الكتاب: شرح مسلم
المؤلف: النووي
الجزء: ٤
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٧ - ١٩٨٧ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

صحيح مسلم
بشرح النووي
الجزء الرابع
الناشر
دار الكتاب العربي
بيروت - لبنان
1

باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة
(وغسل الرجل والمرأة في اناء واحد وغسل أحدهما بفضل الاخر)
اجمع المسلمون على أن الماء الذي يجزي في الوضوء والغسل غير مقدر بل يكفي فيه القليل والكثير
إذا وجد شرط الغسل وهو جريان الماء على الأعضاء قال الشافعي رحمه الله تعالى وقد يرفق بالقليل
فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي قال العلماء والمستحب ان لا ينقص في الغسل عن صاع ولا في
الوضوء عن مد والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي والمد رطل وثلث ذلك معتبر على التقريب
لاعلى التحديد وهذا هو الصواب المشهور وذكر جماعة من أصحابنا وجها لبعض أصحابنا أن
الصاع هنا ثمانية أرطال والمد رطلان واجمع العلماء على النهي عن الاسراف في الماء
ولو كان على شاطئ البحر والأظهر أنه مكروه كراهة تنزيه وقال بعض أصحابنا الاسراف حرام
والله أعلم وأما تطهير الرجل والمرأة من إناء واحد فهو جائز بإجماع المسلمين لهذه الأحاديث
التي في الباب وأما تطهير المرأة بفضل الرجل فجائز بالاجماع أيضا وأما تطهير الرجل بفضلها
فهو جائز عندنا وعند مالك وأبي حنيفة وجماهير العلماء
سواء خلت به أو لم تخل قال بعض
أصحابنا ولا كراهة في ذلك للأحاديث الصحيحة الواردة به وذهب أحمد بن حنبل وداود إلى أنها
إذا خلت بالماء واستعملته لا يجوز للرجل استعمال فضلها وروى هذا عن عبد الله بن سرجس
والحسن البصري وروى عن أحمد رحمه الله تعالى كمذهبنا وروى عن الحسن
2

وسعيد بن المسيب كراهة فضلها مطلقا والمختار ما قاله الجماهير لهذه الأحاديث
الصحيحة في تطهيره صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وكل واحد منهما يستعمل فضل صاحبه ولا
تأثير للخلوة وقد ثبت في الحديث الآخر أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل بعض أزواجه
رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأصحاب السنن قال الترمذي هو حديث حسن صحيح وأما
الحديث الذي جاء بالنهي وهو حديث الحكم بن عمرو فأجاب العلماء عنه بأجوبة أحدها
أنه ضعيف ضعفه أئمة الحديث منهم البخاري وغيره الثاني أن المراد النهي عن فضل أعضائها وهو
المتساقط منها وذلك مستعمل الثالث ان النهي للاستحباب والأفضل والله أعلم قوله (الفرق)
قال سفيان هو ثلاثة آصع أما كونه ثلاثة آصع فكذا قاله الجماهير وهو بفتح الفاء وفتح الراء
واسكانها لغتان حكاهما ابن دريد وجماعة غيره والفتح أفصح وأشهر وزعم الباجي أنه الصواب
وليس كما قال بل هما لغتان وأما قوله ثلاثة آصع فصحيح فصيح وقد جهل من أنكر هذا وزعم
أنه لا يجوز إلا أصوع وهذه منه غفلة بينة أو جهالة ظاهرة فإنه يجوز أصوع وآصع فالأول هو
الأصل والثاني على القلب فتقدم الواو على الصاد وتقلب ألفا وهذا كما قالوا آدر وشبهه وفي
الصاع لغتان التذكير والتأنيث ويقال صاع وصوع بفتح الصاد والواو وصواع ثلاث لغات وأما
قولها كان يغتسل من الفرق فلفظه من هنا المراد بها بيان الجنس والاناء الذي يستعمل الماء
منه وليس المراد أنه يغتسل بماء الفرق بدليل الحديث الآخر كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم
من قدح يقال له الفرق وبدليل الحديث الآخر يغتسل بالصاع قوله كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل في القدح هكذا هو في الأصول في القدح وهو صحيح
ومعناه من القدح قوله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال دخلت على عائشة أنا وأخوها من
الرضاعة فسألها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة فدعت بإناء قدر الصاع فاغتسلت
وبيننا وبينها ستر فأفرغت على رأسها ثلاثا قال القاضي عياض رحمه الله تعالى ظاهر الحديث
3

أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل لذي المحرم النظر إليه من ذات المحرم وكان
أحدهما أخاها من الرضاعة كما ذكر قيل اسمه عبد الله بن يزيد وكان أبو سلمة بن أختها
من الرضاعة أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر قال القاضي ولولا أنهما شاهدا ذلك ورأياه لم يكن
لاستدعائها الماء وطهارتها بحضرتهما معنى إذ لوا فعلت ذلك كله في ستر عنهما لكان عبثا ورجع
الحال إلى وصفها له وإنما فعلت الستر ليستر أسافل البدن وما لا يحل للمحرم نظره والله أعلم
والرضاعة والرضاع بفتح الراء وكسرها فيهما لغتان الفتح أفصح وفي هذا الذي فعلته عائشة
رضي الله عنها دلالة على استحباب التعليم بالوصف بالفعل فإنه أوقع في النفس من القول
ويثبت في الحفظ ما لا يثبت بالقول والله أعلم قوله (وكان أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم
يأخذن من رؤسهن حتى تكون كالوفرة) الوفرة أشبع وأكثر من اللمة واللمة ما يلم بالمنكبين من الشعر
قاله الأصمعي وقال غيره الوفرة أقل من اللمة وهي ما لا يجاوز الاذنين وقال أبو حاتم الوفرة
4

ما على الأذنين من الشعر قال القاضي عياض رحمه الله تعالى المعروف أن نساء العرب إنما كن
يتخذن القرون والذوائب ولعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعلن هذا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
لتركهن التزين واستغنائهن عن تطويل الشعر وتخفيفا لمؤنة رؤسهن وهذا الذي
ذكره القاضي عياض من كونهن فعلنه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا في حياته كذا قاله أيضا
غيره وهو متعين ولا يظن بهن فعله في حياته صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على جواز تخفيف
الشعور للنساء والله أعلم قولها (ونحن جنبان) هذا جار على إحدى اللغتين في الجنب أنه يثنى
ويجمع فيقال جنب وجنبان وجنبون وأجناب واللغة الأخرى رجل جنب ورجلان جنب
ورجال جنب ونساء جنب بلفظ واحد قال الله تعالى " وإن كنتم جنبا " وقال تعالى جنبا الآية
وهذه اللغة أفصح وأشهر ويقال في الفعل أجنب الرجل وجنب بضم الجيم وكسر النون
والأولى أفصح وأشهر وأصل الجنابة في اللغة البعد وتطلق على الذي وجب عليه غسل بجماع
أو خروج مني لأنه يجتنب الصلاة والقراءة والمسجد ويتباعد عنها والله أعلم قوله (عن
عراك) هو بكسر العين وتخفيف الراء قوله (أن عائشة رضي الله عنها كانت تغتسل
هي والنبي صلى الله عليه وسلم في اناء واحد يسع ثلاثة أمداد) وفي الرواية الأخرى
5

(من اناء واحد تختلف أيدينا فيه) قد ذكر القاضي في تفسير الرواية الأولى وجهين أحدهما أن كل واحد
منهما ينفرد في اغتساله بثلاثة أمداد والثاني أن يكون المراد بالمد هنا الصاع ويكون موافقا لحديث الفرق
ويجوز أن يكون هذا وقع في بعض الأحوال واغتسلا من إناء يسع ثلاثة امداد وزاده لما
فرغ والله أعلم ثم أنه وقع في هذا الحديث (ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك) وفي الرواية
الأخرى كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق وفي الرواية الأخرى فدعت باناء قدر
الصاع فاغتسلت به وفي الأخرى (كان يغتسل بخمس مكاكيك ويتوضأ بمكوك) وفي الرواية
الأخرى (يغسله الصاع ويوضئه المد) وفي الأخرى (يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى
خمسة أمداد) قال الإمام الشافعي وغيره من العلماء الجمع بين هذه الروايات أنها كانت
اغتسالات في أحوال وجد فيها أكثر ما استعمله وأقله فدل على أنه لاحد في قدر ماء الطهارة
يجب استيفاؤه والله أعلم قوله عن أبي الشعثاء اسمه جابر بن زيد قوله علمي والذي يخطر على
6

بالي ان أبا الشعثاء اخبرني يقال يخطر بضم الطاء وكسرها وكسرها لغتان الكسر أشهر معناه يمر
ويجري والبال القلب والذهن قال الأزهري يقال خطر ببالي وعلى بالي كذا يخطر خطورا إذا
وقع في ذلك بالك وهمك قال غيره الخاطر الهاجس وجمعه خواطر وهذا الحديث ذكره مسلم
رحمه الله تعالى متابعة لا انه قصد الاعتماد عليه والله أعلم قوله عن عبد الله بن عبد الله بن
جبر) وفي الرواية الأخرى (عن ابن جبر) هذا كله صحيح وقد وأنكره عليه بعض الأئمة وقال
صوابه ابن جابر وهذا غلط من هذا المعترض بل يقال فيه جابر وجبر وهو عبد الله بن عبد الله ابن
جابر بن عتيك وممن ذكر الوجهين فيه الإمام أبو عبد الله البخاري وأن مسعرا وأبا
العميس وشعبة وعبد الله بن عيسى يقولون فيه جبر والله أعلم قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يغتسل بخمس مكاكيك ويتوضأ بمكوك) وفي رواية بخمس مكاكي بتشديد الياء والمكوك
بفتح الميم وضم الكاف الأولى وتشديدها وجمعه مكاكيك ومكاكي ولعل المراد بالمكوك
هنا المد كما قال في الرواية الأخرى يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد
7

قوله (حدثنا أبو ريحانه عن سفينة) اسم أبي ريحانه عبد الله بن مطر ويقال زياد بن مطر وأما سفينة فهو
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه يقال اسمه مهران بن فروخ وقيل اسمه بحران
وقيل رومان وقيل قيس وقيل عمير وقيل شنبة باسكان النون بعد الشين وبعدها باء موحدة
كنيته المشهورة أبو عبد الرحمن وقيل أبو البختري قيل سبب تسميته سفينة أنه حمل متاعا
كثيرا لرفقه في الغزو فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت سفينة قوله (حدثنا أبو بكر بن أبي
شيبه حدثنا بن علية ح وحدثني علي بن حجر حدثنا إسماعيل عن أبي ريحانه عن سفينة قال أبو بكر
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع
ويتطهر بالمد وفي حديث ابن حجر أو قال ويطهره المد قال وكان كبر وما كنت أثق بحديثه)
قوله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بخفض صاحب صفة لسفينة وأبو بكر القائل
هو ابن أبي شيبه يعني مسلم أن أبا بكر ابن أبي شيبه وصفه وعلي بن حجر لم يصفه بل
اقتصر على قوله عن سفينة وأما قوله وقد كان كبر فهو بكسر الباء وما كنت أثق بحديثه
هكذا هو في أكثر الأصول أثق بكسر الثاء المثلثة من الوثوق الذي هو
الاعتماد ورواه جماعة
وما كنت أينق بياء مثناة تحت ثم نون أي أعجب به وأرتضيه والقائل وقد كان كبر هو أبو
8

ريحانة والذي كبر هو سفينة ولم يذكر مسلم رحمه الله تعالى حديثه هذا معتمدا عليه وحده
بل ذكره متابعة لغيره من الأحاديث التي ذكرها والله أعلم
باب استحباب إفاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثا
فيه (سليمان بن صرد) هو بضم الصاد وفتح الراء وبالدال المهملات وهو مصروف وهو صحابي
مشهور وقوله (تماروا في الغسل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تنازعوا فيه فقال
بعضهم صفته كذا وقال آخرون كذا وفيه جواز المناظرة والمباحثة في العلم وفيه جواز مناظرة
المفضولين بحضرة الفاضل ومناظرة الأصحاب بحضرة امامهم وكبيرهم قوله صلى الله عليه وسلم
(أما أنا فاني أفيض على رأسي ثلاث أكف) المراد ثلاث حفنات كل واحده منهن ملء الكفين
جميعا وفي هذا الحديث استحباب إفاضة الماء على الرأس ثلاثا وهو متفق عليه وألحق به أصحابنا
سائر البدن قياسا على الرأس وعلى أعضاء الوضوء وهو أولى بالثلاث من الوضوء فإن الوضوء
مبني على التخفيف ويتكرر فإذا استحب فيه الثلاث ففي الغسل أولى ولا نعلم في هذا خلافا
الا ما انفرد به الامام اقضي القضاة أبو الحسن الماوردي صاحب الحاوي من أصحابنا فإنه
قال لا يستحب التكرار في الغسل وهذا شاذ متروك وقد قدمنا في الباب قبله بيان أقل الغسل
9

والله أعلم قوله (وحدثنا يحيى بن يحيى وإسماعيل بن سالم قالا أخبرنا هشيم عن أبي بشر عن أبي سفيان
عن جابر) ثم قال مسلم بعد هذا قال ابن سالم في روايته حدثنا هشيم قال حدثنا أبو بشر هذا فيه فائدة
عظيمة من دقائق هذا العلم ولطائفه وهي مصرحة بغزارة علم مسلم رحمه الله تعالى ودقيق نظره
وهي أن هشيما رحمه الله تعالى مدلس وقد قال في الرواية المتقدمة عن أبي بشر والمدلس إذا قال
عن لا يحتج به الا إذا أثبت سماعه ذلك الحديث من ذلك الشخص الذي عنعن عنه فبين مسلم انه ثبت
سماعه من جهة أخرى وهي رواية ابن سالم فإنه قال فيها أخبرنا أبو بشر وقد قدمنا مرات بيان مثل
هذه الدقيقة واسم أبي بشر جعفر بن اياس وهو جعفر بن أبي وحشية واسم أبي سفيان هذا طلحة
ابن نافع وقد تقدم بيانه والله أعلم
باب حكم ضفائر المغتسلة
فيه حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت (قلت يا رسول الله أني امرأة أشد ضفر رأسي
10

أفأنقضه لغسل الجنابة قال لا إنما يكفيك ان تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين
عليك الماء فتطهرين) وفي رواية فأنقضه للحيض والجنابة وفيه حديث عائشة بنحو معناه قولها
أشد ضفر رأسي هو بفتح الضاد واسكان الفاء هذا هو المشهور المعروف في رواية الحديث
والمستفيض عند المحدثين والفقهاء وغيرهم ومعناه أحكم قاتل شعري وقال الإمام ابن بري في
الجزء الذي صنفه في لحن الفقهاء من ذلك قولهم في حديث أم سلمة أشد ضفر رأسي يقولونه
بفتح الضاد واسكان الفاء وصوابه ضم الضاد والفاء مع ضفيرة كسفينة وسفن وهذا الذي أنكره
رحمه الله تعالى ليس كما زعمه بل الصواب جواز الأمرين ولكل منهما معنى صحيح ولكن يترجح
ما قدمناه لكونه المروي المسموع في الروايات الثابتة المتصلة والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(تحثي على رأسك ثلاث حثيات) هي بمعنى الحفنات في الرواية الأخرى والحفنة ملء
الكفين من أي شئ كان ويقال حثيت وحثوت بالياء والواو لغتان مشهورتان والله أعلم واسم
أم سلمة هند وقيل رمكة وليس بشئ قولها في الرواية الأخرى (فأنقضه للحيضة) هي بفتح الحاء
11

والله أعلم أما أحكام الباب فمذهبنا ومذهب الجمهور أن ضفائر المغتسلة إذا وصل الماء إلى
جميع شعرها ظاهره وباطنه من غير نقض لم يجب نقضها وان لم يصل الا بنقضها وجب نقضها
وحديث أم سلمة محمول على أنه كان يصل الماء إلى جميع شعرها من غير نقض لأن إيصال
الماء واجب وحكى عن النخعي وجوب نقضها بكل حال عن الحسن وطاوس وجوب النقض
في غسل الحيض دون الجنابة ودليلنا حديث أم سلمة وإذا كان للرجل ضفيرة فهو كالمرأة والله أعلم
وأعلم أن غسل الرجل والمرأة من الجنابة والحيض والنفاس وغيرها من الأغسال المشروعة
سواء في كل شئ الا ما سيأتي في المغتسلة من الحيض والنفاس انه يستحب لها ان تستعمل
فرصة من مسك وقد تقدم بيان صفة الغسل بكمالها في الباب السابق فان كانت المرأة بكرا لم يجب ايصال
الماء إلى داخل فرجها وان كانت ثيبا وجب ايصال الماء إلى ما يظهر في حال قعودها لقضاء
الحاجة لأنه صار في حكم الظاهر هكذا نص عليه الشافعي وجماهير أصحابنا وقال بعض أصحابنا
لا يجب على الثيب غسل داخل الفرج وقال بعضهم يجب ذلك في غسل الحيض والنفاس
ولا يجب في غسل الجنابة والصحيح الأول والله أعلم وأما أمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
بنقض النساء رؤسهن إذا اغتسلن فيحمل على أنه أراد ايجاب ذلك عليهن ويكون ذلك في شعور
لا يصل إليها الماء أو يكون مذهبا له انه يجب النقض بكل حال كما حكيناه عن النخعي ولا يكون
12

بلغه حديث أم سلمة وعائشة ويحتمل أنه كان يأمرهن على الاستحباب والاحتياط لا للايجاب
والله تعالى أعلم
باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك
في موضع الدم
قد قدمنا في الباب الذي قبله أن صفة غسل المرأة والرجل سواء وتقدم بيان ذلك مستوفي والمراد
في هذا الباب بيان أن السنة في حق المغتسلة من الحيض أن تأخذ شيئا من مسك فتجعله في قطنه
أو خرقه أو نحوها وتدخلها في فرجها بعد اغتسالها ويستحب هذا للنفساء أيضا لأنها في معنى الحائض
وذكر المحاملي من أصحابنا في كتابه المقنع أنه يستحب للمغتسلة من الحيض والنفاس أن تطيب
جميع المواضع التي أصابها الدم من بدنها وهذا الذي ذكره من تعميم مواضع الدم من البدن غريب
لا أعرفه لغيره بعد البحث عنه اختلف العلماء في الحكمة في استعمال المسك فالصحيح المختار
الذي قاله الجماهير من أصحابنا وغيرهم أن المقصود باستعمال المسك تطيب المحل ودفع الرائحة
الكريهة وحكى أقضى القضاة الماوردي من أصحابنا وجهين أحدهما هذا والثاني أن
المراد كونه أسرع إلى علوق الولد قال فان قلنا بالأول ففقدت المسك استعملت ما يخلفه في طيب
الرائحة وأن قلنا بالثاني استعملت ما قام مقامه في ذلك من القسط والأظفار وشبههما قال واختلفوا
في وقت استعماله فمن قال بالأول قال تستعمله بعد الغسل ومن قال بالثاني قال قبله هذا أخر كلام
الماوردي وهذا الذي حكاه من استعماله قبل الغسل ليس بشئ ويكفي في ابطاله رواية مسلم
في الكتاب في قوله صلى الله عليه وسلم تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ثم
تصب على رأسها فتدلكه ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها وهذا نص
في استعمال الفرصة بعد الغسل وأما قول من قال إن المراد الاسراع في العلوق فضعيف أو باطل فإنه
13

على مقتضى قوله ينبغي أن يخص به ذات الزوج الحاضر الذي يتوقع جماعه في الحال وهذا شئ لم يصر
إليه أحد نعلمه واطلاق الأحاديث يرد على من التزمه بل الصواب ان المراد تطيب المحل وإزالة الرائحة
الكريهة وأن ذلك مستحب لكل مغتسلة من الحيض أو النفاس سواء ذات الزوج وغيرها تستعمله
بعد الغسل فإن لم تجد مسكا فتستعمل أي طيب وجدت فإن لم تجد طيبا استحب لها استعمال طين
أو نحوه مما يزيل الكراهة نص عليه أصحابنا فإن لم تجد شيئا من هذا فالماء كاف لها لكن
ان تركت التطيب مع التمكن منه كره لها وان لم تتمكن فلا كراهة في حقها والله أعلم واما
الفرصة فهي بكسر الفاء واسكان الراء وبالصاد المهملة وهي القطعة والمسك بكسر الميم وهو
الطيب المعروف هذا هو الصحيح المختار الذي رواه وقاله المحققون وعليه الفقهاء وغيرهم من
أهل العلوم وقيل مسك بفتح الميم وهو الجلد أي قطعة جلد فيه شعر ذكر القاضي عياض أن
فتح الميم هي رواية الأكثرين وقال أبو عبيد وابن قتيبة إنما هو قرضة من مسك بقاف مضمومة
وضاد معجمة ومسك بفتح الميم أي قطعة من جلد وهذا كله ضعيف والصواب ما قدمناه ويدل
عليه الرواية الأخرى المذكورة في الكتاب فرصة ممسكة وهي بضم الميم الأولى وفتح الثانية
وفتح السين المشددة أي قطعة من قطن أو صوف أو خرقة مطيبة بالمسك كما قدمنا بيانه والله
أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (تطهري بها وسبحان الله) قد قدمناه أن سبحان الله في هذا
الموضع وأمثاله يراد بها التعجب وكذا لا إله إلا الله ومعنى التعجب هنا كيف يخفى مثل هذا
الظاهر الذي لا يحتاج الانسان في فهمه إلى فكر وفي هذا جواز التسبيح عند التعجب من الشئ
واستعظامه وكذلك يجوز عند التثبت على الشئ والتذكر به وفيه استحباب استعمال الكنايات فيما يتعلق بالعورات وقد تقدم بيان هذه القاعدة مرات والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
14

(تتبعي بها أثار الدم) قال جمهور العلماء يعني به الفرج وقد قدمنا عن المحاملي أنه قال تطيب
كل موضع اصابه الدم من بدنها وفي ظاهر الحديث حجة له قوله (حدثنا حبان حدثنا وهيب)
هو حبان بفتح الحاء وبالباء الموحدة وهو حبان بن هلال قوله (غسل المحيض) هو الحيض وقد
تقدم بيانه واضحا قوله صلى الله عليه وسلم (تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن
الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا ثم تصب عليها الماء) قال القاضي عياض
رحمه الله تعالى التطهر الأول تطهر من النجاسة وما مسها من دم الحيض هكذا قال القاضي
والأظهر والله أعلم أن المراد بالتطهر الأول الوضوء كما جاء في صفة غسله صلى الله عليه وسلم
وقد قدمنا في أول كتاب الوضوء بيان معنى تحسين الطهر وهو اتمامه بهيأته فهذا المراد بالحديث
قوله صلى الله عليه وسلم (حتى تبلغ شؤون رأسها) هو بضم الشين المعجمة وبعدها همزه ومعناه
أصول شعر رأسها وأصول الشؤون الخطوط التي في عظم الجمجمة وهو مجتمع شعب عظامها
الواحد منها شأن قوله قالت عائشة كأنها تخفي ذلك تتبعين أثر الدم معناه قالت لها كلاما خفيا
15

تسمعه المخاطبة لا يسمعه الحاضرون والله أعلم قولها (دخلت أسماء بنت شكل) هو شكل
بالشين المعجمة والكاف المفتوحتين هذا هو الصحيح المشهور وحكى صاحب المطالع فيه اسكان
الكاف وذكر الخطيب الحافظ أبو بكر البغدادي في كتابه الأسماء المبهمة وغيره من العلماء
ان اسم هذه السائلة أسماء بنت يزيد بن السكن التي كان يقال لها خطيبة النساء وروى الخطيب
حديثا فيه تسميتها بذلك والله أعلم باب
المستحاضة وغسلها وصلاتها فيه (ان فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها قالت يا رسول الله
اني امرأة أستحاض
16

فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال لا إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي
الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) وفيه غيره من الأحاديث قد قدمنا ان
الاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه وأنه يخرج من عرق يقال له العاذل
بالعين المهملة وكسر الذال المعجمة بخلاف دم الحيض فإنه يخرج من قعر الرحم وأما حكم
المستحاضة فهو مبسوط في كتب الفقه أحسن بسط وأنا أشير إلى أطراف من مسائلها
فاعلم أن المستحاضة لها حكم الطاهرات في معظم الاحكام فيجوز لزوجها وطؤها في حال
جريان الدم عندنا وعند جمهور العلماء حكاه ابن المنذر في الاشراق عن ابن عباس وابن
المسيب والحسن البصري وعطاء وسعيد بن جبير وقتادة وحماد بن أبي سليمان وبكر بن عبد الله
المزني والأوزاعي والثوري ومالك وإسحاق وأبي ثور قال ابن المنذر وبه أقول قال وروينا
عن عائشة رضي الله عنها انها قالت لا يأتها زوجها وبه قال النخعي والحكم وكرهه ابن سيرين
وقال أحمد لا يأتيها الا أن يطول ذلك بها وفي رواية عنه رحمه الله تعالى أنه لا يجوز وطؤها
الا ان يخاف زوجها العنت والمختار ما قدمناه عن الجمهور والدليل عليه ما روى عكرمة عن حمنة
بنت جحش رضي الله عنها أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها رواه أبو داود والبيهقي
وغيرهما بهذا اللفظ باسناد حسن قال البخاري في صحيحه قال ابن عباس المستحاضة يأتيها
زوجها إذا صلت الصلاة أعظم ولان المستحاضة كالطاهرة في الصلاة والصوم وغيرهما فكذا
في الجماع ولأن التحريم إنما يثبت بالشرع ولم يرد الشرع بتحريمه والله أعلم وأما الصلاة
والصيام والاعتكاف وقراءة القرآن ومس المصحف وحمله وسجود والتلاوة وسجود
الشكر ووجوب العبادات عليها فهي في كل ذلك كالطاهرة وهذا مجمع عليه وإذا
أرادت المستحاضة الصلاة فإنها تؤمر بالاحتياط في طهارة الحدث وطهارة النجس
فتغسل فرجها قبل الوضوء والتيمم إن كانت تتيمم وتحشو فرجها بقطنة أو خرقة رفعا للنجاسة
17

أو تقليلا لها فإن كان دمها قليلا يندفع بذلك وحده فلا شئ عليها غيره وان لم يندفع
شدت مع ذلك على فرجها وتلجمت وهو أن تشد على وسطها خرقة أو حيطا أو نحوه على صورة
التكة وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الطرفين فتدخلها بين فخذيها وأليتيها وتشد الطرفين بالخرقة التي
في وسطها أحدهما قدامها عند صرتها والاخر خلفها وتحكم ذلك الشد وتلصق هذه الخرقة المشدودة
بين الفخذين بالقطنة التي على الفرج الصاقا جيدا وهذا الفعل يسمى تلجما واستثفارا وتعصيبا
قال أصحابنا وهذا الشد والتلجم واجب الا في موضعين أحدهما أن يتأذى بالشد ويحرقها اجتماع
الدم فلا يلزمها لما فيه من الضرر والثاني أن تكون صائمه فتترك الحشو في النهار وتقتصر على
الشد قال أصحابنا ويجب تقديم الشد والتلجم على الوضوء وتتوضأ عقيب الشد من غير امهال فان
شدت وتلجمت وأخرت الوضوء وتطاول الزمان ففي صحة وضوئها وجهان الأصح أنه لا يصح
وإذا استوثقت بالشد على الصفة التي ذكرناها ثم خرج منها دم من غير تفريط لم تبطل
طهارتها ولا صلاتها ولها أن تصلي بعد فرضها ما شاءت من النوافل لعدم تفريطها ولتعذر
الاحتراز عن ذلك أما إذا خرج الدم لتقصيرها في الشد أو زالت العصابة عن موضعها لضعف
الشد فزاد خروج الدم بسببه فإنه يبطل طهرها فإن كان ذلك في أثناء صلاة بطلت وإن كان
بعد فريضة لم تستبح النافلة لتقصيرها وأما تجديد غسل الفرج وحشوه وشده لكل فريضة
فينظر فيه ان زالت العصابة عن موضعها زوالا له تأثير أو ظهر الدم على جوانب العصابة
وجب التجديد وان لم تزل العصابة عن موضعها ولا ظهر الدم ففيه وجهان لأصحابنا أصحهما
وجوب التجديد كما بجب تجديد الوضوء ثم أعلم أن مذهبنا أن المستحاضة لا تصلي بطهارة واحدة
أكثر من فريضة واحدة مؤداة كانت أو مقضية وتستبيح معها ما شاءت من النوافل قبل الفريضة
وبعدها ولنا وجه أنها لا تستبيح أصلا لعدم ضرورتها إليها النافلة والصواب الأول وحكى مثل
مذهبنا عن عروة ابن الزبير وسفيان الثوري وأحمد وأبي ثور وقال أبو حنيفة طهارتها مقدره
بالوقت فتصلي في الوقت بطهارتها الواحدة ما شاءت من الفرائض الفائتة وقال ربيعة ومالك وداود
دم الاستحاضة لا ينقض الوضوء فإذا تطهرت فلها أن تصلي بطهارتها ما شاءت من الفرائض
إلى أن تحدث بغير الاستحاضة والله أعلم قال أصحابنا ولا يصح وضوء المستحاضة لفريضة
قبل دخول وقتها وقال أبو حنيفة يجوز ودليلنا أنها طهارة ضرورة فلا تجوز قبل وقت الحاجة
18

قال أصحابنا وإذا توضأت بادرت إلى الصلاة عقب طهارتها فان أخرت بأن توضأت في أول الوقت
وصلت في وسطه نظر إن كان التأخير للاشتعال بسبب من أسباب الصلاة كستر العورة والاذان
والإقامة والاجتهاد في القبلة والذهاب إلى المسجد الأعظم والمواضع الشريفة والسعي في تحصيل
سترة تصلى إليها وانتظار الجمعة والجماعة وما أشبه ذلك جاز على المذهب الصحيح المشهور ولنا
وجه أنه لا يجوز وليس بشئ وأما إذا أخرت بغير سبب من هذه الأسباب وما في معناها ففيه
ثلاثة أوجه أصحها لا يجوز وتبطل طهارتها والثاني يجوز ولا تبطل طهارتها ولها أن تصلي بها
ولو بعد خروج الوقت والثالث لها التأخير ما لم يخرج وقت الفريضة فان خرج الوقت فليس
لها أن تصلي بتلك الطهارة فإذا قلنا بالأصح وانها إذا أخرت لا تستبيح الفريضة فبادرت
فصلت الفريضة فلها أن تصلي النوافل ما دام وقت الفريضة باقيا فإذا خرج وقت الفريضة
فليس لها أن تصلي بعد ذلك النوافل بتلك الطهارة على أصح الوجهين والله أعلم قال أصحابنا
وكيفية نية المستحاضة في وضوئها أن تنوي استباحة الصلاة ولا تقتصر على نية رفع الحدث
ولنا وجه أنه يجزئها الاقتصار على نية رفع الحدث ووجه ثالث أنه يجب عليها الجمع بين نية استباحة
الصلاة ورفع الحدث والصحيح الأول فإذا توضأت المستحاضة استباحت الصلاة وهل يقال
ارتفع حدثها فيه أوجه لأصحابنا الأصح أنه لا يرتفع شئ من حدثها بل تستبيح الصلاة بهذه
الطهارة مع وجود الحدث كالمتيمم فإنه محدث عندنا والثاني يرتفع حدثها السابق والمقارن للطهارة
دون المستقبل والثالث يرتفع الماضي وحده واعلم أنه لا يجب على المستحاضة الغسل لشئ
من الصلاة ولا في وقت من الأوقات الا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها وبهذا قال
جمهور العلماء من السلف والخلف وهو مروي عن علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة
رضي الله عنهم وهو قول عروة بن الزبير وأبي سلمه بن عبد الرحمن ومالك وأبي حنيفة وأحمد
وروي عن ابن عمر وابن الزبير وعطاء بن أبي رباح انهم قالوا يجب عليها أن تغتسل لكل
صلاة وروى هذا أيضا عن علي وابن عباس وروي عن عائشة انها قالت تغتسل كل يوم
غسلا واحدا وعن المسيب والحسن قالا تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر دائما والله
أعلم ودليل الجمهور أن الأصل عدم الوجوب فلا يجب الا ما ورد الشرع بايجابه ولم يصح
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرها بالغسل الا مرة واحدة عند انقطاع حيضها وهو قوله
19

صلى الله عليه وسلم إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وليس في هذا
ما يقضي تكرار الغسل وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي
صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل فليس فيها شئ ثابت وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها وإنما
صح في هذا ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما أن أم حبيبه بنت جحش رضي الله عنها
أستحيضت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلى فكانت
تغتسل عند كل صلاة قال الشافعي رحمه الله تعالى إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن تغتسل وتصلي وليس فيه انه أمرها ان تغتسل لكل صلاة قال ولا شك أن شاء الله تعالى
أن غسلها كان تطوعا غير ما أمرت به وذلك واسع لها هذا كلام الشافعي بلفظه وكذا قال
شيخه سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهما وعباراتهم متقاربة والله أعلم وأعلم أن المستحاضة
على ضربين أحدهما أن تكون ترى دما ليس بحيض ولا يخلط بالحيض كما إذا رأت دون يوم
وليلة والضرب الثاني أن ترى دما بعضه حيض وبعضه ليس بحيض بأن كانت ترى دما متصلا
دائما أو مجاوزا لأكثر الحيص وهذه لها ثلاثة أحوال أن تكون مبتدأة وهي التي
لم تر الدم قبل ذلك وفي هذا قولان للشافعي أصحهما ترد إلى يوم وليلة والثاني إلى ست أو سبع
والحال الثاني أن تكون معتادة فترد إلى قدر عادتها في الشهر الذي قبل شهر استحاضتها
والثالث أن تكون مميزة ترى بعض الأيام دما قويا وبعضها دم ضعيف كالدم الأسود والأحمر
فيكون حيضها أيام الأسود بشرط أن لا ينقص الأسود عن يوم وليلة ولا يزيد على خمسة عشر
يوما ولا ينقص الأحمر عن خمسة عشر ولهذا كله تفاصيل معروفة لا نرى الاطناب فيها هنا لكون
هذا الكتاب ليس موضوعا لهذا فهذه أحرف
من أصول مسائل المستحاضة أشرت إليها وقد
بسطتها بشواهدها وما يتعلق بها من الفروع الكثيرة في شرح المهذب والله أعلم قوله (فاطمة
بنت أبي حبيش) هو بحاء مهملة مضمونة ثم باء موحدة مفتوحة ثم ياء مثناه من تحت ساكنة ثم
20

شين معجمة واسم أبي حبيش قيس بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي واما قوله في
الرواية الأخرى (فاطمة بنت أبي حبيش بن عبد المطلب بن أسد) فكذا وقع في الأصول ابن
عبد المطلب واتفق العلماء على أنه وهم والصواب فاطمة بنت أبي حبيش بن المطلب
بحذف لفظة عبد والله أعلم وأما قوله (امرأة منا) فمعناه من بني أسد والقائل وهو هشام
ابن عروة أو أبوه عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى والله أعلم قولها
فقلت يا رسول الله اني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال لا فيه ان المستحاضة تصلى
أبدا الا في الزمن المحكوم بأنه حيض وهذا مجمع عليه كما قدمناه وفيه جواز استفتاء من وقعت له
مسألة وجواز استفاء المرأة بنفسها ومشافهتها الرجال فيما يتعلق بالطهارة واحداث النساء وجواز
استماع صوتها عند الحاجة قوله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق وليس بالحيضة أما عرق
فهو بكسر العين واسكان الراء وقد تقدم أن هذا العرق يقال له العاذل بكسر الذال المعجمة
واما الحيضة فيجوز فيها الوجهان المتقدمان اللذان ذكرناهما مرات أحدهما مذهب الخطابي
كسر الحاء أي الحالة والثاني وهو الأظهر فتح الحاء أي الحيض وهذا الوجه قد نقله الخطابي
عن أكثر المحدثين أو كلهم كما قدمناه عنه وهو في هذا الموضع متعين أو قريب من المتعين فإن
المعني يقضيه لأنه صلى الله عليه وسلم أراد اثبات الاستحاضة ونفي الحيض والله أعلم وأما
ما يقع في كثير من كتب الفقه إنما ذلك عرق انقطع وانفجر فهي زيادة لا تعرف في
الحديث وإن كان لها معنى والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة
يجوز في الحيضة هنا الوجهان فتح الحاء وكسرها جوازا حسنا وفي هذا نهي لها عن الصلاة في
زمن الحيض وهو نهي تحريم ويقتضي فساد الصلاة هنا باجماع المسلمين وسواء في هذا الصلاة
المفروضة والنافلة لظاهر الحديث وكذلك يحرم عليها الطواف وصلاة الجنازة وسجود التلاوة
وسجود الشكر وكل هذا متفق علي وقد أجمع العلماء على أنها ليست مكلفة بالصلاة وعلى
21

أنه لا قضاء عليها والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي
المراد بالادبار انقطاع الحيض ومما ينبغي أن يعتنى به معرفة علامة انقطاع الحيض وقل من
أوضحه وقد اعتنى به جماعة من أصحابنا وحاصله ان علامه انقطاع الحيض والحصول في الظهور أن
ينقطع خروج الدم والصفرة والكدرة وسواء خرجت رطوبة بيضاء أم لم يخرج شئ أصلا
قال البيهقي وابن الصباغ وغيرهما من أصحابنا الترية رطوبة خفيفة لا صفرة فيها ولا كدرة
تكون على القطنة أثر لا لون قالوا وهذا يكون بعد انقطاع دم الحيض قلت هي الترية بفتح
التاء المثناة من فوق وكسر الراء وبعدها ياء مثناه من تحت مشددة وقد صح عن عائشة رضي
الله عنها ما ذكره البخاري في صحيحه عنها أنها قالت للنساء لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء
تريد بذلك الطهر والقصة بفتح القاف وتشدش الصاد المهملة وهي الجص شبهت الرطوبة
النقية الصافية بالجص قال أصحابنا إذا مضى زمن حيضتها وجب عليها ان تغتسل في الحال
لأول صلاة تدركها ولا يجوز لها أن تتر ك بعد ذلك صلاة ولا صوما ولا يمتنع زوجها من
وطئها ولا تمتنع من شئ يفعله الطاهر وتستظهر بشئ أصلا وعن مالك رضي الله عنه
رواية انها تستظهر بالامساك عن هذه الأشياء ثلاثة أيام بعد عادتها والله أعلم وفي هذا
الحديث الامر بإزالة النجاسة وأن الدم نجس وأن الصلاة تجب لمجرد انقطاع الحيض والله
أعلم قوله (وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره) قال القاضي عياض رضي الله
عنه الحرف الذي تركه هو قول اغسلي عنك الدم وتوضئ ذكر هذه الزيادة النسائي وغيره
وأسقطها مسلم لأنها مما انفرد به حماد وقال النسائي لا نعلم أحد قال وتوضئ في الحديث غير
حماد يعني والله أعلم في الحديث هشام وقد روي أبو داوود وغيره ذكر الوضوء من رواية
عدي بن أبي ثابت وحبيب بن أبي ثابت وأيوب بن أبي مكين قال أبو داوود وكلها ضعيفة والله أعلم
قوله (استفتت أم حبيبه بنت جحش رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية (بنت جحش) ولم
22

يذكر أم حبيبه وفي رواية (أم حبيبه بنت جحش ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت
تحت عبد الرحمن بن عوف) وذكر الحديث وفيه (قالت عائشة فكانت تغتسل في مركن في حجرة
أختها زينب بنت جحش) وفي الرواية الأخرى (أن ابنة جحش كانت تستحاض) هذه الألفاظ
هكذا هي ثابتة في الأصول وحكى القاضي عياض في الرواية الأخيرة أنه وقع في نسخه أبي
العباس الرازي أن زينب بنت جحش قال القاضي اختلف أصحاب الموطأ في هذا عن مالك
وأكثرهم يقولون زينب بنت جحش وكثير من الرواة يقولون عن ابنة جحش وهذا هو الصواب
وبين الوهم فيه قوله وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف وزينب هي أم المؤمنين ولم يتزوجها عبد
الرحمن بن عوف قط إنما تزوجها أولا يزيد بن حارثة ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم
والتي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف هي أم حبيبه أختها وقد جاء مفسرا على الصواب في قوله ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف وفي قوله كانت تغتسل في
بيت أختها زينب قال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى قيل أن بنات جحش الثلاث زينب وأم حبيبه
وحمنة زوج طلحة بن عبيد الله كن يستحضن كلهن وقيل أنه لم يستحض
منهن الا أم حبيبه وذكر القاضي
يونس بن مغيث في كتابه الموعب في شرح الموطأ مثل هذا وذكر أن كل واحدة منهن اسمها
23

زينب ولقبت إحداهن حمنة وكنيت الأخرى أم حبيبة وإذا كان هذا هكذا فقد سلم مالك
من الخطأ في تسمية أم حبيبة زينب وقد ذكر البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها ان
امرأة من أزواجه صلى الله عليه وسلم وفي رواية ان بعض أمهات المؤمنين وفي أخرى ان النبي
صلى الله عليه وسلم وعلم اعتكف مع بعض نسائه وهي مستحاضة هذا اخر كلام القاضي واما قوله
أم حبيبة فقد قال الدارقطني قال إبراهيم الحربي الصحيح انها أم حبيبة بلا هاء واسمها حبيبة قال
الدارقطني قول الحربي صحيح وكان من اعلم الناس بهذا الشأن قال غيره وقد روي عن
عمرة عن عائشة ان أم حبيب وقال أبو علي الغساني الصحيح ان اسمها حبيبة قال وكذلك
قال الحميدي عن سفيان وقال ابن الأثير يقال لها أم حبيبة وقيل أم حبيب قال والأول أكثر
وكانت مستحاضة قال وأهل السير يقولون المستحاضة أختها حمنة بنت جحش قال ابن عبد البر
الصحيح انهما كانتا تستحاضان قوله إن أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت اما قوله ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهو بفتح الخاء والتاء المثناة من فوق ومعناه قريبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال أهل اللغة الأختان
جمع ختن وهم أقارب زوجة الرجل والأحماء أقارب زوج المرأة والأصهار يعم الجميع وأما قوله
وتحت عبد الرحمن بن عوف فمعناه انها زوجته فعرفها بشيئين أحدهما كونها أخت أم المؤمنين
زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم والثاني كونها زوجة عبد الرحمن وأما والدها
جحش فهو بفتح الجيم واسكان الحاء المهملة وبالشين المعجمة قوله في رواية محمد بن سلمة
المرادي المراد (عن ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد
الرحمن عن عائشة) هكذا وقع في هذه الرواية
عن عروة بن الزبير وعمرة وهو الصواب وكذلك
رواه ابن أبي ذئب عن الزهري عن عروة وعمرة وكذلك رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عروة
وعمرة كما رواه الزهري وخالفهما الأوزاعي فرواه الزهري عن عروة عن عمرة بعن جعل
عروة راويا عن عمر وأما قول مسلم بعد هذا حدثنا محمد بن المثنى حدثنا سفيان عن الزهري عن عمرة
عن عائشة هكذا هو في الأصول وكذا نقله القاضي عياض عن جميع رواة مسلم الا السمرقندي
24

فإنه جعل عروة مكان عمرة والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ولكن هذا عرق فاغتسلي
وصلي) وفي الرواية الأخرى (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي) في هذين
اللفظين دليل على وجوب الغسل على المستحاضة إذا انقضى زمن الحيض وإن كان الدم جاريا
وهذا مجمع عليه وقد قدمنا بيناه قوله (فكانت تغتسل في مركن) هو بكسر الميم وفتح الكاف
وهو الإجانة التي تغسل فيها الثياب قوله (حتى تعلوا حمرة الدم الماء) معناه انها كانت تغتسل
المركن فتجلس فيه وتصب عليها الماء فيختلط الماء
المتساقط عنها بالدم فيحمر الماء ثم إنه لابد انها كانت تنظف بعد ذلك عن تلك الغسالة المتغير ة
25

قوله (رأيت مركنها ملآن) هكذا هو في الأصول ببلادنا وذكر القاضي عياض انه روي أيضا
ملأى وكلاهما صحيح الأول على لفظ المركن وهو مذكر والثاني على معناه وهو الإجانة والله أعلم
باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة
قولها (فتؤمر بقضاء الصوم ولا تؤمر بقضاء الصلاة) هذا الحكم متفق عليه اجمع المسلمون على أن
الحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة ولا الصوم في الحال واجمعوا على أنه لا يجب عليهما
قضاء الصلاة واجمعوا انه يجب عليهما قضاء الصوم قال العلماء والفرق
بينهما ان الصلاة كثيرة
متكررة فيشق قضاؤها بخلاف الصوم فإنه يجب في السنة مرة واحدة وربما كان الحيض يوما
أو يومين قال أصحابنا كل صلاة تفوت في زمن الحيض لا تقضي الا ركعتي الطواف قال الجمهور
من أصحابنا وغيرهم وليست الحائض مخاطبه بالصيام في زمن الحيض وإنما يجب عليها القضاء بأمر
جديد وذكر بعض أصحابنا وجها انها مخاطبة بالصيام في حال الحيض وتؤمر بتأخيره كما يخاطب
المحدث بالصلاة وان كانت لا تصح منه في زمن الحدث وهذا الوجه ليس بشئ فكيف يكون
26

الصيام واجبا عليها ومحرما عليها بسبب لا قدرة لها على ازالته بخلاف المحدث فإنه قادر على إزالة
الحدث قوله (عن أبي قلابة) هو بكسر القاف وتخفيف الام وبالباء الموحدة واسمه عبد
الله بن زيد وقد تقدم بيانه قوله (عن يزيد الرشك) هو بكسر الراء واسكان الشين المعجمة
وهو يزيد بن أبي يزيد الضبعي مولاهم البصري أبو الأزهري واختلف العلماء في سبب تلقينه بالرشك
فقيل معناه بالفارسية القاسم وقيل الغيور وقيل كثير اللحية وقيل الرشك بالفارسية اسم للعقرب
فقيل ليزيد الرشك لان العقرب دخلت في لحيته فمكثت فيها ثلاثة أيام وهو لا يدري بها لان
لحيته كانت طويله عظيمه جدا حكى هذه الأقوال صاحب المطالع وغيره وحكاها أبو علي الغساني
وذكر هذا القول الأخير باسناده والله أعلم قولها (حرورية أنت) هو بفتح الحاء المهملة وضم
الراء الأولى وهي نسبة إلى حروراء وهي قريبة بقرب الكوفة قال السمعاني هو موضع على ميلين
من الكوفة كان أول اجتماع الخوارج به قال الهروي تعاقدوا في هذه القرية فنسبوا إليها فمعنى قول
عائشة رضي الله عنها ان طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة في زمن الحيض
وهو خلاف اجماع المسلمين وهذا الاستفهام الذي استفهمته عائشة هو استفهام انكار أي هذه طريقة
الحرورية وبئست الطريقة قولها (كانت إحدانا تحيض على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
ثم لا تؤمر بقضاء) معناه لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء مع علمه بالحيض وتركها الصلاة
في زمنه ولو كان القضاء واجبا لأمرها به قولها أفأمرهن أن يجزين) هو بفتح الباء وكسر الزاي
27

غير مهموز وقد فسره محمد بن جعفر في الكتاب أن معناه يقضين وهو تفسير صحيح يقال جزى
يجزي أي قضى أو به فسروا قوله تعالى لا تجزى نفس عن نفس شيئا ويقال هذا الشئ يجزى
عن كذا أي يقوم مقامه قال القاضي عياض وقد حكى بعضهم فيه الهمز والله أعلم
باب تستر المغتسل بثوب ونحوه
قوله (عن أبي النضر ان أبا مرة مولى أم هاني) وفي الرواية الأخرى (أن أبا مرة مولى عقيل) أما
أبو النضر فاسمه سالم بن أبي أمية القرشي التيمي المدني مولى عمر بن عبد الله التيمي وأما أبو مرة
فاسمه يزيد وهو مولى أم هاني وكان يلزم أخاها عقيلا فلهذا نسبه في الرواية الأخرى إلى ولائه
وأما أم هاني فاسمها فاختة وقيل فاطمة وقيل كنية هند بابنها هانئ بن هبيرة بن عمرو وهانئ
بهمز آخره أسلمت أم هاني في يوم الفتح رضي الله عنها قولها (ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب) هذا فيه دليل على جواز اغتسال
28

الانسان بحضرة امرأة من محارمه إذا كان يحول بينه وبينها ساتر من ثوب وغيره قولها (ثم
صلى ثمان ركعات سبحة الضحى) هذا اللفظ فيه فائدة لطيفة وهي ان صلاة الضحى ثمان ركعات
وموضع الدلالة كونها قالت سبحة الضحى وهذا تصريح بأن هذا سنة مقررة معروفة وصلاها
بنية الضحى بخلاف الرواية الأخرى صلى ثمان ركعات وذلك ضحى فان من الناس من يتوهم
منه خلاف الصواب فيقول ليس في هذا دليل على أن الضحى ثمان ركعات ويزعم أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلى في هذا الوقت ثمان ركعات بسبب فتح مكة لا لكونها
الضحى فهذا
الخيال الذي يتعلق به القائل في هذا اللفظ لا يتأتى له في قولها سبحة الضحى ولم تزل الناس
قديما وحديثا يحتجون بهذا الحديث على أثبات الضحى ثمان ركعات والله أعلم والسبحة
بضم السين واسكان الباء هي النافلة سميت بذلك للتسبيح الذي فيها قوله (فصلى ثمان سجدات)
المراد ثمان ركعات وسميت الركعة سجدة لاشتمالها عليها وهذا من باب تسمية الشئ بجزئه
قوله (أخبرنا موسى القارئ) هو بهمز آخره منسوب إلى القراءة والله أعلم
29

باب تحريم النظر إلى العورات
فيه قوله صلى الله عليه وسلم (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي
الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد) وفي الرواية الأخرى
(عرية الرجل وعرية المرأة) ضبطنا هذه اللفظة الأخيرة على ثلاثة أوجه عرية بكسر العين وإسكان
الراء وعرية بضم العين وإسكان الراء وفتح الراء وتشديد الياء وكلها صحيحة
قال أهل اللغة عرية الرجل بضم العين وكسرها هي متجردة والثالثة على التصغير وفي الباب
زيد بن الحباب وهو بضم الحاء المهملة وبالباء الموحدة المكررة المخففة والله أعلم أما أحكام
الباب ففيه تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة وهذا لا خلاف فيه
وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالاجماع ونبه صلى الله عليه وسلم
بنظر الرجل إلى عورة الرجل على نظره إلى عورة المرأة وذلك بالتحريم أولى وهذا
التحريم في حق غير الأزواج والسادة أما الزوجان فلكل واحد منهما النظر إلى عورة صاحبه
جميعها الا الفرج نفسه ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها أنه مكروه
لكل واحد منهما النظر إلى
فرج صاحبه من غير حاجة وليس بحرام والثاني أنه حرام عليهما والثالث أنه حرام على الرجل
مكروه للمرأة والنظر إلى باطن فرجها أشد كراهة وتحريما وأما السيد مع أمته فإن كان يملك
30

وطأها فهما كالزوجين وإن كانت محرمة عليه بنسب كأخته وعمته وخالته أو برضاع أو مصاهرة
كأم الزوجة وبنتها وزوجة ابنه فهي كما إذا كانت حرة وإن كانت الأمة مجوسية أو مرتدة أو
وثنية
أو معتدة أو مكاتبة فهي كالأمة الأجنبية وأما نظر الرجل إلى محارمه ونظرهن إليه فالصحيح
أنه يباح فيما فوق السرة وتحت الركبة وقيل لا يحل الا ما يظهر في حال الخدمة والتصرف والله
أعلم وأما ضبط العورة في حق الأجانب فعورة الرجل مع الرجل ما بين السرة والركبة وكذلك
المرأة مع المرأة وفي السرة والركبة ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها ليستا بعورة والثاني هما عورة
والثالث السرة عورة دون الركبة وأما نظر الرجل إلى المرأة فحرام في كل شئ من بدنها فكذلك
يحرم عليها النظر إلى كل شئ من بدنه سواء كان نظره ونظرها بشهوة أم بغيرها وقال بعض
أصحابنا لا يحرم نظرها إلى وجه الرجل بغير شهوة وليس هذا القول بشئ ولا فرق أيضا بين
الأمة والحرة إذا كانتا أجنبيتين وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الأمرد إذا كان حسن
الصورة سواء كان نظره بشهوة أم لا سواء أمن الفتنة أم خافها هذا هو المذهب الصحيح المختار عند
العلماء المحققين نص عليه الشافعي وحذاق أصحابه رحمهم الله تعالى ودليله أنه في معنى المرأة فإنه
يشتهى كما تشتهى وصورته في الجمال كصورة المرأة بل ربما كان كثير منهم أحسن صورة من كثير
من النساء بل هم في التحريم أولى لمعنى آخر وهو أنه يتمكن في حقهم من طرق الشر مالا يتمكن من
مثله في حق المرأة والله أعلم وهذا الذي ذكرناه في جميع هذه المسائل من تحريم النظر هو فيما إذا لم تكن
حاجة أما إذا كانت حاجة شرعية فيجوز النظر كما في حالة البيع والشراء والتطبب والشهادة ونحو
ذلك ولكن يحرم النظر في هذه الحال بشهوة فإن الحاجة تبيح النظر للحاجة إليه وأما الشهوة فلا
حاجة إليها قال أصحابنا النظر بالشهوة حرام على كل أحد غير الزوج والسيد حتى يحرم على الانسان
النظر إلى أمه وبنته بالشهوة والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم ولا يفضي الرجل إلى الرجل
في ثوب واحد وكذلك في المرأة مع المرأة فهو نهي تحريم إذا لم يكن بينهما حائل وفيه دليل
على تحريم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان وهذا متفق عليه وهذا مما تعم به البلوى
ويتساهل فيه كثير من الناس باجتماع الناس في الحمام فيجب على الحاضر فيه أن يصون بصره
ويده وغيرها عن عورة غيره وأن يصون عورته عن بصر غيره ويد غيره من قيم وغيره
ويجب عليه إذا رأى من يخل بشئ من هذا أن ينكر عليه قال العلماء ولا يسقط عنه الانكار
31

بكونه يظن أن لا يقبل منه بل يجب عليه الإنكار إلا أن يخاف على نفسه وغيره فتنة والله
أعلم وأما كشف الرجل عورته في حال الخلوة بحيث لا يراه آدمي فإن كان لحاجته جاز وإن
كان لغير حاجته ففيه خلاف العلماء في كراهته وتحريمه والأصح عندنا أنه حرام ولهذه
المسائل فروع وتتمات وتقييدات معروفة في كتب الفقه وأشرنا هنا إلى هذه الأحرف لئلا
يخلو هذا الكتاب من أصل ذلك والله أعلم
باب جواز الاغتسال عريانا في الخلوة
فيه قصة موسى عليه السلام وقد قدمنا في الباب السابق أنه يجوز كشف العورة في موضع الحاجة
في الخلوة وذلك كحالة الاغتسال وحال البول ومعاشرة الزوجة ونحو ذلك فهذا كله جائز فيه
التكشف في الخلوة وأما بحضرة الناس فيحرم كشف العورة في كل ذلك قال العلماء والتستر
بمئزر ونحوه في حال الاغتسال في الخلوة أفضل من التكشف والتكشف جائز مدة الحاجة
في الغسل ونحوه والزيادة على قدر الحاجة حرام على الأصح كما قدمنا في الباب السابق أن
ستر العورة في الخلوة واجب على الأصح إلا في قدر الحاجة والله أعلم وموضع الدلالة من
هذا الحديث أن موسى عليه الصلاة والسلام أغتسل في الخلوة عريانا وهذا يتم على قول
من يقول من أهل الأصول أن شرع من قبلنا شرع لنا والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوءة بعض) يحتمل أن هذا كان
جائزا في شرعهم وكان موسى عليه السلام يتركه تنزها واستحبابا وحياء ومرؤة ويحتمل
32

أنه كان حراما في شرعهم كما هو حرام في شرعنا وكانوا يتساهلون فيه كما يتساهل فيه كثيرون من
أهل شرعنا والسوءة هي العورات سميت بذلك لأنه يسوء صاحبها كشفها والله أعلم قوله (أنه آدر)
هو بهمزة ممدودة ثم دال مهملة مفتوحة ثم راء مخففتين قال أهل اللغة هو عظيم الخصيتين قوله
صلى الله عليه وسلم فجمح موسى عليه السلام باثره) جمع مخفف الميم معناه جرى أشد الجري
ويقال بأثره بكسر الهمزة مع اسكان الثاء ويقال أثره بفتحهما لغتان مشهورتان تقدمتا قوله
صلى الله عليه وسلم (حتى نظر إليه) هو بضم النون وكسر الظاء مبني لما لم يسم فاعله قوله
صلى الله عليه وسلم (فطفق بالحجر ضربا) هو بكسر الفاء وفتحها لغتان معناه جعل وأقبل وصار
ملتزما لذلك ويجوز أن يكون أراد موسى صلى الله عليه وسلم بضرب الحجر اظهار معجزة لقومه
بأثر الضرب في الحجر ويحتمل أنه أوحى إليه أن يضربه لاظهار المعجزة والله أعلم قوله (انه
بالحجر ندب) هو بفتح النون والدال وهو الأثر والله أعلم
باب الاعتناء بحفظ العورة
قوله (عن جابر رضي الله عنه قال لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم) إلى اخره
33

هذا الحديث مرسل صحابي وقد قدمنا أن العلماء من الطوائف متفقون على الاحتجاج بمرسل
الصحابي الا ما انفرد به الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني من أنه لا يحتج به وقد تقدم دليل الجمهور
في الفصول المذكورة في أول الكتاب وسميت الكعبة كعبة لعلوها وارتفاعها وقيل لاستدارتها
وعلوها والله أعلم قوله (أجعل ازارك على عاتقك من الحجارة) معناه ليقيك الحجارة أو من
أجل الحجارة وقد قدمنا في كتاب الايمان أن العاتق ما بين المنكب والعنق وجمعه عواتق وعتق
وعتق وهو مذكر وقد يؤنث قوله (فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء) معنى خر سقط
وطمحت بفتح الطاء والميم أي ارتفعت وفي هذا الحديث بيان بعض ما أكرم الله سبحانه وتعالى
34

به رسوله صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم كان مصونا محميا في صغره عن
القبائح وأخلاق الجاهلية وقد تقدم بيان عصمة الأنبياء صلوات الله عليهم في كتاب الايمان
وجاء في رواية في غير الصحيحين أن الملك نزل فشد عليه صلى الله عليه وسلم وسلم ازاره والله أعلم قوله
صلى الله عليه وسلم (ولا تمشوا عراة) هو نهي تحريم كما تقدم في الباب السابق والله أعلم
باب التستر عند البول
قوله (شيبان بن فروخ) هو بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة بالخاء وبالخاء المعجمة غير مصروف لكونه
أعجميا وقد تقدم بيانه مرات قوله (عبد الله بن محمد بن أسماء الصبغي) هو بضم الضاد المعجمة
وفتح الباء الموحدة (وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف
أو حائش نخل) يعني حائط نخل أما الهدف فبفتح الهاء والدال وهو ما ارتفع من الأرض
واما حائش النخل فبالحاء المهملة والشين المعجمة وقد فسره في الكتاب بحائط النخل وهو
البستان وهو تفسير صحيح ويقال فيه أيضا حش وحش بفتح الحاء وضمها وفي هذا الحديث
من الفقه استحباب الاستتار عند قضاء الحاجة بحائط أو هدف أو وهدة أو نحو ذلك
بحيث يغيب جميع شخص الانسان عن أعين الناظرين و هذه سنة متأكدة والله أعلم
35

باب بيان أن الجماع كان في أول الاسلام لا يوجب الغسل إلا أن ينزل المني
(وبيان نسخه وأن الغسل يجب بالجماع)
أعلم أن الأمة مجتمعه الآن على وجوب الغسل بالجماع وان لم يكن معه إنزال وعلى وجوبه بالانزال
وكان جماعة من الصحابة على أنه لا يجب الا بالإنزال ثم رجع بعضهم وانتقد الاجماع بعد الآخرين
وفي الباب حديث إنما الماء من الماء مع حديث أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الرجل يأتي أهله ثم لا ينزل قال يغسل ذكره ويتوضأ وفيه الحديث الآخر إذا جلس أحدكم
بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل وأن لم ينزل قال العلماء العمل على هذا الحديث
وأما حديث الماء من الماء فالجمهور من الصحابة ومن بعدهم قالوا إنه منسوخ ويعنون بالنسخ
أن الغسل من الجماع بغير انزال كان ساقطا ثم صار واجبا وذهب ابن عباس رضي الله عنه وغيره
إلى أنه ليس منسوخا بل المراد به نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إذا لم ينزل وهذا الحكم باق
بلا شك وأما حديث أبي ابن كعب ففيه جوابان أحدهما أنه منسوخ والثاني أنه محمول على ما إذا
باشرها فيما سوى الفرج والله أعلم قوله (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء)
هو بضم القاف ممدودة مذكر مصروف هذا هو الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون وفيه
لغة أخرى أنه مؤنث غير مصروف وأخرى أنه مقصور قوله (عتبان بن مالك) هو بكسر العين على
36

المشهور وقيل بضمها وقد قدمناه في كتاب الايمان قوله (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا
المعتمر حدثنا أبو العلاء بن الشخير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسخ حديثه
بعضه بعضا كما ينسخ القرآن بعضه بعضا) هذا الاسناد كله بصريون الا أبا العلاء فإنه كوفي
وأبو العلاء اسمه يزيد بن عبد الله بن الشخير بكسر الشين والخاء المعجمين والخاء المشددة وأبو
العلاء تابعي ومراد مسلم بروايته هذا الكلام عن أبي العلاء أن حديث الماء من الماء منسوخ
وقول أبي العلاء أن السنة تنسخ السنة هذا صحيح قال العلماء نسخ السنة بالسنة يقع على أربعة
أوجه أحدها نسخ السنة المتواترة بالمتواترة والثاني نسخ خبر الواحد بمثله والثالث نسخ الآحاد
بالمتواترة والرابع نسخ المتواتر بالآحاد فأما الثلاثة الأول فهي جائزة بلا خلاف وأما الرابع
فلا يجوز عند الجماهير وقال بعض أهل الظاهر يجوز والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(إذا أعجلت أو قحطت فلا غسل عليك) وفي رواية ابن بشار (أعجلت أو قحطت) أما
أعجلت فهو في الموضعين بضم الهمزة واسكان العين وكسر الجيم وأما أقحطت فهو في الأولى
بفتح الهمزة والحاء وفي رواية ابن بشار بضم الهمزة وكسر الحاء مثل أعجلت والروايتان صحيحتان
ومعنى الاقحاط هنا عدم إنزال المني وهو استعارة من قحوط المطر وهو انحباسه وقحوط
37

الأرض وهو عدم اخراجها النبات والله أعلم قوله (ثم يكسل) ضبطناه بضم الياء ويجوز
فتحها يقال أكسل الرجل في جماعه إذا ضعف عن الانزال وكسل أيضا بفتح الكاف وكسر
السين والأول أفصح قوله صلى الله عليه وسلم (يغسل ما أصابه من المرأة) فيه دليل على نجاسة
رطوبة فرج المرأة وفيها خلاف معروف والأصح عند بعض أصحابنا نجاستها ومن قال بالطهارة
يحمل الحديث على الاستحباب وهذا هو الأصح عند أكثر أصحابنا والله أعلم قوله (حدثني
أبي عن الملي عن الملي يعني بقوله الملي عن الملي أبو أيوب) هكذا هو في الأصول أبو أيوب
38

بالواو وهو صحيح والملى المعتمد عليه المركون إليه والله أعلم قوله (إذا جامع ولم يمن) هو بضم الياء
واسكان الميم هذه اللغة الفصيحة وبها جاءت الرواية وفيه لغة ثانية بفتح الياء والثالثة بضم الياء
مع فتح الميم وتشديد النون يقال أمنى ومنى ومنى ثلاث لغات حكاها أبو عمر والزاهد والأولى
أفصح وأشهر وبها جاء القرآن قال الله تعالى أفرأيتم ما تمنون قوله (أبو غسان المسمعي) هو
بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة ويجوز صرفه وترك صرفه والمسمعي بكسر
الميم الأولى وفتح الثانية واسمه مالك بن عبد الواحد وقد تقدم بيانه مرات لكني أنبه عليه وعلى
مثله لطول العهد به كما شرطته في الخطبة قوله (أبو رافع عن أبي هريرة) اسم أبي رافع نفيع وقد
تقدم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم (إذا قعد بين شعبها الأربع ثم جهدها) وفي رواية (اشعبها)
39

اختلف العلماء في المراد بالشعب الأربع فقيل هي اليدان والرجلان وقيل الرجلان والفخذان
وقيل الرجلان والشفران واختار القاضي عياض ان المراد شعب الفرج الأربع والشعب
النواحي واحدتها شعبة وأما من قال شعبها فهو جمع شعب ومعنى جهدها حفرها كذا قال الخطابي
وقال غيره بلغ مشقها يقال جهدته وأجهدته بلغت مشقته قال القاضي عياض رحمه الله تعالى الأولى
أن يكون جهدها بمعنى بلغ جهده وفي العمل فيها والجهد الطاقة وهو إشارة إلى الحركة وتمكن صورة
العمل وهو نحو قول من قال حفرها أي كدها بحركته والا فأي مشقة بلغ بها في ذلك والله أعلم
ومعنى الحديث أن ايجاب الغسل لا يتوقف على نزول المني بل متى غابت الحشفة في الفرج
وجب الغسل على الرجل والمرأة وهذا خلاف فيه اليوم وقد كان فيه خلاف لبعض الصحابة
40

ومن بعدهم ثم انعقد الاجماع على ما ذكرناه وقد تقدم بيان هذا قال أصحابنا ولو غيب الحشفة
في دبر امرأة أو دبر رجل أو فرج بهيمة أو دبرها وجب الغسل سواء كان المولج فيه حيا أو ميتا
صغيرا أو كبيرا وسواء كان ذلك عن قصد أم عن نسيان وواء كان مختارا أو مكرها أو استدخلت
المرأة ذكره وهو نائم وسواء انتشر الذكر أم لا وسواء كان مختونا أم أغلف فيجب الغسل في كل
هذه الصور على الفاعل والمفعول به الا إذا كان الفاعل أو المفعول به صبيا أو صبية فإنه لا يقال
وجب عليه لأنه ليس مكلفا ولكن يقال صار جنبا فإن كان مميزا وجب على الوالي أن يأمره
بالغسل كما يأمره بالوضوء فإن صلى من غير غسل لم تصح صلاته وإن لم يغتسل حتى بلغ وجب
عليه الغسل وأن اغتسل في الصبي ثم بلغ لم يلزمه إعادة الغسل قال أصحابنا والاعتبار في الجماع
بتغيب الحشفة من صحيح الذكر بالاتفاق فإذا غيبها بكاملها تعلقت به جميع الأحكام ولا
يشترط تغيب جميع الذكر بالاتفاق ولو غيب بعض الحشفة لا يتعلق به شئ من الاحكام
بالاتفاق الا وجها شاذا ذكره بعض أصحابنا أن حكمه حكم جميعها وهذا الوجه غلط منكر
متروك وأما إذا كان الذكر مقطوعا فإن بقي منه دون الحشفة لم يتعلق به شئ من الاحكام وإن كان الباقي قدر الحشفة
فحسب تعلقت الاحكام بتغيبه بكماله وإن كان زائدا على قدر الحشفة ففيه وجهان مشهوران أصحهما أن الاحكام
تتعلق بقدر الخشفة منه والثاني لا يتعلق
شئ من الاحكام الا بتغييب جميع الباقي والله أعلم ولو لف على ذكره خرقة وأولجه في فرج
امرأة ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا الصحيح منها والمشهور أنه يجب عليهما الغسل والثاني لا يجب
لأنه أولج في خرقة
والثالث ان كانت الخرقة غليظة تمنع وصول اللذة والرطوبة لم يجب
الغسل والأوجب والله أعلم ولو استدخلت المرأة ذكر بهيمة وجب عليها الغسل ولو استدخلت
ذكرا مقطوعا فوجهان أصحهما يجب عليها الغسل قولها (على الخبير سقطت) معناه صادفت
خبيرا بحقيقة ما سألت عنه عارفا بخفية وجلية حاذقا فيه قوله صلى الله عليه وسلم ومس
41

الختان الختان فقد وجب الغسل) قال العلماء معناه غيبت ذكرك في فرجها وليس المراد حقيقة
المس وذلك أن ختان المرأة في أعلى الفرج ولا يمسه الذكر في الجماع وقد أجمع العلماء على أنه
لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل لا عليه ولا عليها فدل على أن المراد
ما ذكرناه والمراد بالمماسة المحاذاة وكذلك الرواية الأخرى إذا التقى الختانان أي تحاذيا قوله
(عن جابر بن عبد الله عن أم كلثوم عن عائشة) أم كلثوم هذه تابعية وهي بنت أبي بكر الصديق
رضي الله عنه وهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر فإن جابرا رضي الله عنه صحابي وهو أكبر
من أم كلثوم سنا ومرتبة وفضلا رضي الله عنهم أجمعين قوله صلى الله عليه وسلم اني لافعل
ذلك أنا وهذه ثم تغتسل) فيه جواز ذكر مثل هذا بحضرة الزوجة إذا ترتبت عليه مصلحة ولم
يحصل به اذى وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم العبارة ليكون أوقع في نفسه وفيه أن
فعله صلى الله عليه وسلم للوجوب ولولا ذلك لم يحصل جواب السائل
باب الوضوء مما مست النار ذكر مسلم رحمه الله تعالى في هذا الباب الأحاديث الواردة بالوضوء مما مست النار ثم عقبها بالأحاديث
الواردة بترك الوضوء مما مست النار فكأنه يشير إلى أن الوضوء منسوخ وهذه عادة مسلم وغيره من
42

أئمة الحديث يذكرون الأحاديث التي يرونها منسوخة ثم يعقبونها بالناسخ وقد اختلف العلماء
في قوله صلى الله عليه وسلم توضؤا مما مست النار فذهب جماهير العلماء من السلف والخلف
إلى أنه لا ينتقض الوضوء بأكل ما مسته النار ممن ذهب إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعمر
ابن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبو الدرداء وابن عباس
وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وجابر بن سمرة وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو هريرة وأبي
ابن كعب وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وعائشة رضي الله عنهم أجمعين وهؤلاء كلهم
صحابة وذهب إليه جماهير التابعين وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق بن
راهويه ويحيى بن يحيى وأبي ثور وأبي خيثمة رحمهم الله وذهب طائفة إلى وجوب الوضوء الشرعي
وضوء الصلاة بأكل ما مسته النار وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري
والزهري وأبي قلابة وأبي مجلز واحتج هؤلاء بحديث توضؤا مما مسته النار واحتج الجمهور
بالأحاديث الواردة بترك الوضوء مما مسته النار وقد ذكر مسلم هنا منها جملة وباقيها في كتب
أئمة الحديث المشهورة وأجابوا عن حديث الوضوء مما مست النار بجوابين أحدهما أنه
منسوخ بحديث جابر رضي الله عنه قال آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ترك الوضوء مما مست النار وهو حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من أهل السنن
بأسانيدهم الصحيحة والجواب الثاني أن المراد بالضوء غسل الفم والكفين ثم أن هذا الخلاف
الذي حكيناه كان في الصدر الأول ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لا يجب الوضوء بأكل ما مسته
43

النار والله أعلم قوله في أول الباب (قال قال ابن شهاب أخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد
الرحمن بن الحارث بن هشام) كذا هو في جميع الأصول عبد الملك بن أبي بكر وكذا نقله الحافظ
أبو علي الغساني عن جماعة رواه الكتاب قال أبو علي وفي نسخه ابن الحذاء مما أصلح بيده
فافسده قال ابن شهاب فأخبرني عبد الله بن أبي بكر جعل عبد الله موضع عبد الملك قال أبو علي
والصواب عبد الملك وكذا رواه الجلودي وكذلك هو في نسخه أبي زكرياء عن ابن ماهان
وكذلك رواه الزبيدي عن الزهري عن عبد الملك بن أبي بكر وهو أخو عبد الله بن أبي بكر
والله أعلم قوله (أن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ) هكذا هو في مسلم هنا وفي باب الجمعة والبيوع
ووقع في باب الجمعة من كتاب مسلم من رواية ابن جريج إبراهيم بن عبد الله بن قارظ وكلاهما
قد قيل وقد اختلف الحفاظ فيه على هذين القولين فصار إلى كل واحد منهما جماعة كثيرة
وقارظ بالقاف وكسر الراء وبالظاء المعجمة قوله (أنه وجد أبا هريرة يتوضأ على المسجد
فقال إنما أتوضأ من أثوار أقط أكلتها) قال الهروي وغيره الاثوار جميع ثور وهو القطعة
من الاقط وهو بالثاء المثلثة والأقط معروف وهو مما مسته النار قوله (يتوضأ على المسجد)
دليل على جواز الوضوء في المسجد وقد نقل ابن المنذر اجماع العلماء جوازه ما لم يؤذ به
44

أحد قوله (أكل عرقا) هو بفتح العين واسكان الراء وهو العظم عليه قليل من اللحم وقد تقدم
بيانه في أخر كتاب الايمان مبسوطا قوله (يحتز من كتف شاة) فيه جواز قطع اللحم بالسكين
وذلك تدعوا إليه الحاجة لصلابة اللحم أو كبر القطعة قالوا ويكره من غير حاجة قوله
(فدعى إلى الصلاة فقام فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ) في هذا دليل على جواز بل استحباب
استدعاء الأئمة إلى الصلاة إذا حضر وقتها وفيه أن الشهادة على النفي تقبل إذا كان المنفي محصورا
مثل هذا وفيه ان الوضوء مما مست النار ليس بواجب وفي السكين لغتان التذكير والتأنيث
45

يقال سكين جيد وجيدة سميت سكينا لتسكينها حركة المذبوح والله أعلم قوله (عن أبي غطفان
عن أبي رافع رضي الله عنه قال اشهد لكنت أشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطن
الشاة ثم صلى وتوضأ) أما أبو غطفان بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة فهو ابن طريف
المري المدني قال الحاكم أبو أحمد لا يعرف اسمه قال ويقال في كنيته أيضا أبو مالك وأما
أبو رافع فهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه أسلم وقيل إبراهيم وقيل هرمز وقيل
ثابت وقوله بطن الشاه يعني الكبد وما معه من حشوها وفي الكلام حذف تقديره أشوي
بطن الشاه فيأكل منه ثم يصلي ولا يتوضأ والله أعلم قوله (ان النبي صلى الله عليه وسلم شرب
لبنا ثم دعا بماء فتمضمض وقال إن له دسما) فيه استحباب المضمضة من شرب اللبن
قال العلماء وكذلك غيره من المأكول والمشروب تستحب له المضمضة ولئلا
تبقى منه بقايا يبتلعها في حال الصلاة ولتنقطع لزوجته ودسمه ويتطهر فمه واختلف
العلماء في استحباب غسل اليد قبل الطعام وبعده والأظهر استحبابه أولا إلا
أن يتيقن من نظافة اليد من النجاسة والوسخ واستحبابه بعد الفراغ الا أن لا يبقى على اليد أثر الطعام
بأن كان يابسا ولم يمسه بها وقال مالك رحمه الله تعالى لا يستحب غسل اليد للطعام الا أن يكون
على اليد أولا قذر ويبقى عليها بعد الفراغ رائحة والله أعلم قوله (وحدثني أحمد بن عيسى قال
46

حدثنا أحمد بن وهب واخبرني عمرو) هكذا هو في الأصول وأخبرني عمر في وبالواو واخبرني
وهي واو العطف والقائل واخبرني عمر وهو ابن وهب وإنما أتى بالواو أولا لأنه سمع من
عمرو أحاديث فرواها وعطف بعضها على بعض فقال ابن وهب أخبرني عمرو بكذا
واخبرني عمرو بكذا وعدد تلك الأحاديث فسمع أحمد بن عيسى لفظ ابن وهب هكذا بالواو فأداه أحمد
بن عيسى كما سمعه فقال حدثنا ابن وهب قال يعني أبن وهب واخبرني عمر والله أعلم قوله
حدثنا محمد بن عمر بن حلحلة هو بالحائين المهملتين المفتوحتين بينهما اللام الساكنة قوله
(وفيه أن بن عباس رضي الله عنهما شهد ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم) هذا فيه فائدة لطيفة
وذلك أن الرواية الأولى فيها عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ثيابه وليس
فيها أن ابن عباس رأى هذه القضية فيحتمل أنه رآها ويحتمل أنه سمعها من غيره وعلى تقدير
أن يكون سمعها من غيره يكون مرسل صحابي وقد منع الاحتجاج به الأستاذ أبو إسحاق
الأسفرايني والصواب قول الجمهور الاحتجاج به فلما كانت هذه الرواية محتملة هذا الذي ذكرناه نبه
47

مسلم رحمه الله تعالى على ما يزل هذا كله فقال شهد ابن عباس ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم
باب الوضوء من لحوم الإبل
في اسناده (موهب) هو بفتح الهاء والميم وفيه أشعث بن أبي الشعثاء هما بالثاء المثلثة واسم أبي
الشعثاء سليم بن أسود أما أحكام الباب فاختلف العلماء في أكل لحوم الجزور وذهب الأكثرون إلى
أنه لا ينقض الوضوء ممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن
مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو امامة
وجماهير التابعين ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وذهب إلى انتقاض الوضوء به أحمد
ابن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى ين يحيى وأبو بكر بن المنذر وابن خزيمة واختاره الحافظ
أبو بكر البيهقي وحكى عن أصحاب الحديث مطلقا وحكى عن جماعة من الصحابة رضي الله
عنهم أجمعين واحتج هؤلاء بحديث الباب وقوله صلى الله عليه وسلم نعم فتوضأ من لحوم الإبل
48

وعن البراء بن عازب قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فأمر به قال
أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وإسحاق بن راهويه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا
حديثان حديث جابر وحديث البراء وهذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه
وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر كان الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ترك الوضوء مما مست النار ولكن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحوم
الإبل خاص والخاص مقدم على العام والله أعلم وأما أباحته صلى الله عليه وسلم الصلاة في
مرابض الغنم دون مبارك الإبل فهو متفق عليه والنهي عن مبارك الإبل وهي اعطائها نهي تنزيه
وسبب الكراهة ما يخلف من نفارها وتهويشها على المصلى والله أعلم
باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث
(فله يصلي بطهارته تلك)
فيه قوله (شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشئ في الصلاة قال
لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا (قوله يخيل إليه الشئ يعني خروج الحدث منه
وقوله صلى الله عليه وسلم حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا معناه يعلم بوجود أحدهما ولا يشترط
السماع والشم باجماع المسلمين وهذا الحديث
أصل من أصول الاسلام وقاعدة عظيمة من
قواعد الفقه وهي ان الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ولا يضر
الشك الطارئ عليها فمن ذلك مسألة الباب التي ورد فيها الحديث وهي أن من تيقن الطهارة
وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة
وحصوله خارج الصلاة هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وحكى عن مالك
49

رحمة الله تعالى روايتان أحدهما أنه يلزمه الوضوء إن كان شكه خارج الصلاة ولا يلزمه إن كان
في الصلاة والثانية يلزمه بكل حال وحكيت الرواية الأولى عن الحسن البصري وهو وجه
شاذ محكى عن بعض أصحابنا وليس بشئ قال أصحابنا ولافرق في الشك بين أن يستوي الاحتمالان
في وقوع الحدث وعدمه أو أن يترجح أحدهما أو يغلب على ظنه فلا وضوء عليه بكل حال قال
أصحابنا ويستحب له أن يتوضأ احتياطا فلو توضأ احتياطا ودام شكه فذمته بريئة وان علم
بعد ذلك أنه كان محدثا فهل تجزيه تلك الطهارة الواقعة في حال الشك فيه وجهان لأصحابنا أصحهما
عندهم أنه لا تجزيه لأنه كان مترددا في نيته والله أعلم وأما إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة
فإنه يلزمه الوضوء باجماع المسلمين وأما إذا تيقن أنه وجد منه بعد طلوع الشمس مثلا حدث
وطهارة ولا يعرف السابق منهما فإن كان لا يعرف حاله قبل طلوع الشس لزمه الوضوء وان
عرف حاله ففيه أوجه لأصحابنا أشهرهما عندهم أنه يكون بضد ما كان قبل طلوع الشمس
فإن كان قبلها محدثا فهو ألان متطهر وإن كان قبلها متطهرا فهو الان محدث والثاني وهو
الأصح عند جماعات من المحققين أنه يلزمه الوضوء بكل حال والثالث يبني على غالب ظنه
والرابع يكون كما كان قبل طلوع الشمس ولا تأثير للامرين الواقعين بعد طلوعها هذا
الوجه غلط صريح وبطلانه أظهر من أن يستدل عليه وإنما ذكرته لأنبه على بطلانه لئلا
يغتر به وكيف يحكم بأنه على حاله مع تيقن بطلانها بما وقع بعدها والله أعلم ومن مسائل القاعدة
المذكورة أن من شك في طلاق زوجته وعتق عبده أو نجاسة الماء الطاهر أو طهارة النجس أو
نجاسة الثوب أو الطعام أو غيره أو أنه صلى ثلاث ركعات أو أربعا أو أنه ركع وسجد أم لا أو
أنه نوى الصوم أو الصلاة أو الوضوء أو الاعتكاف وهو في أثناء هذه
العبادات وما أشبه هذه الأمثلة فكل هذه الشكوك لا تأثير لها والأصل عدم هذا الحادث وقد استثنى العلماء مسائل من
هذه القاعدة وهي معروفة في كتب الفقه لا يتسع هذا الكتاب لبسطها فإنها منتشرة وعليها اعتراضات
ولها أجوبة ومنها مختلف فيه فلهذا حذفتها هنا وقد أوضحتها بحمد الله تعالى في باب مسح الخف
وباب الشك في نجاسة الماء من المجموع في شرح المهذب وجمعت فيها متفرق كلام الأصحاب
وما تمس إليه الحاجة منها والله أعلم قوله (عن سعيد وعباد بن تميم عن عمه شكى إلى النبي
صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه الشئ في الصلاة) ثم قال مسلم في أخر الحديث
50

(قال أبو بكر وزهير بن حرب في روايتهما هو عبد الله بن زيد) معنى هذا أن في رواية أبي بكر وزهير سميا
عم عباد بن تميم فإنه رواه أولا عن سعيد هو ابن المسيب وعن عباد بن تميم عن عمه ولم يسمه
فسماه في هذه الرواية فقال هذا العم هو عبد الله بن زيد وهو ابن زيد بن عاصم وهو راوي حديث
صفة الوضوء وحديث صلاة الاستسقاء وغيرهما وليس هو عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي
أري الأذان وقوله شكى هو بضم الشين وكسر الكاف والرجل مرفوع ولم يسم هنا الشاكي وجاء
في رواية البخاري أن السائل هو عبد الله بن زيد الراوي وينبغي أن لا يتوهم بهذا أنه شكى
مفتوحة الشين والكاف ويجعل الشاكي هو عمه المذكور فان هذا الوهم غلط والله أعلم
باب طهارة جلود الميتة بالدباغ
فيه قوله صلى الله عليه وسلم في الشاة الميتة (هلا أخذتم اهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا انها ميتة
51

فقال إنما حرم أكلها وفي الرواية الأخرى (هلا انتفعتم بجلدها قالوا إنها ميتة فقال إنما حرم
أكلها) وفي الرواية الأخرى (ألا أخذتم اهابها فاستمتعتم به) وفي الرواية الأخرى (ألا انتفعتم
52

باهابها) وفي الحديث الاخر (إذا دبغ الاهاب فقد طهر) وفي الرواية الأخرى (عن ابن وعلة قال سألت
ابن عباس قلت انا نكون بالمغرب فيأتنا المجوس بالأسقية فيها ماء والودك فقال اشرب فقلت
53

أرأي تراه فقال ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دباغه طهوره) اختلف العلماء في
دباغ جلود الميتة وطهارتها بالدباغ على سبعة مذاهب أحدها مذهب الشافعي أنه يطهر بالدباغ جميع
جلود الميتة الا الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وغيره ويطهر بالدباغ ظاهر الجلد وباطنه
ويجوز استعماله في الأشياء المائعة واليابسة ولا فرق بين مأكول اللحم وغيره وروى هذا
المذهب عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما والمذهب الثاني لا يطهر
شئ من الجلود بالدباغ وروى هذا عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وعائشة رضي الله عنهم
وهو أشهر الروايتين عن أحمد واحدى الروايتين عن مالك والمذهب الثالث يطهر بالدباغ
جلد مأكول اللحم ولا يطهر غيره وهو مذهب الأوزاعي وابن المبارك وأبى ثور وإسحاق بن راهويه
والمذهب الرابع يطهر جلود جميع الميتات الا الخنزير وهو مذهب أبي حنيفة والمذهب الخامس
يطهر الجميع الا أنه يطهر ظاهره دون باطنه ويستعمل في اليابسات دون المائعات ويصلى عليه
لا فيه وهذا مذهب مالك المشهور في حكاية أصحابه عنه والمذهب السادس يطهر الجميع والكلب
والخنزير ظاهرا وباطنا وهو مذهب داود وأهل الظاهر وحكى عن أبي يوسف والمذهب السابع
أنه ينتفع بجلود الميتة وان لم تدبغ ويجوز استعمالها في المائعات واليابسات وهو مذهب الزهري
وهو وجه شاذ لبعض أصحابنا لا تفريغ عليه ولا التفاف إليه واحتجت كل طائفة من أصحاب هذه
المذاهب بأحاديث وغيرها وأجاب بعضهم عن دليل بعض وقد أوضحت دلائلهم في أوراق من
شرح المهذب والغرض هنا بيان الاحكام والاستنباط من الحديث وفي حديث ابن وعلة عن
ابن عباس دلالة لمذهب الأكثرين أنه يطهر ظاهره وباطنه فيجوز استعماله في المائعات فإن جلود
ما ذكاه المجوس نجسة وقد نص على طهارتها بالدباغ واستعمالها في الماء والودك وقد يحتج الزهري
بقوله صلى الله عليه وسلم ألا انتفعتم باهابها ولم يذكر دباغها ويجاب عنه بأنه مطلق وجاءت الروايات
الباقية ببيان الدباغ وإن دباغه طهوره والله أعلم واختلف أهل اللغة في الاهاب فقيل هو الجلد
مطلقا وقيل هو الجلد قبل الدباغ فأما بعده فلا يسمى أهابا وجمعه أهب بفتح الهمزة والهاء
وبضمهما لغتان ويقال طهر الشئ وطهر بفتح الهاء وضمها لغتان والفتح أفصح والله أعلم
54

فصل يجوز الدباغ بكل شئ ينشف فضلات الجلد ويطيبه ويمنع من ورود الفساد عليه وذلك كالشت
والشب والقرظ وقشور الرمان وما أشبه ذلك من الأدوية الطاهرة ولا يحصل بالتشميس عندنا
وقال أصحاب أبي حنيفة يحصل ولا يحصل عندنا بالتراب والرماد والملح على الأصح في الجميع
وهل يحصل بالأدوية النجسة كذرق الحمام والشب المتنجس فيه وجهان أصحهما عند الأصحاب
حصوله ويجب غسله بعد الفراغ من الدباغ بلا خلاف ولو كان دبغه بطاهر فهل يحتاج إلى غسله
بعد الفراغ فيه وجهان وهل يحتاج إلى استعمال الماء في أول الدباغ فيه وجهان قال أصحابنا ولا
يفتقر الدباغ إلى فعل فاعل فلو أطارت الريح جلد ميته فوقع في مدبغه طهر والله أعلم وإذا طهر
بالدباغ جاز الانتفاع به بلا خلاف وهل يجوز بيعه فيه قولان للشافعي أصحهما يجوز وهل يجوز
أكله فيه ثلاثة أوجه أو أقوال أصحها لا يجوز بحال والثاني يجوز والثالث يجوز أكل جلد مأكول
اللحم ولا يجوز غيره والله أعلم وإذا طهر الجلد بالدباغ فهل يطهر الشعر الذي عليه تبعا للجلد إذا قلنا
بالمختار في مذهبنا أن شعر الميتة نجس فيه قولان لان للشافعي أصحهما وأشهرهما لا يطهر لأن الدباغ لا يؤثر
فيه بخلاف الجلد قال أصحابنا لا يجوز استعمال جلد الميتة قبل الدباغ في الأشياء الرطبة ويجوز في اليابسات
مع كراهته والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (أنما حرم أكلها) رويناه على وجهين حرم
بفتح الحاء وضم الراء وحرم بضم الحاء وكسر الراء المشددة في هذا اللفظ دلالة على تحريم اكل جلد الميتة
وهو الصحيح كما قدمته وللقائل الاخر ان يقول المراد تحريم لحمها والله أعلم قوله (قال أبو
بكر وابن أبي عمر في حديثهما عن ميمونة) يعني انهما ذكرا في روايتهما ان ابن عباس
رواه عن ميمونة قوله (أن داجنة كانت) هي بالدال المهملة والجيم والنون قال أهل اللغة وداجن
البيوت ما ألفها من الطير والشاه وغيرهما وقد دجن في بيته إذا ألزمه والمراد بالداجنة
هنا الشاة قوله (عبد الرحمن ابن وعلة السبئي) هو بفتح الواو وإسكان العين المهملة
والسبئي بفتح السين المهملة وبعدها الباء الموحدة ثم الهمزة ثم ياء النسب قوله بمثله
يعني حديث يحيى بن يحيى هكذا هو في الأصول يعني بالياء المثناة من تحت ولعله من كلام
الراوي عن مسلم ولو روي بالنون في أوله على أنه من كلام مسلم لكان حسنا ولكن لم يرو
قوله (أن أبا الخير) هو بالخاء المعجمة واسمه مرثد بن عبد الله اليزني بفتح الياء والزاي وقوله
55

(يأتونا بالسقاء يجعلون فيه الودك) هكذا هو في الأصول ببلادنا يجعلون بالعين بعد الجيم
وكذا نقله القاضي عياض عن أكثر الرواة قال ورواه بعضهم يجملون بالميم ومعناه يذيبون
يقال بفتح الياء وضمها لغتان يقال جملت الشحم وأجملته أذبته والله أعلم قوله (رأيت على
ابن وعلة السبائي فروا) هكذا هو في النسخ فروا وهو الصحيح المشهور في اللغة وجمع الفرو
فراء ككعب وكعاب وفيه لغة قلية أنه يقال فروة بالهاء كما يقولها العامة حكاها ابن فارس في
المجمل والزبيدي في مختصر العين قوله (فمسسته) هو بكسر السين الأولى على الأخيرة المشهورة
وفي لغة قليلة بفتحها فعلى الأولى المضارع يمسه بفتح الميم وعلى الثانية بضمها والله
سبحانه وتعالى أعلم
باب التيمم
التيمم في اللغة هو القصد قال الإمام أبو منصور الأزهري التيمم في كلام العرب القصد يقال
تيممت فلانا ويممته وأممته أي قصدته والله أعلم وأعلم أن التيمم ثابت بالكتاب
والسنة وإجماع الأمة وهو خصيصة خص الله سبحانه وتعالى به هذه الأمة زادها الله تعالى شرفا وأجمعت
الأمة على التيمم لا يكون الا في الوجه واليدين سواء كان عن حدث أصغر أو أكبر وسواء تيمم عن
الأعضاء كلها أو بعضها والله أعلم واختلف العلماء في كيفية التيمم فمذهبنا ومذهب الأكثرين أنه
لا بد من ضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وممن قال بهذا من العلماء علي بن أبي طالب
وعبد الله بن عمر والحسن البصري والشعبي وسالم بن عبد الله بن عمر وسفيان الثوري ومالك
وأبو حنيفة وأصحاب الرأي وآخرون رضي الله عنهم أجمعين وذهبت طائفة إلى أن الواجب
ضربة واحدة للوجه والكفين وهو مذهب عطاء ومكحول والأوزاعي
وأحمد وإسحاق وابن
المنذر وعامة أصحاب الحديث وحكى عن الزهري أنه يجب مسح اليدين إلى الإبطين هكذا حكاه عنه
أصحابنا في كتب المذهب وقد قال الإمام أبو سليمان الخطابي لم يختلف أحد من العلماء في أنه لا يلزم مسح
ما وراء المرفقين وحكى أصحابنا أيضا عن ابن سيرين أنه قال لا يجزيه به أقل من ثلاث ضربات ضربة
56

للوجه وضربة ثانية لكفيه وثالثه لذراعيه واجمع العلماء على جواز التيمم عن الحدث الأصغر
وكذلك أجمع أهل هذه الاعصار ومن قبلهم على جوازه للجنب والحائض والنفساء ولم يخالف
فيه أحد من الخلف ولا أحد من السلف الا ما جاء عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود
رضي الله عنهما وحكى مثله عن إبراهيم النخعي الامام التابعي وقيل أن عمر وعبد الله رجعا
عنه وقد جاءت بجوازه للجنب الأحاديث الصحيحة المشهورة والله أعلم وإذا صلى الجنب
بالتيمم ثم وجد الماء وجب عليه الاغتسال باجماع العلماء الا ما حكى عن أبي سلمه بن عبد الرحمن
الامام التابعي أنه قال لا يلزمه وهو مذهب متروك باجماع من قبله ومن بعده وبالأحاديث
الصحيحة المشهورة في أمره صلى الله عليه وسلم للجنب بغسل بدنه إذا وجد الماء والله أعلم ويجوز
للمسافر والمعزب في الإبل وغيرهما أن يجامع زوجته وان كانا عادمين للماء
ويغسلان فرجيهما ويتيممان ويصليان ويجزيهما التيمم ولا إعادة عليهما إذا
غسلا فرجيهما فإن لم يغسل الرجل ذكره وما أصابه من المرأة وصلى بالتيمم على حاله
فإن قلنا أن رطوبة فرج المرأة نجسة لزمه إعادة الصلاة والا فلا يلزمه الإعادة والله أعلم وأما إذا
كان على بعض أعضاء المحدث نجاسة فأراد التيمم بدلا عنها فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنه لا يجوز
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يجوز أن يتيمم إذا كانت
النجاسة على بدنه ولم يجز إذا كانت على ثوبه واختلف أصحابه على وجوب إعادة هذه الصلاة وقال ابن المنذر كان الثوري والأوزاعي
وأبو ثور يقولون يمسح موضع النجاسة بتراب ويصلى والله أعلم وأما إعادة الصلاة التي يفعلها
بالتيمم فمذهبنا أنه لا يعيد إذا تيمم للمرض أو الجراحة ونحوهما وأما إذا تيمم للعجز عن الماء
فإن كان في موضع يعدم فيه الماء غالبا كالسفر لم تجب الإعادة وإن كان في موضع لا يعدم فيه
الماء الا نادرا وجبت الإعادة على المذهب الصحيح والله أعلم وأما جنس ما يتيمم به فاختلف
العلماء فيه فذهب الشافعي وأحمد وابن المنذر وداود الظاهري وأكثر الفقهاء إلى أنه لا يجوز التيمم
الا بتراب طاهر له غبار يعلق بالعضو وقال أبو حنيفة ومالك يجوز التيمم بجميع أنواع الأرض
حتى الصخرة المغسولة وزاد بعض أصحاب مالك فجوزه بكل ما اتصل بالأرض من الخشب وغيره
وعن مالك في الثلج روايتان وذهب الأوزاعي وسفيان الثوري إلى أنه يجوز بالثلج وكل ما على
الأرض والله أعلم وأما حكم التيمم فمذهبنا ومذهب الأكثرين أنه لا يرفع الحدث بل يبيح الصلاة
57

فيستبيح به فريضة وما شاء من النوافل ولا يجمع بين فريضتين بتيمم واحد وان نوى بتيممه
الفرض استباح الفريضة والنافلة وان نوى النفل استباح النفل ولم يستبح به الفرض وله أن
يصلي على جنائز بتيمم واحد وله أن يصلي بالتيمم الواحد فريضة وجنائز ولا يتيمم قبل دخول
وقتها وإذا رأى المتيمم لفقد الماء ماء وهو في الصلاة لم تبطل صلاته بل له ان يتمها الا إذا كان
ممن تلزمه الإعادة فإن الصلاة تبطل برؤية الماء والله أعلم قوله (عن عائشة رضي الله عنها قالت
خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره) فيه جواز مسافرة الزوج بزوجته
الحرة قولها (حتى إذا كان بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
على التماسه وأقام الناس معه وليس معهم ماء وليسوا على ماء) وفي الرواية الأخرى
58

(عن عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت) أما البيداء فبفتح الباء الموحدة في أولها وبالمد وأما
ذات الجيش فبفتح الجيم وإسكان الياء وبالشين المعجمة والبيداء وذات الجيش موضعان بين
المدينة وخيبر وأما العقد فبكسر العين وهو كل ما يعلق في العنق فيسمى عقدا أو قلادة
وأما قولها عقد لي وفي الرواية الأخرى استعارت من أسماء قلادة فلا مخالفة بينهما فهو في الحقيقة
ملك لأسماء واضافته في الرواية إلى نفسها لكونه في يدها وقولها فهلكت معناه ضاعت وفي هذا
الفصل من الحديث فوائد فمنها جواز العارية وجواز عارية الحلي وجواز المسافرة بالعارية إذا كان
باذن المعير وجواز اتخاذ النساء القلائد وفيه الاعتناء بحفظ حقوق المسلمين وأموالهم وان قلت ولهذا أقام
النبي صلى الله عليه وسلم على التماسه وجواز الإقامة في موضع لا ماء فيه وان احتاج إلى التيمم وفيه
غير ذلك والله أعلم قولها (فعاتبني أبو بكر رضي الله عنه وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن
بيده في خاصرتي) فيه تأديب الرجل ولده بالقول والفعل والضرب ونحوه وفيه تأديب الرجل ابنته
وأن كانت كبيرة مزوجة خارجة عن بيته وقولها يطعن هو بضم العين وحكى فتحها وفي الطعن
في المعاني عكسه قوله (فقال أسيد بن حضير) هو بضم الهمزة وفتح السين وحضير بضم الحاء
المهملة وفتح الضاد المعجمة وهذا وإن كان ظاهرا فلا يضر بيانه لمن لا يعرفه قولها (فبعثنا البعير
الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته) كذا وقع هنا وفي رواية البخاري فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
رجلا فوجدها وفي رواية رجلين وفي رواية ناسا وهي قضية واحده قال العلماء المبعوث
هو أسيد بن حضير وأتباع له فذهبوا فلم يجدوا شيئا ثم وجدها
أسيد بعد رجوعه تحت البعير والله
أعلم قوله (فصلوا بغير وضوء) فيه دليل على أن من عدم الماء والتراب يصلي على حاله وهذه
59

المسألة فيها خلاف للسلف والخلف وهي أربعة أقوال للشافعي أصحها عند أصحابنا أنه يجب عليه أن
يصلي ويجب عليه أن يعيد الصلاة أما الصلاة فلقوله صلى الله عليه وسلم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا
منه ما استطعتم وأما الإعادة فلأنه عذر نادر فصار كما لو نسي عضو من أعضاء طهارته وصلى فإنه
يجب عليه الإعادة والقول الثاني لا يجب عليه الصلاة ولكن يستحب ويجب القضاء سواء صلى
أم لم يصلي والثالث يحرم عليه الصلاة لكونه محدثا ويجب الإعادة والرابع يجب الصلاة ولا يجب
الإعادة وهذا مذهب المزني وهو أقوى الأقوال دليلا ويعضده هذا الحديث وأشباهه فإنه لم ينقل
عن النبي صلى الله عليه وسلم ايجاب إعادة مثل هذه الصلاة والمختار أن القضاء إنما يجب بأمر
جديد ولم يثبت الامر فلا يجب وهكذا يقول المزني في كل صلاة وجبت في الوقوع على نوع
من الخلل لا تجب اعادتها وللقائلين بوجوب الإعادة أن يجيبوا هذا الحدث بأن الإعادة
ليست على الفور ويجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة على المختار والله أعلم قوله تعالى
فتيمموا صعيدا طيبا اختلفت في الصعيد على ما قدمناه في أول الباب فالأكثرون على أنه
هنا التراب وقال الآخرون هو جميع ما صعد على وجه الأرض وأما الطيب فالأكثرون على
أنه الطاهر وقيل الحلال والله أعلم واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن القصد إلى الصعيد واجب
قالوا فلو ألقت الريح عليه ترابا فمسح به وجهه لم يجزئه بل لابد من نقله من الأرض أو غيرها
60

وفي المسألة فروع كثيرة مشهورة في كتب الفقه والله أعلم قوله (لأوشك إذا برد عليهم الماء
أن يتيمموا) معنى أوشك قرب وأسرع وقد زعم بعض أهل اللغة أنه لا يقال أوشك وإنما
يستعمل مضارعا فيقال يوشك كذا وليس كما زعم هذا القائل بل يقال أوشك أيضا ومما يدل
عليه هذا الحديث مع أحاديث كثيرة في الصحيح مثله وقوله برد هو بفتح الباء والراء وقال
الجوهري برد بضم الراء والمشهور الفتح والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم إنما كان
يكفيك أن تقول كذا) وضرب بيده إلى الأرض فنفض يديه فمسح وجهه وكفيه فيه دلالة
لمذهب من يقول يكفي ضربة واحده للوجه والكفين جميعا وللآخرين أن يجيبوا عنه بأن المراد
هنا صورة الضرب للتعليم وليس المراد بيان جيع ما يحصل به التيمم وقد أوجب الله تعالى غسل
اليدين إلى المرفقين في الوضوء ثم قال الله تعالى في التيمم فامسحوا بوجوهكم وأيديكم والظاهر أن
اليد المطلقة هنا هي المقيدة في الوضوء في أول الآية فلا يترك هذا الظاهر الا بصريح والله أعلم
61

وقوله فنفض يده قد احتج به من جوز التيمم بالحجارة وما لا غبار عليه قالوا إذا كان الغبار معتبرا
لم ينفض اليد وأجاب الآخرون بأن المراد بالنفض هنا تخفيف الغبار الكثير فإنه يستحب إذا
حصل على اليد غبار كثير أن يخفف بحيث يبقى ما يعم العضو والله أعلم قوله (عبد الرحمن
ابن أبزى) هو بفتح الهمزة واسكان الباء الموحدة وبعدها زاي ثم باء وعبد الرحمن صحابي قوله
(فقال عمر اتق الله تعالى يا عمار قال إن شئت لم أحدث به) معناه قال عمر لعمار اتق الله تعالى فيما
ترويه وثبت فلعلك نسيت أو اشتبه عليك الامر وأما قول عمار ان شئت لم أحدث
به فمعناه والله أعلم ان رأيت المصلحة في امساكي عن التحديث به راجحة على مصلحة تحديثي به
أمسكت فإن طاعتك واجبه على غير المعصية وأصل تبليغ هذه السنة وأداء العلم قد حصل فإذا
62

أمسك بعد هذا لا يكون داخلا فيمن كتم العلم ويحتمل انه أراد إن شئت لم أحدث به تحديثا
شائعا بحيث يشتهر في الناس بل لا احدث به الا نادرا والله أعلم وفي قصة عمار جواز الاجتهاد
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإن عمارا رضي الله عنه اجتهد في صفة التيمم وقد اختلف أصحابنا
وغيرهم من أهل الأصل في هذه المسألة على ثلاثة أوجه أصحها يجوز الاجتهاد في زمنه صلى الله عليه وسلم
بحضرته وفي غير حضرته والثاني لا يجوز بحال والثالث لا يجوز بحضرته ويجوز في غير
حضرته والله أعلم قوله (وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة) هكذا وقع في صحيح
مسلم من جميع الروايات منقطعا بين مسلم والليث وهذا النوع يسمى معلقا وقد تقدم في بيانه
وايضاح هذا الحديث وغيره مما في معناه في الفصول السابقة في مقدمة الكتاب وذكرنا أن
في صحيح مسلم أربعة عشر أو اثني عشر حديثا منقطعة هكذا وبيناها والله أعلم قوله في
حديث الليث هذا (أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة) هكذا هو في أصول صحيح
مسلم قال أبو علي الغساني وجميع المتكلمين على أسانيد مسلم قوله عبد الرحمن خطأ صريح
وصوابه عبد الله بن يسار وهكذا رواه البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم على الصواب فقالوا
عبد الله بن يسار وقال القاضي عياض ووقع في روايتنا صحيح مسلم من طريق السمرقندي
عن الفارسي عن الجلودي عن عبد الله بن يسار على الصواب وهم أربعة أخوة عبد الله وعبد
الرحمن وعبد الملك وعطاء مولى ميمونة والله أعلم قوله (دخلنا على أبي الجهم بن الحارث
بن الصمة) أما الصمة بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم وأما أبو الجهم فبفتح الجيم
وبعدها هاء ساكنه هكذا هو في مسلم وهو غلط وصوابه ما وقع في صحيح البخاري
وغيره
63

أبو الجهم بضم الجيم وفتح الهاء وزيادة ياء هذا هو المشهور في كتب الأسماء وكذا ذكره مسلم في
كتابه في أسماء الرجال والبخاري في تاريخه وأبو داوود والنسائي وغيرهم وكل من ذكره من المصنفين
في الأسماء والكنى وغيرهما واسم أبي الجهيم عبد الله كذا سماه مسلم في كتاب الكنى وكذا سماه أيضا
غيره والله أعلم وأعلم ان أبا الجهيم هذا هو المشهور أيضا في حديث المرور بين يدي المصلى واسمه
عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري البخاري وهو غير أبي الجهم المذكور في حديث
الخميصة والانبجانية ذلك بفتح الجيم بغير ياء واسمه عامر بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي
من بني عدى بن كعب وسنوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى قوله (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
من نحو بئر جمل) هو بفتح الجيم والميم ورواية النسائي بئر الجمل بالألف
واللام وهو موضع بقرب المدينة والله أعلم قوله (اقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
من نحو بئر جمل) فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى اقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه ثم رد عليه السلام هذا الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم
كان عادما للماء حال التيمم فإن التيمم مع وجود الماء لا يجوز للقادر على استعماله
ولا فرق بين أن يضيق وقت الصلاة وبين أن يتسع ولا فرق أيضا بين صلاة الجنازة والعيد
وغيرهما هذا مذهب الجمهور وقال أبو حنيفة رضي الله عنه يجوز أن يتيمم مع وجود
الماء لصلاة الجنازة 6 والعيد إذا خاف فوتهما وحكى البغوي من أصحابنا عن بعض أصحابنا أنه
إذا خاف فوت الفريضة لضيق الوقت صلاها بالتيمم ثم توضأ وقضاها والمعروف الأول والله
أعلم وفي هذا الحديث جواز التيمم بالجدار إذا كان عليه غبار وهذا جائز عندنا وعند الجمهور
من السلف والخلف واحتج به من جوز التيمم بغير التراب وأجاب الآخرون بأنه محمول على
جدار عليه تراب للنوافل والفضائل كسجود التلاوة والشكر ومس
المصحف ونحوها وفيه دليل على جواز التيمم كما يجوز للفرائض وهذا مذهب العلماء كافة الا وجها شاذا منكر لبعض
64

أصحابنا أنه لا يجوز التيمم الا للفريضة وليس هذا الوجه بشئ فان قال كيف تيمم بالجدار بغير
اذن مالكه فالجواب أنه محمول على أن هذا الجدار كان مباحا أو مملوكا لانسان يعرفه فأدل عليه
النبي صلى الله عليه وسلم وتيمم به لعلمه بأنه لا يكره مالكه ذلك ويجوز مثل هذا والحالة هذه
لآحاد الناس فالنبي صلى الله عليه وسلم أولى والله أعلم قوله (أن رجلا مر ورسول الله صلى الله عليه وسلم
يبول فسلم فلم يرد عليه) فيه أن المسلم في هذا الحال لا يستحق جوابا وهذا متفق عليه
قال أصحابنا ويكره أن يسلم على المشتغل بقضاء حاجة البول والغائط فان سلم عليه كره له رد السلام
قالوا أو يكره للقاعد على قضاء الحاجة أن يذكر الله تعالى بشئ من الأذكار قالوا فلا يسبح ولا يهلل
ولا يرد السلام ولا يشمت العاطس ولا يحمد الله تعالى إذا عطس ولا يقول مثل ما يقول
المؤذن قالوا وكذلك لا يأتي بشئ من هذه الأذكار في حال الجماع وإذا عطس في هذه الأحوال يحمد
الله تعالى في نفسه ولا يحرك به لسانه وهذا الذي ذكرناه من كراهة الذكر في حال البول والجماع
هو كراهة تنزيه لا تحريم فلا اثم على فاعله وكذلك يكره الكلام على قضاء الحاجة بأي نوع كان
من أنواع الكلام ويستثنى من هذا كله موضع الضرورة كما إذا رأى ضريرا يكاد ان يقع في بئر
أو رأى حية أو عقربا أو غير ذلك يقصد انسانا أو نحو ذلك فإن الكلام في هذه المواضع ليس
بمكروه بل هو واجب وهذا الذي ذكرناه من الكراهة في حال الاختيار هو مذهبنا ومذهب
الأكثرين وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وعطاء وسعيد الجهني وعكرمة رضي الله عنهم وحكى
عن إبراهيم النخعي وابن سيرين انهما قالا لا بأس به والله أعلم
باب الدليل على أن المسلم لا ينجس
فيه قوله صلى الله عليه وسلم (سبحان الله أن المؤمن لا ينجس) وفي الرواية الأخرى (إن المسلم لا ينجس
65

هذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حيا وميتا فأما الحي فطاهر باجماع المسلمين حتى الجنين
إذا ألقته أمه وعليه رطوبة فرجها قال بعض أصحابنا هو طاهر بإجماع المسلمين قال لا يجئ فيه
الخلاف المعروف في نجاسة رطوبة فرج المرأة ولا الخلاف المذكور في كتب أصحابنا في نجاسة
ظاهر بيض الدجاج ونحوه فإن فيه وجهين بناء على رطوبة الفرج هذا حكم المسلم الحي وأما
الميت ففيه خلاف للعلماء وللشافعي فيه قولان الصحيح منهما أنه طاهر ولهذا اغسل ولقوله صلى الله عليه وسلم
ان المسلم لا ينجس وذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس تعليقا المسلم لا ينجس
حيا ولا ميتا هذا حكم المسلم وأما الكافر فحكمه في الطهارة والنجاسة حكم المسلم هذا مذهبنا
ومذهب الجماهير من السلف والخلف وأما قول الله عز وجل إنما المشركون نجس فالمراد
نجاسة الاعتقاد والاستقدار وليس المراد أن أعضاءهم نجسه كنجاسة البول والغائط ونحو هما
فإذا ثبتت طهارة الادمي مسلما كان أو كافرا فعرقه ولعابه ودمعه طاهرات سواء كان محدثا
أو جنبا أو حائضا أو نفساء وهذا كله باجماع المسلمين كما قدمته في باب الحيض وكذلك الصبيان
أبدانهم وثيابهم ولعابهم محمولة على الطهارة حتى تتيقن النجاسة فتجوز الصلاة في ثيابهم والاكل
معهم من المائع إذا غمسوا أيديهم فيه ودلائل هذا كله من السنة والاجماع مشهورة والله أعلم وفي
هذا الحديث استحباب احترام أهل الفضل وأن يوقرهم جليسهم ومصاحبهم فيكون على أكمل الهيئات
وأحسن الصفات وقد استحب العلماء لطالب العلم أن يحسن حاله في حال مجالسة شيخه فيكون
متطهرا متنظفا بإزالة الشعور المأمور بإزالتها وقص الأظافر وإزالة الروائح الكريهة والملابس
المكروهة وغير ذلك فإن ذلك من اجلال العلم والعلماء والله أعلم وفي هذا الحديث أيضا من
66

من الآداب أن العالم إذا رأى من تابعه أمرا يخاف عليه فيه خلاف الصواب سأله عنه وقال له صوابه
وبين له حكمه والله أعلم وأما ألفاظ الباب ففيه قوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن لا ينجس) يقال
بضم الجيم وفتحها لغتان وفي ماضيه لغتان نجس ونجس بكسر الجيم وضمها فمن كسرها في الماضي
فتحها في المضارع ومن ضمها في الماضي ضمها في المضارع أيضا وهذا قياس مطرد معروف
عند أهل العربية الا أحرفا مستثناة من المكسور والله أعلم وفيه قوله فانسل أي ذهب في خفية)
وفيه قوله صلى الله عليه وسلم (سبحان الله أن المؤمن لا ينجس) وقد قدمنا في مواضع أن سبحان الله
في هذا الموضع وشبهه يراد بها التعجب وبسطنا الكلام فيه في باب وجوب الغسل على المرأة ا
ذا أنزلت المني وفيه قوله (فحاد عنه) أي مال وعدل وفيه أبو رافع عن أبي هريرة واسم أبي رافع نفيع
وفيه أبو وائل واسمه شقيق بن سلمه وأما ما يتعلق بأسانيد الباب ففيه قول مسلم في الاسناد الثاني
(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا وكيع عن مسعر عن واصل عن
أبي وائل عن حذيفة) هذا الاسناد كله كوفيون الا أن حذيفة كان معظم مقامه
بالمدائن وأما قوله في الاسناد الأول (حدثني زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد
قال حميد حدثنا ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له قال حدثنا إسماعيل
ابن علية عن حميد الطويل عن أبي رافع عن أبي هريرة) فقد يلتبس على بعض الناس قوله
قال حميد حدثنا ة ليس فيه ما يوجب اللبس على من له أدنى اشتغال بهذا الفن فان أكثر
ما فيه أنه قدم حميدا على حدثنا والغالب أنهم يقولون حدثنا حميد فقال هو حميد حدثنا ولا فرق بين
تقديمه وتأخيره في المعنى والله أعلم وأما قوله عن حميد عن أبي رافع فهكذا هو في صحيح مسلم
في جميع النسخ قال القاضي عياض قال الإمام أبو عبد الله المازري هذا الاسناد منقطع إنما
يرويه حميد عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع هكذا أخرجه البخاري وأبو بكر بن أبي شيبه
67

في مسنده وهذا كلام القاضي عن المازري وكما أخرجه البخاري عن حميد عن بكر عن أبي رافع
كذلك أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم من الأئمة ولا يقدح هذا في
أصل متن الحديث فان المتن ثابت على كل حال من رواية أبي هريرة ومن رواية حذيفة والله أعلم
باب ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها
قول عائشة رضي الله عنها (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى على كل أحيانه) هذا الحديث
أصل في جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وشبهها من الأذكار وهذا جائز
باجماع المسلمين وإنما اختلف العلماء في جواز قراءة القرآن للجنب والحائض فالجمهور على تحريم
القراءة عليهما جميعا ولا فرق عندنا بين آية وبعض آية فان الجميع يحرم ولو قال الجنب بسم الله
أو الحمد لله ونحو ذلك ان قصد به القرآن حرم عليه وان قصد به الذكر أو لم يقصد شيئا لم يحرم
ويجوز للجنب والحائض أن يجريا القرآن على قلوبهما وأن ينظرا في المصحف ويستحب لهما
إذا أرادا الاغتسال أن يقولا بسم الله على قصد الذكر واعلم أنه يكره الذكر في حالة الجلوس على
البول والغائط وفي حالة الجماع وقد قدمنا بيان هذا قريبا في اخر باب التيمم وبينا الحالة التي تستثنى
منه وذكرنا هناك اختلاف العلماء في كراهته فعلى قول الجمهور أنه مكروه يكون الحديث مخصوصا
بما سوى هذه الأحوال ويكون معظم المقصود أنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله تعالى متطهرا
ومحدثا وجنب وقائما وقاعدا ومضطجعا وماشيا والله أعلم قوله في اسناد حديث الباب (حدثنا
البهي عن عروة) هو بفتح الباء الموحدة وكسر الهاء وتشديد الياء وهو لقب له واسمه عبد الله
ابن بشار قال يحيى بن معين وأبو علي الغساني وغيرهما قالا وهو معدود في الطبقة الأولى من
الكوفيين وكنيته أبو محمد وهو مولى مصعب ابن الزبير والله أعلم
68

باب جواز اكل المحدث الطعام وانه لا كراهة في ذلك
(وأن الوضوء ليس على الفور)
أعلم ان العلماء مجمعون على أن للمحدث أن يأكل ويشرب ويذكر الله سبحانه وتعالى ويقرأ القرآن
ويجامع ولا كراهة في شئ من ذلك وقد تظاهرت على هذا كله دلائل السنة الصحيحة المشهورة
مع إجماع الأمة وقد قدمنا أن أصحابنا رحمهم الله تعالى اختلفوا في وقت وجوب الوضوء هل هو
بخروج الحدث ويكون وجوبا موسعا أم لا يجب بالقيام إلى الصلاة أم يجب بالخروج
والقيام فيه ثلاثة أوجه أصحها عندهم الثالث والله
أعلم قوله (وأتى بطعام فقيل له ألا توضأ
فقال لم أصلي فأتوضأ) أما لم فبكسر اللام وفتح الميم وأصلي باثبات الياء في اخره وهو استفهام
انكار ومعناه الوضوء يكون لمن أراد الصلاة وأنا لا أريد أن أصلي الان والمراد بالوضوء الوضوء
69

الشرعي وحمله القاضي عياض على الضوء اللغوي وجعل المراد غسل الكفين وحكى واختلاف
العلماء في كراهته غسل الكفين قبل الطعام واستحبابه وحكى الكراهة عن مالك والثوري
رحمهما الله تعالى والظاهر ما قدمناه أن المراد الوضوء الشرعي والله سبحانه وتعالى اعلم
باب ما يقال إذا أراد دخول الخلاء
قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال اللهم إني أعوذ بك من الخبث
والخبائث) وفي رواية إذا دخل الكنيف وفي رواية (أعوذ بالله من الخبث والخبائث)
70

أما الخلاء فبفتح الخاء والمد والكنف بفتح الكاف وكسر النون والخلاء والكنيف والمرحاض
كلها موضع قضاء الحاجة وقوله إذا دخل معناه إذا أراد الدخول وكذا جاء مصرحا به في رواية
البخاري قال كان إذا أراد أن يدخل وأما الخبث فبضم الباء واسكانها وهما وجهان مشهوران
في رواية هذا الحديث ونقل القاضي عياض رحمه الله تعالى أن أكثر روايات الشيوخ الاسكان
وقد قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمة الله تعالى الخبث بضم الباء جماعة الخبيث
والخبائث جمع الخبيثة قال يريد ذكر ان الشياطين وإناثهم قال وعامة المحدثين يقولون الخبث باسكان الباء
وهو غلط والصواب الضم هذا كلام الخطابي وهذا الذي غلطهم فيه ليس بغلط ولا يصح انكاره
جواز الاسكان فإن الاسكان جائز على سبيل التخفيف كما يقال كتب ورسل وعنق وأذن ونظائره
فكل هذا وما أشبهه جائز تسكينه بلا خلاف عند أهل العربية وهو باب معروف من أبواب التصريف
لا يمكن إنكاره ولعل الخطابي أراد الانكار على من يقول أصله الاسكان فإن كان أراد هذا فعبارته
موهمة وقد صرح جماعة من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنه منهم الإمام أبو عبيد امام هذا الفن
والعمدة فيه واختلفوا في معناه فقيل هو الشر وقيل الكفر وقيل الخبث الشياطين والخبائث المعاصي قال
ابن الاعرابي الخبث في كلام العرب المكروه فإن كان من الكلام فهو الشتم وإن كان من الملل
فهو الكفر وإن كان من الطعام فهو الحرام وإن كان من الشراب فهو الضار والله أعلم وهذا
الأدب مجمع استحبابه ولا فرق فيه بين البنيان والصحراء والله أعلم باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء
فيه قول مسلم (وحدثنا شيبان بن فروخ حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس قال
أقمت الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي الرجل) وفي رواية (نجى لرجل فما قام إلى الصلاة
71

حتى نام القوم) قال مسلم (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عبد العزيز
ابن صهيب سمع أنس بن مالك رضي الله عنه أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلا
فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه ثم جاء فصلى بهم) قال مسلم (وحدثنا يحيى بن حبيب الحارثي
حدثنا خالد وهو ابن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت انسا يقول كان أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون قال قلت سمعته من أنس قال إي والله)
هذه الأسانيد الثلاثة رجالها بصريون كلهم وقد قدمنا مرات أن شعبة واسطى بصرى وقد قدمنا
بيان كون فروخ والد شيبان لا ينصرف للعجمة وقد قدمنا بيان الفائدة في قوله وهو ابن الحارث
وأوضحنا ذلك في الفصول المتقدمة وفي مواضع بعدها وأما قوله قلت سمعته من أنس قال إي
والله مع أنه قال أولا سمعت أنسا فأراد به الاستثبات فان قتادة رضي الله عنه كان من المدلسين
وكان شعبة رحمه الله تعالى عليه من أشد الناس ذما للتدليس وكان يقول الزنا أهون من التدليس
وقد تقرر أن المدلس إذا قال لا يحتج به وإذا قال سمعت احتج به على المذهب الصحيح
المختار فأراد شعبة رحمة الله تعالى الاستثبات من قتادة في لفظ السماع والظاهر أن قتادة علم
ذلك من حال شعبة ولهذا حلف بالله تعالى والله أعلم وأما قوله نجى لرجل فمعناه مسار له
والمناجاة التحديث سرا ويقال نجى رجلان ونجى ورجال نجى بلفظ واحد قال الله تعالى
72

وقربناه نجيا وقال تعالى " نجيا " والله أعلم وأما فقه الحديث ففيه جواز مناجاة الرجل بحضرة
الجماعة وإنما نهى عن ذلك بحضرة الواحد وفيه جواز الكلام بعد إقامة الصلاة لا سيما في
الأمور المهمة ولكنه مكروه في غير المهم وفيه تقديم الأهم فالأهم من الأمور عند ازدحامها فإنه
صلى الله عليه وسلم إنما ناجاه بعد الإقامة في امر مهم من أمور الدين مصلحته راجحة على تقديم
الصلاة وفيه أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء وهذه هي المسألة المقصودة بهذا الباب وقد اختلف
العلماء فيها على مذاهب أحدها أن النوم لا ينقض الوضوء على اي حال كان وهذا محكي عن أبي
موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وأبي مجلز وحميد الأعرج وشعبة والمذهب الثاني أن النوم
ينقض الوضوء بكل حال وهو مذهب الحسن البصري والمزني وأبي عبيد القاسم بن سلام
وإسحاق بن راهويه وهو قول غريب للشافعي قال ابن المنذر وبه أقول قال وروي معناه عن
ابن عباس وأنس وأبي هريرة رضي الله عنهم والمذهب الثالث أن كثير النوم ينقض بكل حال
وقليله لا ينقض بحال وهذا مذهب الزهري وربيعة الأوزاعي ومالك واحمد في إحدى الروايتين
عنه والمذهب الرابع أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد
لا ينتقض وضوؤه سواء كان في الصلاة أو لم يكن وان نام مضطجعا أو مستلقيا على قفاه انتقض
وهذا مذهب أبي حنيفة وداود وهو قول للشافعي غريب والمذهب الخامس أنه لا ينقض الا نوم
الراكع والساجد روى هذا عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى والمذهب السادس أنه لا ينقض
الا نوم الساجد وروي أيضا عن أحمد رضي الله عنه والمذهب السابع أنه لا ينقض النوم في
الصلاة بكل حال وينقض خارج الصلاة وهو قول ضعيف للشافعي رحمه الله تعالى والمذهب
الثامن أنه إذا نام جالسا ممكنا مقعدته من الأرض لم ينتقض والا انتقض سواء قل أو كثر سواء
كان في الصلاة أو خارجها وهذا مذهب الشافعي وعنده أن النوم ليس حدثا في نفسه وإنما
هو دليل على خروج الريح فإذا نام غير ممكن المقعدة غلب على الظن خروج الريح فجعل
73

الشرع هذا الغالب كالمحقق وأما إذا كان ممكنا فلا يغلب على الظن الخروج والأصل بقاء
الطهارة وقد وردت أحاديث كثيرة في هذه المسألة يستدل بها لهذه المذاهب وقد قررت الجمع
بينها ووجه الدلالة منها في شرح المهذب وليس مقصودي هنا الاطناب بل الإشارة إلى المقاصد
والله أعلم وانفقوا على أن زوال العقل بالجنون والاغماء والسكر بالخمر أو النبيذ أو البنج
أو الدواء ينقض الوضوء سواء قل أو كثر سواء كان ممكن المقعدة أو غير ممكنها قال أصحابنا
وكان من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا ينتقض وضوؤه بالنوم مضطجعا
للحديث الصحيح عن ابن عباس قال نام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه
ثم صلى ولم يتوضأ والله أعلم
(فرع) قال الشافعي الأصحاب لا ينقض الوضوء بالنعاس وهو السنة قالوا وعلامة
النوم أن فيه غلبة على العقل وسقوط حاسة البصر وغيرها من الحواس وأما النعاس فلا
يغلب على العقل وإنما تفتر فيه الحواس من غير سقوطها ولو شك هل نام أم نعس فلا وضوء
عليه ويستحب أن يتوضأ ولو تيقن النوم وشك هل نام ممكن المقعدة من الأرض أم لا لم
ينقض وضوؤه ويستحب أن يتوضأ ولو نام جالسا ثم زالت اليتاه أو أحدهما عن الأرض فإن
زالت قبل الانتباه انتقض وضوؤه لأنه مضى عليه لحظة وهو نائم غير ممكن المقعدة وان زالت بعد
الانتباه أو معه أو شك في وقت زوالها لم ينتقض وضوؤه ولو نام ممكنا مقعدته من الأرض
مستندا إلى حائط أو غيره لم ينقض وضوؤه سواء كانت بحيث لو رفع الحائط لسقط أو لم
يكن ولو نام محتبيا ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا أحدها لا ينتقض كالمتربع والثاني ينتقض
كالمضطجع والثالث أن كان نحيف البدن بحيث لا تنطبق اليتاه على الأرض انتقض وإن كان
ألحم البدن بحيث ينطبقان لم ينتقض والله أعلم بالصواب وله الحمد والنعمة وبه التوفيق والعصمة
74

كتاب الصلاة اختلف العلماء في أصل الصلاة فقيل هي الدعاء لاشتمالها عليه وهذا قول جماهير أهل العربية
والفقهاء وغيرهم وقيل لأنها ثانية لشهادة التوحيد كالمصلي من السابق في خيل الحلبة وقيل هي
من الصلوين وهنا عرقان مع الردف وقيل هما عظمان ينحنيان في الركوع والسجود قالوا ولهذا
كتبت الصلاة بالواو في المصحف وقيل هي من الرحمة وقيل أصلها الاقبال على الشئ وقيل
غير ذلك والله تعالى أعلم
باب بدء الاذان
قال أهل اللغة الاذان الاعلام قال الله تعالى وأذان من الله ورسوله
وقال تعالى مؤذن
ويقال الاذان والتأذين والأذين قوله (كان المسلمون يجتمعون فيتحينون الصلاة) قال القاضي
عياض رحمه الله تعالى معنى يتحينون يقدرون حينها ليأتوا إليها فيه والحين الوقت من الزمان
قوله (فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا) قال أهل اللغة هو الذي يضرب به النصارى لأوقات
75

صلواتهم وجمعه نواقيس والنقس ضرب الناقوس قوله (كان المسلمون حين قدموا المدينة
يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم
اتخذوا ناقوسا وقال بعضهم قرنا فقال عمر رضي الله عنه أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا بلال فناد بالصلاة) في هذا الحديث فوائد منها منقبة
عظيمة لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في إصابة الصواب وفيه التشاور في الأمور
لا سيما المهمة وذلك مستحب في حق الأمة باجماع العلماء وأختلف أصحابنا هل كانت المشاورة
واجبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كانت سنة في حقه صلى الله عليه وسلم
كما في حقنا والصحيح عندهم وجوبها وهو المختار قال الله تعالى في الامر والمختار الذي عليه
جمهور الفقهاء ومحققوا أهل الأصول أن الأمر للوجوب وفيه أنه ينبغي للمتشاورين أن يقول
كل منهم ما عنده ثم صاحب الامر يفعل ما ظهرت له مصلحة والله أعلم وأما قوله (أولا
تبعثون رجلا ينادي الصلاة) فقال القاضي عياض رحمه الله ظاهرة أنه اعلام ليس على
صفة الأذان الشرعي بل اخبار بحضور وقتها وهذا الذي قاله محتمل أو متعين فقد صح
في حديث عبد الله ابن زيد بن عبد ربه في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما أنه رأى الأذان في
المنام فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره به فجاء عمر رضي الله عنه فقال يا رسول الله
والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى وذكر الحديث فهذا ظاهرة أنه كان في مجلس آخر
فيكون الواقع الاعلام أولا ثم رأى عبد الله بن زيد الأذان فشرعه النبي صلى الله عليه وسلم بعد
ذلك أما بوحي واما باجتهاده صلى الله عليه وسلم على مذهب الجمهور في جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم
وليس هو عملا بمجرد المنام هذا ما لا يشك فيه بلا خلاف والله أعلم قال الترمذي
ولا يصح لعبد الله بن زيد بن عبد ربه هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ غير حديث الاذان
وهو غير عبد الله بن زيد بن عاصم المازني ذاك له أحاديث كثيرة في الصحيحين وهو عم عباد
76

ابن تميم والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم (يا بلال قم فناد بالصلاة) فقال القاضي عياض
رحمه الله فيه حجة لشرع الاذان من قيام وأنه لا يجوز الأذان قاعدا قال وهو مذهب العلماء
كافة الا أبا ثور فإنه جوزه ووافقه أبو الفرج لمالكي وهذا الذي قاله ضعيف لوجهين أحدهما
أنا قدمنا عنه أن المراد بهذا النداء الاعلام بالصلاة لا الاذان المعروف والثاني أن المراد قم
فاذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس من البعد وليس فيه تعرض للقيام في
حال الاذان لكن يحتج للقيام في الأذان بأحاديث معروفة غير هذا وأما قوله مذهب العلماء
كافة أن القيام واجب فليس كما قال بل مذهبنا المشهور أنه سنة فلو أذن قاعدا بغير عذر صح
أذانه لكن فاتته الفضيلة وكذا لو أذن مضطجعا مع قدرته على القيام صح أذانه على الأصح لان
المراد الاعلام وقد حصل ولم يثبت في اشتراط القيام شئ والله أعلم وأما السبب في تخصيص
بلال رضي الله عنه بالنداء والاعلام فقد جاء مبينا في سنن أبي داود والترمذي وغير هما في الحديث
الصحيح حديث عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له القه على بلال فإنه أندى
صوتا منك قيل معناه أرفع صوتا وقيل أطيب فيؤخذ منه استحباب كون المؤذن رفيع الصوت
وحسنه وهذا متفق عليه قال أصحابنا فلو وجدنا مؤذنا حسن الصوت يطلب على اذانه رزقا وآخر
يتبرع بالأذان لكنه غير حسن الصوت فأيهما يؤخذ فيه وجهان أصحهما يرزق حسن الصوت
وهو قول ابن شريح والله أعلم وذكر العلماء في حكمة الأذان أربعة أشياء اظهار شعار الاسلام
وكلمة التوحيد والاعلام بدخول وقت الصلاة وبمكانها والدعاء إلى الجماعة والله أعلم
باب الأمر بشفع الأذن وايتار الإقامة الا كلمة الإقامة فإنها مثنى
فيه خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه قال أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر
77

الإقامة الا الإقامة) أما خالد الحذاء فهو خالد بن مهران أبو المنازل بضم الميم وبالنون وكسر
الزاي ولم يكن حذاء وإنما كان يجلس في الحذائين وقيل في سببه غير هذا وقد سبق بيانه و
أما أبو قلابة فبكسر القاف وبالباء الموحدة اسمه عبد الله بن زيد الجرمي تقدم بيانه أيضا وقوله يشفع
الاذان هو بفتح الياء والفاء وقوله أمر بلال هو بضم الهمزة وكسر الميم أي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء من الفقهاء وأصحاب الأصول وجميع المحدثين
وشذ بعضهم فقال هذا اللفظ وشبهه موقوف لاحتمال أن يكون الآمر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهذا خطأ والصواب أنه مرفوع لأن اطلاق ذلك إنما ينصرف إلى صاحب الأمر والنهي وهو
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل هذا اللفظ قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن كذا أو أمر الناس
بكذا ونحوه فكله مرفوع سواء قال الصحابي ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بعد
وفاته والله أعلم وأما قوله أمر بلال أن يشفع الأذان فمعناه يأتي به مثنى وهذا مجمع عليه اليوم
وحكى في افراده خلاف عن بعض السلف واختلف العلماء في اثبات الترجيع كما سأذكره في
الباب الآتي إن شاء الله تعالى وأما قوله ويوتر الإقامة فمعناه يأتي بها وترا ولا يثنيها بخلاف
الاذان وقوله الا الإقامة معناه الا لفظ الإقامة وهي قوله قد قامت الصلاة فإنه لا يوترها بل
يثنيها واختلف العلماء رضي الله عنهم في لفظ الإقامة فالمشهور من مذهبنا الذي تظاهرت عليه
نصوص الشافعي رضي الله عنه وبه قال احمد وجمهور العلماء أن الإقامة احدى عشرة كلمه الله
أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح
قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وقال مالك رحمه الله في
المشهور عنه هي عشر كلمات فلم يثن لفظ الإقامة وهو قول قديم للشافعي ولنا قول شاذ أنه يقول في
الأول الله أكبر مرة وفي الاخر الله أكبر ويقول قد قامت الصلاة مرة فتكون ثمان
كلمات والصواب الأول وقال أبو حنيفة الإقامة سبع عشرة كلمة فيثنيها كلها وهذا المذهب شاذ قال
الخطابي مذهب جمهور العلماء والذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب
78

إلى أقصى بلاد الا سلام أن الإقامة فرادى قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى مذهب
عامة العلماء أنه يكرر قوله قد قامت الصلاة الا مالكا فان المشهور عنه انه لا يكررها والله
أعلم والحكمة في افراد الإقامة وتثنية الاذان لأن الأذان اعلام الغائبين فيكرر ليكون أبلغ في
اعلامهم والإقامة للحاضرين فلا حاجة إلى تكرار ها ولهذا قال العلماء يكون رفع الصوت في
الإقامة دونه في الاذان وإنما كرر لفظ الإقامة خاصة لأنه مقصود الإقامة والله أعلم فان
قيل قد قلتم أن المختار الذي عليه الجمهور أن الإقامة احدى عشرة كلمة منها الله أكبر الله أكبر
أولا وآخرا وهذا تثنية فالجواب ان هذا وإن كان صورة تثنية فهو بالنسبة إلى الاذان افراد
ولهذا قال أصحابنا يستحب للمؤذن أن يقول كل تكبيرتين بنفس واحد فيقول في أول الاذان
الله أكبر الله أكبر بنفس واحد ثم يقول الله أكبر الله أكبر بنفس آخر والله أعلم قوله
(ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة) هو بضم الياء واسكان العين أي يجعلوا له علامة يعرف بها
قوله (فذكروا أن ينوروا نارا) وفي الرواية الأخرى يوروا نارا بضم الياء واسكان الواو ومعناها
متقارب فمعنى ينوروا أي يظهروا نورها ومعنى أي يوقدوا ويشعلوا يقال أوريت النار
أي أشعلتها قال الله تعالى أفرأيتم النار التي تورون والله أعلم
79

باب صفة الاذان
قوله (أبو غسان المسمعي) قد قد منا مرات أن غسان مختلف في صرفه والمسمعي بكسر الميم الأولى
وفتح الثانية منسوب إلى مسمع جد قبيلة قوله (أخبرنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي) قوله
صاحب هو مجرور صفة لهشام ولا يقال أنه مرفوع صفة لمعاذ وقد صرح مسلم رحمه الله
بأنه صفة لهشام ذكره في أواخر كتاب الايمان في حديث الشفاعة وقد بينه هناك وأوضحت
القول فيه وذكرت أنه يقال فيه الدستواني بالنون وأنه منسوب دستوا كورة من كور
الأهواز قوله (عن عامر الأحول عن مكحول عن عبد الله بن محيريز) هؤلاء ثلاثة تابعيون
بعضهم عن بعض وعامر هذا هو عامر بن عبد الواحد البصري قوله (عن أبي محذورة) واسمه
سمرة وقيل أوس وقيل جابر وقال ابن قتيبة في المعارف اسمه سليمان بن سمرة وهو غريب وأبو
محذورة قرشي جمحي أسلم بعد حنين وكان من أحسن الناس صوتا توفي بمكة رضي الله عنه
سنة تسع وخمسين وقيل سبع وسبعين ولم يزل مقيما بمكة وتوارثت ذريته الاذان
رضي الله تعالى عنهم قوله (عن أبي محذورة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم
علمه هذا الاذان الله أكبر الله أكبر أشهد ان لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد
أن محمدا رسول الله اشهد أن محمدا رسول الله ثم يعود فيقول أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمدا رسول الله مرتين
80

حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين الله أكبر الله أكبر لا إله الا الله) هكذا وقع هذا
الحديث في صحيح مسلم في أكثر الأصول في أوله الله أكبر مرتين فقط ووقع في غير مسلم
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أربع مرات قال القاضي عياض رحمه الله ووقع في
بعض طرق الفارسي في صحيح مسلم أربع مرات وكذلك اختلف في حديث عبد الله بن زيد في
التثنية والتربيع والمشهور فيه التربيع وبالتربيع قال الشافعي وأبو حنيفة واحمد وجمهور العلماء
وبالتثنية قال مالك واحتج بهذا الحديث وبأنه عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن واحتج
الجمهور بأن الزيادة من الثقة مقبولة وبالتربيع عمل أهل مكة وهي مجمع المسلمين في المواسم
وغيرها ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم والله أعلم وفي هذا الحديث حجة بينه ودلالة
واضحة لمذهب مالك والشافعي واحمد وجمهور العلماء ان الترجيع في الاذان ثابت مشروع وهو
العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت بعد قولهما مرتين بخفض الصوت وقال أبو حنيفة
والكوفيون لا يشرع الترجيع عملا بحديث عبد الله بن زيد فإنه ليس فيه ترجيع وحجة
الجمهور هذا الحديث الصحيح والزيادة مقدمة مع أن حديث أبي محذورة هذا متأخر عن
حديث عبد الله بن زيد فإن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين وحديث
ابن زيد في أول الأمر وانضم إلى هذا كله عمل أهل مكة والمدينة وسائر الأمصار وبالله
التوفيق واختلف أصحابنا في الترجيع هل هو ركن لا يصح الاذان إلا به أم هو سنة ليس ركنا
حتى لو تركه صح الاذان مع فوات كمال الفضيلة على وجهين والأصح عندهم أنه سنة وقد ذهب
جماعة من المحدثين وغيرهم إلى التخير بين فعل الترجيع
وتركه والصواب اثباته والله أعلم قوله
حي على الصلاة معناه تعالوا إلى الصلاة وأقبلوا إليها قالوا وفتحت الياء لسكونها وسكون الياء
السابقة المدغمة ومعنى حي على الفلاح هلم إلى الفوز والنجاة وقيل إلى البقاء أي أقبلوا على
سبب البقاء في الجنة والفلح بفتح الفاء واللام لغة في الفلاح حكاهما الجوهري وغيره ويقال
لحي على كذا الحيعلة قال الإمام أبو منصور الأزهري قال الخليل بن أحمد رحمهما الله تعالى
81

الحاء والعين لا يأتلفان في كلمة أصلية الحروف لقرب مخرجيهما الا أن يؤلف فعل من كلمتين
مثل حتى على فيقال منه حيعل والله أعلم
باب استحباب اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد
فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان بلال وابن أم
مكتوم الأعمى رضي الله عنهما) في هذا الحديث فوائد منها جواز وصف الانسان بعيب فيه للتعريف
أو مصلحة تترتب عليه لا على قصد التنقيص وهذا أحد وجوه الغيبة المباحة وهي ستة مواضع
يباح فيها ذكر الانسان بعيبه ونقصه وما يكرهه وقد بينتها بدلائلها واضحة في آخر كتاب الأذكار
الذي لا يستغنى متدين عن مثله وسأذكرها إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح عند قول النبي صلى الله عليه وسلم
معاوية فصعلوك وفي حديث أن أبا سفيان رجل شحيح وفي حديث بئس
أخو العشيرة وأنبه على نظائرها في مواضعها إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق واسم
ابن أم مكتوم عمرو بن قيس بن زائده بن الأصم بن هرم بن رواحة هذا قول
الأكثرين وقيل أسمه عبد الله بن زائده واسم أم مكتوم عاتكة توفي ابن أم مكتوم
يوم القادسية شهيدا والله أعلم وقوله كان لرسول
الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان
يعني بالمدينة وفي وقت واحد وقد كان أبو محذورة مؤذنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وسعد القرظ
أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء مرات وفي هذا الحديث استحباب اتخاذ مؤذنين للمسجد
الواحد يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر والاخر عند طلوعه كما كان بلال وابن أم مكتوم يفعلان
قال أصحابنا فإذا احتاج إلى أكثر من مؤذنين اتخذ ثلاثة وأربعة فأكثر بحسب الحاجة وقد اتخذ
عثمان رضي الله عنه أربعة للحاجة عند كثرة الناس قال أصحابنا ويستحب أن لا يزاد على أربعة
82

إلا لحاجة ظاهرة قال أصحابنا وإذا ترتب للاذان اثنان فصاعدا فالمستحب ان يؤذنوا دفعة
واحدة بل إن اتسع الوقت ترتبوا فيه فان تنازعوا في الابتداء به أقرع بينهم وان ضاق الوقت
فإن كان المسجد كبيرا أذنوا متفرقين في أقطاره وإن كان ضيقا وقفوا معا واذنوا وهذا إذا لم
يؤد اختلاف الأصوات إلى تهويش فان أدى إلى ذلك لم يؤذن الا واحد فان تنازعوا أقرع بينهم
وأما الإقامة فان أذنوا على الترتيب فالأول أحق بها إن كان هو المؤذن الراتب أو لم يكن هناك
مؤذن راتب فإن كان الأول غير المؤذن الراتب فأيهما أولى بالإقامة فيه وجهان لأصحابنا أصحهما
أن الراتب أولى لأنه منصبه ولو أقام في هذه الصور غير من له ولاية الإقامة اعتد به على
المذهب الصحيح المختار الذي عليه جمهور أصحابنا وقال بعض أصحابنا لا يعتد به كما لو حطب بهم
واحد وأم بهم غيره فلا يجوز على قول وأما إذا أذنوا معا فإن اتفقوا على إقامة واحد والا
فيقرع قال أصحابنا رحمهم الله ولا يقم في المسجد الواحد الا واحد إلا إذا لم تحصل الكفاية
بواحد وقال بعض أصحابنا لا بأس أن يقيموا معا إذا لم يؤد إلى التهويش
باب جواز اذان الأعمى إذا كان معه بصير
فيه حديث لعائشة رضي الله عنها (كان ابن أم مكتوم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعمى)
وقد تقدم معظم فقه الحديث في الباب قبله ومقصود الباب أن اذان الأعمى صحيح وهو جائز بلا
كراهة إذا كان معه بصير كما كان بلال وابن أم مكتوم قال أصحابنا ويكره أن يكون الأعمى مؤذنا
وحده والله أعلم
83

باب الامساك عن الإغارة على قوم في دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان
فيه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الاذان فان سمع اذانا
أمسك والا أغار فسمع رجل يقول الله أكبر الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على
الفطرة ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت من النار فنظروا
فإذا هو راعي معزى) قوله صلى الله عليه وسلم على الفطرة أي على الاسلام وقوله صلى الله عليه وسلم
خرجت من النار أي بالتوحيد وقوله فإذا هو راعي معزى احتج به في أن الاذان مشروع للمنفرد
وهذا هو الصحيح المشهور في مذهبنا ومذهب غيرنا وفي الحديث دليل على أن الاذان
يمنع الإغارة على أهل ذلك الموضع فإنه دليل على اسلامهم وفيه أن النطق بالشهادتين يكون
اسلاما وان لم يكن باستدعاء ذلك منه وهذا هو الصواب وفيه خلاف سبق في أول كتاب الايمان
باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه
(ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل له الوسيلة)
فيه قوله صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي
84

صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي الا لعبد من عباد
الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة) وفي الحديث الاخر (إذا
قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله
قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال اشهد ان محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم
قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة
الا بالله
85

ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه
دخل الجنة) وفي الحديث الاخر (من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وان محمد عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالاسلام دينا غفر له ذنبه) أما أسماء
الرجال ففيه خبيب بن عبد الرحمن بن اساف فخبيب بضم الخاء المعجمة واساف بكسر الهمزة وفيه
الحكيم بن عبد الله هو بضم الحاء وفتح الكاف وقد سبق في الفصول التي في مقدمة الكتاب أن
كل ما في الصحيحين من هذه الصورة فهو حكيم بفتح الحاء الا اثنين بالضم حكيم هذا وزريق
ابن حكيم وأما قول مسلم (حدثنا إسحاق بن منصور قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن جهضم الثقفي
قال حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمارة بن غزية) إلى آخره فقال الدارقطني في كتاب الاستدراك
هذا الحديث رواه الدراوري وغيره مرسلا وقال الدارقطني أيضا في كتاب العلل هو حديث
متصل وصله إسماعيل بن جعفر وهو ثقة حافظ وزيادته مقبوله وقد رواه البخاري ومسلم في الصحيحين
وهذا الذي قاله الدارقطني في كتاب العلل هو الصواب فالحديث صحيح وزيادة الثقة مقبوله وقد
سبق مثال هذا في الشرح والله أعلم وأما لغاته ففيه والوسيلة وقد فسرها صلى الله عليه وسلم
بأنها منزلة في الجنة قال أهل اللغة الوسيلة المنزلة عند الملك وقوله صلى الله عليه وسلم حلت له الشفاعة
86

أي وجبت وقيل نالته قوله صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله
إلا الله ثم قال اشهد ان محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة إلى اخره معناه قال كل
نوع من هذا مثنى كما هو المشروع فاختصر صلى الله عليه وسلم من كل نوع شطره تنبيها على
باقية ومعنى حي على كذا أي تعالوا إليه والفلاح الفوز والنجاة وإصابة الخير قالوا وليس في كلام
العرب كلمة اجمع للخير من لفظة الفلاح ويقرب منها النصيحة وقد سبق بيان هذا في حديث
الدين النصيحة فمعنى حي على الفلاح أي تعالوا إلى سبب الفوز والبقاء في الجنة والخلود في
النعيم والفلاح والفلح تطلقهما العرب أيضا على البقاء وقوله لا حول ولا قوة الا بالله يجوز فيه
خمسة أوجه لأهل العربية مشهورة أحدهما لا حول ولا قوة بفتحها بلا تنوين والثاني فتح
الأول ونصب الثاني منونا والثالث رفعهما منونين والرابع فتح الأول ورفع الثاني منونا والخامس
عكسه قال الهروي قال أبو الهيثم الحول الحركة أي لا حركة ولا استطاعه الا بمشيئة الله
وكذا قال ثعلب وآخرون وقيل لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير الا بالله وقيل لا حول
عن معصية الله لا بعصمته ولا قوة على طاعته الا بمعونته وحكى هذا عن ابن مسعود رضي الله
عنه وحكى الجواهري لغة غريبة ضعيفة أنه يقال لا حيل ولا قوة الا بالله بالياء قال والحيل
والحول بمعنى ويقال في التعبير عن قولهم لا حول ولا قوة الا بالله الحوقلة هكذا قال الأزهري
والأكثرون وقال الجوهري الحولقة فعلى الأول وهو المشهور الحاء والواو من الحول والقاف
من القوة واللام من اسم الله تعالى وعلى الثاني الحاء واللام من الحول والقاف من القوة
والأول أولى لئلا يفصل بين الحروف ومثل الحولقة الحيعلة في حي على الصلاة حي على
الفلاح حي على كذا والبسملة في بسم الله والحمد له في الحمد لله والهيللة في لا إله إلا الله والسبحلة
في سبحان الله أما أحكام الباب ففيه استحباب قول سامع المؤذن مثل ما يقول الا في الحيعلتين
فإنه يقول لا حول ولا قوة الا بالله وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد إذا سمعتم
النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن عام مخصوص لحديث عمر أنه يقول في الحيعلتين لا حول
ولا قوة الا بالله وفيه استحباب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من متابعة
المؤذن واستحباب سؤال الوسيلة له وفيه أنه يستحب أن يقول السامع كل كلمة بعد فراغ
المؤذن هنا ولا ينتظر فراغه من كل الأذان وفيه أنه يستحب أن يقول بعد قوله وأنا أشهد أن
87

محمدا رسول الله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالاسلام دينا وفيه أنه يستحب لمن رغب
غيره في خير أن يذكر له شيئا من دلائله لينشطه لقوله صلى الله عليه وسلم فإنه من صلى علي مرة
صلى الله عليه بها عشرا ومن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة وفيه أن الأعمال يشترط لها
القصد والاخلاص لقوله صلى الله عليه وسلم من قبله واعلم أنه يستحب إجابة المؤذن بالقول مثل
قوله لكل من سمعه من متطهر ومحدث وجنب وحائض وغيرهم ممن لا مانع له من الإجابة فمن
أسباب المنع أن يكون في الخلاء أو جماع أهله أو نحوهما ومنها أن يكون في صلاة فمن كان في صلاة
فريضة أو نافلة فسمع المؤذن لم يوافقه وهو في الصلاة فإذا سلم أتى بمثله فلو فعله في الصلاة
فهل يكره فيه قولان للشافعي رضي الله عنه أظهرهما أنه يكره لأنه اعراض عن الصلاة لكن
لا تبطل صلاته ان قال ما ذكرناه لأنها أذكار فلو قال حي على الصلاة أو الصلاة خير من النوم
بطلت صلاته إن كان عالما بتحريمه لأنه كلام آدمي ولو سمع الاذان وهو في قراءة أو تسبيح
أو نحوهما قطع ما هو فيه وأتى بمتابعة المؤذن ويتابعه في الإقامة كالاذان الا انه يقول في لفظ
الإقامة أقامها الله وأدامها وإذا ثوب المؤذن في صلاة الصبح فقال الصلاة خير من النوم قال سامعة
صدقت وبررت هذا تفصيل مذهبنا وقال القاضي عياض رحمه الله اختلف أصحابنا هل يحكي
المصلي لفظ المؤذن في صلاة الفريضة والنافلة أن لا يحكيه فيهما أم يحكيه في النافلة دون الفريضة
على ثلاث أقوال ومنعه أبو حنيفة فيهما وهل هذا القول مثل قول المؤذن واجب على من سمعه
في غير الصلاة أم مندوب فيه خلاف حكاه الطحاوي الصحيح الذي عليه الجمهور أنه مندوب
قال واختلفوا هل يقوله عند سماع كل مؤذن أم لأول مؤذن فقط قال واختلف قول مالك
هل يتابع المؤذن في كل كلمات الأذان أم إلى آخر الشهادتين لأنه ذكر وما بعده بعضه ليس
بذكر وبعضه تكرار لما سبق والله أعلم
(فصل) قال القاضي عياض رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذن
الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر إلى آخره ثم قال آخره من قلبه دخل الجنة
إنما كان كذلك لأن ذلك توحيد وثناء على الله تعالى وانقياد لطاعته وتفويض إليه لقوله
لا حول ولا قوة الا بالله فمن حصل هذا فقد حاز حقيقة الايمان وكمال الاسلام واستحق
الجنة بفضل الله تعالى وهذا معنى قوله في الرواية الأخرى رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا
88

وبالاسلام دينا وقال واعلم أن الاذان كلمة جامعه لعقيدة الايمان مشتملة على نوعية من
العقليات والسمعيات فأوله اثبات الذات وما يستحقه من الكمال والتنزيه عن أضدادها وذلك
بقوله الله أكبر وهذه اللفظية مع اختصار لفظها دالة على ما ذكرناه ثم صرح باثبات الوحدانية
ونفى ضدها من الشركة المستحيلة في حقه سبحانه وتعالى وهذه عمده الايمان والتوحيد
المقدمة على كل وظائف الدين ثم صرح باثبات النبوة والشهادة بالرسالة لنبينا صلى الله عليه وسلم
وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانية وموضعها بعد التوحيد لأنها من باب الافعال الجائزة
الوقوع وتلك المقدمات من باب الواجبات وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليات فيما يجب
ويستحيل ويجوز في حقه سبحانه وتعالى ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات فدعاهم إلى الصلاة
وعقبها بعد اثبات النبوة لأن معرفة وجوبها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لا من جهة العقل
ثم دعا إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم وفيه اشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء
وهي آخر تراجم عقائد الاسلام ثم كرر ذلك بإقامة الصلاة للاعلام بالشروع فيها وهو متضمن
لتأكيد الايمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان وليدخل المصلى فيها
على بينة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظمة حق من يعبده وجزيل
ثوابه هذا آخر كلام القاضي وهو من النفائس الجليلة وبالله التوفيق باب فضل الاذان وهروب الشيطان عند سماعه
فيه قوله صلى الله عليه وسلم (المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة) وقوله صلى الله عليه وسلم
89

(ان الشيطان إذا سمع النداء إلى بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء قال الراوي هي من المدينة
ستة وثلاثون ميلا) وفي رواية (أن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى
لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته فإذا سكت
رجع فوسوس) وفي رواية (إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص) وفي رواية
90

(إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي التأذين أقبل حتى
إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول له اذكر
كذا واذكر كذا لما لم يكن يذكر من قبل حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى) أما
أسماء الرجال ففيه طلحة بن يحيى عن عمه هذا العم هو عيسى بن طلحة بن عبيد الله كما بينه في
الرواية الأخرى وقوله (الأعمش عن أبي سفيان) اسم أبي سفيان طلحة بن نافع سبق
بيانه مرات وقوله (قال سليمان فسألته عن الروحاء) سليمان هو الأعمش بن مهران والمسؤول
أبو سفيان طلحة بن نافع وفيه أمية بن بسطام بكسر الباء وفتحها مصروف وغير مصروف وسبق بيانه
في أول الكتاب مرات قوله (أرسلني أبي إلى بني حارثة) هو بالحاء قوله (الحزامي) هو بالحاء
المهملة والزاي وأما لغاته وألفاظه فقوله صلى الله عليه وسلم أطول الناس أعناقا هو بفتح
همزة أعناقا جمع عنق واختلف السلف والخلف في معناه فقيل معناه أكثر الناس تشوفا إلى
91

رحمة الله تعالى لآن المتشوف يطيل عنقه إلى ما تتطلع إليه فمعناه كثرة ما يرونه من الثواب وقال
النضر بن شميل إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق
وقيل معناه أنهم سادة ورؤساء والعرب تصف السادة بطول العنق وقيل معناه أكثر اتباعا وقال
ابن الاعرابي معناه أكثر الناس أعمالا قال القاضي عياض وغيره ورواه بعضهم أعناقا بكسر
الهمزة أي اسراعا إلى الجنة وهو من سير العنق قوله مكان الروحاء هي بفتح الراء وبالحاء
المهملة وبالمد قوله إذا سمع الشيطان الاذان أحال هو بالحاء المهملة أي ذهب هاربا قوله
وله حصاص هو بحاء مهملة مضمومة وصادين مهملتين أي ضراط كما في الرواية الأخرى
وقيل الحصاص شدة العدو قالهما أبو عبيد والأئمة من بعده قال العلماء وإنما أدبر الشيطان
عند الاذان لئلا يسمعه فيضطر إلى أن يشهد له بذلك يوم القيامة لقول النبي صلى الله عليه وسلم
لا يسمع صوت المؤذن جن ولا انس ولا شئ الا شهد له يوم القيامة قال القاضي عياض
وقيل إنما يشهد له المؤمنون من الجن والإنس فأما الكافر فلا شهادة له قال ولا يقبل هذا
من قائله لما جاء في الآثار من خلافه قال وقيل إن هذا فيمن يصح منه الشهادة ممن يسمع وقيل
بل هو عام في الحيوان والجماد وان الله تعالى يخلق لها ولما لا يعقل من الحيوان ادراكا
للاذان وعقلا ومعرفة وقيل إنما يدبر الشيطان لعظم امر الاذان لما اشتمل عليه من قواعد
التوحيد واظهار شعائر الاسلام واعلانه وقيل ليأسه من وسوسة الانسان عند الاعلان
بالتوحيد وقوله صلى الله عليه وسلم حتى إذا ثوب بالصلاة المراد بالتثويب الإقامة وأصله من
ثاب إذا رجع ومقيم الصلاة راجع إلى الدعاء إليها فان الاذان دعاء إلى الصلاة والإقامة دعاء إليها
قوله حتى يخطر بين المرء ونفسه هو بضم الطاء وكسرها حكاهما القاضي عياض في المشارق
قال ضبطناه عن المتقنين بالكسر وسمعناه من أكثر الرواة بالضم قال والكسر هو الوجه ومعناه
يوسوس وهو من قولهم خطر الفحل بذنبه إذا حركه فضرب به فخديه وأما بالضم فمن السلوك
والمرور أي يدنو منه فيمر بينه وبين قلبه فيشغله عما هو فيه وبهذا فسره الشارحون للموطأ
وبالأول فسره الخليل قوله (حتى يظل الرجل أن يدري كيف صلى) ان بمعنى ما كما في الرواية
92

الأولى هذا هو المشهور في قوله إن يدري أنه بكسر همزة ان قال القاضي عياض وروي بفتحها
قال وهي رواية ابن عبد البر وادعى انها رواية أكثرهم وكذا ضبطه الأصلي في كتاب البخاري
والصحيح الكسر أما فقه الباب ففيه فضيلة الاذان والمؤذن وقد جاءت فيه أحاديث كثيرة في
الصحيحين مصرحة بعظم فضله واختلف أصحابنا هل الأفضل للانسان أن يرصد نفسه للاذان
أم للإمامة على أوجه أصحها الاذان أفضل وهو نص الشافعي رضي الله عنه في الام وقول أكثر
أصحابنا والثاني الإمامة أفضل وهو نص الشافعي أيضا والثالث هما سواء والرابع ان علم من نفسه
القيام بحقوق الإمامة وجميع خصالها فهي أفضل والا فالاذان قاله أبو + علي الطبري وأبو القاسم
ابن كج والمسعودي والقاضي حسين من أصحابنا وأما جمع الرجل بين الإمامة والاذان فان جماعة من أصحابنا
يستحب ان لا يفعله وقال بعضهم يكره وقال محققوهم وأكثرهم انه لا بأس به بل يستحب وهذا أصح والله أعلم
باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الاحرام
(والركوع وفي الرفع من الركوع وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود)
فيه ابن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه
وقبل ان يركع وإذا رفع من الركوع ولا يرفعهما بين السجدتين) وفي رواية
93

(ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود) وفي رواية (إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى
يكونا حذو منكبيه ثم كبر) وفي رواية مالك بن الحويرث (إذا صلى كبر ثم رفع يديه) إذا كبر رفع يديه حتى
يحاذي بهما اذنيه وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما اذنيه) وفي رواية (يحاذي بهما
94

فروع اذنيه) أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الاحرام واختلفوا فيما سواها فقال
الشافعي واحمد وجمهور العلماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم يستحب رفعهما أيضا
عند الركوع وعند الرفع منه وهو رواية عن مالك وللشافعي قول أنه يستحب رفعهما في موضع
آخر رابع وهو إذا قام من التشهد الأول وهذا القول هو الصواب فقد صح فيه حديث ابن
عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يفعله رواه البخاري وصح أيضا
من حديث أبي حميد الساعدي رواه أبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة وقال أبو بكر بن المنذر
وأبو علي الطبري من أصحابنا وبعض أهل الحديث يستحب أيضا في السجود وقال أبو حنيفة
وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة لا يستحب في غير تكبيرة الاحرام وهو اشهر الروايات عن
مالك واجمعوا على أنه لا يجب شئ من الرفع وحكى عن داود ايجابه عند تكبيرة الاحرام
وبهذا قال الإمام أبو الحسن أحمد بن سيار السياري من أصحابنا أصحاب الوجوه وقد حكيته عنه
في شرح المهذب وفي تهذيب اللغات وأما صفة الرفع فالمشهور من مذهبنا ومذهب الجماهير
انه يرفع يديه حذو منكبيه بحيث تحاذي أطراف أصابعه فروع اذنيه أي أعلى اذنيه وابهاماه شحمتي
اذنيه وراحتاه منكبيه فهذا معنى قولهم حذو منكبيه وبهذا جمع الشافعي رضي الله عنه بين روايات
الأحاديث فاستحسن الناس ذلك منه وأما وقت الرفع ففي الرواية الأولى رفع يديه ثم كبر
وفي الثانية كبر ثم رفع يديه وفي الثالثة إذا كبر رفع يديه ولأصحابنا فيه أوجه أحدهما يرفع غير
مكبر ثم يبتدئ التكبير مع ارسال اليدين وينهيه مع انتهائه والثاني يرفع غير مكبر ثم يكبر
ويداه قارتان ثم يرسلهما والثالث يبتدئ الرفع من ابتدائه التكبير وينهيهما معا والرابع
يبتدئ بهما معا وينهي التكبير مع انتهاء الارسال والخامس وهو الأصح يبتدئ الرفع
مع ابتداء التكبير ولا استحباب في الانتهاء فان فرغ من التكبير قبل تمام الرفع أو بالعكس
تمم الباقي وان فرغ منهما حط يديه ولم يستدم الرفع ولو كان اقطع اليدين من المعصم أو
إحداهما رفع الساعد وان قطع من الساعد رفع العضد على الأصح وقيل لا يرفعه ولو لم يقدر
على الرفع الا بزيادة على المشروع أو نقص منه فان أمكن فعل الزائد ويستحب
95

أن يكون كفاه إلى القبلة عند الرفع وأن يكشفهما وأن يفرق بين أصابعه تفريقا وسطا
ولو ترك الرفع حتى اتى ببعض التكبير رفعهما في الباقي فلو تركه حتى أتمه لم يرفعهما بعده
ولا يقصر التكبير بحيث لا يفهم ولا يبالغ في مده بالتمطيط بل يأتي به مبينا وهل يمده أو يخففه
فيه وجهان أصحهما يخففه وإذا وضع يديه حطهما تحت صدره فوق سرته هذا مذهب الإمام الشافعي
والأكثرين وقال أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي تحت سرته والأصح انه إذا أرسلهما
أرسلهما ارسالا خفيفا إلى تحت صدره فقط ثم يضع اليمين على اليسار وقيل يرسلهما ارسالا
بليغا ثم يستأنف رفعهما إلى تحت صدره والله أعلم واختلفت عبارات العلماء في الحكمة في رفع
اليدين فقال الشافعي رضي الله عنه فعلته اعظاما لله تعالى واتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال غيره هو استكانة واستسلام وانقياد وكان الأسير إذا غلب مد يديه علامة للاستسلام
وقيل هو إشارة إلى استعظام ما دخل فيه وقيل إشارة إلى طرح أمور الدنيا والاقبال بكليته على
الصلاة ومناجاة ربه سبحانه وتعالى كما تضمن ذلك قوله الله أكبر فيطابق فعله قوله وقيل إشارة
إلى دخوله في الصلاة وهذا الأخير مختص بالرفع لتكبيرة الاحرام وقد وقيل غير ذلك وفي أكثرها
نظر والله أعلم وقوله إذا قام إلى الصلاة رفع يديه ثم كبر فيه اثبات تكبيرة الاحرام وقد
قال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي رواه البخاري من رواية مالك بن الحويرث
وقال صلى الله عليه وسلم للذي علمه الصلاة إذا قمت إلى الصلاة فكبر وتكبيرة الاحرام واجبه
عند مالك والثوري والشافعي وأبي حنيفة واحمد والعلماء كافة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم
رضي الله عنهم الا ما حكاه القاضي عياض رحمه الله وجماعة عن ابن المسيب والحسن و الزهري وقتادة
والحكم والأوزاعي انه سنة ليس بواجب وان الدخول في الصلاة يكفي فيه النية ولا أظن هذا
يصح عن هؤلاء الاعلام مع هذه الأحاديث الصحيحة مع حديث علي رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير و تحليلها التسليم ولفظة التكبير
الله أكبر فهذا يجزي بالاجماع قال الشافعي ويجزي الله الأكبر لا يجزي غيرهما وقال مالك
لا يجزي الا الله أكبر وهو الذي ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله وهذا قول منقول
عن الشافعي في القديم وأجاز أبو يوسف الله الكبير وأجاز أبو حنيفة الاقتصار فيه على كل
لفظ فيه تعظيم الله تعالى كقوله الرحمن أكبر أو الله أجل أو أعظم وخالفه جمهور العلماء
96

من السلف و الخلف والحكمة في ابتدأ الصلاة بالتكبير افتتاحها بالتنزيه والتعظيم لله تعالى
ونعته بصفات الكمال والله أعلم
باب اثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة
(الا رفعة من الركوع فيقول فيه سمع الله لمن حمده)
فيه (أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يصلي لهم فيكبر كلما خفض ورفع فلما انصرف قال والله أني لأشبهكم
صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية عنه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى
الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمد حين يرفع صلبه من الركوع
ثم يقول وهو قائم ربنا لك الحمد ثم يكبر حين يهوي ساجدا ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين
يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من المثنى
97

بعد الجلوس) فيه اثبات التكبير في كل خفض ورفع الا في رفعه من الركوع فإنه يقول سمع الله
لمن حمد وهذا مجمع عليه اليوم ومن الاعصار المتقدمة وقد كان فيه خلاف في زمن أبي هريرة
وكان بعضهم لا يرى التكبير الا للاحرام وبعضهم يزيد عليه بعض ما جاء في حديث أبي
هريرة وكان هؤلاء لم يبلغهم فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا كان أبو هريرة يقول اني
لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم واستقر العمل على ما في حديث أبي هريرة هذا
ففي كل صلاة ثنائية احدى عشرة تكبيرة وهي تكبيرة الاحرام وخمس في كل ركعة وفي الثلاثية
سبع عشرة وهي تكبيرة الإحرام وتكبيرة القيام من التشهد الأول وخمس ركعة وفي
الرباعية ثنتان وعشرون ففي المكتوبات الخمس أربع وتسعون تكبيره واعلم أن تكبيرة الاحرام
واجبة وما عدا سنة لو تركه صحت صلاته لكن فاتته الفضيلة وموافقة السنة هذا مذهب
العلماء كافة إلا وأحمد بن حنبل رضي الله عنه في احدى الروايتين عنه أن جميع التكبيرات واجبة
ودليل الجمهور ان النبي صلى الله عليه وسلم علم الاعرابي الصلاة فعلمه واجباتها فذكر منها
98

تكبيرة الاحرام ولم يذكر ما زاد وهذا موضع البيان ووقته ولا يجوز التأخير عنه وقوله يكبر حين
يهوي ساجدا ثم يكبر حين يرفع ويكبر حين يقوم من المثنى هذا دليل على مقارنة التكبير
لهذه الحركات وبسطه عليها فيبدأ بالتكبير حين يشرع في الانتقال إلى الركوع ويمده حتى يصل
حد الراكعين ثم يشرع في تسبيح الركوع ويبدأ بالتكبير حين يشرع في هوى إلى السجود
ويمده حتى يضع جبهته على الأرض ثم يشرع في تسبيح السجود ويبدأ في قوله سمع الله لمن
حمد حين يشرع في الرفع من الركوع ويمده حتى يتنصب قائما ثم يشرع في ذكر الاعتدال وهو
ربنا لك الحمد إلى اخره ويشرع في التكبير للقيام من التشهد الأول حين يشرع في الانتقال ويمده
حتى ينتصب قائما هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة الا ما روي عن عمر بن عبد العزيز رضي
الله عنه وبه قال مالك انه لا يكبر للقيام من الركعتين حتى يستوي قائما ودليل الجمهور ظاهر
الحديث وفي هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي رضي الله عنه وطائفة أنه يستحب لكل مصل
من أمام ومأموم ومنفرد أن يجمع بين سمع الله لمن حمد وربنا لك الحمد فتقول سمع الله لمن حمده
99

في حال ارتفاعه وربنا لك الحمد في حال استوائه وانتصابه في الاعتدال لأنه ثبت ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم فعلهما جميعا وقال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي وسيأتي بسط الكلام
في هذه المسألة وفروعها وشرح ألفاظها ومعانيها حيث ذكره مسلم رحمه الله تعالى بعد هذا إن شاء الله
تعالى قوله لقد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم) فيه إشارة لما قدمناه أنه كان
هجر استعمال التكبير في الانتقالات والله أعلم
باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وانه إذا لم يحسن
(الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها)
فيه قوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وفي رواية
100

(من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثا غير تمام فقيل لأبي هريرة إنا نكون وراء الإمام
فقال اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل قسمت الصلاة بيني
وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد الحمد لله إلى آخره) وفيه حديث الأعرابي المسئ
صلاته أما ألفاظ الباب فالخداج بكسر الخاء المعجمة قال الخليل بن أحمد والأصمعي وأبو حاتم
السجستاني والهروي وآخرون الخداج النقصان يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان
النتاج وإن كان تام الخلق وأخدجته إذ ولدته ناقصا وإن كان لتمام الولادة ومنه قيل لذي اليدية
مخدج اليد أي ناقصها قالوا فقوله صلى الله عليه وسلم خداج أي ذات خداج وقال جماعة من أهل
اللغة خدجت وأخدجت إذا ولدت لغير تمام وأم القرآن اسم الفاتحة وسميت أم القرآن لأنها
فاتحته كما سميت مكة أم القرى لأنها أصلها قوله عز وجل (مجدني عبدي) أي عظمني
101

قوله (أن أبا السائب أخبره) أبو السائب هذا لا يعرفون له اسما وهو ثقة قوله (حدثني أحمد
بن جعفر المعقري) هو بفتح الميم وإسكان العين وكسر القاف منسوب إلى معقر وهي ناحية
من اليمن وأما الأحكام ففيه وجوب قراءة الفاتحة وأنها متعينة لا يجزى غيرها إلا لعاجز
عنها وهذا مذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وقال
أبو حنيفة رضي الله عنه وطائفة قليلة لا تجب الفاتحة بل الواجب آية من القرآن لقوله
صلى الله عليه وسلم اقرأ ما تيسر ودليل الجمهور قوله لا صلاة إلا بأم القرآن
فإن قالوا المراد لا صلاة كاملة قلنا هذا خلاف ظاهر اللفظ ومما يؤيده حديث أبي هريرة رضي
102

الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجزى صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب رواه
أبو بكر بن خزيمة في صحيحه بإسناد صحيح وكذا رواه أبو حاتم بن حبان وأما حديث اقرأ
ما تيسر فمحمول على الفاتحة فإنها متيسرة أو على ما زاد على الفاتحة بعدها أو على من عجز عن
الفاتحة وقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لم لمن يقرأ بفاتحة الكتاب فيه دليل لمذهب الشافعي
رحمه الله تعالى ومن وافقه أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد ومما يؤيد
وجوبها على المأموم قول أبي هريرة اقرأ بها في نفسك فمعناه اقرأها سرا بحيث تسمع نفسك
وأما ما حمله عليه بعض المالكية وغيرهم أن المراد تدبر ذلك وتذكره فلا يقبل لأن القراءة لا تطلق
إلا على حركة اللسان بحيث يسمع نفسه ولهذا اتفقوا على أن الجنب لو تدبر القرآن بقلبه من
غير حركة لسانه لا يكون قارئا مرتكبا لقراءة الجنب المحرمة وحكى القاضي عياض عن علي
بن أبي طالب رضي الله عنه وربيعة ومحمد بن أبي صفرة من أصحاب مالك أنه لا يجب قراءة أصلا
وهي رواية شاذة عن مالك وقال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة رضي الله عنهم لا يجب القراءة
في الركعتين الأخيرتين بل هو بالخيار ان شاء قرأ وإن شاء سبح وإن شاء سكت و الصحيح الذي عليه
جمهور العلماء من السلف والخلف وجوب الفاتحة في كل ركعة لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي ثم
افعل ذلك في بصلاتك كلها قوله سبحانه وتعالى (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) الحديث
قال العلماء المراد بالصلاة هنا الفاتحة سميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها كقوله صلى الله عليه وسلم
الحج عرفة ففيه دليل على وجوبها بعينها في الصلاة قال العلماء والمراد قسمتها من جهة المعنى لأن
نصفها الأول تحميد لله تعالى وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه والنصف الثاني سؤال وطلب تضرع
وافتقار واحتج القائلون بأن البسملة ليست من الفاتحة بهذا الحديث وهو من أوضح ما احتجوا
به قالوا لأنها سبع آيات بالإجماع فثلاث في أولها ثناء أولها والحمد لله وثلاث دعاء أولها الصراط
المستقيم والسابعة متوسطة وهي إياك نعبد وإياك نستعين قالوا ولأنه سبحانه وتعالى قال قسمت الصلاة
بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين فلم يذكر البسملة ولو كانت منها لذكرها
وأجاب أصحابنا وغيرهم ممن يقول أن البسملة آية من الفاتحة بأجوبة أحدها أن التنصيف عائد إلى
جملة الصلاة لا إلى الفاتحة هذا حقيقة اللفظ والثاني أن التصنيف عائد إلى ما يختص بالفاتحة
من الآيات الكاملة والثالث معناه فإذا انتهى العبد في قرائته إلى لله رب العالمين
103

قال العلماء وقوله تعالى حمدني عبدي وأثنى علي ومجدني إنما قاله لأن التحميد الثناء بجميل الفعال
والتمجيد الثناء بصفات الجلال ويقال أثنى عليه في ذلك كله ولهذا جاء جوابا للرحمن الرحيم
لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية وقوله وربما قال فوض إلى عبدي وجه
مطابقة هذا لقوله مالك يوم الدين أن الله تعالى هو المنفرد بالملك ذلك اليوم وبجزاء
العباد وحسابهم والدين الحساب وقيل الجزاء ولا دعوى لأحد ذلك اليوم ولا مجاز وأما
في الدنيا فلبعض العباد ملك مجازي ويدعي بعضهم دعوى باطلة وهذا كله ينقطع في ذلك
اليوم هذا معناه وإلا فالله سبحانه وتعالى هو المالك والملك على الحقيقة للدارين وما فيهما
ومن فيهما وكل من سواه مربوب له عبد مسخر ثم في هذا الاعتراف من التعظيم
والتمجيد وتفويض الأمر ما لا يخفى وقوله تعالى فإذا قال العبد الصراط المستقيم إلى آخر
السورة فهذا لعبدي هكذا هو في صحيح مسلم وفي غيره فهؤلاء لعبدي وفي هذه الرواية دليل
على أن اهدنا وما بعده إلى آخر السورة ثلاث آيات لا آيتان وفي المسألة خلاف مبني على أن البسملة من
الفاتحة أم لا فمذهبنا ومذهب الأكثرين أنها من الفاتحة وأنها آية واهدنا وما بعده آيتان ومذهب
مالك وغيره ممن يقول أنه ليست من الفاتحة يقول اهدنا وما بعده ثلاث آيات وللأكثيرن أن
يقولوا قوله هؤلاء المراد به الكلمات لا الآيات بدليل رواية مسلم فهذا لعبدي وهذا أحسن من
الجواب بأن الجمع محمول على الاثنين لأن هذا مجاز عند الأكثرين فيحتاج إلى دليل على صرفه
عن الحقيقة إلى المجاز والله أعلم وقول أبي هريرة رضي الله عنه (إن رسول الله
104

قال لا صلاة إلا بقراءة قال أبو هريرة فما أعلن رسول الله أعلناه لكم وما
أخفاه أخفيناه لكم) معناه ما جهر فيه بالقراءة جهرنا به وما أسر أسررنا به وقد اجتمعت الأمة على
الجهر بالقراءة في ركعتي الصبح والجمعة والأولين من المغرب والعشاء وعلى الاسرار في الظهر
والعصر وثالثة المغرب والأخريين من العشاء واختلفوا في العيد والاستسقاء ومذهبنا الجهر فيهما
وفي نوافل الليل قيل يجهر فيها وقيل بين الجهر والاسرار ونوافل النهار يسر بها والكسوف
يسر بها نهارا ويجهر ليلا والجنازة يسر بها ليلا ونهارا وقيل يجهر ليلا ولو فاته صلاة ليلة كالعشاء فقضاها
في ليلة أخرى جهر وإن قضاها نهارا فوجهان الأصح يسر والثاني يجهر وإن فاته نهارية كالظهر
فقضاها نهارا أسر وإن قضاها ليلا فوجهان الأصح يجهر والثاني يسر وحيث قلنا يجهر أو يسر
فهو سنة فلو تركه صحت صلاته ولا يسجد للسهو عندنا قوله (ومن قرأ بأم الكتاب أجزأت
عنه ومن زاد فهو أفضل) فيه دليل لوجوب الفاتحة وأنه لا يجزى غيرها وفيه استحباب السورة
بعدها وهذا مجمع عليه في الصبح والجمعة والأولين ومن كل الصلوات وهو سنة عند جميع العلماء
وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى عن بعض أصحاب مالك وجوب السورة وهو شاذ مردود
وأما السورة في الثالثة والرابعة فاختلف العلماء هل تستحب أم لا وكره ذلك مالك رحمه الله تعالى
105

استحبه الشافعي رضي الله عنه في قوله الجديد دون القديم والقديم هنا أصح وقال آخرون هو
مخير إن شاء قرأ وإن شاء سبح وهذا ضعيف وتستحب السورة في صلاة النافلة ولا تستحب في
الجنازة على الأصح لأنها مبنية على التخفيف ولا يزاد على الفاتحة إلا التأمين عقبها ويستحب أن
تكون السورة في الصبح والأولين من الظهر من طوال المفصل وفي العصر والعشاء من أوساطه
وفي المغرب من قصاره واختلفوا في تطويل القراءة في الأولى على الثانية والأشهر عندنا أنه
لا يستحب بل يسوى بينهما والأصح أنه يطول الأولى للحديث الصحيح وكان يطول في
الأولى ما لا يطول في الثانية ومن قال بالقراءة في الأخريين من الرباعية يقول هي أخف من
الأولين واختلفوا في تقصير الرابعة على الثالثة والله أعلم وحيث شرعت السورة فتركها فاتته
الفضيلة ولا يسجد للسهو وقراءة سورة قصيرة أفضل من قراءة قدرها من طويلة ويقرأ على ترتيب
المصحف ويكره عكسه ولا تبطل به الصلاة ويجوز القراءة بالقراءات السبع ولا يجوز بالشواذ وإذا
لحن في الفاتحة لحنا يخل المعنى كضم تاء أنعمت إياك أو كسرها أو كسر كاف بطلت صلاته وإن لم يخل
المعنى كفتح الباء من المغضوب عليهم ونحوه كره ولم تبطل صلاته ويجب ترتيب قراءة الفاتحة
وموالاتها ويجب قراءتها بالعربية ويحرم بالعجمية ولا تصح الصلاة بها سواء عرف العربية أم
لا ويشترط في القراءة في كل الأذكار إسماع نفسه والأخرس ومن في معناه يحرك لسانه وشفتيه
بحسب الإمكان ويجزئه والله أعلم حديث أبي هريرة قوله (دخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام فقال ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع
الرجل فصلى كما كان صلى ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال رسول الله
106

صلى الله عليه وسلم وعليك السلام ثم قال ارجع فصل فإنك لم تصل حتى فعل ذلك ثلاث مرات فقال
الرجل والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا علمني قال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر
معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن
ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) وفي رواية (إذا قمت إلى
الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر) هذا الحديث مشتمل على فوائد كثيرة وليعلم
أولا أنه محمول على بيان الواجبات دون السنن فإن قيل لم يذكر فيه كل الواجبات
فقد بقي واجبات مجمع عليها ومختلف فيها فمن المجمع عليه النية والقعود في التشهد الأخير وترتيب أركان الصلاة ومن
المختلف فيه التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه والسلام وهذه الثلاثة
واجبه عند الشافعي رحمه الله تعالى وقال بوجوب السلام الجمهور وأوجب التشهد كثيرون
وأوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع الشافعي الشعبي وأحمد بن حنبل وأصحابهما
وأوجب جماعة من أصحاب الشافعي نية الخروج من الصلاة وأوجب أحمد رحمه الله تعالى التشهد
107

الأول وكذلك التسبيح وتكبيرات الانتقالات فالجواب أن الواجبات الثلاثة المجمع عليها كانت
معلومة عند السائل فلم يحتج إلى بيانها وكذا المختلف فيه عند من يوجبه يحمله على أنه كان معلوما
عنده وفي هذا الحديث دليل على أن إقامة الصلاة ليست واجبة وفيه وجوب الطهارة واستقبال
القبلة وتكبيرة الإحرام والقراءة وفيه أن التعوذ ودعاء الافتتاح ورفع اليدين في تكبيرة الإحرام
ووضع اليد اليمنى على اليسرى وتكبيرات الانتقالات وتسبيحات الركوع والسجود وهيئات
الجلوس ووضع اليد على الفخذ وغير ذلك مما لم يذكره في الحديث ليس بواجب إلا ما ذكرناه
من المجمع عليه والمختلف فيه وفيه دليل على وجوب الاعتدال عن الركوع والجلوس بين
السجدتين ووجوب الطمأنينة في الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين وهذا مذهبنا
ومذهب الجمهور ولم يوجبها أبو حنيفة رحمه الله تعالى وطائفة يسيرة وهذا الحديث حجة عليهم
وليس عنه جواب صحيح وأما الاعتدال فالمشهور من مذهبنا ومذاهب العلماء يجب الطمأنينة
فيه كما يجب في الجلوس بين السجدتين وتوقف في إيجابها بعض أصحابنا واحتج هذا القائل
بقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ثم ارفع حتى تعتدل قائما فاكتفى بالاعتدال ولم يذكر
الطمأنينة كما ذكرها في الجلوس بين السجدتين وفي الركوع والسجود وفيه وجوب القراءة في
الركعات كلها وهو مذهبنا ومذهب الجمهور كما سبق وفيه أن المفتي إذا سئل عن شئ وكان هناك شي
آخر يحتاج إليه السائل ولم يسأله عنه يستحب أن يذكره له ويكون هذا من النصيحة لا من الكلام فيما
لا يعني وموضع الدلالة أنه قال علمني يا رسول الله أي علمني الصلاة فعلمه الصلاة واستقبال القبلة والوضوء
وليسا من الصلاة لكنهما شرطان لها وفيه الرفق بالمتعلم والجاهل وملاطفته وإيضاح المسألة له وتلخيص
المقاصد والاقتصار في حقه على المهم دون المكملات التي لا يحتمل حاله حفظها والقيام بها وفيه
استحباب السلام عند اللقاء ووجوب رده وأنه يستحب تكراره إذا تكرر اللقاء وإن قرب العهد
وأنه يجب رده في كل مرة وأن صيغة الجواب وعليكم السلام أو عليك بالواو وهذه الواو
مستحبة عند الجمهور وأوجبها بعض أصحابنا وليس بشئ بل الصواب أنها سنة قال الله تعالى
قالوا سلاما قال سلام وفيه أن من أخل ببعض واجبات الصلاة لا تصح صلاته ولا يسمى
مصليا بل يقال لم تصل فإن قيل كيف تركه مرارا يصلي صلاة فاسدة فالجواب أنه لم يؤذن
له في صلاة فاسدة ولا علم من حاله أنه يأتي بها في المرة الثانية والثالثة فاسدة بل هو محتمل أن
108

يأتي بها صحيحة وإنما لم يعلمه أولا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة
كما أمرهم بالاحرام بالحج ثم بفسخه إلى العمرة ليكون أبلغ في تقرير ذلك عندهم والله أعلم
واعلم أنه وقع في اسناد هذا الحديث في مسلم عن يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال حدثني سعيد
ابن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال الدارقطني في استدراكاته خالف يحيى بن سعيد في هذا
جميع أصحاب عبيد الله فكلهم رووه عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة لم يذكروا أباه قال
الدارقطني ويحيى حافظ فيعتمد ما رواه فحصل أن الحديث صحيح لا علة فيه ولو كان الصحيح
ما رواه الأكثرون لم يضر في صحة المتن وقد سبق بيان مثل هذا مرات في أول الكتاب ومقصودي
بذكر هذا أن لا يغتر بذكر الدارقطني أو غيره له في الاستدراكات والله عز وجل اعلم
باب نهي المأموم عن جهره بالقراءة خلف إمامه
فيه قول (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم صلاة الظهر أو العصر فقال أيكم قرأ خلفي سبح
اسم ربك الأعلى فقال رجل أنا ولم أرد بها إلا الخير قال قد علمت أن بعضكم خالجنيها) وفي
الروايتين الأخيرتين أنه كان في صلاة الظهر بلا شك خالجنيها أي نازعنيها ومعنى هذا الكلام
الإنكار عليه والإنكار في جهره أو رفع صوته بحيث اسمع غيره لا عن أصل القراءة بل فيه أنهم
كانوا يقرؤون بالسورة في الصلاة السرية وفيه اثبات قراءة السورة في الظهر للأمام وللمأموم وهذا
الحكم عندنا ولنا وجه شاذ ضعيف أنه لا يقرأ المأموم السورة في السرية كما لا يقرؤها في الجهرية
وهذا غلط لأنه في الجهرية يؤمر بالإنصات وهنا لا يسمع فلا معنى لسكوته من غير استماع ولو
109

كان في الجهرية بعيدا عن الإمام لا يسمع قراءته فالأصح أنه يقرأ لما ذكرناه والله أعلم
قوله (عن قتادة عن زرارة) وفي الرواية الثانية (عن قتادة قال سمعت زرارة) فيه فائدة وهي أن قتادة
رحمه الله تعالى مدلس وقد قال في الرواية الأولى عن والمدلس لا يحتج بعنعنته إلا أن يثبت سماعه
لذلك الحديث ممن عنعن عنه في طريق آخر وقد سبق التنبيه على هذا في مواطن كثيرة والله أعلم
باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة
وفيه قول أنس (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم
110

أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم) وفي رواية (وكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين
لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها) في إسناده قتادة عن أنس وفي
الطريق الثاني قيل لقتادة أسمعته من أنس قال نعم وهذا تصريح بسماعه فينتفى ما يخاف من إرساله
لتدليسه وقد سبق مثله في آخر الباب قبله وقوله يستفتحون بالحمد لله هو برفع الدال على الحكاية
استدل بهذا الحديث من لا يرى البسملة من الفاتحة ومن يراها منها ويقول لها يجهر ومذهب
الشافعي رحمه الله تعالى وطوائف من السلف وأنه والخلف أن البسملة يجهر بها
حيث يجهر بالفاتحة واعتمد أصحابنا من قال بأنها آية من الفاتحة أنها كتبت في المصحف بخط
المصحف وكان هذا باتفاق الصحابة وإجماعهم على أن لا يثبتوا فيه بخط القرآن غير القرآن
واجمع بعدهم المسلمون كلهم في كل الأعصار إلى يومنا واجمعوا انها ليست في أول براءة وانها
لا تكتب فيها وهذا يؤكد ما قلناه قوله (حدثنا محمد بن مهرا ن عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي
عن عبدة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يجهر بهؤلاء الكلمات سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك
اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وعن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس أنه حدثه قال صليت
خلف النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو علي الغساني هكذا وقع عن عبدة أن عمر وهو مرسل
111

يعني أن عبدة وهو ابن أبي لبابة لم يسمع من عمر قال وقوله بعده عن قتادة يعني الأوزاعي عن
قتادة عن انس هذا هو المقصود من الباب وهو حديث متصل هذا كلام الغساني والمقصود
أنه عطف قوله وعن قتادة على قوله عن عبدة وإنما فعل مسلم هذا لأنه سمعه هكذا فأداه كما سمعه
ومقصوده الثاني المتصل دون الأول المرسل ولهذا نظائر كثيرة في صحيح مسلم وغيره ولا إنكار في هذا
كله وقوله سبحانك اللهم وبحمدك قال الخطابي أخبرني ابن خلاد قال سألت الزجاج عن الواو في قوله
وبحمدك فقال معناه سبحانك اللهم وبحمدك سبحتك قال والجد هنا العظمة والله تعالى أعلم
باب حجة من قال البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة
فيه انس رضي الله عنه قال (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم
رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول الله قال أنزلت علي آنفا سورة بسم الله الرحمن
الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ثم قال أتدرون ما الكوثر
فقلنا الله ورسوله أعلم قال فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير هو حوض يرد عليه
112

أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم فأقول رب عنه من أمتي فيقال ما تدري
ما أحدثوا بعدك) وفي رواية ما أحدث وفيها بين أظهرنا في المسجد قوله بينا
قال الجوهري بينا فعل أشبعت الفتحة فصارت ألفا واصلة ومن قال وبينما بمعناه زيدت فيه ما بقول بينا نحن نرقبه
أتانا أي أتانا بين أوقات رقبتنا إياه ثم حذف المضاف الذي هو أوقات قال وكان الأصمعي
يخفض ما بعد بينا إذا صلح في موضعه بين وغيره يرفع ما بعد بينا وبينما على الابتداء والخبر
قوله بين أظهرنا أي بيننا قوله أغفى إغفاءة أي نام وقوله آنفا أي قريبا وهو بالمد ويجوز القصر
في لغة قليلة وقد قرئ به في السبع والشانئ المبغض والأبتر هو المنقطع العقب وقيل المنقطع عن
كل خير قالوا أنزلت في العاص بن وائل والكوثر هنا نهر في الجنة كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم
وهو في موضع آخر عبارة عن الخير الكثير وقوله يختلج أي ينتزع ويقتطع في هذا الحديث
فوائد منها أن البسملة ف أوائل السور من القرآن وهو مقصود مسلم بإدخال الحديث هنا وفيه
جواز النوم في المسجد وجواز نوم الانسان بحضرة أصحابه وأنه إذا رأى التابع من متبوعه
تبسما أو غيره مما يقتضى حدوث أمر يستحب له أن يسأل عن سببه وفيه إثبات الحوض والايمان به
واجب وسيأتي بسطه حيث ذكر مسلم أحاديثه في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى وقوله لا تدري
ما أحدثوا بعدك تقدم شرحه في أول كتاب الطهارة والله أعلم
113

باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام تحت صدره
فوق سرته ووضعهما في السجود على الأرض حذو منكبيه
فيه (وائل بن حجر رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة
كبر حيال أذنيه ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى فلما أراد أن يركع أخرج
يديه من الثوب ثم رفعهما ثم كبر فركع فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما سجد سجد بين
كفيه) فيه محمد بن جحادة بجيم مضمومة ثم حاء مهملة مخففة ثم ألف ثم دال مهملة ثم هاء قوله
حيال أذنيه بكسر الحاء أي قبالتهما وقد سبق بيان كيفية رفعهما ففيه فوائد منها أن العمل القليل
في الصلاة لا يبطلها لقوله كبر ثم التحف وفيه استحباب رفع يديه عند الدخول في الصلاة وعند
الركوع وعند الرفع منه وفيه استحباب كشف اليدين عند الرفع ووضعهما في السجود على
الأرض حذو منكبيه واستحباب وضع اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام ويجعلهما تحت
صدره فوق سرته هذا مذهبنا المشهور وبه قال الجمهور وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري وإسحاق
بن راهويه وأبو إسحاق المروزي من أصحابنا يجعلهما تحت سرته وعن علي بن أبي طالب رضي
الله عنه روايتان كالمذهبين وعن أحمد روايتان كالمذهبين ورواية ثالثة أنه مخير بينهما ولا ترجيح
وبهذا قال الأوزاعي وابن المنذر وعن مالك رحمه الله روايتان أحداهما يضعهما تحت صدره
والثانية يرسلهما ولا يضع إحداهما على الأخرى وهذه رواية جمهور أصحابه وهي الأشهر عندهم
114

وهي مذهب الليث بن سعد وعن مالك رحمه الله أيضا استحباب الوضع في النفل والارسال في
الفرض وهو الذي رجحه البصريون من أصحابه وحجة الجمهور في استحباب وضع اليمين على
الشمال حديث وائل المذكور هنا وحديث أبي حازم عن سهل ابن سعد رضي الله عنه قال كان
الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعيه في الصلاة قال أبو حازم ولا اعلمه إلا ينمى
ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري وهذا حديث صحيح مرفوع كما سبق في مقدمة
الكتاب وعن هلب الطائي رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ
شماله بيمينه رواه الترمذي وقال حديث حسن وفي المسألة أحاديث كثيرة ودليل وضعهما
فوق السرة حديث وائل بن حجر قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع يده
اليمنى على يده اليسرى على صدره رواه ابن خزيمة في صحيحه وأما حديث علي رضي الله عنه
أنه قال من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة ضعيف متفق على
تضعيفه رواه الدارقطني والبيهقي من رواية أبي شيبة عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو
ضعيف بالاتفاق قال العلماء والحكمة في وضع إحداهما على الأخرى أنه أقرب إلى الخشوع
ومنعهما من العبث والله أعلم
باب التشهد في الصلاة
فيه تشهد ابن مسعود وتشهد ابن عباس وتشهد أبي موسى الأشعري رضي الله عنهم
واتفق العلماء على جوازها كلها واختلفوا في الأفضل منها فمذهب الشافعي رحمه الله تعالى
وبعض أصحاب مالك أن تشهد ابن عباس أفضل لزيادة لفظة المباركات فيه وهي موافقة
لقول الله عز وجل تحية من عند الله مباركة طيبة ولأنه أكده بقوله يعلمنا التشهد كما
يعلمنا السورة من القرآن وقال أبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهما وجمهور الفقهاء وأهل الحديث
115

تشهد ابن مسعود أفضل لأنه عند المحدثين أشد صحة وإن كان الجميع صحيحا وقال مالك
رحمه الله تعالى تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الموقوف عليه أفضل لأنه علمه الناس
على المنبر ولم ينازعه أحد فدل على تفضيله وهو التحيات لله الزاكيات لله الطيبات
الصلوات لله سلام عليك أيها النبي إلى آخره واختلفوا في التشهد هل هو واجب أم سنة
فقال الشافعي رحمه الله تعالى وطائفة التشهد الأول سنة والأخير واجب وقال جمهور المحدثين
هما واجبان وقال أحمد رضي الله عنه الأول واجب والثاني فرض وقال أبو حنيفة ومالك
رضي الله عنهما وجمهور الفقهاء هما سنتان وعن مالك رحمه الله رواية بوجوب الأخير وقد
وافق من لم يوجب التشهد على وجوب القعود بقدره في آخر الصلاة وأما ألفاظ الباب ففيه
لفظة التشهد سميت بذلك للنطق بالشهادة بالوحدانية والرسالة وأما قوله صلى الله صلى الله عليه وسلم
(إن الله هو السلام) فمعناه أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ومعناه السالم من النقائص و سمات
الحدوث ومن الشريك والند وقيل المسلم أولياءه وقيل المسلم عليهم وقيل غير ذلك وأما
التحيات فجمع تحية وهي الملك وقيل البقاء وقيل العظمة وقيل الحياة وإنما قيل التحيات بالجمع
لأن ملوك العرب كان كل واحد منهم تحييه أصحابه بتحية مخصوصة فقيل جميع تحياتهم لله تعالى
وهو المستحق لذلك حقيقة والمباركات والزاكيات في حديث عمر رضي الله عنه بمعنى واحد
والبركة كثرة الخير وقيل النماء وكذا الزكاة أصلها النماء والصلوات هي الصلوات المعروفة وقيل
الدعوات والتضرع وقيل الرحمة أي الله المتفضل بها والطيبات أي الكلمات الطيبات وقوله في
حديث ابن عباس التحيات المباركات الصلوات الطيبات تقديره والمباركات والصلوات والطيبات
كما في حديث ابن مسعود وغيره ولكن حذفت الواو اختصارا وهو جائز معروف في اللغة ومعنى
الحديث أن التحيات وما بعدها مستحقة لله تعالى ولا تصلح حقيقتها لغيره وقوله (السلام عليك
116

أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) وقوله في آخر الصلاة (السلام
عليكم) فقيل معناه التعويذ بالله والتحصين به سبحانه وتعالى فإن السلام اسم له سبحانه وتعالى
تقديره الله عليكم حفيظ وكفيل كما يقال الله معك أي بالحفظ والمعونة واللطف وقيل معناه
السلامة والنجاة لكم ويكون مصدرا كاللذاذة واللذاذ كما قال الله تعالى فسلام لك من أصحاب
اليمين واعلم أن السلام الذي في قوله السلام عليك أيها النبي السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
يجوز فيه حذف الألف واللام فيقال سلام عليك أيها النبي وسلام علينا ولا خلاف في جواز
الأمرين هنا ولكن الألف واللام أفضل وهو الموجود في روايات صحيحي البخاري ومسلم
وأما الذي في آخر الصلاة وهو سلام التحليل فاختلف أصحابنا فيه فمنهم من جوز الأمرين
فيه هكذا ويقول الألف واللام أفضل ومنهم من أوجب الألف واللام لأنه لم ينقل إلا بالألف
واللام ولأنه تقدم ذكره في التشهد فينبغي أن يعيده بالألف ليعود التعريف إلى سابق
كلامه كما يقول جاءني رجل فأكرمت الرجل قوله وعلى عباد الله الصالحين قال الزجاج
وصاحب المطالع وغيرهما العبد الصالح هو القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد قوله
صلى الله عليه وسلم (فإذا قالها أصابت كل عبد لله صالح في السماء) فيه دليل على أن الألف
واللام داخلتين على الجنس تقتضي الاستغراق والعموم قوله وأشهد ان محمدا عبده ورسوله
قال أهل اللغة يقال رجل محمد ومحمود إذا كثرت خصاله المحمودة قال ابن فارس وبذلك
سمى نبيا الله صلى الله عليه وسلم محمدا يعني لعلم الله تعالى بكثرة خصاله المحمودة ألهم أهله التسمية
بذلك قوله صلى الله عليه وسلم (ثم يتخير من المسألة ما شاء) فيه استحباب الدعاء في آخر
الصلاة قبل السلام وفيه أنه يجوز الدعاء بما شاء من أمور الآخرة والدنيا ما لم يكن إثما
وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يجوز إلا بالدعوات الواردة
في القرآن والسنة واستدل به جمهور العلماء على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد
117

الأخير ليست واجبة ومذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وبعض أصحاب مالك رحمه الله تعالى
وجوبها في التشهد الأخير فمن تركها بطلت صلاته وقد جاء في رواية من هذا الحديث في غير
مسلم زيادة فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك ولكن هذه الزيادة ليست صحيحة عن النبي
صلى الله عليه وسلم قوله حدثني عبد الله بن سخبرة وهو بسين مهملة مفتوحة ثم خاء معجمة
118

ساكنة ثم باء موحدة مفتوحة قوله (أقرت الصلاة بالبر والزكاة) قالوا معناه قرنت بهما وأقرت
معهما وصار الجميع مأمورا به قوله (فأرم القوم) هو بفتح الراء وتشديد الميم أي سكتوا قوله
(لقد رهبت ان تبكعني) هو بفتح المثناة في أوله واسكان الموحدة بعدها أي تبكتني بها وتوبخني
قوله صلى الله عليه وسلم (أقيموا صفوفكم) أمر بإقامة الصفوف وهو مأمور بإجماع الأمة وهو
أمر ندب والمراد تسويتها والاعتدال فيها وتتميم الأول فالأول منها والتراص فيها وسيأتي
بسط الكلام فيها حيث ذكرها مسلم إن شاء الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم (ثم ليؤمكم
119

أحدكم) فيه الأمر بالجماعة في المكتوبات ولا خلاف في ذلك ولكن اختلفوا في أنه أمر ندب أم إيجاب
على أربعة مذاهب فالراجح في مذهبنا وهو نص الشافعي رحمه الله تعالى وقول أكثر أصحابنا أنها
فرض كفاية إذا فعله من يحصل به إظهار هذا الشعار سقط الحرج عن الباقين وإن تركوه كلهم أثمرا
كلهم وقالت طائفة من أصحابنا هي سنة وقال ابن خزيمة من أصحابنا هي فرض عين لكن ليست
بشرط فمن تركها وصلى منفردا بلا عذر أثم وصحت صلاته وقال بعض أهل الظاهر هي شرط
لصحة الصلاة وقال بكل قول من الثلاثة المتقدمة طوائف من العلماء وستأتي المسألة في بابها إن شاء الله
تعالى قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا كبر فكبروا) فيه أمر المأموم بأن يكون تكبيره عقب
تكبيرة الإمام ويتضمن مسئلتين إحداهما أنه لا يكبر قبله ولا معه بل بعده فلو شرع المأموم في
تكبيرة الإحرام ناويا الاقتداء بالإمام وقد بقي للإمام منها حرف لم يصح إحرام المأموم بلا
خلاف لأنه نوى الاقتداء بالإمام بمن لم يصر إماما بل بمن سيصير إماما إذا فرغ من التكبير والثانية
أنه يستحب كون تكبيرة المأموم عقب تكبيرة الإمام ولا يتأخر فلو تأخر جاز وفاته كمال فضيلة
تعجيل التكبير قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا
آمين) فيه دلالة ظاهرة لما قاله أصحابنا وغيرهم أن تأمين المأموم يكون مع تأمين الإمام لا بعده
فإذا قال الإمام ولا الضالين قال الإمام والمأموم معا آمين وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم إذا
فأمنوا قالوا معناه إذا أراد التأمين ليجمع بينه وبين هذا الحديث وهو يريد التأمين
في آخر قوله ولا الضالين فيعقب إرادته تأمينه وتأمينكم معا وفي آمين لغتان المد والقصر والمد
أفصح والميم خفيفة فيهما ومعناه استحب وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في التأمين وما
يتعلق به في بابه حيث ذكره مسلم قوله صلى الله عليه وسلم (فقولوا آمين يجبكم الله) هو بالجيم
أي يستجب دعاكم وهذا حث عظيم على التأمين فيتأكد الاهتمام به قوله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم
(وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الأمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم فقال رسول
120

الله صلى الله عليه وسلم فتلك بتلك) معناه اجعلوا تكبيركم للركوع وركوعكم بعد تكبيره وركوعه وكذلك
رفعكم من الركوع يكون بعد رفعه ومعنى تلك بتلك أن اللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه
إلى الركوع تنجبر لكم بتأخيركم في الركوع بعد رفعه لحظة فتلك اللحظة بتلك اللحظة وصار قدر
ركوعكم كقدر ركوعه وقال مثله في السجود وقوله صلى الله عليه وسلم (وإذا قال سمع الله لمن حمده
فقولوا اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم) فيه دلالة لما قاله أصحابنا وغيرهم أنه يستحب للإمام
الجهر بقوله سمع الله لمن حمده وحينئذ يسمعونه فيقولون وفيه دلالة لمذهب من يقول لا يزيد
المأموم على قوله ربنا لك الحمد ولا يقول معه سمع الله لمن حمده ومذهبنا أنه يجمع بينهما الإمام
والمأموم والمنفرد لأنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال
صلوا كما رأيتموني أصلي وسيأتي بسط الكلام فيه في بابه إنشاء الله تعالى ومعنى سمع الله لمن حمده
اي أجاب دعاء من حمده ومعنى يسمع الله لكم يستجيب دعاءكم قوله ربنا لك الحمد هكذا هو هنا
بلا واو وفي غير هذا الموضع ربنا ولك الحمد وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإثبات الواو
وبحذفها وكلاهما جاءت به روايات كثيرة والمختار أنه على وجه الجواز وأن الأمرين جائزان ولا
ترجيح لأحدهما على الآخر ونقل القاضي عياض رضي الله عنه اختلافا عن مالك رحمه الله تعالى
وغيره في الأرجح منهما وعلى إثبات الواو كون قوله ربنا متعلقا بما قبله تقديره سمع إليه لمن حمده
يا ربنا فاستجب حمدنا ودعاءنا ولك الحمد على هدايتنا لذلك قوله (وإذا كان عند القعدة فليكن من
أول قول أحدكم التحيات) استدل جماعة بهذا على أنه يقول في أول جلوس التحيات ولا يقول
121

بسم الله وليس هذا الاستدلال بواضح لأنه قال فليكن من أول ولم يقل فليكن أول والله أعلم
قوله (وفي حديث جرير عن سليمان التيمي عن قتادة من الزيادة وإذا قرأ فأنصتوا) هكذا (قال
أبو إسحاق قال أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث فقال مسلم تريد أحفظ من سليمان
فقال له أبو بكر فحديث أبي هريرة فقال هو صحيح يعني وإذا قرأ فأنصتوا فقال هو عندي صحيح
فقال لم لم تضعه ههنا قال ليس كل شئ عندي صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ههنا ما أجمعوا
عليه) فقوله قال أبو إسحاق هو أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان صاحب مسلم راوي الكتاب
عنه وقوله قال أبو بكر في هذا الحديث يعني طعن فيد وقدح فيه صحته فقال له مسلم أتريد
أحفظ من سليمان يعني أن سليمان كامل الحفظ والضبط فلا تضر مخالفة غيره وقوله فقال
122

أبو بكر فحديث أبي هريرة قال هو صحيح يعني قال أبو بكر لم لم تضعه هنا في صحيحك فقال مسلم
ليس هذا مجمعا على صحته ولكن هو صحيح عندي وضعته في هذا
الكتاب إنما وضعت فيه ما أجمعوا عليه ثم قد ينكر هذا الكلام ويقال قد وضع أحاديث
كثيرة غير مجمع عليها وجوابه أنها عند مسلم بصفة المجمع عليه ولا يلزم تقليد غيره في ذلك
وقد ذكرنا في مقدمة هذا الشرح هذا السؤال وجوابه واعلم أن هذه الزيادة وهي قوله وإذا
قرأ فأنصتوا مما اختلف الحافظ في صحته فروى البيهقي في السنن الكبير عن أبي داود السجستاني
أن هذه اللفظة ليست بمحفوظة وكذلك رواه عن يحيى بن معين وأبي حاتم الرازي والدارقطني
والحافظ أبي علي النيسابوري شيخ الحاكم أبي عبد الله قال البيهقي قال أبو علي الحافظ
هذه اللفظة غير محفوظة قد خالف سليمان التيمي فيها جميع أصحاب قتادة واجتماع هؤلاء
الحفاظ على تضعيفها مقدم على تصحيح مسلم لا سيما ولم يروها مسندة في صحيحه والله أعلم
باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد
أعلم أن العلماء اختلفوا في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب التشهد الأخير في
الصلاة فذهب أبو حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى والجماهير إلى أنها سنة لو تركت صحت الصلاة
وذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى إلى أنها واجبة لو تركت لم تصح الصلاة وهو مروي
عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما وهو قول الشعبي وقد نسب جماعة الشافعي
رحمه الله تعالى في هذا إلى مخالفة الإجماع ولا يصح قولهم فإنه مذهب الشعبي كما ذكرنا وقد رواه
عن البيهقي وفي الاستدلال لوجوبها خفاء وأصحابنا يحتجون بحديث أبي مسعود الأنصاري رضي
الله عنه المذكور هنا أنهم قالوا كيف نصلي عليك يا رسول الله فقال قولوا اللهم صلي على محمد إلى
123

آخره قالوا والأمر للوجوب وهذا القدر لا يظهر الاستدلال به إلا إذا ضم إليه الرواية الأخرى
كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فقال صلى الله عليه وسلم قولوا اللهم صل على محمد
وعلى آل محمد إلى آخره وهذه الزيادة صحيحة رواها الإمامان الحافظان أبو حاتم بن حبان بكسر الحاء
البستي والحاكم أبو عبد الله في صحيحيهما قال الحاكم هي زيادة صحيحة واحتج لها أبو حاتم وأبو عبد الله
أيضا في صحيحهما بما روياه عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأى رجلا يصلي لم يحمد الله ولم يمجده ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم
وسلم عجل هذا ثم دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه
وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم وليدع ما شاء قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم
وهذان الحديثان وإن اشتملا على ما لا يجب بالإجماع كالصلاة على الآل والذرية والدعاء فلا يمتنع
الاحتجاج بهما فإن الأمر للوجوب فإذا خرج بعض ما يتناوله الأمر عن الوجوب بدليل بقي الباقي
على الوجوب والله أعلم والواجب عند أصحابنا اللهم صل على محمد وما زاد عليه سنة ولنا وجه شاذ أنه
يجب الصلاة على الآل وليس بشئ والله أعلم واختلف العلماء في آل النبي صلى الله عليه وسلم على
أقوال أظهرها وهو اختيار الأزهري وغيره من المحققين أنهم جميع الأمة والثاني بنو هاشم
وبنو المطلب والثالث أهل بيته صلى الله عليه وسلم وذريته والله أعلم قوله عن نعيم بن عبد الله المجمر
هو بضم الميم وإسكان الجيم وكسر الميم وقد تقدم بيانه وسبب تسميته المجمر وأنه صفة لنعيم أو لأبيه
في أول كتاب الوضوء قوله (عن أبي مسعود الأنصاري) هو البدري واسمه عقبة ابن عمر وتقدم
في آخر المقدمة وفي غيره قوله (أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك)
معناه أمرنا الله تعالى بقوله تعالى صلوا عليه وسلموا تسليما فكيف نلفظ بالصلاة وفي هذا أن
من أمر بشئ لا يفهم مراده يسأل عنه ليعلم ما يأتي به قال القاضي ويحتمل أن يكون سؤالهم عن كيفية الصلاة
124

في غير الصلاة ويحتمل أن يكون في الصلاة قال وهو الأظهر قلت وهذا ظاهر اختيار مسلم
ولهذا ذكر هذا الحديث في هذا الموضع قوله (فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
تمنينا أنه لم يسأله) معناه كرهنا سؤاله مخافة من أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كره سؤاله
وشق عليه قوله صلى الله عليه وسلم (والسلام كما قد علمتم) معناه قد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام
علي فأما الصلاة فهذه صفتها وأما السلام فكما علمتم في التشهد وهو قولهم السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وقوله علمتم هو بفتح العين وكسر اللام المخففة ومنهم
من رواه بضم العين وتشديد اللام أي علمتكموه وكلاهما صحيح قوله صلى الله عليه وسلم (قولوا
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على
آل إبراهيم قال العلماء معنى البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة وقيل هو بمعنى التطهير
والتزكية واختلف العلماء في الحكمة في قوله اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم مع أن
محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال القاضي عياض رضي الله عنه
أظهر الأقوال أن نبينا صلى الله عليه وسلم سأل ذلك لنفسه ولأهل بيته ليتم النعمة عليهم كما أتمها
على إبراهيم وعلى آله وقيل بل سأل ذلك لأمته وقيل بل ليبقى ذلك له دائما إلى يوم القيامة ويجعل
له به لسان صدق في الآخرين كإبراهيم صلى الله عليه وسلم قيل كان ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل
من إبراهيم صلى الله عليه وسلم وقيل سأل صلاة يتخذه بها خليلا كما اتخذ إبراهيم هذا كلام القاضي
والمختار في ذلك أحد ثلاثة أقوال أحدها حكاه بعض أصحابنا عن الشافعي رحمه الله تعالى أن
معناه صل على محمد وتم الكلام هنا ثم استأنف وعلى آل محمد أي وصل على آل محمد كما صليت
125

على إبراهيم وآل إبراهيم فالمسئول له مثل إبراهيم وآله هم آل محمد صلى الله عليه وسلم لا نفسه القول
الثاني معناه اجعل لمحمد وآله صلاة منك كما جعلتها لإبراهيم وآله فالمسئول المشاركة في أصل
الصلاة لا قدرها القول الثالث أنه على ظاهره والمراد اجعل لمحمد وآله صلاة بمقدار الصلاة
التي لإبراهيم وآله والمسؤول مقابلة الجملة فإن المختار في الآل كما قدمناه أنهم جميع الاتباع ويدخل
في آل إبراهيم خلائق لا يحصون من الأنبياء ولا يدخل في آل محمد صلى الله عليه وسلم نبي
فطلب إلحاق هذه الجملة التي فيها نبي واحد بتلك الجملة التي فيها خلائق من الأنبياء والله أعلم
قال القاضي عياض ولم يجئ في هذه الأحاديث ذكر الرحمة على النبي صلى الله عليه وسلم
وقد وقع في بعض الأحاديث الغريبة قال واختلف شيوخنا في جواز الدعاء للنبي
بالرحمة فذهب بعضهم وهو اختيار أبي عمر بن عبد البر إلى أنه يقال وأجازه
غيره وهو مذهب أبي محمد بن أبي زيد وحجة الأكثرين تعليم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة
عليه وليس فيها ذكر الرحمة والمختار أنه لا يذكر الرحمة وقوله وبارك على محمد وعلى آل محمد قيل
البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة وقيل الثبات على ذلك من قولهم بركت الإبل أي ثبتت
على الأرض ومنه بركة الماء وقيل التزكية والتطهير من العيوب كلها وقوله اللهم صل على محمد
126

على آل محمد احتج به من أجاز الصلاة على غير الأنبياء وهذا مما اختلف العلماء فيه فقال مالك
والشافعي رحمهما الله تعالى والأكثرون لا يصلى على غير الأنبياء استقلالا فلا يقال اللهم صل
على أبي بكر أو عمر أو علي وغيرهم ولكن يصلى عليهم تبعا فيقال اللهم صل على محمد وآل
محمد وأصحابه وأزواجه وذريته كما جاءت به الأحاديث وقال أحمد وجماعة يصلى على كل واحد
من المؤمنين مستقلا واحتجوا بأحاديث الباب وبقوله صلى الله عليه وسلم اللهم صلى على آل
أبي أوفى وكان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلى عليهم قالوا وهو موافق لقول الله تعالى هو الذي
يصلي عليكم وملائكته واحتج الأكثرون بأن هذا النوع مأخوذ من التوقيف واستعمال السلف
ولم ينقل استعمالهم ذلك بل خصوا به الأنبياء كما خصوا الله تعالى بالتقديس والتسبيح فيقال قال
الله سبحانه وتعالى وقال الله تعالى وقال عز وجل وقال جلت عظمته وتقدست أسماؤه وتبارك
وتعالى ونحو ذلك ولا يقال قال النبي عز وجل وإن كان عزيزا جليلا ولا نحو ذلك وأجابوا عن
قول الله عز وجل " هو الذي يصلي عليكم وملائكته " وعن الأحاديث بأن ما كان من الله عز وجل ورسوله
فهو دعاء وترحم وليس فيه معنى التعظيم والتوقير الذي يكون من غيرهما وأما الصلاة على الآل
والأزواج والذرية فإنما جاء على التبع لا على الاستقلال وقد بينا أنه يقال تبعا لأن التابع
127

يحتمل فيه ما لا يحتمل استقلالا واختلف أصحابنا في الصلاة على غير الأنبياء هل يقال هو مكروه
أو هو مجرد ترك أدب والصحيح المشهور أنه مكروه كراهة تنزيه قال الشيخ أبو محمد الجويني
والسلام في معنى الصلاة فإن الله تعالى قرن بينهما فلا يفرد به غائب غير الأنبياء فلا يقال
أبو بكر وعمر وعلي عليهم السلام وإنما يقال ذلك خطابا للأحياء والأموات فيقال السلام عليكم
ورحمة الله والله أعلم قوله صلى اله عليه وسلم (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا)
قال القاضي معناه رحمت وتضعيف أجره كقوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها قال
وقد يكون الصلاة على وجهها وظاهرها تشريفا له بين الملائكة كما في الحديث وإن ذكرني
في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم
باب التسميع والتحميد والتأمين
فيه قوله صلى الله عليه وسلم (إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد فإنه من
وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) وفي رواية (إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من
128

وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) وفي رواية (إذا قال أحدكم آمين والملائكة
في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه) وفي رواية (إذا قال القارئ غير
المغضوب عليهم ولا الضالين فقال من خلفه آمين فوافق قوله قول أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه)
وسبق في حديث أبي موسى في باب التشهد إذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين في هذه
129

الأحاديث استحباب التأمين عقب الفاتحة للإمام والمأموم و المنفرد وأنه ينبغي أن يكون تأمين
المأموم مع تأمين الإمام لا قبله ولا بعده لقوله صلى الله عليه وسلم وإذا قال ولا الضالين
فقولوا آمين وأما رواية إذا أمن فأمنوا فمعناها إذا أراد التأمين وفد قدمنا بيان هذا قريبا في حديث
أبي موسى في باب التشهد ويسن للإمام والمنفرد الجهر بالتأمين وكذا للمأموم على المذهب الصحيح
هذا تفصيل مذهبنا وقد اجتمعت الأمة على أن المنفرد يؤمن وكذلك الإمام والمأموم في
الصلاة السرية وكذلك قال الجمهور في الجهرية وقال مالك رحمه الله تعالى في رواية لا يؤمن الإمام في
الجهرية وقال أبو حنيفة رضي الله عنه والكوفيون ومالك في رواية لا يجهر بالتأمين وقال الأكثرون
يجهر وقوله صلى الله عليه وسلم من وافق قوله قول الملائكة ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة
معناه وافقهم في وقت التأمين فأمن مع تأمينهم فهذا هو الصحيح والصواب وحكى القاضي عياض
قولا أن معناه وافقهم في الصفة والخشوع والإخلاص واختلفوا في هؤلاء الملائكة فقيل هم الحفظة
وقيل غيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم فوافق قوله قول أهل السماء وأجاب الأولون عنه بأنه إذا قالها الحاضرون
من الحفظة قالها من فوقهم حتى ينتهي إلى أهل السماء وقول ابن شهاب (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول آمين) معناه أن هذه صيغة تأمين النبي صلى الله عليه وسلم وهو تفسير لقوله صلى الله عليه
وسلم إذا أمن الإمام فأمنوا ورد لقول من زعم أن معناه إذا دعا الإمام بقوله اهدنا الصراط
إلى آخرها وفي هذا الحديث دليل على قراءة الفاتحة لأن التأمين لا يكون إلا عقبها والله أعلم
باب ائتمام المأموم بالإمام
فيه أنس رضي الله عنه قال (سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش شقه الأيمن فدخلنا
130

عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدا فصلينا وراءه قعودا فلما قضا الصلاة
قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا وإذا رفع فارفعوا
وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا
أجمعون) وفي رواية (فإذا صلى قائما فصلوا قياما) وفي رواية عائشة رضي الله عنها
131

(صلى جالسا فصلوا بصلاته قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فجلسوا) وذكر أحاديث آخر بمعناه
قوله جحش هو بجيم مضمومة ثم حاء مهملة مكسورة أي خدش وقوله فحضرت الصلاة ظاهرة أنه صلى الله عليه
وسلم صلى بهم صلاة مكتوبة وفيه جواز الإشارة والعمل القليل في الصلاة للحاجة وفيه متابعة الإمام في
الأفعال والتكبير وقوله ربنا ولك الحمد كذا وقع هنا ولك الحمد بالواو وفي روايات بحذفها وقد سبق أنه
يجوز الأمران وفيه وجوب متابعة المأموم لإمامه في التكبير والقيام والعقود والركوع
والسجود وأنه يفعلهما بعد المأموم فيكبر تكبيرة الإحرام بعد فراغ الإمام منها
قبل فراغ الإمام منها فإن شرع فيها لم تنعقد صلاته ويركع بعد شروع الإمام في الركوع وقبل رفعه منه
فإن قارنه أو سبقه فقد أساء ولكن لا تبطل صلاته وكذا السجود ويسلم بعد فراغ الإمام من السلام فإن سلم
قبله بطلت صلاته إلا أن ينوي المفارقة ففيه خلاف مشهور وإن سلم معه لا قبله ولا بعده فقد أساء ولا تبطل صلاته على الصحيح وقيل تبطل وأما قوله صلى الله عليه وسلم
132

وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا فاختلف العلماء فيه فقالت طائفة بظاهرة وممن قال به أحمد
ابن حنبل والأوزاعي رحمهما الله تعالى وقال مالك رحمه الله تعالى في رواية لا يجوز صلاة القادر
على القيام خلف القاعد لا قائما ولا قاعدا وقال أبو حنيفة والشافعي وجمهور السلف رحمهم الله
تعالى لا يجوز للقادر على القيام أن يصلي خلف القاعد إلا قائما واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم
في مرض وفاته بعد هذا قاعدا وأبو بكر رضي الله عنه والناس خلفه قياما وإن كان
يعض العلماء زعم أن أبا بكر رضي الله عنه كان هو الإمام والنبي صلى الله عليه وسلم مقتد به لكن
الصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام وقد ذكره مسلم بعد هذا الباب صريحا أو
كالصريح فقال في روايته عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت
133

فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدى أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم
ويقتدى الناس بصلاة أبي بكر وأما قوله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فمعناه
عند الشافعي وطائفة في الأفعال الظاهرة وإلا فيجوز أن يصلى الفرض خلف النفل وعكسه
والظهر خلف العصر وعكسه وقال مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما وآخرون لا يجوز ذلك
وقالوا معنى الحديث ليؤتم به في الأفعال والنيات ودليل الشافعي رضي الله عنه وموافقيه أن النبي صلى الله عليه
وسلم صلى بأصحابه ببطن نخل صلاة الخوف مرتين بكل فرقة مرة فصلاته الثانية وقعت له نفلا وللمقتدين
فرضا وأيضا حديث معاذ كان يصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي قومه فيصليها
بهم هي له تطوع ولهم فريضة ولهم مما يدل على أن الائتمام إنما يجب في تطوع الأفعال الظاهرة قوله
صلى الله عليه وسلم في رواية جابر رضي الله عنه (ائتموا بأئمتكم أن صلى قائما فصلوا قياما
وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا)
والله أعلم وقوله صلى الله عليه وسلم (إنما الإمام جنة) أي ساتر
134

لمن خلفه ومانع من خلل يعرض لصلاتهم بسهو أو مرور أي كالجنة وهي الترس الذي يستر
من وراءه ويمنع وصول مكروه إليه قوله صلى الله عليه وسلم (إن كدتم تفعلون فعل فارس
والروم يقومون على ملوكهم وهو قعود فلا تفعلوا) فيه النهي عن قيام الغلمان والتباع على رأس
متبوعهم الجالس لغير حاجة وأما القيام للداخل إذا كان من أهل الفضل والخير فليس من
هذا بل هو جائز قد جاءت به أحاديث وأطبق عليه السلف والخلف وقد جمعت دلائله وما
يرد عليه في جزء وبالله التوفيق والعصمة
باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما
من يصلى بالناس وأن من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام
لزمه القيام إذا قدر عليه ونسخ القعود خلف القاعد في حق من قدر على القيام
فيه حديث استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه وقد قدمنا في آخر الباب
135

السابق دليل ما ذكرته في الترجمة قولها (المخضب) هو بكسر الميم وبخاء وضاد معجمتين
وهو إناء نحو المركن الذي يغسل فيه قوله (ذهب لينوء) أي يقوم وينهض وقوله (فأغمي
عليه) دليل على جواز الإغماء على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ولا شك في جوازه
فإنه مرض والمرض يجوز عليهم بخلاف الجنون فإنه لا يجوز عليهم لأنه نقص والحكمة
في جواز المرض عليهم ومصائب الدنيا تكثير أجرهم وتسلية الناس بهم ولئلا يفتتن الناس بهم ويعبدوهم
لما يظهر عليهم من المعجزات والآيات البينات والله أعلم قوله (فقال أصلى الناس فقيل
لا وهم ينتظرونك يا رسول الله) دليل على أنه إذا تأخر الإمام عن أول الوقت ورجى مجيئه على
قرب ينتظر ولا يتقدم غيره وسنبسط المسألة في الباب بعده إن شاء الله تعالى قولها (قال ضعوا
لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل) دليل الاستحباب بالغسل من الإغماء وإذا تكرر الإغماء
استحب تكرر الغسل لكل مرة فإن لم يغتسل إلا بعد الإغماء مرات كفى غسل واحد وقد
حمل القاضي عياض الغسل هنا على الوضوء من حيث أن الإغماء ينقض الوضوء ولكن
الصواب أن المراد غسل جميع البدن فإنه ظاهر اللفظ ولا مانع يمنع منه فإن الغسل مستحب
من الإغماء بل قال بعض أصحابنا أنه واجب وهذا شاذ ضعيف قوله (والناس عكوف)
أي مجتمعون منتظرون لخروج النبي صلى الله عليه وسلم وأصل الاعتكاف اللزوم والحبس
136

قولها (لصلاة العشاء الآخرة) دليل على صحة قول الإنسان العشاء الآخرة وقد أنكره
الأصمعي والصواب جوازه فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة وأنس البراء
وجماعة آخرين اطلاق العشاء الآخرة وقد بسطت القول فيه في تهذيب الأسماء واللغات
قولها (فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس
فقال أبو بكر رضي الله عنه وكان رجلا رقيقا يا عمر صل بالناس فقال عمر رضي الله عنه
أنت أحق بذلك) فيه فوائد منها فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وترجيحه على جميع
الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وتفضيله وتنبيه على أنه أحق بخلافة رسول الله
صلى الله عليه وسلم من غيره ومنها أن الإمام إذا عرض له عذر عن حضور الجماعة استخلف
من يصلي بهم وأنه لا يستخلف إلا أفضلهم ومنها فضيلة عمر بعد أبي بكر رضي الله عنه لأن
أبا بكر رضي الله عنه لم يعدل إلى غيره ومنها ان المفضول إذا عرض عليه الفاضل مرتبة
لا يقبلها بل يدعها للفاضل إذا لم يمنع مانع ومنها جواز الثناء في الوجه لمن أمن عليه الإعجاب والفتنة
لقوله أنت أحق بذلك وأما قول أبي بكر لعمر رضي الله عنهما صل بالناس فقاله للعذر
المذكور وهو أنه رجل رقيق القلب كثير الحزن والبكاء لا يملك عينيه وقد تأوله بعضهم على أنه
قاله تواضعا والمختار ما ذكرناه قولها (فخرج بين رجلين أحدهما العباس) وفسر ابن عباس
137

الآخر بعلي بن أبي طالب وفي الطريق الآخر (فخرج ويدل على الفضل ابن عباس ويدله على
رجل آخر) وجاء في غير مسلم بين رجلين أحدهما أسامة بن زيد وطريق الجمع بين هذا كله أنهم
كانوا يتناوبون الأخذ بيده الكريمة صلى الله عليه وسلم تارة هذا وتارة ذاك وذاك ويتنافسون
في ذلك وهؤلاء هم خواص أهل بيته الرجال الكبار وكان العباس رضي الله عنه أكثرهم
ملازمة للأخذ بيده الكريمة المباركة صلى الله عليه وسلم أو أنه أدام الأخذ يده وإنما يتناوب
الباقون في اليد الأخرى وأكرموا العباس باختصاصه بيد واستمرارها له لما له من السن والعمومة
وغيرهما ولهذا ذكرته عائشة رضي الله عنها مسمى وأبهمت الرجل الآخر إذ لم يكن أحد الثلاثة
الباقين ملازما في جميع الطريق ولا معظمه بخلاف العباس والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم
(أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنبه) فيه جواز وقوف مأموم واحد بجنب الإمام لحاجة
أو مصلحة كإسماع المأمونين وضيق المكان ونحو ذلك قوله (هات) هو بكسر التاء قوله
(استأذن أزواجه أن يمرض في بيتها) يعني بيت عائشة وهذا يستدل به من يقول كان القسم
138

واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم بين أزواجه في الدوام كما يجب في حقنا ولأصحابنا وجهان
أحدهما هذا والثاني سنة ويحملون هذا وقوله صلى الله عليه وسلم اللهم هذا قسمي فيما أملك على
الاستحباب ومكارم الأخلاق وجميل العشرة وفيه فضيلة عائشة رضي الله عنها ورجحانها على
جميع أزواجه الموجودات ذلك الوقت وكن تسعا إحداهن عائشة رضي الله عنها وهذا لا خلاف
فيه بين العلماء وإنما اختلفوا في عائشة وخديجة رضي الله عنهما قوله يخط برجليه في الأرض أي
139

لا يستطيع ان يرفعهما ويضعهما ويعتمد عليهما قوله صلى الله عليه وسلم (إنكن لأنتن صواحب
يوسف) أي في التظاهر على ما تردن وكثرة الحاحكن في طلب ما تردنه وتملن إليه وفي مراجعة
عائشة جواز مراجعة ولي الأمر على سبيل العرض والمشاورة والإشارة بما يظهر أنه مصلحة
وتكون تلك المراجعة بعبارة لطيفة ومثل هذه المراجعة مراجعة عمر رضي الله عنه في قوله
لا تبشرهم فيتكلوا وأشباهه كثيرة مشهورة قولها (لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال
يؤذنه بالصلاة) فيه دليل لما قاله أصحابنا أنه لا بأس باستدعاء الأئمة للصلاة قولها (رجل أسيف)
140

أي حزين وقيل سريع الحزن والبكاء ويقال فيه أيضا الأسوف قولها (يهادى بين رجلين)
141

أي يمشي بينهما متكئا عليهما يتمايل إليهما قوله (كأن وجهه ورقة مصحف) عبارة عن الجمال
البارع وحسن البشرة وصفاء الوجه واستنارته وفي المصحف ثلاث لغات ضم الميم
وكسرها وفتحها قوله (ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا) سبب تبسمه
صلى الله عليه وسلم فرحه بما رأى من اجتماعهم على الصلاة وأتباعهم لإمامهم وإقامتهم
شريعته واتفاق كلمتهم واجتماع قلوبهم ولهذا استنار وجهه صلى الله عليه وسلم على عادته إذا
رأى أو سمع ما يسره يستنير وجهه وفيه معنى آخر وهو تأنيسهم
وإعلامهم بتماثل حاله في
مرضه وقيل يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم خرج ليصلى بهم فرأى من نفسه ضعفا فرجع قوله
142

(ونكص) أي رجع إلى ورائه قهقرى قوله (حدثنا محمد بن المثنى وهارون قالا حدثنا عبد الصمد
قال سمعت أبي يحدث قال حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه) هذا الإسناد كله بصريون
قوله (وضح لنا وجهه) أي بان وظهر
143

قوله (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة
عن أبي موسى) هذا الإسناد كله كوفيون قولها (وأبو بكر يسمع الناس التكبير) فيه جواز رفع
الصوت بالتكبير ليسمعه الناس ويتبعوه أنه يجوز للمقتدى اتباع صوت المكبر وهذا مذهبنا
ومذهب الجمهور ونقلوا فيه الإجماع وما أراه يصح الإجماع فيه فقد نقل القاضي عياض عن
مذهبهم أن منهم من أبطل صلاة المقتدى ومنهم من لم يبطلها ومنهم من قال إن أذن له الإمام في
الإسماع صح الاقتداء به وإلا فلا ومنهم من أبطل صلاة المسمع ومنهم من صححها ومنهم من شرط
إذن الإمام ومنهم من قال أن تكلف صوتا بطلت صلاته وصلاة من ارتبط بصلاته وكل هذا
ضعيف والصحيح جواز كل ذلك وصحة صلاة المسمع والسامع ولا يعتبر إذن الإمام والله أعلم
باب تقديم الجماعة من يصلى بهم إذا تأخر الإمام
ولم يخافوا مفسدة بالتقديم
فيه حديث تقديم أبي بكر رضي الله عنه وحديث تقدم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه منه
فضل الإصلاح بين الناس ومشى الإمام وغيره في ذلك وأن الامام إذا تأخر عن الصلاة تقدم
144

غيره إذا لم يخف فتنة وإنكار من الإمام وفيه ان المقدم نيابة عن الإمام يكون أفضل القوم
وأصلحهم لذلك الأمر وأقومهم به وفيه أن المؤذن وغيره يعرض التقدم على الفاضل وأن
الفاضل يوافقه وفيه أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة لقوله صفق الناس وفيه جواز الالتفات
في الصلاة للحاجة واستحباب حمد الله تعالى لمن تجددت له نعمة ورفع اليدين بالدعاء وفعل ذلك
الحمد والدعاء عقب النعمة وإن كان في صلاة وفيه جواز مشي الخطوة والخطوتين في الصلاة
وفيه أن هذا القدر لا يكره إذا كان لحاجة وفيه جواز استخلاف المصلى بالقوم من يتم
الصلاة لهم وهذا هو الصحيح في مذهبنا وفيه أن التابع إذا أمره المتبوع بشئ وفهم منه
إكرامه بذلك الشئ لا تحتم الفعل فله أن يتركه ولا يكون هذا مخالفة للأمر بل يكون أدبا
وتواضعا وتحذقا في فهم المقاصد وفيه ملازمة الأدب مع الكبار وفيه أن السنة لمن نابه شئ في
صلاته كإعلام من يستأذن عليه وتنبيه الإمام وغير ذلك أن يسبح إن كان رجلا فيقول سبحان
الله وأن تصفق وهو التصفيح إن كان امرأة فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر
145

ولا تضرب بطن كف على بطن كف على وجه اللعب واللهو فإن فعلت هكذا على وجه اللعب
بطلت صلاتها لمنافاته الصلاة وفيه فضائل كثيرة لأبي بكر رضي الله عنه وتقديم الجماعة له واتفاقهم
على فضله عليهم ورجحانه وفيه تقديم الصلاة في أول وقتها وفيه أن الإقامة لا تصح إلا عند
إرادة الدخول في الصلاة لقوله أتصلي فأقيم وفيه أن المؤذن هو الذي يقيم الصلاة فهذا هو السنة ولو أقام
غيره كان خلاف السنة ولكن يعتد بإقامته عندنا وعند جمهور العلماء وفيه جواز خرق الامام
الصفوف ليصل إلى موضعه إذا احتاج إلى خرقها لخروجه لطهارة أو رعاف أو نحوهما ورجوعه
وكذا من احتاج إلى الخروج من المأمومين لعذر وكذا له خرقها في الدخول إذا رأى قدامهم
فرجة فإنهم مقصرون بتركها واستدل به أصحابنا على جواز اقتداء المصلى بمن يحرم بالصلاة
بعده فإن الصديق رضي الله عنه أحرم بالصلاة أولا ثم اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم حين
أحرم بعده هذا هو الصحيح في مذهبنا وقوله (ورجع القهقرى) فيه أن من رجع في صلاته
146

لشئ يكون رجوعه إلى وراء لا يستدبر القبلة ولا يتحرفها وأما حديث عبد الرحمن بن عوف
رضي الله عنه فقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة ومما فيه حمل الأداوة مع الرجل الجليل
وجواز الاستعانة بصب الماء في الوضوء وغسل الكفين في أوله ثلاثا وجواز لبس الجباب
وجواز إخراج اليد من أسفل الثوب إذا لم يتبين شئ من العورة وجواز المسح على الخفين
147

وغير ذلك مما سبق بيانه في موضعه والله تعالى أعلم
باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابهما شئ في الصلاة
قوله صلى الله عليه وسلم (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) تقدم شرحه في الباب قبله
148

باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها قوله صلى الله عليه وسلم (يا فلان ألا تحسن صلاتك ألا ينظر المصلى إذا صلى كيف يصلي
فإنما يصلي لنفسه أنى والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي) وفي رواية (هل ترون
قبلتي ههنا فوالله ما يخفى على ركوعكم ولا سجودكم أني لأراكم وراء ظهري) وفي رواية (أقيموا
الركوع والسجود فوالله أي لأراكم من بعدي إذا ركعتم وسجدتم) قال العلماء معناه أن الله
تعالى خلق له صلى الله عليه وسلم إدراكا في قفاه يبصر به من ورائه وقد انخرقت العادة له
صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذا وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع بل ورد الشرع بظاهره
فوجب القول به قال القاضي قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وجمهور العلماء هذه
149

الرؤية رؤية بالعين حقيقة وفيه الأمر بإحسان الصلاة والخشوع وإتمام الركوع والسجود
وجواز الحلف بالله تعالى من غير ضرورة لكن المستحب تركه إلا لحاجة كتأكيد أمر وتفخيمه
والمبالغة في تحقيقه وتمكينه من النفوس وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث من الحلف وقوله
صلى الله عليه وسلم إني لأراكم من بعدي أي من ورائي كما في الروايات الباقية قال القاضي
عياض وحمله بعضهم على بعد الوفاة وهو بعيد عن سياق الحديث وقوله (حدثنا أبو غسان
حدثنا معاذ حدثنا أبي وحدثنا محمد بن مثنى
حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد كلاهما عن قتادة عن انس
هذان الطريقان من أبي غسان إلى أنس كلهم بصريون
باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما
قوله صلى الله عليه وسلم (لا تسبقوني بالركوع ولا بالقيام ولا بالانصراف) فيه تحريم هذه
الأمور وما في معناها والمراد بالانصراف السلام
150

قوله صلى الله عليه وسلم (رأيت الجنة والنار) فيه أنهما مخلوقتان وقوله صلى الله عليه وسلم
(أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار) وفي رواية صورته
في صورة حمار وفي رواية وجهه وجه حمار هذا كله بيان لغلظ تحريم ذلك والله أعلم
151

النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة
قوله صلى الله عليه وسلم (لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة) أو لا ترجع إليهم
وفي رواية أو لتخطفن أبصارهم فيه النهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك وقد نقل الإجماع
في النهي عن ذلك قال القاضي عياض واختلفوا في كراهة رفع البصر إلى السماء في الدعاء في
غير الصلاة فكرهه شريح وآخرون وجوزه الأكثرون وقالوا لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة
قبلة الصلاة ولا ينكر رفع الأبصار إليها كما لا يكره رفع اليد قال الله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون
باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة باليد
(ورفعها عند السلام وإتمام الصفوف الأول والتراص فيها والأمر بالاجتماع)
قوله صلى الله عليه وسلم (مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس) هو باسكان الميم وضمها
152

وهي التي لا تستقر بل تضطرب وتتحرك بأذنابها وأرجلها والمراد بالرفع المنهي عنه هنا رفعهم
أيديهم عند السلام مشيرين إلى السلام من الجانبين كما صرح به في الرواية الثانية قوله (فرآنا
حلقا) هو بكسر الحاء وفتحها لغتان جمع حلقة بإسكان اللام وحكى الجوهري وغيره فتحها في لغة
ضعيفة قوله صلى الله عليه وسلم (ما لي أراكم عزين) أي متفرقين جماعة جماعة وهو بتخفيف
الزاي الواحدة عزة معناه النهي عن التفرق والأمر بالاجتماع وفيه الأمر بإتمام الصفوف الأول
والتراص في الصفوف ومعنى اتمام الصفوف الأول أن يتم الأول ولا يشرع في الثاني حتى يتم
الأول ولا في الثالث حتى يتم الثاني ولا في الرابع حتى يتم الثالث وهكذا إلى آخرها وفيه أن
لسنة في السلام من الصلاة أن يقول السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله
عن شماله ولا يسن زيادة وبركاته وأن كان قد جاء فيها حديث ضعيف وأشار إليها بعض العلماء
ولكنها بدعة إذ لم يصح فيها حديث بل صح هذا الحديث وغيره في تركها والواجب منه السلام
عليكم مرة واحدة ولو قال السلام عليك بغير ميم لم تصح صلاته
وفيه دليل على استحباب تسليمتين
153

وهذا مذهبنا مذهب الجمهور وقوله صلى الله عليه وسلم ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله
المراد بالأخ الجنس أي إخوانه الحاضرين عن اليمين والشمال وفيه الأمر بالسكون في الصلاة
والخشوع فيها والإقبال عليها وأن الملائكة يصلون وأن صفوفهم على هذه الصفة والله أعلم
با ب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها
(والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها وتقديم أولي الفضل وتقريبهم من الإمام)
قوله صلى الله عليه وسلم ليلني (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) ليلني
هو بكسر اللامين وتخفيف النون من غير ياء قبل النون ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على
154

التوكيد وأولو الأحلام هم العقلاء وقيل البالغون والنهي بضم النون العقول فعلى قول من يقول
أولو الأحلام العقلاء يكون اللفظان بمعنى فلما اختلف واللفظ عطف أحدهما على الآخر تأكيدا
وعلى الثاني معناه البالغون العقلاء قال أهل اللغة واحدة النهي نهية بضم النون وهي العقل ورجل نه
ونهي من قوم نهين وسمى العقل نهية لأنه ينتهي إلى ما أمر به ولا يتجاوز وقيل لأنه ينهى عن
القبائح قال أبو علي الفارسي يجوز أن يكون النهي مصدرا كالهدى وأن يكون جمعا كالظلم قال
والنهي في اللغة معناه الثبات والحبس ومنه النهى والنهى بكسر النون وفتحها والنهية للمكان الذي
ينتهي إليه الماء فيستنقع قال الواحدي فرجع القولان في اشتقاق النهية إلى قول واحد وهو
الحبس فالنهية هي التي تنهى وتحبس عن القبائح والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ثم الذين
يلونهم) معناه الذين يقربون منهم في هذا الوصف قوله (يمسح مناكبنا) أي يسوي مناكبنا في
الصفوف ويعدلنا فيها في هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل إلى الأمام لأنه أولى بالإكرام ولأنه
ربما احتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما لا
يتفطن له غيره
وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظونها وينقلوها ويعلموها الناس وليقتدي بأفعالهم من وراءهم ولا
يختص هذا التقديم بالصلاة بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الأمام وكبير المجلس
كمجالس العلم والقضاء والذكر والمشاورة ومواقف القتال وإمامة الصلاة والتدريس والإفتاء
وإسماع الحديث ونحوها ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين والعقل والشرف والسن
والكفاءة في ذلك الباب والأحاديث الصحيحة متعاضدة على
ذلك وفيه تسوية الصفوف
155

واعتناء الإمام بها والحث عليها قوله صلى الله عليه وسلم (وإياكم وهيشات الأسواق) هي
فتح الهاء وإسكان الياء وبالشين المعجمة أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات
واللغط والفتن التي فيها قوله (حدثني خالد الحذاء عن أبي معشر) اسم أبي معشر زياد بن كليب
التميمي الحنظلي الكوفي قوله (حدثنا محمد بن مثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة
قال سمعت قتادة يحدث عن أنس رضي الله عنه قال وحدثنا شيبان بن فروخ حدثنا عبد الوارث
عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه) هذان الإسنادان بصريون قوله صلى الله
عليه وسلم (فإني أراكم خلف ظهري) تقدم شرحه في الباب قبله قوله صلى الله عليه وسلم (أقيموا
الصف في الصلاة) أي سووه وعدلوه وتراصوا فيه قوله صلى الله عليه وسلم (لتسون
156

صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) قيل معناه يمسخها ويحولها عن صورها لقوله صلى الله عليه وسلم
يجعل الله تعالى صورته صورة حمار وقيل يغير صفاتها والأظهر والله أعلم أن معناه
يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب كما يقال تغير وجه فلان على أي ظهر لي من وجهه
كراهة لي وتغير قلبه علي لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم واختلاف الظواهر سبب
لاختلاف البواطن قوله (يسوى صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح) القداح بكسر القاف
هي خشب السهام حين تنحت وتبرى واحدها قدح بكسر القاف معناه يبالغ في تسويتها حتى تصير
كأنما يقوم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها قوله فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلا باديا
صدره من الصف فقال لتسون عباد الله صفوفكم فيه الحث على تسويتها وفيه جواز الكلام بين الإقامة
والدخول في الصلاة وهذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء ومنعه بعض العلماء والصواب الجواز وسواء
كان الكلام لمصلحة الصلاة أو لغيرها أولا لمصلحة قوله صلى الله عليه وسلم (لو يعلم الناس
ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) النداء هو الأذان والاستهام
157

الاقتراع ومعناه أنهم لو علموا فضيلة الأذان وقدر ها وعظيم جزائه ثم لم يجدوا طريقا يحصلونه
به لضيق الوقت عن أذان بعد أذان أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد لاقترعوا في تحصيله
ولو يعلمون ما في الصف الأول من الفضيلة نحو ما سبق وجاؤا إليه دفعة واحدة وضاق عنهم ثم
لم يسمح بعضهم لبعض به لاقترعوا عليه وفيه اثبات القرعة في الحقوق التي يزدحم عليها ويتنازع
فيها قوله (ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه) التهجير التبكير إلى الصلاة أي صلاة كانت
قال الهروي وغيره وخصه الخليل بالجمعة والصواب المشهور الأول قوله صلى الله عليه وسلم
(ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا) فيه الحث العظيم على حضور جماعة هاتين
الصلاتين والفضل الكثير في ذلك لما فيهما من المشقة على النفس من تنغيص أول نومها
وآخره ولهذا كانتا أثقل الصلاة على المنافقين وفي هذا الحديث تسمية العشاء عتمة وقد ثبت
النهي عنه وجوابه من وجهين أحدهما أن هذه التسمية بيان للجواز وأن ذلك النهي ليس للتحريم
والثاني وهو الأظهر أن استعمال العتمة هنا لمصلحة ونفي مفسدة لأن العرب كانت تستعمل
لفظة العشاء في المغرب فلو قال لو يعلمون ما في العشاء والصبح لحملوها على المغرب ففسد المعنى
وفات المطلوب فاستعمل العتمة التي يعرفونها ولا يشكون فيها وقواعد الشرع متظاهرة على
احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما قوله صلى الله عليه وسلم ولو حبوا هو بإسكان الباء
وإنما ضبطته لأني رأيت من الكبار من صحفه قوله (تقدموا فاتموا بي وليأتم بكم من بعدكم لا يزال
قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) معنى وليأتم بكم من بعدكم أي يقتدوا بي مستدلين على أفعالي بأفعالكم
158

ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه أوصف قدامه
يراه متابعا للإمام وقوله صلى الله عليه وسلم لا يزال قوم يتأخرون أي عن الصفوف
الأول حتى يؤخرهم الله تعالى عن رحمته أو عظيم فضله ورفع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك قوله
(قتادة عن خلاس) هو بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وبالسين المهملة قوله صلى الله عليه وسلم
(خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)
أما صفوف الرجال فهي على عمومها فخيرها أولها أبدأ وشرها آخرها ابدأ أما صفوف النساء فالمراد
بالحديث أما صفوف النساء اللواتي يصلن مع الرجال وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن
كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها آخرها والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثوابا
وفضلا وأبعدها من مطلوب الشرع وخيرها بعكسه وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات
مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع
159

كلامهم ونحو ذلك وذم أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم وأعلم أن الصف الأول الممدوح الذي قد وردت الأحاديث بفضله والحث عليه هو الصف الذي يلي الإمام سواء جاء صاحبه
متقدما أو متأخرا وسواء تخلله مقصورة ونحوها أم لا هذا هو الصحيح الذي يقتضيه ظواهر
الأحاديث وصرح به المحققون وقال طائفة من العلماء الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد
إلى طرفه لا يتخلله مقصورة ونحوها فإن تخلل الذي يلي الإمام شئ فليس بأول بل الأول مالا
يتخلله شئ وإن تأخر وقيل الصف الأول عبارة عن مجئ الإنسان إلى المسجد أولا وإن
صلى في صف متأخر وهذان القولان غلط صريح وإنما أذكره ومثله لأنبه على بطلانه
لئلا يغتر به والله أعلم
أمر النساء المصليات وراء الرجال
(أن لا يرفعن رؤسهن من السجود حتى يرفع الرجال)
قوله (رأيت الرجال عاقدي أزرهم) معناه عقدوها لضيقها لئلا يكشف شئ من العورة ففيه
الاحتياط في ستر العورة والتوثق بحفظ السترة وقوله (يا معشر النساء لا ترفعن رؤوسكن
حتى يرفع الرجال) معناه لئلا يقع بصر امرأة على عورة رجل انكشف وشبه ذلك والله
تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب
160

خروج النساء إلى المساجد
(إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة)
قوله صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) هذا وشبه من أحاديث الباب ظاهر
في أنها لا تمنع المسجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث وهو أن لا تكون
متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا شابة
161

ونحوها ممن يفتتن بها وأن لا يكون في الطرق ما يخاف به مفسدة ونحو ها وهذا النهي عن
منعهن من الخروج محمول على كراهة التنزيه إذا كانت المرأة ذا ت زوج أو سيد ووجدت
الشروط المذكورة فإن لم يكن لها زوج ولا سيد حرم المنع إذا وجدت الشروط قوله (فيتخذنه
دغلا) هو بفتح الدال والغين المعجمة وهو الفساد والخداع والريبة قوله (فزبره) أي نهره
قوله (فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا) وفي رواية فزبره وفي رواية فضرب في صدره فيه
تعزير المعترض على السنة والمعارض لها برأيه وفيه
تعزير الوالد ولده وإن كان كبيرا قوله صلى الله عليه وسلم
(لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم) هكذا وقع في أكثر
الأصول استأذنوكم وفي بعضها استأذنكم وهذا ظاهر والأول صحيح أيضا وعوملن معاملة
162

الذكور لطلبهن الخروج إلى مجلس الذكور والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا شهدت
إحداكن العشاء فلا تطيب تلك الليلة) معناه إذا أرادت شهودها أما من شهدها ثم عادت إلى
بيتها فلا تمنع من التطيب بعد ذلك وكذا قوله صلى الله عليه وسلم (إذا شهدت
إحداكن المسجد فلا تمس طيبا) معناه إذا أرادت شهوده قوله صلى الله عليه وسلم (أيما
امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة) فيه دليل على جواز قول الإنسان العشاء
الآخرة وأما ما نقل عن الأصمعي أنه قال من المحال قول العامة العشاء الآخرة لأنه
ليس لنا إلا عشاء واحدة فلا توصف بالآخرة فهذا القول غلط لهذا الحديث وقد ثبت في صحيح مسلم عن
جماعات من الصحابة وصفها بالعشاء الآخرة وألفاظهم بهذا مشهورة في هذه الأبواب التي بعد
163

هذا وبالخور بتخفيف الخاء وفتح الباء والله أعلم قولها (لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد) يعنى من الزينة والطيب وحسن الثياب والله أعلم
التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية
(بين الجهر والأسرار إذا خاف من الجهر مفسدة)
ذكر في الباب حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو ظاهر فيما ترجمنا له وهو مراد مسلم
بإدخال هذا الحديث هنا وذكر تفسير عائشة رضي الله عنها أن الآية نزلت في الدعاء واختاره
164

الطبري وغيره لكن المختار الأظهر ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما والله أعلم
الاستماع للقراءة
فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله عز وجل (لا تحرك به لسانك) إلى آخرها
قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كان مما يحرك به لسانه) إنما كرر لفظة
كان لطول الكلام وقد قال العلماء إذا طال الكلام جازت إعادة اللفظ ونحوها كقوله تعالى
أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون فأعاد أنكم لطول الكلام وقوله تعالى
165

ولما جاءهم كتاب من عند الله إلى قوله تعالى فلما جاءهم ما عرفوا وقد سبق بيان هذه
المسألة مبسوطا في أوائل كتاب الإيمان وقوله كان مما يحرك به لسانه وشفتيه معناه كان كثيرا
ما يفعل ذلك وقيل معناه وهذا شانه ودأبه قوله تعالى فإذا قرأناه أي قرأه جبريل عليه السلام
ففيه إضافة ما يكون عن أمر الله تعالى إليه قوله فيشتد عليه وفي الرواية الأخرى يعالج من
التنزيل شدة سبب الشدة هيبة الملك وما جاء به وثقل الوحي قال الله تعالى انا سنلقي عليك قولا
ثقيلا والمعالجة المحاولة للشئ والمشقة في تحصيله قوله فكان ذلك يعرف منه يعنى يعرفه
من رآه لما يظهر على وجهه وبدنه من أثره كما قالت عائشة رضي الله عنها ولقد رأيته ينزل عليه
في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه لتفصد عرقا قوله فاستمع له وأنصت الاستماع
166

الاصغاء له والانصات السكوت فقد يستمع ولا ينصت فلهذا جمع بينهما كما قال الله تعالى فاستمعوا
له وأنصتوا قال الأزهري يقال أنصت ونصت وانتصت ثلاث لغات أفصحن أنصت وبها جاء
القرآن العزيز
باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن
قوله سوق عكاظ هو بضم العين وبالظاء المعجمة يصرف ولا يصرف والسوق تؤنث وتذكر
لغتان قيل سميت بذلك القيام الناس فيها على سوقهم قوله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم وذكر بعده حديث ابن مسعود رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني داعى الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال العلماء
هما قضيتان فحديث ابن عباس في أول الأمر وأول النبوة حين أتوا فسمعوا قراءة قل أوحى واختلف
المفسرون هل علم النبي صلى الله عليه وسلم استماعهم حال استماعهم بوحي أوحى إليه أم لم يعلم بهم الا
بعد ذلك واما حديث ابن مسعود فقضية أخرى جرت بعد ذلك بزمان الله اعلم بقدره وكان بعد اشتهار
الاسلام قوله وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت الشهب عليهم ظاهر هذا الكلام أن هذا
حدث بعد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ولم يكن قبلها ولهذا أنكرته الشياطين وارتاعت له
وضربوا مشارق الأرض ومغاربها ليعرفوا خبره ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب حتى
قطع بين الشياطين وبين صعود السماء واستراق السمع كما أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا وأنا
167

لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع
الآن يجد له شهانا رصدا وقد جاءت أشعار العرب باستغرابهم رميها لكونهم لم يعهدوه قبل
النبوة وكان رميها من دلائل النبوة وقال جماعة من العلماء ما زالت الشهب منذ كانت الدنيا وهو
قول ابن عباس والزهري وغيرهما وقد جاء ذلك في أشعار العرب وروى فيه ابن عباس رضي الله عنهما
حديثا قيل للزهري فقد قال الله تعالى فمن يستمع الآن يجدله شهابا رصدا فقال كانت
الشهب قليلة فغلظ أمرها وكثرت حيت بعث نبينا صلى الله عليه وسلم وقال المفسرون نحو هذا
وذكروا أن الرمي بها وحراسة السماء كانت موجودة قبل البنوة ومعلومة ولكن إنما كانت
تقع عند حدوث أمر عظيم من عذاب ينزل بأهل الأرض أو ارسال رسول إليهم وعليه تأولوا
قوله تعال وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا وقيل كانت الشهب
قبل مرئية ومعلومة لكن رجم الشياطين واحراقهم لم يكن الابعد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم
واختلفوا في اعراب قوله تعالى رجوما وفي معناه فقيل هو مصدر فتكون الكواكب هي الراجمة
المحرقة بشهبها لا بأنفسها وقيل هو اسم فتكون هي بأنفسها التي يرجم بها ويكون رجوم جمع رجم
بفتح الراء والله أعلم قوله فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها معناه سيروا فيها كلها ومنه قوله
صلى الله عليه وسلم لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عوراتهما يتحدثان فان الله
168

تعالى يمقت على ذلك قوله فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو بنخل هكذا وقع في مسلم بنخل
بالخاء المعجمة وصوابه بنخلة بالهاء وهو موضع معرو ف هناك كذا جاء صوابه في صحيح البخاري
ويحتمل انه يقال فيه نخل ونخلة وأما تهامة فبكسر التاء وهو اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد
الحجاز ومكة من تهامة قال ابن فارس في المجمل سميت تهامة من التهم بفتح التاء والهاء وهو شدة
الحر وركود الريح وقال صاحب المطالع سميت بذلك لتغير هوائها يقال تهم الدهن إذا تغير
وذكر الحازمي انه يقال في أرض تهامة تهائم قوله وهو يصلى بأصحابه صلاة الصبح فلما سمعوا
القرآن قالوا هذا الذي حال بيننا وبين السماء فيه الجهر بالقراءة في الصبح وفيه اثبات صلاة
الجماعة وانها مشروعة في السفر وانها كانت مشروعة من أول النبوة قال الإمام أبو عبد الله المازري
ظاهر الحديث أنهم آمنوا عند سماع القرآن ولا بد لمن آمن عند سماعه أن يعلم حقيقة الإعجاز
وشروط المعجزة وبعد ذلك يقع له العلم بصدق الرسول فيكون الجن علموا ذلك من كتب
الرسل المتقدمين قبلهم على أنه هو النبي الصادق المبشر به واتفق العلماء على أن الجن يعذبون في
الآخرة على المعاصي قال الله تعالى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين واختلفوا في أن
مؤمنهم ومطيعهم هل يدخل الجنة وينعم بها ثوابا ومجازة له على طاعته أم لا يدخلون بل يكون
ثوابهم أن ينجوا من النار ثم يقال كونوا ترابا كالبهائم وهذا مذهب ابن أبي سليم وجماعة
والصحيح أنهم يدخلونها وينعمون فيها بالأكل والشرب وغيرهما وهذا قول الحسن البصري
والضحاك ومالك بن أنس وابن أبي ليلى وغيرهم وقوله (سألت ابن مسعود هل شهد أحد منكم
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن قال لا) هذا صريح في ابطال الحديث المروي في
سنن أبي داود وغيره المذكور فيه الوضوء بالنبيذ وحضور ابن مسعود معه صلى الله عليه وسلم
ليلة الجن فان هذا الحديث صحيح وحديث النبيذ ضعيف باتفاق المحدثين ومداره على زيد
169

مولى عمرو بين حريث وهو مجهول قوله (استطير أو اغتيل) معنى استطير طارت به الجن ومعنى
اغتيل قتل سرا بكسر الغين هي القتل في خفية قال الدارقطني انتهى حديث ابن مسعود
عند قوله فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وما بعده من قول الشعبي كذا رواه أصحاب داود الراوي
عن الشعبي وابن علية وابن زريع وابن أبي زائدة وابن إدريس وغيرهم هكذا قاله الدارقطني وغيره
ومعنى قوله أنه من كلام الشعبي أنه ليس مرويا عن ابن مسعود بهذا الحديث والا فالشعبي لا يقول
هذا الكلام الا بتوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم قوله (لكم كل عظم ذكر اسم الله
عليه) قال بعض العلماء هذا لمؤمنيهم وأما غيرهم فجاء في حديث آخر أن طعامهم ما لم يذكر اسم الله
170

عليه قوله (وددت اني كنت معه) فيه الحرص على مصاحبة أهل الفضل في أسفارهم و مهماتهم
ومشاهدهم ومجالسهم مطلقا والتأسف على فوات ذلك كله قوله (آذنت بهم شجرة) هذا دليل على أن الله
تعالى يجعل فيما يشاء من الجماد تمييزا ونظيره قول الله تعالى وان منها لما يهبط من خشية الله
وقوله تعالى وان من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقوله صلى الله عليه وسلم
اني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم على وحديث الشجرتين اللتين أتتاه صلى الله عليه وسلم
وقد ذكره مسلم في آخر الكتاب وحديث حنين الجذع وتسبيح الطعام
وفرار حجر موسى
بثوبه ورجعان حراء وأحد والله أعلم
القراءة في الظهر والعصر
قوله في حديث أبي قتادة رضي الله عنه (ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين
171

الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أحيانا ويقرأ في الركعتين الأخريين
بفاتحة الكتاب) وفي رواية أبي سعيد رضي الله عنه (كان يقرأ في كل ركعة من الأوليين قدر ثلاثين
آية وفي الأخريين قدر خمس س عشرة آية أو قال نصف ذلك وفي العصر في الركعتين الأوليين في
172

كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة وفي الأخريين قدر نصف ذلك) وفي حديث سعد (أركد في
الأوليين وأحذف في الأخريين) وفي حديث أبي سعيد الآخر قال (لقد كانت صلاة الظهر
تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة
173

الأولى مما يطولها) وفي أحاديث أخر في غير الباب وهي في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان أخف الناس صلاة في تمام وأنه صلى الله عليه وسلم قال إني لأدخل في الصلاة أريد
اطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مخافة أن تفتتن أمه قال العلماء كانت صلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم تختلف في الإطالة والتخفيف باختلاف الأحوال فإذا كان المأمومون يؤثرون
التطويل ولا شغل هناك له ولا لهم طول وإذا لم يكن كذلك خفف وقد يريد الإطالة ثم يعرض ما
يقتضي التخفيف كبكاء الصبي ونحوه وينضم إلى هذا أنه قد يدخل في الصلاة في أثناء الوقت
فيخفف وقيل إنما طول في بعض الأوقات وهو الأقل وخفف في معظمها فالإطالة لبيان جوازها
والتخفيف لأنه الأفضل وقد امر صلى الله عليه وسلم بالتخفيف وقال إن منكم منفرين فأيكم صلى بالناس
فليخفف فان فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة وقيل طول في وقت وخفف في وقت ليبين ان القراءة
فيما زاد على الفاتحة لا تقدير فيها من حيث الاشتراط بل يجوز قليلها وكثيرها وإنما المشترط الفاتحة
ولهذا اتفقت الروايات عليها واختلف فيما زاد وعلى الجملة السنة التخفيف كما امر به النبي صلى الله عليه وسلم
للعلة التي بينها وإنما طول في بعض الأوقات لتحققه انتفاء العلة فان تحقق أحد انتفاء
العلة طول قوله وكان يقرأ بفاتحة الكتاب وسورتين فيه دليل لما قاله أصحابنا وغيرهم ان قراءة
سورة قصيرة بكمالها أفضل من قراءة قدرها من طويلة لان المستحب للقارئ ان يبتدئ من أول
الكلام المرتبط ويقف عند انتهاء المرتبط وقد يخفى الارتباط على أكثر الناس أو كثير فندب
منهم إلى اكمال السورة ليحترز عن الوقوف دون الارتباط واما اختلاف الرواية في السورة
في الأخريين فلعل سببه ما ذكرناه من اختلاف إطالة الصلاة وتخفيفها بحسب الأحوال وقد
اختلف العلماء في استحباب قراءة السورة في الأخريين من الرباعية والثالثة من المغرب فقيل
بالاستحباب وبعدمه وهما قولان للشافعي رحمه الله تعالى قال الشافعي ولو أدرك المسبوق
الأخرين أتى بالسورة في الباقيتين عليه لئلا تخلو صلاته من سورة وأما اختلاف قدر القراءة في
الصلوات فهو عند العلماء على ظاهره قالوا فالسنة أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل
وتكون الصبح أطول وفي العشاء والعصر بأوساطه وفي المغرب بقصاره قالوا والحكمة في إطالة الصبح
والظهر أنهما في وقت غفلة بالنوم آخر الليل وفي القائلة فيطولهما ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها
والعصر ليست كذلك بل تفعل في وقت تعب أهل الأعمال فخففت عن ذلك والمغرب ضيقة الوقت
174

فاحتيج إلى زيادة تخفيفها لذلك ولحاجة الناس إلى عشاء صائمهم وضيفهم والعشاء في وقت غلبة
النوم والنعاس ولكن وقتها واسع فأشبهت العصر والله أعلم وقوله وكان يطول الركعة الأولى
ويقصر الثانية هذا مما اختلف العلماء في العمل بظاهره وهما وجهان لأصحابنا أشهرهما عندهم
لا يطول والحديث متأول على أنه طول بدعاء الافتتاح والتعوذ أو لسماع دخول داخل في الصلاة
ونحوه لا في القراءة والثاني انه يستحب تطويل القراءة في الأولى قصدا وهذا هو الصحيح المختار
الموافق لظاهر السنة ومن قال بقراءة السورة في الأخرين اتفقوا على أنها أخف منها في الأوليين
واختلف أصحابنا في تطويل الثالثة على الرابعة إذا قلنا بتطويل الأولى على الثانية وفي هذه الأحاديث
كلها دليل على أنه لا بد من قراءة الفاتحة في جميع الركعات ولم يوجب أبو حنيفة رضي الله عنه
في الأخريين القراءة بل خيره بين القراءة والتسبيح والسكوت والجمهور على وجوب القراءة وهو
الصواب الموافق للسنن الصحيحة وقوله (وكان يسمعنا الآية) أحيانا هذا محمول على أنه أراد به
بيان جواز الجهر في القراءة السرية وأن الأسرار ليس بشرط لصحة الصلاة بل هو سنة ويحتمل
ان الجهر بالآية كان يحصل بسبق اللسان للاستغراق في التدبر والله أعلم قوله (أخبرنا هشيم
عن منصور عن الوليد بن مسلم عن أبي الصديق عن أبي سعيد) أما منصور فهو ابن المعتمر
وأما الوليد ابن مسلم فليس هو الوليد بن مسلم الدمشقي أبا العباس الأموي مولاهم الأمام الجليل
المشهور المتأخر صاحب الأوزاعي بل هو الوليد بن مسلم العنبري البصري أبو بشر التابعي وأن
اسم أبى الصديق بكر بن عمرو وقيل ابن قيس الناجي منسوب إلى ناجية قبيلة قوله (كنا نحزر
قيامه) هو بضم الزاي وكسرها لغتان قوله (والأوليين والأخريين) هو بيائين مثناتين
تحت قوله (فحزرنا قيامه قدر ألم تنزيل السجدة) يجوز جر السجدة على البدل ونصبها
بأعنى ورفعها خبر مبتدأ محذوف قوله (على قدر قيامه من الأخريين) كذا هو
في معظم الأصول من الأخريين وفي بعضها في الأخريين وهو معنى رواية من قوله (ان أهل الكوفة
شكوا سعدا) هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه والكوفة هي البلدة المعروفة ودار
الفضل ومحل الفضلاء بناها عمر ان الخطاب رضي الله عنه أعنى أمر نوابه ببنائها هي والبصرة
قيل سميت كوفة لاستدارتها تقول العرب رأيت كوفا وكوفانا للرمل المستدير وقيل لاجتماع
الناس فيها تقول العرب تكوف الرمل إذا استدار وركب بعضه بعضا وقيل لأن ترابها خالطه
175

حصى وكل ما كان كذلك سمى كوفة قال الحافظ أبو بكر الحازمي وغيره ويقال للكوفة أيضا
كوفان بضم الكاف قوله (فذكروا من صلاته) أي أنه لا يحسن الصلاة قوله (فأرسل إليه عمر
رضي الله عنه) فيه أن الامام إذا شكى إليه نائبه بعث إليه و استفسره عن ذلك وأنه إذا خاف
مفسدة باستمراره في ولايته ووقوع فتنة عزله فلهذا عزله عمر رضي الله عنه مع أنه لم يكن فيه
خلل ولم يثبت ما يقدح في ولايته وأهليته وقد ثبت في صحيح البخاري في حديث مقتل عمر والشورى
أن عمر رضي الله عنه قال إن أصابت الامارة سعدا فذاك والا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعزله من
عجز ولا خيانة قوله (لا أحزم عنها) هو بفتح الهمزة وكسر الراء أي لا أنقص قوله (أنى لأركد
بهم في الأوليين) يعنى أطولهما وأديمهما وأمدهما كما قاله في الرواية الأخرى من قولهم ركدت
السفن والريح والماء إذا سكن ومكث وقوله وأخذت في الآخرين يعني أقصرهما عن الأوليين
لا أنه يخله بالقراءة ويحذفها كلها قوله (ذاك الظن بك أبا إسحاق) فيه مدح الرجل الجليل في
وجهه إذا لم يخف عليه فتنة باعجاب ونحوه والنهى عن ذلك إنما هو لمن خيف عليه الفتنة وقد جاءت
أحاديث كثيرة في الصحيح بالامرين وجمع العلماء بينهما بما ذكرته وقد أوضحتهما في كتاب
الأذكار وفيه خطاب الرجل الجليل بكنيته دون اسمه قوله (وما آلوا ما اقتديت به من صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم) آلو بالمد في أوله وضم اللام أي لا أقصر في ذلك ومنه
قوله تعالى يألونكم خبالا أي لا يقصرون في افسادكم قوله (حدثنا الوليد) يعنى ابن مسلم
هو صاحب الأوزاعي قوله (عن قزعة) هو بفتح الزاي واسكانها قوله (وهو مكثور
عليه) أي عنده ناس كثيرون للاستفادة منه قوله (أسألك عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال مالك في ذلك من خير) معناه انك لا تستطيع الاتيان بمثلها لطولها وكمال
خشوعها وان تكلفت ذلك شق عليك ولم تحصله فتكون قد علمت السنة وتركتها
176

باب القراءة في الصبح
قوله (أخبرني أبو سلمة بن سفيان وعبد الله ابن عمرو بن العاص وعبد الله بن المسيب العابدي)
قال الحفاظ قوله ابن العاص غلط والصواب حذفه وليس هذا عبد الله بن عمرو بن العاص
الصحابي بل هو عبد الله بن عمرو الحجازي كذا ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم
وخلائق من الحفاظ المتقدمين والمتأخرين وأما أبو سلمة هذا فهو أبو سلمة بن سفيان بن
عبد الأشهل المخزومي ذكره الحاكم أبو أحمد فيمن لا يعرف اسمه واما العابدي فبالباء الموحدة
قوله (آخذ النبي صلى الله عليه وسلم سعلة) هي بفتح السين وفي هذا الحديث جواز قطع
القراءة والقراءة ببعض السورة وهذا جائز بلا خلاف ولا كراهة فيه وإن كان القطع لعذر وان
177

لم يكن له عذر فلا كراهة فيه أيضا ولكنه خلاف الأولى هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وبه قال
مالك رحمه الله تعالى في رواية عنه والمشهور عنه كراهته قوله (حدثني الوليد بن سريع)
هو بفتح السين وكسر الراء قوله (سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس
أي يقرأ بالسورة التي فيها والليل إذا عسعس قال جمهور أهل اللغة معنى عسعس
الليل أدبر كذا نقله صاحب المحكم عن الأكثرين ونقل الفراء اجماع المفسرين عليه
قال وقال آخرون معناه أقبل وقال آخرون هو من الأضداد يقال إذا اقبل وإذا ادبر قوله زياد
بن علاقة هو بكسر العين وقطبة بن مالك بضم القاف وبالباء الموحدة وهو عم زياد وقوله
عز وجل والنخل باسقات أي طويلات قوله تعالى لها طلع نضيد قال أهل اللغة والمفسرون
178

معناه منضود متراكب بعضه فوق بعض قال ابن قتيبة هذا قبل أن ينشق فإذا انشق كمامه وتفرق
فليس هو بعد ذلك بنضيد قوله (عن أبي المنهال عن أبي برزة) اسم أبى المنهال سيار بن سلامة
الرياحي وأبو برزة نضله عن عبيدة الأسلمي
179

القراءة في العشاء
فيه حديث البراء بن عازب (ان معاذا رضي الله عنه كان يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم
180

يأتي فيؤم قومه فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة
البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف فقالوا أنافقت إلى آخره) في هذا الحديث جواز
صلاة المفترض خلف المتنفل لأن معاذا كان يصلى الفريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيسقط فرضه ثم يصلى مرة ثانية بقومه هي له تطوع ولهم فريضة وقد جاء هكذا مصرحا به في غير
مسلم وهذا جائز عند الشافعي رحمه الله تعالى وآخرين ولم يجزه ربيعة ومالك وأبو حنيفة رضي
الله عنهم والكوفيون وتأولوا حديث معاذ رضي الله عنه
على أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه
وسلم تنفلا ومنهم من تأوله على أنه لم يعلم به النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال حديث
معاذ كان في أول الأمر ثم نسخ وكل هذه التأويلات دعاوي لا أصل لها فلا يترك ظاهر الحديث بها
181

واستدل أصحابنا وغيرهم بهذا الحديث على أنه يجوز للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردا وإن لم
يخرج منها وفي هذه المسألة ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها أنه يجوز لعذر ولغير عذر والثاني لا يجوز
مطلقا والثالث يجوز لعذر ولا يجوز لغيره وعلى هذا العذر هو ما يسقط به عنه الجماعة
ابتداء ويعذفي التخلف عنها بسببه وتطويل القراءة عذر على الأصح لقصة معاذ رضي الله عنه وهذا
الاستدلال ضعيف لأنه ليس في الحديث أنه فارقه وبنى على صلاته بل في الرواية الأولى أنه سلم
وقطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها وهذا لا دليل فيه للمسألة المذكورة وإنما يدل على جواز قطع
الصلاة وإبطالها لعذر والله أعلم قوله (فافتتح بسورة البقرة) فيه جواز قول سورة البقرة وسورة
النساء وسورة المائدة ونحوها ومنعه بعض السلف وزعم أنه لا يقال إلا السورة التي يذكر فيها
البقرة ونحو هذا وهذا خطأ صريح والصواب جوازه فقد ثبت ذلك في الصحيح في أحاديث
كثيرة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة والتابعين وغيرهم ويقال سورة بلا
همز وبالهمز لغتان ذكرهما ابن قتيبة وغيره وترك الهمزة هنا هو المشهور الذي جاء به القرآن العزيز
ويقال قرأت السورة وقرأت بالسورة وافتتحت بها قوله (إنا أصحاب نواضح) هي
الإبل التي يستقى عليها جمع ناضح وأراد إنا أصحاب عمل وتعب فلا نستطيع تطويل
الصلاة قوله صلى الله عليه وسلم (أفتان أنت يا معاذ) أي منفر عن الدين وصاد عنه ففيه
182

الإنكار وعلى من ارتكب ما ينهى عنه وإن كان مكروها غير محرم وفيه جواز الاكتفاء في التعزير
بالكلام وفيه الأمر بتخفيف الصلاة والتعزير على إطالتها إذا لم يرض المأمومون قوله (عن جابر
أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة)
فيه جواز قول عشاء الآخرة وقد سبق قريبا بيانه وقول الأصمعي بإنكاره وإبطال قوله والله أعلم قوله (حدثنا قتيبة بن سعيد
وأبو الربيع الزهراني قال أبو الربيع حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر
رضي الله عنه) قال أبو مسعود الدمشقي
قتيبة يقول في حديثه عن حماد عن عمرو ولم يذكر فيه أيوب
وكان ينبغي لمسلم أن يبينه وكأنه أهمله لكونه جعل الرواية مسوقة عن أبي الربيع وحده والله أعلم
باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام
فيه قوله صلى الله عليه وسلم (إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف
183

والمريض وإذا صلى وحده فليصل كيف شاء) وفي رواية وذا الحاجة معنى أحاديث الباب
ظاهر وهو الأمر للإمام بتخفيف الصلاة بحيث لا يخل بسنتها ومقاصدها وأنه إذا صلى لنفسه
طول ما شاء في الأركان التي تحتمل التطويل وهي القيام والركوع والسجود والتشهد دون الاعتدال
والجلوس بين السجدتين والله أعلم قوله (إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما
يطيل بنا) فيه جواز التأخر عن صلاة الجماعة إذا علم من عادة الإمام التطويل الكثير وفيه جواز
ذكر الإنسان بهذا ونحوه في معرض الشكوى والاستفتاء قوله (فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ فقال يا أيها الناس إن منكم منفرين) الحديث
184

فيه الغضب لما ينكر من أمور الدين والغضب في الموعظة قوله (عن عثمان بن أبي العاص
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أم قومك قال قلت يا رسول الله إني أجد في
نفسي شيئا فقال ادنه فجلسني بين يديه ثم وضع كفه في صدري بين ثديي ثم قال تحول فوضعها
في ظهري بين كتفي ثم قال أم قومك) قوله ثديي وكتفي بتشديد الياء على التثنية وفيه إطلاق
اسم الثدي على حلمة الرجل وهذا هو الصحيح ومنهم من منعه وقد سبق بيانه في كتاب
الإيمان وقوله جلسني هو بتشديد اللام وقوله أجد في نفسي شيئا قيل يحتمل أنه أراد الخوف
من حصول شئ من الكبر والإعجاب له بتقدمه على الناس فأذهبه الله تعالى ببركة كف رسول
185

الله صلى الله عليه وسلم ودعائه ويحتمل انه أراد الوسوسة في الصلاة فإنه كان موسوسا
ولا يصلح للإمامة الموسوس فقد ذكر مسلم في الصحيح بعد هذا عن عثمان ابن أبي العاص
هذا قال قلت يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها على فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك شيطان يقال له خنرب فإذا أحسسته فتعوذ بالله
واتفل عن يسارك ثلاثا ففعلت ذلك فأذهبه الله تعالى عني
186

قوله (كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة
الخفيفة) وفي رواية (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها فأسمع
بكاء الصبي فأخفف من شدة وجد أمه به) الوجد يطلق على الحزن وعلى الحب أيضا وكلاهما
سائغ هنا والحزن اظهر أي من حزنها واشتغال قلبها به وفيه دليل على الرفق بالمأمومين وسائر
الاتباع ومراعاة مصلحتهم وأن لا يدخل عليهم ما يشق عليهم وإن كان يسيرا من غير ضرورة
وفيه جواز صلاة النساء مع الرجال في المسجد وأن الصبي يجوز إدخاله المسجد وإن كان الأولى
تنزيه المسجد عمن لا يؤمن منه حدث قوله (حدثنا محمد بن منهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا
سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن انس) هذا الاسناد كله بصريون والله أعلم
اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام
قوله (حدثنا حامد بن عمر البكراوي) هو بفتح الباء منسوب إلى جده الاعلى أبي بكرة الصحابي
رضي الله عنه وقد سبق بيانه مرارا قوله (رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت
187

قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فجلسته ما بين التسليم
والانصراف قريبا من السواء) فيه دليل على تخفيف القراءة والتشهد وإطالة الطمأنينة في الركوع
والسجود وفي الاعتدال عن الركوع وعن السجود ونحو هذا قول أنس في الحديث الثاني
بعده ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام وقوله
قريبا من السواء يدل على أن بعضها كان فيه طول يسير على بعض وذلك في القيام ولعله
أيضا في التشهد واعلم أن هذا الحديث محمول على بعض الأحوال وإلا فقد ثبتت الأحاديث
السابقة بتطويل القيام وأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة وفي
الظهر بالم تنزيل السجدة وانه كان تقام الصلاة فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم
يرجع فيتوضأ ثم يأتي المسجد فيدرك الركعة الأولى وأنه قرأ سورة المؤمنين حتى بلغ ذكر
موسى وهارون صلى الله عليه وسلم وأنه قرأ في المغرب بالطور وبالمرسلات وفي البخاري
بالأعراف وأشباه هذا وكله يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كانت له في إطالة القيام أحوال
بحسب الأوقات وهذا الحديث الذي نحن فيه جرى في بعض الأوقات وقد ذكره مسلم في
الرواية الأخرى ولم يذكر فيه القيام وكذا ذكره البخاري وفي رواية للبخاري ما خلا القيام
والقعود وهذا تفسير الرواية الأخرى وقوله (فجلسته ما بين التسليم والانصراف) دليل على أنه
صلى الله عليه وسلم كان يجلس بعد التسليم شيئا يسيرا في مصلاه قوله (غلب على الكوفة
رجل فأمر أبا عبيدة أن يصلي بالناس) وهذا الرجل هو مطر بن ناجية كما سماه في الرواية الثانية
وأبو عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما
188

باب متابعة الإمام والعمل بعده
قوله (عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد قال حدثني البراء وهو غير كذوب أنهم كانوا
يصلون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رفع رأسه من ا لركوع لم أر أحدا يحني ظهره حتى
يضع النبي صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض ثم يخر من وراءه سجدا) قال يحيى بن معين
القائل وهو غير كذوب هو أبو إسحاق قال ومراده أن عبد الله بن يزيد غير كذوب وليس
المراد أن البراء غير كذوب لأن البراء صحابي لا يحتاج إلى تزكية ولا يحسن فيه هذا القول وهذا
الذي قاله ابن معين خطأ عن العلماء بل الصواب أن القائل وهو غير كذوب هو عبد الله
ابن يزيد ومراده أن البراء غير كذوب ومعناه تقوية الحديث وتفخيمه والمبالغة في
تمكينه من النفس لا التزكية التي تكون في مشكوك فيه ونظيره وقول ابن عباس رضي الله
عنه حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق وعن أبي هريرة مثله وفي
صحيح مسلم عن أبي مسلم الخولاني حدثني الحبيب الأمين عوف بن مالك الأشجعي ونظائره
190

كثيرة فمعنى الكلام حدثني البراء وهو غير متهم كما علمتم فثقوا بما أخبركم عنه قالوا وقول ابن معين
أن البراء صحابي فينزه عن هذا الكلام لا وجه له لأن عبد الله بن يزيد صحابي أيضا معدود في الصحابة
وفي هذا الحديث هذا الأدب من آداب الصلاة وهو أن السنة أن لا ينحني المأموم للسجود حتى
يضع الإمام جبهته على الأرض إلا أن يعلم من حاله أنه لو أخر إلى هذا الحد لرفع الإمام من السجود
قبل سجوده قال أصحابنا رحمهم الله تعالى في هذا الحديث وغيره ما يقتضى مجموعة أن السنة للمأموم
التأخر عن الإمام قليلا بحيث يشرع في الركن بعد شروعه وقبل فراغه منه والله أعلم قوله
(حدثنا أبان وغيره عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء) هذا مما تكلم فيه الدارقطني
وقال الحديث محفوظ لعبد الله بن يزيد عن البراء ولم يقل أحد عن ابن أبي ليلى غير أبان بن
تغلب عن الحكم وقد خالفه ابن عرعرة فقال عن الحكم عن عبد الله بن يزيد عن البراء وغير ابان
أحفظ منه هذا كلام الدارقطني وهذا الاعتراض لا يقبل بل أبان ثقة نقل شيئا فوجب قبوله
ولم يتحقق كذبه
وغلطه ولا امتناع في أن يكون مرويا عن أبن يزيد وابن أبي ليلى والله أعلم قوله
(لا يحنو أحد منا ظهره حتى يراه قد سجد) هكذا هو في هذه الرواية الأخيرة من روايات البراء
يحنو بالواو وباقي رواياته ورواية عمرو بن حريث بعد ها كلها بالياء وكلاهما صحيح فهما لغتان حكاهما
191

الجوهري وغيره حنيت وحنوت لكن الياء أكثر ومعناه عطفته ومثله حنيت العود وحنوته عطفته
قوله (عن الوليد بن سريع) هو بفتح السين المهملة وكسر الراء قوله تعالى (فلا أقسم بالخنس)
قال المفسرون وأهل اللغة هي النجوم الخمسة وهي المشترى وعطارد والزهرة والمريخ وزحل هكذا
قال أكثر المفسرين وهو مروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي رواية عنه أنها
هذه الخمسة والشمس والقمر وعن الحسن هي كل النجوم وقيل غير ذلك والخنس التي تخنس
أي ترجع في مجراها والكنس التي تكنس
أي تدخل في كناسها أي تغيب في المواضع التي تغيب
فيها والكنس جمع كانس والله تعالى أعلم بالصواب
باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع
قوله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن عبيد
بن الحسن عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع
ظهره من الركوع قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض
192

وملء ما شئت من شئ بعد) هذا الإسناد كله كوفيون وملء بنصب الهمز ورفعها والنصب
أشهر وهو الذي اختاره ابن خالويه ورجحه واطنب في الاستدلال له وجوز الرفع على أنه مرجوح
وحكى عن الزجاج أنه يتعين الرفع ولا يجوز غيره وبالغ في إنكار النصب وقد ذكرت كل ذلك
بدلائله مختصرا في تهذيب الأسماء واللغات قال العلماء معناه حمدا لو كان أجساما لملأ السماوات
والأرض وفي هذا الحديث فوائد منها استحباب هذا الذكر ومنها وجوب الاعتدال ووجوب
الطمأنينة فيه وأنه يستحب لكل مصل من إمام ومأموم ومنفرد أن يقول سمع الله لمن حمده ربنا
لك الحمد ويجمع بينهما فيكون قوله سمع الله لمن حمده في حال
ارتفاعه وقوله ربنا لك الحمد في حال اعتداله لقوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي رواه البخاري قوله (سمع الله لمن
حمده ربنا لك الحمد) قال العلماء معنى سمع هنا أجاب ومعناه أن من حمد الله تعالى متعرضا لثوابه
استجاب الله تعالى له وأعطاه ما تعرض له فإنا نقول ربنا لك الحمد لتحصيل ذلك قوله (حدثنا
شعبة عن مجزأة بن زاهر) هو بميم مفتوحة ثم جيم ساكنة ثم زاي ثم همزة تكتب ألفا ثم هاء
وحكى صاحب المطالع فيه كسر الميم أيضا ورجح الفتح وحكى أيضا ترك الهمز فيه قال وقاله
الحياني بالهمز قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم طهرني بالثلج والبرد وماء البارد) استعارة
للمبالغة في الطهارة من الذنوب وغيرها وقوله ماء البارد هو من إضافة الموصوف إلى صفته كقوله
تعالى بجانب الغربي وقولهم مسجد الجامع وفيه المذهبان السابقان مذهب الكوفيين أنه
جائز على ظاهره ومذهب البصريين أن تقديره ماء الطهور البارد وجانب المكان الغربي ومسجد
193

الجامع قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم طهرني من الذنوب والخطايا) يحتمل
أن يكون الجمع بينهما كما قال بعض المفسرين في قوله تعالى ومن يكسب خطيئة
أو إثما قال الخطيئة المعصية بين العبد وبين الله تعالى والإثم بينه وبين الآدمي قوله (كما ينقى
الثوب الأبيض من الوسخ) وفي رواية من الدرن وفي رواية من الدنس كله بمعنى واحد ومعناه
اللهم طهرني طهارة كاملة معتنى بها كما يعتنى بتنقية الثوب الأبيض من الوسخ قوله (أهل الثناء
والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا
الجد منك الجد) أما قوله أهل فمنصوب على النداء هذا هو المشهور وجوز بعضهم رفعه على
تقدير أنت أهل الثناء والمختار النصب والثناء الوصف الجميل والمدح والمجد العظمة ونهاية الشرف
هذا هو المشهور في الرواية في مسلم وغيره قال القاضي عياض ووقع في رواية ابن ماهان أهل الثناء
والحمد وله وجه ولكن الصحيح المشهور الأول وقوله أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد هكذا هو
في مسلم أحق بالألف وكلنا بالواو وأما ما وقع في كتب الفقه حق ما قال العبد كلنا نحذف
194

الألف والواو فغير معروف من حيث الرواية وإن كلاما صحيحا وعلى الرواية المعروفة تقديره
أحق قول العبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت إلى آخره واعترض بينهما وكلنا لك
عبد ومثل هذا الاعتراض في القرآن قول الله تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون
وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون اعترض قوله تعالى وله الحمد في السماوات
والأرض ومثله قوله تعالى قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت على قراءة من قرأ
وضعت بفتح العين وإسكان التاء ونظائره كثيرة ومنه قول الشاعر
ألم يأتيك والأنباء تنمى
بما لاقت لبون بني زياد
وقول الآخر
الأهل أتاها والحوادث جمة
بأن امرأ القيس بن يملك يبقرا
ونظائره كثيرة وإنما يعترض ما يعترض من هذا الباب للاهتمام به وارتباطه بالكلام السابق
وتقديره هنا أحق قول العبد لا مانع لما أعطيت وكلنا لك عبد فينبغي لنا أن نقوله وقد أوضحت
هذه المسألة بشواهدها في آخر صفة الوضوء من شرح المهذب وفي هذا الكلام دليل ظاهر
على فضيلة هذا اللفظ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ان هذا
أحق ما قاله العبد فينبغي ان يحافظ عليه لأن كلنا عبد ولا نهمله وإنما كان أحق ما قاله العبد
195

لما فيه من التفويض إلى الله تعالى والإذعان له والاعتراف بوحدانيته والتصريح بأنه لا حول
ولا قوة إلا به وأن الخير والشر منه والحث على الزهادة في الدنيا والإقبال على الأعمال
الصالحة وقوله ذا الجد المشهور فيه بفتح الجيم هكذا ضبطه العلماء المتقدمون والمتأخرون قال
ابن عبد البر ومنهم من رواه بالكسر وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري هو بالفتح قال
وقاله الشيباني بالكسر قال وهذا خلاف ما عرفه أهل النقل قال ولا يعلم من قاله غيره وضعف
الطبري ومن بعده الكسر قالوا ومعناه على ضعفه الاجتهاد أي لا ينفع ذا الاجتهاد منك
اجتهاده إنما ينفعه وينجيه رحمتك وقيل المراد ذا الجد والسعي التام في الحرص على الدنيا
وقيل معناه الاسراع في الهرب أي لا ينفع ذا الإسراع في الهرب منك هربه فإنه في قبضتك
وسلطانك والصحيح المشهور الجد بالفتح وهو الحظ والغنى والعظمة والسلطان أي لا ينفع
ذا الحظ في الدنيا بالمال والولد والعظمة والسلطان منك حظه أي لا ينجيه حظه منك وإنما
ينفعه وينجيه العمل الصالح كقوله تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات
الصالحات خير عند ربك والله تعالى أعلم
باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود
قوله (قال أبو بكر حدثنا سفيان عن سليمان) هذا من ورع مسلم وباهر علمه لأن في رواية
196

اثنين عن سفيان بن عيينة أنه قال أخبرني سليمان بن سحيم وسفيان معروف بالتدليس وفي رواية
أبي بكر عن سفيان عن سليمان فنبه مسلم على اختلاف الرواة في عبارة سفيان قوله (كشف
الستارة) هي بكسر السين وهي الستر الذي يكون على باب البيت والدار الدار قوله صلى الله عليه وسلم
(نهيت أن اقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود
فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) وفي حديث علي رضي الله عنه (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن اقرأ راكعا أو ساجدا) فيه النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود وإنما
وظيفة الركوع التسبيح ووظيفة السجود التسبيح والدعاء فلو قرأ في ركوع أو سجود غير الفاتحة
كره ولم تبطل صلاته وإن قرأ الفاتحة ففيه وجهان لأصحابنا أصحهما أنه كغير الفاتحة فيكره ولا تبطل
صلاته والثاني يحرم وتبطل صلاته هذا إذا كان عمدا فإن قرأ سهوا لم يكره وسواء قرأ عمدا أو
سهوا يسجد للسهو عند الشافعي رحمه الله تعالى وقوله صلى الله عليه وسلم (فأما الركوع فعظموا
فيه الرب) أي سبحوه ونزهوه ومجدوه وقد ذكر مسلم بعد هذا الأذكار التي تقال في الركوع والسجود
واستحب الشافعي رحمه الله تعالى وغيره من العلماء أن يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم
وفي سجود سبحان ربي الأعلى ويكرر كل واحدة منهما ثلاث مرات ويضم إليه ما جاء في
حديث علي رضي الله عنه ذكره مسلم بعد هذا اللهم لك ركعت اللهم لك سجدت إلى آخره وإنما
يستحب الجمع بينهما لغير الإمام وللإمام الذي يعلم أن المأمومين يؤثرون التطويل فإن شك لم يزد
على التسبيح ولو اقتصر الإمام والمنفرد على تسبيحة واحدة فقال سبحان الله حصل أصل
سنة التسبيح لكن ترك كمالها وأفضلها واعلم أن التسبيح في الركوع والسجود سنة غير واجب
هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي رحمهم الله تعالى والجمهور وأوجبه أحمد رحمه الله
تعالى وطائفة من أئمة الحدي لظاهر الحديث في الأمر به ولقوله صلى الله عليه وسلم صلوا
كما رأيتموني أصلي وهو في صحيح البخاري وأجاب الجمهور بأنه محمول على الاستحباب واحتجوا
بحديث المسي صلاته فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره به ولو وجب لأمره به فإن قيل فلم
يأمره بالنية والتشهد والسلام فقد سبق جوابه عند شرحه وقوله صلى الله عليه وسلم فقمن هو
بفتح القاف وفتح الميم وكسرها لغتان مشهورتان فمن فتح فهو عنده مصدر لا يثنى ولا يجمع ومن كسر
فهو وصف يثنى ويجمع فيه لغة ثالثة قمين بزيادة ياء وفتح القاف وكسر الميم ومعناه حقيق
197

وجدير وفيه الحث على الدعاء في السجود فيستحب أن يجمع في سجوده بين الدعاء والتسبيح
وستأتي الأحاديث فيه (ورأسه معصوب) فيه عصب الرأس عند وجعه قوله (عبد الله بن
حنين) هو بضم الحاء وفتح النون قوله (نهاني ولا أقول نهاكم) ليس معناه ان النهي مختص به وإنما
معناه ان اللفظ الذي سمعته بصيغة الخطاب لي فأنا أنقله كما سمعته وإن كان الحكم يتناول الناس
198

كلهم ذكر مسلم الاختلاف على إبراهيم بن حنين في ذكر ابن عباس بين علي وعبد الله بن حنين
199

رضي الله عنهم قال الدارقطني من أسقط ابن عباس أكثر وأحفظ قلت وهذا اختلاف لا يؤثر في
صحة الحديث فقد يكون عبد الله بن حنين سمعه من ابن عباس عن علي ثم سمعه من علي
نفسه وقد تقدمت هذه المسألة في أوائل هذا الشرح مبسوطة قوله (نهاني حبي صلى الله عليه وسلم)
هو بكسر الحاء والباء أي محبوبي
باب ما يقال في الركوع والسجود
قوله صلى الله عليه وسلم (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) معناه
أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله وفي الحث على الدعاء في السجود وفيه دليل لمن يقول
أن السجود أفضل من القيام وسائر أركان الصلاة وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب أحدها أن
تطويل السجود وتكثير الركوع والسجود أفضل حكاه الترمذي والبغوي عن جماعة وممن قال
بتفضيل تطويل السجود ابن عمر رضي الله عنهما والمذهب الثاني مذهب الشافعي رضي الله عنه
وجماعة أن تطويل القيام أفضل لحديث جابر في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
أفضل الصلاة طول القنوت والمراد بالقنوت القيام ولأن ذكر القيام القراءة وذكر السجود
التسبيح والقراءة أفضل لأن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطول القيام أكثر
من تطويل السجود والمذهب الثالث أنهما سواء وتوقف أحمد بن حنبل رضي الله عنه في
المسألة ولم يقض فيها بشئ وقال إسحاق بن راهويه أما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل
وأما في الليل فتطويل القيام إلا أن يكون للرجل جزء بالليل يأتي عليه فتكثير الركوع والسجود
200

أفضل لأنه يقرأ جزأه ويربح كثرة الركوع والسجود وقال الترمذي إنما قال إسحاق هذا
لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل بطول القيام ولم يوصف من تطويله بالنهار
بالليل ما وصف والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله) هو بكسر
أولهما أي قليله وكثيره وفيه توكيد الدعاء وتكثير ألفاظه وان أغنى بعضها عن بعض قولها
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجود ه سبحانك اللهم ربنا
وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن)
وفي الرواية الأخرى (أستغفرك وأتوب إليك) معنى يتأول
القرآن يعمل ما امر به في قول الله عز وجل فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا
وكان صلى الله عليه وسلم هذا الكلام البديع في الجزالة المستوفى ما أمر به في الآية وكان
يأتي به في الركوع والسجود لأن حالة الصلاة أفضل من غيرها فكان يختارها لأداء هذا الواجب
الذي أمر به ليكون أكمل قال أهل اللغة العربية وغيرهم التسبيح التنزيه وقولهم سبحان
201

الله منصوب على المصدر يقال سبحت الله تسبيحا وسبحانا فسبحان الله معناه براءة
وتنزيها له من كل نقص وصفة للمحدث قالوا وقوله وبحمدك أي وبحمدك سبحتك ومعناه بتوفيقك
لي وهدايتك وفضلك علي سبحتك لا بحولي ولا قوتي ففيه شكر الله تعالى على هذه النعمة والاعتراف
بها والتفويض إلى الله تعالى وأن كل الأفعال له والله أعلم وفي قوله صلى الله عليه وسلم أستغفرك
وأتوب إليك حجة أنه يجوز بل يستحب أن يقول أستغفرك وأتوب إليك وحكى عن بعض
السلف كراهته لئلا يكون كاذبا قال بل يقول اللهم اغفر لي وتب إلي وهذا الذي قاله من قوله
اللهم اغفر لي وتب على حسن لا شك فيه وأما كراهة قوله أستغفر الله وأتوب إليه فلا يوافق عليها
وقد ذكرت المسألة بدلائلها في باب الاستغفار من كتاب الأذكار والله أعلم وأما استغفاره
صلى الله عليه وسلم وقوله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لي ذنبي كله مع أنه مغفور له فهو من باب
العبودية والاذعان والافتقار إلى الله تعالى والله أعلم قوله (عن مسلم بن صبيح) هو بضم
202

الصاد وهو أبو الضحى المذكور في الرواية الأولى قولها (فتحسست) هو بالحاء وقولها
(افتقدت) وفي الرواية الأخرى فقدت هما لغتان بمعنى قوله (محمد بن يحيى بن حبان) بفتح
الحاء وبالباء الموحدة قولها (فوقعت يدي على بطن قدمه وهو في المسجد وهما منصوبتان)
استدل به من يقول لمس المرأة لا ينقض الوضوء وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وآخرين
وقال مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى والأكثرون ينقض واختلفوا في تفضيل ذلك وأجيب
عن هذا الحديث بأن الملموس لا ينتقض على قول الشافعي رحمه الله تعالى وغيره وعلى
قول من قال ينتقض وهو الراجح عند أصحابنا يحمل هذا اللمس على أنه كان فوق حائل فلا يضر
وقولها (وهما منصوبتان) فيه أن السنة نصبهما في السجود وقولها (وهو يقول اللهم إني
203

أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك
أنت كما أثنيت على نفسك) قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى في هذا معنى لطيف
وذلك أنه استعاذ بالله تعالى وسأله أن يجيره برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته والرضاء
والسخط ضدان متقابلان وكذلك المعافاة والعقوبة فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له وهو الله سبحانه
وتعالى استعاذ به منه لا غير ومعناه الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق عبادته
والثناء عليه وقوله لا أحصى ثناء عليك أي لا أطيقه ولا آتي عليه وقيل لا أحيط به وقال
مالك رحمه الله تعالى معناه لا أحصى نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثناء
عليك وقوله (أنت كما أثنيت على نفسك) اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء وأنه لا يقدر
على بلوغ حقيقته ورد للثناء إلى الجملة دون التفصيل والاحصار والتعيين فوكل ذلك إلى الله
سبحانه وتعالى المحيط بكل شئ جملة وتفصيلا وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه لأن
الثناء تابع للمثنى عليه وكل ثناء أثنى به عليه وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدر الله أعظم وسلطانه
أعز وصفاته أكبر وأكثر وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ وفي هذا الحديث دليل لأهل السنة
في جواز إضافة الشر إلى الله تعالى كما يضاف إليه الخير لقوله أعوذ بك من سخطك ومن
عقوبتك والله أعلم قوله (عن مطرف بن عبد الله بن الشخير) هو بكسر الشين والخاء
المعجمتين قوله (سبوح قدوس) هما بضم السين والقاف وبفتحهما والضم أفصح وأكثر
قال الجوهري في فصل ذرح كان سيبويه يقولهما بالفتح وقال الجوهري في فصل سبح سبوح
من صفات الله تعالى قال ثعلب كل اسم على
فعول فهو مفتوح الأول إلا السبوح والقدوس فإن
الضم فيهما أكثر وكذلك الذروح وهي دويبة حمراء منقطة بسواد تطير وهي من ذوات السموم
وقال ابن فارس والزبيدي وغيرهما سبوح هو الله عز وجل فالمراد بالسبوح القدوس المسبح
204

المقدس فكأنه قال مسبح مقدس رب الملائكة والروح ومعنى سبوح المبرأ من النقائص
والشريك وكل ما لا يليق بالآلهية وقدوس المطهر من كل ما لا يليق بالخالق وقال الهروي قيل
القدوس المبارك قال القاضي عياض وقيل فيه سبوحا قدوسا على تقدير أسبح سبوحا أو أذكر
أو أعظم أو أعبد وقوله رب الملائكة والروح قيل الروح ملك عظيم وقيل يحتمل أن
يكون
جبريل عليه السلام وقيل خلق لا تراهم الملائكة كما لا نرى نحن الملائكة والله سبحانه وتعالى أعلم
باب فضل السجود والحث عليه
فيه قوله صلى الله عليه وسلم (عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها
205

درجة وحط عنك بها خطيئة وفي الحديث الآخر أسألك مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك
قال هو ذلك قال فأعني على نفسك بكثرة السجود فيه الحث على كثرة السجود والترغيب
والمراد فيه السجود في الصلاة وفيه دليل لمن يقول تكثير السجود أفضل من إطالة القيام وقد
تقدمت المسألة والخلاف فيها في الباب الذي قبل هذا وسبب الحث عليه ما سبق في الحديث
الماضي أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وهو موافق لقول الله تعالى واسجد واقترب
ولأن السجود غاية التواضع والعبودية لله تعالى وفيه تمكين أعز أعضاء الإنسان وأعلاها وهو
وجهه من التراب الذي يداس ويمتهن والله أعلم وقوله أو غير ذلك هو بفتح الواو
باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب
وعقص الرأس في الصلاة
قوله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار بيده إلى أنفه
206

والرجلين واليدين وأطراف القدمين ولا نكفت الثياب ولا الشعر) وفي رواية (أمرت أن أسجد
على سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين) وفي رواية
عن ابن عباس (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة ونهى أن يكف شعره أو
207

ثيابه) وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما (أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه
معقوص من ورائه فقام فجعل يحله فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال مالك ولرأسي
فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو
مكتوف) هذه الأحاديث فيها فوائد منها أن أعضاء السجود سبعة وأنه ينبغي للساجد أن
يسجد عليها كلها وأن يسجد على الجبهة والأنف جميعا فأما الجبهة فيجب وضعها مكشوفة
على الأرض ويكفي بعضها والأنف مستحب فلو تركه جاز ولو اقتصر عليه وترك الجبهة
لم يجز هذا مذهب الشافعي ومالك رحمهما الله تعالى والأكثرين وقال أبو حنيفة رضي الله عنه
وابن القاسم من أصحاب مالك له أن يقتصر على أيهما شاء وقال أحمد رحمه الله تعالى وابن
حبيب من أصحاب مالك رضي الله عنهما يجب أن يسجد على الجبهة والأنف جميعا لظاهر الحديث
قال الأكثرون بل ظاهر الحديث أنهما في حكم عضو واحد لأنه قال في الحديث سبعة فإن جعلا
عضوين صارت ثمانية وذكر الأنف استحبابا وأما اليدان والركبتان والقدمان فهل يجب
السجود عليهما فيه قولان للشافعي رحمه الله تعالى أحدهما لا يجب لكن يستحب استحبابا
متأكدا والثاني يجب وهو والأصح وهو الذي رجحه الشافعي رحمه الله تعالى فلو أخل بعضو
منها لم تصح صلاته وإذا أوجبناه لم يجب كشف القدمين والركبتين وفي الكفين قولان للشافعي
حمه الله تعالى أحدهما يجب كشفهما كالجبهة وأصحهما لا يجب قوله صلى الله عليه وسلم سبعة أعظم
أي أعضاء فسمى كل عضو عظما وإن كان فيه عظام كثيرة وقوله صلى الله عليه وسلم (لا نكفت
الثياب ولا الشعر) هو بفتح النون وكسر الفاء أي لا نضمها ولا نجمعها والكفت الجمع والضم
208

ومنه قوله تعالى ألم نجعل الأرض كفاتا أي نجمع الناس في حياتهم وهو بمعنى
الكف في الرواية الأخرى كلاهما بمعنى وقوله في الرواية الأخرى ورأسه معقوص اتفق
العلماء على النهي عن الصلاة وثوبه مشمر أو كمه أو نحوه أو رأسه معقوص أو مردود شعره
تحت عمامته أو نحو ذلك فكل هذا منهي عنه باتفاق العلماء وهو كراهة تنزيه فلو صلى كذلك
فقد أساء وصحت صلاته واحتج في ذلك أبو جعفر محمد بن جرير الطبري إجماع العلماء
وحكى ابن المنذر الإعادة فيه عن الحسن البصري ثم مذهب الجمهور أن النهي مطلقا لمن صلى
كذلك سواء تعمده للصلاة أم كان قبلها كذلك لا لها بل لمعنى آخر وقال الداودي يختص النهي
بمن فعل ذلك للصلاة والمختار الصحيح هو الأول وهو ظاهر المنقول عن الصحابة وغيرهم ويدل عليه
فعل ابن عباس المذكور هنا قال العلماء والحكمة في النهي عنه أن الشعر يسجد معه ولهذا مثله
بالذي يصلي وهو مكتوف قوله (عن ابن عباس أنه رأى ابن الحارث يصلي ورأسه معقوص فقام
فجعل يحله) فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن ذلك لا يؤخر إذا لم يؤخره ابن عباس رضي
الله عنهما حتى يفرغ من الصلاة وأن المكروه ينكر كما ينكر المحرم وأن من رأى منكرا
وأمكنه تغييره بيده غيره بها لحديث أبي سعيد الخدري وأن خبر الواحد مقبول والله أعلم
باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض
ورفع المرفقين عن الجنبين ورفع البطن عن الفخذين في السجود
مقصود أحاديث الباب أنه ينبغي للساجد أن يضع كفيه على الأرض ويرفع مرفقيه عن الأرض
وعن جنبيه رفعا بليغا بحيث يظهر باطن إبطيه إذا لم يكن مستورا أو هذا أدب متفق على استحبابه
فلو تركه كان مسيئا مرتكبا والنهي للتنزيه وصلاته صحيحة والله أعلم قال العلماء والحكمة في هذا
أنه أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض وأبعد من هيئات الكسالى فإن
المتبسط كشبه الكلب ويشعر حاله بالتهاون بالصلاة وقلة الاعتناء بها والاقبال عليها والله أعلم
209

وأما ألفاظ الباب ففيه قوله صلى الله عليه وسلم (ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب)
وفي الرواية الأخرى ولا يتبسط بزيادة التاء المثناة من فوق انبساط الكلب هذان اللفظان صحيحان
وتقديره ولا يبسط ذراعيه فينبسط انبساط الكلب وكذا اللفظ الآخر ولا يتبسط ذراعيه
فينبسط انبساط الكلب ومثله قول الله تعالى والله أنبتكم من الأرض نباتا وقوله فتقبلها
ربها قبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وفي هذه الآية الثانية شاهدان ومعنى يتبسط بالتاء
المثناة فوق أي يتخذهما بساطا والله أعلم قوله (عن إياد) هو بكسر الهمزة وبالياء المثناة من تحت
قوله (عن عبد الله بن مالك بن بحينة) الصواب فيه أن ينون مالك ويكتب ابن بالألف لأن
ابن بحينة ليس صفة لمالك بل صفة لعبد الله لأن عبد الله اسم أبيه مالك واسم أم عبد الله
بحينة فبحينة امرأة مالك وأم عبد الله بن مالك قوله (فرج بين يديه) يعني بين يديه وجنبيه قوله
210

(يجنح في سجوده) هو بضم الياء وفتح الجيم وكسر النون المشددة وهو معنى فرج بين يديه هو
معنى قوله في الرواية الأخرى خوى بيديه بالخاء المعجمة وتشديد الواو وفرج وجنح وخوى
بمعنى واحد ومعناه كله باعد مرفقيه وعضديه عن جنبيه قوله (يجنح في سجوده حتى نرى بياض
إبطيه) هو بالنون في نرى وروى بالياء المثناة من تحت المضمومة وكلاهما صحيح ويؤيد الياء
الرواية الأخرى عن ميمونة إذا سجد خوى بيديه حتى يرى وضح إبطيه ضبطناه وضبطوه هنا
بضم الياء ويؤيد النون رواية الليث في هذا الطريق حتى أني لأرى بياض إبطيه قوله (لو شاءت بهمة
أن تمر) قال أبو عبيد وغيره من أهل اللغة البهمة واحدة البهم و هي أولاد الغنم من الذكور والإناث وجمع
البهم بهام بكسر الباء وقال الجوهري البهمة من أولاد الضأن خاصة ويطلق على الذكر والأنثى قال
والسخال أولاد المعزى قوله (أخبرنا ابن عيينة عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم عن عمه يزيد
ابن الأصم) وفي الرواية الأخرى (أخبرنا مروان بن معاوية الفزاري قال حدثنا عبيد الله بن
عبد الله بن الأصم عن يزيد بن الأصم) هكذا وقع في بعض الأصول عبيد الله بن عبد الله بتصغير
211

الأول في الروايتين وفي بعضها عبد الله مكبرا في الموضعين وفي أكثرها بالتكبير في الرواية
الأولى والتصغير في الثانية وكله صحيح فعبد الله وعبيد الله أخوان وهما ابنا عبد الله بن الأصم
وعبد الله بالكبير أكبر من عبيد الله وكلاهما رويا عن عمه يزيد بن الأصم وهذا مشهور
في كتب أسماء الرجال والذي ذكره خلف الواسطي في كتابه أطراف الصحيحين في هذا
الحديث عبد الله بالتكبير في الروايتين وكذا ذكره أبو داود وابن ماجة في سننيهما من رواية
ابن عيينة بالتكبير ولم يذكروا رواية الفزاري ووقع في سنن النسائي اختلاف في الرواية عن
النسائي بعضهم رواه بالتكبير وبعضهم بالتصغير ورواه البيهقي في السنن الكبير من رواية
ابن عيينة بالتصغير ومن رواية الفزاري بالتكبير والله أعلم قوله (حتى يرى وضح إبطيه) هو
بفتح الضاد أي بياضهما قوله (وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى) يعني إذا قعد بين السجدتين
أو في التشهد الأول وأما القعود في التشهد الأخير فالسنة فيه التورك كما رواه البخاري في
صحيحه من رواية أبي حميد الساعدي وكذلك رواه أبو داود والترمذي وغيرهما قوله (جعفر
ابن برقان) بضم الباء الموحدة والله أعلم
212

باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به
وصفة الركوع والاعتدال منه والسجود والاعتدال منه والتشهد بعد كل ركعتين
من الرباعية وصفة الجلوس بين السجدتين وفي التشهد الأول
فيه أبو الجوزاء عن عائشة رضي الله عنها قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة
بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك
وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم
يسجد حتى يستوي جالسا وكان يقول في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب
رجله اليمنى وكان ينهى عن عقبة الشيطان وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع وكان
يختم الصلاة بالتسليم) وفي رواية ينهى عن عقب الشيطان أبو الجوزاء بالجيم والزاي واسمه أوس بن
عبد الله بصرى قولها والقراءة بالحمد له هو برفع الدال على الحكاية قولها (ولم يصوبه) هو بضم
الياء وفتح الصاد المهملة وكسر الواو المشددة أي لم يخفضه خفضا بليغا بل يعدل فيه بين الأشخاص
والتصويب قولها (وكان يفرش) هو بضم الراء وكسرها والضم أشهر قولها (عقبة الشيطان)
213

بضم العين وفي الرواية الأخرى عقب الشيطان بفتح العين وكسر القاف هذا هو الصحيح
المشهور فيه وحكى القاضي عياض عن بعضهم بضم العين وضعفه وفسره أبو عبيدة وغيره بالإقعاء
المنهي عنه وهو أن يلصق إليه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كما يفرش الكلب
وغيره من السباع أما أحكام الباب فقولها كان يفتتح الصلاة بالتكبير فيه إثبات التكبير في أول
الصلاة وأنه يتعين لفظ التكبير لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يفعله وأنه صلى الله عليه وسلم قال صلوا كما رأيتموني أصلي وهذا الذي ذكرناه من تعيين التكبير هو قول مالك والشافعي
وأحمد رحمهم الله تعالى وجمهور العلماء من السلف والخلف وقال أبو حنيفة رضي الله عنه يقوم غيره
من ألفاظ العظيم مقامه وقولها (والقراءة بالحمد لله رب العالمين) استدل به مالك وغيره
ممن يقول أن البسملة ليست من الفاتحة وجواب الشافعي رحمه الله تعالى والأكثرين القائلين
بأنها من الفاتحة أن معنى الحديث أنه يبتدئ القرآن بسورة لله رب العالمين بسورة
أخرى فالمراد بيان السورة التي يبتدأ بها وقد قامت الأدلة على أن البسملة منها وفيه أن السنة للراكع
أن يسوي ظهره بحيث يستوي رأسه ومؤخره وفيه وجوب الاعتدال إذا رفع من الركوع
وأنه يجب أن يستوي قائما لقوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي وفيه وجوب الجلوس
بين السجدتين قولها (وكان يقول في كل ركعتين التحية) فيه حجة لأحمد بن حنبل ومن وافقه من
فقهاء أصحاب الحديث أن التشهد الأول والأخير واجبان وقال مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما
والأكثرون هما سنتان ليسا واجبين وقال الشافعي رضي الله عنه الأول سنة والثاني واجب
واحتج أحمد رحمه الله تعالى بهذا الحديث مع قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي
وبقوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن وبقوله صلى الله عليه وسلم
إذا صلى أحدكم فليقل التحيات والأمر للوجوب واحتج الأكثرون بأن النبي صلى الله عليه وسلم
ترك التشهد الأول وجبره بسجود السهو ولو وجب لم يصح جبره كالركوع وغيره
من الأركان قالوا وإذا ثبت هذا في الأول فالأخير بمعناه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه
الإعرابي حين علمه فروض الصلاة والله أعلم قولها وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله
اليمنى معناه يجلس مفترشا فيه حجة لأبي حنيفة رضي الله عنه ومن وافقه أن الجلوس في الصلاة
يكون مفترشا سواء فيه جميع الجلسات وعند مالك رحمه الله تعالى يسن متوركا بأن يخرج
214

رجله اليسرى من تحته ويفضي بوركه إلى الأرض وقال الشافعي رحمه الله تعالى السنة أن يجلس
كل الجلسات مفترشا إلا التي يعقبها السلام والجلسات عند الشافعي رحمه الله تعالى أربع الجلوس
بين السجدتين وجلسة الاستراحة عقب كل ركعة يعقبها قيام والجلسة للتشهد الأول والجلسة للتشهد
الأخير فالجميع يسن مفترشا إلا الأخيرة فلو كان مسبوقا وجلس أمامه في آخر صلاته متوركا
جلس المسبوق مفترشا لأن جلوسه لا يعقبه سلام ولو كان على المصلى سجود سهو فالأصح أنه
يجلس مفترشا في تشهده فإذا سجد سجدتي السهو تورك ثم سلم هذا تفصيل مذهب الشافعي
رحمه الله تعالى واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه بإطلاق حديث عائشة رضي الله عنها هذا واحتج
الشافعي رحمه الله تعالى بحديث أبي حميد الساعدي في صحيح البخاري وفيه تصريح بالافتراش
في الجلوس الأول والتورك في آخر الصلاة وحمل حديث عائشة هذا على الجلوس في غير التشهد
الأخير للجمع بين الأحاديث وجلوس المرأة كجلوس الرجل وصلاة النفل كصلاة الفرض
في الجلوس هذا مذهب الشافعي ومالك رحمهما الله تعالى والجمهور وحكى القاضي عياض عن
بعض السلف أن سنة المرأة التربع وعن بعضهم التربع في النافلة والصواب الأول ثم هذه
الهيئة مستوية فلو جلس في الجميع مفترشا أو متوركا أو متربعا أو مقعيا أو مادا رجليه صحت
صلاته وإن كان مخالفا قولها (وكان ينهى عن عقبة الشيطان) هو الإقعاء الذي فسرناه وهو مكروه
باتفاق العلماء بهذا التفسير الذي ذكرناه وأما الإقعاء الذي ذكره مسلم بعد هذا في حديث
ابن عباس أنه سنة فهو غير هذا كما سنفسره في موضعه إن شاء الله تعالى قولها (وينهى أن
يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع) سبق الكلام عليه في الباب قبله قولها (وكان يختم الصلاة
بالتسليم) فيه دليل على وجوب التسليم فإنه ثبت هذا مع قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني
أصلي واختلف العلماء فيه فقال مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى وجمهور العلماء من السلف
والخلف السلام فرض ولا تصح الصلاة إلا به قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي رضي الله عنهم
هو سنة لو تركه صحت صلاته قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لو فعل منافيا للصلاة من حدث أو غيره
في آخرها صحت صلاته واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه الإعرابي في واجبات الصلاة
حين علمه واجبات الصلاة واحتج الجمهور بما ذكرناه وبالحديث الآخر في سنن أبي داود
والترمذي مفتاح الصلاة الطهور وتحليلها التسليم ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد
215

رضي الله عنهم والجمهور أن المشروع تسليمتان ومذهب مالك رحمه الله تعالى في طائفة المشروع
تسليمة وهو قول ضعيف عن الشافعي رحمه الله تعالى ومن قال بالتسليمة الثانية فهي عنده
سنة وشذ بعض الظاهرية والمالكية فأوجبها وهو ضعيف مخالف لإجماع من قبله والله أعلم
باب سترة المصلى والندب إلى الصلاة إلى سترة والنهي عن المرور
(بين يدي المصلي وحكم المرور ودفع المار وجواز الاعتراض بين يدي المصلي)
(والصلاة إلى الراحلة والأمر بالدنو من السترة وبيان قدر السترة وما يتعلق بذلك)
قوله صلى الله عليه وسلم (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من
مر وراء ذلك) المؤخرة بضم الميم وكسر الخاء وهمزة ساكنة ويقال بفتح الخاء مع فتح الهمزة
وتشديد الخاء ومع إسكان الهمزة وتخفيف الخاء ويقال آخرة الرحل بهمزة ممدودة وكسر الفاء
فهذه أربع لغات وهي العود الذي في آخر الرحل وفي هذا الحديث الندب إلى السترة بين يدي
المصلى وبيان أن أقل السترة مؤخرة الرحل وهي قدر عظم الذراع هو نحو ثلثي ذراع ويحصل
بأي شئ أقامه بين يديه هكذا وشرط
مالك رحمه الله تعالى أن يكون في غلظ الرمح قال العلماء
والحكمة في السترة كف البصر عما وراءه ومنع من يجتاز بقربه واستدل القاضي عياض
رحمه الله تعالى بهذا الحديث على أن الخط بين يدي المصلى لا يكفي قال وإن كان قد جاء به حديث
وأخذ به أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى فهو ضعيف واختلف فيه فقيل يكون مقوسا كهيئة
المحراب وقيل قائما بين يدي المصلى إلى القبلة وقيل من جهة يمينه إلى شماله قال ولم ير مالك
216

رحمه الله تعالى ولا عامة الفقهاء الخط هذا كلام القاضي وحديث الخط رواه أبو داود وفيه
ضعف واضطراب واختلف قول الشافعي رحمه الله تعالى فيه فاستحبه في سنن حرملة وفي
القديم ونفاه في البويطي وقال جمهور أصحابه باستحبابه وليس في حديث مؤخره الرحل دليل
على بطلان الخط والله أعلم قال أصحابنا ينبغي له أن يدنو من السترة ولا يزيد ما بينهما على
ثلاث أذرع فإن لم يجد عصا ونحوها جمع أحجارا أو ترابا أو متاعه والا فليبسط مصلى
والا فليخط الخط وإذا صلى إلى سترة منع غيره من المرور بينه وبينها وكذا يمنع من المرور بينه
وبين الخط ويحرم المرور بينه وبينها فلو لم يكن سترة أو تباعد عنها فقيل له منعه والأصح أنه
ليس له لتقصيره ولا يحرم حينئذ المرور بين يديه لكن يكره ولو وجد الداخل فرجة في الصف
الأول فله أن يمر بين يدي الصف الثاني ويقف فيها لتقصير أهل الصف الثاني بتركها والمستحب
أن يجعل السترة عن يمينه أو شماله ولا يضم لها والله أعلم قوله (حدثنا الطنافسي) هو بفتح الطاء
217

وكسر الفاء قوله (يركز العنزة) هو بفتح الياء وضم الكاف وهو بمعنى يغرز المذكور في الرواية الأخرى
قوله (كان يعرض راحلته ويصلى إليها) هو بفتح الياء وكسر الراء وروى بضم الياء وتشديد الراء
ومعناه يجعلها معترضة بينه وبين القبلة ففيه دليل على جواز الصلاة إلى الحيوان وجواز الصلاة
بقرب البعير بخلاف الصلاة في عطان الإبل فإنها مكروهة للأحاديث الصحيحة في النهي عن
ذلك لأنه يخاف هناك نفورها فيذهب الخشوع بخلاف هذا قوله (وهو بالأبطح) هو الموضع
المعروف على باب مكة ويقال لها البطحاء أيضا قوله (فمن نائل وناضح) معناه فمنهم من ينال منه
218

شيئا ومنهم من ينضح عليه غيره شيئا مما ناله ويرش عليه بللا مما حصل له وهو معنى ما جاء في
الحديث الآخر فمن لم يصب أخذ من يد صاحب قوله (فخرج بلال بوضوء فمن نائل وناضح فخرج
النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ) فيه تقديم وتأخير تقديره فتوضأ فمن نائل بعد ذلك وناضح تبركا
بآثاره صلى الله عليه وسلم وقد جاء مبينا في الحديث الآخر فرأيت الناس يأخذون من فضل
وضوئه ففيه التبرك بآثار الصالحين واستعمال فضل طهورهم وطعامهم وشرابهم ولباسهم قوله
(عليه حلة حمراء) قال أهل اللغة الحلة ثوبان لا يكون واحدا وهما ازار ورداء ونحوهما وفيه جواز
لباس الأحمر قوله (كأني أنظر إلى بياض ساقيه) فيه أن الساق ليست بعورة وهذا مجمع عليه قوله
(فأذن بلال) فيه الأذان في السفر قال الشافعي رضي الله عنه ولا أكره من تركه في السفر ما
أكره من تركه في الحضر لأن أمر المسافر مبني على التخفيف قوله (فأذن بلال فجعلت أتتبع فاه
ههنا وههنا يقول يمينا وشمالا حي على الصلاة حي على الفلاح فيه أنه يسن للمؤذن الالتفات في
الحيعلتين يمينا وشمالا برأسه وعنقه قال أصحابنا ولا يحول قدميه وصدره عن القبلة وإنما يلوي
رأسه وعنقه واختلفوا في كيفية التفاته على مذاهب وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها وهو قول
الجمهور أنه يقول حي على الصلاة مرتين عن يمينه ثم يقول عن يساره مرتين حي على الفلاح
والثاني يقول عن يمينه حي على الصلاة مرة ثم مرة عن يساره ثم يقول حي على الفلاح مرة
عن يمينه ثم مرة عن يساره والثالث يقول عن يمينه حي على الصلاة ثم يعود
إلى القبلة ثم يعود إلى الالتفات ن يمينه ويقول حي على الصلاة ثم
يلتفت عن يساره فيقول حي على الفلاح ثم يعود إلى القبلة ويلتفت عن يساره فيقول حي على الفلاح قوله (ثم ركزت له عنزة) وهي عصا
في أسفلها حديدة وفيه دليل على جواز استعانة الإمام بمن يركز له عنزة ونحو ذلك قوله (فصلى
الظهر ركعتين) فيه أن الأفضل قصر الصلاة في السفر وإن كان بقرب بلد ما لم ينو الإقامة أربعة
أيام فصاعدا
219

قوله (يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع) معناه يمر الحمار والكلب وراء السترة وقدامها إلى القبلة كما قال
في الحديث الآخر ورأيت الناس والدواب بين يدي العنزة وفي الحديث الآخر فيمر من ورائها
المرأة والحمار وفي الحديث السابق ولا يضره من مر وراء ذلك قوله (وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
في حلة حمراء مشمرا) يعني رافعها إلى أنصاف ساقيه ونحو ذلك كما قال في الرواية السابقة كأني
220

انظر إلى بياض ساقيه وفيه رفع الثوب عن الكعبين قوله (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة) فيه
دليل على القصر والجمع في السفر وفيه أن الأفضل لمن أراد الجمع وهو نازل في وقت الأولى أن
يقدم الثانية إلى الأولى واما من كان في وقت الأولى سائرا فالأفضل تأخير الأولى إلى وقت
الثانية كذا جاءت الأحاديث ولأنه أرفق به قوله (أقبلت راكبا على أتان) وفي الرواية الأخرى
على حمار وفي رواية للبخاري على حمار أتان قال أهل اللغة الأتان هي الأنثى من جنس الحمير
ورواية من روى حمار محمولة على إرادة الجنس ورواية البخاري مبينة للجميع قوله (وأنا
يومئذ قد ناهزت الاحتلام) معناه قاربته واختلف العلماء في سن ابن عباس رضي الله عنهما
عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل عشر سنين وقيل ثلاث عشرة وقيل خمس
عشرة وهو رواية سعيد بن جبير عنه قال أحمد ابن حنبل رضي الله عنه وهو الصواب قوله
(فأرسلت الأتان ترتع) أي ترعى
221

قوله (يصلى بمنى) فيها لغتان الصرف وعدمه ولهذا يكتب بالألف والياء والأجود
صرفها وكتابتها بالألف سميت منى لما يمنى بها من الدماء أي يراق ومنه قول الله تعالى
من منى يمنى وفي هذا الحديث أن صلاة الصبي صحيحة وأن سترة الأمام سترة لمن خلفه
قال القاضي رحمه الله تعالى واختلفوا هل ستره الإمام بنفسها سترة لمن خلفه أم هي سترة
له خاصة وهو سترة لمن خلفه مع الاتفاق على أنهم مصلون إلى سترة قال ولا خلاف أن السترة
مشروعة إذا كان في موضع لا يأمن المرور بين يديه واختلفوا إذا كان في موضع يأمن المرور
بين يديه وهما قولان في مذهب مالك ومذهبنا أنها مشروعة مطلقا لعموم الأحاديث ولأنها
تصون بصره وتمنع الشيطان المرور والتعرض لإفساد صلاته كما جاءت الأحاديث قوله وهو
يصلي بمنى وفي رواية بعرفة وهو محمول على أنهما قضيتان قوله (في حجة الوداع) وفي رواية حجة
الوداع أو يوم الفتح الصواب في حجة الوداع وهذا الشك محمول عليه قوله صلى الله عليه وسلم (إذا كان
222

أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأ ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنما هو
شيطان) معنى يدرأ يدفع وهذا الأمر بالدفع أمر ندب وهو ندب متأكد ولا أعلم أحدا من
العلماء أوجبه بل صرح أصحابنا وغيرهم بأنه مندوب غير واجب قال القاضي عياض واجمعوا
على أنه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح ولا ما يؤدي إلى هلاكه فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا
قود عليه باتفاق العلماء وهل يجب ديته أم يكون هدرا فيه مذهبان للعلماء وهما قولان في مذهب
مالك رضي الله عنه قال واتفقوا على أن هذا كله لم لم يفرط في صلاته بل احتاط وصلى إلى
ستره أو في مكان يأمن المرور بين يديه ويدل عليه قوله في حديث أبي سعيد في الرواية التي
عبد هذه إذا صلى أحدكم إلى شئ يستره فأراد أحد ان يجتاز بين يديه فليدفع في نحره فإن أبى فليقاتله
قال وكذا اتفقوا على أنه لا يجوز له المشي إليه من موضعه ليرده وإنما يدفعه ويرده من موقفه
لأن مفسدة المشي في صلاته أعظم من مروره من بعيد بين يديه وإنما أبيح له قدر ما تناله يده
من موقفه ولهذا أمر بالقرب من سترته وإنما يرده إذا كان بعيدا منه بالإشارة والتسبيح قال
وكذلك اتفقوا على أنه إذا مر لا يرده لئلا يصير مرورا ثانيا الأشياء روى عن بعض السلف
أنه يرده وتأوله بعضهم هذا آخر كلام القاضي رحمه الله تعالى وهو كلام نفيس والذي قاله
أصحابنا أنه يرده إذا أراد المرور بينه وبين سترته بأسهل الوجوه فإن أبى فبأشدها وإن أدى
إلى قتله فلا شئ عليه كالصائل عليه لأخذ نفسه أو ماله وقد أباح له الشرع مقاتلته
والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها قوله صلى الله عليه وسلم فإنما هو شيطان قال القاضي قيل معناه إنما حمله
223

على مروره وامتناعه من الرجوع الشيطان وقيل معناه يفعل الشيطان لأن الشيطان
بعيد من الخير وقبوله السنة وقيل المراد بالشيطان القرين كما جاء في الحديث الآخر فإن معه القرين
والله أعلم قوله (فمثل) هو بفتح الميم وبفتح الثاء وضمها لغتان حكاهما صاحب المطالع وغيره
الفتح أشهر ولم يذكر الجوهري وآخرون غيره ومعناه انتصب والمضارع يمثل بضم الثاء لا غير
منه الحديث من أحب أن يمثل الناس له قياما قوله (أرسله إلى أبي جهيم) هو بضم الجيم وفتح
224

الهاء مصغر واسمه عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري النجاري وهو المذكور وفي التيمم
وهو غير أبي جهم الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم فإن صاحب
الخميصة أبو جهم بفتح الجيم وبغير ياء واسمه عامر بن حذيفة العدوي قوله صلى الله عليه وسلم
(لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه)
معناه لو يعلم ما عليه من الإثم لاختار الوقوف أربعين على ارتكاب ذل الإثم ومعنى الحديث
النهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك قوله (كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين
الجدار ممر الشاة) يعني بالمصلى موضع السجود وفيه أن السنة قرب المصلى من سترته قوله (كان
يتحرى موضع مكان المصحف يسبح) المراد بالتسبيح صلاة النافلة والسجود صلاة النافلة في
225

المصحف ثلاث لغات ضم الميم وفتحها وكسرها وفي هذا أنه لا بأس بإدامة الصلاة في موضع
واحد إذا كان فيه فضل وأما النهي عن ايطان الرجل موضعا من المسجد يلازمه فهو فيما لا فضل
فيه ولا حاجة إليه فأما ما فيه فضل فقد ذكرناه وأما من يحتاج إليه لتدريس علم أو للإفتاء أو
سماع الحديث ونحو ذلك فلا كراهة فيه بل هو مستحب لأنه من تسهيل طرق الخير وقد نقل
القاضي رضي الله عنه خلاف السلف في كراهة الايطان لغير حاجة والاتفاق عليه لحاجة نحو ما
ذكرناه قوله (كان بين المنبر والقبلة قدر ممر الشاة) المراد بالقبلة الجدار وإنما آخر المنبر عن
الجدار لئلا ينقطع نظر أهل الصف الأول بعضهم عن بعض قوله (كان يتحرى الصلاة عند
الأسطوانة) فيه ما سبق أنه لا بأس بإدامة الصلاة من مكان واحد إذا كان فضل وفيه جواز
الصلاة بحضرة الأساطين فأما الصلاة إليها فمستحبة لكن الأفضل أن لا يصمد إليها بل يجعلها
عن يمينه أو شماله كما سبق وأما الصلاة بين الأساطين فلا كراهة فيها عندنا واختلف قول
مالك في كراهتها إذا لم يكن عذر وسبب الكراهة عنده انه يقطع الصف ولأنه يصل إلى غير
جدار قريب قوله صلى الله عليه وسلم (يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود)
226

اختلف العلماء في هذا فقال بعضهم يقطع هؤلاء الصلاة وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقطعها
الكلب الأسود وفي قلبي من الحمار والمرأة شئ ووجه قوله أن الكلب لم يجئ في الترخيص
فيه شئ يعارض هذا الحديث وأما المرأة ففيها حديث عائشة رضي اله عنها المذكور بعد
هذا وفي الحمار حديث ابن عباس السابق وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهم
وجمهور العلماء من السلف والخلف لا تبطل الصلاة بمرور شئ من هؤلاء ولا من غيرهم وتأول
هؤلاء هذا الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء وليس
المراد إبطالها ومنهم من يدعى نسخه بالحديث الآخر لا يقطع صلاة المرء شئ وادرأوا ما استطعتم
وهذا غير مرضي لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث وتأويلها وعلمنا
التاريخ وليس هنا تاريخ ولا تعذر الجمع والتأويل بل يتأول على ما ذكرناه مع أن حديث
لا يقطع صلاة المرء شئ ضعيف والله أعلم قوله (سمعت سلم بن أبي الذيال) سلم بفتح
السين وإسكان اللام والذيال بفتح الذال المعجمة وتشديد الياء قوله (يوسف بن حماد المعني)
227

هو بإسكان العين وكسر النون وتشديد الياء منسوب إلى معن قوله (عن عائشة رضي الله
عنها أنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض
الجنازة) استدلت به عائشة رضي الله عنها والعلماء بعدها على أن المرأة لا تقطع صلاة الرجل
وفيه جواز صلاته إليها وكره لعلماء أو جماعة منهم الصلاة إليها لغير النبي صلى الله عليه وسلم
لخوف الفتنة بها وتذكرها وإشغال القلب بها بالنظر إليها لغير النبي صلى الله عليه وسلم فمنزه
عن هذا كله وصلاته مع أنه كان في الليل والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح قولها (فإذا أراد
أن يوتر أيقظني فأوترت) فيه استحباب تأخير الوتر إلى آخر الليل وفيه أنه يستحب لمن وثق
باستيقاظه من آخر الليل إما بنفسه وإما بإيقاظ غيره أن يؤخر الوتر وإن لم يكن له تهجد فإن
عائشة رضي الله عنها كانت بهذه الصفة وأما من لا يثق باستيقاظه ولا له من يوقظه فيوتر قبل
أن ينام وفيه استحباب إيقاظ النائم للصلاة في وقتها وقد جاءت فيه أحاديث أيضا غير هذا قولها (إن المرأة
228

لدابة سوء) تريد به الإنكار عليهم في قولهم إن المرأة تقطع الصلاة قولها (فأكره
أن اسنحه) هو بقطع الهمزة المفتوحة وإسكان السين المهملة وفتح النون أي اظهر له
وأعترض يقال سنح لي كذا أي عرض ومنه السانح من الطير قولها (فإذا سجد غمزني
فقبضت رجلي) استدل به من يقول لمس النساء لا ينقض الوضوء والجمهور على أنه ينقض
229

وحملوا الحديث على أنه غمزها فوق حائل وهذا هو الظاهر من حال النائم فلا دلالة فيه على
عدم النقض قولها (والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح) أرادت به الاعتذار تقول لو كان
فيها مصابيح لقبضت رجلي عند ارادته السجود ولما أحوجته إلى غمزي قولها (كان النبي صلى الله عليه وسلم
يصلي من الليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلى مرط وعليه بعضه إلى جنبه) المرط
كساء وفي هذا دليل على أن وقوف المرأة بجنب المصلي لا يبطل صلاته وهو مذهبنا ومذهب
الجمهور وأبطلها أبو حنيفة رضي الله عنه وفيه أن ثياب الحائض طاهرة إلا موضعا
ترى عليه دما أو نجاسة أخرى وفيه جواز الصلاة بحضرة الحائض وجواز الصلاة في ثوب
بعضه على المصلى وبعضه على حائض أو غيرها واما استقبال المصلي وجه غيره فمذهبنا ومذهب
الجمهور كراهته ونقله القاضي عياض عن عامة العلماء رحمهم الله تعالى
باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه
قوله (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ثوب واحد فقال أو لكلكم ثوبان) فيه
230

جواز الصلاة في ثوب واحد ولا خلاف في هذا إلا ما حكى عن ابن مسعود رضي الله عنه
فيه ولا اعلم صحته وأجمعوا أن الصلاة في ثوبين أفضل ومعنى الحديث ان الثوبين لا يقدر
عليهما كل أحد فلو وجبا لعجز من لا يقدر عليهما عن الصلاة وفي ذلك حرج وقد قال الله تعالى
ما جعل عليكم في الدين من حرج وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله
عنهم في ثوب واحد ففي وقت كان لعدم ثوب آخر وفي وقت كان مع وجوده لبيان الجواز
كما قال جابر رضي الله عنه ليراني الجهال والا فالثوبان أفضل كما سبق قوله صلى الله عليه وسلم
(لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ) قال العلماء حكمته أنه إذا ائتزر
به ولم يكن على عاتقه منه شئ لم يؤمن أن تنكشف عورته بخلاف ما إذا جعل بعضه على عاتقه
ولأنه قد يحتاج إلى إمساكه بيده أو يديه فيشغل بذلك وتفوته سنة وضع اليد اليمنى على اليسرى
231

تحت صدره ورفعهما حيث شرع الرفع وغير ذلك لأن فيه ترك سترا على البدن وموضع الزينة
وقد قال الله تعالى (خذوا زينتكم) ثم قال مالك وأبو حنيفة والشافعي رحمهم الله تعالى
والجمهور هذا النهي للتنزيه لا للتحريم فلو صلى في ثوب واحد ساتر لعورته ليس على عاتقه
منه شئ صحت صلاته مع الكراهة سواء قدر على شئ يجعله على عاتقه أم لا وقال أحمد وبعض
السلف رحمهم الله تعالى لا تصح صلاته إذا قدر على وضع شئ على عاتقه إلا بوضعه لظاهر الحديث
وعن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى رواية أنه تصح صلاته ولكن يأثم بتركه وحجة الجمهور
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر رضي الله عنه فإن كان واسعا فألتحف به وإن كان ضيقا
فأتزر به رواه البخاري ورواه مسلم في آخر الكتاب في حديثه الطويل قوله (رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد مشتملا به واضعا طرفيه على عاتقيه) وفي الرواية الأخرى (مخالفا بين طرفيه)
232

وفي حديث جابر (متوشحا به) المشتمل والمتوشح والمخالف بين طرفيه معناها واحد هنا قال
ابن السكيت التوشح أن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ
طرفه الذي ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى ثم يعقدهما على صدره وفيه جواز الصلاة في ثوب واحد
قوله (فرأيته يصلي على حصير يسجد) فيه دليل على جواز الصلاة على شئ يحول بينه وبين الأرض من
ثوب وحصير وصوف وشعر وغير ذلك وسواء نبت من الأرض أم لا وهذا مذهبنا ومذهب
233

الجمهور وقال القاضي رحمه الله تعالى أما ما نبت من الأرض فلا كراهة واما البسط واللبود
وغيرها مما ليس من نبات الأرض فصح الصلاة فيه بالإجماع لكن الأرض أفضل منه إلا
لحاجة حر أو برد أو نحوهما لأن الصلاة سرها التواضع والخضوع والله عز وجل أعلم
(تم الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس وأوله كتاب المساجد ومواضع الصلاة)
234