوتي فأنا من
أهل النار فقعد في بيته فذكر الحديث نحو حديث أنس وفي آخره بل هو من أهل الجنة فلما كان
يوم اليمامة انهزم المسلمون فقال ثابت أف لهؤلاء ولما يعبدون وأف لهؤلاء ولما يصنعون قال
ورجل قائم على ثلمه فقتله وقتل وروى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق سليمان بن المغيرة عن
ثابت عن أنس في قصة ثابت بن قيس فقال في آخرها قال أنس فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن
نعلم أنه من أهل الجنة فلما كان يوم اليمامة كان في بعضنا بعض الانكشاف فأقبل وقد تكفن
وتحنط فقاتل حتى قتل وروى ابن المنذر في تفسيره من طريق عطاء الخراساني قال حدثتني
بنت ثابت بن قيس قالت لما أنزل الله هذه الآية دخل ثابت بينه فأغلق بابه فذكر القصة مطولة
وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم تعيش حميدا وتموت شهيدا وفيها فلما كان يوم اليمامة ثبت
حتى قتل * الحديث السادس والثلاثون حديث البراء قرأ رجل الكهف هو أسيد بن حضير
كما سيأتي بيان ذلك في فضائل القرآن بأتم منه * الحديث السابع والثلاثون حديث البراء عن أبي
بكر في قصة الهجرة وقد تقدم شرح بعضه في آخر اللقطة وقوله هنا في أوله حدثنا محمد بن يوسف
هو البيكندي وهو من صغار شيوخه وشيخه الآخر محمد بن يوسف الفريابي أكبر من هذا وأقدم
سماعا وقد أكثر البخاري عنه وأحمد بن يزيد يعرف بالورتنيسي بفتح الواو وسكون الراء وفتح
المثناة وتشديد النون المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة وزهير بن معاوية هو أبو خيثمة
الجعفي قال البزار لم يرو هذا الحديث تاما عن أبي إسحاق الا زهير وأخوه خديج وإسرائيل وروى
شعبة منه قصة اللبن خاصة انتهى وقد رواه عن إسحاق مطولا أيضا حفيده يوسف بن إسحاق بن
أبي إسحاق وهو في باب الهجرة إلى المدينة لكنه لم يذكر فيه قصة سراقة وزاد فيه قصة غيرها كما
سيأتي (قوله جاء أبو بكر) أي الصديق (إلى أبي) هو عازب بن الحرث بن عدي الأوسي من قدماء
الأنصار (قوله فاشترى منه رجلا) بفتح الراء وسكون المهملة هو للناقة كالسرج للفرس (قوله
ابعث ابنك يحمله معي قال فحملته وخرج أبي ينتقد ثمنه فقال لي أبي يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما)
ووقع في رواية إسرائيل الآتية في فضل أبي بكر أن عازبا امتنع من ارسال ابنه مع أبي بكر حتى
يحدثه أبو بكر بالحديث وهي زيادة ثقة مقبولة لا تنافي هذه الرواية بل يحتمل قوله فقال لي أبي أي
من قبل أن أحمله معه أو أعاد عازب سؤال أبي بكر عن التحديث بعد أن شرطه عليه أولا وأجابه
إليه (قوله حين سريت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم أسرينا) هكذا استعمل كل
منهما إحدى اللغتين فإنه يقال سريت وأسريت في سير الليل (قوله ليلتنا) أي بعضها وذلك حين
خرجوا من الغار كما سيأتي بيانه في حديث عائشة في الهجرة إلى المدينة ففيها أنهما لبثا في الغار
ثلاث ليال ثم خرجا وقوله ومن الغد فيه تجوز لان السير الذي عطف عليه سير الليل (قوله حتى
قام قائم الظهيرة) أي نصف النهار وسمي قائما لان الظل لا يظهر حينئذ فكأنه واقف ووقع
458

في رواية إسرائيل أسرينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا أي دخلنا في وقت الظهر (قوله فرفعت لنا
صخرة) أي ظهرت (قوله لم تأت عليها) أي على الصخرة وللكشميهني لم تأت عليه أي على الظل
(قوله وبسطت عليه فروة) هي معروفة ويحتمل أن يكون المراد شئ من الحشيش اليابس لكن
يقوي الأول أن في رواية يوسف بن إسحاق ففرشت له فروة معي وفي رواية خديج في جزء لوين
فروة كانت معي (قوله وأنا أنفض لك ما حولك) يعني من الغبار ونحو ذلك حتى لا يثيره عليه
الريح وقيل معنى النفض هنا الحراسة يقال نفضت المكان إذا نظرت جميع ما فيه ويؤيده قوله
في رواية إسرائيل ثم انطلقت أنظر ما حولي هل أرى من الطلب أحدا (قوله لرجل من أهل
المدينة أو مكة) هو شك من الراوي أي اللفظين قال وكأن الشك من أحمد بن يزيد فان مسلما
أخرجه من طريق الحسن بن محمد بن أعين عن زهير فقال فيه لرجل من أهل المدينة ولم يشك
ووقع في رواية خديج فسمى رجلا من أهل مكة ولم يشك والمراد بالمدينة مكة ولم يرد بالمدينة
النبوية لأنها حينئذ لم تكن تسمى المدينة وانما كان يقال لها يثرب وأيضا فلم تجر العادة للرعاة أن
يبعدوا في المراعي هذه المسافة البعيدة ووقع في رواية إسرائيل فقال لرجل من قريش سماه
فعرفته وهذا يؤيد ما قررته لان قريشا لم يكونوا يسكنون المدينة النبوية إذ ذاك (قوله أفي غنمك
لبن) بفتح اللام والموحدة وحكى عياض أن في رواية لب بضم اللام وتشديد الموحدة جمع لابن
أي ذوات لبن (قوله أفتحلب قال نعم) الظاهر أن مراده بهذا الاستفهام أمعك اذن في الحلب
لمن يمر بك على سبيل الضيافة وبهذا التقرير يندفع الاشكال الماضي في أواخر اللقطة وهو
كيف استجاز أبو بكر أخذ اللبن من الراعي بغير اذن مالك الغنم ويحتمل أن يكون أبو بكر لما عرفه
عرف رضاه بذلك لصداقته له أو اذنه العام لذلك وقد تقدم باقي ما يتعلق بذلك هنا (قوله فقلت
انفض الضرع) أي ثدي الشاة وفي رواية إسرائيل الآتية وأمرته فاعتقل شاة أي وضع
رجلها بين فخديه أو ساقيه ليمنعها من الحركة (قوله 2 فأخذت قدحا فحلبت) في رواية فأمرت
الراعي فحلب ويجمع بأنه تجوز في قوله فحلبت ومراده أمرت بالحلب (قوله كثبة) بضم الكاف
وسكون المثلثة وفتح الموحدة أي قدر قدح وقيل حلبة خفيفة ويطلق على القليل من الماء واللبن
وعلى الجرعة تبقى في الاناء وعلى القليل من الطعام والشراب وغيرهما من كل مجتمع (قوله
واتبعنا سراقة بن مالك) في رواية إسرائيل فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا غير سراقة بن مالك
ابن جعشم (قوله فارتطمت) بالطاء المهملة أي غاصت قوائمها (قوله أرى) بضم الهمزة (في جلد
من الأرض شك زهير) أي الراوي هل قال هذه اللفظة أم لا والجلد بفتحتين الأرض الصلبة
وفي رواية مسلم أن الشك من زهير في قول سراقة قد علمت إنكما قد دعوتما علي ووقع في رواية
خديج بن معاوية وهو أخو زهير ونحن في أرض شديدة كأنها مجصصة فإذا بوقع من خلفي فالتفت
فإذا سراقة فبكى أبو بكر فقال أتينا يا رسول الله قال كلا ثم دعا بدعوات وستأتي قصة سراقة في
أبواب الهجرة إلى المدينة من حديث سراقة نفسه بأتم من سياق البراء فلذلك أخرت شرحها
إلى مكانها وفي الحديث معجزة ظاهرة وفيه فوائد أخرى يأتي ذكرها في مناقب أبي بكر الصديق
459

* الحديث الثامن والثلاثون حديث ابن عباس في قصة الأعرابي الذي أصابته الحمى فقال حمى
تفور على شيخ كبير الحديث وسيأتي شرحه في كتاب الطب ووجه دخوله في هذا الباب أن في
بعض طرقه زيادة تقتضي ايراده في علامات النبوة أخرجه الطبراني وغيره ومن رواية شرحبيل
والد عبد الرحمن فذكر نحو حديث ابن عباس وفي آخره فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إذا أبيت
فهي كما تقول قضاء الله كائن فما أمسى من الغد الا ميتا وبهذه الزيادة يظهر دخول هذا الحديث
في هذا الباب وعجبت للإسماعيلي كيف نبه على مثل ذلك في قصة ثابت بن قيس وأغفله هنا ووقع
في ربيع الأبرار أن اسم هذا الأعرابي قيس فقال في باب الأمراض والعلل دخل النبي صلى الله
عليه وسلم على قيس بن أبي حازم يعوده فذكر القصة ولم أر تسميته لغيره فهذا إن كان محفوظا
فهو غير قيس بن أبي حازم أحد المخضرمين لان صاحب القصة مات في زمن النبي صلى الله عليه
وسلم وقيس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في حال اسلامه فلا صحبة له ولكن أسلم في حياته ولأبيه
صحبة وعاش بعده دهرا طويلا * الحديث التاسع والثلاثون حديث أنس في الذي أسلم ثم ارتد
فدفن فلفظته الأرض (قوله كان رجلا نصرانيا) لم أقف على اسمه لكن في رواية مسلم من طريق
ثابت عن أنس كان منا رجل من بني النجار (قوله فعاد نصرانيا) في رواية ثابت فانطلق هاربا
حتى لحق بأهل الكتاب فرفعوه (قوله ما يدرى محمد الا ما كتبت له) في رواية الإسماعيلي وكان
يقول ما أرى يحسن محمد الا ما كنت أكتب له وروى ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي
سلمة عن أبي هريرة نحوه (قوله فأماته الله) في رواية ثابت فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم (قوله
لما هرب منهم) في رواية الإسماعيلي لما لم يرض دينهم (قوله لفظته الأرض) بكسر الفاء أي
طرحته ورمته وحكى فتح الفاء (قوله في آخره فألقوه) في رواية ثابت فتركوه منبوذا * الحديث
الأربعون حديث أبي هريرة إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده (قوله كسرى) بكسر الكاف
ويجوز الفتح وهو لقب لكل من ولي مملكة الفرس وقيصر لقب لكل من ولي مملكة الروم قال
ابن الأعرابي الكسر أفصح في كسرى وكان أبو حاتم يختاره وأنكر الزجاج الكسر على ثعلب
واحتج بأن النسبة إليه كسروي بالفتح ورد عليه ابن فارس بأن النسبة قد يفتح فيها ما هو في الأصل
مكسور أو مضموم كما قالوا في بني تغلب بكسر اللام تغلبي بفتحها وفي سلمة كذلك فليس فيه حجة
على تخطئة الكسر والله أعلم وقد استشكل هذا مع بقاء مملكة الفرس لان آخرهم قتل في زمان
عثمان واستشكل أيضا مع بقاء مملكة الروم وأجيب عن ذلك بأن المراد لا يبقى كسرى بالعراق
ولا قيصر بالشام وهذا منقول عن الشافعي قال وسبب الحديث أن قريشا كانوا يأتون الشام
والعراق تجارا فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليها لدخولهم في الاسلام فقال النبي صلى الله
عليه وسلم ذلك لهم تطبيبا لقلوبهم وتبشيرا لهم بأن ملكهما سيزول عن الإقليمين المذكورين وقيل
الحكمة في أن قيصر بقي ملكه وانما ارتفع من الشام وما والاها وكسرى ذهب ملكه أصلا
ورأسا أن قيصر لما جاءه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قبله وكاد أن يسلم كما مضى بسط ذلك في أول
الكتاب وكسرى لما أتاه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مزقه فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أن
460

يمزق ملكه كل ممزق فكان كذلك قال الخطابي معناه فلا قيصر بعده يملك مثل ما يملك وذلك أنه
كان بالشام وبها بيت المقدس الذي لا يتم للنصارى نسك الا به ويملك على الروم أحد الا كان
قد دخله اما سرا واما جهرا فانجلى عنها قيصر واستفتحت خزائنه ولم يخلفه أحد من القياصرة
في تلك البلاد بعده ووقع في الرواية التي في باب الحرب خدعة من كتاب الجهاد هلك كسرى ثم
لا يكون كسرى بعده وليهلكن قيصر قيل والحكمة فيه أنه قال ذلك لما هلك كسرى بن هرمز
كما سيأتي في حديث أبي بكرة في كتاب الأحكام قال بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس
ملكوا عليهم امرأة الحديث وكان ذلك لما مات شيرويه بن كسرى فأمروا عليهم بنته بوران
وأما قيصر فعاش إلى زمن عمر سنة عشرين على الصحيح وقيل مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
والذي حارب المسلمين بالشام ولده وكان يلقب أيضا قيصر وعلى كل تقدير فالمراد من الحديث وقع
لا محالة لأنهما لم تبق مملكتها على الوجه الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما قررته قال
القرطبي في الكلام على الرواية التي لفظها إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وعلى الرواية التي
لفظها هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده بين اللفظين بون ويمكن الجمع بان يكون أبو هريرة سمع
أحد اللفظين قبل أن يموت كسرى والآخر بعد ذلك قال ويحتمل أن يقع التغاير بالموت والهلاك
فقوله إذا هلك كسرى أي هلك ملكه وارتفع وأما قوله مات كسرى ثم لا يكون كسرى بعده
فالمراد به كسرى حقيقة انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله هلك كسرى تحقق وقوع ذلك
حتى عبر عنه بلفظ الماضي وإن كان لم يقع بعد للمبالغة في ذلك كما قال تعالى أتى أمر الله فلا
تستعجلوه وهذا الجمع أولى لان مخرج الروايتين متحد فحمله على التعدد على خلاف الأصل فلا
يصار إليه مع امكان هذا الجمع والله أعلم * الحديث الحادي والأربعون حديث جابر بن سمرة
(قوله رفعه) تقدم في الجهاد ووقع في رواية الإسماعيلي التي سأذكرها عن النبي صلى الله عليه
وسلم وكذا تقدم في فرض الخمس من رواية جريج عن عبد الملك بن عمير (قوله وإذا هلك قيصر فلا
قيصر بعده) كذا ثبت لأبي ذر وسقط لغيره ووقع في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة
شيخ البخاري فيه ومن وجه آخر عن سفيان وهو الثوري مثل رواية الجماعة قال وكذا قال لم يذكر
قيصر وقال كنوزهما (قوله وذكر وقال لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) وقع في رواية النسفي
وذكره وهو متجه كأنه يقول وذكر الحديث أي مثل الذي قبله وأما على رواية الباقين ففيه حذف
تقديره وذكر كلاما أو حديثا ولم تقع هذه الزيادة في رواية الإسماعيلي المذكورة * الحديث
الثاني والأربعون حديث ابن عباس في قدوم مسيلمة وفيه قول ابن عباس فأخبرني أبو هريرة
فذكر المنام وسيأتي شرح ذلك كله مبسوطا في أواخر المغازي وقد ذكره هناك بالاسناد المذكور
* الحديث الثالث والأربعون حديث أبي موسى في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق
بالهجرة وبأحد وسيأتي في ذكر غزوة أحد بهذا الاسناد بعينه وأذكر هناك شرحه إن شاء الله
461

تعالى وقد أفرد ما يتعلق منه بغزوة بدر في باب فضل من شهد بدرا وشرحته هناك وعلق في باب
الهجرة إلى المدينة أوله عن أبي موسى وذكرت شرحه أيضا هناك * الحديث الرابع والأربعون
حديث عائشة أقبلت فاطمة عليها السلام الحديث في ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واعلامه
لها بأنها أول أهله لحوقا به أخرجه من وجهين وسيأتى في أواخر المغازي في الوفاة مشروحا
وأذكر فيه وجه التوفيق بين الروايتين إن شاء الله تعالى * الحديث الخامس والأربعون حديث
ابن عباس كان عمر يدنى ابن عباس الحديث في معنى هذه الآية إذا جاء نصر الله والفتح وسيأتي
شرحه في تفسير سورة النصر * الحديث السادس والأربعون حديث ابن عباس أيضا في خطبة
النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره وفيه وصيته بالأنصار وسيأتي شرحه في مناقب الأنصار إن شاء الله
تعالى * الحديث السابع والأربعون حديث أبي بكرة في أن الحسن سيد وسيأتي شرحه
في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى * الحديث الثامن والأربعون حديث أنس في قتل زيد بن حارثة
وجعفر بن أبي طالب أورده مختصرا وسيأتي شرحه في شرح غزوة مؤتة إن شاء الله تعالى
* الحديث التاسع والأربعون حديث جابر في ذكر الأنماط وهي جمع نمط بفتحات مثل خبر
وأخبار والنمط بساط له خمل رقيق وسيأتي شرحه في النكاح وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له
ذلك لما تزوج وقوله هنا فأنا أقول مالها يعني امرأته كذا في الأصل وسيأتي تسمية امرأته هناك
وفي استدلالها على جواز اتخاذ الأنماط باخباره صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون نظر لان الاخبار
بان الشئ سيكون لا يقتضي اباحته الا ان استدل المستدل به على التقرير فيقول أخبر الشارع
بأنه سيكون ولم ينه عنه فكأنه أقره وقد وقع قريب من هذا في حديث عدي بن حاتم الماضي
462

في هذا الباب في خروج الظعينة من الحيرة إلى مكة بغير خفير فاستدل به بعض الناس على جواز
سفر المرأة بغير محرم وفيه من البحث ما ذكرته * الحديث الخمسون حديث عبد الله بن مسعود في
أخبار سعد بن معاذ لأمية بن خلف انه سيقتل وسيأتي شرحه مستوفى في أول المغازي إن شاء الله
تعالى وقد شرحه الكرماني على أن المراد بقول سعد بن معاذ لأمية بن خلف انه قاتلك أي أبو
جهل ثم استشكل ذلك بكون أبي جهل على دين أمية ثم أجاب بأنه كان السبب في خروجه وقتله
فنسب قتله إليه وهو فهم عجيب وانما أراد سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم يقتل أمية وسيأتي
التصريح بذلك في مكانه بما يشفى الغليل إن شاء الله تعالى * الحديث الحادي والخمسون حديث
أسامة بن زيد في ذكر جبريل وسيأتي شرحه في غزوة قريظة إن شاء الله تعالى * الحديث الثاني
والخمسون حديث ابن عمر في رؤيا أبي بكر ينزع ذنوبا أو ذنوبين الحديث وسيأتي شرحه في تعبير
الرؤيا إن شاء الله تعالى * الحديث الثالث والخمسون حديث أبي هريرة في ذلك أورد منه طرفا
معلقا وهو موصول في التعبير أيضا من هذا الوجه ومن غيره والله أعلم (قوله باب
قول الله تعالى يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) أورد فيه حديث ابن عمر في قصة اليهوديين اللذين
زنيا وسيأتي شرحه مستوفي في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى ونذكر هناك تسمية من أبهم في هذا
الخبر وقوله في آخره قال عبد الله فرأيت الرجل عبد الله المذكور هو ابن عمر راوي الحديث
وقد وقع في الحديث ذكر عبد الله بن سلام وذكر عبد الله بن صوريا الأعور وليس واحد منهما
مرادا بقوله قال عبد الله ووجه دخول هذه الترجمة في أبواب علامات النبوة من جهة أنه أشار
463

في الحديث إلى حكم التوراة وهو أمي لم يقرأ التوراة قبل ذلك فكان الامر كما أشار إليه (قوله
باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر)
فذكر فيه حديث ابن مسعود وأنس وابن عباس في ذلك وقد ورد انشقاق القمر أيضا من
حديث على وحذيفة وجبير بن مطعم وابن عمر وغيرهم فأما أنس وابن عباس فلم يحضرا ذلك لأنه
كان بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين وكان ابن عباس إذ ذاك لم يولد وأما أنس فكان ابن أربع
أو خمس بالمدينة وأما غيرهما فيمكن أن يكون شاهد ذلك وممن صرح برؤية ذلك ابن مسعود
وقد أورد المصنف حديثه هنا مختصرا وليس فيه التصريح بحضور ذلك وأورده في التفسير من
طريق إبراهيم عن أبي معمر بتمامه وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اشهدوا وبين في رواية
معلقة تأتي قبل هجرة الحبشة أن ذلك كان بمكة ووقع في راوية لأبي نعيم في الدلائل من طريق
عتبة بن عبد الله بن عتبة عن عم أبي ابن مسعود فلقد رأيت أحد شقيه على الجبل الذي بمنى
ونحن بمكة وسيأتي بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى (قوله باب) كذا
في الأصول بغير ترجمة وكان من حقه أن يكون قبل البابين اللذين قبله لأنه ملحق بعلامات النبوة
وهو كالفصل منها لكن لما كان كل من البابين راجعا إلى الذي قبله وهو علامات النبوة سهل
الامر في ذلك وذكر فيه أحاديث * الحديث الأول حديث أنس (قوله إن رجلين من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم) هما أسيد بن حضير وعباد بن بشر وسيأتي بيان ذلك في فضائل الصحابة
قريبا إن شاء الله تعالى * الحديث الثاني حديث المغيرة بن شعبة لا يزال ناس من أمتي ظاهرين
الحديث وسيأتي الكلام عليه في الاعتصام إن شاء الله تعالى * الحديث الثالث والرابع حديث
معاوية ومعاذ في المعنى والوليد في الاسناد هو ابن مسلم وابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر
ومالك بن يخامر بضم التحتانية بعدها معجمة خفيفة والميم مكسورة وهو السكسكي نزل
حمص وما له في البخاري سوى هذا الحديث وقد أعاده باسناده ومتنه في التوحيد وهو من كبار
التابعين وقد قيل إن له صحبة ولا يصح ويأتي البحث في المراد بالذين لا يزالون ظاهرين قائمين بأمر
الدين إلى يوم القيامة في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى * الحديث الخامس حديث عروة وهو
البارقي (قوله حدثنا شبيب بن غرقدة) هو بفتح المعجمة وموحدتين وزن سعيد وغرقدة بفتح المعجمة
وسكون الراء بعدها قاف تابعي صغير ثقة عندهم ما له في البخاري سوى هذا الحديث (قوله
سمعت الحي يتحدثون) أي قبيلته وهم منسوبون إلى بارق جبل باليمن نزله بنو سعد بن عدي بن
حارثة بن عمرو بن عامر مزبقيا فنسبوا إليه وهذا يقتضي أن يكون سمعه من جماعة أقلهم ثلاثة
464

(قوله عن عروة) هو ابن الجعد أو ابن أبي الجعد وقد تقدم بيان الصواب من ذلك في ذكر الخيل
من كتاب الجهاد (قوله أعطاه دينارا يشتري له به شاة) في رواية أبي لبيد عند أحمد وغيره عن عروة
ابن أبي الجعد قال عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني دينارا فقال أي عروة ائت
الجلب فاشتر لنا شاة قال فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار (قوله فباع
إحداهما بدينار) أي وبقي معه دينار وفي رواية أبي لبيد فلقيني رجل فساومني فبعته شاة بدينار
وجئت بالدينار والشاة (قوله فدعا له بالبركة في بيعه) في رواية أبي لبيد عن عروة فقال اللهم بارك
له في صفقة يمينه وفيه انه أمضى له ذلك وارتضاه واستدل به على جواز بيع الفضولي وتوقف
الشافعي فيه فتارة قال لا يصح لان هذا الحديث غير ثابت وهذه رواية المزني عنه وتارة قال إن صح
الحديث قلت به وهذه رواية البويطي وقد أجاب من لم يأخذ بها بأنها واقعة عين فيحتمل أن
يكون عروة كان وكيلا في البيع والشراء معا وهذا بحث قوي يقف به الاستدلال بهذا الحديث
على جواز تصرف الفضولي والله أعلم وأما قوله الخطابي والبيهقي وغيرهما انه غير متصل لان الحي
لم يسم أحد منهم فهو على طريقة بعض أهل الحديث يسمون ما في اسناده مبهم مرسلا أو منقطعا
والتحقيق إذا وقع التصريح بالسماع انه متصل في اسناده مبهم إذ لا فرق فيهما يتعلق بالاتصال
والانقطاع بين رواية المجهول والمعروف فالمبهم نظير المجهول في ذلك ومع ذلك فلا يقال في اسناد
صرح كل من فيه بالسماع من شيخه انه منقطع وان كانوا أو بعضهم غير معروف (قوله وكان
لو اشترى التراب لربح فيه) في رواية أبي لبيد المذكورة قال فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة
فأربح أربعين ألفا قبل أن أصل إلى أهلي قال وكان يشتري الجواري ويبيع (قوله قال سفيان)
هو ابن عيينة وهو موصول بالاسناد المذكور (قوله كان الحسن بن عمارة) هو الكوفي أحد
الفقهاء المتفق على ضعف حديثهم وكان قاضي بغداد في زمن المنصور ثاني خلفاء بني العباس
ومات في خلافته سنة ثلاث أو أربع وخمسين ومائة وقال ابن المبارك جرحه عندي شعبة وسفيان
كلاهما وقال ابن حبان كان يدلس عن الثقات ما سمعه من الضعفاء عنهم فالتصقت به تلك
الموضوعات (قلت) وما له في البخاري الا هذا الموضع (قوله جاءنا بهذا الحديث عنه) أي عن
شبيب بن غرقدة (قوله قال) أي الحسن (سمعه شبيب من عروة فأتيته) القائل سفيان والضمير
لشبيب وأراد البخاري بذلك بيان ضعف رواية الحسن بن عمارة وأن شبيبا لم يسمع الخبر من عروة
وانما سمعه من الحي ولم يسمعه عن عروة فالحديث بهذا ضعيف للجهل بحالهم لكن وجد له متابع
عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجة من طريق سعيد بن زيد عن الزبير بن الخريت عن أبي
لبيد قال حدثني عروة البارقي فذكر الحديث بمعناه وقد قدمت ما في روايته من الفائدة وله شاهد
من حديث حكيم بن حزام وقد أخرجه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان عن شبيب
عن عروة ولم يذكر بينهما أحدا ورواية علي بن عبد الله وهو ابن المديني شيخ البخاري فيه تدل على أنه
وقعت في هذه الرواية تسوية وقد وافق عليا على ادخال الواسطة بين شبيب وعروة أحمد والحميدي
في مسنديهما وكذا مسدد عند أبي داود وابن أبي عمر والعباس بن الوليد عند الإسماعيلي وهذا
هو المعتمد (قوله قال سفيان يشتري له شاة كأنها أضحية) وهو موصول أيضا ولم أر في شئ من طرقه
أنه أراد أضحية وحديث الخيل تقدم الكلام عليه في الجهاد مستوفي وزعم ابن القطان أن
465

البخاري لم يرد بسياق هذا الحديث الا حديث الخيل ولم يرد حديث الشاة وبالغ في الرد على من زعم أن
البخاري أخرج حديث الشاة محتجا به لأنه ليس على شرطه لابهام الواسطة فيه بين شبيب
وعروة وهو كما قال لكن ليس في ذلك ما يمنع تخريجه ولا ما يحطه عن شرطه لان الحي يمتنع في
العادة تواطؤهم على الكذب ويضاف إلى ذلك ورود الحديث من الطريق التي هي الشاهد لصحة
الحديث ولان المقصود منه الذي يدخل في علامات النبوة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعروة
فاستجيب له حتى كان له اشترى التراب لربح فيه وأما مسألة بيع الفضولي فلم يردها إذ لو أرادها
لأوردها في البيوع كذا قرره المنذري وفيه نظر لأنه لم يطرد له في ذلك عمل فقد يكون الحديث على
شرطه ويعارضه عنده ما هو أولى بالعمل به من حديث آخر فلا يخرج ذلك الحديث في بابه
ويخرجه في باب آخر أخفى لينبه بذلك على أنه صحيح الا أن ما دل ظاهره عليه غير معمول به عنده
والله أعلم * الحديث السادس والسابع حديث ابن عمر وأنس في الخيل أيضا وقد تقدم في الجهاد
أيضا * الحديث الثامن حديث أبي هريرة الخيل لثلاثة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في الجهاد
ولم يظهر لي وجه ايراد هذه الأحاديث في أبواب علامات النبوة الا أن يكون من جملة ما أخبر به
فوقع كما أخبر وقد تقدم تقرير هذا التوجيه في أوائل الجهاد في باب الجهاد ماض مع البر والفاجر
* الحديث التاسع حديث أنس في قوله الله أكبر خربت خيبر وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي
ووجه ايراده هنا من جهة أنه فهم من قوله خربت خيبر الاخبار بذلك قبل وقوعه فوقع كذلك
* الحديث العاشر حديث أبي هريرة في سبب عدم نسيانه الحديث وقد تقدم شرحه مستوفي
في كتاب العلم والله أعلم * (خاتمة) * اشتملت المناقب النبوة من أول المناقب إلى هنا من الأحاديث
المرفوعة وما لها حكم المرفوع على مائة وتسعة وتسعين حديثا المعلق منها سبعة عشر طريقا
والبقية موصولة المكرر منها فيها وفيما مضى ثمانية وسبعون حديثا والخالص مائة حديث
وحديث وافقه مسلم على تخريجها سوى ثمانية وعشرين حديثا وهي حديث ابن عباس في
الشعوب وحديث زينب بنت أبي سلمة من مضر وفي النبيذ وحديث ابن عباس في تفسير المودة في
القربى وحديث معاوية ان هذا الامر في قريش وحديث عائشة والمسور في المنذر وحديث واثلة
من أعظم الفري وحديث أبي هريرة أسلم وغفار خير من أسد وتميم وحديث أبي هريرة في عمرو بن
لحي وحديث ابن عباس ان سرك أن تعلم جهل العرب وحديث أبي هريرة ألا تعجبون كيف
يصرف الله عنى شتم قريش وحديث أبي بكر الصديق في قوله وبأبي شبيه بالنبي وحديث عبد الله
ابن بسر في صفة شيب النبي صلى الله عليه وسلم وحديث البراء كان وجه رسول الله صلى الله عليه
وسلم مثل القمر وحديث أبي هريرة بعثت من خير قرون بني آدم وحديث جابر كان النبي صلى
466

الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه أورده معلقا وحديث ابن مسعود كنا نعد الآيات بركة
وحديث البراء كنا بالحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها الحديث وحديث جابر في
حنين الجذع وحديث ابن عمر فيه وحديث عمرو بن تغلب في قتال الترك وحديث
خباب ألا تستنصر لنا وحديث ابن عباس في الذي قال شيخ كبير به
حمى تفور وحديث ابن عباس في تفسير إذا جاء نصر الله
وحديثه في الوصية بالأنصار وحديث سعد بن معاذ
في قتل أمية بن خلف وحديث معاذ في الذين
لا يزالون ظاهرين بالشام وفيه من الآثار
عن الصحابة فمن بعدهم سبعة
آثار والله أعلم
بالصواب
* (تم الجزء السادس ويليه الجزء السابع أوله باب
فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) *
467