الكتاب: نهج السعادة
المؤلف: الشيخ المحمودي
الجزء: ٨
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٣٨٥ - ١٩٦٥ م
المطبعة: مطبعة النعمان - النجف الأشرف
الناشر: مؤسسة التضامن الفكري - بيروت
ردمك:
ملاحظات:

نهج السعادة
في مستدرك نهج البلاغة
1

نهج السعادة
في مستدرك نهج البلاغة
الجزء الثاني
من باب الوصايا
تأليف
الشيخ محمد باقر المحمودي
مطبعة النعمان النجف الأشرف تلفون 997 المسكن 227 حي
3

الطبعة الأولى
1385 ه‍ - 1965 م
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
4

- 13 -
ومن وصية له عليه السلام
إلى كميل بن زياد (ره) (1)
قال الشيخ الصدوق - قدس الله نفسه الزكية - في الحديث الثاني،
من الباب 26، من إكمال الدين 169، ط 1: حدثنا أبي، ومحمد
ابن الحسن، ومحمد بن علي ماجيلويه (رضي الله عنهم جميعا) قالوا:
حدثنا محمد بن أبي القاسم ماجيلويه، عن محمد بن علي الكوفي القرشي،
عن نصر بن مزاحم المنقري عن عمير بن سعيد، عن فضيل بن خديج عن
كميل بن زياد النخعي.
وحدثنا محمد بن الحسن - رحمه الله - قال: حدثنا محمد بن

(1) قال العلامة المجلسي (ره): ينبغي للطالبين أن ينظروا فيها كل
يوم بعين اليقين، ونظر البصيرة.
أقول: قد أشرنا في مقدمة الكتاب أنا نذكر أحيانا في كتابنا هذا بعض
ما ذكره السيد (ره) في النهج، لأغراض ومقاصد، ولما لم يفرد أحد
وصاياه (ع) ولا ادعيته بالتأليف ولا بالذكر في باب خاص فنحن أفردنا كل واحد
منهما بالذكر في باب معين، وأضفنا إلى ما جمعناه ما ذكره السيد (ره) في
النهج لتكون غرر وصاياه (ع) وادعيته مجموعة ومدونة في باب واحد،
وعنوان مستقل، ليسهل للطالب تناولها، وللراغب تحصيلها، على الوجه
الأتم.
مع أن العليم المنصف، والبصير المتضلع، يرى ويعلم ويصدق ان ما
ذكرناه يغير ما في النهج من جهات، وفيه فوائد كثيرة غير موجودة في النهج
وما بأيدينا من شروحه.
5

الحسن الصفار، وسعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد
بن محمد بن عيسى، وإبراهيم بن هاشم، جميعا عن عبد الرحمان بن
أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمان
ابن جندب الفزاري، عن كميل بن زياد النخعي.
وحدثنا عبد الله بن عبد الوهاب (2) بن نصر بن عبد الوهاب القرشي،
قال: أخبرني أبو بكر محمد بن داود بن سليمان النيسابوري، قال:
حدثنا موسى بن إسحاق الأنصاري القاضي بالري، قال: حدثنا أبو نعيم
ضرار بن صرد التيمي، قال: حدثنا عاصم بن حميد الحناط (3) عن أبي
حمزة، عن عبد الرحمان بن جندب الفزاري، عن كميل بن زياد النخعي.
وحدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم
ابن هاشم، عن أبيه، عن عبد الرحمان بن أبي نجران، عن عاصم بن
حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمان بن جندب الفزاري، عن
كميل بن زياد النخعي.
وحدثنا الشيخ أبو سعيد محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن أحمد
ابن علي بن الصلت القمي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن العباس الهروي،
قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن سعيد السعدي، قال:
حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، قال: حدثنا إسماعيل
ابن موسى الفزاري، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن
عبد الرحمان بن جندب، عن كميل بن زياد النخعي، واللفظ المفضيل (4)

(2) وفى البحار: عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الخ.
(3) هذا هو الصواب، وفى بعض المصادر: (عاصم بن حميد الخياط)
وكأنه من الأغلاط المطبعية.
(4) واللفظ لفظ الفضيل خ ل.
6

بن خديج، عن كميل بن زياد قال:
أخذ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بيدي فأخرجني إلى
ظهر الكوفة، فلما أصحر تنفس (5) ثم قال:

(5) وفى تذكرة سبط ابن الجوزي ص 150، ط النجف معنعنا عن كميل
ابن زياد، قال: أخذ بيدي أمير المؤمنين (ع) فأخرجني إلى ناحية الجبان،
فلما أصحرنا جلس فتنفس الصعداء الخ.
وفى تاريخ اليعقوبي: 194، فأخرجني إلى ناحية الجبانة، فلما أصحر تنفس
السعداء ثلاثا الخ.
وفى الخصال معنعنا: خرج إلي علي بن أبي طالب عليه السلام، فأخذ
بيدي وأخرجني إلى الجبانة، وجلس وجلست، ثم رفع رأسه إلي فقال الخ.
وفى مناقب الخوارزمي 263،: أخد بيدي علي بن أبي طالب (ع) وأخرجني
إلى ناحية الجبانة، فلما أصحر جلس ثم تنفس الخ.
وفى الحديث 23، من الجزء الأول من أمالي الشيخ (ره)، عن كميل بن
زياد النخعي قال: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة، وقد
صلينا العشاء الآخرة، فأخذ بيدي حتى خرجنا من المسجد، فمشى حتى
خرج إلى ظهر الكوفة، ولا يكلمني بكلمة، فلما أضجر (أصحر خ ل) تنفس
ثم قال الخ.
وقريب منه في المختار 2، من كلامه (ع) من الارشاد.
وفى العقد الفريد معنعنا عن كميل قال: اخذ بيدي علي بن أبي طالب
كرم الله وجهه، فخرج بي إلى ناحية الجبانة، فلما أصحر تنفس الصعداء الخ
أقول: ولله در إخواننا من أهل السنة، حيث يشيرون بكلمة (كرم الله
وجهه) بعد ذكر اسم أمير المؤمنين (ع) إلى اختصاص وجهه (ع) بالكرامة،
دون وجوه كبار الصحابة، حيث إنهم سجدوا للأوثان في أكثر عمرهم، بخلاف
علي (ع) فان الله كرم وجهه عن عبادة غيره تعالى، بل كانت عبادته (ع) ووضع
جبهته المكرمة على تراب العبودية مقصورا على الله تعالى. وأيضا عبادته لله
لم تكن طمعا في الجنة - وإن كان (ع) مشتاقا إليها وراغبا فيها - ولا خوفا
من النار - وإن كان خائفا وهاربا منها - بل عبد الله تعالى وخضع له غاية
الخضوع لأنه وجده اهلا للعبادة، ومستحقا للخضوع والاستكانة، كما
استفاض عنه (ع) أنه كان يناجي الله تعالى ويقول في مناجاته:
الهي ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك، بل وجدتك أهلا للعبادة
فعبدتك.
وهكذا كانت سيرة المعصومين من ولده (ع). فعن الإمام الصادق (ع)
ان الناس يعبدون الله عز وجل على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة
في ثوابه، فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع (طمع ظ)، وآخرون يعبدونه
خوفا من النار، فتلك عبادة العبيد، وهي رهبة، ولكني أعبده حبا له عز وجل
فتلك عبادة الكرام، الخ. فالامام لأجل أهليته تعالى للعبادة وكونه مستحقا
لها، أحبه وعبده حبا له تعالى.
7

يا كميل إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها (6)
إحفظ عني ما أقول لك (7)، الناس ثلاثة: عالم رباني (8)
ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع، أتباع كل ناعق (9)

(6) أي أحفظها للعلم، وأجمعها ضبطا للحكم والمعارف، وأشدها وعيا
للاسرار، وهذا تمهيد وتوطئة منه (ع) لاقبال كميل بكله إليه، وصرفه عمن
عداه، ليتحفظ على ما يلقيه إليه، ويلقنه به، ولا يتفلت منه شئ مما أوصاه
وأخبره به، من فرائد الحكم، وجواهر الكلم، والأوعية جمع الوعاء، وهو
الظرف وما أعد لان يوضع فيه الشئ.
(7) وفى العقد الفريد والنهج: فاحفظ عني ما أقول لك الخ، وهو أظهر.
(8) وفى الارشاد والنهج: فعالم رباني، الخ.
(9) أقول: الرباني منسوب إلى الرب - بزيادة الألف والنون للمبالغة
في النسبة على خلاف القياس كالرقباني - ولعل وجه نسبته إلى الرب انه
جمع بين العلم بالله وبما يليق بذاته المقدسة، وبين العمل بما يحب الله ويرضاه وقال الجوهري والفيروز آبادي: الرباني: المتأله العارف بالله تعالى.
وقال الطبرسي (ره): الرباني هو الذي يرب أمر الناس بتدبيره واصلاحه.
وقال في الكشاف: الرباني هو شديد التمسك بدين الله تعالى وطاعته.
والهمج - محركة جمع همجة بالتحريك أيضا -: الحمقى ورذال الناس
ورعاعهم، والرعاع - كسحاب -: هم السفلة والأنذال والاحداث الطغام من
الناس، وهو كالتفسير لقوله (ع): همج. وأيضا يقال لضرب من البعوض:
الهمج، وكذلك للذباب الصغير الذي يقع على وجوه الغنم والحمير وأعينهما،
قيل: ويستعار للاسقاط والجهلة من الناس.
والنعيق: صوت الراعي بغنمه، ولصوت الغراب أيضا يقال: النعيق
وفى افراد القسمين الأولين، وجمع القسم الثالث ايماء إلى قلتهما
وكثرة القسم الثالث.
ومراده (ع) ان القسم الثالث - وهم السواد الأعظم - لعدم تمييزهم
بين الحق والباطل، والصدق والكذب، يتبعون كل داع ويعتقدون بكل مدع،
ويصغون إلى كل صوت، ولو كان لراعي الانعام والمواشي، المنهمك في غواشي
الجهالة والضلالة، والجمل التالية لقوله (ع): اتباع كل ناعق - إلى قوله:
ولم يلجأوا إلى ركن وثيق - صفات توضيحية، وبيان لما يلازم الموصوف في
الخارج وعالم الدنيا.
8

يميلون مع كل ريح (10)، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم
يلجأوا إلى ركن وثيق (11).

(10) وفي العقد الفريد: مع كل ريح يميلون، الخ.
(11) وفي تحف العقول: لم يستضيئوا بنور العلم فيهتدوا، ولم يلجأوا
إلى ركن وثيق فينجوا، الخ.
قال المجلسي الوجيه (ره): الركن الوثيق هو العقائد الحقة البرهانية
اليقينية التي يعتمد عليها في دفع الشبهات، ورفع مشقة الطاعات.
9

يا كميل العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت
تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على
الإنفاق (12).
يا كميل محبة العلم دين يدان به (13)، يكسب الإنسان

(12) وفى تحف العقول: والمال تفنيه النفقة، والعلم يزكو على الانفاق
والعلم حاكم والمال محكوم عليه، الخ.
ويزكو (من باب دعا يدعو) يقال: زكا الزرع زكاء وزكوا - على زنة
عطاء وعتو - أي زاد ونما. وسببية انفاق العلم للزيادة والنمو، اما من جهة
أن كثرة المدارسة والبحث توجب الإحاطة بالمعلومات وقوة الفكر، واما لأجل
أنه تعالى يفيض من مواهبه على من أنفق العلم لأهله، وبذله لمستحقه ولم يبخل به
وقال الشيخ بهاء الدين العاملي (ره): كلمة (على) يجوز أن تكون بمعنى
مع، كما قالوا في قوله تعالى: (وان ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم).
وأن تكون للسببية والتعليل، كما قالوه في قوله تعالى: (ولتكبروا الله على
ما هديكم).
(13) وفى الخصال والتذكرة: يا كميل محبة العالم دين يدان به، تكسبه
الطاعة في حياته، الخ. ومثله في تحف العقول، الا ان فيه: به يكسب الطاعة
في حياته، الخ. وفى المناقب: محبة العالم دين يدان بها، تكسبه الطاعة في حياته.
وفى رواية أبي عبد الله (ع): صحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في
حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته، الخ. وفى الارشاد: محبة العلم دين
يدان به، وبه (ظ) تكملة الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته، الخ. وفى الأمالي: يا كميل صحبة العالم دين يدان الله به، تكسبه الطاعة في حياته، الخ.
أقول: مرجع الجميع إلى واحد، إذ محبة العلم والعالم متلازمتان، وكذا
صحبة العالم لعلمه وروحانيته لا تنفك عن محبته ومحبة علمه، بل هي معلولة لهما
والدين - في أمثال المقام - يحتمل أن يكون بمعنى السيرة والطريقة
والمذهب والملة والطاعة والعبادة والجزاء والمكافأة والورع والخضوع، وتقدم
في شرح المختار (1) من هذا الباب ص 12، ما ينفع هنا. والأحدوثة - قيل: هي
مفرد الأحاديث وهو -: ما يتحدث به. وجميل الأحدوثة: هو طيب الذكر،
وحسن الثناء، والذكر بالجميل، أي ان محبة العلم (أو العالم) طريقة يعبد الله
بها، وبهذه الطريقة يكتسب العامل العابد طاعة الله - أو طاعة البشر وانقيادهم
له - في حال الحياة، وحسن الثناء بعد الممات.
10

به الطاعة في حياته (14)، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، ومنفعة
المال تزول بزواله (15).
يا كميل مات خزان الأموال وهم أحياء (16)، والعلماء

(14) وفى العقد الفريد وتحف العقول والنهج: به يكسب الانسان
الطاعة في حياته الخ.
(15) ومثله في الخصال والأمالي وتحف العقول، وكذا في العقد الفريد،
الا انه ذكره بعد قوله (ع): (والعلم يزكو على الانفاق وكذلك في النهج،
الا انه رواه بلفظ (وصنيع المال يزول بزواله) أي ما يصنعه المال وينتفع ذو
المال به من اقبال الناس إليه، وخضوعهم له، واظهارهم الوداد والصداقة من
أجله، يزول بزوال المال، وكذا ما يستدعيه المال، من المناكح والملابس والمآكل
والمشارب. والخوارزمي أيضا ذكره كالنهج، ولكن في الموضعين.
(16) ونحوه في الخصال والارشاد وتحف العقول والمناقب. وفى النهج:
(يا كميل هلك خزان الأموال) الخ. أي ان الأغنياء وذوي الثروة العارين
عن العلم إنما هم في حال حياتهم بحكم الأموات، وذلك لعدم ترتب عوائد الحياة
ونتائج الوجود على عيشتهم وبقائهم، من سماء الحق ففهمه ثم قبوله ثم
الجري عليه، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: (أموات غير أحياء وما يشعرون
وأما العلماء فإنهم باقون بأنوارهم وآثارهم، ومتنعمون بفواكه أعمالهم،
وثمار علومهم، كما قال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا
بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون
بالذين لم يلحقوا بهم.
11

باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب
موجودة (17).
هاه، إن ههنا - وأشار بيده إلى صدره - لعلما جما (18) لو
أصبت (لو أصيب خ ل) له حملة (19)، بلى أصبت لقنا غير

(17) وفى تاريخ اليعقوبي وتحف العقول: (وأمثلتهم في القلوب موجودة) الخ.
والأمثال جمع مثل - بالتحريك - وهو في الأصل بمعنى النظير، استعمل في القول
السائر الممثل بمضربه (أي الحالة الأصيلة التي ورد فيها الكلام) ثم في الكلام
الذي له شأن وغرابة، وهذا هو المراد ههنا، أي ان حكمهم ومواعظهم محفوظة
عند أهلها يعملون بها.
ويحتمل أن يكون المراد بأمثالهم: أشباحهم وصورهم، فان محبيهم
والمقتدين بآثارهم يذكرونهم دائما وصورهم متمثلة في قلوبهم، وعليه فتكون
الكلمة جمع مثل - محكركا - أو جمع مثل - بالكسر - فإنه أيضا يجمع على أمثال.
ويحتمل أيضا ان يراد من (أمثالهم) صفتهم وحديثهم أو حججهم وبراهينهم
فإنها مما استعمل فيها مثل - بالتحريك أو السكون - الذي يجمع على أمثال.
(18) وفى الخصال: هاه (آه آه) خ ل) ان ههنا - وأشار بيده إلى
صدره - لعلما لو أصبت له، الخ. وعليه فالتنوين للتعظيم أو التكثير.
وفى الارشاد: هاه ان ههنا لعلما جما - وأشار إلى صدره - الخ.
وفى تحف العقول: ها ان ههنا لعلما جما لم أصب له خزنة، الخ.
(19) وفى العقد الفريد: لو وجدت له حملة، بلى أجد لقنا غير مأمون
عليه، الخ.
أقول: كلمة (لو) للتعليق والشرط، وجوابه محذوف. وأصبت بمعنى
وجدت.
وحملة جمع لحامل - كالخزنة للخازن - أي لو وجدت لما في صدري
من العلم الكثير والسر الخطير، أهلا ومستحقا لأظهرته له، وجدت به عليه،
وأودعته عنده.
ويحتمل أن تكون (لو) للتمني أي يا ليت لي الظفر بمن يكون أهلا لحمل
الاسرار فأودعه ما خصني الله به من العلوم الكثيرة، وأطلعه على ما زقني به
رسول الله (ص) من المعارف الخطيرة، والمرجع واحد، وعلى التقديرين
فالكلام قد صدر عن قلب متلهف، وصدر عن فراق المحبوب متلهب، وبنار
الاشتياق متلظ.
قال الإمام الباقر (ع): لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز وجل حملة،
لنشرت التوحيد والاسلام والايمان والدين والشرائع من (الصمد)، وكيف لي
بذلك، ولم يجد جدي أمير المؤمنين حملة لعلمه، حتى كان يتنفس الصعداء
ويقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني، فان بين الجوانح مني علما جما،
هاه هاه لا يوجد من يحمله، الخ.
12

مأمون عليه (20) يستعمل آلة الدين في الدنيا، ويستظهر
بحجج الله عز وجل على خلقه، وبنعمته على عباده لتتخذه

(20) هذا هو الصواب المعاضد بعامة المصادر. وفى النسخة: بل أصبت
لقنا الخ، وكأنه من سهو الراوي أو النساخ. واللقن - بفتح اللام وكسر القاف -
هو حسن الفهم سريع الادراك. وفى تاريخ اليعقوبي: اللهم الا ان أصيب لقنا غير
مأمون، الخ. وفى الخصال: بلى أصبت له لقنا غير مأمون، يستعمل آلة الدين
في طلب الدنيا، ويستظهر بحجج الله على خلقه، وبنعمه على عباده، ليتخذه
الضعفاء وليجة من دون ولي الحق، الخ.
13

الضعفاء وليجة دون ولي الحق (21)، أو منقاد لحملة العلم
لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك (22) في قلبه بأول عارض
من شبهة، ألا لا ذا، ولا ذاك، فمنهوم (أو منهوم خ ل) باللذات
سلس القياد للشهوات، أو مغرى بالجمع والادخار (23)

(21) وفى العقد الفريد: يستعمل آلة الدين للدنيا، ويستظهر بحجج
الله على أوليائه، وبنعمه على عباده، الخ. ومثله في الارشاد، الا أنه قال:
وبنعمه على كتابه، الخ. وفى تاريخ اليعقوبي: ويستظهر بحجج الله على أوليائه،
وبنعمه على خلقه، الخ. وقريب منه في التذكرة.
والمراد بالحجج والنعم أما أئمة الحق، واما العلم الذي آتاه الله. كذا
أفاده المجلسي الوجيه.
(22) ومثله في الخصال، الا انه روى: (ويقدح الشك). (قال المجلسي)
وفى بعض النسخ: أو منقادا بجملة الحق، أي مؤمنا بالحق معتقدا له على
سبيل الجملة والاحناء - بفتح الهمزة وبعدها حاء مهملة ثم نون -: جوانبه،
أي ليس له غور وتعمق فيه. وفى تحف العقول (وبعض نسخ الخصال والأمالي
ظ) وبعض نسخ النهج أيضا: (في احيائه) بالياء المثناة من تحت، أي في
ترويجه وتقويته. و (يقدح) على صيغة المجهول، يقال: قدحت النار أي
استخرجتها بالمقدحة، وفى الأمالي (يقتدح) وفى النهج: (ينقدح)، وعلى
التقادير حاصله انه تشتعل نار الشك في قلبه بسبب أول شبهة عرضت له،
فكيف إذا توالت وتواترت.
قوله (ع): (ألا لاذا ولا ذاك) أي ليس المنقاد العديم البصيرة أهلا
لتحمل العلم، ولا اللقن غير المأمون، وهذا الكلام معترض بين المعطوف
والمعطوف عليه.
(23) ومثله في الخصال. وفى الأمالي: أو منهوم باللذات، سلس
القياد بالشهوات، أو مغترا (مغرى خ ل) بالجمع والادخار، الخ. وعلى
هذا فهو خبر لمبتدأ محذوف معطوف على قوله: (لقنا ومنقادا) ويكون
من عطف الجملة على المفرد، أي أجد وأصيب بعد اللقن والمنقاد من هو منهوم
باللذات، وسهل الانقياد للشهوات، أو من هو مغرى بالجمع والاكتناز، الخ
والمنهوم في الأصل: المفرط في شهوة الطعام من غير أن يشبع منه.
والسلس: السهل اللين. والقياد: حبل يقاد به الدواب. ويقال: هو
مغرى بكذا، أي مولع به، شديد الحرص والانكباب عليه، كأن أحدا يغريه
ويبعثه عليه، وقريب منه جدا (المغرم) المروي في سائر المصادر، وهما
توأمان مع الاغترار.
وفى جل المصادر: (أو منهوما) الخ، وكذلك (أو مغرما) الخ.
14

ليسا من رعاة الدين في شئ، أقرب شبها بهما للأنعام
السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه (24).

(24) الرعاة جمع الراعي بمعنى الوالي. والسائمة: الراتعة. أي ليس
المنهوم باللذة، والمغرى بالجمع والخزن من ولاة الدين في شئ، بل هما من
الأضلين الذين قال الله تعالى في شأنهم: (ان هم الا كالانعام بل هم أضل)
ولذا قال (ع) - من باب التشبيه المعكوس -: أقرب شبها بهما للانعام
السائمة.
وفى قوله (ع): (ليسا من رعاة الدين في شئ) اشعار بان العالم
الحقيقي وال وقيم على الدين.
وفى بعض المصادر: (ليسا من دعاة الدين). وفى أمالي الشيخ (ره):
(ليس من رعاة الدين، أقرب شبها بهؤلاء الانعام السائمة) الخ، وعليه
فالضمير في (ليس) عائد إلى المغرى في قوله: (أو مغرى بالجمع الادخار).
وفى تاريخ اليعقوبي: (ليسوا من رعاة الدين في شئ أقرب شبها بهم الانعام
السائمة) وهو أظهر، والضمير راجع إلى الجميع. وفى تحف العقول:
ليسا من رعاة الدين، ولا من ذوي البصائر واليقين، أقرب شبها بهما
الانعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حملته) الخ، أي كما عدم ومات من يصلح
لتحمل العلوم الحقة، فلم أجد أحدا لتحملها وأخذها، كذلك يموت العلم
ويندرس بموت حفظته وحملته، لأنهم لم يجدوا أحدا صالحا لدفع علمهم
إليه، فبقي مخزونا في صدورهم، فمات وانقرض بموتهم.
ولما كانت سلسلة العلم والحجة لا تنقطع بالكلية ما دام نوع الانسان،
بل لابد من امام حافظ للدين والبراهين في كل زمان، استدرك كلامه هذا
بقوله: (اللهم بلى لا تخلو الأرض) الخ.
15

اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجة - ظاهر
أو خاف مغمور، وكم ذا وأين أولئك (والله) الأقلون
عددا، والأعظمون خطرا، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعوها
نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم (25)، هجم بهم العلم

(25) وفى غير واحد من المصادر: (اللهم بلى لن تخلو الأرض) الخ،
وهو أظهر. وقال الخوارزمي: وفى رواية أبي عبد الله (ع): (بلى لن تخلو
الأرض من قائم لله بحجة، كيل تبطل حجج الله وبيناته، أولئك الأولون
عددا، والأعظمون عند الله قدرا بهم يدفع الله عن حججه حق يؤدوها
إلى نظرائهم).
و (خاف) اسم فاعل من خفى (من باب علم) خفاء وخفية وخفية:
إذا استتر وتوارى، فهو خاف وخفي. ومغمور أيضا بمعناه، أي مغطى
بغطاء الانزواء والاختفاء من الناس.
وفى تحف العقول: (اللهم بلى لا يخلو الأرض من قائم لله بحجة،
اما ظاهرا مشهورا، أو خائفا مغمورا - وفى بعض النسخ: اما ظاهرا مكشوفا،
أو خائفا مفردا - لئلا تبطل حجج الله وبيناته ورواة كتابه، وأين أولئك،
هم الأقلون عددا، الأعظمون قدرا، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعه نظراءهم
ويزرعها في قلوب أشباههم) الخ. فالضمير المستتر في قوله: (يودعه ويزرعها)
عائد إلى الله تعالى.
وفى الارشاد: (اللهم بلى لا تخلو الأرض من حجة لك على خلقك،
اما ظاهرا مشهودا (كذا) أو خائفا مغمورا، كيلا تبطل حجج الله وبيناته،
وأين أولئك، أولئك الأقلون عددا، الأعظمون قدرا، بهم يحفظ الله تعالى
حججه حتى يودعها نظراءهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم) الخ.
وفي الأمالي: (اللهم بلى لا يخلو الأرض من قائم بحجة، ظاهرا
مشهورا، أو مستتر مغمورا، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وأين أولئك والله الأقلون عددا، الأعظمون خطرا) الخ.
وفى تاريخ اليعقوبي: (اللهم كلا، لا تخلو الأرض من قائم بحق، أما ظاهر
مشهور، واما خائف مغمور، لئلا تبطل حجج الله عز وجل وبيناته، أولئك،
الأقلون عددا، الأعظمون خطرا) الخ.
وفى التذكرة: (اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجته، لكيلا
تبطل حجج الله على عباده، أولئك هم الأقلون عددا، الأعلون عند الله قدرا،
بهم يحفظ الله دينه حتى يؤدونه إلى نظرائهم ويزرعونه في قلوب أشباههم -
وفى رواية -: بهم يحفظ الله حججه) الخ.
16

على حقائق الأمور فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما
استوعر المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون،
وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الاعلى (26).

(26) ومثله في أكثر المصادر. وفى المناقب: (بالملأ الاعلى) الخ.
وفى العقد الفريد: (بالرفيق الاعلى)، والمعنى واحد، أي وان كانوا
بأبدانهم مصاحبين لهذا الخلق، ولكن بأرواحهم مباينين عنهم، بل أرواحهم
معلقة بقربه تعالى، مصاحبة لمقربي جنابه من الأنبياء والمرسلين، والشهداء
والصديقين.
قال أمير المؤمنين (ع) (في نعت ذاته الكريمة، ووصف نفسه المقدسة):
(واني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم، سيماهم سيما الصديقين، وكلامهم
كلام الأبرار، عمار الليل، ومنار النهار، متمسكون بحبل القرآن، يحيون
سنن الله وسنن رسوله، لا يستكبرون ولا يعلون ولا يغلون ولا يفسدون،
قلوبهم في الجنان، وأجسادهم في العمل). وفى تاريخ ابن عساكر: 64،
144، عن عيسى بن مريم (ع): طوبى للمجتهدين بالليل - إلى أن قال -:
قلوبهم معلقة عند ربهم وأجسادهم في الدنيا منتصبة الخ.
17

يا كميل أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه،
هاي هاي، شوقا إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولكم (27).

(27) وفى تحف العقول: (يا كميل أولئك أمنا الله في خلقه، وخلفاؤه
في أرضه، وسرجه في بلاده، والدعاة إلى دينه، وا شوقاه إلى رؤيتهم،
استغفر الله لي ولك).
وفى تاريخ اليعقوبي: (يا كميل أولئك أولياء الله من خلقه، والدعاة إلى دينه،
بهم يحفظ الله حججه حتى يودعوها أمثالهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم،
هاه، شوقا إلى رؤيتهم).
وفى التذكرة: (آه ثم آه، وا شوقاه إلى رؤيتهم، واستغفر الله لي
ولك، إذا شئت فقم).
وفى المناقب: أولئك خلفاء الله على عباده، والدعاة إلى دينه، هاه هاه
شوقا إليهم، واستغفر الله لي ولك، إذا شئت فقم).
وفى الأمالي: (آه آه، شوقا إلى رؤيتهم، واستغفر الله لي ولكم، ثم
نزه يده من يدي وقال: انصرف إذا شئت).
وفى الارشاد: (أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه، وحججه
على عباده - ثم تنفس الصعداء وقال -: هاه هاه، شوقا إلى رؤيتهم، ونزع
يده عن يدي وقال لي: انصرف إذا شئت)
18

قال الصدوق رحمه الله: وفي رواية عبد الرحمان بن جندب: (انصرف
إذا شئت.) ثم قال (ره) وحدثنا بهذا الحديث أبو أحمد القاسم بن
محمد بن أحمد السراج الهمداني بهمدان، قال: حدثنا أبو أحمد القاسم
ابن أبي صالح، قال: حدثنا موسى بن إسحاق القاضي الأنصاري، قال حدثنا أبو نعيم إبراهيم ضرار بن صرد، قال: حدثنا عاصم بن حميد الحناط،
عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمان بن جندب الفزاري، عن كميل بن
زياد النخعي، قال: أخذ أمير المؤمنين عليه السلام (28)، بيدي فأخرجني
إلى ناحية الجبان، فلما أصحر جلس، ثم قال: يا كميل بن زياد، احفظ
عني ما أقول لك، القلوب أوعية فخيرها أوعاها، وذكر الحديث مثله،
الا أنه قال فيه: (اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم بحجة، لئلا تبطل
حجج الله وبيناته)، ولم يذكر فيه (ظاهرا، وخاف مغمور)، وقال
في آخره: (إذا شئت فقم).
وأخبرنا بهذا الحديث، الحاكم أبو محمد بكر بن
علي بن محمد بن الفضيل الحنفي الشاشي بايلاق، قال: أخبرنا
أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم البزاز الشافعي بمدينة السلام،
قال: حدثنا موسى بن إسحاق الوصي، قال: حدثنا ضرار بن صرد، عن
عاصم بن حميد الحناط، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمان بن جندب
الفزاري، عن كميل بن زياد النخعي قال: أخذ علي بن أبي طالب عليه
السلام بيدي، فأخرجني إلى ناحية الجبان، فلما أصحر جلس، ثم تنفس

(28) كذا في النسخة، وفى البحار: أخذ أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب، الخ.
19

ثم قال: يا كميل بن زياد، احفظ ما أقول لك، القلوب أوعية فخيرها
أوعاها، الناس ثلاثة، فعالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع،
اتباع كل ناعق، وذكر الحديث بطوله إلى آخره،
وحدثنا بهذا الحديث أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري
بايلاق، قال: حدثنا مكي بن أحمد بن سعودية البروعي، قال أخبرنا عبد الله
بن محمد بن الحسن المشرقي (29)، قال: حدثنا محمد بن إدريس
أبو حاتم قال: حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، عن عاصم بن حميد،
عن أبي حمزة الثمالي ثابت بن أبي صفية، عن عبد الرحمان بن جندب،
عن كميل بن زياد، قال: أخذ علي بن أبي طالب عليه السلام بيدي،
فأخرجني إلى ناحية الجبان، فلما أصحر جلس، ثم تنفس، ثم قال:
يا كميل بن زياد، القلوب أوعية فخيرها أوعاها، وذكر الحديث بطوله
إلى آخره مثله.
وحدثنا بهذا الحديث أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصقر الصانع
المعدل، قال: حدثنا موسى بن إسحاق القاضي، عن ضرار بن صرد، عن
عاصم بن حميد الحناط، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب
الفزاري، عن كميل بن زياد النخعي، وذكر الحديث بطوله إلى آخره.
وحدثنا بهذا الحديث الحاكم أبو محمد بكر بن علي بن محمد بن
الفضل الخثعمي (الحنفي خ ل) بايلاق، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن
عبد الله بن إبراهيم البزاز الشافعي بمدينة السلام، قال: حدثنا بشر بن
موسى (30) أبو علي الأسدي، قال: حدثنا عبيد الله (عبد الله خ ل) بن
الهيثم، قال: حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن محمد بن أحمد النخعي،

(29) كذا في النسخة، وفى البحار: عبد الله بن محمد السير في، الخ.
(30) كذا في النسخة وفى البحار: بشير بن موسى، الخ.
20

قال: حدثنا عبد الله بن الفضل بن عبد الله بن أبي الصباح (الهياج أو
الحياج، خ) ابن محمد بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، قال:
حدثنا هشام بن محمد السائب أبو منذر الكلبي، عن أبي مخنف لوط
ابن يحيى، عن فضيل بن خديج، عن كميل بن زياد النخعي، قال: أخذ
بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة، فخرجنا حتى
انتهينا إلى الجبانة، وذكر فيه: (اللهم بلى، اللهم لا تخلو الأرض من
قائم بحجة، ظاهر مشهور، أو باطن مغمور (31)، لئلا تبطل حجج الله
وبيناته) وقال في آخره: انصرف إذا شئت.
وحدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله النوفلي، عن
عبد الله بن عبد الرحمان، عن هشام، عن الكلبي، عن أبي مخنف لوط بن
يحيى، عن عبد الرحمان بن جندب، عن كميل بن زياد، أن أمير المؤمنين (ع)
قال له في كلام طويل: (اللهم انك لا تخلي (ظ) الأرض من قائم -
بحجة - ظاهر، أو خاف مغمور، لئلا تبطل حجج الله وبيناته).
حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله، قال: حدثني محمد بن
أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن نصر بن مزاحم، عن أبي
مخنف لوط بن يحيى الأزدي، عن عبد الرحمان بن جندب، عن كميل بن
زياد النخعي، قال قال أمير المؤمنين عليه السلام في كلام طويل: (اللهم
بلى لا تخلو الأرض من قائم - لله بحجة - ظاهره أو خاف مغمور، لئلا
تبطل حجج الله وبيناته).
حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدثنا الحسين
ابن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمد بن أبي عمير، عن أبان

(31) هذا هو الصواب، وفى النسخة: ظاهرا مشهور، باطن مغمور،
الخ، ونقله في البحار هكذا: اللهم بلى.
21

ابن عثمان الأحمر، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النخعي،
قال: سمعت عليا عليه السلام يقول في آخر كلام له: (اللهم انك
لا تخلي (ظ) الأرض من قائم - لله بحجة - ظاهر، أو خاف مغمور،
لئلا تبطل حججك وبيناتك).
ولهذا الحديث طرق كثيرة (32).
وحدثنا موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي
عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا
عبد الله بن أحمد، قال: حدثنا أبو زهير عبد الرحمن بن موسى البرقي،
قال: حدثنا محمد بن الزيات، عن أبي صالح، عن كميل بن زياد، قال
قال أمير المؤمنين عليه السلام في كلام طويل: (اللهم انك لا تخلي الأرض
(ظ) من قائم بحجة. أما ظاهر، أو خاف مغمور، كيلا تبطل حججك
وبيناتك) انتهى ما أورده الصدوق (رفع الله درجاته) في كتاب
اكمال الدين.

(32) منها ما رواه في اثبات الهداة: 1، 217، والبحار: 7، 11،
عنه (ره) قال: حدثنا أبي، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد،
عن عبد الله بن فضل بن عيسى، عن عبد الله النوفلي، عن عبد الله بن عبد الرحمان
عن أبي مخنف لوط بن يحيى، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن
زياد، ان أمير المؤمنين عليه السلام قال لي في كلام طويل: (اللهم انك لا تخلي
الأرض من قائم لله بحجة، اما ظاهر مشهور، أو خائف مغمور، لئلا تبطل
حجج الله وبيناته).
وأيضا من الطرق ما رواها في الحديث 2، من الباب 153، من علل
الشرائع ص 195، عن أبيه، عن سعد، عن محمد بن عيسى، عن الحسن
ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الثقة،
عن أمير المؤمنين عليه السلام مثله. كما رواه عنه في اثبات الهداة أيضا ص 208
22

وقال (ره) في الحديث 243، من باب الثلاثة من الخصال 87،
حدثنا أبو الحسن محمد بن علي بن الشاه، قال: حدثنا أبو إسحاق
الخواص، قال: حدثنا محمد بن يونس الكريمي، عن سفيان بن وكيع،
عن أبيه، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن كميل بن
زياد، قال: خرج علي بن أبي طالب عليه السلام إلي فأخذ بيدي وأخرجني
إلى الجبان، الخ.
أقول: هذه الوصية الشريفة، مما تواتر عنه عليه السلام بين الخاصة
والعامة، بألفاظها (الا في لفيظات يسيرة). وقد ذكرها من أعلام الخاصة:
الثقفي (ره) المتوفى 275 ه‍ أو 283، واليعقوبي المتوفي قبل سنة 300 ه‍
والحسن بن علي بن الحسن بن شعبة المتوفى قل سنة 400، ومعلم
الأمة الشيخ المفيد (ره) المتوفى سنة 413، والسيدان: الشريف المرتضى
(ره) المتوفى 436، والشريف الرضي (ره) المتوفى سنة 404، وشيخ
الطائفة محمد بن محمد بن الحسن الطوسي (ره) المتوفى سنة 460،
وغيرهم قدس الله أسرارهم، وقد ذكرنا ما عثرنا عليه من الطريقين باسناده،
ومصادره في مناهج البلاغة.
وأما من رواها من اعلام أهل السنة فهم كثيرون أيضا، ونكتفي هنا
بذكر أسانيد من قدماء القوم.
(الأول) ما رواه ابن عبد ربه، المتوفى سنة 328 ه‍، فإنه قال
(في كتاب العلم، من العقد الفريد: 1، 265، ط 2، وفي ط ج 2
ص 69، تحت الرقم 3): حدثنا أيوب بن سليمان بن عامر بن معاوية،
عن أحمد بن عمران الأخفش (33) عن الوليد بن صالح الهاشمي،

(33) هكذا في الطبعة الثانية، وفى طبعة أخرى هكذا: حدثنا أيوب بن
سليمان، حدثنا عامر بن معاوية، عن أحمد بن عمران الأخنس (الأخفش
خ ل) عن الوليد بن صالح، الخ.
23

عن عبد الله بن عبد الرحمن الكوفي، عن أبي مخنف عن كميل النخعي،
قال: اخذ بيدي علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فخرج بي إلى ناحية
الجبانة، فلما أصحر تنفس الصعداء، ثم قال: يا كميل ان هذه القلوب
أوعية فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول لك، الناس ثلاثة: عالم
رباني، الخ.
(الثاني) ما رواه أبو نعيم (34) أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق
ابن موسى بن مهران الأصبهاني المتوفى سنة 403، في ترجمة أمير المؤمنين
عليه السلام من حلية الأولياء: 1، ص 79، ط مصر 1351، قال:
حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا موسى بن إسحاق.، وحدثنا سليمان
ابن أحمد، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قالا: حدثنا أبو نعيم
ضرار بن صرد.
وحدثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد الحافظ، حدثنا محمد بن
الحسين الخثعمي، حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قالا: حدثنا
عاصم بن حميد الحناط حدثنا ثابت بن أبي صفية: أبو حمزة الثمالي،
عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد، قال: أخذ علي بن أبي
طالب بيدي، فأخرجني إلى ناحية الجبان، فلما أصحرنا جلس ثم تنفس
ثم قال: يا كميل بن، الخ.
(الثالث) ما رواه في المختار 7، من النوع الرابع، من دستور معالم
الحكم 82، طبع مصر، تأليف أبي عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن
علي الفقيه، القاضي القضاعي، المتوفى بمصر سنة 454 ه‍، قال: أخبرني
محمد بن منصور بن عبد الله، عن أبي عبد الله التستري إجازة، قال: أخبرنا

(34) قال المحدث القمي (ره): نعيم (بالتصغير) ولا يكون مكبرا.
24

أبو الفضل محمد بن عمر بن محمد الكوكبي الأديب قال: حدثنا سليمان
ابن أحمد بن أيوب، قال: حدثنا عاصم بن حميد، قال حدثنا ثابت بن أبي
صفية أبي (35) حمزة الثمالي، عن عبد الرحمان بن جندب، عن كميل بن
زياد، قال: أخذ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بيدي فأخرجني
إلى ناحية الجبان، فلما أصحر تنفس صعداء، الخ.
(الرابع) ما رواه الخوارزمي (المولود سنة 484 ه‍ والمتوفى سنة
568 ه‍) في المناقب 263 ط 1 (36) قال: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد أبو
الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي، اخبرني القاضي الامام شيخ
القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ، أخبرنا والدي شيخ السنة أبو بكر
أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرني أبو عبد الله الحافظ، حدثنا بكر بن
محمد بن سهل بن الحداد الصوفي بمكة.
قال البيهقي: وأخبرني أبو طاهر الحسين بن علي بن الحسن بن
محمد بن سلمة الهمداني بها، أخبرني أبو بكر عمر بن أحمد القاسم الفقيه
بنهاوند املاء، قال: حدثني موسى بن إسحاق الأنصاري، حدثنا أبو
نعيم ضرار بن صرد، حدثني عاصم بن حميد الحناط، عن أبي حمزة
الثمالي، عن عبد الرحمان بن جندب الفزاري، عن كميل بن زياد النخعي،
قال: أخذ بيدي علي بن أبي طالب (ع) وأخرجني إلى ناحية الجبانة،
فلما أصحر جلس ثم تنفس ثم قال: يا كميل بن زياد، الخ.
(الخامس) ما رواه في ترجمة أمير المؤمنين (ع) من تذكرة الحفاظ:

(35) قال في الهامش: هكذا نسخة الأصل، وصوابه: أبو حمزة بالرفع
لأنه كنية ثابت لا أبي صفية.
(36) المستفاد من سوق تعبيراته في أثناء الوصية الشريفة، ان له
سند آخر إليها، فراجعها لكي تظهر لك حقيقة الحال.
25

1، 10، قال: قرأت على أبي الفضل ابن عساكر، عن عبد المعز بن محمد
أخبرنا تميم بن أبي سعيد المقرئ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمان
سنة تسع وأربعين وأربعمأة، أخبرنا محمد بن محمد الحافظ، أخبرنا أبو
جعفر محمد بن الحسين الخثعمي بالكوفة، أخبرنا إسماعيل بن موسى
الفزاري، أخبرنا عاصم بن حميد الحناط، أو الرجل عنه، قال حدثنا ثابت
ابن أبي صفية: أبو حمزة الثمالي، عن عبد الرحمان بن جندب، عن كميل
ابن زياد النخعي، قال: أخذ علي، الخ.
ثم قال ابن حجر - بعد ختام الوصية الشريفة -: ورواه ضرار بن
صرد، عن عاصم بن حميد، ويروى من وجه آخر، عن كميل، واسناده
لين، وفيه تنبيهات على صفات العالم المتقن، والعالم الذي دفنه (37)
والهمج المخلط في دينه أو علمه، الخ.
(السادس) ما ذكره سبط ابن الجوزي المتوفى سنة 654 ه‍ في
تذكرة الخواص، الباب السادس منها) ص 150، ط النجف، قال:
أخبرنا عبد الوهاب بن علي الصوفي، أخبرنا علي بن محمد بن عمرو، أخبرنا
رزق الله بن عبد الوهاب، أخبرنا أحمد بن علي بن الباد، أخبرنا حبيب بن
الحسن القزاز، أخبرنا موسى بن إسحاق الأنصاري، حدثنا ضرار بن
صرد، حدثنا عاصم بن حميد، حدثنا أبو حمزة الثمالي، عن عبد الرحمان
ابن محمد، عن كميل بن زياد، قال: أخد بيدي أمير المؤمنين علي عليه
السلام، فأخرجني إلى ناحية الجبان، فلما أصحرنا جلس فتنفس الصعداء
ثم قال: يا كميل بن زياد، ان هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، احفظ
ما أقول لك، الناس ثلاثة: عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج
رعاء (إلى آخر ما مر).

(37) كذا في النسخة
26

وقال الحافظ ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الفقيه،
حدثنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المقري قالا أنبأنا أبو بكر أحمد بن
علي الحافظ، أخبرني محمد بن أحمد بن رزق، حدثنا محمد بن عبيد الله
ابن إبراهيم الشافعي، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا عبيد بن الميثم،
حدثنا إسحاق بن محمد بن أحمد أبو يعقوب النخعي، حدثنا عبد الله بن
الفضل بن عبد الله بن أبي الهياج بن محمد بن أبي سفيان بن الحارث بن
عبد المطلب، حدثنا هشام بن محمد بن السائب أبو المنذر الكلبي، عن
أبي مخنف لوط بن يحيى بصير بن حديج (38) عن كميل بن زياد النخعي،
قال: أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالكوفة، فخرجنا حتى
انتهينا إلى الجبان قلما أصحر تنفس صعداء - ثم ساق الوصية إلى قوله
عليه السلام: يستعمل آلة الدين بالدنيا. ثم قال: وذكر الحديث كذا
ابن زريق، وذكر لنا أن الشافعي قطعة من ها هنا فلم يتمه هذا طريق
غريب، والمعروف ما أخبرنا أبو محمد هبة الله بن سهل بن عمر، وأبو
القاسم تميم بن أبي سعيد بن أبي العباس، قالا: أنبأنا أبو سعد محمد
ابن عبد الرحمان بن محمد، أنبأنا أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق،
أنبأنا أبو جعفر محمد بن الحسين الخثعمي بالكوفة، حدثنا إسماعيل
موسى العراري (كذا)، أنبأنا عاصم بن حميد الحناط أو رجل عنه،
حدثنا ثابت ابن أبي صفية: أبو حمزة الثمالي، عن عبد الرحمان بن
جندب، عن كميل بن زياد النخعي، قال: أخذ علي بيدي فأخرجني إلى
ناحية الجبان، فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال: يا كميل الخ - وساق
الكلام إلى آخره، ثم قال -: رواه أبو نعيم ضرار بن صرد، عن عاصم
ابن حميد، فزاد فيه ألفاظا. أخبرناه أبو الغنم علي بن إبراهيم قراءة، أنبأنا

(38) كذا في النسخة.
27

الشريف الأمير النقيب عماد الدولة أبو البركات عقيل بن العباس الحسيني،
أنبأنا الحسين بن عبد الله بن محمد بن أبي كامل الأطرابلسي قراءة عليه
بدمشق، أنبأنا خال أبي أبو الحسين خيثمة بن سليمان بن حيدرة
الأطرابلسي، حدثنا نجيح بن إبراهيم الزهري، حدثنا ضرار بن صرد،
حدثنا عاصم بن حميد الحناط، حدثنا ثابت بن أبي صفية: أبو حمزة
الثمالي، عن عبد الرحمان بن جندب، عن كميل بن زياد، قال: اخذ عليه
السلام بيدي فأخرجني ناحية الجبال فلما أصحر جعل يتنفس، ثم قال:
يا كميل بن زياد، الخ.
أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله اذنا، ومناولة، وقرأ علي اسناده،
أنبأنا محمد بن الحسين، أنبأنا المعافى بن زكريا القاضي، حدثنا محمد
ابن أحمد المقدمي، حدثنا عبد الله بن عمر بن عبد الرحمان الوراق، حدثنا ابن
عائشة، حدثني أبي، عن عمه، عن كميل - ح - (39)، قال: وحدثني
أبي، حدثنا أحمد بن عبيد، حدثنا المدائني، والألفاظ في الروايتين مختلطة،
قالا: قال كميل بن زياد النخعي: أخد علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني
إلى ناحية الجبان، قلما أصحر تنفس ثم قال: الخ.
أقول: فلنضرب عن ذكر بقية الأسانيد صفحا، ونصرف عنان القلم
إلى فقه الوصية، وبيان دلالته ومقدار ما يفهم منها جليا.
وأما المعاني التي استفادتها تحتاج إلى تعمق وتدقيق، ولطف قريحة،
وفهم ثاقب، وذهن متوقد، فلا مجال للتعرض لها، وكشف الغطاء عنها، إذ
بسط الكلام فيها واعطاء حقها يستدعي تأليف مجلد ضخم، وافراد شرح
كبير ووقف أيام كثيرة من العمر للغور فيها، واستخراج عوالي اللئالي

(39) لفظه (ح) إشارة إلى استيناف سند آخر، والحيلولة بين
متن الرواية والسند المبتدأ به، بسند آخر.
28

منها، وصرف غوالي الليالي للخوض فيها، واستنباط عيون الحكم منها،
والحوادث جمة، والدواهي من جميع الأنحاء منظمة، والأصدقاء خاذلة،
والأعداء متحاملة، وهمم أكثر الناس عن نهج الحق مائلة، والى أودية
المزخرفات والهزليات سائلة، فنطوي عن التفصيل كشحا، لئلا يضيق به
المراجع ذرعا، وعليه فلنقدم الكلام في بيان مفاد الوصية اجمالا، ثم تترجم
كذلك رواتها، رعاية لملتمس جل القراء من كراهتهم توسط الأجنبي. (40)

(40) أقول: لما كمل ما أردنا ايراده من الشروح والشواهد صار بنفسه
رسالة، فأفردناها وسميناها (بأشعة السهيل في شرح وصية أمير المؤمنين
عليه السلام إلى كميل) وستمثل للطبع إن شاء الله تعالى.
29

- 14 -
ومن وصية له عليه السلام
لبنيه
قال السبط ابن الجوزي في تذكره الخواص 152، ط النجف: وبه (1)
قال: حدثنا أبو حمزة الثمالي، حدثنا إبراهيم بن سعيد، عن الشعبي، عن
ضرار بن ضمرة، قال: أوصى أمير المؤمنين (ع) بنيه فقال:
يا بني عاشروا الناس بالمعروف، معاشرة إن غبتم
(عشتم خ ل) حنوا (2) إليكم وإن منم بكوا عليكم.
أقول: الأدلة الشرعية - كتابا وسنة قولا وفعلا وتقريرا - الدالة
على تأكد معاشرة الناس بالمعروف قد تجاوز عن الحصر والاحصاء، وقد
روى ثقة الاسلام (ره) في الحديث الأول من الباب الثاني من كتاب العشرة
من الكافي: 2، 637، معنعنا، عن محمد بن مسلم قال قال الإمام الباقر
عليه السلام من خالطت فان استطعت أن تكون يدك العليا عليهم فافعل.
وفي الحديث الرابع من الباب معنعنا عنه (ع) أنه كان يقول: عظموا
أصحابكم ووقروهم، ولا يتهجم بعضكم على بعض، ولا تضاروا ولا
تحاسدوا، وإياكم والبخل، كونوا عباد الله المخلصين.

(1) الضمير راجع إلى من ذكره في سند وصيته (ع) إلى كميل، وقد قدمنا
ذكره عندما بينا أسنادها من طرق أهل السنة في الطريق السادس ص 29.
(2) وفى المختار العاشر من قصار النهج (خالطوا الناس مخالطة ان
متم معها بكوا عليكم، وان عشتم حنوا إليكم) وقال المعتزلي في شرحه:
وقد روي: (خنوا) بالخاء المعجمة من الخنين وهو صوت يخرج من الانف عند
البكاء. والى تتعلق بمحذوف، أي حنوا شوقا إليكم.
30

وفى الحديث الأول من الباب الأول من كتاب العشرة من الكافي 635،
معنعنا عن الإمام الصادق (ع) قال: عليكم بالصلاة في المساجد، وحسن
الجوار للناس وإقامة الشهادة وحضور الجنائز، انه لا بد لكم من الناس،
ان أحدا لا يستغني عن الناس حياته، والناس لابد لبعضهم من بعض.
وفي الحديث الثاني من الباب معنعنا عن معاوية بن وهب قال: قلت:
لأبي عبد الله عليه السلام: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا
وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس؟ قال: فقال: تؤدون الأمانة
إليهم وتقيمون الشهادة لهم وعليهم وتعودون مرضاهم وتشهدون جنائزهم.
وفي الحديث الثالث من الباب معنعنا عنه (ع): عليكم بالورع
والاجتهاد، واشهدوا الجنائز، وعودوا المرضى، واحضروا مع قومكم
مساجدكم، وأحبوا للناس ما تحبون لأنفسكم أما يستحيي الرجل منكم
ان يعرف جاره حقه ولا يعرف حق جاره.
وفي الحديث الرابع من الباب معنعنا عن معاوية بن وهب قال: قلت له:
كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن
ليسوا على أمرنا. قال: تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون
ما يصنعون، فوالله انهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون
الشهادة لهم وعليهم، ويؤدون الأمانة إليهم.
وفي الحديث الخامس من الباب معنعنا عن زيد الشحام، قال قال لي
أبو عبد الله عليه السلام: إقرأ على من ترى انه يطيعني منهم ويأخذ بقولي
السلام، وأوصيكم بتقوى الله عز وجل والورع في دينكم، والاجتهاد لله
وصدق الحديث وأداء الأمانة، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا
جاء محمد صلى الله عليه وآله، أدوا الأمانة إلى من أئتمنكم عليها برا أو
فاجرا، فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر بأداء الخيط والمخيط،
31

صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فان
الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق الحديث وأدى الأمانة، وحسن
خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري فيسرني ذلك، ويدخل علي منه
السرور، قيل: هذا أدب جعفر،
وإذا كان على غير ذلك دخل علي وبلاؤه وعاره، وقيل: هذا أدب
جعفر، فوالله لحدثني أبي عليه السلام أن الرجل كان يكون في القبيلة من
شيعة علي عليه السلام فيكون زينها، اداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق
وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه، فتقول:
من مثل فلان، انه لأدانا للأمانة، وأصدقنا للحديث.
وفى الحديث الثاني من الباب الثاني من الكتاب معنعنا عن أبي الربيع
الشامي، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام، والبيت غاص بأهله
فيه الخراساني والشامي ومن أهل الآفاق، فلم أجد موضعا اقعد فيه،
فجلس أبو عبد الله عليه السلام وكان متكئا ثم قال: يا شيعة آل محمد
اعلموا انه ليس منا من لم يملك نفسه عند غضبه، ومن لم يحسن صحبة
من صحبه ومخالفة من خالقه، ومرافقة من رافقه، ومجاورة من جاوره، وممالحة
من مالحه، يا شيعة آل محمد اتقوا الله ما استطعتم ولا حول ولا قوة
الا بالله.
وفى الحديث الثالث من الباب معنعنا عنه (ع) في قول الله عز وجل:
(انا نراك من المحسنين) (1) قال: كان يوسع المجلس ويستقرض للمحتاج ويعين الضعيف.
وفي الحديث الخامس معنعنا عن أحدهما عليهما السلام، قال:
الانقباض من الناس مكسبة للعداوة.
إلى غير ذلك مما قد تكفل لبيانه كتب الاخبار فلا نطول المقام بذكره.

(1) الآية (36) من سورة يوسف: 12.
32

- 15 -
ومن كتاب له عليه السلام
إلى السبط الأكبر الحسن الزكي عليه السلام
كيف وأني بك يا بني إذا صرت من قوم (1) صبيهم
عاد وشابهم فاتك (2)، وشيخهم لا يأمر بمعروف، ولا ينهى
عن منكر، وعالمهم خب مواد مستحوذ (3) هواه (4)، متمسك
بعاجل دنياه، أشدهم عليك إقبالا يرصدك بالغوائل (5)، ويطلب
الحيلة بالتمني، ويطلب الدنيا بالاجتهاد (6).

(1) كلمة (من بمعنى في، ويؤيده ما رواه في المستدرك من قوله (ع)
(كيف بك إذا صرت في قوم صبيهم غاو) الخ.
(2) صبيهم عاد، أي معتد أو عدو أو معاد، مجاوز حده أو مختلس. والفاتك:
هو الجرئ: الذي يباشر الأمور بقسوة وغلظة. ويأتي بالوقيعة باغتيال وغفلة.
(3) خب - (من باب منع) خبا و - خبا (كمدا وضدا) أي صار خداعا.
وقوله (ع): مواد، كأنه مأخوذ من قولهم: واده وددا وموادة اي طلب
مودته، وتحبب إليه، والأقرب أن يكون المراد من هذا لازمه، وهو المصانعة
والمداراة إذ شأن كل محب مع حبيبه المساهلة والمداراة.
(4) كأن الكلام على تقدير جار مع مجروره اي مستحوذ عليه هواه، وهذا
كقوله تعالى: (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله) اي استولى وتسلط
عليهم.
(5) يرصد من باب نصر وافعل اي ينتظر الفرصة للايقاع، يهيئ الشر
للوقيعة، والغوائل: جمع غائلة، وهي الشر، والحنق، والداهية.
(6) لعل المراد من قوله (ع): يطلب الحيلة بالتمني، أن طلبه علاج مكاره
الآخرة، وفراره من سخط الله تعالى إنما يكون بالآمال والأماني الصرفة من دون
عمل وعبودية وجد لتحصيل مرضاة الله، بخلاف الدنيا فإنه يصرف رغائبه في
تحصيلها ويبذل تمام جهده وطاقته في سبيلها.
33

خوفهم آجل، ورجاهم عاجل، لا يهابون إلا من يخافون
لسانه ويرجون نواله (7) دينهم الرياء، (و) كل حق عندهم
مهجور، ويحبون من غشهم، ويملون من داهنهم (وظ)
قلوبهم خاوية. لا يسمعون دعاء، ولا يجيبون سائلا. قد
استولت عليهم سكرة الغفلة (وغرتهم الحياة الدنيا) (8)،
إن تركتهم لا يتركوك. وإن تابعتهم اغتالوك إخوان
الظاهر وأعداء السرائر يتصاحبون على غير تقوى وإذا
افترقوا (9) ذم بعضهم بعضا. تموت فيهم السنن وتحيى

(7) النوال: العطاء. وفى المستدرك: (لا يهابون الا من يخافون لسانه
ولا يكرمون الا من يرجون نواله) الخ.
ولا يخفى ان الأصل الذي أخذنا منه كان مشتملا على أغلاط وأصلحنا
منها بقدر الوسع، ونرجو من الله ان يمن علينا بالعثور على مصدر آخر
لا صلاح ما خفي علينا.
(8) جملة: (وغرتهم الحياة الدنيا) الواقع بين الهلالين مأخوذة من
المستدرك.
(9) وفى بعض النسخ: (فإذا افترقوا) الخ.
وفى الحديث 14، من الباب 116، من الكتاب الخامس، من الكافي 296
بسند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: سيأتي على الناس
زمان تخبث فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا، لا يريدون
به ما عند ربهم، يكون دينهم رياء، لا يخالطهم خوف، يعمهم الله بعقاب
فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم.
34

فيهم البدع.
فأحمق الناس من أسف على فقدهم أو سر بكثرتهم،
فكن عند ذلك يا بني كابن اللبون (10) لأظهر فيركب،
ولا وبر فيسلب، ولا ضرع فيحلب، وما طلابك (11) بقوم
إن كنت عالما عابوك، وإن كنت جاهلا لم يرشدوك.
وإن طلبت العلم قالوا متكلف متعمق، وإن تركت
طلب العلم قالوا عاجز غبي، وإن تحققت لعبادة ربك قالوا
مصنع مرائي (12) إن لزمت الصمت قالوا ألكن. وإن نطقت

(10) اللبون - كصبور -: الناقة والشاة ذات اللبن غزيرا كانام لا،
والجمع لبن: - بضم اللام وسكون الباء وقد تضم الباء للاتباع - وابن اللبون
ولد الناقة استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة، ولانثى بنت لبون، سمي
بذلك لان أمه ولدت غيره فصار لها لبن، وجمع الذكور كالإناث بنات لبون،
والضرع (للحيوانات ذات الظلف أو الخف كالثدي للمرأة) معروف.
ومراده (ع) انه يجب على الانسان في الفتنة أن يكون بحيث لا ينتفع
به من الظالمين أحد بوجه من الوجوه، كابن اللبون في جميع جهات الانتفاع
والاستنتاج منتف عنه، فلا لبن له ليحلب، ولا وبر له لينتف ويسلب،
ولا طاقة له ليحمل على ظهره ويركب.
(11) الطلاب - على زنة ضراب - مصدر لقولهم: طالبه مطالبة، أي
طلب منه حقا له عليه، وقصده (ع): قطع الرجاء، وحسم الطمع، وعدم
التوقع وانتظار الخير وأداء الحث من قوم يكونون بهذه لصفات.
35

قالوا مهذار (13)، وإن أنفقت قالوا مسرف، وإن احتجت إلى
ما في أيديهم صارموك وذموك (14)، وإن لم تعتد بهم كفروك
فهذه صفة أهل زمانك، فأصغاك (15) من فزع من جورهم،
وأمن من الطمع فيهم، مقبل على شأنه، مدار لأهل زمانه.
ومن سفة العالم أن لا يعظ إلا من يقبل عظته، ولا ينصح
معجبا برأيه، ولا يخبر بما يخاف إذاعته، ولا تودع سرك
إلا عند كل ثقة (16)، ولا تلفظ إلا بما يتعارفون به الناس (17)

(12) كذا في النسخة، ولعل الصواب: (وان تحققت لعبادة ربك
قالوا متصنع مراء) يقال: تحقق الخبر أي ثبت. وصنع الشئ أي حسنه
وزينه. ويقال: تصنع أي تكلف التزين، وأظهر عن نفسه ما ليس فيه، أي
ان كنت ذا ثبات واستقامة في عبادة ربك قالوا: يعمل العلم رياء وتصنعا.
(13) يقال: رجل مهذار أي هاذ، يتكلم بما لا ينبغي ويخلط في منطقه.
(14) صارموك مأخوذ من المصارمة المشتقة من الصرم بمعنى القطع.
أي ان احتجت إليهم قطعوا عنك علاقتهم، وهاجروك.
(15) كأنه مأخوذ من قولهم: - أصغى الاناء: أماله، أي أسمعك النصيحة
وصفات الناس من أمال كلامه إليك، ووجه خطابه نحوك، لتستمع فتعمل
على وفقه بتمام جدك عن خبرة وبصيرة، والمسمع والناصح كان ممن ابتلي
بالفزع من جور الناس، وعرفهم حق معرفتهم فقطع طمعه ورجاءه من
مواعيدهم الكاذبة، فأقبل على شأنه، ودارى الكاذبين والظالمين من أهل زمانه
(16) كذا في النسخة، ولعل زيادة كلمة كل من النساخ.
(17) هذا كأنه من لغة: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار.
ومن قوله (ع): واعلم - إلى آخر الوصية - قد تكرر عنه (ع)
وتكلم بها في طوال كلامه وقصاره، والدليل عليه الالمام بنهج البلاغة أو نهج
السعادة.
36

ولا تخالطهم إلا بما يفعلون احذر كل الحذر، وكن
فردا وحيدا.
واعلم أن من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره
ومن كابد الأمور عطب، ومن اقتحم اللجج غرق، ومن
أعجب برأيه، ضل ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على
الناس ذل ومن مزح استخف به، ومن كثر من شئ عرف
به ومن كثر كلامه كثر خطأوه، ومن كثر خطأوه قل
حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه قل دينه،
ومن قل دينه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار (8).
البحار: 17، 66، ط الكمباني، وذيل الكلام رواه السيد الرضي (ره)
في المختار 349 من قصار النهج، وله شواهد ومصادر أخرى أيضا.

(18) ترتب دخول النار على موت القلب، وموت القلب على قلة الديانة
وقلة الديانة على قلة الورع، وقلة لورع على قلة الحياء على
كثرة الخطاء، وكثرة الخطاء على كثرة الكلام، أمر ظاهر لمن عرف وظائفه،
واختبر حاله، والتفت إلى لوازم أعماله، ونتائج أفعاله.
37

وينبغي التنبيه على أمور:
الأمر الأول:
بين عليه السلام بقوله: (وما طلابك بقوم ان كنت عالما عابوك،
) الخ أن السلامة عن ألسن الناس من المعجز الذي لا يدرك، والممتنع الذي
لا يملك، وهذا مما أطبقت عليه التجارب، وتواترت فيه الآثار والروايات،
فعلى العاقل ان يمشي على طبق المصالح، ويأتي بما ينفعه دنيويا كان أو
دينيا، ولا يتعب نفسه في تحصيل المحال، وارضاء قلوب الرجال، من
أهل الدنيا وأرباب الضلال، أو القاصرين والجهال، فان الساعي في ذلك
لاحظ له الا الكلال والوبال، فان كنت في شك من ذلك فعليك بالتجربة
والاستماع لما يتلى عليك من الآثار الواردة عن المعصومين والصلحاء
عليهم السلام.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: رضا الناس غاية لا تدرك (1).
وعن السيد ابن طاوس (ره) قال: روي أن موسى (ع) قال: يا رب
احبس عني السنة بني آدم، فإنهم يذموني (وقد أوذي كما اخبر الله جل
جلالة بذلك فقال: لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا) قيل:
فأوحى الله جل جلاله إليه يا موسى هذا شئ ما فعلته مع نفسي، أفتريد أن
أعمله معك؟ فقال موسى قد رضيت أن تكون لي أسوة بك.
وروي ان لقمان الحكيم قال لولده في وصيته: لا تعلق قلبك برضى
الناس ومدحهم وذمهم، فان ذلك لا يحصل ولو بالغ الانسان في تحصيله
بغاية قدرته، فقال ولده: يا أبه أحب ان أرى لذلك مثالا أو فعالا أو

(1) رواه ابن مسكويه (ره) في الحكمة الخالدة: 108.
38

مقالا، فقال له: اخرج معي فخرجا وكان معهما بهيم، فركبه لقمان وترك
ولده يمشي وراءه، فاجتازوا على قوم فقالوا هذا شيخ قليل الرحمة،
ما أقسى قلبه يركب هو الدابة وهو أقوى من هذا الصبي ويترك الصبي
ماشيا بئس التدبير هذا؟ فقال لقمان لولده: سمعت قولهم وانكارهم
لركوبي وتركك ماشيا؟ فقال: نعم، فقال: اركب أنت يا ولدي وانا أمشي
فركب ولده ومشى لقمان، فاجتازوا على جماعة أخرى فقالوا: بئس
الوالد وما ولد، أما الوالد فإنه ما أحسن تربية هذا الصبي وما أدبه ولذا
يركب الدابة ويترك والده يمشي وراءه، والوالد أحق بالركوب والاحترام، وأما
الولد فلأنه عق والده بهذه الحال، فكلاهما أساءا في الفعال، فقال لقمان
لولده: هل سمعت ما قالوا؟ قال: نعم، قال: فنركب معا، فركبا معا
وانطلقا حتى أتوا جماعة فقالوا: ما في قلب هذين الراكبين من رحمة ولا
عندهم من الله من خبر، يركبان معا الدابة يقطعان ظهرها ويحملانها ما لا
تطيق، لو ركب أحدهما ومشى الآخر لكان أجود، فقال: أصغيت ما قالوا؟
قال: نعم، قال فهات حتى نترك الدابة تمشي خالية من ركوبنا فساقا
الدابة بين أيديهما وهما يمشيان، فمروا على طائفة فلما أبصروا بهما قالوا
ما أعجب أمر هذين الشخصين يتركان الدابة تمشي فارغة بلا راكب وهما
ماشيان متعبان، وذموهما على فعلهما أشد ذم، فالتفت لقمان إلى ولده
فقال: هل ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال، فاذن لا تلتفت إليهم،
واشتغل برضاء الله جل جلاله، ففيه شغل شاغل وسعادة واقبال في الدنيا
ويوم الحساب والسؤال.
وعن النبي صلوات الله عليه أنه قال: يأتي على الناس زمان وجوههم
وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين، كأمثال الذئاب الضواري،
سفاكون للدماء، لا يتناهون عن منكر فعلوه، ان تابعتهم ارتابوك، وان
39

حدثتهم كذبوك، وان تواريت عنهم اغتابوك، السنة فيهم بدعة، والبدعة
فيهم سنة، والحليم بينهم غادر، والغادر بينهم حليم، والمؤمن بينهم
مستضعف، والفاسق فيما بينهم مشرف، صبيانهم عارم، ونساؤهم شاطر
وشيخهم لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، الالتجاء إليهم خزي،
والاعتداد بهم ذل، وطلب ما في أيديهم فقر الخ الحديث 16، من الباب
49، من كتاب الجهاد، من المستدرك: 321.
وفي الحديث 22، من الباب، من الكتاب: روت أم هاني عن علي
عليه السلام أنه قال: يأتي على الناس زمان إذا سمعت باسم رجل خير
من أن تلقاه، فإذا رأيته لقيته خيرا من أن تجربه، ولو جربته اظهر لك
أحوالا، دينهم دراهمهم، وهمتهم بطونهم، وقبلتهم نساؤهم، يركعون
للرغيف، ويسجدون للدرهم، حيارى سكارى لا مسلمين ولا نصارى.
وعن كفاية النصوص عن الحسين بن علي، عن هارون بن موسى،
عن محمد بن الحسن عن الصفار، عن يعقوب بن زيد، عن ابن أبي
عمير، عن هشام، قال كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليه السلام
إذ دخل عليه معاوية بن وهب وعبد الملك بن أعين فقال له معاوية بن وهب:
يا بن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول الله (ص) رأى
ربه، على اي صورة رآه؟ وعن الحديث الذي رووه ان المؤمنين يرون ربهم
في الجنة على اي صورة يرونه؟ فتبسم (ع) ثم قال: يا معاوية ما أقبح
بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من
نعمة ثم لا يعرف الله حق معرفته! ثم قال: يا معاوية ان محمدا (ص)
لم ير الرب تبارك وتعالى بمشاهدة العيان، وان الرؤية على وجهين:
رؤية القلب ورؤية البصر، فمن عني برؤية القلب فهو مصيب، ومن عني
برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته، لقول رسول الله (ص): من شبه
الله بخلقه فقد كفر. ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن الحسين بن علي
40

قال: سئل أمير المؤمنين (ع) فقيل: يا أخا رسول الله (ص): هل
رأيت ربك؟ فقال (ع): وكيف اعبد من لم أره؟! لم تره العيون
بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، فإذا كان المؤمن
يرى ربه بمشاهدة البصر، فان كل من جاز عليه البصر والرؤية فهو مخلوق
ولابد للمخلوق من الخالق، فقد جعلته إذا محدثا مخلوقا، ومن شبهه
بخلقه فقد اتخذ مع الله شريكا، ويلهم أو لم يسمعوا بقول الله تعالى:
(لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير) وقوله:
(لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلما
تجلى ربه للجبل جعله دكا) وإنما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج
من سم الخياط، فدكدكت الأرض وصعقت الجبال فخر موسى صعقا اي
ميتا، فلما افاق ورد عليه روحه قال: سبحانك تبت إليك من قول من زعم
انك ترى، ورجعت إلى معرفتي بك ان الابصار لا تدركك، وانا أول
المؤمنين وأول المقرين بأنك ترى ولا ترى، وأنت بالمنظر الاعلى.
ثم قال (ع): ان أفضل الفرائض وأوجبها على الانسان معرفة
الرب والاقرار له بالعبودية، وحد المعرفة ان يعرف انه لا آله غيره ولا شبيه
له ولا نظير، وان يعرف انه قديم مثبت، موجود غير فقيد، موصوف
من غير شبيه ولا مبطل، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، وبعده
معرفة الرسول والشهادة بالنبوة، وأدنى معرفة الرسول الاقرار بنبوته،
وان ما أتى به من كتاب أوامر أو نهي فذلك من الله عز وجل، وبعده
معرفة الامام الذي به تأتم بنعته وصفته واسمه في حال العسر واليسر،
وأدنى معرفة الامام انه عدل النبي (الا درجة النبوة) ووارثه، وان
طاعته طاعة الله وطاعة رسول الله، والتسليم له في كل أمر، والرد إليه،
والاخذ بقوله، ويعلم ان الامام بعد رسول الله (ص) علي بن أبي طالب
41

عليه السلام، وبعده الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد
ابن علي، ثم أنا، ثم بعدي موسى ابني، وبعده علي ابنه، وبعد علي ابنه
محمد، وبعد محمد علي ابنه، وبعد علي الحسن ابنه، والحجة من ولد
الحسن. ثم قال: يا معاوية جعلت لك أصلا في هذا، فاعمل عليه فلو
كنت تموت على ما كنت عليه لكان حالك أسوأ الأحوال، فلا يغرنك
قول من زعم أن الله تعالى يرى بالبصر، (قال: وقد قالوا أعجب من
هذا): أو لم ينسبوا آدم إلى المكروه؟ أو لم ينسبوا إبراهيم إلى
ما نسبوا إليه؟ ولم ينسبوا داود إلى ما نسبوا إليه من حديث الطير؟ أو
لم ينسبوا يوسف الصديق إلى ما نسبوه من حديث زليخا؟ أو لم ينسبوا
موسى إلى ما نسبوه من القتل؟ أو لم ينسبوا رسول الله (ص) إلى
ما نسبوه من حديث زيد؟ أو لم ينسبوا علي بن أبي طالب (ع) إلى
ما نسبوه من حديث القطيفة (19)؟ انهم أرادوا بذلك توبيخ الاسلام،
ليرجعوا على أعقابهم، أعمى الله أبصارهم كما أعمى قلوبهم، تعالى الله
عن ذلك علوا كبيرا. الحديث 29، من باب نفي الرؤية، من البحار:
2، 120.
أقول: محل الشاهد آخر الحديث، ولكن لاشتماله على مباحث
مهمة من المعارف التي قد خبط في كثير منها كثير من العامة والخاصة،
ذكرناه بجملته خدمة للعلم، وكذا في نظائره مما ذكرناه ونذكره فيما بعد.
وفي الحديث الرابع، من باب العدالة، من البحار: 15، 24 نقلا
عن الصدوق (ره) في الأمالي، معنعنا عن علقمة قال: قال الصادق جعفر
ابن محمد (ع) وقد قلت له: يا بن رسول الله اخبرني عمن تقبل شهادته
ومن لا تقبل. فقال: يا علقمة كل من كان على فطرة الاسلام جازت شهادته.

(19) لم أر هذه النسبة في غير هذا الحديث، والمعروف انهم نسبوه
إلى رسول الله (ص).
42

قال: فقلت له: تقبل شهادة مقترف بالذنوب. فقال: يا علقمة لو لم
تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت الا شهادات الأنبياء والأوصياء صلوات
الله عليهم، لأنهم هم المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره بعينك
يرتكب ذنبا، أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة
والستر، وشهادته مقبولة، وإن كان في نفسه مذنبا، ومن اغتابه بما فيه
فهو خارج عن ولاية الله عز وجل، داخل في ولاية الشيطان، ولقد حدثني
أبي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة أبدا، ومن
اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما، وكان المغتاب في النار
خالدا فيها وبئس المصير. قال علقمة: فقلت للصادق (ع): يا بن رسول
الله ان الناس ينسبوننا إلى عظائم الأمور وقد ضاقت بذلك صدورنا. فقال:
يا علقمة ان رضا الناس لا يملك، وألسنتهم لا تضبط، وكيف تسلمون مما
لم يسلم منه أنبياء الله ورسله وحجج الله عليهم السلام، ألم ينسبوا
يوسف (ع) إلى أنه هم بالزنا؟ ألم ينسبوا أيوب (ع) إلى أنه ابتلي
بذنوبه؟ ألم ينسبوا داود (ع) إلى أنه تبع الطير حتى نظر إلى امرأة
أوريا فهواها، وأنه قدم زوجها امام التابوت حتى قتل ثم تزوج بها؟ ألم
ينسبوا موسى (ع) إلى أنه عنين، وآذوه حتى برأه الله مما قالوا وكان
عند الله وجيها؟ ألم ينسبوا جميع أنبياء الله إلى أنهم سحرة طلبة الدنيا؟
ألم ينسبوا مريم بنت عمران عليهما السلام إلى أنها حملت بعيسى من رجل
نجار اسمه يوسف؟ ألم ينسبوا نبينا محمدا (ص) إلى أنه شاعر مجنون؟
ألم ينسبوه إلى أنه هوى امرأة زيد بن حارثة فلم يزل بها حتى استخلصها
لنفسه؟ ألم ينسبوه يوم بدر إلى أنه اخذ بنفسه من المغنم قطيفة حمراء حتى
أظهره الله على القطيفة وبرأ نبيه من الخيانة، وانزل بذلك في كتابه:
43

(وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيمة)؟ ألم ينسبوه
إلى أنه (ص) ينطق عن الهوى في ابن عمه علي (ع)، حتى كذبهم الله
عز وجل فقال سبحانه: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى)؟
ألم ينسبوه إلى الكذب في قوله: انه رسول من الله إليهم، حتى انزل الله
عز وجل عليه: (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا
حتى أتاهم نصرنا)؟ ولقد قال يوما: عرج بي البارحة إلى السماء.
فقيل: والله ما فارق فراشه طول ليلته.
وما قالوا في الأوصياء أكثر من ذلك: ألم ينسبوا سيد الأوصياء
عليه السلام إلى أنه كان يطلب الدنيا والملك، وانه كان يؤثر الفتنة على
السكون، وانه يسفك دماء المسلمين بغير حلها، وانه لو كان فيه
خير ما أمر خالد بن الوليد بضرب عنقه؟ ألم ينسبوه إلى أنه (ع) أراد
أن يتزوج ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام وان رسول الله شكاه على
المنبر إلى المسلمين فقال: ان عليا يريد ان يتزوج ابنة عدو الله على ابنة نبي
الله (ص)، ألا ان فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني، ومن سرها
فقد سرني، ومن غاظها فقد غاظني؟
ثم قال الصادق (ع): يا علقمة ما أعجب أقاويل الناس في علي (ع)
كم بين من يقول: انه رب معبود، وبين من يقول: انه عبد عاص للمعبود
ولقد كان قول من ينسبه إلى العصيان أهون عليه من قول من ينسبه إلى
الربوبية.
يا علقمة ألم يقولوا (في ظ) الله عز وجل انه ثالث ثلاثة؟ ألم يشبهوه
بخلقه؟ ألم يقولوا انه الدهر؟ ألم يقولوا انه الفلك؟ ألم يقولوا أنه
جسم؟ ألم يقولوا انه صورة؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
يا علقمة ان الألسنة التي تتناول ذات الله تعالى ذكره بما لا يليق بذاته
44

كيف تحبس عن تناولكم بما تكرهونه؟! فاستعينوا بالله واصبر ان
الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، فان بني إسرائيل
قالوا لموسى: أوذينا من قبل ان تأتينا ومن بعد ما جئتنا، فقال الله عز وجل:
قل لهم يا موسى: عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض
فينظر كيف تعملون.
وفي الحديث 34، من مواعظه (ع)، من البحار: 17، 172،
س 4 عكسا، نقلا عن كشف الغمة، قال قال سفيان الثوري: سمعت
(الامام) جعفر الصادق (ع) يقول: عزت السلامة حتى لقد خفي مطلبها
فان تكن في شئ فيوشك أن تكون في الخمول، فان طلبت في الخمول
فلم توجد فيوشك أن تكون في الصمت، فان طلبت في الصمت فلم توجد
فيوشك أن تكون في التخلي، فان طلبت في التخلي فلم توجد فيوشك أن
تكون في كلام السلف الصالح، والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشغل بها.
وكتب الإمام الجواد عليه السلام إلى سعد الخير رسالة وقال في
أواخرها: فالعلماء من الجهال في جهد وجهاد، ان وعظت، قالوا: طغت،
وان علموا (وان عملوا في) الحق الذي تركوا، قالوا: خالفت، وان
اعتزلوهم، قالوا: فارقت، وان قالوا: هاتوا برهانكم على ما تحدثون،
قالوا: نافقت، وان أطاعوهم، قالوا: عصيت الله عز وجل (الخ).
وقال الشاعر:
وما أحد من ألسن الناس سالما * ولو أنه ذات النبي المطهر
فإن كان مقداما يقولون أهوج * وإن كان مفضا لا يقولون مبذر
وإن كان سكيتا يقولون أبكم * وإن كان منطقيا يقولون مهذر
وإن كان صواما وبالليل قائما * يقولون زراق يرائي ويمكر
فلا تكترث بالناس في المدح والثنا * ولا تخش الا الله والله أكبر
45

وعن كتاب بشارة المصطفى 89 و 104، والأغاني: 14، 10 في
قصة نصيب انه قدم أبو نعيم الفضل بن دكين بغداد فنزل الرميلة (وهي
محلة بها) فاجتمع إليه أصحاب الحديث ونصبوا له كرسيا صعد عليه واخذ
يعظ الناس ويذكرهم، ويروي لهم الأحاديث، وكانت أياما صعبة في التقية،
فقام رجل من آخر المجلس وقال له: يا أبا نعيم أتتشيع؟ قال: فكره
الشيخ مقالته، واعرض عنه، وتمثل بهذين البيتين:
وما زال بي حبيك حتى كأنني * برد جواب السائلي عنك أعجم
لأسلم من قول الوشاة وتسلمي * سلمت وهل حي من الناس يسلم
قال: فلم يفطن الرجل بمراده وعاد إلى السؤال وقال: يا أبا نعيم
أتتشيع؟ فقال: يا هذا كيف بليت بك، وأي ريح هبت بك إلي؟ نعم سمعت
صالح بن حي يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: حب علي عبادة، وخير
العبادة ما كتمت (20). ورواه الخطيب أيضا في تاريخ بغداد: 12، 351، ط 1
في ترجمة أبي نعيم.
وقال بعض العرفاء: أقلل من معرفة الناس إياك، فإنك لا تدري حالك
يوم القيامة، فان تكن فضيحة كان من يعرفك قليلا.
وقال بعضهم: دع الراغبين في صحبتك، والصارعين إلى منادمتك،
والتعلم من افادتك، فليس لك منهم مال، ولا يحصل لك حال ولا جمال،
ولا يندفع بمجالستهم منك ملال ولا كلال، واعلم أن اخوان الجهر أعداء السر

(20) وروى المحدث القمي (ره) في ترجمة الثوري عن تاريخ بغداد
للخطيب قال: وروي عن عبد الله بن الصلت قال: كنت عند أبي نعيم الفضل
ابن دكين فجاء ابنه يبكي، فقال له: مالك؟ فقال: الناس يقولون: انك
تتشيع. فأنشأ يقول:
وما زال كتمانيك حتى كأنني * برجع جواب السائلي عنك أعجم
لاسلم من قول الوشاة وتسلمي * سلمت وهل حي من الناس يسلم
46

إذا لقوك تملقوك، وإذا غبت عنهم سلقوك، من أتاك منهم كان عليك رقيبا،
وإذا خرج منك كان عليك خطيبا، أهل نفاق وتهمة، وأصحاب غل وخديعة
لا تغر باجتماعهم عليك، فما غرضهم العلم والكمال والحال، بل الجاه والمال
وأن يتخذوك سلما لأوطارهم، وحمارا في أثقالهم وأوزارهم، ان قصرت في
غرض من أغراضهم كانوا أشد أعوان عليك، ويرون ترددهم إليك حقا واجبا
لديك، ويتوقعون منك أن تبذل عرضك ودينك لهم، فتعادي عدوهم، وتنصر
قرينهم وخليلهم، وتنتهض لهم سفيها، وتكون لهم تابعا خسيسا، بعد أن
كنت متبوعا ورئيسا، ولذلك قيل: اعتزال العامة مروءة تامة، وهو كلام
حق، لأنا نرى المدرسين في زماننا كأنهم في رق دائم، وتحت حق لازم،
ذمته ثقيلة ممن يتردد إليه، فكأنه يهدي تحفة لديه، وربما لا يختلف عليه
في الأدوار حتى يتكلف برزق له على الأوزار، ثم المدرس المسكين، والمولى
الضعيف الدين، لعجزه عن القيام بذلك من ماله لا يزال يتردد إلى أبواب
المتسلطين، ويقاسي الشدائد والذل، مقاساة الذليل المهين، حتى يكتب له
بعد الابرام التام، على بعض وجوه السحت مال حرام، ثم يبقى في مخمصة
القسمة على الأصحاب، والتوزيع على الكلاب، ان سوى بينهم مقته المبرزون
ونسبوه إلى الحمق والجهالة والقصور عن درك المصارف، والفتور عن
القيام في مقادير الحقوق بالعدل، وان فرق بينهم سلقه السفهاء بألسنة حداد
وثاروا عليه ثورة الأسد والآساد، فلا يزال في عناء ومشقة في الدنيا، ومظالم
مما يأخذه في العقبى، والعجب منه انه مع ذلك كله والداء جله، يزعم أنه
فيما يفعله مريد لوجه الله، ومذيع شرع رسول الله، وناشر علم دين الله،
وقائم بكفاية طلاب العلم، ولو لم يكن مضحكة للشيطان، وسخرة لإخوان
الزمان، يعلم أن فساد الزمان لا سبب له الا كثرة أمثال أولئك الأشخاص في
هذا الأوان.
47

وقال بعض الحكماء، ان أردت أن يطيب عيشك فارض من الناس
ان يقولوا: انك مجنون، بدل قولهم: انك عاقل.
وقال بعضهم: ان لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون.
الأمر الثاني: في ذكر شئ من الاشعار التي تناسب المقام.
نسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام على ما في الديوان: 135، في
المختار 6، من حرف النون:
هذا زمان ليس اخوانه * يا أيها المرء باخوان
اخوانه كلهم ظالم * لهم لسان ووجهان
يلقاك بالبشر وفي قلبه * داء يواريه بكتمان
حتى إذا ما غبت عن عينه * رماك بالزور وبهتان
هذا زمان هكذا أهله * بالود لا يصدقك اثنان
يا أيها المرء فكن مفردا (واحدا خ) * دهرك لا تأنس بانسان
وجانب الناس وكن حافظا * نفسك في بيت وحيطان (21)
وعن سفيان الثوري قال: قصدت جعفر بن محمد (ع)، فأذن لي في الدخول
فوجدته في سرداب ينزل اثنتي عشرة مرقاة، فقلت: يا بن رسول الله أنت
في هذا المكان مع حاجة الناس إليك؟ فقال: يا سفيان فسد الزمان، وتنكر
الإخوان، وتقلب الأعيان، فاتخذنا الوحدة سكنا، أمعك شئ تكتب؟ قلت:
نعم. فقال: اكتب:
لا تجز عن لوحدة وتفرد * ومن التفرد في زمانك فازدد
فسد الإخاء فليس ثمة اخوة * الا التملق باللسان وباليد
وإذا نظرت جميع ما بقلوبهم أبصرت سم نقيع ثم الأسود
فإذا فتشت ضميره من قلبه * وافيت عند مرارة لا تنفد

(21) البيتان الأخيران من زيادات مجموعة الأمثال على ما قيل.
48

ونعم ما قيل:
أما اللسان فمطلي به عسل * وفي القلوب زنابير وحيات
وعن كتاب العدد القوية لأخي العلامة الحلي (ره): قال الثوري لجعفر
ابن محمد: يا بن رسول الله اعتزلت الناس. فقال: يا سفيان فسد الزمان،
وتغير الإخوان، فرأيت الانفراد أسكن للفؤاد، ثم قال:
ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب * والناس بين مخاتل وموارب
يفشون بينهم المودة والصفا * وقلوبهم محشوة بعقارب
وقال آخر:
فسد الزمان فكل من صاحبته * راج ينافق أو مذاج حاشي
وإذا اختبرتهم ظفرت بباطن متجهم وبظاهر هشاش
وقال بعضهم:
كفى حزنا ان الشرائع عطلت * وان ذوي الألباب في الناس ضيع
وان ملوك الناس لم يحظ عندهم * من الناس الامن يغني ويصفع
وقال المعتصم التجيبي:
وزهدني في الناس معرفتي بهم * وطول اختياري صاحبا بعد صاحب
فلم ترني الأيام خلا تسرني * مباديه الا ساءني في العواقب
ولا صرت أرجوه لدفع ملمة * من الدهر الا كان احدى النوائب
وقال الأرجاني:
ولما بلوت الناس اطلبت عندهم * أخا ثقة عند اشتداد الشدائد
فلم أر فيما ساءني غير شامت * ولم أر فيما سرني غير حاسد
تطلعت في حالي رخاء وشدة * وناديت في الحالين هل من مساعد
تمتعتما يا ناظري بنظرة * وأوردتما قلبي أمر الموارد
أعيني كفا عن فؤادي فإنه * من البغي سعي اثنين في قتل واحد
49

وما أحلى في المقام ما ذكره بعضهم في وصية حيث قال:
ينبغي للعاقل ان يعامل كل أحد في الظاهر معاملة الصديق، وفي
الباطن معاملة العدو في التحفظ منه والتحرز، وليكن التحرز من صديقه
أشد مما يكون في التحرز عن عدوه، وان يعذر الناس في مباحثهم وادراكاتهم
فان ذلك على حسب عقولهم، وان يضبط نفسه عن المراء والاستخفاف
بأبناء زمانه، وان لا يبحث الا مع من اجتمعت فيه شرائط الديانة والفهم
والمزاولة لما يبحث، وان لا يغضب على من لا يفهم مراده، ومن لا يدرك
ما يدركه، وان لا يقدم على تخطئة أحد ببادي الرأي، ولا يعرض بذكر
أهله، ولا يجري ذكر حرمه بحضرة جليسه، وان لا يركن على أحد الا
على الله تعالى، وان يكثر من مطالعة التواريخ فإنها تلقح عقلا جديدا،
وأنشد:
أرحت روحي من الايناس بالناس * لما غنيت عن الأكياس بالياس
وصرت في البيت وحدي لا أرى أحدا * بنات فكري وكتبي كان جلاسي
وقال آخر:
أيا رب ان الناس لا ينصفونني * وكيف ولو أنصفتهم ظلموني
وإن كان لي شئ تصدوا لأخذه * وان جئت أبغي منهم منعوني
وان نالهم بدلي فلا شكر عندهم * وان انا لم أبذل لهم شتموني
وان طرقتني نقمة فرحوا بها * وان صحبتني نعمة حسدوني
سأمنع قلبي ان يحن إليهم * واحجب عنهم ناظري وجفوني
وقال بعضهم:
انست بوحدتي ولزمت بيتي * فطاب الانس بي وصفا السرور
وأدبني الزمان ولا أبالي * بأني لا أزار ولا أزور
ولست بسائل ما عشت يوما * أسار الجند أم ركب الأمير
50

وقال آخر:
رضيت من الدنيا بقوت وشملة * وشربة ماء كوزها متكسر
فقل لبني الدنيا اعزلوا من أردتم * وولوا وخلوني من البعد انظر
وقال آخر:
من حمد الناس ولم يبلهم * ثم بلاهم ذم من يحمد
وصار بالواحدة مستأنسا * يوحشه الأقرب والأبعد
وقال الزمخشري:
أطلب أبا القاسم الخمول ودع * غيرك يطلب أساميا وكنى
شبه ببعض الأموات نفسك لا تبرزه ان كنت عاقلا فطنا
ادفنه في البيت قبل ميتته * واجعل له من خموله كفنا
علك تطفي ما أنت موقده * إذ أنت في الجهل تخلع الرسنا
قال في العقد الفريد: 2، 140،: وقيل لدعبل الشاعر: ما الوحشة
عندك؟ قال: النظر إلى الناس، ثم أنشأ يقول:
ما أكثر الناس لابل ما أقلهم * الله يعلم اني لم أقل فندا
اني لأفتح عيني حين افتحها على كثير ولكن لا أرى أحدا
وقال ابن أبي حازم:
طب عن الامرة نفسا * وارض بالوحشة انسا
ما عليها أحد يساوى * على الخبرة فلسا
وقال آخر:
قد بلوت الناس طرا * لم أجد في الناس حرا
صار أحلى الناس في العين * إذا ما ذيق مرا
وقال الطغرائي في لامية العجم:
أعدى عدوك أدنى من وثقت به * فحاذر الناس واصحبهم على وجل
51

وإنما رجل الدنيا وواحدها * من لا يعول في الدنيا على رجل
وحسن ظنك بالأيام معجزة * فظن شرا وكن منها على وجل
غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت * مسافة الخلف بين القول والعمل
وشأن صدقك عند الناس كذبهم * وهل يطابق معوج بمعتدل
فيم اقتحامك لج البحر تركبه * وأنت تكفيك منه مصة الوشل
ملك القناعة لا يخشى عليه ولا * يحتاج فيه إلى الأنصار والخول
ترجوا البقاء بدار لابقاء لها * فهل سمعت بظل غير منتقل
فيا خبيرا على الاسرار مطلعا * اصمت ففي الصمت منجاة من الزلل
الأمر الثالث:
في ذكر قطعة من كلام الحكماء والعظماء في التفرد قال خليل بن أحمد
(ره): العزلة توقي العرض، وتبقى الجلالة، وتستر الفاقة، وترفع مئونة
المكافات في الحقوق اللازمة (1).
ومر بعض النساك براهب فقال: يا راهب لقد تعجلت وحشة الوحدة،
فقال: الراهب: يا فتى لو ذقت حلاوة الوحدة لاسترحت إليها من نفسك.
وقيل لبعض الحكماء: ما الذي أرادوا بالخلوة والعزلة. فقال:
دوام الفكر، ثبات العلوم في قلوبهم ليحيوا حياة طيبة، ويموتوا موتا طيبا.
وقيل لبعضهم: ما أصبرك على الوحدة. فقال: لست وحدي أنا
جليس ربي إذا شئت انا يناجيني قرأت كتابه وإذا شئت ان أناجيه صليت (2).
جاء هرم بن حيان إلى أويس فقال له: ما حاجتك، قال: جئت

(1) الحكمة الخالدة 153، لابن مسكويه (ره).
(2) كأن هذا القائل اخذ هذا المعنى من أمير المؤمنين (ع) في وصيته
الطويلة إلى الامام المجتبى (ع) كما في المختار (34) من كتب النهج.
52

لأنس بك. قال: ما كنت أعرف أحدا يعرف ربه فيأنس بغيره.
وقال بعض العلماء: إنما يستوحش الانسان من نفسه لخلو ذاته عن
الفضيلة، فيتكثر حينئذ بملاقاة الناس ويطرد الوحشة عن نفسه بهم، فإذا
كانت ذاته فاضلة طلب الوحدة ليستعين بها على الفكرة، ويستخرج العلم
والحكمة. وكان يقال: الاستئناس بالناس من علامات الافلاس.
وكان الفضيل جالسا وحده في المسجد، فجاء إليه أخ له، فقال:
ما جاء بك. قال: المؤانسة. قال: هي والله بالمواحشة أشبه، هل تريد
الا أن تتزين لي وأتزين لك، وتكذب لي واكذب لك، اما ان تقوم عني
واما أن أقوم عنك. وقال بعضهم: ما أحب الله عبدا الا أحب ألا يشعر
به خلقه.
وقال ابن السماك: كتب الينا صاحب لنا: أما بعد فان الناس كانوا
دواء يتداوى به، فصاروا داء لا دواء لهم، ففر منهم فرارك من الأسد.
وكان بعضهم يلازم الدفاتر والمقابر، فقيل له في ذلك، قال: لم
أر أسلم من الوحدة، ولا أوعظ من قبر، ولا أمتع من دفتر.
وقال بعض الصالحين: كان الناس ورقا لا شوك فيه، فالناس اليوم
شوك لا ورق فيه. وقال سفيان عيينة: قال لي سفيان الثوري في اليقظة في حياته،
وفي المنام بعد مماته: أقلل معرفة الناس، فان التخلص منهم شديد، ولا
أحسبني رأيت ما اكره الا ممن عرفت.
وقال أبو الدرداء: اتقوا الله واحذروا الناس فإنهم ما ركبوا ظهر بعير
ألا ادبروه، ولا ظهر جواد الا عقروه، ولا قلب مؤمن الا أخربوه.
وقال بعضهم أقلل المعارف فإنه أسلم لدينك وقلبك، واخف لظهرك
وأدعى إلى سقوط الحق عنك، لأنه كلما كثرت المعارف كثرت الحقوق
53

وعسر القيام بالجميع.
وقال بعضهم: إذا أردت النجاة فأنكر من تعرف، ولا تتعرف إلى
من لا تعرف.
ومن كلام بعضهم: كثرة الأصدقاء زيادة (كثرة خ) الغرماء.
وقال الشاعر:
عدوك من صديقك مستفاد * فلا تستكثرن من الصحاب
فان الداء أكثر ما تراه * يكون من الطعام أو الشراب
وللمقام بقية تقف عليها فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
54

ومن وصية له عليه السلام
ثقة الاسلام الكليني طاب ثراه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن
بعض أصحابه، عن أبي حمزة، وعن عقيل الخزاعي، ان أمير المؤمنين
عليه السلام، كان إذا حضر الحرب، يوصي المسلمين بكلمات فيقول:
تعاهدوا الصلاة (1)، وحافظوا عليها واستكثروا منها،
وتقربوا بها فإنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (2)، وقد
علم ذلك الكفار حين سئلوا ما سلككم في سقر، قالوا لم
نك من المصلين (3).

(1) وفى النهج: تعاهدوا أمر الصلاة الخ.
(2) اقتباس من الآية (102) من سورة النساء. وكتابنا، أي مفروضا.
وموقوتا، اي ذات وقت، وصاحبة زمان تؤدى في أوقاتها نجوما، والا ففي
خارجها، وذلك لقيام الأدلة على أنها محبوبة على نحو تعدد المطلوب.
(3) إشارة إلى قوله تعالى - في الآية (44) من سورة المدثر -: (في جنات
يتسائلون عن المجرمين ما سلككم في سقر، قالوا: لم نك من المصلين، ولم نك نطعم
المسكين).
ثم إن في النهج بعد قوله: (كتابا موقوتا) هكذا: ألا تسمعون إلى
جواب أهل النار حين سئلوا (ما سلككم في سقر، قالوا: لم نك من المصلين).
وانها لتحت الذنوب حت الورق، وتطلقها اطلاق الربق، وشبهها رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم بالحمة تكون على باب الرجل فهو يغتسل منها في
اليوم والليلة خمس مرات، فما عسى أن يبقى عليه من الدرن، وقد عرف
حقها رجال من المؤمنين الذين لا تشغلهم عنها زينة متاع، ولا قرة عين، الخ.
55

وقد عرف حقها من طرقها (4). وأكرم بها من المؤمنين
الذين لا يشغلهم عنها زين متاع ولا قرة عين من مال ولا
ولد، يقول الله عز وجل: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع
عن ذكر الله وإقام الصلاة) (5) وكان رسول الله صلى الله عليه
وآله منصبا (6) لنفسه بعد البشرى له بالجنة من ربه، فقال
عز وجل: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) الآية فكان

(4) أي من أتى بها ليلا، من الطروق بمعنى الاتيان بالليل، أي واظب
عليها في الليالي، وقيل: من جعلها دأبه وصنعه.
أقول: ويمكن أن يكون من باب التفعيل، من طرق الموضع إذا جعله
طريقا، أي قد عرف حق الصلاة من جعلها طريقا إلى الله، ويحتمل قويا أن تكون
اسما مضموم الفاء والعين، ويكون جمعا للطريق، وكلمة (من) حرف
جر، والجار في قوله: (من المؤمنين) متعلقا بقوله: (وقد عرف) والموصول
فاعل لقوله: (عرف) والتقدير: قد عرف من المؤمنين حق الصلاة من من طريقها
من لا يشغله عنها مال ولا ولد، واما من شغله المال والولد عن الصلاة فلم يعرف
الصلاة من سبيل معرفتها ودرب عرفان حقيقتها، فمعرفته ليست حقيقية،
لأنها لم تكن مأخوذة من محلها ومظانها، ويحتمل أيضا حذف الفاعل للعلم به
كما يحتمل ان الراوي قد سها عن ذكره، أو النساخ قد نسوه فما كتبوه،
ويؤيد الوجهين الأخيرين ما ذكرناه عن النهج.
(5) الآية 38، من سورة النور. ومعنى لا تلهيهم: لا تصرفهم.
(6) أي متعبا، من الأنصاب المأخوذ من النصب. وفى النهج: وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم نصبا بالصلاة بعد التبشير له بالجنة،
لقول الله سبحانه: (وأمر أهلك بالصلاة) إلى آخر الآية (132) من سورة طه
56

يأمر بها أهله ويصبر عليها نفسه.
ثم إن الزكاة جعلت مع الصلاة قربانا لأهل الإسلام
على أهل الإسلام ومن لم يعطها طيب النفس بها يرجو بها من
الثواب، ما أفضل عنها، فإنه جاهل بالسنة، مغبون الأجر،
ضال العمر (7)، طويل الندم بترك أمر الله عز وجل والرغبة عما
عليه صالحوا عباد الله، يقول الله عز وجل:
(ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى) من
الأمانة (8)، فقد خسر من ليس من أهلها، وضل عمله عرضت

(7) وفى النهج: ثم إن الزكاة جعلت مع الصلاة قربانا لأهل الاسلام، فمن
أعطاها طيب النفس بها فإنها تجعل له كفارة، ومن النار حجازا ووقاية، فلا
يتبعنها أحد نفسه، ولا يكثرن عليها لهفة، فان من أعطاها غير طيب النفس
بها يرجو بها ما هو أفضل منها، فهو جاهل بالسنة، مغبون الاجر، ضال العمل
طويل الندم الخ.
(8) الآية (114) من سورة النساء، ومعنى قوله: (نوله ما تولى) أي
نخلي بينه وبين نفسه وما اختاره، فما تشمله الألطاف الخاصة للمنقادين،
وأما قوله: (من الأمانة) فالظاهر أنه متعلق بقوله: (والرغبة عما عليه
صالحو عباد الله) و (من) بيانية، أي من لم يعط الزكاة بطيب نفسه فإنه
جاهل ومغبون وضال العمل وطويل الندم بترك أمر الله، وأعراضه عما عليه
عمل عباد الله الصالحين من أداء الزكاة الخ. وفى النهج هكذا: ثم أداء الأمانة
فقد خاب من ليس من أهلها، انها عرضت على السماوات المبنية، والأرضين
المدحوة، والجبال ذات الطول المنصوبة، فلا أطول ولا اعرض ولا أعلى ولا
أعظم منها، ولو امتنع شئ بطول أو عرض أو قوة أو عز، لامتنعن، ولاكن
أشفقن من العقوبة، وعقلن ما جهل من هو أضعف منهن وهو الانسان انه كان
ظلوما جهولا الخ، وعلى ما في النسخة فالمراد من الأمانة الزكاة، بخلاف ما في
النهج فإنه عام للجميع، والكلام إشارة إلى الآية (72) من سورة الأحزاب.
57

على السماوات المبنية والأرض المهاد، والجبال المنصوبة،
فلا أطول ولا أعرض ولا أعلى ولا أعظم
، لو امتنعن من طول
أو عرض أو عظم أو قوة أو عزة، امتنعن، ولكن أشفقن من
العقوبة.
ثم إن الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام وهو قوام
الدين، والأجر فيه عظيم، مع العزة والمنعة، وهو الكره (7)،
فيه الحسنة، والبشرى بالجنة بعد الشهادة، وبالرزق عدا
عند الرب والكرامة، يقول الله عز وجل: (ولا تحسبن الذين
قتلوا في سبيل الله أمواتا) الآية (8).
ثم إن الرعب والخوف من جهاد المستحق للجهاد،

(7) كما قال الله تعالى (في الآية (216) من سورة البقرة: 2): (كتب
عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى ان
تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
(8) الآية (169) من سورة آل عمران.
58

والمتوازرين على الضلال. ضلال في الدين وسلب للدنيا
مع الذل والصغار، وفيه استيجاب النار بالفرار من الزحف،
عند حضرة القتال (9).
يقول الله عز وجل! (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين
كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار) (10) فحافظوا على أمر الله
عز وجل في هذه المواطن التي الصبر عليها كرم وسعادة،
ونجاة في الدنيا والآخرة، من فظيع الهول والمخافة، فإن
الله عز وجل لا يعبؤ بما العباد مقترفون (11) ليلهم ونهارهم،

(9) الحضر والحضرة - كفرس وضربة -: الحضور. الجنب. القرب
الفناء.
(10) الآية (15) من سورة الأنفال: 8.
(11) لا يعبؤا: لا يبالي. ومقترفون: مكتسبون، وهذا ارشاد وبيان
إلى أنه تعالى غني عن العالمين، لا يضره عصيان العصاة، ولا تنفعه طاعة الصلحاء
ويحتمل أن يكون معنى قوله: (لا يعبؤ) لا يثقل عليه ولا يعزب عنه، كقوله
تعالى (ولا يؤده حفظهما)، وهذا المعنى ألصق بقوله (لطف به علما) الخ
ويدل عليه أيضا ما في النهج، فإنه روى الكلام هكذا:
ان الله - سبحانه وتعالى - لا يخفى عليه ما العباد مقترفون في ليلهم ونهارهم
لطف به خبرا، وأحاط به علما، أعضاؤكم شهوده، وجوارحكم جنوده،
وضمائركم عيونه، وخلواتكم عيانه.
وهو أظهر مما رويناه، وعلى هذا فالكلام سيق مساق التهديد للعاصين
والتحضيض للعاملين، وقوله (وكل ذلك في كتاب) الخ اقتباس من الآية (54)
من سورة طه: 20، وبهما وأمثالها مما لا يحصى يرد على من أنكر علم الله
أزلا على ما عدا ذاته تعالى من الحوادث والممكنات.
59

لطف به علما وكذلك في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى
فاصبروا وصابروا واسألوا النصر، ووطنوا أنفسكم على
القتال.
واتقوا الله عز وجل، فإن الله مع الذين اتقوا والذين
هم محسنون (12).
الحديث الأول من الباب (15) من كتاب الجهاد من الكافي: 5،
36، ونقلها عنه في البحار: 8، 623، س 2 عكسا.
وأيضا رواها في منهاج البراعة: 12، ص 360، ط 2.
وقريب منها في المختار: (195، أو 197) من باب الأول من
النهج 194.
وينبغي ان نذكر بعض ما ورد في الشريعة المقدسة، مما تكلفت الوصية
الشريفة لذكره تتميما للفائدة، وأما ترجمة رواتها فقد تعرضنا لها فيما سبق
في شرح المختار الأول من هذا الباب، فأتينا على نبذة من ترجمة أبي
حمزة الثمالي: ثابت بن دينار، في ص 18، وعلى ترجمة علي بن إبراهيم
وأبيه في ص 22، و 23، فلم يبق الا عقيل الخزاعي، ولم نطلع على شرح
حاله عدا ما ذكره الشيخ (ره) تحت الرقم (93) من باب العين من
رجاله من انة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، ويعضده سند الوصية،

(12) اقتباس من الآية 128، من سورة النحل.
60

لظهوره في مصاحبة عقيل الخزاعي إياه (ع) في الحروب، وسماعه منه
مشافهة هذه الوصية.
وههنا مطالب
المطلب الأول:
في عظمة الصلاة في الشريعة الغراء والملة الحنيفة البيضاء روى الشيخ
المفيد (ره) في الحديث الخامس عشر من المجلس 23 من الأمالي 119،
معنعنا عن جابر بن عبد الله الأنصاري (ره) قال: خطبنا رسول الله (ص)
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال بعد كلام تكلم به:
أيها الناس عليكم بالصلاة فإنها عمود دينكم، كابدوا الليل بالصلاة
واذكروا الله كثيرا يكفر عنكم سيأتكم، إنما مثل هذه الصلوات الخمس
مثل نهر جار بين يدي باب أحدكم يغتسل منه في اليوم خمس غسلات،
فكما ينقي بدنه من الدرن بتواتر الغسل، فكذا ينقى من الذنوب مع
مداومة الصلاة، فلا يبقى من ذنوبه شئ.
أيها الناس ما من عبد الا وهو يضرب عليه بخاتم معقودة (13) فإذا
ذهب ثلثا الليل وبقي ثلثه اتاه ملك فقال له: قم فأذكر والله فقد دنا الصبح،
قال فان هو تحرك وذكر الله انحلت عنه عقيدة، وان هو قام فتوضأ ودخل
في الصلاة انحلت عنه العقد كلهن، فيصبح حين يصبح قرير العين.
وقريب منه في الحديث (48) من الباب الأول من كتاب الصلاة من
البحار: 18، 9.
وقال (ص): أنما مثل الصلاة فيكم كمثل السرى - وهو النهر -
على باب أحدكم يخرج إليه في اليوم والليلة يغتسل منه خمس مرات، فلم
يبق الدرن على الغسل خمس مرات، ولم يبق الذنوب على الصلاة

(13) كذا.
61

خمس مرات.
وفي كتاب الصلاة من البحار: 18، 6 ط الكمباني عن مجالس الشيخ
الصدوق (ره) عن الإمام العسكري عليه السلام قال: كلم الله عز وجل
موسى بن عمران عليه السلام، قال موسى: الهي ما جزاء من صلى الصلاة
لوقتها. قال: أعطيته سؤله، وأبيحه جنتي الخبر.
وقال: (ع): قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلى الخمس
كفر الله عنه من الذنوب ما بين كل صلاتين، وكان كمن على بابه نهر جار
يغتسل فيه خمس مرات لا تبقى عليه من الذنوب شيئا الا الموبقات التي هي
جحد النبوة والإمامة، أو ظلم اخوانه المؤمنين، أو ترك التقية حتى يضر
بنفسه واخوانه المؤمنين.
مستدرك الوسائل: 1، ص 170، ط 2.
وفي الحديث الأول من الباب الأول من كتاب الصلاة من الكافي معنعنا
عن الإمام الصادق عليه السلام: ما اعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه
الصلاة، الا ترى ان لعبد الصالح عيسى بن مريم عليه السلام قال:
(وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) (14).
وفي الحديث الثاني من الباب معنعنا عنه (ع) قال: أحب الاعمال
إلى الله عز وجل الصلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء الخ.
وفي الحديث السابع من الباب معنعنا عنه (ع) قال: صلاة فريضة
خير من عشرين حجة، وحجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق منه حتى يفنى.
وفي الحديث الثالث منه معنعنا عن الإمام الرضا (ع): أقرب
ما يكون العبد من الله عز وجل وهو ساجد، وذلك قوله عز وجل:
(واسجد واقترب) (15)

(14) الآية (32) من سورة مريم.
(15) الآية (19) من سورة العلق.
62

وفي الحديث السادس منه معنعنا عنه (ع): الصلاة قربان كل تقي.
وفي الحديث التاسع منه معنعنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله
مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط، إذا ثبت العمود نفعت الاطناب والأوتاد
والغشاء، وإذا انكسر العمود لم ينفع طنب ولا وتد ولا غشاء.
وفي الحديث الثالث عشر منه عنه (ص) قال: الصلاة ميزان من وفى
استوفى.
إلى غير ذلك مما هو مذكور فيه وفي غيره من الجوامع.
المطلب الثاني
في أهمية الزكاة عند الشارع المقدس، وكونها من دعائم الشريعة،
ولذا قرنها مع الصلاة في الذكر الحكيم في موارد كثيرة، فقال: وأقيموا
الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين (16).
وقال لنبيه صلى الله عليه وآله: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم
وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم (17).
إلى غير ذلك من الآيات الواردة في الزكاة.
وأما ما ورد من السنة فكثير جدا، وفي كثير منها جمع بينها وبين
الصلاة كما في القرآن المقدس،
روى ثقة الاسلام (ره) في الحديث الأول من الباب الثالث عشر من
كتاب الايمان والكفر من الكافي: 2، 18، معنعنا عن الإمام الباقر (ع)
قال: بني الاسلام على الخمس على الصلاة والزكاة والصوم والحج
والولاية ولم يناد بشئ كما نودي بالولاية.
وفي الحديث الثالث من الباب معنعنا عنه (ع) قال: بني الاسلام على

(16) الآية (42) من سورة البقرة: 2.
(17) الآية (104) من سورة التوبة: 9.
63

خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشئ
كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه - يعني الولاية -
وقريب منهما باسناد آخر في الحديث (7 و 8) من الباب. وكذا في
الحديث الخامس والسادس والتاسع والعاشر والحادي عشر والرابع عشر مع
زيادات كثيرة من مباني الشرع ينبغي للمؤمنين أن يقفوا عليها ويؤدوا حقها.
وفي الحديث الثاني من الباب الأول من كتاب الزكاة من الكافي: 3،
497 معنعنا عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لما أنزلت آية الزكاة:
(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وأنزلت في شهر رمضان،
فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديه فنادى في الناس: ان الله فرض
عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض الله عز وجل عليهم من الذهب
والفضة، وفرض الصدقة من الإبل والبقر والغنم، ومن الحنطة والشعير
والتمر والزبيب، فنادى فيهم بذلك في شهر رمضان، وعفا لهم عما سوى
ذلك.
قال: ثم لم يفرض لشئ من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل
فصاموا وافطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين: أيها المسلمون زكوا
أموالكم تقبل صلاتكم.
قال ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق.
وفي الحديث الثالث منه معنعنا عنه (ع): ما فرض الله على هذه
الأمة شيئا أشد عليهم من الزكاة وفيها تهلك عامتهم (18).

(18) أما هلاك الأغنياء فلعدم عملهم بهذا الواجب لأنه واجب مالي يتعلق
بنفائس أموالهم، واعطاء المال عند الناس بمنزلة اعطاء النفس وبذلها صعب،
لا سيما إذا كان كثير وتكثر دورانه.
وأما هلاك الفقراء فلعدم وصول ما يعيشون به إليهم فيموتون جوعا، أو
يبيعون دينهم بالدنيا ويتظاهرون بالظلمة على الأغنياء، فتتجلى بينهم العداوة
والبغضاء، وفيها هلاكهم جميعا، وهذا أمر غيبي مشهود لكل ذي شعور في جميع
الأزمنة والأقطار لا سيما لسكنة العراق حفظهم الله من أولى الشقاق والنفاق.
64

وفي الحديث الرابع منه معنعنا عنه (ع) قال: ان الله عز وجل جعل
للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم ولولا ذلك لزادهم، وإنما يؤتون من
منع من منعهم.
وفي الحديث السادس منه معنعنا عن أبي الحسن عليه السلام قال: ان
الله عز وجل وضع الزكاة قوتا للفقراء وتوفيرا لأموالكم.
وفي الحديث الخامس عشر من الباب عن الإمام الصادق عليه السلام
معنعنا أنه قال لعمار: يا عمار أنت رب مال كثير. قال نعم جعلت
فداك. قال: فتؤدى ما افترض عليك من الزكاة فقال؟: نعم.
قال: فتخرج الحق المعلوم من مالك. قال: نعم. قال فتصل قرابتك. قال:
نعم. قال: وتصل اخوانك. قال: نعم. فقال: يا عمار ان المال يفنى
والبدن يبلى والعمل يبقى، والديان حي لا يموت، يا عمار انه ما قدمت فلن
يسبقك، وما أخرت فلن يلحقك.
وفي الحديث الثالث عشر منه معنعنا عن المفضل قال: كنت عند أبي
عبد الله عليه السلام فسأله رجل: في كم تجب الزكاة من المال. فقال له:
الزكاة الظاهرة أم الباطنة تريد. فقال: أريدهما جميعا. فقال: أما الظاهرة
ففي كل ألف خمسة وعشرون، وأما الباطنة فلا تستأثر على أخيك بما هو
أحوج إليه منك.
وفي الحديث الثاني من الباب الثالث من كتاب الايمان والكفر منه معنعنا
عن أبي صالح قال: قلت له (ع): أوقفني على حدود الايمان. فقال:
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والاقرار بما جاء به من عند
65

الله، وصلوات الخمس وأداء الزكاة وصوم شهر رمضان، وحج البيت، وولاية
ولينا وعداوة عدونا والدخول مع الصادقين.
وفي الحديث الرابع من الباب معنعنا عنه (ع) قال: أثافي الاسلام ثلاثة.
الصلاة والزكاة والولاية، ولا تصح واحدة منهن الا بصاحبتيها.
المطلب الثالث:
في الآثار الواردة في الشريعة على عظمة الجهاد في سبيل الله واعلاء كلمة
الحق ولسان الصدق،.
روى ثقة الاسلام الكليني (ره) في الحديث (15) من الباب (13)
من كتاب الايمان والكفر من الكافي: ص 2 ص 23 معنعنا عن سليمان بن خالد
عن أبي جعفر عليه السلام قال: ألا أخبرك بالاسلام أصله وفرعه وذروة
سنامه. قلت بلى جعلت فداك. قال: أما أصله فالصلاة (19) وفرعه الزكاة
وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ان شئت أخبرتك بأبواب الخير. قلت:
نعم جعلت فداك. قال: الصوم جنة من النار، والصدقة تذهب بالخطيئة،
وقيام الرجل في جوف الليل بذكر الله (20) ثم قرء عليه السلام: (تتجافى
جنوبهم عن المضاجع). (21)
وفي الحديث الأول من الباب الأول من كتاب الجهاد من الكافي: 5
ص 2 معنعنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الخير كله في السيف وتحت

(19) هذا كناية عن أهميتها لدى الشارع وانه ان قبلت قبل ما سواها
من الوظائف العملية، وان ردت رد ما عدها من العبادات، والا قد تواتر عنه
وعن آبائه عليهم السلام أن الصلاة من الفروع لامن الأصول.
(20) كذا في النسخة.
(21) الآية 16 من سورة السجدة: 32.
66

ظل السيف، ولا يقم الناس الا السيف، والسيوف مقاليد الجنة والنار. (22)
وقريب منه في الحديث (15) من الباب معنعنا عن أبي جعفر (ع).
وفي الحديث الثاني من الباب معنعنا عنه صلى الله عليه وآله، قال:
للجنة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلدون
بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحب بهم، ثم قال: فمن ترك الجهاد
ألبسه الله عز وجل ذلا وفقرا في معيشته ومحقا في دينه، ان الله عز وجل أغنى
أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها.
وبالاسناد قال (ص): أخبرني جبرئيل عليه السلام بأمر قرت به
عيني وفرح به قلبي، قال: يا محمد من غزا من أمتك في سبيل فأصابه
قطرة من السماء أو صداع كتب الله عز وجل له شهادة.
وقريب منه بسند آخر في الحديث الثامن من الباب عنه (ص).
وفي الحديث العاشر من الباب معنعنا عنه (ص) قال: من اغتاب مؤمنا
غازيا، أو آذاه أو خلفه في أهله بسوء نصب له يوم القيامة فيستغرق حسناته
ثم يركس في النار إذا كان الغازي في طاعة الله عز وجل.
وفي الحديث الثاني عشر من الباب معنعنا عنه (ص) قال: أغزوا تورثوا
أبناءكم مجدا.
وفي الحديث الرابع عشر معنعنا عنه (ص) قال: جاهدوا تغنموا.
وفي الحديث الحادي عشر من الباب عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن

(22) المقاليد: المفاتيح. يعني ان السيوف مفاتيح الجنة للمسلمين،
ومفاتيح النار للكفار. وعن المجلسي الوجيه (ره): كونها مفاتيح الجنة إذا
كان بإذن الله، ومفاتيح النار إذا لم يكن باذنه، أقول: ويؤيده قضية أسامة
ابن زيد وشهيد الحمار وغيرهما والمراد من عدم الإذن الأعم من عدمه رأسا
أو عدمه بلحاظ ترك قيده أو شرطه
67

ابن محبوب رفعه قال قال أمير المؤمنين عليه السلام: ان الله عز وجل فرض
الجهاد وعظمه وجعله نصره وناصره، والله ما صلحت دنيا ولا دين الا به.
وفي الحديث الأول من الباب الثاني من الكتاب معنعنا عنه عليه السلام
قال: كتب الله الجهاد على الرجال والنساء، فجهاد الرجل بذل ماله ونفسه
حتى يقتل في سبيل الله، وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها
وغيرته.
وفي الحديث آخر: جهاد المرأة حسن التبعل.
وفي الحديث الأول من الباب الثالث من ا لكتاب ص 9 معنعنا عن فضل
ابن عياض قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجهاد سنة أم فريضة.
فقال: الجهاد على أربعة أوجه، فجهاد ان فرض وجهاد سنة لا يقام الا مع
الفرض فأما أحد الفرضين فمجاهدة الرجل نفسه عن معاصي الله عز وجل وهو
من أعظم الجهاد (23) ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض، وأما الجهاد
الذي هو سنة لا يقام الا مع فرض، فان مجاهدة العدو فرض على جميع
الأمة، ولو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب، وهذا هو من عذاب الأمة، وهو
سنة على الامام وحده أن يأتي العدو مع الأمة فيجاهدهم، وأما الجهاد
الذي هو سنة فكل سنة أقامها الرجل وجاهد في اقامتها وبلوغها واحيائها
فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال، لأنها احياء سنة، وقد قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها
إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا.
أقل: الاخبار في هذا المعنى كثيرة جدا، ومن أراد الزيادة فعليه بالكتب
الأربعة: (الكافي والفقيه والتهذيبين) وبالبحار والوسائل والمستدرك وغيرها.

(23) ويدل عليه أيضا ما اشتهر من الرسول الأكرم (ص) أنه قال
لغزاة رجعوا إليه: (رجعتم من الجهاد الأصغر وبقي عليكم الجهاد الأكبر)
قالوا: وما الجهاد الأكبر. قال: جهاد النفس.
68

- 17 -
ومن وصية له عليه السلام
لأصحابه في مواطن لقاء العدو
الكليني عطر الله مضجعه، قال: وفي حديث يزيد بن إسحاق، عن أبي
صادق، قال: سمعت عليا عليه السلام يحرض الناس في ثلاثة مواطن، الجمل
وصفين ويوم النهر: يقول عليه السلام:
عباد الله اتقوا الله وغضوا الأبصار، واخفضوا الأصوات،
وأقلوا الكلام، ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجادلة (1)،
والمبارزة والمناضلة والمنابذة والمعانقة
والمكادمة (2) واثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم
تفلحون، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. واصبروا إن
الله مع الصابرين (3).
الحديث 2، من الباب 15، من كتاب الجهاد، من الكافي: 5 ص 38.

(1) وفى نسخة المعتزلي نقلا عن نصر بن مزاحم في كتاب صفين:
(والمجاولة) الخ وقال في دعائم الاسلام: 1، 372، في عنوان سفة القتال
من كتاب الجهاد، وكان (ع) إذا زحف للقتال جعل ميمنة وميسرة وقلبا
يكون هو فيه، ويجعل لها روابط ويقدم عليها مقدمين ويأمرهم بخفض الأصوات
والدعاء واجتماع القلوب وشهر السيوف واظهار العدة الخ.
(2) المكادمة: المعاضة بمقدم الفم، ويقال: كدم زيد كدما: عض
بمقدم فمه. وهو من باب ضرب ونصر.
(3) اقتباس من الآية (45 و 46) من سورة الأنفال: 8.
69

أقول: هذا الفصل من كلامه (ع) معروف مشهور قد رواه جماعة
من العلماء منهم الطبري وغيره وله شواهد تقف عليها بعد إن شاء الله تعالى
والمتن أيضا شاهد صدق على أنه من أمير المؤمنين (ع) كما هو الشأن في
أغلب كلمه.
- 18 -
ومن وصية له عليه السلام
لابن عباس رحمه الله
روى معلم الأمة الشيخ المفيد (ره)، عن الواقدي، عن رجاله قال:
لما أراد أمير المؤمنين عليه السلام الخروج من البصرة استخلف عليها عبد الله
ابن عباس (ره) ووصاه، وكان في وصيته ان قال له:
يا بن عباس، عليك بتقوى الله والعدل بمن وليت عليه
وأن تبسط للناس وجهك، وتوسع عليهم مجلسك، وتسعهم
بحلمك وإياك والغضب فإنه طيرة (1) الشيطان وإياك والهوى
فإنه يصدك عن سبيل الله واعلم أن ما قربك من الله فهو
مباعدك من النار وما باعدك من الله فمقربك من النار (2).
واذكر الله كثيرا ولا تكن من الغافلين.
كتاب الجمل 224، ط النجف، 3. وقريب منها في المختار 76، من
الباب 2، من النهج. وقريب منها في الإمامة والسياسة 85، ط مصر،
1377 ه‍.

(1) وفى النهج: فإنه طيرة من الشيطان، والطيرة - بفتح أوله وسكون
الياء - كالطيرورة: الطيش والخفة، يقال إياك وطيرات الشباب.
(2) ولهذا الذيل مصادر كثيرة، عن غير واحد من المعصومين (ع).
70

- 19 -
ومن وصية له عليه السلام
لمخنف بن سليم الأزدي (ره)
قال القاضي النعمان: أبو حنيفة: أوصى أمير المؤمنين عليه السلام
مخنف بن سليم الأزدي وقد بعثه على الصدقة، بوصية طويلة أمره فيها بتقوى الله ربه في سرائر أموره، وخفيات أعماله، وأن يلقاهم ببسط الوجه،
ولين الجانب، وأمره ان يلزم التواضع، ويجتنب التكبر، فان الله يرفع
المتواضعين، ويضع المتكبرين، ثم قال له:
يا مخنف بن سليم إن لك في هذه الصدقة نصيبا وحقا
مفروضا. ولك فيها شركاء فقراء ومساكين وغارمين
ومجاهدين وأبناء سبيل، ومملوكين ومتألفين.
وإنا موفون حقك فوفهم حقوقهم،. وإلا فإنك من أكثر
الناس يوم القيامة خصماء وبؤسا لامرء أن يكون خصمه
مثل هؤلاء.
والحديث (2) من باب زكاة المواشي من كتاب دعائم الاسلام: 1، 252،
ورواها عنه في الحديث الثامن من الباب التاسع، من كتاب الزكاة من البحار
20، 22، س 1، عكسا، وأيضا نقلها عن دعائم الاسلام في الحديث (3)
من الباب (12) من كتاب الزكاة من المستدرك: 1، 516.
71

- 20 -
ومن وصية له عليه السلام
لشريح القاضي عليه فيها بعض آداب القضاء
صدوق الشريعة وشيخ الشيعة محمد بن علي بن الحسين بن بابويه
القمي (ره) [عن محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، عن عبد الله
ابن جعفر الحميري وسعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى] (1)
عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه عن سلمة بن كهيل
قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لشريح. (2)
يا شريح أنظر إلى أهل الشح والمطل والاضطهاد ومن
يدفع حقوق الناس من أهل المدر واليسار (3).

(1) بين المعقفين مأخوذ من مشيخة الفقيه: 4 ص 49. وهذه الوصية
رواها أيضا الكليني (ره) معنعنا كما ستقف عليه عند الختام.
(2) هذا نقل بالمعنى، وفى الفقيه: عن سلمة بن كهيل عن أمير المؤمنين
عليه السلام، والظاهر أن الصدوق (ره) نقل هذه القطعة أيضا بالمعنى، وفى
رواية الكليني (ره): معنعنا (عن سلمة بن كهيل قال: سمعت عليا صلوات
الله عليه يقول لشريح: انظر أهل) الخ.
(3) وفى الكافي: (أنظر أهل المعك والمطل ودفع حقوق الناس من أهل
المقدرة واليسار، ممن يدلي بأموال المسلمين إلى الحكام فخذ بحقوقهم منهم
فبع فيها العقار والديار) الخ.
وفى التهذيب: أنظر إلى أهل المعك والمطل ودافع حقوق الناس، من
أهل المقدرة واليسار ممن يدلي بأموال المسلمين إلى الحكام فخذ للناس بحقوقهم
منهم وبع فيه العقار الخ. والمعك والمطل بمعنى، يقال: معكه دينه وبدينه
أي ماطله. وهو من باب منع. ويقال: فلان ممعك بالدين: مماطل.
72

ومن يدلي بأموال المسلمين إلى الحكام فخذ للناس
بحقوقهم منهم وبع الديار والعقار فإني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله يقول (مطل المسلم الموسر ظلم للمسلم) (4)
ومن لم يكن له مال ولا عقار ولا دار فلا سبيل عليه.
واعلم أنه لا يحمل الناس على الحق إلا من ورعهم
عن الباطل (5).
ثم واس بين المسلمين بوجهك ومنطقك ومجلسك حتى

(4) ومثله في الكافي، وفى التهذيب: (ظلم للمسلمين).
(5) وفى الكافي: (الا من ورعهم (وزعهم خ ل) عن الباطل).
وفى التهذيب: (الا من ردعهم عن الباطل). والجميع بمعنى واحد إذ
معنى (ورعهم): جعلهم ذا ورع وتقوى. ومعنى (وزعهم): منعهم.
وهو بمعنى الردع. وقريب منه قوله (ع) في المختار (110) من قصار
نهج البلاغة: (لا يقيم أمر الله سبحانه الا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع).
ومعنى (لا يصانع): لا يداهن ولا يداري في هفواتهم وزلاتهم. ومعنى
(لا يضارع): لا يستكين ولا يتذلل بارعادهم وابراقهم، خورا وجبنا، وهذا
المعنى هو المناسب لقوله: (ولا يتبع المطامع).
73

ورد اليمين على المدعي مع بينته، فإن ذلك أجلى للعمى
وأثبت في القضاء (7) وأعلم أن المسلمين عدول بعضهم على بعض
إلا مجلودا في حد لم يتب منه، أو معروفا بشهادة زور أو
ظنينا (8).
وإياك والضجر والتأذي في مجلس القضاء الذي أوجب
الله تعالى فيه الأجر وأحسن فيه الذخر لمن قضى بالحق (9)
واجعل لمن ادعى شهودا غيبا أمدا بينهم، فإن أحضرهم
أخذت له بحقه، وإن لم يحضرهم أوجبت عليه القضية.
لا يطمع قرينك في حيفك ولا ييأس عدوك من عدلك (6)،

(6) وقريب منه في الحديث الثالث من الباب التاسع من كتاب القضاء
من الكافي معنعنا عنه (ع) وفى عهده (ع) إلى محمد بن أبي بكر: (فاخفض
لهم جناحك وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك وآس بينهم في اللحظة والنظرة
حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم) الخ.
(7) ومثله في الكافي، وفى التهذيب: (وأثبت للقضاء).
(8) هذا هو الظاهر، وفى الكافي: (أو معروف بشهادة زور أو ظنين).
(9) وفى الكافي: (وإياك والتضجر والتأذي في مجلس القضاء الذي
أوجب الله فيه الاجر، ويحسن فيه الذخر لمن قضى بالحق واعلم أن الصلح
جائز بين المسلمين الا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما، واجعل لمن ادعى شهودا
غيبا أمدا بينهما الخ)
74

وإياك أن تنفذ حكما في قصاص أو حد من حدود الله (10)
أو حق من حقوق المسلمين حتى تعرض ذلك علي.
وإياك أن تجلس في مجلس القضاء حتى تطعم شيئا
إن شاء الله تعالى.
الحديث العاشر من الباب العاشر من أبواب القضايا والاحكام من كتاب من
لا يحضره الفقيه: 3، ص 8 ط النجف.
ورواه الكليني (ره) في الحديث الأول من الباب التاسع من كتاب
القضاء من الكافي: 7، ص 412، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن الحسن
ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن سلمة بن كهيل قال: سمعت
عليا صلوات الله عليه يقول لشريح: أنظر أهل المعك والمطل الخ.
وبالسند رواه الشيخ الطوسي (ره) - عن الكافي - في الحديث الأول
من الباب الثاني من كتاب القضاء من التهذيب: 2، ص 70 ط 1، وفي طبع
النجف ج 6 ص 225.
ورواه عنهم جميعا في الحديث التاسع من الباب الحادي عشر من أبواب
الدين والقرض وسائل الشيعة: 6 ص 96، ط السنة 1383.
أقول: هذا الكلام الشريف متضمن لكثير من أحكام القضاء، وحيث إن الزعماء مستضعفون واتفقت كلمتهم على اجراء قوانين الملاحدة بين المسلمين،
وابرازها بصبغة القانون، وجعلها معيارا لاحقاق الحقوق والفصل بين

(10) هذا هو الظاهر، وفى الكافي: (فإياك أن تنفذ فيه قضية في
قصاص أو حد من حدود الله أو حق من حقوق المسلمين حتى تعرض ذلك
علي إن شاء الله الخ). وفى التهذيب: (وإياك ان تنفذ قضية الخ).
75

المتخاصمين، فلا جدوى عملا للتعرض لما يتضمنه الكلام، وللبحث حول
مفاده وملاحظة النسبة بينه وبين سائر ما ورد في الشريعة، من آداب القضاء،
وفصل الخصومة بين المتنازعين، مع أن ما دونه الفقهاء - علت كلمتهم -
كاف لمن أراد الاطلاع على حكم القضاء في الشريعة الخالدة، وكتب الفقه
بحمد الله كثيرة ومبذولة، وبمرأى ومسمع من الطالبين، فليرجع الراغبون
إليها، وليجتهدوا لإعادة تلك المسائل، وتطبيقها عمليا، وجعلها ميزانا
للمحق والمبطل دون غيرها والا لم يزدادوا من الله الا بعدا، ومن الذلة والمسكنة
الا قربا، فلنطو عنه كشحا، نبين عن حال رواته على ما عندنا بنحو
الاختصار، فنقول: أما ترجمة محمد بن موسى بن المتوكل وعبد الله بن جعفر
الحميري وسعد بن عبد الله رضوان الله تعالى عليهم فليطلب مما دونا في شرح
المختار (13) من هذا الباب، وسيمثل للطبع انشاء الله تعالى، وأما ترجمة
أحمد بن محمد بن عيسى [وعلي بن إبراهيم، وأبيه: إبراهيم بن هاشم
الواقعين في سند الكليني (ره)] والحسن بن محبوب رحمهم الله جميعا فقد
أتينا على نبذة شافية منها في شرح المختار الأول من هذا الباب ص 16،
و 17، و 22، و 23 فراجع، فلم يبق من ينبغي أن يذكر هنا ترجمته اجمالا
غير عمرو بن أبي المقدام وأبيه: ثابت بن هرمز وسلمة بن كهيل.
76

ترجمة عمرو بن أبي المقدام
قد عده شيخ الطائفة (ره) تحت الرقم (43) من باب العين - من
أصحاب الإمام الباقر (ع) - من رجاله ص 130 بعنوان: عمرو بن ثابت.
وقال في باب العين من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، تحت الرقم
(380) ص 247: عمرو بن أبي المقدام -: ثابت بن هرمز العجلي - مولاهم
كوفي تابعي. وأيضا قال في باب العين من رجاله ص 266 تحت الرقم (608):
عمرو بن أبي المقدام كوفي، - واسم أبي المقدام: ثابت الحداد - روى عنهما
عليهما السلام.
وقال في فهرست مصنفي الشيعة تحت الرقم (493) ص 137، طبع
النجف: عمرو بن ميمون - وكنية ميمون أبو المقدام - له كتاب حديث
الشورى: يرويه عن جابر الجعفي عن (الامام) الباقر عليه السلام، أخبرنا
به أحمد بن محمد بن موسى عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن جعفر
وإسحاق ابني محمد بن مروان، قالا: حدثنا أبونا، قال: حدثنا عبيد الله
المسعودي عن عمرو بن ميمون، عن جابر عن (الامام) الباقر عليه السلام.
وله كتاب المسائل التي أخبر بها أمير المؤمنين عليه السلام اليهودي.
أخبرنا بها أحمد بن عبدون، عن أبي بكر الدوري، عن محمد بن
جعفر العلوي الحسني (11) قال: حدثنا علي بن عبدك، قال: حدثنا طريف
مولى محمد بن إسماعيل، عن موسى وعبيد الله ابني يسار، عن عمرو بن
أبي إسحاق السبيعي (12) عن الحارث الهمداني عن أمير المؤمنين عليه السلام

(11) كذا في النسخة. (12) كذا في النسخة.
77

وذكر الكتاب (13).
وقال النجاشي (ره) تحت الرقم (764) من كتاب فهرست مصنفي
الشيعة ص 222 ط إيران: عمرو بن أبي المقدام -: ثابت بن هرمز بن الحداد
مولى بني عجل - روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (ع)
له كتاب لطيف، أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن أبي الحسين بن تمام، عن
محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، عن عباد بن يعقوب: عن عمرو بن
ثابت به.
أقول: الظاهر من الشيخ والنجاشي (ره) امامية الرجل، وكونه على
مذهب الحق، والا لم يسكتوا عنه لا سيما من وصف النجاشي (ره) كتابه
بكونه لطيفا، ولعل تتبع رواياته يورث اليقين بكونه من معتنقي المذهب الحق
وتابعي أئمة الصدق.
وروى الكليني (ره) في الحديث العاشر من الباب (166): باب
الوقوف بعرفة من كتاب الحج من الكافي: 4 ص 466، عن محمد بن يحيى،
عن محمد بن الحسين، عن النضر بن سويد، عن عمرو بن أبي المقدام قال:
رأيت أبا عبد الله (ع) يوم عرفة بالموقف وهو ينادي بأعلا صوته: أيها الناس
ان رسول الله (ص) كان الامام، ثم كان علي بن أبي طالب (ع) ثم
الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم هه، فينادي ثلاث
مرات لمن بين يديه وعن يمينه وعن يساره ومن خلفه اثنى عشر صوتا.
وقال عمرو: فلما أتيت منى سألت أصحاب العربية عن تفسير هه،
فقالوا: هه لغة بني فلان: أنا فاسألوني. قال: ثم سألت غيرهم أيضا من

(13) والظاهر أنه هو الذي رواه الشيخ المفيد (ره) بسند آخر في كتاب الاختصاص 163، بعنوان، كتاب محنة أمير المؤمنين (ع) ورواه
الصدوق (ره) في باب السبعة من الخصال بسندين.
78

أهل العربية فقالوا مثل ذلك. (14)
وفي الحديث الثالث من الباب الحاد يعشر من كتاب الديات من الكافي:
7 ص 287، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن بعض
أصحابه، عن محمد بن الفضيل عن عمرو بن أبي المقدام، قال: كنت
شاهدا عند البيت الحرام ورجل ينائي بأبي جعفر المنصور - وهو يطوف -
ويقول: يا أمير المؤمنين ان هذين الرجلين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله
فلم يرجع إلي والله ما أدري ما صنعا به. فقال لهما: ما صنعتما به. فقالا:
يا أمير المؤمنين كلمناه فرجع إلى منزله. فقال لهما: وافياني غدا صلاة
العصر في هذا المكان، فوافوه من الغد الصلاة العصر وحضرته، فقال لأبي
عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام - وهو قابض على يده -: يا جعفر
اقض بينهم. فقال: يا أمير المؤمنين اقض بينهم أنت، قفال له: بحقي
عليك الا قضيت بينهم. قال: فخرج جعفر عليه السلام، فطرح له مصلى
قصب فجلس عليه ثم جاء الخصماء، فجلسوا قدامه، فقال: ما تقول.
قال: يا بن رسول الله ان هذين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله فوالله ما رجع
إلي ووالله ما أدري ما صنعاه به، فقال: ما تقولان. فقالا: يا بن رسول الله
كلمناه ثم رجع إلى منزله. فقال جعفر عليه السلام: يا غلام أكتب بسم الله
الرحمن الرحيم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل من طرق رجلا بالليل
فأخرجه من منزله فهو له ضامن الا أن يقيم البينة أنه قد رده إلى منزله.
يا غلام نح هذا فأضرب عنقه. فقال: والله يا بن رسول الله والله ما أنا قتلته

(14) ورواه عنه في الحديث (123) من الباب (4) من البحار: 11، ص 120، وفى ترجمة عمر ومن تنقيح المقال: 2، ص 324.
وقال الفيروزآبادي: (هه) تذكرة ووعيد.
79

ولكني أمسكته ثم جاء هذا فوجأه فقتله (15) فقال: أنا ابن رسول الله،
يا غلام نح هذا واضرب عنق الآخر. فقال: يا بن رسول الله والله ما عذبته
ولكني قتلته بضربة واحدة. فأمر أخاه فضرب عنقه، ثم أمر بالآخر فضرب
جنبيه وحبسه في السجن، ووقع على رأسه: يحبس عمره ويضرب في كل
سنة خمسين جلدة.
ورواه مرسلا في دعائم الاسلام: 2، ص 404. ط 1.
وفي الاختصاص 255، في الحديث (459) تقريبا عن عمرو بن أبي
المقدام عن جابر الجعفي قال قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا جابر: الزم
الأرض ولا تحرك يدا ولا رجلا حتى ترى علامات أذكرها لك ان أدركتها،
أولها اختلاف ولد فلان، وما أراك تدرك ذلك ولكن حدث به بعدي، ومناد
ينادي من السماء، ويجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح، وبخسف
بقرية من قرى الشام تسمى الجابية، وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن،
ومارقة تمرق من ناحية الترك، ويعقبها مرج الروم، ويستقبل أخوان الترك
حتى ينزلوا الجزيرة، ويستقبل مارقة الروم حتى تنزل الرملة، فتلك السنة
يا جابر فيها اختلاف كثير، في كل ارض من ناحية المغرب، فأول ارض المغرب
[ارض] تخرب الشام، يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات، راية الأصهب
وراية الأبقع وراية السفياني فيلقى السفياني الأبقع فيقتتلون فيقتله ومن معه،
ويقتل الأصهب ثم لا يكون همه الا الاقبال نحو العراق، ويمر جيشه بقرقيسا
فيقتلون بها مأة ألف رجل من الجبارين، ويبعث السفياني جيشا إلى الكوفة
وعدتهم سبعون ألف فيصيبون من أهل الكوفة قتلا وصلبا وسبيا، فبينا هم

(15) يقال: وجاء وجاء وتوجأ فلانا بالسكين أو بيده ضربة في اي موضع
كان فهو موجوء ووجيئ. والفعل من باب وجل وتفعل.
80

كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوى المنازل طيا حثيثا ومعهم نفر
من أصحاب القائم، وخرج رجل من موالي أهل الكوفة فيقتله أمير جيش
السفياني بين الحيرة والكوفة ويبعث السفياني بعثا إلى المدينة فينفر المهدي
منها إلى مكة فبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج من المدينة فيبعث
جيشا على أثره فلا يدركه حتى يدخل مكة، خائفا يترقب على سنة موسى
ابن عمران عليه السلام وينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد.
يا بيداء أبيدي القوم فينخسف بهم البيداء فلا يفلت منهم الا ثلاثة بحول
الله وجوههم في أقفيتهم وهم من كلب، وفيهم نزلت هذه الآية: (يا أيها
الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس
وجوها فنردها على أدبارها) الآية (16) قال: والقائم يومئذ بمكة قد
أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيرا به ينادي: يا أيها الناس انا نستنصر
الله ومن أجابنا من الناس، فانا أهل بيت نبيكم، ونحن أولى الناس بالله وبمحمد
صلى الله عليه وآله، فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجني
في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فانا أولى الناس بإبراهيم
عليه السلام، ومن حاجني في محمد صلى الله عليه وآله فأنا أولى الناس بمحمد
صلى الله عليه وآله، ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين، أليس الله يقول في
محكم كتابه: (ان الله اصطفى ادم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على
العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) (17) فأنا بقية من آدم و [ذ] خيرة
من نوح، ومصطفى من إبراهيم وصفوة من محمد صلى الله عليه وآله، ألا
ومن حاجني في كتاب الله فأنا أولى بكتاب الله، ألا ومن حاجني في سنة رسول
الله وسيرته فأنا أولى الناس بسنة رسول الله وسيرته، فأنشد الله من سمع

(16) الآية (57) من سورة النساء: 4.
(17) الآية 34 من سورة آل عمران: 3.
81

كلامي اليوم لما أبلغه الشاهد منكم الغائب، وأسألكم بحق الله وحق رسوله
وحقي فان لي عليكم حق القربى برسول الله لما أعنتمونا ومنعتمونا ممن
يظلمنا، فقد أخفنا وظلمنا وطردنا من ديارنا وأبنائنا وبغي علينا ودفعنا عن
حقنا وآثر علينا أهل الباطل، فالله الله فينا لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله.
فيجمع الله له أصحابه ثلاث مأة وثلاثة عشر رجلا، فيجمعهم الله له على
غير ميعاد، قزع كقزع الخريف (18).
وهي يا جابر الآية التي ذكرها الله (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا
ان الله على كل شئ قدير) (19) فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد
من رسول الله صلى الله عليه وآله قد توارثه الأنبياء. (20) عن الآباء، والقائم
يا جابر رجل من ولد الحسين بن علي صلى الله عليهما، يصلح الله أمره في ليلة
فما أشكل على الناس من ذلك، يا جابر ولا يشكلن عليهم ولادته من رسول
الله صلى الله عليه وآله، ووراثته العلماء عالما بعد عالم، فان أشكل
عليهم هذا كله، فان الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه
واسم أبيه واسم أمه (21).
وأيضا في الاختصاص 257،: عمرو بن ثابت عن جابر قال: سمعت
(18) القزع - كفرس -: قطع من السحاب صغار متفرقة. قيل:
وإنما خص السحاب بالخريف لأنه أول الشتاء والسحاب فيه يكون متفرقا
غير متراكم ولا مطبق ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك.

(19) الآية 148، من سورة البقرة: 2.
(20) كذا في النسخة، ولعل الصواب (الأبناء).
(21) قال في هامش الاختصاص: ورواه النعماني (ره) في الغيبة
ص 150 ونقله المجلسي (ره) في البحار: 13، ص 164، منه ومن
الاختصاص وتفسير العياشي.
82

أبا جعفر عليه السلام يقول: والله ليملكن رجل منا أهل البيت بعد موته
ثلاث مأة سنة ويزداد تسعا، قال: فقلت فمتى يكون ذلك. قال: فقال:
بعد موت القائم. قلت له: وكم يقوم القائم في عامله حتى يموت. قال:
فقال: تسعة عشر سنة من يوم قيامة إلى يوم موته. قال: قلت له فيكون
بعد موته الهرج. قال: نعم خمسين سنة، ثم يخرج المنتصر إلى الدنيا فيطلب
بدمه ودماء أصحابه، فيقتل ويسبي حتى يقال: لو كان هذا من ذرية الأنبياء
ما قتل الناس كل هذا القتل، فيجتمع عليه الناس أبيضهم وأسودهم، فيكثرون
عليه حتى يلجئوا إلى حرم الله، فإذا اشتد البلاء عليه وقتل المنتصر خرج
السفاح إلى الدنيا غضبا للمنتظر، فيقتل كل عدو لنا، وهل تدري من المنتصر
ومن السفاح يا جابر، المنتضر الحسين بن علي والسفاح علي بن أبي طالب
عليهما السلام انتهى.
هذا ما حضرني عاجلا من الأخبار، والمتتبع يقف في ترجمة الرجل على
أكثر مما ذكرنا.
83

ترجمة أبي المقدام: ثابت بن هرمز
وهذا الرجل قد عده الشيخ (ره) في رجاله من أصحاب الإمام السجاد
(ع) والإمام الباقر والصادق (ع) فقال تحت الرقم (2) من باب الثاء
من أصحاب الإمام زين العابدين (ع): ثابت بن هرمز الفارسي أبو المقدام
العجلي الحداد مولى بني عجل. وقريب منه في ترجمته في باب الثاء من
أصحاب الإمام الباقر والإمام الصادق (ع).
قال المحقق النجاشي (ره) تحت الرقم (292) من فهرست مصنفي
الشيعة ص 90 ط طهران: ثابت بن هرمز أبو المقدام الحداد روى نسخة عن
علي بن الحسين (ع) رواها عنه ابنه عمرو بن ثابت، قال ابن نوح:
حدثنا علي بن الحسين بن سفين، قال حدثنا علي بن العباس بن الوليد،
قال: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، قال: حدثنا عمرو بن ثابت عن أبيه
عن علي بن الحسين عليه السلام.
وفي اختيار رجال الكشي (ره) تحت الرقم (116) ص 208: علي
ابن الحسن قال: حدثني العباس بن عامر وجعفر بن محمد، عن أبان بن
عثمان، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: ان الحكم
ابن عتيبة وسلمة وكثير النوا وأبا المقدام والتمار - يعني سالما - أضلوا
كثيرا ممن ضل من هؤلاء، وانهم ممن قال الله عز وجل: (ومن الناس من
يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين).
وقال تحت الرقم (110) وما يليه ص 205: سعد بن جناح الكشي قال:
حدثني علي بن محمد بن يزيد القمي، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن الحسين بن عثمان الراسبي
84

عن سدير، قال: دخلت على أبي جعفر (ع) ومعي سلمة بن كهيل وأبو
المقدام: ثابت الحداد وسالم بن أبي حفصة وكثير النوا وجماعة معهم، وعند
أبي جعفر (ع) أخوه زيد بن علي فقالوا: لأبي جعفر عليه السلام: نتولى
عليا وحسنا وحسينا ونتبرأ من أعدائهم. قال: نعم. قالوا: نتولى أبا
بكر وعمر ونتبرأ من أعدائهم. قال: فالتفت إليهم زيد بن علي وقال لهم:
أتتبرؤن من فاطمة، بترتم أمرنا بتركم الله. فيومئذ سموا البترية.
وقال في عنوان البترية قبل الرقم 109، ص 202: حدثني سعد بن
صباح الكشي، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن
عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن فضيل عن أبي عمرو سعد الجلاب،
عن أبي عبد الله (ع) قال: لو أن البترية صف واحد ما بين المشرق إلى
المغرب ما أعز الله بهم دينا (22).
والبترية هم أصحاب كثير النوا، والحسن بن صالح بن حي، وسالم
ابن أبي حفصة، والحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل، وأبو المقدام: ثابت
ابن الحداد، وهم الذين دعوا إلى ولاية علي (ع) ثم خلطوها بولاية أبي
بكر وعمر، ويثبتون لهما امامتهما، ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة
ويرون الخروج مع بطون ولد علي بن أبي طالب، يذهبون في ذلك إلى
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويثبتون لكل من خرج من ولد علي بن
أبي طالب (ع) عند خروجه الإمامة.
أقول: قال النوبختي (ره) في فرق الشيعة ص 20 ط النجف:
وفرقة قالت: ان عليا كان أولى الناس بعد رسول الله صلى الله عليه
وآله بالناس لفضله وسابقته وعلمه وهو أفضل الناس كلهم بعده وأشجعهم
وأسخاهم وأورعهم وأزهدهم، ومع ذلك أجازوا امامة أبي بكر وعمر وعدوهما

(22) هذا هو الظاهر، وفى الأصل تصحيف.
85

أهلا لذلك المكان والمقام، وذكروا أن عليا عليه السلام سلم لهما الامر
ورضي بذلك وبايعهما طائعا غير مكره، وترك حقه لهما، فنحن راضون كما
ورضي المسلمون له ولمن بايع، لا يحل لنا غير ذلك، ولا يسع منا (هنا خ ل)
أحدا الا ذلك، وأن ولاية أبي بكر صارت رشدا وهدى لتسليم علي ورضاه،
ولولا رضاه وتسليمه لكان أبو بكر مخطئا ضالا هالكا.
ثم قال النوبختي (ره): وهم أوائل البترية.
وقال أيضا في فرق الشيعة ص 57،: وفرقة منهم يسمون البترية، وهم
أصحاب كثير النواء، والحسن بن صالح بن حي، وسالم بن أبي حفصة
والحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل، وأبي المقدام ثابت الحداد، وهم الذين
دعوا الناس إلى ولاية علي عليه السلام ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر،
فهم عند العامة أفضل هذه الأصناف (23) وذلك انهم يفضلون عليا ويثبتون
امامة أبي بكر، وينتقصون عثمان وطلحة والزبير، ويرون الخروج مع كل
من ولد علي عليه السلام، يذهبون في ذلك إلى الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر، ويثبتون لمن خرج من ولد علي الإمامة عند خروجه، ولا يقصدون
في الإمامة قصد رجل بعينه حتى يخرج، كل ولد علي عندهم على السواء
من أي بطن كان.
أقول: هذا ما ظفرت عليه مما قاله قدماء أصحابنا في شأن الرجل،
ولكن هنا أخبارا يستظهر منها انه قائل بالحق، منها ما عن روضة الكافي
عن ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر
عليه السلام: ان العامة يزعمون أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت
رضا لله عز ذكره، وما كان الله ليفتن أمة محمد (ص) من بعده. فقال:

(23) اي الأصناف المتقدمة من الشيعة الذين ذكرهم النوبختي (ره)
قبل ذلك في فرق الشيعة.
86

أمال يقرؤن كتاب الله، أوليس الله يقول: (وما محمد الا رسول الله قد خلت
من قلبه الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على
عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) (24) قال: فقلت: انهم
يفسرون على وجه آخر. فقال: أوليس الله قد أخبر عن الذين من قبلهم
من الأمم أنهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات حيث قال تعالى:
(وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل
الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن
ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد) (25) وفي
هذا ما يستدل به على أن أصحاب محمد (ص) قد اختلفوا من بعده فمنهم
من آمن ومنهم من كفر.
ومنها ما عن أصل أبي سعيد العصفري: عباد بن يعقوب الأسدي
وهو من الأصول أربعمأة الذي يرويه هارون بن موسى التلعكبري، عن
أبي علي محمد بن همام بن سهيل، عن أبي جعفر محمد بن أحمد بن خاقان
النهدي عن محمد بن علي بن إبراهيم أبي سمينة، عن عباد بن سعيد، عن
عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي جعفر عن آبائه عليهم السلام قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: نجوم السماء أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت نجوم
السماء أتى أهل السماء بما يكرهون، ونجوم من أهل بيتي من ولدي أحد
عشر نجما أمان في الأرض لأهل الأرض ان تميد بأهلها، فإذا ذهبت نجوم
أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يكرهون.
قيل: وفي الخبر السابع من الأصل المذكور بالسند المذكور عن عباد،
عن عمرو عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام: قال (لو بقيت الأرض يوما

(24) الآية (144) من سورة آل عمران: 3.
(25) الآية (253) من سورة البقرة: 2.
87

بلا امام منا لساخت بأهلها):
ووثقه جماعة من أكابر أهل السنة القدماء - على ما رواه السيد
الأمين (ره) في أعيان الشيعة: 15، ص 50 - قال ابن سعد في طبقات
الكبير فيمن نزل الكوفة من الصحابة ومن بعدهم من التابعين وغيرهم من
أهل الفقه والعلم وذكر فيهم ثابت بن هرمز وقال: يكنى أبا المقدام العجلي
وهو أبو عمرو بن أبي المقدام.
وفي ميزان الاعتدال في ثابت بن أبي المقدام قال: ان ثابت بن هرمز
يروي عن ابن المسيب، وهو ثقة احتج به النسائي.
وفي تهذيب التهذيب: ثابت بن هرمز الكوفي أبو المقدام الحداد مولى
بكر بن وائل، روى عن عدي بن دينار وسعيد بن المسيب وأبي وائل وسعيد
ابن جبير وغيرهم، وعنه الثوري وشعبة وابنه عمرو ابن أبي المقدام، وشريك
وإسرائيل وغيرهم روى عنه الحكم بن عتيبة والأعمش ومنصور وهما من
أقرانه. قال: أحمد وابن معين ثقة. وقال أبو حاتم صالح، وروى له حديثا
واحدا في الحيض، وقال أبو داود ثقة. وقال الأزدي يتكلمون فيه. وقال
مسلم بن الحجاج: في شيوخ الثوري ثابت بن هرمز، ويقال هريمز. وقال
ابن حبان في الثقات: من زعم أنه ابن هرمز فإنما تورع من التصغير.
وقال يعقوب بن سفيان: كوفي ثقة. وفي كتاب ابن خلفون: وثقة ابن
المديني وأحمد بن صالح وغيرهما. وقال زادان بن صالح: كان شيخا عاليا
صاحب سنة، وأخرج ابن خزيمة وابن حبان حديثه في الحيض في صحيحهما
وصححه ابن القطان. وقال عقبة: لا أعلم له علة، وثابت ثقة ولا أعلم
أحدا ضعفه غير الدارقطني.
88

ترجمة سلمة بن كهيل
وفي ترجمة هذا الرجل جهات من البحث، الجهة الأولى هل المسمى بهذا
الاسم واحد أم، اثنان؟
الجهة الثانية: انه بناء على وحدة المسمى بهذا الاسم هل أدرك أمير
المؤمنين عليه السلام وسمع منه، أم لا بل هو من معاصري الإمام الباقر
والصادق عليهما السلام.
الجهة الثالثة: البحث حول مذهب الرجل وانه شيعي أن من أهل السنة.
أما الجهة الأولى فغير مبين، وأرباب التراجم من الخاصة والعامة لم
يأتوا بشئ مقنع.
وأما الجهة الثانية فالمستفاد من كثير من الاخبار انه عاصر أمير المؤمنين
عليه السلام وسمع منه وصحبه في بعض حروبه، ومما يستفاد منه انه كان
من معاصري أمير المؤمنين (ع) ما تقدم في سند الخطبة الطالوتية لظهوره
أنه يروي بوساطة أبي الهيثم بن التيهان (ره) عن أمير المؤمنين (ع) فمن
ينقل عن ابن التيهان لابد أن يكون ادراك أمير المؤمنين (ع) لأن ابن
التيهان رضوان الله عليه كان من أصحاب أمير المؤمنين (ع) واستشهد في
حرب صفين، وكذا ما حكي عن أنساب البلاذري: (عن سلمة بن كهيل
قال: قال عمار يوم صفين: الجنة تحت البارقة) الخبر.
وكذا ما في سند هذه الوصية فإنه على رواية الكافي صريح في سماعه من
أمير المؤمنين (ع) ايصاءه إلى شريح. ومثله ما رواه في أواخر باب جوامع
مناقب أمير المؤمنين (ع) من نظم درر السمطين ص 116، ط الأول: وعن
زيد بن وهب الجهني (رضي الله عنه) انه كان في الجيش الذي كان مع علي
89

ابن أبي طالب حين سار إلى الخوارج، فقال علي: يا أيها الناس سمعت
رسول الله (ص) يقول: يخرج قوم من أمتي يقرؤن القرآن ليس قرآنكم
إلى قرآنهم بشئ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشئ ولا صيامكم إلى صيامهم
بشئ، يقرؤن القرآن (و) ويحسبون انه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم
تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش
الذي يصيبونهم ما قضى الله لهم على لسان نبيهم (ص) لنكلوا عن العمل
وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد وليس له ذراع، على رأس عضده مثل
حلمة الثدي، عليه شعرات بيض (26) تذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون
هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم، والله اني لأرجو أن يكون هؤلاء
القوم، فإنهم سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على سرح أناس فسيروا على
اسم الله. (27)
قال سلمة بن كهيل: فنزلت أنا وزيد بن وهب منزلا حتى (28) وقال:
مر الناس على قنطرة ثم رحنا معهم فلما التقينا مع الخوارج وكان عليهم يومئذ
عبد الله بن وهب الراسبي، فقال لنا علي: ألقوا الرماح وسلوا سيوفكم من
جفونها فاني أخاف عليكم أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء فترجعوا (29)
فوحشوا برماحهم (30) وسلوا السيوف وحملوا عليهم فقتل بعضهم على بعض

(36) مستدرك الحاكم: 4 ص 532، وأسد الغابة: 2 ص 139،
كذا في هامش نظم درر السمطين.
(27) السرح - كفلس -: فناء الدار. الماشية. والجمع سروح.
(28) كذا في المصدر وفيه سقط، أو ان كلمة: (وقال) زائدة.
(29) كذا في الأصل، والظاهر أنه من سهو الرواة أو غلط النساخ
أو المطبعة، والصواب: (كما ناشدوكم يوم صفين) الخ.
(30) يقال: وحش بثوبه أو سلاحه - من بابا وعد وفعل - رمى به
مخافة ان يلحق
90

وشجرهم الناس برماحهم، وما أصيب من الناس يومئذ الا رجلان (31) فقال
علي (رض): التمسوا فيهم المحذج. فالتمسوه فلم يجدوه، فقام علي
بنفسه يطلبه حتى أتى أناسا قد قتل بعضهم على بعض، فقال: أخروهم.
فأخروهم فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر علي (رض) وقال: صدق الله
وبلغ رسوله. فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلا هو
لسمعت هذا الحديث من رسول الله (ص) قال: أي والله الذي
لا إله إلا هو. حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له.
هذا ما تيسر لي الآن من الأخبار الدالة على كونه من معاصري أمير المؤمنين
عليه السلام، وببالي اني رأيت من هذا النمط جملا وافية من الاخبار، ونوكل
الامر إلى همة الباحثين ومتتبعي الاخبار والتواريخ، إذ الفرصة لم تساعدني
على المراجعة.
هذا كله بملاحظة المستمسك والدليل على دركه أيام أمير المؤمنين (ع)
وأما بملاحظة الأقوال فقد حكي عن البرقي (ره) انه عده من أصحاب أمير
المؤمنين (ع) وممن عده من معاصري أمير المؤمنين (ع) الشيخ الطوسي
(ره) في رجاله ص 43 تحت الرقم (الثامن) من باب السين.
وأما الجهة الثالثة أعني كون الرجل (أو الرجلين) من شيعة أهل البيت
ومقتدي امامتهم وخلافتهم عن الله ورسوله، أم كونه سنيا ومعتقدا لخلافة
الخلفاء - باختيار عمر وأبي عبيدة أبا بكر للخلافة ثم انفاذ سائر الناس

(31) كذا في النسخة، والصواب: (وما أصيب يومئذ الا رجال)
وهم تسعة أنفس، لاستفاضة النقل الصحيح عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال
: (لا يفلت منهم عشرة، ولا يهلك منكم عشرة).
91

اختيارهما، ثم اختيار أبي بكر لعمر للخلافة وقبول جل الناس خلافته، ثم
اختيار عبد الرحمان بن عوف واثنين من أهل الشورى خلافة عثمان ثم امضاء
أكثر المسلمين ما اختاره عبد الرحمان لأنه كان بوصية الخليفة الثاني - فالظاهر
مما تقدم في ترجمة أبي المقدام عن الكشي والنوبختي (رحمهما الله) انه
من المذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، الا أن يحمل ما نقل عنه من خلطه
ولاية علي (ع) بولاية الشيخين على التقية، لأن عصره كان عصر استيلاء
أولياء الرجلين وهم كانوا يقتلون أولياء أمير المؤمنين (ع) بأدنى شبهة،
بل قتلوا كثيرا من الصلحاء بلا مستمسك ظاهر فضلا عن المستمسك الخيالي
أو الواقعي
وكذا ما في الاخبار من احتجاج الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما
السلام، عليه وعلى حكم بن عتيبة والثوري وأمثالهم، يدل جليا على انحرافه
عن طريقة الأئمة المعصومين (ع) الا أن يفصل ويقال - بناء على كون
مسمى بهذا الاسم رجلين -:
ان من عاصر أمير المؤمنين (ع) كان مستقيم العقيدة، صحيح الباطن
والسجية، وأما الذي كان في عصر الباقرين (ع) فهو كان على طريقة
القوم، ولذا وبخه ولامه الإمام الصادق (ع) في احتجاجاته معهم، الا
أن يقول قائل ان اللوم والتوبيخ غير راجع إلى العقيدة بل اللوم والتقريع
على أخذهم مباني الفروع والاحكام العملية من القائلين بالقياس ولا عاملين
بالآراء من دون مراجعة إلى أوعية علم الله، وتراجمة وحي الله، وهداة
الدين ودعاة الصواب واليقين، والحاصل ان ترجمة الرجل من حيث التعدد
والعقيدة، غير واضحة لي، وما أمكنتني الفرصة لاستفراغ الوسع وبذل
الجهد لتبيين حاله، وجهالته - حتى بعد اعمال الطاقة - غير مضر لقبول
92

قوله، إذ الحق عندي ان قبول قول الرواة - وكذا المؤرخين وأمثالهم -
ليس من باب التعبد، بل من باب الكشف عن الواقع وجهات الكشف
واراءة الواقع تتعدد وتختلف، فربما كان الشخص منحرفا عن الحق ومع
ذلك يستكشف الواقع بقوله، مثل ما إذا كان ثقة متورعا عن الكذب وقول
الزور ولم يكن له هوى فيما أخبر به بل كانت عقيدته أو دواعيه على خلاف
ما أظهره، ولم يحتمل دواع أخر في حقه، فان قوله حينئذ منظرة لإراءة
الواقع ومرآة لكشف المقول، فان قيل: إذا لم تكن حجية أقوال الرواة
من باب التعبد لم يكن قولهم حجة مطلقا، إذ بعض الافراد لا يرى قولهم
مرآة للواقع ولو مع ما ذكرت من القيود. قلت: لا خلل ولا قصور في كشف
أقوال الرواة - وأمثالهم - مع القيود المذكورة عن الواقع، وإنما الخلل والقصور في ادراك بعض الافراد وذلك لا يضر بالحقيقة، مثلا بعض الافراد
يتصور أن الانسان خلق لأجل ان يفدي نفسه في تحصيل متاع الدنيا، ولذا
يقتل نفسه ويحفظ ما جمعه من المال، وتصور ذلك الشخص وادراكه
لا يقلب الواقع والحقيقة الراهنة الثابتة بالعقل والنقل من أن الموجودات
خلقت للانسان، لا العكس.
هذا كله مع قطع النظر عن الشواهد الخارجية الأخر، مثل كون
الكلام معمولا به، وورود مثله في كلام محقق الصدور عن أمير المؤمنين
(عليه السلام) وشهادة المتن، كما هو المفروض في ما نحن فيه، فان جل
ما في هذا المتن معمول به، موافق لسائر الأدلة، وبعض فقراته مما ثبت
عن أمير المؤمنين (ع) بطريق آخر - كما أشرنا إليه فيما تقدم من التعليقات -
والكلام من سنخ كلمه (ع) وما لهج به في أكثر محاوراته. إلى غير
ذلك من المؤيدات التي لا تخفى على المتعمق.
وببيان آخر نقول: إن المسمى بهذا الاسم اما أن يكون واحدا،
93

واما أن يكون متعددا وان سلمة اسم لرجلين - للقطع والاجماع على عدم
الزيادة على فرض التعدد - فإن كان المسمى واحدا فقد اتفقت كلمة الخاصة
والعامة - الا بعض من يشكك في المحسوسات - على توثيقه لو خلي
وطبعه، بل كثير من محققي أهل السنة حكم بصحة طريق ينتهي إليه
(ولم يكن فيه من الضعفاء) كالطبري والحاكم وصاحب القاموس
وغيرهم (1) وقال عبد الرحمن بن مهدي: أربعة لا يختلف في حديثهم فمن
اختلف فيهم فهو المخطئ دونهم - منهم سلمة بن كهيل. وقال أيضا:
الحفاظ أربعة، منهم سلمة بن كهيل. وقال أيضا لم يكن بالكوفة أثبت
منهم. وفي رواية أخرى عنه: لم يكن الحفظ منهم، وعد منهم سلمة.
وقال أحمد بن حنبل: كان ثبتا في الحديث. وفي رواية أخرى عنه
قال: كان متقن الحديث وقال يوسف بن حراش: سلمة بن كهيل أحد
الأئمة، وقال أبو حاتم سلمة بن كهيل ثقة. وسئل أبو زرعة عنه فقال:
كوفي ثقة مأمون. قال ابن سعد: سلمة ثقة كثير الحديث. وقال يحيى
ابن معين: سلمة بن كهيل ثقة (2) إلى غير ذلك.
واما من وثقه من الخاصة فهو الشيخ الأجل جعفر بن قولويه، فان
هذا الشخص ينتهي إليه سند الحديث الأول من الباب الرابع عشر من كتاب
كامل الزيارات الذي التزم مؤلفه أن لا ينقل فيه الا من الثقات، بل هذا
ظاهر جميع من روى عنه من غير طعن في حديثه. هذا بناء على وحدة
المسمى بهذا الاسم وأما بناء على كون المسمى متعددا ولم يحرز كون
الراوي هو الذي وثقوه، فكفى في تصديقه وسماع قوله - هنا - الشواهد
والمؤيدات المتقدمة.

(1) كما حققه في حديث مدينة العلم من العبقات ج 1.
(2) كل ذلك رواه عنهم ابن عساكر، وسنذكرها بألفاظها الخاصة.
94

- 21 -
ومن وصية له عليه السلام
لرجل جاء والتمس منه الوصية
أوصيك بتقوى الله واجتناب الغضب، وترك الأماني
وأن تحافظ على ساعتين من النهار، من طلوع الفجر إلى
طلوع الشمس، ومن العصر إلى غروبها، ولا تفرح بما
علمت، ولكن بما عملت فيها (1).
تأريخ اليعقوبي: 2، 185، ط 1.
- 22 -
ووصى عليه السلام بعضهم فقال فيها:
عليك بإقامة الحدود على القريب والبعيد، والحكم
بكتاب الله (عز وجل) في الرضا والسخط، والقسم بالعدل
بين الأحمر والأسود.
الحديث 5، من الفصل الأول من كتاب الحدود من دعائم الاسلام
441، ط 1.

(1) المستفاد من هذا الكلام الشريف أن العلم من حيث هو، أي من
غير استلزامه للعمل، وبلا استتباعه إياه لا زنة له، ولا شرافة فيه، فلا
موقع لفرح الانسان من العلم المجرد، وإنما القدر والرفعة للعمل، فبه ينبغي
ان يبتهج الشخص، وهذا مما اتفق عليه العقل والنقل وقد تقدم ما ينفع المقام.
95

- 23 -
ومن وصية له عليه السلام
ثقة الاسلام الكليني عليه الرحمة والرضوان، عن محمد بن يحيى
العطار، عن بعض أصحابنا، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
لا تختانوا ولاتكم ولا تغشوا هداتكم، ولا تجهلوا أئمتكم
ولا تصدعوا عن حبلكم، فتفشلوا وتذهب ريحكم، وعلى
هذا فليكن تأسيس أموركم، والزموا هذه الطريقة، فإنكم
لو عاينتم ما عاين من قد مات منكم ممن خالف ما قد
تدعون إليه، لبدرتم وخرجتم ولسمعتم، ولكن
محجوب عنكم ما قد عاينوا، وقريبا ما يطرح الحجاب.
الحديث الثالث من الباب 23، من الجزء الثالث - وهو كتاب الحجة -
من الكافي، 405.
والذيل قريب جدا من صدر المختار (20) من خطب النهج، والمختار
(58) من خطب المستدرك.
96

أقول: حاصل هذا الفصل توصية المسلمين بعدم خيانة أولياء الأمور،
وعدم غش من نصبه الله لهدايتهم، وعدم الحكم والاعتقاد بجهالة من عنده
علم الكتاب وفصل الخطاب، وأن لا يتفرقوا من حبل الاجتماع، ولا يتخلفوا
عن التمسك بالعروة الوثقى التي لا انقصام لها، والا يعروهم الفشل،
ويعرض عليهم العلل، فيذهب ما من الله عليهم من حسن الذكر، والوجاهة
عند الأمم، والصيت الحسن، والسمعة الطيبة، والعزة والمنعة
وانه ينبغي أن يكون تأسيس أمورهم على هذا الأساس المتين، والأصل
الوثيق، وأن يلزموا هذه الطريقة، ويداوموا على هذه الروية، ويتأدبوا
بهذه السجية، فان من خالف هذه الدعوة من المتقدمين قد صار من
النادمين وهم قائلون: رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت، وعن
قريب تكونون أمثالهم، وتتمنون الرجوع إلى الدنيا، وامتثال نصائح
الهداة، وأوامر الولاة، ولو كشف عنكم الغطاء ورأيتم ما لاقى من خالف
ما تدعون إليه لبادرتم وسارعتم إلى ما قد أمرتكم به، ولخرجتم خفافا
وعملتم بطيب نفوسكم، ولكن لم تعلموا الآن ما حل بمن مات من المخالفين
وإذا حل بكم ما نزل بهم لأصبحتم من النادمين، ولكن ولات حين مناص.
ومعنى المتن جلي، وما تضمنه علي بالنسبة إلى الأدلة، فلنبحث عن
حال رواته، أما ترجمة محمد بن يحيى العطار الأشعري فقد تقدمت في
شرح المختار الأول من هذا الباب ص 16، من الجزء الأول، فلنذكر
ترجمة ابن مسلم وصدقة.
97

ترجمة هارون بن مسلم
قال الشيخ (ره) في باب الهاء من أصحاب الإمام العسكري عليه
السلام من رجاله ص 437 ط النجف: هارون بن مسلم بن سعدان، الأصل
كوفي تحول إلى البصرة ثم تحول إلى بغداد ومات بها.
وقال (ره) تحت الرقم (784) من فهرست مصنفي الشيعة ص
205 طبع النجف: هارون بن مسلم له روايات عن رجال (الامام) الصادق
عليه السلام، ذكر ذلك ابن بطه عن أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم عنه،
وأخبرنا ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن عبد الله بن جعفر الحميري عنه.
وقال المحقق النجاشي (ره) تحت الرقم (1161) من فهرست
مصنفي الشيعة ص 342 طبع إيران: هارون بن مسلم بن سعد ان الكاتب،
السر من رائي، كان نزلها وأصله الأنبار (1) يكنى أبا القاسم ثقة وجه،
وكان له مذهب في الجبر والتشبيه (2) لقي أبا محمد وأبا الحسن (عليهما
السلام).
له كتاب التوحيد وكتاب الفضائل وكتاب الخطب وكتاب المغازي
وكتاب الدعاء، وله مسائل لأبي الحسن الثالث عليه السلام، أخبرنا الحسين
ابن عبيد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا سعد عن هارون بها.
ووثقه أيضا جميع من تأخر عنهما على ما في التنقيح.

(1) كذا في النسخة.
(2) هذه العبارة غير بينة المراد، كما اعترف به الوحيد البهبهاني
وصاحب الحاوي على ما حكي عنهما.
98

ترجمة مسعدة بن صدقة
وهذا الرجل أيضا كسلمة بن كهيل قد اختلفوا في وحدته وتعدده،
ثم اختلفوا في مذهبه، ثم في توثيقه، قال الشيخ (ره) تحت الرقم (40)
من باب الميم من أصحاب الإمام الباقر (ع) من رجاله ص 137، طبع
النجف: مسعدة بن صدقة عامي.
وقال في باب الميم من أصحاب الإمام الصادق (ع) تحت الرقم (545)
من الرجال ص 314،: مسعدة بن صدقة العبسي البصري أبو محمد.
وقال في باب مسعدة تحت الرقم (743) من فهرسته 195، طبع
النجف: مسعدة بن صدقة له كتاب
وحكي عن رجال الشكي (ره) أنه قال: فأما مسعدة بن صدقة بتري.
وقال المحقق النجاشي (ره) تحت الرقم (1091) من فهرست مصنفي
الشيعة ص 325 ط طهران: مسعدة بن صدقة العبدي يكنى أبا محمد،
قاله ابن فضال.
وقيل: يكنى أبا بشر، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما
السلام، له كتب، منها كتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام، أخبرنا ابن
شاذان قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى عن عبد الله بن جعفر، قال:
حدثنا هارون بن مسلم عنه.
أقول هذا الرجل بما أنه ينتهي إليه بعض أسانيد كتاب كامل الزيارات -
كما في الحديث التاسع من الباب (66) - الذي التزم مؤلفه أن لا ينقل
فيه الا عن الثقات فهو ثقة على ما يراه بعض المحققين.
99

- 24 -
ومن وصية له عليه السلام
لكميل بن زياد النخعي (ره)
حفص بن البختري قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: حدثني
أبي عن آبائه عليهم السلام، أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لكميل بن زياد
النخعي رحمه الله تعالى:
تبذل ولا تشهر، ووار شخصك ولا تذكر (1) وتعلم
واعمل، وأسكت تسلم، تسر الأبرار، وتغيظ الفجار ولا عليك
إذا عرفك الله دينه أن لا تعرف الناس ولا يعرفوك.
رواها عن كتاب العدة، في الحديث 50، من الباب 9، من البحار: 1
80 س 20 ط الكمباني، ونقلها مع زيادات جيدة مرسلة في الباب 25،
من ارشاد القلوب 159، ونقلها معلم الأمة الشيخ المفيد (ره) (في
الاختصاص 232، ط 2، عن فرات بن أحنف ورواها أيضا في الحديث
43، من الباب 23، من الأمالي 130، معنعنة، مع حذف الموصى إليه
والجملة الأخيرة، ورواها ابن أبي الحديد باختلاف بسيط في الحديث 22، من
شرح المختار 32، من خطب النهج عنه (ع)، وذكرها أيضا مرسلة في
المختار 145، مما اختار من كلمه (ع) في تحف العقول 152.

(1) التبذل: ترك التزين، ورفض التهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة.
وقوله: (ولا تشهر) يحتمل أن يكون من باب منع، وأن يكون من باب
فعل، يقال شهره شهرا وشهرة بكذا: ذكره وعرفه به، ويقال: ذكره الشئ وذكره
به أي جعله يذكره.
100

قال أبو جعفر: حاصل هذا الفصل هو الامر بالعزلة وخمول الذكر،
والمنع عن اشتهار الصيت وكونه معروفا بالعظمة، ومشارا إليه بالبنان، وأنه
إذا من الله عليه بمعرفته فلا ينبغي أن يستوحش من عدم معرفة الناس بحاله
وعدم معرفته الناس وأن كان هذا دأبه يسر الأبرار ويغيض الفجار،
أقول: وهذا المعنى هو المستفاد من الأخبار الكثيرة الواردة عن النبي
وأهل بيته عليهم السلام المشهورة بين المسلمين، فعن النبي صلى الله عليه
وآله: استأنسوا بالوحدة عن الجلساء السوء. وقال: خيركم الأتقياء
الأصفياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا. وقال: لا تدعوا
حظكم من العزلة فان العزلة لكم عبادة (2).
وسأله عبد الله بن عامر الجهني عن طريق النجاة فقال: (ليسعك بيتك،
أمسك عليك دينك، وابك على خطيئتك). وقيل له صلى الله عليه وآله:
أي الناس أفضل. فقال: (رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه
ويدع الناس من شره). وقال: (ان الله يحب التقي النقي الخفي) (3).
وروى الشيخ الصدوق (ره) معنعنا في اكمال الدين عن النبي (ص)
أنه قال: ثلاث منجيات: تكف لسانك وتبكي على خطيئتك وتلزم بيتك (4).
وعن دعوات الراوندي (ره) قال قال الإمام الباقر (ع) وجد رجل
صحيفة فاتى بها رسول الله (ص) فنادى الصلاة جامعة، فما تخلف أحد

(2) كل ذلك ذكره ابن عبد ربه في عنوان: (العزلة عن الناس)
من الكتاب الزمردة في المواعظ والزهد من العقد الفريد: 2، 139، ط 2.
(3) وهذه الثلاثة رواها ابن أبي الحديد مرسلا في شرح لمختار (177)
من خطب نهج البلاغة ج 10، 42.
(4) الحديث الخامس من باب العزلة من البحار القسم الثاني من المجلد
الخامس عشر ص 51، ط الكمباني.
101

ذكر ولا أنثى، فرقى المنبر فقرأها فإذا كتاب من يوشع بن نون وصي موسى
وإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم، ان ربكم بكم لرؤف رحيم، الا ان خير
عباد الله التقي النقي الخفي، وان شر عباد الله المشار إليه بالأصابع الخبر (5).
وروى الشيخ الصدوق (ره) معنعنا في الأمالي عن يونس بن ظبيان قال
الصادق (ع) ان الله جل وعز أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل:
ان أحببت ان تلقاني غدا في حظيرة القدس فكن في الدنيا وحيدا غريبا مهموما
محزونا مستوحشا من الناس بمنزلة الطير الواحد الذي يطير في ارض القفار
ويأكل من رؤوس الأشجار ويشرب من ماء العيون، فإذا كان الليل آوى
وحده ولم يأو مع الطيور، استأنس بربه واستوحش من الطيور (6).
وعن علي بن إبراهيم (ره) مرسلا في تفسيره قال قال أمير المؤمنين (ع):
أيها الناس طوبى لمن لزم بيته وأكل كسرته وبكى على خطيئته، وكان من
نفسه في تعب (شغل خ ل) والناس منه في راحة (7).
وقال (ع) في المختار (101) من باب الخطب من نهج البلاغة:
وذلك زمن لا ينجو فيه الا كل مؤمن نومة ان شهد لم يعرف، وان غاب لم
يفتقد، أولئك مصابيح الهدى وأعلام السرى، ليسوا بالمساييح، ولا المذاييع
البذر (8) أولئك يفتح الله لهم أبواب رحمته، ويكشف، عنهم ضراء

(5) الحديث الحادي عشر من باب العزلة من البحار: 15، ص 51،
ورواه فيه أيضا عن مهج الدعوات عن الإمام الرضا (ع) مثله.
(6) الحديث الأول من باب العزلة من البحار: 15، 51.
(7) الحديث الرابع من باب العزلة من البحار: 15، 51، وقريب
منه جدا في آخر المختار (177) من باب الخطب من نهج البلاغة. (8) النومة - بضم فتح كالهمزة -: كثير النوم. والمراد هنا معناها
الكنائي، أي البعيد عن مشاركة الأشرار في شرورهم كأنه بقي نائما ولم
يلحقهم ليشاركهم في الاعمال فإذا رأوه لم يعرفوه، وإذا غاب عنهم لم يفتقدوه.
ولسرى - كالهدى -: السير في الليل. ومنه المثل: (عند الصباح يحمد
القوم السرى).
والمساييح: جمع مسايح وهو الذي يسيح بين الناس بالفساد والنمائم.
والمذاييع: جمع مذياع وهو الذي إذا سمع لغيره بفاحشة نوه بها وأذاعها.
والبذر: جمع بذور وهو الذي يكثر سفهه، وقيل: البذور - بالفتح - كالبذير
النمام.
102

نقمته الخ.
وفي المختار (434) من قصار النهج: (اختبره تقله) أي اختبر الناس
وجربهم تبغضهم، فان التجربة تكشف لك عن مساويهم وسوء أخلاقهم
كذا فسره ابن أبي الحديد.
وفي الحديث السادس عشر من باب العزلة من البحار: 15، 52 في
القسم الثاني منه، عن عدة الداعي قال: وعن الإمام الباقر (ع): لا يكون
العبد عابدا الله حق عبادته حتى ينقطع عن الخلق كلهم إليه، فحينئذ يقول:
هذا خالص لي فيقبله بكرمه.
وروى الكليني (ره) في الحديث (98) من روضة الكافي ص 128،
معنعنا ورواه المجلسي (ره) عن الشيخ الصدوق (ره) معنعنا في الأمالي عن
حفص بن غياث، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ان قدرتم ان لا تعرفوا
فافعلوا، وما عليك ان لم يثن عليك الناس، وما عليك أن تكون مذموما
عند الناس إذا كنت عند الله محمودا (9).
وعن قرب الإسناد عن ابن سعد عن الأزدي قال قال أبو عبد الله (ع):
ان من اغبط أوليائي عندي عبدا مؤمنا ذا حظ من صلاح، أحس عبادة

(9) ذكره مع التوالي في الحديث الثاني والثالث والسادس والسابع
والثامن والتاسع من باب العزلة من البحار: 15، 51.
103

ربه وعبد الله في السريرة وكان غامضا في الناس فلم يشر إليه بالأصابع، وكان
رزقه كفافا فصبر عليه، تعجلت به المنية فقل تراثه وقلت بواكيه ثلاثا (10).
وعن الصدوق (ره) في اكمال الدين معنعنا عن جعفر بن محمد عن
آبائه عن علي عليهم السلام قال قال عيسى بن مريم: طوبى لمن كان صمته فكرا،
ونظره عبرا، ووسعه بيته وبكى على خطيئته وسلم الناس من يده ولسانه.
وعنه (ره) في اكمال الدين وثواب الاعمال بسند فيه رفع قال: يأتي
على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة اجزاء تسعة منها في اعتزال الناس،
وواحدة في الصمت.
وقال (ع) صاحب العزلة متحصن بحصن الله، ومحترس بحراسته،
فيا طوبى لمن تفرد به سرا وعلانية، وهو يحتاج إلى عشرة خصال: علم الحق
والباطل، وتحبب الفقر، واختيار الشدة والزهد واغتنام الخلوة والنظر في
العواقب، ورؤية التقصير في العبادة مع بذل المجهود وترك العجب وكثرة
الذكر بلا غفلة فان الغفلة سناد الشيطان ورأس كل بلية، وسبب كل حجاب،
وخلوة البيت عما لا يحتاج إليه في الوقت، قال عيسى بن مريم عليهما السلام:
أخزن لسانك لعمارة قلبك وليسعك بيتك، وفر من الرياء وفضول معاشك،
وأبك على خطيئتك، وفر من الناس فرارك من الأسد والأفعى، فإنهم كانوا
دواء فصاروا اليوم داء، ثم الق الله متى شئت. قال ربيع بن خيثم: ان
استطعت أن تكون في موضع لا تعرف ولا تعرف فأفعل. وفي العزلة صيانة
الجوارح وفراغ القلب، وسلامة العيش وكسر سلاح الشيطان، والمجانبة به
من كل سوء وراحة الوقت.
وما من نبي ولا وصي الا اختار العزلة في زمانه، اما في ابتدائه أو في

(10) كذا في النسخة، والظاهر أن (ثلاثا) من قول الراوي أي قال
أبو عبد الله هذا الكلام ثلاث مرات.
104

انتهائه. (11)
وعن البرقي (ره) في المحاسن عن صفوان الجمال عن الفضل قال:
سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: طوبى لعبد نومة عرف الناس قبل معرفتهم به.
وعن عدة الداعي: روى عبيد بن زرارة عن الصادق (ع) قال:
ما من مؤمن الا وقد جعل الله له من ايمانه أنسا يسكن إليه، حتى لو كان
على قلة جبل لم يستوحش.
وروى الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: خالط الناس تخبرهم ومتى
تخبرهم تقلهم.
وقال الإمام الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم (ره): يا هشام
الصبر عليه الوحدة علامة على قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنيا
والراغبين فيها ورغب فيما عند الله، وكان الله أنيسه في الوحشة، وصاحبه
في الوحدة، وغناه في العيلة ومعزه من غير عشيرة، يا هشام قليل العمل مع
العلم مقبول مضاعف، وكثير العمل من أهل الجهل مردود. (12)
وعن الإمام الهادي عليه السلام، قال: لو سلك الناس واديا وسيعا
لسلكت وادي رجل عبد الله وحده خالصا.
وعن الامام أبي محمد العسكري عليه السلام قال: الوحشة من الناس
على قدر الفطنة بهم. وقال (ع): من آنس بالله استوحش من الناس. (13)

(11) كذا في البحار، وكأنه مأخوذ من مصباح الشريعة الا انه سقط من
نسخة البحار ذكره.
(12) الحديث السابع عشر من باب العزلة من البحار: 15، 52 ط
الكمباني.
(13) الحديث العاشر من باب العزلة من القسم الثاني من المجلد الخامس
عشر من البحار ص 51، نقلا عن الدرة الباهرة، واما الحديثان المتقدمان
فرواهما في الحديث (15، و 18) من الباب عن عدة الداعي.
105

أقول: قد اختلف العلماء في ترجيح الانزواء والوحدة والفرار عن الناس
على الاجتماع والائتلاف والاستيناس أو العكس، فذهب بعضهم على رجحان
الخمول واخماد الصيت والانعزال من الناس على الألفة والانس والاجتماع
والمعاضدة، ومستنده الأخبار المتقدمة وما يشبهها من الأدلة السمعية الكثيرة
الواردة عن النبي (ص) وأهل بيته (ع) المسلمة بين المسلمين، وقد ذكرنا
قبسا ثاقبا منها.
وذهبت طائفة إلى رجحان الاجتماع والترافق والتعاون والتآلف،
ومستمسك هذه الطائفة أيضا طوائف كثيرة من الأدلة السمعية كقوله تعالى:
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.، وكقوله تعالى فاستبقوا الخيرات.
وكقوله تعالى: تعاونوا على البر والتقوى إلى غير ذلك من الآيات التي
تجري مجراها، وكذلك تمسكوا بالاخبار الحاثة على الاجتماع، والرادعة
عن التفرق والانزواء، وبالاخبار الدالة على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر،
وبالأدلة المرغبة في العلم المنفرة عن الجهل.
والحق أن كل واحدة من الحجتين على اطلاقها ليست على ما ينبغي،
إذ رب شخص لا يجوز له الانقباض والانفراد عن المجتمع مثل ما إذا كان
وجب عليه عينيا - بالذات أو بالعرض - ارشاد الناس وحملهم على الصراط
السوي، ورب شخص يكون الاجتماع عليه محرما، مثل ما إذا كان اجتماعه
مع أبناء نوعه مستلزما للوقوع في الحرام والفساد، اما لأن نفسه ضيقة
لا تساعده على تحمل الحق والثبات على الصدق مع الاياب والذهاب إلى المجتمع
أو لأن المجتمع فاسد ولا يمكنه التوقي عن مفاسدهم مع معاشرتهم ومراودتهم
كما هو الشأن لأكثر الناس عند استفحال البدع وظهور الفحشاء والمنكر
باستيلاء الكفار أو الظلمة والفسقة على دست السلطة ومقاليد الحكم.
ولا تعارض بين الطائفتين من الحجج، لان أدلة الاستيحاش والانزواء
106

عن الناس ناظرة إلى الاجتماع معهم في مجالس البطالين وصرف الأوقات باللعب
واللهو، والغفلة والجهالة، وتنقيد المؤمنين والتشبيب بنساء المسلمين وغيبة
الأبرياء، والافتراء على الصلحاء، كما هو المشهود من مجالسة سواد الناس
إذا لم يكن فيهم عالم عامل مقتدر، وفيما سلف من الزمان أيضا كانوا كذلك
كما يكونون على هذه الحالة فيما سيأتي بالقيود التي ذكرناها.
وللمحقق كمال الدين البحراني: ابن ميثم (ره) كلام في هذا المقام
ما أجوده فإنه قال - بعد ما ذكره احتجاج الطرفين -: أقول: ان كلا
الاحتجاجين صحيحين، لكنه ليس أفضلية العزلة مطلقا، ولا أفضلية المخالطة مطلقا،
بل كل في حق بعض الناس بحسب مصلحته، وفي بعض الأوقات بحسب
ما يشتمل عليه من المملحة.
وأعلم انه من أراد ان يعرف مقاصد الأنبياء عليهم السلام في أوامرهم
وتدبيراتهم، فينبغي ان يتعرف طرفا من قوانين الأطباء ومقاصدهم من
العبارات المطلقة لهم، فإنه كما أن الأطباء هم المعالجون للأبدان بأنواع الأدوية
والعلاجات، لغاية بقائها على صلاحها أو رجوعها إلى العافية من الأمراض
البدنية، كذلك الأنبياء عليهم السلام ومن يقوم مقامهم، فإنهم أطباء النفوس
والمبعوثون لعلاجها من الأمراض النفسانية، - كالجهل وسائر رذائل الأخلاق -
بأنواع الكلام من الآداب والمواعظ والنواهي والضرب والقتل، وكما أن
الطبيب قد يقول: الدواء الفلاني نافع من المرض الفلاني ولا يعنى به في كل
الأمزجة بل في بعضها، كذلك الأنبياء والأولياء إذا أطلقوا القول في شئ
انه نافع - كالعزلة مثلا - فإنهم لا يريدون أنها نافعة لكل انسان، وكما أن
الطبيب قد يصف لبعض المرضى دواء ويرى شفاءه فيه، ويرى أن ذلك
الدواء بعينه لمريض آخر كالسم القاتل ويعالجه بغيره، كذلك الأنبياء عليهم
السلام قد يرون أن بعض الأمور دواء النفوس فيقتصرون عليه، وقد يرون
107

أن بعض الأوامر علاج لبعض النفوس كالأمر بالعزلة والحث عليها لبعض الناس،
وقد يرون أن ذلك العلاج بعينه مضر لغير تلك النفس، فيأمرونها بضد ذلك -
كالأمر بالمخالطة والمعاشرة - وأكثر ما يختارون العزلة لمن بلغ رتبة من الكمال
في قوتيه النظرية والعملية، واستغنى عن مخالطة كثير من الناس، لأن أكثر
الكمالات الانسانية من العلوم والأخلاق إنما تحصل بالمخالطة، خصوصا
إذا كان ذلك الانسان - أعني المأمور بالعزلة - خاليا عن عائلة يحتاج أن
يتكسب لهم، وأكثر ما يختارون المخالطة والاجتماع لتحصل الألفة والاتحاد
بالمحبة، وللاتحاد غايتان كليتان: إحداهما حفظ أصل الدين وتقويته بالجهاد
والثانية تحصيل الكمالات التي بها نظام أمر الدارين، لأن أكثر العلوم والأخلاق
يستفاد من العشرة والمخالطة كما بيناه.
انتهى كلامه رفع مقامه، وحاصله انه لا اطلاق لتلك الأوامر بل انها
مصالح خاصة لبعض الافراد، ولو قيل إنه لا يصح إرادة الاطلاق واقعا بنحو
الاستغراق لكان هو الصواب، والا لانقلب الدواء داء.
هذا كله بملاحظة متن الوصية، وأما بملاحظة ترجمة رواتها فنتعرض
لترجمة حفص البختري واما غيره فنترجمه عند نقل الرواية من طريقه بلحاظ
ألفاظها الخاصة فنقول: قال الشيخ (ره) تحت الرقم (197) من باب الحاء
من أصحاب الإمام الصادق (ع) من رجاله ص 177، ط النجف: حفص
ابن البختري البغدادي أصله كوفي
وقال في باب حفص تحت الرقم (244) من كتاب الفهرست ص 78، ط النجف:
حفص بن البختري له أصل، أخبرنا به عدة من أصحابنا عن أبي المفضل عن
ابن بطة، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد عن ابن أبي عمير.
وقال المحقق النجاشي (ره) تحت الرقم (337) من كتاب فهرست
مصنفي الشيعة ص 103، ط طهران في باب الحاء: حفص بن البختري مولى
108

بغدادي - أصله كوفي - ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما
السلام ذكره أبو العباس، وإنما كان بينه وبين آل أعين نبوة (14) فغمزوا
عليه بلعب الشطرنج، له كتاب يرويه عنه جماعة، منهم محمد بن أبي عمير،
أخبرنا أبو عبد الله القزويني، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، قال:
حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن يزيد بن حماد
الأنباري، قال: حدثنا محمد بن أبي عمير عنه به.

(14) النبوة - كالحربة والضربة -: النفرة. عدم الموافقة. المفارقة.
ونبوة الزمان: خطبه وجفوته. وكأن هذا الكلأ م دفع لما يخطر في ذهن القاري
من توثيق النجاشي (ره) إياه، وبيانه انه كيف يكون ثقة وقد غمز فيه آل
أعين بارتكاب الحرام من لعب الشطرنج. فأجاب (ره) بأن هذا الغمز منشأه
المنافرة ولا مساس له بالواقع فلا ضير فيه.
109

- 25 -
ومن وصية له عليه السلام
أوصاها إلى من بعثه لجباية الصدقات
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني الرازي أعلى الله مقامه، عن علي
ابن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن بريد بن معاوية،
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام، يقول: بعث أمير المؤمنين صلوات الله
عليه، مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له (1):
يا عبد الله انطلق وعليك بتقوى الله وحده لا شريك
له، ولا تؤثرن دنياك على آخرتك.
وكن حافظا لما إئتمنتك عليه، راعيا لحق الله فيه،
حتى تأتي نادي بني فلان، (2) فإذا فدمت فأنزل بمائهم

(1) وفى المحكي عن الغارات: بعث علي عليه السلام مصدقا من الكوفة
إلى باديتها فقال: (عليك بتقوى الله، ولا تؤثرن دنياك على آخرتك) الخ.
وفى النهج: (انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له، ولا تروعن مسلما،
ولا تجتازن عليه كارها، ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله) الخ.
أقول: وما في رواية النهج كالتفسير لما في رواية الكليني والغارات، إذ
الايثار عبارة عن تقديم أحد الشيئين أو الأشياء على الاخر، وتفضيله عليه،
وترجيح الدنيا على الآخرة بالنسبة إلى المصدق في أخذ الصدقات، هو إرعاب
أرباب الثروة، والدخول عليهم كرها وأخذ الزائد عما يجب عليهم، أو قبول
الرشوة وقبض أقل من حق الله منهم.
(2) وفى الغارات: (حتى تأتي نادي بني فلان) الخ. أقول: النادي
هو المحل الذي يجتمع فيه رؤساء القوم للمشاورة وفيصل المهمات، والظاهر
من الكلام هنا - بقرينة لذيل - ان المراد من النادي هو مضرب الخيام ومحل
الاجتماع والمسكن، لا خصوص الموضع المعد للجلوس وتصويت الأمور، لقوله
عليه السلام: (فأنزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم) مع العلم بأن النادي
بمعناه المعروف اما ملاصق للبيوت حقيقة، أو قريب منها بحيث يعد بحسب
الذهن والنظر العرفي من دخله مخالطا للبيوت.
وأيضا لو أريد من النادي معناه المعروف، لما عقبه بقوله: (ثم امض
إليهم بسكينة) الخ.
110

من غير أن تخالط أبياتهم ثم امض إليهم بسكينة ووقار
حتى تقوم بينهم وتسلم عليهم ثم قل لهم (3): يا عباد الله
أرسلني إليكم ولي الله لآخذ حق الله في أموالكم، فهل لله في
أموالكم من حق فتؤدون إلى وليه (4) فإن قال لك قائل!
لا. فلا تراجعه (5) وإن أنعم لك منهم منعم (6) فانطلق معه

(3) وفى الغارات: (فإذا قدمت عليهم فأنزل بفنائهم من غير أن تخالط
بيتهم).
(4) وفى النهج: (فإذا قدمت على الحي فأنزل بمائهم من غير أن تخالط
أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم،
ولا تخدج بالتحية لهم ثم تقول: عباد الله أرسلني إليكم ولي الله وخليفته لآخذ
منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه) الخ.
(5) وعليه علماء أهل البيت (ع) من سماع قول رب المال بعدم تعلق
الوجوب، أو بالأداء من غير يمين.
(6) يقال: نعم الرجل: أي أجاب بقوله: نعم.
111

من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيرا (7). فإذا أتيت ماله فلا
تدخله إلا بإذنه، فان أكثره له.
فقل يا عبد الله أتأذن لي في دخول مالك، فان أذن لك
فلا تدخله دخول متسلط عليه، وعنيف به (8) فاصدع المال
صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء، فأيهما اختار فلا تعرض
له، ولا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله تبارك

(7) وفى الغارات: (والا تعده لا خيرا حتى تأتي ماله، ولا تدخله) الا
باذنه) الخ. وفى النهج: (فانطلق معه من غير أن تخيفه وتوعده أو تعسفه
أو ترهقه، فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة، فإن كان له ماشية أو إبل فلا
تدخلها الا باذنه، فان كثرها له) الخ.
(8) هذا هو الصواب، وفى الكافي: (ولا عنف به) وفى الغارات:
(وقل له: يا عبد الله أتأذن لي في دخول ذلك، فان قال نعم فلا تدخله
دخول المسلط عليه فيه، ولا عنيف به) الخ. وفى النهج: (فإذا أتيتها فلا
تدخل عليها دخول مسلط عليه، ولا عنيف به، ولا تنفرن بهيمة ولا تفزعنها
ولا تسوءن صاحبها فيها) الخ.
أقول: العنف - بتثليث أو له وسكون ثانيه -: ضد الرفق، وهو الشدة
والقسوة، يقال: عنف - (من باب شرف) بالرجل عنفا وعنافة - كضربا
وشرافة - أي لم يرفق به وعامله بشدة، فهو عنيف، والجمع عنف - كعنق -
وعنفه: عامله بشدة. عتب عليه. واعنفه: لامه بشدة.
وظاهر المقابلة يقتضي اتفاق النسخ، وكون ما في الكافي مصحفا من النساخ
إذ لا معنى للمصدر هنا.
112

وتعالى من ماله.
فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه، وان استقا لك
فأقله (9) ثم أخلطها واصنع مثل الذي صنعت أولا حتى
تأخذ حق الله في ماله (10).
فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا
غير معنف لشئ منها ثم احدر كل ما اجتمع عندك من كل
ناد إلينا نصيره حيث أمر الله عز وجل (11).

(9) وفى الغارات: (واصدع لمال صدعين فخيره أي الصدعين شاء،
فأيما اختار فلا تتعرض له، واصدع الباقي صدعين، فلا تزال حتى يبقى
حق الله في ماله فاقبضه، فان استقالك فأقله ثم اخلطها ثم اصنع مثل الذي
صنعت، حتى تأخذ حق الله في ماله) الخ.
أقول: الصدع الشق والفصل، اي فرق بين المال واقسمه إلى قسمين ثم خيره
لان يختار ما أراد منهما. والإقالة: الموافقة على نقض المعاملة، والمسامحة في فسخها
أي ان طلب منك نقض القسمة لزعمه سوء اختياره ورداءة حصته فوافق على
ذلك واستأنف القسمة وفوض أمر الاختيار إليه.
(10) وفى النهج بعد ذلك: (ولا تأخذن عودا ولا هرمة، ولا مكسورة
ولا مهلوسة ولا ذات عوار، ولا تأمنن عليها الا من تثق بدينه، رافقا بمال المسلمين
حتى يوصله إلى وليهم فيقسمه بينهم، ولا توكل بها الا ناصحا شفيقا وأمينا
حفيظا غير معنف ولا مجحف ولا ملغب ولا متعب، ثم احدر الينا ما اجتمع عندك
نصيره حيث أمر الله) الخ.
(11) وفى الغارات: (فإذا قبضته فلا توكل به الا ناصحا مسلما مشفقا
أمينا حافظا غير متعنف بشئ منها، ثم أحدر ما اجتمع عندك من كل ناد الينا
فنضعه حيث أمر الله به، فإذا انحدر) الخ.
أقول: احدر مأخوذ من قولهم: حدر زيد - من باب ضرب ونصر ومصدره
على زنة فلس وفلوس - حدرا وحدورا: أي أسرع. وأحدر العمل احدارا:
أي أسرع فيه وات به معجلا. ويقال: حدر زيد: نزل وهبط. وحدر
الشئ: أي أنزله من علو إلى أسفل. وأحدره: أي أرسله إلى أسفل.
والظاهر أنه (ع) أراد هنا معناها بالكناية أي أرسل ما اجتمع عندك من
الصدقات الينا، وأنزله الينا سريعا كسرعة ما يهبط من مكان عال. ويحتمل
أن يريد (ع) معناها الحقيقي لانخفاض أرض الكوفة وارتفاع البوادي والقرى
عليها. وقوله (ع): (فأوعز) أي أوص وأشر إليه بأن لا يضر بالمال.
113

فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة
وبين فصيلها، ولا يمصرن لبنها (12)، فيضر ذلك بفصيلها

(12) قال ابن الأثير في النهاية: وفى حديث علي: (لا يمصر لبنها فيضر
ذلك بولدها). والمصر والتمصير: حلب الناقة بأطراف الأصابع. وقيل:
الحلب بثلاث أصابع.
وفى الغارات: (فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه أن لا يحولن بين ناقة
وفصيلها، ولا يفرقن بينهما ولا يمص (كذا) لبنها فيضر ذلك بفصيلها،
ولا يجهدنها ركوبا، وليعدل بينهن في ذلك وليوردها كل ماء يمر به) الخ.
وفى النهج: (فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وبين
فصيلها، ولا يمصر لبنها فيضر ذلك بولدها، ولا يجهدنها ركوبا، وليعدل
بين صواحباتها في ذلك وبينها، وليرفه على اللاغب، وليستأن بالنقب والظالع
وليوردها ما تمر به من الغدر، ولا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جواد الطرق،
وليروحها في الساعات وليمهلها عند النطاف والأعشاب، حتى تأتينا بإذن الله
بدنا منقيات غير متعبات ولا مجهودات، لنقسمها على كتاب الله وسنة نبيه
صلى الله عليه وآله، فان ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك إن شاء الله).
114

ولا يجهد بها ركوبا، وليعدل بينهن في ذلك، وليوردهن
كل ماء يمر به ولا يعدل بهن عن نبت الأرض جواد الطريق
في الساعة التي فيها تريح وتغبق (3) وليرفق بهن جهده حتى

(13) جواد جمع جادة، وهي الطريق الواسع الواضح الذي لا يلتبس على
سالكه. وتريح مأخوذ من الإراحة: النزول في آخر النهار. وتغبق مشتق من
غبق غبقا الغنم: سقاها أو حلبها في العشي، وبابه نصر وضرب وفعل، هذا
على ما في نسخة الكافي، وفى الغارات هكذا (ولا يعدل بهن نبت الأرض الأجواد
الطريق في الساعات التي تريح وتفيق) الخ. كذا في الأصل الحاكي، والظاهر أنه
سقطت كلمة (عن) من النسخة، وكذا أبدلت كلمة (إلى) بالا،
وصوابه هكذا: (ولا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطريق) الخ.
وأما قوله: (تفيق) فيحتمل انه أيضا مصحف تغبق أو تعنق - على
ما يقوله ابن إدريس ره ويحتمل الصحة أيضا، بل الظاهر أنه هو الصواب،
وهو من قولهم: أفاق من التعب: رجع إلى ما كان عليه من النشاط والراحة.
والإفاقة: الراحة.
وقال ابن إدريس عليه الرحمة في آخر كتاب الزكاة من السرائر قبيل
زكاة الفطرة منه: قال شيخنا المفيد في مقنعته: وروى حماد، عن حريز، عن
بريد العجلي، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: بعث أمير المؤمنين (ع)
مصدقا من الكوفة إلى باديتها، ثم أورد الحديث بطوله إلى قوله: (ولا يعدل
بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطرق، في الساعات التي تريح وتعنق، وارفق
بهن جهدك). قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: سمعت من يقول:
تريح وتغبق - بالغين المعجمة والباء - يعتقد أنه من الغبوق، وهو الشرب
بالعشي، وهذا تصحيف فاحش وخطأ قبيح، وإنما هو من العنق - بالعين
غير المعجمة المفتوحة والنون المفتوحة - وهو ضرب من سير الإبل، وهو سير
شديد، قال الراجز:.
يأناق سيري عنقا فسيحا * إلى سليمان فنستريحا
لان معنى الكلام: انه لا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطرق في
الساعات التي لها فيها راحة، ولا في الساعات التي عليها فيها مشقة، ولأجل
هذا قال: تريح من الراحة، ولو كان فيها من الرواح لقال: تروح، وما كان
يقول تريح *.
* قال المحقق الفيض (ره): قال أستادنا طاب ثراه: هذا مسلم
إذا ثبت ان تريح بفتح التاء، وأما إذا كان بضمها - كما هو الظاهر - فلا.
ولان الرواح عند العشي يكون قريبا منه، والغبوق هو شرب العشي على
ما ذكرناه، فلم يبق له معنى، وإنما المعنى ما بيناه، وإنما أوردت هذه اللفظة
في كتابي لأني سمعت جماعة من أصحابنا الفقهاء يصحفونها.
115

يأتينا بإذن الله سحاحا سمانا غير متعبات ولا مجهدات،
فيقسمن بإذن الله على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله
على أولياء الله، فان ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك،
ينظر الله إليها وإليك وإلى جهدك، نصيحتك لمن بعثك
وبعثت في حاجته فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
ما ينظر الله إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة له
ولإمامه إلا كان معنا في الرفيق الأعلى. (14) قال: ثم بكى أبو عبد الله عليه السلام، ثم قال:: يا بريد لا والله ما بقيت
لله حرمة الا انتهكت، ولا عمل بكتاب الله ولا سنة نبيه في هذا العالم،
ولا أقيم في هذه الخلق حد منذ قبض الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه

(14) وفى المحكي عن الغارات بعد قوله: (تريح وتفيق) هكذا: (وليرفق
بهن جهده حتى تأتينا بإذن الله سمانا غير متعبات ولا مجهدات، فيقسمن على
كتاب الله، وسنة نبيه، فان ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك، فينظر الله
إليها والى جهدك ونصيحتك لمن بعثك وبعثت في حاجته، وان رسول الله
صلى الله عليه وآله قال: ما نظر الله إلى ولي يجهد نفسه لامامه بالطاعة
والنصيحة الا كان معنا في الرفيق الاعلى).
أقول: هذا الحديث (الواقع في هذين الطريقين الذي استشهد به
أمير المؤمنين (ع) ورواه عن رسول الله (ص) نقله أيضا ثقة الاسلام (ره)
في الحديث 3، من الباب 22، من كتاب الحجة من أصول الكافي 404، عن
علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا،
عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما نظر الله عز وجل إلى ولي له
يجهد نفسه بالطاعة لامامه والنصيحة، الا كان معنا في الرفيق الاعلى).
أقول: الرفيق الاعلى هو جماعة المقربين، قال ابن الأثير في النهاية: في
حديث الدعاء: (والحقني بالرفيق الاعلى) الرفيق جماعة الأنبياء الذين
يسكنون أعلى عليين، وهو اسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة، كالصديق
والخليط، يقع على الواحد والجمع، ومنه قوله تعالى: (وحسن أولئك
رفيقا). والرفيق: المرافق في الطريق. وقيل: معنى (الحقني بالرفيق
الاعلى) اي بالله تعالى، يقال: (الله رفيق بعباده) من الرفق والرأفة، فهو
فعيل بمعنى فاعل، ومنه حديث عائشة: سمعته يقول عند موته: بل الرفيق
الاعلى) وذلك أنه خير بين البقاء في الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله.
116

عليه، ولا عمل بشئ من الحق إلى يوم الناس هذا.
ثم قال: أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى،
ويميت الأحياء، ويرد الله الحق إلى أهله، ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه
ونبيه، فأبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا، فوالله ما الحق الا في أيديكم.
الحديث الأول، من الباب (22) من كتاب الزكاة، من الكافي: 3،
117

536، ورواها عنه في التهذيب: 1، 376، ورواه في الحديث 26 من الباب 107، من البحار: ج 41 ص 126، عن الكافي والسرائر 107،
وقريب منها في المختار (26) من الباب 2، من النهج. واحتمال التعدد
قوي جدا.
وأشار إلى روايتها عن الثقفي في الحديث 24، من باب 9، من كتاب
الزكاة من البحار: 20، ص 24، ونقلها في الحديث الأول من الباب (12)
من كتاب الزكاة من المستدرك: 1، 516، ط 1، و 2، عن الثقفي رحمه
الله في الغارات، قال: أخبرنا يحيى بن صالح الحريري، قال: أخبرنا أبو
العباس الوليد بن عمر - وكان ثقة - عن عبد الرحمان بن سليمان، عن
جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام، قال: بعث علي عليه السلام، مصدقا
من الكوفة إلى باديتها فقال (له): (عليك بتقوى الله) - إلى آخر
ما مر باختلاف طفيف في الألفاظ أشرنا إليه فيما مر من التعليقات.
ورواها أيضا الشيخ المفيد قدس سره في المقنعة ص 542، وقد مر
عليك فيما سبق حكاية ابن إدريس (ره) إياها من مقنعة الشيخ المفيد،
والمستفاد من كلام ابن إدريس أنها معروفة بين الفقهاء، وأن جماعة منهم
يقرأون (تغبق) بالغين المعجمة والباء الموحدة التحتانية، لا (تعنق) بالعين
المهملة والنون الموحدة الفوقانية.
وأقول: الظاهر أن معلم الأمة الشيخ المفيد رضوان الله عليه ينقل
الوصية الشريفة من أصل حماد، لا انه اخذها من الكافي، ولعل هذا جلي
لمن كان مأنوسا بديدن الفقهاء والمحدثين.
أقول: وينبغي ان نذكر شطرا من ترجمة حريز وبريد بن معاوية،
واما الثقفي إبراهيم بن محمد بن سعيد صاحب كتاب الغارات، وثقة الاسلام
الكليني، ومعلم الأمة الشيخ المفيد، وبطل العلم والعلماء ابن إدريس
118

صاحب كتاب السرائر فمقاماتهم مشهورة، وجل كتب الرجال بتراجمهم
مزينة، واما علي بن إبراهيم وأبوه إبراهيم بن هاشم (ره) فقد أسلفنا
قولا وجيزا من ترجمتهما في تعليقات المختار الأول من هذا الباب - باب
الوصايا - ص 22 و 23، وكذلك تقدم خلاصة ما عندنا من ترجمة حماد
ابن عيسى الجهني (ره) في الفائدة الثالثة من شرح المختار العاشر من الباب
ص 179، من الجزء الأول فراجع.
واما يحيى بن صالح الحريري، وأبو العباس الوليد بن عمر،
وعبد الرحمان بن سليمان - وهم الذين ينتهي إليهم طريق الثقفي - فلم
اظفر فيما عندي من كتب الرجال على ترجمة لهم.
(ترجمة حريز بن عبد الله)
قال الشيخ (ره) تحت الرقم (275) من أصحاب الإمام الصادق عليه
السلام من رجاله ص 181، ط النجف: حريز بن عبد الله السجستاني
مولى أزد.
وقال (ره) تحت الرقم (250) من كتاب فهرست مصنفي الشيعة
ص 88، ط النجف: حريز بن عبد الله السجستاني ثقة، كوفي سكن
سجستان، له كتب منها كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب
النوادر، تعد كلها في الأصول.
أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن
النعمان المفيد رحمه الله تعالى عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبي القاسم
جعفر بن محمد العلوي، عن ابن نهيك، عن ابن أبي عمير، عن حماد،
عن حريز.
119

وأخبرنا عدة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه،
عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر ومحمد بن يحيى وأحمد بن إدريس
وعلي بن موسى بن جعفر، كلهم عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد
وعلي بن حديد، وعبد الرحمان بن أبي نجران، عن حماد بن عيسى الجهني
عن حريز.
وأخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي،
عن أبيه، عن حماد، عن حريز.
وقال الكشي (ره) تحت الرقم (164) من رجاله ص 285، ط
النجف: حمدويه ومحمد، قالا: حدثنا محمد بن عيسى، عن صفوان،
عن عبد الرحمان بن الحجاج، قال: سألت أبا العباس فضل البقباق لحريز
الاذن علي أبي عبد الله (ع) فلم يأذن له، فعاوده فلم يأذن له، أي شئ
للرجل أن يبلغ في عقوبة غلامه. قال: على قدر ذنوبه. فقال: قد عاقبت
والله حريزا بأعظم مما صنع. قال: ويحك اني فعلت ذلك، ان حريزا جرد
السيف (15) ثم قال: أما لو كان حذيفة بن منصور ما عاودني فيه بعد ان
قلت: لا.
محمد بن نصير، قال: حدثني محمد بن عيسى، قال: حدثني يونس
ابن عبد الرحمان، قال: قلت لحريز يوما: يا أبا عبد الله كم يجزيك ان تمسح
من شعر رأسك في وضوئك للصلاة؟ قال: بقدر ثلاث أصابع - وأومأ

(15) أقول: ان هذا الخبر لا يدل الا على سخط الإمام (ع) على
حريز الأجل انه عمل على خلاف التقية في اجهاره بتجريد السيف لمقاتلة الخوارج
وهذا غير مضر بالوثاقة، مع أنه يحتمل قويا ان عدم الإذن لحريز كان لمصالح
اخر من رفع التهمة عن نفسه وأصحابه. أو ابقاءا على حريز وأصحابه واشفاقا
عليهم، كما يحجب الوالد عن ولده تأديبا له وشفقة عليه، فالإمام (ع) لما
علم أن صنيع حريز يؤول إلى هلاكه مع أصحابه حجبه لكي يرتدع عن عمله
وما اجهر به من تجريد السيف.
120

بالسبابة والوسطى والثالثة (16).
وكان يونس يذكر عنه فقها كثيرا.
وقال رحمه الله تحت الرقم (242) ص 327،: محمد بن مسعود،
قال: حدثني محمد بن نصير، قال: حدثني محمد بن قيس عن يونس قال:
لم يسمع حريز بن عبد الله من أبي عبد الله (ع) الا حديثا أو حديثين - الخ (17).
محمد بن مسعود، قال حدثني جعفر بن أحمد بن أيوب، قال:
حدثني العمركي، قال: حدثنا أحمد بن شيبة، عن يحيى بن المثنى، عن
علي بن الحسن وزياد، عن حريز، قال: دخلت على أبي حنيفة وعنده كتب
كادت تحول فيما بيننا وبينه، فقال لي: هذه الكتب كلها في الطلاق وأنتم

(16) أقول: وهذا الحديث رواه أيضا تحت الرقم (242) ص 329،
عن حمدويه وإبراهيم قالا: حدثنا محمد بن عيسى عن يونس، قال: قلت
لحريز يوما - الخ، وساق الرواية مثل ما مر إلى أن قال: ويزعم حريز أن
ذلك رواية. أقول: وهو الظاهر أيضا من اطلاق قوله تعالى: (فامسحوا
برؤوسكم) بعد تخصيصه بمقدم الرأس بمقتضى النصوص المعتبرة عن أهل البيت
عليهم السلام.
ثم قال: وكان يونس يذكر عنه فقها كثيرا، (و) كان حريز بن عبد
الله الأزدي عربي كوفي انتقل إلى سجستان فقتل بها رحمه الله.
(17) الظاهر أن هذا سهو من يونس، أو مراده مسألة خاصة معهودة
بينه وبين مخاطبه، وان صدق هذا القول واقعا بنحو الاطلاق وان ما تحمله
حريز - من الإمام الصادق (ع) في جميع الأبواب - هو حديث أو حديثان
فقط، فغير مناف أيضا لفقاهته وتبرزه في علم الشريعة، لأنه أخذ العلم من
تلاميذ الإمام الباقر (ع) كمحمد بن مسلم وأمثاله رحمهم الله جميعا.
121

ما عندكم وأقبل يقلب بيده، قال: قلت نحن نجمع هذا كله في حرف واحد،
قال: وما هو. قال: قلت قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء
فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة) (18) فقال لي: فأنت لا تعمل شيئا الا
برواية؟ (19) قلت: اجل. قال لي: ما تقول في مكاتب كانت مكاتبته ألف
درهم فأدى تسعمأة وتسعة وتسعين درهما، ثم أحدث - يعني الزنا -
فكيف حده؟ فقلت: عندي بعينها حديث حدثني محمد بن مسلم عن أبي
جعفر (ع): ان عليا (ع) كان يضرب بالسوط وبثلثه وبنصفه وببعضه بقدر أدائه. فقال
لي: أما اني أسألك عن مسألة لا يكون فيها شئ، فما تقول: في جمل
أخرج من البحر. فقلت: ان شاء فليكن جملا، وان شاء فليكن بقرة، ان
كانت عليه فلوس أكلناه والا فلا.
وقال الشيخ المفيد (ره) في الاختصاص ص 207، بعد نقل الرواية
المتقدمة: وحريز بن عبد الله انتقل إلى سجستان وقتل بها، وكان سبب قتله
انه كان له أصحاب يقولون بمقالته، وكان الغالب على سجستان الشراة -
أي الخوارج - وكان أصحاب حريز يسمعون منهم ثلب أمير المؤمنين عليه
السلام وسبه، فيخبرون حريزا ويستأمرونه في قتل من يسمعون منه ذلك
فأذن لهم، فلا يزال الشراة يجدون منهم القتيل بعد القتيل فلا يتوهمون على
الشيعة لقلة عددهم، ويطالبون المرجئة ويقاتلونهم، فلا يزال الامر هكذا
حتى وقفوا عليه فطلبوهم، فاجتمع أصحاب حريز إلى حريز في المسجد،
فعرقبوا عليهم المسجد (20) وقلبوا ارضه - رحمهم الله -.

(18) الآية الأولى من سورة الطلاق.
(19) هذا هو الظاهر الموافق لما في الاختصاص، وفى النسخة: فأنت
لا تعلم شيئا الا برواية.
(20) أي هدموا عليهم المسجد، يقال: (عرقبت الدابة عرقبة) أي
قطعت عرقوبها فعرقوب المسجد - هنا - كناية عن الأعمدة والأساطين التي
يعتمد عليها سقف المسجد.
122

وقال النجاشي (ره) تحت الرقم (367) من كتاب فهرست مصنفي
الشيعة ص 111، ط طهران: حريز بن عبد الله السجستاني أبو محمد
الأزدي من أهل الكوفة، أكثر السفر والتجارة إلى سجستان فعرف بها،
وكانت تجارته في السمن والزيت، قيل: روى عن أبي عبد الله عليه السلام.
وقال يونس: لم يسمع من أبي عبد الله الا حديثين. وقيل: روى عن أبي
الحسن موسى. - ولم يثبت -. وكان ممن شهر السيف في قتال الخوارج
بسجستان في حياة أبي عبد الله (ع). وروى أنه جفاه وحجبه عنه.
له كتاب الصلاة كبير، وآخر ألطف منه (21) وله كتاب النوادر فأما
الكبير فقرأناه على القاضي أبي الحسين محمد بن عثمان، قال: قرأته على
أبي القاسم جعفر بن محمد بن عبيد الله الموسوي، قال: قرأت على مؤدبي
أبي العباس عبيد الله بن أحمد بن نهيك، قال: قرأت على ابن أبي عمير،
قال: قرأت على حماد بن عيسى، قال: قرأت على حريز.
وأخبرنا الحسين بن عبيد الله، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن الفضل
ابن تمام من كتابه وأصله، قال: حدثنا محمد بن علي بن يحيى الأنصاري
المعروف بابن أخي رواد، من كتابه في جمادي الأولى سنة تسع وعشرين
ومأتين، وكان نازلا في كحال عمرو، عن حماد بن حريز بالنوادر.
وقال ابن النديم (ره) في عنوان: الكتب المصنفة في الأصول والفقه

(21) قال الشيخ الصدوق قدس الله نفسه في أول كتاب من لا يحضره
الفقيه قبل باب المياه ج 1 ص 3 ط النجف: (وجميع ما فيه - أي في كتاب
من لا يحضره الفقيه - مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول، واليها المرجع
مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني) - الخ.
123

وأسماء مصنفيها - من الفن الخامس من المقالة السادسة (من فهرسته ص
308 ط مصر: 9 هؤلاء من مشايخ الشيعة الذين رووا الفقه عن الأئمة - الخ.
ثم عد منهم حريز بن عبد الله السجستاني. ثم قال - في ص 311 -: وله
من الكتب كتاب الزكاة، كتاب الصلاة، كتاب الصيام، كتاب النوادر.
ترجمة بريد بن معاوية العجلي
المتوفي سنة 150 على ما رواه ابن فضال.
قال المحقق النجاشي رحمه الله تحت الرقم (281) من فهرست مصنفي
الشيعة ص 87 ط طهران: بريد بن معاوية أبو القاسم العجلي (22) عربي،
روى عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام، ومات في حياة أبي عبد الله،
وجه من وجوه أصحابنا وفقيه أيضا، له محل عند الأئمة.
قال أحمد بن الحسين: انه رأى له كتابا يرويه عنه علي بن عقبة بن
خالد الأسدي. ورأيت بخط أبي العباس أحمد بن علي بن نوح، أخبرنا
أحمد بن إبراهيم الأنصاري - يعني ابن أبي رافع - قال: حدثنا أحمد بن
محمد بن سعيد، قال: قال لنا علي بن الحسن بن فضال: مات بريد بن
معاوية سنة مأة وخمسين.
وعده شيخ الطائفة رحمه الله من أصحاب الإمام الباقر (ع) فقال تحت
الرقم (22) من حرف الباء من أصحاب الإمام الباقر (ع) من رجاله ص
109، ط النجف -: بريد بن معاوية العجلي يكني أبا القاسم.
كما ذكره أيضا بتغيير لفظي تحت الرقم (59) من حرف الباء ص
158، من أصحاب الإمام الصادق (ع) من أصحابه.

(22) وقال في لسان الميزان ج 2 ص 10، تحت الرقم 31، من حرف
الباء: بريد بن معاوية ابن أبي حكيم، واسمه حاتم العجلي يكنى أبا القاسم.
124

وقال الكشي (ره) - تحت الرقم (115) وقبله في عنوان (تسمية
الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام من رجاله ص
206 ط النجف -: اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب
أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأولين ستة:
زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن
يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي.
وقال بعضهم مكان أبو بصير الأسدي أبو بصير المرادي وهو ليث
ابن البختري.
ثم قال الكشي: حدثنا الحسين بن الحسن بن بندار القمي، قال:
حدثني سعد بن عبد الله بن خلف القمي، قال: حدثني محمد بن عبد الله
المسمعي، قال: حدثني علي بن حديد، وعلي بن أسباط عن جميل بن دراج،
قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة:
محمد بن مسلم، وبريد بن معاوية وليث بن البختري المرادي، وزرارة
ابن أعين.
وبهذا الاسناد عن محمد بن عبد الله المسمعي، عن علي بن أسباط، عن
محمد بن سنان، عن داود بن سرحان، قال: سمعت أبا عبد الله (ع)
يقول: اني لأحدث الرجل بحديث وأنهاه عن الجدال والمراء في دين الله تعالى،
وأنهاه عن القياس فيخرج من عندي فيتأول حديثي على غير تأويله، اني
أمرت قوما أن يتكلموا ونهيت قوما، فكل يتأول لنفسه، يريد المعصية لله
تعالى ولرسوله، ولو سمعوا وأطاعوا لأودعتهم ما أودع أبي (ع) أصحابه،
ان أصحاب أبي كانوا زينا احياء وأمواتا - أعني زرارة ومحمد بن مسلم،
ومنهم ليث المرادي وبريد العجلي، هؤلاء القوامون بالقسط، هؤلاء
125

القوامون بالصدق، هؤلاء السابقون أولئك المقربون (23).
حمدويه قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن أبي محمد القاسم بن عروة
عن أبي العباس البقباق، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): زرارة بن
أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي والأحول أحب الناس إلي
أحياء وأمواتا، ولكن الناس يكثرون علي فيهم فلا أجد بدا من متابعتهم (24).
قال: فلما كان من قابل قال: أنت الذي تروي علي ما تروي في زرارة
وبريد ومحمد بن مسلم والأحول. قال: قلت: نعم فكذبت عليك؟ قال:
إنما ذلك إذا كانوا صالحين. قلت: هم صالحون.
وقال في ترجمة ليث بن البختري: حدثني حمدويه بن نصير، قال:
حدثنا يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن جميل بن دراج،
قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: بشر المخبتين بالجنة: بريد بن معاوية
العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة
أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء لانقطعت آثار النبوة
واندرست.
وفي الحديث (8) من ترجمة زرارة ص 123، قال: حدثني حمدويه
ابن نصير، عن يعقوب بن يزيد، عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس
الفضل بن عبد الملك، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: أحب الناس
إلي أحياء وأمواتا أربعة: بريد بن معاوية العجلي، وزرارة، ومحمد بن

(23) وهذا الخبر رواه أيضا في ترجمة ليث بن البختري أبي بصير عن
ابن قولويه بتغيير طفيف في بعض الألفاظ.
(24) وقريب من هذا الصدر ما رواه بسند آخر في اخر ترجمته، وذكر
بعد هذا الذي ذكرناه هنا ثلاثة أحاديث ناطقة بذم العصابة، وحملت - بقرينة
هذا وغيره - على التقية، حقنا لدمائهم، مع أن اخبار المدح كثيرة، والعصابة
بين الامامية بالفقه والعدل شهيرة، وشهادة القرائن على إرادة خلاف الواقع
من الاخبار الذامة وفيرة، فلا تعارض بين الطائفتين من الاخبار.
126

مسلم، والأحول، وهم أحب الناس إلي أحياء وأمواتا.
وفي الحديث (11) من ترجمة زرارة، حدثني الحسين بن الحسن
ابن بندار القمي، قال: حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي، قال:
حدثنا علي بن سليمان بن داود الداري، قال: حدثني ابن أبي عمير، عن
أبان بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذاء، قال: سمعت أبا عبد الله (ع)
يقول: زرارة وأبو بصير ومحمد بن مسلم وبريد، من الذين قال الله تعالى:
(والسابقون السابقون، أولئك المقربون) (25).
حدثني حمدويه، قال: حدثني يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير،
عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد الأقطع، قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: ما أجد أحدا أحيى ذكرنا وأحاديث أبي الا زرارة وأبو
بصير ليث المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء
ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين، وأمناء أبي على حلال الله
وحرامه، وهم السابقون الينا في الدنيا والسابقون الينا في الآخرة (26).
وقال في الحديث الأول من ترجمة مؤمن الطاق أبي جعفر الأحول،
محمد بن علي بن النعمان، حمدويه بن نصير، قال: حدثنا محمد بن
الحسين ابن أبي الخطاب، عن النضر بن شعيب، عن أبان بن عثمان، عن
عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (ع) قال: زرارة وبريد بن معاوية، ومحمد
ابن مسلم والأحول أحب الناس إلي احياء وأمواتا، ولكنهم يجيئوني فيقولون
لي فلا أجد بدا من أن أقول (27).

(25) الآية (10، 11) من سورة الواقعة.
(26) وبعده حديث طويل فيه مناقب جمة لهؤلاء تركناه لطوله.
(27) وبعده أيضا حديث قريب المفاد مما مر، إلى غير ذلك مما هو غير
خفي على المتتبع في تراجم هؤلاء العصابة وغيرهم تركناه مخافة التطويل.
127

وعده الشيخ المفيد (ره) في الاختصاص 6 - في عنوان: ذكر السابقين
المقربين من أمير المؤمنين (ع) - من أصحاب الإمام الباقر (ع). ثم
قال (ره) - في ص 61، من كتاب الاختصاص -:
حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن
الصفار، عن علي بن سليمان بن داود الرازي.
وحدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، قال: حدثني سعد بن عبد الله،
عن علي بن سلميان، عن علي بن أسباط، عن أبيه أسباط بن سالم، قال:
أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد:
أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله الذين لم ينقضوا
العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر، - ثم ساق الرواية
الشريفة إلى أن قال -: ثم ينادي أين حواري محمد بن علي، وحواري
جعفر بن محمد؟ فيقوم عبد الله بن شريك العامري، وزرارة بن أعين،
وبريد بن معاوية العجلي، ومحمد بن مسلم الثقفي، وليث بن البختري
المرادي، وعبد الله بن أبي يعفور، وعامر بن عبد الله بن جذاعة، وحجر بن
زائدة، وحمران بن أعين.
128

- 26 -
ومن وصية له عليه السلام
لكميل بن زياد رحمه الله
المسعودي عن ضرار بن ضمرة رضوان الله عليه، قال: سمعت أمير
المؤمنين عليه السلام ذات يوم يوصي كميل بن زياد ويقول له:
يا كميل ذب عن المؤمن، فإن ظهره حمى الله، ونفسه
كريمة على الله، وظالمه خصم الله، وأحذركم من ليس له
ناصر الا الله.
المختار (8) من لمع كلامه (ع) من مروج الذهب: 2، ص 434،
ط 3، ورواها مع المختار (4 و 7، و 8، و 105) من قصار النهج، في
قصة وفود ضرار على معاوية، صاحب ناسخ التواريخ، وقريب منها في
كتابه (ع) إلى رفاعة بن شداد البجلي، على ما رواه القاضي نعمان،
والصوري: الشيخ سديد الدين أبي علي ابن طاهر السوري، وقد ذكرناه
في باب الكتب من كتابنا هذا.
أقول: وينبغي أن نذكر شطرا مما ورد في الشرع من التوصية بالمؤمن
ومراعاة عظيم حقوقه، ومن التحذير عن ظلم الضعفاء.
روى ثقة الاسلام الكليني (ره) في الحديث الأول من الباب (145)
من كتاب الايمان والكفر من أصول الكافي: ج 2 ص 350 معنعنا عن الإمام الصادق
(ع) قال: قال الله عز وجل: ليأذن بحرب مني من آذى عبدي
المؤمن، وليا من غضبي من أكرم عبدي المؤمن، ولو لم يكن في الأرض فيما
129

بين المشرق والمغرب الا مؤمن واحد مع امام عادل، لاستغنيت بعبادتهما عن
جميع ما خلقت في أرضي، ولقامت سبع سماوات وأرضين بهما، ولجعلت
لهما من إيمانهما أنسا لا يحتاجان إلى أنس سواهما.
وفي الحديث الثاني من الباب معنعنا عنه (ع): إذا كان يوم القيامة
نادى مناد: أين الصدود لأوليائي؟ فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم،
فيقال: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين، ونصبوا لهم وعاندوهم وعنفوهم في
دينهم، ثم يؤمر بهم إلى جهنم.
وفي الحديث الخامس من الباب معنعنا عنه (ع) قال: ان الله تبارك
وتعالى يقول: من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي، وانا أسرع شيئا (شئ ظ) إلى
نصرة أوليائي.
وفي الحديث الثالث من الباب معنعنا عنه (ع) قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: قال الله تبارك وتعالى: من أهان لي وليا فقد أرصد
لمحاربتي.
وفي الحديث السادس من الباب معنعنا عنه (ع) قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: قال الله عز وجل: قد نابذني من أذل عبدي المؤمن.
وفي الحديث العاشر من الباب، معنعنا عنه (ع) قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: لقد أسرى ربي بي فأوحى إلي من وراء الحجاب
ما أوحى، وشافهني - إلى أن قال لي -: يا محمد من أذل لي وليا فقد
أرصدني بالمحاربة، ومن حاربني حاربته. قلت: يا رب من وليك هذا،
فقد علمت أن من حاربك حاربته؟ قال لي: ذاك من أخذت ميثاقه لك
ولوصيك ولذريتكما بالولاية.
وفي الحديث (38) من الباب الأول من باب فضل الايمان من البحار
15، ص 20 عن مشكاة الأنوار قال: روي أن رسول الله (ص) نظر إلى
130

الكعبة فقال: مرحبا بالبيت ما أعظمك، وما أعظم حرمتك على الله، والله
للمؤمن أعظم حرمة منك، لأن الله حرم منك واحدة، ومن المؤمن ثلاثة:
ماله، ودمه، وأن يظن به ظن السوء.
وفي الحديث (39) من الباب عنه عن رسول الله (ص) قال: من
آذى مؤمنا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل، ومن آذى الله
فهو ملعون في التوراة والإنجيل الزبور والفرقان.
وفي الحديث (40) من الباب منه عنه (ص): مثل المؤمن كمثل
ملك مقرب، وان المؤمن أعظم حرمة عند الله وأكرم عليه من ملك مقرب،
وليس شئ أحب إلى الله من مؤمن ثابت [تائب خ ل] ومؤمنة ثابتة [تائبة
خ ل]، وان المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله وولده.
وفي ذيل الحديث (41) من باب حقوق الاخوان - الباب 16 - من
القسم من الأول من السادس عشر من بحار الأنوار ص 64 ط الكمباني نقلا عن
كتاب قضاء الحقوق للصوري، باسناده عن الإمام الرضا (ع) قال: ان
أبا جعفر الباقر (ع) استقبل الكعبة وقال: الحمد لله الذي كرمك وشرفك
وعظمك وجعلك مثابة للناس وأمنا، والله لحرمة المؤمن أعظم منك.
قال: ولقد دخل عليه رجل من أهل الجبل فسلم عليه، فقال له عند
الوداع: أوصني. فقال: أوصيك بتقوى الله وبر أخيك المؤمن، فأحبب
له ما تحب لنفسك، وان سألك فأعطه، وان كف عنك فأعرض عنه، [و]
لا تمله فإنه لا يملك، وكن له عضدا، فان وجد عليك فلا تفارقه حتى تسل
سخيمته (1) فان غاب فاحفظه في غيبته، وان شهد فاكنفه واعضده وزره
وأكرمه والطف به، فإنه منك وأنت منه، وفطرك [ونذرك خ ل] لأخيك
المؤمن وادخال السرور عليه أفضل من الصيام وأعظم أجرا.

(1) السخيمة: الضغينة والحقد في النفس، والجمع السخائم.
131

وقريب منه في الحديث الثاني من الجزء الرابع من أمالي الشيخ معنعنا
عن الإمام الصادق (ع).
ورواه عنه في الحديث (17) من الباب من البحار. وقريب منه
أيضا رواه في ذيل الحديث الثالث من الباب (105) من أبواب العشرة من
كتاب الحج من مستدرك الوسائل: 2، ص 92 عن كتاب ابتلاء المؤمن،
والاختصاص.
وفي الحديث (82) من روضة الكافي ص 107، معنعنا عن الإمام الصادق
عليه السلام، قال: لله عز وجل خمس حرم: حرمة رسول الله صلى
الله عليه وآله، وحرمة آل رسول الله صلى الله عليهم، وحرمة كتاب الله
عز وجل، وحرمة كعبة الله، وحرمة المؤمن.
وفي الحديث التاسع من الباب (145) من كتاب الايمان والكفر من
أصول الكافي: 2 ص 353، معنعنا عنه (ع) قال: من استذل مؤمن
واحتقره لقلة ذات يده ولفقره، شهره الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق.
وفي الحديث (34) من الباب الأول من كتاب فضل الايمان من البحار
ج 15، ص 20 س 11 عكسا، عن مشكاة الأنوار عنه (ع) قال: المؤمن
أعظم حرمة من الكعبة.
وعن أبي حمزة الثمالي (ره) قال: وبلغنا أن [الإمام الصادق عليه
السلام ظ] قال: والله ما عبد الله بشئ أفضل من أداء حق المؤمن. وقال:
والله ان المؤمن لأعظم حقا من الكعبة (2).
ونقل صدره في الحديث الرابع من باب حق المؤمن: (75) من أصول
الكافي ص 170، معنعنا عن الإمام الصادق (ع).

(2) الاختصاص للشيخ المفيد (ره) ص 28 ط 2، وقبله أخبار كثيرة
في الحث على أداء حقوق المؤمنين.
132

وفي الحديث (39) من باب حقوق الاخوان: (الباب 16) من القسم
الأول من السادس عشر من البحار ص 64 س 11، نقلا عن كتاب قضاء
الحقوق، للشيخ سديد الدين أبي علي ابن الطاهر السوري باسناده عن [الامام]
جعفر بن محمد (ع) قال: ما عبد الله بشئ أفضل من أداء حق المؤمن.
وقال: ان لله تبارك وتعالى حرمات، حرمة كتاب الله، وحرمة رسول
الله (ص)، وحرمة بيت المقدس (3)، وحرمة المؤمن. وفي الاختصاص للشيخ المفيد (ره) ص 325 ط 2، عن الحسن بن
علي الزيتوني، ومحمد بن أحمد ابن أبي قتادة، عن أحمد بن هلال، عن
الحسن بن محبوب، عن الحسن بن عطية، قال كان أبو عبد الله عليه السلام
واقفا على الصفا، فقال له عباد البصري: حديث يروى عنك. قال: وما
هو؟ قال: قلت: حرمة المؤمن أعظم من حرمة هذه البنية. قال: قد قلت
ذلك، ان المؤمن لو قال لهذه الجبال: أقبلي أقبلت. قال فنظرت إلى
الجبال أقبلت، فقال لها: على رسلك، اني لم أردك.
وفي الحديث (21) من الباب (16) من البحار: 16، ص 62،
عن البرقي (ره) في المحاسن معنعنا عن مالك بن أعين، قال: أقبل إلي أبو
عبد الله (ع) فقال: يا مالك أنتم والله شيعتنا حقا، يا مالك تراك فقد
أفرطت في القول في فضلنا، انه ليس يقدر أحد على صفة الله وكنه قدرته
وعظمته، ولله المثل الاعلى، فكذلك لا يقدر أحد على صفة رسول الله (ص)
وفضلنا وما أعطانا الله وما أوجب من حقوقنا، وكما لا يقدر أحد ان يصف
فضلنا وما أوجب الله من حقوقنا فكذلك لا يقدر أحد ان يصف حق المؤمن
ويقوم به، مما أوجب الله على أخيه المؤمن، والله يا مالك ان المؤمنين يلتقيان
فيصافح كل واحد منها صاحبه، فما يزال الله تبارك وتعالى ناظرا اليهما

(3) كذا في النسخة، والصواب: (وحرمة بيته المقدس) بقرينة ما تقدم.
133

بالمحبة والمغفرة، وان الذنوب لتحات عن وجوههما وجوارحهما حتى يفترقا
فمن يقدر على صفة الله وصفة من هو هكذا عند الله.
وفي الحديث الأول - من الباب (105) من أبواب أحكام العشرة
من كتاب الحج من مستدرك الوسائل: 2 ص 92، عن الحسين بن سعيد
الأهوازي في كتاب ابتلاء المؤمن - عن الإمام الصادق عليه السلام قال:
ما عبد الله بشئ أفضل من أداء حق المؤمن.
ثم قال (ره): ورواه جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات عن ابن
مسلم عن أحدهما (ع) مثله.
وفي الحديث الثاني من الباب من الكتاب: عن أبان بن تغلب، قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن حق المؤمن على المؤمن؟ قال: حق المؤمن
أعظم من ذلك، لو حدثتكم به لكفرتم.
وفي الحديث الثالث من الباب عنه (ع) قال: والله ما عبد الله بشئ أفضل
من أداء حق المؤمن، ان المؤمن أفضل حقا من الكعبة.
وفي الحديث (42) من باب فضل الايمان من البحار: 16، ص 20
ط الكمباني س 5، عن امالي الشيخ معنعنا عن الفضل بن عبد الملك عن أبي
عبد الله (ع) أنه قال: يا فضل لا تزهدوا في فقراء شيعتنا، فان الفقير منهم
ليشفع يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر. ثم قال: يا فضل إنما سمي المؤمن
مؤمنا لأنه يؤمن على الله فيجيز الله أمانه. ثم قال: أما سمعت الله تعالى
يقول في أعدائكم إذا رأوا شفاعة الرجل منكم لصديقه يوم القيامة:
(فما لنا من شافعين. ولا صديق حميم) - الخبر.
وفي الحديث الأخير من الباب عن المحاسن معنعنا عن الثمالي قال:
سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: لو كشف الغطاء عن الناس، فنظروا إلى
وصل ما بين الله وبين المؤمن خضعت للمؤمن رقابهم، وتسهلت له أمورهم،
ولانت طاعتهم، ولو نظروا إلى مردود الاعمال من السماء لقالوا: ما يقبل
134

الله من أحد عملا.
وفي الباب وما يليه شواهد كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية وغنى.
وفي الحديث (25) من باب حقوق الاخوان من البحار ص 62، عن
فقه الرضا قال: وأروي عن العالم (ع) انه وقف حيال الكعبة ثم قال:
ما أعظم حقك يا كعبة، ووالله ان حق المؤمن لأعظم من حقك.
وروي ان من طاف بالبيت سبعة أشواط كتب الله له ستة آلاف حسنة،
ومحا عنه ستة آلاف سيئة، ورفع له ستة آلاف درجة، وقضاء حاجة
المؤمن أفضل من طواف وطواف. - حتى عد عشرة -.
والحديث الأول رواه أيضا عن فقه الرضا في الحديث (17) من الباب
(105) من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج من مستدرك الوسائل: 2، 94.
وفي الاختصاص للشيخ المفيد (ره) ص 247: وروي عن عبد العظيم
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: يا عبد العظيم أبلغ عني أوليائي
السلام وقل لهم الا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلا، ومرهم بالصدق
في الحديث، وأداء الأمانة، ومرهم بالسكوت، وترك الجدال فيما لا يعنيهم
واقبال بعضهم على بعض، والمزاورة، فان ذلك قربة إلي، ولا يشتغلوا أنفسهم
بتمزيق بعضهم بعضا، فاني آليت على نفسي (4) انه من فعل ذلك وأسخط
وليا من أوليائي دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب، وكان في الآخرة
من الخاسرين، وعرفهم أن الله قد غفر لمحسنهم الا من أشرك بي (5) أو آذى
وليا من أوليائي أو أضمر له سوءا فان الله لا يغفر له حتى يرجع عنه، فان
رجع والا نزع روح الايمان عن قلبه وخرج عن ولايتي، ولم يكن له نصيب
في ولايتنا، وأعوذ بالله من ذلك.

(4) يقال. آلى ايلاء: حلف. ومثله تألى ائتلاء.
(5) هذا من باب الالتفاف من الغيبة إلى الخطاب، وكذا التالي.
135

وفي كتاب الاختصاص للشيخ المفيد (ره) ص 234 ط 2، قال: قال
أبو حمزة الثمالي (ره): وسئل أمير المؤمنين (ع): اي ذنب اعجل عقوبة
لصاحبه؟ فقال: من ظلم من لا ناصر له الا الله، وجاور النعمة بالتقصير،
واستطال بالبغي على الفقير.
ورواه عنه في الحديث (42) من باب الظلم من البحار: 16، 205 س 6
ط الكمباني.
وقد استفاض عنه (ع): وظلم الضعيف من أفحش الظلم.
وفي الحديث الحادي عشر من الباب (79) من البحار: 16، ص 202
س 9 عكسا عن امالي الشيخ معنعنا عن علي (ع) قال: قال رسول الله (ص):
يقول الله عز وجل: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصرا غيري.
وقال السبط الشهيد الإمام الحسين لابنه علي بن الحسين عليهما السلام:
اي بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا الا الله عز وجل. البحار: 17،
148، س 3 عكسا نقلا عن تحف العقول.
وفي الحديث الخامس من باب (136) من أصول الكافي ج 2 ص 331،
معنعنا عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما حضرت
علي بن الحسين عليهما السلام الوفاة ضمني إلى صدره ثم قال يا بني
أوصيك بما أوصاني به أبي عليه السلام حين حضرته الوفاة، وبما ذكر ان
أباه أوصاه به، فقال: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا الا الله.
ورواه أيضا معنعنا في الحديث الأول من باب الظلم من البحار: 16،
ص 202 الكمباني عن الصدوق (ره) في الأمالي والخصال.
وفي الحديث الرابع من الباب (136) من كتاب الايمان والكفر من
أصول الكافي ج 2 ص 331، معنعنا عن أبي عبد الله [الإمام الصادق] عليه
السلام قال: ما من مظلمة أشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا الا الله
عز وجل.
136

- 27 -
ومن وصية له عليه السلام
إلى ولده السبط الأكبر الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
قال معلم الأمة الشيخ المفيد (ره): حدثنا أبو حفص: عمر بن محمد
ابن علي الصيرفي، المعروف بابن الزيات، قال: حدثنا أبو علي محمد بن
همام الإسكافي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك، قال: حدثنا أحمد
ابن سلامة الغنوي، قال: حدثنا محمد بن الحسين (الحسن خ ل) العامري
قال: حدثنا أبو معمر، عن أبي بكر ابن عياش، عن الفجيع العقيلي، قال:
حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: لما حضرت والدي
الوفاة أقبل يوصي فقال:
هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول الله
وأبن عمه وصاحبه.
أول وصيتي أني أشهد أن لا إله الا الله، وأن محمدا
رسوله وخيرته، اختاره بعلمه وارتضاه لخيرته.
وأن الله باعث من في القبور، وسائل الناس عن أعمالهم،
عالم بما في الصدور.
ثم إني أوصيك يا حسن - وكفى بك وصيا - بما أوصاني
به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
137

فإذا كان ذلك (1) يا بني الزم بيتك وابك على خطيئتك
ولا تكن الدنيا أكبر همك.
وأوصيك يا بني بالصلاة والزكاة في أهلها عند محلها (2)
والصمت عند الشبهة، والاقتصاد والعدل في الرضا والغضب،
وحسن الجوار وإكرام الضيف (3) ورحمة المجهود وأصحاب
البلاء، وصلة الرحم، وحب المساكين ومجالستهم، والتواضع
فإنه من أفضل العبادة، وقصر الأمل.
وأذكر الموت، وزاهد في الدنيا فإنك رهين موت وغرض

(1) وكان المشار إليه بقوله: (ذلك) تخاذل أصحابه، واستيلاء معاوية
على غصب حقه، واريكة الخلافة
(2) هذا يدل على أن أداء الزكاة واجب فوري يجب أداؤه في محله،
ووضعه في أهله، وهم المؤمنون لا غير، وفى المسألة تفاصيل موضعها كتاب الزكاة
من كتب الفقه.
(3) وفى الحديث 1 و 2، من الباب 39 من كتاب الأطعمة من الكافي: 6،
ص 285، معنعنا بسندين: ان مما علم رسول الله (ص) عليا وفاطمة عليهما
السلام ان قال لهما: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه).
وفى الحديث 3، من الباب، معنعنا عنه (ص) أنه قال: (ان من
حق الضيف ان يكرم، وان يعدله الخلال (الخلاء خ).
وقال ابن أبي الحديد في شرح المختار (10) من قصار النهج، ج 18،
ص 107، وفى الخبر المرفوع: (إذا وسعتم الناس ببسط الوجوه، وحسن
الخلق، وحسن الجوار، فكأنما وسعتموهم بالمال).
138

بلاء وطريح سقم وأوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيتك
وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل وإذا عرض شئ من
أمر الآخرة فأبدأ به، وإذا عرض شئ من أمر الدنيا فتأنه
حتى تصيب رشدك فيه.
وإياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء.
فإن قرين السوء يغر جليسه (4).
وكن لله يا بني عاملا وعن الخنا زجورا (5) وبالمعروف
آمرا، وعن المنكر ناهيا، وواخ الإخوان في الله. وأحب
الصالح لصلاحه، ودار الفاسق عن دينك، وابغضه بقلبك
وزائله بأعمالك لئلا تكون مثله، (6).

(4) غره - (من باب مد) غرا وغرة - كهرة - وغرورا: خدعه،
واطمعه في الباطل.
(5) كذا في ما عندي من الأصول وما يحكى عنها، ومقتضى السياق ان
يقال: (وعن الخناز اجرا)، ولعله عدل عنه للمبالغة.
(6) وفى الحديث (55) من باب النوادر من معاني الأخبار، ص 395،
معنعنا ان رسول الله (ص) قال لأصحابه: (اي عرى الايمان أوثق؟ قالوا:
الله ورسوله اعلم. فقال بعضهم: الصلاة. وقال بعضهم: الزكاة. وقال
بعضهم: الصوم. وقال بعضهم: الحج والعمرة. وقال بعضهم: الجهاد.
فقال صلى الله عليه وآله: لكل ما قلتم فضل وليس به، ولكن أوثق عرى
الايمان الحب في الله، والبغض في الله، وتولي أولياء الله والتبري من أعداء
الله عز وجل).
وفى الحديث (58) معنعنا انه (ص) قال لبعض أصحابه يوما:
(يا عبد الله احبب في الله، وابغض في الله، ووال في الله، وعاد في الله، فإنه
لا تنال ولاية الله الا بذلك، ولا يجد الرجل طعم الايمان وان كثرت صلاته وصيامه
حتى يكون كذلك، وقد صار مواخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا،
عليها يتوادون، وعليها يتباغضون، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئا)، فقال
الرجل: يا رسول الله فكيف لي أن أعلم أني قد واليت وعاديت في الله، ومن
ولى الله عز وجل حتى أواليه، ومن عدوه حتى أعاديه؟ فأشار رسول الله
صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام، فقال: أترى هذا؟ قال: بلى.
قال: ولي هذا ولي الله فواله، وعدو هذا عدو الله فعاده، ووال ولي هذا
ولو أنه قاتل أبيك وولدك، وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك وولدك.
وفى الحديث (8) من باب النوادر من معاني الأخبار: 2، 380، معنعنا
قال: قال الإمام الصادق عليه السلام: طوبى لعبد نومة، عرف الناس
فصاحبهم ببدنه، ولم يصاحبهم في أعمالهم بقلبه، فعرفوه في الظاهر، وعرفهم
في الباطن.
وروي الشيخ المفيد (ره) في الحديث (332) من الاختصاص،
ص 230 وفى الحديث العاشر من المجلس (23) من الأمالي ص 117، معنعنا
عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: صانع المنافق بلسانك، وأخلص ودك للمؤمن
وان جالسك يهودي فأحسن مجالسته.
وهذا الحديث رواه أيضا في الرقم (48) من باب النوادر من الفقيه: 4،
ص 289، عن إسحاق بن عمار، عن الإمام الصادق (ع).
وروي في العقد الفريد: 1، 313، ط 2، وأيضا في شرح المختار العاشر
من قصار النهج من شرح ابن أبي الحديد: 18، ص 107، عن أبي الدرداء
أنه قال: انا لنكشر (لنهش) في وجوه قوم (أقوام) وان قلوبنا لتلعنهم
(لتقليهم خ).
وروى الصدوق (ره) في (الهداية كما في الحديث (88) من باب
التقية من البحار: 16، ص 231) والشيخ أبو الفتوح الرازي (ره) في
تفسير الآية (27) من سورة آل عمران من تفسيره: 3، ص 5، عن الإمام الصادق
(ع) أنه قال: الرياء مع المؤمن شرك، ومع المنافق في داره عبادة.
وروي أبو الفتوح أيضا عن ابن مسعود أنه قال: خالطوا الناس وصافحوهم
(وصافوهم ظ) بما يشتهون، ودينكم لا تكلموه.
وعن صعصعة بن صوحان أنه قال لأسامة بن زيد: اني كنت أحب إلى
أبيك منك، وأنت أحب إلي من ولدي، فأوصيك بخصلتين: خالص المؤمن،
وخالق الكافر.
وقال الشاعر:
ودارهم ما دمت في دارهم) وأرضهم ما كنت في أرضهم
وفى اثبات الوصية، ص 51: روي أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود:
ان أردت ان أعطف عليك بقلوب عبادي فاحتجز الايمان بيني وبينك، وتخلق
للناس بأخلاقهم.
وقال محمد بن الفضل الهاشمي لأبيه: لم تجلس إلى فلان، وقد عرفت
عداوته؟ قال: اخبئ نارا، واقدح عن ود.
وقال المهاجر بن عباد الله:
واني لأقصي المرء من غير بغضة * وأدني أخا البغضاء مني على عمد
ليحدث ودا بعد بغضاء أو أرى * له مصرعا يردي به الله من يردي
وقال آخر:
تحامق مع الحمقى إذا ما لقيتهم * ولاقهم بالجهل فعل أخي جهل
وخلط إذا لاقيت يوما مخلطا * يخلط في قول صحيح وفى هزل
فاني رأيت المرء يشقى بعقله * كما كان قبل اليوم يسعد بالعقل
وقال دعبل (ره)
أسقهم السم ان ظفرت بهم * وامزج لهم من لسانك العسلا
139

وإياك والجلوس في الطرقات، ودع المماراة، ومجاراة
140

من لا عقل له ولا علم.
141

واقتصد يا بني في عبادتك، وعليك فيها بالأمر الدائم
الذي تطيقه (7) وألزم الصمت تسلم، وقدم لنفسك تغنم،
وتعلم الخير تعلم
وكن لله ذاكرا على كل حال وارحم من أهلك الصغير
ووقر منهم الكبير، ولا تأكل طعاما حتى تصدق منه قبل
أكله، وعليك بالصوم فإنه زكاة وجنة لأهله، وجاهد
نفسك، واحذر جليسك، واجتنب عدوك.
وعليك بمجالس الذكر، وأكثر من الدعاء، فإني

(7) وهذا مثل قولهم (ع): (ان للقلوب اقبالا وادبارا، فإذا أقبلت
فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض). المختار
(312) من قصار النهج وغيره.
وقوله في المختار (193) من قصار النهج أيضا: (ان للقلوب شهوة
واقبالا وادبارا، فأتوها من قبل شهوتها واقبالها، فان القلب إذا اكره عمي).
وقوله (ع): لا قربة بالنوافل إذا أضرت بالفرائض.
وقوله (ع): قليل تدوم عليه، أرجى من كثير مملول منه.
وقوله (ع): إذا أضرت النوافل بالفرائض فارفضوها.
المختار 39، 278، و 279، من قصار النهج.
142

لم آلك يا بني نصحا (8) وهذا فراق بيني وبينك،، وأوصيك
بأخيك محمد خيرا، فإنه شقيقك وأبن أبيك وقد تعلم
حبي له، وأما أخوك الحسين فهو ابن أمك ولا أريد
الوصاة بذلك العظيم.
والله الخليفة عليكم. وإياه أسال أن يصلحكم، وأن
يكف الطغاة البغاة عنكم والصبر الصبر حتى ينزل الله
الأمر. ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الحديث الأول من المجلس (26) من امالي الشيخ المفيد (ره)،
والحديث الثامن من الجزء الأول من امالي شيخ الطائفة (ره).
ورواها عنهما في الحديث الأول من باب ما أوصى به أمير المؤمنين (ع)
من البحار: 17، ص 143، س 19، ط الكمباني.
وأيضا نقلها عنهما في البحار: 9، ص 149، ط الكمباني.
وههنا أمور:
(الأول) في ترجمة ابن الزيات، المولود سنة 286، والمتوفي سنة
خمس وسبعين وثلاث مأة.
قال الخطيب في تاريخ بغداد: 11، ص 260 ط 1 تحت الرقم (6020):
عمر بن محمد بن علي بن يحيى بن موسى بن يونس بن أنا نوش، أبو
حفص الناقد المعروف بابن الزيات. سمع جعفر الفريابي، وإبراهيم بن

(8) أي لم اقصر في نصحك، وهو مأخوذ من (الا لو) بمعنى الجهد
وبذل الطاقة.
143

شريك الأسدي، وقاسم بن زكريا المطرز، وعبد الله بن ناجية، وأحمد بن
الحسن، وأحمد بن الحسين الصوفيين، وعمر بن محمد الكاغدي، وجعفر
ابن أحمد بن محمد بن الصباح الجرجرائي، وعمر بن أبي غيلان الثقفي،
ومن بعدهم.
حدثنا عنه البرقاني، والأزهري، والخلال، والعتيقي، والأزجي
والجوهري، والتنوخي وخلق يطول ذكرهم.
أخبرنا الجوهري، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني قال: عمر بن محمد
ابن علي أبو حفص المعروف بابن الزيات الناقد كان صدوقا مكثرا.
سألت البرقاني عن ابن الزيات قلت: أكان ثقة؟ قال: اي والله كان
ثقة قديم السماع مصنفا.
اخبرني أحمد بن علي المحتسب، أخبرنا محمد بن أبي الفوارس، قال:
كان أبو حفص ابن الزيات شيخا ثقة متقنا أمينا، وقد جمع أبوابا وشيوخا،
حدثنا الحسن بن محمد الخلال قال: سنة خمس وسبعين وثلاثمأة فيها
مات أبو حفص ابن الزيات وكان مولده سنة ست وثمانين ومأتين.
حدثنا عبد العزيز بن علي الأزجي قال: توفي أبو حفص ابن الزيات في
يوم الأحد النصف من جمادي الآخرة سنة خمس وسبعين وثلاثمأة.
أخبرنا العتيقي قال: سنة خمس وسبعين وثلاثمأة فيها توفي عمر بن
محمد بن علي الزيات ليلة الأحد لأربع عشرة ليلة خلت
من جمادي الآخرة، وكان ثقة أمينا صاحب حديث يحفظ، ودفن في الشوفيزي
وكان مولده في شهر ربيع الأول، سنة ست وثمانين ومأتين.
أقول: ولم أظفر بترجمته من طريق الخاصة، الا ان اكثار الشيخ المفيد (ره)
النقل عنه في كتاب الأمالي، وكذا رواية الرجل عن الاجلاء، مثل ابن أبي
الثلج، وابن همام الإسكافي، وغيرهم يكشف عن حسن حاله وجلالته.
144

(الأمر الثاني)
في ترجمة أبي علي محمد بن همام بن سهيل بن بيزان، الكاتب الإسكافي
المولود سنة 258، والمتوفي سنة 336، ست وثلاثين وثلاثمأة.
قال شيخ الطائفة (ره) - في باب من لم يرو عن الأئمة (ع) تحت
الرقم 20، -: محمد بن همام البغدادي، يكنى أبا علي، - وهمام
يكنى أبا بكر - جليل القدر ثقة.
روى عنه التلعكبري، وسمع منه أولا سنة ثلاث وعشرين وثلاثمأة، وله
منه إجازة، ومات سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.
وقال أيضا تحت الرقم (613) من كتاب الفهرست ص 167،: محمد
ابن همام الإسكافي، يكنى أبا علي، جليل القدر ثقة، له روايات كثيرة،
أخبرنا بها عدة من أصحابنا عن أبي المفضل عنه.
وقال النجاشي (ره) تحت الرقم (1016) من فهرسته 294،: محمد
ابن (أبي بكر:) همام بن سهيل الكاتب الإسكافي شيخ أصحابنا،
ومقدمتهم، له منزلة عظيمة، كثير الحديث.
قال أبو محمد هارون بن موسى رحمه الله: حدثنا محمد بن همام، قال:
حدثنا أحمد بن مابنداز، قال: أسلم أبي أول من أسلم من أهله، وخرج
عن دين المجوسية، وهداه الله إلى الحق، وكان يدعو أخاه سهلا إلى مذهبه
فيقول له: يا أخي أعلم انك لا تألوني نصحا، ولكن الناس مختلفون، وكل
يدعي ان الحق فيه، ولست اختار أن ادخل في شئ الا على يقين، فمضت
لذلك مدة، وحج سهيل، فلما صدر من الحج، قال لأخيه: الذي كنت
تدعوني إليه هو الحق. قال: وكيف علمت ذلك؟ قال: لقيت في حجي عبد الرزاق
ابن همام الصنعاني، وما رأيت أحدا مثله فقلت له على خلوة: نحن قوم
من أولاد الأعاجم، وعهدنا بالدخول في الاسلام قريب، وأرى أهله مختلفين
145

في مذاهبهم، وقد جعل لك الله من العلم بما لا نظير لك فيه، ولا في عصرك
مثل، وأريد ان أجعلك حجة فيما بيني وبين الله عز وجل، فان رأيت أن
تبين (تعين خ) لي ما ترضاه لنفسك من الدين لأتبعك فيه وأقلدك فأظهر لي
محبة آل رسول الله صلى الله عليه وآله، وتعظيمهم، والبراءة من أعدائهم،
والقول بإمامتهم.
قال أبو علي: اخذ أبي هذا المذهب عن أبيه عن عمه، واخذته عن أبي.
قال أبو محمد هارون بن موسى: قال أبو محمد علي بن محمد بن
همام قال: كتب أبي إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام
يعرفه انه ما صح له حمل بولد: ويعرفه ان له حملا ويسأله ان يدعو الله في
تصحيحه وسلامته، وان يجعله ذكرا نجيبا من مواليهم - فوقع - (ع)
على رأس الرقعة بخط يده: قد فعل الله ذلك. فصح الحمل ذكرا.
قال هارون بن موسى: أراني أبو علي بن همام الرقعة والخط.
وكان رحمه الله محققا، وله من الكتب كتاب الأنوار في تاريخ الأئمة
عليهم السلام، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الجراح
الجندي قال: حدثنا أبو علي بن همام به.
ومات أبو علي بن همام يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادي
الآخرة سنة 336 ست وثلاثين وثلاثمائة.
وكان مولده يوم الاثنين لست خلون من ذي الحجة سنة 258 ثمان
وخمسين ومأتين.
وقريب منه في ترجمته عن آية الله العلامة (أعلى الله مقامه) في الخلاصة
فالرجل في غاية العظمة ونهاية الكمال.
قيل: إن النجاشي رحمه الله قد أكثر النقل عنه في التراجم بواسطة
اشخاص، مثل هارون بن موسى في ترجمة أحمد بن محمد بن الربيع.
146

وممن يروي عنه أيضا جعفر بن محمد بن قولويه، ومحمد بن أحمد
ابن داود.
قيل: إن الإسكافي نسبه إلى اسكاف بني جنيد،: موضعان أعلى وأسفل
بنواحي النهروان من عمل بغداد، وكان بنوا الجنيد رؤساء هذه الناحية،
وكان فيهم نباهة وكرم، فعرف الموضع بهم.
وحكي عن ابن إدريس (ره) أنه قال: (عند ذكر ابن جنيد
الإسكافي) في كتاب السرائر: إنما قيل له الإسكافي لأنه منسوب إلى اسكاف
وهي النهروانات، وبنو جنيد متقدموها من أيام كسرى، وحين ملك المسلمون
العراق في أيام عمر بن الخطاب، أقرهم عمر على تقدم الموضع، والجنيد
هو الذي عمل الشاذروانات على النهروان في أيام كسرى، وبقيت إلى اليوم
مشاهدة موجودة، والمدينة يقال لها (اسكاف بني الجنيد).
(الأمر الثالث)
في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابور الفزاري الكوفي
المتوفي بعد سنة 295.
قال بعضهم: وإنما يقال له (الفزاري)، لان جده سابور كان مولى
أسماء بن خارجة بن حصين الفزاري.
أقول: هذا الشيخ مختلف فيه، وثقة بعضهم، وضعفه آخرون، ولكن
وجه التضعيف غير واضح.
قال شيخ الطائفة (ره) في باب من لم يرو عنهم (ع) تحت الرقم (4)
من باب جعفر من رجاله ص 458 ط 2: جعفر بن محمد بن مالك كوفي
ثقة، ويضعفه قوم، روى في مولد القائم عليه السلام أعاجيب.
وقال في باب جعفر تحت الرقم (147) من فهرسته ص 68، ط 2:
147

جعفر بن محمد بن مالك، له كتاب النوادر، أخبرنا به جماعة من أصحابنا
عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي علي بن همام، عن
جعفر بن محمد بن مالك.
وقال أبو غالب الزراري (ره) في رسالته: ومات جدي محمد بن سليمان
رحمه الله في غرة المحرم، سنة ثلاثمأة، فرويت عنه بعض حديثه، وسمعني
من عبد الله بن جعفر الحميري، وكان دخل الكوفة في سنة سبع وتسعين
ومأتين، وجدت هذا التاريخ بخط عبد الله بن جعفر، في كتاب الصوم، للحسين
ابن سعيد، ولم أكن حفظت الوقت للحداثة، وسني إذ ذاك [اثنتا عشرة]
سنة وشهور.
وسمعت انا بعد ذلك من عم أبي علي بن سليمان، ومن خال أبي محمد
ابن جعفر الزراري، وأحمد بن إدريس القمي، وأحمد بن محمد العاصمي،
وجعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز، وكان كالذي رباني، لان
جدي محمد بن سليمان، حين أخرجني من الكتاب، جعلني في البزازين،
عند ابن عمه الحسين بن علي بن مالك، وكان أحد فقهاء الشيعة وزهادهم
وظهر بعد موته من زهده (مع كثرة ما كان يجري على يده) امر عجيب ليس
هنا موضع ذكره - الخ.
وقال النجاشي (ره) تحت الرقم (306) من فهرسته ص 94:
جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابور، مولى أسماء بن خارجة بن
حصين الفزاري، كوفي أبو عبد الله، كان ضعيفا في الحديث، قال احمد
ابن الحسين: كان يضع الحديث وضعا، ويروي عن المجاهيل، وسمعت
من قال: كان أيضا فاسد المذهب، والرواية، ولا أدري كيف روى عنه شيخنا
النبيل الثقة أبو علي بن همام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري،
رحمهما الله وليس هذا موضع ذكره، وله كتاب غرر الاخبار، وكتاب اخبار
148

الأئمة ومواليدهم، وكتاب الفتن والملاحم.
أخبرنا عدة من أصحابنا، عن أحمد بن إبراهيم ابن أبي رافع، عن محمد
ابن همام عنه بكتبه.
وأخبرنا أبو الحسين بن الجندي، عن محمد بن همام عنه.
(الأمر الرابع)
في ترجمة أبي بكر بن عياش - بن سالم الأسدي (بالولاء) الكوفي
الحناط المقري مولى واصل بن حيان الأسدي الأحدب - المولود سنة 94 (9)
المتوفى بالكوفة في جمادي الأولى سنة 192، (10) أحد الروايين
عن عاصم.
واختلف في اسمه على أقوال تقرب من عشرين قولا، ولعل هو نفسه
أيضا لا يعرف ما اسمه (11).
والمستفاد من كلمات أرباب التراجم انه كان من الزهاد الورعين،

(9) وقيل: إنه ولد سنة 95، من الهجرة، وقيل: سنة 96، وقيل:
سنة 97، وقيل 100.
(10) وقال المسعودي (ره): انه مات سنة 193، وقيل: مات
سنة 194، وليعلم ان جل ما هنا مأخوذ من أعيان الشيعة.
(11) كما يدل عليه ما ذكره في أعيان الشيعة: 6، 142 عن الفضل بن
موسى، قال: قلت لأبي بكر بن عياش: ما اسمك؟ قال: ولدت وقد قسمت
الأسماء. وقال أبو حاتم الرازي: سألت إبراهيم بن أبي بكر بن عياش عن
اسم أبيه، فقال: اسمه وكنيته واحد، وقال: ابنه إبراهيم لما نزل بأبي
الموت، قلت يا أبة ما اسمك. قال: يا بني ان أباك لم يكن له اسم. وفى تذكرة
الحفاظ عن حسن بن عبد الأول وأبو هشام الرفاعي، قالا: سألناه عن اسمه.
فقال: اسمي شعبة.
149

والأخيار المتعبدين، ومشاهير العلماء والمحدثين.
وهو أيضا واقع في سلسلة كثير من روايات علمائنا، وحكي انه ختم
القرآن اثني عشر الف ختمة، وقيل: أكثر، وعده ابن سعد في الطبقات من
الطبقة السابعة، فقال: (الطبقة السابعة) أبو بكر بن عياش، مولى
واصل بن حيان الأحدب الأسدي، وهو من الطبقة التي قبل هذه الطبقة
لكنه بقي وعمر حتى كتب عنه الاحداث وكان من العباد.
وقال وكيع وقد نظر إليه - وهو يصلي يوم الجمعة حين يسلم الامام
إلى العصر -: اعرف هذا الشيخ بهذه الصلاة منذ أربعين سنة.
وكان أبو بكر ثقة صدوقا عارفا بالحديث والعلم الا انه كان كثير الغلط.
وفي خلاصة تذهيب الكمال: انه أحد الاعلام، قال احمد: ثقة وربما
غلط، وقال ابن عدي: لم أجد له حديثا منكرا إذا روى عنه الثقة. وقال ابن
المبارك: ما رأيت أسرع إلى السنة منه، وقال يزيد بن هارون: لم يضع
جنبه على الأرض أربعين سنة.
وعن تقريب ابن حجر: انه ثقة عابد الا انه لما كبر ساء حفظه، وكتابه
صحيح من السابعة.
وفي تذكرة الحفاظ: أبو بكر ابن عياش الامام القدوة شيخ الاسلام
الكوفي المقري، وفي تهذيب التهذيب: قال الحسن بن عيسى ذكر ابن مبارك
أبا بكر بن عياش فأثنى عليه، وقال صالح بن أحمد عن أبيه: صدوق
صالح صاحب قرآن وخبر، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه ثقة وربما غلط.
وقال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: فأبو الأحوص أحب إليك من أبي
إسحاق أو أبو بكر بن عياش؟ قال: ما أقربهما. قلت: الحسن بن عياش
أخو أبي بكر. قال: هو ثقة.
قال عثمان: هما من أهل الصدق والأمانة، وليسا بذاك في الحديث.
150

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي بكر بن عياش وأبي الأحوص فقال:
ما أقربهما، لا أبالي بأيهما بدأت. قال: وسئل أبي عن شريك وأبي بكر بن
عياش أيهما احفظ؟ قال: هما في الحفظ سواء، غير أن أبا بكر أصح كتابا
قلت لأبي: أبو بكر أو عبد الله بن بشر الرقي؟ قال: أبو بكر احفظ منه
وأوثق. وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال ابن عدي: أبو بكر هذا كوفي مشهور، وهو يروي عن أجلة الناس
وهو من مشهوري مشائخ أهل الكوفة وقرائهم.
وعن عاصم بن بهدلة أحد القراء، وهو في كل رواياته عن كل من
روى عنه لا بأس به، وذلك اني لم أجد له حديثا منكرا إذا روى عنه ثقة
الا ان يروي عنه ضعيف.
وقال إبراهيم بن أبي بكر بن عياش: لما نزل بأبي الموت قال: يا بني
ان أباك أكبر من سفيان بأربع سنين، وانه لم يأت فاحشة قط، وانه يختم
القرآن من ثلاثين سنة كل يوم مرة.
وقال أحمد بن حنبل: كان يقول: انا نصف الاسلام، وكان جليلا.
وقال ابن حبان: كان من العباد والحفاظ المتقين، وكان يحيى القطان وعلي ابن
المديني يسيئان الرأي فيه، وذلك أنه لما كبر ساء حفظه، فكان يهم إذا روى
والخطأ والوهم شيئان لا ينفك عنهما البشر، فمن كان لا يكثر ذلك منه، فلا
يستحق ترك حديثه بعد تقدم عدالته.
وكان شريك يقول: رأيت أبا بكر عند أبي إسحاق يأمر وينهى كأنه
رب البيت، مات هو وهارون الرشيد في شهر واحد، وكان قد صام سبعين
سنة وقامها، وكان لا يعلم له بالليل نوم، والصواب في امره مجانبة ما علم أنه
أخطأ فيه، والاحتجاج بما يرويه سواء وافق الثقات أو خالفهم.
وقال العجلي: كان ثقة قديما، صاحب سنة وعبادة، وكان يخطئ
151

بعض الخطأ بعد سبعين سنة.
وقال ابن عبد البر: كان الثوري وابن المبارك وابن مهدي يثنون عليه،
وهو عندهم في أبي إسحاق مثل شريك وأبي الأحوص الا انه يهم في حديثه،
وفي حفظه شئ.
وقال يعقوب بن شيبة: شيخ قديم معروف بالصلاح البارع، وكان له
فقه كثير، وعلم بأخبار الناس ورواية للحديث يعرف له سنة وفضل، وفي
حديثه اضطراب.
وقال الساجي: صدوق يهم.
وقال البزاز: لم يكن بالحافظ، وقد حدث عنه أهل العلم واحتملوا
حديثه.
وقال الأحمس: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من أبي بكر بن عياش.
وفي معجم الأدباء: كان ابن عياش معظما عند العلماء.
وفي مروج الذهب: 3، 398 ط مصر: 3، وفي سنة ثلاث وتسعين
ومأة مات أبو بكر بن عياش الكوفي [الأسدي] وهو ابن ثمان وتسعين
سنة، بعد موت الرشيد بثمان عشرة ليلة.
وأيضا في المروج: 3، 353 ط مصر حج الرشيد في سنة 188، وهي
آخر حجة حجها، فذكر عن أبي بكر ابن عياش (وكان من علية أهل العلم)
أنه قال (وقد اجتاز الرشيد بالكوفة في حال منصرفه من هذه الحجة):
لا يعود إلى هذه الطريق ولا خليفة من بني العباس بعده ابدا. فقيل له:
اضرب من الغيب؟ قال: نعم. قيل: بوحي؟ قال: نعم. قيل: إليك.
قال: لا إلى محمد (ص) وكذلك خبر عنه (ع) المقتول في هذا الموضع
وأشار إلى الموضع الذي قتل فيه بالكوفة.
والظاهر أنه أراد بالمقتول أمير المؤمنين (ع)، وإنما أجمل اتقاءا
152

من الطواغيت، أو أن صاحب المروج (ره) بينه مبهما لما ذكر (12).
ومن كلام ابن عياش: مسكين ابن آدم يسقط منه درهم فيظل نهاره
يقول: انا لله وانا إليه راجعون، وينقص عمره ودينه ولا يحزن عليهما.
وقال أيضا: أدنى ضرر المنطق الشهرة، وكفى بها بلية.
وقال الغزالي في آفات اللسان من كتاب احياء العلوم: قال أبو بكر
ابن عياش: اجتمع أربعة ملوك على ذم الكلام، ملك الهند، وملك الصين
وكسرى، وقيصر، فقال أحدهم: انا أندم على ما قلت، ولا أندم على ما لم
أقل: وقال الآخر: اني إذا تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم
أتكلم بها ملكتها ولم تملكني. وقال الثالث: عجبت للمتكلم ان رجعت
إليه كلمته ضرته، وان لم ترجع لم تنفعه. وقال الرابع: انا على رد ما لم
أقل أقدر مني على رد ما قلت.
واما نوادر حياته وبعض ما جرى عليه، ففي محكي تهذيب التهذيب:
قال أبو سعيد الأشج: قدم جرير بن عبد الحميد فاخلى مجلس أبي بكر
فقال أبو بكر: والله لأخرجن غدا من رجالي اثنين حتى لا يبقى عند جرير
أحد، فاخرج أبا إسحاق وأبا حصين.
وقال يحيى الحماني وبشر بن الوليد الكندي، سمعنا أبا بكر بن عياش
يقول: جئت ليلة إلى زمزم فاستقيت منه دلوا لبنا وعسلا.
وفي معجم الأدباء: لقي ابن عياش الفرزدق وذا الرمة وروى عنهما شيئا
من شعرهما، ثم ذكر ان المرزباني روى عنه أحاديث في فضل الخليفة الأول.
ثم قال: قال زكريا بن يحيى: سمعت ابن عياش يقول: لو اتاني أبو بكر
وعمر وعلي في حاجة لبدأت بحاجة علي قبل حاجتهما لقرابته برسول الله (ص)

(12) وفى المطبوع من مروج الذهب عام 1385 هج ط بيروت تصريح
باسمه عليه السلام.
153

ولان اخر من السماء أحب إلي من أن أقدمه عليهما، وكان يقم عليا على
عثمان ولا يغلو ولا يقول الا خيرا.
وروى المرزباني بسنده عن أبي عمر العطاردي قال: بعث أبو بكر بن
عياش إلى أبي يوسف الأعشى، فمضيت مع أبي يوسف ومعي جماعة، فدخلنا
إليه وهو في علية بيته، فقال لأبي يوسف: فرأت القرآن علي مرتين وقد
نقلت عني القرآن، فاقرأ علي آخر الأنفال، واقرأ علي من رأس المأة
من براءة، واقرأ علي كذا. فقال له أبو يوسف: هذا القرآن والحديث
والفقه وأكثر الأشياء قد أفدتها بعد ما كبرت أو لم تزل فيه منذ كنت، ففكر
هنيهة، ثم قال: بلغت وانا ابن ست عشرة سنة، فكنت فيما يكون فيه
الشبان مما يعرف وينكر سنتين، ثم وعظت نفسي وزجرتها وأقبلت على
الخير وقراءة القرآن، فكنت اختلف إلى عاصم كل يوم، وربما مطرنا
ليلا فأنزع سراويلي وأخوض في الماء إلى حقوي.
فقال له أبو يوسف: ومن أين هذا الماء كله؟ قال: كنا إذا مطرنا جاء
ماء الحيرة الينا حتى يدخل الكوفة.
وكنت إذا قرأت على عاصم اتيت الكبي فسألته عن تفسيره.
وأخبرني أبو بكر ان عاصما اخبره انه كان يأتي زر بن حبيش فيقرؤه
خمس آيات لا يزيد عليه شيئا، ثم يأتي أبا عبد الرحمن السلمي فيعرضها
عليه، فكانت توافق قراءة زر قراءة أبي عبد الرحمن، وكان أبو عبد
الرحمن قرأ على علي عليه السلام، وكان زر بن حبيش اليشكري العطاردي
قرأ على عبد الله بن مسعود القرآن كله في كل يوم آية واحدة لا يزيده
عليها شيئا، فإذا كانت آية قصيرة استقلها زر من عبد الله، فيقول عبد الله
خذها فوالذي نفسي بيده لهي خير من الدنيا وما فيها. ثم يقول أبو بكر
وصدق والله ونحن نقول كما قال أبو بكر بن عياش إذا حدثنا عن عاصم عن
154

زر عن عبد الله قال: هذا والله الذي لا إله إلا هو حق، كما انكم عندي
جلوس، والله ما كذبت وما كذب عاصم بن أبي النجود، والله ما كذب زر،
والله ما كذب عبد الله بن مسعود، وان هذا الحق كما انكم عندي جلوس.
وحدث عمن أسنده إلى أحمد بن عبد الله بن يونس قال: ذكر النبيذ
عند العباس بن موسى فقال: ان ابن إدريس يحرمه، فقال أبو بكر بن
عياش: إن كان النبيذ حراما فالناس كلهم أهل ردة (13).
وحدث المرزباني قال: قال عبد الله بن عياش (14): كنت انا وسفيان
الثوري وشريك نتماشى بين الحيرة والكوفة، فرأينا شيخنا ابيض الرأس
واللحية حسن السمت والهيئة، فظننا ان عنده شيئا من الحديث، وانه
قد أدرك الناس، وكان سفيان أطلبنا للحديث، أشدنا بحثا عنه،
فتقدم إليه وقال: يا هذا عندك شئ من الحديث؟ فقال: اما الحديث فلا
ولكن عندي عتيق سنتين، فنظرنا فإذا هو خمار.
وحدث باسناده عن ابن كناسة، قال حدثني أبو بكر بن عياش قال:
كنت إذ انا شاب إذا أصابتني مصيبة تصبرت ورددت البكاء، فكان ذلك يوجعني
ويزيدني ألما، حتى رأيت بالكناسة اعرابيا واقفا، وقد اجتمع الناس
حوله وهو يقول:
خليلي عوجا من صدور الرواحل * بجهور حزوي وابكيا في المنازل

(13) النبيذ المعروف حرام باتفاق أهل البيت ومدائن علم الرسول (ص)
فمن شربه مستحلا مع علمه بالحرمة فلا ريب انه أهل ردة، واما النبيذ بمعناه
الاخر وهو ما ينبذ في الماء عشيا ويشرب بالغداة (كما كان معمولا في المدينة
الطيبة) فليس بحرام، والتفصيل في فقه أئمة أهل البيت (ع) فراجع.
(14) هو اسم أبو بكر بن عياش عند بعض أو انهم قد يعبرون عنه
بعبد الله.
155

لعل انحدار الدمع يعقب راحة * من الوجد أو يشفي نجي البلابل
فسألت عنه فقيل ذو الرمة. فأصابتني بعد ذلك مصائب، فكنت
أبكي فأجد راحة، فقلت في نفسي: قاتل الله الاعرابي ما كان أبصره واعلمه.
وحدث باسناد رفعه إلى أبي بكر بن عياش قال: دخلت على الرشيد
فسلمت وجلست، فدخل فتى من أحسن الناس وجها فسلم وجلس، فقال
لي الرشيد: يا أبا بكر أتعرف هذا؟ فقلت: لا. قال: هذا ابني
محمد ادع الله له. فقلت: يا أمير المؤمنين جعله الله أهلا لما جعلته له
أهلا، فسكت ثم قال: يا أبا بكر الا تحدثني. فقلت: يا أمير المؤمنين حدثني
هشام بن حسان، عن الحسين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: ان الله فاتح عليكم مشارق الأرض ومغاربها، وان عمال ذلك
الزمان في النار الا من اتقى الله، وادى الأمانة، فانتفض وتغير وقال: يا مسرور
اكتب، ثم سكت ساعة وقال: يا أبا بكر الا تحدثني. فقلت: يا أمير المؤمنين
حدثني هشام بن حسان عن الحسن قال: قال: أتدري ما قال عمر بن الخطاب
للهروان؟ قال: وما قال له؟ قلت: قال له: ما منعك من حب المال وأنت كافر القلب طويل
الامل؟ قال: لأني علمت أن الذي لي سوف يأتيني، والذي أخلفه بعدي
يكون وباله علي. ثم قال يا مسرور: أكتب ويحك. ثم قال: ألك حاجة
يا أبا بكر؟ قلت: تردني كما جئت بي. قال ليست هذه حاجة سل غيرها.
قلت: يا أمير المؤمنين لي بنات أخت ضعاف، فان رأى أمير المؤمنين ان يأمر
لهن بشئ. قال: قدر لهن. قلت: يقول غيري. قال: لا يقول غيرك.
قلت: عشرة آلاف. قال: لهن عشرة آلاف، وعشرة آلاف وعشرة آلاف
وعشرة آلاف، وعشرة آلاف، يا فضل اكتب بها إلى الكوفة، والآن
تحبس عليه، ثم قال انصرف ولا تنسنا من دعائك.
وحدث بأسناده عن العباس بن بسنان قال: كنا عند أبي بكر ابن
156

عياش يقرأ علينا كتاب مغيرة، فغمض عينيه فحركه جمهور، وقال له:
تنام يا أبا بكر. فقال: لا ولكن مر ثقيل (كذا) فغمضت عيني.
وحدث أبو هاشم الدلال قال: رأيت أبا بكر بن عياش مهموما،
فقلت له: مالي أراك مهموما؟ قال: سيف كسرى لا أدري إلى من صاره.
وقال محمد بن كناسة يذكر أصحاب أبي بكر بن عياش:
لله مشيخة فجعت بهم * كانت تزيغ إلى أبي بكر
سرج لقوم يهتدون بها وفضائل تنمى ولا تحري
وحدث المدائني قال: كان أبو بكر بن عياش أبرص، وكان رجل
من قريش يرمى بشرب الخمر، فقال له أبو بكر بن عياش يداعبه: زعموا
ان نبيا بعث بحل الخمر. فقال له القرشي: إذا لا تؤمن به حتى يبرئ
الأكمه والأبرص.
أنشد أبو بكر بن عياش * المحدث، ويقال أنهما له:
إن الكريم الذي تبقى مودته ويكتم السر ان صافي وان حرما
ليس الكريم الذي ان ذل صاحبه * أفشى وقال عليه كل ما علما
وروى بسنده أنه دخل أبو بكر بن عياش على موسى بن عيسى - وهو
على الكوفة وعنده عبد الله بن مصعب الزبيري - وأدناه موسى ودعا له
بتكاء فأتكأ وبسط رجليه، فقال الزبيري: من هذا الذي دخل ولم يستأذن
ثم اتكأته وبسطته؟ قال: هذا فقيه الفقهاء والرأس عند أهل المصر، أبو
بكر بن عياش. قال الزبيري: فلا كثير ولا طيب ولا مستحق لكل ما فعلته
به. فقال أبو بكر: يا أيها الأمير من هذا الذي سأل عني بجهل، ثم تتابع
في جهله بسوء قول وفعل؟ فنسبه له، فقال: أسكت مسكتا فبأبيك غدر
ببيعتنا، وبقوله الزور خرجت أمنا، وبابنه هدمت كعبتنا، وبك أحرى أن
يخرج الدجال فينا، فضحك موسى حتى فحص برجليه، وقال الزبيري:
157

أنا والله أعلم أنه يحوط أهلك وأباك ويتولاه، ولكنك مشؤوم على آبائك.
وروى بسنده ان ابن المبارك كان يعظم الفضيل وأبا بكر بن عياش،
ولو كانا على غير تفضيل أبي بكر وعمر لم يعظمهما، ثم روى عدة أخبار
تدل على بعده عن التشيع لا نطيل بذكرها.
ثم روى بسنده أن رجلا قال لأبي بكر بن عياش: ألا تحدث الناس؟
قال: حدثت الناس خمسين سنة، ثم قال أبو بكر للرجل: إقرأ (قل هو
الله أحد) فقرأ. ثم قال: الثانية، فقرأ حتى بلغ عشرين مرة، فكأن الرجل
وجد في نفسه من ذلك، فقال: أنا لا أضجر وقد حدثت الناس خمسين
سنة، وأنت في ساعة تضجر.
وروى بسنده عمن سمع أبا بكر بن عياش ينشد:
بلغت الثمانين أوجزتها * فماذا أؤمل أو أنتظر
علتني السنون فأبلنني * ودقت عظامي وكل البصر
أما في الثمانين من مولدي * ودون الثمانين ما يعتبر
وبسنده قال: قال أبو بكر ابن عياش: * صرت من ضعفي كالثوب الخلق
طورا ير فيه وطورا ينفتق * من صحب الدهر تقيأ بالعلق
وأما مذهبه فالظاهر أنه من أهل الحق الا انه كان يستتر بستار التقية
احترازا من طواغيت زمانه ومردة عصره، ويدل عليه ما رواه في الكافي
ص 172 ج 5 ح 16، من الباب 70 من كتاب المعيشة، وفي التهذيب ج 7،
ج 7 من الباب 2، من كتاب البيع ص 21، عن علي بن إبراهيم، عن
أبيه، عن الحسن بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن
ابن الحجاج، من أصحاب الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام قال:
اشتريت محملا فأعطيت بعض الثمن وتركته عند صاحبه، ثم احتبست أياما،
ثم جئت إلى بائع المحمل لآخذه فقال: قد بعثه، فضحكت ثم قلت:
158

لا والله لا أدعك أو أقاضيك. فقال لي: أترضى بأبي بكر ابن عياش؟
قلت: نعم. فأتيته فقصصنا عليه قصتنا. فقال أبو بكر: بقول من
تحب ان أقضي بينكما، أبقول صاحبك أو غيره؟ قلت: بقول صاحبي.
قال: سمعته يقول: (من اشترى شيئا فجاء بالثمن فيما بينه وبين ثلاثة
أيام والا فلا بيع له).
وأراد بصاحبه: الصادق أو الكاظم عليهما السلام.
وحكي عن السيد صدر الدين العاملي (ره) انه استفاد تشيعه مما رواه
في التهذيب عن محمد بن الحسن الصفار، عن السندي، عن موسى
ابن حبيش عن عمه هاشم الصيداني، قال: كنت عند العباس بن موسى بن
العيسى وعنده أبو بكر بن عياش وإسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، وعلي
بن الظبيان، ونوح بن دراج تلك الأيام على القضاء، فقال العباس: يا أبا
بكر أما ترى ما أحدث نوح في القضاء، انه ورث الخال وطرح العصبة
وأبطل الشفعة. فقال أبو بكر بن عياش: وما عسى ان أقول للرجل، قضى
بالكتاب والسنة. فاستوى العباس جالسا فقال: وكيف قضى بالكتاب
والسنة؟ فقال أبو بكر: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قتل حمزة
ابن عبد المطلب بعث علي بن أبي طالب عليه السلام فأتاه بابنة حمزة،
فسوغها الميراث كله. فقال له العباس: فظلم رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم جدي. فقال مه أصلحك الله شرع لرسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ما صنع، فما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الا الحق.
ووجه استفادة تشيعه من ذلك، انه حكم بأن ابطال التعصب مطابق
للكتاب والسنة، وهو مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام وعلمائهم.
ويدل أيضا على كونه من أهل الحق، ما رواه الشيخ (ره) في
الحديث (706) من الأمالي عن المفيد (ره) عن شيخه، عن ابن خنيس
159

عن محمد بن عبد الله، عن أبي الطيب: علي بن محمد بن مخلد الجعفي
الدهان بالكوفة، عن أحمد بن ميثم بن أبي نعيم، عن يحيى بن عبد الحميد
الحماني، أملاه علي في منزله، قال خرجت أيام ولاية موسى بن عيسى
الهاشمي في الكوفة من منزلي، فلقيني أبو بكر بن عياش، فقال: امض
بنا يا يحيى إلى هذا. فلم أدر من يعني، وكنت أجل أبا بكر عن مراجعته،
وكان راكبا حمارا له، فجعل يسير عليه وأنا أمشي مع ركابه، فلما صرنا
عند الدار المعروفة بدار عبد الله بن حازم، التفت إلي فقال: يا بن الحماني
إنما جررتك معي وحشمتك أن تمشي خلفي لأسمعك ما أقول لهذا الطاغية
فقلت: من هو يا أبا بكر؟ قال: هذا الفاجر الكافر موسى بن عيسى. فسكت
عنه، ومضى وأنا أتبعه حتى إذا صرنا إلى باب موسى بن عيسى وبصر بن
الحاجب وتبينه وكان الناس ينزلون عند الرحبة، فلم ينزل أبو بكر هناك،
وكان عليه يومئذ قميص وازار وهو محلول الإزار، قال: فدخل على حماره
وناداني تعال يا بن الحماني، فمنعني الحاجب، فزجره أبو بكر وقال له:
أتمنعه يا فاعل وهو معي، فتركني فما زال يسير على حماره حتى دخل الأبواب
فبصر بنا موسى وهو قاعد في صدر الإيوان على سريره وبجنبي السرير رجال
متسلحون، وكذلك كانوا يصنعون، فلما أن رآه موسى رحب به وقربه
وأقعده على سريره، ومنعت أنا حين وصلت إلى الإيوان أن أتجاوزه، فلما
استقر أبو بكر على السرير، التفت فرآني حيث أنا واقف فناداني: تعال
ويحك، فصرت إليه ونعلي في رجلي وعلي قميص وازار، فأجلسني بين
يديه، فالتفت إليه موسى فقال: هذا رجل تكلمنا فيه. قال: لا ولكني
جئت به شاهدا عليك. قال فيماذا؟ قال: اني رأيتك وما صنعت بهذا
القبر. قال: أي قبر؟ قال: قبر الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول
الله (ص) (وكان موسى قد وجه إليه من كربه وكرب جميع أرض الحائر
160

وحرثها وزرع الزرع فيها) فانتفخ موسى حتى كاد ان يتقد، ثم قال: وما أنت
وذا قال: اسمع حتى أخبرك، اعلم اني رأيت في منامي كأني خرجت إلى
قومي بني غاضرة، فلما صرت بقنطرة الكوفة، اعترضتني خنازير عشرة
تريدني، فأعانني الله برجل من بني أسد كنت أعرفه فدفعها عني، فمضيت
لوجهي، فلما صرت إلى ساهي (15) ضللت الطريق، فرأيت هناك عجوزا
فقالت لي: أين تريد أيها الشيخ؟ قلت: أريد الغاضرية. قالت لي: تنظر
هذا الوادي فإنك إذا أتيت آخره اتضح لك الطريق. فمضيت ففعلت ذلك،
فلما صرت إلى نينوى إذا أنا بشيخ كبير جالس هناك، فقلت: من أين أنت
أيها الشيخ؟ فقال لي: أنا من أهل هذه القرية. فقلت: كم تعد من السنين
فقال: ما أحفظ ما مضى من سنيي وعمري، ولكن أبعد ذكري اني رأيت
الحسين بن علي عليهما السلام، ومن كان معه من أهله ومن تبعه يمنعون
الماء الذي تراه، ولا يمنع الكلاب ولا الوحوش شربه. فاستعظمت ذلك،
وقلت له: ويحك أنت رأيت هذا؟ قال: اي والذي سمك السماء، لقد
رأيت هذا أيها الشيخ وعاينته، وانك وأصحابك هم الذين يعينون على ما
قد رأينا مما أقرح عيون المسلمين - إن كان في الدنيا مسلم - فقلت: ويحك
وما هو؟ قال: حيث لم تنكروا ما أجرى سلطانكم إليه. قلت: ما أجرى
إليه؟ قال: أيكرب قبر ابن النبي (ص) ويحرث أرضه؟ قلت: وأين
القبر؟ قال: ها هو ذا أنت واقف في أرضه، فاما القبر فقد عمي عن أن
يعرف موضعه.
قال أبو بكر بن عياش: وما كنت رأيت القبر قبل ذلك الوقت قط،
ولا أتيته في طول عمري، فقلت: من لي بمعرفته؟ فمضى الشيخ معي حتى
وقف لي على حير له باب وآذن، وإذا جماعة كثيرة على الباب، فقلت

(15) كذا في النسخة، وكأنها معرب شاهي، اسم لموضع أو قرية.
161

للآذن: أريد الدخول على ابن رسول الله. فقال: لا تقدر على الوصول في
هذا الوقت. قلت: ولم؟ قال: هذا وقت زيارة إبراهيم خليل الله، ومحمد
رسول الله (ص) ومن معهما جبرائيل وميكائيل في رعيل من الملائكة كثير.
قال أبو بكر بن عياش: فانتبهت وقد دخلني روع شديد، وحزن
وكآبة، ومضت بي الأيام حتى كدت أن انسى المنام، ثم اضطررت إلى
الخروج إلى بني غاضرية، لدين كان لي على رجل منهم، فخرجت وأنا
لا أذكر الحديث حتى إذا صرت بقنطرة الكوفة، لقيني عشرة من اللصوص
فحين رأيتهم ذكرت الحديث، ورعبت من خشيتي لهم، فقالوا: ألق ما معك وانج
بنفسك. (وكانت معي نفيقة) فقلت: ويحكم أنا أبو بكر بن عياش وإنما
خرجت في طلب دين لي، والله الله لا تقطعوني عن طلب ديني وتضروا بي في
نفقتي فاني شديد الإضافة. فنادى رجل منهم: مولاي ورب الكعبة لا تعرضوا
له. ثم قال لبعض فتيانهم: كن معه حتى تصير به إلى الطريق الأيمن.
قال أبو بكر: فجعلت أتذكر ما رأيته في المنام، وأتعجب من تأويل
الخنازير، حتى صرت إلى نينوى، فرأيت والله الذي لا إله الا هو الشيخ
الذي كنت رأيته في منامي بصورته وهيئته، رأيته في اليقظة كما رأيته في المنام سواء،
فحين رأيته ذكرت الأمر والرؤيا، فقلت: لا إله الا هو، ما كان هذا الا وحيا،
ثم سألته كمسألتي إياه في المنام، فأجابني، ثم قال لي: امض بنا، فمضيت
فوقفت معه على الموضع، وهو مكروب، فلم يفتني شئ مما رأيت في
منامي الا الاذن والحير، فاني لم أر حيرا ولم أر آذنا.
فاتق الله أيها الرجل، فاني قد آليت على نفسي الا أدع إذاعة هذا
الحديث، ولا زيارة ذلك الموضع وقصده واعظامه، فان موضعا يأتيه إبراهيم
ومحمد وجبرائيل وميكائيل، لحقيق بأن يرغب في اتيانه وزيارته فان أبا
حضين (كذا) حدثني ان رسول الله (ص) قال: (من رآني في المنام فإياي رأى،
162

فان الشيطان لا يتشبه بي).
فقال له موسى: إنما أمسكت عن إجابة كلامك لأستوفي هذه الحمقة
التي ظهرت منك، وبالله لئن بلغني بعد هذا الوقت أنك تتحدث بهذا لأضربن
عنقك وعنق هذا الذي جئت به شاهدا علي. فقال أبو بكر: إذا يمنعني
الله وإياه منك، فاني إنما أردت الله بما كلمتك به. فقال له: أتراجعني
يا عاص؟ وشتمه، فقال له: أسكت أخزاك الله وقطع لسانك.
فأرعد موسى على سريره، ثم قال: خذوه فأخذ الشيخ عن السرير،
وأخذت أنا، فوالله لقد مر بنا من السحب والجر والضرب، ما ظننت اننا لا نكثر
الأحياء أبدا، وكان أشد ما مر بي من ذلك أن رأسي كان يجر على الصخر،
وكان بعض مواليه يأتيني فينتف لحيتي، وموسى يقول: أقتلوهما بني كذا
وكذا [يعبر بالزاني لا يكني]، وأبو بكر يقول له: امسك قطع الله لسانك
وانتقم منك، اللهم إياك أردنا، ولولد نبيك غضبنا، وعليك توكلنا. فصير
بنا جميعا إلى الحبس، فما لبثنا في الحبس الا قليلا، فالتفت إلى أبو بكر
ورأي ثيابي قد خرقت، وسالت دمائي فقال: يا حماني قد قضينا لله حقا،
واكتسبنا في يومنا هذا أجرا، ولن يضيع ذلك عند الله ولا عند رسوله.
فما لبثنا الا مقدار غداية ونومة، حتى جاءنا رسوله، فأخرجنا إليه،
وطلب حمار أبو بكر فلم يوجد، فدخلنا عليه فإذا هو في سرداب له يشبه
الدور سعة وكبرا، فتعبنا في المشي إليه تعبا شديدا، وكان أبو بكر إذا
تعب في مشيه جلس يسيرا ثم يقول: (اللهم ان هذا فيك فلا تنسه).
فلما دخلنا على موسى وإذا هو على سرير له، فحين بصر بنا قال: لا حيا
الله ولا قرب من جاهل أحمق يتعرض لما يكره، ويلك يا دعي ما دخولك
فيما بيننا معشر بني هاشم؟! فقال له أبو بكر: قد سمعت كلامك والله
حسبك. فقال له: أخرج قبحك الله، والله لئن بلغني ان هذا الحديث شاع
163

أو ذكر عنك لأضربن عنقك، ثم التفت إلي وقال: يا كلب (وشتمني وقال)
إياك ثم إياك أن تظهر هذا، فإنه إنما خيل لهذا الشيخ الأحمق شيطان يلعب
به في منامه، أخرجا عليكما لعنة الله وغضبه، فخرجنا وقد يئسنا من الحياة
فلما وصلنا إلى منزل الشيخ أبي بكر وهو يمشي وقد ذهب حماره، فلما
أراد أن يدخل منزله التفت إلي وقال: احفظ هذا الحديث، وأثبته عندك
ولا تحدثن هؤلاء الرعاع ولكن حدث به أهل العقول والدين.
وأما أحمد بن سلامة الغنوي، ومحمد بن الحسين أو الحسن العامري
وأبو معمر، والفجيع العقيلي، فلم تتبين لي تراجمهم عاجلا.
164

- 28 -
ومن وصية له عليه السلام
إلى السبط الأكبر الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
قال شيخ الطائفة عليه الرحمة والرضوان: أخبرنا محمد بن محمد، قال:
أخبرنا أبو الطيب الحسين بن محمد التمار، قال: حدثنا محمد بن القاسم
الأنباري، قال: حدثنا أحمد بن عبيد، قال: حدثنا عبد الرحيم بن قيس
الهلالي، قال: حدثنا العمري، عن أبي حمزة السعدي، عن أبيه، قال:
أوصى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، إلى الحسن بن علي عليه
السلام، فقال فيما أوصى به إليه (1):
يا بني لا فقر أشد من الجهل، ولا عدم أشد من عدم
العقل (2) ولا وحدة (ولا وحشة، في البحار) أوحش من العجب (3)
ولا حسب كحسن الخلق، ولا ورع كالكف عن محارم الله (4) ولا عبادة

(1) هذا ظاهر في أن المذكور هنا بعض الوصية، لا تمامها.
(2) العدم - كفرس وعنق وقفل -: الفقدان. وغير خفي ان فقدان
العقل بذر المسكنة، واصل الفقر، وأساس الاحتياج، فمن لا عقل له فهو
مجمع الافتقار، ومعدن الذلة والصغار.
(3) العجب - كقفل -: هو اعجاب المرء بنفسه بفضائله واعماله، وهو
موجب للترفع على الناس والتطاول عليهم، فيصير سببا لوحشة الناس عنه
ومستلزما لترك اصلاح معائبه وتدرك ما فات منه، فينقطع عنه مواد رحمة
الله ولطفه وهدايته، فينفرد عن ربه وعن الخلق، فلا وحشة أوحش منه.
(4) قال العلامة المجلسي (ره): هو بالإضافة إلى ورع من يتورع عن
المكروهات، ولا يتورع عن المحرمات.
165

كالتفكر في صنعة الله عز وجل.
كالتفكر في صنعة الله عز وجل.
يا بني العقل خليل المرء، والحلم وزيره، والرفق
والده، والصبر من خير جنوده (5).
يا بني إنه لا بد للعاقل من أن ينظر في شأنه فليحفظ
لسانه، وليعرف أهل زمانه.
يا بني إن من البلاء الفافة وأشد من ذلك مرض
البدن، وأشد من ذلك مرض القلب.
وإن من النعم سعة المال، وأفضل من ذلك صحة البدن

(5) ولما كان شأن العقل التحريك إلى المصالح وجر المنافع، والزجر عن
المضار والمفاسد وما يوجب تلويث ساحة الشخص - كما هو شأن كل خليل
فهو خليل المرء. ولما كان شأن الوزير تحمل الثقل ودفع المشكلات برزانته
وصواب رأيه، وكان الحلم كذلك فهو وزير المرء، وبما ان من شأن الوالد
الملاطفة ولين الجانب بأولاده، والرفق - كحبر - وهو لين الجانب ولطفه
- يستلزم تواضع الناس معه ومودتهم إياه فهو والد الشخص، وكما أن الجند
من أسباب الظفر والغلبة ونيل المقصد، والصبر أيضا كذلك فهو من خير
جنود المرء. ولعل وجه خيريته انه واحد، وجلب خواطر الواحد واستمالة
قلبه أسهل من استمالة جماعة متخالفة الأهواء. وأيضا الجنود الظاهرية تحتاج
إلى لوازم الحياة من المأكل والمشرب والملبس والمركب، بخلاف الصبر فإنه قليل المؤنة.
166

وأفضل من ذلك تقوى القلوب.
يا بني للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه
وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يخلو فيها بين نفسه
ولذتها فيما يحل ويجمل (6).
وليس للمؤمن بد من أن يكون شاخصا في ثلاث مرمة
لمعاش أو حظوة لمعاد (7) أو لذة في غير محرم.
* الحديث (55) من الجزء الخامس من امالي الشيخ (ره)، ورواه
عنه في الحديث الثالث عشر من الباب الأول من البحار: 1، ص 30 ص، ط
الكمباني، وفي الطبع الأخير، ص 88، ورواه أيضا في المختار التاسع
عشر من الباب الثاني من المستدرك، ص 119، وقريب منه جدا ما رواه في
الحديث (3000) من كنز العمال ج 8 ص 236 ط الهند عن الحارث الأعور
عن أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

(6) وفى نسخة البحار: (فيما يحل ويحمد).
(7) البد - كالود والمد -: المناص والمهرب. والشخوص: الذهاب من
بلد إلى بلد. السير في الأرض. ويمكن أن يكون المراد - هنا - ما يشمل
الخروج من البيت. ومرمة المعاش: اصلاحه. والحظوة - بضم الحاء
وكسرها -: المكانة والقرب والمنزلة. واللذة - مثلثة اللام - معروفة.
اي لا محيض للمؤمن من أن يكون شخوصه وترحاله لا حدى ثلاث: اما ترميم
المعيشة واصلاحها، واما تحصيل ما يوجب المكانة والمنزلة في المعاد ويوم القيامة
واما الالتذاذ النفساني بالطيبات من المآكل والمناكح والملابس والمشارب والمراكب
على الوجه المرخص فيه.
167

ومن قوله عليه السلام: (يا بني ان من البلاء الفاقة) إلى قوله: (لذة
في غير محرم) رواه في المختار (388، و 390) من الباب الثالث من نهج
البلاغة، وفي نسخة ابن أبي الحديد ذكرهما تحت الرقم (395 و 3906).
وههنا مقامات:
(المقام الأول):
انه أطبقت الكتب الإلهية، واجمع أصحاب الحس والادراك من الملين
وغيرهم على وجود العقل، وكونه من اجل النعم التي امتن الله بها على
خلقه، وخصها لأشرف بريته، وان من حرم منها فكأنه حرم من كل شئ،
ومن نالها فقد نال ما يفوق ويعلوا كل شئ.
وأيضا اتفقوا على أن العقل حاكم، وان حكومته عبارة عن الحث في
الخيرات، والبعث على تحصيل المصالح وجلب المنافع، وان حكومته في
الشرور والمضار هو الردع عنها، والاجتناب منها، وان حكمه في الموارد
الجزئية، والمواطن الشخصية، فرع ادراكه على أنه مما فيه النفع أو الضرر
سواء كان ترتب النفع أو الضرر على نفس الارتكاب بلا دخل شئ آخر
فيه، أو كان ترتبهما - قطعا أو احتمالا - من جهة امر آمر على الارتكاب
أو الاجتناب لأجل مصالح أو مفاسد اقتضت ذلك، مع كون الآمر ممن من
شأنه ان يعاقب المتمرد عن امره أو نهيه.
وهذا معنى حكومة العقل، لا ان حكومته عبارة عن تشكيل جنود
حسية، وسجون تكوينية، وتعذيب بدني خارجي كالضرب بالسوط وقطع
الأيدي والأرجل، وقطع الأسنان، وجدع الانف، وفق ء العين وإبانة الرأس
من الجسد، وصلب الجثة، إلى غير ذلك من انحاء التعذيبات الخارجية التي
تتعاطاها الهيئة المسيطرة الحاكمة.
168

وما ذكرنا من معنى حكومة العقل أمر جلي لا يلتبس على أحد، الا من
اختلت مشاعره أو خلق من أول الأمر مسلوب الشعور، أو كان ممن في قلبه
مرض فينكر هذا الامر البديهي ليتوصل إلى غرضه، ويزداد في مرضه.
ولا يخفى ان مقدمات حكم العقل قد تكون عقلية محضة على اختلاف
انحائها من البديهية والنظرية، وقد يكون بعضها عقليا محضا، وبعضها
مأخوذا ممن ثبت عند العقل صدقه وكون نظره صوابا ومطابقا للواقع.
وأيضا العقل قد يخطأ في حكمه - وإن كان هو حين الحكم لا يحتمل
الخطأ بل قاطع بالصواب - كما قد يخطئ اللسان فيجري بقول: (لا)
في مقام (نعم) وكذا العكس، وكما قد تخطئ اليد، فترمي ما يراد امساكه
وتمسك ما يراد ارساله، إلى غير ذلك.
وبالجملة قلة موارد حكم العقل أو خطأه أحيانا غير موجب لانكار
حكمه فضلا عن انكار أصل العقل.
وكيف يسوغ لعاقل متشرع ان ينكر العقل وحكمه، واني يمكن لمتدبر
ان يجحد هذين الأساسين القويمين، والأصلين الوثيقين؟! وليت يشعر
الجاحد للعقل وحكمه ان انكاره هذا مرجعه إلى انكار الضروريات، والاعتقاد
بالسفسطيات، والسلام على الشرعيات، والختام على العقائد والديانات، مع
وضوح كون العقل هو الاس، والشرع مبني عليه، ولم يثبت بناء ما لم يكن
أس، كما أنه لن يغني أس - غناء معتدا به - ما لم يكن بناء، ولنعم
ما قال بعضهم: العقل كالبصر، والشرع كالشعاع، ولن ينفع البصر ما لم يكن
شعاع من خارج، ولم يغن شعاع ما لم يكن بصر، ولذا قال تعالى:
(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام
ويخرجهم من الظلمات إلى النور باذنه) (8).

(8) الآية (15، 16) من سورة المائدة: 5.
169

وأيضا فالعقل كالسراج، والشرع كالزيت الذي يمده، فما لم يكن
زيت لم يشعل السراج، وما لم يكن سراج لم يضئ الزيت، ونبه الله تعالى
على ذلك بقوله: (الله نور السماوات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها
مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة
مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسه نار، نور
على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ
عليم) (9).
وأيضا فالشرع عقل من خارج، والعقل شرع من داخل، وهما
يتعاضدان، بل يتحدان، ولكون الشرع عقلا من خارج، سلب الله اسم العقل
من الكافر في غير موضع من القرآن نحو قوله تعالى: (صم بكم عمي فهم
لا يعقلون) (10) ولكون العقل شرعا من داخل قال تعالى في صفة العقل
(فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن
أكثر الناس لا يعلمون) (11) فسمى العقل دينا، ولكونهما متحدين قال:
(نور على نور) اي نور العقل ونور الشرع، ثم قال: (يهدي الله لنوره
من يشاء) فجعلهما نورا واحدا، فالعقل إذا فقد الشرع عجز عن أكثر الأمور
كما عجزت العين عند فقد النور.
واعلم أن العقل بنفسه قليل الغنى لا يكاد يتوصل الا إلى معرفة كليات
الشئ دون جزئياته، نحو ان يعلم جملة حسن اعتقاد الحق، وقول الصدق
وتعاطي الجميل، وحسن استعمال المعدلة، وملازمة العفة ونحو ذلك، من
غير أن يعرف ذلك في شئ شئ (12) والشرع يعرف كليات الشئ وجزئياته

(9) الآية (35) من سورة النور: 24.
(10) الآية (171) من سورة البقرة: 2.
(11) الآية (30) من سورة الروم: 30.
(12) هذا في قبال ما يجئ من عرفان الشرع الحسن والقبح في كل شئ شئ
بكليته وجزئيته، لا انه انكار لعرفان العقل بعض الجزئيات، إذ هو خلاف
الواقع وذيل عبارة القائل.
170

ويبين ما الذي يجب ان يعتقد في شئ شئ، وما الذي هو معدلة في شئ شئ
فلا يعرف العقل مثلا ان لحم الخنزير والدم والخمر محرمة، وانه يجب
ان يتحاشى من تناول الطعام في وقت معلوم، وان لا ينكح ذوات المحارم،
وان لا يجامع المرأة في حال الحيض، فان أشباه ذلك لا سبيل إلى معرفتها الا
بالشرع، فالشرع نظام الاعتقادات الصحيحة، والافعال المستقيمة، والدال
على مصالح الدنيا والآخرة، من عدل عنه فقد ضل سواء السبيل.
ولأجل ان لا سبيل للعقل إلى معرفة ذلك، قال تعالى: (وما كنا
معذبين حتى نبعث رسولا) (13) وقال: (ولو انا أهلكناهم بعذاب من قبله
لقالوا ربنا لولا أرسلت الينا رسولا فنتبع آياتك من قبل ان نذل ونخزى) (14).
والى العقل والشرع أشار بالفضل والرحمة بقوله عز وجل: (ولولا
فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا) (15) وعنى بالقليل
المصطفين الأخيار.
أقول: ان الذكر الحكيم قد حث على العقل بأنحاء التعبيرات، ومدح
العقلاء بأقسام من التأكيدات، وحسبنا شاهدا لما نقول المراجعة إلى مادة
(عقل) و (لبب) من كشف الآيات لمشاهدة نموذج من بيانات القرآن
الكريم حول العقل والعقلاء، فإنها تغني المتدبر عن الغور في جميع المواد
والسور والآيات، وكذلك تغنيه عن تصفح الاخبار الصادرة عن أهل بيت
الوحي (ع).

(13) الآية (15) من سورة بني إسرائيل.
(14) الآية (134) من سورة طاها.
(15) الآية (83) من سورة النساء: 4.
171

وبالجملة الامر جلي لا يحتاج إلى التطويل، ولا ينبغي لذوي اللب
الاصغاء إلى خوار من هو عادم ذاتا لهذا الجوهر الثمين الجليل، أو الاستماع
إلى من فكره كليل، وادراكه عليل، فينكر العقل أو حكمه أو هما معا،
إذ على التقدير الأول هذا القائل معترف بأنه لا عقل له، فمن لا عقل له فهو
مجنون، وليس من شأن العقلاء الاستماع إلى المجانين، وعلى التقدير
الثاني أيضا لا يليق للمتأمل الاعتناء بقول هذا المدعي، لأنه مقر بأن حكمه:
(بأن العقل ليس بحاكم) قد صدر عن حكم غير العقل، وكل حكم صدر
عن غير العقل لا بد أن يكون منشأه ومصدره الجهل، والعاقل في شغل عن
الاصغاء إلى قول يكون مصدره الجهل.
فالمهم - هنا - أن نبين ونشرح المقصود بالعقل، إذ هذا اللفظ -
كجل الألفاظ الأخر المشتركة - يطلق على معان عديدة، وبسببه ربما يشتبه
المقصود، ويلتبس الامر على السامع والمخاطب، ولبعضهم هنا كلام لعله
لا يقصر عما هو المختار، ولذا نكتفي به ولا نتكلف شيئا آخر:
قال: اعلم أن الناس اختلفوا في حد العقل وأقسامه وحقيقته، وذهل
الأكثرون عن كون هذا الاسم مطلقا على معان مختلفة، فصار ذلك سبب
اختلافهم، والحق الكاشف للغطاء فيه: ان العقل اسم يطلق بالاشتراك على
أربعة معان، كما يطلق اسم العين مثلا على معان عدة، وما يجري هذا المجرى
فلا ينبغي أن يطلب لجميع أقسامه حد واحد، بل يفرد كل قسم منه
بالكشف عنه:
(الأول) الوصف الذي به يفارق الانسان سائر البهائم، وهو الذي
به أستعد لقبول العلوم النظرية، وتدبير الصناعات الخفية الفكرية، وهو
الذي أراده الحارث المحاسبي حيث قال في حد العقل: (انه غريزة يتهيأ
بها ادراك العلوم النظرية وتدبير الصناعات، وكأنه نور يقذف في القلب،
172

به يستعد لإدراك الأشياء).
ولم ينصف من أنكر هذا ورد العقل إلى مجرد العلوم الضرورية، فان
الغافل عن العلوم والنائم يسميان عاقلين باعتبار هذه الغريزة، مع فقد العلوم
وكما أن الحياة غريزة بها يتهيأ الجسم للحركات الاختيارية والادراكات
الحسية، فكذلك العقل غريزة بها يتهيأ بعض الحيوانات للعلوم النظرية.
ولو جاز أن يسوى بين الانسان والحمار في الغريزة، ويقال: لا فرق
بينهما الا أن الله تعالى - بحكم اجراء العادة - يخلق في الانسان علوما
وليس يخلقها في الحمار وسائر البهائم، لجاز ان يسوى بين الجماد والحمار في
الحياة، ويقال أيضا: لا فرق الا أن الله تعالى يخلق في الحمار حركات
مخصوصة بحكم اجراء العادة، فإنه لو قدر الحمار جمادا ميتا، لوجب
القول: بأن كل حركة تشاهد منه، فالله تعالى قادر على خلقها فيه على
الترتيب المشاهد، وكما وجب أن يقال: لم تكن مفارقته للجماد في الحركة
الا لغريزة اختصت به عبر عنها بالحياة، فكذلك مفارقة الانسان للبهيمة في
ادراك العلوم النظرية بغريزة يعبر عنها بالعقل، وذلك كالمرآة التي تفارق
غيرها من الأجسام في حكاية الصور والألوان، لصفة اختصت بها وهي
الصقالة، وكذلك العين تفارق الجبهة في هيئات وصفات استعدت بها للرؤية
فنسبة هذه الغريزة إلى العلوم نسبة العين إلى الرؤية، ونسبة القرآن والشرع
إلى هذا الغريزة في سياقها إلى انكشاف العلوم لها كنسبة نور الشمس إلى
البصر، فهكذا ينبغي أن تفهم هذه الغريزة.
(المعنى الثاني) الذي يطلق عليه العقل: انه عبارة عن العلوم التي
تخرج إلى الوجود في ذات الطفل المميز بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات
كالعلم بأن الاثنين أكثر من الواحد، وأن الشخص الواحد لا يكون في آن
واحد في مكانين، وهو الذي عناه بعض المتكلمين، حيث قال في حد العقل:
173

(انه بعض العلوم الضرورية بجواز الجائزات، واستحالة المستحيلات).
وهذا أيضا صحيح في نفسه، لأن هذه العلوم موجودة وتسميتها عقلا
ظاهرا، وإنما الفاسد أن تنكر تلك الغريزة، ويقال: (لا موجود الا هذه
العلوم).
(المعنى الثالث) انه علوم تستفاد من التجارب بمجاري الأحوال
فان من حنكته التجارب وهذبته المذاهب يقال له في العادة (انه عاقل) ومن
لا يتصف بذلك يقال: (انه غبي غمر جاهل). فهذا نوع آخر من العلوم
يسمى عقلا.
(المعنى الرابع) ان العقل عبارة عن انتهاء هذه القوة الغريزية في الشخص
إلى أن يعرف عواقب الأمور، فيقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة
ويقهرها، فإذا حصلت هذه القوة سمي صاحبها (عاقلا)، حيث إن اقدامه
وامساكه يكونان بحسب ما يقتضيه النظر في العواقب لا بحكم الشهوة العاجلة
وهذه أيضا من خواص الانسان التي يتميز بها عن سائر الحيوانات.
والمعنى الأول هو الأس والمنبع، والثاني هو الفرع الأقرب إليه،
والمعنى الثالث متفرع على الأول والثاني، إذ بقوة الغريزة والعلوم الضرورية
تستفاد علوم التجارب، والرابع هو الثمرة الأخيرة، وهي الغاية القصوى،
فالأولان بالطبع، والأخيران بالاكتساب، ولذلك قال علي عليه السلام:
رأيت العقل عقلين * فمطبوع ومسموع
ولا ينفع مسموع * إذ لم يك مطبوع
كما لا تنفع الشمس * وضوء العين ممنوع (16)
والأول هو المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما خلق الله خلقا

(16) وفى المختار (338) من قصار نهج البلاغة: (العلم علمان: مطبوع
ومسموع، ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع).
174

أكرم عليه من العقل) (17) والأخير هو المراد بقوله صلى الله عليه وآله
وسلم: (إذا تقرب الناس بأبواب البر فتقرب أنت بعقلك) (18) وهو المراد
بقوله صلى الله عليه وآله لأبي الدرداء: (ازدد عقلا تزدد من ربك قربا
فقال: بأبي أنت وأمي وكيف لي بذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله:
(إجتنب محارم الله، وأد فرائض الله تكن عاقلا، واعمل بالصالحات من
الاعمال تزدد في عاجل الدنيا رفعة وكرامة، وتنل بها من ربك القرب
والعز) (19).
وعن سعيد بن المسيب أنه قال: ان جماعة دخلوا على النبي (ص)،
فقالوا: يا رسول الله من أعلم الناس؟ فقال: العاقل. فقالوا: فمن أعبد
الناس؟ قال (ص): العاقل. فقالوا: فمن أفضل الناس؟ قال: العاقل.
قالوا: أليس العاقل من تمت مروءته وظهرت فصاحته وجادت كفه وعظمت
منزلته؟ فقال النبي (ص): (ان كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا، والآخرة
عند ربك للمتقين، وان العاقل هو المتقي وإن كان في الدنيا خسيسا دنيا) (20).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما العاقل من آمن بالله، وصدق
رسله، وعمل بطاعته).
ويشبه أن يكون الاسم في أصل اللغة لتلك الغريزة وكذا في الاستعمال،
وإنما أطلق على العلوم من حيث إنها ثمرتها، كما يعرف الشجر بثمرته،

(17) قيل: رواه الحكيم الترمذي في النوادر بسند ضعيف عن عدة
من الصحابة. وله أسانيد كثيرة من طريق أصحابنا كما سيأتي بعضها.
(18) وقريب منه حكي عن حلية الأولياء لأبي نعيم، والرسالة المعراجية
ص 15، والصراط المستقيم للشيخ الرئيس والمحقق الداماد.
(19) قيل: رواه ابن المحبر في (العقل) والترمذي في (النوادر).
(20) قيل: رواه مع التالي داود بن المحبر في كتاب العقل.
175

فيقال: (العلم هو الخشية، والعالم من يخشى الله تعالى). فان الخشية
ثمرة العلم، فيكون كالمجاز لغير تلك الغريزة، ولكن ليس الغرض البحث
عن اللغة، والمقصود ان هذه الأقسام الأربعة موجودة، والاسم يطلق على
جميعها، ولا خلاف في وجود جميعها الا في القسم الأول، والصواب
وجوده، بل هو الأصل، وهذه العلوم كأنها مضمنة في تلك الغريزة بالفطرة
ولكن تظهر للوجود إذا جرى سبب يخرجها إلى الوجود، حتى كأن هذه
العلوم ليست شيئا واردا عليها من خارج، وكأنها كانت مستكنة فيها فظهرت.
ومثال ذلك الماء في الأرض، فإنه يظهر بحفر القناة، ويجتمع ويتميز
بالحس، لا بأن يساق إليه شئ جديد، وكذلك الدهن في اللوز، وماء
الورد في الورد، ولذلك قال الله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من
ظهورهم ذريتهم واشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) (21) فالمراد
به إقرار نفوسهم لا اقرار الألسنة، فإنهم انقسموا في اقرار الألسنة حيث
وجدت الألسنة والأشخاص، ولذلك قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلقهم
ليقولن الله) (22) ومعناه: ان اعتبرت أحوالهم شهدت بذلك نفوسهم وبواطنهم
(فطرة الله التي فطر الناس عليها) أي كل آدمي فطر على الايمان بالله
تعالى، بل على معرفة الأشياء على ما هي عليه، أعني انها كالمضمنة فيها
لقرب استعدادها للادراك.
ثم لما كان الايمان مركوزا في النفوس بالفطرة، انقسم الناس إلى من
أعرض فنسي وهم الكفار، والى من أجال خاطره فتذكر، فكان كمن حمل
شهادة فنسيها بغفلة ثم تذكرها، ولذلك قال تعالى:) لعلهم يتذكرون) (23)

(21) الآية (172) من سورة الأعراف.
(22) الآية (87) من سورة الزخرف.
(23) الآية (221) من سورة البقرة، و (25) من سورة إبراهيم
والآية (43، 46، 51) من سورة القصص.
176

وقال: (وليتذكر أولو الألباب) (24) وقال: (واذكروا نعمة الله عليكم
وميثاقه الذي واثقكم به) (25) وقال: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل
من مدكر) (26).
وتسمية هذا تذكرا ليس ببعيد، وكأن التذكر ضربان: أحدهما أن
يذكر صورة كانت حاضرة الوجود في قلبه ولكن غابت بعد الوجود، والآخر
أن يكون عن صورة كانت مضمنة فيه بالفطرة.
وهذه حقائق ظاهرة للناظر بنور البصيرة، ثقيلة على من مستروحه
السماع والتقليد، دون الكشف والعيان، ولذلك تراه يتخبط في مثل هذه
الآيات، ويتشعب ويتعسف في تأويل التذكر واقرار النفوس أنواعا من
التعسفات، ويتخايل إليه في الاخبار والآيات ضروب من المناقضات، وربما
يغلب ذلك عليه، حتى ينظر إليها بعين الاستحقار، ويعتقد فيها التهافت،
ومثاله مثال الأعمى الذي يدخل دارا فيعثر فيها بالأواني المصفوفة في الدار
فيقول: ما لهذه الأواني لا ترفع من الطريق وترد إلى مواضعها؟! فيقال له:
انها في مواضعها وإنما الخلل في بصرك، فكذلك خلل البصيرة يجري هذا
المجرى وأعظم منه وأطم، إذ النفس كالفارس والبدن كالفرس، وعمى
الفارس أشد من عمى الفرس.
ولمشابهة بصيرة الباطن بالبصر الظاهر قال الله تعالى: (ما كذب الفؤاد
ما رأى) (27) وقال تعالى: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات

(24) الآية (29) من سورة صاد.
(25) الآية السابعة من سورة المائدة.
(26) الآية (17، و 22، و 32، و 40 من سورة القمر.
(27) الآية الحادية عشرة من سورة النجم.
177

والأرض) (28) وسمى ضده عمى، فقال: (فإنها لا تعمى الابصار ولكن
تعمى القلوب التي في الصدور) (29) وقال تعالى: (ومن كان في هذه
أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) (30).
وهذه الأمور التي كشفت للأنبياء صلوات الله عليهم بعضها كان بالبصر
وبعضها كان بالبصيرة، وسمي جميعها رؤية.
وبالجملة من لم يكن بصيرته الباطنة ثاقبة لم يعلق به من الدين الا
قشوره، وأمثلته دون لبابه وحقائقه، فهذه أقسام ما يطلق عليه اسم العقل.
في بيان تفاوت الناس في العقل
قد اختلف الناس في معنى تفاوت العقل، ولا معنى للاشتغال بنقل كلام
من قل تحصيله، بل الأولى المبادرة إلى التصريح بالحق، والحق الصريح
فيه أن التفاوت يتطرق إلى الأقسام الأربعة سوى القسم الثاني، وهو العلم
الضروري بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، فان من عرف أن الاثنين
أكثر من الواحد عرف أيضا استحالة كون الشخص الواحد في مكانين، وكون
الشئ الواحد قديما حادثا، وكذلك سائر النظائر، وكل من يدركه فإنه
يدركه ادراكا محققا من غير شك.
وأما الأقسام الثلاثة فالتفاوت يتطرق إليها: أما القسم الرابع - وهو
انتهاء القوة الغريزية إلى حد تستولي على قمع الشهوات - فلا يخفى تفاوت
الناس فيه، بل لا يخفى تفاوت أحوال الشخص الواحد، وهذا التفاوت

(28) الآية (75) من سورة الأنعام: 6.
(29) الآية (46) من سورة الحج. (30) الآية) 72 (من سورة بني إسرائيل.
178

تارة يكون لتفاوت الشهوة، إذ قد يقدر العاقل على ترك بعض الشهوات
دون بعض، ولكن غير مقصور عليه، فان الشاب قد يعجز عن ترك الزنى،
فإذا كبر وتم عقله قدر عليه، وشهوة الرياء والرئاسة تزداد قوة بالكبر
لا ضعفا، وقد يكون سببه التفاوت في العلم المعرف لغائلة تلك الشهوة،
ولهذا يقدر الطبيب على الاحتماء عن بعض الأطعمة المضرة، وقد لا يقدر
من يساويه في العقل إذا لم يكن طبيبا وإن كان يعتقد فيها مضرة في الجملة،
ولكن إذا كان علم الطبيب أتم كان خوفه أشد، فيكون الخوف جندا
للعقل، وعدة في قمع الشهوة وكسرها، وكذلك يكون العالم أقدر على
ترك المعاصي من العامي، لقوة علمه بضرر المعاصي، وأعني به العالم
الحقيقي دون أرباب الطيالسة وأصحاب الهذيان، فإن كان التفاوت من جهة
الشهوة لم يرجع إلى تفاوت العقل، وإن كان من جهة العلم فقد سمينا هذا
الضرب من العلم عقلا، فإنه يقوي غريزة العقل، فيكون التفاوت فيما
رجعت التسمية إليه، وقد يكون بمجرد التفاوت في غريزة العقل، فإنها إذا
قويت كان قمعها للشهوة لا محالة أشد.
وأما القسم الثالث - وهو علوم التجارب - فتفاوت الناس فيها لا ينكر،
فإنهم يتفاوتون بكثرة الإصابة وبسرعة الادراك، ويكون السبب في ذلك
اما تفاوتا في الغريزة، واما تفاوتا في الممارسة، أما الأول - أعني الغريزة -
فهو الأصل، فالتفاوت فيه لا سبيل إلى انكاره، فإنه مثل نور يشرق على
النفس، ويطلع صبحه ومبادئ اشراقه عند سن التمييز، ثم لا يزال ينمو
ويزداد نموا خفي التدريج إلى أن يتكامل بقرب الأربعين سنة، ومثاله نور
الصبح، فان أوائله تخفى خفاءا يشق ادراكه، ثم يتدرج إلى الزيادة إلى
أن يتكامل بطلوع قرص الشمس، وتفاوت نور البصيرة كتفاوت نور الشمس
فالفرق يدرك بين الأعمش وبين الحاد البصر، بل سنة الله جارية في جميع
179

خلقه بالتدريج في الايجاد، حتى أن غريزة الشهوة لا ترتكز في الصبي عند
البلوغ دفعة وبغتة واحدة، بل تظهر شيئا فشيئا على التدريج، وكذا جميع
القوى والصفات. ومن أنكر تفاوت الناس في هذه الغريزة فكأنه منخلع
عن ربقة العقل.
ومن ظن أن عقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل عقل آحاد السواد
وأجلاف البوادي فهو أخس في نفسه من آحاد السواد، وكيف ينكر تفاوت
الغريزة، ولولاه لما اختلف الناس فلي فهم العلوم، ولما انقسموا إلى بليد
لا يفهم بالتفهيم الا بعد تعب طويل من المعلم، والى ذكي يفهم بأدنى رمز
وإشارة، والى كامل ينبعث من نفسه حقائق الأمور من دون تعليم (يكاد)
زيتها يضئ ولو لم تمسه نار، نور على نور) وذلك مثل الأنبياء عليهم
السلام، إذ يتضح لهم في باطنهم أمور غامضة من غير تعلم وسماع، ويعبر
عن ذلك بالالهام، وعن مثله عبر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال:
(ان روح القدس نفث في روعي: احبب ما أحببت فإنك مفارقة، وعش
ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك تلاقيه) (31).
وهذا النمط من تعريف الملائكة للأنبياء عليهم السلام يخالف الوحي
الصريح الذي هو سماع للصوت بحاسة الاذن، ومشاهدة الملك بحاسة
البصر، ولذلك اخبر عن هذا بالنفث في الروع.
وانقسام الناس إلى من يتنبه من نفسه ويفهم، والى من لا يفهم الا بتنبيه
وتعليم، والى من لا ينفعه التعلم أيضا ولا التعليم، كانقسام الأرض إلى

(31) وفى بعض النسخ: (فإنك مجزي به) وهذا الحديث مروي
من طريقنا - وليس ببالي الان موضع ذكره - ومن طريق العامة حكي عن
الشيرازي في الألقاب من حديث سهل بن سعد، وعن الطبراني في الأوسط
والأصغر من حديث علي عليه السلام.
180

ما يجتمع فيه الماء ويقوى فينفجر بنفسه عيونا والى ما يحتاج إلى الحفر ليخرج
إلى القنوات، والى ما لا ينفع فيه الحفر وهو اليابس، وذلك لاختلاف جواهر
الأرض في صفاتها، فكذلك اختلاف النفوس في غريزة العقل.
ويدل على تفاوت العقل من جهة النقل ما روي: ان ابن سلام سأل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل في آخره وصف عظم العرش
وان الملائكة قالت: يا ربنا هل خلقت شيئا أعظم من العرش؟ قال: نعم
العقل. قالوا: وما بلغ من قدره؟ قال: هيهات لا يحاط بعلمه، هل لكم
علم بعدد الرمل؟ قالوا: لا. قال: فاني خلقت العقل أصنافا شتى كعدد
الرمل، فمن الناس من أعطي حبة، ومنهم من أعطي حبتين، ومنهم الثلاث
والأربع، ومنهم من أعطي فرقا، ومنهم من أعطي وسقا (32) ومنهم أكثر
من ذلك.
فان قلت: فما بال أقوام يذمون العقل والمعقول؟
فاعلم أن السبب في ذلك ان الناس نقلوا اسم العقل والمعقول إلى
المجادلة والمناظرة بالمناقضات والالزامات وهي صنعة الكلام، فلم يقدروا
على أن يقرروا عندهم انكم أخطأتم في التسمية، إذ كان ذلك لا ينمحي عن
قلوبهم بعد تداول الألسنة، فذموا العقل والمعقول [أعني] المسمى به
عندهم، فأما نور البصيرة الباطنة التي بها يعرف الله تعالى ويعرف صدق
رسله، فكيف يتصور ذمه، وقد أثنى الله عليه، فان ذم ذلك فما الذي
يحمد؟ فإن كان المحمود هو الشرع فبم علم صحة الشرع؟ فان علم
بالعقل المذموم الذي لا يوثق به فيكون الشرع أيضا مذموما، ولا يلتفت إلى
قول من يقول: (انه يدرك بعين اليقين ونور الايمان لا بالعقل)، فانا نريد
بالعقل ما يريده هو بعين اليقين ونور الايمان، وهي الصفة الباطنة التي

(32) الفرق: القسم من الشئ. والوسق: مكيال يكال به.
181

يتميز بها الادمي عن البهائم حتى أدرك بها حقائق الأمور، وأكثر هذه
التخبطات إنما ثارت من جهل أقوام طلبوا الحقائق من الألفاظ، فتخبطوا
تخبط اصطلاحات الناس في الألفاظ، وهذا القدر كاف في بيان العقل.
(المقام الثاني):
في بيان شرف العقل وماله من القدر والمنزلة.
وليعلم ان هذا لا يحتاج إلى تكلف الاستدلال، إذ العقل منبع الخيرات
ومما حظي به جميع الناس في معاشهم ومعادهم، وشرفه فطري لكافة العقلاء
وقدره مدرك بالضرورة، وإنما المقصود هنا ايراد قبس من بيانات المعصومين
صلوات الله عليهم حول عظمة العقل، ورفيع منزلته، ليزداد العقلاء ايمانا
على ايمانهم، واما الذين في قلوبهم ومشاعرهم مرض فلا يزيدهم الا خسارا.
فنقول:
روى في المحجة البيضاء: ج 1، ص 170، عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال: (يا أيها الناس اعقلوا عن ربكم وتواصوا بالعقل تعرفوا به ما أمركم
به ونهيتم عنه، واعلموا انه مجدكم عند ربكم، واعلموا ان العاقل
من أطاع الله وإن كان دميم المنظر، حقير الخطر، دني المنزلة، رث الهيئة
وان الجاهل من عصى الله وإن كان جميل المنظر، عظيم الخطر، شريف المنزلة
حسن الهيئة، فصوحا نطوقا، فالقرد والخنازير أعقل عند الله عز وجل
ممن عصاه، ولا تغتروا بتعظيم أهل الدنيا إياكم فإنكم من الخاسرين) (33).
وهذا الخبر - وإن كان من طريق العامة - الا ان صدره موافق
لروايات أصحابنا كما يعلم مما سيأتي.

(33) قيل: أخرجه الخليلي في مشيخته، وابن النجار عن أبي رافع كما
في الجامع الصغير باب الشين. وقال العراقي: أخرجه ابن حبان في الضعفاء
من حديث ابن عمر، وأبو منصور الديلمي من حديث أبي رافع.
182

وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، ان النبي صلى الله عليه وآله
قال: لكل شئ دعامة ودعامة المؤمن عقله، فبقدر عقله تكون عبادته، اما
سمعتم قول الفجار: (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) (34).
وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
جد الملائكة واجتهدوا في طاعة الله بالعقل، وجد المؤمنون من بني آدم
على قدر عقولهم، فاعملهم بطاعة الله أوفرهم عقلا (35).
وعن ابن عباس (ره) قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
لكل شئ آلة وعدة وان آلة المؤمن وعدته العقل، ولكل شئ مطية ومطية
المرء العقل، ولكل شئ دعامة ودعامة الدين العقل، ولكل قوم غاية وغاية
العباد العقل، ولكل قوم راع وراعي العابدين العقل، ولكل تاجر بضاعة
وبضاعة المجتهدين العقل، ولكل أهل بيت قيم وقيم بيوت الصديقين العقل
ولكل خراب عمارة وعمارة الآخرة العقل، ولكل امرئ عقب ينسب إليه
ويذكر به، وعقب الصديقين الذين ينسبون إليه ويذكرون به العقل، ولكل
سفر فسطاط وفسطاط المؤمنين العقل (36).
وفي الحديث (22) من الباب الأول من كتاب العقل من البحار: 1،
ص 91، ط الحديث، عن البرقي في المحاسن، عن بعض أصحابنا رفعه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما قسم الله للعباد شيئا
أفضل من العقل، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، وافطار العاقل أفضل
من صوم الجاهل، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل، ولا بعث الله

(34) الآية (10) من سورة الملك.
(35) قال العراقي: أخرجه داود بن المحبر، ورواه البغوي في معجم الصحابة
من ابن عازب رجل من الصحابة غير البراء، وهو بالسند الذي رواه ابن المحبر.
(36) سيجئ قريب منه في روايات أصحابنا فانتظر.
183

رسولا ولا نبيا حتى يستكمل العقل، ويكون عقله أفضل من عقول جميع أمته
وما يضمر النبي في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين، وما أدى العاقل
فرائض الله حتى عقل منه، وما بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ
العاقل، ان العقلاء هم أولو الألباب الذين قال الله عز وجل: (إنما
يتذكر أولوا الألباب) (37).
ورواه أيضا في الحديث الحادي عشر من الباب الأول من كتاب العقل
من الكافي: ج 1، ص 13.
وفي الحديث (19) من الباب ص 94، نقلا عن روضة الواعظين
قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قوام المرء عقله، ولا دين لمن
لا عقل له.
وفي الحديث (34) من الباب ص 95، نقلا عن كنز الفوائد قال: قال
النبي صلى الله عليه وآله: لكل شئ آلة وعدة وآلة المؤمن وعدته العقل
ولكل شئ مطية ومطية المرء العقل، ولكل شئ غاية وغاية العبادة العقل
ولكل قوم راع وراعي العابدين العقل، ولكل تاجر بضاعة وبضاعة المجتهدين
العقل، ولكل خراب عمارة وعمارة الآخرة العقل، ولكل سفر فسطاط يلجأون
إليه وفسطاط المسلمين العقل.
وفي الحديث (41) من الباب ص 96، عنه صلى الله عليه وآله:
استرشدوا العقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا.
وفي الحديث (42) عنه صلى الله عليه وآله: سيد الاعمال في
الدارين العقل، ولكل شئ دعامة ودعامة المؤمن عقله، فبقدر عقله تكون
عبادته لربه، وقريب من ذيله في كتاب (أدب الدنيا والدين).

(37) الآية (19) من سورة الرعد: 13. والآية التاسعة من سورة الزمر:
39. وفي معناهما آيات اخر في غير واحد من السور.
184

وفي الحديث (39) من الباب الرابع من البحار: ج 1، ص 160،
نقلا عن كنز الفوائد عنه (ص) أنه قال: ان العاقل من أطاع الله وإن كان
ذميم المنظر، حقير الخطر، وان الجاهل من عصى الله وإن كان جميل
المنظر عظيم الخطر أفضل الناس أعقل الناس.
وفي أوائل الحديث الأول - وهو وصايا النبي لعلي عليهما السلام -
من باب النوادر من كتاب من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 267، ط النجف:
قال صلى الله عليه وآله العقل ما اكتسب به الجنة، وطلب به رضى الرحمان (38)
يا علي ان أول خلق خلقه الله عز وجل العقل، فقال له: أقبل، فأقبل، ثم
قال له: ادبر، فأدبر، فقال الله: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب
إلي منك، بك آخذ، وبك أعطي، وبك أثيب، وبك أعاقب - الخ.
ومن قوله: (أقبل فأقبل) إلى آخره مذكور في الحديث الأول من
الكافي أيضا.
وقريب منه تحت الرقم (16) من كتاب العلم والأدب: (6) من
العقد الفريد: 1، ص 279 ط 2.
وأيضا قريب من ذيله في الباب الرابع من الجزء الثاني من كتاب الملاحم
والفتن ص 85. وكذلك في الحديث (13) من الباب الأول من كتاب
العقل من البحار: 1، ص 92، عن محاسن البرقي، في الباب الثاني من

(38) لعل تعريفه (ص) العقل بخواصه ولوازمه - دون بيان حقيقته
وماهيته - إشارة إلى أن العلم والعرفان بحقيقته وكنهه غير ممكن، أو إشارة
إلى أن المهم والمعتنى به هو العلم بحصول لوازمه وخواصه من السعي في
مرضاة الله، واكتساب الجنة، ومجاورة أولياء الله، كما في قوله تعالى: (يسألونك
ماذا ينفقون. وقل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين) الخ والعقل - هنا -
يشمل النظري والعملي لان رضى الرحمن واكتساب الجنان يحتاج اليهما معا.
185

كتاب العقل من البحار: 1، ص 96 وما بعدها شواهد كثيرة لذلك.
وفي الحديث الثامن عشر من الباب الرابع من كتاب العقل من البحار:
ج 1، ص 131، عن روضة الواعظين وغوالي اللآلي عن النبي صلى الله
عليه وآله قال: رأس العقل بعد الايمان بالله التحبب إلى الناس.
ومثله في الحديث السابع عشر. وفي الحديث (20) من الباب:
روي أنه قيل للنبي (ص): ما العقل؟ قال: العمل بطاعة الله، وان العمال
بطاعة الله هم العقلاء.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: أكمل الناس عقلا أطوعهم لله وأعملهم
بطاعته، وأنقص الناس عقلا أطوعهم للشيطان وأعملهم بطاعته.
رواه - مع زيادة شاهدة لما تقدم أيضا - في ترجمة محمد بن وهب
القرشي من تاريخ ابن عساكر: ج 53 ص 362.
وروى الماوردي في باب فضل العقل من كتاب (أدب الدنيا والدين)
ص 4 أنه قال (ص): ما اكتسب المرء مثل عقل يهدي صاحبه إلى هدى،
ويرده عن ردى. وفيه ص 6 عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: العقل نور
في القلب يفرق به بين الحق والباطل. وفيه ص 9 عن أنس بن مالك،
قال أثني على رجل عند رسول الله (ص) بخير، فقال: كيف عقله. قالوا:
يا رسول الله ان من عبادته، ان من خلقه ان من فضله، ان من أدبه. فقال:
كيف عقله. قالوا: يا رسول الله نثني عليه بالعبادة وأصناف الخير، وتسألنا
عن عقله. فقال (ص): ان الأحمق العابد يصيب بجهله أعظم من فجور
الفاجر، وإنما يقرب الناس من ربهم بالزلف، على قدر عقولهم.
وفي الحديث الثامن من باب العقل من البحار: ج 1، 86، عن
الصدوق (ره) في الخصال والأمالي معنعنا عن أمير المؤمنين (ع) قال:
هبط جبرئيل على آدم عليه السلام فقال: يا آدم اني أمرت ان أخيرك
186

واحدة من ثلاث، فاختر واحدة ودع اثنتين. فقال آدم: وما الثلاث
يا جبرئيل؟ فقال: العقل والحياء والدين. قال آدم: فاني قد اخترت
العقل (39) فقال جبرئيل للحياء والدين انصرفا ودعاه. فقالا: يا جبرئيل
انا أمرنا أن نكون مع العقل حيثما كان (40). قال فشأنكما.
ورواه في الحديث الثاني من الباب الأول من كتاب العقل من الكافي
عنه (ع) معنعنا.
وفي الحديث (31) من الباب الرابع من كتاب العقل من البحار:
ج 1، ص 159، نقلا عن الدرة الباهرة، قال: قال أمير المؤمنين (ع):
العاقل من رفض الباطل.
وفي المختار (235) من قصار نهج البلاغة: قيل له (ع): صف
لنا العاقل. فقال: هو الذي يضع الشئ مواضعه. قيل له: فصف لنا
الجاهل. قال: قد فعلت - أي ان الجاهل هو الذي يضع الشئ في غير
مواضعه.
وفي الحديث الأخير - وما قبله - من الباب الرابع من البحار:
ج 1، ص 161، نقلا عن كنز الفوائد قال: قال (ع): عجبا للعاقل كيف
ينظر إلى شهوة يعقبه النظر إليها حسرة.

(39) قيل المراد بالعقل - هنا - لطيفة ربانية يدرك بها الانسان حقيقة
الأشياء، ويميز بها بين الخير والشر، والحق والباطل، وبها يعرف ما يتعلق
بالمبدأ والمعاد، وله مراتب بحسب الشدة والضعف. والحياء غريزة مانعة
من ارتكاب القبائح، ومن التقصير في حقوق الحق والخلق. والدين: ما به
صلاح الناس ورقيهم في المعاش والمعاد من غرائز خلقية، وقوانين وضعية.
(40) قيل: لعل المراد بالامر هو التكويني دون التشريعي، وهو استلزام
العقل وتبعيته للحياء والدين
187

وقال (ع): همة العقل ترك الذنوب واصلاح العيوب.
وقال (ع): زينة الرجل عقله.
وفي المختار (424) من قصار النهج: الحلم غطاء ساتر، والعقل
حسام باتر، فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك.
وفي الحديث الثالث عشر من باب العقل من الكافي: ج 1، ص 20
معنعنا عنه (ع): العقل الغطاء الستير (41) والفضل جمال ظاهر، فاستر
خلل خلقك بفضلك، وقاتل هواك بعقلك، تسلم لك المودة، وتظهر لك
المحبة.
وفي الحديث (34) من الباب ص 28 معنعنا عنه (ع) قال: بالعقل
استخرج غور الحكمة (42)، وبالحكمة استخرج غور العقل، بحسن
السياسة يكون الأدب الصالح.
وفي الحديث السادس من الباب (104) من أبواب أحكام العشرة
من مستدرك الوسائل ج 2 ص 92، عن كفاية الأثر معنعنا قال: مرض علي
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام في مرضه الذي توفي فيه،
فجمع أولاده - محمدا عليه السلام، والحسن وعبد الله، وعمر، وزيد،
والحسين - وأوصى إلى ابنه محمد، وجعل أمرهم إليه، وكان فيما وعظه
في وصيته أن قال: يا بني ان العقل رائد الروح، والعلم رائد العقل،
والعقل ترجمان العلم. واعلم أن العلم أبقى، واللسان أكثر هذرا. واعلم
يا بني أن صلاح الدنيا بحذافيرها في كلمتين: اصلاح شأن المعائش ملء
مكيال ثلثاه فطنة، وثلثه تغافل، لأن الانسان لا يتغافل الا عن شئ قد
عرفه وفطن له - الخبر.

(41) الستير فعيل بمعنى فاعل، ولعله إنما عبر به (ع) للمبالغة.
(42) غور الحكمة: قعرها وغور العقل: نهاية ما في كمونه من الاستعداد.
188

وفي الحديث السادس عشر من الباب الأول من كتاب العقل والجهل
من البحار: ج 1، ص 89 ط الحديث بطهران، عن الصدوق (ره) في
علل الشرائع عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: ما خلق الله عز وجل
شيئا أبغض إليه من الأحمق، (43) لأنه سلبه أحب الأشياء إليه، وهو عقله.
وفي الحديث السابع عشر من الباب نقلا عن العلل معنعنا عنه (ع)
قال: دعامة الانسان العقل، ومن العقل الفطنة والفهم والحفظ والعلم، فإذا
كان تأييد عقله من النور كان عالما حافظا زكيا فطنا فهما، وبالعقل يكمل،
وهو دليله ومبصره ومفتاح أمره.
قال المجلسي الوجيه (ره): لما كان النور سببا لظهور المحسوسات
يطلق على كل ما يصير سببا لظهور الأشياء على الحس أو العقل: فيطلق
على العلم، وعلى أرواح الأئمة عليهم السلام، وعلى رحمة الله سبحانه
وتعالى، وعلى ما يلقيه في قلوب العارفين من صفاء وجلاء به يظهر عليهم
حقائق الحكم، ودقائق الأمور، وعلى الرب تبارك وتعالى لأنه نور الأنوار
ومنه يظهر جميع الأشياء في الوجود العيني والانكشاف العلمي، وهنا
يحتمل الجميع.
وفي الحديث (20) من الباب ص 94، نقلا عن الاختصاص قال:
قال الإمام الصادق عليه السلام: إذا أراد الله أن يزيل من عبد نعمة كان
أول ما يغير منه عقله.
وفي الحديث الثالث من ا لباب الأول من كتاب العقل من الكافي: ج 1،

(43) قال بعض الأكابر: المراد من البغض - هنا على ما يظهر من تعليله
عليه السلام - هو منعه مما من شأن الانسان أن يتلبس به، وهو العقل الذي
هو أحب الأشياء إلى الله، لنقص في خلقته، فهو بغض تكويني بمعنى التبعيد
والحرمان من مزايا الخلقة، لا بعض تشريعي بمعنى تبعيده من المغفرة والجنة.
189

ص 11، - والحديث الثامن من الباب الرابع من كتاب العقل من البحار:
1، 116، عن المحاسن ومعاني الأخبار - معنعنا عن الإمام الصادق (ع)
قال: العقل ما عبد به الرحمان، واكتسب به الجنان. قال السائل: فالذي
في معاوية. قال: تلك النكراء وتلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل،
وليست بعقل.
وفي الحديث (22) من كتاب العقل من أصول الكافي: ج 1، ص
25، معنعنا عنه (ع) قال: حجة الله على العباد النبي، والحجة فيما بين
العباد وبين الله العقل.
وفي الحديث (24) من الباب معنعنا عنه (ع) قال: العقل دليل
المؤمن.
وفي الحديث (33) من كتاب العقل من الكافي ص 28 معنعنا عنه
عليه السلام قال: ليس بين الايمان والكفر الا قلة العقل - الخ.
وفي الحديث ما قبل الأخير من كتاب العقل من الكافي ص 29 معنعنا
عن الحسن بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل: ان
أول الأمور ومبدأها وقوتها وعمارتها التي لا ينتفع شئ الا به العقل الذي
جعله الله زينة لخلقه ونورا لهم، فبالعقل عرف العباد خالقهم وأنهم مخلوقون
وأنه المدبر لهم وأنهم المدبرون، وانه الباقي وهم الفانون، واستدلوا
بعقولهم على ما رأوا من خلقه ومن سمائه وأرضه وشمسه وقمره وليله ونهاره
بأن له ولهم خالقا ومدبرا لم يزل ولا يزول، وعرفوا به الحسن من القبيح،
وأن الظلمة في الجهل، وان النور في العلم، فهذا ما دلهم عليه العقل. قيل
له: فهل يكتفي العباد بالعقل دون غيره؟ قال: ان العاقل لدلالة عقله الذي
جعله الله قوامه وزينته وهدايته علم أن الله هو الحق، وأنه هو ربه، وعلم
أن لخالقه محبة، وأن له كراهة، وأن له طاعة، وأن له معصية، فلم يجد
190

[الا ان ظ] عقله يدله على ذلك، وعلم أنه لا يوصل إليه الا بالعلم وطلبه،
وانه لا ينتفع بعقله ان لم يصب ذلك بعلمه، فوجب على العاقل طلب العلم
والأدب الذي لأقوام له الا به.
وأما ما ورد عن الإمام الكاظم (ع) في العقل والعقلاء، فيكفي
وصاياه (ع) لهشام بن الحكم (ره)، فارجع إليها فإنه [ع] يمثل فيها
العقل ويكبره بحيث يخيل إلى القارئ والمستمع انه لا مخلوق لله الا العقل،
ومن جملة ما قال (ع) فيها: (يا هشام ان لله على الناس حجتين: حجة
ظاهرة، وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام،
وأما الباطنة فالعقول) - الخ.
وفي الحديث (32) من كتاب العقل من الكافي ص 27، معنعنا عن
الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: ذكر عنده
أصحابنا وذكر العقل. فقال عليه السلام: لا يعبأ بأهل الدين ممن لا عقل
له. قلت: جعلت فداك ان ممن يصف هذا الامر قوما لا بأس بهم عندنا
وليست لهم تلك العقول. فقال: ليس هؤلاء ممن خاطب الله، ان الله خلق
العقل فقال له: أقبل فأقبل، وقال له: أدبر فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي
ما خلقت شيئا أحسن منك، أو أحب إلي منك، بك آخذ وبك أعطي.
ولنختم الكلام بما رواه في الحديث الثامن عشر من الباب الثاني من
البحار: ج 1، ص 94، عن روضة الواعظين عن حبر الأمة عبد الله بن
عباس (ره) قال: أساس الدين بني على العقل، وفرضت الفرائض على
العقل، وربنا يعرف بالعقل، ويتوسل إليه بالعقل، والعاقل أقرب إلى ربه
من جميع المجتهدين بغير عقل، ولمثقال ذرة من بر العاقل أفضل من جهاد
الجاهل ألف عام.
191

(المقام الثالث):
في الاخبار التي وردت على نسق قوله (ع): (يا بني لا فقر أشد
من الجهل).
وفي الحديث (25) من كتاب العقل والجهل من الكافي: 1، ص
25 معنعنا عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: يا علي لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل.
وفي أواخر وصايا النبي (ص) لعلي (ع) على ما رواها الصدوق
(ره) في الحديث الأول من باب نوادر الفقيه ج 4 ص 269 ط النجف:
يا علي لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش
من العجب، ولا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف عن محارم الله تعالى، ولا
حسن كحسن الخلق، ولا عبادة مثل التفكر - الخ.
وفي الحديث (34) من الباب الأول من كتاب العقل من البحار:
ج 1، ص 32، نقلا عن الاختصاص عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:
لا مال أعود من العقل، ولا مصيبة أعظم من الجهل، ولا مظاهرة أوثق من
المشاورة، ولا ورع كالكف من المحارم، ولا عبادة كالتفكر، ولا قائد
خير من التوفيق، ولا قرين خير من حسن الخلق، ولا ميراث خير من
الأدب.
وعن العلامة الكراجكي (ره) في كنز الفوائد عنه (ع): لا عدة
أنفع من العقل، ولا عدو أضر من الجهل.
وفي المختار (38) من قصار نهج البلاغة، ورواه أيضا جماعة: ان
أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العج، وأكرم
الحسب حسن الخلق - الخ.
192

وفي المختار (54) من قصار النهج أيضا: لا غني كالعقل، ولا فقر
كالجهل، ولا ميراث كالأدب، ولا ظهير كالمشاورة.
وأيضا في المختار (113) من قصار النهج: لا مال أعود من العقل،
ولا حدة أوحش من العجب، ولا عقل كالتدبير، ولا كرم كالتقوى، ولا
قرين كحسن الخلق، ولا ميراث كالأدب، ولا قائد كالتوفيق، ولا تجارة
كالعمل الصالح، ولا ربح كالثواب، ولا ورع كالوقوف عند الشبهة،
ولا زهد كالزهد في الحرام، ولا علم كالتفكر، ولا عبادة كأداء الفرائض،
ولا ايمان كالحياء والصبر، ولا حسب كالتواضع، ولا شرف كالعلم، ولا عز
كالحلم، ولا مظاهر أوثق من المشاورة.
وفي الحديث الأخير من كتاب العقل من الكافي: ج 1، ص 29 معنعنا
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لا غناء أخصب من العقل، ولا فقر
أحط من الحمق، ولا استظهار في أمر بأكثر من المشورة فيه.
وروي الشيخ المفيد (ره) في كتاب الاختصاص 246، ط 2، عنه
عليه السلام أنه قال: لامال أعود من العقل، ولا مصيبة أعظم من الجهل
ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا ورع كالكف، ولا عبادة كالتفكر،
ولا قائد خير من التوفيق، ولا قرين خير من حسن الخلق، ولا ميراث
خير من الأدب.
وروى الشيخ الطوسي (ره) في الأمالي معنعنا عن أبي فرات قال:
قرأت في كتاب لوهب بن منبه وإذا مكتوب في صدر الكتاب: هذا ما
وضعت الحكماء في كتبها: الاجتهاد في عبادة الله اربح تجارة، ولا مال
أعود من العقل، ولا فقر أشد من الجهل، وأدب تستفيده خير من ميراث
وحسن الخلق خير رفيق، والتوفيق خير قائد، ولا ظهر أوثق من المشاورة
ولا وحشة أوحش من العجب، ولا يطمعن صاحب الكبر في حسن الثناء عليه.
193

(المقام الرابع): في ذكر ما ورد من الاخبار على مجرى قوله (ع):
(للمؤمن ثلاث ساعات) الخ.
روى الشيخ الصدوق (ره) في الباب (191): باب معنى تحية
المسجد، ومن كتاب معاني الأخبار، ص 332 ط طهران معنعنا عن أبي ذر
(ره) قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في المسجد
جالسا وحده، فاغتنمت خلوته، فقال لي: يا أبا ذر ان للمسجد تحية.
قلت: وما تحيته؟ قال: ركعتان تركعهما - وساق الرواية إلى أن قال -:
قلت: يا رسول الله كم أنزل الله تعالى من كتاب؟ قال: مأة كتاب وأربعة
كتب - إلى أن قال -: قلت: يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم؟
قال: كانت أمثالا كلها: (أيها الملك المبتلى المغرور اني لم أبعثك لتجمع
الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فاني
لا أردها وان كانت من كافر).
وعلى العاقل - ما لم يكن مغلوبا على عقله - أن يكون له ساعات:
ساعة يناجي فيها عز وجل، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيما
صنع الله تعالى، وساعة يخلو فيها بحظ حقه من الحلال، وان هذه الساعة
عون لتلك الساعات، واستجمام للقلوب وتفريغ لها (44).

(44) يقال: (جم القوم جموما): استراحوا. والفعل من باب فر
ومد، والمصدر على زنة سرور، وأيضا يقال: جم الماء: تجمع بكثرة. ويقال:
أجم الفرس - بصيغة المعلوم والمجهول -: ترك ولم يركب. ويقال: (أجمم
نفسك يوما أو يومين) اي أترك الحركة. ويقال: (اني لاستجم قلبي بشئ
من اللهو) أي أجعل قلبي فارغا ومتفكها بشئ من اللهو. والمراد من الساعة
في أمثال المقام: قطعة من الزمان: الليل أو النهار، لا الساعة المصطلحة المتعارفة
في عصرنا، وهو الجزء من أربع وعشرين جزءا من اليوم والليلة.
194

وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه
فإنه من حسب كلامه من عمله قل كلامه الا فيما يعنيه.
وعلى العاقل أن يكون طالبا لثلاث [لثلاثة خ]: مرمة لمعاش، وتزود
لمعاد، وتلذذ في غير محرم - إلى أن قال (ص) في آخر كلامه -: يا أبا ذر
لاعقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق.
وفي الحديث (23) من الباب الرابع من البحار: 1، ص 43 س
7 عكسا، وفي ط ص 131، عن روضة الواعظين عن أمير المؤمنين (ع)
عن النبي (ص) أنه قال: ينبغي للعاقل إذا كان عاقلا أن يكون له أربع
ساعات من النهار: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه،
وساعة يأتي أهل العلم الذين ينصرونه في أمر دينه وينصحونه، وساعة
يخلي بين نفسه ولذتها من امر الدنيا فيما يحل ويحمد.
وفي أوائل وصايا النبي (ص) لعلي (ع) على ما رواه الصدوق
(ره) في الحديث الأول من نوادر الفقيه ج 4 ص 257 ط النجف: يا علي
لا ينبغي للعاقل أن يكون ظاعنا الا في ثلاث: مرمة لمعاش، أو تزود لمعاد
أو لذة في غير محرم.
وفي الحديث الخامس من الباب (45) من البحار: 16، ص 56،
ط الكمباني عن محاسن البرقي معنعنا قال قال: أمير المؤمنين (ع) لابنه
الحسن (ع): ليس للعاقل أن يكون شاخصا الا في ثلاثة: مرمة لمعاش،
أو حظوة لمعاد، أو لذة في غير محرم.
وقريب منه في الحديث (20) من الباب الرابع من البحار: 1، ص
43 س 9 عكسا. ط الكمباني وفي ط ص 131، نقلا عن روضة الواعظين.
وفي الحديث الأول من الباب (45) من القسم الثاني من السادس
عشر من البحار ص 56 معنعنا عن الإمام الصادق (ع) قال: مكتوب في
195

حكمة آل داود عليه السلام: لا يظعن الرجل الا في ثلاث: زاد لمعاد، أو
مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم. - ثم قال (ع): من أحب الحياة
ذل. ورواه الصدوق (ره) في باب الثلاث من الخصال ص 59 معنعنا.
وقريب منه بسند آخر في الحديث السادس من الباب من البحار.
في الحديث (79) من باب النوادر من الفقيه ج 4 ص 298، عن
حماد بن عثمان عنه (ع) قال: في حكمة آل داود: ينبغي للعاقل أن يكون
مقبلا على شأنه، حافظا للسانه، عارفا بأهل زمانه.
وفي الحديث (49) من كلم الإمام الرضا (ع) في البحار: 17،
ص 208 ط الكمباني عن فقه الرضا عن العالم (ع): واجتهدوا أن يكون
زمانكم أربع ساعات: ساعة لله لمناجاته، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة
الاخوان الثقات والذين يعرفونكم عيوبكم، ويخلصون لكم في الباطن،
وساعة تخلون فيها للذاتكم (45)، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث الساعات،
لا تحدثوا أنفسكم بالفقر ولا بطول عمر ك فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل
ومن حدثها بطول العمر حرص، اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا باعطائها
ما تشتهي من الحلال وما لم يثلم المروءة ولا سرف فيه واستعينوا بذلك على
أمور الدنيا (46)، فإنه نروي (ليس منا من ترك دنياه لدينه أو دينه
لدنياه).
أقول: ورواه في المختار السابع من قصار كلم الإمام الكاظم (ع)
من تحف العقول ص 410، ط إيران، وص 307، ط النجف بمغايرة في
بعض الألفاظ.

(45) وفى تحف العقول: (وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم) الخ.
(46) وفى تحف العقول: (واستعينوا على أمور الدين، فإنه روي:
ليس منا من ترك) الخ.
196

(المقام الخامس):
فيما ورد عن الحكماء في العقل.
قال بعض حكماء العرب: العقل أمير، والعلم له نصير، والحلم له وزير.
قال بعض حكماء الهند: العقل حاكم امين، والعلم له قرين، والحلم
له خدين.
وقال بعض حكماء الفرس: العقل ملك الجوارح، والعلم له أخ صالح،
والحلم له أليف ناصح.
وقال بعض حكماء الروم: العقل مدبر آمر، والعلم له معاضد ناصر،
والحلم له منجد مؤازر.
وفي كتاب كليلة ودمنة: من غلب عقله هواه، نال مناه وأعطي رضاه.
وفي كتاب الأساس لبطليموس: العقل أصل، وقوام الأشياء بالفضل والعدل.
وروى الصولي عن بعضهم أنه قال: لولا العقول المضيئة، وخلائقها
الرضية لما كان التفاضل بين الحيوان، ولما فرق بين البهيمة والانسان.
كل ذلك نقله العلامة الكراجكي (ره) في كنز الفوائد ص 196.
وقال بعض حكماء الهند: ينبغي للعاقل ان يدع التماس مالا سبيل إليه
والا يعد جاهلا، كرجل أراد أن يجري السفن في البر والعجل في البحر،
وذلك مالا سبيل إليه.
وقال بعضهم: ظن العاقل كهانة.
وقالوا: العاقل يقي ماله بسلطانه، ونفسه بماله، ودينه بنفسه.
وقال الأحنف: أنا للعاقل المدبر، أرجى مني للأحمق المقبل.
وقال بعضم: العقل أفضل مرجو، والجهل أنكى عدو.
وقال بعض البلغاء: خير المواهب العقل، وشر المصائب الجهل.
197

ونقل ابن مسكويه (ره) في الحكمة الخالدة ص 68 وما بعدها عن بعض
حكماء الفرس كلاما وفيه: (وعلى العاقل محاسبة نفسه ومخاصمتها والقضاء
عليها والإبانة لها ثم التنكيل بها.
(أما المحاسبة) فيحاسبها بماله، فإنه لا مال له الا أيامه المعدودة التي
ما ذهب منها لم يستخلف النفقة، وما جعل منها في الباطل لم يرجع في الحق،
فيتنبه لهذه المحاسبة عند الحول إذا حال، والشهر إذا انقضى، واليوم إذا
ولى، فينظر فيما أفنى من ذلك وما كسب لنفسه وما اكتسب عليها في أمر
الدين وأمر الدنيا، بحساب فيه احصاء وجد وتذكير وتبكيت النفس وتذليل
لها حتى تعترف وتذعن.
(فأما الخصومة) فان من طباع النفس الامارة بالسوء أن تدعي فيما
مضى العذر، وفيما بقي الأماني، فيرد عليها معاذيرها وعللها وشبهاتها.
(فأما القضاء) فإنه يحكم فيما أرادت من ذلك على السيئة أنها سيئة،
والسيئة فاضحة مردية موبقة، وعلى الحسنة انها زائنة وانها مربحة منجية.
(وأما الإبانة والتفصيل)، فإنه يسر نفسه بتذكير تلك الحسنات
ويرجو عواقبها، ويأمل فضلها، ويعاتب نفسه على الحقيقة إذا تذكر السيئات
فاستبشعها واقشعر منها، فحزن على ما ارتكبه منها، وعلم أن أفضل ذوي
الألباب أكثرهم محاسبة لنفسه، وأقلهم فترة فيها.
(واما التنكيل بها) فإنه يعاقبها إذا عصته في بعض الأوقات بالزامها
ما يشق عليها من الصوم والطي والعبادات الثقيلة، والسعي الذي فيه طول
ومشقة إلى المواضع التي يشرفها الناس.
(وعلى العاقل) أن يذكر الموت في كل يوم وليلة مرارا، يباشر القلب
ويقدع [ويقزع خ] الطماح، فان في كثرة ذكر الموت عصمة من الأشر،
وأمانا من الهلع.
198

(وعلى العاقل) ان يحصي على نفسه مساوئها في الدين وفي الرأي وفي
الأدب، فيجمع ذلك كله في صدره أو في كتاب، ثم يكثر عرضها على نفسه
ويكلفها اصلاحه، ويوظف ذلك عليها من اصلاح الخلة أو الخلتين أو الخلال
في اليوم أو الجمعة أو الشهر، فكلما أصلح شيئا محاه، وكلما نظر إلى محو
استبشر، وكلما نظر إلى ثابت اكتأب.
(وعلى العاقل) أن يتفقد محاسن الناس ويحصيها ويصنع في توظيفها
على نفسه وتعهدها مثل الذي وصفنا في اصلاح المساوي.
(وعلى العاقل) ان لا يخادن ولا يصاحب ولا يجاور من الناس - ما
استطاع - الا ذا فضل في الدين والعلم والأخلاق ليأخذ عنه، أو موافقا له
على اصلاح ذلك فيأخذ [فيؤيد خ ل [ما عنده وان لم يكن له عليه فضل
فان الخصال الصالحة في المرء لا تحيا ولا تنمى الا بالموافقين والمؤيدين،
وليس لذي الفضل قريب ولا حميم هو أقرب إليه ممن وافقه على صالح
الاعمال فزاده أوثبته، ولذلك قال بعض الأولين: (ان صحبة بليد نشأ مع
العلماء أحب إلي من صحبة لبيب ذكي نشأ مع الجهال).
(وعلى العاقل) (ان لا يحزن على شئ من الدنيا تولى، وان ينزل ما أصاب
من الدنيا ثم انقطع عنه بمنزلة ما لم يصب، ولا يدع حظه من السرور بما أقبل
منها من غير أن يبلغ به ذلك سكرا أو طغيانا، فان مع السكر طغيان، ومع
الطغيان التهاون، ومن نسي وتهاون فقد خسر خسرانا مبينا.
(وعلى العاقل) ان يؤنس ذوي الألباب بنفسه، ويجعلهم خزنة وحراسا
على أفعاله، ثم على سمعه وبصره ورأيه، ويستنيم إلى ذلك ويستريح إليه قلبه
ويعلم انهم لا يغفلون عنه إذا غفل هو عن نفسه.
(وعلى العاقل) (47) ان لا يشغله شغل عن أربع ساعات: ساعة يرفع

(47) من هنا إلى قوله: (أو لذة في غير محرم) كان المقصود الأصلي من
نقل هذا الكلام، والتتمة ذكرناها استطرادا لموافقتها مع الروايات، ونفاسة
مضمونها، ومناسبتها لما نحن فيه.
199

فيها حاجاته إلى ربه، وساعة يقضي فيها إلى اخوانه وثقاته الذين يصدقونه
[يصدونه خ] عن عيوبه، وينصحونه في أمره، وساعة يصلح فيها أمر
منزلته ومعاشه، وساعة يخلى فيها نفسه ولذاتها بما يحل ويجمل، فلا
يعترض بينها وبينها، فان هذه الساعة عون على الساعات الأخر، واستجمام
القلوب وتوديعها زيادة قوة لها وفضل بلغة.
(وعلى العاقل) ان لا ينظر الا في ثلاث خصال: تزود لمعاد، أو مرمة
لمعاش، أو لذة في غير مجرم.
(وعلى العاقل) ان يجعل الناس طبقتين متباينتين، ويلبس لهم لباسين
مختلفين: فطبقة من العامة يلبس لهم لباس انقباض والحجاز وتحرز في كل
كلمة، وطبقة من الخاصة يخلع عندهم التحرز، ويلبس لهم لباس الامنة
واللطف والمفاوضة، ولا يدخل في هذه الطبقة الا واحد من الف، ليكون كلهم
ذوي فضل في الرأي، وثقة في المودة، وأمانة في السرور، ووفاء بالاخاء.
(وعلى العاقل) إذا استشار عقله ان لا يخالفه، ولا يستصغر شيئا من
الخطأ الذي يخالفه فيها إن كان في رأي وزلل في علم، أو اغفال في امر،
فان من استصغر صغيرا يوشك ان يجمع بينه وبين آخر صغير ثم صغير،
فإذا الصغير قد صار كبيرا، وإنما هي ثلم يثلمها الجهل والعجز والاهمال،
فإذا لم تسد أو شكت ان تنفجر بما لا يطاق، ولم نر مستكثرا مستعظما
الا وقد اتي من جهة الصغير المتغاوي فيه، المتهاون به، وقد رأينا الملك
يؤتى من جهة المحتقر، ورأينا الصحة تؤتى من جهة المحتقر حتى يهجم منه
على
200

اليسير المستهان به، ورأينا الحريق العظيم يكون من قبل الشرارة الصغيرة،
ورأينا الأحقاد والعداوات من قبل الكلمة الحقيرة التي ربما كان سببها المزاح
أو قلة التحفظ، وأقل الأمور احتمالا لصغير الخطأ والتضييع الملك، لأنه
ليس شئ منه يضيع وإن كان صغيرا الا اتصل بآخر يكون عظيما.
(وعلى العاقل) ان يجبن عن المضي على الرأي الذي لا يجد عليه
موافقا وان ظن أنه على اليقين.
(وعلى العاقل) إذا اشتبه عليه أمران فلم يدر أيهما الصواب، ان
ينظر إلى أقربهما إلى هواه مخالفة، فان الهوى عدو العقل فيحذره.
ومن نصب نفسه اماما في الدين والحكمة، فعليه ان يبدأ بتعليم نفسه
وتقويمها في السيرة والطعمة والرأي واللفظ والاخوان والمعاشرين، ليكون
تعليمه بسيرته أبلغ من تعليمه بلسانه، فإنه كما أن كلام الحكماء يروق الاسماع
فكذلك عمل الحكمة يروق العيون والقلوب، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق
بالاجلال والتفضيل من معلم الناس ومؤدبهم إذا لم يبدأ بنفسه الخ.
وقال بزرجمهر: ثلاث خصال ينبغي للعاقل ان يرغب فيهن: الدعة
في غير تضييع، والنعمة في غير شين، واللذة من غير مأثم.
وقال حكيم آخر من الفرس: ثلاث خصال ينبغي للعاقل ان يصنعهن،
بل يجب ان يحث عليهن نفسه وأقاربه ومن اطاعه، عمل يتزوده لمعاده،
وعلم طب يذب به عن جسده، وصناعة يستعين بها في معاشه.
(المقام السادس):
فيما افاده الشعراء في العقل والعاقل:
في الرقم (25) من حرف الباء من الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين
عليه السلام الذي رتبه السيد الأمين (ره):
201

وأفضل قسم الله للمرء عقله * فليس من الخيرات شئ يقاربه
إذا أكمل الرحمان للمرء عقله * فقد كملت أخلاقه ومآربه
يعيش الفتى في الناس بالعقل انه * على العقل يجري علمه وتجاربه
يزين الفتى في الناس صحة عقله * وإن كان محظورا عليه مكاسبه
يشين الفتى في الناس قلة عقله * وان كرمت اعراقه ومناصبه
ومن كان غلابا بعقل ونجدة * فذو الجد في امر المعيشة غالبه
وفي ذيل البيت (20) من حرف اللام من الديوان:
إذ كنت ذا علم ولم تك عاقلا * فأنت كذي نعل وليس له رجل
وان كنت ذا عقل ولم تك عالما * فأنت كذي رجل وليس له نعل
ألا إنما الانسان غمد لعقله ولا خير في غمد إذا لم يكن نصل
وفي ذيل المختار (26) من حرف الباء، من الديوان:
ليس اليتيم الذي قد مات والده * ان اليتيم يتيم العقل والحسب
وفي ذيل المختار (28) من حرف الباء، ص 40:
إنما الفخر لعقل ثابت * وحياء وعفاف وأدب
وقال:
لولا العقول لكان أدنى ضيغم * أدنى إلى شرف من الانسان
ولربما طعن الفتى أقرانه * بالرأي قبل تطاعن الاقران
حسب الفتى عقله خلا بصاحبه * إذا تحاماه اخوان وخلان
وقال آخر:
العقل حلة فخر من تسربلها * كانت له نسبا تغني عن النسب
والعقل أفضل ما في الناس كلهم * بالعقل ينجو الفتى من حومة الطلب
وقال آخر:
ألم تر ان العقل زين لأهله * وان تمام العقل طول التجارب
202

وقال: ما وهب الله لامرئ هبة * اشرف من عقله ومن أدبه
هما حياة الفتى فان عدما * فان فقد الحياة أجمل به
وقال:
يعد رفيع القوم من كان عاقلا * وان لم يكن في قومه بحسيب
وان حل أرضا عاش فيها بعقله * وما عاقل في بلدة بغريب
وقال آخر:
ومن يك ذا مال ولم يك عاقلا * فذاك حمار حملوه من التكبر
أرى العقل مرآة الطبيعة اذبه * نرى صور الأشياء في عالم الفكر
وقال آخر:
ذو العقل في معرك الأشياء مقتدر * لكن ذا الجهل مغلوب ومغلول
وعقل ذي الحزم مرآة الأمور بها * يرى الحقائق والمجهول مجهول
وقال آخر:
وعقول الأنام لو تستوي لم * يك فرق بين الغبي والنبيه
محور الأرض لو غدا مستقيما * لتساوى النهار والليل فيه
وقال آخر:
إذا تم عقل المرء تمت أموره * وتمت أمانيه وتم بناؤه
وقال آخر:
من لم يكن عقله مؤدبه * لم يغنه واعظ من النسب
كم من وضيع الأصول في أمم * قد سودوه بالعقل والأدب
وقال آخر:
وما المرء الا الأصغران لسانه * ومعقوله والجسم خلق مصور
فان تر منه ما يروق فربما * أمر مذاق العود والعود اخضر
203

وقال آخر:
وما بقيت من اللذات الا * محادثة الرجال ذوي العقول
وقد كانوا إذا ذكروا قليلا * فقد صاروا أقل من القليل
وقال آخر:
لعمرك ما بالعقل يكتسب الغنى * ولا باكتساب المال يكتسب العقل
وكم من قليل المال يحمد فضله * وآخر ذو مال وليس له فضل
وما سبقت من جاهل قط نعمة * إلى أحد الا أضر بها الجهل
وذو اللب ان لم يعط احمدت عقله * وان هو أعطى زانه القول والفعل
وقال آخر:
وترى الناس كثيرا فإذا * عد أهل العقل قلوا في العدد
لا يقل المرء في القصد ولا * يعدم القلة من لم يقتصد
لا تعد شرا وعد خيرا ولا * تخلف الوعد وعجل ما تعد
لا تقل شعرا ولا تهمم به * وإذا ما قلت شعرا فأجد
وقيل
يعرف عقل المرء في أربع * مشيته أولها والحرك
ودور عينيه وألفاظه * بعد عليهن يدور الفلك
وربما أخلفن الا التي * آخرها منهن سميت لك
هذي دليلات على عقله * والعقل في أركانه كالملك
ان صح صح المرء من بعده * ويهلك المرء إذا ما هلك
فانظر إلى مخرج تدبيره * وعقله ليس إلى ما انتهك
فربما خالط أهل الحجى * وقد يكون النوك في ذي النسك
فان امام سال عن فاضل * فادلل على العاقل لا أم لك
204

- 29 - ومن وصية له عليه السلام
قال شيخ الطائفة قدس الله نفسه: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل
الشيباني بأسناده قال: سمعت عليا عليه السلام (1) يقول:
لا تتركوا حج بيت ربكم لا يخلو منكم ما بقيتم، فإنكم
إن تركتموه لم تنظروا (2) إن أدنى ما يرجع به من أتاه أن
يغفر له ما سلف.
وأوصيكم بالصلاة وحفظها فإنها خير العمل، وهي عمود

(1) لم يتضح لي من سوق كلام الشيخ (ره) ان السامع من أمير المؤمنين
عليه السلام من إذ الشيخ (ره) - أو من روى الكلام عن أبي المفضل -
لأجل الاختصار ذكر أولا هكذا
(أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا الفضيل بن محمد بن المسيب
أبو محمد البيهقي الشعراني بجرجان، قال حدثنا هارون بن عمر بن عبد العزيز
ابن محمد أبو موسى المجاشعي، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد عليهم
السلام، قال: حدثنا أبو عبد الله (ع).
قال المجاشعي: وحدثنا الرضا علي بن موسى (ع) عن أبيه عن أبي عبد الله
جعفر بن محمد (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام).
أقول ثم ذكر حديثا في فضل العلم والعلماء. ثم نقل ستة أحاديث،
ثم قال: وباسناده قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: لا تتركوا حج بيت
ربكم، الخ.
(2) اي لا تمهلون بل يعجل عليكم بالعقوبة. أو لا تنظرون بنظر العناية.
205

دينكم، وبالزكاة فإني سمعت رسول الله (ص) يقول الزكاة
قنطرة الإسلام، فمن أداها جاز القنطرة، ومن منعها
أحتبس دونها، وهي تطفئ غضب الرب.
وعليكم بصيام شهر رمضان، فإن صيامه جنة حصينة
من النار. وفقراء المسلمين أشركوهم في معيشتكم، والجهاد
في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، فإنما يجاهد في سبيل الله
رجلان إمام هدى، ومطيع له مقتد بهداه. وذرية نبيكم
لا يظلمون بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم.
وأوصيكم بأصحاب نبيكم لا تسبوهم، وهم الذين لم
يحدثوا بعده حدثا. ولم يأووا محدثا، فان رسول الله (ص)
أوصى بهم (3).
وأوصيكم بنسائكم وما ملكت أيمانكم، ولا يأخذنكم
في الله لومة لائم يكفكم الله من أرادكم وبغى عليكم،
وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله عز وجل.
ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي

(3) سيجئ شواهد هذه الفقرة وبيان المراد منها.
206

الله أموركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم.
وعليكم بالتواضع والتباذل وإياكم والتقاطع والتدابر
والتفرق. وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم
والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب.
الحديث (95) من المجلس الثامن عشر من أمالي الشيخ ص 332 ط
طهران، وص 136، ط النجف وللوصية أسناد عديدة وثيقة وألفاظ (اخر)
لطيفة رشيقة تقدم بعضها، وتقف على بقيتها فيما سيأتي فارتقب.
207

- 30 -
ومن وصية له عليه السلام
لكميل بن زياد رحمه الله
قال الطبري رحمه الله: أخبرنا الشيخ أبو البقاء إبراهيم بن الحسين
ابن إبراهيم البصري بقراءتي عليه في المحرم سنة ست عشرة وخمسمأة،
بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، قال: حدثنا أبو طالب
محمد بن الحسن بن عتبة، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن أحمد
، قال: أخبرنا محمد بن وهبان الدبيلي (1) قال: حدثنا علي بن
أحمد بن كثير العسكري، قال: حدثني أحمد بن المفضل أبو سلمة

(1) قال النجاشي (ره): محمد بن وهبان بن محمد بن حماد بن بشير بن
سالم بن نافع بن هلال بن صهبان بن هراب بن عائذ بن جرير بن أسلم بن هناة
ابن مالك بن فهل بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن نصر بن زهران بن
كعب بن الحرث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، ابن عبد الله
الدبيلي ساكن البصرة، ثقة من أصحابنا واضح الرواية، قليل التخليط،
له كتب، منها كتاب الصلاة على النبي. 2 - كتاب اخبار الصادق (ع) مع
المنصور. 3 - كتاب اخباره (ع) مع أبي حنيفة. 4 - كتاب بشارات المؤمنين
عند الموت. 5 - كتاب اخبار الرضا (ع). 6 - كتاب ترويح القلوب بطرائف
الحكمة. 7 - كتاب الخواتيم. 8 - كتاب من روى عن أمير المؤمنين (ع)
9 - كتاب المزار. 10 - كتاب الدعاء. 11 - كتاب في معنى الطوبى. 12 -
كتاب التحف. 13 - كتاب الاذان حي على خير العمل. 14 - كتاب اخبار يحيى
ابن أم الطويل. 15 - كتاب أبي جعفر الثاني.
وقال الشيخ (ره): محمد بن وهبان بن محمد النبهاني المعروف بالدبيلي،
يكنى أبا عبد الله البصري، روى عنه التلعكبري، أخبرنا عنه أحمد بن إبراهيم
القزويني، وكان (ره) يروي دعاء أويس القرني.
ويروي عنه أيضا محمد بن أحمد بن داود، والحسين بن إبراهيم القزويني
على ما ذكره في جامع الرواة،
وفى التعليقة: انه كثيرا ما يروي عنه الثقة الجليل علي بن محمد بن علي الخراز،
وبالجملة الرجل في غاية الجلالة عند الأصحاب، ولم يتأمل في عظمته أحد
من أولى الألباب، ووثقوه بلا كلام، وأرسلوه وثاقته ارسال المسلمات.
208

الاصفهاني، قال: أخبرني راشد بن علي بن وائل القرشي (2) قال:
حدثني عبد الله بن حفص المدني، قال: أخبرني محمد بن إسحاق، عن
سعيد بن زيد بن أرطاة (3) قال: لقيت كميل بن زياد وسألته عن فضل
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقال: ألا أخبرك بوصية أوصاني
بها يوما هي خير لك من الدنيا بما فيها؟ فقلت: بلى، قال: قال لي علي
عليه السلام.
يا كميل سم كل يوم باسم الله وقل لا حول ولا قوة
إلا بالله، وتوكل على الله. واذكرنا وسم بأسمائنا، وصل علينا
واستعذ بالله وبنا، وادرأ (4) بذلك على نفسك وما تحوطه

(2) وفى الطبعة الجديدة من دار السلام: 2، 26، أبي علي راشد بن
علي بن وابل القرشي.
(3) وفى الطبعة الجديدة من دار السلام: سعد بن زيد بن أرطاة.
(4) أي ادفع بما ذكر من تسمية الله وقول: لا حول ولا قوة الا بالله
والتوكل على الله وذكرهم والتسمية بأسمائهم؟؟؟؟؟؟؟ عليهم والاستعاذة
بالله وبهم.
و (ادرا) أمر من دراه - (من باب منع) درءا ودراة: دفعه دفعا
شديدا. وفى تحف العقول: (وأدر بذلك على نفسك) إلى آخره، وهو أمر
من (درى - من باب ضرب، دريا ودريا ودرية ودرية ودريانا ودريانا
ودريا ودراية) الشئ وبالشئ: إذا توصل إلى علمه. والمصدر الا خير هو
أكثر مصادره استعمالا. وما عن بشارة المصطفى اظهر.
209

عنايتك (5) تكف شر ذلك اليوم انشاء الله.
يا كميل إن رسول الله صلى الله عليه وآله أدبه الله عز
وجل، وهو عليه السلام أدبني وأنا أؤدب المؤمنين، وأورث
الأدب (الآداب خ ف) المكرمين.
يا كميل ما من علم إلا وأنا أفتحه (6) وما من سر الا والقائم
عليه السلام يختمه، يا كميل ذرية بعضها من بعض والله
سميع عليم.
يا كميل لا تأخذ إلا عنا تكن منا (7) يا كميل ما من

(5) أي ما تهتم بأمره وحفظه وتعاهده من حاطه - (من باب قال)
وتحوطه (من باب تفعل) حوطا وحيطة وحياطة إذا حفظه وتعهده واهتم بأمره.
(6) فيه وما بعده ما تقر به عين كل مؤمن سعيد، وتقذى به باصرة كل
ناصب شقي. وقوله (ع) ذرية بعضها - إلى آخره - اقتباس أو إشارة
إلى الآية 34، من سورة آل عمران.
(7) ومعناه؟؟؟؟؟؟؟ ان اخذت من غيرنا لا تكون منا، وهو المنساق
الأدلة الشرعية كتابا وسنة، انظر إلى قوله صلى الله عليه وآله: علي مع
الحق والحق معه، يدور معه حيث دار. وأمعن النظر في قوله صلى الله
عليه وآله في الحث على التمسك بهم، وهو قوله (ص): هم مع القرآن
والقرآن معهم، إلى غير ذلك مما تواتر عنه صلى الله عليه وآله بين الفريقين،
وما أدري ماذا يقول المنصفون من إخواننا من أهل السنة، وقد تركوا الاخذ
بقولهم، وملأوا زبرهم من الاخذ بأقوال سمرة بن جندب، وعمران بن حطان
الخارجي ونظرائهم.
وما أحسن ما افاده العلامة الطباطبائي في منظومة السهم الثاقب من قوله:
وأنتم خالفتم أبا الحسن * وآله بعد النبي المؤتمن
وما أخذتم منهم وعنهم
بل اتبعتم غيرهم دونهم
حتى انتهى الامر إلى التقليد في * شرائع الدين القويم الحنفي
قلدتم النعمان أو محمدا * أو مالك بن انس أو أحمدا
فهل اتى الذكر به أو أوصى * به النبي أو وجدتم نصا
210

حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة (8)، يا كميل إذا
أكلت الطعام فسم باسم الله الذي لا يضر مع اسمه داء، وهو
الشفاء من جميع الأدواء (الأسواء خ ل) (9) يا كميل إذا أكلت
الطعام فواكل الطعام (10) ولا تبخل عليه، فإنك لم ترزق الناس
شيئا، والله يجزل لك الثواب بذلك.

(8) كذا في النسخة، ولعل الصواب: وأنت محتاج فيها إلى المعرفة،
وعلى قوله (ع) علماء الإمامية قاطبة حيث يفتون انه يجب على كل مكلف في
جميع حركاته وسكناته أن يكون عمله اما عن اجتهاد أو تقليد أو احتياط.
(9) وفى تحف العقول: فسم باسم الذي لا؟؟؟؟؟ اسمه داء، وفيه
شفاء من كل الاسواء، إلى آخر الكلام. والادواء؟؟؟؟؟ الداء وهو المرض
والعلة. والاسواء: جمع السوء، وهو: الشر والفساد وكل آفة.
(10) من آكله مؤاكلة: إذا اكل معه:. أطعمه. اي تناول مع غيرك
أو أطعم غيرك.
211

يا كميل أحسن خلقك، وابسط جليسك ولا تنهرن (11)
خادمك، يا كميل إذا أنت أكلت فطول أكلك ليستوفي
من معك، ويرزق منه غيرك يا كميل إذا استوفيت طعامك
فاحمد الله على ما رزقك وارفع بذلك صوتك ليحمده سواك
فيعظم بذلك أجرك.
يا كميل لا توقرن معدتك طعاما. ودع فيها للماء موضعا
وللريح مجالا، يا كميل لا تنفد طعامك فإن رسول الله صلى
الله عليه وآله لم ينفده (لا ينفده)، يا كميل لا ترفعن يدك
عن الطعام إلا وأنت تشتهيه. فإذا فعلت ذلك فأنت
تستمرؤه (12)، يا كميل صحة الجسد من قلة الطعام وقلة الماء.
يا كميل البركة في المال من إيتاء الزكاة، ومواساة
المؤمنين، وصلة الأقربين وهم الأقربون (13) يا كميل زد

(11) من نهره - (من باب منع) نهرا: زجره، ومنه قوله تعالى:
(ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما) الآية (23) من سورة بني إسرائيل.
(12) استمرأ فلان الطعام: استطيبه وعده مريئا ووجده طيبا. ومرأ
ومرئ - ومرؤ - (من باب منع وعلم وشرف) مراءة الطعام: صار مريئا
وساغ من غير غصص، يقال: هنأني ومراني الطعام للازدواج، فان افرد،
قيل: امرأني من باب الافعال. وامرأ الطعام فلانا: طاب له ونفعه.
(13) وفى تحف العقول (يا كميل البركة في مال من آتى الزكاة، وواسى
المؤمنين، ووصل الأقربين). الخ. وفي دار السلام: وهم الأقربون (لنا)
212

قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين، وكن بهم
أرأف، وعليهم أعطف وتصدق على المساكين.
يا كميل لا تردن سائلا ولو بشق تمرة، أو من شطر
عنب (حبة خ).
يا كميل الصدقة تنمى عند الله (14).
يا كميل حسن خلق المؤمن من التواضع، وجماله التعطف
(التعفف خ) وشرفه الشفقة، وعزه ترك القال والقيل (15).
يا كميل إياك والمراء، فإنك تغري بنفسك السفهاء،
(و) إذا فعلت تفسد الإخاء (16)، يا كميل إذا جادلت في الله

(14) وفى تحف العقول: (يا كميل لا ترد سائلا ولو من شطر حبة عنب
أو شق تمرة، فان الصدقة تنمو عند الله،) إلى آخر الكلام. وتنمو، من
نما ينمو نموا: زاد وكثر وارتفع. كنمى ينمي (من باب رمى يرمي) نميا ونميا
ونماء ونمية المال: زاد وكثر. كأنمى المال انماء: فأنمى هو زاد. والنمو:
الزيادة كالنموة.
(15) وفى تحف العقول: يا كميل أحسن حيلة المؤمن التواضع: وجماله
التعفف، وشرفه التفقه، وعزه ترك القال والقيل، وهو أظهر. وقريب منه
في دار السلام. والقال والقيل: هو ما يقوله الناس. وقيل: القال هو الابتداء
والسؤال، والقيل هو الجواب.
(16) وفى دار السلام: (وتفسيد الإخاء) الخ.
213

تعالى فلا تخاطب إلا من يشبه العقلاء وهذا ضرورة (17).
يا كميل هم على كل سفهاء، كما قال الله تعالى: (ألا
إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) (18) يا كميل في كل قوم
صنف أرفع من قوم، فإياك ومناظرة الخسيس منهم، وإذا
(وإن خ ف) اسمعوك فاحتمل وكن من الذين وصفهم الله
تعالى فقال (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) (19).
يا كميل قل الحق على كل حال ووازر (وواد خ ف) المتقين
واهجر الفاسقين، وجانب المنافقين، ولا تصاحب الخائنين

(17) وفيه تصريح بأن الكافر والتارك للشريعة مع صحة قواه الادراكية،
وسعة زمان الفكر والروية، ووجود اعلام الهداية والبصيرة، ليس بعاقل
كائنا من كان، ذكيا غاية الذكاء، أم كان غبيا، فهما سيان.
وقوله عليه السلام:) وهذا ضرورة) دليل على عدم جواز المناظرة في
شأن الله، في غير حال الاسترشاد والارشاد، ودفع شبهات الملاحدة، والذب
عن الشريعة، وهو المستفاد من الأدلة العقلية والنقلية.
(18) الآية (12) من سورة البقرة. وما أحسن تعبيره - ع -: الا من
يشبه العقلاء؟؟؟؟؟ قوله (ع): هم على كل سفهاء - إذا لو حظ مع قوله تعالى:
الا انهم هم السفهاء.
(19) الآية (62) من سورة الفرقان. وفى تحف العقول: يا كميل في كل
صنف قومه أرفع من قوم، فإياك ومناظرة الخسيس منهم، إلى آخر ما مر،
وهو أظهر. والخسيس: الرذل والدني والحقير، والجمع خساس واخسة.
214

يا كميل إياك وتطرق (20) أبواب الظالمين والاختلاط
بهم والاكتساب منهم وإياك أن تطيعهم (تعظمهم خ) أو تشهد
في مجالسهم بما يسخط الله عليك. وإن (وإذا خ ل) اضطررت
إلى حضورهم، فداوم ذكر الله تعالى وتوكل عليه (والتوكل
عليه خ ف) واستعذ بالله من شرهم (من شرور هم خ ف)،
وأطرق عنهم (21) وأنكر بقلبك فعلهم، وأجهر بتعظيم الله
تعالى لتسمعهم فإنهم يهابوك، وتكفى شرهم (22).
يا كميل إن أحب ما امتثله (تمتثله خ ف) العباد إلى الله
بعد الاقرار به وبأوليائه عليهم السلام التجمل والتعفف
والاصطبار.

(20) من تطرق إليه - من باب التفعل -: إذا ابتغى إليه طريقا، اي
لا تبتغ إلى أبواب الظالمين طريقا لتختلط بهم وتكتسب من دنياهم شيئا.
وفى تحف العقول: يا كميل لا تطرق أبواب الظالمين للاختلاط بهم والاكتساب
معهم، إلى آخر ما مر، اي لا تقرع أبوابهم وهي من طرقه - (؟؟؟؟ باب نصر)
طرقا الباب على القوم إذا دق بابهم، وطلب منهم الدخول؟؟؟؟، وطرقا
وطروقا القوم: إذا أتاهم ليلا، وعلى جميع المعاني هو كناية عن عدم الدنو منهم.
(21) من. طرق: إذا سكت ولم يتكلم، أو أرخى عينيه ينظر إلى الأرض
وهما غالبا من لوازم الغضب وعدم الرضا، كما أنه المراد هاهنا.
(22) وفى تحف العقول: واجهر بتعظيم الله تسمعهم فإنك بها تؤيد وتكفى
شرهم، الخ.
215

يا كميل لا بأس بأن لا يعلم سرك، يا كميل لا نري الناس
افتقارك (افتارك خ ف) واضطرارك واصبر عليه بعز
وتستر، يا كميل لا بأس بأن تعلم أخاك سرك ومن أخوك؟
أخوك الذي لا يخذلك عند الشدة (الشديدة خ ل)، ولا يقعد
عنك عند الجريرة (23)، ولا يخدعك حين تسأله (ولا يدعك (24) حتى
تسأله خ ل وف). ولا يتركك وأمرك حتى تعلمه (ولا يذرك (25)
وأمرك حتى تعلمه خ ف)، فإن كان مميلا أصلحه (26).
يا كميل المؤمن مرآة المؤمن. لأنه يتأمله ويسد
فاقته ويجمل حالته.
يا كميل المؤمنون إخوة ولا شئ آثر عند كل أخ من أخيه
يا كميل إن لم تحب أخاك فلست أخاه (إن خ ف) المؤمن
من قال بقولنا، فمن تخلف عنا قصر عنا ومن قصر عنا لم يلحق

(23) الجريرة: الجناية لأنها تجر العقوبة إلى الجاني.
(24) يدعك ويذر ويترك بمعنى واحد.
(25) لا يذرك أي لا يتركك ولا يدعك. قيل: ولا فعل منه بهذا المعنى الا
المضارع والامر.
(26) قيل: المميل بمعنى الغني وصاحب الثروة والمال الكثير، من أمال يميل
216

بنا، ومن لم يكن معنا ففي الدرك الأسفل من النار (27).
يا كميل كل مصدور ينفث (28) فمن نفث إليك منا

(27) قال الإمام الباقر عليه السلام:
فنحن على الحوض ذواده * نذود ويسعد وراده
فما فاز من فاز الا بنا * وما خاب من حبنا زاده
فمن سرنا نال منا السرور * ومن ساءنا ساء ميلاده
ومن كان غاصبنا حقنا * فيوم القيامة ميعاده
وقال الإمام الصادق عليه السلام:
في الأصل كنا نجو ما يستضاء بنا * وللبرية نحن اليوم برهان
نحن البحور التي فيها لغائصكم * در ثمين وياقوت ومرجان
مساكن القدس والفردوس نملكها * ونحن للقدس والفردوس خزان
من شذ عنا فبرهوت مساكنه * ومن أتانا فجنات ولدان
البحار: 11، 77، 112.
وروى في نظم درر السمطين 108، ط 1، قبيل جامع مناقبه (ع) مرسلا
عن علي بن طلحة مولى بني أمية، قال: حج معاوية ومعه معاوية بن خديج،
وكان من أسب الناس لعلي (ع) فمر بالمدينة، والحسن بن علي جالس، فقيل
له: هذا معاوية بن خديج الساب لعلي، فقال: علي بالرجل، فأتاه فقال له
الحسن: أنت معاوية بن خديج؟ قال: نعم. قال: أنت الساب لعلي؟ فكأنه
استحي، فقال له الحسن: والله لئن وردت عليه الحوض - وما أراك ترده -
لتجدنه مشمرا الإزار على ساق، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل،
قول الصادق المصدوق، وقد خاب من افترى.
ورواه أيضا في ترجمة معاوية بن خديج من تاريخ دمشق لابن عساكر،
ج 56، ص 919، بأربعة طرق، مسندا عن علي بن طلحة وغيره.
(28) وفى تحف العقول: كل مصدور (مصدود خ ل) ينفث فمن نفث إليك
منا بأمر أمرك بستره فإياك أن تبديه، إلى آخر الكلام. المصدور الذي يشتكى
من صدره، والمقصود: الممنوع عن بغيته، وينفث (من باب ضرب ونصر)
أي يلقى ما في صدره من قيح أو دم أو غيظ وحرارة، أي كل من اعترض في حلقه
شجى يصيح ويتنفس الصعداء، ويلهج بما اسره، فإياك واظهار اسراره
للأشرار والحمقاء، ومراده (ع) ان من ملآ صدره من محبتنا وأمرنا لا يمكن
له السكوت عليها، فإذا أبرزها لك فعليك بسترها.
217

بأمر فاستره وإياك أن تبديه فليس لك من إبدائه توبة
فإذا لم تكن توبة فالمصير إلى لظى.
يا كميل إذاعة سر آل محمد عليهم السلام لا يقبل الله تعالى
منها، ولا يحتمل أحد عليها (29) وما قالوه لك مطلقا فلا تعلمه
إلا مؤمنا موافقا، يا كميل لا تعلموا الكافرين فيزيدوا عليها
فيبدوكم (30) بها إلى يوم يعاقبون عليها.
يا كميل لا بد لماضيكم من أوبة، ولا بد لنا فيكم من
غلبة يا كميل سيجمع الله تعالى لكم خير البدء والعاقبة.
يا كميل أنتم ممتوعون (31) بأعدائكم تطربون بطربهم

(29) وفى تحف العقول، إذاعة سر آل محمد صلوات الله عليهم لا يقبل
منها ولا تحتمل أحد عليها، وما قالوه فلا تعلم الا مؤمنا موفقا. وفى بعض النسخ:
فلا تعلمه الا مؤمنا موفقا. وفى بعضها: فلا يعلمه الا مؤمنا موفقا.
(30) كذا في النسخة. وفى دار السلام الطبعة الجديدة: (يا كميل لا تعلموا
الكفار من أخبارنا).
(31) وفى دار السلام: (يا كميل أنتم ممتعون بأعداءكم) الخ. وهذا
الكلام كأنه إشارة إلى قوله تعالى في الآية 21 من سورة الأعراف: (قل هي
للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيمة).
218

وتشربون بشربهم وتأكلون بأكلهم، وتدخلون مداخلهم
وربما غلبتم على نعمتهم، (إي والله) على إكراه منهم لذلك،
ولكن الله عز وجل ناصركم وخاذلهم، فإذا كان والله
يومكم، وظهر صاحبكم، لم يأكلوا والله معكم ولم يردوا
مواردكم، ولم يقرعوا أبوابكم، ولم ينالوا نعمتكم،
أذلة خائبين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا، (يا كميل)
أحمد الله تعال والمؤمنين على ذلك. وعلى كل نعمة.
يا كميل قل عند كل شدة لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
تكفها. وقل عند كل نعمة الحمد لله تزاد (تزدد خ ل) منها،
وإذا أبطأت الأرزاق عليك فاستغفر الله يوسع عليك فيها،
يا كميل إذا وسوس الشيطان في صدرك، فقل أعوذ بالله القوي
من الشيطان الغوي، وأعوذ بمحمد الرضي من شر ما قدر
وقضي، وأعوذ بإله الناس من شر الجنة والناس، تكفى مؤنة
إبليس والشياطين معه، ولو أنهم كلهم أبالسة مثله.
219

يا كميل إن لهم خدعا وشقاشق (32) وزخارف ووساوس
وخيلاء على كل أحد قدر منزلته في الطاعة والمعصية،
فبحسب ذلك يستولون عليه بالغلبة، يا كميل لا عدو أعدي
منهم، ولا ضار أضربك منهم، أمنيتهم أن تكون معهم غدا
إذا جثوا في العذاب، لا يفتر عنهم بشرره (22)، ولا يقصر عنهم
خالدين فيها أبدا، يا كميل سخط الله تعالى محيط بمن لم
يحترز منهم باسمه وبنبيه وجميع عزائمه، يا كميل إنهم
يخدعوك بأنفسهم فإذا لم تجبهم مكروا بك وبنفسك بتحسينهم
(بتحبيبهم إليك خ ل) شهواتك وإعطائك أمانيك وإرادتك

(32) جمع شقشقة، وهي شئ كالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج،
وهي مأخوذة من (شقشق الجمل شقشقة) هدر، وشقشق الطير: صوت
ويقال للفصيح: هدرت شقشقته، وفلان شقشقة قومه: شريفهم وفصيحهم،
والخيلاء - على وزن الامراء - والخيلاء والخيلة: العجب والكبر.
(33) يقال: جثا - جثوا (من باب دعا يدعو) وجثى - جثيا وجثيا فلان:
إذا جلس على ركبتيه، أو قام على أطراف أصابعه، فهو جاث جمع جثى،
والمؤنث جاثية.
وقوله (ع): لا يفتر من فتر - (من باب نصر وضرب) فتورا وفتارا:
سكن بعد حدته، ولان بعد شدته. الماء: سكن حره. وفترة وفتورا الحر:
انكسر. كتفتر وفتر. والشرر والشرار (كفرس وسحاب): ما يتطاير من
النار، الواحدة: شررة وشرارة.
220

ويسولون لك وينسونك وينهؤنك ويأمرونك،
ويحسنون ظنك بالله عز وجل، حتى ترجوه فتغتر بذلك
فتعصيه وجزاء العاصي لظى، يا كميل احفظ قول الله تعالى
عز وجل (الشيطان سول لهم وأملى لهم) (34) والمسول
الشيطان والمملي الله.
يا كميل أذكر قول الله تعالى لإبليس: (وأجلب
عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم
وما يعدهم الشيطان الا غرورا) (35) ان إبليس لا يعد عن نفسه
وإنما يعد عن ربه ليحملهم على معصيته فيورطهم، يا كميل
إنه يأتي لك بلطف كيده. فيأمرك بما يعلم أنك قد

(34) الآية (25) من سورة محمد (ص)، والظاهر من الآية الشريفة
ان المسول والمملي كليهما هو الشيطان، وصريح كلامه (ع) هنا ان المملي
هو الله تعالى، ولم أر هذا في غير هذه الوصية، ولا احتمله (فيما علمت)
أحد من مفسري الخاصة، ثم إن نسبة الاملاء إلى الله تعالى والى الشيطان
صحيحة، ولكن معنى الاملاء منسوبا إلى الله الامهال، وتأخير العقوبة، وعدم
تعجيلها، وهذا أمر جلي يستفاد من الآيات والاخبار، وهو لطف منه تعالى
على عبيدة لكي ينيبوا إلى الله، ويتوبوا إليه. واما الاملاء المسند إلى الشيطان
فمعناه التزيين، وتطويل الآمال، والتغرير.
(35) الآية (66) من سورة بني إسرائيل.
221

ألفته من طاعة لا تدعها فتحسب أن ذلك ملك كريم وإنما
هو شيطان رجيم، فإذا سكنت إليه واطمأنت حملك على
العظائم المهلكة التي لا نجاة معها، يا كميل ان له فخاخا
ينصبها فأحذر أن يوقعك فيها.
يا كميل إن الأرض مملوءة من فخاخهم (36)، فلن ينجو
منها إلا من تشبث بنا، وقد أعلمك الله أنه لن ينجو منها إلا
عباده، وعباده أولياؤنا وهو قول الله (عز وجل) (إن
عبادي ليس لك عليهم سلطان (37) وقوله عز وجل: (إنما
سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) (38)
يا كميل أنج بولايتنا من أن يشركك الشيطان في مالك
وولدك (39).

(36) الفخاخ: جمع الفخ، وهو آلة يصاد بها، ويجمع أيضا على
فخوخ. ويقال: وثب فلان من فخ الشيطان أي تاب.
(37) الآية 67، من السورة 17: بني إسرائيل.
(38) الآية 102، من السورة 16: نحل.
(39) فمن لم يتمسك بولايتهم، شرك الشيطان في ماله وولده، ودخل
فيمن تبع الشيطان، وشمله قوله تعالى في الآية (63) من السورة 18:
(واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم
في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا).
222

يا كميل لا تغتر بأقوام يصلون فيطيلون ويصومون
فيداومون، ويتصدقون فيحسبون أنهم موفقون، يا كميل
أقسم بالله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن
الشيطان إذا حمل قوما على الفواحش مثل الزنا وشرب الخمر
وما أشبه ذلك من الخنا (40) والمآثم، حبب إليهم العبادة
الشديدة، والخشوع والركوع والخضوع والسجود، ثم
حملهم على ولاية الأئمة الذين يدعون إلى النار، ويوم القيامة
لا ينصرون (41).
يا كميل إنه مستقر ومستودع (42) فاحذر أن تكون من
المستودعين، وإنما يستحق أن يكون مستقرا إذا لزمت
الجادة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج، ولا تزيلك عن
منهج ما حملناك عليه، وما هديناك إليه.
يا كميل لا رخصة في فرض، ولا شدة في نافلة (43)، يا

(40) الخنى (كعصى): الفحش في الكلام، من خنا - خنوا وخني
يخني (من باب دعا وعلم) وأخنى عليه في الكلام: أفحش.
(41) إشارة إلى الآية 41، من السورة 28: القصص، أو اقتباس منها.
(42) الضمير راجع إلى الايمان بالقرينة المقامية.
(43) ومن ذلك يعلم ضعف ايمان من تهاون بالفرائض فعلا وتركا، ونشط
للعمل ببعض المستحبات، كما يعلم وهن قول من زعم أنه لا يجوز ترك
المستحبات بأجمعها.
223

كميل إن الله عز وجل لا يسألك إلا على الفرض، فإنما قدمنا
عمل النوافل بين أيدينا للأهوال العظام، والطامة يوم المقام
يا كميل إن الواجب لله أعظم من أن تزيله الفرائض
والنوافل وجميع الأعمال. وصالح الأموال. ولكن من
تطوع خيرا فهو خير له (44) يا كميل إن ذنوبك أكثر من
حسناتك، وغفلتك أكثر من ذكرك، ونعم الله عليك أكثر
من كل عملك، يا كميل إنه لا تخلو من نعمة لله عز وجل
عندك وعافية، فلا تخل من تحميده وتمجيده وتسبيحه
وتقديسه وشكره على كل حال، يا كميل لا تكونن من
الذين قال الله عز وجل: (نسوا الله فأنسيهم أنفسهم) (45)
ونسبهم إلى الفسق، فقال: (وأولئك هم الفاسقون) (46) يا
كميل ليس الشأن أن نصلي وتصوم وتتصدق، الشأن أن

(44) اقتباس من الآية 184، من سورة البقرة، أو إشارة إليها.
(45) الآية 19، من السورة 59: الحشر.
(46) الآية 82، من السورة 3: آل عمران.
224

تكون الصلاة بقلب نقي وعمل عند الله مرضي، وخشوع
سوي وإبقاء للجد فيها، يا كميل عند الركوع والسجود
وما بينهما تبتله (47) العروق والمفاصل حتى تستوفي ولاء إلى
ما تأتي به من جميع صلواتك، يا كميل أنظر فيم تصلي
وعلى ما تصلي، إن لم تكن من وجهه وحله فلا قبول.
يا كميل إن اللسان يبوح (ينزح خ ل) (48) من القلب،
والقلب يقوم بالغذاء، فانظر فيما تغذى قلبك وجسمك،
فإن لم يكن ذلك حلالا لم يقبل الله تعالى تسبيحك
ولا شكرك.
يا كميل إفهم واعلم أنا لا نرخص في ترك أداء الأمانات
لأحد من الخلق، فمن روى عني في ذلك رخصة فقد أبطل
وأثم، وجزاءه النار بما كذب، أقسم لسمعت رسول الله

(47) كذا في النسخة: وفى دار السلام: (يا كميل عند الركوع والسجود
وما بينهما تبتلت العروق) الخ.
(48) من باب يبوح بوحا وبؤوحا وبؤوحة إليه بالسر: أظهره. كإباحة،
أي ان اللسان ينطق بمعونة القلب، ولا قوة له بلا امداد القلب. وينزح من
قولهم: انزحنا البئر: إذا استقوا من مائها، أي ان اللسان يتغذى ويستقي
من القلب.
225

صلى الله عليه وآله يقول لي قبل وفاته بساعة مرارا ثلاثة:
يا أبا الحسن أد الأمانة إلى البر والفاجر، فيما قل وجل
حتى في الخيط والمخيط (49).
يا كميل لا غزو إلا مع إمام عادل. ولا نقل إلا مع إمام
فاضل (50)، يا كميل أرأيت لو لم يظهر نبي وكان في الأرض
مؤمن تقي، لكان في دعائه إلى الله مخطئا أو مصيبا؟ بلى والله
مخطئا، حتى ينصبه الله عز وجل، ويؤهله (له خ).
يا كميل الدين لله، فلا تغترن بأقوال الأمة المخدوعة
التي قد ضلت بعد ما اهتدت وجحدت بعد ما قبلت. يا
كميل الدين لله تعالى فلا يقبل الله تعالى من أحد القيام به
إلا رسولا أو نبيا أو وصيا يا كميل هي نبوة ورسالة وإمامة
ولا (وليس خ ف) بعد ذلك إلا متولين ومتغلبين، وضالين

(49) وأوصى لقمان ابنه وقال في آخرها: يا بني أد الأمانة تسلم لك
دنياك وآخرتك، وكن أمينا تكن غنيا. الحديث 13، من الباب 12، من
البحار: 16، 49.
(50) وفى تحف العقول ودار السلام: (ولا نفل) والنفل - محركة -
الغنيمة.
226

ومعتدين (51).
يا كميل إن النصارى لم تعطل الله تعالى، ولا اليهود
ولا جحدت موسى ولا عيسى ولكنهم زادوا ونقصوا وحرفوا
وألحدوا، فلعنوا، ومقتوا ولم يتوبوا يا كميل إنما يتقبل
الله من المتقين (52) يا كميل إن أبانا آدم لم يلد يهوديا ولا
نصرانيا، ولا كان ابنه الا حنيفا مسلما. فلم يقم بالواجب
عليه، فأداه (53) إلى أن لم يقبل الله قربانه، بل قبل من أخيه
فحسده وقتله، وهو من المسجونين في الفلق (54) الذي عدتهم
إثنا عشر ستة من الأولين، وستة من الآخرين (55) والفلق

(51) وفى تحف العقول: يا كميل هي نبوة ورسالة وامامة، وليس بعد
ذلك الا موالين متبعين، أو عامهين مبتدعين، إنما يتقبل الله من المتقين. وفى
بعض النسخ منه: وليس بعد ذلك الا ضالين مبتدعين.
قوله (ع): وليس بعد ذلك، أي ما يقوم به النبي والرسول والامام،
كذا أفيد. ومعنى قوله: (عامهين) أي متحيرين، من عمه في طريقه:
إذا تحير.
(52) كما قال الله تعالى في الآية 27 من السورة 5: المائدة.
(53) من باب أدى - أديا (كرمى) وأدى تأدية الشئ: أوصله وجره
إليه. قضاه. والأداء: هو الايصال. والقضاء.
(54) الفلق: جب في جهنم. ووصفه (ع) بأن حر جهنم منه.
(55) أما الستة من الأولين فأحدهم من ذكره (ع) هنا، والثاني
نمرود إبراهيم (ع)، والثالث فرعون موسى، والرابع السامري الذي اتخذ
العجل، والخاس الذي هود اليهود. والسادس الذي نصر النصارى.
وأما الستة من الآخرين فالمذكور في الاخبار ان أربعة منهم من المنافقين
والخامس صاحب الخوارج، والسادس عبد الرحمن بن ملجم، والأشبه أن
تكون لفظة الذي بمعنى الذين، كما في قوله تعالى: (كمثل الذي استوقد
نارا) الخ.
227

أسفل من النار، ومن بخاره حر جهنم، وحسبك فيما حر
جهنم من بخاره، يا كميل نحن والله الذين اتقوا والذين
هم محسنون (56) يا كميل إن الله عز وجل كريم حليم. عظيم
رحيم، دلنا على أخلاقه وأمرنا بالأخذ بها، وحمل الناس
عليها، فقد أديناها غير مختلفين وأرسلناها (58) غير منافقين
وصدقناها غير مكذبين، وقبلناها غير مرتابين، ولم يكن
لنا والله شياطين نوحي إليها وتوحي إلينا، كما وصف الله تعالى
قوما ذكرهم بأسمائهم في كتابه أو فرأكما أنزل (شياطين
الإنس والجن، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) (58)
الويل لهم فسوف يلقون غيا (59).

(56) إشارة إلى الآية 128 من السورة 16: النحل، أو اقتباس منها.
(57) كذا في النسخة.
(58) الآية (112) من السورة 6: الانعام.
(59) إشارة إلى الآية 59، من السورة 19: مريم.
228

يا كميل لست والله متملقا حتى أطاع. ولا ممنا حتى
أعصى (60) (ولا ممنيا حتى لا أعصى خ ل) ولا مهانا (مائرا خ ل)
لطعام الأعراب. حتى أنتحل إمرة المؤمنين، وأدعى بها (61).
يا كميل إنما حظي من حظي بدنيا زائلة مدبرة
ونحظى بآخرة باقية ثابتة يا كميل نحن الثقل الأصغر
والقرآن الثقل الأكبر، وقد أسمعهم رسول الله صلى الله عليه
وآله، وقد جمعهم فنادى الصلاة جامعة (62) يوم كذا وكذا
رأياه اسبعة (63) وقت كذا وكذا فلم يتخلف أحد، فصعد المنبر
فحمد الله وأثنى عليه، وقال: معاشر الناس إني مؤد عن ربي
عز وجل، ولا مخبر عن نفسي فمن صدقني فقد صدق الله،
أثابه الجنان ومن كذ بني كذب الله عز وجل ومن كذب
الله أعقبه النيران. ثم ناداني فصعدت فأقامني دونه ورأسي

(60) وفى دار الاسلام: ولا ممتنا الخ.
(61) وفى تحف العقول: ولا مائلا لطعام الاعراب، حتى أنحل أمرة المؤمنين
وأدعى بها (إلى آخر الكلام). يقال: انحل فلانا شيئا: أعطاه إياه، وخصه.
(62) اي احضروا الصلاة جامعة، وعلى هذا فهو منصوب بعامل مقدر.
(63) كذا في النسخة. وفى دار السلام: (وقد جمعهم فنادى الصلاة
جامعة أياما سبعة وقت كذا وكذا) الخ. وهو أظهر.
229

إلى صدره، والحسن والحسين عن يمينه وشماله ثم قال:
معاشر الناس أمرني جبرائيل عن الله عز وجل ربي
وربكم، أن أعلمكم، أن القرآن هو الثقل الأكبر، وأن
وصيي هذا وابناي، ومن خلفهم من أصلابهم الثقل
الأصغر (64) كل واحد منهما ملازم لصاحبه، غير مفارق له
حتى يردا على الله، فيحكم بينهما وبين العباد، يا كميل فإذا
كنا كذلك فعلام يتقدمنا من تقدم، ويتأخر عنا من
تأخر.
يا كميل قد أبلغهم رسول الله صلى الله عليه وآله رسالته
ونصح لهم، ولكن لا يحبون الناصحين، يا كميل قال رسول
الله صلى الله عليه وآله قولا أعلنه، والمهاجرون والأنصار
متوافرون، يوما بعد العصر، يوم النصف من شهر رمضان،
قائم (65) على قدميه من فوق منبره، علي مني وابناي منه

(64) وفى دار السلام: (وأن وصيي هذا وابناي ومن خلفهم من
أصلابهم هم الثقل الأصغر، يشهد الثقل الأكبر للثقل الأصغر، ويشهد الثقل
الأصغر للثقل الأكبر، كل واحد منهما ملازم لصاحبه) الخ.
(65)
كذا في النسخة، وعلى هذا فهو خبر لمبتدأ محذوف اي وهو
قائم. وفى تحف العقول: (قائما) الخ وهو أظهر.
230

والطيبون مني ومنهم، وهم الطيبون بعد أمهم، وهم سفينة
نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هوى، الناجي في الجنة
والهاوي في لظى، يا كميل الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء،
والله ذو الفضل العظيم (66).
يا كميل ما يحسدونا، والله شانا قبل أن يعرفونا (67)
أتراهم بحسدهم إيانا عن ربنا يزيلونا، يا كميل من
لا يسكن الجنة فبشره بعذاب أليم، وخزي مقيم، وأكبال (68)
ومقاطع وسلاسل طوال، ومقطعات النيران، ومقارنة الشيطان
الشراب صديد واللباس حديد، والخزنة فظظة (69) والنار
ملتهبة، والأبواب موثفة (70) مطبقة، ينادون فلا يجابون،

(66) اقتباس من الآية 29، من السورة - 57 -: الحديد، وقريبة
منها الآية 73 و 74 من آل عمران.
(67) كذا في النسخة، ولعل الصواب: والله شاءنا الخ. وفى دار
السلام: (ما يحسدوننا) الخ.
(68) الكبل - كفلس وحبر -: القيد. أو أعظم ما يكون من القيود،
جمع كبول واكبل.
(69) أي سيئ الخلق، خشن الكلام، عابسة الوجوه، والجمع: افظاظ.
(70) كذا في النسخة. والأقرب أن يكون بالقاف، بمعنى المشدودة
والمحكمة.
231

ويستغيثون فلا يرحمون، نداؤهم: يا مالك ليقض علينا
ربك. قال: إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن
أكثركم للحق كارهون (71) نحن والله الحق الذي قال الله
عز وجل. ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض
ومن فيهن (72).
يا كميل ثم ينادون الله تقدست أسماؤه بعد أن يمكثوا
أحقابا (73) اجعلنا على الرضا (الرجاء خ ل) فيجيبهم إخسأوا
فيها ولا تكلمون (74) فعندها يئسوا من الكرة (75) واشتدت
الحسرة وأيقنوا بالهلكة والمكث جزاء بما كسبوا عذبوا،
يا كميل أنا احمد الله على توفيقه إياي والمؤمنين على كل حال.
يا كميل إنما حظي من حظي (76) بدنيا زائلة مدبرة

(71) الآية 77 من السورة - 43 -: الزخرف.
(72) الآية 70 من السورة - 23 -: المؤمنون.
(73) الأحقاب جمع الحقب - كقفل وعنق - وهي ثمانون سنة أو أكثر،
والدهر، والسنة، والسنون، وله جمعان آخران وهما: حقاب وأحقب.
(74) كما في الآية 108، من السورة: المؤمنون.
(75) الكرة: الرجعة والعودة.
(76) حظي - (من باب علم) حظوه وحظوة وحظة - زيد بالرزق نال حظا منه، واحتظى: كان ذا منزلة وحظ ومكانة، أحظاه أي جعله ذا
حظوة، أحظاه بالمال: جعله يحظى به، وأحظاه على فلان، أي فضله عليه.
والحظو مصدر بمعنى الحظ. الحظي: ذو الحظوة، والذي أحبه الناس
ورفعوا منزلته. والحظوة - بكسر الحاء وضمها وسكون الظاء -: المكانة
والمنزلة عند الناس.
232

فائتة. ونحظى بآخرة باقية ثابتة يا كميل كل يصير إلى
الآخرة (77) والذي يرغب فيه منها ثواب الله عز وجل.
والدرجات العلى من الجنة التي لا يورثها إلا من كان تقيا (78).
يا كميل إذا شئت فقم.
قال أبو جعفر المحمودي: اني قد جمعت بين رواية الطبري رحمه الله
وتحف العقول، لتكون الفائدة أتم وجعلت ما انفرد به صاحب تحف العقول
بين معقفتين، أو علمته ب‍ (خ ف). وما تصرفت فيما عن الطبري الا
بإسقاط لفظة كميل في بعض المواضع، وتصحيح ما كان غلطا بينا، وبقيت
ألفاظ لم اعرف صحتها ولا فسادها، فكتبتها كما هي، وأرجعت تصحيحها
إلى نظر الباحثين، ولعل الله يوقفنا على نسخة صحيحة، أو طريق آخر

(77) وفى تحف العقول: يا كميل ان كلا يصير إلى الآخرة، والذي نرغب
فيه منها رضي الله، والدرجات العلى من الجنة التي يورثها من كان تقيا،
يا كميل من لا يسكن الجنة فبشره بعذاب اليم، وخزي مقيم، يا كميل انا أحمد
الله على توفيقه، وعلى كل حال. إذا شئت فقم.
(78) كما في الآية 63، من السورة 19: مريم.
233

للوصية الشريفة فنبذل جهدنا لخدمة المجتمع، وفاء لحق العلم وأهله،
وارشادا لمن أراد الرشاد والسداد. أقول: وذكر العلامة النوري (ره)
في دار السلام: ج 1، ص 167، ط 1: وفي الطبعة الثانية ج 2 ص 25
انه وجدها في بعض نسخ نهج البلاغة فراجع.
234

- 31 -
ومن وصية له عليه السلام
لا يكن همك يومك الذي إن فاتك لم يكن من أجلك
فإن كل يوم تحضره يأتي الله فيه برزقك. وأعلم أنك (1)
لم تكسب شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك،
يكثر في الدنيا فيه تعبك، ويحظى به وارثك (2). ويطول
معه يوم القيامة حسابك.
فأسعد بمالك في حياتك، وقدم ليوم معادك زادا

(1) وفى عيون الأخبار: 2، 371، عنه (ع) يا ابن آدم لا تحمل هم
يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه، فان يك من أجلك يأت فيه
رزقك، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك الا كنت فيه خازنا لغيرك.
قال النابغة:
ولست بحابس لغد طعاما * حذار غد لكل غد طعام
ومن قوله (ع): واعلم - إلى قوله: الا كنت فيه خازنا لغيرك، ذكرناه
في المسانيد من قصار كلمه (ع). وذكره السيد (ره) أيضا في المختار 188،
من قصار النهج.
وعن بعض الحكماء: لا ينبغي للملتمس أن يلتمس من العيش الا الكفاف
الذي به يدفع الحاجة عن نفسه، وما سوى ذلك إنما هو زيادة في تعبه وغمه.
(2) يقال: حظي - حظوة وحظة وحظوة، على زنة حرمة واربه وشدة،
والفعل من باب علم، حظى زيد بالمال والرزق: نال حظا منه.
235

يكون لك أمامك، فإن السفر بعيد والموعد القيامة
والمورد الجنة أو النار.
المختار 11، من الفصل 8، مما اختار من كلامه (ع) في الارشاد 225.
وقريب منه جدا رواه العياشي (ره) عنه (ع) في تفسيره، كما في الحديث
54، من الباب 2، من كتاب التجارة من البحار: 23، ص 11، س 9 عكسا.
ورواه عنه أيضا في الحديث 7، من الباب 11، من كتاب التجارة،
من مستدرك الوسائل: 2، 420.
ورواه بمثل ما في الارشاد، في كشف اليقين 71، س 8، ط النجف.
وصدر الكلام قريب جدا من المختار 267 و 183 من قصار نهج البلاغة.
وقريب من الصدر أيضا في المختار (26) من لمع كلمه (ع) في كتاب
نزهة الناظر.
قال أبو جعفر: مدار هذه الوصية على أمور ثلاثة:
(الأول): عدم الاهتمام والتحزن لرزق يوم لم يأت بعد، فان عند
مجيئه وحضوره يأتي الله فيه برزق الانسان، وعند عدم ادراكه ولقائه
فما أغنى الشخص عن الرزق، فالهم والغم لماذا؟!
(الأمر الثاني): ان كل ما يكتسبه الانسان من متاع الدنيا فوق قوته
وما يحتاج إليه في حياته، فإنما هو خازن لغيره وحمال لورثته ومن يتسلط
على تركته، وحظه منه في الدنيا تعب الجمع وكلال الحفظ والادخار،
وفي الآخرة طول الحساب، ونقاش الاكتساب، فليس له منه الا الوبال،
وإنما الحظ لوارثه، والمتمتع به لمن يستولي عليه ويتملكه.
(الأمر الثالث): الحث على تحصيل السعادة بالمال في حال الحياة
بصرفه في حوائجه، وجعله جنة في شدائده، وتقديمه ذخرا ليوم المعاد،
236

بإعانة الفقراء، وإغاثة الملهوفين والضعفاء، وتعمير سبل الخير، وما لله
فيه رضى وعناية، فان سفر الآخرة بعيد المسافة، وموعد المجازات بالاعمال
هو يوم القيامة، ومورد العاملين لله الجنة، ومأوى المتمردين وتاركي أوامر
الله النار.
وينبغي لنا ان نذكر شطرا من الآثار التي تعاضد الوصية الشريفة لتكون
كالشرح والبيان لها.
ففي الحديث المرفوع: " أشد الناس حسرة يوم القيامة رجل كسب
مالا من غير حلة فدخل به النار، وورثه من عمل فيه بطاعة الله فدخل به
الجنة ".
وفي الحديث الأول، من باب حب المال، من البحار: 16، 101.
ط الكمباني، عن أمالي الصدوق (ره) معنعنا، قال الإمام الصادق (ع): كان في
بني إسرائيل مجاعة حتى نبشوا الموتى فأكلوهم فنبشوا قبرا فوجدوا فيه
لوحا فيه مكتوب: " ما قدمنا وجدناه، وما أكلنا ربحناه وما خلفنا
خسرناه ".
وفي شرح المختار (45) من الباب الأول من نهج البلاغة من شرح ابن
أبي الحديد: 2 ص 155،: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأخوين
من الأنصار: " لا تيأسا من روح الله ما تزهزهت رؤوسكما، فان أحدكم
يولد لا قشر عليه، ثم يكسوه الله ويرزقه ".
وفي المختار (335) من قصار النهج، عن أمير المؤمنين (ع): " لكل
امرء في ماله شريكان: الوارث والحوادث ".
وفي المختار (416) من القصار أنه قال (ع) للإمام الحسن (ع):
237

" لا تخلفن وراءك شيئا من الدنيا، فإنك تخلفه لاحد رجلين: اما رجل عمل
فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت به، وإما رجل عمل فيه بمعصية الله (فشقي
بما جمعت له) فكنت عونا له على معصيته، وليس أحد هذين حقيقتا أن
تؤثره على نفسك ".
وفي الحديث (22) من باب حب المال، من البحار: 16، 102، ط
الكمباني، نقلا عن تفسير الإمام العسكري (ع) قال: " سئل أمير المؤمنين
عليه السلام من أعظم الناس حسرة، قال: من رأى ماله في ميزان غيره،
وأدخله الله به النار، وأدخل وارثه الجنة.
وفي الحديث (33) من مستدرك البحار: 17، ص 280، عن كفاية
النصوص معنعنا عن جنادة ابن أبي أمية قال: دخلت على الحسن بن علي بن أبي
طالب عليهما السلام في مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طشت يقذف عليه
الدم، ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي سقاه معاوية لعنه الله، فقلت:
يا مولاي مالك لا تعالج نفسك؟ فقال: يا عبد الله بماذا أعالج الموت؟ قلت
انا الله وانا إليه راجعون، ثم التفت إلي فقال: يا عبد الله بماذا أعالج الموت؟ قلت
انا لله وانا إليه راجعون. ثم التفت إلي فقال: والله انه لعهد عهده الينا رسول
الله صلى الله عليه وآله " إن هذا الامر يملكه إثنا عشر اماما من ولد علي (5)
وفاطمة، ما منا إلا مسموم أو مقتول " ثم رفعت الطشت، واتكى صلوات
الله عليه، فقلت له: عظني يا بن رسول الله. قال: نعم، استعد لسفرك،
وحصل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك،
ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه، واعلم أنك
لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك، واعلم أن
في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا
بمنزلة الميتة، خذ منها ما يقيك، فإن كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها،

(5) هذا من باب التغليب، وهو شائع في المحاورات.
238

وإن كان حراما لم يكن فيه وزر.
وفي شرح المختار (45) من خطب النهج لابن أبي الحديد، ج 2
ص 156: قيل للحسين عليه السلام: إن أبا ذر كان يقول: الفقر أحب إلي
من الغني والسقم أحب إلي من الصحة، فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا
فأقول من اتكل إلى حسن الاختيار من الله، لم يتمن انه في غير الحال التي
اختارها الله له، لعمري يا بن آدم الطير لا تأكل رغدا ولا تخبئ لغد، وأنت
تأكل رغدا وتخبئ لغد، فالطير أحسن ظنا منك بالله عز وجل.
وروى ابن عساكر في تاريخ الشام: 64، 142، عن بعض من أسلم
من أهل الكتاب، كلاما طويلا لعيسى بن مريم (ع) وفيه " يا بني إسرائيل
لا تحملوا على اليوم هم غد، حسب كل يوم همه، ولا يهتم أحدكم لرزق
غد، فإنكم لم تخلقوا لغد، وإنما خلق لكم غد، فخالق الغد يأتيكم فيه
بالرزق، ولا يقولن أحدكم إذا استقبل الشتاء من أين آكل ومن أين ألبس
، وإذا استقبله الصيف يقول: من أين آكل ومن أي أشرب، فإن كان لك
في الشتاء بقاء فلك فيه رزق، وإن كان لك في الصيف بقاء فلك فيه رزق،
ولا تحمل هم شتائك وصيفك على يومك، حسب هم كل يوم بما فيه،
يا معشر الحواريين ان ابن آدم خلق في الدنيا في أربعة منازل، فهو في
ثلاثة منها بالله واثق وطنه بالله حسن، وفي الرابعة سئ (كذا) ظنه بالله
يخاف خذلان الله إياه. أما المنزلة الأولى: فإنه يخلق في بطن أمه خلقا من
بعد خلق في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة، يدر
الله عليه رزقه في جوف ظلمة البطن، فإذا خرج من البطن وقع في اللبن،
لا يسعى اليه بقدم، ولا يتناوله بيد، ولا ينهض إليه بقوة بل يكره عليه حتى
يرتفع عن اللبن ويفطم ويقع في المنزلة الثالثة بين أبويه يكسبان عليه، فإذا
ماتا تركاه يتيما، فعطف عليه الناس يطعمه هذا ويكسوه هذا رحمة الله،
239

وكذلك الله تعالى لا يناول الله العباد شيئا من يده إلى أيديهم، ولكن يرزقهم
وينزل عليهم من خزائن ما عنده على يدي عباده بقدر ما يشاء، حتى إذا بلغ
منزلته الرابعة واستوى خلقه واجتمع وكان رجلا خشي أن لا يرزقه الله اجترأ
على الحرام، وعدا على الناس يقتلهم على الدنيا، فسبحان الله ما أبعد هذين
الامر (كذا) بعضهما من بعض، حسن ظنه بالله وهو صغير وإذا كبر ساء
ظنه فأوثق نفسه في طلب ما كفل له به. يا معشر الحواريين اعتبروا بالطير
يطير في جو السماء، هل رأيتم طيرا قط يدخر بالأمس رزق غد لم يرده
(كذا) يأوي إلى وكره بغير شئ ادخره، ثم يصبح غاديا مستبشرا
فيعرض له رزقه ثم يرجع كذا إلى وكره، وكذلك البهائم والسباع والحيتان
والوحوش، وابن آدم يدخر رزق الأبد في يوم لو قدر عليه، ولو فارق
الدنيا وعاين الآخرة لندم ندامة لا تغني عنه شيئا الخ ".
وقال (ع): بماذا نفع امرء نفسه، باعها بجميع ما في الدنيا، ثم ترك
ما باعها به ميراثا لغيره وأهلك نفسه، ولكن طوبي لامرء خلص نفسه واختارها
على جميع الدنيا.
وقال (ع) في ذم المال: فيه ثلاث خصال: يكسبه المرء من غير حله.
وان هو كسبه من حله منعه من حقه، وان هو وضعه في حقه شغله اصلاحه
عن عبادة ربه، وكان (ع) إذا مر بدار قد مات أهلها وخلف فيها غيرهم
يقول: ويحا لأربابك الذين ورثوك كيف لم يعتبروا باخوانهم الماضين.
وروى الصدوق (ره) عن أبيه، عن سعد، عن الاصفهاني، عن المنقري
عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: كان فيما وعظ به لقمان ابنه أن قال له: يا بني ليعتبر من قصر

(6) رواه مع التاليين مرسلا في مستدرك البحار: 17، 260 عن تنبيه
الخواطر.
240

يقينه وضعفت نيته في طلب الرزق، أن الله تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة
أحوال من أمره وآتاه رزقه، ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة،
ان الله تبارك وتعالى سيرزقه في الحال (في حال خ ل) الرابعة، أما أول
ذلك: فإنه كان في رحم أمه يرزقه هناك في قرار مكين حيث لا يؤذيه حر
ولا برد، ثم أخرجه من ذلك وأجرى له رزقا من لبن أمه ويربيه وينعشه
من غير حول به ولا قوة، ثم فطم من ذلك فأجرى له رزقا من كسب أبويه
برأفة ورحمة له من قلوبهما لا يملكان غير ذلك حتى أنهما يؤثر انه على
أنفسهما في أحوال كثيرة، حتى إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه ضاق به أمره
وظن الظنون بربه، وجحد الحقوق في ماله، وقتر على نفسه
وعياله، مخافة اقتار رزق وسوء يقين بالخلف من الله تبارك وتعالى في العاجل
والآجل فبئس العبد يا بني هذا (7).
وروى الكليني (ره) عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن
يحيى بن عقبة الأزدي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان فيما وعظ
به لقمان ابنه: يا بني ان الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا
ولم يبق من جمعوا له، وإنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت
عليه اجرا، فأوف عملك واستوف أجرك، ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة
شاة وقعت في أرض خضراء، فأكلت حتى سمنت فكان حتفها عند سمنها،
ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها
آخر الدهر، أخربها ولا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارتها، واعلم انك ستسأل غدا
إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع: شبابك فيما أبليته، وعمرك فيما
أفنيته ومالك مما اكتسبته وفيما أنفقته، فتأهب لذلك وأعد له جوابا، ولا تأس
على ما فاتك من الدنيا، فان قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه، وكثيرها لا يؤمن

(7) مستدرك البحار: 17، ص 265 نقلا عن قصص الأنبياء والخصال.
241

بلاؤه، فخد حذرك، وجد في أمرك، واكشف الغطاء عن وجهك، وتعرض
لمعروف ربك وجدد التوبة في قلبك، واكمش في فراغك قبل أن يقصد قصدك،
ويقضى قضاؤك، ويحال بينك وبين ما تريد (8).
وفي الحديث (21) من باب حب المال من البحار: 16، 102، ط
الكمباني، عن العياشي، عن عثمان بن عيسى، عمن حدثه، عن أبي عبد
الله (ع) في قول: (الله كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات) قال: هو
الرجل يدع المال لا ينفقه في طاعة الله بخلا، ثم يموت فيدعه لمن يعمل به
في طاعة الله أو في معصيته، فان عمل به في طاعة الله رآه في ميزان غيره فزاده
حسرة وقد كان المال له، [وإن ظ] عمل به في معصية الله، قواه بذلك
المال حتى عمل به في معاصي الله.
وفي الحديث (25) من الباب عن مجالس الشيخ المفيد معنعنا، عن القاسم
بن عروة، عن رجل، عن أحدهما (ع) في معنى قوله عز وجل: (كذلك
يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم) قال: الرجل يكسب مالا فيحرم أن يعمل
فيه خيرا، فيموت فيرثه غيره، فيعمل فيه عملا صالحا: فيري الرجل ما كسب
حسنات في ميزان غيره.
ورواهما عنهما صاحب البرهان في تفسير الآية، وهي الآية (167)
من سورة البقرة.
وفي الحديث الثاني عشر من باب نوادر الفقيه: 4، ص 281، ط
النجف معنعنا عن أبان بن عثمان الأحمر: انه جاء رجل الإمام الصادق عليه
السلام فقال له: بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله علمني موعظة. فقال له
عليه السلام: إن كان الله تبارك وتعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا؟
وإن كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا؟ وإن كان الحساب حقا فالجمع لماذا؟

(8) الحديث (30) من مستدرك البحار: 17، 268 نقلا عن الكافي.
242

وإن كان الخلف من الله عز وجل حقا فالبخل لماذا؟ الخ.
وروى في تفسير البرهان عن الكليني، عن أحمد ابن أبي عبد الله،
عن عثمان بن عيسى، عمن حدثه، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله
عز وجل: (كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم) قال: هو الرجل
يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله بخلا ثم يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله
أوفي معصية الله، فان عمل به في طاعة الله رآه في ميزان غيره فرآه حسرة
وقد كان المال له، وإن كان عمل به في معصية الله قواه بذلك المال حتى
عمل به في معصية الله.
وقال الطبرسي (ره) في مجمع البيان في معنى الآية: روى أصحابنا
عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: هو الرجل يكسب المال ولا يعمل فيه خيرا
، فيرثه من يعمل فيه عملا صالحا، فيرى الأول ما كسبه حسرة في
ميزان غيره.
وقال زيد الشهيد (ع): انك تقدم على ما قدمت، ولست تقدم على
ما تركت، فآثر ما تلقاه غدا على ما لا تراه أبدا، الحكمة الخالدة لابن
مسكويه (ره) ص 168، ط 1.
قيل: لما افتتح هارون الرشيد هرقلة وأباحها ثلاثة أيام، وكان بطريقها
الخارج عليه فسيل الرومي فنظر إليه الرشيد مقبلا على جدار فيه كتاب
باليونانية، وهو يطيل النظر فيه، فدعا به وقال له: لم تركت النظر إلى
إلى الانتهاب والغنيمة وأقبلت على هذا الجدار تنظر فيه؟ فقال: ان في هذا
الجدار كتابا هو أحب إلي من هرقلة وما فيها، قال الرشيد: وما هو؟ قال:
بسم الله الملك الحق المبين، ابن آدم غافص الفرصة عند امكانها، وكل الأمور
إلى وليه، ولا تحمل على قلبك هم يوم لم يأت بعد، ان يكن من أجلك
يأتك الله برزقك فيه، ولا تجعل سعيك في طلب المال أسوة المغرورين، فرب
243

جامع لبعل حليلته، واعلم أن تقتير المرء على نفسه هو توفير منه على غيره،
فالسعيد من اتعظ بهذه الكلمات ولم يضيعها.
قال الرشيد: أعدها علي يا فسيل. فأعادها عليه حتى حفظها.
وكتب الربيع بن خيثم إلى أخ له: أما بعد فرم جهازك، وافرغ من
دارك وكن وصي نفسك، ولا تجعل الناس أوصياءك، ولا تجعل الدنيا
أكبر همك، فإنه لا عوض من تقوى الله، ولا خلف من الله.
وفي ترجمة أبي ذر رحمه الله من تاريخ الشام: 63 ص 1248، من
الجزء التاسع عشر، معنعنا عن أبي ذر أنه قال: (في مالك شريكان أيهما
جاء أخذ ولم يؤامرك، الحدثان والقدر، كلاهما يمر على الغث والسمين
والورثة ينتظرون متى تموت فيأخذون ما تحت يدك، وأنت تقدم لنفسك،
فان استطعت أن لا تكون أخس لليلته (كذا) نصيبا فافعل.
وقيل: إن مالك ان لم يكن لك كنت له، وان لم تفنه أفناك، فكله
قبل أن يأكلك.
وقال ابن مسكويه (ره): ربما كان الفقر نوعا من أدب الله تعالى
وخيرة في العواقب، والحظوط لها أوقات، فلا تعجل على ثمرة لم تكن تدرك،
فإنك تنالها في أوانها عذبة، والمدبر لك أعلم بالوقت الذي تصلح فيه لما
تؤمل، فثق بخيرته في أمورك، ولا تجعل حوائجك طول عمرك في يومك
الذي أنت فيه فيضيق عليك قلبك، ويثقلك القنوط، اجعل بينك وبين
محبوباتك وقنياتك حجابا من ترقب زوالها، لئلا يفدحك فقد شئ منها إذا
نقلته الحوادث، فان من لم يتقدم بالتعزية قبل المصيبة، جرح قلبه الرزء،
وتفاوت أمره إذا هجم عليه، وقد قسم الزمان النعم، وجعل لها وقتا وأجلا
ولم يعد الخلود بها الخ. الحكمة الخالدة ص 86.
وفي العقد الفريد: 2، ص 139، ط 2: لما حضرت هشام بن عبد
244

الملك الوفاة نظر إلى أهله يبكون عليه، فقال: جادلكم هشام بالدنيا، وجدتم
له بالبكاء، وترك لكم ما جمع، وتركتم عليه ما حمل، ما أعظم منقلب هشام
ان لم يغفر الله له.
ودخل الحسن على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه، فرآه يصعد
بصره في صندوق في بيته ويصوبه، ثم التفت إلى الحسن فقال: أبا سعيد!
ما تقول في مأة ألف في هذا الصندوق لم أؤد منها زكاة ولم أصل بها رحما؟
فقال له: ثكلتك أمك! لمن كنت تجمعها؟ قال: لروعة الزمان، وجفوة
السلطان، ومكاثرة العشيرة. ثم مات فشهد الحسن جنازته، فلما فرغ من
دفنه ضرب بيده على القبر ثم قال: أنظروا إلى هذا أتاه شيطانه فحذره
روعة زمانه، وجفوة سلطانه، ومكاثرة عشيرته عما استودعه الله فيه وعمره
فيه أنظروا إليه يخرج منها مذموما مدحورا. ثم قال: أيها الوارث لا تخدعن
كما خدع صويحبك بالأمس، أتاك هذا المال حلالا، فلا يكون عليك وبالا،
أتاك عفوا صفوا ممن كان له جموعا منوعا.
ثم ينبغي أيضا أن نذكر شذرة من الحكم التي نظمها الشعراء في الموضوع.
في المختار (19) من باب الراء، من الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين
عليه السلام:
ما هذه الدنيا لطالبها * الا عناء وهو لا يدري
ان أقبلت شغلت ديانته * أو أدبرت شغلته بالفقر
وفي ترجمته (ع) من تاريخ ابن عساكر: ص 142. وكذلك نقله
السيد الأمين (ره) في المختار الثاني، من حرف الباء، من الديوان،
عن جواهر المطالب:
حقيق بالتواضع من يموت * ويكفي المرء من دنياه قوت
فما للمرء يصبح ذا هموم * وحرص ليس تدركه النعوت
245

فيا هذا سترحل عن قريب * إلى قوم كلامهم سكوت
وقال السيد الشريف الرضي رضوان الله عليه:
خذ من تراثك ما استطعت فإنما * شركاؤك الأيام والوراث
المال مال المرء ما بلغت به * الشهوات أو دفعت به الأحداث
ما كان منه فاضلا عن قوته * فليوقنن بأنه ميراث
لم يقض حق المال الا معشر * نظروا الزمان يعيث فيه فعاثوا
مالي وللدنيا الخؤن بحاجة * فليخش ساحر كيدها النفاث
عاداتها منقوصة وعهودها * منكوثة وحبالها أنكاث
طلقتها ألفا لأحسم داءها * وطلاق من عزم الطلاق ثلاث
وقال الوراق على ما نقله عنه جمال المفسرين أبو الفتوح (ره) في
تفسيره ج 3 ص 271 -.
أسعد بمالك في حياتك إنما * يبقى خلافك مصلح أو مفسد
فإذا جمعت لمفسد لم يبقه * وأخو الصلاح قليله يتزيد
فان استطعت فكن لنفسك وارثا * ان المورث نفسه لمسود
وقال آخر:
يا مانع المال كم تضن به * تطمع بالله في الخلود معه
هل حمل المال ميت معه * أما تراه لغيره جمعه
وقال آخر:
ان الذي أنت فيه لست حامله إلى التراب إذا ما عمرك انصر ما
ان الجديدين في طول اختلافهما لا يبقيان ثراء لا ولا عدما
وقال أبو حيان:
وزهدني في جمعي المال انه * إذا ما انتهى عند الفتى فارق العمرا
فلا روحه يوما أراح من العنا * ولم يكتسب حمدا ولم يدخر أجرا
246

وقال البحتري:
إذا ما كان عندي قوت يوم * طرحت الهم عني يا سعيد
ولم تخطر هموم غد ببالي * لأن غدا له رزق جديد
وقال آخر:
يفني البخيل بجمع المال مدته * وللحوادث والأيام ما يدع
كدودة القز ما تبنيه يهدمها * وغيرها بالذي تبنيه ينتفع
وقال غيره:
مالي أراك الدهر تجمع دائبا * البعل عرسك لا أبالك تجمع
وقال آخر:
وما المال والأهلون الا وديعة * ولا بد يوما أن ترد الودائع
وقال آخر:
أيا جامع المال وفرته * لغيرك إذ لم تكن خالدا
فان قلت: أجمعه للبنين * فقد يسبق الولد الوالدا
وان قلت: أخشى صروف الزمان * فكن من تصاريفه واجدا
ولبعضهم:
يا جامعا مانعا والدهر يرمقه * مدبرا أي باب عنه يغلقه
وناسيا كيف تأتيه منيته * أغاديا أم بها يسري فتطرقه
جمعت مالا فقل لي هل جمعت له * يا جامع المال أياما تفرقه
المال عندك مخزون لوارثه * ما المال مالك الا يوم تنفقه
أرفه ببال فتى يغدو على ثقة * ان الذي قسم الأرزاق يرزقه
فالعرض منه مصون لا يدنسه * والوجه منه جديد ليس يخلقه
ان القناعة من يحلل بساحتها * لم يلق في ظلها هما يؤرقه
247

وقال الأضبط بن قريع:
ارض من الدهر ما أتاك به * من يرض يوما بعيشه نفعه
قد يجمع المال غير آكله * ويأكل المال غير من جمعه
وقال آخر:
زينت بيتك جاهلا وعمرته * ولعل صهرك صاحب البيت
من كانت الأيام سائرة به * فكأنه قد حل بالموت
والمرء مرتهن بسوف وليتني * وهلاكه في السوف والليت
لله در فتى تدبر أمره * فغدا وراح مبادر الموت
وقال صريع الغواني:
كم رأينا من أناس هلكوا * قد بكوا أحبابهم ثم بكوا
تركوا الدنيا لمن بعدهم * ودهم لو قدموا ما تركوا
كم رأينا من ملوك سوقة * ورأينا سوقة قد ملكوا
وقال أبو العتاهية:
ستخلق جدة وتجود حال * وعند الحق تختبر الرجال
وللدنيا ودائع في قلوب * بها جرت القطيعة والوصال
تخوف ما لعلك لا تراه * وترجو ما لعلك لا تنال
وقد طلع الهلال لهدم عمري * وافرح كلما طلع الهلال
وقال آخر:
وهبني جمعت المال ثم خزنته * وجاءت وفاتي هل أزاد به عمرا
وقال آخر:
إذا خزن المال البخيل فإنه * سيورثه غما ويعقبه وزرا
وقال أبو العتاهية:
أخي ادخر مهما استطعت ليوم بؤسك وافتقارك
248

فلتنزلن بمنزل * تحتاج فيه إلى ادخارك
وله أيضا:
أبقيت مالك ميراثا لوارثه * يا ليت شعري ما أبقى لك المال
القوم بعدك في حال تسوؤهم * فكيف دارت بهم من بعدك الحال
ملوا البكاء فما يبكيك من أحد * واستحكم القيل في الميراث والقال
وقال محمد بن حازم:
ما الفقر عار ولا الغنى شرف * ولا سخاء في طاعة سرف
ما لك الا شئ تقدمه * وكل شئ أخرته تلف
تركك مالا لوارث يتهناه وتصلى بحره أسف
وقال آخر:
نل ما بدا لك أن تنال من الغنى * ان أنت لم تقنع فأنت فقير
يا جامع المال الكثير لغيره * ان الصغير غدا يكون كبير
ونعم ما قيل:
الا يا جامع الأموال هلا * جمعت لها زمانا بافتراق
رأيتك تركب الأبحار جهلا * وأنت تكاد تغرق في السواقي
إذا أحرزت مال الأرض طرا * فمالك فوق عيشك من تراق
أتأكل كل يوم ألف كبش * وتلبس ألف طاق فوق طاق
فضول المال ذا هبة جزافا * كماء صب في كأس دهاق
يفيض سدى وقد بسطوا عليها * فينقص ملؤها عند اندفاق
وما أحسن ما أفاده آخر:
يا راكب الهول والآفات والهلكة * لا تتعبن فليس الرزق بالحركة
من غير ربك في السبع العلى ملك * ومن أقام على أرجائها ملكه
سبحانه من لطيف في مشيته * أدار فيها بما قد شا [ء] ه فلكه
249

أما ترى البحر والصياد منتصب * في ليله ونجوم الليل مشتبكة
قد شد أطرافه والليل يضربه * وعينه بين عيني كلكل الشبكة
حتى إذا صار مسرورا به فرحا * والحوت قد شق سفود الردي حنكه
غدا عليك به صفوا بلا تعب * فصرت أملك منه للذي ملكه
صنعا من الله يعطي ذا بحيلة ذا * هذا يصيد وهذا يأكل السمكة
وقال أبو يعقوب الخريمي:
هل الدهر الا صرفه ونوائبه * وسراء عيش زائل ومصائبه
يقول الفتى: ثمرت مالي وإنما * لوارثه ما ثمر المال كاسبه
يحاسب فيه نفسه في حياته * ويتركه نهبا لمن لا يحاسبه
فكله وأطعمه وخالسه وارثا * شحيحا ودهرا تعتريك نوائبه
250

- 32 -
ومن وصية له عليه السلام
قال ابن قتيبة: قيل لما ضرب علي (عليه السلام) دعا أولاده وقال لهم:
عليكم بتقوى الله وطاعته. وألا تأسوا على ما صرف
عنكم منها، وانهضوا إلى عبادة ربكم، وشمروا عن ساق الجد
ولا تثاقلوا إلى الأرض، وتقروا بالخسف وتبوؤا (1) بالذل.
اللهم اجمعنا وإياهم على الهدى، وزهدنا وإياهم في
الدنيا، واجعل الآخرة خيرا لنا ولهم من الأولى، والسلام.

(1) الخسف - كفلس -: النقيصة. الجوع. وتبوؤا: تنصرفوا
وترجعوا.
251

- 33 -
ومن وصية له عليه السلام
الشيخ أبو علي ابن شيخ الطائفة رفع الله ذكرهما، عن أبيه، قال:
أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل قال: حدثنا جعفر بن محمد أبو القاسم
الموسوي العلوي في منزله بمكة، قال: حدثنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك
قال: حدثنا عبد الله بن جبلة، عن حميد بن شعيب الهمداني، عن جابر بن
يزيد، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهم السلام، قال: لما احتضر أمير
المؤمنين عليه السلام، جمع بنيه حسنا وحسينا وابن الحنفية، والأصاغر
من ولده، فوصاهم وكان في آخر وصيته:
يا بني عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم وإن فقدتم
بكوا عليكم.
يا بني إن القلوب جنود مجندة نتلاحظ بالمودة، تتناجى
بها، وكذلك هي في البغض، فإذا أحببتم الرجل من غير
خير سبق منه إليكم فارجوه، وإذا أبغضتم الرجل من غير
سوء سبق منه إليكم فاحذروه.
الحديث السادس من المجلس (25) من مجالس ابن الشيخ (ره)
ص 207 ط 1.
ورواه عنه المجلسي العظيم (ره) في البحار: 14، ص 430. وكذلك
في الحديث (50) من الباب (127) من البحار: ج 42، ص 147، ط
الحديثة بطهران، وفي ط الكمباني ج 9 ص 661. وصدرها ذكره ابن عبد
ربه تحت الرقم الثاني، من كتاب كلام الاعراب، من العقد الفريد: 2،
252

ص 280، س 1، ط 2، ونسبه إلى أعرابي،، وكم في العقد الفريد من جواهر
كلمه التي قامت الشواهد القطعية على أنها منه (ع) نسبت إلى غيره، وسببها
اما الجهل بكونه منه (ع) لتقية الرواة من طغاة زمانهم، أو اضمار الراوي
أو صاحب الكتاب غل أمير المؤمنين (ع).
ثم إن كلام الإمام الباقر (ع) صريح في أن هذه القطعة - المذكورة
هنا - جزء ذكره أمير المؤمنين (ع) في آخر وصيته، ولم أجدها من حين
شروعي - وهو العام 1373، الهجري - في هذا المشروع المقدس، إلى
الآن - وهو العام 1386 - بأجمعها كاملة في طريق آخر أيضا.
نعم القطعة الأولى منها - الدالة على جميل المعاشرة الحاثة على حسن
المصاحبة، الآمرة بالمعاملة مع الناس، بحيث لو غاب عنهم حنوا واشتاقوا
إليه، وان فقد أو مات بكوا عليه - قد تقدم في المختار (14) من هذا
الباب، برواية السبط ابن الجوزي بسند آخر.
والفقرة الأولى معناها واضحة، وما يعاضدها من الأدلة كثيرة، وقد
أسلفنا نبذا منها في شرح وصيته (ع) إلى محمد بن الحنفية في باب حسن
الخلق، في الفائدة السابعة ص 357
واما الفقرة الأخيرة فالظاهر منها - بقرينة ذيلها - انها تشير إلى
توافق بعض النفوس مع الآخر بحسب التكوين، وان الأنس والألفة بين
المتجانسين، والتنافر والوحشة بين المتخالفين، امر غير مولود عن المعاشرة
وحسن الصنيعة السابقة أو سوئها، وهذا أيضا مع أنه كالبديهي - إذ ميل
بعض الافراد إلى البعض الاخر، وانزجار بعض الأشخاص عن البعض الاخر
من أبناء نوعه بلا اي إساءة - امر مشهود في جميع الطبقات والأماكن وله
شواهد في الاخبار:
قال ابن عبد ربه تحت الرقم (41) من كتاب الياقوتة في العلم والأدب
253

من العقد الفريد ج 1، ص 309، ط 2: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(الأنفس أجناد مجندة، وانها لتتسام في الهوى كما تتسام الخيل (1) فما
تعارف منه ائتلف وما تناكر منها اختلف.
وقد عد الشيخ الصدوق (ره) - في الحديث الثامن، من باب نوادر
الفقيه: 4، ص 272، س 1، عكسا، طبع النجف - من جملة ألفاظ
رسول الله صلى الله عليه وآله، الموجزة التي لم يسبق إليها، قوله: (الأرواح
جنود مجندة، فما تعارف منها إئتلف، وما تناكر منها اختلف) (2).
وعن الكشي (ره) قال: وجدت في كتاب جبرئيل بن أحمد بخطه،
حدثني محمد بن عيسى، عن محمد بن الفضيل، عن أبي عبد الله ابن
عبد الرحمان، عن الهيثم بن واقد، عن ميمون بن عبد الله، عن [الإمام]
الصادق، عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله (ص): خلق الله الأرواح قبل
الأجساد بألفي عام، ثم أسكنها الهواء، فما تعارف منها ثم، ائتلف ههنا،
وما تناكر ثم، اختلف ههنا.
أقول: قال الطريحي (ره) في مادة جند من المجمع: وفي ا لحديث
(الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.)
قوله: (مجندة) أي مجموعة، كما يقال: ألوف مؤلفة، وقناطير

(1) كذا في النسخة، ولعل الصواب: (لتتشام في الهواء) الخ.
(2) وقال النوبختي (ره) في صنوف الغالية من الشيعة، من كتاب فرق
الشيعة 39، ما حاصله: ان أصحاب عبد الله بن معاوية يزعمون أنهم يتعارفون
في انتقالهم في كل جسد صاروا فيه على ما كانوا عليه مع نوح في السفينة،
ومع كل نبي في عصره وزمانه، ويسمون أنفسهم بأسماء أصحاب النبي (ص).
ويزعمون ان أرواحهم فيهم، ويتأولون في ذلك قول علي بن أبي طالب عليه
السلام، وقد روي أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله: (ان الأرواح جنود
مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).
254

مقنطرة، ومعناه الاخبار عن مبدأ كون الأرواح وتقدمها الأجساد، أي انها
خلقت أول خلقها من ايتلاف واختلاف، كالجنود المجموعة إذا تقابلت
وتواجهت، ومعنى تقابل الأرواح: ما جعلها الله عليه من السعادة والشقاوة،
والأخلاق في مبدأ الخلق يقول: ان الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في
الدنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه، ولهذا ترى الخير يحب
الأخيار ويميل إليهم والشرير يحب الأشرار ويميل إليهم.
وعن الشيخ المفيد المعنى فيه: ان الأرواح التي هي البسائط تتناظر
بالجنس، وتتجادل بالعوارض، فما تعارف منها باتفاق الرأي والهوى إئتلف،
وما تناكر منها بمباينة في الرأي والهوى اختلف، وهذا موجود حسا
ومشاهدة، وليس يعني بذلك ما تعارف منها في الذر أيتلف - كما يذهب
إليه الحشوية - لما بيناه من أنه لا علم للانسان بحال كان يعلمها قبل ظهوره
في هذا العالم. وفيه نظر.
أقول: وقريب مما افاده الطريحي ذكره ابن الأثير في النهاية، وابن
منظور في لسان العرب.
وقال العلامة المجلسي (ره): قال الكرماني في شرح البخاري - في
معنى الحديث -: أي خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسامها، فمن وافق
الصفة ألفه، ومن باعد نافره.
وقال الخطابي: خلقت قبلها فكانت تلتقي، فلما التبست بها تعارفت
بالذكر الأول، فصار كل إنما يعرف وينكر على ما سبق له من العهد.
وقال النووي (مجندة) أي جموع مجتمعة وأنواع مختلفة، وتعارفها
لامر جعلها الله عليه. وقيل: موافقة صفاتها وتناسبها في شيمتها.
وقال الطيبي: الفاء في (فما تعارف) تدل على تقدم اشتباك في الأزل،
ثم تفرق فيما لا يزال، أزمنة متطاولة، ثم ائتلاف بعد تناكر، كمن فقد
255

أنيسه ثم اتصل به فلزمه وانس به، وان لم يسبق له اختلاط معه اشمأز
منه. ودل التشبيه بالجنود على أن ذلك الاجتماع في الأزل كان لامر عظيم،
من فتح بلاد وقهر أعداء. ودل على أن أحد الحزبين حزب الله والآخر حزب
الشيطان، وهذا التعارف الهامات من الله من غير اشعار منهم بالسابقة.
وعن كتاب بصائر الدرجات ص 24، معنعنا، عن بعض أصحاب أمير
المؤمنين (ع) قال: دخل عبد الرحمان بن ملجم - لعنه الله على أمير المؤمنين
عليه السلام، في وفد مصر الذي أوفدهم محمد بن أبي بكر، ومعه كتاب
الوفد، قال: فلما سمع باسم عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله.
قال: أنت عبد الرحمان؟ لعن الله عبد الرحمان.
قال: نعم يا أمير المؤمنين، أما والله يا أمير المؤمنين اني لأحبك.
قال: كذبت والله ما تحبني - ثلاثا -.
قال: يا أمير المؤمنين أحلف ثلاثة ايمان اني أحبك، وتحلف ثلاثة ايمان
اني لا أحبك؟! قال: ويلك - أو ويحك - ان الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي
عام، فأسكنها الهواء، فما تعارف منها هنالك ائتلف في الدنيا، وما تناكر
منها هنا اختلف في الدنيا، وان روحي لا تعرف روحك.
قال: فلما ولى قال: إذا سركم ان تنظروا إلى قاتلي، فانظروا إلى
هذا. قال: بعض القوم: أو لا تقتله - أو قال: نقتله - فقال: ما أعجب من
هذا! تأمروني أن أقتل قاتلي! لعنه الله.
ورواه عنه في الحديث (14)، من الباب (126)، من البحار: 9 ص 647
س 10، عكسا، وفي ط ج 43، ص 196. ورواه أيضا في المجلد الرابع
عشر، ص 427.
256

وفي الحديث (18)، من الباب (32)، من البحار: 1، ص 151، ط
الكمباني، نقلا عن مصباح الشريعة، قال قال أمير المؤمنين (ع): الأرواح
جنود مجندة، فما تعارف منها إئتلف، وما تناكر منها اختلف.
وفي الحديث (37)، من الباب (15)، من البحار: 16، ص 54
ط الكمباني، نقلا عن كتاب الدرة الباهرة، قال: قال أمير المؤمنين (ع):
اتقوا من تبغضه قلوبكم
وفي البحار: 14، ص 435، ط الكمباني، في الحديث الثاني، من
الباب، عن بصائر الدرجات معنعنا، عن سلام ابن أبي عمير، عن عمارة
قال: كنت جالسا عند أمير المؤمنين (ع) إذ اقبل رجل فسلم عليه، ثم قال:
يا أمير المؤمنين والله اني لأحبك، فسأله ثم قال له: ان الأرواح خلقت قبل
الأبدان بألفي عام، ثم أسكنت الهواء، فما تعارف منها ثم، إئتلف ههنا،
وما تناكر منها ثم، اختلف ههنا، وان روحي أنكرت روحك.
أقول: وفي الباب شواهد كثيرة لكن بألفاظ أخر، وبعضها مذكور في
ترجمة أصبغ بن نباتة، من الجزء الأول من هذا الباب ص 462.
وفي كنز الفوائد ص 194، ط الأولى عنه (ع) قال: النفوس أشكال،
فما تشاكل منها اتفق، والناس إلى أشكالهم أميل.
ونعم ما أفاده الشاعر في المقام:
إن النفوس لأجناد مجندة * بالاذن من ربنا تجري وتختلف
فما تعارف منها فهو مؤتلف وما تناكر منها فهو مختلف
وفي الحديث (30)، من كلم الإمام الباقر (ع) من تحف العقول ص
215 عنه (ع): اعرف المودة في قلب أخيك، بما له في قلبك.
وروى المجلسي العظيم في الحديث (30)، من الباب (17)، من البحار:
16، ص 77، س 10، عن كتاب المؤمن، باسناده عن أبي عبد الله (ع) قال:
257

الأرواح جنود مجندة تلتقي فتتشام كما تتشأم الخيل، فما تعارف منها ائتلف.
وما تناكر منها اختلف، ولو أن مؤمنا جاء إلى مسجد فيه أناس كثير ليس
فيهم إلا مؤمن واحد لمالت روحه إلى ذلك المؤمن حتى يجلس إليه.
وفي الحديث الأول، من الباب (20)، من الكتاب ص 78، س 3
عكسا، نقلا عن امالي الشيخ، معنعنا، عن سدير قال: قلت لأبي عبد الله (ع)
إني لألقى الرجل لم أره ولم يرني فيما مضى قبل يومه ذلك، فأحبه حبا
شديدا، فإذا كلمته وجدته لي مثل ما أنا عليه له، ويخبرني انه يجد لي
مثل الذي أجد له. فقال: صدقت يا سدير، ان ائتلاف قلوب الأبرار إذا
التقوا - وان لم يظهروا التودد بألسنتهم - كسرعة اختلاف قطر السماء على
مياه الأنهار، وإن بعد ائتلاف قلوب الفجار إذا التقوا - وان أظهروا التودد
بألسنتهم - كبعد البهائم من التعاطف، وان طال ائتلافها على مزود واحد.
ورواه أيضا في البحار: 14، ص 430، عن مجالس ابن الشيخ.
وفي البحار: 14، ص 426، عن كتاب محمد بن مثنى الحضرمي،
عن جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي، عن حميد بن شعيب، عن جابر بن
يزيد، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: الأرواح جنود مجندة، فما
تعارف منها عند الله ائتلف في الأرض، وما تناكر عند الله اختلف في الأرض.
فيه ص 427، عن علل الشرائع معنعنا عنه (ع) قال: الأرواح جنود
مجندة، فما تعارف منها في الميثاق، ائتلف ههنا، وما تناكر منها في الميثاق
اختلف ههنا، والميثاق هو في هذا الحجر الأسود. الخ.
وفيه أيضا عن العلل معنعنا عنه (ع) قال: ان الله تبارك وتعالى اخذ
ميثاق العباد وهم أظلة قبل الميلاد، فما تعارف من الأرواح ائتلف، وما تناكر
منها اختلف.
وفيه أيضا عن العلل معنعنا، عن حبيب، عمن رواه عن أبي عبد الله (ع)
258

قال: ما تقول في (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما
تناكر منها اختلف)؟
قال فقلت: انا نقول ذلك.
قال: فإنه كذلك، ان الله عز وجل أخذ على العباد ميثاقهم وهم أظلة
قبل الميلاد، وهو قوله عز وجل: (وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم
ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم) الخ. قال: فمن أقر له يومئذ جاءت ألفته
ههنا، ومن أنكره يومئذ جاء خلافه ههنا.
وروى ثقة الاسلام الكليني (ره)، في الحديث الأول، من الباب الرابع
عشر، من كتاب العشرة، من الكافي: 2، ص 652، ط طهران معنعنا، عن
حماد بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أنظر قلبك
فإذا انكر صاحبك، فان أحدكما قد احتث (3).
وفي الحديث الثاني، من الباب، عن عدة من أصحابنا معنعنا، عن
صالح بن الحكم قال: سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله عليه السلام فقال:
الرجل يقول: أودك. فكيف أعلم انه يودني؟ فقال: امتحن قلبك فان
كنت توده فإنه يودك.
وفي الحديث الثالث من الباب معنعنا، عن مسعدة بن اليسع قال:
قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام: اني والله لأحبك. فأطرق
ثم رفع رأسه فقال: صدقت يا أبا بشر (بشير خ) سل قلبك عما لك في
قلبي من حبك، فقد اعلمني قلبي عما لي في قلبك.
وفي الحديث الخامس معنعنا، عن جراح المدائني، عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: انظر قلبك فان انكر صاحبك فاعلم أن أحدكما قد احدث.
وفي الحديث الرابع، من الباب، عن عدة من أصحابنا معنعنا، عن

(3) أي أحدث ما يوجب التنافر وسلب المحبة.
259

الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: لا تنسني من الدعاء.
قال: [أ] وتعلم اني أنساك؟ قال: فتفكرت في نفسي وقلت: هو يدعو
لشيعته وأنا من شيعته (قلت: لا، لا تنساني. قال: وكيف علمت ذلك؟
قلت: اني من شيعتك وانك لتدعو لهم. فقال: هل علمت بشئ غير هذا؟
قال: قلت: لا. قال: إذا أردت ان تعلم ما لك عندي، فانظر [إلى] ما
لي عندك.
وقال الإمام الهادي عليه السلام للمتوكل: لا تطلب الصفاء ممن كدرت
عليه، ولا الوفاء لمن غدرت به، ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك إليه،
فإنما قلب غيرك كقلبك له.
وفي شرح المختار (45)، من الباب الأول، من خطب النهج، من ابن
أبي الحديد: 3 ص 162،: لقى هرم بن حيان أويسا القرني فقال: السلام
عليك يا أويس بن عامر. فقال: وعليك السلام يا هرم بن حيان. فقال
هرم: أما اني عرفتك بالصفة، فكيف عرفتني؟ قال: ان أرواح المؤمنين
لتشام كما تشام الخيل، فيعرف بعضها بعضا. قال: أوصني. قال: عليك
بسيف البحر. قال: فمن أين المعاش. قال: أف لك خالطت الشك الموعظة،
أتفر إلى الله بدينك، وتتهمه في رزقك؟!
هذا مجمل ما يعاضد به متن الوصية ومدلولها، وأما ترجمة رواتها
فإليك بيانها:
260

ترجمة أبي المفضل الشيباني
محمد بن عبد الله بن محمد
قال ابن عساكر في تاريخ الشام: 50، ص 716:
محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن همام: أبو المفضل الشيباني
الكوفي الحافظ، سمع بدمشق زكريا بن أحمد البلخي قاضي دمشق، وأبا
الدخداح التميمي (كذا)، ومحمد بن يوسف بن بشر الهروي، ومحمد بن
جعفر بن ملاس، وحدث ببغداد عن محمد بن جرير الطبري، ومحمد بن
محمد بن سليمان الباغندي، وجعفر بن حمدان بن يحيى بن يزيد الموصلي،
ومحمد بن سليمان بن أيوب القاضي بالبصرة، وإسحاق بن حمدان أبا يعقوب
البلخي، ومحمد بن هارون الحضرمي، وأبي القاسم البغوي، ومحمد بن
هارون بن حميد بن المجدر، ومحمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي، ومحمد
ابن العباس اليزيدي، وأبي بكر بن أبي داود، ومحمد بن الحسين الأشناني،
وعبد الله بن أبي سفيان الموصلي، ومحمد بن القاسم بن زكريا المحاربي.
وسمع من أبي الفضل العباس بن الفضل الداناج البغدادي بحلب، وخلق
كثير من البغداديين والشاميين وأهل الثغور.
روى عنه من أهل دمشق تمام بن محمد، وأبو نصر ابن الجبان، ومن
غيرهم أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمان الحسني الكوفي،
وأبو نصر أحمد بن شاه المزوزي (كذا)، وأبو الحسن النعيمي، والقاضي
أبو العلاء الواسطي، وأبو محمد الخلال، وأبو القاسم التنوخي، والأزهري،
وأبو الحسن العتيقي، وعبد الملك بن عبد القاهر الأسدي وغيرهم.
أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد،
261

أخبرنا تمام بن محمد، أخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن همام الشيباني
الحافظ البغدادي، قدم دمشق، أخبرنا محمد بن عبد الله الطائي بحمص،
أخبرنا إسماعيل بن محمد أبو هارون الحرسي (كذا)، أخبرنا دواد بن الجريح
أخبرنا عباد بن عباد يعني الخواص، عن الأوزاعي، عن يحيى بن عبيد الله،
عن أبيه، عن أبي هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان
ذا لسانين في الدنيا جعل الله له لسانين في النار (كذا).
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أخبرنا أبو القاسم التنوخي، أخبرنا
أبو بكر بن شاذان، وعبيد الله بن محمد بن حبابه، وعمر بن إبراهيم الكتاني
(كذا)، وعيسى بن علي بن عيسى، وأبو المفضل الشيباني، قالوا: أخبرنا
عبد الله بن محمد البغوي، أخبرنا علي بن الجغدا (كذا)، أخبرنا سعبة
وهشيم، عن يعلي بن عطا، عن عمارة بن حديد، عن صخر العامدي، ان
النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لا متي في بكورها. قال:
وأخبرنا أبو القاسم التنوخي، أخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن محمد
الكوفي، أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن نصر الصنيعي، أخبرنا طاهر
ابن خلد بن نزار، أخبرنا أبي، أخبرنا القاسم بن مبرور، عن عباد يعني ابن
كثير، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، وعباد، عن أبي
الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من ذرعه القئ في شهر رمضان فلا يفطر، ومن تقيأ عامدا فقد أفطر.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، وأبو الحسن بن قبيس، قالا
أخبرنا أبو منصور بن خيرون، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو الفتح
محمد بن الحسين العطار، - قطيط -:، أخبرنا محمد بن عبد الله بن المطلب
الشيباني، أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى بن العراد الكبير، أخبرنا محمد
ابن الحسن بن شمون البصري، أخبرنا أبو شعيب حميد بن شعيب، حدثني
262

أبو جميلة، عن أبان بن تغلب عن محمد بن علي أبي جعفر، عن أبيه، عن
جده، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: ما تحبب
إلي عبدي بأحب إلي من أداء ما افترضت عليه. وذكر الحديث.
قال الخطيب: سمعت من يذكر ان أبا المفضل لما حدث عن ابن العراد،
قيل له: من أيهما سمعت، من الأكبر أو الأصغر؟ وكانا أخوين. فقال من
الأكبر. فسئل عن السنة التي سمع منه فيها. فذكر وقتامات العراد الأكبر
قبله بمدة. فكذبه الدارقطني في ذلك، وسقط حديثه (4).
أخبرنا أبو السعود ابن المحلي، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا احمد
ابن أبي جعفر القطيعي، أخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن
همام بن المطلب الشيباني، حدثني محمد بن عبد الحي بن سويد الحربي
الحافظ، أخبرنا عمران بن موسى الجنديسابوري نزيل بردعة، أخبرنا سورة
ابن زهير العامري من أهل البصرة، حدثني هشيم، عن الزبير بن عدي، عن
انس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن الدنيا
كلها بحذافيرها بيد رجل من أمتي ثم قال: الحمد لله، لكانت الحمد لله أفضل
من ذلك كله.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، وأبو الحسن علي بن أحمد، وأبو
منصور بن خيرون، قالوا: قال لنا أبو بكر الخطيب: محمد بن عبد الله بن
محمد بن عبيد الله أبو المفضل الشيباني الكوفي نزل بغداد، وحدث بها عن
محمد بن جرير الطبري، ومحمد بن العباس اليزيدي ومحمد بن محمد
الباغندي، وعبد الله بن محمد البغوي، وأبي بكر بن أبي داود، ومحمد بن

(4) أقول: من الفطريات عدم سماع دعوى الخصم على خصمه بلا بينة
وبرهان، وتحامل علماء السنة على محبي أمير المؤمنين (ع) ورميهم بكل
قبيح وسوء، أمر غير خفي على من مارس التواريخ، فهذه النسبة ساقطة.
263

الحسين الأشناني، وعبد الله ابن أبي سفيان الموصلي، ومحمد بن القاسم بن
زكريا المحاربي، وعن خلق كثير من المصريين والشاميين والجزريين وأهل
الثغور معروفين ومجهولين، وكان يروي غرايب الحديث وسؤالات الشيوخ،
فكتب عنه الناس بانتخاب الدارقطني، ثم بان كذبه، فمزقوا حديثه،
وأبطلوا روايته، وكان بعد يضع الأحاديث للرافضة، ويملي في مسجد الشرفية.
حدثني عنه أبو الحسن النعيمي، والقاضي أبو العلاء الواسطي، وأبو
محمد الواسطي، وأبو محمد الخلال، وأبو القاسم الأزهري، وأحمد بن
محمد العتيقي، وعبد الملك بن عبد القاهر الأسدي، والقاضي التنوخي، وغيرهم.
حدثني عبد الملك بن عبد القاهر، قال: أبو المفضل محمد بن عبد الله بن
محمد بن عبيد الله بن البهلول بن همام بن المطلب بن همام بن مطر بن بحر
ابن مرة بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان.
قال: وأخبرنا علي ابن أبي علي قال: سألت أبا المفضل عن مولده.
فقال: في سنة سبع وتسعين ومأتين، وأول سماعي الصحيح سنة ست
وثلاثمائة. قال: وحدثني القاضي أبو العلاء الواسطي، قال: كان أبو
الفضل حسن الهيئة، جميل الظاهر، نظيف اللبسة. وسمعت الدارقطني
سئل عنه، فقال: يشبه الشيوخ.
أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أخبرنا إسماعيل بن مسعدة، أخبرنا
حمزة بن يوسف إجازة، قال ذكر للشيخ أبي الحسن الدارقطني ان أبا المفضل
محمد بن عبد الله الشيباني حيلولة.
وأخبرنا أبو القاسم النسيب وأبو الحسن الزاهد، قالا: أخبرنا أبو
منصور بن خيرون، أخبرنا أبو بكر الحافظ، حدثني علي بن محمد بن
نصر، قال: سمعت حمزة بن يوسف، يقول: ذكر لأبي الحسن الدارقطني
ان أبا المفضل الشيباني حدث عن العمري، عن أبي كريب، بحديث شعبة
264

عن الحكم، عن مغنم (5)، عن ابن عباس (لا يحرم بالحج الا في اشهر الحج).
قال أبو الحسن: حدث عدو الله بهذا! معاذ الله ما حدث العمري بهذا
البتة، هو ذا يركب أيضا. قالوا: وقال لنا الخطيب: سمعت الأزهري ذكر
أبا المفضل فأساء ذكره والثناء عليه. ثم قال: وقد كان يحفظ. وقال أبو
الحسن الدارقطني: أبو المفضل يشبه الشيوخ. وقال لي الأزهري: كان
أبو المفضل دجالا كذابا، ما رأينا له أصلا قط، وكان معه فروع فوائد قد
خرجها في مأة جزء، فيها سؤالات كل شيخ، ولما حدث عن أبي عيسى ابن
العراد كذبه الدارقطني في روايته عنه، لأنه زعم أنه سمع منه في سنة عشرة
وثلاثمائة، وكانت وفاته سنة خمس وثلاثمائة. كذا قال لي الأزهري،
وهو خطأ، كانت وفاة أبي عيسى في سنة اثنتين وثلاثمائة. قال لي الأزهري:
وقد كان الدارقطني انتخب عليه، وكتب الناس بانتخابه علي أبي المفضل
سبعة عشر جزءا، وظاهر امره انه كان يسرق الحديث.
قرأنا على أبي محمد ابن حمزة، عن عبد العزيز بن أحمد، أخبرنا أبو
النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد الأزهري، قال: قال لي أبو ذر عبد بن أحمد
الهروي، تركت الرواية عن أبي المفضل الا اني أخرجته في المعجم
للمعرفة لأني سمعت الدارقطني يقول: كنت أتوهمه من رهبان هذه الأمة،
وسألته الدعاء لي فيفوز بالله من الجور بعد الكور (6). قال أبو ذر: انه

(5) وفى تاريخ بغداد: حدث عن العمري، عن أبي كريز، بحديث شعبة،
عن الحكم، عن مقسم، الخ.
(6) كذا في النسخة، والصواب: (فتعوذ بالله من الحور بعد الكور)
أو: (فنعوذ بالله من الحور بعد الكور) الاحتمال الأول بناء على كون الكلام
لأبي المفضل، والثاني بناء على كون الكلام مقولا للدار قطني.
265

قعد للرافضة، وأملى عليهم أحاديث ذكر فيها مثالب الصحابة (7) رضوان الله
عليهم، وكانوا يتهمونه بالقلب والوضع. قال وكتبت عنه بالكوفة قديما،
وكان معي العبادي أبو محمد، وحدث بحديث كان ابن خزيمة الامام تفرد
به، فقال له: لو أخرجت أصلك بهذا، فان هذا حديث ابن خزيمة. وكان
العبادي ينتسب إلى ولد قيس بن سعد بن عبادة، فقال له: أنت تنسب إلى
قيس بن سعد، وهو عقيم. فكان هذا جوابه.
أخبرنا أبو القاسم العلوي وأبو الحسن ابن قيس، قالا: أخبرنا أبو
منصور ابن خيرون، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: سألت حمزة بن محمد
بن طاهر الدقاق، عن أبي المفضل، فقال: كان يضع الحديث، وقد كتبت
عنه، وكان له سمت ووقار. قال: وحدثني الأزهري، قال: توفي أبو
المفضل في شهر ربيع الآخر من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. قال: وأخبرنا
أحمد بن محمد العتيقي، قال سنة سبع وثمانين وثلاثمائة فيها توفي أبو
المفضل الشيباني ببغداد، في التاسع والعشرين من شهر ربيع الآخر، وكان

(7) هذا الاطلاق ممنوع، فان أحدا من الشيعة لم نعهده - ولم يعهده
الدهر أيضا - ان يذكر جميع الصحابة بالسوء، بل جميع علماء الشيعة متفقون
على أن الصحابة كغيرهم - في مرحلة الظاهر وعالم الاثبات - على ثلاث طوائف:
طائفة منهم بذلوا نفسهم ونفيسهم في سبيل الله، وقاموا عقيدة وعملا بقضهم
وقضيضهم بنصرة الدين، فهؤلاء عليهم صلوات الله وصلوات المصلين.
والطائفة الثانية المنافقون وما ادراك ما المنافقون، ومن أهل المدينة مردوا على
النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم، فعليهم لعنة الله والملائكة ولناس أجمعين،
والقرآن المقدس والسنة القطعية مشحونتان بلعن هؤلاء، والشيعة تابعة للكتاب والسنة.
واما الطائفة الثالثة المجهولة، فالشيعة لا تترحم عليهم ولا تلعنهم.
266

كثير التخليط.
أقول: ما نقلوه عن الخطيب، ذكره تحت الرقم (3010) من تاريخ
بغداد: 5، ص 466، س 16.
وقال المحقق النجاشي (ره) - تحت الرقم (1042) من كتاب
فهرست مصنفي الشيعة ص 309، ط طهران -:
محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول بن المطلب بن همام
[بن ظ] بحر بن مطر بن مرة الصغرى بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان
أبو المفضل، كان سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفي، وكان في
أول أمره ثبتا ثم خلط، ورأيت جل أصحابنا يغمزونه ويضعفونه.
له كتب كثيرة، منها كتاب شرف التوبة، كتاب مزار أمير المؤمنين عليه
السلام، كتاب مزار الحسين عليه السلام، كتاب فضائل عباس بن عبد المطلب
كتاب الدعاء، كتاب من روى حديث غدير خم، كتاب رسالة في التقية
والإذاعة، كتاب من روى عن زيد بن علي بن الحسين، كتاب فضائل زيد
عليه السلام، كتاب الشافي في علوم الزيدية، كتاب أخبار أبي حنيفة، كتاب
القلم. رأيت هذا الشيخ، وسمعت منه كثيرا، ثم توقفت عن الرواية عنه الا
بواسطة بيني وبينه.
وقال شيخ الطائفة (ره) تحت الرقم (611) من فهرست مصنفي
الشيعة ص 166، ط النجف:
محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني يكنى أبا المفضل، كثير الرواية،
حسن الحفظ، غير أنه ضعفه جماعة من أصحابنا.
له كتاب الولادات الطيبة الطاهرة، وكتاب الفرائض، وله كتاب المزار،
وغير ذلك، أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عنه جماعة من أصحابنا.
267

ترجمة السيد أبي القاسم جعفر بن محمد العلوي
قال الشيخ (ره) تحت الرقم (18) من حرف الجيم، من رجاله ص
460، ط النجف:
جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد ابن عبيد الله [عبد الله خ] بن
موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه
السلام العلوي الحسيني الموسوي المصري، روى عنه التلعكبري وكان سماعه
منه سنة أربعين وثلاثمائة بمصر، وله منه إجازة.
وقال العلامة الرازي صاحب الذريعة مد ظله [في نوابغ الاعلام والرواة
في رابعة المآت - المخطوط - بعد نقل ما ذكرناه عن الشيخ (ره)]:
ويروي عنه أيضا الشيخ الجليل أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه
في كامل الزيارة، كما في الحديث (1) من الباب (65) والظاهر أنه أبو
القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم الموسوي من مشايخ القاضي أبو الحسين
محمد بن عثمان بن الحسن النصيبي شيخ النجاشي، وهو المجاز عن عبيد الله
ابن أحمد بن نهيك في رواية جميع كتبه، وقد رأى إجازة ابن نهيك له -
القاضي أبو الحسين النصيبي الراوي عنه، ذكر جميع ذلك النجاشي في
عبيد الله بن نهيك.
أقول: وقال النجاشي (ره) أيضا في ترجمة ابن أبي عمير (ره):
فأما نوادره فهي كثيرة، لأن الرواة لها كثيرة، فهي تختلف باختلافهم،
فأما التي رواه عنه عبيد الله بن أحمد بن نهيك، فاني سمعتها من القاضي
أبي الحسين محمد بن عثمان بن الحسن يقرأ عليه (حدثكم (كذا) الشريف
الصالح أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم قراءة عليه، قال: حدثنا
268

معلمنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك عن ابن أبي عمير بنوادره).
وعده الشيخ الطوسي (ره) من مشايخ حيدر بن محمد بن نعيم
السمرقندي الفاضل الجليل القدر الذي روى ألف كتاب من كتب الشيعة
رواية وإجازة، كما في ترجمته تحت الرقم (261) من فهرست الشيخ ص
90، ط النجف.
أقول: ويروي عنه شيخ الطائفة (ره) كتب الحريز السجستاني الأزدي
بواسطة الشيخ المفيد، عن ابن قولويه، كما في ترجمة حريز من فهرست
الشيخ ص 88، ط النجف. وقد ذكرناه في شرح المختار (25)، من هذا
الباب، في ترجمة حريز، ص 175.
269

ترجمة عبيد الله بن أحمد بن نهيك
قال النجاشي (ره) تحت الرقم (601) من فهرست مصنفي الشيعة
ص 172، ط طهران و 160 ط هند:
عبيد الله بن أحمد بن نهيك أبو العباس النخعي الشيخ الصدوق ثقة،
وآل نهيك بالكوفة بيت من أصحابنا منهم عبد الله بن محمد وعبد الرحمان
السمريين وغيرهما.
له كتاب النوادر، أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان بن الحسن
قال: اشتملت إجازة أبي القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم الموسوي -
وأراناها - على سائر ما رواه عبيد الله بن أحمد بن نهيك (8) وقال:
كان بالكوفة وخرج إلى مكة.
وقال حميد بن زياد في فهرسته: سمعت من عبيد الله كتاب المناسك
وكتاب الحج، وكتاب فضائل الحج، وكتاب الثلاث والأربع، وكتاب المثالب.
ولا أدري قرأها حميد عليه وهي من مصنفاته، أو هي لغيره.
وقال الشيخ (ره) تحت الرقم (19) من باب العين، من باب لم يرو
عنهم (ع)، من رجاله ص 480، ط النجف: عبيد الله بن أحمد بن نهيك
يكنى أبا العباس، كوفي روى عنه حميد كتبا كثيرة من الأصول.

(8) كلمة (سائر) هنا بمعنى الجميع، ولفظة (نهيك) مكبرة على ما يحكي عن العلامة (ره) في ايضاح الاشتباه.
270

ترجمة عبد الله بن جبلة المتوفى سنة 219 ه‍
قال المحقق النجاشي (ره) - تحت الرقم (549) من فهرسته ص 160،
ط طهران -: عبد الله بن جبلة بن حنان بن الحر الكناني أبو محمد، عربي
صليب ثقة، روى عن أبيه، عن جده حنان بن الحر - كان الحر أدرك
الجاهلية - وبيت جبلة بيت مشهور بالكوفة، وكان واقفا، وكان فقيها ثقة
مشهورا.
له كتب، منها: كتاب الرجال، وكتاب الصفة في الغيبة على مذهب
الواقفة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الفطرة، كتاب الطلاق، كتاب
مواريث الصلت، كتاب النوادر.
أخبرنا بجميعها الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن جعفر، عن حميد،
وأحمد بن عبد الواحد، عن علي بن حبشي بن قوني، عن حميد، قال:
حدثنا أحمد بن الحسن البصري، عن عبد الله بن جبلة.
ومات عبد الله بن جبلة سنة تسع عشرة ومأتين، أخبرنا بها أحمد بن
بها، أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن سعيد.
وقال شيخ الطائفة (ره) - تحت الرقم (454) من فهرست مصنفي الشيعة
ص 130، ط النجف -: عبد الله بن جبلة له روايات، رويناها بالاسناد
الأول عن حميد، عن أحمد بن ميثم ابن أبي نعيم الفضل بن دكين عنه.
وأخبرنا بها ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن محمد
ابن الحسين عنه.
وذكره (ره) أيضا: تحت الرقم (33) من حرف العين، من أصحاب
الإمام الكاظم (ع) من رجاله، ص 356.
271

ترجمة حميد بن شعيب السبيعي الهمداني الكوفي
قال النجاشي (ره) - تحت الرقم (334) من فهرسته ص 102، ط
طهران -: حميد بن شعيب السبيعي الهمداني كوفي، روى عن أبي عبد الله
عليه السلام، وروى عن جابر.
له كتاب رواه عنه عدة، وأكثر ما يروي (يرى خ) رواية عبد الله بن
جبلة.
أخبرنا الحسين بن عبيد الله، قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن سفيان،
قال: حدثنا حميد بن زياد، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة، قال:
حدثنا عبد الله بن جبلة، عن حميد بن شعيب بكتابه.
وله كتاب يرويه جعفر بن محمد بن شريح عنه، عن جابر.
وقال شيخ الطائفة (ره) - تحت الرقم (240) من كتاب الفهرست ص
85، ط النجف -: حميد بن شعيب له كتاب رواه حميد بن زياد، عن ابن
سماعة، عنه.
وذكره تحت الرقم (251) من باب الحاء، من أصحاب الإمام الصادق (ع)
من رجاله بعنوان: حميد بن شعيب السبيعي الكوفي.
272

- 34 -
ومن وصية له عليه السلام
إلى السبط الأكبر الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
يا بني إذا نزل بك كلب الزمان وقحط الدهر (1) فعليك
بذوي الأصول الثابتة، والفروع النابتة من أهل الرحمة
والإيثار والشفقة، فإنهم أقضى للحاجات، وأمضى لدفع
الملمات (2).
وإياك وطلب الفضل، واكتساب الطياسيج والقراريط (3)

(1) كلب الزمان: شدته وضيقه من فقر أو مرض أو اعتداء معتد ونحوها
يقال: (كلب الامر كلبا): اشتد وصعب. والفعل من باب علم، والمصدر
على زنة فرس. والقحط - كفلس وفرس -: الجدب. يقال: قحط - من
باب علم ومنع - المطر قحطا: احتبس. وقحط قحطا وقحوطا وقحطا -
- كفلسا وفلوسا وفرسا - واقحط - على بناء المجهول - العام: احتبس
فيه المطر وأجدب فهو قاحط، والجمع قواحط وأقحط الله الأرض: صابها
بالقحط، وأقحط الناس: لم يمطروا. وعام قحط وقحيط ومقحوط:
احتبس فيه المطر وأجدب. سنة قحيط: قليلة الخير، لاحتباس المطر فيه.
(2) أمضى أي أشد مضيا، واسرع مبادرة للدفاع عمن نزلت عليه النائبة.
والملمات: النوازل الشديدة من حوادث الدهر ونكباته.
(3) الطياسيج جمع الطسوج - كتنور - وهو حبتان وربع دانق - بكسر
النون وفتحها وهو معرب دانگ الفارسية -. والقراريط جمع القيراط وهو
نصف دانق. وعند اليونانيين القيراط: حبة خرنوب ونصف دانق.
والدرهم عندهم اثنتا عشرة حبة. وقيل: القيراط بمكة: ربع سدس
دينار. وفى العراق نصف عشره. وأهل الشام يجعلونه جزءا من أربعة
وعشرين. وأصل القيراط: قراط - بالتشديد - فأبدل أحد حرفي تضعيفه
ياءا كما أبدلوا في دينار، ولذلك يجمع على قراريط، كما يجمع الدينار
على دنانير.
273

من ذوي الأكف اليابسة، والوجوه العابسة، فإنهم إن أعطوا
منوا، وإن منعوا كدوا (4).
ثم أنشأ عليه السلام:
واسأل العرف - إن سألت - كريما * لم يزل يعرف الغنى واليسارا
فسؤال الكريم يورث عزا * وسؤال اللئيم يورث عارا
وإذا لم تجد من الذل بدا * فالق بالذل - إن لقيت الكبارا (5)

(4) يقال: كد - كدا في العمل: اشتد. وكد الشئ نزعه بيده. كد
زيد عمرا: أتعبه. وكدده: طرده طردا شديدا. تكدد: تكلف الكد وأصابه
أذى. أكد واكتد: امسك وبخل. اكتده واستكده: طلب منه الاشتداد في
العمل.
(5) العرف - كقفل -: الجود. المعروف وما يبذل للسائل وملتمس
النوال. وجملة: (ان سألت) معترضة ومفعولها محذوف. وكذلك قوله
عليه السلام: (ان لقيت) فإنه معترض بين العامل ومعموله.
والمعنى انه إن كان لا بد لك ولا محيص عن التماس العطاء، وطلب المعروف
والحباء، فاطلبه ممن كان كريما وذا غنى قديم، ويسار مستمر، فان سائله
يفوز بوصول البغية، مع حفظ ماء الوجه وعزة النفس، بخلاف الطلب من
اللئيم، والتماس النوال من الهجين، فإنه يوجب العار، والرجوع بالخيبة،
مع ذل السؤال، وأما رفع الحوائج إلى الأكابر، وملاقاتهم لقضاء الحوائج
فليس بعار.
274

ليس إجلالك الكبير بعار * إنما العار أن تجل الصغارا
اعلام الدين للديلمي (ره) كما في الحديث (66) من الباب (16) من
كتاب الزكاة، من البحار: ج 20، ص 42، ط الكمباني. والحديث الرابع،
من الباب (31) من كتاب الزكاة من مستدرك الوسائل: ج 1، ص 542.
وينبغي ان نسرد شطرا من الآثار الواردة الجارية على مساق الوصية
الشريفة، الدالة على تحمل آلام الفقر، وانه عند الاضطرار يستمسك بذيل
من كرم أصله وطاب فرعه ليس إلا، وبعض حكايات الأجواد.
روى ثقة الاسلام الكليني (ره) في الحديث الأخير، من الباب (16)
من كتاب الزكاة، من الكافي: 4 ص 22 عن لقمان الحكيم، أنه قال لابنه
يا بني ذقت الصبر، وأكلت لحاء الشجر، فلم أجد شيئا هو أمر من الفقر،
فان بليت به يوما فلا تظهر الناس عليه فيستهينوك ولا ينفعوك بشئ، ارجع
إلى الذي ابتلاك به فهو أقدر على فرجك وسله، من ذا الذي سأله فلم يعطيه،
أو وثق به فلم ينجه.
275

وفي أواخر الحديث الأول، من باب النوادر، من كتاب من لا يحضره
الفقيه: ج 4، ص 170، في وصايا النبي (ص) لعلي (ع): يا علي لان
أدخل يدي في فم التنين إلى المرفق، أحب إلي من أن اسأل من لم يكن ثم
كان - وساق صلى الله عليه وآله وصاياه الشريفة، إلى أن قال لأبي ذر -:
يا أبا ذر إياك والسؤال فإنه ذل حاضر، وفقر تتعجله، وفيه حساب طويل
إلى يوم القيامة - إلى أن قال (ص) - يا أبا ذر لا تسأل بكفك وان أتاك
شئ فاقبله.
وفي وصاياه هذه أيضا - ص 256، ج 4 -: يا علي ثمانية ان أهينوا
فلا يلوموا الا أنفسهم: الذاهب إلى مائدة لم يدع إليها، والمتأمر على رب
البيت، وطالب الخير من أعدائه، وطالب الفضل من اللئام، الخ.
وفي ترجمة ابن التمار - محمد بن سعيد بن أحمد أبي زرعة القرشي -
من تاريخ دمشق: ج 49، ص 520 معنعنا، عن عبد الله بن بسر المازني،
قال: قال رسول الله (ص): اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فان الأمور
تجري بالمقادير.
وبهذا السند قال (ص): من تناول أمرا بمعصية (ظ) كان ذلك أفوت
لما رجا، وأقرب لمجئ ما انفا [ما اتقى ظ].
وفي الحديث الثالث، من الباب (16)، من كتاب الزكاة، من الكافي
ج 4، ص 20، معنعنا قال صلى الله عليه وآله: الأيدي ثلاث: يد الله العليا،
ويد المعطي التي تليها، ويد المعطى أسفل الأيدي، فاستعفوا عن السؤال ما
استطعتم.
ان الأرزاق دونها حجب، فمن شاء قني حياءه وأخذ رزقه، ومن
شاء هتك الحجاب وأخذ رزقه، والذي نفسي بيده لان يأخذ أحدكم حبلا
ثم يدخل عرض هذا الوادي فيحتطب حتى لا يلتقي طرفاه، ثم يدخل به
276

السوق فيبيعه بمد من تمر، ويأخذ ثلثه ويتصدق بثلثيه خير له من أن يسأل
الناس، أعطوه أو حرموه.
وقريب من ذيله رواه عنه (ص) في العقد الفريد: ج 2، ص 43، ط 2.
وفي باب وفاة الإمام الحسن المجتبى (ع) من تاريخ اليعقوبي: ج 2،
ص 116، ط النجف، قال (ع): كان رسول الله (ص) إذا سأله أحد حاجة
لم يرده الا بها أو بميسور من القول.
وفي الحديث (273) من روضة الكافي، ص 220، معنعنا قال (ص):
ما أشد حزن النساء، وأبعد فراق الموت، وأشد من ذلك كله فقر يتملق
صاحبه، ثم لا يعطى شيئا.
وفي الحديث الثاني، من الباب الخامس عشر، من كتاب الزكاة، من
الكافي: 4، ص 19، معنعنا عن الإمام الصادق (ع) قال: قال أمير المؤمنين:
اتبعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه قال: من فتح على نفسه باب
مسألة فتح الله عليه باب فقر.
وفي الحديث الأول، من الباب الثامن عشر، من كتاب الزكاة، من
الكافي: ج 4، ص 22، معنعنا عن الإمام الصادق (ع) ان أمير المؤمنين
صلوات الله عليه بعث إلى رجل بخمسة أو ساق من تمر
البغيبغة، وكان
الرجل ممن يرجو نوافله، ويؤمل نائله ورفده (6)، وكان لا يسأل عليا ولا
غيره شيئا، فقال رجل لأمير المؤمنين عليه السلام: والله ما سألك فلان،
ولقد كان يجزيه من الخمسة الأوساق وسق واحد. فقال له أمير المؤمنين

(6) البغيبغة - تصغير البغبغ -: ضيعة أو عين بالمدينة، غزيرة كثيرة
النخل لآل رسول الله (ص). النوافل: العطايا. وكذلك الرفد والنائل.
والضمير في قوله: (نوافله ونائله ورفده) راجع إلى أمير المؤمنين (ع) كما
هو الظاهر.
277

عليه السلام: لا كثر الله في المؤمنين ضربك، أعطي أنا وتبخل أنت! لله أنت،
إذا انا لم أعط الذي يرجوني الا من بعد المسألة، ثم أعطيه بعد المسألة، فلم
أعطه ثمن ما أخذت منه، وذلك لأني عرضته ان يبذل لي وجهه الذي يعفره
في التراب لربي وربه عند تعبده له، وطلب حوائجه إليه، فمن فعل هذا
بأخيه المسلم، وقد عرف انه موضع لصلته ومعروفه، فلم يصدق الله عز
وجل في دعائه له، حيث يتمنى له الجنة بلسانه، ويبخل عليه بالحطام من
ماله، وذلك أن العبد قد يقول في دعائه: (اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات)
فإذا دعا لهم بالمغفرة، فقد طلب لهم الجنة، فما انصف من فعل هذا بالقول
ولم يحققه بالفعل.
وفي الحديث الرابع، من الباب الثامن عشر، من كتاب الزكاة، من
الكافي: ج 4، ص 24 مسندا عن الحارث الهمداني (ره) قال: سامرت أمير
المؤمنين صلوات الله عليه، فقلت: يا أمير المؤمنين عرضت لي حاجة. قال:
فرأيتني لها أهلا؟ (7) قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قله: جزاك الله عني خيرا.
ثم قام إلى السراج فأغشاها وجلس، ثم قال: إنما أغشيت السراج لئلا أرى
ذل حاجتك في وجهك، فتكلم فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
(الحوائج أمانة من الله في صدور العباد، فمن كتمها كتبت له عبادة، ومن
أفشاها كان حقا على من سمعها ان يعينه.
وفي الحديث (21) من الباب (102) من البحار: ج 9، ص 517، س 2
عكسا نقلا عن جامع الأخبار، انه جاء اعرابي إلى أمير المؤمنين (ع) فقال:
يا أمير المؤمنين اني مأخوذ بثلاث علل: علة النفس وعلة الفقر وعلة الجهل.

(7) المسامرة: المؤانسة بالتحادث ليلا. ولعل معنى قوله (ع): (رأيتني
لها أهلا) ان حاجتك هل من سنخ ما يطلب من مثلي ويرفع إلي، أم
ليست كذلك.
278

فأجابه أمير المؤمنين (ع) وقال: يا أخا العرب، علة النفس تعرض على الطبيب،
وعلة الجهل تعرض على العالم، وعلة الفقر تعرض على الكريم. فقال
الاعرابي: يا أمير المؤمنين أنت الكريم، وأنت العالم، وأنت الطبيب. فأمر
أمير المؤمنين بأن يعطى له من بيت المال ثلاثة آلاف درهم، وقال له: تنفق
ألفا بعلة النفس، وألفا بعلة الجهل، وألفا بعلة الفقر.
وروى الصدوق (ره) في الحديث العاشر، من المجلس (46) من الأمالي
ص 164، معنعنا: ان رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا
أمير المؤمنين ان لي إليك حاجة، فقال: اكتبها في الأرض فاني أرى الضر
عليك بينا، فكتب في الأرض: أنا فقير محتاج. فقال (ع): يا قنبر اكسه
حلتين. فأنشأ الرجل يقول:
كسوتني حلة تبلى محاسنها * فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا
ان نلت حسن ثنائي نلت مكرمة * ولست تبغي بما قد نلته بدلا
ان الثناء ليحيي ذكر صاحبه * كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا
لا تزهد الدهر في عرف بدأت به * فكل عبد سيجزى بالذي فعلا
فقال عليه السلام أعطوه مأة دينار. فقيل: يا أمير المؤمنين أغنيته.
فقال: اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (انزل الناس
منازلهم) ثم قال (ع): اني لأعجب من أقوام يشترون المماليك بأموالهم،
ولا يشترون الأحرار بمعروفهم (8).
ورواه عنه في الحديث السابع، من الباب (102) من البحار:
41 ص 35.
وروى ابن شهرآشوب (ره) عن أبي السعادات، في فضائل العشرة:
انه (ع) كان يحارب رجلا من المشركين، فقال المشرك: يا بن أبي طالب هبني

(8) ورواه في مستدرك الوسائل: 1، ص 533، بطرق اخر أيضا.
279

سيفك. فرماه إليه، فقال المشرك: عجبا يا بن أبي طالب في مثل هذا الوقت
تدفع إلي سيفك! فقال: انك مددت يد المسألة إلي، وليس من الكرم ان
يرد السائل. فرمى الكافر نفسه إلى الأرض وقال: هذه سيرة أهل الدين،
فقبل قدمه وأسلم.
وقال الإمام المجتبى عليه السلام: فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير
أهلها، وأشد من المصيبة سوء الخلق، والعبادة انتظار الفرج (9).
وقال (ع): لا تأت رجلا الا ان ترجو نواله، أو تخاف يده، أو
تستفيد من علمه، أو ترجو بركة دعائه، أو تصل رحما بينك وبينه.
وروى الغزالي، في بيان فضيلة السخاء، من كتاب ذم المال، من احياء
العلوم، انه رفع رجل إلى الحسن بن علي عليه ما السلام رقعة. فقال (ع):
حاجتك مقضية. فقيل له: يا بن رسول الله لو نظرت في رقعته، ثم رددت
الجواب على قدر ذلك. فقال: يسألني الله تعالى عن ذل مقامه بين يدي
حتى أقرأ رقعته.
وقال (ع): إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها. قيل يا بن رسول
الله ومن أهلها؟ قال: الذين قص الله في كتابه ذكرهم فقال: (إنما يتذكر
أولوا الألباب) قال: هم أهل العقول (10).
وفي البحار ج 17، ص 67، ط الكمباني، وفي ط الجديدة في المجلد
(77) ص 235، نقلا عن كتاب العدد القوية للشيخ الفقيه رضي الدين علي

(9) كذا في قصة وفاة الإمام الحسن (ع) من تاريخ اليعقوبي: 2،
ص 215، ط النجف.
(10) كما في وصايا الإمام الكاظم (ع) من تحف العقول، والبحار: 17،
ص 199. والحديث (12) من كتاب العقل والجهل، من الكافي: 1، ص 19.
والآية هي الآية التاسعة عشرة من سورة الرعد: 13.
280

ابن يوسف بن المطهر أخي العلامة (ره) (قيل: وقف رجل على الحسين بن
علي عليهما السلام فقال: يا بن أمير المؤمنين بالذي أنعم عليك بهذه النعمة
التي ما نلتها منه بشفيع منك إليه، بل انعاما منه عليك، الا ما أنصفتني
من خصمي، فان غشوم ظلوم، لا يوقر الشيخ الكبير، ولا يرحم الطفل الصغير.
وكان (ع) متكئا فاستوى جالسا، وقال له: من خصمك حتى انتصف
لك منه؟ فقال له: الفقر. فأطرق عليه السلام ساعة، ثم رفع رأسه إلى
خادمه وقال: احضر ما عندك من موجود، فاحضر خمسة آلاف درهم،
فقال: ادفعها إليه، ثم قال له: بحق هذه الاقسام التي أقسمت بها علي، متى
أتاك خصمك جائرا الا ما أتيتني منه متظلما).
وجاءه أعرابي فقال (ع): أعطوه ما في الخزانة، فكان عشرين ألف درهم
، فقال: يا مولاي الا تركتني أبوح بحاجتي، وانشر مدحتي. فأنشأ
عليه السلام:
نحن أناس نوالنا خضل * يرتع فيها الرجاء والأمل
لو علم البحر فضل نائلنا * لغاض من بعد فيضه خجل
رواه الشبلنجي في كتاب نور الابصار ص 111.
وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق: 66، ص 445: قرأت على أبي
محمد طاهر بن سهل بن بشر، عن أبي الحسن بن مسري (11) - حيلولة -
وأنبأنا أبو محمد ابن الأكفاني، أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسين بن أحمد
ابن صصري، أنبأنا أبو منصور طاهر بن العباس بن منصور المروزي العماري
بمكة، أنبأنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن أحمد بن جعفر السقطي
بمكة، أنبأنا إسحاق بن محمد بن إسحاق السوسي، أنبأنا أبو بكر محمد

(11) هذا ظاهر ما في النسخة. والمراد من الحيلولة هو فصل سند أو
اسناد بين متن الرواية والسند الأول.
281

ابن أحمد بن صديق، أنبأنا أبو بكر محمد بن إبراهيم العوامي،
حدثني ابن الاعرابي، عن المبرد، حدثني المازني، قال قال
الأصمعي: عرضت على معاوية جارية فأعجبته، فسأل عن ثمنها،
فإذا ثمنها مأة ألف درهم، فابتاعها ونظر إلى عمرو بن العاص، فقال لمن
تصلح هذه الجارية. قال لأمير المؤمنين. قال: ثم نظر إلى غيره فقال له
كذلك. قال: لا. قيل لمن؟ قال: للحسين بن علي بن أبي طالب، فإنه
أحق بها لما له من الشرف، ولما كان بيننا وبين أبيه (12) فأهداها له، فأمر
من يقوم عليها، فلما مضت أربعون يوما حملها وحمل معها أموالا عظيمة
وكسوة وغير ذلك، وكتب: ان أمير المؤمنين اشترى جارية فأعجبته
فأثرك بها.
فلما قدمت على الحسين بن علي أدخلت عليه، فأعجب بجمالها فقال لها:

(12) هيهات، هيهات، لو كان ينفع اهداء أخوال معاوية لطبق من الرطب
في الطائف إلى النبي (ص) وهو جائع مجروح، لكان اهداء معاوية جارية
إلى الحسين (ع) ينفعه، ولو كان اهداء بعض ملوك الشام هاجر إلى سارة
امرأة الخليل (ع) ينجي المهدي ويخلصه من النار وهو كافر مقيم على الكفر،
لكان اهداء معاوية ينجيه من وبال غضب الخلافة، وهضم أهل بيت النبوة،
وقتل أولياء الله، ومحاربة نبي الله، وذلك لما تواتر عن النبي (ص) من قوله
لعلي (ع): (يا علي حربك حربي) إلى غير ذلك مما اتفق الفريقان عليه من
الأقوال الصادرة عنه (ص) ومخالفة معاوية له واصراره عليه.
وهل مثل اهداء معاوية الا كمثل من يسيطر على أموال مؤمن ويصادرها
ويغتصبها، ثم يرسل إليه بشربة من ماء بئره، أو بجذوة من ناره!!.
ومن هذه الجهة وغيرها مما لا يحصى، كان أمير المؤمنين (ع) يظهر
التألم من صنع أمثال معاوية، ويقول: ان بني أمية ليفوقونني تراث محمد
تفويقا، والله لئن بقيت لهم لأنفضنهم نفض اللحام الوذام التربة. كما في
المختار (76) من خطب نهج البلاغة، ط إيران.
282

ما اسمك؟ فقالت: هوى. قال أنت هوى (كذا) كما سميت، هل تحسنين
شيئا؟ قالت: نعم، أقرأ القرآن وأنشد الاشعار. قال: اقرئي، فقرأت:
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو. قال: أنشديني، قالت: ولي الأمان.
قال: نعم. فأنشأت تقول:
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى * غير أن لا بقاء للانسان
فبكى الحسين، ثم قال: أنت حرة، وما بعث به معاوية معك فهو لك.
ثم قال لها هل قلت في معاوية شيئا؟ فقالت [نعم قلت فيه]:
رأيت الفتى يمضي ويجمع جهده * رجاء الغنى والوارثون قعود
وما للفتى الا نصيب من التقى * إذا فارق الدنيا عليه يعود
فأمر (ع) لها بألف دينار، وأخرجها، ثم قال: رأيت أبي كثيرا ما ينشد:
ومن يطلب الدنيا لحال تسره * فسوف لعمري عن قليل يلومها
إذا أدبرت كانت على المرء فتنة * وان أقبلت كانت قليلا دوامها
ثم بكى (ع) وقام إلى صلاته.
وجاء رجل من الأنصار، إلى السبط الشهيد عليه السلام يريد ان يسأله
حاجته، فقال (ع): يا أخا الأنصار صن وجهك عن ذلة المسألة، وارفع حاجتك
في رقعة، وات بها، سأسرك إن شاء الله. فكتب إليه: يا أبا عبد الله ان لفلان
علي خمس مأة دينار، وقد ألح بي، فكلمه ينظرني إلى ميسرة فلما قرأ
الحسين عليه السلام الرقعة دخل منزله فاخرج صرة فيها ألف دينار، (فدفع إليه)
وقال له: أما خمس مأة فاقض بها دينك، وأما خمس مأة فاستعن بها دهرك
ولا ترفع حاجتك إلا إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دين أو مروءة أو حسب، أما
ذو الدين فيصون دينه، وأما ذو المروءة فإنه يستحي لمروءته، وأما ذوب الحسب
فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله في حاجتك فهو يصون وجهك ان يردك
283

بغير قضاء حاجتك (13).
وقال (ع): طلب الحوائج إلى الناس مذلة الحياة، ومذهبة للحياء،
واستخفاف بالوقار، وهو الفقر الحاضر، وقلة طلب الحوائج من الناس هو
الغني الحاضر (14).
وأتاه رجل فسأله، فقال (ع): ان المسألة لا تصلح إلا في غرم فادح،
أو فقر مدقع، أو حمالة مفضعة. فقال الرجل: ما جئت الا في إحداهن فأمر
له بمأة دينار (15).
وقال النيشابوري في تفسير الآية (32) من سورة البقرة، من تفسيره
ج 1، 83: ويحكى ان أعرابيا سأل الحسين بن علي (ع) حاجة وقال: سمعت
جدك يقول: إذا سألتم حاجة فاسألوها من أوجه أربعة: اما عربيا شريفا أو
مولى كريما، أو حامل القران، أو صاحب الوجه الصبيح، أما العرب فشرفت
بجدك واما الكرم فدأبكم وسيرتكم، وأما القرآن ففي بيوتكم نزل، وأما الوجه
الصبيح فاني سمعت رسول الله (ص) يقول: إذا أردتم أن تنظروا إلي فانظروا إلى
الحسن والحسين (ع). فقال الحسين (ع): ما حاجتك؟ فكتبها على الأرض. فقال
الحسين (ع): سمعت أبي عليا (ع): يقول: قيمة كل امرء ما يحسنه.
وسمعت جدي يقول: المعروف بقدر المعرفة. فأسألك عن ثلاث مسائل،
إن أحسنت في جواب واحدة فلك ثلث ما معي، وان أجبت عن ثنتين فلك
ثلثا ما عندي، وان أجبت عن الثلاثة فلك كل ما عندي. وقد حمل إلى

(13) المختار الثاني عشر، من قصار كلامه (ع)، في تحف العقول
176، ط النجف، ورواه عنه في البحار: 17، أول ص 149، ط الكمباني.
(14) رواه في البحار: ج 17، ص 153، س 12، عكسا، ط الكمباني.
(15) المختار التاسع من قصار كلامه (ع) في تحف العقول 175، ط
النجف.
284

الحسين صرة مختومة من العراق، فقال: سل ولا قوة الا بالله. فقال عليه
السلام: أي الاعمال أفضل؟ قال الاعرابي: الايمان بالله. قال: فما نجاة
العبد من الهلكة؟ قال: الثقة بالله. قال: فما يزين المرء؟ قال: علم معه
حلم. قال: فان أخطأ ذلك؟ قال: فمال معه كرم. قال: فان أخطأ ذلك؟
قال: فقر معه صبر. قال: فان أخطأ ذلك؟ قال: فصاعقة من السماء
فتحرقه. فضحك الحسين (ع) ورمى بالصرة إليه.
وروى العلامة النوري (ره) في الحديث الخامس، من الباب السابع
عشر، من أبواب الصدقة، من كتاب الزكاة، من مستدرك الوسائل: 1،
536، عن السيد ولي الله الرضوي، في كتاب: مجمع البحرين في مناقب
السبطين) عن الحسن البصري قال: كان الحسين عليه السلام سيدا، زاهدا،
ورعا، صالحا، ناصحا، حسن الخلق، فذهب ذات يوم مع أصحابه إلى
بستان له، وكان له في ذلك البستان غلام يقال (ظ) له: صافي، فلما قرب
من البستان رأى الغلام يرفع الرغيف فيرمي بنصفه إلى الكلب ويأكل نصفه
فتعجب الحسين عليه السلام من فعل الغلام، فلما فرغ من الاكل، قال:
الحمد لله رب العالمين، اللهم اغفر لي ولسيدي، وبارك له كما باركت على
أبويه يا أرحم الراحمين. فنادى الحسين عليه السلام: يا صافي. فقام الغلام
فزعا وقال: يا سيدي وسيد المؤمنين إلى يوم القيامة، اني ما رأيتك، فأعف
عني. فقال الحسين عليه السلام: يا صافي اجعلني في حل، دخلت بستانك
بغير اذنك. فقال صافي: بفضلك وكرمك وسؤددك تقول هذا. فقال الحسين
عليه اسلام: اني رأيتك ترمي بنصف الرغيف إلى الكلب، وتأكل نصفه
فما معنى ذلك؟
فقال الغلام: يا سيدي ان الكلب ينظر إلي حين أكل، فأستحيي منه
لنظره إلي، وهذا كلبك يحرس بستانك من الأعداء، وأنا عبدك وهذا
285

كلبك فأكل من رزقك معا. فبكى الحسين عليه السلام ثم قال: إن كان
كذلك فأنت عتيق لله، ووهب له ألف دينار، فقال الغلام: ان أعتقتني فاني
أريد القيام ببستانك. فقال الحسين عليه لسلام: ان الكريم إذا تكلم بكلام
ينبغي أن يصدقه بالفعل، البستان أيضا وهبته لك، واني لما دخلت البستان
قلت: اجعلني في حل فاني قد دخلت بستانك بغير اذنك، [وقد وهبتك
البستان بما فيه ظ] غير أن هؤلاء أصحابي لأكلهم الثمار والرطب فأجعلهم
أضيافك وأكرمهم لأجلي، أكرمك الله يوم القيامة، وبارك لك في حسن خلقك
ورأيك. فقال الغلام: ان وهبت لي بستانك فاني قد سبلته لأصحابك.
قال السيد الأمين تغمده الله برضوانه، في أعيان الشيعة، في القسم
الأول، من الجزء الرابع ص 52، ط 2: وروى أحمد بن سليمان بن علي
البحراني في كتاب (عقد اللآل في مناقب الآل): ان الحسين (ع) كان
جالسا في مسجد جده رسول الله (ص) بعد وفاة أخيه الحسن (ع)، وكان
عبد الله بن الزبير جالسا في ناحية المسجد، وعتبة بن أبي سفيان في ناحية
أخرى، فجاء اعرابي على ناقة، فعقلها بباب المسجد، ودخل فوقف على
عتبة بن أبي سفيان فسلم عليه، فرد عليه السلام، فقال له الاعرابي: اني
قتلت ابن عم لي، وطولبت بالدية، فهل لك ان تعطيني شيئا؟ فرفع رأسه
إلى غلامه وقال: ادفع إليه مأة درهم. فقال الاعرابي: ما أريد الا الدية
تماما. ثم تركه وأتى عبد الله بن الزبير، وقال له مثل ما قال لعتبة. فقال
عبد الله لغلامه: ادفع إليه مأتي درهم. فقال الاعرابي: ما أريد الا الدية
تماما. ثم تركه واتى الحسين (ع) فسلم عليه، وقال: يا بن رسول الله اني
قتلت ابن عم لي، وقد طولبت بالدية، فهل لك ان تعطيني شيئا؟
فقال له: نحن قوم لا نعطي المعروف الا على قدر المعرفة. فقال: سل
ما تريد. فقال له الحسين: يا اعرابي ما النجاة من الهلكة؟ قال: التوكل
286

على الله عز وجل. فقال: وما الهمة؟ قال: الثقة بالله. ثم سأله الحسين
عليه السلام غير ذلك. وأجاب الاعرابي. فأمر له الحسين (- ع) بعشرة آلاف
درهم، وقال له: هذه لقضاء ديونك، وعشرة آلاف درهم أخرى وقال:
هذه تلم بها شعثك، وتحسن بها حالك وتنفق منها على عيالك، فأنشأ
الاعرابي يقول:
طربت وما هاج لي معبق * ولا لي مقام ولا معشق
ولكن طربت لآل الرسو * ل فلذ لي الشعر والمنطق
هم الأكرمون هم الأنجبون * نجوم السماء بهم تشرق
سبقت الأنام إلى المكرمات * فقصر عن سبقك السبق
بكم فتح الله باب الرشاد * وباب الفساد بكم مغلق
وروى ابن عساكر معنعنا - في تاريخ الشام: ج 13، ص 56 في ترجمة
سبط رسول الله وريحانته الإمام الحسين عليه السلام:
ان سائلا خرج يتخطى أزقة المدينة، حتى اتى باب الحسين عليه السلام،
فقرع الباب وأنشد يقول:
لم يخب اليوم من رجاك ومن * حرك من خلف بابك الحلقة
فأنت ذو الجود أنت معدنه * أبوك قد كان قاتل الفسقة
وكان الحسين واقفا يصلي، فخفف من صلاته وخرج إلى الاعرابي،
فرأى أثر ضر وفاقة، فرجع ونادى بقنبر، فأجابه لبيك يا بن رسول الله (ص).
قال: ما تبقى معك من نفقتنا؟ قال: مأتا درهم أمرتني بتفريقها في أهل بيتك.
فقال: هاتها، فقد اتى من هو أحق بها منهم، فأخذها وخرج يدفعها إلى
الاعرابي وأنشأ يقول:
خذها فاني إليك معتذر * واعلم بأني عليك ذو شفقة
لو كان في سيرنا الغداة عصا * كانت سمانا عليك مندفقة
287

لكن ريب الزمان ذو نكد * والكف منا قليلة النفقة
فأخذها الاعرابي وولى وهو يقول:
مطهرون نقيات جيوبهم * تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
وأنتم أنتم الأعلون عندكم * علم الكتاب وما جاءت به السور
من لم يكن علويا حين تنسبه * فماله في جميع الناس مفتخر
وفي ترجم محمد بن إدريس بن إبراهيم (أبي الحسن الأصبهاني) من
تاريخ دمشق: ج 47، ص 114 قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم
قراءة، أنبأنا القاضي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمان بن عبد الله بن علي
ابن أبي العجائز، أنبأنا أبي، أنبأنا أبو بكر محمد بن سليمان بن يوسف
الربعي، حدثني أبو الحسن محمد بن إدريس بن إبراهيم الأصبهاني،
اخبرني أحمد بن محمد البزاز الرازي بأصبهان، اخبرني أبو زرعة الرازي،
اخبرني فلان - باسناد ذكره -: ان الحسين بن علي بن أبي طالب دفع ذات
يوم إلى سائل عشرة آلاف درهم، فقالت له جارية له يقال لها فضة: والله
لقد أسرفت يا بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: يا فضة
وأنشأ يقول:
إذا جمعت مالا يداي ولم أنل * فلا انبسطت كفي ولا نهضت رجلي
أريني بخيلا نال خلدا ببخله * وهات أريني باذلا مات من هزل
على الله اخلاف الذي أتلفت يدي * فلا مهلكي بذلي ولا مخلدي بخلي
وفي العقد الفريد: 2، 271، ط 2: قال الشيباني: أقبل اعرابي إلى
مالك بن طوق فأقام بالرحبة حينا - وكان الاعرابي من بني أسد صعلوكا
في عباءة صوف وشملة شعر - فكلما أراد الدخول منعه الحجاب وشتمه
العبيد وضربه الاشراط، فلما كان في بعض الأيام خرج مالك بن طوق يريد
التنزه حول الرحبة، فعارضه الاعرابي، فضربوه ومنعوه، فلم يثنه ذلك
288

حتى أخذ بعنان فرسه، ثم قال: أيها الأمير اني عائذ بالله من اشراطك هؤلاء.
فقال مالك: دعوا الاعرابي، هل من حاجة يا اعرابي؟ قال نعم - أصلح
الله الأمير - ان تصغي إلي بسمعك، وتنظر إلي بطرفك، وتقبل إلي بوجهك.
قال: نعم. فأنشأ الاعرابي يقول:
ببابك دون الناس أنزلت حاجتي * وأقبلت أسعى حوله وأطوف
ويمنعني الحجاب والستر مسبل * وأنت بعيد والشروط صفوف
يدورون حولي في الجلوس كأنهم * ذئاب جياع بينهن خروف
فأما وقد أبصرت وجهك مقبلا * فأصرف عنه انني لضعيف
ومالي من الدنيا سواك ولا لمن * تركت ورائي مربع ومصيف
وقد علم الحيان قيس وخندف * ومن هو فيها نازل وحليف
تخطي أعناق الملوك ورحلتي إليك وقد حنت إليك صروف
فجئتك أبغي اليسر منك فمر بي * ببابك من ضرب العبيد صنوف
فلا تجعلن لي نحو بابك عودة * فقلبي من ضرب الشروط مخوف
فاستضحك مالك حتى كاد ان يسقط عن فرسه، ثم قال لمن حوله: من
يعطيه درهما بدرهمين وثوبا بثوبين، فوقعت عليه الثياب والدراهم من كل
جانب، حتى تحير الاعرابي، ثم قال له: هل بقيت لك حاجة يا أعرابي؟
قال أما إليك فلا. قال: فإلى من؟ قال: إلى الله، ان يبقيك للعرب، فإنها
لا تزال بخير ما بقيت لها.
وأيضا قال ابن عبد ربه تحت الرقم الأول، من كتاب كلام الاعراب،
من العقد الفريد: 2، 276 س 3، ط 2: سأل أعرابي شيخا من بني
مروان - وحوله قوم جلوس - وقال: أصابتنا سنة، ولي بضع عشرة
بنتا. فقال الشيخ:، أما السنة فوددت والله أن بينك وبين السماء صفائح
من حديد، ويكون مسيلها مما يليني فلا تقطر عليكم، وأما البنات فليت
289

الله أضعفهن لك أضعافا مضاعفة، وجعلك بينهن مقطوع اليدين والرجلين،
ليس لهن كاسب غيرك!!
فنظر إليه الاعرابي ثم قال: والله ما أدري ما أقول لك، ولكن أراك
قبيح المنظر، سئ الخلق، فأعضك الله ببظر أمهات هؤلاء الجلوس حولك.
وفى الحديث السادس، من المجلس (23) من ا مالي الشيخ المفيد - ره)
معنعنا، عن الإمام السجاد (ع) أنه قال: أظهر اليأس من الناس، فان ذلك
من الغنى، وأقل طلب الحوائج إليهم، فان ذلك فقر حاضر، وإياك وما
يعتذر منه، وصل صلاة مودع، وان استطعت أن تكون اليوم خيرا منك
[من ظ] أمس، وغدا خيرا [منك ظ] من اليوم فأفعل.
وقال عليه السلام: طلب الحوائج إلى الناس مذلة للحياة، ومذهبة
للحياء، واستخفاف بالوقار، وهو الفقر الحاضر، وقلة طلب الحوائج من
الناس هو الغنى الحاضر. الحديث (12) من كلمه (ع) في تحف
العقول ص 201.
وأيضا في تحف العقول 305 عنه (ع) أنه قال لابنه محمد عليهما
السلام: افعل الخير إلى كل من طلبه منك، فإن كان أهله فقد أصبت
موضعه، وان لم يكن بأهل كنت أنت أهله، وان شتمك رجل عن يمينك
ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره.
وروى ثقة الاسلام الكليني (ره) في الحديث الأول، من الباب 16،
من كتاب الزكاة، من الكافي: 4 ص 20، معنعنا عن الإمام الباقر عليه
السلام أنه قال: لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا، ولو يعلم
المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا.
وقريب منه في الحديث (69) من كلمه، في تحف العقول ص 220
وقال (ع): ان الله تبارك وتعالى جعل الرحمة في قلوب رحماء خلقه،
290

فاطلبوا الحوائج منهم، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم، فان الله تبارك
وتعالى أحل غضبه بهم.
ورواه في الحديث (370) من الاختصاص 240.
وفي الحديث (26) من كلمه من تحف العقول 215، عنه (ع): إنما
مثل الحاجة إلى من أصاب ماله حديثا كمثل الدرهم في فم الأفعى، أنت إليه
محتاج (ظ) وأنت منها على خطر.
وفي الحديث (64) من كلمه (ع) في تحف العقول ص 219: من
صنع مثل ما صنع إليه فقد كافأ، ومن أضعف كان شكورا، ومن شكر كان
كريما، ومن علم أن ما صنع كان إلى نفسه لم يستبطئ الناس في شكر كان
ولم يستزدهم في مودتهم، فلا تلتمس من غيرك شكر ما آتيته إلى نفسك،
ووقيت به عرضك، واعلم أن طالب الحاجة لم يكرم وجهه عن مسألتك،
فأكرم وجهك عن رده.
وفي الحديث الثاني، من الباب 16، من كتاب الزكاة من الكافي: ج 4
ص 20، معنعنا عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إياكم وسؤال الناس،
فإنه ذل في الدنيا وفقر تعجلونه، وحساب طويل يوم القيامة.
وفي الحديث الخامس، من الباب الثامن عشر، منه معنعنا عنه (ع)
قال: ما توسل إلي أحد بوسيلة، ولا تذرع بذريعة أقرب له إلى ما يريده
مني من رجل سلف إليه مني يد أتبعتها أختها وأحسنت ربها فاني رأيت منع
الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل، ولا سخت نفسي برد بكر الحوائج.
ومثله في الحديث (48) من كلم الإمام الباقر (ع) من تحف
العقول ص 217.
وقريب منه في ترجمة محمد المهدي العباسي من تاريخ دمشق: ج 49.
وفي الحديث (26) من قصار كلامه (ع) في تحف العقول: فوت
291

الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها، وأشد من المصيبة سوء الخلق منها.
وفيه ص 272، في المختار (89) عنه (ع) أنه قال لداود الرقي:
تدخل يدك في فم التنين إلى المرفق، خير لك من طلب الحوائج إلى من لم
يكن فكان.
وفي الحديث (370) من كتاب الاختصاص ص 240 عنه (ع) قال:
ان الله تبارك وتعالى جعل الرحمة في قلوب رحماء خلقه، فاطلبوا الحوائج
منهم، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم، فان الله تبارك وتعالى أحل غضبه بهم.
وفي الحديث السابع، من الباب السادس عشر، من كتاب الزكاة،
من الكافي: ج 4 ص 21، معنعنا عن ابن رمانة، قال: دخلت على أبي
عبد الله عليه السلام فذكرت له بعض حالي، فقال: يا جارية هات ذلك
الكيس، هذه أربعمأة دينار وصلني بها أبو جعفر [المنصور] فخذها وتفرج
بها. فقلت: لا والله جعلت فداك ما هذا دهري، ولكن أحببت أن تدعو
الله عز وجل لي. فقال: اني سأفعل، ولكن إياك أن تخبر الناس بكل
حالك فتهون عليهم.
وقال الإمام الكاظم عليه السلام في وصاياه لهشام بن الحكم (ره):
يا هشام إياك والطمع، وعليك باليأس مما في أيدي الناس، وأمت الطمع من
المخلوقين فان الطمع مفتاح الذل، واختلاس العقل، واختلاق المروءات
(كذا) وتدنيس العرض، والذهاب بالعلم، وعليك بالاعتصام بربك
والتوكل عليه، وجاهد نفسك لتردها عن هواها،
فإنه واجب عليك كجهاد
عدوك الخ (16).
وفي المختار (39) من قصار كلامه (ع) في تحف العقول ص 309،

(16) تحف العقول 298، ورواه عنه في البحار: 1، ص 44، وما بعدها
و ج 17، ص 197، وما بعدها..
292

ط النجف، و 413، ط طهران: روي أنه (ع) مر برجل من أهل السواد
دميم المنظر، فسلم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا، ثم عرض (ع) عليه
نفسه في القيام بحاجة ان عرضت له. فقيل له: يا بن رسول الله أتنزل إلى
هذا ثم تسأله عن حوائجه وهو إليك أحوج؟! فقال (ع): عبد من
عبيد الله، وأخ في كتاب الله، وجار في بلاد الله، يجمعنا وإياه خير الآباء:
آدم (ع) وأفضل الأديان: الاسلام ولعل الدهر يرد من حاجاتنا إليه فيرانا
- بعد الزهو عليه - متواضعين بين يديه، ثم قال (ع):
نواصل من لا يستحق وصالنا * مخافة أن نبقى بغير صديق
وفي المختار (30) منه، عنه (ع) لا تصلح المسألة الا في ثلاثة: في
دم منقطع، أو غرم مثقل، أو حاجة مدقعة.
وقال الإمام الرضا عليه السلام: خمس من لم تكن فيه فلا ترجوه
لشئ من الدنيا والآخرة، من لم تعرف الوثاقة في أرومته، والكرم في
طباعه، والرصانة في خلقه، والنبل في نفسه، والمخافة لربه (17).
وفي الحديث الثالث، من الباب الثامن عشر، من كتاب الزكاة، من
الكافي، ج 4، ص 23 معنعنا عن اليسع بن حمزة قال: كنت في مجلس
أبي الحسن الرضا عليه السلام أحدثه، وقد اجتمع عليه خلق كثير يسألونه
عن الحلال والحرام، إذ دخل عليه رجل طوال آدم، فقال: السلام عليك
يا بن رسول الله، رجل من محبيك ومحبي آبائك وأجدادك عليهم السلام،
مصدري من الحج، وقد افتقدت نفقتي، وما معي ما أبلغ مرحلة، فان
رأيت أن تنهضني إلى بلدي ولله علي نعمة، فإذا بلغت بلدي تصدقت بالذي
توليني عنك، فلست موضع صدقة. فقال له: اجلس رحمك الله، وأقبل

(17) المختار (31) من قصار كلامه (ع) في تحف العقول ص 232،
وفى ط ص 446.
293

على الناس يحدثهم حتى تفرقوا وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وأنا،
فقال: أتأذنون لي في الدخول؟ فقال له سليمان: قدم الله أمرك. فقام
فدخل الحجرة، وبقي ساعة، ثم خرج ورد الباب، وأخرج يده من أعلى
الباب، وقال: أين الخراساني؟ فقال: ها أنا ذا. فقال: خذ هذه المأتي
دينار، واستعن بها في معونتك ونفقتك، وتبرك بها ولا تصدق بها عني،
وأخرج فلا أراك ولا تراني، ثم خرج. فقال له سليمان: جعلت فداك،
لقد أجزلت ورحمت، فلماذا سترت وجهك عنه؟ فقال: مخافة ان أرى ذل
السؤال في وجهه، لقضائي حاجته، أما سمعت حديث رسول الله صلى الله
عليه وآله: (المستتر بالحسنة يعدل سبعين حجة، والمذيع بالسيئة مخذول،
والمستتر بها مغفور له) (18)، أما سمعت قول الأول:
متى آته يوما لأطلب حاجة * رجعت إلى أهلي ووجهي بمائة
وقال الإمام العسكري عليه السلام: ادفع المسألة ما وجدت التحمل
يمكنك، فان لكل يوم رزقا جديدا، وأعلم ان الالحاح في المطالب يسلب
البهاء، ويورث التعب والعناء، فأصبر حتى يفتح الله لك بابا يسهل الدخول
فيه، فما أقرب الصنع من الملهوف، والامن من الهارب المخوف، فربما
كانت الغير نوع من أدب الله، والحظوظ مراتب، فلا تعجل على ثمرة لم
تدرك، وإنما تنالها في أوانها، واعلم أن المدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح
حالك فيه، فثق بخيرته في جميع أمورك يصلح حالك، ولا تعجل بحوائجك

(18) المستفاد من استشهاده (ع) لعلمه بقول الرسول (ص): (المستتر
بالحسنة يعدل سبعين حجة) ان المراد بالاستتار معناه العام اي يستتر
بحسنه حتى عن المتصدق عليه والمحسن إليه، بحيث لا يعرفه أو لا يراه،
وهذا مخصص بالأدلة المنفصلة ببعض الحسنات كالصدقات المستحبة وما
يضاهيها، كما أن قوله (ص) (والمستتر بالسيئة مغفور له) يراد منه لصغائر
من الذنوب وما بحكمها، لا العموم، والتفصيل في علم الفقه والكلام.
294

قبل وقتها فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط - الخ (19).
وقال (ع): نائل الكريم يحببك إليه، ونائل اللئيم يضعك لديه (20).
وينبغي أن نذكر قبسا من إفادات الحكماء والأكابر أيضا تتميما للفائدة.
قال بعض الحكماء: ينبغي للعاقل أن يكون في دنياه كالمدعو إلى
الوليمة، ان أتته صحفة تناولها، وان جازته لم يرصدها ولم يطلبها.
وفي كتاب الرحمة لهرمس: القناعة أمنع عز، والاستعانة بالله أحصن حرز.
وقال بزرجمهر: إذ أنجز رجل وعده من معروفه فقد أحرز مع فضيلة
الجود شرف الصدق.
وسئل أنوشروان: أي الأشياء أمر مرارة؟ قال: الحاجة إلى الناس
إذا طلبت من غير أهلها.
وقال أكثم بن صيفي: كل السؤال وان قل، أكثر من كل نوال
وان جل.
وقيل لأعرابي: من أحق الناس بالرحمة؟ قال: الكريم يسلط عليه
اللئيم، والعاقل يسلط عليه الجاهل.
وقال آخر: حسبك من فساد الدنيا انك ترى أسنمة توضع، وأخفافا
ترفع، والخير يطلب عند غير أهله، والفقر قد حل غير محله.
وقال آخر لأخ له: قد نهيتك أن تريق ماء وجهك عند من لا ماء في
وجهه، فان حظك من عطيته السؤال.
وقال بطليموس: من قبل عطيتك فقد أعانك على البر والكرم.

(19) رواه عنه (ع) في البحار: 17، 218. و ج 23 ص 10، عن
اعلام الدين للديلمي.
(20) البحار: 17، 218، نقلا عن الدرة الباهرة.
295

وقال آخر: ذ أمكنك الرجل من أن تصنع معروفك عنده، فيده عندك
مثل يدك عنده، وإذا أصابك من هم نزل به أو خوف تدفعه عنه، فلم
تبذل دمك دونه فقد قصرت بحسبك عنده، ولو أن أهل البخل لم يدخل
عليهم الا سوء ظنهم بالله لكان ذلك عظيما.
وقيل لقس بن ساعدة: ما أفضل المعرفة؟ قال: معرفة الرجل نفسه.
قيل له: فما أفضل العلم؟ قال: وقوف المرء عند علمه. قيل له: فما أفضل
المروءة؟ قال: استبقاء الرجل ماء وجهه.
وقال بعضهم: أعيى ما يكون الكريم إذا سأل حاجة لنفسه، وأعيى
ما يكون الحكيم إذا خاطب سفيها.
وقال بعض آخر: لا تعدن معروفا نلته (21) وإن كان حظا نفيسا بعد
ابتذال قدرك وإراقة ماء وجهك، فان الذي فقدت من عز الصيانة أكثر من
قدر العائدة، وقيمة ما بذلت أعظم من الذي حزت من قضاء وطرك.
وقال التميمي: لا تطلبوا الحوائج إلى ثلاثة: إلى عبد يقول: الامر
لغيري، والى رجل حديث العهد بالغنى، والى صيرفي همته أن يسرق أو
يسترجح في كل مأة دينار حبة.
وقال أرسطا طاليس: إذا دخلتم إلى الكرام فعليكم بتخفيف الكلام،
وتقليل الطعام، وتعجيل القيام.
وقف أعرابي على قوم يسألهم، فقالوا: من أنت؟ فقال: ان سوء
الاكتساب يمنعني من الانتساب.
وقال بعض الحكماء: من لم يستوحش من ذل السؤال لم يأنف من
لؤم الرد.
وقال بعض الأماجد: ما رددت أحدا عن حاجة الا تبينت العزة في قفاها

(21) كذا في النسخة، ولعل الصواب: لا تعدن معروفا ما نلته الخ.
296

والذل في وجهي.
وكان بعض الحكماء يقول: لا تطلب من الكريم يسيرا فتكون عنده حقيرا.
وقال بعضهم: من سأل حاجة فقد عرض نفسه على الرق، فان قضاها
المسؤول عنه استعبده بها، وان رده عنها رجع كلاهما ذليلا، هذا بذل
البخل، وذاك بذل الرد.
وقال ابن السماك: من يهرب منك ان سألته فلا تسأله، ولكن سل
من أمرك أن تسأله.
وقال غيره: نحن نسأل أهل زماننا الحافا وهم يعطوننا كرها، فلا هم
يثابون، ولا نحن يبارك لنا.
وقالت أعرابية لابنها: يا بني ان سؤالك الناس ما في أيديهم من أشد
الافتقار إليهم، ومن افتقرت إليه هنت عليه، ولا تزال تحفظ وتكرم حتى
تسأل وترغب، فإذا ألحت عليك الحاجة، ولزمك سوء الحال، فأجعل
سؤالك إلى من إليه حاجة السائل والمسؤول، فإنه يعطي السائل.
ويحسن أيضا أن نأتي بشطر من الحكم المنظومة مما أفاده الشعراء في
مدح الصبر على القناعة، وذم السؤال.
نسب إلى أمير المؤمنين (ع):
ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله * عوضا ولو نال المنى بسؤال
وإذا السؤال مع النوال قرنته * رجح السؤال وخف كل نوال
وإذا ابتليت ببذل وجهك سائلا * فابذله للمتكرم المفضال
ان الكريم إذا حباك بموعد * أعطاكه سلسا بغير مطال (22)

(22) كما في المختار (23) من حرف اللام، من الديوان 112، ونسبها
الإمام الصادق (ع) في الحديث 5، من الباب الثامن عشر، من كتاب الزكاة
من الكافي: 4 ص 25، إلى الشاعر، الا انه لم يذكر الشطرين الأولين، وابتدأ
بقوله: وإذا بليت ببذل وجهك - الخ. وفيه أيضا: ان الجواد إذا حباك بموعد
الخ. ورواها عن الكافي في ترجمة الإمام الصادق (ع) من البحار: 11،
115، ط الكمباني.
ومنه أخذ أبو العتاهية:
قست السؤال فكان أعظم قيمة * من كل عارفة جرت بسؤال
فإذا أبتليت ببذل وجهك سائلا * فابذله للمتكرم المفضال
وإذا خشيت تعذرا في بلدة * فاشدد يديك بعاجل الترحال
واصبر على غير الزمان فإنما * فرج الشدائد مثل حل عقال
297

وفي المختار (17) من حرف الباء:
وصن منك ماء الوجه لا تبذلنه * ولا تسأل الأرذال فضل الرغائب
وفي المختار (20) من حرف الباء من الديوان ص 39:
لا تطلبن معيشة بمذلة * واربأ بنفسك عن دني المطلب
وإذا افتقرت فدا وفقرك بالغنى * عن كل ذي دنس كجلد الأجرب
فليرجعن إليك رزقك كله * لو كان أبعد من محل الكوكب
وأيضا نسب إليه (ع) في المختار 24، من حرف اللام، من الديوان:
بلوت الناس قرنا بعد قرن * فلم أر مثل مختال بمال
ولم أر في الخطوب أشد هولا * وأصعب من معاداة الرجال
وذقت مرارة الأشياء طرا * فما طعم أمر من السؤال
298

وأيضا نسب إليه (ع) في المختار (25) من حرف اللام من الديوان:
لنقل الصخر من قلل الجبال * أحب إلي من منن الرجال
يقول الناس لي في الكسب عار * فقلت العار في ذل السؤال
وسأل سائل حاجة عن الإمام الصادق (ع) فأسعف حاجته، فجعل
السائل يشكره، فقال عليه السلام.
إذا ما طلبت خصال الندى * وقد عضك الدهر من جهده
فلا تطلبن إلى كالح * أصاب اليسارة من كده
ولكن عليك بأهل العلى * ومن ورث المجد عن جده
فذاك إذا جئته طالبا * تحب اليسارة من جده (23)
وما أحسن ما قيل:
ليس يعتاظ باذل الوجه * عن بذل وجهه عوضا
كيف يعتاظ من أتاك وقد * صير الذل وجهه عرضا
وقال بعضهم:
ان كنت طالب حاجة فتجمل * فيها بأحسن ما قدرت وأجمل
ان الكريم أخا المروءة والنهى * من ليس في حاجاته بمثقل
وقال آخر:
سؤال الناس مفتاح عتيد * لباب الفقر فاكفف عن سؤال وقال بشر الحافي: (24).

(23) البحار: 11، 111.
(24) وقال الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره: 2، 391، طبعة
الاسلامي: انها لأبي هفان البصري.
299

أقسم بالله لمص النوى (25) * وشرب ماء القلب المالحة
أعز للانسان من حرصه (26) * ومن سؤال الأوجه الكالحة
فاستغن بالله تكن ذا الغنى (27) مغتبطا بالصفقة الرابحة
اليأس عز والتقى سؤدد (28) ورغبة النفس لها فاضحة (29)
من كانت الدنيا له برة (30) فإنها يوما له ذابحة
كم سالم (31) صيح به بغتة وقائل عهدي به البارحة
أمسى وأمست عنده قينة وأصبحت تندبه نائحة
طوبى لمن كانت موازينه * يوم يلاقي ربه راجحة
وقال أيضا (32):
لمص الثماد وخرط القتاد * وشرب الأجاج أو ان الظما
على المرء أهون من أن يرى * ذليلا لخلق إذا أعدما
وخير لعينيك من منظر * إلى ما بأيدي اللئام العمى

(25) وفى نسخة أبي الفتوح: لرضع النوى.
(26) وفى نسخة ابن أبي الحديد: أحسن بالانسان من ذلة.
(27) وفى أبي الفتوح: فاستغن باليأس وكن ذا غنى.
(28) وفى أبي الفتوح: الزهد عز - الخ. وفى شرح النهج: فالزهد
عز - الخ.
(29) وفى شرح النهج لابن أبي الحديد: وذلة النفس - الخ.
(30) وفى أبي الفتوح: من يكن الدنيا به برة - الخ، وهذان الشطران
غير موجودين في شرح ابن أبي الحديد على النهج.
(31) من هنا إلى آخر الأبيات غير مذكور في تفسير أبي الفتوح.
(32) على رواية ابن أبي ا لحديد في شرح المختار 404 من قصار النهج.
300

وقال محمد بن حازم (33):
لطي يوم وليلتين * ولبس طمرين باليين
أيسر من نعمة لقوم * أغض منها جفون عيني
اني وان كنت ذا عيال * قليل مال كثير دين
لأحمد الله حين صارت * حوائجي بينه وبيني
وله أيضا:
أشد من فاقة وجوع * مقام حر على خضوع
فاطلب غنى ما بقدر قوت * وأنت بالمنزل الرفيع
ولا تزد ثروة بمال * ينال بالذل والخشوع
وارحل إذا أجدبت بلاد * عنها إلى الريف والربيع
لعل دهرا اتى بنحس * يكر بالسعد في الرجوع
وما أحلى ما أنشده القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز:
وما زلت منحازا بعرضي جانبا * من الذل اعتد الصيانة مغنما
إذا قيل هذا مشرب قلت قد أرى * ولكن نفس الحر تحتمل الظما
أنزهها عن بعض مالا يشينها * مخافة أقوال العدى: فيم أو لما
فأصبح عن عيب اللئيم مسلما * وقد رحت في نفس الكريم مكرما
فأقسم ما عز امرء حسنت له * مسامرة الأطماع ان بات معدما
يقولون لي: فيك انقباض وإنما * رأوا رجلا عن موقف الذل محجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم * ومن أكرمته عزة النفس أكرما
ولم أقض حق العلم إن كان كلما * بدا طمع صيرته لي سلما

(33) على ما رواه جمال المفسرين الشيخ أبو الفتوح الرازي قدس سره، في تفسير الآية - 275 - من سورة البقرة: 2.
301

ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي * لأخدم من لاقيت لكن لا خدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة * إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل اعلم صانوه صانهم * ولم عظموه في النفوس لعظما
ولكن أذلوه فهان ودنسوا * محياه بالاطماع حتى تجهما
واني إذا ما فاتني الامر لم أبت * أقلب كفي إثره متندما
ولكنه ان جاء عفوا قبلته * وان مال لم اتبعه هلا وليتما
وكم طالب رقي بنعماه لم يصل * إليه وإن كان الرئيس المعظما
وما كل برق لاح لي يستفزني * ولا كل أهل الأرض أرضاه منعما
ولكن إذا ما اضطرني الامر لم أزل * أقلب فكري منجدا ثم متهما
إلى أن أرى من لا أغص بذكره * إذا قلت: قد أسدى علي وأنعما
فكم نعمة كانت على الحر نقمة وكم مغنم يعتده الحر مغرما
وماذا عسى الدنيا وان جل خطبها * تنال به من صير الصبر معصما
ونعم ما قال العاصمي:
تسل فليس في الدنيا كريم * يلوذ به صغير أو كبير
وربع المجد ليس له أنيس وحزب الفضل ليس لهم نصير
وقائلة أراك على حمار * فقلت لان سادتنا حمير
وقال آخر:
ذل السؤال شجى في الحلق معترض من دونه شرق من خلفه حرض
ما مال كفك ان جادت وان بخلت * من ماء وجهي ان أفسدته عوض
وقال آخر:
يا أيها المنيع نبل الرجال * وطالب الحاجات من ذي النوال
لا تحسبن الموت موت البلا * وإنما الموت سؤال الرجال
302

- 35 -
ومن وصية له عليه السلام
قال القاضي نعمان: وأوصى عليه السلام بأوقاف أوقفها من أمواله،
ذكرها في كتاب وصيته، وكان فيما ذكره منها:
هذا ما أوصى به وقفا، فقضى في ماله، علي بن أبي طالب
ابتغاء وجه الله، ليولجني الله به الجنة ويصرفني عن النار،
ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه، وتسود وجوه.
ما كان لي بينبع (1) من مال ويعرف لي منها وما حولها
صدقة ورقيقها، غير أن رباحا وأبا بيزد (2) وحبترا عتقاء
ليس لأحد عليهم سبيل، وهم موالي يعملون في المال
خمس حجج، وفيه نفقتهم ورزق أهاليهم، ومع ذلك ما كان

(1) قال في المجمع: ينبوع - على زنة يفعول - من نبع الماء نبوعا،
من باب قعد، ونبع نبعا - من باب نفع لغة. وينبع بالفتح فالسكون وضم
الموحدة قرية كبيرة بها حصن، على سبع مراحل من المدينة، نقل انه لما
قسم رسول الله (ص) الفئ أصاب علي (ع) أرضا، فاحتفر عينا فخرج
منها ماء ينبع في السماء (ظ) كهيئة عنق البعير، فسماها عين ينبع.
(2) كذا في النسخة، والمضبوط في كتب ثقة الاسلام الكليني (ره)
وغيره: أبا نيزر.
303

لي بوادي القرى ثلثه مال بني فاطمة. ورقيقها صدقة وما
كان لي ببرقة (3) وأهلها صدقة غير أن زريقا له مثل ما كتبت
لأصحابه وما كان لي بأذينة وأهلها صدقة والذي كتبت من
أموالي هذه صدقة واجبة بتلة (4) حي أنا أو ميت تنفق في
كل نفقة يبتغي بها وجه الله، وفي سبيل الله ووجهه وذوي
الرحم من بني هاشم وبني عبد المطلب، والقريب والبعيد.
وإنه يقوم على ذلك الحسن بن علي، يأكل منه
بالمعروف، وينفقه حيث يريه الله في حل محلل، لا حرج
عليه فيه، وإن أراد أن يبدل مالا من الصدقة مكان مال، فإنه
يفعل ذلك لا حرج عليه فيه، وإن أراد أن يبيع نصيبا
من المال، فيقضي به الدين فعل إن شاء، ولا حرج
عليه فيه.
وإن ولد علي ومالهم إلى الحسن بن علي وإن كان

(3) قال في مجمع البحرين: البرقة - بضم الباء وسكون الراء - أحد
الحيطان السبعة، الموقوفة على فاطمة بنت رسول الله (ص) في المدينة.
(4) يقال: عطاء بتل، أي منقطع لا يشبهه عطاء، أو منقطع لا يعطى بعده
عطاء، ويقال: بتل بتلا - من باب ضرب ونصر - وبتل الشئ: أبانه وقطعه
عن غيره.
304

دار الحسن بن علي دارا غير دار الصدقة، فبدا له أن يبيعها،
فليبع إن شاء، ولا حرج عليه فيه فإن باع فثمنها ثلاثة
أثلاث، يجعل ثلثا في سبيل الله، وثلثا في بني هاشم وثلثا
في آل أبي طالب، يضعه فيه حيث يريه الله، وإن حدث بالحسن
حدث والحسين حي فإنه إلى الحسين بن علي، وإن حسين
ابن علي يفعل فيه مثل الذي أمرت حسنا، وله مثل الذي
كتبت للحسن، وعليه مثل الذي على حسن، وإن الذي لبني
فاطمة من صدقة علي (ع) مثل الذي لبني علي وإني إنما
جعلت الذي جعلت إلى بني فاطمة. ابتغاء وجه الله، ثم لكريم
حرمة محمد (صلى الله عليه وآله) وتعظيما وتشريفا ورضى
بهما. فإن حدث بالحسن والحسين حدث، فإن ولد الآخر
منهما ينظر في ذلك، وإن رآى أن يوليه غيره، نظر في
بني علي فإن وجد فيهم من يرتضي دينه وإسلامه وأمانته
جعله إليه إن شاء، وإن لم ير فيهم الذي يريده، فإنه يجعله
إن شاء إلى رجل من آل أبي طالب يرتضيه، فإن وجد آل
أبي طالب يومئذ قد ذهب أكابرهم وذووا آرائهم وأسنانهم
305

فإنه يجعله إن شاء إلى رجل يرضى حاله من بني هاشم،
ويشترط على الذي يجعل ذلك إليه، أن يترك المال على
أصله، وينفق ثمرته حيث أمرته في سبيل الله (عز وجل)
ووجوهه وذوي الرحم من بني هاشم. وبني عبد المطلب
والقريب والبعيد لا يباع منه شئ ولا يوهب ولا يورث،
وان مال محمد (صلى الله عليه وآله) على ناحيته إلى بنى
فاطمة، وكذلك مال فاطمة إلى بنيها (5).
الحديث 1284، من ج 2، من الدعائم 339،

(5) قال صاحب دعائم الاسلام: ثم ذكر (ع) باقي الوصية.
306

- 36 -
ومن وصية له عليه السلام
قال القاضي نعمان: وعن الإمام السجاد والإمام الباقر عليهما السلام
أنهما ذكرا وصية أمير المؤمنين عليه السلام، فقالا: أوصى إلى ابنه الحسن
واشهد على وصيته الحسين ومحمد وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته،
ثم دفع الكتب والسلاح إليه، ثم قال له.
أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1) أن أوصى

(1) وليعلم ان كل ما هو بين معقفتين من قوله: (صلى الله عليه وآله
وسلم) كان في المصدر هكذا: (صلع) وكل ما كان من قول: (عز وجل)
بينهما فكان في المصدر هكذا: (ع ج).
ولا يخفى انه لا يجوز التصرف في النصوص الواردة عن أئمة الدين (ع)
الا إذا نصبت القرينة على مورد التصرف وشخص المزيد أو المنقوص، ولم
تترتب مفسدة على ذلك. وهنا لم يعلم هل كان في كلام أمير المؤمنين (ع)
كلمة: (صلى الله عليه وآله وسلم) فاختصرها الراوي أو المصنف أو الكاتب،
أم لم تكن هذه اللفظة المباركة في كلامه (ع) وإنما زادها الراوي أو المصنف
أو الكاتب لما ورد من استحباب الصلاة على النبي وآله إذا ذكر اسمه السامي
صلى الله عليه وآله وسلم، ولأجل الاختصار رمز إليها ب‍ (صلع) فإن كان
الأول فلا يجوز مع عدم نصب القرينة على كمية الكلمات المرموز إليها،
لما يترتب عليه من تفويت استنباط الاحكام من كلام أمير المؤمنين (ع) إذ
الفرض انه لم يشر إلى كيفية كلام أمير المؤمنين (ع) وكميته، وإن كان الثاني
كما هو الظاهر من رسم الخط في الكتاب فلا بأس به، وإنما غيرنا الصورة
المرسومة في الكتاب لكونها غير مألوفة لدى القراء، وإنما جعلناها بين معقفتين
لتتميز عن ما قبلها وما بعدها. وكذا الكلام في لفظة: (عز وجل) فإنها كانت
في الأصل هكذا (ع ج).
307

إليك، وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودفع إلي كتبه وسلاحه
وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفع ذلك إلى أخيك
الحسين - ثم أقبل إلي (على) الحسين فقال: - وأمرك رسول
الله أن تدفعه إلى ابنك هذا - ثم أخذ بيد ابنه علي بن الحسين
(ع) فضمه إليه، فقال له: - يا بنى وأمرك رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) أن تدفعه إلى ابنك محمد فاقراه من رسول
الله ومنى السلام - ثم أقبل على ابنه الحسن فقال -: يا بني
أنت ولي الأمر وولي الدم، فإن عفوت فلك، وان قتلت
فضربة مكان ضربة، ولا تأتم (2).

(2) كذا في النسخة. - يقال: أتم - أتما (من باب نصر): إذا جمع
بين شيئين وأتم بالمكان: أقام. وأتم: أبطا.، ولا يخفى مناسبة الكل للمقام.
ويشهد لها ما سنذكره عن كتاب العدد القوية، من قوله (ع): يا بني إذا
انا مت فالحقوا بي ابن ملجم، الخ.
وفى غير واحد من النسخ، وكذلك في غير واحد من مصادر أخر):
(ولا تأثم) وكأنه (ع) أراد أن لا يتجاوزوا من القتل إلى المثلة والتعذيب
حيا، كما هو دأب أهل الدنيا وعظماء دار الغرور.
ومما يشهد أيضا للمعاني الأول: ما رواه السيد الأمين رضوان الله عليه
من مستدرك الحاكم، من أنه (ع) لما ضربه اللعين أوصى (ع) فقال: أحسنوا
إليه، فان أعش فهضم أو قصاص، وان أمت فعاجلوه فاني مخاصمه عند
ربي عز وجل. وفى رواية للحاكم: لما جاؤوا بابن ملجم إلى علي (ع) قال:
اصنعوا به ما صنع رسول الله (ص) برجل جعل له لقتله، فامر ان يقتل
ويحرق بالنار.
وروى أيضا بسنده عن أبي إسحاق الهمداني قال: رأيت قاتل علي بن
أبي طالب يحرق بالنار في أصحاب الرماح.، وقال اليعقوبي رحمه الله في التأريخ:
وأتي بابن ملجم إلى علي فقال: ابن ملجم؟ قال: نعم. فقال: يا حسن شأنك
بخصمك فاشبع بطنه، واشدد وثاقه، فان مت فالحقه بي أخاصمه عند ربي
وان عشت فعفوا أو قصاص.
308

وكان (ع) قبل ذلك قد خص الحسن والحسين (ع) بوصية أسرها
اليهما، كتب لهما فيها أسماء الملوك (3) في هذه الدنيا، ومدة الدنيا وأسماء
الدعاة إلى يوم القيامة، ودفع اليهما كتاب القرآن وكتاب العلم، ثم لما
جمع الناس قال لهما ما قال، ثم كتب (ع) كتاب وصية وهو هذا:

(3) سنذكر فصلا مشبعا في اخباره عليه السلام بالمغيبات، في الباب
الخامس من كتابنا هذا، ونشير هنا إلى بعض ما يستأنس به، فأقول: ومن
كلام له عليه السلام:
(والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه
لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا في برسول الله صلى الله عليه وآله، الا واني
مفضيه إلى الخاصة ممن يؤمن ذلك منه، والذي بعثه بالحق، واصطفاه على
الخلق، ما انطق الا صادقا، ولقد عهد إلي بذلك كله، وبمهلك من يهلك،
ومنجى من ينجو، ومآل هذا الامر، وما القى شيئا يمر على رأسي الا أفرغه
في أذني وأفضى به إلي، إلى آخر ما هو مذكور في النسخة التي شرحها ابن
أبي الحديد.
وفى بصائر الدرجات، عن محمد بن الحسين، عن عبد الرحمان ابن أبي
هاشم، وجعفر بن بشير، عن عينة، عن المعلى بن الخنيس، قال: كنت عند
أبي عبد الله عليه السلام، إذ أقبل محمد بن عبد الله، فسلم ثم ذهب، فرق
له (فرد له ظ) أبو عبد الله عليه السلام، ودمعت عيناه، فقلت له: لقد
رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع، قال: رققت له لأنه ينسب في أمر ليس له
لم أجده في كتاب علي عليه السلام من خلفاء هذه الأمة ولا ملوكها. تنقيح المقال
ج 2 ص 142، ط الأول بالنجف الأشرف. وعن إعلام الورى، عن كتاب
الواحدة، قال حدث أصحابنا أن محمد بن عبد الله بن الحسن، قال لأبي
عبد الله (ع): والله اني لاعلم منك، وأسخى منك، وأشجع منك. فقال
عليه السلام: أما ما قلت انك أعلم مني فقد أعتق جدي وجدك (يعني عليا
أمير المؤمنين عليه السلام) الف نسمة من كد يده فسمهم لي، وان أحببت ان أسميهم
لك إلى آدم. وأما ما قلت: انك أسخى مني فوالله ما بت ليلة قط، ولله علي حق يطالبني
به. وأما ما قلت: انك أشجع مني فكأني برأسك وقد جئ به ووضع على
حجر الزنابير، يسيل منه الدم إلى موضع كذا وكذا.
وفى الحديث 7، من الباب 40، من كتاب الحجة من أصول الكافي 242،
عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن
فضيل بن يسار، وبريد بن معاوية وزرارة، أن عبد الملك بن أعين، قال لأبي
عبد الله عليه السلام، ان الزيدية والمعتزلة قد أطافوا بمحمد بن عبد الله، فهل
له سلطان؟ فقال: والله ان عندي لكتابين فيهما تسمية كل نبي، وكل ملك
يملك الأرض، لا والله ما محمد بن عبد الله في واحد منهما.
وفى الحديث 8، من الباب، روى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد
ابن محمد عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عبد الصمد بن
بشير، عن فضيل بن سكرة، قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام،
فقال: يا فضيل أتدري في أي شئ كنت انظر قبيل؟ قال قلت: لا. قال:
كنت أنظر في كتاب فاطمة عليها السلام، ليس من ملك يملك الأرض، الا وهو
مكتوب فيه باسمه واسم أبيه، وما وجدت لولد الحسن فيه شيئا.
وقد ذكر ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة من هذا النمط شيئا
كثيرا.
وقال ابن شهر أشوب (ره) في فصل أنه (ع) قسيم الجنة والنار من
مناقب آل أبي طالب: 2، ص 11، ط النجف: قال عمرو بن شمر: اجتمع
الكلبي والأعمش، فقال الكلبي: أي شئ أشد من ما سمعت من مناقب علي
عليه السلام. فحدث بحديث عباية: (انه قسيم النار) فقال الكليني:
وعندي أعظم مما عندك، أعطى رسول الله عليا كتابا فيه أسماء أهل الجنة
وأسماء أهل النار.
309

بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به عبد الله علي بن
أبي طالب لآخر أيامه من الدنيا وهو صائر إلى برزخ الموتى
والرحيل عن الأهل والأخلاء وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله وأمينه صلوات
الله عليه وعلى آله وعلى اخوانه المرسلين وذريته الطيبين
310

وجزى الله عنا محمدا أفضل ما جزى (به خ) نبيا عن أمته.
وأوصيك يا حسن وجميع من حضرني من أهل بيتي
وولدي وشيعتي بتقوى الله ولا تموتن الا وأنتم مسلمون
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فانى سمعت رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يقول صلاح ذات البين أفضل من
عامة الصلاة والصوم.
وأوصيكم بالعمل قبل أن يؤخذ منكم بالكظم، وباغتنام
311

الصحة قبل السقم، وقبل أن تقول نفس يا حسرتي علي
ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو يقول:
لو أن الله هداني لكنت من المتقين (4). وأني ومن أين وقد
كنت للهوى متبعا، فيكشف عن بصره، وتهتك له حجبه،
لقول الله عز وجل. فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد (5)
أني له البصر، الا أبصر قبل هذا الوقت الضرر، قبل أن
تحجب التوبة بنزول الكربة فتمنى النفس أن لو ردت
لتعمل بتقواها فلا ينفعها المنى. وأوصيكم بمجانبة الهوى
فإن الهوى يدعو إلى العمى وهو الضلال في الآخرة والدنيا
وأوصيكم بالنصيحة لله عز وجل وكيف لا تنصح لمن
أخرجك من أصلاب أهل الشرك وأنقذك من جحود أهل الشك
فأعبده رغبة ورهبة، وما ذاك عنده بضائع.
وأوصيكم بالنصيحة للرسول الهادي محمد (صلى الله عليه
وآله) ومن النصيحة له أن تؤدوا إليه أجره، قال الله عز

(4) الآية (55) من سورة الزمر.
(5) الآية (22) من سورة قاف: 50.
312

وجل: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (6)
ومن وفي محمدا أجره بمودة وقرابته، فقد أدى الأمانة، ومن
لم يؤدها كان خصمه، ومن كان خصمه خصمه ومن خصمه فقد
باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير، يا أيها الناس إنه لا
يحب محمد إلا لله، ولا يحب آل محمد إلا لمحمد ومن شاء فليقلل (7)
ومن شاء فليكثر، وأوصيكم بمحبتنا والإحسان إلى شيعتنا
فمن لم يفعل فليس منا، وأوصيكم بأصحاب محمد الذين
لم يحدثوا حدثنا ولم يؤووا محدثا، ولم يمنعوا حقا، فان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أوصانا بم ولعن
المحدث منهم ومن غيرهم.
وأوصيكم بالطهارة التي لا تتم الصلاة. إلا بها وبالصلاة
التي هي عمود الدين، وقوام الاسلام، فلا تغفلوا عنها
وبالزكاة التي بها تتم الصلاة، وبصوم شهر رمضان، وحج
البيت الحرام، من استطاع إليه سبيلا وبالجهاد في سبيل الله فإنه

(6) الآية 23، من السورة 42: الشورى.
(7) وفى بعض النسخ:: فليقل.
313

ذروة الأعمال، وعز الدين والإسلام، والصوم فإنه جنة
من النار، وعليكم بالمحافظة على أوقات الصلاة فليس مني
من ضيع الصلاة، وأوصيكم بصلاة الزوال، فإنها صلاة
الأوابين، وأوصيكم بأربع ركعات بعد صلاة المغرب
فلا تتركوهن وإن ختم عدوا، وأوصيكم بقيام الليل من
أوله إلى آخره (8) فإن غلب عليكم النوم (9) ففي آخره
ومن منع بمرض فان الله يعذر بالعذر، وليس مني ولا من
شيعتي من ضيع الوتر، أو مطل بركعتي الفجر (10)
ولا يرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أكل
مالا حراما، لا والله، لا والله، لا والله، ولا يشرب من حوضه
ولا تناله شفاعته، لا والله ولا من أدمن شيئا (11) من هذه الأشربة

(8) في هامش بعض النسخ هكذا: وأوصيكم بقيام الليل من زوال الليل
إلى آخره.
وفى نسخة: وأوصيكم بقيام الليل، وأوصيكم بقيام الليل.
(9) وفى نسخة: فان غلبكم النوم.
(10) مطله - (من باب نصر) مطلا حقه وبحقه: سوفه بوعد الوفاء
مرة بعد الأخرى، كماطله مطالا ومماطله، وهذا محمول على شدة الندب،
(11) وفى بعض النسخ: ولا من أدمن على شرب شئ من هذه الأشربة
المسكرة.
314

المسكرة، ولا من زنى بمحصنة (12) لا والله، ولا من لا يعرف
حقي ولاحق أهل بيتي، وهي أوجبهن، لا والله، ولا يرد
عليه من اتبع هواه، ولامن شبع وجاره المؤمن جائع
ولا يرد عليه من لم يكن قواما لله بالقسط.
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد إلي، فقال:
يا علي مر بالمعروف وانه عن المنكر بيدك، فإن لم تستطع
فبلسانك، فإن لم تستطع فبقلبك، وإلا فلا تلومن إلا
نفسك، وإياكم والغيبة، فإنها تحبط الأعمال (العمل خ)
صلوا الأرحام، وأفشوا السلام، (وأطعموا الصعام خ) وصلوا
والناس نيام.
وأوصيكم يا بني عبد المطلب خاصة، ان يتبين فضلكم
على من أحسن إليكم، وتصديق رجاء من أملكم، فإن ذلكم
(ذلك خ) أشبه بأنسابكم، وإياكم والبغضة لذوي أرحامكم

(12) هي تستعمل لازمة ومتعدية، يقال: أحصنت المرأة: عفت فهي
محصنة - بكسر الصاد -. وأحصنها زوجها فهي محصنة - بفتح الصاد -
وكذلك يقال: رجل محصن أي عفيف. ومحصن - بالفتح - إذا أحصنته
امرأة.
315

المؤمنين، فإنها الحالقة للدين، وعليكم بمداراة الناس
فإنها صدقة، وأكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم، وعلموها أطفالكم (أولادكم خ) وأسرعوا بختان
أولادكم، فإنه أطهر لهم ولا تخرجن من أفواهكم كذبة
ما بقيتم، ولا تتكلموا با لفحش، فإنه لا يليق بنا ولا
بشيعتنا، وإن الفاحش لا يكون صديقا، وإن المتكبر
ملعون، والمتواضع عند الله مرفوع، وإياكم والكبر.
فإنه رداء الله عز وجل، فمن نازعه رداءه قصمه الله.
والله الله في الأيتام، فلا يجوعن بحضرتكم، والله
الله في ابن السبيل، فلا يستوحشن من عشيرته بمكانكم
والله الله في الضيف لا ينصرفن إلا شاكرا لكم، والله الله
في الجهاد للأنفس، فهي أعدى العدو لكم، فإنه قال الله
تبارك وتعالى: (إن النفس لامارة بالسوء إلا ما رحم ربى) (13)
وإن أول المعاصي تصديق النفس، والركون إلى الهوى، والله الله
لا ترغبوا في الدنيا فان الدنيا هي رأس الخطايا، وهي من بعد إلى

(13) من الآية 52 من السورة 12: يوسف.
316

زوال، وإياكم والحسد، فإنه أول ذنب كان من الجن قبل الانس
وإياكم وتصديق النساء، فإنهن أخرجن أباكم من الجنة،
وصيرنه إلى نصب الدنيا، وإياكم وسوء الظن، فإنه يحبط
العمل، واتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم
ويغفر لكم ذنوبكم (14) وعليكم بطاعة من لا تعذرون في
ترك طاعته، وطاعتنا أهل البيت، فقد قرن الله طاعتنا
بطاعته، وطاعة رسوله، ونظم ذلك في آية من كتابه، منا من
الله علينا وعليكم، وأوجب (15) طاعته وطاعة رسوله وطاعة
ولاة الأمر من آل رسوله (من أهل البيت خ) (16)، وأمركم
أن تسألوا أهل الذكر، ونحن والله أهل الذكر (17)، لا يدعي ذلك
غيرنا إلا كاذبا، يصدق ذلك قول الله عز وجل: (قد أنزل

(14) الآية 70، من السورة 33،: الأحزاب.
(15) وفى بعض النسخ: فوجبت طاعته (إلى اخره). والآية المشار
إليها هي الآية (58) من السورة 4: النساء، واليك نصها: (يا أيها الذين
آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه
إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا).
(16) وفى بعض النسخ: من أهل بيت رسوله.
(17) كما في الآية (43)، من السورة 16: النحل وسيذكر (ع) الآية بلفظها.
317

الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج
الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور) (18)
ثم قال: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (19) فنحن
أهل الذكر، فأقبلوا أمرنا، وانتهوا عما نهينا (إلى نهينا خ)
ونحن الأبواب التي أمرتم أن تأتوا البيوت منها، فنحن
والله أبواب تلك البيوت (20) ليس ذلك لغيرنا، ولا يقوله
أحد سوانا.
أيها الناس هل فيكم أحد يدعي قبلي جورا في حكم
أو ظلما في نفس أو مال فليقم (به خ) أنصفه من ذلك
فقام رجل من القوم فأثنى عليه ثناء حسنا وأطرأه وذكر مناقبه
في كلام طويل فقال (ع):

(18) الآية 9 و 10، من سورة الطلاق: 65.
(19) الآية 43، من سورة النحل: 16. ومراده (ع) أن الله جل
شأنه أنزل أولا الآية الأولى، وبين مراده من قوله: (ذكرا) بأنه هو رسوله
صلى الله عليه وآله، ثم أوجب على المكلفين تكليفا، وهو السؤال عن أهل
الذكر والاخذ منهم، فأنزل على رسوله، وعرف الله بتعريف العهد الذكري
فقال: (فاسألوا أهل الذكر) أي أهل رسول الله (ص) الذي عظمنا شأنه
وأنزلنا فيه قولنا: (قد انزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم) الخ.
(20) كما في الآية (189) من سورة البقرة: 2.
318

أيها العبد المتكلم ليس هذا حين إطراء، وما أحب
أن يحضرني أحد في هذا المحضر بغير النصيحة والله الشاهد
على من رأى شيئا يكرهه (كرهه خ) فلم يعلمنيه، فإني
أحب أن أستعتب من نفسي قبل أن تفوت نفسي، اللهم
إنك شهيد وكفى بك شهيدا. إني بايعت رسولك وحجتك
في أرضك محمد (صلى الله عليه وآله) أنا وثلاثة من أهل
بيتي على أن لا ندع لله أمرا إلا عملناه، ولا ندع له نهيا إلا
رفضناه، ولا وليا إلا أحببناه، ولا عدوا إلا عاديناه، ولا نولي
ظهورنا عدوا، ولا نمل عن فريضة، ولا نزداد لله ولرسوله إلا
نصيحة، فقتل أصحابي - رحمة الله ورضوانه عليهم - وكلهم
أهل بيتي: عبيدة بن الحارث (رح) قتل ببدر شهيدا، وعمي
حمزة قتل يوم أحد شهيدا رحمة الله عليه ورضوانه وأخي
جعفر قتل يوم مؤتة شهيدا رحمة الله عليه فأنزل الله في وفي
أصحابي (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) (20)
أنا والله المنتظر، ما بدلت تبديلا، ثم وعدنا بفضله الجزاء

(20) الآية 23 من سورة الأحزاب.
319

فقال: (قل بفضل الله وبرحمتك فبذلك فليفرحوا هو خير
مما يجمعون) (21) وقد آن لي فيما نزل بي أن أفرح بنعمة ربي.
فأثنوا عليه خيرا وبكوا فقال:
أيها الناس أنا أحب أن أشهد عليكم أن لا يقوم أحد
فيقول أردت أن أقول فخفت فقد أعذرت فيما بيني وبينكم
اللهم إلا أن يكون أحد يريد ظلمي والدعوى علي (قبلي خ) بما
لم أجن، أما إني لم أستحل من أحد مالا، ولم أستحل من أحد
دما بغير حله (22) وجاهدت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بأمر الله وأمر رسوله، فلما قبض الله رسوله، جاهدت من
أمرني بجهاده من أهل البغي، وسماهم لي رجلا رجلا، وحضني
على جهادهم، وقال: يا علي تقاتل الناكثين وسماهم لي، والقاسطين

(21) الآية 58، من سورة يونس: 10.
(22) قال ابن دأب في الفضائل السبعين لأمير المؤمنين (ع): ثم دخل
الناس عليه قبل ان يستشهد بيوم فشهدوا انه قد وفر فيئهم وظلف عن
دنياهم، ولم يرتشي في (اجراء) أحكامهم، ولم يتناول من بيت مال المسلمين
ما يساوي عقالا، ولم يأكل من مال نفسه الا قدر البلغة، وشهدوا جميعا، أن
أبعد الناس منه. بمنزلة أقربهم منه.
320

وسماهم لي، والمارقين (23) فلا تكثر منكم الأقوال، فإن
أصدق ما يكون المرء عند هذا الحال.
فقالوا خيرا، وأثنوا بخير وبكوا فقال (ع): للحسن:
يا حسن أنت ولي دمي وهو عندك (عبدك خ) وقد صيرته
إليك، (يعني ابن ملجم لعنة الله عليه) ليس لأخذ فيه حكم،
فإن أردت أن تقتل فاقتل وإن أردت أن تعفو فاعف وأنت الإمام
بعدي، ووارث علمي، وأفضل من أترك بعدي. وخير من
أخلف (خلفي خ) من أهل بيتي وأخوك ابن أمك، بشر كما
رسول الله بالبشرى، فأبشرا بما بشركما. واعملا لله بالطاعة،
فاشكراه على النعمة.
ثم لم يزل يقول (ع): اللهم أكفنا عدوك الرجيم اللهم
إني أشهدك أنك لا إلاه إلا أنت وأنك الواحد الصمد لم تلد
ولم تولد، ولم يكن لك كفوا أحد
فلك الحمد عدد

(23) وبهذا وأمثاله مما تواتر عنه (ع) بين الفريقين، يعلم بهت بعض
النواصب وانغماره في بحار الضلالة، حيث يدعي أن حروب أمير المؤمنين (ع)
لم يكن بأمر رسول الله (ص) ولا بعهد منه، وإنما كان أمرا سياسيا من
شؤون السلطنة والاستيلاء على الناس.
321

نعمائك لدي. وإحسانك عندي. فاغفر لي وارحمني وأنت
خير الراحمين.
ولم يزل يقول (ع): لا إله إلا الله وحدك لا شريك لك،
وأن محمدا عبدك ورسولك، عدة لهذا الموقف، وما بعده من
المواقف، اللهم أجز محمدا عنا خيرا، واجز محمدا عنا خير
الجزاء، وبلغه منا أفضل السلام، اللهم ألحقني به، ولا تحل
بيني وبينه، إنك سميع الدعاء، رؤوف (غفور خ) رحيم.
ثم نظر (ع) إلى أهل بيته فقال حفظكم الله من أهل بيت،
وحفظ فيكم نبيكم، وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم
السلام (24).
ثم لم يزل يقول (ع): لا إله الا الله محمد رسول الله حتى قبض
صلوات الله عليه ورحمته ورضوانه (وبركاته خ) ليلة احدى وعشرين، من
شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة. الحديث الأخير من الفصل الأول من
كتاب الوصايا من الدعائم.

(24) وفى العوالم عن كتاب: العدد القوية قال: قال الواقدي: اخر
كلمة قالها أمير المؤمنين عليه السلام: يا بني إذا أنا مت فالحقوا بي ابن ملجم
أخاصمه عند رب العالمين، ثم قرأ (ع): فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره،
ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، انتهى البحار: 9، 662، والوقائع 590 ج 2.
322

- 37 -
ومن وصية له عليه السلام لرجل التمس منه الوصية:
أوصيك أن لا يكون لعمل الخير عندك غاية في الكثرة،
ولا لعمل الإثم عندك غاية في القلة.
الحديث 94، مما اختار من حكمه (ع) في تحف العقول 147.
- 38 -
ومن وصية له عليه السلام
عن ابن عباس (ره) ان رجلا جاء إلى أمير المؤمنين (ع) فقال: أوصني
فقال (عليه السلام):
لا تحدث نفسك بفقر ولا بطول عمر.
الحديث 95، من حكمه (ع)، من تحف العقول 147.
323

- 39 -
ومن وصية له عليه السلام
ثقة الاسلام الكليني طيب الله رمسه، عن الحسين بن محمد، عن
معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن شعيب بن عبد الله، عن بعض
أصحابه رفعه، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير
المؤمنين أوصني بوجه من وجوه الخير أنجو به فقال له:
أيها الإنسان استمع ثم استفهم ثم استعمل (1) واعلم أن
الناس ثلاثة: زاهد وصابر وراغب. أما الزاهد فقد خرجت
الأحزان والأفراح من قلبه فلا يفرح بشئ من الدنيا، ولا
يأسف (يأسي خ ل) على شئ منها فاته، فهو مستريح.
وأما الصابر فإنه يتمناها بقلبه فإذا نال عنها ألجم نفسه
منها لسوء عاقبتها وشنآنها، (2) لو اطلعت على قلبه لعجبت

(1) قال العلامة المجلسي (ره): الأمور مترتبة، فان العمل موقوف
على اليقين، واليقين موقوف على الفهم، والفهم موقوف على الاستماع.
(2) الضمير في (يتمناها وعاقبتها) عائد إلى الدنيا، واما الضمير
المتصل بقوله: (شنآنها) فعائد إلى العاقبة، والشنآن: الكراهية والمبغوضية
والمراد ان سوء عاقبة الدنيا ومبغوضيتها حمل الصابر ودعاه على أن يلجم
نفسه منها بلجام الصبر، وتحمل الضراء، كما يلجم الفرس لئلا يوقع نفسه
وراكبه في المهالك.
324

من عفته وتواضعه وحزمه.
وأما الراغب فلا يبالي من أين جائته الدنيا، من حلها
أو من حرامها، ولا يبالي ما دنس فيه عرضه، وأهلك نفسه،
وأذهب مروءته، فهم في غمرة يضطربون (يعمون خ)
(يصطر خون خ) (انتهى).
الحديث 13، من الباب 203، من الكتاب 5، من الكافي، 456،
ورواها أيضا في تنبيه الخواطر، 161 ج 2، وفي طبع 471، س 6 عكسا،
والظاهر أن هذه الوصية، عين ما رواه الشيخ المفيد، وما ذكره
الصدوق رحمه الله بسند آخر، في ضمن خطبة طويلة مشتملة على مباحث
جمة من مناقبه عليه السلام، وقد تقدم في باب الخطب، وذكرها في شرح
المختار (92) من خطب النهج من منهاج البراعة: ج 5، ص 80، عن توحيد
الصدوق رحمه الله.
325

- 40 -
ومن وصية له عليه السلام
لزياد بن النضر الحارثي لما أنفذه أميرا على مقدمة جيشه إلى صفين.
إتق الله في كل ممسى ومصبح، وخف على نفسك
الغرور، ولا تأمنها على حال من البلاء (1) واعلم أنك إن لم
تزع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروهه، سمت بك
الأهواء إلى كثير من الضر حتى تطعن (2) فكن لنفسك مانعا

(1) ممسي ومصبح، اسما مصدر لقولهم: (أمسى وأصبح) ويجوز
أيضا أن يكونا مصدرين لهما، أي فليكن من شأنك تقوى الله في كل صباح
ومساء. والغرور - بضم الغين -: الأباطيل، الانخداع.
- وبفتحها -: ما يوجب ويورث الانخداع، ولذا توصف به الدنيا، فيقال
الدنيا الغرور، قال الله تعالى: (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله
الغرور). والبلاء: ما يبتلى ويمتحن به المكلف من النعمة أو النقمة، والخير
أو الشر. أي أنك تختبر في كل حال بالبلاء من حصول نعمة أو ترقب
حصولها، أو حدوث نقمة أو تخوف عروضها - فلا تأمن نفسك من الانخداع
وخذ بقيادها ولا تذهل عنها.
(2) (ان لم تزع) أي ان لم تكفها، ولو لم تحبسها. يقال: وزع فلانا
وبفلان: كفه ومنعه. ووزع الجيش: حبسهم. وهو من باب نصر ومنع.
وقوله: (مخافة مكروهه) مفعول لأجله وقوله: (سمت بك الأهواء)
جواب الشرط معناه: ارتفعت بك الأهواء وشخصتك إلى الاضرار الكثيرة،
يقال: سما نفسه إلى كذا) أي أعلته وأشخصته. وهو من باب (دعا).
وتطعن من باب (نصر ومنع) أي تكبر وتصير شيخا. وهو من قولهم:
(طعن في السن) أي صار كبيرا. ومقصوده (ع) أن مخافة المكاره المترتبة
على اتباع الشهوات، ان لم تمنعك من الانقياد لها ومزاولتها، تجرك الشهوات
إلى المضرات الكثيرة إلى أن تصير شيخا معتادا بمتابعة الهوى فيصعب عليك
ترك العادة فتكون من الهالكين.
326

وازعا (3) عن الظلم والبغي والعدوان.
قد وليتك هذا الجند فلا تستذلنهم ولا تستطل عليهم (4) فإن خيركم أتقاكم.
تعلم من عالمهم وعلم جاهلهم، وأحلم عن سفيههم، فإنك
إنما تدرك الخير بالعلم وكف الأذى والجهل.

(3) أي زاجرا ودافعا وكافا، وهو عطف تفسيري لقوله: (ما نعا).
فتجور عليهم فيكونون عندك من الأذلين، فان هذا ليس من دأب المتقين،
وخير الناس أتقاهم، وقد قال تعالى: (ان أكرمكم عند الله أتقاكم) وقال
عز وجل: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا
فسادا والعاقبة للمتقين)
327

ثم أردف (ع) زيادا بكتاب يوصيه فيه ويحذره، وهو المختار
التالي.
- 41 -
ومن وصية له عليه السلام
كتبها إلى زياد بن النظر، لما أمره على مقدمة جيشه وأرسله إلى صفين.
إعلم أن مقدمة القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم (1)
فإذا أنت خرجت من بلادك ودنوت من عدوك فلا تسأم من
توجيه الطلائع في كل ناحية وفي بعض الشعاب والشجر
والخمر وفي كل جانب، حتى لا يغيركم عدوكم ويكون لكم

(1) يجوز في لفظة (المقدمة) كسر الدال وفتحها، فعلى كسرها
فمعناها القوم الفطن الجلد الذين يقدمون أنفسهم أمام قومهم لجلب الخيرات
وعلى فتح الدال، معناها الجماعة التي يقدمها القوم للحياطة على المصالح
والدفاع عنهم، لتجلدهم وحزم آرائهم.
ولا يخفى ان معنى الفطانة والجلادة وكونهم ذوي حزم، من اللوازم
الخارجية للمقدمة، وليس بمدلول لفظي لها.
وقوله (ع): (عيونهم) يحتمل معنيين: الأول - ما ذكرنا انه من
اللوازم الخارجية للطائفة التي يقدمون أنفسهم - أو يقدمهم قومهم - إلى
الامام للحفاظة والحراسة، إذ العين تطلق على النفيس من كل شئ، وعلى
الشريف والسيد من القوم، وعلى هذا فيكون الكلام حثا على اختيار الاشراف
وذوي النجدة والفطنة للمقدمية.
والمعنى الثاني (للعيون) ان مقدمة القوم عيونهم التي يكشفون لقومهم
عن مواضع الخلل لدى خصمهم، وموارد مهلكهم. فعلى هذا يصح أن
يراد من (العيون) العضو المخصوص، أعني الباصرة، ويصح أن يراد
منها الجاسوس والمراقب أعني الديدبان. وهذا المعنى أظهر، فيكون الكلام
ترغيبا في حسن الانتخاب، وتحذيرا عن الغفلة عن مقدمة العدو، والمسامحة
في التوقي عنهم. وأما الطلائع فمعناها: الجماعة المتقدمة على المقدمة، فهم
الخيار من الخيار.
328

كمين (2). ولا تسير الكتاب والقبائل من لدن الصباح إلى
المساء إلا (على) تعبئة، فان دهمكم أمر أو غشيكم مكروه
كنتم قد تقدمتم في التعبئة (3)، وإذا نزلتم بعدو، أو نزل

(2) كذا في النسخة، وفى كتاب صفين: (كي لا يغتركما عدو) أي
لا يأتيكم عدوكم على غفلتكم. والشعاب جمع شعبة أو جمع الشعب
- كحبر - وهو المنفرى بين الجبلين.
والخمر - على زنة الشجر -: ما يوارى ويستتر به من الأجمة أو
الجدار، أو الجبال ونحوها. والكمين: الداخل في الامر لا يفطن له، والجمع
كمناء - كأمراء واسراء - والمراد منه - هنا - القوم الذين يستخفون في مكمن
ثم ينتهزون غرة العدو فينهضون عليه.
(3) يجوز في قوله: (ولا تسير) أن يكون من باب (باع) فمن
بعده مرفوع على أن يكون فاعلا له، ويجوز أن يكون من باب (فعل) ففاعله
الضمير المستتر الراجع إلى زياد. والكتائب: جمع الكتيبة: القطعة من
الجيش. والقبائل: جمع قبيلة. وفى بعض النسخ: (القنابل) وهي جمع
قنبلة: طائفة من الناس. والتعبئة: الاستعداد والتهيؤ. ودهمكم: فجأكم.
329

بكم عدو، فليكن معسكركم في أقبال الأشراف (في قبال
الشراف خ) أو في سفاح الجبال، أو أثناء الأنهار كيما تكون
لكم ردءا، ودونكم مردا (4).
ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين، واجعلوا
رقبائكم في صيامي الجبال، وبأعلى الأشراف، (الشراف خ)
وبمناكب الأنهار، يريئون لكم (5)، لئلا يأتيكم عدوكم من
مكان مخافة أو أمن، وإذا نزلتم فانزلوا جميعا، وإذا رحلتم
فارحلوا جميعا.
وإذا غشيكم الليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح
والترسة، واجعلوا رماتكم يلون ترستكم (6) كيلا تصاب

(4) الاقبال: جمع القبل - كقفل وعنق - وهو من المكان أسفله.
والاشراف: الأماكن العالية، وهو جمع الشرف - كفرس - وسفاح
الجبال: أسفلها حيث يسفح - أي ينصب - فيه الماء. والردء: الدعامة،
الناصر. والمرد: المرجع، ومكان الامن الذي يعاد إليه عند الخوف والوحشة.
(5) الرقباء: العيون والجواسيس، جمع الرقيب - كغرباء وغريب -.
وصياصي الجبال: أطرافها العالية. ومناكب الأنهار: جوانبها ونواحيها.
ويريئون مأخوذة من الإراءة. وفى كتاب صفين: (يرون لكم).
(6) وفى كتاب صفين: (رماتكم يلون ترستكم ورماحكم) والترسة
- بكسر التاء - جمع الترس، وهو - بضم التاء -: صفحة من فولاذ
يحملها المحارب للوقاية من السيف ونحوه.
330

لكم غرة، ولا تلفى لكم غفلة، واحرس عسكرك بنفسك.
وإياك أن ترقد أو تصبحا الا غرارا أو مضمضة (7) ثم ليكن
ذلك شأنك ودأبك حتى تنتهي إلى عدوك، وعليك بالتأني
(بالتوءدة) في حربك، وإياك والعجلة ألا أن تمكنك فرصة
وإياك أن تقاتل إلا أن يبدأوك، أو يأتيك أمري، والسلام
عليك ورحمة الله.
الحديث (21) من كلمه (ع) في تحف العقول ص 130، وفي طبعة ص 191، ورواه عنه المجلسي الوجيه (ره) في الحديث الأول، من باب
كتبه (ع) من البحار: ج 8، ص 627، ط الكمباني، ورواه عنه العلامة
النوري أيضا، في الحديث الثالث، من الباب (14) من كتاب الجهاد،
من مستدرك الوسائل: ج 2، ص 249.
وقريب منه في المختار (56) من الباب الثاني، من النهج.
وقريب منه أيضا رواه نصر بن مزاحم (ره) في كتاب صفين ص 123،
ط مصر، ورواه - مع الوصية المتقدمة - عنه في أواخر شرح المختار (46)
من باب الخطب، من شرح ابن أبي الحديد، تحقيق أبي الفضل محمد
إبراهيم: ج 2 ص 191.

(7) وفى كتاب صفين: (وإياكما ان تذوقا نوما حتى تصبحا الا غرارا
أو مضمضة) الخ. فكلمة (أو) هنا بمعنى (إلى أن) كما في قول الشاعر:
وكنت إذا غمزت قناة قوم * كسرت كعوبها أو تستقيما
والغرار: النوم القليل: ويقال: تمضمض النعاس في عينيه أي دب
وسري وقال ابن منظور في مادة (مضمضن) من لسان العرب: وفى حديث
علي عليه السلام: (لا تذوقوا النوم الا قرارا أو مضمضة) لما جعل للنوم
ذوقا أمرهم ان لا ينالوا منه الا بألسنتهم ولا يسيغوه، فشبهه بالمضمضة
بالماء، والقائه من الفم من غير ابتلاع.
331

- 42 -
ومن وصية له عليه السلام
قدموا الرجالة والرماة فليرشقوا بالنبل، وليتناوش
الجنبان (الجنبتان خ) واجعلوا الخيل الروابط والمنتجبة
(المنتخبة خ) ردءا للواء والمقدمة، ولا تنشزوا (ولا تنشروا خ)
عن مراكزكم لفارس شذ من العدو.
ومن رأي فرصة في العدو فلينشز (فلينشر خ) (1) ولينتهز
الفرصة بعد إحكام مركزه، فإذا قضى حاجته عاد إليه،
فإذا أردتم الحملة فليبدأ (فليبد خ) صاحب المقدمة، فإن
تضعضع دعمته شرطة الخميس، (1) فإن تضعضعوا حملت
المنتجبة، ورشقت الرماة، ويقف الطلائع (الطوالع خ)
والمسالح في الأطراف والغياض والآكام للتحفظ من المكامن.
وإن ابتدأكم العدو بالحملة فأشرعوا الرماح، وأثبتوا

(1) وفى بعض النسخ: (فلينتشر).
(2) وفى بعض النسخ: (دعمته شرط الخميس).
333

واصبروا ولتنضح الرماة وحركوا الرايات، وقعقعوا
الحجف، (3) وليبرز في وجوههم أصحاب الجواشن والدروع،
فإن انكسروا أدنى كسرة فليحمل عليهم الأول، ولا يحملوا
حملة واحدة ما قام من حمل بأمر العدو (4) فإن لم يقم فأدعموه
شيئا شيئا، والزموا مصافكم، وأثبتوا في مواقفكم، فإذا
استحقت الهزيمة فاحملوا بجماعتكم على التعابي غير
مفترقين ولا منفضين (منقضين خ) وإذا انصرفتم من القتال
فانصرفوا كذلك على التعابي.
الحديث (5) من باب صفة القتال، من كتاب الجهاد، من دعائم
الاسلام: ج 1، ص 372، ط 1. ورواه عنه في الحديث الخامس، من
باب (32) من كتاب الجهاد، من مستدرك الوسائل ص 258، ج 2.

(3) وفى بعض النسخ: (الجحف).
(4) وفى بعض النسخ: (بوجه العدو).
334

- 43 -
وأوصى عليه السلام الجند، فقال:
إن زحف العدو إليكم فصفوا على أبواب الخنادق (1)،
فليس هناك إلا السيوف، ولزوم الأرض بعد إحكام الصفوف
ولا تنظروا في وجوههم، ولا يهولنكم عددهم، وانظروا
إلى أوطانكم من الأرض، فإن حملوا عليكم فاجثوا على
الركب. واستتروا بالأترسة صفا محكما لا خلل فيه، وإن
أدبروا فاحملوا عليهم بالسيوف، وإن ثبتوا فاثبتوا على
التعابي وإن انهزموا فاركبوا الخيل واطلبوا (والحقوا خ)
القوم (2). وإن كانت - وأعوذ بالله - فيكم هزيمة فتداعوا
(واعتصموا بالله خ) واذكروا الله وما توعد به من فر من
الزحف، وبكتوا من رأيتموه ولى، واجمعوا الألوية واعتقدوا (3)
وليسرع المخفون في رد من انهزم إلى الجماعة وإلى المعسكر

(1) وفى بعض النسخ: (فصفوا على أبواب الخندق) الخ.
(2) وفى بعض النسخ زيادة قوله: (ولا حول ولا قوة الا بالله) الخ.
(3) كذا في النسخة، ولعل الصواب: (واجمعوا الألوية واعقدوها).
335

فلينفر من (كان خ) فيه إليكم، فإذا اجتمع أطرافكم،
وأتت أمدادكم، وانصرف فلكم، فاحلقوا الناس بقوادهم
وأحكموا تعابيهم، وقاتلوا واستعينوا بالله واصبروا.
وفي الثبات عند الهزيمة، وحمل الرجل الواحد الواثق
بشجاعته على الكتيبة أجر عظيم.
الحديث السادس، من باب صفة القتال، من كتاب الجهاد، من دعائم
الاسلام 1 ص 373 ط 1.
والحديث السادس، من باب (32) من كتاب الجهاد، من مستدرك
الوسائل: ج 2 ص 258.
336

- 44 -
ومن وصية له عليه السلام
نصر بن مزاحم (ره)، عن عمر بن سعد (الأسدي)، بأسناده عن
عبد الله بن جندب، عن أبيه: ان عليا عليه السلام كان يأمرنا في كل موطن
لقينا معه عدوه فيقول:
لا تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم، فهي حجة أخرى لم
عليهم، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا، ولا
تجهزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا قتيلا (1).

(1) وفى بعض الروايات: (ولا تمثلوا بقتيل) وفى النهج: (فإذا كانت
الهزيمة بأذن الله فلا تقتلوا مدبرا ولا تصيبوا معورا، ولا تجهزوا على جريح) الخ
أقول: اجهاز الجريح: قتله واتمام امره. والتمثيل بالقتيل: هو قطع
أطرافه من اليد أو الرجل أو الانف أو الاذن أو المذاكير. ولمعور - كمجرم -
الذي أمكن من نفسه وعجز عن حمايتها. وروى في المناقب عن أبي علي الجبائي في
كتاب الحكمين قال: وكان علبان المجنون مقيما بالكوفة، وكان قد ألف دكان طحان فإذا
اجتمع عليه الصبيان وآذوه يقول: قد حمي الوطيس وانا على بصيرة من أمري.
ثم يثب ويحمحم وينشد:
أريني سلاحي لا أبا لك انني * أرى الحرب لا تزداد الا تماديا
ثم يتناول قصبة ليركبها، فإذا تناولها يقول:
أشد على الكتيبة لا أبالي * أحتفي كان فيها أو سواها
قال: فينهزم الصبيان بين يديه، فإذا لحق بعضهم يرمي الصبي بنفسه
إلى الأرض، فيقف عليه ويقول: عورة مسلم وحمى مؤمن، ولولا ذلك
لتلفت نفس عمرو بن العاص يوم صفين، ثم يقول: لأسيرن فيكم سيرة
أمير المؤمنين: لا أتبع موليا ولا أجهز على جريح، ثم يعود إلى مكانه ويقول:
انا الرجل الضرب الذي تعرفونه * خشاش كراس الحية المتوقد
337

فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا، ولا تدخلوا
دارا إلا بإذني، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في
عسكرهم، ولا تهيجوا امرأة إلا بإذني (2)، وإن شتمن أعراضكم
وتناولن أمراءكم وصلحاءكم، فإنهن ضعاف القوى والأنفس
والعقول، ولقد كنا وإنا لنؤمر بالكف عنهن وهن مشركات
وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد
فيعير بها عقبه من بعده (3).

(2) وفى النهج: (ولا تهيجوا النساء بأذى وان شتمن أعراضكم وسبلن
أمرائكم، فإنهن ضعيفات القوى) الخ وهو أظهر.
(3) وفى النهج: (ان كنا لنؤمر بالكف عنهن وانهن لمشركات، وإن كان
الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة، فيعير بها وعقبة من بعده).
أقول: الفهر - كحبر -: الحجر على مقدار ما يدق به الجوز أو يملأ
الكف. والهراوة - كإدامة وإقامة -: العصا، أو شبه الدبوس من الخشب
وقيل: هي العصا الضخمة، كهراوة الفاس والمعول، والجمع هراوي وهري
وهري - كصحاري وحلي وعصي -.
338

كتاب صفين ص 23، وفي ط الثاني بمصر سنة 1382، ص 203،
وفي ط ص 229.
ونقلها عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار (54) من خطب النهج: ج 4
ص 26، ورواها في هامشه عن الطبري: ج 6 ص 6. وأيضا رواها عنه
المجلسي الوجيه في البحار: 8، ص 627، س 6، ط الكمباني.
وقريب منها في المختار (15) من الباب الثاني، من النهج. ورواها
في الحديث التاسع، من باب (32) من كتاب الجهاد، من مستدرك الوسائل:
ج 2، ص 259، عن كتاب صفين.
339

- 45 -
ومن وصية له عليه السلام
في حث أصحابه على الجد والاستقامة وما ينبغي عند القتال.
نصر بن مزاحم المنقري (ره) قال: حدثنا عمر بن سعد (الأسدي)
عن إسماعيل بن يزيد (يعني ابن أبي خالد) عن أبي صادق، ان عليا
عليه السلام حرض الناس في حروبه فقال:
عباد الله اتقوا الله وغضوا أبصاركم واخفضوا الأصوات
وأقلوا الكلام، ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجاولة (1)
والمبارزة والمعانقة، واثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم
تفلحون، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا
إن الله مع الصابرين (2).
اللهم ألهمهم الصبر، وأنزل عليهم النصر، وأعظم
لهم الأجر.
كتاب صفين، ص 204، وفي ط ص 23.
ورواها عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار (54) من خطب نهج

(1) وفى رواية ثقة الاسلام في الكافي: (والمجادلة).
(2) اقتباس من الآية (46) من سورة الأنفال: 8.
340

البلاغة: ج 4، ص 26، وقال محمد إبراهيم في الهامش انها في ص 229 منه.
وأيضا رواها عن كتاب صفين في البحار: ج 8، ص 624، ط
الكمباني، الا ان فيه: (إسماعيل بن أبي يزيد، عن أبيه، عن أبي صادق
الحضرمي).
أقول: ورواها أيضا الطبري في تاريخه: ج 4، ص 7 - وفي ط
ج 6 ص 6، كما نقله عنه محمد إبراهيم في هامش ابن أبي الحديد عن أبي مخنف
عن إسماعيل بن يزيد، عن أبي صادق، عن الحضرمي، قال سمعت عليا (ع)
يحرض الناس يوم صفين ويوم الجمل ويوم النهر، ويقول: عباد الله الخ.
وقريب منها رواه الشيخ المفيد (ره) في الارشاد، ص 141، ط النجف
ورواه عنه في الحديث (13) من باب (32) من كتاب الجهاد، من مستدرك
الوسائل: 2، ص 259.
341

- 46 -
ومن وصية له عليه السلام
قال الكليني رفع الله مقامه: وفي حديث عبد الرحمن بن جندب، عن
أبيه، ان أمير المؤمنين عليه السلام، كان يأمر في كل موطن لقينا فيه عدونا
فيقول:
لا تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم. فإنكم بحمد الله على
حجة، وترككم إياهم حتى يبدأوكم حجة لكم أخرى (1)،
فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح (2)

(1) وفى الطبري: لا تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم، فأنتم بحمد الله عز وجل
على حجة، وترككم إياهم حتى يبدأوكم حجة أخرى لكم الخ.
(2) الاجهاز على الجريح: الحملة عليه واتمام قتله. والعورة اما
يراد بها العضو المخصوص، وما يستره الانسان من بدنه حياء وانفه، فيكون
النهي عن كشفه، أمرا لهم بالكرم والمروءة، كما صنع (ع) بعمرو بن العاص
وبسر بن أرطاة، لما صرعهما عن فرسهما وأراد قتلهما فكشفا عورتهما، فانصرف
عليه السلام عنهما تكرما.
وأما ان يراد من العورة النساء، فالنهي عن كشفها عبارة عن عدم
الدخول عليهن وارعابهن، والأول أظهر.
قال اليعقوبي في تاريخه: ج 2، ص 172، ط النجف: ثم نادى منادي
علي عليه السلام: الا لا يجهز على جريح، ولا يتبع مول، ولا يطعن في وجه
مدبر، ومن القى السلام (كذا) فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.
342

ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل.
وله مصادر كثيرة لا سيما ذيله، فإنه قد تواتر عنه (ع)، وأشار
ص 38.
وله مصادر كثيرة لا سيما ذيله، فإنه قد تواتر عنه (ع)، وأشار
الإمام الهادي عليه السلام إلى هذه الوصية، في أجوبته عن مسائل يحيى
بن أكثم، كما في تحف العقول ص 359، ط النجف، ونقلها العلامة
المجلسي (ره) في البحار: 8، 624، س 18، وكما في وصيته (ع)
إلى الأشتر لما أمره على زياد وشريح كما في الطبري: 3، ص 565.
- 47 -
ومن وصية له عليه السلام
قال الكليني أعلى الله مقامه: ووصى عليه السلام جنده في كلام آخر.
له فقال:
وإذا لقيتم هؤلاء القوم غدا فلا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم
فإذا بدأوا بكم فانهدوا إليهم وعليكم السكينة والوقار (1)،
وعضوا على الأضراس، فإنه أنبى للسيوف عن الهام (2)،

(1) (انهدوا) أمر من نهد - نهدا - من باب منع -: إذا شخص
ونهض. ويقال: (نهد نهدا ونهدا - كضربا وفرسا - للعدو والى العدو:
أسرع في قتالهم وبرز.
(2) (أنبى) اسم تفضيل من قولهم: (نبا ينبوم نبوا ونبوة - كضربا
وضربة -: السيف عن الضريبة: كل وارتد عنها ولم يقطع. و (الهام)
جمع هامة، وهي الرأس. أي عضوا على أضراسكم فإنه أشد على تكليل
السيوف واذهاب اثارها أي يجعل السيوف نابيا وكليلا فلا تفلق الهامة
ولا تقطعها.
343

وغضوا الأبصار، ومدوا جباه الخيول، وأقلوا الكلام، فإنه
أطرد للفشل، وأذهب بالوهل (3)، ووطنوا أنفسكم على المبارزة
والمنازلة والمجادلة، واثبتوا واذكروا الله عز وجل كثيرا،
فإن المانع للذمار عند نزول الحقائق (4)، هم أهل الحفاظ،
الذين يحفون براياتهم ويضربون حافيتها وأماما، وإذا،
حملتم فافعلوا فعل رجل واحد، وعليكم بالتحامي. فإن
الحرب سجال (5)، لا يشدن عليكم كرة بعد فرة، ولا حملة

(3) الوهل كفزع لفظا ومعنى، والواحدة وهلة كضربة.
(4) الذمار - كحمار -: الحرم. الأهل. الحوزة، يقال: (هو امنع
للذمار منك) و (فلان حامي الذمار) أي الحرم، أو ما يجريه مجراه في
لزوم الدفاع والحماية عنه. والحقائق جمع الحقيقة، وهي ما يجب على
الانسان حمايته والذب عنه، يقال: (فلان من حماة الحقيقة) و (هو حامي
الحقيقة) إذا قام بما لزمه الدفع عنه.
(5) التحامي: التدافع والتمانع. أي فليدفع كل واحد منكم عن أخيه
قرنة، وليمنع منه من طمع فيه من الأعداء، والسجال والسجول - كالبحار
والبحور - جمع سجل - كفلس - بمعنى النصيب والعطاء. يقال: (الحرب
بينهم سجال) أي تارة لهم وتارة عليهم. وقوله: (لا يشدن) أي لا يثقلن
ولا يصعبن.
344

بعد جولة ومن ألقى إليكم السلم فاقبلوا منه (6)، واستعينوا
بالصبر، فإن بعد الصبر النصر من الله عز وجل، إن الأرض
لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
ذيل الحديث الرابع، من الباب الخامس عشر، من كتاب الجهاد، من
الكافي: ج 5 ص 41 ط طهران.

(6) السلم والسلام - كالسبب والسحاب - الانقياد والاستسلام،
اي من اظهر الانقياد لكم فاقبلوا منه، ولا تحاربوه حقدا أو طمعا في ثلبه
وقد كثر استعمال السلم والسلام بهذا المعنى، ففي الآية (92) من سورة
النساء: (فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم
عليهم سبيلا) وفى الآية (93) من السورة: (فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم
السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم) وفى الآية (94) من السورة: (ولا تقولوا
لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا).
345

- 48 -
ومن وصية له عليه السلام
أوصى بها جنده في مواطن ملاقاة العدو:
قال الطبري في وقعة صفين من تاريخه: 4 ص 6، في حوادث السنة
37 من الهجرة: وبات علي ليلته كلها يعبئ الناس، ويكتب الكتاب ويدور
في الناس ويحرضهم، قال أبو مخنف: حدثني عبد الرحمان بن جندب
الأزدي، عن أبيه: ان عليا كان يأمرنا في كل موطن لقينا فيه معه عدوا فيقول:
لا تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم، فأنتم بحمد الله (1)،
عز وجل على حجة، وترككم إياهم حتى يبدأوكم حجة
أخرى لكم، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا
ولا تجهزوا على جريح (2) ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل
فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تدخلوا
دارا إلا باذن (3) ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم

(1) وفى الكافي ونهج البلاغة: (فإنكم بحمد الله على حجة) الخ. (2) وهذه الفقرات قد تواترت عنه (ع)، وذكرها جل المتكلمين والمؤرخين
والمحدثين.
(3) أي باذن من صاحب الدار، أو باذني، والظاهر هو الأول.
346

في عسكرهم، ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم
وسببن أمراءكم وصلحاءكم فإنهن ضعاف القوى والأنفس
وقريب منه جدا في الحديث الثالث، من الباب (15) من كتاب الجهاد،
من الكافي ج 5، ص 38 عن عبد الرحمان بن جندب، عن أبيه، عن أمير المؤمنين
عليه السلام:
- 49 -
ومن وصية له عليه السلام لأصحابه
الكليني قدس الله روحه، عن أحمد بن محمد الكوفي، عن ابن جمهور
عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن مفضل بن عمر، عن بأي عبد الله (ع).
وعن عبد الرحمان الأصم، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه:
إذا لقيتم عدوكم في الحرب فأقلوا الكلام واذكروا
الله عز وجل، ولا تولوهم الأدبار فتسخطوا الله (1) تبارك
وتعالى، وتستوجبوا غضبه.

(1) سخط - (من باب علم) سخطا (كفرحا) الرجل وعليه: غضب
عليه. وأسخطه أي أغضبه، وتسخطه أي لم يرضه، فتغضب عليه وتكرهه.
347

وإذا رأيتم من اخوانكم المجروح ومن قد نكل به (2)
أو من طمع عدوكم فيه، فقوه بأنفسكم (3).
الحديث الخامس من الباب (15) من كتاب الجهاد من الكافي: 5،
ص 42. ورواه عنه في البحار: 8، ص 625، س 6.

(2) لكل - (من باب نصر) نكلة - كضربة - بفلان، أي صنع به
صنيعا يحذر غيره إذا رآه، ونكل به - من باب التفعيل - أي اصابه بنازلة،
صنع به ما يحذر غيره ويجعله عبرة له.
(3) كذا في ما عندي من نسخة الكافي، ونقله عنه في البحار هكذا: (فقووه
بأنفسكم) وكلاهما على وفق الصواب، والأول من الوقاية، ومعناه: اجعلوا
نفسوكم حرزا وسترا بين من طمع عدوكم فيه (من إخوانكم) وبين سيوف
الأعداء وأسلحتهم. والثاني من التقوية، والمعنى قووا وشدوا ظهور اخوانكم
بأنفسكم بأن تعينوهم على عدوهم وقرنهم.
348

- 50 -
ومن وصية له عليه السلام
لأصحابه عند الحرب.
لا تشتدن عليكم فرة بعدها كرة، ولا جولة بعدها
حملة، وأعطوا السيوف حقوقها، ووطئوا للجنوب مصارعها (1)
واذمروا أنفسكم على الطعن الدعسى. والضرب الطلحفى (2)
وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل، فوالذي فلق الحبة،
وبرأ النسمة، ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر،
فلما وجدوا أعوانا عليه أظهروه.
المختار (16) من الباب الثاني، من نهج البلاغة.

(1) وطئوا: مهدوا. والجنوب جمع جنب، ومصارع الجنوب: أماكن
سقوطها، جمع مصرع، أي إذا ضربتم فاحكموا الضرب ليصيب، فإذا فعلتم
ذلك مهدتم للمضروب مصرعه.
(2) (أذمروا) أمر من قولهم: (ذمره على الامر): حضه ليجد فيه
وهو من باب نصر. والضرب الدعسي: الضرب الذي يدوس المضروب، أو
الضرب الذي يحشي به جوفه. من قولهم: (دعس - دعسا) - كضرب
ضربا - الشئ: وطئه وداسه. والضرب الطلحفي - بفتحتين فسكون
ففتح، أو بكسر الطاء وفتح اللام فسكون ففتح -: أشد الضرب.
349

- 51 -
ومن وصية له عليه السلام
أوصى بها جنده في ساحة الحرب بصفين:
فرات بن إبراهيم الكوفي (ره) عن إبراهيم بن بنان الخثعمي، عن
جعفر بن محمد بن يحيى بن شمس، عن علي بن أحمد ابن الباهلي (1)،
عن ضرار بن الأزور:
ان رجلا من الخوارج سأل ابن عباس عن علي بن أبي طالب عليه السلام (2) فأعرض عنه. ثم سأله، فقال:
والله لقد كان أمير المؤمنين يشبه القمر الزاهر، والأسد الخادر،
والفرات الزاخر، والربيع الباكر، فأشبه من القمز ضوؤه وبهاؤه، ومن
الأسد شجاعته ومضاؤه، ومن الفرات جوده وسخاؤه، ومن الربيع خصبه
وحباؤه (3)، عقمت النساء أن يأتين بمثل علي بعد النبي، والله ما رأيت

(1) كذا في نسخة المستدرك، وفى البحار: (إبراهيم بن بنان الخثعمي
عن جعفر بن أحمد بن يحيى، عن علي بن أحمد بن القاسم الباهلي) الخ.
(2) كذا في المستدرك، وفى البحار: (ان رجلا من الخوارج سأل ابن
عباس رضي الله عنه، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) الخ.
(3) الخدر - كحبر -: أجمة الأسد، ومنه الأسد الخادر. (والربيع،
الباكر) أي أول الربيع، فإنه أشد مطرا وأظهر آثارا، وكل من بادر إلى
شئ فقد أبكر إليه وبكر، أي وقت كان، والباكورة أول الفاكهة. (ومضاء
الأسد): مضيه ونفوذه إلى ما يريد. (والحبا) - على زنة متى، والحبي
كالسخي -: السحاب الكثيف الذي يدنو من الأرض، وهو غالبا ملازم للمطر.
والخصب. وقوله: (انا في كنف من المسلمين) أي في ناحية وجانب
350

ولا سمعت انسانا محاربا مثله، وقد رأيته يوم صفين وعليه عمامة بيضاء،
وكأن عينيه سراجان، وهو يتوقف على شرذمة شرذمة يحضهم ويحثهم إلى
أن انتهى إلي وأنا في كنف (كتية خ ل) من المسلمين، فقال:
معاشر الناس استشعروا الخشية وأميتوا الأصوات
وتجلببوا بالسكينة وأكملوا اللامة (4) وقلقلوا السيوف في
الغمد قبل السلة (5) والحظوا الشزر، واطعنوا الخزر ونافجوا
بالظبا وصلوا السيوف بالخطا (6) والرماح بالنبال فإنكم

(4) وفى نهج البلاغة: (معاشر المسلمين) الخ.. استشعروا الخشية
أي اجعلوا خشية الله شعارا لكم. والشعار من الثياب: ما يلي البدن وتلصق
بالشعر، والجلباب ما يتغطى به من فوق الثياب. و (تجلببوا بالسكينة) أي
اجعلوا الوقار جلبابا لكم. واللامة - كضربة - والجمع لام ولؤمة - كعلس
وصرد -: الدرع، واكمالها ان يزاد عليها البيضة ونحوها، وقد يراد من
اللامة مطلق آلات الحرب، فاكمالها - على هذا -: استيفاؤها.
(5) وفى نهج البلاغة: (وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل سلها) وهو
أظهر، قلقلوا أي حركوا. والسل - كشر -: الانتزاع، يقال: (أتيناهم عند
السلة) بالفتح على المرة و (عند السلة) بالكسر على النوع أي أتيناهم عند
استلال السيوف.
(6) وفى النهج: (والحظوا الخزر، واطعنوا الشزر) وهو أظهر، أقول:
(الحظوا) أمر من قولهم: - (لحظ - لحظا ولحضانا - كضربا ورمضانا -
فلانا والى فلان: نظر إليه بمؤخر العين عن يمين ويسار. ويقال: (شزر -
شزرا) الرجل - واليه: نظر إليه بجانب عينيه مع اعراض أو غضب.
وشزر فلانا: طعنه عن يمينه وشماله. و (اطعنوا) أمر من (طعنه طعنا)
من باب - نصر ومنع - بالرمح: ضربه ووخزه به. ويقال: (خزر
خزرا) - من باب نصر -: نظر بمؤخر عينه وتداهى، فهو خازر. و (تحازر):
ضيق جفنه ليجدد النظر. و (نافجوا) أي خاصموا وضاربوا. و (الظبي)
جمع ظبة وهو طرف السيف وحده. و (الخطا) جمع الخطوة وهي القدم
351

بعين الله مع ابن عم نبيكم وعاودوا الكر واستحيوا من الفر (7)
فإنه عار باق في الأعقاب، ونار يوم الحساب فطيبوا عن أنفسكم
نفسا، واطووا عن ا لحياة كشحا وامشوا إلى الموت مشيا (8)
وعليكم بهذا السواد الأعظم، والرواق المطنب فاضربوا
ثبجه فان الشيطان - لعنه الله - راكد في كسره نافج حضنيه
ومفترش ذراعيه قد قدم للوثبة يدا وأخر للنكوص
رجلا (9) فصمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق وأنتم الأعلون

(7) وفى النهج: (واعلموا أنكم بعين الله، مع ابن عم رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم، فعاودوا الكر) الخ وهو أظهر.
(8) وفى النهج: (وامشوا إلى الموت مشيا سجحا): أقول: السجح
- كعنق -: السهل اللين، أي وليكن مشيكم إلى القتل في سبيل الله والدفاع
عن الحق لينا عليكم.
(9) وفى النهج: (فان الشيطان كامن في كسره أقول: ثبج - على
زنة فرس -: وسط الشئ. و (راكد) أي ثابت وساكن. و (كامن)
(على نسخة نهج البلاغة -: أي متوار ومختف. و (الكسر - كحبر
وفلس -: الشقة السفلى من الخباء، أوما تكسر وتثنى على الأرض منها.
وهذا إشارة لهم بأن عدوهم في غاية الجبن، وما أحسن قوله (ع): (نافج
حضنيه) الخ أي رافع حضنيه كالكلب الذي يريد الوثبة على طعمة، أو الذي
هيأ نفسه للفرار من مكروه. قال في مادة (نفج) من لسان العرب: وفى
حديث علي رضي الله عنه: (نافجا حضنيه) كنى به عن التعاظم والتكبر
والخيلاء. أقول: هذا إن كان حديثا غير ما ذكر هنا، فالمعنى الذي فسر
الحديث به صحيح، والا فغير منطبق على المقام.
352

والله معكم ولن يتركم أعمالكم (10).
قال (ابن عباس): وأقبل معاوية في الكتيبة الشهباء - وهي زهاء
عشرة آلاف - بجيش شاكين في الحديد، لا يرى منهم الا الحدق تحت
المغافر، فقال (ع):
ما لكم تنظرون، بما تعجبون؟ إنما هم جثث ماثلة،
فيها قلوب طائرة مزخرفة بتمويه الخاسرين، ورجل جراد
زفت به ريح صبا، ولفيف سداه الشيطان ولحمته الضلالة
وصرخ بهم ناعق البدعة، وفيهم خور الباطل، وضحضحة
المكاثر، فلو قدمتها سيوف أهل الحق لتهافتت تهافت
الفراش في النار (11).

(10) قوله: (فصمدا صمدا) أي اقصدوا الشيطان الكامن في كسر
الخباء قصدا واقطعوا شافة الباطل بقتله واستيصاله. وقوله: (ولن
يتركم اعمالكم) أي لن ينقصكم من أجوركم شيئا، ولن يضيع ما قاسيتم في
سبيله، وهذا اقتباس من الآية (35) من سورة محمد: 47.
(11) الجثث جمع جثة، وماثلة أي ممثلة كأنها لا روح لها، بل هي
تماثيل، ورجل كحبر -: القطعة العظيمة من الجراد، وزفت به ريح
صبا أي طردته ونقلته. وهو من قولهم: (زفى - زفيا وزفيانا) الريح
السحاب أو التراب: استخفته وطردته، والفعل من باب (رمى) والمصدر
على زنة فلس ورمضان. واللفيف: الجمع العظيم من أخلاط شتى فيهم
الشريف والدنئ والقوي والضعيف. وجمع لفيف أي ملتف من كل مكان.
وما الطف هذا التعبير، حيث شبه جمعهم بثوب مرقع سداه الشيطان، ولحمته
الضلالة، وخور الباطل: ضعفه، وضحضحة المكاثر: التهديد الذي يأتي
به المكاثر ويدعيه ولا واقع له.
353

ألا فسووا بين الركب، وعضوا على النواجذ، واضربوا
القوابض (القوانص خ ل) بالصوارم، وأشرعوا الرماح في
الجوانح، وشدوا فاني شاد، حم لا ينصرون (12).
(قال ابن عباس (ره)): فحملوا حملة ذي لبد فأزالوهم عن مصافهم
ودفعوهم عن أماكنهم، ورفعوهم عن مراكبهم، وارتفع الرهج، وخمدت

(12) والقوابض: الأيدي القابضة. والقوانص: الأعناق والصدور،
تشبيها بقانصة الطير. أو الفرق التي يريدون اصطيادكم، من قنصه أي
صاده. والصارم: السيف القاطع. وشرعت الرمح قبله وأشرعته: سددت.
وشدوا: احملوا. وعن ابن الأثير في النهاية: (وفى حديث الجهاد: إذا
أتيتهم فقولوا حم لا ينصرون. قيل: معناه: اللهم لا ينصرون - ويراد به
الخبر لا الدعاء -، فإنه لو كان دعاء لقال لا ينصروا مجزوما - فكأنه قال:
والله لا ينصرون. وقيل: إن السور التي أولها حم سور لها شأن، فنبه
أن ذكرها لشرف منزلتها مما يستظهر به على استنزال النصر من الله، وقوله:
لا ينصرون مستأنف، كأنه حين قال: قولوا: حم، قيل: ماذا يكون إذا قلناها؟ فقال: لا ينصرون.
354

الأصوات، فلا يسمع الا صلصلة الحديد، وغمغمة الابطال، ولا يرى الا
رأس نادر، ويد طائحة، وانا كذلك إذ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام
من موضع يريد أن ينجلي من الغبار، وينفذ العلق من ذراعيه (و) سيفه
يقطر الدماء وقد انحنى كقوس النازع وهو يتلو هذه الآية: (وان
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فان بغت إحداهما على الأخرى
فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى امر الله).
(قال ابن عباس): فما رأيت قتالا أشد من ذلك اليوم، (ثم قال
للسائل الخارجي): يا بني اني أرى الموت لا يقلع، ومن مضى لا يرجع،
ومن بقي فإليه ينزع، اني أوصيك بوصية فاحفظها، واتق الله وليكن أولي الأمر
بك الشكر لله في السر والعلانية، فان الشكر خير زاد.
تفسير فرات بن إبراهيم، وقريب منه عن بشارة المصطفى بسند آخر ورواها
عنهما في البحار: ج 8 ص 517 و 518. وفي الحديث السابع من الباب (32)
من كتاب الجهاد، من مستدرك الوسائل ج 2 ص 258. ولها مصادر جمة
ذكرناها في مناهج البلاغة.
355

- 52 -
ومن وصية له عليه السلام
أوصاها بوساطة شريح بن هاني إلى العاصي ابن العأصي عمرو:
قال نصر بن مزاحم (ره): حدثنا عمر بن سعد (الأسدي) عن أزهر
العبسي (1) عن النضر بن صالح، قال: كنت مع شريح بن هاني في غزوة
سجستان، فحدثني ان عليا عليه السلام أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص
وقال له (لي خ) قل لعمرو إذا لقيته: ان عليا يقول لك:
إن أفضل الخلق عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه
وإن نقصه، وإن أبعد الخلق من الله من كان العمل بالباطل
أحب إليه وإن زاده، والله يا عمرو إنك لتعلم أين موضع
الحق. فلم تتجاهل؟ ابأن أوتيت طمعا (2) يسيرا صرت لله
ولأوليائه عدوا؟ فكأن ما أوتيت قد زال عنك، فلا تكن
للخائنين خصيما، ولا للظالمين ظهيرا، أما إني أعلم أن

(1) كذا في نسخة ابن أبي الحديد، وفى كتاب صفين، المطبوع بمصر
سنة 1382،: (عن أبي زهير العبسي).
ثم لا يخفى عليك ان في آخر الحديث تحريفا، في هذه الطبعة.
(2) كذا في النسخ الحاكية والمحكية الموجودة عندي، ولعل الصواب:
(طعما يسيرا).
356

يومك الذي أنت فيه نادم هو يوم وفاتك، وسوف تتمنى
أنك لم تظهر لي عداوة، ولم تأخذ على حكم الله رشوة.
كتاب صفين ص 542، وفي ط ص 624. ورواها عنه في البحار: ج 8
ص 590 س 11 عكسا. وأيضا رواها عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار
(35) من خطب النهج ج 2 ص 254. وصدر الكلام رواه السيد (ره) في
المختار (121) من خطب نهج البلاغة. ورواها أيضا الطبري، عن أبي مخنف
عن النضر بن صالح.
أقول: وينبغي أن نذكر شواهد قوله (ع): (أما اني أعلم ان يومك
الذي أنت فيه نادم هو يوم وفاتك) الخ. إذ هذا من الاسرار التي أظهر الله
نبيه عليها، فأظهر النبي الوصي عليها، وإن كان عمرو وأضرابه لم يذعنوا
بها، كما لم يعترف سلفه بما أخبر به النبي (ص) من المغيبات.
قال اليعقوبي: لما حضرت عمرو الوفاة، قال لابنه: لود أبوك انه
كان مات في غزاة ذات السلاسل، اني قد دخلت في أمور لا أدري ما حجتي
عند الله فيها. ثم نظر إلى ماله فرأى كثرته فقال: يا ليته كان بعرا، يا ليتني
مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة، أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني آثرت
دنياي وتركت آخرتي، عمي علي رشدي حتى حضرني أجلي، كأني
بمعاوية قد حوى مالي، وأساء فيكم خلافتي. ج 2 ص 118، ط 1، وفي ط
ص 211.
وقال أبو عمر في ترجمة عمرو من كتاب الاستيعاب: ج 2 ص 436،
- ومثله في أسد الغابة: ج 4 ص 117 -.
دخل ابن عباس على عمرو بن العاص في مرضه، فسلم عليه، وقال:
كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلا،
357

وأفسدت من ديني كثيرا، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت، والذي
أفسدت هو الذي أصلحت لفزت ولو كان ينفعني ان أطلب طلبت، ولو كان
ينجيني أن أهرب هربت، فصرت كالمنخنق بين السماء والأرض، لا أرقى
بيدين ولا أهبط برجلين، فعظني بعظة انتفع بها يا بن أخي. فقال له
ابن عباس هيهات يا أبا عبد الله صار ابن أخيك أخاك، ولا تشاء ان تبكي
الا بكيت، كيف يؤمن برحيل من هو مقيم. فقال عمرو: وعلى حينها حين
ابن بضع وثمانين سنة تقنطني من رحمة ربي، اللهم ان ابن عباس يقنطني
من رحمتك، فخذ مني حتى ترضى. قال ابن عباس: هيهات يا أبا عبد الله
أخذت جديدا، وتعطي خلقا. فقال عمرو: ما لي ولك يا ابن عباس،
ما أرسلت كلمة الا أرسلت نقيضها. ورواها ابن عساكر معنعنا في ترجمة
عمرو بن العاص من تاريخ دمشق.
وقال عبد الرحمن بن شماسة لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى.
فقال له ابنه عبد الله لم تبكي، أجزعا من الموت؟ قال: لا والله، ولكن
لما بعده. فقال له: قد كنت على خير، فجعل يذكره صحبة رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وفتوحه الشام. فقال له عمرو: تركت أفضل
من ذلك: - شهادة أن لا إله إلا الله، اني كنت على ثلاث أطباق، ليس
منها طبق الا عرفت نفسي فيه، كنت أول شئ كافرا فكنت أشد الناس على
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو مت يومئذ وجبت لي النار، فلما
بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أشد الناس حياءا منه، فما
ملأت عيني من رسول الله صلى الله عليه وسلم حياءا منه، فلو مت يومئذ
قال الناس: هنيئا لعمرو، أسلم وكان على خير، ومات على خير أحواله، فتزجى له الجنة
ثم بليت بعد ذلك بالسلطان وأشياء فلا أدري أعلي أم لي، فإذا مت فلا
تبكين علي باكية، ولا يتبعني مادح ولا نار وشدوا علي إزاري فاني مخاصم
358

وشدوا علي التراب فان جنبي الأيمن ليس بأحق بالتراب من جنبي الأيسر.
وذكر المبرد: أن عمرو بن العاص لما حضرته الوفاة دخل عليه ابن عباس
فقال له: يا أبا عبد الله كنت أسمعك كثيرا تقول: وددت لو رأيت رجلا
عاقلا حضرته الوفاة حتى أسأله عما يجد، فكيف تجد؟ فقال: أجد كأن
السماء منطبقة على الأرض، وكأني بينهما، وكأنما أتنفس من خرم إبرة.
وقال ابن أبي الحديد في شرح المختار (83) من خطب النهج،
ج 6، ص 323، ط الحديثة بمصر،: وروى عبد الله بن عباس، قال:
دخلت على عمرو بن العاص وقد احتضر، فقلت: يا أبا عبد الله، كنت تقول:
أشتهي أني أرى عاقلا يموت حتى أسأله كيف تجد. قال: أجد السماء
كأنها مطبقة على الأرض وأنا بينهما، وأراني كأنما أتنفس من خرق إبرة
ثم قال: اللهم خذ مني حتى ترضى، ثم رفع يده فقال: اللهم أمرت فعصينا
ونهيت فركبنا، فلا برئ فأعتذر، ولا قوي فأنتصر، ولكن لا إله إلا الله
فجعل يرددها حتى فاض ثم ذكر ما رويناه عن الاستيعاب عنه.
أقول: وما أشبه بفرعون حين أيقن بالهلاك، فقال: آمنت بالله الذي
آمنت به بنو إسرائيل. فأخذ جبرئيل كفا من حمأ البحر وأدخله في فيه،
وقال له: (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين). أوما كان يدري
انه كان من أشهر مصاديق قوله تعالى: (وليست التوبة للذين يعملون
السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال رب اني تبت الآن) الخ.
وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة عمرو بن العاص أخبارا كثيرة بأنه لما
كشف له الغطاء، ورأي ما أعد الله له ببصر حديد أظهر الندامة، وبكى بكاءا
طويلا، فلنذكر نبذا منها فان لرواية أمثال هذه القضايا من لسان أولياء
معاوية وعمرو، مزايا خاصة.
قال ابن عساكر: أخبرنا ابن أبي الدنيا، حدثني عبد الرحمان بن صالح
359

حدثني حفص بن غياث، عن الأشعث، عن الحسن، قال:
لما احتضر عمرو بن العاص، نظر إلى صناديق، (فقال ظ) من يأخذها
بما فيها؟ يا ليته كان بعرا.
ثم امر الحرس فأحاطوا بقصره فقال بنوه ما هذا؟ فقال: ما ترون،
هذا يغني عني شيئا؟!.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا الحسن بن علي أنبأنا أبو
عمر بن حيويه (كذا)، أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسين بن الفهم
أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن
عوانة بن الحكم، قال: كان عمرو بن العاص يقول: عجبا لمن نزل به الموت
وعقله معه كيف لا يصفه. فقال له ابنه: فصف لنا الموت وعقلك معك.
فقال: يا بني ان الموت أجل من أن يوصف، ولكني سأصف لك منه شيئا:
أجدني كأن على عنقي جبال رضوي، وأجدني كأن في جوفي شوك السلاء،
وأجدني كأن نفسي تخرج من ثقب إبرة. ورواه ابن سعد، في الطبقات
الكبير القسم الثاني من الجزء الرابع، ص 8.
أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو بكر بن الطبري، أنبأنا
أبو الحسين ابن بشران، أنبأنا أبو علي بن صفوان، أنبأنا أبو بكر ابن
أبي الدنيا، حدثني أبو زيد النمري، أنبأنا أبو غسان مالك بن يحيى
الكناني، عن عبد العزيز بن عمران الزهري، عن معاوية بن محمد بن عبد
الله بن بحير بن رستان، عن أبيه، قال: لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة
قال له ابنه: يا أبتاه انك قد كنت تقول: ليتني كنت الفي رجلا عاقلا
عند نزول الموت به حتى يصف (لي ظ) ما يجد، وأنت ذاك الرجال،
فصف لي الموت. قال والله يا بني لكأن جنبي في جب وكأن غصن شوك
(كا) لحربة من قدمي إلى هامتي.
360

ثم قال: ليتني كنت قبل ما بدا لي في قلال الجبال أرعى الوعلا،
والله ليتني كنت حيضا الخ.
أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو الحسين بن النقور،
أنبأنا عيسى بن علي، أنبأنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو بكر ابن زنخوية
(كذا)، أنبأنا أبو صالح، حدثني الليث، عن يزيد ابن أبي حبيب، أن
ابن شماسة أخبره ان عمروا لما حضرته الوفاة، دمعت عيناه فقال له
عبد الله بن عمرو: أبا عبد الله أجزعا من الموت؟ نجلك (عن ظ) هذا.
قال: لا، ولكن لما (ظ) بعد الموت.
أخبرنا أبو محمد ابن حمزة، أخبرنا أبو بكر الخطيب - حيلولة -
وأخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو بكر ابن الطبري، قالا:
أنبأنا أبو الحسين ابن الفضل، أنبأنا عبد الله بن جعفر، أنبأنا يعقوب (بن ظ)
الحجاج بن المنهال أنبأنا الأسود بن سنان، عن أبي نوفل، قال: جزع
عمرو بن العاص عند الموت جزعا شديدا، فقال له ابنه عبد الله بن عمرو:
يا أبا عبد اله رحمك الله ما هذا الجزع وقد كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوصيك ويستعملك؟ قال: يا بني قد كان والله يفعل، فلا أدري
أكان ذلك تألفا يتألفني، ولكن اشهد على رجلين مات رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو يحبهما: ابن سمية عمار بن ياسر (3) وابن أم عبد - يعني
ابن مسعود - فلما حدثه وضع يده موضع الاغلال من ذقنه ثم قال: اللهم
أمرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا، ولا يسعنا الا مغفرتك. فكانت تلك هجراه
حتى مات.

(3) وهذا المعنى مما اخبر به عمرو مرارا. وتقدم في ص 665، من
ترجمته، من تاريخ ابن عساكر: ج 42، وانه لما قال عمرو: ان رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم مات وهو يحب ابن مسعود وعمار بن ياسر. فقيل
له: وهو قتيلكم يوم صفين. قال: قد والله فعلنا. قد والله فعلنا.
361

أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد، أنبأنا أبو علي ابن المذهب، أنبأنا
أحمد بن جعفر، أنبأنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، أنبأنا عفان، أنبأنا الأسود بن
شيبان (كذا)، أنبأنا أبو نوفل ابن أبي عقرب، قال: جزع عمرو بن
العاص عند الموت جزعا شديدا، فلما رأى ذلك ابنه عبد الله بن عمرو قال:
يا أبا عبد الله ما هذا الجزع وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدنيك ويستعملك؟ قال: أي بني قد كان ذلك، وسأخبرك عن ذلك،
اني والله ما أدري أحبا كان ذلك أم تألفا يتألفني، ولكني أشهد على رجلين
انه فارق الدنيا وهو يحبهما: ابن سمية، وابن أم عبد، فلما حدثه وضع
يده موضع الاغلال من ذقنه وقال: اللهم امرتنا فتركنا، ونهيتنا فركبنا،
ولا يسعنا الا مغفرتك. وكانت تلك هجراه حتى مات.
أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو بكر بن الطبري،
أنبأنا أبو الحسين ابن بشران، أنبأنا أبو علي ابن صفوان، أنبأنا أبو بكر
ابن أبي الدنيا، قال:: وحدثني إبراهيم - وهو ابن راشد الآدمي -
أنبأنا أبو ربيعة، أنبأنا يوسف بن عبدة، قال سمعته يقول: أنبأنا البناني
قال: كان عمرو بن العاص على مصر، فاشتكى وثقل، فقال: لصاحب
شرطته: أدخل علي ناسا من وجوه أصحابك آمرهم بأمر، فلما دخلوا عليه
نظر إليهم ثم قال: انها قد بلغت هذه الحال اردعوها عني. قال: ومثلك
أيها الأمير يقول هذا؟! هذا أمر الله الذي لا مرد له. قال: أي والله قد
عرفت انه لا مرد له (4) ولكني أحببت ان تتعظوا، لا إله إلا الله، فلم يزل
يقولها حتى مات.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا أبو محمد الجوهري،
أنبأنا أبو عمر ابن حيويه (كذا) أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسن

(4) هذا هو الصواب، وفى النسخة: (أي والله قد عرفت انه قدير).
362

ابن فهم (كذا)، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا روح بن عبادة، أنبأنا
عوف عن الحسن، قال: بلغني ان عمرو بن العاص لما كان عند الموت،
دعا حرسه فقال: أي صاحب كنت لكم؟ قالوا: كنت لنا صاحب صدق،
تكرمنا وتعطينا وتفعل وتفعل. قال: فاني إنما كنت أفعل ذلك لتمنعوني
من الموت، وان الموت ها هو ذا قد نزل بي فامنعوه عني (ظ)!!.
فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقالوا: والله ما كنا نحسبك تكلم
بالقدر، يا أبا عبد الله قد علمت أنا لا نغني عنك من الموت شيئا. فقال:
أما والله لقد قلتها واني لاعلم انكم لا تغنون عني من الموت شيئا، لكن
والله لان أكون لم أتخذ منكم رجلا قط يمنعني من الموت أحب إلي من
كذا وكذا، فيا ويح ابن أبي طالب إذ يقول: (حرس امرءا أجله) (5) ثم
قال: اللهم لا برئ فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر، والا تدركني منك برحمة أكن من الهالكين.
ورواه ابن سعد، في القسم الثاني من الجزء الرابع من كتاب الطبقات،
ص 7 ليدن، عن روح بن عبادة، عن عوف، عن الحسن.
أقول: هذا قليل من كثير مما رووه في شأن عمرو هم، وفيه غنى وكفاية
لأولي الألباب، فلا نطيل الكلام بذكر جميع ما ورد في المقام وأشباهه
لوضوح الامر.

(5) وفى معناه قوله (ع) في المختار (306) من قصار نهج البلاغة: (كفى
بالأجل حارسا) ومثله أيضا قوله (ع) في المختار (201) منها: (وان الأجل
جنة حصينة).
363

- 53 -
ومن وصية له عليه السلام
لمعقل بن قيس الرياحي (ره) لما بعثه إلى حرب خريت بن راشد الخارجي
لعنه الله.
الطبري عن أبي مخنف، عن الحارث بن فقيم (كذا) الأزدي، قال:
كنت أنا وأخي في ذلك الجيش مع معقل، فلما أراد الخروج لحرب خريت
أقبل إلى علي عليه السلام، فودعه (ع) ثم قال له:
يا معقل إتق الله ما استطعت فإنه (فإنها خ ل) وصية
الله للمؤمنين. لا تبغ على أهل القبلة، ولا تظلم أهل الذمة،
ولا تتكبر فإن الله لا يحب المتكبرين.
الطبري: 4، ص 94. والكامل لابن الأثير: 3، 145. ورواها
في شرح المختار (44) من خطب النهج، من شرح ابن أبي الحديد: ج 3
ص 137، عن كتاب الغارات، عن محمد بن عبد الله، عن ابن أبي سيف
عن الحارث بن كعب، عن عبد الله بن قعين، قال: كنت أنا وأخي في ذلك
الجيش مع معقل - إلى آخر ما مر عن أبي مخنف - ومثله في شرح المختار
(44) من منهاج البراعة: ج 4، ص 235، ط 2 ورواها أيضا في البحار:
ج 8 ص 616 ط الكمباني، عن الثقفي في الغارات، وابن أبي الحديد،
وقريب منها في المختار (11) من كتب المستدرك.
364

- 54 -
ومن وصية له عليه السلام
لجارية بن قدامة السعدي رحمه الله لما وجهه لمدافعة البغي: بسر بن
أرطاة، المبعوث من قبل معاوية مع جند عظيم لاستيصال الموحدين من أهالي
الحجاز واليمن واليمامة، فقتلهم تحت كل حجر ومدر (1) ولم يرحم الطفل
الصغير ولا الشيخ الكبير.
روى محمد ابن إبراهيم الثقفي (ره) في كتاب الغارات باسناده عن الكلبي،
ولوط بن يحيى، قالا: لما خرج جارية شيعة علي عليه السلام، فلما ودعه
قال له:
إتق الله الذي إليه تصير، ولا تحتقر مسلما ولا معاهدا ولا
تغصبن مالا ولا ولدا ولا دابة، وإن حفيت وترجلت (2) وصل
الصلاة لوقتها.

(1) قال ابن أبي الحديد - في شرح المختار (25) من خطب نهج البلاغة:
ج 2 ص 27، ط مصر، بتحقيق الأستاذ أبي الفضل محمد إبراهيم -: وكان
الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا، وحرق قوما بالنار. ثم ذكر
اشعارا ليزيد بن مفرغ، ومنها قوله:
إلى حيث صار المرء بسر بجيشه * فقتل بسر ما استطاع وحرقا
(2) حفي - (من باب علم - حفا: رقت قدمه من كثرة المشي، وحفي
زيد أي مشى بلا خف ولا نعل فهو حف وحاف، والجمع حفاة.
وحفي الفرس أو الدابة: انسحى حافره من كثرة السير، وترجل زيد
اي صار ماشيا بعد ما كان راكبا، أي لا تأخذ شيئا من المال والاناسي
والدواب من غير حق وان انقطعت بك دابتك ورقت قدمك من المشي والسير
بلا نعل.
365

كتاب الغارات كما في البحار: ج 8، ص 671 س 8 ط الكمباني،
ورواها أيضا بزيادة يسيرة، أعتم الكوفي، كما في ترجمة تاريخه ص 306،
س 2 عكسا.
أقول: هذا الكلام مما أوصاه (ع) إلى معقل حضورا وشفاها، ولما
ظعن معقل عن الكوفة، وتوجه نحو عدو الله بسر بن أرطاة، أرسل (ع)
إليه بالوصية التالية:
- 55 -
ومن وصية له عليه السلام لأصحابه
لجارية بن قدامة السعدي (ره) لما أرسله لدفع الطاغية بسر بن أرطاة
لما شن الغارة على المؤمنين.
اليعقوبي، عن غياث، عن فطر بن خليفة، عن أبي خالد الوالبي،
قال: قرأت عهد علي عليه السلام لجارية بن قدامة السعدي، وهذه صورته:
أوصيك يا جارية بتقوى الله فإنها جموع الخير (1)، وسر
على عون الله، فالق عدوك الذي وجهتك له، ولا تقاتل إلا
من قاتلك ولا تجهز على جريح (2)، ولا تسخرن دابة وإن

(1) كذا في النسختين من المصدر المطبوع، أي ان الخيرات جميعها في التقوى
فهو جموعها ومتضمن جميع افرادها، وفى رواية الثقفي المتقدمة في باب
الكتب: (وتقوى ربنا جماع كل خير) الخ أي جمعه أو جامع جميع أصنافه.
(2) أي لا تقتل جريح عدوك الذي شغله الجرح عن محاربتك.
366

مشيت ومشى أصحابك، ولا تستأثر على أهل المياه بمياههم
ولا تشربن إلا فضلهم عن طيب نفوسهم، ولا تشتمن مسلما
ولا مسلمة فتوجب على نفسك ما لعلك تؤدب غيرك عليه،
ولا تظلمن معاهدا ولا معاهدة. واذكر الله ولا تفتر ليلا ولا
نهارا، واحملوا رجالتكم، وتواسوا في ذات أيديكم وأجدد
السير واجل العدو (3) من حيث كان، واقتله مقبلا، واردده
بغيظه صاغرا، واسفك الدم في الحق واحقنه في الحق، ومن
تاب فاقبل توبته.
وأخبارك في كل حين بكل حال، والصدق الصدق فلا
رأي للكذوب (4).
تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 175، ط 1. وفي ط ص 189. وتقدم
في باب الكتب ما يقربه بسند آخر.

(3) وفى رواية الثقفي (ره): (واحملوا راجلكم وتآسوا على ذات أيديكم
وأغد السير حتى تلحق بعدوك فتجليهم من بلاد اليمن) الخ يقال أغد السير
اغدادا، واغد في السير: أسرع. واجد السير وفى السير أجدادا: أجتهد
فيه وأهتم به. وأجل العدو: أخرجه.
(4) قوله (ع): (واخبارك) الخ، اي أعلمني، أو اخبرني، أو فليكن
عندي اخبارك وما جرى عليك. قوله (ع): (الصدق الصدق) أي عليك
بالصدق، عليك بالصدق.
367

- 56 -
ومن وصية له عليه السلام
لما ضربه ابن ملجم المرادي لعنه الله:
قال القضاعي: لما ضرب أمير المؤمنين عليه السلام، اجتمع إليه أهل
بيته وجماعة من خاصة أصحابه فقال:
الحمد الله الذي وقت الآجال، وقدر أرزاق العباد، وجعل
لكل شئ قدرا، ولم يفرط في الكتاب من شئ (1) فقال:
(أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج
مشيدة) (2) وقال عز وجل: (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز
الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) (3) وقال عز وجل
لنبيه صلى الله عليه وسلم (4): (وأمر بالمعروف وانه عن

(1) (وقت الآجال) أي جعل لكل منها وقتا معينا محدودا لا يتجاوزه،
ولا يتقدمه، كما قال الله عز وجل: (فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة
ولا يستقدمون). وقوله: (وقدر أرزاق العباد) الخ، أي جعلها بقدر
مخصوص، وحساب مضبوط، لا بلا حد وعد. وقوله: (ولم يفرط) الخ،
مثل قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) دليل على أن القرآن الكريم
حاو لجميع العلوم الا انه لا يعلمها الا الله والراسخون في العلم.
(2) الآية (78) من سورة النساء: 4.
(3) الآية (154) من سورة آل عمران: 3.
(4) حذف الآل عند الصلاة على النبي (ص) من ديدن القوم، امتثالا
لامر النبي (ص): (لا تصلوا علي صلاة بتراء)!!.
368

المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) (5).
لقد خبرني حبيب الله وخيرته من خلقه، وهو الصادق
المصدوق عن يومي هذا، وعهد إلي فيه فقال: (يا علي كيف
بك إذا بقيت في حثالة من الناس (6) تدعو فلا تجاب وتنصح
عن الدين فلا تعان.
وقد مال أصحابك، وشنف لك نصحاؤك (7) وكان الذي
معك أشد عليك من عدوك إذا استنهضتهم صدوا معرضين.

(5) الآية (186) من سورة آل عمران: 3
(6) الحثال والحثالة - كغراب وثعالة -: الردئ من كل شئ. وحثالة
الناس: رذالهم. وحثالة الدهن: ثفله. ويقال: هو من حثالتهم، اي مما
لا خير فيه منهم. والأصل فيه هو ما يسقط من قشر الشعير والأرز ونحوهما
ثم يستعار لغيره.
(7) أي عدل أصحابك عن الحق، ومالوا إلى الباطل، ونظروا إليك بنظر
البغض، يقال: شنف - (من باب ضرب ونصر) شنفا - كنصرا - إليه:
نظر إليه كالمعترض عليه، أو المتعجب منه، وشنف - (من باب علم)
شنفا - كفرسا - فلانا ولفلان: أبغضه، وشنف إليه: نظر إليه بمؤخر العين
والشنف - ككتف -: المبغض. والشانف: المعرض، يقال: إنه لشانف عنا
بأنفه: أي مترفع.
369

وإن استحثثتهم أدبروا نافرين (8) يتمنون فقدك لما يرون
من قيامك بأمر الله عز وجل، وصرفك إياهم عن الدنيا فمنهم
من قد حسمت طمعه (9) فهو كاظم على غيظه، ومنهم من قتلت
أسرته فهو ثائر متربص بك ريب المنون وصروف النوائب (10)
وكلهم نغل الصدر (11) ملتهب الغيظ فلا تزال فيهم كذلك
حتى يقتلوك مكرا، أو يرهقوك شرا (12) وسيسمونك بأسماء

(8) أي كارهين لما تحث عليه، وجازعين مما تدعو إليه، ومعرضين عما
تأمر به.
(9) حسم - حسما (كضرب - ضربا) الشئ أي قطعه مستأصلا إياه
فانحسم هو، أي انقطع. وحسم العرق أي قطعه ثم كواه لئلا يسيل دمه.
وحسم الداء: قطعه بالدواء. وحسمه الشئ أي منعه إياه.
(10) ريب المنون: حوادث الدهر. وقيل: المنون: الموت، وريبه
عروضه. والنوائب جمع نائبة - مؤنث النائب - وهي النازلة أي المصيبة،
وربما تستعمل في الحادثة خيرا كانت أو شرا، وصروف النوائب: حدثانها.
وعليه فالمعطوف تأكيد للمعطوف عليه، وهذا الفقرات قريبة جدا من الآيات
(28 و 29 و 30) من سورة الطور.
(11) أي فاسد القلب، سئ النية، ضغن القلب.
(12) أرهقه ظلما أي الحقه به، وأرهقه اثما أي حمله إياه.
370

قد سموني بها، فقالوا: (كاهن) وقالوا ساحر وقالوا كذاب
مفتر (13)، فاصبر فإن لك في أسوة.
وبذلك أمر الله إذ يقول (لقد كان لكم في رسول
الله أسوة حسنة) (14).
يا علي إن الله عز وجل أمرني ان أدنيك ولا أقصيك،
وأن أعلمك ولا أهملك، وأن أقربك ولا أجفوك. فهذه
وصيته إلي، وعهده لي.
ثم إني أوصيكم أيها النفر الذين قاموا بأمر الله،
وذبوا عن دين الله، وجدوا في طلب حقوق الأرامل
والمساكين (15)، أوصيكم بعدي بالتقوى، وأحذركم الدنيا
والاغترار بزبرجها
وزخرفها (16) فإنها متاع الغرور، وجانبوا

(13) سنذكر موارد مما نسبوه إليه (ع) من الكهانة والكذب والسحر والكفر.
(14) الآية (21) من سورة الأحزاب: 23.
(15) هذه الفقرات صريحة في أن الموصى إليهم بهذه الوصية، والمخاطبين
بهذه الكلم، كانوا من خواص أصحابه وحواريه، كحجر بن عدي، وكميل
ابن زياد، وصعصعة بن صوحان، واصبغ بن نباته، وحبيب بن مظاهر
وميثم التمار، وعدي بن حاتم ونظرائهم رحمهم الله جميعا، وأن مجلسه
عليه السلام كان في ذلك الحين خاليا عن الأغيار والمنافقين والمنحرفين.
(16) الزبرج والزخرف: ماله باطن قبيح وظاهر جميل، ويستعاران
لزينة الحياة الدنيا، حيث إنها كالشئ المذهب والمفضض لها ظاهر جميل
مليح، وباطن كريه قبيح.
371

سبيل من ركن إليها، وطمست الغفلة على قلوبهم (17) حتى
أتاهم من الله ما لم يحتسبوا. وأخذوا بغتة وهم لا يشعرون.
وقد كان قبلكم قوم خلفوا أنبياءهم باتباع آثارهم (18)
فإن تمسكتم بهداهم واقتديتم بسنتهم لم تضلوا.
إن نبي الله صلى الله عليه وسلم (19) خلف فيكم كتاب
الله وأهل بيته فعندهم علم ما تأتون وما تتقون (20) وهم

(17) أي استولت الغفلة على قلوبهم فتمركزت عليها وغطتها، فغيرتها
من جهتها إلى جهة لا ينتفع بها، فلم قلوب لا يفقهون بها.
(18) أي قاموا مقام أنبياءهم بمتابعة ما جاءوا به: ولم يدعوا أن يموت
ذكرهم فهدوا واهتدى بهم الآخرون، وهذا حث منه (ع) لمتابعة الشريعة،
والاخذ بسنن النبي (ص).
(19) قد تقدم الوجه في حذفهم كلمة (آل) وعدم عطفها على النبي
عند الصلوات.
(20) أي ان النبي (ص) جعل خليفته والقائم مقامه القرآن وأهل بيته
المعصومين، فكل أمر كان مرجعه إلى النبي، لابد أن يؤخذ من القرآن وعترة
النبي (ص) وبما أن القرآن صامت وذو وجوه وفيه محكم ومتشابه، فلا
بد من مراجعة العترة الطاهرة، الناطقين بأمر الله، إذ عندهم علم ما ينبغي
أو يجب أن يؤتى به، وعلم ما ينبغي أو يجب أن يتقى ويجتنب منه.
وهذا الكلام منه (ع) ارشاد وإشارة إلى حديث الثقلين المتواتر عن
النبي (ص) بين المسلمين، وعليك بمراجعة عبقات الأنوار والغدير وغاية
المرام، فان فيها ما يشتهيه كل من أراد النجاة.
372

الطريق الواضح، والنور الملائح وأركان الأرض القوامون
بالقسط بنورهم يستضاء، وبهداهم يقتدى من شجرة
كرم منبتها فثبت أصلها وبسق فرعها وطاب جناها.
نبتت في مستقر الحرم وسقيت ماء الكرم (21) وصفت من
الأقذاء والأدناس، وتخريت من أطيب مواليد الناس فلا
تزولوا عنهم فتفرقوا ولا تنحرفوا عنهم فتمزقوا (22)
والزموهم تهتدوا وترشدوا، واخلفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(23) فيهم بأحسن الخلافة فقد أخبركم أنهما
لن يتفرقا حتى يردا على الحوض (24) أعني كتاب الله

(21) وهذا قريب جدا مما وصف (ع) به آل النبي (ص) في المختار 90 من
خطب النهج، من قوله (ع): (عترته خير العتر، وأسرته خير الأسر، وشجرته
خير الشجر، نبتت في حرم، وبسقت في كرم) الخ.
(22) من هذا وأمثاله مما لا يحصى يستفاد أن التحرف والانقطاع عن أهل
البيت عليهم السلام مساوق أو ملازم للتمزيق والاستيصال. فلينتبه المسلمون.
(23) تقدم وجه افراد النبي (ص) بالصلاة، وعدم عطف آله عليه.
(24) هذا الحديث مما تواتر بين المسلمين عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم.
373

وذريته.
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه بلغكم الله
ما تأملون، ووقاكم ما تحذرون.
اقرأوا على أهل مودتي السلام والخلف وخلف الخلف
حفظكم الله وحفظ فيكم نبيكم والسلام.
دستور معالم الحكم، ص 85، ط مصر.
وهنا شواهد
(الأول): في ذكر ما رمي به أمير المؤمنين (ع)، ونسبه إليه
الظالمون عتوا وعنادا، وبغيا وعدوانا.
قال السيد الرضي (ره): روي أنه عليه السلام كان جالسا في أصحابه
فمرت بهم امرأة جميلة، فرمقها القوم بأبصارهم، فقال عليه السلام:
ان ابصار هذه الفحول طوامح، وان ذلك سبب هبابها (25) فإذا نظر أحدكم
إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله، فإنما هي امرأة كامرأة.
فقال رجل من الخوارج: قاتله الله كافرا ما أفقهه. فوثبت إليه القوم
ليقتلوه، فقال عليه السلام: رويدا إنما هو سب بسب، أو عفو عن ذنب.
المختار (420) من قصار النهج 254.

(25) طوامح جمع طامح أو طامحة، يقال: طمح زيد بصره أي رفعه
وطمحت عينا فلان إلى السماء أي ارتفعت، والهباب والهبوب والهبيب
- بفتح أولها كلها -: الهيجان والتحرك، أي ان مد الأعين وارتفاعها سبب هيجان
الغريزة الجنسية، وميل كل إلى الاخر.
374

وروي الكليني (ره) في الحديث الأول، من الباب (90) من كتاب الحجة
من أصول الكافي ص 343 معنعنا بأسانيد قال: بعث طلحة والزبير رجلا
من عبد القيس يقال له خداش إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وقالا
له: انا نبعثك إلى رجل طال ما كنا نعرفه وأهل بيته بالسحر والكهانة (26)،
وأنت أوثق من بحضرتنا من أنفسنا من أن تمتنع من ذلك منه، وان تحاجه
لنا حتى تفقه (تقفه خ) على أمر معلوم واعلم أنه أعظم الناس دعوى فلا
يكسرنك ذلك عنه، ومن الأبواب التي يخدع الناس بها الطعام والشراب
والعسل والدهن، وان يخالي الرجل، فلا تأكل له طعاما ولا تشرب له
شرابا ولا تمس له عسلا ولا دهنا ولا تخل معه، واحذر هذا كله منه،
وانطلق على بركة الله، فإذا رأيته فاقرأ آية السخرة (27) وتعوذ بالله من
كيده وكيد الشيطان، فإذا جلست إليه فلا تمكنه من بصرك كله ولا
تستأنس به، ثم قل له: ان أخويك في الدين، وابني عمك في القرابة،
يناشدانك القطيعة، ويقولان لك: أما تعلم انا تركنا الناس لك، وخالفنا
عشائرنا فيك منذ قبض الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وآله (28) فلما
نلت أدنى منال ضيعت حرمتنا وقطعت رجاءنا، ثم قد رأيت أفعالنا فيك
وقدرتنا على النأي عنك وسعة البلاد دونك وان من كان يصرفك عنا وعن

(26) هذا من باب تخويف الرجل وتحذيره غاية التحذير، كي لا يؤثر
فيه كلام أمير المؤمنين (ع) وما يرى منه من أخلاقه الكريمة وسيرته المرضية.
(27) وهي قوله تعالى: (ان ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض
وسخر الشمس والقمر) الخ.
(28) الظاهر من هذا ان المتكلم والموصي للخداش، كان الزبير، إذ طلحه
لم يترك أحدا ولم يخالف عشيرته ولا غيرها لأجل أمير المؤمنين (ع) لا مذ
قبض النبي (ص) ولا بعده.
375

صلتنا كان أقل لك نفعا واضعف عنك دفعا منا، وقد وضع الصبح لذي عينين
وقد بلغنا عنك انتهاك لنا ودعاء علينا، فما الذي يحملك على ذلك، فقد كنا
نرى أنك أشجع فرسان العرب أتتخذ اللعن لنا دينا، وترى أن ذلك يكسرنا
عنك.
فلما أتى خداش أمير المؤمنين عليه السلام صنع ما أمراه، فلما نظر
إليه علي عليه السلام - وهو يناجي نفسه - وقال: ههنا يا أخا عبد
قيس - وأشار إلى مجلس قريب منه - فقال: ما أوسع المكان، أريد
أن أؤدي إليك رسالة، قال: بل تطعم وتشرب وتحل ثيابك وتدهن ثم
تؤدي رسالتك، قم يا قنبر فأنزله. قال: ما بي إلى شئ مما ذكرت حاجة
قال: فأخلو بك قال: كل سر لي علانية. قال فأنشدك بالله الذي هو أقرب
إليك من نفسك الحائل بينك وبين قلبك، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي
الصدور أتقدم الزبير بما عرضت عليك؟ قال اللهم نعم. قال: لو كتمت
بعد ما سألتك ما ارتد إليك طرفك، فأنشدك الله هل علمك كلاما تقوله إذا
أتيتني؟ قال اللهم نعم. قال علي عليه السلام آية السخرة؟ قال: نعم.
قال: فاقرأها، فقرأها وجعل علي عليه السلام يكررها ويرددها ويفتح عليه
إذا أخطأ حتى إذا قرأها سبعين مرة. قال الرجل: ما يرى أمير المؤمنين (ع)
امر بترددها سبعين مرة؟ ثم قال له: أتجد قلبك اطمأن؟ قال: اي والذي
نفسي بيده. قال: فما قالا لك؟ فأخبره. فقال: قل لهما: كفى بمنطقكما
حجة عليكما، ولكن الله لا يهدي القوم الظالمين، زعمتما أنكما أخواي في
الدين وابنا عمي في النسب، فأما النسب فلا أنكره وإن كان النسب مقطوعا
الا ما وصله الله بالاسلام، وأما قولكما: انكما أخواي في الدين، فان
كنتما صادقين فقد فارقتما كتاب الله عز وجل وعصيتما أمره بأفعالكما في
376

أخيكما في الدين، والا فقد كذبتما وافتريتما بادعائكما أنكما أخواي في الدين.
وأما مفارقتكما الناس منذ قبض الله محمدا صلى الله عليه وآله فان
كنتما فارقتماهم بحق فقد نقضتما ذلك الحق بفراقكما إياي أخيرا، وان
فارقتماهم بباطل فقد وقع اثم ذلك الباطل عليكما مع الحدث الذي أحدثتما،
مع أن صفقتكما بمفارقتكما الناس لم تكن الا لطمع الدنيا، زعمتما وذلك
قولكما: (فقطعت رجاءنا) لا تعيبان بحمد الله من ديني شيئا، وأما الذي
صرفني عن صلتكما فالذي صرفكما عن الحق وحملكما على خلعه من
رقابكم كما يخلع الحرون لجامه وهو الله ربي لا أشرك به شيئا، فلا تقولا:
(أقل نفعا وأضعف دفعا) فتستحقا اسم الشرك مع النفاق، وأما قولكما:
(اني أشجع فرسان العرب) وهربكما من لعني ودعائي، فان لكل موقف
عملا، إذا اختلف الأسنة وماجت لبود الخيل، وملأت سحراكما
أجوافكما (29) فثم يكفيني الله بكمال القلب، وأما إذا أبيتما بأني أدعو الله
فلا تجزعا من أن يدعو عليكما رجل ساحر من قوم سحرة زعمتما، اللهم
اقعص الزبير بشر قتله (30) واسفك دمه على ضلالة، وعرف طلحة المذلة
وادخر لهما في الآخرة شرا من ذلك، ان كانا ظلماني وافتريا علي وكتما
شهادتهما وعصياك وعصيا رسولك في، قل: آمين. قال خداش: آمين.
ثم قال خداش لنفسه: والله ما رأيت لحية قط أبين خطأ منك، حامل

(29) اللبود: ما يجعل تحت السرج لئلا يتأثر ظهر الفرس، وهو يموج
عند الكر والفر. والسحر - كفلس وفرس وقفل -: الرئة. الكبد. والجمع
سحور وأسحار وسحر - كعنق -. وهذا المثال يقال للجبان الذي ملاء
الخوف جوفه فانتفخت رئته حتى رفع القلب إلى الحلقوم.
(30) القعص - كضرب وفرس -: القتل المعجل. الموت الوحي. قال
في اللسان: ومنه حديث الزبير: (كان يقعص الخيل بالرمح قعصا يوم الجمل).
377

حجة ينقض بعضها بعضا لم يجعل الله لها مساكا، أنا أبرأ إلى الله منهما،
قال علي عليه السلام: ارجع اليهما وأعلمهما ما قلت. قال: لا والله حتى
تسأل الله ان يردني إليك عاجلا، وأن يوفقني لرضاه فيك. ففعل فلم يلبث
أن انصرف وقتل معه يوم الجمل رحمه الله.
وفي الحديث (38) من الباب (114) من البحار: ج 9 ص 583، ط
الكمباني. وفي الطبعة الحديثة ج 41، ص 306، نقلا عن ابن شهرآشوب في
المناقب: ج 1، ص 422:
وروي عن الحسن بن علي عليه السلام في خب ران اشعص بن قيس
الكندي بني في داره مئذنة، فكان يرقى إليها إذا سمع الاذان في أوقات
الصلاة في مسجد جامع الكوفة، فيصيح من أعلى مئذنته، يا رجل انك
لكاذب ساحر. (قال:) وكان أبي يسميه عنق النار - وفي رواية -
(عرف النار)، فسئل عن ذلك، فقال: ان الأشعث إذا حضرته الوفاة
دخل عليه عنق النار ممدودة من السماء فتحرقه، فلا يدفن الا وهو فحمة
سوداء. فلما توفي نظر سائر من حضر إلى النار، وقد دخلت عليه كالعنق
الممدود حتى أحرقته، وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور.
وفي باب خلق الأرواح قبل الأجساد من بحار الأنوار: ج 14،
ص 426، ط الكمباني معنعنا عن الإمام الباقر (ع) قال: بينا أمير المؤمنين
عليه السلام جالس في مسجد الكوفة، وقد احتبى بسيفه وألقى ترسه خلف
ظهره، إذ أتته امرأة تستعدي على زوجها، فقضى للزوج عليها، فغضبت
فقالت: والله ما هو كما قضيت، والله ما تقضي بالسوية، ولا تعدل في
الرعية، ولا قضيتك عند الله بالمرضية. قال: فغضب أمير المؤمنين (ع)
فنظر إليها مليا، ثم قال: كذبت يا جرية يا بذية يا سلسع يا سلفع، يا التي
378

لا تحيض مثل النساء. قال: فولدت هاربة وهي تقول: ويلي ويلي. فتبعها
عمرو بن حريث، فقال: يا أمة الله قد استقبلت ابن أبي طالب بكلام سررتني
به، ثم نزعك بكلمة فوليت منه هاربة تولولين! قال: فقالت: يا هذا
ابن أبي طالب أخبرني بالحق، والله ما رأيت حيضا كما ترى المرأة. قال:
فرجع عمرو بن حريث إلى أمير المؤمنين (ع) فقال: يا بن أبي طالب ما هذا
التكهن؟ قال: ويلك يا بن حريث ليس مني هذا كهانة، ان الله تبارك وتعالى
خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، ثم كتب بين أعينها مؤمن أو كافر،
ثم انزل بذلك قرآنا على محمد (ص): (ان في ذلك لآيات للمتوسمين)
فكان رسول الله (ص) من المتوسمين وأنا بعده والأئمة من ذريتي منهم.
وعن العاصمي في (زين الفتى) قال: روي عن سعد بن طريف عن
الأصبغ بن نباتة قال: أسلم اعرابي على يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
رضي الله عنه، فخلع عليه علي حلتين، وخرج الاعرابي من عنده فرحا
مستبشرا، وبحضرة الباب قوم من الخوارج، فلما أن نظروا إلى الاعرابي
وفرحه باسلامه على يدي علي حسدوه على ذلك وقال بعضهم لبعض:
اما ترون فرح هذا الاعرابي باسلامه، تعالوا ننزله عن ولايته، ونرده عن
إمامته، فأقبلوا بأجمعهم عليه، وقالوا له: يا أعرابي من أين أقبلت؟
قال: من عند أمير المؤمنين. قالوا: وما الذي صنعت عنده؟ قال: أسلمت
على يديه. قالوا: ما أصبت رجلا تسلم على يديه الا على يدي رجل كافر!
فلما سمع ذلك الاعرابي غضب غضبا شديدا وثار القوم في وجهه، وقالوا:
لا تغضب بيننا وبينك كتاب الله.
فقال: أتلوه. فتلا بعضهم: (ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا
ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) (31).

(31) الآية 137، من سورة النساء: 4.
379

فقال لهم الاعرابي: ويلكم فيمن هذه الآية؟ قالوا في صاحبك الذي
أسلمت على يديه، فازداد الاعرابي غضبا وضرب بيده إلى قائمة سيفه وهم
بالقوم ثم إنه رجع إلى نفسه - وكان عاقلا - فقال: لا والله لا عجلت على
القوم، وأسأل عن هذا الخبر، فإن كان كما يقولون، خلعت عليا، وإن كان
على خلاف ما يقولون جالدتهم بالسيف إلى أن تذهب نفسي قال:
فأتى ابن عباس وهو قاعد في مسجد الكوفة، فقال: السلام عليك يا بن
عباس. قال ابن عباس: وعليك السلام. قال: ما تقول في أمير المؤمنين؟
قال: أي الامراء تعني يا أعرابي؟ قال: علي بن أبي طالب.
قال: وكان ابن عباس متكئا فاستوى قاعدا ثم قال له: لقد سألت
يا أعرابي عن رجل عظيم يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ذاك والله
صالح المؤمنين، وخير الوصيين، وقامع الملحدين (ظ) وركن المسلمين،
ويعسوب المؤمنين ونور المهاجرين، وزين المتعبدين، ورئيس البكائين،
وأصبر الصابرين، وأفضل القائمين، وسراج الماضين، وأول السابقين، من
آل ياسين، المؤيد بجبريل الأمين، والمنصور بميكائيل المتين، والمحفوظ
بجند السماء أجمعين، والمحامي عن حرم المسلمين، ومجاهد أعدائه الناصبين
ومطفي نيران الموقدين، وأصدق بلابل الناطقين، وأفخر من مشى من قريش
أجمعين، عين رسول رب العالمين، ووصي نبيه في العالمين، وأمينه على
المخلوقين، وقاسم المعتدين وجزار المارقين، وسهم من مرامي الله على
المنافقين، ولسان حكم العابدين، وناصر دين الله في أرضه، وولي أمر
الله في خلقه، وعيبة علمه، وكهف كتبه، سمح سخي، سند حيي، بهلول
بهي، سنحنح جوهري، زكي رضي، مطهر أبطحي، باسل جري، قرم
همام، صابر صواب، مهذب مقدام، قاطع الأصلاب، عالي الرقاب، مفرق
380

الأحزاب، المنتقم من الجهال، المبارز للابطال، الكيال في كل الافضال،
أضبطهم عنانا، وأثبتهم جنانا، وأمضاهم عزيمة، وأشدهم شكيمة، وأسدهم
نقيبة، أسد باذل صاعقة مبرقة، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنة،
وقرنت الأعنة، طحن الرحى بثفالها، ويذروهم فيها ذرو الريح الهشيم،
باسل بازل، صنديد هزبر، ضرغام عازم، عزام خطيب، حصيف محجاج،
مقول ثجاج، كريم الأصل شريف الفضل، نقي العشيرة، فاضل القبيلة، عبل
الذراع، طويل الباع، ممدوح في جميع الأفق، أعلم من مضى، وأكرم
من مشى، وأوجب من ولي بعد النبي المصطفى، ليث الحجاز وكبش العراق
مصادم الابطال، والمنتقم من الجهال، زكي الركانة، منيع الصيانة، صلب
الأمانة، من هاشم القمقام، ابن عم نبي الأنام، السيد الهمام، الرسول
الامام، مهدي الرشاد، المجانب للفساد، الأشعب الحائم (الحاطم ظ)
والبطل المحاجم (المهاجم ظ) والليث المزاحم، بدري أحدي خيفي مكي
مدني شعشاني (32) روحاني نوراني، له من الجبال شوامخها، ومن الهضاب
ذراها، وفي الوغى ليثها، ومن العرب سيدها، الليث المقدام، والبدر
التمام، والماجد الهمام، محل الحرمين، ووارث المشعرين، وأبو السبطين
الحسن والحسين.
من أهل بيت أكرمهم الله بشرفه، وشرفهم بكرمه، وأعزهم بهداه،
وخصهم لدينه، واستودعهم سره، واستحفظهم علمه، جعلهم عمدا لدينه،
وشهداء على خلقه، وأوتادا لأرضه، (33) ونجباء (ظ) في عمله، اختارهم
واصطفاهم وفضلهم واجتباهم علما لعباده، وأولاهم (وولاهم ظ) على

(32) كذا في النسخة، والظاهر: (شعشعاني).
(33) هذا هو الظاهر، وفى النسخة: (أوتاد ارضه).
381

الصراط، فهم الأئمة الدعاة، والسادة الولاة، والقادة الحماة، والخيرة
الكرام، والقضاة والحكام، والنجوم والاعلام، والعترة الهادية، والقدوة
العالية والأسوة الصافية، الراغب عنهم مارق، واللازق بهم لاحق هم الرحم
الموصولة، والأئمة المتخيرة، والباب المبتلى به الناس، من اتاهم نجا، ومن
نآى عنهم هوى، حطة لمن دخلهم، وحجة على من تركهم، الفلك الجارية
في اللجج الغامرة، يتصدع عنهم الأنهار المنشعبة وينفلق عنهم الأقاويل
الكاذبة، يفوز من ركبها، ويغرق من جانبها، هم الحصن الحصين، والنور
المبين، وهدى لقلوب المهتدين، والبحار السائغة للشاربين، وأمان لمن
تبعهم أجمعين، إلى الله يدعون، وبأمره يعملون، والى آياته يرشدون،
فيهم توالت رسله، وعليهم هبطت ملائكته، واليهم بعث الروح الأمين،
فضلا من ربه (من ربهم ظ) ورحمة فضلهم لذلك، وخصهم وضربهم
مثلا لخلقه، وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين من اليمن والبركة، فروع
طيبة، وأصول مباركة معدن الرحمة، وورثة الأنبياء، بقية النقباء، وأوصياء
الأوصياء، منهم الطيب ذكره، المبارك اسمه، أحمد الرضي، ورسوله الأمي
من الشجرة المباركة، صحيح الأديم، واضح البرهان.
والمبلغ من بعده ببيان التأويل، وبحكم التفسير، علي بن أبي طالب
عليه من الله الصلاة الرضية، والزكاة السنية لا يحبه الا مؤمن تقي، ولا
يبغضه الا منافق شقي.
قال: فلما سمع الاعرابي ذلك ضرب بيده إلى قائمة سيفه وقام مبادرا،
فضرب ابن عباس يده إليه وقال إلى أين يا أعرابي؟ قال: أجالد القوم أو
تذهب نفسي. قال ابن عباس: أقعد يا اعرابي فان لعلي محبين لو قطعتهم
(قطعهم ظ) اربا اربا ما ازدادوا له الا حبا، وان لعلي بن أبي طالب مبغضين
382

لو ألعقهم العسل ما ازدادوا له الا بغضا. قال: فقعد الاعرابي وخلع عليه
ابن عباس حلتين حمراوين.
وروي في الباب السابع، من الجزء السابع، من بصائر الدرجات،
وفي كتاب الاختصاص ص 305، ط 2 - ورواه عنهما في البحار: ج 9،
ص 579 - خبرا طويلا فيه: ان أمير المؤمنين (ع) حكم بين زوجين اختصما
عنده، فوجه (ع) القضاء على المرأة. فغضبت وقالت: والله يا أمير المؤمنين
لقد حكمت علي بالجور، وما بهذا أمرك الله، فقال لها: يا سلفع ما مهيع يا قردع
بل حكمت عليك بالحق. فولت هاربة، فتبعها عمرو بن الحريث، فألح عليها
بأن تخبره بما رماها به أمير المؤمنين (ع) فلما أخبرته بما رماها به
أمير المؤمنين (ع) وانه تكلم بالصدق، قال عمرو: وما علمه بهذا؟! أتراه
ساحر أو كاهنا أو مخدوما؟ أخبرك بما فيك، وهذا علم كثير! فقالت:
بئس ما قلت يا عبد الله، انه ليس بساحر ولا كاهن ولا مخدوم، ولكنه
من أهل بيت النبوة، وهو وصي رسول الله صلى الله عليه وآله ووارثه
وهو يخبر الناس بما لقنه به وعلمه رسول الله لأنه حجة الله على هذا الخلق
بعد نبيه. فاقبل عمرو إلى مجلس أمير المؤمنين فقال له أمير المؤمنين:
بما استحللت ان ترميني بما رميتني به، اما والله لقد كانت المرأة أحسن
قولا في منك، ولا قفن أنا وأنت من الله موقفا فانظر كيف تتخلص من الله.
انتهى مخلصا.
الثاني من الشواهد:
في بيان شذرة من الأخبار المتواترة بين الفريقين لعظمة آل النبي صلى
الله عليه وعليهم، ومالهم عند الله من المقام العلي والدرجة الرفيعة.
روى أبو عبد الله محمد بن مسلم ابن أبي الفوارس الرازي من أهل
383

السنة في صدر فضائل أمير المؤمنين عليه السلام من أربعينه أنه قال النبي
صلى الله عليه وآله: اني تارك فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فهما
خليفتان بعدي، أحدهما أكبر من الآخر، سبب موصول من السماء إلى
الأرض، فان استمسكتم بهما لن تضلوا، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي
الحوض يوم القيامة، فلا تسبقوا أهل بيتي بالقول فتهلكوا، ولا تقصروا
عنهم فتذهبوا، فان مثلهم فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن
تخلف عنها هلك، ومثلهم فيكم كمثل باب حطة في بني إسرائيل، من دخله
غفر له.
ألا وان أهل بيتي أمان أمتي فإذا ذهب أهل بيتي جاء أمتي ما يوعدون.
الا وان الله عصمهم من الضلالة، وطهرهم من الفواحش، واصطفاهم
على العالمين.
الا وان الله أوجب محبتهم، وأمر بمودتهم.
ألا وانهم الشهداء على العباد في الدنيا ويوم المعاد.
ألا وانهم أهل الولاية الدالون على طرق الهداية.
ألا وان الله فرض لهم الطاعة، على الفرق والجماعة، فمن تمسك
بهم سلك، ومن حاد عنهم هلك.
ألا وان العترة الهادية الطيبين دعاة الدين، وأئمة المتقين، وسادة
المسلمين، وقادة المؤمنين، وأمناء رب العالمين على البرية أجمعين، الذين
فرقوا بين الشك واليقين، وجاءوا بالحق المبين.
وروى المسعودي معنعنا، في مروج الذهب: ج 2 ص 428، ط بيروت
عن عباس بن عبد المطلب، قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذ أقبل علي بن أبي طالب، فلما رآه أسفر في وجهه. فقلت يا رسول الله
384

انك لتسفر في وجه هذا الغلام؟ فقال: يا عم رسول الله والله لله أشد حبا
له مني، انه لم يكن نبي الا وذريته الباقية بعده من صلبه، وان ذريتي
بعدي من صلب هذا، انه إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسمائهم وأسماء
أمهاتهم سترا من الله عليهم، الا هذا وشيعته فإنهم يدعون بأسمائهم وأسماء
آبائهم لصحة ولادتهم.
وقال الطبري في كتاب (ذيل المذيل): (حدثني زكريا بن يحيى بن
أبان المصري قال: حدثنا أحمد بن اشكاب قال: حدثنا يحيى بن يعلي
المحاربي عن عمار بن زريق الضبي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن زياد بن
مطرف، قال: سمعت رسول الله (صلعم) يقول: من أحب أن يحيى حياتي
ويموت ميتتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربي، قضبانا من قضبانها غرسها
في جنة الخلد، فليتول علي بن أبي طالب وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوهم
من باب هدى، ولن يدخلوهم في باب ضلالة).
وقال الخوارزمي - في الحديث (23) من الفصل السادس من كتاب
المناقب ص 34 -: أخبرنا أخي شمس الأئمة محمد بن أحمد المكي،
قال: أخبرنا الإمام الزاهد إسماعيل بن علي بن إسماعيل، قال: حدثنا الامام السيد
الأجل المرشد بالله يحيى بن الموفق بالله، قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي
ابن محمد بن يوسف بن الواعظ العلاف، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد
ابن أحمد بن محمد بن حماد المعروف بابن هيثم ليث، قال: أخبرنا أبو محمد
القاسم بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب
قال حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي الباقر، عن أبيه علي
ابن الحسين، عن أبيه الحسين الشهيد، قال: سمعت جدي رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول: من أحب ان يحيى حياتي، ويموت مماتي
385

ويدخل الجنة التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب وذريته الطاهرين،
أئمة الهدى، ومصابيح الدجى من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى
إلى باب الضلالة.
ونقلهما عن الكتابين في المجلد السادس من حديث الثقلين من عقبات
الأنوار، ص 1156، ط 2.
والآثار الصحيحة المتواترة بين الفريقين الواردة عنه (ص) في شأن
العترة، المفسرة لقوله (ص): (أهل بيتي) كثيرة جدا، ومن أراد الوقوف
عليها، فعليه بعبقات الأنوار، والغدير للعلامة الأميني مد ظله.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام - كما في المختار الثاني، من خطب
نهج البلاغة، في نعت آل النبي صلى الله عليه وآله -: موضع سره، ولجأ
أمره، وعيبة علمه، وموئل حكمه، وكهوف كتبه، وجبال دينه، بهم أقام
انحناء ظهره، وأذهب ارتعاد فرائصه.
قال محمد عبده في تعليقه: (اللجأ - محركة -: الملاذ وما تلتجئ،
إليه كالوزر - محركة - ما تعتصم به. والعيبة - بالفتح -: الوعاء.
والموئل: المرجع أي ان حكمه وشرعه يرجع إليهم وهم حفاظ كتبه - يحوونها
كما تحوي الكهوف والغيران ما يكون فيها - والكتب القرآن، وجمعه
لأنه فيما حواه كجملة ما تقدمه من الكتب، ويزيد عليها ما خص الله به
هذه الأمة).
أقول: ويحتمل أيضا أن يراد من قوله (ع): (كهوف كتبه) أنهم
عليهم السلام كهوف علومه ومخازن غيوبه، وما أفاده أظهر، لتقدم قوله (ع):
(وعيبة علمه). وما أعجب قوله (ع): (وجبال دينه) الخ، حيث
شبه النبي (ص) بأرض الدين ومستقر الشريعة، وشبه آله بالجبال التي
386

هي سبب استقرار الأرض، ووسيلة انتفاع البرية بالأرض كما قال تعالى: (وألقى
في الأرض ورواسي أن تميد بكم) وقال تعالى: (والجبال أوتادا). وما
أبدع قوله (ع): (بهم أقام انحناء ظهره) الخ، وهذا تشريح للاستعارة،
وبيان بأنهم (ع) شاركوا جدهم الأطهر في إقامة الشريعة، وعاونوه في حمل
هذه العبئ الثقيل الذي انحنى به ظهر النبي (ص) لثقله، وارتعدت
فرائصه لصعوبة ترويجه والقيام به.
وقال (ع) في هذه الخطبة: (لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله
من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا، هم
أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفئ الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم
خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة.
ألآن إذ رجع الحق إلى أهله، ونقل إلى منتقله.
وقال (ع) - كما في المختار الرابع، من خطب النهج -: بنا اهتديتم
في الظلماء، وتسنمتم العلياء، بنا انفجرتم (أفجرتم) عن السرار، الخ.
أي كنتم صاغرين ممن لا يؤبه به لحقارته وخساسته، وكنتم في ظلم
الجهالة والعمى، فبهدايتنا وارشادنا صرتم إلى ضياء العلم والمعرفة، وببركة
خطواتنا العلية في رقي البرية، ركبتم سنام العلى، وارتقيتم إلى غاية العز
والعظمة والمنى.
وقال (ع) - كما في أواخر الخطبة (84) من خطب النهج -: فأين
تذهبون، وانى تؤفكون، والاعلام قائمة، والآيات واضحة، والمنار
منصوبة، فأين يتاه بكم، بل كيف تعمهون؟ وبينكم عترة نبيكم، وهم أزمة
الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن
وردوهم ورود الهيم العطاش، الخ.
387

وقال (ع) - كما في الخطبة (92) من النهج، في نعت النبي (ص)
- فأخرجه من أفضل المعادن منبتا، وأعز الأرومات مغرسا، من
الشجرة التي صدع منها أنبياءه، وانتخب منها أمناءه، عترته خير العتر،
وأسرته خير الأسر، وشجرته خير الشجر، نبتت في حرم، وبسقت في
كرم، لها فروع طوال، وثمرة لا تنال، الخ.
وقال (ع) - كما في الخطبة (95) -: أنظروا أهل بيت نبيكم
فالزموا سمتهم، واتبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم
في ردى، فان لبدوا فالبدوا، وان نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا
ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا، الخ.
وقال (ع) - كما في الخطبة (98) -: ألا ان مثل آل محمد صلى
الله عليه وآله كمثل نجوم السماء، إذا خوى نجم طلع نجم، الخ
وقال (ع) - كما في المختار 107، من خطب النهج -: نحن شجرة
النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم
ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة.
وقال (ع) - كما في المختار (118) من خطب النهج ص 232 -:
تالله لقد علمت تبليغ الرسالات، واتمام العدات، وتمام الكلمات، وعندنا
أهل البيت أبواب الحكم، وضياء الامر، ألا وان شرائع الدين واحدة،
وسبله قاصدة، من أخذ بها لحق وغنم، ومن وقف عنها ضل وندم، الخ.
وقال (ع) - كما في المختار (144 أو 147) من الخطب أيضا -:
هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن
باطنهم، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق،
وصامت ناطق.
388

وقال (ع) - كما في المختار (152) من الخطب أيضا -: نحن الشعار
والأصحاب، والخزنة والأبواب، ولا تؤتى البيوت الا من أبوابها، فمن
أتاها من غير أبوابها سمي سارقا.
أقول: هذا الذيل مما نطق به النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في ذيل
قوله (ص): (أنا مدينة العلم وعلي بابها) وصرح صلى الله عليه وآله بأن
من أراد العلم فليأت عليا، ومن اخذ من غيره فقد أتى البيوت من غير
أبوابها فهو سارق، ولا أعلم - ويا ليت قومي يعلمون - ان المنصفين
من إخواننا ماذا يقولون، وقد تركوا الاقتباس منهم، وأخذوا من عمران
ابن حظان وأمثاله.
ومن أراد ان يعرف صدور حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، من النبي
صلى الله عليه وآله وسلم كأنه بنفسه سمعه منه صلى الله عليه وآله فليراجع
المجلد الأول والثاني من حديث مدينة العلم من عبقات الأنوار، فان
فيهما ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
وقال (ع) - في الخطبة السالفة -: فيهم كرائم القرآن، وهم كنوز
الرحمن، ان نطقوا صدقوا، وان صمتوا لم يسبقوا، الخ.
قال الأستاذ الموفق محمد عبده مفتي الديار المصرية، في تعليقته على
هذا الكلام: الضمير لآل النبي، والكرائم جمع كريمة، والمراد انه
قد أنزل في مدحهم آيات كريمات، والقرآن كريم كله، وهذه كرائم.
وقال (ع) - كما في المختار (144) من باب الخطب من نهج البلاغة
ص 428، ط طهران بترجمة فيض الاسلام -: أين الذين زعموا انهم
الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا، أن رفعنا الله ووضعهم، أعطانا
وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطي الهدى ويستجلي العمى.
389

ان الأئمة من قريش، غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على
سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم.
وقال (ع) - كما في المختار (159) أو 160) من خطب النهج -.
بعثه بالنور المضئ، والبرهان الجلي، والمنهاج البادي، والكتاب الهادي،
أسرته خير أسرة، وشجرته خير شجرة، أغصانها معتدلة، وثمارها
متهدلة، الخ.
وقال (ع) - كما في ذيل المختار (184)، ط مصر، و 229 ط طهران
ص 746 -: إنما مثلي بينكم مثل السراج في الظلمة، ليستضئ به من
ولجها، فاسمعوا أيها الناس وعوا، واحضروا آذان قلوبكم تفهموا.
فان قيل: انعقاد هذا البحث لأجل أن يذكر شواهد مدح عترة
الرسول (ص)، وغير خفي أن عترة الرجل هم ولده وذريته، ومعلوم أن
أمير المؤمنين عليه السلام ليس من ولد رسول الله وذريته. قلنا: العترة
تطلق على آل بيت الرجل وعشيرته الأقربين أيضا، ولا شك أن أمير المؤمنين
عليه السلام كان من أقرب عشيرة رسول الله وأهل بيته. وان أغمضنا عن
ذلك وخصصنا العترة بالولد والذرية لغة وعرفا، فنقول: ان أمير المؤمنين
عليه السلام من أفضل عترة رسول الله بحكم الأدلة والشواهد الخارجية
وهي كثيرة جدا. ونذكر منها هنا ما هو طريف لدى الطائفتين فنقول:
قال الشيخ أحمد بن الفضل بن محمد: بو كثير المكي الشافعي في كتاب
(وسيلة المآل في مناقب الآل): وأخرج الدارقطني في الفضائل عن
معقل بن يسار رضي الله عنه، قال: سمعت أبا بكر رضي الله عنه يقول:
علي بن أبي طالب عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الذين حث
النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك بهم، والاخذ بهديهم، وخصه أبو
390

بكر بذلك رضي الله عنه، لأنه الامام في هذا الشأن، وباب مدينة العلم
والعرفان، فهو امام الأئمة وعالم الأمة، عبقات الأنوار: ج 6 من حديث
الثقلين ص 1150، ط أصفهان. ورواه أيضا في ج 2 ص 63 عن السمهودي
في جواهر العقدين.
وقال (ع) - كما في المختار (239) ط مصر، ص 259 -: هم
عيش العلم، وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، (وظاهر هم عن
باطنهم) وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق، ولا يختلفون فيه
هم دعائم الاسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه، وانزاح
الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية،
لا عقل سماع ورواية، فان رواة العلم كثير، ورعاته قليل.
قال أبو جعفر المحمودي، ومن هذا وأمثاله مما لا يحصى كثرة من
أقوالهم (ع) أخذنا معاشر الامامية، فقلنا، ان ولايتهم والاعتقاد بإمامتهم
من أصول الدين، فمن لا يعتقد امامتهم - سواء علمها من عند الله
فأنكرها، أم كان جاهلا ملتفتا مقتدرا على تحصيل العلم بإمامتهم، ولكن
لم يبذل وسعه كي يحصل له العلم بولايتهم - فاسلامه لا ينجيه من الخلود
في النار، فامامتهم من أصول الدين بالنسبة إلى هذا الأثر ونحوه من
أمور الآخرة، لا بالنسبة إلى الطهارة والنجاسة والمناكحة والمعاملة وحرمة
الدم والعرض والمال في الدنيا، فإنها مرتبة على نفس الاقرار بالشهادتين
وصرف الاسلام.
وأيضا من أمثال قوله (ع): - لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه)
ومن أمثال قوله: (عقلوا الدين عقل وعاية ورواية) وما مر من قولهم:
(فلا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا) قلنا بعصمتهم
391

وانهم مبرأون من الخطأ والزلل، فمن لا ادراك له لفهم العصمة من هذه
التعبيرات، فليستفدها من أمثال قوله (ص): (ألا وان الله عصمهم من
الضلالة، وطهرهم من الفواحش) الخ، وهذا النمط من الأخبار المعتبرة
كثيرة مغنية للقاصرين عن المراجعة إلى حديث الثقلين وحديث مثل أهل
بيتي كمثل سفينة نوح، وغيرهما مما هو على سياقهما.
وإذا تصورت هذا وعرفته، تنكشف لك ضلالة من رمى الامامية
بالغلو، لقولهم بعصمة الأنبياء والأئمة، ولم يدر التائه ان الامامية أخذوا
هذا من رسول الله (ص) والرسول أخذه من الله جل وعلا، فإن كان هذا
غلوا فان الله ورسوله غاليان، فما ذنب الامامية.
وقال الإمام الحسن عليه السلام في خطبة له: ان الله لم يبعث نبيا
الا اختار له نقيبا ورهطا وبيتا، فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا لا ينتقص
من حقنا أهل البيت أحد الا نقصه الله من عمله مثله، ولا تكون علينا
دولة الا وتكون لنا العاقبة، ولتعلمن نبأه بعد حين.
راجع ترجمة الإمام الحسن (ع) وذكر خلافته من مروج الذهب
للمسعودي: ج 2 ص 431 ط بيروت. وفي ط ج 2 ص 306.
ثم قال المسعودي، ومن خطبه (ع) في بعض مقاماته أنه قال: نحن
حزب الله المفلحون، وعترة رسول الله صلى الله عليه وسلم (34) الأقربون
وأهل بيته الطاهرون الطيبون، وأحد الثقلين اللذين خلفهما رسول الله
صلى الله عليه وسلم، والثاني كتاب الله فيه تفصيل كل شئ لا يأتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه، والمعول عليه في كل شئ، لا يخطئنا تأويله
بل نتيقن حقائقه، فأطيعونا فان طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله والرسول

(34) هكذا صنيع إخواننا من أهل السنة في نقل الصلوات!
392

وأولي الأمر مقرونة، (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول...
ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)
وأحذركم الاصغاء لهتاف الشيطان، انه لكم عدو مبين، الخ.
وأخرج الحموئي في فرائد السمطين آخر الباب الثاني ص 33 والبلخي
في الباب الثالث، والباب التاسع والثمانين من ينابيع المودة، بسنده عن
الأعمش، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جده علي بن
الحسين رضي الله عنهم، أنه قال: (نحن أئمة المسلمين وحجج الله على
العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المسلمين، ونحن
أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين
بنا تمسك السماء أن تقع على الأرض الا بإذن الله، وبنا ينزل الغيث
وتنشر الرحمة، وتخرج بركات الأرض، ولولا ما على الأرض منا لساخت
بأهلها. ثم قال (ع)، ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم عليه السلام من
حجة لله فيها ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولن تخلو إلى أن تقوم
الساعة من حجة فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله).
قال الأعمش: قلت للإمام الصادق رضي الله عنه: كيف ينتفع الناس
بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب.
وروي الكليني (ره) في الحديث الثامن، من الباب (89) من كتاب
الحجة، من أصول الكافي: ج 1، ص 338، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه،
عن حنان ابن سدير، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
إنما نحن كنجوم السماء، كلما غاب نجم طلع نجم، حتى إذا أشرتم بأصابعكم
وملتم بأعناقكم غيب الله عنكم نجمكم، الخ.
393

- 57 -
ومن وصية له عليه السلام
أوصى المؤمنين فيها بآل النبي صلى الله عليه وآله لما ثقل من الضربة:
وفيكم من يخلف من نبيكم (ص) ما إن (1) تمسكتم به
لن تضلوا، وهم الدعاة وهم النجاة، وهم أركان الأرض وهم
النجوم بهم يستضاء، من شجرة طاب فرعها وزيتونة طاب
[بورك ظ] أصلها، نبتت في الحرم، وسقيت من كرم، من
خير مستقر إلى خير مستودع، من مبارك إلى مبارك، صفت
من الأقذار (2) والأدناس، ومن قبيح مأنبة شرار الناس (3)
لها فروع طوال لا تنال، حسرت عن صفاتها الألسن، وقصرت عن
بلوغها الأعناق، فهم الدعاة وبهم النجاة، وبالناس إليهم

(1) وفى اثبات الهداة: (وفيكم من يخلف عن نبيكم، من أن تمسكتم
به لن تضلوا، هم الدعاة وهم النجاة) الخ.
(2) هذه الجملة صفة بعد صفة لقوله: (شجرة) أو (زيتونة)
ويصح أن يكون الفعل أي (صفت) من باب - دعا - وأن يكون من باب التفعيل
والأول أظهر.
(3) كذا في النسخة، ولا يبعد أن يكون الأصل هكذا: (ومن قبيح ما نبت
عليه شرار الناس).
394

حاجة (4)، فاخلفوا رسول الله [صلى الله عليه وآله فيهم] (5)
بأحسن الخلافة فقد أخبركم أنهم والقران الثقلان، وأنهما لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض (6) فالزموهم تهتدوا وترشدوا،
ولا تتفرقوا عنهم ولا تتركوهم فتفرقوا وتمرقوا (7).
كتاب شرف المصطفى لأبي سعيد عبد الملك بن محمد النيسابوري
الخركوشي، كما رواه عنه في الوجه الرابع عشر، من اختصاص حديث الثقلين
بالمعصومين (ع) من (حديث الثقلين) من العبقات: ج 2 ص 265، ط
أصفهان، ورواه عنه أيضا في ج 6 منه ص 1141.
ورواها أيضا في الفصل الخامس عشر من الباب التاسع من كتاب اثبات
الهداة: ج 3 ص 189، ط 1، عن محمد طاهر القمي في شرح تهذيب
الحديث، نقلا عن كتاب شرف النبي (ص) عن أمير المؤمنين عليه السلام
أنه قال للمسلمين حين ثقل من الضربة في كلام له: - وفيكم من يخلف عن
نبيكم من أن تمسكتم به لن تضلوا، هم الدعاة، وهم النجاة، وهم أركان
الأرض) إلى أن قال (ع): (فاخلفوا رسول الله) الخ.

(4) هكذا في النسخة، وكأن الباء بمعنى (في أو اللام) أي وفى الناس
(أو وللناس - إليهم حاجة وافتقار.
(5) بين المعقفتين مأخوذ من (اثبات الهداة) والسياق يقتضيه.
(6) كذا في المحكي عن (شرف المصطفى) وفى (اثبات الهداة): (فقد
أخبركم انهما الثقلان، وأنهما لن يفترقا هم والقرآن حتى يردا على الحوض،
فالزموهم تهتدوا وترشدوا، ولا تفرقوا عنهم ولا تتركوهم فتفرقوا وتمزقوا).
(7) التمرق: الخروج من الدين.
395

- 58 -
ومن وصية له عليه السلام
لولده لما حضرته الوفاة
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني تغمده الله برحمته، عن محمد
ابن يحيى، عن أحمد بن محمد، ومحمد بن الحسين جميعا، عن محمد بن
إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود، عن أبي
جعفر عليه السلام، في كلام طويل، إلى أن قال: ان عليا عليه السلام لما
حضره الذي حضر، فدا ولده وكانوا اثني عشر ذكرا (ذكورا خ ل)
فقال لهم:
يا بني إن الله عز وجل قد أبى إلا أن يجعل في سنة من يعقوب
وان يعقوب دعا ولده، وكانوا اثني عشر ذكرا [ذكورا خ ل]
فأخبرهم بصاحبهم، ألا وإني أخبركم بصاحبكم، ألا إن
هذين ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن والحسين عليهما
السلام (1)، فاسمعوا لهما وأطيعوا، ووازروهما، (2) فإني قد
ائتمنتهما على ما ائتمنني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله مما

(1) الحسن والحسين ما بيان أو بدل لاسم ان، أو لخبرها، أو خبر
بعد خبر.
(2) الموازرة: المعاونة والمساعدة والمظاهرة.
396

ائتمنه الله عليه من خلقه ومن غيبه ومن دينه الذي ارتضاه
لنفسه.
ورواها أيضا عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد
ابن جمهور، عن محمد بن إسماعيل بن منصور بن يونس، عن أبي الجارود
عن أبي جعفر عليه السلام.
الحديث السادس، من الباب (64) من الكتاب (4) من أصول الكافي
ص 291، وتقدم قريب منها من طريق آخر، في المختار (9) من الباب
ص 155.
397

- 59 -
ومن وصية له عليه السلام
للحسن والحسين عليهما السلام:
قال أصبغ بن نباته (ره) دعا أمير المؤمنين عليه السلام الحسن والحسين
عليهما السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه الله فقال لهما:
إني مقبوض في ليلتي هذه، ولا حق برسول الله صلى الله
عليه وآله، فاسمعا قولي وعياه، أنت يا حسن وصيي، والقائم
بالأمر بعدي، وأنت يا حسين شريكه في الوصية، فانصت ما
نطق، وكن لأمره تابعا ما بقي، فإذا خرج من الدنيا فأنت
الناطق بعده، والقائم بالأمر.
وعليكما بتقوى الله الذي لا ينجو إلا من أطاعه، ولا
يهلك إلا من عصاه، واعتصما بحبله وهو الكتاب العزيز الذي
لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه تنزيل من حكيم
حميد.
ثم قال للحسن عليه السلام:
إنك ولي الأمر بعدي فإن عفوت عن قاتلي فذاك، وإن
398

قتلت فضربة مكان ضربة، وإياك والمثلة، فإن رسول الله صلى
الله عليه وآله نهى عنها ولو بكلب عقور.
واعلم أن الحسين ولي ا لدم معك، يجري فيه مجراك،
وقد جعل الله تبارك وتعالى له على قاتلي سلطانا، كما جعل لك،
وإن ابن ملجم ضربني ضربة فلم تعمل فثناها فعملت، فإن
عملت فيه ضربتك فذاك، وإن لم تعمل فمر أخاك الحسين
وليضربه أخرى بحق ولايته فإنها ستعمل فيه، فإن الإمامة له
بعدك، وجارية في ولده إلى يوم القيامة.
وإياك أن تقتل بي غير قاتلي، فإن الله عز وجل يقول:
ولا تزر وازرة وزر أخرى. الوصية.
قال أبو جعفر: ان جميع ما في هذه الوصية الشريفة مؤيد بأدلة خارجية
موافقة لما عليه الفرقة الامامية، الا ما فيها من أن ابن ملجم ضربه ضربتين،
ففي مقام القصاص ان لم تعمل فيه ضربة الحسن (ع) فليضربه الحسين (ع)
ضربة ثانية، فإنها توصله إلى نكال الأبد، والخزي المقيم، وهذا المعنى
لم أجده الا في هذه الوصية.
وأيضا الظاهر أن الوصية طويلة ولكني لم أعثر عليها الا في الأنوار
البهية للمحدث القمي وهو (ره) نقلها فيه ص 33، عن الدر النظيم، وكتاب
الدر النظيم لم أظفر به بعد، ولذا اكتفينا على ما في الأنوار البهية.
399

- 60 -
ومن وصية له عليه السلام
المثنى بن الوليد في أصله، عن ميمون بن حمران، عن الإمام الصادق
عليه السلام، قال: ان أمير المؤمنين عليه السلام قال لرجل وهو
يوصيه:
خذ مني خمسا، لا يرجون أحد إلا ربه، ولا يخاف إلا
ذنبه، ولا يستحيي أن يتعلم ما (ما لم خ ل) يعلم، ولا يستحيي
إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، واعلموا أن الصبر من
الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا
رأس له.
الحديث الرابع من الباب (16) من البحار: 1، ص 100، ط
الكمباني.
أقول: ومثله إلى قوله: (بمنزلة الرأس من الجسد) رواه الحميري
في قرب الإسناد ص 72 عن أبي البختري عن الإمام الصادق عنه (ع).
ورواها (قدس سره) أيضا في الباب المتقدم من البحار عن نهاية
ابن الأثير، وبأسانيد عن كتاب العيون، والخصال وصحيفة الرضا.
وأيضا رواها عن قرب الإسناد، ص 72، عن أبي البختري، عن
الإمام الصادق، عن آبائه عليهم السلام ان عليا عليه السلام قال لرجل
وهو يوصيه: خذ مني خمسا، الخ.
400

وذكرها السيد (ره) في المختار (82) من قصار النهج (1).
ورواها جماعة كثيرون غيرهم، وان أمعنت النظر في نهج السعادة،
أذعنت بتواترها عنه (ع).

(1) وقريب منه جدا في الحديث الأول، من الخماسي من كتاب المواعظ
من كنز العمال: 8، ص 229، في الحديث 3623، نقلا عن وكيع في (الغرر)
والدينوري في (حل) ونصر في (الحجة) وابن عبد البر في (العلم) هب كر.
401

- 61 -
ومن وصية له عليه السلام
في حث أصحابه على التمسك بالقرآن
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني نضر الله وجهه، عن علي بن
إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن أبي جميلة قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: كان في وصية أمير المؤمنين عليه السلام (1):
إعلموا أن القرآن هدى الليل والنهار، ونور الليل
المظلم، على ما كان من جهد وفاقة (2)، فإذا حضرت بلية

(1) هذا التعبير له ظهور جلي على أن الوصية الشريفة كانت أكثر وأطول
وهذه قطعة منها.
(2) هدى الليل والنهار، إضافة للمصدر إلى ظرف الزمان. قيل:
يحتمل أن يكون الليل والنهار، كناية عن الحق والباطل، كما قال تعالى:
وهديناه النجدين).
والظاهر أن الليل المظلم كناية عن زمان الشدة والبلاء. فقوله (ع):
(على ما كان) متعلق بالمظلم، أي كونه مظلما بناء على ما كان من جهد،
أي من مشقة وفاقة، فالمعنى ان القرآن في أحوال الشدة والفاقة منور للقلب
ومذهب للهم، لما فيه من المواعظ والنصائح، ولأنه يورث الزهد في الدنيا،
فلا يبالي العامل به بما وقع فيها.
ويحتمل أن يكون المعنى انه نور في ظلم الجهالة والضلالة، وعلى أي
حال كان من أحوال الدنيا، من مشقة وفقر، وغير ذلك، أي ينبغي أن يرضى
بالشدة والفاقة، مع نور الحق والهداية.
ومن في قوله: (من جهد) للبيان، أو التبعيض، والتفريع في قوله:
(فإذا حضرت) بهذا ألصق. وقال ابن ميثم (ره): أراد (ع) بالفاقة:
الحاجة إلى ما ينبغي من الهداية والكمال النفساني.
402

فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، وإذا نزلت نازلة فاجعلوا
أنفسكم دون دينكم. (3)
واعلموا أن الهالك من هلك دينه، (4) والحريب من حرب
دينه، (5)

(3) المراد من البلية ما يمكن دفعه بالمال، والمقصود من النازلة، مالا
يمكن دفعة الا ببذل النفس أو الدين، أو أريد من البلية ينوب الانسان
في أمور دنياه ومن النازلة ما يبتلي به في أمور آخرته، وجهات دينه، وفى
الحديث (12) من الباب (61) من الكتاب 5، من أصول الكافي: ج 2، ص
131، ط طهران معنعنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان في طلب
الدنيا اضرارا بالآخرة، وفى طلب الآخرة اضرار بالدنيا، فأضروا بالدنيا فإنها
أولى بالاضرار.
وقال بزرجمهر: ينبغي للمرء أن يقي ماله بجاهه، وأن يقي جسده
بماله، وان يقي روحه بجسده، وان يقي دينه بروحه الخ.
(4) هلاك الدين، اما بذهابه بالمرة، أو بنقصه بترك الفرائض وارتكاب
الكبائر، أو الأعم، ومن قوله: (واعلموا أن الهالك من هلك دينه) إلى آخر
الوصية، قريب جدا مما ذكره (ع) في كتابه إلى الامام المجتبي (ع).
(5) حرب - (من باب نصر ومنع) حربا - كضربا - الرجل أي سلبه
ماله، وتركه بلا شئ، فالرجل حريب، جمع: حرباء وحربي - كأمراء
وسكرى - وحرب زيد (على بناء المجهول) فهو محروب أي مأخوذ منه
المال ومسلوب عنه، وحريبة الرجل: ماله الذي سلب، أو ماله الذي يعيش به.
403

ألا وإنه لا فقر بعد الجنة، ألا وإنه لا غنى بعد النار، (6)
لا يفك أسيرها، ولا يبرأ ضريرها. (7)
الحديث (2) من الباب (96) من الكتاب (5) (وهو كتاب الايمان
والكفر - من أصول الكافي: ج 2، ص 216، ط الآخوندي بطهران.
وأيضا روى صدرها في الحديث السادس، من الباب الأول، من كتاب
فضل القرآن، من الكافي: ج 2، ص 600 من الطبعة المذكورة.
وقريب منه جدا رواه ابن عساكر في ترجمة عبد القدوس بن حبيب
الشامي من تاريخ دمشق: 34 ص 177، عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
ورواه المجلسي الوجيه في الحديث الثاني، من الباب (23) من القسم
الأول، من المجلد الخامس عشر، من البحار ص 159، ط الكمباني نقلا

(6) أي بعد فعل ما يوجب الجنة لا فقر، وبعد العمل بما يوجب النار
لا غناء.
(7) برئ - (من باب علم) برواءا وبراءا وبراءة من العيب، أو الدين
أي تخلص منه. وبرئ - وبرأ - (من باب علم ومنع) وبرأ - (من باب
نصر) براءا وبراءا وبروءا - كفلسا وقفلا وفلوسا - من المرض، أي شفي وصح.
والضرير: الذاهب البصر، والمريض المهزول، وكل من خالطه ضر، والجمع
أضراء واضرار، والمؤنث ضريرة وجمعه ضراير.
بين (ع) عدم الغنى مع استحقاق النار ببيان شدة عذابها، من حيث إن
أسيرها والمقيد فيها بالسلاسل لا يفك أبدا، ومن حيث إن ضريرها (أي من عمي
عينه فيها، أو من ابتلى فيها بالضر) لا يبرأ، ولا يتخلص من الضر.
ويحتمل أن يراد من (عدم فك أسيرها) الخ عدم فكه في الدنيا من
قيد الشهوات، وعدم سلامة عين قلبه فيها من عمي الكفر والنفاق، والأول أظهر.
404

عن الكافي،
وذيلها ذكره في المختار (127) مما اختار من كلمه (ع) في تحف
العقول ص 150، ط النجف.
ونقلها بأجمعها مرسلة في تنبيه الخواطر، ص 512 من الطبع الناصري.
وحكاها أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار (130) من خطب
النهج، من شرحه: ج 8، ص 250، من غير اسناد إليه (ع) باختلاف ما.
وأيضا نقل صدرها في المحجة البيضاء: ج 2، ص 215، ط 2.
وكذلك رواها في منهاج البراعة.
وقريب منها مع زيادات في الحديث (3548) من كنز العمال: ج 8،
ص 222 نقلا عن جندب البجلي.
وهنا مقاصد
المقصد الأول:
في ذكر قبس من البيانات الواردة عن المعصومين صلوات الله عليهم
حول القرآن وبيان عظمته.
ففي ترجمة المسلم بن الحسين، من تاريخ الشام: 55 ص 728 معنعنا
عن النبي (ص): القرآن غني لا فقر بعده، ولا غنى دونه.
وروي الشيخ الصدوق (ره) في معاني الأخبار كما في الحديث
الثالث، من كتاب القرآن، من البحار: 19، 4، عنه (ص) أنه قال:
من أعطاه الله القرآن فرأى أن أحدا أعطي شيئا أفضل مما أعطي فقد صغر
عظيما، وعظم صغيرا.
وفي الحديث الثاني، من الباب الأول، من كتاب القرآن، من أصول
الكافي: 2، ص 698، معنعنا عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيها الناس انكم في
405

دار هدنة، وأنتم على ظهر سفر، والسير بكم سريع، وقد رأيتم الليل
والنهار، والشمس والقمر يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان
بكل موعود، فأعدوا الجهاد (الجهاز خ ل) لبعد المجاز - فقام إليه
المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله وما دار الهدنة؟ - قال (ص):
دار بلاغ وانقطاع فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم
بالقرآن، فإنه شافع مشفع، وما حل مصدق، (8) من جعله أمامه قاده
إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدل على خير
سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل، وبيان وتحصيل، وهو الفصل، ليس
بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم، وباطنه علم، ظاهره انيق، (9)
وباطنه عميق، له نجوم، وعلى نجومه نجوم، لا تحصى عجائبه ولا تبلى
غرائبه، مصابيح الهدى، ومنار الحكمة ودليل على المغفرة، لمن عرف الصفة
فليجل جال بصره، وليبلغ الصفة نظره، ينج من عطب، ويتخلص من نشب
فان التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور،
فعليكم بحسن التخلص وقلة التربص.
وقريب منه بأسانيد عن تفسير العياشي، كما في الحديث (15) من الباب
الأول، من كتاب القرآن من البحار: ج 19، ص 5.
وفي الحديث الثامن، من الباب معنعنا قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: القرآن هدى من الضلالة، وتبيان من العمى، واستقالة من العثرة،

(8) قال الطريحي (ره): وفى الحديث (من محل به القرآن يوم القيامة
صدق) أي من سعى القران فيه صدق به، يقال: محل (فلان بفلان:
إذا قال عليه قولا يوقعه في مكروه.
(9) يقال: (أنق - أنقا) الشئ: كان أنقا - ككتف - وأنيقا ومونقا
أي حسنا معجبا، والفعل من باب (علم) والمصدر على زنة (فرس).
406

ونور من الظلمة (الضلالة خ ل) وضياء من الاحداث، وعصمة من الهلكة
ورشد من الغواية، وبيان من الفتن، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة، وفيه
كمال دينكم، وما أحد عدل عن القرآن الا إلى النار.
وروى ابن أبي الحديد، في شرح المختار (177) من باب خطب نهج
البلاغة: ج 10، ص 21، عنه (ص) قال: (أصفر البيوت بيت صفر من
كتاب الله).
وفيه عنه (ص): (ان القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد) قيل:
يا رسول الله: وما جلاؤها؟ قال: (قراءة القرآن وذكر الموت).
وفيه عن انس قال: قال لي رسول الله الله صلى الله عليه وسلم: (يا بن
أم سليم لا تغفل عن قراءة القرآن صباحا ومساء، فان القرآن يحيي القلب
الميت، وينهى عن الفحشاء والمنكر)..
وفيه عنه (ص): (أنت تقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست
تقرأه).
وفي عنوان القرآن، من كتاب العلم، من عيون الأخبار، لابن قتيبة:
ج 2 ص 133: روى الحارث الأعور عن علي عليه السلام، عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: (كتاب الله فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم،
وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس الهزل، هو الذي لا تزيغ به الأهواء،
ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد (10)، ولا تنقضي عجائبه،
هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله

(10) وفى العقد الفريد: 1، 209 ط بولاق: (على كثرة الرد) أي
كثرة القراءة والتكرار، أورد الملاحدة عليه، لا يخلقه ولا يبليه، بل هو باق
بطراوته دائما.
407

هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، خذها إليك
يا أعور).
ورواه أيضا في تاريخ دمشق، ترجمة خالد بن يزيد ابن أبي خالد.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في نعت النبي (ص) وطيب أصله وبركة
فرعه وعظمة كتابه وبرهانه - كما في المختار (156 أو 159) من خطب
نهج البلاغة -: بعثه بالنور المضئ، والبرهان الجلي، والمنهاج البادي (11)
والكتاب الهادي، أسرته خير أسرة، وسجرته خير شجرة، أغصانها معتدلة
وثمارها متهدلة، مولده بمكة وهجرته بطيبة، علا بها ذكره، وامتد بها
صوته، أرسله بحجة كافية، وموعظة شافية، ودعوة متلافية، أظهر به
الشرائع المجهولة، وقمع به البدع المدخولة، وبين به الاحكام المفصولة،
فمن يبتغ غير الاسلام دينا تتحقق شقوته، وتنفصم عروته، وتعظم
كبوته، ويكن مآبه إلى الحزن الطويل، والعذاب الوبيل.
وقال (ع) كما في المختار (181) من خطب النهج:
واعلموا ان هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل
والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد الا قام عنه بزيادة
أو نقصان، زيادة في هدى، ونقصان في عمى.
واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لاحد قبل
القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لاوائكم
فان فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق، والغي والضلال، فاسألوا
الله به، وتوجهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به خلقه، انه ما توجه العباد
إلى الله بمثله.

(11) المنهاج البادي) أي الظاهر الذي يتضح لقاصده بأدنى التفات.
408

واعلموا أنه شافع ومشفع، وقائل ومصدق، وانه من شفع له القرآن
يوم القيامة شفع فيه، ومن محل بن القرآن يوم القيامة صدق عليه، فإنه
ينادي مناد يوم القيامة ألا ان كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله، غير
حرثة القرآن، فكونوا من حرثته واتباعه، واستدلوه على ربكم واستنصحوه،
- وساق (ع) الخطبة إلى أن قال -: وان الله سبحانه لم يعظ أحدا بمثل
هذا القرآن، فإنه حبل الله المتين، وسببه الأمين، وفيه ربيع القلب وينابيع
العلم، وما للقلب جلاء غيره، الخ.
وقال (ع) - كما في المختار (178 أو 181) من باب الخطب أيضا -:
فالقرآن آمر زاجر، وصامت ناطق، حجة الله على خلقه، أخذ عليهم
ميثاقه، وارتهن عليه أنفسهم، أتم نوره، وأكمل به دينه، وقبض نبيه
صلى الله عليه وآله، وقد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به،
ولم يترك شيئا رضيه أو كرهه الا وجعل له علما باديا، وآية محكمة تزجر
عنه، أو تدعو إليه، فرضاه فيما بقي واحد، وسخطه فيما بقي واحد، الخ.
وقال (ع) - كما في المختار (131) من الخطب أيضا -:
كتاب الله تبصرون به وتسمعون به، وينطق بعضه ببعض، ويشهد
بعضه على بعض، ولا يختلف في الله، ولا يخالف بصاحبه عن الله، الخ.
وقال (ع) - كما في المختار (154) من الخطب أيضا -:
عليكم بكتاب الله فإنه الحبل المتين، والنور المبين، والشفاء النافع،
والري الناقع، والعصمة للمتمسك، والنجاة للمتعلق، لا يعوج فيقوم،
ولا يزيغ فيستعتب، ولا تخلقه كثرة الرد وولوج السمع، من قال به صدق،
ومن عمل به سبق.
وقال (ع) في نعت النبي (ص) - كما في المختار (153) من
409

الخطب أيضا -:
فجاءهم بتصديق الذي بين يديه، والنور المقتدى به، ذلك القرآن
فاستنطقوه، - ولن ينطق ولكن أخبركم عنه - ألا ان فيه علم ما يأتي،
والحديث عن الماضي ودواء دائكم، ونظم ما بينكم.
وقال (ع) - كما في المختار (193 أو 195) من باب الخطب أيضا -:
ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه، وسراجا لا يخبو توقده،
وبحرا لا يدرك قعره، ومنهاجا لا يضل نهجه، وشعاعا لا يظلم ضوؤه، وفرقانا
لا يخمد برهانه، وتبيانا لا تهدم أركانه، وشفاء لا تخشى أسقامه، وعز الا تهزم
أنصاره، وحقا لا تخذل أعوانه، فهو معدن الايمان وبحبوحته، وينابيع
العلم وبحوره، ورياض العدل وغدران، وأثافي الاسلام وبنيانه،
وأودية الحق وغيطانه، وبحر لا ينزفه المنتزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون
ومناهل لا يغيضها الواردون، ومنازل لا يضل نهجها المسافرون، واعلام
لا يعمى عنها السائرون، واكام لا يجوز عنها (12) القاصدون، جعله الله ريا
لعطش العلماء، وربيعا لقلوب الفقهاء، ومحاج لطريق الصلحاء، ودواء ليس
بعده داء، ونورا ليس معه ظلمة وحبلا وثيقا عروته، ومعقلا منيعا ذروته،

(12) الغدران جمع غدير: النهر. قطعة من الماء يتركها السيل. والأثافي
جمع أثفية وهي الحجر يوضع عليها القدر. أي هو من دعائم الاسلام
الذي قام عليه. والغيطان: جمع غاط أو غوط، وهو المطمئن من الأرض،
أي ان هذا الكتاب منابت طيبة ينبت فيه الحق. ولا ينزفه - من باب ضرب -:
أي لا يفني ماءه ولا يفرغه المغترفون. ولا ينضبها - من باب الافعال -: أي
لا ينقصها. والماتحون جمع ماتح: نازح الماء من الحوض. والمناهل: مواضع
الشرب من النهر. ولا يغيضها - من باب افعل -: لا ينقصها. والآكام: جمع
أكمة، وهو الموضع المرتفع من الأرض عما عداه بحيث لا يبلغ جبلا.
410

وعزا لمن تولاه، وسلما لمن دخله، وهدى لمن ائتم به، وعذرا لمن انتحله،
وبرهانا لمن تكلم به، وشاهدا لمن خاصم به، وفلجا لمن حاج به، وحاملا
لمن حمله، ومطية لمن أعمله، وآية لمن توسم، وجنة لمن استلام، وعلما
لمن وعى، وحديثا لمن روى، وحكما لمن قضى.
وروى ابن أبي الحديد في شرح المختار (177) من خطب نهج البلاغة،
ج 10، ص 21، - وقريب منه أيضا في ترجمة الفرزدق من الأغاني: 19،
9 بل ما فيه أظهر - انه: وفد غالب بن صعصعة في البصرة على علي عليه
السلام، ومعه ابنه الفرزدق، فقال له: من أنت؟ فقال: غالب بن صعصعة
المجاشعي، قال: ذو الإبل الكثير؟ قال: نعم. قال: ما فعلت إبلك؟
قال: أذهبتها النوائب، وذعذعتها الحقوق. قال: ذاك خير سبلها (13).
ثم قال: يا أبا الأخطل، من هذا الغلام معك؟ قال: ابني وهو شاعر.
قال: علمه القرآن فهو خير له من الشعر. فكان ذلك في نفس الفرزدق،
حتى قيد نفسه، وآلى أن لا يحل قيده حتى يحفظ القرآن، فما حله حتى
حفظه، وذلك قوله -:
وما صب رجلي في حديد مجاشع * مع القد الا حاجة لي أريدها
قال ابن أبي الحديد: قلت: تحت قوله عليه السلام (يا أبا الأخطل)
- قبل أن يعلم أن ذلك الغلام ولده وانه شاعر - سر غامض، ويكاد
يكون اخبارا عن غيب، فليلمح.
قال أبو جعفر المحمودي: ولا عجب لان يظهر الله تعالى من اجتباه
للخلافة عن رسوله أن يعلمه ويخبره بالغيب، لأنه (عالم الغيب والشهادة
فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضاه من رسول) (14) فالله تعالى ارتضى

(13) وفى المختار (446) من قصار نهج البلاغة: (ذلك احمد سبلها).
(14) اقتباس من الآية (26) من سورة الجن: 72.
411

محمدا صلى الله عليه وآله للرسالة، وأطلعه على الغيب، ومحمد صلى الله
عليه وآله ارتضى ابن عمه وأبا سبطيه للخلافة والإمامة، فجعله باب علمه،
فالاخبار بالغيب غيض من فيض، وقطرة من بحار علوم أمير المؤمنين (ع)
التي اخذها من رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد ثبت بين الفريقين
موارد كثيرة مما أخبر عليه السلام عن الغيب، ووقع الامر كما أخبر (ع).
وهذا جلي غير محتاج إلى التطويل، لا سيما بملاحظة ما جمعناه في
(اليواقيت المنتشرة) من اخباراته (ع) بالغيب، وقدمنا أيضا في شرح
المختار الخامس من هذا الباب، ص 133، وما بعدها من الجزء الأول
ما يكسر به سورة انكار المرتابين فراجع.
الذي يهمنا لفت أنظار المؤمنين إليه، هو التنبيه على أنه لا شئ عند
الشارع وحملة الشريعة، موازيا للقرآن بالغا ما بلغ، ولذا لم يلتفت الإمام عليه السلام
إلى قول غالب بن صعصعة: (هو ابني شاعر) وأمره (ع)
بأن يعلمه القرآن، إذ القرآن كفيل لسعادة الدنيا والآخرة، وضمين لرقي
حملته في الدارين، فمن لا يعلم القرآن، ولم يسع في اقتباس الأنوار منه
فهو من الأذلين.
فيا شباب العصر كفوا عن صنيعكم من تعلم اللغات، وألسنة الغواة،
ولما علمتم من القرآن شيئا يسيرا، ويا أولياء الامر انتبهوا عن نومتكم قبل
أن تقول نفس: يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله، فأمروا أولادكم قبل
كل شئ بتعلم القرآن، والاخذ بهداه، وبعده لا بأس بتعلم ما هو معدود
من الفضائل، أو ما يعمر به الدنيا، ويرفه به الحال ويفرغ به البال من الألسنة أو الصناعات التي منا أسباب المعيشة في الحياة الدنيا.
أقول ومثل قضية غالب بن صعصعة في الحث على القرآن وعدم الاعتناء
بغيره ما رواه في كتاب صفين ص 142، ط 2 بمصر. وكذلك في كنز العمال:
412

ج 8 ص 220، وأيضا رواه غيرهما من أنه: لما وصل أمير المؤمنين (ع)
- في مسيره إلى سفين - إلى مدينة بهرسير، نظر حر بن سهم إلى آثار
كسري فتمثل بقول ابن يعفر التميمي:
جرت الرياح على مكان تيارهم * فكأنما كانوا على ميعاد
فقال علي (ع): أفلا قلت: (كم تركوا من جنات وعيون، وزروع
ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوما آخرين،
فما بكت عليهم السماء والأرض، وما كانوا منظرين) ان هؤلاء كانوا
وارثين فأصبحوا موروثين ان هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم
بالمعصية، إياكم وكفر النعم، لا تحل بكم النقم.
أقول: الشواهد كثيرة، ومعاذير الناس أعاليل تزيدهم مرضا على مرض
فلنعرض عنه، ونأتي بنموذج من كلم سائر المعصومين (ع) في مدح القرآن.
روى في الحديث الخامس، من الباب الأول، من كتاب القرآن، من
البحار: ج 19، ص 4، ط الكمباني، عن الصدوق (ره) في علل الشرائع
انه قالت الزهراء المرضية صلوات الله عليها - في الخطبة التي خطبتها في
أمر فدك -: لله فيكم عهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم، كتاب الله بينة
بصائرها، وآي منكشفة سرائرها، وبرهان متجلية ظواهره، مديم للبرية
استماعه، وقائد إلى الرضوان اتباعه، ومؤد إلى النجاة أشياعه، فيه تبيان
حجج الله المنيرة، ومحارمه (كذا) المحرمة، الخ.
وفي الحديث الخامس، من الباب الأول، من كتاب القرآن، من أصول
الكافي: ج 2، معنعنا عن الإمام الصادق (ع): قال: ان هذا القرآن
فيه منار الهدى، ومصابيح الدجى، فليجل جال بصره ويفتح للضياء نظره
413

فان التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور.
وفي الحديث الثامن، من الباب الثاني، من الكتاب معنعنا عنه (ع)
قال: من قرأ القرآن فهو غني ولا فقر بعده، والا ما به غنى.
وفي الحديث الأخير، من الفصل العاشر، من كتاب القرآن من البحار:
ج 19، ص 28، نقلا عن أسرار الصلاة، قال قال الإمام الصادق (ع):
لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكنهم لا يبصرون.
وروي في نزهة الناظر: ص 25، ط النجف، عن الامام المجتبى (ع)
أنه قال هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور، فليجل جال بصره
وليلجم الصفة قلبه، فان التفكير حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير
في الظلمات بالنور.
ومثله في البحار: 19 / 9، نقلا عن العدد القوية.
وقريب منه رواه في الكافي، عن الإمام الصادق (ع)
وتقدم أيضا في آخر الحديث الثاني الذي رويناه عن الكافي، عن
رسول الله صلى الله عليه وآله.
وفي الحديث السادس من الباب نقلا عن (عيون أخبار الرضا (ع)
معنعنا قال: ذكر الإمام الرضا (ع)
القرآن يوما فعظم المحجة فيه (كذا)
والآية المعجزة في نظمه فقال: هو حبل الله المتين، وعروته الوثقى، وطريقته
المثلى المؤدي إلى الجنة، والمنجي من النار، لا يخلق من الأزمنة، ولا يغث
على الألسنة، لأنه لم يجعل لزمان دون زمان، بل جعل دليل البرهان، (كذا)
وحجته على كل انسان، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلقه، تنزيل
من حكيم حميد.
أقول: وتقدم في التعليق الثاني وما يليه من شرح القطعة الأولى،
414

من المختار الحادي عشر، من هذا الباب، ص 222 من الجزء الأول ما
ينفع هنا.
وقدر القرآن وعلو مقامه بين المتدينين والمذعنين بالشريعة الربانية،
والملة الحنفية، غير خفي بل يعد من ضروريات الدين، كمودة ذوي القربى
من أهل بيت رسول الله (ص).
ولكن الذي يجب ان يتنبه له الفطن العارف، والمؤمن المصفى عن
الوساوس الشيطانية، والشهوات النفسانية، أن القرآن الكريم، مهما
بلغ من القداسة والفخامة، والكبرياء والجلالة، لا يعدو عن كونه دستورا
قانونيا يتكفل سعادة المكلفين على تقدير عملهم على وفقه، وتطبيق ما يصدر
عنهم على نهجه، وهذا المعنى بنفسه غير كاف لضمان سعادة المجتمع، وكفالة
ايصالهم إلى ما تستدعيه نفوس الجميع، من بلوغ غاية أمنياتهم في الدنيا
والآخرة، وارتقائهم إلى نهاية الكمال، ولبسهم سر بال العظمة والجمال،
وارتدائهم برداء المجد والجلال.
والذي يشهد لما ادعينا جليا، ويكشف عن قولنا كشفا قطعيا لا يخالجه
شئ من الشكوك والشبهات، هو التوجه والالتفات إلى ما عليه الأمة
الاسلامية، من الاختلاف الشديد، والمقت الأكيد، وتكفير بعضهم بعضا،
وإباحة بعضهم حرم الآخرين، ومعاملتهم إياهم كالمعاملة مع الملحدين، مع
أنهم جميعا يقولون: ان الله الواحد القهار، خالق الكون الهنا، ومحمد نبينا
والكعبة قبلتنا، والقرآن كتابنا الذي يجب علينا اتباعه، وتطبيق عملنا
عليه، ونحن خاضعون لحكم القرآن، منقادون لما فيه من الأوامر والنواهي
مقتبسون منه أنوار الحكم والمواهب، إلى غير ذلك مما يدعيه الجميع،
415

والقرآن لا يقر لهم بذاك (15) مع أن فطرة جميع العقلاء تشهد بأن الحق
لا يجتمع مع طرفي النقيضين، والصدق لا يتحقق مع المتضادين، وارشادا
إلى حكم الفطرة قال أمير المؤمنين (ع): ما اختلفت دعوتان الا كانت إحداهما
ضلالة. المختار (183) من قصار النهج.
مع ما اتفقت عليه الأمة الاسلامية، واطباقهم على بكرة أبيهم، وعلى أنه قال
صلى الله عليه وآله وسلم: ستفترق أمتي على ثلاثة وسبعين فرقة،
كلها في النار الا واحدة.
فلو كان القرآن المقدس بنفسه كافيا لصلاح الخلق ورشادهم، لم
يتصور أن يكون المنتمي إلى القرآن في النار، ولو كان الكتاب العزيز
بوحده وافيا لهداية ملأ العقلاء، لكان جميع الأمم معتنقين بدين الاسلام
خاضعين لأحكام القرآن، ولا صبح الملل ملة مسلمة، فما بال المسلمين أقل
الملل وأذلهم ولو كان الكتاب السماوي بانفراده كفيلا لسعادة الارتقاء
إلى أوج الكمالات الدنيوية والأخروية، لكان بعث الرسول لغوا، ولا كتفي
الله جل شأنه بانزال الكتاب فقط، فما باله بعث أربعة وعشرين ومأة ألف نبي
ولما أنزل الله الا مأة وأربعة عشر كتابا، بل الواجب المغني هو انزال كتاب
واحد، فلماذا انزل الكتب كالرسول تترى.

(15) إشارة إلى قول الشاعر:
وكل يدعي وصلا بليلي * وليلي لا تقر لهم بذاكا
إذا انبجس الدموع على خدود تبين من بكى ممن تباكى
416

مع أن من البديهيات ان القوانين المقننة، تحتاج إلى مهيمن عالم عامل على
طبقها، ليجريها علما وعملا، ويتحفظ عليها بعلمه الثاقب، وعمله الصائب
عن شوب الانحراف، والسهو والخطاء والغفلة، والا لا تمكث لمح البصر،
الا ورمته الشياطين بسهم التغيير والتبديل، وتصبح منحرفة عن مجراها،
سائلة إلى أودية الهلاكة، وغدر البوار.
ولأجل ذلك كله - وغيره مما لا يحصى من الشواهد - جعل الشارع
المقدس على كتابة مهيمنا وحافظا، وأناط النجاة من الهلكات بالتمسك بهما،
والايواء إلى ظلهما، واكد هذا الامر مرة بعد أخرى، سفرا وحضرا،
ليلا ونهارا، فقال في الحديث المتواتر عنه (ص) بين المسلمين: (اني تارك
فيكم ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي) وفي ألفاظ عنه (ص)
اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي).
حتى أنه (ص) لغاية شفقته على الأمة، وكمال ولعه على هداية أبناء
البشر، لم يغفل عن هذا الامر الخطير، ولم يقصر عن نصح البرية حتى في
مرض الموت، فقال صلى الله عليه وآله وكرره وهو يعالج الموت: (ايتوني
بدواة وقرطاس لا كتب لكم كتابا لن تضلوا من بعدي) فرماه بعض
المنافقين بالهجر (16)، وساعدت هذا المنافق عدول من الصحابة فلغطوا، لما

(16) كما يحدثنا بذلك المقريزي وغيره، قال في إمتاع الأسماع ص 545
س 15،: واشتد به صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس فقال: (ائتوني
بداوة وصحيفة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا) فتنازعوا فقال بعضهم:
ماله أهجر؟ استعيدوه!. وقالت زينب بنت جحش وصواحبها: أئتوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بحاجته! فقال عمر رضي الله عنه: قد
غلبه الوجع! وعندكم القرآن! حسبنا كتاب الله! من لفلانة وفلانة؟ - يعني
مدائن الروم - ان النبي صلى الله عليه وسلم ليس بميت حتى يفتحها،
ولو مات لانتظرته كما انتظرت بنو إسرائيل موسى. فلما لغطوا عنده قال:
دعوني فما أنا فيه خير مما تسألوني.
417

رأوا انه (ص) مصر على الامر، ومجد في امضائه، قال بعض المساكين:
(حسبنا كتاب الله).
بالله عليكم يا معشر العقلاء، هل يسوغ لعاقل أن يتفوه بهذه الكلمة في
قبال الرسول، والله تعالى يقول: (وما كان المؤمن ولا مؤمنة إذا قضى
الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (17) بحق الانصاف أيها
المنصفون هل يجوز لمتدين أن يتلفظ بهذه اللفظة بعد قول النبي الكريم:
(اكتب لكم كتابا لن تضلوا من بعدي) أكان رسول الله (ص) جاهلا
بمقام القرآن المقدس وهو صادعه، أم كان قوله: هذا صادر عنه (ص)
بلا شعور منه بمعناه، فلو كان الامر كذلك فعلى الشريعة السلام، وعلى
الدعوة إلى الله الختام، وهل يصح لذي مسكة أن ينسب إلى الله أنه
بعث رسولا جاهلا بمصدر سفارته، ومدرك رسالته، أو نبيا تختل مشاعره
بالعوارض الطارية عليه فيهذي في القول، وهل مرجع هذا الا نقض الغرض
من بعث الرسول، وصيرورة الهادي مضلا، والمرشد ملحدا ومعينا للضالين
الداعين إلى عبادة الأصنام؟!!

(17) الآية (36) من سورة الأحزاب: 33. وقال تعالى: (وربك يخلق
ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) الخ الآية (68) من سورة القصص: 28.
وقال تعالى - في الآية السابقة من سورة الحشر: 59 -: (وما آتاكم الرسول
فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا الخ.
وقال تعالى - في الآية الثانية من سورة النهج -: (ما ضل صاحبكم
وما غوى، وما ينطق عن الهوى، ان هو الا وحي يوحى).
418

حاشا لله الحكيم العليم، حاشا لله الرؤوف الرحيم، حاشا لله الخالق
للرحمة والامتنان، والمنعم على الخلق بالجنة والرضوان، والحور والولدان.
وهذا أمر جلي لا يلتبس على أحد من العقلاء، غني عن إقامة الشواهد
وتكثير الأمثلة، والقائل أيضا وإن كان منهمكا في غمرات الجهل، وبحار
الغباوة، ولكن لم تصل غباوته بهذه الدرجة، حتى يشتبه عليه مرمى
الرسول الأكرم، وأكمل سفراء الله إلى الخلق، نعم عرف المقصد من طلب
الدواة والقرطاس، وعلم النتيجة من الكتاب والوصية، ولكن لم تكن كتابة
الكتاب موافقة لغرضه، ولا ملائمة لمنوياته، فاغتنم الفرصة، وحال بين
رسول الله وبين تسجيل الكتاب والوصية، وبالكلمة التي أراد بها الباطل
فصب تراب المذلة على رؤوس المسلمين، وحال بين المحجة البيضاء وبين
العالمين، وسد طريق الشريعة الغراء على السالكين، بكلمته هذا، وحبس
العالمين في سرادق البلية والرزية إلى يوم كشف الغطاء (18).

(18) وحق لحبر الأمة عبد الله بن عباس أن يبكي حتى خضب دمعه
الحصباء، ويقول: (يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتد برسول (ص)
وجعه يوم الخميس فقال: ائتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا،
فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله. قال (ص)
دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه. وأوصى عند موته بثلاث: اخرجوا
المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت
الثالثة.
باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير من صحيح البحاري (11802.
وروى ومسلم في كتاب الوصية من صحيحه، واحمد في مسنده: ج 1،
355، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: (يوم الخميس وما يوم
الخميس) ثم جعلت تسيل دموعه حتى رئيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ،
قال قال رسول الله (ص) ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة اكتب
لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا. فقالوا: ان رسول الله يهجر.
وروى البخاري في كتاب العلم وكتاب المرضى عن ابن مسعود عن ابن
عباس، قال: لما حضر رسول الله (ص) وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب.
قال النبي (ص) هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. فقال عمر بن الخطاب.
قال النبي (ص) هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. فقال عمر: ان النبي غلب
عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت فاختصموا،
منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول:
ما قال عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي، قال لهم: قوموا. قال
ابن مسعود فكان ابن عباس، الخ.
419

وهل يمكن أن يقال إنه ما كان يعرف أن القرآن بلا مفسر لا يكفي،
وهل هذا الا مثل قول من يقول: ان كتاب الطب يكفينا ولا نحتاج إلى
الطبيب، أو من يقول: ان كتاب الهندسة يغنينا عن المهندس، أو ان الدفتر
الحساب والرياضيات يفيد فائدة العالم الرياضي فلا حاجة بنا إليه، مع
وجود قراطيس الحساب والعلم الرياضي، إلى غير ذلك من أنحاء العلوم
والصناعات، فهل سمعت من طفل مميز أن يقول: لا نحتاج إلى الخياط
والنجار، حسبنا الخيط والمخيط والمنسوج والبكرة والابرة.
كفانا القدوم والمنشار والفأس والأخشاب والأعواد؟!!
وهل يصح لسفيه أن يقول: ان البناء مستغني عنه، حسبنا الماء
والتراب وأغصان الأشجار، وقطع الأعواد؟!
والحاصل ان كل فن وصنعة وعلم يحتاج إلى من يفسره ويحل مشكلاته
للجهال، والذين يريدون أن يستفيدوا منه.
فلو فرضنا أن القرآن الكريم لم يكن دستورا أبديا، ولم ينزل لأجل
أن يكون نسخة سر مدية، ما كان مغنيا عن المفسر، وعمن هو عارف
420

بمقاصده، فضلا عما هو الحق المحقق من كونه مرجعا لجميع النسمات إلى
يوم القيامة حتى يرد هو والعترة على رسول الله (ص).
ولو كان القرآن المقدس كله محكما، وكل جملة منه صريحا فيما
قصد منها لم يكن مستغنيا عن المفسر، إذا الكتاب الكافل لأحكام جميع
البشر إلى يوم القيامة مهما كان من الوضوح بمرتبة جلية في حد ذاته
فلا يؤمن من طريان الاجمال عليه، بملاحظة نسبة بعض أحكامه ببعضه
الاخر، وبملاحظة ما ورد عليه من التخصيصات والتقييدات التي ثبتت بقول
الرسول (ص) أو بفعله أو بتقريره قطيعا فكيف وهو مشتمل على متشابهات
كثيرة، قال الله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات
هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فاما الذين في قلبوهم زيغ فيتبعون ما تشابه
منه، ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم
الخ (19). وبعد ذلك كله نقول: لو كان هذا الامر وهذا الادعاء من شخص
متوقد ذكي متعمق في مغزى الكلام ومرماه، واصل إلى غوره وفحواه،
لكانت المسامحة والمداراة معه في هذا الادعاء ممكنا، ولكن هذا القائل
المسكين كان عن ادراك الواضحات والضروريات قاصرا، وبالاعتراف بالجهل
مجاهرا، فلو كان القرآن بوحده كافيا له، لماذا جهل فرض التيمم (20)،
وكان يترك الصلاة إذا أجنب ولم يجد الماء، وأعجب منه انه كان مصرا
على ذلك حتى بعد ما فسرت الآية له، وأعجب منه انه كان يفتي به،
فذكره العمار (ره) ما قاله رسول الله (ص) وما فسر به الآية، فهدد عمارا
وقال له: اتق الله يا عمار!!

(19) الآية (7) من سورة آل عمران: 3.
(20) وهو امر عام البلوى شايع في كل صقع وزمان، ودليله واضح
الدلالة ومبين المراد.
421

وهل يكون كتاب الله حسبه، وهو لا يعرف معناه حتى بعد بيان أفصح
خلق الله، وأعلم البرية بمراد الله، روى المسلم في كتاب الفرائض (من
صحيحه: 2، ص 3، وأحمد في مسنده ج 1، 48، وابن ماجة في سننه:
2، ص 163، والجصاص في أحكام القرآن: 2، ص 106، والبيهقي
في السنن: 6، ص 224، و ج 8، ص 150، والقرطبي في تفسيره: 6.
ص 29) عن معدان ابن أبي طلحة اليعمري قال: ان عمر بن الخطاب خطب
يوم الجمعة فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أبا بكر، فقال: ثم
اني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله (ص)
في شئ ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيه، حتى
طعن بإصبعه في صدري، وقال: يا عمر ألا يكفيك آية الصيف التي في آخر
سورة النساء (21). واني ان أعش (22) أقض فيها بقضاء - بقضية -
يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لم يقرأ القرآن.
وفي لفظ الجصاص: ما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
شئ أكثر مما سألته عن الكلالة.
وروى الطبري في تفسيره: 6، 30، والسيوطي في الدر المنثور: 2، 251
عن مسروق قال: سألت عمر بن الخطاب عن ذي قرابة لي ورث كلالة.

(21) وهي قوله تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، ان امرء
هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، وهو يرثها ان لم يكن لها
ولد، فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وان كانوا اخوة رجالا ونساء
فللذكر مثل حظ الأنثيين، يبين الله لكم ان تضلوا والله بكل شئ عليم)
وسميت بآية الصيف لنزولها في الصيف في حجة الوداع.
(22) قال النووي في شرح الحديث: قوله: وان أعش - إلى اخره -
من كلام عمر لا النبي.
422

فقال: الكلالة الكلالة. وأخذ بلحيته ثم قال: والله لان أعلمها أحب إلي
من أن يكون لي ما على الأرض من شئ، سألت عنها رسول الله صلى الله
عليه وسلم. فقال: ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصيف فأعادها
ثلاث مرات (23).
وأخرج أحمد في المسند: 1، 38، عن عمر قال: سألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم. فقال: عن الكلالة، فقال: تكفيك آية الصيف. فقال:
لان أكون سألت رسول الله عنها أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم.
وأخرج البيهقي في السنن الكبرى: 6، 225، عن عمر بن الخطاب
أنه قال: ثلاث لان يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهن أحب إلي من
حمر النعم: الخلافة والكلالة والربا.
وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده: 1، 12.
وأخرج الطبري في تفسيره: 6، عن عمر أنه قال: لان أكون أعلم
الكلالة أحب إلي من أن يكون لي مثل قصور الشام (24)
كنز العمال: 6، 20.
وأخرج ابن راهويه وابن مردويه عن عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تورث الكلالة.
فأنزل الله: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) الآية، فكأن

(23) وأكثر هذه الأخبار وما يأتي، ذكرها بأسانيدها ابن جرير الطبري في
تفسير الآية الخامسة عشرة، والآية الأخيرة من سورة النساء من تفسيره: ج 4
ص 177، وفى ج 6 ص 25 وتواليها، باختلاف طفيف في الألفاظ.
(24) كذا في الغدير: 6 نقلا عن كنز العمال، وفى تفسير الآية الأخيرة من
سورة النساء من تفسير الطبري: ج 6 ص 26: لان أكون اعلم الكلالة أحب
إلي من أن يكون لي مثل حوبة قصور الروم.
423

عمر لم يفهم، فقال لحفصة: إذا رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم
طيب نفس فسليه عنها، فلما رأت منه طيب نفس فسألته، فقال: أبوك ذكر
لك هذا؟ ما أرى أباك يعلمها! فكان عمر يقول: ما أراني اعلمها وقد
قال رسول الله ما قال (25). قال السيوطي في جمع الجوامع - كما في
ترتيبه الكنز -: هو صحيح.
وأخرج ابن مردويه عن طاوس: ان عمر امر حفصة ان تسأل النبي
صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فأملأها عليها في كتف فقال: من أمرك بهذا
أعمر؟
ما أراه يقيمها وما تكفيه آية الصيف! تفسير ابن كثير: 1، 594.
وعن مرة ابن شرحبيل قال: قال عمر بن الخطاب: ثلاث لان يكون
رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهن أحب إلي من الدنيا وما فيها: الكلالة
والربا والخلافة (26).
وأخرج ابن جرير الطبري في تفسيره في رواية: لما كان في خلافة
عمر، نظر عمر في الكلالة فدعا حذيفة فسأله عنها، فقال حذيفة: لقد
لقانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيتكها كما لقاني رسول الله صلى
الله عليه وسلم، والله اني لصادق، ووالله لا أزيدك على ذلك شيئا أبدا.
وكان عمر يقول: اللهم ان كنت بينتها له، فإنها لم تبين لي. تفسير ابن

(25) أحكام القرآن للجصاص: 2، 105. تفسير ابن كثير: 1، 594.
الدر المنثور: 2، 249. كنز العمال: 6، 2.
(26) سنن ابن ماجة: 2، 164، تفسير ابن جرير: 6، 30. أحكام
القرآن للجصاص: 2، 105. المستدرك: 2، 304، وصححه.
تفسير القرطبي: 6، 29. تفسير ابن كثير: 1، 595. تفسير السيوطي:
2، 250. وجل ما هنا مأخوذ من كتاب الغدير للعلامة الأميني مد ظله،
والفصول المهمة لشرف الدين (ره).
424

كثير: 1، 594.
وروى القرطبي في تفسيره: 6، 29، وابن كثير أيضا في تفسيره: 1
594، عن حذيفة في حديث قال: نزلت (يستفتونك قل الله يفتيكم في
الكلالة) فلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة، فلقاها حذيفة
عمر، فلما كان بعد ذلك سل عمر عنها حذيفة، فقال * *: والله انك لأحمق،
ان كنت ظننت أنه لقانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيتكها كما
لقانيها رسول الله، والله لا أريدك عليها شيئا ابدا.
وأخرج البيهقي في السنن الكبرى: 6، 255، بعدة طرق، وأيضا
أخرج الدارمي في سننه: 1، 154، مختصرا، واخرج أيضا أبو عمر في العلم
139، عن مسعود الثقفي قال: شهدت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشرك
الاخوة من الأب والام مع الاخوة من الام في الثلث، فقال له رجل: قضيت
في هذا عام أول بغير هذا. قال: كيف قضيت؟ قال: جعلته للاخوة من الام
ولم تجعل للاخوة من الأب والام شيئا. قال: تلك على ما قضينا، وهذا
على ما قضينا. وفي لفظ: تلك على ما قضينا يومئذ وهذه على ما قضينا اليوم!
أقول: قال الفيروزآبادي في مادة شرك من القاموس: والفريضة المشركة
- كمعظمة - (ويقال: المشتركة): زوج وأم واخوان لام واخوان لأب
وأم، حكم فيها عمر فجعل الثلث للأخوين لام ولم يجعل للاخوة من الأب
والام شيئا، فقالوا له: يا أمير المؤمنين هب ان أبانا كان حمارا فأشركنا
بقرابة أمنا. فأشرك بينهم فسميت مشركة ومشتركة وحمارية.
فيا ويلاه للمسلمين إذا كان أمثال هؤلاء أئمتهم.
ويا غوثاه للدين إذا كانت هذه الطبقة قدوته.
ويا حزناه للقرآن إذا عد هؤلاء من مبيني أحكامه، ومفسري آياته،
وعهد الرسول لم يطل، ووصيه لم يزل، والشبهة لم تحدث، وتضارب
425

الآراء الموجب لخفاء الحق لم يتحقق، والوساس والشبهات حول الجهات
الدينية لم تتجدد.
أليست العقول حاكمة بوجوب رجوع كل جاهل إلى العالم.
أليست الفطرة قاضية بلزوم مراجعة أهل العلم.
أليس الوجدان دافعا إلى تفويض كل شئ إلى أهله.
أليس القرآن ناطقا بقوله: (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون).
أليس الخليفة قائلا - في قضايا زل فيها فارشده الامام أمير المؤمنين (ع)
إلى الحق - لولا علي لهلك عمر.
أليس من قوله: اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب.
أليس من قوله: لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن.
أليس من قوله: اللهم لا تنزل بي شدة الا وأبو حسن إلى جنبي.
أليس من قوله: اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب.
أليس هو القائل: أعوذ بالله من معضلة لا علي بها.
أليس هو القائل: عجزت النساء ان يلدن مثل علي بن أبي طالب. لولا
علي لهلك عمر.
أليس هو القائل: ردوا قول عمر إلى علي، لولا علي لهلك عمر.
أما كان من قوله: لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب.
أما كان من قوله: يا أبا الحسن أنت لكل معضلة وشدة تدعى.
أما كان من قوله: هل طفحت حرة بمثله وأبرعته.
أما كان من قوله: هيهات هناك شجنة من بني هاشم، وشجنة من
الرسول، وأثرة من علم، يؤتى لها ولا يأتي، في بيته يؤتى الحكم.
اما كان من قوله: أبا حسن لا أبقاني الله لشدة لست لها، ولا في بلد
426

لست فيه.
أما كان من قوله: يا بن أبي طالب فما زلت كاشف كل شبهة، وموضح
كل حكم.
اما كان من قوله: لولاك لافتضحنا.
اما كان من قوله: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن.
اما كان من قوله (مشيرا إلى علي (ع)): هذا أعلم بنبينا وبكتاب
نبينا؟؟؟.
هذا قليل من كثير، مما صدر من الخليفة من الاعتراف بالحق، فما
باله لم يأخذ بقول وارث علم النبي (ص) ومدينة علمه كي لا يفتضح عند
الخالق والخلائق، وان راجعت إلى نوادر الأثر في علم عمر من كتاب
(الغدير) السادس منه، لعلمت ان هذا قطرة من أبحر معلومات الخليفة،
فلو لم يستروها لكان الناس أجمعون من المغرقين!!
المقصد الثاني
في ترجمة رواة الوصية الشريفة
وحيث تقدم خلاصة الكلام في ترجمة علي بن إبراهيم (ره) في شرح
المختار الأول، من هذا الباب ص 22 فالكلام الان في ترجمة محمد بن عيسى
ابن عبيد بن يقطين بن موسى. فنقول:
هذا الرجل مختلف فيه، والكلام في ترجمته طويل، وحيث لم نجد
مساعدا لنا في مشروعنا هذا وبلدحتنا ديون الناس، تقتصر هنا على المختار،
فنقول:
قال المحقق النجاشي (ره) تحت الرقم (880) من كتاب فهرست مصنفي.
427

الشيعة، ص 256، ط طهران: محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين بن موسى
مولى أسد بن خزيمة أبو جعفر، جليل في أصحابنا ثقة عين، كثير الرواية،
حسن التصانيف، روى عن أبي جعفر الثاني عليه السلام مكاتبة ومشافهة،
ذكر أبو جعفر ابن بابويه عن ابن الوليد، أنه قال: ما تفرد به محمد
بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا نعتمد عليه.
ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول (27) ويقولون: من مثل أبي جعفر
محمد بن عيسى سكن بغداد (28). قال أبو عمرو الكشي: نصر بن صباح
يقول: ان محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين أصغر في السن ان يروي عن
ابن محبوب (29). قال أبو عمرو: وقال القتيبي: كان الفضل بن شاذان
رحمه الله يحب العبيدي ويثني عليه ويمدحه ويميل إليه، ويقول: ليس في أقرانه
مثله. وبحسبك هذا الثناء من الفضل رحمه الله. وذكر محمد بن جعفر
الرزاز: انه سكن سوق العطش.
له من الكتب: كتاب الإمامة. كتاب الواضح المكشوف في الرد على

(27) المستفاد من هذا ان الأصحاب أجمعوا على خلاف قول أبي جعفر،
أو ابن الوليد (ره).
(28) أي ما سكن بغدد مثل محمد بن عبيد، جلالة وفخامة.
(29) وفى اختيار رجال الكشي المطبوع، تحت الرقم (415) ص 450،
ط النجف: قال نصر بن الصباح: ان محمد بن عيسى بن عبيد، من صغار من
يروي عن ابن محبوب في السن. ثم قال الكشي - بعد ذكره ما نقله عن القتيبي
ورواه عنه النجاشي من ثناء الفضل على العبيدي -: جعفر بن معروف
قال: صرت إلى محمد بن عيسى لأكتب عنه، فرأيته يتعيش بالسواد، فخرجت
من عنده ولم أعد عليه، ثم اشتدت ندامتي لما تركت من الاستكثار منه لما
رجعت وعلمت اني قد غلطت.
428

أهل الوقوف. كتاب المعرفة. كتاب بعد الاسناد. كتاب قرب الإسناد.
كتابا الوصايا، كتاب اللؤلؤ. كتاب المسائل المحرمة. كتاب الضياء.
كتاب الظرائف (كذا). كتاب التوقيعات. كتاب التجمل والمروءة. كتاب
الفئ والخمس. كتاب الرجال. كتاب الزكاة. كتاب ثواب الأعمال.
كتاب النوادر.
أخبرنا أبو عبد الله ابن شاذان قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى
عن الحميري قال: حدثنا محمد بن عيسى بكتبه ورواياته. وعن أحمد بن
محمد، عن سعد، عنه بالمسائل.
المقصد الثالث
في ترجمة يونس بن عبد الرحمان رحمه الله
وهذا الرجل جليل القدر، رفيع المنزلة، علي المرتبة، منيع الساحة،
وترجمته طويلة جدا، وحيث انا لم نجد سبيلا لنشر المطولات من التراجم
فلنقتصر الكلام فنقول:
قال المحقق النجاشي (ره) تحت الرقم (1189) من فهرست مصنفي
الشيعة، ص 348، ط طهران:
يونس بن عبد الرحمن مولى علي بن يقطين بن موسى مولى بني أسد
أبو محمد، كان وجها في أصحابنا متقدما عظيم المنزلة، ولد في أيام هشام
ابن عبد الملك، ورأي (الامام) جعفر بن محمد (ع) بين الصفا والمروة
ولم يرو عنه (30)، وروى عن أبي الحسن موسى والرضا (ع) وكان
الرضا (ع) يشير إليه في العلم والفتيا، وكان ممن بذل له على الوقف مال
جزيل، وامتنع من أخذه وثبت على الحق، وقد ورد في يونس بن عبد

(30) لعدم تمكنه من التشرف بخدمة الإمام عليه السلام.
429

الرحمان مدح وذم، قال أبو عمرو الكشي فيما اخبرني به غير واحد من
أصحابنا عن جعفر بن محمد عنه، حدثني علي بن محمد بن قتيبة، قال:
حدثني الفضل بن شاذان، قال حدثني عبد العزيز بن المهتدي، وكان خير
قمي رأيته، وكان وكيل الرضا عليه السلام وخاصته فقال: اني سألته
فقلت اني لا أقدر على لقائك في كل وقت فعمن آخذ معالم ديني؟ فقال:
خذ عن يونس بن عبد الرحمان. وهذه منزلة عظيمة، ومثله رواه الكشي
عن الحسن بن علي بن يقطين سواء. وقال شيخنا أبو عبد الله محمد بن
محمد بن النعمان في كتابه مصابيح النور: اخبرني الشيخ الصدوق أبو
القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين
ابن بابويه قال: حدثنا عبد الله جعفر الحميري، قال قال لنا أبو هاشم
داود بن القاسم الجعفري رحمه الله: عرضت على أبي (ظ) محمد صاحب
العسكر عليه السلام كتاب يوم وليلة ليونس، فقال لي: تصنيف من هذا؟
فقلت: تصنيف يونس آل يقطين. فقال: أعطاه الله بكل حرف نورا
يوم القيامة.
ومدائح يونس كثيرة ليس هذا موضعها، وإنما ذكرنا هذا حتى لا نخليه
من بعض حقوقه رحمه الله.
وكانت له تصانيف كثيرة منها: كتاب السهو. كتاب الأدب والدلالة
على الخير. كتاب الزكاة. كتاب جوامع الآثار. كتاب الشرائع. كتاب
الصلاة. كتاب العلل الكبير. كتاب اختلاف الحج. كتاب الاحتجاج في
الطلاق. كتاب علل الحديث. كتاب الفرائض. كتاب الفرائض الصغير،
كتاب الجامع الكبير في الفقه. كتاب التجارات. كتاب تفسير القرآن.
كتاب الحدود. كتاب الآداب. كتاب المثالب. كتاب علل النكاح وتحليل
المتعة. كتاب البداء. كتاب نوادر البيوع. كتاب الرد على الغلاة. كتاب
ثواب الحج. كتاب النكاح. كتاب المتعة. كتاب الطلاق. كتاب المكاسب
430

كتاب الوضوء. كتاب البيوع والمزارعات. كتاب يوم وليلة. كتاب اللؤلؤ
في الزهد. كتاب الإمامة. كتاب فضل القرآن.
أخبرنا محمد بن علي أبو عبد الله ابن شاذان القزويني قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا محمد
ابن عيسى قال حدثنا يونس بجميع كتبه.
المقصد الرابع
في ترجمة أبي جميلة: مفضل بن صالح الأسدي النخاس
قال الشيخ رحمه الله تحت الرقم (565) من حرف الميم، من أصحاب
الإمام الصادق (ع)، من رجاله ص 315، ط النجف: مفضل بن صالح
أبو علي مولى بني أسد يكنى أبا جميلة أيضا، مات في حياة (الامام)
الرضا عليه السلام.
وقال (ره) في باب الواحد، تحت الرقم (764) من فهرست مصنفي
الشيعة ص 199، ط النجف: مفضل بن صالح يكنى أبا جميلة، له كتاب،
وكان نخاسا يبيع الرقيق، ويقال، انه كان حدادا، أخبرنا به جماعة عن أبي
المفضل، عن ابن بطة، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي
ابن فضال، عنه.
أقول: وهذا الرجل ممن ضعفوه، ولكن المحقق الوحيد البهبهاني
(ره) تصدق لتبرأته من الضعف، وبما أن تضعيفه أو توثيقه غير ناتج ثمرة
لما نحن فيه، والوقت ضيق، وتحمل طبع المطولات ثقيل، أعرضنا عما
قيل في المقام، وإنما قلنا إن توثيقه أو تضعيفه غير منتج في المقام، لأن هذه
الوصية الشريفة محفوفة بقرائن كثيرة على كونها موافقة لما في نفس
الامر والواقع، ومضمونها مما يشهد بصدقه الكتاب والنصوص المتواترة،
بل ادعاء حكم العق لعلى صدق مضمونه ليس بالبعيد.
431

ومن عهد له عليه السلام
إلى بعض عماله وقد بعثه على الصدقة
آمره بتقوى الله في سرائر أمره وخفيات عمله، حيث لا
شاهد غيره، ولا وكيل دونه.
وآمره أن لا يعمل بشئ من طاعة الله فيما ظهر، فيخالف
إلى غيره فيما أسر ومن لم يختلف سره وعلانيته، وفعله ومقالته
فقد أدى الأمانة، وأخلص العبادة.
وآمره أن لا يجبههم ولا يعضههم (1) ولا يرغب عنهم تفضلا
بالإمارة عليهم، فإنهم الإخوان في الدين، والأعوان على
استخراج الحقوق.
وإن لك في هذه الصدقة نصيبا مفروضا، وحقا معلوما،
وشركاء أهل مسكنة، وضعفاء ذوي فاقة، وإنا موفوك حقك

(1) يقال: (جبه - جبها) الرجل: ضربه على جبهته. فاجاه. رده
عن حاجته. وجبهه بالمكروه: استقبله به. وبابه منع. ويقال: عضهه
عضها وعضها وعضهة وعضيهة، وهو من باب منع، ومصدره على زنة
فلس وفرس وعصمة وعظيمة - كذب. نم. وشتم شتما صريحا. ورمى
بالزور والبهتان. ويقال (عضه عضها - من باب علم، والمصدر كالفرس -
وأعضه اعضاها): جاء بالإفك والبهتان.
432

فوفهم حقوقهم، وإلا فإنك من أكثر الناس خصوما يوم
القيامة، وبؤسا لمن خصمه عند الله الفقراء والمساكين
والسائلون والمدفوعون والغارم وابن السبيل، ومن استهان
بالأمانة، ورتع في الخيانة، ولم ينزه نفسه ودينه عنها فقد
أحل بنفسه في الدنيا الذل والخزي، وهو في الآخرة أذل
وأخزى، وإن أعظم الخيانة خيانة الأمة (2) وأفظع الغش
غش الأئمة، والسلام.
المختار (28) من الباب الثاني، من نهج البلاغة، وتقدم في المختار (19)
ص 71 ما يقربه.

(2) وقريب من هذا الذيل تقدم في باب الكتب في كتابه (ع) إلى مصقلة
433

- 63 -
ومن وصية له عليه السلام
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني الرازي قدس الله روحه، عن
أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، ومحمد بن إسماعيل، عن
الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمان بن الحجاج
قال: بعث إلي أبو الحسن موسى (الإمام الكاظم) (1) عليه السلام بوصية
أمير المؤمنين عليه السلام، وهي هذه:
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به وقضى به
في ماله عبد الله علي (2) ابتغاء وجه الله، ليولجني به
الجنة (3) ويصرفني به عن النار، ويصرف النار عني يوم
تبيض وجوه وتسود وجوه
إن ما كان لي من مال بينبع (4) يعرف لي فيها وما

(1) بين القوسين زيد توضيحا، وليعلم ان للوصية اسنادا جمة ومصادر
وثيقة قويمة يأتي بيانها إن شاء الله تعالى.
(2) وفى التهذيب: هذا ما أوصى به وقضى في ماله علي عبد الله الخ.
(3) وفى النهج: (هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب (أمير المؤمنين)
في ماله ابتغاء وجه الله ليولجه به الجنة، ويعطيه به الامنة).
وهو أظهر، ويولجه أي يدخله، والامنة - محركا -: الامن.
(4) وفى التهذيب: (ان ما كان من مال ينبع من مال يعرف لي فيها) الخ.
وينبع - على وزن ينصر - علم لقرية كبيرة بها حصن، على سبع مراحل
من المدينة المنورة، قال الطريحي (ره). نقل انه لما قسم رسول الله صلى الله
عليه وآله الفئ أصاب عليا عليه السلام أرضا، فاحتفر منها عينا فخرج ماء
ينبع في السماء كهيئة عنق البعير، فسماها عين ينبع.
أقول: وفى الحديث (9) من الباب (35) من كتاب الوصايا، من الكافي
معنعنا عن أيوب بن عطية الحذاء قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
قسم نبي الله صلى الله عليه وآله الفئ، فأصاب عليا عليه السلام أرضا،
فاحتفر فيها عينا، فخرج ماء ينبع في السماء كهيئة عنق البعير، فسماها ينبع
فجاء البشير يبشر، فقال عليه السلام: بشر الوارث، هي صدقة بتة بتلا،
في حجيج بيت الله، وعابري سبيل الله، لاتباع ولا توهب ولا تورث، فمن
باعها أو وهبها، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله صرفا
منه ولا عدلا.
ورواه أيضا في الحديث (56) من الباب الأول، من كتاب الوقوف، من
التهذيب: 9، ص 148، عن الحسين بن سعيد معنعنا، وبهذا المعنى وردت
أخبار كثيرة يأتي بعضها إن شاء الله تعالى.
434

حولها صدقة ورقيقها
غير أن رباحا وأبا نيزر وجبيرا عتقاء، ليس لأحد
عليهم سبيل، فهم موالي (5)، يعملون في المال خمس

(5) وفى التهذيب: (غير أبي رباح وأبي نيزر وجبير عتقاء (كذا) ليس لأحد
عليهم سبيل، فهم موال) الخ. وفى الحديث (1151) من دعائم الاسلام:
2، ص 304، انه (ع) أعتق أبا نيزر وجبيرا ورباحا وزريقا، على أن يعملوا
في ضيعة حبسها أربع سنين، ثم هم أحرار، فعملوا ثم عتقوا. أقول:
كانت النسخة سقيمة في ضبط الأسامي فصححناها على وفق الكافي والتهذيب.
435

حجج، وفيه نفقتهم ورزقهم وأرزاق أهاليهم (6) ومع
ذلك ما كان لي بوادي القرى كله من مال لبني فاطمة (7).
ورقيقها صدقة، وما كان لي بديمة وأهلها صدقة غير أن
زريقا له مثل ما كتبت لأصحابه (8)، وما كان لي بأذينة
وأهلها صدقة (9)، والفقيرين كما قد علمتم صدقة في
سبيل الله، وإن الذي كنبت من أموالي هذه صدقة واجبة

(6) وفى التهذيب: (ورزق أهاليهم) الخ.
(7) وفى التهذيب: (ومع ذلك ما كان لي بوادي القرى كله مال بني
فاطمة) الخ.
قال في معجم البلدان 7، 73، في مادة (القرى): وادي
القرى واد بين الشام والمدينة، وهو بين تيما وخيبر، فيه قرى كثيرة وبها
سمي وادي القرى. ثم نقل في وجه التسمية قولين آخرين فراجع.
(8) وفى التهذيب: (وما كان لي بدعة وأهلها صدقة، غير أن رقيقها لهم
مثل ما كتب لأصحابهم) الخ. أقول: لم أجد (دعة أو ديمة) في ما عندي
من الكتب محفوظتي الوزن والمعنى.
(9) كذا في الكافي والتهذيب، ولم اطلع عل ضبطه وذكره، نعم ذكر
الحافظ ابن شهرآشوب انه (ع) وقف ارينة - إلى آخر ما يأتي - قال في
باب الهمزة والراء من معجم البلدان: 1، 212: أرينة بالضم ثم الفتح وياء
ساكنة ونون وهاء، من نواحي المدينة، قال كثير:
وذكرت عزة إذ تصاقب دارها * برحيب فأرينه فنخال
(10) قال في معجم البلدان في مادة (الفقير) ج 6 ص 389، أن رسول
الله (ص) اقطع عليا (ع) أربع أرضين: الفقيرين وبئر قيس والشجرة الخ.
436

بتلة، (11) حيا أنا أو ميتا، ينفق في كل نفقة يبتغى
بها (12) وجه الله، في سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من
بني هاشم وبني المطلب، والقريب والبعيد.
فإنه يقوم على ذلك (13) الحسن بن علي، يأكل
منه بالمعروف، وينفقه حيث يراه الله (14) عز وجل في حل
محلل لا حرج عليه فيه، فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال
فيقضي به الدين فليفعل إن شاء، ولا حرج عليه فيه (15)،

(11) أي مقطوعة عني ثابتة في الصدقات، يقال: (من باب ضرب
ونصر) بتلا وبتلة - على زنة قتلا وقتلة - الشئ: أبانه وقطعه عن غيره
فانبتل هو أي انقطع، وهو مثل بت بتا وبتة، لفظا ومعنى، ومصدرا
ومضارعا ومضيا، ولذا يؤتى بكل واحد تأكيدا للاخر ويقال: هذه صدقة
بتة بتلة، أي مقطوعة عن صاحبها، لا رجعة له فيها البتة، ويقال: عطاء بتل
أي منقطع لا يشبهه عطاء، أو لا يعطى بعده عطاء.
(12) وفى التهذيب: (أبتغي بها وجه الله) الخ.
(13) وفى التهذيب: (وانه يقوم على ذلك الحسن بن علي) الخ.
وهو أظهر، وأظهر منه ما في النهج: (وانه يقوم بذلك الحسن بن علي، يأكل
منه بالمعروف، وينفق في المعروف، فان حدث بحسن حدث وحسين حي
قام بالامر بعده وأصدره مصدره).
(14) وفى التهذيب: (وينفقه حيث يريد الله) الخ.
(15) وفى التهذيب: (لا حرج عليه فيه) الخ.
437

وإن شاء جعله سري الملك (16).
وإن ولد علي ومواليهم وأموالهم إلى الحسن بن علي
وإن كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة،
فبدا له أن يبيعها فليبع إن شاء لا حرج عليه فيه (17)،
وإن باع فإنه يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث، فيجعل ثلثا في
سبيل الله، وثلثا في بني هاشم وبني المطلب ويجعل
الثلث في آل أبي طالب، وإنه يضعه فيهم حيث
يراه الله (18).
وإن حدث بحسن حدث وحسين حي، (19) فإنه

(16) قال المجلسي (ره) في شرح الوصية الشريفة: (السري: النفيس
أي يتخذه لنفسه) الخ. وفى التهذيب: (وان شاء جعله شراء الملك) الخ.
(17) وفى التهذيب: (وإن كان دار الحسن غير دار الصدقة، فبدا له
ان يبيعها فليبعها. ان شاء لا حرج عليه) الخ.
(18) وفى التهذيب: (وان باع فإنه يقسمها ثلاثة أثلاث، فيجعل ثلثا
في سبيل الله، ويجعل ثلثا في بني هاشم وبني المطلب، ويجعل الثلث في آل
أبي طالب، وانه يضعهم حيث يريد الله) الخ.
(19) المراد من الحدث - محركا -: الارتحال من الدنيا إلى الآخرة،
اي فان مات الحسن أو استشهد في حال حياة الحسين، فالامر إلى الحسين
الخ. وفى التهذيب: (وان حدث بحسن بن علي حدث وحسين
حي، فإنه إلى حسين بن علي) الخ. وفى النهج: (فان حدث بحسن حدث
وحسين حي، قام بالامر بعده، واصدره مصدره).
438

إلى الحسين بن علي، وإن حسينا يفعل فيه مثل الذي
أمرت به حسنا، له مثل الذي كتبت للحسن، وعليه
مثل الذي على الحسن، وإن لبني فاطمة من صدقة
علي، مثل الذي لبني علي (20).
وإني إنما جعلت الذي جعلت لابني فاطمة، ابتغاء
وجه الله عز وجل، وتكريم حرمة رسول الله صلى الله
عليه وآله، وتعظيمهما وتشريفهما ورضاهما (21).
وإن حدث بحسن وحسين حدث (22)، فإن
الآخر منهما ينظر في بني علي، فإن وجد فيهم من
يرضى بهداه وإسلامه وأمانته، فإنه يجعله إليه إن شاء،

(20) ومثله في النهج، وفى التهذيب: (وان الذي لبني فاطمة من صدقة
علي، مثل الذي جعلت لبني علي) الخ.
(21) وفى النهج: (واني إنما جعلت القيام بذلك، إلى ابني فاطمة،
ابتغاء وجه الله، وقربة إلى رسول الله وتكريما لحرمته، تشريفا لوصلته) الخ.
وفى التهذيب: (ابتغاء وجه الله، وتكريم حرمة رسول الله صلى الله
عليه وآله، وتعظيمها وتشريفها ورضاها بهما) الخ.
(22) كذا في ما عندي من نسخة الكافي والتهذيب، وكان لفظة (و)
بمعنى أو، أو ان المضاف محذوف.
439

وإن لم ير فيهم بعض الذي يريده فإنه (23) يجعله
إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به، فإن وجد آل
أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذوو آرائهم، فإنه يجعله
إلى رجل يرضاه من بني هاشم.
وإنه يشترط على الذي يجعله إليه، ان يترك المال
على أصوله، وينفق ثمره حيث امرته به من سبيل الله
ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب والقريب
والبعيد، لا يباع منه شئ ولا يوهب ولا يورث.
وإن مال محمد بن علي على ناحيته، وهو إلى
ابني فاطمة. وإن رقيقي الذين في صحيفة صغيرة التي
كتبت لي عتقاء (24).

(23) كذا في نسخة الكافي، وفى التهذيب: (فان حدث بحسن وحسين
حدث، فان الاخر منهما ينظر في بني علي، فان وجد فيهم من يرضى بهديه
واسلامه وأمانته، فإنه يجعله إليه ان شاء، وان لم ير فيهم بعض الذي
يريد، فإنه في بني ابني فاطمة (كذا)، فان وجد فيهم من يرضى بهديه
واسلامه وأمانته، فإنه يجعله إليه ان شاء، وان لم ير فيهم بعض الذي
يريد، فإنه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به) الخ.
(24) الرقيق: المملوك للواحد والجمع، يقال: عبد رقيق، وعبيد رقيق
وقد يجمع على أرقاء، ويقال للأنثى: رقيق ورقيقة، قال في المجمع والمصباح:
والرقيق يطلق على الذكر والأنثى، والجمع أرقاء - مثل شحيح واشحاء -
وقد يطلق على الجمع أيضا، فيقال: عبيد رقيق وليس في الرقيق صدقة
اي في عبيد الخدمة. وقال في اللسان: قال اللحياتي: أمة رقيق ورقيقة
من إماء رقائق فقط. وقيل الرقيق اسم للجمع.
440

هذا ما قضى به علي بن أبي طالب في أمواله هذه
الغد من يوم قدم مسكن (25)، ابتغاء وجه الله والدار
الآخرة، والله المستعان على كل حال، ولا يحل لامرء
مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، ان يقول في شئ قضيته من مالي (26) ولا يخالف فيه امرى من
قريب أو بعيد.
قال أبو جعفر: هذه الوصية مع التاليتين رواها في ا لحديث السابع،
من الباب (35) من كتاب الوصايا، من الكافي: ج 7، ص 49، بالسند
المتقدم.
ورواها أيضا في الحديث الأول، من الباب الرابع، من كتاب العتق،

(25) يقال: قدم زيد المدينة قدوما ومقدما وقدمانا: اتاها. وقدم من سفره: عاد. وقدم إلى الامر: قصد له. والفعل من باب علم، والمصدر
على زنة فلوس ومركب وادمان.
(26) وفى التهذيب: (ولا يحل لامر مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر ان
يغير شيئا مما أوصيت به في مالي ولا يخالف) الخ.
441

من الكافي: ج 6، ص 179، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه - أو قال:
محمد بن يحيى - عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن عبد الرحمان
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: أوصى أمير المؤمنين عليه السلام فقال:
ان أبا نيزر، ورباحا وجبيرا عتقوا على أن يعملوا في المال خمس سنين.
أقولا: النبيه لا يستريب في كون هذه القطعة قبسا من ذلك النور،
وإنما اقتصروا عليها لكونها الشاهد للغرض الذي عنونوا له الباب، كما
لا يخفى على من له أنس بصنيع العلماء.
ورواها أيضا مع التالي شيخ الطائفة (ره) في الحديث (55) من الباب
الأول، من كتاب الوقوف والصدقات، من التهذيب: 9، ص 146 ط 2،
عن الشيخ المفيد، وعن الحسين بن عبيد الله الغضائري، وعن أحمد بن
عبدون كلهم، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه محمد
بن الحسن بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن
سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: بعث
إلي أبو إبراهيم عليه السلام: هذا ما أوصى به وقضى في ماله علي
عبد الله، الخ.
ورواها أيضا عن أبي الحسين ابن أبي جيد القمي، عن محمد بن الحسن
ابن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد - إلى
آخر ما تقدم -.
ورواها أيضا بهذه الطرق، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد
ابن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد - إلى
آخر ما مر -.
ورواها عن التهذيب في الحديث الرابع، من الباب العاشر، من كتاب
الوقوف والصدقات، من وسائل الشيعة: ج 13، ص 312 من الطبعة الثالثة.
442

وقال معلم الأمة الشيخ المفيد نضر الله وجهه، في أحوال الإمام الحسن
المجتبى (ع) من كتاب الارشاد: وكان الحسن بن علي عليهما
السلام وصي أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، ووصاه بالنظر في وقوفه
وصدقاته، وكتب إليه عهدا مشهورا، ووصية ظاهرة في معالم الدين، وعيون
الحكمة والأدب وقد نقل هذه الوصية جمهور العلماء، الخ.
أقول: وممن أشار أيضا إلى هذه الوصية، ابن شهر أشوب (ره)
فإنه قال - في عنوان المسابقة بصالح الاعمال من المناقب: ج 2، ص 123،
ط قم -: ووقف مالا بخيبر وبوادي القرى، ووقف مال أبي نيزر والبغيبغة
وأرباحا وأرينة ورعدا ورزينا (كذا) ورباحا على المؤمنين، وامر بذلك أكثر
ولد فاطمة، من ذوي الأمانة والصلاح، واخرج ماء (ظ) عين ينبع وجعلها
للحجيج، وهو باق إلى يومنا هذا.
ونقله عنه في الباب (102) من البحار: ج 9 ص 515، ط الكمباني
س 21.
وأشار إليها أيضا ابن عساكر في ترجمة زيد بن الحسن (ع) من
تاريخ دمشق: ج 19، معنعنا عن أبي معشر قال: كان علي بن أبي طالب
اشترط في صدقته انها إلى ذي الدين والفضل من أكابر ولده.
وأشار إليها أيضا المبرد في قصة أمير المؤمنين (ع) مع الخوارج، من
كتاب الكامل: ج 1، ص 132، وفي ط ج 2 ص 141، ورواه عنه في معجم
البلدان، قال: رووا ان عليا رضي الله عنه لما أوصى إلى الحسن في وقف
أمواله وان يجعل فيها ثلاثة من مواليه، وقف فيها عين أبي نيزر، والبغيبغة.
وهذا غلط، لان وقفه هذين الموضعين كان لسنتين من خلافته.
أقول: ولنا حول ما اختاره في آخر كلامه مناقشة ذكرناها في الباب
الثاني من هذا الكتاب، أعني باب كتبه (ع) من نهج السعاة فراجع.
443

وهنا أمور
الأمر الأول:
في شواهد ما ذكره (ع) في أول الوصية الشريفة المنيفة.
قال في مادة (ينبع) من معجم البلدان: ج 8 ص 526 ط مصر: قال عرام
ابن الأصبغ السلمي: (ينبع) عن يمين رضوي لمن كان منحدرا من المدينة
إلى البحر، على ليلة من رضوي، من المدينة على سبع مراحل، وهي لبني
حسن بن علي، وكان يسكنها الأنصار، وجهينة، وليث، وفيها عيون عذاب
غزيرة، وواديها يليل وبها منبر: وهي قرية غناء وواديها يصب في غيقة.
وقال غيره ينبع حصن به نخيل وماء وزروع، وبها وقوف لعلي بن
أبي طالب رضي الله عنه، يتولاها ولده.
وقال ابن دريد: ينبع بين مكة والمدينة. وقال غيره: ينبع من ارض
تهامة، غزاها النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يلق كيدا، وهي قريبة
من طريق الحاج الشامي، أخذ اسمه من الفعل المضارع لكثرة ينابيعها.
وقال الشريف بن سلمة بن عياش الينبعي: عددت بها مأة وسبعين عينا.
وعن جعفر بن محمد، قال: أقطع النبي صلى الله عليه وسلم عليا
رضي الله عنه، أربع أرضين: الفقيران وبئر قيس والشجرة، وأقطعه (ظ)
عمر ينبع وأضاف إليها غيرها.
أقول: وهذا الحديث ذكره أيضا في مادة (الفقير) من ج 6 ص 389
وما ذكره من الإمام الصادق (ع) من أن عمر أقطعه (ع) ينبع خلاف الأخبار المعتبرة
الدالة على أن النبي أقطعه إياها وهذه الأخبار مستفيضة من طريق
الشيعة وأهل السنة، وسنذكر طرفا منها.
نعم الثابت عن الإمام الصادق (ع) ان عمر وصاحبه أخذا فدكا من علي
444

وأهل بيته (ع) الا ان يقال بتعدد ينبع، وان ما أعطاه النبي (ص) لعلي
غير ما أقطعه عمر، وهذا الحمل مع ثبوت التعدد غير بعيد، ولكن يحتاج إلى دليل وثيق، ونقل معتبر.
وروى أبو حنيفة قاضي نعمان المصري في الحديث (1281) من المجلد
الثاني، من كتاب دعائم الاسلام ص 338، عن الإمام الصادق (ع) انه
ذكر أمير المؤمنين عليا (ع) قال: كان عبد الله، أوجب الله له الجنة، عمد
إلى ماله فجعله صدقة مبتولة.
وروى أيضا في الحديث (1283) من الدعائم عنه (ع) أنه قال:
قسم رسول (صلع) الفئ فأصاب علي أرضا فاحتفر فيها عينا فخرج منها
ماء ينبع في السماء كهيئة عنق البعير، فجاء إليه بذلك البشير، فقال: بشر
الوارث هي صدقة بتا بتلا في حجيج بيت الله وعابري سبيله، لاتباع ولا
توهب ولا تورث، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائك (الملائكة خ)
والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، وسماها ينبع.
وذكر ابن أبي الحديد في آخر الفصل الرابع، من شرح المختار (57)
من خطب النهج، ج 4 ص 110،، ط مصر بتحقيق محمد إبراهيم قال:
وروى زرارة، قال: قيل لجعفر بن محمد عليه السلام ان ههنا قوما ينتقصون
عليا عليه السلام، قال عليه السلام بم ينتقصونه لا أبالهم، وهل فيه موضع
نقيصة، والله ما عرض لعلي أمران قط كلاهما لله طاعة الا عمل بأشدهما
واشقهما عليه، ولقد كان يعمل العمل كأنه قائم بين الجنة والنار، ينظر إلى
ثواب هؤلاء فيعمل له، وينظر إلى عقاب هؤلاء فيعمل له، وإن كان ليقوم
إلى الصلاة، فإذا قال: وجهت وجهي، تغير لونه حتى يعرف ذلك في وجهه
(في لونه خ) ولقد أعتق الف عبد من كد يده كلهم يعرق فيه جبينه.
445

وتحفى فيه كفه.
ولقد بشر بعين نبعت في ماله مثل عنق الجزور. فقال: بشر الوارث
بشر (كذا) ثم جعلها صدقة على الفقراء والمساكين وابن السبيل إلى أن
يرث الله الأرض ومن عليها، ليصرف الله النار عن وجهه ويصرف وجهه
عن النار.
وقال في الفصول المختارة ص 93، قبيل الفصل (58): ولا خلاف انه
صلى الله عليه وآله وسلم أعتق من كد يده جماعة لا يحصون كسرة، ووقف
أراضي كثيرة، وعينا استخرجها عليه السلام وأحياها بعد موتها.
وفي الاختصاص 157، س 2 عكسا، ط 2 في الفضيلة (34) من
كتاب ابن دأب، قال: فهل رأيتم أحدا ضرب الجبال بالمعاول، فخرج
منها مثل أعناق الجزر، كلما خرجت عنق قال: بشر الوارث، ثم يبدو له
فيجعلها صدقة بتلة إلى يرث الله الأرض ومن عليه، ليصرف النار
عن وجهه، ويصرف وجهه عن النار، ليس لأحد من أهل الأرض أ ن
يأخذوا من نبات نخلة واحدة حتى يطبق كلما ساح عليه ماؤه (كذا).
وروي علي المتقي الهندي عن أبي معشر قال: كان علي بن أبي طالب
اشترط في صدقته انها لذي الدين والفضل من أكابر ولده.
وعن عمرو بن دينار، ان عليا تصدق ببعض ارضه جعلها صدقة بعد
موته، واعتق رقيقا من رقيقه، وشرط عليهم انكم تعملون في هذا المال
خمس سنين، نقلهما في كنز العمال ج 8، ص 323 في الحديث 5463
نقلا عن (كر) والحديث (5464) نقلا عن (عب).
وأيضا روى فيه عن أبي جعفر (ع) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج في جيش فأدركته القائلة وهو ما يلي الينبع، فاشتد عليه حر النهار
فانتهوا إلى سمرة فعلقوا أسلحتهم عليها وفتح الله عليهم. فقسم رسول الله
446

صلى الله عليه وسلم موضع السمرة لعلي في نصيبه، قال فاشترى إليها (27)
بعد ذلك فامر مملوكيه ان يفجروا لها عينا، فخرج لها مثل عين الجزور،
فجاء البشير يسعى إلى علي يخبره بالذي كان، فجعلها علي صدقة فكتبها:
(صدقة لله تعالى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ليصرف الله وجهي عن
النار، صدقة بتة بتلة في سبيل الله تعالى، للقريب والبعيد، في السلم
والحرب واليتامى والمساكين وفي الرقاب) الحديث (5469) - وهو
الحديث الأخير، من كتاب الوقف - من كنز العمال: ج 8 ص 324
ط الهند.
وروي ابن شهرآشوب (ره) في عنوان المسابقة بالزهد والقناعة من
المناقب ج 2 ص 95، وفي ط: ج 1، ص 303 عن ابن بطة عن سفيان الثوري
ان عينا نبعت في بعض ماله فبشر بذلك، فقال عليه السلام بشر الوارث
وسماها عين ينبع (28).
الأمر الثاني:
في شواهد من أعتقهم عليه السلام من العبيد والإماء.
وروى عنبسة العابد عن عبد الله بن الحسن بن الحسن قال: أعتق
علي عليه السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ألف مملوك مما

(27) الضمير في قوله: (فاشترى) راجع إلى علي (ع). والضمير
في (إليها) راجع إلى (موضع السمرة) واما بلحاظ المعنى إذ موضع السمرة
عبارة عن الأرض وقطعة منها، واما بلحاظ ان الموضع اكتسب التأنيث من
المضاف إليه، وهو (السمرة) والاحتمال الأول أوجه، ومحصله ان عليا
عليه السلام اشترى القطع المتجاورة لموضع السمرة الذي وهبه النبي (ص)
فأضاف ما اشتراه إليه.
(28) ورواه عنه في الحديث (4) من الباب (98) من البحار: ج 9 ص 99
و ج 40 ص 322، من الطبعة الثالثة.
447

مجلت يداه وعرق جبينه (29) ولقد ولي الخلافة واتته الأموال، فما كان
حلواه الا التمر ولا ثيابه الا الكرابيس. وقريب منه في الحديث الثامن،
من باب النهي عن الرهبانية من البحار: 2 من 15، ص 53 نقلا عن الغارات.
وروي الكليني (ره) في الحديث الثاني، من الباب الرابع من كتاب
المعيشة من الكافي: 5 ص 74، عن عدة من أصحابنا عن أحمد ابن عبد الله
عن شريف بن سابق، عن الفضل ابن أبي قرة، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضرب بالمر ويستخرج الأرضين وكان
رسول الله صلى الله عليه وآله يمص النوى بفيه ويغرسه فيطلع من ساعته
وكان أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف مملوك من ماله وكد يده (30).
وروي (ره) في الحديث الرابع، من الباب، عن علي بن إبراهيم، عن
أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة وسلمة صاحب السابري
عن أبي أسامة زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام: ان أمير المؤمنين
عليه السلام أعتق الف مملوك من كد يده (30).
وروى القاضي نعمان في الحديث السابع، من الفصل الرابع، من كتاب
العطايا، من دعائم الاسلام: 2، ص 327، انه قيل للحسين بن علي عليهما
السلام: ان عبد الله بن عامر تصدق اليوم كذا وكذا. واعتق اليوم كذا
وكذا. فقال: إنما مثل عبد الله بن عامر، مثل الذي يسرق الحاج ثم
يتصدق بما سرق، وإنما الصدقة الطيبة صدقة الذي عرق فيها جبينه.

(29) مجلت يداه أي ظهر فيهما المجل (على زنة الفلس والفرس) وهو
أن يحدث من العمل الشاق نفخ في الجلد وقشر يجتمع فيه ماء يكون بين الجلد
واللحم، ويعبر عنه بالفارسية ب (تأول) ومنه الحديث: طحنت فاطمة بالرحا
حتى مجلت يداها. والفعل من باب نصر وفرح.
(30) قال السيد الحميري:
وأعتق من يديه ألف نفس * فاضحوا بعد رق معتقينا
448

واغبر فيها وجهه. قيل لأبي عبد الله عليه السلام: من عني بذلك. قال:
عني به عليا (ع).
وفي الحديث الثامن من باب النهي عن الرهبانية، من البحار: القسم
الثاني من ج 15، ص 53، عن كتاب الغارات، عن الإمام جعفر بن محمد
عليه السلام قال: أتي علي (ع) بخبيص فأبى ان يأكله، قالوا: أتحرمه. قال:
لا، ولكن أخاف ان تتوق نفسي إليه، ثم تلا: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم
الدنيا).
وعنه (ع) قال: أعتق علي (ع) ألف مملوك مما عملت يداه، وإن كان
عندكم إنما حلواه التمر واللبن، وثيابه الكرابيس، وتزوج ليلى فجعلت له
حجلة فهتكها وقال: أحب أهلي علي ما هم فيه. وقريب منه رواه أيضا ابن
أبي الحديد.
وروي الشيخ الصدوق (ره) في الحديث (14) من المجلس (47) من
الأمالي ص 169، ط قم، معنعنا عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال:
والله أن كان علي ليأكل أكل العبد، ويجلس جلسة العبد، وإن كان
ليشتري القميصين السنبلانيين فيخير غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر، فإذا
جاز أصابعه قطعه وإذا جاز كعبه حذفه، ولقد ولي خمس سنين ما وضع
آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعا ولا أورث بيضاء
ولا حمراء، وإن كان ليطعم الناس خبز البر واللحم، وينصرف إلى منزله
ويأكل خبز الشعير والزيت والخل، وما ورد عليه أمران كلاهما لله رضا
الأخذ بأشدهما على بدنه، ولقد أعتق الف مملوك من كد يده، تربت
فيه يداه، وعرق فيه وجهه، وما أطاق عمله أحد من الناس، وإن كان
ليصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وإن كان أقرب الناس شبها به علي بن
الحسين عليه السلام، وما أطاق عمله أحد من الناس بعده.
449

وفي الحديث (19) من الباب (107) من البحار: 9 ص 533 وفي ط:
ج 41 ص 110، عن الارشاد معنعنا عن سعيد بن كلثوم، قال: كنت عند
الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام فأطراه ومدحه بما هو أهله، ثم قال: والله ما أكل علي بن أبي
طالب عليه السلام من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله، وما عرض له
أمران قط هما لله رضى الا أخذ بأشدهما عليه في دينه، وما نزلت برسول الله
صلى الله عليه وآله نازلة قط الا دعاه ثقة به، وما أطاق عمل رسول الله
صلى الله عليه وآله من هذه الأمة غيره، وإن كان ليعمل عمل رجل كان
وجهه بين الجنة والنار، يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه أعتق من ماله
ألف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار، مما كد بيديه ورشح منه
جبينه، وإن كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة، وما كان لباسه الا
الكرابيس إذا فضل شئ عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه (31).
وفي الحديث (173) من روضة الكافي ص 163، معنعنا عن الحسن
الصيقل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ان ولي علي عليه السلام
لا يأكل الا الحلال لان صاحبه كان كذلك، وان ولي عثمان لا يبالي أحلالا
اكل أو حراما، لان صاحبه كذلك، قال: ثم عاد إلى ذكر علي عليه السلام:
فقال: اما والذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قليلا ولا كثيرا حتى
فارقها، ولا عرض له أمران كلاهما لله طاعة الا أخذ بأشدهما على بدنه،
ولا نزلت برسول الله صلى الله عليه وآله شديدة قط الا وجهه فيها ثقة به،
ولا أطاق أحد من هذه الأمة عمل رسول الله صلى الله عليه وآله بعده غيره،
ولقد كان يعمل عمل رجل كأنه ينظر إلى الجنة والنار.

(31) الجلم - على زنة القلم والفرس -: المقراض.
450

ولقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله، كل ذلك تحفى فيه يداه (32)
وتعرق جبينه، التماس وجه الله عز وجل والخلاص من النار، وما كان
قوته الا الخل والزيت، وحلواه التمر إذا وجده، وملبوسه الكرابيس فإذا
فضل عن ثيابه شئ دعا بالجلم فحزه.
وأيضا روى في الحديث (175) من الروضة، عن محمد بن يحيى،
عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن أبي
عبد الله (ع) قال: ما أكل رسول الله (ص) متكئا منذ بعثه الله عز وجل إلى أن
قبضه تواضعا لله عز وجل، وما رأي ركبتيه امام جليسه في مجلس قط.
ولا صافح رسول الله صلى الله عليه وآله رجلا قط فنزع يده من يده
حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده، ولا كافأ رسول الله صلى الله عليه
وآله بسيئة قط، قال الله تعال له: (ادفع بالتي هي أحسن السيئة) (33)
ففعل، وما منع سائلا قط، إن كان عنده أعطى والا قال: يأتي الله به، ولا
أعطى على الله عز وجل شيئا الا أجازه الله، إن كان ليعطي الجنة فيجيز الله
عز وجل له ذلك.
قال: وكان اخوه من بعده والذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا
حراما قط حتى خرج منها، والله إن كان ليعرض له الأمران كلاهما لله
عز وجل طاعة فيأخذ بأشدهما على بدنه، ولقد أعتق ألف مملوك لوجه الله
عز وجل دبرت فيهم يداه (34) والله ما أطاق عمل رسول الله صلى الله عليه

(32) يقال تحفى في الشئ: اجتهد فيه.
(33) الآية (96) من سورة المؤمنون.
(34) يقال: دبر - دبرا البعير أي اصابته الدبرة - بالتحريك - أي
قرح ظهره وصار مجروحا، والفعل من باب علم، والمصدر على زنة الفرس،
فمعنى (دبرت فيهم يداه) انه عليه السلام عمل حتى جرحت يداه من
كثرة العمل ومشقته، فاشترى من محصول عمله الف مملوك وأعتقهم في
سبيل الله.
451

وآله من بعده أحد غيره، والله ما نزلت برسول الله صلى الله عليه وآله
نازلة قط الا قدمه فيها ثقة منه به، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله
ليبعثه برايته فيقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثم ما يرجع
حتى يفتح الله عز وجل له.
ورواهما عنه في الحديث (40 و 41) من الباب (107) من البحار:
9 ص 358، و ج 41 ص 139.
وروى ابن شهرآشوب في عنوان المسابقة بصالح الاعمال، من المناقب:
ج 1، ص 323 وفي ط ص 122، من ج 2 عن الإمام الصادق عليه السلام
ان أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف نسمة من كد يده.
وروي في الحديث (20) من الباب (102) من البحار: ج 9 ص 17،
س 3 عكسا عن محاسن البرقي (ره) معنعنا عن الإمام الصادق (ع)
ان عليا أعتق الف مملوك من كد يده.
الأمر الثالث:
في ترجمة محمد بن عبد الجبار قدس الله نفسه.
قال الشيخ (ره) تحت الرقم (360) من فهرست مصنفي الشيعة ص 174
ط النجف: محمد ابن أبي الصهبان - واسم أبي الصهبان عبد الجبار -
له روايات، أخبرنا بها ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن سعد، والحميري
ومحمد بن يحيى وأحمد بن إدريس، عنه.
وذكره أيضا تحت الرقم (25) من حرف الميم، من أصحاب الإمام الجواد
(ع)، من رجاله ص 407.
وقال تحت الرقم (17) من حرف الميم، من أصحاب الإمام الهادي (ع)
452

ص 423: محمد بن عبد الجبار - وهو ابن أبي الصهبان - قمي ثقة.
ومثله تحت الرقم (5) من حرف الميم، من أصحاب الإمام العسكري
عليه السلام ص 435.
وذكره أيضا تحت الرقم (116) في باب من لم يرو عن الأئمة (ع)،
من رجاله ص 512 ط النجف، وقال: روى عنه سعد وغيره.
الأمر الرابع:
في ترجمة محمد بن إسماعيل رحمه الله.
وهذا الرجل يحتمل كونه محمد بن إسماعيل بن بزيع أبا جعفر،
وجلالته كالشمس الضاحية من الوضوح، وقد اتفق الأصحاب على عظمته
وكونه من العلماء العاملين وصالحي الفرقة الناجية، وأثنى عليه جميع أرباب
الفهارس والمعاجم وذكروا له كتبا.
ويحمل - وهذا هو الراجح - أن يكون محمد بن إسماعيل هذا
- الواقع في سند الوصية - هو محمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري،
قال الشيخ (ره) تحت الرقم (20) من باب الميم، من الرجال ص 496،
ط النجف، في باب من لم يرو عن الأئمة (ع): محمد بن إسماعيل يكنى
أبا الحسن، نيسابوري يدعى بندقي.
وقال المحقق الداماد (ره) - على ما حكي عنه - في كتاب (الرواشح
السماوية): وهو - أي محمد بن إسماعيل البندقي - شيخ كبير فاضل
جليل القدر، معروف الامر، دائر الذكر بين أصحابنا الأقدمين وطبقاتهم
وأسانيدهم وإجازاتهم.
أقول وأيضا ما كان فلا يخفى جلاله وحسن حاله، مع أن الوصية
الشريفة لها أسناد عديدة، ومصادر قويمة، وشواهد خارجية، كما دريت
453

مما مر.
الأمر الخامس:
في ترجمة أبي محمد الفضل بن شاذان بن الخليل النيسابوري قدس
الله نفسه.
وهذا الرجل مناقبه غير معدودة، وعظمته غير مجهولة، وله ترجمة
طويلة، وفضائل جميلة جليلة مسطورة في جل الفهارس، ونحن نكتفي هنا
بما أورده المحقق النجاشي (ره) تحت الرقم (827) من فهرسته ص 235،
ونذيله بقطعة مما ذكره الكشي (ره) تحت الرقم (416) من رجاله ص 452
ط النجف، لكونها شاهدا لما تقدم في الأمر الخامس أيضا، فنقول: قال
النجاشي (ره): الفضل بن شاذان بن الخليل أبو محمد الأزدي النيشابوري
كان أبوه من أصحاب يونس، وروى عن أبي جعفر (ع) أيضا، وكان
ثقة أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلمين، وله جلالة في هذه الطائفة، وهو في
قدره أشهر من أن يصفه (أحد).
وذكر الكنجي (35) انه صنف مأة وثمانين كتابا، وقع الينا منها كتاب
النقض على الإسكافي في تقوية الجسم.
كتاب العروس - وهو كتاب العين - كتاب الوعيد، كتاب الرد على
التعطيل، كتاب الاستطاعة، كتاب مسائل في العلم، كتاب الاعراض والجواهر

(35) قال الشيخ (ره) - تحت الرقم (1) من باب الياء، في باب من لم
يرو عن الأئمة عليهم السلام -: يحيى بن زكريا المعروف بالكنجي (الكنتجي خ) يكنى
أبا القاسم، روى عنه التلعكبري وسمع منه ثماني عشرة وثلاث مأة، وكان
سنه حين لقيه أكثر من مأة وعشرين سنة، وقد لقي (الامام) العسكري
عليه السلام.
454

كتاب العلل، كتاب الايمان، كتاب الرد على الثنوية، كتاب اثبات الرجعة،
كتاب الرجعة حديث (كذا)، كتاب الرد على الغالية المحمدية، كتاب
تبيان أصل الضلالة، كتاب الرد على محمد بن كرام، كتاب التوحيد
في كتب الله، كتاب الرد على أحمد بن الحسين، كتاب الرد على الأصم،
كتاب في الوعد والوعيد، كتاب الرد على البيان بن رباب، كتاب الرد على
الفلاسفة، كتاب محنة الاسلام، كتاب السنن، كتاب الأربع مسائل في
الإمامة، كتاب الرد على المنانية، كتاب الفرائض الكبير، كتاب الفرائض
الأوسط، كتاب الفرائض الصغير، كتاب المسح على الخفين، كتاب الرد
على المرجئة، كتاب الرد على القرامطة، كتاب الطلاق، كتاب مسائل
البلدان، كتاب الرد على البائسة، كتاب اللطيف، كتاب القائم عليه السلام
كتاب الملاحم، كتاب حذو النعل بالنعل، كتاب الإمامة الكبير، كتاب فضل
أمير المؤمنين عليه السلام، كتاب معرفة الهدى والضلالة، كتاب التغزي
والحاصل، كتاب الخصال في الإمامة، كتاب المعيار والموازنة، كتاب الرد
على الحشوية، كتاب النجاح في عمل شهر رمضان، كتاب الرد على الحسن
البصري في التفضيل، كتاب النسبة بين الجبرية والبترية.
أخبرنا أبو العباس بن نوح، قال أحمد بن جعفر قال: حدثنا أحمد
ابن إدريس بن أحمد، قال: حدثنا علي بن أحمد بن قتيبة النيشابوري
عنه بكتبه.
وقال أبو عمر الكشي (ره): قال سعد بن جناح الكشي: سمعت
محمد بن إبراهيم الوراق السمرقندي يقول: خرجت إلى الحج فأردت أن
أمر على رجل كان من أصحابنا معروف بالصدق والصلاح والورع والخير
يقال له بورق البوشنجاني - قرية من قرى هراة - وأزوره وأحدث
به عهدي، قال: فأتيته فجرى ذكر الفضل بن شاذان رحمه الله، فقال
455

بورق: كان الفضل بن بطن شديد العلة، ويختلف في الليلة مأة مرة إلى
مأة وخمسين مرة، واني خرجت حاجا فأتيت محمد بن عيسى العبيدي
فرأيته شيخا فاضلا في أنفه اعوجاج - وهو القنا - ومعه عدة وهم
محزونون مغتمون، فقلت: مالك؟ فقالوا: ان أبا محمد (ع) قد حبس.
قال بورق فحججت ورجعت ثم أتيت محمد بن عيسى ووجدته قد انجلى
عنه ما كنت رأيت به، فقلت: ما الخبر؟ قال العبيد: قد خلي عنه. قال
بورق: فخرجت إلى سر من رآى ومعي كتاب يوم وليلة، فدخلت على
أبي محمد (ع) وأريته ذلك الكتاب، فقلت له: جعلت فداك اني (كذا)
رأيت أن تنظر فيه، فلما نظر فيه وتصفحه ورقة ورقة، فقال: هذا صحيح
ينبغي ان يعمل به. فقلت له: ان الفضل بن شاذان شديد العلة، ويقولون:
انها من دعوتك بموجدتك عليه، لما ذكروا عنه أنه قال: (ان وصي إبراهيم
خير من وصي محمد صلى الله عليه وآله) ولم يقل جعلت فداك هكذا،
كذبوا عليه. فقال: نعم رحم الله الفضل، رحم الله الفضل. قال بورق:
فرجعت فوجدت الفضل قد مات في الأيام التي قال أبو محمد (ع): رحم
الله الفضل.
وذكر أبو الحسن محمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري أن الفضل
ابن شاذان بن الخليل نفاه عبد الله بن طاهر عن نيسابور بعد ان دعا به
واستعلم كتبه وأمره ان يكتبها (كذا) قال: فكتب تحته الاسلام
الشهادتان وما يتلوهما. فذكر انه يحب ان يقف على قوله في السلف. فقال
أبو محمد: أتولى أبا بكر، وأتبرأ من عمر. فقال له: ولم تتبرأ من عمر؟
فقال: لاخراجه العباس من الشورى.
وقال جعفر بن معروف: حدثني سهل بن بحر الفارسي قال: سمعت
الفضل بن شاذان آخر عهدي به يقول: انا خلف لمن مضى أدركت محمد
456

ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى وغيرهما وحملت عنهم منذ خمسين سنة،
ومضى هشام بن الحكم رحمه الله وكان يونس بن عبد الرحمان رحمه الله
خلفه، كان يرد على المخالفين، ثم مضى يونس ولم يخلف خلفا غير السكاك
فرد على المخالفين حتى مضى رحمه الله، وانا خلف لهم من بعدهم رحمهم
الله. وللترجمة ذيل طويل اعرضنا عنه.
الأمر السادس:
في ترجمة صفوان بن يحيى أبي محمد البجلي بياع السابري (ره).
قال المحقق النجاشي (ره) تحت الرقم (512) من فهرست مصنفي
الشيعة: صفوان بن يحيى أبو محمد البجلي بياع السابري كوفي، ثقة ثقة
عين، روى أبوه عن أبي عبد الله عليه السلام، وروى هو عن (الامام)
الرضا عليه السلام، وكانت له عنده منزلة شريفة، ذكره الكشي في رجال
أبي الحسن موسى عليه السلام، وقد توكل (كذا) للرضا وأبي جعفر
(عليهما السلام) وسلم مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزهد
والعبادة وكان جماعة الواقفة بذلوا له مالا كثيرا، وكان شريكا لعبد الله
ابن جندب وعلي بن النعمان، وروي انهم تعاقدوا في بيت الله الحرام انه
من مات منهم صلى من بقي صلاته، وصام عنه صيامه وزكى عنه زكاته، فماتا
وبقي صفوان فكان يصلي في كل يوم مأة وخمسين ركعة، ويصوم في السنة
ثلاثة أشهر، ويزكي زكاته ثلاث دفعات، وكل ما يتبرع به عن نفسه
- ما عدا ما ذكرناه - تبرع عنهما مثله.
وحكى بعض أصحابنا ان انسانا كلفه حمل دينارين إلى أهله إلى الكوفة
فقال: ان جمالي مكرية، وأنا أستأذن الاجراء. وكان من الورع والعبادة
على ما لم يكن أحد من طبقة رحمه الله.
457

وصنف ثلاثين كتابا كما ذكر أصحابنا، يعرف منها الآن: كتاب الوضوء
كتاب الصلاة، كتاب الصوم، كتاب الحج، كتاب الزكاة
كتاب النكاح، كتاب الطلاق، كتاب الفرائض، كتاب الوصايا، كتاب
الشري والبيع، كتاب العتق والتدبير، كتاب البشارات نوادر.
أخبن نا علي بن محمد، قال: حدثنا محمد بن الحسن، قال: حدثنا
محمد بن الحسن (كذا) عن محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب الزيات،
عن صفوان بسائر كتبه.
مات صفوان بن يحيى رحمه الله سنة عشرة ومأتين.
الأمر السابع:
في ترجمة عبد الرحمان بن الحجاج (ره).
قال النجاشي (ره) تحت الرقم (616) من فهرسته 178 ط إيران:
عبد الرحمان بن الحجاج البجلي مولاهم كوفي بياع السابري، سكن
بغداد، ورمي بالكيسانية، وروى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (ع) وبقي
بعد أبي الحسن، ورجع إلى الحق، ولقي (الامام) الرضا، وكان ثقة
ثقة ثبتا وجها، وكانت بنت بنت ابنه مختلطة مع عجائزنا، تذكر عن سلفها
ما كان عليه من العبادة.
وله كتب يرويها عنه جماعات من أصحابنا، أخبرنا أبو عبد الله
ابن شاذان قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد الله
ابن جعفر، قال حدثنا يعقوب بن يزيد، عن محمد ابن أبي عمير عنه
بكتابه (كذا).
وقال الكشي (ره) تحت الرقم (308) من رجاله ص 374 ط النجف:
قال حمدويه: حدثني محمد بن الحسين، عن عثمان بن عديس، عن
حسين بن ناجية قال: سمعت أبا الحسن (ع) وذكر عبد الرحمان بن الحجاج
458

فقال: انه لثقيل على الفؤاد.
وقال أبو القاسم نصر بن الصباح: عبد الرحمان بن الحجاج شهد
له أبو الحسن (ع) بالجنة، وكان أبو عبد الله يقول لعبد الرحمان: يا عبد
الرحمان كلم أهل المدينة، فاني أحب أن يرى في رجال الشيعة مثلك.
أقول: وبما ذكرنا هنا، وما قدمنا - في ترجمة رواة المختار الأول
من هذا الكتاب ج 1، ص 16، وص 22، و 23 و 24، وما تقدم في
ترجمة رواة المختار (10) من الباب ص 194، من المجلد الأول - تبين
تلخيص ترجمة من وقع في سلسلة سندي الكليني (ره).
بقي الكلام في ترجمة أحمد بن محمد بن الحسن، والحسين بن الحسن بن أبان
وأبي الحسين ابن أبي جيد القمي (ره) وهم الذين في طريق شيخ الطائفة (ره)
ولا حاجة في ترجمة الشيخ المفيد (ره) لوضوحها.
وتقدم أيضا ترجمة الحسين بن عبيد الله في شرح المختار الحادي
عشر، من المجلد الأول، من هذا الباب، ص 446.
وكذا ترجمة أحمد بن عبدون في المختار العاشر، ص 192، من المجلد
الأول، من هذا الباب أيضا.
وترجمة محمد بن الحسن بن الوليد محلها في شرح وصية الكميل،
المختار الثالث عشر من الباب.
وأما ترجمة الحسين بن سعيد، فقد أسلفناها في شرح المختار العاشر،
ص 178، من المجلد الأول، من هذا الباب.
وأيضا ذكرنا ههنا نبذا من ترجمة صفوان بن يحيى وعبد الرحمان
ابن الحجاج (ره).
وأما محمد بن الحسن الصفار، وأحمد بن محمد، فقد أتينا على
وجيز ترجمتهما في شرح المختار الأول،
من الباب ص 16 والمختار الخامس
459

ص 94 من المجلد الأول.
الأمر الثامن:
في ترجمة أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد رحمه الله.
أقول: هذا الرجل وأبو الحسين علي بن أحمد بن محمد ابن أبي
جيد (36) غير معنونين بالترجمة في كتب القدماء، الا ان اكثار الشيخ
الصدوق والشيخ المفيد رحمهما الله الرواية عن أحمد بن محمد، وكذا
اكثار الشيخ الطوسي والنجاشي الرواية من ابن أبي جيد، يكشف عن
جلالتهما، مع أنهما من مشايخ الإجازة، كما يستظهر من موارد كثيرة من
فهرست النجاشي وفهرست الشيخ ورجاله ومشيخة الاستبصار والتهذيب
وباب من لم يرو عنهم (ع) من كتاب الرجال، فان الشيخ في كثير من
المواضع يروي كتب الأصحاب وأصولهم بواسطة ابن أبي جيد، ومثله
صنيع النجاشي في فهرست مصنفي الشيعة، ومن كان له أدنى أنس بطريقة
النجاشي (ره) من امتناعه عن الرواية عمن رمى بالضعف، ومن كفه عن
تحمل الحديث عن المتهمين - ولو كان الرمي بالضعف والاتهام بعقيدته
على خلاف الواقع - يحصل له القطع على أن ابن أبي جيد، وأشباهه
- ممن يتمسك النجاشي بقوله - مقبول القول، وموثوق به، باتفاق الامامية
واجماعهم، وعليك بموارد النقل عن هذين العلمين في كتب الشيخ الصدوق
ومعلم الأمة الشيخ المفيد، وشيخ الطائفة والنجاشي - قدس الله أسرارهم -
كي تطلع على جلية الحال وحقيقتها.

(36) كذا عن الشيخ (ره) في ترجمة أحمد بن الحسين بن سعيد من
فهرسته وفى ترجمة سالم بن مكرم وعبد الله بن ميمون من النجاشي (ره):
علي بن أحمد بن طاهر أبو الحسين القمي. ومثله في عبارة بعض المتأخرين.
460

الأمر التاسع:
في ترجمة الحسين بن الحسن بن أبان القمي رحمه الله.
قال الشيخ (ره) - في باب الحاء، من أصحاب الإمام العسكري
عليه السلام تحت الرقم (8) من كتاب الرجال ص 430 ط النجف -:
الحسين بن الحسن بن أبان ادركه عليه السلام ولم نعلم أنه روى عنه.
وذكر ابن قولويه: انه قرابة الصفار وسعد بن عبد الله، وهو أقدم منهما
لأنه يروي عن الحسين بن سيعد، وهما لم يرويا عنه.
وقال (ره) في باب من لم يرو عن الأئمة (ع) تحت الرقم (44) من
باب الحاء، ص 469: الحسين بن الحسن بن أبان روى عن الحسين
ابن سعيد كتبه كلها، روى عنه ابن الوليد.
وعن السيد الأجل بحر العلوم في رجاله أنه قال: واختلفوا في حديث
ابن عبدون، وابن أبي جيد، وابن يحيى - يعني أحمد بن محمد بن يحيى
العطار - وابن أبان يعني الحسين بن الحسن بن أبان، لعدم تصريح
علماء الرجال بتوثيقهم، واعتماد المشايخ الاجلاء على حديثهم وحكمهم
بصحته، والصحيح الصحة، لأنهم من مشايخ الإجازة، وليس لهم كتاب
يحتمل الاخذ منه، ولذا اتفقوا على صحة حديث أحمد بن محمد بن
الحسن بن الوليد، مع اعترافهم بعدم التنصيص على توثيقه، والظاهر
وثاقة الجميع كما حققناه في محل آخر.
أقول: اثبات ودائع القدماء وزبر العلماء، بأقوال، هؤلاء العلماء
الاجلاء أقوى شاهد على عدالتهم وجلالتهم، وكونهم من مشايخ الإجازة
امر ينطوي فيه جميع الكمالات، بعد ملاحظة اجتناب أمثال النجاشي
عن تحمل الرواية من الضعفاء.
461

- 64 -
ومن وصية له عليه السلام
وبالاسناد المتقدمة أوصى عليه السلام وقال:
اما بعد فإن ولائدي اللائي أطوف عليهن السبعة
عشر، منهن أمهات أولاد معهن أولادهن (1)، ومنهن
حبالى، ومنهن من لا ولد له، فقضاي فيهن ان حدث
بي حدث انه من كان منهن ليس لها ولد (2) وليست
بحبلى فهي عتيق لوجه الله عز وجل، ليس لأحد عليهن
سبيل، ومن كان مهن لها ولد أو حبلى (3) فتمسك
على ولدها وهي من حظه [من حصته خ ل] فإن مات

(1) وفى التهذيب: (اما بعد فان ولائدي اللاتي أطوف عليهن السبع
عشرة منهن أمهات أولاد احياء معهن أولادهن) الخ.
وفى نهج البلاغة (ومن كان من امائي اللاتي أطوف عليهن لها ولد أو هي
حامل فتمسك على ولدها وفى من حظه، فان مات ولدها وهي حية فهي عتيقة
قد افرج عنها الرق، وحررها العتق).
(2) وفى التهذيب (فقضائي فيهن ان حدث بي حدث ان من كان ليس
لها ولد) الخ.
(3) وفى التهذيب: (ومن كان منهن لها ولد وهي حبلى فتمسك على
ولدها وهي من حظه، الخ.
462

ولدها وهي حية فهي عتيق، ليس لأحد عليها سبيل.
هذا ما قضى به علي في ماله الغد من يوم قدم مسكن.
شهد أبو سمر بن أبرهة (4) وصعصعة بن صوحان، ويزيد بن قيس
وهياج ابن أبي هياج (5).
وكتب علي بن أبي طالب بيده لعشر خلون من جماد الأولى سنة
سبع وثلاثين.
أقول ورواها مع الوصية السالفة في الحديث التاسع عشر، من الباب
(102) من البحار: ج 9، ط الكمباني ص 517، وفي الطبعة الثالثة ج 41
ص 40، نقلا عن الكافي.
وهنا تذنيبات
نذكر فيها تلخيص ترجمة شهود الوصية الشريفة، ولا نشبع المقام
بطول الكلام، إذ لطوله مقام آخر.
التذنيب الأول:
في ترجمة أبي شمر ابن أبرهة بن الصباح الحميري (ره) (6).
قال شيخ الطائفة (ره) - تحت الرقم (34) من باب من عرف بكنيته
أو بقبيلته، من أصحاب أمير المؤمنين (ع) من كتاب الرجال ص 65، ط

(4) وفى التهذيب: (شد أبو شمر بن أبرهة) ولعله الصواب.
(5) وفى التهذيب: (وسعيد بن قيس وهياج ابن أبي الهياج).
(6) وحيث اخترنا ان الصواب هو ما في نسخة التهذيب من ضبط أبي
شمر بالشين المعجمة - وان ضبطه بالمهملة من خطأ بعض الرواة أو الكتاب -
فنخص المقام بترجمته، مع انا لم نجد لأبي سمر - بالسين المهملة - ترجمة.
463

النجف -: أبو شمر ابن أبرهة بن الصباح الحميري، وكان من أهل
الشام، ومعه رجال من أهل الشام فلحقوا بأمير المؤمنين (ع) يوم صفين.
وروى نصر بن مزاحم (ره) في كتاب صفين ص 222 ط مصر، عن
عمر بن سعد الأسدي، عن أبي يحيى، عن الزهري، قال: وخرج في ذلك
اليوم (أي اليوم الخامس من أيام المقاتلة بصفين) شمر بن أبرهة بن الصباح
الحميري، فلحق بعلي عليه السلام في ناس من قراء أهل الشام، ففت
ذلك في عضد معاوية وعمرو بن العاص، فقال عمرو: يا معاوية انك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد صلى الله عليه وسلم قرابة قريبة،
ورحم ماسة، وقدم في الاسلام لا يعتد بمثله، ونجدة في الحرب لم تكن
لاحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله (كذا)، وانه قد سار إليك بأصحاب
محمد صلى الله عليه المعدودين وفرسانهم وقرائهم وأشرافهم وقدمائهم في
الاسلام، ولهم في النفوس مهابة، فبادر بأهل الشام مخاشن الوعر، ومضائق
الغيض، واحملهم على الجهد، وأتهم من باب الطمع قبل ان ترفههم فيحدث
عندهم طول المقام مللا، فيظهر فيهم كآبة الخذلان، ومهما نسيت فلا تنس
انك على باطل.
وقال في ص 369: قال زياد بن النضر الحارثي (ره) شهدت مع علي
بصفين، فاقتتلنا ثلاثة أيام وثلاث ليال - إلى أن قال: - فلما كان نصف
الليل من الليلة الثالثة، انحاز معاوية وخيله من الصف، وغلب علي عليه
السلام على القتلى في تلك الليلة، وأقبل على أصحاب محمد صلى الله عليه
(كذا) وأصحابه فدفنهم، وقد قتل كثير منهم، وقتل من أصحاب
معاوية أكثر، وقتل فيهم تلك الليلة شمر بن أبرهة الخ.
أقول: الضمير في قوله: (فيهم) راجع إلى أصحاب أمير المؤمنين
عليه السلام لا إلى أصحاب معاوية، فإن كان راجعا إليهم فالظاهر أن مراده
ان شمر بن أبرهة قتل مختلطا بهم لحربه إياهم لا انه كان معهم محاربا
464

لعلي (ع) وأصحابه، والظاهر أن شمر بن أبرهة هو أبو شمر.
وأيضا الظاهر أن هذا الشخص هو الذي نقل لصعصعة خطبة يزيد
ابن أسد البجلي من قواد معاوية بصفين، وانه كان فيهم حين خطب يزيد
ابن أسد البجلي، ثم تركهم ولحق بأمير المؤمنين (ع) وذكر الخطبة لصعصعة
كما في ص 141، من كتاب صفين ط 2 بمصر سنة 1382، فعلى هذا فالصواب
ما هو في نسخة أصل الكتاب: (ابن أبرهة) لاما اختاره محمد هارون
من أن الصواب: (أبرهة) فراجع.
وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق: 63 ص 1285،: أبو شمر ابن
أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة بن مرثد بن ركف بن (ظ) منوف بن
شرحبيل ست (كذا) الحمد بن (كذا) معدي كرب، ويقال: ابن شرحبيل
ابن لهيعة بن عبد الله، وهو مصبح بن عمر بن ذي أصبح (كذا) واسمه
الحارث بن مالك بن زيد بن غوث بن سعد بن عوف بن عدي بن ملك بن
زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جسم بن عبد شمس بن
زائر بن (كذا) عوف بن حمير بن قطن بن عوف بن زهير بن أيمن بن حمير
ابن سبأ الأصبحي أخو كريب بن أبرهة (7)، يقال: إن له صحبة، وهو مصري
أخذه معاوية في الرهن وسجنه. وقيل: إن أبا شمر وفد على رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا أبو محمد ابن الأكفاني، أنبأنا أبو محمد الكناني، أنبأنا
أبو محمد ابن أبي نصر، أنبأنا أبو الميمون، أنبأنا أبو زرعة، أخبرني
الحرث بن مسكين، عن ابن وهب - حيلولة -.
وأخبرنا أبو محمد ابن حمزة، أنبأنا أحمد بن ثابت الحافظ.

(7) لعله الذي قتله أمير المؤمنين عليه السلام بصفين كما في تاريخ ابن
عساكر: ج 46، ص 96، وفى كتاب صفين ص 315 ط مصر.
465

وأخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا محمد بن هبة الله، قالا: أنبأنا محمد
ابن الحسين، أنبأنا عبد الله، أنبأنا يعقوب، أنبأنا ابن ركين (كذا) وأبو الطاهر، قالا:
أنبأنا ابن وهب عن ابن أبي لهيعة، عن الحرث بن يزيد، ان عبد الله بن
سعد، غزا الأساود سنة احدى وثلاثين، فاقتتلوا قتالا شديدا، فأصيبت
يومئذ عين معاوية بن خديج، وأبي شمر ابن أبرهة، وحيونك بن ناشرة
الكنعي (كذا)، فسموا رماة الخندق، فهادنهم عبد الله بن سعد، إذ
لم يطقهم - زاد الحرث بن مسكين في روايته -: فقال الشاعر يومئذ:
لم تر عيني مثل يوم المقلة * والخيل تعدو بالزروع مثقلة
وفي رواية الحاسب (ظ): الاساودة بزيادة هاء، وفيها: الضميري
بدل الكنعي. والصواب الكنعي وهم بطن من مغافر (ظ).
أخبرنا أبو محمد ابن حمزة، أخبرنا أبو بكر الخطيب، وأخبرنا أبو
القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا محمد بن هبة الله، قالا: أنبأنا محمد بن
الحسين، أنبأنا عبد الله، أنبأنا يعقوب، أنبأنا ابن بكير، عن الليث بن
سعد، ان ابن أبي حذيفة خرج من مصر واستخلف وخرج معه قتلة
عثمان بأعيانهم، فقذفهم معاوية في سجن له، فكسروا السجن وخرجوا،
وأبى أبو شمر ان يخرج من السجن، وقال: لا أكون دخلته أسيرا واخرج
منه آبقا، فأقام في السجن، وجعل معاوية جعلا لمن يأتيه برؤوسهم،
فقتل ابن أبي حذيفة وأصحابه.
كتب إلى أبو محمد حمزة بن العباس، وأبو الفضل أحمد بن محمد
ابن الحسن، وحدثني أبو بكر اللفتواني عنهما، قالا: أنبأنا أبو بكر
الباطرقاني، أنبأنا أبو عبد الله ابن مندة، قال: قال لنا
أبو سعيد ابن يونس: أبو شمر ابن أبرهة بن الصباح الأصبحي
يقال: له صبحة، ويوجد ذكره في الاخبار وفي الحديث. ويقال: قتل (ظ)
أبو شمر مع معاوية بصفين.
466

وقال ابن حجر في الإصابة: ج 4 ص 130، تحت الرقم (620) من باب
الكني: أبو شمر ابن أبرهة بن شرحبيل بن أبرهة بن الصباح الحميري ثم
الأبرهي، ذكر الرشاطي عن الهمداني في أنساب حمير: انه وفد على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم، وقتل مع علي بصفين. قال الرشاطي: لم
يذكره ابن عبد البر، ولا ابن فتحون، وقال ابن ماندة: أبو شمر ابن
أبرهة بن الصباح الأصبحي يقال: له صحبة، ويوجد ذكره في الاخبار.
قلت: وذكر غيرهما انه وفد في عهد عمر فتزوج بنت أبي موسى
الأشعري. ويحتمل أن يكون وفد أولا ثم رجع إلى بلاده، ثم وفد لما
استنفرهم عمر إلى الجهاد. ثم وجدته في تاريخ دمشق، فقال: أبو شمر
ابن أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة بن مرة، ثم قال: أخو كريب بن
أبرهة، ثم قال: هو مصري ثم قال: وقيل: إنه وفد على رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ثم ساق من طرق عن ابن وهب، عن ابن لهيعة
عن الحارث بن يزيد ان عبد الله بن سعد غزا الاسارد (كذا) سنة احدى
وثلاثين، فأصيبت عين معاوية بن خديج وأبي شمر ابن أبرهة، وجندل ابن
شريح فسموا رماة الخندق. ومن طريق يحيى بن بكير، عن الليث انه
كان من جملة الذين خرجوا مع ابن أبي حذيفة إلى معاوية في الرهن، ثم
كسروا السجن فخرجوا وامتنع أبو شمر، فقالا: لا ادخله أسيرا واخرج منه
آبقا فأقام.
ثم وجدت له ذكرا في مقدمة كتاب الأنساب للسمعاني من طريق ابن
لهيعة، عن عبد الله بن راشد، عن ربيعة بن قيس، سمع عليا يقول: ثلاث
قبائل يقولون: انهم من العرب، - وهم أقدم من العرب -: جرهم وهم
بقية عاد، وثقيف وهم بقية ثمود، واقبل أبو شمر ابن أبرهة فقال: وقوم
هذا وهم بقية تبع.
467

أقول: وههنا اشكال وهو: ان الظاهر من تاريخ كتابه الوصية انه
عليه السلام كتبها عند مراجعته من صفين وقدومه (المسكن) وهذا لا يلائم
شهادة شمر بن أبرهة على الوصية، وحضوره حين كتابة أمير المؤمنين (ع)
مع أنه استشهد قبل ذلك بصفين، ويجاب عن هذا الاشكال اما بدعوى ان
قتله بصفين خلاف الواقع، بل إنه كان حيا بعد صفين، وكان ملازما
لأمير المؤمنين (ع) أو انه وقع لراوي الوصية سهو وانه كان هكذا:
(كتب علي بن أبي طالب بيده لعشر خلون من جمادي الأولى سنة ست
وثلاثين) وان أبا شمر ابن أبرهة كان قبل وقعة صفين مع أمير المؤمنين (ع)
ثم ذهب إلى قومه بالشام، ثم خرج معهم بمصاحبة معاوية إلى صفين، ثم تركهم ولحق بأمير المؤمنين (ع) ثم استشهد، أو ان الصحيح نسخة الكافي
وان شاهد الوصية (أبا سمر) بالمهملة دون (أبي شمر) المستشهد بصفين.
أقول: جميع ما ذكر دعاوي مجردة مخالفة لما مر من الآثار، والظاهر
رجحان ما في رواية الشيخ (ره) في التهذيب، من ضبط (أبي شمر) بالمعجمة
على رواية الكافي من ضبطه بالمهملة، وانه من سهو الرواة، فعليك بالتأمل
والتنقيب، لعلك تظفر بما يدفع الاشكال.
التذنيب الثاني:
في تلخيص ترجمة صعصعة بن صوحان العبدي رضوان الله عليه.
كان (ره) من خطباء أهل الحق، وزعماء رهط الصدق، وعلماء حزب
الفلاح، وظرفاء أهل التقوى والصلاح، قد نصر الحق بالجوانح والجوارح
وروج الصدق بالسنان والبنان والبيان، وعارض الباطل مجاهرة، وداحض
العدوان بمجادلة، لم يخف في الله لومة لائم، ولم يدحضه عن القيام
بالحق تطميع أهل المآثم، ولا تخويف معشر الغي والجرائم، كان لسانه
الصدق كسيف الأشتر - رضوان الله عليهما - في تدمير الباطل، واستيصال
468

الملحدين، وكفى في جلالة صعصعة - وآل صوحان عامة - اتفاق علماء
المسلمين على اطرائه - واعظامهم - وحسن الثناء عليه - ومدحهم - مع
تفانيهم في ولاء أمير المؤمنين (ع) وبذل ما دق وما جل في نصرته، مع أنك
عليم انه لم يسلم من قدح الأمويين شيعي، ولم ينج من بهتان المروانيين
موال لأهل البيت (ع)، ولم يتخلص من بوائق علماء السوء وافترائهم
محب لعترة النبي (ص) فارجع إلى كتب التراجم، وتصفح معاجم الرجال
فإنها موشحة بتقريضه وتخفيم اخوانه والإشادة بذكرهم، وبالجملة فلصعصعة
مناقب كثيرة، وترجمته الطويلة مشحونة باللطائف. واصداف الحكم
والمعارف، ولا يتيسر لنا الآن ايفاء الترجمة حقها، فلنذكر نموذجا من ترجمته
من طريق أهل السنة والامامية فنقول:
قال ابن حجر تحت الرقم (4130) من كتاب الإصابة: ج 2 ص 192:
صعصعة بن صوحان العبدي - تقدم ذكر أخويه زيد وسيحان - قال
أبو عمر: كان مسلما في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم
يره. قلت: وله رواية عن عثمان وعلي، وشهد صفين مع علي، وكان
خطيبا فصيحا، وله مع معاوية مواقف. وقال الشعبي: كنت أتعلم منه
الخطب، وروي عنه أيضا أبو إسحاق السبيعي، والمنهال بن عمرو، وعبد
الله بن بريدة وغيرهم. مات بالكوفة في خلافة معاوية. وقيل: بعدها.
وذكر العلائي في أخبار زياد: أن المغيرة (ابن شعبة) نفى صعصعة بأمر
معاوية من الكوفة إلى الجزيرة، أو إلى البحرين. وقيل: (نفاه) إلى
جزيرة ابن كافان (8) فمات بها، وأنشد له المرزباني:

(8) كذا في النسخة، ولعلها محرف (بني كاوان) قال: في باب الجيم
والزاء، من معجم البلدان: 3 ص 103، (جزيرة كاوان، ويقال: جزيرة
بني كاوان، (وهي) جزيرة عظيمة، وهي جزيرة لافت، وهي من بحر فارس
بين عمان وبحرين، افتتحها عثمان ابن أبي العاص الثقفي في أيام عمر بن
الخطاب لما أراد غزو فارس في البحرين، مر بها في طريقه وكانت من أجل
الجزائر عامرة آهلة، وفيها قرى ومزارع، وهي الان خراب. وذكر المسعودي
انها كانت سنة 333 عامرة آهلة.
469

هلا سألت بني الجارود أي فتى * عند الشفاعة والباب ابن صوحانا
كنا وكانوا كأم أرضعت ولدا * عقا ولم نجز بالاحسان احسانا
قال أبو جعفر المحمودي: ومن سجية ابن حجر الاخلال بذكر الجهات
المهمة، أو الإشارة إليها بنحو الابهام والاجمال، وللمناقشة معه فيما أخل
به في ترجمة صعصعة محل آخر.
وقال أبو عمر الكشي رحمه الله - تحت الرقم (19) من رجاله ط
النجف ص 64 -: قال محمد بن مسعود: حدثني أبو جعفر حمدان بن
أحمد، قال: حدثني معاوية بن حكيم، عن أحمد ابن أبي نصر، قال: كنت
عند أبي الحسن الثاني عليه السلام، قال: ولا أعلم الاقام ونفض الفراش
بيده ثم قال لي: يا أحمد ان أمير المؤمنين عليه السلام عاد صعصعة بن صوحان
في مرضه، فقال (له): يا صعصعة لا تتخذ عيادتي لك أبهة على قومك.
قال: فلما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لصعصعة هذه المقالة، قال
صعصعة: بلى والله أعدها منة (من الله) علي وفضلا، قال: فقال له
أمير المؤمنين عليه السلام: اني كنت ما علمتك الا لخفيف المؤنة، حسن
المعونة. قال: فقال صعصعة: وأنت والله يا أمير المؤمنين الا بالله عليما
وبالمؤمنين رؤوفا رحيما.
أقول: وعيادة أمير المؤمنين عليه السلام صعصعة رواها بسند آخر
ابن عساكر، ورواها أيضا اليعقوبي (ره) في أواخر أحوال أمير المؤمنين من
تاريخه ص 193، ج 2 ط النجف، فقال - بعد ما ذكر قريبا مما ذكره
470

الكشي وابن عساكر -: فقال صعصعة يا أمير المؤمنين هذه ابنة الجارود
تعصر عينيها كل يوم لحبسك أخاها المنذر، فأخرجه وانا اضمن ما عليه من
أعطيات ربيعة. فقال (ع): ولم تضمنها - وزعم أنه لم يأخذها - فليحلف
ونخرجه. فقال صعصعة: أراه سيحلف. قال (ع): وانا والله أظن ذلك
فدعاه (ع) فحلف فخلى سبيله. انتهى ملخصا.
ثم أقول: ان ما ذكر في ذيل رواية الكشي وابن عساكر، جرى بين
أمير المؤمنين عليه السلام وزيد بن صوحان، وابن عباس، كما رواه أبو
نعيم في حلية الأولياء. وجرى أيضا بينه (ع) وبين صعصعة لما ضرب (ع)
وعاده صعصعة كما في مقاتل الطالبيين ص 25.
(وأيضا قال): محمد بن مسعود: حدثني علي بن محمد، قال:
حدثني علي بن محمد، قال: حدثني محمد بن أحمد بن يحيى، عن العباس
ابن معروف، عن أبي محمد الحجال، عن داود ابن أبي يزيد، قال: قال
أبو عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام،: ما كان مع أمير المؤمنين (ع)
من يعرف حقه الا صعصعة وأصحابه.
أقول: ولعل المراد من أصحاب صعصعة هم حجر بن عدي الأدبر
شهيد مرج العذراء بالشام، وعدي بن حاتم، وسعيد بن قيس الهمداني،
ومالك الأشتر، والحارث الأعور ومالك بن كعب الأرحبي، وجارية بن
قدامة، وكميل بن زياد، ورشيد الهجري، وأمثالهم رحمهم الله جميعا.
(وأيضا) قال محمد بن مسعود: حدثني أبو الحسن علي ابن أبي علي
الخزاعي، قال: حدثنا محمد بن علي بن خالد العطار، قال: حدثني عمر
ابن عبد الغفار، عن أبي بكر ابن أبي عياش، عن عاصم ابن أبي النجود
عمن شهد ذلك، ان معاوية حين قدم الكوفة، دخل عليه رجال من
أصحاب علي عليه السلام: وكان (الامام) الحسن عليه السلام قد اخذ
471

الأمان لرجال منهم مسمين بأسمائهم وأسماء آبائهم (9) وكان فيهم صعصعة
فلما دخل عليه صعصعة، قال معاوية: لصعصعة: اما والله اني كنت
لا بغض ان تدخل في أماني. قال: وانا والله أبغض أن أسميك بهذا الاسم
ثم سلم عليه بالخلافة قال فقال معاوية: ان كنت صادقا فاصعد المنبر، والعن
عليا، قال فصعد المنبر، وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس أتيتكم
من عند رجل قدم شره وأخره، وانه امرني ان العن عليا فالعنوه لعنه
الله. فضج أهل المسجد بآمين. فلما رجع إليه فأخبره بما قال، قال:
لا والله ما عنيت غيري، ارجع حتى تسميه باسمه، فرجع وصعد المنبر، ثم
قال: أيها الناس ان أمير المؤمنين امرني ان العن علي بن أبي طالب، فالعنوا
من لعن علي بن أبي طالب. قال: فضجوا بآمين. قال: فلما خبر معاوية
قال: لا والله ما عنى غيري، أخرجوه لا يساكنني في بلد. فأخرجوه.
أقول: هذا جميع ما رواه الكشي (ره) في ترجمته، وذيل الحديث
يشهد لصحة ما قلناه عن ابن حجر، عن العلائي من أن مغيرة بن شعبة
سفر صعصعة بن صوحان ونفاه عن الكوفة، ويؤيده ما قيل: من أن قبره
معروف في البحرين.
التذنيب الثالث:
في ترجمة يزيد بن قيس، أو سيد بن قيس -: بناء على رواية الشيخ
(ره) في التهذيب - وهياج ابن أبي الهياج.
أما يزيد بن قيس، فالذي أظنه انه يزيد بن قيس الأرحبي عامله (ع)
على الري وهمدان وأصبهان، على ما ذكره شيخ الطائفة قدس الله نفسه تحت
الرقم السادس، من باب الياء، من أصحاب أمير المؤمنين (ع) من رجاله ص 62

(9) كل ذلك حياطة على حفظ صلحاء الأمة، وتوقيا عن تأولات ابن هند
وحيله في استيصال الأبرار، والمحافظين عهد النبي (ص) في عترته وذريته.
472

ط النجف.
وقيل: أخو سعيد بن القيس، وله في حرب صفين مواقف مشهورة
وخطب مأثورة، فراجع كتاب صفين لنصر بن مزاحم، حوادث سنة (37) من
الهجرة من تاريخ الطبري: ج 4 ص 12. ولاستيفاء الكلام في ترجمته
محل آخر.
وأما سعيد بن قيس الهمداني رحمه الله فهو رأس مخلصي أمير المؤمنين
عليه السلام من طائفة همدان - وكلهم كانوا من مخلصي أمير المؤمنين (ع)
وقد امره في مقامات كثيرة على طائفته، ومن كان له أدنى انس بالتاريخ
والاخبار يعلم جلالته وعلو مقامه وولائه الخاص، ومن أجله كان الحجاج
ابن يوسف يتعلل العلل لقتله، حتى كلفه بتزويج بنته للرجل الأود من
مبغضي أمير المؤمنين (ع) كما ذكره المسعودي وغيره، ويكفي في جلالة
بني همدان قوله
إذا كنت بوابا على باب جنة * أقول لهمدان ادخلوا بسلام
كما هو مذكور في جل التواريخ، وروى نصر بن مزاحم (ره) في
كتاب صفين ص 520 ط 2 بمصر، عن عمر بن سعد الأسدي، عن غير بن
وعلة عن أبي الوداك، قال: لما تداعى الناس إلى الصلح بعد رفع المصاحف
(في يوم الهرير، ووقع الخلاف بين عسكر أمير المؤمنين (ع) وندم
بعضهم من قبول الصلح - قال قال علي (ع) إنما فعلت ما فعلت لما بدا فيكم
الخور والفشل. فجمع سعيد بن قيس قومه ثم جاء في رجراجة من همدان
كأنها ركن حصير (يعني جبلا باليمن - وفيهم ابنه عبد الرحمان وهو
غلام له ذؤابة، فقال سعيد: ها أنا ذا وقومي لا نرادك ولا نرد عليك فمرنا
بما شئت. قال (ع) اما لو كان هذا قبل سطر الصحيفة (10) لأزلتهم

(10) هذا هو الصحيح، دون ما استصوبه محمد هارون فراجع، أي لو
كان هذا الجد والاجتماع قبل كتابة صحيفة العهد لأزلتهم عن عسكرهم الخ.
473

عن عسكرهم أو تنفرد سالفتي قبل ذلك، ولكن انصرفوا راشدين،
فلعمري ما كنت لأعرض قبيلة واحدة للناس.
وقال الكشي (ره) في آخر ترجمة صعصعة من رجاله ص 65 ط
النجف -: قال الفضل بن شاذان: ومن التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم
جندب بن زهير قاتل الساحر، وعبد الله بن بديلة (كذا) وحجر بن عدي.
وسليمان بن صرد، والمسيب بن نجبة، وعلقمة، والأشتر، وسعيد بن قيس
وأشباههم كثير أفناهم الحرب، ثم كثروا بعد حتى قتلوا مع الحسين عليه
السلام وبعده.
وأما هياج ابن أبي الهياج - على زنة شداد على ما قيل - فلم أطلع
على ترجمة له في المعاجم عدا ما ذكره الشيخ (ره) تحت الرقم الرابع،
من باب الياء، من أصحاب أمير المؤمنين (ع) من رجاله ص 61 ط النجف
ولكن الذي ذكره الشيخ هو: هياج بن هياج. والظاهر الوحدة، وان
من ذكره الشيخ (ره) عين من شهد بوصية أمير المؤمنين (ع): ولعل سقوط
كلمة (أبي) من خطأ الكتاب، أو المطبعة، ويحتمل قويا كون المترجم ابنا
لعبد الله بن سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، فإنه ابن عم أمير المؤمنين
عليه السلام ومكنى بأبي الهياج.
474

- 65 -
ومن وصية له عليه السلام
لما دعاه الله إلى جواره (1).
وبالاسناد المتقدمة عن ثقة الاسلام الكليني (ره) في الكافي قال عبد
الرحمان لن الحجاج عليه الرحمة والرضوان: وكانت الوصية الأخرى التي
بعثها العبد الصالح: الإمام الكاظم عليه السلام، إلي مع الأولى هذه.
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به علي
بن اي طالب، أوصى انه (2) يشهد ان لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وان محمدا عبده ورسوله، أرسله
بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون [صلى الله عليه وآله]. ثم إن صلاتي
ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك

(1) وهذه الوصية الشريفة تشترك مع الوصيتين المتقدمتين برواية
ثقة الاسلام في الكافي بسند صحيح، وباسناد آخر كالصحيح.
وتمتاز عنهما بمصادر وثيقة اخر، والاشتهار بين الشيعة وأهل السنة،
كما نشير إليه بعد ختامها، كما أن الوصيتين السالفتين تتفرد ان عن هذه
بما تقدم من أسانيد شيخ الطائفة (ره) وغيرها من الشواهد التي تقدم بعضها.
(2) وفى رواية أبي الفرج: (هذا ما أوصى به أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب، أوصى بأنه يشهد ان لا إله إلا الله) الخ وهو أظهر.
475

له وبذلك أمرت وانا من المسلمين.
ثم اني أوصيك يا حسن وجميع أهل بيتي
وولدي ومن بلغه كتابي (3) بتقوى الله ربكم ولا
تموتن الا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا
ولا تفرقوا (4) فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة
والصيام (5).

(3) وفى رواية أبي الفرج: (ومن بلغه كتابي هذا بتقوى الله ربنا وربكم) الخ.
(4) اقتباس من الآية (103) من سورة آل عمران: 3.
(5) وفي الطبري: (فاني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول:
ان صلاح ذات البين) الخ أقول: قد تقدم مرارا وجه حذف القوم (الآل)
عند الصلاة على النبي (ص)، هذا ما أردنا به الإشارة إلى صنيع الطبري ورهطه،
واما ما يتعلق بكلامه عليه السلام فليعلم ان كلمة ذات المضافة إلى البيت
زائدة وان أفضلية صلاح ذات البين (من عامة الصلاة والصيام، إنما
هو بالنسبة إلى الصلاة والصيام المندوبة، كما يدل عليه ما رواه شيخ
الطائفة (ره) في الحديث (55) من المجلس (18) من الأمالي معنعنا أنه قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: ما عمل امرء عملا بعد إقامة الفرائض خيرا
من اصلاح بين الناس، يقول خيرا، ويتمنى خيرا، وروى أيضا باسناده عن
علي (ع) قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: اصلاح ذات البين أفضل من
عامة الصلاة والصوم، يقول إن المعنى في ذلك يكون صلاة التطوع والصوم
وفى ترجمة محمد بن الحجاج من تاريخ دمشق: ج 48 ص 374، أيضا شواهد
لما مر من الاخبار.
476

وإن المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين (6).
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (7).
أنظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم
الحساب.
الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا
بحضرتكم (8) فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله

(6) ومثله في نسخة من مقاتل الطالبين، وفى شرح ابن أبي الحديد
نقلا عنه: (وان المبيرة الحالقة (ظ) للدين افساد ذات البين) أقول:
المبيرة: المهلكة والحالقة: المستأصلة، كاستيصال الموسى للشعر.
(7) ومثله في شرح ابن أبي الحديد، نقلا عن مقاتل الطالبين، وفى ط
من مقاتل الطالبين: (ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
(8) وفى مقاتل الطالبين: (والله الله في الايتمام فلا تغيرن أفواههم
بجفوتكم) وفى تاريخ الطبري: (فلا تعنوا أفواههم، ولا يضيعن بحضرتكم)
الخ. وهو اما من باب التفعيل أو الافعال، يقال: عنى يعني تعناة: واعنى
يعني اعناءا الرجل أي أذاه وكلفه ما يشق عليه.
وأما على رواية ثقة الاسلام فهو مأخوذ أما من (أغبته الحمى): أخذته
يوما وتركته أخرى. أو من (أغب الماشية): سقاها يوما ويوما لا. أو من (أغب
القوم): جاءهم يوما وتركهم يوما. والظاهر أنها ترجع إلى معنى واحد
وعلى جميع الوجوه فالمقصود تعاهد اليتامى واشباعهم واعطاؤهم ما ينبغي
من المطعم والملبس والمسكن، وعدم الغفلة عنهم بحيث يجيعوا ويتغير
أفواههم لعدم ألفتهم بالطعام، فيؤذون بعدم وجدان قوتهم ويؤذون غيرهم). وقال
ابن أبي الحديد - بعد ما ذكر الوصية الشريفة من طريق أبي الفرج -:
قلت: قوله: (الله الله في الأيتام فلا تغيرن أفواههم بجفوتكم) يحتمل تفسيرين
أحدهما لا تجيعوهم) فان الجائع يخلف فمه، وتتغير نكهته. والثاني
لا تحوجوهم إلى تكرار الطلب والسؤال، فإنه ينضب ريقه، وتنشف لهواته،
ويتغير فمه.
477

يقول: من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله عز وجل له
بذلك الجنة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار. الله الله في
القرآن فلا يسبقكم (9) إلى العمل به أحد غيركم الله الله في
جيرانكم (10) فإن النبي صلى الله عليه وآله أوصى بهم،
وما زال رسول الله صلى الله عليه وآله يوصي بهم حتى ظننا
أنه سيورثهم. الله الله في بيت ربكم فلا يخلو منكم ما

(9) وفى الطبري: (فلا يسبقنكم إلى العمل به أحد غيركم) الخ.
(10) وفى الطبري: (الله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم) الخ وفى
مقاتل الطالبين: (فإنها وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما زال يوصينا بها حتى ظننا) الخ، وهذا المعنى مما روته العامة أيضا عن رسول
الله صلى الله عليه وآله من طرق اخر، كما في ترجمة محمد بن مسلمة،
من تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 52، ص 177.
478

بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا (11) وأدنى ما يرجع به من
أمه أن يغفر له ما سلف (12). الله الله في الصلاة فإنها
خير العمل، إنها عمود دينكم (13). الله الله في الزكاة،
فإنها تطفئ غضب ربكم (14). الله الله في شهر رمضان، فإن
صيامه جنة من النار (15). الله الله في الفقراء والمساكين
فشاركوهم [فأشركوهم خ] في معايشكم.
الله الله في الجهاد بأموالكم (16). وأنفسكم وألسنتكم،
فإنما يجاهد رجلان: إمام هدى، أو مطيع له مقتد بهداه.

(11) وفى الطبري: (الله الله في بيت ربكم، فلا تخلوه ما بقيتم، فإنه
ان ترك لم تناظروا) الخ. وفى مقاتل الطالبين: (فإنه ان ترك لم تناظروا
وانه ان أخلي منكم لم تناظروا) الخ /. وهذه الفقرة ساقطة من الطبعة التي
حققها محمد إبراهيم من شرح ابن أبي الحديد.
(12) أمه أي قصده، وهو من باب نصر، ومصدره كمصدره أيضا.
(13) وفى مقاتل الطالبيين: (والله الله في الصلاة فإنها عماد دينكم).
(14) وفى مقاتل الطالبيين: (الله الله في زكاة أموالكم) الخ.
(15) وفى رواية أبي الفرج: (والله الله في صيام شهر رمضان فإنه
جنة من النار) الخ.
(16) وفى مقاتل الطالبيين: (والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم)
كذا في الطبعة البيروتية، ولفظة (في سبيل الله) غير موجودة في شرح ابن
أبي الحديد بتحقيق محمد إبراهيم.
479

الله الله في ذرية نبيكم (17) فلا يظلمن بحضرتكم وبين
ظهرانيكم وأنتم تقتدرون على الدفع عنهم.
الله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا
ولم يؤووا محدثا، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى
بهم، ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي
للمحدث (18).
الله الله في النساء وفيما ملكت ايمانكم، فإن آخر ما
تكلم به نبيكم عليه السلام ان قال: أوصيكم بالضعفين:

(17) وعن أبي الفرج - كما في شرح ابن أبي الحديد -: والله الله
في أهل بيت نبيكم فلا يظلمن بين أظهركم) وصحفت في الطبعة البيروتية
(بأمة نبيكم) وصفحت في بعض المصادر: (بذمة نبيكم) وهذه شنشنة
أعرفها من أخزم.
(18) سيجئ شواهد هذه الفقرة في التذييل الأول الآتي، والأدلة
العقلية والنقلية متوفرتان ومتظاهرتان على استواء العصاة في استحقاق اللعن
والعقوبة، صحابيا كانوا أم غيرهم، بل الأدلة النقلية حاكمة على تضعيف
عقاب من انتسب إلى المقربين إلى الله، وعمله على خلافهم، كما في الآية (32) من
سورة الأحزاب: 33، ومثلها الأخبار الواردة في تفسيرها وغيره، بل العقل
أيضا حاكم بغلظة عذاب المتمرد القريب، حيث إن النعمة عليه أتم، فالشكر
عليه أوجب، فإذا بدله بالكفر يضاعف على العذاب لمقابلته الاحسان بالطغيان.
480

النساء وما ملكت ايمانكم (19).
الصلاة الصلاة الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم
يكفكم الله من أذاكم [كذا] وبغى عليكم، قولوا للناس
حسنا كما امركم الله عز وجل (20).
ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فيولي الله امركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم
عليهم (21).
وعليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبار (22)
وإياكم والتقاطع التدابر والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى
ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله ان الله شديد العقاب

(19) وفى شرح ابن أبي الحديد نقلا عن مقاتل الطالبيين (والله الله
فيما ملكت ايمانكم فإنه كانت آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وآله،
إذ قال: (أوصيكم بالضعفين فيما ملكت ايمانكم، ثم الصلاة الصلاة).
(20) وفى شرح ابن أبي الحديد عن مقاتل الطالبيين: (لا تخافوا في الله
لومة لائم يكفكم من بغى عليكم ومن أرادكم بسوء) والآية المشار إليها بقوله
عليه السلام: (كما امركم الله) هي الآية (83) من سورة البقرة: 2.
(21) وفى نسخة من مقاتل الطالبيين: (فيولى الامر غيركم، وتدعون فلا
يستجاب لكم)، وفى نسخة أخرى منه: فيولى الامر عنكم وتدعون فلا
يستجاب لكم) وفى شرح ابن أبي الحديد (فيتولى ذلك غيركم) الخ.
(22) وفى مقاتل الطالبيين: (عليكم بالتواضع والتباذل والتبار) الخ.
481

حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم أستودعكم
الله واقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته (23)
ثم لم يزل يقول: لا إله إلا الله حتى قبض صلوات الله عليه ورحمته
في ثلاث ليالي (مضين ظ) من العشر الأواخر، ليلة ثلاث وعشرين من
شهر رمضان (24) ليلة الجمعة، سنة أربعين من الهجرة، وكان ضرب
ليلة احدى وعشرين من شهر رمضان.
الحديث السابع، من الباب الثالث، من كتاب الوصايا، من الكافي
ج 7 ص 49، ط الآخوندي بطهران، بتحقيق علي أكبر الغفاري.
ورواها عنه المجلسي العظيم في البحار: ج 9، ص 661 ط الكمباني.

(23) وفى مقاتل الطالبيين: (أستودعكم الله خير مستودع وأقرأ عليكم
سلام الله ورحمته). وفى شرح ابن أبي الحديد: (وعليكم سلام الله ورحمته).
(24) وهنا كلام للمجلسي الوجيه (ره) وشواهد يأتي الكلام عليها في
التذييل الثاني مما ذيلنا به الوصية الشريفة، فليراجع إليه البتة، وفى الطبري:
(ثم لم ينطق الا بلا إله إلا الله حتى قبض رضي الله عنه، وذلك في شهر
رمضان سنة أربعين، وغسله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر،
وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، وكبر عليه الحسن تسع تكبيرات.
ثم ولي الحسن ستة أشهر. وقد كان علي (ع) نهى الحسن عن المثلة، وقال:
يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين، تقولون: قتل أمير المؤمنين
قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن الا قاتلي، أنظر يا حسن ان أنا مت من ضربته
هذه فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثل بالرجل فاني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم، يقول: (إياكم والمثلة، ولو أنها بالكلب العقور).
482

ورواها أيضا الطبري المعاصر للكليني (ره) في تاريخ الأمم والملوك:
ج 4 ص 113، ط مصر.
ونقلها أيضا أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبين 25، باختلاف
لفظي يسير، وقد أشرنا في التعليقات المتقدمة إلى مواضع الاختلاف بين
رواية ثقة الاسلام الكليني (ره) ورواية الطبري وأبي الفرج.
ورواها من طريق أبي الفرج ابن أبي الحديد في شرح المختار (69)
(من خطب النهج) من شرحه: ج 6 ص 120 ونقلها برمتها ابن كثير في تاريخه: ج 7
ص 327.
وذكرها حرفيا في نظم درر السمطين 146، ط 1، وقال: ودعا (ع)
بصحيفة ودواة وقال للكاتب (أكتب) ثم نقلها كما تقدم.
وأشار إليها أيضا ابن الأثير في الكامل، وكذلك ذكرها إشارة القاضي
نعمان في الحديث الثالث، من كتاب الزكاة، من الدعائم 240.
ورواها الطبراني في المعجم الكبير كالطبري.
وأيضا أشار إليها في كتاب ذخائر العقبى ص 116، نقلا عن الفضائلي.
وأخرجها أيضا الخوارزمي في المناقب ص 278، ط 1، وأشار
إلى روايته إياها المجلسي الوجيه (ره) في البحار: 9، 660، س 16،
ط الكمباني.
ونقلها باختلاف طفيف لفظي في المختار (24) من كلمه (ع) في تحف العقول ص 197، وفي ط ص 135.
وقال شيخ الطائفة (ره) في كتاب الغيبة ص 127، ط 1 - في رد
من قال: ان أمير المؤمنين (ع) حي باق -: أخبرنا أحمد بن إدريس،
عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمان بن الحجاج
483

قال: بعث إلي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام بهذه الوصية مع
الأخرى.
أقول: مراد الشيخ (ره) والمشار إليه بقوله: (هذه الوصية) هي
التي فرغنا منها الان، ومقصوده من قوله: (الأخرى) هي الوصية المشتملة
على جعل الولاية للامام المجتبى (ع) على أوقافه وصدقاته، وهو المختار
(63) المتقدم.
قال أبو جعفر المحمودي: وهذا آخر ما أردنا ايراده في هذا الباب
وقد تقدم في باب الخطب كثيرا من وصاياه (ع) بالمعنى الأعم، ونرجو
من الله تعالى ان يوفقنا لنشره، ونأمل من وليه أمير المؤمنين ان يشفع
لنا عند الله كي نساهم أولياءه في اعلاء كلمته، ونتمنى من المؤمنين ومحبي
أمير المؤمنين أن يعاونونا على البر والتقوى كما أمرهم الله تعالى، وصلى
الله على محمد اله الطيبين الطاهرين.
وهنا تذييلات
التذييل الأول:
في شواهد قوله عليه السلام: الله الله في أصحاب نبيكم الذين لم
يحدثوا حدثا ولم يؤووا محدثا، فان رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى
بهم، ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث).
وفي الفصل الثالث، من شرح المختار التاسع، من كتب نهج البلاغة
من شرح ابن أبي الحديد: 14، ص 86، ط مصر، قال: ولما نزل
رسول الله (ص) - في مسيره إلى بدر - بيوت السقيا، أمر أصحابه
ان يستقوا من بئرهم ودعا لأهل المدينة فقال: اللهم ان إبراهيم عبدك وخليلك
ونبيك دعاك لأهل مكة، واني محمد عبدك ونبيك أدعوك لأهل المدينة،
484

ان تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم اللهم حبب الينا المدينة واجعل
ما بها من الوباء بخم، اللهم إني حرمت ما بين لابتيها، كما حرم إبراهيم
خليلك مكة. وقريب منه في مادة (مدينة يثرب) من معجم البلدان: ج 7
ص 426.
وفي الحديث الأول من باب ترجمة علي (ع) من تاريخ ابن عساكر:
ج 37 ص 112 قال: أخبرنا أبو المظفر ابن القشيري، أنبأنا أبو سعد الأديب
أنبأنا أبو عمرو ابن حمدان، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، أنبأنا أبو خيثمة،
أنبأنا مروان بن معاوية الفزاري، أنبأنا منصور بن حيان، أنبأنا أبو الطفيل
عامر بن واثلة، قال: كنت عند علي بن أبي طالب، فأتاه رجل فقال: ما
كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إليك. فغضب ثم قال: ما كان النبي
صلى الله عليه وسلم يسر إلي شيئا كتمه الناس (25) غير أنه حدثني
كلمات أربع قال: فقال: ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال قال: لعن الله من لعن
والديه، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله
من غير منار الأرض. (و) رواه مسلم عن أبي خيثمة زهير بن حرب.
وقريب منه في ترجمة إسماعيل بن حمدويه البيكاني الخراساني من تاريخ
دمشق أيضا، ج 6 ص 15.

(25) كأن مراد السائل كان شيئا خاصا، أو زمانا مخصوصا، والا فقد
تواتر عنه (ص) ان عليا باب علمي. وكذا تواتر عنه (ع) قوله: (علمني
رسول الله (ص) ألف باب من العلم، كل باب منه ألف باب) وفى رواية:
(يفتح من كل باب منه ألف ألف باب) بل الأدلة الخاصة الواردة عنه (ع)
من أن النبي (ص) عهد إليه وسمى له المؤمنين والمنافقين إلى يوم القيامة
كثيرة، وبعضها ذكرناها في باب أخباره (ع) بالغيب.
485

ورواه في الحديث (3671) من كنز العمال: ج 8 ص 233 مرسلا عن (م‍ ق، وأبو عوانة حب ق).
وقال في مادة (حدث) من لسان العرب: وفي حديث المدينة: (من
أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا) الحدث: الامر الحادث المنكر الذي
ليس بمعتاد ولا معروف في السنة، و (المحدث) يروى بكسر الدال وفتحها
(على الفاعل والمفعول - فمعنى الكسر: من نصر جانيا وآواه وأجاره من
خصمه، وحال بينه وبين ان يقتص منه، وبالفتح هو الامر المبتدع نفسه
ويكون معنى الايواء فيه، الرضا به والصبر عليه، فإنه إذا رضي بالبدعة
وأقر عليها ولم ينكرها عليه فقد آواه، ومثله في مادة (حدث من النهاية
لابن الأثير.
وفي الفصل الثالث، من شرح المختار (57) من خطب نهج البلاغة، من
شرح ابن أبي الحديد، ج 4 ص 67، قال أبو جعفر الإسكافي: وروى
الأعمش قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة، جاء إلى
مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من ا لناس، جثا على ركبتيه ثم
ضرب صلعته مرارا وقال: يا أهل العراق، أتزعمون اني أكذب على الله وعلى
رسوله وأحرق نفسي بالنار! والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: (ان لكل نبي حرما، وان حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور (26)،

(26) قال ابن أبي الحديد: الظاهر أنه غلط من الراوي، لان ثورا بمكة
وهو جبل يقال له: ثور أطحل. وفى مادة (ثور) من كتاب النهاية لابن
الأثير: وفى الحديث: (انه حرم ما بين عير إلى ثور) (و) هما جبلان، أما
عير فجبل معروف بالمدينة، وأما ثور فالمعروف انه بمكة، وفيه الغار الذي
بات فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر، وهو المذكور في
القرآن، وفى رواية قليلة (ما بين عير وأحد) وأحد بالمدينة، فيكون ثور
جبل بمكة، ويكون المراد انه حرم من المدينة قدر ما بين عير وثور من مكة،
أو حرم المدينة تحريما مثل تحريم ما بين عير وثور بمكة على حذف المضاف
ووصف المصدر المحذوف. وقال أبو عبيد: أهل المدينة لا يعرفون بالمدينة
جبلا يقال له ثور بمكة. وقال غيره: إلى بمعنى مع كأنه جعل
المدينة مضافا إلى مكة في التحريم.
أقول: قال الفيروزآبادي في مادة (ثور) من القاموس: (وثور) جبل
بمكة، وفيه الغار المذكور في التنزيل، أو يقال له: ثور أطحل، واسم الجبل
أطحل، نزله ثور بن عبد مناة فنسب إليه، وجبل بالمدينة، ومنه الحديث
الصحيح: (المدينة حرم ما بين عير إلى ثور) وأما قول أبي عبيد بن سلام
وغيره من الأكابر الاعلام: (ان هذا تصحيف، والصواب إلى أحد، لان
ثورا إنما هو بمكة) فغير جيد، لما أخبرني الشجاع البعلي الشيخ الزاهد
عن الحافظ أبي محمد عبد السلام البصري ان حذاء أحد جانحا إلى ورائه
جبلا صغيرا يقال له: ثور. وتكرر سؤالي عنه طوائف من العرب العارفين
بتلك الأرض فكل أخبرني أن اسمه ثور، ولما كتب إلى الشيخ عفيف الدين
المطري عن والده الحافظ الثقة، قال: ان خلف أحد عن شماليه جبلا صغيرا
مدورا يسمى ثور، يعرفه أهل المدينة خلفا عن سلف.
486

فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) واشهد بالله
ان عليا أحدث فيها.
فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه امارة المدينة.
وفي الجامع الصغير: 2، 124، نقلا عن ح م ن، أنه قال (صلى الله
عليه وآله): لعن الله من آوى محدثا.
وفي عنوان (دخول المدينة) من كتاب دعائم الاسلام: ج 1، ص 295
ط مصر: روينا عن علي (صلع) انه خطب الناس وقال في خطبته: قال
غلطا من الراوي، وإن كان هو الأشهر في الرواية والأكثر. وقيل: إن عيرا
487

رسول الله (صلع) المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها
حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه
صرفا ولا عدلا.
وفي الحديث (21) من الباب الثاني عشر، من أبواب المزار، من
(مستدرك الوسائل): ج 2 ص 194، عن دعائم الاسلام، عن رسول الله
صلى الله عليه وآله أنه قال: (من أحدث في المدينة حدثا أو آوى محدثا
فعليه لعنة الله. قيل لأبي عبد الله عليه السلام: ما الحدث؟ قال: القتل).
وروى ثقة الاسلام الكليني - في (باب تحريم المدينة) وهو الباب
(225) من كتاب الحج، من الكافي: ح 4 ص 563 ط طهران - أخبارا
كثيرة في هذا المعنى إلى أن قال في الحديث السادس: (حدثنا) علي
ابن إبراهيم عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان، عن ابن
أبي عمير، عن جميل بن دراج، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحدث بالمدينة حدثا أو
آوى محدثا فعليه لعنة الله. قلت: وما الحدث؟ قال: القتل.
وفي حوادث سنة (36) من تاريخ الطبري: ج 3، ص 479، في عنوان
دخول عائشة ومن معها البصرة، قال: أرسل عثمان بن حنيف عمران بن
حصين أبا الأسود الدؤلي إلى عائشة، فانتهيا إليها ب‍ (الحفير) فاستأذنا
فأذنت لهما، فسلما وقالا: ان أميرنا بعثنا إليك نسألك عن مسيرك فهل
أنت مخبرتنا؟ فقالت: والله ما مثلي يسير بالامر المكتوم ولا يغطي لبنيه
الخبر، ان الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وأحدثوا فيه الاحداث وآووا فيه المحدثين،
واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله.
هذا ملخص ما أردنا الاستشهاد به من كلامه فراجع.
488

وروى الحميري في الحديث (345) من قرب الإسناد ص 50 عن ابن
طريف، عن ابن علوان، عن الإمام الصادق عن أبيه (ع) قال: وجد في
غمد سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة مختومة ففتحوها فوجدوا
فيها: (ان أعتى الناس على الله القاتل غير قاتله، والضاربة،
ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، ومن تولى إلى غير مواليه فقد كفر بما أنزل
على محمد صلى الله عليه وآله وسلم).
ورواه مع التالي عنه في الحديث (16، 17) من الباب (6) من
المجلد السابع عشر من البحار: ص 36.
وروى أيضا عن علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال: ابتدر الناس إلى
قراب سيف رسول الله صلى الله عليه وآله بعد موته، فإذا صحيفة صغيرة
وجدوا فيها: (من آوى محدثا فهو كافر، ومن تولى غير مواليه فعليه
لعنة الله. ومن أعتى الناس على الله عز وجل من قتل غير قاتله، أو ضرب غير
ضاربه).
وفي تحف العقول في وصايا الإمام الكاظم (ع) لهشام بن الحكم (ره):
(يا هشام وجد في ذؤابة سيف رسول الله (ص): ان اعتى الناس على الله
من ضرب غير ضاربه، وقتل غير قاتله، ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما
أنزل الله على نبيه محمد، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا لم يقبل الله منه
يوم القيامة صرف ولا عدلا).
وروي الشيخ الصدوق (ره) في الحديث الأول، من الباب (118)
من المجلد الثاني من معاني الأخبار، 264 معنعنا عن جميل بن دراج، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: لعن رسول الله صلى الله عليه
489

وآله من أحدث في المدينة حدثا أو آوى محدثا، قلت: وما ذلك الحدث؟
قال: القتل.
وفي الحديث الثاني، من الباب معنعنا، عن أمية بن يزيد القرشي،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحدث حدثا أو آوى
محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه عدلا
ولا صرفا يوم القيامة. فقيل: يا رسول الله ما الحدث؟ قال من قتل
نفسا بغير نفس، أو مثل مثلة بغير قود، أو ابتدع بدعة بغير سنة، أو
انتهب نهبة ذات شرف. (كذا) قال: فقيل: ما العدل يا رسول الله؟
قال: الفدية. قال: فقيل: ما الصرف يا رسول الله؟ قال: التوبة (27).
وفي الحديث (37) من كلمه صلى الله عليه وآله في البحار: 17،
ص 39 ط الكمباني نقل عن المحاسن معنعنا، عن الإمام الصادق (ع)
قال: ان عليا عليه السلام وجد كتابا في قراب سيف رسول الله صلى الله
عليه وآله مثل الإصبع (كذا) فيه: (ان أعتى الناس على الله القاتل
غير قاتله، والضارب غير ضاربه، ومن والى غير مواليه فقد كفر بما أنزل
الله على محمد صلى الله عليه وآله، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا
فلا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، ولا يجوز (يحل خ ل) لمسلم ان يشفع
في حد).
وفي وصايا النبي صلى الله عليه وآله لعلي (ع): (يا علي من انتمى
إلى غير مواليه فعليه لعنة الله، ومن منع أجيرا أجره فعليه لعنة الله.
ومن أحدث حدثنا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله. فقيل يا رسول الله: وما ذلك

(27) رواه مع ما قبله عنه في الحديث (18، 19) من الباب الأول،
من أبواب الجنايات، من البحار: 24، 36 ط الكمباني.
490

الحدث؟ قال: القتل).
رواها في وصايا النبي (ص) إلى علي عليه اللام وهو الحديث
الأول، من باب النوادر، من كتاب من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 262،
ط النجف. ورواها المجلسي الوجيه (ره) في البحار: ج 17، ص 16، ط
الكمباني نقلا عن الصدوق (ره) في كتاب الخصال.
وروى الشيخ الصدوق (ره) في الحديث الثالث، من باب النوادر،
من كتاب معاني الأخبار، ص 379، معنعنا عن الإمام الصادق (ع) قال:
وجد في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة فإذا فيها
(مكتوب): (بسم الله الرحمن الرحيم ان أعتى الناس على الله يوم القيامة من قتل غير قاتله، ومن ضرب غير ضاربه، ومن تولى غير مواليه فهو كافر
بما انزل الله تعالى على محمد (ص). ومن احدث حدثا أو آوى محدثا لم يقبل الله تعالى
منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا). قال: ثم قال: تدرى ما يعني بقوله: (من تولى غير
مواليه)؟ قلت ما يعني به؟ قال: يعني أهل الدين. (والصرف: التوبة في قول
أبي جعفر عليه السلام والعدل: الفدا في قول أبي عبد الله (28).
وفي الحديث السادس، من الباب ص 380 معنعنا عن الحسن ابن بنت
الياس، قال: سمعت الرضا عليه السلام: يقول: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: (لعن الله من أحدث حدثا أو آوى محدثا. قلت: وما
الحدث؟ قال: القتل (29).

(28) بين المعقفين مأخود من البحار: 24 ص 37 ط الكمباني.
(29) ورواه في الحديث الرابع عشر، من الباب الأول، من أبواب الجنايات
من البحار: 24، 36، ط الكمباني عنه وعن عيون أخبار الرضا، وثواب
الاعمال وأيضا رواه في الحديث (31) من الباب (6) من البحار: 17.
37 س 6 عكسا، ط الكمباني عن معاني الأخبار.
491

وفي الحديث (346) من الجزء الأول، من قرب الإسناد، ص 50
ط الأول: عن ابن علوان عن جعفر بن محمد، قال،: حدثني زيد بن أسلم
ان رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عمن أحدث حدثا أو آوى محدثا
ما هو؟ فقال: من ابتدع بدعة في الاسلام، أو مثل بغير جسد (كذا)
أو من انتهب نهبة يرفع المسلمون إليها أبصارهم، أو يدفع عن صاحب
الحدث، ان ينصره ان يعينه.
وفي ترجمة الشافعي محمد بن إدريس من تاريخ دمشق: ج 47 ص 128:
ان رسول الله حرم مدينة كما حرم إبراهيم مكة.
وأيضا قال ابن عساكر في ترجمة الرميلي: مكي بن عبد السلام المقدسي
من تاريخ الشام: 57 ص 12 معنعنا عن علي عليه السلام أنه قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث
فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل
الله منه عدلا ولا صرفا، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم (30).
وفي ترجمة مسلم بن عقبة من تاريخ دمشق ج 55، ص 44 أخبرنا
أبو سعد البغدادي وأبو بكر اللفتواني وأبو طاهر محمد ابن أبي نصر ابن
أبي القاسم، قالوا: أخبرنا محمود بن جعفر بن محمد، أخبرنا عم والدي
أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن جعفر، أخبرنا إبراهيم بن السندي بن علي
أخبرنا الزبير بن بكار، حدثني عبد الله ابن نافع، عن عبد الله بن نافع
(كذا) عن محمد بن المنكدر، عن ابن أخي جابر بن عبد الله ان جابر بن عبد
الله كان قد ذهب بصره فلما كان يوم الحرة خرج فأتاه حجر وهو بيني وبين ابنه

(30) وفى الحديث أكذوبة أخرنا التعرض لها للمبحث الذي نتكلم فيه
عما ورد عن أمير المؤمنين فيما ورثه من النبي (ص).
492

فنكبه فقال حسن (ظ): تعس من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت ومن أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم، يقول: من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين
جنبي.
ورواه المسيبي (ظ) عن ابن نافع فقال: عن ابن جابر.
أخبرناه أبو منصور الحسين بن طلحة بن الحسين، وأم البها فاطمة
بنت محمد. قالا: أنبأنا إبراهيم بن منصور، أنبأنا أبو بكر ابن المقري،
أنبأنا أبو يعلى، أنبأنا محمد بن إسحاق المسيبي، حدثني عبد الله بن نافع،
عن عبد الله بن نافع مولى بن عمر، عن ابن المنكدر عن ابني (ظ) جابر
ابن عبد الله، ان جابرا كان قد ذهب بصره، فلما كان يوم الحرة،
خرج فارا وهو بيني وبين ابنه فنكبه حجر، فقال حسن: تعس من أخاف
النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: ومن أخاف رسول الله صلى الله
عليه وسلم؟ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: من
أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبي.
أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد المقري، أنبأنا أبو الحسين احمد
ابن عبد الرحمان بن محمد سبط أبي بكر ابن أبي علي الذكواني، أنبأنا
أبو الفرج عثمان بن أحمد بن إسحاق البرجي (كذا) أنبأنا أبو جعفر محمد
ابن عمر بن حفص، أخبرنا شاذان وهو إسحاق بن إبراهيم الفارسي، أنبأنا
سعد بن الصلت، عن عبد الرحمان بن عطاء الزراع، عن محمد بن جابر
ابن عبد الله الأنصاري، عن أبيه: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم، يقول: من أخاف (أهل ظ المدينة فقد أخاف ما بين جنبي.
أخبرنا أبو محمد أيضا، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد
الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر اليزدي املاء (ظ)
493

أنبأنا محمد بن الحسن أبو طاهر، أنبأنا حامد بن محمود بن حرب أنبأنا
مكي بن إبراهيم، أنبأنا هاشم بن هاشم بن عتبة ابن أبي وقاص، عن عبد الله بن
نسطاس (كذا) عن جابر بن عبد الله، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: من أخاف أهل المدينة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين،
لا يقبل الله منه عدلا ولا صرفا، من أخاف من أهلها فقد أخاف ما بين هذين
ووضع يديه على جنبيه تحت ثدييه.
أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو الحسين ابن النقور
أنبأنا عيسى بن علي، أنبأنا عبد الله بن محمد، أنبأنا سويد بن سعيد وابن
مطيع - واللفظ لسويد - قالا: أنبأنا إسماعيل بن جعفر، عن يزيد بن
خصيفة (كذا)، عن عبد الله بن عبد الرحمان ابن أبي صعصعة، ان عطاء
ابن يسار اخبره، ان السائب بن خلاد من بلحرث بن الخزرج (كذا)،
اخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: من أخاف أهل المدينة
ظالما لهم إخافة الله، وكانت عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.
قال (31): وأنبأنا عبد الله، أنبأنا محمد بن زنبور المكي، أنبأنا ابن أبي حازم
عن يزيد بن الهاد (كذا) عن أبي بكر ابن المنكدر، عن عطاء بن يسار
عن السائب بن خلاد، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
قال: وأنبأنا عبد الله، أنبأنا أبو خيثمة عبد الصمد بن عبد الوارث
حدثني أبي، حدثني يحيى - يعني ابن سعيد - عن مسلم ابن أبي مريم،

(31) لفظة (قال) ليست لابن عساكر، بل لمن تقدم في الخبر السابق
من بعض الرواة.
494

عن عطاء بن يسار (ظ) عن السائب بن خلاد، قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين.
وروي (كذا) عن عطاء بن يسار بأسناد اخر أخبرناه أبو القاسم
ابن السمرقندي، أنبأنا أبو محمد الصريفيني وأبو نصر الزينبي - حيلولة -
وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن أحمد المقري، أنبأنا أبو محمد
الصريفيني، قالا: أنبأنا محمد بن عمر بن علي بن خلف، أنبأنا عبد الله
ابن سليمان بن الأشعث، أنبأنا عيسى بن حماد، أنبأنا الليث عن هشام، عن
موسى بن عقبه، عن عطاء بن يسار، عن عبادة بن الصلت، عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم، أنه قال: اللهم من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه
وعليه لعنة الله (كذا) والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف
ولا عدل.
وقال أحمد بن حنبل في المسند: حدثنا أنس بن عياض، حدثني يزيد
ابن حفصة، عن عبد الله بن عبد الرحمان ابن أبي صعصعة عن عطاء بن
يسار، عن السائب بن خلاد، ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين، لا يقبل الله يوم القيامة (منه) صرفا ولا عدلا.
وقال البخاري: حدثنا حسين بن حريث، أخبرنا أبو الفضل عن جعيد،
عن عائشة (كذا) قال سمعت سعدا يقول: سمعت رسول الله (ص)
يقول: لا يكيد (أحد) أهل المدينة الا انماع كما ينماع الملح في الماء.
وروى مسلم عن رسول الله (ص) انه (قال:) لا يريد أهل المدينة
أحد بسوء الا إذا به الله في النار ذوب الرصاص.
أقول: ما ذكرناه عن ابن حنبل والبخاري ومسلم، فقد نقلناه عنهم
495

عن كتاب تذكرة الخواص، ص 298، وفيما ذكر غنى وكفاية، ومن أراد
المزيد فعليه بما رواه العلامة الأميني مد ظله في الغدير: ج 11، ص 34
ط طهران، والفصل الثاني من كتاب الوفاء الوفاء: ج 1، ص 30.
التذييل الثاني:
قال العلامة المجلسي أعلى الله في الصديقين مقامه، في تعليقه على قول
الراوي: (ثم لم يزل يقول: لا إله إلا الله حتى قبض صلوات الله عليه
ورحمته في ثلاث ليال (مضين ظ) من العشر الأواخر، في ليلة ثلاث وعشرين):
ما اشتمل عليه الخبر من تاريخ شهادته (ع) في ليلة ثلاث وعشرين من شهر
رمضان المبارك، مخالف لسائر الاخبار، ولما هو المشهور بين الخاصة والعامة
ولعله اشتباه من الرواة.
أقول: ويحتمل أيضا ان الإمام الكاظم (ع) تعمد ذلك تقية لأجل
الايقاء على عبد الرحمان ورهطه ومتابعيه، إذ لو بين (ع) له حقيقة
الامر، من استشهاد أمير المؤمنين (ع) في ليلة احدى وعشرين من شهر
رمضان، لكان عبد الرحمان بن الحجاج بمقتضى ولائه الخالص وتشيعه
الصريح، في يوم وفاته (ع) قلقا مهموما، متحسرا باكيا، والبكاء والأنين
والتأسف والتأوه، في يوم وفاة أمير المؤمنين والأئمة من بنيه عليهم السلام
رمز التشيع، وسمة موالي الأئمة الطاهرين (ع)، فكل من عرف بذلك
كان في تلك الأيام في معرض الهلاك والدمار، وحيث إن عبد الرحمان بن
الحجاج كان علما من أعلام الشيعة، وركنا من أركان حملة الشريعة، وانه
أتباع وأحباب وأصحاب، كان سريان الاستيصال إليهم جميعا محتملا، فالإمام عليه السلام
لم يبين له الواقع ونفس الامر تحفظا عليهم، ان قيل: إن هذا
المحذور بعينه موجود في تعيين شهادته (ع) في ليلة ثلاث وعشرين. قلت:
ليس الامر على ما قيل، إذ الجزع والنوح في ليلة ثلاث وعشرين، لم يكن
496

من دأب الشيعة، وعلامة ولاء أمير المؤمنين (ع) فلو وجد شخص باكيا
منكسرا محزونا في ليلة ثلاث وعشرين لم يحتملوا التشيع في حقه، بل
يعتقدون أن حزنه وبكاءه تضرع واستكانة إلى الله ليغفر له ويرفع
درجته، لان الليلة ليلة القدر، والتوبة والإنابة، والاستغفار والبكاء لأجل
ما فرط فيه محبوب ومطلوب، أو يظنون أن بكاءه واضطرابه من جهة
حلول مكروه دنيوي، وعروض حادثة مؤلمة، وكيف كان فالمشهور المعروف
بين علماء الشيعة، انه عليه السلام ضرب في الليلة التاسعة عشرة من شهر
رمضان، وانتقل إلى جوار الله تعالى ليلة احدى وعشرين من الشهر، في
سنة أربعين من الهجرة، وهذا القول معاضد بشواهد كثيرة من الاخبار
وأقول أجلة العلماء والمحققين، فلنذكر ما حظرنا الآن من الشواهد.
قال ثقة الاسلام الكليني قدس الله نفسه في باب مولد أمير المؤمنين
عليه السلام من كتاب الحجة من أصول الكافي: ج 1، ص 452: ولد
أمير المؤمنين عليه السلام بعد عام الفيل بثلاثين سنة، وقتل عليه السلام في
شهر رمضان لتسع بقين منه، ليلة الأحد، سنة أربعين من الهجرة، وهو ابن
ثلاث وستين سنة، بقي بعد قبض النبي صلى الله عليه وآله ثلاثين سنة.
أقول: ومثله في التهذيب: ج 4 ص 196، ط النجف.
وقال معلم الأمة الشيخ المفيد (ره) في كتاب الارشاد، ص 169، ط
النجف: فضرب عليه السلام بتسع عشرة من شهر رمضان، وقضى في ليلة
احدى وعشرين من ذلك الشهر.
497

وقال أبو الفرج في مقاتل الطالبين ص 27: حدثني أحمد بن عيسى
قال: حدثنا الحسين بن نصر، قال: حدثنا زيد بن المعدل، عن يحيى بن
شعيب، عن أبي مخنف، عن فضيل بن خديج، عن الأسود الكندي
والأجلح، قالا: توفي علي عليه السلام وهو ابن أربع وستين سنة، في عام
أربعين من الهجرة، ليلة الأحد لإحدى وعشرين ليلة مضت من شهر رمضان
وولي غسله ابنه الحسن وعبد الله بن العباس، وكفن في ثلاثة أثواب ليس
فيها قميص، وصلى عليه ابنه الحسن، فكبر عليه خمس تكبيرات ودفن
بالرحبة مما يلي أبواب كندة.
وقال أيضا عندما ذكر مجئ ابن ملجم وشبيب ووردان إلى قطام في
مسجد الكوفة للفتك بأمير المؤمنين (ع): وكان ذلك في ليلة الجمعة
لتسع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة أربعين على رواية أبي مخنف. انتهى
ملخصا.
ونقله عنه ابن أبي الحديد، في شرح المختار (69) من خطب نهج
البلاغة، وفي الفضل الرابع من شرح المختار (57) من خطب النهج من
شرح ابن أبي الحديد: ج 4 ص 81، ط مصر، نقل عن شيخه أبي القاسم
البلخي - في بيان انحراف الوليد بن عقبة - ان للوليد شعر يقصد فيه
الرد على رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: (ان تولوها عليا
تجدوه هاديا مهديا) قال: وذلك أن عليا عليه السلام، لما قتل قصد بنوه
أن يخفوا قبره خوفا من بني أمية أن يحدثوا في قبره حدثنا، فأوهموا
الناس في موضع قبره تلك الليلة - وهي ليلة دفنه - ايهامات مختلفة.
فشدوا على جمل تابوتا موثقا بالحبال، يفوح منه روائح الكافور، وأخرجوه
من الكوفة في سواد الليل بصحبة ثقاتهم يوهمون انهم يحملونه إلى المدينة
498

فيدفنونه عند فاطمة عليها السلام، وأخرجوا بغلا وعليه جنازة مغطاة
يوهمون انهم يدفنونه بالحيرة، وحفروا حفائر عدة، منها بالمسجد السهلة
ومنها برحبة القصر - قصر الامارة - ومنها في حجرة من دور آل جعدة
ابن هبيرة المخزومي، ومنها في أصل دار عبد الله بن يزيد القسري بحذاء
باب الوراقين مما يلي قبلة المسجد، ومنها في الكناسة ومنها في الثوية،
فعمي على الناس موضع قبره ولم يعلم دفنه الا بنوه والخواص المخلصون
من أصحابه، فإنهم خرجوا به عليه السلام وقت السحر، في الليلة الحادية
والعشرين من شهر رمضان، فدفنوه على النجف بالموضع المعروف بالغري
بوصاة منه عليه السلام إليهم في ذلك، وعهد كان عهد به إليهم وعمي
موضع قبره على الناس، واختلفت الأراجيف في صبيحة ذلك اليوم اختلافا
شديدا، وافترقت الأقوال في موضع قبره الشريف وتشعبت، وادعى قوم
ان جماعة من طي وقعوا على جمل في تلك الليلة، وقد أضله أصحابه
ببلادهم وعليه صندوق، فظنوا فيه مالا، فلما رأوا ما فيه خافوا أن يطلبوا
به فدفنوا الصندوق بما فيه، ونحروا البعير واكلوه، وشاع ذلك في بني أمية
وشيعتهم واعتقدوه حقا، فقال الوليد بن عقبة من أبيات يذكره عليه
السلام فيها:
فان يك قد ضل البعير بحمله * فما كان مهديا ولا كان هاديا
وقال اليعقوبي (ره) في بيان شهادته (ع) من تاريخه: ج 2، ص 202
ط النجف: وأقام (أمير المؤمنين) يومين (بعد ما ضربه ابن ملجم) ومات
ليلة الجمعة أول ليلة من العشر الأواخر، من شهر رمضان سنة أربعين
- ومن شهور العجم في كانون الاخر - وهو ابن ثلاث وستين سنة،
وغسله الحسن ابنه بيده وصلى عليه وكبر عليه سبعا، وقال: اما انها
لا تكبر على أحد بعده، ودفن بالكوفة في موضع يقال له: (الغري)
499

وكانت خلافته أربع سنين وعشرة أشهر.
وروي الكنجي معنعنا - في الحديث الثاني، من الباب الحادي العشر
من كفاية الطالب ص 320 -، عن الأسود الكندي قال: توفي علي عليه
السلام، وهو ابن أربع وستين سنة، سنة أربعين، في ليلة الأحد، لإحدى
وعشرين ليلة مضت من شهر رمضان.
وروى الخوارزمي معنعنا في الحديث الثاني عشر، من الفصل (26)
في بيان شهادة أمير المؤمنين (ع) من مناقبه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، قال:
ولي علي بن أبي طالب عليه السلام، خمس سنين، وقتل سنة أربعين من
مهاجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ابن ثلاث وستين سنة، أصيب
يوم الجمعة، ودفن يوم الأحد، الحادي والعشرين من شهر رمضان،
ودفن بظاهر الكوفة.
وذكر أبو جعفر محمد بن حبيب البغدادي صاحب المحبر الكبير،
ان مدة خلافة علي كانت خمس سنين الا شهرين، ثم قتله ابن ملجم لعنه
الله، ضربه قبل دخول العشر الأواخر بليلتين، ومات أول ليلة من العشر
الأواخر، في سنة أربعين، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وصلى عليه الحسن
عليه السلام.
ونقل الزرندي في (نظم درر السمطين) ص 138، عن الواقدي
انه (ع) قتل ليلة سبع عشرة من رمضان (32) ليلة الجمعة، ومات لإحدى
وعشرين. وروي عن نصر بن علي أنه قال: نزل الوحي على رسول الله (ص)

(32) اي ضرب (ع) في تلك الليلة، وهذا القول معروف عند أهل
السنة، ومخالف لأخبارنا، من أنه (ع) ضرب ليلة التسع عشرة من شهر
رمضان، وكيف كان فالشاهد للمدعي هو ذيل الكلام دون صدره.
500

وعلي بن أبي طالب (ابن ظ) اثنتي عشرة سنة، وكان مع النبي (ص)
بمكة قبل الهجرة ثلاث عشرة سنة، وأقام معه بالمدينة عشر سنين، وعاش
بعده ثلاثين سنة، وضربه ابن ملج لتسع عشرة خلته من رمضان، سنة
أربعين من الهجرة الخ.
وقال أيضا - عند بيان سبب قتله (ع) ص 142 -: واتعدوا (أي
ابن ملجم ومعاهديه) أن يكون ذلك (أي قتل علي ومعاوية وعمرو بن
العاص) في ليلة التسع عشرة من رمضان، الخ.
ونقل المسعودي في مروج الذهب: ج 2 ص 114، ط بيروت - بعد
ذكر فرية أخذها من الطبري - أنه قال (ع) في ليلة وفاته: أما والله انها
الليلة التي ضرب فيها يوشع بن نون ليلة سبع عشرة، وقبض ليلة احدى
وعشرين.
ثم قال المسعودي: وبقي علي الجمعة والسبت، وقبض ليلة الأحد
ودفن بالرحبة عند مسجد الكوفة.
وأيضا الظاهر من الأعثم الكوفي انه (ع) استشهد في الليلة الحادية
والعشرين من شهر رمضان، وإنما قلنا الظاهر منه كذلك، لأنه صرح -
كما في تاريخه المترجم بالفارسية ص 314 - انه (ع) اخبر بنته أم كلثوم
في ليلة الأربعاء التاسعة عشرة من شهر رمضان، بأنها الليلة التي وعدت،
ما كذبت ولا كذبت. ثم ذكر بعض ما عمله (ع) وجرى عليه في تلك الليلة.
والظاهر أنه لا خلاف في أنه (ع) عاش بعد ما ضربه اللعين يومين، وانه
انتقل إلى جوار الله تعالى في الليلة الثالثة من مضربه، فالمحصل من جميع
ما ذكرناه ان الأعثم الكوفي قائل باستشهاد أمير المؤمنين (ع) في الليلة
الحادية والعشرين من شهر رمضان المبارك.
وفي ترجمة أمير المؤمنين (ع) من تاريخ دمشق: ج 38 ص 125:
501

وأخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو بكر الطبري، قالا (كذا):
أنبأنا أبو الحسين ابن الفضل، أنبأنا عبد الله بن جعفر، أنبأنا يعقوب،
أنبأنا موسى بن إسماعيل، أنبأنا سكين بن عبد العزيز، عن جعفر، عن أبيه
عن جده ان عليا طعن لإحدى وعشرين ليلة مضت من شهر رمضان ليلة
التاسعة (كذا) وهلك لأربع وعشرين ليلة ليلة السابعة (كذا). قال
يعقوب: أنبأنا أبو النعمان - يعني عارما - (كذا) أنبأنا معتمر بن سليمان
قال سمعت أبي قال سمعت حريث بن المحنش يحدث ان عليا قتل صبيحة
احدى وعشرين من رمضان، قال فسمعت الحسن بن علي وهو يخطب
ويذكر مناقب علي، قال قتل ليلة انزل القرآن - أو الفرقان - وليلة
أسري بعيسى - أو قال بموسى - وليلة كان كذا وكذا (34).

(34) ومن طريف ما عثرنا عليه ما ذكره بعض أهل العصر في هامشه على
كتاب الكامل لابن الأثير الطبعة المنيرية بمصر، سنة 1356 هج‍: ج 3 ص 201
حيث علق على ما رواه في الكامل عن الإمام الحسن (ع) من أنه قام خطيبا
بعد شهادة أمير المؤمنين (ع) فقال: (لقد قتلتم الليلة رجلا في ليلة نزل
فيها القرآن، وفيها رفع عيسى، وفيها قتل يوشع بن نون) الخ، بقول.
اما نزول القرآن فيها فصحيح، واما رفع عيسى في تلك الليلة فلا ندريه ولكنه
أقول: وعلى أدب مصر ومعارفهم الختام إذا كان أمثال هؤلاء من محققيهم
ومصححي كتبهم، فلو كان لهذا المسكين حظ قليل ونزر يسير من العلم،
لكان اللازم عليه اما السكون، أو تتبع الكتب التي نسب فيها
هذه الخطبة إلى الإمام الحسن عليه السلام كي يعلم صحة صدورها - أو
عدم صدورها - من الإمام (ع) فان استفاد من التتبع ان الكلام غير صادر
منه (ع) لعدم طريق وثيق ونقل معتبر، فيقول: ان هذا النقل غير ثابت عن
الإمام (ع) لكذا وكذا، وهكذا في صورة وثاقة الناقل ومعارضته بمثله أو بأوثق
منه. وان استفاد صدوره منه (ع) فاللازم ان يجعل هذا الكلام دليلا على
بطلان ما يخالفه مما رواه جاهل عن جاهل عن متوغل في الجهل، لان علم الإمام الحسن
عليه السلام مأخوذ من باب مدينة علم النبي من النبي من الله، وما يعارضه
من وهم نجار، ثم كناس.
502

أخبرنا أبو القاسم ابن أبي الأشعث، أنبأنا أبو الحسين ابن النقور،
أنبأنا عيسى بن علي، أنبأنا أبو القاسم البغوي أنبأنا سوار بن عبد الله،
أنبأنا معتمر، قال: قال أبي: حدثني حريث بن المحنش (كذا) ان عليا قتل
صبيحة احدى وعشرين من شهر رمضان.
أخبرنا أوب الحسن علي بن محمد، أنبأنا أبو نصر محمد بن الحسين،
أنبأنا أبو العباس، أنبأنا أبو القاسم، أنبأنا أبو عبد الله البخاري، أنبأنا
أبو النعمان، أنبأنا معتمر، قال: سمعت أبي يقول: سمعت حريث بن محنش
يقول يحدث (كذا) ان عليا قتل صبيحة احدى وعشرين من شهر رمضان،
فسمعت الحسن بن علي يخطب فذكر مناقب علي.
أخبرنا أبو محمد الشاهد (كذا)، أنبأنا أبو بكر الحافظ، أنبأنا
أبو الحسن المقري، أنبأنا علي بن أحمد ابن أبي قيس، - حيلولة -
وأخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا محمد بن محمد، أنبأنا أبو
الحسين المقري، أنبأنا علي بن محمد بن بشران، أنبأنا عمر بن الحسن،
قالا: أنبأنا ابن أبي الدنيا، أنبأنا سعيد بن يحيى الأموي، عن أبيه، عن
ابن إسحاق، وقال ابن السمرقندي: أنبأنا أبي عن محمد بن إسحاق،
قال: مات علي في احدى وعشرين ليلة مضت من شهر رمضان. وقال غير
503

سعيد: انه عاش بعد ما ضربه ابن ملجم، الجمعة والسبت، ومات ليلة الأحد
، لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان (35)، وصلى إليه
الحسن بن علي.
أخبرنا أبو البركات الأنماطي، أنبأنا أبو الفضل ابن خيرون، أنبأنا
أبو القاسم ابن بشران، أنبأنا أبو علي ابن الصواف، أنبأنا محمد بن عثمان
ابن أبي شيبة، قال: قال أبي وعمي: قتل علي في سنة أربعين من مهاجر
النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في ليلة احدى وعشرين يوم الجمعة
ومات ليلة الأحد.
وقال الشيخ المفيد قدس الله نفسه، في الفصل الثاني من أحوال
أمير المؤمنين (ع) من كتاب الارشاد، ص 12 ط النجف: وكانت وفاة
أمير المؤمنين عليه السلام قبل الفجر، ليلة الجمعة ليلة احدى وعشرين من
شهر رمضان، سنة أربعين من الهجرة قتيلا بالسيف، قتله ابن ملجم
المرادي لعنه الله في مسجد الكوفة، وقد خرج عليه السلام يوقظ الناس
لصلاة الصبح ليلة تسع عشرة من شهر رمضان - إلى أن قال (ره) -: فمكث
يوم تسعة عشر وليلة عشرين ويومها وليلة احدى وعشرين إلى نحو الثلث
الأول من الليل، ثم قضى عليه السلام نحبه شهيدا، ولقي ربه تعالى مظلوما الخ.
أقول: وتقدم أيضا في المختار العاشر من هذا الباب ص 164، المنقول
من كتاب تهذيب الأحكام، انه (ع) قبض في أول ليلة من العشر الأواخر
ونقلنا هناك أيضا عن الشيخ الطوسي (ره) في كتاب الغيبة أن الأظهر انه

(35) في اطلاق قوله: (قال غير سعيد) الخ نظر، فان اخبار العامة كأقوالهم في نهاية الاختلاف، نعم اخبارهم وأقوالهم بوقوع شهادته ورحلته
عليه السلام في الليلة التاسعة عشرة كثيرة، وفى غيرها أيضا كثيرة، فلا اجماع
حتى يصح اطلاق قوله: (وقال غير سعيد) الخ.
504

عليه السلام ضرب ليلة تسع عشرة، وقبض ليلة احدى وعشرين.
وأيضا قد تقدم في آخر المختار (36) من هذا الباب، المتقدم ص 322
من هذا المجلد، انه (ع) قبض ليلة احدى وعشرين من شهر رمضان سنة
أربعين من الهجرة، فراجع.
التذييل الثالث:
في بعض الأمور المتأخرة عن وفاته صلوات الله وسلامه عليه.
روى الشيخ السعيد علي بن محمد بن علي الخزاز القمي أعلى الله مقامه
في كتاب كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الاثني عشر، عن الحسين بن
محمد بن سعيد الخزاعي، عن الجوهري، عن عتبة بن الضحاك، عن هشام
ابن محمد، عن أبيه، قال: لما قتل أمير المؤمنين عليه السلام، رقى الحسن
ابن علي عليه السلام المنبر، فأراد الكلام فخنقته العبرة، فقعد ساعة
ثم قال:
الحمد الله الذي كان في أوليته وحدانيا، وفي أزليته متعظما بإلهيته،
متكبرا بكبريائه وجبروته، ابتدأ (ابتدع خ) ما ابتدع، وأنشأ ما خلق
على غير مثال كان سبق مما خلق، ربنا اللطيف بلطف ربوبيته، وبعلم خبره
فتق، وباحكام قدرته خلق جميع ما خلق، فلا مبدل لخلقه، ولا مغير
لصنعه ولا معقب لحكمه، ولا راد لامره، ولا مستراح عن دعوته، خلق
جميع ما خلق، ولا زوال لملكه، ولا انقطاع لمدته، فوق كل شئ علا،
ومن كل شئ دنا، فتجلى لخلقه من غير أن يكون يرى، وهو بالمنظر الاعلى
احتجب بنوره، وسما في علوه، فاستتر عن خلقه، وبعث إليهم شهيدا عليهم
وبعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيي
505

من حيي عن بينة وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه، فيعرفوه بربوبيته
بعد ما أنكروه.
والحمد لله الذي أحسن الخلافة علينا أهل البيت، وعنده نحتسب عزانا
في خير الاباء رسول الله صلى الله عليه وآله، وعند الله نحتسب عزانا في
أمير المؤمنين، ولقد أصيب به الشرق والغرب، والله ما خلف درهما ولا دينارا
الا أربعمأة درهم (36) أراد ان يبتاع لأهله خادما.
ولقد حدثني حبيبي: جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، أن
الامر يملكه اثنا عشر اماما من أهل بيته وصفوته، ما منا الا مقتول
أو مسموم (37).
ثم نزل عن منبره فدعا بابن ملجم لعنه الله فأتي به، قال: يا بن رسول
الله استبقني أكن لك وأكفيك امر عدوك بالشام. فعلاه الحسن عليه السلام
بسيفه فاستقبل السيف بيده فقطع خنصره، ثم ضربه ضربة أخرى على يافوخه
فقتله لعنة الله عليه.
وقال ابن عساكر في ترجمة أمير المؤمنين (ع) من تاريخ دمشق: ج 38
ص 121: وقد أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو نصر عبد الرحمان بن علي، أنبأنا أبو زكريا الحربي، أنبأنا عبد الله بن محمد بن الحسن
أنبأنا عبد الله بن هاشم، أنبأنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن
عمرو بن حبشي، قال: خطبنا الحسن بن علي بعد قتل علي فقال:

(36) كذا في هذه الرواية، والشائع في روايات الخاصة والعامة أنه قال
عليه السلام: (الا سبعمأة درهم) كما هو غير خفي على المتتبع.
(37) وتقدم في الاخبار التي أوردناها في شرح المختار (311) من هذا
الباب ص 238 كلام آخر له (ع) وهو مبين لما هنا بعض التبيين فراجع.
506

لقد فارقكم بالأمس رجل ما سبقه الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (38) يعطيه الراية، فلا ينصرف حتى يفتح
له، ما ترك بيضاء ولا صفراء الا سبع مأة درهم فضل من عطائه كان يرصدها
لخادم لأهله.
وقال أبو الفرج - بعد ذكر هذه الخطبة باسناد آخر باختلاف طفيف
في متنها -: ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه.
ثم قال (ع): أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني
فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أنا ابن البشير، أنا ابن
النذير، أنا ابن الداعي إلى الله عز وجل باذنه، وانا ابن السراج المنير.
وانا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والذين
افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول: (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا)
(23 / 42) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.
قال أبو مخنف عن رجاله: ثم قام ابن عباس بين يديه فدعا الناس
إلى بيعته، فاستجابوا له وقالوا: ما أحبه الينا، وأحقه بالخلافة، فبايعوه
ثم نزل (ع) عن المنبر.
ولما بلغ نعي أمير المؤمنين (ع) إلى معاوية، فرح فرحا شديدا وقال:
ان الأسد الذي كان يفترش ذراعيه في الحرب قد قضى نحبه، ثم قال:
قال للأرانب ترعى أينما سرحت * وللضباء بلا خوف ولا وجل (39)
وفي رواية الراغب عن شريك أنه قال: والله لقد أتاه قتل أمير المؤمنين
وكان متكئا فاستوى جالسا ثم قال: يا جارية غنيني، فاليوم قرت عيني.

(38) هكذا في الروايات المنقولة عن أهل السنة الا بعضهم ممن عصمه الله
(39) كما في المجلد التاسع، من منهاج البراعة ص 127، ط 2.
507

فأنشأت تقول:
ألا أبلغ معاوية بن حرب
فلا قرت عيون الشامتينا
أفي شهر الصيام فجعتمونا * بخير الناس طرا أجمعينا
قتلتم خير من ركب المطايا * وأفضلهم ومن ركب السفينا
فرفع معاوية عمودا كان بين يديه فضرب رأسها ونثر دماغها (40).
وقال أبو الفرج: حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا
أحمد بن حازم، قال: حدثنا عاصم بن عامر، وعثمان بن أبي شيبة،
قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري قالا:
لما ان جاء عايشة قتل علي عليه السلام، سجدت!.
وقال أبو عمر في الاستيعاب بهامش الإصابة: ج 3 ص 57 في أواسط
ترجمته (ع) لما بلغ قتل علي عليه السلام إلى عائشة، قالت فليصنع العرب
ما شاءت فليس أحد يمنعها.
وأيضا قال أبو الفرج في آخر مقتل أمير المؤمنين (ع) من مقاتل
الطالبين ص 28: حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا موسى
ابن عبد الرحمان المسروقي، قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمان: قال:
حدثنا إسماعيل بن راشد باسناده، قال: - لما اتى عائشة نعي علي أمير المؤمنين
عليه السلام تمثلت:
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
ثم قالت: من قتله؟ فقيل: رجل من مراد. فقالت:

(40) قال العلامة الأميني مد ظله: هذه القضية ذكرها الراغب في محاضراته
المخطوطة الموجودة - وهكذا نقلت عنها في تشييد المطاعن: ج 2، 409 - غير أن
يد الطبع الأمينة حرفتها من الكتاب مع أحاديث ترجع إلى معاوية، راجع
ج 2 ص 214 من المحاضرات وقابلها بالمخطوطة منها.
508

فان يك نائيا فلقد نعاه * غلام ليس في فيه التراب
فقالت لها زينب بنت أم سلمة (41): العلي تقولين هذا؟! فقالت: إذا نسيت
فذكروني. قال: ثم تمثلت:
ما زال اهداء القصائد بيننا * شتم الصديق وكثرة الألقاب
حتى تركت كأن قولك فيهم * في كل مجتمع طنين ذباب
وفي آخر صفة مقتله (ع) وسببه، من كتاب تذكرة الخواص، للسبط
ابن الجوزي ص 190: وقال الواقدي: لما بلغ الصحابة خبر (أمير المؤمنين
عليه السلام ومقتله) بكوا عليه، وقال أبو مسعود الأنصاري: كنا نعده
خير البشر.
وفي ترجمة أبي الأسود الدؤلي (ره) من الأغاني: ج 11، ص 228
ط بيروت، وفي ط ص 121، وفي ط ص 116، قال: اخبرني حبيب
ابن نصر المهلبي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا علي بن محمد

(41) وقال السبط الجوزي في الفصل الذي عقده لذكر شهادته (ع)
من كتاب تذكرة الخواص ص 189: وقال ابن جرير في تاريخه، وابن سعد
في (كتاب) الطبقات: انه لما استشهد علي عليه السلام بلغ عائشة فقالت:
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
ثم قالت: من قتله؟ قالوا: رجل من مراد. فقالت:
فان يك هالكا فلقد نعاه * نعي ليس في فيه التراب
فعابها الناس، وقالت لها زينب بنت سلمة ابن أبي سلمة: العلي تقولين
هذا؟ فقالت: اني أنسى فذكروني.
أقول: وذكره الشيخ المفيد (ره) في كتاب الجمل 84. والمرزباني في معجم
الشعراء - كما في أعيان الشيعة: 3، 285. وابن الأثير في الكامل: ج 3،
ص 198. والطبري في تاريخه: 4 ص 115، ط مصر، سنة 1385.
509

المدائني، عن أبي بكر الهذلي، قال: أتى أبا الأسود نعي أمير المؤمنين
عليه السلام وبيعة الحسن عليه السلام، فقام على المنبر، فخطب الناس ونعى
لهم عليا عليه السلام، فقال: الا وان رجلا من أعداء الله المارقة عن دينه اغتال
أمير المؤمنين عليه السلام كرم الله وجهه ومثواه، في مسجده، وهو خارج
في ليلة يرجى فيها مصادفة ليلة القدر فقتله، فيالله من قتيل، وأكرم به
وبمقتله وروحه من روح عرجت إلى الله تعالى بالبر والتقوى، والايمان
والاحسان، لقد أطفئ منه نور الله في أرضه لا يبين بعده أبدا، وهدم
ركنا من أركان الله تعالى لا يشاد مثله، فانا لله وانا إليه راجعون، وعند الله
نحتسب مصيبتنا بأمير المؤمنين عليه السلام، وعليه السلام ورحمة الله يوم
ولد ويوم قتل ويوم يبعث حيا، ثم بكى حتى اختلفت أضلاعه، ثم
قال: وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله صلى الله عليه وآله
وابنه وسليله، وشبيهه في خلقه وهديه، واني لأرجو ان يجبر الله به ما وهي
ويسد به ما أنثلم، ويجمع به الشمل، ويطفئ بن نيران الفتنة، فبايعوه
ترشدوا.
فبايعت الشيعة كلها، وتوقف ناس ممن كان يرى رأي العثمانية.
ولم يظهروا أنفسهم بذلك، وهربوا إلى معاوية، (فكتب إليه ظ) معاوية
مع رسول دسه إليه، يعلمه ان الحسن عليه السلام قد راسله في الصلح (42)

(42) وبهذه وأمثالها مما لا يحصى من الحيل والأكاذيب، لعب ابن حرب
بالدين والمسلمين واستولى على دست الرئاسة والقيادة.
510

ويدعوه إلى أخذ البيعة له بالبصرة، ويعده ويمنيه، فقال أبو الأسود:
ألا أبلغ معاوية بن حرب * فلا قرت عيون الشامتينا
أفي شهر الصيام فجعتمونا * بخير الناس طرا أجمعينا
قتلتم خير من ركب المطايا * وخيسها (43) ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمئينا
إذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت البدر راق الناظرينا
لقد علمت قريش حيث حلت * بأنك خيرها حسبا ودينا
هذا آخر ما أردنا ايراده الآن في شرح باب الوصايا، وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على عباده الذين اصطفى.
مطبعة النعمان نجف - تلفون المحل 997
1967 م - 1387 ه‍

(43) يقال: (خاس الرجل - خيسا): ذل. وخاس الدابة أو الرجل:
ذللها. وهو من باب (باع) يستعمل لازما ومتعديا. ويقال: (خيسه).
ذلله ويقال: (خيس الجمل) أي راضه وذلله بالركوب.
511