الكتاب: فتح الباري
المؤلف: ابن حجر
الجزء: ١
الوفاة: ٨٥٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع:
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

فتح الباري
شرح
صحيح البخاري
للامام الحافظ
شهاب الدين ابن حجر العسقلاني
رحمه الله تعالى
الجزء الأول
دار المعرفة
للطباعة والنشر
بيروت - لبنان
الطبعة الثانية
أعيد طبعه بالأوفست
(الجزء الأول)
من فتح الباري بشرح صحيح الامام أبى
عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري لشيخ الاسلام
قاضى القضاة الحافظ أبى الفضل شهاب الدين أحمد بن علي
بن محمد بن محمد بن حجر العسقلاني
الشافعي نزيل القاهرة المحروسة
نفعنا الله
بعلومه
آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرح صدور أهل الاسلام بالهدى ونكت في قلوب أهل الطغيان فلا تعي
الحكمة أبدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الها أحدا فردا صمدا وأشهد أن
سيدنا محمدا عبده ورسوله ما أكرمه عبدا وسيدا وأعظمه أصلا ومحتدا وأطهره مضجعا ومولدا
وأبهره صدرا وموردا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه غيوث الندى وليوث العدا صلاة
وسلاما دائمين من اليوم إلى أن يبعث الناس غدا * (أما بعد) * فقد آن الشروع فيما قصدت له
من شرح الجامع الصحيح على ما وعدت به في أول المقدمة وكنت عزمت على أن أسوق حديث
الباب بلفظه قبل شرحه ثم رأيت ذلك مما يطول به الكتاب جدا فسلكت الآن فيه طريقا
وسطى أرجو نفعها كافلة بما اطلعت عليه من ذلك إذ لا يكلف الله نفسا الا وسعها وربما أعدت
شيا مما تقدم في المقدمة لمعنى يقتضيه اما لبعد العهد به أو لغير ذلك ولكن اعتمادي غالبا على
الحوالة عليها (وسميته فتح الباري بشرح البخاري) وقد رأيت أن أبدأ الشرح بأسانيدي إلى
الأصل بالسماع أو بالإجازة وان أسوقها على نمط مخترع فانى سمعت بعض الفضلاء يقول الأسانيد
انساب الكتب فأحببت ان أسوق هذه الأسانيد مساق الأنساب (فأقول) وبالله التوفيق
اتصلت لنا رواية البخاري عنه من طريق أبى عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر
الفربري وكانت وفاته في سنة عشرين وثلثمائة وكان سماعه للصحيح مرتين مرة بفربر سنة
ثمان وأربعين ومرة ببخارى سنة اثنتين وخمسين ومائتين ومن طريق إبراهيم بن معقل بن
الحجاج النسفي وكان من الحفاظ وله تصانيف وكانت وفاته سنة أربع وتسعين ومائتين وكان
ترجمة مؤلف هذا الشرح الجليل وهو الحافظ
الامام العلامة أبو الفضل بن حجر
العسقلاني تغمده الله برحمته
وأسكنه فسيح
جنته
1

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد أفضل الأنبياء والمرسلين وأشرف الملائكة أجمعين وأكرم
الأولين والآخرين وعلى آله وأصحابه الكرام الطاهرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين قال شيخ الاسلام المحقق الهمام الحافظ أبو الخير
السخاوي في كتابه المسمى التبر المسبوك في ذيل السلوك في ترجمة الحافظ بن حجر مؤلف فتح
الباري ما نص المراد منه أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن أحمد شيخي الأستاذ حافظ العصر علامة
الدهر شيخ مشايخ الاسلام حامل لواء سنة سيد الأنام قاضى القضاة أوحد الحفاظ والرواة
شهاب الدين أبو الفضل الكناني العسقلاني الأصل المصري الشافعي عرف بابن حجر ولد في شعبان
سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بمصر ونشأ بها فحفظ القرآن والحاوي ومختصر ابن الحاجب
وغيرها وسافر صحبة أحد أوصيائه إلى مكة المشرفة فسمع بها ثم حبب إليه الحديث فسمع الكثير
بقراءته وقراءة غيره بالبلاد الشامية والمصرية والحجازية وأكثر جدا من السماع والشيوخ
وأتقن علم الحديث عند العراقي وتفقه بالبلقيني وابن الملقن والأبناسي وغيرهم وأذنوا له
بالتدريس والافتاء وأخذ الأصلين وغيرهما عن العز بن جماعة واللغة عن المجد الفيروز آباذي
والعربية عن العماري والأدب والعروض عن البدر البشتنكي والكتابة عن جماعة وجد في
الفنون حتى بلغ الغاية القصوى وقرأ بعض القرآن بالسبع على التنوخي وتصدى لنشر
الحديث وعكف عليه مطالعة وقراءة وأقراء وتصنيفا وافتاء وباشر القضاء بالديار المصرية
استقلالا مدة تزيد على إحدى وعشرين سنة بأشهر مخللها ولاية جماعة والتدريس بعدة أماكن
في التفسير والحديث والفقه والوعظ وكذا خطب بجامعي عمرو رضى الله تعالى عنه والأزهر
وغيرهما وأملى ما ينيف على ألف مجلس من حفظه وزادت تصانيفه على مائة وخمسين واشتهر ذكره
وبعد صيته وارتحل الأئمة إليه وتبجح الفضلاء بالوفود عليه وكثرت طلبته حتى كان رؤس
العلماء في كل مذهب وبكل قطر من تلامذته وقهرهم بذكائه وشفوف نظره وسرعة ادراكه
ووفور أدبه وانتشرت جملة من تصانيفه في حياته وأقرأ الكثير منها وتهادتها الملوك وكتبها
الأكابر ولو لم يكن له الا شرح البخاري لكان كافيا في علو مقداره ولو وقف عليه ابن خلدون
القائل بأن شرح البخاري إلى الآن دين على هذه الأمة لقرت عينه بالوفاء والاستيفاء وحدث
بأكثر مروياته كل ذلك مع تواضعه وحلمه واحتماله وصبره وبهائه وظرفه وصيامه وقيامه
واحتياطه وورعه وميله إلى النكت اللطيفة والنوادر الظريفة ومزيد أدبه مع الأئمة
المتقدمين والمتأخرين بل ومع كل من يجالسه من كبير وصغير ومحبته في أهل الفضل والتنويه
بذكرهم وعدم اطراء نفسه وركونه إلى هضمها وبذله وكرمه وخصائله التي لم تجتمع لاحد من أهل
عصره وقد شهد له القدماء بالحفظ والمعرفة التامة والذهن الوقاد والذكاء المفرط وسعة العلم
في فنون شتى وشهد له شيخه الحافظ العراقي بأنه أعلم أصحابه بالحديث وقال كل من التقى الفاسي
والبرهان الحلبي ما رأينا مثله وسأله الأمير تغرى برمش الفقيه أرأيت مثل نفسك فقال قال الله
2

فاته من الجامع أوراق رواها بالإجازة عن البخاري نبه على ذلك أبو علي الجياني في تقييد المهمل
ومن طريق حماد بن شاكر النسوي وأظنه مات في حدود التسعين وله فيه فوت أيضا ومن
رواية أبى طلحة منصور بن محمد بن علي بن قرينة بقاف ونون بوزن يسيرة البزدوي بفتح الموحدة
وسكون الزاي وكانت وفاته سنة تسع وعشرين وثلثمائة وهو آخر من حدث عن البخاري بصحيحه
كما جزم به ابن ماكولا وغيره وقد عاش بعده ممن سمع من البخاري القاضي الحسين بن إسماعيل
المحاملي ببغداد ولكن لم يكن عنده الجامع الصحيح وانما سمع منه مجالس أملاها ببغداد في اخر
قدمة قدمها البخاري وقد غلط من روى الصحيح من طريق المحاملي المذكور غلطا فاحشا فاما
رواية الفربري فاتصلت إلينا عنه من طريق الحافظ أبى على سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن
والحافظ أبى اسحق إبراهيم بن أحمد المستملى وأبى نصر أحمد بن محمد بن أحمد الأخبسيكتى
والفقيه أبى زيد محمد بن أحمد المروزي وأبى على محمد بن عمر بن شبويه وأبى أحمد محمد بن محمد
الجرجاني وأبى محمد عبد الله بن أحمد السرخسي وأبى الهيثم محمد بن مكي الكشميهني وأبى على
إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب الكشاني وهو آخر من حدث بالصحيح عن الفربري فاما رواية
ابن السكن فرواها عنه عبد الله بن محمد بن أسد الجهني وأما رواية المستملى فرواها عنه الحافظ
أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي وعبد الرحمن بن عبد الله الهمداني وأما رواية الاخسيكتي
فرواها عنه إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الصفار الزاهد وأما رواية أبى زيد فرواها عنه الحافظ
أبو نعيم الأصبهاني والحافظ أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي والامام أبو الحسن علي بن محمد
القابسي وأما رواية أبى على الشبوي فرواها عنه سعيد بن أحمد بن محمد الصيرفي العيار
وعبد الرحمن بن عبد الله الهمداني أيضا وأما رواية أبى أحمد الجرجاني فرواها عنه أبو نعيم
والقابسي أيضا وأما رواية السرخسي فرواها عنه أبو ذر أيضا وأبو الحسن عبد الرحمن
ابن محمد بن المظفر الداودي وأما رواية الكشميهني فرواها عنه أبو ذر أيضا وأبو سهل محمد بن أحمد
الحفصي وكريمة بنت أحمد المروزية وأما رواية الكشاني فرواها عنه أبو العباس جعفر بن محمد
المستغفري * (فصل) فاما رواية الجهني عن ابن السكن فأخبرنا بها أبو علي محمد بن أحمد بن علي بن
عبد العزيز مشافهة عن يحيى بن محمد بن سعد وآخرين عن جعفر بن علي الهمداني عن عبد الله
ابن عبد الرحمن الديباجي عن عبد الله بن محمد بن محمد بن علي الباهلي قال حدثنا الحافظ أبو علي
الحسين بن محمد الجياني في كتاب تقييد المهمل له قال أخبرني بصحيح البخاري القاضي أبو عمر
أحمد بن محمد بن يحيى بن الحذاء بقراءتي عليه وأبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر الحافظ
اجازة قالا حدثنا أبو محمد الجهني وكان ثقة ضابطا بسنده وأما رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة
فقرئ على أبى محمد عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان المكي بها وأنا أسمع وأجاز لي ما فاتني منه قال
أنبأنا امام المقام أبو أحمد إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الطبري أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي
حرمي المكي سماعا عليه بجميعه سوى من قوله باب والى مدين أخاهم شعيبا إلى قوله باب مبعث
النبي صلى الله عليه وسلم فإجازة أنبأنا أبو الحسن علي بن حميد بن عمار الطرابلسي أنبأنا أبو مكتوم
عيسى ابن الحافظ أبي ذر عبد الله بن أحمد الهروي أنبأنا أبى وأما رواية عبد الرحمن الهمداني
عن شيخه فأخبرنا بها أبو حيان محمد بن حيان ابن العلامة أبي حيان اذنا مشافهة عن جده
3

أبى حيان عن أبي علي بن أبي الأحوص عن أبي القاسم بن بقى عن شريح بن علي بن أحمد بن سعيد
عن عبد الرحمن وأما رواية إسماعيل فبهذا السند إلى أبى حيان أنبأنا أبو جعفر أحمد بن يوسف
الطحالي ويوسف بن إبراهيم بن أبي ريحانة المالقي اجازة منهما كلاهما عن القاضي أبى عبد الله
محمد بن أحمد بن محمد الأنصاري بن الهيثم أنبأنا القاضي أبو سليمان داود بن الحسن الخالدي عنه
وأما رواية أبى نعيم عن شيخه فأخبرنا بها علي بن محمد بن محمد الدمشقي مشافهة عن سلمان بن حمزة
ابن أبي عمر عن محمد بن عبد الهادي المقدسي عن الحافظ أبى موسى محمد بن أبي بكر الدملي أبو علي
الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد أنبأنا أبو نعيم وأما رواية الأصيلي والقابسي فبالاسناد
الماضي إلى أبى على الجياني أنبأنا أبو شاكر عبد الواحد بن محمد بن وهب وغيره عن الأصيلي
وحاتم بن محمد الطرابلسي عن القابسي وبالاسناد الماضي إلى جعفر بن علي كتب إلى الحافظ أبى
القاسم خلف بن بشكوال أنبأنا عبد الرحمن بن محمد بن غياث عن حاتم وأما رواية سعيد العيار
فأخبرنا بها محمد بن علي بن محمد الدمشقي مشافهة عن محمد بن يوسف بن الهتان عن العلامة تقى
الدين عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري أنبأنا منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل
الرازي أنبأنا محمد بن إسماعيل الفارسي سماعا وجد أبى محمد بن الفضل مشافهة أنبانا سعيد وأما
رواية الداودي فهي أعلى الروايات لنا من حيث العدد أخبرنا بها المشايخ أبو محمد عبد الرحيم
ابن عبد الكريم بن عبد الوهاب الحموي وأبو علي محمد بن محمد بن علي الجيزي وأبو اسحق إبراهيم
ابن أحمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد المؤمن التعلي وأبو الحسن علي بن محمد بن محمد الجوزي
قال الأولان أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن أبي النعم نعمة بن الحسن بن علي بن بيان
الصالحي وست الوزراء وزيرة بنت محمد بن عمر بن أسعد بن المنجا التنوخية وقال أبو إسحاق أنبأنا
أحمد بن أبي طالب بن نعمة وقال على قرئ على ست الوزراء وأنا أسمع وكتب إلى سليمان بن حمزة
ابن أبي عمر وعيسى بن عبد الرحمن بن معالى وأبو بكر بن أحمد بن عبد الدايم قال الخمسة أنبانا
أبو عبد الله الحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى الزبيدي سماعا وقالوا سوى المرأة كتب إلينا
أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر القطيعي وأبو الحسن علي بن أبي بكر بن روزبه القلانسي زاد سليمان
ومحمد بن زهير شعرانة وثابت بن محمد الخجندي ومحمد بن عبد الواحد المديني قالوا أنبأنا أبو الوقت
عبد الأول بن عيسى بن شعيب الهروي عنه وأما رواية الحفصي فبالاسناد الماضي إلى منصور
أنبأنا أبو بكر وجيه بن طاهر وعبد الوهاب بن شاه الشاذياخي سماعا وجد أبى محمد بن الفضل
الصاعدي اجازة قالوا أنبأنا الحفصي وأما رواية كريمة فأخبرنا بها الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم
ابن الحسين العراقي سماعا عليه لبعضه وإجازة لسائره أنبأنا أبو علي عبد الرحيم بن عبد الله
الأنصاري أنبأنا المعين أحمد بن علي بن يوسف الدمشقي وإسماعيل بن عبد القوى بن عزون وعثمان
ابن عبد الرحمن بن رشيق سماعا عليهم سوى من باب المسافر إذا جذبه السير في أواخر كتاب الحج
إلى آخر كتاب الحج ومن باب ما يجوز من الشروط في المكاتب إلى باب الشروط في الكتابة
ومن باب غزو المرأة في البحر من كتاب الجهاد إلى باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام منه
فأجازة منهم ومن الحافظ رشيد الدين أبى الحسين يحيى بن علي العطار لجميعه قالوا أخبرنا
أبو القاسم هبة الله بن علي بن مسعود البوصيري أنبأنا أبو عبد الله محمد بن بركات النحوي السعدي
4

عنه واما رواية المستغفري فبالاسناد الماضي إلى أبى موسى أنبأنا أبى أنبأنا الحسن بن أحمد
عنه * (فصل) * واما رواية إبراهيم بن معقل فبالاسناد إلى أبى على الجياني أنبأنا الحكم بن محمد
أنبأنا أبو الفضل عيسى بن أبي عمران الهروي سماعا لبعضه وإجازة لباقيه أنبأنا أبو صالح خلف بن
محمد بن إسماعيل البخاري عنه وأما رواية حماد بن شاكر فأخبرنا بها أحمد بن أبي بكر بن عبد الحميد
في كتابه عن أبي الربيع بن أبي طاهر بن قدامة عن الحسن بن السيد العلوي عن أبي الفضل بن
ناصر الحافظ عن أبي بكر أحمد بن علي بن خلف عن الحاكم أبى عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ
عن أحمد بن محمد بن رميح النسوي عنه واما رواية أبى طلحة البزدوي فبالسند إلى المستغفري
أنبأنا أحمد بن عبد العزيز عنه وقد انتهى الغرض الذي أردته من التوصيل الذي أوردته فليقع
الشروع في الشرح والاقتصار على أتقن الروايات عندنا وهى رواية أبي ذر عن مشايخه الثلاثة
لضبطه لها وتمييزه لاختلاف سياقها مع التنبيه إلى ما يحتاج إليه مما يخالفها وبالله تعالى التوفيق
وهو المسؤول ان يعينني على السير في أقوم طريق * قال البخاري رحمه الله تعالى ورضى الله عنه
(بسم الله الرحمن الرحيم كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا في رواية
أبي ذر والأصيلي بغير باب وثبت في رواية غيرهما فحكى عياض ومن تبعه فيه التنوين وتركه
وقال الكرماني يجوز فيه الاسكان على سبيل التعداد للأبواب فلا يكون له اعراب وقد اعترض
على المصنف لكونه لم يفتتح الكتاب بخطبة تنبئ عن مقصوده مفتتحة بالحمد والشهادة امتثالا لقوله
صلى الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع وقوله كل خطبة ليس فيها
شهادة فهي كاليد الجذماء أخرجهما أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة والجواب عن
الأول ان الخطبة لا يتحتم فيها سياق واحد يمتنع العدول عنه بل الغرض منها الافتتاح بما يدل على
المقصود وقد صدر الكتاب بترجمة بدء الوحي وبالحديث الدال على مقصوده المشتمل على أن العمل
دائر مع النية فكأنه يقول قصدت جمع وحى السنة المتلقى عن خير البرية على وجه سيظهر حسن
عملي فيه من قصدي وانما لكل امرئ ما نوى فاكتفى بالتلويح عن التصريح وقد سلك هذه
الطريقة في معظم تراجم هذا الكتاب على ما سيظهر بالاستقراء والجواب عن الثاني ان
الحديثين ليسا على شرطه بل في كل منهما مقال سلمنا صلاحيتهما للحجة لكن ليس فيهما ان ذلك
يتعين بالنطق والكتابة معا فلعله حمد وتشهد نطقا عند وضع الكتاب ولم يكتب ذلك اقتصارا على
البسملة لان القدر الذي يجمع الأمور الثلاثة ذكر الله وقد حصل بها ويؤيده ان أول شئ نزل
من القرآن اقرأ باسم ربك فطريق التأسي به الافتتاح بالبسملة والاقتصار عليها لا سيما وحكاية ذلك
من جملة ما تضمنه هذا الباب الأول بل هو المقصود بالذات من أحاديثه ويؤيده أيضا وقوع كتب
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وكتبه في القضايا مفتتحة بالتسمية دون حمدلة وغيرها كما
سيأتي في حديث أبي سفيان في قصة هرقل في هذا الباب وكما سيأتي في حديث البراء في قصة سهيل
ابن عمرو في صلح الحديبية وغير ذلك من الأحاديث وهذا يشعر بان لفظ الحمد والشهادة انما يحتاج
إليه في الخطب دون الرسائل والوثائق فكأن المصنف لما لم يفتتح كتابه بخطبة أجراه مجرى
الرسائل إلى أهل العلم لينتفعوا بما فيه تعلما وتعليما وقد أجاب من شرح هذا الكتاب بأجوبة
أخر فيها نظر منها انه تعارض عنده الابتداء بالتسمية والحمدلة فلو ابتدأ بالحمدلة لخالف العادة
5

أو بالتسمية لم يعد مبتدئا بالحمدلة فاكتفى بالتسمية وتعقب بأنه لو جمع بينهما لكان مبتدئا بالحمدلة
بالنسبة إلى ما بعد التسمية وهذه هي النكتة في حذف العاطف فيكون أولى لموافقته الكتاب
العزيز فان الصحابة افتتحوا كتابة الامام الكبير بالتسمية والحمدلة وتلوها وتبعهم جميع من كتب
المصحف بعدهم في جميع الأمصار من يقول بان البسملة آية من أول الفاتحة ومن لا يقول ذلك
ومنها أنه راعى قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله فلم يقدم على كلام الله
ورسوله شيئا واكتفى بها عن كلام نفسه وتعقب بأنه كان يمكنه ان يأتي بلفظ الحمد من كلام الله
تعالى وأيضا فقد قدم الترجمة وهى من كلامه على الآية وكذا ساق السند قبل لفظ الحديث
والجواب عن ذلك بان الترجمة والسند وان كانا متقدمين لفظا لكنهما متأخران تقديرا فيه نظر
وأبعد من ذلك كله قول من ادعى انه ابتدأ الخطبة فيها حمد وشهادة فحذفها بعض من حمل عنه
الكتاب وكأن قائل هذا ما رأى تصانيف الأئمة من شيوخ البخاري وشيوخ شيوخه وأهل عصره
كمالك في الموطأ وعبد الرزاق في المصنف وأحمد في المسند وأبى داود في السنن إلى ما لا يحصى ممن لم
يقدم في ابتداء تصنيفه خطبة ولم يزد على التسمية وهم الأكثر والقليل منهم من افتتح كتابه بخطبة
أفيقال في كل من هؤلاء ان الرواة عنه حذفوا ذلك كلا بل يحمل ذلك من صنيعهم على أنهم حمدوا
لفظا ويؤيده ما رواه الخطيب في الجامع عن أحمد انه كان يتلفظ بالصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم إذا كتب الحديث ولا يكتبها والحامل له على ذلك اسراع أو غيره أو يحمل على أنهم رأوا ذلك
مختصا بالخطب دون الكتب كما تقدم ولهذا من افتتح كتابه منهم بخطبة حمد وتشهد كما صنع مسلم
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالبسملة
وكذا معظم كتب الرسائل واختلف القدماء فيما إذا كان الكتاب كله شعرا فجاء عن الشعبي منع
ذلك وعن الزهري قال مضت السنة ان لا يكتب في الشعر بسم الله الرحمن الرحيم وعن سعيد
ابن جبير جواز ذلك وتابعه على ذلك الجمهور وقال الخطيب هو المختار (قوله بدء الوحي) قال
عياض روى بالهمز مع سكون الدال من الابتداء وبغير همز مع ضم الدال وتشديد الواو من
الظهور قلت ولم أره مضبوطا في شئ من الروايات التي اتصلت لنا الا انه وقع في بعضها كيف كان
ابتداء الوحي فهذا يرجح الأول وهو الذي سمعناه من أفواه المشايخ وقد استعمل المصنف هذه
العبارة كثيرا كبدء الحيض وبدء الاذان وبدء الخلق والوحي لغة الاعلام في خفاء والوحي أيضا
الكتابة والمكتوب والبعث والالهام والامر والايماء والإشارة والتصويت شيا بعد شئ وقيل
أصله التفهيم وكل ما دللت به من كلام أو كتابة أو رسالة أو إشارة فهي وحى وشرعا الاعلام
بالشرع وقد يطلق الوحي ويراد به اسم المفعول منه أي الموحى وهو كلام الله المنزل على النبي صلى
الله عليه وسلم وقد اعترض محمد بن إسماعيل التيمي على هذه الترجمة فقال لو قال كيف كان الوحي
لكان أحسن لأنه تعرض فيه لبيان كيفية الوحي لا لبيان كيفية بدء الوحي فقط وتعقب بان المراد
من بدء الوحي حاله مع كل ما يتعلق بشأنه أي تعلق كان والله أعلم (قوله وقول الله) هو بالرفع على
حذف الباب عطفا على الجملة لأنها في محل رفع وكذا على تنوين باب وبالجر عطفا على كيف
واثبات باب بغير تنوين والتقدير باب معنى قول الله كذا أو الاحتجاج بقول الله كذا ولا يصح
تقدير كيفية قول الله لان كلام الله لا يكيف قاله عياض ويجوز رفع وقول الله على القطع وغيره
6

(قوله انا أوحينا إليك الآية) قيل قدم ذكر نوح فيها لأنه أول نبي أرسل أو أول نبي عوقب قومه
فلا يرد كون آدم أول الأنبياء مطلقا كما سيأتي بسط القول في ذلك في الكلام على حديث الشفاعة
ومناسبة الآية للترجمة واضح من جهة ان صفة الوحي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم توافق صفة
الوحي إلى من تقدمه من النبيين ومن جهة ان أول أحوال النبيين في الوحي بالرؤيا كما رواه أبو نعيم
في الدلائل باسناد حسن عن علقمة بن قيس صاحب ابن مسعود قال إن أول ما يؤتى به الأنبياء
في المنام حتى تهدأ قلوبهم ثم ينزل الوحي بعد في اليقظة (قوله حدثنا الحميدي) هو أبو بكر عبد الله
ابن الزبير بن عيسى منسوب إلى حميد بن أسامة بطن من بنى أسد بن عبد العزى بن قصي رهط
خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع معها في أسد ويجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في
قصي وهو امام كبير مصنف رافق الشافعي في الطلب عن ابن عيينة وطبقته وأخذ عنه الفقه
ورحل معه إلى مصر ورجع بعد وفاته إلى مكة إلى أن مات بها سنة تسع عشرة ومائتين فكأن
البخاري امتثل قوله صلى الله عليه وسلم قدموا قريشا فافتتح كتابه بالرواية عن الحميدي لكونه أفقه
قرشي أخذ عنه وله مناسبة أخرى لأنه مكي كشيخه فناسب ان يذكر في أول ترجمة بدء الوحي لان
ابتداءه كان بمكة ومن ثم ثنى بالرواية عن مالك لأنه شيخ أهل المدينة وهى تالية لمكة في نزول الوحي
وفى جميع الفضل ومالك وابن عيينة قرينان قال الشافعي لولاهما لذهب العلم من الحجاز (قوله
حدثنا سفيان) هو ابن عيينة بن أبي عمران الهلالي أبو محمد المكي أصله ومولده الكوفة وقد شارك
مالكا في كثير من شيوخه وعاش بعده عشرين سنة وكان يذكر انه سمع من سبعين من التابعين
(قوله عن يحيى بن سعيد) في رواية غير أبي ذر حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري اسم جده قيس بن
عمرو وهو صحابي ويحيى من صغار التابعين وشيخه محمد بن إبراهيم بن الحرث بن خالد التيمي من
أوساط التابعين وشيخ محمد علقمة بن وقاص الليثي من كبارهم ففي الاسناد ثلاثة من التابعين في
نسق وفى المعرفة لابن منده ما ظاهره ان علقمة صحابي فلو ثبت لكان فيه تابعيان وصحابيان وعلى
رواية أبي ذر يكون قد اجتمع في هذا الاسناد أكثر الصيغ التي يستعملها المحدثون وهى التحديث
والاخبار والسماع والعنعنة والله أعلم وقد اعترض على المصنف في ادخاله حديث الأعمال هذا
في ترجمة بدء الوحي وانه لا تعلق له به أصلا بحيث ان الخطابي في شرحه والإسماعيلي في مستخرجه
أخرجاه قبل الترجمة لاعتقادهما انه انما أورده للتبرك به فقط واستصوب أبو القاسم بن منده
صنيع الإسماعيلي في ذلك وقال ابن رشيد لم يقصد البخاري بايراده سوى بيان حسن نيته فيه في
هذا التأليف وقد تكلفت مناسبته للترجمة فقال كل بحسب ما ظهر له انتهى وقد قيل إنه أراد ان
يقيمه مقام الخطبة للكتاب لان في سياقه ان عمر قاله على المنبر بمحضر الصحابة فإذا صلح ان يكون في
خطبة المنبر صلح أن يكون في خطبة الكتاب وحكى الملهب ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب به
حين قدم المدينة مهاجرا فناسب ايراده في بدء الوحي لان الأحوال التي كانت قبل الهجرة كانت
كالمقدمة لها لان بالهجرة افتتح الاذن في قتال المشركين ويعقبه النصر والظفر والفتح انتهى
وهذا وجه حسن الا انني لم أر ما ذكره من كونه صلى الله عليه وسلم خطب به أول ما هاجر منقولا
وقد وقع في باب ترك الحيل بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا أيها الناس انما
الأعمال بالنية الحديث ففي هذا ايماء إلى أنه كان في حال الخطبة أما كونه كان في ابتداء قدومه
7

إلى المدينة فلم أر ما يدل عليه ولعل قائله استند إلى ما روى في قصة مهاجر أم قيس قال ابن دقيق
العيد نقلوا ان رجلا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة وانما هاجر ليتزوج
امرأة تسمى أم قيس فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به انتهى وهذا لو صح
لم يستلزم البداءة بذكره أول الهجرة النبوية وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور قال
أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله هو ابن مسعود قال من هاجر يبتغى شيئا
فإنما له ذلك هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس ورواه
الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فابت
أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس وهذا اسناد صحيح على شرط
الشيخين لكن ليس فيه ان حديث الأعمال سيق بسبب ذلك ولم أر في شئ من الطرق ما يقتضى
التصريح بذلك وأيضا فلو أراد البخاري اقامته مقام الخطبة فقط إذ الابتداء به تيمنا وترغيبا في
الاخلاص لكان سياقه قبل الترجمة كما قال الإسماعيلي وغيره ونقل ابن بطال عن أبي عبد الله بن
النجار قال التبويب يتعلق بالآية والحديث معا لان الله تعالى أوحى إلى الأنبياء ثم إلى محمد صلى
الله عليه وسلم ان الأعمال بالنيات لقوله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وقال
أبو العالية في قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا قال وصاهم بالاخلاص في عبادته
وعن أبي عبد الملك البوني قال مناسبة الحديث للترجمة ان بدء الوحي كان بالنية لان الله تعالى فطر
محمدا على التوحيد وبغض إليه الأوثان ووهب له أول أسباب النبوة وهى الرؤيا الصالحة فلما
رأى ذلك أخلص إلى الله في ذلك فكان يتعبد بغار حرا فقبل الله عمله وأتم له النعمة وقال الملهب
ما محصله قصد البخاري الاخبار عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في حال منشئه وان الله بغض إليه
الأوثان وحبب إليه خلال الخير ولزوم الوحدة فرارا من قرناء السوء فلما لزم ذلك أعطاه الله على
قدر نيته ووهب له النبوة كما يقال الفواتح عنوان الخواتم ولخصه بنحو من هذا القاضي أبو بكر
ابن العربي وقال ابن المنير في أول التراجم كان مقدمة النبوة في حق النبي صلى الله عليه وسلم
الهجرة إلى الله تعالى بالخلوة في غار حراء فناسب الافتتاح بحديث الهجرة ومن المناسبات
البديعة الوجيزة ما تقدمت الإشارة إليه ان الكتاب لما كان موضوعا لجمع وحى السنة صدره ببدء
الوحي ولما كان الوحي لبيان الأعمال الشرعية صدره بحديث الأعمال ومع هذه المناسبات لا يليق
الجزم بأنه لا تعلق له بالترجمة أصلا والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم وقد تواتر النقل عن
الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث قال أبو عبد الله ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شئ
أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث واتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي فيما نقله
البويطي عنه وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني وحمزة الكناني
على أنه ثلث الاسلام ومنهم من قال ربعه واختلفوا في تعيين الباقي وقال ابن مهدي أيضا يدخل
في ثلاثين بابا من العلم وقال الشافعي يدخل في سبعين بابا ويحتمل ان يريد بهذا العدد المبالغة
وقال عبد الرحمن بن مهدي أيضا ينبغي ان يجعل هذا الحديث رأس كل باب ووجه البيهقي كونه
ثلث العلم بان كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها
لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها يحتاج إليها ومن ثم ورد نية المؤمن خير من عمله فإذا نظرت
8

إليها كانت خير الامرين وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم انه أحد القواعد
الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده وهى هذا ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
والحلال بين والحرام بين الحديث ثم إن هذا الحديث متفق على صحته أخرجه الأئمة
المشهورون الا الموطأ ووهم من زعم أنه في الموطأ مغترا بتخريج الشيخين له والنسائي من طريق
مالك وقال أبو جعفر الطبري قد يكون هذا الحديث على طريقة بعض الناس مردودا لكونه
فردا لا انه لا يروى عن عمر الا من رواية علقمة ولا عن علقمة الا من رواية محمد بن إبراهيم ولا عن
محمد بن إبراهيم الا من رواية يحيى بن سعيد وهو كما قال فإنه انما اشتهر عن يحيى بن سعيد وتفرد به
من فوقه وبذلك جزم الترمذي والنسائي والبزار وابن السكن وحمزة بن محمد الكناني وأطلق
الخطابي نفى الخلاف بين أهل الحديث في أنه لا يعرف الا بهذا الاسناد وهو كما قال لكن بقيدين
أحدهما الصحة لأنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدارقطني وأبو القاسم بن منده وغيرهما ثانيهما
السياق لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية كحديث عائشة وأم سلمة عند مسلم
يبعثون على نياتهم وحديث ابن عباس ولكن جهاد ونية وحديث أبي موسى من قاتل
لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله متفق عليهما وحديث ابن مسعود رب قتيل بين
الصفين الله أعلم بنيته أخرجه أحمد وحديث عبادة من غزا وهو لا ينوى الا عقالا فله ما نوى
أخرجه النسائي إلى غير ذلك مما يتعسر حصره وعرف بهذا التقرير غلط من زعم أن حديث عمر
متواتر الا ان حمل على التواتر المعنوي فيحتمل نعم قد تواتر عن يحيى بن سعيد فحكى محمد بن علي بن
سعيد النقاش الحافظ انه رواه عن يحيى مائتان وخمسون نفسا وسرد أسماءهم أبو القاسم بن
منده فجاوز الثلثمائة وروى أبو موسى المديني عن بعض مشايخه مذاكرة عن الحافظ أبى
إسماعيل الأنصاري الهروي قال كتبته من حديث سبعمائة من أصحاب يحيى (قلت) وأنا
أستبعد صحة هذا فقد تتبعت طرقه من الروايات المشهورة والأجزاء المنثورة منذ طلبت
الحديث إلى وقتي هذا فما قدرت على تكميل المائة وقد تتبعت طرق غيره فزادت على ما نقل
عمن تقدم كما سيأتي مثال لذلك في الكلام على حديث ابن عمر في غسل الجمعة إن شاء الله تعالى
(قوله على المنبر) بكسر الميم واللام للعهد أي منبر المسجد النبوي ووقع في رواية حماد بن زيد
عن يحيى في ترك الحيل سمعت عمر يخطب (قوله انما الأعمال بالنيات) كذا أورد هنا وهو من
مقابلة الجمع بالجمع أي كل عمل بنيته وقال الخويي كأنه أشار بذلك إلى أن النية تتنوع كما
تتنوع الأعمال كمن قصد بعمله وجه الله أو تحصيل موعوده أو الاتقاء لوعيده ووقع في معظم
الروايات بافراد النية ووجهه ان محل النية القلب وهو متحد فناسب افرادها بخلاف الأعمال
فإنها متعلقة بالظواهر وهى متعددة فناسب جمعها ولان النية ترجع إلى الاخلاص وهو واحد
للواحد الذي لا شريك له ووقع في صحيح ابن حبان بلفظ الأعمال بالنيات بحذف انما وجمع
الأعمال والنيات وهى ما وقع في كتاب الشهاب للقضاعي ووصله في مسنده كذلك وانكره
أبو موسى المديني كما نقله النووي وأقره وهو متعقب برواية ابن حبان بل وقع في رواية مالك عن
يحيى عند البخاري في كتاب الايمان بلفظ الأعمال بالنية وكذا في العتق من رواية الثوري وفى
الهجرة من رواية حماد بن زيد ووقع عنده في النكاح بلفظ العمل بالنية بافراد كل
9

منهما والنية بكسر النون وتشديد التحتانية على المشهور وفى بعض اللغات بتخفيفها قال
الكرماني قوله انما الأعمال بالنيات هذا التركيب يفيد الحصر عند المحققين واختلف في
وجه إفادته فقيل لان الأعمال جمع محلى بالألف واللام مفيد للاستغراق وهو مستلزم للقصر
لان معناه كل عمل بنية فلا عمل الا بنية وقيل لان انما للحصر وهل إفادتها له بالمنطوق أو بالمفهوم
أو تفيد الحصر بالوضع أو العرف أو تفيده بالحقيقة أو بالمجاز ومقتضى كلام الامام واتباعه
أنها تفيده بالمنطوق وضعا حقيقيا بل نقله شيخنا شيخ الاسلام عن جميع أهل الأصول
من المذاهب الأربعة الا اليسير كالآمدي وعلى العكس من ذلك أهل العربية واحتج بعضهم
بأنها لو كانت للحصر لما حسن انما قام زيد في جواب هل قام عمرو أجيب بأنه يصح انه يقع في
مثل هذا الجواب ما قام الا زيد وهى للحصر اتفاقا وقيل لو كانت للحصر لاستوى انما قام زيد مع
ما قام الا زيد ولا تردد في أن الثاني أقوى من الأول وأجيب بأنه لا يلزم من هذه القوة نفى الحصر
فقد يكون أحد اللفظين أقوى من الآخر مع اشتراكهما في أصل الوضع كسوف والسين وقد
وقع استعمال انما موضع استعمال النفي والاستثناء كقوله تعالى انما تجزون ما كنتم تعملون
وكقوله وما تجزون الا ما كنتم تعملون وقوله انما على رسولنا البلاغ المبين وقوله ما على
الرسول الا البلاغ ومن شواهده قول الأعشى
ولست بالأكثر منهم حصى * وانما العزة للكاثر
يعنى ما ثبتت العزة الا لمن كان أكثر حصى واختلفوا هل هي بسيطه أو مركبة فرجحوا الأول وقد
يرجح الثاني ويجاب عما أورد عليه من قولهم إن للاثبات وما للنفي فيستلزم اجتماع المتضادين
على صدد واحد بأن يقال مثلا أصلهما كان للاثبات والنفي لكنهما بعد التركيب لم يبقيا على
أصلهما بل أفادا شيئا آخر أشار إلى ذلك الكرماني قال وأما قول من قال إفادة هذا السياق للحصر
من جهة ان فيه تأكيدا بعد تأكيد فهو المستفاد من انما ومن الجمع فمتعقب بأنه من باب ايهام
العكس لان قائله لما رأى أن الحصر فيه تأكيد على تأكيد ظن أن كل ما وقع كذلك يفيد الحصر
وقال ابن دقيق العيد استدل على إفادة انما للحصر بان ابن عباس استدل على أن الربا لا يكون الا
في النسيئة بحديث انما الربا في النسيئة وعارضه جماعة من الصحابة في الحكم ولم يخالفوه في
فهمه فكان كالاتفاق منهم على انها تفيد الحصر وتعقب باحتمال أن يكونوا تركوا المعارضة
بذلك تنزلا وأما من قال يحتمل أن يكون اعتمادهم على قوله لا ربا الا في النسيئة لورود ذلك في بعض
طرق الحديث المذكور فلا يفيد ذلك في رد إفادة الحصر بل يقويه ويشعر بان مفاد الصيغتين
عندهم واحد والا لما استعملوا هذه موضع هذه وأوضح من هذا حديث انما الماء من الماء فان
الصحابة الذين ذهبوا إليه لم يعارضهم الجمهور في فهم الحصر منه وانما عارضهم في الحكم من أدلة
أخرى كحديث إذا التقى الختانان وقال ابن عطية انما لفظ لا يفارقه المبالغة والتأكيد حيث
وقع ويصلح مع ذلك للحصر ان دخل في قصة ساعدت عليه فجعل وروده للحصر مجازا يحتاج إلى
قرينة وكلام غيره على العكس من ذلك وان أصل ورودها للحصر لكن قد يكون في شئ مخصوص
كقوله تعالى انما الله اله واحد فإنه سيق باعتبار منكري الوحدانية والا فلله سبحانه صفات
أخرى كالعلم والقدرة وكقوله تعالى انما أنت منذر فإنه سيق باعتبار منكري الرسالة والا فله صلى
10

الله عليه وسلم صفات أخرى كالبشارة إلى غير ذلك من الأمثلة وهى فيما يقال السبب في قول من
منع إفادتها للحصر مطلقا * (تكميل) * الأعمال تقتضى عاملين والتقدير الأعمال الصادرة من
المكلفين وعلى هذا هل يخرج أعمال الكفار الظاهر الاخراج لان المراد بالاعمال أعمال العبادة
وهى لا تصح من الكافر وإن كان مخاطبا بها معاقبا على تركها ولا يرد العتق والصدقة لأنهما
بدليل آخر (قوله بالنيات) الباء للمصاحبة ويحتمل أن تكون للسببية بمعنى انها مقومة للعمل
فكأنها سبب في ايجاده وعلى الأول فهي من نفس العمل فيشترط ان لا تتخلف عن أوله قال
النووي النية القصد وهى عزيمة القلب وتعقبه الكرماني بأن عزيمة القلب قدر زائد على أصل
القصد واختلف الفقهاء هل هي ركن أو شرط والمرجح ان ايجادها ذكرا في أول العمل ركن
واستصحابها حكما بمعنى ان لا يأتي بمناف شرعا شرط ولا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور
فقيل تعتبر وقيل تكمل وقيل تصح وقيل تحصل وقيل تستقر قال الطيبى كلام الشارع
محمول على بيان الشرع لان المخاطبين بذلك هم أهل اللسان فكأنهم خوطبوا بما ليس لهم به علم
الا من قبل الشارع فيتعين الحمل على ما يفيد الحكم الشرعي وقال البيضاوي النية عبارة عن
انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا والشرع خصصه
بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضاء الله وامتثال حكمه والنية في الحديث محمولة على المعنى
اللغوي ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه أحوال المهاجر فإنه تفصيل لما أجمل والحديث
متروك الظاهر لان الذوات غير منتفية إذ التقدير لا عمل الا بالنية فليس المراد نفى ذات العمل
لأنه قد يوجد بغير نية بل المراد نفى أحكامها كالصحة والكمال لكن الحمل على نفى الصحة أولى لأنه
أشبه بنفي الشئ نفسه ولان اللفظ دل على نفى الذات بالتصريح وعلى نفى الصفات بالتبع فلما
منع الدليل نفى الذات بقيت دلالته على نفى الصفات مستمرة وقال شيخنا شيخ الاسلام الأحسن
تقدير ما يقتضى ان الأعمال تتبع النية لقوله في الحديث فمن كانت هجرته إلى آخره وعلى هذا
يقدر المحذوف كونا مطلقا من اسم فاعل أو فعل ثم لفظ العمل يتناول فعل الجوارح حتى
اللسان فتدخل الأقوال قال ابن دقيق العيد وأخرج بعضهم الأقوال وهو بعيد ولا تردد
عندي في أن الحديث يتناولها وأما التروك فهي وإن كانت فعل كف لكن لا يطلق عليها لفظ
العمل وقد تعقب على من يسمى القول عملا لكونه عمل اللسان بأن من حلف لا يعمل عملا فقال
قولا لا يحنث وأجيب بان مرجع اليمين إلى العرف والقول لا يسمى عملا في العرف ولهذا
يعطف عليه والتحقيق أن القول لا يدخل في العمل حقيقة ويدخل مجازا وكذا الفعل لقوله
تعالى ولو شاء ربك ما فعلوه بعد قوله زخرف القول وأما عمل القلب كالنية ولا يتناولها الحديث
لئلا يلزم التسلسل والمعرفة وفى تناولها نظر قال بعضهم هو محال لأن النية قصد المنوى وانما
يقصد المرء ما يعرف فيلزم أن يكون عارفا قبل المعرفة وتعقبه شيخنا شيخ الاسلام سراج الدين
البلقيني بما حاصله إن كان المراد بالمعرفة مطلق الشعور فمسلم وإن كان المراد النظر في الدليل فلا
لان كل ذي عقل يشعر مثلا بان له من يدبره فإذا أخذ في النظر في الدليل عليه ليتحققه لم تكن النية
حينئذ محالا وقال ابن دقيق العيد الذين اشترطوا النية قدروا صحة الأعمال والذين لم يشترطوها
قدروه كمال الأعمال ورجح الأول بان الصحة أكثر لزوما للحقيقة من الكمال فالحمل عليها أولى وفى
11

هذا الكلام ايهام ان بعض العلماء لا يرى باشتراط النية وليس الخلاف بينهم في ذلك الا في الوسائل
وأما المقاصد فلا اختلاف بينهم في اشتراط النية لها ومن ثم خالف الحنفية في اشتراطها للوضوء
وخالف الأوزاعي في اشتراطها في التيمم أيضا نعم بين العلماء اختلاف في اقتران النية بأول العمل كما
هو معروف في مبسوطات الفقه * (تكميل) * الظاهر أن الألف واللام في النيات معاقبة للضمير
والتقدير الأعمال بنياتها وعلى هذا فيدل على اعتبار نية العمل من كونه مثلا صلاة أو غيرها ومن
كونها فرضا أو نفلا ظهرا مثلا أو عصرا مقصورة أو غير مقصورة وهل يحتاج في مثل هذا إلى
تعيين العدد فيه بحث والراجح الاكتفاء بتعيين العبادة التي لا تنفك عن العدد المعين كالمسافر
مثلا ليس له أن يقصر الا بنية القصر لكن لا يحتاج إلى نية ركعتين لان ذلك هو مقتضى القصر
والله أعلم (قوله وانما لكل امرئ ما نوى) قال القرطبي فيه تحقيق لاشتراط النية والاخلاص
في الأعمال فجنح إلى أنها مؤكدة وقال غيره بل تفيد غير ما أفادته الأولى لان الأولى نبهت على أن
العمل يتبع النية ويصاحبها فيترتب الحكم على ذلك والثانية أفادت ان العامل لا يحصل
له الا ما نواه وقال ابن دقيق العيد الجملة الثانية تقتضى ان من نوى شيئا يحصل له يعنى إذا عمله
بشرائطه أو حال دون عمله له ما يعذر شرعا بعدم عمله وكل ما لم ينوه لم يحصل له ومراده بقوله ما لم
ينوه أي لا خصوصا ولا عموما أما إذا لم ينو شيئا مخصوصا لكن كانت هناك نية عامة تشمله فهذا
مما اختلف فيه انظار العلماء ويتخرج عليه من المسائل ما لا يحصى وقد يحصل غير المنوى
لمدرك آخر كمن دخل المسجد فصلى الفرض أو الراتبة قبل أن يقعد فإنه يحصل له تحية
المسجد نواها أو لم ينوها لان القصد بالتحية شغل البقعة وقد حصل وهذا بخلاف من اغتسل يوم
الجمعة عن الجنابة فإنه لا يحصل له غسل الجمعة على الراجح لان غسل الجمعة ينظر فيه إلى التعبد
لا إلى محض التنظيف فلا بد فيه من القصد إليه بخلاف تحية المسجد والله أعلم وقال النووي
أفادت الجملة الثانية اشتراط تعيين المنوى كمن عليه صلاة فائتة لا يكفيه ان ينوى الفائتة فقط
حتى يعينها ظهرا مثلا أو عصرا ولا يخفى ان محله ما إذا لم تنحصر الفائتة وقال ابن السمعاني
في أماليه أفادت ان الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب الا إذا نوى بها فاعلها القربة
كالأكل إذا نوى به القوة على الطاعة وقال غيره أفادت ان النيابة لا تدخل في النية فان ذلك هو
الأصل فلا يرد مثل نية الولي عن الصبى ونظائره فإنها على خلاف الأصل وقال ابن عبد السلام
الجملة الأولى لبيان ما يعتبر من الأعمال والثانية لبيان ما يترتب عليها وأفاد ان النية انما تشترط
في العبادة التي لا تتميز بنفسها وأما ما يتميز بنفسه فإنه ينصرف بصورته إلى ما وضع له كالاذكار
والأدعية والتلاوة لأنها لا تتردد بين العبادة والعادة ولا يخفى ان ذلك انما هو بالنظر إلى أصل
الوضع أما ما حدث فيه عرف كالتسبيح للتعجب فلا ومع ذلك فلو قصد بالذكر القربة إلى الله تعالى
لكان أكثر ثوابا ومن ثم قال الغزالي حركة اللسان بالذكر مع الغفلة عنه تحصل الثواب لأنه خير
من حركة اللسان بالغيبة بل هو خير من السكوت مطلقا أي المجرد عن التفكر قال وانما هو ناقص
بالنسبة إلى عمل القلب انتهى ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بضع أحدكم صدقة ثم قال في
الجواب عن قولهم أيأتى أحدنا شهوته ويؤجر أرأيت لو وضعها في حرام وأورد على اطلاق
الغزالي انه يلزم منه ان المرء يثاب على فعل مباح لأنه خير من فعل الحرام وليس ذلك مراده وخص
12

من عموم الحديث ما يقصد حصوله في الجملة فإنه لا يحتاج إلى نية تخصه كتحية المسجد كما تقدم
وكمن مات زوجها فلم يبلغها الخبر الا بعد مدة العدة فان عدتها تنقضى لان المقصود حصول براءة
الرحم وقد وجدت ومن ثم لم يحتج المتروك إلى نية ونازع الكرماني في اطلاق الشيخ محيي الدين
كون المتروك لا يحتاج إلى نية بان الترك فعل وهو كف النفس وبان التروك إذا أريد بها تحصيل
الثواب بامتثال أمر الشارع فلا بد فيها من قصد الترك وتعقب بان قوله الترك فعل مختلف فيه
ومن حق المستدل على المانع أن يأتي بأمر متفق عليه وأما استدلاله الثاني فلا يطابق المورد
لان المبحوث فيه هل تلزم النية في التروك بحيث يقع العقاب بتركها والذي أورده هل يحصل
الثواب بدونها والتفاوت بين المقامين ظاهر والتحقيق ان الترك المجرد لا ثواب فيه وانما يحصل
الثواب بالكف الذي هو فعل النفس فمن لم تخطر المعصية بباله أصلا ليس كمن خطرت فكف
نفسه عنها خوفا من الله تعالى فرجع الحال إلى أن الذي يحتاج إلى النية هو العمل بجميع وجوهه
لا الترك المجرد والله أعلم * (تنبيه) * قال الكرماني إذا قلنا إن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد
القصر ففي قوله وانما لكل امرئ ما نوى نوعان من الحصر قصر المسند على المسند إليه إذ المراد
انما لكل امرئ ما نواه والتقديم المذكور (قوله فمن كانت هجرته إلى) دنيا كذا وقع في
جميع الأصول التي اتصلت لنا عن البخاري بحذف أحد وجهي التقسيم وهو قوله فمن كانت
هجرته إلى الله ورسوله إلى آخره قال الخطابي وقع هذا الحديث في روايتنا وجميع نسخ أصحابنا
مخروما قد ذهب شطره ولست أدرى كيف وقع هذا الاغفال ومن جهة من عرض من رواته
فقد ذكره البخاري من غير طريق الحميدي مستوفى وقد رواه لنا الأثبات من طريق الحميدي تاما
ونقل ابن التين كلام الخطابي مختصرا وفهم من قوله مخروما انه قد يريد ان في السند انقطاعا فقال
من قبل نفسه لان البخاري لم يلق الحميدي وهو مما يتعجب من اطلاقه مع قول البخاري حدثنا
الحميدي وتكرار ذلك منه في هذا الكتاب وجزم كل من ترجمه بان الحميدي من شيوخه في الفقه
والحديث وقال ابن العربي في مشيخته لا عذر للبخاري في اسقاطه لان الحميدي شيخه فيه قد
رواه في مسنده على التمام قال وذكر قوم انه لعله استملاه من حفظ الحميدي فحدثه هكذا فحدث
عنه كما سمع أو حدث به تاما فسقط من حفظ البخاري قال وهو أمر مستبعد جدا عند من اطلع
على أحوال القوم وقال الداودي الشارح الاسقاط فيه من البخاري فوجوده في رواية شيخه
وشيخ شيخه يدل على ذلك انتهى وقد رويناه من طريق بشر بن موسى وأبى إسماعيل الترمذي
وغير واحد عن الحميدي تاما وهو في مصنف قاسم بن أصبغ ومستخرجي أبى نعيم على الصحيحين
وصحيح أبى عوانة من طريق الحميدي فإن كان الاسقاط من غير البخاري فقد يقال لم اختار
الابتداء بهذا السياق الناقص والجواب قد تقدمت الإشارة إليه وانه اختار الحميدي لكونه
أجل مشايخه المكيين إلى آخر ما تقدم في ذلك من المناسبة وإن كان الاسقاط منه فالجواب
ما قاله أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ في أجوبة له على البخاري ان أحسن ما يجاب به هنا ان
يقال لعل البخاري قصد ان يجعل لكتابه صدرا يستفتح به على ما ذهب إليه كثير من الناس من
استفتاح كتبهم بالخطب المتضمنة لمعاني ما ذهبوا إليه من التأليف فكانه ابتدأ كتابه بنية رد علمها
إلى الله فان علم منه انه أراد الدنيا أو عرض إلى شئ من معانيها فسيجزيه بنيته ونكب عن أحد
13

وجهي التقسيم مجانبة للتزكية التي لا يناسب ذكرها في ذلك المقام انتهى ملخصا وحاصله
ان الجملة المحذوفة تشعر بالقربة المحضة والجملة المبقاة تحتمل التردد بين أن يكون ما قصده يحصل
القربة أولا فلما كان المصنف كالمخبر عن حال نفسه في تصنيفه هذا بعبارة هذا الحديث حذف
الجملة المشعرة بالقربة المحضة فرارا من التزكية وبقى الجملة المترددة المحتملة تفويضا للامر إلى
ربه المطلع على سريرته المجازى له بمقتضى نيته ولما كانت عادة المصنفين أن يضمنوا الخطب
اصطلاحهم في مذاهبهم واختياراتهم وكان من رأى المصنف جواز اختصار الحديث والرواية
بالمعنى والتدقيق في الاستنباط وايثار الأغمض على الاجلى وترجيح الاسناد الوارد بالصيغ
المصرحة بالسماع على غيره استعمل جميع ذلك في هذا الموضع بعبارة هذا الحديث متنا واسنادا
وقد وقع في رواية حماد بن زيد في باب الهجرة تأخر قوله فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله عن قوله
فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها فيحتمل أن تكون رواية الحميدي وقعت عند البخاري كذلك
فتكون الجملة المحذوفة هي الأخيرة كما جرت به عادة من يقتصر على بعض الحديث وعلى تقدير
أن لا يكون ذلك فهو مصير من البخاري إلى جواز الاختصار في الحديث ولو من أثنائه وهذا هو
الراجح والله أعلم وقال الكرماني في غير هذا الموضع إن كان الحديث عند البخاري تاما لم خرمه
في صدر الكتاب مع أن الخرم مختلف في جوازه (قلت) لا جزم بالخرم لان المقامات مختلفة فلعله
في مقام بيان ان الايمان بالنية واعتقاد القلب سمع الحديث تاما وفى مقام ان الشروع في الأعمال
انما يصح بالنية سمع ذلك القدر الذي روى ثم الخرم يحتمل أن يكون من بعض شيوخ البخاري
لا منه ثم إن كان منه فخرمه ثم لان المقصود يتم بذلك المقدار (فان قلت) فكان المناسب أن يذكر
عند الخرم الشق الذي يتعلق بمقصوده وهو أن النية ينبغي أن تكون لله ورسوله (قلت) لعله نظر
إلى ما هو الغالب الكثير بين الناس انتهى وهو كلام من لم يطلع على شئ من أقوال من قدمت
ذكره من الأئمة على هذا الحديث ولا سيما كلام ابن العربي وقال في موضع آخر ان ايراد الحديث
تاما تارة وغير تام تارة انما هو من اختلاف الرواة فكل منهم قد روى ما سمعه فلا خرم من أحد
ولكن البخاري يذكرها في المواضع التي يناسب كلا منها بحسب الباب الذي يضعه ترجمة له
انتهى وكأنه لم يطلع على حديث أخرجه البخاري بسند واحد من ابتدائه إلى انتهائه فساقه
في موضع تاما وفى موضع مقتصرا على بعضه وهو كثير جدا في الجامع الصحيح فلا يرتاب من يكون
الحديث صناعته ان ذلك من تصرفه لأنه عرف بالاستقراء من صنيعه انه لا يذكر الحديث الواحد
في موضعين على وجهين بل إن كان له أكثر من سند على شرطه ذكره في الموضع الثاني بالسند الثاني
وهكذا ما بعده وما لم يكن على شرطه يعلقه في الموضع الآخر تارة بالجزم إن كان صحيحا وتارة بغيره
إن كان فيه شئ وما ليس له الا سند واحد يتصرف في متنه بالاقتصار على بعضه بحسب ما يتفق ولا
يوجد فيه حديث واحد مذكور بتمامه سندا ومتنا في موضعين أو أكثر الا نادرا فقد عنى بعض
من لقيته يتبع ذلك فحصل منه نحو عشرين موضعا (قوله هجرته) الهجرة الترك والهجرة إلى
الشئ الانتقال إليه عن غيره وفى الشرع ترك ما نهى الله عنه وقد وقعت في الاسلام على وجهين
* الأول الانتقال من دار الخوف إلى دار الامن كما في هجرتي الحبشة وابتداء الهجرة من مكة
إلى المدينة * الثاني الهجرة من دار الكفر إلى دار الايمان وذلك بعد ان استقر النبي صلى الله
14

عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين وكانت الهجرة إذ ذاك تختص
بالانتقال إلى المدينة إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص وبقى عموم الانتقال من دار الكفر
لمن قدر عليه باقيا فان قيل الأصل تغاير الشرط والجزاء فلا يقال مثلا من أطاع أطاع وانما
يقال مثلا من أطاع نجا وقد وقعا في هذا الحديث متحدين فالجواب ان التغاير يقع تارة باللفظ
وهو الأكثر وتارة بالمعنى ويفهم ذلك من السياق ومن أمثلته قوله تعالى ومن تاب وعمل
صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا وهو مؤول على إرادة المعهود المستقر في النفس كقولهم أنت
أنت أي الصديق الخالص وقولهم هم هم أي الذين لا يقدر قدرهم وقول الشاعر
* أنا أبو النجم وشعرى شعري * أو هو مؤول على إقامة السبب مقام المسبب لاشتهار
السبب وقال ابن مالك قد يقصد بالخبر الفرد بيان الشهرة وعدم التغير فيتحد بالمبتدأ لفظا
كقول الشاعر
خليلي خليلي دون ريب وربما * ألان امرء قولا فظن خليلا
وقد يفعل مثل هذا بجواب الشرط كقولك من قصدني فقد قصدني أي فقد قصد من عرف
بانجاح قاصده وقال غيره إذا اتحد لفظ المبتدا والخبر والشرط والجزاء علم منهما المبالغة اما في
التعظيم واما في التحقير (قوله إلى دنيا) بضم الدال وحكى ابن قتيبة كسرها وهى فعلى من الدنو
أي القرب سميت بذلك لسبقها للأخرى وقيل سميت دنيا لدنوها إلى الزوال واختلف في
حقيقتها فقيل ما على الأرض من الهواء والجو وقيل كل المخلوقات من الجواهر والاعراض
والأول أولى لكن يزاد فيه مما قبل قيام الساعة ويطلق على كل جزء منها مجازا ثم إن لفظها
مقصور غير منون وحكى تنوينها وعزاه ابن دحية إلى رواية أبى الهيثم الكشميهني وضعفها
وحكى عن بن مغور أن أبا ذر الهروي في آخر أمره كان يحذف كثيرا من رواية أبى الهيثم حيث
ينفرد لأنه لم يكن من أهل العلم (قلت) وهذا ليس على اطلاقه فان في رواية أبى الهيثم مواضع
كثيرة أصوب من رواية غيره كما سيأتي مبينا في مواضعه وقال التيمي في شرحه قوله دنيا هو
تأنيث الأدنى ليس بمصروف لاجتماع الوصفية ولزوم حرف التأنيث وتعقب بأن لزوم التأنيث
للألف المقصورة كاف في عدم الصرف وأما الوصفية فقال ابن مالك استعمال دنيا منكرا فيه
اشكال لأنها أفعل التفضيل فكان من حقها أن تستعمل باللام كالكبرى والحسنى قال
الا انها خلعت عنها الوصفية وأجريت مجرى ما لم يكن وصفا قط ومثله قول الشاعر
وان دعوت إلى جلى ومكرمة * يوما سراة كرام الناس فادعينا
وقال الكرماني قوله إلى يتعلق بالهجرة إن كان لفظ كانت تامة أو هو خبر لكانت إن كانت ناقصة ثم أورد ما محصله ان لفظ كان إن كان للامر الماضي فلا يعلم ما الحكم بعد صدور هذا القول في
ذلك وأجاب بأنه يجوز أن يراد بلفظ كان الوجود من غير تقييد بزمان أو يقاس المستقبل على
الماضي أو من جهة ان حكم المكلفين سواء (قوله يصيبها) أي يحصلها لان تحصيلها كإصابة
الغرض بالسهم بجامع حصول المقصود (قوله أو امرأة) قيل التنصيص عليها من الخاص بعد
العام للاهتمام به وتعقبه النووي بان لفظ دنيا نكرة وهى لا تعم في الاثبات فلا يلزم دخول المرأة
فيها وتعقب بكونها في سياق الشرط فتعم ونكتة الاهتمام الزيادة في التحذير لان الافتتان بها
15

أشد وقد تقدم النقل عمن حكى ان سبب هذا الحديث قصة مهاجر أم قيس ولم نقف على تسميته
ونقل ابن دحية ان اسمها قيلة بقاف مفتوحة ثم تحتانية ساكنة وحكى ابن بطال عن ابن سراج ان
السبب في تخصيص المرأة بالذكر ان العرب كانوا لا يزوجون المولى العربية ويراعون الكفاءة
في النسب فلما جاء الاسلام سوى بين المسلمين في مناكحتهم فهاجر كثير من الناس إلى المدينة
ليتزوج بها من كان لا يصل إليها قبل ذلك انتهى ويحتاج إلى نقل ثابت ان هذا المهاجر كان
مولى وكانت المرأة عربية وليس ما نفاه عن العرب على اطلاقه بل قد زوج خلق كثير منهم
جماعة من مواليهم وحلفائهم قبل الاسلام واطلاقه ان الاسلام أبطل الكفاءة في مقام المنع
(قوله فهجرته إلى ما هاجر إليه) يحتمل أن يكون ذكره بالضمير ليتناول ما ذكر من المرأة وغيرها
وانما أبرز الضمير في الجملة التي قبلها وهى المحذوفة لقصد الالتذاذ بذكر الله ورسوله وعظم
شأنهما بخلاف الدنيا والمرأة فان السياق يشعر بالحث على الاعراض عنهما وقال الكرماني
يحتمل أن يكون قوله إلى ما هاجر إليه متعلقا بالهجرة فيكون الخبر محذوفا والتقدير قبيحة أو غير
صحيحة مثلا ويحتمل أن يكون خبر فهجرته والجملة خبر المبتدا الذي هو من كانت انتهى وهذا
الثاني هو الراجح لان الأول يقتضى ان تلك الهجرة مذمومة مطلقا وليس كذلك الا ان حمل على
تقدير شئ يقتضى التردد أو القصور عن الهجرة الخالصة كمن نوى بهجرته مفارقة دار الكفر
وتزوج المرأة معا فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة
وانما أشعر السياق بذم من فعل ذلك بالنسبة إلى من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة فأما من
طلبها مضمومة إلى الهجرة فإنه يثاب على قصد الهجرة لكن دون ثواب من أخلص وكذا من
طلب التزويج فقط لا على صورة الهجرة إلى الله لأنه من الامر المباح الذي قد يثاب فاعله إذا
قصد به القربة كالاعفاف ومن أمثلة ذلك ما وقع في قصة اسلام أبى طلحة فيما رواه النسائي عن
أنس قال تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الاسلام أسلمت أم سليم قبل أبى طلحة
فخطبها فقالت انى قد أسلمت فان أسلمت تزوجتك فأسلم فتزوجته وهو محمول على أنه رغب في
الاسلام ودخله من وجهه وضم إلى ذلك إرادة التزويج المباح فصار كمن نوى بصومه العبادة والحمية
أو بطوافه العبادة وملازمة الغريم واختار الغزالي فيما يتعلق بالثواب انه إن كان القصد الدنيوي
هو الأغلب لم يكن فيه أجر أو الديني أجر بقدره وان تساويا فتردد القصد بين الشيئين فلا أجر وأما
إذا نوى العبادة وخالطها شئ مما يغاير الاخلاص فقد نقل أبو جعفر بن جرير الطبري عن
جمهور السلف ان الاعتبار بالابتداء فإن كان في ابتدائه لله خالصا لم يضره ما عرض له بعد ذلك
من اعجاب وغيره والله أعلم واستدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز الاقدام على العمل قبل
معرفة الحكم لان فيه ان العمل يكون منتفيا إذا خلا عن النية ولا يصح نية فعل الشئ الا بعد
معرفة حكمه وعلى أن الغافل لا تكليف عليه لان القصد يستلزم العلم بالمقصود والغافل غير
قاصد وعلى أن من صام تطوعا بنية قبل الزوال أن لا يحسب له الا من وقت النية وهو مقتضى
الحديث لكن تمسك من قال بانعطافها بدليل اخر ونظيره حديث من أدرك من الصلاة ركعة فقد
أدركها أي أدرك فضيلة الجماعة أو الوقت وذلك بالانعطاف الذي اقتضاه فضل الله تعالى وعلى
أن الواحد الثقة إذا كان في مجلس جماعة ثم ذكر عن ذلك المجلس شيئا لا يمكن غفلتهم عنه ولم
16

يذكره غيره ان ذلك لا يقدح في صدقه خلافا لمن أعل بذلك لان علقمة ذكر أن عمر خطب به على
المنبر ثم لم يصح من جهة أحد عنه غير علقمة واستدل بمفهومه على أن ما ليس بعمل لا تشترط
النية فيه * ومن أمثلة ذلك جمع التقديم فان الراجح من حيث النظر أنه لا يشترط له نية بخلاف
ما رجحه كثير من الشافعية وخالفهم شيخنا شيخ الاسلام وقال الجمع ليس بعمل وانما العمل
الصلاة ويقوى ذلك أنه عليه الصلاة والسلام جمع في غزوة تبوك ولم يذكر ذلك للمأمومين الذين
معه ولو كان شرطا لأعلمهم به واستدل به على أن العمل إذا كان مضافا إلى سبب ويجمع
متعدده جنس أن نية الجنس تكفى كمن أعتق عن كفارة ولم يعين كونها عن ظهار أو غيره لان معنى
الحديث ان الأعمال بنياتها والعمل هنا القيام بالذي يخرج عن الكفارة اللازمة وهو غير محوج
إلى تعيين سبب وعلى هذا لو كانت عليه كفارة وشك في سببها أجزأه اخراجها بغير تعيين وفيه زيادة
النص على السبب لان الحديث سيق في قصة المهاجر لتزويج المرأة فذكر الدنيا مع القصة زيادة في
التحذير والتنفير وقال شيخنا شيخ الاسلام فيه اطلاق العام وإن كان سببه خاصا فيستنبط منه
الإشارة إلى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وسيأتى ذكر كثير من فوائد هذا الحديث
في كتاب الايمان حيث قال المصنف في الترجمة فدخل فيه العبادات والاحكام إن شاء الله تعالى
وبالله التوفيق * (الحديث الثاني) * من أحاديث بدء الوحي (قوله حدثنا عبد الله بن يوسف)
هو التنيسي كان نزل تنيس من عمل مصر وأصله دمشقي وهو من أتقن الناس في الموطأ كذا
وصفه يحيى بن معين (قوله أم المؤمنين) هو مأخوذ من قوله تعالى و أزواجه أمهاتهم أي في
الاحترام وتحريم نكاحهن لا في غير ذلك مما اختلف فيه على الراجح وانما قيل للواحدة منهن أم
المؤمنين للتغليب والا فلا مانع من أن يقال لها أم المؤمنات على الراجح (قوله إن الحرث بن
هشام) هو المخزومي أخو أبى جهل شقيقه أسلم يوم الفتح وكان من فضلاء الصحابة واستشهد في
فتوح الشام (قوله سأل) هكذا رواه أكثر الرواة عن هشام بن عروة فيحتمل أن تكون عائشة
حضرت ذلك وعلى هذا اعتمد أصحاب الأطراف فأخرجوه في مسند عائشة ويحتمل أن يكون
الحرث أخبرها بذلك بعد فيكون من مرسل الصحابة وهو محكوم بوصله عند الجمهور وقد جاء
ما يؤيد الثاني ففي مسند أحمد ومعجم البغوي وغيرهما من طريق عامر بن صالح الزبيري عن
هشام عن أبيه عن عائشة عن الحرث بن هشام قال سألت وعامر فيه ضعف لكن وجدت له
متابعا عند ابن منده والمشهور الأول (قوله كيف يأتيك الوحي) يحتمل أن يكون المسؤول عنه
صفة الوحي نفسه ويحتمل أن يكون صفة حامله أو ما هو أعم من ذلك وعلى كل تقدير فاسناد
الاتيان إلى الوحي مجاز لان الاتيان حقيقة من وصف حامله واعترض الإسماعيلي فقال هذا
الحديث لا يصلح لهذه الترجمة وانما المناسب لكيف بدء الوحي الحديث الذي بعده وأما هذا فهو
لكيفية اتيان الوحي لا لبدء الوحي اه‍ قال الكرماني لعل المراد منه السؤال عن كيفية
ابتداء الوحي أو عن كيفية ظهور الوحي فيوافق ترجمة الباب (قلت) سياقه يشعر بخلاف
ذلك لاتيانه بصيغة المستقيل دون الماضي لكن يمكن أن يقال إن المناسبة تظهر من الجواب لان
فيه إشارة إلى انحصار صفة الوحي أو صفة حامله في الامرين فيشمل حالة الابتداء وأيضا فلا أثر
للتقديم والتأخير هنا ولو لم تظهر المناسبة فضلا عن انا قدمنا أنه أراد البداءة بالتحديث عن امامى
17

الحجاز فبدأ بمكة ثم؟؟؟ بالمدينة وأيضا فلا يلزم أن تتعلق جميع أحاديث الباب ببدء الوحي بل
يكفي أن يتعلق بذلك وبما يتعلق به وبما يتعلق بالآية أيضا وذلك أن أحاديث الباب تتعلق بلفظ
الترجمة وبما اشتملت عليه ولما كان في الآية ان الوحي إليه وكما الوحي إلى الأنبياء قبله ناسب تقديم
ما يتعلق بها وهو صفة الوحي وصفة حامله إشارة إلى أن الوحي إلى الأنبياء لا تباين فيه فحسن ايراد
هذا الحديث عقب حديث الأعمال الذي تقدم التقدير بأن تعلقه بالآية الكريمة أقوى تعلق
والله أعلم (قوله أحيانا) جمع حين يطلق على كثير الوقت وقليله والمراد به هنا مجرد الوقت
فكأنه قال أوقاتا يأتيني وانتصب على الظرفية وعامل يأتيني مؤخر عنه وللمصنف من وجه آخر
عن هشام في بدء الخلق قال كل ذلك يأتي الملك أي كل ذلك حالتان فذكرهما وروى ابن سعد
من طريق أبى سلمة الماجشون أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول كان الوحي يأتيني على نحوين يأتيني به جبريل فيلقيه على كما يلقى الرجل على الرجل فذاك ينفلت منى ويأتيني
في بيتي مثل صوت الجرس حتى يخالط قلبي فذاك الذي لا ينفلت منى وهذا مرسل مع ثقة رجاله
فان صح فهو محمول على ما كان قبل نزول قوله تعالى لا تحرك به لسانك كما سيأتي فان الملك قد
تمثل رجلا في صور كثيرة ولم ينفلت منه ما أتاه به كما في قصة مجيئه في صورة دحية وفى صورة
أعرابي وغير ذلك وكلها في الصحيح وأورد على ما اقتضاه هذا الحديث وهو أن الوحي منحصر في
الحالتين حالات أخرى اما من صفة الوحي كمجيئه كدوي النحل والنفث في الروع والالهام والرؤيا
الصالحة والتكليم ليلة الاسراء بلا واسطة واما من صفة حامل الوحي كمجيئه في صورته التي خلق
عليها له ستمائة جناح ورؤيته على كرسي بين السماء والأرض وقد سد الأفق والجواب منع
الحصر في الحالتين المقدم ذكرهما وحملهما على الغالب أو حمل ما يغايرهما على أنه وقع بعد
السؤال أو لم يتعرض لصفتي الملك المذكورتين لندورهما فقد ثبت عن عائشة أنه لم يره كذلك
الا مرتين أو لم يأته في تلك الحالة بوحي أو أتاه به فكان على مثل صلصلة الجرس فإنه بين بها صفة
الوحي لا صفة حامله وأما فنون الوحي فدوى النحل لا يعارض صلصلة الجرس لان سماع الدوى
بالنسبة إلى الحاضرين كما في حديث عمر يسمع عنده كدوى النحل والصلصلة بالنسبة إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فشبهه عمر بدوي النحل بالنسبة إلى السامعين وشبهه هو صلى الله عليه وسلم
بصلصلة الجرس بالنسبة إلى مقامه وأما النفث في الروع فيحتمل أن يرجع إلى إحدى الحالتين
فإذا أتاه الملك في مثل صلصلة الجرس نفث حينئذ في روعه وأما الالهام فلم يقع السؤال عنه لان
السؤال وقع عن صفة الوحي الذي يأتي بحامل وكذا التكليم ليلة الاسراء وأما الرؤيا الصالحة
فقال ابن بطال لا ترد لان السؤال وقع عما ينفرد به عن الناس لان الرؤيا قد يشركه فيها غيره اه‍
والرؤيا الصادقة وإن كانت جزأ من النبوة فهي باعتبار صدقها لا غير والا لساغ لصاحبها أن
يسمى نبيا وليس كذلك ويحتمل أن يكون السؤال وقع عما في اليقظة أو لكون حال النيام لا يخفى
على السائل فاقتصر على ما يخفى عليه أو كان ظهور ذلك له صلى الله عليه وسلم في المنام أيضا على
الوجهين المذكورين لاغير قاله الكرماني وفيه نظر وقد ذكر الحليمي ان الوحي كان يأتيه على
ستة وأربعين نوعا فذكرها وغالبها من صفات حامل الوحي ومجموعها يدخل فيما ذكر وحديث ان
روح القدس نفث في روعي أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة وصححه الحاكم من طريق ابن
18

مسعود (قوله مثل صلصلة الجرس) في رواية مسلم في مثل صلصلة الجرس والصلصلة بمهملتين
مفتوحتين بينهما لام ساكنة في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض ثم أطلق على كل
صوت له طنين وقيل هو صوت متدارك لا يدرك في أول وهلة والجرس الجلجل الذي يعلق في
رؤس الدواب واشتقاقه من الجرس باسكان الراء وهو الحس وقال الكرماني الجرس ناقوس
صغير أو سطل في داخله قطعة نحاس يعلق منكوسا على البعير فإذا تحرك تحركت النحاسة
فأصابت السطل فحصلت الصلصلة اه‍ وهو تطويل للتعريف بما لا طائل تحته وقوله قطعة
نحاس معترض لا يختص به وكذا البعير وكذا قوله منكوسا لان تعليقه على تلك الصورة هو وضعه
المستقيم له فان قيل المحمود لا يشبه بالمذموم إذ حقيقة التشبيه الحاق ناقص بكامل والمشبه الوحي
وهو محمود والمشبه به صوت الجرس وهو مذموم لصحة النهى عنه والتنفير من مرافقة ما هو معلق
فيه والاعلام بأنه لا تصحبهم الملائكة كما أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما فكيف يشبه ما فعله الملك
بأمر ينفر من الملائكة والجواب أنه لا يلزم في التشبيه تساوى المشبه بالمشبه به في الصفات
كلها بل ولا في أخص وصف له بل يكفي اشتراكهما في صفة ما فالمقصود هنا بيان الجنس فذكر
ما ألفت السامعون سماعه تقريبا لأفهامهم والحاصل أن الصوت له جهتان جهة قوة وجهة
طنين فمن حيث القوة وقع التشبيه به ومن حيث الطرب وقع التنفير عنه وعلل بكونه مزمار
الشيطان ويحتمل أن يكون النهى عنه وقع بعد السؤال المذكور وفيه نظر قيل والصلصلة
المذكورة صوت الملك بالوحي قال الخطابي يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتبينه أول
ما يسمعه حتى يفهمه بعد وقيل بل هو صوت حفيف أجنحة الملك والحكمة في تقدمه أن
يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه مكان لغيره ولما كان الجرس لا يحصل صلصلة الا متداركه
وقع التشبيه به دون غيره من الآلات وسيأتى كلام ابن بطال في هذا المقام في الكلام على
حديث ابن عباس إذا قضى الله الامر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها الحديث عند تفسير
قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم في تفسير سورة سبا إن شاء الله تعالى (قوله وهو أشده على) يفهم
منه أن الوحي كله شديد ولكن هذه الصفة أشدها وهو واضح لان الفهم من كلام مثل الصلصلة
أشكل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود والحكمة فيه ان العادة جرت بالمناسبة بين
القائل والسامع وهى هنا اما باتصاف السامع بوصف القائل بغلبة الروحانية وهو النوع الأول
وأما باتصاف القائل بوصف السامع وهو البشرية وهو النوع الثاني والأول أشد بلا شك وقال
شيخنا شيخ الاسلام البلقيني سبب ذلك أن الكلام العظيم له مقدمات تؤذن بتعظيمه للاهتمام
به كما سيأتي في حديث ابن عباس كان يعالج من التنزيل شدة قال وقال بعضهم وانما كان
شديدا عليه ليستجمع قلبه فيكون أوعى لما سمع اه‍ وقيل إنه انما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية
وعيد أو تهديد وهذا فيه نظر والظاهر أنه لا يختص بالقرآن كما سيأتي بيانه في حديث يعلى بن
أمية في قصة لابس الجبة المتضمخ بالطيب في الحج فان فيه أنه رآه صلى الله عليه وسلم حال نزول
الوحي عليه وانه ليغط وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى والدرجات (قوله
فيفصم) بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة أي يقلع ويتجلى ما يغشاني ويروى بضم أوله من
الرباعي وفى رواية لأبي ذر بضم أوله وفتح الصاد على البناء للمجهول وأصل الفصم القطع ومنه
19

قوله تعالى لا انفصام لها وقيل الفصم بالفاء القطع بلا إبانة وبالقاف القطع بإبانة فذكر بالفصم
إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود والجامع بينهما بقاء العلقة (قوله وقد وعيت عنه ما قال) أي
القول الذي جاء به وفيه اسناد الوحي إلى قول الملك ولا معارضة بينه وبين قوله تعالى حكاية عمن
قال من الكفار ان هذا الا قول البشر لانهم كانوا ينكرون الوحي وينكرون مجئ الملك به
(قوله يتمثل لي الملك رجلا) التمثل مشتق من المثل أي يتصور واللام في الملك للعهد وهو
جبريل وقد وقع التصريح به في رواية ابن سعد المقدم ذكرها وفيه دليل على أن الملك يتشكل
بشكل البشر قال المتكلمون الملائكة أجسام علوية لطيفة تتشكل أي شكل أرادوا وزعم
بعض الفلاسفة أنها جواهر روحانية ورجلا منصوب بالمصدرية أي يتمثل مثل رجل أو بالتمييز
أو بالحال والتقدير هيئة رجل قال امام الحرمين تمثل جبريل معناه أن الله أفنى الزائد من
خلقه أو أزاله عنه ثم يعيده إليه بعد وجزم ابن عبد السلام بالإزالة دون الفناء وقرر ذلك بأنه
لا يلزم ان يكون انتقالها موجبا لموته بل يجوز أن يبقى الجسد حيا لان موت الجسد بمفارقة الروح
ليس بواجب عقلا بل بعادة اجراها الله تعالى في بعض خلقه ونظيره انتقال أرواح الشهداء إلى
أجواف طيور خضر تسرح في الجنة وقال شيخنا شيخ الاسلام ما ذكره امام الحرمين لا ينحصر
الحال فيه بل يجوز أن يكون الآتي هو جبريل بشكله الأصلي الا أنه انضم فصار على قدر هيئة
الرجل وإذا ترك ذلك عاد إلى هيئته ومثال ذلك القطن إذا جمع بعد أن كان منتفشا فإنه بالنفش
يحصل له صورة كبيرة وذاته لم تتغير وهذا على سبيل التقريب والحق ان تمثل الملك رجلا ليس
معناه ان ذاته انقلبت رجلا بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه والظاهر أيضا ان
القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائي فقط والله أعلم (قوله فيكلمني) كذا للأكثر
ووقع في رواية البيهقي من طريق القعنبي عن مالك فيعلمني بالعين بدل الكاف والظاهر أنه تصحيف
فقد وقع في الموطأ رواية القعنبي بالكاف وكذا للدارقطني في حديث مالك من طريق القعنبي
وغيره (قوله فأعى ما يقول) زاد أبو عوانة في صحيحه وهو أهونه على وقد وقع التغاير في الحالتين
حيث قال في الأول وقد وعيت بلفظ الماضي وهنا فاعى بلفظ الاستقبال لان الوعي حصل في
الأول قبل الفصم وفى الثاني حصل حال المكالمة أو أنه كان في الأول قد تلبس بالصفات الملكية
فإذا عاد إلى حالته الجبلية كان حافظا لما قيل له فعبر عن بالماضي بخلاف الثاني فإنه على حالته
المعهودة (قوله قالت عائشة) هو بالاسناد الذي قبله وإن كان بغير حرف العطف كما يستعمل
المصنف وغيره كثيرا وحيث يريد التعليق يأتي بحرف العطف وقد أخرجه الدارقطني في حديث
مالك من طريق عتيق بن يعقوب عن مالك مفصولا عن الحديث الأول وكذا فصلهما مسلم من
طريق أبى أسامة عن هشام ونكتة هذا الاقتطاع هنا اختلاف التحمل لأنها في الأول أخبرت
عن مسئلة الحرث وفى الثاني أخبرت عما شاهدت تأييدا للخبر الأول (قوله ليتفصد) بالفاء
وتشديد المهملة مأخوذ من الفصد وهو قطع العرق لإسالة الدم شبه جنبيه بالعرق المفصود
مبالغة في كثرة العرق وفى قولها في اليوم الشديد البرد دلالة على كثرة معاناة التعب والكرب
عند نزول الوحي لما فيه من مخالفة العادة وهو كثرة العرق في شدة البرد فإنه يشعر بوجود أمر
طارئ زائد على الطباع البشرية وقوله عرقا بالنصب على التمييز زاد ابن أبي الزناد عن هشام بهذا
20

الاسناد عند البيهقي في الدلائل وإن كان ليوحى إليه وهو على ناقته فيضرب حزامها من ثقل
ما يوحى إليه * (تنبيه) * حكى العسكري في التصحيف عن بعض شيوخه انه قرأ ليتقصد بالقاف
ثم قال العسكري ان ثبت فهو من قولهم تقصد الشئ إذا تكسر وتقطع ولا يخفى بعده انتهى
وقد وقع في هذا التصحيف أبو الفضل بن طاهر فرده عليه المؤتمن الساجي بالفاء قال فأصر على
القاف وذكر الذهبي في ترجمة بن طاهر عن ابن ناصر انه رد على ابن طاهر لما قرأها بالقاف قال
فكابرني (قلت) ولعل بن طاهر وجهها بما أشار إليه العسكري والله أعلم وفى حديث الباب
من الفوائد غير ما تقدم ان السؤال عن الكيفية لطلب الطمأنينة لا يقدح في اليقين وجواز
السؤال عن أحوال الأنبياء من الوحي وغيره وان المسؤول عنه إذا كان ذا أقسام يذكر المجيب في
أول جوابه ما يقتضى التفضيل والله أعلم * (الحديث الثالث) * (قوله حدثنا يحيى بن بكير) هو
يحيى بن عبد الله بن بكير نسبه إلى جده لشهرته بذلك وهو من كبار حفاظ المصريين وأثبت الناس
في الليث بن سعد الفهمي فقيه المصريين وعقيل بالضم على التصغير وهو من أثبت الرواة عن
ابن شهاب وهو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحرث بن زهرة
الفقيه نسب إلى جد جده لشهرته الزهري نسب إلى جده الاعلى زهرة بن كلاب وهو من رهط
آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم اتفقوا على اتقانه وامامته (قوله من الوحي) يحتمل أن تكون
تبعيضية أي من أقسام الوحي ويحتمل أن تكون بيانية ورجحه القزاز والرؤيا الصالحة وقع في
رواية معمر ويونس عند المصنف في التفسير الصادقة وهى التي ليس فيها ضغث وبدئ بذلك
ليكون تمهيدا وتوطئة لليقظة ثم مهد له في اليقظة أيضا رؤية الضوء وسماع الصوت وسلام الحجر
(قوله في النوم) لزيادة الايضاح أو ليخرج رؤيا العين في اليقظة لجواز اطلاقها مجازا (قوله مثل
فلق الصبح) بنصب مثل على الحال أي مشبهة ضياء الصبح أو على أنه صفة لمحذوف أي جاءت مجيئا
مثل فلق الصبح والمراد بفلق الصبح ضياؤه وخص بالتشبيه لظهوره الواضح الذي لا شك فيه
(قوله حبب) لم يسم فاعله لعدم تحقق الباعث على ذلك وإن كان كل من عند الله أولينبه على أنه
لم يكن من باعث البشر أو يكون ذلك من وحى الالهام والخلاء بالمد الخلوة والسر فيه ان الخلوة
فراغ القلب لما يتوجه له وحراء بالمد وكسر أوله كذا في الرواية وهو صحيح وفى رواية الأصيلي
بالفتح والقصر وقد حكى أيضا وحكى فيه غير ذلك جوازا لا رواية هو جبل معروف بمكة والغار
نقب في الجبل وجمعه غيران (قوله فيتحنث) هي بمعنى يتحنف أي يتبع الحنيفية وهى دين إبراهيم
والفاء تبدل ثاء في كثير من كلامهم وقد وقع في رواية ابن هشام في السيرة يتحنف بالفاء أو
التحنث القاء الحنث وهو الاثم كما قيل يتأثم ويتحرج ونحوهما (قوله وهو التعبد) هذا مدرج في
الخبر وهو من تفسير الزهري كما جزم به الطيبى ولم يذكر دليله نعم في رواية المؤلف من طريق
يونس عنه في التفسير ما يدل على الادراج (قوله الليالي ذوات العدد) يتعلق بقوله يتحنث وابهام
العدد لاختلافه كذا قيل وهو بالنسبة إلى المدد التي يتخللها مجيئه إلى أهله والا فأصل الخلوة قد
عرفت مدتها وهى شهر وذلك الشهر كان رمضان رواه ابن إسحاق والليالي منصوبة على
الظرف وذوات منصوبة أيضا وعلامة النصب فيه كسر التاء وينزع بكسر الزاي أي يرجع وزنا
ومعنى ورواه المؤلف بلفظه في التفسير (قوله لمثلها) أي الليالي والتزود استصحاب الزاد
21

ويتزود معطوف على يتحنث وخديجة هي أم المؤمنين بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى يأتي
أخبارها في مناقبها (قوله حتى جاءه الحق) أي الامر الحق وفى التفسير حتى فجئه الحق بكسر
الجيم أي بغته وان ثبت من مرسل عبيد بن عمير انه أوحى إليه بذلك في المنام أو لا قبل اليقظة
أمكن أن يكون مجئ الملك في اليقظة أعقب ما تقدم في المنام وسمى حقا لأنه وحى من الله تعالى
وقد وقع في رواية أبى الأسود عن عروة عن عائشة قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول
شأنه يرى في المنام وكان أول ما رأى جبريل بأجياد صرخ جبريل يا محمد فنظر يمينا وشمالا فلم ير
شيا فرفع بصره فإذا هو على أفق السماء فقال يا محمد جبريل جبريل فهرب فدخل في الناس فلم ير
شيا ثم خرج عنهم فناداه فهرب ثم استعلن له جبريل من قبل حراء فذكر قصة اقرائه اقرأ باسم ربك
ورأى حينئذ جبريل له جناحان من ياقوت يختطفان البصر وهذا من رواية بن لهيعة عن أبي
الأسود وابن لهيعة ضعيف وقد ثبت في صحيح مسلم من وجه آخر عن عائشة مرفوعا لم أره يعنى
جبريل على صورته التي خلق عليها الا مرتين وبين أحمد في حديث ابن مسعود ان الأولى كانت
عند سؤاله إياه أن يريه صورته التي خلق عليها والثانية عند المعراج وللترمذي من طريق
مسروق عن عائشة لم ير محمد جبريل في صورته الا مرتين مرة عند سدرة المنتهى ومرة في أجياد
وهذا يقوى رواية ابن لهيعة وتكون هذه المرة غير المرتين المذكورتين وانما لم يضمها إليهما
لاحتمال أن لا يكون رآه فيها على تمام صورته والعلم عند الله تعالى ووقع في السيرة التي جمعها
سليمان التيمي فرواها محمد بن عبد الاعلى عن ولده معتمر بن سليمان عن أبيه ان جبريل أتى النبي
صلى الله عليه وسلم في حراء وأقرأه اقرأ باسم ربك ثم انصرف فبقى مترددا فأتاه من أمامه في صورته
فرأى أمرا عظيما (قوله فجاءه) هذه الفاء تسمى التفسيرية وليست التعقيبية لان مجئ الملك
ليس بعد مجئ الوحي حتى تعقب به بل هو نفسه ولا يلزم من هذا التقرير أن يكون من باب تفسير
الشئ بنفسه بل التفسير عين المفسر به من جهة الاجمال وغيره من جهة التفصيل (قوله ما أنا
بقارئ) ثلاثا ما نافية إذ لو كانت استفهامية لم يصلح دخول الباء وان حكى عن الأخفش جوازه
فهو شاذ والباء زائدة لتأكيد النفي أي ما أحسن القراءة فلما قال ذلك ثلاثا قيل له اقرأ باسم
ربك أي لا تقرؤه بقوتك ولا بمعرفتك لكن يحول ربك واعانته فهو يعلمك كما خلقك وكما نزع
عنك علق الدم ومضمر الشيطان في الصغر وعلم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمية
ذكره السهيلي وقال غيره ان مثل هذا التركيب وهو قوله ما أنا بقارئ يفيد الاختصاص
ورده الطيبى بأنه انما يفيد التقوية والتأكيد والتقدير لست بقارئ البتة فان قيل لم كرر ذلك
ثلاثا أجاب أبو شامة بأن يحمل قوله أولا ما أنا بقارئ على الامتناع وثانيا عن الاخبار بالنفي
المحض وثالثا على الاستفهام ويؤيده ان في رواية أبى الأسود في مغازيه عن عروة أنه قال
كيف أقرأ وفى رواية عبيد بن عمير عند ابن إسحاق ماذا أقرأ وفى مرسل الزهري في دلائل
البيهقي كيف اقرأ وكل ذلك يؤيد انها استفهامية والله أعلم (قوله فغطني) بغين معجمة وطاء
مهملة وفى رواية الطبري بتاء مثناة من فوق كأنه أراد ضمني وعصرني والغط حبس النفس
ومنه غطه في الماء أو أراد غمني ومنه الخنق ولأبي داود الطيالسي في مسنده بسند حسن فأخذ
بحلقي (قوله حتى بلغ من الجهد) روى بالفتح والنصب أي بلغ الغط منى غاية وسعى وروى
22

بالضم والرفع أي بلغ منى الجهد مبلغه وقوله أرسلني أي أطلقني ولم يذكر الغط هنا في المرة
الثالثة وهو ثابت عند المؤلف في التفسير (قوله فرجع بها) أي بالآيات أو بالقصة (قوله فزملوه)
أي لفوه والروع بالفتح الفزع (قوله لقد خشيت على نفسي) دل هذا مع قوله يرجف فؤاده على
انفعال حصل له من مجئ الملك ومن ثم قال زملوني والخشية المذكورة اختلف العلماء في المراد
بها على اثنى عشر قولا أولها الجنون وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة جاء مصرحا به في عدة
طرق وأبطله أبو بكر بن العربي وحق له ان يبطل لكن حمله الإسماعيلي على أن ذلك حصل له قبل
حصول العلم الضروري له ان الذي جاءه ملك وانه من عند الله تعالى ثانيها الهاجس وهو باطل
أيضا لأنه لا يستقر وهذا استقر وحصلت بينهما المراجعة ثالثها الموت من شدة الرعب
رابعها المرض وقد جزم به ابن أبي جمرة خامسها دوام المرض سادسها العجز عن حمل أعباء
النبوة سابعها العجز عن النظر إلى الملك من الرعب ثامنها عدم الصبر على أذى قومه تاسعها
ان يقتلوه عاشرها مفارقة الوطن حادي عشرها تكذيبهم إياه ثاني عشرها تعييرهم إياه
وأولى هذه الأقوال بالصواب وأسلمها من الارتياب الثالث واللذان بعده وما عداها فهو
معترض والله الموفق (قوله فقالت خديجة كلا) معناها النفي والابعاد ويحزنك بفتح
أوله والحاء المهملة والزاي المضمومة والنون من الحزن ولغير أبي ذر بضم أوله والخاء المعجمة
والزاي المكسورة ثم الياء الساكنة من الخزي ثم استدلت على ما أقسمت عليه من نفى ذلك
أبدا بأمر استقرائي ووصفته بأصول مكارم الأخلاق لان الاحسان اما إلى الأقارب أو
إلى الأجانب واما بالبدن أو بالمال واما على من يستقل بأمره أو من لا يستقل وذلك كله مجموع
فيما وصفته به والكل بفتح الكاف هو من لا يستقل بأمره كما قال الله تعالى وهو كل على مولاه
وقولها وتكسب المعدوم في رواية الكشميهني وتكسب بضم أوله وعليها قال الخطابي الصواب
المعدم بلا واو أي الفقير لان المعدوم لا يكسب (قلت) ولا يمتنع ان يطلق على المعدم المعدوم
لكونه كالمعدوم الميت الذي لا تصرف له والكسب هو الاستفادة فكأنها قالت إذا رغب غيرك
ان يستفيد مالا موجودا رغبت أنت ان تستفيد رجلا عاجزا فتعاونه وقال قاسم بن ثابت في
الدلائل قوله يكسب معناه ما يعدمه غيره ويعجز عنه يصيبه هو ويكسبه قال اعرابي يمدح انسانا
كان أكسبهم لمعدوم وأعطاهم لمحروم وأنشد في وصف ذئب
* كسوب كذا المعدوم من كسب واحد * أي مما يكسبه وحده انتهى ولغير الكشميهني
وتكسب بفتح أوله قال عياض وهذه الرواية أصح (قلت) قد وجهنا الأولى وهذه الراجحة
ومعناها تعطى الناس ما لا يجدونه عند غيرك فحذف إحدى المفعولين ويقال كسبت
الرجل مالا وأكسبته بمعنى وقيل معناه تكسب المال المعدوم وتصيب منه مالا يصيب غيرك
وكانت العرب تتمادح بكسب المال لا سيما قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة
محظوظا في التجارة وانما يصح هذا المعنى إذا ضم إليه ما يليق به من أنه كان مع إفادته للمال
يجود به في الوجوه التي ذكرت في المكرمات وقولها وتعين على نوائب الحق هي كلمة جامعة
لافراد ما تقدم ولما لم يتقدم وفى رواية المصنف في التفسير من طريق يونس عن الزهري من
الزيادة وتصديق الحديث وهى من أشرف الخصال وفى رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذه
23

القصة وتؤدى الأمانة وفى هذه القصة من الفوائد استحباب تانيس من نزل به أمر بذكر تيسيره
عليه وتهوينه لديه وان من نزل به أمر استحب له أن يطلع عليه من يثق بنصيحته وصحة رأيه (قوله
فانطلقت به) أي مضت معه فالباء للمصاحبة وورقة بفتح الراء وقوله ابن عم خديجة هو بنصب
ابن ويكتب بالألف وهو بدل من ورقة أو صفة أو بيان ولا يجوز جره فإنه يصير صفة لعبد العزى
وليس كذلك ولا كتبه بغير ألف لأنه لم يقع بين علمين (قوله تنصر) أي صار نصرانيا وكان قد خرج
هو وزيد بن عمرو بن نفيل لما كرها عبادة الأوثان إلى الشام وغيرها يسألون عن الدين فاما ورقة
فأعجبه دين النصرانية فتنصر وكان لقى من بقى من الرهبان على دين عيسى ولم يبدل ولهذا أخبر
بشأن النبي صلى الله عليه وسلم والبشارة به إلى غير ذلك مما أفسده أهل التبديل وأما زيد بن عمرو
فسيأتي خبره في المناقب إن شاء الله تعالى (قوله فكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من
الإنجيل بالعبرانية) وفى رواية يونس ومعمر ويكتب من الإنجيل بالعربية ولمسلم فكان
يكتب الكتاب العربي والجميع صحيح لان ورقة تعلم اللسان العبراني والكتابة العبرانية فكان
يكتب الكتاب العبراني كما كان يكتب الكتاب العربي لتمكنه من الكتابين واللسانين ووقع
لبعض الشراح هنا خبط فلا يعرج عليه وانما وصفته بكتابة الإنجيل دون حفظه لان حفظ
التوراة والإنجيل لم يكن متيسرا كتيسر حفظ القرآن الذي خصت به هذه الأمة فلهذا جاء في
صفتها أناجيلها صدورها قولها يا ابن عم هذا النداء على حقيقته ووقع في مسلم يا عم وهو وهم
لأنه وإن كان صحيحا لجواز إرادة التوقير لكن القصة لم تتعدد ومخرجها متحد فلا يحمل على انها
قالت ذلك مرتين فتعين الحمل على الحقيقة وانما جوزنا ذلك فيما مضى في العبراني والعربي لأنه
من كلام الراوي في وصف ورقة واختلفت المخارج فأمكن التعداد وهذا الحكم بطرد في جميع
ما أشبهه وقالت في حق النبي صلى الله عليه وسلم اسمع من ابن أخيك لان والده عبد الله بن عبد
المطلب وورقة في عدد النسب إلى قصي بن كلاب الذي يجتمعان فيه سواء فكان من هذه الحيثية
في درجة اخوته أو قالته على سبيل التوقير لسنه وفيه ارشاد إلى أن صاحب الحاجة يقدم بين يديه
من يعرف بقدره مما يكون أقرب منه إلى المسؤول وذلك مستفاد من قول خديجة لورقة اسمع من
ابن أخيك أرادت بذلك ان يتأهب لسماع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أبلغ في التعليم
(قوله ماذا ترى) فيه حذف يدل عليه سياق الكلام وقد صرح به في دلائل النبوة لأبي نعيم بسند
حسن إلى عبد الله بن شداد في هذه القصة قال فأتت به ورقة ابن عمها فأخبرته بالذي رأى (قوله
هذا الناموس) الذي نزل الله على موسى وللكشميهني أنزل الله وفى التفسير أنزل على البناء
للمفعول وأشار بقوله هذا إلى الملك الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في خبره ونزله منزلة
القريب لقرب ذكره والناموس صاحب السر كما جزم به المؤلف في أحاديث الأنبياء وزعم ابن
ظفر أن الناموس صاحب سر الخير والجاسوس صاحب سر الشر والأول الصحيح الذي عليه
الجمهور وقد سوى بينهما رؤبة بن العجاج أحد فصحاء العرب والمراد بالناموس هنا جبريل عليه
السلام وقوله على موسى ولم يقل على عيسى مع كونه نصرانيا لان كتاب موسى عليه السلام
مشتمل على أكثر الاحكام بخلاف عيسى وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو لان موسى بعث
بالنقمة على فرعون ومن معه بخلاف عيسى كذلك وقعت النقمة على يد النبي صلى الله عليه
24

وسلم بفرعون هذه الأمة وهو أبو جهل بن هشام ومن معه ببدر أو قاله تحقيقا للرسالة لان نزول
جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتابين بخلاف عيسى فان كثيرا من اليهود ينكرون
نبوته وأما ما تمحل له السهيلي من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى
ودعواهم انه أحد الأقانيم فهو محال لا يعرج عليه في حق ورقة وأشباهه ممن لم يدخل في
التبديل ولم يأخذ عمن بدل على أنه قد ورد عند الزبير بن بكار من طريق عبد الله بن معاذ الزهري
في هذه القصة ان ورقة قال ناموس عيسى والأصح ما تقدم وعبد الله بن معاذ ضعيف نعم في
دلائل النبوة لأبي نعيم باسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه في هذه القصة ان خديجة أولا
أتت ابن عمها ورقة فأخبرته الخبر فقال لئن كنت صدقتني انه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يعلمه
بنو إسرائيل أبناءهم فعلى هذا فكان ورقة يقول تارة ناموس عيسى وتارة ناموس موسى فعند
اخبار خديجة له بالقصة قال لها ناموس عيسى بحسب ما هو فيه من النصرانية وعند اخبار
النبي صلى الله عليه وسلم له قال له ناموس موسى للمناسبة التي قدمناها وكل صحيح والله
سبحانه وتعالى أعلم (قوله يا ليتني فيها جذع) كذا في رواية الأصيلي وعند الباقين يا ليتني فيها
جذعا بالنصب على أنه خبر كان المقدرة قاله الخطابي وهو مذهب الكوفيين في قوله تعالى انتهوا
خيرا لكم وقال ابن برى التقدير يا ليتني جعلت فيه جذعا وقيل النصب على الحال إذا جعلت
فيها خبر ليت والعامل في الحال ما يتعلق به الخبر من معنى الاستقرار قاله السهيلي وضمير فيها
يعود على أيام الدعوة والجذع بفتح الجيم والذال المعجمة هو الصغير من البهائم كأنه تمنى أن يكون
عند ظهور الدعاء إلى الاسلام شابا ليكون أمكن لنصره وبهذا يتبين سر وصفه بكونه كان كبيرا
أعمى (قوله إذ يخرجك) قال ابن مالك فيه استعمال إذ في المستقبل كإذا وهو صحيح وغفل عنه
أكثر النحاة وهو كقوله تعالى وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الامر هكذا ذكره ابن مالك وأقره
عليه غير واحد وتعقبه شيخنا شيخ الاسلام بان النحاة لم يغفلوه بل منعوا وروده وأولوا ما ظاهره
ذلك وقالوا في مثل هذا استعمل الصيغة الدالة على المضي لتحقق وقوعه فانزلوه منزلته ويقوى
ذلك هنا ان في رواية البخاري في التعبير حين يخرجك قومك وعند التحقيق ما ادعاه ابن مالك
فيه ارتكاب مجاز وما ذكره غيره فيه ارتكاب مجاز ومجازهم أولى لما ينبنى عليه من أن ايقاع
المستقبل في صورة المضي تحقيقا لوقوعه أو استحضارا للصورة الآتية في هذه دون تلك مع الوجوده في
أفصح الكلام وكأنه أراد بمنع الورود ورودا محمولا على حقيقة الحال لا على تأويل الاستقبال
وفيه دليل على جواز تمنى المستحيل إذا كان في فعل خير لان ورقة تمنى أن يعود شابا وهو مستحيل
عادة ويظهر لي أن التمني ليس مقصودا على بابه بل المراد من هذا التنبيه على صحة ما أخبره به
والتنويه بقوة تصديقه فيما يجئ به (قوله أو مخرجيهم) بفتح الواو وتشديد الياء وفتحها جمع
مخرج فهم مبتدأ مؤخر ومخرجي خبر مقدم قاله ابن مالك واستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن
يخرجوه لأنه لم يكن فيه سبب يقتضى الاخراج لما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق التي تقدم
من خديجة وصفها وقد استدل ابن الدغنة بمثل تلك الأوصاف على أن أبا بكر لا يخرج (قوله
الا عودي) وفى رواية يونس في التفسير الا أوذى فذكر ورقة ان العلة في ذلك مجيئه له بالانتقال
عن مألوفهم ولأنه علم من الكتب انهم لا يجيبونه إلى ذلك وأنه يلزمه لذلك منابذتهم ومعاندتهم
25

فتنشأ العداوة من ثم وفيه دليل على أن المجيب يقيم الدليل على ما يجيب به إذا اقتضاه المقام
(قوله إن يدركني يومك) ان شرطية والذي بعدها مجزوم زاد في رواية يونس في التفسير حيا
ولابن اسحق ان أدركت ذلك اليوم يعنى يوم الاخراج (قوله مؤزرا) بهمزة أي قويا مأخوذ من
الأزر وهو القوة وأنكر القزاز أن يكون في اللغة مؤزر من الأزر وقال أبو شامة يحتمل أن يكون
من الازار أشار بذلك إلى تشميره في نصرته قال الأخطل
* قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم * البيت (قوله ثم لم ينشب) بفتح الشين المعجمة أي لم يلبث وأصل
النشوب التعلق أي لم يتعلق بشئ من الأمور حتى مات وهذا بخلاف ما في السيرة لابن اسحق ان
ورقة كان يمر ببلال وهو يعذب وذلك يقتضى انه تأخر إلى زمن الدعوة والى ان دخل بعض
الناس في الاسلام فان تمسكنا بالترجيح فما في الصحيح أصح وان لحظنا الجمع أمكن أن يقال الواو في
قوله وفتر الوحي ليست للترتيب فلعل الراوي لم يحفظ لورقة ذكرا بعد ذلك في أمر من الأمور فجعل
هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة إلى علمه لا إلى ما هو الواقع وفتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من
الزمان وكان ذلك ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع وليحصل له التشوف إلى
العود فقد روى المؤلف في التعبير من طريق معمر ما يدل على ذلك * (فائدة) * وقع في تاريخ
أحمد بن حنبل عن الشعبي ان مدة فترة الوحي كانت ثلاث سنين وبه جزم ابن إسحاق وحكى البيهقي
ان مدة الرؤيا كانت ستة أشهر وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع من شهر مولده وهو ربيع
الأول بعد اكماله أربعين سنة وابتداء وحى اليقظة وقع في رمضان وليس المراد بفترة الوحي المقدرة
بثلاث سنين وهى ما بين نزول أقرا ويا أيها المدثر عدم مجئ جبريل إليه بل تأخر نزول القرآن
فقط ثم راجعت المنقول عن الشعبي من تاريخ الإمام أحمد ولفظه من طريق داود بن أبي هند
عن الشعبي أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين فكان
يعلمه الكلمة والشئ ولم ينزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة وأخرجه ابن أبي خيثمة من
وجه آخر مختصرا عن داود بلفظ بعث لأربعين ووكل به إسرافيل ثلاث سنين ثم وكل به جبريل
فعلى هذا فيحسن بهذا المرسل ان ثبت الجمع بين القولين في قدر اقامته بمكة بعد البعثة فقد قيل
ثلاث عشرة وقيل عشرة ولا يتعلق ذلك بقدر مدة الفترة والله أعلم وقد حكى ابن التين هذه القصة
لكن وقع عنده ميكائيل بدل إسرافيل وأنكر الواقدي هذه الرواية المرسلة وقال لم يقرن به
من الملائكة الا جبريل انتهى ولا يخفى ما فيه فان المثبت مقدم على النافي الا ان صحب النافي
دليل نفيه فيقدم والله أعلم وأخذ السهيلي هذه الرواية فجمع بها المختلف في مكثه صلى الله عليه
وسلم بمكة فإنه قال جاء في بعض الروايات المسندة ان مدة الفترة سنتين ونصفا وفى رواية أخرى
ان مدة الرؤيا ستة أشهر فمن قال مكث عشر سنين حذف مدة الرؤيا والفترة ومن قال ثلاث
عشرة أضافهما وهذا الذي اعتمده السهيلي من الاحتجاج بمرسل الشعبي لا يثبت وقد عارضه
ما جاء عن ابن عباس ان مدة الفترة المذكورة كانت أياما وسيأتى مزيد لذلك في كتاب التعبير إن شاء الله
تعالى (قوله قال ابن شهاب وأخبرني أبو سلمة) انما أتى بحرف العطف ليعلم انه معطوف
على ما سبق كأنه قال أخبرني عروة بكذا وأخبرني أبو سلمة بكذا وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن
ابن عوف وأخطأ من زعم أن هذا معلق وإن كانت صورته صورة التعليق ولو لم يكن في ذلك
26

الا ثبوت الواو العاطفة فإنها دالة على تقدم شئ عطفته وقد تقدم قوله عن ابن شهاب عن عروة
فساق الحديث إلى آخره ثم قال قال ابن شهاب أي بالسند المذكور وأخبرني أبو سلمة بخبر آخر
وهو كذا ودل قوله عن فترة الوحي وقوله الملك الذي جاءني بحراء على تأخر نزول سورة المدثر
عن اقرأ ولما خلت رواية يحيى بن أبي كثير الآتية في التفسير عن أبي سلمة عن جابر عن هاتين
الجملتين أشكل الامر فجزم من جزم بان يا أيها المدثر أول ما نزل ورواية الزهري هذه الصحيحة
ترفع هذا الاشكال وسياق بسط القول في ذلك في تفسير سورة اقرأ (قوله فرعبت منه) بضم
الراء وكسر العين وللأصيلي بفتح الراء وضم العين أي فزعت دل على بقية بقيت معه من الفزع
الأول ثم زالت بالتدريج (قوله فقلت زملوني زملوني) وفى رواية الأصيلي وكريمة زملوني مرة
واحدة وفى رواية يونس في التفسير فقلت دثروني فنزلت يا أيها المدثر قم فأنذر أي حذر من
العذاب من لم يؤمن بك وربك فكبر أي عظم وثيابك فطهر أي من النجاسة وقيل الثياب النفس
وتطهيرها اجتناب النقائص والرجز هنا الأوثان كما سيأتي من تفسير الراوي عند المؤلف في
التفسير والرجز في اللغة العذاب وسمى الأوثان هنا رجزا لأنها سببه (قوله فحمى الوحي) أي جاء
كثيرا وفيه مطابقة لتعبيره عن تأخره بالفتور إذ لم ينته إلى انقطاع كلي فيوصف بالضد وهو
البرد (قوله وتتابع) تأكيد معنوي ويحتمل أن يراد بحمى قوى وتتابع تكاثر وقد وقع في
رواية الكشميهني (3) وأبى الوقت وتواتر والتواتر مجئ الشئ يتلو بعضه بعضا من غير تخلل
* (تنبيه) * خرج المصنف بالاسناد في التاريخ حديث الباب عن عائشة ثم عن جابر بالاسناد
المذكور هنا فزاد فيه بعد قوله تتابع قال عروة يعنى بالسند المذكور إليه وماتت خديجة قبل
أن تفرض الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت لخديجة بيتا من قصب لا صخب فيه
ولا نصب قال البخاري يعنى قصب اللؤلؤ (قلت) وسيأتى مزيد لهذا في مناقب خديجة إن شاء الله
تعالى (قوله تابعه) الضمير يعود على يحيى بن بكير ومتابعة عبد الله بن يوسف عن الليث
هذه عند المؤلف في قصة موسى وفيه من اللطائف قوله عن الزهري سمعت عروة (قوله وأبو
صالح) هو عبد الله بن صالح كاتب الليث وقد أكثر البخاري عنه من المعلقات وعلق عن الليث
جملة كثيرة من افراد أبى صالح عنه ورواية عبد الله بن صالح عن الليث لهذا الحديث أخرجها
يعقوب بن سفيان من تاريخه عنه مقرونا بيحيى بن بكير ووهم من زعم كالدمياطي انه أبو صالح
عبد الغفار بن داود الحراني فإنه لم يذكر من أسنده عن عبد الغفار وقد وجد في مسنده عن كاتب
الليث (قوله وتابعه هلال بن رداد) بدالين مهملتين الأولى مثقلة وحديثه في الزهريات
للذهلي (قوله وقال يونس) يعنى ابن يزيد الأيلي ومعمر هو ابن راشد (بوادره) يعنى ان يونس
ومعمرا رويا هذا الحديث عن الزهري فوافقا عقيلا عليه الا انهما قالا بدل قوله ترجف فؤاده
ترجف بوادره والبوادر جمع بادرة وهى اللحمة التي بين المنكب والعنق تضطرب عند فزع
الانسان فالروايتان مستويتان في أصل المعنى لان كلا منهما دال على الفزع وقد بينتا ما في رواية
يونس ومعمر من المخالفة لرواية عقيل غير هذا في أثناء السياق والله الموفق وسيأتى بقية شرح
هذا الحديث في تفسير سورة اقرأ باسم ربك إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا موسى بن إسماعيل)
هو أبو سلمة التبوذكي وكان من حفاظ المصريين (حدثنا أبو عوانة) هو الوضاح بن عبد الله
27

اليشكري مولاهم البصري كان كتابه في غاية الاتقان وموسى بن أبي عائشة لا يعرف اسم أبيه
وقد تابعه على بعضه عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير (قوله كان مما يعالج) المعالجة محاولة الشئ
بمشقة أي كان العلاج ناشئا من تحريك الشفتين أي مبدأ العلاج منه أو ما موصولة وأطلقت
على من يعقل مجازا هكذا قرره الكرماني وفيه نظر لان الشدة حاصلة له قبل التحرك والصواب
ما قاله ثابت السرقسطي ان المراد كان كثيرا ما يفعل ذلك وورودهما في هذا كثير ومنه حديث
الرؤيا كان مما يقول لأصحابه من رأى منكم رؤيا ومنه قول الشاعر
وانا لمما نضرب الكبش ضربة * على وجهه يلقى اللسان من الفم
(قلت) ويؤيده ان رواية المصنف في التفسير من طريق جرير عن موسى بن أبي عائشة ولفظها
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي فكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فاتى
بهذا اللفظ مجردا عن تقدم العلاج الذي قدره الكرماني فظهر ما قال ثابت ووجهها قال غيره ان
من إذا وقع بعدها ما كانت بمعنى ربما وهى تطلق على القليل والكثير وفى كلام سيبويه مواضع
من هذا منها قوله اعلم أنهم مما يحذفون كذا والله أعلم ومنه حديث البراء كنا إذا صلينا خلف
النبي صلى الله عليه وسلم مما نحب أن نكون عن يمينه الحديث ومن حديث سمرة كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح مما يقول لأصحابه من رأى منكم رؤيا (قوله فقال ابن عباس
فانا أحركهما) جملة معترضة بالفاء وفائدة هذا زيادة البيان في الوصف على القول وعبر في الأول
بقوله كان يحركهما وفى الثاني برأيت لان ابن عباس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة
لان سورة القيامة مكية باتفاق بل الظاهر أن نزول هذه الآيات كان في أول الأمر والى هذا جنح
البخاري في ايراده هذا الحديث في بدء الوحي ولم يكن ابن عباس إذ ذاك ولد لأنه ولد قبل الهجرة
بثلاث سنين الكن يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك بعد أو بعض الصحابة أخبره
انه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم والأول هو الصواب فقد ثبت ذلك صريحا في مسند أبى داود
الطيالسي قال حدثنا أبو عوانة بسنده وأما سعيد بن جبير فرأى ذلك من ابن عباس بلا نزاع
(قوله فحرك شفتيه) وقوله فأنزل الله لا تحرك به لسانك لا تنافى بينهما لان تحريك الشفتين
بالكلام المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها الا اللسان يلزم منه تحريك اللسان أو اكتفى
بالشفتين وحذف اللسان لوضوحه لأنه الأصل في النطق إذ الأصل حركة الفم وكل من الحركتين
ناشئ عن ذلك وقد مضى ان في رواية جرير في التفسير يحرك به لسانه وشفتيه فجمع بينهما وكان
النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الامر إذا لقن القرآن نازع جبريل القراءة ولم يصبر حتى يتمها
مسارعة إلى الحفظ لئلا يتفلت منه شئ قاله الحسن وغيره ووقع في رواية للترمذي يحرك به لسانه
يريد أن يحفظه وللنسائي يعجل بقراءته ليحفظه ولابن أبى حاتم يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن
ينسى أوله قبل ان يفرغ من آخره وفى رواية الطبري عن الشعبي عجل يتكلم به من حبه إياه وكلا
الامرين مراد ولا تنافى بين محبته إياه والشدة التي تلحقه في ذلك فامر بان ينصت حتى يقضى إليه
وحيه ووعد بأنه آمن من تفلته منه بالنسيان أو غيره ونحوه قوله تعالى ولا تعجل بالقرآن من قبل
أن يقضى إليك وحيه أي بالقراءة (قوله جمعه لك صدرك) كذا في أكثر الروايات وفيه اسناد الجمع
إلى الصدر بالمجاز كقوله أنبت الربيع البقل أي أنبت الله في الربيع البقل واللام في لك للتبيين
28

أو للتعليل وفى رواية كريمة والحموي جمعه لك في صدرك وهو توضيح للأول وهذا من تفسير ابن
عباس وقال في تفسير فاتبع أي فاستمع وأنصت وفى تفسير بيانه أي علينا ان نقرأه ويحتمل ان
يراد بالبيان بيان مجملاته وتوضيح مشكلاته فيستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت
الخطاب كما هو الصحيح في الأصول والكلام في تفسير الآيات المذكورة أخرته إلى كتاب التفسير
فهو موضعه والله أعلم (قوله حدثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان المروزي انا عبد الله هو ابن
المبارك انا يونس هو ابن يزيد الأيلي (قوله انا يونس ومعمر نحوه) أي ان عبد الله بن المبارك
حدث به عبدان عن يونس وحده وحدث به بشر بن محمد عن يونس ومعمر معا أما باللفظ فعن
يونس وأما بالمعنى فعن معمر (قوله عبيد الله) هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود الآتي في
الحديث الذي بعده (قوله أجود الناس) بنصب أجود لأنها خبر كان وقدم ابن عباس هذه الجملة
على ما بعدها وإن كانت لا تتعلق بالقرآن على سبيل الاحتراس من مفهوم ما بعدها ومعنى أجود
الناس أكثر الناس جودا والجود الكرم وهو من الصفات المحمودة وقد أخرج الترمذي من
حديث سعد رفعه ان الله جواد يحب الجود الحديث وله في حديث أنس رفعه انا أجود ولد آدم
وأجودهم بعدي رجل علم علما فنشر علمه ورجل جاد بنفسه في سبيل الله وفى سنده مقال
وسيأتى في الصحيح من وجه آخر عن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأجود
الناس الحديث (قوله وكان أجود ما يكون) هو برفع أجود هكذا في أكثر الروايات وأجود اسم
كان وخبره محذوف وهو نحو أخطب ما يكون الأمير في يوم الجمعة أو هو مرفوع على أنه مبتدأ
مضاف إلى المصدر وهو ما يكون وما مصدرية وخبره في رمضان والتقدير أجود أكوان رسول
الله صلى الله عليه وسلم في رمضان والى هذا جنح البخاري في تبويبه في كتاب الصيام إذ قال باب
أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان وفى رواية الأصيلي أجود بالنصب على أنه
خبر كان وتعقب بأنه يلزم منه ان يكون خبرها اسمها وأجيب بجعل اسم كان ضمير النبي
صلى الله عليه وسلم وأجود خبرها والتقدير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة كونه في
رمضان أجود منه في غيره قال النووي الرفع أشهر والنصب جائز وذكر انه سأل ابن مالك عنه
فخرج الرفع من ثلاثة أوجه والنصب من وجهين وذكر ابن الحاجب في أماليه للرفع خمسة أوجه
توارد مع ابن مالك منها في وجهين وزاد ثلاثة ولم يعرج على النصب (قلت) ويرجح الرفع وروده
بدون كان عند المؤلف في الصوم (قوله فيدارسه القرآن) قيل الحكمة فيه ان مدارسة القرآن
تجدد له العهد بمزيد غنى النفس والغنى سبب الجود والجود في الشرع اعطاء ما ينبغي لمن ينبغي
وهو أعم من الصدقة وأيضا فرمضان موسم الخيرات لان نعم الله على عباده فيه زائدة على غيره
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر متابعة سنة الله في عباده فبمجموع ما ذكر من الوقت
والمنزول به والنازل والمذاكرة حصل المزيد في الجود والعلم عند الله تعالى (قوله فلرسول الله
صلى الله عليه وسلم) الفاء للسببية واللام للابتداء وزيدت على المبتدا تأكيدا أو هي جواب
قسم مقدر والمرسلة أي المطلقة يعنى انه في الاسراع بالجود أسرع من الريح وعبر بالمرسلة إشارة
إلى دوام هبوبها بالرحمة والى عموم النفع بجوده كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه ووقع
عند أحمد في آخر هذا الحديث لا يسئل شيئا الا أعطاه وثبتت هذه الزيادة في الصحيح من حديث
29

جابر ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيا فقال لا وقال النووي في الحديث فوائد منها الحث
على الجود في كل وقت ومنها الزيادة في رمضان وعند الاجتماع باهل الصلاح وفيه زيارة الصلحاء
وأهل الخير وتكرار ذلك إذا كان المزور لا يكرهه واستحباب الاكثار من القراءة في رمضان وكونها
أفضل من سائر الاذكار إذ لو كان الذكر أفضل أو مساويا لفعلاه فان قيل المقصود تجويد الحفظ
قلنا الحفظ كان حاصلا والزيادة فيه تحصل ببعض المجالس وأنه يجوز أن يقال رمضان من غير
إضافة وغير ذلك مما يظهر بالتأمل (قلت) وفيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر
رمضان لان نزوله إلى السماء الدنيا جملة واحدة كان في رمضان كما ثبت من حديث ابن عباس
فكان جبريل يتعاهده في كل سنة فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان فلما كان العام
الذي توفى فيه عارضه به مرتين كما ثبت في الصحيح عن فاطمة رضي الله عنها وبهذا يجاب من سأل
عن مناسبة ايراد هذا الحديث في هذا الباب والله أعلم بالصواب (قوله قال حدثنا أبو اليمان) في
رواية الأصيلي وكريمة حدثنا الحكم بن نافع وهو هو أنا شعيب هو ابن أبي حمزة دينار الحمصي
وهو من اثبات أصحاب الزهري (قوله إن أبا سفيان) هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس
ابن عبد مناف (قوله هرقل) هو ملك الروم وهرقل اسمه وهو بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف
ولقبه قيصر كما يلقب ملك الفرس كسرى ونحوه (قوله في ركب) جمع راكب كصحب وصاحب
وهم أولو الإبل العشرة فما فوقها والمعنى أرسل إلى أبي سفيان حال كونه في جملة الركب وذاك لأنه
كان كبيرهم فلهذا خصه وكان عدد الركب ثلاثين رجلا رواه الحاكم في الإكليل ولابن السكن
نحو من عشرين وسمى منهم المغيرة بن شعبة في مصنف ابن أبي شيبة بسند مرسل وفيه نظر لأنه كان
إذ ذاك مسلما ويحتمل أن يكون رجع حينئذ إلى قيصر ثم قدم المدينة مسلما وقد ذكره أيضا في
أثر آخر في كتاب السير لأبي إسحاق الفزاري وكتاب الأموال لأبي عبيد من طريق سعيد بن المسيب
قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر الحديث وفيه فلما قرأ قيصر الكتاب
قال هذا كتاب لم أسمع بمثله ودعا أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة وكانا تاجرين هناك فسال عن
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله وكانوا تجارا) بضم التاء وتشديد الجيم أو كسرها
والتخفيف جمع تاجر (قوله في المدة) يعنى مدة الصلح بالحديبية وسيأتى شرحها في المغازي وكانت
في سنة ست وكانت مدتها عشر سنين كما في السيرة وأخرجه أبو داود من حديث ابن عمر ولأبى نعيم
في مسند عبد الله بن دينار كانت أربع سنين وكذا أخرجه الحاكم في البيوع من المستدرك والأول
أشهر لكنهم نقضوا فغزاهم سنة ثمان وفتح مكة وكفار قريش بالنصب مفعول معه (قوله فاتوه)
تقديره أرسل إليهم في طلب اتيان الركب فجاء الرسول يطلب اتيانهم فاتوه كقوله تعالى فقلنا
اضرب بعصاك الحجر فانفجرت أي فضرب فانفجرت ووقع عند المؤلف في الجهاد أن الرسول وجدهم
ببعض الشام وفى رواية لأبي نعيم في الدلائل تعيين الموضع وهو غزة قال وكانت وجه متجرهم
وكذا رواه ابن إسحاق في المغازي عن الزهري وزاد في أوله عن أبي سفيان قال كنا قوما تجارا
وكانت الحرب قد حصبتنا فلما كانت الهدنة خرجت تاجرا إلى الشام مع رهط من قريش فوالله
ما علمت بمكة امرأة ولا رجلا الا وقد حملني بضاعة فذكره وفيه فقال هرقل لصاحب شرطته قلب
الشام ظهرا لبطن حتى تأتى برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه فوالله انى وأصحابي بغزة إذ هجم
30

علينا فساقنا جميعا (قوله بإيلياء) بهمزة مكسورة بعدها ياء أخيرة ساكنة ثم لام مكسورة ثم ياء
أخيرة ثم ألف مهموزة وحكى البكري فيها القصر ويقال لها أيضا اليا بحذف الياء الأولى
وسكون اللام حكاه البكري وحكى النووي مثله لكن بتقديم الياء على اللام واستغربه قيل معناه
بيت الله وفى الجهاد عند المؤلف أن هرقل لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى
ايلياء شكرا لله زاد ابن إسحاق عن الزهري انه كان تبسط له البسط وتوضع عليها الرياحين فيمشى
عليها ونحوه لأحمد من حديث ابن أخي الزهري عن عمه وكان سبب ذلك ما رواه الطبري وابن عبد
الحكم من طرق متعاضدة ملخصها ان كسرى أغزى جيشه بلاد هرقل فحربوا كثيرا من بلاده
ثم استبطأ كسرى أميره فأراد قتله وتولية غيره فاطلع أميره على ذلك فباطن هرقل واصطلح معه
على كسرى وانهزم عنه بجنود فارس فمشى هرقل إلى بيت المقدس شكرا لله تعالى على ذلك واسم
الأمير المذكور شهر براز واسم الغير الذي أراد كسرى تأميره فرحان (قوله فدعاهم في مجلسه)
أي في حال كونه في مجلسه وللمصنف في الجهاد فأدخلنا عليه فإذا هو جالس في مجلس ملكه
وعليه التاج (قوله وحوله) بالنصب لأنه ظرف مكان (قوله عظماء) جمع عظيم ولابن السكن
فأدخلنا عليه وعنده بطارقته والقسيسون والرهبان والروم من ولد عيص بن إسحاق بن إبراهيم
عليهما السلام على الصحيح ودخل فيهم طوائف من العرب من تنوخ وبهرا وشليخ وغيرهم من
غسان كانوا سكانا بالشام فلما المسلمون عنها دخلوا بلاد الروم فاستوطنوها فاختلطت
أنسابهم (قوله ثم دعاهم ودعا ترجمانه) وللمستملي بالترجمان مقتضاه انه أمر باحضارهم فلما
حضروا استدناهم لأنه ذكر أنه دعاهم ثم دعاهم فينزل على هذا ولم يقع تكرار ذلك الا في
هذه الرواية والترجمان بفتح التاء المثناة وضم الجيم ورجحه النووي في شرح مسلم ويجوز ضم التاء
اتباعا ويجوز فتح الجيم مع فتح أوله حكاه الجوهري ولم يصرحوا بالرابعة وهى ضم أوله وفتح الجيم
وفى رواية الأصيلي وغيره بترجمانه يعنى أرسل إليه رسولا أحضره صحبته والترجمان المعبر عن
لغة بلغة وهو معرب وقيل عربي (قوله فقال أيكم أقرب نسبا) أي قال الترجمان على لسان هرقل
(قوله في هذا الرجل) زاد ابن السكن الذي خرج بأرض العرب يزعم أنه نبي (قوله قلت أنا
أقربهم نسبا) في رواية ابن السكن فقالوا هذا أقربنا به نسبا هو ابن عمه أخي أبيه وانما كان
أبو سفيان أقرب لأنه من بنى عبد مناف وقد أوضح ذلك المصنف في الجهاد بقوله قال ما قرابتك منه
قلت هو ابن عمى قال أبو سفيان ولم يكن في الركب من بنى عبد مناف غيري اه‍ وعبد مناف الأب
الرابع للنبي صلى الله عليه وسلم وكذا لأبي سفيان وأطلق عليه ابن عم لأنه نزل كلا منهما منزلة
جده فعبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف ابن عم أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وعلى هذا ففيما
أطلق في رواية ابن السكن تجوز وانما خص هرقل الأقرب لأنه أحرى بالاطلاع على أموره ظاهرا
وباطنا أكثر من غيره ولان الابعد لا يؤمن ان يقدح في نسبه بخلاف الأقرب وظهر ذلك في سؤاله
بعد ذلك كيف نسبه فيكم وقوله بهذا الرجل ضمن أقرب معنى أوصل فعداه بالباء ووقع في رواية
مسلم من هذا الرجل وهو على الأصل وقوله الذي يزعم في رواية ابن إسحاق عن الزهري يدعى وزعم
قال الجوهري بمعنى قال وحكاه أيضا ثعلب وجماعة كما سيأتي في قصة ضمام في كتاب العلم (قلت)
وهو كثير ويأتي موضع الشك غالبا (قوله فاجعلوهم عند ظهره) أي لئلا يستحيوا ان يواجهوه
31

بالتكذيب ان كذب وقد صرح بذلك الواقدي وقوله إن كذبني بتخفيف الذال أي ان نقل إلى
الكذب (قوله قال) أي أبو سفيان وسقط لفظ قال من رواية كريمة وأبى الوقت فاشكل ظاهره
وباثباتها يزول الاشكال (قوله فوالله لولا الحياء من أن يأثروا) أي ينقلوا الكذب لكذبت عليه
وللأصيلي عنه أي عن الاخبار بحاله وفيه دليل على أنهم كانوا يستقبحون الكذب اما بالأخذ
عن الشرع السابق أو بالعرف وفى قوله يأثروا دون قوله يكذبوا دليل على أنه كان واثقا منهم
بعدم التكذيب ان لو كذب لاشتراكهم معه في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم لكنه ترك ذلك
استحياء وأنفة من أن يتحدثوا بذلك بعد ان يرجعوا فيصير عند سامعي ذلك كذبا وفى رواية ابن إسحاق
التصريح بذلك ولفظه فوالله لو قد كذبت ما ردوا على ولكني كنت امرأ سيدا أتكرم
عن الكذب وعلمت ان أيسر ما في ذلك ان أنا كذبته ان يحفظوا ذلك عنى ثم يتحدثوا به فلم أكذبه
وزاد ابن إسحاق في روايته قال أبو سفيان فوالله ما رأيت من رجل قط كان أدهى من ذلك الأقلف
يعنى هرقل (قوله كان أول) هو بالنصب على الخبر وبه جاءت الرواية ويجوز رفعه على الاسمية
(قوله كيف نسبه فيكم) أي ما حال نسبه فيكم أهو من أشرافكم أم لا فقال هو فينا ذو نسب
فالتنوين فيه للتعظيم وأشكل هذا على بعض الشارحين وهذا وجهه (قوله فهل قال هذا القول
منكم أحد قط قبله) وللكشميهني والأصيلي بدل قبله مثله فقوله منكم أي من قومكم يعنى
قريشا أو العرب ويستفاد منه ان الشفاهي يعم لأنه لم يرد المخاطبين فقط وكذا قوله فهل قاتلتموه
وقوله بماذا يأمركم واستعمل قط بغير أداة النفي وهو نادر ومنه قول عمر صلينا أكثر ما كنا قط
وآمنه ركعتين ويحتمل أن يقال إن النفي مضمن فيه كأنه قال هل قال هذا القول أحد أو لم يقله
أحد قط (قوله فهل كان من آبائه ملك) ولكريمة والأصيلي وأبى الوقت بزيادة من الجارة ولابن
عساكر بفتح من وملك فعل ماض والجارة أرجح لسقوطها من رواية أبي ذر والمعنى في الثلاثة
واحد (قوله فاشراف الناس اتبعوه) فيه اسقاط همزة الاستفهام وهو قليل وقد ثبت للمصنف
في التفسير ولفظة أيتبعه أشراف الناس والمراد بالاشراف هنا أهل النخوة والتكبر منهم لا كل
شريف حتى لا يرد مثل أبى بكر وعمر وأمثالهما ممن أسلم قبل هذا السؤال ووقع في رواية ابن إسحاق
تبعه منا الضعفاء والمساكين فأما ذوو الأنساب والشرف فما تبعه منهم أحد وهو
محمول على الأكثر الأغلب (قوله سخطة) بضم أوله وفتحه وأخرج بهذا من ارتد مكرها
أولا لسخط لدين الاسلام بل لرغبة في غيره كحظ نفساني كما وقع لعبيد الله بن جحش (قوله
هل كنتم تتهمونه بالكذب) أي على الناس وانما عدل إلى السؤال عن التهمة عن السؤال
عن نفس الكذب تقريرا لهم على صدقه لان التهمة إذا انتفت انتفى سببها ولهذا عقبه
بالسؤال عن الغدر (قوله ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا) أي انتقصه به على أن التنقيص هنا
أمر نسبى وذلك أن من يقطع بعدم غدره أرفع رتبة ممن يجوز وقوع ذلك منه في الجملة وقد كان
معروفا عندهم بالاستقراء من عادته أنه لا يغدر ولما كان الامر مغيبا لأنه مستقبل أمن
أبو سفيان ان ينسب في ذلك إلى الكذب ولهذا أورده بالتردد ومن ثم لم يعرج هرقل على هذا القدر
منه وقد صرح ابن إسحاق في روايته عن الزهري بذلك بقوله قال فوالله ما التفت إليها منى ووقع
في رواية أبى الأسود عن عروة مرسلا خرج أبو سفيان إلى الشام فذكر الحديث إلى أن قال فقال
32

أبو سفيان هو ساحر كذاب فقال هرقل انى لا أريد شتمه ولكن كيف نسبه إلى أن قال فهل يغدر
إذا عاهد قال لا الا أن يغدر في هدنته هذه فقال وما يخاف من هذه فقال إن قومي أمدوا حلفاءهم
على حلفائه قال إن كنتم بدأتم فأنتم أغدر (قوله سجال) بكسر أوله أي نوب والسجل الدلو
والحرب اسم جنس ولهذا جعل خبره اسم جمع وينال أي يصيب فكأنه شبه المحاربين بالمستقيين
يستقى هذا دلوا وهذا دلوا وأشار أبو سفيان بذلك إلى ما وقع بينهم في غزوة بدر وغزوة أحد وقد
صرح بذلك أبو سفيان يوم أحد في قوله يوم بيوم بدل والحرب سجال ولم يرد عليه النبي صلى الله
عليه وسلم ذلك بل نطق النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في حديث أوس بن حذيفة الثقفي لما كان
يحدث وفد ثقيف أخرجه ابن ماجة وغيره ووقع في مرسل عروة قال أبو سفيان غلبنا مرة يوم
بدر وأنا غائب ثم غزوتهم في بيوتهم ببقر البطون وجدع الآذان وأشار بذلك إلى يوم أحد (قوله بما
ذا يأمركم) يدل على أن الرسول من شأنه أن يأمر قومه (قوله يقول اعبدوا الله وحده) فيه ان
للأمر صيغة معروفة لأنه أتى بقوله اعبدوا الله في جواب ما يأمركم وهو من أحسن الأدلة في
هذه المسئلة لان أبا سفيان من أهل اللسان وكذلك الراوي عنه ابن عباس بل هو من أفصحهم وقد
رواه عنه مقرا له (قوله ولا تشركوا به شيئا) وسقط من رواية المستملى الواو فيكون تأكيدا لقوله
وحده (قوله واتركوا ما يقول آباؤكم) هي كلمة جامعة لترك ما كانوا عليه في الجاهلية وانما ذكر
الآباء تنبيها على عذرهم في مخالفتهم له لان الآباء قدوة عند الفريقين أي عبدة الأوثان
والنصارى (قوله ويأمرنا بالصلاة والصدق) وللمصنف في رواية الصدقة بدل الصدق ورجحها
شيخنا شيخ الاسلام ويقويها رواية المؤلف في التفسير الزكاة واقتران الصلاة بالزكاة معتاد في
الشرع يرجحها أيضا ما تقدم من أنهم كانوا يستقبحون الكذب فذكر ما لم يألفوه أولى (قلت)
وفى الجملة ليس الامر بذلك ممتنعا كما في أمرهم بوفاء العهد وأداء الأمانة وقد كانا من مألوف عقلائهم
وقد ثبتا عند المؤلف في الجهاد من رواية أبي ذر عن شيخه الكشميهني والسرخسي قال بالصلاة
والصدق والصدقة وفى قوله يأمرنا بعد قوله يقول اعبدوا الله إشارة إلى أن المغايرة بين الامرين
لما يترتب على مخالفهما إذ مخالف الأول كافر والثاني ممن قبل الأول عاص (قوله فكذلك
الرسل تبعث في نسب قومها) الظاهر أن اخبار هرقل بذلك بالجزم كان عن العلم المقرر عنده في
الكتب السالفة (قوله لقلت رجل تأسى بقول) كذا للكشميهني ولغيره يتأسى بتقديم الياء
المثناة من تحت وانما لم يقل هرقل فقلت الا في هذا وفى قوله هل كان من آبائه من ملك لان هذين
المقامين مقام فكر ونظر بخلاف غيرهما من الأسئلة فإنها مقام نقل (قوله فذكرت ان
ضعفاءهم اتبعوه) هو بمعنى قول أبي سفيان ضعفاؤهم ومثل ذلك يتسامح به لاتحاد المعنى وقول
هرقل وهم اتباع الرسل معناه ان اتباع الرسل في الغالب أهل الاستكانة لا أهل الاستكبار الذين
أصروا على الشقاق بغيا وحدا كأبى جهل وأشياعه إلى أن أهلكهم الله تعالى وأنقذ بعد حين
من أراد سعادته منهم (قوله وكذلك الايمان) أي أمر الايمان لأنه يظهر نورا ثم لا يزال في زيادة
حتى يتم بالأمور المعتبرة فيه من صلاة وزكاة وصيام وغيرها ولهذا نزلت في آخر سنى النبي صلى
الله عليه وسلم اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ومنه ويأبى الله الا ان يتم نوره
وكذا جرى لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم لم يزالوا في زيادة حتى كمل بهم ما أراد الله من اظهار
33

دينه وتمام نعمته فله الحمد والمنة (قوله حين يخالط بشاشة القلوب) كذا روى بالنصب على
المفعولية والقلوب مضاف أي يخالط الايمان انشراح الصدور وروى بشاشته القلوب بالضم
والقلوب مفعول أي يخالط بشاشة الايمان وهو شرحه القلوب التي يدخل فيها زاد المصنف في
الايمان لا يسخطه أحد كما تقدم وزاد ابن السكن في روايته في معجم الصحابة يزداد به عجبا وفرحا
وفى رواية ابن إسحاق وكذلك حلاوة الايمان لا تدخل قلبا فتخرج منه (قوله وكذلك الرسل
لا تغدر) لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر بخلاف من طلب الآخرة ولم يعرج
هرقل على الدسيسة التي دسها أبو سفيان كما تقدم وسقط من هذه الرواية ايراد تقرير السؤال
العاشر والذي بعده وجوابه وقد ثبت الجميع في رواية المؤلف التي في الجهاد وسيأتى الكلام عليه
ثم إن شاء الله * (تعالى فائدة) * قال المازني هذه الأشياء التي سأل عنها هرقل ليست قاطعة على
النبوة الا انه يحتمل أنها كانت عنده علامات على هذا النبي بعينه لأنه قال بعد ذلك قد كنت أعلم
أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم وما أورده احتمالا جزم به ابن بطال وهو ظاهر (قوله فذكرت
انه يأمركم) ذكر ذلك بالاقتضاء لأنه ليس في كلام أبي سفيان ذكر الامر بل صيغته وقوله وينهاكم
عن عبادة الأوثان مستفاد من قوله ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم لان مقولهم
الامر بعبادة الأوثان (قوله أخلص) بضم اللام أي أصل يقال خلص إلى كذا أي وصل (قوله
لتجشمت) بالجيم والشين المعجمة أي تكلفت الوصول إليه وهذا يدل على أنه كان يتحقق أنه لا يسلم
من القتل ان هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستفاد ذلك بالتجربة كما في قصة ضغاطر الذي
أظهر لهم اسلامه فقتلوه وللطبراني من طريق ضعيف عن عبد الله بن شداد عن دحية في هذه
القصة مختصرا فقال قيصر أعرف انه كذلك ولكن لا أستطيع ان أفعل ان فعلت ذهب ملكي
وقتلني الروم وفى مرسل ابن إسحاق عن بعض أهل العلم ان هرقل قال ويحك والله انى لأعلم انه نبي
مرسل ولكني أخاف الروم على نفسي ولولا ذلك لاتبعته لكن لو تفطن هرقل لقوله صلى الله عليه
وسلم في الكتاب الذي أرسل إليه أسلم تسلم وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة لسلم لو أسلم
من كل ما يخافه ولكن التوفيق بيد الله تعالى وقوله لغسلت عن قدميه مبالغة في العبودية له
والخدمة زاد عبد الله بن شداد عن أبي سفيان لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبل رأسه وأغسل
قديمه وهى تدل على أنه كان بقى عنده بعض شك وزاد فيها ولقد رأيت جبهته تتحادر عرقا من
كرب الصحيفة يعنى لما قرئ عليه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وفى اقتصاره على ذكر غسل
القدمين إشارة منه إلى أنه لا يطلب منه إذا وصل إليه سالما لا ولاية ولا منصبا وانما يطلب ما يحصل
له به البركة وقوله وليبلغن ملكه ما تحت قدمي أي بيت المقدس وكنى بذلك لأنه موضع استقراره
أو أراد الشام كله لان دار مملكته كانت حمص ومما يقوى ان هرقل آثر ملكه على الايمان واستمر
على الضلال أنه حارب المسلمين في غزوة مؤتة سنة ثمان بعد هذه القصة بدون السنتين ففي مغازى
ابن إسحاق وبلغ المسلمين لما نزلوا معان من أرض الشام ان هرقل نزل في مائة ألف من المشركين
فحكى كيفية الوقعة وكذا روى ابن حبان في صحيحه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب
إليه أيضا من تبوك يدعوه وانه قارب الإجابة ولم يجب فدل ظاهر ذلك على استمراره على الكفر
لكن يحتمل مع ذلك أنه كان يضمر الايمان ويفعل هذه المعاصي مراعاة لملكه وخوفا من أن يقتله
34

قومه الا ان في مسند أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي صلى الله عليه وسلم انى مسلم فقال النبي
صلى الله عليه وسلم كذب بل هو على نصرانيته وفى كتاب الأموال لأبي عبيد بسند صحيح من
مرسل بكر بن عبد الله المزنى نحوه ولفظه فقال كذب عدو الله ليس بمسلم فعلى هذا اطلاق
صاحب الاستيعاب انه آمن أي أظهر التصديق لكنه لم يستمر عليه ويعمل بمقتضاه بل شح بملكه
وآثر الفانية على الباقية والله الموفق (قوله ثم دعا) أي من وكل ذلك إليه ولهذا عدى إلى الكتاب
بالباء والله أعلم (قوله دحية) بكسر الدال وحكى فتحها لغتان ويقال انه الرئيس بلغة أهل
اليمن وهو ابن خليفة الكلبي صحابي جليل كان أحسن الناس وجها وأسلم قديما وبعثه النبي
صلى الله عليه وسلم في آخر سنة ست بعد ان رجع من الحديبية بكتابه إلى هرقل وكان وصوله إلى
هرقل في المحرم سنة سبع قاله الواقدي ووقع في تاريخ خليفة ان ارسال الكتاب إلى هرقل كان
سنة خمس والأول أثبت بل هذا غلط لتصريح أبي سفيان بان ذلك كان في مدة الهدنة
والهدنة كانت في آخر سنة ست اتفاقا ومات دحية في خلافة معاوية وبصرى بضم أوله
والقصر مدينة بين المدينة ودمشق وقيل هي حوران وعظيمها هو الحرث بن أبي شمر الغساني
وفى الصحابة لابن السكن أنه أرسل بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل مع عدى بن حاتم
وكان عدى إذ ذاك نصرانيا فوصل به هو ودحية معا وكانت وفاة الحرث المذكور عام الفتح (قوله
من محمد) فيه أن السنة ان يبدأ الكتاب بنفسه وهو قول الجمهور بل حكى في النحاس اجماع
الصحابة والحق اثبات الخلاف وفيه ان من التي لابتداء الغاية تأتى من غير الزمان والمكان كذا
قاله أبو حيان والظاهر أنها هنا أيضا لم تخرج عن ذلك لكن بارتكاب مجاز زاد في حديث دحية
وعنده ابن أخ له أحمر أزرق سبط الرأس وفيه لما قرأ الكتاب سخر فقال لا تقرأه انه بدأ بنفسه فقال
قيصر لتقرأنه فقرأه وقد ذكر البزار في مسنده عن دحية الكلبي انه هو ناول الكتاب لقيصر ولفظه
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى قيصر فأعطيته الكتاب (قوله عظيم الروم) فيه
عدول عن ذكره بالملك أو الامرة لأنه معزول بحكم الاسلام لكنه لم يخله من اكرام لمصلحة التألف
وفى حديث دحية ان ابن أخي قيصر أنكر أيضا كونه لم يقل ملك الروم (قوله سلام على من
اتبع الهدى) في رواية المصنف في الاستئذان السلام بالتعريف وقد ذكرت في قصة موسى
وهرون مع فرعون وظاهر السياق يدل على أنه من جملة ما أمرا به ان يقولاه فان قيل كيف يبدأ
الكافر بالسلام فالجواب ان المفسرين قالوا ليس المراد من هذا التحية انما معناه سلم من عذاب
الله من أسلم ولهذا جاء بعده ان العذاب على من كذب وتولى وكذا جاء في بقية هذا الكتاب بالسلام
قصدا وإن كان اللفظ يشعر به لكنه لم يدخل في المراد لأنه ليس ممن اتبع الهدى فلم يسلم عليه (قوله
أما بعد) في قوله اما معنى الشرط وتستعمل لتفصيل ما يذكر بعدها غالبا وقد ترد مستأنفة
لا لتفصيل كالتي هنا وللتفصيل والتقرير وقال الكرماني هي هنا اما الابتداء فهو اسم الله واما
المكتوب فهو من محمد رسول الله الخ كذا قال ولفظة بعد مبنية على الضم وكان الأصل ان يفتح لو
استمرت على الإضافة لكنها قطعت عن الإضافة فبينت على الضم وسيأتى مزيد في الكلام عليها في
كتاب الجمعة (قوله بدعاية الاسلام) بكسر الدال من قولك دعا يدعو دعاية نحو شكى يشكو شكاية
ولمسلم بداعية الاسلام أي بالكلمة الداعية إلى الاسلام وهى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا
35

رسول الله والباء موضع إلى وقوله أسلم تسلم غاية في البلاغ وفيه نوع من البديع وهو الجناس
الاشتقاقي (قوله يؤتك) جواب ثان للامر وفى الجهاد للمؤلف أسلم أسلم يؤتك بتكرار أسلم فيحتمل
التأكيد ويحتمل أن يكون الأمر الأول للدخول في الاسلام والثاني للدوام عليه كما في قوله تعالى
يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله الآية وهو موافق لقوله تعالى أولئك يؤتون أجرهم مرتين
الآية واعطاؤه الاجر مرتين لكونه كان مؤمنا بنبيه ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل
ان يكون تضعيف الاجر له من جهة اسلامه ومن جهة ان اسلامه يكون سببا لدخول أتباعه
وسيأتى التصريح بذلك في موضعه من حديث الشعبي من كتاب العلم إن شاء الله تعالى واستنبط
منه شيخنا شيخ الاسلام أن كل من دان بدين أهل الكتاب كان في حكمهم في المناكحة والذبائح
لان هرقل هو وقومه ليسوا من بني إسرائيل وهم ممن دخل في النصرانية بعد التبديل وقد قال
له ولقومه يا أهل الكتاب فدل على أن لهم حكم أهل الكتاب خلافا لمن خص ذلك بالاسرائيليين
أو بمن علم أن سلفه ممن دخل في اليهودية أو النصرانية قبل التبديل والله أعلم (قوله فان توليت)
أي أعرضت عن الإجابة إلى الدخول في الاسلام وحقيقة التولي انما هو بالوجه ثم استعمل مجازا
في الاعراض عن الشئ وهى استعارة تبعية (قوله الأريسيين) هو جمع أريسى وهو منسوب
إلى أريس بوزن فعيل وقد تقلب همزته ياء كما جاءت به رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما هنا قال
ابن سيده الأريس الاكار أي الفلاح عند ثعلب وعند كراع الأريس هو الأمير وقال الجوهري
هي لغة شامية وأنكر ابن فارس أن تكون عربية وقيل في تفسيره غير ذلك لكن هذا هو الصحيح
هنا فقد جاء مصرحا به في رواية ابن إسحاق عن الزهري بلفظ فان عليك اثم الكارين زاد
البرقاني في روايته يعنى الحراثين ويؤيده أيضا ما في رواية المدائني من طريق مرسلة فان
عليك اثم الفلاحين وكذا عند أبي عبيد في كتاب الأموال من مرسل عبد الله بن شداد وان لم
تدخل في الاسلام فلا تحل بين الفلاحين وبين الاسلام قال أبو عبيد المراد بالفلاحين أهل
مملكته لان كل من كان يزرع فهو عند العرب فلاح سواء كان يلي ذلك بنفسه أو بغيره وقال
الخطابي أراد ان عليك اثم الضعفاء والاتباع إذا لم يسلموا تقليدا له لان الأصاغر أتباع الأكابر
قلت وفى الكلام حذف دل المعنى عليه وهو فان عليك مع اثمك اثم الأريسيين لأنه إذا كان
عليه اثم الاتباع بسبب انهم تبعوه على استمرار الكفر فلأن يكون عليه اثم نفسه أولي وهذا
يعد من مفهوم الموافقة ولا يعارض بقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى لان وزر الآثم لا يتحمله
غيره ولكن الفاعل المتسبب والمتلبس بالسيئات يتحمل من جهتين جهة فعله وجهة تسببه وقد
ورد تفسير الأريسيين بمعنى آخر فقال الليث بن سعد عن يونس فيما رواه الطبراني في الكبير من
طريقه الأريسيون العشارون يعنى أهل المكس والأول أظهر وهذا ان صح أنه المراد فالمعنى
المبالغة في الاثم ففي الصحيح في المرأة التي اعترفت بالزنا لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس
لقبلت (قوله ويا أهل الكتاب الخ) هكذا وقع باثبات الواو في أوله وذكر القاضي عياض ان الواو
ساقطة من رواية الأصيلي وأبي ذر وعلى ثبوتها فهي داخلة على مقدر معطوف على قوله أدعوك
فالتقدير أدعوك بدعاية الاسلام وأقول لك ولاتباعك امتثالا لقول الله تعالى يا أهل الكتاب
ويحتمل أن تكون من كلام أبي سفيان لأنه لم يحفظ جميع ألفاظ الكتاب فاستحضر منها أول
36

الكتاب فذكره وكذا الآية وكانه قال فيه كان فيه كذا وكان فيه يا أهل الكتاب قالوا ومن كلامه
لا من نفس الكتاب وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب ذلك قبل نزول الآية فوافق لفظه
لفظها لما نزلت والسبب في هذا ان هذه الآية نزلت في قصة وفد نجران وكانت قصتهم سنة الوفود
سنة تسع وقصة أبي سفيان كانت قبل ذلك سنة ست وسيأتى ذلك واضحا في المغازي وقيل بل نزلت
سابقة في أوائل الهجرة واليه يومئ كلام ابن إسحاق وقيل نزلت في اليهود وجوز بعضهم نزولها
مرتين وهو تعبد * (فائدة) * قيل في هذا دليل على جواز قراءة الجنب للآية أو الآيتين وبارسال
بعض القرآن إلى أرض العدو وكذا بالسفر به وأغرب ابن بطال فادعى ان ذلك نسخ بالنهى
عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو ويحتاج إلى اثبات التاريخ بذلك ويحتمل أن يقال إن المراد
بالقرآن في حديث النهى عن السفر به أي المصحف وسيأتى الكلام على ذلك في موضعه وأما
الجنب فيحتمل ان يقال إذا لم يقصد التلاوة جاز على أن الاستدلال بذلك من هذه القصة نظر
فإنها واقعة عين لا عموم فيها فيقيد الجواز على ما إذا وقع احتياج إلى ذلك كالابلاغ والانذار
كما في هذه القصة وأما الجواز مطلقا حيث لا ضرورة فلا يتجه وسيأتى مزيد لذلك في كتاب
الطهارة إن شاء الله تعالى وقد اشتملت هذه الجمل القليلة التي تضمنها هذا الكتاب على الامر بقوله
أسلم والترغيب بقوله تسلم ويؤتك والزجر بقوله فان توليت والترهيب بقوله فان عليك والدلالة
بقوله يا أهل الكتاب وفى ذلك من البلاغة ما لا يخفى وكيف لا وهو كلام من أوتى جوامع الكلم
صلى الله عليه وسلم (قوله فلما قال ما قال) يحتمل أن يشير بذلك إلى الأسئلة والأجوبة ويحتمل
أن يشير بذلك إلى القصة التي ذكرها ابن الناطور بعد والضمائر كلها تعود على هرقل والصخب
اللفظ وهو اختلاط الأصوات في المخاصمة زاد في الجهاد فلا أدرى ما قالوا (قوله فقلت لأصحابي)
زاد في الجهاد حين خلوت بهم (قوله أمر) هو بفتح الهمزة وكسر الميم أي عظم وسيأتى في تفسير
سبحان وابن أبي كبشة أراد به النبي صلى الله عليه وسلم لان أبا كبشة أحد أجداده وعادة العرب
إذا انتقصت نسبت إلى جد غامض قال أبو الحسن النسابة الجرجاني هو جد وهب جد النبي صلى
الله عليه وسلم لامه وهذا فيه نظر لان وهبا جد النبي صلى الله عليه وسلم اسم امه عاتكة بنت
الأوقص بن مرة بن هلال ولم يقل أحد من أهل النسب ان الأوقص يكنى أبا كبشة وقيل هو جد
عبد المطلب لامه وفيه نظر أيضا لان أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد الخزرجي ولم يقل أحد
من أهل النسب ان عمرو بن زيد يكنى أبا كبشة ولكن ذكر ابن حبيب في المجتبى جماعة من أجداد
النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أبيه ومن قبل أمه كل واحد منهم يكنى أبا كبشة وقيل هو أبوه
من الرضاعة واسمه الحرث بن عبد العزى قاله أبو الفتح الأزدي وابن ماكولا وذكر يونس بن
بكير عن ابن إسحاق عن أبيه عن رجال من قومه انه أسلم وكانت له بنت تسمى كبشة يكنى بها وقال
ابن قتيبة والخطابي والدارقطني هو رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان فعبد
الشعرى فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة وكذا قاله الزبير قال واسمه وجز بن عامر بن
غالب (قوله إنه يخافه) هو بكسر الهمزة استئنافا تعليليا لا بفتحها لثبوت اللام و ليحاقه في رواية
أخرى (قوله ملك بنى الأصفر) هم الروم ويقال ان جدهم روم بن عيص تزوج بنت ملك الحبشة
فجاء لون ولده بين البياض والسواد فقيل له الأصفر حكاه ابن الأنباري وقال ابن هشام في التيجان
37

انما لقب الأصفر لان جدته سارة زوج إبراهيم حلته بالذهب (قوله فما زلت موقنا) زاد في
حديث عبد الله بن شداد عن أبي سفيان فما زلت مرعوبا من محمد حتى أسلمت أخرجه الطبراني
(قوله حتى أدخل الله على الاسلام) أي فأظهرت ذلك اليقين وليس المراد ان ذلك اليقين ارتفع
(قوله وكان ابن الناطور) هو بالطاء المهملة وفى رواية الحموي بالظاء المعجمة وهو بالعربية حارس
البستان ووقع في رواية الليث عن يونس ابن ناطور بزيادة ألف في آخره فعلى هذا هو اسم أعجمي
* (تنبيه) * الواو في قوله وكان عاطفة والتقدير عن الزهري أخبرني عبيد الله فذكر الحديث
ثم قال الزهري وكان ابن الناطور يحدث فذكر هذه القصة فهي موصولة إلى ابن الناطور لا معلقة
كما زعم بعض من لا عناية له بهذا الشأن وكذلك أغرب بعض المغاربة فزعم أن قصة ابن الناطور
مروية بالاسناد المذكور عن أبي سفيان عنه لأنه لما رآها لا تصريح فيها بالسماع حملها على ذلك
وقد بين أبو نعيم في دلائل النبوة ان الزهري قال لقيته بدمشق في زمن عبد الملك بن مروان
وأظنه لم يتحمل عنه ذلك الا بعد ان أسلم وانما وصفه بكونه كان سقفا لينبه على أنه كان مطلعا على
أسرارهم عالما بحقائق أخبارهم وكأن الذي جزم بأنه من رواية الزهري عن عبيد الله اعتمد على
ما وقع في سيرة ابن إسحاق فإنه قدم قصة ابن الناطور هذه على حديث أبي سفيان فعنده عن
عبيد الله عن ابن عباس ان هرقل أصبح خبيث النفس فذكر نحوه وجزم الحفاظ بما ذكرته أولا
وهذا مما ينبغي أن يعد فيما وقع من الادراج أول الخبر والله أعلم (قوله صاحب ايلياء) أي أميرها
هو منصوب على الاختصاص أو الحال أو مرفوع على الصفة وهى رواية أبي ذر والإضافة التي
فيه تقوم مقام التعريف وقول من زعم أنها في تقدير الانفصال في مقام المنع وهرقل معطوف
على ايلياء وأطلق عليه الصحبة له اما بمعنى التبع واما بمعنى الصداقة وفيه استعمال صاحب
في معنيين مجازى وحقيقي لأنه بالنسبة إلى ايلياء أمير وذاك مجاز وبالنسبة إلى هرقل تابع وذلك
حقيقة قال الكرماني وإرادة المعنيين الحقيقي والمجازى من لفظ واحد جائز عند الشافعي وعند
غيره محمول على إرادة معنى شامل لهما وهذا يسمى عموم المجاز وقوله سقفا بضم السين والقاف
كذا في رواية غير أبي ذر وهو منصوب على أنه خبر كان ويحدث خبر بعد خبر وفى رواية الكشميهني
سقف بكسر القاف على ما لم يسم فاعله وفى رواية المستملى والسرخسي مثله لكن بزيادة ألف
في أوله والأسقف والسقف لفظ أعجمي ومعناه رئيس دين النصارى وقيل عربي وهو الطويل في
انحناء وقيل ذلك للرئيس لأنه يتخاشع وقال بعضهم لا نظير له في وزنه الا الاسرب وهو الرصاص
لكن حكى ابن سيده ثالثا وهو الأسكف للصانع ولا يرد الأترج لأنه جمع والكلام انما هو في المفرد
وعلى رواية أبي ذر يكون الخبر الجملة التي هي يحدث ان هرقل فالواو في قوله وكان عاطفة والتقدير
عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله فذكر حديث أبي سفيان بطوله ثم قال الزهري وكان ابن
الناطور يحدث وهذا صورة الارسال (قوله حين قدم ايلياء) يعنى في هذه الأيام وهى عند غلبة
جنوده على جنود فارس واخراجهم وكان ذلك في السنة التي اعتمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم
عمرة الحديبية وبلغ المسلمين نصرة الروم على فارس ففرحوا وقد ذكر الترمذي وغيره القصة مستوفاة
في تفسير قوله تعالى ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله وفى أول الحديث في الجهاد عند المؤلف
الإشارة إلى ذلك (قوله خبيث النفس) أي ردئ النفس غير طيبها أي مهموما وقد تستعمل في كسل
النفس وفى الصحيح لا يقولن أحدكم خبثت نفسي كأنه كره اللفظ والمراد بالخطاب المسلمون وأما في حق
38

هرقل فغير ممتنع وصرح في رواية ابن إسحاق بقولهم له لقد أصبحت مهموما والبطارقة جمع
بطريق بكسر أوله وهم خواص دولة الروم (قوله جزاء) بالمهملة وتشديد الزاي آخره همزة منونة
أي كاهنا يقال حزا بالتخفيف يحزو حزوا أي تكهن وقوله ينظر في النجوم ان جعلتها خبرا ثانيا صح
لأنه كان ينظر في الامرين وان جعلتها تفسيرا للأول فالكهانة تارة تستند إلى القاء الشياطين
وتارة تستفاد من أحكام النجوم وكان كل من الامرين في الجاهلية شائعا ذائعا إلى أن أظهر الله
الاسلام فانكسرت شوكتهم وأنكر الشرع الاعتماد عليهم وكان ما اطلع عليه هرقل من ذلك
بمقتضى حساب المنجمين أنهم زعموا ان المولد النبوي كان بقران العلويين برج العقرب وهما
يقترنان في كل عشرين سنة مرة إلى أن تستوفى المثلثة بروجها في ستين سنة فكان ابتداء
العشرين الأولى المولد النبوي في القران المذكور وعند تمام العشرين الثانية مجئ جبريل
بالوحي وعند تمام الثالثة فتح خبير وعمرة القضية التي جرت فتح مكة وظهور الاسلام وفى تلك
الأيام رأى هرقل ما رأى ومن جملة ما ذكروه أيضا ان برج العقرب مائي وهو دليل ملك القوم
الذين يختتنون فكان ذلك دليلا على انتقال الملك إلى العرب واما اليهود فليسوا مرادا هنا لان
هذا لمن ينقل إليه الملك لا لمن انقضى ملكه فان قيل كيف ساغ للبخاري ايراد هذا الخبر المشعر
بتقوية أمر المنجمين والاعتماد على ما تدل عليه أحكامهم فالجواب انه لم يقصد ذلك بل قصد أن
يبين أن الإشارات بالنبي صلى الله عليه وسلم جاءت من كل طريق وعلى لسان كل فريق من
كاهن أو منجم محق أو مبطل انسى أو جنى وهذا من أبدع ما يشير إليه عالم أو يجنح إليه محتج وقد
قيل إن الحزاء هو الذي ينظر في الأعضاء وفى خيلان الوجه فيحكم على صاحبها بطريق الفراسة
وهذا ان ثبت فلا يلزم منه حصره في ذلك بل اللائق بالسياق في حق هرقل ما تقدم (قوله ملك
الختان) بضم الميم واسكان اللام وللكشميهني بفتح الميم وكسر اللام (قوله قد ظهر) أي غلب
يعنى دله نظره في حكم النجوم على أن ملك الختان قد غلب وهو كما قال لان في تلك الأيام كان ابتداء
ظهور النبي صلى الله عليه وسلم إذ صالح كفار مكة بالحديبية وأنزل الله تعالى عليه انا فتحنا لك
فتحا مبينا إذ فتح مكة كان سببه نقض قريش العهد الذي كان بينهم بالحديبية ومقدمة الظهور
ظهور (قوله من هذه الأمة) أي من أهل هذا العصر واطلاق الأمة على أهل العصر كلهم فيه
تجوز وهذا بخلاف قوله بعد هذا ملك هذه الأمة قد ظهر فان مراده به العرب خاصة والحصر
في قولهم الا اليهود هو بمقتضى علمهم لان اليهود كانوا بإيلياء وهى بيت المقدس كثيرين تحت الذلة
مع الروم بخلاف العرب فإنهم وإن كان منهم من هو تحت طاعة ملك الروم كآل غسان لكنهم
كانوا ملوكا برأسهم (قوله فلا يهمنك) بضم أوله من أهم أثار الهم وقوله شأنهم أي أمرهم
ومدائن جمع مدينة قال أبو علي الفارسي من جعله فعيلة من قولك مدن بالمكان أي أقام به همزه
كقبائل ومن جعله مفعلة من قولك دين أي ملك لم يهمز كمعايش انتهى وما ذكره في معايش هو
المشهور وقد روى خارجة عن نافع القارئ الهمز في معايش وقال القزاز من همزها توهمها
من فعيلة لشبهها بها في اللفظ انتهى (قوله فبينما هم على أمرهم) أي في هذه المشورة (قوله أتى
هرقل برجل) لم يذكر من أحضره وملك غسان هو صاحب بصرى الذي قدمنا ذكره وأشرنا
إلى أن ابن السكن روى أنه أرسل من عنده عدى بن حاتم فيحتمل ان يكون هو المذكور والله
39

أعلم (قوله عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم) فسر ذلك ابن إسحاق في روايته فقال خرج
بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي فقد اتبعه ناس وخالفه ناس فكانت بينهم ملاحم في مواطن
فتركتهم وهم على ذلك فبين ما أجمل في حديث الباب لأنه يوهم ان ذلك كان في أوائل ما ظهر
للنبي صلى الله عليه وسلم وفى روايته أنه قال جردوه فإذا هو مختتن فقال هذا والله الذي رأيته
أعطه ثوبه (قوله هم يختتنون) في رواية الأصيلي هم مختتنون بالميم والأول أفيد وأشمل (قوله
هذا ملك هذه الأمة قد ظهر) كذا لأكثر الرواة بالضم ثم السكون وللقابسي بالفتح ثم الكسر
ولابى ذر عن الكشميهني وحده يملك فعل مضارع قال القاضي أظنها ضمة الميم اتصلت بها
فتصحفت ووجهه السهيلي في أماليه بأنه مبتدأ وخبر أي هذا المذكور يملك هذه الأمة وقيل
يجوز أن يكون يملك نعتا أي هذا رجل يملك هذه الأمة وقال شيخنا يجوز ان يكون المحذوف هو
الموصول على رأى الكوفيين أي هذا الذي يملك وهو نظير قوله * وهذا تحملين طليق * على أن
الكوفيين يجوزون استعمال اسم الإشارة بمعنى الاسم الموصول فيكون التقدير الذي يملك
من غير حذف قلت لكن اتفاق الرواة على حذف الياء في أوله دال على ما قال القاضي فيكون
شاذا على أنني رأيت في أصل معتمد وعليه علامة السرخسي بباء موحدة في أوله وتوجيهها
أقرب من توجيه الأول لأنه حينئذ تكون الإشارة بهذا إلى ما ذكره من نظره في حكم النجوم
والباء متعلقة بظهر أي هذا الحكم ظهر بملك هذه الأمة التي تختتن (قوله برومية) بالتخفيف
وهى مدينة معروفة للروم وحمص مجرور بالفتحة منع صرفة للعلمية والتأنيث ويحتمل أن يجوز
صرفه (قوله فلم يرم) بفتح أوله وكسر الراء أي لم يبرح من مكانه هذا هو المعروف وقال
الداودي لم يصل إلى حمص وزيفوه (قوله حتى أتاه كتاب من صاحبه) وفى حديث دحية الذي
أشرت إليه قال فلما خرجوا أدخلني عليه وأرسل إلى الأسقف وهو صاحب أمرهم فقال
هذا الذي كنا ننظر وبشرنا به عيسى أما أنا فصدقته ومتبعه فقال له قيصر أما أنا ان فعلت ذلك
ذهب ملكي فذكر القصة وفى آخره فقال لي الأسقف خذ هذا الكتاب واذهب إلى صاحبك
فاقرأ عليه السلام وأخبره انى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وانى قد آمنت به
وصدقته وانهم قد أنكروا على ذلك ثم خرج إليهم فقتلوه وفى رواية ابن إسحاق ان هرقل ارسل
دحية إلى ضغاطر الرومي وقال إنه في الروم أجوز قولا منى وان ضغاطر المذكور أظهر اسلامه
وألقى ثيابه التي كانت عليه ولبس ثيابا بيضا وخرج على الروم فدعاهم إلى الاسلام وشهد شهادة
الحق فقاموا إليه فضربوه حتى قتلوه قال فلما رجع دحية إلى هرقل قال له قد قلت لك انا نخافهم
على أنفسنا فضغاطر كان أعظم عندهم منى قلت فيحتمل ان يكون هو صاحب رومية الذي
أبهم هنا لكن يعكر عليه ما قيل إن دحية لم يقدم على هرقل بهذا الكتاب المكتوب في سنة
الحديبية وانما قدم عليه بالكتاب المكتوب في غزوة تبوك فالراجح ان دحية قدم على هرقل
أيضا في الأولى فعلى هذا يحتمل أن تكون وقعت لكل من الأسقف ومن ضغاطر قصة قتل كل
منهما بسببها أو وقعت لضغاطر قصتان إحداهما التي ذكرها ابن الناطور وليس فيها انه أسلم ولا
أنه قتل والثانية التي ذكرها ابن إسحاق فان فيها قصته مع دحية وانه أسلم وقتل والله أعلم (قوله وسار
هرقل إلى حمص) لأنها كانت دار ملكه كما قدمناه وكانت في زمانهم أعظم من دمشق وكان فتحها
40

على يد أبى عبيدة بن الجراح سنة ست عشرة بعد هذه القصة بعشر سنين (قوله وأنه نبي) يدل
على أن هرقل وصاحبه اقرا بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم لكن هرقل كما ذكرنا لم يستمر على ذلك
بخلاف صاحبه (قوله فأذن) هي بالقصر من الاذن وفى رواية المستملى وغيره بالمد ومعناه
أعلم والدسكرة بسكون السين المهملة القصر الذي حوله بيوت وكأنه دخل القصر ثم
اغلقه وفتح أبواب البيوت التي حوله وأذن للروم في دخولها ثم أغلقها ثم اطلع عليهم فخاطبهم
وانما فعل ذلك خشية ان يثبوا به كما وثبوا بضغاطر (قوله والرشد) بفتحتين (وان يثبت
ملككم) لانهم ان تمادوا على الكفر كان سببا لذهاب ملكهم كما عرف هو ذلك من الأخبار
السابقة (قوله فتبايعوا) بمثناة ثم موحدة وللكشميهني بمثناتين وموحدة وللأصيلي فنبايع
بنون وموحدة (لهذا النبي) كذا لأبي ذر وللباقين بحذف اللام (قوله فحاصوا) بمهملتين
أي نفروا وشبههم بالوحوش لان نفرتها أشد من نفرة البهائم الانسية وشبههم بالحمر دون غيرها
من الوحوش لمناسبة الجهل وعدم الفطنة بل هم أضل (قوله وأيس) في رواية الكشميهني
والأصيلي ويئس بيائين تحتانيتين وهما بمعنى والأول مقلوب من الثاني (قوله من الايمان)
أي من ايمانهم لما أظهروه ومن ايمانه لأنه شح بملكه كما قدمنا وكان يحب أن يطيعوه فيستمر ملكه
ويسلم ويسلموا باسلامهم فما أيس من الايمان الا بالشرط الذي أراده والا فقد كان قادرا على
أن يفر عنهم ويترك ملكه رغبة فيما عند الله والله الموفق (قوله آنفا) أي قريبا وهو منصوب
على الحال (قوله فقد رأيت) زاد في التفسير فقد رأيت منكم الذي أحببت (قوله فكان ذلك
آخر شأن هرقل) أي فيما يتعلق بهذه القصة المتعلقة بدعائه إلى الايمان خاصة لا أنه انقضى أمره
حينئذ أو انه أطلق الآخرية بالنسبة إلى ما في علمه وهذا أوجه لان هرقل وقعت له قصص
أخرى بعد ذلك منها ما أشرنا إليه من تجهيزه الجيوش إلى مؤتة ومن تجهيزه الجيوش أيضا
إلى تبوك ومكاتبة النبي صلى الله عليه وسلم له ثانيا وارساله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهب
فقسمه بين أصحابه كما في رواية ابن حيان التي أشرنا إليها قبل وأبى عبيد وفى المسند من طريق
سعيد بن أبي راشد التنوخي رسول هرقل قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك فبعث
دحية إلى هرقل فلما جاءه الكتاب دعا قسيسي الروم وبطارقتها فذكر الحديث قال فتحيروا حتى أن
بعضهم خرج من برنسه فقال اسكتوا فإنما أردت ان أعلم تمسككم بدينكم وروى ابن إسحاق
عن خالد بن بشار عن رجل من قدماء أهل الشام ان هرقل لما أراد الخروج من الشأم إلى
القسطنطينية عرض على الروم أمورا اما الاسلام واما الجزية واما ان يصالح النبي صلى الله
عليه وسلم ويبقى لهم ما دون الدرب فأبوا وأنه انطلق حتى إذا أشرف على الدرب استقبل أرض
الشأم ثم قال السلام عليك أرض سورية يعنى الشأم تسليم المودع ثم ركض حتى دخل
القسطنطينية واختلف الأخباريون هل هو الذي حاربه المسلمون في زمن أبى بكر وعمر أو ابنه
والأظهر أنه هو والله أعلم * (تنبيه) * لما كان أمر هرقل في الايمان عند كثير من الناس مستبهما
لأنه يحتمل أن يكون عدم تصريحه بالايمان للخوف على نفسه من القتل ويحتمل أن يكون استمر
على الشك حتى مات كافرا وقال الراوي في آخر القصة فكان ذلك آخر شأن هرقل ختم به البخاري
هذا الباب الذي استفتحه بحديث الا عمال بالنيات كأنه قال إن صدقت نيته انتفع بها في الجملة
41

والا فقد خاب وخسر فظهرت مناسبة ايراد قصة بن الناطور في بدء الوحي لمناسبتها حديث الأعمال
المصدر الباب به ويؤخذ للمصنف من آخر لفظ في القصة براعة الاختتام وهو واضح مما قررناه
فان قيل ما مناسبة حديث أبي سفيان في قصة هرقل ببدء الوحي فالجواب أنها تضمنت كيفية
حال الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الابتداء ولان الآية المكتوبة إلى هرقل للدعاء إلى
الاسلام ملتئمة مع الآية التي في الترجمة وهى قوله تعالى انا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح الآية
وقال تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا الآية فبأن أنه أوحى إليهم كلهم أن أقيموا الدين
وهو معنى قوله تعالى سواء بيننا وبينكم الآية * (تكميل) * ذكر السهيلي أنه بلغه أن هرقل وضع
الكتاب في قصبة من ذهب تعظيما له وانهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب
على طليطلة ثم كان عند سبطه فحدثني بعض أصحابنا ان عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين
اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب فلما رآه استعبر وسأل ان يمكنه من تقبيله فامتنع (قلت)
وأنبأني غير واحد عن القاضي نور الدين بن الصائغ الدمشقي قال حدثني سيف الدين فليح
المنصوري قال أرسلني الملك المنصور قلاون إلى ملك الغرب بهدية فأرسلني ملك الغرب إلى ملك
الفرنج في شفاعة فقبلها وعرض على الإقامة عنده فامتنعت فقال لي لأتحفنك بتحفة سنية
فاخرج لي صندوقا مصفحا بذهب فأخرج منه مقلمة ذهب فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر
حروفه وقد التصقت عليه خرقة حرير فقال هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ما زلنا نتوارثه
إلى الآن وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا فنحن نحفظه غاية
الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا انتهى ويؤيد هذا ما وقع في حديث
سعيد بن أبي راشد الذي أشرت إليه آنفا ان النبي صلى الله عليه وسلم عرض على التنوخي
رسول هرقل الاسلام فامتنع فقال له يا أخا تنوخ انى كتبت إلى ملككم بصحيفة فأمسكها
فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير وكذلك أخرج أبو عبيد في كتاب
الأموال من مرسل عمير بن إسحاق قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر
فأما كسرى فلما قرأ الكتاب مزقه وأما قيصر فلما قرأ الكتاب طواه ثم رفعه فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم أما هؤلاء فيمزقون وأما هؤلاء فستكون لهم بقية ويؤيده ما روى أن النبي صلى الله
عليه وسلم لما جاءه جواب كسرى قال مزق الله ملكه ولما جاءه جواب هرقل قال ثبت الله ملكه
والله أعلم (قوله رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهري) قال الكرماني يحتمل ذلك
وجهين أن يروى البخاري عن الثلاثة بالاسناد المذكور كأنه قال أنا أبو اليمان أنا هؤلاء
الثلاثة عن الزهري وأن يروى عنهم بطريق آخر كما أن الزهري يحتمل أيضا في رواية الثلاثة أن
يروى له عن عبيد الله عن ابن عباس وأن يروى لهم عن غيره هذا ما يحتمل اللفظ وإن كان
الظاهر الاتحاد قلت هذا الظاهر كاف لمن شم أدنى رائحة من علم الاسناد والاحتمالات العقلية
المجردة لا مدخل لها في هذا الفن وأما الاحتمال الأول فأشد بعدا لان أبا اليمان لم يلحق صالح بن
كيسان ولا سمع من يونس وهذا أمر يتعلق بالنقل المحض فلا يلتفت إلى ما عداه ولو كان من
أهل النقل لأطلع على كيفية رواية الثلاثة لهذا الحديث بخصوصه فاستراح من هذا التردد وقد
أوضحت ذلك في كتابي تعليق التعليق وأشير هنا إليه إشارة مفهمه فرواه صالح وهو ابن كيسان
أخرجها المؤلف في كتاب الجهاد بتمامها من طريق إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن
42

الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس وفيها من الفوائد الزوائد ما أشرت إليه في أثناء
الكلام على هذا الحديث من قبل ولكنه انتهى حديثه عند قول أبي سفيان حتى أدخل الله على
الاسلام زاد هنا وأنا كاره ولم يذكر قصة ابن الناطور وكذا أخرجه مسلم بدونها من حديث
إبراهيم المذكور ورواية يونس أيضا عن الزهري بهذا الاسناد أخرجها المؤلف في الجهاد
مختصرة من طريق الليث وفى الاستئذان مختصرة أيضا من طريق بن المبارك كلاهما عن يونس
عن الزهري بسنده بعينه ولم يسقه بتمامه وقد ساقه الطبراني من طريق عبد الله بن صالح
عن الليث وذكر فيه قصة ابن الناطور ورواية معمر عن الزهري كذلك ساقها المؤلف بتمامها
في التفسير وقد أشرنا إلى بعض فوائد زائدة فيما مضى أيضا وذكر فيه من قصة ابن الناطور قطعة
مختصرة عن الزهري مرسلة فقد ظهر لك أن أبا اليمان ما روى هذا الحديث عن واحد من الثلاثة
وان الزهري انما رواه لأصحابه بسند واحد من شيخ واحد وهو عبيد الله بن عبد الله عند المصنف
عن غير أبى الهام ولو احتمل أن يرويه لهم أو لبعضهم عن شيخ آخر لكان ذلك اختلافا قد يفضى
إلى الاضطراب الموجب للضعف فلاح فساد ذلك الاحتمال والله سبحانه وتعالى الموفق والهادي
إلى الصواب لا اله الا هو
* (كتاب الايمان) *
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الايمان) هو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا كتاب الايمان
وكتاب مصدر يقال كتب يكتب كتابة وكتابا ومادة كتب دالة على الجمع والضم ومنها الكتيبة
والكتابة استعملوا ذلك فيما يجمع أشياء من الأبواب والفصول الجامعة للمسائل والضم فيه
بالنسبة إلى المكتوب من الحروف حقيقة وبالنسبة إلى المعاني المرادة منها مجاز والباب موضوعه
المدخل فاستعماله في المعاني مجاز والايمان لغة التصديق وشرعا تصديق الرسول فيما جاء به عن
ربه وهذا القدر متفق عليه ثم وقع الاختلاف هل يشترط مع ذلك مزيد أمر من جهة ابداء هذا
التصديق باللسان المعبر عما في القلب إذ التصديق من أفعال القلوب أو من جهة العمل بما صدق
به من ذلك كفعل المأمورات وترك المنهيات كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى والايمان فيما قيل
مشتق من الأمن وفيه نظر لتباين مدلولي الامن والتصديق الا ان لوحظ فيه معنى مجازى فيقال
أمنه إذا صدقه أي أمنة التكذيب ولم يستفتح المصنف بدء الوحي بكتاب لان المقدمة لا تستفتح
بما يستفتح به غيرها لأنها تنطوي على ما يتعلق بما بعدها واختلفت الروايات في تقديم البسملة على
كتاب أو تأخيرها ولكل وجه الأول ظاهر ووجه الثاني وعليه أكثر الروايات ان جعل الترجمة
قائمه مقام تسمية السورة والأحاديث المذكورة بعد البسملة كالآيات مستفتحة بالبسملة (قوله
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بنى الاسلام على خمس) سقط لفظ باب من رواية الأصيلي وقد
وصل الحديث بعد تاما واقتصاره على طرفه فيه تسمية الشئ باسم بعضه والمراد باب هذا الحديث
(قوله وهو) أي الايمان (قول وفعل ويزيد وينقص) وفى رواية الكشميهني قول وعمل وهو اللفظ
الوارد عن السلف الذين أطلقوا ذلك ووهم ابن التين فظن أن قوله وهو إلى آخره مرفوع لما رآه
معطوفا وليس ذلك مراد المصنف وإن كان ذلك ورد باسناد ضعيف والكلام هنا في مقامين
أحدهما كونه قولا وعملا والثاني كونه يزيد وينقص فأما القول فالمراد به النطق بالشهادتين
43

واما العمل فالمراد به ما هو أعم من عمل القلب والجوارح ليدخل الاعتقاد والعبادات ومراد
من أدخل ذلك في تعريف الايمان ومن نفاه انما هو بالنظر إلى ما عند الله تعالى فالسلف قالوا هو
اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله ومن هنا
نشأ لهم القول بالزيادة والنقص كما سيأتي والمرجئة قالوا هو اعتقاد ونطق فقط والكرامية قالوا
هو نطق فقط والمعتزلة قالوا هو العمل والنطق والاعتقاد والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا
الأعمال شرطا في صحته والسلف جعلوها شرطا في كماله وهذا كله كما قلنا بالنظر إلى ما عند
الله تعالى أما بالنظر إلى ما عندنا فالايمان هو الاقرار فقط فمن أقرأ جريت عليه الاحكام في
الدنيا ولم يحكم عليه بكفر الا ان اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم فإن كان الفعل
لا يدل على الكفر كالفسق فمن أطلق عليه الايمان فبالنظر إلى اقراره ومن نفى عنه الايمان
فبالنظر إلى كماله ومن أطلق عليه الكفر فبالنظر إلى أنه فعل فعل الكافر ومن نفاه عنه فبالنظر
إلى حقيقته وأثبتت المعتزلة الواسطة فقالوا الفاسق لا مؤمن ولا كافر وأما المقام الثاني فذهب
السلف إلى أن الايمان يزيد وينقص وأنكر ذلك أكثر المتكلمين وقالوا متى قبل ذلك كان شكا
قال الشيخ محيي الدين والا ظهر المختار ان التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح الأدلة
ولهذا كان ايمان الصديق أقوى من ايمان غيره بحيث لا يعتريه الشبهة ويؤيده ان كل أحد يعلم أن
ما في قلبه يتفاضل حتى أنه يكون في بعض الأحيان الايمان أعظم يقينا واخلاصا وتوكلا منه
في بعضها وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها وقد نقل محمد بن نصر
المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة عن جماعة من الأئمة نحو ذلك وما نقل عن السلف صرح به
عبد الرزاق في مصنفه عن سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وابن جريج ومعمر وغيرهم
وهؤلاء فقهاء الأمصار في عصرهم وكذا نقله أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة عن الشافعي
وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبى عبيد وغيرهم من الأئمة وروى بسنده الصحيح عن البخاري
قال لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالامصار فما رأيت أحدا منهم يختلف في أن الايمان قول
وعمل ويزيد وينقص وأطنب ابن أبي حاتم واللالكائي في نقل ذلك بالأسانيد عن جمع كثير من
الصحابة والتابعين وكل من يدور عليه الاجماع من الصحابة والتابعين وحكاه فضيل بن عياض
ووكيع عن أهل السنة والجماعة وقال الحاكم في مناقب الشافعي حدثنا أبو العباس الأصم أنا
الربيع قال سمعت الشافعي يقول الايمان قول وعمل يزيد وينقص أخرجه أبو نعيم في ترجمة
الشافعي من الحلية من وجه آخر عن الربيع وزاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ثم تلى ويزداد
الذين آمنوا ايمانا الآية ثم شرع المصنف يستدل لذلك بآيات من القرآن مصرحة بالزيادة
وبثبوتها يثبت المقابل فان كل قابل للزيادة قابل للنقصان ضرورة (قوله والحب في الله والبغض
في الله من الايمان) هو لفظ حديث أخرجه أبو داود من حديث أبي أمامة ومن حديث أبي ذر
ولفظه أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله ولفظ أبى أمامة من أحب لله وأبغض لله
وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الايمان وللترمذي من حديث معاذ بن أنس نحو حديث أبي
أمامة وزاد أحمد فيه ونصح لله وزاد في أخرى ويعمل لسانه في ذكر الله وله عن عمرو بن الجموح بلفظ
لا يجد العبد صريح الايمان حتى يحب لله ويبغض لله ولفظ البراء رفعه أوثق عرا الايمان الحب
في الله والبغض في الله وسيأتى عند المصنف آية الايمان حب الأنصار واستدل بذلك على أن
44

الايمان يزيد وينقص لان الحب والبغض يتفاوتان (قوله وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدى بن عدي
) أي ابن عمرة الكندي وهو تابعي من أولاد الصحابة وكان عامل عمر بن عبد العزيز على
الجزيرة فلذلك كتب إليه والتعليق المذكور وصله أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة في كتاب
الايمان لهما من طريق عيسى بن عاصم قال حدثني عدى بن عدي قال كتب إلى عمر بن عبد العزيز
أما بعد فان للايمان فرائض وشرائع إلى آخره (قوله إن للايمان فرائض) كذا ثبت في معظم
الروايات باللام وفرائض بالنصب على أنها اسم ان وفى رواية ابن عساكر فان الايمان فرائض
على أن الايمان اسم ان وفرائض خبرها وبالأول جاء الموصول الذي أشرنا إليه (قوله فرائض)
أي أعمالا مفروضه (وشرائع) أي عقائد دينية وحدودا أي منهيات ممنوعة وسننا أي مندوبات
(قوله فان أعش فسأبينها) أي أبين تفاريعها لا أصولها لان أصولها كانت معلومة لهم مجملة
على تجويز تأخير البيان عن وقت الخطاب إذ الحاجة هنا لم تتحقق والغرض من هذا الأثر أن
عمر بن عبد العزيز كان ممن يقول بان الايمان يزيد وينقص حيث قال استكمل ولم يستكمل
قال الكرماني وهذا على إحدى الروايتين وأما على الرواية الأخرى فقد يمنع ذلك لأنه جعل
الايمان غير الفرائض * (قلت) * لكن آخر كلامه يشعر بذلك وهو قوله فمن استكملها أي
الفرائض وما معها فقد استكمل الايمان وبهذا تتفق الروايتان فالمراد انها من المكملات
لان الشارع أطلق على مكملات الايمان ايمانا (قوله وقال إبراهيم عليه السلام ولكن
ليطمئن قلبي) أشار إلى تفسير سعيد بن جبير ومجاهد وغيرهما لهذه الآية فروى ابن جرير
بسنده الصحيح إلى سعيد قال قوله ليطمئن قلبي أي يزداد يقيني وعن مجاهد قال لأزداد
ايمانا إلى ايمانى وإذا ثبت ذلك عن إبراهيم عليه السلام مع أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد أمر
باتباع ملته كان كأنه ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك وانما فصل المصنف بين هذه الآية
وبين الآيات التي قبلها لان الدليل يؤخذ من تلك بالنص ومن هذه بالإشارة والله أعلم (قوله
وقال معاذ) هو ابن جبل وصرح بذلك الأصيلي والتعليق المذكور وصله أحمد وأبو بكر أيضا
بسند صحيح إلى الأسود بن هلال قال قال لي معاذ بن جبل اجلس بنا نؤمن ساعة وفى رواية
لهما كان معاذ بن جبل يقول للرجل من اخوانه اجلس بنا نؤمن ساعة فيجلسان فيذكران الله
تعالى ويحمدانه وعرف من الرواية الأولى أن الأسود أبهم نفسه ويحتمل ان يكون معاذ قال
ذلك له ولغيره ووجه الدلالة منه ظاهرة لأنه لا يحمل على أصل الايمان لكونه كان مؤمنا وأي
مؤمن وانما يحمل على إرادة أنه يزداد ايمانا بذكر الله تعالى وقال القاضي أبو بكر بن العربي
لا تعلق فيه للزيادة لان معاذ انما أراد تجديد الايمان لان العبد يؤمن في أول مرة فرضا ثم يكون
أبدا مجددا كلما نظر أو فكر وما نفاه أولا أثبته آخرا لان تجديد الايمان ايمان (قوله وقال ابن
مسعود اليقين الايمان كله) هذا التعليق طرف من أثر وصله الطبراني بسند صحيح وبقيته والصبر
نصف الايمان وأخرجه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد من حديثه مرفوعا ولا يثبت رفعه
وجرى المصنف على عادته في الاقتصار على ما يدل بالإشارة وحذف ما يدل بالصراحة إذ لفظ
النصف صريح في التجزئة وفى الايمان لأحمد من طريق عبد الله بن حكيم عن ابن مسعود انه كان
يقول اللهم زدنا ايمانا ويقينا وفقها واسناده صحيح وهذا أصرح في المقصود ولم يذكره المصنف
لما أشرت إليه * (تنبيه) * تعلق بهذا الأثر من يقول إن الايمان هو مجرد التصديق وأجيب
45

بان مراد ابن مسعود ان اليقين هو أصل الايمان فإذا أيقن القلب انبعثت الجوارح كلها للقاء
الله بالأعمال الصالحة حتى قال سفيان الثوري لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطار اشتياقا
إلى الجنة وهربا من النار (قوله وقال ابن عمر إلى آخره) المراد بالتقوى وقاية النفس عن الشرك
والأعمال السيئة والمواظبة على الأعمال الصالحة وبهذا التقرير يصح استدلال المصنف
وقوله حاك بالمهملة والكاف الخفيفة أي تردد ففيه إشارة إلى أن بعض المؤمنين بلغ كنه
الايمان وحقيقته وبعضهم لم يبلغ وقد ورد معنى قول ابن عمر عند مسلم من حديث النواس
مرفوعا وعند أحمد من حديث وابصة وحسن الترمذي من حديث عطية السعدي قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس
وليس فيها شئ على شرط المصنف فلهذا اقتصر على أثر بن عمر ولم أره إلى الآن موصولا وقد
اخرج بن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن أبي الدرداء قال تمام التقوى ان تتقى الله حتى تترك
ما يرى أنه حلال خشية ان يكون حراما (قوله وقال مجاهد) وصل هذا التعليق عبد بن حميد
في تفسيره والمراد ان الذي تظاهرت عليه الأدلة من الكتاب والسنة هو شرع الأنبياء كلهم
* (تنبيه) * قال شيخ الاسلام البلقيني وقع في أصل الصحيح في جميع الروايات في أثر مجاهد
هذا تصحيف قل من تعرض لبيانه وذلك أن لفظه وقال مجاهد شرع لكم أوصيناك يا محمد وإياه
دينا واحدا والصواب أوصاك يا محمد وأنبياءه كذا أخرجه عبد بن حميد والفريابي والطبري
وابن المنذر في تفاسيرهم وبه يستقيم الكلام وكيف يفرد مجاهد الضمير لنوح وحده مع أن في
السياق ذكر جماعة انتهى ولا مانع من الافراد في التفسير وإن كان لفظ الآية بالجمع على إرادة
المخاطب والباقون تبع وافراد الضمير لا يمتنع لان نوحا أفرد في الآية فلم يتعين التصحيف وغاية
ما ذكر من مجئ التفاسير بخلاف لفظه ان يكون مذكورا عند المصنف بالمعنى والله أعلم وقد
استدل الشافعي وأحمد وغيرهما على أن الأعمال تدخل في الايمان لهذه الآية وما أمروا الا
ليعبدوا الله إلى قوله دين القيمة قال الشافعي ليس عليهم أحج من هذه الآية أخرجه الخلال في
كتاب السنة (قوله وقال ابن عباس) وصل هذا التعليق عبد الرزاق في تفسيره بسند صحيح
والمنهاج السبيل أي الطريق الواضح والشرعة والشريعة بمعنى وقد شرع أي سن فعلى هذا
فيه لف ونشر غير مرتب فان قيل هذا يدل على الاختلاف والذي قبله على الاتحاد أجيب بأن
ذلك في أصول الدين وليس بين الأنبياء فيه اختلاف وهذا في الفروع وهو الذي يدخله النسخ
(قوله دعاؤكم ايمانكم) قال النووي يقع في كثير من النسخ هنا باب وهو غلط فاحش وصوابه
بحذفه ولا يصح ادخال باب هنا إذ لا تعلق له هنا (قلت) ثبت باب في كثير من الروايات المتصلة منها
رواية أبي ذر ويمكن توجيهه لكن قال الكرماني انه وقف على نسخة مسموعة على الفربري
بحذفه وعلى هذا فقوله دعاؤكم ايمانكم من قول ابن عباس وعطفه على ما قبله كعادته في
حذف أداة العطف حيث ينقل التفسير وقد وصله ابن جرير من قول ابن عباس قال في قوله تعالى
قل ما يعبؤ بكم ربى لولا دعاؤكم قال يقول لولا ايمانكم أخبر الله الكفار انه لا يعبأ
بهم ولولا
ايمان المؤمنين لم يعبأ بهم أيضا ووجه الدلالة للمصنف ان الدعاء عمل وقد أطلقه على الايمان
فيصح اطلاق أن الايمان عمل وهذا على تفسير ابن عباس وقال غيره الدعاء هنا مصدر مضاف
إلى المفعول والمراد دعاء الرسل الخلق إلى الايمان فالمعنى ليس لكم عند الله عذر الا أن يدعوكم
46

الرسول فيؤمن من آمن ويكفر من كفر فقد كذبتم أنتم فسوف يكون العذاب لازما لكم وقيل
معنى الدعاء هنا الطاعة ويؤيده حديث النعمان بن بشير ان الدعاء هو العبادة أخرجه أصحاب
السنن بسند جيد (قوله حنظلة) بن أبي سفيان هو قرشي مكي من ذرية صفوان بن أمية الجمحي
وعكرمة بن خالد هو ابن سعيد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي وهو ثقة متفق عليه وفى
طبقته عكرمة بن خالد بن سلمة بن هشام بن المغيرة المخزومي وهو ضعيف ولم يخرج له البخاري نبهت
عليه لشدة التباسه ويفترقان بشيوخهما ولو يرو الضعيف عن ابن عمر زاد مسلم في روايته عن
حنظلة قال سمعت عكرمة بن خالد يحدث طاوسا أن رجلا قال لعبد الله بن عمر ألا تغزو فقال
انى سمعت فذكر الحديث * (فائدة) * اسم الرجل السائل حكيم ذكره البيهقي (قوله على
خمس) أي دعائم وصرح به عبد الرزاق في روايته وفى رواية لمسلم على خمسة أي أركان فان قيل
الأربعة المذكورة مبنية على الشهادة إذ لا يصح شئ منها الا بعد وجودها فكيف يضم مبنى
إلى مبنى عليه في مسمى واحد أجيب بجواز ابتناء أمر على أمر ينبنى على الامرين أمر آخر
فان قيل المبنى لا بد أن يكون غير المبنى عليه أجيب بان المجموع غير من حيث الانفراد عين من
حيث الجمع ومثاله البيت من الشعر يجعل على خمسة أعمدة أحدها أوسط والبقية أركان فما دام
الأوسط قائما فمسمى البيت موجود ولو سقط مهما سقط من الأركان فإذا سقط الأوسط سقط
مسمى البيت فالبيت بالنظر إلى مجموعه شئ واحد وبالنظر إلى افراده أشياء وأيضا فبالنظر إلى أسه
وأركانه الأس أصل والأركان تبع وتكملة * (تنبيهات) * (أحدهما) لم يذكر الجهاد لأنه فرض
كفاية ولا يتعين الا في بعض الأحوال ولهذا جعله ابن عمر جواب السائل وزاد في رواية عبد
الرزاق في آخره وان الجهاد من العمل الحسن وأغرب ابن بطال فزعم أن هذا الحديث كان أول
الاسلام قبل فرض الجهاد وفيه نظر بل هو خطأ لان فرض الجهاد كان قبل وقعة بدر وبدر كانت
في رمضان في السنة الثانية وفيها فرض الصيام والزكاة بعد ذلك والحج بعد ذلك على الصحيح
(ثانيها) قوله شهادة ان لا إله إلا الله وما بعدها مخفوض على البدل من خمس ويجوز الرفع على
حذف الخبر والتقدير منها شهادة ان لا إله إلا الله أو على حذف المبتدا والتقدير أحدها شهادة
ان لا إله إلا الله فان قيل لم يذكر الايمان بالأنبياء والملائكة وغير ذلك مما تضمنه سؤال جبريل
عليه السلام أجيب بان المراد بالشهادة تصديق الرسول فيما جاء به فيستلزم جميع ما ذكر من
المعتقدات وقال الإسماعيلي ما محصله هو من باب تسمية الشئ ببعضه كما تقول قرأت الحمد وتريد
جميع الفاتحة وكذا نقول مثلا شهدت برسالة محمد وتريد جميع ما ذكر والله أعلم (ثالثها)
المراد باقام الصلاة المداومة عليها أو مطلق الاتيان بها والمراد بإيتاء الزكاة اخراج جزء من
المال على وجه مخصوص (رابعها) اشترط الباقلاني في صحة الاسلام تقدم الاقرار بالتوحيد
على الرسالة ولم يتابع مع أنه إذا دقق فيه بان وجهه ويزداد اتجاها إذا فرقهما فليتأمل
(خامسها) يستفاد منه تخصيص عموم مفهوم السنة بخصوص منطوق القرآن لان عموم
الحديث يقتضى صحة اسلام من باشر ما ذكر ومفهومه أن من لم يباشره لا يصح منه وهذا العموم
مخصوص بقوله تعالى والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم على ما تقرر في موضعه (سادسها)
وقع هنا تقديم الحج على الصوم وعليه بنى البخاري ترتيبه لكن وقع في مسلم من رواية سعد بن
47

عبيدة عن ابن عمر بتقديم الصوم على الحج قال فقال رجل والحج وصيام رمضان فقال ابن
عمر لا صيام رمضان والحج هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ففي هذا اشعار
بان رواية حنظلة التي في البخاري مروية بالمعنى اما لأنه لم يسمع رد ابن عمر على الرجل لتعدد المجلس
أو حضر ذلك ثم نسيه ويبعد ما جوزه بعضهم أن يكون ابن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم
على الوجهين ونسى أحدهما عند رده على الرجل ووجه بعده ان تطرق النسيان إلى الراوي
عن الصحابي أولى من تطرقه إلى الصحابي وكيف وفى رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم
على الحج ولأبى عوانة من وجه آخر عن حنظلة انه جعل صوم رمضان قبل فتنويعه دال
على أنه روى بالمعنى ويؤيده ما وقع عند البخاري في التفسير بتقديم الصيام على الزكاة أفيقال
ان الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه هذا مستبعد والله أعلم * (فائدة) * اسم الرجل المذكور
يزيد بن بشر السكسكي ذكره الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى (قوله باب أمور الايمان)
أو للكشميهني أمر الايمان بالافراد على إرادة الجنس والمراد بيان الأمور التي هي الايمان
والأمور التي للايمان (قوله وقول الله تعالى) بالخفض ووجه الاستدلال بهذه الآية
ومناسبتها لحديث الباب تظهر من الحديث الذي رواه عبد الرزاق وغيره من طريق مجاهد أن
أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الايمان فتلا عليه ليس البر إلى آخرها ورجاله ثقات
وانما لم يسقه المؤلف لأنه ليس على شرطه ووجهه ان الآية حصرت التقوى على أصحاب هذه
الصفات والمراد المتقون من الشرك والأعمال السيئة فإذا فعلوا وتركوا فهم المؤمنون
الكاملون والجامع بين الآية والحديث ان الأعمال مع انضمامها إلى التصديق داخلة في
مسمى البر كما هي داخلة في مسمى الايمان فان قيل ليس في المتن ذكر التصديق أجيب بأنه ثابت
في أصل هذا الحديث كما أخرجه مسلم وغيره والمصنف يكثر الاستدلال بما اشتمل عليه المتن الذي
يذكر أصله ولم يسقه تاما (قوله قد أفلح المؤمنون) ذكره بلا أداة عطف والحذف جائز
والتقدير وقول الله قد أفلح المؤمنون وثبت المحذوف في رواية الأصيلي ويحتمل ان يكون ذكر
ذلك تفسيرا لقوله المتقون أي المتقون هم الموصوفون بقوله قد أفلح إلى آخرها وكأن المؤلف
أشار إلى امكان عد الشعب من هاتين الآيتين وشبههما ومن ثم ذكر ابن حيان انه عد كل
طاعة عدها الله تعالى في كتابه من الايمان وكل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الايمان وحذف المكرر فبلغت تسعا وتسعين (قوله عن أبي هريرة) هذا أول حديث
وقع ذكره فيه ومجموع ما أخرجه له البخاري من المتون المستقلة أربعمائة حديث وستة
وأربعون حديثا على التحرير وقد اختلف في اسمه اختلافا كثيرا قال ابن عبد البر لم يختلف في
اسم في الجاهلية والاسلام مثل ما اختلف في اسمه اختلف فيه على عشرين قولا (قلت)
وسرد بن الجوزي في التلقيح منها ثمانية عشر وقال النووي تبلغ أكثر من ثلاثين قولا
(قلت) وقد جمعتها في ترجمته في تهذيب التهذيب فلم تبلغ ذلك ولكن كلام الشيخ محمول على
الاختلاف في اسمه وفى اسم أبيه معا (قوله بضع) بكسر أوله وحكى الفتح لغة وهو عدد مبهم مقيد
بما بين الثلاث إلى التسع كما جزم به القزاز وقال ابن سيده إلى العشر وقيل من واحد إلى تسعة
وقيل من اثنين إلى عشرة وقيل من أربعة إلى تسعة وعن الخليل البضع السبع ويرجح ما قاله
48

القزاز ما اتفق عليه المفسرون في قوله تعالى فلبث في السجن بضع سنين وما رواه الترمذي بسند
صحيح ان قريشا قالوا ذلك لأبي بكر وكذا رواه الطبري مرفوعا ونقل الصغاني في العباب انه خاص
بما دون العشرة وبما دون العشرين فإذا جاوز العشرين امتنع قال وأجازه أبو زيد فقال يقال
بضعة وعشرين رجلا وبضع وعشرون امرأة وقال الفراء هو خاص بالعشرات إلى التسعين
ولا يقال بضع ومائة ولا بضع وألف ووقع في بعض الروايات بضعة بتاء التأنيث ويحتاج إلى تأويله
(قوله وستون) لم تختلف الطرق عن أبي عامر شيخ شيخ المؤلف في ذلك وتابعه يحيى الحماني
بكسر المهملة وتشديد الميم عن سليمان بن بلال وأخرجه أبو عوانة من طريق بشر بن عمرو عن
سليمان بن بلال فقال بضع وستون أو بضع وسبعون وكذا وقع التردد في رواية مسلم من طريق
سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار ورواه أصحاب السنن الثلاثة من طريقه فقالوا بضع
وسبعون من غير شك ولابى عوانة في صحيحه من طريق ست وسبعون أو سبع وسبعون ورجح
البيهقي رواية البخاري لان سليمان لم يشك وفيه نظر لما ذكرنا من رواية بشر بن عمرو عنه فتردد
أيضا لكن يرجح بأنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه وأما رواية الترمذي بلفظ أربع وستون
فمعلولة وعلى صحتها لا تخالف رواية البخاري وترجيح رواية بضع وسبعون لكونها زيادة ثقة
كما ذكره الحليمي ثم عياض لا يستقيم إذ الذي زادها لم يستمر على الجزم بها لا سيما مع اتحاد المخرج
وبهذا يتبين شفوف نظر البخاري وقد رجح ابن الصلاح الأقل لكونه المتيقن (قوله شعبة)
بالضم أي قطعة والمراد الخصلة أو الجزء (قوله والحياء) هو بالمد وهو في اللغة تغير وانكسار
يعترى الانسان من خوف ما يعاب به وقد يطلق على مجرد ترك الشئ بسبب والترك انما
هو من لوازمه وفى الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي
الحق ولهذا جاء في الحديث الآخر الحياء خير كله فان قيل الحياء من الغرائز فكيف جعل
شعبة من الايمان أجيب بأنه قد يكون غريزة وقد يكون تخلقا ولكن استعماله على وفق
الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية فهو من الايمان لهذا ولكونه باعثا على فعل الطاعة
وحاجزا عن فعل المعصية ولا يقال رب حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير لان ذاك ليس شرعيا
فان قيل لم أفرده بالذكر هنا أجيب بأنه كالداعي إلى باقي الشعب إذ الحي يخاف فضيحة الدنيا
والآخرة فيأتمر وينزجر والله الموفق وسيأتى مزيد في الكلام عن الحياء في باب الحياء من
الايمان بعد أحد عشر بابا * (فائدة) * قال القاضي عياض تكلف جماعة حصر هذه الشعب
بطريق الاجتهاد وفى الحكم بكون ذلك هو المراد صعوبة ولا يقدح عدم معرفة حصر ذلك على
التفصيل في الايمان اه‍ ولم يتفق من عد الشعب على نمط واحد وأقربها إلى الصواب طريقة
ابن حبان لكن لم نقف على بيانها من كلامه وقد لخصت مما أوردوه ما أذكره وهو ان
هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب وأعمال اللسان وأعمال البدن فاعمال القلب فيه
المعتقدات والنيات وتشتمل على أربع وعشرين خصلة الايمان بالله ويدخل فيه الايمان بذاته
وصفاته وتوحيده بأنه ليس كمثله شئ واعتقاد حدوث ما دونه والايمان بملائكته وكتبه ورسله
والقدر خيره وشره والايمان باليوم الآخر ويدخل فيه المسألة في القبر والبعث والنشور
والحساب والميزان والصراط والجنة والنار ومحبة الله والحب والبغض فيه ومحبة
49

النبي صلى الله عليه وسلم واعتقاد تعظيمه ويدخل فيه الصلاة عليه واتباع سنته والاخلاص
ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق والتوبة والخوف والرجاء والشكر والوفاء والصبر والرضا
بالقضاء والتوكل والرحمة والتواضع ويدخل فيه توقير الكبير ورحمة الصغير وترك الكبر
والعجب وترك الحسد وترك الحقد وترك الغضب * وأعمال اللسان وتشتمل على سبع خصال
التلفظ بالتوحيد وتلاوة القرآن وتعلم العلم وتعليمه والدعاء والذكر ويدخل فيه الاستغفار
واجتناب اللغو * وأعمال البدن وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة منها ما يختص بالأعيان
وهى خمس عشرة خصلة التطهير حسا وحكما ويدخل فيه اجتناب النجاسات وستر
العورة والصلاة فرضا ونفلا والزكاة كذلك وفك الرقاب والجود ويدخل فيه اطعام
الطعام واكرام الضيف والصيام فرضا ونفلا والحج والعمرة كذلك والطواف والاعتكاف
والتماس ليلة القدر والفرار بالدين ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك والوفاء بالنذر
والتحري في الأيمان وأداء الكفارات ومنها ما يتعلق بالاتباع وهى ست خصال التعفف
بالنكاح والقيام بحقوق العيال وبر الوالدين وفيه اجتناب العقوق وتربية الأولاد
وصلة الرحم وطاعة السادة أو الرفق بالعبيد ومنها ما يتعلق بالعامة وهى سبع عشرة خصلة
القيام بالامرة مع العدل ومتابعة الجماعة وطاعة أولي الأمر والاصلاح بين الناس
ويدخل فيه قتال الخوارج والبغاة والمعاونة على البر ويدخل فيه الامر بالمعروف والنهى
عن المنكر وإقامة الحدود والجهاد ومنه المرابطة وأداء الأمانة ومنه أداء الخمس والقرض
مع وفائه واكرام الجار وحسن المعاملة وفيه جمع المال من حله وانفاق المال في حقه ومنه
ترك التبذير والاسراف ورد السلام وتشميت العاطس وكف الأذى عن الناس واجتناب
اللهو وإماطة الأذى عن الطريق فهذه تسع وستون خصلة ويمكن عدها تسعا وسبعين خصلة
باعتبار أفراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذكر والله أعلم * (فائدة) * في رواية مسلم من الزيادة
أعلاها لا إله إلا الله وأدناها اماطة الأذى عن الطريق وفى هذا إشارة إلى أن مراتبها متفاوتة
* (تنبيه) * في الاسناد المذكور رواية الاقران وهى عبد الله بن دينار عن أبي صالح لأنهما
تابعيان فان وجدت رواية أبى صالح عنه صار من المدبج ورجاله من سليمان إلى منتهاه من أهل
المدينة وقد دخلها الباقون (قوله باب) سقط من رواية الأصيلي وكذا أكثر الأبواب وهو
منون ويجوز فيه الإضافة إلى جملة الحديث لكن لم تأت به الرواية (قوله المسلم) استعمل لفظ
الحديث ترجمة من غير تصرف فيه (قوله أبى اياس) اسمه ناهية بالنون وبين الهائين ياء أخيرة
وقيل اسمه عبد الرحمن (قوله أبى السفر) اسمه سعيد بن يحمد كما تقدم وإسماعيل مجرور بالفتحة
عطفا عليه والتقدير كلاهما عن الشعبي وعبد الله بن عمرو هو ابن العاص صحابي
من صحابي
(قوله المسلم) قيل الألف واللام فيه للكمال نحو زيد الرجل أي الكامل في الرجولية وتعقب بأنه
يستلزم أن من اتصف بهذا خاصة كان كاملا ويجاب بان المراد بذلك مع مراعاة باقي الأركان
قال الخطابي المراد أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله تعالى أداء حقوق المسلمين انتهى
واثبات اسم الشئ على معنى اثبات الكمال له مستفيض في كلامهم ويحتمل ان يكون المراد بذلك
ان يبين علامة المسلم التي يستدل بها على اسلامه وهى سلامة المسلمين من لسانه ويده كما ذكر مثله
50

في علامة المنافق ويحتمل ان يكون المراد بذلك الإشارة إلى الحث على حسن معاملة العبد مع ربه
لأنه إذا أحسن معاملة اخوانه فأولى ان يحسن معاملة ربه من باب التنبيه بالأدنى على الاعلى
* (تنبيه) * ذكر المسلمين هنا خرج مخرج الغالب لان محافظة المسلم على كف الأذى عن أخيه المسلم
أشد تأكيدا ولان الكفار بصدد أن يقاتلوا وإن كان فيهم من يجب الكف عنه والاتيان بجمع
التذكير للتغليب فان المسلمات يدخلن في ذلك وخص اللسان بالذكر لأنه المعبر عما في النفس
وكذا اليد لان أكثر الافعال بها والحديث عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد لان اللسان
يمكنه القول في الماضين والموجودين والحادثين بعد بخلاف اليد نعم يمكن ان تشارك اللسان
في ذلك بالكتابة وان أثرها في ذلك لعظيم ويستثنى من ذلك شرعا تعاطى الضرب باليد في إقامة
الحدود والتعازير على المسلم المستحق لذلك وفى التعبير باللسان دون القول نكتة فيدخل
فيه من أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء وفى ذكر اليد دون غيرها من الجوارح نكتة فيدخل
فيها اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير بغير حق * (فائدة) * فيه من أنواع البديع تجنيس
الاشتقاق وهو كثير (قوله والمهاجر) هو بمعنى الهاجر وإن كان لفظ المفاعل يقتضى وقوع
فعل من اثنين لكنه هنا للواحد كالمسافر ويحتمل ان يكون على بابه لان من لازم كونه هاجرا
وطنه مثلا انه مهجور من وطنه وهذه الهجرة ضربان ظاهرة وباطنة فالباطنة ترك ما تدعو إليه
النفس الامارة بالسوء والشيطان والظاهرة الفرار بالدين من الفتن وكأن المهاجرين خوطبوا
بذلك لئلا يتكلوا على مجرد التحول من دارهم حتى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيه ويحتمل أن
يكون ذلك قيل بعد انقطاع الهجرة لما فتحت مكة تطييبا لقلوب من لم يدرك ذلك بل حقيقة الهجرة
تحصل لمن هجر ما نهى الله عنه فاشتملت هاتان الجملتان على جوامع من معاني الحكم والاحكام
* (تنبيه) * هذا الحديث من أفراد البخاري عن مسلم بخلاف جميع ما تقدم من الأحاديث
المرفوعة على أن مسلما أخرج معناه من وجه آخر وزاد ابن حبان والحاكم في المستدرك من
حديث أنس صحيحا والمؤمن من أمنه الناس وكانه اختصر هنا لتضمنه لمعناه والله أعلم (قوله)
وقال أبو معاوية حدثنا داود) هو ابن أبي هند وكذا في رواية ابن عساكر عن عامر وهو الشعبي
المذكور في الاسناد الموصول وأراد بهذا التعليق بيان سماعه له من الصحابي والنكتة فيه
رواية وهيب بن خالد له عن داود عن الشعبي عن رجل عن عبد الله بن عمرو حكاه ابن منده فعلى
هذا لعل الشعبي بلغه ذلك عن عبد الله ثم لقيه فسمعه منه ونبه بالتعليق الآخر على أن عبد الله
الذي أهمل في روايته هو عبد الله بن عمرو الذي بين في رواية رفيقه والتعليق عن أبي معاوية
وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عنه وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريقه ولفظه سمعت
عبد الله بن عمرو يقول ورب هذه البنية لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المهاجر من
هجر السيئات والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده فعلم أنه ما أراد الا أصل الحديث والمراد
بالناس هنا المسلمون كما في الحديث الموصول فهم الناس حقيقة عند الاطلاق لان الاطلاق
يحمل على الكامل ولا كمال في غير المسلمين ويمكن حمله على عمومه على إرادة شرط وهو الا بحق مع أن
إرادة هذا الشرط متعينة على كل حال لما قدمته من استثناء إقامة الحدود على المسلم والله
سبحانه وتعالى أعلم (قوله باب) هو منون وفيه ما في الذي قبله (قوله حدثنا أبو بردة) هو بريد
51

بالموحدة والراء مصغرا وشيخه جده وافقه في كنيته لا في اسمه وأبو موسى هو الأشعري (قوله
قالوا) رواه مسلم والحسن بن سفيان وأبو يعلى في مسنديهما عن سعيد بن يحيى بن سعيد شيخ
البخاري باسناده هذا بلفظ قلنا ورواه ابن منده من طريق حسين بن محمد الغساني أحد الحفاظ
عن سعيد بن يحيى هذا بلفظ قلت فتعين ان السائل أبو موسى ولا تخالف بين الروايات لأنه في هذه
صرح وفى رواية مسلم أراد نفسه ومن معه من الصحابة إذ الراضي بالسؤال في حكم السائل وفى
رواية البخاري أبهم واياهم أراد وقد سأل هذا السؤال أيضا أبو ذر رواه ابن حبان وعمير بن قتادة
رواه الطبراني (قوله أي الاسلام) ان قيل الاسلام مفرد وشرط أي ان تدخل على متعدد أجيب
بان فيه حذفا تقديره أي ذوي الاسلام أفضل ويؤيده رواية مسلم أي المسلمين أفضل والجامع بين
اللفظين ان أفضلية المسلم خاصة بهذه الخصلة وهذا التقدير أولى من تقدير بعض الشراح
هنا أي خصال الاسلام وانما قلت إنه أولى لأنه يلزم عليه سؤال آخر بان يقال سئل عن الخصال
فأجاب بصاحب الخصلة فما الحكمة في ذلك وقد يجاب بأنه يتأتى نحو قوله تعالى يسئلونك
ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين الآية والتقدير بأي ذوي الاسلام يقع
الجواب مطابقا له بغير تأويل وذا ثبت أن بعض خصال المسلمين المتعلقة بالاسلام أفضل من
بعض حصل مراد المصنف بقبول الزيادة والنقصان فتظهر مناسبة هذا الحديث والذي قبله لما
قبلهما من تعداد أمور الايمان إذ الايمان والاسلام عنده مترادفان والله أعلم فان قيل لم جرد
أفعل هنا عن العمل أجيب بان الحذف عند العلم به جائز والتقدير أفضل من غيره * (تنبيه) *
هذا الاسناد كله كوفيون ويحيى بن سعيد المذكور اسم جده أبان بن سعيد بن العاص بن
سعيد بن العاص بن أمية الأموي ونسبه المصنف قرشيا بالنسبة الأعمية يكنى أبا أيوب وفى طبقته
يحيى بن سعيد القطان وحديثه في هذا الكتاب أكثر من حديث الأموي وليس له ابن يروى عنه
يسمى سعيدا فافترقا وفى الكتاب ممن يقال له يحيى بن سعيد اثنان أيضا لكن من طبقة فوق طبقة
هذين وهما يحيى بن سعيد الأنصاري السابق في حديث الأعمال أول الكتاب ويحيى بن سعيد
التميمي أبو حيان ويمتاز عن الأنصاري بالكنية والله الموفق (قوله باب) هو منون وفيه ما في الذي
قبله (قوله من الاسلام) للأصيلي من الايمان أي من خصال الايمان ولما استدل المصنف
على زيادة الايمان ونقصانه بحديث الشعب تتبع ما ورد في القرآن والسنن الصحيحة من
بيانها فأورده في هذه الأبواب تصريحا وتلويحا وترجم هنا بقوله اطعام الطعام ولم يقل
أي الاسلام خير كما في الذي قبله اشعارا باختلاف المقامين وتعدد السؤالين كما سنقرره
(قوله حدثنا عمرو بن خالد) هو الحرابي وهو بفتح العين وصحف من ضمنها (قوله الليث) هو ابن
سعد فقيه أهل مصر عن يزيد هو ابن أبي حبيب الفقيه أيضا (قوله إن رجلا) لم أعرف اسمه
وقيل إنه أبو ذر وفى ابن حبان انه هانئ بن مرثد والد شريح سأل عن معنى ذلك فأجيب بنحو
ذلك (قوله أي الاسلام خير) فيه ما في الذي قبله من السؤال والتقدير أي خصال الاسلام وانما
لم أختر تقدير خصال في الأول فرارا من كثرة الحذف وأيضا فتنويع التقدير يتضمن جواب
من سأل فقال السؤالان بمعنى واحد والجواب يختلف فيقال له إذا لاحظت هذين التقديرين بان
الفرق ويمكن التوفيق بأنهما متلازمان إذ الاطعام مستلزم لسلامة اليد والسلام لسلامة
52

اللسان قاله الكرماني وكأنه أراد في الغالب ويحتمل أن يكون الجواب اختلف لاختلاف
السؤال عن الأفضلية ان لوحظ بين لفظ أفضل ولفظ خير فرق وقال الكرماني الفضل بمعنى كثرة
الثواب في مقابلة القلة والخير بمعنى النفع في مقابلة الشر فالأول من الكمية والثاني من
الكيفية فافترقا واعترض بان الفرق لا يتم الا إذا اختص كل منهما بتلك المقولة اما إذا كان كل
منهما يعقل تأتيه في الأخرى فلا وكأنه بنى على أن لفظ خير اسم لا أفعل تفضيل وعلى تقدير
اتحاد السؤالين جواب مشهور وهو الحمل على اختلاف حال السائلين أو السامعين فيمكن أن
يراد في الجواب الأول تحذير من خشى منه الايذاء بيد أو لسان فارشد إلى الكف وفى الثاني
ترغيب من رجى فيه النفع العام بالفعل والقول فارشد إلى ذلك وخص هاتين الخصلتين بالذكر
لمسيس الحاجة إليهما في ذلك الوقت لما كانوا فيه من الجهد ولمصلحة التأليف ويدل على ذلك أنه
عليه الصلاة والسلام حث عليهما أول ما دخل المدينة كما رواه الترمذي وغيره مصححا من حديث
عبد الله بن سلام (قوله تطعم) هو في تقدير المصدر أي ان تطعم ومثله تسمع بالمعيدي وذكر
الاطعام ليدخل فيه الضيافة وغيرها (قوله وتقرأ) بلفظ مضارع القراءة بمعنى تقول قال أبو
حاتم السجستاني تقول اقرأ عليه السلام ولا تقول أقرئه السلام فإذا كان مكتوبا قلت أقرئه
السلام أي اجعله يقرأه (قوله ومن لم تعرف) أي لا تخص به أحدا تكبرا أو تصنعا بل تعظيما
لشعار الاسلام ومراعاة لأخوة المسلم فان قيل اللفظ عام فيدخل الكافر والمنافق والفاسق
أجيب بأنه خص بأدلة أخرى أو ان النهى متأخر وكان هذا عاما لمصلحة التأليف وأما من شك
فيه فالأصل البقاء على العموم حتى يثبت الخصوص * (تنبيهان) * الأول أخرج مسلم من
طريق عمرو بن الحرث عن يزيد بن أبي حبيب بهذا الاسناد نظير هذا السؤال لكن جعل الجواب
كالذي في حديث أبي موسى فادعى بن منده فيه الاضطراب وأجيب بأنهما حديثان اتحد
اسنادهما وافق أحدهما حديث أبي موسى ولثانيهما شاهد من حديث عبد الله بن سلام كما
تقدم * الثاني هذا الاسناد كله بصريون والذي قبله كما ذكرنا كوفيون والذي بعده من
طريقيه بصريون فوقع له التسلسل في الأبواب الثلاثة على الولاء وهو من اللطائف (قوله باب
من الايمان) قال الكرماني قدم لفظ الايمان بخلاف أخواته حيث قال اطعام الطعام من
الايمان اما للاهتمام بذكره أو للحصر كأنه قال المحبة المذكورة ليست الا من الايمان (قلت)
وهو توجيه حسن الا أنه يرد عليه ان الذي بعده أليق بالاهتمام والحصر معا وهو قوله باب حب
الرسول من الايمان فالظاهر أنه أراد التنويع في العبارة ويمكن انه اهتم بذكر حب الرسول
فقدمه والله أعلم (قوله يحيى) هو ابن سعيد القطان (قوله وعن حسين المعلم) هو ابن
ذكوان وهو معطوف على شعبة فالتقدير عن شعبة وحسين كلاهما عن قتادة وانما لم يجمعهما
لان شيخه أفردهما فأورده المصنف معطوفا اختصارا ولأن شعبة قال عن قتادة وقال حسين
حدثنا قتادة وأغرب بعض المتأخرين فزعم أن طريق حسين معلقة وهو غلط فقد رواه أبو نعيم
في المستخرج من طريق إبراهيم الحربي عن مسدد شيخ المصنف عن يحيى القطان عن حسين المعلم
وابدى الكرماني كعادته بحسب التجويز العقلي ان يكون تعليقا أو معطوفا على قتادة فيكون
شعبة رواه عن حسين عن قتادة إلى غير ذلك مما ينفر عنه من مارس شيئا من علم الاسناد والله
53

المستعان * (تنبيه) * المتن المساق هنا لفظ شعبة وأما لفظ حسين من رواية مسدد التي ذكرناها
فهو لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ولجاره وللإسماعيلي من طريق روح عن حسين حتى يحب
لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير فبين المراد بالاخوة وعين جهة الحب وزاد مسلم في أوله عن أبي
خيثمة عن يحيى القطان والذي نفسي بيده وأما طريق شعبة فصرح أحمد والنسائي في
روايتهما بسماع قتادة له من أنس فانتفت تهمة تدليسه (قوله لا يؤمن) أي من يدعى الايمان
وللمستملى أحدكم وللأصيلي أحد ولابن عساكر عبد وكذا لمسلم عن أبي خيثمة والمراد بالنفي كمال
الايمان ونفى اسم الشئ على معنى نفى الكمال عنه مستفيض في كلامهم كقولهم فلان ليس
بانسان فان قيل فيلزم أن يكون من حصلت له هذه الخصلة مؤمنا كاملا وان لم يأت ببقية
الأركان أجيب بان هذا ورد مورد المبالغة أو يستفاد من قوله لأخيه المسلم ملاحظة بقية صفات
المسلم وقد صرح ابن حبان من رواية ابن أبي عدى عن حسين المعلم بالمراد ولفظه لا يبلغ عبد
حقيقة الايمان ومعنى الحقيقة هنا الكمال ضرورة ان من لم يتصف بهذه الصفة لا يكون كافرا
وبهذا يتم استدلال المصنف على أنه يتفاوت وان هذه الخصلة من شعب الايمان وهى داخلة في
التواضع على ما سنقرره (قوله حتى يحب) بالنصب لان حتى جارة وأن بعدها مضمرة ولا يجوز
الرفع فتكون حتى عاطفة فلا يصح المعنى إذ عدم الايمان ليس سببا للمحبة (قوله ما يحب
لنفسه) أي من الخير كما تقدم عن الإسماعيلي وكذا هو عند النسائي وكذا عند ابن منده من رواية
همام عن قتادة أيضا والخير كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والأخروية وتخرج
المنهيات لان اسم الخير لا يتناولها والمحبة إرادة ما يعتقده خيرا قال النووي المحبة الميل إلى
ما يوافق المحب وقد تكون بحواسه كحسن الصورة أو بفعله اما لذاته كالفضل والكمال
واما لاحسانه كجلب نفع أو دفع ضرر انتهى ملخصا والمراد بالميل هنا الاختياري دون الطبيعي
والقسري والمراد أيضا أن يحب أن يحصل لأخيه نظير ما يحصل له عينه سواء كان في الأمور
المحسوسة أو المعنوية وليس المراد أن يحصل لأخيه ما حصل له لا مع سلبه عنه ولا مع بقائه
بعينه له إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلين محال وقال أبو الزناد بن سراج ظاهر هذا الحديث
طلب المساواة وحقيقته تستلزم التفضيل لان كل أحد يحب أن يكون أفضل من غيره فإذا أحب
لأخيه مثله فقد دخل في جملة المفضولين (قلت) أقر القاضي عياض هذا وفيه نظر إذ المراد الزجر
عن هذه الإرادة لان المقصود الحث على التواضع فلا يحب أن يكون أفضل من غيره فهو مستلزم
للمساواة ويستفاد ذلك من قوله تعالى تلك الدار الآخرة تجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض
ولا فسادا ولا يتم ذلك الا بترك الحسد والغل والحقد والغش وكلها خصال مذمومة * (فائدة) *
قال الكرماني ومن الايمان أيضا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر ولم يذكره لان حب
الشئ مستلزم لبغض نقيضه فترك التنصيص عليه اكتفاء والله أعلم (قوله باب حب الرسول)
اللام فيه للعهد والمراد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرينه قوله حتى أكون أحب وإن كانت
محبة جميع الرسل من الايمان لكن الأحبية مختصة بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(قوله شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي واسم أبى حمزة دينار وقد أكثر المصنف من تخريج حديثه
عن الزهري وأبى الزناد ووقع في غرائب مالك للدار قطني ادخال رجل وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن
54

بين الأعرج وأبي هريرة في هذا الحديث وهى زيادة شاذة فقد رواه الإسماعيلي بدونها من حديث
مالك ومن حديث إبراهيم بن طهمان وروى ابن منده من طريق أبى حاتم الرازي عن أبي اليمان
شيخ البخاري هذا الحديث مصرحا فيه بالتحديث في جميع الاسناد وكذا النسائي من طريق على
ابن عياش عن شعيب (قوله والذي نفسي بيده) فيه جواز الحلف على الامر المهم توكيدا وان
لم يكن هناك مستحلف (قوله لا يؤمن) أي ايمانا كاملا (قوله أحب) هو أفعل بمعنى المفعول
وهو مع كثرته على خلاف القياس وفصل بينه وبين معموله بقوله إليه لان الممتنع الفصل
بأجنبي (قوله من والده وولده) قدم الوالد للأكثرية لان كل أحد له والد من غير عكس وفى
رواية النسائي في حديث أنس تقديم الولد على الوالد وذلك لمزيد من الشفقة ولم تختلف الروايات في
ذلك في حديث أبي هريرة هذا وهو من افراد البخاري عن مسلم (قوله أخبرنا يعقوب بن إبراهيم)
هو الدورقي والتفريق بين حدثنا وأخبرنا لا يقول به المصنف كما يأتي في العلم وقد وقع في غير رواية
أبي ذر حدثنا يعقوب (قوله وحدثنا آدم) عطف الاسناد الثاني على الأول قبل أن يسوق المتن
فأولهم استواءهما فان لفظ قتادة مثل لفظ حديث أبي هريرة لكن زاد فيه والناس أجمعين ولفظ
عبد العزيز مثله الا أنه قال كما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن يعقوب شيخ البخاري بهذا الاسناد من
أهله وماله بدل من والده وولده وكذا لمسلم من طريق ابن علية وكذا للإسماعيلي من طريق
عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز ولفظه لا يؤمن الرجل وهو أشمل من جهة وأحدكم أشمل من
جهة وأشمل منها رواية الأصيلي لا يؤمن أحد فان قيل فسياق عبد العزيز مغاير لسياق قتادة
وصنيع البخاري يوهم اتحادهما في المعنى وليس كذلك فالجواب ان البخاري يصنع مثل هذا
نظرا إلى أصل الحديث لا إلى خصوص ألفاظه واقتصر على سياق قتادة لموافقته لسياق حديث أبي
هريرة ورواية شعبة عن قتادة مأمون فيها من تدليس قتادة لأنه كان لا يسمع منه الا ما سمعه
وقد وقع التصريح به في هذا الحديث في رواية النسائي وذكر الولد والوالد أدخل في المعنى لأنهما
أعز على العاقل من الأهل والمال بل ربما يكونان أعز من نفسه ولهذا لم يذكر النفس أيضا في
حديث أبي هريرة وهل تدخل الأم في لفظ الوالد ان أريد به من له الولد فيعم أو يقال اكتفى بذكر
أحدهما كما يكتفى عن أحد الضدين بالآخر ويكون ما ذكر على سبيل التمثيل والمراد الأعزة كأنه
قال أحب إليه من أعزته وذكر الناس بعد الوالد والولد من عطف العام على الخاص وهو كثير وقدم
الوالد 3 على الولد في رواية لتقدمه بالزمان والاجلال وقدم الولد في أخرى لمزيد الشفقة وهل تدخل
النفس في عموم قوله والناس أجمعين الظاهر دخوله وقيل إضافة المحبة إليه تقتضى خروجه منهم
وهو بعيد وقد وقع التنصيص بذكر النفس في حديث عبد الله بن هشام كما سيأتي والمراد بالمحبة
هنا حب الاختيار لا حب الطبع قاله الخطابي وقال النووي فيه تلميح إلى قضية النفس الامارة
والمطمئنة فان من رجح جانب المطمئنة كان حبه للنبي صلى الله عليه وسلم راجحا ومن رجح جانب
الامارة كان حكمة بالعكس وفى كلام القاضي عياض ان ذلك شرط في صحة الايمان لأنه حمل
المحبة على معنى التعظيم والاجلال وتعقبه صاحب المفهم بأن ذلك ليس مرادا هنا لان اعتقاد
الأعظمية ليس مستلزما للمحبة إذ قد يجد الانسان اعظام شئ مع خلوه من محبته قال فعلى هذا
من لم يجد من نفسه ذلك الميل لم يكمل ايمانه والى هذا يومئ قول عمر الذي رواه المصنف في الايمان
55

والنذور من حديث عبد الله بن هشام ان عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم لأنت
يا رسول الله أحب إلى من كل شئ الا من نفسي فقال لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب
إليك من نفسك فقال له عمر فإنك الآن والله أحب إلى من نفسي فقال الآن يا عمر انتهى فهذه
المحبة ليست باعتقاد الأعظمية فقط فإنها كانت حاصلة لعمر قبل ذلك قطعا ومن علامة الحب
المذكور أن يعرض على المرء ان لو خير بين فقد غرض من أغراضه أو فقد رؤية النبي صلى الله
عليه وسلم ان لو كانت ممكنه فإن كان فقدها ان لو كانت ممكنة أشد عليه من فقد شئ من اغراضه
فقد اتصف بالأحبية المذكورة ومن لا فلا وليس ذلك محصورا في الوجود والفقد بل يأتي مثله في
نصرة سنته والذب عن شريعته وقمع مخالفيها ويدخل فيه باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفى
هذا الحديث ايماء إلى فضيلة التفكر فان الأحبية المذكورة تعرف به وذلك أن محبوب الانسان
اما نفسه واما غيرها أما نفسه فهو أن يريد دوام بقائها سالمة من الآفات هذا هو حقيقة المطلوب
وأما غيرها فإذا حقق الامر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما على وجوهه المختلفة حالا ومالا فإذا
تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور
الايمان اما بالمباشرة واما بالسبب علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي وعلم أن
نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره
لان النفع الذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب
استحضار ذلك والغفلة عنه ولا شك ان حظ الصحابة رضي الله عنهم من هذا المعنى أتم لان هذا ثمرة
المعرفة وهم بها أعلم والله الموفق وقال القرطبي كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ايمانا صحيحا
لا يخلو عن وجدان شئ من تلك المحبة الراجحة غير أنهم متفاوتون فمنهم من أخذ من تلك المرتبة
بالحظ الأوفى ومنهم من أخذ منها بالحظ الأدنى كمن كان مستغرقا في الشهوات محجوبا في الغفلات
في أكثر الأوقات لكن الكثير منهم إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم اشتاق إلى رؤيته بحيث
يؤثرها على أهله وولده وماله ووالده ويبذل نفسه في الأمور الخطيرة ويجد مخبر ذلك من نفسه
وجدانا لا تردد فيه وقد شوهد من هذا الجنس من يؤثر زيارة قبره ورؤية مواضع آثاره على جميع
ما ذكر لما وقر في قلوبهم من محبته غير أن ذلك سريع الزوال بتوالي الغفلات والله المستعان
انتهى ملخصا (قوله باب حلاوة الايمان) مقصود الصنف ان الحلاوة من ثمرات الايمان ولما
قدم ان محبة الرسول من الايمان أردفه بما يوجد حلاوة ذلك (قوله حدثنا محمد بن المثنى) هو
أبو موسى العنزي بفتح النون بعدها زاي قال حدثنا عبد الوهاب هو ابن عبد الحميد حدثنا
أيوب هو ابن أبي تميمة السختياني بفتح السين المهملة على الصحيح وحكى ضمها وكسرها عن أبي
قلابة بكسر القاف وبباء موحدة (قوله ثلاث) هو مبتدأ والجملة الخبر وجاز الابتداء بالنكرة لان
التنوين عوض المضاف إليه فالتقدير ثلاث خصال ويحتمل في اعرابه غير ذلك (قوله كن) أي
حصلن فهي تامة وفى قوله حلاوة الايمان استعارة تخييلية شبه رغبة المؤمن في الايمان بشئ حلو
وأثبت له لازم ذلك الشئ وأضافه إليه وفيه تلميح إلى قصة المريض والصحيح لان المريض
الصفراوي يجد طعم العسل مرا والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه وكلما نقصت الصحة شيئا
ما نقص ذوقه بقدر ذلك فكانت هذه الاستعارة من أوضح ما يقوى استدلال المصنف على الزيادة
56

والنقص قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة انما عبر بالحلاوة لان الله شبه الايمان بالشجرة في قوله
تعالى مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة فالكلمة هي كلمة الاخلاص والشجرة أصل الايمان
وأغصانها اتباع الامر واجتناب النهى وورقها ما يهم به المؤمن من الخير وثمرها عمل الطاعات
وحلاوة الثمر جنى الثمرة وغاية كماله تناهى نضج الثمرة وبه تظهر حلاوتها (قوله أحب إليه)
منصوب لأنه خبر يكون قال البيضاوي المراد بالحب هنا الحب العقلي الذي هو ايثار ما يقتضى
العقل السليم رجحانه وإن كان على خلاف هوى النفس كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه
ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله فإذا تأمل المرء أن الفاء لا يأمر ولا ينهى الا بما فيه
صلاح عاجل أو خلاص آجل والعقل يقتضى رجحان جانب ذلك تمرن على الائتمار بأمره بحيث
يصير هواه تبعا له ويلتذ بذلك التذاذ عقليا إذ الالتذاذ العقلي ادراك ما هو كمال وخير من حيث
هو كذلك وعبر الشارع عن هذه الحالة بالحلاوة لأنها أظهر اللذائذ المحسوسة قال وانما جعل هذه
الأمور الثلاثة عنوانا لكمال الايمان لان المرء إذا تأمل ان المنعم بالذات هو الله تعالى وان لا مانح
ولا مانع في الحقيقة سواه وان ما عداه وسايط وان الرسول هو الذي يبين له مراد ربه اقتضى ذلك
ان يتوجه بكليته نحوه فلا يحب الا ما يحب ولا يحب من يحب الا من أجلة وأن يتقين ان جملة
ما وعد وأوعد حق يقينا ويخيل إليه الموعود كالواقع فيحسب ان مجالس الذكر رياض الجنة وان
العود إلى الكفر القاء في النار انتهى ملخصا وشاهد الحديث من القرآن قوله تعالى قل إن كان
آباؤكم وأبناؤكم إلى أن قال أحب إليكم من الله ورسوله ثم هدد على ذلك وتوعد بقوله فتربصوا
* (فائدة) * فيه إشارة إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل فالأول من الأول والأخير من
الثاني وقال غيره محبة الله على قسمين فرض وندب فالفرض المحبة التي تبعث على امتثال أوامره
والانتهاء عن معاصيه والرضا بما يقدره فمن وقع في معصية من فعل محرم أو ترك واجب فلتقصيره
في محبة الله حيث قدم هوى نفسه والتقصير تارة يكون مع الاسترسال في المباحات والاستكثار
منها فيورث الغفلة المقتضية للتوسع في الرجاء فيقدم على المعصية أو تستمر الغفلة فيقع وهذا
الثاني يسرع إلى الاقلاع مع الندم والى الثاني يشير حديث لا يزنى الزاني وهو مؤمن والندب ان
يواظب على النوافل ويتجنب الوقوع في الشبهات والمتصف عموما بذلك نادر قال وكذلك محبة
الرسول على قسمين كما تقدم ويزاد أن لا يتلقى شيئا من المأمورات والمنهيات الا من مشكاته ولا
يسلك الا طريقته ويرضى بما شرعه حتى لا يجد في نفسه حرجا بما قضاه ويتخلق باخلاقه في الجود
والايثار والحلم والتواضع وغيرها فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الايمان وتتفاوت مراتب
المؤمنين بحسب ذلك وقال الشيخ محيي الدين هذا حديث عظيم أصل من أصول الدين ومعنى
حلاوة الايمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في الدين وايثار ذلك على أعراض الدنيا ومحبة
العبد لله تحصل بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك الرسول وانما قال مما سواهما ولم يقل ممن ليعم
من يعقل ومن لا يعقل قال وفيه دليل على أنه لا بأس بهذه التثنية واما قوله للذي خطب فقال
ومن يعصمهما بئس الخطيب أنت فليس من هذا لان المراد في الخطب الايضاح واما هنا فالمراد
الايجاز في اللفظ ليحفظ ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قاله في موضع آخر قال ومن
يعصهما فلا يضر الا نفسه واعترض بان هذا الحديث انما ورد أيضا في حديث خطبة النكاح
57

وأجيب بأن المقصود في خطبة النكاح أيضا الايجاز فلا نقض وثم أجوبة أخرى منها دعوى
الترجيح فيكون حيز المنع أولى لأنه عام والآخر يحتمل الخصوصية ولأنه ناقل والآخر مبنى على
الأصل ولأنه قول والآخر فعل ورد بان احتمال التخصيص في القول أيضا حاصل بكل قول ليس
فيه صيغة عموم أصلا ومنها دعوى انه من الخصائص فيمتنع من غير النبي صلى الله عليه وسلم ولا
يمتنع منه لان غيره إذا جمع أوهم اطلاقة التسوية بخلافه هو فان منصبه لا يتطرق إليه ايهام ذلك
والى هذا مال ابن عبد السلام ومنها دعوى التفرقة بوجه آخر وهو ان كلامه صلى الله عليه وسلم
هنا جملة واحدة فلا يحسن إقامة الظاهر فيها مقام المضمر وكلام الذي خطب جملتان لا يكره
إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر وتعقب هذا بأنه لا يلزم من كونه لا يكره إقامة الظاهر فيهما مقام
المضمر ان يكره إقامة المضمر فيهما مقام الظاهر فما وجه الرد على الخطيب مع أنه هو صلى الله عليه
وسلم جمع كما تقدم ويجاب بأن قصة الخطيب كما قلنا ليس فيها صيغة عموم بل هي واقعة عين فيحتمل
ان يكون في ذلك المجلس من يخشى عليه توهم التسوية كما تقدم ومن محاسن الأجوبة في الجمع
بين حديث الباب وقصة الخطيب ان تثنية الضمير هنا للايماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من
المحبتين لا كل واحدة منهما فإنها وحدها لاغية إذا لم ترتبط بالأخرى فمن يدعى حب الله مثلا ولا
يحب رسوله لا ينفعه ذلك ويشير إليه قوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله
فأوقع متابعته مكتنفة بين قطري محبة العباد ومحبة الله تعالى للعباد وأما أمر الخطيب بالافراد
فلان كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية إذ العطف في تقدير التكرير والأصل
استقلال كل من المعطوفين في الحكم ويشير إليه قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول
وأولي الأمر منكم فأعاد أطيعوا في الرسول ولم يعده في أولي الأمر لانهم لا استقلال لهم في
الطاعة كاستقلال الرسول انتهى ملخصا من كلام البيضاوي والطيبي ومنها أجوبة أخرى فيها
تكلم منها أن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه ومنها أن له أن يجمع بخلاف غيره (قوله وان يحب
المرء) قال يحيى بن معاذ حقيقة الحب في الله ان لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء (قوله وان يكره ان
يعود في الكفر) زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق الحسن بن سفيان عن محمد بن المثنى شيخ
المصنف بعد إذ أنقذه الله منه وكذا هو في طريق أخرى للمصنف والانقاذ أعم من أن يكون
بالعصمة منه ابتداء بأن يولد على الاسلام ويستمر أو بالاخراج من ظلمة الكفر إلى نور الايمان كما
وقع لكثير من الصحابة وعلى الأول فيحمل قوله يعود على معنى الصيرورة بخلاف الثاني فان
العود فيه على ظاهره فان قيل فلم عدى العود بفي ولم يعده بالى فالجواب أنه ضمنه معنى الاستقرار
وكأنه قال يستقر فيه ومثله قوله تعالى وما كان لنا ان نعود فيها * (تنبيه) * هذا الاسناد كله
بصريون وأخرجه المصنف بعد ثلاثة أبواب من طريق شعبة عن قتادة عن أنس واستدل به على
فضل من أكره على الكفر فترك البتة إلى أن قتل وأخرجه من هذا الوجه في الأدب في لفظ الحب
في الله ولفظه في هذه الرواية وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ
أنقذه الله منه وهى أبلغ من لفظ حديث الباب لأنه سوى فيه بين الامرين وهنا جعل الوقوع في
نار الدنيا أولى من الكفر الذي أنقذه الله بالخروج منه من نار الأخرى وكذا رواه مسلم من هذا
الوجه وصرح النسائي في روايته والإسماعيلي بسماع قتادة له من أنس والله الموفق وأخرجه
58

النسائي من طريق طلق بن حبيب عن أنس وزاد في الخصلة الثانية ذكر البغض في الله ولفظه وان
يحب في الله ويبغض في الله وقد تقدم للمصنف في ترجمته والحب في الله والبغض في الله من
الايمان وكأنه أشار بذلك إلى هذه الرواية والله أعلم (قوله باب) هو منون ولما ذكر في الحديث
السابق أنه لا يحبه الا الله عقبه بما يشير إليه من أن حب الأنصار كذلك لان محبة من يحبهم من
حيث هذا الوصف وهو النصرة انما هو لله تعالى فهم وان دخلوا في عموم قوله لا يحبه الا لله لكن
التنصيص بالتخصيص دليل العناية (قوله حدثنا أبو الوليد) هو الطيالسي (قوله جبر) بفتح الجيم
وسكون الموحدة وهو ابن عتيك الأنصاري وهذا الراوي ممن وافق اسمه اسم أبيه (قوله آية
الايمان) هو بهمزة ممدودة وياء تحتانية مفتوحة وهاء تأنيث والايمان مجرور بالإضافة هذا هو
المعتمد في ضبط هذه الكلمة في جميع الروايات في الصحيحين والسنن والمستخرجات والمسانيد
والآية العلامة كما ترجم به المصنف ووقع في اعراب الحديث لأبي البقاء العكبري انه الايمان
بهمزة مكسورة ونون مشددة وهاء والايمان مرفوع وأعربه فقال إن للتأكيد والهاء ضمير
الشأن والايمان مبتدأ وما بعده خبر ويكون التقدير ان الشأن الايمان حب الأنصار وهذا
تصحيف منه ثم فيه نظر من جهة المعنى لأنه يقتضى حصر الايمان في حب الأنصار وليس كذلك
فان قيل واللفظ المشهور أيضا يقتضى الحصر وكذا ما أورده المصنف في فضائل الأنصار من
حديث البراء بن عازب الأنصار لا يحبهم الا مؤمن فالجواب عن الأول ان العلامة كالخاصة تطرد
ولا تنعكس فان أخذ من طريق المفهوم فهو مفهوم لقب لا عبرة به سلمنا الحصر لكنه ليس
حقيقيا بل ادعائيا للمبالغة أو هو حقيقي لكنه خاص بمن أبغضهم من حيث النصرة والجواب
عن الثاني ان غايته ان لا يقع حب الأنصار الا لمؤمن وليس فيه نفى الايمان عمن لم يقع منه ذلك
بل فيه ان غير المؤمن لا يحبهم فان قيل فعلى الشق الثاني هل يكون من أبغضهم منافقا وان
صدق وأقر فالجواب ان ظاهر اللفظ يقتضيه لكنه غير مراد فيحمل على تقييد البغض بالجهة فمن
أبغضهم من جهة هذه الصفة وهى كونهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر ذلك في تصديقه
فيصح انه منافق ويقرب هذا الحمل زيادة أبى نعيم في المستخرج في حديث البراء بن عازب من أحب
الأنصار فبحبي أحبهم ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم ويأتي مثل هذا في الحب كما سبق وقد
أخرج مسلم من حديث أبي سعيد رفعه لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر ولأحمد
من حديثه حب الأنصار ايمان وبغضهم نفاق ويحتمل ان يقال إن اللفظ خرج على معنى التحذير
فلا يراد ظاهره ومن ثم لم يقابل الايمان بالكفر الذي هو ضده بل قابله بالنفاق إشارة إلى أن
الترغيب والترهيب انما خوطب به من يظهر الايمان اما من يظهر الكفر فلا لأنه مرتكب ما هو
أشد من ذلك (قوله الأنصار) هو جمع ناصر كأصحاب المنكر أو جمع نصير كأشراف وشريف
واللام فيه للعهد أي أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد الأوس والخزرج وكانوا قبل
ذلك يعرفون بابنى قيلة بقاف مفتوحة وياء تحتانية ساكنة وهى الأم التي تجمع القبيلتين
فسماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فصار ذلك علما عليهم وأطلق أيضا على أولادهم
وحلفائهم ومواليهم وخصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من ايواء
النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه والقيام بامرهم ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم وايثارهم
59

إياهم في كثير من الأمور على أنفسهم فكان صنيعهم لذلك موجبا لمعاداتهم جميع الفرق
الموجودين من عرب وعجم والعداوة تجر البغض ثم كان ما اختصوا به مما ذكر موجبا للحسد
والحسد يجر البعض فلهذا جاء التحذير من بغضهم والترغيب في حبهم حتى جعل ذلك آية الايمان
والنفاق تنوبها بعظيم فضلهم وتنبيها على كريم فعلهم وإن كان من شاركهم في معنى ذلك مشاركا
لهم في الفضل المذكور كل بقسطه وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال له لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة لتحقق مشترك
الاكرام لما لهم من حسن العناء في الدين قال صاحب المفهم واما الحروب الواقعة بينهم فان وقع
من بعضهم بغض لبعض فذاك من غير هذه الجهة بل للامر الطارئ الذي اقتضى المخالفة ولذلك
لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق وانما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الاحكام للمصيب
أجران وللمخطئ أجر واحد والله أعلم (قوله باب) كذا هو في روايتنا بلا ترجمة وسقط من رواية
الأصيلي أصلا فحديثه عنده من جملة الترجمة التي قبله وعلى روايتنا فهو متعلق بها أيضا لان
الباب إذا لم تذكر له ترجمة خاصة يكون بمنزلة الفصل مما قبله مع تعلقه به كصنيع مصنفي الفقهاء
ووجه التعلق أنه لما ذكر الأنصار في الحديث الأول أشار في هذا إلى ابتداء السبب في تلقيبهم
بالأنصار لان أول ذلك كان ليلة العقبة لما توافقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم عند عقبة منى في
الموسم كما سيأتي شرح ذلك إن شاء الله تعالى في السيرة النبوية من هذا الكتاب وقد أخرج
المصنف حديث هذا الباب في مواضع أخر في باب من شهد بدرا لقوله فيه كان شهد بدرا وفى باب
وفود الأنصار لقوله فيه وهو أحد النقباء وأورده هنا لتعلقه بما قبله كما بيناه ثم إن في متنه ما يتعلق
بمباحث الايمان من وجهين آخرين أحدهما ان اجتناب المناهي من الايمان كامتثال الأوامر
وثانيهما انه تضمن الرد على من يقول إن مرتكب الكبيرة كافر أو مخلد في النار كما سيأتي تقريره
إن شاء الله تعالى (قوله عائذ الله) هو اسم علم أي ذو عياذة الله وأبوه عبد الله بن عمرو الخولاني
صحابي وهو من حيث الرواية تابعي كبير وقد ذكر في الصحابة لان له رؤية وكان مولده عام حنين
والاسناد كله شاميون (قوله وكان شهد بدرا) يعنى حضر الوقعة المشهورة الكائنة بالمكان
المعروف ببدر وهى أول وقعة قاتل النبي صلى الله عليه وسلم فيها المشركين وسيأتى ذكرها في
المغازي ويحتمل ان يكون قائل ذلك أبو إدريس فيكون متصلا إذا حمل على أنه سمع ذلك من
عبادة أو الزهري فيكون منقطعا وكذا قوله وهو أحد النقباء (قوله إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم) سقط قبلها من أصل الرواية لفظ قال وهو خبر ان لان قوله وكان وما بعدها معترض وقد
جرت عادة كثير من أهل الحديث بحذف قال خطا لكن حيث يتكرر في مثل قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولا بد عندهم مع ذلك من النطق بها وقد ثبتت في رواية المصنف لهذا
الحديث باسناده هذا في باب من شهد بدرا فلعلها سقطت هنا ممن بعده ولأحمد عن أبي واليمان
بهذا الاسناد ان عبادة حدثه (قوله وحوله) بفتح اللام على الظرفية والعصابة بكسر العين
الجماعة من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها وقد جمعت على عصائب وعصب
(قوله بايعوني) زاد في باب وفود الأنصار تعالوا بايعوني والمبايعة عبارة عن المعاهدة سميت بذلك
تشبيها بالمعاوضة المالية كما في قوله تعالى ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم
60

الجنة (قوله ولا تقتلوا أولادكم) قال محمد بن إسماعيل التيمي وغيره خص القتل بالأولاد لأنه قتل
وقطيعة رحم فالعناية بالنهى عنه آكد ولأنه كان شائعا فيهم وهو وأد البنات وقتل البنين خشية
الاملاق أو خصهم بالذكر لانهم بصدد أن لا يدفعوا عن أنفسهم (قوله ولا تأتوا ببهتان) البهتان
الكذب الذي يبهت سامعه وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لان معظم الافعال تقع بهما إذ
كانت هي العوامل والحوامل للمباشرة والسعي وكذا يسمون الصنائع الأيادي وقد يعاقب
الرجل بجناية قولية فيقال هذا بما كسبت يداك ويحتمل ان يكون المراد لا تبهتوا الناس كفاحا
وبعضكم يشاهد بعضا كما يقال قلت كذا بين يدي فلان قاله الخطابي وفيه نظر لذكر الأرجل
وأجاب الكرماني بان المراد الأيدي وذكر الأرجل تأكيدا ومحصله أن ذكر الأرجل ان لم يكن
مقتضيا فليس بمانع ويحتمل أن يكون المراد بما بين الأيدي والأرجل القلب لأنه هو الذي يترجم
اللسان عنه فلذلك نسب إليه الافتراء كان المعنى لا ترموا أحدا بكذب تزورونه في أنفسكم ثم
تبهتون صاحبه بألسنتكم وقال أبو محمد بن أبي جمرة يحتمل أن يكون قوله بين أيديكم أي في
الحال وقوله وأرجلكم أي في المستقبل لان السعي من أفعال الأرجل وقال غيره أصل هذا كان
في بيعة النساء وكنى كذلك كما قال الهروي في الغريبين عن نسبة المرأة الولد الذي تزني به أو تلتقطه
إلى زوجها ثم لما استعمل هذا اللفظ في بيعة الرجال احتيج إلى حمله على غير ما ورد فيه أو لا والله
أعلم (قوله ولا تعصوا) للإسماعيلي في باب وفود الأنصار ولا تعصوني وهو مطابق للآية والمعروف
ما عرف من الشارع حسنه نهيا وأمرا (قوله في معروف) قال النوى يحتمل أن يكون
المعنى ولا تعصوني ولا أحد أولي الأمر عليكم في المعروف فيكون التقييد بالمعروف متعلقا بشئ
بعده وقال غيره نبه بذلك على أن طاعة المخلوق انما تجب فيما كان غير معصية لله فهي جديرة
بالتوقي في معصية الله (قوله فمن وفى منكم) أي ثبت على العهد ووفى بالتخفيف وفى رواية
بالتشديد وهما بمعنى (قوله فاجره على الله) أطلق هذا على سبيل التفخيم لأنه لما ان ذكر المبايعة
المقتضية لوجود العوضين أثبت ذكر الاجر في موضع أحدهما وأفصح في رواية الصنابحي عن
عبادة في هذا الحديث في الصحيحين بتعيين العوض فقال بالجنة وعبر هنا بلفظ على للمبالغة في
تحقق وقوعه كالواجبات ويتعين حمله على غير ظاهره للأدلة القائمة على أنه لا يجب على الله شئ
وسيأتى في حديث معاذ في تفسير حق الله على العباد تقرير هذا فان قيل لم اقتصر على المنهيات
ولم يذكر المأمورات فالجواب انه لم يهملها بل ذكرها على طريق الاجمال في قوله ولا تعصوا إذ
العصيان مخالفة الامر والحكمة في التنصيص على كثير من المنهيات دون المأمورات ان الكف
أيسر من انشاء الفعل لان اجتناب المفاسد مقدم على اجتلاب المصالح والتخلي عن الرذائل
قبل التحلي بالفضائل (قوله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب) زاد احمد في روايته به (قوله
فهو) أي العقاب كفارة زاد أحمد له وكذا هو للمصنف من وجه آخر في باب المشيئة من كتاب
التوحيد وزاد وطهور قال النووي عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى ان الله لا يغفر ان
يشرك به فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة (قلت) وهذا بناء على أن قوله من
ذلك شيئا يتناول جميع ما ذكر وهو ظاهر وقد قيل يحتمل ان يكون المراد ما ذكر بعد الشرك بقرينة
ان المخاطب بذلك المسلمون فلا يدخل حتى يحتاج إلى اخراجه ويؤيده رواية مسلم من طريق أبى
61

الأشعث عن عبادة في هذا الحديث ومن أتى منكم حدا إذ القتل على الشرك لا يسمى حدا
لكن يعكر على هذا القائل ان الفاء في قوله فمن لترتب ما بعدها على ما قبلها وخطاب المسلمين بذلك
لا يمنع التحذير من الاشراك وما ذكر في الحد عرفي حادث فالصواب ما قال النووي وقال الطيبى
الحق ان المراد بالشرك الشرك الأصغر وهو الرياء ويدل عليه تنكير شيئا أي شركا أيا ما كان
وتعقب بان عرف الشارع إذا أطلق الشرك انما يريد به ما يقابل التوحيد وقد تكرر هذا اللفظ
في الكتاب والأحاديث حيث لا يراد به الا ذلك ويجاب بان طلب الجمع يقتضى ارتكاب المجاز فما
قاله محتمل وإن كان ضعيفا ولكن يعكر عليه أيضا انه عقب الإصابة بالعقوبة في الدنيا والرياء
لا عقوبة فيه فوضح ان المراد الشرك وانه مخصوص وقال القاضي عياض ذهب أكثر العلماء ان
الحدود كفارات واستدلوا بهذا الحديث ومنهم من وقف لحديث أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال لا أدرى الحدود كفارة لأهلها أم لا لكن حديث عبادة أصح اسنادا ويمكن يعنى على
طريق الجمع بينهما أن يكون حديث أبي هريرة ورد أولا قبل ان يعلمه الله ثم أعلمه بعد ذلك (قلت)
حديث أبي هريرة أخرجه الحاكم في المستدرك والبزار من رواية معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد
المقبري عن أبي هريرة وهو صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر
وذكر الدارقطني أن عبد الرزاق تفرد بوصله وان هشام بن يوسف رواه عن معمر فأرسله (قلت)
وقد وصله آدم بن أبي اياس عن ابن أبي ذئب أخرجه الحاكم أيضا فقويت رواية معمر وإذا كان
صحيحا فالجمع الذي جمع به القاضي حسن لكن القاضي ومن تبعه جازمون بان حديث عبادة هذا
كان بمكة ليلة العقبة لما بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة الأولى بمنى وأبو هريرة
انما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام خيبر فكيف يكون حديثه متقدما وقالوا في الجواب عنه يمكن
ان يكون أبو هريرة ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وانما سمعه من صحابي آخر كان سمعه من
النبي صلى الله عليه وسلم قديما ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ان الحدود كفارة
كما سمعه عبادة وفى هذا تعسف ويبطله ان أبا هريرة صرح بسماعه وان الحدود لم تكن نزلت إذ
ذاك والحق عندي أن حديث أبي هريرة صحيح وهو ما تقدم على حديث عبادة والمبايعة
المذكورة في حديث عبادة على الصفة المذكورة لم تقع ليلة العقبة وانما نص ليلة العقبة ما ذكر
ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن حضر من الأنصار أبايعكم
على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فبايعوه على ذلك وعلى ان يرحل إليهم هو وأصحابه
وسيأتى في هذا الكتاب في كتاب الفتن وغيره من حديث عبادة أيضا قال بايعنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره الحديث وأصرح من ذلك
في هذا المراد ما أخرجه احمد والطبراني من وجه آخر عن عبادة أنه جرت له قصة مع أبي هريرة عند
معاوية بالشام فقال يا أبا هريرة انك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع
والطاعة في النشاط والكسل وعلى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وعلى ان نقول بالحق
ولا نخاف في الله لومة لائم وعلى ان ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم علينا يثرب فنمنعه
مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي
بايعناه عليها فذكر بقية الحديث وعند الطبراني له طريق أخرى وألفاظ قريبة من هذه وقد وضح
62

ان هذا هو الذي وقع في البيعة الأولى فقد صدرت مبايعات أخرى ستذكر في كتاب الأحكام إن شاء الله
تعالى منها هذه البيعة التي في حديث الباب في الزجر عن الفواحش المذكورة والذي
يقوى انها وقعت بعد فتح مكة بعد ان نزلت الآية التي في الممتحنة وهى قوله تعالى يا أيها النبي إذا
جاءك المؤمنات يبايعنك ونزول هذه الآية متأخر بعد قصة الحديبية بلا خلاف والدليل على
ذلك ما عند البخاري في كتاب الحدود من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري في حديث عبادة
هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايعهم قرأ الآية كلها وعنده في تفسير الممتحنة من هذا
الوجه قال قرأ آية النساء ولمسلم من طريق معمر عن الزهري قال فتلا علينا آية النساء قال إن
لا تشركن بالله شيئا وللنسائي من طريق الحرث بن فضيل عن الزهري ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال ألا تبايعونني على ما بايع عليه النساء ان لا تشركوا بالله شيئا الحديث وللطبراني
من وجه آخر عن الزهري بهذا السند بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما بايع عليه النساء
يوم فتح مكة ولمسلم من طريق أبى الأشعث عن عبادة في هذا الحديث أخذ علينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم كما أخذ على النساء فهذه أدلة ظاهرة في أن هذه البيعة انما صدرت بعد نزول الآية
بل بعد صدور البيعة بل بعد فتح مكة وذلك بعد اسلام أبي هريرة بمدة ويؤيد هذا ما رواه ابن أبي
خيثمة في تاريخه عن أبيه عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن أيوب عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا فذكر نحو
حديث عبادة ورجاله ثقات وقد قال إسحاق بن راهويه إذا صح الاسناد إلى عمرو بن شعيب فهو
كأيوب عن نافع عن بن عمر اه‍ وإذا كان عبد الله بن عمرو أحد من حضر البيعة وليس هو من
الأنصار ولا ممن حضر بيعتهم وانما كان اسلامهم قرب اسلام أبي هريرة وضح تغاير
البيعتين بيعة الأنصار ليلة العقبة وهى قبل الهجرة إلى المدينة وبيعة أخرى وقعت بعد فتح مكة
وشهدها عبد الله بن عمرو وكان اسلامه بعد الهجرة بمدة طويلة ومثل ذلك ما رواه الطبراني
من حديث جرير قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل ما بايع عليه النساء فذكر
الحديث وكان اسلام جرير متأخرا عن اسلام أبي هريرة على الصواب وانما حصل الالتباس
من جهة ان عبادة بن الصامت حضر البيعتين معا وكانت بيعة العقبة من أجل ما يتمدح به
فكان يذكرها إذا حدث تنويها بسابقيته فلما ذكر هذه البيعة التي صدرت على مثل بيعة النساء
عقب ذلك توهم من لم يقف على حقيقة الحال ان البيعة الأولى وقعت على ذلك ونظيره ما أخرجه
أحمد من طريق محمد بن إسحاق عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده وكان
أحد النقباء قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب وكان عبادة من الاثني عشر
الذين بايعوا في العقبة الأولى على بيعة النساء وعلى السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا الحديث
فإنه ظاهر في اتحاد البيعتين ولكن الحديث في الصحيحين كما سيأتي في الاحكام ليس فيه هذه
الزيادة وهو من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبادة بن الوليد والصواب أن بيعة
الحرب بعد بيعة العقبة لان الحرب انما شرع بعد الهجرة ويمكن تأويل رواية ابن إسحاق وردها
إلى ما تقدم وقد اشتملت روايته على ثلاث بيعات بيعة العقبة وقد صرح انها كانت قبل أن
يفرض الحرب في رواية الصنابحي عن عبادة عند أحمد والثانية بيعة الحرب وسيأتى في
63

الجهاد انها كانت على عدم الفرار والثالثة بيعة النساء أي التي وقعت على نظير بيعة النساء
والراجح ان التصريح بذلك وهم من بعض الرواة والله أعلم ويعكر على ذلك التصريح في
رواية ابن إسحاق من طريق الصنابحي عن عبادة ان بيعة ليلة العقبة كانت على مثل بيعة
النساء واتفق وقوع ذلك قبل أن تنزل الآية وانما أضيفت إلى النساء لضبطها بالقرآن
ونظيره ما وقع في الصحيحين أيضا من طريق الصنابحي عن عبادة قال انى من النقباء الذين بايعوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا الحديث فظاهر هذا اتحاد
البيعتين ولكن المراد ما قررته ان قوله انى من النقباء الذين بايعوا أي ليلة العقبة على الايواء
والنصر وما يتعلق بذلك ثم قال بايعناه إلى آخره أي في وقت آخر ويشير إلى هذا الاتيان بالواو
العاطفة في قوله وقال بايعناه وعليك برد ما أتى من الروايات موهما لأن هذه البيعة كانت ليلة
العقبة إلى هذا التأويل الذي نهجت إليه فيرتفع بذلك الاشكال ولا يبقى بين حديثي أبي هريرة
وعبادة تعارض ولا وجه بعد ذلك للتوقف في كون الحدود كفارة * واعلم أن عبادة بن الصامت لم
ينفرد برواية هذا المعنى بل روى ذلك علي بن أبي طالب وهو في الترمذي وصححه الحاكم وفيه
من أصاب ذنبا فعوقب به في الدنيا فالله أكرم من أن يثنى العقوبة على عبده في الآخرة وهو عند
الطبراني باسناد حسن من حديث أبي تميمة الجهيمي ولأحمد من حديث خزيمة بن ثابت باسناد
حسن ولفظه من أصاب ذنبا أقيم عليه ذلك الذنب فهو كفارة له وللطبراني عن ابن عمرو مرفوعا
ما عوقب رجل على ذنب الا جعله الله كفارة لما أصاب من ذلك الذنب وانما أطلت في هذا الموضع
لأنني لم أر من أزال اللبس فيه على الوجه المرضى والله الهادي (قوله فعوقب به) قال ابن التين
يريد بالقطع في السرقة والجلد أو الرجم في الزنا قال وأما قتل الولد فليس له عقوبة معلومة الا ان
يريد قتل النفس فكنى عنه قلت وفى رواية الصنابحي عن عبادة في هذا الحديث ولا تقتلوا
النفس التي حرم الله الا بالحق ولكن قوله في حديث الباب فعوقب به أعم من أن تكون
العقوبة حدا أو تعزيرا قال ابن التين وحكى عن القاضي إسماعيل وغيره ان قتل القاتل انما
هو رادع لغيره واما في الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إليه حق (قلت) بل وصل إليه
حق وأي حق فان المقتول ظلما تكفر عنه ذنوبه بالقتل كما ورد في الخبر الذي صححه ابن حبان
وغيره ان السيف محاء للخطايا وعن ابن مسعود قال إذا جاء القتل محا كل شئ رواه الطبراني
وله عن الحسن بن علي نحوه وللبزار عن عائشة مرفوعا لا يمر القتل بذنب الا محاه فلولا القتل
ما كفرت ذنوبه وأي حق يصل إليه أعظم من هذا ولو كان حد القتل انما شرع للردع فقط لم يشرع
العفو عن القاتل وهل الخطبة في العقوبة المذكورة المصائب الدنيوية من الآلام والأسقام
وغيرها فيه نظر ويدل للمنع قوله ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فان هذه المصائب لا تنافى
الستر ولكن بينت الأحاديث الكثيرة ان المصائب تكفر الذنوب فيحتمل ان يراد انها تكفر
ما لا حد فيه والله أعلم ويستفاد من الحديث ان إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود
وهو قول الجمهور وقيل لا بد من التوبة وبذلك جزم بعض التابعين 2 وهو قول للمعتزلة ووافقهم
ابن حزم ومن المفسرين البغوي وطائفة يسيرة واستدلوا باستثناء من تاب في قوله تعالى الا
الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم والجواب في ذلك أنه في عقوبة الدنيا ولذلك قيدت بالقدرة
64

عليه (قوله ثم ستره الله) زاد في رواية كريمة عليه (قوله فهو إلى الله) قال 2 المازني فيه رد على
الخوارج الذين يكفرون بالذنوب ورد على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا
توبة لان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه تحت المشيئة ولم يقل لا بد أن يعذبه وقال الطيبى
فيه إشارة إلى الكف عن الشهادة بالنار على أحد أو بالجنة لأحد الا من ورد النص فيه بعينه
(قلت) أما الشق الأول فواضح وأما الثاني فالإشارة إليه انما تستفاد من الحمل على غير ظاهر
الحديث وهو متعين (قوله إن شاء عذبه وان شاء عفا عنه) يشمل من تاب من ذلك ومن لم يتب
وقال بذلك طائفة وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة ومع ذلك فلا يأمن مكر الله
لأنه لا اطلاع له هل قبلت توبته أو لا وقيل يفرق بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب واختلف فيمن
أتى ما يوجب الحد فقيل يجوز أن يتوب سرا ويكفيه ذلك وقيل بل الأفضل ان يأتي الامام
ويعترف به ويسأله أن يقيم عليه الحد كما وقع لماعز والغامدية وفصل بعض العلماء بين أن
يكون معلنا بالفجور فيستحب ان يعلن بتوبته والا فلا * (تنبيه) * زاد في رواية الصنابحي عن
عبادة في هذا الحديث ولا ينتهب وهو ما يتمسك به في أن البيعة متأخرة لان الجهاد عند بيعة
العقبة لم يكن فرض والمراد بالانتهاب ما يقع بعد القتال في الغنائم وزاد في روايته أيضا ولا يعصى
بالجنة ان فعلنا ذلك فان غشينا من ذلك شيئا ما كان قضاء ذلك إلى الله أخرجه المصنف في باب
وفود الأنصار عن قتيبة عن الليث ووقع عنده ولا يقضى بقاف وضاد معجمة وهو تصحيف وقد
تكلف بعض الناس في تخريجه وقال إنه نهاكم عن ولاية القضاء ويبطله ان عبادة رضي الله عنه
ولى قضاء فلسطين في زمن عمر رضي الله عنهما وقيل إن قوله بالجنة متعلق بيقضى أي لا يقضى
بالجنة لأحد معين (قلت) لكن يبقى قوله إن فعلنا ذلك بلا جواب ويكفى في ثبوت دعوى التصحيف
فيه رواية مسلم عن قتيبة بالعين والصاد المهملتين وكذا الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان ولابى
نعيم من طريق موسى بن هارون كلاهما عن قتيبة وكذا هو عند البخاري أيضا في هذا الحديث
في الديات عن عبد الله بن يوسف عن الليث في معظم الروايات لكن عند الكشميهني بالقاف
والضاد أيضا وهو تصحيف كما بيناه وقوله بالجنة انما هو متعلق بقوله في أوله بايعناه والله أعلم
(قوله باب من الدين الفرار من الفتن) عدل المصنف عن الترجمة بالايمان مع كونه ترجم لأبواب
الايمان مراعاة للفظ الحديث ولما كان الايمان والاسلام مترادفين في عرف الشرع وقال
الله تعالى ان الدين عند الله الاسلام صح اطلاق الدين في موضع الايمان (قوله حدثنا عبد الله
ابن مسلمة) هو القعنبي أحد رواة الموطأ نسب إلى جده قعنب وهو بصرى أقام بالمدينة مدة
(قوله عن أبيه) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الحرث بن أبي صعصعه فسقط الحرث من الرواية
واسم أبى صعصعة عمرو بن زيد بن عوف الأنصاري ثم المازني هلك في الجاهلية وشهد ابنه الحرث
أحدا واستشهد باليمامة (قوله عن أبي سعيد) اسمه سعد على الصحيح وقيل سنان بن مالك بن سنان
استشهد أبوه بأحد وكان هو من المكثرين وهذا الاسناد كله مدنيون وهو من افراد البخاري
عن مسلم نعم أخرج مسلم في الجهاد وهو عند المصنف أيضا من وجه آخر عن أبي سعيد حديث
الأعرابي الذي سأل أي الناس خير قال مؤمن مجاهد في سبيل الله بنفسه وما له قال ثم من قال
مؤمن في شعب من الشعاب يتقى الله ويدع الناس من شره وليس فيه ذكر الفتن وهى زيادة
65

من حافظ فيقيد بها المطلق غنم شاهد من حديث أبي هريرة عند الحاكم ومن حديث أم مالك
البهزية عند الترمذي ويؤيده ما ورد من النهى عن سكنى البوادي والسياحة والعزلة وسيأتى
مزيد لذلك في كتاب الفتن (قوله يوشك) بكسر الشين المعجمة أي يقرب (قوله خير) بالنصب على
الخبر وغنم الاسم وللأصيلي برفع خير ونصب عنهما على الخبرية ويجوز رفعهما على الابتداء والخبر
ويقدر في يكون ضمير الشأن قاله ابن مالك لكن لم تجئ به الرواية (قوله يتبع) بتشديد التاء ويجوز
اسكانها وشعف بفتح المعجمة والعين المهملة جمع شعفة كأكم وأكمة وهى رؤس الجبال (قوله
ومواقع القطر) بالنصب عطفا على شعف أي بطون الأودية وخصهما بالذكر لأنهما مظان المرعى
(قوله يفرد بدينه) أي بسبب دينه ومن ابتدائية قال الشيخ النووي في الاستدلال بهذا الحديث
للترجمة نظر لأنه لا يلزم من لفظ الحديث عد الفرار دينا وانما هو صيانة للدين قال فلعله لما رآه
صيانة للدين أطلق عليه اسم الدين وقال غيره ان أريد بمن كونها جنسية أو تبعيضية فالنظر متجه
وان أريد كونها ابتدائية أي الفرار من الفتنة منشؤه الدين فلا يتجه النظر وهذا الحديث قد
ساقه المصنف أيضا في كتاب الفتن وهو أليق المواضع به والكلام عليه يستوفى هناك إن شاء الله
تعالى (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم) هو مضاف بلا تردد (قوله أنا أعلمكم) كذا
في رواية أبي ذر وهو لفظ الحديث الذي أورده في جميع طرقه وفى رواية الأصيلي أعرفكم وكأنه
مذكور بالمعنى حملا على ترادفها هنا وهو ظاهر هنا وعليه عمل المصنف (قوله وان المعرفة) بفتح
أن والتقدير باب بيان ان المعرفة وورد بكسرها وتوجيهه ظاهر وقال الكرماني هو خلاف
الرواية والدراية (قوله لقوله تعالى) مراده الاستدلال بهذه الآية على أن الايمان بالقول
وحده لا يتم الا بانضمام الاعتقاد إليه والاعتقاد فعل القلب وقوله بما كسبت قلوبكم أي بما
استقر فيها والآية وان وردت في الايمان بالفتح فالاستدلال بها في الايمان بالكسر واضح
للاشتراك في المعنى إذ مدار الحقيقة فيهما على عمل القلب وكأن المصنف لمح بتفسير زيد بن أسلم
فإنه قال في قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال هو كقول الرجل ان فعلت كذا
فأنا كافر قال لا يؤاخذه الله بذلك حتى يعقد به قلبه فظهرت المناسبة بين الآية والحديث وظهر
وجه دخولهما في مباحث الايمان فان فيه دليلا على بطلان قول الكرامية ان الايمان قول
فقط ودليلا على زيادة الايمان ونقصانه لان قوله صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم بالله ظاهر في أن
العلم بالله درجات وأن بعض الناس فيه أفضل من بعض وأن النبي صلى الله عليه وسلم منه في أعلى
الدرجات والعلم بالله يتناول ما بصفاته وما بأحكامه وما يتعلق بذلك فهذا هو الايمان حقا
* (فائدة) * قال امام الحرمين أجمع العلماء على وجوب معرفة الله تعالى واختلفوا في أول
واجب فقيل المعرفة وقيل النظر وقال المقترح لا اختلاف فان أول واجب خطابا ومقصودا
المعرفة وأول واجب اشتغالا وأداء القصد إلى النظر وفى نقل الاجماع نظر كبير ومنازعة طويلة
حتى نقل جماعة الاجماع في نقيضه واستدلوا باطباق أهل العصر الأول على قبول الاسلام ممن
دخل فيه من غير تنقيب والآثار في ذلك كثيرة جدا وأجاب الأولون عن ذلك بأن الكفار
كانوا يذبون عن دينهم ويقاتلون عليه فرجوعهم عنه دليل على ظهور الحق لهم ومقتضى هذا
ان المعرفة المذكورة يكتفى فيها بأدنى نظر بخلاف ما قرروه ومع ذلك فقول الله تعالى فأقم وجهك
66

للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها وحديث كل مولود يولد على الفطرة ظاهر ان في دفع
هذه المسئلة من أصلها وسيأتي مزيد بيان لهذا في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى وقد نقل
القدوة أبو محمد بن أبي حمرة عن أبي الوليد الباجي عن أبي جعفر السمناني وهو من كبار الأشاعرة
أنه سمعه يقول إن هذه المسئلة من مسائل المعتزلة بقيت في المذهب والله المستعان وقال النووي
في الآية دليل على المذهب الصحيح ان أفعال القلوب يؤاخذ بها ان استقرت وأما قوله صلى الله
عليه وسلم ان الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل فمحمول على ما إذا لم يستقر
(قلت) ويمكن ان يستدل لذلك من عموم قوله أو تعمل لان الاعتقاد هو عمل القلب ولهذه المسئلة
تكملة تذكر في كتاب الرقاق (قوله حدثنا محمد بن سلام) هو بتخفيف اللام على الصحيح وقال
صاحب المطالع هو بتشديدها عند الأكثر وتعقبه النووي بان أكثر العلماء على أنه بالتخفيف
وقد روى ذلك عنه نفسه وهو أخبر بأبيه فلعله أراد بالأكثر مشايخ بلده وقد صنف المنذري جزأ
في ترجيح التشديد ولكن المعتمد خلافه (قوله أخبرنا عبدة) هو ابن سليمان الكوفي وفى رواية
الأصيلي حدثنا (قوله عن هشام) هو ابن عروة بن الزبير بن العوام (قوله إذا أمرهم أمرهم)
كذا في معظم الروايات ووقع في بعضها أمرهم مرة واحدة وعليه شرح القاضي أبو بكر بن
العربي وهو الذي وقع في طرق هذا الحديث الذي وقفت عليها من طريق عبدة وكذا من طريق بن
نمير وغيره عن هشام عند أحمد وكذا ذكره الإسماعيلي من رواية أبى أسامة عن هشام ولفظه كان
إذا أمر الناس بالشئ قالوا والمعنى كان إذا أمرهم بما يسهل عليهم دون ما يشق خشية أن يعجزوا
عن الدوام عليه وعمل هو بنظير ما يأمرهم به من التخفيف طلبوا منه التكليف بما يشق
لاعتقادهم احتياجهم إلى المبالغة في العمل لرفع الدرجات دونه فيقولون لسنا كهيئتك
فيغضب من جهة أن حصول الدرجات لا يوجب التقصير في العمل بل يوجب الازدياد شكرا
للمنعم الوهاب كما قال في الحديث الآخر أفلا أكون عبدا شكورا وانما أمرهم بما يسهل عليهم
ليداوموا عليه كما قال في الحديث الآخر أحب العمل إلى الله أدومه وعلى مقتضى ما وقع في هذه
الرواية من تكرير أمرهم يكون المعنى كان إذا أمرهم بعمل من الأعمال أمرهم بما يطيقون
الدوام عليه فأمرهم الثانية جواب الشرط وقالوا جواب ثان (قوله كهيئتك) أي ليس حالنا
كحالك وعبر بالهيئة تأكيدا وفى هذا الحديث فوائد الأولى أن الأعمال الصالحة ترقى صاحبها
إلى المراتب السنية من رفع الدرجات ومحو الخطيئات لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم
استدلالهم ولا تعليلهم من هذه الجهة بل من الجهة الأخرى الثانية ان العبد إذا بلغ الغاية في
العبادة وثمراتها كان ذلك أدعى له إلى المواظبة عليها استبقاء للنعمة واستزادة لها بالشكر عليها
الثالثة الوقوف عندما حد الشارع من عزيمة ورخصة واعتقاد أن الاخذ بالأرفق الموافق
للشرع أولى من الأشق المخالف له الرابعة ان الأولى من العبادة القصد والملازمة لا المبالغة
المفضية إلى الترك كما جاء في الحديث الآخر المنبت أي المجد في السير لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى
الخامسة التنبيه على شدة رغبة الصحابة في العبادة وطلبهم الازدياد من الخير السادسة مشروعية
الغضب عند مخالفة الامر الشرعي والانكار على الحاذق المتأهل لفهم المعنى إذا قصر في
الفهم تحريضا له على التيقظ السابعة جواز تحدث المرء بما فيه من فضل بحسب الحاجة لذلك
67

عند الامن من المباهاة والتعاظم الثامنة بيان ان لرسول الله صلى الله عليه وسلم رتبة الكمال
الإنساني لأنه منحصر في الحكمتين العلمية والعملية وقد أشار إلى الأولى بقوله أعلمكم والى
الثانية بقوله أتقاكم ووقع عند أبي نعيم وأعلمكم بالله لأنا بزيادة لام التأكيد وفى رواية أبى
أسامة عند الإسماعيلي والله ان أبركم وأتقاكم أنا ويستفاد منه إقامة الضمير المنفصل مقام المتصل
وهو ممنوع عند أكثر النحاة الا للضرورة وأولوا قول الشاعر * وانما * يدافع عن أحسابهم أنا أو
مثلي * بان الاستثناء فيه مقدر أي وما يدافع عن أحسابهم الا أنا قال بعض الشراح والذي وقع
في هذا الحديث يشهد للجواز بلا ضرورة وهذا الحديث من افراد البخاري عن مسلم وهو من
غرائب الصحيح لا أعرفه الا من هذا الوجه فهو مشهور عن هشام فرد مطلق من حديثه عن أبيه
عن عائشة والله أعلم وقد أشرت إلى ما ورد في معناه من وجه آخر عن عائشة في باب من لم يواجه
من كتاب الأدب وذكرت فيه ما يؤخذ منه تعيين المأمور به ولله الحمد (قوله باب من كره) يجوز فيه
التنوين والإضافة وعلى الأول من مبتدأ ومن الايمان خبره وقد تقدم الكلام على حديث
الباب ومطابقة الترجمة له ظاهرة مما تقدم واسناده كله بصريون وجرى المصنف على عادته في
التبويب على ما يستفاد من المتن مع أنه غاير الاسناد هنا إلى أنس ومن في المواضع الثلاثة
موصولة بخلاف التي بعد ثلاث فإنها شرطية (قوله باب تفاضل أهل الايمان في الأعمال) في
ظرفية ويحتمل أن تكون سببية أي التفاضل الحاصل بسبب الأعمال (قوله حدثنا إسماعيل) هو
ابن أبي أويس عبد الله بن عبد الله الأصبحي المدني بن أخت مالك وقد وافقه على رواية هذا
الحديث عبد الله بن وهب ومعن بن عيسى عن مالك وليس هو في الموطأ قال الدارقطني هو غريب
صحيح (قوله يدخل) للدارقطني من طريق إسماعيل وغيره يدخل الله وزاد من طريق معن يدخل
من يشاء برحمته وكذا له وللإسماعيلي من طريق ابن وهب (قوله مثقال حبة) بفتح الحاء هو
إشارة إلى ما لا أقل منه قال الخطابي هو مثل ليكون عيارا في المعرفة لا في الوزن لان ما يشكل
في المعقول يرد إلى المحسوس ليفهم وقال امام الحرمين الوزن للصحف المشتملة على الأعمال ويقع
وزنها على قدر أجور الأعمال وقال غيره يجوز أن تجسد الاعراض فتوزن وما ثبت من
أمور الآخرة بالشرع لا دخل للعقل فيه والمراد بحبة الخردل هنا ما زاد من الأعمال على أصل
التوحيد لقوله في الرواية الأخرى أخرجوا من قال لا إله إلا الله وعمل من الخير ما يزن ذرة ومحل
بسط هذا يقع في الكلام على حديث الشفاعة حيث ذكره المصنف في كتاب الرقاق (قوله في
نهر الحياء) كذا في هذه الرواية بالمد ولكريمة وغيرها بالقصر وبه جزم الخطابي وعليه المعنى
لان المراد كل ما به تحصل الحياة والحيا بالقصر هو المطر وبه تحصل حياة النبات فهو أليق بمعنى
الحياة من الحياء الممدود الذي هو بمعنى الخجل (قوله الحبة) بكسر أوله قال أبو حنيفة
الدينوري الحبة جمع بزور النبات واحدتها حبة بالفتح وأما الحب فهو الحنطة والشعير واحدتها
حبة بالفتح أيضا وانما افترقا في الجمع وقال أبو المعالي في المنتهى الحبة بالكسر بزور الصحراء مما
ليس بقوت (قوله قال وهيب) أي ابن خالد (حدثنا عمرو) أي ابن يحيى المازني المذكور
(قوله الحياة) بالخفض على الحكاية ومراده ان وهيبا وافق مالكا في روايته لهذا الحديث
عن عمرو بن يحيى بسنده وجزم بقوله في نهر الحياة ولم يشك كما شك مالك (فائدة) أخرج
68

مسلم هذا الحديث من رواية مالك فأبهم الشاك وقد يفسر هنا (قوله وقال خردل من خير)
هو على الحكاية أيضا أي وقال وهيب في روايته مثقال حبة من خردل من خير فخالف مالكا
أيضا في هذه الكلمة وقد ساق المؤلف حديث وهيب هذا في كتاب الرقاق عن موسى بن إسماعيل
عن وهيب وسياقه أتم من سياق مالك لكنه قال من خردل من ايمان كرواية مالك فاعترض على
المصنف بهذا ولا اعتراض عليه فان أبا بكر بن أبي شيبة أخرج هذا الحديث في مسنده عن
عفان بن مسلم عن وهيب فقال من خردل من خير كما علقه المصنف فتبين انه مراده لا لفظ موسى
وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر هذا لكن لم يسق يسير ووجه مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهر
وأراد بايراده الرد على المرجئة لما فيه من بيان ضرر المعاصي مع الايمان وعلى المعتزلة في أن
المعاصي موجبة للخلود (قوله حدثنا محمد بن عبيد الله) هو أبو ثابت المدني وأبوه بالتصغير
(قوله عن صالح) هو ابن كيسان تابعي جليل (قوله عن أبي أمامة بن سهل) هو ابن حنيف
كما ثبت في رواية الأصيلي وأبو أمامة مختلف في صحبته ولم يصح له سماع وانما ذكر في الصحابة لشرف
الرؤية ومن حيث الرواية يكون في الاسناد ثلاثة من التابعين أو تابعيان وصحابيان ورجاله
كلهم مدنيون كالذي قبله والكلام على المتن يأتي في كتاب التعبير ومطابقته للترجمة ظاهرة من
جهة تأويل القمص بالدين وقد ذكر أنهم متفاضلون في لبسها فدل على أنهم متفاضلون في الايمان
(قوله بينا أنا نائم رأيت الناس) أصل بينا بين ثم أشبعت الفتحة وفيه استعمال بينا بدون إذا وبدون
إذ وهو فصيح عند الأصمعي ومن تبعه وإن كان الأكثر على خلافه فان في هذا الحديث حجة وقوله
الثدي بضم المثلثة وكسر الدال المهملة وتشديد الياء التحتانية جمع ثدي بفتح أوله واسكان ثانيه
والتخفيف وهو مذكر عند معظم أهل اللغة وحكى أنه مؤنث والمشهور انه يطلق في الرجل
والمرأة وقيل يختص بالمرأة وهذا الحديث يرده ولعل قائل هذا يدعى انه أطلق في الحديث
مجازا والله أعلم (قوله باب) هو منون. ووجه كون الحياء من الايمان تقدم مع بقية مباحثه
في باب أمور الايمان وفائدة اعادته هنا انه ذكر هناك بالتبعية وهنا بالقصد مع فائدة مغايرة
الطريق (قوله حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي نزيل دمشق ورجال الاسناد سواه
من أهل المدينة (قوله أخبرنا) وللأصيلي حدثنا مالك ولكريمة ابن أنس والحديث في الموطأ
(قوله عن أبيه) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب (قوله مر على رجل) لمسلم من طريق معمر
مر برجل ومر بمعنى اجتاز يعدى بعلى وبالباء ولم أعرف اسم هذين الرجلين الواعظ وأخيه
وقوله يعظ أي ينصح أو يخوف أو يذكر كذا شرحوه والأولى أن يشرح بما جاء عند المصنف في
الأدب من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن ابن شهاب ولفظه يعاتب أخاه في الحياء يقول انك
لتستحيى حتى كأنه يقول قد أضربك انتهى ويحتمل أن يكون جمع له العتاب والوعظ فذكر
بعض الرواة ما لم يذكره الآخر لكن المخرج متحد فالظاهر أنه من تصرف الراوي بحسب ما اعتقد
أن كل لفظ منهما يقوم مقام الآخر وفى سببية فكأن الرجل كان كثير الحياء فكان ذلك يمنعه
من استيفاء حقوقه فعاتبه أخوه على ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم دعه أي اتركه على
هذا الخلق السنى ثم زاده في ذلك ترغيبا لحكمه بأنه من الايمان وإذا كان الحياء يمنع صاحبه من
استيفاء حق نفسه جر له ذلك تحصيل أجر ذلك الحق لا سيما إذا كان المتروك له مستحقا وقال
69

ابن قتيبة معناه ان الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الايمان فسمى ايمانا كما يسمى
الشئ باسم ما قام مقامه وحاصله ان اطلاق كونه من الايمان مجاز والظاهر أن الناهي
ما كان يعرف ان الحياء من مكملات الايمان فلهذا وقع التأكيد وقد يكون التأكيد من جهة
ان القضية في نفسها مما يهتم به وان لم يكن هناك منكر قال الراغب الحياء انقباض النفس عن
القبيح وهو من خصائص الانسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهى فلا يكون كالبهيمة وهو
مركب من جبن وعفة فلذلك لا يكون المستحيي فاسقا وقلما يكون الشجاع مستحيا وقد يكون
لمطلق الانقباض كما في بعض الصبيان انتهى ملخصا وقال غيره هو انقباض النفس خشية
ارتكاب ما يكره أعم من أن يكون شرعيا أو عقليا أو عرفيا ومقابل الأول فاسق والثاني
مجنون والثالث أبله قال وقوله صلى الله عليه وسلم الحياء شعبة من الايمان أي أثر من آثار
الايمان وقال الحليمي حقيقة الحياء خوف الذم بنسبة الشر إليه وقال غيره إن كان في محرم
فهو واجب وإن كان في مكروه فهو مندوب وإن كان في مباح فهو العرفي وهو المراد بقوله الحياء
لا يأتي الا بخير ويجمع كل ذلك أن المباح انما هو ما يقع على وفق الشرع اثباتا ونفيا وحكى عن
بعض السلف رأيت المعاصي مذلة فتركتها مروأة فصارت ديانة وقد يتولد الحياء من الله تعالى من
التقلب في نعمه فيستحيى العاقل ان يستعين بها على معصيته وقد قال بعض السلف خف الله
على قدر قدرته عليك واستحى منه على قدر قربه منك والله أعلم (قوله باب) هو منون في الرواية
والتقدير هذا باب في تفسير قوله تعالى فان تابوا وتجوز الإضافة أي باب تفسير قوله وانما جعل
الحديث تفسيرا للآية لان المراد بالتوبة في الآية الرجوع عن الكفر إلى التوحيد ففسره قوله
صلى الله عليه وسلم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وبين الآية والحديث مناسبة
أخرى لان التخلية في الآية والعصمة في الحديث بمعنى واحد ومناسبة الحديث لأبواب
الايمان من جهة أخرى وهى الرد على المرجئة حيث زعموا ان الايمان لا يحتاج إلى الأعمال
(قوله حدثنا عبد الله بن محمد) زاد ابن عساكر المسندي وهو بفتح النون كما مضى قال حدثنا
أبو روح هو بفتح الراء (قوله الحرمي) هو بفتح المهملتين وللأصيلي حرمي وهو اسم بلفظ النسب
تثبت فيه الألف واللام وتحذف مثل مكي بن إبراهيم الآتي بعد وقال الكرماني أبو روح كنيته
واسمه ثابت والحرمي نسبته كذا قال وهو خطأ من وجهين أحدهما في جعله اسمه نسبته والثاني
في جعله اسم جده اسمه وذلك أنه حرمي بن عمارة بن أبي حفصة واسم أبى حفصة ثابت وكانه
رأى في كلام بعضهم واسمه ثابت فظن أن الضمير يعود على حرمي لأنه المتحدث عنه وليس كذلك
بل الضمير يعود على أبى حفصة لأنه الأقرب وأكد ذلك عنده وروده في هذا السند الحرمي بالألف
واللام وليس هو منسوبا إلى الحرم بحال لأنه بصرى الأصل والمولد والمنشأ والمسكن والوفاة ولم
يضبط ثابتا كعادته وكأنه ظنه بالمثلثة كالجادة والصحيح ان أوله نون (قوله عن واقد بن محمد)
زاد الأصيلي يعنى ابن زيد بن عبد الله بن عمر فهو من رواية الأبناء عن الآباء وهو كثير لكن
رواية الشخص عن أبيه عن جده أقل وواقد هنا روى عن أبيه عن جد أبيه وهذا الحديث
غريب الاسناد تفرد بروايته شعبة عن واقد قاله ابن حبان وهو عن شعبة عزيز تفرد بروايته
عنه حرمي هذا وعبد الملك بن الصباح وهو عزيز عن حرمي تفرد به عنه المسندي وإبراهيم بن محمد
70

ابن عرعرة ومن جهة إبراهيم أخرجه أبو عوانة وابن حبان والإسماعيلي وغيرهم وهو غريب عن
عبد الملك تفرد به عنه أبو غسان مالك بن عبد الواحد شيخ مسلم فاتفق الشيخان على الحكم
بصحته مع غرابته وليس هو في مسند أحمد على سعته وقد استبعد قوم صحته بأن الحديث لو كان
عند ابن عمر لما ترك أباه ينازع أبا بكر في قتال مانعي الزكاة ولو كانوا يعرفونه لما كان أبو بكر يقر
عمر على الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
وينتقل عن الاستدلال بهذا النص إلى القياس إذ قال لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة
لأنها قرينتها في كتاب الله والجواب أنه لا يلزم من كون الحديث المذكور عند ابن عمر أن يكون
استحضره في تلك الحالة ولو كان مستحضرا له فقد يحتمل أن لا يكون حضر المناظرة المذكورة
ولا يمتنع أن يكون ذكره لهما بعد ولم يستدل أبو بكر في قتال مانعي الزكاة بالقياس فقط
بل أخذه أيضا من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الا بحق الاسلام قال
أبو بكر والزكاة حق الاسلام ولم ينفرد ابن عمر بالحديث المذكور بل رواه أبو هريرة أيضا بزيادة
الصلاة والزكاة فيه كما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في كتاب الزكاة وفى القصة دليل
على أن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة ويطلع عليها آحادهم ولهذا لا يلتفت إلى
الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها ولا يقال كيف خفى ذا على فلان والله الموفق (قوله
أمرت) أي أمرني الله لأنه لا آمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم الا الله وقياسه في الصحابي
إذا قال أمرت فالمعنى أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحتمل ان يريد أمرني
صحابي آخر لانهم من حيث إنهم مجتهدون لا يحتجون بأمر مجتهد آخر وإذا قاله التابعي احتمل
والحاصل ان من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم منه ان الآمر له هو ذلك الرئيس (قوله
أن أقاتل) أي بأن أقاتل وحذف الجار من أن كثير (قوله حتى يشهدوا) جعلت غاية
المقاتلة وجود ما ذكر فمقتضاه ان من شهد وأقام وآتى عصم دمه ولو جحد باقي الاحكام والجواب
ان الشهادة بالرسالة تتضمن التصديق بما جاء به مع أن نص الحديث وهو قوله الا بحق الاسلام
يدخل فيه جميع ذلك فان قيل فلم لم يكتف به ونص على الصلاة والزكاة فالجواب ان ذلك
لعظمهما والاهتمام بأمرهما لأنهما أما العبادات البدنية والمالية (قوله ويقيموا الصلاة)
أي يداوموا على الاتيان بها بشروطها من قامت السوق إذا نفقت وقامت الحرب إذا اشتد
القتال أو المراد بالقيام الأداء تعبيرا عن الكل بالجزء إذ القيام بعض أركانها والمراد بالصلاة
المفروض منها لا جنسها فلا تدخل سجدة التلاوة مثلا وان صدق اسم الصلاة عليها وقال الشيخ
محيي الدين النووي في هذا الحديث ان من ترك الصلاة عمدا يقتل ثم ذكر اختلاف المذاهب في
ذلك وسئل الكرماني هنا عن حكم تارك الزكاة وأجاب بان حكمهما واحد لاشتراكهما في الغاية
وكأنه أراد في المقاتلة أما في القتل فلا والفرق ان الممتنع من إيتاء الزكاة يمكن أن تؤخذ منه
قهرا بخلاف الصلاة فان انتهى إلى نصب القتال ليمنع الزكاة قوتل وبهذه الصورة قاتل الصديق
مانعي الزكاة ولم ينقل أنه قتل أحدا منهم صبرا وعلى هذا ففي الاستدلال بهذا الحديث على قتل
تارك الصلاة نظر للفرق بين صيغة أقاتل وأقتل والله أعلم وقد أطنب ابن دقيق العيد في شرح
العمدة في الانكار على من استدل بهذا الحديث على ذلك وقال لا يلزم من إباحة المقاتلة إباحة
71

القتل لان المقاتلة مفاعلة تستلزم وقع القتال من الجانبين ولا كذلك القتل وحكى البيهقي عن
الشافعي أنه قال ليس القتال من القتل بسبيل فقد يحل قتال الرجل ولا يحل قتله (قوله فإذا فعلوا
ذلك) فيحه التعبير بالفعل عما بعضه قول اما على سبيل التغليب واما على إرادة المعنى الأعم إذ
القول فعل اللسان (قوله عصموا) أي منعوا وأصل العصمة من العصام وهو الخيط الذي يشد به
فم القربة ليمنع سيلان الماء (قوله وحسابهم على الله) أي في أمر سرائرهم ولفظة على مشعرة
بالايجاب وظاهرها غير مراد فاما أن تكون بمعنى اللام أو على سبيل التشبيه أي هو كالواجب على
الله في تحقق الوقوع وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر
والاكتفاء في قبول الايمان بالاعتقاد الجازم خلافا لمن أوجب تعلم الأدلة وقد تقدم ما فيه
ويؤخذ منه ترك تكفير أهل البدع المقرين بالتوحيد الملتزمين للشرائع وقبول توبة الكافر
من كفره من غير تفصيل بين كفر ظاهر أو باطن فان قيل مقتضى الحديث قتال كل من امتنع من
التوحيد فكيف ترك قتال مؤدى الجزية والمعاهد فالجواب من أوجه أحدها دعوى النسخ
بان يكون الاذن بأخذ الجزية والمعاهدة متأخرا عن هذه الأحاديث بدليل انه متأخر عن قوله
تعالى اقتلوا المشركين ثانيها أن يكون من العام الذي خص منه البعض لان المقصود من
الامر حصول المطلوب فإذا تخلف البعض لدليل لم يقدح في العموم ثالثها أن يكون من العام
الذي أريد به الخاص فيكون المراد بالناس في قوله أقاتل الناس أي المشركين من غير أهل
الكتاب ويدل عليه رواية النسائي بلفظ أمرت أن أقاتل المشركين فان قيل إذا تم هذا في أهل
الجزية لم يتم في المعاهدين ولا فيمن منع الجزية أجيب بان الممتنع في ترك المقاتلة رفعها
لا تأخيرها مدة كما في الهدنة ومقاتلة من امتنع من أداء الجزية بدليل الآية رابعها أن يكون
المراد بما ذكر من الشهادة وغيرها التعبير عن اعلاء كلمة الله واذعان المخالفين فيحصل في بعض
بالقتل وفى بعض بالجزية وفى بعض بالمعاهدة خامسها أن يكون المراد بالقتال هو أو ما يقوم
مقامه من جزية أو غيرها سادسها أن يقال الغرض من ضرب الجزية اضطرارهم إلى الاسلام
وسبب السبب سبب فكأنه قال حتى يسلموا أو يلتزموا مما يؤديهم إلى الاسلام وهذا أحسن
ويأتي فيه ما في الثالث وهو آخر الأجوبة والله أعلم (قوله باب من قال) هو مضاف حتما
(قوله إن الايمان هو العمل) مطابقة الآيات والحديث لما ترجم له بالاستدلال
بالمجموع على المجموع لان كل واحد منها دال بمفرده على بعض الدعوى فقوله بما كنتم
تعملون عام في الأعمال وقد نقل جماعة من المفسرين ان قوله هنا تعملون معناه تؤمنون
فيكون خاصا وقوله عما كانوا يعملون خاص بعمل اللسان على ما نقل المؤلف وقوله فليعمل
العاملون عام أيضا وقوله في الحديث ايمان بالله في جواب أي العمل أفضل دال على أن
الاعتقاد والنطق من جملة الأعمال فان قيل الحديث يدل على أن الجهاد والحج ليسا من الايمان
لما تقتضيه ثم من المغايرة والترتيب فالجواب ان المراد بالايمان هنا التصديق هذه حقيقته
والايمان كما تقدم يطلق على الأعمال البدنية لأنها من مكملاته (قوله أورثتموها) أي صيرت
لكم إرثا وأطلق الإرث مجازا عن الاعطاء لتحقق الاستحقاق وما في قوله بما أما مصدرية أي
بعملكم واما موصوله أي بالذي كنتم تعملون والباء للملابسة أو للمقابلة فان قيل كيف الجمع بين
72

هذه الآية وحديث لن يدخل أحدكم الجنة بعمله فالجواب ان المنفى في الحديث دخولها بالعمل
المجرد عن القبول والمثبت في الآية دخولها بالعمل المتقبل والقبول انما يحصل برحمة الله فلم
يحصل الدخول الا برحمة الله وقيل في الجواب غير ذلك كما سيأتي عند ايراد الحديث المذكور
* (تنبيه) * اختلف الجواب عن هذا السؤال وأجيب بان لفظ من مراد في كل منهما وقيل
وقع باختلاف الأحوال والاشخاص فأجيب كل سائل بالحال اللائق به وهذا اختيار الحليمي
ونقله عن القفال (قوله وقال عدة) أي جماعة من أهل العلم منهم أنس بن مالك روينا حديثه
مرفوعا في الترمذي وغيره وفى اسناده ضعف ومنهم ابن عمر روينا حديثه في التفسير للطبري
والدعاء للطبراني ومنهم مجاهد رويناه عنه في تفسير عبد الرزاق وغيره (قوله لنسألهم الخ)
قال النووي معناه عن أعمالهم كلها أي التي يتعلق بها التكليف وتخصيص ذلك بالتوحيد
دعوى بلا دليل (قلت) لتخصيصهم وجه من جهة التعميم في قوله أجمعين بعد ان تقدم ذكر
الكفار إلى قوله ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين فيدخل فيه المسلم والكافر فان
الكافر مخاطب بالتوحيد بلا خلاف بخلاف باقي الأعمال ففيها الخلاف فمن قال إنهم
مخاطبون يقول إنهم مسؤولون عن الأعمال كلها ومن قال إنهم غير مخاطبين يقول انما يسئلون
عن التوحيد فقط فالسؤال عن التوحيد متفق عليه فهذا هو دليل التخصيص فحمل الآية عليه
أولى بخلاف الحمل على جميع الأعمال لما فيه من الاختلاف والله أعلم (قوله وقال) أي الله
عز وجل (لمثل هذا) أي الفوز العظيم (فليعمل العاملون) أي في الدنيا والظاهر أن المصنف تأولها
بما تأول به الآيتين المتقدمتين أي فليؤمن المؤمنون أو يحمل العمل على عمومه لان من آمن
لا بد أن يقبل ومن قبل فمن حقه أن يعمل ومن عمل لا بد أن ينال فإذا وصل قال لمثل هذا فليعمل
العاملون * (تنبيه) * يحتمل أن يكون قائل ذلك المؤمن الذي رأى قرينه ويحتمل أن يكون
كلامه انقضى عند قوله الفوز العظيم والذي بعده ابتداء من قول الله عز وجل أو بعض
الملائكة لا حكاية عن قول المؤمن والاحتمالات الثلاثة مذكورة في التفسير ولعل هذا هو
السر في ابهام المصنف القائل والله أعلم (قوله حدثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن
يونس اليربوعي الكوفي نسب إلى جده (قوله سئل) أبهم السائل وهو أبو ذر الغفاري
وحديثه في العتق (قوله قيل ثم ماذا قال الجهاد) وقع في مسند الحرث بن أبي أسامة عن
إبراهيم بن سعد ثم جهاد فواخى بين الثلاثة في التنكير بخلاف ما عند المصنف وقال الكرماني
الايمان لا يتكرر كالحج والجهاد قد يتكرر فالتنوين للافراد الشخصي والتعريف للكمال
إذ الجهاد لو أتى به مرة مع الاحتياج إلى التكرار لما كان أفضل وتعقب عليه بأن التنكير من
جملة وجوهه التعظيم وهو يعطى الكمال وبأن التعريف من جملة وجوهه العهد وهو يعطى
الافراد الشخصي فلا يسلم الفرق (قلت) وقد ظهر من رواية الحرث التي ذكرتها أن التنكير
والتعريف فيه من تصرف الرواة لان مخرجه واحد فالإطالة في طلب الفرق في مثل هذا غير
طائلة والله الموفق (قوله حج مبرور) أي مقبول ومنه بر حجك وقيل المبرور الذي لا يخالطه
اثم وقيل الذي لا رياء فيه * (فائدة) * قال النووي ذكر في هذا الحديث الجهاد بعد الايمان
وفى حديث أبي ذكر لم يذكر الحج وذكر العتق وفى حديث ابن مسعود بدأ بالصلاة ثم البر ثم الجهاد
73

وفى الحديث المتقدم ذكر السلامة من اليد واللسان قال العلماء اختلاف الأجوبة في ذلك
باختلاف الأحوال واحتياج المخاطبين وذكر ما لم يعلمه السائل والسامعون وترك ما علموه ويمكن
أن يقال إن لفظة من مرادة كما يقال فلان أعقل الناس والمراد من أعقلهم ومنه حديث خيركم
خيركم لأهله ومن المعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس فان قيل لم قدم الجهاد وليس بركن على
الحج وهو ركن فالجواب أن نفع الحج قاصر غالبا ونفع الجهاد متعد غالبا أو كان ذلك حيث
كان الجهاد فرض عين ووقوعه فرض عين إذ ذاك متكرر فكان أهم منه فقدم والله أعلم (قوله
باب إذا لم يكن الاسلام على الحقيقة) حذف جواب قوله إذا للعلم به كأنه يقول إذا كان الاسلام
كذلك لم ينتفع به في الآخرة ومحصل ما ذكره واستدل به أن الاسلام يطلق ويراد به الحقيقة
الشرعية وهو الذي يرادف الايمان وينفع عند الله وعليه قوله تعالى ان الدين عند الله الاسلام
وقوله تعالى فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ويطلق ويراد به الحقيقة اللغوية وهو مجرد
الانقياد والاستسلام فالحقيقة في كلام المصنف هنا هي الشرعية ومناسبة الحديث للترجمة
ظاهرة من حيث إن المسلم يطلق على من أظهر الاسلام وان لم يعلم باطنه فلا يكون مؤمنا لأنه ممن
لم تصدق عليه الحقيقة الشرعية وأما اللغوية فحاصلة (قوله عن سعد) هو ابن أبي وقاص كما
صرح به الإسماعيلي في روايته وهو والد عامر الراوي عنه كما وقع في الزكاة عند المصنف من
رواية صالح بن كيسان قال فيها عن عامر بن سعد عن أبيه واسم أبى وقاص مالك وسيأتى تمام
نسبه في مناقب سعد إن شاء الله تعالى (قوله أعطى رهطا) الرهط عدد من الرجال من ثلاثة
إلى عشرة قال القزاز وربما جاوزوا ذلك قليلا ولا واحد له من لفظه ورهط الرجل بنو أبيه الأدنى
وقيل قبيلته وللإسماعيلي من طريق ابن أبي ذئب أنه جاءه رهط فسألوه فأعطاهم فترك رجلا منهم
(قوله وسعد جالس) فيه تجريد وقوله أعجبهم إلى فيه التفات ولفظه في الزكاة أعطى رهطا وأنا
جالس فساقه بلا تجريد ولا التفات وزاد فيه فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته
وغفل بعضهم فعزا هذه الزيادة إلى مسلم فقط والرجل المتروك اسمه جعيل بن سراقة الضمري
سماه الواقدي في المغازي (قوله مالك عن فلان) يعنى أي سبب لعدولك عنه إلى غيره ولفظ فلان
كناية عن اسم أبهم بعد ان ذكر (قوله فوالله) فيه القسم في الاخبار على سبيل التأكيد (قوله
لأراه) وقع في روايتنا من طريق أبي ذر وغيره بضم الهمزة هنا وفى الزكاة وكذا هو في رواية
الإسماعيلي وغيره وقال الشيخ محيي الدين رحمه الله بل هو بفتحها أي أعمله ولا يجوز ضمها فيصير
بمعنى أظنه لأنه قال بعد ذلك غلبني ما اعلم منه اه‍ ولا دلالة فيما ذكر على تعين الفتح
لجواز اطلاق العلم على الظن الغالب ومنه قوله تعالى فان علمتوهن مؤمنات سلمنا لكن لا يلزم
من اطلاق العلم أن لا تكون مقدماته ظنية فيكون نظريا لا يقينيا وهو الممكن هنا وبهذا جزم
صاحب المفهم في شرح مسلم فقال الرواية بضم الهمزة واستنبط منه جواز الحلف على غلبة
الظن لان النبي صلى الله عليه وسلم ما نهاه عن الحلف كذا قال وفيه نظر لا يخفى لأنه أقسم على
وجدان الظن وهو كذلك ولم يقسم على الامر المظنون كما ظن (قوله فقال أو مسلما) هو
باسكان الواو لا بفتحها فقيل هي للتنويع وقال بعضهم هي للتشريك وانه أمره أن يقولهما
معا لأنه أحوط ويرد هذا رواية ابن الأعرابي في معجمه في هذا الحديث فقال لا تقل مؤمن بل مسلم
74

فوضح انها للاضراب وليس معناه الانكار بل المعنى أن اطلاق المسلم على من لم يختبر حاله الخبرة
الباطنة أولى من اطلاق المؤمن لان الاسلام معلوم بحكم الظاهر قاله الشيخ محيي الدين ملخصا
وتعقبه الكرماني بأنه يلزم منه أن لا يكون الحديث دالا على ما عقد له الباب ولا يكون لرد الرسول
صلى الله عليه وسلم على سعد فائدة وهو تعقب مردود وقد بينا وجه المطابقة بين الحديث والترجمة
قبل ومحصل القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوسع العطاء لمن أظهر الاسلام تألفا فلما
أعطى الرهط وهم من المؤلفة وترك جعيلا وهو من المهاجرين مع أن الجميع سألوه خاطبه سعد
في أمره لأنه كان يرى أن جعيلا أحق منهم لما اختبره منه دونهم ولهذا راجع فيه أكثر من مرة
فارشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمرين أحدهما اعلامه بالحكمة في اعطاء أولئك وحرمان
جعيل مع كونه أحب إليه ممن أعطى لأنه لو ترك اعطاء المؤلف لم يؤمن ارتداده فيكون من أهل
النار ثانيهما ارشاده إلى التوقف عن الثناء بالامر الباطن دون الثناء بالامر الظاهر فوضح بهذا
فائدة رد الرسول صلى الله عليه وسلم على سعد وانه لا يستلزم محض الانكار عليه بل كان أحد
الجوابين على طريق المشورة بالأولى والآخر على طريق الاعتذار فان قيل كيف لم تقبل شهادة
سعد لجعيل بالايمان ولو شهد له بالعدالة لقبل منه وهى تستلزم الايمان فالجواب ان كلام سعد لم
يخرج مخرج الشهادة وانما خرج مخرج المدح له والتوسل في الطلب لأجله فلهذا نوقش في لفظه
حتى ولو كان بلفظ الشهادة لما استلزمت المشورة عليه بالامر الأولى رد شهادته بل السياق يرشد إلى
أنه قبل قوله فيه بدليل أنه اعتذر إليه وروينا في مسند محمد بن هارون الروياني وغيره باسناد صحيح
إلى أبى سالم الجيشاني عن أبي ذر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له كيف ترى جعيلا قال
قلت كشكله من الناس يعنى المهاجرين قال فكيف ترى فلانا قال قلت سيد من سادات الناس
قال فجعيل خير من ملء الأرض من فلان قال قلت ففلان هكذا وأنت تصنع به ما تصنع قال إنه
رأس قومه فانا أتألفهم به فهذه منزله جعيل المذكور عند النبي صلى الله عليه وسلم كما ترى فظهرت
بهذا الحكمة في حرمانه واعطاء غيره وان ذلك لمصلحة التأليف كما قررناه وفى حديث الباب من
الفوائد المتفرقة بين حقيقتي الايمان والاسلام وترك القطع بالايمان الكامل لمن لم ينص عليه
وأما منع القطع بالجنة فلا يؤخذ من هذا صريحا وان تعرض له بعض الشارحين نعم هو كذلك
فيمن لم يثبت فيه النص وفيه الرد على غلاة المرجئة في اكتفائهم في الايمان بنطق اللسان وفيه جواز
تصرف الامام في مال المصالح وتقديم الأهم فالأهم وان خفى وجه ذلك على بعض الرعية وفيه
جواز الشفاعة عند الامام فيما يعتقد الشافع جوازه وتنبيه الصغير للكبير على ما يظن أنه ذهل
عنه ومراجعة المشفوع إليه في الامر إذا لم يؤد إلى مفسدة وان الاسرار بالنصيحة أولى من
الاعلان كما ستأتي الإشارة إليه في كتاب الزكاة فقمت إليه فساررته وقد يتعين إذا جر الاعلان
إلى مفسدة وفيه ان من أشير عليه بما يعتقده المشير مصلحة لا ينكر عليه بل يبين له وجه الصواب
وفيه الاعتذار إلى الشافع إذا كانت المصلحة في ترك اجابته وأن لا عيب على الشافع إذا ردت
شفاعته لذلك وفيه استحباب ترك الالحاح في السؤال كما استنبطه المؤلف منه في الزكاة وسيأتى
تقريره هناك إن شاء الله تعالى (قوله انى لأعطى الرجل) حذف المفعول الثاني للتعميم أي
أي عطاء كان (قوله أعجب إلى) في رواية الكشمهيني أحب وكذا لأكثر الرواة ووقع عند
75

الإسماعيلي بعد قوله أحب إلى منه وما أعطيه الا مخافة أن يكبه الله إلى آخره ولابى داود من
طريق معمر انى أعطى رجالا وأدع من هو أحب إلى منهم لا أعطيه شيئا مخافة أن يكبوا في النار
على وجوههم (قوله أن يكبه) هو بفتح أوله وضم الكاف يقال أكب الرجل إذا أطرق وكبه
غيره إذا قلبه وهذا على خلاف القياس لان الفعل اللازم يتعدى بالهمزة وهذا زيدت عليه
الهمزة فقصر وقد ذكر المؤلف هذا في كتاب الزكاة فقال يقال أكب الرجل إذا كان فعله غير واقع
على أحد فإذا وقع الفعل قلت كبه وكببته وجاء نظير هذا في أحرف يسيره منها انسل ريش
الطائر ونسلته وأنزفت البئر ونزفتها وحكى ابن الأعرابي في المتعدى كبه وأكبه معا * (تنبيه) *
ليس فيه إعادة السؤال ثانيا ولا الجواب عنه وقد روى عن ابن وهب ورشدين بن سعد جميعا
عن يونس عن الزهري بسند آخر قال عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه أخرجه ابن أبي
حاتم ونقل عن أبيه أنه خطأ من رواية وهو الوليد بن مسلم عنهما (قوله ورواه يونس) يعنى ابن أبي
يزيد الأيلي وحديثه موصول في كتاب الايمان لعبد الرحمن بن عمر الزهري الملقب رسته
بضم الراء واسكان السين المهملتين وقبل الهاء مثناة من فوق مفتوحة ولفظه قريب من سياق
الكشمهيني ليس فيه إعادة السؤال ثانيا ولا الجواب عنه (قوله وصالح) يعنى ابن كيسان
وحديثه موصول عند المؤلف في كتاب الزكاة وفيه من اللطائف رواية ثلاثة من التابعين بعضهم
عن بعض وهم صالح والزهري وعامر (قوله ومعمر) يعنى ابن راشد وحديثه عند أحمد بن
حنبل والحميدي وغيرهما عن عبد الرزاق عنه وقال فيه انه أعاد السؤال ثلاثا ورواه مسلم عن
محمد بن يحيى بن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن الزهري ووقع في اسناده وهم سنه أو من شيخه لان
معظم الروايات في الجوامع والمسانيد عن ابن عيينة عن معمر عن الزهري بزيادة معمر بينهما
وكذا حدث به ابن أبي عمر شيخ مسلم في مسنده عن ابن عيينة وكذا أخرجه أبو نعيم في مستخرجه
من طريقه وزعم أبو مسعود في الأطراف ان الوهم من ابن أبي عمر وهو محتمل لان يكون الوهم
صدر منه لما حدث به مسلما لكن لم يتعين الوهم في جهته وحمله الشيخ محيي الدين على أن ابن عيينة
حدث به مرة باسقاط معمر ومره باثباته وفيه بعد لان الروايات قد تضافرت عن ابن عيينة
باثبات معمر ولم يوجد باسقاطه الا عند مسلم والموجود في مسند شيخه بلا اسقاط كما قدمناه وقد
أوضحت ذلك بدلائله في كتاب تعليق التعليق وفى رواية عبد الرزاق عن معمر من الزيادة قال
الزهري فترى ان الاسلام الكلمة والايمان العمل وقد استشكل هذا بالنظر إلى حديث سؤال
جبريل فان ظاهره يخالفه ويمكن ان يكون مراد الزهري ان المرء يحكم باسلامه ويسمى مسلما
إذا تلفظ بالكلمة أي كلمة الشهادة وانه لا يسمى مؤمنا الا بالعمل والعمل يشمل عمل القلب
والجوارح وعمل الجوارح يدل على صدقه وأما الاسلام المذكور في حديث جبريل فهو
الشرعي الكامل المراد بقوله تعالى ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه (قوله وابن أخي
الزهري عن الزهري) يعنى أن الأربعة المذكورين رووا هذا الحديث عن الزهري باسناده كما
رواه شعيب عنه وحديث ابن أخي الزهري موصول عند مسلم وساق فيه السؤال والجواب
ثلاث مرات وقال في آخره خشية ان يكب على البناء للمفعول وفى رواية ابن أخي الزهري
لطيفة وهى رواية أربعة من بنى زهره على الولاء هو وعمه وعامر وأبوه (قوله باب) هو منون
76

وقوله السلام من الاسلام زاد في رواية كريمه افشاء السلام والمراد بافشائه نشره سرا أو جهرا
وهو مطابق للمرفوع في قوله على من عرفت ومن لم تعرف وبيان كونه من الاسلام تقدم في باب
اطعام الطعام مع بقية فوائده وغاير المصنف بين شيخيه اللذين حدثاه عن الليث مراعاة للاتيان
بالفائدة الاسنادية وهى تكثير الطرق حيث يحتاج إلى إعادة المتن فإنه لا يعيد الحديث الواحد
في موضعين على صوره واحدة فان قيل كان يمكنه ان يجمع الحكمين في ترجمه واحدة ويخرج
الحديث عن شيخيه معا أجاب الكرماني باحتمال أن يكون كل من شيخيه أورده في معرض غير
المعرض الآخر وهذا ليس بطائل لأنه متوقف على ثبوت وجود تصنيف مبوب لكل من شيخيه
والأصل عدمه ولان من اعتنى بترجمة كل من قتيبة وعمرو بن خالد لم يذكر أن لواحد منهما
تصنيفا على الأبواب ولأنه لزم منه ان البخاري يقلد في التراجم والمعروف الشائع عنه انه هو الذي
يستنبط الاحكام في الأحاديث ويترجم لها ويتفنن في ذلك بما لا يدركه فيه غيره ولأنه يبقى
السؤال بحاله إذ لا يمتنع معه ان يجمعهما المصنف ولو كان سمعهما مفترقين والظاهر من صنيع
البخاري انه يقصد تعديد شعب الايمان كما قدمناه فخص كل شعبة بباب تنويها بذكرها وقصد
التنويه يحتاج إلى التأكيد فلذلك غاير بين الترجمتين (قوله وقال عمار) هو ابن ياسر أحد
السابقين الأولين واثره هذا أخرجه أحمد بن حنبل في كتاب الايمان من طريق سفيان
الثوري ورواه يعقوب بن شيبة في مسنده من طريق شعبة وزهير بن معاوية وغيرهما كلهم
عن أبي إسحاق السبيعي عن صلة بن زفر عن عمار ولفظ شعبة ثلاث من كن فيه فقد استكمل
الايمان وهو بالمعنى وهكذا رويناه في جامع معمر عن أبي إسحاق وكذا حدث به عبد الرزاق في
مصنفه عن معمر وحدث به عبد الرزاق باخرة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذا أخرجه
البزار في مسنده وابن أبي حاتم في العلل كلاهما عن الحسن بن عبد الله الكوفي وكذا رواه
البغوي في شرح السنة من طريق أحمد بن كعب الواسطي وكذا أخرجه ابن الأعرابي في معجمه
عن محمد بن الصباح الصنعاني ثلاثتهم عن عبد الرزاق مرفوعا واستغربه البزار وقال أبو زرعة
هو خطا (قلت) وهو معلول من حيث صناعة الاسناد لان عبد الرزاق تغير باخرة وسماع هؤلاء
منه في حال تغيره الا أن مثله لا يقال بالرأي فهو في حكم المرفوع وقد رويناه مرفوعا من وجه آخر
عن عمار أخرجه الطبراني في الكبير وفى اسناده ضعف وله شواهد أخرى بينتها في تعليق التعليق
(قوله ثلاث) أي ثلاث خصال واعرابه نظير ما مر في قوله ثلاث من كن فيه والعالم بفتح اللام
والمراد به هنا جميع الناس والاقتار القلة وقيل الافتقار وعلى الثاني فمن في قوله من الأقتار
بمعنى مع أو بمعنى عند قال أبو الزناد بن سراج وغيره انما كان من جمع الثلاث مستكملا
للايمان لان مداره عليها لان العبد إذا اتصف بالأنصاف لم يترك لمولاه حقا واجبا عليه الا أداه
ولم يترك شيئا مما نهاه عنه الا اجتنبه وهذا يجمع أركان الايمان وبذل السلام يتضمن مكارم الأخلاق
والتواضع وعدم الاحتقار ويحصل به التألف والتحابب والانفاق من الأقتار يتضمن
غاية الكرم لأنه إذا أنفق من الاحتياج كان مع التوسع أكثر انفاقا والنفقة أعم من أن تكون
على العيال واجبه ومندوبة أو على الضيف والزائر وكونه من الأقتار يستلزم الوثوق بالله
والزهد في الدنيا وقصر الأمل وغير ذلك من مهمات الآخرة وهذا التقرير يقوى أن يكون
77

الحديث مرفوعا لأنه يشبه ان يكون كلام من أوتى جوامع الكلم والله أعلم (قوله باب كفران
العشير وكفر دون كفر) قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه مراد المصنف ان يبين ان
الطاعات كما تسمى ايمانا كذلك المعاصي تسمى كفرا لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد به
الكفر المخرج من الملة قال وخص كفران العشير من بين أنواع الذنوب لدقيقة بديعة وهى قوله
صلى الله عليه وسلم لو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها فقرن حق
الزوج على الزوجة بحق الله فإذا كفرت المرأة حق زوجها وقد بلغ من حقه عليها هذه الغاية
كان ذلك دليلا على تهاونها بحق الله فلذلك يطلق عليها الكفر لكنه كفر لا يخرج عن الملة
ويؤخذ من كلامه مناسبة هذه الترجمة لأمور الايمان من جهة كون الكفر ضد
الايمان وأما قول المصنف وكفر دون كفر فأشار إلى أثر رواه أحمد في كتاب الايمان من طريق
عطاء بن أبي رباح وغيره وقوله فيه أبو سعيد أي يدخل في الباب حديث رواه أبو سعيد وفى رواية
كريمة فيه عن أبي سعيد أي مروى عن أبي سعيد وفائدة هذا الإشارة إلى أن للحديث طريقا غير
الطريق المساقة وحديث أبي سعيد أخرجه المؤلف في الحيض وغيره من طريق عياض بن
عبد الله عنه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم للنساء تصدقن فانى رأيتكن أكثر أهل النار فقلن ولم
يا رسول الله قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير الحديث ويحتمل ان يريد بذلك حديث أبي سعيد
أيضا لا يشكر الله من لا يشكر الناس قاله القاضي أبو بكر المذكور والأول أظهر وأجرى على
مألوف المصنف ويعضده ايراده لحديث ابن عباس بلفظ وتكفرن العشير والعشير الزوج قيل له
عشير بمعنى معاشر مثل أكيل بمعنى مؤاكل وحديث ابن عباس المذكور طرف من حديث
طويل أورده المصنف في باب صلاة الكسوف بهذا الاسناد تاما وسيأتى الكلام عليه ثم وننبه
هنا على فائدتين * إحداهما ان البخاري يذهب إلى جواز تقطيع الحديث إذا كان ما يفصله منه
لا يتعلق بما قبله ولا بما بعده تعلقا يفضى إلى فساد المعنى فصنيعه كذلك يوهم من لا يحفظ الحديث
ان المختصر غير التام لا سيما إذا كان ابتداء المختصر من أثناء التام كما وقع في هذا الحديث فان أوله
هنا قوله صلى الله عليه وسلم أريت النار إلى آخر ما ذكر منه وأول التام عن ابن عباس قال خسفت
الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر قصة صلاة الكسوف ثم خطبة النبي صلى
الله عليه وسلم وفيها القدر المذكور هنا فمن أراد عد الأحاديث التي اشتمل عليها الكاتب يظن أن
هذا الحديث حديثان أو أكثر لاختلاف الابتداء وقد وقع في ذلك من حكى ان عدته بغير تكرار
أربعة آلاف أو نحوها كابن الصلاح والشيخ محيي الدين ومن بعدهما وليس الامر كذلك بل
عدته على التحرير ألفا حديث وخمسمائة حديث وثلاثة عشر حديثا كما بينت ذلك مفصلا في
المقدمة * الفائدة الثانية تقرر ان البخاري لا يعيد الحديث الا لفائدة لكن تارة تكون في المتن
وتارة في الاسناد وتارة فيهما وحيث تكون في المتن خاصة لا يعيده بصورته بل يتصرف فيه فان
كثرت طرقه أورد لكل باب طريقا وان قلت اختصر المتن أو الاسناد وقد صنع ذلك في هذا
الحديث فإنه أورده هنا عن عبد الله بن مسلمة وهو القعنبي مختصرا مقتصرا على مقصود
الترجمة كما تقدمت الإشارة إليه من أن الكفر يطلق على بعض المعاصي ثم أورده في الصلاة في
باب من صلى وقدامه نار بهذا الاسناد بعينه لكنه لما لم يغاير اقتصر على مقصود الترجمة منه فقط
78

ثم أورده في صلاة الكسوف بهذا الاسناد فساقه تاما ثم أورده في بدء الخلق في ذكر الشمس
والقمر عن شيخ غير القعنبي مقتصرا على موضع الحاجة ثم أورده في عشرة النساء عن شيخ
غيرهما عن مالك أيضا وعلى هذه الطريقة يحمل جميع تصرفه فلا يوجد في كتابه حديث على
صورة واحدة في موضعين فصاعدا والله الموفق وسيأتى الكلام على ما تضمنه حديث الباب
من الفوائد حيث ذكره تاما إن شاء الله تعالى (قوله باب) هو منون وقوله المعاصي مبتدأ ومن
أمر الجاهلية خبره والجاهلية ما قبل الاسلام وقد يطلق في شخص معين أي في حال جاهليته وقوله
ولا يكفر بتشديد الفاء المفتوحة وفى رواية أبى الوقت بفتح أوله واسكان الكاف وقوله الا
بالشرك أي ان كل معصية تؤخذ من ترك واجب أو فعل محرم فهي من أخلاق الجاهلية والشرك
أكبر المعاصي ولهذا استثناه ومحصل الترجمة أنه لما قدم ان المعاصي يطلق عليها الكفر مجازا
على إرادة كفر النعمة لا كفر الجحد أراد ان يبين انه كفر لا يخرج عن الملة خلافا للخوارج الذين
يكفرون بالذنوب ونص القرآن يرد عليهم وهو قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فصير ما دون
الشرك تحت امكان المغفرة والمراد بالشرك في هذه الآية الكفر لان من جحد نبوة محمد صلى الله
عليه وسلم مثلا كان كافرا ولو لم يجعل مع الله الها آخر والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف وقد يرد
الشرك ويراد به ما هو أخص من الكفر كما في قوله تعالى لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب
والمشركين قال ابن بطال غرض البخاري الرد على من يكفر بالذنوب كالخوارج ويقول إن من
مات على ذلك يخلد في النار والآية ترد عليهم لان المراد بقوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء من مات
على كل ذنب سوى الشرك وقال الكرماني في استدلاله بقول أبي ذر عيرته بأمه نظر لان التعيير
ليس كبيرة وهم لا يكفرون بالصغائر (قلت) استدلاله عليهم من الآية ظاهر ولذلك اقتصر عليه
ابن بطال وأما قصة أبي ذر فإنما ذكرت ليستدل بها على أن من بقيت فيه خصلة من خصال
الجاهلية سوى الشرك لا يخرج عن الايمان بها سواء كانت من الصغائر أم الكبائر وهو واضح
واستدل المؤلف أيضا على أن المؤمن إذا ارتكب معصية لا يكفر بان الله تعالى أبقى عليه اسم
المؤمن فقال وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ثم قال انما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم
واستدل أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم إذا التقى المسلمان بسيفيهما فسماهما مسلمين مع التوعد
بالنار والمراد هنا إذا كانت المقاتلة بغير تأويل سائغ واستدل أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم
لأبي ذر فيك جاهلية أي خصلة جاهلية مع أن منزلة أبي ذر من الايمان في الذروة العالية وانما
وبخه بذلك على عظيم منزلته عنده تحذيرا له عن معاودة مثل ذلك لأنه وإن كان معذورا بوجه
من وجوه العذر لكن وقوع ذلك من مثله يستعظم أكثر ممن هو دونه وقد وضح بهذا وجه
دخول الحديثين تحت الترجمة وهذا على مقتضى هذه الرواية رواية أبي ذر عن مشايخه لكن
سقط حديث أبي بكرة من رواية المستملى وأما رواية الأصيلي وغيره فأفرد فيها حديث أبي بكرة
بترجمة وان طائفتان من المؤمنين وكل من الروايتين جمعا وتفريقا حسن والطائفة القطعة
من الشئ ويطلق على الواحد فما فوقه عند الجمهور واما اشتراط حضور أربعة في رجم الزاني مع
قوله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين فالآية واردة في الجلد ولا اشتراط فيه والاشتراط
في الرجم بدليل آخر وأما اشتراط ثلاثة في صلاة الخوف مع قوله تعالى فلتقم طائفة منهم معك
79

فذاك لقوله تعالى وليأخذوا أسلحتهم فذكره بلفظ الجمع وأقله ثلاثة على الصحيح (قوله حدثنا
أيوب) هو السختياني ويونس هو ابن عبيد عن الحسن هو ابن أبي الحسن البصري والأحنف
ابن قيس مخضرم وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم لكل قبل اسلامه وكان رئيس بنى تميم في
الاسلام وبه يضرب المثل في الحلم وقوله ذهبت لأنصر هذا الرجل يعنى عليا كذا هو في مسلم من
هذا الوجه وقد أشار إليه المؤلف في الفتن ولفظه أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه
وسلم زاد الإسماعيلي في روايته يعنى عليا وأبو بكرة باسكان الكاف هو الصحابي المشهور وكان
الأحنف أراد أن يخرج بقومه إلى علي بن أبي طالب ليقاتل معه يوم الجمل فنهاه أبو بكرة فرجع
وحمل أبو بكرة الحديث على عمومه في كل مسلمين التقيا بسيفيهما حسما للمادة والا فالحق انه
محمول على ما إذا كان القتال منهما بغير تأويل سائغ كما قدمناه ويخص ذلك من عموم الحديث
المتقدم بدليله الخاص في قتال أهل البغى وقد رجع الأحنف عن رأى أبى بكرة في ذلك وشهد مع علي
باقي حروبه وسيأتى الكلام على حديث أبي بكرة في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى ورجال
اسناده كلهم بصريون وفيه ثلاثة من التابعين يروى بعضهم عن بعض وهم أيوب والحسن
والأحنف (قوله عن واصل) هو ابن حيان وللأصيلي هو الأحدب وللمصنف في العتق ثنا
واصل الأحدب (قوله عن المعرور) وفى العتق سمعت المعرور بن سويد وهو بمهملات ساكن
العين (قوله بالربذة) هو بفتح الراء والموحدة والمعجمة موضع بالبادية بينه وبين المدينة ثلاث
مراحل (قوله وعليه حلة وعلى غلامه حلة) هكذا رواه أكثر أصحاب شعبة عنه لكن في رواية
الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة أتيت أبا ذر فإذا حلة عليه منها ثوب وعلى عبده منها ثوب
وهذا يوافق ما في اللغة ان الحلة ثوبان من جنس واحد ويؤيده ما في رواية الأعمش عن المعرور
عند المؤلف في الأدب بلفظ رأيت عليه بردا وعلى غلامه بردا فقلت لو أخذت هذا فلبسته
كانت حلة وفى رواية مسلم فقلنا يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة ولابى داود فقال القوم يا أبا ذر
لو أخذت الذي على غلامك فجعلته مع الذي عليك لكانت حلة فهذا موافق لقول أهل اللغة
لأنه ذكر أن الثوبين يصيران بالجمع بينهما حلة ولو كان كما في الأصل على كل واحد منهما حلة
لكان إذا جمعهما يصير عليه حلتان ويمكن الجمع بين الروايتين بأنه كان عليه برد جيد تحته
ثوب خلق من جنسه وعلى غلامه كذلك وكأنه قيل له لو أخذت البرد الجيد فأضفته إلى البرد
الجيد الذي عليك وأعطيت الغلام البرد الخلق بدله لكانت حلة جيدة فتلتئم بذلك الروايتان
ويحمل قوله في حديث الأعمش لكانت حلة أي كاملة الجودة فالتنكير فيه للتعظيم والله
أعلم وقد نقل بعض أهل اللغة ان الحلة لا تكون الا ثوبين جديدين يحلهما من طيهما
فأفاد أصل تسمية الحلة وغلام أبي ذر المذكور لم يسم ويحتمل أن يكون أبا مراوح مولى
أبي ذر وحديثه عنه في الصحيحين وذكر مسلم في الكنى ان اسمه سعد (قوله فسألته) أي عن
السبب في الباسه غلامه نظير لبسه لأنه على خلاف المألوف فأجابه بحكاية القصة التي
كانت سببا لذلك (قوله ساببت) في رواية الإسماعيلي شاتمت وفى الأدب للمؤلف كان بيني
وبين رجل كلام وزاد مسلم من اخوانى وقيل إن الرجل المذكور هو بلال المؤذن مولى
أبى بكر وروى ذلك الوليد بن مسلم منقطعا ومعنى ساببت وقع بيني وبينه سباب بالتخفيف
80

وهو من السب بالتشديد وأصله القطع وقيل مأخوذ من السبه وهى حلقة الدبر سمى الفاحش
من القول بالفاحش من الجسد فعلى الأول المراد قطع المسبوب وعلى الثاني المراد كشف عورته
لان من شان الساب ابداء عورة المسبوب (قوله فعيرته بأمه) أي نسبته إلى العار زاد في
الأدب وكانت أمه أعجمية فنلت منها وفى رواية قلت له يا ابن السوداء والأعجمي من لا يفصح
باللسان العربي سواء كان عربيا أو عجميا والفاء في فعيرته قيل هي تفسيرية كأنه بين أن التعيير هو
السب والظاهر أنه وقع بينهما سباب وزاد عليه التعيير فتكون عاطفة ويدل عليه رواية مسلم قال
أعيرته بأمه فقلت من سب الرجال سبوا أباه وأمه قال إنك امرؤ فيك جاهلية أي خصلة من
خصال الجاهلية ويظهر لي ان ذلك كان من أبي ذر قبل أن يعرف تحريمه فكانت تلك الخصلة من
خصال الجاهلية باقية عنده فلهذا قال كما عند المؤلف في الأدب قلت على ساعتي هذه من كبر
السن قال نعم كأنه تعجب من خفاء ذلك عليه ومع كبر سنه فبين له كون هذه الخصلة مذمومة شرعا
وكان بعد ذلك يساوى غلامه في لملبوس وغيره أخذا بالأحوط وإن كان لفظ الحديث يقتضى
اشتراط المواساة لا المساواة وسنذكر ما يتعلق ببقية ذلك في كتاب العتق حيث ذكره المصنف
إن شاء الله تعالى وفى السياق دلالة على جواز تعدية عيرته بالباء وقد أنكره ابن قتيبة وتبعه
بعضهم وأثبت آخرون انها لغة وقد جاء في سبب الباس أبي ذر غلامه مثل لبسه أثر مرفوع
أصرح من هذا وأخص أخرجه الطبراني من طريق أبى غالب عن أبي أمامة ان النبي صلى الله
عليه وسلم اعطى أبا ذر عبدا فقال أطعمه مما تأكل وألبسه مما تلبس وكان لأبي ذر ثوب فشقه
نصفين فأعطى الغلام نصفه فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال قلت يا رسول الله
أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون قال نعم (قوله باب ظلم دون ظلم) دون يحتمل أن
تكون بمعنى غير أي أنواع الظلم متغايرة أو بمعنى الأدنى أي بعضها أخف من بعض وهو أظهر
في مقصود المصنف وهذه الجملة لفظ حديث رواه أحمد في كتاب الايمان من حديث عطاء
ورواه أيضا من طريق طاوس عن ابن عباس بمعناه وهو في معنى قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل
الله الآية فاستعمله المؤلف ترجمة واستدل له بالحديث المرفوع ووجه الدلالة منه ان الصحابة
فهموا من قوله بظلم عموم أنواع المعاصي ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وانما بين
لهم ان المراد أعظم أنواع الظلم وهو الشرك على ما سنوضحه فدل على أن للظلم مراتب متفاوتة
ومناسبة ايراد هذا عقب ما تقدم من أن المعاصي غير الشرك لا ينسب صاحبها إلى الكفر المخرج
عن الملة على هذا التقرير ظاهرة (قوله حدثنا أبو الوليد) هو الطيالسي (قوله وحدثني بشر)
هو في الروايات المصححة بواو العطف وفى بعض النسخ قبلها صورة ح فإن كانت من أصل
التصنيف فهي مهملة مأخوذة من التحويل على المختار وإن كانت مزيدة من بعض الرواة
فيحتمل أن تكون الركعة كذلك أو معجمة مأخوذه من البخاري لأنها رمزه أي قال البخاري
وحدثني بشر وهو ابن خالد العسكر وشيخه محمد هو ابن جعفر المعروف بغندر وهو أثبت الناس
في شعبة ولهذا أخرج المؤلف روايته مع كونه أخرج الحديث عاليا عن أبي الوليد واللفظ المساق
هنا لفظ بشر وكذلك أخرج النسائي عنه وتابعه ابن أبي عدى عن شعبة وهو عند المؤلف في تفسير
الانعام وأما لفظ أبى الوليد فساقه المؤلف في قصة لقمان بلفظ أينا لم يلبس ايمانه بظلم وزاد فيه
81

أبو نعيم في مستخرجه من طريق سليمان بن حرب عن شعبة بعد قوله إن الشرك لظلم عظيم فطابت
أنفسنا واقتضت رواية شعبة هذه ان هذا السؤال سبب نزول الآية الأخرى التي في لقمان لكن
رواه البخاري ومسلم من طريق أخرى عن الأعمش وهو سليمان المذكور في حديث الباب ففي رواية
جرير عنه فقالوا أينا لم يلبس ايمانه بظلم فقال ليس بذلك ألا تسمعون إلى قول لقمان وفى رواية
وكيع عنه فقال ليس كما تظنون وفى رواية عيسى بن يونس انما هو الشرك ألم تسمعوا إلى ما قال
لقمان وظاهر هذا ان الآية التي في لقمان كانت معلومة عندهم ولذلك نبههم عليها ويحتمل
أن يكون نزولها وقع في الحال فتلاها عليهم ثم نبههم فتلتئم الروايتان قال الخطابي كان الشرك
عند الصحابة أكبر من أن يلقب بالظلم فحملوا الظلم في الآية على ما عداه يعنى من المعاصي فسألوا
عن ذلك فنزلت هذه الآية كذا قال وفيه نظر والذي يظهر لي انهم حملوا الظلم على عمومه الشرك
فما دونه وهو الذي يقتضيه صنيع المؤلف وانما حملوه على العموم لان قوله بظلم نكره في سياق
النفي لكن عمومها هنا بحسب الظاهر قال المحققون ان دخل على النكرة في سياق النفي ما يؤكد
العموم ويقويه نحو من في قوله ما جاءني من رجل أفاد تنصيص العموم والا فالعموم مستفاد
بحسب الظاهر كما فهمه الصحابة من هذه الآية وبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم ان ظاهرها غير
مراد بل هو من العام الذي أريد به الخاص فالمراد بالظلم أعلى أنواعه وهو الشرك فان قيل من أين
يلزم ان من لبس الايمان بظلم لا يكون آمنا ولا مهتديا حتى شق عليهم والسياق انما يقتضى ان من
لم يوجد منه الظلم فهو آمن ومهتد فما الذي دل على نفى ذلك عمن وجد منه الظلم فالجواب ان ذلك
مستفاد من المفهوم وهو مفهوم الصفة أو مستفاد من الاختصاص المستفاد من تقديم لهم على
الامن أي لهم الامن لا لغيرهم كذا قال الزمخشري في قوله تعالى إياك نعبد وقال في قوله تعالى
كلا انها كلمة هو قائلها تقديم هو على قائلها يفيد الاختصاص أي هو قائلها لا غيره فان قيل
لا يلزم من قوله إن الشرك لظلم عظيم ان غير الشرك لا يكون ظلما فالجواب ان التنوين في قوله
لظلم للتعظيم وقد بين ذلك استدلال الشارع بالآية الثانية فالتقدير لم يلبسوا ايمانهم بظلم عظيم
أي بشرك إذ لا ظلم أعظم منه وقد ورد ذلك صريحا عند المؤلف في قصة إبراهيم الخليل عليه
السلام من طريق حفص بن غياث عن الأعمش ولفظه قلنا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه قال
ليس كما تقولون لم يلبسوا ايمانهم بظلم بشرك أو لم تسمعوا إلى قول لقمان فذكر الآية واستنبط
منه المازري جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة ونازعه القاضي عياض فقال ليس في هذه
القصة تكليف عمل بل تكليف اعتقاد بتصديق الخبر واعتقاد التصديق لازم لأول وروده فما
هي الحاجة ويمكن أن يقال المعتقدات أيضا تحتاج إلى البيان فلما أجمل الظلم حتى تناول
اطلاقه جميع المعاصي شق عليهم حتى ورد البيان فما انتفت الحاجة والحق ان في القصة تأخير
البيان عن وقت الخطاب لانهم حيث احتاجوا إليه لم يتأخر (قوله ولم يلبسوا) أي لم يخلطوا
تقول لبست الامر بالتخفيف ألبسه بالفتح في الماضي والكسر في المستقبل أي خلطته وتقول
لبست الثوب ألبسه بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل وقال محمد بن إسماعيل التميمي في
شرحه خلط الايمان بالشرك لا يتصور فالمراد انهم لم تحصل لهم الصفتان كفر متأخر عن ايمان
متقدم أي لم يرتدوا ويحتمل أن يراد انهم لم يجمعوا بينهما ظاهرا وباطنا أي لم ينافقوا وهذا أوجه
82

ولهذا عقبه المصنف بباب علامات المنافق وهذا من بديع ترتيبه ثم في هذا الاسناد رواية ثلاثة
من التابعين بعضهم عن بعض وهم الأعمش عن شيخه إبراهيم بن يزيد النخعي عن خاله علقمة بن
قيس النخعي والثلاثة كوفيون فقهاء وعبد الله الصحابي هو ابن مسعود وهذه الترجمة أحد ما قيل
فيه انه أصح الأسانيد والأعمش موصوف بالتدليس ولكن في رواية حفص بن غياث التي
تقدمت الإشارة إليها عند المؤلف عنه حدثنا إبراهيم ولم أر التصريح بذلك في جميع طرقه عند
الشيخين وغيرهما الا في هذا الطريق وفى المتن من الفوائد الحمل على العموم حتى يرد دليل
الخصوص وان النكرة في سياق النفي تعم وان الخاص يقضى على العام والمبين على المجمل وان
اللفظ يحمل على خلاف ظاهره لمصلحة دفع التعارض وان درجات الظلم تتفاوت كما ترجم له وان
المعاصي لا تسمى شركاء وان من لم يشرك بالله شيا فله الامن وهو مهتد فان قيل فالعاصي قد يعذب
فما هو الامن والاهتداء الذي حصل له فالجواب انه آمن من التخليد في النار مهتد إلى طريق
الجنة والله أعلم (قوله باب علامات المنافق) لما قدم ان مراتب الكفر متفاوتة وكذلك
الظلم اتبعه بان النفاق كذلك وقال الشيخ محيي الدين مراد البخاري بهذه الترجمة ان المعاصي
تنقص الايمان كما أن الطاعة تزيده وقال الكرماني مناسبة هذا الباب لكتاب الايمان ان
النفاق علامة عدم الايمان أو ليعلم منه ان بعض النفاق كفر دون بعض والنفاق لغة مخالفة
الباطن للظاهر فإن كان في اعتقاد الايمان فهو نفاق الكفر والا فهو نفاق العمل ويدخل فيه
الفعل والترك وتتفاوت مراتبه (قوله حدثنا سليمان أبو الربيع) هو الزهراني بصرى نزل
بغداد ومن شيخه فصاعدا مدنيون ونافع بن مالك هو عم مالك بن أنس الامام (قوله آية المنافق
ثلاث) الآية العلامة وافراد الآية اما على إرادة الجنس أو ان العلامة انما تحصل باجتماع
الثلاث والأول أليق بصنيع المؤلف ولهذا ترجم بالجمع وعقب بالمتن الشاهد لذلك وقد رواه أبو
عوانة في صحيحه بلفظ علامات المنافق فان قيل ظاهره الحصر في الثلاث فكيف جاء في الحديث
الآخر بلفظ أربع من كن فيه الحديث أجاب القرطبي باحتمال انه استجد له صلى الله عليه وسلم
من العلم بخصالهم ما لم يكن عنده وأقول ليس بين الحديثين تعارض لأنه لا يلزم من عد الخصلة
المذمومة الدالة على كمال النفاق كونها علامة على النفاق لاحتمال أن تكون العلامات دالات
على أصل النفاق والخصلة الزائدة إذا أضيفت إلى ذلك كمل بها خلوص النفاق على أن في رواية
مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ما يدل على إرادة عدم الحصر فان
لفظة من علامة المنافق ثلاث وكذا أخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد الخدري
وإذا حمل اللفظ الأول على هذا لم يرد السؤال فيكون قد أخبر ببعض العلامات في وقت وببعضها
في وقت آخر وقال القرطبي أيضا والنووي حصل من مجموع الروايتين خمس خصال لأنهما
تواردتا على الكذب في الحديث والخيانة في الأمانة وزاد الأول الخلف في الوعد والثاني الغدر
في المعاهدة والفجور في الخصومة (قلت) وفى رواية مسلم الثاني بدل الغدر في المعاهدة الخلف
في الوعد كما في الأول فكان بعض الرواة تصرف في لفظه لان معناهما قد يتحد وعلى هذا فالمزيد
خصلة واحدة وهى الفجور في الخصومة والفجور الميل عن الحق والاحتيال في رده وهذا قد
يندرج في الخصلة الأولى وهى الكذب في الحديث ووجه الاقتصار على هذه العلامات
83

الثلاث أنها منبهة على ما عداها إذ أصل الديانة منحصر في ثلاث القول والفعل والنية فنبه على
فساد القول بالكذب وعلى فساد الفعل بالخيانة وعلى فساد النية بالخلف لان خلف الوعد
لا يقدح الا إذا كان العزم عليه مقارنا للوعد أما لو كان عازما ثم عرض له مانع أو بدا له رأى فهذا
لم توجد منه صورة النفاق قاله الغزالي في الاحياء وفى الطبراني في حديث طويل ما يشهد له ففيه
من حديث سلمان إذا وعد وهو يحدث نفسه انه يخلف وكذا قال في باقي الخصال واسناده لا بأس
به ليس فيهم من أجمع على تركه وهو عند أبي داود والترمذي من حديث زيد بن أرقم مختصر بلفظ
إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يف فلا اثم عليه (قوله إذا وعد) قال صاحب المحكم
يقال وعدته خيرا ووعدته شرا فإذا أسقطوا الفعل قالوا في الخير وعدته وفى الشر أوعدته
وحكى ابن الأعرابي في نوادره أوعدته خيرا بالهمزة فالمراد بالوعد في الحديث الوعد بالخير وأما الشر
فيستحب اخلافه وقد يجب ما لم يترتب على ترك انفاذه مفسدة وأما الكذب في الحديث
فحكى ابن التين عن مالك انه سئل عمن جرب عليه كذب فقال أي نوع من الكذب لعله حدث عن
عيش له سلف فبالغ في وصفه فهذا لا يضر وانما يضر من حدث عن الأشياء بخلاف ما هي عليه
قاصدا الكذب انتهى وقال النووي هذا الحديث عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث إن
هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم بكفره قال وليس فيه اشكال بل معناه
صحيح والذي قاله المحققون ان معناه ان هذه خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه
الخصال ومتخلق باخلاقهم (قلت) ومحصل هذا الجواب الحمل في التسمية على المجاز أي
صاحب هذه الخصال كالمنافق وهو بناء على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر وقد قيل في الجواب
عنه ان المراد بالنفاق نفاق العمل كما قدمناه وهذا ارتضاه القرطبي واستدل له بقول عمر لحذيفة
هل تعلم في شيئا من النفاق فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر وانما أراد نفاق العمل ويؤيده وصفه
بالخالص في الحديث الثاني بقوله كان منافقا خالصا وقيل المراد باطلاق النفاق الانذار والتحذير
عن ارتكاب هذه الخصال وان الظاهر غير مراد وهذا ارتضاه الخطابي وذكر أيضا انه يحتمل ان
المتصف بذلك هو من اعتاد ذلك وصار له ديدنا قال ويدل عليه التعبير بإذا فإنها تدل على تكرر
الفعل كذا قال والأولى ما قال الكرماني ان حذف المفعول من حدث يدل على العموم أي إذ
حدث في كل شئ كذب فيه أو يصير قاصرا أي إذا وجد ماهية التحديث كذب وقيل هو محمول
على من غلبت عليه هذه الخصال وتهاون بها واستخف بأمرها فان من كان كذلك كان فاسد
الاعتقاد غالبا وهذه الأجوبة كلها مبنية على أن اللام في المنافق للجنس ومنهم من ادعى انها
للعهد فقال إنه ورد في حق شخص معين أو في حق المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
وتمسك هؤلاء بأحاديث ضعيفة جاءت في ذلك لو ثبت شئ منها لتعين المصير إليه وأحسن الأجوبة
ما ارتضاه القرطبي والله أعلم (قوله تابعه شعبة) وصل المؤلف هذه المتابعة في كتاب المظالم
ورواية قبيصة عن سفيان وهو الثوري ضعفها يحيى بن معين وقال الشيخ محيي الدين انما
أوردها البخاري على طريق المتابعة لا الأصالة وتعقبه الكرماني بأنها مخالفة في اللفظ والمعنى من
عدة جهات فكيف تكون متابعة وجوابه ان المراد بالمتابعة هنا كون الحديث مخرجا في
صحيح مسلم وغيره من طرق أخرى عن الثوري وعند المؤلف من طرق أخرى عن الأعمش منها
84

رواية شعبة المشار إليها وهذا هو السر في ذكرها هنا وكأنه فهم ان المراد بالمتابعة حديث أبي هريرة
المذكور في الباب وليس كذلك إذ لو أراده لسماه شاهدا وأما دعواه ان بينهما مخالفة في المعنى
فليس بمسلم لما قررناه آنفا وغايته أن يكون في أحدهما زيادة وهى مقبولة لأنها من ثقة متقن
والله أعلم * (فائدة) * رجال الاسناد الثاني كلهم كوفيون الا الصحابي وقد دخل الكوفة أيضا
والله أعلم (قوله باب قيام ليلة القدر من الايمان) لما بين علامات النفاق وقبحها رجع إلى
ذكر علامات الايمان وحسنها لان الكلام على متعلقات الايمان هو المقصود بالأصالة وانما يذكر
متعلقات غيره استطرادا ثم رجع فذكر ان قيام ليلة القدر وقيام رمضان وصيام رمضان من
الايمان وأورد الثلاثة من حديث أبي هريرة متحدات الباعث والجزاء وعبر في ليلة القدر
بالمضارع في الشرط وبالماضي في جوابه بخلاف الآخرين فبالماضي فيهما وأبدى الكرماني
لذلك نكتة لطيفة قال لان قيام رمضان محقق الوقوع وكذا صيامه بخلاف قيام ليلة القدر فإنه
غير متيقن فلهذا ذكره بلفظ المستقبل انتهى كلامه وفيه شئ ستأتي الإشارة إليه وقال غيره
استعمل لفظ الماضي في الجزاء إشارة إلى تحقق وقوعه فهو نظير أتى أمر الله وفى استعمال
الشرط مضارعا والجواب ماضيا نزاع بين النحاة فمنعه الأكثر وأجازه آخرون لكن بقلة
استدلوا بقوله تعالى ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت لان قوله فظلت بلفظ الماضي
وهو تابع للجواب وتابع الجواب جواب واستدلوا أيضا بهذا الحديث وعندي في الاستدلال
به نظر لأنني أظنه من تصرف الرواة لان الروايات فيه مشهورة عن أبي هريرة بلفظ المضارع في
الشرط والجزاء وقد رواه النسائي عن محمد بن علي بن ميمون عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه
فلم يغاير بين الشرط والجزاء بل قال من يقم ليلة القدر يغفر له ورواه أبو نعيم في المستخرج
عن سليمان وهو الطبراني عن أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة عن أبي اليمان ولفظه زائد على
الروايتين فقال لا يقوم أحدكم ليلة القدر فيوافقهما ايمانا واحتسابا الا غفر الله له ما تقدم من ذنبه
وقوله في هذه الرواية فيوافقها زيادة بيان والا فالجزاء مرتب على قيام ليلة القدر ولا يصدق
قيام ليلة القدر الا على من وافقها والحصر المستفاد من النفي والاثبات مستفاد من الشرط
والجزاء فوضح ان ذلك من تصرف الرواة بالمعنى لان مخرج الحديث واحد وسيأتى الكلام على
ليلة القدر وعلى صيام رمضان وقيامه إن شاء الله تعالى في كتاب الصيام (قوله باب الجهاد من
الايمان) أورد هذا الباب بين قيام ليلة القدر وبين قيام رمضان وصيامه فاما مناسبة ايراده
معها في الجملة فواضح لاشتراكها في كونها من خصال الايمان وأما ايراده بين هذين البابين مع أن
تعلق أحدهما بالآخر ظاهر فلنكتة لم أر من تعرض لها بل قال الكرماني صنيعه هذا دال على أن
النظر مقطوع عن غير هذه المناسبة يعنى اشتراكها في كونها من خصال الايمان (وأقول) بل قيام
ليلة القدر وإن كان ظاهر المناسبة لقيام رمضان لكن للحديث الذي أورده في باب الجهاد
مناسبة بالتماس ليلة القدر حسنة جدا لان التماس ليلة القدر تستدعى محافظة زائدة ومجاهدة
تامة ومع ذلك فقد يوافقها أو لا وكذلك المجاهد يلتمس الشهادة ويقصد اعلاء كلمة الله وقد يحصل
له ذلك أو لا فتناسبا في أن كل منهما مجاهدة وفى ان كلا منهما قد يحصل المقصود الأصلي لصاحبه
أولا فالقائم لالتماس ليلة القدر مأجور فان وافقها كان أعظم أجرا والمجاهد لالتماس الشهادة
85

مأجور فان وافقها كان أعظم أجرا ويشير إلى ذلك تمنيه صلى الله عليه وسلم الشهادة بقوله
ولوددت أنى أقتل في سبيل الله فذكر المؤلف فضل الجهاد لذلك استطرادا ثم عاد إلى ذكر قيام رمضان
وهو بالنسبة لقيام ليلة القدر عام بعد خاص ثم ذكر بعده باب الصيام لان الصيام من التروك
فأخره عن القيام لأنه من الافعال ولان الليل قبل النهار ولعله أشار إلى أن القيام مشروع في أول
ليلة من الشهر خلافا لبعضهم (قوله حدثنا حرمي) هو اسم بلفظ النسبة وهو بصرى يكنى أبا على
قال حدثنا عبد الواحد هو ابن زياد البصري العبدي ويقال له الثقفي وهو ثقة متقن قال ابن
القطان لم يعتل عليه بقادح وفى طبقته عبد الواحد بن زيد بصرى أيضا لكنه ضعيف ولم يخرج
عنه في الصحيحين شئ (قوله حدثنا عمارة) هو ابن القعقاع بن شبرمة الضبي (قوله انتدب الله)
هو بالنون أي سارع بثوابه وحسن جزائه وقيل بمعنى أجاب إلى المراد ففي الصحاح ندبت فلانا
لكذا فانتدب أي أجاب إليه وقيل معناه تكفل بالمطلوب ويدل عليه رواية المؤلف في أواخر
الجهاد لهذا الحديث من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ تكفل الله وله في أوائل الجهاد من
طريق سعيد بن المسيب عنه بلفظ توكل الله وسيأتي الكلام عليها وعلى رواية مسلم هناك إن شاء الله
تعالى ووقع في رواية الأصيلي هنا ائتدب بياء تحتانية مهموزة بدل النون من المأدبة
وهو تصحيت وقد وجهوه بتكلف لكن اطباق الرواة على خلافه مع اتحاد المخرج كاف في
تخطئته (قوله لا يخرجه الا ايمان بي) كذا هو بالرفع على أنه فاعل يخرج والاستثناء مفرغ
وفى رواية مسلم والإسمعيلي الا ايمانا بالنصب قال النووي هو مفعول له وتقديره لا يخرجه
المخرج الا الايمان والتصديق (قوله وتصديق برسلي) ذكره الكرماني بلفظ أو تصديق ثم
استشكله وتكلف الجواب عنه والصواب أسهل من ذلك لأنه لم يثبت في شئ من الروايات بلفظ
أو وقوله بي فيه عدول من ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلم فهو التفات وقال ابن مالك كان
اللائق في الظاهر هنا ايمان به ولكنه على تقدير اسم فاعل من القول منصوب على الحال أي
انتدب الله لمن خرج في سبيله قائلا لا يخرجه الا ايمان بي ولا يخرجه مقول القول لان صاحب
الحال على هذا التقدير هو الله وتعقبه شهاب الدين بن المرحل بأن حذف الحال لا يجوز وان
التعبير باللائق هنا غير لائق فالأولى أنه من باب الالتفات وهو متجه وسيأتى في أثناء فرض الخمس
من طريق الأعرج بلفظ لا يخرجه الا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته * (تنبيه) * جاء هذا
الحديث من طريق أبى زرعة هذه مشتملا على أمور ثلاثة وقد اختصر المؤلف من سياقه أكثر
الأمر الثاني وساقه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق عبد الواحد بن زياد
المذكور بتمامه وكذا هو عند مسلم في هذا الحديث من وجه آخر عن عمارة بن القعقاع وجاء
الحديث مفرقا من رواية الأعرج وغيره عن أبي هريرة كما سيأتي عند المؤلف في كتاب الجهاد
وهناك يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى وقد تقدمت الإشارة إلى أن الكلام على قيام رمضان
وباب صيام رمضان يأتي في كتاب الصيام (قوله باب الدين يسر) أي دين الاسلام ذو يسر أو سمى
الدين يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله لان الله رفع عن هذه الأمة الاصر الذي كان على من
قبلهم ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم وتوبة هذه الأمة بالاقلاع والعزم
والندم (قوله أحب الدين) أي خصال الدين لان خصال الدين كلها محبوبة لكن ما كان منها
86

سمحا أي سهلا فهو أحب إلى الله ويدل عليه ما أخرجه أحمد بسند صحيح من حديث أعرابي لم
يسمه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير دينكم أيسره أو الدين جنس أي أحب
الأديان إلى الله الحنيفية والمراد بالأديان الشرائع الماضية قبل أن تبدل وتنسخ والحنيفية ملة
إبراهيم والحنيف في اللغة من كان على ملة إبراهيم وسمى إبراهيم حنيفا لميله عن الباطل إلى الحق
لان أصل الحنف الميل والسمحة السهلة أي أنها مبنية على السهولة لقوله تعالى وما جعل عليكم
في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم وهذا الحديث المعلق لم يسنده المؤلف في هذا الكتاب لأنه
ليس على شرطه نعم وصله في كتاب الأدب المفرد وكذا وصله أحمد بن حنبل وغيره من طريق
محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس واسناده حسن استعمله المؤلف
في الترجمة لكونه متقاصرا عن شرطه وقواه بما دل عن معناه لتناسب السهولة واليسر (قوله
حدثنا عبد السلام بن مطهر) أي ابن حسام البصري وكنيته أبو ظفر بالمعجمة والفاء
المفتوحتين (قوله حدثنا عمر بن علي) هو المقدمي بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة وهو
بصرى ثقة لكنه مدلس شديد التدليس وصفه بذلك ابن سعيد وغيره وهذا الحديث من أفراد
البخاري عن مسلم وصححه وإن كان من رواية مدلس بالعنعنة لتصريحه فيه بالسماع من طريق
أخرى فقد رواه ابن حبان في صحيحه من طريق أحمد بن المقدام أحد شيوخ البخاري عن عمر بن علي
المذكور قال سمعت معن بن محمد فذكره وهو من افراد معن بن محمد وهو مدني ثقة قليل
الحديث لكن تابعه على شقه الثاني ابن أبي ذئب عن سعيد أخرجه المصنف في كتاب الرقاق بمعناه
ولفظه سددوا وقربوا وزاد في آخره والقصد القصد تبلغوا ولم يذكر شقه الأول وقد أشرنا إلى بعض
شواهده ومنها حديث عروة الفقيمي بضم الفاء وفتح القاف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن
دين الله يسر ومنها حديث بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم هديا قاصدا
فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه رواهما أحمد واسناد كل منهما حسن (قوله ولن يشاد الدين الا
غلبه) هكذا في روايتنا باضمار الفاعل وثبت في رواية ابن السكن وفى بعض الروايات عن الأصيلي
بلفظ ولن يشاد الدين أحد الا غلبه وكذا هو في طرق هذا الحديث عند الإسماعيلي وأبى نعيم
وابن حبان وغيرهم والدين منصوب على المفعولية وكذا في روايتنا أيضا وأضمر الفاعل للعلم به
وحكى صاحب المطالع ان أكثر الروايات برفع الدين على أن يشاد مبنى لما لم يسم فاعله وعارضه
النووي بان أكثر الروايات بالنصب ويجمع بين كلاميهما بأنه بالنسبة إلى روايات المغاربة
والمشارقة ويؤيد النصب لفظ حديث بريدة عند أحمد انه من شاد هذا الدين يغلبه ذكره في حديث
آخر يصلح أن يكون هو سبب حديث الباب والمشادة بالتشديد المغالبة يقال شاده يشاده مشادة
إذا قاواه والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق الا عجز وانقطع فيغلب قال
ابن المنير في هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا ان كل متنطع في
الدين ينقطع وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة بل منع الافراط
المؤدى إلى الملال أو المبالغة في التطوع المفضى إلى ترك الأفضل أو اخراج الفرض عن وقته
كمن بات يصلى الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في
الجماعة أو إلى أن خرج الوقت المختار أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة وفى حديث
87

محجن بن الا ردع عند أحمد انكم لن تنالوا هذا الامر بالمغالبة وخير دينكم اليسرة وقد يستفاد
من هذا الإشارة إلى الاخذ بالرخصة الشرعية فان الاخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن
يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضى به استعماله إلى حصول الضرر (قوله
فسددوا) أي الزموا السداد وهو الصواب من غير افراط ولا تفريط قال أهل اللغة السداد
التوسط في العمل (قوله وقاربوا) أي ان لم تستطيعوا الاخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه
(قوله وأبشروا) أي بالثواب على العمل الدائم وان قل والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل
بان العجز إذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره وأبهم المبشر به تعظيما له وتفخيما (قوله
واستعينوا بالغدوة) أي استعينوا على مداومة العبادة بايقاعها في الأوقات المنشطة والغدوة
بالفتح سير أول النهار وقال الجوهري ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس والروحة بالفتح السير
بعد الزوال والدلجة بضم أوله وفتحه واسكان اللام سير آخر الليل وقيل سير الليل كله ولهذا عبر
فيه بالتبعيض ولان عمل الليل أشق من عمل النهار وهذه الأوقات أطيب أوقات المسافر وكأنه
صلى الله عليه وسلم خاطب مسافرا إلى مقصد فنبهه على أوقات نشاطه لان المسافر إذا سافر الليل
والنهار جميعا عجز وانقطع وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشطة أمكنته المداومة من غير
مشقة وحسن هذه الاستعارة ان الدنيا في الحقيقة دار نقلة إلى الآخرة وان هذه الأوقات
بخصوصها أروح ما يكون فيها البدن للعبادة وقوله في رواية ابن أبي ذئب القصد القصد
بالنصب فيهما على الاغراء والقصد الاخذ بالامر الأوسط ومناسبة ايراد المصنف لهذا الحديث
عقب الأحاديث التي قبله ظاهرة من حيث إنها تضمنت الترغيب في القيام والصيام والجهاد
فأراد أن يبين ان الأولى للعامل بذلك ان لا يجهد نفسه بحيث يعجز وينقطع بل يعمل بتلطف
وتدريج ليدوم عمله ولا ينقطع ثم عاد إلى سياق الأحاديث الدالة على أن الأعمال الصالحة معدودة
من الايمان فقال باب الصلاة من الايمان (قوله باب) هو مرفوع بتنوين وبغير تنوين والصلاة
مرفوع وعلى التنوين فقوله وقول الله مرفوع عطفا على الصلاة وعلى عدمه مجرور مضاف
(قوله يعنى صلاتكم) وقع التنصيص على هذا التفسير من الوجه الذي أخرج منه المصنف
حديث الباب فروى الطيالسي والنسائي من طريق شريك وغيره عن أبي إسحاق عن البراء في
الحديث المذكور فأنزل الله وما كان الله ليضيع ايمانكم صلاتكم إلى بيت المقدس وعلى
هذا فقول المصنف عند البيت مشكل مع أنه ثابت عنه في جميع الروايات ولا اختصاص لذلك
بكونه عند البيت وقد قيل إن فيه تصحيفا والصواب يعنى صلاتكم لغير البيت وعندي انه
لا تصحيف فيه بل هو صواب ومقاصد البخاري في هذه الأمور دقيقة وبيان ذلك ان العلماء اختلفوا
في الجهة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها للصلاة وهو بمكة فقال ابن عباس وغيره كان
يصلى إلى بيت المقدس لكنه لا يستدبر الكعبة بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس وأطلق
آخرون انه كان يصلى إلى بيت المقدس وقال آخرون كان يصلى إلى الكعبة فلما تحول إلى المدينة
استقبل بيت المقدس وهذا ضعيف ويلزم منه دعوى النسخ مرتين والأول أصح لأنه يجمع بين
القولين وقد صححه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس وكأن البخاري أراد الإشارة إلى الجزم
بالأصح من أن الصلاة لما كانت عند البيت كانت إلى بيت المقدس واقتصر على ذلك اكتفاء
88

بالأولوية لان صلاتهم إلى غير جهة البيت وهم عند البيت إذا كانت لا تضيع فأحرى ان لا تضيع
إذا بعدوا عنه فتقدير الكلام يعنى صلاتكم التي صليتموها عند البيت إلى بيت المقدس (قوله
حدثنا عمرو بن خالد) هو بفتح العين وسكون الميم وهو أبو الحسن الحراني نزيل مصر أحد الثقات
الاثبات ووقع في رواية القابسي عن عبدوس كلاهما عن أبي زيد المروزي وفى رواية
أبي ذر عن الكشمهيني عمر بن خالد بضم العين وفتح الميم وهو تصحيف نبه عليه من القدماء أبو علي
الغساني وليس في شيوخ البخاري من اسمه عمر بن خالد ولا في جميع رجاله بل ولا في أحد من رجال
الكتب الستة (قوله حدثنا زهير) هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي الكوفي نزيل الجزيرة وبها
سمع منه عمرو بن خالد (قوله حدثنا أبو إسحاق) هو السبيعي وسماع زهير منه فيما قال أحمد بعد
ان بدا تغيره لكن تابعه عليه عند المصنف إسرائيل بن يونس حفيده وغيره (قوله عن البراء)
هو ابن عازب الأنصاري صحابي ابن صحابي وللمصنف في التفسير من طريق الثوري عن أبي إسحاق
سمعت البراء فأمن ما يخشى من تدليس أبى اسحق (قوله أول) بالنصب أي في أول زمن قدومه
وما مصدرية (قوله أو قال أخواله) الشك من أبى اسحق وفى اطلاق أجداده أو أخواله مجاز لان
الأنصار أقاربه من جهة الأمومة لان أم جده عبد المطلب بن هاشم منهم وهى سلمى بنت عمرو
أحد بنى عدى بن النجار وانما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة على اخوتهم بنى مالك بن
النجار ففيه على هذا مجاز ثان (قوله قبل بيت المقدس) بكسر القاف وفتح الموحدة أي إلى جهة
بيت المقدس (قوله ستة عشر شهرا أو سبعة عشر) كذا وقع الشك في رواية زهير هذه هنا وفى
الصلاة أيضا عن أبي نعيم عنه وكذا في رواية الثوري عنده وفى رواية إسرائيل عند المصنف
وعند الترمذي أيضا ورواه أبو عوانة في صحيحه عن عمار بن رجاء وغيره عن أبي نعيم فقال
ستة عشر من غير شك وكذا لمسلم من رواية أبى الأحوص وللنسائي من رواية زكريا بن أبي
زائدة وشريك و لأبي عوانة أيضا من رواية عمار بن زريق بتقديم الراء مصغرا كلهم عن أبي إسحاق
وكذا لأحمد بسند صحيح عن ابن عباس وللبزار والطبراني من حديث عمرو بن عوف
سبعة عشر وكذا للطبراني عن ابن عباس والجمع بين الروايتين سهل بان يكون من جزم بستة
عشر لفق من شهر القدوم وشهر التحويل شهرا وألغى الزائد ومن جزم بسبعة عشر عدهما معا
ومن شك تردد في ذلك وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف وكان التحويل في
نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح وبه جزم الجمهور ورواه الحاكم بسند صحيح
عن ابن عباس وقال ابن حبان سبعة عشر شهرا وثلاثة أيام وهو مبنى على أن القدوم كان
في ثاني عشر شهر ربيع الأول وشذت أقوال أخرى ففي ابن ماجة من طريق أبى بكر بن عياش
عن أبي إسحاق في هذا الحديث ثمانية عشر شهرا وأبو بكر سيئ الحفظ وقد اضطرب فيه فعند
ابن جرير من طريقه في رواية سبعة عشر وفى رواية ستة عشر وخرجه بعضهم على قول محمد
ابن حبيب ان التحويل كان في نصف شعبان وهو الذي ذكره النووي في الروضة وأقره مع كونه
رجح في شرحه لمسلم رواية ستة عشر شهرا لكونها مجزوما بها عند مسلم ولا يستقيم أن يكون
ذلك في شعبان الا أن ألغى شهري القدوم والتحويل وقد جزم موسى بن عقبة بان التحويل
كان في جمادى الآخرة ومن الشذوذ أيضا رواية ثلاثة عشر شهرا ورواية تسعة أشهر أو عشرة
89

أشهر ورواية شهرين ورواية سنتين وهذه الأخيرة يمكن حملها على الصواب وأسانيد الجميع
ضعيفة والاعتماد على القول الأول فجملة ما حكاه تسع روايات (قوله وأنه صلى أول) بالنصب
لأنه مفعول صلى والعصر كذلك على البدلية وأعربه ابن مالك بالرفع وفى الكلام مقدر لم يذكر
لوضوحه أي أول صلاة صلاها متوجها إلى الكعبة صلاة العصر وعند ابن سعد حولت القبلة
في صلاة الظهر أو العصر على التردد وساق ذلك من حديث عمارة بن أوس قال صلينا إحدى
صلاتي العشاء والتحقيق ان أول صلاة صلاها في بنى سلمة لما مات بشر بن البراء بن معرور الظهر
وأول صلاة صلاها بالمسجد النبوي العصر وأما الصبح فهو من حديث ابن عمر باهل قباء وهل كان
ذلك في جمادى الآخرة أو رجب أو شعبان أقوال (قوله فخرج رجل) هو عباد بن بشر بن قيظي
كما رواه ابن منده من حديث طويلة بنت أسلم وقيل هو عباد بن نهيك بفتح النون وكسر الهاء
وأهل المسجد الذين مر بهم قيل هم من بنى سلمة وقيل هو عباد بن بشر الذي أخبر أهل قباء في صلاة
الصبح كما سيأتي بيان ذلك في حديث ابن عمر حيث ذكره المصنف في كتاب الصلاة ونذكر هناك
تقرير الجمع بين هذين الحديثين وغيرهما مع التنبيه على ما فيهما من الفوائد إن شاء الله تعالى
(قوله اشهد بالله) أي أحلف قال الجوهري يقال أشهد بكذا أي احلف به (قوله قبل مكة)
أي قبل البيت الذي في مكة ولهذا قال فداروا كما هم قبل البيت وما موصولة والكاف
للمبادرة وقال الكرماني للمقارنة وهم مبتدأ وخبره محذوف (قوله قد أعجبهم) أي النبي
صلى الله عليه وسلم (قوله وأهل الكتاب) هو بالرفع عطفا على اليهود من عطف العام على الخاص
وقيل المراد النصارى لانهم من أهل الكتاب وفيه نظر لان النصارى لا يصلون لبيت المقدس
فكيف يعجبهم وقال الكرماني كان اعجابهم بطريق التبعية لليهود (قلت) وفيه بعد لانهم
أشد الناس عداوة لليهود ويحتمل أن يكون بالنصب والواو بمعنى مع أي يصلى مع أهل الكتاب
إلى بيت المقدس واختلف في صلاته إلى بيت المقدس وهو بمكة فروى ابن ماجة من طريق أبى
بكر بن عياش المذكورة صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ثمانية عشر
شهرا وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخول المدينة بشهرين وظاهره أنه كان يصلى بمكة إلى
بيت المقدس محضا وحكى الزهري خلافا في أنه هل كان يجعل الكعبة خلف ظهره أو يجعلها
بينه وبين بيت المقدس (قلت) وعلى الأول فكان يجعل الميزاب خلفه وعلى الثاني
كان يصلى بين الركنين اليمانيين وزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة بمكة فلما قدم المدينة
استقبل بيت المقدس ثم نسخ وحمل ابن عبد البر هذا على القول الثاني ويؤيد حمله على ظاهره
امامة جبريل ففي بعض طرقه ان ذلك كان عند باب البيت (قوله أنكروا ذلك) يعنى اليهود
فنزلت سيقول السفهاء من الناس الآية وقد صرح المصنف بذلك في روايته من طريق إسرائيل
(قوله قال زهير) يعنى ابن معاوية بالاسناد المذكور بحذف أداة العطف كعادته ووهم من
قال إنه معلق وقد ساقه المصنف في التفسير مع جملة الحديث عن أبي نعيم عن زهير سياقا واحدا
(قوله أنه مات على القبلة) أي قبلة بيت المقدس قبل أن تحول رجال (وقتلوا) ذكر القتل لم أره الا
في رواية زهير وباقي الروايات انما فيها ذكر الموت فقط وكذلك روى أبو داود والترمذي وابن
حبان والحاكم صحيحا عن ابن عباس والذين ماتوا بعد فرض الصلاة وقبل تحويل القبلة من
90

المسلمين عشرة أنفس فبمكة من قريش عبد الله بن شهاب والمطلب بن أزهر الزهريان والسكران
ابن عمرو العامري وبأرض الحبشة منهم حطاب بالمهملة بن الحرث الجمحي وعمرو بن أمية الأسدي
وعبد الله بن الحرث السهمي وعروة بن عبد العزى وعدى بن نضلة العدويان ومن الأنصار بالمدينة
البراء بن معرور بمهملات وأسعد بن زرارة فهؤلاء العشرة متفق عليهم ومات في المدة أيضا اياس
ابن معاذ الأشهلي لكنه مختلف في اسلامه ولم أجد في شئ من الاخبار ان أحدا من المسلمين قتل
قبل تحويل القبلة لكن لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع فإن كانت هذه اللفظة محفوظة
فتحمل على أن بعض المسلمين ممن لم يشتهر قتل في تلك المدة من غير الجهاد ولم يضبط اسمه لقلة
الاعتناء بالتاريخ إذ ذاك ثم وجدت في المغازي ذكر رجل اختلف في اسلامه وهو سويد
ابن الصامت فقد ذكر ابن إسحاق أنه لقى النبي صلى الله عليه وسلم قبل ان تلقاه الأنصار في العقبة
فعرض عليه الاسلام فقال إن هذا القول حسن وانصرف إلى المدينة فقتل بها في وقعة بعاث
بضم الموحدة واهمال العين وآخره مثلثة وكانت قبل الهجرة قال فكان قومه يقولون لقد
قتل وهو مسلم فيحتمل أن يكون هو المراد وذكر لي بعض الفضلاء أنه يجوز أن يراد من قتل بمكة
من المستضعفين كأبوي عمار (قلت) يحتاج إلى ثبوت ان قتلهما بعد الاسراء * (تنبيه) *
في هذا الحديث من الفوائد الرد على المرجئة في انكارهم تسمية أعمال الدين ايمانا وفيه
أن تمنى تغيير بعض الأحكام جائز إذا ظهرت المصلحة في ذلك وفيه بيان شرف المصطفى صلى الله
عليه وسلم وكرامته على ربه لاعطائه له ما أحب من غير تصريح بالسؤال وفيه بيان ما كان في
الصحابة من الحرص على دينهم والشفقة على اخوانهم وقد وقع لهم نظير هذه المسئلة لما نزل
تحريم الخمر كما صح من حديث البراء أيضا فنزل ليس على الذي آمنوا وعملوا الصالحات جناح
فيما طعموا إلى قوله والله يحب المحسنين وقوله تعالى انا لا نضيع أجر من أحسن عملا ولملاحظة
هذا المعنى عقب المصنف هذا الباب بقوله باب حسن اسلام المرء فذكر الدليل على أن المسلم إذا
فعل الحسنة أثيب عليها (قوله قال مالك) هكذا ذكره معلقا ولم يوصله في موضع آخر من هذا
الكتاب وقد وصله أبو ذر الهروي في روايته للصحيح فقال عقبه أخبرناه النضروي هو العباس بن
الفضل قال حدثنا الحسن بن إدريس قال حدثنا هشام بن خالد حدثنا الوليد بن مسلم عن مالك به
وكذا وصله النسائي من رواية الوليد بن مسلم حدثنا مالك فذكره أتم مما هنا كما سيأتي وكذا وصله
الحسن بن سفيان من طريق عبد الله بن نافع والبزار من طريق اسحق الغزوي والإسمعيلي من
طريق عبد الله بن وهب والبيهقي في الشعب من طريق إسماعيل ابن أبي أويس كلهم عن مالك
وأخرجه الدارقطني من طرق أخرى عن مالك وذكر ان معن بن عيسى رواه عن مالك فقال عن أبي
هريرة بدل أبي سعيد وروايته شاذة ورواه سفيان بن عبينة عن زيد بن أسلم عن عطاء مرسلا
ورويناه في الخلعيات وقد حفظ مالك الوصل فيه وهو أتقن لحديث أهل المدينة من غيره وقال
الخطيب هو حديث ثابت وذكر البزار ان مالكا تفرد بوصله (قوله إذا أسلم العبد) هذا الحكم
يشترك فيه الرجال والنساء وذكره بلفظ المذكر تغليبا (قوله فحسن اسلامه) أي صار اسلامه
حسنا باعتقاده واخلاصه ودخوله فيه بالباطن والظاهر وان يستحضر عند عمله قرب ربه منه
واطلاعه عليه كما دل عليه تفسير الاحسان في حديث سؤال جبريل كما سيأتي (قوله يكفر الله)
91

هو بضم الراء لان إذا وإن كانت من أدوات الشرط لكنها لا تجزم واستعمل الجواب مضارعا وإن كان
الشرط بلفظ الماضي لكنه بمعنى المستقبل وفى رواية البزار كفر الله فواخى بينهما (قوله
كان أزلفها) كذا لأبي ذر ولغيره زلفها وهى بتخفيف اللام كما ضبطه صاحب المشارق وقال
النووي بالتشديد ورواه الدارقطني من طريق طلحة بن يحيى عن مالك بلفظ ما من عبد يسلم
فيحسن اسلامه الا كتب الله له كل حسنة زلفها ومحا عنه كل خطيئة زلفها بالتخفيف فيهما
وللنسائي نحوه لكن قال أزلفها وزلف بالتشديد وأزلف بمعنى واحد أي أسلف وقدم قاله
الخطابي وقال في المحكم أزلف الشئ قربه وزلفه مخففا ومثقلا قدمه وفى الجامع الزلفة تكون
في الخير والشر وقال في المشارق زلف بالتخفيف أي جمع وكسب وهذا يشمل الامرين وأما القربة
فلا تكون الا في الخير فعلى هذا تترجح رواية غير أبي ذر لكن منقول الخطابي يساعدها وقد
ثبت في جميع الروايات ما سقط من رواية البخاري وهو كتابة الحسنات المتقدمة قبل الاسلام
وقوله كتب الله أي أمر أن يكتب وللدارقطني من طريق زيد بن شعيب عن مالك بلفظ يقول الله
لملائكته اكتبوا فقيل إن المصنف أسقط ما رواه غيره عمدا لأنه مشكل على القواعد وقال
المازري الكافر لا يصح منه التقرب فلا يثاب على العمل الصالح الصادر منه في شركه لان من شرط
المتقرب ان يكون عارفا لمن يتقرب إليه والكافر ليس كذلك وتابعه القاضي عياض على تقرير
هذا الاشكال واستضعف ذلك النووي فقال الصواب الذي عليه المحققون بل نقل بعضهم فيه
الاجماع ان الكافر إذا فعل أفعالا جميلة كالصدقة وصلة الرحم ثم أسلم ومات على الاسلام أن ثواب
ذلك يكتب له وأما دعوى انه مخالف للقواعد فغير مسلم لأنه قد يعتد ببعض أفعال الكافر في الدنيا
ككفارة الظهار فإنه لا يلزمه اعادتها إذا أسلم وتجزئه انتهى والحق انه لا يلزم من كتابة الثواب
للمسلم في حال اسلامه تفضلا من الله واحسانا ان يكون ذلك لكون عمله الصادر منه في الكفر
مقبولا والحديث انما تضمن كتابة الثواب ولم يتعرض للقبول ويحتمل أن يكون القبول يصير
معلقا على اسلامه فيقبل ويثاب ان أسلم والا فلا وهذا قوى وقد جزم بما جزم به النووي إبراهيم
الحربي وابن بطال وغيرهما من القدماء والقرطبي وابن المنير من المتأخرين قال ابن المنير
المخالف للقواعد دعوى ان يكتب له ذلك في حال كفره وأما ان الله يضيف إلى حسناته في الاسلام
ثواب ما كان صدر منه مما كان يظنه خيرا فلا مانع منه كما لو تفضل عليه ابتداء من غير عمل وكما
يتفضل على العاجز بثواب ما كان يعمل وهو قادر فإذا جاز أن يكتب له ثواب ما لم يعمل البتة جاز
ان يكتب له ثواب ما عمله غير موفى الشروط وقال ابن بطال لله ان يتفضل على عباده بما شاء ولا
اعتراض لأحد عليه واستدل غيره بان من آمن من أهل الكتاب يؤتى أجره مرتين كما دل عليه
القرآن والحديث الصحيح وهو لو مات على ايمانه الأول لم ينفعه شئ من عمله الصالح بل يكون هباء
منثورا فدل على أن ثواب عمله الأول يكتب له مضافا إلى عمله الثاني وبقوله صلى الله عليه وسلم لما
سألته عائشة عن ابن جدعان وما كان يصنعه من الخير هل ينفعه فقال إنه لم يقل يو ما رب اغفر لي
خطيئتي يوم الدين فدل على أنه لو قالها بعد ان أسلم نفعه ما عمله في الكفر (قوله وكان بعد ذلك
القصاص أي كتابة المجازاة في الدنيا وهو مرفوع بأنه اسم كان ويجوز أن تكون كان تامة وعبر
بالماضي لتحقق الوقوع فكأنه وقع كقوله تعالى ونادى أصحاب الجنة وقوله الحسنة مبتدأ
92

وبعشر الخبر والجملة استئنافية وقوله إلى سبعمائة متعلق بمقدر أي منتهية وحكى الماوردي ان
بعض العلماء أخذ بظاهر هذه الغاية فزعم أن التضعيف لا يتجاوز سبعمائة ورد عليه بقوله تعالى
والله يضاعف لمن يشاء والآية محتملة للامرين فيحتمل أن يكون المراد أنه يضاعف تلك المضاعفة
بان يجعلها سبعمائة ويحتمل انه يضاعف السبعمائة بان يزيد عليها والمصرح بالرد عليه حديث
ابن عباس المخرج عند المصنف في الرقاق ولفظه كتب الله له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف
إلى اضعاف كثيرة (قوله الا ان يتجاوز الله عنها) زاد سمويه في فوائده الا ان يغفر الله وهو الغفور
وفيه دليل على الخوارج وغيرهم من المكفرين بالذنوب والموجبين لخلود المذنبين في النار فأول
الحديث يرد على من أنكر الزيادة والنقص في الايمان لان الحسن يتفاوت درجاته وآخره يرد
على الخوارج والمعتزلة (قوله عن همام) هو ابن منبه وهذا الحديث من نسخته المشهورة
المروية باسناد واحد عن عبد الرزاق عن معمر عنه وقد اختلف العلماء في افراد حديث من
نسخة هل يساق باسنادها ولو لم يكن مبتدأ به أولا فالجمهور على الجواز ومنهم البخاري وقيل يمتنع
وقيل يبدأ أبدا بأول حديث ويذكر بعده ما أراد وتوسط مسلم فاتى بلفظ يشعر بان المفرد من جملة
النسخة فيقول في مثل هذا إذا انتهى الاسناد فذكر أحاديث منها كذا ثم يذكر أي حديث
أراد منها (قوله إذا أحسن أحدكم اسلامه) كذا له ولمسلم وغيرهما ولاسحق بن راهويه في مسنده
عن عبد الرزاق إذا حسن اسلام أحدكم وكأنه رواه بالمعنى لأنه من لازمه ورواه الإسماعيلي من
طريق ابن المبارك عن معمر كالأول والخطاب بأحدكم بحسب اللفظ للحاضرين لكن الحكم
عام لهم ولغيرهم باتفاق وان حصل التنازع في كيفية التناول أهي بالحقيقة اللغوية أو الشرعية
أو بالمجاز (قوله فكل حسنة) ينبئ أن اللام في قوله في الحديث الذي قبله الحسنة بعشر أمثالها
للاستغراق (قوله بمثلها) زاد مسلم واسحق والإسمعيلي في روايتهم حتى يلقى الله عز وجل
(قوله باب أحب الدين إلى الله أدومه) مراد المصنف الاستدلال على أن الايمان يطلق على
الأعمال لان المراد بالدين هنا العمل والدين الحقيقي هو الاسلام والاسلام الحقيقي مرادف
للايمان فيصح بهذا مقصوده ومناسبته لما قبله من قوله عليكم بما تطيقون لأنه لما قدم ان الاسلام
يحسن بالأعمال الصالحة أراد أن ينبه على أن جهاد النفس في ذلك إلى حد المغالبة غير مطلوب
وقد تقدم بعض هذا المعنى في باب الدين يسر وفى هذا ما ليس في ذاك على ما سنوضحه إن شاء الله
تعالى (قوله حدثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان عن هشام هو ابن عروة بن الزبير (قوله فقال من
هذه) للأصيلي قال من هذه بغير فاء ويوجه على أنه جواب سؤال مقدر كان قائلا قال ماذا قال
حين دخل قالت قال من هذه (قوله قلت فلانة) هذه اللفظة كناية عن كل علم مؤنث فلا ينصرف
زاد عبد الرزاق عن معمر عن هشام في هذا الحديث حسنة الهيئة (قوله تذكر) بفتح التاء
الفوقانية والفاعل عائشة وروى بضم الياء التحتانية على البناء لما لم يسم فاعله أي يذكرون أن
صلاتها كثيرة ولأحمد عن يحيى القطان لا تنام تصلى وللمصنف في كتاب صلاة الليل معلقا عن
القعنبي عن مالك عن هشام وهو موصول في الموطأ للقعنبي وحده في آخره لا تنام بالليل وهذه
المرأة وقع في رواية مالك المذكورة انها من بنى أسد ولمسلم من رواية الزهري عن عروة في هذا
الحديث انها الحولاء بالمهملة والمد وهو اسمها بنت تويت بمثناتين مصغرا ابن حبيب بفتح المهملة
93

ابن أسد بن عبد العزى من رهط خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها وفى روايته أيضا وزعموا انها
لا تنام الليل وهذا يؤيد الرواية الثانية في أنها نقلت عن غيرها فان قيل وقع في حديث الباب
حديث هشام دخل عليها وهى عندها وفى رواية الزهري ان الحولاء مرت بها فظاهره التغاير
فيحتمل أن تكون المارة امرأة غيرها من بنى أسد أيضا أو ان قصتها تعددت والجواب ان القصة
واحدة ويبين ذلك رواية محمد بن إسحاق عن هشام في هذا الحديث ولفظه مرت برسول الله صلى
الله عليه وسلم الحولاء بنت تويت أخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل له فيحمل على أنها كانت
أو لا عند عائشة فلما دخل صلى الله عليه وسلم على عائشة قامت المرأة كما في رواية حماد بن سلمة
الآتية فلما قامت لتخرج مرت به في خلال ذهابها فسأل عنها وبهذا تجتمع الروايات * (تنبيه) *
قال ابن التين لعلها أمنت عليها الفتنة فلذلك مدحتها في وجهها (قلت) لكن رواية حماد بن سلمة
عن هشام في هذا الحديث تدل على انها ما ذكرت ذلك الا بعد ان خرجت المرأة أخرجه الحسن
ابن سفيان في مسنده من طريقه ولفظه كانت عندي امرأة فلما قامت قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم من هذه يا عائشة قلت يا رسول الله هذه فلانة وهى أعبد أهل المدينة فذكر الحديث
(قوله مه) قال الجوهري هي كلمة مبنية على السكون وهى اسم سمى به الفعل والمعنى اكفف
يقال مهمهته إذا زجرته فان وصلت نونت فقلت مه وقال الداودي أصل هذه الكلمة ما هذا
كالانكار فطرحوا بعض اللفظة فقالوا مه فصيروا الكلمتين كلمة وهذا الزجر يحتمل أن يكون
لعائشة والمراد نهيها عن مدح المرأة بما ذكرت ويحتمل أن يكون المراد النهى عن ذلك الفعل
وقد أخذ بذلك جماعة من الأئمة فقالوا يكره صلاة جميع الليل كما سيأتي في مكانه (قوله عليكم
بما تطيقون) أي اشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومة عليه فمنطوقه يقتضى الامر
بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه يقتضى النهى عن تكلف ما لا يطاق وقال القاضي
عياض يحتمل ان يكون هذا خاصا بصلاة الليل ويحتمل ان يكون عاما في الأعمال الشرعية
(قلت) سبب وروده خاص بالصلاة ولكن اللفظ عام وهو المعتبر وقد عبر بقوله عليكم مع أن
المخاطب النساء طلبا لتعميم الحكم فغلب الذكور على الإناث (قوله فوالله) فيه جواز الحلف
من غير استحلاف وقد يستحب إذا كان في تفخيم أمر من أمور الدين أو حث عليه أو تنفير من
محذور (قوله لا يمل الله حتى تملوا) هو بفتح الميم في الموضعين والملال استثقال الشئ ونفور
النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق قال الإسماعيلي وجماعة من المحققين
انما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازا كما قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وانظاره
قال القرطبي وجه مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال
من باب تسمية الشئ باسم سببه وقال الهروي معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله
فتزهدوا في الرغبة إليه وقال غيره معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم
وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم وجنح بعضهم إلى
تأويلها فقيل معناه لا يمل الله إذا مللتم وهو مستعمل في كلام العرب يقولون لا افعل كذا حتى
يبيض القار أو حتى يشيب الغراب ومنه قولهم في البليغ لا ينقطع حتى تنقطع خصومه لأنه
لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية وهذا المثال أشبه من الذي قبله لان شيب الغراب
94

ليس ممكنا عادة بخلاف الملل من العابد وقال المازري قيل إن حتى هنا بمعنى الواو فيكون التقدير
لا يمل وتملون فنفى عنه الملل وأثبته لهم قال وقيل حتى بمعنى حين والأول أليق وأجرى على
القواعد وانه من باب المقابلة اللفظية ويؤيده ما وقع في بعض طرق حديث عائشة بلفظ اكلفوا
من العمل ما تطيقون فان الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل لكن في سنده موسى بن
عبيدة وهو ضعيف وقال ابن حبان في صحيحه هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب
ان يعرف القصد مما يخاطب به الا بها وهذا رأيه في جميع المتشابه (قوله أحب) قال القاضي أبو
بكر بن العربي معنى المحبة من الله تعلق الإرادة بالثواب أي أكثر الأعمال ثوابا أدومها (قوله
إليه) في رواية المستملى وحده إلى الله وكذا في رواية عبدة عن هشام عند إسحاق بن راهويه في
مسنده وكذا للمصنف ومسلم من طريق أبى سلمة ولمسلم عن القاسم كلاهما عن عائشة وهذا
موافق لترجمة الباب وقال باقي الرواة عن هشام وكان أحب الدين إليه أي إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وصرح به المصنف في الرقاق في رواية مالك عن هشام وليس بين الروايتين تخالف
لان ما كان أحب إلى الله كان أحب إلى رسوله قال النووي بدوام القليل تستمر الطاعة بالذكر
والمراقبة والاخلاص والاقبال على الله بخلاف الكثير الشاق حتى ينمو القليل الدائم بحيث
يزيد على الكثير المنقطع اضعافا كثيرة وقال ابن الجوزي انما أحب الدائم لمعنيين أحدهما ان
التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل فهو متعرض للذم ولهذا ورد الوعيد
في حق من حفظ آية ثم نسيها وإن كان قبل حفظها لا يتعين عليه ثانيهما ان مداوم الخير
ملازم للخدمة ليس من لازم الباب في كل يوم وقتا ما كمن لازم يوما كاملا ثم انقطع وزاد
المصنف ومسلم من طريق أبى سلمة عن عائشة وان أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وان قل
(قوله باب زيادة الايمان ونقصانه) تقدم له قبل بستة عشر بابا باب تفاضل أهل الايمان
في الأعمال وأورد فيه حديث أبي سعيد الخدري بمعنى حديث أنس الذي أورده هنا فتعقب
عليه بأنه تكرار وأجيب عنه بأن الحديث لما كانت الزيادة والنقصان فيه باعتبار الأعمال
أو باعتبار التصديق ترجم لكل من الاحتمالين وخص حديث أبي سعيد بالاعمال لان سياقه
ليس فيه تفاوت بين الموزونات بخلاف حديث أنس ففيه التفاوت في الايمان القائم بالقلب
من وزن الشعيرة والبرة والذرة قال ابن بطال التفاوت في التصديق على قدر العلم والجهل فمن قل
علمه كان تصديقه مثلا بمقدار ذرة والذي فوقه في العلم تصديقه بمقدار برة أو شعيرة الا ان أصل
التصديق الحاصل في قلب كل أحد منهم لا يجوز عليه النقصان ويجوز عليه الزيادة بزيادة العلم
والمعاينة انتهى وقد تقدم كلام النووي في أول الكتاب بما يشير إلى هذا المعنى ووقع
الاستدلال في هذه الآية بنظير ما أشار إليه البخاري لسفيان بن عيينة أخرجه أبو نعيم في ترجمته
من الحلية من طريق عمرو بن عثمان الرقي قال قيل لابن عيينة ان قوما يقولون الايمان كلام فقال
كان هذا قبل ان تنزل الاحكام فامر الناس ان يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا دماءهم
وأموالهم فلما علم الله صدقهم أمرهم بالصلاة ففعلوا ولو لم يفعلوا ما نفعهم الاقرار فذكر الأركان
إلى أن قال فلما علم الله ما تتابع عليهم من الفرائض وقبولهم قال اليوم أكملت لكم دينكم
الآية فمن ترك شيئا من ذلك كسلا أو مجونا أدبناه عليه وكان ناقص الايمان ومن تركها
95

جاحدا كان كافرا انتهى ملخصا وتبعه أبو عبيد في كتاب الايمان له فذكر نحوه وزاد ان بعض
المخالفين لما ألزم بذلك أجاب بان الايمان ليس هو مجموع الدين انما الدين ثلاثة أجزاء الايمان
جزء والأعمال جزآن لأنها فرائض ونوافل وتعقبه أبو عبيد بأنه خلاف ظاهر القرآن وقد قال
الله تعالى ان الدين عند الله الاسلام والاسلام حيث أطلق مفردا دخل فيه الايمان كما تقدم
تقريره فان قيل فلم أعاد في هذا الباب الآيتين المذكورتين فيه وقد تقدمتا في أول كتاب الايمان
فالجواب انه أعادهما ليوطئ بهما معنى الكمال المذكور في الآية الثالثة لان الاستدلال بهما
نص في الزيادة وهو يستلزم النقص وأما الكمال فليس نصا في الزيادة بل هو مستلزم للنقص فقط
واستلزامه للنقص يستدعى قبوله الزيادة ومن ثم قال المصنف فإذا ترك شيئا من الكمال فهو ناقص
ولهذه النكتة عدل في التعبير للآية الثالثة عن أسلوب الآيتين حيث قال أولا وقول الله وقال
ثانيا وقال وبهذا التقرير يندفع اعتراض من اعترض عليه بان آية أكملت لكم لا دليل فيها
على مراده لان الاكمال إن كان بمعنى اظهار الحجة على المخالفين أو بمعنى اظهار أهل الدين على
المشركين فلا حجة للمصنف فيه وإن كان بمعنى اكمال الفرائض لزم عليه انه كان قبل ذلك ناقصا وان
من مات من الصحابة قبل نزول الآية كان ايمانه ناقصا وليس الامر كذلك لان الايمان لم يزل
تاما ويوضح دفع هذا الاعتراض جواب القاضي أبى بكر بن العربي بان النقص أمر نسبى لكن
منه ما يترتب عليه الذم ومنه ما لا يترتب فالأول ما نقصه بالاختيار كمن علم وظائف الدين ثم
تركها عمدا والثاني ما نقصه بغير اختيار كمن لم يعلم أو لم يكلف فهذا لا يذم بل يحمد من جهة انه
كان قبله مطمئنا بأنه لو زيد لقبل ولو كلف لعمل وهذا شأن الصحابة الذين ماتوا قبل نزول
الفرائض ومحصله أن النقص بالنسبة إليهم صوري نسبى ولهم فيه رتبة الكمال من حيث المعنى
وهذا نظير قول من يقول إن شرع محمد أكمل من شرع موسى وعيسى لاشتماله من الاحكام
على ما لم يقع في الكتب التي قبله ومع هذا فشرع موسى في زمانه كان كاملا وتجدد في شرع عيسى
بعده ما تجدد فالأكملية أمر نسبى كما تقرر والله أعلم (قوله هشام) هو ابن أبي عبد الله الدستوائي
يكنى أبا بكر وفى طبقته هشام بن حسان لكنه لم يرو هذا الحديث (قوله يخرج) بفتح أوله
وضم الراء ويروى بالعكس ويؤيده قوله في الرواية الأخرى أخرجوا (قوله من قال لا إله إلا الله
وفى قلبه) فيه دليل على اشتراط النطق بالتوحيد أو المراد بالقول هنا القول النفسي فالمعنى من
أقر بالتوحيد وصدق فالاقرار لا بد منه فلهذا أعاده في كل مرة والتفاوت يحصل في التصديق
على الوجه المتقدم فان قيل فكيف لم يذكر الرسالة فالجواب ان المراد المجموع وصار الجزء الأول
علما عليه كما تقول قرأت قل هو الله أحد أي السورة كلها (قوله برة) بضم الموحدة وتشديد الراء
المفتوحة وهى القمحة ومقتضاه ان وزن البرة دون وزن الشعيرة لأنه قدم الشعيرة وتلاها بالبرة
ثم الذرة وكذلك هو في بعض البلاد فان قيل إن السياق بالواو وهى لا ترتب فالجواب ان رواية
مسلم من هذا الوجه بلفظ ثم وهى للترتيب (قوله ذرة) بفتح المعجمة وتشديد الراء المفتوحة وصحفها
شعبة فيما رواه مسلم من طريق يزيد بن زريع عنه فقال ذرة بالضم وتخفيف الراء وكأن الحامل
له على ذلك كونها من الحبوب فناسبت الشعيرة والبرة قال مسلم في روايته قال يزيد صحف فيها أبو
بسطام يعنى شعبة ومعنى الذرة قيل هي أقل الأشياء الموزونة وقيل هي الهباء الذي يظهر في شعاع
96

الشمس مثل رؤس الإبر وقيل هي النملة الصغيرة ويروى عن ابن عباس أنه قال إذا وضعت كفك
في التراب ثم نفضتها فالساقط هو الذر ويقال ان أربع ذرات وزن خردلة وللمصنف في أواخر
التوحيد من طريق حميد عن أنس مرفوعا أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة ثم من كان في قلبه
أدنى شئ وهذا معنى الذرة (قوله قال ابان) هو ابن يزيد العطار وهذا التعليق وصله الحاكم في كتاب
الأربعين له من طريق أبى سلمة قال حدثنا أبان بن يزيد فذكر الحديث وفائدة ايراد المصنف له من
جهتين إحداهما تصريح قتادة فيه بالتحديث عن أنس ثانيتهما تعبيره في المتن بقوله من ايمان
بدل قوله من خير فبين ان المراد بالخير هنا الايمان فان قيل على الأولى لم لم يكتف بطريق أبان السالمة
من التدليس ويسوقها موصولة فالجواب ان أبان وإن كان مقبولا لكن هشام أتقن منه
وأضبط فجمع المصنف بين المصلحتين والله الموفق وسيأتى الكلام على بقية هذا المتن في كتاب
التوحيد حيث ذكر المصنف حديث الشفاعة الطويل من هذا الوجه ورجال هذا الحديث
موصولا ومعلقا كلهم بصريون (قوله حدثنا الحسن بن الصباح سمع جعفر بن عون) مراده
انه سمع وجرت عادتهم بحذف انه في مثل هذا خطا لا نطقا كقال (قوله أن رجلا من اليهود) هذا
الرجل هو كعب الأحبار بين ذلك مسدد في مسنده والطبري في تفسيره والطبراني في الأوسط
كلهم من طريق رجاء بن أبي سلمة عن عبادة بن نسى بضم النون وفتح المهملة عن إسحاق بن
خرشة عن قبيصة بن ذؤيب عن كعب وللمصنف في المغازي من طريق الثوري عن قيس بن مسلم
ان ناسا من اليهود وله في التفسير من هذا الوجه بلفظ قالت اليهود فيحمل على أنهم كانوا حين
سؤال كعب عن ذلك جماعة وتكلم كعب على لسانهم (قوله لاتخذنا الخ) أي لعظمناه وجعلناه
عيدا لنا في كل سنة لعظم ما حصل فيه من اكمال الدين والعيد فعل من العود وانما سمى به لأنه
يعود في كل عام (قوله نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم) زاد مسلم عن عبد بن حميد عن
جعفر بن عون في هذا الحديث ولفظه انى لأعلم اليوم الذي أنزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه
وزاد عن جعفر بن عون والساعة التي نزلت فيها على النبي صلى الله عليه وسلم فان قيل كيف
طابق الجواب السؤال لأنه قال لاتخذناه عيدا وأجاب عمر رضي الله عنه بمعرفة الوقت والمكان
ولم يقل جعلناه عيدا والجواب عن هذا انها نزلت في أخريات نهار عرفة ويوم العيد انما يتحقق
بأوله وقد قال الفقهاء ان رؤية الهلال بعد الزوال للقابلة قاله هكذا بعض من تقدم وعندي ان
هذه الرواية اكتفى فيها بالإشارة والا فرواية اسحق عن قبيصة التي قدمناها قد نصت على المراد
ولفظه نزلت يوم جمعة يوم عرفة وكلاهما بحمد الله لنا عيد لفظ الطبري والطبراني وهما لنا
عيدان وكذا عند الترمذي من حديث ابن عباس ان يهوديا سأله عن ذلك فقال نزلت في يوم
عيدين يوم جمعة ويوم عرفة فظهر أن الجواب تضمن انهم اتخذوا ذلك اليوم عيدا وهو يوم الجمعة
واتخذوا يوم عرفة عيدا لأنه ليلة العيد وهكذا كما جاء في الحديث الآتي في الصيام شهرا عيد
لا ينقصان رمضان وذو الحجة فسمى رمضان عيدا لأنه يعقبه العيد فان قيل كيف دلت هذه
القصة على ترجمة الباب (أجيب) من جهة انها بينت ان نزولها كان بعرفة وكان ذلك في حجة
الوداع التي هي آخر عهد البعثة حين تمت الشريعة وأركانها والله أعلم وقد جزم السدى بأنه لم
ينزل بعد هذه الآية شئ من الحلال والحرام (قوله باب الزكاة من الاسلام وما أمروا) كذا لأبي
97

ذر ولغيره قول الله وما أمروا ويأتي فيه ما مضى في باب الصلاة من الايمان والآية دالة على
ما ترجم له لان المراد بقوله دين القيمة دين الاسلام والقيمة المستقيمة وقد جاء قام بمعنى استقام في
قوله تعالى أمة قائمة أي مستقيمة وانما خص الزكاة بالترجمة لان باقي ما ذكر في الآية والحديث
قد أفرده بتراجم أخرى ورجال اسناد هذا الحديث كلهم مدنيون ومالك والد أبى سهيل هو ابن أبي
عامر الأصبحي حليف طلحة بن عبيد الله وإسماعيل هو ابن أبي أويس ابن أخت الامام مالك
فهو من رواية إسماعيل عن خاله عن عمه عن أبيه عن حليفه فهو مسلسل بالأقارب كما هو مسلسل
بالبلد (قوله جاء رجل) زاد أبو ذر من أهل نجد وكذا هو في الموطأ ومسلم (قوله ثائر الرأس) هو
مرفوع على الصفة ويجوز نصبه على الحال والمراد ان شعره متفرق من ترك الرفاهية ففيه إشارة
إلى قرب عهده بالوفادة وأوقع اسم الرأس على الشعر اما مبالغة أو لان الشعر منه ينبت (قوله
يسمع) بضم الياء على البناء أو بالنون المفتوحة للجمع وكذا في يفقه (قوله دوى) بفتح الدال
وكسر الواو وتشديد الياء كذا في روايتنا وقال القاضي عياض جاء عندنا في البخاري بضم الدال
قال والصواب الفتح وقال الخطابي الدوى صوت مرتفع متكرر لا يفهم وانما كان كذلك لأنه
نادى من بعد وهذا الرجل جزم ابن بطال وآخرون بأنه ضمام بن ثعلبة وافد بنى سعد بن بكر
والحامل لهم على ذلك ايراد مسلم لقصته عقب حديث طلحة ولان في كل منهما انه بدوي وان كلا
منهما قال في آخر حديثه لا أزيد على هذا ولا أنقص لكن تعقبه القرطبي بان سياقهما مختلف
وأسئلتهما متباينة قال ودعوى انهما قصة واحدة دعوى فرط وتكلف شطط من غير ضرورة
والله أعلم وقواه بعضهم بان ابن سعد وابن عبد البر وجماعة لم يذكروا لضمام الا الأول وهذا غير
لازم (قوله فإذا هو يسأل عن الاسلام) أي عن شرائع الاسلام ويحتمل انه سأل عن حقيقة
الاسلام وانما لم يذكر له الشهادة لأنه علم أنه يعلمها أو علم أنه انما يسأل عن الشرائع الفعلية أو ذكرها
ولم ينقلها الراوي لشهرتها وانما لم يذكر الحج اما لأنه لم يكن فرض بعد أو الراوي اختصره ويؤيد
هذا الثاني ما أخرجه المصنف في الصيام من طريق إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل في هذا
الحديث قال فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الاسلام فدخل فيه باقي المفروضات
بل والمندوبات (قوله خمس صلوات) في رواية إسماعيل بن جعفر المذكورة أنه قال في سؤاله اخبرنى
ماذا فرض الله على من الصلاة فقال الصلوات الخمس فتبين بهذا مطابقة الجواب للسؤال
ويستفاد من سياق مالك انه لا يجب شئ من الصلوات في كل يوم وليلة غير الخمس خلافا لمن
أوجب الوتر أو ركعتي الفجر أو صلاة الضحى أو صلاة العيد أو الركعتين بعد المغرب (قوله هل
على غيرها قال لا الا أن تطوع) تطوع بتشديد الطاء والواو واصله تتطوع بتاءين فأدغمت
إحداهما ويجوز تخفيف الطاء على حذف إحداهما واستدل بهذا على أن الشروع في
التطوع يوجب اتمامه تمسكا بان الاستثناء فيه متصل قال القرطبي لأنه نفى وجوب شئ آخر
الا ما تطوع به والاستثناء من النفي اثبات ولا قائل بوجوب التطوع فيتعين ان يكون المراد الا
ان تشرع في تطوع فيلزمك اتمامه وتعقبه الطيبى بان ما تمسك به مغالطة لان الاستثناء هنا من
غير الجنس لان التطوع لا يقال فيه عليك فكانه قال لا يجب عليك شئ الا ان أردت ان تطوع
فذلك لك وقد علم أن التطوع ليس بواجب فلا يجب شئ آخر أصلا كذا قال وحرف المسئلة
98

دائر على الاستثناء فمن قال إنه متصل تمسك بالأصل ومن قال إنه منقطع احتاج إلى دليل والدليل
عليه ما روى النسائي وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانا ينوى صوم التطوع ثم يفطر
وفى البخاري انه أمر جويرية بنت الحرث ان تفطر يوم الجمعة بعد ان شرعت فيه فدل على أن
الشروع في العبادة لا يستلزم الاتمام إذا كانت نافلة بهذا النص في الصوم وبالقياس في الباقي
فان قيل يرد الحج قلنا لا لأنه امتاز عن غيره بلزوم المضي في فاسده فكيف في صحيحه وكذلك امتاز
بلزوم الكفارة في نفله كفرضه والله أعلم على أن في استدلال الحنفية نظرا لانهم لا يقولون
بفرضية الاتمام بل بوجوبه واستثناء الواجب من الفرض منقطع لتباينهما وأيضا فان الاستثناء
من النفي عندهم ليس للاثبات بل مسكوت عنه وقوله الا ان تطوع استثناء من قوله لا أي
لا فرض عليك غيرها (قوله وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة) في رواية إسماعيل بن
جعفر قال اخبرنى بما فرض الله على من الزكاة قال فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم
بشرائع الاسلام فتضمنت هذه الرواية ان في القصة أشياء أجملت منها بيان نصب الزكاة فإنها لم
تفسر في الروايتين وكذا أسماء الصلوات وكأن السبب فيه شهرة ذلك عندهم أو القصد من
القصة بيان ان المتمسك بالفرائض ناج وان لم يفعل النوافل (قوله والله) في رواية إسماعيل بن
جعفر فقال والذي أكرمك وفيه جواز الحلف في الامر المهم وقد تقدم (قوله أفلح ان صدق)
وقع عند مسلم من رواية إسماعيل بن جعفر المذكورة أفلح وأبيه ان صدق أو دخل الجنة وأبيه
ان صدق ولابى داود مثله لكن بحذف أو فان قيل ما الجامع بين هذا وبين النهى عن الحلف
بالإباء أجيب بان ذلك كان قبل النهى أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما
جرى على لسانهم عقري حلقى وما أشبه ذلك أو فيه اضمار اسم الرب كأنه قال ورب أبيه وقيل هو
خاص ويحتاج إلى دليل وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه قال هو تصحيف وانما كان
والله فقصرت اللامان واستنكر القرطبي هذا وقال إنه يجزم الثقة بالروايات الصحيحة وغفل
القرافي فادعى ان الرواية بلفظ وأبيه لم تصح لأنها ليست في الموطأ وكانه لم يرتض الجواب فعدل
إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية فيه وأقوى الأجوبة الأولان وقال ابن بطال دل قوله أفلح ان
صدق على أنه ان لم يصدق فيما التزم لا يفلح وهذا بخلاف قول المرجئة فان قيل كيف أثبت له
الفلاح بمجرد ما ذكر مع أنه لم يذكر المنهيات أجاب ابن بطال باحتمال أن يكون ذلك وقع قبل ورود
فرائض النهى وهو عجيب منه لأنه جزم بأن السائل ضمام وأقدم ما قيل فيه انه وفد سنة خمس
وقيل بعد ذلك وقد كان أكثر المنهيات واقعا قبل ذلك والصواب أن ذلك داخل في عموم قوله
فأخبره بشرائع الاسلام كما أشرنا إليه فان قيل أما فلاحه بأنه لا ينقص فواضح وأما بان لا يزيد
فكيف يصح أجاب النووي بأنه أثبت له الفلاح لأنه أتى بما عليه وليس فيه انه إذا أتى بزائد
على ذلك لا يكون مفلحا لأنه إذا أفلح بالواجب ففلاحه بالمندوب مع الواجب أولى فان قيل
فكيف أقره على حلفه وقد ورد النكير على من حلف ان لا يفعل خيرا أجيب بان ذلك مختلف
باختلاف الأحوال والاشخاص وهذا جار على الأصل بأنه لا اثم على غير تارك الفرائض فهو
مفلح وإن كان غيره أكثر فلاحا منه وقال الطيبى يحتمل ان يكون هذا الكلام صدر منه على طريق
المبالغة في التصديق والقبول أي قبلت كلامك قبولا لا مزيد عليه من جهة السؤال ولا نقصان
99

فيه من طريق القبول وقال ابن المنير يحتمل أن تكون الزيادة والنقص يتعلق بالابلاغ لأنه
كان وافد قومه ليتعلم ويعلمهم (قلت) والاحتمالان مردودان برواية إسماعيل بن جعفر فان
نصها لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله على شيئا وقيل مراده بقوله لا أزيد ولا أنقص أي
لا أغير صفة الفرض كمن ينقص الظهر مثلا ركعة أو يزيد المغرب (قلت) ويعكر عليه أيضا لفظ
التطوع في رواية إسماعيل بن جعفر والله أعلم (قوله باب اتباع الجنائز من الايمان) ختم المصنف
معظم التراجم التي وقعت له من شعب الايمان بهذه الترجمة لان ذلك آخر أحوال الدنيا وانما أخر
ترجمة أداء الخمس من الايمان لمعنى سنذكره هناك ووجه الدلالة من الحديث للترجمة قد نبهنا
عليه في نظائره قبل (قوله المنجوفي) هو بفتح الميم وسكون النون وضم الجيم وبعد الواو الساكنة
فاء نسبة إلى جد جده منجوف السدوسي وهو بصرى وكذا باقي رجال الاسناد غير الصحابي
وروح بفتح الراء هو ابن عبادة القيسي وعوف هو ابن أبي جميلة بفتح الجيم الأعرابي بفتح الهمزة
وانما قيل له ذلك لفصاحته وكنيته أبو سهل واسم أبيه بندويه بموحدة مفتوحة ثم
نون ساكنة ثم دال مهملة بوزن راهويه والحسن هو ابن أبي الحسن البصري ومحمد هو ابن سيرين
وهو مجرور بالعطف على الحسن فالحسن وابن سيرين حدثا به عوفا عن أبي هريرة اما مجتمعين واما
متفرقين فاما ابن سيرين فسماعه من أبي هريرة صحيح واما الحسن فمختلف في سماعه منه والأكثر
على نفيه وتوهيم من أثبته وهو مع ذلك كثير الارسال فلا تحمل عنعنته على السماع وانما أورده
المصنف كما سمع وقد وقع له نظير هذا في قصة موسى فإنه أخرج فيها حديثا من طريق روح بن
عبادة بهذا الاسناد وأخرج أيضا في بدء الخلق من طريق عوف عنهما عن أبي هريرة حديثا آخر
واعتماده في كل ذلك على محمد بن سيرين والله أعلم (قوله من اتبع) هو بالتشديد وللأصيلي تبع
بحذف الألف وكسر الموحدة وقد تمسك بهذا اللفظ من زعم أن المشي خلفها أفضل ولا حجة فيه
لأنه يقال تبعه إذا مشى خلفه أو إذا مر به فمشى معه وكذلك اتبعه بالتشديد وهو افتعل منه فإذا
هو مقول بالاشتراك وقد بين المراد الحديث الآخر المصحح عند ابن حبان وغيره من حديث ابن عمر
في المشي امامها واما أتبعه بالاسكان فهو بمعنى لحقه إذا كان سبقه ولم تأت به الرواية هنا (قوله
وكان معه) أي مع المسلم وللكشميهني معها أي مع الجنازة (قوله حتى يصلى) بكسر اللام
ويروى بفتحها فعلى الأول لا يحصل الموعود به الا لمن توجد منه الصلاة وعلى الثاني قد يقال يحصل
له ذلك ولو لم يصل أما إذا قصد الصلاة وحال دونه مانع فالظاهر حصول الثواب له مطلقا والله أعلم
(قوله ويفرغ) بضم أوله وفتح الراء ويروى بالعكس وقد أثبتت هذه الرواية أن القيراطين انما
يحصلان بمجموع الصلاة والدفن وأن الصلاة دون الدفن يحصل بها قيراط واحد وهذا هو المعتمد
خلافا لمن تمسك بظاهر بعض الروايات فزعم أنه يحصل بالمجموع ثلاثة قراريط وسنذكر بقية مباحثه
وفوائده في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى (قوله تابعه) أي روح بن عبادة وعثمان هو ابن الهيثم
وهو من شيوخ البخاري فإن كان سمع هذا الحديث منه فهو له أعلى بدرجة لكنه ذكر الموصول
عن روح لكونه أشد اتقانا منه ونبه برواية عثمان على أن الاعتماد في هذا السند على محمد بن
سيرين فقط لأنه لم يذكر الحسن فكأن عوفا كان ربما ذكره وربما حذفه وقد حدث به المنجوفي
شيخ البخاري مرة باسقاط الحسن أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه ومتابعة عثمان هذه
100

وصلها أبو نعيم في المستخرج قال ثنا أبو إسحاق بن حمزة ثنا أبو طالب بن أبي عوانة ثنا سليمان بن
سيف 3 ثنا عثمان بن الهيثم فذكر الحديث ولفظه موافق لرواية روح الا في قوله وكان معها فإنه
قال بدلها فلزمها وفى قوله ويفرغ من دفنها فإنه قال بدلها وتدفن وقال في آخره فله قيراط بدل قوله
فإنه يرجع بقيراط والباقي سواء ولهذا الاختلاف في اللفظ قال المصنف نحوه وهو بفتح الواو أي
بمعناه (قوله باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر) هذا الباب معقود للرد على المرجئة
خاصة وإن كان أكثر ما مضى من الأبواب قد تضمن الرد عليهم لكن قد يشركهم غيرهم من
أهل البدع في شئ منها بخلاف هذا والمرجئة بضم الميم وكسر الجيم بعدها ياء مهموزة ويجوز
تشديدها بلا همز نسبوا إلى الارجاء وهو التأخير لانهم أخروا الأعمال عن الايمان فقالوا الايمان
هو التصديق بالقلب فقط ولم يشترط جمهورهم النطق وجعلوا للعصاة اسم الايمان على الكمال
وقالوا لا يضر مع الايمان ذنب أصلا ومقالاتهم مشهورة في كتب الأصول ومناسبة ايراد هذه
الترجمة عقب التي قبلها من جهة ان اتباع الجنازة مظنة لان يقصد بها مراعاة أهلها أو مجموع
الامرين وسياق الحديث يقتضى ان الاجر الموعود به انما يحصل لمن صنع ذلك احتسابا أي خالصا
فعقبه بما يشير إلى أنه قد يعرض للمرء ما يعكر على قصده الخالص فيحرم به الثواب الموعود وهو
لا يشعر فقوله ان يحبط عمله أي يحرم ثواب عمله لأنه لا يثاب الا على ما أخلص فيه وبهذا التقرير
يندفع اعتراض من اعترض عليه بأنه يقوى مذهب الاحباطية الذين يقولون إن السيئات
يبطلن الحسنات وقال القاضي أبو بكر بن العربي في الرد عليهم القول الفصل في هذا ان
الاحباط احباطان أحدهما ابطال الشئ للشئ واذهابه جملة كاحباط الايمان للكفر والكفر
للايمان وذلك في الجهتين اذهاب حقيقي ثانيهما احباط الموازنة إذا جعلت الحسنات
في كفة والسيئات في كفة فمن رجحت حسناته نجا ومن رجحت سيآته وقف في المشيئة اما
أن يفغر له واما ان يعذب فالتوقيف ابطال ما لان توقيف المنفعة في وقت الحاجة إليها ابطال لها
والتعذيب ابطال أشد منه إلى حين الخروج من النار ففي كل منهما ابطال نسبى أطلق عليه
اسم الاحباط مجازا وليس هو احباطا حقيقة لأنه إذا أخرج من النار وادخل الجنة عاد إليه
ثواب عمله وهذا بخلاف قول الاحباطية الذين سووا بين الاحباطين وحكموا على العاصي بحكم
الكافر وهم معظم القدرية والله الموفق (قوله وقال إبراهيم التميمي) هو من فقهاء التابعين
وعبادهم وقوله مكذبا يروى بفتح الذال يعنى خشيت ان يكذبني من رأى عملي مخالفا لقولي
فيقول لو كنت صادقا ما فعلت خلاف ما تقول وانما قال ذلك لأنه كان يعظ الناس ويروى بكسر
الذال وهى رواية الأكثر ومعناه انه مع وعظه الناس لم يبلغ غاية العمل وقد ذم الله من أمر
بالمعروف ونهى عن المنكر وقصر في العمل فقال كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون فخشى
ان يكون مكذبا أي مشابها للمكذبين وهذا التعليق وصله المصنف في تاريخه عن أبي نعيم وأحمد
ابن حنبل في الزهد عن ابن مهدي كلاهما عن سفيان الثوري عن أبي حيان التيمي عن إبراهيم
المذكور (قوله وقال ابن أبي مليكة الخ) هذا التعليق وصله ابن أبي خيثمة في تاريخه لكن أبهم
العدد وكذا أخرجه محمد بن نصر المروزي مطولا في كتاب الايمان له وعينه أبو زرعة الدمشقي في
تاريخه من وجه آخر مختصرا كما هنا والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة من أجلهم عائشة وأختها
101

أسماء وأم سلمة والعبادلة الأربعة وأبو هريرة وعقبة بن الحرث والمسور بن مخرمة فهؤلاء ممن سمع
منهم وقد أدرك بالسن جماعة أجل من هؤلاء كعلى بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وقد جزم
بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك فكانه اجماع وذلك لان
المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالف الاخلاص ولا يلزم من خوفهم من ذلك
وقوعه منهم بل ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورع والتقوى رضي الله عنهم وقال ابن بطال انما
خافوا لانهم طالت أعمارهم حتى رأوا من التغير ما لم يعهدوه ولم يقدروا على انكاره فخافوا ان
يكونوا داهنوا بالسكوت (قوله ما منهم أحد يقول إنه على ايمان جبريل وميكائيل) أي لا يجزم
أحد منهم بعدم عروض النفاق له كما يجزم بذلك في ايمان جبريل وفى هذا إشارة إلى أن المذكورين
كانوا قائلين بتفاوت درجات المؤمنين في الايمان خلافا للمرجئة القائلين بان ايمان الصديقين
وغيرهم بمنزلة واحدة وقد روى في معنى أثر ابن أبي مليكة حديث عن عائشة مرفوع رواه
الطبراني في الأوسط لكن اسناده ضعيف (قوله ويذكر عن الحسن) هذا التعليق وصله جعفر
الفريابي في كتاب صفة المنافق له من طرق متعددة بألفاظ مختلفة وقد يستشكل ترك البخاري
الجزم به مع صحته عنه وذلك محمول على قاعدة ذكرها لي شيخنا أبو الفضل بن الحسين الحافظ رحمه
الله وهى ان البخاري لا يخص صيغة التمريض بضعف الاسناد بل إذا ذكر المتن بالمعنى أو اختصره
أتى بها أيضا لما علم من الخلاف في ذلك فهنا كذلك وقد أوقع اختصاره له لبعضهم الاضطراب
في فهمه فقال النووي ما خافه الا مؤمن ولا امنه الا منافق يعنى الله تعالى قال الله تعالى ولمن
خاف مقام ربه جنتان وقال فلا يامن مكر الله الا القوم الخاسرون وكذا شرحه ابن التين
وجماعة من المتأخرين وقرره الكرماني هكذا فقال ما خافه أي ما خاف من الله فحذف الجار
وأوصل الفعل إليه قلت وهذا الكلام وإن كان صحيحا لكنه خلاف مراد المصنف ومن نقل
عنه والذي أوقعهم في هذا هو الاختصار والا فسياق كلام الحسن البصري يبين انه انما أراد
النفاق فلنذكره قال جعفر الفريابي ثنا قتيبة ثنا جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد سمعت
الحسن يحلف في هذا المسجد بالله الذي لا اله الا هو ما مضى مؤمن قط ولا بقى الا وهو من النفاق
مشفق ولا مضى منافق قط ولا بقى الا وهو من النفاق آمن وكان يقول من لم يخف النفاق فهو
منافق وقال أحمد بن حنبل في كتاب الايمان ثنا روح ابن عبادة ثنا هشام سمعت الحسن يقول
والله ما مضى مؤمن ولا بقى الا وهو يخاف النفاق وما امنه الا منافق انتهى وهذا موافق لاثر ابن أبي
مليكة الذي قبله وهو قوله كلهم يخاف النفاق على نفسه والخوف من الله وإن كان مطلوبا
محمودا لكن سياق الباب في أمر آخر والله أعلم (قوله وما يحذر) هو بضم أوله وتشديد الذال المعجمة
ويروى بتخفيفها وما مصدرية والجملة في محل جر لأنها معطوفة على خوف أي باب ما يحذر وفصل
بين الترجمتين بالآثار التي ذكرها لتعلقها بالأولى فقط واما الحديثان فالأول منهما تعلق بالثانية
والثاني يتعلق بالأولى على ما سنوضحه ففيه لف ونشر غير مرتب على حد قوله يوم تبيض وجوه
الآية ومراده أيضا الرد على المرجئة حيث قالوا لا حذر من المعاصي مع حصول الايمان ومفهوم
الآية التي ذكرها يرد عليهم لأنه تعالى مدح من استغفر لذنبه ولم يصر عليه فمفهومه ذم من لم يفعل
ذلك ومما يدخل في معنى الترجمة قول الله تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم وقوله ونقلب أفئدتهم
102

وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة وقوله تعالى لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له
بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط أعمالكم وهذه الآية أدل على المراد مما قبلها فمن أصر على
نفاق المعصية خشى عليه ان يفضى به إلى نفاق الكفر وكأن المصنف لمح بحديث عبد الله بن
عمرو المخرج عند أحمد مرفوعا قال ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون أي
يعلمون ان من تاب تاب الله عليه ثم لا يستغفرون قاله مجاهد وغيره وللترمذي عن أبي بكر الصديق
مرفوعا ما أصر من استغفر وان عاد في اليوم سبعين مرة اسناد كل منهما حسن (قوله على التقاتل)
كذا في أكثر الروايات وهو المناسب لحديث الباب وفى بعضها على النفاق ومعناه صحيح وان لم
تثبت به الرواية (قوله زبيد) تقدم انه بالزاي والموحدة مصغرا وهو ابن الحرث اليامي بياء تحتانية
وميم خفيفة يكنى أبا عبد الرحمن وقد روى هذا الحديث شعبة أيضا عن منصور بن المعتمر وهو عند
المصنف في الأدب وعن الأعمش وهو عند مسلم وروى عن ابن حبان من طريق سليمان بن حرب عن
شعبة عن الثلاثة جميعا عن أبي وائل وقال ابن منده لم يختلف في رفعه عن زبيد واختلف على
الآخرين ورواه عن زبيد غير شعبة أيضا عند مسلم وغيره (قوله سألت أبا وائل عن المرجئة) أي
عن مقالة المرجئة ولابى داود الطيالسي عن شعبة عن زبيد قال لما ظهرت المرجئة أتيت أبا وائل
فذكرت ذلك له فظهر من هذا ان سؤاله كان عن معتقدهم وان ذلك كان حين ظهورهم وكانت
وفاة أبى وائل سنة تسع وتسعين وقيل سنة اثنتين وثمانين ففي ذلك دليل على أن بدعة الارجاء قديمة
وقد تابع أبا وائل في رواية هذا الحديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أخرجه
الترمذي مصححا ولفظه قتال المسلم أخاه كفر وسبابه فسوق ورواه جماعة عن عبد الله بن مسعود
موقوفا ومرفوعا ورواه النسائي من حديث سعد بن أبي وقاص أيضا مرفوعا فانتفت بذلك
دعوى من زعم أن أبا وائل تفرد به (قوله سباب) هو بكسر السين وتخفيف الموحدة وهو مصدر
يقال سب يسب سبا وسبابا وقال إبراهيم الحربي السباب أشد من السب وهو أن يقول في الرجل
ما فيه وما ليس فيه يريد بذلك عيبته وقال غيره السباب هنا مثل القتال فيقتضى المفاعلة وقد
تقدم بأوضح من هذا في باب المعاصي من أمر الجاهلية (قوله المسلم) كذا في معظم الروايات
ولأحمد عن غندر عن شعبة المؤمن فكأنه رواه بالمعنى (قوله فسوق) الفسق في اللغة الخروج
وفى الشرع الخروج عن طاعة الله ورسوله وهو في عرف الشرع أشد من العصيان قال الله
تعالى وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ففي الحديث تعظيم حق المسلم والحكم على
من سبه بغير حق بالفسق ومقتضاه الرد على المرجئة وعرف من هذا مطابقة جواب أبى وائل
للسؤال عنهم كأنه قال كيف تكون مقالتهم حقا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا (قوله
وقتاله كفر) ان قيل هذا وان تضمن الرد على المرجئة لكن ظاهره يقوى مذهب الخوارج الذين
يكفرون بالمعاصي فالجواب ان المبالغة في الرد على المبتدع اقتضت ذلك ولا متمسك للخوارج فيه
لان ظاهره غير مراد لكن لما كان القتال أشد من السباب لأنه مفض إلى ازهاق الروح عبر عنه
بلفظ أشد من لفظ الفسق وهو الكفر ولم يرد حقيقة الكفر التي هي الخروج عن الملة بل أطلق
عليه الكفر مبالغة في التحذير معتمدا على ما تقرر من القواعد ان مثل ذلك لا يخرج عن الملة مثل
حديث الشفاعة ومثل قوله تعالى ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقد
103

أشرنا إلى ذلك في باب المعاصي من أمر الجاهلية أو أطلق عليه الكفر لشبهه به لان قتال المؤمن من
شان الكافر وقيل المراد هنا الكفر اللغوي وهو التغطية لان حق المسلم على المسلم ان يعينه
وينصره ويكف عنه أذاه فلما قاتله كان كأنه غطى على هذا الحق والأولان أليق بمراد المصنف وأولى
بالمقصود من التحذير من فعل ذلك والزجرعه بخلاف الثالث وقيل أراد بقوله كفر أي قد يؤل
هذا الفعل بشؤمه إلى الكفر وهذا بعيد وأبعد منه حمله على المستحل لذلك لأنه لا يطابق الترجمة
ولو كان مرادا لم يحصل التفريق بين السباب والقتال فان مستحل لعن المسلم بغير تأويل يكفر أيضا
ثم ذلك محمول على من فعله بغير تأويل وقد بوب عليه المصنف في كتاب المحاربين كما سيأتي إن شاء الله
تعالى ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب
بعض ففيه هذه الأجوبة وسيأتى في كتاب الفتن ونظيره قوله تعالى أفتؤمنون ببعض الكتاب
وتكفرون ببعض بعد قوله ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم الآية
فدل على أن بعض الأعمال يطلق عليه الكفر تغليظا وأما قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم
لعن المسلم كقتله فلا يخالف هذا الحديث لان المشبه به فوق المشبه والقدر الذي اشتركا فيه بلوغ
الغاية في التأثير هذا في العرض وهذا في النفس والله أعلم وقد ورد لهذا المتن سبب ذكرته في أول
كتاب الفتن في أواخر الصحيح (قوله عن حميد) هو الطويل عن أنس وللاصيلى ثناء أنس بن مالك
فأمنا تدليس حميد وهو من رواية صحابي عن صحابي أنس عن عبادة بن الصامت (قوله خرج يخبر
بليلة القدر) أي بتعيين ليلة القدر (قوله فتلاحى) بفتح الحاء المهملة مشتق من التلاحي بكسرها
وهو التنازع والمخاصمة والرجلان أفاد ابن دحية انهما عبد الله بن أبي حدرد بحاء مفتوحة ودال
ساكنة مهملتين ثم راء مفتوحة ودال مهملة أيضا وكعب بن مالك وقوله فرفعت أي فرفع
تعيينها عن ذكرى هذا هو المعتمد هنا والسبب فيه ما أوضحه مسلم من حديث أبي سعيد في هذه
القصة قال فجاء رجلان يحتقان بتشديد القاف أي يدعى كل منهما انه المحق معهما الشيطان
فنسيتها قال القاضي عياض فيه دليل على أن المخاصمة مذمومة وانها سبب في العقوبة المعنوية
أي الحرمان وفيه ان المكان الذي يحضره الشيطان ترفع منه البركة والخير فان قيل كيف تكون
المخاصمة في طلب الحق مذمومة قلت انما كانت كذلك لوقوعها في المسجد وهو محل الذكر لا اللغو
ثم في الوقت المخصوص أيضا بالذكر لا اللغو وهو شهر رمضان فالذم لما عرض فيها لا لذاتها ثم إنها
مستلزمة لرفع الصوت ورفعه بحضرة الرسول الله صلى الله عليه وسلم منهى عنه لقوله تعالى لا ترفعوا
أصواتكم فوق صوت النبي إلى قوله تعالى أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ومن هنا يتضح
مناسبة هذا الحديث للترجمة ومطابقتها له وقد خفيت على كثير من المتكلمين على هذا الكتاب فان
قيل قوله وأنتم لا تشعرون يقتضى المؤاخذة بالعمل الذي لا قصد فيه فالجواب ان المراد وأنتم
لا تشعرون بالاحباط لاعتقادكم صغر الذنب فقد يعلم المرء الذنب ولكن لا يعلم أنه كبيرة كما قيل
في قوله إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أي عندهما ثم قال وانه لكبير أي في نفس الامر وأجاب
القاضي أبو بكر بن العربي بأن المؤاخذة تحصل بما لم يقصد في الثاني إذا قصد في الأول لان
مراعاة القصد انما هو في الأول ثم يسترسل حكم النية الأولى على مؤتنف العمل وان عزب القصد
خيرا كان أو شرا والله أعلم (قوله وعسى ان يكون خيرا) أي وإن كان عدم الرفع أزيد خيرا
104

وأولى منه لأنه متحقق فيه لكن في الرفع خير مرجو لاستلزامه مزيد الثواب لكونه سببا لزيادة
الاجتهاد في التماسها وانما حصل ذلك ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم (قوله في السبع
والتسع) كذا في معظم الروايات بتقديم السبع التي أولها السين على التسع ففيه إشارة إلى أن
رجاءها في السبع أقوى للاهتمام بتقديمه ووقع عند أبي نعيم في المستخرج بتقديم التسع على
ترتيب التدلي واختلف في المراد بالتسع وغيرها فقيل لتسع يمضين من العشر وقيل لتسع يبقين
من الشهر وسنذكر بسط هذا في محله حيث ذكره المصنف في كتاب الاعتكاف إن شاء الله تعالى
(قوله باب سؤال جبريل عن الايمان والاسلام الخ) تقدم ان المصنف يرى أن الايمان والاسلام
عبارة عن معنى واحد فلما كان ظاهر سؤال جبريل عن الايمان والاسلام وجوابه يقتضى
تغايرهما وان الايمان تصديق بأمور مخصوصة والاسلام اظهار اعمال مخصوصة أراد ان يرد
ذلك بالتأويل إلى طريقته (قوله وبيان) أي مع بيان ان الاعتقاد والعمل دين وقوله وما بين
أي مع ما بين للوفد أن الايمان هو الاسلام حيث فسره في قصتهم بما فسر به الاسلام هنا وقوله
وقول الله أي مع ما دلت عليه الآية ان الاسلام هو الدين ودل عليه خبر أبي سفيان ان الايمان
هو الدين فاقتضى ذلك ان الاسلام والايمان أمر واحد هذا محصل كلامه وقد نقل أبو عوانة
الأسفرايني في صحيحه عن المزنى صاحب الشافعي الجزم بأنهما عبارة عن معنى واحد وانه سمع ذلك
منه وعن الإمام أحمد الجزم بتغايرهما ولكل من القولين أدلة متعارضة وقال الخطابي صنف
في المسئلة امامان كبيران وأكثرا من الأدلة للقولين وتباينا في ذلك والحق ان بينهما عموما
وخصوصا فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا انتهى كلامه ملخصا ومقتضاه ان الاسلام
لا يطلق على الاعتقاد والعمل معا بخلاف الايمان فإنه يطلق عليهما معا ويرد عليه قوله تعالى
ورضيت لكم الاسلام دينا فان الاسلام هنا يتناول العمل والاعتقاد معا لان العامل غير المعتقد
ليس بذى دين مرضى وبهذا استدل المزنى وأبو محمد البغوي فقال في الكلام على حديث جبريل
هذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم الاسلام هنا اسما لما ظهر من الأعمال والايمان اسما لما بطن
من الاعتقاد وليس ذاك لان الأعمال ليست من الايمان ولا لان التصديق ليس من الاسلام
بل ذاك تفصيل لجملة كلها شئ واحد وجماعها الدين ولهذا قال صلى الله عليه وسلم أتاكم
يعلمكم دينكم وقال سبحانه وتعالى ورضيت لكم الاسلام دينا وقال ومن يبتغ غير الاسلام
دينا فلن يقبل منه ولا يكون الدين في محل الرضا والقبول الا بانضمام التصديق انتهى كلامه
والذي يظهر من مجموع الأدلة ان لكل منهما حقيقة شرعية كما أن لكل منهما حقيقة لغوية
لكن كل منهما مستلزم للآخر بمعنى التكميل له فكما ان العامل لا يكون مسلما كاملا الا إذا
اعتقد فكذلك المعتقد لا يكون مؤمنا كاملا الا إذا عمل وحيث يطلق الايمان في موضع
الاسلام أو العكس أو يطلق أحدهما على ارادتهما معا فهو على سبيل المجاز ويتبين المراد بالسياق
فان وردا معا في مقام السؤال حملا على الحقيقة وان لم يردا معا أو لم يكن في مقام سؤال أمكن
الحمل على الحقيقة أو المجاز بحسب ما يظهر من القرائن وقد حكى ذلك الإسماعيلي عن أهل السنة
والجماعة قالوا إنهما تختلف دلالتهما بالاقتران فان أفرد أحدهما دخل الآخر فيه وعلى ذلك
يحمل ما حكاه محمد بن نصر وتبعه ابن عبد البر عن الأكثر انهم سووا بينهما على ما في حديث
105

عبد القيس وما حكاه اللالكائي وابن السمعاني عن أهل السنة انهم فرقوا بينهما على ما في حديث
جبريل والله الموفق (قوله وعلم الساعة) تفسير منه للمراد بقول جبريل في السؤال متى الساعة
أي متى علم الساعة ولا بد من تقدير محذوف آخر أي متى علم وقت الساعة (قوله وبيان النبي
صلى الله عليه وسلم) هو مجرور لأنه معطوف على علم المعطوف على سؤال المجرور بالإضافة فان قيل
لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم وقت الساعة فكيف قال وبيان النبي صلى الله عليه وسلم له
فالجواب ان المراد بالبيان بيان أكثر المسؤول عنه فاطلقه لان حكم معظم الشئ حكم كله أو جعل
الحكم في علم الساعة بأنه لا يعلمه الا الله بيانا له (قوله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) هو البصري
المعروف بابن علية قال أخبرنا أبو حيان التيمي وأورده المصنف في تفسير سورة لقمان من حديث
جرير بن عبد الحميد عن أبي حيان المذكور ورواه مسلم من وجه آخر عن جرير أيضا عن عمارة
ابن القعقاع ورواه أبو داود والنسائي من حديث جرير أيضا عن أبي فروة ثلاثتهم عن أبي زرعة
عن أبي هريرة زاد أبو فروة وعن أبي ذر أيضا وساق حديثه عنهما جميعا وفيه فوائد زوائد سنشير
إليها إن شاء الله تعالى ولم أر هذا الحديث من رواية أبي هريرة الا عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير
هذا عنه ولم يخرجه البخاري الا من طريق أبى حيان عنه وقد أخرجه مسلم من حديث عمر بن
الخطاب وفى سياقه فوائد زوائد أيضا وانما لم يخرجه البخاري لاختلاف فيه على بعض رواته
فمشهوره رواية كهمس بسين مهملة قبلها ميم مفتوحة ابن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن
يحيى بن يعمر بفتح الميم أوله ياء تحتانية مفتوحة عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رواه
عن كهمس جماعة من الحفاظ وتابعه مطر الوراق عن عبد الله بن بريدة وتابعه سليمان التيمي
عن يحيى بن يعمر وكذا رواه عثمان بن غياث عن عبد الله بن بريدة لكنه قال عن يحيى بن يعمر وحميد
ابن عبد الرحمن معا عن ابن عمر عن عمر زاد فيه حميدا وحميد له في الرواية المشهورة ذكر لا رواية
وأخرج مسلم هذه الطرق ولم يسق منها الا متن الطريق الأولى وأحال الباقي عليها وبينها اختلاف
كثير سنشير إلى بعضه فأما رواية مطر فأخرجها أبو عوانة في صحيحه وغيره وأما رواية سليمان
التيمي فأخرجها ابن خزيمة في صحيحه وغيره وأما رواية عثمان بن غياث فأخرجها أحمد في مسنده
وقد خالفهم سليمان بن بريدة أخو عبد الله فرواه عن يحيى بن يعمر عن عبد الله بن عمر قال بينما
نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعله من مسند ابن عمر لا من روايته عن أبيه أخرجه أحمد أيضا
وكذا رواه أبو نعيم في الحلية من طريق عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر وكذا روى من طريق
عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر أخرجه الطبراني وفى الباب عن أنس أخرجه البزار
والبخاري في خلق أفعال العباد واسناده حسن وعن جرير البجلي أخرجه أبو عوانة في صحيحه وفى
اسناده خالد بن يزيد وهو العمرى ولا يصلح للصحيح وعن ابن عباس وأبى عامر الأشعري أخرجهما
أحمد واسنادهما حسن وفى كل من هذه الطرق فوائد سنذكرها إن شاء الله تعالى في أثناء
الكلام على حديث الباب وانما جمعت طرقها هنا وعزوتها إلى مخرجيها لتسهيل الحوالة عليها
فرارا من التكرار المباين لطريق الاختصار والله الموفق (قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم
بارزا يوما للناس) أي ظاهرا لهم غير محتجب عنهم ولا ملتبس بغيره والبروز الظهور وقد وقع في
رواية أبى فروة التي أشرنا إليها بيان ذلك فان أوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين
106

أصحابه فيجئ الغريب فلا يدرى أيهم هو فطلبنا إليه ان تجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه
قال فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه انتهى واستنبط منه القرطبي استحباب جلوس العالم
بمكان يختص به ويكون مرتفعا إذا احتاج لذلك لضرورة تعليم ونحوه (قوله فاتاه رجل) أي
ملك في صورة رجل وفى التفسير للمصنف إذ أتاه رجل يمشى ولابى فروة فانا الجلوس عنده إذ
أقبل رجل أحسن الناس وجها وأطيب الناس ريحا كأن ثيابه لم يمسها دنس ولمسلم من طريق
كهمس في حديث عمر بينما نحن ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل
شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر وفى رواية ابن حبان سواد اللحية لا يرى عليه أثر السفر ولا
يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على
فخديه وفى رواية لسليمان التيمي ليس عليه سحناء السفر وليس من البلد فتخطى حتى برك بين يدي
النبي صلى الله عليه وسلم كما يجلس أحدنا في الصلاة ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم
وكذا في حديث ابن عباس وأبى عامر الأشعري ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم
فأفادت هذه الرواية ان الضمير في قوله على فخذيه يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وبه جزم
البغوي وإسماعيل التيمي لهذه الرواية ورجحه الطيبى بحثا لأنه نسق الكلام خلافا لما جزم به
النووي ووافقه التوربشتي لأنه حمله على أنه جلس كهيئة المتعلم بين يدي من يتعلم منه وهذا وإن كان
ظاهرا من السياق لكن وضعه يديه على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم صنيع منبه للاصغاء
إليه وفيه إشارة لما ينبغي للمسئول من التواضع والصفح عما يبدو من جفاء السائل والظاهر أنه
أراد بذلك المبالغة في تعمية أمره ليقوى الظن بأنه من جفاة الاعراب ولهذا تخطى الناس حتى
انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ولهذا استغرب الصحابة صنيعه ولأنه ليس من أهل
البلد وجاء ماشيا ليس عليه أثر سفر فان قيل كيف عرف عمر أنه لم يعرفه أحد منهم أجيب بأنه
يحتمل ان يكون استند في ذلك إلى ظنه أو إلى صريح قول الحاضرين قلت وهذا الثاني أولى فقد
جاء كذلك في رواية عثمان بن غياث فان فيها فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا ما نعرف هذا
وأفاد مسلم في رواية عمارة بن القعقاع سبب ورود هذا الحديث فعنده في أوله قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم سلوني فهابوا أن يسألوه قال فجاء رجل ووقع في رواية ابن منده من طريق يزيد
ابن زريع عن كهمس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاءه رجل فكأن أمره لهم
بسؤاله وقع في خطبته وظاهره ان مجئ الرجل كان في حال الخطبة فاما ان يكون وافق انقضاءها
أو كان ذكر ذلك القدر جالسا وعبر عنه الراوي بالخطبة (قوله فقال) زاد المصنف في التفسير
يا رسول الله ما الايمان فان قيل فكيف بدأ بالسؤال قبل السلام أجيب بأنه يحتمل ان يكون ذلك
مبالغة في التعمية لامره أو ليبين ان ذلك غير واجب أو سلم فلم ينقله الراوي قلت وهذا الثالث
هو المعتمد فقد ثبت في رواية أبى فروة ففيها بعد قوله كأن ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف
البساط فقال السلام عليك يا محمد فرد عليه السلام قال أدنو يا محمد قال ادن فما زال يقول
أدنو مرارا ويقول له ادن ونحوه في رواية عطاء عن ابن عمر لكن قال السلام عليك يا رسول الله
وفى رواية مطر الوراق فقال يا رسول الله أدنو منك قال ادن ولم يذكر السلام فاختلفت الروايات
هل قال له يا محمد أو يا رسول الله وهل سلم أولا فاما السلام فمن ذكره مقدم على من سكت عنه
107

وقال القرطبي بناء على أنه لم يسلم وقال يا محمد انه أراد بذلك التعمية فصنع صنيع الاعراب قلت
ويجمع بين الروايتين بأنه بدأ أولا بندائه باسمه لهذا المعنى ثم خاطبه بقوله يا رسول الله ووقع
عند القرطبي أنه قال السلام عليكم يا محمد فاستنبط منه أنه يستحب للداخل أن يعمم بالسلام ثم
يخصص من يريد تخصيصه انتهى والذي وقفت عليه من الروايات انما فيه الافراد وهو قوله
السلام عليك يا محمد (قوله ما الايمان) قيل قدم السؤال عن الايمان لأنه الأصل وثنى بالاسلام
لأنه يظهر مصداق الدعوى وثلث بالاحسان لأنه متعلق بهما وفى رواية عمارة بن القعقاع بدأ
بالاسلام لأنه بالامر الظاهر وثنى بالايمان لأنه بالامر الباطن ورجح هذا الطيبى لما فيه من الترقي
ولا شك أن القصة واحدة اختلف الرواة في تأديتها وليس في السياق ترتيب ويدل عليه رواية
مطر الوراق فإنه بدأ بالاسلام وثنى بالاحسان وثلث بالايمان فالحق أن الواقع أمر واحد والتقديم
والتأخير وقع من الرواة والله أعلم (قوله قال الايمان أن تؤمن بالله الخ) دل الجواب على أنه
علم أنه سأله عن متعلقاته لا عن معنى لفظه والا لكان الجواب الايمان التصديق وقال الطيبى هذا
يوهم التكرار وليس كذلك فان قوله أن تؤمن بالله مضمن معنى أن تعترف به ولهذا عداه بالباء أي
أن تصدق معترفا بكذا قلت والتصديق أيضا يعدى بالباء فلا يحتاج إلى دعوى التضمين وقال
الكرماني ليس هو تعريفا للشئ بنفسه بل المراد من المحدود الايمان الشرعي ومن الحد الايمان
اللغوي قلت والذي يظهر أنه انما أعاد لفظ الايمان للاعتناء بشأنه تفخيما لامره ومنه قوله
تعالى قل يحييها الذي أنشأها أول مرة في جواب من يحيى العظام وهى رميم يعنى أن قوله أن تؤمن
ينحل منه الايمان فكأنه قال الايمان الشرعي تصديق مخصوص والا لكان الجواب الايمان
التصديق والايمان بالله هو التصديق بوجوده وانه متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص
(قوله وملائكته) الايمان بالملائكة هو التصديق بوجودهم وانهم كما وصفهم الله تعالى عباد
مكرمون وقدم الملائكة على الكتب والرسل نظرا للترتيب الواقع لأنه سبحانه وتعالى أرسل الملك
بالكتاب إلى الرسول وليس فيه متمسك لمن فضل الملك على الرسول (قوله وكتبه) هذه عند الأصيلي
هنا واتفق الرواة على ذكرها في التفسير والايمان بكتب الله التصديق بأنها كلام الله وان ما
تضمنته حق (قوله وبلقائه) كذا وقعت هنا بين الكتب والرسل وكذا لمسلم من الطريقين ولم تقع
في بقية الروايات وقد قيل إنها مكررة لأنها داخلة في الايمان بالبعث والحق أنها غير مكررة فقيل
المراد بالبعث القيام من القبور والمراد باللقاء ما بعد ذلك وقيل اللقاء يحصل بالانتقال من دار الدنيا
والبعث بعد ذلك ويدل على هذا رواية مطر الوراق فان فيها وبالموت وبالبعث بعد الموت كذا في
حديثي أنس وابن عباس وقيل المراد باللقاء رؤية الله ذكره الخطابي وتعقبه النووي بأن أحدا لا
يقطع لنفسه برؤية الله فإنها مختصة بمن مات مؤمنا والمرء لا يدرى بم يختم له فكيف يكون ذلك من
شروط الايمان وأجيب بان المراد الايمان بان ذلك حق في نفس الامر وهذا من الأدلة القوية
لأهل السنة في اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة إذ جعلت من قواعد الايمان (قوله ورسله)
وللاصيلى وبرسله ووقع في حديث أنس وابن عباس والملائكة والكتاب والنبيين وكل من
السياقين في القرآن في البقرة والتعبير بالنبيين يشمل الرسل من غير عكس والايمان بالرسل
التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله ودل الاجمال في الملائكة والكتب والرسل على
108

الاكتفاء بذلك في الايمان بهم من غير تفصيل الا من ثبت تسميته فيجب الايمان به على التعيين
وهذا الترتيب مطابق للآية آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ومناسبة الترتيب المذكور وإن كانت
الواو لا ترتب بل المراد من التقديم أن الخير والرحمة من الله ومن أعظم رحمته أن أنزل كتبه
إلى عباده والمتلقى لذلك منهم الأنبياء والواسطة بين الله وبينهم الملائكة (قوله وتؤمن بالبعث) زاد
في التفسير الآخر ولمسلم في حديث عمر واليوم الآخر فاما البعث الآخر فقيل ذكر الآخر
تأكيدا كقولهم أمس الذاهب وقيل لان البعث وقع مرتين الأولى الاخراج من العدم إلى
الوجود أو من بطون الأمهات بعد النطفة والعلقة إلى الحياة الدنيا والثانية البعث من بطون
القبور إلى محل الاستقرار وأما اليوم الآخر فقيل له ذلك لأنه آخر أيام الدنيا أو آخر الأزمنة
المحدودة والمراد بالايمان به التصديق بما يقع فيه من الحساب والميزان والجنة والنار وقد وقع
التصريح بذكر الأربعة بعد ذكر البعث في رواية سليمان التيمي وفى حديث ابن عباس أيضا
(فائدة) زاد الإسماعيلي في مستخرجه هنا وتؤمن بالقدر وهى في رواية أبى فروة أيضا وكذا لمسلم
من رواية عمارة بن القعقاع وأكده بقوله كله وفى رواية كهمس وسليمان التيمي وتؤمن بالقدر
خيره وشره وكذا في حديث ابن عباس وهو في رواية عطاء عن ابن عمر بزيادة وحلوه ومره من الله
وكأن الحكمة في إعادة لفظ وتؤمن عند ذكر البعث الإشارة إلى أنه نوع آخر مما يؤمن به لان
البعث سيوجد بعد وما ذكر قبله موجود الآن وللتنويه بذكره لكثرة من كان ينكره من الكفار
ولهذا كثر تكراره في القرآن وهكذا الحكمة في إعادة لفظ وتؤمن عند ذكر القدر كأنها إشارة إلى
ما يقع فيه من الاختلاف فحصل الاهتمام بشأنه بإعادة تؤمن ثم قرره بالابدال بقوله خيره وشره
وحلوه ومره ثم زاده تأكيدا بقوله في الرواية الأخيرة من الله والقدر مصدر تقول قدرت الشئ
بتخفيف الدال وفتحها اقدره بالكسر والفتح قدرا وقدرا إذا أحطت بمقداره والمراد ان الله تعالى
علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل ايجادها ثم أوجد ما سبق في علمه انه يوجد فكل محدث صادر عن
علمه وقدرته وارادته هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية وعليه كان السلف من الصحابة
وخيار التابعين إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة وقد روى مسلم القصة في ذلك من
طريق كهمس عن ابن بريدة عن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني
قال فانطلقت أنا وحميد الحميري فذكر اجتماعهما بعبد الله بن عمر وأنه سأله عن ذلك فأخبره بأنه
برئ ممن يقول ذلك وان الله لا يقبل ممن لم يؤمن بالقدر عملا وقد حكى المصنفون في المقالات عن
طوائف من القدرية انكار كون البارئ عالما بشئ من أعمال العباد قبل وقوعها منهم وانما
يعلمها بعد كونها قال القرطبي وغيره قد انقرض هذا المذهب ولا نعرف أحدا ينسب إليه من
المتأخرين قال والقدرية اليوم مطبقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها وانما خالفوا
السلف في زعمهم بان أفعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال وهو مع كونه
مذهبا باطلا أخف من المذهب الأول وأما المتأخرون منهم فأنكروا تعلق الإرادة بأفعال العباد
فرارا من تعلق القديم بالمحدث وهم مخصومون بما قال الشافعي ان سلم القدري العلم خصم يعنى
يقال له أيجوز أن يقع في الوجود خلاف ما تضمنه العلم فان منع وافق قول أهل السنة وان أجاز
لزمه نسبة الجهل تعالى الله عن ذلك * (تنبيه) * ظاهر السياق يقتضى أن الايمان لا يطلق الا على
109

من صدق بجميع ما ذكر وقد اكتفى الفقهاء باطلاق الايمان على من آمن بالله ورسوله
ولا اختلاف لان الايمان برسول الله المراد به الايمان بوجوده وبما جاء به عن ربه فيدخل جميع
ما ذكر تحت ذلك والله أعلم (قوله أن تعبد الله) قال النووي يحتمل ان يكون المراد بالعبادة
معرفة الله فيكون عطف الصلاة وغيرها عليها لادخالها في الاسلام ويحتمل أن يكون المراد
بالعبادة الطاعة مطلقا فيدخل فيه جميع الوظائف فعلى هذا يكون عطف الصلاة وغيرها من
عطف الخاص على العام (قلت) أما الاحتمال الأول فبعيد لان المعرفة من متعلقات الايمان
وأما الاسلام فهو أعمال قولية وبدنية وقد عبر في حديث عمر هنا بقوله ان تشهد أن لا إله إلا الله
وان محمد رسول الله فدل على أن المراد بالعبادة في حديث الباب النطق بالشهادتين وبهذا تبين
دفع الاحتمال الثاني ولما عبر الراوي بالعبادة احتاج أن يوضحها بقوله ولا تشرك به شيئا ولم يحتج
إليها في رواية عمر لاستلزامها ذلك فان قيل السؤال عام لأنه سأل عن ماهية الاسلام والجواب
خاص لقوله أن تعبد أو تشهد وكذا قال في الايمان أن تؤمن وفى الاحسان ان تعبد والجواب
أن ذلك لنكتة الفرق بين المصدر وبين أن والفعل لان أن تفعل تدل على الاستقبال والمصدر
لا يدل على زمان على أن بعض الرواة أورده هنا بصيغة المصدر ففي رواية عثمان بن غياث قال
شهادة ان لا إله إلا الله وكذا في حديث أنس وليس المراد بمخاطبته بالافراد اختصاصه بذلك بل
المراد تعليم السامعين الحكم في حقهم وحق من أشبههم من المكلفين وقد تبين ذلك بقوله
في آخره يعلم الناس دينهم فان قيل لم لم يذكر الحج أجاب بعضهم باحتمال أنه لم يكن فرض وهو
مردود بما رواه ابن منده في كتاب الايمان باسناده الذي على شرط مسلم من طريق سليمان
التيمي في حديث عمر أوله أن رجلا في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فذكر الحديث بطوله وآخر عمره يحتمل أن يكون بعد حجة الوداع فإنها آخر سفراته
ثم بعد قدومه بقليل دون ثلاثة أشهر مات وكأنه انما جاء بعد انزال جميع الأحكام لتقرير أمور
الدين التي بلغها متفرقة في مجلس واحد لتنضبط ويستنبط منه جواز سؤال العالم ما لا يجهله
السائل ليعلمه السامع وأما الحج فقد ذكر لكن بعض الرواة اما ذهل عنه واما نسيه والدليل على
ذلك اختلافهم في ذكر بعض الأعمال دون بعض ففي رواية كهمس وتحج البيت ان استطعت
إليه سبيلا وكذا في حديث أنس وفى رواية عطاء الخراساني لم يذكر الصوم وفى حديث أبي عامر
ذكر الصلاة والزكاة حسب ولم يذكر في حديث ابن عباس مزيدا على الشهادتين وذكر سليمان
التيمي في روايته الجميع وزاد بعد قوله وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتمم الوضوء وقال مطر
الوراق في روايته وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة قال فذكر عرى الاسلام فتبين ما قلناه ان بعض الرواة
ضبط ما لم يضبطه غيره (قوله وتقيم الصلاة) زاد مسلم المكتوبة أي المفروضة وانما عبر بالمكتوبة
للتفنن في العبارة فإنه عبر في الزكاة بالمفروضة ولاتباع قوله تعالى ان الصلاة كانت على
المؤمنين كتابا موقوتا (قوله وتصوم رمضان) استدل به على قول رمضان من غير إضافة شهر إليه
وستأتى المسئلة في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى (قوله الاحسان) هو مصدر تقول أحسن
يحسن احسانا ويتعدى بنفسه وبغيره تقول أحسنت كذا إذا أتقنته وأحسنت إلى فلان إذا
أوصلت إليه النفع والأول هو المراد لان المقصود اتقان العبادة وقد يلحظ الثاني بأن المخلص مثلا
110

محسن باخلاصه إلى نفسه واحسان العبادة الاخلاص فيها والخشوع وفراغ البال حال
التلبس بها ومراقبة المعبود وأشار في الجواب إلى حالتين أرفعهما أن يغلب عليه مشاهدة
الحق بقلبه حتى كأنه يراه بعينه وهو قوله كأنك تراه أي وهو يراك والثانية ان يستحضر ان
الحق مطلع عليه يرى كل ما يعمل وهو قوله فإنه يراك وهاتان الحالتان يثمرهما معرفة الله وخشيته
وقد عبر في رواية عمارة بن القعقاع بقوله أن تخشى الله كأنك تراه وكذا في حديث أنس وقال
النووي معناه انك انما تراعى الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك لكونه يراك لا لكونك
تراه فهو دائما يراك فأحسن عبادته وان لم تره فتقدير الحديث فإن لم تكن تراه فاستمر على احسان
العبادة فإنه يراك قال وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين وقاعدة مهمة من
قواعد المسلمين وهو عمدة الصديقين وبغية السالكين وكنز العارفين ودأب الصالحين وهو من
جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون
ذلك مانعا من التلبس بشئ من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله مطلعا
عليه في سره وعلانيته انتهى وقد سبق إلى أصل هذا القاضي عياض وغيره وسيأتى مزيد لهذا
في تفسير لقمان إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * دل سياق الحديث على أن رؤية الله في الدنيا
بالابصار غير واقعة وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فذاك لدليل آخر وقد صرح مسلم في روايته
من حديث أبي أمامة بقوله صلى الله عليه وسلم واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا وأقدم بعض
غلاة الصوفية على تأويل الحديث بغير علم فقال فيه إشارة إلى مقام المحو والفناء وتقديره فإن لم
تكن أي فإن لم تصر شيئا وفنيت عن نفسك حتى كأنك ليس بموجود فإنك حينئذ تراه وغفل قائل
هذا للجهل بالعربية عن أنه لو كان المراد ما زعم لكان قوله تراه محذوف الألف لأنه يصير مجزوما
لكونه على زعمه جواب الشرط ولم يرد في شئ من طرق هذا الحديث بحذف الألف ومن ادعى أن
اثباتها في الفعل المجزوم على خلاف القياس فلا يصار إليه إذ لا ضرورة هنا وأيضا فلو كان ما ادعاه
صحيحا لكان قوله فإنه يراك ضائعا لأنه لا ارتباط له بما قبله ومما يفسد تأويله رواية كهمس فان
لفظها فإنك ان لا تراه فإنه يراك وكذلك في رواية سليمان التيمي فسلط النفي على الرؤية لا على
الكون الذي حمل على ارتكاب التأويل المذكور وفى رواية أبى فروة فإن لم تره فإنه يراك ونحوه
في حديث أنس وابن عباس وكل هذا يبطل التأويل المتقدم والله أعلم * (فائدة) * زاد مسلم في
رواية عمارة بن القعقاع قول السائل صدقت عقب كل جواب من الأجوبة الثلاثة وزاد أبو فروة
في روايته فلما سمعنا قول الرجل صدقت أنكرناه وفى رواية كهمس فعجبنا له يسأله ويصدقه
وفى رواية مطر انظروا إليه كيف يسأله وانظروا إليه كيف يصدقه وفى حديث أنس انظروا
وهو يسأله وهو يصدقه كأنه أعلم منه وفى رواية سليمان بن بريدة قال القوم ما رأينا رجل مثل
هذا كأنه يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له صدقت صدقت قال القرطبي انما عجبوا من
ذلك لان ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف الا من جهته وليس هذا السائل ممن عرف بلقاء
النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالسماع منه ثم هو يسأل سؤال عارف بما يسأل عنه لأنه يخبره بأنه
صادق فيه فتعجبوا من ذلك تعجب المستبعد لذلك والله أعلم (قوله متى الساعة) أي متى تقوم
الساعة وصرح به في رواية عمارة بن القعقاع واللام للعهد والمراد يوم القيمة (قوله ما المسؤول)
111

عنها ما نافية وزاد في رواية أبى فروة فنكس فلم يجبه ثم أعاد فلم يجبه ثلاثا ثم رفع رأسه فقال ما
المسؤول (قوله بأعلم) الباء زائدة لتأكيد النفي وهذا إن كان مشعرا بالتساوي في العلم لكن المراد
التساوي في العلم بان الله تعالى استأثر بعلمها لقوله بعد خمس لا يعلمها الا الله وسيأتي نظير هذا
التركيب في أواخر الكلام على هذا الحديث في قوله ما كنت بأعلم به من رجل منكم فان المراد
أيضا التساوي في عدم العلم به وفى حديث ابن عباس هنا فقال سبحان الله خمس من الغيب
لا يعلمهن الا الله ثم تلا الآية قال النووي يستنبط منه ان العالم إذا سئل عما لا يعلم يصرح بأنه
لا يعلمه ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته بل يكون ذلك دليلا على مزيد ورعه وقال القرطبي
مقصود هذا السؤال كف السامعين عن السؤال عن وقت الساعة لانهم كانوا قد أكثروا السؤال
عنها كما ورد في كثير من الآيات والأحاديث فلما حصل الجواب بما ذكر هنا حصل الياس من معرفتها
بخلاف الأسئلة الماضية فان المراد بها استخراج الأجوبة ليتعلمها السامعون ويعملوا بها ونبه
بهذه الأسئلة على تفصيل ما يمكن معرفته مما لا يمكن (قوله من السائل) عدل عن قوله لست بأعلم
بها منك إلى لفظ يشعر بالتعميم تعريضا للسامعين أي ان كل مسؤول وكل سائل فهو كذلك (فائدة)
هذا السؤال والجواب وقع بين عيسى بن مريم وجبريل لكن كان عيسى سائلا وجبريل مسؤلا
قال الحميدي في نوادره حدثنا سفيان حدثنا مالك بن مغول عن إسماعيل بن رجاء عن الشعبي قال
سال عيسى بن مريم جبريل عن الساعة قال فانتفض بأجنحته وقال ما المسؤول عنها بأعلم من
السائل (قوله وسأخبرك عن أشراطها) وفى التفسير ولكن سأحدثك وفى رواية أبى فروة ولكن
لها علامات تعرف بها وفى رواية كهمس قال فأخبرني عن امارتها فأخبره بها فترددنا فحصل
التردد هل ابتدأه بذكر الامارات أو السائل سأله عن الامارات ويجمع بينهما بأنه ابتدأ بقوله
وسأخبرك فقال له السائل فأخبرني ويدل على ذلك رواية سليمان التيمي ولفظها ولكن ان شئت
نبأتك عن أشراطها قال أجل ونحوه في حديث ابن عباس وزاد فحدثني وقد حصل تفسير
الاشراط من الرواية الأخرى وانها العلامات وهى بفتح الهمزة جمع شرط بفتحتين كقلم وأقلام
ويستفاد من اختلاف الروايات أن التحديث والاخبار والأنباء بمعنى واحد وانما غاير بينها
أهل الحديث اصطلاحا قال القرطبي علامات الساعة على قسمين ما يكون من نوع المعتاد أو غيره
والمذكور هنا الأول وأما الغير مثل طلوع الشمس من مغربها فتلك مقاربة لها أو مضايقة والمراد
هنا العلامات السابقة على ذلك والله أعلم (قوله إذا ولدت) التعبير بإذا للاشعار بتحقق الوقوع
ووقعت هذه الجملة بيانا للاشراط نظرا إلى المعنى والتقدير ولادة الأمة وتطاول الرعاة فان قيل
الاشراط جمع وأقله ثلاثة على الأصح والمذكور هنا اثنان أجاب الكرماني بأنه قد تستفرض
القلة للكثرة وبالعكس أو لان الفرق بالقلة والكثرة انما هو في النكرات لا في المعارف أو لفقد
جمع الكثرة للفظ الشرط وفى جميع هذه الأجوبة نظر ولو أجيب بان هذا دليل القول الصائر إلى
أن أقل الجمع اثنان لما بعد عن الصواب والجواب المرضى ان المذكور من الاشراط ثلاثة وانما
بعض الرواة اقتصر على اثنين منها لأنه هنا ذكر الولادة والتطاول وفى التفسير ذكر الولادة وتراؤس
الحفاة وفى رواية محمد بن بشر التي أخرج مسلم اسنادها وساق ابن خزيمة لفظها عن أبي حيان ذكر
الثلاثة وكذا في مستخرج الإسماعيلي من طريق ابن علية وكذا ذكرها عمارة بن القعقاع ووقع
112

مثل ذلك في حديث عمر ففي رواية كهمس ذكر الولادة والتطاول فقط ووافقه عثمان بن غياث
وفى رواية سليمان التيمي ذكر الثلاثة ووافقه عطاء الخراساني وكذا ذكرت في حديث ابن
عباس وأبى عامر (قوله إذا ولدت الأمة ربها) وفى التفسير ربتها بتاء التأنيث وكذا في حديث عمر
ولمحمد بن بشر مثله وزاد يعنى السراري وفى رواية عمارة بن القعقاع إذا رأيت المرأة تلد ربها
ونحوه لأبي فروة وفى رواية عثمان بن غياث الآماء أربابهن بلفظ الجمع والمراد بالرب المالك أو
السيد وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في معنى ذلك قال ابن التين اختلف فيه على سبعة
أوجه فذكرها لكنها متداخلة وقد لخصتها بلا تداخل فإذا هي أربعة أقوال الأول قال الخطابي
معناه اتساع الاسلام واستيلاء أهله على بلاد الشرك وسبى ذراريهم فإذا ملك الرجل الجارية
واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربها لأنه ولد سيدها قال النووي وغيره انه قول الأكثرين
قلت لكن في كونه المراد نظر لان استيلاد الإماء كان موجودا حين المقالة والاستيلاء على
بلاد الشرك وسبى ذراريهم واتخاذهم سرارى وقع أكثره في صدر الاسلام وسياق الكلام
يقتضى الإشارة إلى وقوع ما لم يقع مما سيقع قرب قيام الساعة وقد فسره وكيع في رواية ابن
ماجة بأخص من الأول قال إن تلد العجم العرب ووجهه بعضهم بان الإماء يلدن الملوك فتصير
الام من جملة الرعية والملك سيد رعيته وهذا لإبراهيم الجوني وقربه بان الرؤساء في الصدر الأول
كانوا يستنكفون غالبا من وطء الإماء ويتنافسون في الحرائر ثم انعكس الامر ولا سيما في أثناء
دولة بنى العباس ولكن رواية ربتها بتاء التأنيث قد لا تساعد على ذلك ووجهه بعضهم بان اطلاق
ربتها على ولدها مجاز لأنه لما كان سببا في عتقها بموت أبيه أطلق عليه ذلك وخصه بعضهم بان
السبى إذا كثر فقد يسبى الولد أولا وهو صغير ثم يعتق ويكبر ويصير رئيسا بل ملكا ثم تسبى أمه
فيما بعد فيشتريها عارفا بها أو وهو لا يشعر انها أمه فيستخدمها أو يتخذها موطوءة أو يعتقها
ويتزوجها وقد جاء في بعض الروايات ان تلد الأمة بعلها وهى عند مسلم فحمل على هذه الصورة
وقيل المراد بالبعل المالك وهو أولى لتتفق الروايات الثاني ان تبيع السادة أمهات أولادهم
ويكثر ذلك فيتداول الملاك المستولدة حتى يشتريها ولدها ولا يشعر بذلك وعلى هذا فالذي يكون
من الاشراط غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد أو الاستهانة بالأحكام الشرعية فان قيل
هذه المسئلة مختلف فيها فلا يصلح الحمل عليها لأنه لا جهل ولا استهانة عند القائل بالجواز قلنا يصلح
ان يحمل على صورة اتفاقية كبيعها في حال حملها فإنه حرام بالاجماع الثالث وهو من نمط
الذي قبله قال النووي لا يختص شراء الولد أمه بأمهات الأولاد بل يتصور في غيرهن بان تلد الأمة
حرا من غير سيدها بوطء شبهة أو رقيقا بنكاح أو زنا ثم تباع الأمة في الصورتين بيعا صحيحا وتدور
في الأيدي حتى يشتريها ابنها أو ابنتها ولا يعكر على هذا تفسير محمد بن بشر بان المراد السراري لأنه
تخصيص بغير دليل الرابع أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من
الإهانة بالسب والضرب والاستخدام فاطلق عليه ربها مجازا لذلك أو المراد بالرب المربى فيكون
حقيقة وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه ولان المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها
تدل على فساد الأحوال مستغربة ومحصله الإشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس
الأمور بحيث يصير المربى مربيا والسافل عاليا وهو مناسب لقوله في العلامة الأخرى أن
113

تصير الحفاة العراة ملوك الأرض * (تنبيهان) * أحدهما قال النووي ليس فيه دليل على تحريم
بيع أمهات الأولاد ولا على جوازه وقد غلط من استدل به لكل من الامرين لان الشئ إذا
جعل علامة على شئ آخر لا يدل على حظر ولا إباحة الثاني يجمع بين ما في هذا الحديث من
اطلاق الرب على السيد المالك في قوله ربها وبين ما في الحديث الآخر وهو في الصحيح لا يقل
أحدكم ربك ولا يقل ربى ولكن ليقل سيدي ومولاي بان اللفظ هنا خرج على سبيل المبالغة
أو المراد بالرب هنا المربى و في المنهى عنه السيد أو ان النهى عنه متأخر أو مختص بغير الرسول صلى
الله عليه وسلم (قوله تطاول) أي تفاخروا في تطويل البنيان وتكاثروا به (قوله رعاة الإبل)
هو بضم الراء جمع راع كقضاة وقاض والبهم بضم الموحدة ووقع في رواية الأصيلي بفتحها ولا
يتجه مع ذكر الإبل وانما يتجه مع ذكر الشياه أو مع عدم الإضافة كما في رواية مسلم رعاء البهم وميم
البهم في رواية البخاري يجوز ضمها على انها صفة الرعاة ويجوز الكسر على انها صفة الإبل يعنى
الإبل السود وقيل إنها شر الاوان عندهم وخيرها الحمر التي ضرب بها المثل فقيل خير من حمر النعم
ووصف الرعاة بالبهم اما لانهم مجهولو الأنساب ومنه أبهم الامر فهو مبهم إذا لم تعرف حقيقته
وقال القرطبي الأولى ان يحمل على أنهم سود الألوان لان الأدمة غالب ألوانهم وقيل معناه انهم
لا شئ لهم كقوله صلى الله عليه وسلم يحشر الناس حفاة عراة بهما قال وفيه نظر لأنه قد نسب لهم
الإبل فكيف يقال لا شئ لهم (قلت) يحمل على انها إضافة اختصاص لا ملك وهذا هو الغالب
ان الراعي يرعى لغيره بالاجرة وأما المالك فقل أن يباشر الرعى بنفسه قوله في التفسير وإذا كان
الحفاة العراة زاد الإسماعيلي في روايته الصم البكم وقيل لهم ذلك مبالغة في وصفهم بالجهل
أي لم يستعملوا اسماعهم ولا أبصارهم في الشئ من أمر دينهم وإن كانت حواسهم سليمة قوله
رؤس الناس أي ملوك الأرض وصرح به الإسماعيلي وفى رواية أبى فروة مثله والمراد بهم
أهل البادية كما صرح به في رواية سليمان التيمي وغيره قال ما الحفاة العراة قال العريب وهو
بالعين المهملة على التصغير وفى الطبراني من طريق أبى حمزة عن ابن عباس مرفوعا من انقلاب
الدين تفصح النبط واتخاذهم القصور في الأمصار قال القرطبي المقصود الاخبار عن تبدل الحال
بان يستولى أهل البادية على الامر ويتملكوا البلاد بالقهر فتكثر أموالهم وتنصرف هممهم
إلى تشييد البنيان والتفاخر به وقد شاهدنا ذلك في هذه الزمان ومنه الحديث الآخر لا تقوم
الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع ومنه إذا وسد الامر أي أسند إلى غير أهله
فانتظروا الساعة وكلاهما في الصحيح (قوله في خمس) أي علم وقت الساعة داخل في جملة خمس
وحذف متعلق الجار سائغ كما في قوله تعالى في تسع آيات أي اذهب إلى فرعون بهذه الآية في
جملة تسع آيات وفى رواية عطاء الخراساني قال فمتى الساعة قال هي في خمس من الغيب لا يعلمها
الا الله قال القرطبي لا مطمع لاحد في علم شئ من هذه الأمور الخمس لهذا الحديث وقد فسر النبي
صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو بهذه الخمس وهو في الصحيح
قال فمن ادعى علم شئ منها غير مسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كاذبا في دعواه قال
وأما ظن الغيب فقد يجوز من المنجم وغيره إذا كان عن أمر عادى وليس ذلك بعلم وقد نقل ابن
عبد البر الاجماع على تحريم أخذ الأجرة والجعل واعطائها في ذلك وجاء عن ابن مسعود قال أوتى
114

نبيكم صلى الله عليه وسلم علم كل شئ سوى هذه الخمس وعن ابن عمر مرفوعا نحوه أخرجهما أحمد
وأخرج حميد بن زنجويه عن بعض الصحابة انه ذكر العلم بوقت الكسوف قبل ظهوره فأنكر عليه
فقال انما الغيب خمس وتلا هذه الآية وما عدا ذلك غيب يعلمه قوم ويجهله قوم * (تنبيه) *
تضمن الجواب زيادة على السؤال للاهتمام بذلك ارشادا للأمة لما يترتب على معرفة ذلك من
المصلحة فان قيل ليس في الآية أداة حصر كما في الحديث أجاب الطيبى بان الفعل إذا كان عظيم
الخطر وما ينبنى عليه الفعل رفيع الشأن فهم منه الحصر على سبيل الكناية ولا سيما إذا لوحظ ما
ذكر في أسباب النزول من أن العرب كانوا يدعون علم نزول الغيث فيشعر بان المراد من الآية
نفى علمهم بذلك واختصاصه بالله سبحانه وتعالى * (فائدة) * النكتة في العدول عن الاثبات إلى
النفي في قوله تعالى وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وكذا التعبير بالدراية دون العلم للمبالغة
والتعميم إذ الدراية اكتساب علم الشئ بحيلة فإذا انتفى ذلك عن كل نفس مع كونه من مختصاتها
ولم يقع منه على علم كان عدم اطلاعها على علم غير ذلك من باب أولي اه‍ ملخصا من كلام الطيبى
(قوله الآية) أي تلا الآية إلى آخر السورة وصرح بذلك الإسماعيلي وكذا في رواية عمارة ولمسلم
إلى قوله خبير وكذا في رواية أبى فروة وأما ما وقع عند المؤلف في التفسير من قوله إلى الأرحام فهو
تقصير من بعض الرواة والسياق يرشد إلى أنه تلا الآية كلها (قوله ثم أدبر فقال ردوه) زاد في
التفسير فاخذوا ليردوه فلم يرو شياء فيه ان الملك يجوز ان يتمثل لغير النبي صلى الله عليه وسلم فيراه
ويتكلم بحضرته وهو يسمع وقد ثبت عن عمران بن حصين انه كان يسمع كلام الملائكة والله
أعلم (قوله جاء يعلم الناس) في التفسير ليعلم وللإسمعيلي أراد أن تعلموا إذ لم تسألوا ومثله لعمارة وفى
رواية أبى فروة والذي بعث محمدا بالحق ما كنت بأعلم به من رجل منكم وانه لجبريل وفى حديث أبي
عامر ثم ولى فلما لم نر طريقه قال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله هذا جبريل جاء ليعلم الناس
دينهم والذي نفس محمد بيده ما جاءني قط الا وأنا أعرفه الا أن تكون هذه المرة وفى رواية
التيمي ثم نهض فولى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على بالرجل فطلبناه كل مطلب فلم
نقدر عليه فقال هل تدرون من هذا هذا جبريل اتاكم ليعلمكم دينكم خذوا عنه فوالذي
نفسي بيده ما شبه على منذ أتاني قبل مرتي هذه وما عرفته حتى ولى قال ابن حبان تفرد سليمان
التيمي بقوله خذوا عنه (قلت) وهو من الثقات الاثبات وفى قوله جاء ليعلم الناس دينهم إشارة إلى
هذه الزيادة فما تفرد الا بالتصريح واسناد التعليم إلى جبريل مجازى لأنه كان السبب في الجواب
فلذلك أمر بالأخذ عنه واتفقت هذه الروايات على أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة
بشأنه بعد ان التمسوه فلم يجدوه وأما ما وقع عند مسلم وغيره من حديث عمر في رواية كهمس
ثم انطلق قال عمر فلبثت مليا ثم قال يا عمر أتدرى من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه
جبريل فقد جمع بين الروايتين بعض الشراح بان قوله فلبثت مليا أي زمانا بعد انصرافه فكان
النبي صلى الله عليه وسلم أعلمهم بذلك بعد مضى وقت لكنه في ذلك المجلس لكن يعكر على هذا
الجمع قوله في رواية النسائي والترمذي فلبثت ثلاثا لكن ادعى بعضهم فيها التصحيف وان مليا
صغرت ميمها فأشبهت ثلاثا لأنها تكتب بلا ألف وهذه الدعوى مردودة فان في رواية أبى عوانة
فلبثنا ليالي فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث ولابن حبان بعد ثالثة ولابن منده بعد
115

ثلاثة أيام وجمع النووي بين الحديثين بان عمر لم يحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس بل
كان ممن قام اما مع الذين توجهوا في طلب الرجل أو لشغل آخر ولم يرجع مع من رجع لعارض
عرض له فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين في الحال ولم يتفق الاخبار لعمر الا بعد ثلاثة
أيام ويدل عليه قوله فلقيني وقوله فقال لي يا عمر فوجه الخطاب له وحده بخلاف اخباره الأول
وهو جمع حسن * (تنبيهات) * الأول دلت الروايات التي ذكرناها على أن النبي صلى الله عليه
وسلم ما عرف انه جبريل الا في آخر الحال وان جبريل أتاه في صورة رجل حسن الهيئة لكنه غير
معروف لديهم وأما ما وقع في رواية النسائي من طريق أبى فروة في آخر الحديث وانه لجبريل نزل
في صورة دحية الكلبي فان قوله نزل في صورة دحية الكلبي وهو لان دحية معروف عندهم وقد
قال عمر ما يعرفه منا أحد وقد أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الايمان له من الوجه الذي
أخرجه منه النسائي فقال في آخره فإنه جبريل جاء ليعلمكم دينكم حسب وهذه الرواية هي
المحفوظة لموافقتها باقي الروايات * الثاني قال ابن المنير في قوله يعلمكم دينكم دلالة على أن السؤال
الحسن يسمى علما وتعليما لان جبريل لم يصدر منه سوى السؤال ومع ذلك فقد سماه معلما وقد
اشتهر قولهم حسن السؤال نصف العلم ويمكن ان يؤخذ من هذا الحديث لان الفائدة فيه انبنت
على السؤال والجواب معا * الثالث قال القرطبي هذا الحديث يصلح ان يقال له أم السنة لما
تضمنه من جمل علم السنة وقال الطيبى لهذه النكتة استفتح به البغوي كتابيه المصابيح وشرح
السنة اقتداء بالقرآن في افتتاحه بالفاتحة لأنها تضمنت علوم القرآن اجمالا وقال القاضي عياض
اشتمل هذا الحديث على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الايمان ابتداء
وحالا ومآلا ومن أعمال الجوارح ومن اخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال حتى أن
علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه قلت ولهذا أشبعت القول في الكلام عليه
مع أن الذي ذكرته وإن كان كثيرا لكنه بالنسبة لما يتضمنه قليل فلم أخالف طريقة الاختصار
والله الموفق (قوله قال أبو عبد الله) يعنى المؤلف جعل ذلك كله من الايمان أي الايمان الكامل
المشتمل على هذه الأمور كلها (قوله باب) كذا هو بلا ترجمة في رواية كريمة وأبى الوقت وسقط
من رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما ورجح النووي الأول قال لان الترجمة يعنى سؤال جبريل
عن الايمان لا يتعلق بها هذا الحديث فلا يصح ادخاله فيه قلت نفى التعلق لا يتم هنا على الحالتين
لأنه ان ثبت لفظ باب بلا ترجمة فهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله فلا بد له من تعلق به وان لم
يثبت فتعلقه به متعين لكنه يتعلق بقوله في الترجمة جعل ذلك كله دينا ووجه التعلق انه سمى
الدين ايمانا في حديث هرقل فيتم مراد المؤلف يكون الدين هو الايمان فان قيل لا حجة له فيه
لأنه منقول عن هرقل فالجواب انه ما قاله من قبل اجتهاده وانما أخبر به عن استقرائه من كتب
الأنبياء كما قررناه فيما مضى وأيضا فهرقل قاله بلسانه الرومي وأبو سفيان عبر عنه بلسانه
العربي وألقاه إلى ابن عباس وهو من علماء اللسان فرواه عنه ولم ينكره فدل على أنه صحيح لفظا
ومعنى وقد اقتصر المؤلف من حديث أبي سفيان الطويل الذي تكلمنا عليه في بدء الوحي على
هذه القطعة لتعلقها بغرضه هنا وساقه في كتاب الجهاد تاما بهذا الاسناد الذي أورده هنا والله
أعلم (قوله باب فضل من استبرأ لدينه) كأنه أراد أن يبين ان الورع من مكملات الايمان فلهذا
116

أورد حديث الباب في أبواب الايمان (قوله حدثنا زكريا) هو ابن أبي زائدة واسم أبى زائدة
خالد بن ميمون الوادعي (قوله عن عامر) هو الشعبي الفقيه المشهور ورجال الاسناد كوفيون
وقد دخل النعمان الكوفة وولى امرتها ولابى عوانة في صحيحه من طريق أبى حريز وهو
بفتح الحاء المهملة وآخره زاي عن الشعبي أن النعمان بن بشير خطب به بالكوفة وفى رواية
لمسلم انه خطب به بحمص ويجمع بينهما بأنه سمع منه مرتين فإنه ولى أمرة البلدين واحدة
بعد أخرى وزاد مسلم والإسمعيلي من طريق زكريا فيه وأهوى النعمان بإصبعيه إلى اذنيه
يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وفى هذا رد لقول الواقدي ومن تبعه ان
النعمان لا يصح سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على صحة تحمل الصبي المميز
لان النبي صلى الله عليه وسلم مات وللنعمان ثمان سنين وزكريا موصوف بالتدليس ولم أره
في الصحيحين وغيرهما من روايته عن الشعبي الا منعنا ثم وجدته في فوائد ابن أبي الهيثم من
طريق يزيد بن هارون عن زكريا حدثنا الشعبي فحصل الأمن من تدليسه * (فائدة) * ادعى أبو عمرو
الداني ان هذا الحديث لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير النعمان بن بشير فان أراد من
وجه صحيح فمسلم والا فقد رويناه من حديث ابن عمر وعمار في الأوسط للطبراني ومن حديث ابن
عباس في الكبير له ومن حديث واثلة في الترغيب للأصبهاني وفى أسانيدها مقال وادعى أيضا انه
لم يروه عن النعمان غير الشعبي وليس كما قال فقد رواه عن النعمان أيضا خيثمة بن عبد الرحمن
عند أحمد وغيره وعبد الملك بن عمير عند أبي عوانة وغيره وسماك بن حرب عند الطبراني
لكنه مشهور عن الشعبي رواه عنه جمع جم من الكوفيين ورواه عنه من البصريين عبد الله
ابن عون وقد ساق البخاري اسناده في البيوع ولم يسق لفظه وساقه أبو داود وسنشير إلى
ما فيه من فائدة إن شاء الله تعالى (قوله الحلال بين والحرام بين) أي في عينهما ووصفهما
بادلتهما الظاهرة (قوله وبينهما مشبهات) بوزن مفعلات بتشديد العين المفتوحة وهى رواية
مسلم أي شبهت بغيرها مما لم يتبين به حكمها على التعيين وفى رواية الأصيلي مشتبهات بوزن
مفتعلات بتاء مفتوحة وعين خفيفة مكسورة وهى رواية ابن ماجة وهو لفظ ابن عون والمعنى
انها موحدة اكتسبت الشبه من وجهين متعارضين ورواه الدارمي عن أبي نعيم شيخ البخاري
فيه بلفظ وبينهما متشابهات (قوله لا يعلمها كثير من الناس) أي لا يعلم حكمها وجاء واضحا
في رواية الترمذي بلفظ لا يدرى كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام ومفهوم قوله
كثير ان معرفة حكمها ممكن لكن للقليل من الناس وهم المجتهدون فالشبهات على هذا في حق
غيرهم وقد تقع لهم حيث لا يظهر له ترجيح أحد الدليلين (قوله فمن اتقى المشبهات أي حذر منها
والاختلاف في لفظها بين الرواة نظير التي قبلها لكن عند مسلم والإسمعيلي الشبهات بالضم
جمع شبهة (قوله استبرأ) بالهمز بوزن استفعل من البراءة أي برأ دينه من النقص وعرضه من
الطعن فيه لان من لم يعرف باجتناب الشبهات لم يسلم لقول من يطعن فيه وفيه دليل على أن من لم
يتوق الشبهة في كسبه ومعاشه فقد عرض نفسه للطعن فيه وفى هذا إشارة إلى المحافظة على
أمور الدين ومراعاة المروأة (قوله ومن وقع في الشبهات) فيها أيضا ما تقدم من اختلاف الرواة
واختلف في حكم الشبهات فقيل التحريم وهو مردود وقيل الكراهة وقيل الوقف وهو
117

كالخلاف فيما قبل الشرع وحاصل ما فسر به العلماء الشبهات أربعة أشياء أحدها تعارض
الأدلة كما تقدم ثانيها اختلاف العلماء وهى منتزعة من الأولى ثالثها ان المراد بها مسمى
المكروه لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك رابعها ان المراد بها المباح ولا يمكن قائل هذا ان يحمله
على متساوي الطرفين من كل وجه بل يمكن حمله على ما يكون من قسم خلاف الأولى بان يكون
متساوي الطرفين باعتبار ذاته راجح الفعل أو الترك باعتبار أمر خارج ونقل ابن المنير في
مناقب شيخه القبارى عنه انه كان يقول المكروه عقبة بين العبد والحرام فمن استكثر من
المكروه تطرق إلى الحرام والمباح عقبة بينه وبين المكروه فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه
وهو منزع حسن ويؤيده رواية ابن حبان من طريق ذكر مسلم اسنادها ولم يسق لفظها فيها
من الزيادة اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه
ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك ان يقع فيه والمعنى ان الحلال حيث يخشى
أن يؤل فعله مطلقا إلى مكروه أو محرم ينبغي اجتنابه كالاكثار مثلا من الطيبات فإنه يحوج
إلى كثرة الاكتساب الموقع في أخذ ما لا يستحق أو يفضى إلى بطر النفس وأقل ما فيه الاشتغال
عن مواقف العبودية وهذا معلوم بالعادة مشاهد بالعيان والذي يظهر لي رجحان الوجه الأول
على ما سأذكره ولا يبعد ان يكون كل من الأوجه مرادا ويختلف ذلك باختلاف الناس فالعالم
الفطن لا يخفى عليه تمييز الحكم فلا يقع له ذلك الا في الاستكثار من المباح أو المكروه كما تقرر
قبل ودونه تقع له الشبهة في جميع ما ذكر بحسب اختلاف الأحوال ولا يخفى ان المستكثر من
المكروه تصير فيه جرأة على ارتكاب المنهى في الجملة أو يحمله اعتياده ارتكاب المنهى غير
المحرم على ارتكاب المنهى المحرم إذا كان من جنسه أو يكون ذلك لشبهة فيه وهو ان من تعاطى
ما نهى عنه يصير مظلم القلب لفقدان نور الورع فيقع في الحرام ولو لم يختر الوقوع فيه ووقع عند
المصنف في البيوع من رواية أبى فروة عن الشعبي في هذا الحديث فمن ترك ما شبه عليه من الاثم
كان لما استبان له أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الاثم أوشك ان يواقع ما استبان وهذا يرجح
الوجه الأول كما أشرت إليه * (تنبيه) * استدل به ابن المنير على جواز بقاء المجمل بعد النبي
صلى الله عليه وسلم وفى الاستدلال بذلك نظر الا ان أراد به انه مجمل في حق بعض دون بعض أو أراد
الرد على منكري القياس فيحتمل ما قال والله أعلم (قوله كراع يرعى) هكذا في جميع نسخ
البخاري محذوف جواب الشرط ان أعربت من شرطية وقد ثبت المحذوف في رواية الدارمي
عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه فقال ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى ويمكن اعراب
من في سياق البخاري موصولة فلا يكون فيه حذف إذ التقدير والذي وقع في الشبهات مثل راع
يرعى والأول أولى لثبوت المحذوف في صحيح مسلم وغيره من طريق زكريا التي أخرجه منها المؤلف
وعلى هذا فقوله كراع يرعى جملة مستأنفة وردت على سبيل التمثيل للتنبيه بالشاهد على الغائب
والحمى المحمى أطلق المصدر على اسم المفعول وفى اختصاص التمثيل بذلك نكتة وهى ان ملوك
العرب كانوا يحمون لمراعى مواشيهم أماكن مختصة يتوعدون من يرعى فيها بغير اذنهم بالعقوبة
الشديدة فمثل لهم النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور عندهم فالخائف من العقوبة المراقب
لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية ان تقع مواشيه في شئ منه فبعده أسلم له ولو اشتد حذره
118

وغير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه فلا يأمن ان تنفرد الفاذة فتقع فيه بغير
اختياره أو يمحل المكان الذي هو فيه ويقع الخصب في الحمى فلا يملك نفسه ان يقع فيه فالله سبحانه
وتعالى هو الملك حقا وحماه محارمه * (تنبيه) * ادعى بعضهم ان التمثيل من كلام الشعبي وانه
مدرج في الحديث حكى ذلك أبو عمرو الداني ولم أقف على دليله الا ما وقع عند ابن الجارود
والإسمعيلي من رواية ابن عون عن الشعبي قال ابن عون في آخر الحديث لا أدرى المثل من قول
النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول الشعبي قلت وتردد ابن عون في رفعه لا يستلزم كونه مدرجا
لان الاثبات قد جزموا باتصاله ورفعه فلا يقدح شك بعضهم فيه وكذلك سقوط المثل من رواية
بعض الرواة كأبى فروة عن الشعبي لا يقدح فيمن أثبته لانهم حفاظ ولعل هذا هو السر في حذف
البخاري قوله وقع في الحرام ليصير ما قبل المثل مرتبطا به فيسلم من دعوى الادراج ومما يقوى
عدم الادراج رواية ابن حبان الماضية وكذا ثبوت المثل مرفوعا في رواية ابن عباس وعمار بن
ياسر أيضا (قوله ألا ان حمى الله في أرضه محارمه) سقط في أرضه من رواية المستملى وثبتت
الواو في قوله ألا وان حمى الله في رواية غير أبي ذر والمراد بالمحارم فعل المنهى المحرم أو ترك المأمور
الواجب ولهذا وقع في رواية أبى فروة التعبير بالمعاصي بدل المحارم وقوله الا للتنبيه على صحة
ما بعدها وفى اعادتها وتكريرها دليل على عظم شأن مدلولها (قوله مضغة) أي قدر ما يمضغ وعبر
بها هنا عن مقدار القلب في الرؤية وسمى القلب قلبا لتقلبه في الأمور أو لأنه خالص ما في البدن
وخالص كل شئ قلبه أو لأنه وضع في الجسد مقلوبا وقوله إذا صلحت وإذا فسدت هو بفتح عينهما
وتضم في المضارع وحكى الفراء الضم في ماضي صلح وهو بضم وفاقا إذا صار له الصلاح هيئة
لازمة لشرف ونحوه والتعبير بإذا لتحقق الوقوع غالبا وقد تأتى بمعنى ان كما هنا وخص القلب
بذلك لأنه أمير البدن وبصلاح الأمير تصلح الرعية وبفساده تفسد وفيه تنبيه على تعظيم قدر
القلب والحث على صلاحه والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثرا فيه والمراد المتعلق به من الفهم
الذي ركبه الله فيه ويستدل به على أن العقل في القلب ومنه قوله تعالى فتكون لهم قلوب
يعقلون بها وقوله تعالى ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب قال المفسرون أي عقل وعبر عنه
بالقلب لأنه محل استقراره * (فائدة) * لم تقع هذه الزيادة التي أولها ألا وان في الجسد مضغة
الا في رواية الشعبي ولا هي في أكثر الروايات عن الشعبي انما تفرد بها في الصحيحين زكريا
المذكور عنه وتابعه مجاهد عند أحمد ومغيرة وغيره عند الطبراني وعبر في بعض رواياته عن
الصلاح والفساد بالصحة والسقم ومناسبتها لما قبلها بالنظر إلى أن الأصل في الاتقاء والوقوع
هو ما كان بالقلب لأنه عماد البدن وقد عظم العلماء أمر هذا الحديث فعدوه رابع أربعة تدور
عليها الاحكام كما نقل عن أبي داود وفيه البيتان المشهوران وهما
عمدة الدين عندنا كلمات * مسندات من قول خير البرية
اترك المشبهات وازهد ودع ما * ليس يعينك واعملن بنيه
والمعروف عن أبي داود عد ما نهيتكم عنه فاجتنبوه الحديث بدل أزهد فيما في أيدي الناس
وجعله بعضهم ثالث ثلاثة حذف الثاني وأشار ابن العربي إلى أنه يمكن ان ينتزع منه وحده
جميع الأحكام قال القرطبي لأنه اشتمل على التفصيل بين الحلال وغيره وعلى تعلق جميع
119

الأعمال بالقلب فمن هنا يمكن ان يرد جميع الأحكام إليه والله المستعان (قوله باب أداء
الخمس من الايمان) هو بضم الخاء المعجمة وهو المراد بقوله تعالى واعلموا ان ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه
الآية وقيل إنه روى هنا بفتح الخاء والمراد قواعد الاسلام الخمس المذكورة في حديث بنى
الاسلام على خمس وفيه بعد لان الحج لم يذكر هنا ولان غيره من القواعد قد تقدم ولم يرد هنا
الا ذكر خمس الغنيمة فتعين ان يكون المراد افراده بالذكر وسنذكر وجه كونه من الايمان قريبا
(قوله عن أبي جمرة) هو بالجيم والراء كما تقدم واسمه نصر بن عمران بن نوح بن مخلد الضبعي بضم
الضاد المعجمة وفتح الموحدة من بنى ضبيعة بضم أوله مصغرا وهم بطن من عبد القيس كما جزم
به الرشاطي وفى بكر بن وائل بطن يقال لهم بنو ضبيعة أيضا وقد وهم من نسب أبا جمرة إليهم من
شراح البخاري فقد روى الطبراني وابن منده في ترجمة نوح بن مخلد جد أبى جمرة انه قدم على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ممن أنت قال من ضبيعة ربيعة فقال خير ربيعة عبد القيس
ثم الحي الذين أنت منهم (قوله كنت أقعد مع ابن عباس) بين المصنف في العلم من رواية غندر
عن شعبة السبب في اكرام ابن عباس له ولفظه كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس قال ابن
الصلاح أصل الترجمة التعبير عن لغة بلغة وهو عندي هنا أعم من ذلك وانه كان يبلغ كلام ابن
عباس إلى من خفى عليه ويبلغه كلامهم اما لزحام أو لقصور فهم قلت الثاني أظهر لأنه كان
جالسا معه على سريره فلا فرق في الزحام بينهما الا ان يحمل على أن ابن عباس كان في صدر السرير
وكان أبو جمرة في طرفه الذي يلي من يترجم عنهم وقيل إن أبا جمرة كان يعرف الفارسية فكان
يترجم لابن عباس بها قال القرطبي فيه دليل على أن ابن عباس كان يكتفى في الترجمة بواحد
قلت وقد بوب عليه البخاري في أواخر كتاب الأحكام كما سيأتي واستنبط منه ابن التين جواز أخذ الأجرة
على التعليم لقوله حتى اجعل لك سهما من مالي وفيه نظر لاحتمال ان يكون اعطاؤه ذلك
كان بسبب الرؤيا التي رآها في العمرة قبل الحج كما سيأتي عند المصنف صريحا في الحج وقال غيره
هو أصل في اتخاذ المحدث المستملى (قوله ثم قال إن وفد عبد القيس) بين مسلم من طريق غندر
عن شعبة السبب في تحديث ابن عباس لأبي جمرة بهذا الحديث فقال بعد قوله وبين الناس فأتته
امرأة تسأله عن نبيذ الجر فنهى عنه فقلت يا ابن عباس انى أنتبذ في جرة خضراء نبيذا حلوا فاشرب
منه فتقرقر بطني قال لا تشرب منه وإن كان أحلى من العسل وللمصنف في أواخر المغازي
من طريق قرة عن أبي جمرة قال قلت لابن عباس ان لي جرة أنتبذ فيها فأشربه حلوا ان أكثرت منه
فجالست القوم فأطلت الجلوس خشيت ان أفتضح فقال قدم وفد عبد القيس فلما كان أبو جمرة
من عبد القيس وكان حديثهم يشتمل على النهى عن الانتباذ في الجرار ناسب ان يذكره له وفى
هذا دليل على أن ابن عباس لم يبلغه نسخ تحريم الانتباذ في الجرار وهو ثابت من حديث بريدة
ابن الحصيب عند مسلم وغيره قال القرطبي فيه دليل على أن للمفتى ان يذكر الدليل مستغنيا به عن
التنصيص على جواب الفتيا إذا كان السائل بصيرا بموضع الحجة (قوله لما أتوا النبي صلى الله
عليه وسلم قال من القوم أو من الوفد) الشك من أحد الرواة اما أبو جمرة أو من دونه وأظنه شعبة
فإنه في رواية قرة وغيره بغير شك وأغرب الكرماني فقال الشك من ابن عباس قال النووي الوفد
الجماعة المختارة للتقدم في لقى العظماء واحدهم وافد قال ووفد عبد القيس المذكورون
120

كانوا أربعة عشر راكبا كبيرهم الأشج ذكره صاحب التحرير في شرح مسلم وسمى منهم المنذر
ابن عائذ وهو الأشج المذكور ومنقذ بن حبان ومزيدة بن مالك وعمرو بن مرحوم والحرث بن
شعيب وعبيدة بن همام والحرث بن جندب وصحار ابن العباس وهو بصاد مضمومة وحاء مهملتين
قال ولم نعثر بعد طول التتبع على أسماء الباقين * (قلت) * قد ذكر ابن سعد منهم عقبة بن جروة
وفى سنن أبي داود قيس بن النعمان العبدي وذكره الخطيب أيضا في المبهمات وفى مسند البزار
وتاريخ ابن أبي خيثمة الجهم بن قثم ووقع ذكره في صحيح مسلم أيضا لكن لم يسمه وفى مسندي
أحمد وابن أبي شيبة الرستم العبدي وفى المعرفة لأبي نعيم جويرية العبدي وفى الأدب للبخاري
الزارع بن عامر العبدي فهؤلاء الستة الباقون من العدد وما ذكر من أن الوفد كانوا أربعة
عشر راكبا لم يذكر دليله وفى المعرفة لابن منده من طريق هود العصري وهو بعين وصاد
مهملتين مفتوحتين نسبة إلى عصر بطن من عبد القيس عن جده لامه مزيدة قال بينما
رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ قال لهم سيطلع لكم من هذا الوجه ركب هم خير
أهل المشرق فقام عمر فلقى ثلاثة عشر راكبا فرحب وقرب وقال من القوم قالوا وفد عبد القيس
فيمكن ان يكون أحد المذكورين كان غير راكب أو مرتدفا وأما ما رواه الدولابي وغيره
من طريق أبى خيرة بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتانية وبعد الراء هاء الصباحي وهو بضم
الصاد المهملة بعدها موحدة خفيفة وبعد الألف حاء مهملة نسبة إلى صباح بطن من
عبد القيس قال كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وفد عبد القيس
وكنا أربعين رجلا فنهانا عن الدباء والنقير الحديث فيمكن ان يجمع بينه وبين الرواية
الأخرى بان الثلاثة عشر كانوا رؤس الوفد ولهذا كانوا ركبانا وكان الباقون اتباعا وقد
وقع في جملة من الاخبار ذكر جماعة من عبد القيس زيادة على من سميته هنا منهم أخو
الزارع واسمه مطر وابن أخته ولم يسم وروى ذلك البغوي في معجمه ومنهم مشمرج السعدي
روى حديثه ابن السكن وانه قدم مع وفد عبد القيس ومنهم جابر بن الحرث وخزيمة بن عبد
ابن عمرو وهمام بن ربيعة وجارية أوله جيم ابن جابر ذكرهم ابن شاهين في معجمه ومنهم نوح بن
مخلد جد أبى جمرة وكذا أبو خيرة الصباحي كما تقدم وانما أطلت في هذا الفصل لقول صاحب
التحرير انه لم يظفر بعد طول التتبع الا بما ذكرهم قال ابن أبي جمرة في قوله من القوم دليل على
استحباب سؤال القاصد عن نفسه ليعرف فينزل منزلته (قوله قالوا ربيعة) فيه التعبير عن
البعض بالكل لانهم بعض ربيعة وهذا من بعض الرواة فان عند المصنف في الصلاة من طريق
عباد بن عباد عن أبي جمرة فقالوا ان هذا الحي من ربيعة قال ابن الصلاح الحي منصوب على
الاختصاص والمعنى انا هذا الحي حي من ربيعة قال والحي هو اسم لمنزل القبيلة ثم سميت القبيلة
به لان بعضهم يحيا ببعض (قوله مرحبا) هو منصوب بفعل مضمر أي صادفت رحبا بضم الراء
أي سعة والرحب بالفتح الشئ الواسع وقد يزيدون معها أهلا أي وجدت أهلا فاستأنس
وأفاد العسكري ان أول من قال مرحبا سيف بن ذي يزن وفيه دليل على استحباب تأنيس القادم
وقد تكرر ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ففي حديث أم هانئ مرحبا بام هانئ وفى قصة
عكرمة بن أبي جهل مرحبا بالراكب المهاجر وفى قصة فاطمة مرحبا بابنتي وكلها صحيحة وأخرج
121

النسائي من حديث عاصم بن بشير الحارثي عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما دخل
فسلم عليه مرحبا وعليك السلام (قوله غير خزايا) بنصب غير على الحال وروى بالكسر على
الصفة والمعروف الأول قاله النووي ويؤيده رواية المصنف في الأدب من طريق أبى التياح عن أبي
جمرة مرحبا بالوفد الذين جاؤوا غير خزايا ولا ندامى وخزايا جمع خزيان وهو الذي أصابه خزى
والمعنى انهم أسلموا طوعا من غير حرب أو سبى يخزيهم ويفضحهم (قوله ولا ندامى) قال الخطابي
كان أصله نادمين جمع نادم لان ندامى انما هو جمع ندمان أي المنادم في اللهو قال الشاعر
* فان كنت ندماني فبالأكبر اسقنى * لكنه هنا خرج على الاتباع كما قالوا العشايا والغدايا
وغداة جمعها الغدوات لكنه اتبع انتهى وقد حكى القزاز والجوهري وغيرهما من
أهل اللغة انه يقال نادم وندمان في الندامة بمعنى فعلى هذا فهو على الأصل ولا اتباع فيه والله
أعلم ووقع في رواية النسائي من طريق قرة فقال مرحبا بالوفد ليس الخزايا ولا النادمين وهى
للطبراني من طريق شعبة أيضا قال ابن أبي جمرة بشرهم بالخير عاجلا وآجلا لان الندامة
انما تكون في العاقبة فإذا انتفت ثبت ضدها وفيه دليل على جواز الثناء على الانسان في
وجهه إذا أمن عليه الفتنة (قوله فقالوا يا رسول الله) فيه دليل على أنهم كانوا حين المقابلة
مسلمين وكذا في قولهم كفار مضر وفى قولهم الله ورسوله أعلم (قوله الا في الشهر الحرام)
وللاصيلى وكريمة الا في شهر الحرام وهى رواية مسلم وهى من إضافة الشئ إلى نفسه كمسجد
الجامع ونساء المؤمنات والمراد بالشهر الحرام الجنس فيشمل الأربعة الحرم ويؤيده رواية
قرة عند المؤلف في المغازي بلفظ الا في أشهر الحرم ورواية حماد بن زيد عنده في المناقب
بلفظ الا في كل شهر حرام وقيل اللام للعهد والمراد شهر رجب وفى رواية للبيهقي التصريح به
وكانت مضر تبالغ في تعظيم شهر رجب فلهذا أضيف إليهم في حديث أبي بكرة حيث قال رجب
مضر كما سيأتي والظاهر أنهم كانوا يخصونه بمزيد التعظيم مع تحريمهم القتال في الأشهر
الثلاثة الأخرى الا انهم ربما أنسوها بخلافه وفيه دليل على تقدم اسلام عبد القيس على
قبائل مضر الذين كانوا بينهم وبين المدينة وكانت مساكن عبد القيس بالبحرين وما والاها
من أطراف العراق ولهذا قالوا كما في رواية شعبة عند المؤلف في العلم وانا نأتيك من شقة بعيدة
قال ابن قتيبة الشقة السفر وقال الزجاج هي الغاية التي تقصد ويدل على سبقهم إلى الاسلام
أيضا ما رواه المصنف في الجمعة من طريق أبى جمرة أيضا عن ابن عباس قال إن أول جمعة جمعت
بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجواثي من البحرين
وجواثي بضم الجيم وبعد الألف مثلثة مفتوحة وهى قرية شهيرة لهم وانما جمعوا بعد رجوع
وفدهم إليهم فدل على أنهم سبقوا جميع القرى إلى الاسلام (قوله بأمر فصل) بالتنوين فيهما
لا بالإضافة والامر واحد الأوامر أي مرنا بعمل بواسطة افعلوا ولهذا قال الراوي أمرهم
وفى رواية حماد بن زيد وغيره عند المؤلف قال النبي صلى الله عليه وسلم آمركم وله عن أبي التياح
بصيغة افعلوا والفصل بمعنى الفاصل كالعدل بمعنى العادل أي يفصل بين الحق والباطل أو بمعنى
المفصل أي المبين المكشوف حكاه الطيبى وقال الخطابي الفصل البين وقيل المحكم (قوله نخبر
به) بالرفع على الصفة لأمر وكذا قوله وندخل ويروى بالجزم فيهما على أنه جواب الامر وسقطت
122

الواو من وندخل في بعض الروايات فيرفع نخبر ويجزم ندخل قال ابن أبي جمرة فيه دليل على
ابداء العذر عند العجز عن توفية الحق واجبا أو مندوبا وعلى انه يبدأ بالسؤال عن الأهم
وعلى ان الأعمال الصالحة تدخل الجنة إذا قبلت وقبولها يقع برحمة الله كما تقدم (قوله فأمرهم
بأربع) أي خصال أو جمل لقولهم حدثنا بجمل من الامر وهى رواية قرة عند المؤلف في المغازي
قال القرطبي قيل إن أول الأربع المأمور بها أقام الصلاة وانما ذكر الشهادتين تبركا بهما كما قيل
في قوله تعالى واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه والى هذا نحا الطيبى فقال عادة البلغاء ان
الكلام إذا كان منصوبا لغرض جعلوا سياقه له وطرحوا ما عداه وهنا لم يكن الغرض في الايراد
ذكر الشهادتين لان القوم كانوا مؤمنين مقرين بكلمتي الشهادة ولكن ربما كانوا يظنون أن
الايمان مقصور عليهما كما كان الامر في صدر الاسلام قال فلهذا لم يعد الشهادتين في الأوامر
قيل ولا يرد على هذا الاتيان بحرف العطف فيحتاج إلى تقدير وقال القاضي أبو بكر بن العربي
لولا وجود حرف العطف لقلنا ان ذكر الشهادتين ورد على سبيل التصدير لكن يمكن ان يقرأ
قوله وأقام الصلاة بالخفض فيكون عطفا على قوله أمرهم بالايمان والتقدير أمرهم بالايمان
مصدرا به وبشرطه من الشهادتين وأمرهم باقام الصلاة إلى آخره قال ويؤيد هذا حذفهما في
رواية المصنف في الأدب من طريق أبى التياح عن أبي جمرة ولفظه أربع وأربع أقيموا الصلاة إلى آخره
فان قيل ظاهر ما ترجم به المصنف من أن أداء الخمس من الايمان يقتضى ادخاله مع باقي الخصال
في تفسير الايمان والتقدير المذكور يخالفه أجاب ابن رشيد بأن المطابقة تحصل من جهة
أخرى وهى أنهم سألوا عن الأعمال التي يدخلون بها الجنة وأجيبوا بأشياء منها أداء الخمس
والأعمال التي تدخل الجنة هي أعمال الايمان فيكون أداء الخمس من الايمان بهذا التقرير
فان قيل فكيف قال في رواية حماد بن زيد عن أبي جمرة آمركم بأربع الايمان بالله وشهادة أن
لا اله الله وعقد واحدة كذا للمؤلف في المغازي وله في فرض الخمس وعقد بيده فدل على أن
الشهادة إحدى الأربع وأما ما وقع عنده في الزكاة من هذا الوجه من زيادة الواو في قوله
وشهادة أن لا إله إلا الله فهو زيادة شاذة لم يتابع عليها حجاج بن منهال أحد والمراد بقوله شهادة أن
لا إله إلا الله أي وان محمد رسول الله كما صرح به في رواية عباد بن عباد في أوائل المواقيت
ولفظه آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الايمان بالله ثم فسرها له شهادة أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله الحديث والاقتصار على شهادة أن لا إله إلا الله على إرادة الشهادتين معا لكونها
صارت علما على ذلك كما تقدم تقريره في باب زيادة الايمان وهذا أيضا يدل على أنه عد الشهادتين من
الأربع لأنه أعاد الضمير في قوله ثم فسرها مؤنثا فيعود على الأربع ولو أراد تفسير الايمان لاعاده
مذكرا وعلى هذا فيقال كيف قال أربع والمذكورات خمس وقد أجاب عنه القاضي عياض
تبعا لابن بطال بأن الأربع ما عدا أداء الخمس قال كأنه أراد اعلامهم بقواعد الايمان وفروض
الأعيان ثم أعلمهم بما يلزمهم اخراجه إذا وقع له جهاد لانهم كانوا بصدد محاربة كفار مضر ولم
يقصد ذكرها بعينها لأنها مسببة عن الجهاد ولم يكن الجهاد إذ ذاك فرض عين قال وكذلك لم
يذكر الحج لأنه لم يكن فرض وقال غيره قوله وان تعطوا معطوف على قوله بأربع أي آمركم
بأربع وبان تعطوا ويدل عليه العدول عن سياق الأربع والاتيان بأن والفعل مع توجه
123

الخطاب إليهم قال ابن التين لا يمتنع الزيادة إذا حصل الوفاء بوعد الأربع (قلت) ويدل على
ذلك لفظ رواية مسلم من حديث أبي سعيد الخدري في هذه القصة آمركم بأربع اعبدوا الله ولا
تشركوا به شيئا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان وأعطوا الخمس من الغنائم وقال
القاضي أبو بكر بن العربي ويحتمل أن يقال إنه عد الصلاة والزكاة واحدة لأنها قرينتها في كتاب الله
وتكون الرابعة أداء الخمس أو انه لم يعد أداء الخمس لأنه داخل في عموم إيتاء الزكاة والجامع بينهما
أنهما اخراج مال معين في حال دون حال وقال البيضاوي الظاهر أن الأمور الخمسة المذكورة
هنا تفسير للايمان وهو أحد الأربعة الموعود بذكرها والثلاثة الاخر حذفها الراوي اختصارا
أو نسيانا كذا قال وما ذكر أنه الظاهر لعله بحسب ما ظهر له والا فالظاهر من السياق ان الشهادة
أحد الأربع لقوله وعقد واحدة وكان القاضي أراد أن يرفع الاشكال من كون الايمان واحدا
والموعود بذكره أربعا وقد أجيب عن ذلك بأنه باعتبار أجزائه المفصلة أربع وهو في حد ذاته
واحد والمعنى أنه اسم جامع للخصال الأربع التي ذكر أنه يأمرهم بها ثم فسرها فهو واحد
بالنوع متعدد بحسب وظائفه كما أن المنهى عنه وهو الانتباذ فيما يسرع إليه الاسكار واحد
بالنوع متعدد بحسب أوعيته والحكمة في الاجمال بالعدد قبل التفسير أن تتشوف النفس إلى
التفصيل ثم تسكن إليه وان يحصل حفظها للسامع فإذا نسى شيئا من تفاصيلها طلب نفسه
بالعدد فإذا لم يستوف العدد الذي في حفظه علم أنه قد فاته بعض ما سمع وما ذكره القاضي عياض
من أن السبب في كونه لم يذكر الحج في الحديث لأنه لم يكن فرض هو المعتمد وقد قدمنا الدليل على
قدم اسلامهم لكن جزم القاضي بأن قدومهم كان في سنة ثمان قبل فتح مكة تبع فيه الواقدي
وليس بجيد لان فرض الحج كان سنة ست على الأصح كما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى
ولكن القاضي يختار أن فرض الحج كان سنة تسع حتى لا يرد على مذهبه أنه على الفور اه‍ وقد
احتج الشافعي لكونه على التراخي بأن فرض الحج كان بعد الهجرة وان النبي صلى الله عليه وسلم
كان قادرا على الحج في سنة ثمان وفى سنة تسع ولم يحج الا في سنة عشر وأما قول من قال إنه ترك
ذكر الحج لكونه على التراخي فليس بجيد لان كونه على التراخي لا يمنع من الامر به وكذا قول من
قال انما تركه لشهرته عندهم ليس بقوى لأنه عند غيرهم ممن ذكره لهم أشهر منه عندهم وكذا
قول من قال إن ترك ذكره لانهم لم يكن لهم إليه سبيل من أجل كفار مضر ليس بمستقيم لأنه لا يلزم
من عدم الاستطاعة في الحال ترك الاخبار به ليعمل به عند الامكان كما في الآية بل دعوى انهم
كانوا لا سبيل لهم إلى الحج ممنوعة لان الحج يقع في الأشهر الحرم وقد ذكروا انهم كانوا يأمنون
فيها لكن يمكن أن يقال إنه انما أخبرهم ببعض الأوامر لكونهم سألوه أن يخبرهم بما يدخلون
بفعله الجنة فاقتصر لهم على ما يمكنهم فعله في الحال ولم يقصد اعلامهم بجميع الاحكام التي تجب
عليهم فعلا وتركا ويدل على ذلك اقتصاره في المناهي على الانتباذ في الأوعية مع أن في المناهي ما هو
أشد في التحريم من الانتباذ لكن اقتصر عليها لكثرة تعاطيهم لها وأما ما وقع في كتاب الصيام من
السنن الكبرى للبيهقي من طريق أبى قلابة الرقاشي عن أبي زيد الهروي عن قرة في هذا الحديث
من زيادة ذكر الحج ولفظه وتحجوا البيت الحرام ولم يتعرض لعدد فهي رواية شاذة وقد أخرجه
الشيخان ومن استخرج عليهما والنسائي وابن خزيمة وابن حبان من طريق قرة لم يذكر أحد منهم
124

الحج وأبو قلابة تغير حفظه في آخر أمره فلعل هذا مما حدث به في التغير وهذا بالنسبة لرواية أبى
جمرة وقد ورد ذكر الحج أيضا في مسند الإمام أحمد من رواية أبان العطار عن قتادة عن سعيد بن
المسيب وعن عكرمة عن ابن عباس في قصة وفد عبد القيس وعلى تقدير أن يكون ذكر الحج فيه
محفوظا فيجمع في الجواب عنه بين الجوابين المتقدمين فيقال المراد بالأربع ما عدا الشهادتين
وأداء الخمس والله أعلم (قوله ونهاهم عن أربع عن الحنتم) إلى آخره في جواب قوله وسألوه عن
الأشربة هو من اطلاق المحل وإرادة الحال أي ما في الحنتم ونحوه وصرح بالمراد في رواية النسائي
من طريق قرة فقال وأنهاكم عن أربع ما ينتبذ في الحنتم الحديث والحنتم بفتح المهملة وسكون
النون وفتح المثناة من فوق هي الجرة كذا فسرها ابن عمر في صحيح مسلم وله عن أبي هريرة الحنتم
الجرار الخضر وروى الحربي في الغريب عن عطاء أنها جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم والدباء
بضم المهملة وتشديد الموحدة والمد هو القرع قال النووي والمراد اليابس منه وحكى القزاز
فيه القصر والنقير بفتح النون وكسر القاف أصل النخلة ينقر فيتخذ منه وعاء والمزفت بالزاي
والفاء ما طلى بالرفت والمقير بالقاف والياء الأخيرة ما طلى بالقار ويقال له القير وهو نبت
يحرق إذا يبس تطلى به السفن وغيرها كما تطلى بالزفت قاله صاحب المحكم وفى مسند
أبى داود الطيالسي عن أبي بكزة قال أما الدباء فان أهل الطائف كانوا يأخذون القرع
فيخرطون فيه العنب ثم يدفنونه حتى يهدر ثم يموت وأما النقير فان أهل اليمامة كانوا
ينقرون أصل النخلة ثم ينبذون الرطب والبسر ثم يدعونه حتى يهدر ثم يموت وأما الحنتم فجرار
كانت تحمل إلينا فيها الخمر وأما المزفت فهذه الأوعية التي فيها الزفت انتهى واسناده
حسن وتفسير الصحابي أولى ان يعتمد عليه من غيره لأنه اعلم بالمراد ومعنى النهى عن الانتباذ في
هذه الأوعية بخصوصها لأنه يسرع فيها الاسكار فربما شرب منها من لا يشعر بذلك ثم ثبتت
الرخصة في الانتباذ في كل وعاء مع النهى عن شرب كل مسكر كما سيأتي في كتاب الأشربة إن شاء الله
تعالى (قوله وأخبروا بهن من وراءكم) بفتح من وهى موصولة ووراءكم يشمل من جاؤوا من
عندهم وهذا باعتبار المكان ويشمل من يحدث لهم من الأولاد وغيرهم وهذا باعتبار الزمان
فيحتمل أعمالها في المعنيين معا حقيقة ومجازا واستنبط منه المصنف الاعتماد على أخبار الآحاد
على ما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى (قوله باب ما جاء) أي باب بيان ما ورد دالا على أن الأعمال
الشرعية معتبرة بالنية والحسبة والمراد بالحسبة طلب الثواب ولم يأت بحديث لفظه الأعمال
بالنية والحسبة وانما استدل بحديث عمر على أن الأعمال بالنية وبحديث أبى مسعود على أن
الأعمال بالحسبة وقوله ولكل امرئ ما نوى هو بعض حديث الأعمال بالنية وانما أدخل قوله
والحسبة بين الجملتين للإشارة إلى أن الثانية تفيد مالا تفيد الأولى (قوله فدخل فيه) هو من
مقول المصنف وليس بقية مما ورد وقد أفصح ابن عساكر في روايته بذلك فقال قال
أبو عبد الله يعنى المصنف والضمير في فيه يعود على الكلام المتقدم وتوجيه دخول النية في الايمان
على طريقة المصنف ان الايمان عمل كما تقدم شرحه وأما الايمان بمعنى التصديق فلا يحتاج إلى
نية كسائر أعمال القلوب من خشية الله وعظمته ومحبته والتقرب إليه لأنها متميزة لله تعالى فلا
تحتاج لنية تميزها لأن النية انما تميز العمل لله عن العمل لغيره رياء وتميز مراتب الأعمال كالفرض
125

عن الندب وتميز العبادة عن العادة كالصوم عن الحمية (قوله والوضوء) أشار به إلى خلاف من لم
يشترط في النية كما نقل عن الأوزاعي وأبي حنيفة وغيرهما وحجتهم انه ليس عبادة مستقلة بل
وسيلة إلى عبادة كالصلاة ونوقضوا بالتيمم فإنه وسيلة وقد اشترط الحنفية فيه النية واستدل
الجمهور على اشتراط النية في الوضوء بالأدلة الصحيحة المصرحة بوعد الثواب عليه فلا بد من قصد
يميزه عن غيره ليحصل الثواب الموعود وأما الصلاة فلم يختلف في اشتراط النية فيها وأما الزكاة
فإنما تسقط بأخذ السلطان ولو لم ينو صاحب المال لان السلطان قائم مقامه وأما الحج فإنما
ينصرف إلى فرض من حج عن غيره لدليل خاص وهو حديث ابن عباس في قصة شبرمة وأما
الصوم فأشار به إلى خلاف من زعم أن صيام رمضان لا يحتاج إلى نية لأنه متميز بنفسه كما نقل عن
زفر وقدم المصنف الحج على الصوم تمسكا بما ورد عنده في حديث بنى الاسلام وقد تقدم (قوله
والاحكام) أي المعاملات التي يدخل فيها الاحتياج إلى المحاكمات فيشمل البيوع والأنكحة
والأقارير وغيرها وكل صورة لم يشترط فيها النية فذاك لدليل خاص وقد ذكر ابن المنير ضابطا
لما يشترط فيه النية مما لا يشترط فقال كل عمل لا تظهر له فائدة عاجلة بل المقصود به طلب
الثواب فالنية مشترطة فيه وكل عمل ظهرت فائدته ناجزة وتعاطته الطبيعة قبل الشريعة لملايمة
بينهما فلا تشترط النية فيه الا لمن قصد بفعله معنى آخر يترتب عليه الثواب قال وانما اختلف
العلماء في بعض الصور من جهة تحقيق مناط التفرقة قال وأما ما كان من المعاني المحضة
كالخوف والرجاء فهذا لا يقال باشتراط النية فيه لأنه لا يمكن أن يقع الا منويا ومتى فرضت النية
مفقودة فيه استحالت حقيقته فالنية فيه شرط عقلي ولذلك لا تشترط النية للنية فرارا
من التسلسل وأما الأقوال فتحتاج إلى النية في ثلاثة مواطن أحدها التقرب إلى الله
فرارا من الرياء والثاني التمييز بين الألفاظ المحتملة لغير المقصود والثالث قصد الانشاء ليخرج
سبق اللسان (قوله وقال الله) قال الكرماني الظاهر أنها جملة حالية لا عطف أي والحال أن الله
قال ويحتمل أن تكون للمصاحبة أي مع أن الله قال (قوله على نيته) تفسير منه لقوله على
شاكته بحذف أداة التفسير وتفسير الشاكلة بالنية صح عن الحسن البصري ومعاوية بن قرة
المزنى وقتادة أخرجه عبد بن حميد والطبري عنهم وعن مجاهد قال الشاكلة الطريقة أو الناحية
وهذا قول الأكثر وقيل الدين وكلها متقاربة (قوله ولكن جهاد ونية) هو طرف من
حديث لابن عباس أوله لا هجرة بعد الفتح وقد وصله المؤلف في الجهاد وغيره من طريق طاوس عنه
وسيأتى (قوله الأعمال بالنية) كذا أورده من رواية مالك بحذف انما من أوله وقد رواه
مسلم عن القعنبي وهو عبد الله بن مسلمة المذكور هنا باثباتها وتقدم الكلام على نكت من هذا
الحديث أو الكتاب (قوله عبد الله بن زيد) هو الخطمي بفتح المعجمة وسكون الطاء المهملة
وهو صحابي انصارى روى عن صحابي انصارى وسيأتى ذكر أبى مسعود المذكور في باب من شهد
بدرا من المغازي ويأتي الكلام على حديثه في كتاب النفقات إن شاء الله تعالى والمقصود منه في
هذا الباب قوله يحتسبها قال القرطبي أفاد منطوقه أن الاجر في الانفاق انما يحصل بقصد
القربة سواء كانت واجبة أو مباحة وأفاد مفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر لكن تبرأ ذمته
من النفقة الواجبة لأنها معقولة المعنى وأطلق الصدقة على النفقة مجازا والمراد بها الاجر
126

والقرينة الصارفة عن الحقيقة الاجماع على جواز النفقة على الزوجة الهاشمية التي حرمت
عليها الصدقة (قوله انك) الخطاب لسعد والمراد هو ومن يصح منه الانفاق (قوله وجه
الله) أي ما عند الله من الثواب (قوله الا أجرت) يحتاج إلى تقدير لان الفعل لا يقع استثناء
(قوله حتى) هي عاطفة وما بعدها منصوب المحل وما موصولة والعائد محذوف (قوله في فم
امرأتك) وللكشميهني في في امرأتك وهى الرواية الأكثر قال القاضي عياض هي أصوب لان
الأصل حذف الميم بدليل جمعه على أفواه وتصغيره على فويه قال وانما يحسن اثبات الميم عند
الافراد وأما عند الإضافة فلا الا في لغة قليلة اه‍ وهذا طرف من حديث سعد بن أبي وقاص
في مرضه بمكة وعيادة النبي صلى الله عليه وسلم له وقوله أوصى بشطر مالي الحديث وسيأتى
الكلام عليه في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى والمراد منه هنا قوله تبتغى أي تطلب بها وجه الله
واستنبط منه النووي ان الحظ إذا وافق الحق لا يقدح في ثوابه لان وضع اللقمة في في الزوجة
يقع غالبا في حالة المداعبة ولشهوة النفس في ذلك مدخل ظاهر ومع ذلك إذا وجه القصد في تلك
الحالة إلى ابتغاء الثواب حصل له بفضل الله. (قلت) وجاء ما هو أصرح في هذا المراد من وضع
اللقمة وهو ما أخرجه مسلم عن أبي ذر فذكر حديثا فيه وفى بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله
أيأتى أحدنا شهوته ويؤجر قال نعم أرأيتم لو وضعها في حرام الحديث قال وإذا كان هذا بهذا
المحل مع ما فيه من حظ النفس فما الظن بغيره مما لاحظ للنفس فيه قال وتمثيله باللقمة مبالغة في
تحقيق هذه القاعدة لأنه إذا ثبت الاجر في لقمة واحدة لزوجة غير مضطرة فما الظن بمن أطعم لقما
لمحتاج أو عمل من الطاعات ما مشقته فوق مشقة ثمن اللقمة الذي هو من الحقارة بالمحل الأدنى
اه‍ وتمام هذا أن يقال وإذا كان هذا في حق الزوجة مع مشاركة الزوج لها في النفع بما
يطعمها لان ذلك يؤثر في يحسن بدنها وهو ينتفع منها بذلك وأيضا فالأغلب أن الانفاق على
الزوجة يقع بداعية النفس بخلاف غيرها فإنه يحتاج إلى مجاهدتها والله أعلم (قوله * باب قول
النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة) هذا الحديث أورده المصنف هنا ترجمة باب ولم يخرجه
مسندا في هذا الكتاب لكونه على غير شرطه ونبه بايراده على صلاحيته في الجملة وما أورده من
الآية وحديث جرير يشتمل على ما تضمنه وقد أخرجه مسلم * حدثنا محمد بن عباد حدثنا سفيان
قال قلت لسهيل بن أبي صالح ان عمرا حدثنا عن القعقاع عن أبيك بحديث ورجوت أن تسقط
عنى رجلا أي فتحدثني به عن أبيك قال فقال سمعته من الذي سمعه منه أبى كان صديقا له بالشام
وهو عطاء بن يزيد عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين النصيحة قلنا لمن قال لله عز
وجل الحديث رواه مسلم أيضا من طريق روح بن القاسم قال حدثنا سهيل عن عطاء بن يزيد
أنه سمعه وهو يحدث أبا صالح فذكره ورواه ابن خزيمة من حديث جرير عن سهيل أن أباه حدث
عن أبي هريرة بحديث ان الله يرضى لكم ثلاثا الحديث قال فقال عطاء بن يزيد سمعت تميما الداري
يقول فذكر حديث النصيحة وقد روى حديث النصيحة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وهو
وهم من سهيل أو ممن روى عنه لما بيناه قال البخاري في تاريخه لا يصح الا عن تميم ولهذا
الاختلاف على سهيل لم يخرجه في صحيحه بل لم يحتج فيه بسهيل أصلا وللحديث طرق دون هذه في
القوة منها ما أخرجه أبو يعلى من حديث ابن عباس والبزار من حديث ابن عمر وقد بينت
127

جميع ذلك في تعليق التعليق (قوله الدين النصيحة) يحتمل أن يحمل على المبالغة أي معظم الدين
النصيحة كما قيل في حديث الحج عرفة ويحتمل أن يحمل على ظاهره لان كل عمل لم يرد به عامله
الاخلاص فليس من الدين وقال المازري النصيحة مشتقة من نصحت العسل إذا صفيته يقال
نصح الشئ إذا خلص ونصح له القول إذا أخلصه له أو مشتقة من النصح وهى الخياطة بالمنصحة
وهى الإبرة والمعنى أنه يلم شعث أخية بالنصح كما تلم المنصحة ومنه التوبة النصوح كأن الذنب
يمزق الدين والتوبة تخيطه قال الخطابي النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للنصوح له
وهى من وجيز الكلام بل ليس في الكلام كلمة مفردة تستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة
وهذا الحديث من الأحاديث التي قيل فيها انها أحد أرباع الدين وممن عده فيها الإمام محمد
ابن أسلم الطوسي وقال النووي بل هو وحده محصل لغرض الدين كله لأنه منحصر في الأمور
التي ذكرها فالنصيحة لله وصفه بما هو له أهل والخضوع له ظاهرا وباطنا والرغبة في محابه بفعل
طاعته والرهبة من مساخطه بترك معصيته والجهاد في رد العاصين إليه وروى الثوري عن
عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة صاحب على قال قال الحواريون لعيسى عليه السلام
يا روح الله من الناصح لله قال الذي يقدم حق الله على حق الناس والنصيحة لكتاب الله تعلمه
وتعليمه وإقامة حروفه في التلاوة وتحريرها في الكتابة وتفهم معانيه وحفظ حدوده والعمل بما
فيه وذب تحريف المبطلين عنه والنصيحة لرسوله تعظيمه ونصره حيا وميتا واحياء سنته بتعلمها
وتعليمها والاقتداء به في أقواله وافعاله ومحبته ومحبة أتباعه والنصيحة لأئمة المسلمين
اعانتهم على ما حملوا القيام به وتنبيههم عند الغفلة وسد خلتهم عند الهفوة وجمع الكلمة عليهم
ورد القلوب النافرة إليهم ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن ومن جملة أئمة
المسلمين أئمة الاجتهاد وتقع النصيحة لهم ببث علومهم ونشر مناقبهم وتحسين الظن بهم والنصيحة
لعامة المسلمين الشفقة عليهم والسعي فيما يعود نفعه عليهم وتعليمهم ما ينفعهم وكف وجوه
الأذى عنهم وان يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه وفى الحديث فوائد أخرى
* منها ان الدين يطلق على العمل لكونه سمى النصيحة دينا وعلى هذا المعنى بنى المصنف أكثر
كتاب الايمان * ومنها جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب من قوله قلنا لمن * ومنها رغبة
السلف في طلب علو الاسناد وهو مستفاد من قصة سفيان مع سهيل (قوله عن جرير بن عبد
الله) هو البجلي بفتح الجيم وقيس الراوي عنه وإسماعيل الراوي عن قيس بجليان أيضا وكل منهم
يكنى أبا عبد الله وكلهم كوفيون (قوله بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال القاضي
عياض اقتصر على الصلاة والزكاة لشهرتهما ولم يذكر الصوم وغيره لدخول ذلك في السمع
والطاعة * قلت زيادة السمع والطاعة وقعت عند المصنف في البيوع من طريق سفيان عن
إسماعيل المذكور وله في الاحكام ولمسلم من طريق الشعبي عن جرير قال بايعت النبي صلى
الله عليه وسلم على السمع والطاعة فلقنني فيما استطعت والنصح لكل مسلم ورواه ابن حبان من
طريق أبى زرعة بن عمرو بن جرير عن جده وزاد فيه فكان جرير إذا اشترى شيا أو باع يقول
لصاحبه اعلم أن ما أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناكه فاختر وروى الطبراني في ترجمته ان
غلامه اشترى له فرسا بثلثمائة فلما رآه جاء إلى صاحبه فقال إن فرسك خير من ثلاثمائة فلم يزل
128

يزيده حتى أعطاه ثمانمائة قال القرطبي كانت مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه
بحسب ما يحتاج إليه من تجديد عهد أو توكيد أمر فلذلك اختلفت ألفاظهم وقوله فيما
استطعت رويناه بفتح التاء وضمها وتوجيههما واضح والمقصود بهذا التنبيه على أن اللازم من
الأمور المبايع عليها هو ما يطاق كما هو المشترط في أصل التكليف ويشعر الامر بقول ذلك اللفظ
حال المبايعة بالعفو عن الهفوة وما يقع عن خطا وسهو والله أعلم (قوله سمعت جرير بن عبد الله)
المسموع من جرير حمد الله والثناء عليه فالتقدير سمعت جريرا حمد الله والباقي شرح للكيفية
(قوله يوم مات المغيرة بن شعبة) كان المغيرة واليا على الكوفة في خلافة معاوية وكانت وفاته سنة
خمسين من الهجرة واستناب عند موته ابنه عروة وقيل استناب جرير المذكور ولهذا خطب
الخطبة المذكورة حكى ذلك العلائي في أخبار زياد والوقار بالفتح الرزانة والسكينة السكون
وانما أمرهم بذلك مقدما لتقوى الله لان الغالب ان وفاة الامراء تؤدى إلى الاضطراب والفتنة
ولا سيما ما كان عليه أهل الكوفة إذ ذاك من مخالفة ولاة الأمور (قوله حتى يأتيكم أمير) أي
بدل الأمير الذي مات ومفهوم الغاية هنا وهو ان المأمور به ينتهى بمجئ الأمير ليس مراد ابل
الموافقة (قوله الآن) أراد به تقريب المدة تسهيلا عليهم وكان كذلك لان معاوية لما بلغه موت
المغيرة كتب إلى نائبه على البصرة وهو زياد أن يسير إلى الكوفة أميرا عليها (قوله استعفوا
لأميركم) أي اطلبوا له العفو من الله كذا في معظم الروايات بالعين المهملة وفى رواية ابن عساكر
استغفروا بغين معجمة وزيادة راء وهى رواية الإسماعيلي في المستخرج (قوله فإنه كان يحب العفو)
فيه إشارة إلى أن الجزاء يقع من جنس العمل (قوله قلت أبايعك) ترك أداة العطف اما لأنه بدل
من أتيت أو استئناف (قوله والنصح) بالخفض عطفا على الاسلام ويجوز نصبه عطفا على مقدر
أي شرط على الاسلام والنصيحة وفيه دليل على كمال شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم (قوله على
هذا) أي على ما ذكر (قوله ورب هذا المسجد) مشعر بان خطبته كانت في المسجد ويجوز
أن يكون إشارة إلى جهة المسجد الحرام ويدل عليه رواية الطبراني بلفظ ورب الكعبة وذكر
ذلك للتنية على شرف المقسم به ليكون أدعى للقبول (قوله لناصح) إشارة إلى أنه وفى بما بايع
عليه الرسول وان كلامه خالص عن الغرض (قوله ونزل) مشعر بأنه خطب على المنبر أو المراد
قعد لأنه في مقابلة قوله قام فحمد الله تعالى * (فائدة) * التقييد بالمسلم للأغلب والا فالنصح
للكافر معتبر بان يدعى إلى الاسلام ويشار عليه بالصواب إذا استشار واختلف العلماء
في البيع على بيعه ونحو ذلك فجزم أحمد ان ذلك يختص بالمسلمين واحتج بهذا الحديث * (فائدة
أخرى) * ختم البخاري كتاب الايمان بباب النصيحة مشيرا إلى أنه عمل بمقتضاه في الارشاد إلى
العمل بالحديث الصحيح دون السقيم ثم ختمه بخطبة جرير المتضمنة لشرح حاله في تصنيفه فأومأ
بقوله فإنما يأتيكم الآن إلى وجوب التمسك بالشرائع حتى يأتي من يقيمها إذ لا تزال طائفة
منصورة وهم فقهاء أصحاب الحديث وبقوله استعفوا لأميركم إلى طلب الدعاء له لعمله الفاضل
ثم ختم بقوله استغفر ونزل فأشعر بختم الباب ثم عقبه بكتاب العلم لما دل عليه حديث النصيحة
ان معظمها يقع بالتعلم والتعليم * (خاتمة) * اشتمل كتاب الايمان ومقدمته من بدء الوحي من
129

الأحاديث المرفوعة على أحد وثمانين حديثا بالمكرر منها في بدء الوحي خمسة عشر وفى الايمان
ستة وستون المكرر منها ثلاثة وثلاثون منها في المتابعات بصيغة المتابعة أو التعليق اثنان
والعشرون في بدء الوحي ثمانية وفى الايمان أربعة عشر ومن الموصول المكرر ثمانية ومن
التعليق الذي لم يوصل في مكان آخر ثلاثة وبقية ذلك وهى ثمانية وأربعون حديثا موصولة بغير
تكرير وقد وافقه مسلم على تخريجها الا سبعة وهى الشعبي عن عبد الله بن عمرو في المسلم
والمهاجر والأعرج عن أبي هريرة في حب الرسول صلى الله عليه وسلم وابن أبي صعصعة عن أبي
سعيد في الفرار من الفتن وأنس عن عبادة في ليلة القدر وسعيد عن أبي هريرة في الدين
يسر والأحنف عن أبي بكرة في القاتل والمقتول وهشام عن أبيه عن عائشة في انا أعلمكم
بالله وجميع ما فيه من الموقوفات على الصحابة والتابعين ثلاثة عشر أثرا معلقة غير أثر ابن
الناطور فهو موصول وكذا خطبة جرير التي ختم بها كتاب الايمان والله أعلم
* (قوله كتاب العلم) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم باب فضل العلم) *
هكذا في رواية الأصيلي وكريمة وغيرهما و في رواية أبي ذر تقديم البسملة وقد قدمنا توجيه
ذلك في كتاب الايمان وليس في رواية المستملى لفظ باب ولا في رواية رفيقه لفظ كتاب العلم
* (فائدة) * قال القاضي أبو بكر بن العربي بدأ المصنف بالنظر في فضل العلم قبل النظر في حقيقته
وذلك لاعتقاده انه في نهاية الوضوح فلا يحتاج إلى تعريف أو لان النظر في حقائق الأشياء ليس
من فن الكتاب وكل من القدرين ظاهر لان البخاري لم يضع كتابه لحدود الحقائق وتصورها بل
هو جار على أساليب العرب القديمة فإنهم يبدؤن بفضيلة المطلوب للتشويق إليه إذا كانت
حقيقته مكشوفة معلومة وقد أنكر ابن العربي في شرح الترمذي على من تصدى لتعريف العلم
وقال هو أبين من أن يبين (قلت) وهذه طريقة الغزالي وشيخه الامام ان العلم لا يحد لوضوحه
أو لعسره (قوله وقول الله عز وجل) ضبطناه في الأصول بالرفع عطفا على كتاب أو على الاستئناف
(قوله يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) قيل في تفسيرها يرفع الله المؤمن
العالم على المؤمن غير العالم ورفعة الدرجات تدل على الفضل إذ المراد به كثرة الثواب وبها ترتفع
الدرجات ورفعتها تشمل المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت والحسية في الآخرة بعلو
المنزلة في الجنة وفى صحيح مسلم عن نافع بن عبد الحرث الخزاعي وكان عامل عمر على مكة انه لقيه
بعسفان فقال له من استخلفت فقال استخلفت ابن أبزى مولى لنا فقال عمر استخلفت مولى قال إنه
قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض فقال عمر اما ان نبيكم قد قال إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما
ويضع به آخرين وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى نرفع درجات من نشاء قال بالعلم (قوله وقوله
عز وجل رب زدني علما) واضح الدلالة في فضل العلم لان الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه
وسلم بطلب الازدياد من شئ الا من العلم والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على
المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته والعلم بالله وصفاته وما يجب له من القيام بأمره
وتنزيهه عن النقائص ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه وقد ضرب هذا الجامع
130

الصحيح في كل من الأنواع الثلاثة بنصيب فرضى الله عن مصنفه وأعاننا على ما تصدينا له من
توضيحه بمنه وكرمه فان قيل لم لم يورد المصنف في هذا الباب شيئا من الحديث فالجواب انه اما ان
يكون اكتفى بالآيتين الكريمتين واما بيض له ليلحق فيه ما يناسبه فلم يتيسر واما أورد فيه
حديث ابن عمر الآتي بعد باب رفع العلم ويكون وضعه هناك من تصرف بعض الرواة وفيه نظر
على ما سنبينه هناك إن شاء الله تعالى ونقل الكرماني عن بعض أهل الشام ان البخاري بوب
الأبواب وترجم التراجم وكتب الأحاديث وربما بيض لبعضها ليلحقه وعن بعض أهل العراق انه
تعمد بعد الترجمة عدم ايراد الحديث إشارة إلى أنه لم يثبت فيه شئ عنده على شرطه (قلت) والذي
يظهر لي ان هذا محله حيث لا يورد فيه آية ولا أثرا أما إذا أورد آية أو أثرا فهو إشارة منه إلى ما ورد
في تفسير مالك الآية وانه لم يثبت فيه شئ على شرطه وما دلت عليه الآية كاف في الباب
والى ان الأثر الوارد في ذلك يقوى به طريق المرفوع وان لم يصل في القوة إلى شرطه والأحاديث
في فضل العلم كثيرة صحح مسلم منها حديث أبي هريرة رفعه من التمس طريقا يلتمس فيه علما سهل
الله له طريقا إلى الجنة ولم يخرجه البخاري لأنه اختلف فيه على الأعمش والراجح انه بينه وبين أبى
صالح فيه واسطة والله أعلم (قوله باب من سئل علما وهو مشتغل) محصله التنبيه على أدب العالم
والمتعلم أما العالم فلما تضمنه من ترك زجر السائل بل أدبه بالاعراض عنه أولا حتى استوفى ما كان
فيه ثم رجع إلى جوابه فرفق به لأنه من الاعراب وهم جفاة وفيه العناية بجواب سؤال السائل
ولو لم يكن السؤال متعينا ولا الجواب وأما المتعلم فلما تضمنه من أدب السائل ان لا يسأل العالم
وهو مشتغل بغيره لان حق الأول مقدم ويؤخذ منه أخذ الدروس على السبق وكذلك الفتاوى
والحكومات ونحوها وفيه مراجعة العالم إذا لم يفهم ما يجيب به حتى يتضح لقوله كيف اضاعتها
وبوب عليه ابن حبان إباحة اعفاء المسؤول عن الإجابة على الفور لكن سياق القصة يدل على أن
ذلك ليس على الاطلاق وفيه إشارة إلى أن العلم سؤال وجواب ومن ثم قيل حسن السؤال نصف
العلم وقد أخذ بظاهر هذه القصة مالك وأحمد وغيرهما في الخطبة فقالوا لا تقطع الخطبة لسؤال
سائل بل إذا فرغ يجيبه وفصل الجمهور بين ان يقع ذلك في أثناء واجباتها فيؤخر الجواب أو في
غير الواجبات فيجيب والأولى حينئذ التفصيل فإن كان مما يهتم به في أمر الدين ولا سيما ان
اختص بالسائل فيستحب اجابته ثم يتم الخطبة وكذا بين الخطبة والصلاة وإن كان بخلاف ذلك
فيؤخر وكذا قد يقع في أثناء الواجب ما يقتضى تقديم الجواب لكن إذا أجاب استأنف على الأصح
ويؤخذ ذلك كله من اختلاف الأحاديث الواردة في ذلك فإن كان السؤال من الأمور التي ليست
معرفتها على الفور مهمة فيؤخر كما في هذا الحديث ولا سيما إن كان ترك السؤال عن ذلك أولى
وقد وقع نظيره في الذي سأل عن الساعة وأقيمت الصلاة فلما فرغ من الصلاة قال أين السائل
فاجابه أخرجاه وإن كان السائل به ضرورة ناجزة فتقدم اجابته كما في حديث أبي رفاعة عند مسلم
أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب رجل غريب لا يدرى دينه جاء يسأل عن دينه فترك
خطبته وأتى بكرسي فقعد عليه فجعل يعلمه ثم أتى خطبته فأتم آخرها وكما في حديث سمرة عند
أحمد ان أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب كل وكما في الصحيحين في قصة سالم لما دخل
المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له أصليت ركعتين الحديث وسيأتى في الجمعة
131

وفى حديث أنس كانت الصلاة تقام فيعرض الرجل فيحدث النبي صلى الله عليه وسلم حتى ربما
نعس بعض القوم ثم يدخل في الصلاة وفى بعض طرقه وقوع ذلك بين الخطبة والصلاة (قوله
فليح) بصيغة التصغير هو ابن سليمان أبو يحيى المدني من طبقة مالك وهو صدوق تكلم بعض
الأئمة في حفظه ولم يخرج البخار من حديثه في الاحكام الا ما توبع عليه وأخرج له في
المواعظ والآداب وما شاكلها طائفة من افراده وهذا منها وانما أورده عاليا عن فليح بواسطة
محمد بن سنان فقط ثم أورده نازلا بواسطة محمد بن فليح وإبراهيم بن المنذر عن محمد لأنه أورده في
كتاب الرقاق عن محمد بن سنان فقط فأراد أن يعيد هنا طريقا أخرى ولأجل نزولها قرنها بالرواية
الأخرى وهلال بن علي يقال له هلال بن أبي ميمون وهلال بن أبي هلال فقد يظن ثلاثة وهو
واحد وهو من صغار التابعين شيخه في هذا الحديث من أوساطهم (قوله يحدث) هو خبر
المبتدا وحذف مفعوله الثاني لدلالة السياق عليه والقوم الرجال وقد يدخل فيه النساء تبعا
(قوله جاءه أعرابي) لم أقف على تسميته (قوله فمضى) أي استمر يحدثه كذا في رواية المستملى
والحموي بزيادة هاء وليست في رواية الباقين وان ثبتت فالمعنى يحدث القوم الحديث الذي
كان فيه وليس الضمير عائدا على الاعرابى (قوله فقال بعض القوم سمع ما قال) انما حصل
لهم التردد في ذلك لما ظهر من عدم التفات النبي صلى الله عليه وسلم إلى سؤاله واصغائه نحوه
ولكونه كان يكره السؤال عن هذه المسئلة بخصوصها وقد تبين عدم انحصار ترك الجواب
في الامرين المذكورين بل احتمل كما تقدم أن يكون أخره ليكمل الحديث الذي هو فيه
أو أخرجوا به ليوحى إليه به (قوله قال أين أراه السائل) بالرفع على الحكاية وأراه بالضم أي
أظنه والشك من محمد بن فليح رواه الحسن بن سفيان وغيره عن عثمان بن أبي شيبة عن
يونس بن محمد عن فليح ولفظه أين السائل ولم يشك (قوله إذا وسد) أي أسند وأصله من
الوسادة وكان من شأن الأمير عندهم إذا جلس ان تثنى تحته وسادة فقوله وسد أي جعل له غير
أهله وسادا فتكون إلى بمعنى اللام وأتى بها ليدل على تضمين معنى أسند ولفظ محمد بن سنان
في الرقاق إذا أسند وكذا رواه يونس بن محمد وغيره عن فليح ومناسبة هذا المتن لكتاب العلم
ان اسناد الامر إلى غير أهله انما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم وذلك من جملة الاشراط
ومقتضاه ان العلم ما دام قائما ففي الامر فسحة وكان المصنف أشار إلى أن العلم انما يؤخذ عن
الأكابر تلميحا لما روى عن أبي أمية الجمحي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اشراط
الساعة ان يلتمس العلم عند الأصاغر وسيأتى بقية الكلام على هذا الحديث في الرقاق إن شاء الله
تعالى (قوله باب من رفع صوته بالعلم حدثنا أبو النعمان) زاد الكشميهني في رواية كريمة
عنه عارم بن الفضل وعارم لقب واسمه محمد كما تقدم في المقدمة (قوله ماهك) بفتح الهاء وحكى
كسرها وهو غير منصرف عند الأكثرين للعلمية والعجمة ورواه الأصيلي مصروفا فكأنه لحظ فيه
الوصف واستدل المصنف على جواز رفع الصوت بالعلم بقوله فنادى بأعلى صوته وانما يتم
الاستدلال بذلك حيث تدعو الحاجة إليه لبعد أو كثرة جمع أو غير ذلك ويلحق بذلك ما إذا كان
في موعظة كما ثبت ذلك في حديث جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب وذكر الساعة
اشتد غضبه وعلا صوته الحديث أخرجه مسلم ولأحمد من حديث النعمان في معناه وزاد حتى
132

لو أن رجلا بالسوق لسمعه واستدل به أيضا على مشروعية إعادة الحديث ليفهم وسيأتى الكلام
على مباحث المتن في كتاب الوضوء إن شاء الله تعالى قال ابن رشيد في هذا التبويب رمز من
المصنف إلى أنه يريد أن يبلغ الغاية في تدوين هذا الكتاب بأن يستفرغ وسعه في حسن ترتيبه
وكذلك فعل رحمه الله تعالى (قوله باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا) قال ابن رشيد أشار
بهذه الترجمة إلى أنه بنى كتابه على المسندات المرويات عن النبي صلى الله عليه وسلم (قلت)
ومراده هل هذه الألفاظ بمعنى واحد أم لا وايراده قول ابن عيينة دون غيره دال على أنه مختاره
(قوله وقال الحميدي) في رواية كريمة والأصيلي وقال لنا الحميدي وكذا ذكره أبو نعيم في المستخرج
فهو متصل وسقط من رواية كريمة قوله وأنبأنا ومن رواية الأصيلي قوله وأخبرنا وثبت الجميع
في رواية أبي ذر (قوله وقال ابن مسعود) هذا التعليق طرف من الحديث المشهور في خلق
الجنين وقد وصله المصنف في كتاب القدر ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى (قوله وقال
شقيق) هو أبو وائل (عن عبد الله) هو ابن مسعود سيأتي موصولا أيضا حيث ذكره المصنف
في كتاب الجنائز ويأتي أيضا حديث حذيفة في كتاب الرقاق ومراده من هذه التعاليق أن
الصحابي قال تارة حدثنا وتارة سمعت فدل على أنهم لم يفرقوا بين الصيغ وأما أحاديث ابن عباس
وأنس وأبي هريرة في رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه فقد وصلها في كتاب التوحيد وأراد
بذكرها هنا التنبيه على العنعنة وأن حكمها الوصل عند ثبوت اللقى وأشار على ما ذكره ابن رشيد
إلى أن رواية النبي صلى الله عليه وسلم انما هي عن ربه سواء صرح الصحابي بذلك أم لا ويدل له
حديث ابن عباس المذكور فإنه لم يقل فيه في بعض المواضع عن ربه ولكنه اختصار فيحتاج
إلى التقدير (قلت) ويستفاد من الحكم بصحة ما كان ذلك سبيله صحة الاحتجاج بمراسيل
الصحابة لان الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ربه فيما لم يكلمه به مثلا ليلة الاسراء
جبريل وهو مقبول قطعا والواسطة بين الصحابي وبين النبي صلى الله عليه وسلم مقبول اتفاقا
وهو صحابي آخر وهذا في أحاديث الاحكام دون غيرها فان بعض الصحابة ربما حملها عن بعض
التابعين مثل كعب الأحبار * (تنبيه) * أبو العالية المذكور هنا هو الرياحي بالياء الأخيرة
واسمه رفيع بضم الراء ومن زعم أنه البراء بالراء الثقيلة فقد وهم فان الحديث المذكور معروف
برواية الرياحي دونه فان قيل فمن أين تظهر مناسبة حديث بن عمر للترجمة ومحصل الترجمة
التسوية بين صيغ الأداء الصريحة وليس ذلك بظاهر في الحديث المذكور فالجواب أن ذلك
يستفاد من اختلاف ألفاظ الحديث المذكور ويظهر ذلك إذا اجتمعت طرقه فان لفظ
رواية عبد الله بن دينار المذكور في الباب فحدثوني ما هي وفى رواية نافع عند المؤلف في التفسير
أخبروني وفى رواية عند الإسماعيلي انبؤني وفى رواية مالك عند المصنف في باب الحياء في العلم
حدثوني ما هي وقال فيها فقالوا أخبرنا بها فدل ذلك على أن التحديث والاخبار والأنباء عندهم
سواء وهذا لا خلاف فيه عند أهل العلم بالنسبة إلى اللغة ومن أصرح الأدلة فيه قوله تعالى
يومئذ تحدث أخبارها وقوله تعالى ولا ينبئك مثل خبير واما بالنسبة إلى الاصطلاح ففيه
الخلاف فمنهم من استمر على أصل اللغة وهذا رأى الزهري ومالك وابن عيينة ويحيى القطان
وأكثر الحجازيين والكوفيين وعليه استمر عمل المغاربة ورجحه ابن الحاجب في مختصره ونقل عن
133

الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة ومنهم من رأى اطلاق ذلك حيث يقرأ الشيخ من لفظه
وتقييده حيث يقرأ عليه وهو مذهب إسحاق بن راهويه والنسائي وابن حبان وابن منده وغيرهم
ومنهم من رأى التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل فيخصون التحديث بما يلفظ به
الشيخ والاخبار بما يقرأ عليه وهذا مذهب ابن جريح والأوزاعي والشافعي وابن وهب وجمهور
أهل المشرق ثم أحدث أتباعهم تفصيلا آخر فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال حدثني
ومن سمع مع غيره جمع ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال أخبرني ومن سمع بقرأة غيره جمع
وكذا خصصوا الانباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه وكل هذا مستحسن وليس بواجب
عندهم وانما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل وظن بعضهم ان ذلك على سبيل الوجوب
فتكلفوا في الاحتجاج له وعليه بما لا طائل تحته نعم يحتاج المتأخرون إلى مراعاة الاصطلاح
المذكور لئلا يختلط لأنه صار حقيقة عرفية عندهم فمن تجوز عنها احتاج إلى الاتيان بقرينة
تدل على مراده والا فلا يؤمن اختلاط المسموع بالمجاز بعد تقرير الاصطلاح فيحمل ما يرد من
ألفاظ المتقدمين على محمل واحد بخلاف المتأخرين (قوله إن من الشجر شجرة) زاد في رواية
مجاهد عند المصنف في باب الفهم في العلم قال صحبت ابن عمر إلى المدينة فقال كنا عند النبي صلى
الله عليه وسلم فاتى بجمار فقال إن من الشجر وله عنه في البيوع كنت عند النبي صلى الله عليه
وسلم وهو يأكل جمارا (قوله لا يسقط ورقها وانها مثل المسلم) كذا في رواية أبي ذر بكسر ميم
مثل واسكان المثلثة وفى رواية الأصيلي وكريمة بفتحهما وهما بمعنى قال الجوهري مثله ومثله
كلمة تسوية كما يقال شبههه وشبهه بمعنى قال والمثل بالتحريك أيضا ما يضرب من الأمثال انتهى
ووجه الشبه بين النخلة والمسلم من جهة عدم سقوط الورق ما رواه الحرث بن أسامة في هذا
الحديث من وجه آخر عن ابن عمر ولفظه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال إن
مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أنملة أتدرون ما هي قالوا لا قال هي النخلة لا تسقط لها
أنملة ولا تسقط لمؤمن دعوة ووقع عند المصنف في الأطعمة من طريق الأعمش قال حدثني
مجاهد عن ابن عمر قال بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بحمار فقال إن من الشجر لما
بركته كبركة المسلم وهذا أعم من الذي قبله وبركة النخل موجود في جميع أجزائها مستمرة في جميع
أحوالها فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعا ثم بعد ذلك ينتفع بجميع اجزائها حتى النوى
في علف الدواب والليف في الحبال وغير ذلك مما لا يخفى وكذلك بركة المسلم عامة في جميع
الأحوال ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته ووقع عند المصنف في التفسير من طريق نافع عن
ابن عمر قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات
ورقها ولا ولا ولا كذا ذكر النفي ثلاث مرات على طريق الاكتفاء فقيل في تفسيره ولا ينقطع
ثمرها ولا يعدم فيؤها ولا يبطل نفعها ووقع في رواية مسلم ذكر النفي مرة واحدة فظن إبراهيم بن
سفيان الراوي عنه أنه متعلق بما بعده وهو قوله تؤتى أكلها فاستشكله وقال لعل لا زائدة ولعله
وتؤتى أكلها وليس كما ظن بل معمول النفي محذوف على سبيل الاكتفاء كما بيناه وقوله تؤتى
ابتداء كلام على سبيل التفسير لما تقدم ووقع عند الإسماعيلي بتقديم تؤتى أكلها كل حين على
قوله لا يتحات ورقها فسلم من الاشكال (قوله فوقع الناس) أي ذهبت أفكارهم في أشجار
134

البادية فجعل كل منهم يفسرها بنوع من الأنواع وذهلوا عن النخلة يقال وقع الطائر على الشجرة
إذا نزك عليها (قوله قال عبد الله) هو ابن عمر الراوي (قوله ووقع في نفسي) بين أبو عوانة
في صحيحه من طريق مجاهد عن ابن عمر وجه ذلك قال فظننت أنها النخلة من أجل الجمار الذي
أتى به وفيه إشارة إلى أن الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال وان الملغز
ينبغي له أن لا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغر بابا يدخل منه بل كلما قربه كان أوقع في نفس
سامعه (قوله فاستحييت) زاد في رواية مجاهد في باب الفهم في العلم فأردت أن أقول هي النخلة
فإذا أنا أصغر القوم وله في الأطعمة فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم وفى رواية نافع ورأيت
أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم فلما قمنا قلت لعمر يا أبتاه وفى رواية مالك عن عبد الله
ابن دينار عند المؤلف في باب الحياء في العلم قال عبد الله فحدثت أبى بما وقع في نفسي فقال لأن
تكون قلتها أحب إلى من أن يكون لي كذا وكذا زاد ابن حبان في صحيحه أحسبه قال حمر
النعم وفى هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى مع بيانه لهم
ان لم يفهموه وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن
الاغلوطات قال الأوزاعي أحد رواته هي صعاب المسائل فان ذلك محمول على ما لا نفع فيه
أو ما خرج على سبيل تعنت المسؤول أو تعجيزه وفيه التحريض على الفهم في العلم وقد بوب عليه
المؤلف باب الفهم في العلم وفيه استحباب الحياء ما لم يؤد إلى تفويت مصلحة ولهذا تمنى عمر أن
يكون ابنه لم يسكت وقد بوب عليها المؤلف في العلم وفى الأدب وفيه دليل على بركة النخلة وما تثمره
وقد بوب عليه المصنف أيضا وفيه دليل على أن بيع الجمار جائز لان كل ما جاز أكله جاز بيعه
ولهذا بوب عليه المؤلف في البيوع وتعقبه ابن بطال لكونه من المجمع عليه وأجيب بأن ذلك
لا يمنع من التنبيه عليه لأنه أورده عقب حديث النهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فكأنه
يقول لعل متخيلا لا يتخيل أن هذا من ذاك وليس كذلك وفيه دليل على جواز تجمير النخل وقد
بوب عليه في الأطعمة لئلا يظن أن ذلك من باب إضاعة المال وأورده في تفسير قوله تعالى
ضرب الله مثلا كلمة طيبة إشارة منه إلى أن المراد بالشجرة النخلة وقد ورد صريحا فيما رواه البزار
من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذه
الآية فقال أتدرون ما هي قال ابن عمر لم يخف على أنها النخلة فمنعني أن أتكلم مكان سنى فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النخلة ويجمع بين هذا وبين ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أتى
بالجمار فشرع في أكله تاليا للآية قائلا ان من الشجر شجرة إلى آخره ووقع عند ابن حبان من رواية
عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يخبرني عن
شجرة مثلها مثل المؤمن أصلها ثابت وفرعها في السماء فذكر الحديث وهو يؤيد رواية البزار
قال القرطبي فوقع التشبيه بينهما من جهة أن أصل دين المسلم ثابت وأن ما يصدر عنه من العلوم
والخير قوت للأرواح مستطاب وأنه لا يزال مستورا بدينه وأنه ينتفع بكل ما يصدر عنه حيا وميتا
انتهى وقال غيره والمراد بكون فرع المؤمن في السماء رفع عمله وقبوله وروى البزار أيضا من
طريق سفيان بن حسين عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
مثل المؤمن مثل النخلة ما أتاك منها نفعك هكذا أورده مختصرا واسناده صحيح وقد أفصح
135

بالمقصود بأوجز عبارة وأما من زعم أن موقع التشبيه بين المسلم والنخلة من جهة كون النخلة إذا
قطع رأسها ماتت أو لأنها لا تحمل حتى تلقح أو لأنها تموت إذا غرقت أو لأن لطلعها رائحة منى
الآدمي أو لأنها تعشق أو لأنها تشرب من أعلاها فكلها أوجه ضعيفة لان جميع ذلك من
المشابهات مشترك في الآدميين لا يختص بالمسلم وأضعف من ذلك قول من زعم أن ذلك لكونها
خلقت من فضلة طين آدم فان الحديث في ذلك لم يثبت والله أعلم وفيه ضرب الأمثال والاشباه
لزيادة الافهام وتصوير المعاني لترسخ في الذهن ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة وفيه إشارة
إلى أن تشبيه الشئ بالشئ لا يلزم أن يكون نظيره من جميع وجوهه فان المؤمن لا يماثله شئ من
الجمادات ولا يعادله وفيه توقير الكبير وتقديم الصغير أباه في القول وأنه لا يبادره بما فهمه وان
ظن أنه الصواب وفيه أن العالم الكبير قد يخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه لان العلم مواهب
والله يؤتى فضله من يشاء واستدل به مالك على أن الخواطر التي تقع في القلب من محبة الثناء على
أعمال الخير لا يقدح فيها وإذا كان أصلها لله وذلك مستفاد من تمنى عمر المذكور ووجه تمنى عمر
رضي الله عنه ما طبع الانسان عليه من محبة الخير لنفسه ولولده ولتظهر فضيلة الولد في الفهم من
صغره وليزداد من النبي صلى الله عليه وسلم حظوة ولعله كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في
الفهم وفيه الإشارة إلى حقارة الدنيا في عين عمر لأنه قابل فهم ابنه لمسئلة واحدة بحمر النعم مع
عظم مقدارها وغلاء ثمنها * (فائدة) * قال البزار في مسنده لم يرو هذا الحديث عن النبي صلى الله
عليه وسلم بهذا السياق الا ابن عمر وحده ولما ذكره الترمذي قال وفى الباب عن أبي هريرة وأشار
بذلك إلى حديث مختصر لأبي هريرة أورده عبد بن حميد في تفسيره لفظه مثل المؤمن مثل النخلة
وعند الترمذي أيضا والنسائي وابن حبان من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ومثل
كلمة طيبة كشجرة طيبة قال هي النخلة تفرد برفعه حماد بن سلمة وقد تقدم أن في رواية مجاهد
عن ابن عمر أنه كان عاشر عشرة فاستفدنا من مجموع ما ذكرناه أن منهم أبا بكر وعمر وابن عمر وأبا
هريرة وأنس بن مالك إن كان سمعا ما روياه من هذا الحديث في ذلك المجلس والله تعالى أعلم
(قوله باب طرح الامام المسئلة) أورد فيه حديث ابن عمر المذكور بلفظ قريب من لفظ الذي
قبله وانما أورده باسناد آخر ايثارا لابداء فائدة تدفع اعتراض من يدعى عليه التكرار بلا فائدة
وأما دعوى الكرماني أنه لمراعاة صنيع مشايخه في تراجم مصنفاتهم وأن رواية قتيبة هنا كانت
في بيان معنى التحديث والاخبار ورواية خالد كانت في بيان طرح الامام المسئلة فذكر الحديث
في كل موضع عن شيخه الذي روى له الحديث لذلك الامر فإنها غير مقبولة ولم نجد عن أحد ممن
عرف حال البخاري وسعة علمه وجودة تصرفه حكى انه كان يقلد في التراجم ولو كان كذلك
لم يكن له مزية على غيره وقد توارد النقل عن كثير من الأئمة أن من جملة ما امتاز به كتاب البخاري
دقة نظره في تصرفه في تراجم أبوابه والذي ادعاه الكرماني يقتضى أنه لا مزية له في ذلك لأنه مقلد
فيه لمشايخه ووراء ذلك أن كلا من قتيبة وخالد بن مخلد لم يذكر لاحد منهما ممن صنف
في بيان حالهما أن له تصنيفا على الأبواب فضلا عن التدقيق في التراجم وقد أعاد الكرماني هذا
الكلام في شرحه مرارا ولم أجد له سلفا في ذلك والله المستعان وراويه عن عبد الله بن دينار
سليمان هو ابن بلال المدني الفقيه المشهور ولم أجده من روايته الا عند البخاري ولم يقع لاحد
136

ممن استخرج عليه حتى أن أبا نعيم انما أورده في المستخرج من طريق الفربري عن البخاري نفسه
وقد وجدته من رواية خالد بن مخلد الراوي عن سليمان المذكور أخرجه أبو عوانة في صحيحه
لكنه قال عن مالك بدل سليمان بن بلال فإن كان محفوظا فلخالد فيه شيخان وقد وقع التصريح
بسماع عبد الله بن دينار له من عبد الله بن عمر عند مسلم وغيره (قوله باب القراءة والعرض على
المحدث) انما غاير بينهما بالعطف لما بينهما من العموم والخصوص لان الطالب إذا قرأ كان أعم
من العرض وغيره ولا يقع العرض الا بالقراءة لان العرض عبارة عما يعارض به الطالب أصل
شيخه معه أو مع غيره بحضرته فهو أخص من القراءة وتوسع فيه بعضهم فاطلقه على ما إذا أحضر
الأصل لشيخه فنظر فيه وعرف صحته وأذن له ان يرويه عنه من غير أن يحدثه به أو يقرأه الطالب
عليه والحق أن هذا يسمى عرض المناولة بالتقييد لا الاطلاق وقد كان بعض السلف لا يعتدون
الا بما سمعوه من ألفاظ المشايخ دون ما يقرأ عليهم ولهذا بوب البخاري على جوازه وأورد فيه
قول الحسن وهو البصري لا بأس بالقراءة على العالم ثم أسنده إليه بعد ان علقه وكذا ذكر عن
سفيان الثوري ومالك موصولا انهما سويا بين السماع من العالم والقراءة عليه وقوله جائزا
وقع في رواية أبي ذر جائزة أي القراءة لان السماع لا نزاع فيه (قوله واحتج بعضهم) المحتج بذلك
هو الحميدي شيخ البخاري قاله في كتاب النوادر له كذا قال بعض من أدركته وتبعته في
المقدمة ثم ظهر لي خلافه وان قائل ذلك أبو سعيد الحداد أخرجه البيهقي في المعرفة من طريق ابن
خزيمة فال سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول قال أبو سعيد الحداد عندي خبر عن النبي صلى
الله عليه وسلم في القراءة على العالم فقيل له فقال قصة ضمام بن ثعلبة قال آلله أمرك بهذا قال نعم
انتهى وليس في المتن الذي ساقه البخاري بعد من حديث أنس في قصة ضمام ان ضماما أخبر قومه
بذلك وانما وقع ذلك من طريق أخرى ذكرها احمد وغيره من طريق ابن إسحاق قال حدثني محمد
ابن الوليد بن نويفع عن كريب عن ابن عباس قال بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة فذكر
الحديث بطوله وفى آخره ان ضماما قال لقومه عندما رجع إليهم ان الله قد بعث رسولا وأنزل
عليه كتابا وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه قال فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفى
حاضره رجل ولا امرأة الا مسلما فمعنى قول البخاري فأجازوه أي قبلوه منه ولم يقصد الاجازه
المصطلحة بين أهل الحديث (قوله واحتج مالك بالصك) قال الجوهري الصك يعنى بالفتح الكتاب
فارسي معرب والجمع صكاك وصكوك والمراد هنا المكتوب الذي يكتب فيه اقرار المقر لأنه إذا قرئ
عليه فقال نعم ساغت الشهادة عليه به وان لم يتلفظ هو بما فيه فكذلك إذا قرئ على العالم فاقر به
صح ان يروى عنه وأما قياس مالك قراءة الحديث على قراءة القرآن فرواه الخطيب في الكفاية
من طريق ابن وهب قال سمعت مالكا وسئل عن الكتب التي تعرض عليه أيقول الرجل
حدثني قال نعم كذلك القرآن أليس الرجل يقرأ على الرجل فيقول أقرأني فلان وروى الحاكم
في علوم الحديث من طريق مطرف قال صحبت مالكا سبع عشرة سنة فما رأيته قرأ الموطأ على
أحد بل يقرؤن عليه قال وسمعته يأبى أشد الاباء على من يقول لا يجزيه الا السماع من لفظ
الشيخ ويقول كيف لا يجزيك هذا في الحديث ويجزيك في القرآن والقرآن أعظم (قلت) وقد
انقرض الخلاف في كون القراءة على الشيخ لا تجزى وانما كان يقوله بعض المتشددين من أهل
137

العراق فروى الخطيب عن إبراهيم بن سعد قال لا تدعون تنطعكم يا أهل العراق العرض مثل
السماع وبالغ بعض المدنيين وغيرهم في مخالفتهم فقالوا ان القراءة على الشيخ أرفع من السماع
من لفظه ونقله الدارقطني في غرائب مالك عنه ونقله الخطيب بأسانيد صحيحة عن شعبة وابن أبي
ذئب ويحيى القطان واعتلوا بان الشيخ لو سها لم يتهيأ للطالب الرد عليه وعن أبي عبيد قال القراءة
على أثبت وأفهم لي من أن أتولى القراءة أنا والمعروف عن مالك كما نقله المصنف عنه وعن
سفيان وهو الثوري انهما سواء والمشهور الذي عليه الجمهور ان السماع من لفظ الشيخ أرفع
رتبة من القراءة عليه ما لم يعرض عارض يصير القراءة عليه أولى ومن ثم كان السماع من لفظه في
الاملاء أرفع الدرجات لما يلزم منه من تحرز الشيخ والطالب والله أعلم (قوله عن الحسن قال
لا بأس بالقراءة على العالم) هذا الأثر رواه الخطيب أتم سياقا مما هنا فاخرج من طريق أحمد
ابن حنبل عن محمد بن الحسن الواسطي عن عوف الاعرابى ان رجلا سأل الحسن فقال يا أبا
سعيد منزلي بعيد والاختلاف يشق على فإن لم تكن ترى بالقراءة بأسا قرأت عليك قال ما أبالى
قرأت عليك أو قرأت على قال فأقول حدثني الحسن قال نعم قل حدثني الحسن ورواه أبو
الفضل السليماني في كتاب الحث على طلب الحديث من طريق سهل بن المتوكل قال حدثنا محمد
ابن سلام بلفظ قلنا للحسن هذه الكتب التي تقرأ عليك أيش نقول فيها قال قولوا حدثنا الحسن
(قوله الليث عن سعيد) في رواية الإسماعيلي من طريق يونس بن محمد عن الليث حدثني سعيد
وكذا لابن منده من طريق ابن وهب عن الليث وفى هذا دليل على أن رواية النسائي من طريق
يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن الليث قال حدثني محمد بن عجلان وغيره عن سعيد موهومة معدودة
من المزيد في متصل الأسانيد أو يحمل على أن الليث سمعه عن سعيد بواسطة ثم لقيه فحدثه به
وفيه اختلاف آخر أخرجه النسائي والبغوي من طريق الحرث بن عمير عن عبيد الله بن عمر
وذكره ابن منده من طريق الضحاك بن عثمان كلاهما عن سعيد عن أبي هريرة ولم يقدح هذا
الاختلاف فيه عند البخاري لان الليث أثبتهم في سعيد المقبري مع احتمال ان يكون لسعيد فيه
شيخان لكن تترجح رواية الليث بان المقبري عن أبي هريرة جادة مألوفة فلا يعدل عنها إلى غيرها
الا من كان ضابطا متثبتا ومن ثم قال ابن أبي حاتم عن أبيه رواية الضحاك وهم وقال الدارقطني في
العلل رواه عبيد الله بن عمر وأخوه عبد الله والضحاك بن عثمان عن المقبري عن أبي هريرة
ووهموا فيه والقول قول الليث أما مسلم فلم يخرجه من هذا الوجه بل أخرجه من طريق
سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وقد أشار إليها المصنف عقب هذه الطريق وما فر منه
مسلم وقع في نظيره فان حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت وقد روى هذا الحديث عن ثابت فأرسله
ورجح الدارقطني رواية حماد (قوله ابن أبي نمر هو بفتح النون وكسر الميم لا يعرف اسمه ذكره
ابن سعد في الصحابة وأخرج له ابن السكن حديثا وأغفله ابن الأثير تبعا لأصوله (قوله في
المسجد) أي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ)
فيه جواز اتكاء الامام بين اتباعه وفيه ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من ترك التكبر
لقوله بين ظهرانيهم وهى بفتح النون أي بينهم وزيد لفظ الظهر ليدل على أن ظهرا منهم قدامه
وظهرا وراءه فهو محفوف بهم من جانبيه والألف والنون فيه للتأكيد قاله صاحب الفائق
138

ووقع في رواية موسى بن إسماعيل الآتي ذكرها آخر هذا الحديث في أوله عن أنس قال نهينا
في القرآن أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فكان يعجبنا ان يجئ الرجل من أهل البادية العاقل
فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل وكأن أنسا أشار إلى آية المائدة وسيأتى بسط القول فيها في التفسير
إن شاء الله تعالى (قوله دخل) زاد الأصيلي قبلها إذ (قوله ثم عقله) بتخفيف القاف أي
شد على ساق الجمل بعد ان ثنى ركبته حبلا (قوله في المسجد) استنبط منه ابن بطال وغيره طهارة
أبوال الإبل وأرواثها إذ لا يؤمن ذلك منه مدة كونه في المسجد ولم ينكره النبي صلى الله عليه
وسلم ودلالته غير واضحة وانما فيه مجرد احتمال ويدفعه رواية أبى نعيم أقبل على بعير له حتى أتى
المسجد فأناخه ثم عقله فدخل المسجد فهذا السياق يدل على أنه ما دخل به المسجد وأصرح منه
رواية ابن عباس عند احمد والحاكم ولفظها فأناخ بعيره على باب المسجد فعقله ثم دخل فعلى هذا في
رواية أنس مجاز الحذف والتقدير فأناخه في ساحة المسجد أو نحو ذلك (قوله الأبيض) أي
المشرب بحمرة كما في رواية الحرث بن عمير الأمغر أي بالغين المعجمة قال حمزة بن الحرث هو الأبيض
المشرب بحمرة ويؤيد ما يأتي في صفته صلى الله عليه وسلم انه لم يكن أبيض ولا آدم أي لم يكن
أبيض صرفا (قوله أجبتك) أي سمعتك أو المراد ان شاء الإجابة أو نزل تقريره للصحابة في الاعلام
عنه منزلة النطق وهذا لائق بمراد المصنف وقد قيل انما لم يقل له نعم لأنه لم يخاطبه بما يليق بمنزلته
من التعظيم لا سيما مع قوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا والعذر عنه
ان قلنا إنه قدم مسلما أنه لم يبلغه النهى وكانت فيه بقية من جفاء الاعراب وقد ظهرت بعد ذلك في
قوله فمشدد عليك في المسئلة وفى قوله في رواية ثابت وزعم رسولك انك تزعم ولهذا وقع في أول
رواية ثابت عن أنس كنا نهينا في القرآن ان نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ فكان
يعجبنا ان يجئ الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع زاد أبو عوانة في صحيحه وكانوا
اجرأ على ذلك منا يعنى ان الصحابة واقفون عند النهى وأولئك يعذرون بالجهل وتمنوه عاقلا
ليكون عارفا بما يسأل عنه وظهر عقل ضمام في تقديمه الاعتذار بين يدي مسئلته لظنه انه
لا يصل إلى مقصوده الا بتلك المخاطبة وفى رواية ثابت من الزيادة انه سأله من رفع السماء وبسط
الأرض وغير ذلك من المصنوعات ثم أقسم عليه به ان يصدقه عما ما يسأل عنه وكرر القسم في كل
مسئلة تأكيدا وتقريرا للامر ثم صرح بالتصديق فكل ذلك دليل على حسن تصرفه وتمكن
عقله ولهذا قال عمر في رواية أبي هريرة ما رأيت أحدا أحسن مسئلة ولا أوجز من ضمام (قوله
ابن عبد المطلب) بفتح النون على النداء وفى رواية الكشميهني يا ابن باثبات حرف النداء (قوله
فلا تجد) أي لا تغضب ومادة وجد متحدة الماضي والمضارع مختلفة المصادر وبحسب اختلاف
المعاني يقال في الغضب موجدة وفى المطلوب وجودا وفى الضالة وجدانا وفى الحب؟؟؟ بالفتح
وفى المال وجدا بالضم وفى الغنى جدة بكسر الجيم وتخفيف الدال المفتوحة على الأشهر في جميع
ذلك وقالوا أيضا في المكتوب وجادة وهى مولدة (قوله أنشدك) بفتح الهمزة وضم المعجمة وأصله من
النشيد وهو رفع الصوت والمعنى سألتك رافعا نشيدتي قاله البغوي في شرح السنة وقال
الجوهري نشدتك بالله أي سألتك بالله كأنك ذكرته فنشد أي تذكر (قوله آلله) بالمد في المواضع
كلها (قوله اللهم نعم) الجواب حصل بنعم وانما ذكر اللهم تبركا بها وكأنه استشهد بالله في ذلك
139

تأكيدا لصدقه ووقع في رواية موسى فقال صدقت قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق
الأرض والجبال قال الله قال فمن جعل فيها المنافع قال الله قال فبالذي خلق السماء وخلق
الأرض ونصب الجبال وجعل فيها المنافع آلله أرسلك قال نعم وكذا هو في رواية مسلم (قوله إن
تصلى) بتاء المخاطب فيه وفيما بعده ووقع عند الأصيلي بالنون فيها قال القاضي عياض هو أوجه
ويؤيده رواية ثابت بلفظ ان علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا وساق البقية كذلك وتوجيه
الأول ان كل ما وجب عليه وجب على أمته حتى يقوم دليل الاختصاص ووقع في رواية
الكشميهني والسرخسي الصلاة الخمس بالافراد على إرادة الجنس (قوله إن تأخذ هذه الصدقة)
قال ابن التين فيه دليل على أن المرء لا يفرق صدقته بنفسه * (قلت) * وفيه نظر وقوله على فقرائنا
خرج مخرج الأغلب لانهم معظم أهل الصدقة (قوله آمنت بما جئت به) يحتمل ان يكون اخبارا
وهو اختيار البخاري ورجحه القاضي عياض وانه حضر بعد اسلامه مستثبتا من الرسول صلى
الله عليه وسلم ما أخبره به رسوله إليهم لأنه قال في حديث ثابت عن أنس عند مسلم وغيره فان
رسولك زعم وقال في رواية كريب عن ابن عباس عند الطبراني أتتنا كتبك وأتتنا رسلك واستنبط
منه الحاكم أصل طلب علو الاسناد لأنه سمع ذلك من الرسول وآمن وصدق ولكنه أراد أن يسمع
ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة ويحتمل أن يكون قوله آمنت انشاء ورجحه
القرطبي لقوله زعم قال والزعم القول الذي لا يوثق به قاله ابن السكيت وغيره * (قلت) * وفيه
نظر لان الزعم يطلق على القول المحقق أيضا كما نقله أبو عمر الزاهدي في شرح فصيح شيخه ثعلب
وأكثر سيبويه من قوله زعم الخليل في مقام الاحتجاج وقد أشرنا إلى ذلك في حديث أبي سفيان
في بدء الوحي واما تبويب أبى داود عليه باب المشرك يدخل المسجد فليس مصيرا منه إلى أن ضماما
قدم مشركا بل وجهه انهم تركوا شخصا قادما يدخل المسجد من غير استفصال ومما يؤيد ان قوله
آمنت اخبار انه لم يسأل عن دليل التوحيد بل عن عموم الرسالة وعن شرائع الاسلام ولو كان
انشاء لكان طلب معجزة توجب له التصديق قاله الكرماني وعكسه القرطبي فاستدل به على صحة
ايمان المقلد للرسول ولو لم تظهر له معجزة وكذا أشار إليه ابن الصلاح والله أعلم * (تنبيه) * لم يذكر
الحج في رواية شريك هذه وقد ذكره مسلم وغيره فقال موسى في روايته وان علينا حج البيت من
استطاع إليه سبيلا قال صدق وأخرجه مسلم أيضا وهو في حديث أبي هريرة وابن عباس أيضا
وأغرب ابن التين فقال انما لم يذكره لأنه لم يكن فرض وكأن الحامل له على ذلك ما جزم به الواقدي
ومحمد بن حبيب ان قدوم ضمام كان سنة خمس فيكون قبل فرض الحج لكنه غلط من أوجه
أحدها ان في رواية مسلم ان قدومه كان بعد نزول النهى في القرآن عن سؤال الرسول وآية
النهى في المائدة ونزولها متأخر جدا ثانيها ان ارسال الرسل إلى الدعاء إلى الاسلام انما كان
ابتداؤه بعد الحديبية ومعظمه بعد فتح مكة ثالثها ان في القصة ان قومه أوفدوه وانما كان معظم
الوفود بعد فتح مكة رابعها ان في حديث ابن عباس ان قومه أطاعوه ودخلوا في الاسلام بعد
رجوعه إليهم ولم يدخل بنو سعد وهو ابن بكر بن هوازن في الاسلام الا بعد وقعة حنين
وكانت في شوال سنة ثمان كما سيأتي مشروحا في مكانه إن شاء الله تعالى فالصواب ان قدوم
ضمام كان في سنة تسع وبه جزم ابن إسحاق وأبو عبيدة وغيرهما وغفل البدر الزركشني فقال
140

انما لم يذكر الحج لأنه كان معلوما عندهم في شريعة إبراهيم انتهى وكأنه لم يراجع صحيح مسلم
فضلا عن غيره (قوله وأنا رسول من ورائي) من موصولة ورسول مضاف إليها ويجوز
تنوينه وكسر من لكن لم تأت به الرواية ووقع في رواية كريب عن ابن عباس عند
الطبراني جاء رجل من بنى سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مسترضعا فيهم
فقال أنا وافد قومي ورسولهم وعند احمد والحاكم بعثت بنو سعد ابن بكر ضمام بن ثعلبة
وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم علينا فذكر الحديث فقول ابن عباس فقدم
علينا يدل على تأخير وفادته أيضا لان ابن عباس انما قدم المدينة بعد الفتح وزاد مسلم في آخر
الحديث قال والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص فقال النبي صلى الله عليه وسلم
لئن صدق ليدخلن الجنة وكذا هي في رواية موسى بن إسماعيل ووقعت هذه الزيادة في حديث
ابن عباس وهى الحاملة لمن سمى المبهم في حديث طلحة ضمام بن ثعلبة كابن عبد البر وغيره
وقد قدمنا هناك ان القرطبي مال إلى أنه غيره ووقع في رواية عبيد الله بن عمر عن المقبري عن أبي
هريرة التي أشرت إليها قبل من الزيادة في هذه القصة ان ضماما قال بعد قوله وانا ضمام
ابن ثعلبة فاما هذه الهناة فوالله ان كنا لنتنزه عنها في الجاهلية يعنى الفواحش فلما ان ولى
قال النبي صلى الله عليه وسلم فقه الرجل قال وكان عمر بن الخطاب يقول ما رأيت أحسن
مسئلة ولا أوجز من ضمام ووقع في آخر حديث ابن عباس عند أبي داود فما سمعنا بوافد
قوم كان أفضل من ضمام وفى هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم العمل بخبر الواحد ولا يقدح
فيه مجئ ضمام مستثبتا لأنه قصد اللقاء والمشافهة كما تقدم عن الحاكم وقد رجع ضمام إلى
قومه وحده فصدقوه وآمنوا كما وقع في حديث ابن عباس وفيه نسبة الشخص إلى جده إذا كان
أشهر من أبيه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين أنا ابن عبد المطلب وفيه الاستحلاف على
الامر المحقق لزيادة التأكيد وفيه رواية الاقران لان سعيدا وشريكا تابعيان من درجة واحدة
وهما مدنيان (قوله رواه موسى) هو ابن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي شيخ البخاري وحديثه
موصول عند أبي عوانة في صحيحه وعند ابن منده في الايمان وانما علقه البخاري لأنه لم يحتج
بشيخه سليمان بن المغيرة وقد خولف في وصله فرواه حماد بن سلمة عن ثابت مرسلا ورجحها
الدارقطني وزعم بعضهم انها علة تمنع من تصحيح الحديث وليس كذلك بل هي دالة على أن
لحديث شريك أصلا (قوله وعلي بن عبد الحميد) هو المعنى بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر
النون بعدها ياء النسب وحديثه موصول عند الترمذي أخرجه عن البخاري عنه وكذا أخرجه
الدارمي عن علي بن عبد الحميد وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق (قوله بهذا) أي
هذا المعنى والا فاللفظ كما بينا مختلف وسقطت هذه اللفظة من رواية أبى الوقت وابن عساكر
والله سبحانه وتعالى أعلم * (تنبيه) * وقع في النسخة البغدادية التي صححها العلامة أبو محمد بن
الصغاني اللغوي بعد ان سمعها من أصحاب أبي الوقت وقابلها على عدة نسخ وجعل لها علامات
عقب قوله رواه موسى وعلي بن عبد الحميد عن سليمان بن المغيرة عن ثابت ما نصه حدثنا موسى بن
إسماعيل ثنا سليمان بن المغيرة ثنا ثابت عن أنس وساق الحديث بتمامه وقال الصغاني في
الهامش هذا الحديث ساقط من النسخ كلها الا في النسخة التي قرئت على الفربري صاحب
141

البخاري وعليها خطه (قلت) وكذا سقطت في جميع النسخ التي وقفت عليها والله تعالى أعلم
بالصواب (قوله باب ما يذكر في المناولة) لما فرغ من تقرير السماع والعرض أردفه ببقية وجوه
التحمل المعتبرة عند الجمهور فمنها المناولة وصورتها ان يعطى الشيخ الطالب الكتاب فيقول
له هذا سماعي من فلان أو هذا تصنيفي فاروه عنى وقد قدمنا صورة عرض المناولة وهى احضار
الطالب الكتاب وقد سوغ الجمهور الرواية بها وردها من رد عرض القراءة من باب الأولى (قوله
إلى البلدان) أي إلى أهل البلدان وكتاب مصدر وهو متعلق إلى وذكر البلدان على سبيل
المثال والا فالحكم عام في القرى وغيرها والمكاتبة من أقسام التخمل وهى ان يكتب الشيخ
حديثه بخطه أو يأذن لمن يثق به بكتبه ويرسله بعد تحريره إلى الطالب ويأذن له في روايته عنه
وقد سوى المصنف بينها وبين المناولة ورجح قوم المناولة عليها لحصول المشافهة فيها بالاذن دون
المكاتبة وقد جوز جماعة من القدماء اطلاق الاخبار فيهما والأولى ما عليه المحققون من
اشتراط بيان ذلك (قوله نسخ عثمان المصاحف) هو طرف من حديث طويل يأتي الكلام
عليه في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى ودلالته على تسويغ الرواية بالمكاتبة واضح فان
عثمان أمرهم بالاعتماد على ما في تلك المصاحف ومخالفة ما عداها والمستفاد من بعثه
المصاحف انما هو ثبوت اسناد صورة المكتوب فيها إلى عثمان لا أصل ثبوت القرآن فإنه متواتر
عندهم (قوله ورأى عبد الله بن عمر) كذا في جميع نسخ الجامع عمر بضم العين وكنت
أظنه العمرى المدني وخرجت الأثر عنه بذلك في تعليق التعليق وكذا جزم به الكرماني ثم ظهر
لي من قرينة تقديمه في الذكر على يحيى بن سعيد انه غير العمرى لان يحيى أكبر منه سنا وقدرا
فتتبعت فلم أجده عن عبد الله بن عمر بن الخطاب صريحا لكن وجدت في كتاب الوصية
لأبي القاسم بن منده من طريق البخاري بسند له صحيح إلى أبى عبد الرحمن الحبلى بضم المهملة
والموحدة انه اتى عبد الله بكتاب فيه أحاديث فقال انظر في هذا الكتاب فما عرفت منه اتركه
وما لم تعرفه امحه فذكر الخبر وهو أصل في عرض المناولة وعبد الله يحتمل ان يكون هو ابن عمر
ابن الخطاب فان الحبلى سمع منه ويحتمل ان يكون ابن عمرو بن العاصي فان الحبلى مشهور
بالرواية عنه وأما الأثر بذلك عن يحيى بن سعيد ومالك فأخرجه الحاكم في علوم الحديث من
طريق إسماعيل بن أبي أويس قال سمعت خالي مالك بن أنس يقول قال لي يحيى بن سعيد
الأنصاري لما أراد الخروج إلى العراق التقط لي مائة حديث من حديث ابن شهاب حتى أرويها
عنك قال مالك فكتبتها ثم بعثتها إليه وروى الرامهرمزي من طريق ابن أبي أويس أيضا عن
مالك في وجوه التحمل قال قراءتك على العالم ثم قراءته وأنت تسمع ثم إن يدفع إليك كتابه فيقول
أرو هذا عنى (قوله واحتج بعض أهل الحجاز) هذا المحتج هو الحميدي ذكر ذلك في كتاب النوادر
له (قوله في المناولة) أي في صحة المناولة والحديث الذي أشار إليه لم يورده موصولا في هذا الكتاب
وهو صحيح وقد وجدته من طريقين إحداهما مرسلة ذكرها ابن إسحاق في المغازي عن يزيد
ابن رومان وأبو اليمان في نسخته عن شعيب عن الزهري كلاهما عن عروة بن الزبير والاخرى
موصولة أخرجها الطبراني من حديث جندب البجلي اسناد حسن ثم وجدت له شاهدا من
حديث ابن عباس عند الطبري في التفسير فبمجموع هذه الطرق يكون صحيحا وأمير السرية اسمه
142

عبد الله بن جحش الأسدي أخو زينب أم المؤمنين وكان تأميره في السنة الثانية قبل وقعة بدر
والسرية بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد الياء التحتانية القطعة من الجيش وكانوا اثنى عشر
رجلا من المهاجرين (قوله حتى تبلغ مكان كذا وكذا) هكذا في حديث جندب على الابهام وفى
رواية عروة أنه قال له إذا سرت يومين فافتح الكتاب قال ففتحه هناك فإذا فيه ان امض حتى تنزل
نخلة فتأتينا من أخبار قريش ولا تستكرهن أحدا قال في حديث جندب فرجع رجلان ومضى
الباقون فلقوا عمرو بن الحضرمي ومعه عير أي تجارة لقريش فقتلوه فكان أول مقتول من
الكفار في الاسلام وذلك في أول يوم من رجب وغنموا ما كان معهم فكانت أول غنيمة في
الاسلام فعاب عليهم المشركون ذلك فأنزل الله تعالى يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه الآية
ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهرة فإنه ناوله الكتاب وأمره ان يقرأه على أصحابه ليعملوا بما
فيه ففيه المناولة ومعنى المكاتبة وتعقبه بعضهم بأن الحجة انما وجبت به لعدم توهم التبديل
والتغيير فيه لعدالة الصحابة بخلاف من بعدهم حكاه البيهقي وأقول شرط قيام الحجة بالمكاتبة
ان يكون الكتاب مختوما وحامله مؤتمنا والمكتوب إليه يعرف خط الشيخ إلى غير ذلك من
الشروط الدافعة لتوهم التغيير والله أعلم (قوله حدثنا إسماعيل بن عبد الله) هو ابن أبي أويس
وصالح هو ابن كيسان (قوله بعث بكتابه رجلا) هو عبد الله بن حذافة السهمي كما سماه المؤلف في
هذا الحديث في المغازي وكسرى هو ابرويز بن هرمز بن أنوشروان ووهم من قال هو أنوشروان
وعظيم البحرين هو المنذر بن ساوى بالمهملة وفتح الواو الممالة وسيأتى الكلام على هذا الحديث
في المغازي (قوله فحسبت القائل) هو ابن شهاب راوي الحديث فقصة الكتاب عنده موصولة
وقصة الدعاء مرسلة ووجه دلالته على المكاتبة ظاهر ويمكن ان يستدل به على المناولة من
حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم ناول الكتاب لرسوله وأمره أن يخبر عظيم البحرين بان هذا كتاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وان لم يكن سمع ما فيه ولا قرأه (قوله عبد الله) هو ابن المبارك (قوله
كتب أو أراد ان يكتب) شك من الراوي ونسبة الكتابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم مجازية أي
كتب الكاتب بأمره (قوله لا يقرؤن كتابا الا مختوما) يعرف من هذا فائدة ايراده هذا الحديث
في هذا الباب لينبه على أن شرط العمل بالمكاتبة ان يكون الكتاب مختوما ليحصل الامن من توهم
تغييره لكن قد يستغنى عن ختمه إذا كان الحامل عدلا مؤتمنا (قوله فقلت) القائل هو شعبة
وسيأتى باقي الكلام على هذا الحديث في الجهاد وفى اللباس إن شاء الله تعالى * (فائدة) * لم يذكر
المصنف من أقسام التحمل الإجازة المجردة عن المناولة أو المكاتبة ولا الوجادة ولا الوصية ولا
الاعلام المجردات عن الإجازة وكأنه لا يرى بشئ منها وقد ادعى ابن منده ان كل ما يقول البخاري
فيه قال لي فهو اجازة وهى دعوى مردودة بدليل انى استقريت كثيرا من المواضع التي يقول فيها
في الجامع قال لي فوجدته في غير الجامع يقول فيها حدثنا والبخاري لا يستجيز في الإجازة اطلاق
التحديث فدل على انها عنده من المسموع لكن سبب استعماله لهذه الصيغة ليفرق بين ما يبلغ
شرطه وما لا يبلغ والله أعلم (قوله باب من قعد حيث ينتهى به المجلس) مناسبة هذا لكتاب العلم من
جهة ان المراد بالمجلس وبالحلقة حلقة العلم ومجلس العلم فيدخل في أدب الطالب من عدة أوجه
كما سنبينه والتراجم الماضية كلها تتعلق بصفات العالم (قوله مولى عقيل) بفتح العين وقيل لأبي
143

مرة ذلك للزومه إياه وانما هو مولى أخته أم هاني بنت أبي طالب (قوله عن أبي واقد) صرح
بالتحديث في رواية النسائي من طريق يحيى بن أبي كثير عن إسحاق فقال عن أبي مرة ان أبا واقد
حدثه وقد قدمنا ان اسم أبى واقد الحرث بن مالك وقيل ابن عوف وقيل عوف بن الحرث وليس له
في البخاري غير هذا الحديث ورجال اسناده مدنيون وهو في الموطأ ولم يروه عن أبي واقد الا
أبو مرة ولا عنه الا اسحق وأبو مرة والراوي عنه تابعيان وله شاهد من حديث أنس أخرجه
البزار والحاكم (قوله ثلاثة نفر) النفر بالتحريك للرجال من ثلاثة إلى عشرة والمعنى ثلاثة هم نفر
والنفر اسم جمع ولهذا وقع مميزا للجمع كقوله تعالى تسعة رهط (قوله فاقبل اثنان) بعد قوله أقبل
ثلاثة هما اقبالان كأنهم أقبلوا أولا من الطريق فدخلوا المسجد مارين كما في حديث أنس فإذا
ثلاثة نفر يمرون فلما رأوا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أقبل إليه اثنان منهم واستمر الثالث ذاهبا
(قوله فوقفا) زاد أكثر رواة الموطأ فلما وقفا سلما وكذا عند الترمذي والنسائي ولم يذكر المصنف
هنا ولا في الصلاة السلام وكذا لم يقع في رواية مسلم ويستفاد منه ان الداخل يبدأ بالسلام
وان القائم يسلم على القاعد وانما لم يذكر رد السلام عليهما اكتفاء بشهرته أو يستفاد منه ان
المستغرق في العبادة يسقط عنه الرد وسيأتى البحث فيه في كتاب الاستئذان ولم يذكر انهما صليا
تحية المسجد اما لكون ذلك كان قبل ان تشرع أو كانا على غير وضوء أو وقع فلم ينقل للاهتمام
بغير ذلك من القصة أو كان في غير وقت تنفل قاله القاضي عياض بناء على مذهبه في أنها لا تصلى في
الأوقات المكروهة (قوله فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي على مجلس رسول الله
صلى الله عليه وسلم أو على بمعنى عند (قوله فرجة) بالضم والفتح معا هي الخلل بين الشيئين
والحلقة باسكان اللام كل شئ مستدير خالي الوسط والجمع حلق بفتحتين وحكى فتح اللام في الواحد
وهو نادر وفيه استحباب التحليق في مجالس الذكر والعلم وفيه ان من سبق إلى موضع منها كان
أحق به (قوله وأما الآخر) بفتح الخاء المعجمة وفيه رد على من زعم أنه يختص بالأخير لاطلاقه هنا
على الثاني (قوله فأوى إلى الله فآواه الله) قال القرطبي الرواية الصحيحة بقصر الأول ومد الثاني
وهو المشهور في اللغة وفى القرآن إذ أوى الفتية إلى الكهف بالقصر وآويناهما إلى ربوة بالمد
وحكى في اللغة القصر والمد معا فيهما ومعنى أوى إلى الله لجأ إلى الله أو على الحذف أي انضم إلى
مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى فآواه الله أي جازاه بنظير فعله بان ضمه إلى رحمته
ورضوانه فيه استحباب الأدب في مجالس العلم وفضل سد خلل الحلقة كما ورد الترغيب في سد خلل
الصفوف في الصلاة وجواز التخطي لسد الخلل ما لم يؤذ فان خشى استحب الجلوس حيث ينتهى
كما فعل الثاني وفيه الثناء على من زاحم في طلب الخير (قوله فاستحيا) أي ترك المزاحمة كما فعل
رفيقه حياء من النبي صلى الله عليه وسلم وممن حضر قاله القاضي عياض وقد بين أنس في روايته
سبب استحياء هذا الثاني فلفظه عند الحاكم ومضى الثاني قليلا ثم جاء فجلس فالمعنى انه استحيا
من الذهاب عن المجلس كما فعل رفيقه الثالث (قوله فاستحيا الله منه) أي رحمه ولم يعاقبه (قوله
فأعرض الله عنه) أي سخط عليه وهو محمول على من ذهب معرضا لا لعذر هذا إن كان مسلما
ويحتمل ان يكون منافقا واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أمره كما يحتمل ان يكون قوله صلى الله
عليه وسلم فأعرض الله عنه اخبارا أو دعاء ووقع في حديث أنس فاستغنى فاستغنى الله عنه وهذا
144

يرشح كونه خبرا واطلاق الاعراض وغيره في حق الله تعالى على سبيل المقابلة والمشاكلة فيحمل
كل لفظ منها على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى وفائدة اطلاق ذلك بيان الشئ بطريق واضح وفيه
جواز الاخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم للزجر عنها وان ذلك لا يعد من الغيبة وفى الحديث
فضل ملازمة خلق العلم والذكر وجلوس العالم والمذكر في المسجد وفيه الثناء على المستحيي
والجلوس حيث ينتهى به المجلس ولم أقف في شئ من طرق هذا الحديث على تسمية واحد من
الثلاثة المذكورين والله تعالى أعلم (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم رب مبلغ أوعى
من سامع) هذا الحديث المعلق أورد المصنف في الباب معناه واما لفظه فهو موصول عنده
في باب الخطبة بمنى من كتاب الحج أورد فيه هذا الحديث من طريق قرة بن خالد عن محمد بن سيرين
قال أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن حميد بن عبد الرحمن
كلاهما عن أبي بكرة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال أتدرون أي يوم هذا
وفى آخره هذا اللفظ وغفل القطب الحلبي ومن تبعه من الشراح في عزوهم له إلى تخريج الترمذي
من حديث ابن مسعود فأبعدوا النجعة وأوهموا عدم تخريج المصنف له والله المستعان ورب
للتقليل وقد ترد للتكثير ومبلغ بفتح اللام وأوعى نعت له والذي يتعلق به رب محذوف وتقديره
يوجد أو يكون ويجوز على مذهب الكوفيين في أن رب اسم أن تكون هي مبتدأ وأوعى الخبر
فلا حذف ولا تقدير والمراد رب مبلغ عنى أوعى أي أفهم لما أقول من سامع منى وصرح بذلك أبو
القاسم بن منده في روايته من طريق هوذة عن ابن عون ولفظه فإنه عسى أن يكون بعض من لم
يشهد أوعى لما أقول من بعض من شهد (قوله بشر) هو ابن المفضل ورجال الاسناد كلهم
بصريون (قوله ذكر النبي صلى الله عليه وسلم) بنصب النبي على المفعولية وفى ذكر ضمير يعود
على الراوي يعنى أن أبا بكرة كان يحدثهم فذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقال قعد على بعيره وفى
رواية النسائي ما يشعر بذلك ولفظه عن أبي بكرة قال وذكر النبي صلى الله عليه وسلم فالواو اما
حالية واما عاطفة والمعطوف عليه محذوف وقد وقع في رواية ابن عساكر عن أبي بكرة ان النبي
صلى الله عليه وسلم قعد ولا اشكال فيه (قوله وأمسك انسان بخطامه أو بزمامه) الشك من
الراوي والزمام والخطام بمعنى وهو الخيط الذي تشد فيه الحلقة التي تسمى بالبرة بضم الموحدة
وتخفيف الراء المفتوحة في أنف البعير وهذا الممسك سماه بعض الشراح بلالا واستند إلى
ما رواه النسائي من طريق أم الحصين قالت حججت فرأيت بلالا يقود بخطام راحلة النبي صلى
الله عليه وسلم انتهى وقد وقع في السنن من حديث عمرو بن خارجة قال كنت آخذا
بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم انتهى فذكر بعض الخطبة فهو أولى أن يفسر به المبهم من بلال
لكن الصواب انه هنا أبو بكرة فقد ثبت ذلك في رواية الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن
ابن عون ولفظه خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته يوم النحر وأمسكت اما قال
بخطامها وأما قال بزمامها واستفدنا من هذا أن الشك ممن دون أبى بكرة لا منه وفائدة امساك
الخطام صون البعير عن الاضطراب حتى لا يشوش على راكبه (قوله أي يوم هذا) سقط من
رواية افستملى والحموي السؤال عن الشهر والجواب الذي قبله فصار هكذا أي يوم هذا فسكتنا
حتى ظننا انه سيسميه سوى اسمه قال أليس بذى الحجة وكذا في رواية الأصيلي وتوجيهه
145

ظاهر وهو من اطلاق الكل على البعض ولكن الثابت في الروايات عند مسلم وغيره ما ثبت
عند الكشميهني وكريمة وكذا وقع في مسلم وغيره السؤال عن البلد وهذا كله في رواية ابن
عون وثبت السؤال عن الثلاثة عند المصنف في الأضاحي من رواية أيوب وفى الحج من رواية قرة
كلاهما عن ابن سيرين قال القرطبي سؤاله صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال
منها كان لاستحضار فهو مهم وليقبلوا عليه بكليتهم وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه ولذلك قال
بعد هذا فان دماءكم إلى آخره مبالغة في بيان تحريم هذه الأشياء انتهى ومناط التشبيه في قوله
كحرمة يومكم وما بعده ظهوره عند السامعين لان تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتا في
نفوسهم مقررا عندهم بخلاف الأنفس والأموال والاعراض فكانوا في الجاهلية يستبيحونها
فطرأ الشرع عليهم بان تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم فلا يرد
كون المشبه به أخفض رتبة من المشبه لان الخطاب انما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون
قبل تقرير الشرع ووقع في الروايات التي أشرنا إليها عند المصنف وغيره أنهم أجابوه عن كل
سؤال بقولهم الله ورسوله أعلم وذلك من حسن أدبهم لانهم علموا انه لا يخفى عليه ما يعرفونه
من الجواب وانه ليس مراده مطلق الاخبار بما يعرفونه ولهذا قال في رواية الباب حتى ظننا
أنه سيسميه سوى اسمه فقيه إشارة إلى تفويض الأمور الكلية إلى الشارع ويستفاد منه الحجة
لمثبتي الحقائق الشرعية (قوله فان دماءكم إلى آخره) هو على حذف مضاف أي سفك دمائكم
وأخذ أموالكم وثلب اعراضكم والعرض بكسر العين موضع المدح والذم من الانسان سواء كان
في نفسه أو سلفه (قوله ليبلغ الشاهد) أي الحاضر في المجلس (الغائب) أي الغائب عنه والمراد
اما تبليغ القول المذكور أو تبليغ جميع الأحكام وقوله منه صلة لافعل التفضيل وجاز الفصل
بينهما لان في الظرف سعة وليس الفاصل أيضا أجنبيا (فائدة) وقع في حديث الباب فسكتنا
بعد السؤال وعند المصنف في الحج من حديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب
الناس يوم النحر فقال أي يوم هذا قالوا يوم حرام وظاهرهما التعارض والجمع بينهما ان الطائفة
الذين كان فيهم ابن عباس أجابوا والطائفة الذين كان فيهم أبو بكرة لم يجيبوا بل قالوا الله ورسوله
اعلم كما أشرنا إليه أو تكون رواية ابن عباس بالمعنى لان في حديث أبي بكرة عند المصنف في
الحج وفى الفتن انه لما قال أليس يوم النحر قالوا بلى فقولهم بلى بمعنى قولهم يوم حرام بالاستلزام
وغايته ان أبا بكرة نقل السياق بتمامه واختصره ابن عباس وكان ذلك كان بسبب قرب أبى بكرة
منه لكونه كان آخذا بخطام الناقة وقال بعضهم يحتمل تعدد الخطبة فان أراد انه كررها
في يوم النحر فيحتاج لدليل فان في حديث ابن عمر عند المصنف في الحج ان ذلك كان يوم النحر بين
الجمرات في حجته وفى هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحث على تبليغ العلم وجواز التحمل
قبل كمال الأهلية وان الفهم ليس شرطا في الأداء وانه قد يأتي في الآخر من المتقدم من يكون
أفهم ممن تقدمه لكن بقلة واستنبط ابن المنير من تعليل كون المتأخر أرجح نظرا من المتقدم ان
تفسير الراوي أرجح من تفسير غيره وفيه جواز القعود على ظهر الدواب وهى واقفة إذا احتيج إلى
ذلك وحمل النهى الوارد في ذلك على ما إذا كان لغير ضرورة وفيه الخطبة على موضع عال ليكون
أبلغ في اسماعه للناس ورؤيتهم إياه (قوله باب العلم قبل القول والعمل) قال ابن المنير أراد به ان
146

العلم شرط في صحة القول والعمل فلا يعتبران الا به فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنية المصححة
للعمل فنبه المصنف على ذلك حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم إن العلم لا ينفع الا بالعمل تهوين
أمر العلم والتساهل في طلبه (قوله فبدأ بالعلم) أي حيث قال فاعلم أنه لا إله إلا الله ثم قال
واستغفر لذنبك والخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو متناول لأمته واستدل سفيان
ابن عيينة بهذه الآية على فضل العلم كما أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمته من طريق الربيع
ابن نافع عنه انه تلاها فقال ألم تسمع انه بدأ به فقال اعلم ثم أمره بالعمل وينتزع منها دليل ما يقوله
المتكلمون من وجوب المعرفة لكن النزاع كما قدمناه انما هو في ايجاب تعلم الأدلة على القوانين
المذكورة في كتب الكلام وقد تقدم شئ من هذا في كتاب الايمان (قوله وان العلماء)
بفتح أن ويجوز كسرها ومن هنا إلى قوله وافر طرف من حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن
حبان والحاكم مصححا من حديث أبي الدرداء وحسنه حمزة الكناني وضعفه غيرهم بالاضطراب
في سنده لكن له شواهد يتقوى بها ولم يفصح المصنف بكونه حديثا فلهذا لا يعد في تعاليقه
لكن ايراده له في الترجمة يشعر بان له أصلا وشاهده في القرآن قوله تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين
اصطفينا من عبادنا ومناسبته للترجمة من جهة ان الوارث قائم مقام المورث فله حكمه فيما قام
مقامه فيه (قوله ورثوا) بتشديد الراء المفتوة أي الأنبياء ويروى بتخفيفها مع الكسر أي
العلماء ويؤيد الأول ما عند الترمذي وغيره فيه وان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما
ورثوا العلم (قوله بخط) أي نصيب وافر أي كامل (قوله ومن سلك طريقا) هو من جملة
الحديث المذكور وقد أخرج هذه الجملة أيضا مسلم من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة في حديث غير هذا وأخرجه الترمذي وقال حسن قال ولم يقل له صحيح لأنه يقال إن الأعمش
دلس فيه فقال حدثت عن أبي صالح (قلت) لكن في رواية مسلم عن أبي أسامة عن الأعمش
حدثنا أبو صالح فانتفت تهمة تدليسه (قوله طريقا) نكرها ونكر علما ليتناول أنواع الطرق
الموصلة إلى تحصيل العلوم الدينية وليندرج فيه القليل والكثير (قوله سهل الله له طريقا) أي
في الآخرة أو في الدنيا بان يوفقه للأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة وفيه بشارة بتسهيل العلم على
طالبه لان طلبه من الطرق الموصلة إلى الجنة (قوله وقال) أي الله عز وجل وهو معطوف على
قوله لقول الله انما يخشى الله أي يخاف من الله من علم قدرته وسلطانه وهم العلماء قاله ابن عباس
(قوله وما يعقلها) أي الأمثال المضروبة (قوله لو كنا نسمع) أي سمع من يعى ويفهم (أو نعقل)
عقل من يميز وهذه أوصاف أهل العلم فالمعنى لو كنا من أهل العلم لعلمنا ما يجب علينا فعملنا
به فنجونا (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه) كذا في رواية
الأكثر وفى رواية المستملى يفهمه بالهاء المشددة المكسورة بعدها ميم وقد وصله المؤلف باللفظ
الأول بعد هذا ببابين كما سيأتي وأما اللفظ الثاني فأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب العلم من طريق
ابن عمر عن عمر مرفوعا واسناده حسن والفقه هو الفهم قال الله تعالى لا يكادون يفقهون حديثا
أي لا يفهمون والمراد الفهم في الأحكام الشرعية (قوله وانما العلم بالتعلم) هو حديث مرفوع
أيضا أورده ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية أيضا بلفظ يا أيها الناس تعلموا انما العلم
بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين اسناده حسن لان فيه مبهما اعتضد
147

بمجيئه من وجه آخر وروى البزار نحوه من حديث ابن مسعود موقوفا ورواه أبو نعيم الأصبهاني
مرفوعا وفى الباب عن أبي الدرداء وغيره فلا يغتر بقول من جعله من كلام البخاري والمعنى
ليس العلم المعتبر الا المأخوذ من الأنبياء وورثتهم على سبيل التعلم (قوله وقال أبو ذر الخ)
هذا التعليق رويناه موصولا في مسند الدارمي وغيره من طريق الأوزاعي حدثني أبو كثير يعنى
مالك بن مرثد عن أبيه قال أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع عليه الناس
يستفتونه فاتاه رجل فوقف عليه ثم قال ألم تنه عن الفتيا فرفع رأسه إليه فقال أرقيب أنت على
لو وضعتم فذكر مثله ورويناه في الحلية من هذا الوجه وبين ان الذي خاطبه رجل من قريش
وان الذي نهاه عن الفتيا عثمان رضي الله عنه وكان سبب ذلك أنه كان بالشام فاختلف مع معاوية
في تأويل قوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة فقال معاوية نزلت في أهل الكتاب خاصة
وقال أبو ذر نزلت فيهم وفينا فكتب معاوية إلى عثمان فأرسل إلى أبي ذر فحصلت منازعة أدت إلى
انتقال أبي ذر عن المدينة فسكن الربذة بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة إلى أن مات رواه
النسائي وفيه دليل على أن أبا ذر كان لا يرى بطاعة الامام إذا نهاه عن الفتيا لأنه كان يرى أن ذلك
واجب عليه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه كما تقدم ولعله أيضا سمع الوعيد في حق
من كتم علما يعلمه وسيأتى لعلى مع عثمان نحوه والصمصامة بمهملتين الأولى مفتوحة هو
السيف الصارم الذي لا ينثنى وقيل الذي له حد واحد (قوله هذه) إشارة إلى القفا وهو يذكر
ويؤنث وأنفذ بضم الهمزة وكسر الفاء والذال المعجمة أي أمضى وتجيزوا بضم المثناة وكسر
الجيم وبعد الياء زاي أي تكملوا قتلى ونكر كلمة ليشمل القليل والكثير والمراد انه يبلغ ما تحمله في
كل حال ولا ينتهى عن ذلك ولو أشرف على القتل ولو في كلامه لمجرد الشرط من غير أن يلاحظ
الامتناع أو المراد ان الانفاذ حاصل على تقدير وضع الصمصامة وعلى تقدير عدمه حصوله أولى
فهو مثل قوله لو لم يخف الله لم يعصه وفيه الحث على تعليم العلم واحتمال المشقة فيه والصبر على
الأذى طلبا للثواب (قوله وقال ابن عباس) هذا التعليق وصله ابن أبي عاصم أيضا باسناد حسن
والخطيب باسناد آخر حسن وقد فسر ابن عباس الرباني بأنه الحكيم الفقيه ووافقه ابن مسعود
فيما رواه إبراهيم الحربي في غريبه عنه باسناد صحيح وقال الأصمعي والإسمعيلي الرباني نسبة إلى
الرب أي الذي يقصد ما أمره الرب بقصده من العلم والعمل وقال ثعلب قيل للعلماء ربانيون
لانهم يربون العلم أي يقومون به وريدت الألف والنون للمبالغة والحاصل انه اختلف في
هذه النسبة هل هي نسبة إلى الرب أو إلى التربية والتربية على هذا للعلم وعلى ما حكاه البخاري لتعلمه
والمراد بصغار العلم ما وضح من مسائله وبكباره ما دق منها وقيل يعلمهم جزئياته قبل كلياته أو
فروعه قبل أصوله أو مقدماته قبل مقاصده وقال ابن الاعرابى لا يقال للعالم رباني حتى يكون
عالما معلما عاملا * (فائدة) * اقتصر المصنف في هذا الباب على ما أورده من غير أن يورد حديثا
موصولا على شرطه فاما أن يكون بيض له ليورد فيه ما يثبت على شرطه أو يكون تعمد ذلك
اكتفاء بما ذكر والله أعلم (قوله باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم) هو بالخاء المعجمة
أي يتعهدهم والموعظة النصح والتذكير وعطف العلم عليها من باب عطف العام على الخاص
لان العلم يشمل الموعظة وغيرها وانما عطفه لأنها منصوصة في الحديث وذكر العلم استنباطا
148

(قوله لئلا ينفروا) استعمل في الترجمة معنى الحديثين اللذين ساقهما وتضمن ذلك تفسير
السآمة بالنفور وهما متقاربان ومناسبته لما قبله ظاهرة من جهة ما حكاه أخيرا من تفسير
الرباني كمناسبة الذي قبله من تشديد أبي ذر في أمر التبليغ لما قبله من الامر بالتبليغ وغالب
أبواب هذا الكتاب لمن أمعن النظر فيها والتأمل لا يخلوا عن ذلك (قوله سفيان) هو الثوري
وقد رواه أحمد في مسنده عن ابن عيينة لكن محمد بن يوسف الفريابي وإن كان يروى عن
السفيانين فإنه حيث يطلق يريد به الثوري كما أن البخاري حيث يطلق محمد بن يوسف لا يريد به الا
الفريابي وإن كان يروى عن محمد بن يوسف البيكندي أيضا وقد وهم من زعم أنه هنا البيكندي
(قوله عن أبي وائل) في رواية أحمد المذكورة سمعت شقيقا وهو أبو وائل وأفاد هذا
التصريح رفع ما يتوهم في رواية مسلم التي أخرجها من طريق علي بن مسهر عن الأعمش عن
شقيق عن عبد الله فذكر الحديث قال علي بن مسهر قال الأعمش وحدثني عمرو بن مرة عن
شقيق عن عبد الله مثله فقد يوهم هذا أن الأعمش دلسه أولا عن شقيق ثم سمى الواسطة بينهما
وليس كذلك بل سمعه من أبى وائل بلا واسطة وسمعه عنه بواسطة وأراد بذكر الرواية الثانية وإن كانت
نازلة تأكيده أو لينبه على عنايته بالرواية من حيث إنه سمعه نازلا فلم يقنع بذلك حتى سمعه
عاليا وكذا صرح الأعمش بالتحديث عند المصنف في الدعوات من رواية حفص بن غياث عنه
قال حدثني شقيق وزاد في أوله انهم كانوا ينتظرون عبد الله بن مسعود ليخرج إليهم فيذكرهم
وانه لما خرج قال أما انى أخبر بمكانكم ولكنه يمنعني من الخروج إليكم فذكر الحديث (قوله
كان يتخولنا) بالخاء المعجمة وتشديد الواو قال الخطابي الخائل بالمعجمة هو القائم المتعهد للمال
يقال خال المال يخوله تخولا إذا تعهده وأصلحه والمعنى كان يراعى الأوقات في تذكيرنا ولا يفعل
ذلك كل يوم لئلا نمل والتخون بالنون أيضا يقال تخون الشئ إذا تعهده وحفظه أي اجتنب
الخيانة فيه كما قيل في تحنث وتأثم ونظائرهما وقد قيل إن أبا عمرو بن العلاء سمع الأعمش يحدث
هذا الحديث فقال يتخولنا باللام فرده عليه بالنون فلم يرجع لأجل الرواية وكلا اللفظين جائز
وحكى أبو عبيد الهروي في الغريبين عن أبي عمرو الشيباني أنه كان يقول الصواب يتحولنا بالحاء
المهملة أي يتطلب أحوالنا التي ننشط فيها للموعظة * قلت الصواب من حيث الرواية الأولى
فقد رواه منصور عن أبي وائل كرواية الأعمش وهو في الباب الآتي وإذا ثبتت الرواية وصح
المعنى بطل الاعتراض (قوله علينا) أي السآمة الطارئة علينا أو ضمن السآمة معنى المشقة
فعداها بعلى والصلة محذوفة والتقدير من الموعظة ويستفاد من الحديث استحباب ترك
المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال وإن كانت المواظبة مطلوبة لكنها على قسمين اما
كل يوم مع عدم التكلف واما يوما بعد يوم فيكون يوم الترك لأجل الراحة ليقبل على الثاني
بنشاط واما يوما في الجمعة ويختلف باختلاف الأحوال والاشخاص والضابط الحاجة مع
مراعاة وجود النشاط واحتمل عمل ابن مسعود مع استدلاله ان يكون اقتدى بفعل النبي صلى
الله عليه وسلم حتى في اليوم الذي عينه واحتمل أن يكون اقتدى بمجرد التخلل بين العمل والترك
الذي عبر عنه بالتخول والثاني أظهر وأخذ بعض العلماء من حديث الباب كراهة تشبيه
غير الرواتب بالرواتب بالمواظبة عليها في وقت معين دائما وجاء عن مالك ما يشبه ذلك (قوله
149

أبو التياح) تقدم انه بفتح المثناة الفوقانية وتشديد التحتانية وآخره مهملة (قوله ولا تعسروا)
الفائدة فيه التصريح باللازم تأكيدا وقال النووي لو اقتصر على يسروا لصدق على من
يسر مرة وعسر كثيرا فقال ولا تعسروا لنفى التعسير في جميع الأحوال وكذا القول في عطفه
عليه ولا تنفروا وأيضا فان المقام مقام الاطناب لا الايجاز (قوله وبشروا) بعد قوله يسروا
فيه الجناس الخطى ووقع عند المصنف في الأدب عن آدم عن شعبة بدلها وسكنوا وهى التي
تقابل ولا تنفروا لان السكون ضد النفور كما أن ضد البشارة النذارة لكن لما كانت النذارة
وهى الاخبار بالشر في ابتداء التعليم توجب النفرة قوبلت البشارة بالتنفير والمراد تأليف من
قرب اسلامه وترك التشديد عليه في الابتداء وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي ان يكون بتلطف
ليقبل وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج لان الشئ إذا كان في ابتدائه سهلا حبب إلى
من يدخل فيه وتلقاه بانبساط وكانت عاقبته غالبا الازدياد بخلاف ضده والله تعالى أعلم (قوله
باب من جعل لأهل العلم يوما معلوما) في رواية كريمة أياما معلومة وللكشميهني معلومات وكأنه
أخذ هذا من صنيع ابن مسعود في تذكيره كل خميس أو من استنباط عبد الله ذلك
الحديث الذي أورده (قوله جرير) هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر (قوله كان عبد الله)
هو ابن مسعود وكنيته أبو عبد الرحمن (قوله فقال له رجل) هذا المبهم يشبه أن يكون هو يزيد
ابن معاوية النخعي وفى سياق المصنف في أواخر الدعوات ما يرشد إليه (قوله لوددت) اللام
جواب قسم محذوف أي والله لوددت وفاعل يمنعني انى أكره بفتح همزة انى وأملكم بضم الهمزة
أي أضجركم وانى الثانية بكسر الهمزة وقد تقدم شرح المتن قريبا والاسناد كله كوفيون
وحديث أنس الذي قبله بصريون (قوله باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) ليس في أكثر
الروايات في الترجمة قوله في الدين وثبتت للكشميهني (قوله حدثنا سعيد بن عفير) هو سعيد
ابن كثير بن عفير نسب إلى جده وهو بالمهملة مصغرا (قوله عن ابن شهاب) قال حميد في الاعتصام
للمؤلف من هذا الوجه أخبرني حميد ولمسلم حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف زاد تسمية جده
(قوله سمعت معاوية) هو ابن أبي سفيان (قوله خطيبا) هو حال من المفعول وفى رواية مسلم
والاعتصام سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو يخطب وهذا الحديث مشتمل على ثلاثة أحكام
أحدها فضل التفقه في الدين وثانيها ان المعطى في الحقيقة هو الله وثالثها ان بعض هذه
الأمة يبقى على الحق أبدا فالأول لائق بأبواب العلم والثاني لائق بقسم الصدقات ولهذا أورده
مسلم في الزكاة والمؤلف في الخمس والثالث لائق بذكر اشراط الساعة وقد أورده المؤلف في
الاعتصام لالتفاته إلى مسئلة عدم خلو الزمان عن مجتهد وسيأتى بسط القول فيه هناك وان
المراد بأمر الله هنا الريح التي تقبض روح كل من في قلبه شئ من الايمان وتبقى شرار الناس
فعليهم تقوم الساعة وقد تتعلق الأحاديث الثلاثة بأبواب العلم بل بترجمة هذا الباب خاصة من
جهة اثبات الخير لمن تفقه في دين الله وان ذلك لا يكون بالاكتساب فقط بل لمن يفتح الله عليه به
وان من يفتح الله عليه بذلك لا يزال جنسه موجودا حتى يأتي أمر الله وقد جزم البخاري بان
المراد بهم أهل العلم بالآثار وقال أحمد بن حنبل ان لم يكونوا أهل الحديث فلا أدرى من هم
وقال القاضي عياض أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث وقال النووي
150

يحتمل أن تكون هذه الطائفة فرقة من أنواع المؤمنين ممن يقيم أمر الله تعالى من مجاهد وفقيه
ومحدث وزاهد وآمر بالمعروف وغير ذلك من أنواع الخير ولا يلزم اجتماعهم في مكان واحد بل
يجوز أن يكونوا متفرقين قلت وسيأتى بسط ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى (قوله
يفقهه) أي يفهمه كما تقدم وهى ساكنة الهاء لأنها جواب الشرط يقال فقه بالضم إذا صار
الفقه له سجية وفقه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم وفقه بالكسر إذا فهم ونكر خيرا ليشمل
القليل والكثير والتنكير للتعظيم لان المقام يقتضيه ومفهوم الحديث ان من لم يتفقه في الدين
أي يتعلم قواعد الاسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير وقد أخرج أبو يعلى حديث
معاوية من وجه آخر ضعيف وزاد في أخره ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به والمعنى صحيح لان
من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيها ولا طالب فقه فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير
وفى ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس ولفضل التفقه في الدين على سائر العلوم وسيأتى
بقية الكلام على الحديثين الآخرين في موضعهما من الخمس والاعتصام إن شاء الله تعالى
وقوله لن تزال هذه الأمة يعنى بعض الأمة كما يجئ مصرحا به في الموضع الذي أشرت إليه إن شاء الله
تعالى (قوله باب الفهم) أي فضل الفهم في العلم أي في العلوم (قوله حدثنا على) في رواية
أبي ذر بن عبد الله وهو المعروف بابن المديني (قوله حدثنا سفيان قال قال لي ابن أبي نجيح)
في مسند الحميدي عن سفيان حدثني ابن أبي نجيح (قوله صحبت ابن عمر إلى المدينة) فيه ما كان
بعض الصحابة عليه من توقى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الا عند الحاجة خشية الزيادة
والنقصان وهذه كانت طريقة ابن عمر ووالده عمر وجماعة وانما كثرت أحاديث ابن عمر مع ذلك
لكثرة من كان يسأله ويستفتيه وقد تقدم الكلام على متن حديث الباب في أوائل كتاب العلم
ومناسبته للترجمة ان ابن عمر لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المسئلة عند احضار الجمار إليه فهم
ان المسؤول عنه النخلة فالفهم فطنة يفهم بها صاحبها من الكلام ما يقترن به من قول أو فعل وقد
أخرج أحمد في حديث أبي سعيد الآتي في الوفاة النبوية حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم ان
عبدا خيره الله فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا فتعجب الناس وكان أبو بكر فهم من المقام ان
النبي صلى الله عليه وسلم هو المخير فمن ثم قال أبو سعيد فكان أبو بكر أعلمنا به والله الهادي إلى
الصواب
بسم الله الرحمن الرحيم (قوله باب الاغتباط في العلم) هو بالغين المعجمة (قوله في العلم والحكمة)
فيه نظير ما ذكرنا في قوله بالموعظة والعلم لكن هذا عكس ذاك أو هو من العطف التفسيري ان قلنا إنهما
مترادفان (قوله وقال عمر تفقهوا قبل ان تسودوا) هو بضم المثناة وفتح المهملة وتشديد
الواو أي تجعلوا سادة زاد الكشميهني في روايته قال أبو عبد الله أي البخاري وبعد ان تسودوا
إلى قوله سنهم أما أثر عمر فأخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طريق محمد بن سيرين عن الأحنف بن
قيس قال قال عمر فذكره واسناده صحيح وانما عقبه البخاري بقوله وبعد أن تسودوا ليبين ان
لا مفهوم له خشية ان يفهم أحد من ذلك ان السيادة مانعة من التفقه وانما أراد عمر أنها قد
تكون سببا للمنع لان الرئيس قد يمنعه الكبر والاحتشام ان يجلس مجلس المتعلمين ولهذا قال
مالك من عيب القضاء ان القاضي إذا عزل لا يرجع إلى مجلسه الذي كان يتعلم فيه وقال الشافعي
151

إذا تصدر الحدث فإنه علم كثير وقد فسره أبو عبيد في كتابه غريب الحديث فقال معناه تفقهوا
وأنتم صغار قبل ان تصيروا سادة فتمنعكم الانفة عن الاخذ عمن هو دونكم فتبقوا جهالا
وفسره شمر اللغوي بالتزوج فإنه إذا تزوج صار سيد أهله ولا سيما ان ولد له وقيل أراد عمر الكف
عن طلب الرياسة لان الذي يتفقه يعرف ما فيها من الغوائل فيجتنبها وهو حمل بعيد إذ المراد بقوله
تسودوا السيادة وهى أعم من التزويج ولا وجه لمن خصصه بذلك لأنها قد تكون به وبغيره من
الأشياء الشاغلة لأصحابها عن الاشتغال بالعلم وجوز الكرماني أن يكون من السواد في اللحية
فيكون أمرا للشاب بالتفقه قبل ان تسود لحيته أو أمرا للكهل قبل أن يتحول سواد اللحية إلى
الشيب ولا يخفى تكلفه وقال ابن المنير مطابقة قول عمر للترجمة انه جعل السيادة من ثمرات
العلم وأوصى الطالب باغتنام الزيادة قبل بلوغ درجة السيادة وذلك يحقق استحقاق العلم
بان يغبط صاحبه فإنه سبب لسيادته كذا قال والذي يظهر لي ان مراد البخاري ان الرياسة وإن كانت
مما يغبط بها صاحبها في العادة لكن الحديث دل على أن الغبطة لا تكون الا بأحد
أمرين العلم أو الجود ولا يكون الجود محمودا الا إذا كان بعلم فكأنه يقول تعلموا العلم قبل
حصول الرياسة لتغبطوا إذا غبطتم بحق ويقول أيضا ان تعجلتم الرياسة التي من عادتها ان تمنع
صاحبها من طلب العلم فاتركوا تلك العادة وتعلموا العلم لتحصل لكم الغبطة الحقيقية ومعنى
الغبطة تمنى المرء أن يكون له نظير ما للآخر من غير أن يزول عنه وهو المراد بالحسد الذي أطلق في
الخبر كما سنبينه (قوله حدثنا إسماعيل بن أبي خالد على غير ما حدثناه الزهري) يعنى ان الزهري حدث
سفيان بهذا الحديث بلفظ غير اللفظ الذي حدثه به إسماعيل ورواية سفيان عن الزهري أخرجها
المصنف في التوحيد عن علي بن عبد الله عنه قال قال الزهري عن سالم ورواها مسلم عن
زهير بن حرب وغيره عن سفيان بن عيينة قال حدثنا الزهري عن سالم عن أبيه ساقه مسلم تاما
واختصره البخاري وأخرجه البخاري أيضا تاما في فضائل القرآن من طريق شعيب عن الزهري
حدثني سالم بن عبد الله بن عمر فذكره وسنذكر ما تخالفت فيه الروايتان بعد إن شاء الله تعالى
(قوله قال سمعت) القائل هو إسماعيل على ما حررناه (قوله لا حسد) الحسد تمنى زوال النعمة
عن المنعم عليه وخصه بعضهم بان يتمنى ذلك لنفسه والحق انه أعم وسببه ان الطباع مجبولة على
حب الترفع على الجنس فإذا رأى لغيره ما ليس له أحب أن يزول ذلك عنه له ليرتفع عليه أو مطلقا
ليساويه وصاحبه مذموم إذا عمل بمقتضى ذلك من تصميم أو قول أو فعل وينبغي لمن خطر له ذلك
أن يكرهه كما يكره ما وضع في طبعه من حب المنهيات واستثنوا من ذلك ما إذا كانت النعمة
لكافر أو فاسق يستعين بها على معاصي الله تعالى فهذا حكم الحسد بحسب حقيقته وأما
الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة وأطلق الحسد عليها مجازا وهى أن يتمنى أن يكون له
مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه والحرص على هذا يسمى منافسة فإن كان في الطاعة فهو محمود
ومنه فليتنافس المتنافسون وإن كان في المعصية فهو مذموم ومنه ولا تنافسوا وإن كان في
الجائزات فهو مباح فكأنه قال في الحديث لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الامرين
ووجه الحصر ان الطاعات اما بدنية أو مالية أو كائنة عنهما وقد أشار إلى البدنية باتيان الحكمة
والقضاء بها وتعليمها ولفظ حديث ابن عمر رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار
152

والمراد بالقيام به العمل به مطلقا أعم من تلاوته داخل الصلاة أو خارجها ومن تعليمه والحكم
والفتوى بمقتضاه فلا تخالف بين لفظي الحديثين ولأحمد من حديث يزيد بن الأخنس السلمي
رجل اتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ويتبع ما فيه ويجوز حمل الحسد في
الحديث على حقيقته على أن الاستثناء منقطع والتقدير نفى الحسد مطلقا لكن هاتان الخصلتان
محمودتان ولا حسد فيهما فلا حسد أصلا (قوله الا في اثنتين) كذا في معظم الروايات اثنتين
بتاء التأنيث أي لا حسد محمودا في شئ الا في خصلتين وعلى هذا فقوله رجل بالرفع والتقدير خصلة
رجل حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وللمصنف في الاعتصام الا في اثنين وعلى هذا
فقوله رجل بالخفض على البدلية أي خصلة رجلين ويجوز النصب باضمار أعنى وهى رواية ابن
ماجة (قوله مالا) نكره ليشمل القليل والكثير (قوله فسلط) كذا لأبي ذر وللباقين فسلطه
وعبر بالتسليط لدلالته على قهر النفس المجبولة على الشح (قوله هلكته) بفتح اللام والكاف أي
اهلاكه وعبر بذلك ليدل على أنه لا يبقى منه شيا وكمله بقوله في الحق أي في الطاعات ليزيل عنه
ايهام الاسراف المذموم (قوله الحكمة) اللام للعهد لان المراد بها القرآن على ما أشرنا إليه قبل
وقيل المراد بالحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح (فائدة) زاد أبو هريرة في هذا
الحديث ما يدل على أن المراد بالحسد المذكور هنا الغبطة كما ذكرناه ولفظه فقال رجل ليتني
أوتيت مثل ما أوتى فلان فعملت مثل ما يعمل أورده المصنف في فضائل القرآن وعند الترمذي
من حديث أبي كبشة الأنماري بفتح الهمزة واسكان النون أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول فذكر حديثا طويلا فيه استواء العامل في المال بالحق والمتمنى في الاجر ولفظه وعبد رزقه
الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت مثل ما يعمل فلان فاجرهما
سواء وذكر في ضدهما انهما في الوزر سواء وقال فيه حديث حسن صحيح واطلاق كونهما سواء
يرد على الخطابي في جزمه بان الحديث يدل على أن الغنى إذا قام بشروط المال كان أفضل من
الفقير نعم يكون أفضل بالنسبة إلى من أعرض ولم يتمن لكن الأفضلية المستفادة منه هي بالنسبة
إلى هذه الخصلة فقط لا مطلقا وسيكون لنا عودة إلى البحث في هذه المسئلة في حديث الطاعم
الشاكر كالصائم الصابر حيث ذكره المؤلف في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى (قوله باب ما ذكر
في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر) هذا الباب معقود للترغيب في احتمال المشقة في طلب العلم
لان ما يغتبط به تحتمل المشقة فيه ولان موسى عليه الصلاة والسلام لم يمنعه بلوغه من السيادة
المحل الاعلى من طلب العلم وركوب البر والبحر لأجله فظهر بهذا مناسبة هذا الباب لما قبله وظاهر
التبويب ان موسى ركب البحر لما توجه في طلب الخضر وفيه نظر لان الذي ثبت عند الصنف
وغيره انه خرج في البر وسيأتى بلفظ فخرجا يمشيان وفى لفظ لأحمد حتى أتيا الصخرة وانما ركب البحر
في السفينة هو والخضر بعد ان التقيا فيحمل قوله إلى الخضر على أن فيه حذفا أي إلى مقصد
الخضر لان موسى لم يركب البحر لحاجة نفسه وانما ركبه تبعا للخضر ويحتمل ان يكون التقدير
ذهاب موسى في ساحل البحر فيكون فيه حذف ويمكن أن يقال مقصود الذهاب انما حصل بتمام
القصة ومن تمامها انه ركب معه البحر فاطلق على جميعها ذهابا مجازا اما من اطلاق الكل على
البعض أو من تسمية السبب باسم ما تسبب عنه وحمله ابن المنير على أن إلى بمعنى مع وقال ابن
153

رشيد يحتمل ان يكون ثبت عند البخاري ان موسى توجه في البحر لما طلب الخضر (قلت) لعله
قوى عنده أحد الاحتمالين في قوله فكان يتبع أثر الحوت في البحر فالظرف يحتمل أن يكون
لموسى ويحتمل أن يكون للحوت ويؤيد الأول ما جاء عن أبي العالية وغيره فروى عبد بن حميد
عن أبي العالية ان موسى التقى بالخضر في جزيرة من جزائر البحر انتهى والتوصل إلى جزيرة في
البحر لا يقع الا بسلوك البحر غالبا وعنده أيضا من طريق الربيع بن أنس قال انجاب الماء عن
مسلك الحوت فصار طاقة مفتوحة فدخلها موسى على أثر الحوت حتى انتهى إلى الخضر فهذا
يوضح انه ركب البحر إليه وهذان الاثران الموقوفان رجالهما ثقات (قوله الآية) هو بالنصب
بتقدير فذكر لاعلى المفعولية وقد ذكر الأصيلي في روايته باقي الآية وهى قوله مما علمت رشدا
(قوله حدثنا) وللاصيلى حدثني بالافراد (قوله غرير) تقدم في المقدمة أنه بالغين المعجمة مصغرا
ومحمد وشيخه وأبوه إبراهيم بن سعد زهريون وكذا ابن شهاب شيخ صالح وهو ابن كيسان (قوله
حدثه) للكشميهني حدث بغير هاء وهو محمول على السماع لان صالحا غير مدلس (قوله تمارى) أي
تجادل (قوله والحر) هو بضم الحاء وتشديد الراء المهملتين وهو صحابي مشهور ذكره ابن السكن
وغيره وله ذكر عند المصنف أيضا في قصة له مع عمر قال فيها وكان الحر من النفر الذين يدنيهم عمر
مشهور يعنى لفضلهم (قوله قال ابن عباس هو خضر) لم يذكر ما قال الحر بن قيس ولا وقفت على
ذلك في شئ من طرق هذا الحديث وخضر بفتح أوله وكسر ثانيه أو بكسر أوله واسكان ثانيه ثبتت
بهما الرواية وباثبات الألف واللام فيه وبحذفهما وهذا التماري الذي وقع بين ابن عباس والحر
غير التماري الذي وقع بين سعيد بن جبير ونوف البكالي فان هذا في صاحب موسى هل هو الخضر
أو غيره وذلك في موسى هل هو موسى بن عمران الذي أنزلت عليه التوراة أو موسى بن ميشا بكسر
الميم وسكون التحتانية بعدها معجمة وسياق سعيد بن جبير للحديث عن ابن عباس أتم من سياق
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لهذا بشئ كثير وسيأتى ذكر ذلك مفصلا في كتاب التفسير إن شاء الله
تعالى ويقال ان اسم الخضر بليا بموحدة ولام ساكنة ثم تحتانية وسيأتى في أحاديث الأنبياء النقل
عن سبب تلقيبه بالخضر وسيأتى نقل الخلاف في نسبه وهل هو رسول أو نبي فقط أو ملك بفتح
اللام أو ولى فقط وهل هو باق أو مات (قوله فدعاه) أي ناداه وذكر ابن التين ان فيه حذفا
والتقدير فقام إليه فسأله لان المعروف عن ابن عباس التأدب مع من يأخذ عنه وأخباره في
ذلك شهيرة (قوله إذ جاء رجل) لم أقف على تسميته (قوله بلى عبدنا) أي هو أعلم وللكشميهني
بل باسكان اللام والتقدير فأوحى الله إليه لا تطلق النفي بل قل خضر وانما قال عبدنا وإن كان
السياق يقتضى أن يقول عبد الله لكونه أورده على طريق الحكاية عن الله سبحانه وتعالى
والإضافة فيه للتعظيم (قوله يتبع أثر الحوت في البحر) في هذا السياق اختصار يأتي بيانه
عند شرحه إن شاء الله تعالى (قوله ما كنا نبغي) أي نطلب لان فقد الحوت جعل آية أي
علامة على الموضع الذي فيه الخضر وفى الحديث جواز التجادل في العلم إذا كان بغير تعنت
والرجوع إلى أهل العلم عند التنازع والعمل بخبر الواحد الصدوق وركوب البحر في طلب
العلم بل في طلب الاستكثار منه ومشروعية حمل الزاد في السفر ولزوم التواضع في كل حال
ولهذا حرص موسى على الالتقاء بالخضر عليهما السلام وطلب التعلم منه تعليما لقومه ان
154

يتأدبوا بأدبه وتنبيها لمن زكى نفسه ان يسلك مسلك التواضع (قوله باب قول النبي صلى الله عليه
وسلم اللهم علمه الكتاب) استعمل لفظ الحديث ترجمة تمسكا بان ذلك لا يختص جوازه بابن
عباس والضمير على هذا لغير مذكور ويحتمل ان يكون لابن عباس نفسه لتقدم ذكره في
الحديث الذي قبله إشارة إلى أن الذي وقع لابن عباس من غلبته للحر بن قيس انما كان بدعاء
النبي صلى الله عليه وسلم له (قوله حدثنا أبو معمر) هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المعروف
بالمقعد البصري (قوله حدثنا خالد) هو ابن مهران الحذاء (قوله ضمني رسول الله صلى الله
عليه وسلم) زاد المصنف في فضل ابن عباس عن مسدد عن عبد الوارث إلى صدره وكان ابن
عباس إذ ذاك غلاما مميزا فيستفاد منه جواز احتضان الصبى القريب على سبيل الشفقة (قوله
علمه الكتاب) بين المصنف في كتاب الطهارة من طريق عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس
سبب هذا الدعاء ولفظه دخل النبي صلى الله عليه وسلم الخلاء فوضعت له وضوءا زاد مسلم فلما خرج
قال من وضع هذا فأخبر ولمسلم قالوا ابن عباس ولأحمد وابن حبان من طريق سعيد بن
جبير عنه ان ميمونة هي التي أخبرته بذلك وان ذلك كان في بيتها ليلا ولعل ذلك كان في الليلة التي
بات ابن عباس فيها عندها ليرى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله
تعالى وقد أخرج أحمد من طريق عمرو بن دينار عن كريب عن ابن عباس في قيامه خلف
النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل وفيه فقال لي ما بالك أجعلك حذائي فتخلفني فقلت أو
ينبغي لاحد أن يصلى حذاءك وأنت رسول الله فدعا لي أن يزيدني الله فهما وعلما والمراد
بالكتاب القرآن لان العرف الشرعي عليه والمراد بالتعليم ما هو أعم من حفظه والتفهم فيه ووقع
في رواية مسدد الحكمة بدل الكتاب وذكر الإسماعيلي ان ذلك هو الثابت في الطرق كلها عن خالد
الحذاء كذا قال وفيه نظر لان المصنف أخرجه أيضا من حديث وهيب عن خالد بلفظ الكتاب
أيضا فيحمل على أن المراد بالحكمة أيضا القرآن فيكون بعضهم رواه بالمعنى وللنسائي والترمذي
من طريق عطاء عن ابن عباس قال دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أوتى الحكمة مرتين
فيحتمل تعدد الواقعة فيكون المراد بالكتاب القرآن وبالحكمة السنة ويؤيده ان في رواية عبيد
الله بن أبي يزيد التي قدمناها عند الشيخين اللهم فقهه في الدين لكن لم يقع عند مسلم في الدين
وذكر الحميدي في الجمع ان أبا مسعود ذكره في أطراف الصحيحين بلفظ اللهم فقهه في الدين وعلمه
التأويل قال الحميدي وهذه الزيادة ليست في الصحيحين (قلت) وهو كما قال نعم هي في رواية سعيد
ابن جبير التي قدمناها عند أحمد وابن حبان والطبراني ورواها ابن سعد من وجه آخر عن
عكرمة مرسلا وأخرج البغوي في معجم الصحابة من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر كان عمر يدعو
ابن عباس ويقربه ويقول انى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك يوما فمسح رأسك وقال
اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ووقع في بعض نسخ ابن ماجة من طريق عبد الوهاب الثقفي
عن خالد الحذاء في حديث الباب بلفظ اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب وهذه الزيادة
مستغربة من هذا الوجه فقد رواه الترمذي والإسمعيلي وغيرهما من طريق عبد الوهاب
بدونها وقد وجدتها عند ابن سعد من وجه آخر عن طاوس عن ابن عباس قال دعاني رسول الله
صلى الله عليه وسلم فمسح على ناصيتي وقال اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب وقد رواه أحمد عن
155

هشيم عن خالد في حديث الباب بلفظ مسح على رأسي وهذه الدعوة مما تحقق إجابة النبي صلى الله
عليه وسلم فيها لما علم من حال ابن عباس في معرفة التفسير والفقه في الدين رضى الله تعالى عنه
واختلف الشراح في المراد بالحكمة هنا فقيل القرآن كما تقدم وقيل العمل به وقيل السنة وقيل
الإصابة في القول وقيل الخشية وقيل الفهم عن الله وقيل العقل وقيل ما يشهد العقل بصحته
وقيل نور يفرق به بين الالهام والوسواس وقيل سرعة الجواب مع الإصابة وبعض هذه الأقوال
ذكرها بعض أهل التفسير في تفسير قوله تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة والأقرب ان المراد بها
في حديث ابن عباس الفهم في القرآن وسيأتى مزيد لذلك في المناقب إن شاء الله تعالى (قوله باب
متى يصح سماع الصغير) زاد الكشميهني الصبى الصغير ومقصود الباب الاستدلال على أن البلوغ
ليس شرطا في التحمل وقال الكرماني ان معنى الصحة هنا جواز قبول مسموعه (قلت) وهذا
تفسير لثمرة الصحة لا لنفس الصحة وأشار المصنف بهذا إلى اختلاف وقع بين أحمد بن حنبل ويحيى
ابن معين رواه الخطيب في الكفاية عن عبد الله بن أحمد وغيره ان يحيى قال أقل سن التحمل خمس
عشرة سنة لكون ابن عمر رد يوم أحد إذ لم يبلغها فبلغ ذلك أحمد فقال بل إذا عقل ما يسمع وانما
قصة ابن عمر في القتال ثم أورد الخطيب أشياء مما حفظها جمع من الصحابة ومن بعدهم في الصغر
وحدثوا بها بعد ذلك وقبلت عنهم وهذا هو المعتمد وما قاله ابن معين ان أراد به تحديد ابتداء
الطلب بنفسه فموجه وان أراد به رد حديث من سمع اتفاقا أو اعتنى به فسمع وهو صغير فلا وقد
نقل ابن عبد البر الاتفاق على قبول هذا وفيه دليل على أن مراد ابن معين الأول واما احتجاجه
بان النبي صلى الله عليه وسلم رد البراء وغيره يوم بدر ممن كان لم يبلغ خمس عشرة فمردود بان القتال
يقصد فيه مزيد القوة والتبصر في الحرب فكانت مظنته سن البلوغ والسماع يقصد فيه الفهم
فكانت مظنته التمييز وقد احتج الأوزاعي لذلك بحديث مروهم بالصلاة لسبع (قوله حدثنا
إسماعيل) هو ابن أبي أويس وقد ثبت ذلك في رواية كريمة (قوله على حمار) هو اسم جنس يشمل
الذكر والأنثى كقولك بعير وقد شذ حمارة في الأنثى حكاه في الصحاح وأتان بفتح الهمزة وشذ
كسرها كما حكاه الصغاني هي الأنثى من الحمير وربما قالوا للأنثى اتانة حكاه يونس وأنكره غيره
فجاء في الرواية على اللغة الفصحى وحمار اتان بالتنوين فيهما على النعت أو البدل وروى بالإضافة
وذكر ابن الأثير أن فائدة التنصيص على كونها أنثى للاستدلال بطريق الأولى على أن الأنثى من بني آدم
لا تقطع الصلاة لأنهن أشرف وهو قياس صحيح من حيث النظر الا ان الخبر الصحيح لا يدفع
بمثله كما سيأتي البحث فيه في الصلاة إن شاء الله تعالى (قوله ناهزت) أي قاربت والمراد بالاحتلام
البلوغ الشرعي (قوله إلى غير جدار) أي إلى غير سترة قاله الشافعي وسياق الكلام يدل على ذلك
لان ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلى لا يقطع صلاته ويؤيده
رواية البزار بلفظ والنبي صلى الله عليه وسلم يصلى المكتوبة ليس لشئ يستره (قوله بين يدي بعض
الصف) هو مجاز عن الأمام بفتح الهمزة لان الصف ليس له يد وبعض الصف يحتمل ان يراد به صف
من الصفوف أو بعض من أحد الصفوف قاله الكرماني (قوله ترتع) بمثناتين مفتوحتين وضم
العين أي تأكل ما تشاء وقيل تسرع في المشي وجاء أيضا بكسر العين بوزن يفتعل من الرعى وأصله
ترتعي لكن حذفت الياء تخفيفا والأول أصوب ويدل عليه رواية المصنف في الحج نزلت عنها
156

فرتعت (قوله ودخلت) وللكشميهني فدخلت بالفاء (قوله فلم ينكر ذلك على أحد) قيل فيه جواز
تقديم المصلحة الراجحة على المفسدة الخفيفة لان المرور مفسدة خفيفة والدخول في الصلاة
مصلحة راجحة واستدل ابن عباس على الجواز بعدم الانكار لانتفاء الموانع إذ ذاك ولا يقال منع
من الانكار اشتغالهم بالصلاة لأنه نفى الانكار مطلقا فتناول ما بعد الصلاة وأيضا فكان الانكار
يمكن بالإشارة وفيه ما ترجم له ان التحمل لا يشترط فيه كمال الأهلية وانما يشترط عند الأداء ويلحق
بالصبى في ذلك العبد والفاسق والكافر وقامت حكاية ابن عباس لفعل النبي صلى الله عليه وسلم
وتقريره مقام حكاية قوله إذ لا فرق بين الأمور الثلاثة في شرائط الأداء فان قيل التقييد بالصبى
والصغير في الترجمة لا يطابق حديث ابن عباس أجاب الكرماني بان المراد بالصغير غير البالغ وذكر
الصبى معه من باب التوضيح ويحتمل أن يكون لفظ الصغير يتعلق بقصة محمود ولفظ الصبى يتعلق
بهما معا والله أعلم وسيأتى باقي مباحث هذا الحديث في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا
محمد بن يوسف) هو البيكندي كما جزم به البيهقي وغيره وأما الفريابي فليست له رواية عن أبي مسهر
وكان أبو مسهر شيخ الشاميين في زمانه وقد لقيه البخاري وسمع منه شيا يسيرا وحدث عنه هنا
بواسطة وذكر ابن المرابط فيما نقله ابن رشيد عنه ان أبا مسهر تفرد برواية هذا الحديث عن محمد بن
حرب وليس كما قال ابن المرابط فان النسائي رواه في السنن الكبرى عن محمد بن المصفى عن محمد بن
حرب وأخرجه البيهقي في المدخل من رواية محمد بن جوصاء وهو بفتح الجيم والصاد المهملة عن
سلمة بن الخليل وأبى التقى وهو بفتح المثناة وكسر القاف كلاهما عن محمد بن حرب فهؤلاء ثلاثة
غير أبى مسهر رووه عن محمد بن حرب فكأنه المتفرد به عن الزبيدي وهذا الاسناد إلى الزهري
شاميون وقد دخلها هو وشيخه محمود بن الربيع بن سراقة بن عمرو الأنصاري الخزرجي وحديثه
هذا طرف من حديثه عن عتبان بن مالك الآتي في الصلاة من رواية صالح بن كيسان وغيره عن
الزهري وفى الرقاق من طريق معمر عن الزهري أخبرني محمود (قوله عقلت) هو بفتح القاف
أي حفظت (قوله مجة) بفتح الميم وتشديد الجيم والمج هو ارسال الماء من الفم وقيل لا يسمى مجا
الا إن كان على بعد وفعله النبي صلى الله عليه وسلم مع محمود اما مداعبة معه أو ليبارك عليه بها
كما كان ذلك من شأنه مع أولاد الصحابة (قوله وأنا ابن خمس سنين) لم أر التقييد بالسن عند تحمله
في شئ من طرقه لا في الصحيحين ولا في غيرهما من الجوامع والمسانيد الا في طريق الزبيدي هذه
والزبيدي من كبار الحفاظ المتقنين عن الزهري حتى قال الوليد بن مسلم كان الأوزاعي يفضله
على جميع من سمع من الزهري وقال أبو داود ليس في حديثه خطأ وقد تابعه عبد الرحمن بن نمر
عن الزهري ومن لفظه عند الطبراني والخطيب في الكفاية من طريق عبد الرحمن بن نمر وهو
بفتح النون وكسر الميم عن الزهري وغيره قال حدثني محمود بن الربيع وتوفى النبي صلى الله عليه
وسلم وهو ابن خمس سنين فافادت هذه الرواية ان الواقعة التي ضبطها كانت في آخر سنة من
حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر ابن حبان وغيره انه مات سنة تسع وتسعين وهو ابن أربع
وتسعين سنة وهو مطابق لهذه الرواية وذكر القاضي عياض في الالماع وغيره أن في بعض
الروايات انه كان ابن أربع ولم أقف على هذا صريحا في شئ من الروايات بعد التتبع التام الا إن كان
ذلك مأخوذا من قول صاحب الاستيعاب انه عقل المجة وهو ابن أربع سنين أو خمس وكان
157

الحامل له على هذا التردد قول الواقدي انه كان ابن ثلاث وتسعين لما مات والأول أولى بالاعتماد
لصحة اسناده على أن قول الواقدي يمكن حمله ان صح على أنه ألغى الكسر وجبره غيره والله أعلم
وإذا تحرر هذا فقد اعترض المهلب على البخاري لكونه لم يذكر هنا حديث ابن الزبير في رؤيته
والده يوم بني قريظة ومراجعته له في ذلك ففيه السماع منه وكان سنه إذ ذاك ثلاث سنين أو أربعا
فهو أصغر من محمود وليس في قصة محمود ضبطه لسماع شئ فكان ذكر حديث ابن الزبير أولى
لهذين المعنيين وأجاب ابن المنير بان البخاري انما أراد نقل السنن النبوية لا الأحوال الوجودية
ومحمود نقل سنة مقصودة في كون النبي صلى الله عليه وسلم مج مجة في وجهه بل في مجرد رؤيته إياه
فائدة شرعية تثبت كونه صحابيا وأما قصة ابن الزبير فليس فيها نقل سنة من السنن النبوية حتى
تدخل في هذا الباب ثم أنشد * وصاحب البيت أدرى بالذي فيه * انتهى وهو جواب مسدد
وتكملته ما قدمناه قيل إن المقصود بلفظ السماع في الترجمة أو ما ينزل منزلته من نقل الفعل
أو التقرير وغفل البدر الزركشي فقال يحتاج المهلب إلى ثبوت ان قصة ابن الزبير صحيحة على
شرط البخاري انتهى والبخاري قد أخرج قصة ابن الزبير المذكورة في مناقب الزبير في الصحيح
فالايراد موجه وقد حصل جوابه والعجب من متكلم على كتاب يغفل عما وقع فيه في المواضع
الواضحة ويعترضها بما يؤدى إلى نفى ورودها فيه (قوله من دلو) زاد النسائي معلق ولابن حبان
معلقه والدلو يذكر ويؤنث وللمصنف في الرقاق من رواية معمر من دلو كانت في دارهم وله في
الطهارة والصلاة وغيرهما من بئر بدل دلو ويجمع بينهما بان الماء أخذ بالدلو من البئر وتناوله النبي
صلى الله عليه وسلم من الدلو وفى هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز احضار الصبيان
مجالس الحديث وزيارة الامام أصحابه في دورهم ومداعبته صبيانهم واستدل به بعضهم على
تسميع من يكون ابن خمس ومن كان دونها يكتب له حضور وليس في الحديث ولا في تبويب
البخاري ما يدل عليه بل الذي ينبغي في ذلك اعتبار الفهم فمن فهم الخطاب سمع وإن كان دون ابن
خمس والا فلا وقال ابن رشيد الظاهر أنهم أرادوا بتحديد الخمس انها مظنة لذلك لا أن بلوغها
شرط لا بد من تحققه والله أعلم وقريب منه ضبط الفقهاء سن التمييز بست أو سبع والمرجح أنها
مظنة لا تحديد ومن أقوى ما يتمسك به في أن المرد في ذلك إلى الفهم فيختلف باختلاف الاشخاص
ما أورده الخطيب من طريق أبى عاصم قال ذهبت بابني وهو ابن ثلاث سنين إلى ابن جريج فحدثه
قال أبو عاصم لا بأس بتعليم الصبى الحديث والقرآن وهو في هذا السن يعنى إذا كان فهما
وقصة أبى بكر بن المقرى الحافظ في تسميعه لابن أربع بعد أن امتحنه بحفظ سور من القرآن
مشهورة (قوله باب الخروج) أي السفر (في طلب العلم) لم يذكر فيه شيئا مرفوعا صريحا وقد
أخرج مسلم حديث أبي هريرة رفعه من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة
ولم يخرجه المصنف لاختلاف فيه (قوله ورحل جابر بن عبد الله) هو الأنصاري الصحابي المشهور
وعبد الله بن أنيس بضم الهمزة مصغرا هو الجهني حليف الأنصار (قوله في حديث واحد) هو
حديث أخرجه المصنف في الأدب المفرد واحمد وأبو يعلى في مسنديهما من طريق عبد الله بن محمد
ابن عقيل انه سمع جابر بن عبد الله يقول بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه
وسلم فاشتريت بعيرا ثم شددت رحلي فسرت إليه شهرا حتى قدمت الشام فإذا عبد الله بن أنيس
158

فقلت للبواب قل له جابر على الباب فقال ابن عبد الله قلت نعم فخرج فاعتنقني فقلت حديث بلغني
عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخشيت ان أموت قبل ان أسمعه فقال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الله الناس يوم القيامة عراة فذكر الحديث وله طريق
أخرى أخرجها الطبراني في مسند الشاميين وتمام في فوائده من طريق الحجاج بن دينار عن
محمد بن المنكدر عن جابر قال كان يبلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في القصاص وكان
صاحب الحديث بمصر فاشتريت بعيرا فسرت حتى وردت مصر فقصدت إلى باب الرجل فذكر
نحوه واسناده صالح وله طريق ثالثة أخرجها الخطيب في الرحلة من طريق أبى الجارود
العنسي وهو بالنون الساكنة عن جابر قال بلغني حديث في القصاص فذكر الحديث نحوه وفى
اسناده ضعف وادعى بعض المتأخرين ان هذا ينقض القاعدة المشهورة أن البخاري حيث يعلق
بصيغة الجزم يكون صحيحا وحيث يعلق بصيغة التمريض يكون فيه علة لأنه علقه بالجزم هنا ثم
أخرج طرفا من متنه في كتاب التوحيد بصيغة التمريض فقال ويذكر عن جابر عن عبد الله بن أنيس
قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الله العباد فيناديهم بصوت الحديث وهذه
الدعوى مردودة والقاعدة بحمد الله غير منتقضة ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل
هذا فإنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لان الاسناد حسن وقد اعتضد وحيث ذكر طرفا من
المتن لم يجزم به لان لفظ الصوت مما يتوقف في اطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل فلا
يكفي فيه مجئ الحديث من طريق مختلف فيها ولو اعتضدت ومن هنا يظهر شفوف علمه ودقة
نظره وحسن تصرفه رحمه الله تعالى ووهم ابن بطال فزعم أن الحديث الذي رحل فيه جابر إلى
عبد الله بن أنيس هو حديث الستر على المسلم وهو انتقال من حديث إلى حديث فان الراحل في
حديث الستر هو أبو أيوب الأنصاري رحل فيه إلى عقبة بن عامر الجهني أخرجه أحمد بسند
منقطع وأخرجه الطبراني من حديث مسلمة بن مخلد قال أتاني جابر فقال لي حديث بلغني انك
ترويه في الستر فذكره وقد وقع ذلك لغير من ذكره فروى أبو داود من طريق عبد الله بن بريدة ان
رجلا من الصحابة رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر في حديث وروى الخطيب عن عبيد الله بن عدي
قال بلغني حديث عند على فخفت ان مات أن لا أجده عند غيره فرحلت حتى قدمت عليه
العراق وتتبع ذلك يكثر وسيأتى قول الشعبي في مسئلة إن كان الرجل ليرحل فيما دونها إلى
المدينة وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال إن كنت لأرحل الأيام والليالي
في طلب الحديث الواحد وسيأتى نحو ذلك عن غيره وفى حديث جابر دليل على طلب علو الاسناد
لأنه بلغه الحديث عن عبد الله بن أنيس فلم يقنعه حتى رحل فاخذه عنه بلا واسطة وسيأتى عن ابن
مسعود في كتاب فضائل القرآن قوله لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله منى لرحلت إليه وأخرج الخطيب
عن أبي العالية قال كنا نسمع عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نرضى حتى خرجنا
إليهم فسمعنا منهم وقيل لأحمد رجل يطلب العلم يلزم رجلا عنده علم كثير أو يرحل قال يرحل
يكتب عن علماء الأمصار فيشام الناس ويتعلم منهم وفيه ما كان عليه الصحابة من الحرص على
تحصيل السنن النبوية وفيه جواز اعتناق القادم حيث لا تحصل الريبة (قوله حدثنا خالد بن
خلى) هو بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الخفيفة بعدها ياء تحتانية مشددة كما تقدم في المقدمة
159

وانما أعدته لأنه وقع عند الزركشي مضبوطا بلام مشددة وهو سبق قلم أو خطا من الناسخ
(قوله قال الأوزاعي) في رواية الأصيلي حدثنا الأوزاعي (قوله إنه تمارى هو والحر) سقطت
هو من رواية ابن عساكر فعطف على المرفوع المتصل بغير تأكيد ولا فصل وهو جائز عند البعض
وقد تقدمت مباحث هذا الحديث قبل ببابين وليس بين الروايتين اختلاف الا فيما لا يغير المعنى
وهو قليل وفيه فضل الازدياد من العلم ولو مع المشقة والنصب بالسفر وخضوع الكبير لمن يتعلم
منه ووجه الدلالة منه قوله تعالى لبنيه عليه الصلاة والسلام أولئك الذين هدى الله فبهداهم
اقتده وموسى عليه السلام منهم فتدخل أمة النبي صلى الله عليه وسلم تحت هذا الامر الا فيما
ثبت نسخه (قوله باب فضل من علم وعلم) الأولى بكسر اللام الخفيفة أي صار عالما والثانية
بفتحها وتشديدها (قوله حدثنا محمد بن العلاء) هو أبو كريب مشهور بكنيته أكثر من اسمه
وكذا شيخه أبو أسامة وبريد بضم الموحدة وأبو بردة جده وهو ابن أبي موسى الأشعري وقال
في السياق عن أبي موسى ولم يقل عن أبيه تفننا والاسناد كله كوفيون (قوله مثل) بفتح المثلثة
والمراد به الصفة العجيبة لا القول السائر (قوله الهدى) أي الدلالة الموصلة إلى المطلوب
والعلم المراد به معرفة الأدلة الشرعية (قوله نقية) كذا عند البخاري في جميع الروايات التي
رأيناها بالنون من النقاء وهى صفة لمحذوف لكن وقع عند الخطابي والحميدي وفى حاشية أصل
أبي ذر ثغبة بمثلثة مفتوحة وغين معجمة مكسورة بعدها موحدة خفيفة مفتوحة قال الخطابي
هي مستنقع الماء في الجبال والصخور قال القاضي عياض هذا غلط في الرواية وإحالة للمعنى
لان هذا وصف الطائفة الأولى التي تنبت وما ذكره يصلح وصفا للثانية التي تمسك الماء قال
وما ضبطناه في البخاري من جميع الطرق الانقية بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء
التحتانية وهو مثل قوله في مسلم طائفة طيبة قلت وهو في جميع ما وقفت عليه من المسانيد
والمستخرجات كما عند مسلم وفى كتاب الزركشي وروى بقعة قلت هو بمعنى طائفة لكن ليس
ذلك في شئ من روايات الصحيحين ثم قرأت في شرح ابن رجب ان في رواية بالموحدة بدل النون
قال والمراد بها القطعة الطيبة كما يقال فلان بقية الناس ومنه فلولا كان من القرون من قبلكم
أولو بقية (قوله قبلت) بفتح القاف وكسر الموحدة من القبول كذا في معظم الروايات
ووقع عند الأصيلي قيلت بالتحتانية المشددة وهو تصحيف كما سنذكره بعد (قوله الكلأ)
بالهمزة بلا مد (قوله والعشب) هو من ذكر الخاص بعد العام لان الكلأ يطلق على النبت
الرطب واليابس معا والعشب للرطب فقط (قوله أخاذات) كذا في رواية أبي ذر بكسر الهمزة
والخاء والذال المعجمتين وآخره مثناة من فوق قبلها ألف جمع أخاذة وهى الأرض التي تمسك الماء
وفى رواية غير أبي ذر وكذا في مسلم وغيره أجادب بالجيم والدال المهملة بعدها موحدة جمع جدب
بفتح الدال المهملة على غير قياس وهى الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء وضبطه المازري
بالذال المعجمة ووهمه القاضي ورواها الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي كريب أحارب بحاء
وراء مهملتين قال الإسماعيلي لم يضبطه أبو يعلى وقال الخطابي ليست هذه الرواية بشئ قال وقال
بعضهم أجارد بحيم وراء ثم دال مهملة جمع جرداء وهى البارزة التي لا ننبت قال الخطابي هو صحيح
المعنى ان ساعدته الرواية واغرب صاحب المطالع فجعل الجميع روايات وليس في الصحيحين
160

سوى روايتين فقط وكذا جزم القاضي (قوله فنفع الله بها) أي بالأخاذات وللاصيلى به أي
بالماء (قوله وزرعوا) كذا له بزيادة زاي من الزرع ووافقه أبو يعلى ويعقوب بن الأخرم
وغيرهما عن أبي كريب ولمسلم والنسائي وغيرهما عن أبي كريب ورعوا بغير زاي من
الرعى قال النووي كلاهما صحيح ورجح القاضي رواية مسلم بلا مرجح لان رواية زرعوا تدل على
مباشرة الزرع لتطابق في التمثيل مباشرة طلب العلم وإن كانت رواية رعوا مطابقة لقوله أنبتت
لكن المراد انها قابلة للانبات وقيل إنه روى ووعوا بواوين ولا أصل لذلك وقال القاضي قوله
ورعوا راجع للأولى لان الثانية لم يحصل منها نبات انتهى ويمكن ان يرجع إلى الثانية أيضا
بمعنى ان الماء الذي استقر بها سقيت منه أرض أخرى فأنبتت (قوله فأصاب) أي الماء
وللاصيلى وكريمة أصابت أي طائفة أخرى ووقع كذلك صريحا عند النسائي والمراد بالطائفة
القطعة (قوله قيعان) بكسر القاف جمع قاع وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت (قوله
فقه) بضم القاف أي صار فقيها وقال ابن التين رويناه بكسرها والضم أشبه قال القرطبي وغيره
ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدين مثلا بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال
حاجتهم إليه وكذا كان حال الناس قبل مبعثه فكما ان الغيث يحيى البلد الميت فكذا علوم الدين
تحيى القلب الميت ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث فمنهم العالم العامل
المعلم فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها ومنهم الجامع
للعلم المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقه فيما جمع لكنه أداه لغيره فهو بمنزلة
الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به وهو المشار إليه بقوله نضر الله امرأ سمع مقالتي
فأداها كما سمعها ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به ولا ينقله لغيره فهو بمنزلة الأرض
السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها وانما جمع في المثل بين الطائفتين الأولتين
المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها والله أعلم
ثم ظهر لي ان في كل مثل طائفتين فالأول قد أوضحناه والثاني الأولى منه من دخل في الدين ولم
يسمع العلم أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه ومثالها من الأرض السباخ وأشير إليها بقوله صلى الله
عليه وسلم من لم يرفع بذلك رأسا أي أعرض عنه فلم ينتفع به ولا نفع والثانية منه من لم يدخل في
الدين أصلا بل بلغه فكفر به ومثالها من الأرض الصماء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا
ينتفع به وأشير إليها بقوله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل هدى الله الذي جئت به وقال الطيبى
بقى من أقسام الناس قسمان أحدهما الذي انتفع بالعلم في نفسه ولم يعلمه غيره والثاني من لم ينتفع
به في نفسه وعلمه غيره (قلت) والأول داخل في الأول لان النفع حصل في الجملة وان تفاوتت
مراتبه وكذلك ما تنبته الأرض فمنه ما ينتفع الناس به ومنه ما يصير هشيما واما الثاني فإن كان
عمل الفرائض وأهمل النوافل فقد دخل في الثاني كما قررناه وان ترك الفرائض أيضا فهو فاسق
لا يجوز الاخذ عنه ولعله يدخل في عموم من لم يرفع بذلك رأسا والله أعلم (قوله قال اسحق وكان
منها طائفة قيلت) أي بتشديد الياء التحتانية أي ان اسحق وهو ابن راهويه حيث روى هذا
الحديث عن أبي أسامة خالف في هذا الحرف قال الأصيلي هو تصحيف من اسحق وقال غيره بل
هو صواب ومعناه شربت والقيل شرب نصف النهار يقال قيلت الإبل أي شربت في القائلة
161

وتعقبه القرطبي بان المقصود لا يختص بشرب القائلة وأجيب بان كون هذا أصله لا يمنع
استعماله على الاطلاق تجوزا وقال ابن دريد قيل الماء في المكان المنخفض إذا اجتمع فيه وتعقبه
القرطبي أيضا بأنه يفسد التمثيل لان اجتماع الماء انما هو مثال الطائفة الثانية والكلام هنا
انما هو في الأولى التي شربت وأنبتت قال والأظهر أنه تصحيف (قوله قاع يعلوه الماء والصفصف
المستوى من الأرض) هذا ثابت عند المستملى وأراد به ان قيعان المذكورة في الحديث جمع قاع
وانها الأرض التي يعلوها الماء ولا يستقر فيها وانما ذكر الصفصف معه جريا على عادته في الاعتناء
بتفسير ما يقع في الحديث من الألفاظ الواقعة في القرآن وقد يستطرد ووقع في بعض النسخ
المصطف بدل الصفصف وهو تصحيف * (تنبيه) * وقع في رواية كريمة وقال ابن إسحاق وكان
شيخنا العراقي يرجحها ولم أسمع ذلك منه وقد وقع في نسخة الصبغاني وقال اسحق عن أبي أسامة
وهذا يرجح الأول (قوله باب رفع العلم) مقصود الباب الحث على تعلم العلم فإنه لا يرفع الا بقبض
العلماء كما سيأتي صريحا وما دام من يتعلم العلم موجودا لا يحصل الرفع وقد تبين في حديث
الباب ان رفعه من علامات الساعة (قوله وقال ربيعة) هو ابن أبي عبد الرحمن الفقيه المدني
المعروف بربيعة الرأي باسكان الهمزة قيل له ذلك لكثرة اشتغاله بالاجتهاد ومراد ربيعة ان من
كان فيه فهم وقابلية للعلم لا ينبغي له ان يهمل نفسه فيترك الاشتغال لئلا يؤدى ذلك إلى رفع
العلم أو مراده الحث على نشر العلم في أهله لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدى إلى رفع العلم أو مراده
أن يشهر العالم نفسه ويتصدى للاخذ عنه لئلا يضيع علمه وقيل مراده تعظيم العلم وتوقيره فلا
يهين نفسه بان يجعله عرضا للدنيا وهذا معنى حسن لكن اللائق بتبويب المصنف ما تقدم وقد
وصل أثر ربيعة المذكور الخطيب في الجامع والبيهقي في المدخل من طريق عبد العزيز الأويسي
عن مالك عن ربيعة (قوله حدثنا عمران بن ميسرة) في بعضها عمران غير مذكور الأب وقد عرف
من الرواية الأخرى انه ابن ميسرة وقد خرجه النسائي عن عمران بن موسى القزاز وليس هو
شيخ البخاري فيه (قوله عبد الوارث) هو ابن سعيد (عن أبي التياح) بمثناة مفتوحة فوقانية
بعدها تحتانية ثقيلة وآخره حاء مهملة كما تقدم (قوله عن أنس) زاد الأصيلي وأبو ذر ابن مالك
وللنسائي حدثنا أنس ورجال هذا الاسناد كلهم بصريون وكذا الذي بعده (قوله اشراط
الساعة) أي علاماتها كما تقدم في الايمان وتقدم ان منها ما يكون من قبيل المعتاد ومنها ما يكون
خارقا للعادة (قوله أن يرفع العلم) هو في محل نصب لأنه اسم ان وسقطت ان من رواية النسائي
حيث أخرجه عن عمران شيخ البخاري فيه فعلى روايته يكون مرفوع المحل والمراد برفعه موت
حملته كما تقدم (قوله ويثبت) هو بفتح أوله وسكون المثلثة وضم الموحدة وفتح المثناة وفى رواية
مسلم ويبث بضم أوله وفتح الموحدة بعدها مثلثة أي ينتشر وغفل الكرماني فعزاها للبخاري
وانما حكاها النووي في الشرح لمسلم قال الكرماني وفى رواية وينبت بالنون بدل المثلثة من
النبات وحكى ابن رجب عن بعضهم وينث بنون ومثلثة من النث وهو الإشاعة قلت وليست
هذه في شئ من الصحيحين (قوله وتشرب الخمر) هو بضم المثناة أوله وفتح الموحدة على العطف
والمراد كثرة ذلك واشتهاره وعند المصنف في النكاح من طريق هشام عن قتادة ويكثر شرب الخمر
فالعلامة مجموع ما ذكر (قوله ويظهر الزنا) أي يفشو كما في رواية مسلم (قوله حدثنا يحيى)
162

هو ابن سعيد القطان (قوله عن أنس) زاد الأصيلي ابن مالك (قوله لأحدثنكم) بفتح اللام
وهو جواب قسم محذوف أي والله لأحدثنكم وصرح به أبو عوانة من طريق هشام عن قتادة
ولمسلم من رواية غندر عن شعبة ألا أحدثكم فيحتمل أن يكون قال لهم أولا الا أحدثكم فقالوا
نعم فقال لأحدثنكم (قوله لا يحدثكم أحد بعدي) كذا له ولمسلم بحذف المفعول ولابن ماجة
من رواية غندر عن شعبة لا يحدثكم به أحد بعدي وللمصنف من طريق هشام لا يحدثكم به
غيري ولابى عوانة من هذا الوجه لا يحدثكم أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدي
وعرف أنس أنه لم يبق أحد ممن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره لأنه كان آخر من مات
بالبصرة من الصحابة فلعل الخطاب بذلك كان لأهل البصرة أو كان عاما وكان تحدثيه بذلك في
آخر عمره لأنه لم يبق بعده من الصحابة من ثبت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم الا النادر ممن لم
يكن هذا المتن في مرويه وقال ابن بطال يحتمل أنه قال ذلك لما رأى من التغيير ونقص العلم يعنى
فاقتضى ذلك عنده أنه لفساد الحال لا يحدثهم أحد بالحق (قلت) والأول أولى (قوله سمعت)
هو بيان أو بدل لقوله لأحدثنكم (قوله أن يقل العلم) هو بكسر القاف من القلة وفى رواية
مسلم عن غندر وغيره عن شعبة ان يرفع العلم وكذا في رواية سعيد عند ابن أبي شيبة وهمام عند
المصنف في الحدود وهشام عنده في النكاح كلهم عن قتادة وهو موافق لرواية أبى التياح
وللمصنف أيضا في الأشربة من طريق هشام ان يقل فيحتمل ان يكون المراد بقلته أول العلامة
وبرفعه آخرها أو أطلقت القلة وأريد بها العدم كما يطلق العدم ويراد به القلة وهذا أليق لاتحاد
المخرج (قوله وتكثر النساء) قيل سببه ان الفتن تكثر فيكثر القتل في الرجال لانهم أهل
الحرب دون النساء وقال أبو عبد الملك هو إشارة إلى كثرة الفتوح فتكثر السبايا فيتخذ الرجل
الواحد عدة موطوءات (قلت) وفيه نظر لأنه صرح بالعلة في حديث أبي موسى الآتي في الزكاة
عند المصنف فقال من قلة الرجال وكثرة النساء والظاهر أنها علامة محضة لا لسبب آخر بل يقدر
الله في آخر الزمان ان يقل من يولد من الذكور ويكثر من يولد من الإناث وكون كثرة النساء من
العلامات مناسبة لظهور الجهل ورفع العلم وقوله لخمسين يحتمل ان يراد به حقيقة هذا العدد
أو يكون مجازا عن الكثرة ويؤيد ان في حديث أبي موسى وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون
امرأة (قوله القيم) أي من يقوم بامرهن واللام للعهد اشعارا بما هو معهود من كون الرجال
قوامين على النساء وكأن هذه الأمور الخمسة خصت بالذكر لكونها مشعرة باختلال الأمور التي
يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد وهى الدين لان رفع العلم يخل به والعقل لان شرب الخمر
يخل به والنسب لان الزنا يخل به والنفس والمال لان كثرة الفتن تخل بهما قال الكرماني وانما
كان اختلال هذه الأمور مؤذنا بخراب العالم لان الخلق لا يتركون هملا ولا نبي بعد نبينا
صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين فيتعين ذلك وقال القرطبي في المفهم في هذا الحديث
علم من أعلام النبوة إذ أخبر عن أمور ستقع فوقعت خصوصا في هذه الأزمان وقال القرطبي في
التذكرة يحتمل ان يراد بالقيم من يقوم عليهن سواء كن موطوءات أم لا ويحتمل أن يكون ذلك يقع
في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول الله الله فيتزوج الواحد بغير عدد جهلا بالحكم الشرعي
(قلت) وقد وجد ذلك من بعض أمراء التركمان وغيرهم من أهل هذا الزمان مع دعواه الاسلام
163

والله المستعان (قوله باب فضل العلم) الفضل هنا بمعنى الزيادة أي ما فضل عنه والفضل الذي
تقدم في أول كتاب العلم بمعنى الفضيلة فلا يظن أنه كرره (قوله حدثنا سعيد بن عفير) هو سعيد
ابن كثير بن عفير المصري نسب إلى جده كما تقدم وعفير بضم المهملة بعدها فاء كما تقدم أيضا
(قوله حدثنا الليث) هو ابن سعد عن عقيل وللاصيلى وكريمة حدثني الليث حدثني عقيل (قوله
عن حمزة) وللمصنف في التعبير أخبرني حمزة (قوله بينا) أصله بين فأشبعت الفتحة (قوله أتيت)
بضم الهمزة (قوله فشربت) أي من ذلك اللبن (قوله لأرى) بفتح الهمزة من الرؤية أو من
العلم واللام للتأكيد أو جواب قسم محذوف والري بكسر الراء في الرواية وحكى الجوهري الفتح
وقال غيره بالكسر الفعل وبالفتح المصدر (قوله يخرج) أي الري وأطلق رؤيته إياه على سبيل
الاستعارة (قوله في أظفاري) في رواية ابن عساكر من أظفاري وهو أبلغ وفى التعبير من أطرافي
وهو بمعناه (قوله قال العلم) هو بالنصب وبالرفع معا في الرواية وتوجيههما ظاهر وتفسير اللبن
بالعلم لاشتراكهما في كثرة النفع بهما وسيأتى بقية الكلام عليه في مناقب عمر في كتاب التعبير إن شاء الله
تعالى قال ابن المنير وجه الفضيلة للعلم في الحديث من جهة انه عبر عن العلم بأنه فضلة النبي
صلى الله عليه وسلم ونصيب مما آتاه الله وناهيك بذلك انتهى وهذا قاله بناء على أن المراد بالفضل
الفضيلة وغفل عن النكتة المتقدمة (قوله باب الفتيا) هو بضم الفاء وان قلت الفتوى فتحتها
والمصادر الآتية بوزن فتيا قليلة مثل تقيا ورجعي (قوله وهو) أي المفتى ومراده ان العالم
يجيب سؤال الطالب ولو كان راكبا (قوله على الدابة) المراد بها في اللغة كل ما مشى على الأرض
وفى العرف ما يركب وهو المراد بالترجمة وبعض أهل العرف خصها بالحمار فان قيل ليس في سياق
الحديث ذكر الركوب فالجواب أنه أحال به على الطريق الأخرى التي أوردها في الحج فقال كان
على ناقته ترجم له باب الفتيا على الدابة عند الجمرة فأورد الحديث من طريق مالك عن ابن شهاب
فذكره كالذي هنا ثم من طريق ابن جريج نحوه ثم من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب بلفظ
وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته قال فذكر الحديث ولم يسق لفظه وقال بعده تابعه
معمر عن الزهري انتهى ورواية معمر وصلها أحمد ومسلم والنسائي وفيها رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم بمنى على ناقته (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله حجة الوداع) هو
بفتح الحاء ويجوز كسرها (قوله للناس يسألونه) هو اما حال من فاعل وقف أو من الناس
أو استئناف بيانا لبسبب الوقوف (قوله فجاء رجل) لم أعرف اسم هذا السائل ولا الذي بعده
في قوله فجاء آخر والظاهر أن الصحابي لم يسم أحدا لكثرة من سأل إذ ذاك وسيأتى بسط ذلك
في الحج (قوله ولا حرج) أي لا شئ عليك مطلقا من الاثم لا في الترتيب ولا في ترك الفدية هذا
ظاهره وقال بعض الفقهاء المراد نفى الاثم فقط وفيه نظر لان في بعض الروايات الصحيحة ولم يأمر
بكفارة وسيأتى مباحث ذلك في كتاب الحج إن شاء الله تعالى ورجال هذا الاسناد كلهم
مدنيون (قوله باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد أو الرأس) الإشارة باليد مستفادة من الحديثين
المذكورين في الباب أولا وهما مرفوعان وبالرأس مستفادة من حديث أسماء فقط وهو من
فعل عائشة فيكون موقوفا لكن له حكم المرفوع لأنها كانت تصلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم
وكان في الصلاة يرى من خلفه فيدخل في التقرير (قوله وهيب) بالتصغير وهو ابن خالد من حفاظ
164

البصرة مات سنة خمس وستين وقيل تسع وستين وأرخه الدمياطي في حواشي نسخته سنة ست
وخمسين وهو وهم وأيوب هو السختياني وعكرمة هو مولى ابن عباس والاسناد كله بصريون
(قوله سئل) هو بضم أوله (فقال) أي السائل (ذبحت قبل ان أرمى) أي فهل على شئ (قوله
فأومأ بيده فقال لا حرج) أي عليك وقوله فقال يحتمل ان يكون بيانا لقوله أومأ ويكون من
اطلاق القول على الفعل كما في الحديث الذي بعده فقال هكذا بيده ويحتمل ان يكون حالا
والتقدير فأومأ بيده قائلا لا حرج فجمع بين الإشارة والنطق والأول أليق بترجمة المصنف (قوله
وقال حلقت) يحتمل ان السائل هو الأول ويحتمل ان يكون غيره ويكون التقدير فقال سائل
كذا وقال آخر كذا وهو الاظهر ليوافق الرواية التي قبله حيث قال فجاء آخر (قوله فأومأ بيده
ولا حرج) كذا ثبتت الواو في قوله ولا حرج وليست عند أبي ذر في الجواب الأول قال الكرماني
لان الأول كان في ابتداء الحكم والثاني عطف على المذكور أولا انتهى وقد ثبتت الواو في الأول
أيضا في رواية الأصيلي وغيره (قوله حدثنا المكي) هو اسم وليس بنسب وهو من كبار شيوخ
البخاري كما سنذكره في باب اثم من كذب (قوله أخبرنا حنظلة) وهو ابن أبي سفيان بن عبد الرحمن
الجمحي المدني (قوله عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب وفى رواية الإسماعيلي من
طريق إسحاق بن سليمان الراوي عن حنظلة قال سمعت سالما وزاد فيه لا أدرى كم رأيت أبا هريرة
قائما في السوق يقول يقبض العلم فذكره موقوفا لكن ظهر في آخره انه مرفوع (قوله يقبض
العلم) يفسر المراد بقوله قبل هذا يرفع العلم والقبض يفسره حديث عبد الله بن عمرو الآتي بعد
انه يقع بموت العلماء (قوله ويظهر الجهل) هو من لازم ذلك (قوله والفتن) في رواية الأصيلي
وغيره وتظهر الفتن (قوله الهرج) هو بفتح الهاء وسكون الراء بعدها جيم (قوله فقال هكذا بيده)
هو من اطلاق القول على الفعل (قوله فحرفها) الفاء فيه تفسيرية كأن الراوي بين ان الايماء
كان محرفا (قوله كأنه يريد القتل) كأن ذلك فهم من تحريف اليد وحركتها كالضارب لكن
هذه الزيادة لم أرها في معظم الروايات وكأنها من تفسير الراوي عن حنظلة فان أبا عوانة رواه
عن عباس الدوري عن أبي عاصم عن حنظلة وقال في آخره وأرانا أبو عاصم كأنه يضرب
عنق الانسان وقال الكرماني الهرج هو الفتنة فإرادة القتل من لفظه على طريق التجوز إذ هو
لازم معنى الهرج قال الا أن يثبت ورود الهرج بمعنى القتل لغة قلت وهى غفلة عما في البخاري
في كتاب الفتن والهرج القتل بلسان الحبشة وسيأتى بقية مباحث هذا الحديث هناك إن شاء الله
تعالى (قوله هشام) هو ابن عروة بن الزبير (عن فاطمة) هي بنت المنذر بن الزبير وهى زوجة
هشام وبنت عمه (قوله عن أسماء) هي بنت أبي بكر الصديق زوج الزبير بن العوام وهى جدة
هشام وفاطمة جميعا (قوله فقلت ما شأن الناس) أي لما رأيت من اضطرابهم (قوله فأشارت)
أي عائشة إلى السماء أي انكسفت الشمس (قوله فإذا الناس قيام) كأنها التفتت من حجرة
عائشة إلى من في المسجد فوجدتهم قياما في صلاة الكسوف ففيه اطلاق الناس على البعض
(قوله فقالت سبحان الله) أي أشارت قائلة سبحان الله (قوله قلت آية) هو بالرفع خبر مبتدأ
محذوف أي هذه آية أي علامة ويجوز حذف همزة الاستفهام واثباتها (قوله فقمت) أي
في الصلاة (قوله حتى علاني) كذا للأكثر بالعين المهملة وتخفيف اللام وفى رواية كريمة
165

تجلاني بمثناة وجيم ولام مشددة وجلال الشئ ما غطى به والغشى بفتح الغين واسكان الشين
المعجمتين وتخفيف الياء وبكسر الشين وتشديد الياء أيضا هو طرف من الاغماء والمراد به هنا
الحالة القريبة منه فأطلقته مجازا ولهذا قالت فجعلت أصب على رأسي الماء أي في تلك الحال
ليذهب ووهم من قال بان صبها كان بعد الإفاقة وسيأتى تقرير ذلك في كتاب الطهارة ويأتي
الكلام على هذا الحديث أيضا في صلاة الكسوف إن شاء الله تعالى (قوله أريته) هو بضم
الهمزة (قوله حتى الجنة والنار) رويناه بالحركات الثلاث فيهما (قوله مثل أو قريبا) كذا هو
بترك التنوين في الأول واثباته في الثاني قال ابن مالك توجيهه ان أصله مثل فتنة الدجال أو قريبا
من فتنة الدجال فحذف ما أضيف إلى مثل وترك على هيئته قبل الحذف وجاز الحذف لدلالة
ما بعده عليه وهذا كقول الشاعر * بين ذراعي وجبهة الأسد * تقديره بين ذراعي الأسد وجبهة
الأسد وقال الآخر
أمام وخلف المرء من لطف ربه * كوالئ تزوى عنه ما هو يحذر
وفى رواية بترك التنوين في الثاني أيضا وتوجيهه انه مضاف إلى فتنة أيضا واظهار حرف الجر بين
المضاف والمضاف إليه جائز عند قوم وقوله لا أدرى أي ذلك قالت أسماء جملة معترضة بين بها
الراوي ان الشك منه هل قالت له أسماء مثل أو قالت قريبا وسيأتى مباحث هذا المتن في كتاب
الجنائز إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * وقع في نسخة الصغاني هنا قال ابن عباس مرقدنا مخرجنا
وفى ثبوت ذلك نظر لأنه لم يقع في الحديث لذلك ذكر وإن كان قد يظهر له مناسبة وقد ذكر ذلك
في موضعه من سورة يس (قوله باب تحريض) هو بالضاد المعجمة ومن قالها بالمهملة هنا فقد
صحف (قوله وقال مالك بن الحويرث) هو بصيغة تصغير الحارث وهذا التعليق طرف من
حديث له مشهور يأتي في الصلاة (قوله أبى جمرة) هو بالجيم والراء كما تقدم (قوله من شقة)
بضم الشين المعجمة وتشديد القاف (قوله وتعطوا) كذا وقع وهو منصوب بتقدير أن وساغ
التقدير لان المعطوف عليه اسم قاله الكرماني قلت قد رواه أحمد عن غندر فقال وأن تعطوا
فكأن حذفها من شيخ البخاري (قوله قال شعبة وربما قال النقير) أي بالنون المفتوحة
وتخفيف القاف المكسورة (وربما قال المقير) أي بالميم المضمومة وفتح القاف وتشديد الباء
المفتوحة وليس المراد انه كان يتردد في هاتين اللفظتين ليثبت إحداهما دون الأخرى لأنه يلزم
من ذكر المقير التكرار لسبق ذكر المزفت لأنه بمعناه بل المراد أنه كان جازما بذكر الثلاثة الأول
شاكا في الرابع وهو النقير فكان تارة يذكره وتارة لا يذكره وكان أيضا شاكا في التلفظ بالثالث
فكان تارة يقول المزفت وتارة يقول المقير هذا توجيهه فلا يلتفت إلى ما عداه وقد تقدمت
مباحث هذا الحديث في أواخر كتاب الايمان وأخرجه المصنف هناك عاليا عن علي بن الجعد عن
شعبة ولم يتردد الا في المزفت والمقير فقط وجزم بالنقير وهو يؤيد ما قلته والله أعلم (قوله وأخبروه)
166

هو بفتح الهمزة وكسر الباء وللكشميهني وأخبروا بحذف الضمير (قوله باب الرحلة) هو بكسر
الراء بمعنى الارتحال وفى روايتنا أيضا بفتح الراء أي الواحدة واما بضمها فالمراد به الجهة وقد تطلق
على من يرتحل إليه وفى رواية كريمة وتعليم أهله بعد قوله في المسئلة النازلة والصواب حذفها
لأنها تأتى في باب آخر (قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك (قوله حدثني عبد الله بن أبي مليكة)
هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة نسب إلى جده (قوله عن عقبة بن الحرث) سيأتي تصريحه
بالسماع من عقبة في كتاب النكاح خلافا لمن أنكره وسيأتى الخلاف في كنية عقبة في قصة
حبيب بن عدي (قوله أنه تزوج ابنة) اسمها غنية بفتح المعجمة وكسر النون بعدها ياء تحتانية
مشددة وكنيتها أم يحيى كما يأتي في الشهادات وهجم الكرماني فقال لا يعرف اسمها وأبو اهاب
بكسر الهمزة لا أعرف اسمه وهو مذكور في الصحابة وعزيز بفتح العين المهملة وكسر الزاي
وآخره زاي أيضا كما تقدم في المقدمة ومن قاله بضم أوله فقد حرف (قوله فأتته امرأة)
لم أقف على اسمها (قوله ولا أخبرتني) بكسر المثناة أي قبل ذلك كأنه اتهمها (قوله فركب)
أي من مكة لأنها كانت دار اقامته والفرق بين هذه الترجمة وترجمة باب الخروج في طلب العلم
ان هذا أخص وذاك أعم وسيأتى مباحث هذا الحديث في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى
(قوله ونكحت زوجا غيره) اسم هذا الزوج ظريب بضم المعجمة المشالة وفتح الراء وآخره موحدة
مصغرا (قوله باب التناوب) هو بالنون وضم الواو من النوبة بفتح النون (قوله وقال ابن وهب)
هذا التعليق وصله ابن حبان في صحيحه عن ابن قتيبة عن حرملة عنه بسنده ليس في روايته
قول عمر كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب النزول وهو مقصود هذا الباب وانما وقع ذلك
في رواية شعيب وحده عن الزهري نص على ذلك الذهلي والدار قطني والحاكم وغيرهم وقد ساق
المصنف الحديث في كتاب النكاح عن أبي اليمان وحده أتم مما هنا بكثير وانما ذكر هنا رواية
يونس بن يزيد ليوضح أن الحديث كله ليس من افراد شعيب (قوله عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي
ثور) هو مكي نوفلي وقد اشترك معه في اسمه واسم أبيه وفى الرواية عن ابن عباس وفى رواية
الزهري عنهما عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المدني الهذلي لكن روايته عن ابن عباس
كثيرة في الصحيحين وليس لابن أبي ثور عن ابن عباس غير هذا الحديث الواحد (قوله وجار لي)
هذا الجار هو عتبان بن مالك أفاده ابن القسطلاني لكن لم يذكر دليله (قوله في بنى أمية) أي
ناحية بنى أمية سميت البقعة باسم من نزلها (قوله اثم) هو بفتح المثلثة (قوله دخلت على حفصة)
ظاهر سياقه يوهم انه من كلام الأنصاري وانما الداخل على حفصة عمر وللكشميهني فدخلت
على حفصة أي قال عمر فدخلت على حفصة وانما جاء هذا من الاختصار والا ففي أصل الحديث
بعد قوله أمر عظيم طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه قلت قد كنت أظن أن هذا كائن
حتى إذا صليت الصبح شددت على ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة يعنى أم المؤمنين بنته وفى
هذا الحديث الاعتماد على خبر الواحد والعمل بمراسيل الصحابة وفيه ان الطالب لا يغفل عن
النظر في أمر معاشه ليستعين على طلب العلم وغيره مع أخذه الحزم في السؤال عما يفوته يوم غيبته
167

لما علم من حال عمر انه كان يتعانى التجارة إذ ذاك كما سيأتي في البيوع وفيه ان شرط التواتر أن
يكون مستند نقلته الامر المحسوس لا الإشاعة التي لا يدرى من بدأ بها وسيأتى بقية الكلام
عليه في النكاح إن شاء الله تعالى (قوله باب الغضب في الموعظة حدثنا محمد بن كثير) هو
العبدي ولم يخرج للصغائي شيا (قوله أخبرني سفيان) هو الثوري (عن ابن أبي خالد) هو إسماعيل
(قوله قال رجل) قيل هو حزم بن أبي كعب (قوله لا أكاد أدرك الصلاة مما يطيل) قال
القاضي عياض ظاهره مشكل لان التطويل يقتضى الادراك لا عدمه قال فكأن الألف زيدت
بعد لا وكأن أدرك كانت أترك قلت هو توجيه حسن لو ساعدته الرواية وقال أبو الزناد بن
سراج معناه انه كان به ضعف فكان إذا طول به الامام في القيام لا يبلغ الركوع الا وقد ازداد
ضعفه فلا يكاد يتم معه الصلاة قلت وهو معنى حسن لكن رواه المصنف عن الفريابي عن
سفيان بهذا الاسناد بلفظ انى لاتاخر عن الصلاة فعلى هذا فمراده بقوله انى لا أكاد أدرك الصلاة
أي لا أقرب من الصلاة في الجماعة بل أتأخر عنها أحيانا من أجل التطويل وسيأتى تحرير
هذا في موضعه في الصلاة ويأتي الخلاف في اسم الشاكي والمشكو (قوله أشد غضبا) قيل انما
غضب لتقدم نهيه عن ذلك (قوله وذا الحاجة) كذا للأكثر وفى رواية القابسي وذو الحاجة
وتوجيهه انه عطف على موضع اسم ان قبل دخولها أو هو استئناف (قوله سأله رجل) هو عمير والد
مالك وقيل غيره كما سيأتي في اللقطة (قوله وكأها) هو بكسر الواو ما يربط به والعفاص بكسر
العين المهملة هو الوعاء بكسر الواو (قوله فغضب) اما لأنه كان نهى قبل ذلك عن التقاطها
واما لان السائل قصر في فهمه فقاس ما يتعين التقاطه على ما لا يتعين (قوله سقاؤها) هو بكسر
أوله والمراد بذلك أجوافها لأنها تشرب فتكتفى به أياما (قوله وحذاؤها) بكسر المهملة ثم ذال
معجمة والمراد هنا خفها وسيأتى مباحث هذا الحديث في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى (قوله
حدثنا محمد بن العلاء) تقدم هذا الاسناد في باب فضل من علم وعلم (قوله سئل النبي صلى الله عليه
وسلم عن أشياء) كان منها السؤال عن الساعة وما أشبه ذلك من المسائل كما سيأتي في حديث ابن
عباس في تفسير المائدة (قوله قال رجل) هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء
القرشي السهمي كما سماه في حديث أنس الآتي (قوله فقام آخر) هو سعد بن سالم مولى شيبة
بن ربيعة سماه ابن عبد البر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح منه وأغفله في الاستيعاب
ولم يظفر به أحد من الشارحين ولا من صنف في المبهمات ولا في أسماء الصحابة وهو صحابي بلا مرية
لقوله فقال من أبى يا رسول الله ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة ان رجلا من بنى
عبد الدار قال من أبى قال سعد نسبه إلى غير أبيه بخلاف ابن حذافة وسيأتى مزيد لهذا في تفسير
سورة المائدة (قوله فلما رأى عمر) هو ابن الخطاب (ما في وجهه) أي من الغضب (قال يا رسول الله
انا نتوب إلى الله) أي مما يوجب غضبك وفى حديث أنس الآتي بعد أن عمر برك على ركبتيه
فقال رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا والجمع بينهما ظاهر بأنه قال جميع ذلك فنقل
كل من الصحابيين ما حفظ ودل على اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حذافة
* (تنبيه) * قصر المصنف الغضب على الموعظة والتعليم دون الحكم لان الحاكم مأمور أن
168

لا يقضى وهو غضبان والفرق ان الواعظ من شأنه ان يكون في صورة الغضبان لان مقامه
يقتضى تكلف الانزعاج لأنه في صورة المنذر وكذا المعلم إذا أنكر على من يتعلم منه سوء فهم
ونحوه لأنه قد يكون أدعى للقبول منه وليس ذلك لازما في حق كل أحد بل يختلف باختلاف
أحوال المتعلمين وأما الحاكم فهو بخلاف ذلك كما يأتي في بابه فان قيل فقد قضى عليه
الصلاة والسلام في حال غضبه حيث قال أبوك فلان فالجواب ان يقال أولا ليس هذا من
باب الحكم وعلى تقديره فيقال هذا من خصوصياته لمحل العصمة فاستوى غضبه ورضاه
ومجرد غضبه من الشئ دال على تحريمه أو كراهته بخلاف غيره صلى الله عليه وسلم (قوله باب من
برك) هو بفتح الموحدة والراء المخففة يقال برك البعير إذا استناخ واستعمل في الآدمي مجازا
(قوله خرج فقام عبد الله بن حذافة) فيه حذف يظهر من الرواية الأخرى والتقدير خرج
فسئل فأكثروا عليه فغضب فقال سلوني فقام عبد الله (قوله فقال رضينا بالله ربا) قال ابن بطال
فهم عمر منه ان تلك الأسئلة قد تكون على سبيل التعنت أو الشك فخشى ان تنزل العقوبة
بسبب ذلك فقال رضينا بالله ربا إلى آخره فرضى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فسكت (قوله
باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم) هو بضم الياء وفتح الهاء وفى روايتنا أيضا بكسر الهاء لكن
في رواية الأصيلي وكريمة ليفهم عنه وهو بفتح الهاء لا غير (قوله فقال ألا وقول الزور) كذا في
رواية أبي ذر وفى رواية غيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو طرف معلق من حديث أبي بكرة
المذكور في الشهادات وفى الديات الذي أوله ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا فذكر الحديث
ففيه معنى الترجمة لكونه قال لهم ذلك ثلاثا (قوله فما زال يكررها) أي في مجلسه ذلك والضمير
يعود على الكلمة الأخيرة وهى قول الزور وسيأتى الكلام عليه إن شاء الله تعالى في مكانه
(قوله وقال ابن عمر) هو طرف أيضا من حديث مذكور عند المصنف في كتاب الحدود أوله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أي شهر هذا فذكر الحديث وفيه هذا القدر
المعلق وقوله ثلاثا متعلق بقال لا بقوله بلغت (قوله حدثنا عبدة) هو ابن عبد الله الصفار ولم
يخرج البخاري عن عبدة بن عبد الرحيم المروزي وهو من طبقة عبدة الصفار وفى رواية الأصيلي
حدثنا عبدة الصفار (قوله ثنا عبد الصمد) هو ابن عبد الوارث بن سعيد يكنى أبا سهل والمثنى
والد عبد الله هو بضم الميم وفتح المثلثة وتشديد النون المفتوحة وهو ابن عبد الله بن أنس بن
مالك وثمامة عمه ورجال هذا الاسناد كلهم بصريون (قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان)
أي من عادة النبي صلى الله عليه وسلم والمراد ان أنسا مخبر عما عرفه من شأن النبي صلى الله عليه
وسلم وشاهده لا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك ويؤيد ذلك ان المصنف أخرجه في كتاب
الاستئذان عن إسحاق وهو ابن منصور عن عبد الصمد بهذا الاسناد إلى أنس فقال إن النبي صلى
الله عليه وسلم كان (قوله إذا تكلم) قال الكرماني مثل هذا التركيب يشعر بالاستمرار عند
الأصوليين (قوله بكلمة) أي بجملة مفيدة (قوله أعادها ثلاثا) قد بين المراد بذلك في تفسير
الحديث بقوله حتى تفهم عنه وللترمذي والحاكم في المستدرك حتى تعقل عنه ووهم الحاكم
في استدراكه وفى دعواه ان البخاري لم يخرجه وقال الترمذي حسن صحيح غريب انما نعرفه
من حديث عبد الله بن المثنى انتهى وعبد الله بن المثنى ممن تفرد البخاري باخراج حديثه دون
169

مسلم وقد وثقه العجلي والترمذي وقال أبو زرعة وأبو حاتم صالح وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين
ليس بشئ وقال النسائي ليس بالقوى قلت لعله أراد في بعض حديثه وقد تقرر ان البخاري
حيث يخرج لبعض من فيه مقال لا يخرج شيئا مما أنكر عليه وقول ابن معين ليس بشئ أراد به
في حديث بعينه سئل عنه وقد قواه في رواية إسحاق بن منصور عنه وفى الجملة فالرجل إذا ثبتت
عدالته لم يقبل فيه الجرح الا إذا كان مفسرا بأمر قادح وذلك غير موجود في عبد الله بن المثنى
هذا وقد قال ابن حبان لما ذكره في الثقات ربما أخطأ والذي أنكر عليه انما هو من روايته عن
غير عمه ثمامة والبخاري انما أخرج له عن عمه هذا الحديث وغيره ولا شك ان الرجل أضبط
لحديث آل بيته من غيره وقال ابن المنير نبه البخاري بهذه الترجمة على الرد على من كره إعادة
الحديث وأنكر على الطالب الاستعادة وعده من البلادة قال والحق ان هذا يختلف باختلاف
القرائح فلا شئ على المستفيد الذي لا يحفظ من مرة إذا استعاد ولا عذر للمفيد إذا لم يعد بل
الإعادة عليه آكد من الابتداء لان الشروع ملزم وقال ابن التين فيه ان الثلاث غاية ما يقع به
الاعتذار والبيان (قوله وإذا أتى على قوم) أي وكان إذا أتى (قوله فسلم عليهم) هو من تتمة الشرط
وقوله سلم عليهم هو الجواب قال الإسماعيلي يشبه أن يكون ذلك كان إذا سلم سلام الاستئذان
على ما رواه أبو موسى وغيره وأما أن يمر المار مسلما فالمعروف عدم التكرار قلت وقد فهم
المصنف هذا بعينه فأورد هذا الحديث مقرونا بحديث أبى موسى في قصته مع عمر كما سيأتي
في الاستئذان لكن يحتمل ان يكون ذلك كان يقع أيضا منه إذا خشى أنه لا يسمع سلامه وما ادعاه
الكرماني من أن الصيغة المذكورة تفيد الاستمرار مما ينازع فيه والله أعلم (قوله في حديث
عبد الله بن عمرو فادركنا) هو بفتح الكاف وقوله أرهقنا بسكون القاف وللاصيلى أرهقتنا
وقوله صلاة العصر هو بدل من الصلاة ان رفعا فرفع وان نصبا فنصب (قوله مرتين أو ثلاثا) هو
شك من الراوي وهو يدل على أن الثلاث ليست شرطا بل المراد التفهيم فإذا حصل بدونها أجزأ
وسيأتى الكلام على المتن في الطهارة إن شاء الله تعالى (قوله باب تعليم الرجل أمته وأهله) مطابقة
الحديث للترجمة في الأمة بالنص وفى الأهل بالقياس إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض
الله وسنن رسوله آكد من الاعتناء بالإماء (قوله حدثنا محمد بن سلام) كذا في روايتنا من طريق
أبي ذر وفى رواية كريمة حدثنا محمد هو ابن سلام وللاصيلى حدثنا محمد حسب واعتمده المزي في
الأطراف فقال رواه البخاري عن محمد قيل هو ابن سلام (قوله أخبرنا) في رواية كريمة حدثنا
المحاربي وهو عبد الرحمن بن محمد بن زياد وليس له عند البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر
في العيدين وذكر أبو علي الجياني ان بعض أهل بلدهم صحف المحاربي فقال البخاري فأخطأ خطأ
فاحشا (قوله حدثنا صالح بن حيان) هو صالح بن صالح بن مسلم بن حيان نسب إلى جد أبيه وهو
بفتح المهملة وتشديد الياء التحتانية ولقبه حي وهو أشهر به من اسمه وكذا من ينسب إليه يقال
للواحد منهم غالبا فلان بن حي كصالح بن حي هذا وهو ثقة مشهور وفى طبقته راو آخر كوفي أيضا
يقال له صالح بن حيان القرشي لكنه ضعيف وقد وهم من زعم أن البخاري أخرج له فإنه انما
أخرج لصالح بن حي وهذا الحديث معروف بروايته عن الشعبي دون القرشي وقد أخرجه
البخاري من حديثه من طرق منها في الجهاد من طريق ابن عينية قال حدثنا صالح بن حي أبو
170

حسين قال سمعت الشعبي وأصرح من ذلك أنه أخرج الحديث المذكور في كتاب الأدب المفرد
بالاسناد الذي أخرجه هنا فقال صالح بن حي (قوله قال عامر) أي قال صالح قال عامر وعادتهم
حذف قال إذا تكررت خطا لا نطقا (قوله عن أبيه) هو أبو موسى الأشعري كما صرح به في العتق
وغيره (قوله ثلاثة لهم أجران) ثلاثة مبتدأ والتقدير ثلاثة رجال أو رجال ثلاثة ولهم أجران
خبره (قوله رجل) هو بدل تفصيل أو بدل كل بالنظر إلى المجموع (قوله من أهل الكتاب)
لفظ الكتاب عام ومعناه خاص أي المنزل من عند الله والمراد به التوراة والإنجيل كما تظاهرت به
نصوص الكتاب والسنة حيث يطلق أهل الكتاب وقيل المراد به هنا الإنجيل خاصة ان قلنا إن
النصرانية ناسخة لليهودية كذا قرره جماعة ولا يحتاج إلى اشتراط النسخ لان عيسى عليه الصلاة
والسلام كان قد أرسل إلى بني إسرائيل بلا خلاف فمن أجابه منهم نسب إليه ومن كذبه منهم
واستمر على يهوديته لم يكن مؤمنا فلا يتناوله الخبر لان شرطه ان يكون مؤمنا بنبيه نعم من دخل
في اليهودية من غير بني إسرائيل أو لم يكن بحضرة عيسى عليه السلام فلم تبلغه دعوته يصدق عليه
انه يهودي مؤمن إذ هو مؤمن بنبيه موسى عليه السلام ولم يكذب نبيا آخر بعده فمن أدرك بعثة
محمد صلى الله عليه وسلم ممن كان بهذه المثابة وآمن به لا يشكل انه يدخل في الخبر المذكور ومن هذا
القبيل العرب الذين كانوا باليمن وغيرها ممن دخل منهم في اليهودية ولم تبلغهم دعوة عيسى عليه
السلام لكونه أرسل إلى بني إسرائيل خاصة نعم الاشكال في اليهود الذين كانوا بحضرة النبي
صلى الله عليه وسلم وقد ثبت ان الآية الموافقة لهذا الحديث وهى قوله تعالى أولئك يؤتون
أجرهم مرتين نزلت في طائفة آمنوا منهم كعبد الله بن سلام وغيره ففي الطبراني من حديث رفاعة
القرظي قال نزلت هذه الآيات في وفيمن آمن معي وروى الطبري باسناد صحيح عن علي بن رفاعة
القرظي قال خرج عشرة من أهل الكتاب منهم أبو رفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به
فأوذوا فنزلت الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون الآيات فهؤلاء من بني إسرائيل ولم
يؤمنوا بعيسى بل استمروا على اليهودية إلى أن آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أنهم
يؤتون أجرهم مرتين قال الطيبى فيحتمل اجراء الحديث على عمومه إذ لا يبعد أن يكون طريان
الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم سببا لقبول تلك الأديان وإن كانت منسوخة انتهى وسأذكر
ما يؤيده بعد ويمكن ان يقال في حق هؤلاء الذين كانوا بالمدينة انه لم تبلغهم دعوة عيسى عليه
السلام لأنها لم تنتشر في أكثر البلاد فاستمروا على يهوديتهم مؤمنين بنبيهم موسى عليه السلام
إلى أن جاء الاسلام فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فبهذا يرتفع الاشكال إن شاء الله تعالى
* (فوائد) * الأولى وقع في شرح ابن التين وغيره ان الآية المذكورة نزلت في كعب الأحبار
وعبد الله بن سلام وهو صواب في عبد الله خطأ في كعب لان كعبا ليست له صحبة ولم يسلم الا في عهد
عمر بن الخطاب والذي في تفسير الطبري وغيره عن قتادة انها نزلت في عبد الله بن سلام وسلمان
الفارسي وهذا مستقيم لان عبد الله كان يهوديا فأسلم كما سيأتي في الهجرة وسلمان كان نصرانيا
فأسلم كما سيأتي في البيوع وهما صحابيان مشهوران الثانية قال القرطبي الكتابي الذي يضاعف
أجره مرتين هو الذي كان على الحق في شرعه عقدا وفعلا إلى أن آمن بنبينا صلى الله عليه وسلم
فيؤجر على اتباع الحق الأول والثاني انتهى ويشكل عليه ان النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى
171

هرقل أسلم يؤتك الله أجرك مرتين وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل وقد قدمت
بحث شيخ الاسلام في هذا في حديث أبي سفيان في بدء الوحي الثالثة قال أبو عبد الملك البوني
وغيره ان الحديث لا يتناول اليهود البتة وليس بمستقيم كما قررناه وقال الداودي ومن تبعه انه
يحتمل ان يتناول جميع الأمم فيما فعلوه من خير كما في حديث حكيم بن حزام الآتي أسلمت على
ما أسلفت من خير وهو متعقب لان الحديث مقيد باهل الكتاب فلا يتناول غيرهم الا بقياس الخير
على الايمان وأيضا فالنكتة في قوله آمن بنبيه الاشعار بعلية الاجر أي ان سبب الاجرين الايمان
بالنبيين والكفار ليسوا كذلك ويمكن ان يقال الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار ان
أهل الكتاب يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة
والإنجيل فمن آمن به واتبعه منهم كان له فضل على غيره وكذا من كذبه منهم كان وزره أشد من
وزر غيره وقد ورد مثل ذلك في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم لكون الوحي كان ينزل في بيوتهن
فان قيل فلم لم يذكرن في هذا الحديث فيكون العدد أربعة أجاب شيخنا شيخ الاسلام بان
قصيتهن خاصة بهن مقصورة عليهن والثلاثة المذكورة في الحديث مستمرة إلى يوم القيامة وهذا
مصير من شيخنا إلى أن قضية مؤمن أهل الكتاب مستمرة وقد ادعى الكرماني اختصاص ذلك بمن
آمن في عهد البعثة وعلل ذلك بان نبيهم بعد البعثة انما هو محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار عموم
بعثته انتهى وقضيته ان ذلك أيضا لا يتم لمن كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فان خصه بمن لم
تبلغه الدعوة فلا فرق في ذلك بين عهده وبعده فما قاله شيخنا أظهر والمراد بنسبتهم إلى غير نبينا
صلى الله عليه وسلم انما هو باعتبار ما كانوا عليه قبل ذلك وأما ما قوى به الكرماني دعواه بكون
السياق مختلفا حيث قيل في مؤمن أهل الكتاب رجل بالتنكير وفى العبد بالتعريف وحيث
زيدت فيه إذا الدالة على معنى الاستقبال فأشعر ذلك بأن الاجرين لمؤمن أهل الكتاب لا يقع في
الاستقبال بخلاف العبد انتهى وهو غير مستقيم لأنه مشى فيه مع ظاهر اللفظ وليس متفقا عليه
بين الرواة بل هو عند المصنف وغيره مختلف فقد عبر في ترجمة عيسى بإذا في الثلاثة وعبر في
النكاح بقوله أيما رجل في المواضع الثلاثة وهى صريحة في التعميم وأما الاختلاف بالتعريف
والتنكير فلا أثر له هنا لان المعرف بلام الجنس مؤداه مؤدى النكرة والله أعلم الرابعة حكم
المرأة الكتابية حكم الرجل كما هو مطرد في جل الاحكام حيث يدخلن مع الرجال بالتبعية الا
ما خصه الدليل وسيأتى مباحث العبد في العتق ومباحث الأمة في النكاح (قوله فله أجران) هو
تكرير لطول الكلام للاهتمام به (قوله ثم قال عامر) أي الشعبي أعطيناكها ظاهره انه خاطب
بذلك صالحا الراوي عنه ولهذا جزم الكرماني بقوله الخطاب لصالح وليس كذلك بل انما خاطب
بذلك رجلا من أهل خراسان سأله عمن يعتق أمته ثم يتزوجها كما سنذكر ذلك في ترجمة عيسى عليه
السلام من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى (قوله بغير شئ) أي من الأمور الدنيوية والا فالاجر
الأخروي حاصل له (قوله يركب فيما دونها) أي يرحل لأجل ما هو أهون منها كما عنده في الجهاد
والضمير عائد على المسئلة (قوله إلى المدينة) أي النبوية وكان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه
وسلم والخلفاء الراشدين ثم تفرق الصحابة في البلاد بعد فتوح الأمصار وسكنوها فاكتفى أهل
كل بلد بعلمائه الا من طلب التوسع في العلم فرحل وقد تقدم حديث جابر في ذلك ولهذا عبر
172

الشعبي مع كونه من كبار التابعين بقوله كان واستدلال ابن بطال وغيره من المالكية على
تخصيص العلم بالمدينة فيه نظر لما قررناه وانما قال الشعبي ذلك تحريضا للسامع ليكون ذلك
أدعى لحفظه وأجلب لحرصه والله المستعان وقد روى الدارمي بسند صحيح عن بسر بن عبيد الله
وهو بضم الموحدة وسكون المهملة قال إن كنت لأركب إلى المصر من الأمصار في الحديث
الواحد وعن أبي العالية قال كنا نسمع الحديث عن الصحابة فلا نرضى حتى نركب إليهم فنسمعه
منهم (قوله باب عظة الامام النساء) نبه بهذه الترجمة على أن ما سبق من الندب إلى تعليم الأهل
ليس مختصا بأهلهن بل ذلك مندوب للامام الأعظم ومن ينوب عنه واستفيد الوعظ بالتصريح
من قوله في الحديث فوعظهن وكانت الموعظة بقوله انى رأيتكن أكثر أهل النار لانكن تكثرن
اللعن وتكفرن العشير واستفيد التعليم من قوله وأمرهن بالصدقة كأنه أعلمهن ان في الصدقة
تكفيرا لخطاياهن (قوله عن أيوب) هو السختياني وعطاء هو ابن أبي رباح (قوله أو قال عطاء
اشهد) معناه ان الراوي تردد هل لفظ اشهد من قول ابن عباس أو من قول عطاء وقد رواه بالشك
أيضا حماد بن زيد عن أيوب أخرجه أبو نعيم في المستخرج وأخرجه أحمد بن حنبل عن غندر عن
شعبة جازما بلفظ اشهد عن كل منهما وانما عبر بلفظ الشهادة تأكيدا لتحققه ووثوقا بوقوعه
(قوله ومعه بلال) كذا للكشميهني وسقطت الواو للباقين (قوله القرط) هو بضم القاف
واسكان الراء بعدها طاء مهملة أي الحلقة التي تكون في شحمة الأذن وسيأتى مزيد في هذا المتن
في العيدين إن شاء الله تعالى (قوله وقال إسماعيل) هو المعروف بابن علية وأراد بهذا التعليق
انه جزم عن أيوب بان لفظ اشهد من كلام ابن عباس فقط وكذا جزم به أبو داود الطيالسي
في مسنده عن شعبة وكذا قال وهيب عن أيوب ذكره الإسماعيلي وأغرب الكرماني فقال
يحتمل ان يكون قوله وقال إسماعيل عطفا على حدثنا شعبة فيكون المراد به حدثنا سليمان بن حرب
عن إسماعيل فلا يكون تعليقا انتهى وهو مردود بأن سليمان بن حرب لا رواية له عن إسماعيل
أصلا لا لهذا الحديث ولا لغيره وقد أخرجه المصنف في كتاب الزكاة موصولا عن مؤمل بن
هشام عن إسماعيل كما سيأتي وقد قلنا غير مرة ان الاحتمالات العقلية لا مدخل لها في الأمور
النقلية ولو استرسل فيها مسترسل لقال يحتمل أن يكون إسماعيل هنا آخر غير ابن علية وان أيوب
آخر غير السختياني وهكذا في أكثر الرواة فيخرج بذلك إلى ما ليس بمرضى وفى هذا الحديث جواز
المعاطاة في الصدقة وصدقة المرأة من مالها بغير اذن زوجها وأن الصدقة تمحو كثيرا من الذنوب
التي تدخل النار (قوله باب الحرص على الحديث) المراد بالحديث في عرف الشرع ما يضاف إلى
النبي صلى الله عليه وسلم وكانه أريد به مقابلة القرآن لأنه قديم (قوله حدثنا عبد العزيز) هو
أبو القاسم الأويسي وسليمان هو ابن بلال وعمرو بن أبي عمرو هو مولى المطلب بن عبد الله بن
حنطب واسم أبى عمرو ميسرة والاسناد كله مدنيون (قوله إنه قال قيل يا رسول الله) كذا
لأبي ذر وكريمة وسقطت قيل للباقين وهو الصواب ولعلها كانت قلت فتصحفت فقد أخرجه
المصنف في الرقاق كذلك وللإسماعيلي انه سأل ولابى نعيم ان أبا هريرة قال يا رسول الله (قوله
أول منك) وقع في روايتنا برفع اللام ونصبها فالرفع على الصفة لاحد أو البدل منه والنصب على أنه
مفعول ثان لظننت قاله القاضي عياض وقال أبو البقاء على الحال ولا يضر كونه نكرة لأنها
173

في سياق النفي كقولهم ما كان أحد مثلك وما في قوله لما موصولة ومن بيانية أو تبعيضية وفيه
فضل أبي هريرة وفضل الحرص على تحصيل العلم (قوله من قال لا إله إلا الله) احتراز من الشرك
والمراد مع قوله محمد رسول الله لكن قد يكتفى بالجزء الأول من كلمتي الشهادة لأنه صار شعارا
لمجموعهما كما تقدم في الايمان (قوله خالصا) احتراز من المنافق ومعنى أفعل في قوله أسعد الفعل
لا انها أفعل التفضيل أي سعيد الناس كقوله تعالى وأحسن مقيلا ويحتمل أن يكون أفعل
التفضيل على بابها وان كل أحد يحصل له سعد بشفاعته لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها فإنه
صلى الله عليه وسلم يشفع في الخلق لأراحتهم من هول الموقف ويشفع في بعض الكفار بتخفيف
العذاب كما صح في حق أبى طالب ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار بعد أن دخلوها
وفى بعضهم بعدم دخولها بعد أن استوجبوا دخولها وفى بعضهم بدخول الجنة بغير حساب وفى
بعضهم برفع الدرجات فيها فظهر الاشتراك في السعادة بالشفاعة وأن أسعدهم بها المؤمن المخلص
والله أعلم (قوله من قلبه أو نفسه) شك من الراوي وللمصنف في الرقاق خالصا من قبل نفسه
وذكر ذلك على سبيل التأكيد كما في قوله تعالى فإنه آثم قلبه وفى الحديث دليل على اشتراط النطق
بكلمتي الشهادة لتعبيره بالقول في قوله من قال (قوله باب كيف يقبض العلم) أي كيفية قبض
العلم (قوله إلى أبى بكر بن حزم) هو ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري نسب إلى جد أبيه ولجده
عمرو صحبة ولأبيه محمد رؤية وأبو بكر تابعي فقيه استعمله عمر بن عبد العزيز على امرة المدينة
وقضائها ولهذا كتب إليه ولا يعرف له اسم سوى أبى بكر وقيل كنيته أبو عبد الملك واسمه أبو
بكر وقيل اسمه كنيته (قوله انظر ما كان) أي أجمع الذي تجد ووقع هنا للكشميهني عندك أي
في بلدك (قوله فاكتبه) يستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي وكانوا قبل ذلك يعتمدون
على الحفظ فلما خاف عمر بن عبد العزيز وكان على رأس المائة الأولى من ذهاب العلم بموت
العلماء رأى أن في تدوينه ضبطا له وابقاء وقد روى أبو نعيم في تاريخ أصبهان هذه القصة بلفظ
كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه (قوله
لا يقبل) هو بضم الياء التحتانية وسكون اللام وبسكونها وكسرها معا في وليفشوا وليجلسوا
(قوله حتى يعلم) هو بضم أوله وتشديد اللام وللكشميهني يعلم بفتح أوله وتخفيف اللام (قوله
يهلك) بفتح أوله وكسر اللام (قوله حدثنا العلاء) لم يقع وصل هذا التعليق عند الكشميهني
ولا كريمة ولا ابن عساكر إلى قوله ذهاب العلماء وهو محتمل لان يكون ما بعده ليس من كلام عمر
أو من كلامه ولم يدخل في هذه الرواية والأول أظهر وبه صرح أبو نعيم في المستخرج ولم أجده
في مواضع كثيرة الا كذلك وعلى هذا فبقيته من كلام المصنف أورده تلو كلام عمر ثم بين أن
ذلك غاية ما انتهى إليه كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى (قوله حدثني مالك) قال
الدارقطني لم يروه في الموطأ الا معن بن عيسى ورواه أصحاب مالك كابن وهب وغيره عن مالك
خارج الموطأ وأفاد ابن عبد البر ان سليمان بن يزيد رواه أيضا في الموطأ والله أعلم وقد اشتهر هذا
الحديث من رواية هشام بن عروة فوقع لنا من رواية أكثر من سبعين نفسا عنه من أهل الحرمين
والعراقين والشام وخراسان ومصر وغيرها ووافقه على روايته عن أبيه عروة أبو الأسود المدني
وحديثه في الصحيحين والزهري وحديثه في النسائي ويحيى بن أبي كثير وحديثه في صحيح
174

أبى عوانة ووافق أباه على روايته عن عبد الله بن عمرو عمر بن الحكم بن ثوبان وحديثه في مسلم
(قوله لا يقبض العلم انتزاعا) أي محوا من الصدور وكان تحديث النبي صلى الله عليه وسلم
بذلك في حجة الوداع كما رواه أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة قال لما كان في حجة الوداع
قال النبي صلى الله عليه وسلم خذوا العلم قبل أن يقبض أو يرفع فقال أعرابي كيف يرفع فقال
ألا ان ذهاب العلم ذهاب حملته ثلاث مرات قال ابن المنير محو العلم من الصدور جائز في القدرة
الا أن هذا الحديث دل على عدم وقوعه (قوله حتى إذا لم يبق عالم) هو بفتح الياء والقاف
وللاصيلى بضم أوله وكسر القاف وعالما منصوب أي لم يبق الله عالما وفى رواية مسلم حتى إذا لم
يترك عالما (قوله رؤسا) قال النووي ضبطناه بضم الهمزة والتنوين جمع رأس قلت وفى رواية
أبي ذر أيضا بفتح الهمزة وفى آخره همزة أخرى مفتوحة جمع رئيس (قوله بغير علم) وفى رواية أبى
الأسود في الاعتصام عند المصنف فيفتون برأيهم ورواها مسلم كالأولى (قوله وقال الفربري)
هذا من زيادات الراوي عن البخاري في بعض الأسانيد وهى قليلة (قوله نحوه) أي بمعنى حديث
مالك ولفظ رواية قتيبة هذه أخرجها مسلم عنه وفى هذا الحديث الحث على حفظ العلم والتحذير
من ترئيس الجهلة وفيه ان الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغير علم واستدل به
الجمهور على القول بخلو الزمان عن مجتهد ولله الامر يفعل ما يشاء وسيكون لنا في المسئلة عود
في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى (قوله باب هل يجعل) أي الامام وللاصيلى وكريمة يجعل
بضم أوله وعندهما يوم بالرفع لأجل ذلك (قوله على حدة) بكسر المهملة وفتح الدال المهملة
المخففة أي ناحية وحدهن والهاء عوض عن الواو المحذوفة كما قالوا في عدة من الوعد (قوله
حدثنا آدم) هو ابن أبي اياس (قوله قال النساء) كذا لأبي ذر وللباقين قالت النساء وكلاهما جائز
وغلبنا بفتح الموحدة والرجال بالضم لأنه فاعله (قوله فاجعل لنا) أي عين لنا وعبر عنه بالجعل لأنه
لازمه ومن ابتدائية متعلقة باجعل والمراد رد ذلك إلى اختياره (قوله فوعظهن) التقدير
فوفى بوعده فلقيهن فوعظهن ووقع في رواية سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بنحو هذه
القصة فقال موعدكن بيت فلانة فاتاهن فحدثهن (قوله وأمرهن) أي بالصدقة أو حذف
المأمور به لإرادة التعميم (قوله ما منكن امرأة) وللاصيلى ما من امرأة ومن زائدة لفظا وقوله
تقدم صفة لامرأة (قوله الا كان لها) أي التقديم (حجابا) وللاصيلى حجاب بالرفع وتعرب كان
تامة أي حصل لها حجاب وللمصنف في الجنائز الا كن لها أي الأنفس التي تقدم وله في الاعتصام
الا كانوا أي الأولاد (قوله فقالت امرأة) هي أم سليم وقيل غيرها كما سنوضحه في الجنائز
(قوله واثنين) ولكريمة واثنتين بزيادة تاء التأنيث وهو منصوب بالعطف على ثلاثة ويسمى
العطف التلقيني وكأنها فهمت الحصر وطمعت في الفضل فسألت عن حكم الاثنين هل يلتحق
بالثلاثة أولا وسيأتى في الجنائز الكلام في تقديم الواحد (قوله حدثني محمد بن بشار) أفاد بهذا
الاسناد فائدتين إحداهما تسمية ابن الأصبهاني المبهم في الرواية الأولى والثانية زيادة طريق أبي هريرة
التي زاد فيها التقييد بعدم بلوغ الحنث أي الاثم والمعنى انهم ماتوا قبل أن يبلغوا لان الاثم
انما يكتب بعد البلوغ وكأن السر فيه أنه لا ينسب إليهم إذ ذاك عقوق فيكون الحزن عليهم أشد
وفى الحديث ما كان عليه نساء الصحابة من الحرص على تعليم أمور الدين وفيه جواز الوعد وأن
175

أطفال المسلمين في الجنة وان من مات له ولدان حجباه من النار ولا اختصاص لذلك بالنساء كما
سيأتي التنصيص عليه في الجنائز * (تنبيه) * حديث أبي هريرة مرفوع والواو في قوله وقال
للعطف على محذوف تقديره مثله أي مثل حديث أبي سعيد والواو في قوله وعن عبد الرحمن
للعطف على قوله أولا عن عبد الرحمن والحاصل أن شعبة يرويه عن عبد الرحمن باسنادين
فهو موصول ووهم من زعم أنه معلق (قوله باب من سمع شيئا) زاد أبو ذر فلم يفهمه (قوله
فراجعه) أي راجع الذي سمعه منه وللاصيلى فراجع فيه (قوله إن عائشة) ظاهر أوله الارسال
لان ابن أبي مليكة تابعي لم يدرك مراجعة عائشة النبي صلى الله عليه وسلم لكن تبين وصله بعد في
قوله قالت عائشة فقلت (قوله كانت لا تسمع) أتى بالمضارع استحضارا للصورة الماضية لقوة
تحققها (قوله انما ذلك) بكسر الكاف (العرض) أي عرض الناس على الميزان (قوله نوقش)
بالقاف والمعجمة من المناقشة وأصلها الاستخراج ومنه نقش الشوكة إذا استخرجها والمراد هنا
المبالغة في الاستيفاء والمعنى أن تحرير الحساب يفضى إلى استحقاق العذاب لان حسنات العبد
موقوفة على القبول وان لم تقع الرحمة المقتضية للقبول لا يحصل النجا (قوله في آخره يهلك) بكسر
اللام واسكان الكاف وفى الحديث ما كان عند عائشة من الحرص على تفهم معاني الحديث
وان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتضجر من المراجعة في العلم وفيه جواز المناظرة ومقابلة السنة
بالكتاب وتفاوت الناس في الحساب وفيه أن السؤال عن مثل هذا لم يدخل فيما نهى الصحابة
عنه في قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء وفى حديث أنس كنا نهينا ان نسأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن شئ وقد وقع نحو ذلك لغير عائشة ففي حديث حفصة أنها لما سمعت لا يدخل النار أحد ممن
شهد بدرا والحديبية قالت أليس الله يقول وان منكم الا واردها فأجيبت بقوله ثم ننجي الذين
اتقوا الآية وسأل الصحابة لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أينا لم يظلم نفسه فأجيبوا
بان المراد بالظلم الشرك والجامع بين هذه المسائل الثلاث ظهور العموم في الحساب والورود
والظلم فأوضح لهم ان المراد في كل منها أمر خاص ولم يقع مثل هذا من الصحابة الا قليلا مع توجيه
السؤال وظهوره وذلك لكمال فهمهم ومعرفتهم باللسان العربي فيحمل ما ورد من ذم من سأل
عن المشكلات على من سال تعنتا كما قال تعالى فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه
ابتغاء الفتنة وفى حديث عائشة فإذا رأيتم الذين يسألون عن ذلك فهم الذين سمى الله فاحذروهم
ومن ثم أنكر عمر على ضبيع لما رآه أكثر من السؤال عن مثل ذلك وعاقبه وسيأتي ايضاح هذا
كله في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى وسيأتى باقيه في كتاب الرقاق وكذا الكلام على انتقاد
الدارقطني لإسناده إن شاء الله تعالى (قوله باب ليبلغ العلم) بالنصب والشاهد بالرفع والغائب
منصوب أيضا والمراد بالشاهد هنا الحاضر أي ليبلغ من حضر من غاب لأنه المفعول الأول والعلم
المفعول الثاني وان قدم في الذكر (قوله قاله ابن عباس) أي رواه وليس هو في شئ من طرق
حديث ابن عباس بهذه الصورة وانما هو في روايته ورواية غيره بحذف العلم وكانه أراد بالمعنى
لان المأمور بتبليغه هو العلم (قوله عن أبي شريح) هو الخزاعي الصحابي المشهور وعمرو بن
سعيد هو ابن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي الأموي يعرف بالأشدق وليست له
صحبة ولا كان من التابعين باحسان (قوله وهو يبعث البعوث) أي يرسل الجيوش إلى مكة
176

لقتال عبد الله بن الزبير لكونه امتنع من مبايعة يزيد بن معاوية واعتصم بالحرم وكان عمرو والى
يزيد على المدينة والقصة مشهورة وملخصها أن معاوية عهد بالخلافة بعده ليزيد بن معاوية فبايعه
الناس الا الحسين بن علي وابن الزبير فاما ابن أبي بكر فمات قبل موت معاوية وأما ابن عمر فبايع
ليزيد عقب موت أبيه وأما الحسين بن علي فسار إلى الكوفة لاستدعائهم إياه ليبايعوه فكان ذلك
سبب قتله وأما ابن الزبير فاعتصم ويسمى عائذ البيت وغلب على أمر مكة فكان يزيد بن
معاوية يأمر أمراءه على المدينة أن يجهزوا إليه الجيوش فكان آخر ذلك أن أهل المدينة
اجتمعوا على خلع يزيد من الخلافة (قول ائذن لي) فيه حسن التلطف في الانكار على أمراء
الجور ليكون أدعى لقبولهم (قوله أحدثك) بالجزم لأنه جواب الامر (قوله قام) صفة
للقول والمقول هو حمد الله إلى آخره (قوله الغد) بالنصب أي أنه خطب في اليوم الثاني من فتح
مكة (قوله سمعته أذناي إلى آخره) أراد انه بالغ في حفظه والتثبت فيه وانه لم يأخذه بواسطة
وأتى بالتثنية تأكيدا والضمير في قوله تكلم به عائد على قوله قولا (قوله ولم يحرمها الناس)
بالضم أي ان تحريمها كان بوحي من الله لامن اصطلاح الناس (قوله يسفك) بكسر الفاء وحكى
ضمها وهو صب الدم والمراد به القتل (قوله بها) وللمستملى فيها (قوله ولا يعضد) بكسر
الضاد المعجمة وفتح الدال أي يقطع بالمعضد وهو آلة كالفاس (قوله وانما أذن لي) أي الله روى
بضم الهمزة وفى قوله لي التفات لان نسق الكلام وانما أذن له أي لرسوله (قوله ساعة) أي
مقدارا من الزمان والمراد به يوم الفتح وفى مسند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده ان ذلك كان من طلوع الشمس إلى العصر والمأذون له فيه القتال لا قطع الشجر (قوله
ما قال عمرو) أي في جوابك (قوله لا تعيذ) بضم المثناة أوله وآخره ذال معجمة أي مكة لا تعصم
العاصي عن إقامة الحد عليه (قوله ولا فارا) بالفاء والراء المشددة أي هاربا عليه دم يعتصم بمكة
كيلا يقتص منه (قوله بخربة) بفتح المعجمة واسكان الراء ثم موحدة يعنى السرقة كذا ثبت
تفسيرها في رواية المستملى قال ابن بطال الخربة بالضم الفساد وبالفتح السرقة وقد تصرف عمرو
في الجواب وأتى بكلام ظاهره حق لكن أراد به الباطل فان الصحابي أنكر عليه نصب الحرب على
مكة فأجابه بأنها لا تمنع من إقامة القصاص وهو صحيح الا أن ابن الزبير لم يرتكب أمرا يجب عليه
فيه شئ من ذلك وسنذكر مباحث هذا الحديث في كتاب الحج وما للعلماء فيه من الاختلاف
في القتال في الحرم إن شاء الله تعالى وفى الحديث شرف مكة وتقديم الحمد والثناء على القول
المقصود واثبات خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم واستواء المسلمين معه في الحكم الا ما ثبت
تخصيصه ووقوع النسخ وفضل أبى شريح لاتباعه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ
عنه وغير ذلك (قوله حدثنا حماد) هو ابن زيد (قوله عن محمد) هو ابن سيرين (عن
ابن أبي بكرة) كذا للمستملى والكشميهني وسقط عن ابن أبي بكرة للباقين فصار منقطعا
لان محمدا لم يسمع من أبى بكرة وفى رواية عن محمد بن أبي بكرة وهى خطأ وكأن عن سقطت منها وقد
تقدم هذا الحديث في أوائل كتاب العلم من طريق أخرى عن محمد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن
أبيه وهو الصواب وسيأتى بهذا السند في تفسير سورة براءة باسقاطه عن بعضهم وسأنبه عليه
هناك إن شاء الله تعالى وفيه عن ابن أبي بكرة عند الجميع ويأتي في بدء الخلق (قوله ذكر النبي صلى
177

الله عليه وسلم) فيه اختصار وقد قدمنا توجيهه هناك وكأنه حدث بحديث ذكر فيه النبي صلى
الله عليه وسلم شيئا من كلامه ومن جملته قوله فان دماءكم إلى آخره (قوله قال محمد) هو ابن سيرين
(قوله أحسبه) كأنه شك في قوله واعراضكم أقالها ابن أبي بكرة أم لا وقد تقدم في أوائل العلم
الجزم بها وهى منصوبة بالعطف (قوله ألا هل بلغت) هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو
تكملة الحديث واعترض قوله وكان محمد إلى قوله ذلك في أثناء الحديث هذا هو المعتمد فلا
يلتفت إلى ما عداه والعلم عند الله تعالى (قوله باب اثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم)
ليس في الأحاديث التي في الباب تصريح بالاثم وانما هو مستفاد من الوعيد بالنار على ذلك
لأنه لازمه (قوله منصور) هو ابن المعتمر الكوفي وهو تابعي صغير وربعى بكسر أوله واسكان
الموحدة وأبوه حراش بكسر المهملة أوله وهو من كبار التابعين (قوله سمعت عليا) هو ابن أبي
طالب رضي الله عنه (قوله لا تكذبوا على) هو عام في كل كاذب مطلق في كل نوع من الكذب
ومعناه لا تنسبوا الكذب إلى ولا مفهوم لقوله على لأنه لا يتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق
الكذب وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا نحن لم نكذب
عليه بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته وما دروا أن تقويله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل يقتضى
الكذب على الله تعالى لأنه اثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الايجاب أو الندب
وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه ولا يعتد بمن خالف ذلك من الكرامية حيث جوزوا وضع
الكذب في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة واحتج بأنه كذب له لا عليه وهو
جهل باللغة العربية وتمسك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبت وهى
ما أخرجه البزار من حديث ابن مسعود بلفظ من كذب على ليضل به الناس الحديث وقد
اختلف في وصله وارساله ورجح الدارقطني والحاكم ارساله وأخرجه الدارمي من حديث يعلى بن
مرة بسند ضعيف وعلى تقدير ثبوته فليست اللام فيه للعلة بل للصيرورة كما فسر قوله تعالى فمن
أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس والمعنى ان مآل أمره إلى الاضلال أو هو من تخصيص
بعض افراد العموم بالذكر فلا مفهوم له كقوله تعالى لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ولا تقتلوا
أولادكم من املاق فان قتل الأولاد ومضاعفة الربا والاضلال في هذه الآيات انما هو لتأكيد
الامر فيها لا اختصاص الحكم (قوله فليلج النار) جعل الامر بالولوج مسببا عن الكذب لان
لازم الامر الالزام والالزام بولوج النار سببه الكذب عليه أو هو بلفظ الامر ومعناه الخبر
ويؤيده رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ من يكذب على يلج النار ولابن ماجة من
طريق شريك عن منصور قال الكذب على يولج أي يدخل النار (قوله حدثنا أبو الوليد) هو
الطيالسي و (جامع بن شداد) كوفي تابعي صغير وفى الاسناد لطيفتان إحداهما أنه من رواية
تابعي عن تابعي يرويه صحابي عن صحابي ثانيهما انه من رواية الأبناء عن الاباء بخصوص رواية
الأب عن الجد وقد أفردت بالتصنيف (قوله قلت للزبير) أي ابن العوام (قوله تحدث)
حذف مفعولها ليشمل (قوله كما يحدث فلان وفلان) سمى منهما في رواية ابن ماجة عبد الله بن
مسعود (قوله أما) بالميم المخففة وهى من حروف التنبيه وانى بكسر الهمزة ولم أفارقه أي لم
أفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد الإسماعيلي منذ أسلمت والمراد في الأغلب والا فقد هاجر
178

الزبير إلى الحبشة وكذا لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حال هجرته إلى المدينة وانما أورد هذا
الكلام على سبيل التوجيه للسؤال لان لازم الملازمة السماع ولازمه إعادة التحديث لكن
منعه من ذلك ما خشيه من معنى الحديث الذي ذكره ولهذا أتى بقوله لكن وقد أخرجه الزبير
ابن بكار في كتاب النسب من وجه آخر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال عناني
ذلك يعنى قلة رواية الزبير فسألته أي عن ذلك فقال يا بنى كان بيني وبينه من القرابة والرحم
ما علمت وعمته أمي وزوجته خديجة عمتي وأمه آمنة بنت وهب وجدتي هالة بنت وهيب ابني
عبد مناف بن زهرة وعندي أمك وأختها عائشة عنده ولكني سمعته يقول (قوله من كذب على)
كذا رواه البخاري ليس فيه متعمدا وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة
وكذا في رواية الزبير بن بكار المذكورة وأخرجه ابن ماجة من طريقه وزاد فيه متعمدا
وكذا للإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة والاختلاف فيه على شعبة وقد أخرجه الدارمي من
طريق أخرى عن عبد الله بن الزبير بلفظ من حدث عنى كذبا ولم يذكر العمد وفى تمسك الزبير
بهذا الحديث على ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليل للأصح في أن الكذب هو
الاخبار بالشئ على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدا أم خطأ والمخطئ وإن كان غير مأثوم
بالاجماع لكن الزبير خشى من الاكثار ان يقع في الخطا وهو لا يشعر لأنه وان لم يأثم بالخطا
لكن قد يأثم بالاكثار إذ الاكثار مظنة الخطا والثقة إذا حدث بالخطا فحمل عنه وهو لا يشعر
أنه خطأ يعمل به على الدوام للوثوق بنقله فيكون سببا للعمل بما لم يقله الشارع فمن خشى من
الاكثار الوقوع في الخطا لا يؤمن عليه الاثم إذا تعمد الاكثار فمن ثم توقف الزبير وغيره من
الصحابة عن الكثار من التحديث وأما من أكثر منهم فمحمول على أنهم كانوا واثقين من أنفسهم
بالتثبت أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان رضي الله عنهم (قوله
فليتبوأ) أي فليتخذ لنفسه منزلا يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنا وهو أمر بمعنى
الخبر أيضا أو بمعنى التهديد أو بمعنى التهكم أو دعاء على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك وقال الكرماني
يحتمل أن يكون الامر على حقيقته والمعنى من كذب فليأمر نفسه بالتبوء ويلزم عليه
كذا قال وأولها أولاه فقد رواه أحمد باسناد صحيح عن ابن عمر بلفظ بنى له بيت في النار قال
الطيبى فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه أي كما أنه قصد في الكذب التعمد فليقصد
بجزائه التبوء (قوله حدثنا أبو معمر) هو البصري المقعد وعبد الوارث هو ابن سعيد وعبد العزيز
هو ابن صهيب والاسناد كله بصريون (قوله حديثا) المراد به جنس الحديث ولهذا وصفه
بالكثرة (قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم) هو وما بعده في محل الرفع لأنه فاعل يمنعني وانما
خشى أنس مما خشى منه الزبير ولهذا صرح بلفظ الاكثار لأنه يظنه ومن حام حول الحمى
لا يأمن وقوعه فيه فكان التقليل منهم للاحتراز ومع ذلك فأنس من المكثرين لأنه تأخرت
وفاته فاحتيج إليه كما قدمناه ولم يمكنه الكتمان ويجمع بأنه لو حدث بجميع ما عنده لكان أضعاف
ما حدث به ووقع في رواية عتاب بمهملة ومثناة فوقانية مولى هرمز سمعت أنسا يقول لولا أنى
اخشى ان اخطئ لحدثتك بأشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث أخرجه أحمد باسناد
فأشار إلى أنه لا يحدث الا ما تحققه ويترك ما يشك فيه وحمله بعضهم على أنه كان يحافظ على الرواية
179

باللفظ فأشار إلى ذلك بقوله لولا أن أخطئ وفيه نظر والمعروف عن أنس جواز الرواية بالمعنى كما
أخرجه الخطيب عنه صريحا وقد وجد في رواياته ذلك كالحديث في البسملة وفى قصة تكثير الماء
عند الوضوء وفى قصة تكثير الطعام (قوله كذبا) هو نكرة في سياق الشرط فيعم جميع
أنواع الكذب (قوله حدثنا المكي) هو اسم وليس بنسب كما تقدم وهو من كبار شيوخ البخاري
سمع من سبعة عشر نفسا من التابعين منهم يزيد بن أبي عبيد المذكور هنا وهو مولى سلمة بن
الأكوع صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث أول ثلاثي وقع في البخاري وليس فيه
أعلى من الثلاثيات وقد أفردت فبلغت أكثر من عشرين حديثا (قوله من يقل) أصله يقول
وانما جزم بالشرط (قوله ما لم أقل) أي شيئا لم أقله فحذف العائد وهو جائز وذكر القول لأنه الأكثر
وحكم الفعل كذلك لاشتراكهما في علة الامتناع وقد دخل الفعل في عموم حديث الزبير وأنس
السابقين لتعبيرهما بلفظ الكذب عليه ومثلهما حديث أبي هريرة الذي ذكره بعد حديث سلمة
فلا فرق في ذلك بين أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وفعل كذا إذا لم يكن قاله أو
فعله وقد تمسك بظاهر هذا اللفظ من منع الرواية بالمعنى وأجاب المجيزون عنه بأن المراد النهى عن
الاتيان بلفظ يوجب تغير الحكم مع (3) الاتيان باللفظ لا شك في أولويته والله أعلم (قوله حدثنا
موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي (قوله عن أبي حصين) وهو بمهملتين مفتوح الأول وأبو صالح
هو ذكوان السمان وقد ذكر المؤلف هذا الحديث بتمامه في كتاب الأدب من هذا الوجه ويأتي
الكلام عليه فيه إن شاء الله تعالى وقد اقتصر مسلم في روايته له على الجملة الأخيرة وهى مقصود
الباب وانما ساقه المؤلف بتمامه ولم يختصره كعادته لينبه على أن الكذب على النبي صلى الله عليه
وسلم يستوى فيه اليقظة والمنام والله سبحانه وتعالى أعلم فان قيل الكذب معصية الا ما استثنى
في الاصلاح وغيره والمعاصي قد توعد عليها بالنار فما الذي امتاز به الكاذب على رسول الله صلى
الله عليه وسلم من الوعيد على من كذب على غيره فالجواب عنه من وجهين أحدهما أن الكذب
عليه يكفر متعمده عند بعض أهل العلم وهو الشيخ أبو محمد الجويني لكن ضعفه ابنه امام الحرمين
ومن بعده ومال ابن المنير إلى اختياره ووجهه بأن الكاذب عليه في تحليل حرام مثلا لا ينفك عن
استحلال ذلك الحرام أو الحمل على استحلاله واستحلال الحرام كفر والحمل على الكفر كفر وفيما
قاله نظر لا يخفى والجمهور على أنه لا يكفر الا إذا اعتقد حل ذلك الجواب الثاني أن الكذب عليه
كبيرة والكذب على غيره صغيرة فافترقا ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه أو
كذب على غيره أن يكون مقرهما واحدا أو طول إقامتهما سواء فقد دل قوله صلى الله عليه
وسلم فليتبوأ على طول الإقامة فيها بل ظاهره أنه لا يخرج منها لأنه لم يجعل له منزلا غيره الا ان
الأدلة القطعية قامت على أن خلود التأبيد مختص بالكافرين وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم
بين الكذب عليه وبين الكذب على غيره كما سيأتي في الجنائز في حديث المغيرة حيث يقول إن كذبا
على ليس ككذب على أحد وسنذكر مباحثه هناك إن شاء الله تعالى ونذكر فيه الاختلاف
في توبة من تعمد الكذب عليه هل تقبل أو لا * (تنبيه) * رتب المصنف أحاديث الباب ترتيبا
حسنا لأنه بدأ بحديث على وفيه مقصود الباب وثنى بحديث الزبير الدال على توقى الصحابة
وتحرزهم من الكذب عليه وثلث بحديث أنس الدال على أن امتناعهم انما كان من الاكثار
180

المفضى إلى الخطا لا عن أصل التحديث لانهم مأمورون بالتبليغ وختم بحديث أبي هريرة
الذي فيه الإشارة إلى استواء تحريم الكذب عليه سواء كانت دعوى السماع منه في اليقظة أو
في المنام وقد أخرج البخاري حديث من كذب على أيضا من حديث المغيرة وهو في الجنائز ومن
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وهو في أخبار بني إسرائيل ومن حديث واثلة بن الأسقع
وهو في مناقب قريش لكن ليس هو بلفظ الوعيد بالنار صريحا واتفق مسلم معه على تخريج
حديث على وأنس وأبي هريرة والمغيرة وأخرجه مسلم من حديث أبي سعيد أيضا وصح أيضا في غير
الصحيحين من حديث عثمان بن عفان وابن مسعود وابن عمرو وأبى قتادة وجابر وزيد بن أرقم وورد
بأسانيد حسان من حديث طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وأبى عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي
وقاص ومعاذ بن جبل وعقبة بن عامر وعمران بن حصين وابن عباس وسلمان الفارسي ومعاوية بن أبي
سفيان ورافع بن خديج وطارق الأشجعي والسائب بن يزيد وخالد بن عرفطة وأبى امامة وأبى
قرصافة وأبى موسى الغافقي وعائشة فهؤلاء ثلاثون نفسا من الصحابة وورد أيضا عن نحو من
خمسين غيرهم بأسانيد ضعيفة وعن نحو من عشرين آخرين بأسانيد ساقطة وقد اعتنى جماعة من
الحفاظ بجمع طرقه فأول من وقفت على كلامه في ذلك علي بن المديني وتبعه يعقوب بن شيبة
فقال روى هذا الحديث من عشرين وجها عن الصحابة من الحجازيين وغيرهم ثم إبراهيم الحربي
وأبو بكر البزار فقال كل منهما انه ورد من حديث أربعين من الصحابة وجمع طرقه في ذلك العصر
وأبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد فزاد قليلا وقال أبو بكر الصيرفي شارح رسالة الشافعي رواه ستون
نفسا من الصحابة وجمع طرقه الطبراني فزاد قليلا وقال أبو القسم بن منده رواه أكثر من ثمانين
نفسا وقد خرجها بعض النيسابوريين فزادت قليلا وقد جمع طرقه ابن الجوزي في مقدمة كتاب
الموضوعات فجاوز التسعين وبذلك جزم ابن دحية وقال أبو موسى المديني يرويه نحو مائة من
الصحابة وقد جمعها بعده الحافظان يوسف بن خليل وأبو علي البكري وهما متعاصران فوقع
لكل منهما ما ليس عند الآخر وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مائة من الصحابة على ما فصلته
من صحيح وحسن وضعيف وساقط مع أن فيها ما هو في مطلق ذم الكذب عليه من غير تقييد بهذا
الوعيد الخاص ونقل النووي انه جاء عن مائتين من الصحابة ولأجل كثرة طرقه أطلق عليه جماعة
انه متواتر ونازع بعض مشايخنا في ذلك قال لان شرط التواتر استواء طرفيه وما بينهما في
الكثرة وليست موجوده في كل طريق منها بمفردها وأجيب بأن المراد باطلاق كونه متواترا
رواية المجموع عن المجموع من ابتدائه إلى انتهائه في كل عصر وهذا كاف في إفادة العلم وأيضا
فطريق أنس وحدها قد رواها عنه العدد الكثير وتواترت عنهم نعم وحديث على رواه عنه ستة
من مشاهير التابعين وثقاتهم وكذا حديث ابن مسعود وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو فلو قيل في كل
منها انه متواتر عن صحابته لكان صحيحا فان العدد المعين لا يشترط في المتواتر بل ما أفاد العلم
كفى والصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه كما قررته في نكت علوم الحديث
وفى شرح نخبة الفكر وبينت هناك الرد على من ادعى أن مثال المتواتر لا يوجد الا في هذا
الحديث وبينت أن أمثلته كثيرة منها حديث من بنى الله مسجدا والمسح على الخفين ورفع
اليدين والشفاعة والحوض ورؤية الله في الآخرة والأئمة من قريش وغير ذلك والله المستعان
181

وأما ما نقله البيهقي عن الحاكم ووافقه انه جاء من رواية العشرة المشهورة قال وليس في الدنيا
حديث أجمع العشرة على روايته غيره فقد تعقبه غير واحد لكن الطرق عنهم موجودة فيما
جمعه ابن الجوزي ومن بعده والثابت منها ما قدمت ذكره فمن الصحاح على والزبير ومن الحسان
طلحة وسعد وسعيد وأبو عبيدة ومن الضعيف المتماسك طريق عثمان وبقيتها ضعيف وساقط
(قوله باب كتابة العلم) طريقة البخاري في الاحكام التي يقع فيها الاختلاف ان لا يجزم فيها بشئ
بل يوردها على الاحتمال وهذه الترجمة من ذلك لان السلف اختلفوا في ذلك عملا وتركا وإن كان
الامر استقر والاجماع انعقد على جواز كتابة العلم بل على استحبابه بل لا يبعد وجوبه على
من خشى النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم (قوله حدثنا ابن سلام) كذا للأصيلي واسمه
محمد وقد صرح به أبو داود وغيره (قوله عن سفيان) هو الثوري لان وكيعا مشهور بالرواية عنه
وقال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف يقال إنه ابن عيينة (قلت) لو كان ابن عيينة لنسبه لان
القاعدة في كل من روى عن متفقي الاسم أن يحمل من أهمل نسبته على من يكون له به خصوصية
من اكثار ونحوه كما قدمناه قبل هذا وهكذا نقول هنا لان وكيعا قليل الرواية عن ابن عيينة
بخلاف الثوري (قوله عن مطرف) هو بفتح الطاء المهملة وكسر الراء ابن طريف بطاء مهملة
أيضا (قوله عن الشعبي) وللمصنف في الديات سمعت الشعبي (قوله عن أبي جحيفة) هو وهب
السوائي وقد صرح بذلك الإسماعيلي في روايته وللمصنف في الديات سمعت أبا جحيفة والاسناد
كله كوفيون الا شيخ البخاري وقد دخل الكوفة وهو من رواية صحابي عن صحابي (قوله قلت
لعلى) هو ابن أبي طالب رضي الله عنه (قوله هل عندكم) الخطاب لعلى والجمع اما لإرادته مع
بقية أهل البيت أو للتعظيم (قوله كتاب) أي مكتوب أخذتموه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم مما أوحى إليه ويدل على ذلك رواية المصنف في الجهاد هل عندكم شئ من الوحي الا ما في
كتاب الله وله في الديات هل عندكم شئ مما ليس في القرآن وفى مسند إسحاق بن راهويه عن جرير
عن مطرف هل علمت شيئا من الوحي وانما سأله أبو جحيفة عن ذلك لان جماعة من الشيعة كانوا
يزعمون أن عند أهل البيت لا سيما عليا أشياء من الوحي خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بها لم
يطلع غيرهم عليها وقد سأل عليا عن هذه المسئلة أيضا قيس بن عبادة وهو بضم المهملة وتخفيف
الموحدة والأشتر النخعي وحديثهما في مسند النسائي (قوله قال لا) زاد المصنف في الجهاد
لا والذي قلق الحبة وبرأ النسمة (قوله الا كتاب الله) هو بالرفع وقال ابن المنير فيه دليل على أنه
كان عنده أشياء مكتوبة من الفقه المستنبط من كتاب الله وهى المراد بقوله أو فهم أعطيه
رجل لأنه ذكره بالرفع فلو كان الاستثناء من غير الجنس لكان منصوبا كذا قال والظاهر أن
الاستثناء فيه منقطع والمراد بذكر الفهم اثبات امكان الزيادة على ما في الكتاب وقد رواه
المصنف في الديات بلفظ ما عندنا الا ما في القرآن الا فهما يعطى رجل في الكتاب فالاستثناء
الأول مفرغ والثاني منقطع معناه لكن ان أعطى الله رجلا فهما في كتابه فهو يقدر على
الاستنباط فتحصل عنده الزيادة بذلك الاعتبار وقد روى أحمد باسناد حسن من طريق طارق
ابن شهاب قال شهدت عليا على المنبر وهو يقول والله ما عندنا كتاب نقرؤه عليكم الا كتاب الله
وهذه الصحيفة وهو يؤيد ما قلناه انه لم يرد بالفهم شيئا مكتوبا (قوله الصحيفة) أي الورقة المكتوبة
182

وللنسائي من طريق الأشتر فاخرج كتابا من قراب سيفه (قوله العقل) أي الدية وانما سميت به
لانهم كانوا يعطون فيها الإبل ويربطونها بفناء دار المقتول بالعقال وهو الحبل ووقع في رواية
ابن ماجة بدل العقل الديات والمراد أحكامها ومقاديرها وأصنافها (قوله وفكاك) بكسر
الفاء وفتحها وقال الفراء الفتح أفصح والمعنى ان فيها حكم تخليص الأسير من يد العدو
والترغيب في ذلك (قوله ولا يقتل) بضم اللام وللكشميهني وأن لا يقتل بفتح اللام وعطفت
الجملة على المفرد لان التقدير فيها أي الصحيفة حكم العقل وحكم تحريم قتل المسلم بالكافر
وسيأتى الكلام على مسئلة قتل المسلم بالكافر في كتاب القصاص والديات إن شاء الله تعالى ووقع
للمصنف ومسلم من طريق يزيد التيمي عن علي قال ما عندنا شئ نقرؤه الا كتاب الله وهذه الصحيفة
فإذا فيها المدينة حرم الحديث ولمسلم عن أبي الطفيل عن علي ما خصنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم بشئ لم يعم به الناس كافة الا ما في قراب سيفي هذا وأخرج صحيفة مكتوبة فيها لعن الله من ذبح
لغير الله الحديث وللنسائي من طريق الأشتر وغيره عن علي فإذا فيها المؤمنون تتكافأ دماؤهم
يسعى بذمتهم أدناهم الحديث ولأحمد من طريق طارق بن شهاب فيها فرائض الصدقة والجمع بين
هذه الأحاديث ان الصحيفة كانت واحدة وكان جميع ذلك مكتوبا فيها فنقل كل واحد من
الرواة عنه ما حفظه والله أعلم وقد بين ذلك قتادة في روايته لهذا الحديث عن أبي حسان عن علي
وبين أيضا السبب في سؤالهم لعلى رضي الله عنه عن ذلك أخرجه احمد والبيهقي في الدلائل
من طريق أبى حسان ان عليا كان يأمر بالامر فيقال قد فعلناه فيقول صدق الله ورسوله فقال
له الأشتر هذا الذي تقول أهو شئ عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون الناس
فذكره بطوله (قوله حدثنا شيبان) هو ابن عبد الرحمن يكنى أبا معاوية وهو بفتح الشين المعجمة
بعدها تحتانية ثم موحدة وليس في البخاري بهذه الصورة غيره (قوله عن يحيى) هو ابن أبي كثير (قوله عن أبي سلمة) في رواية المصنف في الديات حدثنا أبو سلمة حدثنا أبو هريرة (قوله إن
خزاعة) أي القبيلة المشهورة والمراد واحد منهم فاطلق عليه اسم القبيلة مجازا واسم هذا
القائل خراش بن أمية الخزاعي والمقتول في الجاهلية منهم اسمه أحمر والمقتول في الاسلام من
بنى ليث لم يسم (قوله حبس) أي منع عن مكة (القتل) أي بالقاف والمثناة من فوق (أو الفيل)
أي بالفاء المكسورة بعدها ياء تحتانية (قوله كذا قال أبو نعيم) أراد البخاري ان الشك فيه
من شيخه (قوله وغيره يقول الفيل) أي بالفاء ولا يشك والمراد بالغير من رواه عن شيبان
رفيقا لأبي نعيم وهو عبيد الله بن موسى ومن رواه عن يحيى رفيقا لشيبان وهو حرب بن شداد
كما سيأتي بيانه عند المصنف في الديات والمراد بحبس الفيل أهل الفيل وأشار بذلك إلى القصة
المشهورة للحبشة في غزوهم مكة ومعهم الفيل فمنعها الله منهم وسلط عليهم الطير الأبابيل مع
كون أهل مكة إذ ذاك كانوا كفارا فحرمة أهلها بعد الاسلام آكد لكن غزو النبي صلى الله
عليه وسلم إياها مخصوص به على ظاهر هذا الحديث وغيره وسيأتى الكلام على المسئلة في كتاب
الحج مفصلا إن شاء الله تعالى (قوله وسلط عليهم) هو بضم أوله ورسول مرفوع والمؤمنون
معطوف عليه (قوله ولا تحل) للكشمهيني ولم تحل وللمصنف في اللقطة من طريق الأوزاعي
عن يحيى ولن وهى أليق بالمستقبل (قوله لا يختلى) بالخاء المعجمة أي لا يحصد يقال اختليته
183

إذا قطعته وذكر الشوك دال على منع قطع غيره من باب أولى وسيأتى ذكر الخلاف فيه في الحج
إن شاء الله تعالى (قوله الا لمنشد) أي معرف وسيأتى الكلام على هذه المسئلة في كتاب اللقطة
إن شاء الله تعالى (قوله فمن قتل فهو بخير النظرين) كذا وقع هنا وفيه حذف وقع بيانه
في رواية المصنف في الديات عن أبي نعيم بهذا الاسناد فمن قتل له قتيل (قوله واما أن يقاد) هو
بالقاف أي يقتص ووقع في رواية لمسلم اما أن يفادى بالفاء وزيادة ياء بعد الدال والصواب ان
الرواية على وجهين من قالها بالقاف قال فيما قبلها اما ان يعقل من العقل وهو الدية ومن قالها
بالفاء قال فيما قبلها اما ان يقتل بالقاف والمثناة والحاصل تفسير النظرين بالقصاص أو الدية
وفى المسئلة بحث يأتي في الديات إن شاء الله تعالى (قوله فجاء رجل من أهل اليمن) هو أبو شاه بهاء
منونة وسيأتى في اللقطة مسمى والإشارة إلى من حرفه وهناك من الزيادة عن الوليد بن مسلم
قلت للأوزاعي ما قوله اكتبوا إلى قال هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه
وسلم (قلت) وبهذا تظهر مطابقة هذا الحديث للترجمة (قوله فقال رجل من قريش) هو العباس
ابن عبد المطلب كما يأتي في اللقطة ووقع في رواية لابن أبي شيبة فقال رجل من قريش يقال له شاه
وهو غلط (قوله الا الإذخر) كذا هو في روايتنا بالنصب ويجوز رفعه على البدل مما قبله (قوله
الا الإذخر الا الإذخر) كذا هو في روايتنا والثانية على سبيل التأكيد (قوله حدثنا عمرو) هو
ابن دينار المكي (قوله عن أخيه) هو همام بن منبه بتشديد الموحدة المكسورة وكان أكبر منه
سنا لكن تأخرت وفاته عن وهب وفى الاسناد ثلاثة من التابعين من طبقة متقاربة أولهم عمرو
(قوله فإنه كان يكتب ولا أكتب) هذا استدلال من أبي هريرة على ما ذكره من أكثرية ما عند
عبد الله بن عمرو أي ابن العاص على ما عنده ويستفاد من ذلك ان أبا هريرة كان جازما بأنه ليس
في الصحابة أكثر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم منه الا عبد الله مع أن الموجود المروى عن
عبد الله بن عمرو أقل من الموجود المروى عن أبي هريرة باضعاف مضاعفة فان قلنا الاستثناء
منقطع فلا اشكال إذ التقدير لكن الذي كان من عبد الله وهو الكتابة لم يكن منى سواء لزم منه
كونه أكثر حديثا لما تقتضيه العادة أم لا وان قلنا الاستثناء متصل فالسبب فيه من جهات
أحدها ان عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم فقلت الرواية عنه ثانيها انه
كان أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم
كالرحلة إلى المدينة وكان أبو هريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات ويظهر هذا من
كثرة من حمل عن أبي هريرة فقد ذكر البخاري انه روى عنه ثمنمائة نفس من التابعين ولم
يقع هذا لغيره ثالثها ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له بان لا ينسى
ما يحدثه به كما سنذكره قريبا رابعها أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل
الكتاب فكان ينظر فيها ويحدث منها فتجنب الاخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين والله أعلم
* (تنبيه) * قوله ولا أكتب قد يعارضه ما أخرجه ابن وهب من طريق الحسن بن عمرو بن
أمية قال تحدث عند أبي هريرة بحديث فأخذ بيدي إلى بيته فأرانا كتبا من حديث النبي صلى
الله عليه وسلم وقال هذا هو مكتوب عندي قال ابن عبد البر حديث همام أصح ويمكن الجمع
بأنه لم يكن يكتب في العهد النبوي ثم كتب بعده (قلت) وأقوى من ذلك أنه لا يلزم من وجود
184

الحديث مكتوبا عنده ان يكون بخطه وقد ثبت انه لم يكن يكتب فتعين ان المكتوب عنده بغير
خطه (قوله تابعه معمر) أي ابن راشد يعنى تابع وهب بن منبه في روايته لهذا الحديث عن
همام والمتابعة المذكورة أخرجها عبد الرزاق عن معمر وأخرجها أبو بكر بن علي المروزي في
كتاب العلم له عن حجاج بن الشاعر عنه وروى أحمد والبيهقي في المدخل من طريق عمرو بن شعيب
عن مجاهد والمغيرة بن حكيم قالا سمعنا أبا هريرة يقول ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى
الله عليه وسلم منى الا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب بيده ويعي بقلبه وكنت أعي ولا
أكتب استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب عنه فأذن له اسناده حسن وله طريق
أخرى أخرجها العقيلي في ترجمة عبد الرحمن بن سلمان عن عقيل عن المغيرة بن حكيم سمع أبا
هريرة قال ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منى الا عبد الله بن عمرو فإنه كان
يكتب استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يكتب بيده ما سمع منه فأذن له الحديث وعند
أحمد وأبى داود من طريق يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو كنت أكتب كل شئ سمعته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهتني قريش الحديث وفيه اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج
منه الا الحق ولهذا طرق أخرى عن عبد الله بن عمرو يقوى بعضها بعضا ولا يلزم منه أن يكونا في
الوعي سواء لما قدمناه من اختصاص أبي هريرة بالدعاء بعدم النسيان ويحتمل أن يقال تحمل
أكثرية عبد الله بن عمرو على ما فاز به عبد الله من الكتابة قبل الدعاء لأبي هريرة لأنه قال في حديثه
فما نسيت شيئا بعد فجاز أن يدخل عليه النسيان فيما سمعه قبل الدعاء بخلاف عبد الله فان الذي
سمعه مضبوط بالكتابة والذي انتشر عن أبي هريرة مع ذلك اضعاف ما انتشر عن عبد الله بن عمرو
لتصدي أبي هريرة لذلك ومقامه بالمدينة النبوية بخلاف عبد الله بن عمرو في الامرين ويستفاد
منه ومن حديث على المتقدم ومن قصة أبى شاه أن النبي صلى الله عليه وسلم اذن في كتابة الحديث
عنه وهو يعارض حديث أبي سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تكتبوا
عنى شيا غير القرآن رواه مسلم والجمع بينهما أن النهى خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه
بغيره والاذن في غير ذلك أو ان النهى خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شئ واحد والاذن في
تفريقها أو النهى متقدم والاذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس وهو أقربها مع أنه لا ينافيها
وقيل النهى خاص بمن خشى منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ والاذن لمن أمن منه ذلك
ومنهم من أعل حديث أبي سعيد وقال الصواب وقفه على أبي سعيد قاله البخاري وغيره قال
العلماء كره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث واستحبوا ان يؤخذ عنهم حفظا كما أخذوا
حفظا لكن لما قصرت الهمم وخشي الأئمة ضياع العلم دونوه وأول من دون الحديث ابن شهاب
الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز ثم كثر التدوين ثم التصنيف وحصل بذلك خير
كثير فلله الحمد (قوله أخبرني يونس) هو ابن يزيد (قوله عن عبيد الله بن عبد الله) أي ابن عتبة
ابن مسعود (قوله لما اشتد) أي قوى (قوله وجعه) أي في مرض موته كما سيأتي وللمصنف
في المغازي وللإسمعيلي لما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة وللمصنف من حديث
سعيد بن جبير أن ذلك كان يوم الخميس وهو قبل موته صلى الله عليه وسلم بأربعة أيام (قوله بكتاب)
أي بأدوات الكتاب ففيه مجاز الحذف وقد صرح بذلك في رواية لمسلم قال ائتوني بالكتف والدواة
185

والمراد بالكتف عظم الكتف لانهم كانوا يكتبون فيها (قوله اكتب) هو باسكان الباء جواب
الامر ويجوز الرفع على الاستئناف وفيه مجاز أيضا أي آمر بالكتابة ويحتمل ان يكون على
ظاهره كما سيأتي البحث في المسئلة في كتاب الصلح إن شاء الله تعالى وفى مسند أحمد من حديث
على أنه المأمور بذلك ولفظه أمرني النبي صلى الله عليه وسلم ان آتيه بطبق أي كتف يكتب ما لا
تضل أمته من بعده (قوله كتابا) بعد قوله بكتاب فيه الجناس التام بين الكلمتين وإن كانت
إحداهما بالحقيقة والاخرى بالمجاز (قوله لا تضلوا) هو نفى وحذفت النون في الروايات التي
اتصلت لنا لأنه بدل من جواب الامر وتعدد جواب الامر من غير حرف العطف جائز (قوله
غلبه الوجع) أي فيشق عليه املاء الكتاب أو مباشرة الكتابة وكأن عمر رضي الله عنه فهم من
ذلك أنه يقتضى التطويل قال القرطبي وغيره ائتوني أمر وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال
لكن ظهر لعمر رضي الله عنه مع طائفة انه ليس على الوجوب وانه من باب الارشاد إلى الأصلح
فكرهوا ان يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى ما فرطنا في
الكتاب من شئ وقوله تعالى تبيانا لكل شئ ولهذا قال عمر حسبنا كتاب الله وظهر لطائفة أخرى
ان الأولى ان يكتب لما فيه من امتثال أمره وما تتضمنه من زيادة الايضاح ودل أمره لهم
بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار ولهذا عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أياما ولم
يعاود أمرهم بذلك ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف وقد
كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالامر فإذا عزم امتثلوا وسيأتى بسط ذلك في
كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى وقد عد هذا من موافقة عمر رضي الله عنه واختلف في المراد
بالكتاب فقيل كان أراد أن يكتب كتابا ينص فيه على الاحكام ليرتفع الاختلاف وقيل بل أراد أن
ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف قاله سفيان بن عيينة ويؤيده انه صلى
الله عليه وسلم قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة ادعى لي أباك وأخاك حتى اكتب كتابا فانى
أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر أخرجه مسلم وللمصنف معناه
وقع ذلك فلم يكتب والأول أظهر لقول عمر كتاب الله حسبنا أي كافينا مع أنه يشمل الوجه الثاني
لأنه بعض افراده والله أعلم (فائدة) قال الخطابي انما ذهب عمر إلى أنه لو نص بما يزيل الخلاف
لبطلت فضيلة العلماء وعدم الاجتهاد وتعقبه ابن الجوزي بأنه لو نص على شئ أو أشياء لم يبطل
الاجتهاد لان الحوادث لا يمكن حصرها قال وانما خاف عمر أن يكون ما يكتبه في حالة غلبة
المرض فيجد بذلك المنافقون سبيلا إلى الطعن في ذلك المكتوب وسيأتى ما يؤيده في أواخر
المغازي (قوله ولا ينبغي عندي التنازع) فيه اشعار بان الأولى كان المبادرة إلى امتثال الامر
وإن كان ما اختاره عمر صوابا إذ لم يتدارك ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بعد كما قدمناه قال
القرطبي واختلافهم في ذلك كاختلافهم في قوله لهم لا يصلين أحد العصر الا في بني قريظة
فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا وتمسك آخرون بظاهر الامر فلم يصلوا فما عنف أحدا منهم من
أجل الاجتهاد المسوغ والمقصد الصالح والله أعلم (قوله فخرج ابن عباس يقول) ظاهره ان ابن
عباس كان معهم وانه في تلك الحالة خرج قائلا هذه المقالة وليس الامر في الواقع على
ما يقتضيه هذا الظاهر بل قول ابن عباس المذكور انما كان يقوله عندما يحدث بهذا الحديث
186

ففي رواية معمر عند المصنف في الاعتصام وغيره قال عبيد الله فكان ابن عباس يقول وكذا
لأحمد من طريق جرير بن حازم عن يونس بن يزيد وجزم ابن تيمية في الرد على الرافضي بما قلته
وكل من الأحاديث يأتي بسط القول فيه في مكانه اللائق به الا حديث عبد الله بن عمرو فهو عمدة
الباب ووجه رواية حديث الباب ان ابن عباس لما حدث عبيد الله بهذا الحديث خرج من
المكان الذي كان به وهو يقول ذلك ويدل عليه رواية أبى نعيم في المستخرج قال عبيد الله
فسمعت ابن عباس يقول إلى آخره وانما تعين حمله على غير ظاهره لان عبيد الله تابعي من الطبقة
الثانية لم يدرك القصة في وقتها لأنه ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة ثم سمعها من ابن
عباس بعد ذلك بمدة أخرى والله أعلم (قوله الرزيئة) هي بفتح الراء وكسر الزاي بعدها ياء ثم همزة
وقد تسهل الهمزة وتشدد الياء ومعناها المصيبة وزاد في رواية معمر لاختلافهم ولغطهم أي ان
الاختلاف كان سببا لترك كتابة الكتاب وفى الحديث دليل على جواز كتابة العلم وعلى ان
الاختلاف قد يكون سببا في حرمان الخير كما وقع في قصة الرجلين اللذين تخاصما فرفع تعيين
ليلة القدر بسبب ذلك وفيه وقوع الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فيما لم ينزل عليه
فيه وسنذكر بقية ما يتعلق به في أواخر السيرة النبوية من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى
* (تنبيه) * قدم حديث على أنه كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم بطرقه احتمال أن يكون
انما كتب ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغه النهى وثنى بحديث أبي هريرة وفيه الامر
بالكتابة وهو بعد النهى فيكون ناسخا وثلث بحديث عبد الله بن عمرو وقد بينت ان في بعض
طرقه اذن النبي صلى الله عليه وسلم له في ذلك فهو أقوى في الاستدلال للجواز من الامر أن
يكتبوا لأبي شاه لاحتمال اختصاص ذلك بمن يكون أميا أو أعمى وختم بحديث ابن عباس الدال
على أنه صلى الله عليه وسلم هم ان يكتب لامته كتابا يحصل معه الامن من الاختلاف وهو لا يهم
الا بحق (قوله باب العلم) أي تعليم العلم بالليل والعظة تقدم انها الوعظ وأراد المصنف التنبيه على أن
النهى عن الحديث بعد العشاء مخصوص بما لا يكون في الخير (قوله صدقة) هو ابن
الفضل المروزي (قوله عن هند) هي بنت الحرث الفراسية بكسر الفاء والسين المهملة وفى
رواية الكشمهيني بدلها عن امرأة (قوله وعمرو) كذا في روايتنا بالرفع ويجوز الكسر والمعنى
ان ابن عيينة حدثهم عن معمر ثم قال وعمرو هو ابن دينار فعلى رواية الكسر يكون معطوفا
على معمر وعلى رواية الرفع يكون استئنافا كان ابن عيينة حدث بحذف صيغة الأداء وقد جرت
عادته بذلك وقد روى الحميدي هذا الحديث في مسنده عن ابن عيينة قال حدثنا معمر عن
الزهري قال وحدثنا عمرو ويحيى بن سعيد عن الزهري فصرح بالتحديث عن الثلاثة (قوله
ويحيى بن سعيد) هو الأنصاري وأخطأ من قال إنه هو القطان لأنه لم يسمع من الزهري ولا لقيه
ووقع في غير رواية أبي ذر عن امرأة بدل قوله عن هند في الاسناد الثاني والحاصل ان الزهري
كان ربما أبهمها وربما سماها وقد رواه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن
الزهري ولم يذكر هندا ولا أم سلمة (قوله سبحان الله ماذا) ما استفهامية متضمنة لمعنى التعجب
والتعظيم وعبر عن الرحمة بالخزائن كقوله تعالى خزائن رحمة ربك وعن العذاب بالفتن لأنها أسبابه
قاله الكرماني ويحتمل أن تكون ما نكرة موصوفة (قوله أنزل) بضم الهمزة وللكشميهني أنزل
187

الله باظهار الفاعل والمراد بالانزال اعلام الملائكة بالامر المقدور أو ان النبي صلى الله عليه وسلم
أوحى إليه في نومه ذاك بما سيقع بعده من الفتن فعبر عنه بالانزال (قوله وماذا فتح من الخزائن)
قال الداودي الثاني هو الأول والشئ قد يعطف على نفسه تأكيدا لان ما يفتح من الخزائن يكون
سببا للفتنة وكانه فهم ان المراد بالخزائن خزائن فارس والروم وغيرهما مما فتح على الصحابة لكن
المغايرة بين الخزائن والفتن أوضح لأنهما غير متلازمتين وكم من نائل من تلك الخزائن سالم من الفتن
(قوله صواحب الحجر) بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجرة وهى منازل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
وانما خصهن بالايقاظ لأنهن الحاضرات حينئذ أو من باب ابدأ بنفسك ثم بمن تعول (قول فرب
كاسية) استدل به ابن مالك على أن رب في الغالب للتكثير لان هذا الوصف للنساء وهن أكثر
أهل النار انتهى وهذا يدل لورودها في التنكير لا لأكثريتها فيه (قوله عارية) بتخفيف الياء
وهى مجرورة في أكثر الروايات على النعت قال السهيلي انه الأحسن عند سيبويه لان رب عنده
حرف جر يلزم صدر الكلام قال ويجوز الرفع على اضمار مبتدأ والجملة في موضع النعت أي
هي عارية والفعل الذي تتعلق به رب محذوف انتهى وأشار صلى الله عليه وسلم بذلك إلى موجب
استيقاظ أزواجه أي ينبغي لهن أن لا يتغافلن عن العبادة ويعتمدن على كونهن أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم وفى الحديث جواز قول سبحان الله عند التعجب وندبية ذكر الله بعد
الاستيقاظ وايقاظ الرجل أهله صارت للعبادة لا سيما عند آية تحدث وسيأتى بقية الكلام على
هذا الحديث في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وفى هذا الاسناد رواية الاقران في موضعين أحدهما
ابن عيينة عن معمر والثاني عمرو ويحيى عن الزهري وفيه رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن
بعض في نسق وهند قد قيل إنها صحابية فان صح فهو من رواية تابعي عن مثله عن صحابية عن
مثلها وأم سلمة هي أم المؤمنين وكانت تلك الليلة ليلتها وفى الحديث استحباب الاسراع إلى
الصلاة عند خشية الشر كما قال تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزنه
أمر فزع إلى الصلاة وأمر من رأى في منامه ما يكره أن يصلى وسيأتى ذلك في مواضعه وفيه التسبيح
عند رؤية الأشياء المهولة وفيه تحذير العالم من يأخذ عنه من كل شئ يتوقع حصوله والارشاد
إلى ما يدفع ذلك المحذور والله أعلم (قوله باب السمر) * هو بفتح المهملة والميم وقيل الصواب
اسكان الميم لأنه اسم للفعل ومعناه الحديث بالليل قبل النوم وبهذا يظهر الفرق بين هذه الترجمة
والتي قبلها (قوله في العلم) كذا في رواية أبي ذر بإضافة الباب إلى السمر وفى رواية غيره باب
السمر في العلم بتنوين باب (قوله حدثني الليث قال حدثني عبد الرحمن) أي انه حدثه
عبد الرحمن وفى رواية غير أبي ذر حدثني عبد الرحمن والليث وعبد الرحمن قرينان (قوله
عن سالم) أي ابن عبد الله بن عمر (قوله أبى حثمة) بفتح المهملة وسكون المثلثة واسم أبى حثمة
عبد الله بن حذيفة العدوي واما أبو بكر الراوي فتابعي مشهور لم يسم وقد قيل إن اسمه
كنيته (قوله صلى لنا) أي إماما وفى رواية بنا بموحدة (قوله العشاء) أي صلاة العشاء
(قوله في آخر حياته) جاء مقيدا في رواية جابر أن ذلك كان قبل موته صلى الله عليه وسلم
بشهر (قوله أرأيتكم) هو بفتح المثناة لأنها ضمير المخاطب والكاف ضمير ثان لا محل لها
من الاعراب والهمزة الأولى للاستفهام والرؤية بمعنى العلم أو البصر والمعنى أعلمتم أو أبصرتم
188

ليلتكم وهى منصوبة على المفعولية والجواب محذوف تقديره قالوا نعم قال فاضبطوها وترد
أرأيتكم للاستخبار كما في قوله تعالى قل أرايتكم ان اتاكم عذاب الله الآية قال الزمخشري
المعنى أخبروني ومتعلق الاستخبار محذوف تقديره من تدعون ثم بكتهم فقال أغير الله تدعون
انتهى وانما أوردت هذا لان بعض الناس نقل كلام الزمخشري في الآية إلى هذا الحديث وفيه
نظر لأنه جعل التقدير أخبروني ليلتكم هذه فاحفظوها وليس ذلك مطابقا لسياق الآية
(قوله فان رأس) وللاصيلى فان على رأس أي عند انتهاء مائة سنة (قوله منها) فيه دليل على
أن من تكون لابتداء الغاية في الزمان كقول الكوفيين وقد رد ذلك نحاة البصرة وأولوا ما ود
من شواهده كقوله تعالى من أول يوم أحق أن تقوم فيه وقول أنس ما زلت أحب الدباء من
يومئذ وقوله مطرنا من يوم الجمعة إلى الجمعة (قوله لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض) أي الآن
موجود أحد إذ ذاك وقد ثبت هذا التقدير عند المصنف من رواية شعيب عن الزهري كما سيأتي
في الصلاة مع بقية الكلام عليه قال ابن بطال انما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذه
المدة تخترم الجيل الذي هم فيه فوعظهم بقصر أعمارهم وأعلمهم ان أعمارهم ليست كاعمار من
تقدم من الأمم ليجتهدوا في العبادة وقال النووي المراد ان كل من كان تلك الليلة على الأرض
لا يعيش بعد هذه الليلة أكثر من مائة سنة سواء قل عمره قبل ذلك أم لا وليس فيه نفى حياة أحد
يولد بعد تلك الليلة مائة سنة والله أعلم (قوله حدثنا الحكم) بفتحتين هو ابن عتيبة بالمثناة تصغير
عتبة وهو تابعي صغير وكان أحد الفقهاء (قوله ثم جاء) أي من المسجد (قوله نام الغليم) بضم
المعجمة وهو من تصغير الشفقة والمراد به ابن عباس ويحتمل أن يكون ذلك اخبارا منه صلى الله
عليه وسلم بنومه أو استفهاما بحذف الهمزة وهو الواقع ووقع في بعض النسخ يا أم الغليم بالنداء
وهو تصحيف لم تثبت به رواية (قوله أو كلمة) بالشك من الراوي والمراد بالكلمة الجملة أو المفردة ففي
رواية أخرى نام الغلام (قوله غطيطه) بفتح الغين المعجمة وهو صوت نفس النائم والنخير أقوى
منه (قوله أو خطيطه) بالخاء المعجمة والشك فيه من الراوي وهو بمعنى الأول قاله الداودي وقال
ابن بطال لم أجده بالخاء المعجمة عند أهل اللغة وتبعه القاضي عياض فقال هو هنا وهم انتهى وقد
نقل ابن الأثير عن أهل الغريب انه دون الغطيط (قوله ثم صلى ركعتين) أي ركعتي الفجر
واغرب الكرماني فقال انما فصل بينهما وبين الخمس ولم يقل سبع ركعات لان الخمس اقتدى ابن
عباس به فيها بخلاف الركعتين أو لان الخمس بسلام والركعتين بسلام آخر انتهى وكانه ظن أن
الركعتين من جملة صلاة الليل وهو محتمل لكن حملهما على سنة الفجر أولى ليحصل الختم بالوتر
وسيأتى تفصيل هذه المسئلة في كتاب الصلاة في باب الوتر إن شاء الله تعالى ومناسبة حديث ابن عمر
للترجمة ظاهرة لقوله فيه قام فقال بعد قوله صلى العشاء وأما حديث ابن عباس فقال ابن المنير
ومن تبعه يحتمل أن يريد أن أصل السمر يثبت بهذه الكلمة وهى قوله نام الغليم ويحتمل أن يريد
ارتقاب ابن عباس لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ولا فرق بين التعليم من القول والتعليم من
الفعل فقد سمر ابن عباس ليلته في طلب العلم زاد الكرماني أو ما يفهم من جعله إياه على يمينه كأنه
قال قف عن يميني فقال وقفت اه‍ وكل ما ذكره معترض لان من يتكلم بكلمة واحدة لا يسمى
سامرا وصنيع ابن عباس يسمى سهرا لا سمرا إذ السمر لا يكون الا عن تحدث قاله الإسماعيلي
189

وبعدها الأخير لان ما يقع بعد الانتباه من النوم لا يسمى سمرا وقال الكرماني تبعا لغيره أيضا
يحتمل أن يكون مراد البخاري أن الأقارب إذا اجتمعوا لا بد أن يجرى بينهم حديث للمؤانسة
وحديثه صلى الله عليه وسلم كله علم وفوائد (قلت) والأولى من هذا كله ان مناسبة الترجمة
مستفادة من لفظ آخر في هذا الحديث بعينه من طريق أخرى وهذا يصنعه المصنف كثيرا يريد
به تنبيه الناظر في كتابه على الاعتناء بتتبع طرق الحديث والنظر في مواقع ألفاظ الرواة لان
تفسير الحديث بالحديث أولى من الخوض فيه بالظن وانما أراد البخاري هنا ما وقع في بعض طرق
هذا الحديث مما يدل صريحا على حقيقة السمر بعد العشاء وهو ما أخرجه في التفسير وغيره من
طريق كريب عن ابن عباس قال بت في بيت ميمونة فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله
ساعة ثم رقد الحديث فصحت الترجمة بحمد الله تعالى من غير حاجة إلى تعسف ولا رجم بالظن فان
قيل هذا انما يدل على السمر مع الأهل لا في العلم فالجواب أنه يلحق به والجامع تحصيل الفائدة أو
هو بدليل الفحوى لأنه إذا شرع في المباح ففي المستحب من طريق الأولى وسنذكر باقي مباحث هذا
الحديث حيث ذكره المصنف مطولا في كتاب الوتر من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى ويدخل في
هذا الباب حديث أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم بعد العشاء وقد ذكره المصنف في كتاب
الصلاة ولأنس حديث آخر في قصة أسيد بن حضير وقد ذكره المصنف في المناقب وحديث عمر كان
النبي صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الامر من أمور المسلمين أخرجه الترمذي والنسائي
ورجاله ثقات وهو صريح في المقصود الا أن في اسناده اختلافا على علقمة فلذلك لم يصح على
شرطه وحديث عبد الله بن عمرو كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى
يصبح لا يقوم الا إلى عظيم صلاة رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة وهو من رواية أبى حسان عن
عبد الله بن عمر وليس على شرط البخاري وأما حديث لا سمر الا لمصل أو مسافر فهو عند أحمد بسند
فيه راو مجهول وعلى تقدير ثبوته فالسمر في العلم يلحق بالسمر في الصلاة نافلة وقد سمر عمر مع أبي
موسى في مذاكرة الفقه فقال أبو موسى الصلاة فقال عمر أنا في صلاة والله أعلم
(قوله باب حفظ العلم) لم يذكر في الباب شيا عن غير أبي هريرة وذلك لأنه كان أحفظ الصحابة
للحديث قال الشافعي رضي الله عنه أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في عصره وقد كان ابن عمر
يترحم عليه في جنازته ويقول كان يحفظ على المسلمين حديث النبي صلى الله عليه وسلم رواه ابن
سعد وقد دل الحديث الثالث من الباب على أنه لم يحدث بجميع محفوظه ومع ذلك فالموجود
من حديثه أكثر من الموجود من حديث غيره من المكثرين ولا يعارض هذا ما تقدم من تقديمه
عبد الله بن عمرو على نفسه في كثرة الحديث لأنا قدمنا الجواب عن ذلك ولان الحديث الثاني من
الباب دل على أنه لم ينس شيئا سمعه ولم يثبت مثل ذلك لغيره (قوله حدثنا عبد العزيز) هو الأويسي
المدني والاسناد كله مدنيون (قوله أكثر أبو هريرة) أي من الحديث عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كما صرح به المصنف في البيوع من طريق شعيب عن الزهري وله فيه وفى المزارعة من
طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري هنا زيادة وهى ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون
مثل أحاديثه وبها تبين الحكمة في ذكره المهاجرين والأنصار ووضعه المظهر موضع المضمر على
190

طريق الحكاية حيث قال أكثر أبو هريرة ولم يقل أكثرت (قوله ولولا آيتان) مقول قال لا مقول
يقولون وقوله ثم يتلو مقول الأعرج وذكره بلفظ المضارع استحضارا لصورة التلاوة ومعناه
لولا أن الله ذم الكاتمين للعلم ما حدث أصلا لكن لما كان الكتمان حراما وجب الاظهار فلهذا
حصلت الكثرة لكثرة ما عنده ثم ذكر سبب الكثرة بقوله ان اخواننا وأراد بصيغة الجمع نفسه
وأمثاله والمراد بالاخوة اخوة الاسلام (قوله يشغلهم) بفتح أوله من الثلاثي وحكى ضمه وهو شاذ
(قوله الصفق) باسكان الفاء هو ضرب اليد على اليد وجرت به عادتهم عند عقد البيع (قوله في
أموالهم) أي القيام على مصالح زرعهم ولمسلم كان يشغلهم عمل أرضيهم ولابن سعد كان يشغلهم
القيام على أرضيهم (قوله وان أبا هريرة) فيه التفات إذ كان نسق الكلام أن يقول وأنى (قوله
لشبع) بلام التعليل للأكثر وهو الثابت في غير البخاري أيضا وللاصيلى بشبع بموحدة أوله وزاد
المصنف في البيوع وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة (قوله ويحضر) أي من الأحوال
(ويحفظ) أي من الأقوال وهما معطوفان على قوله يلزم وقد روى البخاري في التاريخ والحاكم في
المستدرك من حديث طلحة بن عبيد الله شاهدا لحديث أبي هريرة هذا ولفظه لا أشك أنه سمع من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا نسمع وذلك أنه كان مسكينا لا شئ له ضيفا لرسول الله صلى الله
عليه وسلم وأخرج البخاري في التاريخ والبيهقي في المدخل من حديث محمد بن عمارة بن حزم انه
قعد في مجلس فيه مشيخة من الصحابة بضعة عشر رجلا فجعل أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالحديث فلا يعرفه بعضهم فيراجعون فيه حتى يعرفوه ثم يحدثهم بالحديث
كذلك حتى فعل مرارا فعرفت يومئذ ان أبا هريرة أحفظ الناس وأخرج أحمد والترمذي عن
ابن عمر أنه قال لأبي هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرفنا بحديثه قال
الترمذي حسن واختلف في اسناد هذا الحديث على الزهري فرواه مالك عنه كذا ووافقه
إبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة ورواه شعيب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة بن
عبد الرحمن كلاهما عن أبي هريرة وتابعه يونس بن يزيد والاسنادان جميعا محفوظا صححهما
الشيخان وزادوا في روايتهم عن الزهري شيئا سنذكره في هذا الحديث الثاني (قوله حدثنا أحمد بن أبي
بكر) هو الزهري المدني صاحب مالك وسقط قوله أبو مصعب من رواية الأصيلي وأبي ذر وهو
تكنيته انتهى والاسناد كله مدنيون أيضا وكذا الذي بعده (قوله كثيرا) هو صفة لقوله حديثا
لأنه اسم جنس (قوله فغرف) لم يذكر المغروف منه وكأنها كانت إشارة محضة (قوله ضم)
وللكشمهيني والباقين ضمه وهو بفتح الميم ويجوز ضمها وقيل يتعين لأجل ضمه الهاء ويجوز
كسرها لكن مع اسكان الهاء وكسرها (قوله فما نسيت شيئا بعد) هو مقطوع الإضافة مبنى
على الضم وتنكير شيئا بعد النفي ظاهر العموم في عدم النسيان منه لكل شئ من الحديث وغيره
ووقع في رواية ابن عيينة وغيره عن الزهري في الحديث الماضي فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئا
سمعته منه وفى رواية يونس عند مسلم فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به وهذا يقتضى
تخصيص عدم النسيان بالحديث ووقع في رواية شعيب فما نسيت من مقالته تلك من شئ وهذا
يقتضى عدم النسيان بتلك المقالة فقط لكن سياق الكلام يقتضى ترجيح رواية يونس ومن
وافقه لان أبا هريرة نبه به على كثرة محفوظه من الحديث فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها
191

ويحتمل أن تكون وقعت له قضيتان فالتي رواها الزهري مختصة بتلك المقالة والقضية التي رواها
سعيد المقبري عامة واما ما أخرجه ابن وهب من طريق الحسن بن عمرو بن أمية قال تحدث عند أبي هريرة
بحديث فأنكره فقلت انى سمعت منك فقال إن كنت سمعته منى فهو مكتوب عندي فقد
يتمسك به في تخصيص عدم النسيان بتلك المقالة لكن سند هذا ضعيف وعلى تقرير ثبوته فهو نادر
ويلتحق به حديث أبي سلمة عنه لا عدوى فإنه قال فيه ان أبا هريرة أنكره قال فما رأيته نسى شيئا
غيره * (فائدة) * المقالة المشار إليها في حديث الزهري أبهمت في جميع طرقه وقد وجدتها مصرحا
بها في جامع الترمذي وفى الحلية لأبي نعيم من طريق أخرى عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين أو ثلاثا أو أربعا أو خمسا مما فرض الله فيتعلمهن ويعلمهن
الا دخل الجنة فذكر الحديث وفى هذين الحديثين فضيلة ظاهرة لأبي هريرة ومعجزة واضحة من
علامات النبوة لان النسيان من لوازم الانسان وقد اعترف أبو هريرة بأنه كان يكثر منه ثم تخلف
عنه ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وفى المستدرك للحاكم من حديث زيد بن ثابت قال كنت أنا وأبو
هريرة وآخر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادعوا فدعوت أنا وصاحبي وأمن النبي صلى الله
عليه وسلم ثم دعا أبو هريرة فقال اللهم إني أسألك مثل ما سألك صاحباي وأسألك علما لا ينسى فأمن
النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا ونحن كذلك يا رسول الله فقال سبقكما الغلام الدوسي وفيه
الحث على حفظ العلم وفيه ان التقلل من الدنيا أمكن لحفظه وفيه فضيلة التكسب لمن له عيال
وفيه جواز اخبار المرء بما فيه من فضيلة إذا اضطر إلى ذلك وأمن من الاعجاب (قوله ابن أبي فديك
بهذا) أشكل قوله بهذا على بعض الشارحين لان ابن أبي فديك لم يتقدم له ذكر وقد ظن بعضهم
انه محمد بن إبراهيم بن دينار المذكور قبل فيكون مراده ان السياقين متحدان الا في اللفظة المبينة
فيه وليس كما ظن لان ابن أبي فديك اسمه محمد بن إسماعيل بن مسلم وهو ليثي يكنى أبا إسماعيل وابن
دينار جهني يكنى أبا عبد الله لكن اشتركا في الرواية عن أبي ذئب لهذا الحديث ولغيره وفى
كونهما مدنيين وجوز بعضهم ان يكون الحديث عند المصنف باسناد آخر عن ابن أبي ذئب وكل
ذلك غفلة عما عند المصنف في علامات النبوة فقد ساقه بالاسناد المذكور والمتن من غير تغيير الا في
قوله بيديه فإنه ذكرها بالافراد وقال فيها أيضا فغرف وهى رواية الأكثرين في حديث الباب ووقع
في رواية المستملى وحده يحذف بدل فغرف وهو تصحيف لما وضح من سياقه في علامات النبوة وقد
رواه ابن سعد في الطبقات عن ابن أبي فديك فقال فغرف (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس
(حدثني أخي) هو أبو بكر عبد الحميد (قوله حفظت عن) وفى رواية الكشميهني من بدل عن وهى
أصرح في تلقيه من النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة (قوله وعاءين) أي ظرفين أطلق المحل
وأراد به الحال أي نوعين من العلم وبهذا التقرير يندفع ايراد من زعم أن هذا يعارض قوله في
الحديث الماضي كنت لا أكتب وانما مراده ان محفوظه من الحديث لو كتب لملأ وعاءين ويحتمل
ان يكون أبو هريرة أملى حديثه على من يثق به فكتبه له وتركه عنده والأول أولى ووقع في المسند
عنه حفظت ثلاثة أجوبة بثثت منها جرابين وليس هذا مخالفا لحديث الباب لأنه يحمل على أن
أحد الوعاءين كان أكبر من الآخر بحيث يجئ ما في الكبير في جرابين وما في الصغير في واحد ووقع في
المحدث الفاضل للرامهرمزي من طريق منقطعة عن أبي هريرة خمسة أجربة وهو ان ثبت محمول
192

على نحو ما تقدم وعرف من هذا ان ما نشره من الحديث أكثر مما لم ينشره (قوله بثثته) بفتح
الموحدة والمثلثة وبعدها مثلثة ساكنة تدغم في المثناة التي بعدها أي أذعته ونشرته زاد
الإسماعيلي في الناس (قوله قطع هذا البلعوم) زاد في رواية المستملى قال أبو عبد الله يعنى المصنف
البلعوم مجرى الطعام وهو بضم الموحدة وكنى بذلك عن القتل وفى رواية الإسماعيلي لقطع هذا
يعنى رأسه وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء
وأحوالهم وزمنهم وقد كان أبو هريرة يكنى عن بعضه ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم
كقوله أعوذ بالله من رأس الستين وامارة الصبيان يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية لأنها
كانت سنة ستين من الهجرة واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة وستأتي الإشارة
إلى شئ من ذلك أيضا في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى قال ابن المنير جعل الباطنية هذا الحديث
ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا ان للشريعة ظاهرا وباطنا وذلك الباطل انما حاصله
الانحلال من الدين قال وانما أراد أبو هريرة بقوله قطع أي قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا
عيبه لفعلهم وتضليله لسعيهم ويؤيد ذلك ان الأحاديث المكتوبة لو كانت من الأحكام الشرعية
ما وسعه كتمانها لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم وقال
غيره يحتمل ان يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة وتغير الأحوال
والملاحم في آخر الزمان فينكر ذلك من لم يألفه ويعترض عليه من لا شعور له به (قوله باب
الانصات للعلماء) أي السكوت والاستماع لما يقولونه (قوله حدثنا حجاج) هو ابن منهال (قوله
عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي وهو جد أبى زرعة الراوي عنه هنا (قوله قال له في حجة
الوداع) ادعى بعضهم ان لفظ له زيادة لان جرير انما أسلم بعد حجة الوداع بنحو من شهرين فقد
جزم ابن عبد البر بأنه أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما وما جزم به يعارضه
قول البغوي وابن حيان انه أسلم في رمضان سنة عشر ووقع في رواية المصنف لهذا الحديث
في باب حجة الوداع ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لجرير وهذا لا يحتمل التأويل فيقوى
ما قال البغوي والله أعلم (قوله يضرب) هو بضم الباء في الروايات والمعنى لا تفعلوا فعل
الكفار فتشبهوهم في حالة قتل بعضهم بعضا وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الفتن إن شاء الله
تعالى قال ابن بطال فيه ان الانصات للعلماء لازم للمتعلمين لان العلماء ورثة الأنبياء كأنه أراد بهذا
مناسبة الترجمة للحديث وذلك أن العقبة المذكورة كانت في حجة الوداع والجمع كثير جدا وكان
اجتماعهم لرمى الجمار وغير ذلك من أمور الحج وقد قال لهم خذوا عنى مناسككم كما ثبت في صحيح
مسلم فلما خطبهم ليعلمهم ناسب ان يأمرهم بالانصات وقد وقع التفريق بين الانصات والاستماع في
قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ومعناهما مختلف فالانصات هو السكوت وهو
يحصل ممن يستمع وممن لا يستمع كأن يكون مفكرا في أمر آخر وكذلك الاستماع قد يكون مع
السكوت وقد يكون مع النطق بكلام آخر لا يشتغل الناطق به عن فهم ما يقول الذي يستمع منه وقد
قال سفيان الثوري وغيره أول العلم الاستماع ثم الانصات ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر وعن
الأصمعي تقديم الانصات على الاستماع وقد ذكر علي بن المديني أنه قال لابن عيينة أخبرني معتمر بن
سليمان عن كهمس عن مطرف قال الانصات من العينين فقال له ابن عيينة وما ندري كيف ذلك
193

قال لا إذا حدثت رجلا فلم ينظر إليك لم يكن منصتا انتهى وهذا محمول على الغالب والله أعلم
(قوله باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم) أي من غيره والفاء في قوله فيكل تفسيرية بناء
على أن فعل المضارع بتقدير المصدر أي ما يستحب عند السؤال هو الوكول وفى رواية ان يكل
وهو أوضح (قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو الجعفي المسندي وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو
ابن دينار ونوف بفتح النون وبالفاء والبكالي بفتح الموحدة وكسرها وتخفيف الكاف ووهم من
شددها منسوب إلى بكال بطن من حمير ووهم من قال إنه منسوب إلى بكيل بكسر الكاف بطن من
همذان لأنهما متغايران ونوف المذكور تابعي من أهل دمشق فاضل عالم لا سيما بالإسرائيليات
وكان ابن امرأة كعب الأحبار وقيل غير ذلك (قوله إن موسى) أي صاحب الخضر وصرح به
المصنف في التفسير (قوله انما هو موسى آخر) كذا في روايتنا بغير تنوين فيهما وهو علم على شخص
معين قالوا إنه موسى بن ميشا بكسر الميم وبالشين المعجمة وجزم بعضهم انه منون مصروف لأنه
نكرة ونقل عن ابن مالك انه جعله مثالا للعلم إذا نكر تخفيفا قال وفيه بحث (قوله كذب عدو الله)
قال ابن التين لم يرد ابن عباس اخراج نوف عن ولاية الله ولكن قلوب العلماء تنفر إذا سمعت غير
الحق فيطلقون أمثال هذا الكلام لقصد الزجر والتحذير منه وحقيقته غير مرادة (قلت)
ويجوز ان يكون ابن عباس اتهم نوفا في صحة اسلامه فلهذا لم يقل في حق الحر بن قيس هذه المقالة
مع تواردهما عليها واما تكذيبه فيستفاد منه ان للعالم إذا كان عنده علم بشئ فسمع غيره يذكر فيه
شيئا بغير علم أن يكذبه ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم كذب أبو السنابل أي أخبر بما هو باطل في
نفس الامر (قوله حدثني أبي بن كعب) في استدلاله بذلك دليل على قوة خبر الواحد المتقن عنده
حيث يطلق مثل هذا الكلام في حق من خالفه وفى الاسناد رواية تابعي عن تابعي وهما عمرو
وسعيد وصحابي عن صحابي وهما ابن عباس وأبى (قوله فقال أنا أعلم) في جواب أي الناس أعلم
قيل إنه مخالف لقوله في الرواية السابقة في باب الخروج في طلب العلم قال هل تعلم أحدا أعلم منك
وعندي لا مخالفة بينهما لان قوله هنا أنا أعلم أي فيما أعلم فيطابق قوله لا في جواب من قال له هل
تعلم أحدا أعلم منك في اسناد ذلك إلى علمه لا إلى ما في نفس الامر وعند النسائي من طريق عبد الله
بن عبيد عن سعيد بن جبير بهذا السند قام موسى خطيبا فعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم
ما أوتى وعلم الله بما حدث به نفسه فقال يا موسى ان من عبادي من آتيته من العلم ما لم أوتك وعند
عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير فقال ما أجد أعلم بالله وأمره منى وهو
عند مسلم من وجه آخر عن أبي إسحاق بلفظ ما أعلم في الأرض رجلا أخير أو أعلم منى قال ابن المنير
ظن ابن بطال ان ترك موسى الجواب عن هذه المسئلة كان أولى قال وعندي انه ليس كذلك بل رد
العلم إلى الله تعالى متعين أجاب أو لم يجب فلو قال موسى عليه السلام أنا والله أعلم لم تحصل
المعاتبة وانما عوتب على اقتصاره على ذلك أي لان الجزم يوهم أنه كذلك في نفس الامر وانما
مراده الاخبار بما في علمه كما قدمناه والعتب من الله تعالى محمول على ما يليق به لا على معناه
العرفي في الآدميين كنظائره (قوله هو أعلم منك) ظاهر في أن الخضر نبي بل نبي مرسل إذا لو لم يكن
كذلك للزم تفضيل العالي على الاعلى وهو باطل من القول ولهذا أورد الزمخشري سؤالا وهو
دلت حاجة موسى إلى التعليم من غيره انه موسى بن ميشا كما قيل إذ النبي يجب أن يكون أعلم
194

أهل زمانه وأجاب عنه بأنه لا نقص بالنبي في أخذ العلم من نبي مثله (قلت) وفى الجواب نظر لأنه
يستلزم نفى ما أوجب والحق أن المراد بهذا الاطلاق تقييد الأعلمية بأمر مخصوص لقوله بعد
ذلك انى على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه والمراد بكون النبي
أعلم أهل زمانه أي ممن أرسل إليه ولم يكن موسى مرسلا إلى الخضر وإذا فلا نقص به إذا كان
الخضر أعلم منه ان قلنا إنه نبي مرسل أو أعلم منه في أمر مخصوص ان قلنا إنه نبي أو ولى وينحل
بهذا التقرير اشكالات كثيرة ومن أوضح ما يستدل به على نبوة الخضر قوله وما فعلته عن أمرى
وينبغي اعتقاد كونه نبيا لئلا تتذرع بذلك أهل الباطل في دعواهم ان الولي أفضل من النبي حاشا
وكلا وتعقب ابن المنير على ابن بطال ايراده في هذا الموضع كثيرا من أقوال السلف في التحذير من
الدعوى في العلم والحث على قول العالم لا أدرى بأن سياق مثل ذلك في هذا الموضع غير لائق وهو
كما قال رحمه الله قال وليس قول موسى عليه السلام انا أعلم كقول آحاد الناس مثل ذلك ولا نتيجة
قوله كنتيجة قولهم فان نتيجة قولهم العجب والكبر ونتيجة قوله المزيد من العلم والحث على التواضع
والحرص على طلب العلم واستدلاله به أيضا على أنه لا يجوز الاعتراض بالعقل على الشرع
خطأ لان موسى انما اعترض بظاهر الشرع لا بالعقل المجرد ففيه حجة على صحة الاعتراض بالشرع
على ما لا يسوغ فيه ولو كان مستقيما في باطن الامر (قوله في مكتل) بكسر الميم وفتح المثناة من
فوق (قوله فانطلقا بقية ليلتهما) بالجر على الإضافة ويومهما بالنصب على إرادة سير جميعه
ونبه بعض الحذاق على أنه مقلوب وان الصواب بقية يومهما وليلتهما لقوله بعده فلما أصبح
لأنه لا يصبح الا عن ليل انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله فلما أصبح أي من الليلة التي تلى
اليوم الذي سارا جميعه والله أعلم (قوله انى) أي كيف بأرضك السلام ويؤيده ما في التفسير
هل بأرضي من سلام أو من أين كما في قوله تعالى انى لك هذا والمعنى من أين السلام في هذه
الأرض التي لا يعرف فيها وكأنها كانت بلاد كفر أو كانت تحيتهم بغير السلام وفيه دليل على
أن الأنبياء ومن دونهم لا يعلمون من الغيب الا ما علمهم الله إذ لو كان الخضر يعلم كل غيب
لعرف موسى قبل ان يسأله (قوله فانطلقا يمشيان) أي موسى والخضر ولم يذكر فتى موسى وهو
يوشع لأنه تابع غير مقصود بالأصالة (قوله وكلموهم) ضم يوشع معهما في الكلام لأهل السفينة
لان المقام يقتضى كلام التابع (قوله فحملوهما) يقال فيه ما قيل في يمشيان ويحتمل ان يكون
يوشع لم يركب معهما لأنه لم يقع له ذكر بعد ذلك (قوله فجاء عصفور) بضم أوله قيل هو الصرد
بضم المهملة وفتح الراء وفى الرحلة للخطيب أنه الخطاف (قوله ما نقص علمي وعلمك من علم الله)
لفظ النقص ليس على ظاهره لان علم الله لا يدخله النقص فقيل معناه لم يأخذ وهذا توجيه حسن
ويكون التشبيه واقعا على الآخذ لا على المأخوذ منه وأحسن منه ان المراد بالعلم المعلوم بدليل
دخول حرف التبعيض لان العلم القائم بذات الله تعالى صفة قديمة لا تتبعض والمعلوم هو الذي
يتبعض وقال الإسماعيلي المراد أن نقص العصفور لا ينقص البحر بهذا المعنى وهو كما قيل
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب
أي ليس فيهم عيب وحاصله أن نفى النقص أطلق على سبيل المبالغة وقيل الا بمعنى ولا أي ولا
كنقرة هذا العصفور وقال القرطبي من اطلق اللفظ هنا تجوزا لقصده التمسك والتعظيم إذ
195

لا نقص في علم الله ولا نهاية لمعلوماته وقد وقع في رواية ابن جريج بلفظ أحسن سياقا من هذا
وأبعد اشكالا فقال ما علمي وعلمك في جنب علم الله الا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من البحر وهو
تفسير للفظ الذي وقع هنا قال وفى قصة موسى والخضر من الفوائد أن الله يفعل في ملكه ما يريد
ويحكم في خلقه بما يشاء مما ينفع أو يضر فلا مدخل للعقل في أفعاله ولا معارضة لاحكامه بل
يجب على الخلق الرضا والتسليم فان ادراك العقول لأسرار الربوبية قاصر فلا يتوجه على حكمه
كم ولا كيف كما لا يتوجه عليه في وجوده أين وحيث وأن العقل لا يحسن ولا يقبح وأن ذلك راجع
إلى الشرع فما حسنه بالثناء عليه فهو حسن وما قبحه بالذم فهو قبيح وأن لله تعالى فيما يقضيه حكما
وأسرارا في مصالح خفية اعتبرها كل ذلك بمشيئته وارادته من غير وجوب عليه ولا حكم عقل
يتوجه إليه بل يحسب ما سبق في علمه ونافذ حكمه فما أطلع الخلق عليه من تلك الاسرار عرف
والا فالعقل عنده واقف فاليحذر المرء من الاعتراض فان مآل ذلك إلى الخيبة قال ولننبه هنا
على مغلطتين الأولى وقع لبعض الجهلة ان الخضر أفضل من موسى تمسكا بهذه القصة وبما
اشتملت عليه وهذا انما يصدر ممن قصر نظره على هذه القصة ولم ينظر فيما خص الله به موسى
عليه السلام من الرسالة وسماع كلام الله واعطائه التوراة فيها علم كل شئ وأن أنبياء بني إسرائيل
كلهم داخلون تحت شريعته ومخاطبون بحكم نبوته حتى عيسى وأدلة ذلك في القرآن
كثيرة ويكفى من ذلك قوله تعالى يا موسى انى اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي وسيأتى
في أحاديث الأنبياء من فضائل موسى ما فيه كفاية قال والخضر وإن كان نبيا فليس برسول باتفاق
والرسول أفضل من نبي ليس برسول ولو تنزلنا على أنه رسول فرسالة موسى أعظم وأمته أكثر
فهو أفضل وغاية الخضر أن يكون كواحد من أنبياء بني إسرائيل وموسى أفضلهم وان قلنا إن
الخضر ليس بنبي بل ولى فالنبي أفضل من الولي وهو أمر مقطوع به عقلا ونقلا والصائر إلى
خلافه كافر لأنه أمر معلوم من الشرع بالضرورة قال وانما كانت قصة الخضر مع موسى امتحانا
لموسى ليعتبر الثانية ذهب قوم من الزنادقة إلى سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام الشريعة فقالوا
انه يستفاد من قصة موسى والخضر أن الأحكام الشرعية العامة تختص بالعامة والأغبياء وأما
الأولياء والخواص فلا حاجة بهم إلى تلك النصوص بل انما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم
عليهم بما يغلب على خواطرهم لصفاء قلوبهم عن الأكدار وخلوها عن الأغيار فتنجلى لهم العلوم
الإلهية والحقائق الربانية فيقفون على اسرار الكائنات ويعلمون الاحكام الجزئيات
فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما ينجلى له من تلك
العلوم عما كان عند موسى ويؤيده الحديث المشهور استفت قلبك وان أفتوك قال القرطبي
وهذا القول زندقة وكفر لأنه انكار لما علم من الشرائع فان الله قد أجرى سنته وأنفذ كلمته بان
أحكامه لا تعلم الا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه المثبتين لشرائعه وأحكامه كما قال
تعالى الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس وقال الله أعلم حيث يجعل رسالاته وأمر
بطاعتهم في كل ما جاؤوا به وحث على طاعاتهم والتمسك بما أمروا به فان فيه الهدى وقد حصل
العلم اليقين واجماع السلف على ذلك فمن ادعى ان هناك طريقا أخرى يعرف بها أمره ونهيه غير
الطرق التي جاءت بها الرسل يستغنى بها عن الرسول فهو كافر يقتل ولا يستتاب قال وهى دعوى
196

تستلزم اثبات نبوة نبينا لان من قال إنه يأخذ عن قلبه لان الذي يقع فيه هو حكم الله وانه يعمل
بمقتضاه من غير حاجة منه إلى كتاب ولا سنة فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة كما قال نبينا صلى الله
عليه وسلم ان روح القدس نفث في روعي قال وقد بلغنا عن بعضهم أنه قال انا لا آخذ عن الموتى
وانما آخذ عن الحي الذي لا يموت وكذا قال آخر أنا آخذ عن قلبي من ربى وكل ذلك كفر باتفاق
أهل الشرائع ونسأل الله الهداية والتوفيق وقال غيره من استدل بقصة الخضر على أن الولي
يجوز أن يطلع من خفايا الأمور على ما يخالف الشريعة ويجوز له فعله فقد ضل وليس ما تمسك به
صحيحا فان الذي فعله الخضر ليس في شئ منه ما يناقض الشرع فان نقض لوح من ألواح السفينة
لدفع الظالم عن غصبها ثم إذا تركها أعيد اللوح جائز شرعا وعقلا ولكن مبادرة موسى
بالانكار بحسب الظاهر وقد وقع ذلك واضحا في رواية أبى اسحق التي أخرجها مسلم ولفظه فإذا
جاء الذي يسخرها فوجدها منخرقة تجاوزها فأصلحها فيستفاد منه وجوب التأني عن الانكار في
المتحملات واما قتله الغلام فلعله كان في تلك الشريعة وأما إقامة الجدار فمن باب مقابلة الإساءة
بالاحسان والله أعلم (قوله فعمد) بفتح المهملة والميم وكذا قوله عمدت ونول بفتح النون أي أجرة
(قوله فانطلقا) أي فخرجا من السفينة فانطلقا كما صرح به أيضا في التفسير (قوله قال الخضر
بيده) هو من اطلاق القول على الفعل وسنذكر باقي مباحث هذا الحديث في كتاب التفسير إن شاء الله
تعالى (قوله باب من سأل وهو قائم) جملة حالية عن الفاعل وقوله عالما مفعول وجالسا
صفة له والمراد ان العالم الجالس إذا سأله شخص قائم لا يعد من باب من أحب أن يتمثل له الرجال
قياما بل هذا جائز بشرط الامن من الاعجاب قاله ابن المنير (قوله حدثنا عثمان) هو ابن أبي شيبة
وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر وأبو وائل هو شقيق وأبو موسى هو الأشعري
وكلهم كوفيون (قوله قال وما رفع إليه رأسه) ظاهره ان القائل هو أبو موسى ويحتمل أن يكون
من دونه فيكون مدرجا في أثناء الخبر (قوله من قاتل الخ) هو من جوامع كلمه صلى الله عليه
وسلم لأنه أجاب بلفظ جامع لمعنى السؤال مع الزيادة عليه وفى الحديث شاهد لحديث الأعمال بالنيات
وأنه لا بأس بقيام طالب الحاجة عند أمن الكبر وأن الفضل الذي ورد في المجاهدين
مختص بمن قاتل لاعلاء دين الله وفيه استحباب اقبال المسؤول على السائل وسيأتى بقية الكلام
عليه في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى (قوله باب السؤال والفتيا عند رمى الجمار) مراده ان
اشتغال العالم بالطاعة لا يمنع من سؤاله عن العلم ما لم يكن مستغرقا فيها وأن الكلام في الرمي
وغيره من المناسك جائز وقد تقدم هذا الحديث في باب الفتيا على الدابة وأخر الكلام على المتن إلى
الحج وعبد العزيز بن أبي سلمة هو ابن عبد الله نسب إلى جده أبى سلمة الماجشون بكسر الجيم
وبشين معجمة وقد اعترض بعضهم على الترجمة بأنه ليس في الخبر ان المسئلة وقعت في حال الرمي بل
فيه انه كان واقفا عندها فقط وأجيب بأن المصنف كثيرا ما يتمسك بالعموم فوقوع السؤال
عند الجمرة أعم من أن يكون في حال اشتغاله بالرمي أو بعد الفراغ منه واستدل الإسماعيلي
بالخبر على أن الترتيب قائم مع اللفظ أي بأي صيغة ورد ما لم يقم دليل على عدم ارادته والله أعلم
وحاصله انه لو لم يفهموا أن ذلك هو الأصل لما احتاجوا إلى السؤال عن حكم تقديم الأول على
الثاني إذا ورد الامر لشيئين معطوفا بالواو فيقال الأصل العمل بتقديم ما قدم وتأخير ما أخر حتى
197

يقوم الدليل على التسوية ولمن يقوم بعدم الترتيب أصلا أن يتمسك بهذا الخبر يقول 3 حتى يقوم
دليل على وجوب الترتيب واعترض الإسماعيلي أيضا على الترجمة فقال لا فائدة في ذكر المكان
الذي وقع السؤال فيه حتى يفرد بباب وعلى تقدير اعتبار مثل ذلك فليترجم بباب السؤال والمسؤول
على الراحلة وبباب السؤال يوم النحر قلت انما نفى الفائدة لتقدم الجواب عنه ويراد أن سؤال
من لا يعرف الحكم عنه في موضع فعله حسن بل واجب عليه لان صحة العمل متوقفة على العلم
بكيفيته وان سؤال العالم على قارعة الطريق عما يحتاج إليه السائل لا نقص فيه على
العالم إذا أجاب ولا لوم على السائل ويستفاد منه أيضا دفع توهم من يظن أن في الاشتغال
بالسؤال والجواب عند الجمرة تضييقا على الرامين وهذا وإن كان كذلك يستثنى من
المنع ما إذا كان فيما يتعلق بحكم تلك العبادة وأما الزام الإسماعيلي فجوابه أنه ترجم للأول فيما
مضى باب الفتيا وهو واقف على الدابة وأما الثاني فكأنه أراد ان يقابل المكان بالزمان وهو
متجه وإن كان معلوما ان السؤال عن العلم لا يتقيد بيوم دون يوم لكن قد يتخيل متخيل من كون
يوم العيد يوم لهو امتناع السؤال عن العلم فيه والله أعلم (قوله باب قول الله عز وجل وما أوتيتم
من العلم الا قليلا عبد الواحد) هو ابن زياد البصري واسناد الأعمش إلى منتهاه مما قيل إنه
أصح الأسانيد (قوله خرب) بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء جمع خربة ويقال بالعكس والخرب
ضد العامر ووقع في موضع آخر بفتح المهملة واسكان الراء بعدها مثلثة (قوله عسيب) أي
عصى من جريد النخل (قوله بنفر من اليهود) لم أقف على أسمائهم (قوله لا تسألوه لا يجئ) في
روايتنا بالجزم على جواب النهى ويجوز النصب والمعنى لا تسألوه خشية أن يجئ فيه بشئ
ويجوز الرفع على الاستئناف (قوله لنسئلنه) جواب القسم المحذوف (قوله فقمت) أي حتى
لا أكون مشوشا عليه أو فقمت قائما حائلا بينه وبينهم (قوله فلما انجلى) أي الكرب الذي كان
يغشاه حال الوحي (قوله الروح) الأكثر على أنهم سألوه عن حقيقة الروح الذي في الحيوان
وقيل عن جبريل وقيل عن عيسى وقيل عن القران وقيل عن خلق عظيم روحاني وقيل غير ذلك
وسيأتى بسط ذلك في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى ونشير هناك إلى ما قيل في الروح الحيواني
وان الأصح ان حقيقته مما استأثر الله بعمله (قوله هي كذا) وللكشميهني هكذا في قراءتنا
أي قراءة الأعمش وليست هذه القراءة في السبعة بل ولا في المشهور من غيرها وقد أغفلها أبو
عبيد في كتاب القراءات له من قراءة الأعمش والله أعلم (قوله باب من ترك بعض الاختيار) أي فعل
الشئ المختار والاعلام به (قوله عن إسرائيل) هو ابن يونس عن أبي إسحاق هو السبيعي بفتح
المهملة وهو جد إسرائيل الراوي عنه والأسود هو ابن يزيد النخعي والاسناد إليه كلهم كوفيون
(قوله قال لي ابن الزبير) يعنى عبد الله الصحابي المشهور (قوله كانت عائشة) أي أم المؤمنين
(قوله في الكعبة) يعنى في شأن الكعبة (قوله قلت قالت لي) زاد فيه ابن أبي شيبة في مسنده عن
عبيد الله بن موسى بهذا الاسناد قلت لقد حدثتني حديثا كثيرا نسيت بعضه وأنا أذكر
بعضه قال أي ابن الزبير ما نسيت أذكرتك قلت قالت (قوله حديث عهدهم) بتنوين حديث
ورفع عهدهم على اعمال الصفة المشبهة (قوله قال) وللاصيلى فقال ابن الزبير بكفر أي أذكره
198

ابن الزبير بقولها بكفر كان الأسود نسيها وأما ما بعدها وهو قوله لنقضت الخ فيحتمل أن يكون
مما نسى أيضا أو مما ذكر وقد رواه الترمذي من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود
بتمامه الا قوله بكفر فقال بدلها بجاهلية وكذا للمصنف في الحج من طريق أخرى عن الأسود
ورواه الإسماعيلي من طريق زهير بن معاوية عن أبي إسحاق ولفظه قلت حدثتني حديثا حفظت
أوله ونسيت آخره ورجحها الإسماعيلي على رواية إسرائيل وفيما قال نظر لما قدمناه وعلى قوله
يكون في رواية شعبة ادراج والله أعلم (قوله بابا) بالنصب على البدل كذا لأبي ذر في الموضعين
ولغيره بالرفع على الاستئناف (قوله ففعله) يعنى بنى الكعبة على ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم
كما سيأتي ذلك مبسوطا في كتاب الحج إن شاء الله تعالى وفى الحديث معنى ما ترجم له لان قريشا
كانت تعظم أمر الكعبة جدا فخشى صلى الله عليه وسلم أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالاسلام
انه غير بناءها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة ومنه
انكار ترك المنكر خشية الوقوع في أنكر منه وأن الامام يسوس رعيته بما فيه اصلاحهم ولو
كان مفضولا ما لم يكن محرما (قوله باب من خص بالعلم قوما دون قوم) أي سوى قوم لا بمعنى
الأدون وكراهية بالإضافة بغير تنوين وهذه الترجمة قريبة من الترجمة التي قبلها ولكن هذه في
الأقوال وتلك في الافعال أو فيهما (قوله حدثنا عبيد الله) هو ابن موسى كما ثبت للباقين (قوله
عن معروف) هو ابن خربوذ كما في رواية كريمة وهو تابعي صغير مكي وليس له في البخاري غير هذا
الموضع وأبوه بفتح المعجمة وتشديد الراء المفتوحة وضم الموحدة وآخره معجمة وهذا الاسناد من
عوالي البخاري لأنه يلتحق بالثلاثيات من حيث إن الراوي الثالث منه صحابي وهو أبو الطفيل
عامر بن واثلة الليثي آخر الصحابة موتا وليس له في البخاري غير هذا الموضع (قوله حدثوا الناس
بما يعرفون) كذا وقع في رواية أبي ذر وسقط كله من روايته عن الكشميهني ولغيره بتقديم المتن
ابتدأ به معلقا فقال وقال على الخ ثم عقبه بالاسناد والمراد بقوله بما يعرفون أي يفهمون وزاد
آدم بن أبي اياس في كتاب العلم له عن عبد الله بن داود عن معروف في آخره ودعوا ما ينكرون أي
ما يشتبه عليهم فهمه وكذا رواه أبو نعيم في المستخرج وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر
عند العامة ومثله قول ابن مسعود ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان لبعضهم
فتنة رواه مسلم وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج
على السلطان ومالك في أحاديث الصفات وأبو يوسف في الغرائب ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم
عنه في الجرابين وان المراد ما يقع من الفتن ونحوه عن حذيفة وعن الحسن انه أنكر تحديث أنس
للحجاج بقصة العرنيين لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله
الواهي وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوى البدعة وظاهره في الأصل غير مراد
فالامساك عنه عند من يخشى عليه الاخذ بظاهره مطلوب والله أعلم (قوله حدثني أبي) هو
هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (قوله رديفه) أي راكب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم
والجملة حالية والرحل باسكان الحاء المهملة وأكثر ما يستعمل للبعير لكن معاذ كان في تلك الحالة
رديفه صلى الله عليه وسلم على حمار كما يأتي في الجهاد (قوله قال يا معاذ بن جبل) هو خبر ان
المتقدمة وابن جبل بفتح النون وأما معاذ فبالضم لأنه منادى مفرد علم وهذا اختيار ابن مالك لعدم
199

احتياجه إلى تقدير واختار ابن الحاجب النصب على أنه مع ما بعده كاسم واحد مركب كأنه
أضيف والمنادى المضاف منصوب وقال ابن التين يجوز النصب على أن قوله معاذ زائد فالتقدير
يا ابن جبل وهو يرجع إلى كلام ابن الحاجب بتأويل (قوله قال لبيك يا رسول الله وسعديك)
اللب بفتح اللام معناه هنا الإجابة والسعد المساعدة كأنه قال لبا لك واسعادا لك ولكنهما ثنيا
على معنى التأكيد والتكثير أي إجابة بعد إجابة واسعادا بعد اسعاد وقيل في أصل لبيك
واشتقاقها غير ذلك وسنوضحه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى (قوله ثلاثا) أي النداء والاجابة
قيلا ثلاثا وصرح بذلك في رواية مسلم ويؤيده الحديث المتقدم في باب من أعاد الحديث ثلاثا
ليفهم عنه (قوله صدقا) فيه احتراز عن شهادة المنافق وقوله من قلبه يمكن أن يتعلق بصدقا أي
يشهد بلفظه ويصدق بقلبه ويمكن أن يتعلق بيشهد أي يشهد بقلبه والأول أولى وقال الطيبى
قوله صدقا أقيم هنا مقام الاستقامة لان الصدق يعبر به قولا عن مطابقة القول المخبر عنه
ويعبر به فعلا عن تحرى الأخلاق المرضية كقوله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به أي حقق
ما أورده قولا بما تحراه فعلا انتهى وأراد بهذا التقرير رفع الاشكال عن ظاهر الخبر لأنه يقتضى
عدم دخول جميع من شهد الشهادتين النار لما فيه من التعميم والتأكيد لكن دلت الأدلة
القطعية عند أهل السنة على أن طائفة من عصاة المؤمنين يعذبون ثم يخرجون من النار بالشفاعة
فعلم أن ظاهره غير مراد فكأنه قال إن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة قال ولأجل خفاء
ذلك لم يؤذن لمعاذ في التبشير به وقد أجاب العلماء عن الاشكال أيضا بأجوبة أخرى منها ان مطلقه
مقيد بمن قالها تائبا ثم مات على ذلك ومنها أن ذلك كان قبل نزول الفرائض وفيه نظر لان مثل
هذا الحديث وقع لأبي هريرة كما رواه مسلم وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض وكذا
ورد نحوه من حديث أبي موسى رواه أحمد باسناد حسن وكان قدومه في السنة التي قدم
فيها أبو هريرة ومنها انه خرج مخرج الغالب إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعة ويجتنب
المعصية ومنها أن المراد بتحريمه على النار تحريم خلوده فيها لا أصل دخولها ومنها أن المراد
النار التي أعدت للكافرين لا الطبقة التي أفردت لعصاة الموحدين ومنها أن المراد بتحريمه على
النار حرمة جملته لان النار لا تأكل مواضع السجود من المسلم كما ثبت في حديث الشفاعة
أن ذلك محرم عليها وكذا لسانه الناطق بالتوحيد والعلم عند الله تعالى (قوله فيستبشرون)
كذا لأبي ذر أي فهم يستبشرون وللباقين بحذف النون وهو أوجه لوقوع الفاء بعد النفي أو
الاستفهام أو العرض وهى تنصب في كل ذلك (قوله إذا يتكلوا) بتشديد المثناة المفتوحة وكسر
الكاف وهو جواب وجزاء أي ان أخبرتهم يتكلوا وللاصيلى والكشميهني ينكلوا باسكان
النون وضم الكاف أي يمتنعوا من العمل اعتمادا على ما يتبادر من ظاهره وروى البزار باسناد
حسن من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في هذه القصة ان النبي صلى الله عليه وسلم أذن
لمعاذ في التبشير فلقيه عمر فقال لا تعجل ثم دخل فقال يا نبي الله أنت أفضل رأيا ان الناس إذا سمعوا
ذلك اتكلوا عليها قال فرده وهذا معدود من موافقات عمر وفيه جواز الاجتهاد بحضرته صلى الله
عليه وسلم واستدل بعض متكلمي الأشاعرة من قوله يتكلوا على أن للعبد اختيارا كما سبق في علم
الله (قوله عند موته) أي موت معاذ وأغرب الكرماني فقال يحتمل أن يرجع الضمير إلى رسول
200

الله صلى الله عليه وسلم (قلت) ويرده ما رواه أحمد بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال
أخبرني من شهد معاذا حين حضرته الوفاة يقول سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا
لم يمنعني ان أحدثكموه الا مخافة ان تتكلوا فذكره (قوله تأثما) هو بفتح الهمزة وتشديد
المثلثة المضمومة أي خشية الوقوع في الاثم وقد تقدم توجيهه في حديث بدء الوحي في قوله
يتحنث والمراد بالاثم الحاصل من كتمان العلم ودل صنيع معاذ على أنه عرف ان النهى عن التبشير
كان على التنزيه لا على التحريم والا لما كان يخبر به أصلا أو عرف ان النهى مقيد بالاتكال
فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك وإذا زال القيد زال المقيد والأول أوجه لكونه أخر ذلك إلى
وقت موته وقال القاضي عياض لعل معاذا لم يفهم النهى لكن كثر عزمه عما عرض له من
تبشيرهم (قلت) والرواية الآتية صريحة في النهى فالأولى ما تقدم وفى الحديث جواز
الارداف وبيان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلة معاذ بن جبل من العلم لأنه خصه بما ذكر
وفيه جواز استفسار الطالب عما يتردد فيه واستئذانه في إشاعة ما يعلم به وحده (قوله حدثنا
مسدد حدثنا معتمر) كذا للجميع وذكر الجياني ان عبدوسا والقابسي روياه عن أبي زيد المروزي
باسقاط مسدد من السند قال وهو وهم ولا يتصل السند الا بذكره انتهى ومعتمر هو ابن سليمان
التيمي والاسناد كله بصريون الا معاذا وكذا الذي قبله الا اسحق فهو مروزي وهو الامام
المعروف بابن راهويه (قوله ذكر لي) هو بالضم على البناء لما لم يسم فاعله ولم يسم أنس من ذكر
له ذلك في جميع ما وقفت عليه من الطرق وكذلك جابر بن عبد الله كما قدمناه من عند أحمد لان
معاذا انما حدث به عند موته بالشام وجابر وأنس إذ ذاك بالمدينة فلم يشهداه وقد حضر ذلك من
معاذ عمرو بن ميمون الأودي أحد المخضرمين كما سيأتي عند المصنف في الجهاد ويأتي الكلام
على ما في سياقه من الزيادة ثم ورواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن سمرة الصحابي المشهور انه
سمع ذلك من معاذ أيضا فيحتمل ان يفسر المبهم بأحدهما والله أعلم * (تنبيه) * أورد المزي
في الأطراف هذا الحديث في مسند أنس وهو من مراسيل أنس وكان حقه أن يذكره في المبهمات
والله الموفق (قوله من لقى الله) أي من لقى الاجل الذي قدره الله يعنى الموت كذا قاله جماعة
ويحتمل أن يكون المراد البعث أو رؤية الله تعالى في الآخرة (قوله لا يشرك به) اقتصر على نفى
الاشراك لأنه يستدعى التوحيد بالاقتضاء ويستدعى اثبات الرسالة باللزوم إذ من كذب رسول
الله فقد كذب الله ومن كذب الله فهو مشرك أو هو مثل قول القائل من توضأ صحت صلاته أي
مع سائر الشرائط فالمراد من مات حال كونه مؤمنا بجميع ما يجب الايمان به وليس في قوله دخل
الجنة من الاشكال ما تقدم في السياق الماضي لأنه أعم من أن يكون قبل التعذيب أو بعده
(قوله فأخبر بها معاذ عند موته تأثما) معنى التأثم التحرج من الوقوع في الاثم وهو كالتجنب وانما
خشى معاذ من الاثم المرتب على كتمان العلم وكأنه فهم من منع النبي صلى الله عليه وسلم ان يخبر
بها اخبارا عاما لقوله أفلا أبشر الناس فأخذ هو أولا بعموم المنع فلم يخبر بها أحدا ثم ظهر له
ان المنع انما هو من الاخبار عموما فبادر قبل موته فأخبر بها خاصا من الناس فجمع بين الحكمين
ويقوى ذلك ان المنع لو كان على عمومه في الاشخاص لما أخبر هو بذلك وأخذ منه ان من كان
في مثل مقامه في الفهم انه لم يمنع من اخباره وقد تعقب هذا الجواب بما أخرجه أحمد من وجه
201

آخر فيه انقطاع عن معاذ انه لما حضرته الوفاة قال أدخلوا على الناس فأدخلوا عليه فقال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من مات لا يشرك بالله شيئا جعله الله في الجنة وما كنت
أحدثكموه الا عند الموت وشاهدي على ذلك أبو الدرداء فقال صدق أخي وما كان يحدثكم به
الا عند موته وقد وقع لأبي أيوب مثل ذلك ففي المسند من طريق أبى ظبيان ان أبا أيوب غزا
الروم فمرض فلما حضر قال سأحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حالي
هذه ما حدثتكموه سمعته يقول من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإذا عورض هذا
الجواب فأجيب عن أصل الاشكال بان معاذا اطلع على أنه لم يكن المقصود من المنع التحريم
بدليل ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا هريرة أن يبشر بذلك الناس فلقيه عمر فدفعه وقال
ارجع يا أبا هريرة ودخل على اثره فقال يا رسول الله لا تفعل فانى أخشى أن يتكل الناس فخلهم
يعملون فقال فخلهم أخرجه مسلم فكأن قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ أخاف أن يتكلوا كان بعد
قصة أبي هريرة فكان النهى للمصلحة لا للتحريم فلذلك أخبر به معاذ لعموم الآية بالتبليغ والله
أعلم (قوله لا) هي للنهي ليست داخلة على أخاف بل المعنى لا تبشر ثم استأنف فقال أخاف وفى
رواية كريمة انى أخاف باثبات التعليل وللحسن بن سفيان في مسنده عن عبيد الله بن معاذ عن
معتمر قال لأدعهم فليتنافسوا في الأعمال فانى أخاف أن يتكلوا (قوله باب الحياء) أي حكم
الحياء وقد تقدم ان الحياء من الايمان وهو الشرعي الذي يقع على وجه الاجلال والاحترام
للأكابر وهو محمود وأما ما يقع سببا لترك أمر شرعي فهو مذموم وليس هو بحياء شرعي وانما هو
ضعف ومهانة وهو المراد بقول مجاهد لا يتعلم العلم مستحى وهو باسكان الحاء ولا في كلامه نافية
لا ناهية ولهذا كانت ميم يتعلم مضمومة وكأنه أراد تحريض المتعلمين على ترك العجز والتكبر لما
يؤثر كل منهما من النقص في التعليم وقول مجاهد هذا وصله أبو نعيم في الحلية من طريق علي بن
المديني عن ابن عيينة عن منصور عنه وهو اسناد صحيح على شرط المصنف (قوله وقالت عائشة)
هذا التعليق وصله مسلم من طريق إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة في حديث
أوله ان أسماء بنت يزيد الأنصاري سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض (قوله
هشام) هو ابن عروة بن الزبير وفى الاسناد من اللطائف رواية تابعي عن مثله عن صحابية عن مثلها
وفيه رواية الابن عن أبيه والبنت عن أمها وزينب هي بنت أبي سلمة بن عبد الأسد ربيبة النبي
صلى الله عليه وسلم نسبت إلى أمها تشريفا لكونها زوج النبي صلى الله عليه وسلم (قوله جاءت أم
سليم) هي بنت ملحان والدة أنس بن مالك (قوله إن الله لا يستحيى من الحق) أي لا يأمر بالحياء في
الحق وقدمت أم سليم هذا الكلام بسطا لعذرها في ذكر ما تستحيي النساء من ذكره بحضرة الرجال
ولهذا قالت لها عائشة كما ثبت في صحيح مسلم فضحت النساء (قوله إذا هي احتلمت) أي رأت في
منامها انها تجامع (قوله إذا رأت الماء) يدل على تحقق وقوع ذلك وجعل رؤية الماء شرطا للغسل
يدل على انها إذا لم تر الماء لا غسل عليها (قوله فغطت أم سلمة) في مسلم من حديث أنس ان ذلك وقع
لعائشة أيضا ويمكن الجمع بأنهما كانتا حاضرتين (قوله تعنى وجهها) هو بالمثناة من فوق والقائل
عروة وفاعل تعنى زينب والضمير يعود على أم سلمة (قوله وتحتلم) بحذف همزة الاستفهام
وللكشميهني أو تحتلم باثباتها قيل فيه دليل على أن الاحتلام يكون في بعض النساء دون بعض
202

ولذلك أنكرت أم سلمة ذلك لكن الجواب يدل على انها انما أنكرت وجود المنى من أصله ولهذا
أنكر عليها (قوله تربت يمينك) أي افتقرت وصارت على التراب وهى من الألفاظ التي تطلق عند
الزجر ولا يراد بها ظاهرها (قوله فبم) بموحدة مكسورة وسيأتي الكلام على مباحثه في كتاب
الطهارة إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس وقد تقدم الكلام على
حديث ابن عمر هذا في أوائل كتاب العلم وأورده هنا لقول ابن عمر فاستحييت ولتأسف عمر على كونه
لم يقل لك لتظهر فضيلته فاستلزم حياء ابن عمر تفويت ذلك وكان يمكنه إذا استحيا اجلالا لمن هو
أكبر منه أن يذكر ذلك لغيره سرا ليخبر به عنه فجمع بين المصلحتين ولهذا عقبه المصنف بباب من
استحيا فأمر غيره بالسؤال وأورد فيه حديث علي بن أبي طالب قال كنت رجلا مذاء وهو بتثقيل
الذال المعجمة والمد أي كثير المذي وهو باسكان المعجمة الماء الذي يخرج من الرجل عند
الملاعبة وسيأتى الكلام عليه في الطهارة أيضا واستدل به بعضهم على جواز الاعتماد على الخبر
المظنون مع القدرة على المقطوع وهو خطا ففي النسائي ان السؤال وقع وعلى حاضر (قوله
باب ذكر العلم) أي القاء العلم والفتيا في المسجد وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من توقف فيه
لما يقع في المباحثة من رفع الأصوات فنبه على الجواز (قوله إن رجلا قام في المسجد) لم أقف
على اسم هذا الرجل والمراد بالمسجد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويستفاد منه ان السؤال
عن مواقيت الحج كان قبل السفر من المدينة وقرن باسكان الراء وغلط من فتحها وقول ابن عمر
ويزعمون إلى آخره يفسر بمن روى الحديث تاما كابن عباس وغيره وفيه دليل على اطلاق
الزعم على القول المحقق لان ابن عمر سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه لم يفهمه
لقوله لم أفقه هذه أي الجملة الأخيرة فصار يرويها عن غيره وهو دال على شدة تحريه وورعه
وسيأتى الكلام على فوائده في الحج إن شاء الله تعالى (قوله باب من أجاب السائل بأكثر مما
سأله) قال ابن المنير موقع هذه الترجمة التنبيه على أن مطابقة الجواب للسؤال غير لازم بل إذا
كان السبب خاصا والجواب عاما جاز وحمل الحكم على عموم اللفظ لا على خصوص السبب لأنه
جواب وزيادة فائدة ويؤخذ منه أيضا ان المفتى إذا سئل عن واقعة واحتمل عنده أن يكون
السائل يتذرع بجوابه إلى أن يعديه إلى غير محل السؤال تعين عليه أن يفصل الجواب ولهذا قال
فإن لم يجد نعلين فكأنه سأل عن حالة الاختيار فاجابه عنها وزاده حالة الاضطرار وليست أجنبية
عن السؤال لان حالة السفر تقتضى ذلك وأما ما وقع في كلام كثير من الأصوليين ان الجواب
يجب أن يكون مطابقا للسؤال فليس المراد بالمطابقة عدم الزيادة بل المراد ان الجواب يكون
مفيدا للحكم المسؤول عنه قاله ابن دقيق العيد وفى الحديث أيضا العدول عما لا ينحصر إلى
ما ينحصر طلبا للايجاز لان السائل سأل عما يلبس فأجيب بما لا يلبس إذ الأصل الإباحة ولو عدد
له ما يلبس لطال به بل كان لا يؤمن أن يتمسك بعض السامعين بمفهومه فيظن اختصاصه بالمحرم
وأيضا فالمقصود ما يحرم لبسه لا ما يحل له لبسه لأنه لا يجب له لباس مخصوص بل عليه ان يجتنب
شيئا مخصوصا (قوله وابن أبي ذئب) هو بالضم عطفا على قول آدم حدثنا ابن أبي ذئب والمراد ان
آدم سمعه من ابن أبي ذئب باسنادين وفى رواية غير أبي ذر وعن الزهري بالعطف على نافع ولم يعد
203

ذكر ابن أبي ذئب (قوله إن رجلا) لم أقف على اسمه وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب الحج
أيضا إن شاء الله تعالى * (خاتمة) * اشتمل كتاب العلم من الأحاديث المرفوعة على مائة حديث
وحديثين منها في المتابعات بصيغة التعليق وغيرها ثمانية عشر والتعاليق التي لم يوصلها في مكان
آخر أربعة وهى كتب لأمير السرية ورحل جابر إلى عبد الله بن أنيس وقصة ضمام في رجوعه إلى
قومه وحديث انما العلم بالتعلم وباقي ذلك وهو ثمانون حديثا كلها موصولة فالمكرر منها ستة
عشر حديثا وبغير تكرير أربعة وستون حديثا وقد وافقه مسلم على تخريجها الا ستة عشر
حديثا وهى الأربعة المعلقة المذكورة وحديث أبي هريرة إذا وسد الامر إلى غير أهله وحديث
ابن عباس اللهم علمه الكتاب وحديثه في الذبح قبل الرمي وحديث عقبة بن الحرث في شهادة
المرضعة وحديث أنس في إعادة الكلمة ثلاثا وحديث أبي هريرة أسعد الناس بالشفاعة
وحديث الزبير من كذب على وحديث سلمة من تقول على وحديث على في الصحيفة وحديث أبي هريرة
في كونه أكثر الصحابة حديثا وحديث أم سلمة ماذا أنزل الليلة من الفتن وحديث أبي هريرة
حفظت وعاءين والمراد بموافقة مسلم موافقته على تخريج أصل الحديث عن صحابية وان وقعت
بعض المخالفة في بعض السياقات وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم اثنان
وعشرون أثرا أربعة منها موصولة والبقية معلقة قال ابن رشد ختم البخاري كتاب العلم بباب من
أجاب السائل بأكثر مما سأل عنه إشارة منه إلى أنه بلغ الغاية في الجواب عملا بالنصيحة واعتمادا على
النية الصحيحة وأشار قبل ذلك بقليل بترجمة من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض
الناس عنه إلى أنه ربما صنع ذلك فاتبع الطيب بالطيب بأبرع سياق وأبدع اتساق رحمه الله تعالى
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوضوء) *
باب ما جاء في قول الله عز وجل إذا قمتم إلى الصلاة الآية وفى رواية الأصيلي ما جاء في قول الله دون
ما قبله ولكريمة باب في الوضوء وقول الله عز وجل إلى آخره والمراد بالوضوء ذكر أحكامه وشرائطه
وصفته ومقدماته والوضوء بالضم هو الفعل وبالفتح الماء الذي يتوضأ به على المشهور فيهما وحكى
في كل منهما الأمران وهو مشتق من الوضاءة وسمى ذلك لان المصلى يتنظف به فيصير وضيا
وأشار بقوله ما جاء إلى اختلاف السلف في معنى الآية فقال الأكثرون التقدير إذا قمتم إلى الصلاة
محدثين وقال الآخرون بل الامر على عمومه من غير تقدير حذف الا انه في حق المحدث على
الايجاب وفى حق غيره على الندب وقال بعضهم كان على الايجاب ثم نسخ فصار مندوبا ويدل لهذا
ما رواه أحمد وأبو داود من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ان أسماء بنت زيد بن
الخطاب حدثت أباه عبد الله بن عمر عن عبد الله بن حنظلة الأنصاري ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق عليه وضع عنه الوضوء الا من حدث
ولمسلم من حديث بريدة كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح
صلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر انك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال عمدا فعلته أي لبيان
الجواز وسيأتي حديث أنس في ذلك في باب الوضوء من غير حدث واختلف العلماء أيضا في موجب
الوضوء فقيل يجب بالحدث وجوبا موسعا وقيل به وبالقيام إلى الصلاة معا ورجحه جماعة من
الشافعية وقيل بالقيام إلى الصلاة حسب ويدل له ما رواه أصحاب السنن من حديث ابن
204

عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة واستنبط بعض
العلماء من قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة ايجاب النية في الوضوء لان التقدير إذا أردتم القيام إلى
الصلاة فتوضؤا لأجلها ومثله قولهم إذا رأيت الأمير فقم أي لأجله وتمسك بهذه الآية من قال إن
الوضوء أول ما فرض بالمدينة فاما ما قبل ذلك فنقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غسل
الجنابة انما فرض على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة كما فرضت الصلاة وانه لم يصل قط الا بوضوء
قال وهذا مما لا يجهله عالم وقال الحاكم في المستدرك وأهل السنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من
زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة ثم ساق حديث ابن عباس دخلت فاطمة على النبي صلى
الله عليه وسلم وهى تبكى فقالت هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك فقال ائتوني بوضوء
فتوضأ الحديث (قلت) وهذا يصلح ردا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة لا على من أنكر
وجوبه حينئذ وقد جزم ابن الجهم المالكي بأنه كان قبل الهجرة مندوبا وجزم ابن حزم بأنه لم يشرع
الا بالمدينة ورد عليهما بما أخرجه ابن لهيعة في المغازي التي يرويها عن أبي الأسود يتيم عروة عنه ان
جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء عند نزوله عليه بالوحي وهو مرسل ووصله أحمد من
طريق ابن لهيعة أيضا لكن قال عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه وأخرجه ابن ماجة
من رواية رشدين بن سعد عن عقيل عن الزهري نحوه لكن لم يذكر زيد بن حارثة في السند
وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولا ولو ثبت لكان على شرط الصحيح
لكن المعروف رواية ابن لهيعة (قوله وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن فرض الوضوء مرة مرة)
كذا في روايتنا بالرفع على الخبرية ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق أي فرض الوضوء غسل
الأعضاء غسلا مرة مرة أو على الحال السادة مسد الخبر أي يفعل مرة أو على لغة من ينصب
الجزأين بان وأعاد لفظ مرة لإرادة التفصيل أي الوجه مرة واليد مرة الخ والبيان المذكور
يحتمل أن يشير به إلى ما رواه بعد من حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة
وهو بيان بالفعل لمجمل الآية إذ الامر يفيد طلب ايجاد الحقيقة ولا يتعين بعدد فبين الشارع ان المرة
الواحدة للايجاب وما زاد عليها للاستحباب وستأتي الأحاديث على ذلك فيما بعد وأما حديث أبي
ابن كعب ان النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة
الا به ففيه بيان الفعل والقول معا لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن ماجة وله طرق أخرى كلها
ضعيفة (قوله وتوضأ أيضا مرتين مرتين) كذا في رواية أبي ذر ولغيره مرتين بغير تكرار وسيأتي هذا
التعليق موصولا في باب مفرد مع الكلام عليه (قوله وثلاثا) أي وتوضأ أيضا ثلاثا زاد الأصيلي
ثلاثا على نسق ما قبله وسيأتي موصولا أيضا في باب مفرد (قوله ولم يزد على ثلاث) أي لم يأت في شئ
من الأحاديث المرفوعة في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم انه زاد على ثلاث بل ورد عنه صلى الله
عليه وسلم ذم من زاد عليها وذلك فيما رواه أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم
اسناده جيد لكن عده مسلم في جملة ما أنكر على عمرو بن شعيب لان ظاهره ذم النقص من الثلاث
وأجيب بأنه أمر سيئ والإساءة تتعلق بالنقص والظلم بالزيادة وقيل فيه حذف تقديره من نقص
من واحدة ويؤيده ما رواه نعيم بن حماد من طريق المطلب بن حنطب مرفوعا الوضوء مرة ومرتين
205

وثلاثا فان نقص من واحدة أو زاد على ثلاث فقد أخطأ وهو مرسل رجاله ثقات وأجيب عن
الحديث أيضا بان الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص فيه بل أكثرهم مقتصر على قوله فمن زاد فقط
كذا رواه ابن خزيمة في صحيحه وغيره ومن الغرائب ما حكاه الشيخ أبو حامد الأسفرايني عن بعض
العلماء انه لا يجوز النقص من الثلاث وكأنه تمسك بظاهر الحديث المذكور وهو محجوج بالاجماع
وأما قول مالك في المدونة لا أحب الواحدة الا من العالم فليس فيه ايجاب زيادة عليها والله أعلم
(قوله وكره أهل العلم الاسراف فيه) يشير بذلك إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق هلال بن
يساف أحد التابعين قال كان يقال من الوضوء اسراف ولو كنت على شاطئ نهر وأخرج نحوه
عن أبي الدرداء وابن مسعود وروى في معناه حديث مرفوع أخرجه أحمد وابن ماجة باسناد لين
من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (قوله وان يجاوزوا الخ) يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة
أيضا عن ابن مسعود قال ليس بعد الثلاث شئ وقال أحمد واسحق وغيرهما لا تجوز الزيادة على
الثلاث وقال ابن المبارك لا آمن أن يأثم وقال الشافعي لا أحب ان يزيد المتوضئ على ثلاث
فان زاد لم أكرهه أي لم أحرمه لان قوله لا أحب يقتضى الكراهة وهذا الأصح عند الشافعية أنه
مكروه كراهة تنزيه وحكى الدارمي منهم عن قوم ان الزيادة على الثلاث تبطل الوضوء كالزيادة في
الصلاة وهو قياس فاسد ويلزم من القول بتحريم الزيادة على الثلاث أو كراهتها انه لا يندب تجديد
الوضوء على الاطلاق واختلف عند الشافعية في القيد الذي يمتنع منه حكم الزيادة على الثلاث
فالأصح ان صلى به فرضا أو نفلا وقيل الفرض فقط وقيل مثله حتى سجدة التلاوة والشكر ومس
المصحف وقيل ما يقصد له الوضوء وهو أعم وقيل إذا وقع الفصل بزمن يحتمل في مثله نقض الوضوء
عادة وعند بعض الحنفية انه راجع إلى الاعتقاد فان اعتقد أن الزيادة على الثلاث سنة أخطأ
ودخل في الوعيد والا فلا يشترط للتحديد شئ بل لو زاد الرابعة وغيرها لا لوم ولا سيما إذا قصد به القربة
للحديث الوارد الوضوء على الوضوء نور (قلت) وهو حديث ضعيف ولعل المصنف أشار إلى هذه
الرواية وسيأتي بسط ذلك في أول تفسير المائدة إن شاء الله تعالى ويستثنى من ذلك ما لو علم أنه بقى
من العضو شئ لم يصبه الماء في المرات أو بعضها فإنه يغسل موضعه فقط وأما مع الشك الطارئ
بعد الفراغ فلا لئلا يؤل به الحال إلى الوسواس المذموم (قوله باب لا تقبل صلاة بغير طهور)
هو بضم الطاء المهملة والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغسل وهذه الترجمة لفظ حديث رواه
مسلم وغيره من حديث ابن عمر وأبو داود وغيره من طريق أبى المليح بن أسامة عن أبيه وله طرق
كثيرة لكن ليس فيها شئ على شرط البخاري فلهذا اقتصر على ذكره في الترجمة وأورد في الباب
ما يقوم مقامه (قوله لا تقبل) كذا في روايتنا بالضم على البناء لما لم يسم فاعله وأخرجه المصنف في
ترك الحيل عن إسحاق بن نصر وأبو داود عن أحمد بن حنبل كلاهما عن عبد الرزاق بلفظ لا يقبل
الله والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الاجزاء وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة
رافعة لما في الذمة ولما كان الاتيان بشروطها مظنة الاجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول
مجازا وأما القبول المنفى في مثل قوله صلى الله عليه وسلم من أتى عرافا لم تقبل له صلاة فهو الحقيقي
لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع ولهذا كان بعض السلف يقول لأن تقبل لي صلاة
واحدة أحب إلى من جميع الدنيا قاله ابن عمر قال لان الله تعالى قال انما يتقبل الله من المتقين
206

(قوله أحدث) أي وجد منه الحدث والمراد به الخارج من أحد السبيلين وانما فسره أبو هريرة
بأخص من ذلك تنبيها بالأخف على الأغلظ ولأنهما قد يقعان في أثناء الصلاة أكثر من غيرهما
وأما باقي الاحداث المختلف فيها بين العلماء كمس الذكر ولمس المرأة والقئ ملء الفم والحجامة فلعل
أبا هريرة كان لا يرى النقض بشئ منها وعليه مشى المصنف كما سيأتي في باب من لم ير الوضوء الا من
المخرجين وقيل إن أبا هريرة انما اقتصر في الجواب على ما ذكر لعلمه ان السائل كان يعلم ما عدا ذلك
وفيه بعد واستدل بالحديث على بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريا أم اضطراريا
وعلى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة لان القبول انتفى إلى غاية الوضوء وما بعدها مخالف لما قبلها
فاقتضى ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقا (قوله يتوضأ) أي بالماء أو ما يقوم مقامه وقد روى
النسائي باسناد قوى عن أبي ذر مرفوعا الصعيد الطيب وضوء المسلم فاطلق الشارع على التيمم انه
وضوء لكونه قام مقامه ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثا فتوضأ أي مع باقي شروط
الصلاة والله أعلم (قوله باب فضل الوضوء والغر المحجلون) كذا في أكثر الروايات بالرفع وهو على
سبيل الحكاية لما ورد في بعض طرق الحديث أنتم الغر المحجلون وهو عند مسلم أو الواو استئنافية
والغر المحجلون مبتدأ وخبره محذوف تقديره لهم فضل أو الخبر قوله من اثار الوضوء وفى رواية
المستملى والغر المحجلين بالعطف على الوضوء أي وفضل الغر المحجلين كما صرح به الأصيلي في روايته
(قوله عن خالد هو ابن يزيد الإسكندراني) أحد الفقهاء الثقات وروايته عن سعيد بن أبي هلال
من باب رواية الاقران (قوله عن نعيم المجمر) بضم الميم واسكان الجيم هو ابن عبد الله المدني وصف
هو وأبوه بذلك لكونهما كانا يبخران مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وزعم بعض العلماء ان وصف
عبد الله بذلك حقيقة ووصف ابنه نعيم بذلك مجاز وفيه نظر فقد جزم إبراهيم الحربي بان نعيما كان
يباشر ذلك ورجال هذا الاسناد الستة نصفهم مصريون وهو الليث وشيخه والراوي عنه والنصف
الآخر مدنيون (قوله رقيت) بفتح الراء وكسر القاف أي صعدت (قوله فتوضأ) كذا الجمهور
الرواة وللكشميهني يوما بدل قوله فتوضأ وهو تصحيف وقد رواه الإسماعيلي وغيره من الوجه الذي
أخرجه منه البخاري بلفظ ثم توضأ وزاد الإسماعيلي فيه فغسل وجهه ويديه فرفع في عضديه وغسل
رجليه فرفع في ساقيه وكذا لمسلم من طريق عمرو بن الحرث عن سعيد بن أبي هلال نحوه ومن طريق
عمارة بن غزية عن نعيم وزاد في هذه ان أبا هريرة قال هكذا رأيت رسول صلى الله عليه وسلم
يتوضأ فأفاد رفعه وفيه رد على من زعم أن ذلك من رأى أبي هريرة بل من روايته ورأيه معا (قوله
أمتي) أي أمة الإجابة وهم المسلمون وقد تطلق أمة محمد ويراد بها أمة الدعوة وليست مرادة هنا
(قوله يدعون) بضم أوله أي ينادون أو يسمون (قوله غرا) بضم المعجمة وتشديد الراء جمع أغر أي
ذو غرة وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر
والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم وغرا منصوب على المفعولية
ليدعون أو على الحال أي انهم إذا دعوا على رؤس الاشهاد نودوا بهذا الوصف وكانوا على هذه
الصفة (قوله محجلين) بالمهملة والجيم من التحجيل وهو بياض يكون في ثلاث قوائم من قوائم
الفرس وأصله من الحجل بكسر المهملة وهو الخلخال والمراد به هنا أيضا النور واستدل الحليمي بهذا
الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة وفيه نظر لأنه ثبت عند المصنف في قصة سارة
207

رضي الله عنها مع الملك الذي أعطاها هاجر ان سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلى
وفى قصة جريج الراهب أيضا انه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام فالظاهر أن الذي اختصت به هذه
الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء وقد صرح بذلك في رواية لمسلم عن أبي هريرة أيضا مرفوعا
قال سيما ليست لاحد غيركم وله من حديث حذيفة نحوه وسيما بكسر المهملة واسكان الياء
الأخيرة أي علامة وقد اعترض بعضهم على الحليمي بحديث هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي
وهو حديث ضعيف كما تقدم لا يصح الاحتجاج به لضعفه ولاحتمال ان يكون الوضوء من
خصائص الأنبياء دون أممهم الا هذه الأمة (قوله من آثار الوضوء) بضم الواو ويجوز فتحها على
أنه الماء قاله ابن دقيق العيد (قوله فمن استطاع منكم ان يطيل غرته فليفعل) أي فليطل الغرة
والتحجيل واقتصر على إحداهما لدلالتها على الأخرى نحو سرابيل تقيكم الحر واقتصر على ذكر
الغرة وهى مؤنثة دون التحجيل وهو مذكر لان محل الغرة أشرف أعضاء الوضوء وأول ما يقع عليه
النظر من الانسان على أن في رواية مسلم من طريق عمارة بن غزية ذكر الامرين ولفظه فليطل غرته
وتحجيله وقال ابن بطال كنى أبو هريرة بالغرة عن التحجيل لان الوجه لا سبيل إلى الزيادة في غسله
وفيما قال نظر لأنه يستلزم قلب اللغة وما نفاه ممنوع لان الإطالة ممكنة في الوجه بان يغسل إلى
صفحة العنق مثلا ونقل الرافعي عن بعضهم ان الغرة تطلق على كل من الغرة والتحجيل ثم إن
ظاهره انه بقية الحديث لكن رواه أحمد من طريق فليح عن نعيم وفى آخره قال نعيم لا أدرى قوله
من استطاع الخ من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة ولم أر هذه الجملة في رواية
أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية
نعيم هذه والله أعلم واختلف العلماء في القدر المستحب من التطويل في التحجيل فقيل إلى المنكب
والركبة وقد ثبت عن أبي هريرة رواية ورأيا وعن ابن عمر من فعله أخرجه ابن أبي شيبة وأبو عبيد
باسناد حسن وقيل المستحب الزيادة إلى نصف العضد والساق وقيل إلى فوق ذلك وقال
ابن بطال وطائفة من المالكية لا تستحب الزيادة على الكعب والمرفق لقوله صلى الله عليه وسلم
من زاد على هذا فقد أساء وظلم وكلامهم معترض من وجوه ورواية مسلم صريحة في الاستحباب
فلا تعارض بالاحتمال وأما دعواهم اتفاق العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة في ذلك فهي
مردودة بما نقلناه عن ابن عمر وقد صرح باستحبابه جماعة من السلف وأكثر الشافعية والحنفية
وأما تأويلهم الإطالة المطلوبة بالمداومة على الوضوء فمعترض بان الراوي أدرى بمعنى ما روى كيف
وقد صرح برفعه إلى الشارع صلى الله عليه وسلم وفى الحديث معنى ما ترجم له من فضل الوضوء لان
الفضل الحاصل بالغرة والتحجيل من آثار الزيادة على الواجب فكيف الظن بالواجب وقد وردت
فيه أحاديث صحيحة صريحة أخرجها مسلم وغيره وفيه جواز الوضوء على ظهر المسجد لكن إذا
لم يحصل منه أذى للمسجد أو لمن فيه والله أعلم (قوله باب) بالتنوين لا يتوضأ بفتح أوله على البناء
للفاعل (قوله من الشك) أي بسبب الشك (قوله حدثنا على) هو ابن عبد الله المديني وسفيان
هو ابن عيينة (قوله وعن عباد) هو معطوف على قوله عن سعيد بن المسيب وسقطت الواو من
رواية كريمة غلطا لان سعيدا لا رواية له عن عباد أصلا ثم إن شيخ سعيد فيه يحتمل ان يكون عم عباد
كأنه قال كلاهما عن عمه أي عم الثاني وهو عباد ويحتمل ان يكون محذوفا ويكون من مراسيل
208

ابن المسيب وعلى الأول جرى صاحب الأطراف ويؤيد الثاني رواية معمر لهذا الحديث عن
الزهري عن ابن المسيب عن أبي سعيد الخدري أخرجه ابن ماجة ورواته ثقات لكن سئل أحمد
عنه فقال إنه منكر (قوله عن عمه) هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري سماه مسلم
وغيره في روايتهم لهذا الحديث من طريق ابن عيينة واختلف هل هو عم عباد لأبيه أو لامه
(قوله أنه شكا) كذا في روايتنا شكا بألف ومقتضاه ان الراوي هو الشاكي وصرح بذلك ابن
خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان ولفظه عن عمه عبد الله بن زيد قال سألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن الرجل ووقع في بعض الروايات شكى بضم أوله على البناء المفعول وعلى
هذا فالهاء في أنه ضمير الشأن ووقع في مسلم شكى بالضم أيضا كما ضبطه النووي وقال لم يسم
الشاكي قال وجاء في رواية البخاري انه الراوي قال ولا ينبغي ان يتوهم من هذا ان شكى بالفتح أي
في رواية مسلم وانما نبهت على هذا لان بعض الناس قال إنه لم يظهر له كلام النووي (قوله الرجل)
بالضم على الحكاية هو وما بعده في موضع نصب (قوله يخيل) بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد
الياء الأخيرة المفتوحة وأصله من الخيال والمعنى يظن والظن هنا أعم من تساوى الاحتمالين
أو ترجيح أحدهما على ما هو أصل اللغة من أن الظن خلاف اليقين (قوله يجد الشئ) أي
الحديث خارجا منه وصرح به الإسماعيلي ولفظه يخيل إليه في صلاته انه يخرج منه شئ وفيه
العدول عن ذكر الشئ المستقذر بخاص اسمه الا للضرورة (قوله في الصلاة) تمسك بعض
المالكية بظاهره فخصوا الحكم بمن كان داخل الصلاة وأوجبوا الوضوء على من كان خارجها
وفرقوا بالنهى عن ابطال العبادة والنهى عن ابطال العبادة متوقف على صحتها فلا معنى
للتفريق بذلك لان هذا التخيل إن كان ناقضا خارج الصلاة فينبغي أن يكون كذلك فيها كبقية
النواقض (قوله لا ينفتل) بالجزم على النهى ويجوز الرفع على أن لا نافية (قوله أولا ينصرف)
هو شك من الراوي وكأنه من على لان الرواة غيره رووه عن سفيان بلفظ لا ينصرف من غير شك
(قوله صوتا) أي من مخرجه (قوله أو يجد) أو للتنويع وعبر بالوجدان دون الشم ليشمل ما لو
لمس المحل ثم شم يده ولا حجة فيه لمن استدل على أن لمس الدبر لا ينقض لان الصورة تحمل على
لمس ما قاربه لا عينه ودل حديث الباب على صحة الصلاة ما لم يتيقن الحدث وليس المراد
تخصيص هذين الامرين باليقين لان المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان الحكم للمعنى قاله
الخطابي وقال النووي هذا الحديث أصل في حكم بقاء الأشياء على أصولها حتى يتيقن خلاف
ذلك ولا يضر الشك الطارئ عليها وأخذ بهذا الحديث جمهور العلماء وروى عن مالك النقض
مطلقا وروى عنه النقض خارج الصلاة دون داخلها وروى هذا التفصيل عن الحسن
البصري والأول مشهور مذهب مالك قاله القرطبي وهو رواية ابن القاسم عنه وروى ابن نافع
عنه لا وضوء عليه مطلقا كقول الجمهور وروى ابن وهب عنه أحب إلى أن يتوضأ ورواية
التفصيل لم تثبت عنه وانما هي لأصحابه وحمل بعضهم الحديث على من كان به وسواس وتمسك
بأن الشكوى لا تكون الا عن علة وأجيب بما دل على التعميم وهو حديث أبي هريرة عند
مسلم ولفظه إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فاشكل عليه أخرج منه شئ أم لا فلا يخرجن من
المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وقوله فلا يخرجن من المسجد أي من الصلاة وصرح بذلك
209

أبو داود في روايته وقال العراقي ما ذهب إليه مالك راجح لأنه احتاط للصلاة وهى مقصد وألغى
الشك في السبب المبرئ وغيره احتاط للطهارة وهى وسيلة والغى الشك في الحدث الناقض لها
والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل وجوابه أن ذلك من حيث النظر قوى لكنه
مغاير لمدلول الحديث لأنه أمر بعدم الانصراف إلى أن يتحقق وقال الخطابي يستدل به لمن أوجب
الحد على من وجد منه ريح الخمر لأنه اعتبر وجدان الريح ورتب عليه الحكم ويمكن الفرق بأن
الحدود تدرأ بالشبهة والشبهة هنا قائمة بخلاف الأول فإنه متحقق (قوله باب التخفيف في
الوضوء) أي جواز التخفيف (قوله سفيان) هو ابن عيينة وعمرو هم ابن دينار المكي لا البصري
وكريب بالتصغير من الأسماء المفردة في الصحيحين والاسناد مكيون سوى على وقد أقام بها مدة
وفيه رواية تابعي عن تابعي عمرو عن كريب (قوله وربما قال اضطجع) أي كان سفيان يقول
تارة نام وتارة اضطجع وليسا مترادفين بل بينهما عموم وخصوص من وجه لكنه لم يرد إقامة
أحدهما مقام الآخر بل كان إذا روى الحديث مطولا قال اضطجع فنام كما سيأتي وإذا
اختصره قال نام أي مضطجعا أو اضطجع أي نائما (قوله ثم حدثنا) يعنى ان سفيان كان يحدثهم
به مختصرا ثم صار يحدثهم به مطولا (قوله ليلة فقام) كذا للأكثر ولابن السكن فنام بالنون
بدل القاف وصوبها القاضي عياض لأجل قوله بعد ذلك فلما كان في بعض الليالي قام انتهى ولا
ينبغي الجزم بخطئها لان توجيهها ظاهر وهو ان الفاء في قوله فلما تفصيلية فالجملة الثانية وإن كان
مضمونها مضمون الأولى لكن المغايرة بينهما بالاجمال والتفصيل (قوله فلما كان) أي رسول الله
صلى الله عليه وسلم (في بعض الليل) وللكشميهني من بدل في فيحتمل أن تكون بمعناها ويحتمل أن
تكون زائدة وكان تامة أي فلما حصل بعض الليل (قوله شن) بفتح المعجمة وتشديد النون أي
القربة العتيقة (قوله معلق) ذكر على إرادة الجلد أو الوعاء وقد أخرجه بعد أبواب بلفظ معلقة
(قوله يخففه عمرو ويقلله) أي يصفه بالتخفيف والتقليل وقال ابن المنير يخففه أي لا يكثر
الدلك ويقلله أي لا يزيد على مرة مرة قال وفيه دليل على ايجاب الدلك لأنه لو كان يمكن اختصاره
لاختصره لكنه لم يختصره انتهى وهى دعوى مردودة فإنه ليس في الخبر ما يقتضى الدلك بل
الاقتصار على سيلان الماء على العضو أخف من قليل الدلك (قوله نحوا مما توضأ) قال الكرماني
لم يقل مثلا لان حقيقة مماثلته صلى الله عليه وسلم لا يقدر عليها غيره انتهى وقد ثبت في هذا الحديث
كما سيأتي بعد أبواب فقمت فصنعت مثل ما صنع ولا يلزم من اطلاق المثلية المساواة من كل جهة
(قوله فآذنه) بالمد أي أعمله وللمستملى فناداه (قوله فصلى ولم يتوضأ) فيه دليل على أن النوم
ليس حدثا بل مظنة الحدث لأنه صلى الله عليه وسلم كان تنام عينه ولا ينام قلبه فلو أحدث لعلم
بذلك ولهذا كان ربما توضأ إذا قام من النوم وربما لم يتوضأ قال الخطابي وانما منع قلبه النوم
ليعى الوحي الذي يأتيه في منامه (قوله قلنا) القائل سفيان والحديث المذكور صحيح كما سيأتي من
وجه آخر وعبيد بن عمير من كبار التابعين ولأبيه عمير بن قتادة صحبة وقوله رؤيا الأنبياء وحى رواه
مسلم مرفوعا وسيأتى في التوحيد من رواية شريك عن أنس ووجه الاستدلال بما تلاه من جهة
ان الرؤيا لو لم تكن وحيا لما جاز لإبراهيم عليه السلام الاقدام على ذبح ولده وأغرب الداودي
الشارح فقال قول عبيد بن عمير لا تعلق له بهذا الباب وهذا الزام منه للبخاري بان لا يذكر من
210

الحديث الا ما يتعلق بالترجمة فقط ولم يشترط ذلك أحد وان أراد أنه لا يتعلق بحديث الباب أصلا
فممنوع والله أعلم وسيأتى بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الوتر من كتاب الصلاة إن شاء الله
تعالى (قوله باب اسباغ الوضوء) الاسباغ في اللغة الاتمام ومنه درع سابغ (قوله وقال ابن عمر)
هذا التعليق وصله عبد الرزاق في مصنفه باسناد صحيح وهو من تفسير الشئ بلازمه إذ الاتمام
يستلزم الانقاء عادة وقد روى ابن المنذر باسناد صحيح ان ابن عمر كان يغسل رجليه في الوضوء سبع
مرات وكأنه بالغ فيهما دون غيرهما لأنهما محل الأوساخ غالبا لاعتيادهم المشي حفاة والله أعلم
(قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة) هو القعنبي والحديث على الموطأ والاسناد كله مدنيون وفيه رواية
تابعي عن تابعي موسى عن كريب وأسامة بن زيد أي ابن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم له
ولأبيه وجده وصحبة وستأتى مناقبه في مكانها إن شاء الله تعالى (قوله دفع عن عرفة) أي أفاض
(قوله بالشعب) بكسر الشين المعجمة هو الطريق في الجبل واللام فيه للعهد (قوله ولم يسبغ الوضوء)
أي خففه ويأتي فيه ما تقدم في توجيه الحديث الماضي (قوله فقلت الصلاة) هو بالنصب
على الاغراء أو على الحذف والتقدير أتريد الصلاة ويؤيد قوله في رواية تأتى فقلت أتصلى
يا رسول الله ويجوز الرفع والتقدير حانت الصلاة (قوله قال الصلاة) هو بالرفع على الابتداء
وأمامك بفتح الهمزة خبره وفيه دليل على مشروعية الوضوء للدوام على الطهارة لأنه
صلى الله عليه وسلم لم يصل بذلك الوضوء شيئا وأما من زعم أن المراد بالوضوء هنا الاستنجاء فباطل
لقوله في الرواية الأخرى فجعلت أصب عليه وهو يتوضأ ولقوله هنا ولم يسبغ الوضوء (قوله نزل
فتوضأ فأسبغ الوضوء) فيه دليل على مشروعية إعادة الوضوء من غير أن يفصل بينهما بصلاة قاله
الخطابي وفيه نظر لاحتمال أن يكون أحدث * (فائدة) * الماء الذي توضأ به صلى الله عليه وسلم
ليلتئذ كان من ماء زمزم أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زيادات مسند أبيه باسناد حسن
من حديث علي بن أبي طالب فيستفاد منه الرد على من منع استعمال ماء زمزم لغير الشرب
وسيأتى بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الحج إن شاء الله تعالى (قوله باب غسل الوجه باليدين
من غرفة واحدة) مراده بهذا التنبيه على عدم اشتراط الاغتراف باليدين جميعا والإشارة إلى
تضعيف الحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل وجهه بيمينه وجمع الحليمي بينهما
بأن هذا حيث كان يتوضأ من اناء يصب منه بيساره على يمينه والآخر حيث كان يغترف لكن
سياق الحديث يأباه لان فيه بعد أن تناول الماء بإحدى يديه اضافه إلى الأخرى وغسل بهما
(قوله حدثنا محمد بن عبد الرحيم) هو أبى يحيى المعروف بصاعقة وكان أحد الحفاظ وهو من صغار
شيوخ البخاري من حيث الاسناد وشيخه منصور كان أحد الحفاظ أيضا وقد أدركه البخاري
لكنه لم يلقه وفى الاسناد رواية تابعي عن تابعي زيد عن عطاء (قوله أنه توضأ) زاد أبو داود في أوله
من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يتوضأ فدعا باناء فيه ماء وللنسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد في أول الحديث وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف غرفة (قوله فغسل وجهه) الفاء تفصيلية لأنها داخلة بين
المجمل والمفصل (قوله أخذ غرفة) وهو بيان لغسل وظاهره ان المضمضة والاستنشاق من جملة
غسل الوجه لكن المراد بالوجه أولا ما هو أعم من المفروض والمسنون بدليل انه أعاد ذكره ثانيا
211

بعد ذكر المضمضة والاستنشاق بغرفة مستقلة وفيه دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة
واحدة وغسل الوجه باليدين جميعا إذا كان بغرفة واحدة لان اليد الواحدة قد لا تستوعبه
(قوله أضافها) بيان لقوله فجعل بها هكذا (قوله فغسل بها) أي بالغرفة وللاصيلى وكريمة فغسل
بهما أي باليدين (قوله ثم مسح برأسه) لم يذكر لها غرفة مستقلة فقد يتمسك به من يقول
بطهورية الماء المستعمل لكن في رواية أبى داود ثم قبض قبضة من الماء ثم نفض يده ثم مسح
رأسه زاد النسائي من طريق عبد العزيز الدراوردي عن زيد وأذنيه مرة واحدة ومن طريق ابن
عجلان باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بابهاميه وزاد ابن خزيمة من هذا الوجه وادخل إصبعيه
فيهما (قوله فرش) أي سكب الماء قليلا قليلا إلى أن صدق عليه مسمى الغسل (قوله حتى)
غسلها) صريح في أنه لم يكتف بالرش واما ما وقع عند أبي داود والحاكم فزش على رجله اليمنى
وفيها النعل ثم مسحها بيديه يد فوق القدم ويد تحت النعل فالمراد بالمسح تسييل الماء حتى
يستوعب العضو وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ في النعل كما سيأتي عند المصنف من
حديث ابن عمر وأما قوله تحت النعل فإن لم يحمل على التجوز عن القدم والا فهي رواية شاذة
وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما تفرد به فكيف إذا خالف (قوله فغسل بها رجله يعنى اليسرى)
قائل يعنى هو زيد بن أسلم أو من دونه واستدل ابن بطال بهذا الحديث على أن الماء المستعمل طهور
لان العضو إذا غسل مرة واحدة فان الماء الذي يبقى في اليد منها يلاقى ماء العضو الذي يليه وأيضا
فالغرفة تلاقى أول جزء من أجزاء كل عضو فيصير مستعملا بالنسبة إليه وأجيب بان الماء
ما دام متصلا باليد مثلا لا يسمى مستعملا حتى ينفصل وفى الجواب بحث * (تنبيه) * ذكر ابن
التين أنه رواه بلفظ فعل بها رجله بالعين المهملة واللام المشددة قال فلعله جعل الرجلين بمنزلة
العضو الواحد فعد الغسلة الثانية تكريرا لان العل هو الشرب الثاني انتهى وهو تكلف ظاهر
والحق أنها تصحيف (قوله باب التسمية على كل حال وعند الوقاع) أي الجماع وعطفه عليه من
عطف الخاص على العام للاهتمام به وليس العموم ظاهرا من الحديث الذي أورده لكن يستفاد
من باب الأولى لأنه إذا شرع في حالة الجماع وهى مما أمر فيه بالصمت فغيره أولى وفيه إشارة إلى
تضعيف ما ورد من كراهة ذكر الله في حالين الخلاء والوقاع لكن على تقدير صحته لا ينافي حديث
الباب لأنه يحمل على حال إرادة الجماع كما سيأتي في الطريق الأخرى ويقيد ما أطلقه المصنف
ما رواه ابن أبي شيبة من طريق علقمة بن مسعود وكان إذا غشى أهله فأنزل قال اللهم لا تجعل
للشيطان فيما رزقتني نصيبا (قوله جرير) هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر من صغار
التابعين وفى الاسناد ثلاثة من التابعين (قوله فقضى بينهم) كذا للمستملى والحموي وللباقين
بينهما وهو أصوب ويجمل الأول على أن أقل الجمع اثنان وسيأتى مباحث هذا الحديث في كتاب
النكاح إن شاء الله تعالى وأفاد الكرماني انه رأى في نسخة قرئت على الفربري قبل لأبي عبد الله
يعنى المصنف من لا يحسن العربية يقولها بالفارسية قال نعم (قوله باب ما يقول عند الخلاء) أي
عند إرادة دخول الخلاء إن كان معدا لذلك والا فلا تقدير * (تنبيه) * أشكل ادخال هذا الباب
والأبواب التي بعده إلى باب الوضوء مرة مرة لأنه شرع في أبواب الوضوء فذكر منها فرضه وشرطه
وفضيلته وجواز تخفيفه واستحباب اسباغه ثم غسل الوجه ثم التسمية ولا أثر لتأخيرها عن غسل
الوجه لان محلها مقارنة أول جزء منه فتقديمها في الذكر عنه وتأخيرها سواء لكن ذكر بعدها
212

القول عند الخلاء واستمر في ذكر ما يتعلق بالاستنجاء ثم رجع فذكر الوضوء مرة مرة وقد خفى وجه
المناسبة على الكرماني فاستروح قائلا ما وجه الترتيب بين هذه الأبواب مع أن التسمية انما هي
قبل غسل الوجه لا بعده ثم توسيط أبواب الخلاء بين أبواب الوضوء وأجاب بقوله قلت البخاري
لا يراعى حسن الترتيب وجملة قصده انما هو في نقل الحديث وما يتعلق بصحيحه لا غير انتهى وقد
أبطل هذا الجواب في كتاب التفسير فقال لما ناقش البخاري في أشياء ذكرها من تفسير بعض
الألفاظ بما معناه لو ترك البخاري هذا لكان أولى لأنه ليس من موضوع كتابه وكذلك قال في مواضع
أخر إذا لم يظهر له توجيه ما يقوله البخاري مع أن البخاري في جميع ما يورده من تفسير الغريب انما
ينقله عن أهل ذلك الفن كأبى عبيدة والنضر بن شميل والفراء وغيرهم وأما المباحث الفقهية
فغالبها مستمدة له من الشافعي وأبى عبيد وأمثالهما وأما المسائل الكلامية فأكثرها من
الكرابيسي وابن كلاب ونحوهما والعجب من دعوى الكرماني انه لا يقصد تحسين الترتيب
بين الأبواب مع أنه لا يعرف لاحد من المصنفين على الأبواب من اعتنى بذلك غيره حتى قال جمع
من الأئمة فقه البخاري في تراجمه وقد أبديت في هذا الشرح من محاسنه وتدقيقه في ذلك
ما لا خفاء به وقد أمعنت النظر في هذا الموضوع فوجدته في بادئ الرأي يظن الناظر فيه أنه لم يعتن
بترتيبه كما قال الكرماني لكنه اعتنى بترتيب كتاب الصلاة اعتناء تاما كما سأذكره هناك وقد يتلمح
انه ذكر أولا فرض الوضوء كما ذكرت وأنه شرط لصحة الصلاة ثم فضله وأنه لا يجب الا مع التيقن
وأن الزيادة فيه على ايصال الماء إلى العضو ليس بشرط وأن ما زاد على ذلك من الاسباغ
فضل ومن ذلك الاكتفاء في غسل بعض الأعضاء بغرفة واحدة وأن التسمية مع أوله مشروعة
كما يشرع الذكر عند دخول الخلاء فاستطرد من هنا لآداب الاستنجاء وشرائطه ثم رجع لبيان
أن واجب الوضوء المرة الواحدة وأن الثنتين والثلاث سنة ثم ذكر سنة الاستنثار إشارة إلى
الابتداء بتنظيف البواطن قبل الظواهر وورد الامر بالاستجمار وترا في حديث الاستنثار
فترجم به لأنه من جملة التنظيف ثم رجع إلى حكم التخفيف فترجم بغسل القدمين لا بمسح الخفين
إشارة إلى أن التخفيف لا يكفي فيه المسح دون مسمى الغسل ثم رجع إلى المضمضة لأنها أخت
الاستنشاق ثم استدرك بغسل العقبين لئلا يظن أنهما لا يدخلان في مسمى القدم وذكر غسل
الرجلين في النعلين ردا على من قصر في سياق الحديث المذكور فاقتصر على النعلين على ما سأبينه
ثم ذكر فضل الابتداء باليمين ومتى يجب طلب الماء للوضوء ثم ذكر حكم الماء الذي يستعمل وما
يوجب الوضوء ثم ذكر الاستعانة في الوضوء ثم ما يمتنع على من كان على غير وضوء واستمر على ذلك
إذا ذكر شيئا من أعضاء الوضوء استطرد منه إلى ما له به تعلق لمن يمعن التأمل إلى أن أكمل كتاب
الوضوء على ذلك وسلك في ترتيب الصلاة أسهل من هذا المسلك فأورد أبوابها ظاهرة التناسب
في الترتيب فكأنه تفنن في ذلك والله أعلم (قوله الخبث) بضم المعجمة والموحدة كذا في الرواية
وقال الخطابي انه لا يجوز غيره وتعقب بأنه يجوز اسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على هذا
الوجه ككتب وكتب قال النووي وقد صرح جماعة من أهل المعرفة بان الباء هنا ساكنة منهم
أبو عبيدة الا ان يقال إن ترك التخفيف أولى لئلا يشتبه بالمصدر والخبث جمع خبيث والخبائث
جمع خبيثة يريد ذكر ان الشياطين وإناثهم قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما ووقع في نسخة
213

ابن عساكر قال أبو عبد الله يعنى البخاري ويقال الخبث أي باسكان الموحدة فإن كانت مخففة
عن المحركة فقد تقدم توجيهه وإن كانت بمعنى المفرد فمعناه كما قال ابن الاعرابى المكروه قال
فإن كان من الكلام فهو الشتم وإن كان من الملل فهو الكفر وإن كان من الطعام فهو الحرام
وإن كان من الشراب فهو الضار وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الافعال المذمومة
ليحصل التناسب ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره أعوذ بالله من الخبث والخبيث أو الخبث
والخبائث هكذا على الشك الأول بالاسكان مع الافراد والثاني بالتحريك مع الجمع أي من الشئ
المكروه ومن الشئ المذموم أو من ذكر ان الشياطين وإناثهم وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ
اظهارا للعبودية ويجهر بها للتعليم وقد روى العمرى هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن
المختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الامر قال إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله أعوذ بالله
من الخبث والخبائث واسناده على شرط مسلم وفيه زيادة التسمية ولم أرها في غير هذه الرواية
(قوله تابعه ابن عرعرة) اسمه محمد وحديثه عند المصنف في الدعوات (قوله وقال غندر) هذا
التعليق وصله البزار في مسنده عن محمد بن بشار بندار عن غندر بلفظه ورواه أحمد بن حنبل عن
غندر بلفظ إذا دخل (قوله وقال موسى) هو بن إسماعيل التبوذكي (قوله عن حماد) هو ابن
سلمة يعنى عن عبد العزيز بن صهيب وطريق موسى هذه وصلها البيهقي باللفظ المذكور (قوله
وقال سعيد بن زيد) هو أخو حماد بن زيد وروايته هذه وصلها المؤلف في الأدب المفرد قال
حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال حدثني أنس قال
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال فذكر مثل حديث الباب وأفادت
هذه الرواية تبيين المراد من قوله إذا دخل الخلاء أي كان يقول هذا الذكر عند إرادة الدخول
لا بعده والله أعلم وهذا في الأمكنة المعدة لذلك بقرينة الدخول ولهذا قال ابن بطال رواية إذا أتى
أعم لشمولها انتهى والكلام هنا في مقامين أحدهما هل يختص هذا الذكر بالأمكنة المعدة لذلك
لكونها تحضرها الشياطين كما ورد في حديث زيد بن أرقم في السنن أو يشمل حتى لو بال في اناء
مثلا في جانب البيت الأصح الثاني ما لم يشرع في قضاء الحاجة المقام الثاني متى يقول ذلك فمن يكره
ذكر الله في تلك الحالة يفصل أما في الأمكنة المعدة لذلك فيقوله قبيل دخولها وأما في غيرها فيقوله
في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلا وهذا مذهب الجمهور وقالوا فيمن نسى يستعيذ بقلبه لا بلسانه
ومن يجيز مطلقا كما نقل عن مالك لا يحتاج إلى تفصيل * (تنبيه) * سعيد بن زيد الذي أتى بالرواية
المبينة صدوق تكلم بعضهم في حفظه وليس له في البخاري غير هذا الموضع المعلق لكن لم ينفرد
بهذا اللفظ فقد رواه مسدد عن عبد الوارث عن عبد العزيز مثله و أخرجه البيهقي من طريقه
وهو على شرط البخاري (قوله باب وضع الماء عند الخلاء) هو بالمد وحقيقته المكان الخالي
واستعمل في المكان المعد لقضاء الحاجة مجازا (قوله ورقاء) هو ابن عمر (قوله عن عبيد الله)
بالتصغير (ابن أبي يزيد) مكي ثقة لا يعرف اسم أبيه ووقع في رواية الكشميهني ابن أبي زائدة وهو
غلط (قوله فوضعت له وضوءا) بفتح الواو أي ماء ليتوضأ به وقيل يحتمل أن يكون ناوله إياه ليستنحي
به وفيه نظر (قوله فأخبر) تقدم في كتاب العلم ان ميمونة بنت الحرث خالة ابن عباس هي المخبرة
بذلك قال التيمي فيه استحباب المكافأة بالدعاء وقال ابن المنير مناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه
214

على وضعه الماء من جهة أنه تردد بين ثلاثة أمور اما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء أو يضعه على
الباب ليتناوله من قرب أو لا يفعل شيئا فرأى الثاني أوفق لان في الأول تعرضا للاطلاع والثالث
يستدعى مشقة في طلب الماء والثاني أسهلها ففعله يدل على ذكائه فناسب أن يدعى له بالتفقه في
الدين ليحصل به النفع وكذا كان وقد تقدمت باقي مباحثه في كتاب العلم (قوله باب لا تستقبل
القبلة) في روايتنا بضم المثناة على البناء للمفعول وبرفع القبلة وفى غيرها بفتح الياء التحتانية على
البناء للفاعل ونصب القبلة ولام تستقبل مضمومة على أن لا نافيه ويجوز كسرها على انها ناهية
(قوله الا عند البناء جدار أو نحوه) وللكشميهني أو غيره أي كالاحجار الكبار والسواري والخشب
وغيرها من السواتر قال الإسماعيلي ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور وأجيب
بثلاثة أجوبة أحدهما أنه تمسك بحقيقة الغائط لأنه المكان المطمئن من الأرض في الفضاء وهذه
حقيقته اللغوية وإن كان قد صار يطلق على كل مكان أعد لذلك مجازا فيختص النهى به إذ الأصل
في الاطلاق الحقيقة وهذا الجواب للإسماعيلي وهو أقواها ثانيها ان استقبال القبلة انما يتحقق
في الفضاء وأما الجدار والأبنية فإنها إذا استقبلت أضيف إليها الاستقبال عرفا قاله ابن المنير
ويتقوى بأن الأمكنة المعدة ليست صالحة لان يصلى فيها فلا يكون فيها قبلة بحال وتعقب بأنه
يلزم منه أن لا تصح صلاة من بينه وبين الكعبة مكان لا يصلح للصلاة وهو باطل ثالثها الاستثناء
مستفاد من حديث ابن عمر المذكور في الباب الذي بعد لان حديث النبي صلى الله عليه وسلم
كله كأنه شئ واحد قاله ابن بطال وارتضاه ابن التين وغيره لكن مقتضاه أن لا يبقى لتفصيل التراجم
معنى فان قيل لم حملتم الغائط على حقيقته ولم تحملوه على ما هو أعم من ذلك ليتناول الفضاء
والبنيان لا سيما والصحابي راوي الحديث قد حمله على العموم فيهما لأنه قال كما سيأتي عند المصنف
في باب قبلة أهل المدينة في أوائل الصلاة فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة
فننحرف ونستغفر فالجواب ان أبا أيوب أعمل لفظ الغائط في حقيقته ومجازه وهو المتعمد وكأنه لم
يبلغه حديث التخصيص ولولا أن حديث ابن عمر دل على تخصيص ذلك بالأبنية لقلنا بالتعميم لكن
العمل بالدليلين أولى من الغاء أحدهما وقد جاء عن جابر فيما رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة
وغيرهم تأييد ذلك ولفظه عند أحمد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نستدبر القبلة
أو نستقبلها بفروجنا إذا هرقنا الماء قال ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة والحق أنه
ليس بناسخ لحديث النهى خلافا لمن زعمه بل هو محمول على أنه رآه في بناء أو نحوه لان ذلك هو
المعهود من حاله صلى الله عليه وسلم لمبالغته في التستر ورؤية ابن عمر له كانت عن غير قصد كما
سيأتي فكذا رواية جابر ودعوى خصوصية ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم لا دليل عليها إذ
الخصائص لا تثبت بالاحتمال ودل حديث ابن عمر الآتي على جواز استدبار القبلة في الأبنية
وحديث جابر على جواز استقبالها ولولا ذلك لكان حديث أبي أيوب لا يخص من عمومه بحديث
ابن عمر الا جواز الاستدبار فقط ولا يقال يلحق به الاستقبال قياسا لأنه لا يصح الحاقه به لكونه
فوقه وقد تمسك به قوم فقالوا بجواز الاستدبار دون الاستقبال حكى عن أبي حنيفة وأحمد
وبالتفريق بين البنيان والصحراء مطلقا قال الجمهور وهو مذهب مالك والشافعي واسحق وهو
أعدل الأقوال لاعماله جميع الأدلة ويؤيده من جهة النظر ما تقدم عن ابن المنير ان الاستقبال
215

في البنيان مضاف إلى الجدار عرفا وبان الأمكنة المعدة لذلك مأوى الشياطين فليست صالحة
لكونها قبلة بخلاف الصحراء فيهما وقال قوم بالتحريم مطلقا وهو المشهور عن أبي حنيفة وأحمد
وقال به أبو ثور صاحب الشافعي ورجحه من المالكية ابن العربي ومن الطاهرية ابن حزم وحجتهم
ان النهى مقدم على الإباحة ولم يصححوا حديث جابر الذي أشرنا إليه وقال قوم بالجواز مطلقا وهو
قول عائشة وعروة وربيعة وداود واعتلوا بأن الأحاديث تعارضت فليرجع إلى أصل الإباحة
فهذه المذاهب الأربعة مشهوره عن العلماء ولم يحك النووي في شرح المهذب غيرها وفى المسئلة
ثلاثة مذاهب أخرى منها جواز الاستدبار في البنيان فقط تمسكا بظاهر حديث ابن عمر وهو قول
أبى يوسف ومنها التحريم مطلقا حتى في القبلة المنسوخة وهى بيت المقدس وهو محكى عن
إبراهيم وابن سيرين عملا بحديث معقل الأسدي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل
القبلتين ببول أو بغائط رواه أبو داود وغيره وهو حديث ضعيف لان فيه راويا مجهول الحال
وعلى تقدير صحته فالمراد بذلك أهل المدينة ومن على سمتها لان استقبالهم بيت المقدس يستلزم
استدبارهم الكعبة فالعلة استدبار الكعبة لا استقبال بيت المقدس وقد ادعى الخطابي الاجماع
على عدم تحريم استقبال بيت المقدس لمن لا يستدبر في استقباله الكعبة وفيه نظر لما ذكرناه عن
إبراهيم وابن سيرين وقد قال به بعض الشافعية أيضا حكاه ابن أبي الدم ومنها ان التحريم مختص
باهل المدينة ومن كان على سمتها فأما من كانت قبلته في جهة المشرق أو المغرب فيجوز له
الاستقبال والاستدبار مطلقا لعموم قوله شرقوا أو غربوا قاله أبو عوانة صاحب المزنى وعكسه
البخاري فاستدل به على أنه ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة كما سيأتي في باب قبلة أهل المدينة
من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى (قوله فلا يستقبل) بكسر اللام لان لا ناهية واللام في القبلة
للعهد أي للكعبة (قوله ولا يولها ظهره) ولمسلم ولا يستدبرها وزاد ببول أو بغائط والغائط الثاني
غير الأول أطلق على الخارج من الدبر مجازا من اطلاق اسم المحل على الحال كراهية لذكره
بصريح اسمه وحصل من ذلك جناس تام والظاهر من قوله ببول اختصاص النهى بخروج
الخارج من العورة ويكون مثاره اكرام القبلة عن المواجهة بالنجاسة ويؤيده قوله في حديث
جابر إذا هرقنا الماء وقيل مثار النهى كشف العورة وعلى هذا فيطرد في كل حالة تكشف فيها
العورة كالوطء مثلا وقد نقله ابن شاش المالكي قولا في مذهبهم وكان قائلة تمسك برواية في الموطأ
لا تستقبلوا القبلة بفروجكم ولكنها محمولة على المعنى الأول أي حال قضاء الحاجة جمعا بين
الروايتين والله أعلم وسيأتى الكلام على قول أبى أيوب فننحرف ونستغفر حيث أورده المصنف
في أوائل الصلاة إن شاء الله تعالى (قوله باب من تبرز) بوزن تفعل من البراز بفتح الموحدة وهو
الفضاء الواسع كنوا به عن الخارج من الدبر كما تقدم في الغائط (قوله على لبنتين) بفتح اللام وكسر
الموحدة وفتح النون تثنية لبنة وهى ما يصنع من الطين أو غيره للبناء قبل أن يحرق (قوله يحيى بن
سعيد) هو الأنصاري المدني التابعي وكذا شيخه وشيخ شيخه في الأوصاف الثلاثة ولكن قيل إن
لواسع رؤية فذكر لذلك في الصحابة وأبوه حبان هو ابن منقذ بن عمرو له ولأبيه صحبة وقد تقدم في
المقدمة أنه بفتح المهملة وبالموحدة (قوله إنه كان يقول) أي ابن عمر كما صرح به مسلم في روايته
وسيأتى لفظه قريبا فأما من زعم أن الضمير يعود على واسع فهو وهم منه وليس قوله فقال ابن عمر
216

جوابا لواسع بل الفاء في قوله فقال سببية لان ابن عمر أورد القول الأول منكرا له ثم بين سبب
انكاره بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان يمكنه أن يقول فلقد رأيت إلى آخره ولكن
الراوي عنه وهو واسع أراد التأكيد بإعادة قوله قال عبد الله بن عمر (قوله إن ناسا) يشير بذلك
إلى من كان يقول بعموم النهى كما سبق وهو مروى عن أبي أيوب وأبي هريرة ومعقل
الأسدي وغيرهم (قوله إذا قعدت) ذكر العقود لكونه الغالب والا فحال القيام كذلك (قوله
على حاجتك) كنى بهذا عن التبرز ونحوه (قوله لقد) اللام جواب قسم محذوف (قوله على
ظهر بيت لنا) وفى رواية يزيد الآتية على ظهر بيتنا وفى رواية عبيد الله بن عمر الآتية على ظهر
بيت حفصة أي أخته كما صرح به في رواية مسلم ولابن خزيمة دخلت على حفصة بنت عمر فصعدت
ظهر البيت وطريق الجمع أن يقال اضافته البيت إليه على سبيل المجاز لكونها أخته فله منه سبب
أو حيث إضافة إلى حفصة كان باعتبار أنه البيت الذي اسكنها النبي صلى الله عليه وسلم فيه
واستمر في يدها إلى أن ماتت فورث عنها وسيأتى انتزاع المصنف من هذا الحديث في كتاب
الخمس إن شاء الله تعالى وحيث اضافه إلى نفسه كان باعتبار ما آل إليه الحال لأنه ورث حفصة دون
اخوته لكونها كانت شقيقته ولم تترك من يحجبه عن الاستيعاب (قوله على لبنتين) ولابن خزيمة
فأشرفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على خلائه وفى رواية له فرأيته يقضى حاجته
محجوبا عليه بلبن وللحكيم الترمذي بسند صحيح فرأيته في كنيف وهو بفتح الكاف وكسر النون
بعدها ياء تحتانية ثم فاء وانتفى بهذا ايراد من قال ممن يرى الجواز مطلقا يحتمل أن يكون رآه في
الفضاء وكونه على لبنتين لا يدل على البناء لاحتمال أن يكون جلس عليهما ليرتفع بهما عن الأرض
ويرد هذا الاحتمال أيضا أن ابن عمر كان يرى المنع من الاستقبال في الفضاء الا بساتر كما رواه أبو داود
والحاكم بسند لا بأس به ولم يقصد ابن عمر الاشراف على النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة وانما
صعد السطح لضرورة له كما في الرواية الآتية فحانت منه التفاتة كما في رواية للبيهقي من طريق
نافع عن ابن عمر نعم لما اتفقت له رؤيته في تلك الحالة عن غير قصد أحب ان لا يخلى ذلك من فائدة
فحفظ هذا الحكم الشرعي وكأنه انما رآه من جهة ظهره حتى ساغ له تأمل الكيفية المذكورة
من غير محذور ودل ذلك على شدة حرص هذا الصحابي على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم
ليتبعها وكذا كان رضي الله عنه (قوله قال) أي ابن عمر (لعلك) الخطاب لواسع وغلط من زعم أنه
مرفوع وقد فسر مالك المراد بقوله يصلون على أوراكهم أي من يلصق بطنه بوركيه إذا سجد
وهو خلاف هيئة السجود المشروعة وهى التجافي والتجنح كما سيأتي بيانه في موضعه وفى النهاية
وفسر بأنه يفرج ركبتيه فيصير معتمدا على وركيه وقد استشكلت مناسبة ذكر ابن عمر لهذا مع
المسئلة السابقة فقيل يحتمل أن يكون أراد بذلك ان الذي خاطبه لا يعرف السنة إذ لو كان عارفا
بها لعرف الفرق بين الفضاء وغيره أو الفرق بين استقبال الكعبة وبيت المقدس وانما كنى عمن
لا يعرف السنة بالذي يصلى على وركيه لان من يفعل ذلك لا يكون الا جاهلا بالسنة وهذا
الجواب للكرماني ولا يخفى ما فيه من التكلف وليس في السياق ان واسعا سأل ابن عمر عن المسئلة
الأولى حتى ينسيه إلى عدم معرفتها ثم الحصر الأخير مردود لأنه قد يسجد على وركيه من يكون
عارفا بسنن الخلاء والذي يظهر في المناسبة ما دل عليه سياق مسلم ففي أوله عنده عن واسع قال
217

كنت أصلى في المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من شقى فقال
عبد الله يقول ناس فذكر الحديث فكأن ابن عمر رأى منه في حال سجوده شيا لم يتحققه فسأله
عنه بالعبارة المذكورة وكأنه بدأ بالقصة الأولى لأنها من روايته المرفوعة المحققة عنده فقدمها
على ذلك الامر المظنون ولا يبعد أن يكون قريب العهد بقول من نقل عنهم ما نقل فأحب أن
يعرف الحكم لهذا التابعي لينقله عنه على أنه لا يمتنع ابداء مناسبة بين هاتين المسئلتين
بخصوصهما وان لاحداهما بالأخرى تعلقا بأن يقال لعل الذي كان يسجد وهو لاصق بطنه
بوركيه كان يظن امتناع استقبال القبلة بفرجه في كل حالة كما قدمنا في الكلام على مثار النهى
وأحوال الصلاة أربعة قيام وركوع وسجود وقعود وانضمام الفرج فيها بين الوركين ممكن الا
إذا جافى في السجود فرأى أن في الالصاق ضما للفرج ففعله ابتداعا وتنطعا والسنة بخلاف ذلك
والتستر بالثياب كاف في ذلك كما أن الجدار كاف في كونه حائلا بين العورة والقبلة ان قلنا إن مثار
النهى الاستقبال بالعورة فلما حدث ابن عمر التابعي بالحكم الأول أشار له إلى الحكم الثاني منبها له
على ما ظنه منه في تلك الصلاة التي رآه صلاها وأما قول واسع لا أدرى فدال على أنه لا شعور عنده
بشئ مما ظنه به ولهذا لم يغلظ ابن عمر له في الزجر والله أعلم (قوله باب خروج النساء إلى البراز)
أي الفضاء كما تقدم وهو بفتح الموحدة ثم راء وبعد الألف زاي قال الخطابي أكثر الرواة يقولونه
بكسر أوله وهو غلط لان البراز بالكسر هو المبارزة في الحرب (قلت) بل هو موجه لأنه يطلق
بالكسر على نفس الخارج قال الجوهري البراز المبارزة في الحرب والبراز أيضا كناية عن ثقل
الغذاء وهو الغائط والبراز بالفتح الفضاء الواسع انتهى فعلى هذا من فتح أراد الفضاء فان أطلقه
على الخارج فهو من اطلاق اسم المحل على الحال كما تقدم مثله في الغائط ومن كسر أراد نفس
الخارج (قوله حدثنا يحيى بن بكير) تقدم هذا الاسناد برمته في بدء الوحي وفيه تابعيان عروة وابن
شهاب وقرينان الليث وعقيل (قوله المناصع) بالنون وكسر الصاد المهملة بعدها عين مهملة جمع
منصع بوزن مقعد وهى أماكن معروفة من ناحية البقيع قال الداودي سميت بذلك لان
الانسان ينصع فيها أي يخلص والظاهر أن التفسير مقول عائشة والأفيح بالحاء المهملة المتسع
(قوله أحجب) أي امنعهن من الخروج من بيوتهن بدليل ان عمر بعد نزول آية الحجاب قال لسودة
ما قال كما سيأتي قريبا ويحتمل ان يكون أراد أولا الامر بستر وجوههن فلما وقع الامر بوفق ما أراد
أحب أيضا ان يحجب أشخاصهن مبالغة في التستر فلم يجب لأجل الضرورة وهذا أظهر الاحتمالين
وقد كان عمر يعد نزول آية الحجاب من موافقاته كما سيأتي في تفسير سورة الأحزاب وعلى هذا فقد
كان لهن في التستر عند قضاء الحاجة حالات أولها بالظلمة لأنهن كن يخرجن بالليل دون النهار كما
قالت عائشة في هذا الحديث كن يخرجن بالليل وسيأتى في حديث عائشة في قصة الإفك
فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبر زنا وكنا لا نخرج الا ليلا إلى ليل انتهى ثم نزل الحجاب
فتسترن بالثياب لكن كانت أشخاصهن ربما تتميز ولهذا قال عمر لسودة في المرة الثانية بعد نزول
الحجاب أما والله ما تخفين علينا ثم اتخذت الكنف في البيوت فتسترن بها كما في حديث عائشة في
قصة الإفك أيضا فان فيها وذلك قبل ان تتخذ الكنف وكان قصة الإفك قبل نزول آية الحجاب كما
سيأتي شرحه في موضعه إن شاء الله تعالى (قوله فأنزل الله الحجاب) وللمستملى آية الحجاب زاد أبو
218

عوانة في صحيحه من طريق الزبيدي عن ابن شهاب فأنزل الله الحجاب يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا
بيوت النبي الآية وسيأتى في تفسير الأحزاب ان سبب نزولها قصة زينب بنت جحش لما أولم عليها
وتأخر النفر الثلاثة في البيت واستحيا النبي صلى الله عليه وسلم ان يأمرهم بالخروج فنزلت آية
الحجاب وسيأتى أيضا حديث عمر قلت يا رسول الله ان نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو
أمرتهن ان يحتجبن فنزلت آية الحجاب وروى ابن جرير في تفسيره من طريق مجاهد قال بينا النبي
صلى الله عليه وسلم يأكل ومعه بعض أصحابه وعائشة تأكل معهم إذ أصابت يد رجل منهم يدها
فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فنزلت آية الحجاب وطريق الجمع بينها ان أسباب نزول الحجاب
تعددت وكانت قصة زينب آخرها للنص على قصتها في الآية أو المراد بآية الحجاب في بعضها قوله
تعالى يدنين عليهن من جلابيبهن (قوله حدثنا زكريا) هو ابن يحيى وسيأتى حديثه هذا في التفسير
مطولا ومحصله ان سودة خرجت بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت عظيمة الجسم فرآها عمر بن
الخطاب فقال يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين فرجعت فشكت ذلك للنبي
صلى الله عليه وسلم وهو يتعشى فأوحى إليه فقال إنه قد أذن لكن ان تخرجن لحاجتكن قال
ابن بطال فقه هذا الحديث انه يجوز للنساء التصرف فيما لهن الحاجة إليه من مصالحهن وفيه
مراجعة الأدنى للأعلى فيما يتبين له انه الصواب وحيث لا يقصد التعنت وفيه منقبة لعمر وفيه
جواز كلام الرجال مع النساء في الطرق للضرورة وجواز الاغلاظ في القول لمن يقصد الخير وفيه
جواز وعظ الرجل أمة في الدين لان سودة من أمهات المؤمنين وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم
كان ينتظر الوحي في الأمور الشرعية لأنه لم يأمرهن بالحجاب مع وضوح الحاجة إليه حتى نزلت
الآية وكذا في اذنه لهن بالخروج والله أعلم (قوله باب التبرر في البيوت) عقب المصنف بهذه
الترجمة ليشير إلى أن خروج النساء للبراز لم يستمر بل اتخذت بعد ذلك الأخلية في البيوت فاسنغنين
عن الخروج الا للضرورة (قوله عبيد الله بن عمر) أي ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو
تابعي صغير من فقهاء أهل المدينة واثباتهم والاسناد كله مدنيون (قوله حدثنا يعقوب بن
إبراهيم) هو الدورقي ويزيد هو ابن هارون كما لأبي ذر والأصيلي ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري الذي
روى مالك عنه هذا الحديث كما تقدم ولم يقع في رواية يحيى مستدبر القبلة أي الكعبة كما في
رواية عبيد الله بن عمر لان ذلك من لازم من استقبل الشام بالمدينة وانما ذكرت في رواية عبيد الله
للتأكيد والتصريح به والتعبير تارة بالشام وتارة ببيت المقدس بالمعنى لأنهما في جهة واحدة
(قوله باب الاستنجاء بالماء) أراد بهذه الترجمة الرد على من كرهه وعلى من نفى وقوعه من النبي
صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه انه
سئل عن الاستنجاء بالماء فقال إذا لا يزال في يدي نتن وعن نافع ان ابن عمر كان لا يستنجى بالماء وعن
ابن الزبير قال ما كنا نفعله ونقل ابن التين عن مالك انه أنكر ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم
استنجى بالماء وعن ابن حبيب من المالكية انه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم (قوله هشام بن
عبد الملك) هو الطيالسي والاسناد كله بصريون (قوله أجىء أنا وغلام) زاد في الرواية الآتية
عقبها منا أي من الأنصار وصرح به الإسماعيلي في روايته ولمسلم نحوي أي مقارب لي في السن
والغلام هو المترعرع قاله أبو عبيد وقال في المحكم من لدن الفطام إلى سبع سنين وحكى
219

الزمخشري في أساس البلاغة ان الغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء فان قيل له بعد الالتحاء غلام
فهو مجاز (قوله إداوة) بكسر الهمزة اناء صغير من جلد (قوله من ماء) أي مملوءة من ماء (قوله
يعنى يستنجى به) قائل يعنى هو هشام وقد رواه المصنف بعد هذا عن سليمان بن حرب فلم يذكرها
لكنه رواه عقبة من طريق محمد بن جعفر عن شعبة فقال يستنجى بالماء والإسماعيلي من طريق ابن
مرزوق عن شعبة فأنطلق أنا وغلام من الأنصار معنا إداوة فيها ماء يستنجى منها النبي صلى الله
عليه وسلم وللمصنف من طريق روح بن القاسم عن عطاء بن أبي ميمونة إذا تبرز لحاجته أتيته بماء
فيغسل به ولمسلم من طريق خالد الحذاء عن عطاء عن أنس فخرج علينا وقد استنجى بالماء وقد بان
بهذه الروايات ان حكاية الاستنجاء من قول أنس راوي الحديث ففيه الرد على الأصيلي حيث
تعقب على البخاري استدلاله بهذا الحديث على الاستنجاء بالماء قال لان قوله يستنجى به ليس هو
من قول أنس انما هو من قول أبى الوليد أي أحد الرواة عن شعبة قال وقد رواه سلمان بن حرب
عن شعبة فلم يذكرها قال فيحتمل ان يكون الماء لوضوئه انتهى وقد انتفى هذا الاحتمال بالروايات
التي ذكرناها وكذا فيه الرد على من زعم أن قوله يستنجى بالماء مدرج من قول عطاء الراوي عن
أنس فيكون مرسلا فلا حجة فيه كما حكاه ابن التين عن أبي عبد الملك البوني فان رواية خالد التي
ذكرناها تدل على أنه قول أنس حيث قال فخرج علينا ووقع هنا في نكت البدر الزركشي تصحيف
فإنه نسب التعقب المذكور إلى الإسماعيلي وانما هو للأصيلي وأقره فكأنه ارتضاه وليس بمرضى كما
أوضحناه وكذا نسبه الكرماني إلى ابن بطال وأقره عليه وابن بطال انما أخذه عن الأصيلي (قوله
باب من حمل معه الماء لطهوره) هو بالضم أي ليتطهر به (قوله وقال أبو الدرداء أليس فيكم) هذا
الخطاب لعلقمة بن قيس والمراد بصاحب النعلين وما ذكر معهما عبد الله بن مسعود لأنه كان يتولى
خدمة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وصاحب النعلين في الحقيقة هو النبي صلى الله عليه وسلم
وقيل لابن مسعود صاحب النعلين مجازا لكونه كان يحملهما وسيأتى الحديث المذكور
موصولا عند المصنف في المناقب إن شاء الله تعالى وايراد المصنف لحديث أنس مع هذا الطرف
من حديث أبي الدرداء يشعر اشعارا قويا بان الغلام المذكور في حديث أنس هو ابن مسعود وقد
قدمنا ان لفظ الغلام يطلق على غير الصغير مجازا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود
بمكة وهو يرعى الغنم انك لغلام معلم وعلى هذا فقول أنس وغلام منا أي من الصحابة أو من خدم
النبي صلى الله عليه وسلم وأما رواية الإسماعيلي التي فيها من الأنصار فلعلها من تصرف الراوي
حيث رأى في الرواية منا فحملها على القبيلة فرواها بالمعنى فقال من الأنصار أو اطلاق الأنصار
على جميع الصحابة سائغ وإن كان العرف خصه بالأوس والخزرج وروى أبو داود من حديث أبي
هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في ركوة فاستنجى فيحتمل ان
يفسر به الغلام المذكور في حديث أنس ويؤيده ما رواه المصنف في ذكر الجن من حديث أبي
هريرة انه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم الإداوة لوضوئه وحاجته وأيضا فان في رواية
أخرى لمسلم ان أنسا وصفه بالصغر في ذلك الحديث فيبعد لذلك أن يكون هو ابن مسعود والله أعلم
ويكون المراد بقوله أصغرنا أي في الحال لقرب عهده بالاسلام وعند مسلم في حديث جابر الطويل
الذي في آخر الكتاب ان النبي صلى الله عليه وسلم انطلق لحاجته فاتبعه جابر بإداوة فيحتمل ان
220

يفسر به المبهم ولا سيما وهو انصارى ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن شعبة
فأتبعه وأنا غلام بتقديم الواو فتكون حالية لكن تعقبه الإسماعيلي بأن الصحيح أنا وغلام أي بواو
العطف (قوله باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء) العنزة بفتح النون عصى اقصر من الرمح لها
سنان وقيل هي الحربة القصيرة ووقع في رواية كريمة في آخر حديث هذا الباب العنزة عصى
عليها زج بزاي مضمومة ثم جيم مشددة أي سنان وفى الطبقات لابن سعد ان النجاشي كان
أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا يؤيد كونها كانت على صفة الحربة لأنها من آلات الحبشة
كما سيأتي في العيدين إن شاء الله تعالى (قوله سمع أنس بن مالك) أي انه سمع ولفظة أنه تحذف في
الخط عرفا (قوله يدخل الخلاء) المراد به هنا الفضاء لقوله في الرواية الأخرى كان إذا خرج لحاجته
ولقرينة حمل العنزة مع الماء فان الصلاة إليها انما تكون حيث لا سترة غيرها وأيضا فان الأخلية
التي في البيوت كان خدمته فيها متعلقة بأهله وفهم بعضهم من تبويب البخاري انها كانت
تحمل ليستتر بها عند قضاء الحاجة وفيه نظر لان ضابط السترة في هذا ما يستر الأسافل والعنزة
ليست كذلك نعم يحتمل أن يركزها أمامه ويضع عليها الثوب الساتر أو يركزها بجنبه لتكون
إشارة إلى منع من يروم المرور بقربه أو تحمل لنبش الأرض الصلبة أو لمنع ما يعرض من هوام
الأرض لكونه صلى الله عليه وسلم كان يبعد عند قضاء الحاجة أو تحمل لأنه كان إذا استنجى
توضأ وإذا توضأ صلى وهذا أظهر الأوجه وسيأتى التبويب على العنزة في سترة المصلى في الصلاة
واستدل البخاري بهذا الحديث على غسل البول كما سيأتي وفيه جواز استخدام الأحرار خصوصا
إذا أرصدوا لذلك ليحصل لهم التمرن على التواضع وفيه أن في خدمة العالم شرفا للمتعلم لكون أبى
الدرداء مدح ابن مسعود بذلك وفيه حجة على ابن حبيب حيث منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم لان
ماء المدينة كان عذبا واستدل به بعضهم على استحباب التوضئ من الأواني دون الأنهار والبرك
ولا يستقيم الا لو كان النبي صلى الله عليه وسلم وجد الأنهار والبرك فعدل عنها إلى الأواني (قوله
تابعه النضر) أي ابن شميل تابع محمد بن جعفر وحديثه موصول عند النسائي (قوله وشاذان)
أي الأسود بن عامر وحديثه عند المصنف في الصلاة ولفظه ومعنا عكازة أو عصى أو عنزة
والظاهر أن أو شك من الراوي لتوافق الروايات على ذكر العنزة والله أعلم وجميع الرواة
المذكورين في هذه الأبواب الثلاثة بصريون (قوله باب النهى عن الاستنجاء باليمين) أي باليد
اليمنى وعبر بالنهى إشارة إلى أنه لم يظهر له هل هو للتحريم أو للتنزيه أو ان القرينة الصارفة للنهي
عن التحريم لم تظهر له وهى أن ذلك أدب من الآداب وبكونه للتنزيه قال الجمهور وذهب
أهل الظاهر إلى أنه للتحريم وفى كلام جماعة من الشافعية ما يشعر به لكن قال النووي مراد من
قال منهم لا يجوز الاستنجاء باليمين أي لا يكون مباحا يستوى طرفاه بل هو مكروه راجح الترك ومع
القول بالتحريم فمن فعله أساء وأجزأه وقال أهل الظاهر وبعض الحنابلة لا يجزئ ومحل هذا
الاختلاف حيث كانت اليد تباشر ذلك بآلة غيرها كالماء وغيره أما بغير آلة فحرام غير مجزئ بلا
خلاف واليسرى في ذلك كاليمني والله أعلم (قوله حدثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة
وهو بصرى من قدماء شيوخ البخاري (قوله هو الدستواني) أي ابن عبد الله لا ابن حسان وهما
بصريان ثقتان مشهوران من طبقة واحدة (قوله عن أبيه) أي أبى قتادة الحرث وقيل عمرو
221

وقيل النعمان الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مشاهده أحد ومات سنة
أربع وخمسين على الصحيح فيهما (قوله فلا يتنفس) بالجزم ولا ناهية في الثلاثة وروى بالضم فيها
على أن لا نافية (قوله في الآناء) أي داخله وأما إذا أبانه وتنفس فهي السنة كما سيأتي في
حديث أنس في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى وهذا النهى للتأديب لإرادة المبالغة في النظافة
إذ قد يخرج مع النفس بصاق أو مخاط أو بخار ردى فيكسبه رائحة كريهة فيتقذر بها هو أو غيره
عن شربه (قوله وإذا أتى الخلاء) أي فبال كما فسرته الرواية التي بعدها (قوله ولا يتمسح
بيمينه) أي لا يستنج وقد أثار الخطابي هنا بحثا وبالغ في التبجح به وحكى عن أبي علي بن أبي هريرة انه
ناظر رجلا من الفقهاء الخراسانيين فسأله عن هذه المسئلة فأعياه جوابها ثم أجاب الخطابي عنه
بجواب فيه نظر ومحصل الايراد ان المستجمر متى استجمر بيساره استلزم مس ذكره بيمينه ومتى
أمسكه بيساره استلزم استجماره بيمينه وكلاهما قد شمله النهى ومحصل الجواب انه يقصد الأشياء
الضخمة التي لا تزول بالحركة كالجدار ونحوه من الأشياء البارزة فيستجمر بها بيساره فإن لم
يجد فليلصق مقعدته بالأرض ويمسك ما يستجمر به بين عقبيه أو ابهامي رجليه ويستجمر
بيساره فلا يكون متصرفا في شئ من ذلك بيمينه انتهى وهذه هيئة منكرة بل يتعذر فعلها في غالب
الأوقات وقد تعقبه الطيبى بأن النهى عن الاستجمار باليمين مختص بالدبر والنهى عن المس
مختص بالذكر فبطل الايراد من أصله كذا قال وما ادعاه من تخصيص الاستنجاء بالدبر مردود
والمس وإن كان مختصا بالذكر لكن يلحق به الدبر قياسا والتنصيص على الذكر لا مفهوم له بل فرج
المرأة كذلك وانما خص الذكر بالذكر لكون الرجال في الغالب هم المخاطبون والنساء شقائق
الرجال في الاحكام الا ما خص والصواب في الصورة التي أوردها الخطابي ما قاله امام الحرمين
ومن بعده كالغزالي في الوسيط والبغوي في التهذيب انه يمر العضو بيساره على شئ يمسكه بيمينه
وهى قارة غير متحركة فلا يعد مستجمرا باليمين ولا ماسا بها ومن ادعى انه في هذه الحالة يكون
مستجمرا بيمينه فقد غلط وانما هو كمن صب بيمينه الماء على يساره حال الاستنجاء (قوله باب
لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال) أشار بهذه الترجمة إلى أن النهى المطلق عن مس الذكر باليمين كما في
الباب قبله محمول على المقيد بحالة البول فيكون ما عداه مباحا وقال بعض العلماء يكون ممنوعا
أيضا من باب الأولى لأنه نهى عن ذلك مع مظنة الحاجة في تلك الحالة وتعقبه أبو محمد بن أبي جمرة
بان مظنة الحاجة لا تختص بحالة الاستنجاء وانما خص النهى بحالة البول من جهة ان مجاور
الشئ يعطى حكمه فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس آلته حسما للمادة ثم استدل على الإباحة
بقوله صلى الله عليه وسلم لطلق بن علي حين سأله عن مس ذكره انما هو بضعة منك فدل على
الجواز في كل حال فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح وبقى ما عداها على الإباحة انتهى
والحديث والذي أشار إليه صحيح أو حسن وقد يقال حمل المطلق على المقيد غير متفق عليه بين
العلماء ومن قال به اشترط فيه شروطا لكن نبه ابن دقيق العيد على أن محل الاختلاف انما هو
حيث تتغاير مخارج الحديث بحيث يعد حديثين مختلفين فأما إذا اتحد المخرج وكان الاختلاف
فيه من بعض الرواة فينبغي حمل المطلق على المقيد بلا خلاف لان التقييد حينئذ يكون زيادة
من عدل فتقبل (قوله حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي وقد صرح ابن خزيمة في روايته بسماع
222

يحيى له من عبد الله بن أبي قتادة وصرح ابن المنذر في الأوسط بالتحديث في جميع الاسناد أورده
من طريق بشر بن بكر عن الأوزاعي فحصل الامن من محذور التدليس (قوله فلا يأخذن) كذا
لأبي ذر بنون التأكيد ولغيره بدونها وهو مطابق لقوله في الترجمة لا يمسك وكذا في مسلم التعبير
بالمسك من رواية همام عن يحيى ووقع في رواية الإسماعيلي لا يمس فاعترض على ترجمة البخاري
بان المس أعم من المسك يعنى فكيف تستدل بالأعم على الأخص ولا ايراد على البخاري من هذه
الحيثية لما بيناه واستنبط منه بعضهم منع الاستنجاء باليد التي فيها الخاتم المنقوش فيه اسم الله
تعالى لكون النهى عن ذلك لتشريف اليمين فيكون ذلك من باب الأولى وما وقع في العتبية عن
مالك من عدم الكراهة قد أنكره حذاق أصحابه وقيل الحكمة في النهى لكون اليمين معدة
للاكل بها فلو تعاطى ذلك بها لأمكن أن يتذكره عند الاكل فيتأذى بذلك والله أعلم (قوله ولا
يتنفس في الاناء) جملة خبرية مستقلة إن كانت لا نافية وإن كانت ناهية فمعطوفة لكن لا يلزم من
كون المعطوف عليه مقيدا بقيد ان يكون المعطوف مقيدا به لان التنفس لا يتعلق بحالة البول
وانما هو حكم مستقل ويحتمل أن تكون الحكمة في ذكره هنا أن الغالب من أخلاق المؤمنين
التأسي بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان إذا بال توضأ وثبت أنه شرب فضل وضوءه
فالمؤمن بصدد أن يفعل ذلك فعلمه أدب الشرب مطلقا لاستحضاره والتنفس في الآناء مختص
بحالة الشرب كما دل عليه سياق الرواية التي قبله وللحاكم من حديث أبي هريرة لا يتنفس أحدكم
في الاناء إذا كان يشرب منه والله أعلم (قوله باب الاستنجاء بالحجارة) أراد بهذه الترجمة الرد على
من زعم أن الاستنجاء مختص بالماء والدلالة على ذلك من قوله أستنفض فان معناها أستنجي كما
سيأتي (قوله حدثنا أحمد بن محمد المكي) هو أبو الوليد الأرزقي جد أبى الوليد محمد بن عبد الله
صاحب تاريخ مكة وفى طبقته أحمد بن محمد المكي أيضا لكن كنيته أبو محمد واسم جده عون
ويعرف بالقواس وقد وهم من زعم أن البخاري روى عنه وانما روى عن أبي الوليد ووهم أيضا
من جعلهما واحدا (قوله عن جده) يعنى سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي
الأموي وعمرو بن سعيد هو المعروف بالأشدق الذي ولى امرة المدينة وكان يجهز البعوث
إلى مكة كما تقدم في حديث أبي شريح الخزاعي وكان عمرو هذا قد تغلب على دمشق في زمن
عبد الملك بن مروان فقتله عبد الملك وسير أولاده إلى المدينة وسكن ولده مكة لما ظهرت دولة
بنى العباس فاستمروا بها ففي الاسناد مكيان ومدنيان (قوله اتبعت) بتشديد التاء المثناة أي
سرت وراءه والواو في قوله وخرج حالية وفى قوله وكان استئنافية وفى رواية أبي ذر فكان بالفاء
(قوله فدنوت منه) زاد الإسماعيلي أستأنس وأتنحنح فقال من هذا فقلت أبو هريرة (قوله
ابغنى) بالوصل من الثلاثي أي اطلب لي يقال بغيتك الشئ أي طلبته لك وفى رواية بالقطع أي
أعنى على الطلب يقال أبغيتك الشئ أي أعنتك على طلبه والوصل أليق بالسياق ويؤيده
رواية الإسماعيلي أتيني (قوله أستنفض) بفاء مكسورة وضاد معجمة مجزوم لأنه جواب الامر
ويجوز الرفع على الاستئناف قال القزاز قوله استنفض استفعل من النفض وهو أن تهز الشئ
ليطير غباره قال وهذا موضع أستنظف أي بتقديم الظاء المشالة على الفاء ولكن كذا روى
انتهى والذي وقع في الرواية صواب ففي القاموس استنفضه استخرجه وبالحجر استنجى وهو
223

مأخوذ من كلام المطرزي قال الاستنفاض الاستخراج ويكنى به عن الاستنجاء ومن رواه
بالقاف والصاد المهملة فقد صحف انتهى ووقع في رواية الإسماعيلي أستنجى بدل أستنفض
وكأنها المراد بقوله في روايتنا أو نحوه ويكون التردد من بعض رواته (قوله ولا تأتني) كأنه
صلى الله عليه وسلم خشى أن يفهم أبو هريرة من قوله أستنجى ان كل ما يزيل الأثر وينقى كاف ولا
اختصاص لذلك بالأحجار فنبهه باقتصاره في النهى على العظم والروث على أن ما سواهما يجزئ
ولو كان ذلك مختصا بالأحجار كما يقوله بعض الحنابلة والظاهرية لم يكن لتخصيص هذين بالنهى
معنى وانما خص الاحجار بالذكر لكثرة وجودها وزاد المصنف في المبعث في هذا الحديث ان أبا
هريرة قال له صلى الله عليه وسلم لما فرغ ما بال العظم والروث قال هما من طعام الجن والظاهر
من هذا التعليل اختصاص المنع بهما نعم يلتحق بهما جميع المطعومات التي للآدميين قياسا
من باب الأولى وكذا المحترمات كأوراق كتب العلم ومن قال علة النهى عن الروث كونه نجسا
ألحق به كل نجس ومتنجس وعن العظم كونه لزجا فلا يزيل إزالة تامة ألحق به ما في معناه كالزجاج
الأملس ويؤيده ما رواه الدارقطني وصححه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
أن يستنجى بروث أو بعظم وقال إنهما لا يطهران وفى هذا رد على من زعم أن الاستنجاء بهما يجزئ
وإن كان منهيا عنه وسيأتى في كتاب المبعث بيان قصة وفد الجن وأي وقت كانت إن شاء الله تعالى
(قوله وأعرضت) كذا في أكثر الروايات وللكشميهني واعترضت بزيادة مثناة بعد العين والمعنى
متقارب (قوله فلما قضى) أي حاجته (أتبعه) بهمزة قطع أي ألحقه وكنى بذلك عن الاستنجاء
وفى الحديث جواز اتباع السادات وان لم يأمروا بذلك واستخدام الامام بعض رعيته
والاعراض عن قاضى الحاجة والإعانة على احضار ما يستنجى به واعداده عنده لئلا يحتاج
إلى طلبها بعد الفراغ فلا يأمن التلوث والله تعالى أعلم (قوله باب) بالتنوين (لا يستنجى) بضم
أوله (قوله زهير) هو ابن معاوية الجعفي الكوفي والاسناد كله كوفيون وأبو اسحق هو السبيعي
وهو تابعي وكذا شيخه عبد الرحمن وأبوه الأسود (قوله ليس أبو عبيدة) أي ابن عبد الله بن مسعود
وقوله ذكره أي لي (ولكن عبد الرحمن بن لأسود) أي هو الذي ذكره لي بدليل قوله في الرواية
الآتية المعلقة حدثني عبد الرحمن وانما عدل أبو إسحاق عن الرواية عن أبي عبيدة إلى الرواية
عن عبد الرحمن مع أن رواية أبى عبيدة أعلى له لكون أبى عبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح
فتكون منقطعة بخلاف رواية عبد الرحمن فإنها موصولة ورواية أبى اسحق لهذا الحديث
عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود عند الترمذي وغيره من طريق إسرائيل بن يونس
عن أبي إسحاق فمراد أبى اسحق هنا بقوله ليس أبو عبيدة ذكره أي لست أرويه الان عن أبي
عبيدة وانما أرويه عن عبد الرحمن (قوله عن أبيه) هو الأسود بن يزيد النخعي صاحب ابن
مسعود وقال ابن التين هو الأسود بن عبد يغوث الزهري وهو غلط فاحش فان الأسود الزهري لم
يسلم فضلا عن أن يعيش حتى يروى عن عبد الله بن مسعود (قوله أتى الغائط) أي الأرض
المطمئنة لقضاء الحاجة (قوله فلم أجد) وللكشميهني فلم أجده أي الحجر الثالث (قوله بثلاثة)
أحجار) فيه العمل بما دل عليه النهى في حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولا يستنج
أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار رواه مسلم وأخذ بهذا الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث فاشترطوا
224

ان لا ينقص من الثلاث مع مراعاة الانقاء إذا لم يحصل بها فيزاد حتى ينقى ويستحب حينئذ
الايتار لقوله ومن استجمر فليوتر وليس بواجب لزيادة في أبى داود حسنة الاسناد قال ومن
لا فلا حرج وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في هذا الباب قال الخطابي لو كان القصد
الانقاء فقط لخلا اشتراط العدد عن الفائدة فلما اشترط العدد لفظا وعلم الانقاء فيه معنى دل
على ايجاب الامرين ونظيره العدة بالأقراء فان العدد مشترط ولو تحققت براءة الرحم بقرء واحد
(قوله فأخذت روثة) زاد ابن خزيمة في رواية له في هذا الحديث انها كانت روثة حمار ونقل
التيمي ان الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير (قوله وألقى الروثة) استدل به
الطحاوي على عدم اشتراط الثلاثة قال لأنه لو كان مشترطا لطلب ثالثا كذا قال وغفل رحمه
الله عما أخرجه أحمد في مسنده من طريق معمر عن أبي إسحاق عن علقمة عن ابن مسعود في
هذا الحديث فان فيه فألقى الروثة وقال إنها ركس أتيني بحجر ورجاله ثقات أثبات وقد تابع عليه
معمرا أبو شعبة الواسطي وهو ضعيف أخرجه الدارقطني وتابعهما عمار بن رزيق أحد الثقات
عن أبي إسحاق وقد قيل إن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة لكن أثبت سماعه لهذا الحديث منه
الكرابيسي وعلى تقدير أن يكون أرسله عنه فالمرسل حجة عند المخالفين وعندنا أيضا إذا اعتضد
واستدلال الطحاوي فيه نظر بعد ذلك لاحتمال أن يكون اكتفى بالامر الأول في طلب
الثلاثة فلم يجدد الامر بطلب الثالث أو اكتفى بطرف أحدهما عن الثالث لان المقصود بالثلاثة
أن يمسح بها ثلاث مسحات وذلك حاصل ولو بواحد والدليل على صحته أنه لو مسح بطرف واحد
ورماه ثم جاء شخص آخر فمسح بطرفه الآخر لأجزأهما بلا خلاف وقال أبو الحسن بن القصار
المالكي وروى أنه أتاه بثالث لكن لا يصح ولو صح فالاستدلال به لمن يشترط الثلاثة قائم لأنه
اقتصر في الموضعين على ثلاثة فحصل لكل منهما أقل من ثلاثة انتهى وفيه نظر أيضا لان الزيادة
ثابتة كما قدمناه وكأنه انما وقف على الطريق التي عند الدارقطني فقط ثم يحتمل أن يكون لم يخرج
منه شئ الا من سبيل واحد وعلى تقدير أن يكون خرج منهما فيحتمل أن يكون اكتفى للقبل
بالمسح في الأرض وللابر بالثلاثة أو مسح من كل منهما بطرفين وأما استدلالهم على عدم الاشتراط
للعدد بالقياس على مسح الرأس ففاسد الاعتبار لأنه في مقابلة النص الصريح كما قدمناه من
حديث أبي هريرة وسلمان والله أعلم (قوله هذا ركس) كذا وقع هنا بكسر الراء واسكان الكاف
فقيل هي لغة في رجس بالجيم ويدل عليه رواية ابن ماجة وابن خزيمة في هذا الحديث فإنها عندهما
بالجيم وقيل الركس الرجيع رد من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة قاله الخطابي وغيره والأولى أن
يقال رد من حالة الطعام إلى حالة الروث وقال ابن بطال لم أر هذا الحرف في اللغة يعنى الركس
بالكاف وتعقبه أبو عبد الملك بأن معناه الرد كما قال تعالى أركسوا فيها أي ردوا فكأنه قال هذا
رد عليك انتهى ولو ثبت ما قال لكان بفتح الراء يقال أركسه ركسا إذا رده وفى رواية الترمذي هذا
ركس يعنى نجسا وهذا يؤيد الأول وأغرب النسائي فقال عقب هذا الحديث الركس طعام الجن
وهذا ان ثبت في اللغة فهو مريح من الاشكال (قوله وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يعنى
يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي عن أبي إسحاق وهو جده قال حدثني عبد الرحمن يعنى ابن
الأسود بن يزيد بالاسناد المذكور أولا وأراد البخاري بهذا التعليق الرد على من زعم أن أبا إسحاق
225

دلس هذا الخبر كما حكى ذلك عن سليمان الشاذكوني حيث قال لم يسمع في التدليس بأخفى من هذا
قال ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن ولم يقل ذكره لي انتهى وقد استدل الإسماعيلي أيضا
على صحة سماع أبى اسحق لهذا الحديث من عبد الرحمن بكون يحيى القطان رواه عن زهير فقال
بعد أن أخرجه من طريقة والقطان لا يرضى أن يأخذ عن زهير ما ليس بسماع لأبي إسحاق وكأنه
عرف ذلك بالاستقراء من صنيع القطان أو بالتصريح من قوله فانزاحت عن هذه الطريق علة
التدليس وقد أعله قوم بالاضطراب وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على أبى اسحق في كتاب
العلل واستوفيته في مقدمة الشرح الكبير لكن رواية زهير هذه ترجحت عند البخاري بمتابعة
يوسف حفيد أبى اسحق وتابعهما شريك القاضي وزكريا بن أبي زائدة وغيرهما وتابع أبا إسحاق
على روايته عن عبد الرحمن المذكور ليث بن أبي سليم وحديثه يستشهد به أخرجه ابن أبي شيبة
ومما يرجحها أيضا استحضار أبى اسحق لطريق أبى عبيدة وعدوله عنها بخلاف رواية إسرائيل عنه
عن أبي عبيدة فإنه لم يتعرض فيها لرواية عبد الرحمن كما أخرجه الترمذي وغيره فلما اختار في رواية
زهير طريق عبد الرحمن على طريق أبى عبيدة دل على أنه عارف بالطريقين وأن رواية عبد الرحمن
عنده أرجح والله أعلم (قوله باب الوضوء مرة مرة) أي لكل عضو والحديث المذكور في الباب
مجمل وقد تقدم بيانه في باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة وسفيان هو الثوري والراوي
عنه الفريابي لا البيكندي وصرح أبو داود والإسماعيلي في روايتهما بسماع سفيان له من زيد
ابن أسلم (قوله باب الوضوء مرتين مرتين) أي لكل عضو (قوله حدثنا الحسين بن عيسى) هو
البسطامي بفتح الموحدة ويونس هو المؤدب وفليح ومن فوقه مدنيون وعبد الله بن زيد هو ابن
عاصم المازني وحديثه هذا مختصر من حديث مشهور في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم
كما سيأتي بعد من حديث مالك وغيره لكن ليس فيه الغسل مرتين الا في اليدين إلى المرفقين نعم
روى النسائي من طريق سفيان بن عيينة في حديث عبد الله بن زيد التثنية في اليدين والرجلين
ومسح الرأس وتثليث غسل الوجه لكن في الرواية المذكورة نظر سنشير إليه بعد إن شاء الله
تعالى وعلى هذا فحق حديث عبد الله بن زيد أن يبوب له غسل بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين
وبعضها ثلاثا وقد روى أبو داود والترمذي وصححه وابن حبان من حديث أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين وهو شاهد قوى لرواية فليح هذه فيحتمل أن يكون حديثه
هذا المجمل غير حديث مالك المبين لاختلاف مخرجهما والله أعلم (قوله باب الوضوء ثلاثا ثلاثا)
أي لكل عضو (قوله عطاء بن يزيد) هو الليثي المدني والاسناد كله مدنيون وفيه ثلاثة من
التابعين حمران وهو بضم المهملة ابن أبان وعطاء وابن شهاب وفى الاسناد الذي يليه أربعة
من التابعين حمران وعروة وهما قرينان وابن شهاب وصالح بن كيسان وهما قرينان أيضا (قوله
دعا باناء) وفى رواية شعيب الآتية قريبا دعا بوضوء وكذا لمسلم من طريق يونس وهو بفتح
الواو اسم للماء المعد للوضوء وبالضم الذي هو الفعل وفيه الاستعانة على احضار ما يتوضأ به
(قوله فافرغ) أي صب (قوله على كفيه ثلاث مرار) كذا لأبي ذر وأبى الوقت وللاصيلى وكريمة
مرات بمثناة آخره وفيه غسل اليدين قبل ادخالهما الاناء ولو لم يكن عقب نوم احتياطا (قوله ثم
أدخل يمينه) فيه الاغتراف باليمين واستدل به بعضهم على عدم اشتراط نية الاغتراف ولا دلالة له
226

فيه نفيا ولا اثباتا (قوله فمضمض واستنثر) وللكشميهني واستنشق بدل واستنثر والأول أعم
وثبتت الثلاثة في رواية شعيب الآتية في باب المضمضة ولم أر في شئ من طرق هذا الحديث تقييد
ذلك بعدد نعم ذكره ابن المنذر من طريق يونس عن الزهري وكذا ذكره أبو داود من وجهين آخرين
عن عثمان واتفقت الروايات على تقديم المضمضة (قوله ثم غسل وجهه) فيه تأخيره عن
المضمضة والاستنشاق وقد ذكروا ان حكمة ذلك اعتبار أوصاف الماء لان اللون يدرك بالبصر
والطعم يدرك بالفم والريح يدرك بالأنف فقدمت المضمضة والاستنشاق وهما مسنونان قبل
الوجه وهو مفروض احتياطا للعبادة وسيأتى ذكر حكمة الاستنثار في الباب الذي يليه (قوله
ويديه إلى المرفقين) أي كل واحدة كما بينه المصنف في رواية معمر عن الزهري في الصوم
وكذا لمسلم من طريق يونس وفيها تقديم اليمنى على اليسرى والتعبير في كل منهما بثم وكذا
القول في الرجلين أيضا (قوله ثم مسح برأسه) هو بحذف الباء في الروايتين المذكورتين وليس في
شئ من طرقه في الصحيحين ذكر عدد للمسح وبه قال أكثر العلماء وقال الشافعي يستحب التثليث
في المسح كما في الغسيل واستدل له بظاهر رواية لمسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا
وأجيب بأنه مجمل تبين في الروايات الصحيحة ان المسح لم يتكرر فيحمل على الغالب أو يختص
بالمغسول قال أبو داود في السنن أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة
واحدة وكذا قال ابن المنذر ان الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح مرة واحدة وبان
المسح مبنى على التخفيف فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الاسباغ وبان العدد لو اعتبر
في المسح لصار في صورة الغسل إذ حقيقة الغسل جريان الماء والدلك ليس بمشترط على الصحيح
عند أكثر العلماء وبالغ أبو عبيد فقال لا نعلم أحدا من السلف استحب تثليث مسح الرأس الا
إبراهيم التيمي وفيما قال نظر فقد نقله ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس وعطاء وغيرهما وقد روى
أبو داود من وجهين صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره في حديث عثمان بتثليث مسح الرأس والزيادة
من الثقة مقبولة (قوله نحو وضوئي هذا) قال النووي انما لم يقل مثل لان حقيقة مماثلته لا يقدر
عليها غيره (قلت) لكن ثبت التعبير بها في رواية المصنف في الرقاق من طريق معاذ بن عبد الرحمن
عن حمران عن عثمان ولفظه من توضأ مثل هذا الوضوء وله في الصيام من رواية معمر من توضأ
وضوئي هذا ولمسلم من طريق زيد بن أسلم عن حمران توضأ مثل وضوئي هذا وعلى هذا فالتعبير
بنحو من تصرف الرواة لأنها تطلق على المثلية مجازا ولان مثل وإن كانت تقتضى المساواة ظاهرا
لكنها تطلق على الغالب فبهذا تلتئم الروايتان ويكون المتروك بحيث لا يخل بالمقصود والله
تعالى أعلم (قوله ثم صلى ركعتين) فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء ويأتي فيهما ما يأتي في
تحية المسجد (قوله لا يحدث فيهما نفسه) المراد به ما تسترسل النفس معه ويمكن المرء قطعه لان
قوله يحدث يقتضى تكسبا منه فاما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفو
عنه ونقل القاضي عياض عن بعضهم أن المراد من لم يحصل له حديث النفس أصلا ورأسا ويشهد
له ما أخرجه ابن المبارك في الزهد بلفظ لم يسر فيهما ورده النووي فقال الصواب حصول هذه
الفضيلة مع طريان الخواطر العارضة غير المستقرة نعم من اتفق أن يحصل له عدم حديث النفس
أصلا أعلى درجة بلا ريب ثم إن تلك الخواطر منها ما يتعلق بالدنيا والمراد دفعه مطلقا ووقع في
227

رواية للحكيم الترمذي في هذا الحديث لا يحدث نفسه بشئ من الدنيا وهى في الزهد لابن المبارك
أيضا والمصنف لابن أبي شيبة ومنها ما يتعلق بالآخرة فإن كان أجنبيا أشبه أحوال الدنيا وإن كان
من متعلقات تلك الصلاة فلا وسيأتى بقية مباحث ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى (قوله
من ذنبه) ظاهره يعم الكبائر والصغائر لكن العلماء خصوه بالصغائر لوروده مقيدا باستثناء الكبائر
في غير هذه الرواية وهو في حق من له كبائر وصغائر فمن ليس له الا صغائر كفرت عنه ومن ليس له
الا كبائر خفف عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزاد
في حسناته بنظير ذلك وفى الحديث التعليم بالفعل لكونه أبلغ وأضبط للمتعلم والترتيب في أعضاء
الوضوء للاتيان في جميعها بثم والترغيب في الاخلاص وتحذير من لها في صلاته بالتفكر في
أمور الدنيا من عدم القبول ولا سيما إن كان في العزم على عمل معصية فإنه يحضر المرء في حال صلاته
ما هو مشغوف به أكثر من خارجها ووقع في رواية المصنف في الرقاق في آخر هذا الحديث قال
النبي صلى الله عليه وسلم لا تغتروا أي فتستكثروا من الأعمال السيئة بناء على أن الصلاة تكفرها
فان الصلاة التي تكفر بها الخطايا هي التي يقبلها الله وأنى للعبد بالاطلاع على ذلك (قوله وعن
إبراهيم) أي ابن سعد وهو معطوف على قوله حدثني إبراهيم بن سعد وزعم مغلطاي وغيره انه
معلق وليس كذلك فقد أخرجه مسلم والإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه
بالاسنادين معا وإذا كانا جميعا عند يعقوب فلا مانع ان يكون عند الأويسي ثم وجدت
الحديث الثاني عند أبي عوانة في صحيحه من حديث الأويسي المذكور فصح ما قلته بحمد الله
تعالى وقد أوضحت ذلك في تعليق التعليق (قوله ولكن عروة يحدث) يعنى ان شيخي ابن شهاب
اختلفا في روايتهما له عن حمران عن عثمان فحدثه به عطاء على صفة وعروة على صفة وليس ذلك
اختلافا وانما هما حديثان متغايران وقد رواهما معاذ بن عبد الرحمن فأخرج البخاري في طريقه
نحو سياق عطاء ومسلم من طريقه نحو سياق عروة وأخرجه أيضا من طريق هشام بن عروة عنه
عن أبيه (قوله لولا آية) زاد مسلم في كتاب الله ولأجل هذه الزيادة صحف بعض رواته آية فجعلها انه
بالنون المشددة وبهاء الشأن (قوله ويصلى الصلاة) أي المكتوبة وفى رواية لمسلم فيصلى هذه
الصلوات الخمس (قوله وبين الصلاة) أي التي تليها كما صرح به مسلم في رواية هشام بن عروة (قوله
حتى يصليها) أي يشرع في الصلاة الثانية (قوله قال عروة الآية ان الذين يكتمون ما أنزلنا) يعنى
الآية التي في البقرة إلى قوله اللاعنون كما صرح به مسلم ومراد عثمان رضي الله عنه أن هذه الآية
تحرض على التبليغ وهى وان نزلت في أهل الكتاب لكن العبرة بعموم اللفظ وقد تقدم نحو ذلك
لأبي هريرة في كتاب العلم وانما كان عثمان يرى ترك تبليغهم ذلك لولا الآية المذكورة خشية عليهم
من الاغترار والله أعلم وقد روى مالك هذا الحديث في الموطأ عن هشام بن عروة ولم يقع في روايته
تعيين الآية فقال من قبل نفسه أراه يريد وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات
يذهبن السيئات انتهى وما ذكره عروة راوي الحديث بالجزم أولى والله أعلم (قوله باب الاستنثار)
هو استفعال من النثر بالنون والمثلثة وهو طرح الماء الذي يستنشقه المتوضئ أي يجذبه بريح أنفه
لتنظيف ما في داخله فيخرج بريح أنفه سواء كان بإعانة يده أم لا وحكى عن مالك كراهية فعله بغير اليد
لكونه يشبه فعل الدابة والمشهور عدم الكراهة وإذا استنثر بيده فالمستحب أن يكون باليسرى
بوب عليه النسائي وأخرجه مقيدا بها من حديث على (قوله ذكره) أي روى الاستنثار (عثمان)
228

وقد تقدم حديثه وعبد الله بن زيد وسيأتى حديثه (قوله وابن عباس) تقدم حديثه في صفة
الوضوء في باب غسل الوجه من غرفة وليس فيه ذكر الاستنثار وكأن المصنف أشار بذلك إلى
ما رواه أحمد وأبو داود والحاكم من حديثه مرفوعا استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا ولابى داود
الطيالسي إذا توضأ أحدكم واستنثر فليفعل ذلك مرتين أو ثلاثا واسناده حسن (قوله أبو)
إدريس) هو الخولاني (قوله أنه سمع أبا هريرة) زاد مسلم من طريق ابن المبارك وغيره عن يونس
أبا سعيد مع أبي هريرة (قوله فليستنثر) ظاهر الامر أنه للوجوب فيلزم من قال بوجوب
الاستنشاق لورود الامر به كأحمد واسحق وأبى عبيد وأبى ثور وابن المنذر أن يقول به في الاستنثار
وظاهر كلام صاحب المغنى يقتضى أنهم يقولون بذلك وان مشروعية الاستنشاق لا تحصل الا
بالاستنثار وصرح ابن بطال بأن بعض العلماء قال بوجوب الاستنثار وفيه تعقب على من نقل
الاجماع على عدم وجوبه واستدل الجمهور على أن الامر فيه للندب بما حسنه الترمذي وصححه
الحاكم من قوله صلى الله عليه وسلم للاعرابى توضأ كما أمرك الله فأحاله على الآية وليس فيها
ذكر الاستنشاق وأجيب بأنه يحتمل أن يراد بالامر ما هو أعم من آية الوضوء فقد أمر الله سبحانه
باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم وهو المبين عن الله أمره ولم يحك أحد ممن وصف وضوأه عليه
الصلاة والسلام على الاستقصاء انه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة وهو يرد على من لم
يوجب المضمضة أيضا وقد ثبت الامر بها أيضا في سنن أبي داود باسناد صحيح وذكر ابن المنذر
ان الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الامر به الا لكونه لا يعلم خلافا في أن
تاركه لا يعيد وهذا دليل قوى فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين الا عن
عطاء وثبت عنه انه رجع عن ايجاب الإعادة ذكره كله ابن المنذر ولم يذكر في هذه الرواية عددا
وقد ورد في رواية سفيان عن أبي الزناد ولفظه وإذا استنثر فليستنثر وترا أخرجه الحميدي في
مسنده عنه وأصله لمسلم وفى رواية عيسى بن طلحة عن أبي هريرة عند المصنف في بدء الخلق إذا
استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا فان الشيطان يبيت على خيشومه وعلى هذا
فالمراد بالاستنثار في الوضوء التنظيف لما فيه من المعونة على القراءة لان بتنقية مجرى النفس
تصح مخارج الحروف ويراد للمستيقظ بأن ذلك لطرد الشيطان وسنذكر باقي مباحثه في مكانه
إن شاء الله تعالى (قوله ومن استجمر) أي استعمل الجمار وهى الحجارة الصغار في الاستنجاء
وحمله بعضهم على استعمال البخور فإنه يقال فيه تجمر واستجمر حكاه ابن حبيب عن ابن عمر ولا
يصح عنه وابن عبد البر عن مالك وروى ابن خزيمة في صحيحه عنه خلافه وقال عبد الرزاق عن
معمر أيضا بموافقة الجمهور وقد تقدم القول على معنى قوله فليوتر في الكلام على حديث ابن
مسعود واستدل بعض من نفى وجوب الاستنجاء بهذا الحديث للاتيان فيه بحرف الشرط ولا
دلالة فيه وانما مقتضاه التخيير بين الاستنجاء بالماء أو بالأحجار والله أعلم (قوله باب الاستجمار
وترا) استشكل ادخال هذه الترجمة في أثناء أبواب الوضوء والجواب أنه لا اختصاص لها
بالاستشكال فان أبواب الاستطابة لم تتميز في هذا الكتاب عن أبواب صفة الوضوء لتلازمهما
ويحتمل أن يكون ذلك ممن دون المصنف على ما أشرنا إليه في المقدمة والله أعلم وقد ذكرت توجيه
ذلك في أول كتاب الوضوء (قوله إذا توضأ) أي إذا شرع في الوضوء (قوله فليجعل في أنفه ماء) كذا
229

لأبي ذر وسقط قوله ماء لغيره وكذا اختلف رواة الموطأ في اسقاطه وذكره وثبت ذكره لمسلم من رواية
سفيان عن أبي الزناد (قوله ثم لينتثر) كذا لأبي ذر والأصيلي بوزن ليفتعل ولغيرهما ثم لينثر
بمثلثة مضمومة بعد النون الساكنة والروايتان لأصحاب الموطأ أيضا قال الفراء يقال نثر الرجل
وانتثر واستنثر إذا حرك النثرة وهى طرف الأنف في الطهارة (قوله وإذا استيقظ) هكذا عطفه
المصنف واقتضى سياقه انه حديث واحد وليس هو كذلك في الموطأ وقد أخرجه أبو نعيم في
المستخرج من موطأ يحيى رواية عبد الله بن يوسف شيخ البخاري مفرقا وكذا هو في موطأ يحيى
ابن بكير وغيره وكذا فرقه الإسماعيلي من حديث مالك وكذا أخرج مسلم الحديث الأول من
طريق ابن عيينة عن أبي الزناد والثاني من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وعلى هذا
فكأن البخاري كان يرى جواز جمع الحديثين إذا اتحد سندهما في سياق واحد كما يرى جواز
تفريق الحديث الواحد إذا اشتمل على حكمين مستقلين (قوله من نومه) أخذ بعمومه الشافعي
والجمهور فاستحبوه عقب كل نوم وخصه أحمد بنوم الليل لقوله في آخر الحديث باتت يده لان
حقيقة المبيت أن يكون في الليل وفى رواية لأبي داود ساق مسلم اسنادها إذا قام أحدكم من الليل
وكذا للترمذي من وجه آخر صحيح ولابى عوانة في رواية لأبي داود ساق مسلم اسنادها أيضا إذا
قام أحدكم إلى الوضوء حين يصبح لكن التعليل يقتضى الحاق نوم النهار بنوم الليل وانما خص نوم
الليل بالذكر للغلبة قال الرافعي في شرح المسند يمكن أن يقال الكراهة في الغمس لمن نام ليلا
أشد منها لمن نام نهارا لان الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة ثم الامر عند الجمهور على الندب
وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون النهار وعنه في رواية استحبابه في نوم النهار واتفقوا على
أنه لو غمس يده لم يضر الماء وقال اسحق وداود والطبري ينجس واستدل لهم بما ورد من الامر
بإراقته لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن عدي والقرينة الصارفة للامر عن الوجوب عند
الجمهور التعليل بأمر يقتضى الشك لأن الشك لا يقتضى وجوبا في هذا الحكم استصحابا لأصل
الطهارة واستدل أبو عوانة على عدم الوجوب بوضوئه صلى الله عليه وسلم من الشن المعلق
بعد قيامه من النوم كما سيأتي في حديث ابن عباس وتعقب بأن قوله أحدكم يقتضى اختصاصه
بغيره صلى الله عليه وسلم وأجيب بأنه صح عنه غسل يديه قبل ادخالهما في الاناء حال اليقظة
فاستحبابه بعد النوم أولى ويكون تركه لبيان الجواز وأيضا فقد قال في هذا الحديث في روايات
لمسلم وأبى داود وغيرهما فليغسلهما ثلاثا وفى رواية ثلاث مرات والتقييد بالعدد في غير النجاسة
العينية يدل على الندبية ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد فلا يضع يده في الوضوء
حتى يغسلها والنهى فيه للتنزيه كما ذكرنا ان فعل استحب وان ترك كره ولا تزول الكراهة
بدون الثلاث نص عليه الشافعي والمراد باليد هنا الكف دون ما زاد عليها اتفاقا وهذا كله
في حق من قام من النوم لما دل عليه مفهوم الشرط وهو حجة عند الأكثر أما المستيقظ فيستجب
له الفعل لحديث عثمان وعبد الله بن زيد ولا يكره الترك لعدم ورود النهى فيه وقد روى سعيد بن
منصور بسند صحيح عن أبي هريرة انه كان يفعله ولا يرى بتركه بأسا وسيأتي عن ابن عمر والبراء
نحو ذلك (قوله قبل أن يدخلها) ولمسلم وابن خزيمة وغيرهما من طرق فلا يغمس يده في الاناء
حتى يغسلها وهى أبين في المراد من رواية الادخال لان مطلق الادخال لا يترتب عليه كراهة كمن
230

أدخل يده في اناء واسع فاغترف منه باناء صغير من غير أن تلامس يده الماء (قوله في وضوئه)
بفتح الواو أي الاناء الذي أعد للوضوء وفى رواية الكشمهيني في الاناء وهى رواية مسلم من
طرق أخرى ولابن خزيمة في انائه أو وضوئه على الشك والظاهر اختصاص ذلك باناء الوضوء
ويلحق به اناء الغسل لأنه وضوء وزيادة وكذا باقي الآنية قياسا لكن في الاستحباب من
غير كراهة لعدم ورود النهى فيها عن ذلك والله أعلم وخرج بذكر الاناء البرك والحياض التي
لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها فلا يتناولها النهى والله أعلم (قوله فان أحدكم)
قال البيضاوي فيه ايماء إلى أن الباعث على الامر بذلك احتمال النجاسة لان الشارع
إذا ذكر حكما وعقبه بعلة دل على أن ثبوت الحكم لأجلها ومثله قوله في حديث المحرم الذي سقط
فمات فإنه يبعث ملبيا بعد نهيهم عن تطييبه فنبه على علة النهى وهى كونه محرما (قوله لا يدرى)
فيه أن علة النهى احتمال هل لاقت يده ما يؤثر في الماء أولا ومقتضاه الحاق من شك في ذلك
ولو كان مستيقظا ومفهومه أن من درى أين باتت يده كمن لف عليها خرقة مثلا فاستيقظ وهى
على حالها أن لا كراهة وإن كان غسلها مستحبا على المختار كما في المستيقظ ومن قال بان الامر في
ذلك للتعبد كما لك لا يفرق بين شاك ومتيقن واستدل بهذا الحديث على التفرقة بين ورود الماء على
النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء وهو ظاهر وعلى أن النجاسة تؤثر في الماء وهو صحيح لكن
كونها تؤثر التنجيس وان لم يتغير فيه نظر لان مطلق التأثير لا يدل على خصوص التأثير بالتنجيس
فيحتمل أن تكون الكراهة بالمتيقن أشد من الكراهة بالمظنون قاله ابن دقيق العيد ومراده أنه
ليست فيه دلالة قطعية على من يقول إن الماء لا ينجس الا بالتغير (قوله أين باتت يده) أي من
جسده قال الشافعي رحمه الله كانوا يستجمرون وبلادهم حارة فربما عرق أحدهم إذا نام
فيحتمل ان تطوف يده على المحل أو على بثرة أو دم حيوان أو قذر غير ذلك وتعقبه أبو الوليد
الباجي بأن ذلك يستلزم الامر بغسل ثوب النائم لجواز ذلك عليه وأجيب بأنه محمول على ما إذا
كان العرق في اليد دون المحل أو أن المستيقظ لا يريد غمس ثوبه في الماء حتى يؤمر بغسله بخلاف
اليد فإنه يحتاج إلى غمسها وهذا أقوى الجوابين والدليل على أنه لا اختصاص لذلك بمحل
الاستجمار ما رواه ابن خزيمة وغيره من طريق محمد بن الوليد عن محمد بن جعفر عن شعبة عن خالد
الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة في هذا الحديث قال في آخره أين باتت يده منه وأصله
في مسلم دون قوله منه قال الدارقطني تفرد بها شعبة وقال البيهقي تفرد بها محمد بن الوليد (قلت)
ان أراد عن محمد بن جعفر فمسلم وان أراد مطلقا فلا فقد قال الدارقطني تابعه عبد الصمد عن شعبة
وأخرجه ابن منده من طريقه وفى الحديث الاخذ بالوثيقة والعمل بالاحتياط في العبادة والكناية
عما يستحيا منه إذا حصل الافهام بها واستحباب غسل النجاسة ثلاثا لأنه أمرنا بالتثليث عند
توهمها فعند تيقنها أولى واستنبط منه قوم فوائد أخرى فيها بعد منها أن موضع الاستنجاء
مخصوص بالرخصة في جواز الصلاة مع بقاء أثر النجاسة عليه قاله الخطابي ومنها ايجاب الوضوء
من النوم قاله ابن عبد البر ومنها تقوية من يقول بالوضوء من مس الذكر حكاه أبو عوانة في صحيحه
عن ابن عيينة ومنها أن القليل من الماء لا يصير مستعملا بادخال اليد فيه لمن أراد الوضوء قاله
الخطابي صاحب الخصال من الشافعية (قوله باب غسل الرجلين) كذا للأكثر وزاد أبو ذر
231

ولا يمسح على القدمين (قوله حدثني موسى) بن إسماعيل هو التبوذكي (قوله عنا في سفرة) زاد
في رواية كريمة سافرناها وظاهره أن عبد الله بن عمرو كان في تلك السفرة ووقع في رواية لمسلم أنها
كانت من مكة إلى المدينة ولم يقع ذلك لعبد الله محققا الا في حجة الوداع أما غزوة الفتح فقد كان
فيها لكن ما رجع النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى المدينة من مكة بل من الجعرانة ويحتمل أن
تكون عمرة القضية فان هجرة عبد الله بن عمرو كانت في ذلك الوقت أو قريبا منه (قوله أرهقنا) بفتح
الهاء والقاف والعصر مرفوع بالفاعلية كذا لأبي ذر وفى رواية كريمة باسكان القاف والعصر
منصوب بالمفعولية ويقوى الأول رواية الأصيلي أرهقتنا بفتح القاف بعدها مثناة ساكنة ومعنى
الارهاق الادراك والغشيان قال ابن بطال كأن الصحابة آخروا الصلاة في أول الوقت طمعا أن
يلحقهم النبي صلى الله عليه وسلم فيصلوا معه فلما ضاق الوقت بادروا إلى الوضوء ولجعلتهم لم يسبغوه
فأدركهم على ذلك فأنكر عليهم (قلت) ما ذكره من تأخيرهم قاله احتمالا ويحتمل أيضا أن يكونوا
أخروا لكونهم على طهر أو لرجاء الوصول إلى الماء ويدل عليه رواية مسلم حتى إذا كنا بماء
بالطريق تعجل قوم عند العصر أي قرب دخول وقتها فتوضؤا وهم عجال (قوله ونمسح على أرجلنا)
انتزع منه البخاري أن الانكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل
فلهذا قال في الترجمة ولا يمسح على القدمين وهذا ظاهر الرواية متفق عليها وفى أفراد مسلم
فانتهينا إليهم وأعقابهم بيض تلوح لم يمسها الماء فتمسك بهذا من يقول باجزاء المسح ويحمل
الانكار على ترك التعميم لكن الرواية المتفق عليها أرجح فتحمل هذه الرواية عليها بالتأويل
فيحتمل أن يكون معنى قوله لم يمسها الماء أي ماء الغسل جمعا بين الروايتين وأصرح من ذلك
رواية مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا لم يغسل عقبه فقال
ذلك وأيضا فمن قال بالمسح لم يوجب مسح العقب والحديث حجة عليه وقال الطحاوي لما أمرهم
بتعميم غسل الرجلين حتى لا يبقى منهما لمعة دل على أن فرضها الغسل وتعقبه ابن المنير بأن
التعميم لا يستلزم الغسل فالرأس تعم بالمسح وليس فرضها الغسل (قوله أرجلنا) قابل الجمع
بالجمع فالأرجل موزعة على الرجال فلا يلزم أن يكون لكل رجل أرجل (قوله ويل) جاز
الابتداء بالنكرة لأنه دعاء واختلف في معناه على أقوال أظهرها ما رواه ابن حبان في صحيحه من
حديث أبي سعيد مرفوعا ويل واد في جهنم قال ابن خزيمة لو كان الماسح مؤديا للغرض لما توعد
بالنار وأشار بذلك إلى ما في كتب الخلاف عن الشيعة ان الواجب المسح أخذا بظاهر قراءة
وأرجلكم بالخفض وقد تواترت الاخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه أنه غسل
رجليه وهو المبين لأمر الله وقد قال في حديث عمرو بن عنبسة الذي رواه ابن خزيمة وغيره
مطولا في فضل الوضوء ثم يغسل قدميه كما أمره الله ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك
الا عن علي وابن عباس وأنس وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك قال عبد الرحمن بن أبي ليلى
أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين رواه سعيد بن منصور وادعى
الطحاوي وابن حزم أن المسح منسوخ والله أعلم (قوله للأعقاب) أي المرئية إذ ذاك فاللام
للعهد ويلتحق بها ما يشاركها في ذلك والعقب مؤخر القدم قال البغوي معناه ويل لأصحاب
الأعقاب المقصرين في غسلها وقيل أراد أن العقب مختص بالعقاب إذا قصر في غسله وفى
232

الحديث تعليم الجاهل ورفع الصوت بالانكار وتكرار المسئلة لتفهم كما تقدم في كتاب العلم (قوله
باب المضمضة في الوضوء) أصل المضمضة في اللغة التحريك ومنه مضمض النعاس في عينيه إذا
تحركتا بالنعاس) ثم اشتهر استعماله في وضع الماء في الفم وتحريكه وأما معناه في الوضوء الشرعي
فأكمله أن يضع الماء في الفم ثم يديره ثم يمجه والمشهور عن الشافعية انه لا يشترط تحريكه ولا مجه
وهو عجيب ولعل المراد انه لا يتعين المج بل لو ابتلعه أو تركه حتى يسيل أجزأ (قوله قاله ابن عباس)
قد تقدم حديثه في أوائل الطهارة (قوله وعبد الله بن زيد) سيأتي حديثه قريبا (قوله ثم غسل كل
رجل) كذا للأصيلي والكشميهني ولابن عساكر كلتا رجليه وهى التي اعتمدها صاحب العمدة
وللمستملى والحموي كل رجله وهى تفيد تعميم كل رجل بالغسل وفى نسخة رجليه بالتثنية وهى
بمعنى الأولى (قوله لا يحدث) تقدمت مباحثه قريبا وقال بعضهم يحتمل ان يكون المراد بذلك
الاخلاص أو ترك العجب بان لا يرى لنفسه مزية خشية ان يتغير فيتكبر فيهلك (قوله غفر الله
له) كذا للمستملى ولغيره غفر له على البناء للمفعول وقد تقدمت مباحثه الا ان في هذا السياق
من الزيادة رفع صفة الوضوء إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم وزاد مسلم في رواية ليونس قال
الزهري كان علماؤنا يقولون هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة وقد تمسك بهذا من
لا يرى تثليث مسح الرأس كما سيأتي في باب مسح الرأس مرة إن شاء الله تعالى (قوله باب غسل
الأعقاب وكان ابن سيرين) هذا التعليق وصله المصنف في التاريخ عن موسى بن إسماعيل عن
مهدى بن ميمون عنه وروى ابن أبي شيبة عن هشيم عن خالد عنه انه كان إذا توضأ حرك خاتمه
والاسنادان صحيحان فيحمل على أنه كان واسعا بحيث يصل الماء إلى ما تحته بالتحريك وفى
ابن ماجة عن أبي رافع مرفوعا نحوه باسناد ضعيف (قوله محمد بن زياد) هو الجمحي المدني الألهاني
الحمصي (قوله وكان) الواو حالية من مفعول سمعت والناس يتوضئون حال من فاعل يمر (قوله
المطهرة) بكسر الميم هي الاناء المعد للتطهر منه (قوله أسبغوا) بفتح الهمزة أي أكملوا وكأنه
رأى منهم تقصيرا وخشي عليهم (قوله فان أبا القاسم) فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بكنيته وهو حسن وذكره بوصف الرسالة أحسن وفيه ان العالم يستدل على ما يفتى به ليكون
أوقع في نفس سامعه وقد تقدم شرح الأعقاب وانما خصت بالذكر لصورة السبب كما تقدم
في حديث عبد الله بن عمرو فيلتحق بها ما في معناها من جميع الأعضاء التي قد يحصل التساهل
في اسباغها وفى الحاكم وغيره من حديث عبد الله بن الحرث ويل للأعقاب وبطون الاقدام
من النار ولهذا ذكر في الترجمة أثر ابن سيرين في غسله موضع الخاتم لأنه قد لا يصل إليه الماء إذا
كان ضيقا والله تعالى أعلم (قوله باب غسل الرجلين في النعلين) ليس في الحديث الذي ذكره
تصريح بذلك وانما هو مأخوذ من قوله يتوضأ فيها لان الأصل في الوضوء هو الغسل ولان قوله
فيها يدل على الغسل ولو أريد المسح لقال عليها (قوله ولا يمسح على النعلين) أي لا يكتفى بالمسح
عليهما كما في الخفين وأشار بذلك إلى ما روى عن علي وغيره من الصحابة أنهم مسحوا على
نعالهم في الوضوء ثم صلوا وروى في ذلك حديث مرفوع أخرجه أبو داود وغيره من حديث
المغيرة بن شعبة لكن ضعفه عبد الرحمن بن مهدي وغيره من الأئمة واستدل الطحاوي
على عدم الاجزاء بالاجماع على أن الخفين إذا تخرقا حتى تبدو القدمان ان المسح لا يجزئ عليهما
233

قال فكذلك النعلان لأنهما لا يفيدان القدمين انتهى وهو استدلال صحيح لكنه منازع
في نقل الاجماع المذكور وليس هذا موضع بسط هذه المسئلة ولكن نشير إلى ملخص منها فقد
تمسك من اكتفى بالمسح بقوله تعالى وأرجلكم عطفا على وامسحوا برؤسكم فذهب إلى
ظاهرها جماعة من الصحابة والتابعين فحكى عن ابن عباس في رواية ضعيفة والثابت عنه خلافه
وعن عكرمة والشعبي وقتادة وهو قول الشيعة وعن الحسن البصري الواجب الغسل
أو المسح وعن بعض أهل الظاهر يجب الجمع بينهما وحجة الجمهور الأحاديث الصحيحة المذكورة
وغيرها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه بيان للمراد وأجابوا عن الآية بأجوبة منها انه
قرئ وأرجلكم بالنصب عطفا على أيديكم وقيل معطوف على محل برؤسكم كقوله يا جبال أوبي
معه والطير بالنصب وقيل المسح في الآية محمول لمشروعية المسح على الخفين فحملوا قراءة الجر
على مسح الخفين وقراءة النصب على غسل الرجلين وقرر ذلك أبو بكر بن العربي تقريرا حسنا
فقال ما ملخصه بين القراءتين تعارض ظاهر والحكم فيما ظاهره التعارض انه ان أمكن العمل
بهما وجب والا عمل بالقدر الممكن ولا يتأتى الجمع بين الغسل والمسح في عضو واحد في حالة
واحدة لأنه يؤدى إلى تكرار المسح لان الغسل يتضمن المسح والامر المطلق لا يقتضى التكرار
فبقى أن يعمل بهما في حالين توفيقا بين القراءتين وعملا بالقدر الممكن وقيل انما عطفت على
الرؤس الممسوحة لأنها مظنة لكثرة صب الماء عليها فلمنع الاسراف عطفت وليس المراد انها
تمسح حقيقة ويدل على هذا المراد قوله إلى الكعبين لان المسح رخصة فلا يقيد بالغاية ولان
المسح يطلق على الغسل الخفيف يقال مسح على أطرافه لمن توضأ ذكره أبو زيد اللغوي وابن
قتيبة وغيرهما (قوله عبيد بن جريح) هو مدني مولى بنى تيم وليس بينه وبين ابن جريج الفقيه
المكي مولى بنى أمية نسب وقد تقدم في المقدمة ان الفقيه هو عبد الملك بن عبد العزيز بن
جريج فقد يظن أن هذا عمه وليس كذلك وهذا الاسناد كله مدنيون وفيه رواية الاقران لان
عبيدا وسعيدا تابعيان من طبقة واحدة (قوله أربعا) أي أربع خصال (قوله لم أر أحدا)
من أصحابك) أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد بعضهم والظاهر من السياق
انفراد ابن عمر بما ذكر دون غيره ممن رآهم عبيد وقال المازري يحتمل ان يكون مراده لا يصنعهن
غيرك مجتمعة وإن كان يصنع بعضها (قوله الأركان) أي أركان الكعبة الأربعة وظاهره ان
غير ابن عمر من الصحابة الذين رآهم عبيد كانوا يستلمون الأركان كلها وقد صح ذلك عن معاوية
وابن الزبير وسيأتى الكلام على هذه المسئلة في الحج إن شاء الله تعالى (قوله السبتية) بكسر
المهملة هي التي لا شعر فيها مشتقة من السبت وهو الحلق قاله في التهذيب وقيل السبت جلد
البقر المدبوغ بالقرظ وقيل بالسبت بضم أوله وهو نبت يدبغ به قاله صاحب المنتهى وقال
الهروي قيل لها سبتية لأنها انسبتت بالدباغ أي لانت به يقال رطبة منسبتة أي لينة (قوله
تصبغ) بضم الموحدة وحكى فتحها وكسرها وهل المراد صبغ الثوب أو الشعر يأتي الكلام على
ذلك حيث ذكره المصنف في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى (قوله أهل الناس) أي رفعوا
أصواتهم بالتلبية من أول ذي الحجة (قوله ولم تهل أنت حتى كان) ولمسلم حتى يكون يوم التروية
أي الثامن من ذي الحجة ومراده فتهل أنت حينئذ وتبين من جواب ابن عمر أنه كان لا يهل حتى
234

يركب قاصدا إلى منى وسيأتي الكلام على هذه المسئلة أيضا في الحج إن شاء الله تعالى (قوله قال
عبد الله) أي ابن عمر مجيبا لعبيد وللمصنف في اللباس فقال له عبد الله بن عمر (قوله اليمانين)
تثنية يمان والمراد بهما الركن الأسود والذي يسامته من مقابلة الصفا وقيل للأسود يمان
تغليبا (قوله فانى أحب ان أصبغ) وللكشميهني والباقين فانا أحب كالتي قبلها وسيأتي
باقي الكلام على هذا الحديث في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى (قوله باب التيمن) أي الابتداء
باليمين (قوله إسماعيل) هو ابن علية وخالد هو الحذاء والاسناد كله بصريون (قوله في غسل)
أي في صفة غسل ابنته وهى زينب عليها السلام كما سيأتي تحقيقه في كتاب الجنائز إن شاء الله
تعالى وأورد المصنف من الحديث طرفا ليبين به المراد بقول عائشة يعجبه التيمن إذ هو لفظ مشترك
بين الابتداء باليمين وتعاطى الشئ باليمين والتبرك وقصد اليمين فبأن بحديث أم عطية ان المراد
بالطهور الأول (قوله سمعت أبي) هو سليم بن أسود المحاربي الكوفي أبو الشعثاء مشهور بكنيته
أكثر من اسمه وهو من كبار التابعين كشيخه مسروق فهما قرينان كما أن أشعث وشعبة قرينان
وهما من كبار اتباع التابعين (قوله كان يعجبه التيمن) قيل لأنه كان يحب الفال الحسن
إذ أصحاب اليمين أهل الجنة وزاد المصنف في الصلاة عن سليمان بن حرب عن شعبة ما استطاع
فنبه على المحافظة على ذلك ما لم يمنع مانع (قوله في تنعله) أي لبس نعله وترجله أي ترجيل
شعره وهو تسريحه ودهنه قال في المشارق رجل شعره إذا مشطه بماء أو دهن ليلين ويرسل الثائر
ويمد المنقبض زاد أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة وسواكه (قوله في شأنه كله) كذا
للأكثر من الرواة بغير واو وفى رواية أبى الوقت باثبات الواو وهى التي اعتمدها صاحب العمدة
قال الشيخ تقى الدين هو عام مخصوص لان دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما يبدأ
فيهما باليسار انتهى وتأكيد الشأن بقوله كله يدل على التعميم لان التأكيد برفع المجاز فيمكن
ان يقال حقيقة الشأن ما كان فعلا مقصودا وما يستحب فيه التياسر ليس من الافعال
المقصودة بل هي اما تروك واما غير مقصودة وهذا كله على تقدير اثبات الواو واما على اسقاطها
فقوله في شأنه كله متعلق بيعجبه لا بالتيمن أي يعجبه في شأنه كله التيمن في تنعله إلى آخره أي لا يترك
ذلك سفرا ولا حضرا ولا في فراغه ولا شغله ونحو ذلك وقال الطيبى قوله في شأنه بدل من قوله في
تنعله بإعادة العامل قال وكأنه ذكر التنعل لتعلقه بالرجل والترجل لتعلقه بالرأس والطهور لكونه
مفتاح أبواب العبادة فكأنه نبه على جميع الأعضاء فيكون كبدل الكل من الكل (قلت)
ووقع في رواية مسلم بتقديم قوله في شأنه كله على قوله في تنعله إلى آخره وعليها شرح الطيبى
وجميع ما قدمناه مبنى على ظاهر السياق الوارد هنا لكن بين المصنف في الأطعمة من طريق عبد
الله بن المبارك عن شعبة ان أشعث شيخه كان يحدث به تارة مقتصرا على قوله في شأنه كله وتارة
على قوله في تنعله إلى آخره وزاد الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة ان عائشة أيضا كانت تجمله
تارة وتبينه أخرى فعلى هذا يكون أصل الحديث ما ذكر من التنعل وغيره ويؤيده رواية مسلم من
طريق أبى الأحوص وابن ماجة من طريق عمرو بن عبيد كلاهما عن أشعث بدون قوله في شأنه
كله وكأن الرواية المقتصرة على في شأنه كله من الرواية بالمعنى ووقع في رواية لمسلم في طهوره ونعله
بفتح النون واسكان العين أي هيئة تنعله وفى رواية ابن ماهان في مسلم ونعله بفتح العين وفى الحديث
235

استحباب البداءة بشق الرأس الأيمن في الترجل والغسل والحلق ولا يقال هو من باب الإزالة
فيبدأ فيه بالأيسر بل هو من باب العبادة والتزيين وقد ثبت الابتداء بالشق الأيمن في الحلق كما
سيأتي قريبا وفيه البداءة بالرجل اليمنى في التنعل وفى ازالتها باليسرى وفيه البداءة باليد اليمنى في
الوضوء وكذا الرجل وبالشق الأيمن في الغسل واستدل به على استحباب الصلاة عن يمين الامام
وفى ميمنة المسجد وفى الأكل والشرب باليمين وقد أورده المصنف في هذه المواضع كلها قال
النووي قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين
وما كان بضدهما استحب فيه التياسر قال واجمع العلماء على أن تقديم اليمين في الوضوء سنة من
خالفها فاته الفضل وتم وضوؤه انتهى ومراده بالعلماء أهل السنة والا فمذهب الشيعة الوجوب
وغلط المرتضى منهم فنسبه للشافعي وكأنه ظن أن ذلك لازم من قوله بوجوب الترتيب لكنه لم
يقل بذلك في اليدين ولا في الرجلين لأنهما بمنزلة العضو الواحد ولأنهما جمعا في لفظ القرآن لكن
يشكل على أصحابه حكمهم على الماء بالاستعمال إذا انتقل من يد إلى يد أخرى مع قولهم بان الماء
ما دام مترددا على العضو لا يسمى مستعملا وفى استدلالهم على وجوب الترتيب بأنه لم ينقل أحد
في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم انه توضأ منكسا وكذلك لم ينقل أحد انه قدم اليسرى
على اليمنى ووقع في البيان للعمراني والتجريد للبندنيجي نسبة القول بالوجوب إلى الفقهاء السبعة
وهو تصحيف من الشيعة وفى كلام الرافعي ما يوهم ان أحمد قال بوجوبه ولا يعرف ذلك عنه بل
قال الشيخ الموفق في المغنى لا نعلم في عدم الوجوب خلافا (قوله باب التماس الوضوء) بفتح الواو أي
طلب الماء للوضوء إذا حانت بالمهملة أي قربت الصلاة والمراد وقتها الذي توقع فيه (قوله وقالت
عائشة) هذا طرف من حديثها في قصة نزول آية التيمم وسيأتي في كتاب التيمم إن شاء الله تعالى
وساقه هنا بلفظ عمرو بن الحرث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها وهو موصول عنده في
تفسير المائدة قال ابن المنير أراد الاستدلال على أنه لا يجب طلب الماء للتطهير قبل دخول الوقت
لان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم التأخير فدل على الجواز (قوله فالتمس) بالضم على
البناء للمفعول وللكشميهني فالتمسوا (قوله وحان) وللكشميهني وحانت والواو للحال بتقدير قد
(قوله الوضوء) بفتح الواو أي الماء الذي يتوضأ به (قوله فلم يجدوا) وللكشميهني فلم يجدوه بزيادة
الضمير (قوله فأتى) بالضم على البناء للمفعول وبين المصنف في رواية قتادة ان ذلك كان بالزوراء
وهو سوق بالمدينة (قوله بوضوء) بالفتح أي باناء فيه ماء ليتوضأ به ووقع في رواية ابن المبارك فجاء
رجل بقدح فيه ماء يسير فصغر ان يبسط صلى الله عليه وسلم فيه كفه فضم أصابعه ونحوه في رواية
حميد الآتية في باب الوضوء من المخضب (قوله ينبع) بفتح أوله وضم الموحدة ويجوز كسرها
وفتحها وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في كتاب علامات النبوة مستوعبا إن شاء الله
تعالى (قوله حتى توضؤا من عند آخرهم) قال الكرماني حتى للتدريج ومن للبيان أي
توضأ الناس حتى توضأ الذين عند آخرهم وهو كناية عن جميعهم قال وعند بمعنى في لان عند
وإن كانت للظرفية الخاصة لكن المبالغة تقتضى أن تكون لمطلق الظرفية فكأنه قال الذين
هم في آخرهم وقال التيمي المعنى توضأ القوم حتى وصلت النوبة إلى الآخر وقال النووي من
هنا بمعنى إلى وهى لغة وتعقبه الكرماني بأنها شاذة قال ثم إن إلى لا يجوز ان تدخل على عند
236

ويلزم عليه وعلى ما قال التيمي ان لا يدخل الأخير لكن ما قاله الكرماني من أن إلى لا تدخل على
عند لا يلزم مثله في من إذا وقعت بمعنى إلى وعلى توجيه النووي يمكن ان يقال عند زائدة وفى
الحديث دليل على أن المواساة مشروعة عند الضرورة لمن كان في مائه فضل عن وضوئه وفيه ان
اغتراف المتوضئ من الماء القليل لا يصير الماء مستعملا واستدل به الشافعي على أن الامر بغسل
اليد قبل ادخالها الاناء أمر ندب لا حتم * (تنبيه) * قال ابن بطال هذا الحديث يعنى حديث نبع
الماء شهده جمع من الصحابة الا انه لم يرو الا من طريق أنس وذلك لطول عمره ولطلب الناس علو
السند كذا قال وقد قال القاضي عياض هذه القصة رواها العدد الكثير من الثقات عن الجم
الغفير عن الكافة متصلا عن جملة من الصحابة بل لم يؤثر عن أحد منهم انكار ذلك فهو ملتحق
بالقطعي من معجزاته انتهى فانظر كم بين الكلامين من التفاوت وسنحرر هذا الموضع في كتاب
علامات النبوة إن شاء الله تعالى (قوله باب الماء) أي حكم الماء الذي يغسل به شعر الانسان أشار
المصنف إلى أن حكمه الطهارة لان المغتسل قد يقع في ماء غسله من شعره فلو كان نجسا لتنجس
الماء بملاقاته ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تجنب ذلك في اغتساله بل كان يخلل أصول شعره
كما سيأتي وذلك يفضى غالبا إلى تناثر بعضه فدل على طهارته وهو قول جمهور العلماء وكذا قاله
الشافعي في القديم ونص عليه في الجديد أيضا وصححه جماعة من أصحابه وهى طريقة الخراسانيين
وصحح جماعة القول بتنجيسه وهى طريقة العراقيين واستدل المصنف على طهارته بما ذكره من
الحديث المرفوع وتعقب بان شعر النبي صلى الله عليه وسلم مكرم لا يقاس عليه غيره ونقضه
ابن المنذر والخطابي وغيرهما بان الخصوصية لا تثبت الا بدليل والأصل عدمه قالوا ويلزم
القائل بذلك أن لا يحتج على طهارة المنى بان عائشة كانت تفركه من ثوبه صلى الله عليه وسلم لامكان
ان يقال له منيه طاهر فلا يقاس عليه غيره والحق ان حكمه حكم جميع المكلفين في الأحكام التكليفية
الا فيما خص بدليل وقد تكاثرت الأدلة على طهارة فضلاته وعد الأئمة ذلك في خصائصه
فلا يلتفت إلى ما وقع في كتب كثير من الشافعية مما يخالف ذلك فقد استقر الامر بين أئمتهم على
القول بالطهارة هذا كله في شعر الآدمي أما شعر الحيوان غير المأكول المذكى ففيه اختلاف
مبنى على أن الشعر هل تحله الحياة فينجس بالموت أو لا فالأصح عند الشافعية انه ينجس بالموت
وذهب جمهور العلماء إلى خلافه واستدل ابن المنذر على أنه لا تحله الحياة فلا ينجس بالموت ولا
بالانفصال بأنهم أجمعوا على طهارة ما يجز من الشاة وهى حية وعلى نجاسة ما يقطع من أعضائها
وهى حية فدل ذلك على التفرقة بين الشعر وغيره من أجزائها وعلى التسوية بين حالتي الموت
والانفصال والله أعلم وقال البغوي في شرح السنة في قوله صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة انما
حرم أكلها يستدل لمن ذهب إلى أن ما عدا ما يؤكل من اجزاء الميتة لا يحرم الانتفاع به اه‍
وسيأتي الكلام على ريش الميتة وعظمها في باب مفرد من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى (قوله
وكان عطاء) هذا التعليق وصله محمد بن إسحاق الفاكهي في اخبار مكة بسند صحيح إلى عطاء وهو
ابن أبي رباح انه كان لا يرى بأسا بالانتفاع بشعور الناس التي تحلق بمنى (قوله وسؤر الكلاب) هو
بالجر عطفا على قوله الماء والتقدير وباب سؤر الكلاب أي ما حكمه والسؤر البقية والظاهر من
237

تصرف المصنف أنه يقول بطهارته وفى بعض النسخ بعد قوله في المسجد واكلها وهو من إضافة
المصدر إلى الفاعل (قوله وقال الزهري إذا ولغ الكلب) جمع المصنف في هذا الباب بين مسئلتين
وهما حكم شعر الآدمي وسؤر الكلب فذكر الترجمة الأولى وأثرها معها ثم ثنى بالثانية وأثرها معها
ثم رجع إلى دليل الأولى من الحديث المرفوع ثم ثنى بأدلة الثانية وقول الزهري هذا رواه الوليد بن
مسلم في مصنفه عن الأوزاعي وغيره عنه ولفظه سمعت الزهري في اناء ولغ فيه كلب فلم يجدوا ماء
غيره قال يتوضأ به وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد من طريقه بسند صحيح (قوله وقال سفيان)
المتبادر إلى الذهن انه ابن عيينة لكونه معروفا بالرواية عن الزهري دون الثوري لكن المراد به هنا
الثوري فان الوليد بن مسلم عقب أثر الزهري هذا بقوله فذكرت ذلك لسفيان الثوري فقال والله
هذا الفقه بعينه فذكره وزاد بعد قوله شئ فأرى ان يتوضأ به ويتيمم فسمى الثوري الأخذ بدلالة
العموم فقها وهى التي تضمنها قوله تعالى فلم تجدوا ماء لكونها نكره في سياق النفي فتعم ولا تخص
الا بدليل وتنجيس الماء بولوغ الكلب فيه غير متفق عليه بين أهل العلم وزاد من راية التيمم
احتياطا وتعقبه الإسماعيلي بان اشتراطه جواز التوضئ به إذا لم يجد غيره يدل على تنجيسه عنده
لان الطاهر يجوز التوضؤ به مع وجود غيره وأجيب بان المراد ان استعمال غيره مما لم يختلف
فيه أولى فاما إذا لم يجد غيره فلا يعدل عنه وهو يعتقد طهارته إلى التيمم وأما فتيا سفيان بالتيمم
بعد الوضوء به فلانه رأى أنه ماء مشكوك فيه من أجل الاختلاف فاحتاط للعبادة وقد تعقب
بأنه يلزم من استعماله ان يكون جسده طاهرا بلا شك فيصير باستعماله مشكوكا في طهارته ولهذا
قال بعض الأئمة الأولى ان يريق ذلك الماء ثم يتيمم والله أعلم * (تنبيه) * وقع في رواية أبى الحسن
القابسي عن أبي زيد المروزي في حكاية قول سفيان بقول الله تعالى فإن لم تجدوا ماء وكذا حكاه
أبو نعيم في المستخرج على البخاري وفى باقي الروايات فلم تجدوا وهو الموافق للتلاوة وقال القابسي
وقد ثبت ذلك في الاحكام لإسماعيل القاضي يعنى باسناده إلى سفيان قال وما أعرف من قرأ بذلك
(قلت) لعل الثوري حكاه بالمعنى وكان يرى جواز ذلك وكان هذا هو الذي جر المصنف أن يأتي
بمثل هذه العبارة في كتاب التيمم كما سيأتي إن شاء الله تعالى (قوله عن عاصم) هو ابن سليمان
وابن سيرين هو محمد وعبيدة هو ابن عمر والسلماني أحد كبار التابعين الخضرمين أسلم قبل وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم بسنتين ولم يره (قوله من شعر النبي صلى الله عليه وسلم) أي شئ (قوله أصبناه)
أي حصل لنا من جهة أنس بن مالك وأراد المصنف بايراد هذا الأثر تقرير ان الشعر الذي حصل
لأبي طلحة كما في الحديث الذي يليه بقى عند آل بيته إلى أن صار لمواليهم منه لان سيرين والد محمد
كان مولى أنس بن مالك وكان أنس ربيب أبى طلحة ووجه الدلالة منه على الترجمة ان الشعر طاهر
والا لما حفظوه ولا تمنى عبيدة ان يكون عنده شعرة واحدة منه وإذا كان طاهرا فالماء الذي يغسل
به طاهر (قوله حدثنا عباد) هو ابن عباد المهلبي وقد نزل البخاري في هذا الاسناد لأنه قد سمع من
شيخ شيخه سعيد بن سليمان بل سمع من أبى عاصم وغيره من أصحاب ابن عون فيقع بينه وبين ابن
عون واحد وهنا بينه وبينه ثلاثة أنفس (قوله لما حلق) أي أمر الحلاق فحلقه فأضاف الفعل
إليه مجازا وكان ذلك في حجة الوداع كما سنبينه (قوله كان أبو طلحة) يعنى الأنصاري زوج أم سليم
238

والدة أنس وقد أخرج أبو عوانة في صحيحه هذا الحديث من طريق سعيد بن سليمان المذكور أبين
مما ساقه محمد بن عبد الرحيم ولفظه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحلاق فحلق رأسه
ودفع إلى أبى طلحة الشق الأيمن ثم حلق الشق الآخر فأمره ان يقسمه بين الناس ورواه مسلم من
طريق ابن عيينة عن هشام بن حسان عن ابن سيرين بلفظ لما رمى الجمرة ونحر نسكه ناول الحالق
شقه الأيمن فحلقه ثم دعا أبا طلحة فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر فحلقه فأعطاه أبا طلحة فقال
اقسمه بين الناس وله من رواية حفص بن غياث عن هشام انه قسم الأيمن فيمن يليه وفى لفظ
فوزعه بين الناس الشعرة والشعرتين وأعطى الأيسر أم سليم وفى لفظ أبا طلحة ولا تناقض في
هذه الروايات بل طريق الجمع بينهما انه ناول أبا طلحة كلا من الشقين فاما الأيمن فوزعه أبو طلحة
بأمره وأما الأيسر فأعطاه لام سليم زوجته بأمره صلى الله عليه وسلم أيضا زاد أحمد في رواية له
لتجعله في طيبها وعلى هذا فالضمير في قوله يقسمه في رواية أبى عوانة يعود على الشق الأيمن وكذا
قوله في رواية ابن عيينة فقال اقسمه بين الناس قال النووي فيه استحباب البداءة بالشق الأيمن
من رأس المحلوق وهو قول الجمهور خلافا لأبي حنيفة وفيه طهارة شعر الآدمي وبه قال الجمهور
وهو الصحيح عندنا وفيه التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم وجواز اقتائه وفيه المواساة بين
الأصحاب في العطية والهدية أقول وفيه ان المواساة لا تستلزم المساواة وفيه تنفيل من يتولى
التفرقة على غيره قال واختلفوا في اسم الحالق فالصحيح انه معمر بن عبد الله كما ذكره البخاري
وقيل هو خراش ابن أمية وهو بمعجمتين اه‍ والصحيح ان خراشا كان الحالق بالحديبية والله أعلم
ووقع هنا في رواية ابن عساكر قبل ايراد حديث مالك باب إذا شرب الكلب في الاناء (قوله إذا
شرب) كذا هو في الموطأ والمشهور عن أبي هريرة من رواية جمهور أصحابه عنه إذا ولغ وهو المعروف
في اللغة يقال ولغ يلغ بالفتح فيهما إذا شرب بطرف لسانه أو أدخل لسانه فيه فحركه وقال ثعلب هو
ان يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه زاد ابن درستويه شرب أو لم يشرب وقال ابن مكي
فإن كان غير مائع يقال لعقه وقال المطرزي فإن كان فارغا يقال لحسه وادعى ابن عبد البر ان لفظ
شرب لم يروه الا مالك وان غيره رواه بلفظ ولغ وليس كما ادعى فقد رواه ابن خزيمة وابن المنذر من
طريقين عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة بلفظ إذا شرب لكن المشهور عن
هشام بن حسان بلفظ إذا ولغ كذا أخرجه مسلم وغيره من طريق عنه وقد رواه عن أبي الزناد
شيخ مالك بلفظ إذا شرب ورقاء بن عمر أخرجه الجوزقي وكذا المغيرة بن عبد الرحمن أخرجه
أبو يعلى نعم وروى عن مالك بلفظ إذا ولغ أخرجه أبو عبيد في كتاب الطهور له عن إسماعيل بن عمر
عنه ومن طريقه أورده الإسماعيلي وكذا أخرجه الدارقطني في الموطآت له من طريق أبى على
الحنفي عن مالك وهو في نسخة صحيحة من سنن ابن ماجة من رواية روح بن عبادة عن مالك أيضا
وكأن أبا الزناد حدث به باللفظين لتقاربهما في المعنى لكن الشرب كما بينا أخص من الولوغ فلا
يقوم مقامه ومفهوم الشرط في قوله إذا ولغ يقتضى قصر الحكم على ذلك لكن إذا قلنا إن الامر
بالغسل للتنجيس يتعدى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلا ويكون ذكر الولوغ للغالب وأما
الحاق باقي أعضائه كيده ورجله فالمذهب المنصوص انه كذلك لان فمه أشرفها فيكون الباقي من
باب الأولى وخصه في القديم بالأول وقال النووي في الروضة انه وجه شاذ وفى شرح المهذب
239

انه القوى من حيث الدليل والأولوية المذكورة قد تمنع لكون فمه محل استعمال النجاسات
(قوله في اناء أحدكم) ظاهره العموم في الآنية ومفهومه يخرج الماء المستنقع مثلا وبه قال
الأوزاعي مطلقا لكن إذا قلنا بان الغسل للتنجيس يجرى الحكم في القليل من الماء دون الكثير
والإضافة التي في اناء أحدكم يلغى اعتبارها هنا لأن الطهارة لا تتوقف على ملكه وكذا قوله
فليغسله لا يتوقف على أن يكون هو الغاسل وزاد مسلم والنسائي من طريق علي بن مسهر عن
الأعمش عن أبي صالح وأبى رزين عن أبي هريرة في هذا الحديث فليرقه وهو يقوى القول بان
الغسل للتنجيس إذ المراق أعم من أن يكون ماء أو طعاما فلو كان طاهرا لم يؤمر بإراقته للنهي عن
إضاعة المال لكن قال النسائي لا أعلم أحدا تابع علي بن مسهر على زيادة فليرقه وقال حمزة الكناني
انها غير محفوظة وقال ابن عبد البر لم يذكرها الحفاظ من أصحاب الأعمش كابى معاوية وشعبة
وقال ابن منده لا تعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه الا عن علي بن مسهر بهذا
الاسناد قلت قد ورد الامر بالإراقة أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه ابن عدي
لكن في رفعه نظر والصحيح انه موقوف وكذا ذكر الإراقة حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي
هريرة موقوفا واسناده صحيح أخرجه الدارقطني وغيره (قوله فليغسله) يقتضى الفور لكن
حمله الجمهور على الاستحباب الا لمن أراد ان يستعمل ذلك الاناء (قوله سبعا) أي سبع مرار ولم
يقع في رواية مالك التتريب ولم يثبت في شئ من الروايات عن أبي هريرة الا عن ابن سيرين على أن
بعض أصحابه لم يذكره وروى أيضا عن الحسن وأبى رافع عن الدارقطني وعبد الرحمن والد
السدى عند البزار واختلفت الرواة عن ابن سيرين في محل غسلة التتريب فلمسلم وغيره من طريق
هشام بن حسان عنه أولاهن وهى رواية الأكثر عن ابن سيرين وكذا في رواية أبى رافع المذكورة
واختلف عن قتادة عن ابن سيرين فقال سعيد بن بشير عنه أولاهن أيضا أخرجه الدارقطني وقال
أبان عن قتادة السابعة أخرجه أبو داود وللشافعي عن سفيان عن أيوب عن ابن سيرين أولاهن
أو إحداهن وفى رواية السدى عن البزار إحداهن وكذا في رواية هشام بن عروة عن أبي الزناد عنه
فطريق الجمع بين هذه الروايات ان يقال إحداهن مبهمة وأولاهن والسابعة معينة وأو إن كانت
في نفس الخبر فهي للتخيير فمقتضى حمل المطلق على المقيد ان يحمل على أحدهما لان فيه زيادة على
الرواية المعينة وهو الذي نص عليه الشافعي في الام والبويطي وصرح به المرعشي وغيره من
الأصحاب وذكره ابن دقيق العيد والسبكي بحثا وهو منصوص كما ذكرنا وإن كانت أو شكا من
الراوي فرواية من عين ولم يشك أولى من رواية من أبهم أو شك فيبقى النظر في الترجيح بين رواية
أولاهن ورواية السابعة ورواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حيث المعنى
أيضا لان تتريب الأخيرة يقتضى الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه وقد نص الشافعي في حرملة
على أن الأولى أولى والله أعلم وفى الحديث دليل على أن حكم النجاسة يتعدى عن محلها إلى
ما يجاورها بشرط كونه مائعا وعلى تنجيس المائعات إذا وقع في جزء منها نجاسة وعلى تنجيس الاناء
الذي يتصل بالمائع وعلى ان الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه وان لم يتغير لان ولوغ الكلب
لا يغير الماء الذي في الاناء غالبا وعلى ان ورود الماء على النجاسة يخالف ورودها عليه لأنه أمر بإراقة
الماء لما وردت عليه النجاسة وهو حقيقة في إراقة جميعه وأمر بغسله وحقيقته تتأدى بما يسمى
240

غسلا ولو كان ما يغسل به أقل مما أريق * (فائدة) * خالف ظاهر هذا الحديث المالكية والحنفية
فاما المالكية فلم يقوموا بالتتريب أصلا مع ايجابهم التسبيع على المشهور عندهم لان التتريب
لم يقع في رواية مالك قال القرافي منهم قد صحت فيه الأحاديث فالعجب منهم كيف لم يقولوا بها
وعن مالك رواية ان الامر بالتسبيع للندب والمعروف عند أصحابه انه للوجوب لكنه للتعبد
لكون الكلب طاهرا عندهم وأبدى بعض متأخريهم له حكمة غير التنجيس كما سيأتي وعن مالك
رواية بأنه نجس لكن قاعدته ان الماء لا ينجس الا بالتغير فلا يجب التسبيع للنجاسة بل للتعبد
لكن يرد عليه قوله صلى الله عليه وسلم في أول هذا الحديث فيما رواه مسلم وغيره من طريق محمد بن
سيرين وهمام بن منبه عن أبي هريرة طهور اناء أحدكم لأن الطهارة تستعمل اما عن حدث أو
خبث ولا حدث على الاناء فتعين الخبث وأجيب بمنع الحصر لان التيمم لا يرفع الحدث وقد قيل له
طهور المسلم ولأن الطهارة تطلق على غير ذلك كقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وقوله
صلى الله عليه وسلم السواك مطهرة للفم والجواب عن الأول بان التيمم ناشئ عن حدث فلما قام
ما يطهر الحدث سمى طهورا ومن يقول بأنه يرفع الحدث يمنع هذا الايراد من أصله والجواب
عن الثاني ان ألفاظ الشرع إذا دارت بين الحقيقة اللغوية والشرعية حملت على الشرعية الا
إذا قام دليل ودعوى بعض المالكية ان المأمور بالغسل من ولوغه الكلب المنهى عن اتخاذه
دون المأذون فيه يحتاج إلى ثبوت تقدم النهى عن الاتخاذ على الامر بالغسل والى قرينة تدل على أن
المراد ما لم يؤذن في اتخاذه لأن الظاهر من اللام في قوله الكلب انها للجنس أو لتعريف الماهية
فيحتاج المدعى انها للعهد إلى دليل ومثله تفرقة بعضهم بين البدوي والحضري ودعوى بعضهم
ان ذلك مخصوص بالكلب الكلب وان الحكمة في الامر بغسله من جهة الطب لان الشارع اعتبر
السبع في مواضع منه كقوله صبوا على من سبع قرب وقوله من تصبح بسبع تمرات عجوة وتعقب
بان الكلب الكلب لا يقرب الماء فكيف يؤمر بالغسل من ولوغه وأجاب حفيد ابن رشد بأنه
لا يقرب الماء بعد استحكام الكلب منه أما في ابتدائه فلا يمتنع وهذا التعليل وإن كان فيه مناسبة
لكنه يستلزم التخصيص بلا دليل والتعليل بالتنجيس أقوى لأنه في معنى المنصوص وقد ثبت عن
ابن عباس التصريح بان الغسل من ولوغ الكلب بأنه رجس رواه محمد بن نصر المروزي باسناد
صحيح ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه والمشهور عن المالكية أيضا التفرقة بين اناء الماء
فيراق ويغسل وبين اناء الطعام فيؤكل ثم يغسل الاناء تعبدا لان الامر بالإراقة عام فيخص الطعام
منه بالنهى عن إضاعة المال وعورض بان النهى عن الإضاعة مخصوص بالامر بالإراقة ويترجح
هذا الثاني بالاجماع على إراقة ما تقع فيه النجاسة من قليل المائعات ولو عظم ثمنه فثبت ان عموم
النهى عن الإضاعة مخصوص بخلاف الامر بالإراقة وإذا ثبتت نجاسة سؤره كان أعم من أن
يكون لنجاسة عينه أو لنجاسة طارئة كأكل الميتة مثلا لكن الأول أرجح إذ هو الأصل ولأنه يلزم
على الثاني مشاركة غيره له في الحكم كالهرة مثلا وإذا ثبتت نجاسة سؤره لعينه لم يدل على نجاسة
باقيه الا بطريق القياس كان يقال لعابه نجس ففمه نجس لأنه متحلب منه واللعاب عرق فمه وفمه
أطيب بدنه فيكون عرقه نجسا وإذا كان عرقه نجسا كان بدنه نجسا لان العرق متحلب من البدن
ولكن هل يلتحق باقي أعضائه بلسانه في وجوب السبع والتتريب أم لا تقدمت الإشارة إلى ذلك
241

من كلام النووي وأما الحنفية فلم يقولوا بوجوب السبع ولا التتريب واعتذر الطحاوي
وغيره عنهم بأمور منها كون أبي هريرة راويه أفتى بثلاث غسلات فثبت بذلك نسخ السبع
وتعقب بأنه يحتمل ان يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو كان نسى ما رواه ومع
الاحتمال لا يثبت النسخ وأيضا فقد ثبت انه أفتى بالغسل سبعا ورواية من روى عنه موافقة
فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الاسناد ومن حيث النظر أما النظر
فظاهر وأما الاسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه وهذا من
أصح الأسانيد وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في
القوة بكثير ومنها ان العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب ولم يقيد بالسبع فيكون الولوغ
كذلك من باب الأولى وأجيب بأنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد
منها في تغليظ الحكم وبأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار ومنها دعوى ان الامر
بذلك كان عند الامر بقتل الكلاب فلما نهى عن قتلها نسخ الامر بالغسل وتعقب بان الامر
بقتلها كان في أوائل الهجرة والامر بالغسل متأخر جدا لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن
مغفل وقد ذكر ابن مغفل انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل وكان اسلامه سنة سبع
كأبى هريرة بل سياق مسلم ظاهر في أن الامر بالغسل كان بعد الامر بقتل الكلاب ومنها الزام
الشافعية بايجاب ثمان غسلات عملا بظاهر حديث عبد الله بن مغفل الذي أخرجه مسلم ولفظه
فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب وفى رواية أحمد بالتراب وأجيب بأنه لا يلزم من
كون الشافعية لا يقولون بظاهر حديث عبد الله بن مغفل ان يتركوا هم العمل بالحديث أصلا
ورأسا لان اعتذار الشافعية عن ذلك إن كان متجها فذاك والا فكل من الفريقين ملوم في ترك
العمل به قاله ابن دقيق العيد وقد اعتذر بعضهم عن العمل به بالاجماع على خلافه وفيه نظر لأنه
ثبت القول بذلك عن الحسن البصري وبه قال أحمد بن حنبل في رواية حرب الكرماني عنه
ونقل عن الشافعي أنه قال هو حديث لم أقف على صحته ولكن هذا لا يثبت العذر لمن وقف على
صحته وجنح بعضهم إلى الترجيح لحديث أبي هريرة على حديث ابن مغفل والترجيح لا يصار إليه مع
امكان الجمع والاخذ بحديث ابن مغفل يستلزم الاخذ بحديث أبي هريرة دون العكس والزيادة
من الثقة مقبولة ولو سلكنا الترجيح في هذا الباب لم نقل بالتتريب أصلا لان رواية مالك بدونه
أرجح من رواية من أثبته ومع ذلك فقلنا به أخذا بزيادة الثقة وجمع بعضهم بين الحديثين بضرب
من المجاز فقال لما كان التراب جنسا غير الماء جعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدودا باثنتين
وتعقبه ابن دقيق العيد بان قوله وعفروه الثامنة بالتراب ظاهر في كونها غسلة مستقلة لكن
لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون اطلاق الغسلة
على التتريب مجازا وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى والكلام على هذا الحديث
وما يتفرع منه منتشر جدا ويمكن ان يفرد بالتصنيف ولكن هذا القدر كاف في هذا المختصر
والله المستعان (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن منصور الكوسج كما جزم به أبو نعيم في المستخرج
وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث وشيخه عبد الرحمن تكلم فيه بعضهم لكنه صدوق ولم ينفرد
بهذا الحديث والاسناد منه فصاعدا مدنيون وأبوه وشيخه أبو صالح السمان تابعيان (قوله
242

أن رجلا) لم يسم هذا الرجل وهو من بني إسرائيل كما سيأتي (قوله يأكل الثرى) بالمثلثة أي يعلق
التراب الندى وفى المحكم الثرى التراب وقيل التراب الذي إذا بل لم يصر طينا لازبا (قوله من
العطش) أي بسبب العطش (قوله يغرف له به) استدل به المصنف على طهارة سؤر الكلب لان
ظاهره انه سقى الكلب فيه وتعقب بان الاستدلال به مبنى على أن شرع من قبلنا شرع لنا وفيه
اختلاف ولو قلنا به لكان محله فيما لم ينسخ ومع ارخاء العنان لا يتم الاستدلال به أيضا لاحتمال
ان يكون صبه في شئ فسقاه أو غسل خفه بعد ذلك أو لم يلبسه بعد ذلك (قوله فشكر الله له) أي
أثنى عليه فجزاه على ذلك بأن قبل عمله وأدخله الجنة وسيأتي بقية الكلام على فوائد هذا الحديث
في باب فضل سقى الماء من كتاب الشرب إن شاء الله تعالى (قوله وقال أحمد بن شبيب) بفتح المعجمة
وكسر الموحدة (قوله حمزة بن عبد الله) أي ابن عمر بن الخطاب (قوله كانت الكلاب) زاد
أبو نعيم والبيهقي في روايتهما لهذا الحديث من طريق أحمد بن شبيب المذكور موصولا بصريح
التحديث قبل قوله تقبل تبول وبعدها واو العطف وكذا ذكر الأصيلي أنها في رواية إبراهيم بن
معقل عن البخاري وكذا أخرجها أبو داود والإسماعيلي من رواية عبد الله بن وهب عن يونس بن
يزيد شيخ شبيب بن سعيد المذكور وعلى هذا فلا حجة فيه لمن استدل به على طهارة الكلاب
للاتفاق على نجاسة بولها قاله ابن المنير وتعقب بان من يقول إن الكلب يؤكل وان بول ما يؤكل
لحمه طاهر يقدح في نقل الاتفاق لا سيما وقد قال جمع بان أبوال الحيوانات كلها طاهرة الا الآدمي
وممن قال به ابن وهب حكاه الإسماعيلي وغيره عنه وسيأتى في باب غسل البول وقال المنذري المراد
انها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها ثم تقبل وتدبر في المسجد إذ لم يكن عليه في ذلك الوقت
غلق قال ويبعد ان تترك الكلاب تنتاب في المسجد حتى تمتهنه بالبول فيه وتعقب بأنه إذا قيل
بطهارتها لم يمتنع ذلك كما في الهرة والأقرب ان يقال إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل
الإباحة ثم ورد الامر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها ويشير إلى ذلك ما زاده
الإسماعيلي في روايته من طريق ابن وهب في هذا الحديث عن ابن عمر قال كان عمر يقول بأعلى
صوته اجتنبوا اللغو في المسجد قال ابن عمر وقد كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكانت الكلاب إلى آخره فأشار إلى أن ذلك كان في الابتداء ثم ورد الامر
بتكريم المسجد حتى من لغو الكلام وبهذا يندفع الاستدلال به على طهارة الكلب وأما قوله
في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو وإن كان عاما في جميع الأزمنة لأنه اسم مضاف لكنه
مخصوص بما قبل الزمن الذي أمر فيه بصيانة المسجد وفى قوله فلم يكونوا يرشون مبالغة لدلالته
على نفى الغسل من باب الأولى واستدل بذلك ابن بطال على طهارة سؤره لان من شأن الكلاب
ان تتبع مواضع المأكول وكان بعض الصحابة لا بيوت لهم الا المسجد فلا يخلو أن يصل لعابها
إلى بعض اجزاء المسجد وتعقب بان طهارة المسجد متيقنة وما ذكر مشكوك فيه واليقين لا يرفع
بالشك ثم إن دلالته لا تعارض دلالة منطوق الحديث الوارد في الامر بالغسل من ولوغه
واستدل به أبو داود في السنن على أن الأرض تطهر إذا لاقتها النجاسة بالجفاف يعنى ان قوله
لم يكونوا يرشون يدل على نفى صب الماء من باب الأولى فلولا ان الجفاف يفيد تطهير الأرض
ما تركوا ذلك ولا يخفى ما فيه * (تنبيه) * حكى ابن التين عن الداودي الشارح انه أبدل قوله
243

يرشون بلفظ يرتقبون باسكان الراء ثم مثناة مفتوحة ثم قاف مكسورة ثم موحدة وفسره بان
معناه لا يخشون فصحف اللفظ وأبعد في التفسير لان معنى الارتقاب الانتظار وأما نفى الخوف من
نفى الارتقاب فهو تفسير ببعض لوازمه والله أعلم (قوله ابن أبي السفر) تقدم في المقدمة ان اسمه
عبد الله وان السفر بفتح الفاء ووهم من سكنها (قوله عدى بن حاتم) أي الطائي (قوله سألت) أي
عن حكم صيد الكلاب وحذف لفظ السؤال اكتفاء بدلالة الجواب عليه وقد صرح به المصنف
من طريق أخرى في الصيد كما سيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى وانما ساق
المصنف هذا الحديث هنا ليستدل به لمذهبه في طهارة سؤر الكلب ومطابقته للترجمة من قوله
فيها وسؤر الكلاب ووجه الدلالة من الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم أذن له في أكل
ما صاده الكلب ولم يقيد ذلك بغسل موضع فمه ومن ثم قال مالك كيف يؤكل صيده ويكون
لعابه نجسا وأجاب الإسماعيلي بان الحديث سيق لتعريف ان قتله ذكاته وليس فيه اثبات
نجاسة ولا نفيها ويدل لذلك انه لم يقل له اغسل الدم إذا خرج من جرح نابه لكنه وكله إلى ما تقرر
عنده من وجوب غسل الدم فلعله وكله أيضا إلى ما تقرر عنده من غسل ما يماسه فمه وقال ابن المنير
عند الشافعية ان السكين إذا سقيت بماء نجس وذبح بها نجست الذبيحة وناب الكلب عندهم
نجس العين وقد وافقونا على أن ذكاته شرعية لا تنجس المذكى وتعقب بأنه لا يلزم من الاتفاق
على أن الذبيحة لا تصير نجسة بمعض الكلب ثبوت الاجماع على أنها لا تصير متنجسة فما ألزمهم به
من التناقض ليس بلازم على أن في المسئلة عندهم خلافا والمشهور وجوب غسل المعض وفى
هذا موضع بسط هذه المسئلة (قوله باب من لم ير الوضوء الا من المخرجين) الاستثناء مفرغ والمعنى
من لم ير الوضوء واجبا من الخروج من شئ من مخارج البدن الا من القبل والدبر وأشار بذلك
إلى خلاف من رأى الوضوء مما يخرج من غيرهما من البدن كالقئ والحجامة وغيرهما ويمكن أن
يقال إن نواقض الوضوء المعتبرة ترجع إلى المخرجين فالنوم مظنة خروج الريح ولمس المرأة
ومس الذكر مظنة خروج المذي (قوله لقوله تعالى أو جاء أحد منكم من الغائط) فعلق
وجوب الوضوء أو التيمم عند فقد الماء على المجئ من الغائط وهو المكان المطمئن من الأرض
الذي كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة فهذا دليل الوضوء مما يخرج من المخرجين وقوله أو لامستم
النساء دليل الوضوء من ملامسة النساء وفى معناه مس الذكر مع صحة الحديث فيه الا أنه ليس
على شرط الشيخين وقد صححه مالك وجميع من أخرج الصحيح غير الشيخين (قوله وقال عطاء) هو
ابن أبي رباح وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة وغيره بنحوه واسناده صحيح والمخالف في ذلك
إبراهيم النخعي وقتادة وحماد بن أبي سلمة قالوا لا ينقض النادر وهو قول مالك قال الا ان حصل
معه تلويث (قوله وقال جابر) هذا التعليق وصله سعيد بن منصور والدارقطني وغيرهما وهو
صحيح من قول جابر وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى مرفوعا لكن ضعفها والمخالف في ذلك
إبراهيم النخعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه قالوا ينقض الضحك إذا وقع داخل
الصلاة لا خارجها قال ابن المنذر أجمعوا على أنه لا ينقض خارج الصلاة واختلفوا إذا وقع فيها
فخالف من قال به القياس الجلي وتمسكوا بحديث لا يصح وحاشا أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم الذين هم خير القرون أن يضحكوا بين يدي الله تعالى خلف رسول الله صلى الله عليه
244

وسلم انتهى على أنهم لم يأخذوا بعموم الخبر المروى في الضحك بل خصوه بالقهقهة (قوله وقال
الحسن) أي ابن أبي الحسن البصري والتعليق عنه للمسئلة الأولى وصله سعيد بن منصور وابن
المنذر باسناد صحيح والمخالف في ذلك مجاهد والحكم بن عيينة وحماد قالوا من قص أظفاره أو جز
شاربه فعليه الوضوء ونقل ابن المنذر ان الاجماع استقر على خلاف ذلك وأما التعليق عنه للمسئلة
الثانية فوصله ابن أبي شيبة باسناد صحيح ووافقه على ذلك إبراهيم النخعي وطاوس وقتادة وعطاء
وبه كان يفتى سليمان بن حرب وداود وخالفهم الجمهور على قولين مرتبين على ايجاب الموالاة
وعدمها فمن أوجبها قال يجب استئناف الوضوء إذا طال الفصل ومن لم يوجبها قال يكتفى بغسل
رجليه وهو الاظهر من مذهب الشافعي وقال في الموطأ 3 أحب إلى أن يبتدئ الوضوء من أوله
وقال بعض العلماء من الشافعية وغيرهم يجب الاستئناف وان لم تجب الموالاة وعن الليث
عكس ذلك (قوله وقال أبو هريرة) وصله إسماعيل القاضي في الاحكام باسناد صحيح من طريق
مجاهد عنه موقوفا ورواه أحمد وأبو داود والترمذي من طريق شعبة عن سهل بن أبي صالح عن
أبيه عنه مرفوعا وزاد أو ريح (قوله ويذكر عن جابر) وصله ابن إسحاق في المغازي قال حدثني
صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن أبيه مطولا وأخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه ابن
خزيمة وابن حبان والحاكم كلهم من طريق ابن إسحاق وشيخه صدقة ثقة وعقيل بفتح العين
لا أعرف راويا عنه غير صدقة ولهذا لم يجزم به المصنف أو لكونه اختصره أو للخلاف في ابن إسحاق
(قوله في غزوة ذات الرقاع) سيأتي الكلام عليها في المغازي إن شاء الله تعالى (قوله فرمى) بضم
الراء (قوله رجل) تبين من سياق المذكورين سبب هذه القصة ومحصلها ان النبي صلى الله عليه
وسلم نزل بشعب فقال من يحرسنا الليلة فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فباتا بفم
الشعب فاقتسما الليل للحراسة فنام المهاجري وقام الأنصاري يصلى فجاء رجل من العدو فرأى
الأنصاري فرماه بسهم فأصابه فنزعه واستمر في صلاته ثم رماه بثان فصنع كذلك ثم رماه بثالث
فانتزعه وركع وسجد وقضى صلاته ثم أيقظ رفيقه فلما رأى ما به من الدماء قال له لم لا أنبهتني أول
ما رمى قال كنت في سورة فأحببت ان لا أقطعها وأخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر وسمى
الأنصاري المذكور عباد بن بشر والمهاجري عمار بن ياسر والسورة الكهف (قوله فنزفه) قال ابن
طريف في الافعال يقال نزفه الدم وأنزفه إذا سال منه كثيرا حتى يضعفه فهو نزيف ومنزوف
وأراد المصنف بهذا الحديث الرد على الحنفية في أن الدم السائل ينقض الوضوء فان قيل كيف
مضى في صلاته مع وجود الدم في بدنه أو ثوبه واجتناب النجاسة فيها واجب أجاب الخطابي بأنه
يحتمل ان يكون الدم جرى من الجراح على سبيل الدفق بحيث لم يصب شيئا من ظاهر بدنه وثيابه
وفيه بعد ويحتمل أن يكون الدم أصاب الثوب فقط فنزعه عنه ولم يسل على جسمه الا قدر يسير
معفو عنه ثم الحجة قائمة به على كون خروج الدم لا ينقض ولو لم يظهر الجواب عن كون الدم أصابه
والظاهر أن البخاري كان يرى أن خروج الدم في الصلاة لا يبطلها بدليل انه ذكر عقب هذا الحديث
أثر الحسن وهو البصري قال ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم وقد صح أن عمر صلى وجرحه
ينبع دما (قوله وقال طاوس) هو ابن كيسان التابعي المشهور وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة
باسناد صحيح ولفظه انه كان لا يرى في الدم وضوءا يغسل عنه الدم ثم حسبه (قوله ومحمد بن علي) أي
245

ابن الحسين بن علي أبو جعفر الباقر وأثره هذا رويناه موصولا في فوائد الحافظ أبى بشر المعروف
بسمويه من طريق الأعمش قال سألت أبا جعفر الباقر عن الرعاف فقال لو سال نهر من دم ما أعدت
منه الوضوء وعطاء هو ابن أبي رباح وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه (قوله وأهل
الحجاز) هو من عطف العام على الخاص لان الثلاثة المذكورين قبل حجازيون وقد رواه عبد
الرزاق من طريق أبي هريرة وسعيد بن جبير وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر وسعيد بن
المسيب وأخرجه إسماعيل القاضي من طريق أبى الزناد عن الفقهاء السبعة من أهل المدينة وهو
قول مالك والشافعي (قوله وعصر ابن عمر) وصله ابن أبي شيبة باسناد صحيح وزاد قبل قوله ولم
يتوضأ ثم صلى (قوله بثرة) بفتح الموحدة وسكون المثلثة ويجوز فتحها وهى خراج صغير يقال بثر
وجهه مثلث الثاء المثلثة (قوله وبزق ابن أبي أوفى) هو عبد الله الصحابي ابن الصحابي وأثره هذا
وصله سفيان الثوري في جامعه عن عطاء بن السائب انه رآه فعل ذلك وسفيان سمع من عطاء قبل
اختلاطه فالاسناد صحيح (قوله وقال ابن عمر) وصله الشافعي وابن أبي شيبة بلفظ كان إذا احتجم
غسل محاجمه (قوله والحسن) أي البصري وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة أيضا ولفظه انه سئل
عن الرجل يحتجم ماذا عليه قال يغسل أثر محاجمه * (تنبيه) * وقع في رواية الأصيلي وغيره ليس
عليه غسل محاجمه باسقاط أداة الاستثناء وهو الذي ذكره الإسماعيلي وقال ابن بطال ثبتت الا في
رواية المستملى دون رفيقيه انتهى وهو في نسختي ثابتة من رواية أبي ذر عن الثلاثة وتخريج
التعليق المذكور يؤيد ثبوتها وقد حكى عن الليث أنه قال يجزئ المحتجم أن يمسح موضع الحجامة
ويصلى ولا يغسله (قوله ابن أبي ذئب) تقدم ان اسمه محمد بن عبد الرحمن والاسناد كله مدنيون
الا آدم وقد دخلها (قوله ما كان في المسجد) أي ما دام وهى رواية الكشميهني والمراد انه في ثواب
الصلاة ما دام ينتظرها والا لامتنع عليه الكلام ونحوه وقال الكرماني نكر قوله في صلاة
ليشعر بأن المراد نوع صلاته التي ينتظرها وسيأتى بقية الكلام عليه في كتاب الصلاة في أبواب
صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى (قوله أعجمي) أي غير فصيح بالعربية سواء كان عربي الأصل أم لا
ويحتمل أن يكون هذا الأعجمي هو الحضرمي الذي تقدم ذكره في أوائل كتاب الوضوء (قوله
قال الصوت) كذا فسره هنا ويؤيده الزيادة المذكورة قبل في رواية أبى داود وغيره حيث قال
لا وضوء الا من صوت أو ريح فكأنه قال لا وضوء الا من ضراط أو فساء وانما خصهما بالذكر
دون ما هو أشد منهما لكونهما لا يخرج من المرء غالبا في المسجد غيرهما فالظاهر أن السؤال
وقع عن الحدث الخاص وهو المعهود وقوعه غالبا في الصلاة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في
أوائل الوضوء (قوله حدثنا أبو الوليد) هو الطيالسي وإن كان هشام بن عمار يكنى أيضا أبا الوليد
ويروى أيضا عن ابن عيينة ويروى عنه البخاري (قوله عن عمه) هو عبد الله بن زيد المازني
وتقدم الكلام على حديثه هذا في باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن وأورده هنا لظهور دلالته
على حصر النقض بما يخرج من السبيلين وقد قدمنا توجيه الحاق بقية النواقض بهما في
أوائل الباب (قوله حدثنا جرير) هو ابن عبد الحميد وسيأتى الكلام على المتن في باب غسل المذي
من كتاب الغسل إن شاء الله تعالى وتقدمت له طريق أخرى في أواخر كتاب العلم وأورده هنا
لدلالته على ايجاب الوضوء من المذي وهو خارج من أحد المخرجين (قوله ورواه شعبة عن
246

الأعمش) أي بالاسناد المذكور وقد وصله أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة كذلك (قوله
حدثنا سعد بن حفص) كذا للجميع الا القابسي فقال سعيد وكذا صنع في حديثه الآخر
الآتي في باب فضل النفقة في سبيل الله من كتاب الجهاد نبه عليهما الجياني (قوله حدثنا شيبان)
هو ابن عبد الرحمن عن يحيى هو ابن أبي كثير عن أبي سلمة أي ابن عبد الرحمن بن عوف وفى الاسناد
تابعيان كبيران مدنيان يروى أحدهما عن الآخر وصحابيان كذلك ويحيى بن أبي كثير أيضا
تابعي صغير ففيه ثلاثة من التابعين في نسق (قوله أرأيت) أي أخبرني (قوله إذا جامع) أي
الرجل فلم يمن بضم التحتانية وسكون الميم (قوله كما يتوضأ للصلاة) بيان لان المراد الوضوء
الشرعي لا اللغوي وسيأتى حكم هذه المسئلة في آخر كتاب الغسل وتبين هناك أنه منسوخ ولا
يقال إذا كان منسوخا كيف يصح الاستدلال به لأنا نقول المنسوخ منه عدم وجوب الغسل
وناسخه الامر بالغسل وأما الامر بالوضوء فهو باق لأنه مندرج تحت الغسل والحكمة في الامر
بالوضوء قبل ان يجب الغسل اما لكون الجماع مظنة خروج المذي أو لملامسة المرأة وبهذا تظهر
مناسبة الحديث للترجمة (قوله حدثنا إسحاق) كذا في رواية كريمة وغيرها زاد الأصيلي هو ابن
منصور وفى رواية أبي ذر حدثنا إسحاق بن منصور بن بهرام بفتح الموحدة وهو المعروف بالكوسج
كما صرح به أبو نعيم (قوله حدثنا النضر) هو ابن شميل بالمعجمة مصغرا والحكم هو ابن عيينة
بمثناة وموحدة مصغرا (قوله أرسل إلى رجل) من الأنصار ولمسلم وغيره مر على رجل فيحمل
على أنه مر به فأرسل إليه وهذا الأنصاري سماه مسلم في روايته من طريق أخرى عن أبي سعيد
عتبان وهو بكسر المهملة وسكون المثناة ثم موحدة خفيفة ولفظه من رواية شريك بن أبي نمر
عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء
حتى إذا كنا في بنى سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان فخرج يجر ازاره فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجلنا الرجل فذكر الحديث بمعناه وعتبان المذكور هو ابن مالك
الأنصاري كما نسبه تقى بن مخلد في روايته لهذا الحديث من هذا الوجه ووقع في رواية في صحيح أبى
عوانة انه ابن عتبان والأول أصح ورواه ابن إسحاق في المغازي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبي
سعيد عن أبيه عن جده لكنه قال فهتف برجل من أصحابه يقال له صالح فان حمل على تعدد
الواقعة والا فطريق مسلم أصح وقد وقعت القصة أيضا لرافع بن خديج وغيره أخرجه أحمد
وغيره ولكن الأقرب في تفسير المبهم الذي في البخاري انه عتبان والله أعلم (قوله يقطر) أي ينزل
منه الماء قطرة قطرة من أثر الغسل (قوله لعلنا أعجلناك) أي عن فراغ حاجتك من الجماع وفيه
جواز الاخذ بالقرائن لان الصحابي لما أبطا عن الإجابة مدة الاغتسال خالف المعهود منه وهو
سرعة الإجابة للنبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى عليه أثر الغسل دل على أن شغله كان به
واحتمل ان يكون نزع قبل الانزال ليسرع الإجابة أو كان أنزل فوقع السؤال عن ذلك وفيه
استحباب الدوام على الطهارة لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه تأخير اجابته وكان
ذلك كان قبل ايجابها إذ الواجب لا يؤخر للمستحب وقد كان عتبان طلب من النبي صلى الله عليه
وسلم ان يأتيه فيصلى في بيته في مكان يتخذه مصلى فأجابه كما سيأتي في موضعه فيحتمل أن تكون
هي هذه الواقعة وقدم الاغتسال ليكون متأهبا للصلاة معه والله أعلم (قوله إذا أعجلت) بضم
247

الهمزة وكسر الجيم وفى أصل أبي ذر إذا عجلت بلا همز وقحطت وفى رواية غيره أقحطت بوزن
أعجلت وكذا لمسلم قال صاحب الافعال يقال أقحط الرجل إذا جامع ولم ينزل وحكى ابن الجوزي
عن ابن الخشاب ان المحدثين يقولون قحط بفتح القاف قال والصواب الضم (قلت) وروايته في
أمالي أبى على القالي بالوجهين في القاف وبزيادة الهمزة المضمومة يقال قحط الناس وأقحطوا
إذا حبس عنهم المطر ومنه أستعير ذلك لتأخر الانزال قال الكرماني ليس قوله أو للشك بل هو
لبيان عدم الانزال سواء كان بحسب أمر من ذات الشخص أم لا وهذا بناء على أن إحداهما
بالتعدية والا فهي للشك (قوله تابعه وهب) أي ابن جرير بن حازم والضمير يعود على النضر
ومتابعه وهب وصلها أبو العباس السراج في مسنده عن زياد بن أيوب عنه (قوله لم يقل غندر
ويحيى عن شعبة الوضوء) يعنى ان غندرا وهو محمد بن جعفر ويحيى وهو ابن سعيد القطان رويا
هذا الحديث عن شعبة بهذا الاسناد والمتن لكن لم يقولا فيه عليك الوضوء فاما يحيى فهو كما قال
فقد أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده عنه ولفظه فليس عليك غسل وأما غندر فقد أخرجه أحمد
أيضا في مسنده عنه لكنه ذكر الوضوء ولفظه فلا غسل عليك عليك الوضوء وهكذا أخرجه مسلم
وابن ماجة والإسماعيلي وأبو نعيم من طرق 3 عنه وكذا ذكره أكثر أصحاب شعبة كأبى داود
الطيالسي وغيره عنه فكأن بعض مشايخ البخاري حدثه به عن يحيى وغندر معا فساقه له على
لفظ يحيى والله أعلم وقد كان بين الصحابة اختلاف في هذه المسئلة كما سنذكره في آخر كتاب الغسل
إن شاء الله تعالى (قوله باب الرجل يوضئ صاحبه) أي ما حكمه (قوله ابن سلام) هو محمد كما في
رواية كريمة ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري وفى هذا الاسناد رواية الاقران لان يحيى وموسى بن
عقبة تابعيان صغيران من أهل المدينة وكريب مولى ابن عباس من أوساط التابعين ففيه ثلاثة
من التابعين في نسق وقد تقدمت الإشارة إلى شئ من مباحث هذا الحديث في باب اسباغ الوضوء
ويأتي باقيها في كتاب الحج ووقع في تراجم البخاري لابن المنير في هذا الموضع وهم فإنه قال فيه ابن
عباس عن أسامة وليس هو من رواية ابن عباس وانما هو من رواية كريب مولى ابن عباس (قوله
أصب) بتشديد الموحدة ومفعوله محذوف أي الماء وقوله ويتوضأ أي وهو يتوضأ واستدل به
المصنف على الاستعانة في الوضوء لكن من يدعى ان الكراهية مختصة بغير المشقة أو الاحتياج
في الجملة لا يستدل عليه بحديث أسامة لأنه كان في السفر وكذا حديث المغيرة المذكور قال ابن
المنير قاس البخاري توضئة الرجل غيره على صبه عليه لاجتماعهما في معنى الإعانة (قلت)
والفرق بينهما ظاهر ولم يفصح البخاري في المسئلة بجواز ولا غيره وهذه عادته في الأمور المحتملة
قال النووي الاستعانة ثلاثة أقسام احضار الماء ولا كراهة فيه أصلا (قلت) لكن الأفضل
خلافه قال الثاني مباشرة الأجنبي الغسل وهذا مكروه الا لحاجة الثالث الصب وفيه وجهان
أحدهما يكره والثاني خلاف الأولى وتعقب بأنه إذا ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم فعله
لا يكون خلاف الأولى وأجيب بأنه قد يفعله لبيان الجواز فلا يكون في حقه خلاف الأولى
بخلاف غيره وقال الكرماني إذا كان الأولى تركه كيف ينازع في كراهته وأجيب بان كل مكروه
فعله خلاف الأولى من غير عكس إذ المكروه يطلق على الحرام بخلاف الآخر (قوله حدثنا
عمرو بن علي) هو الفلاس أحد الحفاظ البصريين وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي ويحيى
248

ابن سعيد هو الأنصاري وسعد بن إبراهيم أي ابن عبد الرحمن بن عوف وفى الاسناد رواية الاقران
في موضعين لان يحيى وسعدا تابعيان صغيران ونافع بن جبير وعروة بن المغيرة تابعيان وسطان
ففيه أربعة من التابعين في نسق وهو من النوادر (قوله إنه كان) أدى عروة معنى كلام أبيه
بعبارة نفسه والا فكان السياق يقتضى أن يقول قال انى كنت وكذا قوله وان المغيرة جعل
ويحتمل ان يقال هو التفات على رأى فيكون عروة أدى لفظ أبيه والضمير في قوله وانه ذهب
وفى قوله له للنبي صلى الله عليه وسلم ومباحث هذا الحديث تأتى في المسح على الخفين إن شاء الله
تعالى والمراد منه هنا الاستدلال على الاستعانة قال ابن بطال هذا من القربات التي يجوز للرجل
ان يعملها عن غيره بخلاف الصلاة قال واستدل البخاري من صب الماء عليه عند الوضوء انه
يجوز للرجل ان يوضئه غيره لأنه لما لزم المتوضئ الاغتراف من الماء لأعضائه وجاز له ان يكفيه
ذلك غيره بالصب والاغتراف بعض عمل الوضوء كذلك يجوز في بقية أعماله وتعقبه ابن المنير بان
الاغتراف من الوسائل لا من المقاصد لأنه لو اغترف ثم نوى ان يتوضأ جاز ولو كان الاغتراف عملا
مستقلا لكان قد قدم النية عليه وذلك لا يجوز وحاصله التفرقة بين الإعانة بالصب وبين الإعانة
بمباشرة الغير لغسل الأعضاء وهذا هو الفرق الذي أشرنا إليه قبل والحديثان دالان على عدم
كراهة الاستعانة بالصب وكذا احضار الماء من باب الأولى وأما المباشرة فلا دلالة فيهما عليها نعم
يستحب أن لا يستعين أصلا وأما ما رواه أبو جعفر الطبري عن ابن عمر انه كان يقول ما أبالي من
أعانني على طهوري أو على ركوعي وسجودي فمحول على الإعانة بالمباشرة لا الصب بدليل ما رواه
الطبري أيضا وغيره عن مجاهد انه كان يسكب على ابن عمر وهو يغسل رجليه وقد روى الحاكم في
المستدرك من حديث الربيع بنت معوذ انها قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء فقال
اسكبي فسكبت عليه وهذا أصرح في عدم الكراهة من الحديثين المذكورين لكونه في الحضر
ولكونه بصيغة الطلب لكنه ليس على شرط المصنف والله أعلم (قوله باب قراءة القرآن بعد
الحدث) أي الأصغر (وغيره) أي من مظان الحدث وقال الكرماني الضمير يعود على القرآن
والتقدير باب قراءة القرآن وغيره أي الذكر والسلام ونحوهما بعد الحدث ويلزم منه الفصل
بين المتعاطفين ولأنه ان جازت القراءة بعد الحدث فجواز غيرها من الاذكار بطريق الأولى فهو
مستغنى عن ذكره بخلاف غير الحدث من نواقض الوضوء وقد تقدم بيان المراد بالحدث وهو
يؤيد ما قررته (قوله وقال منصور) أي ابن المعتمر (عن إبراهيم) أي النخعي وأثره هذا وصله
سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن منصور مثله وروى عبد الرزاق عن الثوري عن منصور قال
سألت إبراهيم عن القراءة في الحمام فقال لم يبين القراءة (قلت) وهذا لا يخالف رواية أبى عوانة
فإنها تتعلق بمطلق الجواز وقد روى سعيد بن منصور أيضا عن محمد بن أبان عن حماد بن أبي سليمان
قال سألت إبراهيم عن القراءة في الحمام فقال يكره ذلك انتهى والاسناد الأول أصح وروى ابن
المنذر عن علي قال بئس البيت الحمام ينزع فيه الحياء ولا يقرأ فيه آية من كتاب الله وهذا لا يدل على
كراهة القراءة وانما هو اخبار بما هو الواقع بأن شأن من يكون في الحمام أن يلتهى عن القراءة
وحكيت الكراهة عن أبي حنيفة وخالفه صاحبه محمد بن الحسن ومالك فقالا لا يكره لأنه ليس فيه
دليل خاص وبه صرح صاحبا العدة والبيان من الشافعية وقال النووي في التبيان عن
249

الأصحاب لا تكره فأطلق لكن في شرح الكفاية للصيمري لا ينبغي ان يقرأ وسوى الحليمي بينه
وبين القراءة حال قضاء الحاجة ورجح السبكي الكبير عدم الكراهة واحتج بان القراءة مطلوبة
والاستكثار منها مطلوب والحدث يكثر فلو كرهت لفات خير كثير ثم قال حكم القراءة في الحمام
إن كان القارئ في مكان نظيف وليس فيه كشف عورة لم يكره والا كره (قوله ويكتب الرسالة)
كذا في رواية الأكثر بلفظ مضارع كتب وفى رواية كريمة بكتب بموحدة مكسورة وكاف مفتوحة
عطفا على قوله بالقراءة وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن الثوري أيضا عن منصور قال سالت
إبراهيم أأكتب الرسالة على غير وضوء قال نعم وتبين بهذا ان قوله على غير وضوء يتعلق بالكتابة
لا بالقراءة في الحمام ولما كان من شأن الرسائل ان تصدر بالبسملة توهم السائل ان ذلك يكره لمن
كان على غير وضوء لكن يمكن ان يقال إن كاتب الرسالة لا يقصد القراءة فلا يستوى مع القراءة
(قوله وقال حماد) هو ابن أبي سليمان فقيه الكوفة (عن إبراهيم) أي النخعي (إن كان عليهم) أي
على من في الحمام أزار المراد به الجنس أي على كل منهم ازار وأثره هذا وصله الثوري في جامعه
عنه والنهى عن السلام عليهم اما إهانة لهم لكونهم على بدعة واما لكونه يستدعى منهم الرد
والتلفظ بالسلام فيه ذكر الله لان السلام من أسمائه وان لفظ سلام عليكم من القرآن والمتعرى
عن الازار مشابه لمن هو في الخلاء وبهذا التقرير يتوجه ذكر هذا الأثر في هذه الترجمة (قوله
حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله مخرمة) بفتح الميم واسكان المعجمة والاسناد كله
مدنيون (قوله فاضطجعت) قائل ذلك هو ابن عباس وفيه التفات لان أسلوب الكلام كان
يقتضى أن يقول فاضطجع لأنه قال قبل ذلك أنه بات (قوله في عرض) بفتح أوله على المشهور
وبالضم أيضا وأنكره الباجي من جهة النقل ومن جهة المعنى أيضا قال لان العرض بالضم هو
الجانب وهو لفظ مشترك (قلت) لكن لما قال في طولها تعين المراد وقد صحت به الرواية فلا وجه
للانكار (قوله يمسح النوم) أي يمسح بيديه عينيه من باب اطلاق اسم الحال على المحل أو أثر
النوم من باب اطلاق السبب على المسبب (قوله ثم قرأ العشر الآيات) أولها ان في خلق
السماوات والأرض إلى آخر السورة قال ابن بطال ومن تبعه فيه دليل على رد من كره قراءة القرآن
على غير طهارة لأنه صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآيات بعد قيامه من النوم قبل ان يتوضأ وتعقبه
ابن المنير وغيره بأن ذلك مفرع على أن النوم في حقه ينقض وليس كذلك لأنه قال تنام عيناي
ولا ينام قلبي وأما كونه توضأ عقب ذلك فلعله جدد الوضوء أو أحدث بعد ذلك فتوضأ (قلت)
وهو تعقب جيد بالنسبة إلى قول ابن بطال بعد قيامه من النوم لأنه لم يتعين كونه أحدث في النوم
لكن لما عقب ذلك بالوضوء كان ظاهرا في كونه أحدث ولا يلزم من كون نومه لا ينقض وضوءه ان
لا يقع منه حدث وهو نائم نعم خصوصيته انه ان وقع شعر به بخلاف غيره وما ادعوه من التجديد
وغيره الأصل عدمه وقد سبق الإسماعيلي إلى معنى ما ذكره ابن المنير والأظهر ان مناسبة
الحديث للترجمة من جهة ان مضاجعة الأهل في الفراش لا تخلو من الملامسة ويمكن ان يؤخذا
ذلك من قول ابن عباس فصنعت مثل ما صنع ولم يرد المصنف أن مجرد نومه صلى الله عليه وسلم
ينقض لان في آخر هذا الحديث عنده في باب التخفيف في الوضوء ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم صلى
ثم رأيت في الحلبيات للسبكي الكبير بعد ان ذكر اعتراض الإسماعيلي لعل البخاري احتج بفعل ابن
250

عباس بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم أو اعتبر اضطجاع النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله واللمس
ينقض الوضوء (قلت) ويؤخذ من هذا الحديث توجيه ما قيدت الحديث به في ترجمة الباب
وان المراد به الأصغر إذ لو كان الأكبر لما اقتصر على الوضوء ثم صلى بل كان يغتسل (قوله إلى شن
معلقة) قال الخطابي الشن القربة التي تبدت للبلاء وكذلك قال في هذه الرواية معلقة فأنث
لإرادة القربة (قوله فقمت فصنعت مثل ما صنع) تقدمت الإشارة في باب تخفيف الوضوء
إلى هذا الموضع فليراجع من ثم وستأتى بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى
* (تنبيه) * روى مسلم من حديث ابن عمر كراهة ذكر الله بعد الحدث لكنه على غير شرط المصنف
(قوله باب من لم يتوضأ) أي من الغشي (الا من الغشي المثقل) فالاستثناء مفرغ والمثقل بضم الميم
واسكان المثلثة وكسر القاف ويجوز فتحها وأشار المصنف بذلك إلى الرد على من أوجب الوضوء
من الغشي مطلقا والتقدير باب من لم يتوضأ من الغشي الا إذا كان مثقلا (قوله حدثنا إسماعيل)
هو ابن أبي أويس أيضا والاسناد كله مدنيون أيضا وفيه رواية الاقران هشام وامرأته فاطمة بنت
عمه المنذر (قوله فأشارت ان نعم) كذا لأكثرهم بالنون ولكريمة أي نعم وهى رواية وهيب المتقدمة
في العلم وبين فيها ان هذه الإشارة كانت برأسها (قوله تجلاني) أي غطاني قال ابن بطال الغشي
مرض يعرض من طول التعب والوقوف وهو ضرب من الاغماء الا انه دونه وانما صبت أسماء الماء
على رأسها مدافعة له ولو كان شديدا لكان كالاغماء وهو ينقض الوضوء بالاجماع انتهى وكونها
كانت تتولى صب الماء عليها يدل على أن حواسها كانت مدركة وذلك لا ينقض الوضوء ومحل
الاستدلال بفعلها من جهة انها كانت تصلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان يرى الذي
خلفه وهو في الصلاة ولم ينقل انه أنكر عليها وقد تقدم شئ من مباحث هذا الحديث في كتاب
العلم وتأتى بقية مباحثه في كتاب صلاة الكسوف إن شاء الله تعالى (قوله باب مسح الرأس
كله) كذا لأكثرهم وسقط لفظ كله للمستملى (قوله وقال ابن المسيب) أي سعيد وأثره هذا وصله
ابن أبي شيبة بلفظ الرجل والمرأة في المسح سواء ونقل عن أحمد أنه قال يكفي المرأة مسح مقدم
رأسها (قوله وسئل مالك) السائل له عن ذلك هو إسحاق بن عيسى بن الطباع بينه ابن خزيمة في
صحيحه من طريقه ولفظه سألت مالكا عن الرجل يمسح مقدم رأسه في وضوئه أيجزئه ذلك فقال
حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد فقال مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم
في وضوئه من ناصيته إلى قفاه ثم رد يديه إلى ناصيته فمسح رأسه كله وهذا السياق أصرح للترجمة
من الذي ساقه المصنف قبل وموضع الدلالة من الحديث والآية ان لفظ الآية مجمل لأنه يحتمل
ان يراد منها مسح الكل على أن الباء زائدة أو مسح البعض على انها تبعيضية فتبين بفعل النبي
صلى الله عليه وسلم ان المراد الأول ولم ينقل عنه انه مسح بعض رأسه الا في حديث المغيرة انه
مسح على ناصيته وعمامته فان ذلك دل على أن التعميم ليس بفرض فعلى هذا فالاجمال
في المسند إليه لا في الأصل (قوله عن أبيه) أي أبى عثمان يحيى بن عمارة أي ابن أبي حسن واسمه
251

تميم بن عبد عمرو ولجده أبى حسن صحبة وكذا لعمارة فيما جزم به ابن عبد البر وقال أبو نعيم فيه نظر
والاسناد كله مدنيون الا عبد الله بن يوسف وقد دخلها (قوله إن رجلا) هو عمرو بن أبي
حسن كما سماه المصنف في الحديث الذي بعد هذا من طريق وهيب عن عمرو بن يحيى وعلى
هذا فقوله هنا وهو جد عمرو بن يحيى فيه تجوز لأنه عم أبيه وسماه جدا لكونه في منزلته ووهم
من زعم أن المراد بقوله وهو عبد الله بن زيد لأنه ليس جدا لعمرو بن يحيى لا حقيقة ولا مجازا
وأما قول صاحب الكمال ومن تبعه في ترجمة عمرو بن يحيى انه ابن بنت عبد الله بن زيد فغلط
توهمه من هذه الرواية وقد ذكر ابن سعد ان أم عمرو بن يحيى هي حميدة بنت محمد بن اياس بن البكير
وقال غيره هي أم النعمان بنت أبي حية فالله أعلم وقد اختلف رواة الموطأ في تعيين هذا السائل
واما أكثرهم فأبهمه قال معن بن عيسى في روايته عن عمرو عن أبيه يحيى انه سمع أبا حسن
وهو جد عمرو بن يحيى قال لعبد الله بن زيد وكان من الصحابة فذكر الحديث وقال محمد
ابن الحسن الشيباني عن مالك حدثنا عمرو عن أبيه يحيى انه سمع جده أبا حسن يسأل عبد الله
ابن زيد وكذا ساقه سحنون في المدونة وقال الشافعي في الام عن مالك عن عمرو عن أبيه أنه قال
لعبد الله بن زيد ومثله رواية الإسماعيلي عن أبي خليفة عن القعنبي عن مالك عن عمرو عن أبيه
قال (قلت) والذي يجمع هذا الاختلاف ان يقال اجتمع عند عبد الله بن زيد أبو حسن الأنصاري
وابنه عمرو وابن ابنه يحيى بن عمارة بن أبي حسن فسألوه عن صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم
وتولى السؤال منهم له عمرو بن أبي حسن فحيث نسب إليه السؤال كان على الحقيقة ويؤيده
رواية سليمان بن بلال عند المصنف في باب الوضوء من التور قال حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه
قال كان عمى يعنى عمرو بن أبي حسن يكثر الوضوء فقال لعبد الله بن زيد أخبرني فذكره وحيث
نسب السؤال إلى أبى حسن فعلى المجاز لكونه كان الأكبر وكان حاضرا وحيث نسب
السؤال ليحيى بن عمارة فعلى المجاز أيضا لكونه ناقل الحديث وقد حضر السؤال ووقع في رواية
مسلم عن محمد بن الصباح عن خالد الواسطي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد قال
قيل له توضأ لنا فذكره مبهما وفى رواية الإسماعيلي من طريق وهب بن بقية عن خالد المذكور
بلفظ قلنا له وهذا يؤيد الجمع المتقدم من كونهم اتفقوا على سؤاله لكن متولى السؤال منهم
عمرو بن أبي حسن ويزيد ذلك وضوحا رواية الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عمه عمرو
ابن أبي حسن قال كنت كثير الوضوء فقلت لعبد الله بن زيد فذكر الحديث أخرجه أبو نعيم في
المستخرج والله أعلم (قوله أتستطيع) فيه ملاطفة الطالب للشيخ وكانه أراد ان يريه بالفعل
ليكون أبلغ في التعليم وسبب الاستفهام ما قام عنده من احتمال ان يكون الشيخ نسى ذلك
لبعد العهد (قوله فدعا بماء) وفى رواية وهب في الباب الذي بعده فدعا بتور من ماء والتور بمثناة
مفتوحة قال الداودي قدح وقال الجوهري اناء يشرب منه وقيل هو الطست وقيل يشبه
الطست وقيل هو مثل القدر يكون من صفر أو حجارة وفى رواية عبد العزيز بن أبي سلمة عند
المصنف في باب الغسل في المخضب في أول هذا الحديث أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخرجنا له ماء في تور من صفر والصفر بضم المهملة واسكان الفاء وقد تكسر صنف من حديد
النحاس قيل إنه سمى بذلك لكونه يشبه الذهب ويسمى أيضا الشبه بفتح المعجمة الموحدة والتور
252

المذكور يحتمل ان يكون هو الذي توضأ منه عبد الله بن زيد إذ سئل عن صفة الوضوء فيكون أبلغ
في حكاية صورة الحال على وجهها (قوله فأفرغ) وفى رواية موسى عن وهيب فأكفأ بهمزتين
وفى رواية سليمان بن حرب في باب مسح الرأس مرة عن وهيب فكفأ بفتح الكاف وهما لغتان بمعنى
يقال كفأ الاناء وأكفاه إذا أماله وقال الكسائي كفأت الاناء كببته وأكفأته أملته والمراد في
الموضعين افراغ الماء من الاناء على اليد كما صرح به في رواية مالك (قوله فغسل يده مرتين) كذا
في رواية مالك بافراد يده وفى رواية وهيب وسليمان بن بلال عند المصنف وكذا الدراوردي عند أبي
نعيم فغسل يديه بالتثنية فيحمل الافراد في رواية مالك على الجنس وعند مالك مرتين وعند
هؤلاء ثلاثا وكذا الخالد بن عبد الله عند مسلم وهؤلاء حفاظ وقد اجتمعوا فزيادتهم مقدمة على
الحافظ الواحد وقد ذكر مسلم من طريق بهز عن وهيب انه سمع هذا الحديث مرتين من عمرو بن
يحيى املاء فتأكد ترجيح روايته ولا يقال يحمل على واقعتين لأنا نقول المخرج متحد والأصل
عدم التعدد وفيه من الاحكام غسل اليد قبل ادخالها الاناء ولو كان من غير نوم كما تقدم مثله في
حديث عثمان والمراد باليدين هنا الكفان لا غير (قوله ثم تمضمض واستنثر) وللكشميهني
مضمض واستنشق والاستنثار يستلزم الاستنشاق بلا عكس وقد ذكر في رواية وهيب الثلاثة
وزاد بعد قوله ثلاثا بثلاث غرفات واستدل به على استحباب الجمع بين المضمضة والاستنشاق من
كل غرفة وفى رواية خالد بن عبد الله الآتية بعد قليل مضمض واستنشق من كف واحدة فعل
ذلك ثلاثا وهو صريح في الجمع في كل مرة بخلاف رواية وهيب فإنه تطرقها احتمال التوزيع
بلا تسوية كما نبه عليه ابن دقيق العيد ووقع في رواية سليمان بن بلال عند المصنف في باب
الوضوء من التور فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة واستدل بها على الجمع بغرفة
واحدة وفيه نظر لما أشرنا إليه من اتحاد المخرج فتقدم الزيادة ولمسلم من رواية خالد المذكورة
ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض فاستدل بها على تقديم المضمضة على الاستنشاق لكونه عطف
بالفاء التعقيبية وفيه بحث (قوله ثم غسل وجهه ثلاثا) لم تختلف الروايات في ذلك ويلزم من
استدل بهذا الحديث على وجوب تعميم الرأس بالمسح ان يستدل به على وجوب الترتيب
للاتيان بقوله ثم في الجميع لان كلا من الحكمين مجمل في الآية بينته السنة بالفعل (قوله ثم
غسل يديه مرتين مرتين) كذا بتكرار مرتين ولم تختلف الروايات عن عمرو بن يحيى في غسل
اليدين مرتين لكن في رواية مسلم من طريق حبان بن واسع عن عبد الله بن زيد انه رأى النبي
صلى الله عليه وسلم توضأ وفيه ويده اليمنى ثلاثا ثم الأخرى ثلاثا فيحمل على أنه وضوء آخر لكون
مخرج الحديثين غير متحد (قوله إلى المرفقين) كذا للأكثر وللمستملى والحموي إلى المرفق بالافراد
على إرادة الجنس وقد اختلف العلماء هل يدخل المرفقان في غسل اليدين أم لا فقال المعظم نعم
وخالف زفر وحكاه بعضهم عن مالك واحتج بعضهم للجمهور بان إلى في الآية بمعنى مع كقوله تعالى
ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم وتعقب بأنه خلاف الظاهر وأجيب بان القرينة دلت عليه
وهى كون ما بعد إلى من جنس ما قبلها وقال ابن القصار اليد يتناولها الاسم إلى الإبط لحديث
عمار انه تيمم إلى الإبط وهو من أهل اللغة فلما جاء قوله تعالى إلى المرافق بقى المرفق مغسولا مع
الذراعين بحق الاسم انتهى فعلى هذا فإلى هنا حد للمتروك من غسل اليدين لا للمغسول وفى
253

كون ذلك ظاهرا من السياق نظر والله أعلم وقال الزمخشري لفظ إلى يفيد معنى الغاية مطلقا فاما
دخولها في الحكم وخروجها فامر يدور مع الدليل فقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل دليل عدم
الدخول النهى عن الوصال وقول القائل حفظت القرآن من أوله إلى آخره دليل الدخول كون
الكلام مسوقا لحفظ جميع القرآن وقوله تعالى إلى المرافق لا دليل فيه على أحد الامرين قال
فاخذ العلماء بالاحتياط ووقف زفر مع المتيقن انتهى ويمكن ان يستدل لدخولهما بفعله صلى
الله عليه وسلم ففي الدارقطني باسناد حسن من حديث عثمان في صفة الوضوء فغسل يديه إلى
المرفقين حتى مس أطراف العضدين وفيه عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
توضأ أدار الماء على مرفقيه لكن اسناده ضعيف وفى البزار والطبراني من حديث وائل بن حجر في
صفة الوضوء وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفق وفى الطحاوي والطبراني من حديث ثعلبة بن
عباد عن أبيه مرفوعا ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه فهذه الأحاديث يقوى
بعضها بعضا قال إسحاق بن راهويه إلى في الآية يحتمل أن تكون بمعنى الغاية وأن تكون بمعنى
مع فبينت السنة انها بمعنى مع انتهى وقد قال الشافعي في الام لا أعلم مخالفا في ايجاب دخول
المرفقين في الوضوء فعلى هذا فزفر محجوج بالاجماع قبله وكذا من قال بذلك من أهل الظاهر بعده
ولم يثبت ذلك عن مالك صريحا وانما حكى عنه أشهب كلاما محتملا والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء
هو العظم الناتئ في آخر الذراع سمى بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء ونحوه (قوله ثم مسح رأسه)
زاد ابن الطباع كله كما تقدم عن رواية ابن خزيمة وفى رواية خالد بن عبد الله برأسه بزيادة الباء
قال القرطبي الباء للتعدية يجوز حذفها واثباتها كقولك مسحت الرأس اليتيم ومسحت برأسه
وقيل دخلت الباء لتفيد معنى آخر وهو ان الغسل لغة يقتضى مغسولا به والمسح لغة لا يقتضى
ممسوحا به فلو قال وامسحوا رؤسكم لأجزأ المسح باليد بغير ماء فكانه قال وامسحوا برؤسكم الماء
فهو على القلب والتقدير امسحوا رؤسكم بالماء وقال الشافعي احتمل قوله تعالى وامسحوا
برؤسكم جميع الرأس أو بعضه فدلت السنة على أن بعضه يجزئ والفرق بينه وبين قوله تعالى
فامسحوا بوجوهكم في التيمم ان المسح فيه بدل عن الغسل ومسح الرأس أصل فافترقا ولا يرد
كون مسح الخف بدلا عن غسل الرجل لان الرخصة فيه ثبتت بالاجماع فان قيل فلعله اقتصر على
مسح الناصية لعذر لأنه كان في سفر وهو مظنة العذر ولهذا مسح على العمامة بعد مسح الناصية
كما هو ظاهر من سياق مسلم في حديث المغيرة بن شعبة قلنا قد روى عنه مسح مقدم الرأس من
غير مسح على العمامة ولا تعرض لسفر وهو ما رواه الشافعي من حديث عطاء ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم توضأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه وهو مرسل لكنه اعتضد بمجيئه
من وجه آخر موصولا أخرجه أبو داود من حديث أنس وفى اسناده أبو معقل لا يعرف حاله فقد
اعتضد كل من المرسل والموصول بالآخر وحصلت القوة من الصورة المجموعة وهذا مثال لما
ذكره الشافعي من أن المرسل يعتضد بمرسل آخر أو مسند وظهر بهذا جواب من أورد أن الحجة
حينئذ بالمسند فيقع المرسل لغوا وقد قررت جواب ذلك فيما كتبته على علوم الحديث لابن
الصلاح وفى الباب أيضا عن عثمان في صفة الوضوء قال ومسح مقدم رأسه أخرجه سعيد بن
منصور وفيه خالد بن يزيد بن أبي مالك مختلف فيه وصح عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس
254

قاله ابن المنذر وغيره ولم يصح عن أحد من الصحابة انكار ذلك قاله ابن حزم وهذا كله مما يقوى
به المرسل المتقدم ذكره والله أعلم (قوله بدأ بمقدم رأسه) الظاهر أنه من الحديث وليس مدرجا من
كلام مالك ففيه حجة على من قال السنة ان يبدأ بمؤخر الرأس إلى أن ينتهى إلى مقدمه لظاهر قوله
أقبل وادبر ويرد عليه ان الواو لا تقتضى الترتيب وسيأتى عند المصنف قريبا من رواية سليمان
ابن بلال فادبر بيديه وأقبل فلم يكن في ظاهره حجة لان الاقبال والادبار من الأمور الإضافية ولم
يعين ما أقبل إليه ولا ما أدبر عنه ومخرج الطريقين متحد فهما بمعنى واحد وعينت رواية مالك
البداءة بالمقدم فيحمل قوله اقبل على أنه من تسمية الفعل بابتدائه أي بدا بقبل الرأس وقيل في
توجيهه غير ذلك والحكمة في هذا الاقبال والادبار استيعاب جهتي الرأس بالمسح فعلى هذا
يختص ذلك بمن له شعر والمشهور عمن أوجب التعميم ان الأولى واجبة والثانية سنة ومن هنا
يتبين ضعف الاستدلال بهذا الحديث على وجوب التعميم والله أعلم (قوله ثم غسل رجليه) زاد
في رواية وهيب الآتية إلى الكعبين والبحث فيه كالبحث في قوله إلى المرفقين والمشهور أن
الكعب هو العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم وحكى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه
العظم الذي في ظهر القدم عند معقد الشراك وروى عن ابن القاسم عن مالك مثله والأول هو
الصحيح الذي يعرفه أهل اللغة وقد أكثر المتقدمون من الرد على من زعم ذلك ومن أوضح الأدلة
فيه حديث النعمان بن بشير الصحيح في صفة الصف في الصلاة فرأيت الرجل منا يلزق كعبه
بكعب صاحبه وقيل إن محمدا انما رأى ذلك في حديث قطع المحرم الخفين إلى الكعبين إذا لم يجد
النعلين وفى هذا الحديث من الفوائد الافراغ على اليدين معا في ابتداء الوضوء وان الوضوء
الواحد يكون بعضه بمرة وبعضه بمرتين وبعضه بثلاث وفيه مجئ الامام إلى بيت بعض رعيته
وابتداؤهم إياه بما يظنون أن له به حاجة وجواز الاستعانة في احضار الماء من غير كراهة والتعليم
بالفعل وان الاغتراف من الماء القليل للتطهر لا يصير الماء مستعملا لقوله في رواية وهيب وغيره
ثم ادخل يده فغسل وجهه الخ واما اشتراط نية الاغتراف فليس في هذا الحديث ما يثبتها ولا
ما ينفيها واستدل به أبو عوانة في صحيحه على جواز التطهر بالماء المستعمل وتوجيهه ان النية لم تذكر
فيه وقد أدخل يده للاغتراف بعد غسل الوجه وهو وقت غسلها وقال الغزالي مجرد الاغتراف
لا يصير الماء مستعملا لان الاستعمال انما يقع من المغترف منه وبهذا قطع البغوي واستدل به
المصنف على استيعاب مسح الرأس وقد قدمنا انه يدل لذلك ندبا لا فرضا وعلى انه لا يندب تكريره
كما سيأتي في باب مفرد وعلى الجمع بين المضمضة والاستنشاق من غرفة كما سيأتي أيضا وعلى جواز
التطهر من آنية النحاس وغيره (قوله باب غسل الرجلين إلى الكعبين) تقدمت مباحثه في الباب
الذي قبله وعمرو المذكور هو ابن يحيى بن عمارة شيخ مالك المتقدم وعمرو بن أبي حسن عم أبيه كما
قدمناه وسماه هناك جده مجازا وأغرب الكرماني تبعا لصاحب الكمال فقال عمرو بن أبي حسن
جد عمرو بن يحيى من قبل أمه وقد قدمنا ان أم عمرو بن يحيى ليست بنتا لعمرو بن أبي حسن فلم
يستقم ما قاله بالاحتمال (قوله فتوضأ لهم) أي لأجلهم (وضوء النبي صلى الله عليه وسلم) أي مثل
وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وأطلق عليه وضواه مبالغة (قوله ثم أدخل يده فغسل وجهه
بين في هذه الرواية تجديد الاغتراف لكل عضو وانه اغترف بإحدى يديه وكذا هو في باقي الروايات
255

وفى مسلم وغيره لكن وقع في رواية ابن عساكر وأبى الوقت من طريق سليمان بن بلال الآتية
ثم أدخل يديه بالتثنية وليس ذلك في رواية أبي ذر ولا الأصيلي ولا في شئ من الروايات خارج الصحيح
قاله النووي وأظن أن الاناء كان صغيرا فاغترف بإحدى يديه ثم أضافها إلى الأخرى كما تقدم
نظيره في حديث ابن عباس والا فالاغتراف باليدين جميعا أسهل وأقرب تناولا كما قال الشافعي
(قوله ثم غسل يديه مرتين) المراد غسل كل يد مرتين كما تقدم في طريق مالك ثم غسل يديه مرتين
مرتين وليس المراد توزيع المرتين على اليدين فكان يكون لكل يد مرة واحدة (قوله باب
استعمال فضل وضوء الناس) أي في التطهر والمراد بالفضل الماء الذي يبقى في الظرف بعد
الفراغ (قوله وأمر جرير بن عبد الله) هذا الأثر وصله ابن أبي شيبة والدارقطني وغيرهما من
طريق قيس بن أبي حازم عنه وفى بعض طرقه كان جرير يستاك ويغمس رأس سواكه في الماء ثم
يقول لأهله توضؤا بفضله لا يرى به بأسا وهذه الرواية مبينة للمراد وظن ابن التين وغيره ان المراد
بفضل سواكه الماء الذي ينتقع فيه العود من الأراك وغيره ليلين فقالوا يحمل على أنه لم يغير الماء
وانما أراد البخاري ان صنيعه ذلك لا يغير الماء وكذلك مجرد الاستعمال لا يغير الماء فلا يمتنع
التطهر به وقد صححه الدارقطني بلفظ كان يقول لأهله توضؤا من هذا الذي أدخل فيه سواكي
وقد روى مرفوعا أخرجه الدارقطني من حديث أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ
بفضل سواكه وسنده ضعيف وذكر أبو طالب في مسائله عن أحمد انه سأله عن معنى هذا الحديث
فقال كان يدخل السواك في الاناء ويستاك فإذا فرغ توضأ من ذلك الماء وقد استشكل ايراد
البخاري له في هذا الباب المعقود لطهارة الماء المستعمل وأجيب بأنه ثبت ان السواك مطهرة
للفم فإذا خالط الماء ثم حصل الوضوء بذلك الماء كان فيه استعمال للمستعمل في الطهارة (قوله
حدثنا الحكم) هو ابن عتيبة تصغير عتبة بالمثناة ثم الموحدة كان من الفقهاء الكوفيين وهو تابعي
صغير وحديث أبي جحيفة المذكور سيأتي مباحثه في باب السترة في الصلاة وقوله يأخذون من
فضل وضوئه كأنهم اقتسموا الماء الذي فضل عنه ويحتمل ان يكونوا تناولوا ما سال من أعضاء
وضوئه صلى الله عليه وسلم وفيه دلالة بينة على طهارة الماء المستعمل (قوله وقال أبو موسى) هو
الأشعري وهذا الحديث طرف من حديث مطول أخرجه المؤلف في المغازي وأوله عن أبي
موسى قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه بلال فاتاه اعرابى فذكر الحديث
وعرف منه تفسير المبهمين في قوله اشربا وهما أبو موسى وبلال وقد ذكر المؤلف طرفا منه أيضا
باسناده في باب الغسل والوضوء في المخضب كما سيأتي بعد قليل (قوله ومج فيه) أي صب ما تناوله
من الماء في الاناء والغرض بذلك ايجاد البركة بريقه المبارك (قوله حدثنا علي بن عبد الله) هو ابن
المديني وصالح هو ابن كيسان وقد تقدم الكلام على حديث محمود بن الربيع هذا في باب متى
يصح سماع الصغير من كتاب العلم (قوله وقال عروة) هو ابن الزبير عن المسور هو ابن مخرمة (قوله
وغيره) هو مروان بن الحكم كما سيأتي موصولا مطولا في كتاب الشروط وقال الكرماني هذه
الرواية وإن كانت عن مجهول لكنها متابعة ويغتفر فيها مالا يغتفر في الأصول (قلت) وهذا
صحيح الا انه لا يعتذر به هنا لان المبهم معروف وانما لم يسمه اختصارا كما اختصر السند فعلقه
وزعم الكرماني ان قوله وقال عروة معطوف على قوله في السند الذي قبله أخبرني محمود فيكون
256

صالح بن كيسان روى عن الزهري حديث محمود وعطف عليه حديث عروة فعلى هذا لا يكون
حديث عروة معلقا بل يكون موصولا بالسند الذي قبله وصنيع أئمة النقل يخالف ما زعمه واستمر
الكرماني على هذا التجويز حتى زعم أن الضمير في قوله يصدق كل واحد منهما صاحبه للمسور
ومحمود وليس كما زعم بل هو للمسور ومروان وهو تجويز منه بمجرد العقل والرجوع إلى النقل في
باب النقل أولى (قوله كانوا يقتتلون) كذا لأبي ذر وللباقين كادوا بالدال وهو الصواب لأنه لم يقع
بينهم قتال وانما حكى ذلك عروة بن مسعود الثقفي لما رجع إلى قريش ليعلمهم شدة تعظيم الصحابة
للنبي صلى الله عليه وسلم ويمكن أن يكون أطلق القتال مبالغة (قوله باب) كذا للمستملى كأنه
كالفصل من الباب الذي قبله وجعله الباقون منه بلا فصل (قوله حدثنا عبد الرحمن بن يونس) هو
أبو مسلم المستملى أحد الحفاظ (قوله عن الجعد) كذا هنا وللأكثر الجعيد بالتصغير وهو المشهور
والسائب بن يزيد من صغار الصحابة وسيأتى حديثه هذا مبينا في كتاب علامات النبوة إن شاء الله
تعالى (قوله وقع) بكسر القاف والتنوين وللكشميهني وقع بلفظ الماضي وفى رواية كريمة
وجع بالجيم والتنوين والوقع وجع في القدمين (قوله زر الحجلة) بكسر الزاي وتشديد الراء والحجلة
بفتح المهملة والجيم واحدة الحجال وهى بيوت تزين بالثياب والأسرة والستور لها عرى وأزرار
وقيل المراد بالحجلة الطير وهو يعقوب يقال للأنثى منه حجلة وعلى هذا فالمراد بزرها بيضتها
ويؤيده ان في حديث آخر مثل بيضة الحمامة وسيأتى الكلام على ذلك مستوفى في صفة النبي صلى
الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى وأراد البخاري الاستدلال بهذه الأحاديث على رد قول من
قال بنجاسة الماء المستعمل وهو قول أبى يوسف وحكى الشافعي في الام عن محمد بن الحسن
ان أبا يوسف رجع عنه ثم رجع إليه بعد شهرين وعن أبي حنيفة ثلاث روايات الأولى طاهر
لا طهور وهى رواية محمد بن الحسن عنه وهو قوله وقول الشافعي في الجديد وهو المفتى به عند
الحنفية الثانية نجس نجاسة خفيفة وهى رواية أبى يوسف عنه الثالثة نجس نجاسة غليظة
وهى رواية الحسن اللؤلؤي عنه وهذه الأحاديث ترد عليه لان النجس لا يتبرك به وحديث
المجة وان لم يكن فيه تصريح بالوضوء لكن توجيهه ان القائل بنجاسة الماء المستعمل إذا علله
بأنه ماء مضاف قيل له هو مضاف إلى طاهر لم يتغير به وكذلك الماء الذي خالطه الريق طاهر
لحديث المجة وأما من علله منهم بأنه ماء الذنوب فيجب ابعاده محتجا بالأحاديث الواردة في ذلك عند
مسلم وغيره فأحاديث الباب أيضا ترد عليه لان ما يجب ابعاده لا يتبرك به ولا يشرب قال ابن
المنذر وفى اجماع أهل العلم على أن البلل الباقي على أعضاء المتوضئ وما قطر منه على ثيابه
طاهر دليل قوى على طهارة الماء المستعمل وأما كونه غير طهور فسيأتي الكلام عليه
في كتاب الغسل إن شاء الله تعالى والله أعلم (قوله باب من مضمض واستنشق من
غرفة واحدة) تقدم الكلام على ذلك قريبا في باب مسح الرأس وتقدمت المسئلة أيضا في حديث
ابن عباس في أوائل الوضوء (قوله ثم غسل) أي فمه (أو مضمض) كذا عنده بالشك وأخرجه مسلم
عن محمد بن الصباح عن خالد بسنده هذا من غير شك ولفظه ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض
واستنشق وأخرجه أيضا الإسماعيلي من طريق وهيب بن بقية عن خالد كذلك فالظاهر أن الشك
فيه من مسدد شيخ البخاري وأغرب الكرماني فقال الظاهر أن الشك فيه من التابعي (قوله من
257

كفة واحدة) كذا في رواية أبي ذر وفى نسخة من غرفة واحدة وللأكثر من كف بغير هاء قال ابن
بطال المراد بالكفة الغرفة فاشتق لذلك من اسم الكف عبارة عن ذلك المعنى قال ولا يعرف في
كلام العرب الحاق هاء التأنيث في الكف ومحصله ان المراد بقوله كفة فعلة لا انها تأنيث الكف
وقال صاحب المشارق قوله من كفة هي بالضم والفتح كغرفة وغرفة أي مما ملأ كفه من الماء
(قوله ثم غسل يديه) لم يذكر غسل الوجه اختصارا وهو ثابت في رواية مسلم وغيره وبقية مباحث
هذا الحديث تقدمت قريبا (قوله باب مسح الرأس مرة) وللاصيلى مسحة (قوله فدعا
بتور من ماء) كذا للأكثر وللكشميهني فدعا بماء ولم يذكر التور (قوله فكفأه) أي أماله وللاصيلى
فأكفأه وقد تقدم النقل انهما بمعنى (قوله فأقبل بيده) كذا هنا بالافراد وللكشميهني بالتثنية
(قوله حدثنا وهيب) أي باسناده المذكور وحديثه وقد تقدمت طريق موسى هذه في باب غسل
الرجلين إلى الكعبين وذكر فيها ان مسح الرأس مرة وقد تقدم نقل الخلاف في استحباب العدد
في مسح الرأس في باب الوضوء ثلاثا ثلاثا في الكلام على حديث عثمان وذكرنا قول أبى داود ان
الروايات الصحيحة عن عثمان ليس فيها عدد لمسح الرأس وانه أورد العدد من طريقين صحح
أحدهما غيره والزيادة من الثقة مقبولة فيحمل قول أبى داود على إرادة استثناء الطريقين اللذين
ذكرهما فكأنه قال الا هذين الطريقين قال ابن السمعاني في الاصطلام اختلاف الرواية
يحمل على التعدد فيكون مسح تارة مرة وتارة ثلاثا فليس في رواية مسح مرة حجة على منع التعدد
ويحتج للتعدد بالقياس على المغسول لان الوضوء طهارة حكمية ولا فرق في الطهارة الحكمية بين
الغسل والمسح وأجيب بما تقدم من أن المسح مبنى على التخفيف بخلاف الغسل ولو شرع
التكرار لصارت صورته صورة المغسول وقد اتفق على كراهة غسل الرأس بدل المسح وإن كان
مجزئا وأجاب بأن الخفة تقتضى عدم الاستيعاب وهو مشروع بالاتفاق فليكن العدد كذلك
وجوابه واضح ومن أقوى الأدلة على عدم العدد الحديث المشهور الذي صححه ابن خزيمة وغيره
من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة الوضوء حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم
بعد ان فرغ من زاد على هذا فقد أساء وظلم فان في رواية سعيد بن منصور فيه التصريح بأنه مسح
رأسه مرة واحدة فدل على أن الزيادة في مسح الرأس على المرة غير مستحبة ويحمل ما ورد من
الأحاديث في تثليث المسح ان صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح لا أنها مسحات مستقلة لجميع
الرأس جمعا بين هذه الأدلة * (تنبيه) * لم يقع في هذه الرواية ذكر غسل الوجه وجوز
الكرماني ان يكون هو مفعول غسل الذي وقع فيه الشك من الراوي والتقدير فغسل وجهه
أو تمضمض واستنشق (قلت) ولا يخفى بعده وقد أخرج الحديث المذكور مسلم والإسماعيلي في
روايتهما المذكورة وفيها بعد ذكر المضمضة والاستنشاق ثم غسل وجهه ثلاثا فدل على أن
الاختصار من مسدد كما تقدم ان الشك منه وقال الكرماني يجوز ان يكون حذف الوجه إذ لم
يقع في شئ منه اختلاف وذكر ما عداه لما في المضمضة والاستنشاق من الافراد والجمع ولما في
ادخال المرفقين ولما في مسح جميع الرأس ولما في الرجلين إلى الكعبين انتهى ملخصا ولا
يخفى تكلفه (قوله باب وضوء الرجل) بضم الواو لان القصد به الفعل (قوله وفضل
وضوء المرأة) بفتح الواو لان المراد به الماء الفاضل في الاناء بعد الفراغ من الوضوء وهو بالخفض
258

عطفا على قوله وضوء الرجل (قوله وتوضأ عمر بالحميم) أي بالماء المسخن وهذا الأثر وصله سعيد بن
منصور وعبد الرزاق وغيرهما باسناد صحيح بلفظ ان عمر كان يتوضأ بالحميم ويغتسل منه ورواه ابن أبي
شيبة والدارقطني بلفظ كان يسخن له ماء في قمقم ثم يغتسل منه قال الدارقطني اسناده صحيح
ومناسبته للترجمة من جهة ان الغالب ان أهل الرجل تبع له فيما يفعل فأشار البخاري إلى
الرد على من منع المرأة ان تتطهر بفضل الرجل لأن الظاهر أن امرأة عمر كانت تتوضأ بفضله أو
معه فيناسب قوله وضوء الرجل مع امرأته أي من اناء واحد وأما مسئلة التطهر بالماء المسخن
فاتفقوا على جوازه الا ما نقل عن مجاهد (قوله ومن بيت نصرانية) هو معطوف على قوله بالحميم
أي وتوضأ عمر من بيت نصرانية وهذا الأثر وصله الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما عن ابن عيينة
عن زيد بن أسلم عن أبيه به ولفظ الشافعي توضأ من ماء في جرة نصرانية ولم يسمعه ابن عيينة
من زيد بن أسلم فقد رواه البيهقي من طريق سعدان بن نصر عنه قال حدثونا عن زيد بن أسلم
فذكره مطولا ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عنه باثبات الواسطة فقال عن ابن زيد بن أسلم عن
أبيه به وأولاد زيد هم عبد الله وأسامة وعبد الرحمن وأوثقهم وأكبرهم عبد الله وأظنه هو الذي
سمع ابن عيينة منه ذلك وبهذا جزم به البخاري ووقع في رواية كريمة بحذف الواو من قوله ومن
بيت وهذا الذي جرأ الكرماني أن يقول المقصود ذكر استعمال سؤر المرأة وأما الحميم فذكره لبيان
الواقع وقد عرفت انهما أثران متغايران وهذا الثاني مناسب لقوله وفضل وضوء المرأة لان عمر
توضأ بمائها ولم يستفصل مع جواز أن تكون تحت مسلم واغتسلت من حيض ليحل له وطؤها
ففضل منه ذلك الماء وهذا وان لم يقع التصريح به لكنه محتمل وجرت عادة البخاري بالتمسك بمثل
ذلك عند عدم الاستفصال وإن كان غيره لا يستدل بذلك ففيه دليل على جواز التطهر بفضل
وضوء المرأة المسلمة لأنها لا تكون أسوأ حالا من النصرانية وفيه دليل على جواز استعمال مياه
أهل الكتاب من غير استفصال وقال الشافعي في الام لا بأس بالوضوء من ماء المشرك وبفضل
وضوئه ما لم تعلم فيه نجاسة وقال ابن المنذر انفرد إبراهيم النخعي بكراهة فضل المرأة إذا كانت جنبا
(قوله حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي أحد رواة الموطأ (قوله كان الرجال والنساء) ظاهره
التعميم فاللام للجنس لا للاستغراق (قوله في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يستفاد منه
ان البخاري يرى أن الصحابي إذا أضاف الفعل إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون حكمه
الرفع وهو الصحيح وحكى عن قوم خلافه لاحتمال أنه لم يطلع وهو ضعيف لتوفر دواعي الصحابة
على سؤالهم إياه عن الأمور التي تقع لهم ومنهم ولو لم يسألوه لم يقروا على فعل غير الجائز في زمن
التشريع فقد استدل أبو سعيد وجابر على إباحة العزل بكونهم كانوا يفعلونه والقرآن ينزل ولو
كان منهيا لنهى عنه القرآن وزاد ابن ماجة عن هشام بن عروة عن مالك في هذا الحديث من اناء
واحد وزاد أبو داود من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ندلي فيه أيدينا وفيه دليل على أن
الاغتراف من الماء القليل لا يصيره مستعملا لان أوانيهم كانت صغارا كما صرح به الشافعي
في الام في عدة مواضع وفيه دليل على طهارة الذمية واستعمال فضل طهورها وسؤرها لجواز
تزوجهن وعدم التفرقة في الحديث بين المسلمة وغيرها (قوله جميعا) ظاهره انهم كانوا يتناولون
الماء في حالة واحدة وحكى ابن التين عن قوم ان معناه ان الرجال والنساء كانوا يتوضؤن جميعا
259

في موضع واحد هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة والزيادة المتقدمة في قوله من اناء واحد ترد عليه
وكان هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الأجانب وقد أجاب ابن التين عنه بما حكاه عن
سحنون ان معناه كان الرجال يتوضؤن ويذهبون ثم تأتى النساء فيتوضؤن وهو خلاف الظاهر
من قوله جميعا قال أهل اللغة الجميع ضد المفترق وقد وقع مصرحا بوحدة الاناء في صحيح ابن خزيمة
في هذا الحديث من طريق معتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر انه أبصر النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من اناء واحد كلهم يتطهر منه والأولى في الجواب ان يقال
لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم ونقل الطحاوي ثم
القرطبي والنووي الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من الاناء الواحد وفيه نظر لما
حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة انه كان ينهى عنه وكذا حكاه ابن عبد البر عن قوم وهذا الحديث
حجة عليهم ونقل النووي أيضا الاتفاق على جواز وضوء المرأة بفضل الرجل دون العكس وفيه
نظر أيضا فقد أثبت الخلاف فيه الطحاوي وثبت عن ابن عمر والشعبي والأوزاعي المنع لكن
مقيدا بما إذا كانت حائضا وأما عكسه فصح عن عبد الله بن سرخس الصحابي وسعيد بن المسيب
والحسن البصري انهم منعوا التطهر بفضل المرأة وبه قال أحمد واسحق لكن قيداه بما إذا صلت
به لان أحاديث الباب ظاهرة في الجواز إذا اجتمعا ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث الواردة في
منع التطهر بفضل المرأة وفى جواز ذلك مضطربة قال لكن صح عن عدة من الصحابة المنع فيما إذا
صلت به وعورض بصحة الجواز عن جماعة من الصحابة منهم ابن عباس والله أعلم وأشهر
الأحاديث في ذلك من الجهتين حديث الحكم بن عمرو الغفاري في المنع وحديث ميمونة في الجواز
اما حديث الحكم بن عمرو فأخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان وأغرب
النووي فقال اتفق الحفاظ على تضعيفه واما حديث ميمونة فأخرجه مسلم لكن أعله قوم لتردد وقع
في راوية عمرو بن دينار حيث قال علمي والذي يخطر على بالى ان أبا الشعثاء أخبرني فذكر الحديث
وقد ورد من طريق أخرى بلا تردد لكن راويها غير ضابط وقد خولف والمحفوظ ما أخرجه
الشيخان بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من اناء واحد وفى المنع أيضا
ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميري قال لقيت رجلا صحب النبي
صلى الله عليه وسلم أربع سنين فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تغتسل المرأة بفضل
الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعا رجاله ثقات ولم أقف لمن أعله على حجة قوية
ودعوى البيهقي انه في معنى المرسل مردودة لان ابهام الصحابي لا يضر وقد صرح التابعي بأنه لقيه
ودعوى ابن حزم ان داود راويه عن حميد بن عبد الرحمن هو ابن يزيد الأودي وهو ضعيف مردودة
فإنه ابن عبد الله الأودي وهو ثقة وقد صرح باسم أبيه أبو داود وغيره ومن أحاديث الجواز
ما أخرجه أصحاب السنن والدارقطني وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما من حديث ابن عباس
عن ميمونة قالت أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم
يغتسل منه فقلت له فقال الماء ليس عليه جنابة واغتسل منه لفظ الدارقطني وقد أعله قوم
بسماك بن حرب راويه عن عكرمة لأنه كان يقبل التلقين لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل
عن مشايخه الا صحيح حديثهم وقول أحمد ان الأحاديث من الطريقين مضطربة انما يصار إليه
260

عند تعذر الجمع وهو ممكن بأن يحمل أحاديث النهى على ما تساقط من الأعضاء والجواز على
ما بقى من الماء وبذلك جمع الخطابي أو يحمل النهى على التنزيه جمعا بين الأدلة والله أعلم (قوله
باب صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوأه) بفتح الواو لان المراد به الماء الذي توضأ به
والمغمى بضم الميم واسكان المعجمة من أصابه الاغماء (قوله يعودني) زاد المصنف في الطب ماشيا
(قوله لا أعقل) أي لا أفهم وحذف مفعوله إشارة إلى عظم الحال أي لا أعقل شيئا وصرح به في
التفسير وله في الطب فوجدني قد أغمي على وهو المطابق للترجمة (قوله من وضوئه) يحتمل أن
يكون المراد صب على بعض الماء الذي توضأ به أو مما بقى منه والأول المراد فللمصنف في الاعتصام
ثم صب وضوأه على ولابى داود فتوضأ وصبه على (قوله لمن الميراث) اللام بدل من المضاف إليه
كأنه قال ميراثي ويؤيده أن في الاعتصام أنه قال كيف أصنع في مالي والمراد بآية الفرائض هنا
قوله تعالى يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة كما سيأتي مبينا في التفسير ويذكر هناك بقية
مباحثه إن شاء الله تعالى (قوله باب الغسل والوضوء في المخضب) هو بكسر الميم وسكون
الخاء المعجمة وفتح الضاد المعجمة بعدها موحدة المشهور أنه الاناء الذي يغسل فيه الثياب من أي
جنس كان وقد يطلق على الاناء صغيرا أو كبيرا والقدح أكثر ما يكون من الخشب مع ضيق فمه
وعطفه الخشب والحجارة على المخضب والقدح ليس من عطف العام على الخاص فقط بل بين
هذين وهذين عموم وخصوص من وجه (قوله حدثنا عبد الله بن منير) هو بضم الميم وكسر النون
بعدها ياء خفيفة كما قدمناه في المقدمة لكن وقع هنا في رواية الأصيلي ابن المنير بزيادة الألف
واللام فقد يلتبس بابن المنير الذي ننقل عنه في هذا الشرح لكنه بتثقيل الياء ونون مفتوحة وهو
متأخر عن هذا الراوي بأكثر من أربعمائة سنة (قوله حضرت الصلاة) هي العصر (قوله إلى
أهله) أي لإرادة الوضوء (وبقى قوم) أي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن في قوله من حجارة
لبيان الجنس (قوله فصغر) بفتح الصاد المهملة وضم الغين المعجمة أي لم يسع بسط كفه صلى الله
عليه وسلم فيه وللإسماعيلي فلم يستطع ان يبسط كفه من صغر المخضب وهو دال على ما قلناه ان
المخضب قد يطلق على الاناء الصغير ومباحث هذا الحديث تقدمت في باب التماس الوضوء وباقي
الكلام عليه يأتي في علامات النبوة إن شاء الله تعالى وقد أخرجه المصنف هناك عن عبد الله بن
منير أيضا لكنه قال عن يزيد بن هارون بدل عبد الله بن بكر فكأنه سمعه من شيخين حدثه كل منهما
به عن حميد (قوله عن بريد) بالموحدة والراء مصغرا هو ابن عبد الله بن أبي بردة والقدر المذكور
من المتن تقدم بعضه معلقا في باب استعمال فضل وضوء الناس وسيأتى مطولا في المغازي إن شاء الله
تعالى والغرض منه ذكر القدح وقد ذكرنا ما فيه (قوله أحمد بن يونس) هو ابن عبد الله بن
يونس نسب إلى جده وعبد العزيز شيخه هو ابن عبد الله بن أبي سلمة نسب إلى جده أيضا فاتفقا في
أن كلا منهما ينسب إلى جده وفى أن كلا منهما اسم أبيه عبد الله وأن كلا منهما يكنى أبا عبد الله
وأن كلا مهما ثقة حافظ فقيه (قوله أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وللكشميهني وأبى الوقت
أتانا (قوله فغسل وجهه) تفسير لقوله فتوضأ وفيه حذف تقديره فمضمض واستنشق كما دلت عليه
باقي الروايات والمخرج متحد وقد تقدمت مباحثه وأن عبد العزيز هذا زاد في روايته ان التور كان
261

من صفر أي نحاس جيد (قوله لما ثقل) أي في المرض وهو بضم القاف بوزن صغر قاله في الصحاح
وفى القاموس لشيخنا ثقل كفرح فهو ثاقل وثقيل اشتد مرضه فلعل في النسخة سقطا والله
أعلم (قوله في أن يمرض) بفتح الراء الثقيلة أي يخدم في مرضه (قوله فاذن) بكسر المعجمة وتشديد
النون المفتوحة أي الأزواج واستدل به على أن القسم كان واجبا عليه ويحتمل أن يكون فعل
ذلك تطييبا لهن (قوله قال عبيد الله) هو الراوي له عن عائشة وهو بالاسناد المذكور بغير أداة
عطف (قوله وكانت) هو معطوف أيضا بالاسناد المذكور (قوله هريقوا) كذا للأكثر وللاصيلى
أهريقوا بزيادة الهمزة قال ابن التين هو باسكان الهاء ونقل عن سيبويه أنه قال أهراق يهريق
أهرياقا مثل أسطاع يسطيع اسطياعا بقطع الألف وفتحها في الماضي وضم الياء في المستقبل
وهى لغة في أطاع يطيع فجعلت السين والهاء عوضا من ذهاب حركة عين الفعل قال وروى بفتح
الهاء واستشكله ويوجه بان الهاء مبدلة من الهمزة لان أصل هراق أراق ثم اجتلبت الهمزة
فتحريك الهاء على ابقاء البدل والمبدل منه وله نظائر وذكر له الجوهري توجيها آخر وان أصله
أأريقوا فأبدلت الهمزة الثانية هاء للخفة وجزم ثعلب في الفصيح بان أهريقه بفتح الهاء والله أعلم
(قوله من سبع قرب) قال الخطابي يشبه أن يكون خص السبع تبركا بهذا العدد لان له دخولا
في كثير من أمور الشريعة وأصل الخلقة وفى رواية للطبراني في هذا الحديث من ابارشتى والظاهر أن
ذلك للتداوي لقوله في رواية أخرى في الصحيح لعلى استريح فأعهد أي أوصى (قوله وأجلس
في مخضب حفصة) زاد ابن خزيمة من طريق عروة عن عائشة انه كان من نحاس وفيه إشارة إلى
الرد على من كره الاغتسال فيه كما ثبت ذلك عن ابن عمر وقال عطاء انما كره من النحاس ريحه (قوله
نصب عليه من تلك) أي القرب السبع (قوله حتى طفق) يقال طفق يفعل كذا إذا شرع في فعل
واستمر فيه (قوله ثم خرج إلى الناس) زاد المصنف من طريق عقيل عن الزهري فصلى بهم
وخطبهم ثم خرج وهو في باب الوفاة في آخر كتاب المغازي وسيأتى الكلام على بقية مباحثه هناك
وعلى ما فيه من أحكام الإمامة في باب حد المريض ان يشهد الجماعة إن شاء الله تعالى (قوله
باب الوضوء من التور) تقدمت مباحث حديث الباب قريبا وان التور بفتح المثناة
شبه الطست وقيل هو الطست ووقع في حديث شريك عن أنس في المعراج فأتى بطست من ذهب
فيه تور من ذهب وظاهره المغايرة بينهما ويحتمل الترادف وكأن الطست أكبر من التور (قوله
حدثنا سليمان) هو ابن بلال والاسناد كله مدنيون (قوله كان عمى) هو عمرو بن أبي حسن كما تقدم
وهو عمه على الحقيقة (قوله ثم أدخل يده في التور فمضمض) فيه حذف تقديره ثم أخرجها
فمضمض وقد صرح به مسلم (قوله من غرقة واحدة) يتعلق بقوله فمضمض واستنثر والمعنى أنه
جمع بينهما ثلاث مرات كل مرة من غرفة ويحتمل أن يتعلق بقوله ثلاث مرات والمعنى أنه جمع
بينهما ثلاث مرات من غرفة واحدة والأول موافق لباقي الروايات فهو أولى (قوله فقال)
أي عبد الله بن زيد (هكذا) هذه الزيادة صريحة في رفع الحديث وإن كان أول سياق الحديث
يدل عليه (قوله حدثنا حماد) هو ابن زيد ولم يسمع مسدد من حماد بن سلمة (قوله رحراح)
262

بمهملات الأولى مفتوحة بعدها سكون أي متسع الفم وقال الخطابي الرحراح الاناء الواسع
الصحن القريب القعر ومثله لا يسع الماء الكثير فهو أدل على عظم المعجزة (قلت) وهذه الصفة شبيهة
بالطست وبهذا يظهر مناسبة هذا الحديث للترجمة وروى ابن خزيمة هذا الحديث عن أحمد
ابن عبدة عن حماد بن زيد فقال بدل رحراح زجاج بزاي مضمومة وجيمين وبوب عليه الوضوء
من آنية الزجاج ضد قول من زعم من المتصوفة أن ذلك اسراف لاسراع الكسر إليه (قلت)
وهذه اللفظة تفرد بها أحمد بن عبدة وخالفه أصحاب حماد بن زيد فقالوا رحراح وقال بعضهم واسع
الفم وهى رواية الإسماعيلي عن عبد الله بن ناجية عن محمد بن موسى وإسحاق بن أبي إسرائيل
وأحمد بن عبدة كلهم عن حماد وكأنه ساقه على لفظ محمد بن موسى وصرح جمع من الحذاق بأن
أحمد بن عبدة صحفها ويقوى ذلك أنه أتى في روايته بقوله أحسبه فدل على أنه لم يتقنه فإن كان
ضبطه فلا منافاة بين روايته ورواية الجماعة لاحتمال أن يكونوا وصفوا هيئته وذكر هو جنسه
وفى مسند أحمد عن ابن عباس ان المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم قدحا من زجاج لكن
في اسناده مقال (قوله فحزرت) بتقديم الزاي أي قدرت وتقدم من رواية حميد انهم كانوا ثمانين
وزيادة وهنا قال ما بين السبعين إلى الثمانين والجمع بينهما ان أنسا لم يكن يضبط العدة بل كان
يتحقق انها تنيف على السبعين ويشك هل بلغت العقد الثامن أو تجاوزته فربما جزم بالمجاوزة
حيث يغلب ذلك على ظنه واستدل الشافعي بهذا الحديث على رد قول من قال من أصحاب الرأي
ان الوضوء مقدر بقدر من الماء معين ووجه الدلالة ان الصحابة اغترفوا من ذلك القدح من غير
تقدير لأن الماء النابع لم يكن قدره معلوما لهم فدل على عدم التقدير وبهذا يظهر مناسبة تعقيب
المصنف هذا الحديث بباب الوضوء بالمد والمد اناء يسع رطلا وثلثا بالبغدادي قاله جمهور أهل
العلم وخالف بعض الحنفية فقالوا المد رطلان (قوله ابن جبر) بفتح الجيم وسكون الموحدة ومن
قاله بالتصغير فقد صحف لان ابن جبير وهو سعيد لا رواية له عن أنس في هذا الكتاب والراوي هنا
هو عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك الأنصاري وقد رواه الإسماعيلي من طريق أبى نعيم شيخ
البخاري قال حدثنا مسعر حدثني شيخ من الأنصار يقال له ابن جبر وفى الاسناد كوفيان أبو نعيم
وشيخه وبصريان أنس والراوي عنه (قوله يغسل) أي جسده والشك فيه من البخاري أو من أبى
نعيم لما حدثه به فقد رواه الإسماعيلي من طريق أبى نعيم فقال يغتسل ولم يشك (قوله بالصاع)
هو اناء يسع خمسة أرطال وثلثا بالبغدادي وقال بعض الحنفية ثمانية (قوله إلى خمسة أمداد)
أي كان ربما اقتصر على الصاع وهو أربعة أمداد وربما زاد عليها إلى خمسة فكأن أنسا لم يطلع على
أنه استعمل في الغسل أكثر من ذلك لأنه جعلها النهاية وقد روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها
أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من اناء واحد هو الفرق قال ابن عيينة
والشافعي وغيرهما هو ثلاثة آصع وروى مسلم أيضا من حديثها أنه صلى الله عليه وسلم كان
يغتسل من أناء يسع ثلاثة أمداد فهذا يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة وفيه رد على
من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في حديث الباب كابن شعبان من المالكية وكذا من قال به من
الحنفية مع مخالفتهم له في مقدار المد والصاع وحمله الجمهور على الاستحباب لان أكثر من قدر
وضوءه وغسله صلى الله عليه وسلم من الصحابة قدرهما بذلك ففي مسلم عن سفينة مثله ولأحمد وأبى
263

داود باسناد صحيح عن جابر مثله وفى الباب عن عائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وغيرهم وهذا
إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة وهو أيضا في حق من يكون خلقه معتدلا والى هذا أشار المصنف
في أول كتاب الوضوء بقول وكره أهل العلم الاسراف فيه وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه
وسلم (قوله باب المسح على الخفين) نقل ابن المنذر عن ابن المبارك قال ليس في المسح على
الخفين عن الصحابة اختلاف لان كل من روى عنه منهم انكاره فقد روى عنه اثباته وقال ابن
عبد البر لا أعلم روى عن أحد من فقهاء السلف انكاره الا عن مالك مع أن الروايات الصحيحة عنه
مصرحة باثباته وقد أشار الشافعي في الام إلى انكار ذلك على المالكية والمعروف المستقر عندهم
الآن قولان الجواز مطلقا ثانيهما للمسافر دون المقيم وهذا الثاني مقتضى ما في المدونة وبه
جزم ابن الحاجب وصحح الباجي الأول ونقله عن ابن وهب وعن ابن نافع في المبسوطة نحوه وان
مالكا انما كان يتوقف فيه في خاصة نفسه مع افتائه بالجواز وهذا مثل ما صح عن أبي أيوب
الصحابي وقال ابن المنذر اختلف العلماء أيهما أفضل المسح على الخفين أو نزعهما وغسل القدمين
قال والذي أختاره أن المسح أفضل لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض
قال واحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه اه‍ وقال الشيخ محيي الدين صرح جمع
من الأصحاب بأن الغسل أفضل بشرط أن لا يترك المسح رغبة عن السنة كما قالوه في تفضيل القصر
على الاتمام وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر وجمع بعضهم رواته فجاوزوا
الثمانين ومنهم العشرة وفى ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري حدثني سبعون من الصحابة
بالمسح على الخفين (قوله حدثنا أصبغ) بفتح الهمزة وكأن البخاري أجاز الرواية عنه لهذا الحديث
لقوله المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أكابر أصحابه في الحضر أثبت عندنا وأقوى من أن
نتبع مالكا على خلافه وعمرو هو ابن الحرث وهو ومن دونه ثلاثة مصريون والذين فوقه ثلاثة
مدنيون وفى الاسناد رواية تابعي عن تابعي أبو النضر عن أبي سلمة وصحابي عن صحابي (قوله وان
عبد الله) هو معطوف على قوله عن عبد الله بن عمر فهو موصول إذا حملناه على أن أبا سلمة سمع ذلك
من عبد الله والا فأبو سلمة لم يدرك القصة وقد أخرجه أحمد من طريق أخرى عن أبي النضر عن أبي
سلمة عن ابن عمر قال رأيت سعد بن أبي وقاص يمسح على خفيه بالعراق حين توضأ فأنكرت ذلك
عليه فلما اجتمعنا عند عمر قال لي سعد سل أباك فذكر القصة ورواه ابن خزيمة من طريق أيوب
عن نافع عن ابن عمر نحوه وفيه أن عمر قال كنا ونحن مع نبينا نمسح على خفافنا لا نرى بذلك بأسا
(قوله فلا تسأل عنه غيره) أي لقوة الوثوق بنقله ففيه دليل على أن الصفات الموجبة للترجيح إذا
اجتمعت في الراوي كانت من جملة القرائن التي إذا حفت خبر الواحد قامت مقام الاشخاص
المتعددة وقد يفيد العلم عند البعض دون البعض وعلى أن عمر كان يقبل خبر الواحد وما
نقل عنه من التوقف انما كان عند وقوع ريبة له في بعض المواضع واحتج به من قال بتفاوت رتب
العدالة ودخول الترجيح في ذلك عند التعارض ويمكن ابداء الفارق في ذلك بين الرواية والشهادة
وفيه تعظيم عظيم من عمر لسعد وفيه ان الصحابي القديم الصحبة قد يخفى عليه من الأمور الجليلة
في الشرع ما يطلع عليه غيره لان ابن عمر أنكر المسح على الخفين مع قديم صحبته وكثرة روايته
وقد روى قصته مالك في الموطأ عن نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه ان ابن عمر قدم الكوفة
264

على سعد وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه فقال له سعد سل أباك فذكر القصة
ويحتمل أن يكون ابن عمر انما أنكر المسح في الحضر لا في السفر لظاهر هذه القصة ومع ذلك
فالفائدة بحالها والله أعلم (قوله وقال موسى بن عقبة) هذا التعليق وصله الإسماعيلي وغيره بهذا
الاسناد وفيه ثلاثة من التابعين على الولاء أولهم موسى وموسى وأبو النضر قرينان مدنيان (قوله
أن سعدا حدثه) أي حدث أبا سلمة والمحدث به محذوف تبين من الرواية الموصولة أن لفظه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين (قوله فقال) هو معطوف على المقدر (قوله
نحوه) بالنصب لأنه مقول القول وظهر أن قول عمر في هذه الرواية المعلقة بمعنى الرواية التي
وصلها المؤلف لا بلفظها وقد وصله الإسماعيلي أيضا من طريق أخرى عن موسى بن عقبة ولفظه
وان عمر قال لعبد الله أي ابنه كأنه يلومه إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تبتغ
وراء حديثه شيئا (قوله حدثنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري وقد تقدم هذا
الحديث من طريق أخرى عنه في باب الرجل يوضئ صاحبه وان فيه أربعة من التابعين على الولاء
وأخرجه المصنف في المغازي من طريق أخرى عن الليث فقال عن عبد العزيز بن أبي سلمة بدل
يحيى بن سعيد وسياقه أتم فكأن لليث فيه شيخين (قوله إنه خرج لحاجته) في الباب الذي بعد
هذا انه كان في سفر وفى المغازي أنه كان في غزوة تبوك على تردد في ذلك من بعض رواته ولمالك
وأحمد وأبى داود من طريق عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة انه كان في غزوة تبوك بلا تردد وان
ذلك كان عند صلاة الفجر (قوله فاتبعه) بتشديد المثناة المفتوحة وللمصنف من طريق مسروق
عن المغيرة في الجهاد وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره أن يتبعه بالإداوة وزاد
فانطلق حتى توارى عنى فقضى حاجته ثم أقبل فتوضأ وعند أحمد من طريق أخرى عن المغيرة
ان الماء الذي توضأ به أخذه المغيرة من أعرابية صبته له من قربة كانت جلد ميتة وان النبي صلى
الله عليه وسلم قال له سلها فإن كانت دبغتها فهو طهور وأنها قالت أي والله لقد دبغتها (قوله
فتوضأ) زاد في الجهاد وعليه جبة شامية ولابى داود من صوف من جباب الروم وزاد المصنف
في الطريق الذي في باب الرجل يوضئ صاحبه فغسل وجهه ويديه والفاء في فغسل تفصيلية
وتبين من ذلك أن المراد بقوله توضأ أي بالكيفية المذكورة لا انه غسل رجليه واستدل به
القرطبي على الاقتصار على فروض الوضوء دون سننه لا سيما في حال مظنة فلة الماء كالسفر قال
ويحتمل ان النبي صلى الله عليه وسلم فعلها فلم يذكرها المغيرة قال والظاهر خلافه (قلت)
بل فعلها وذكرها المغيرة ففي رواية أحمد من طريق عباد بن زياد المذكورة انه غسل كفيه وله
من وجه آخر قوى فغسلهما فأحسن غسلهما قال وأشك أقال دلكهما بتراب أم لا وللمصنف
في الجهاد انه تمضمض واستنشق وغسل وجهه زاد أحمد ثلاث مرات فذهب يخرج يديه من كميه
فكانا ضيقين فأخرجهما من تحت الجبة ولمسلم من وجه آخر وألقى الجبة على منكبيه
ولأحمد فغسل يده اليمنى ثلاث مرات ويده اليسرى ثلاث مرات وللمصنف ومسح برأسه وفى
رواية لمسلم ومسح بناصيته وعلى عمامته وعلى الخفين وسيأتى قوله انى أدخلتهما طاهرتين
في الباب الذي بعد هذا وحديث المغيرة هذا ذكر البزار أنه رواه عنه ستون رجلا وقد لخصت
مقاصد طرقه الصحيحة في هذه القطعة وفيه من الفوائد الابعاد عند قضاء الحاجة والتواري
265

عن الأعين واستحباب الدوام على الطهارة لامره صلى الله عليه وسلم المغيرة ان يتبعه بالماء مع أنه
لم يستنج به وانما توضأ به حين رجع وفيه جواز الاستعانة كما شرح في بابه وغسل ما يصيب اليد من
الأذى عند الاستجمار وانه لا يكفي ازالته بغير الماء والاستعانة على إزالة الرائحة بالتراب ونحوه
وقد يستنبط منه ان ما انتشر عن المعتاد لا يزال الا بالماء وفيه الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت
والانتفاع بثياب الكفار حتى يتحقق نجاستها لأنه صلى الله عليه وسلم لبس الجبة الرومية ولم
يستفصل واستدل به القرطبي على أن الصوف لا ينجس بالموت لان الجبة كانت شامية وكانت
الشام إذ ذاك دار كفر ومأكول أهلها الميتات كذا قال وفيه الرد على من زعم أن المسح على
الخفين منسوخ بآية الوضوء التي في المائدة لأنها نزلت في غزوة المر يسيع وكانت هذه القصة في
غزوة تبوك وهى بعدها باتفاق وسيأتي حديث جرير البجلي في معنى ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله
تعالى وفيه التشمير في السفر ولبس الثياب الضيقة فيه لكونها أعون على ذلك وفيه المواظبة
على سنن الوضوء حتى في السفر وفيه قبول خبر الواحد في الاحكام ولو كانت امرأة سواء كان ذلك
فيما تعم به البلوى أم لا لأنه صلى الله عليه وسلم قبل خبر الاعرابية كما تقدم وفيه ان الاقتصار على
غسل معظم المفروض غسله لا يجزئ لاخراجه صلى الله عليه وسلم يديه من تحت الجبة ولم يكتف
فيما بقى منهما بالمسح عليه وقد يستدل به على من ذهب إلى وجوب تعميم مسح الرأس لكونه كمل
بالمسح على العمامة ولم يكتف بالمسح على ما بقى من ذراعيه (قوله شيبان) هو ابن عبد الرحمن ويحيى
هو ابن أبي كثير (قوله عن أبي سلمة) وللإسماعيلي من طريق الحسن بن موسى عن شيبان عن يحيى
حدثني أبو سلمة حدثني جعفر بن عمرو بن أمية وفى الاسناد ثلاثة من التابعين على الولاء أولهم
يحيى وهو تابعي صغير وأبو سلمة وجفر قرينان (قوله وتابعه) أي تابع شيبان (حرب) وهو ابن
شداد وحديثه موصول عند النسائي والطبراني (قوله وأبان) هو ابن يزيد العطار وهو معطوف
على حرب وحديثه موصول عند أحمد والطبراني (قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك (قوله
عن يحيى) ولأحمد عن أبي المغيرة عن الأوزاعي حدثني يحيى (قوله على عمامته وخفيه) هكذا
رواه الأوزاعي وهو مشهور عنه وأسقط بعض الرواة عنه جعفرا من الاسناد وهو خطأ قاله
أبو حاتم الرازي (قوله وتابعه) أي تابع الأوزاعي (معمر) بن راشد في المتن لا في الاسناد وهذا هو
السبب في سياق المصنف الاسناد ثانيا ليبين أنه ليس في رواية معمر ذكر جعفر وذكر أبو ذر
في روايته لفظ المتن وهو قوله يمسح على عمامته زاد الكشميهني وخفيه وسقط ذكر المتن من سائر
الروايات في الصحيح ورواية معمر قد أخرجها عبد الرزاق في مصنفه عن معمر بدون ذكر العمامة
لكن أخرجها ابن منده في كتاب الطهارة له من طريق معمر باثباتها وأغرب الأصيلي فيما حكاه
ابن بطال فقال ذكر العمامة في هذا الحديث من خطا الأوزاعي لان شيبان وغيره رووه عن يحيى
بدونها فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحد قال وأما متابعة معمر فليس فيها ذكر العمامة
وهى أيضا مرسلة لان أبا سلمة لم يسمع من عمرو (قلت) سماع أبى سلمة من عمرو ممكن فإنه مات بالمدينة
سنة ستين وأبو سلمة مدني ولم يوصف بتدليس وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو وقد روى بكير بن
الأشج عن أبي سلمة أنه أرسل جعفر بن عمرو بن أمية إلى أبيه يسأله عن هذا الحديث فرجع إليه
فأخبره به فلا مانع أن يكون أبو سلمة اجتمع بعمرو بعد فسمعه منه ويقويه توفر دواعيهم على
266

الاجتماع في المسجد النبوي وقد ذكرنا أن ابن منده أخرجه من طريق معمر باثبات ذكر العمامة
فيه وعلى تقدير تفرد الأوزاعي بذكرها لا يستلزم ذلك تخطئته لأنها تكون زيادة من ثقة حافظ غير
منافية لرواية رفقته فتقبل ولا تكون شاذة ولا معنى لرد الروايات الصحيحة بهذه التعليلات
الواهية وقد اختلف السلف في معنى المسح على العمامة فقيل إنه كمل عليها بعد مسح الناصية
وقد تقدمت رواية مسلم بما يدل على ذلك والى عدم الاقتصار على المسح عليها ذهب الجمهور وقال
الخطابي فرض الله مسح الرأس والحديث في مسح العمامة محتمل للتأويل فلا يترك المتيقن
للمحتمل قال وقياسه على مسح الخف بعيد لأنه يشق نزعه بخلافها وتعقب بان الذين أجازوا
الاقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه المشقة في نزعها كما في الخف وطريقه أن تكون
محكمة كعمائم العرب وقالوا عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين
وقالوا الآية لا تنفى ذلك ولا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقته ومجازه لان من قال قبلت
رأس فلان يصدق ولو كان على حائل والى هذا ذهب الأوزاعي والثوري في رواية عنه وأحمد
واسحق وأبو ثور والطبري وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم وقال ابن المنذر ثبت ذلك عن أبي بكر
وعمر وقد صح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا والله أعلم
(قوله باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان) هذا لفظ رواية أبى داود من طريق يونس
ابن أبي إسحاق عن الشعبي في هذا الحديث وسنبين ما بينها وبين لفظ حديث الباب من التفاوت
(قوله حدثنا زكريا) هو ابن أبي زائدة (عن عامر) هو الشعبي وزكريا مدلس ولم أره من حديثه الا
بالعنعنة لكن أخرجه أحمد عن يحيى القطان عن زكريا والقطان لا يحمل من حديث شيوخه
المدلسين الا ما كان مسموعا لهم صرح بذلك الإسماعيلي (قوله فأهويت) أي مددت يدي
قال الأصمعي أهويت بالشئ إذا أومات به وقال غيره أهويت قصدت الهواء من القيام إلى
القعود وقيل الأهواء الإمالة قال ابن بطال فيه خدمة العالم وان للخادم أن يقصد إلى ما يعرف
من عادة مخدومه قبل أن يأمره وفيه الفهم عن الإشارة ورد الجواب عما يفهم عنها لقوله
فقال دعمها (قوله فانى أدخلتهما) أي القدمين (طاهرتين) كذا للأكثر وللكشميهني وهما
طاهرتان ولابى داود فانى أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان وللحميدي في مسنده قلت
يا رسول الله أيمسح أجدنا على خفيه قال نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان ولابن خزيمة من
حديث صفوان بن عسال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نمسح على الخفين إذا نحن
أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا ويوما وليلة إذا أقمنا قال ابن خزيمة ذكرته للمزني فقال لي
حدث به أصحابنا فإنه أقوى حجة للشافعي انتهى وحديث صفوان وإن كان صحيحا لكنه ليس على
شرط البخاري لكن حديث الباب موافق له في الدلالة على اشتراط الطهارة عند اللبس وأشار
المزنى بما قال إلى الخلاف في المسئلة ومحصله أن الشافعي والجمهور حملوا الطهارة على الشرعية
في الوضوء وخالفهم داود فقال إذا لم يكن على رجليه نجاسة عند اللبس جاز له المسح ولو تيمم
ثم لبسهما لم يبح له عندهم لان التيمم مبيح لا رافع وخالفهم أصبغ ولو غسل رجليه بنية الوضوء
ثم لبسهما ثم أكمل باقي الأعضاء لم يبح المسح عند الشافعي ومن وافقه على ايجاب الترتيب وكذا
عند من لا يوجبه بناء على أن الطهارة لا تتبعض لكن قال صاحب الهداية من الحنفية شرط
267

إباحة المسح لبسهما على طهارة كاملة قال والمراد بالكاملة وقت الحدث لا وقت اللبس ففي هذه
الصورة إذا كمل الوضوء ثم أحدث جاز له المسح لأنه وقت الحدث كان على طهارة كاملة انتهى
والحديث حجة عليه لأنه جعل الطهارة قبل لبس الخف شرطا لجواز المسح والمعلق بشرط لا يصح
الا بوجود ذلك الشرط وقد سلم ان المراد بالطهارة الكاملة ولو توضأ مرتبا وبقى غسل إحدى
رجليه فلبس ثم غسل الثانية ولبس لم يبح له المسح عند الأكثر وأجازه الثوري والكوفيون والمزني
صاحب الشافعي ومطرف صاحب مالك وابن المنذر وغيرهم لصدق انه أدخل كلا من رجليه
الخفين وهى طاهرة وتعقب بان الحكم المرتب على التثنية غير الحكم المرتب على الوحدة
واستضعفه ابن دقيق العيد لان الاحتمال باق قال لكن ان ضم إليه دليل يدل على أن الطهارة
لا تتبعض اتجه * (فائدة) * المسح على الخفين خاص بالوضوء لا مدخل للغسل فيه بالاجماع
* (فائدة) * أخرى لو نزع خفيه بعد المسح قبل انقضاء المدة عند من قال بالتوقيت أعاد الوضوء عند
أحمد واسحق وغيرهما وغسل قدميه عند الكوفيين والمزني وأبى ثور وكذا قال مالك والليث الا
ان تطاول وقال الحسن وابن أبي ليلى وجماعة ليس عليه غسل قدميه وقاسوه على من مسح
رأسه ثم حلقه أنه لا يجب عليه إعادة المسح وفيه نظر * (فائدة) * أخرى لم يخرج البخاري ما يدل
غلى توقيت المسح وقد قال به الجمهور وخالف مالك في المشهور عنه فقال يمسح مالم يخلع وروى
مثله عن عمر وأخرج مسلم التوقيت من حديث على كما تقدم من حديث صفوان بن عسال وفى
الباب عن أبي بكرة وصححه الشافعي وغيره (قوله باب من لم يتوضأ من لحم الشاة) نص على
لحم الشاة ليندرج ما هو مثلها وما دونها بالأولى وأما ما فوقها فلعله يشير إلى استثناء لحوم الإبل
لان من خصه من عموم الجواز علله بشدة زهومته فلهذا لم يقيده بكونه مطبوخا وفيه حديثان
عند مسلم وهو قول أحمد واختاره ابن خزيمة وغيره من محدثي الشافعية (قوله والسويق) قال ابن
التين ليس في أحاديث الباب ذكر السويق وأجيب بأنه دخل من باب الأولى لأنه إذا لم يتوضأ من
اللحم مع دسومته فعدمه من السويق أولى ولعله أشار بذلك إلى حديث الباب الذي بعده (قوله
وأكل أبو بكر الخ) سقط قوله لحما من رواية أبي ذر الا عن الكشميهني وقد وصله الطبراني في مسند
الشاميين باسناد حسن من طريق سليم بن عامر قال رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست
النار ولم يتوضؤا ورويناه من طرق كثيرة عن جابر مرفوعا وموقوفا على الثلاثة مفرقا
ومجموعا (قوله أكل كتف شاة) أي لحمه وللمصنف في الأطعمة تعرق أي أكل ما على العرق
بفتح المهملة وسكون الراء وهو العظم ويقال له العراق بالضم أيضا وأفاد القاضي إسماعيل أن
ذلك كان في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهى بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل
انه كان في بيت ميمونة كما سيأتي من حديثها وهى خالة ابن عباس كما أن ضباعة بنت عمه وبين
النسائي من حديث أم سلمة ان الذي دعاه إلى الصلاة هو بلال (قوله يحتز) بالمهملة والزاي أي
بقطع زاد في الأطعمة من طريق معمر عن الزهري يأكل منها وفى الصلاة من طريق صالح عن
الزهري يأكل ذراعا يحتز منها (قوله فألقى السكين) زاد في الأطعمة عن أبي اليمان عن شعيب
عن الزهري فألقاها والسكين وزاد البيهقي من طريق عبد الكريم بن الهيثم عن أبي اليمان في اخر
الحديث قال الزهري فذهبت تلك أي القصة في الناس ثم أخبر رجال من أصحاب النبي صلى الله
268

عليه وسلم ونساء من أزواجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال توضؤا مما مست النار قال
فكان الزهري يرى أن الامر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة لان الإباحة سابقة
واعترض عليه بحديث جابر قال كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك
الوضوء مما مست النار رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما
لكن قال أبو داود وغيره ان المراد بالامر هنا الشأن والقصة لا مقابل النهى وان هذا اللفظ
مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها
ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت
قبل الامر بالوضوء مما مست النار وان وضوءه لصلاة الظهر كان عن حدث لا بسبب الاكل
من الشاة وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح
منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين
وارتضى النووي هذا في شرح المهذب وبهذا تظهر حكمة تصدير البخاري حديث الباب بالأثر
المنقول عن الخلفاء الثلاثة قال النووي كان الخلاف فيه معروفا بين الصحابة والتابعين ثم استقر
الاجماع على أنه لا وضوء مما مست النار الا ما تقدم استثناؤه من لحوم الإبل وجمع الخطابي
بوجه آخر وهو ان أحاديث الامر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب والله أعلم واستدل
البخاري في الصلاة بهذا الحديث على أن الامر بتقديم العشاء على الصلاة خاص بغير الامام
الراتب وعلى جواز قطع اللحم بالسكين وفى النهى عنه حديث ضعيف في سنن أبي داود فان ثبت
خص بعدم الحاجة الداعية إلى ذلك لما فيه من التشبه بالأعاجم وأهل الترف وفيه ان الشهادة على
النفي إذا كان محصورا تقبل * (فائدة) * ليس لعمرو بن أمية رواية في البخاري الا هذا الحديث
والذي مضى في المسح فقط (قوله باب من مضمض من السويق) قال الداودي هو دقيق
الشعير أو السلت المقلو وقال غيره ويكون من القمح وقد وصفه اعرابى فقال عدة المسافر وطعام
العجلان وبلغة المريض (قوله عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري والاسناد مدنيون الا شيخ
البخاري وبشير بالموحدة والمعجمة مصغرا ويسار بالتحتانية والمهملة (قوله بالصهباء) بفتح
المهملة والمد (قوله وهى أدنى خيبر) أي طرفها مما يلي المدينة وللمصنف في الأطعمة وهى على
روحة من خيبر وقال أبو عبيد البكري في معجم البلدان هي على بريد وبين البخاري في موضع
آخر من الأطعمة من حديث ابن عيينة ان هذه الزيادة من قول يحيى بن سعيد أدرجت وسيأتى
الحديث قريبا بدون الزيادة من طريق سليمان بن بلال عن يحيى (قوله ثم دعا بالأزواد) فيه جمع
الرفقاء على الزاد في السفر وإن كان بعضهم أكثر أكلا وفيه حمل الأزواد في الاسفار وان ذلك
لا يقدح في التوكل واستنبط منه المهلب ان الامام يأخذ المحتكرين باخراج الطعام عند قلته
ليبيعوه من أهل الحاجة وان الامام ينظر لأهل العسكر فيجمع الزاد ليصيب منه من لا زاد معه
(قوله فثرى) بضم المثلثة وتشديد الراء ويجوز تخفيفها أي بل بالماء لما لحقه من اليبس (قوله
وأكلنا) زاد في رواية سليمان وشربنا وفى الجهاد من رواية عبد الوهاب فلكنا وأكلنا وشربنا
(قوله ثم قام إلى المغرب فمضمض) أي قبل الدخول في الصلاة وفائدة المضمضة من السويق وإن كان
لا دسم له ان يحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشغله تتبعه عن أحوال الصلاة (قوله
269

ولم يتوضأ) أي بسبب اكل السويق وقال الخطابي فيه دليل على أن الوضوء مما مست النار
منسوخ لأنه متقدم وخيبر كانت سنة سبع (قلت) لا دلالة فيه لان أبا هريرة حضر بعد
فتح خيبر وروى الامر بالوضوء كما في مسلم وكان يفتى به بعد النبي صلى الله عليه وسلم واستدل به
البخاري على جواز صلاتين فأكثر بوضوء واحد وعلى استحباب المضمضة بعد الطعام (قوله
أخبرني عمرو) هو ابن الحرث وبكير هو ابن عبد الله بن الأشج ومباحث المتن تقدمت في الباب
الذي قبله ونصف الاسناد الأول مصريون ونصفه الاعلى مدنيون ولعمرو بن الحرث فيه
اسناد آخر إلى ميمونة ذكره الإسماعيلي مقرونا بالاسناد الأول وليس في حديث ميمونة ذكر
المضمضة التي ترجم بها فقيل أشار بذلك إلى أنها غير واجبة بدليل تركها في هذا الحديث مع أن
المأكول دسم يحتاج إلى المضمضة منه فتركها لبيان الجواز وأفاد الكرماني ان في نسخة الفربري
التي بخطه تقديم حديث ميمونة هذا إلى الباب الذي قبله فعلى هذا هو من تصرف النساخ
(قوله باب هل يمضمض من اللبن و قتيبة) هذا أحد الأحاديث التي أخرجها الأئمة
الخمسة وهم الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذي عن شيخ واحد وهو قتيبة (قوله شرب
لبنا) زاد مسلم ثم دعا بماء (قوله إن له دسما) قال ابن بطال عن المهلب فيه بيان علة الامر
بالوضوء مما مست النار وذلك لانهم كانوا ألفوا في الجاهلية قلة التنظف فأمروا بالوضوء
مما مست النار فلما تقررت النظافة في الاسلام وشاعت نسخ كذا قال ولا تعلق لحديث
الباب بما ذكر انما في بيان العلة للمضمضة من اللبن فيدل على استحبابها من كل شئ دسم
ويستنبط منه استحباب غسل اليدين للتنظيف (قوله تابعه) أي عقيلا (يونس) أي ابن
يزيد وحديثه موصول عند مسلم وحديث صالح موصول عند أبي العباس السراج في مسنده
وتابعهم أيضا الأوزاعي أخرجه المصنف في الأطعمة عن أبي عاصم عنه بلفظ حديث الباب
لكن رواه ابن ماجة من طريق الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي فذكره بصيغة الامر
مضمضوا من اللبن الحديث كذا رواه الطبري من طريق أخرى عن الليث بالاسناد المذكور
وأخرج ابن ماجة من حديث أم سلمة وسهل بن سعد مثله واسناد كل منهما حسن والدليل
على أن الامر فيه للاستحباب ما رواه الشافعي عن ابن عباس راوي الحديث أنه شرب لبنا
فمضمض ثم قال لو لم أتمضمض ما باليت وروى أبو داود باسناد حسن عن أنس ان النبي صلى الله
عليه وسلم شرب لبنا فلم يتمضمض ولم يتوضأ وأغرب ابن شاهين فجعل حديث أنس ناسخا لحديث
ابن عباس ولم يذكر من قال فيه بالوجوب حتى يحتاج إلى دعوى النسخ (قوله باب
الوضوء من النوم) أي هل يجب أو يستحب وظاهر كلامه ان النعاس يسمى نوما والمشهور
التفرقة بينهما وان من قرت حواسه بحيث يسمع كلام جليسه ولا يفهم معناه فهو ناعس وان زاد
على ذلك فهو نائم ومن علامات النوم الرؤيا طالت أو قصرت وفى العين والمحكم النعاس النوم
وقيل مقاربته (قوله ومن لم ير من النعسة) هو قول المعظم ويتخرج من جعل النعاس
نوما أن من يقول النوم حدث بنفسه يوجب الوضوء من النعاس وقد روى مسلم في صحيحه في قصة
صلاة ابن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالليل قال فجعلت إذا أغفيت أخذ بشحمة اذنى فدل
على أن الوضوء لا يجب على غير المستغرق وروى ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال وجب الوضوء
270

على كل نائم الا من خفق خفقة والخفقة بفتح المعجمة واسكان الفاء بعدها قاف قال ابن التين هي
النعسة وانما كرر لاختلاف اللفظ كذا قال والظاهر أنه من الخاص بعد العام قال أهل اللغة
خفق رأسه إذا حركها وهو ناعس وقال أبو زيد خفق برأسه من النعاس أماله وقال الهروي معنى
تخفق رؤسهم تسقط أذقانهم على صدورهم وأشار بذلك إلى حديث أنس كان أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فينعسون حتى تخفق رؤسهم ثم يقومون إلى الصلاة رواه
محمد بن نصر في قيام الليل واسناده صحيح وأصله عند مسلم (قوله عن هشام) زاد الأصيلي ابن
عروة والاسناد مدنيون الا شيخ البخاري (قوله إذا نعس) بفتح العين وغلطوا من ضمها (قوله
فليرقد) وللنسائي من طريق أيوب عن هشام فلينصرف والمراد به التسليم من الصلاة وحمله
المهلب على ظاهره فقال انما أمره بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه فدل على أنه إذا كان النعاس
أقل من ذلك عفى عنه قال وقد أجمعوا على أن النوم القليل لا ينقض الوضوء وخالف المزنى
فقال ينقض قليله وكثيره فخرق الاجماع كذا قال المهلب وتبعه ابن بطال وابن التين وغيرهما
وقد تحاملوا على المزنى في هذه الدعوى فقد نقل ابن المنذر وغيره عن بعض الصحابة والتابعين
المصير إلى أن النوم حدث ينقض قليله وكثيره وهو قول أبى عبيدة وإسحاق بن راهويه قال ابن
المنذر وبه أقول لعموم حديث صفوان بن عسال يعنى الذي صححه ابن خزيمة وغيره ففيه الا من
غائط أو بول أو نوم فسوى بينهما في الحكم والمراد بقليله وكثيره طول زمانه وقصره لا مباديه
والذين ذهبوا إلى أن النوم مظنة الحديث اختلفوا على أقوال التفرقة بين قليله وكثيره وهو قول
الزهري ومالك وبين المضطجع وغيره وهو قول الثوري وبين المضطجع والمستند وغيرهما وهو
قول أصحاب الرأي وبينهما والساجد بشرط قصده النوم وبين غيرهم وهو قول أبى يوسف وقيل
لا ينقض نوم غير القاعد مطلقا وهو قول الشافعي في القديم وعنه التفصيل بين خارج الصلاة
فينقض أو داخلها فلا وفصل في الجديد بين القاعد المتمكن فلا ينقض وبين غيره فينقض وفى
المهذب وان وجد منه النوم وهو قاعد ومحل الحدث منه متمكن بالأرض فالمنصوص انه
لا ينقض وضؤه وقال في البويطي ينتقض وهو اختيار المزنى انتهى وتعقب بأن لفظ البويطي
ليس صريحا في ذلك فإنه قال ومن نام جالسا أو قائما فرأى رؤيا وجب عليه الوضوء قال النووي
هذا قابل للتأويل (قوله فان أحدكم) قال المهلب فيه إشارة إلى العلة الموجبة لقطع الصلاة فمن
صار في مثل هذه الحال فقد انتقض وضؤه بالاجماع كذا قال وفيه نظر فان الإشارة انما هي إلى
جواز قطع الصلاة أو الانصراف إذا سلم منها وأما النقض فلا يتبين من سياق الحديث لان
جريان ما ذكر على اللسان ممكن من الناعس وهو القائل ان قليل النوم لا ينقض فكيف بالنعاس
وما ادعاه من الاجماع منتقض فقد صح عن أبي موسى الأشعري وابن عمر وسعيد بن المسيب ان
النوم لا ينقض مطلقا وفى صحيح مسلم وأبى داود وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون
الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فينامون ثم يصلون ولا يتوضؤن فحمل على أن ذلك كان وهم
قعود لكن في مسند البزار باسناد صحيح في هذا الحديث فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم
يقومون إلى الصلاة (قوله فيسب) بالنصب ويجوز الرفع ومعنى يسب يدعو على نفسه وصرح
به النسائي في روايته من طريق أيوب عن هشام ويحتمل ان يكون علة النهى خشية ان يوافق
271

ساعة الإجابة قاله ابن أبي جمرة وفيه الاخذ بالاحتياط لأنه علل بأمر محتمل والحث على الخشوع
وحضور القلب للعبادة واجتناب المكروهات في الطاعات وجواز الدعاء في الصلاة من غير تقييد
بشئ معين * (فائدة) * هذا الحديث ورد على سبب وهو ما رواه محمد بن نصر من طريق ابن إسحاق
عن هشام في قصة الحولاء بنت تويت كما تقدم في باب أحب الدين إلى الله أدومه (قوله حدثنا أبو
معمر) هو أبو عبد الله بن عمرو وعبد الوارث هو ابن سعيد وأيوب هو السختياني والاسناد كله
بصريون (قوله إذا نعس) زاد الإسماعيلي أحدكم ولمحمد بن نصر من طريق وهيب عن أيوب
فلينصرف (قوله فلينم) قال المهلب انما هذا في صلاة الليل لان الفريضة ليست في أوقات
النوم ولا فيها من التطويل ما يوجب ذلك انتهى وقد قدمنا أنه جاء على سبب لكن العبرة بعموم
اللفظ فيعمل به أيضا في الفرائض ان وقع ما أمن بقاء الوقت * (تنبيه) * أشار الإسماعيلي إلى أن
في هذا الحديث اضطرابا فقال رواه حماد بن زيد عن أيوب فوقفه وقال فيه عن أيوب قرئ على
كتاب عن أبي قلابة فعرفته ورواه عبد الوهاب الثقفي عن أيوب فلم يذكر انسا انتهى وهذا لا يوجب
الاضطراب لان رواية عبد الوارث أرجح بموافقة وهيب والطفاوي له عن أيوب وقول حماد
عنه قرئ على لا يدل على أنه لم يسمعه من أبى قلابة بل يحمل على أنه عرف انه فيما سمعه من أبى قلابة
والله أعلم (قوله باب الوضوء من غير حدث) أي ما حكمه والمراد تجديد الوضوء وقد ذكرنا
اختلاف العلماء في أول كتاب الوضوء عند ذكر قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة
وان كثيرا منهم قالوا التقدير إذا قمتم إلى الصلاة محدثين واستدل الدارمي في مسنده على ذلك
بقوله صلى الله عليه وسلم لا وضوء الا من حدث وحكى الشافعي عمن لقيه من أهل العلم أن
التقدير إذا قمتم من النوم وتقدم ان من العلماء من حمله على ظاهره وقال كان الوضوء لكل صلاة
واجبا ثم اختلفوا هل نسخ أو استمر حكمه ويدل على النسخ ما أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة
من حديث عبد الله بن حنظلة ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة فلما شق عليه
أمر بالسواك وذهب إلى استمرار الوجوب قوم كما جزم به الطحاوي ونقله ابن عبد البر عن عكرمة
وابن سيرين وغيرهما واستبعده النووي وجنح إلى تأويل ذلك ان ثبت عنهم وجزم بأن الاجماع
استقر على عدم الوجوب ويمكن حمل الآية على ظاهرها من غير نسخ ويكون الامر في حق
المحدثين على الوجوب وفى حق غيرهم على الندب وحصل بيان ذلك بالسنة كما في حديث الباب
(قوله حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي وسفيان هو الثوري (قوله وحدثنا مسدد) هو تحويل
إلى اسناد ثان قبل ذكر المتن وانما ذكره وإن كان الأول أعلى لتصريح سفيان الثوري فيه
بالتحديث وعمرو بن عامر كوفي أنصاري وقيل بجلي وصحح المزي ان البجلي راو آخر غير هذا
الأنصاري وليس لهذا في البخاري غير ثلاثة أحاديث كلها عن أنس وليس للبجلي عنده رواية
وقد يلتبس به عمر بن عامر بضم العين راو آخر بصرى سلمى أخرج له مسلم وليس له في البخاري
شئ (قوله عند كل صلاة) أي مفروضة زاد الترمذي من طريق حميد عن أنس طاهرا أو غير طاهر
وظاهره ان تلك كانت عادته لكن حديث سويد المذكور في الباب يدل على أن المراد الغالب
قال الطحاوي يحتمل ان ذلك كان واجبا عليه خاصة ثم نسخ يوم الفتح لحديث بريدة يعنى الذي
أخرجه مسلم انه صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد وان عمر سأله فقال عمدا
272

فعلته وقال يحتمل انه كان يفعله استحبابا ثم خشى أن يظن وجوبه فتركه لبيان الجواز (قلت)
وهذا أقرب وعلى تقدير الأول فالنسخ كان قبل الفتح بدليل حديث سويد بن النعمان فإنه كان في
خيبر وهى قبل الفتح بزمان (قوله كيف كنتم) القائل عمرو بن عامر والمراد الصحابة وللنسائي من
طريق شعبة عن عمرو انه سأل انسا أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة قال نعم ولابن
ماجة وكنا نحن نصلى الصلوات كلها بوضوء واحد (قوله يجزئ) بالضم من أجزأ أي يكفي
وللإسماعيلي يكفي (قوله حدثنا سليمان) هو ابن بلال ومباحث المتن تقدمت قريبا وأفادت
هذه الطريق التصريح بالاخبار من يحيى وشيخه وليس لسويد بن النعمان عند البخاري الا هذا
الحديث الواحد وقد أخرجه في مواضع كما تقدمت الإشارة إليه وهو أنصاري حارثي شهد بيعة
الرضوان كما سيأتي في المغازي إن شاء الله تعالى وذكر ابن سعد انه شهد قبل ذلك أحدا وما بعدها
(قوله باب) بالتنوين (من الكبائر) أي التي وعد من اجتنبها بالمغفرة (قوله حدثنا
عثمان) هو ابن أبي شيبة وجرير هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر ومجاهد هو ابن جبر
صاحب ابن عباس وقد سمع الكثير منه واشتهر بالأخذ عنه لكن روى هذا الحديث الأعمش عن
مجاهد فادخل بينه وبين ابن عباس طاوسا كما أخرجه المؤلف بعد قليل واخراجه له على الوجهين
يقتضى صحتهما عنده فيحمل على أن مجاهدا سمعه من طاوس عن ابن عباس ثم سمعه من ابن
عباس بلا واسطة أو العكس ويؤيده ان في سياقه عن طاوس زيادة على ما في روايته عن ابن
عباس وصرح ابن حبان بصحة الطريقين معا وقال الترمذي رواية الأعمش أصح (قوله مر
النبي صلى الله عليه وسلم بحائط) أي بستان وللمصنف في الأدب خرج النبي صلى الله عليه وسلم
من بعض حيظان المدينة فيحمل على أن الحائط الذي خرج منه غير الحائط الذي مر به وفى
الافراد للدارقطني من حديث جابر ان الحائط كان لأم مبشر الأنصارية وهو يقوى رواية
الأدب لجزمها بالمدينة من غير شك والشك في قوله أو مكة من جرير (قوله فسمع صوت انسانين
يعذبان في قبورهما) قال ابن مالك في قوله صوت انسانين شاهد على جواز افراد المضاف المثنى
إذا كان جزء ما أضيف إليه نحو أكلت رأس شاتين وجمعه أجود نحو فقد صغت قلوبكما وقد
اجتمع التثنية والجمع في قوله * ظهراهما مثل ظهور الترسين * فإن لم يكن المضاف جزء ما أضيف
إليه فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية فان أمن اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع وقوله يعذبان
في قبورهما شاهد لذلك (قوله يعذبان) في رواية الأعمش مر بقبرين زاد ابن ماجة جديدين فقال إنهما
ليعذبان فيحتمل ان يقال أعاد الضمير على غير مذكور لان سياق الكلام يدل عليه عنه أن
يقال أعاده على القبرين مجازا والمراد من فيهما (قوله وما يعذبان في كبير ثم قال بلى) أي انه
لكبير وصرح بذلك في الأدب من طريق عبد بن حميد عن منصور فقال وما يعذبان في كبير وانه
لكبير وهذا من زيادات رواية منصور على الأعمش ولم يخرجها مسلم واستدل ابن بطال برواية
الأعمش على أن التعذيب لا يختص بالكبائر بل قد يقع على الصغائر قال لان الاحتراز من
البول لم يرد فيه وعيد يعنى قبل هذه القصة وتعقب بهذه الزيادة وقد ورد مثلها من حديث أبي
بكرة عند أحمد والطبراني ولفظه وما يعذبان في كبير بلى وقال ابن مالك في قوله في كبير شاهد
على ورود في للتعليل وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم عذبت امرأة في هرة قال وخفى ذلك
273

على أكثر النحويين مع وروده في القرآن كقوله تعالى لمسكم فيما أخذتم وفى الحديث
كما تقدم وفى الشعر فذكر شواهد انتهى وقد اختلف في معنى قوله وانه لكبير فقال أبو عبد الملك
البوني يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم ظن أن ذلك غير كبير فاوحى إليه في الحال بأنه كبير فاستدرك
وتعقب بأنه يستلزم ان يكون نسخا والنسخ لا يدخل الخبر وأجيب بان الحكم بالخبر يجوز
نسخه فقوله وما يعذبان في كبير اخبار بالحكم فإذا أوحى إليه أنه كبير فأخبر به كان نسخا لذلك
الحكم وقيل يحتمل ان الضمير في قوله وانه يعود على العذاب لما ورد في صحيح ابن حبان من
حديث أبي هريرة يعذبان عذابا شديدا في ذنب هين وقيل الضمير يعود على أحد الذنبين وهو
النميمة لأنها من الكبائر بخلاف كشف العورة وهذا مع ضعفه غير مستقيم لان الاستتار المنفى
ليس المراد به كشف العورة فقط كما سيأتي وقال الداودي وابن العربي كبير المنفى بمعنى أكبر
والمثبت واحد الكبائر أي ليس ذلك بأكبر الكبائر كالقتل مثلا وإن كان كبيرا في الجملة
وقيل المعنى ليس بكبير في الصورة لان تعاطى ذلك يدل على الدناءة والحقارة وهو كبير في الذنب
وقيل ليس بكبير في اعتقادهما أو في اعتقاد المخاطبين وهو عند الله كبير كقوله تعالى
وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم وقيل ليس بكبير في مشقة الاحتراز أي كان لا يشق عليهما
الاحتراز من ذلك وهذا الأخير جزم به البغوي وغيره ورجحه ابن دقيق العيد وجماعة وقيل ليس
بكبير بمجرده وانما صار كبيرا بالمواظبة عليه ويرشد إلى ذلك السياق فإنه وصف كلا منهما بما يدل
على تجدد ذلك منه واستمراره عليه للاتيان بصيغة المضارعة بعد حرف كان والله أعلم (قوله
لا يستتر) كذا في أكثر الروايات بمثناتين من فوق الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وفى رواية
ابن عساكر يستبرئ بموحدة ساكنة من الاستبراء ولمسلم وأبى داود في حديث الأعمش يستنزه
بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء فعلى رواية الأكثر معنى الاستتار أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة
يعنى لا يتحفظ منه فتوافق رواية لا يستنزه لأنها من التنزه وهو الابعاد وقد وقع عند أبي نعيم في
المستخرج من طريق وكيع عن الأعمش كان لا يتوقى وهى مفسرة للمراد وأجراه بعضهم على
ظاهرة فقال معناه لا يستر عورته وضعف بان التعذيب لو وقع على كشف العورة لاستقل
الكشف بالسببية واطرح اعتبار البول فيترتب العذاب على الكشف سواء وجد البول أم لا
ولا يخفى ما فيه وسيأتى كلام ابن دقيق العيد قريبا وأما رواية الاستبراء فهي أبلغ في التوقي
وتعقب الإسماعيلي رواية الاستتار بما يحصل جوابه مما ذكرنا قال ابن دقيق العيد لو حمل
الاستتار على حقيقته للزم ان مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور وسياق الحديث
يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية يشير إلى ما صححه ابن خزيمة من حديث أبي
هريرة مرفوعا أكثر عذاب القبر من البول أي بسبب ترك التحرز منه قال ويؤيده ان لفظ من
في هذا الحديث لما أضيف إلى البول اقتضى نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول
بمعنى ان ابتداء سبب العذاب من البول فلو حمل على مجرد كشف العورة زال هذا المعنى فتعين
الحمل على المجاز لنجتمع ألفاظ الحديث على معنى واحد لان مخرجه واحد ويؤيده ان في حديث أبي
بكرة عند أحمد وابن ماجة أما أحدهما فيعذب في البول ومثله للطبراني عن أنس (قوله من
بوله) يأتي الكلام عليه في الترجمة التي بعد هذه (قوله يمشى بالنميمة) قال ابن دقيق العيد هي نقل
274

كلام الناس والمراد منه هنا ما كان يقصد بالاضرار فأما ما اقتضى فعل مصلحة أو ترك مفسدة
فهو مطلوب انتهى وهو تفسير للنميمة وهو تفسير للنميمة بالمعنى الأعم وكلام غيره يخالفه كما سنذكر ذلك مبسوطا
في موضعه من كتاب الأدب قال النووي وهى نقل كلام الغير بقصد الاضرار وهى من أقبح القبائح
وتعقبه الكرماني فقال هذا لا يصح على قاعدة الفقهاء فإنهم يقولون الكبيرة هي الموجبة للحد
ولا حد على المشي بالنميمة الا ان يقال الاستمرار هو المستفاد منه جعله كبيرة لان الاصرار على
الصغيرة حكمه حكم الكبيرة أو ان المراد بالكبيرة معنى غير المعنى الاصطلاحي انتهى وما نقله عن
الفقهاء ليس هو قول جميعهم لكن كلام الرافعي بشعر بترجيحه حيث حكى في تعريف الكبيرة
وجهين أحدهما هذا والثاني ما فيه وعيد شديد قال وهم إلى الأول أميل والثاني أوفق لما ذكروه
عند تفصيل الكبائر انتهى ولا بد من حمل القول الأول على أن المراد به غير ما نص عليه في
الأحاديث الصحيحة والا لزم ان لا يعد عقوق الوالدين وشهادة الزور من الكبائر مع أن النبي صلى
الله عليه وسلم عدهما من أكبر الكبائر وسيأتى الكلام على هذه المسئلة مستوفى في أول كتاب
الحدود إن شاء الله تعالى وعرف بهذا الجواب عن اعتراض الكرماني بان النميمة قد نص في
الصحيح على انها كبيرة كما تقدم (قوله ثم دعا بجريدة) وللأعمش فدعا بعسيب رطب والعسيب
بمهملتين بوزن فعيل هي الجريدة التي لم ينبت فيها خوص فان نبت فهي السعفة وقيل إنه خص
الجريد بذلك لأنه بطئ الجفاف وروى النسائي من حديث أبي رافع بسند ضعيف أن الذي
أتاه بالجريدة بلال ولفظه كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة إذ سمع شيئا زفر فقال لبلال
ائتنى بجريدة خضراء الحديث (قوله فكسرها) أي فأتى بها فكسرها وفى حديث أبي بكرة
عند أحمد والطبراني انه الذي أتى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما رواه مسلم في حديث
جابر الطويل المذكور في أواخر الكتاب انه الذي قطع الغصنين فهو في قصة أخرى غير هذه
فالمغايرة بينهما من أوجه منها ان هذه كانت في المدينة وكان معه صلى الله عليه وسلم جماعة وقصة
جابر كانت في السفر وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده ومنها ان هذه القصة انه صلى
الله عليه وسلم غرس الجريدة بعد أن شقها نصفين كما في الباب الذي بعد هذا من رواية الأعمش
وفى حديث جابر انه صلى الله عليه وسلم أمر جابرا بقطع غصنين من شجرتين كان النبي صلى الله
عليه وسلم يستتر بهما عند قضاء حاجته ثم أمر جابرا فألقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث
كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وان جابرا سأله عن ذلك فقال انى مررت بقبرين يعذبان فأحببت
بشفاعتي ان يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين ولم يذكر في قصة جابر أيضا السبب الذي كانا
يعذبان به ولا الترجي الآتي في قوله لعله فبأن تغاير حديث ابن عباس وحديث جابر وانهما كانا
في قصتين مختلفتين ولا يبعد تعدد ذلك وقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة انه صلى
الله عليه وسلم مر بقبر فوقف عليه فقال ائتوني بجريدتين فجعل إحداهما عند رأسه والاخرى
عند رجليه فيحتمل أن تكون هذه قصة ثالثة ويؤيده أن في حديث أبي رافع كما تقدم فسمع شيئا
في قبر وفيه فكسرها باثنين ترك نصفها عند رأسه ونصفها عند رجليه وفى قصة الواحدي جعل
نصفا عند رأسه ونصفين عند رجليه وفى قصة الاثنين جعل على كل قبر جريدة (قوله كسرتين)
بكسر الكاف والكسرة القطعة من الشئ المكسور وقد تبين من رواية الأعمش انها كانت نصفا
275

وفى رواية جرير عنه باثنتين قال النووي الباء زائدة للتوكيد والنصب على الحال (قوله فوضع)
وفى رواية الأعمش الآتية فغرز وهى أخص من الأولى (قوله فوضع على كل قبر منهما كسرة) وقع
في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش ثم غرز عند رأس كل واحد منهما
قطعة (قوله فقيل له) وللأعمش قالوا أي الصحابة ولم نقف على تعيين السائل منهم (قوله لعله) قال
ابن مالك يجوز أن تكون الهاء ضمير الشأن وجاز تفسيره بان وصلتها لأنها في حكم جملة لاشتمالها
على مسند ومسند إليه قال ويحتمل أن تكون ان زائدة مع كونها ناصبة كزيادة الباء مع كونها
جارة انتهى وقد ثبت في الرواية الآتية بحذف ان فقوى الاحتمال الثاني وقال الكرماني شبه
لعل بعسى فاتى بان في خبره (قوله يخفف) بالضم وفتح الفاء أي العذاب عن المقبورين (قوله ما لم
تيبسا) كذا في أكثر الروايات بالمثناة الفوقانية أي الكسرتان وللكشميهني الا ان تيبسا بحرف
الاستثناء وللمستملى إلى أن يييسا بالى التي للغاية والياء التحتانية أي العودان قال المازري
يحتمل ان يكون أوحى إليه ان العذاب يخفف عنهما هذه المدة انتهى وعلى هذا فلعل هنا للتعليل
قال ولا يظهر له وجه غير هذا وتعقبه القرطبي بأنه لو حصل الوحي لما أتى بحرف الترجي كذا قال
ولا يرد عليه ذلك إذا حملنا على التعليل قال القرطبي وقيل إنه شفع لهما هذه المدة كما صرح به
في حديث جابر لأن الظاهر أن القصة واحدة وكذا رجح النووي كون القصة واحدة وفيه نظر
لما أوضحناه من المغايرة بينهما وقال الخطابي هو محمول على أنه دعا لهما بالتخفيف مدة بقاء
النداوة لا أن في الجريدة معنى يخصه ولا ان في الرطب معنى ليس في اليابس قال وقد قيل إن
المعنى فيه انه يسبح ما دام رطبا فيحصل التخفيف ببركة التسبيح وعلى هذا فيطرد في كل
ما فيه رطوبة من الأشجار وغيرها وكذلك فيما فيه بركة كالذكر وتلاوة القرآن من باب الأولى
وقال الطيبى الحكمة في كونهما ما دامتا رطبتين تمنعان العذاب يحتمل أن تكون غير
معلومة لنا كعدد الزبانية وقد استنكر الخطابي ومن تبعه وضع الناس الجريد ونحوه في القبر
عملا بهذا الحديث قال الطرطوشي لان ذلك خاص ببركة يده وقال القاضي عياض لأنه علل
غرزهما على القبر بأمر مغيب وهو قوله ليعذبان (قلت) لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب أم لا
ان لا نتسبب له في أمر يخفف عنه العذاب ان لو عذب كما لا يمنع كوننا لا ندري ارحم أم لا ان
لا ندعو له بالرحمة وليس في السياق ما يقطع على أنه باشر الوضع بيده الكريمة بل يحتمل ان
يكون أمر به وقد تأسى بريدة بن الحصيب الصحابي بذلك فاوصى ان يوضع على قبره جريدتان
كما سيأتي في الجنائز من هذا الكتاب وهو أولى ان يتبع من غيره * (تنبيه) * لم يعرف اسم
المقبورين ولا أحدهما والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما وهو عمل
مستحسن وينبغي ان لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به وما حكاه القرطبي في
التذكرة وضعفه عن بعضهم ان أحدهما سعد بن معاذ فهو قول باطل لا ينبغي ذكره الا مقرونا
ببيانه ومما يدل على بطلان الحكاية المذكورة ان النبي صلى الله عليه وسلم حضر دفن سعد بن معاذ
كما ثبت في الحديث الصحيح وأما قصة المقبورين ففي حديث أبي أمامة عند أحمد انه صلى الله
عليه وسلم قال لهم من دفنتم اليوم ههنا فدل على أنه لم يحضرهما وانما ذكرت هذا ذبا عن هذا
السيد الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم سيدا وقال لأصحابه قوموا إلى سيدكم وقال إن حكمه
276

قد وافق حكم الله وقال إن عرش الرحمن اهتز لموته إلى غير ذلك من مناقبه الجليلة خشية ان يغتر
ناقص العلم بما ذكره القرطبي فيعتقد صحة ذلك وهو باطل وقد اختلف في المقبورين فقيل كانا
كافرين وبه جزم أبو موسى المديني واحتج بما رواه من حديث جابر بسند فيه ابن لهيعة ان النبي
صلى الله عليه وسلم مر على قبرين من بنى النجار هلكا في الجاهلية فسمعهما يعذبان في البول
والنميمة قال أبو موسى هذا وإن كان ليس بقوى لكن معناه صحيح لأنهما لو كانا مسلمين لما كان
لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنى ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما
من احسانه فشفع لهما إلى المدة المذكورة وجزم ابن العطار في شرح العمدة بأنهما كانا مسلمين
وقال لا يجوز ان يقال انهما كانا كافرين لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب ولا
ترجاه لهما ولو كان ذلك من خصائصه لبينه يعنى كما في قصة أبى طالب (قلت) وما قاله أخيرا هو
الجواب وما طالب به من البيان قد حصل ولا يلزم التنصيص على لفظ الخصوصية لكن الحديث
الذي احتج به أبو موسى ضعيف كما اعترف به وقد رواه أحمد باسناد صحيح على شرط مسلم وليس فيه
سبب التعذيب فهو من تخليط ابن لهيعة وهو مطابق لحديث جابر الطويل الذي قدمنا أن مسلما
أخرجه واحتمال كونهما كافرين فيه ظاهر وأما حديث الباب فالظاهر من مجموع طرقه أنهما
كانا مسلمين ففي رواية ابن ماجة مر بقبرين جديدين فانتفى كونهما في الجاهلية وفى حديث أبي
أمامة عند أحمد انه صلى الله عليه وسلم مر بالبقيع فقال من دفنتم اليوم ههنا فهذا يدل على أنهما
كانا مسلمين لان البقيع مقبرة المسلمين والخطاب للمسلمين مع جريان العادة بان كل فريق يتولاه
من هو منهم ويقوى كونهما كانا مسلمين رواية أبى بكرة عند أحمد والطبراني باسناد صحيح يعذبان
وما يعذبان في كبير وبلى وما يعذبان الا في الغيبة والبول فهذا الحصر ينفى كونهما كانا كافرين
لان الكافر وان عذب على ترك أحكام الاسلام فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف وفى هذا
الحديث من الفوائد غير ما تقدم اثبات عذاب القبر وسيأتى الكلام عليه في الجنائز إن شاء الله
تعالى وفيه التحذير من ملابسة البول ويلتحق به غيره من النجاسات في البدن والثوب ويستدل
به على وجوب إزالة النجاسة خلافا لمن خص الوجوب بوقت إرادة الصلاة والله أعلم (قوله
باب ما جاء في غسل البول وقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب القبر) أي عن صاحب
القبر وقال الكرماني اللام بمعنى لأجل (قوله كان لا يستتر من بوله) يشير إلى لفظ الحديث الذي
قبله (قوله ولم يذكر سوى بول الناس) قال ابن بطال أراد البخاري ان المراد بقوله في رواية الباب
كان لا يستتر من البول بول الناس لا بول سائر الحيوان فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم
في بول جميع الحيوان وكانه أراد الرد على الخطابي حيث قال فيه دليل على نجاسة الأبوال كلها
ومحصل الرد ان العموم في رواية من البول أريد به الخصوص لقوله من بوله أو الألف واللام بدل
من الضمير لكن يلتحق ببوله بول من هو في معناه من الناس لعدم الفارق قال وكذا غير المأكول
وأما المأكول فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بنجاسة بوله ولمن قال بطهارته حجج أخرى وقال
القرطبي قوله من البول اسم مفرد لا يقتضى العموم ولو سلم فهو مخصوص بالأدلة المقتضية بطهارة
بول ما يؤكل (قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم) هو الدورقي قال أخبرنا وللأكثر حدثنا
إسماعيل بن إبراهيم وهو المعروف بابن علية وليس هو أخا يعقوب وروح بن القاسم بفتح الراء على
277

المشهور ونقل ابن التين والقابسي انه قرئ بضمها وهو شاذ مردود وقد تقدمت مباحث المتن في
باب الاستنجاء بالماء والاستدلال به هنا على غسل البول أعم من الاستدلال به على الاستنجاء فلا
تكرار فيه (قوله فيغتسل به) كذا لأبي ذر بوزن يفتعل ولغيره بفتح التحتانية وسكون الغين وكسر
السين وحذف مفعوله للعلم به أو للحياء من ذكره باب (قوله باب) كذا ثبت لأبي ذر وقد قررنا
انه في موضع الفصل من الباب والاستدلال به على غسل البول واضح لكن ثبتت الرخصة في حق
المستجمر فيستدل به على وجوب غسل ما انتشر على المحل (قوله محمد بن خازم) بالخاء المعجمة والزاي
هو أبو معاوية الضرير (قوله فغرز) وفى رواية وكيع في الأدب فغرس وهما بمعنى وأفاد سعد الدين
الحارثي ان ذلك كان عند رأس القبر وقال إنه ثبت باسناد صحيح وكانه يشير إلى حديث أبي هريرة
عند ابن حبان وقد قدمنا لفظه ثم وجدته في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد
عن الأعمش في حديث ابن عباس صريحا (قوله لم فعلت) سقط لفظ هذا من رواية المستملى
والسرخسي (قوله قال ابن المثنى وحدثنا وكيع) هو معطوف على الأول وثبتت أداة العطف
فيه للأصيلي ولهذا ظن بعضهم انه معلق وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن المثنى
هذا عن وكيع وأبى معاوية جميعا عن الأعمش والحكمة في افراد البخاري له ان في رواية وكيع
التصريح بسماع الأعمش دون الآخر وباقي مباحث المتن تقدمت في الباب الذي قبله (قوله
باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الاعرابى) اللام فيه للعهد الذهني وقد تقدم
ان الاعرابى واحد الاعراب وهم من سكن البادية عربا كانوا أو عجما انما تركوه يبول في المسجد
لأنه كان شرع في المفسدة فلو منع لزادت إذ حصل تلويث جزء من المسجد فلو منع لدار بين أمرين
اما ان يقطعه فيتضرر واما ان لا يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه أو ثوبه أو مواضع أخرى من
المسجد (قوله همام) هو ابن يحيى واسحق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة (قوله عن أنس ولمسلم
حدثني أنس (قوله رأى أعرابيا) حكى أبو بكر التاريخي عن عبد الله بن نافع المزنى انه الأقرع بن
حابس التميمي وقيل غيره كما سيأتي قريبا (قوله في المسجد) أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
(قوله فقال دعوه) كان هذا الامر بالترك عقب زجر الناس كما سيأتي (قوله حتى) أي فتركوه حتى
فرغ من بوله فلما فرغ دعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء أي في دلو كبير فصبه أي فأمر بصبه كما سيأتي
ذلك كله صريحا وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق عكرمة بن عمار عن إسحاق فساقه
مطولا بنحو مما شرحناه وزاد فيه ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له ان هذه المساجد
لا تصلح لشئ من هذا البول ولا القذر انما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن وسنذكر
فوائده في الباب الآتي بعده إن شاء الله تعالى (قوله باب صب الماء أخبرني عبيد الله)
كذا رواه أكثر الرواة عن الزهري ورواه سفيان بن عيينة عنه عن سعيد بن المسيب بدل عبيد الله
وتابعه سفيان بن حسين فالظاهر أن الروايتين صحيحتان (قوله قام اعرابى) زاد ابن عيينة عند
الترمذي وغيره في أوله انه صلى ثم قال اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم لقد تحجرت واسعا فلم يلبث ان بال في المسجد وهذه الزيادة ستأتي عند المصنف
مفردة في الأدب من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقد روى ابن ماجة وابن حبان
الحديث تاما من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وكذا رواه ابن ماجة أيضا من
278

حديث واثلة بن الأسقع وأخرجه أبو موسى المديني في الصحابة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء
عن سليمان بن يسار قال اطلع ذو الخويصرة اليماني وكان رجلا جافيا فذكره تاما بمعناه وزيادة وهو
مرسل وفى اسناده أيضا مبهم بين محمد بن إسحاق وبين محمد بن عمرو بن عطاء وهو عنده من طريق
الأصم عن أبي زرعة الدمشقي عن أحمد بن خالد الذهبي عنه وهو في جمع مسند ابن إسحاق لأبي زرعة
الدمشقي من طريق الشاميين عنه بهذا السند لكن قال في أوله اطلع ذو الخويصرة التميمي
وكان جافيا والتميمي هو حرقوص بن زهير الذي صار بعد ذلك من رؤس الخوارج وقد فرق
بعضهم بينه وبين اليماني لكن له أصل أصيل واستفيد منه تسمية الاعرابى وقد تقدم قول التاريخي
انه الأقرع ونقل عن أبي الحسين بن فارس انه عيينة بن حصن والعلم عند الله تعالى (قوله فتناوله
الناس) أي بألسنتهم وللمصنف في الأدب فثار إليه الناس وله في رواية عن أنس فقاموا إليه
وللإسماعيلي فأراد أصحابه ان يمنعوه وفى رواية انس هذا الباب فزجره الناس وأخرجه البيهقي
من طريق عبدان شيخ المصنف فيه بلفظ فصاح الناس به وكذا للنسائي من طريق ابن المبارك فظهر
بان تناوله كان بالألسنة لا بالأيدي ولمسلم من طريق اسحق عن انس فقال الصحابة مه مه (قوله
وهريقوا) وللمصنف في الأدب وأهريقوا وقد تقدم توجيهها في باب الغسل في المخضب (قوله
سجلا بفتح المهملة وسكون الجيم قال أبو حاتم السجستاني هو الدلو ملآى ولا يقال لها ذلك وهى
فارغة وقال ابن دريد السجل دلو واسعة وفى الصحاح الدلو الضخمة (قوله أو ذنوبا) قال الخليل
الدلو ملآى ماء وقال ابن فارس الدلو العظيمة وقال ابن السكيت فيها ماء قريب من الملء ولا يقال
لها وهى فارغة ذنوب انتهى فعلى الترادف أو للشك من الراوي والا فهي للتخيير والأول أظهر فان
رواية أنس لم تختلف في أنها ذنوب وقال في الحديث من ماء مع أن الذنوب من شأنها ذلك لكنه
لفظ مشترك بينه وبين الفرس الطويل وغيرهما (قوله فإنما بعثتم) اسناد البعث إليهم على طريق
المجاز لأنه هو المبعوث صلى الله عليه وسلم بما ذكر لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره
وغيبته أطلق عليهم ذلك إذ هم مبعوثون من قبله بذلك أي مأمورون وكان ذلك شأنه صلى
الله عليه وسلم في حق كل من بعثه إلى جهة من الجهات يقول يسروا ولا تعسروا (قوله أخبرنا
عبد الله) هو ابن المبارك ويحيى بن سعيد الأنصاري (قوله وحدثنا خالد) سقطت الواو من
رواية كريمة والعطف فيه على قوله حدثنا عبدان وسليمان هو ابن بلال وبان لي أن المتن على لفظ
روايته لان لفظ عبدان فيه مخالفة لسياقه كما أشرنا إليه انه عند البيهقي (قوله في طائفة المسجد)
أي ناحيته والطائفة القطعة من الشئ (قوله فنهاهم) في رواية عبدان فقال اتركوه فتركوه
(قوله فهريق عليه) كذا لأبي ذر وللباقين فأهريق عليه ويجوز اسكان الهاء وفتحها كما تقدم
وضبطه ابن الأثير في النهاية بفتح الهاء أيضا وفى هذا الحديث من الفوائد ان الاحتراز من النجاسة
كان مقررا في نفوس الصحابة ولهذا بادروا إلى الانكار بحضرته صلى الله عليه وسلم قبل استئذانه
ولما تقرر عندهم أيضا من طلب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر واستدل به على جواز التمسك
بالعموم إلى أن يظهر الخصوص قال ابن دقيق العيد والذي يظهر ان التمسك يتحتم عند احتمال
التخصيص عند المجتهد ولا يجب التوقف عن العمل بالعموم لذلك لان علماء الأمصار ما برحوا
يفتون بما بلغهم من غير توقف على البحث عن التخصيص ولهذه القصة أيضا إذ لم ينكر النبي صلى
279

الله عليه وسلم على الصحابة ولم يقل لهم لم نهيتم الاعرابى بل أمرهم بالكف عنه للمصلحة الراجحة
وهو دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما وفيه
المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع لأمرهم عند فراغه بصب الماء وفيه تعيين الماء لإزالة
النجاسة لان الجفاف بالريح أو الشمس لو كان يكفي لما حصل التكليف بطلب الدلو وفيه ان
غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة ويلحق به غير الواقعة لان البلة الباقية على الأرض
غسالة نجاسة فإذا لم يثبت ان التراب نقل وعلمنا أن المقصود التطهير تعين الحكم بطهارة البلة
وإذا كانت طاهرة فالمنفصلة أيضا مثلها لعدم الفارق ويستدل به أيضا على عدم اشتراط نضوب
الماء لأنه لو اشترط لتوقفت طهارة الأرض على الجفاف وكذا لا يشترط عصر الثوب إذ لا فارق
قال الموفق في المعنى بعد ان حكى الخلاف الأولى الحكم بالطهارة مطلقا لان النبي صلى الله عليه
وسلم لم يشترط في الصب على بول الغلام شيئا وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا
لم يكن ذلك منه عنادا ولا سيما إن كان ممن يحتاج إلى استئلافه وفيه رأفة النبي صلى الله عليه
وسلم وحسن خلقه قال ابن ماجة وابن حبان في حديث أبي هريرة فقال الاعرابى بعد أن فقه في
الاسلام فقام إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابى وأمي فلم يؤنب ولم يسب وفيه تعظيم المسجد وتنزيهه
عن الاقذار وظاهر الحصر من سياق مسلم في حديث أنس انه لا يجوز في المسجد شئ غير ما ذكر من
الصلاة والقرآن والذكر لكن الاجماع على أن مفهوم الحصر منه غير معمول به ولا ريب ان فعل
غير المذكورات وما في معناها خلاف الأولى والله أعلم وفيه ان الأرض تطهر بصب الماء عليها ولا
يشترط حفرها وخلافا للحنفية حيث قالوا لا تطهر الا بحفرها كذا أطلق النووي وغيره والمذكور
في كتب الحنفية التفصيل بين ما إذا كانت رخوة بحيث يتخللها الماء حتى يغمرها فهذه لا تحتاج
إلى حفر وبين ما إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها والقاء التراب لأن الماء لم يغمر أعلاها وأسفلها
واحتجوا فيه بحديث جاء من ثلاث طرق أحدها موصول عن ابن مسعود أخرجه الطحاوي
لكن اسناده ضعيف قاله أحمد وغيره والآخران مرسلان أخرج أحدهما أبو داود من طريق
عبد الله بن معقل بن مقرن والآخر من طريق سعيد بن منصور من طريق طاوس ورواتهما ثقات
وهو يلزم من يحتج بالمرسل مطلقا وكذا من يحتج به إذا اعتضد مطلقا والشافعي انما يعتضد عنده
إذا كان من رواية كبار التابعين وكان من أرسل إذا سمى لا يسمى الا ثقة وذلك مفقود في المرسلين
المذكورين على ما هو ظاهر من سنديهما والله أعلم وسيأتى باقي فوائده في كتاب الأدب إن شاء الله
تعالى (قوله باب بول الصبيان) بكسر الصاد ويجوز ضمها جمع صبي أي ما حكمه وهل يلتحق به
بول الصبايا جمع صبية أم لا وفى الفرق أحاديث ليست على شرط المصنف منها حديث على مرفوعا
في بول الرضيع ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية أخرجه أحمد وأصحاب السنن الا النسائي
من طريق هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عنه قال قتادة هذا ما لم يطعما
الطعام واسناده صحيح ورواه سعيد عن قتادة فوقفه وليس ذلك بعلة قادحة ومنها حديث
لبابة بنت الحرث مرفوعا انما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر أخرجه أحمد وابن ماجة
وصححه ابن خزيمة وغيره ومنها حديث أبي السمح نحوه بلفظ يرش رواه أبو داود والنسائي وصححه
ابن خزيمة أيضا (قوله بصبى) يظهر لي ان المراد به ابن أم قيس المذكور بعده ويحتمل أن يكون
280

الحسن بن علي أو الحسين فقد روى الطبراني في الأوسط من حديث أم سلمة باسناد حسن قالت
بال الحسن أو الحسين على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه حتى قضى بوله ثم دعا بماء فصبه
عليه ولأحمد عن أبي ليلى نحوه ورواه الطحاوي من طريقه قال فجئ بالحسن ولم يتردد وكذا
للطبراني عن أبي أمامة وانما رجحت انه غيره لان عند المصنف في العقيقة من طريق يحيى القطان
عن هشام بن عروة أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصبى يحنكه وفى قصته انه بال على ثوبه وأما قصة
الحسن ففي حديث أبي ليلى وأم سلمة انه بال على بطنه صلى الله عليه وسلم وفى حديث زينب بنت
جحش عند الطبراني انه جاء وهو يحبو والنبي صلى الله عليه وسلم نائم فصعد على بطنه ووضع ذكره
في سرته فبال فذكر الحديث بتمامه فظهرت التفرقة بينهما (قوله فاتبعه) باسكان المثناة أي
اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم البول الذي على الثوب الماء يصبه عليه زاد مسلم من طريق
عبد الله بن نمير عن هشام فاتبعه ولم يغسله ولابن المنذر من طريق الثوري عن هشام فصب عليه
الماء وللطحاوي من طريق زائدة الثقفي عن هشام فنضحه عليه (قوله عن أم قيس) قال ابن
عبد البر اسمها جذامة يعنى بالجيم والمعجمة وقال السهيلي اسمها آمنة وهى أخت عكاشة بن
محصن الأسدي وكانت من المهاجرات الأول كما عند مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب في هذا
الحديث وليس لها في الصحيحين غيره وغير حديث آخر في الطب وفى كل منهما قصة لابنها ومات
ابنها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير كما رواه النسائي ولم أقف على تسميته (قوله
لم يأكل الطعام) المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتمر الذي يحنك به والعسل الذي يلعقه
للمداواة وغيرها فكان المراد انه لم يحصل له الاغتداء بغير اللبن على الاستقلال هذا مقتضى
كلام النووي في شرح مسلم الحربي المهذب وأطلق في الروضة تبعا لأصلها انه لم يطعم ولم يشرب
غير اللبن وقال في نكت التنبيه المراد انه لم يأكل غير اللبن وغير ما يحنك به وما أشبهه وحمل الموفق
الحموي في شرح التنبيه قوله لم يأكل على ظاهره فقال معناه لم يستقل بجعل الطعام في فيه والأول
أظهر وبه جزم الموفق بن قدامة وغيره وقال ابن التين يحتمل انها أرادت انه لم يتقوت بالطعام ولم
يستغن به عن الرضاع ويحتمل انها انما جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى الله عليه وسلم فيحمل
النفي على عمومه ويؤيد ما تقدم انه للمصنف في العقيقة (قوله فأجلسه) أي وضعه ان قلنا إنه
كان كما ولد ويحتمل أن يكون الجلوس حصل منه على العادة ان قلنا كان في سن من يحبو كما
في قصة الحسن (قوله على ثوبه) أي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم وأغرب ابن شعبان من المالكية
فقال المراد به ثوب الصبى والصواب الأول (قوله فنضحه) ولمسلم من طريق الليث عن ابن شهاب
فلم يزد على أن نضح بالماء وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب فرشه زاد أبو عوانة في صحيحه عليه
ولا تخالف بين الروايتين أي بين نضح ورش لان المراد به ان الابتداء كان بالرش وهو تنقيط الماء
وانتهى إلى النضح وهو صب الماء ويؤيده رواية مسلم في حديث عائشة من طريق جرير عن
هشام فدعا بماء فصبه عليه ولابى عوانة فصبه على البول يتبعه إياه (قوله ولم يغسله) ادعى
الأصيلي ان هذه الجملة من كلام ابن شهاب راوي الحديث وان المرفوع انتهى عند قوله فنضحه
قال وكذلك روى معمر عن ابن شهاب وكذا أخرجه ابن أبي شيبة قال فرشه لم يزد على ذلك انتهى
وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادعاه من الادراج وقد أخرجه عبد الرزاق عنه بنحو سياق
281

مالك لكنه لم يقل ولم يغسله وقد قالها مع مالك الليث وعمرو بن الحرث ويونس بن يزيد كلهم عن
ابن شهاب أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهم من طريق ابن وهب عنهم وهو لمسلم عن يونس
وحده نعم زاد معمر في روايته قال قال ابن شهاب فمضت السنة ان يرش بول الصبى ويغسل بول
الجارية فلو كانت هذه الزيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه لا يمكن دعوى الادراج لكنها غيرها
فلا ادراج وأما ما ذكره عن ابن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك فان ذلك لفظ رواية ابن عيينة عن
ابن شهاب وقد ذكرناها عن مسلم وغيره وبينا انها غير مخالفة لرواية مالك والله أعلم وفى هذا
الحديث من الفوائد الندب إلى حسن المعاشرة والتواضع والرفق بالصغار وتحنيك المولود
والتبرك باهل الفضل وحمل الأطفال إليهم حال الولادة وبعدها وحكم بول الغلام والجارية قبل
ان يطعما وهو مقصود الباب واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي أوجه للشافعية
أصحها الاكتفاء بالنضح في بول الصبى لا الجارية وهو قول على وعطاء والحسن والزهري وأحمد
واسحق وابن وهب وغيرهم ورواه الوليد بن مسلم عن مالك وقال أصحابه هي رواية شاذة والثاني
يكفي النضح فيهما وهو مذهب الأوزاعي وحكى عن مالك والشافعي وخصص ابن العربي النقل
في هذا بما إذا كانا لم يدخل أجوافهما شئ أصلا والثالث هما سواء في وجوب الغسل وبه قال
الحنفية والمالكية قال ابن دقيق العيد اتبعوا في ذلك القياس وقالوا المراد بقولها ولم يغسله
أي غسلا مبالغا فيه وهو خلاف الظاهر ويبعده ما ورد في الأحاديث الاخر يعنى التي قدمناها
من التفرقة بين بول الصبى والصبية فإنهم لا يفرقون بينهما قال وقد ذكر في التفرقة بينهما أوجه
منها ما هو ركيك وأقوى ذلك ما قيل إن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث يعنى فحصلت
الرخصة في الذكور لكثرة المشقة واستدل به بعض المالكية على أن الغسل لا بد فيه من أمر
زائد على مجرد ايصال الماء إلى المحل (قلت) وهو مشكل عليهم لانهم يدعون ان المراد بالنضح هنا
الغسل (تنبيه) قال الخطابي ليس تجويز من جوز النضح من أجل ان بول الصبى غير نجس ولكنه
لتخفيف نجاسته انتهى وأثبت الطحاوي الخلاف فقال قال قوم بطهارة بول الصبى قبل الطعام
وكذا جزم به ابن عبد البر وابن بطال ومن تبعهما عن الشافعي وأحمد وغيرهما ولم يعرف ذلك
الشافعية ولا الحنابلة وقال النووي هذه حكاية باطلة انتهى وكأنهم أخذوا ذلك من طريق
اللازم وأصحاب صاحب المذهب أعلم بمراده من غيرهم والله أعلم * (قوله باب البول قائما
وقاعدا) قال ابن بطال دلالة الحديث على القعود بطريق الأولى لأنه إذا جاز قائما فقاعدا أجوز
(قلت) ويحتمل ان يكون أشار بذلك إلى حديث عبد الرحمن بن حسنة الذي أخرجه النسائي وابن
ماجة وغيرهما فان فيه بال رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فقلنا انظروا إليه يبول كما تبول
المرأة وحكى ابن ماجة عن بعض مشايخه أنه قال كان من شأن العرب البول قائما ألا تراه يقول
في حديث عبد الرحمن بن حسنة قعد يبول كما تبول المرأة وقال في حديث حذيفة فقام كما يقوم
أحدكم ودل حديث عبد الرحمن المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم كان يخالفهم في ذلك
فيقعد لكونه أستر وأبعد من مماسة البول وهو حديث صحيح صححه الدارقطني وغيره ويدل
عليه حديث عائشة قالت ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما منذ أنزل عليه القرآن ورواه
أبو عوانة في صحيحه والحاكم (قوله عن أبي وائل) ولابى داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن
282

الأعمش انه سمع أبا وائل ولأحمد عن يحيى القطان عن الأعمش حدثني أبو وائل (قوله سباطة قوم)
بضم المهملة بعدها موحدة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها وتكون
في الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل واضافتها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك لأنها
لا تخلو عن النجاسة وبهذا يندفع ايراد من استشكله لكون البول يوهي الجدار ففيه اضرار
أو نقول انما بال فوق السباطة لا في أصل الجدار وهو صريح رواية أبى عوانة في صحيحه وقيل
يحتمل أن يكون علم اذنهم في ذلك بالتصريح أو غيره أو لكونه مما يتسامح الناس به أو لعلمه
بايثارهم إياه بذلك أو لكونه يجوز له التصرف في مال أمته دون غيره لأنه أولى بالمؤمنين من
أنفسهم وأموالهم وهذا وإن كان صحيح المعنى لكن لم يعهد ذلك من سيرته ومكارم أخلاقه
صلى الله عليه وسلم (قوله ثم دعا بماء) زاد مسلم وغيره من طرق عن الأعمش فتنحيت فقال ادنه
فدنوت حتى قمت عند عقبيه وفى رواية أحمد عن يحيى القطان أتى سباطة قوم فتباعدت منه
فأدناني حتى صرت قريبا من عقبيه فبال قائما ودعا بماء فتوضأ ومسح على خفيه وكذا زاد مسلم
وغيره فيه ذكر المسح على الخفين وهو ثابت أيضا عند الإسماعيلي وغيره من طرق عن شعبة عن
الأعمش وزاد عيسى بن يونس فيه عن الأعمش ان ذلك كان بالمدينة أخرجه ابن عبد البر في التمهيد
باسناد صحيح وزعم في الاستذكار ان عيسى تفرد به وليس كذلك فقد رواه البيهقي من طريق محمد
ابن طلحة بن مصرف عن الأعمش كذلك وله شاهد من حديث عصمة بن مالك سنذكر بعد
واستدل به على جواز المسح في الحضر وهو ظاهر ولعل البخاري اختصره لتفرد الأعمش به فقد
روى ابن ماجة من طريق شعبة ان عاصما رواه له عن أبي وائل عن المغيرة ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما قال عاصم وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة وما
حفظه يعنى ان روايته هي الصواب قال شعبة فسألت عنه منصورا فحدثنيه عن أبي وائل عن
حذيفة يعنى كما قال الأعمش لكن لم يذكر فيه المسح فقد وافق الأعمش على قوله عن حذيفة
دون الزيادة ولم يلتفت مسلم إلى هذه العلة بل ذكرها في حديث الأعمش لأنها زيادة من حافظ وقال
الترمذي حديث أبي وائل عن حذيفة أصح يعنى من حديثه عن المغيرة وهو كما قال وان جنح ابن
خزيمة إلى تصحيح الروايتين لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصما على قوله عن المغيرة فجاز ان
يكون أبو وائل سمعه منهما فيصح القولان معا لكن من حيث الترجيح رواية الأعمش ومنصور
لاتفافهما أصح من رواية عاصم وحماد لكونهما في حفظهما مقال * (قوله باب
البول عند صاحبه) أي صاحب البائل (قوله جرير) هو ابن عبد الحميد ومنصور هو ابن المعتمر
(قوله رأيتني) بضم المثناة من فوق (قوله فانتبذت) بالنون والذال المعجمة أي تنحيت يقال جلس
فلان نبذة بفتح النون وضمها أي ناحية (قوله فأشار إلى) يدل على أنه لم يبعد منه بحيث
لا يراه وانما صنع ذلك ليجمع بين المصلحتين عدم مشاهدته في تلك الحالة وسماع ندائه لو كانت له
حاجة أو رؤية إشارته إذا أشار له وهو مستدبره وليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول
لأن هذه الرواية بينت ان قوله في رواية مسلم ادنه كان بالإشارة لا باللفظ وأما مخالفته صلى الله
عليه وسلم لما عرف من عادته من الابعاد عند قضاء الحاجة عن الطرق المسلوكة وعن أعين النظارة
فقد قيل فيه انه صلى الله عليه وسلم كان مشغولا بمصالح المسلمين فلعله طال عليه المجلس حتى احتاج
283

إلى البول فلو أبعد لتضرر واستدنى حذيفة ليستره من خلفه من رؤية من لعله يمر به وكان قدامه
مستورا بالحائط أو لعله فعله لبيان الجواز ثم هو في البول وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى
زيادة تكشف ولما يقترن به من الرائحة والغرض من الابعاد التستر وهو يحصل بارخاء الذيل
والدنو من الساتر وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال خرج علينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال يا حذيفة استرنى فذكر الحديث
وظهر منه الحكمة في ادنائه حذيفة في تلك الحالة وكان حذيفة لما وقف خلفه عند عقبة استدبره
وظهر أيضا ان ذلك كان في الحضر لا في السفر ويستفاد من هذا الحديث دفع أشد المفسدتين
بأخفهما والاتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معا وبيانه انه صلى الله عليه وسلم كان يطيل
الجلوس لمصالح الأمة ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم فلما حضره البول وهو في بعض تلك
الحالات لم يؤخره حتى يبعد كعادته لما يترتب على تأخيره من ضرر فراعى أهم الامرين وقدم
المصلحة في تقريب حذيفة منه ليستره من المارة على مصلحة تأخيره عنه إذ لم يمكن جمعهما * (قوله
في باب البول عند سباطة قوم كان أبو موسى الأشعري يشدد في البول) بين ابن المنذر
وجه هذا التشديد فأخرج من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه انه سمع أبا موسى ورأى
رجلا يبول قائما فقال ويحك أفلا قاعدا ثم ذكر قصة بني إسرائيل وبهذا يظهر مطابقة حديث
حذيفة في تعقبه على أبى موسى (قوله ثوب أحدهم) وقع في مسلم جلد أحدهم قال القرطبي مراده
بالجلد واحد الجلود التي كانوا يلبسونها وحمله بعضهم على ظاهره وزعم أنه من الاصر الذي حملوه
ويؤيده رواية أبى داود ففيها كان إذا أصاب جسد أحدهم لكن رواية البخاري صريحة في الثياب
فلعل بعضهم رواه بالمعنى (قوله قرضه) أي قطعه زاد الإسماعيلي بالمقراض وهو يدفع حمل من
حمل القرض على الغسل بالماء (قوله ليته أمسك) وللإسماعيلي لوددت ان صاحبكم لا يشدد هذا
التشديد وانما احتج حذيفة بهذا الحديث لان البائل عن قيام قد يتعرض للرشاش ولم يلتفت
النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الاحتمال فدل على أن التشديد مخالف للسنة واستدل به لمالك في
الرخصة في مثل رؤس الإبر من البول وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة لم يصل إلى بدنه
منه شئ والى هذا أشار ابن حبان في ذكر السبب في قيامه قال لأنه لم يجد مكانا يصلح للقعود فقام
لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليا فأمن ان يرتد إليه شئ من بوله وقيل لان السباطة
رخوة يتخللها البول فلا يرتد إلى البائل منه شئ وقيل انما بال قائما لأنها حالة يؤمن معها خروج
الريح بصوت ففعل ذلك لكونه قريبا من الديار ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن عمر رضي الله عنه
قال البول قائما أحصن للدبر وقيل السبب في ذلك ما روى عن الشافعي وأحمد ان العرب كانت
تستشفى لوجع الصلب بذلك فلعله كان به وروى الحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة قال انما بال
رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما لجرح كان في مأبضه والمابض بهمزة ساكنة بعدها موحدة
ثم معجمة باطن الركبة فكأنه لم يتمكن لأجله من القعود ولو صح هذا الحديث لكان فيه غنى
عن جميع ما تقدم لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي والأظهر انه فعل ذلك لبيان الجواز وكان أكثر
أحواله البول عن قعود والله أعلم وسلك أبو عوانة في صحيحه وابن شاهين فيه مسلكا آخر فزعما
ان البول عن قيام منسوخ واستدلا عليه بحديث عائشة الذي قدمناه ما بال قائما منذ أنزل عليه
284

القرآن وبحديثها أيضا من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول الا قاعدا
والصواب أنه غير منسوخ والجواب عن حديث عائشة انه مستند إلى علمها فيحمل على ما وقع منه
في البيوت وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة وقد بينا
أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن وقد ثبت عن عمر
وعلى وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش
والله أعلم ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهى عنه شئ كما بينته في أوائل شرح
الترمذي والله أعلم * (قوله باب غسل الدم) بفتح الغين ويحيى هو ابن سعيد القطان
وهشام هو ابن عروة وفاطمة هي زوجته بنت عمه المنذر وأسماء هي جدتهما لأبويهما بنت أبي بكر
الصديق (قوله جاءت امرأة) وقع في رواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن هشام في هذا
الحديث أن أسماء هي السائلة وأغرب النووي فضعف هذه الرواية بلا دليل وهى صحيحة الاسناد
لا علة لها ولا يعد في أن يبهم الراوي اسم نفسه كما سيأتي في حديث أبي سعيد في قصة الرقية
بفاتحة الكتاب (قوله تحيض في الثوب) أي يصل دم الحيض إلى الثوب وللمصنف من طريق
مالك عن هشام إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة (قوله تحته) بالفتح وضم المهملة وتشديد المثناة
الفوقانية أي تحكه وكذا رواه ابن خزيمة والمراد بذلك إزالة عينه (قوله ثم تقرصه) بالفتح
واسكان القاف وضم الراء والصاد المهملتين كذا في روايتنا وحكى القاضي عياض وغيره
فيه الضم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة أي تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها ليتحلل
بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه (قوله وتنضحه) بفتح الضاد المعجمة وضم الحاء أي تغسله قاله
الخطابي وقال القرطبي المراد به الرش لان غسل الدم استفيد من قوله تقرصه بالماء وأما النضح
فهو لما شكت فيه من الثوب (قلت) فعلى هذا فالضمير في قوله تنضحه يعود على الثوب بخلاف
تحته فإنه يعود على الدم فيلزم منه اختلاف الضمائر وهو على خلاف الأصل ثم إن الرش على
المشكوك فيه لا يفيد شيئا لأنه إن كان طاهرا فلا حاجة إليه وإن كان متنجسا لم يطهر بذلك
فالأحسن ما قاله الخطابي قال الخطابي في هذا الحديث دليل على أن النجاسات انما تزال
بالماء دون غيره من المائعات لان جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها اجماعا وهو قول
الجمهور أي يتعين الماء لإزالة النجاسة وعن أبي حنيفة وأبى يوسف يجوز تطهير النجاسة بكل
مائع طاهر ومن حجتهم حديث عائشة ما كان لإحدانا الا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شئ
من دم الحيض قالت بريقها فمصعته بظفرها ولابى داود بلته بريقها وجه الحجة منه أنه لو كان
الريق لا يطهر لزاد النجاسة وأجيب باحتمال أن تكون قصدت بذلك تخليل أثره ثم غسلته بعد
ذلك كما سيأتي تقريره في كتاب الحيض في باب هل تصلى المرأة في ثوب حاضت فيه * (فائدة) * تعقب
استدلال من استدل على تعيين إزالة النجاسة بالماء من هذا الحديث بأنه مفهوم لقب وليس
بحجة عند الأكثر ولأنه خرج مخرج الغالب في الاستعمال لا الشرط وأجيب بأن الخبر نص على
الماء فالحاق غيره به بالقياس وشرطه أن لا ينقص الفرع عن الأصل في العلة وليس في غير الماء ما في
الماء من رقته وسرعة نفوده فلا يلحق به وسيأتي باقي فوائده في باب غسل دم الحيض إن شاء الله
285

تعالى (قوله حدثنا محمد) كذا للأكثر غير منسوب وللاصيلى ابن سلام ولابى ذر هو ابن سلام
وأبو معاوية هو الضرير (قوله حدثنا هشام) زاد الأصيلي ابن عروة (قوله فاطمة بنت أبي
حبيش) بالحاء المهملة والموحدة والشين المعجمة بصيغة التصغير اسمه قيس بن المطلب بن أسد
وهى غير فاطمة بنت قيس التي طلقت ثلاث (قوله أستحاض) بضم الهمزة وفتح المثناة يقال
استحيضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد أيامها المعتادة فهي مستحاضة والاستحاضة جريان
الدم من فرج المرأة في غير أوانه (قوله لا) أي لا تدعى الصلاة (قوله عرق) بكسر العين هو
المسمى بالعاذل بالذال المعجمة (قوله حيضتك) بفتح الحاء ويجوز كسرها والمراد بالاقبال
والادبار هنا ابتداء دم الحيض وانقطاعه (قوله فدعى الصلاة) يتضمن نهى الحائط عن
الصلاة وهو للتحريم ويقتضي فساد الصلاة بالاجماع (قوله فاغسلي عنك الدم) أي
واغتسلي والامر بالاغتسال مستفاد من أدلة أخرى كما سيأتي بسطها في كتاب الحيض إن شاء الله
تعالى (قوله قال) أي هشام بن عروة (وقال أبى) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة أي عروة
ابن الزبير وادعى بعضهم ان هذا معلق وليس بصواب بل هو بالاسناد المذكور عن محمد عن أبي
معاوية عن هشام وقد بين ذلك الترمذي في روايته وادعى آخر أن قوله ثم توضئ من كلام عروة
موقوفا عليه وفيه نظر لأنه لو كان كلامه لقال ثم تتوضأ بصيغة الاخبار فلما أتى به بصيغة الامر
شاكله الامر الذي في المرفوع وهو قوله فاغسلي وسنذكر حكم هذه المسئلة في كتاب الحيض
إن شاء الله تعالى (قوله باب غسل المنى وفركه) لم يخرج البخاري حديث الفرك بل اكتفى بالإشارة
إليه في الترجمة على عادته لأنه ورد من حديث عائشة أيضا كما سنذكره وليس بين حديث الغسل
وحديث الفرك تعارض لان الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المنى بأن يحمل الغسل
على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب وهذه طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث
وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على ما كان رطبا والفرك على ما كان
بابسا وهذه طريقة الحنفية والطريقة الأولى أرجح لان فيها العمل بالخبر والقياس معا لأنه لو كان
نجسا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره وهم لا يكتفون فيما لا يعفى
عنه من الدم بالفرك ويرد الطريقة الثانية أيضا ما في رواية ابن خزيمة من طريق أخرى عن
عائشة كانت تسلت المنى من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلى فيه وتحكه من ثوبه يابسا ثم يصلى فيه
فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالتين وأما مالك فلم يعرف الفرك وقال إن العمل عندهم على
وجوب الغسل كسائر النجاسات وحديث الفرك حجة عليهم وحمل بعض أصحابه الفرك على
الدلك بالماء وهو مردود بما في إحدى روايات مسلم عن عائشة لقد رأيتني وانى لأحكه من ثوب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري وبما صححه الترمذي من حديث همام بن الحرث
ان عائشة أنكرت على ضيفها غسله الثوب فقالت لم أفسد علينا ثوبنا انما كان يكفيه أن يفركه
بأصابعه فربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي وقال بعضهم الثوب الذي
اكتفت فيه بالفرك ثوب النوم والثوب الذي غسلته ثوب الصلاة وهو مردود أيضا بما في إحدى
روايات مسلم من حديثها أيضا لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلى
فيه وهذا التعقيب بالفاء ينفى احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة وأصرح منه رواية ابن
286

خزيمة أنها كانت تحكه من ثوبه صلى الله عليه وسلم وهو يصلى وعلى تقدير عدم ورود شئ من ذلك
فليس في حديث الباب ما يدل على نجاسة المنى لان غسلها فعل وهو لا يدل على الوجوب بمجرده
والله أعلم وطعن بعضهم في الاستدلال بحديث الفرك على طهارة المنى بأن منى النبي صلى الله عليه
وسلم طاهر دون غيره كسائر فضلاته والجواب على تقدير صحة كونه من الخصائص أن منيه كان
عن جماع فيخالط منى المرأة فلو كان منهيا نجسا لم يكتف فيه بالفرك وبهذا احتج الشيخ الموفق
وغيره على طهارة رطوبة فرجها قال ومن قال إن المنى لا يسلم من المذي فيتنجس به لم يصب لان
الشهوة إذا اشتدت خرج المنى دون المذي والبول كحالة الاحتلام والله أعلم (قوله وغسل
ما يصيب) أي الثوب وغيره من المرأة وفى هذه المسئلة حديث صريح ذكره المصنف بعد في أواخر
كتاب الغسل من حديث عثمان ولم يذكره هنا وكأنه استنبطه مما أشرنا إليه من أن المنى الحاصل
في الثوب لا يخلو غالبا من مخالطة ماء المرأة ورطوبتها (قوله عمرو بن ميمون الجزري) كذا
للجمهور وهو الصواب وهو بفتح الجيم والزاي بعدها راء منسوب إلى الجزيرة وكان ميمون بن
مهران والد عمرو نزلها فنسب إليها ولده ووقع في رواية الكشميهني وحده الجوزي بواو ساكنة
بعدها زاي وهو غلط منه (قوله أغسل الجنابة) أي أثر الجنابة فيكون على حذف مضاف أو
أطلق اسم الجنابة على المنى مجازا (قوله بقع) بضم الموحدة وفتح القاف جمع بقعة قال أهل اللغة
البقع اختلاف اللونين (قوله في الاسناد الثاني حدثنا يزيد) قال أبو مسعود الدمشقي كذا هو
غير منسوب في رواية الفربري وحماد بن شاكر ويقال انه ابن هارون وليس بابن زريع وجميعا قد
روياه يعنى عن عمرو بن ميمون ووقع في رواية ابن السكن أحد الرواة عن الفربري حدثنا يزيد
يعنى ابن زريع وكذا أشار إليه الكلاباذي ورجح القطب الحليمي في شرحه انه ابن هارون قال لأنه
وجد من روايته ولم يوجد من رواية ابن زريع (قلت) ولا يلزم من عدم الوجدان عدم الوقوع
كيف وقد جزم أبو مسعود بأنه رواه فدل على وجدانه والمثبت مقدم على النافي وقد خرجه
الإسماعيلي وغيره من حديث يزيد بن هارون بلفظ مخالف للسياق الذي أورده البخاري وهذا من
مرجحات كونه ابن زريع وأيضا فقتيبة معروف بالرواية عن يزيد بن زريع دون بن هارون قاله
المزي والقاعدة في من أهمل أن يحمل على من للراوي به خصوصية كالاكثار وغيره فترجح أنه
ابن زريع والله أعلم (قوله حدثنا عمرو) كذا للأكثر ولابى ذر يعنى ابن ميمون وهو ابن مهران كما
سيأتي في آخر الباب الذي يليه (قوله سمعت عائشة) وفى الاسناد الذي يليه سألت عائشة فيه رد
على البزار حيث زعم أن سليمان بن يسار لم يسمع من عائشة على أن البزار مسبوق بهذه الدعوى
فقد حكاه الشافعي في الام عن غيره وزاد أن الحفاظ قالوا إن عمرو بن ميمون غلط في رفعه وانما
هو في فتوى سليمان انتهى وقد تبين من تصحيح البخاري له وموافقة مسلم له على تصحيحه صحة
سماع سليمان منها وان رفعه صحيح وليس بين فتواه وروايته تناف وكذا لا تأثير للاختلاف في
الروايتين حيث وقع في أحدهما أن عمرو بن ميمون سأل سليمان وفى الأخرى أن سليمان سال
عائشة لان كلا منهما سأل شيخه فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض وكلهم ثقات (قوله عبد
الواحد) هو ابن زياد البصري وفى طبقته عبد الواحد بن زيد البصري ولم يخرج له البخاري شيئا
(قوله عن المنى) أي عن حكم المنى هل يشرع غسله أم لا فحصل الجواب بأنها كانت تغسله
287

وليس في ذلك ما يقتضى ايجابه كما قدمناه (قوله فيخرج) أي من الحجرة إلى المسجد (قوله بقع
الماء) بضم العين على أنه بدل من قوله أثر الغسل ويجوز النصب على الاختصاص وفى هذه الرواية
جواز سؤال النساء عنهما يستحيى منه لمصلحة تعلم الاحكام وفيه خدمة الزوجات للأزواج
واستدل به المصنف على أن بقاء الأثر بعد زوال العين في إزالة النجاسة وغيرها لا يضر فلهذا ترجم
باب إذا غسل الجناية أو غيرها فلم يذهب أثره وأعاد الضمير مذكرا على المعنى أي فلم يذهب أثر الشئ
المغسول ومراده ان ذلك لا يضر وذكر في الباب حديث الجنابة وألحق غيرها بها قياسا أو أشار
بذلك إلى ما رواه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة أن خولة بنت يسار قالت يا رسول الله ليس
لي الا ثوب واحد وأنا أحيض فكيف أصنع قال إذا طهرت فاغسليه ثم صلى فيه قالت فإن لم
يخرج الدم قال يكفيك الماء ولا يضرك أثره وفى اسناده ضعف وله شاهد مرسل ذكره البيهقي
والمراد بالأثر ما تعسر ازالته جمعا بين هذا وبين حديث أم قيس حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر
أخرجه أبو داود أيضا واسناده حسن ولما لم يكن هذا الحديث على شرط المصنف استنبط من
الحديث الذي على شرطه ما يدل على ذلك المعنى كعادته (قوله المنقري) بكسر الميم واسكان
النون وفتح القاف نسبة إلى بنى منقر بطن من تميم وهو أبو سلمة التبوذكي وعبد الواحد هو ابن
زياد أيضا (قوله سمعت سليمان بن يسار في الثوب) أي يقول في مسئلة الثوب وللكشميهني
سألت سليمان بن يسار في الثوب أي قلت له ما تقول في الثوب أو في بمعنى عن (قوله أغسله) أي
أثر الجنابة أو المنى (قوله واثر الغسل فيه) يحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى أثر الماء أو إلى
الثوب ويكون قوله بقع الماء بدلا من قوله أثر الغسل كما تقدم أو المعنى أثر الجنابة المغسولة
بالماء فيه من بقع الماء المذكور وقوله في الرواية الأخرى ثم أراه فيه بعد قوله كانت تغسل
المنى يرجح هذا الاحتمال الأخير لان الضمير يرجع إلى أقرب مذكور وهو المنى (قوله زهير) هو
ابن معاوية الجعفي (قوله أنها كانت) يحتمل أن يكون مذكورا بالمعنى من لفظها أي قالت كنت
أغسل ليشاكل قولها ثم أراه أو حذف لفظ قالت قبل قولها ثم أراه (قوله بقعة أو بقعا) يحتمل
أن يكون من كلامها وينزل على حالتين أو شكا من أحد رواته والله أعلم * (قوله باب
أبوال الإبل والدواب والغنم) المراد بالدواب معناه العرفي وهو ذوات الحافر من الخيل والبغال
والحمير ويحتمل أن يكون من عطف العام على الخاص ثم عطف الخاص على العام والأول أوجه
ولهذا ساق أثر أبى موسى في صلاته في دار البريد لأنها مأوى الدواب التي تركب وحديث
العرنبين ليستدل به على طهارة أبوال الإبل وحديث مرابض الغنم ليستدل به على ذلك أيضا
منها (قوله ومرابضها) جمع مربض بكسر أوله وفتح الموحدة بعدها معجمة وهى للغنم كالمعاظن
للإبل والضمير يعود على أقرب مذكور وهو الغنم ولم يفصح المصنف بالحكم كعادته في المختلف
فيه لكن ظاهر ايراده حديث العرنيين يشعر باختياره الطهارة ويدل على ذلك قوله في حديث
صاحب القبر ولم يذكر سوى بول الناس والى ذلك ذهب الشعبي وابن علية وداود وغيرهم وهو يرد
على من نقل الاجماع على نجاسة بول غير المأكول مطلقا وقد قدمنا ما فيه (قوله وصلى أبو موسى)
هو الأشعري وهذا الأثر وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له قال حدثنا الأعمش عن
مالك بن الحويرث هو السلمي الكوفي عن أبيه قال صلى بنا أبو موسى في دار البريد وهناك سرقين
288

الدواب والبرية على الباب فقالوا لو صليت على الباب فذكره والسرقين بكسر المهملة واسكان
الراء هو الزبل وحكى فيه ابن سيده فتح أوله وهو فارسي معرب ويقال له السرجين بالجيم وهو في
الأصل حرف بين القاف والجيم يقرب من الكاف والبرية الصحراء منسوبة إلى البر ودار البريد
المذكورة موضع بكوفة كانت الرسل تنزل فيه إذا حضرت من الخلفاء إلى الامراء وكان أبو
موسى أميرا على الكوفة في زمن عمر وفى زمن عثمان وكانت الدار في طرف البلد ولهذا كانت
البرية إلى جنبها وقال المطرزي البريد في الأصل الدابة المرتبة في الرباط ثم سمى به الرسول المحمول
عليها ثم سميت به المسافة المشهورة * (فائدة) * ذكر البخاري في تاريخه همدان بريد عمر وهو يروى
عن عمر وله أثر ذكره المصنف تعليقا عن عمير كما سيأتي تخريجه من طريقه (قوله سواء) يريد انهما
متساويان في صحة الصلاة وتعقب بأنه ليس فيه دليل على طهارة أرواث الدواب عند أبي موسى
لأنه يمكن ان يصلى فيها على ثوب يبسطه وأجيب بان الأصل عدمه وقد رواه سفيان الثوري في
جامعه عن الأعمش بسنده ولفظه صلى بنا أبو موسى على مكان فيه سرقين وهذا ظاهر في أنه بغير
حائل وقد روى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب وغيره ان الصلاة على الطنفسة محدث
واسناده صحيح والأولى أن يقال إن هذا من فعل أبى موسى وقد خالفه غيره من الصحابة كابن عمر
وغيره فلا يكون حجة أو لعل أبا موسى كان لا يرى الطهارة شرطا في صحة الصلاة بل يراها واجبة
برأسها وهو مذهب مشهور وقد تقدم مثله في قصة الصحابي الذي صلى بعد ان خرج وظهر عليه
الدم الكثير فلا يكون فيه حجة على أن الروث طاهر كما أنه لا حجة في ذاك على أن الدم طاهر وقياس
غير المأكول على المأكول غير واضح لان الفرق بينهما متجه لو ثبت ان روث المأكول طاهر
وسنذكر ما فيه قريبا والتمسك بعموم حديث أبي هريرة الذي صححه ابن خزيمة وغيره مرفوعا
بلفظ استنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه أولى لأنه ظاهر في تناول جميع الأبوال
فيجب اجتنابها لهذا الوعيد والله أعلم (قوله عن أيوب عن أبي قلابة) كذا رواه البخاري وتابعه
أبو داود عن سليمان بن حرب وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن أبي داود السخستياني وأبى داود
الحراني وأبو نعيم في المستخرج من طريق يوسف القاضي كلهم عن سليمان وخالفهم مسلم
فأخرجه عن هارون بن عبد الله عن سليمان بن حرب وزاد بين أيوب وأبى قلابة أبا رجاء مولى أبى
قلابة وكذا أخرجه أبو عوانة عن أبي أمية الطرسوسي عن سليمان وقال الدارقطني وغيره ثبوت
أبى رجاء وحذفه في حديث حماد بن زيد عن أيوب صواب لان أيوب حدث به عن أبي قلابة بقصة
العرنيين خاصة وكذا رواه أكثر أصحاب حماد بن زيد عنه مقتصرين عليها وحدث به أيوب أيضا
عن أبي رجاء مولى أبى قلابة عن أبي قلابة وزاد فيه قصة طويلة لأبي قلابة مع عمر بن عبد العزيز
كما سيأتي ذلك في كتاب الديات ووافقه على ذلك حجاج الصواف عن أبي رجاء فالطريقان جميعا
صحيحان والله أعلم (قوله عن أنس) زاد الأصيلي ابن مالك (قوله قدم أناس) وللاصيلى
والكشميهني والسرخسي ناس أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرح به المصنف في
الديات من طريق أبى رجاء عن أبي قلابة (قوله من عكل أو عرينة) الشك فيه من حماد وللمصنف
في المحاربين عن قتيبة عن حماد ان رهطا من عكل أو قال من عرينة ولا أعلمه الا قال من عكل وله في
الجهاد عن وهيب عن أيوب ان رهطا من عكل ولم يشك وكذا في المحاربين عن يحيى بن أبي كثير
289

وفى الديات عن أبي رجاء كلاهما عن أبي قلابة وله في الزكاة عن شعبة عن قتادة عن أنس ان ناسا
من عرينة ولم يشك أيضا وكذا لمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس وفى المغازي عن سعيد بن أبي
عروبة عن قتادة ان ناسا من عكل وعرينة بالواو العاطفة وهو الصواب ويؤيده ما رواه أبو
عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال كانوا أربعة من عرينة وثلاثة
من عكل ولا يخالف هذا ما عند المصنف في الجهاد من طريق وهيب عن أيوب وفى الديات من
طريق حجاج الصواف عن أبي رجاء كلاهما عن أبي قلابة عن أنس ان رهطا من عكل ثمانية
لاحتمال أن يكون الثامن من غير القبيلتين وكان من أتباعهم فلم ينسب وغفل من نسب
عدتهم ثمانية لرواية أبى يعلى وهى عند البخاري وكذا عند مسلم وزعم ابن التين تبعا للداودي ان
عرينة هم عكل وهو غلط بل هما قبيلتان متغايرتان عكل من عدنان وعرينة من قحطان وعكل
بضم المهملة واسكان الكاف قبيلة من تيم الرباب وعرينة بالعين والراء المهملتين والنون مصغرا
حي من قضاعة وحى من بجيلة والمراد هنا الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي وكذا رواه
الطبري من وجه آخر عن أنس ووقع عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة باسناد ساقط انهم
من بنى فزارة وهو غلط لان بنى فزارة من مضر لا يجتمعون مع عكل ولا مع عرينة أصلا وذكر ابن إسحاق
في المغازي ان قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادى الآخرة سنة ست وذكرها
المصنف بعد الحديبية وكانت في ذي القعدة منها وذكر الواقدي انها كانت في شوال منها وتبعه
ابن سعد وابن حبان وغيرهما والله أعلم وللمصنف في المحاربين من طريق وهيب عن أيوب أنهم
كانوا في الصفة قبل أن يطلبوا الخروج إلى الإبل (قوله فاجتووا المدينة) زاد في رواية يحيى بن أبي
كثير قبل هذا فأسلموا وفى رواية أبى رجاء قبل هذا فبايعوه على الاسلام قال ابن فارس
اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وان كنت في نعمة وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة
وهو المناسب لهذه القصة وقال القزاز اجتووا أي لم يوافقهم طعامها وقال ابن العربي الجوى
داء يأخذ من الوباء وفى رواية أخرى يعنى رواية أبى رجاء المذكورة استوخموا قال وهو بمعناه
وقال غيره الجوى داء يصيب الجوف وللمصنف من رواية سعيد عن قتادة في هذه القصة فقالوا
يا نبي الله انا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف وله في الطب من رواية ثابت عن أنس أن ناسا كان
بهم سقم قالوا يا رسول الله آونا وأطعمنا فلما صحوا قالوا إن المدينة وخمة والظاهر أنهم قدموا
سقاما فلما صحوا من السقم كرهوا الإقامة بالمدينة لوخمها فأما السقم الذي كان يهم فهو الهزال
الشديد والجهد من الجوع فعند أبى عوانة من رواية غيلان عن أنس كان بهم هزال شديد وعنده
من رواية أبى سعد عنه مصفرة ألوانهم وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو
من حمى المدينة كما عند احمد من رواية حميد عن أنس وسيأتى ذكر حمى المدينة من حديث
عائشة في الطب وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله ان ينقلها إلى الجحفة ووقع عند مسلم من
رواية معاوية بن قرة عن أنس وقع بالمدينة الموم أي بضم الميم وسكون الواو قال وهو البرسام أي
بكسر الموحدة سرياني معرب يطلق على اختلال العقل وعلى ورم الرأس وعلى ورم الصدر
والمراد هنا الأخير فعند أبى عوانة من رواية همام عن قتادة عن أنس في هذه القصة فعظمت
بطونهم (قوله فأمرهم بلقاح) أي فأمرهم ان يلحقوا بها وللمصنف في رواية همام عن قتادة
290

فأمرهم أن يلحقوا براعيه وله عن قتيبة عن حماد فأمر لهم بلقاح بزيادة اللام فيحتمل أن تكون
زائدة أو للتعليل أو لشبه الملك أو للاختصاص وليست للتمليك وعند أبى عوانة من رواية معاوية
ابن قرة التي أخرج مسلم اسنادها انهم بدؤا بطلب الخروج إلى اللقاح فقالوا يا رسول الله قد وقع
هذا الوجع فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل وللمصنف من رواية وهيب عن أيوب انهم قالوا
يا رسول الله أبغنا رسلا أي اطلب لنا لبنا قال ما أجد لكم الا ان تلحقوا بالذود وفى رواية أبى رجاء
هذه نعم لنا تخرج فاخرجوا فيها واللقاح باللام المكسورة والقاف وآخره مهملة النوق ذوات
الألبان واحدها لقحة بكسر اللام واسكان القاف وقال أبو عمرو يقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر
ثم هي لبون وظاهر ما مضى أن اللقاح كانت للنبي وصرح بذلك في المحاربين عن
موسى عن وهيب بسنده فقال الا أن تلحقوا بابل رسول الله صلى الله عليه وسلم وله فيه من رواية
الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بسنده فأمرهم أن يأتوا ابل الصدقة وكذا في الزكاة من طريق
شعبة عن قتادة والجمع بينهما ان ابل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة وصادف بعث النبي صلى
الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء لشرب ألبان الإبل
فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه فخرجوا معه إلى الإبل ففعلوا ما فعلوا وظهر بذلك مصداق قوله
صلى الله عليه وسلم ان المدينة تنفى خبثها وسيأتى في موضعه وذكر ابن سعد أن عدد لقاحه صلى الله
عليه وسلم كانت خمس عشرة وأنهم نحروا منها واحدة يقال لها الحناء وهو في ذلك متابع للواقدي
وقد ذكره الواقدي في المغازي باسناد ضعيف مرسل (قوله وان يشربوا) أي وأمرهم أن يشربوا
وله في رواية أبى رجاء فاخرجوا فاشربوا من ألبانها وأبوالها بصيغة الامر وفى رواية شعبة عن
قتادة فرخص له ان يأتوا الصدقة فيشربوا فأما شربهم ألبان الصدقة فلأنهم من أبناء السبيل
وأما شربهم لبن لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فباذنه المذكور وأما شربهم البول فاحتج به من
قال بطهارته أما من الإبل فبهذا الحديث وأما من مأكول اللحم فبالقياس عليه وهذا قول مالك
وأحمد وطائفة من السلف ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان
والاصطخري والروياني وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها من
مأكول اللحم وغيره واحتج ابن المنذر لقوله بأن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة قال ومن
زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام فلم يصب إذ الخصائص لا تثبت الا بدليل قال وفى ترك أهل
العلم بيع الناس أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديما وحديثا من
غير نكير دليل على طهارتها (قلت) وهو استدلال ضعيف لان المختلف فيه لا يجب انكاره فلا يدل
ترك انكاره على جوازه فضلا عن طهارته وقد دل على نجاسة الأبوال كلها حديث أبي هريرة
الذي قدمناه قريبا وقال ابن العربي تعلق بهذا الحديث من قال بطهارة أبوال الإبل وعورضوا
بأنه أذن لهم في شربها للتداوي وتعقب بأن التداوي ليس حال ضرورة بدليل أنه لا يجب
فكيف يباح الحرام لما لا يجب وأجيب بمنع أنه ليس حال ضرورة بل هو حال ضرورة إذا أخبره
بذلك من يعتمد على خبره وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقت تناوله لقوله تعالى وقد فصل لكم
ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه فما اضطر إليه المرء فهو غير محرم عليه كالميتة للمضطر والله أعلم
وما تضمنه كلامه من أن الحرام لا يباح الا لأمر واجب غير مسلم فان الفطر في رمضان حرام ومع
291

ذلك فيباح لأمر جائز كالسفر مثلا وأما قول غيره لو كان نجسا ما جاز التداوي به لقوله صلى الله
عليه وسلم ان الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها رواه أبو داود من حديث أم سلمة وستأتى له
طريق أخرى في الأشربة من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى والنجس حرام فلا يتداوى به لأنه غير
شفاء فجوابه ان الحديث محمول على حالة الاختبار وأما في حال الضرورة فلا يكون حراما كالميتة
للمضطر ولا يرد قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر انها ليست بدواء انها داء في جواب من سأله عن
التداوي بها فيما رواه مسلم فان ذلك خاص بالخمر ويلتحق به غيرها من المسكر والفرق بين المسكر
وبين غيره من النجاسات ان الحد يثبت باستعماله في حالة الاختيار دون غيره ولان شربه يجر إلى
مفاسد كثيرة ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف
معتقدهم قاله الطحاوي بمعناه وأما أبوال الإبل فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعا ان في
أبوال الإبل شفاء لذربة بطونهم والذرب فساد المعدة فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت
نفى الدواء عنه والله أعلم وبهذه الطريق يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بمقتضاها كلها (قوله فلما
صحوا) في السياق حذف تقديره فشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحوا وقد ثبت ذلك في رواية
أبى رجاء وزاد في رواية وهيب وسمنوا وللإسماعيلي من رواية ثابت ورجعت إليهم ألوانهم
(قوله واستاقوا النعم) من السوق وهو السير العنيف (قوله فجاء الخبر) في رواية وهيب عن
أيوب الصريخ بالخاء المعجمة وهو فعيل بمعنى فاعل أي صرخ بالأعلام بما وقع منهم وهذا الصارخ
هو أحد الراعيين كما ثبت في صحيح أبى عوانة من رواية معاوية بن قرة عن أنس وقد أخرج مسلم
اسناده ولفظه فقتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر قد جزع فقال قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل
واسم راعى النبي صلى الله عليه وسلم المقتول يسار بياء تحتانية ثم مهملة خفيفة كذا ذكره ابن إسحاق
في المغازي ورواه الطبراني موصولا من حديث سلمة بن الأكوع باسناد صالح قال كان
للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يقال له يسار زاد ابن إسحاق أصابه في غزوة بنى ثعلبة قال سلمة فرآه
يحسن الصلاة فأعتقه وبعثه في لقاح له بالحرة فكان بها فذكر قصة العرنيين وانهم قتلوه ولم أقف
على تسمية الراعي الآتي بالخبر والظاهر أنه راعى ابل الصدقة ولم تختلف روايات البخاري في أن
المقتول راعى النبي صلى الله عليه وسلم وفى ذكره بالافراد وكذا لمسلم لكن عنده من رواية عبد
العزيز بن صهيب عن أنس ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم بصيغة الجمع ونحوه لابن حبان من رواية
يحيى بن سعيد عن أنس فيحتمل أن أبل الصدقة كان لها رعاة فقتل بعضهم مع راعى اللقاح
فاقتصر بعض الرواة على راعى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر بعضهم معه غيره ويحتمل أن يكون
بعض الرواة ذكره بالمعنى فتجوز في الاتيان بصيغة الجمع وهذا أرجح لان أصحاب المغازي لم يذكر
أحد منهم أنهم قتلوا غير يسار والله أعلم (قوله فبعث في آثارهم) زاد في رواية الأوزاعي
الطلب وفى حديث سلمة بن الأكوع خيلا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري وكذا ذكره
ابن إسحاق والأكثرون وهو بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي وللنسائي من رواية الأوزاعي
فبعث في طلبهم قافة أي جمع قائف ولمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس انهم شباب من
الأنصار قريب من عشرين رجلا وبعث معهم قائفا يقتص آثارهم ولم أقف على اسم هذا
القائف ولا على اسم واحد من العشرين لكن في مغازى الواقدي ان السرية كانت عشرين
292

رجلا ولم يقل من الأنصار بل سمى منهم جماعة من المهاجرين منهم بريدة بن الحصيب وسلمة بن
الأكوع الأسلميان وجندب ورافع ابنا مكيث الجهنيان وأبو ذر وأبو رهم الغفاريان وبلال بن
الحرث وعبد الله بن عمرو بن عوف المزنيان وغيرهم والواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا
خالف لكن يحتمل ان يكون من لم يسمه الواقدي من الأنصار فاطلق الأنصار تغليبا أو قيل
للجميع أنصار بالمعنى الأعم وفى مغازى موسى بن عقبة ان أمير هذه السرية سعيد بن زيد كذا
عنده بزيادة ياء والذي ذكره غيره انه سعد بسكون العين ابن زيد الأشهلي وهذا أيضا انصارى
فيحتمل انه كان رأس الأنصار وكان كرز أمير الجماعة وروى الطبري وغيره من حديث جرير بن
عبد الله البجلي ان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في آثارهم لكن اسناده ضعيف والمعروف ان
جريرا تأخر اسلامه عن هذا الوقت بمدة والله أعلم (قوله فلما ارتفع) فيه حذف تقديره
فأدركوا في ذلك اليوم فاخذوا فلما ارتفع النهار جئ بهم أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسارى
(قوله فامر بقطع) كذا للأصيلي والمستملى والسرخسي وللباقين فقطع أيديهم وأرجلهم قال
الداودي يعنى قطع يدي كل واحد ورجليه (قلت) ترده رواية الترمذي من خلاف وكذا
ذكره الإسماعيلي عن الفريابي عن الأوزاعي بسنده وللمصنف من رواية الأوزاعي أيضا ولم
يحسمهم أي لم يكو ما قطع منهم بالنار لينقطع الدم بل تركه ينزف (قوله وسمرت أعينهم) بتشديد
الميم وفى رواية أبى رجاء وسمر بتخفيف الميم ولم تختلف روايات البخاري في أنه بالراء ووقع لمسلم من
رواية عبد العزيز وسمل بالتخفيف واللام قال الخطابي السمل فقء العين بأي شئ كان قال
أبو ذءب الهذلي والعين بعدهم كأن حداقها * سملت بشوك فهي عور تدمع
قال والسمر لغة في السمل ومخرجهما متقارب قال وقد يكون من المسمار يريد انهم كحلوا باميال
قد أحميت (قلت) قد وقع التصريح بالمراد عند المصنف من رواية وهيب عن أيوب ومن رواية
الأوزاعي عن يحيى كلاهما عن أبي قلابة ولفظه ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها فهذا يوضح
ما تقدم ولا يخالف ذلك رواية السمل لأنه فقء العين بأي شئ كان كما مضى (قوله وألقوا
في الحرة) هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة وانما ألقوا فيها لأنها قرب المكان الذي
فعلوا فيه ما فعلوا (قوله يستسقون فلا يسقون) زاد وهيب والأوزاعي حتى ماتوا وفى رواية أبى
رجاء ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا وفى رواية شعبة عن قتادة يعضون الحجارة وفى الطب من رواية
ثابت قال أنس فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت ولابى عوانة من هذا الوجه
يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة وزعم الواقدي انهم صلبوا والروايات
الصحيحة ترده لكن عند أبي عوانة من رواية أبى عقيل عن أنس فصلب اثنين وقطع اثنين وسمل
اثنين كذا ذكر ستة فقط فإن كان محفوظا فعقوبتهم كانت موزعة ومال جماعة منهم ابن الجوزي
إلى أن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص لما عند مسلم من حديث سليمان التيمي عن أنس
انما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لانهم سملوا أعين الرعاة وقصر من اقتصر في عزوه
للترمذي والنسائي وتعقبه ابن دقيق العيد بان المثلة في حقهم وقعت من جهات وليس في الحديث
الا السمل فيحتاج إلى ثبوت البقية (قلت) كأنهم تمسكوا بما نقله أهل المغازي انهم مثلوا
بالراعي وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في
293

النهى عن المثلة هذا الحديث ينسخ كل مثلة وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى
تاريخ (قلت) يدل عليه ما رواه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهى عن التعذيب
بالنار بعد الاذن فيه وقصة العرنيين قبل اسلام أبي هريرة وقد حضر الاذن ثم النهى وروى قتادة
عن ابن سيرين ان قصتهم كانت قبل ان تنزل الحدود ولموسى بن عقبة في المغازي وذكروا ان النبي
صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة والى هذا مال البخاري
وحكاه امام الحرمين في النهاية عن الشافعي واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء للاجماع
على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع وأجاب بان ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه
وسلم ولا وقع منه نهى عن سقيهم انتهى وهو ضعيف جدا لان النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على
ذلك وسكوته كاف في ثبوت الحكم وأجاب النووي بان المحارب المرتد لا حرمة له في سقى الماء ولا
غيره ويدل عليه ان من ليس معه ماء الا لطهارته ليس له ان يسقيه للمرتد ويتيمم بل يستعمله ولو
مات المرتد عطشا وقال الخطابي انما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ذلك لأنه أراد بهم الموت
بذلك وقيل إن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقى ألبان الإبل التي حصل لهم بها
الشفاء من الجوع والوخم ولان النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالعطش على من عطش آل بيته في
قصة رواها النسائي فيحتمل ان يكونوا في تلك الليلة منعوا ارسال ما جرت به العادة من اللبن
الذي كان يراح به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من لقاحه في كل ليلة كما ذكر ذلك ابن سعد والله أعلم
(قوله قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا) أي لانهم أخذوا اللقاح من حرز مثلها وهذا قاله أبو قلابة
استنباطا (قوله وقتلوا) أي الراعي كما تقدم (قوله وكفروا) هو في رواية سعيد عن قتادة عن أنس
في المغازي وكذا في رواية وهيب عن أيوب في الجهاد في أصل الحديث وليس موقوفا على أبى
قلابة كما توهمه بعضهم وكذا قوله وحاربوا ثبت عند أحمد من رواية حميد عن أنس في أصل
الحديث وهربوا محاربين وستأتى قصة أبى قلابة في هذا الحديث مع عمر بن عبد العزيز في مسئلة
القسامة من كتاب الديات إن شاء الله تعالى وفى هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم قدوم الوفود
على الامام ونظره في مصالحهم وفيه مشروعية الطب والتداوي بالبان الإبل وأبوالها وفيه ان
كل جسد يطب بما اعتاده وفيه قتل الجماعة بالواحد سواء قتلوه غيلة أو حرابة ان قلنا إن قتلهم
كان قصاصا وفيه المماثلة في القصاص وليس ذلك من المثلة المنهى عنها وثبوت حكم المحاربة في
الصحراء واما في القرى ففيه خلاف وفيه جواز استعمال أبناء السبيل ابل الصدقة في الشرب وفى
غيره قياسا عليه بإذن الامام وفيه العمل بقول القائف وللعرب في ذلك المعرفة التامة (قوله أبو
التياح) تقدم انه بالمثناة الفوقانية ثم التحتانية المشددة وآخره مهملة وهذا الحديث في الصلاة
في مرابض الغنم تمسك به من قال بطهارة أبوالها وأبعارها قالوا لأنها لا تخلو من ذلك فدل على أنهم
كانوا يباشرونها في صلاتهم فلا تكون نجسة ونوزع من استدل بذلك الاحتمال الحائل
وأجيب بأنهم لم يكونوا يصلون على حائل دون الأرض وفيه نظر لأنها شهادة نفى لكن قد يقال إنها
مستندة إلى أصل والجواب ان في الصحيحين عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على
حصير في دارهم وصح عن عائشة انه كان يصلى على الخمرة وقال ابن حزم هذا الحديث منسوخ
لان فيه ان ذلك كان قبل ان يبنى المسجد فاقتضى انه في أول الهجرة وقد صح عن عائشة ان النبي
294

صلى الله عليه وسلم أمرهم ببناء المساجد في الدور وان تطيب وتنظف رواه أحمد وأبو داود
وغيرهما وصححه ابن خزيمة وغيره ولابى داود نحوه من حديث سمرة وزاد وان نطهرها قال وهذا
بعد بناء المسجد وما ادعاه من النسخ يقتضى الجواز ثم المنع وفيه نظر لان اذنه صلى الله عليه وسلم
في الصلاة في مرابض الغنم ثابت عند مسلم من حديث جابر بن سمرة نعم ليس فيه دلالة على طهارة
المرابض لكن فيه أيضا النهى عن الصلاة في معاطن الإبل فلو اقتضى الاذن الطهارة لاقتضى
النهى التنجيس ولم يقل أحد بالفرق لكن المعنى في الاذن والنهى بشئ لا يتعلق بالطهارة ولا
النجاسة وهو أن الغنم من دواب الجنة والإبل خلقت من الشياطين والله أعلم (قوله باب
ما يقع من النجاسات في السمن والماء) أي هل ينجسهما أم لا أو لا ينجس الماء الا إذا تغير دون غيره
وهذا الذي يظهر من مجموع ما أورده المصنف في الباب من أثر وحديث (قوله وقال الزهري)
وصله ابن وهب في جامعه عن يونس عنه وروى البيهقي معناه من طريق أبى عمرو وهو الأوزاعي
عن الزهري (قوله لا بأس بالماء) أي لا حرج في استعماله في كل حالة فهو محكوم بطهارته ما لم يغيره
طعم أي من شئ نجس أو ريح منه أو لون ولفظ يونس عنه كل ما فيه قوة عما يصيبه من الأذى حتى
لا يغير ذلك طعمه ولا ريحه ولا لونه فهو طاهر ومقتضى هذا انه لا يفرق بين القليل والكثير الا
بالقوة المانعة للملاقى ان يغير أحد أوصافه فالعبرة عنده بالتغير وعدمه ومذهب الزهري هذا
صار إليه طوائف من العلماء وقد تعقبه أبو عبيد في كتاب الطهور بأنه يلزم منه ان من بال في إبريق
ولم يغير للماء وصفا انه يجوز له التطهر به وهو مستبشع ولهذا نصر قول التفريق بالقلتين وانما لم
يخرجه البخاري لاختلاف وقع في اسناده لكن رواته ثقات وصححه جماعة من الأئمة الا ان
مقدار القلتين لم يتفق عليه واعتبره الشافعي بخمس قرب من قرب الحجاز احتياطا وخصص به
حديث ابن عباس مرفوعا الماء لا ينجسه شئ وهو حديث صحيح رواه الأربعة وابن خزيمة وغيرهم
وسيأتي مزيد للقول في هذا في الباب الذي بعده وقول الزهري هذا ورد فيه حديث مرفوع قال
الشافعي لا يثبت أهل الحديث مثله لكن لا أعلم في المسئلة خلافا يعنى في تنجيس الماء إذا تغير أحد
أوصافه بالنجاسة والحديث المشار إليه أخرجه ابن ماجة من حديث أبي أمامة واسناده ضعيف
وفيه اضطراب أيضا (قوله وقال حماد) هو ابن أبي سليمان الفقيه الكوفي (قوله لا بأس بريش
الميتة) أي ليس نجسا ولا ينجس الماء بملاقاته سواء كان ريش مأكول أو غيره وأثره هذا وصله
عبد الرزاق عن معمر عنه (قوله وقال الزهري في عظام الموتى نحو الفيل وغيره) أي مما لا يؤكل
(أدركت ناسا) أي كثيرا والتنوين للتكثير (قوله ويدهنون) بتشديد الدال من باب الافتعال
ويجوز ضم أوله واسكان الدال وهذا يدل على أنهم كانوا يقولون بطهارته وسنذكر الخلاف فيه
قريبا (قوله وقال ابن سيرين وإبراهيم) لم يذكر السرخسي إبراهيم في روايته ولا أكثر الرواة عن
الفربري واثر ابن سيرين وصله عبد الرزاق بلفظ انه كان لا يرى بالتجارة في العاج بأسا وهذا يدل
على أنه كان يراه طاهرا لأنه لا يجيز بيع النجس ولا المتنجس الذي لا يمكن تطهيره بدليل قصته
المشهورة في الزيت والعاج هو ناب الفيل قال ابن سيده لا يسمى غيره عاجا وقال القزاز أنكر
الخليل أن يسمى غير ناب الفيل عاجا وقال ابن فارس والجوهري العاج عظم الفيل فلم يخصصاه
بالناب وقال الخطابي تبعا لابن قتيبة العاج الذبل وهو ظهر السلحفاة البحرية وفيه نظر ففي
295

الصحاح المسك السوار من عاج أو ذبل فغاير بينهما لكن قال القالي العرب تسمى كل عظم عاجا
فان ثبت هذا فلا حجة في الأثر المذكور على طهارة عظم الفيل لكن ايراد البخاري له عقب أثر
الزهري في عظم الفيل يدل على اعتبار ما قال الخليل وقد اختلفوا في عظم الفيل بناء على أن
العظم هل تحله الحياة أم لا فذهب إلى الأول الشافعي واستدل له بقوله تعالى قال من يحيى العظام
وهى رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة فهذا ظاهر في أن العظم تحله الحياة وذهب إلى الثاني
أبو حنيفة وقال بطهارة العظام مطلقا وقال مالك هو طاهر ان ذكى بناء على قوله إن غير المأكول
يطهر بالتزكية وهو قول أبي حنيفة (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قوله عن
ميمونة) هي بنت الحرث خالة ابن عباس (قوله سئل عن فأرة) بهمزة ساكنة والسائل عن ذلك
هي ميمونة ووقع في رواية يحيى القطان وجويرية عن مالك في هذا الحديث أن ميمونة استفتت
رواه الدارقطني وغيره (قوله سقطت في سمن) زاد النسائي من رواية عبد الرحمن بن مهدي
عن مالك في سمن جامد وزاد المصنف في الذبائح من رواية ابن عيينة عن ابن شهاب فماتت (قوله
وما حولها) أي من السمن (قوله حدثنا معن) هو ابن عيسى القزاز (قوله خذوها وما حولها
فاطرحوه) أي الجميع وكلوا الباقي كما دلت عليه الرواية الأولى (قوله قال معن) هو قول
علي بن عبد الله فهو متصل وأبعد من قاله انه معلق وانما أورد البخاري كلام معن وساق حديثه
بنزول بالنسبة للاسناد الذي قبله مع موافقته له في السياق للإشارة إلى الاختلاف على مالك
في اسناده فرواه أصحاب الموطأ عنه واختلفوا فمنهم من ذكره عنه هكذا كيحيى بن يحيى وغيره
ومنهم من لم يذكر فيه ميمونة كالقعنبي وغيره ومنهم لم يذكر فيه ابن عباس كأشهب وغيره
ومنهم من لم يذكر ابن عباس ولا ميمونة كيحيى بن بكير وأبى مصعب ولم يذكر أحد منهم لظفة جامد
الا عبد الرحمن بن مهدي وكذا ذكرها أبو داود الطيالسي في مسنده عن سفيان بن عيينة
عن ابن شهاب ورواه الحميدي والحفاظ من أصحاب ابن عيينة بدونها وجودوا اسناده فذكروا
فيه ابن عباس وميمونة وهو الصحيح ورواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب مجودا وله فيه عن
ابن شهاب اسناد آخر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولفظه سئل رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن قال إذا كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا
تقربوه وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال في رواية معمر هذه هي خطأ وقال ابن أبي حاتم عن
أبيه انها وهم وأشار الترمذي إلى أنها شاذة وقال الذهلي في الزهريات الطريقان عندنا محفوظان
لكن طريق ابن عباس عن ميمونة أشهر والله أعلم وقد استشكل ابن التين ايراد البخاري كلام معن
هذا مع كونه غير مخالف لرواية إسماعيل وأجيب بان مراده ان إسماعيل لم ينفرد بتجويد اسناده
وظهر لي وجه آخر وهو ان رواية معن المذكورة وقعت خارج الموطأ هكذا وقد رواها في الموطأ فلم
يذكر ابن عباس ولا ميمونة كذا أخرجه الإسماعيلي وغيره من طريقه فأشار المصنف إلى أن
هذا الاختلاف لا يضر لان مالكا كان يصله تارة ويرسله تارة ورواية الوصل عنه مقدمة قد سمعه
منه معن بن عيسى مرارا وتابعه غيره من الحفاظ والله أعلم * (فائدة) * أخذ الجمهور بحديث
معمر الدال على التفرقة بين الجامد والذائب ونقل ابن عبد البر الاتفاق على أن الجامد إذا
وقعت فيه ميتة طرحت وما حولها منه إذا تحقق أن شيئا من أجزائها لم يصل إلى غير ذلك منه
296

وأما المائع فاختلفوا فيه فذهب الجمهور إلى أنه ينجس كله بملاقاة النجاسة وخالف فريق منهم
الزهري والأوزاعي وسيأتى ايضاح ذلك في كتاب الذبائح وكذلك مسئلة الانتفاع بالدهن النجس
أو المتنجس إن شاء الله تعالى قال ابن المنير مناسبة حديث السمن للآثار التي قبله اختيار المصنف
ان المعتبر في التنجيس تغير الصفات فلما كان ريش الميتة لا يتغير بتغيرها بالموت وكذا عظمها
فكذلك السمن البعيد عن موقع الميتة إذا لم يتغير واقتضى ذلك أن الماء إذا لاقته النجاسة ولم يتغير
انه لا يتنجس (قوله حدثنا أحمد بن محمد) أي ابن أبي موسى المروزي المعروف بمردويه وعبد الله
هو ابن المبارك (قوله كل كلم) بفتح الكاف واسكان اللام (يكلمه) بضم أوله واسكان الكاف
وفتح اللام أي كل جرح يجرحه (قوله في سبيل الله) قيد يخرج ما يصيب المسلم من الجراحات
في غير سبيل الله وزاد في الجهاد من طريق الأعرج عن أبي هريرة والله أعلم بمن يكلم في سبيله وفيه
إشارة إلى أن ذلك انما يحصل لمن خلصت نيته (قوله تكون كهيئتها) أعاد الضمير مؤنثا لإرادة
الجراحة ويوضحه رواية القابسي عن أبي زيد المروزي عن الفربري كل كلمة يكلمها وكذا هو
في رواية ابن عساكر (قوله تفجر) بفتح الجيم المشددة وحذف التاء الأولى إذ أصله تنفجر (قوله
والعرف) بفتح المهملة وسكون الراء الريح والحكمة في كون الدم يأتي يوم القيامة على هيئته
أنه يشهد لصاحبه بفضله وعلى ظالمه بفعله وفائدة رائحته الطيبة ان تنتشر في أهل الموقف اظهارا
لفضيلته أيضا ومن ثم لم يشرع غسل الشهيد في المعركة وقد استشكل ايراد المصنف لهذا الحديث
في هذا الباب فقال الإسماعيلي هذا الحديث لا يدخل في طهارة الدم ولا نجاسته وانما ورد في فضل
المطعون في سبيل الله وأجيب بان مقصود المصنف بايراده تأكيد مذهبه في أن الماء لا يتنجس
بمجرد الملاقاة ما لم يتغير فاستدل بهذا الحديث على أن تبدل الصفة تؤثر في الموصوف فكما ان تغير
صفة الدم بالرائحة الطيبة أخرجه من الذم إلى المدح فكذلك تغير صفة الماء إذا تغير بالنجاسة
يخرجه عن صفة الطهارة إلى النجاسة وتعقب بان الغرض اثبات انحصار التنجيس بالتغير وما
ذكر يدل على أن التنجيس يحصل بالتغير وهو وفاق لا انه لا يحصل الا به وهو موضع النزاع وقال
بعضهم مقصود البخاري ان يبين طهارة المسك ردا على من يقول بنجاسته لكونه دما انعقد فلما
تغير عن الحالة المكروهة من الدم وهى الزهم وقبح الرائحة إلى الرائحة الممدوحة وهى طيب رائحة
المسك دخل عليه الحل وانتقل من حالة النجاسة إلى حالة الطهارة كالخمرة إذا تخللت وقال ابن
رشيد مراده ان انتقال الدم إلى الرائحة الطيبة هو الذي نقله من حالة الذم إلى حالة المدح فحصل
من هذا تغليب وصف واحد وهو الرائحة على وصفين وهما الطعم واللون فيستنبط منه انه متى
تغير أحد الأوصاف الثلاثة بصلاح أو فساد تبعه الوصفان الباقيان وكأنه أشار بذلك إلى رد
ما نقل عن ربيعة وغيره ان تغير الوصف الواحد لا يؤثر حتى يجتمع وصفان قال ويمكن أن يستدل
به على أن الماء إذا تغير ريحه بشئ طيب لا يسلبه اسم الماء كما أن الدم لم ينتقل عن اسم الدم مع تغير
رائحته إلى رائحة المسك لأنه قد سماه دما مع تغير الريح فما دام الاسم واقعا على المسمى فالحكم
تابع له اه‍ كلامه ويرد على الأول انه يلزم منه ان الماء إذا كانت أوصافه الثلاثة فاسدة ثم تغيرت
صفة واحدة منها إلى صلاح انه يحكم بصلاحه كله وهو ظاهر الفساد وعلى الثاني انه لا يلزم من
كونه لم يسلب اسم الماء ان لا يكون موصوفا بصفة تمنع من استعماله مع بقاء اسم الماء عليه والله
297

أعلم وقال ابن دقيق العيد لما نقل قول من قال إن الدم لما انتقل بطيب رائحته من حكم النجاسة
إلى الطهارة ومن حكم القذارة إلى الطيب لتغير رائحته حتى حكم له بحكم المسك وبالطيب
للشهيد فكذلك الماء ينتقل بتغير رائحته من الطهارة إلى النجاسة قال هذا ضعيف مع تكلفه
* (قوله باب البول في الماء الدائم) أي الساكن يقال دوم الطائر تدويما إذا صف
جناحيه في الهواء فلم يحركهما وفى رواية الأصيلي باب لا تبولوا في الماء الدائم وهى بالمعنى (قوله
الأعرج) كذا رواه شعيب ووافقه ابن عيينة فيما رواه الشافعي عنه عن أبي الزناد وكذا أخرجه
الإسماعيلي ورواه أكثر أصحاب ابن عيينة عنه عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي
هريرة ومن هذا الوجه أخرجه النسائي وكذا أخرجه أحمد من طريق الثوري عن أبي الزناد
والطحاوي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه والطريقان معا صحيحان ولابى الزناد فيه
شيخان ولفظهما في سياق المتن مختلف كما سنشير إليه (قوله نحن الآخرون السابقون)
اختلف في الحكمة في تقديم هذه الجملة على الحديث المقصود فقال ابن بطال يحتمل أن يكون أبو
هريرة سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مع ما بعده في نسق واحد فحدث بهما جميعا ويحتمل
أن يكون همام فعل ذلك لأنه سمعها من أبي هريرة والا فليس في الحديث مناسبة للترجمة (قلت)
جزم ابن التين بالأول وهو متعقب فإنه لو كان حديثا واحدا ما فصله المصنف بقوله وباسناده
وأيضا فقوله نحن الآخرون السابقون طرف من حديث مشهور في ذكر يوم الجمعة سيأتي
الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى فلو راعى البخاري ما ادعاه لساق المتن بتمامه وأيضا فحديث
الباب مروى بطرق متعددة عن أبي هريرة في دواوين الأئمة وليس في طريق منها في أوله نحن
الآخرون السابقون وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبى اليمان شيخ البخاري بدون
هذه الجملة وقول ابن بطال ويحتمل أن يكون همام وهم تبعه عليه جماعة وليس لهمام ذكر في هذا
الاسناد وقوله إنه ليس في الحديث مناسبة للترجمة صحيح وإن كان غيره تكلف فأبدى بينهما مناسبة
كما سنذكره والصواب ان البخاري في الغالب يذكر الشئ كما سمعه جملة لتضمنه موضع الدلالة
المطلوبة منه وان لم يكن باقيه مقصودا كما صنع في حديث عروة البارقي في شراء الشاة كما سيأتي
بيانه في الجهاد وأمثلة ذلك في كتابه كثيرة وقد وقع لمالك نحو هذا في الموطأ إذ أخرج في باب صلاة
الصبح والعتمة متونا بسند واحد أولها مر رجل بغصن شوك وآخرها لو يعلمون ما في الصبح والعتمة
لأتوهما ولو حبوا وليس غرضه منه الا الحديث الأخير لكنه أداها على الوجه الذي سمعه
قال ابن العربي في القبس نرى الجهال يتعبون في تأويلها ولا تعلق للأول منها بالباب أصلا وقال
غيره وجه المناسبة بينهما ان هذه الأمة آخر من يدفن من الأمم في الأرض وأول من يخرج منها
لان الوعاء آخر ما يوضع فيه أول ما يخرج منه فكذلك الماء الراكد آخر ما يقع فيه من البول أول
ما يصادف أعضاء المتطهر فينبغي ان يجتنب ذلك ولا يخفى ما فيه وقيل وجه المناسبة أن بني إسرائيل
وان سبقوا في الزمان لكن هذه الأمة سبقتهم باجتناب الماء الراكد إذا وقع البول فيه
فلعلهم كانوا لا يجتنبونه وتعقب بان بني إسرائيل كانوا أشد مبالغة في اجتناب النجاسة بحيث
كانت النجاسة إذا أصابت جلد أحدهم قرضه فكيف يظن بهم التساهل في هذا وهو استبعاد
لا يستلزم رفع الاحتمال المذكور وما قررناه أولى وقد وقع البخاري في كتاب التعبير في حديث
298

أورده من طريق همام عن أبي هريرة مثل هذا صدره أيضا بقوله نحن الآخرون السابقون قال
وباسناده ولا يتأتى فيه المناسبة المذكورة مع ما فيها من التكلف والظاهر أن نسخة أبى الزناد
عن الأعرج عن أبي هريرة كنسخة معمر عن همام عنه ولهذا قل حديث يوجد في هذه الا وهو
في الأخرى وقد اشتملتا على أحاديث كثيرة أخرج الشيخان غالبها وابتداء كل نسخة منهما حديث
نحن الآخرون السابقون فلهذا صدر به البخاري فيما أخرجه من كل منهما وسلك مسلم في نسخة
همام طريقا أخرى فيقول في كل حديث أخرجه منها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكر
أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكر الحديث الذي يريده يشير بذلك إلى أنه
من أثناء النسخة لا أولها والله أعلم (قوله الذي لا يجرى) قيل هو تفسير للدائم وايضاح لمعناه
وقيل احترز به عن راكد يجرى بعضه كالبرك وقيل احترز به عن الماء الدائم لأنه جار من حيث
الصورة ساكن من حيث المعنى ولهذا لم يذكر هذا القيد في رواية أبى عثمان عن أبي هريرة التي
تقدمت الإشارة إليها حيث جاء فيها بلفظ الراكد بدل الدائم وكذا أخرجه مسلم من حديث جابر
وقال ابن الأنباري الدائم من حروف الأضداد يقال للساكن والدائر ومنه أصاب الرأس دوام
أي دوار وعلى هذا فقوله الذي لا يجرى صفة مخصصة لاحد معنى المشترك وقيل الدائم والراكد
مقابلان للجاري لكن الدائم الذي له نبع والراكد الذي لا نبع له (قوله ثم يغتسل) بضم اللام
على المشهور وقال ابن مالك يجوز الجزم عطفا على يبولن لأنه مجزوم الموضع بلا الناهية ولكنه بنى
على الفتح لتوكيده بالنون ومنع ذلك القرطبي فقال لو أراد النهى لقال ثم لا يغتسلن فحينئذ
يتساوى الأمران في النهى عنهما لان المحل الذي تواردا عليه شئ واحد وهو الماء قال فعدوله عن
ذلك يدل على أنه لم يرد العطف بل نبه على مآل الحال والمعنى انه إذا بال فيه قد يحتاج إليه فيمتنع
عليه استعماله ومثله بقوله صلى الله عليه وسلم لا يضربن أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها
فإنه لم يروه أحد بالجزم لان المراد النهى عن الضرب لأنه يحتاج في مال حاله إلى مضاجعتها فتمتنع
لاساءته إليها فلا يحصل له مقصوده وتقدير اللفظ ثم هو يضاجعها وفى حديث الباب ثم هو يغتسل
منه وتعقب بأنه لا يلزم من تأكيد النهى ان لا يعطف عليه نهى آخر غير مؤكد لاحتمال ان
يكون للتأكيد في أحدهما معنى ليس للآخر قال القرطبي ولا يجوز النصب إذ لا تضمر ان بعد ثم
وأجازه ابن مالك باعطاء ثم حكم الواو وتعقبه النووي بان ذلك يقتضى ان يكون المنهى عنه الجمع
بين الامرين دون افراد أحدهما وضعفه ابن دقيق العيد بأنه لا يلزم أن يدل عل الاحكام المتعددة
لفظ واحد فيؤخذ النهى عن الجمع بينهما من هذا الحديث ان ثبتت رواية النصب ويؤخذ
النهى عن الافراد من حديث آخر (قلت) وهو ما رواه مسلم من حديث جابر عن النبي صلى الله
عليه وسلم انه نهى عن البول في الماء الراكد وعنده من طريق أبى السائب عن أبي هريرة بلفظ
لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب وروى أبو داود النهى عنهما في حديث واحد ولفظه
لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة واستدل به بعض الحنفية على تنجيس
الماء المستعمل لان البول ينجس الماء فكذلك الاغتسال وقد نهى عنهما معا وهو للتحريم فيدل
على النجاسة فيهما ورد بأنها دلالة اقتران وهى ضعيفة وعلى تقدير تسليمها فلا يلزم التسوية
فيكون النهى عن البول لئلا ينجسه وعن الاغتسال فيه لئلا يسلبه الطهورية ويزيد ذلك وضوحا
299

قوله في رواية مسلم كيف يفعل يا أبا هريرة قال يتناوله تناولا فدل على أن المنع من الانغماس فيه
لئلا يصير مستعملا فيمتنع على الغير الانتفاع به والصحابي أعلم بموارد الخطاب من غيره وهذا من
أقوى الأدلة على أن المستعمل غير طهور وقد تقدمت الأدلة على طهارته ولا فرق في الماء الذي
لا يجرى في الحكم المذكور بين بول الآدمي وغيره خلافا لبعض الحنابلة ولا بين ان يبول
في الماء أو يبول في اناء ثم يصبه فيه خلافا للظاهرية وهذا كله محمول على الماء القليل عند
أهل العلم على اختلافهم في حد القليل وقد تقدم قول من لا يعتبر الا التغير وعدمه وهو قوى
لكن الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه وقد اعترف الطحاوي من الحنفية بذلك لكنه
اعتذر عن القول به بان القلة في العرف تطلق على الكبيرة والصغيرة كالجرة ولم يثبت من الحديث
تقديرهما فيكون مجملا فلا يعمل به وقواه ابن دقيق العيد لكن استدل له غيرهما فقال أبو عبيد
القاسم بن سلام المراد القلة الكبيرة إذ لو أراد الصغيرة لم يحتج لذكر العدد فان الصغيرتين قدر
واحدة كبيرة ويرجع في الكبيرة إلى العرف عند أهل الحجاز والظاهر أن الفاء عليه السلام
ترك تحديدهما على سبيل التوسعة والعلم محيط بأنه ما خاطب الصحابة الا بما يفهمون فانتفى
الاجمال لكن لعدم التحديث وقع الخلف بين السلف في مقدارهما على تسعة أقوال حكاها
ابن المنذر ثم حدث بعد ذلك تحديدهما بالأرطال واختلف فيه أيضا ونقل عن مالك انه
حمل النهى على التنزيه فيما لا يتغير وهو قول الباقين في الكثير وقال القرطبي يمكن حمله على
التحريم مطلقا على قاعدة سد الذريعة لأنه يفضى إلى تنجيس الماء (قوله ثم يغتسل فيه) كذا
هنا وفى رواية ابن عيينة عن أبي الزناد ثم يغتسل منه وكذا لمسلم من طريق ابن سيرين وكل من
اللفظين يفيد حكما بالنص وحكما بالاستنباط قاله ابن دقيق العيد ووجهه ان الرواية بلفظ فيه
تدل على منع الانغماس بالنص وعلى منع التناول بالاستنباط والرواية بلفظ منه بعكس ذلك
وكله مبنى على أن الماء ينجس بملاقاة النجاسة والله أعلم (قوله باب إذا ألقى على ظهر
المصلى قذر) بفتح الذال المعجمة أي شئ نجس (أو جيفة) أي ميتة لها رائحة (قوله لم تفسد) محله
ما إذا لم يعلم بذلك وتمادى ويحتمل الصحة مطلقا على قول من ذهب إلى أن اجتناب النجاسة
في الصلاة ليس بفرض وعلى قول من ذهب إلى منع ذلك في الابتداء دون ما يطرأ واليه ميل
المصنف وعليه يتخرج صنيع الصحابي الذي استمر في الصلاة بعد أن سالت منه الدماء برمى من
رماه وقد تقدم الحديث عن جابر بذلك في باب من لم ير الوضوء الا من المخرجين (قوله وكان ابن
عمر) هذا الأثر وصله ابن أبي شيبة من طريق برد بن سنان عن نافع عنه انه كان إذا في الصلاة
فرأى في ثوبه دما فاستطاع ان يضعه وضعه وان لم يستطع خرج فغسله ثم جاء فيبنى على ما كان
صلى واسناده صحيح وهو يقتضى أنه كان يرى التفرقة بين الابتداء والدوام وهو قول جماعة من
الصحابة والتابعين والأوزاعي واسحق وأبى ثور وقال الشافعي وأحمد يعيد الصلاة وقيدها مالك
بالوقت فان خرج فلا قضاء وفيه بحث يطول واستدل للأولين بحديث أبي سعيد انه صلى الله
عليه وسلم خلع نعليه في الصلاة ثم قال إن جبريل أخبرني ان فيهما قذرا أخرجه أحمد وأبو
داود وصححه ابن خزيمة وله شاهد من حديث ابن مسعود أخرجه الحاكم ولم يذكر في الحديث
إعادة وهو اختيار جماعة من الشافعية وأما مسئلة البناء على ما مضى فتأتى في كتاب الصلاة
إن شاء الله تعالى (قوله وقال ابن المسيب والشعبي) كذا للأكثر وهو الصواب وللمستملى
300

والسرخسي وكان فإن كانت محفوظة فافراد قوله إذا صلى على إرادة كل منهما والمراد بمسئلة
الدم ما إذا كان بغير علم المصلى وكذا الجنابة عند من يقول بنجاسة المنى وبمسئلة القبلة ما إذا
كان عن اجتهاد ثم تبين الخطأ وبمسئلة التيمم ما إذا كان غير واجد للماء وكل ذلك ظاهر من
سياق الآثار الأربعة المذكورة عن التابعين المذكورين وقد وصلها عبد الرزاق وسعيد بن
منصور وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة مفرقة أوضحتها في تعليق التعليق وقد تقدمت الإشارة إلى
مسئلة الدم وأما مسئلة التيمم فعدم وجوب الإعادة قول الأئمة الأربعة وأكثر السلف وذهب
جمع من التابعين منهم عطاء وابن سيرين ومكحول إلى وجوب الإعادة مطلقا وأما مسئلة بيان
الخطا في القبلة فقال الثلاثة والشافعي في القديم لا يعيد وهو قول الأكثر أيضا وقال في الجديد
تجب الإعادة واستدل للأولين بحديث أخرجه الترمذي من طريق عبد الله بن عامر بن ربيعة
عن أبيه وقال حسن لكن ضعفه غيره وقال العقيلي لا يروى من وجه يثبت وقال ابن العربي
مستند الجديد ان خطا المجتهد يبطل إذا وجد النص بخلافه قال وهذا لا يتم في هذه المسئلة الا
بمكة وأما في غيرها فلا ينقض الاجتهاد الاجتهاد وأجيب بان هذه المسئلة مقصورة فيما إذا
تيقن الخطأ فهو انتقال من يقين الخطا إلى الظن القوى فليس فيه نقض اجتهاد باجتهاد والله
أعلم (قوله حدثنا عبدان) أعاده المصنف في أواخر الجزية عنه فقال حدثنا عبدان هو عبد الله
ابن عثمان وعرفنا من سياقه هناك ان اللفظ هنا لرواية أحمد بن عثمان وانما قرنها برواية عبدان
تقوية لها لان في إبراهيم بن يوسف مقالا وأحمد المذكور هو ابن عثمان بن حكيم الأودي الكوفي
وهو من صغار شيوخ البخاري وله في هذا الحديث اسناد آخر أخرجه النسائي عنه عن خالد بن
مخلد عن علي بن صالح عن أبي إسحاق ورجال اسناده جميعا كوفيون وأبو اسحق هو السبيعي
ويوسف الراوي عنه هو ابن ابنه اسحق وأفادت روايته التصريح بالتحديث لأبي إسحاق عن عمرو
ابن ميمون ولعمرو عن عبد الله وعينت أيضا عبد الله بأنه ابن مسعود وعمرو بن ميمون هو الأودي
تابعي كبير مخضرم أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ثم نزل الكوفة وهو غير عمرو بن
ميمون الجزري الذي تقدم قريبا وهذا الحديث لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم الا باسناد
أبى اسحق هذا وقد رواه الشيخان من طريق الثوري والبخاري أيضا من طريق إسرائيل
وزهير ومسلم من رواية زكريا بن أبي زائدة وكلهم عن أبي إسحاق وسنذكر ما في اختلاف رواياتهم
من الفوائد مبينا إن شاء الله تعالى (قوله بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد) بقيته من
رواية عبدان المذكور وحوله ناس من قريش من المشركين ثم ساق الحديث مختصرا (قوله إن
عبد الله) في رواية الكشميهني عن عبد الله (قوله وأبو جهل وأصحاب له) هم السبعة المدعو
عليهم بعد بينه البزار من طريق الأجلح عن أبي إسحاق (قوله إذ قال بعضهم) هو أبو جهل سماه
مسلم من رواية زكريا المذكورة وزاد فيه وقد نحرت جزور بالأمس والجزور من الإبل ما يجزر
أي يقطع وهو بفتح الجيم والسلى مقصور بفتح المهملة هي الجلدة التي يكون فيها الولد يقال
لها ذلك من البهائم وأما من الآدميات فالمشيمة وحكى صاحب المحكم انه يقال فيهن أيضا سلى
(قوله فيضعه) زاد في رواية إسرائيل فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها ثم يمهله حتى يسجد (قوله
فانبعث أشقى القوم) وللكشميهني والسرخسي أشقى قوم بالتنكير ففيه مبالغة لكن المقام
301

يقتضى الأول لان الشقاء هنا بالنسبة إلى أولئك الأقوام فقط كما سنقرره بعد وهو عقبة بن أبي
معيط بمهملتين مصغرا سماه شعبة وفى سياقه عند المصنف اختصار يوهم انه فعل ذلك ابتداء وقد
ساقه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة نحو رواية يوسف هذه وقال فيه فجاء عقبة بن أبي
معيط فقذفه على ظهره (قوله لا أغنى) كذا للأكثر وللكشميهني والمستملى لا أغير ومعناهما
صحيح أي لا اغنى في كف شرهم أو لا أغير شيئا من فعلهم (قوله لو كانت لي منعة) قال النووي
المنعة بفتح النون القوة قال وحكى الاسكان وهو ضعيف وجزم القرطبي بسكون النون قال
ويجوز الفتح على أنه جمع مانع ككاتب وكتبة وقد رجح القزاز والهروي الاسكان في المفرد
وعكس ذلك صاحب اصلاح المنطق وهو معتمد النووي قال وانما قال ذلك لأنه لم يكن له بمكة
عشيرة لكونه هذليا حليفا وكان حلفاؤه إذ ذاك كفارا وفى الكلام حذف تقديره لطرحته عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرح به مسلم في رواية زكريا وللبزار فانا أرهب أي أخاف منهم
(قوله ويحيل بعضهم) كذا هنا بالمهملة من الإحالة والمراد ان بعضهم ينسب فعل ذلك إلى
بعض بالإشارة تهكما ويحتمل أن يكون من حال يحيل بالفتح إذا وثب على ظهر دابته أي يثب
بعضهم على بعض من المرح والبطر ولمسلم من رواية زكريا ويميل بالميم أي من كثرة الضحك وكذا
للمصنف من رواية إسرائيل (قوله فاطمة) هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد إسرائيل
وهى جويرية فأقبلت تسعى وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا (قوله فطرحته) كذا
للأكثر وللكشميهني بحذف المفعول زاد إسرائيل وأقبلت عليهم تشتمهم زاد البزار فلم يردوا عليها
شيئا (قوله فرفع رأسه) زاد البزار من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال أما بعد اللهم قال البزار تفرد بقوله أما بعد زيد (قوله ثم قال) يشعر بمهلة بين الرفع
والدعاء وهو كذلك ففي رواية الأجلح عند البزار فرفع رأسه كما كان يرفعه عند تمام سجوده فلما
قضى صلاته قال اللهم ولمسلم والنسائي نحوه والظاهر منه أن الدعاء المذكور وقع خارج
الصلاة لكن وقع وهو مستقبل الكعبة كما ثبت من رواية زهير عن أبي إسحاق عند الشيخين
(قوله عليك بقريش) أي باهلاك قريش والمراد الكفار منهم أو من سمى منهم فهو عام أريد به
الخصوص (قوله ثلاث مرات) كرره إسرائيل في روايته لفظا لا عددا وزاد مسلم في رواية
زكريا وكان إذا دعا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا (قوله فشق عليهم) ولمسلم من رواية
زكريا فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته (قوله وكانوا يرون) بفتح أوله في روايتنا
من الرأي أي يعتقدون وفى غيرها بالضم أي يظنون والمراد بالبلد مكة ووقع في مستخرج أبى نعيم
من الوجه الذي أخرجه منه البخاري في الثالثة بدل قوله في ذلك البلد ويناسبه قوله ثلاث
مرات ويمكن أن يكون ذلك مما بقى عندهم من شريعة إبراهيم عليه السلام (قوله ثم
سمى) أي فصل من أجمل (قوله بأبي جهل) في رواية إسرائيل بعمرو بن هشام وهو اسم أبى جهل
فلعله سماه وكناه معا (قوله والوليد بن عتبة) هو ولد المذكور بعد أبي جهل ولم تختلف الروايات
في أنه بعين مهملة بعدها مثناة ساكنة ثم موحدة لكن عند مسلم من رواية زكريا بالقاف بدل
المثناة وهو وهم قديم نبه عليه ابن سفيان الراوي عنه مسلم وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق
شيخ مسلم على الصواب (قوله أمية بن خلف) في رواية شعبة أو أبي بن خلف شك شعبة وقد
302

ذكر المصنف الاختلاف فيه عقيب رواية الثوري في الجهاد وقال الصحيح أمية لكن وقع عنده
هناك أبي بن خلف وهو وهم منه أو من شيخه أبى بكر عبد الله بن أبي شيبة إذ حدثه فقد رواه
شيخه أبو بكر في مسنده فقال أمية وكذا رواه مسلم عن أبي بكر والإسماعيلي وأبو نعيم من طريق
أبى بكر كذلك وهو الصواب وأطبق أصحاب المغازي على أن المقتول ببدر أمية وعلى أن أخاه أبيا
قتل بأحد وسيأتى في المغازي قتل أمية ببدر إن شاء الله تعالى (قوله وعد السابع فلم تحفظه)
وقع في روايتنا بالنون وهى للجمع وفى غيرها بالياء التحتانية قال الكرماني فاعل عد رسول الله
صلى الله عليه وسلم أو ابن مسعود وفاعل فلم يحفظه ابن مسعود أو عمرو بن ميمون (قلت)
ولا أدرى من أين تهيأ له الجزم بذلك مع أن في رواية الثوري عند مسلم ما يدل على أن فاعل فلم
يحفظه أبو إسحاق ولفظه قال أبو إسحاق ونسيت السابع وعلى هذا ففاعل عد عمرو بن ميمون على أن
أبا إسحاق قد تذكره مرة أخرى فسماه عمارة بن الوليد كذا أخرجه المصنف في الصلاة من رواية
إسرائيل عن أبي إسحاق وسماع إسرائيل من أبى اسحق في غاية الاتقان للزومه إياه لأنه جده
وكان خصيصا به قال عبد الرحمن بن مهدي ما فاتني الذي فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق
الا اتكالا على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم وعن إسرائيل قال كنت أحفظ حديث أبي إسحاق
كما احفظ سورة الحمد واستشكل بعضهم عد عمارة بن الوليد في المذكورين لأنه لم يقتل ببدر بل
ذكر أصحاب المغازي انه مات بأرض الحبشة وله قصة مع النجاشي إذ تعرض لامرأته فأمر
النجاشي ساحرا فنفخ في احليل عمارة من سحره عقوبة له فتوحش وصار مع البهائم إلى أن مات
في خلافة عمر وقصته مشهورة والجواب ان كلام ابن مسعود في أنه رآهم صرعى في القليب محمول
على الأكثر ويدل عليه ان عقبة بن أبي معيط لم يطرح في القليب وانما قتل صبرا بعد ان رحلوا
عن بدر مرحلة وأمية بن خلف لم يطرح في القليب كما هو بل مقطعا كما سيأتي وسيأتى في المغازي
كيفية مقتل المذكورين ببدر وزيادة بيان في أحوالهم إن شاء الله تعالى (قوله قال) أي ابن
مسعود والمراد باليد هنا القدرة وفى رواية مسلم والذي بعث محمدا بالحق وللنسائي والذي أنزل
عليه الكتاب وكان عبد الله قال كل ذلك تأكيدا (قوله صرعى في القليب) في رواية إسرائيل
لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأتبع أصحاب القليب لعنة وهذا يحتمل أن يكون من تمام الدعاء الماضي فيكون فيه علم عظيم
من اعلام النبوة ويحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم بعد ان ألقوا في القليب وزاد شعبة
في روايته الا أمية فإنه تقطعت أوصاله زاد لأنه كان بادنا قال العلماء وانما أمر بالقائهم فيه
لئلا يتأذى الناس بريحهم والا فالحربي لا يجب دفنه والظاهر أن البئر لم يكن فيها ماء معين
(قوله قليب بدر) بالجر على البدلية والقليب بفتح القاف وآخره موحدة هو البئر التي لم تطو
وقيل العادية القديمة التي لا يعرف صاحبها * (فائدة) * روى هذا الحديث ابن إسحاق في
المغازي قال حدثني الأجلح عن أبي إسحاق فذكر هذا الحديث وزاد في آخره قصة أبى البختري
مع النبي صلى الله عليه وسلم في سؤاله إياه عن القصة وضرب أبى البختري أبا جهل وشحه إياه
والقصة مشهورة في السيرة وأخرجها البزار من طريق ابن إسحاق وأشار إلى تفرد الأجلح بها عن أبي إسحاق
وفى الحديث تعظيم الدعاء بمكة عند الكفار وما ازدادت عند المسلمين الا تعظيما
303

وفيه معرفة الكفار بصدقه صلى الله عليه وسلم لخوفهم من دعائه ولكن حملهم الحسد على ترك
الانقياد له وفيه حلمه صلى الله عليه وسلم عمن أذاه ففي رواية الطيالسي عن شعبة في هذا
الحديث ان ابن مسعود قال لم أره دعا عليهم الا يومئذ وانما استحقوا الدعاء حينئذ لما أقدموا
عليه من الاستخفاف به حال عبادة ربه وفيه استحباب الدعاء ثلاثا وقد تقدم في العلم استحباب
السلام ثلاثا وغير ذلك وفيه جواز الدعاء على الظالم لكن قال بعضهم محله ما إذا كان كافرا فأما
المسلم فيستحب الاستغفار له والدعاء بالتوبة ولو قيل لا دلالة فيه على الدعاء على الكافر لما كان
بعيدا لاحتمال أن يكون اطلع صلى الله عليه وسلم على أن المذكورين لا يؤمنون والأولى أن
يدعى لكل حي بالهداية وفيه قوة نفس فاطمة الزهراء من صغرها لشرفها في قومها ونفسها
لكونها صرحت بشتمهم وهم رؤس قريش فلم يردوا عليها وفيه ان المباشرة آكد من السبب
والإعانة لقوله في عقبة أشقى القوم مع أنه كان فيهم أبو جهل وهو أشد منه كفرا وأذى للنبي صلى
الله عليه وسلم لكن الشقاء هنا بالنسبة إلى هذه القصة لانهم اشتركوا في الامر والرضا وانفرد
عقبة بالمباشرة فكان أشقاهم ولهذا قتلوا في الحرب وقتل هو صبرا واستدل به على أن من
حدث له في صلاته ما يمنع انعقادها ابتداء لا تبطل صلاته ولو تمادى وعلى هذا ينزل كلام المصنف
فلو كانت نجاسة فأزالها في الحال ولا أثر لها صحت اتفاقا واستدل به على طهارة فرث ما يؤكل
لحمه وعلى أن إزالة النجاسة ليست بفرض وهو ضعيف وحمله على ما سبق أولى وتعقب الأول بأن
الفرث لم يفرد بل كان مع الدم كما في رواية إسرائيل والدم نجس اتفاقا وأجيب بان الفرث والدم
كانا انظر السلى وجلدة السلى الظاهرة طاهرة فكان كحمل القارورة المرصصة وتعقب بأنها
ذبيحة وثنى فجميع اجزائها نجسة لأنها ميتة وأجيب بان ذلك كان قبل التعبد بتحريم ذبائحهم
وتعقب بأنه يحتاج إلى تاريخ ولا يكفي فيه الاحتمال وقال النووي الجواب المرضى انه صلى الله
عليه وسلم لم يعلم ما وضع على ظهره فاستمر في سجوده استصحابا لأصل الطهارة وتعقب بأنه يشكل
على قولنا بوجوب الإعادة في مثل هذه الصورة وأجاب بان الإعادة انما تجب في الفريضة فان
ثبت أنها فريضة فالوقت موسع فلعله أعاد وتعقب بأنه لو أعاد لنقل ولم ينقل وبأن الله تعالى لا يقره
على التمادي في صلاة فاسدة وقد تقدم أنه خلع نعليه وهو في الصلاة لان جبريل أخبره أن فيهما
قذرا ويدل على أنه علم بما ألقى على ظهره أن فاطمة ذهبت به قبل أن يرفع رأسه وعقب هو صلاته
بالدعاء عليهم والله أعلم (قوله باب البصاق) كذا في روايتنا وللأكثر بالزاي وهى لغة فيه وكذا
السين وضعفت (قوله في الثوب) أي والبدن ونحوه ودخول هذا في أبواب الطهارة من جهة
أنه لا يفسد الماء لو خالطه (قوله وقال عروة) هو ابن الزبير ومروان هو ابن الحكم وأشار بهذا
التعليق إلى الحديث الطويل في قصة الحديبية وسيأتي بتمامه في الشروط من طريق الزهري
عن عروة وقد علق منه موضعا آخر كما مضى في باب استعمال فضل وضوء الناس (قوله فذكر
الحديث) يعنى وفيه وما تنخم وغفل الكرماني فظن أن قوله وما تنخم إلى آخره حديث آخر فجوز
أن يكون الراوي ساق الحديثين سوقا واحدا أو يكون أمر التنخم وقع بالحديبية انتهى
ولو راجع الموضع الذي ساق المصنف فيه الحديث تاما لظهر له الصواب والنخامة بالضم هي
النخاعة كذا في المجمل والصحاح وقيل بالميم ما يخرج من الفم وبالعين ما يخرج من الحلق
304

والغرض من هذا الاستدلال على طهارة الريق ونحوه وقد نقل بعضهم فيه الاجماع لكن روى
ابن أبي شيبة باسناد صحيح عن إبراهيم النخعي انه ليس بطاهر وقال ابن حزم صح عن سلمان
الفارسي وإبراهيم النخعي ان اللعاب نجس إذا فارق الفم (قوله حدثنا محمد بن يوسف) هو
الفريابي وسفيان هو الثوري وقد روى أبو نعيم في مستخرجه هذا الحديث من طريق الفريابي
وزاد في آخره وهو في الصلاة (قوله طوله ابن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم المصري أحد
شيوخ البخاري نسب إلى جده وأفادت روايته تصريح حميد بالسماع له من أنس خلافا لما
روى يحيى القطان عن حماد بن سلمة أنه قال حديث حميد عن أنس في البزاق انما سمعه من ثابت
عن أبي نضرة فظهر ان حميدا لم يدلس فيه ومفعول سمعت الثاني محذوف للعلم به والمراد انه كالمتن
الذي قبله مع زيادات فيه وقد وقع مطولا أيضا عند المصنف في الصلاة كما سيأتي في باب حك
البزاق باليد في المسجد * (قوله باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر) هو من
عطف العام على الخاص أو المراد بالنبيذ ما لم يبلغ حد الاسكار (قوله وكرهه الحسن) أي
البصري روى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق من طريقين عنه قال لا توضأ بنبيذ وروى أبو عبيد من
طريق أخرى عنه أنه لا بأس به فعلى هذا فكراهته عنده على التنزيه (قوله وأبو العالية) روى
أبو داود وأبو عبيد من طريق أبى خلدة قال سألت أبا العالية عن رجل أصابته جنابة وليس عنده
ماء أيغتسل به قال لا وفى رواية أبى عبيد فكرهه (قوله وقال) عطاء هو ابن أبي رباح روى أبو
داود أيضا من طريق ابن جريج عنه انه كره الوضوء بالنبيذ واللبن وقال إن التيمم أحب إلى منه
وذهب الأوزاعي إلى جواز الوضوء بالأنبذة كلها وهو قول عكرمة مولى ابن عباس وروى عن علي
وابن عباس ولم يصح عنهما وقيده أبو حنيفة في المشهور عنه بنبيذ التمر واشترط أن لا يكون بحضرة
ماء وأن يكون خارج المصر أو القرية وخالفه صاحباه فقال محمد يجمع بينه وبين التيمم قيل
ايجابا وقيل استحبابا وهو قول اسحق وقال أبو يوسف بقول الجمهور لا يتوضأ به بحال واختاره
الطحاوي وذكر قاضيخان ان أبا حنيفة رجع إلى هذا القول لكن في المقيد من كتبهم إذا ألقى
في الماء تمرات فحلا ولم يزل عنه اسم الماء جاز الوضوء به بلا خلاف يعنى عندهم واستدلوا بحديث ابن
مسعود حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ما في أداوتك قال نبيذ قال ثمرة طيبة وماء
طهور رواه أبو داود والترمذي وزاد فتوضأ به وهذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه
وقيل على تقدير صحته انه منسوخ لان ذلك كان بمكة ونزول قوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا انما
كان بالمدينة بلا خلاف أو هو محمول على ماء ألقيت فيه تمرات يابسة لم تغير له وصفا وانما كانوا
يصنعون ذلك لان غالب مياههم لم تكن حلوة (قوله عن الزهري) كذا للأصيلي وغيره ولابى ذر
حدثنا الزهري (قوله كل شراب أسكر) أي كان من شأنه الاسكار سواء حصل بشربه السكر أم لا
قال الخطابي فيه دليل على أن قليل المسكر وكثيره حرام من أي نوع كان لأنها صيغة عموم
أشير بها إلى جنس الشراب الذي يكون منه السكر فهو كما لو قال كل طعام أشبع فهو حلال فإنه
يكون دالا على حل كل طعام من شأنه الاشباع وان لم يحصل الشبع به لبعض دون بعض ووجه
احتجاج البخاري به في هذا الباب ان المسكر لا يحل شربه وما لا يحل شربه لا يجوز الوضوء به
اتفاقا والله أعلم وسيأتى الكلام على حكم شرب النبيذ في الأشربة إن شاء الله تعالى * (قوله
305

باب غسل المرأة أباها) منصوب على المفعولية والدم منصوب على الاختصاص أو على
البدل وهو اما اشتمال أو بعض من كل ووقع في رواية ابن عساكر غسل المرأة الدم عن وجه
أبيها وهو بالمعنى (قوله عن وجهه) في رواية الكشميهني من وجهه وعن في رواية غيره واما بمعنى
من أو ضمن الغسل معنى الإزالة وهذه الترجمة معقودة لبيان ان إزالة النجاسة ونحوها يجوز
الاستعانة فيها كما تقدم في الوضوء وبهذا يظهر مناسبة أثر أبى العالية لحديث سهل (قوله وقال
أبو العالية) هو الرياحي بكسر الراء وياء تحتانية وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن معمر عن عاصم
ابن سليمان قال دخلنا على أبى العالية وهو وجع فوضؤه فلما بقيت إحدى رجليه قال امسحوا
على هذه فإنها مريضة وكان بها حمرة وزاد ابن أبي شيبة انها كانت معصوبة (قوله حدثنا
محمد) قال أبو علي الجياني لم ينسبه أحد من الرواة وهو عندي ابن سلام (قلت) وبذلك جزم أبو نعيم
في المستخرج وقد وقع في رواية ابن عساكر حدثنا محمد يعنى ابن سلام (قوله وسأله الناس) جملة
حالية وأراد بقوله وما بيني وبينه أحد أي عند السؤال ليكون أدل على صحة سماعه لقربه منه
(قوله دوى) بضم الدال على البناء للمجهول وحذفت إحدى الواوين في الكتابة كداود (قوله
ما بقى أحد) انما قال ذلك لأنه كان آخر من بقى من الصحابة بالمدينة كما صرح به المصنف في النكاح
في روايته عن قتيبة عن سفيان ووقع في رواية الحميدي عن سفيان اختلف الناس بأي شئ دوى
جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي ذكر سبب هذا الجرح وتسمية فاعله في المغازي في
وقعة أحد إن شاء الله تعالى وكان بينها وبين تحديث سهل بذلك أكثر من ثمانين سنة (قوله
فأخذ) بضم الهمزة على البناء للمجهول وله في الطب فلما رأت فاطمة الدم يزيد على الماء كثرة
عمدت إلى حصير فأحرقتها وألصقتها على الجرح فرقأ الدم وفى هذا الحديث مشروعية التداوي
ومعالجة الجراح واتخاذ الترس في الحرب وأن جميع ذلك لا يقدح في التوكل لصدوره من سيد
المتوكلين وفيه مباشرة المرأة لأبيها وكذلك لغيره من ذوي محارمها ومداواتها لأمراضهم وغير
ذلك مما يأتي الكلام عليه في المغازي إن شاء الله تعالى * (قوله باب السواك) هو
بكسر السين على الأفصح ويطلق على الآلة وعلى الفعل وهو المراد هنا (قوله وقال ابن عباس)
هذا التعليق سقط من رواية المستملى وهو طرف من حديث طويل في قصة مبيت ابن عباس عند
خالته ميمونة ليشاهد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وقد وصله المؤلف من طرق منها بلفظه
هذا في تفسير آل عمران واقتضى كلام عبد الحق انه بهذا اللفظ من افراد مسلم وليس بجيد (قوله
عن أبي بردة) هو ابن أبي موسى الأشعري (قوله يستن) بفتح أوله وسكون المهملة وفتح المثناة
وتشديد النون من السن بالكسر أو الفتح اما لان السواك يمر على الأسنان أو لأنه يسنها أي
يحددها (قوله يقول) أي النبي صلى الله عليه وسلم أو السواك مجازا (قوله أع أع) بضم
الهمزة وسكون المهملة كذا في رواية أبي ذر وأشار ابن التين إلى أن غيره رواه بفتح الهمزة
ورواه النسائي وابن خزيمة عن أحمد بن عبدة عن حماد بتقديم العين على الهمزة وكذا أخرجه
البيهقي من طريق إسماعيل القاضي عن عارم وهو أبو النعمان شيخ البخاري فيه ولابى داود بهمزة
مكسورة ثم هاء وللجوزقي بخاء غدا بدل الهاء والرواية الأولى أشهر وانما اختلف الرواة
لتقارب مخارج هذه الأحرف وكلها ترجع إلى حكاية صوته إذ جعل السواك على طرف لسانه كما
306

عند مسلم والمراد طرفه الداخل كما عند أحمد يستن إلى فوق ولهذا قال هنا كأنه يتهوع والتهوع
التقيىء أي له صوت كصوت المتقيئ على سبيل المبالغة ويستفاد منه مشروعية السواك على
اللسان طولا أما الأسنان فالأحب فيها أن تكون عرضا وفيه حديث مرسل عند أبي داود وله
شاهد موصول عند العقيلي في الضعفاء وفيه تأكيد السواك وانه لا يختص بالأسنان وأنه من
باب التنظيف والتطيب لا من باب إزالة القاذورات لكونه صلى الله عليه وسلم لم يختف به وبوبوا
عليه استياك الامام بحضرة رعيته (قوله عن حذيفة) هو ابن اليمان والاسناد كله كوفيون
(قوله يشوص) بضم المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة والشوص بالفتح الغسل والتنظيف
كذا في الصحاح وفى المحكم الغسل عن كراع والتنقية عن أبي عبيد والدلك عن ابن الأنباري
وقيل الامرار على الأسنان من أسفل إلى فوق واستدل قائله بأنه مأخوذ من الشوصة وهى
ريح ترفع القلب عن موضعه وعكسه الخطابي فقال هو دلك الأسنان بالسواك أو الأصابع
عرضا قال ابن دقيق العيد فيه استحباب السواك عند القيام من النوم لان النوم مقتض لتغير
الفم لما يتصاعد إليه من أبخرة المعدة والسواك آلة تنظيفه فيستحب عند مقتضاه قال وظاهر
قوله من الليل عام في كل حالة ويحتمل أن يخص بما إذا قام إلى الصلاة * (قلت) * ويدل عليه
رواية المصنف في الصلاة بلفظ إذا قام للتهجد ولمسلم نحوه وحديث ابن عباس يشهد له وكان
ذلك هو السر في ذكره في الترجمة وقد ذكر المصنف كثيرا من أحكام السواك في الصلاة وفى الصيام
كما سيأتي في أماكنها إن شاء الله تعالى * (قوله باب دفع السواك إلى الأكبر) وقال
عفان قال الإسماعيلي أخرجه البخاري بلا رواية (قلت) وقد وصله أبو عوانة في صحيحه عن محمد
ابن إسحاق الصغاني وغيره عن عفان وكذا أخرجه أبو نعيم والبيهقي من طريقه (قوله أراني)
بفتح الهمزة من الرؤية ووهم من ضمها وفى رواية المستملى رآني بتقديم الراء والأول أشهر ولمسلم
من طريق علي بن نصر الجهضمي عن صخر أراني في المنام وللإسماعيلي رأيت في المنام فعلى هذا
فهو من الرؤيا (قوله فقيل لي) قائل ذلك له جبريل عليه السلام كما سيذكر من رواية ابن المبارك
(قوله كبر) أي قدم الأكبر في السن (قوله قال أبو عبد الله) أي البخاري اختصره أي المتن
نعيم هو ابن حماد وأسامة هو ابن زيد الليثي المدني ورواية نعيم هذه وصلها الطبراني في الأوسط
عن بكر بن سهل عنه بلفظ أمرني جبريل ان أكبر ورويناها في الغيلانيات من رواية أبى
بكر الشافعي عن عمر بن موسى عن نعيم بلفظ ان أقدم الأكابر وقد رواه جماعة من أصحاب ابن
المبارك عنه بغير اختصار أخرجه أحمد والإسماعيلي والبيهقي عنهم بلفظ رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يستن فأعطاه أكبر القوم ثم قال إن جبريل أمرني ان أكبر وهذا يقتضى
أن تكون القضية وقعت في اليقظة ويجمع بينه وبين رواية صخر أن ذلك لما وقع في اليقظة
أخبرهم صلى الله عليه وسلم بما رآه في النوم تنبيها على أن امره بذلك بوحي متقدم فحفظ بعض
الرواة ما لم يحفظ بعض ويشهد لرواية ابن المبارك ما رواه أبو داود باسناد حسن عن عائشة
قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان فأوحى إليه أن أعط السواك
الأكبر قال ابن بطال فيه تقديم ذي السن في السواك ويلتحق به الطعام والشراب والمشي
والكلام وقال المهلب هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن
307

وهو صحيح وسيأتى الحديث فيه في الأشربة وفيه ان استعمال سواك الغير ليس بمكروه الا ان
المستحب أن يغسله ثم يستعمله وفيه حديث عن عائشة في سنن أبي داود قالت كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعطيني السواك لأغسله فابدأ به فاستاك ثم أغسله ثم أدفعه إليه وهذا دال على
عظيم أدبها وكبير فطنتها لأنها لم تغسله ابتداء حتى لا يفوتها الاستشفاء بريقه ثم غسلته تأدبا
وامتثالا ويحتمل أن يكون المراد بأمرها يغسله تطييبه وتليينه بالماء قبل أن يستعمله والله أعلم
* (قوله باب فضل من بات على الوضوء) ولغير أبي ذر على وضوء 3 (قوله أخبرنا
عبد الله) هو ابن المبارك وسفيان هو الثوري ومنصور هو ابن المعتمر (قوله فتوضأ) ظاهره
استحباب تجديد الوضوء لكل من أراد النوم ولو كان على طهارة ويحتمل ان يكون مخصوصا بمن
كان محدثا ووجه مناسبته للترجمة من قوله فان مت من ليلتك فأنت على الفطرة والمراد بالفطرة
السنة وقد روى هذا الحديث الشيخان وغيرهما من طرق عن البراء وليس فيها ذكر الوضوء الا في
هذه الرواية وكذا قال الترمذي وقد ورد في الباب حديث عن معاذ بن جبل أخرجه أبو داود
وحديث عن علي أخرجه البزار وليس واحد منهما على شرط البخاري وسيأتى الكلام على
فوائد هذا المتن في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى (قوله واجعلهن آخر ما تقول 4) في رواية
الكشميهني من آخر وهى تبين انه لا يمتنع أن يقول بعدهن شيا مما شرع من الذكر عند النوم
(قوله قال لا ونبيك الذي أرسلت) قال الخطابي فيه حجة لمن منع رواية الحديث على المعنى قال
ويحتمل أن يكون أشار بقوله ونبيك إلى أنه كان نبيا قبل أن يكون رسولا أو لأنه ليس في قوله
ورسولك الذي أرسلت وصف زائد بخلاف قوله ونبيك الذي أرسلت وقال غيره ليس فيه حجة على
منع ذلك لان لفظ الرسول ليس بمعنى لفظ النبي ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى فكانه أراد أن
يجمع الوصفين صريحا وإن كان وصف الرسالة يستلزم وصف النبوة أو لان ألفاظ الاذكار
توقيفة في تعيين اللفظ وتقدير الثواب فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ولو كان يرادفه في
الظاهر أو لعله أوحى إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده أو ذكره احترازا ممن أرسل من غير نبوة
كجبريل وغيره من الملائكة لانهم رسل لا أنبياء فلعله أراد تخليص الكلام من اللبس أو لان لفظ
النبي أمدح من لفظ الرسول لأنه مشترك في الاطلاق على كل من ارسل بخلاف لفظ النبي فإنه
لا اشتراك فيه عرفا وعلى هذا فقول من قال كل رسول نبي من غير عكس لا يصح اطلاقه واما من
استدل به على أنه لا يجوز ابدال لفظ قال نبي الله مثلا في الرواية بلفظ قال رسول الله وكذا عكسه
ولو أجزنا الرواية بالمعنى فلا حجة فيه وكذا لا حجة فيه لمن أجاز الأول دون الثاني لكون الأول
أخص من الثاني لأنا نقول الذات المخبر عنها في الرواية واحدة فبأي وصف وصفت به تلك الذات
من أوصافها اللائقة بها علم القصد بالمخبر عنه ولو تباينت معاني الصفات كما لو ابدل اسما بكنية أو
كنية باسم فلا فرق بين أن يقول الراوي مثلا عن أبي عبد الله البخاري أو عن محمد بن إسماعيل
البخاري وهذا بخلاف ما في حديث الباب فإنه يحتمل ما تقدم من الأوجه التي بيناها من إرادة
التوقيف وغيره والله أعلم * (تنبيه) * النكتة في ختم البخاري كتاب الوضوء بهذا الحديث من جهة
انه آخر وضوء أمر به المكلف في اليقظة ولقوله في نفس الحديث واجعلهن آخر ما تقول فاشعر
ذلك بختم الكتاب والله الهادي للصواب * (خاتمة) * اشتمل كتاب الوضوء وما معه من أحكام المياه
308

والاستطابة من الأحاديث المرفوعة على مائة وأربعة وخمسين حديثا الموصول منها مائة وستة
عشر حديثا والمذكور منها بلفظ المتابعة وصيغة التعليق ثمانية وثلاثون حديثا فالمكرر منها فيه
وفيما مضى ثلاثة وسبعون حديثا والخالص منها أحد وثمانون حديثا ثلاثة منها معلقة والبقية
موصولة وافقه مسلم على تخريجها سوى تسعة عشر حديثا وهى الثلاثة المعلقة وحديث
ابن عباس في صفة الوضوء وحديثه توضأ مرة مرة وحديث أبي هريرة ابغنى أحجارا وحديث
ابن مسعود في الحجرين والروثة وحديث عبد الله بن زيد في الوضوء مرتين مرتين وحديث
أنس في ادخار شعر النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أبي هريرة في الرجل الذي سقى الكلب
وحديث السائب بن يزيد في خاتم النبوة وحديث سعد وعمر في المسح على الخفين وحديث عمرو
ابن أمية فيه وحديث سويد بن النعمان في المضمضة من السويق وحديث أنس إذا نعس في
الصلاة فلينم وحديث أبي هريرة في قصة الذي بال في المسجد وحديث ميمونة في فأرة سقطت في
سمن وحديث أنس في البزاق في الثوب وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين ثمانية
وأربعون أثرا الموصول منها ثلاثة والبقية معلقة والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم * (قوله بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (كتاب الغسل) *
كذا في روايتنا بتقديم البسملة وللأكثر بالعكس وقد تقدم توجيه ذلك وحذفت البسملة من
رواية الأصيلي وعنده باب الغسل وهو بضم الغين اسم للاغتسال وقيل إذا أريد به الماء فهو
مضموم وأما المصدر فيجوز فيه الضم والفتح حكاه ابن سيده وغيره وقيل المصدر بالفتح والاغتسال
بالضم وقيل الغسل بالفتح فعل المغتسل وبالضم الماء الذي يغتسل به وبالكسر ما يجعل مع الماء
كالأشنان وحقيقة الغسل جريان الماء على الأعضاء واختلف في وجوب الدلك فلم يوجبه
الأكثر ونقل عن مالك والمزني وجوبه واحتج ابن بطال بالاجماع على وجوب امرار اليد على
أعضاء الوضوء عند غسلها قال فيجب ذلك في الغسل قياسا لعدم الفرق بينهما وتعقب بأن جميع
من لم يوجب الدلك أجازوا غمس اليد في الماء للمتوضئ من غير امرار فبطل الاجماع وانتفت
الملازمة (قوله وقول الله تعالى وان كنتم جنبا فاطهروا) قال الكرماني غرضه بيان أن
وجوب الغسل على الجنب مستفاد من القرآن (قلت) وقدم الآية التي من سورة المائدة على
الآية التي من سورة النساء لدقيقة وهى أن لفظ التي في المائدة فاطهروا ففيها اجمال ولفظ
التي في النساء حتى تغتسلوا ففيها تصريح بالاغتسال وبيان للتطهير المذكور ودل على أن المراد
بقوله تعالى فاطهروا فاغتسلوا قوله تعالى في الحائض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن
أي اغتسلن اتفاقا ودلت آية النساء على أن استباحة الجنب الصلاة وكذا اللبث في المسجد
يتوقف على الاغتسال وحقيقة الاغتسال غسل جميع الأعضاء مع تمييز ما للعبادة عما للعادة
بالنية * (قوله باب الوضوء قبل الغسل) أي استحبابه قال الشافعي رحمه الله في الام
فرض الله تعالى الغسل مطلقا لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شئ فكيفما جاء به المغتسل أجزأه إذا أتى
بغسل جميع بدنه والاختيار في الغسل ما روت عائشة ثم روى حديث الباب عن مالك بسنده وهو
309

في الموطأ كذلك قال ابن عبد البر هو من أحسن حديث روى في ذلك (قلت) وقد رواه عن هشام
وهو ابن عروة جماعة من الحفاظ غير مالك كما سنشير إليه (قوله كان إذا اغتسل) أي شرع في
الفعل ومن في قوله من الجنابة سببية (قوله بدأ فغسل يديه) يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف
مما بهما من مستقذر وسيأتي في حديث ميمونة تقوية ذلك ويحتمل أن يكون هو الغسل
المشروع عند القيام من النوم ويدل عليه زيادة ابن عيينة في هذا الحديث عن هشام قبل أن
يدخلهما في الاناء رواه الشافعي والترمذي وزاد أيضا ثم يغسل فرجه وكذا لمسلم من رواية أبى
معاوية ولابى داود من رواية حماد بن زيد كلاهما عن هشام وهى زيادة جليلة لأن بتقديم غسله
يحصل الأمن من مسه في أثناء الغسل (قوله كما يتوضأ للصلاة) فيه احتراز عن الوضوء اللغوي
ويحتمل أن يكون الابتداء بالوضوء قبل الغسل سنة مستقلة بحيث يجب غسل أعضاء الوضوء مع
بقية الجسد في الغسل ويحتمل أن يكتفى بغسلها في الوضوء عن اعادته وعلى هذا فيحتاج إلى نية
غسل الجنابة في أول عضو وانما قدم غسل أعضاء الوضوء تشريفا لها ولتحصل له صورة
الطهارتين الصغرى والكبرى والى هذا جنح الداودي شارح المختصر من الشافعية فقال يقدم
غسل أعضاء وضوئه على ترتيب الوضوء لكن بنية غسل الجنابة ونقل ابن بطال الاجماع على
أن الوضوء لا يجب مع الغسل وهو مردود فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن
الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث (قوله فيخلل بها) أي بأصابعه التي أدخلها في الماء ولمسلم ثم
يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر وللترمذي والنسائي من طريق ابن عيينة ثم يشرب
شعره الماء (قوله أصول الشعر) وللكشميهني أصول شعره أي شعر رأسه ويدل عليه رواية حماد
ابن سلمة عن هشام عند البيهقي يخلل بها شق رأسه الأيمن فيتبع بها أصول الشعر ثم يفعل بشق
رأسه الأيسر كذلك وقال القاضي عياض احتج به بعضهم على تخليل شعر الجسد في الغسل اما
لعموم قوله أصول الشعر واما بالقياس على شعر الرأس وفائدة التخليل ايصال الماء إلى الشعر
والبشرة ومباشرة الشعر باليد ليحصل تعميمه بالماء وتأنيس البشرة لئلا يصيبها بالصب ما تتأذى به
ثم هذا التخليل غير واجب اتفاقا الا إن كان الشعر ملبدا بشئ يحول بين الماء وبين الوصول إلى
أصوله والله أعلم (قوله ثم يدخل) انما ذكره بلفظ المضارع وما قبله مذكور بلفظ الماضي وهو
الأصل لإرادة استحضار صورة الحال للسامعين (قوله ثلاث غرف) بضم المعجمة وفتح الراء جمع
غرفة وهى قدر ما يغرف من الماء بالكف وللكشميهني ثلاث غرفات وهو المشهور في جمع القلة
وفيه استحباب التثليث في الغسل وقال النووي ولا نعلم فيه خلافا الا ما انفرد به الماوردي فإنه قال
لا يستحب التكرار في الغسل (قلت) وكذا قال الشيخ أبو علي السنجي في شرح الفروع وكذا
قال القرطبي وحمل التثليث في هذه الرواية على رواية القاسم عن عائشة الآتية قريبا فان
مقتضاها ان كل غرفة كانت في جهة من جهات الرأس وسيأتى في آخر الكلام على حديث
ميمونة زيادة في هذه المسئلة (قوله ثم يفيض) أي يسيل والإفاضة الإسالة واستدل به من لم يشترط
الدلك وهو ظاهر وقال المازري لا حجة فيه لان أفاض بمعنى غسل والخلاف في الغسل قائم (قلت)
ولا يخفى ما فيه والله أعلم وقال القاضي عياض لم يأت في شئ من الروايات في وضوء الغسل ذكر
التكرار (قلت) بل ورد ذلك من طريق صحيحة أخرجها النسائي والبيهقي من رواية أبى سلمة عن
310

عائشة انها وصفت غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة الحديث وفيه ثم يتمضمض
ثلاثا ويستنشق ثلاثا ويغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ثم يفيض على رأسه ثلاث (قوله على
جلده كله) هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل بعدما تقدم وهو يؤيد الاحتمال
الأول ان الوضوء سنة مستقلة قبل الغسل وعلى هذا فينوى المغتسل الوضوء إن كان محدثا والا
فسنة الغسل واستدل بهذا الحديث على استحباب اكمال الوضوء قبل الغسل ولا يؤخر غسل
الرجلين إلى فراغه وهو ظاهر من قولها كما يتوضأ للصلاة وهذا هو المحفوظ في حديث عائشة
من هذا الوجه لكن رواه مسلم من رواية أبى معاوية عن هشام فقال في آخره ثم أفاض على سائر
جسده ثم غسل رجليه وهذه الزيادة تفرد بها أبو معاوية دون أصحاب هشام قال البيهقي هي
غريبة صحيحة (قلت) لكن في رواية أبى معاوية عن هشام مقال نعم له شاهد من رواية أبى سلمة
عن عائشة أخرجه أبو داود الطيالسي فذكر حديث الغسل كما تقدم عند النسائي وزاد
في آخره فإذا فرغ غسل رجليه فاما أن تحمل الروايات عن عائشة على أن المراد بقولها وضوءه
للصلاة أي أكثره وهو ما سوى الرجلين أو يحمل على ظاهره ويستدل برواية أبى معاوية على
جواز تفريق الوضوء ويحتمل أن يكون قوله في رواية أبى معاوية ثم غسل رجليه أي أعاد غسلهما
لاستيعاب الغسل بعد إن كان غسلهما في الوضوء فيوافق قوله في حديث الباب ثم يقبض على
جلده كله (قوله حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي وسفيان هو الثوري وجزم الكرماني بان
محمد بن يوسف هو البيكندي وسفيان هو ابن عيينة ولا أدرى من أين له ذلك (قوله وضوءه للصلاة
غير رجليه) فيه التصريح بتأخير الرجلين في وضوء الغسل إلى آخره وهو مخالف لظاهر رواية
عائشة ويمكن الجمع بينهما اما بحمل رواية عائشة على المجاز كما تقدم واما بحمله على حالة أخرى
وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلف نظر العلماء فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل
الرجلين في الغسل وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما والا فالتقديم
وعند الشافعية في الأفضل قولان قال النووي أصحهما وأشهرهما ومختارهما انه يكمل وضوئه
قال لان أكثر الروايات عن عائشة وميمونة كذلك انتهى كذا قال وليس في شئ من الروايات
عنهما التصريح بذلك بل هي اما محتملة كرواية توضأ وضوءه للصلاة أو ظاهرة تأخيرهما
كرواية أبى معاوية المتقدمة وشاهدها من طريق أبى سلمة ويوافقها أكثر الروايات عن ميمونة
أو صريحة في تأخيرهما كحديث الباب وراويها مقدم في الحفظ والفقه على جميع من رواه عن
الأعمش وقول من قال انما فعل ذلك مرة لبيان الجواز متعقب فان في رواية أحمد عن أبي معاوية
عن الأعمش ما يدل على المواظبة ولفظه كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ
بيمينه على شماله فيغسل فرجه فذكر الحديث وفى آخره ثم يتنحى فيغسل رجليه قال القرطبي
الحكمة في تأخير غسل الرجلين ليحصل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء (قوله وغسل
فرجه) فيه تقديم وتأخير لان غسل الفرج كان قبل الوضوء إذ الواو لا تقتضى الترتيب وقد بين
ذلك ابن المبارك عن الثوري عند المصنف في باب الستر في الغسل فذكر أولا غسل اليدين ثم غسل
الفرج ثم مسح يده بالحائط ثم الوضوء غير رجليه وأتى بثم الدالة على الترتيب في جميع ذلك (قوله
هذه غسله) الإشارة إلى الافعال المذكورة أو التقدير هذه صفة غسله وللكشميهني هذا غسله وهو
311

ظاهر وأشار الإسماعيلي إلى أن هذه الجملة الأخيرة مدرجة من قول سالم بن أبي الجعد وان زائدة بن
قدامة بين ذلك في روايته عن الأعمش واستدل البخاري بحديث ميمونة هذا على جواز تفريق
الوضوء وعلى استحباب الافراغ باليمين على الشمال للمغترف من الماء لقوله في رواية أبى عوانة
وحفص وغيرهما ثم أفرغ بيمينه على شماله وعلى مشروعية المضمضة والاستنشاق في غسل
الجنابة لقوله فيها ثم تمضمض واستنشق وتمسك به الحنفية للقول بوجوبهما وتعقب بأن الفعل
المجرد لا يدل على الوجوب الا إذا كان بيانا لمجمل تعلق به الوجوب وليس الامر هنا كذلك قاله ابن
دقيق العيد وعلى استحباب مسح اليد بالتراب من الحائط أو الأرض لقوله في الروايات المذكورة
ثم دلك يده بالأرض أو بالحائط قال ابن دقيق العيد وقد يؤخذ منه الاكتفاء بغسلة واحدة
لإزالة النجاسة والغسل من الجنابة لان الأصل عدم التكرار وفيه خلاف انتهى وصحح النووي
وغيره انه يجزئ لكن لم يتعين في هذا الحديث أن ذلك كان لإزالة النجاسة بل يحتمل أن يكون
للتنظيف فلا يدل على الاكتفاء وأما دلك اليد بالأرض فللمبالغة فيه ليكون أنقى كما قال البخاري
وأبعد من استدل به على نجاسة المنى أو على نجاسة رطوبة الفرج لان الغسل ليس مقصورا على
إزالة النجاسة وقوله في حديث الباب وما أصابه من أذى ليس بظاهر في النجاسة أيضا واستدل
به البخاري أيضا على أن الواجب في غسل الجنابة مرة واحدة وعلى ان من توضأ بنية الغسل ثم
أكمل باقي أعضاء بدنه لا يشرع له تجديد الوضوء من غير حدث وعلى جواز نفض اليدين من ماء
الغسل وكذا الوضوء وفيه حديث ضعيف أورده الرافعي وغيره ولفظه لا تنفضوا أيديكم في
الوضوء فإنها مراوح الشيطان قال ابن الصلاح لم أجده وتبعه النووي وقد أخرجه ابن حبان
في الضعفاء وابن أبي حاتم في العلل من حديث أبي هريرة ولو لم يعارضه هذا الحديث الصحيح لم يكن
صالحا لأن يحتج به وعلى استحباب التستر في الغسل ولو كان في البيت وقد عقد المصنف لكل
مسئلة بابا وأخرج هذا الحديث فيه لكن بمغايرة الطرق ومدارها على الأعمش وعند بعض الرواة
عنه ما ليس عند الآخر وقد جمعت فوائدها في هذا الباب وصرح في رواية حفص بن غياث عن
الأعمش بسماع الأعمش من سالم فامن تدليسه وفى الاسناد ثلاثة من التابعين على الولاء الأعمش
وسالم وكريب وصحابيان ابن عباس وخالته ميمونة بنت الحرث وفى الحديث من الفوائد أيضا
جواز الاستعانة باحضار ماء الغسل والوضوء لقولها في رواية حفص وغيره وضعت لرسول الله
صلى الله عليه وسلم غسلا وفى رواية عبد الواحد ما يغتسل به وفيه خدمة الزوجات لأزواجهن
وفيه الصب باليمين على الشمال لغسل الفرج بها وفيه تقديم غسل الكفين على غسل الفرج لمن
يريد الاغتراف لئلا يدخلهما في الماء وفيهما ما لعله يستقذر فاما إذا كان الماء في إبريق مثلا
فالأولى تقديم غسل الفرج لتوالي أعضاء الوضوء ولم يقع في شئ من طرق هذا الحديث التنصيص
على مسح الرأس في هذا الوضوء وتمسك به المالكية لقولهم إن وضوء الغسل لا تمسح فيه الرأس بل
يكتفى عنه بغسلها واستدل بعضهم بقولها في رواية أبى حمزة وغيره فناولته ثوبا فلم يأخذه على
كراهة التنشيف بعد الغسل ولا حجة فيه لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال فيجوز أن يكون
عدم الاخذ لأمر آخر لا يتعلق كراهة التنشيف بل لأمر يتعلق بالخرقة أو لكونه مستعجلا أو
غير ذلك قال المهلب يحتمل تركه الثوب لابقاء بركة الماء أو للتواضع أو لشئ رآه في الثوب من حرير
312

أو وسخ وقد وقع عند أحمد والإسماعيلي من رواية أبى عوانة في هذا الحديث عن الأعمش قال
فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال لا بأس بالمنديل وانما رده مخافة أن يصير عادة وقال التيمي في
شرحه في هذا الحديث دليل على أنه كان يتنشف ولولا ذلك لم تأته بالمنديل وقال ابن دقيق العيد
نفضه الماء بيده يدل على أن لا كراهة في التنشيف لان كلا منهما إزالة وقال النووي اختلف
أصحابنا فيه على خمسة أوجه أشهرها ان المستحب تركه وقيل مكروه وقيل مباح وقيل مستحب
وقيل مكروه في الصيف مباح في الشتاء واستدل به على طهارة الماء المتقاطر من أعضاء المتطهر
خلافا لمن غلا من الحنفية فقال بنجاسته * (قوله باب غسل الرجل مع امرأته عن
عروة) أي ابن الزبير كذا رواه أكثر أصحاب الزهري وخالفهم إبراهيم بن سعد فرواه عنه عن
القاسم بن محمد أخرجه النسائي ورجح أبو زرعة الأول ويحتمل ان يكون للزهري شيخان
فان الحديث محفوظ عن عروة والقاسم من طرق أخرى (قوله أنا والنبي) يحتمل أن يكون
مفعولا معه ويحتمل أن يكون عطفا على الضمير وهو من باب تغليب المتكلم على الغائب
لكونها هي السبب في الاغتسال فكأنها أصل في الباب (قوله من اناء واحد من قدح)
من الأولى ابتدائية والثانية بيانية ويحتمل ان يكون قدح بدلا من اناء بتكرار حرف الجر وقال
ابن التين كان هذا الاناء من شبه وهو بفتح المعجمة والموحدة كما تقدم توضيحه في صفة الوضوء
من حديث عبد الله بن زيد وكأن مستندة ما رواه الحاكم من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن
عروة عن أبيه ولفظه تور من شبه (قوله يقال له الفرق) ولمالك عن الزهري هو الفرق وزاد
في روايته من الجنابة أي بسبب الجنابة ولابى داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب وذلك القدح
يومئذ يدعى الفرق قال ابن التين الفرق بتسكين الراء ورويناه بفتحها وجوز بعضهم الامرين
وقال القتيبي وغيره هو بالفتح وقال النووي الفتح أفصح وأشهر وزعم أبو الوليد الباجي انه
الصواب قال وليس كما قال بل هما لغتان (قلت) لعل مستند الباجي ما حكاه الأزهري عن ثعلب
وغيره الفرق بالفتح والمحدثون يسكنونه وكلام العرب بالفتح انتهى وقد حكى الاسكان أبو زيد
وابن دريد وغيرهما من أهل اللغة والذي في روايتنا هو الفتح والله أعلم وحكى ابن الأثير ان الفرق
بالفتح ستة عشر رطلا وبالاسكان مائة وعشرون رطلا وهو غريب وأما مقداره فعند مسلم في آخر
رواية ابن عيينة عن الزهري في هذا الحديث قال سفيان يعنى ابن عيينة الفرق ثلاثة آصع قال
النووي وكذا قال الجماهير وقيل الفرق صاعان لكن نقل أبو عبيد الاتفاق على أن الفرق
ثلاثة آصع وعلى ان الفرق ستة عشر رطلا ولعله يريد اتفاق أهل اللغة والا فقد قال بعض
الفقهاء من الحنفية وغيرهم ان الصاع ثمانية أرطال وتمسكوا بما روى عن مجاهد في هذا الحديث
الآتي عن عائشة انه حزر الاناء ثمانية أرطال والصحيح الأول فان الحزر لا يعارض به التحديد وأيضا
فلم يصرح مجاهد بان الاناء المذكور صاع فيحمل على اختلاف الأواني مع تقاربها ويؤيد كون
الفرق ثلاثة آصع ما رواه ابن حبان من طريق عطاء عن عائشة بلفظ قدر ستة أقساط والقسط
بكسر القاف وهو باتفاق أهل اللغة نصف صاع والاختلاف بينهم ان الفرق ستة عشر رطلا
فصح ان الصاع خمسة أرطال وثلث وتوسط بعض الشافعية فقال الصاع الذي لماء الغسل ثمانية
أرطال والذي لزكاة الفطر وغيرها خمسة أرطال وثلث وهو ضعيف ومباحث المتن تقدمت في باب
وضوء الرجل مع امرأته واستدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه
313

ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى انه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته
فقال سألت عطاء فقال سألت عائشة فذكرت هذا الحديث بمعناه وهو نص في المسئلة والله أعلم
* (قوله باب الغسل بالصاع) أي بملء الصاع ونحوه أي ما يقاربه والصاع تقدم انه
خمسة أرطال وثلث برطل بغداد وهو على ما قال الرافعي وغيره مائة وثلاثون درهما ورجح النووي
انه مائة وثمانية قرة درهما وأربعة أسباع درهم وقد بين الشيخ الموفق سبب الخلاف في ذلك
فقال إنه في الأصل مائة وثمانية وعشرين وأربعة أسباع ثم زادوا فيه مثقالا لإرادة جبر
الكسر فصار مائة وثلاثين قال والعمل على الأول لأنه هو الذي كان موجودا وقت تقدير العلماء
به (قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو الجعفي وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث وأبو بكر بن حفص
أي ابن عمر بن سعد بن أبي وقاص شارك شيخه أبا سلمة وهو ابن عبد الرحمن بن عوف في كونه زهريا
مدنيا مشهورا بالكنية وقد قيل إن اسم كل منهما عبد الله (قوله وأخو عائشة) زعم الداودي
انه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وقال غيره هو أخوها لامها وهو الطفيل بن عبد الله ولا يصح
واحد منهما لما روى مسلم من طريق معاذ والنسائي من طريق خالد بن الحرث وأبو عوانة
من طريق يزيد بن هارون كلهم عن شعبة في هذا الحديث أنه أخوها من الرضاعة وقال النووي
وجماعة انه عبد الله بن يزيد معتمدين على ما وقع في صحيح مسلم في الجنائز عن أبي قلابة عن عبد الله
ابن يزيد رضيع عائشة عنها فذكر حديثا غير هذا ولم يتعين عندي انه المراد هنا لان لها أخا آخر من
الرضاعة وهو كثير بن عبيد رضيع عائشة روى عنها أيضا وحديثه في الأدب المفرد للبخاري
وسنن أبي داود من طريق ابنه سعيد بن كثير عنه وعبد الله بن يزيد بصرى وكثير بن عبيد كوفي
فيحتمل ان يكون المبهم هنا أحدهما ويحتمل ان يكون غيرهما والله أعلم (قوله فدعت
باناء نحو) بالجر والتنوين صفة لاناء وفى رواية كريمة نحوا بالنصب على أنه نعت للمجرور باعتبار
المحل أو باضمار أعنى (قوله وبيننا وبينها حجاب) قال القاضي عياض ظاهره انهما رأيا عملها
في رأسها وأعالي جسدها مما يحل نظره للمحرم لأنها خالة أبى سلمة من الرضاع أرضعته أختها أم
كلثوم وانما سترت أسافل بدنها مما لا يحل للمحرم النظر إليه قال والا لم يكن لاغتسالها بحضرتهما
معنى وفى فعل عائشة دلالة على استحباب التعليم بالفعل لأنه أوقع في النفس ولما كان السؤال
محتملا للكيفية والكمية ثبت لهما ما يدل على الامرين معا اما الكيفية فبالاقتصار على إفاضة
الماء واما الكمية فبالاكتفاء بالصاع (قوله قال أبو عبد الله) أي البخاري المصنف قال يزيد بن
هارون) هذا التعليق وصله أبو عوانة وأبو نعيم في مستخرجيهما (قوله وبهز) بالزاي المعجمة هو ابن
أسد وحديثه موصول عند الإسماعيلي وزاد في روايتهما من الجنابة وعندهما أيضا على رأسها
ثلاثا وكذا عند مسلم والنسائي (قوله والجدى) بضم الجيم وتشديد الدال نسبة إلى جدة
ساحل مكة وكان أصله منها لكنه سكن البصرة (قوله قدر صاع) بالكسر على الحكاية ويجوز
النصب كما تقدم والمراد من الروايتين ان الاغتسال وقع بملء الصاع من الماء تقريبا لا تحديدا
(قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو الجعفي (قوله حدثنا يحيى بن آدم) قال أبو علي الجياني ثبت
لجميع الرواة الا لأبي ذر عن الحموي فسقط من روايته يحيى بن آدم وهو وهم فلا يتصل السند الا به
(قوله زهير) هو ابن معاوية وأبو اسحق هو السبيعي وأبو جعفر هو محمد بن علي بن الحسين بن علي
314

ابن أبي طالب المعروف بالباقر (قوله هو وأبوه) أي علي بن الحسين (وعنده) أي عند جابر (قوله
قوم) كذا في النسخ التي وقفت عليها من البخاري ووقع في العمدة وعنده قومه بزيادة الهاء
وجعلها شراحها ضميرا يعود على جابر وفيه ما فيه وليست هذه الرواية في مسلم أصلا وذلك وارد
أيضا على قوله إنه يخرج المتفق (قوله فسألوه عن الغسل) أفاد إسحاق بن راهويه في مسنده ان
متولى السؤال هو أبو جعفر الراوي فأخرج من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال سألت جابرا
عن غسل الجنابة وبين النسائي في روايته سبب السؤال فاخرج من طريق أبى الأحوص عن أبي إسحاق
عن أبي جعفر قال تمارينا في الغسل عند جابر فكان أبو جعفر تولى السؤال ونسب
السؤال في هذه الراوية إلى الجميع مجازا لقصدهم ذلك ولهذا أفرد جابر الجواب فقال يكفيك
وهو بفتح أوله وسيأتى مزيد لهذا الموضع في الباب الذي يليه (قوله فقال رجل) زاد الإسماعيلي
منهم أي من القوم وهذا يؤيد ما ثبت في روايتنا لان هذا القائل هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي
طالب الذي يعرف أبوه بابن الحنفية كما جزم به صاحب العمدة وليس هو من قوم جابر لأنه هاشمي
وجابر انصارى (قوله أوفى) يحتمل الصفة والمقدار أي أطول وأكثر (قوله وخير منك) بالرفع
عطفا على أوفى المخبر به عن هو وفى رواية الأصيلي أو خيرا بالنصب عطفا على الموصول (قوله ثم
أمنا) فاعل أمنا هو جابر كما سيأتي ذلك واضحا من فعله في كتاب الصلاة ولا التفات إلى من جعله من
مقوله والفاعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى هذا الحديث بيان ما كان عليه السلف من
الاحتجاج بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم والانقياد إلى ذلك وفيه جواز الرد بعنف على من
يمارى بغير علم إذا قصد الراد ايضاح الحق وتحذير السامعين من مثل ذلك وفيه كراهية التنطع
والاسراف في الماء (قوله عن عمرو) هو ابن دينار وفى مسند الحميدي حدثنا سفيان أنا عمر وأنا
أبو الشعثاء وهو جابر بن زيد المذكور (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف (قوله كان ابن
عيينة) كذا رواه عنه أكثر الرواة وانما رواه عنه كما قال أبو نعيم من سمع منه قديما وانما رجح
البخاري رواية أبى نعيم جريا على قاعدة المحدثين لان من جملة المرجحات عندهم قدم السماع
لأنها مظنة قوة حفظ الشيخ ولرواية الآخرين جهة أخرى من وجوه الترجيح وهى كونهم
أكثر عددا وملازمة لسفيان ورجحها الإسماعيلي من جهة أخرى من حيث المعنى وهو كون
ابن عباس لا يطلع على النبي صلى الله عليه وسلم في حالة اغتساله مع ميمونة فيدل على أنه أخذه
عنها وقد أخرج الرواية المذكورة الشافعي والحميدي وابن أبي عمرو بن أبي شيبة وغيرهم في
مسانيدهم عن سفيان ومسلم والنسائي وغيرهما من طريقه ويستفاد من هذا البحث ان البخاري
لا يرى التسوية بين عن فلان وبين ان فلانا وفى ذلك بحث يطول ذكره وقد حققته فيما كتبته
على كتاب ابن الصلاح وادعى بعض الشارحين ان حديث ميمونة هذا لا مناسبة له بالترجمة لأنه لم
يذكر فيه قدر الاناء والجواب ان ذلك يستفاد من مقدمة أخرى وهى ان أوانيهم كانت صغارا كما
صرح به الشافعي في عدة مواضع فيدخل هذا الحديث تحت قوله ونحوه أي نحو الصاع أو يحمل
المطلق فيه على المقيد في حديث عائشة وهو الفرق لكون كل منهما زوجة له واغتسلت معه
فيكون حصة كل منهما أزيد من صاع فيدخل تحت الترجمة بالتقريب والله أعلم * (قوله
باب من أفاض على رأسه ثلاثا) تقدم حديث ميمونة وعائشة في ذلك (قوله حدثنا زهير)
315

هو ابن معاوية الجعفي وقد علا عنه في هذا الاسناد ونزل في الباب الذي قبله وأبو اسحق هو
السبيعي أيضا وسليمان بن صرد خزاعي وهو من أفاضل الصحابة وأبوه بضم المهملة وفتح الراء وشيخه
من مشاهير الصحابة ففيه رواية الاقران (قوله اما أنا فأفيض) بضم الهمزة وقسيم أما محذوف
وقد ذكر أبو نعيم في المستخرج سببه من هذا الوجه وأوله عنده ذكروا عند النبي صلى الله عليه وسلم
الغسل من الجنابة فذكره ولمسلم من طريق أبى الأحوص عن أبي إسحاق تماروا في الغسل عند
النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعض القوم أما أنا فأغسل رأسي بكذا وكذا فذكر الحديث وهذا
هو القسيم المحذوف ودل قوله ثلاثا على أن المراد بكذا وكذا أكثر من ذلك ولمسلم من وجه آخر
ان الذين سألوا عن ذلك هم وفد ثقيف والسياق مشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يفيض
الا ثلاثا وهى محتملة لان تكون للتكرار ومحتملة لأن تكون للتوزيع على جميع البدن لكن
حديث جابر في آخر الباب يقوى الاحتمال الأول وسنذكر ما فيه (قوله كلتيهما) كذا للأكثر
وللكشميهني كلاهما وحكى ابن التين ان في بعض الروايات كلتاهما وهى مخرجة على من يراها
تثنية ويرى ان التثنية لا تتغير كقوله * قد بلغا في المجد غايتاها * وهكذا القول في رواية الكشميهني
وهو مذهب الفراء في كلا خلافا للبصريين ويمكن أن يخرج الرفع فيهما على القطع (قوله حدثني)
وللاصيلى حدثنا (محمد بن بشار) هو بندار كما صرح به الإسماعيلي في روايته حيث أخرجه عن
الحسن بن سفيان وغيره عنه وأبوه بالموحدة وتثقيل المعجمة بلا خلاف وليس في الصحيحين بهذه
الصورة غيره قاله أبو علي الجياني وجماعة بعده وغفل بعض المتأخرين فضبطه بمثناة وسين مهملة
وانما نبهت عليه لئلا يغتر به فإنه لا يخفى على من له أدنى ممارسة في هذا الشأن (قوله مخول) بكسر
أوله واسكان المعجمة وبوزن محمد أيضا وهذان الوجهان في رواية أبي ذر والأول للأكثر والثاني لابن
عساكر وليس له في البخاري سوى هذا الحديث ومحمد بن علي شيخه هو أبو جعفر المعروف بالباقر
(قوله يفرغ) بضم أوله (قوله ثلاثا) أي غرفات زاد الإسماعيلي قال شعبة أظنه من غسل الجنابة
وفيه وقال رجل من بني هاشم ان شعري كثير فقال جابر شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
أكثر من شعرك وأطيب (قوله حدثنا معمر) باسكان العين في أكثر الروايات وبه جزم المزي وفى
رواية القابسي بوزن محمد وبه جزم الحاكم وليس له أيضا في البخاري غير هذا الحديث وقد ينسب
إلى جده سام فيقال معمر بن سام وهو بالمهملة وتخفيف الميم (قوله ابن عمك) فيه تجوز فإنه ابن
عم والده علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب والحنفية كانت زوج علي بن أبي طالب تزوجها بعد
فاطمة رضي الله عنها فولدت له محمد فاشتهر بالنسبة إليها وقول جابر أتاني يشعر بان سؤال الحسن
ابن محمد كان في غيبة أبى جعفر فهو غير سؤال أبى جعفر الذي تقدم في الباب قبله لان ذلك كان عن
الكمية كما أشعر بذلك قوله في الجواب يكفيك صاع وهذا عن الكيفية وهو ظاهر من قوله كيف
الغسل ولكن الحسن بن محمد في المسئلتين جميعا هو المنازع لجابر في ذلك فقال في جواب الكمية
ما يكفيني أي الصاع ولم يعلل وقال في جواب الكيفية انى كثير الشعر أي فاحتاج إلى أكثر من
ثلاث غرفات فقال له جابر في جواب الكيفية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر شعرا منك
وأطيب أي واكتفى بالثلاث فاقتضى ان الانقاء يحصل بها وقال في جواب الكمية ما تقدم
وناسب ذكر الخيرية لان طلب الازدياد من الماء يلحظ فيه التحرى في ايصال الماء إلى جميع الجسد
316

وكان صلى الله عليه وسلم سيد الورعين وأتقى الناس لله وأعلمهم به وقد اكتفى بالصاع فأشار جابر
إلى أن الزيادة على ما اكتفى به تنطع قد يكون مثارة الوسوسة فلا يلتفت إليه (قوله ثلاث اكف)
وفى رواية كريمة ثلاثة أكف وهى جمع كف والكف تذكر وتؤنث والمراد انه يأخذ في كل مرة
كفين ويدل على ذلك رواية إسحاق بن راهويه من طريق الحسن بن صالح عن جعفر بن محمد عن
أبيه قال في آخر الحديث وبسط يديه ويؤيده حديث جبير بن مطعم الذي في أول الباب والكف
اسم جنس فيحمل على الاثنين ويحتمل أن تكون هذه الغرفات الثلاث للتكرار ويحتمل ان يكون
لكل جهة من الرأس غرفة كما سيأتي في حديث القاسم بن محمد عن عائشة قريبا * (قوله
باب الغسل مرة واحدة (قال ابن بطال يستفاد ذلك من قوله ثم أفاض على جسده لأنه
لم يقيد بعدد فيحمل على أقل ما يسمى وهو المرة الواحدة لان الأصل عدم الزيادة عليها (قوله حدثنا
عبد الواحد) هو ابن زياد وباقي الاسناد والمتن تقدم في باب الوضوء قبل الغسل (قوله في هذه
الرواية (فغسل يده) وللكشميهني يديه (مرتين أو ثلاثا) الشك من الأعمش كما سيأتي من رواية أبى
عوانة عنه وغفل الكرماني فقال الشك من ميمونة (قوله مذاكيره) هو جمع ذكر على غير قياس
وقيل واحده مذكار وكأنهم فرقوا بين العضو وبين خلاف الأنثى قال الأخفش هو من الجمع الذي
لا واحد له وقيل واحده مذكار وقال ابن خروف انما جمعه مع أنه ليس في الجسد الا واحد بالنظر
إلى ما يتصل به وأطلق على الكل اسمه فكأنه جعل كل جزء من المجموع كالذكر في حكم الغسل
* (قوله باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل) مطابقة هذه الترجمة لحديث الباب
أشكل أمرها قديما وحديثا على جماعة من الأئمة فمنهم من نسب البخاري فيها إلى الوهم ومنهم من
ضبط لفظ الحلاب على غير المعروف في الرواية لتتجه المطابقة ومنهم من تكلف لها توجيها من غير
تغيير فأما الطائفة الأولى فأولهم الإسماعيلي فإنه قال في مستخرجه رحم الله أبا عبد الله يعنى
البخاري من ذا الذي يسلم من الغلط سبق إلى قلبه ان الحلاب طيب وأي معنى للطيب عند
الاغتسال قبل الغسل وانما الحلاب اناء وهو ما يحلب فيه يسمى حلابا ومحلبا قال وفى تأمل طرق
هذا الحديث بيان ذلك حيث جاء فيه كان يغتسل من حلاب انتهى وهى رواية ابن خزيمة وابن
حبان أيضا وقال الخطابي في شرح أبى داود الحلاب اناء يسع قدر حلب ناقة قال وقد ذكره
البخاري وتأوله على استعمال الطيب في الطهور وأحسبه توهم أنه أريد به المحلب الذي يستعمل
في غسل الأيدي وليس الحلاب من الطيب في شئ وانما هو ما فسرت لك قال وقال الشاعر
صاح هل ريت أو سمعت براع * رد في الضرع ما فرى في الحلاب
وتبع الخطابي ابن قرقول في المطالع وابن الجوزي وجماعة وأما الطائفة الثانية فأولهم الأزهري
قال في التهذيب الحلاب في هذا الحديث ضبطه جماعة بالمهملة واللام الخفيفة أي ما يحلب
فيه كالمحلب فصحفوه وانما هو الجلاب بضم الجيم وتشديد اللام وهو ماء الورد فارسي معرب وقد
أنكر جماعة على الأزهري هذا من جهة ان المعروف في الرواية بالمهملة والتخفيف ومن جهة
المعنى أيضا قال ابن الأثير لان الطيب لأن يستعمل بعد الغسل أليق منه قبله وأولى لأنه إذا بدأ به
ثم اغتسل أذهبه الماء وقال الحميدي في الكلام على غريب الصحيحين ضم مسلم هذا الحديث مع
حديث الفرق وحديث قدر الصاع في موضع واحد فكأنه تأولها على الاناء وأما البخاري
317

فربما ظن ظان أنه تأوله على أنه نوع من الطيب يكون قبل الغسل لأنه لم يذكر في الترجمة غير هذا
الحديث انتهى فجعل الحميدي كون البخاري أراد ذلك احتمالا أي ويحتمل انه أراد غير ذلك لكن
لم يفصح به وقال القاضي عياض الحلاب والمحلب بكسر الميم اناء يملؤه قدر حلب الناقة وقيل المراد
أي في هذا الحديث محلب الطيب وهو بفتح الميم قال وترجمة البخاري تدل على أنه التفت إلى
التأويلين قال وقد رواه بعضهم في غير الصحيحين الجلاب بضم الجيم وتشديد اللام يشير إلى
ما قاله الأزهري وقال النووي قد أنكر أبو عبيد الهروي على الأزهري ما قاله وقال القرطبي
الحلاب بكسر المهملة لا يصح غيرها وقد وهم من ظنه من الطيب وكذا من قاله بضم الجيم انتهى
وأما الطائفة الثالثة فقال المحب الطبري لم يرد البخاري بقوله الطيب ماله عرف طيب وانما أراد
تطيب البدن بإزالة ما فيه من وسخ ودرن ونجاسة إن كانت وانما أراد بالحلاب الاناء الذي
يغتسل منه يبدأ به فيوضع فيه ماء الغسل قال وأو في قوله أو الطيب بمعنى الواو وكذا ثبت في بعض
الروايات كما ذكره الحميدي ومحصل ما ذكره أنه يحمله على اعداد ماء الغسل ثم الشروع في التنظيف
قبل الشروع في الغسل وفى الحديث البداءة بشق الرأس لكونه أكثر شعثا من بقية البدن من
أجل الشعر وقيل يحتمل أن يكون البخاري أراد الإشارة إلى ما روى عن ابن مسعود انه كان
يغسل رأسه بخطمي ويكتفى بذلك في غسل الجنابة كما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عنه ورواه
أبو داود مرفوعا عن عائشة باسناد ضعيف فكأنه يقول دل هذا الحديث على أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يستعمل الماء في غسل الجنابة ولم يثبت انه كان يقدم على ذلك شيئا مما ينقى البدن
كالسدر وغيره ويقوى ذلك ما في معظم الروايات بالحلاب أو الطيب فقوله أو يدل على أن الطيب
قسيم الحلاب فيحمل على أنه من غير جنسه وجميع من اعترض عليه حمله على أنه من جنسه
فلذلك أشكل عليهم والمراد بالحلاب على هذا الماء الذي في الحلاب فاطلق على الحال اسم المحل
مجازا وقال الكرماني يحتمل أن يكون أراد بالحلاب الاناء الذي فيه الطيب فالمعنى بدأ تارة بطلب
ظرف الطيب وتارة بطلب نفس الطيب فدل حديث الباب على الأول دون الثاني انتهى وهو
مستمد من كلام ابن بطال فإنه قال بعد حكايته لكلام الخطابي وأظن البخاري جعل الحلاب في
هذه الترجمة ضربا من الطيب قال فإن كان ظن ذلك فقد وهم وانما الحلاب الاناء الذي كان فيه
طيب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يستعمله عند الغسل قال وفى الحديث الحض على
استعمال الطيب عند الغسل تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلامه فكأنه جعل قوله في
الحديث فأخذ بكفه أي من الطيب الذي في الاناء فبدأ يشق رأسه الأيمن أي فطيبه إلى آخره
ومحصله أن الصفة المذكورة في الحديث صفة التطيب لا الاغتسال وهو توجيه حسن بالنسبة
لظاهر لفظ الرواية التي ساقها البخاري لكن من تأمل طرق الحديث كما قال الإسماعيلي عرف أن
الصفة المذكورة للغسل لا للتطيب فروى الإسماعيلي من طريق مكي بن إبراهيم عن حنظلة في
هذا الحديث كان يغتسل بقدح بدل قوله بحلاب وزاد فيه كان يغسل يديه ثم يغسل وجهه ثم يقول
بيده ثلاث غرف الحديث وللجوزقي من طريق حمدان السلمي عن أبي عاصم اغتسل فاتى بحلاب
فغسل شق رأسه الأيمن الحديث فقوله اغتسل ويغسل يدل على أنه اناء الماء لا اناء الطيب وأما
رواية الإسماعيلي من طريق بندار عن أبي عاصم بلفظ كان إذا أراد أن يغتسل من الجنابة دعا
318

بشئ دون الحلاب فاخذ بكفه فبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه ماء فافرغ على رأسه
فلولا قوله ماء لأمكن حمله على التطيب قبل الغسل لكن رواه أبو عوانة في صحيحه عن يزيد بن سنان
عن أبي عاصم بلفظ كان يغتسل من حلاب فيأخذ غرفة بكفيه فيجعلها على شقه الأيمن ثم الأيسر
كذلك فقوله يغتسل وقوله غرفة أيضا مما يدل على أنه اناء الماء وفى رواية لابن حبان والبيهقي ثم
يصب على شق رأسه الأيمن والتطيب لا يعبر عنه بالصب فهذا كله يبعد تأويل من حمله على التطيب
ورأيت عن بعضهم ولا أحفظه الآن أن المراد بالطيب في الترجمة الإشارة إلى حديث عائشة
انها كانت تطيب النبي صلى الله عليه وسلم عند الاحرام قال والغسل من سنن الاحرام وكأن
الطيب حصل عند الغسل فأشار البخاري هنا إلى أن ذلك لم يكن مستمرا من عادته انتهى ويقويه
تبويب البخاري بعد ذلك بسبعة أبواب باب من تطيب ثم اغتسل وبقى أثر الطيب ثم ساق حديث
عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرما وفى رواية بعدها
كأني انظر إلى وبيص الطيب أي لمعانه في مفرقه صلى الله عليه وسلم وهو محرم وفى رواية أخرى
عنده قبيل هذا الباب ثم يصبح محرما ينضخ طيبا فاستنبط الاغتسال بعد التطيب من قولها ثم
طاف على نسائه لأنه كناية عن الجماع ومن لازمه الاغتسال فعرف أنه اغتسل بعد أن تطيب وبقى
أثر الطيب بعد الغسل لكثرته لأنه كان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويكثر منه فعلى هذا فقوله
هنا من بدأ بالحلاب أي باناء الماء الذي للغسل فاستدعى به لأجل الغسل أو من بدأ بالطيب عند
إرادة الغسل فالترجمة مترددة بين الامرين فدل حديث الباب على مداومته على البداءة بالغسل
وأما التطيب بعده فمعروف من شانه وأما البداءة بالطيب قبل الغسل في الإشارة إلى الحديث الذي
ذكرناه وهذا أحسن الأجوبة عندي وأليقها بتصرفات البخاري والله أعلم وعرف من هذا أن
قول الإسماعيلي وأي معنى للطيب عند الغسل معترض وكذا قول ابن الأثير الذي تقدم وفى كلام
غيرهما مما تقدم مؤاخذات لم تتعرض لها لظهورها والله الهادي للصواب (تكميل) أبو عاصم
المذكور في الاسناد هو النبيل وهو من كبار شيوخ البخاري وقد أكثر عنه في هذا الكتاب لكنه
نزل في هذا الاسناد فادخل بينه وبينه واسطة وحنظلة هو ابن أبي سفيان الجمحي والقاسم هو ابن
محمد بن أبي بكر وقوله كان إذا اغتسل أي إذا أراد أن يغتسل كما تبين من رواية الإسماعيلي وقوله
دعا أي طلب وقوله نحو الحلاب أي اناء قريب من الاناء الذي يسمى الحلاب وقد وصفه أبو عاصم
بأنه أقل من شبر في شبر أخرجه أبو عوانة في صحيحه عنه وفى رواية لابن حبان وأشار أبو عاصم
بكفيه فكأنه حلق بشبريه يصف به دوره الاعلى وفى رواية للبيهقي كقدر كوز يسع ثمانية أرطال
وزاد مسلم في روايته لهذا الحديث عن محمد بن المثنى أيضا بهذا الاسناد بعد قوله الأيسر ثم أخذ
بكفيه فقال بهما على رأسه فأشار بقوله أخذ بكفيه إلى الغرفة الثالثة كما صرحت به رواية أبى
عوانة وقوله بكفه وقع في رواية الكشميهني بكفيه بالتثنية وقوله على وسط رأسه هو بفتح السين
قال الجوهري كل موضع صلح فيه بين فهو وسط بالسكون وان لم يصلح فهو بالتحريك وفى الحديث
استحباب البداءة بالميامن في التطهر وبذلك ترجم عليه ابن خزيمة والبيهقي وفيه الاجتزاء بالغسل
بثلاث غرفات وترجم على ذلك ابن حبان وسنذكر الكلام على قوله فقال بهما في الباب الذي بعده
إن شاء الله تعالى * (قوله باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة) أي في غسل الجنابة
319

والمراد هل هما واجبان فيه أم لا وأشار ابن بطال وغيره إلى أن البخاري استنبط عدم وجوبهما
من هذا الحديث لان في رواية الباب الذي بعده في هذا الحديث ثم توضأ وضوئه للصلاة فدل على
أنهما للوضوء وقام الاجماع على أن الوضوء في غسل الجنابة غير واجب والمضمضة والاستنشاق
من توابع الوضوء فإذا سقط الوضوء سقطت توابعه ويحمل ما روى من صفة غسله صلى الله عليه
وسلم على دابة والفضل (قوله حدثنا عمر بن حفص) أي ابن غياث كما ثبت في رواية الأصيلي
(قوله غسلا) بضم أوله أي ماء الاغتسال كما سبق في باب الغسل مرة (قوله ثم قال بيده الأرض)
كذا في روايتنا وللأكثر بيده على الأرض وهو من اطلاق القول على الفعل وقد وقع اطلاق
الفعل على القول في حديث لا حسد الا في اثنتين قال فيه في الذي يتلو القرآن لو أوتيت مثل
ما أوتى هذا لفعلت مثل ما يفعل وسيأتي في باب نفض اليدين قريبا من رواية أبى حمزة عن الأعمش
في هذا الموضع فضرب بيده الأرض فيفسر قال هنا بضرب (قوله ثم تنحى) أي تحول إلى ناحية
(قوله فلم ينفض بها) زاد في رواية كريمة قال أبو عبد الله يعنى لم يتمسح وأنث الضمير على إرادة الخرقة
لان المنديل خرقة مخصوصة وسيأتي في باب من أفرغ على يمينه قالت ميمونة فناولته خرقة وبقية
مباحث الحديث تقدمت في باب الوضوء قبل الغسل * (قوله باب مسح اليد بالتراب
لتكون أنقى) أي لتصير اليد أنقى منها قبل المسح (قوله حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي) كذا في
روايتنا واقتصر الأكثر على حدثنا الحميدي وسفيان هو ابن عيينة (قوله فغسل فرجه) هذه الفاء
تفسيرية وليست تعقيبية لان غسل الفرج لم يكن بعد الفراغ من الاغتسال وقد تقدمت
مباحث هذا الحديث أيضا ومن فوائد هذا السياق الاتيان فيه بثم الدالة على ترتيب ما ذكر فيه من
صفة الغسل * (قوله باب هل يدخل الجنب يده في الاناء) أي الذي فيه ماء الغسل قبل
أن يغسلها أي خارج الاناء إذا لم يكن على يده قذر أي من نجاسة وغيرها غير الجنابة أي حكمها
لان أثرها مختلف فيه فدخل في قوله قذر وأما حكمها فقال المهلب أشار البخاري إلى أن يد الجنب
إذا كانت نظيفة جاز له ادخالها الاناء قبل أن يغسلها لأنه ليس شئ من أعضائه نجسا بسبب كونه
جنبا (قوله وأدخل ابن عمر والبراء بن عازب يده) أي أدخل كل واحد منهما يده وفى رواية لأبي
الوقت يديهما بالتثنية (قوله في الطهور) بفتح أوله أي الماء المعد للاغتسال وأثر ابن عمر وصله سعيد
ابن منصور بمعناه وروى عبد الرزاق عنه أنه كان يغسل يده قبل التطهر ويجمع بينهما بان ينزلا
على حالين فحيث لم يغسل كان متيقنا أن لا قذر في يده وحيث غسل كان ظانا أو متيقنا أن فيها شيئا
أو غسل للندب وترك للجواز وأثر البراء وصله ابن أبي شيبة بلفظ أنه أدخل يده في المطهرة قبل أن
يغسلها وأخرج أيضا عن الشعبي قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون أيديهم
الماء قبل أن يغسلوها وهم جنب (قوله ولم ير ابن عمر وابن عباس) أما أثر ابن عمر فوصله عبد
الرزاق بمعناه وأما أثر ابن عباس فوصله ابن أبي شيبة عنه وعبد الرزاق من وجه آخر أيضا عنه
وتوجيه الاستدلال به للترجمة أن الجنابة الحكمية لو كانت تؤثر في الماء لامتنع الاغتسال من
الاناء الذي تقاطر فيه ما لاقي بدن الجنب من ماء اغتساله ويمكن أن يقال انما لم ير الصحابي بذلك بأسا
لأنه مما يشق الاحتراز منه فكان في مقام العفو كما روى ابن أبي شيبة عن الحسن البصري قال ومن
يملك انتشار الماء انا لنرجو من رحمة الله ما هو أوسع من هذا (قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة) زاد
320

مسلم ابن قعنب (قوله حدثنا) ولكريمة أخبرنا أفلح وهو ابن حميد كما رواه مسلم ولم يخرج البخاري
عن أفلح ابن سعيد شيئا والقاسم هو ابن محمد وقد تقدم هذا المتن في باب غسل الرجل مع امرأته
من طريق أخرى مع مغايرة في آخره وزاد مسلم في آخره من الجنابة أي لأحل الجنابة ولأبى عوانة
وابن حبان من طريق ابن وهب عن أفلح أنه سمع القاسم يقول سمعت عائشة فذكره وزاد فيه وتلتقي
بعد قوله تختلف أيدينا فيه وللإسماعيلي من طريق إسحاق بن سليمان عن أفلح تختلف فيه أيدينا
يعنى حتى تلتقي وللبيهقي من طريقه تختلف أيدينا فيه يعنى وتلتقي وهذا يشعر بان قوله وتلتقي
مدرج وسيأتى في باب تخليل الشعر من وجه آخر عنها كنا نغتسل من اناء واحد نغترف منه جميعا
فلعل الراوي قال وتلتقي بالمعنى ومعنى تختلف أنه كان يغترف تارة قبلها وتغترف هي تارة قبله
ولمسلم من طريق معاذة عن عائشة فيبادرني حتى أقول دع لي زاد النسائي وأبا دره حتى يقول
دعى لي وفى هذا الحديث جواز اغتراف الجنب من الماء القليل وأن ذلك لا يمنع من التطهر بذلك
الماء ولا بما يفضل منه ويدل على أن النهى عن انغماس الجنب في الماء الدائم هو للتنزيه
كراهية ان يستقذر لا لكونه يصير نجسا بانغماس الجنب فيه لأنه لافرق بين جميع بدن الجنب
وبين عضو من أعضائه وأما توجيه الاستدلال به للترجمة فلان الجنب لما جاز له أن يدخل يده في
الاناء ليغترف بها قبل ارتفاع حدثه لتمام الغسل كما في حديث الباب دل على أن الامر بغسل
يده قبل ادخالها ليس لأمر يرجع إلى الجنابة بل إلى ما لعله يكون بيده من نجاسة متيقنة أو مظنونة
(قوله حدثنا مسدد قال حدثنا حماد) هو ابن زيد ولم يسمع من حماد بن سلمة وهشام هو ابن عروة
(قوله غسل يده) هكذا أورده مختصرا وقد أخرجه أبو داود تاما عن مسدد بهذا السند لكن قال
يديه بالتثنية وزاد يصب على يده اليمنى أي من الاناء فيغسل فرجه يفرغ على شماله ثم يتوضأ وضوءه
للصلاة الحديث وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طرق عن حماد بن زيد وسيأتى نحوه من وجوه أخر
عن هشام في باب تخليل الشعر قال المهلب حمل البخاري أحاديث الباب التي لم يذكر فيها غسل
اليدين قبل ادخالهما على حال تيقن نظافة اليد وحديث هشام يعنى هذا على ما إذا خشى أن
يكون علق بها شئ فاستعمل من اختلاف الحديثين ما جمع بينهما ونفى التعارض عنهما انتهى
ويمكن أن يحمل الفعل على الندب والترك على الجواز أو يقال حديث الترك مطلق وحديث
الفعل مقيد فيحمل المطلق على المقيد لان في رواية الفعل زيادة لم تذكر في الأخرى (قوله حدثنا
أبو الوليد) هو الطيالسي (قوله من جنابة) وللكشميهني من الجنابة أي لأجل الجنابة (قوله وعن
عبد الرحمن بن القاسم) هو معطوف على قوله شعبة عن أبي بكر بن حفص فلشعبة فيه اسنادان
إلى عائشة حدثه أحد شيخيه به عن عروة والآخر عن القاسم وقد وهم من زعم أن رواية عبد
الرحمن معلقة وقد أخرجها أبو نعيم والبيهقي من طريق أبى الوليد بالاسنادين وقالا أخرجه
البخاري عن أبي الوليد بالاسنادين جميعا وكذا قال أبو مسعود وغيره في الأطراف (قوله مثله) أي
مثل المتن المذكور وللاصيلى بمثله بزايدة موحدة في أوله (قوله حدثنا أبو الوليد) هو الطيالسي
أيضا وهذا اسناد ثالث له عن شعبة أيضا في هذا المتن لكن من طريق صحابي آخر وهذا
الاسناد بعينه تقدم لمتن آخر في باب علامة الايمان (قوله والمرأة) يجوز فيه الرفع على العطف
والنصب على المعية واللام فيها للجنس (قول زاد مسلم) هو ابن إبراهيم وهو من شيوخ البخاري
321

قوله ووهب) زاد الأصيلي وأبو الوقت ابن جرير أي ابن حازم وبذلك جزم أبو نعيم وغيره ووقع
في رواية أبي ذر ووهيب بالتصغير وأظنه وهما فان الحديث وجد بعد تتبع كثير من رواية
وهب بن جرير ولم تجده من رواية وهيب بن خالد ووهب بن جرير من الرواة عن شعبة وأما وهيب
فهو من أقرانه ومراد البخاري أن مسلم بن إبراهيم ووهب بن جرير رويا هذا الحديث عن شعبة
بهذا الاسناد الذي رواه عنه أبو الوليد فزادا في آخره من الجنابة وقد أخرجه الإسماعيلي من
رواية وهب بن جرير بدون هذه الزيادة والله أعلم * (قوله باب تفريق الغسل
والوضوء) أي جوازه وهو قول الشافعي في الجديد واحتج له بان الله تعالى أوجب غسل أعضائه
فمن غسلها فقد أتى بما وجب عليه فرقها أو نسقها ثم أيد ذلك بفعل ابن عمر وبذلك قال ابن
المسيب وعطاء وجماعة وقال ربيعة ومالك من تعمد ذلك فعليه الإعادة ومن نسى فلا وعن مالك
ان قرب التفريق بنى وان طال أعاد وقال قتادة والأوزاعي لا يعيد الا ان جف وأجازه النخعي
مطلقا في الغسل دون الوضوء ذكر جميع ذلك ابن المنذر وقال ليس مع من جعل الجفاف حدا
لذلك حجة وقال الطحاوي الجفاف ليس بحدث فينقض كما لو جف جميع أعضاء الوضوء لم تبطل
الطهارة (قوله ويذكر عن ابن عمر) هذا الأثر رويناه في الام عن مالك عن نافع عنه لكن فيه أنه
توضأ في السوق دون رجليه ثم رجع إلى المسجد فمسح على خفيه ثم صلى والاسناد صحيح فيحتمل
أنه انما لم يجزم به لكونه ذكره بالمعنى قال الشافعي لعله قد جف وضؤه لان الجفاف قد يحصل بأقل
مما بين السوق والمسجد (قوله حدثنا محمد بن محبوب) هو البصري وعبد الواحد هو ابن زياد
البصري وقد تقدم هذا المتن من رواية موسى بن إسماعيل عنه في باب الغسل مرة وسياقهما
واحد غالبا الا أن في ذلك ثم تحول من مكانه وفى هذا ثم تنحى من مقامه وهما بمعنى وأبدى
الكرماني من هذا احتمال أن يكون اغتسل قائما * (قوله باب من أفرغ) هذا
الباب مقدم عند الأصيلي وابن عساكر على الذي قبله واعترض على المصنف بان الدعوى أعم
من الدليل والجواب ان ذلك في غسل الفرج بالنص وفى غيره بما عرف من شأنه أنه كان يحب
التيامن كما تقدم ومحله هنا فيما إذا كان يغترف من الاناء قاله الخطابي قال فاما إذا كان ضيقا
كالقمقم فإنه يضعه عن يساره ويصب الماء منه على يمينه (قوله حدثنا موسى بن إسماعيل) تقدم
هذا الحديث من روايته أيضا في باب الغسل مرة لكن شيخه هناك عبد الواحد وهنا أبو عوانة وهو
الوضاح البصري (قوله وسترته) زاد ابن فضيل عن الأعمش بثوب والواو فيه حالية (قوله
فصب) قيل هو معطوف على محذوف أي فأراد الغسل فكشف رأسه فاخذ الماء فصب على يده
قاله الكرماني ولا يتعين ما قاله بل يحتمل أن يكون الوضع معقبا بالصب على ظاهره والإرادة
والكشف يمكن كونهما وقعا قبل الوضع والاخذ هو عين الصب هنا والمعنى وضعت له ماء فشرع
في الغسل ثم شرحت الصفة (قوله قال سليمان) أي الأعمش وقائل ذلك أبو عوانة وفاعل أذكر
سالم بن أبي الجعد وقد تقدم من رواية عبد الواحد وغيره عن الأعمش فغسل يديه مرتين أو ثلاثا
ولابن فضيل عن الأعمش فصب على يديه ثلاثا ولم يشك أخرجه أبو عوانة في مستخرجه فكأن
الأعمش كان يشك فيه ثم تذكر فجزم لان سماع ابن فضيل منه متأخر (قوله ثم تمضمض) وللاصيلى
مضمض بغير تاء (قوله وغسل قدميه) كذا لأبي ذر وللأكثر فغسل بالفاء (قوله فقال بيده) أي
322

أشار وهو من اطلاق القول على الفعل كما تقدم مثله (قوله ولم يردها) بضم أوله واسكان الدال
من الإرادة والأصل يريدها لكن جزم بلم ومن قالها بفتح أوله وتشديد الدال فقد صحف وأفسد
المعنى وقد حكى في المطالع أنها رواية ابن السكن قال وهى وهم وقد رواه الإمام أحمد عن عفان
عن أبي عوانة بهذا الاسناد وقال في آخره فقال هكذا وأشار بيده أن لا أريدها وسيأتى في رواية
أبى حمزة عن الأعمش فناولته ثوبا فلم يأخذه والله أعلم *) قوله باب إذا جامع ثم عاد)
أي ما حكمه وللكشميهني عاود أي الجماع وهو أعم من أن يكون لتلك المجامعة أو غيرها وقد
أجمعوا على أن الغسل بينهما لا يجب ويدل على استحبابه حديث أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي
رافع أنه صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال
فقلت يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا قال هذا أزكى وأطيب وأطهر واختلفوا في الوضوء
بينهما فقال أبو يوسف لا يستحب وقال الجمهور يستحب وقال ابن حبيب المالكي وأهل الظاهر
يجب واحتجوا بحديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى أحدكم أهله ثم
أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا أخرجه مسلم من طريق أبى حفص عن عاصم عن أبي المتوكل
عنه وأشار ابن خزيمة إلى أن بعض أهل العلم حمله على الوضوء اللغوي فقال المراد به غسل الفرج
ثم رده ابن خزيمة بما رواه من طريق ابن عيينة عن عاصم في هذا الحديث فقال فليتوضأ وضوءه
للصلاة وأظن المشار إليه هو إسحاق بن راهويه فقد نقل ابن المنذر عنه أنه قال لا بد من غسل
الفرج إذا أراد العود ثم استدل ابن خزيمة على أن الامر بالوضوء للندب لا للوجوب بما رواه
من طريق شعبة عن عاصم في حديث أبي سعيد المذكور كرواية ابن عيينة وزاد فإنه أنشط للعود
فدل على أن الامر للارشاد أو للندب ويدل أيضا على أنه لغير الوجوب ما رواه الطحاوي من
طريق موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم
يجامع ثم يعود ولا يتوضأ (قوله ويحيى بن سعيد) هو القطان وينبغي أن يثبت في القراءة قبل قوله
عن شعبة لفظ كلاهما لان كلا من ابن عدي ويحيى رواة لمحمد بن بشار عن شعبة وحذف
كلاهما من الخط اصطلاح (قوله ذكرته) أي قول ابن عمر المذكور بعد باب وهو قوله ما أحب
ان أصبح محرما أنضخ طيبا وقد بينه مسلم في روايته عن محمد بن المنتشر قال سألت عبد الله بن
عمر عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرما فذكره وزاد قال ابن عمر لان أطلى بقطران أحب إلى من أن
أفعل ذلك وكذا ساقه الإسماعيلي بتمامه عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار فكأن المصنف
اختصره لكون المحذوف معلوما عند أهل الحديث في هذه القصة أو حدثه به محمد بن بشار
مختصرا (قوله أبا عبد الرحمن) يعنى ابن عمر استرحمت له عائشة اشعارا بأنه قد سها فيما قاله إذ لو
استحضر فعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك (قوله فيطوف) كناية عن الجماع وبذلك
تظهر مناسبة الحديث للترجمة وقال الإسماعيلي يحتمل أن يراد به الجماع وان يراد به تجديد
العهد بهن قلت والاحتمال الأول يرجحه الحديث الثاني لقوله فيه أعطى قوة ثلاثين ويطوف في
الأول مثل يدور في الثاني (قوله ينضخ) بفتح أوله وبفتح الضاد المعجمة وبالخاء المعجمة قال
الأصمعي النضخ بالمعجمة أكثر من النضح بالمهملة وسوى بينهما أبو زيد وقال ابن كيسان انه
بالمعجمة لما ثخن وبالمهملة لما رق وظاهره ان عين الطيب بقيت بعد الاحرام قال الإسماعيلي
323

بحيث انه صار كأنه يتساقط منه الشئ بعد الشئ وسنذكر حكم هذه المسئلة في كتاب الحج إن شاء الله
تعالى (قوله معاذ بن هشام) هو الدستوائي والاسناد كله بصريون (قوله في الساعة
الواحدة) المراد بها قدر من الزمان لا ما اصطلح عليه أصحاب الهيئة (قوله من الليل والنهار)
الواو بمعنى أو جزم به الكرماني ويحتمل أن تكون على بابها بان تكون تلك الساعة جزأ من آخر
أحدهما وجزأ من أول الآخر (قوله وهن إحدى عشرة) قال ابن خزيمة تفرد بذلك معاذ بن
هشام عن أبيه ورواه سعيد بن أبي عروبة وغيره عن قتادة فقالوا تسع نسوة انتهى وقد أشار
البخاري إلى رواية سعيد بن أبي عروبة فعلقها هنا ووصلها بعد اثنى عشر بابا بلفظ كان يطوف
على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة وقد جمع ابن حبان في صحيحه بين الروايتين بان
حمل ذلك على حالتين لكنه وهم في قوله إن الأولى كانت في أول قدومه المدينة حيث كان تحته
تسع نسوة والحالة الثانية في آخر الامر حيث اجتمع عنده إحدى عشرة امرأة وموضع الوهم
منه أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن تحته امرأة سوى سودة ثم دخل على عائشة
بالمدينة ثم تزوج أم سلمة وحفصة وزينب بنت خزيمة في السنة الثالثة والرابعة ثم تزوج زينب
بنت جحش في الخامسة ثم جويرية في السادسة ثم صفية وأم حبيبة وميمونة في السابعة وهؤلاء
جميع من دخل بهن من الزوجات بعد الهجرة على المشهور واختلف في ريحانة وكانت من سبى
بني قريظة فجزم ابن إسحاق بأنه عرض عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فاختارت البقاء في
ملكه والأكثر على أنها ماتت قبله في سنة عشر وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه
بقليل قال ابن عبد البر مكثت عنده شهرين أو ثلاثة فعلى هذا لم يجتمع عنده من الزوجات أكثر
من تسع مع أن سودة كانت وهبت يومها لعائشة كما سيأتي في مكانه فرجحت رواية سعيد لكن
تحمل رواية هشام على أنه ضم مارية وريحانة إليهن وأطلق عليهن لفظ نسائه تغليبا وقد سرد
الدمياطي في السيرة التي جمعها من اطلع عليه من أزواجه ممن دخل بها أو عقد عليها فقط أو
طلقها قبل الدخول أو خطبها ولم يعقد عليها فبلغت ثلاثين وفى المختارة من وجه آخر عن أنس
تزوج خمس عشرة دخل منهن بإحدى عشرة ومات عن تسع وسرد أسماءهن أيضا أبو الفتح
اليعمري ثم مغلطاي فزدن على العدد الذي ذكره الدمياطي وأنكر ابن القيم ذلك والحق ان
الكثرة المذكورة محمولة على اختلاف في بعض الأسماء وبمقتضى ذلك تنقص العدة والله أعلم
(قوله أو كان) بفتح الواو هو مقول قتادة والهمزة للاستفهام ومميز ثلاثين محذوف أي ثلاثين رجلا
ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أبى موسى عن معاذ بن هشام أربعين بدل ثلاثين وهى
شاذة من هذا الوجه لكن في مراسيل طاوس مثل ذلك وزاد في الجماع وفى صفة الجنة لأبي نعيم
من طريق مجاهد مثله وزاد من رجال أهل الجنة ومن حديث عبد الله بن عمر ورفعه أعطيت قوة
أربعين في البطش والجماع وعند أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعه
ان الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة في الأكل والشرب والجماع والشهوة فعلى هذا يكون
حساب قوة نبينا أربعة آلاف (قوله وقال سعيد) هو ابن أبي عروبة كذا للجميع الا أن
الأصيلي قال إنه وقع في نسخة شعبة بدل سعيد قال وفى عرضنا على أبى زيد بمكة سعيد قال أبو علي
الجياني وهو الصواب قلت وقد ذكرنا قبل أن المصنف وصل رواية سعيد وأما رواية شعبة لهذا
324

الحديث عن قتادة فقد وصلها الإمام أحمد قال ابن المنير ليس في حديث دورانه على نسائه دليل
على الترجمة فيحتمل أنه طاف عليهن واغتسل في خلال ذلك عن كل فعلة غسلا قال والاحتمال
في رواية الليلة أظهر منه في الساعة قلت التقييد بالليلة ليس صريحا في حديث عائشة وأما
حديث أنس فحيث جاء فيه التصريح بالليلة قيد الاغتسال بالمرة الواحدة كذا وقع في روايات
النسائي وابن خزيمة وابن حبان ووقع التقييد بالغسل الواحد من غير ذكر الليلة في روايات أخرى
لهم ولمسلم وحيث جاء في حديث أنس التقييد بالساعة لم يحتج إلى تقييد الغسل بالمرة لأنه يتعذر أو
يتعسر وحيث جاء فيها تكرار المباشرة والغسل معا وعرف من هذا ان قوله في الترجمة في غسل
واحد أشار به إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وان لم يكن منصوصا فيما أخرجه كما جرت به عادته
ويحمل المطلق في حديث عائشة على المقيد في حديث أنس ليتوافقا ومن لازم جماعهن في
الساعة أو الليلة الواحدة عود الجماع كما ترجم به والله أعلم واستدل به المصنف في كتاب النكاح
على استحباب الاستكثار من النساء وأشار فيه إلى أن القسم لم يكن واجبا عليه وهو قول
طوائف من أهل العلم وبه جزم الإصطخري من الشافعية والمشهور عندهم وعند الأكثرين
الوجوب ويحتاج من قال به إلى الجواب عن هذا الحديث فقيل كان ذلك برضا صاحبة النوبة
كما استأذنهن أن يمرض في بيت عائشة ويحتمل أن يكون ذلك كان يحصل عند استيفاء القسمة
ثم يستأنف القسمة وقيل كان ذلك عند اقباله من سفر لأنه كان إذا سافر أقرع بينهن فيسافر بمن
يخرج سهمها فإذا انصرف استأنف وهو أخص من الاحتمال الثاني والأول أليق بحديث عائشة
وكذا الثاني ويحتمل أن يكون ذلك كان يقع قبل وجوب القسمة ثم ترك بعدها وأغرب ابن
العربي فقال إن الله خص نبيه بأشياء منها انه أعطاه ساعة في كل يوم لا يكون لأزواجه فيها حق
يدخل فيها على جميعهن فيفعل ما يريد ثم يستقر عند من لها النوبة وكانت تلك الساعة بعد
العصر فان اشتغل عنها كانت بعد المغرب ويحتاج إلى ثبوت ما ذكره مفصلا وفى هذا
الحديث من الفوائد غير ما تقدم ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من القوة على الجماع وهو
دليل على كمال البنية وصحة الذكورية والحكمة في كثرة أزواجه ان الاحكام التي ليست ظاهرة
يطلعن عليها فينقلنها وقد جاء عن عائشة من ذلك الكثير الطيب ومن ثم فضلها بعضهم على
الباقيات واستدل به ابن التين لقول مالك بلزوم الظهار من الإماء بناء على أن المراد بالزائدتين
على التسع مارية وريحانة وقد أطلق على الجميع لفظ نسائه وتعقب بان الاطلاق المذكور
للتغليب كما تقدم فليس فيه حجة لما ادعى واستدل به ابن المنير على جواز وطء الحرة بعد الأمة من
غير غسل بينهما ولا غيره والمنقول عن مالك انه لا يتأكد الاستحباب في هذه الصورة ويمكن أن
يكون ذلك وقع لبيان الجواز فلا يدل على عدم الاستحباب * (قوله باب غسل المذي
والوضوء منه) أي بسببه وفى المذي لغات افصحها بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء
ثم بكسر الذال وتشديد الياء وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو ارادته
وقد لا يحس بخروجه (قوله حدثنا أبو الوليد) هو الطيالسي (قوله عن أبي عبد الرحمن) هو
السلمي (قوله مذاء) صيغة مبالغة من المذي يقال مذى يمذى مثل مضى يمضى ثلاثيا ويقال
أيضا امذى يمذى بوزن اعطى يعطى رباعيا (قوله فأمرت رجلا) هو المقداد بن الأسود كما تقدم
325

في باب الوضوء من المخرجين من وجه آخر وزاد فيه فاستحييت ان أسال (قوله لمكان ابنته) في
رواية مسلم من طريق ابن الحنفية عن علي من أجل فاطمة رضي الله عنهما (قوله توضأ) هذا
الامر بلفظ الافراد يشعر بان المقداد سال لنفسه ويحتمل أن يكون سأل لمبهم أو لعلى فوجه النبي
صلى الله عليه وسلم الخطاب إليه والظاهر أن عليا كان حاضر السؤال فقد أطبق أصحاب المسانيد
والأطراف على ايراد هذا الحديث في مسند على ولو حملوه على أنه لم يحضر لأوردوه في مسند
المقداد ويؤيده ما في رواية النسائي من طريق أبى بكر بن عياش عن أبي حصين في هذا الحديث
عن علي قال فقلت لرجل جالس إلى جنبي سله فسأله ووقع في رواية مسلم فقال يغسل ذكره
ويتوضأ بلفظ الغائب فيحتمل أن يكون سؤال المقداد وقع على الابهام وهو الاظهر ففي مسلم
أيضا فسأله عن المذي يخرج من الانسان وفى الموطأ نحوه ووقع في رواية لأبي داود والنسائي وابن
خزيمة ذكر سبب ذلك من طريق حصين بن قبيصة عن علي قال كنت رجلا مذاء فجعلت أغتسل
منه في الشتاء حتى تشقق ظهري فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تفعل ولابى داود وابن خزيمة من
حديث سهل بن حنيف أنه وقع له نحو ذلك وأنه سال عن ذلك بنفسه ووقع في رواية النسائي أن
عليا قال أمرت عمارا ان يسأل وفى رواية لابن حبان والإسماعيلي أن عليا قال سالت وجمع ابن
حبان بين هذا الاختلاف بان عليا أمر عمارا أن يسأل ثم أمر المقداد بذلك ثم سال بنفسه وهو جمع
جيد الا بالنسبة إلى آخره لكونه مغايرا لقوله انه استحيى عن السؤال بنفسه لأجل فاطمة فيتعين
حمله على المجاز بان بعض الرواة أطلق أنه سأل لكونه الآمر بذلك وبهذا جزم الإسماعيلي ثم
النووي ويؤيد أنه أمر كلا من المقداد وعمارا بالسؤال عن ذلك ما رواه عبد الرزاق من طريق
عائس بن أنس قال تذاكر على والمقداد وعمار المذي فقال على انني رجل مذاء فاسئلا عن ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أحد الرجلين وصحح ابن بشكوال أن الذي تولى السؤال عن ذلك
هو المقداد وعلى هذا فنسبة عمار إلى أنه سأل عن ذلك محمولة على المجاز أيضا لكونه قصده لكن
تولى المقداد الخطاب دونه والله أعلم واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم توضأ على أن الغسل
لا يجب بخروج المذي وصرح بذلك في رواية لأبي داود وغيره وهو اجماع وعلى أن الامر بالوضوء
منه كالأمر بالوضوء من البول كما تقدم استدلال المصنف به في باب من لم ير الوضوء الا من
المخرجين وحكى الطحاوي عن قوم انهم قالوا بوجوب الوضوء بمجرد خروجه ثم رد عليهم بما رواه
من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي فقال فيه
الوضوء وفى المنى الغسل فعرف بهذا أن حكم المذي حكم البول وغيره من نواقض الوضوء
لا أنه بوجب الوضوء بمجرده (قوله واغسل ذكرك) هكذا وقع في البخاري تقديم الامر بالوضوء
على غسله ووقع في العمدة نسبة ذلك إلى البخاري بالعكس لكن الواو لا ترتب فالمعنى واحد وهى
رواية الإسماعيلي فيجوز تقديم غسله على الوضوء وهو أولى ويجوز تقديم الوضوء على غسله
لكن من يقول ينقض الوضوء بمسه يشترط أن يكون ذلك بحائل واستدل به ابن دقيق العيد على
تعين الماء فيه دون الاحجار ونحوها لان ظاهره يعين الغسل والمعين لا يقع الامتثال الا به وهذا
ما صححه النووي في شرح مسلم وصحح في باقي كتبه جواز الاقتصار الحاقا له بالبول وحملا للامر
بغسله على الاستحباب أو على أنه خرج مخرج الغالب وهذا المعروف في المذهب واستدل به
326

بعض المالكية والحنابلة على ايجاب استيعابه بالغسل عملا بالحقيقة لكن الجمهور نظروا إلى
المعنى فان الموجب لغسله انما هو خروج الخارج فلا تجب المجاوزة إلى غير محله ويؤيده ما عند
الإسماعيلي في رواية فقال توضأ واغسله فأعاد الضمير على المذي ونظير هذا قوله من مس ذكره
فليتوضأ فان النقض لا يتوقف على مس جميعه واختلف القائلون بوجوب غسل جميعه هل هو
معقول المعنى أو للتعبد فعلى الثاني تجب النية فيه قال الطحاوي لم يكن الامر بغسله لوجوب
غسله كله بل ليتقلص فيبطل خروجه كما في الضرع إذا غسل بالماء البارد يتفرق لبنه إلى داخل
الضرع فينقطع خروجه واستدل به أيضا على نجاسة المذي وهو ظاهر وخرج ابن عقيل الحنبلي
من قول بعضهم ان المذي من أجزاء المنى رواية بطهارته وتعقب بأنه لو كان منيا لوجب الغسل
منه واستدل به على وجوب الوضوء على من به سلس المذي للامر بالوضوء مع الوصف بصيغة
المبالغة الدالة على الكثرة وتعقبه ابن دقيق العيد بان الكثرة هنا ناشئة عن غلب الشهوة مع صحة
الجسد بخلاف صاحب السلس فإنه ينشأ عن علة في الجسد ويمكن أن يقال أمر الفاء بالوضوء
منه ولم يستفصل فدل على عموم الحكم واستدل به على قبول خبر الواحد وعلى جواز الاعتماد على
الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع وفيهما نظر لما قدمناه من أن السؤال كان بحضرة على ثم
لو صح أن السؤال كان في غيبته لم يكن دليلا على المدعى لاحتمال وجود القرائن التي تحف الخبر
فترقيه عن الظن إلى القطع قاله القاضي عياض وقال ابن دقيق العيد المراد بالاستدلال به على
قبول خبر الواحد مع كونه خبر واحد أنه صورة من الصور التي تدل وهى كثيرة تقوم الحجة
بجملتها لا بفرد معين منها وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء وقد يؤخذ منه جواز دعوى الوكيل
بحضرة موكله وفيه ما كان الصحابة عليه من حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وفيه
استعمال الأدب في ترك المواجهة بما يستحيى منه عرفا وحسن المعاشرة مع الاصهار وترك ذكر
ما يتعلق بجماع المرأة ونحوه بحضرة أقاربها وقد تقدم استدلال المصنف به في العلم لمن استحيا
فامر غيره بالسؤال لان فيه جمعا بين المصلحتين استعمال الحياء وعدم التفريط في معرفة الحكم
* (قوله باب من تطيب ثم اغتسل) تقدم الكلام على الحديث قبل بباب وموضع
الاستدلال به أن قولها طاف في نسائه كناية عن الجماع ومن لازمه الاغتسال وقد ذكرت أنها
طيبته قبل ذلك وأنه أصبح محرما ومن فوائده أيضا وقوع رد بعض الصحابة على بعض بالدليل
واطلاع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على ما لم يطلع عليه غيرهن من أفاضل الصحابة وخدمة
الزوجات لأزواجهن والتطيب عند الاحرام وسيأتي في الحج وقال ابن بطال فيه أن السنة اتخاذ
الطيب للرجال والنساء عند الجماع (قوله حدثنا الحكم) هو ابن عتيبة وهو وشيخه إبراهيم
النخعي وشيخه الأسود بن يزيد فقهاء كوفيون تابعيون (قوله وبيص) بفتح الواو وكسر الموحدة
بعدها ياء تحتانية ثم صاد مهملة هو البريق وقال الإسماعيلي وبيص الطيب تلألؤه وذلك لعين
قائمة لا للريح فقط (قوله مفرق) بفتح الميم وكسر الراء ويجوز فتحها ودلالة هذا المتن على الترجمة اما
لكونها قصة واحدة واما لان من سنن الاحرام الغسل عنده ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعه
وفيه أن بقاء الطيب على بدن المحرم لا يضر بخلاف ابتدائه بعد الاحرام * (قوله باب
تخليل الشعر) أي في غسل الجنابة (قوله عبد الله) هو ابن المبارك (قوله إذا اغتسل) أي
327

أراد ان يغتسل (قوله إذا ظن) يحتمل ان يكون على بابه ويكتفى فيه بالغلبة ويحتمل أن يكون
بمعنى علم (قوله أروى) هو فعل ماض من الارواء يقال أرواه إذا جعله ريانا والمراد بالبشرة هنا
تحت الشعر (قوله أفاض عليه) أي على شعره (قوله ثم غسل سائر جسده) أي بقية جسده
وقد تقدم من رواية مالك عن هشام في أول كتاب الغسل هنا على جلده كله فيحتمل أن يقال إن
سائر هنا بمعنى الجميع جمعا بين الروايتين وبقية مباحث الحديث تقدمت هناك (قوله وقالت) أي
عائشة هو معطوف على الأول فهو متصل بالاسناد المذكور (قوله نغرف) باسكان المعجمة بعدها
راء مكسورة وله في الاعتصام نشرع فيه جميعا وقد تقدمت مباحثه في باب هل يدخل الجنب يده في
الطهور * (قوله باب من توضأ في الجنابة) سقط من أواخر الترجمة لفظ منه من
رواية غير أبي ذر (قوله أخبرنا) ولابى ذر حدثنا (الفضل) (قوله وضع رسول الله صلى الله عليه
وسلم وضوء الجنابة) كذا للأكثر بالإضافة ولكريمة وضوءا بالتنوين لجنابة بلام واحدة
وللكشميهني للجنابة ولرفيقه وضع على البناء للمفعول لرسول الله بزيادة اللام أي لأجله وضوء
بالرفع والتنوين (قوله فكفأ) ولغير أبي ذر فأكفأ أي قلب (قوله على يساره) كذا للأكثر
وللمستملى وكريمة على شماله (قوله ضرب يده بالأرض) كذا للأكثر وللكشميهني ضرب بيده
الأرض (قوله ثم غسل جسده) قال ابن بطال حديث عائشة الذي في الباب قبله أليق بالترجمة
لان فيه ثم غسل سائر جسده وأما حديث الباب ففيه ثم غسل جسده فدخل في عمومه مواضع
الوضوء فلا يطابق قوله ولم يعد غسل مواضع الوضوء وأجاب ابن المنير بان قرينة الحال والعرف
من سياق الكلام يخص أعضاء الوضوء فان تقديم غسل أعضاء الوضوء وعرف الناس من
مفهوم الجسد إذا أطلق بعده يعطى ذلك اه‍ ولا يخفى تكلفه وأجاب ابن التين بان مراد
البخاري أن يبين أن المراد بقوله في هذه الرواية ثم غسل جسده أي ما بقى من جسده بدليل الرواية
الأخرى وهذا فيه نظر لأن هذه القصة غير تلك القصة كما قدمنا في أوائل الغسل وقال الكرماني
لفظ جسده شامل لجميع أعضاء البدن فيحمل عليه الحديث السابق أو المراد هناك بسائر جسده
أي باقيه بعد الرأس لا أعضاء الوضوء (قلت) ومن لازم هذا التقرير ان الحديث غير مطابق
للترجمة والذي يظهر لي ان البخاري حمل قوله ثم غسل جسده على المجاز أي ما بقى بعد ما تقدم ذكره
ودليل ذلك قوله بعد فغسل رجليه إذ لو كان قوله غسل جسده محمولا على عمومه لم يحتج لغسل
رجليه ثانيا لان غسلهما كان يدخل في العموم وهذا أشبه بتصرفات البخاري إذ من شانه
الاعتناء بالاخفى أكثر من الاجلى واستنبط ابن بطال من كونه لم يعد غسل مواضع الوضوء
اجزاء غسل الجمعة عن غسل الجنابة واجزاء الصلاة بالوضوء المجدد لمن تبين أنه كان قبل التجديد
محدثا والاستنباط المذكور مبنى عنده على أن الوضوء الواقع في غسل الجنابة سنة وأجزء مع
ذلك عن غسل تلك الأعضاء بعده وهى دعوى مردودة لان ذلك يختلف باختلاف النية فمن نوى
غسل الجنابة وقدم أعضاء الوضوء لفضيلته تم غسله والا فلا يصح البناء المذكور والله أعلم (قوله
ينفض الماء بيده) سقط الماء من غير رواية أبي ذر وللاصيلى فجعل ينفض بيده وباق مباحث
المتن تقدم في أوائل الغسل والله المستعان * (قوله باب إذا ذكر) أي تذكر (الرجل) وهو
(في المسجد انه جنب) خرج ولابى ذر وكريمة (يخرج كما هو) أي على حاله (قوله ولا يتيمم) إشارة
328

إلى رد من يوجبه في هذه الصورة وهو منقول عن الثوري واسحق وكذا قال بعض المالكية فيمن
نام في المسجد فاحتلم يتيمم قبل أن يخرج وورد ذكر بمعنى تذكر من الذكر بضم الذال كثيرا وإن كان
المتبادر أنه من الذكر بكسرها وقوله خرج كما هو قال الكرماني هذه الكاف كاف المقارنة
لا كاف التشبيه كذا قال وعلى التنزل فالتشبيه هنا ليس ممتنعا لأنه يتعلق بحالته أي خرج
في حالة شبيهة بحالته التي قبل خروجه فيما يتعلق بالمحدث لم يفعل ما يرفعه من غسل أو ما ينوب
عنه من التيمم (قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو الجعفي ويونس هو ابن يزيد (قوله وعدلت)
أي سويت وكان من شان النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر حتى تستوى الصفوف (قوله فلما
قام في مصلاه ذكر) أي تذكر لا أنه قال ذلك لفظا وعلم الراوي بذلك من قرائن الحال أو باعلامه
له بعد ذلك وبين المصنف في الصلاة من رواية صالح بن كيسان عن الزهري أن ذلك كان قبل
أن يكبر النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة (قوله فقال لنا مكانكم) بالنصب أي الزموا مكانكم
وفيه اطلاق القول على الفعل فان في رواية الإسماعيلي فأشار بيده أن مكانكم ويحتمل أن
يكون جمع بين الكلام والإشارة (قوله ورأسه يقطر) آي من ماء الغسل وظاهر قوله فكبر
الاكتفاء بالإقامة السابقة فيؤخذ منه جواز التخلل الكثير بين الإقامة والدخول في الصلاة
وسيأتى مع بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الصلاة قبيل أبواب صلاة الجماعة بعد أبواب
الاذان إن شاء الله تعالى (قوله تابعه عبد الاعلى) هو ابن عبد الاعلى البصري وروايته موصولة
عند الإمام أحمد عنه وقد تابع عثمان بن عمر راويه عن يونس عن عبد الله بن وهب عند مسلم
وهذه متابعة تامة (قوله ورواه الأوزاعي) روايته موصولة عند المؤلف في أوائل أبواب الإمامة
كما سيأتي وظن بعضهم ان السبب في التفرقة بين قوله تابعه وبين قوله رواه كون المتابعة وقعت
بلفظه والرواية بمعناه وليس كما ظن بل هو من التفنن في العبارة * (قوله باب نفض
اليدين من الغسل عن الجنابة) كذا لأبي ذر وكريمة وللباقين من غسل الجنابة (قوله حدثنا
أبو حمزة) هو السكري (قوله فانطلق وهو ينفض يديه) استدل به على جواز نفض ماء الغسل
والوضوء وقد تقدم ذلك في أوائل الغسل وهو ظاهر وفى هذا الاسناد مروزيان عبدان
وشيخه وكوفيان الأعمش وشيخه ومدنيان كريب وشيخه وفيما قبله بباب كذلك لان يوسف بن
عيسى وشيخه مروزيان وفيما قبل ذلك بصريان موسى وأبو عوانة وكذا موسى وعبد الواحد
وكذا محمد بن محبوب وعبد الواحد وفيما قبل أيضا مكيان الحميدي وسفيان وكلهم رووه عن
الأعمش بالاسناد المذكور (قوله باب من بدأ بشق رأسه الأيمن في الغسل) تقدم مثل
ذلك في باب من بدأ بالحلاب (قوله حدثنا خلاد بن يحيى) هذا من كبار شيوخ البخاري وهو كوفي
سكن مكة ومن فوقه إلى عائشة مكيون (قوله عن صفية) وللإسماعيلي أنه سمع صفية وهى من
صغار الصحابة وأبوها شيبة هو ابن عثمان الحجبي العبدري صحابي مشهور (قوله أصاب) ولكريمة
أصابت (إحدانا) أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وللحديث حكم الرفع لأن الظاهر اطلاع
النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وهو مصير من البخاري إلى القول بان لقول الصحابي كنا نفعل
كذا حكم الرفع سواء صرح بإضافته إلى زمنه صلى الله عليه وسلم أم لا وبه جزم الحاكم (قوله
أخذت بيديها) ولكريمة بيدها أي الماء وصرح به الإسماعيلي في روايته (قوله فوق رأسها) أي
329

فصبته فوق رأسها وللإسماعيلي أخذت بيديها الماء ثم صبت على رأسها (قوله وبيدها الأخرى)
في رواية الإسماعيلي ثم أخذت بيدها وهى أدل على الترتيب من رواية المصنف وإن كان لفظ
الأخرى يدل على أن لها أولى وهى متأخرة عنها فان قيل الحديث دال على تقديم أيمن الشخص
لا أيمن رأسه فكيف يطابق الترجمة أجاب الكرماني بان المراد من أيمن الشخص أيمنه من رأسه
إلى قدمه فيطابق والذي يظهر انه حمل الثلاث في الرأس على التوزيع كما سبق في باب من بدأ
بالحلاب وفيه التصريح بأنه بدأ بشق رأسه الأيمن والله أعلم * (قوله باب من اغتسل
عريانا وحده في خلوة) أي من الناس وهو تأكيد لقوله وحده ودل قوله أفضل على الجواز وعليه
أكثر العلماء وخالف فيه ابن أبي ليلى وكأنه تمسك بحديث يعلى بن أمية مرفوعا إذا اغتسل أحدكم
فليستتر قاله لرجل رآه يغتسل عريانا وحده رواه أبو داود وللبزار نحوه من حديث ابن عباس
مطولا (قوله وقال بهز) زاد الأصيلي ابن حكيم (قوله عن جده) هو معاوية بن حيدة بحاء مهملة
وياء تحتانية ساكنة صحابي معروف (قوله إن يستحا منه من الناس) كذا لأكثر الرواة
وللسرخسي أحق ان يستتر منه وهذا بالمعنى وقد أخرجه أصحاب السنن وغيرهم من طرق عن
بهز وحسنه للترمذي وصححه الحاكم وقال ابن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون حدثنا بهز بن حكيم
عن أبيه عن جده قال قلت يا نبي الله عوراتنا ما نأتى منها وما نذر قال احفظ عورتك الا من
زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت يا رسول الله أحدنا إذا كان خاليا قال الله أحق أن يستحا منه من
الناس فالاسناد إلى بهز صحيح ولهذا جزم به البخاري وأما بهز وأبوه فليسا من شرطه ولهذا لما علق
في النكاح شيئا من حديث جد بهز لم يجزم به بل قال ويذكر عن معاوية بن حيدة فعرف من هذا ان
مجرد جزمه بالتعليق لا يدل على صحة الاسناد الا إلى من علق عنه وأما ما فوقه فلا يدل وقد حققت
ذلك فيما كتبته على ابن الصلاح وذكرت له أمثلة وشواهد ليس هذا موضع بسطها وعرف من
سياق الحديث انه وارد في كشف العورة بخلاف ما قال أبو عبد الملك البوني ان المراد بقوله أحق
ان يستحيا منه أي فلا يعصى ومفهوم قوله الا من زوجتك يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك
منه وقياسه انه يجوز له النظر ويدل أيضا على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى ومنه الرجل للرجل
والمرأة للمرأة وفيه حديث في صحيح مسلم ثم إن ظاهر حديث بهز يدل على أن التعري في الخلوة
غير جائز مطلقا لكن استدل المصنف على جوازه في الغسل بقصة موسى وأيوب عليهما السلام
ووجه الدلالة منه على ما قال ابن بطال انهما ممن أمرنا بالاقتداء به وهذا انما يأتي على رأى من
يقول شرع من قبلنا شرع لنا والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص
القصتين ولم يتعقب شيئا منهما فدل على موافقتهما لشرعنا والا فلو كان فيهما شئ غير موافق
لبينه فعلى هذا فيجمع بين الحديثين بحمل حديث بهز بن حكيم على الأفضل واليه أشار في الترجمة
ورجح بعض الشافعية تحريمه والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط (قوله كانت بنو
إسرائيل) أي جماعتهم وهو كقوله تعالى قالت الاعراب آمنا (قوله يغتسلون عراة ظاهره ان
ذلك كان جائزا في شرعهم والا لما أقرهم موسى على ذلك وكان هو عليه السلام يغتسل وحده
أخذا بالأفضل وأغرب ابن بطال فقال هذا يدل على أنهم كانوا عصاة له وتبعه على ذلك القرطبي
فأطال في ذلك (قوله آدر) بالمد وفتح الدال المهملة وتخفيف الراء قال الجوهري الأدرة نفخة
330

في الخصية وهى بفتحات وحكى بضم أوله واسكان الدال (قوله فجمع موسى) أي جرى مسرعا
وفى رواية فخرج (قوله ثوبي يا حجر) أي أعطني وانما خاطبه لأنه أجراه مجرى من يعقل لكونه
فر بثوبه فانتقل عنده من حكم الجماد إلى حكم الحيوان فناداه فلما لم يعطه ضربه وقيل يحتمل
أن يكون موسى أراد بضربه اظهار المعجزة بتأثير ضربه فيه ويحتمل ان يكون عن وحى (قوله
حتى نظرت) ظاهره أنهم رأوا جسده وبه يتم الاستدلال على جواز النظر عند الضرورة لمداواة
وشبهها وأبدى ابن الجوزي احتمال ان يكون كان عليه مئزر لأنه يظهر ما تحته بعد البلل
واستحسن ذلك ناقلا له عن بعض مشايخه وفيه نظر (قوله فطفق بالحجر ضربا) كذا لأكثر الرواة
وللكشميهني والحموي فطفق الحجر ضربا والحجر على هذا منصوب بفعل مقدر أي طفق يضرب
الحجر ضربا (قوله قال أبو هريرة) هو من تتمة مقول همام وليس بمعلق (قوله لندب) بالنون
والدال المهملة المفتوحتين وهو الأثر وسيأتى بقية الكلام على هذا الحديث في أحاديث
الأنبياء إن شاء الله تعالى (قوله وعن أبي هريرة) هو معطوف على الاسناد الأول وجزم
الكرماني بأنه تعليق بصيغة التمريض فأخطأ فان الحديثين ثابتان في نسخة همام بالاسناد
المذكور وقد أخرج البخاري هذا الثاني من رواية عبد الرزاق بهذا الاسناد في أحاديث الأنبياء
(قوله يحتثى) باسكان المهملة وفتح المثناة بعدها مثلثة والحثية هي الاخذ باليد ووقع في رواية
القابسي عن أبي زيد يحتثن بنون في آخره بدل الياء (قوله لاغنى) بالقصر بلا تنوين ورويناه
بالتنوين أيضا على أن لا بمعنى ليس (قوله ورواه إبراهيم) هو ابن طهمان وروايته موصولة بهذا
الاسناد عند النسائي والإسماعيلي قال ابن بطال وجه الدلالة من حديث أيوب ان الله تعالى
عاتبه على جمع الجراد ولم يعاتبه على الاغتسال عريانا فدل على جوازه وسيأتى بقية الكلام عليه
في أحاديث الأنبياء أيضا * (قوله باب التستر) لما فرغ من الاستدلال لاحد الشقين
وهو التعري في الخلوة أورد الشق الآخر (قوله مولى عمر بن عبيد الله) بالتصغير وهو التيمي وأم
هانئ بهمزة منونة (قوله فقال من هذه) يدل على أن الستر كان كثيفا وعرف انها امرأة لكون
ذلك الموضع لا يدخل عليه فيه الرجال وسيأتي الكلام عليه في أواخر الجهاد حيث أورده المصنف
تاما (قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك وسفيان هو الثوري وقد تقدم الحديث في أول الغسل
للمصنف عاليا إلى الثوري ونزل فيه هنا درجة وكذلك نزل فيه شيخه عبدان درجة لأنه سبق
في روايته عن أبي حمزة عن الأعمش والسبب في ذلك اعتناؤه بمغايرة الطرق عند تغاير الاحكام
(قوله تابعه أبو عوانة) أي عن الأعمش باسناده هذا وقد تقدمت هذه المتابعة موصولة عنده
في باب من أفرغ بيمينه (قوله وابن فضيل) أي عن الأعمش أيضا بهذا الاسناد وروايته موصولة
في صحيح أبى عوانة الأسفرايني نحو رواية أبى عوانة البصري وقد وقع ذكر الستر أيضا في هذا
الحديث من رواية أبى حمزة عند المصنف ومن رواية زائدة عند الإسماعيلي وسبقت مباحث
الحديث في أول الغسل والله المستعان * (قوله باب إذا احتلمت المرأة) انما قيده
بالمرأة مع أن حكم الرجل كذلك لموافقة صورة السؤال وللإشارة إلى الرد على من
331

منع منه في حق المرأة دون الرجل كما حكاه ابن المنذر وغيره عن إبراهيم النخعي واستبعد
النووي في شرح المهذب صحته عنه لكن رواه ابن أبي شيبة عنه باسناد جيد (قوله عن
زينب بنت أبي سلمة) تقدم هذا الحديث في باب الحياء في العلم من وجه آخر وفيه زينب
بنت أم سلمة فنسيت هناك إلى أمها وهنا إلى أبيها وقد اتفق الشيخان على اخراج هذا
الحديث من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها ورواه مسلم أيضا من رواية الزهري عن
عروة لكن قال عن عائشة وفيه ان المراجعة وقعت بين أم سلمة وعائشة ونقل القاضي
عياض عن أهل الحديث ان الصحيح ان القصة وقعت لام سلمة لا لعائشة وهذا يقتضى ترجيح
رواية هشام وهو ظاهر صنيع البخاري لكن نقل ابن عبد البر عن الذهلي أنه صحح الروايتين
وأشار أبو داود إلى تقوية رواية الزهري لان نافع بن عبد الله تابعه عن عروة عن عائشة
وأخرج مسلم أيضا رواية نافع وأخرج أيضا من حديث أنس قال جاءت أم سليم إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقالت له وعائشة عنده فذكر نحوه وروى أحمد من طريق إسحاق بن عبد الله
ابن أبي طلحة عن جدته أم سليم وكانت مجاورة لام سلمة فقالت أم سليم يا رسول الله فذكر الحديث
وفيه ان أم سلمة هي التي راجعتها وهذا يقوى رواية هشام قال النووي في شرح مسلم يحتمل أن تكون
عائشة وأم سلمة جميعا أنكرتا على أم سليم وهو جمع حسن لأنه لا يمتنع حضور أم سلمة وعائشة
عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس واحد وقال في شرح المهذب يجمع بين الروايات بان انسا
وعائشة وأم سلمة حضروا القصة انتهى والذي يظهر ان أنسا لم يحضر القصة وانما تلقى ذلك من
أمه أم سليم وفى صحيح مسلم من حديث أنس ما يشير إلى ذلك وروى أحمد من حديث ابن عمر نحو
هذه القصة وانما تلقى ذلك ابن عمر من أم سليم أو غيرها وقد سألت عن هذه المسئلة أيضا خولة بنت
حكيم عند أحمد والنسائي وابن ماجة وفى آخره كما ليس على الرجل غسل إذا رأى ذلك فلم ينزل
وسهلة بنت سهيل عند الطبراني وبسرة بنت صفوان عند ابن أبي شيبة (قوله إن الله لا يستحيى من
الحق) قدمت هذا القول تمهيدا لعذرها في ذكر ما يستحيا منه والمراد بالحياء هنا معناه اللغوي
إذ الحياء الشرعي خير كله وقد تقدم في كتاب الايمان ان الحياء لغة تغير وانكسار وهو مستحيل
في حق الله تعالى فيحمل هنا على أن المراد ان الله لا يأمر بالحياء في الحق أو لا يمنع من ذكر الحق وقد
يقال انما يحتاج إلى التأويل في الاثبات ولا يشترط في النفي ان يكون ممكنا لكن لما كان المفهوم
يقتضى انه يستحيى من غير الحق عاد إلى جانب الاثبات فاحتيج إلى تأويله قاله ابن دقيق العيد
(قوله هل على المرأة من غسل) من زائدة وقد سقطت في رواية المصنف في الأدب (قوله احتلمت)
الاحتلام افتعال من الحلم بضم المهملة وسكون اللام وهو ما يراه النائم في نومه يقال منه حلم
بالفتح واحتلم والمراد به هنا أمر خاص منه وهو الجماع وفى رواية أحمد من حديث أم سليم انها
قالت يا رسول الله إذا رأت المرأة ان زوجها يجامعها في المنام أتغتسل (قوله إذا رأت الماء) أي
المنى بعد الاستيقاظ وفى رواية الحميدي عن سفيان عن هشام إذا رأت إحداكن الماء فلتغتسل
وزاد فقالت أم سلمة وهل تحتلم المرأة وكذلك روى هذه الزيادة أصحاب هشام عنه غير مالك فلم
يذكرها وقد تقدمت من رواية أبى معاوية عن هشام في باب الحياء في العلم وفيه أو تحتلم المرأة وهو
معطوف على مقدر يظهر من السياق أي أترى المرأة الماء وتحتلم وفيه فغطت أم سلمة وجهها
332

ويأتي في الأدب من رواية يحيى القطان عن هشام فضحكت أم سلمة ويجمع بينهما بأنها تبسمت
تعجبا وغطت وجهها حياء ولمسلم من رواية وكيع عن هشام فقالت لها يا أم سليم فضحكت النساء
وكذا لأحمد من حديث أم سليم وهذا يدل على أن كتمان مثل ذلك من عادتهن لأنه يدل على شدة
شهوتهن للرجال وقال ابن بطال فيه دليل على أن كل النساء يحتملن وعكسه غيره فقال فيه دليل
على أن بعض النساء لا يحتملن والظاهر أن مراد ابن بطال الجواز لا الوقوع أي فيهن قابلية ذلك
وفيه دليل على وجوب الغسل على المرأة بالانزال ونفى ابن بطال الخلاف فيه وقد قدمناه عن
النخعي وكأن أم سليم لم تسمع حديث الماء من الماء أو سمعته وقام عندها ما يوهم خروج المرأة عن
ذلك وهو ندور بروز الماء منها وقد روى أحمد من حديث أم سليم في هذه القصة ان أم سلمة قالت
يا رسول الله وهل للمرأة ماء فقال هن شقائق الرجال وروى عبد الرزاق في هذه القصة إذا رأت
إحداكن الماء كما يراه الرجل وروى أحمد من حديث خولة بنت حكيم في نحو هذه القصة ليس
عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل وفيه رد على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز وانما يعرف
انزالها بشهوتها وحمل قوله إذا رأت الماء أي علمت به لان وجود العلم هنا متعذر لأنه إذا أراد به
علمها بذلك وهى نائمة فلا يثبت به حكم لان الرجل لو رأى أنه جامع وعلم أنه أنزل في النوم ثم استيقظ
فلم ير بللا لم يجب عليه الغسل اتفاقا فكذلك المرأة وان أراد به علمها بذلك بعد ان استيقظت فلا
يصح لأنه لا يستمر في اليقظة ما كان في النوم الا إن كان مشاهدا فحمل الرؤية على ظاهرها هو
الصواب وفيه استفتاء المرأة بنفسها وسياق صور الأحوال في الوقائع الشرعية لما يستفاد من
ذلك وفيه جواز التبسم في التعجب وسيأتى الكلام على قوله فبم يشبهها ولدها في بدء الخلق إن شاء الله
تعالى * (قوله باب عرق الجنب وان المسلم لا ينجس) كأن المصنف يشير بذلك إلى
الخلاف في عرق الكافر وقال قوم انه نجس بناء على القول بنجاسة عينه كما سيأتي فتقدير
الكلام بيان حكم عرق الجنب وبيان أن المسلم لا ينجس وإذا كان لا ينجس فعرقه ليس بنجس
ومفهومه ان الكافر ينجس فيكون عرقه نجسا (قوله حدثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان وحميد
هو الطويل وبكر هو ابن عبد الله المزنى وأبو رافع هو الصائغ وهو مدني سكن البصرة ومن دونه في
الاسناد بصريون أيضا وحميد وبكر وأبو رافع ثلاثة من التابعين في نسق (قوله في بعض طريق)
كذا للأكثر وفى رواية كريمة والأصيلي طرق ولابى داود والنسائي لقيته في طرق من طرق
المدينة وهى توافق رواية الأصيلي (قوله وهو جنب) يعنى نفسه وفى رواية أبى داود وانا جنب
(قوله فانخنست) كذا للكشميهني والحموي وكريمة بنون ثم خاء معجمة ثم نون ثم سين مهملة
وقال القزاز وقع في رواية فانبخست يعنى بنون ثم موحدة ثم خاء معجمة ثم سين مهملة قال
ولا وجه له والصواب ان يقال فانخنست يعنى كما تقدم قال والمعنى مضيت عنه مستخفيا ولذلك
وصف الشيطان بالخناس ويقويه الرواية الأخرى فانسللت انتهى وقال ابن بطال وقعت هذه
اللفظة فانبخست يعنى كما تقدم قال ولابن السكن بالجيم قال ويحتمل أن يكون من قوله تعالى
فانبجست منه اثنتا عشرة عينا أي جرت واندفعت وهذه أيضا رواية الأصيلي وأبى الوقت وابن
عساكر ووقع في رواية المستملى فانتجست بنون ثم مثناة فوقانية ثم جيم أي اعتقدت نفسي نجسا
ووجهت الرواية التي أنكرها القزاز بأنها مأخوذة من البخس وهو النقص أي اعتقد نقصان
333

نفسه بجنابته عن مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت في رواية الترمذي مثل رواية ابن
السكن وقال معنى انبجست منه تنحيت عنه ولم يثبت لي من طريق الرواية غير ما تقدم وأشبهها
بالصواب الأولى ثم هذه وقد نقل الشراح فيها ألفاظا مختلفة مما صحفه بعض الرواة لا معنى
للتشاغل بذكره كانتجشت بشين معجمة من النجش وبنون وحاء مهملة ثم موحدة ثم سين مهملة
من الانحباس (قوله إن المؤمن لا ينجس) تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال إن الكافر
نجس العين وقواه بقوله تعالى انما المشركون نجس وأجاب الجمهور عن الحديث بان المراد ان
المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانية النجاسة بخلاف المشرك لعدم تحفظه عن النجاسة وعن
الآية بأن المراد انهم نجس في الاعتقاد والاستقذار وحجتهم ان الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب
ومعلوم ان عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية
الا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة فدل على أن الآدمي الحي ليس بنجس العين إذ لا فرق بين
النساء والرجال وأغرب القرطبي في الجنائز من شرح مسلم فنسب القول بنجاسة الكافر إلى
الشافعي وسيأتي الكلام على مسئلة الميت في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى وفى هذا الحديث
استحباب الطهارة عند ملابسة الأمور المعظمة واستحباب احترام أهل الفضل وتوقيرهم
ومصاحبتهم على أكمل الهيأت وكان سبب ذهاب أبي هريرة انه صلى الله عليه وسلم كان إذا لقى
أحدا من أصحابه ماسحه ودعا له هكذا رواه النسائي وابن حبان من حديث حذيفة فلما ظن أبو
هريرة أن الجنب ينجس بالحدث خشى أن يماسحه صلى الله عليه وسلم كعادته فبادر إلى الاغتسال
وانما أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قوله وأنا على غير طهارة وقوله سبحان الله تعجب من
اعتقاد أبي هريرة التنجس بالجنابة أي كيف يخفى عليه هذا الظاهر وفيه استحباب استئذان
التابع للمتبوع إذا أراد ان يفارقه لقوله أين كنت فأشار إلى أنه كان ينبغي له أن لا يفارقه حتى
يعلمه وفيه استحباب تنبيه المتبوع لتابعه على الصواب وان لم يسأله وفيه جواز تأخير الاغتسال
عن أول وقت وجوبه وبوب عليه ابن حبان الرد على من زعم أن الجنب إذا وقع في البئر فنوى
الاغتسال ان ماء البئر ينجس واستدل به البخاري على طهارة عرق الجنب لان بدنه لا ينجس
بالجنابة فكذلك ما تحلب منه وعلى جواز تصرف الجنب في حوائجه قبل ان يغتسل فقال
* (باب) الجنب يخرج ويمشى في السوق (قوله وغيره) بالجر أي وغير السوق ويحتمل
الرفع عطفا على يخرج من جهة المعنى (قوله وقال عطاء) هذا التعليق وصله عبد الرزاق عن
ابن جريج عنه وزاد ويطلى بالنورة ولعل هذه الأفعال هي المرادة بقوله وغيره بالرفع في الترجمة
(قوله حدثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة كذا لهم الا الأصيلي فقال شعبة (قوله إن النبي) وفى رواية
الأصيلي وكريمة ان نبي الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في باب إذا
جامع ثم عاد وايراده له في هذا الباب يقوى رواية وغيره بالجر لان حجر أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم كانت متقاربة فهو محتاج في الدخول من هذه إلى هذه إلى المشي وعلى هذا فمناسبة ايراد
أثر عطاء من جهة الاشتراك في جواز تشاغل الجنب بغير الغسل وقد خالف عطاء غيره كما رواه
ابن أبي شيبة عن الحسن البصري وغيره فقالوا يستحب له الوضوء وحديث أنس يقوى اختيار
عطاء لأنه لم يذكر فيه انه توضأ فكأن المصنف أورده ليستدل له لا ليستدل به (قوله حدثنا
334

عياش) بياء تحتانية وشين معجمة هو ابن الوليد الرقام وعبد الاعلى هو ابن عبد الاعلى والاسناد
أيضا إلى أبى رافع بصريون وقد سبق الكلام على هذا الحديث في الباب الذي قبله (قوله
فانسللت) أي ذهبت في خفية والرحل بحاء مهملة ساكنة أي المكان الذي يأوى فيه وقوله
يا أبا هريرة وقع في رواية المستملى والكشميهني يا أبا هر بالترخيم * (قوله باب كينونة
الجنب في البيت) أي استقراره فيه وكينونة الحدود كان يكون كونا وكينونة ولم يجئ على هذا
الا أحرف معدودة مثل ديمومة من دام (قوله إذا توضأ) زاد أبو الوقت وكريمة قبل أن يغتسل
وسقط الجميع من رواية المستملى والحموي قيل أشار المصنف بهذه الترجمة إلى تضعيف ما ورد
عن علي مرفوعا ان الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة ولا جنب رواه أبو داود وغيره وفيه
نجى بضم النون وفتح الجيم الحضرمي ما روى عنه غير ابنه عبد الله فهو مجهول لكن وثقه العجلي
وصحح حديثه ابن حبان والحاكم فيحتمل كما قال الخطابي ان المراد بالجنب من يتهاون بالاغتسال
ويتخذ تركه عادة لا من يؤخره ليفعله قال ويقويه ان المراد بالكلب غير ما أذن اتخاذه وبالصورة
ما فيه روح وما لا يمتهن قال النووي وفى الكلب نظر انتهى ويحتمل أن يكون المراد بالجنب في
حديث على من لم يرتفع حدثه كله ولا بعضه وعلى هذا فلا يكون بينه وبين حديث الباب منافاة
لأنه إذا توضأ ارتفع بعض حدثه على الصحيح كما سيأتي تصويره (قوله حدثنا هشام) هو الدستوائي
وشيبان هو ابن عبد الرحمن ويحيى هو ابن أبي كثير وصرح بتحديث أبى سلمة له في رواية ابن أبي
شيبة ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن ابن عمر أخرجه النسائي (قوله
قال نعم ويتوضأ) هو معطوف على ما سد لفظ نعم مسنده أي يرقد ويتوضأ والواو لا تقتضى الترتيب
فالمعنى يتوضأ ثم يرقد ولمسلم من طريق الزهري عن أبي سلمة بلفظ كان إذا أراد أن ينام وهو جنب
توضأ وضوءه للصلاة وهذا السياق أوضح في المراد وللمصنف مثله في الباب الذي بعد هذا من
رواية عروة عن عائشة بزيادة غسل الفرج وزاد أبو نعيم في المستخرج من طريق أبى نعيم شيخ
البخاري في آخر حديث الباب ويتوضأ وضوءه للصلاة وللإسماعيلي من وجه آخر عن هشام
نحوه وفى رد على من حمل الوضوء هنا على التنظيف (قوله أن عمر بن الخطاب سأل) ظاهره ان
ابن عمر حضر هذا السؤال فيكون الحديث من مسنده وهو المشهور من رواية نافع وروى عن
أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه قال يا رسول الله أخرجه النسائي وعلى هذا فهو من مسند
عمر وكذا رواه مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر لكن
ليس في هذا الاختلاف ما يقدح في صحة الحديث ومطابقة الحديث للترجمة من جهة ان جواز
رقاد الجنب في البيت يقتضى جواز استقراره فيه يقظان لعدم الفرق أو لان نومه يستلزم
الجواز لحصول اليقظة بين وضوئه ونومه ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير ووقع في رواية كريمة
قبل حديث ابن عمر باب نوم الجنب وهذه الترجمة زائدة للاستغناء عنها بباب الجنب يتوضأ ثم ينام
ويحتمل ان يكون ترجم على الاطلاق وعلى التقييد فلا تكون زائدة (قوله عن محمد بن عبد
الرحمن) هو أبو الأسود الذي يقال له يتيم عروة ونصف هذا الاسناد المبتدا به بصريون ونصفه
الاعلى مدنيون (قوله وتوضأ للصلاة) أي توضأ وضوءا كما للصلاة وليس المعنى انه توضأ
لأداء الصلاة وانما المراد توضأ وضوءا شرعيا لا لغويا (قوله حدثنا جويرية) بالجيم والراء مصغرا
335

وهو اسم رجل واسم أبيه أسماء بن عبيد وقد سمع جويرية هذا من نافع مولى ابن عمر ومن مالك
عن نافع (قوله عن عبد الله) في رواية ابن عساكر عن ابن عمر (قوله فقال نعم إذا توضأ) ولمسلم من
طريق ابن جريج عن نافع ليتوضأ ثم لينم (قوله عن عبد الله بن دينار) هكذا رواه مالك في الموطأ
باتفاق من رواة الموطأ ورواه خارج الموطأ عن نافع بدل عبد الله بن دينار وذكر أبو علي الجياني انه
وقع في رواية ابن السكن عن نافع بدل عبد الله بن دينار كان كذلك عند الأصيلي الا انه ضرب
على نافع وكتب فوقه عبد الله بن دينار قال أبو علي والحديث محفوظ لمالك عنهما جميعا انتهى
كلامه قال ابن عبد البر الحديث لمالك عنهما جميعا لكن المحفوظ عن عبد الله بن دينار وحديث
نافع غريب انتهى وقد رواه عنه كذلك عن نافع خمسة أو ستة فلا غرابة وان ساقه الدارقطني في
غرائب مالك فمراده ما رواه خارج الموطأ فهي عن أبيه خاصة بالنسبة للموطأ نعم رواية الموطأ أشهر
(قوله ذكر عمر بن الخطاب) مقتضاه أيضا انه من مسند ابن عمر كما هو عند أكثر الرواة ورواه أبو نوح
عن مالك فزاد فيه عن عمر وقد بين النسائي سبب ذلك في روايته من طريق ابن عون عن نافع قال
أصاب ابن عمر جنابة فاتى عمر فذكر ذلك له فاتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره فقال ليتوضأ
ويرقد وعلى هذا فالضمير في قوله في حديث الباب انه تصيبه يعود على ابن عمر لا على عمر وقوله في
الجواب توضأ يحتمل ان يكون ابن عمر كان حاضرا فوجه الخطاب إليه (قوله بأنه) كذا للمستملى
والحموي وللباقين انه (قوله فقال له) سقط لفظ له من رواية الأصيلي (قوله توضأ واغسل
ذكرك) في رواية أبى نوح اغسل ذكرك ثم توضأ ثم نم وهو يرد على من حمله على ظاهره فقال يجوز
تقديم الوضوء على غسل الذكر لأنه ليس بوضوء يرفع الحدث وانما هو للتعبد إذ الجنابة أشد
من مس الذكر فتبين من رواية أبى نوح أن غسله مقدم على الوضوء ويمكن ان يؤخره عنه بشرط
ان لا يمسه على القول بان مسه ينقض وقال ابن دقيق العيد جاء الحديث بصيغة الامر وجاء
بصيغة الشرط وهو متمسك لمن قال بوجوبه وقال ابن عبد البر ذهب الجمهور إلى أنه للاستحباب
وذهب أهل الظاهر إلى ايجابه وهو شذوذ وقال ابن العربي قال مالك والشافعي لا يجوز للجنب ان
ينام قبل ان يتوضأ واستنكر بعض المتأخرين هذا النقل وقال لم يقل الشافعي بوجوبه ولا يعرف
ذلك أصحابه وهو كما قال لكن كلام ابن العربي محمول على أنه أراد نفى الإباحة المستوية الطرفين
لا اثبات الوجوب أو أراد بأنه واجب وجوب سنة أي متأكد الاستحباب ويدل عليه أنه قابله
بقول ابن حبيب هو واجب وجوب الفرائض وهذا موجود في عبارة المالكية كثيرا وأشار ابن
العربي إلى تقوية قول ابن حبيب وبوب عليه أبو عوانة في صحيحه ايجاب الوضوء على الجنب إذا
أراد النوم ثم استدل بعد ذلك هو وابن خزيمة على عدم الوجوب بحديث ابن عباس مرفوعا
انما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة وقد تقدم ذكره في باب إذا جامع ثم عاد وقد قدح في هذا
الاستدلال ابن رشد المالكي وهو واضح ونقل الطحاوي عن أبي يوسف انه ذهب إلى عدم
الاستحباب وتمسك بما رواه أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها انه صلى الله عليه وسلم
كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماء رواه أبو داود وغيره وتعقب بان الحفاظ قالوا إن أبا إسحاق غلط فيه
وبأنه لو صح حمل على أنه ترك الوضوء لبيان الجواز لئلا يعتقد وجوبه أو ان معنى قوله لا يمس ماء أي
للغسل وأورد الطحاوي من الطريق المذكورة عن أبي إسحاق ما يدل على ذلك ثم جنح الطحاوي إلى
336

ان المراد بالوضوء التنظيف واحتج بان ابن عمر راوي الحديث وهو صاحب القصة كان يتوضأ وهو
جنب ولا يغسل رجليه كما رواه مالك في الموطأ عن نافع وأجيب بأنه ثبت تقييد الوضوء بالصلاة من
روايته ومن رواية عائشة كما تقدم فيعتمد ويحمل ترك ابن عمر لغسل رجليه على أن ذلك كان لعذر
وقال جمهور العلماء المراد بالوضوء هنا الشرعي والحكمة فيه انه يخفف الحدث ولا سيما على القول
بجواز تفريق الغسل فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء المخصوصة على الصحيح ويؤيده
ما رواه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن شداد بن أوس الصحابي قال إذا أجنب أحدكم من
الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة وقيل الحكمة فيه انه إحدى الطهارتين
فعلى هذا يقوم التيمم مقامه وقد روى البيهقي باسناد حسن عن عائشة انه صلى الله عليه وسلم كان
إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم ويحتمل أن يكون التيمم هنا عند عسر وجود الماء وقيل
الحكمة فيه أنه ينشط إلى العود أو إلى الغسل وقال ابن دقيق العيد نص الشافعي رحمه الله على أن
ذلك ليس على الحائض لأنها لو اغتسلت لم يرتفع حدثها بخلاف الجنب لكن إذا انقطع دمها
استحب لها ذلك وفى الحديث أن غسل الجنابة ليس على الفور وانما يتضيق عن القيام إلى
الصلاة واستحباب التنظيف عند النوم قال ابن الجوزي والحكمة فيه ان الملائكة تبعد عن
الوسخ والريح الكريهة بخلاف الشياطين فإنها تقرب من ذلك والله أعلم * (قوله باب
إذا التقى الختانان) المراد بهذه التثنية ختان الرجل والختن قطع جلدة كمرته وخفاض المرأة
والخفض قطع جليدة في أعلى فرجها تشبه عرف الديك بينها وبين مدخل الذكر جلدة رقيقة
وانما ثنيا بلفظ واحد تغليبا وله نظائر وقاعدته رد الأثقل إلى الأخف والأدنى إلى الاعلى (قوله
هشام) هو الدستوائي في الموضعين وانما فرقهما لان معاذا قال حدثنا وأبا نعيم قال عن
وطريق معاذ إلى الصحابي كلهم بصريون (قوله إذا جلس) الضمير المستتر فيه وفى قوله جهد
للرجل والضميران البارزان في قوله شعبها وجهدها للمرأة وترك اظهار ذلك للمعرفة به وقد وقع
مصرحا به في رواية لابن المنذر من وجه آخر عن أبي هريرة قال إذا غشى الرجل امرأته فقعد بين
شعبها الحديث والشعب جمع شعبة وهى القطعة من الشئ قيل المراد هنا يداها ورجلاها وقيل
رجلاها وفخذاها وقيل ساقاها وفخذاها وقيل فخذاها واسكتاها وقيل فخذاها وشفراها وقيل
نواحي فرجها الأربع قال الأزهري الإسكتان ناحيتا الفرج والشفران طرف الناحيتين ورجح
القاضي عياض الأخير واختار ابن دقيق العيد الأول قال لأنه أقرب إلى الحقيقة أو هو حقيقة في
الجلوس وهو كناية عن الجماع فاكتفى به عن التصريح (قوله ثم جهدها) بفتح الجيم والهاء يقال
جهد وأجهد أي بلغ المشقة قيل معناه كدها بحركته أو بلغ جهده في العمل بها ولمسلم من طريق
شعبة عن قتادة ثم اجتهد ورواه أبو داود من طريق شعبة وهشام معا عن قتادة بلفظ وألزق
الختان بالختان بدل قوله ثم جهدها وهذا يدل على أن الجهد هنا كناية عن معالجة الايلاج ورواه
البيهقي من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة مختصرا ولفظه إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل
وهذا مطابق للفظ الترجمة فكان المصنف أشار إلى هذه الرواية كعادته في التبويب بلفظ إحدى
روايات حديث الباب وروى أيضا بهذا اللفظ من حديث عائشة أخرجه الشافعي من طريق
سعيد بن المسيب عنها وفى اسناده علي بن زيد وهو ضعيف وابن ماجة من طريق القاسم بن محمد
337

عنها ورجاله ثقات ورواه مسلم من طريق أبى موسى الأشعري عنها بلفظ ومس الختان الختان
والمراد بالمس والالتقاء المحاذاة ويدل عليه رواية الترمذي بلفظ إذا جاوز وليس المراد بالمس
حقيقته لأنه لا يتصور عند غيبة الحشفة ولو حصل المس قبل الايلاج لم يجب الغسل بالاجماع
قال النووي معنى الحديث ان ايجاب الغسل لا يتوقف على الانزال وتعقب بأنه يحتمل ان يراد
بالجهد الانزال لأنه هو الغاية في الامر فلا يكون فيه دليل والجواب أن التصريح بعدم التوقف
على الانزال قد ورد في بعض طرق الحديث المذكور فانتفى الاحتمال ففي رواية مسلم من طريق
مطر الوراق عن الحسن في آخر هذا الحديث وان لم ينزل ووقع ذلك في رواية قتادة أيضا رواه
ابن أبي خيثمة في تاريخه عن عفان قال حدثنا همام وأبان قالا حدثنا قتادة به وزاد في آخره أنزل
أو لم ينزل وكذا رواه الدارقطني وصححه من طريق علي بن سهل عن عفان وكذا ذكرها أبو داود
الطيالسي عن حماد بن سلمة عن قتادة (قوله تابعه عمرو) أي ابن مرزوق وصرح به في رواية
كريمة وقد روينا حديثه موصولا في فوائد عثمان بن أحمد السماك حدثنا عثمان بن عمر
الضبي حدثنا عمرو بن مرزوق حدثنا شعبة عن قتادة فذكر مثل سياق حديث الباب لكن قال
وأجهدها وعرف بهذا ان شعبة رواه عن قتادة عن الحسن لا عن الحسن نفسه والضمير في
تابعه يعود على هشام لا على قتادة وقرأت بخط الشيخ مغلطاي ان رواية عمرو بن مرزوق هذه
عن مسلم عن محمد بن عمرو بن جبلة عن وهب بن جرير وابن أبي عدى كلاهما عن عمرو بن
مرزوق عن شعبة وتبعه بعض الشراح على ذلك وهو غلط فان ذكر عمرو بن مرزوق في اسناد
مسلم زيادة بل لم يخرج مسلم لعمرو بن مرزوق شيئا (قوله وقال موسى) أي ابن إسماعيل قال
(حدثنا) وللاصيلى أخبرنا (ابان) وهو ابن يزيد العطار وافادت روايته التصريح بتحديث الحسن
لقتادة وقرأت بخط مغلطاي أيضا ان رواية موسى هذه عند البيهقي أخرجها من طريق عفان
وهمام كلاهما عن موسى عن أبان وهو تخليط تبعه عليه أيضا بعض الشراح وانما أخرجها
البيهقي من طريق عفان عن همام وأبان جميعا عن قتادة فهمام شيخ عفان لا رفيقه وأبان رفيق
همام لا شيخ شيخه ولا ذكر لموسى فيه أصلا بل عفان رواه عن أبان كما رواه عنه موسى فهو رفيقه
لا شيخه والله الهادي إلى الصواب * (تنبيه) * زاد هنا في نسخة الصغاني هذا أجود وأوكد
وانما بينا إلى آخر الكلام الآتي في آخر الباب الذي يليه والله أعلم * (قوله باب غسل
ما يصيب) أي الرجل (من فرج المرأة) أي من رطوبة وغيرها (قوله عن الحسين) زاد أبو ذر المعلم
(قوله قال يحيى) هو ابن أبي كثير أي قال الحسين قال يحيى ولفظ قال الأولى تحذف في الخط
عرفا (قوله وأخبرني) هو عطف على مقدر أي أخبرني بكذا وأخبرني بكذا ووقع في رواية مسلم
بحذف الواو قال ابن العربي لم يسمعه الحسين من يحيى فلهذا قال قال يحيى كذا ذكره ولم يأت
بدليل وقد وقع في رواية مسلم في هذا الموضع عن الحسين عن يحيى وليس الحسين بمدلس وعنعنة
غير المدلس محمولة على السماع إذا لقيه على الصحيح على أنه وقع التصريح في رواية ابن خزيمة في
رواية الحسين عن يحيى بالتحديث ولفظه حدثني يحيى بن كثير ولم ينفرد الحسين مع ذلك به
فقد رواه عن يحيى أيضا معاوية بن سلام أخرجه ابن شاهين وشيبان بن عبد الرحمن أخرجه
المصنف كما تقدم في باب الوضوء من المخرجين وسبق الكلام هناك على فوائد هذا الاسناد وألفاظ
338

المتن (قوله فامروه بذلك) فيه التفات لان الأصل أن يقول فامرونى أو هو مقول عطاء بن يسار
فيكون مرسلا وقال الكرماني الضمير يعود على المجامع الذي في ضمن إذا جامع وجزم أيضا بأنه
عن عثمان افتاء ورواية مرفوعة وعن الباقين افتاء فقط قلت وظاهره انهم أمروه بما أمره به
عثمان فليس صريحا في عدم الرفع لكن في رواية الإسماعيلي فقالوا مثل ذلك وهذا ظاهره الرفع
لان عثمان أفتاه بذلك وحدثه به عن النبي صلى الله عليه وسلم فالمثلية تقتضى انهم أيضا أفتوه
وحدثوه وقد صرح الإسماعيلي بالرفع في رواية أخرى له ولفظه فقالوا مثل ذلك عن النبي صلى الله
عليه وسلم وقال الإسماعيلي لم يقل ذلك غير يحيى الحماني وليس هو من شرط هذا الكتاب (قوله
وأخبرني أبو سلمة) كذا لأبي ذر وللباقين قال يحيى وأخبرني أبو سلمة وهو المراد وهو معطوف
بالاسناد الأول وليس معلقا وقد رواه مسلم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه
بالاسنادين معا (قوله إنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الدارقطني هو وهم لان
أبا أيوب انما سمعه من أبي بن كعب كما قال هشام بن عروة عن أبيه (قلت) الظاهر أن أبا أيوب
سمعه منهما لاختلاف السياق لان في روايته عن أبي بن كعب قصة ليست في روايته عن النبي
صلى الله عليه وسلم مع أن أبا سلمة وهو ابن عبد الرحمن بن عوف أكبر قدرا وسنا وعلما من هشام بن
عروة وروايته عن عروة من باب رواية الاقران لأنهما تابعيان فقيهان من طبقة واحدة وكذلك
رواية أبى أيوب عن أبي بن كعب لأنهما فقيهان صحابيان كبيران وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر
عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الدارمي وابن ماجة وقد حكى الأثرم عن أحمد
ان حديث زيد بن خالد المذكور في هذا الباب معلول لأنه ثبت عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف
ما في هذا الحديث وقد حكى يعقوب بن أبي شيبة عن علي بن المديني انه شاذ والجواب عن ذلك
ان الحديث ثابت من جهة اتصال اسناده وحفظ رواته وقد روى ابن عيينة أيضا عن زيد بن أسلم
عن عطاء بن يسار نحو رواية أبى سلمة عن عطاء أخرجه ابن أبي شيبة وغيره فليس هو فردا وأما
كونهم أفتوا بخلافه فلا يقدح ذلك في صحته لاحتمال انه ثبت عندهم ناسخه فذهبوا إليه وكم من
حديث منسوخ وهو صحيح من حيث الصناعة الحديثية وقد ذهب الجمهور إلى أن ما دل عليه
حديث الباب من الاكتفاء بالوضوء إذا لم ينزل المجامع منسوخ بما دل عليه حديث أبي هريرة
وعائشة المذكوران في الباب قبله والدليل على النسخ ما رواه أحمد وغيره من طريق الزهري عن
سهل بن سعد قال حدثني أبي بن كعب ان الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم رخص بها في أول الاسلام ثم أمر بالاغتسال بعد صححه ابن خزيمة وابن
حبان وقال الإسماعيلي هو صحيح على شرط البخاري كذا قال وكأنه لم يطلع على علته فقد
اختلفوا في كون الزهري سمعه من سهل نعم أخرجه أبو داود وابن خزيمة أيضا من طريق أبى حازم
عن سهل ولهذا الاسناد أيضا علة أخرى ذكرها ابن أبي حاتم وفى الجملة هو اسناد صالح لأن يحتج
به وهو صريح في النسخ على أن حديث الغسل وان لم ينزل أرجح من حديث الماء من الماء لأنه
بالمنطوق وترك الغسل من حديث الماء بالمفهوم أو بالمنطوق أيضا لكن ذاك أصرح
منه وروى ابن أبي شيبة وغيره عن ابن عباس انه حمل حديث الماء من الماء على صورة مخصوصة
وهى ما يقع في المنام من رؤية الجماع وهو تأويل يجمع بين الحديثين من غير تعارض
339

* (تنبيه) * في قوله الماء من الماء جناس تام والمراد بالماء الأول ماء الغسل وبالثاني المنى وذكر
الشافعي ان كلام العرب يقتضى ان الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع وان لم يكن معه انزال
فان كل من خوطب بان فلانا أجنب من فلانة عقل انه أصابها وان لم ينزل قال ولم يختلف ان الزنا
الذي يجب به الجلد هو الجماع ولو لم يكن معه انزال وقال ابن العربي ايجاب الغسل بالايلاج
بالنسبة إلى الانزال نظير ايجاب الوضوء بمس الذكر بالنسبة إلى خروج البول فهما متفقان دليلا
وتعليلا والله أعلم (قوله عن هشام بن عروة قال أخبرني أبي) يعنى أباه عروة وهو واضح وانما نبهت
عليه لئلا يظن أنه اسم نظير أبي بن كعب لكونه ذكر في الاسناد (قوله ما مس المرأة منه) أي
يغسل الرجل العضو الذي مس فرج المرأة من أعضائه وهو من اطلاق الملزوم وإرادة اللازم لان
المراد رطوبة فرجها (قوله ثم يتوضأ) صريح في تأخير الوضوء عن غسل الذكر زاد عبد الرزاق
عن الثوري عن هشام فيه وضوءه للصلاة (قوله ويصلى) هو أصرح في الدلالة على ترك الغسل
من الحديث الذي قبله (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف وقائل ذلك هو الراوي عنه (قوله
الغسل أحوط) أي على تقدير ان لا يثبت الناسخ ولا يظهر الترجيح فالاحتياط للدين الاغتسال
قوله الأخير) كذا لأبي ذر ولغيره الآخر بالمد بغير ياء أي آخر الامرين من الشارع أو من
اجتهاد الأئمة وقال ابن التين ضبطناه بفتح الخاء فعلى هذا الإشارة في قوله وذلك إلى حديث الباب
(قوله انما بينا لاختلافهم) وفى رواية كريمة انما بينا لاختلافهم وللاصيلى انما بيناه لاختلافهم
وفى نسخة الصغاني انما بينا الحديث الآخر لاختلافهم والماء أنقى واللام تعليلية أي حتى
لا يظن أن في ذلك اجماعا واستشكل ابن العربي كلام البخاري فقال ايجاب الغسل أطبق عليه
الصحابة ومن بعدهم وما خالف فيه الا داود ولا عبرة بخلافه وانما الامر الصعب مخالفة البخاري
وحكمه بأن الغسل مستحب وهو أحد أئمة الدين وأجلة علماء المسلمين ثم أخذ يتكلم في تضعيف
حديث الباب بما لا يقبل منه وقد أشرنا إلى بعضه ثم قال ويحتمل أن يكون مراد البخاري بقوله
الغسل أحوط أي في الدين وهو باب مشهور في الأصول قال وهو أشبه بامامة الرجل وعلمه
(قلت) وهذا هو الظاهر من تصرفه فإنه لم يترجم بجواز ترك الغسل وانما ترجم ببعض ما يستفاد
من الحديث من غير هذه المسئلة كما استدل به على ايجاب الوضوء فيما تقدم واما نفى ابن العربي
الخلاف فمعترض فإنه مشهور بين الصحابة ثبت عن جماعة منهم لكن ادعى ابن القصار ان
الخلاف ارتفع بين التابعين وهو معترض أيضا فقد قال الخطابي أنه قال به من الصحابة جماعة
فسمى بعضهم قال ومن التابعين الأعمش وتبعه عياض لكن قال لم يقل به أحد بعد الصحابة
غيره وهو معترض أيضا فقد ثبت ذلك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو في سنن أبي داود باسناد
صحيح وعن هشام بن عروة عند عبد الرزاق باسناد صحيح وقال عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن
عطاء أنه قال لا تطيب نفسي إذا لم أنزل حتى اغتسل من أجل اختلاف الناس لأخذنا بالعروة
الوثقى وقال الشافعي في اختلاف الحديث حديث الماء من الماء ثابت لكنه منسوخ إلى أن
قال فخالفنا بعض أهل ناحيتنا يعنى من الحجازيين فقالوا لا يجب الغسل حتى ينزل اه‍ فعرف
بهذا أن الخلاف كان مشهورا بين التابعين ومن بعدهم لكن الجمهور على ايجاب الغسل وهو
الصواب والله أعلم * (خاتمة) * اشتمل كتاب الغسل وما معه من أحكام الجنابة من الأحاديث
340

المرفوعة على ثلاثة وستين حديثا المكرر منها فيه وفيما مضى خمسة وثلاثون حديثا الموصول
منها أحد وعشرون والبقية تعليق ومتابعة والخالص ثمانية وعشرون منها واحد معلق وهو
حديث بهز عن أبيه عن جده وقد وافقه مسلم على تخريجها سواه وسوى حديث جابر في
الاكتفاء في الغسل بصاع وحديث أنس كان يدور على نسائه وهن إحدى عشرة امرأة في ليلة
واحدة وحديثه في الاغتسال مع المرأة من اناء واحد وحديث عائشة في صفة غسل المرأة من
الجنابة وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين عشرة المعلق منها سبعة والموصول ثلاثة
وهى حديث زيد بن خالد عن علي وطلحة والزبير المذكور في الباب الأخير فإن كان مرفوعا عنهم
فتزيد عدة الخالص من المرفوع ثلاثة وهى أيضا من أفراده عن مسلم والله أعلم
(قوله بسم الله الرحمن الرحيم)
* (كتاب الحيض) *
أصله السيلان وفى العرف جريان دم المرأة من موضع مخصوص في أوقات معلومة (قوله وقول
الله تعالى) بالجر عطفا على الحيض والمحيض عند الجمهور هو الحيض وقيل زمانه وقيل مكانه
(قوله أذى) قال الطيبى سمى الحيض اذى لنتنه وقذره ونجاسته وقال الخطابي الأذى المكروه
الذي ليس بشديد كما قال تعالى لن يضروكم الا أذى فالمعنى ان المحيض أذى يعتزل من المرأة
موضعه ولا يتعدى ذلك إلى بقية بدنها (قوله فاعتزلوا النساء في المحيض) روى مسلم وأبو داود من
حديث أنس ان اليهود كانوا إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت فسئل النبي صلى الله عليه وسلم
عن ذلك فنزلت الآية فقال اصنعوا كل شئ الا النكاح فأنكرت اليهود ذلك فجاء أسيد بن حضير
وعباد بن بشر فقالا يا رسول الله ألا نجامعهن في الحيض يعنى خلافا لليهود فلم يأذن في ذلك وروى
الطبري عن السدى أن الذي سال أولا عن ذلك هو ثابت بن الدحداح * (قوله باب
كيف كان بدء الحيض) أي ابتداؤه وفى اعراب باب الأوجه المتقدمة أول الكتاب (قوله وقول
النبي صلى الله عليه وسلم هذا شئ) يشير إلى حديث عائشة المذكور عقبه لكن بلفظ هذا أمر وقد
وصله بلفظ شئ من طريق أخرى بعد خمسة أبواب أو ستة والإشارة بقوله هذا إلى الحيض (قوله
وقال بعضهم كان أول) بالرفع لأنه اسم كان والخبر على بني إسرائيل أي على نساء بني إسرائيل
وكأنه يشير إلى ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن مسعود باسناد صحيح قال كان الرجال والنساء في بني إسرائيل
يصلون جميعا فكانت المرأة تتشوف للرجل فالقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد
وعنده عن عائشة نحوه (قوله وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر) قيل معناه اشمل لأنه عام
في جميع بنات آدم فيتناول الإسرائيليات ومن قبلهن أو المراد أكثر شواهد أو أكثر قوة وقال
الداودي ليس بينهما مخالفة فان نساء بني إسرائيل من بنات آدم فعلى هذا فقوله بنات آدم
عام أريد به الخصوص * (قلت) * ويمكن ان يجمع بينهما مع القول بالتعميم بان الذي أرسل على
نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لهن لا ابتداء وجوده وقد روى الطبري وغيره عن
ابن عباس وغيره ان قوله تعالى في قصة إبراهيم وامرأته قائمة فضحكت أي حاضت والقصة
متقدمة على بني إسرائيل بلا ريب وروى الحاكم وابن المنذر باسناد صحيح عن ابن عباس ان
341

ابتداء الحيض كان على حواء بعد ان أهبطت من الجنة وإذا كان كذلك فبنات آدم بناتها
والله أعلم * (قوله باب الأمر بالنفساء) أي الامر المتعلق بالنفساء والجمع في
قوله إذا نفسن باعتبار الجنس وسقطت هذه الترجمة من أكثر الروايات غير أبي ذر وأبى الوقت
وترجم بالنفساء اشعارا بأن ذلك يطلق على الحائض لقول عائشة في الحديث حضت وقوله صلى
الله عليه وسلم لها أنفست وهو بضم النون وفتحها وكسر الفاء فيهما وقيل بالضم في الولادة وبالفتح
في الحيض وأصله خروج الدم لأنه يسمى نفسا وسيأتى مزيد بسط لذلك بعد بابين (قوله سمعت
القاسم) يعنى أباه وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق (قوله لا نرى) بالضم أي لا نظن وسرف بفتح
المهملة وكسر الراء بعدها فاء موضع قريب من مكة بينهما نحو من عشرة أميال وهو ممنوع من
الصرف وقد يصرف (قوله فاقضى) المراد بالقضاء هنا الأداء وهما في اللغة بمعنى واحد (قوله
غير أن لا تطوفي بالبيت) زاد في الرواية الآتية حتى تطهري وهذا الاستثناء مختص بأحوال
الحج لا بجميع أحوال المرأة وسيأتي الكلام على هذا الحديث بتمامه في كتاب الحج إن شاء الله
تعالى * (قوله باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله) بالجر عطفا على غسل أي
تسريح شعر رأسه والحديث مطابق لما ترجم له من جهة الترجيل وألحق به الغسل قياسا أو
إشارة إلى الطريق الآتية في باب مباشرة الحائض فإنها صريحة في ذلك وهو دال على أن ذات
الحائض طاهرة وعلى ان حيضها لا يمنع ملامستها (قوله أخبرنا هشام) وفى رواية الأكثر أخبرني
هشام بن عروة وفى هذا الاسناد لطيفة وهى اتفاق اسم شيخ الراوي وتلميذه مثاله هذا ابن جريج
عن هشام وعنه هشام فالأعلى ابن عروة والأدنى ابن يوسف وهو نوع أغفله ابن الصلاح (قوله
مجاور) أي معتكف وثبت هذا التفسير في نسخة الصغاني في الأصل وحجرة عائشة كانت
ملاصقة للمسجد وألحق عروة الجنابة بالحيض قياسا وهو جلى لان الاستقذار بالحائض أكثر
من الجنب وألحق الخدمة بالترجيل وفى الحديث دلالة على طهارة بدن الحائض وعرقها وان
المباشرة الممنوعة للمعتكف هي الجماع ومقدماته وان الحائض لا تدخل المسجد وقال ابن
بطال فيه حجة على الشافعي في قوله إن المباشرة مطلقا تنقض الوضوء كذا قال ولا حجة فيه لان
الاعتكاف لا يشترط فيه الوضوء وليس في الحديث انه عقب ذلك الفعل بالصلاة وعلى تقدير ذلك
فمس الشعر لا ينقض الوضوء والله أعلم * (قوله باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهى
حائض) الحجر بفتح المهملة وسكون الجيم ويجوز كسر أوله (قوله وكان أبو وائل) هو التابعي
المشهور صاحب ابن مسعود وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة عنه باسناد صحيح (قوله يرسل خادمه)
أي جاريته والخادم يطلق على الذكر والأنثى (قوله إلى أبى رزين) هو التابعي المشهور أيضا
(قوله بعلاقته) بكسر العين أي الخيط الذي يربط به كيسه وذلك مصير منهما إلى جواز حمل
الحائض المصحف لكن من غير مسه ومناسبته لحديث عائشة من جهة انه نظر حمل الحائض
العلافة التي فيها المصحف بحمل الحائض المؤمن الذي يحفظ القرآن لأنه حامله في جوفه وهو
موافق لمذهب أبي حنيفة ومنع الجمهور ذلك وفرقوا بان الحمل مخل بالتعظيم والاتكاء لا يسمى في
العرف حملا (قوله سمع زهيرا) هو ابن معاوية الجعفي ومنصور بن صفية منسوب إلى أمه
342

لشهرتها وهو منصور بن عبد الرحمن الحجبي وأمه صفية بنت شيبة بن عثمان من صغار الصحابة
(قوله ثم يقرأ القرآن) وللمصنف في التوحيد كان يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض فعلى
هذا فالمراد بالاتكاء وضع رأسه في حجرها قال ابن دقيق العيد في هذا الفعل إشارة إلى أن الحائض
لا تقرأ القرآن لان قراءتها لو كانت جائزة لما توهم امتناع القراءة في حجرها حتى احتيج إلى
التنصيص عليها وفيه جواز ملامسة الحائض وان ذاتها وثيابها على الطهارة ما لم يلحق شيا منها
نجاسة وهذا مبنى على منع القراءة في المواضع المستقذرة وفيه جواز القراءة بقرب محل النجاسة
قاله النووي وفيه جواز استناد المريض في صلاته إلى الحائض إذا كانت أثوابها طاهرة قاله
القرطبي * (قوله باب من سمى النفاس حيضا) قيل هذه الترجمة مقلوبة لان حقها
أن يقول من سمى الحيض نفاسا وقيل يحمل على التقديم والتأخير والتقدير من سمى حيضا
النفاس ويحتمل أن يكون المراد بقوله من سمى من أطلق لفظ النفاس على الحيض فيطابق ما في
الخبر بغير تكلف وقال المهلب وغيره لما لم يجد المصنف نصا على شرطه في النفساء ووجد تسمية
الحيض نفاسا في هذا الحديث فهم منه ان حكم دم النفاس حكم دم الحيض وتعقب بان الترجمة
في التسمية لا في الحكم وقد نازع الخطابي في التسوية بينهما من حيث الاشتقاق كما سيأتي وقال
ابن رشيد وغيره مراد البخاري ان يثبت ان النفاس هو الأصل في تسمية الدم الخارج والتعبير به
تعبير بالمعنى الأعم والتعبير عنه بالحيض تعبير بالمعنى الأخص فعبر النبي صلى الله عليه وسلم
بالأول وعبرت أم سلمة بالثاني فالترجمة على هذا مطابقة لما عبرت به أم سلمة والله أعلم (قوله حدثنا
هشام هو الدستوائي (قوله عن أبي سلمة) في رواية مسلم حدثني أبي سلمة أخرجها من طريق معاذ
ابن هشام عن أبيه (قوله مضطجعة) بالرفع ويجوز النصب (قوله في خميصة) بفتح الخاء المعجمة
وبالصاد المهملة كساء أسود له أعلام يكون من صوف وغيره ولم أر في شئ من طرقه بلفظ خميصة
الا في هذه الرواية وأصحاب يحيى ثم أصحاب هشام كلهم قالوا خميلة باللام بدل الصاد وهو موافق
لما في آخر الحديث قيل الخميلة القطيفة وقيل الطنفسة وقال الخليل الخميلة ثوب له خمل أي هدب
وعلى هذا لا منافاة بين الخميصة والخميلة فكأنها كانت كساء أسود لها أهداب (قوله فانسللت)
بلامين الأولى مفتوحة والثانية ساكنه أي ذهبت في خفية زاد المصنف من رواية شيبان عن
يحيى كما سيأتي قريبا فخرجت منها أي من الخميصة قال النووي كأنها خافت وصول شئ من
دمها إليه أو خافت ان يطلب الاستمتاع بها فذهبت لتتأهب لذلك أو تقذرت نفسها ولم ترضها
لمضاجعته فلذلك اذن لها في العود (قوله ثياب حيضتي) وقع في روايتنا بفتح الحاء وكسرها معا
ومعنى الفتح أخذت ثيابي التي ألبسها زمن الحيض لان الحيضة بالفتح هي الحيض ومعنى الكسر
أخذت ثيابي التي أعددتها لألبسها حالة الحيض وجزم الخطابي برواية الكسر ورجحها النووي
ورجح القرطبي رواية الفتح لوروده في بعض طرقه بلفظ حيضي بغير تاء (قوله أنفست) قال
الخطابي أصل هذه الكلمة من النفس وهو الدم الا انهم فرقوا بين بناء الفعل من الحيض والنفاس
فقالوا في الحيض نفست بفتح النون وفى الولادة بضمها انتهى وهذا قول كثير من أهل اللغة لكن
حكى أبو حاتم عن الأصمعي قال يقال نفست المرأة في الحيض والولادة بضم النون فيهما وقد ثبت
في روايتنا بالوجهين فتح النون وضمها وفى الحديث جواز النوم مع الحائض في ثيابها والاضطجاع
343

معها في لحاف واحد واستحباب اتخاذ المرأة ثيابا للحيض غير ثيابها المعتادة وقد ترجم المصنف على
ذلك كما سيأتي وسيأتي الكلام على مباشرتها في الباب الذي بعده * (قوله باب مباشرة
الحائض) المراد بالمباشرة هنا التقاء البشرتين لا الجماع (قوله حدثنا قبيصة) بالقاف والصاد
المهملة هو ابن عقبة وسفيان هو الثوري ومنصور هو ابن المعتمر والاسناد كله إلى عائشة كوفيون
وتقدم الكلام على اغتسالها مع النبي صلى الله عليه وسلم من اناء واحد في كتاب الغسل (قوله
فأتزر) كذا في روايتنا وغيرها بتشديد التاء المثناة بعد الهمزة وأصله فاأتزره بهمزة ساكنة بعد
الهمزة المفتوحة ثم المثناة بوزن أفتعل وأنكر أكثر النحاة الادغام حتى قال صاحب المفصل انه
خطأ لكن نقل غيره انه مذهب الكوفيين وحكاه الصغاني في مجمع البحرين وقال ابن مالك انه
مقصور على السماع ومنه قراءة ابن محيص فليؤد الذي اتمن بالتشديد والمراد بذلك انها تشد ازارها
على وسطها وحدد ذلك الفقهاء بما بين السرة والركبة عملا بالعرف الغالب وقد سبق الكلام
على بقية الحديث قبل ببابين (قوله حدثنا إسماعيل بن خليل) كذا في رواية أبي ذر وكريمة ولغيرهما
الخليل والاسناد أيضا إلى عائشة كلهم كوفيين (قوله إحدانا) أي إحدى أزواج النبي صلى الله
عليه وسلم (قوله إن تتزر) بتشديد المثناة الثانية وقد تقدم توجيهها وللكشميهني أن تأتزر
بهمزة ساكنة وهى أفصح (قوله في فور حيضتها) قال الخطابي فور الحيض أوله ومعظمه وقال
القرطبي فور الحيضة معظم صبها من فوران القدر وغليانها (قوله يملك اربه) بكسر الهمزة
وسكون الراء ثم موحدة قيل المراد عضوه الذي يستمتع به وقيل حاجته والحاجة تسمى إربا بالكسر
ثم السكون وأربا بفتح الهمزة والراء وذكر الخطابي في شرحه انه روى هنا بالوجهين وأنكر في
موضع آخر كما نقله النووي وغيره عنه رواية الكسر وكذا أنكرها النحاس وقد ثبتت رواية
الكسر وتوجيهها ظاهر فلا معنى لانكارها والمراد انه صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لامره
فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى ومع ذلك فكان يباشر فوق الازار
تشريعا لغيره ممن ليس بمعصوم وبهذا قال أكثر العلماء وهو الجاري على قاعدة المالكية في باب
سد الذرائع وذهب كثير من السلف والثوري وأحمد واسحق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع
بالحائض الفرج فقط وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية ورجحه الطحاوي وهو اختيار أصبغ
من المالكية وأحد القولين أو الوجهين للشافعية واختاره ابن المنذر وقال النووي هو الأرجح
دليلا لحديث أنس في مسلم اصنعوا كل شئ الا الجماع وحملوا حديث الباب وشبهه على الاستحباب
جمعا بين الأدلة وقال ابن دقيق العيد ليس في حديث الباب ما يقتضى منع ما تحت الازار لأنه فعل
مجرد انتهى ويدل على الجواز أيضا ما رواه أبو داود باسناد قوى عن عكرمة عن بعض أزواج
النبي صلى الله عليه وسلم انه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا واستدل الطحاوي
على الجواز بان المباشرة تحت الازار دون الفرج لا توجب حدا ولا غسلا فأشبهت المباشرة فوق
الازار وفصل بعض الشافعية فقال إن كان يضبط نفسه عند المباشرة عن الفرج ويثق منها
باجتنابه جاز والا فلا واستحسنه النووي ولا يبعد تخريج وجه مفرق بين ابتداء الحيض وما
بعده لظاهر التقييد بقولها فور حيضتها ويؤيده ما رواه ابن ماجة باسناد حسن عن أم سلمة أيضا
ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتقى سورة الدم ثلاثا ثم يباشر بعد ذلك ويجمع بينه وبين
344

الأحاديث الدالة على المبادرة إلى المباشرة على اختلاف هاتين الحالتين (قوله تابعه خالد) هو
ابن عبد الله الواسطي وجرير هو ابن عبد الحميد أي تابعا علي بن مسهر في رواية هذا الحديث عن أبي
إسحاق الشيباني بهذا الاسناد وللشيباني فيه اسناد اخر كما سيأتي عقبة ومتابعة خالد وصلها
أبو القاسم التنوخي في فوائده من طريق وهب بن بقية عنه وقد أوردت اسنادها في تعليق
التعليق ومتابعة جرير وصلها أبو داود والإسماعيلي والحاكم في المستدرك وهذا مما وهم
في استدراكه لكونه مخرجا في الصحيحين من طريق الشيباني ورواه أيضا عن الشيباني عن
عبد الرحمن بن الأسود بسنده هذا منصور ابن أبي الأسود أخرجه أبو عوانة في صحيحه (قوله
حدثنا أبو النعمان) هو الذي يقال له عارم وعبد الواحد هو ابن زياد البصري (قوله عبد الله
ابن شداد) أي ابن أسامة بن الهاد الليثي وهو من أولاد الصحابة له رؤية (قوله أمرها) أي
بالاتزار (فأتزرت) وهو في روايتنا باثبات الهمزة على اللغة الفصحى (قوله رواه سفيان) يعنى
الثوري (عن الشيباني) يعنى بسند عبد الواحد وهو عند الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي
عن سفيان نحوه وقد رواه عن الشيباني أيضا بهذا الاسناد خالد بن عبد الله عند مسلم وجرير
ابن عبد الحميد عند الإسماعيلي وذلك مما يدفع عنه توهم الاضطراب وكأن الشيباني كان يحدث به
تارة من مسند عائشة وتارة من مسند ميمونة فسمعه منه جرير وخالد بالاسنادين وسمعه غيرهما
بأحدهما ورواه عنه أيضا باسناد ميمونة حفص بن غياث عند أبي داود وأبو معاوية عند
الإسماعيلي وأسباط بن محمد عند أبي عوانة في صحيحه وقد تقدم ذكر من رواه عنه باسناد
عائشة * (قوله باب ترك الحائض الصوم) قال ابن رشيد وغيره جرى البخاري
على عادته في ايضاح المشكل دون الجلي وذلك أن تركها صلاة واضح من أجل ان الطهارة
مشترطة في صحة الصلاة وهى غير طاهر وأما الصوم فلا يشترط له الطهارة فكان تركها له تعبدا
محضا فاحتاج إلى التنصيص عليه بخلاف الصلاة (قوله حدثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن
الحكم بن محمد بن سالم المصري الجمحي لقيه البخاري وروى مسلم وأصحاب السنن عنه بواسطة
ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير أخو إسماعيل والاسناد منه فصاعدا مدنيون وفيه تابعي عن تابعي
زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله وهو ابن أبي سرح العامري لأبيه صحبة (قوله في أضحى أو
فطر) شك من الراوي (قوله إلى المصلى فمر على النساء) اختصره المؤلف هنا وقد ساقه في كتاب
الزكاة تاما ولفظه إلى المصلى فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال أيها الناس تصدقوا فمر على
النساء وقد تقدم في كتاب العلم من وجه آخر عن أبي سعيد انه كان وعد النساء بان يفردهن
بالموعظة فأنجزه ذلك اليوم وفيه انه وعظهن وبشرهن (قوله يا معشر النساء) المعشر كل جماعة
أمرهم واحد ونقل عن ثعلب انه مخصوص بالرجال وهذا الحديث يرد عليه الا إن كان مراده
بالتخصيص حالة اطلاق المعشر لا تقييده كما في الحديث (قوله أريتكن) بضم الهمزة وكسر
الراء على البناء للمفعول والمراد ان الله تعالى أراهن له ليلة الاسراء وقد تقدم في العلم من
حديث ابن عباس بلفظ أريت النار فرأيت أكثر أهلها النساء ويستفاد من حديث ابن عباس
ان الرؤية المذكورة وقعت في حال صلاة الكسوف كما سيأتي واضحا في باب صلاة الكسوف
جماعة (قوله وبم) الواو استئنافية والباء تعليلية والميم أصلها ما الاستفهامية فحذفت منها
345

الألف تخفيفا (قوله وتكفرن العشير) أي تجحدن حق الخليط وهو الزوج أو أعم من ذلك (قوله
من ناقصات) صفة موصوف محذوف قال الطيبى في قوله ما رأيت من ناقصات إلى آخره زيادة
على الجواب تسمى الاستتباع كذا قال وفيه نظر ويظهر لي ان ذلك من جملة أسباب كونهن أكثر
أهل النار لأنهن إذا كن سببا لاذهاب عقل الرجل الحازم حتى يفعل أو يقول ما لا ينبغي فقد
شاركنه في الاثم وزدن عليه (قوله أذهب) أي أشد اذهابا واللب أخص من العقل وهو الخالص
منه والحازم الضابط لأمره وهذه مبالغة في وصفهن بذلك لان الضابط لامره إذا كان ينقاد لهن
فغير الضابط أولى واستعمال أفعل التفضيل من الاذهاب جائز عند سيبويه حيث جوزه من
الثلاثي والمزيد (قوله قلن وما نقصان ديننا) كأنه خفى عليهن ذلك حتى سألن عنه ونفس هذا
السؤال دال على النقصان لأنهن سلمن ما نسب إليهن من الأمور الثلاثة الاكثار والكفران
والاذهاب ثم استشكلن كونهن ناقصات وما ألطف ما أجابهن به صلى الله عليه وسلم من غير
تعنيف ولا لوم بل خاطبهن على قدر عقولهن وأشار بقوله مثل نصف شهادة الرجل إلى قوله
تعالى فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء لان الاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها
وهو مشعر بنقص عقلها وحكى ابن التين عن بعضهم انه حمل العقل هنا على الدية وفيه بعد (قلت)
بل سياق الكلام يأباه (قوله فذلك) بكسر الكاف خطابا للواحدة التي تولت الخطاب ويجوز
فتحها على أنه للخطاب العام (قوله لم تصل ولم تصم) فيه اشعار بأن منع الحائض من الصوم
والصلاة كان ثابتا بحكم الشرع قبل ذلك المجلس وفى هذا الحديث من الفوائد مشروعية
الخروج إلى المصلى في العيد وأمر الامام الناس بالصدقة فيه واستنبط منه بعض الصوفية جواز
الطلب من الأغنياء للفقراء وله شروط وفيه حضور النساء العيد لكن بحيث ينفردن عن
الرجال خوف الفتنة وفيه جواز عظة الامام النساء على حدة وقد تقدم في العلم وفيه ان جحد
النعم حرام وكذا كثرة استعمال الكلام القبيح كاللعن والشتم واستدل النووي على أنهما من
الكبائر بالتوعد عليهما بالنار وفيه ذم اللعن وهو الدعاء بالابعاد من رحمة الله تعالى وهو محمول
على ما إذا كان في معين وفيه اطلاق الكفر على الذنوب التي لا تخرج عن الملة تغليظا على
فاعلها لقوله في بعض طرقه بكفرهن كما تقدم في الايمان وهو كاطلاق نفى الايمان وفيه الاغلاظ
في النصح بما يكون سببا لإزالة الصفة التي تعاب وان لا يواجه بذلك الشخص المعين لان
في التعميم تسهيلا على السامع وفيه أن الصدقة تدفع العذاب وأنها قد تكفر الذنوب
التي بين المخلوقين وان العقل يقبل الزيادة والنقصان وكذلك الايمان كما تقدم وليس المقصود
بذكر النقص في النساء لومهن على ذلك لأنه من أصل الخلقة لكن التنبيه على ذلك تحذيرا
من الافتتان بهن ولهذا رتب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النقص وليس
نقص الدين منحصرا فيما يحصل به الاثم بل في أعم من ذلك قاله النووي لأنه أمر نسبى
فالكامل مثلا ناقص عن الأكمل ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيض
لكنها ناقصة عن المصلى وهل تثاب على هذا الترك لكونها مكلفة به كما يثاب المريض على
النوافل التي كان يعملها في صحته وشغل بالمرض عنها قال النووي الظاهري انها لا تثاب والفرق
بينها وبين المريض انه كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته والحائض ليست كذلك وعندي
346

في كون هذا الفرق مستلزما لكونها لا تثاب وقفة وفى الحديث أيضا مراجعة المتعلم لمعلمه
والتابع لمتبوعه فيما لا يظهر له معناه وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الخلق العظيم
والصفح الجميل والرفق والرأفة زاده الله تشريفا وتكريما وتعظيما * (قوله باب
تقضى الحائض) أي تؤدى (المناسك كلها الا الطواف بالبيت) قيل مقصود البخاري بما ذكر في
هذا الباب من الأحاديث والآثار أن الحيض وما في معناه من الجنابة لا ينافي جميع العبادات
بل صحت معه عبادات بدنية من أذكار وغيرها فمناسك الحج من جملة ما لا ينافيها الا الطواف فقط
وفى كون هذا مراده نظر لان كون مناسك الحج كذلك حاصل بالنص فلا يحتاج إلى الاستدلال
عليه والأحسن ما قاله ابن رشيد تبعا لابن بطال وغيره ان مراده الاستدلال على جواز قراءة
الحائض والجنب بحديث عائشة رضي الله عنها لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جميع مناسك
الحج الا الطواف وانما استثناه لكونه صلاة مخصوصة وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء
ولم تمنع الحائض من شئ من ذلك فكذلك الجنب لان حدثها أغلظ من حدثه ومنع القراءة إن كان
لكونه ذكر الله فلا فرق بينه وبين ما ذكر وإن كان تعبدا فيحتاج إلى دليل خاص ولم يصح
عند المصنف شئ من الأحاديث الواردة في ذلك وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند
غيره لكن أكثرها قابل للتأويل كما سنشير إليه ولهذا تمسك البخاري ومن قال بالجواز غيره
كالطبري وابن المنذر وداود بعموم حديث كان يذكر الله على كل أحيانه لان الذكر أعم من أن
يكون بالقرآن أو بغيره وانما فرق بين الذكر والتلاوة بالعرف والحديث المذكور وصله مسلم من
حديث عائشة وأورد المصنف أثر إبراهيم وهو النخعي اشعارا بان منع الحائض من القراءة ليس
مجمعا عليه وقد وصله الدارمي وغيره بلفظ أربعة لا يقرؤن القرآن الجنب والحائض وعند الخلاء
وفى الحمام الا الآية ونحوها للجنب والحائض وروى عن مالك نحو قول إبراهيم وروى عنه
الجواز مطلقا وروى عنه الجواز للحائض دون الجنب وقد قيل إنه قول الشافعي في القديم ثم
أورد أثر ابن عباس وقد وصله ابن المنذر بلفظ ان ابن عباس كان يقرأ ورده وهو جنب وأما حديث
أم عطية فوصله المؤلف في العيدين وقوله فيه ويدعون كذا لأكثر الرواة وللكشميهني يدعين بياء
تحتانية بدل الواو ووجه الدلالة منه ما تقدم من أنه لا فرق بين التلاوة وغيرها ثم أورد المصنف
طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وهو موصول عنده في بدء الوحي وغيره ووجه الدلالة
منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الروم وهم كفار والكافر جنب كأنه يقول إذا جاز
مس الكتاب للجنب مع كونه مشتملا على آيتين فكذلك يجوز له قراءته كذا قاله ابن رشيد
وتوجيه الدلالة منه انما هي من حيث إنه انما كتب إليهم ليقرؤوه فاستلزم جواز القراءة بالنص
لا بالاستنباط وقد أجيب ممن منع ذلك وهم الجمهور بان الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين
فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه أو في التفسير فإنه لا يمنع قراءته ولا مسه عند
الجمهور لأنه لا يقصد منه التلاوة ونص أحمد انه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ
وقال به كثير من الشافعية ومنهم من خص الجواز بالقليل كالآية والآيتين قال الثوري
لا بأس أن يعلم الرجل النصراني الحرف من القرآن عسى الله أن يهديه وأكره أن يعلمه الآية
هو كالجنب وعن أحمد أكره أن يضع القرآن في غير موضعه وعنه ان رجى منه الهداية جاز
347

والا فلا وقال بعض من منع لا دلالة في القصة على جواز تلاوة الجنب القرآن لان الجنب انما
منع التلاوة إذا قصدها وعرف ان الذي يقرؤه قرآنا أما لو قرأ في ورقة ما لا يعلم أنه من القرآن
فإنه لا يمنع وكذلك الكافر وسيأتى مزيد لهذا في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى * (تنبيه) *
ذكر صاحب المشارق انه وقع في رواية القابسي والنسفي وعبدوس هنا ويا أهل الكتاب بزيادة
واو قال وسقطت لأبي ذر والأصيلي وهو الصواب (قلت) فأفهم أن الأولى خطأ لكونها مخالفة
للتلاوة وليست خطأ وقد قدمت توجيه اثبات الواو في بدء الوحي (قوله وقال عطاء عن جابر)
هو طرف من حديث موصول عند المصنف في كتاب الأحكام وفى آخره غير أنها لا تطوف بالبيت
ولا تصلى وأما أثر الحكم وهو الفقيه الكوفي فوصله البغوي في الجعديات من روايته عن علي
بن الجعد عن شعبة عنه ووجه الدلالة منه ان الذبح مستلزم لذكر الله بحكم الآية التي ساقها
وفى جميع ما استدل به نزاع يطول ذكره ولكن الظاهر من تصرفه ما ذكرناه واستدل الجمهور على
المنع بحديث على كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه عن القرآن شئ ليس الجنابة رواه
أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان وضعف بعضهم بعض رواته والحق أنه من قبيل
الحسن يصلح للحجة لكن قيل في الاستدلال به نظر لأنه فعل مجرد فلا يدل على تحريم ما عداه وأجاب
الطبري عنه بأنه محمول على الأكمل جمعا بين الأدلة وأما حديث ابن عمر مرفوعا لا تقرأ الحائض
ولا الجنب شيئا من القرآن فضعيف من جميع طرقه وقد تقدم الكلام على حديث عائشة
في أول كتاب الحيض وقولها طمثت بفتح الميم واسكان المثلثة أي حضت ويجوز كسر الميم
يقال طمثت المرأة بالفتح والكسر في الماضي تطمث بالضم في المستقبل * (قوله باب
الاستحاضة) تقدم انها جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه وانه يخرج من عرق يقال له
العاذل بعين الركعة وذال معجمة (قوله انى لا أطهر) تقدم في باب غسل الدم من رواية أبى معاوية
عن هشام وهو ابن عروة في هذا الحديث التصريح ببيان السبب وهو قولها انى استحاض وكان
عندها ان طهارة الحائض لا تعرف الا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن اتصاله وكانت قد
علمت أن الحائض لا تصلى فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج فأرادت تحقق
ذلك فقالت أفأدع الصلاة (قوله انما ذلك) بكسر الكاف وزاد في الرواية الماضية فقال لا
(قوله وليس بالحيضة) بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وإن كان قد اختار
الكسر على إرادة الحالة لكن الفتح هنا أظهر وقال النووي وهو متعين أو قريب من المتعين لأنه
صلى الله عليه وسلم أراد اثبات الاستحاضة ونفى الحيض وأما قوله فإذا أقبلت الحيضة فيجوز فيه
الوجهان معا جوازا حسنا انتهى كلامه والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين والله
أعلم (قوله فاغسلي عنك الدم وصلى) أي بعد الاغتسال كما سيأتي التصريح به في باب إذا حاضت
في شهر ثلاث حيض من طريق أبى أسامة عن هشام بن عروة في هذا الحديث قال في آخره ثم
اغتسلي وصلى ولم يذكر غسل الدم وهذا الاختلاف واقع بين أصحاب هشام منهم من ذكر غسل
الدم ولم يذكر الاغتسال ومنهم من ذكر الاغتسال ولم يذكر غسل الدم وكلهم ثقات وأحاديثهم في
الصحيحين فيحمل على أن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده وفيه اختلاف ثالث
أشرنا إليه في باب غسل الدم من رواية أبى معاوية فذكر مثل حديث الباب وزاد ثم توضئ لكل
348

صلاة ورددنا هناك قول من قال إنه مدرج وقول من جزم بأنه موقوف على عروة ولم ينفرد أبو
معاوية بذلك فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن هشام وادعى ان حمادا تفرد بهذه الزيادة
وأومأ مسلم أيضا إلى ذلك وليس كذلك فقد رواها الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من
طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام وفى الحديث دليل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من
دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على اقباله وادباره فإذا انقضى قدره اغتسلت عنه ثم صار
حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لكنها لا تصلى بذلك الوضوء أكثر من
فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله ثم توضئي لكل صلاة وبهذا قال الجمهور وعند
الحنفية ان الوضوء متعلق بوقت الصلاة فلها أن تصلى به الفريضة الحاضرة وما شاءت من
الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة وعلى قولهم المراد بقوله وتوضئى لكل صلاة أي لوقت كل
صلاة ففيه مجاز الحذف ويحتاج إلى دليل وعند المالكية يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يجب
الا بحدث آخر وقال أحمد واسحق ان اغتسلت لكل فرض فهو أحوط وفيه جواز استفتاء
المرأة بنفسها ومشافهتها للرجل فيما يتعلق بأحوال النساء وجواز سماع صوتها للحاجة وفيه
غير ذلك وقد استنبط منه الرازي الحنفي ان مدة أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة لقوله قدر
الأيام التي كنت تحيضين فيها لان أقل ما يطلق عليه لفظ أيام ثلاثة وأكثره عشرة فأما دون
ثلاثة فإنما يقال يومان ويوم وأما فوق عشرة فإنما يقال أحد عشر يوما وهكذا إلى عشرين وفى
الاستدلال بذلك نظر * (قوله باب غسل دم المحيض) هذه الترجمة أخص من
الترجمة المتقدمة في كتاب الوضوء وهى غسل الدم وقد تقدم الكلام هناك على حديث أسماء هذا
أخرجه هناك من رواية يحيى القطان عن هشام واسناد هذه الرواية كالتي قبلها مدنيون سوى
شيخه وفيه من الفوائد ما في الذي قبله وجواز السؤال المرأة عنهما يستحيا من ذكره والافصاح بذكر
ما يستقذر للضرورة وأن دم الحيض كغيره من الدماء في وجوب غسله وفيه استحباب فرك
النحاسة اليابسة ليهون غسلها (قوله حدثنا أصبغ) هو وشيخه وشيخ شيخه الثلاثة
مصريون والباقون وهم الثلاثة أيضا مدنيون (قوله كانت إحدانا) أي أزواج النبي صلى
الله عليه وسلم وهو محمول على انهن كن يصنعن ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم وبهذا
يلتحق هذا الحديث بحكم المرفوع يؤيده حديث أسماء الذي قبله قال ابن بطال حديث
عائشة يفسر حديث أسماء وأن المراد بالنضح في حديث أسماء الغسل وأما قول عائشة
وتنضح على سائره فإنما فعلت ذلك دفعا للوسوسة لأنه قد بان في سياق حديثها أنها كانت
تغسل الدم لا بعضه وفى قولها ثم تصلى فيه إشارة إلى امتناع الصلاة في الثوب النجس (قوله
ثم تقترص الدم) بالقاف والصاد المهملة بوزن تفتعل أي تغسله بأطراف أصابعها وقال ابن
الجوزي معناه تقتطع كأنها تحوزه دون باقي المواضع والأول أشبه بحديث أسماء (قوله
عند طهرها) كذا في أكثر الروايات وللمستملى والحموي عند طهره أي الثوب والمعنى عند إرادة
تطهيره وفيه جواز ترك النجاسة في الثوب عند عدم الحاجة إلى تطهيره * (قوله باب
اعتكاف المستحاضة) أي جوازه (قوله حدثنا خالد بن عبد الله) هو الطحان الواسطي وشيخه
خالد هو ابن مهران الذي يقال له الحذاء بالحاء المهملة والذال المعجمة المثقلة ومدار الحديث
349

المذكور عليه وعكرمة هو مولى ابن عباس (قوله بعض نسائه) قال ابن الجوزي ما عرفنا من
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من كانت مستحاضة قال والظاهر أن عائشة أشارت بقولها من
نسائه أي النساء المتعلقات به وهى أم حبيبة بنت جحش أخت زينب بنت جحش (قلت) يرد
هذا التأويل قوله في الرواية الثانية امرأة من أزواجه وقد ذكرها الحميدي عقب الرواية الأولى
فما أدرى كيف غفل عنها ابن الجوزي وفى الرواية الثالثة بعض أمهات المؤمنين ومن المستبعد
أن تعتكف معه صلى الله عليه وسلم امرأة غير زوجاته وإن كان لها به تعلق وقد حكى ابن عبد البر
أن بنات جحش الثلاثة كن مستحاضات زينب أم المؤمنين وحمنة زوج طلحة وأم حبيبة زوج
عبد الرحمن بن عوف وهى المشهورة منهن بذلك وسيأتي حديثها في ذلك وذكر أبو داود من طريق
سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى
الله عليه وسلم اغتسلي لكل صلاة وكذا وقع في الموطأ أن زينب بنت جحش استحيضت وجزم ابن
عبد البر بأنه خطأ لأنه ذكر أنها كانت تحت عبد الرحمن بن عوف والتي كانت تحت عبد الرحمن بن
عوف انما هي أم حبيبة أختها وقال شيخنا الامام البلقيني يحمل على أن زينب بنت جحش
استحيضت وقتا بخلاف أختها فان استحاضتها دامت (قلت) وكذا يحمل على ما سأذكره في حق
سودة وأم سلمة والله أعلم وقرأت بخط مغلطاي في عد المستحاضات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
قال وسودة بنت زمعة ذكرها العلاء بن المسيب عن الحكم عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين
فلعلها هي المذكورة (قلت) وهو حديث ذكره أبو داود من هذا الوجه تعليقا وذكر البيهقي 2
أن ابن خزيمة أخرجه موصولا (قلت) لكنه مرسل لان أبا جعفر تابعي ولم يذكر من حدثه به وقرأت
في السنن لسعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا خالد هو الحذاء عن عكرمة ان امرأة
من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت معتكفة وهى مستحاضة قال وحدثنا به خالد مرة أخرى
عن عكرمة ان أم سلمة كانت عاكفة وهى مستحاضة وربما جعلت الطست تحتها (قلت) وهذا
أولى ما فسرت به هذه المرأة لاتحاد المخرج وقد أرسله إسماعيل بن علية عن عكرمة ووصله خالد
الطحان ويزيد بن زريع وغيرهما بذكر عائشة فيه ورجح البخاري الموصول فأخرجه وقد أخرج ابن أبي
شيبة عن إسماعيل بن علية هذا الحديث كما أخرجه سعيد بن منصور بدون تسمية أم سلمة
والله أعلم (قوله من الدم) أي لأجل الدم (قوله وزعم) هو معطوف على معنى العنعنة أي حدثني
عكرمة بكذا وزعم كذا وأبعد من زعم أنه معلق (قوله كأن) بالهمز وتشديد النون (قوله
فلانة) الظاهر أنها تعنى المرأة التي ذكرتها قبل ورأيت على حاشية نسخة صحيحة من أصل أبي ذر
ما نصه فلانة هي رملة أم حبيبة بنت أبي سفيان فإن كان ثابتا فهو قول ثالث في تفسير المبهمة
وعلى ما زعم ابن الجوزي من أن المستحاضة ليست من أزواجه فقد روى أن زينب بنت أم سلمة
استحيضت روى ذلك البيهقي والإسماعيلي في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير لكن الحديث في سنن أبي
داود من حكاية زينب عن غيرها وهو أشبه فإنها كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم صغيرة لأنه
دخل على أمها في السنة الثالثة وزينب ترضع وأسماء بنت عميس حكاه الدارقطني من رواية سهيل
ابن أبي صالح عن الزهري عن عروة عنها (قلت) وهو عند أبي داود على التردد هل هو عن أسماء
أو فاطمة بنت أبي حبيش وهاتان لهما به صلى الله عليه وسلم تعلق لان زينب ربيبته وأسماء
350

أخت امرأته ميمونة لامها وكذا لحمنة وأم حبيبة به تعلق وحديثهما في سنن أبي داود فهؤلاء سبع
يمكن أن تفسر المبهمة باحداهن وأما من استحيض في عهده صلى الله عليه وسلم من الصحابيات
غيرهن فسهلة بنت سهيل ذكرها أبو داود أيضا وأسماء بنت مرثد ذكرها البيهقي وغيره وبادية بنت
غيلان ذكرها ابن منده وفاطمة بنت أبي حبيش وقصتها عن عائشة في الصحيحين ووقع في سنن أبي
داود عن فاطمة بنت قيس فظن بعضهن انها القرشية الفهرية والصواب انها بنت أبي حبيش
واسم أبى حبيش قيس فهؤلاء أربع نسوة أيضا وقد كملن عشرا بحذف زينب بنت أبي سلمة وفى
الحديث جواز مكث المستحاضة في المسجد وصحة اعتكافها وصلاتها وجواز حدثها في المسجد
عند أمن التلويث ويلتحق بها دائم الحدث ومن به جرح يسيل * (قوله باب هل تصلى
المرأة في ثوب حاضت فيه) قيل مطابقة الترجمة لحديث الباب ان من لم يكن لها الا ثوب واحد
تحيض فيه فمن المعلوم أنها تصلى فيه لكن بعد تطهيره وفى الجمع بينه وبين حديث أم سلمة
الماضي الدال على أنه كان لها ثوب مختص بالحيض ان حديث عائشة محمول على ما كان في أول الأمر
وحديث أم سلمة محمول على ما كان بعد اتساع الحال ويحتمل أن يكون مراد عائشة
بقولها ثوب واحد مختص بالحيض وليس في سياقها ما ينفى أن يكون لها غيره في زمن الطهر
فيوافق حديث أم سلمة وليس فيه أيضا أنها صلت فيه فلا يكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة
بغير الماء وانما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره ولم تقصد تطهيره وقد مضى قبل بباب عنها ذكر
الغسل بعد القرص قالت ثم تصلى فيه فدل على أنها عند إرادة الصلاة فيه كانت تغسله وقولها في
حديث الباب قالت بريقها من اطلاق القول على الفعل وقولها فمصعته بالصاد والعين المهملتين
المفتوحتين أي حكته وفركته بظفرها ورواه أبو داود بالقاف بدل الميم والقصع الدلك ووقع في
رواية له من طريق عطاء من عائشة بمعنى هذا الحديث ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بظفرها
فعلى هذا فيحمل حديث الباب على أن المراد دم يسير يعفى عن مثله والتوجيه الأول أقوى
* (فائدة) طعن بعضهم في هذا الحديث من جهة دعوى الانقطاع ومن جهة دعوى الاطراب
فأما الانقطاع فقال أبو حاتم لم يسمع مجاهد من عائشة وهذا مردود فقد وقع التصريح بسماعه
منها عند البخاري في غير هذا الاسناد وأثبته علي بن المديني فهو مقدم على من نفاه وأما
الاضطراب فلرواية أبى داود له عن محمد بن كثير عن إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم بدل
بن أبي نجيح وهذا الاختلاف لا يوجب الاضطراب لأنه محمول على أن إبراهيم بن نافع سمعه من
شيخين ولو لم يكن كذلك فأبو نعيم شيخ البخاري فيه أحفظ من محمد بن كثير شيخ أبى داود فيه وقد
تابع أبا نعيم خلاد بن يحيى وأبو حذيفة والنعمان بن عبد السلام فرجحت روايته والرواية
المرجوحة لا تؤثر في الرواية الراجحة والله أعلم * (قوله باب الطيب للمرأة) المراد
بالترجمة أن تطيب المرأة عند الغسل من الحيض متأكد بحيث انه رخص للحادة التي حرم عليها
استعمال الطيب في شئ منه مخصوص (قوله عن أيوب عن حفصة عن أم عطية) زاد المستملى
وكريمة قال أبو عبد الله أي المصنف أو هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية كأنه شك في
شيخ حماد أهو أيوب أو هشام ولم يذكر ذلك باقي الرواة ولا أصحاب المستخرجات ولا الأطراف
وقد أورد المصنف هذا الحديث في كتاب الطلاق بهذا الاسناد فلم يذكر ذلك (قوله كنا ننهى)
351

بضم النون الأولى وفاعل النهى النبي صلى الله عليه وسلم كما دلت عليه رواية هشام المعلقة
المذكورة بعد وهذا هو السر في ذكرها (قوله نحد) بضم النون وكسر المهملة من الاحداد
وهو الامتناع من الزينة (قوله الا على زوج) كذا للأكثر وفى رواية المستملى والحموي الا على
زوجها والأولى موافقة اللفظ نحد وتوجيه الثانية ان الضمير يعود على الواحدة المندرجة في قولها
كنا ننهى أي كل واحدة منهن (قوله ولا نكتحل) بالرفع والنصب أيضا على العطف ولا زائدة
وأكد بها لان في النهى معنى النفي (قوله ثوب عصب) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين قال
في المحكم هو ضرب من برود اليمن يعصب غزله أي يجمع ثم يصبغ ثم ينسج وسيأتى الكلام على
أحكام المادة في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى (قوله في نبذة) أي قطعة (قوله كست
أظفار) كذا في هذه الرواية قال ابن التين صوابه قسط ظفار كذا قال ولم أر هذا في هذه الرواية
لكن حكاه صاحب المشارق ووجهه بأنه منسوب إلى ظفار مدينة معروفة بسواحل اليمن يجلب
إليها القسط الهندي وحكى في ضبط ظفار وجهين كسر أوله وصرفه أو فتحه والبناء بوزن قطام
ووقع في رواية مسلم من هذا الوجه من قسط أو أظفار باثبات أو وهى للتخيير قال في المشارق
القسط بخور معروف وكذلك الأظفار قال في البارع الأظفار ضرب من العطر يشبه الظفر
وقال صاحب المحكم الظفر ضرب من العطر اسود مغلف من أصله على شكل ظفر الانسان
يوضع في البخور والجمع أظفار وقال صاحب العين لا واحد له والكست بضم الكاف وسكون
المهملة بعدها مثناة هو القسط قاله المصنف في الطلاق وكذا قاله غيره وحكى المفضل بن سلمة أنه
يقال بالكاف والطاء أيضا قال النووي ليس القسط والظفر من مقصود التطيب وانما رخص فيه
للحادة إذا اغتسلت من الحيض لإزالة الرائحة الكريمة قال المهلب رخص لها في التبخر لدفع
رائحة الدم عنها لما تستقبله من الصلاة وسيأتى الكلام على مسئلة اتباع الجنائز في موضعه
إن شاء الله تعالى (قوله وروى) كذا لأبي ذر ولغيره ورواه أي الحديث المذكور وسيأتى موصولا
عند المصنف في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى من حديث هشام المذكور ولم يقع هذا التعليق في
رواية المستملى وأغرب الكرماني فجوز أن يكون قائل ورواه حماد بن زيد المذكور في أول الباب
فلا يكون تعليقا * (قوله باب دلك المرأة نفسها إلى آخر الترجمة) قيل ليس في الحديث
ما يطابق الترجمة لأنه ليس فيه كيفية الغسل ولا الدلك وأجاب الكرماني تبعا لغيره بأن تتبع
أثر الدم يستلزم الدلك وبأن المراد من كيفية الغسل الصفة المختصة بغسل المحيض وهى التطيب
لا نفس الاغتسال انتهى وهو حسن على ما فيه من كلفة وأحسن منه أن المصنف جرى على عادته
في الترجمة بما تضمنه بعض طرق الحديث الذي يورده وان لم يكن المقصود منصوصا فيما ساقه
وبيان ذلك أن مسلما أخرج هذا الحديث من طريق ابن عيينة عن منصور التي أخرجه منها
المصنف فذكر بعد قوله كيف تغتسل ثم تأخذ زاد ثم الدالة على تراخى تعليم الاخذ عن تعليم
الاغتسال ثم رواه من طريق أخرى عن صفية عن عائشة وفيها شرح كيفية الاغتسال
المسكوت عنها في رواية منصور ولفظه فقال تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن
الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها أي أصوله ثم تصب عليها
الماء ثم تأخذ فرصة فهذا مراد الترجمة لاشتمالها على كيفية الغسل والدلك وانما لم يخرج
352

المصنف هذه الطريق لكونها من رواية إبراهيم بن مهاجر عن صفية وليس هو على شرطه (قوله
حدثنا يحيى) هو ابن موسى البلخي كما جزم به ابن السكن في روايته عن الفربري وقال البيهقي هو
يحيى بن جعفر قيل إنه وقع كذلك في بعض النسخ (قوله عن منصور بن صفية) هي بنت شيبة بن
عثمان بن أبي طلحة العبدري نسب إليها لشهرتها واسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة
بن الحرث بن طلحة
ابن أبي طلحة العبدري وهو من رهط زوجته صفية وشيبة له صحبة ولها أيضا وقتل الحرث بن طلحة
بأحد ولعبد الرحمن رؤية ووقع التصريح بالسماع في جميع السند عند الحميدي في مسنده (قوله إن
امرأة) زاد في رواية وهيب من الأنصار وسماها مسلم في رواية أبى الأحوص عن إبراهيم بن
مهاجر أسماء بنت شكل بالشين المعجمة والكاف المفتوحتين ثم اللام ولم يسم أباها في رواية غندر
عن شعبة عن إبراهيم وروى الخطيب في المبهمات من طريق يحيى بن سعيد عن شعبة هذا
الحديث فقال أسماء بنت يزيد بن السكن بالمهملة والنون الأنصارية التي يقال لها خطيبة
النساء وتبعه ابن الجوزي في التلقيح والدمياطي وزاد ان الذي وقع في مسلم تصحيف لأنه ليس في
الأنصار من يقال له شكل وهو رد للرواية الثابتة بغير دليل وقد يحتمل ان يكون شكل لقبا
لا اسما والمشهور في المسانيد والجوامع في هذا الحديث أسماء بنت شكل كما في مسلم أو أسماء
لغير نسب كما في أبى داود وكذا في مستخرج أبى نعيم من الطريق التي أخرجه منها الخطيب وحكى
النووي في شرح مسلم الوجهين بغير ترجيح والله أعلم (قوله فأمرها كيف تغتسل قال خذي)
قال الكرماني هو بيان لقولها أمرها فان قيل كيف يكون بيانا للاغتسال والاغتسال صب
الماء لا أخذ الفرصة فالجواب ان السؤال لم يكن عن نفس الاغتسال لأنه معروف لكل أحد
بل كان لقدر زائد على ذلك وقد سبقه إلى هذا الجواب الرافعي في شرح المسند وابن أبي جمرة وقوفا
مع هذا اللفظ الوارد مع قطع النظر عن الطريق التي ذكرناها عند مسلم الدالة على أن بعض
الرواة اختصر أو اقتصر والله أعلم (قوله) فرصة بكسر الفاء وحكى ابن سيده تثليثها وباسكان
الراء واهمال الصاد قطعة من صوف أو قطن أو جلدة عليها صوف حكاه أبو عبيدة وغيره وحكى
أبو داود أن في رواية أبى الأحوص قرصة بفتح القاف ووجهه المنذري فقال يعنى شيئا يسيرا مثل
القرصة بطرف الإصبعين انتهى ووهم من عزا هذه الرواية للبخاري وقال ابن قتيبة هي قرضة
بفتح القاف وبالضاد المعجمة وقوله من مسك بفتح الميم والمراد قطعة جلد وهى رواية من قاله بكسر
الميم واحتج بأنهم كانوا في ضيق يمتنع معه أن يمتهنوا المسك مع غلاء ثمنه وتبعه ابن بطال
وفى المشارق ان أكثر الروايات بفتح الميم ورجح النووي الكسر وقال إن الرواية الأخرى وهى
قوله فرصة ممسكة تدل عليه وفيه نظر لان الخطابي قال يحتمل أن يكون المراد بقوله ممسكة أي
مأخوذة باليد يقال أمسكته ومسكته لكن يبقى الكلام ظاهر الركة لأنه يصير هكذا خذي قطعة
مأخوذة وقال الكرماني صنيع البخاري يشعر بأن الرواية عنده بفتح الميم حيث جعل للامر
بالطيب بابا مستقلا انتهى واقتصار البخاري في الترجمة على بعض ما دلت عليه لا يدل على نفى
ما عداه ويقوى رواية الكسر وأن المراد التطيب ما في رواية عبد الرزاق حيث وقع عنده من
ذريرة وما استبعده ابن قتيبة من امتهان المسك ليس ببعيد لما عرف من شأن أهل الحجاز من كثرة
استعمال الطيب وقد يكون المأمور به من يقدر عليه قال النووي والمقصود باستعمال الطيب
353

دفع الرائحة الكريهة على الصحيح وقيل لكونه أسرع إلى الحبل حكاه الماوردي قال فعلى الأول
ان فقدت المسك استعملت ما يخلفه في طيب الريح وعلى الثاني ما يقوم مقامه في اسراع العلوق
وضعف النووي الثاني وقال لو كان صحيحا لاختصت به الممزوجة قال واطلاق الأحاديث يرده
والصواب ان ذلك مستحب لكل مغتسلة من حيض أو نفاس ويكره تركه للقادرة فإن لم تجد مسكا
فطيبا فإن لم تجد فمزيلا كالطين والا فالماء كاف وقد سبق في الباب قبله ان الحادة تتبخر بالقسط
فيجزيها (قوله فتطهري) قال في الرواية التي بعدها توضئي أي تنظفي (قوله سبحان الله) زاد في
الرواية الآتية استحيا وأعرض وللإسماعيلي فلما رأيته استحيا علمتها وزاد الدارمي وهو يسمع فلا
ينكر (قوله اثر الدم) قال النووي المراد به عند العلماء الفرج وقال المحاملي يستحب لها أن
تطيب كل موضع أصابه الدم من بدنها قال ولم أره لغيره وظاهر الحديث حجة له (قلت) ويصرح به
رواية الإسماعيلي تتبعي بها مواضع الدم وفى هذا الحديث من الفوائد التسبيح عند التعجب
ومعناه هنا كيف يخفى هذا الظاهر الذي لا يحتاج في فهمه إلى فكر وفيه استحباب الكنايات
فيما يتعلق بالعورات وفيه سؤال المرأة العالم عن أحوالها التي يحتشم منها ولهذا كانت عائشة
تقول في نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين كما أخرجه مسلم في بعض طرق هذا
الحديث وتقدم في العلم معلقا وفيه الاكتفاء بالتعريض والإشارة في الأمور المستهجنة وتكرير
الجواب لافهام السائل وانما كرره مع كونها لم تفهمه أولا لان الجواب به يؤخذ من اعراضه
بوجهه عند قوله توضئي أي في المحل الذي يستحيا من مواجهة المرأة بالتصريح به فاكتفى
بلسان الحال عن لسان المقال وفهمت عائشة رضي الله عنها ذلك عنه فتولت تعليمها وبوب عليه
المصنف في الاعتصام الاحكام التي تعرف بالدلائل وفيه تفسير كلام العالم بحضرته لمن خفى عليه
إذا عرف ان ذلك يعجبه وفيه الاخذ عن المفضول بحضرة الفاضل وفيه صحة العرض على المحدث
إذا أقره ولو لم يقل عقبه نعم وانه لا يشترط في صحة التحمل فهم السامع لجميع ما يسمعه وفيه الرفق
بالمتعلم وإقامة العذر لمن لا يفهم وفيه ان المرء مطلوب بستر عيوبه وإن كانت مما جبل عليها من
جهة أمر المرأة بالتطيب لإزالة الرائحة الكريهة وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وعظيم
حلمه وحيائه زاده الله شرفا * (قوله باب غسل المحيض) تقدم توجيهه في الترجمة التي قبله
(قوله حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم ومنصور هو ابن صفية المذكور في الاسناد قبله (قوله وتوضئ
ثلاثا) يحتمل ان يتعلق قوله ثلاثا بتوضئي أي كرري الوضوء ثلاثا ويحتمل ان يتعلق يقال ويؤيده
السياق المتقدم أي قال لها ذلك ثلاث مرات (قوله أو قال) كذا وقع بالشك في أكثر الروايات
ووقع في رواية ابن عساكر وقال بالواو العاطفة والأولى أظهر ومحل التردد في لفظ بها هل هو ثابت
أم لا أو التردد واقع بينه وبين لفظ ثلاثا والله أعلم * (قوله باب امتشاط المرأة حدثنا
إبراهيم) هو ابن سعد (قوله انقضى رأسك) أي حلى ضفره (وامتشطي) قيل ليس فيه دليل على
الترجمة قاله الداودي ومن تبعه قالوا لان أمرها بالامتشاط كان للاهلال وهى حائض لا عند
غسلها والجواب ان الاهلال الحنفية يقتضى الاغتسال لأنه من سنة الاحرام وقد ورد الامر
بالاغتسال صريحا في هذه القصة فيما أخرجه مسلم من طريق أبى الزبير عن جابر ولفظه فاغتسلي
ثم أهلي الحنفية فكأن البخاري جرى على عادته في الإشارة إلى ما تضمنه بعض طرق الحديث وان لم
354

يكن منصوصا فيما ساقه ويحتمل ان يكون الداودي أراد بقوله لا عند غسلها أي من الحيض ولم
يرد نفى الاغتسال مطلقا والحامل له على ذلك ما في الصحيحين ان عائشة انما طهرت من حيضها يوم
النحر فلم تغتسل يوم عرفة الا للاحرام وأما ما وقع في مسلم من طريق مجاهد عن عائشة أنها حاضت
بسرف وتطهرت بعرفة فهو محمول على غسل الاحرام جمعا بين الروايتين وإذا ثبت ان غسلها
إذ ذاك كان للاحرام استفيد معنى الترجمة من دليل الخطاب لأنه إذا جاز لها الامتشاط في غسل
الاحرام وهو مندوب كان جوازه لغسل المحيض وهو واجب أولى (قوله أمر عبد الرحمن)
يعنى ابن أبي بكر وليلة الحصبة بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين ثم الموحدة هي الليلة التي نزلوا
فيها في المحصب وهو المكان الذي نزلوه بعد النفر من منى خارج مكة (قوله التي نسكت) كذا
للأكثر مأخوذ من النسك وفى رواية أبى زيد المروزي سكت بحذف النون وتشديد آخره أي
عنها وللقابسي بمعجمة والتخفيف والضمير فيه راجع إلى عائشة على سبيل الالتفات وفى السياق
التفات آخر بعد التفات وهو ظاهر للمتأمل * (قوله باب نفض المرأة شعرها عند
غسل المحيض) أي هل يجب أم لا وظاهر الحديث الوجوب وبه قال الحسن وطاوس في الحائض
دون الجنب وبه قال أحمد ورجح جماعة من أصحابه انه للاستحباب فيهما قال ابن قدامة ولا أعلم
أحدا قال بوجوبه فيهما الا ما روى عند عبد الله بن عمرو (قلت) وهو في مسلم عنه وفيه انكار
عائشة عليه الامر بذلك لكن ليس فيه تصريح بأنه كان يوجبه وقال النووي حكاه أصحابنا عن
النخعي واستدل الجمهور على عدم الوجوب بحديث أم سلمة قالت يا رسول الله انى امرأة أشد
ضفر رأسي أفانقضه لغسل الجنابة قال لا رواه مسلم وفى رواية له للحيضة والجنابة وحملوا الامر
في حديث الباب على الاستحباب جمعا بين الروايتين أو يجمع بالتفصيل بين من لا يصل الماء إليها
الا بالنقض فيلزم والا فلا (قوله فليهلل) في رواية الأصيلي فليهل بلام واحدة مشددة (قوله
لأحللت) في رواية كريمة والحموي لأهللت بالهاء وسيأتى الكلام على بقية فوائد هذا الحديث
والذي قبله في كتاب الحج إن شاء الله تعالى * (قوله باب مخلقة وغير مخلقة) رويناه
بالإضافة أي باب تفسير قوله تعالى مخلقة وغير مخلقة وبالتنوين وتوجيهه ظاهر (قوله حدثنا
حماد) هو ابن زيد وعبيد الله بالتصغير ابن أبي بكر بن أنس بن مالك (قوله إن الله عز وجل وكل)
وقع في روايتنا بالتخفيف يقال وكله بكذا إذا استكفاه إياه وصرف أمره إليه وللأكثر بالتشديد
وهو موافق لقوله تعالى ملك الموت الذي وكل بكم (قوله يقول يا رب نطفة) بالرفع والتنوين أي
وقعت في الرحم نطفة وفى رواية القابسي بالنصب أي خلقت يا رب نطفة ونداء الملك بالأمور
الثلاثة ليس في دفعة واحدة بل بين كل حالة وحالة مدة تبين من حديث ابن مسعود الآتي في كتاب
القدر انها أربعون يوما وسيأتي الكلام هناك على بقية فوائد حديث أنس هذا والجمع بينه وبين
ما ظاهره التعارض من حديث ابن مسعود المذكور ومناسبة الحديث للترجمة من جهة أن
الحديث المذكور مفسر للآية وأوضح منه سياقا ما رواه الطبري من طريق داود بن أبي هند عن
الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود قال إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكا فقال يا رب
مخلقة أو غير مخلقة فان قال غير مخلقة مجها الرحم دما وان قال مخلقة قال يا رب فما صفة هذه
النطفة فذكر الحديث واسناده صحيح وهو موقوف لفظا مرفوع حكما وحكى الطبري لأهل
355

التفسير في ذلك أقوالا وقال الصواب قول من قال المخلقة المصورة خلقا تاما وغير المخلقة السقط
قبل تمام خلقه وهو قول مجاهد والشعبي وغيرهما وقال ابن بطال غرض البخاري بادخال هذا
الحديث في أبواب الحيض تقوية مذهب من يقول إن الحامل لا تحيض وهو قول الكوفيين
وأحمد وأبى ثور وابن المنذر وطائفة واليه ذهب الشافعي في القديم وقال في الجديد انها تحيض
وبه قال إسحاق وعن ملك روايتان (قلت) وفى الاستدلال بالحديث المذكور على انها
لا تحيض نظر لأنه لا يلزم من كون ما يخرج من الحامل هو السقط الذي لم يصور ان لا يكون الدم
الذي تراه المرأة التي يستمر حملها ليس بحيض وما ادعاه المخالف من أنه رشح من الولد أو من فضلة
غذائه أو دم فساد لعلة فمحتاج إلى دليل وما ورد في ذلك من خبر أو أثر لا يثبت لان هذا دم بصفات
دم الحيض وفى زمن امكانه فله حكم دم الحيض فمن ادعى خلافه فعليه البيان وأقوى حججهم ان
استبراء الأمة اعتبر بالمحيض لتحقق براءة الرحم من الحمل فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة
بالحيض واستدل ابن المنير على أنه ليس بدم حيض بان الملك موكل برحم الحامل والملائكة
لا تدخل بيتا فيه قذر ولا يلائمها ذلك وأجيب بأنه لا يلزم من كون الملك موكلا به ان يكون حالا
فيه ثم هو مشترك الالزام لان الدم كله قذر والله أعلم * (قوله باب كيف تهل الحائض
بالحج والعمرة) مراده بيان صحة اهلال الحائض ومعنى كيف في الترجمة الاعلام بالحال بصورة
الاستفهام لا الكيفية التي يراد بعدها الصفة وبهذا التقدير يندفع اعتراض من زعم أن الحديث
غير مناسب للترجمة إذ ليس فيها ذكر صفة الاهلال (قوله من أهل بحج) في رواية المستملى بحجة
في الموضعين وكذا للحموي في الموضع الثاني (قوله قالت فحضت) أي بسرف قبل دخول مكة
(قوله حتى قضيت حجتي) في رواية كريمة وأبى الوقت حجى والكلام على فوائد الحديث يأتي في كتاب
الحج إن شاء الله تعالى * (قوله باب اقبال المحيض وادباره) اتفق العلماء على أن اقبال
المحيض يعرف بالدفعة من الدم في وقت امكان الحيض واختلفوا في ادباره فقيل يعرف بالجفوف
وهو أن يخرج ما يحتشى به جافا وقيل بالقصة البيضاء واليه ميل المصنف كما سنوضحه (قوله وكن)
هو بصيغة جمع المؤنث ونساء بالرفع وهو بدل من الضمير نحو أكلوني البراغيث والتنكير في نساء
للتنويع أي كان ذلك من نوع من النساء لا من كلهن وهذا الأثر قد رواه مالك في الموطأ عن علقمة
ابن أبي علقمة المدني عن أمه واسمها مرجانة مولاة عائشة قالت كان النساء (قوله بالدرجة)
بكسر أوله وفتح الراء والجيم جمع درج بالضم ثم السكون قال ابن بطال كذا يرويه أصحاب الحديث
وضبطه ابن عبد البر في الموطأ بالضم ثم السكون وقال إنه تأنيث درج والمراد به ما تحتشي المرأة
من قطنة وغيرها لتعرف هل بقى من أثر الحيض من شئ أم لا (قوله الكرسف) بضم الكاف والسين
المهملة بينهما راء ساكنة هو القطن (قوله فيه الصفرة) زاد مالك من دم الحيضة (قوله فتقول)
أي عائشة والقصة بفتح القاف وتشديد المهملة هي النورة أي حتى تخرج القطنة بيضاء
نقية لا يخالطها صفرة وفيه دلالة على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وأما في غيرها
فسيأتي الكلام على ذلك في باب مفرد إن شاء الله تعالى وفيه ان القصة البيضاء علامة لانتهاء
الحيض ويتبين بها ابتداء الطهر واعترض على من ذهب إلى أنه يعرف بالجفوف بان القطنة
قد تخرج جافة في أثناء الامر فلا يدل ذلك على انقطاع الحيض بخلاف القصة وهى ماء أبيض
356

يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض قال مالك سألت النساء عنه فإذا هو أمر معلوم عندهن
يعرفنه عند الطهر (قوله وبلغ ابنة زيد بن ثابت) كذا وقعت مبهمة هنا وكذا في الموطأ حيث
روى هذا الأثر عن عبد الله بن أبي بكر أي ابن محمد بن عمرو بن حزم عن عمته عنها وقد ذكروا لزيد بن
ثابت من البنات حسنة وعمرة وأم كلثوم وغيرهن ولم أر لواحدة منهن رواية الا لام كلثوم وكانت
زوج سالم بن عبد الله بن عمر فكأنها هي المبهمة هنا وزعم بعض الشراح انها أم سعد قال لان
ابن عبد البر ذكرها في الصحابة انتهى وليس في ذكره لها دليل على المدعى لأنه لم يقل انها صاحبة
هذه القصة بل لم يأت لها ذكر عنده ولا عند غيره الا من طريق عنبسة بن عبد الرحمن وقد كذبوه
وكان مع ذلك يضطرب فيها فتارة يقول بنت زيد بن ثابت وتارة يقول امرأة زيد ولم يذكر أحد
من أهل المعرفة بالنسب في أولاد زيد من يقال لها أم سعد وأما عمة عبد الله بن أبي بكر فقال
ابن الحذاء هي عمرة بنت حزم عمة جد عبد الله بن أبي بكر وقيل لها عمته مجازا (قلت) لكنها صحابية
قديمة روى عنها جابر بن عبد الله الصحابي ففي روايتها عن بنت زيد بن ثابت بعد فإن كانت ثابتة
فرواية عبد الله عنها منقطعة لأنه لم يدركها ويحتمل أن تكون المرادة عمته الحقيقية وهى أم عمرو
أو أم كلثوم والله أعلم (قوله يدعون) أي يطلبن وفى رواية الكشميهني يدعين وقد تقدم مثلها
في باب تقضى الحائض المناسك كلها وقال صاحب القاموس دعيت لغة في دعوت ولم ينبه على
ذلك صاحب المشارق ولا المطالع (قوله إلى الطهر) أي إلى ما يدل على الطهر واللام في قولها
ما كان النساء للعهد أي نساء الصحابة وانما عابت عليهن لان ذلك يقتضى الحرج والتنطع وهو
مذموم قاله ابن بطال وغيره وقيل لكون ذلك كان في غير وقت الصلاة وهو جوف الليل وفيه
نظر لأنه وقت العشاء ويحتمل ان يكون عيب لكون الليل لا يتبين به البياض الخالص من غيره
فيحسبن انهن طهرن وليس كذلك فيصلين قبل الطهر وحديث فاطمة بنت أبي حبيش تقدم في
باب الاستحاضة وسفيان في هذا الاسناد هو ابن عيينة لان عبد الله بن محمد وهو المسندي لم يسمع
من الثوري * (قوله باب لا تقضى الحائض الصلاة) نقل ابن المنذر وغيره اجماع أهل
العلم على ذلك وروى عبد الرزاق عن معمر انه سأل الزهري عنه فقال اجتمع الناس عليه وحكى
ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج انهم كانوا يوجبونه وعن سمرة بن جندب انه كان يأمر به
فأنكرت عليه أم سلمة ولكن استقر الاجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره (قوله وقال
جابر بن عبد الله وأبو سعيد) هذا التعليق عن هذين الصحابيين ذكره المؤلف بالمعنى فاما حديث
جابر فأشار به إلى ما أخرجه في كتاب الأحكام من طريق حبيب عن عطاء عن جابر في قصة حيض
عائشة في الحج وفيه غير أنها لا تطوف ولا تصلى ولمسلم نحوه من طريق أبى الزبير عن جابر وأما
حديث أبي سعيد فأشار به إلى حديثه المتقدم في باب ترك الحائض الصوم وفيه أليس إذا حاضت
لم تصل ولم تصم فان قيل الترجمة لعدم القضاء وهذان الحديثان لعدم الايقاع فما وجه المطابقة
أجاب الكرماني بان الترك في قوله تدع الصلاة مطلق أداء وقضاء انتهى وهو غير متجه لان منعها انما
هو في زمن الحيض فقط وقد وضح ذلك من سياق الحديثين والذي يظهر لي ان المصنف أراد أن
يستدل على الترك أولا بالتعليق المذكور وعلى عدم القضاء بحديث عائشة فجعل المعلق كالمقدمة
للحديث الموصول الذي هو مطابق للترجمة والله أعلم (قوله حدثتني معاذة) هي بنت عبد الله
357

العدوية وهى معدودة في فقهاء التابعين ورجال الاسناد المذكور إليها بصريون (قوله إن
امرأة قالت لعائشة) كذا أبهمها همام وبين شعبة في روايته عن قتادة انها هي معاذة الراوية
أخرجه الإسماعيلي من طريقه وكذا لمسلم من طريق عاصم وغيره عن معاذة (قوله أتجزى)
بفتح أوله أي أتقضى وصلاتها بالنصب على المفعولية ويروى أتجزئ بضم أوله والهمز أي
أتكفى المرأة الصلاة الحاضرة وهى طاهرة ولا تحتاج إلى قضاء الفائتة في زمن الحيض فصلاتها
على هذا بالرفع على الفاعلية والأولى أشهر (قوله أحرورية) الحروري منسوب إلى حروراء بفتح
الحاء وضم الراء المهملتين وبعد الواو الساكنة راء أيضا بلدة على ميلين من الكوفة والأشهر
انها بالمد قال المبرد النسبة إليها حروراوى وكذا كل ما كان في آخره ألف تأنيث ممدودة ولكن
قيل الحروري بحذف الزوائد ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حروري لان أول فرقة منهم
خرجوا على على بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها وهم فرق كثيرة لكن من أصولهم المتفق
عليها بينهم الاخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا ولهذا استفهمت
عائشة معاذة استفهام انكار وزاد مسلم في رواية عاصم عن معاذة فقلت لا ولكني أسأل أي
سؤالا مجردا لطلب العلم لا للتعنت وفهمت عائشة عنها طلب الدليل فاقتصرت في الجواب عليه
دون التعليل والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصلاة والصيام ان الصلاة تتكرر فلم يجب
قضاؤها للحرج بخلاف الصيام ولمن يقول بان الحائض مخاطبة بالصيام أن يفرق بأنها لم تخاطب
بالصلاة أصلا وقال ابن دقيق العيد اكتفاء عائشة في الاستدلال على اسقاط القضاء بكونها لم
تؤمر به يحتمل وجهين أحدهما انها أخذت اسقاط القضاء من اسقاط الأداء فيتمسك به حتى
يوجد المعارض وهو الامر بالقضاء كما في الصوم ثانيهما قال وهو أقرب ان الحاجة داعية إلى بيان
هذا الحكم لتكرر الحيض منهن عنده صلى الله عليه وسلم وحيث لم يبين دل على عدم الوجوب
لا سيما وقد اقترن بذلك الامر بقضاء الصوم كما في رواية عاصم عن معاذة عند مسلم (قوله فلا يأمرنا
به أو قالت فلا نفعله) كذا في هذه الرواية بالشك وعند الإسماعيلي من وجه آخر فلم نكن نقضي
ولم نؤمر به والاستدلال بقولها فلم نكن نقضي أوضح من الاستدلال بقولها فلم نؤمر به لأن عدم
الامر بالقضاء هنا قد ينازع في الاستدلال به على عدم الوجوب لاحتمال الاكتفاء بالدليل العام
على وجوب القضاء والله أعلم * (قوله باب النوم مع الحائض) زاد في رواية الصاغاني
وهى في ثيابها تقدم الكلام على ذلك في باب من سمى النفاس حيضا ويحيى المذكور هو ابن أبي
كثير (قوله قالت وحدثني) هو مقول زينب بنت أم سلمة وفاعل حدثتني أمها أم سلمة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الصيام (قوله وكنت) معطوف على
جملة الحديث الذي قبله وهى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وقد تقدم الكلام على
فوائده في كتاب الغسل * (قوله باب من أتخذ ثياب الحيض) وفى رواية الكشميهني
من أعد بالعين والدال المهملتين وهشام المذكور هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير والكلام
على الحديث قد تقدم في باب من سمى النفاس حيضا * (قوله باب شهود الحائض
العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن) وفى رواية ابن عساكر واعتزالهن المصلى والجمع بالنظر إلى أن
الحائض اسم جنس أو فيه حذف والتقدير ويعتزلن الحيض كما سيذكر بعد (قوله حدثنا محمد)
358

كذا للأكثر غير منسوب ولابى ذر محمد بن سلام ولكريمة محمد هو ابن سلام (قوله حدثنا عبد
الوهاب) هو الثقفي (قوله عواتقنا) العواتق جمع عائق وهى من بلغت الحلم أو قاربت أو استحقت
التزويج أو هي الكريمة على أهلها أو التي عتقت عن الامتهان في الخروج للخدمة وكأنهم كانوا
يمنعون العواتق من الخروج لما حدث بعد العصر الأول من الفساد ولم تلاحظ الصحابة ذلك بل
رأت استمرار الحكم على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم (قوله فقدمت امرأة) لم أقف
على تسميتها وقصر بنى خلف كان بالبصرة وهو منسوب إلى طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي
المعروف بطلحة الطلحات وقد ولى امرة سجستان (قوله فحدثت عن أختها) قيل هي أم عطية
وقيل غيرها وعليه مشى الكرماني وعلى تقدير أن تكون أم عطيه فلم نقف على تسمية زوجها
أيضا (قوله اثنتي عشرة) زاد الأصيلي غزوة (قوله وكانت أختي) فيه حذف تقديره قالت المرأة
وكانت أختي (قوله قالت) أي الأخت والكلمى بفتح الكاف وسكون اللام جمع كليم أي جريح
(قوله من جلبابها) قيل المراد به الجنس أي تعيرها من ثيابها ما لا تحتاج إليه وقيل المراد تشركها
معها في لبس الثوب الذي عليها وهذا ينبنى على تفسير الجلباب وهو بكسر الجيم وسكون اللام
وبموحدتين بينهما ألف قيل هو المقنعة أو الخمار أو أعرض منه وقيل الثوب الواسع يكون دون
الرداء وقيل الازار وقيل الملحفة وقيل الملاءة وقيل القميص (قوله ودعوة المسلمين) في رواية
الكشميهني المؤمنين وهى موافقة لرواية أم عطية (قوله وكانت) أي أم عطية (لا تذكر) أي النبي
صلى الله عليه وسلم (الا قالت بابى) أي هو مفدى بابى وفى رواية عبدوس بيبى بياء تحتانية بدل
الهمزة في الموضعين وللاصيلى بفتح الموحدة الثانية مع قلب الهمزة ياء كعبدوس لكن فتح ما بعدها
كأنه جعله لكثرة الاستعمال واحدا ونقل عن الأصيلي أيضا كالأصل لكن فتح الثانية أيضا وقد
ذكر ابن مالك هذه الأربعة في شواهد التوضيح وقال ابن الأثير قوله بابا أصله بابى هو يقال بابات
الصبى إذا قلت له أفديك بابى فقلبوا الياء ألفا كما في ويلتا (قوله وذوات الخدور) بضم الخاء المعجمة
والدال المهملة جمع خدر بكسرها وسكون الدال وهو ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه
وللاصيلى وكريمة العواتق وذوات الخدور أو العواتق ذوات الخدور على الشك وبين العاتق
والبكر عموم وخصوص وجهي (قوله ويعتزل الحيض المصلى) بضم اللام هو خبر بمعنى الامر
وفى رواية ويعتزلن الحيض المصلى وهو نحو أكلوني البراغيث وحمل الجمهور الامر المذكور على
الندب لان المصلى ليس بمسجد فيمتنع الحيض من دخوله وأغرب الكرماني فقال الاعتزال واجب
والخروج والشهود مندوب مع كونه نقل عن النووي تصويب عدم وجوبه وقال ابن المنير
الحكمة في اعتزالهن ان في وقوفهن وهن لا يصلين مع المصليات اظهار استهانة بالحال فاستحب
لهن اجتناب ذلك (قوله فقلت آلحيض) بهمزة ممدودة كأنها تتعجب من ذلك (فقالت) أي أم
عطية (أليس تشهد) أي الحيض وللكشميهني أليست وللاصيلى أليس يشهدن (قوله وكذا
وكذا) أي ومزدلفة ومنى وغيرهما وفيه ان الحائض لا تهجر ذكر الله ولا مواطن الخير كمجالس
العلم والذكر سوى المساجد وفيه امتناع خروج المرأة بغير جلباب وغير ذلك مما سيأتي استيفاؤه
في كتاب العيدين إن شاء الله (قوله باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض) بفتح الياء
جمع حيضة (قوله وما يصدق) بضم أوله وتشديد الدال المفتوحة (قوله فيما يمكن من الحيض) أي
359

فإذا لم يمكن لم يصدق (قوله لقول الله تعالى) يشير إلى تفسير الآية المذكورة وقد روى الطبري
باسناد صحيح عن الزهري قال بلغنا ان المراد بما خلق الله في أرحامهن الحمل أو الحيض فلا يحل لهن
أن يكتمهن ذلك لتنقضي العدة ولا يملك الزوج الرجعة إذا كانت له وروى أيضا باسناد حسن عن
ابن عمر قال لا يحل لها إن كانت حائضا ان تكتم حيضها ولا إن كانت حاملا ان تكتم حملها وعن
مجاهد لا تقول انى حائض وليست بحائض ولا لست بحائض وهى حائض وكذا في الحبل
ومطابقة الترجمة للآية من جهة ان الآية دالة على انها يجب عليها الاظهار فلو لم تصدق فيه لم يكن
له فائدة (قوله ويذكر عن علي) وصله الدارمي كما سيأتي ورجاله ثقات وانما لم يجزم به للتردد في سماع
الشعبي من على ولم يقل انه سمعه من شريح فيكون موصولا (قوله إن جاءت) في رواية كريمة ان
امرأة جاءت بكسر النون (قوله ببينة من بطانة أهلها) أي خواصها قال إسماعيل القاضي ليس
المراد أن يشهد النساء ان ذلك وقع وانما هو فيما نرى ان يشهدن ان هذا يكون وقد كان في نسائهن
(قلت) وسياق القصة يدفع هذا التأويل قال الدارمي أخبرنا يعلى بن عبيد حدثنا إسماعيل بن أبي
خالد عن عامر هو الشعبي قال جاءت امرأة إلى علي تخاصم زوجها طلقها فقالت حضت في شهر
ثلاث حيض فقال على لشريح اقض بينهما قال يا أمير المؤمنين وأنت ههنا قال اقض بينهما
قال إن جاءت من بطانة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته تزعم أنها حاضت ثلاث حيض تطهر عند
كل قرء وتصلى جاز لها والا فلا قال على قالون قال وقالون بلسان الروم أحسنت فهذا ظاهر في أن
المراد ان يشهدن بان ذلك وقع منها وانما أراد إسماعيل رد هذه القصة إلى موافقة مذهبه وكذا
قال عطاء انه يعتبر في ذلك عادتها قبل الطلاق واليه الإشارة بقوله أقراؤها وهو بالمد جمع قرء أي في
زمان العدة (ما كانت) أي قبل الطلاق فلو ادعت في العدة ما يخالف ما قبلها لم يقبل وهذا الأثر
وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء (قوله وبه قال إبراهيم) يعنى النخعي أي قال بما قال
عطاء ووصله عبد الرزاق أيضا عن أبي معشر عن إبراهيم نحوه وروى الدارمي أيضا باسناد صحيح
إلى إبراهيم قال إذا حاضت المرأة في شهر أو أربعين ليلة ثلاث حيض فذكر نحو أثر شريح وعلى
هذا فيحتمل ان يكون الضمير في قول البخاري وبه يعود على أثر شريح أو في النسخة تقديم
وتأخير أو لإبراهيم في المسئلة قولان (قوله وقال عطاء الخ) وصله الدارمي أيضا باسناد
صحيح قال أقصى الحيض خمس عشرة وأدنى الحيض يوم ورواه الدارقطني بلفظ أدنى وقت
الحيض يوم وأكثر الحيض خمس عشرة (قوله وقال معتمر) يعنى ابن سليمان التيمي وهذا الأثر
وصله الدارمي أيضا عن محمد بن عيسى عن معتمر (قوله حدثنا أحمد بن أبي رجاء) هو أحمد بن
عبد الله بن أيوب الهروي يكنى أبا الوليد وهو حنفي النسب لا المذهب وقصة فاطمة بنت أبي
حبيش تقدمت في باب الاستحاضة ومناسبة الحديث للترجمة من قوله قدر الأيام التي كنت
تحيضين فيها فوكل ذلك إلى أمانتها ورده إلى عادتها وذلك يختلف باختلاف الاشخاص
واختلف العلماء في أقل الحيض وأقل الطهر ونقل الداودي انهم اتفقوا على أن أكثره خمسة
عشر يوما وقال أبو حنيفة لا يجتمع أقل الطهر وأقل الحيض معا فأقل ما تنقضى به العدة عنده
ستون يوما وقال صاحباه تنقضى في تسعة وثلاثين يوما بناء على أن أقل الحيض ثلاثة أيام وان
أقل الطهر خمسة عشر يوما وان المراد بالقرء الحيض وهو قول الثوري وقال الشافعي القرء
360

الطهر وأقله خمسة عشر يوما وأقل الحيض يوم وليلة فتنقضي عنده في اثنين وثلاثين يوما
ولحظتين وهو موافق لقصة على وشريح المتقدمة إذا حمل ذكر الشهر فيها على الغاء الكسر
ويدل عليه رواية هشيم عن إسماعيل فيها بلفظ حاضت في شهر أو خمسة وثلاثين يوما * (قوله
باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض) يشير بذلك إلى الجمع بين حديث عائشة
المتقدم في قولها حتى ترين القصة البيضاء وبين حديث أم عطية المذكور في هذا الباب بان ذلك
محمول على ما إذا رأت الصفرة أو الكدرة في أيام الحيض وأما في غيرها فعلى ما قالته أم عطية
(قوله أيوب عن محمد) هو ابن سيرين وكذا رواه إسماعيل وهو ابن علية عن أيوب ورواه وهيب بن
خالد عن أيوب عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية أخرجه ابن ماجة ونقل عن الذهلي انه رجح
رواية وهيب وما ذهب إليه البخاري من تصحيح رواية إسماعيل أرجح لموافقة معمر له ولان إسماعيل
أحفظ لحديث أيوب من غيره ويمكن ان أيوب سمعه منهما (قوله كنا لا نعد) أي في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم مع علمه بذلك وبهذا يعطى الحديث حكم الرفع وهو مصير من البخاري
إلى أن مثل هذه الصيغة تعد في المرفوع ولو لم يصرح الصحابي بذكر زمن النبي صلى الله عليه وسلم
وبهذا جزم الحاكم وغيره خلافا للخطيب (قوله الكدرة والصفرة) أي الماء الذي تراه
المرأة كالصديد يعلوه اصفرار (قوله شيئا) أي من الحيض ولابى داود من طريق قتادة عن
حفصة عن أم عطية كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا وهو موافق لما ترجم به البخاري
والله أعلم * (قوله باب عرق الاستحاضة) بكسر العين واسكان الراء وقد تقدم
بيانه في باب الاستحاضة (قوله وعن عمرة) يعنى كلاهما عن عائشة كذا للأكثر وفى رواية أبى
الوقت وابن عساكر بحذف الواو فصار من رواية عروة عن عمرة وكذا ذكر الإسماعيلي ان أحمد
ابن الحسن الصوفي حدثهم به عن خلف بن سالم عن معن والمحفوظ اثبات الواو وأن الزهري رواه
عن شيخين عروة وعمرة كلاهما عن عائشة وكذا أخرجه الإسماعيلي وغيره من طرق عن ابن أبي
ذئب وكذا أخرجه مسلم من طريق عمرو بن الحرث وأبو داود من طريق الأوزاعي كلاهما عن
الزهري عنهما وأخرجه مسلم أيضا من طريق الليث عن الزهري عن عروة وحده ومسلم أيضا من
طريق إبراهيم بن سعد وأبو داود من طريق يونس كلاهما عن الزهري عن عمرة وحدها قال
الدارقطني هو صحيح من رواية الزهري عن عروة وعمرة جميعا (قوله إن أم حبيبة) هي بنت جحش
أخت زينب أم المؤمنين وهى مشهورة بكنيتها وقد قيل اسمها حبيبة وكنيتها أم حبيب بغير هاء قاله
الواقدي وتبعه الحربي ورجحه الدارقطني والمشهور في الروايات الصحيحة أم حبيبة باثبات الهاء
وكانت زوج عبد الرحمن بن عوف كما ثبت عند مسلم من رواية عمرو بن الحرث ووقع في الموطأ عن
هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة ان زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن
ابن عوف كانت تستحاض الحديث فقيل هو وهم وقيل بل صواب وان اسمها زينب وكنيتها أم
حبيبة وأما كون اسم أختها أم المؤمنين زينب فإنه لم يكن اسمها الأصلي وانما كان اسمها برة فغيره
النبي صلى الله عليه وسلم وفى أسباب النزول للواحدي ان تغيير اسمها كان بعد أن تزوجها صلى
الله عليه وسلم فلعله صلى الله عليه وسلم سماها باسم أختها لكون أختها غلبت عليها الكنية فامن
اللبس ولهما أخت أخرى اسمها حمنة بفتح المهملة وسكون الميم بعدها نون وهى إحدى
361

المستحاضات كما تقدم وتعسف بعض المالكية فزعم أن اسم كل من بنات جحش زينب قال فاما
أم المؤمنين فاشتهرت باسمها وأما أم حبيبة فاشتهرت بكنيتها وأما حمنة فاشتهرت بلقبها ولم يأت
بدليل على دعواه بان حمنة لقب ولم ينفرد الموطأ بتسمية أم حبيبة زينب فقد روى أبو داود
الطيالسي في مسنده عن ابن أبي ذئب حديث الباب فقال إن زينب بنت جحش وقد تقدم
توجيهه (قوله استحيضت سبع سنين) قيل في حجة لابن القاسم في اسقاطه عن المستحاضة قضاء
الصلاة إذا تركتها ظانة ان ذلك حيض لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بالإعادة مع طول المدة
يحتمل أن يكون المراد بقولها سبع سنين بيان مدة استحاضتها مع قطع النظر هل كانت المدة
كلها قبل السؤال أولا فلا يكون فيه حجة لما ذكر (قوله فأمرها ان تغتسل) زاد الإسماعيلي
وتصلى ولسلم نحوه وهذا الامر بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار فلعلها فهمت طلب ذلك
منها بقرينة فلهذا كانت تغتسل لكل صلاة وقال الشافعي انما أمرها صلى الله عليه وسلم ان
تغتسل وتصلى وانما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعا وكذا قال الليث بن سعد في روايته عند
مسلم لم يذكر ابن شهاب انه صلى الله عليه وسلم أمرها ان تغتسل لكل صلاة ولكنه شئ فعلته هي
والى هذا ذهب الجمهور قالوا لا يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة الا المتحيرة لكن يجب
عليها الوضوء ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق عكرمة ان أم حبيبة استحيضت فأمرها صلى
الله عليه وسلم ان تنتظر أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلى فإذا رأت شيا من ذلك توضأت وصلت
واستدل المهلبي بقوله لها هذا عرق على أنه لم يوجب عليها الغسل لكل صلاة لان دم العرق
لا يوجب غسلا وأما ما وقع عند أبي داود من رواية سليمان بن كثير وابن اسحق عن الزهري في
هذا الحديث فأمرها بالغسل لكل صلاة فقد طعن الحفاظ في هذه الزيادة لأن الاثبات من
أصحاب الزهري لم يذكروها وقد صرح الليث كما تقدم عند مسلم بان الزهري لم يذكرها لكن روى
أبو داود من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب بنت أبي سلمة في هذه القصة فأمرها ان
تغتسل عند كل صلاة فيحمل الامر على الندب جمعا بين الروايتين هذه ورواية عكرمة وقد
حمله الخطابي على انها كانت متحيرة وفيه نظر لما تقدم من رواية عكرمة انه أمرها ان تنتظر أيام
أقرائها ولمسلم من طريق عراك بن ملك عن عروة في هذه القصة فقال لها امكثى قدر ما كانت
تحبسك حيضتك ولابى داود وغيره من طريق الأوزاعي وابن عيينة عن الزهري في حديث الباب
نحوه لكن استنكر أبو داود هذه الزيادة في حديث الزهري وأجاب بعض من زعم أنها كانت غير مميزة
بان قوله فأمرها ان تغتسل لكل صلاة أي من الدم الذي أصابها لأنه من إزالة النجاسة وهى شرط
في صحة الصلاة وقال الطحاوي حديث أم حبيبة منسوخ بحديث فاطمة بنت أبي حبيش أي لان
فيه الامر بالوضوء لكل صلاة لا الغسل والجمع بين الحديثين بحمل الامر في حديث أم حبيبة
على الندب أولى والله أعلم * (قوله باب المرأة تحيض بعد الإفاضة) أي هل تمنع من
طواف الوداع أم لا (قوله عن عمرة بنت عبد الرحمن) هي المذكورة في الاسناد الذي قبله وهذا
الاسناد سوى شيخ البخاري مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم من بين مالك وعائشة
(قوله إن صفية) أي زوج النبي صلى الله عليه وسلم (قوله قالوا بلى) أي النساء ومن معهن من
المحارم (قوله فاخرجي) كذا للأكثر بالافراد خطابا لصفية من باب العدول عن الغيبة وهى
362

قوله ألم تكن طافت إلى الخطاب أو هو خطاب لعائشة أي فاخرجي فهي تخرج معك وللمستملى
والكشميهني فاخرجن وهو على وفق السياق وسيأتى الكلام على هذا الحديث والذي بعده في
كتاب الحج إن شاء الله تعالى وقوله فيه وكان ابن عمر هو مقول طاوس لا ابن عباس وكذا قوله ثم
سمعته يقول وكان ابن عمر يفتى بأنه يجب عليها ان تتأخر إلى أن تطهر من أجل طواف الوداع ثم
بلغته الرخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم لهن في تركه فصار إليه أو كان نسى ذلك فتذكره وفيه
دليل على أن الحائض لا تطوف * (قوله باب إذا رأت المستحاضة الطهر) أي
تميز لها دم العرق من دم الحيض فسمى زمن الاستحاضة طهرا لأنه كذلك بالنسبة إلى زمن الحيض
ويحتمل ان يريد به انقطاع الدم والأول أوفق للسياق (قوله قال ابن عباس تغتسل وتصلى ولو
ساعة) قال الداودي معناه إذا رأت الطهر ساعة ثم عاودها دم فإنها تغتسل وتصلى والتعليق
المذكور وصله ابن أبي شيبة والدارمي من طريق أنس بن سيرين عن ابن عباس انه سأله عن
المستحاضة فقال اما ما رأت الدم البحراني فلا تصلى وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلى
وهذا موافق للاحتمال المذكور أولا لأن الدم البحراني هو دم الحيض (قوله ويأتيها زوجها)
هذا أثر آخر عن ابن عباس أيضا وصله عبد الرزاق وغيره من طريق عكرمة عنه قال المستحاضة
لا بأس ان يأتيها زوجها ولابى داود من وجه آخر عن عكرمة فقال كانت أم حبيبة تستحاض
وكان زوجها يغشاها وهو حديث صحيح إن كان عكرمة سمعه منها (قوله إذا صلت) شرط
محذوف الجزاء أو جزاؤه مقدم وقوله الصلاة أعظم أي من الجماع والظاهر أن هذا بحث من
البخاري أراد به بيان الملازمة أي إذا جازت الصلاة فجواز الوطء أولى لان أمر الصلاة أعظم من
أمر الجماع ولهذا عقبه بحديث عائشة المختصر من قصة فاطمة بنت أبي حبيش المصرح بأمر
المستحاضة بالصلاة وقد تقدمت مباحثه في باب الاستحاضة وزهير المذكور هنا هو ابن معاوية
وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه تاما وأشار البخاري بما ذكر إلى الرد على من منع وطء
المستحاضة وقد نقله ابن المنذر عن إبراهيم النخعي والحكم والزهري وغيرهم وما استدل به على
الجواز ظاهر فيه وذكر بعض الشراح ان قوله الصلاة أعظم من بقية كلام ابن عباس وعزاه إلى
تخريج ابن أبي شيبة وليس هو فيه نعم روى عبد الرزاق والدارمي من طريق سالم الأفطس انه
سأل سعيد بن جبير عن المستحاضة أتجامع قال الصلاة أعظم من الجماع * (قوله باب
الصلاة على النفساء وسنتها أي سنة الصلاة عليها (قوله حدثنا أحمد بن أبي سريج) تقدم انه
بالمهملة والجيم واسمه الصباح وقيل إن أحمد هو ابن عمر بن أبي سريج فكانه نسب إلى جده
(قوله إن امرأة) هي أم كعب سماها مسلم في روايته من طريق عبد الوارث عن حسين المعلم
وذكر أبو نعيم في الصحابة انها أنصارية (قوله ماتت في بطن) أي بسبب بطن يعنى الحمل وهو نظير
قوله عذبت امرأة في هرة قال ابن التيمي قيل وهم البخاري في هذه الترجمة فظن أن قوله ماتت في
بطن ماتت في الولادة قال ومعنى ماتت في بطن ماتت مبطونة (قلت) بل الموهم له هو الواهم فان
عند المصنف في هذا الحديث من كتاب الجنائز ماتت في نفاسها وكذا لمسلم (قوله فقام وسطها)
بفتح السين في روايتنا وكذا ضبطه ابن التين وضبطه غيره بالسكون وللكشميهني فقام عند وسطها
وسيأتى الكلام على ذلك في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى قال ابن بطال يحتمل ان يكون البخاري
363

قصد بهذه الترجمة ان النفساء وإن كانت لا تصلى لها حكم غيرها من النساء أي في طهارة العين
لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليها قال وفيه رد على من زعم أن ابن آدم ينجس بالموت لان
النفساء جمعت الموت وحمل النجاسة بالدم اللازم لها فلما لم يضرها ذلك كان الميت الذي لا يسيل
منه نجاسة أولى وتعقبه ابن المنير بان هذا أجنبي عن مقصود البخاري قال وانما قصد انها وان
ورد انها من الشهداء فهي ممن يصلى عليها كغير الشهداء وتعقبه ابن رشيد بأنه أيضا أجنبي عن
أبواب الحيض قال وانما أراد البخاري ان يستدل بلازم من لوازم الصلاة لان الصلاة اقتضت
ان المستقبل فيها ينبغي ان يكون محكوما بطهارته فلما صلى عليها أي إليها لزم من ذلك القول
بطهارة عينها وحكم النفساء والحائض واحد قال ويدل على أن هذا مقصوده ادخال حديث
ميمونة في الباب كما في رواية الأصيلي وغيره ووقع في رواية أبي ذر قبل حديث ميمونة باب غير مترجم
وكذا في نسخة الأصيلي وعادته في مثل ذلك أنه بمعنى الفصل من الباب الذي قبله ومناسبته له ان
عين الحائض والنفساء طاهرة لان ثوبه صلى الله عليه وسلم كان يصيبها إذا سجد وهى حائض
ولا يضره ذلك (قوله حدثنا الحسن بن مدرك) هو الطحان البصري أحد الحفاظ وهو من صغار
شيوخ البخاري بل البخاري أقدم منه وقد شاركه في شيخه يحيى بن حماد المذكور هنا وكان هذا
الحديث فاته فاعتمد فيه على الحسن المذكور لأنه كان عارفا بحديث يحيى بن حماد (قوله من كتابه)
إشارة إلى أن أبا عوانة حدث به من كتابه لا من حفظه وكان إذا حدث من كتابه أتقن مما إذا
حدث من حفظه حتى قال عبد الرحمن بن مهدي كتاب أبى عوانة أثبت من حفظ هشيم (قوله
كانت تكون) أي تحصل أو تستقر ويحتمل ان قوله تكون لا تصلى خبر لكانت وقوله حائضا حال
نحو وجاؤا أباهم عشاء يبكون قاله الكرماني (قوله بحذاء) بكسر الحاء المهملة بعدها ذال معجمة
ومدة أي بجنب مسجد والمراد بالمسجد مكان سجوده والخمرة بضم الخاء المعجمة وسكون الميم قال
الطبري هو مصلى صغير يعمل من سعف النخل سميت بذلك لسترها الوجه والكفين من حر
الأرض وبردها فإن كانت كبيرة سميت حصيرا وكذا قال الزهري في تهذيبه وصاحبه وأبو عبيد
الهروي وجماعة بعدهم وزاد في النهاية ولا تكون خمره الا في هذا المقدار قال وسميت خمرة لان
خيوطها مستورة بسعفها وقال الخطابي هي السجادة يسجد عليها المصلى ثم ذكر حديث ابن
عباس في الفارة التي جرت الفتيلة حتى ألقتها على الخمرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا
عليها الحديث قال ففي هذا تصريح باطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه قال وسميت خمرة
لأنها تغطي الوجه وستأتي الإشارة إلى حكم الصلاة عليها في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى
* (خاتمة) * اشتمل كتاب الحيض من الأحاديث المرفوعة على سبعة وأربعين حديثا المكرر منها
فيه وفيما مضى اثنان وعشرون حديثا الموصول منها عشرة أحاديث والبقية تعليق ومتابعة
والخالص خمسة وعشرون حديثا منها واحد معلق وهو حديث كان يذكر الله على كل أحيانه
والبقية موصولة وقد وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة كانت إحدانا تحيض ثم
تقترص الدم وحديثها في اعتكاف المستحاضة وحديثها ما كان لإحدانا الا ثوب واحد وحديث
أم عطية كنا لا نعد الصفرة وحديث ابن عمر رخص للحائض أن تنفر وفيه من الآثار
الموقوفة على الصحابة والتابعين خمسة عشر أثرا كلها معلقة والله أعلم
364

(قوله باب التيمم)
البسملة قبله لكريمة وبعده لأبي ذر وقد تقدم توجيه ذلك والتيمم في اللغة القصد قال امرؤ
القيس
تيممتها من أذرعات وأهلها * بيثرب أدنى دارها نظر عالي
أي قصدتها وفى الشرع القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة
ونحوها وقال ابن السكيت قوله فتيمموا صعيدا أي اقصدوا الصعيد ثم كثر استعمالهم حتى
صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب اه‍ فعلى هذا هو مجاز لغوى وعلى الأول هو حقيقة
شرعية واختلف في التيمم هو عزيمة أو رخصة وفعل بعضهم فقال هو لعدم الماء عزيمة
وللعذر رخصة (قوله قول الله) في رواية الأصيلي وقول الله بزيادة واو والجملة استئنافية
(قوله فلم تجدوا ماء) كذا للأكثر وللنسفي وعبدوس والمستملى والحموي فإن لم تجدوا قال
أبو ذر كذا في روايتنا والتلاوة فلم تجدوا قال صاحب المشارق هذا هو الصواب (قلت)
ظهر لي ان البخاري أراد أن يبين ان المراد بالآية المبهمة في قول عائشة في حديث الباب فأنزل الله
آية التيمم انها آية المائدة وقد وقع التصريح بذلك في رواية حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن
عائشة في قصتها المذكورة قال فأنزل الله آية التيمم فإن لم تجدوا ماء فتيمموا الحديث فكان
البخاري أشار إلى هذه الرواية المخصوصة واحتمل أن تكون قراءة شاذة لحماد بن سلمة أو غيره أو
وهما منه وقد ظهر انها عنت آية المائدة وان آية النساء قد ترجم لها المصنف في التفسير وأورد
حديث عائشة أيضا ولم يرد خصوص نزولها في قصتها بل اللفظ الذي على شرطه محتمل للامرين
والعمدة على رواية حماد بن سلمة في ذلك فإنها عينت ففيها زيادة على غيرها والله أعلم (قوله
وأيديكم) إلى هنا في رواية أبي ذر زاد في رواية الشبوي وكريمة منه وهى تعين آية المائدة دون آية
النساء والى ذلك نحا البخاري فأخرج حديث الباب في تفسير سورة المائدة وأيد ذلك برواية عمرو
ابن الحرث عن عبد الرحمن بن القاسم في هذا الحديث ولفظه فنزلت يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى
الصلاة إلى قوله تشكرون (قوله عن عبد الرحمن بن القاسم) أي ابن محمد بن أبي بكر الصديق
ورجاله سوى شيخ البخاري مدنيون (قوله في بعض أسفاره) قال ابن عبد البر في التمهيد يقال إنه
كان في غزاة بنى المصطلق وجزم بذلك في الاستذكار وسبقه إلى ذلك ابن سعد وابن حبان وغزاة
بنى المصطلق هي غزوة المريسيع وفيها وقعت قصة الإفك لعائشة وكان ابتداء ذلك بسبب وقوع
عقدها أيضا فإن كان ما جزموا به ثابتا حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين لاختلاف
القصتين كما هو بين في سياقهما واستبعد بعض شيوخنا ذلك قال لان المريسيع من ناحية مكة
بين قديد والساحل وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها في الحديث حتى إذا كنا بالبيداء
أو بذات الجيش وهما بين المدينة وخيبر كما جزم النووي (قلت) وما جزم به مخالف لما جزم به ابن
التين فإنه قال البيداء هي ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة قال وذات الجيش وراء
ذي الحليفة وقال أبو عبيد البكري في معجمه البيداء أدنى إلى مكة من ذي الحليفة ثم ساق حديث
عائشة هذا ثم ساق حديث ابن عمر قال بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها ما أهل رسول الله صلى الله
عليه وسلم الا من عند المسجد الحديث قال والبيداء هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق
365

مكة وقال أيضا ذات الجيش من المدينة على بريد قال وبينها وبين العقيق سبعة أميال والعقيق
من طريق مكة لا من طريق خيبر فاستقام ما قال ابن التين ويؤيده ما رواه الحميدي في مسنده عن
سفيان قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث فقال فيه ان القلادة سقطت ليلة
الأبواء اه‍ والأبواء بين مكة والمدينة وفى رواية علي بن مسهر في هذا الحديث عن هشام قال
وكان ذلك المكان يقال له الصلصل رواه جعفر الفريابي في كتاب الطهارة له وابن عبد البر من
طريقه والصلصل بمهملتين مضمومتين ولامين الأولى ساكنة بين الصادين قال البكري هو جبل
عند ذي الحليفة كذا ذكره في حرف الصاد المهملة ووهم مغلطاي في فهم كلامه فزعم أنه ضبطه
بالضاد المعجمة وقلده في ذلك بعض الشراح وتصرف فيه فزاده وهما على وهم وعرف من تضافر
هذه الروايات تصويب ما قال ابن التين واعتمد بعضهم في تعدد السفر على رواية للطبراني
صريحة في ذلك كما سيأتي والله أعلم (قوله عقد) بكسر المهملة كل ما يعقد ويعلق في العنق
ويسمى قلادة كما سيأتي وفى التفسير من رواية عمرو بن الحرث سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن
داخلون المدينة فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم ونزل وهذا مشعر بأن ذلك كان عند قربهم من
المدينة (قوله على التماسه) أي لأجل طلبه وسيأتى ان المبعوث في طلبه أسيد بن حضير وغيره
(قوله وليسوا على ماء وليس معهم ماء) كذا للأكثر في الموضعين وسقطت الجملة الثانية في
الموضع الأول من رواية أبي ذر واستدل بذلك على جواز الإقامة في المكان الذي لا ماء فيه وكذا
سلوك الطريق التي لا ماء فيها وفيه نظر لان المدينة كانت قريبة منهم وهم على قصد دخولها
ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم لم يعلم بعدم الماء مع الركب وإن كان قد علم بان المكان لا ماء
فيه ويحتمل ان يكون قوله ليس معهم ماء أي للوضوء وأما ما يحتاجون إليه للشرب فيحتمل ان
يكون معهم والأول محتمل لجواز ارسال المطر أو نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم كما
وقع في مواطن أخرى وفيه اعتناء الامام بحفظ حقوق المسلمين وان قلت فقد نقل ابن بطال انه
روى أن ثمن العقد المذكور كان اثنى عشر درهما ويلتحق بتحصيل الضائع الإقامة للحوق المنقطع
ودفن الميت ونحو ذلك من مصالح الرعية وفيه إشارة إلى ترك إضاعة المال (قوله فاتى الناس
إلى أبى بكر) فيه شكوى المرأة إلى أبيها وإن كان لها زوج وكأنهم انما شكوا إلى أبى بكر لكون
النبي صلى الله عليه وسلم كان نائما وكانوا لا يوقظونه وفيه نسبة الفعل إلى من كان سببا فيه لقولهم
صنعت وأقامت وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وإن كان زوجها عندها إذا علم رضاه بذلك
ولم تكن حالة مباشرة (قوله فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول) في رواية عمرو بن الحرث
فقال حبست الناس في قلادة أي بسببها وسيأتى من الطبراني ان من جملة ما عاتبها به قوله في كل
مرة تكونين عناء والنكتة في قول عائشة فعاتبني أبو بكر ولم تقل أبى لان قضية الأبوة الحنو
وما وقع من العتاب بالقول والتأديب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر فلذلك أنزلته منزلة الأجنبي
فلم تقل أبى (قوله يطعنني) هو بضم العين وكذا في جميع ما هو حسي وأما المعنوي فيقال يطعن
بالفتح هذا هو المشهور فيهما وحكى الفتح فيهما معا في المطالع وغيرها والضم فيهما حكاه صاحب
الجامع وفيه تأديب الرجل ابنته ولو كانت مزوجة كبيرة خارجة عن بيته ويلحق بذلك تأديب
من له تأديبه ولو لم يأذن له الامام (قوله فلا يمنعني من التحرك) فيه استحباب الصبر لمن ناله
366

ما يوجب الحركة أو يحصل به تشويش لنائم وكذا لمصل أو قارئ أو مشتغل بعلم أو ذكر (قوله
فقام حين أصبح) كذا أورده هنا وأورده في فضل أبى بكر عن قتيبة عن مالك بلفظ فنام حتى أصبح
وهى رواية مسلم ورواه الموطأ والمعنى فيهما متقارب لان كلا منهما يدل على أن قيامه من نومه كان
عند الصبح وقال بعضهم ليس المراد بقوله حتى أصبح بيان غاية النوم إلى الصباح بل بيان غاية
فقد الماء إلى الصباح لأنه قيد قوله حتى أصبح بقوله على غير ماء أي آل أمره إلى أن أصبح على
غير ماء وأما رواية عمرو بن الحرث فلفظها ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت
الصبح فان أعربت الواو حالية كان دليلا على أن الاستيقاظ وقع حال وجود الصباح وهو الظاهر
واستدل به على الرخصة في ترك التهجد في السفر ان ثبت ان التهجد كان واجبا عليه وعلى ان
طلب الماء لا يجب الا بعد دخول الوقت لقوله في رواية عمرو بن الحرث بعد قوله وحضرت الصبح
فالتمس الماء فلم يوجد وعلى ان الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول آية الوضوء ولهذا استعظموا
نزولهم على غير ماء ووقع من أبى بكر في حق عائشة ما وقع قال ابن عبد البر معلوم عند جميع
أهل المغازي انه صلى الله عليه وسلم لم يصل منذ افترضت الصلاة عليه الا بوضوء ولا يدفع ذلك
الا جاهل أو معاند قال وفى قوله في هذا الحديث آية التيمم إشارة إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم
حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء قال والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به ليكون
فرضه متلوا بالتنزيل وقال غيره يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل قديما فعملوا به الوضوء ثم
نزل بقيتها وهو ذكر التيمم في هذه القصة واطلاق آية التيمم على هذا من تسمية الكل باسم
البعض لكن رواية عمرو بن الحرث التي قدمنا ان المصنف أخرجها في التفسير تدل على أن
الآية نزلت جميعا في هذه القصة فالظاهر ما قاله ابن عبد البر (قوله فأنزل الله آية التيمم) قال ابن
العربي هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء لأنا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة قال ابن بطال
هي آية النساء أو آية المائدة وقال القرطبي هي آية النساء ووجهه بان آية المائدة تسمى آية
الوضوء وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء فيتجه تخصيصها بآية التيمم وأورد الواحدي في أسباب
النزول هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضا وخفى على الجميع ما ظهر للبخاري من أن المراد
بها آية المائدة بغير تردد لرواية عمرو بن الحرث إذ صرح فيها بقوله فنزلت يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم
إلى الصلاة الآية (قوله فتيمموا) يحتمل أن يكون خبرا عن فعل الصحابة أي فتيمم الناس بعد نزول
الآية ويحتمل أن يكون حكاية لبعض الآية وهو الامر في قوله فتيمموا صعيدا طيبا بيانا لقوله
آية التيمم أو بدلا واستدل بالآية على وجوب النية في التيمم لان معنى فتيمموا اقصدوا كما تقدم
وهو قول فقهاء الأمصار الا الأوزاعي وعلى انه يجب نقل التراب ولا يكفي هبوب الريح به
بخلاف الوضوء كما لو أصابه مطر فنوى الوضوء به فإنه يجزئ والأظهر الاجزاء لمن قصد التراب من
الريح الهابة بخلاف من لم يقصد وهو اختيار الشيخ أبى حامد وعلى تعين الصعيد الطيب للتيمم
لكن اختلف العلماء في المراد بالصعيد الطيب كما سيأتي في بابه قريبا وعلى انه يجب التيمم لكل فريضة
وسنذكر توجيهه وما يرد عليه بعد أربعة أبواب * (تنبيه) * لم يقع في شئ من طرق حديث عائشة
هذا كيفية التيمم وقد روى عمار بن ياسر قصتها هذه فبين ذلك لكن اختلف الرواة على عمار في
الكيفية كما سنذكره ونبين الأصح منه في باب التيمم للوجه والكفين (قوله فقال أسيد) هو
367

بالتصغير (ابن الحضير) بمهملة ثم معجمة مصغرا أيضا وهو من كبار الأنصار وسيأتي ذكره في المناقب
وانما قال ما قال دون غيره لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد الذي ضاع (قوله ما هي بأول
بركتكم) أي بل هي مسبوقة بغيرها من البركات والمراد بآل أبى بكر نفسه وأهله واتباعه وفيه
دليل على فضل عائشة وأبيها وتكرار البركة منهما وفى رواية عمرو بن الحرث لقد بارك الله للناس
فيكم وفى تفسير اسحق البستي من طريق ابن أبي مليكة عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها
ما كان أعظم بركة قلادتك وفى رواية هشام بن عروة الآتية في الباب الذي يليه فوالله ما نزل بك
من أمر تكرهينه الا جعل الله للمسلمين فيه خيرا وفى النكاح من هذا الوجه الا جعل الله لك منه
مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة وهذا يشعر بان هذه القصة كانت بعد قصة الإفك فيقوى قول من
ذهب إلى تعدد ضياع العقد وممن جزم بذلك محمد بن حبيب الاخباري فقال سقط عقد عائشة في
غزوة ذات الرقاع وفى غزوة بنى المصطلق وقد اختلف أهل المغازي في أي هاتين الغزاتين كانت
أولا وقال الداودي كانت قصة التيمم في غزاة الفتح ثم تردد في ذلك وقد روى ابن أبي شيبة من
حديث أبي هريرة قال لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع الحديث فهذا يدل على تأخرها عن
غزوة بنى المصطلق لان اسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة وهى بعدها بلا خلاف وسيأتي
في المغازي أن البخاري يرى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبى موسى وقدومه كان وقت
اسلام أبي هريرة ومما يدل على تأخر القصة أيضا عن قصة الإفك ما رواه الطبراني من طريق عباد
ابن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت لما كان من أمر عقدي ما كان وقال أهل الإفك ما قالوا
خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس
على التماسه فقال لي أبو بكر يا بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس فأنزل الله عز وجل
الرخصة في التيمم فقال أبو بكر انك لمباركة ثلاثا وفى اسناده محمد بن حميد الرازي وفيه مقال وفى
سياقه من الفوائد بيان عتاب أبى بكر الذي أبهم في حديث الباب والتصريح بان ضياع العقد
كان مرتين في غزوتين والله أعلم (قوله فبعثنا) أي أثرنا البعير الذي كنت عليه أي حالة السفر
(قوله فأصبنا العقد تحته) ظاهر في أن الذين توجهوا في طلبه أولا لم يجدوه وفى رواية عروة في
الباب الذي يليه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها أي القلادة وللمصنف في
فضل عائشة من هذا الوجه وكذا لمسلم فبعث ناسا من أصحابه في طلبها ولابى داود فبعث أسيد بن
حضير وناسا معه وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أسيدا كان رأس من بعث لذلك فلذلك سمى
في بعض الروايات دون غيره وكذا أسند الفعل إلى واحد مبهم وهو المراد به وكأنهم لم يجدوا
العقد أولا فلما رجعوا ونزلت آية التيمم وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد بن حضير فعلى
هذا فقوله في رواية عروة الآتية فوجدها أي بعد جميع ما تقدم من التفتيش وغيره وقال
النووي يحتمل ان يكون فاعل وجدها النبي صلى الله عليه وسلم وقد بالغ الداودي في توهيم رواية
عروة ونقل عن إسماعيل القاضي انه حمل الوهم فيها على عبد الله بن نمير وقد بان ذكرنا من الجمع
بين الروايتين ان لا تخالف بينهما ولا وهم وفى الحديثين اختلاف آخر وهو قول عائشة انقطع
عقد لي وقالت في رواية عمرو بن الحرث سقطت قلادة لي وفى رواية عروة الآتية عنها انها
استعارت قلادة من أسماء يعنى أختها فهلكت أي ضاعت والجمع بينهما ان إضافة القلادة إلى
368

عائشة لكونها في يدها وتصرفها والى أسماء لكونها ملكها لتصريح عائشة في رواية عروة بأنها
استعارتها منها وهذا كله بناء على اتحاد القصة وقد جنح البخاري في التفسير إلى تعددها حيث أورد
حديث الباب في تفسير المائدة وحديث عروة في تفسير النساء فكان نزول آية المائدة بسبب عقد
عائشة وآية النساء بسبب قلادة أسماء وما تقدم من اتحاد القصة أظهر والله أعلم * (فائدة) * وقع
في رواية عمار عند أبي داود وغيره في هذه القصة ان العقد المذكور كان من جزع ظفار وكذا وقع في
قصة الإفك كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى والجزع بفتح الجيم وسكون الزاي خرز يمنى وظفار
مدينة تقدم ذكرها في باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض وفى هذا الحديث من الفوائد غير
ما تقدم جواز السفر بالنساء واتخاذهن الحلى تجملا لأزواجهن وجواز السفر بالعارية وهو محمول
على رضا صاحبها (قوله وحدثني سعيد بن النضر قال أخبرنا هشيم) انما لم يجمع البخاري بين شيخيه
في هذا الحديث مع كونهما حدثاه به عن هشيم لأنه سمعه منهما متفرقين وكأنه سمعه من محمد بن
سنان مع غيره فلهذا جمع فقال حدثنا وسمعه من سعيد وحده فلهذا أفرد فقال حدثني وكان محمدا
سمعه من لفظ هشيم فلهذا قال حدثنا وكان سعيدا قرأه أو سمعه يقرأ على هشيم فلهذا قال أخبرنا
ومراعاة هذا كله في سبيل الاصطلاح ثم إن سياق المتن لفظ سعيد وقد ظهر بالاستقراء من
صنيع البخاري انه إذا أورد الحديث عن غير واحد فان اللفظ يكون للأخير والله أعلم (قوله
أخبرنا سيار) بمهملة بعدها تحتانية متشددة وآخره راء هو أبو الحكم العنزي الواسطي البصري
واسم أبيه وردان على الأشهر ويكنى أبا سيار اتفقوا على توثيق سيار وأخرج له الأئمة الستة
وغيرهم وقد أدرك بعض الصحابة لكن لم يلق أحدا منهم فهو من كبار أتباع التابعين ولهم شيخ آخر
يقال له سيار لكنه تابعي شامي أخرج له الترمذي وذكره ابن حبان في الثقات وانما ذكرته لأنه
روى معنى حديث الباب عن أبي أمامة ولم ينسب في الرواية كما لم ينسب سيار في حديث الباب
فربما ظنهما بعض من لا تمييز له واحدا فيظن ان في الاسناد اختلافا وليس كذلك (قوله
حدثنا يزيد الفقير) هو ابن صهيب يكنى أبا عثمان تابعي مشهور قيل له الفقير لأنه كان يشكو
فقار ظهره ولم يكن فقيرا من المال قال صاحب المحكم رجل فقير مكسور فقار الظهر ويقال له
فقير بالتشديد أيضا * (فائدة) * مدار حديث جابر هذا على هشيم بهذا الاسناد وله شواهد من
حديث ابن عباس وأبى موسى وأبي ذر من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رواها كلها
أحمد بأسانيد حسان (قوله أعطيت خمسا) بين في رواية عمرو بن شعيب ان ذلك كان في غزوة
تبوك وهى آخر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله لم يعطهن أحد قبلي) زاد في
الصلاة عن محمد بن سنان من الأنبياء وفى حديث ابن عباس لا أقولهن فخرا ومفهومه انه لم
يختص بغير الخمس المذكورة لكن روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا فضلت على
الأنبياء بست فذكر أربعا من هذه الخمس وزاد اثنتين كما سيأتي بعد وطريق الجمع ان يقال لعله اطلع
أولا على بعض ما اختص به ثم اطلع على الباقي ومن لا يرى مفهوم العدد حجة يدفع هذا الاشكال
من أصله وظاهر الحديث يقتضى ان كل واحدة من الخمس المذكورات لم تكن لاحد قبله وهو
كذلك ولا يعترض بان نوحا عليه السلام كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان لأنه لم يبق الا
من كان مؤمنا معه وقد كان مرسلا إليهم لان هذا العموم لم يكن في أصل بعثته وانما اتفق بالحادث
369

الذي وقع وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس وأما نبينا صلى الله عليه وسلم
فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في
حديث الشفاعة أنت أول رسول إلى أهل الأرض فليس المراد به عموم بعثته بل اثبات أولية
ارساله وعلى تقدير ان يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن
ارسال نوح كان إلى قومه ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم واستدل بعضهم لعموم بعثته بكونه دعا على
جميع من في الأرض فاهلكوا بالغرق الا أهل السفينة ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا لقوله
تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقد ثبت انه أول الرسل وأجيب بجواز ان يكون غيره
أرسل إليهم في أثناء مدة نوح وعلم نوح بأنهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه ومن غيرهم
فأجيب وهذا جواب حسن لكن لم ينقل انه نبئ في زمن نوح غيره ويحتمل ان يكون معنى
الخصوصية لنبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك بقاء شريعته إلى يوم القيامة ونوح وغيره بصدد ان
يبعث نبي في زمانه أو بعد فينسخ بعض شريعته ويحتمل ان يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد
بلغ بقية الناس فتمادوا على الشرك فاستحقوا العقاب والى هذا نحا ابن عطية في تفسير سورة
هود قال وغير ممكن أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد لطول مدته ووجهه ابن دقيق العيد
بأن توحيد الله تعالى يجوز ان يكون عاما في حق بعض الأنبياء وإن كان التزام فروع شريعته
ليس عاما لان منهم من قاتل غير قومه على الشرك ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم
ويحتمل انه لم يكن في الأرض عند ارسال نوح الا قوم نوح فبعثته خاصة لكونها إلى قومه فقط
وهى عامة في الصورة لعدم وجود غيرهم لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم وغفل
الداودي الشارح غفلة عظيمة فقال قوله لم يعطهن أحد يعنى لم تجمع لاحد قبله لان نوحا بعث
إلى كافة الناس وأما الأربع فلم يعط أحد واحدة منهن وكأنه نظر في أول الحديث وغفل عن
آخره لأنه نص صلى الله عليه وسلم على خصوصيته بهذه أيضا لقوله وكان النبي يبعث إلى قومه
خاصة وفى رواية مسلم وكان كل نبي إلى آخره (قوله نصرت بالرعب) زاد أبو أمامة يقذف في
قلوب أعدائي أخرجه أحمد (قوله مسيرة شهر) مفهومه انه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في
هذه المدة ولا في أكثر منها أما ما دونها فلا لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب ونصرت على العدو
بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر فالظاهر اختصاصه به مطلقا وانما جعل الغاية شهرا
لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه وهذه الخصوصية حاصلة له على الاطلاق
حتى لو كان وحده بغير عسكر وهل هي حاصلة لامته من بعده فيه احتمال (قوله وجعلت لي
الأرض) مسجدا أي موضع سجود لا يختص السجود منها بموضع دون غيره ويمكن ان يكون
مجازا عن المكان المبنى للصلاة وهو من مجاز التشبيه لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت
كالمسجد في ذلك قال ابن التيمي قيل المراد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وجعلت لغيري
مسجدا ولم تجعل طهورا لان عيسى كان يسيح في الأرض ويصلى حيث أدركته الصلاة كذا
قال وسبقه إلى ذلك الداودي وقيل انما أبيح لهم في موضع يتيقنون طهارته بخلاف هذه الأمة
فأبيح لها في جميع الأرض الا فيما تيقنوا نجاسته والأظهر ما قاله الخطابي وهو ان من قبله انما
أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ
370

وكان من قبلي انما كانوا يصلون في كنائسهم وهذا نص في موضع النزاع فثبت الخصوصية
ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس نحو حديث الباب وفيه ولم يكن من الأنبياء أحد
يصلى حتى يبلغ محرابه (قوله وطهورا) استدل به على أن الطهور هو المطهر لغيره لان الطهور لو
كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية والحديث انما سيق لاثباتها وقد روى ابن المنذر وابن
الجارود باسناد صحيح عن أنس مرفوعا جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا ومعنى طيبة
طاهرة فلو كان معنى طهورا طاهرا للزم تحصيل الحاصل واستدل به على أن التيمم يرفع الحدث
كالماء لاشتراكهما في هذا الوصف وفيه نظر وعلى ان التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض وقد
أكد في رواية أبى أمامة بقوله وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجدا وطهورا وسيأتى البحث
في ذلك (قوله فأيما رجل) أي مبتدأ فيه معنى الشرط وما زائدة للتأكيد وهذه صيغة عموم
يدخل تحتها من لم يجد ماء ولا ترابا ووجد شيئا من أجزاء الأرض فإنه يتيمم به ولا يقال هو خاص
بالصلاة لأنا نقول لفظ حديث جابر مختصر وفى رواية أبى أمامة عند البيهقي فأيما رجل من أمتي
أتى الصلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طهورا ومسجدا وعند أحمد فعنده طهوره ومسجده وفى
رواية عمرو بن شعيب فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت واحتج من خص التيمم بالتراب
بحديث حذيفة عند مسلم بلفظ وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم
نجد الماء وهذا خاص فينبغي ان يحمل العام عليه فتختص الطهورية بالتراب ودل الافتراق في
اللفظ حيث حصل التأكيد في جعلها مسجدا دون الآخر على افتراق الحكم والا لعطف
أحدهما على الآخر نسقا كما في حديث الباب ومنع بعضهم الاستدلال بلفظ التربة على
خصوصية التيمم بالتراب بأن قال تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره وأجيب بأنه ورد في
الحديث المذكور بلفظ التراب أخرجه ابن خزيمة وغيره وفى حديث على وجعل التراب لي طهورا
أخرجه أحمد والبيهقي باسناد حسن ويقوى القول بأنه خاص بالتراب ان الحديث سيق لاظهار
التشريف والتخصيص فلو كان جائزا بغير التراب لما اقتصر عليه (قوله فليصل) عرف مما
تقدم ان المراد فليصل بعد ان يتيمم (قوله وأحلت لي الغنائم) وللكشميهني المغانم وهى رواية مسلم
قال الخطابي كان من تقدم على ضربين منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم ومنهم
من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيا لم يحل لهم ان يأكلوه وجاءت نار فأحرقته وقيل المراد انه
خص بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف شاء والأول أصوب وهو ان من مضى لم تحل لهم الغنائم
أصلا وسيأتي بسط ذلك في الجهاد (قوله وأعطيت الشفاعة) قال ابن دقيق العيد الأقرب ان
اللام فيها للعهد والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف ولا خلاف في
وقوعها وكذا جزم النووي وغيره وقيل الشفاعة التي اختص بها انه لا يرد فيما يسال وقيل
الشفاعة لخروج من في قلبه مثقال ذرة من ايمان لان شفاعة غيره تقع فيمن في قلبه أكثر من ذلك
قاله عياض والذي يظهر لي ان هذه مرادة مع الأولى لأنه يتبعها بها كما سيأتي واضحا في حديث
الشفاعة إن شاء الله تعالى في كتاب الرقاق وقال البيهقي في البعث يحتمل ان الشفاعة التي
يختص بها انه يشفع لأهل الصغائر والكبائر وغيره انما يشفع لأهل الصغائر دون الكبائر ونقل
عياض ان الشفاعة المختصة به شفاعة لا ترد وقد وقع في حديث ابن عباس وأعطيت الشفاعة
371

فأخرتها لأمتي فهي لمن لا يشرك بالله شيئا وفى حديث عمرو بن شعيب فهي لكم ولمن شهد أن لا اله
الله فالظاهر أن المراد بالشفاعة المختصة في هذا الحديث اخراج من ليس له عمل صالح الا
التوحيد وهو مختص أيضا بالشفاعة الأولى لكن جاء التنويه بذكر هذه لأنها غاية المطلوب من
تلك لاقتضائها الراحة المستمرة والله أعلم وقد ثبتت هذه الشفاعة في رواية الحسن عن أنس كما
سيأتي في كتاب التوحيد ثم أرجع إلى ربى في الرابعة فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله
فيقول وعزتي وجلالي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله ولا يعكر على ذلك ما وقع عند مسلم قبل
قوله وعزتي فيقول ليس ذلك لك وعزتي الخ لان المراد انه لا يباشر الاخراج كما في المرات الماضية
بل كانت شفاعته سببا في ذلك في الجملة والله أعلم وقد تقدم الكلام على قوله وكان النبي يبعث إلى
قومه خاصة في أوائل الباب وأما قوله وبعثت إلى الناس عامة فوقع في رواية مسلم وبعثت إلى كل
أحمر وأسود فقيل المراد بالأحمر العجم وبالأسود العرب وقيل الأحمر الانس والأسود الجن وعلى
الأول التنصيص على الانس من باب التنبيه بالأدنى على الاعلى لأنه مرسل إلى الجميع وأصرح
الروايات في ذلك وأشملها رواية أبي هريرة عند مسلم وأرسلت إلى الخلق كافة * (تكميل) * أول
حديث أبي هريرة هذا فضلت على الأنبياء بست فذكر الخمس المذكورة في حديث جابر الا
الشفاعة وزاد خصلتين وهما وأعطيت جوامع الكلم وختم بي النبيون فتحصل منه ومن
حديث جابر سبع خصال ولمسلم أيضا من حديث حذيفة فضلنا على الناس بثلاث خصال جعلت
صفوفنا كصفوف الملائكة وذكر خصلة الأرض ما تقدم قال وذكر خصلة أخرى وهذه الخصلة
المبهمة بينها ابن خزيمة والنسائي وهى وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت
العرش يشير إلى ما حطه الله عن أمته من الاصر وتحميل ما لا طاقة لهم به ورفع الخطا والنسيان
فصارت الخصال تسعا ولأحمد من حديث على أعطيت أربعا لم يعطهن أحد من أنبياء الله
أعطيت مفاتيح الأرض وسميت أحمد وجعلت أمتي خير الأمم وذكر خصلة التراب فصارت الخصال
اثنتي عشر خصلة وعند البزار من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه فضلت على الأنبياء بست غفر
لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر وجعلت أمتي خير الأمم وأعطيت الكوثر وان صاحبكم لصاحب
لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه وذكر ثنتين مما تقدم وله من حديث ابن عباس رفعه
فضلت على الأنبياء بخصلتين كان شيطانى كافرا فأعانني الله عليه فأسلم قال ونسيت الأخرى
(قلت) فينتظم بهذا سبع عشرة خصلة ويمكن ان يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع وقد تقدم
طريق الجمع بين هذه الروايات وانه لا تعارض فيها وقد ذكر أبو سعد النيسابوري في كتاب شرف
المصطفى ان عدد الذي اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء ستون خصلة وفى حديث
الباب من الفوائد غير ما تقدم مشروعية تعديد نعم الله والقاء العلم قبل السؤال وان الأصل في
الأرض الطهارة وان صحة الصلاة لا تختص بالمسجد المبنى لذلك وأما حديث لا صلاة لجار المسجد
الا في المسجد فضعيف أخرجه الدارقطني من حديث جابر واستدل به صاحب المبسوط من
الحنفية على اظهار كرامة الآدمي وقال لان الآدمي خلق من ماء وتراب وقد ثبت ان كلا منهما
طهور ففي ذلك بيان كرامته والله تعالى أعلم بالصواب * (قوله باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا)
قال ابن رشيد كان المصنف نزل فقد الشرعية التيمم منزلة فقد التراب بعد شرعية التيمم فكأنه
372

يقول حكمهم في عدم المطهر الذي هو الماء خاصة كحكمنا في عدم المطهرين الماء والتراب
وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة لان الحديث ليس فيه انهم فقدوا التراب وانما فيه انهم
فقدوا الماء فقط ففيه دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطهورين ووجهه انهم صلوا معتقدين
وجوب ذلك ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا قال
الشافعي وأحمد وجمهور المحدثين وأكثر أصحاب مالك لكن اختلفوا في وجوب الاعاده
فالمنصوص عن الشافعي وجوبها وصححه أكثر أصحابه واحتجوا بأنه عذر نادر فلم يسقط الإعادة
والمشهور عن أحمد وبه قال المزنى وسحنون وابن المنذر لا تجب واحتجوا بحديث الباب لأنها
لو كانت واجبه لبينها لهم النبي صلى الله عليه وسلم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة
وتعقب بان الإعادة لا تجب على الفور فلم يتأخر البيان عن وقت الحاجة وعلى هذا فلا بد من دليل
على وجوب الاعاده وقال مالك وأبو حنيفة في المشهور عنهما لا يصلى لكن قال أبو حنيفة
وأصحابه يجب عليه القضاء وبه قال الثوري والأوزاعي وقال مالك فيما حكاه عنه المدنيون
لا يجب عليه القضاء وهذه الأقوال الأربعة هي المشهورة في المسئلة وحكى النووي في شرح
المهذب عن القديم تستحب الصلاة وتجب الإعادة وبهذا تصير الأقوال خمسة والله أعلم (قوله
حدثنا زكريا بن يحيى) هكذا وقع في جميع الروايات غير منسوب وكذا في قصة سعد بن معاذ فإنه
أوردها في الصلاة والهجرة والمغازي بهذا الاسناد عنه ولم ينسبه وأعاده في التفسير تاما ومثله
في الصلاة حديث مر أبا بكر أن يصلى بالناس وكذا سبق في باب خروج النساء إلى البراز لكن من
روايته عن أبي أسامة لا عن عبد الله بن نمير وأعاده في التفسير تاما ومثله في التفسير حديث عائشة
كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن وفى صفة إبليس حديث لما كان يوم أحد انهزم المشركون
الحديث وجزم الكلاباذي بأنه اللؤلؤي البلخي وقال ابن عدي هو زكريا بن يحيى بن زكريا بن أبي
زائدة والى هذا مال الدارقطني لأنه كوفي وكذا الشيخان المذكوران عبد الله بن نمير وأبو أسامة
وقد روى البخاري في العيدين عن زكريا بن يحيى عن المحاربي لكن قال حدثنا زكريا بن يحيى أبو
السكين فيحتمل أن يكون هو المهمل في المواضع الأخرى لأنه كوفي وشيخه كوفي أيضا وقد
ذكر المزي في التهذيب انه روى عن ابن نمير وأبى أسامة أيضا وجزم صاحب الزهرة بان البخاري
روى عن أبي السكين أربعة أحاديث وهو مصير منه إلى أنه المراد كما جوزناه والى ذلك مال أبو الوليد
الباجي في رجال البخاري والله أعلم (قوله وليس معهم ماء فصلوا) زاد الحسن بن سفيان
في مسنده عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه فصلوا بغير وضوء أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من
طريقه وكذا أخرجه الجوزقي من وجه آخر عن ابن نمير وكذا للمصنف في فضل عائشة من
طريق أبى أسامة وفى التفسير من طريق عبدة بن سليمان كلاهما عن هشام وكذا لمسلم من طريق
أبى أسامة وأغرب ابن المنذر فادعى ان عبدة تفرد بهذه الزيادة وقد تقدمت مباحث الحديث
وطريق الجمع بين رواية عروة والقاسم في الباب الذي قبله * (قوله باب التيمم في الحضر
إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة) جعله مقيدا بشرطين خوف خروج الوقت وفقد الماء
ويلتحق بفقده عدم القدرة عليه (قوله وبه قال عطاء) أي بهذا المذهب وقد وصله عبد الرزاق
من وجه صحيح وابن أبي شيبة من وجه آخر وليس في المنقول عنه تعرض لوجوب الإعادة
373

(قوله وقال الحسن) وصله إسماعيل القاضي في الاحكام من وجه صحيح وروى ابن أبي شيبة من
وجه آخر عن الحسن وابن سيرين قالا لا يتيمم ما رجا أن يقدر على الماء في الوقت ومفهومه يوافق
ما قبله (قوله وأقبل ابن عمر) قال الشافعي انا ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر انه
أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم فمسح وجهه ويديه وصلى العصر وذكر بقية الخبر كما
علقه المصنف ولم يظهر لي سبب حذفه منه ذكر التيمم مع أنه مقصود الباب وقد أخرجه مالك
في الموطأ عن نافع مختصرا لكن ذكر فيه انه تيمم فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين وأخرجه
الدارقطني والحاكم من وجه آخر عن نافع مرفوعا لكن اسناده ضعيف والجرف بضم الجيم والراء
بعدها فاء موضع ظاهر المدينة كانوا يعسكرون به إذا أرادوا الغزو وقال ابن إسحاق هو على فرسخ
من المدينة والمربد بكسر الميم وسكون الراء بعدها موحدة مفتوحة وحكى ابن التين انه روى بفتح
أوله وهو من المدينة على ميل وهذا يدل على أن ابن عمر يرى جواز التيمم للحاضر لان مثل هذا
لا يسمى سفرا وبهذا يناسب الترجمة وظاهره ان ابن عمر لم يراع خروج الوقت لأنه دخل المدينة
والشمس مرتفعة لكن يحتمل أن يكون ظن أنه لا يصل الا بعد خروج الوقت ويحتمل أيضا ان
ابن عمر تيمم لا عن حدث بل لأنه كان يتوضأ لكل صلاة استحبابا فلعله كان على وضوء فأراد الصلاة
ولم يجد الماء كعادته فاقتصر على التيمم بدل الوضوء وعلى هذا فليس مطابقا للترجمة الا بجامع
ما بينهما من التيمم في الحضر وأما كونه لم يعد فلا حجة فيه لمن أسقط الإعادة عن المتيمم في الحضر
لأنه على هذا الاحتمال لا تجب عليه الإعادة بالاتفاق وقد اختلف السلف في أصل المسئلة
فذهب مالك إلى عدم وجوب الإعادة على من تيمم في الحضر ووجهه ابن بطال بان التيمم انما ورد
في المسافر والمريض لادراك وقت الصلاة فيلتحق بهما الحاضر وإذا لم يقدر على الماء قياسا وقال
الشافعي تجب عليه الإعادة لندور ذلك وعن أبي يوسف وزفر لا يصلى إلى أن يجد الماء ولو خرج
الوقت (قوله عن جعفر بن ربيعة) في رواية الإسماعيلي حدثني جعفر ونصف هذا الاسناد مصرويون ونصفه الاعلى مدنيون (قوله سمعت عميرا مولى ابن عباس) هو ابن عبد الله الهلالي
مولى أم الفضل بنت الحرث والدة ابن عباس وقد روى اسحق هذا الحديث فقال مولى
عبيد الله بن عباس وإذا كان مولى أم الفضل فهو مولى أولادها وروى موسى بن عقبة وابن
لهيعة وأبو الحويرث هذا الحديث عن الأعرج عن أبي الجهيم ولم يذكروا بينهما عميرا والصواب
اثباته وليس له في الصحيح غير هذا الحديث وحديث آخر عن أم الفضل ورواية الأعرج عنه من
رواية الاقران (قوله أقبلت أنا وعبد الله بن يسار) هو أخو عطاء بن يسار التابعي المشهور ووقع
عند مسلم في هذا الحديث عبد الرحمن بن يسار وهو وهم وليس له في هذا الحديث رواية ولهذا لم
يذكره المصنفون في رجال الصحيحين (قوله على أبى جهيم) قيل اسمه عبد الله وحكى ابن أبي حاتم
عن أبيه قال يقال هو الحرث بن الصمة فعلى هذا لفظة ابن زائدة بين أبى جهيم والحرث لكن صحح
أبو حاتم ان الحرث اسم أبيه لا اسمه وفرق ابن أبي حاتم بينه وبين عبد الله بن جهيم يكنى أيضا أبا
جهيم وقال ابن منده عبد الله بن جهيم بن الحرث بن الصمة فجعل الحرث اسم جده ولم يوافق عليه
وكأنه أراد ان يجمع الأقوال المختلفة فيه والصمة بكسر المهملة وتشديد الميم هو ابن عمرو بن
عتيك الخزرجي ووقع في مسلم دخلنا على أبى الجهم باسكان الهاء والصواب انه بالتصغير وفى
374

الصحابة شخص آخر يقال له أبو الجهم وهو صاحب الانبجانية وهو غير هذا لأنه قرشي وهذا
انصارى ويقال بحذف الألف واللام في كل منهما وباثباتهما (قوله من نحو بئر جمل) أي من
جهة الموضع الذي يعرف بذاك وهو معروف بالمدينة وهو بفتح الجيم والميم وفى النسائي بئر الجمل
وهو من العقيق (قوله فلقيه رجل) هو أبو الجهيم الراوي بينه الشافعي في روايته لهذا الحديث
من طريق أبى الحويرث عن الأعرج (قوله حتى أقبل على الجدار) وللدارقطني من طريق ابن إسحاق
عن الأعرج حتى وضع يده على الجدار وزاد الشافعي فحته بعصا وهو محمول على أن الجدار
كان مباحا أو مملوكا لانسان يعرف رضاه (قوله فمسح بوجهه ويديه) وللدارقطني من طريق أبى
صالح عن الليث فمسح بوجهه وذراعيه وكذا للشافعي من رواية أبى الحويرث وله شاهد من
حديث ابن عمر أخرجه أبو داود لكن خطا الحفاظ راويه في رفعه وصوبوا وقفه وقد تقدم ان
مالكا أخرجه موقوفا بمعناه وهو الصحيح والثابت في حديث أبي جهيم أيضا بلفظ يديه لا ذراعيه
فإنها رواية شاذة مع ما في أبى الحويرث وأبى صالح من الضعف وسيأتي الخلاف في ايجاب
مسح الذراعين بعد بباب واحد قال النووي هذا الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان
عادما للماء حال التيمم (قلت) وهو مقتضى صنيع البخاري لكن تعقب استدلاله به على جواز
التيمم في الحضر بأنه ورد على سبب وهو إرادة ذكر الله لان لفظ السلام من أسمائه وما أريد به
استباحة الصلاة وأجيب بأنه لما تيمم في الحضر لرد السلام مع جوازه بدون الطهارة فمن خشى
فوت الصلاة في الحضر جاز له التيمم بطريق الأولى لعدم جواز الصلاة بغير طهارة مع القدرة وقيل
يحتمل انه لم يرد صلى الله عليه وسلم بذلك التيمم رفع الحدث ولا استباحة محظور وانما أراد التشبه
بالمتطهرين كما يشرع الامساك في رمضان لمن يباح له الفطر أو أراد تخفيف الحدث بالتيمم كما
يشرع تخفيف حدث الجنب بالوضوء كما تقدم واستدل به ابن بطال على عدم اشتراط التراب قال
لأنه معلوم انه لم يعلق بيده من الجدار تراب ونوقض بأنه غير معلوم بل هو محتمل وقد سبق من رواية
الشافعي ما يدل على أنه لم يكن على الجدار تراب ولهذا احتاج إلى حته بالعصا (قوله باب
المتيمم هل ينفخ فيهما) أي في يديه وزعم الكرماني ان في بعض النسخ باب هل ينفخ في يديه بعد
ما يضرب بهما الصعيد للتيمم وانما ترجم بلفظ الاستفهام لينبه على أن فيه احتمالا كعادته لان
النفخ يحتمل أن يكون لشئ علق بيده خشى أن يصيب وجهه الكريم أو علق بيده من التراب
شئ له كثرة فأراد تخفيفه لئلا يبقى له أثر في وجهه ويحتمل أن يكون لبيان التشريع ومن ثم
تمسك به من أجاز التيمم بغير التراب زاعما ان نفخه يدل على أن المشترط في التيمم الضرب من غير
زيادة على ذلك فلما كان هذا الفعل محتملا لما ذكر أورده بلفظ الاستفهام ليعرف الناظر أن
للبحث فيه مجالا (قوله حدثنا الحكم) هو ابن عتيبة الفقيه الكوفي وذر بالمعجمة هو ابن عبد الله
المرهبي (قوله جاء رجل) لم أقف على تسميته وفى رواية الطبراني انه من أهل البادية وفى رواية
سليمان بن حرب الآتية ان عبد الرحمن بن أبزى شهد ذلك (قوله فلم أصب الماء) فقال عمار هذه
الرواية اختصر فيها جواب عمر وليس ذلك من المصنف فقد أخرجه البيهقي من طريق آدم أيضا
بدونها وقد أورد المصنف الحديث المذكور في الباب الذي يليه من رواية ستة أنفس أيضا عن
شعبة بالاسناد المذكور ولم يسقه تاما من رواية واحد منهم نعم ذكر جواب عمر مسلم من طريق
375

يحيى بن سعيد والنسائي من طريق حجاج بن محمد كلاهما عن شعبة ولفظهما فقال لا تصل زاد
السراج حتى تجد الماء وللنسائي نحوه وهذا مذهب مشهور عن عمر ووافقه عليه عبد الله بن
مسعود وجرت فيه مناظرة بين أبى موسى وابن مسعود كما سيأتي في باب التيمم ضربة وقيل إن ابن
مسعود رجع عن ذلك وسنذكر هناك توجيه ما ذهب إليه عمر في ذلك والجواب عنه (قوله في سفر)
ولمسلم في سرية وزاد فاجنبنا وسيأتي للمصنف مثله في الباب الذي بعده من رواية سليمان بن حرب
عن شعبة (قوله فتمعكت) وفى الرواية الآتية بعد فتمرغت بالغين المعجمة أي تقلبت وكان عمارا
استعمل القياس في هذه المسئلة لأنه لما رأى أن التيمم إذا وقع بدل الوضوء وقع على هيئة الوضوء
رأى أن التيمم عن الغسل يقع على هيئة الغسل ويستفاد من هذا الحديث وقوع اجتهاد الصحابة
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وان المجتهد لا لوم عليه إذا بذل وسعه وان لم يصب الحق وانه إذا
عمل بالاجتهاد لا تجب عليه الإعادة وفى تركه أمر عمر أيضا بقضائها متمسك لمن قال إن فاقد
الطهورين لا يصلى ولا قضاء عليه كما تقدم (قوله انما كان يكفيك) فيه دليل على أن الواجب في
التيمم هي الصفة المشروحة في هذا الحديث والزيادة على ذلك لو ثبتت بالامر دلت على النسخ ولزم
قبولها لكن انما وردت بالفعل فتحمل على الأكمل وهذا هو الاظهر من حيث الدليل كما سيأتي
(قوله وضرب بكفيه الأرض) في رواية غير أبي ذر فضرب النبي صلى الله عليه وسلم وكذا
للبيهقي من طريق آدم (قوله ونفخ فيهما) وفى رواية حجاج الآتية ثم أدناهما من فيه وهى
كناية عن النفخ وفيهما إشارة إلى أنه كان نفخا خفيفا وفى رواية سليمان بن حرب تفل فيهما والتفل
قال أهل اللغة هو دون البزق والنفث دونه وسياق هؤلاء يدل على أن التعليم وقع بالفعل ولمسلم
من طريق يحيى بن سعيد وللإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون وغيره كلهم عن شعبة ان التعليم
وقع بالقول ولفظهم انما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض زاد يحيى ثم تنفخ ثم تمسح بهما
وجهك وكفيك واستدل بالنفخ على استحباب تخفيف التراب كما تقدم وعلى سقوط استحباب
التكرار في التيمم لان التكرار يستلزم عدم التخفيف وعلى ان من غسل رأسه بدل المسح في
الوضوء أجزأه أخذا من كون عمار يمرغ في التراب للتيمم وأجزأه ذلك ومن هنا يؤخذ جواز الزيادة
على الضربتين في التيمم وسقوط ايجاب الترتيب في التيمم عن الجنابة (قوله باب التيمم
للوجه والكفين) أي هو الواجب المجزئ وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة
دليله فان الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار وما عداهما
فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه والراجح عدم رفعه فاما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملا
وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن وفى رواية إلى نصف
الذراع وفى رواية إلى الآباط فاما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال وأما رواية
الآباط فقال الشافعي وغيره إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكل تيمم صح للنبي
صلى الله عليه وسلم بعده فهو ناسخ له وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به ومما يقوى رواية
الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتى بعد النبي صلى الله عليه وسلم
بذلك وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد وسيأتي الكلام على
مسئلة الاقتصار على ضربة واحدة في بابه إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا حجاج) هو ابن منهال
376

وقد روى النسائي هذا الحديث من طريق حجاج بن محمد عن شعبة بغير هذا السياق ولم يسمع
البخاري من حجاج بن محمد وتابعه على هذا السياق عن حجاج بن منهال علي بن عبد العزيز
البغوي أخرجه ابن المنذر والطبراني عنه وخالفهما محمد بن خزيمة البصري عنه فقال عن
عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أخرجه الطحاوي عنه وأشار إلى أنه وهم فيه (قلت) سقطت
من روايته لفظة ابن ولا بد منها لان أبزى والد عبد الرحمن لا رواية له في هذا الحديث والله أعلم
(قوله عن الحكم) في رواية كريمة والأصيلي أخبرني الحكم وهى رواية ابن المنذر
أيضا (قوله عن ابن عبد الرحمن) في رواية أبي ذر وأبى الوقت عن سعيد بن عبد الرحمن
(قوله بهذا) أشار إلى سياق المتن الذي قبله من رواية آدم عن شعبة وهو كذلك الا انه ليس
في رواية حجاج قصة عمر (قوله وقال النضر) هو ابن شميل وهذا التعليق موصول عند مسلم عن إسحاق
بن منصور عن النضر وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إسحاق بن راهويه عنه وأفاد
النضر في هذه الرواية ان الحكم سمعه من شيخ شيخه سعيد بن عبد الرحمن والظاهر أنه سمعه من
ذر عن سعيد ثم لقى سعيدا فاخذه عنه وكأن سماعه له من ذر كان أتقن ولهذا أكثر ما يجئ
في الروايات باثباته وأفادت رواية سليمان بن حرب ان عمر أيضا كان قد أجنب فلهذا خالف
اجتهاده اجتهاد عمار (قوله في رواية محمد بن كثير يكفيك الوجه والكفان) كذا في رواية
الأصيلي وغيره بالرفع فيهما على الفاعلية وهو واضح وفى رواية أبي ذر وكريمة يكفيك الوجه
والكفين بالنصب فيهما على المفعولية اما باضمار أعنى أو التقدير يكفيك ان تمسح الوجه
والكفين أو بالرفع في الوجه على الفاعلية وبالنصب في الكفين على أنه مفعول معه وقيل إنه
روى بالجر فيهما ووجهه ابن مالك بان الأصل يكفيك مسح الوجه والكفين فحذف المضاف وبقى
المجرور به على ما كان ويستفاد من هذا اللفظ ان ما زاد على الكفين ليس بفرض كما تقدم واليه
ذهب أحمد واسحق وابن جرير وابن المنذر وابن خزيمة ونقله ابن الجهم وغيره عن مالك ونقله
الخطابي عن أصحاب الحديث وقال النووي رواه أبو ثور وغيره عن الشافعي في القديم وأنكر ذلك
الماوردي وغيره قال وهو انكار مردود لان أبا ثور امام ثقة قال وهذا القول وإن كان مرجوحا
فهو القوى في الدليل انتهى كلامه في شرح المهذب وقال في شرح مسلم في الجواب عن هذا
الحديث ان المراد به بيان صورة الضرب للتعليم وليس المراد به بيان جميع ما يحصل به التيمم
وتعقب بان سياق القصة يدل على أن المراد به بيان جميع ذلك لان ذلك هو الظاهر من قوله انما
يكفيك وأما ما استدل به من اشتراط بلوغ المسح إلى المرفقين من أن ذلك مشترط في الوضوء
فجوابه أنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد الاعتبار وقد عارضه من لم يشترط ذلك بقياس آخر
وهو الاطلاق في آية السرقة ولا حاجة لذلك مع جود هذا النص (قوله حدثنا مسلم) هو ابن
إبراهيم ولم يسق المتن في هذه الرواية بل قال وساق الحديث وظاهره ان لفظة يوافق اللفظ الذي
قبله ثم ساقه نازلا من طريق غندر عن شعبة وأظنه قصد بايراد هذه الطرق الإشارة إلى أن النضر
تفرد بزيادته وان الحكم سمعه من سعيد بلا واسطة واختصر المصنف أيضا سياق غندر وقد
أخرجه أحمد عنه وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن بشار شيخ البخاري وسياقه أتم ذكر فيه
قصة عمر وذكر فيه النفخ أيضا والله أعلم * (قوله باب) بالتنوين الصعيد الطيب وضوء
377

المسلم هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه البزار من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي
هريرة مرفوعا وصححه ابن القطان لكن قال الدارقطني ان الصواب ارساله وروى أحمد
وأصحاب السنن من طريق أبى قلابة عن عمرو بن بجدان وهو بضم الموحدة وسكون الجيم عن
أبي ذر نحوه ولفظه ان الصعيد الطيب طهور المسلم وان لم يجد الماء عشر سنين وصححه الترمذي
وابن حبان والدارقطني (قوله وقال الحسن) وصله عبد الرزاق ولفظه يجزئ تيمم واحد ما لم
يحدث وابن أبي شيبة ولفظه لا ينقض التيمم الا الحدث وسعيد بن منصور ولفظه التيمم بمنزلة
الوضوء إذا توضأت فأنت على وضوء حتى تحدث وهو أصرح في مقصود الباب وكذلك
ما أخرجه حماد بن سلمة في مصنفه عن يونس بن عبيد عن الحسن قال تصلى الصلوات كلها بتيمم
واحد مثل الوضوء ما لم تحدث (قوله وأم ابن عباس وهو متيمم) وصله ابن أبي شيبة والبيهقي
وغيرهما واسناده صحيح وسيأتي في باب إذا خاف الجنب لعمرو بن العاص مثله وأشار المصنف
بذلك إلى أن التيمم يقوم مقام الوضوء ولو كانت الطهارة به ضعيفة لما أم ابن عباس وهو متيمم من
كان متوضئا وهذه المسئلة وافق فيها البخاري الكوفيين والجمهور وذهب بعضهم من التابعين
وغيرهم إلى خلاف ذلك وحجتهم ان التيمم طهارة ضرورية لاستباحة الصلاة قبل خروج الوقت
ولذلك أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أجنب فلم يصل الاناء من الماء ليغتسل به بعد ان قال
له عليك بالصعيد فإنه يكفيك لأنه وجد الماء فبطل تيممه وفى الاستدلال بهذا على عدم جواز أكثر
من فريضة بتيمم واحد نظر وقد أبيح عند الأكثر بالتيمم الواحد النوافل مع الفريضة الا ان مالكا
رحمه الله يشترط تقدم الفريضة وشذ شريك القاضي فقال لا يصلى بالتيمم الواحد أكثر من صلاة
واحدة فرضا كانت أو نفلا قال ابن المنذر إذا صحت النوافل بالتيمم الواحد صحت الفرائض لان
جميع ما يشترط للفرائض مشترط للنوافل الا بدليل انتهى وقد اعترف البيهقي بأنه ليس في المسئلة
حديث صحيح من الطرفين قال لكن صح عن ابن عمر ايجاب التيمم لكل فريضة ولا يعلم له مخالف
من الصحابة وتعقب بما رواه ابن المنذر عن ابن عباس انه لا يجب واحتج المصنف لعدم الوجوب
بعموم قوله في حديث الباب فإنه يكفيك أي ما لم تحدث أو تجد الماء وحمله الجمهور على الفريضة
التي تيمم من أجلها ويصلى به ما شاء من النوافل فإذا حضرت فريضة أخرى وجب طلب الماء فإن لم
يجد فتيمم والله أعلم (قوله وقال يحيى بن سعيد) هو الأنصاري والسبخة بمهملة وموحدة ثم معجمة
مفتوحات هي الأرض المالحة التي لا تكاد تنبت وإذ وصفت الأرض قلت هي ارض سبخة بكسر
الموحدة وهذا الأثر يتعلق بقوله في الترجمة الصعيد الطيب أي أن المراد بالطيب الطاهر وأما
الصعيد فقد تقدم نقل الخلاف فيه وان الاظهر اشتراط التراب ويدل عليه قوله تعالى فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم منه فان الظاهر أنها للتبعيض قال ابن بطال فان قيل لا يقال مسح منه الا إذا
أخذ منه جزءا وهذه صفة التراب لا صفة الصخر مثلا الذي لا يعلق باليد منه شئ قال فالجواب أنه
يجوز أن يكون قوله منه صلة وتعقب بأنه تعسف قال صاحب الكشاف فان قلت لا يفهم أحد
من العرب من قول القائل مسحت برأسي من الدهن أو غيره الا معنى التبعيض قلت هو
كما يقول والاذعان للحق خير من المراء انتهى واحتج ابن خزيمة لجواز التيمم بالسبخة بحديث عائشة
في شأن الهجرة أنه قال صلى الله عليه وسلم أريت دار هجرتكم سبخة ذات نخل يعنى المدينة قال
378

وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة طيبة فدل على أن السبخة داخلة في الطيب ولم يخالف
في ذلك الا إسحاق بن راهويه (قوله حدثنا مسدد) زاد أبو ذر ابن مسرهد ويحيى بن سعيد هو
القطان وعوف بالفاء هو الاعرابى وأبو رجاء هو العطاردي وعمران هو ابن حصين وكلهم بصريون
(قوله كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم) اختلف في تعيين هذا السفر ففي مسلم من حديث أبي
هريرة انه وقع عند رجوعهم من خيبر قريب من هذه القصة وفى أبى داود من حديث ابن
مسعود أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ليلا فنزل فقال من يكلؤنا فقال بلال انا
الحديث وفى الموطأ عن زيد بن أسلم مرسلا عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بطريق
مكة ووكل بلالا وفى مصنف عبد الرزاق عن عطاء بن يسار مرسلا ان ذلك كان بطريق تبوك
وللبيهقي في الدلائل نحوه من حديث عقبة بن عامر وروى مسلم من حديث أبي قتادة مطولا
والبخاري مختصرا في الصلاة قصة نومهم عن صلاة الصبح أيضا في السفر لكن لم يعينه ووقع في
رواية لأبي داود أن ذلك كان في غزوة جيش الامراء وتعقبه ابن عبد البر بان غزوة جيش الامراء
هي غزوة موتة ولم يشهدها النبي صلى الله عليه وسلم وهو كما قال لكن يحتمل أن يكون المراد بغزوة
جيش الامراء غزوة أخرى غير غزوة مؤتة وقد اختلف العلماء هل كان ذلك مرة أو أكثر أعنى
نومهم عن صلاة الصبح فجزم الأصيلي بان القصة واحدة وتعقبه القاضي عياض بان قصة أبى
قتادة مغايرة لقصة عمران بن حصين وهو كما قال فان قصة أبى قتادة فيها أن أبا بكر وعمر لم يكونا مع
النبي صلى الله عليه وسلم لما نام وقصة عمران فيها انهما كانا معه كما سنبينه وأيضا فقصة عمر ان فيها
ان أول من استيقظ أبو بكر ولم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم حتى أيقظه عمر بالتكبير وقصة أبى
قتادة فيها ان أول من استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وفى القصتين غير ذلك من وجوه المغايرات
ومع ذلك فالجمع بينهما ممكن لا سيما ما وقع عند مسلم وغيره ان عبد الله بن رباح راوي الحديث عن أبي
قتادة ذكر أن عمران بن حصين سمعه وهو يحدث بالحديث بطوله فقال له انظر كيف تحدث
فانى كنت شاهدا القصة قال فما أنكر عليه من الحديث شيئا فهذا يدل على اتحادها لكن لمدعى
التعدد أن يقول يحتمل أن يكون عمران حضر القصتين فحدث بإحداهما وصدق عبد الله بن
رباح لما حدث عن أبي قتادة بالأخرى والله أعلم ومما يدل على تعدد القصة اختلاف مواطنها
كما قدمناه وحاول ابن عبد البر الجمع بينهما بان زمان رجوعهم من خيبر قريب من زمان رجوعهم
من الحديبية وان اسم طريق مكة يصدق عليهما ولا يخفى ما فيه من التكلف ورواية عبد الرزاق
بتعيين غزوة تبوك ترد عليه وروى الطبراني من حديث عمرو بن أمية شبيها بقصة عمران وفيه أن
الذي كلأ لهم الفجر ذو مخبر وهو بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الموحدة وأخرجه من
لطريق ذي مخبر أيضا وأصله عند أبي داود وفى حديث أبي هريرة عند مسلم ان بلالا هو الذي كلأ
لهم الفجر وذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولهم استيقاظا كما في قصة أبى قتادة ولابن
حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود انه كلأ لهم الفجر وهذا أيضا يدل على تعدد القصة والله
أعلم (قوله أسرينا) قال الجوهري تقول سريت وأسريت بمعنى إذا سرت ليلا وقال صاحب
المحكم السرى سير عامة الليل وقيل سير الليل كله وهذا الحديث يخالف القول الثاني (قوله وقعنا
وقعة) في رواية أبى قتادة عند المصنف ذكر سبب نزولهم في تلك الساعة وهو سؤال بعض القوم
379

في ذلك وفيه انه صلى الله عليه وسلم قال أخاف ان تناموا عن الصلاة فقال بلال انا أوقظهم (قوله
فكان أول من استيقظ فلان) بنصب أول لأنه خبر كان وقوله الرابع هو في روايتنا بالرفع
ويجوز نصبه على خبر كان أيضا وقد بين عوف انه نسى تسمية الثلاثة مع أن شيخه كان يسميهم
وقد شاركه في روايته عنه سلم بن زرير فسمى أول من استيقظ أخرجه المصنف في علامات
النبوة من طريقه ولفظه فكان أول من استيقظ أبو بكر ويشبه والله أعلم أن يكون الثاني
عمران راوي القصة لان ظاهر سياقه أنه شاهد ذلك ولا يمكنه مشاهدته الا بعد استيقاظه ويشبه
أن يكون الثالث من شارك عمران في رواية هذه القصة المعينة ففي الطبراني من رواية عمرو بن
أمية قال ذو مخبر فما أيقظني الا حر الشمس فجئت أدنى القوم فأيقظته وأيقظ الناس بعضهم بعضا
حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم (قوله لأنا لا ندري ما يحدث له) بضم الدال بعدها مثلثة
أي من الوحي كانوا يخافون من ايقاظه قطع الوحي فلا يوقظونه لاحتمال ذلك قال ابن بطال يؤخذ
منه التمسك بالامر الأعم احتياطا (قوله وكان رجلا جليدا) هو من الجلادة بمعنى الصلابة
وزاد مسلم هنا أجوف أي رفيع الصوت يخرج صوته من جوفه بقوة وفى استعماله التكبير سلوك
طريق الأدب والجمع بين المصلحتين وخص التكبير لأنه أصل الدعاء إلى الصلاة (قوله الذي)
أصابهم) أي من نومهم عن صلاة الصبح حتى خرج وقتها (قوله لا ضير) أي لا ضرر وقوله أولا
يضير شك من عوف صرح بذلك البيهقي في روايته ولابى نعيم في المستخرج لا يسوء ولا يضير وفيه
تانيس لقلوب الصحابة لما عرض لهم من الأسف على فوات الصلاة في وقتها بأنهم لا حرج عليهم إذ
لم يتعمدوا ذلك (قوله ارتحلوا) بصيغة الامر استدل به على جواز تأخير الفائدة عن وقت ذكرها
إذا لم يكن عن تغافل أو استهانة وقد بين مسلم من رواية أبى حازم عن أبي هريرة السبب في الامر
بالارتحال من ذلك الموضع الذي ناموا فيه ولفظه فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان ولابى
داود من حديث ابن مسعود تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة وفيه رد على ما زعم أن
العلة فيه كون ذلك كان وقت الكراهة بل في حديث الباب أنهم لم يستيقظوا حتى وجدوا حر
الشمس ولمسلم من حديث أبي هريرة حتى ضربتهم الشمس وذلك لا يكون الا بعد أن يذهب وقت
الكراهة وقد قيل انما أخر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لاشتغالهم بأحوالها وقيل تحرزا من
من العدو وقيل انتظارا لما نزل عليه من الوحي وقيل لان المحل محل غفلة كما تقدم عند أبي داود
وقيل ليستيقظ من كان نائما وينشط من كان كسلانا وروى عن ابن وهيب وغيره أن تأخير قضاء
الفائتة منسوخ بقوله تعالى أقم الصلاة لذكرى وفيه نظر لان الآية مكية والحديث مدني
فكيف ينسخ المتقدم المتأخر وقد تكلم العلماء في الجمع بين حديث النوم هذا وبين قوله صلى الله
عليه وسلم ان عيني تنامان ولا ينام قلبي قال النووي له جوابان أحدهما ان القلب انما يدرك
الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما ولا يدرك ما يتعلق بالعين لأنها نائمة والقلب يقظان
والثاني انه كان له حالان حال كان قلبه فيه لا ينام وهو الأغلب وحال ينام فيه قلبه وهو نادر فصادف
هذا أي قصة النوم عن الصلاة قال والصحيح المعتمد هو الأول والثاني ضعيف وهو كما قال
ولا يقال القلب وإن كان لا يدرك ما يتعلق بالعين من رؤية الفجر مثلا لكنه يدرك إذا كان يقظانا
مرور الوقت الطويل فان من ابتداء طلوع الفجر إلى أن حميت الشمس مدة طويلة لا تخفى على
380

من لم يكن مستغرقا لأنا نقول يحتمل أن يقال كان قلبه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك مستغرقا بالوحي
ولا يلزم مع ذلك وصفه بالنوم كما كان يستغرق صلى الله عليه وسلم حالة القاء الوحي في اليقظة
وتكون الحكمة في ذلك بيان التشريع بالفعل لأنه أوقع في النفس كما في قضية سهوه في الصلاة
وقريب من هذا جواب ابن المنير أن القلب قد يحصل له السهو في اليقظة لمصلحة التشريع
ففي النوم بطريق الأولى أو على السواء وقد أجيب على أصل الاشكال بأجوبة أخرى ضعيفة
منها أن معنى قوله لا ينام قلبي أي لا يخفى عليه حالة انتقاض وضوئه ومنها ان معناه لا يستغرق
بالنوم حتى يوجد منه الحدث وهذا قريب من الذي قبله قال ابن دقيق العبد كأن قائل هذا
أراد تخصيص يقظة القلب بادراك حالة الانتقاض وذلك بعيد وذلك أن قوله صلى الله عليه
وسلم ان عيني تنامان ولا ينام قلبي خرج جوابا عن قول عائشة أتنام قبل أن توتر وهذا
كلام لا تعلق له بانتفاض الطهارة الذي تكلموا فيه وانما هو جواب يتعلق بأمر الوتر فتحمل
يقظته على تعلق القلب باليقظة للوتر وفرق بين من شرع في النوم مطمئن القلب به وبين
من شرع فيه متعلقا باليقظة قال فعلى هذا فلا تعارض ولا اشكال في حديث النوم
حتى طلعت الشمس لأنه يحمل على أنه اطمأن في نومه لما أوجبه تعب السير معتمدا على
من وكله بكلاءة الفجر اه‍ والله أعلم ومحصلة تخصيص اليقظة المفهومة من قوله ولا ينام
قلبي بادراكه وقت الوتر ادراكا معنويا لتعلقه به وان نومه في حديث الباب كان نوما
مستغرقا ويؤيده قول بلال له أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك كما في حديث أبي هريرة عند مسلم
ولم ينكر عليه ومعلوم ان نوم بلال كان مستغرقا وقد اعترض عليه بان ما قاله يقتضى اعتبار
خصوص السبب وأجاب بأنه يعتبر إذا قامت عليه قرينة وأرشد إليه السياق وهو هنا كذلك
ومن الأجوبة الضعيفة أيضا قول من قال كان قلبه يقظانا وعلم بخروج الوقت لكن ترك
اعلامهم بذلك عمدا لمصلحة التشريع وقول من قال المراد بنفي النوم عن قلبه انه لا يطرأ عليه
أضغاث أحلام كما يطرأ على غيره بل كل ما يراه في نومه حق ووحى فهذه عدة أجوبة أقربها إلى
الصواب الأول على الوجه الذي قررناه والله المستعان * (فائدة) * قال القرطبي أخذ بهذا
بعض العلماء فقال من انتبه من نوم عن صلاة فاتته في سفر فليتحول عن موضعه وإن كان واديا
فيخرج عنه وقيل انما يلزم في ذلك الوادي بعينه وقيل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه
لا يعلم من حال ذلك الوادي ولا غيره ذلك الا هو وقال غيره يؤخذ منه ان من حصلت له غفلة في
مكان عن عبادة استحب له التحول منه ومنه أمر الناعس في سماع الخطبة يوم الجمعة بالتحول من
مكانه إلى مكان آخر (قوله فسار غير بعيد) يدل على أن الارتحال المذكور وقع على خلاف
سيرهم المعتاد (قوله ونودي بالصلاة) استدل به على الاذان للفوائت وتعقب بان النداء أعم
من الاذان فيحتمل أن يراد به هنا الإقامة وأجيب بان في رواية مسلم من حديث أبي قتادة
التصريح بالتأذين وكذا هو عند المصنف في أواخر المواقيت وترجم له خاصة بذلك كما
سيأتي (قوله فصلى بالناس) فيه مشروعية الجماعة في الفوائت (قوله إذا هو برجل) لم
أقف على تسميته ووقع في شرح العمدة للشيخ سراج الدين بن الملقن ما نصه هذا الرجل هو خلاد
ابن رافع بن مالك الأنصاري أخو رفاعة شهد بدرا قال ابن الكلبي وقتل يومئذ وقال غيره له رواية
381

وهذا يدل على أنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) أما على قول ابن الكلبي فيستحيل
أن يكون هو صاحب هذه القصة لتقدم وقعة بدر على هذه القصة بمدة طويلة بلا خلاف فكيف
يحضر هذه القصة بعد قتله وأما على قول غير ابن الكلبي فيحتمل أن يكون هو لكن لا يلزم من
كونه له رواية أن يكون عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم لاحتمال أن تكون الرواية عنه
منقطعة أو متصلة لكن نقلها عنه صحابي آخر ونحوه وعلى هذا فلا منافاة بين هذا وبين من قال إنه
قتل ببدر الا أن تجئ رواية عن تابعي غير مخضرم وصرح فيها بسماعه منه فحينئذ يلزم أن يكون
عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن لا يلزم أن يكون هو صاحب هذه القصة الا ان وردت
رواية مخصوصة بذلك ولم أقف عليها إلى الآن (قوله أصابتني جنابة ولا ماء) بفتح الهمزة أي معي
أو موجود وهو أبلغ في إقامة عذره وفى هذه القصة مشروعية تيمم الجنب وسيأتي القول فيه في
الباب الذي بعده وفيها جواز الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم لان سياق القصة يدل على أن
التيمم كان معلوما عندهم لكنه صريح في الآية عن الحدث الأصغر بناء على أن المراد
بالملامسة ما دون الجماع وأما الحدث الأكبر فليست صريحة فيه فكأنه كان يعتقد أن الجنب
لا يتيمم فعمل بذلك مع قدرته على أن يسال النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الحكم ويحتمل أنه
كان لا يعلم مشروعية التيمم أصلا فكان حكمه حكم فاقد الطهورين ويؤخذ من هذه القصة ان
للعالم إذا رأى فعلا محتملا أن يسال فاعله عن الحال فيه ليوضح له وجه الصواب وفيه التحريض
على الصلاة في الجماعة وان ترك الشخص الصلاة بحضرة المصلين معيب على فاعله بغير عذر وفيه
حسن الملاطفة والرفق في الانكار (قوله عليك بالصعيد) وفى رواية سلم بن زرير فامره أن
يتيمم بالصعيد واللام فيه للعهد المذكور في الآية الكريمة ويؤخذ منه الاكتفاء في البيان بما
يحصل به المقصود من الافهام لأنه احاله على الكيفية المعلومة من الآية ولم يصرح له بها ودل
قوله يكفيك على أن المتيمم في مثل هذه الحالة لا يلزمه القضاء ويحتمل أن يكون المراد بقوله
يكفيك أي للأداء فلا يدل على ترك القضاء (قوله فدعا فلانا) هو عمران بن حصين ويدل على
ذلك قوله في رواية سلم بن زرير عند مسلم ثم عجلني النبي صلى الله عليه وسلم في ركب بين يديه نطلب
الماء ودلت هذه الرواية على أنه كان هو وعلى فقط لأنهما خوطبا بلفظ التثنية ويحتمل أنه كان
معهما غيرهما على سبيل التبعية لهما فيتجه اطلاق لفظ ركب في رواية مسلم وخصا بالخطاب
لأنهما المقصودان بالارسال (قوله فابتغيا) وللاصيلى فابغيا ولأحمد فابغيانا والمراد الطلب
يقال ابتغ الشئ أي تطلبه وابغ الشئ أي اطلبه وابغني أي اطلب لي وفيه الجري على العادة في
طلب الماء وغيره دون الوقوف عند خرقها وان التسبب في ذلك غير قادح في التوكل (قوله بين
مزادتين) المزادة بفتح الميم والزاي قربة كبيرة يزاد فيها جلد من غيرها وتسمى أيضا السطيحة
وأو هنا شك من عوف لخلو رواية مسلم عن أبي رجاء عنها وفى رواية مسلم فإذا نحن بامرأة سادلة
أي مدلية رجليها بين مزادتين والمراد بهما الراوية (قوله أمس) خبر لمبتدأ وهو مبنى على الكسر
وهذه الساعة بالنصب على الظرفية وقال ابن مالك أصله في مثل هذه الساعة فحذف المضاف
وأقيم المضاف إليه مقامه أي بعد حذف في (قوله ونفرنا) قال ابن سيده النفر ما دون العشرة
وقيل النفر الناس عن كراع (قلت) وهو اللائق هنا لأنها أرادت ان رجالها تخلفوا لطلب الماء
382

وخلوف بضم الخاء المعجمة واللام جمع خالف قال ابن فارس الخالف المستقى ويقال أيضا لمن غاب
ولعله المراد هنا أي ان رجالها غابوا عن الحي ويكون قولها ونفرنا خلوف جملة مستقلة زائدة على
جواب السؤال وفى رواية المستملى والحموي ونفرنا خلوفا بالنصب على الحال السادة مسد الخبر
(قوله الصابي) بلا همز أي المائل ويروى بالهمز من صبأ صبوأ أي خرج من دين إلى دين وسيأتي
تفسيره للمصنف في آخر الحديث (قوله هو الذي تعنين) فيه أدب حسن ولو قالا لها لالفات
المقصود أو نعم لم يحسن بهما إذ فيه تقرير ذلك فتخلصا أحسن تخلص (3) وفيه جواز الخلوة
بالأجنبية في مثل هذه الحالة عند أمن الفتنة (قوله فاستنزلوها عن بعيرها) قال بعض الشراح
المتقدمين انما أخذوها واستجازوا أخذ مائها لأنها كانت كافرة حربية وعلى تقدير أن يكون
لها عهد فضرورة العطش تبيح للمسلم الماء المملوك لغيره على عوض والا فنفس الشارع تفدى
بكل شئ على سبيل الوجوب (قوله ففرغ) وللكشميهني فافرغ فيه من أفواه المزادتين زاد
الطبراني والبيهقي من هذا الوجه فتمضمض في الماء وأعاده في أفواه المزادتين وبهذه الزيادة تتضح
الحكمة في ربط الأفواه بعد فتحها واطلاق الأفواه هنا كقوله تعالى فقد صغت قلوبكما إذ ليس
لكل مزادة سوى فم واحد وعرف منها ان البركة انما حصلت بمشاركة ريقه الطاهر المبارك للماء
(قوله وأوكأ) أي ربط وقوله وأطلق أي فتح والعزالي بفتح المهملة والزاي وكسر اللام ويجوز
فتحها جمع عزلاء باسكان الزاي قال الخليل هي مصب الماء من الراوية ولكل مزادة عزلاء وان
من أسفلها (قوله اسقوا) بهمزة قطع مفتوحة من أسقى أو بهمزة وصل مكسورة من سقى
والمراد أنهم سقوا غيرهم كالدواب ونحوها واستقواهم (قوله وكان آخر ذلك ان أعطى) بنصب
اخر على أنه خبر مقدم وان أعطى اسم كان ويجوز رفعه على أن أعطى الخبر لان كليهما
معرفة قال أبو البقاء والأول أقوى ومثله قوله تعالى فما كان جواب قومه الآية واستدل بهذه
القصة على تقديم مصلحة شرب الآدمي والحيوان على غيره كمصلحة الطهارة بالماء لتأخير المحتاج
إليها عمن سقى واستقى ولا يقال قد وقع في رواية سلم بن زرير غير انا لم نسق بعيرا لأنا نقول هو
محمول على أن الإبل لم تكن محتاجة إذ ذاك إلى السقى فيحمل قوله فسقى على غيرها (قوله وأيم
الله) بفتح الهمزة وكسرها والميم مضمومة أصله أيمن الله وهو اسم وضع للقسم هكذا ثم حذفت
منه النون تخفيفا وألفه ألف وصل مفتوحة ولم يجئ كذلك غيرها وهو مرفوع بالابتداء
وخبره محذوف والتقدير أيم الله قسمي وفيها لغات جمع منها النووي في تهذيبه سبع عشرة وبلغ
بها غيره عشرين وسيكون لنا إليها عودة لبيانها في كتاب الايمان إن شاء الله تعالى ويستفاد منه
جواز التوكيد باليمين وان لم يتعين (قوله أشد ملأة) بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة وفى
رواية للبيهقي أملأ منها والمراد انهم يظنون أن ما بقى فيها من الماء أكثر مما كان أولا (قوله
اجمعوا لها) فيه جواز الاخذ للمحتاج برضا المطلوب منه أو بغير رضاه ان تعين وفيه جواز
المعاطاة في مثل هذا من الهبات والإباحات من غير لفظ من المعطى والآخذ (قوله من بين
عجوة وسويقة) العجوة معروفة والسويقة بفتح أوله وكذا الدقيقة وفى رواية كريمة بضمها
مصغرا مثقلا (قوله حتى جمعوا لها طعاما) زاد أحمد في روايته كثيرا وفيه اطلاق لفظ الطعام
على غير الحنطة والذرة خلافا لمن أبى ذلك ويحتمل أن يكون قوله حتى جمعوا لها طعاما أي غير
383

ما ذكر من العجوة وغيرها (قوله قال لها تعلمين) بفتح أوله وثانيه وتشديد اللام أي اعلمي وللاصيلى
قالوا وللإسماعيلي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحمل رواية الأصيلي على أنهم قالوا لها
ذلك بأمره وقد اشتمل ذلك على علم عظيم من أعلام النبوة (قوله ما رزئنا) بفتح الراء وكسر الزاي
ويجوز فتحها وبعدها همزة ساكنة أي نقصنا وظاهره ان جميع ما أخذوه من الماء مما زاده الله
تعالى وأوجده وانه لم يختلط فيه شئ من مائها في الحقيقة وإن كان في الظاهر مختلطا وهذا أبدع
وأغرب في المعجزة وهو ظاهر قوله ولكن الله هو الذي أسقانا ويحتمل أن يكون المراد ما نقصنا من
مقدار مائك شيئا واستدل بهذا على جواز استعمال أواني المشركين ما لم يتيقن فيها النجاسة وفيه
إشارة إلى أن الذي أعطاها ليس على سبيل العوض عن مائها بل على سبيل التكرم والتفضل
(قوله وقالت بأصبعيها) أي أشارت وهو من اطلاق القول على الفعل (قوله يغيرون) بالضم
من أغار أي دفع الخيل في الحرب (قوله الصرم) بكسر المهملة أي أبياتا مجتمعة من الناس
(قوله فقالت يوما لقومها ما أرى هؤلاء القوم يدعونكم عمدا) هذه رواية الأكثر قال ابن مالك
ما موصولة وأرى بفتح الهمزة بمعنى أعلم والمعنى الذي أعتقده أن هؤلاء يتركونكم عمدا لا غفلة ولا
نسيانا بل مراعاة لما سبق بيني وبينهم وهذه الغاية في مراعاة الصحبة اليسيرة وكان هذا القول
سببا لرغبتهم في الاسلام وفى رواية أبي ذر ما أرى ان هؤلاء القوم وقال ابن مالك أيضا وقع في
بعض النسخ ما أدرى يعنى رواية الأصيلي قال وما موصولة وان بفتح الهمزة وقال غيره ما نافية
وان بمعنى لعل وقيل ما نافية وان بالكسر ومعناه لا أعلم حالكم في تخلفكم عن الاسلام مع أنهم
يدعونكم عمدا ومحصل القصة ان المسلمين صاروا يراعون قومها على سبيل الاستئلاف لهم حتى
كان ذلك سببا لاسلامهم وبهذا يحصل الجواب عن الاشكال الذي ذكره بعضهم وهو ان
الاستيلاء على الكفار بمجرده يوجب رق النساء والصبيان وإذا كان كذلك فقد دخلت المرأة في
الرق باستيلائهم عليها فكيف وقع اطلاقها وتزويدها كما تقدم لأنا نقول أطلقت لمصلحة
الاستئلاف الذي جر دخول قومها أجمعين في الاسلام ويحتمل أنها كان لها أمان قبل ذلك
أو كانت من قوم لهم عهد واستدل به بعضهم على جواز أخذ أموال الناس عند الضرورة بثمن
إن كان له ثمن وفيه نظر لأنه بناء على أن الماء كان مملوكا للمرأة وانها كانت معصومة النفس
والمال ويحتاج إلى ثبوت ذلك وانما قدمناه احتمالا وأما قوله بثمن فكأنه أخذه من اعطائها
ما ذكر وليس بمستقيم لان العطية المذكورة متقومة والماء مثلي وضمان المثلى انما يكون
بالمثل وينعكس ما قاله من جهة أخرى وهو ان المأخوذ من فضل الماء للضرورة لا يجب العوض
عنه وقال بعضهم فيه جواز طعام المخارجة لانهم تخارجوا في عوض الماء وهو مبنى على ما تقدم
وفيه ان الخوارق لا تغير الأحكام الشرعية (قوله قال أبو عبد الله صبا الخ) هذا في رواية
المستملى وحده ووقع في نسخة الصغاني صبا فلان انخلع وأصبا أي كذلك وكذا قوله وقال
أبو العالية إلى آخره وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس عنه وقال غيره هم
منسوبون إلى صابى بن متوشلخ عم نوح عليه السلام وروى ابن مردويه باسناد حسن عن ابن
عباس قال الصابون ليس لهم كتاب انتهى ووقع في نسخة الصغاني أصب أمل وهذا سيأتي في
تفسير سورة يوسف إن شاء الله تعالى وانما أورد البخاري هذا هنا ليبين الفرق بين الصابي المراد
384

في هذا الحديث والصابئ المنسوب للطائفة المذكورة والله أعلم * (قوله باب إذا خاف
الجنب على نفسه المرض الخ) مراده الحاق خوف المرض وفيه اختلاف بين الفقهاء بخوف
العطش ولا اختلاف فيه (قوله ويذكر ان عمرو بن العاص) هذا التعليق وصله أبو داود والحاكم
من طريق يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن
عمرو بن العاص قال احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت أن اغتسل فاهلك
فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو صليت
بأصحابك وأنت جنب فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت انى سمعت الله يقول ولا تقتلوا
أنفسكم ان الله كان بكم رحيما فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا وروياه أيضا من
طريق عمرو بن الحرث عن يزيد عن أبي حبيب لكن زاد بين عبد الرحمن بن جبير وعبد الله بن عمرو
رجلا وهو أبو قيس مولى عمرو بن العاص وقال في القصة فغسل مغابنه وتوضأ ولم يقل تيمم
وقال فيه لو اغتسلت مت وذكر أبو داود ان الأوزاعي روى عن حسان بن عطية هذه القصة
فقال فيها فتيمم انتهى ورواها عبد الرزاق من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بن العاص ولم يذكر
التيمم والسياق الأول أليق بمراد المصنف واسناده قوى لكنه علقه بصيغة التمريض لكونه
اختصره وقد أوهم ظاهر سياقه ان عمرو بن العاص تلا الآية لأصحابه وهو جنب وليس كذلك
وانما تلاها بعد ان رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمره على
غزوة ذات السلاسل كما سيأتي في المغازي ووجه استدلاله بالآية ظاهر من سياق الرواية الثانية
وقال البيهقي يمكن الجمع بين الروايات بأنه توضأ ثم تيمم عن الباقي وقال النووي وهو متعين (قوله
فلم يعنف) حذف المفعول للعلم به أي لم يلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا فكان ذلك تقريرا
دالا على الجواز ووقع في رواية الكشميهني فلم يعنفه بزيادة هاء الضمير وفى هذا الحديث جواز
التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك سواء كان لأجل برد أو غيره وجواز صلاة المتيمم
بالمتوضئين وجواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم (قوله حدثنا محمد هو غندر)
لم يقل الأصيلي هو غندر فكأنها مقول من دون البخاري (قوله عن شعبة) للأصيلي حدثنا
شعبة وسليمان هو الأعمش (قوله إذا لم تجد الماء لا تصلى) كذا في روايتنا بتاء الخطاب ويؤيده
رواية الإسماعيلي من هذا الوجه ولفظه فقال عبد الله نعم ان لم أجد الماء شهرا لا أصلى وفى
رواية كريمة بالياء التحتانية في الموضعين أي إذا لم يجد الجنب (قوله قال عبد الله) زاد ابن
عساكر نعم (قوله أحدهم) كذا للأكثر وللحموي أحدكم (قوله قال هكذا) فيه اطلاق القول
على العمل وقوله يعنى تيمم وصلى شرح لقوله هكذا والظاهر أنه مقول أبى موسى (قوله فأين
قول عمار لعمر) هكذا وقع في رواية شعبة مختصرا وبيانه في رواية حفص الآتية ثم رواية أبى
معاوية وهى أتم (قوله حدثنا عمر بن حفص) أي ابن غياث (قوله حدثنا الأعمش في رواية
أبي ذر وأبى الوقت عن الأعمش وافادت رواية حفص التصريح بسماع الأعمش من شقيق (قوله
أرأيت) أي أخبرني (يا أبا عبد الرحمن) وهى كنية ابن مسعود (قوله إذا أجنب) أي
الرجل (قوله حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم كان يكفيك) كذا اختصر المتن وأبهم الآية
وسيأتى المراد من ذلك في الباب الذي بعده (قوله فدعنا من قول عمار) فيه جواز الانتقال من
385

دليل إلى دليل أوضح منه ومما فيه الاختلاف إلى ما فيه الاتفاق وفيه جواز التيمم للجنب
بخلاف ما نقل عن عمر وابن مسعود وفيه إشارة إلى ثبوت حجة أبى موسى لقوله فما درى عبد الله
ما يقول وسيأتى الكلام على ذلك وعلى السبب في كون عمر لم يقنع بقول عمار * (قوله
باب التيمم ضربة) رواية الأكثر بتنوين باب وقوله التيمم ضربة بالرفع لأنه مبتدأ
وخبر وفى رواية الكشميهني بغير تنوين وضربة بالنصب (قوله حدثنا محمد بن سلام) وللاصيلى
محمد هو ابن سلام (قوله ما كان يتيمم ويصلى) ولكريمة والأصيلي أما كان بزيادة همزة
الاستفهام ولمسلم كيف يصنع بالصلاة قال عبد الله لا يتيمم وان لم يجد الماء شهرا ونحوه لأبي داود
قال فقال أبو موسى فكيف تصنعون بهذه الآية (قوله فكيف تصنعون في سورة المائدة)
وللكشميهني فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة وسقط لفظ الآية من رواية الأصيلي
(قوله فلم تجدوا) هو بيان للمراد من الآية ووقع في رواية الأصيلي فإن لم تجدوا وهو مغائر
للتلاوة وقيل إنه كان كذلك في رواية أبي ذر ثم أصلحها على وفق الآية وانما عين سورة المائدة
لكونها أظهر في مشروعية تيمم الجنب من آية النساء لتقدم حكم الوضوء في المائدة قال
الخطابي وغيره فيه دليل على أن عبد الله كان يرى أن المراد بالملامسة الجماع فلهذا لم يدفع دليل
أبى موسى والا لكان يقول له المراد من الملامسة التقاء البشرتين فيما دون الجماع وجعل
التيمم بدلا من الوضوء لا يستلزم جعله بدلا من الغسل (قوله إذا برد) بفتح الراء على المشهور وحكى
الجوهري ضمها (قوله قلت وانما كرهتم هذا لذا) قائل ذلك هو شقيق قاله الكرماني وليس كما
قال بل هو الأعمش والمقول له شقيق كما صرح بذلك في رواية حفص التي قبل هذه (قوله فقال
أبو موسى ألم تسمع) ظاهره أن ذكر أبى موسى لقصة عمار متأخر عن احتجاجه بالآية وفى رواية
حفص الماضية احتجاجه بالآية متأخر عن احتجاجه بحديث عمار ورواية حفص أرجح
لان فيها زيادة تدل على ضبط ذلك وهى قوله فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية (قوله
كما تمرغ الدابة) بفتح المثناة وضم الغين المعجمة وأصله تتمرغ فحذفت إحدى التاءين (قوله انما
كان يكفيك) فيه أن الكيفية المذكورة مجزئة فيحمل ما ورد زائدا عليها على الأكمل (قوله
ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه) كذا في جميع الروايات بالشك وفى رواية أبى داود تحرير
ذلك من طريق أبى معاوية أيضا ولفظه ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على
الكفين ثم مسح وجهه وفيه الاكتفاء بضربة واحدة في التيمم ونقله ابن المنذر عن جمهور العلماء
واختاره وفيه ان الترتيب غير مشترط في التيمم قال ابن دقيق العيد اختلف في لفظ هذا
الحديث فوقع عند البخاري بلفظ ثم وفى سياقه اختصار ولمسلم بالواو ولفظه ثم مسح الشمال
على اليمين وظاهر كفيه ووجهه وللإسماعيلي ما هو أصرح من ذلك * (قلت) * ولفظه من طريق
هارون الجمال عن أبي معاوية انما يكفيك أن تضرب بيديك على الأرض ثم تنفضهما ثم تمسح
بيمينك على شمالك وشمالك على يمينك ثم تمسح على وجهك قال الكرماني في هذه الرواية اشكال
من خمسة أوجه أحدها الضربة الواحدة وفى الطرق الأخرى ضربتان وقد قال النووي الأصح
المنصوص ضربتان * (قلت) * مراد النووي ما يتعلق بنقل المذهب (قوله ألم تر عمر) في رواية
الأصيلي وكريمة أفلم بزيادة فاء وانما لم يقنع عمر بقول عمار لكونه أخبره انه كان معه في تلك الحال
386

وحضر معه تلك القصة كما سيأتي في رواية يعلى بن عبيد ولم يتذكر ذلك عمر أصلا ولهذا قال لعمار
فيما رواه مسلم من طريق عبد الرحمن بن أبزى اتق الله يا عمار قال إن شئت لم أحدث به فقال عمر
نوليك ما توليت قال النووي معنى قول عمر اتق الله يا عمار أي فيما ترويه وتثبت فيه فلعلك نسيت
أو اشتبه عليك فانى كنت معك ولا أتذكر شيئا من هذا ومعنى قول عمار ان رأيت المصلحة
في الامساك عن التحديث به راجحة على التحديث به وافقتك وأمسكت فانى قد بلغته فلم يبق على
فيه حرج فقال له عمر نوليك ما توليت أي لا يلزم من كوني لا أتذكره أن لا يكون حقا في نفس الامر
فليس لي منعك من التحديث به (قوله زاد يعلى) هو ابن عبيد والذي زاده يعلى في هذه القصة
قول عمار لعمر بعثني أنا وأنت وبه يتضح عذر عمر كما قدمناه وأما ابن مسعود فلا عذر له في
التوقف عن قبول حديث عمار فلهذا جاء عنه انه رجح عن الفتيا بذلك كما أخرجه ابن أبي شيبة
باسناد فيه انقطاع عنه ورواية يعلى بن عبيد لهذا الحديث وصلها أحمد في مسنده عنه (قوله انما
كان يكفيك هكذا) وللكشميهني هذا (قوله واحدة) أي مسحة واحدة * (قوله باب)
كذا للأكثر بلا ترجمة وسقط من رواية الأصيلي أصلا فعلى روايته هو من جملة الترجمة
الماضية وعلى الأول هو بمنزلة الفصل من الباب كنظائره (قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك
وحديثه هذا مختصر من الحديث الطويل الماضي في باب الصعيد الطيب وليس فيه التصريح
بكون الضربة في التيمم مرة واحدة فيحتمل أن يكون المصنف أخذه من عدم التقييد لان المرة
الواحدة أقل ما يحصل به الامتثال ووجوبها متيقن والله أعلم * (خاتمة) * اشتمل كتاب التيمم من
الأحاديث المرفوعة على سبعة عشر حديثا المكرر منها عشرة منها اثنان معلقان والخالص سبعة
منها واحد معلق والبقية موصولة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عمرو بن العاص
المعلق وفيه من الموقوفات على الصحابة والتابعين عشرة آثار منها ثلاثة موصولة وهى فتوى
عمر وأبى موسى وابن مسعود ومن براعة الختام الواقعة للمصنف في هذا الكتاب ختمه كتاب
التيمم بقوله فإنه يكفيك إشارة إلى أن الكفاية بما أورده تحصل لمن تدبر وتفهم والله سبحانه
وتعالى أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
* (كتاب الصلاة) *
تقدم في مقدمة هذا الشرح ذكر مناسبة كتب هذا الصحيح في الترتيب ملخصا من كلام شيخنا شيخ
الاسلام وفى أوائلها مناسبة تعقيب الطهارة بالصلاة لتقدم الشرط على المشروط والوسيلة على
المقصود وقد تأملت كتاب الصلاة منه فوجدته مشتملا على أنواع تزيد على العشرين فرأيت أن
أذكر مناسبتها في ترتيبها قبل الشروع في شرحها * (فأقول) * بدأ أولا بالشروط السابقة على
الدخول في الصلاة وهى الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة ودخول الوقت ولما كانت
الطهارة تشتمل على أنواع أفردها بكتاب واستفتح كتاب الصلاة بذكر فرضيتها لتعين وقته دون غيره
من أركان الاسلام وكان ستر العورة لا يختص بالصلاة فبدأ به لعمومه ثم ثنى بالاستقبال للزومه
في الفريضة والنافلة الا ما استثنى كشدة الخوف ونافلة السفر وكان الاستقبال يستدعى مكانا
387

فذكر المساجد ومن توابع الاستقبال سترة المصلى فذكرها ثم ذكر الشرط الباقي وهو دخول الوقت
وهو خاص بالفريضة وكان الوقت يشرع الاعلام به فذكر الاذان وفيه إشارة إلى أنه حق الوقت
وكان الاذان اعلاما بالاجتماع إلى الصلاة فذكر الجماعة وكان أقلها امام ومأموم فذكر الإمامة
ولما انقضت الشروط وتوابعها ذكر صفة الصلاة ولما كانت الفرائض في الجماعة قد تختص
بهيئة مخصوصة ذكر الجمعة والخوف وقدم الجمعة لأكثريتها ثم تلا ذلك بما يشرع فيه الجماعة
من النوافل فذكر العيدين والوتر والاستسقاء والكسوف وأخره لاختصاصه بهيئة مخصوصة
وهى زيادة الركوع ثم تلاه بما فيه زيادة سجود فذكر سجود التلاوة لأنه قد يقع في الصلاة وكان
إذا وقع اشتملت الصلاة على زيادة مخصوصة فتلاه بما يقع فيه نقص من عددها وهو قصر الصلاة
ولما انقضى ما يشرع فيه الجماعة ذكر ما لا يستحب فيه وهو سائر التطوعات ثم للصلاة بعد
الشروع فيها شروط ثلاثة وهى ترك الكلام وترك الافعال الزائدة وترك المفطر فترجم لذلك ثم
بطلانها يختص بما وقع على وجه العمد فاقتضى ذلك ذكر أحكام السهو ثم جميع ما تقدم متعلق
بالصلاة ذات الركوع والسجود فعقب ذلك بصلاة لا ركوع فيها ولا سجود وهى الجنازة وهذا آخر
ما ظهر من مناسبة ترتيب كتاب الصلاة من هذا الجامع الصحيح ولم يتعرض أحد من الشراح
لذلك فلله الحمد على ما ألهم وعلم * (قوله باب كيف فرضت الصلاة) وفى رواية
الكشميهني والمستملى الصلوات في الاسراء أي في ليلة الاسراء وهذا مصير من المصنف إلى أن
المعراج كان في ليلة الاسراء وقد وقع في ذلك اختلاف فقيل كانا في ليلة واحدة في يقظته صلى الله
عليه وسلم وهذا هو المشهور عند الجمهور وقيل كانا جميعا في ليلة واحدة في منامه وقيل وقعا جميعا
مرتين في ليلتين مختلفتين إحداهما يقظة والاخرى مناما وقيل كان الاسراء إلى بيت المقدس
خاصة في اليقظة وكان المعراج مناما اما في تلك الليلة أو في غيرها والذي ينبغي ان لا يجرى فيه
الخلاف ان الاسراء إلى بيت المقدس كان في اليقظة لظاهر القرآن ولكون قريش كذبته في ذلك
ولو كان مناما لم تكذبه فيه ولا في أبعد منه وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
جماعة من الصحابة لكن طرقه في الصحيحين تدور على أنس مع اختلاف أصحابه عنه فرواه الزهري
عنه عن أبي ذر كما في هذا الباب ورواه قتادة عنه عن مالك بن صعصعة ورواه شريك بن أبي
نمر وثابت البناني عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة وفى سياق كل منهم عنه ما ليس
عند الآخر والغرض من ايراده هنا ذكر فرض الصلاة فليقع الاقتصار هنا على شرحه ونذكر
الكلام على اختلاف طرقه وتغاير ألفاظها وكيفية الجمع بينها في الموضع اللائق به وهو في
السيرة النبوية قبيل الهجرة إن شاء الله تعالى والحكمة في وقوع فرض الصلاة ليلة المعراج
انه لما قدس ظاهرا وباطنا حين غسل بماء زمزم بالايمان والحكمة ومن شأن الصلاة أن يتقدمها
الطهور ناسب ذلك ان تفرض الصلاة في تلك الحالة وليظهر شرفه في الملا الاعلى ويصلى
بمن سكنه من الأنبياء وبالملائكة وليناجي ربه ومن ثم كان المصلى يناجى ربه جل وعلا (قوله
وقال ابن عباس) هذا طرف من حديث أبي سفيان المتقدم موصولا في بدء الوحي والقائل
يأمرنا هو أبو سفيان ومناسبته لهذه الترجمة ان فيه إشارة إلى أن الصلاة فرضت بمكة قبل
الهجرة لان أبا سفيان لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى الوقت الذي اجتمع فيه
388

بهرقل لقاء يتهيأ له معه أن يكون آمرا له بطريق الحقيقة والاسراء كان قبل الهجرة بلا
خلاف وبيان الوقت وان لم يكن من الكيفية حقيقة لكنه من جملة مقدماتها كما وقع نظير
ذلك في أول الكتاب في قوله كيف كان بدء الوحي وساق فيه ما يتعلق بالمتعلق بذلك فظهرت المناسبة
(قوله فرج) بضم الفاء وبالجيم أي فتح والحكمة فيه ان الملك انصب إليه من السماء انصبابة
واحدة ولم يعرج على شئ سواه مبالغة في المناجاة وتنبيها على أن الطلب وقع على غير ميعاد ويحتمل
أن يكون السر في ذلك التمهيد لما وقع من شق صدره فكأن الملك أراه بانفراج السقف والتئامه
في الحال كيفية ما سيصنع به لطفا به وتثبيتا له والله أعلم (قوله ففرج صدري) هو بفتح الفاء وبالجيم
أيضا أي شقه ورجح عياض ان شق الصدر كان وهو صغير عند مرضعته حليمة وتعقبه السهيلي
بان ذلك وقع مرتين وهو الصواب وسيأتي تحقيقه عند الكلام على حديث شريك في كتاب
التوحيد إن شاء الله تعالى ومحصله ان الشق الأول كان لاستعداده لنزع العلقة التي قيل له عندها
هذا حظ الشيطان منك والشق الثاني كان لاستعداده للتلقي الحاصل له في تلك الليلة وقد روى
الطيالسي والحرث في مسنديهما من حديث عائشة ان الشق وقع مرة أخرى عند مجئ جبريل
له بالوحي في غار حراء والله أعلم ومناسبته ظاهرة وروى الشق أيضا وهو ابن عشر أو نحوها في
قصة له مع عبد المطلب أخرجها أبو نعيم في الدلائل وروى مرة أخرى خامسة ولا تثبت (قوله ثم
جاء بطست) بفتح الطاء وبكسرها اناء معروف سبق تحقيقه في الوضوء وخص بذلك لأنه آلة
الغسل عرفا وكان ذهب لأنه أعلى أواني الجنة وقد أبعد من استدل به على جواز تحلية
المصحف وغيره بالذهب لان المستعمل له الملك فيحتاج إلى ثبوت كونهم مكلفين بما كلفنا به ووراء
ذلك ان ذلك كان على أصل الإباحة لان تحريم الذهب انما وقع بالمدينة كما سيأتي واضحا في اللباس
(قوله ممتلى) كذا وقع بالتذكير على معنى الاناء لا على لفظ الطست لأنها مؤنثة وحكمة وايمانا
بالنصب على التمييز والمعنى ان الطست جعل فيها شئ يحصل به كمال الايمان والحكمة فسمى حكمة
وايمانا مجازا أو مثلا له بناء على جواز تمثيل المعاني كما يمثل الموت كبشا قال النووي في تفسير
الحكمة أقوال كثيرة مضطربة صفا لنا منها أن الحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله مع نفاذ
البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق للعمل به والكف عن ضده والحكيم من حاز ذلك اه‍
ملخصا وقد تطلق الحكمة على القرآن وهو مشتمل على ذلك كله وعلى النبوة كذلك وقد تطلق على
العلم فقط وعلى المعرفة فقط ونحو ذلك (قوله ثم أخذ بيدي) استدل به بعضهم على أن المعراج وقع
غير مرة لكون الاسراء إلى بيت المقدس لم يذكر هنا ويمكن أن يقال هو من اختصار الراوي
والاتيان بثم المقتضية للتراخي لا ينافي وقوع أمر الاسراء بين الامرين المذكورين وهما الاطباق
والعروج بل يشير إليه وحاصله ان بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر ويؤيده ترجمة المصنف كما
تقدم (قوله فعرج) بالفتح أي الملك (بي) وفى رواية للكشميهني به على الالتفات أو التجريد (قوله
افتح) يدل على أن الباب كان مغلقا قال ابن المنير حكمته التحقق ان السماء لم تفتح الا من أجله
بخلاف ما لو وجده مفتوحا (قوله قال جبريل) فيه من أدب الاستئذان ان المستأذن يسمى
نفسه لئلا يلتبس بغيره (قوله أأرسل إليه) وللكشميهني أو أرسل إليه يحتمل ان يكون خفى عليه
أصل ارساله لاشتغاله بعبادته ويحتمل ان يكون استفهم عن الارسال إليه للعروج إلى السماء
389

وهو الاظهر لقوله إليه ويؤخذ منه ان رسول الرجل يقوم مقام اذنه لان الخازن لم يتوقف عن
الفتح له على الوحي إليه بذلك بل عمل بلازم الارسال إليه وسيأتى في هذا حديث مرفوع في كتاب
الاستئذان إن شاء الله تعالى ويؤيد الاحتمال الأول قوله في رواية شريك أو قد بعث لكنها من
المواضع التي تعقبت كما سيأتي تحريرها في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى (قوله أسودة) بوزن
أزمنة وهى الاشخاص من كل شئ (قوله قلت لجبريل من هذا) ظاهره انه سأل عنه بعد ان قال له
آدم مرحبا ورواية مالك بن صعصعة بعكس ذلك وهى المعتمدة فتحمل هذه عليها إذ ليس في هذه
أداة ترتيب (قوله نسم بنيه) النسم بالنون والمهملة المفتوحتين جمع نسمة وهى الروح وحكى ابن
التين انه رواه بكسر الشين المعجمة وفتح الياء آخر الحروف بعدها ميم وهو تصحيف وظاهره ان
أرواح بني آدم من أهل الجنة والنار في السماء وهو مشكل قال القاضي عياض قد جاء ان أرواح
الكفار في سجين وان أرواح المؤمنين منعمة في الجنة يعنى فكيف تكون مجتمعة في سماء
الدنيا وأجاب بأنه يحتمل انها تعرض على آدم أوقاتا فصادف وقت عرضها مرور النبي صلى الله عليه
وسلم ويدل على أن كونهم في الجنة والنار انما هو في أوقات دون أوقات قوله تعالى النار يعرضون
عليها غدوا وعشيا واعتر ض بان أرواح الكفار لا تفتح لها أبواب السماء كما هو نص القرآن
والجواب عنه ما أبداه هو احتمالا ان الجنة كانت في جهة يمين آدم والنار في جهة شماله وكان
يكشف له عنهما اه‍ ويحتمل أن يقال إن النسم المرئية هي التي لم تدخل الأجساد بعد وهى
مخلوقة قبل الأجساد ومستقرها عن يمين آدم وشماله وقد أعلم بما سيصيرون إليه فلذلك كان
يستبشر إذا نظر إلى من عن يمينه ويحزن إذا نظر إلى من عن يساره بخلاف التي في الأجساد
فليست مراده قطعا وبخلاف التي انتقلت من الأجساد إلى مستقرها من جنة أو نار فليست
مراده أيضا فيما يظهر وبهذا يندفع الايراد ويعرف ان قوله نسم بنيه عام مخصوص أو أريد به
الخصوص وأما ما أخرجه ابن إسحاق والبيهقي من طريقه في حديث الاسراء فإذا أنا بآدم تعرض
عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه
أرواح ذريته الفجار فيقول روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين وفى حديث أبي هريرة
عند الطبراني والبزار فإذا عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة
إذا نظر عن يمينه استبشر وإذا نظر عن شماله حزن فهذا لو صح لكان المصير إليه أولى من جميع
ما تقدم ولكن سنده ضعيف (قوله قال أنس فذكر) أي أبو ذر (أنه وجد) أي النبي صلى الله
عليه وسلم (قوله ولم يثبت) أي أبو ذر) قوله وإبراهيم في السماء السادسة) هو موافق لرواية
شريك عن أنس والثابت في جميع الروايات غير هاتين أنه في السابعة فان قلنا بتعدد المعراج فلا
تعارض والا فالأرجح رواية جماعة لقوله فيها انه رآه مسندا ظهره إلى البيت المعمور وهو في
السابعة بلا خلاف وأما ما جاء عن علي أنه في السادسة عند شجرة طوبى فان ثبت حمل على أنه
البيت الذي في السادسة بجانب شجرة طوبى لأنه جاء عنه ان في كل سماء بيتا يحاذى الكعبة وكل
منها معمور بالملائكة وكذا القول فيما جاء عن الربيع بن أنس وغيره أن البيت المعمور في
السماء الدنيا فإنه محمول على أول بيت يحاذى الكعبة من بيوت السماوات ويقال ان اسم البيت
المعمور الضراح بضم المعجمة وتخفيف الراء وآخره مهملة ويقال بل هو اسم سماء الدنيا ولأنه
390

قال هنا انه لم يثبت كيف منازلهم فرواية من أثبتها أرجح وسأذكر مزيدا لهذا في كتاب التوحيد
(قوله قال أنس فلما مر) ظاهره ان هذه القطعة لم يسمعها أنس من أبي ذر (قوله مر جبريل بالنبي
صلى الله عليه وسلم بإدريس) الباء الأولى للمصاحبة والثانية للالصاق أو بمعنى على (قوله ثم
مررت بعيسى) ليست ثم على بابها في الترتيب الا ان قيل بتعدد المعراج إذ الروايات متفقة على أن
المرور به كان قبل المرور بموسى (قوله قال ابن شهاب فأخبرني ابن حزم) أي أبو بكر بن محمد بن عمرو
ابن حزم وأما أبوه محمد فلم يسمع الزهري منه لتقدم موته لكن رواية أبى بكر عن أبي حبة منقطعة
لأنه استشهد بأحد قبل مولد أبى بكر بدهر وقبل مولد أبيه محمد أيضا وأبو حبة بفتح المهملة
وبالموحدة المشددة على المشهور وعند القابسي بمثناة تحتانية وغلط في ذلك وذكره الواقدي
بالنون (قوله حتى ظهرت) أي ارتفعت والمستوى المصعد وصريف الأقلام بفتح الصاد المهملة
تصويتها حالة الكتابة والمراد ما تكتبه الملائكة من أقضية الله سبحانه وتعالى (قوله قال ابن
حزم أي عن شيخه (وأنس) أي عن أبي ذر كذا جزم به أصحاب الأطراف ويحتمل ان يكون
مرسلا من جهة ابن حزم ومن رواية أنس بلا واسطة (قوله ففرض الله على أمتي خمسين صلاة)
في رواية ثابت عن أنس عند مسلم فرض الله على خمسين صلاة كل يوم وليلة ونحوه في رواية مالك
ابن صعصعة عند المصنف فيحتمل أن يقال في كل من رواية الباب والرواية الأخرى اختصار أو
يقال ذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على الأمة وبالعكس الا ما يستثنى من خصائصه (قوله
فراجعني) وللكشميهني فراجعت والمعنى واحد (قوله فوضع شطرها) في رواية مالك بن صعصعة
فوضع عنى عشرا ومثله لشريك وفى رواية ثابت فخط عنى خمسا قال ابن المنير ذكر الشطر أعم من
كونه وقع في دفعة واحدة (قلت) وكذا العشر فكانه وضع العشر في دفعتين والشطر في خمس
دفعات أو المراد بالشطر في حديث الباب البعض وقد حققت رواية ثابت ان التخفيف كان خمسا
خمسا وهى زيادة معتمدة يتعين حمل باقي الروايات عليها وأما قول الكرماني الشطر هو النصف ففي
المراجعة الأولى وضع خمسا وعشرين وفى الثانية ثلاثة عشر يعنى نصف الخمسة والعشرين بخبر
الكسر وفى الثالثة سبعا كذا قال وليس في حديث الباب في المراجعة الثالثة ذكر وضع شئ
الا ان يقال حذف ذلك اختصارا فيتجه لكن الجمع بين الروايات يأبى هذا الحمل فالمعتمد ما تقدم
وأبدى ابن المنير هنا نكتة لطيفة في قوله صلى الله عليه وسلم لموسى عليه السلام لما أمره أن يرجع
بعد ان صارت خمسا فقال استحييت من ربى قال ابن المنير يحتمل انه صلى الله عليه وسلم تفرس من
كون التخفيف وقع خمسا خمسا أنه لو سال التخفيف بعد ان صارت خمسا لكان سائلا في رفعها
فذلك استحيا اه‍ ودلت مراجعته صلى الله عليه وسلم لربه في طلب التخفيف تلك المرات كلها
انه علم أن الامر في كل مرة لم يكن على سبيل الالزام بخلاف المرة الأخيرة ففيها ما يشعر بذلك
لقوله سبحانه وتعالى لا يبدل القول لدى ويحتمل ان يكون سبب الاستحياء ان العشرة آخر جمع
القلة وأول جمع الكثرة فخشى أن يدخل في الالحاح في السؤال لكن الالحاح في الطلب من الله
مطلوب فكأنه خشى من عدم القيام بالشكر والله أعلم وسيأتى في التوحيد زيادة في هذا ومخالفة
وأبدى بعض الشيوخ حكمة لاختيار موسى تكرير ترداد النبي صلى الله عليه وسلم فقال لما
كان موسى قد سال الرؤية فمنع وعرف أنها حصلت لمحمد صلى الله عليه وسلم قصد بتكرير رجوعه
391

تكرير رؤيته ليرى من رأى كما قيل * لعلى أراهم أو أرى من رآهم * (قلت) ويحتاج إلى
ثبوت تجدد الرؤية في كل مرة (قوله هن خمس وهن خمسون) وفى رواية غير أبي ذر هي بدل هن
في الموضعين والمراد هن خمس عددا باعتبار الفعل وخمسون اعتدادا باعتبار الثواب واستدل
به على عدم فرضية ما زاد على الصلوات الخمس كالوتر وعلى دخول النسخ في الانشاءات ولو كانت
مؤكدة خلافا لقوم فيما أكد وعلى جواز النسخ قبل الفعل قال ابن بطال وغيره ألا ترى انه عز
وجل نسخ الخمسين بالخمس قبل ان تصلى ثم تفضل عليهم بان أكمل لهم الثواب وتعقبه ابن المنير
فقال هذا ذكره طوائف من الأصوليين والشراح وهو مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل
كالأشاعرة أو منعه كالمعتزلة لكونهم اتفقوا جميعا على أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ وحديث
الاسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ فهو مشكل عليهم جميعا قال وهذه نكتة مبتكرة (قلت) ان
أراد قبل البلاغ لكل أحد فممنوع وان أراد قبل البلاغ إلى الأمة فمسلم لكن قد يقال ليس هو
بالنسبة إليهم نسخا لكن هو نسخ بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كلف بذلك قطعا ثم نسخ
بعد أن بلغه وقبل ان يفعل فالمسئلة صحيحة التصوير في حقه صلى الله عليه وسلم والله أعلم
وسيأتي لذلك مزيد في شرح حديث الاسراء في الترجمة النبوية إن شاء الله تعالى (قوله حبايل
اللؤلؤ) كذا وقع لجميع رواة البخاري في هذا الموضع بالحاء المهملة ثم الموحدة بعد الألف
تحتانية ثم لام وذكر كثير من الأئمة انه تصحيف وانما هو جنابذ بالجيم والنون وبعد الألف
موحدة ثم ذال معجمة كما وقع عند المصنف في أحاديث الأنبياء من رواية ابن المبارك وغيره عن
يونس وكذا عند غيره من الأئمة ووجدت في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر في هذا الموضع جنابذ
على الصواب وأظنه من اصلاح بعض الرواة وقال ابن حزم في أجوبته على مواضع من البخاري
فتشت على هاتين اللفظتين فلم أجدهما ولا واحدة منهما ولا وقفت على معناهما انتهى وذكر
غيره ان الجنابذ العطار القباب واحدها جنبذة بالضم وهو ما ارتفع من البناء فهو فارسي معرب
وأصله بلسانهم كنبذة بوزنه لكن الموحدة مفتوحة والكاف ليست خالصة ويؤيده ما رواه
المصنف في التفسير من طريق شيبان عن قتادة عن أنس قال لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم
قال أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ وقال صاحب المطالع في الحبال قيل هي القلائد والعقود
أو هي من حبال الرمل أي فيها لؤلؤ مثل حبال الرمل جمع حبل وهو ما استطال من الرمل وتعقب
بان الحبائل لا تكون الا جمع حبالة أو حبيلة بوزن عظيمة وقال بعض من اعتنى بالبخاري الحبائل
جمع حبالة وحبالة جمع حبل على غير قياس والمراد ان فيها عقودا وقلائد من اللؤلؤ (قوله عن
عائشة قالت فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين) كررت لفظ ركعتين لتفيد عموم
التثنية لكل صلاة زاد ابن إسحاق قال حدثني صالح بن كيسان بهذا الاسناد الا المغرب فإنها كانت
ثلاثا أخرجه أحمد من طريقه وللمصنف في كتاب الهجرة من طريق معمر عن الزهري عن عروة
عن عائشة قالت فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعا فعين
في هذه الرواية أن الزيادة في قوله هنا وزيد في صلاة الحضر وقعت بالمدينة وقد أخذ بظاهر هذا
الحديث الحنفية وبنوا عليه ان القصر في السفر عزيمة لا رخصة واحتج مخالفوهم بقوله
سبحانه وتعالى فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة لان نفى الجناح لا يدل على العزيمة
392

والقصر انما يكون من شئ أطول منه ويدل على أنه رخصة أيضا قوله صلى الله عليه وسلم صدقة
تصدق الله بها عليكم وأجابوا عن حديث الباب بأنه من قول عائشة غير مرفوع وبأنها لم
تشهد زمان فرض الصلاة قاله الخطابي وغيره وفى هذا الجواب نظر اما أولا فهو مما لا مجال للرأي
فيه فله حكم الرفع وأما ثانيا فعلى تقدير تسليم انها لم تدرك القصة يكون مرسل صحابي وهو حجة
لأنه يحتمل أن تكون أخذته عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي آخر أدرك ذلك وأما
قول امام الحرمين لو كان ثابتا لنقل متواترا ففيه أيضا نظر لان التواتر في مثل هذا غير لازم
وقالوا أيضا يعارض حديث عائشة هذا حديث ابن عباس فرضت الصلاة في الحضر أربعا
وفى السفر ركعتين أخرجه مسلم والجواب انه يمكن الجمع بين حديث عائشة وابن عباس كما
سيأتي فلا تعارض وألزموا الحنفية على قاعدتهم فيما إذا عارض رأى الصحابي روايته بأنهم
يقولون العبرة بما رأى لا بما روى وخالفوا ذلك هنا فقد ثبت عن عائشة انها كانت تتم في السفر
فدل ذلك على أن المروى عنها غير ثابت والجواب عنهم ان عروة الراوي عنها قد قال لما سئل عن
اتمامها في السفر انها تأولت كما تأول عثمان فعلى هذا لا تعارض بين روايتها وبين رأيها فروايتها
صحيحة ورأيها مبنى على ما تأولت والذي يظهر لي وبه تجتمع الأدلة السابقة ان الصلوات
فرضت ليلة الاسراء ركعتين ركعتين لا المغرب ثم زيدت بعد الهجرة عقب الهجرة الا الصبح كما
روى ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت فرضت
صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن
زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة وصلاة المغرب لأنها وتر
النهار اه‍ ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية السابقة وهى
قوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في شرح
المسند ان قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة وهو مأخوذ مما ذكره غيره ان نزول آية
الخوف كان فيها وقيل كان قصر الصلاة في ربيع الآخر من السنة الثانية ذكره الدولابي
وأورده السهيلي بلفظ بعد الهجرة بعام أو نحوه وقيل بعد الهجرة بأربعين يوما فعلى هذا المراد
بقول عائشة فأقرت صلاة السفر أي باعتبار ما آل إليه الامر من التخفيف لا أنها استمرت منذ
فرضت فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة وأما ما وقع في حديث ابن عباس والخوف ركعة
فالبحث فيه يجئ إن شاء الله تعالى في صلاة الخوف * (فائدة) * ذهب جماعة إلى أنه لم يكن قبل
الاسراء صلاة مفروضة الا ما كان وقع الامر به من صلاة الليل من غير تحديد وذهب الحربي إلى أن
الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداوة وركعتين بالعشى وذكر الشافعي عن بعض أهل
العلم ان صلاة الليل كانت مفروضة ثم نسخت بقوله تعلى فاقرؤا ما تيسر منه فصار الفرض قيام
بعض الليل ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس واستنكر محمد بن نصر المروزي ذلك وقال الآية تدل
على أن قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر منه انما نزل بالمدينة لقوله تعالى فيها وآخرون يقاتلون في
سبيل الله والقتال انما وقع بالمدينة لا بمكة والاسراء كان بمكة قبل ذلك اه‍ وما استدل به غير
واضح لان قوله تعالى علم أن سيكون ظاهر في الاستقبال فكأنه سبحانه وتعالى امتن عليهم
بتعجيل التخفيف قبل وجود المشقة التي علم أنها ستقع لهم والله أعلم
393

* (أبواب ستر العورة) *
* (قوله باب وجوب الصلاة في الثياب وقول الله تعالى خذوا زينتكم عند كل
مسجد) * يشير بذلك إلى ما أخرجه مسلم من حديث ابن عباس قال كانت المرأة تطوف بالبيت
عريانة الحديث وفيه فنزلت خذوا زينتكم ووقع في تفسير طاوس قال في قوله تعالى خذوا
زينتكم قال الثياب وصله البيهقي ونحوه عن مجاهد ونقل ابن حزم الاتفاق على أن المراد ستر
العورة (قوله ومن صلى ملتحفا في ثوب واحد) هكذا ثبت للمستملى وحده هنا وسيأتي قريبا في
باب مفرد وعلى تقدير ثبوته هنا فله تعلق بحديث سلمة المعلق بعده كما سيظهر من سياقه (قوله
ويذكر عن سلمة) قد بين السبب في ترك جزمه به بقوله وفى اسناده نظر وقد وصله المصنف في تاريخه
وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان واللفظ له من طريق الدراوردي عن موسى بن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن أبي ربيعة عن سلمة بن الأكوع قال قلت يا رسول الله انى رجل أتصيد أفأصلي في
القميص الواحد قال نعم زره ولو بشوكة ورواه البخاري أيضا عن إسماعيل بن أبي أويس عن
أبيه عن موسى بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة زاد في الاسناد رجلا ورواه أيضا عن مالك بن
إسماعيل عن عطاف بن خالد قال حدثنا موسى بن إبراهيم قال حدثنا سلمة فصرح بالتحديث بين
موسى وسلمة فاحتمل أن يكون رواية أبى أويس من المزيد في متصل الأسانيد أو يكون التصريح
في رواية عطاف وهما فهذا وجه النظر في اسناده وأما من صححه فاعتمد رواية الدراوردي
وجعل رواية عطاف شاهدة لاتصالها وطريق عطاف أخرجها أيضا أحمد والنسائي وأما قول
ابن القطان ان موسى هو ابن محمد بن إبراهيم التيمي المضعف عند البخاري وأبى حاتم وأبى داود
وانه نسب هنا إلى جده فليس بمستقيم لأنه نسب في رواية البخاري وغيره مخزوميا وهو غير التيمي
بلا تردد نعم وقع عند الطحاوي موسى بن محمد بن إبراهيم فإن كان محفوظا فيحتمل على بعد أن
يكونا جميعا رويا الحديث وحمله عنهما الدراوردي والا فذكر محمد فيه شاذ والله أعلم (قوله
يزره) بضم الزاي وتشديد الراء أي يشد ازاره ويجمع بين طرفيه لئلا تبدو عورته ولو لم يمكنه
ذلك الا بان يغرز في طرفيه شوكة يستمسك بها وذكر المؤلف حديث سلمة هذا إشارة إلى أن المراد
بأخذ الزينة في الآية السابقة لبس الثياب لا تحسينها (قوله ومن صلى في الثوب) يشير إلى
ما رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق معاوية بن أبي سفيان أنه
سال أخته أم حبيبة هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى في الثوب الذي يجامع فيه قالت
نعم إذا لم ير فيه أذى وهذا من الأحاديث التي تضمنتها تراجم هذا الكتاب بغير صيغة رواية حتى
ولا التعليق (قوله ما لم ير فيه أذى) سقط لفظ فيه من رواية المستملى والحموي (قوله وأمر
النبي صلى الله عليه وسلم) أشار بذلك إلى حديث أبي هريرة في بعث على في حجة أبى بكر بذلك وقد
وصله بعد قليل لكن ليس فيه التصريح بالامر وروى أحمد باسناد حسن من حديث أبي بكر
الصديق نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت
عريان الحديث ووجه الاستدلال به للباب أن الطواف إذا منع فيه التعري فالصلاة أولى إذ
يشترط فيها ما يشترط في الطواف وزيادة وقد ذهب الجمهور إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة
وعن بعض المالكية التفرقة بين الذاكر والناسي ومنهم من أطلق كونه سنة لا يبطل تركها
394

الصلاة واحتج بأنه لو كان شرطا في الصلاة لاختص بها ولافتقر إلى النية ولكان العاجز العريان
ينتقل إلى بدل كالعاجز عن القيام ينتقل إلى القعود والجواب عن الأول النقض بالايمان فهو
شرط في الصلاة ولا يختص بها وعن الثاني باستقبال القبلة فإنه لا يفتقر للنية وعن الثالث على
ما فيه بالعاجز عن القراءة ثم عن التسبيح فإنه يصلى ساكتا (قوله حدثنا يزيد بن إبراهيم) هو
التستري ومحمد هو ابن سيرين والاسناد كله بصريون وكذا المعلق بعده (قوله أمرنا) بضم
الهمزة ولمسلم من طريق هشام عن حفصة عن أم عطية قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقد تقدم هذا الحديث في الطهارة بأتم من هذا السياق في باب شهود الحائض العيدين
وتقدم الكلام عليه ثم (قوله يوم العيدين) وفى رواية المستملى والكشميهني يوم العيد بالافراد
(قوله ويعتزل الحيض عن مصلاهن) أي النساء اللاتي لسن بحيض وللمستملى عن مصلاهم
على التغليب وللكشميهني عن المصلى والمراد به موضع الصلاة ودلالته على الترجمة من جهة
تأكيد الامر باللبس حتى بالعارية للخروج إلى صلاة العيد فيكون ذلك للفريضة أولى (قوله
وقال عبد الله بن رجاء) هو الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة وبعد الألف نون هكذا في
أكثر الروايات ووقع عند الأصيلي في عرضه على أبى زيد بمكة حدثنا عبد الله بن رجاء قال وفى
بعض النسخ عن أبي زيد وقال عبد الله بن رجاء كما قال الباقون (قلت) وهذا هو الذي اعتمده
أصحاب الأطراف والكلام على رجال هذا الكتاب وعمران المذكور هو القطان وفائدة التعليق
عنه تصريح محمد بن سيرين بتحديث أم عطية له فبطل ما تخيله بعضهم من أن محمدا انما سمعه من
أخته حفصة عن أم عطية وقد رويناه موصولا في الطبراني الكبير حدثنا علي بن عبد العزيز
حدثنا عبد الله بن رجاء والله أعلم * (قوله باب عقد الازار على القفا) * هو
بالقصر (قوله وقال أبو حازم) هو ابن دينار وقد ذكره بتمامه موصولا بعد قليل (قوله صلوا)
بلفظ الماضي أي الصحابة وعاقدي جمع عاقد وحذفت النون للإضافة وهو في موضع الحال
وفى رواية الكشميهني عاقدوا وهو خبر مبتدأ محذوف أي وهم عاقدوا وانما كانوا يفعلون ذلك
لانهم لم يكن لهم سراويلات فكان أحدهم يعقد ازاره في قفاه ليكون مستورا إذا ركع وسجد
وهذه الصفة صفة أهل الصفة كما سيأتي في باب نوم الرجال في المسجد (قوله حدثني واقد) هو أخو
عاصم بن محمد الراوي عنه ومحمد أبوهما هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر وواقد ومحمد بن المنكدر
مدنيان تابعيان من طبقة واحدة (قوله من قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة قفاه
(قوله المشجب) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الجيم بعدها موحدة هو عيدان تضم رؤسها
ويفرج بين قوائمها توضع عليها الثياب وغيرها وقال ابن سيده المشجب والشجاب خشبات
ثلاث يعلق عليها الراوي دلوه وسقاءه ويقال في المثل فلان كالمشجب من حيث قصدته وجدته
(قوله فقال له قائل) وقع في رواية مسلم أنه عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت وسيأتي قريبا أن
سعيد بن الحرث سأله عن هذه المسئلة ولعلهما جميعا سألاه وسيأتى عند المصنف في باب الصلاة
بغير رداء من طريق ابن المنكدر أيضا فقلنا يا أبا عبد الله فلعل السؤال تعدد وقال في الجواب
ابن المنكدر فأحببت أن يراني الجهال مثلكم وعرف به أن المراد بقوله هنا أحمق أي جاهل والحمق
وضع الشئ في غير موضعه مع العلم بقبحه قاله في النهاية والغرض بيان جواز الصلاة في الثوب
395

الواحد ولو كانت الصلاة في الثوبين أفضل فكأنه قال صنعته عمدا لبيان الجواز اما ليقتدى
بي الجاهل ابتداء أو ينكر على فاعلمه ان ذلك جائز وانما أغلظ لهم في الخطاب زجرا عن الانكار
على العلماء وليحثهم على البحث عن الأمور الشرعية (قوله وأينا كان له) أي كان أكثرنا في
عهده صلى الله عليه وسلم لا يملك الا الثوب الواحد ومع ذلك فلم يكلف تحصيل ثوب ثان ليصلى فيه
فدل على الجواز وعقب المصنف حديثه هذا بالرواية الأخرى المصرحة بأن ذلك وقع من فعل
النبي صلى الله عليه وسلم ليكون بيان الجواز به أوقع في النفس لكونه أصرح في الرفع من
الذي قبله وخفى ذلك على الكرماني فقال دلالته أي الحديث الأخير على الترجمة وهى عقد
الازار على القفا اما لأنه مخروم من الحديث السابق أي هو طرف من الذي قبله واما لأنه يدل عليه
بحسب الغالب إذ لولا عقده على القفا لما ستر العورة غالبا اه‍ ولو تأمل لفظه وسياقه بعد
ثمانية أبواب لعرف اندفاع احتمالية فإنه طرف من الحديث المذكور وهناك لا من السابق
ولا ضرورة إلى ما ادعاه من الغلبة فان لفظه وهو يصلى في ثوب ملتحفا به وهى قصة أخرى فيما يظهر
كان الثوب فيها واسعا فالتحف به وكان في الأولى ضيقا فعقده وسيأتى ما يؤيد هذا التفصيل قريبا
* (فائدة) * كان الخلاف في منع جواز الصلاة في الثوب الواحد قديما روى ابن أبي شيبة عن ابن
مسعود قال لا تصلين في ثوب واحد وإن كان أوسع ما بين السماء والأرض ونسب ابن بطال ذلك
لابن عمر ثم قال لم يتابع عليه ثم استقر الامر على الجواز (قوله حدثنا مطرف) هو ابن عبد الله بن
سليمان الأصم صاحب مالك مدني هو وباقي رجال اسناده وقد شارك أبا مصعب أحمد بن أبي بكر
الزهري في صحبة مالك وفى رواية الموطأ عنه وفى كنيته لكن أحمد مشهور بكنيته أكثر من
اسمه ومطرف بالعكس * (قوله باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به) لما كانت
الأحاديث الماضية في الاقتصار على الثوب الواحد مطلقة أردفها بما يدل على أن ذلك يختص
بحال الضيق أو بحال بيان الجواز (قوله قال الزهري في حديثه) أي الذي رواه في الالتحاف
والمراد اما حديثه عن سالم بن عبد الله عن أبيه وهو عند ابن أبي شيبة وغيره أو عن سعيد عن أبي
هريرة وهو عند أحمد وغيره والذي يظهر أن قوله وهو المخالف إلى آخره من كلام المصنف (قوله
وقالت أم هانئ) سيأتي حديثها موصولا في أواخر الباب لكن ليس فيه وخالف بين طرفيه وهو
عند مسلم من وجه آخر عن أبي مرة عنها ورواه أحمد من ذلك الوجه بلفظ المعلق (قوله حدثنا
عبيد الله بن موسى حدثنا هشام بن عروة) هذا الاسناد له حكم الثلاثيات وان لم يكن له صورتها
لان أعلى ما يقع للبخاري ما بينه وبين الصحابي فيه اثنان فإن كان الصحابي يرويه عن النبي صلى
الله عليه وسلم فحينئذ توجد فيه صورة الثلاثي وإن كان يرويه عن صحابي آخر فلا لكن الحكم
من حيث العلو واحد لصدق أن بينه وبين الصحابي اثنين وهكذا تقول بالنسبة إلى التابعي
إذا لم يقع بينه وبينه الا واحد فان رواه التابعي عن صحابي فعلى ما تقدم وان رواه عن تابعي آخر
فله حكم العلو لا صورة الثلاثي كهذا الحديث فان هشام بن عروة من التابعين لكنه حدث هنا
عن تابعي آخر وهو أبوه فلو رواه عن صحابي ورواه ذلك الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان
ثلاثيا والحاصل أن هذا من العلو النسبي لا المطلق والله أعلم ثم أورد المصنف الحديث
المذكور بنزول درجة من رواية يحيى القطان عن هشام وهو ابن عروة المذكور وفائدته ما وقع
396

فيه من التصريح بان الصحابي شاهد النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ما نقل عنه أولا بالصورة
المحتملة وفيه تعيين المكان وهو بيت أم سلمة وهى والدة الصحابي المذكور عمر بن أبي سلمة ربيب
النبي صلى الله عليه وسلم وفيه زيادة كون طرفي الثوب على عاتقي النبي صلى الله عليه وسلم على أن
الإسماعيلي قد أخرج الحديث المذكور من طريق عبيد الله بن موسى وفيه جميع الزيادة
فكأن عبيد الله حدث به البخاري مختصرا وفائدة ايراد المصنف الحديث المذكور ثالثا بالنزول
أيضا من رواية أبى أسامة عن هشام تصريح هشام عن أبيه بان عمر أخبره ووقع في الروايتين
الماضيتين بالعنعنة وفيه أيضا ذكر الاشتمال وهو مطابق لما تقدم من التفسير (قوله مشتملا به)
بالنصب للأكثر على الحال وفى رواية المستملى والحموي بالجر على المجاورة أو الرفع على الحذف
قال ابن بطال فائدة الالتحاف المذكور أن لا ينظر المصلى إلى عورة نفسه إذا ركع ولئلا يسقط
الثوب عند الركوع والسجود (قوله عن أبي النضر) هو المدني وأبو مرة تقدم ذكره في
العلم وعرف هنا بأنه مولى أم هانئ وهناك بأنه مولى عقيل وهو مولى أم هانئ حقيقة واما عقيل
فلكونه أخاها فنسب إلى ولائه مجازا بأدنى ملابسة أو لكونه كان يكثر ملازمة عقيل كما وقع
لمقسم مع ابن عباس وقد تقدم الكلام على أوائل هذا الحديث في الغسل في باب التستر ويأتي
الكلام عليه أيضا في صلاة الضحى وموضع الحاجة منه هنا ان أم هانئ وصفت الالتحاف
المذكور في هذه الطريق الموصولة بأنه المخالفة بين طرفي الثوب على العاتقين في الرواية المعلقة
قبل فطابق التفسير المتقدم في الترجمة (قوله زعم ابن أمي) هو علي بن أبي طالب وفى رواية الحموي
ابن أبي وهو صحيح في المعنى فإنه شقيقها وعزم هنا بمعنى ادعى وقولها قاتل رجلا فيه اطلاق
اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعل (قوله فلان بن هبيرة) بالنصب على البدل أو الرفع
على الحذف وعند أحمد والطبراني من طريق أخرى عن أبي مرة عن أم هانئ انى أجرت حموين
لي قال أبو العباس بن شريج وغيره هما جعدة بن هبيرة ورجل آخر من بنى مخزوم كانا فيمن قاتل
خالد بن الوليد ولم يقبلا الأمان فاجارتهما أم هانئ وكانا من احمائها وقال ابن الجوزي إن كان
ابن هبيرة منهما فهو جعدة كذا قال وجعدة معدود فيمن له رؤية ولم تصح له صحبه وقد ذكره
من حيث الرواية في التابعين البخاري وابن حبان وغيرهما فكيف يتهيأ لمن هذه سبيله في
صغر السن ان يكون عام الفتح مقاتلا حتى يحتاج إلى الأمان ثم لو كان ولد أم هانئ لم يهتم على بقتله
لأنها كانت قد أسلمت وهرب زوجها وترك ولدها عندها وجوز ابن عبد البر ان يكون ابنا هبيرة
من غيرها مع نقله عن أهل النسب انهم لم يذكروا لهبيرة ولدا من غير أم هانئ وجزم ابن هشام
في تهذيب السيرة بان اللذين أجارتهما أم هانئ هما الحرث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزوميان
وروى الأزرقي بسند فيه الواقدي في حديث أم هانئ هذا أنهما الحرث بن هشام وعبد الله ابن أبي
ربيعة وحكى بعضهم انهما الحرث بن هشام وهبيرة بن أبي وهب وليس بشئ لان هبيرة هرب
عند فتح مكة إلى نجران فلم يزل بها مشركا حتى مات كذا جزم به ابن إسحاق وغيره فلا يصح ذكره
فيمن أجارته أم هانئ وقال الكرماني قال الزبير بن بكار فلان بن هبيرة هو الحرث بن هشام انتهى
وقد تصرف في كلام الزبير وانما وقع عند الزبير في هذه القصة موضع فلان بن هبيرة الحرث بن هشام
والذي يظهر لي ان في رواية الباب حذفا كأنه كان فيه فلان ابن عم هبيرة فسقط لفظ عم أو كان
397

فيه فلان قريب هبيرة فتغير لفظ قريب بلفظ ابن وكل من الحرث بن هشام وزهير بن أبي أمية وعبد
الله بن أبي ربيعة يصح وصفه بأنه ابن عم هبيرة وقريبه لكون الجميع من بنى مخزوم وسيأتي الكلام
على ما يتعلق بأمان المرأة في آخر كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى (قوله أن سائلا سال) لم أقف على
اسمه لكن ذكر شمس الأئمة السرخسي الحنفي في كتابه المبسوط ان السائل ثوبان (قوله أو لكلكم)
قال الخطابي لفظه استخبار ومعناه الاخبار عما هم عليه من قلة الثياب ووقع في ضمنه الفتوى
من طريق الفحوى كأنه يقول إذا علمتم أن ستر لعورة فرض والصلاة لازمة وليس لكل أحد
منكم ثوبان فكيف لم تعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة أي مع مراعاة ستر العورة به وقال
الطحاوي معناه لو كانت الصلاة مكروهة في الثوب الواحد لكرهت لمن لا يجد الا ثوبا واحدا
انتهى وهذه الملازمة في مقام المنع للفرق بين القادر وغيره والسؤال انما كان عن الجواز
وعدمه لا عن الكراهة * (فائدة) * روى ابن حبان هذا الحديث من طريق الأوزاعي عن
ابن شهاب لكن قال في الجواب ليتوشح به ثم ليصل فيه فيحتمل ان يكونا حديثين أو حديثا
واحدا فرقة الرواة وهو الاظهر وكأن المصنف أشار إلى هذا لذكره التوشح في الترجمة والله أعلم
* (قوله باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه) أي بعضه في رواية
عاتقه بالافراد والعاتق هو ما بين المنكبين إلى أصل العنق وهو مذكر وحكى تانيثه (قوله
لا يصلى) قال ابن الأثير كذا هو في الصحيحين باثبات الياء ووجهه ان لا نافية وهو خبر بمعنى
النهى (قلت) ورواه الدارقطني في غرائب مالك من طريق الشافعي عن مالك بلفظ لا يصل
بغير ياء ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء عن مالك بلفظ لا يصلين بزيادة نون التأكيد ورواه
الإسماعيلي من طريق الثوري عن أبي الزناد بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله ليس
على عاتقيه شئ) زاد مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد منه شئ والمراد انه لا يتزر في وسطه
ويشد طرفي الثوب في حقويه بل يتوشح بهما على عاتقيه ليحصل الستر لجزء من أعالي البدن وإن كان
ليس بعورة أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة (قوله حدثنا شيبان) هو ابن عبد الرحمن
(قوله سمعته) أي قال يحيى سمعت عكرمة ثم تردد هل سمعه ابتداء أو جواب سؤال منه هذا ظاهر
هذه الرواية وأخرجه الإسماعيلي عن مكي بن عبدان عن حمدان السلمي عن أبي نعيم بلفظ سمعته
أو كتب به إلى فحصل التردد بين السماع والكتابة قال الإسماعيلي ولا أعلم أحدا ذكر فيه سماع
يحيى من عكرمة يعنى بالجزم قال وقد رويناه من طريق حسين بن محمد عن شيبان بالتردد في
السماع أو الكتابة أيضا (قلت) قد رواه الحرث بن أبي أسامة في مسنده عن يزيد بن هارون عن
شيبان نحو رواية البخاري قال سمعته أو كنت سألته فسمعته أخرجه أبو نعيم في المستخرج (قوله
أشهد) ذكره تأكيدا لحفظه واستحضاره (قوله من صلى في ثوب) زاد الكشميهني واحد ودلالته
على الترجمة من جهة ان المخالفة بين الطرفين لا تتيسر الا بجعل شئ من الثوب على العاتق كذا
قال الكرماني وأولى من ذلك ان في بعض طرق هذا الحديث التصريح بالمراد فأشار إليه المصنف
كعادته فعند أحمد من طريق معمر عن يحيى فيه فليخالف بين طرفيه على عاتقيه وكذا
للإسماعيلي وأبى نعيم من طريق حسين عن شيبان وقد حمل الجمهور هذا الامر على الاستحباب
والنهى في الذي قبله على التنزيه وعن أحمد لا تصح صلاة من قدر على ذلك فتركه جعله من الشرائط
398

وعنه تصح ويأثم جعله واجبا مستقبلا وقال الكرماني ظاهر النهى يقتضى التحريم لكن الاجماع
منعقد على جواز تركه كذا قال وغفل عما ذكره بعد قليل عن النووي من حكاية ما نقلناه عن أحمد
وقد نقل ابن المنذر عن محمد بن علي على عدم الجواز وكلام الترمذي يدل على ثبوت الخلاف أيضا
وقد تقدم ذلك قبل بباب وعقد الطحاوي له بابا في شرح المعاني ونقل المنع عن ابن عمر ثم عن طاوس
والنخعي ونقله غيره عن ابن وهب وابن جرير وجمع الطحاوي بين أحاديث الباب بان الأصل ان
يصلى مشتملا فان ضاق اتزر ونقل الشيخ تقى الدين السبكي وجوب ذلك عن نص الشافعي واختاره
لكن المعروف في كتب الشافعية خلافه واستدل الخطابي على عدم الوجوب بأنه صلى الله عليه
وسلم صلى في ثوب كان أحد طرفيه على بعض نسائه وهى نائمة قال ومعلوم ان الطرف الذي هو
لابسه من الثوب غير متسع لأن يتزر به ويفضل منه ما كان لعاتقه وفيما قاله نظر لا يخفى
والظاهر من تصرف المصنف التفصيل بين ما إذا كان الثوب واسعا فيجب وبين ما إذا كان ضيقا
فلا يجب وضع شئ منه على العاتق وهو اختيار ابن المنذر وبذلك تظهر مناسبة تعقيبه بباب إذا
كان الثوب ضيقا (قوله في بعض أسفاره) عينه مسلم في روايته من طريق عبادة بن الوليد بن عبادة
عن جابر غزوة بواط وهو بضم الموحدة وتخفيف الواو وهى من أوائل مغازيه صلى الله عليه وسلم
(قوله لبعض أمرى) أي حاجتي وفى رواية مسلم انه صلى الله عليه وسلم كان أرسله هو جبار بن
صخر لتهيئة الماء في المنزل (قوله ما السرى) أي ما سبب سراك أي سيرك في الليل (قوله ما هذا
الاشتمال) كأنه استفهام انكار قال الخطابي الاشتمال الذي أنكره هو ان يدير الثوب على بدنه
كله لا يخرج منه يده قلت كأنه أخذه من تفسير الصماء على أحد الأوجه لكن بين مسلم في
روايته ان الانكار كان بسبب ان الثوب كان ضيقا وانه خالف بين طرفيه وتواقص أي انحنى عليه
كأنه عند المخالفة بين طرفي الثوب لم يصر ساترا فانحنى ليستتر فاعلمه صلى الله عليه وسلم بان محل
ذلك ما إذا كان الثوب واسعا فاما إذا كان ضيقا فإنه يجزئه أن يتزر به لان القصد الأصلي ستر
العورة وهو يحصل بالائتزار ولا يحتاج إلى التواقص المغاير للاعتدال المأمور به (قوله كان
ثوب) كذا لأبي ذر وكريمة بالرفع على أن كان تامة ولغيرهما بالنصب أي كان المشتمل به ثوبا زاد
الإسماعيلي ضيقا (قوله حدثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان وسفيان هو الثوري وأبو حازم هو ابن
دينار وسهل هو ابن سعد (قوله كان رجال) التنكير فيه للتنويع وهو يقتضى ان بعضهم كان
بخلاف ذلك وهو كذلك ووقع في رواية أبى داود رأيت الرجال واللام فيه للجنس فهو في حكم
النكرة (قوله عاقدي أزرهم على أعناقهم) في رواية أبى داود من طريق وكيع عن الثوري عاقدي
أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر ويؤخذ منه ان الثوب إذا أمكن الالتحاف به كان أولى من
الائتزار لأنه أبلغ في التستر (قوله وقال للنساء) قال الكرماني فاعل قال هو النبي صلى الله عليه
وسلم كذا جزم به وقد وقع في رواية الكشميهني ويقال لنساء وفى رواية وكيع فقال قائل
يا معشر النساء فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من يقول لهن ذلك ويغلب على الظن
انه بلال وانما نهى النساء عن ذلك لئلا يلمحن عند رفع رؤسهن من السجود شيا من عورات
الرجال بسبب ذلك عند نهوضهم وعند أحمد وأبى داود التصريح بذلك من حديث أسماء بنت أبي
بكر ولفظه فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رؤسهم كراهية أن يرين عورات الرجال
399

ويؤخذ منه انه لا يجب التستر من أسفل * (قوله باب الصلاة في الجبة الشامية) هذه
الترجمة معقودة لجواز الصلاة في ثياب الكفار ما لم يتحقق نجاستها وانما عبر بالشامية مراعاة
للفظ الحديث وكانت الشام إذ ذاك دار كفر وقد تقدم في باب المسح على الخفين ان في بعض طرق
حديث المغيرة ان الجبة كانت صوفا وكانت من ثياب الروم ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه
وسلم لبسها ولم يستفصل وروى عن أبي حنيفة كراهية الصلاة فيها الا بعد الغسل وعن مالك ان
فعل يعيد في الوقت (قوله وقال الحسن) أي البصري وينسجها بكسر السين المهملة وضمها
وبضم الجيم (قوله المجوسي) كذا للحموي والكشميهني بلفظ المفرد والمراد الجنس وللباقين
المجوس بصيغة الجمع (قوله لم ير) أي الحسن وهو من باب التجريد أو هو مقول الراوي وهذا
الأثر وصله أبو نعيم بن حماد في نسخته المشهورة عن معتمر عن هشام عنه ولفظه لا بأس بالصلاة في
الثوب الذي ينسجه المجوسي قبل ان يغسل ولابى نعيم في كتاب الصلاة عن الربيع عن الحسن
لا بأس بالصلاة في رداء اليهودي والنصراني وكره ذلك ابن سيرين رواه ابن أبي شيبة (قوله وقال
معمر) وصله عبد الرزاق في مصنفه عنه وقوله بالبول إن كان للجنس فمحمول على أنه كان يغسله
قبل لبسه وإن كان للعهد فالمراد بول ما يؤكل لحمه لأنه كان يقول بطهارته (قوله وصلى على في
ثوب غير مقصور) أي خام والمراد انه كان جديدا لم يغسل روى ابن سعد من طريق عطاء بن محمد
قال رأيت عليا صلى وعليه قميص كرابيس غير مغسول (قوله حدثنا يحيى) هو ابن موسى البلخي
قال أبو علي الجياني روى البخاري في باب الجبة الشامية وفى الجنائز وفى تفسير الدخان عن يحيى
غير منسوب عن أبي معاوية فنسب ابن السكن الذي في الجنائز يحيى بن موسى قال ولم أجد
الآخرين منسوبين لاحد (قلت) فينبغي حمل ما أهمل على ما بين وقد جزم أبو نعيم بان الذي في
الجنائز هو يحيى بن جعفر البيكندي وذكر الكرماني انه رأى في بعض النسخ هنا مثله (قلت)
والأول أرجح لان أبا علي بن شبويه وافق ابن السكن عن الفربري على ذلك في الجنائز وهنا أيضا
ورأيت بخط بعض المتأخرين يحيى هو ابن بكير وأبو معاوية هو شيبان النحوي وليس كما قال
فليس ليحيى بن بكير عن شيبان رواية وبعد أن ردد الكرماني يحيى بين ابن موسى أو ابن جعفر أو
ابن معين قال وأبو معاوية يحتمل ان يكون شيبان النحوي وهو عجيب فان كلا من الثلاثة لم يسمع
من شيبان المذكور وجزم أبو مسعود وكذا خلف في الأطراف وتبعهما المزي بان الذي في
الجنائز هو يحيى بن يحيى وما قدمناه عن ابن السكن يرد عليهم وهو المعتمد ولا سيما وقد وافقه ابن
شبويه ولم يختلفوا في أن أبا معاوية هنا هو الضرير (قوله عن مسلم) هو أبو الضحى وقد تقدم
الكلام على فوائد حديث المغيرة في باب المسح على الخفين * (قوله باب كراهية
التعري في الصلاة) زاد الكشميهني والحموي وغيرهما (قوله حدثنا روح) هو ابن عبادة (قوله إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم) أي مع قريش لما بنوا الكعبة وكان ذلك قبل
البعثة فرواية جابر لذلك من مراسيل الصحابة فاما ان يكون سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعد ذلك أو من بعض من حضر ذلك من الصحابة والذي يظهر انه العباس وقد حدث به عن
العباس أيضا ابنه عبد الله وسياقه أتم أخرجه الطبراني وفيه فقام فاخذ ازاره وقال نهيت
ان أمشى عريانا وسيأتى ذكره في كتاب الحج مع بقية فوائده في باب بنيان الكعبة إن شاء الله تعالى
400

(قوله فجعلت) أي الازار وللكشميهني فجعلته وجواب لو محذوف إن كانت شرطية وتقديره
لكان أسهل عليك وإن كانت للتمني فلا حذف (قوله قال فحله) يحتمل ان يكون مقول جابر أو
مقول من حدثه به (قوله فما رؤى) بضم الراء بعدها همزة مكسورة ويجوز كسر الراء بعدها مدة
ثم همزة مفتوحة وفى رواية الإسماعيلي فلم يتعر بعد ذلك ومطابقة الحديث للترجمة من هذه الجملة
الأخيرة لأنها تتناول ما بعد النبوة فيتم بذلك الاستدلال وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان مصونا
عما يستقبح قبل البعثة وبعدها وفيه النهى عن التعري بحضرة الناس وسيأتي ما يتعلق بالخلوة
بعد قليل وقد ذكر ابن إسحاق في السيرة أنه صلى الله عليه وسلم تعرى وهو صغير عند حليمة فلكمه
لا كم فلم يعد يتعرى وهذا ان ثبت حمل على نفى التعري بغير ضرورة عادية والذي في حديث
الباب على الضرورة العادية والنفي فيها على الاطلاق أو يتقيد بالضرورة الشرعية كحالة النوم مع
الأهل أحيانا * (قوله باب الصلاة في القميص والسراويل) قال ابن سيده
السراويل فارسي معرب يذكر ويؤنث ولم يعرف أبو حاتم السجستاني التذكير والأشهر عدم
صرفه (قوله والتبان) بضم المثناة وتشديد الموحدة وهو على هيئة السراويل الا انه ليس له
رجلان وقد يتخذ من جلد (قوله والقباء) بالقصر وبالمد قيل هو فارسي معرب وقيل عربى
مشتق من قبوت الشئ إذا ضممت أصابعك عليه سمى بذلك لانضمام أطرافه وروى عن كعب
ان أول من لبسه سليمان بن داود عليهما السلام (قوله عن محمد) هو ابن سيرين (قوله قام رجل)
تقدم أنه لم يسم وتقدم الكلام على المرفوع منه (قوله ثم سأل رجل عمر) أي عن ذلك ولم يسم
أيضا ويحتمل أن يكون ابن مسعود لأنه اختلف هو وأبى بن كعب في ذلك فقال أبى الصلاة في
الثوب الواحد يعنى لا تكره وقال ابن مسعود انما كان ذلك وفى الثياب قلة فقام عمر على المنبر
فقال القول ما قال أبى ولم يأل ابن مسعود أي لم يقصر أخرجه عبد الرزاق (قوله جمع رجل)
هو بقية قول عمر وأورده بصيغة الخبر ومراده الامر قال ابن بطال يعنى ليجمع وليصل وقال ابن
المنير الصحيح انه كلام في معنى الشرط كأنه قال إن جمع رجل عليه ثيابه فحسن ثم فصل الجمع
بصور على معنى البدلية وقال ابن مالك تضمن هذا الحديث فائدتين إحداهما ورود الفعل
الماضي بمعنى الامر وهو قوله صلى والمعنى ليصل ومثله قولهم اتقى الله عبد والمعنى ليتق ثانيهما
حذف حرف العطف فان الأصل صلى رجل في ازار ورداء اوفى ازار وقميص ومثله قوله صلى الله
عليه وسلم تصدق امرؤ من ديناره من درهمه من صاع تمره انتهى فحصل في كل من المسئلتين
توجيهان (قوله قال وأحسبه) قائل ذلك أبو هريرة والضمير في أحسبه راجع إلى عمرو انما لم
يحصل الجزم بذلك لامكان ان عمر أهمل ذلك لان التبان لا يستر العورة كلها بناء على أن الفخذ من
العورة فالستر به حاصل مع القباء ومع القميص وأما مع الرداء فقد لا يحصل ورأى أبو هريرة أن
انحصار القسمة يقتضى ذكر هذه الصورة وان الستر قد يحصل بها إذا كان الرداء سابغا ومجموع
ما ذكر عمر من الملابس ستة ثلاثة للوسط وثلاثة لغيره فقدم ملابس الوسط لأنها محل ستر العورة
وقدم أسترها أو أكثرها استعمالا لهم وضم إلى كل واحد واحدا فخرج من ذلك تسع صور من
ضرب ثلاثة في ثلاثة ولم يقصد الحصر في ذلك بل يلحق بذلك ما يقوم مقامه وفى هذا الحديث
دليل على وجوب الصلاة في الثياب لما فيه من أن الاقتصار على الثوب الواحد كان لضيق الحال
401

وفيه ان الصلاة في الثوبين أفضل من الثوب الواحد وصرح القاضي عياض بنفي الخلاف في
ذلك لكن عبارة ابن المنذر قد تفهم اثباته لأنه لما حكى عن الأئمة جواز الصلاة في الثوب الواحد
قال وقد استحب بعضهم الصلاة في ثوبين وعن أشهب فيمن اقتصر على الصلاة في السراويل مع
القدرة يعيد في القوت الا إن كان صفيقا وعن بعض الحنفية يكره * (فائدة) * روى ابن حبان
حديث الباب من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب فادرج الموقوف في المرفوع ولم يذكر عمر
ورواية حماد بن زيد هذه المفصلة أصح وقد وافقه على ذلك حماد بن سلمة فرواه عن أيوب وهشام
وحبيب وعاصم كلهم عن ابن سيرين أخرجه ابن حبان أيضا وأخرج مسلم حديث ابن علية
فاقتصر على المتفق على رفعه وحذف الباقي وذلك من حسن تصرفه والله أعلم (قوله حدثنا عاصم
ابن علي) هو الواسطي (قوله سأل رجل) تقدم في آخر كتاب العلم أنه لم يسم وأخرنا الكلام عليه إلى
موضعه في الحج وموضع الحاجة منه هنا ان الصلاة تجوز بدون القميص والسراويل وغيرهما
من المخيط لأمر المحرم باجتناب ذلك وهو مأمور بالصلاة (قوله حتى يكونا) في رواية الحموي
والمستملى حتى يكون بالافراد أي كل واحد منهما (قوله وعن نافع) معطوف على قوله عن الزهري
وذلك بين في الرواية الماضية في آخر كتاب العلم فإنه أخرجه هناك عن آدم عن ابن أبي ذئب فقدم
طريق نافع وعطف عليها طريق الزهري عكس ما هنا وزعم الكرماني ان قوله وعن نافع تعليق
من البخاري وقد قدمنا ان التجويزات العقلية لا يليق استعمالها في الأمور النقلية والله الموفق
* (قوله باب ما يستر من العورة) أي خارج الصلاة والظاهر من تصرف المصنف انه
يرى أن الواجب ستر السوأتين فقط وأما في الصلاة فعلى ما تقدم من التفصيل وأول أحاديث
الباب يشهد له فإنه قيد النهى بما إذا لم يكن على الفرج شئ أي يستره ومقتضاه أن الفرج إذا
كان مستورا فلا نهى (قوله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) أي ابن مسعود (عن أبي سعيد)
هكذا رواه الليث عن ابن شهاب ووافقه ابن جريج كما أخرجه المصنف في اللباس ورواه في اللباس
أيضا من طريق أخرى عن الليث أيضا عن يونس عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبي سعيد
وسياقه أتم وفيه النهى عن الملامسة والمنابذة أيضا وفيه تفسير جميع ذلك ورواه في الاستئذان
من طريق سفيان عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد بنحو رواية يونس لكن بدون
التفسير والطرق الثلاثة صحيحة وابن شهاب سمع حديث أبي سعيد من ثلاثة من أصحابه فحدث
به عن كل منهم بمفرده (قوله عن اشتمال الصماء) هو بالصاد المهملة والمد قال أهل اللغة هو أن
يخلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبا ولا يبقى ما يخرج منه يده قال ابن قتيبة سميت صماء لأنه يسد
المنافذ كلها فتصير كالصخرة الصماء التي ليس فها خرق وقال الفقهاء هو أن يلتحف بالثوب ثم
يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديا قال النووي فعلى تفسير أهل اللغة
يكون مكروها لئلا يعرض له حاجة فيتعسر عليه اخراج يده فيلحقه الضرر وعلى تفسير
الفقهاء يحرم لأجل انكشاف العورة (قلت) ظاهر سياق المصنف من رواية يونس في اللباس
ان التفسير المذكور فيها مرفوع وهو موافق لما قال الفقهاء ولفظه والصماء أن يجعل ثوبه على
أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه وعلى تقدير أن يكون موقوفا فهو حجة على الصحيح لأنه تفسير من
الراوي لا يخالف ظاهر الخبر (قوله وأن يحتبى) الاحتباء أن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه
402

ويلف عليه ثوبا ويقال له الحبوة وكانت من شان العرب وفسرها في رواية يونس المذكورة
بنحو ذلك (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري (قوله عن بيعتين) بفتح الموحدة ويجوز كسرها على
إرادة الهيئة واللماس بكسر أوله وكذا النباذ وأوله نون ثم موحدة خفيفة وآخره معجمة وسيأتي
تفسيرهما في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى والمطلق في الاحتباء هنا محمول على المقيد في
الحديث الذي قبله (قوله حدثنا إسحاق) كذا للأكثر غير منسوب وردده الحفاظ بين ابن منصور
وبين ابن راهويه ووقع في نسختي من طريق أبي ذر إسحاق بن إبراهيم فتعين انه ابن راهويه إذ لم
يرو البخاري عن إسحاق ابن أبي إسرائيل واسمه إبراهيم شيئا ولا عن الصواف وهو دونهما في
الطبقة (قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم) أي ابن سعد ورواة هذا الاسناد سوى صحابيه وشيخ
المصنف زهريون وهم أربعة (قوله أن لا يحج) كذا للأكثر وللكشميهني ألا لا يحج بأداة الاستفتاح
قبل حرف النهى وقد تقدمت الإشارة إلى هذا الحديث في باب وجوب الصلاة في الثياب وسيأتي
الكلام على بقية مباحثه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى * (قوله باب الصلاة بغير
رداء) تقدم الكلام على حديث جابر في باب عقد الازار على القفا وقوله هنا (ملتحفا به) كذا
للأكثر بالنصب على الحال وللمستملى والحموي ملتحف بالرفع على الحذف وفى نسختي عنهما
بالجر على المجاورة وقوله في آخره يصلى كذا في رواية الكشميهني يصلى هكذا وقوله الجهال
مثلكم لفظ المثل مفرد لكنه اسم جنس فلذلك طابق لفظ الجهال وهو جمع أو اكتسى
الجمعية من الإضافة * (قوله باب ما يذكر في الفخذ) أي في حكم الفخذ وللكشميهني
من الفخذ (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف وسقط من رواية الأكثر (قوله ويروى عن ابن
عباس) وصله الترمذي وفى اسناده أبو يحيى القتات بقاف ومثناتين وهو ضعيف مشهور بكنيته
واختلف في اسمه على ستة أقوال أو سبعة أشهرها دينار (قوله وجرهد) بفتح الجيم وسكون الراء
وفتح الهاء وحديثه موصول عند مالك في الموطأ والترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وضعفه
المصنف في التاريخ للاضطراب في اسناده وقد ذكرت كثيرا من طرقه في تعليق التعليق (قوله
ومحمد بن جحش) هو محمد بن عبد الله بن جحش نسب إلى جده ولأبيه عبد الله صحبة وزينب بنت
جحش أم المؤمنين هي عمته وكان محمد صغيرا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد حفظ عنه وذلك
بين في حديثه هذا فقد وصله أحمد والمصنف في التاريخ والحاكم في المستدرك كلهم من طريق
إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي كثير مولى محمد بن جحش عنه قال مر النبي صلى
الله عليه وسلم وأنا معه على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال يا معمر غط عليك فخذيك فان
الفخذين عورة رجاله رجال الصحيح غير أبى كثير فقد روى عنه جماعة لكن لم أجد فيه تصريحا
بتعديل ومعمر المشار إليه هو معمر بن عبد الله بن نضلة القرشي العدوي وقد أخرج ابن قانع
هذا الحديث من طريقه أيضا ووقع لي حديث محمد بن جحش مسلسلا بالمحمديين من ابتدائه إلى
انتهائه وقد أمليته في الأربعين المتباينة (قوله وقال أنس حسر) بمهملات مفتوحات أي
كشف وقد وصل المصنف حديث أنس في الباب كما سيأتي قريبا (قوله وحديث انس أسند) أي
أصح اسنادا كأنه يقول حديث جرهد ولو قلنا بصحته فهو مرجوح بالنسبة إلى حديث أنس
403

(قوله وحديث جرهد) أي وما معه أحوط أي للدين وهو يحتمل أن يريد بالاحتياط الوجوب
أو الورع وهو أظهر لقوله حتى يخرج من اختلافهم ويخرج في روايتنا مضبوطة بفتح النون
وضم الراء وفى غيرها بضم الياء وفتح الراء (قوله وقال أبو موسى) أي الأشعري والمذكور هنا من
حديثه طرف من قصة أوردها المصنف في المناقب من رواية عاصم الأحول عن أبي عثمان
النهدي عنه فذكر الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد
انكشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان غطاها وعرف بهذا الرد على الداودي الشارح
حيث زعم أن هذه الرواية المعلقة عن أبي موسى وهم وانه دخل حديث في حديث وأشار إلى
ما رواه مسلم من حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي كاشفا
عن فخذيه أو ساقيه الحديث وفيه فلما استأذن عثمان جلس وهو عند أحمد بلفظ كاشفا عن فخذه
من غير تردد وله من حديث حفصة مثله وأخرجه الطحاوي والبيهقي من طريق ابن جريج قال
أخبرني أبو خالد عن عبد الله بن سعيد المدني حدثتني حفصة بنت عمر قالت كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم عندي يوما وقد وضع ثوبه بين فخذيه فدخل أبو بكر الحديث وقد بان بما قدمناه
انه لم يدخل على البخاري حديث في حديث بل هما قصتان متغايرتان في إحداهما كشف
الركبة وفى الأخرى كشف الفخذ والأولى من رواية أبى موسى وهى المعلقة هنا والاخرى من
رواية عائشة ووافقتها حفصة ولم يذكرهما البخاري (قوله وقال زيد بن ثابت) هو أيضا طرف من
حديث موصول عند المصنف في تفسير سورة النساء في نزول قوله تعالى لا يستوى القاعدون من
المؤمنين الآية وقد اعترض الإسماعيلي استدلال المصنف بهذا على أن الفخذ ليست بعورة لأنه
ليس فيه التصريح بعدم الحائل قال ولا يظن ظان أن الأصل عدم الحائل لأنا نقول العضو
الذي يقع عليه الاعتماد يخبر عنه بأنه معروف الموضع بخلاف الثوب انتهى والظاهر أن المصنف
تمسك بالأصل والله أعلم (قوله أن ترض) أي تكسر وهو بفتح أوله وضم الراء ويجوز عكسه
(قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم) هو الدورقي (قوله فصلينا عندها) أي خارجا منها (قوله صلاة
الغداة) فيه جواز اطلاق ذلك على صلاة الصبح خلافا لمن كرهه (قوله وأنا رديف أبى طلحة) فيه
جواز الارداف ومحله ما إذا كانت الدابة مطيقة (قوله فاجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي
مركوبه (قوله وان ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم حسر الازار عن فخذه حتى أنى
أنظر) وفى رواية الكشميهني لأنظر (إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم) هكذا وقع في
رواية البخاري ثم إنه حسر والصواب انه عنده بفتح المهملتين ويدل على ذلك تعليقه الماضي في
أوائل الباب حيث قال وقال أنس حسر النبي صلى الله عليه وسلم وضبطه بعضهم بضم أوله
وكسر ثانيه على البناء للمفعول بدليل رواية مسلم فانحسر وليس ذلك بمستقيم إذ لا يلزم من وقوعه
كذلك في رواية مسلم أن يقع عند البخاري على خلافه ويكفى في كونه عند البخاري بفتحتين
ما تقدم من التعليق وقد وافق مسلما على روايته بلفظ فانحسر أحمد بن حنبل عن ابن علية وكذا
رواه الطبراني عن يعقوب شيخ البخاري ورواه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن يعقوب
المذكور ولفظه فاجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر إذ خر الازار قال الإسماعيلي
هكذا وقع عندي خر بالخاء المعجمة والراء فإن كان محفوظا فليس فيه دليل على ما ترجم به وان
404

كانت روايته هي المحفوظة فهي دالة على أن الفخذ ليست بعورة انتهى وهذا مصير منه إلى أن
رواية البخاري بفتحتين كما قدمناه أي كشف الازار عن فخذه عند سوق مركوبه ليتمكن من
ذلك قال القرطبي حديث أنس وما معه انما ورد في قضايا معينة في أوقات مخصوصة يتطرق
إليها من احتمال الخصوصية أو البقاء على أصل الإباحة ما لا يتطرق إلى حديث جرهد وما معه
لأنه يتضمن اعطاء حكم كلي واظهار شرع عام فكان العمل به أولى ولعل هذا هو مراد المصنف
بقوله وحديث جرهد أحوط قال النووي ذهب أكثر العلماء إلى أن الفخذ عورة وعن أحمد
ومالك في رواية العورة القبل والدبر فقط وبه قال أهل الظاهر وابن جرير والاصطخري (قلت)
في ثبوت ذلك عن ابن جرير نظر فقد ذكر المسئلة في تهذيبه ورد على من زعم أن الفخذ ليست
بعورة ومما احتجوا به قول أنس في هذا الحديث وان ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم
إذ ظاهره ان المس كان بدون الحائل ومس العورة بدون حائل لا يجوز وعلى رواية مسلم ومن تابعه
في أن الازار لم ينكشف بقصد منه صلى الله عليه وسلم يمكن الاستدلال على أن الفخذ ليست
بعورة من جهة استمراره على ذلك لأنه وان جاز وقوعه من غير قصد لكن لو كانت عورة لم يقر على
ذلك لمكان عصمته صلى الله عليه وسلم ولو فرض أن ذلك وقع لبيان التشريع لغير المختار لكان
ممكنا لكن فيه نظر من جهة انه كان يتعين حينئذ البيان عقبه كما في قضية السهو في الصلاة وسياقه
عند أبي عوانة والجوزقي من طريق عبد الوارث عن عبد العزيز ظاهر في استمرار ذلك ولفظه
فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وان ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه
وسلم وانى لأرى بياض فخذيه (قوله فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر) قيل مناسبة ذلك
القول أنهم استقبلوا الناس بمساحيهم ومكاتلهم وهى من آلات الهدم (قوله قال عبد العزيز)
هو الراوي عن أنس (وقال بعض أصحابنا) أي أنه لم يسمع من أنس هذه اللفظة بل سمع منه فقالوا
محمد وسمع من بعض أصحابه عنه والخميس ووقع في رواية أبى عوانة والجوزقي المذكورة فقالوا
محمد والخميس من غير تفصيل فدلت رواية ابن علية هذه على أن في رواية عبد الوارث ادراجا وكذا
وقع لحماد بن زيد عن عبد العزيز وثابت كما سيأتي في آخر صلاة الخوف وبعض أصحاب عبد العزيز
ويحتمل أن يكون محمد بن سيرين فقد أخرجه البخاري من طريقه أو ثابتا البناني فقد أخرجه مسلم
من طريقه (قوله يعنى الجيش) تفسير من عبد العزيز أو ممن دونه وأدرجها عبد الوارث في
روايته أيضا وسمى الجيش خميسا لأنه خمسة أقسام مقدمة وساقة وقلب وجناحان وقيل من
تخميس الغنيمة وتعقبه الأزهري بان التخميس انما ثبت بالشرع وقد كان أهل الجاهلية يسمون
الجيش خميسا فبأن أن القول الأول أولى (قوله عنوة) بفتح المهملة أي قهرا (قوله أعطني جارية)
يحتمل أن يكون اذنه له في أخذ الجارية على سبيل التنفيل له اما من أصل الغنيمة أو من خمس الخمس
بعد أن ميز أو قبل على أن تحسب منه إذا ميز أو أذن له في أخذها لتقوم عليه بعد ذلك وتحسب
من سهمه (قوله فاخذ) أي فذهب فاخذ (قوله فجاء رجل) لم أقف على اسمه (قوله خذ جارية من
السبى غيرها) ذكر الشافعي في الام عن سير الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم اعطاء أخت كنانة
ابن الربيع بن أبي الحقيق انتهى وكان كنانة زوج صفية فكأنه صلى الله عليه وسلم طيب خاطره لما
استرجع منه صفية بان أعطاه أخت زوجها واسترجاع النبي صلى الله عليه وسلم صفية منه محمول
405

على أنه انما أذن له في أخذ جارية من حشو السبى لا في أخذ أفضلهن فجاز استرجاعها منه لئلا
يتميز بها على باقي الجيش مع أن فيهم من هو أفضل منه ووقع في رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه
وسلم اشترى صفية منه بسبعة أرؤس واطلاق الشراء على ذلك على سبيل المجاز وليس في قوله
سبعة أرؤس ما ينافي قوله هنا خذ جارية إذ ليس هنا دلالة على نفى الزيادة وسنذكر بقية مباحث
هذا الحديث في غزوة خيبر من كتاب المغازي والكلام على قوله أعتقها وتزوجها في كتاب النكاح
إن شاء الله تعالى (قوله فقال له) أي لأنس وثابت هو البناني وأبو حمزة كنية أنس وأم سليم والدة
أنس (قوله فاهدتها) أي زفتها (قوله وأحسبه) أي انسا قد ذكر السويق وجزم عبد الوارث
في روايته بذكر السويق فيه (قوله فحاسوا) بمهملتين أي خلطوا والحيس بفتح أوله خليط السمن
والتمر والأقط قال الشاعر
التمر والسمن جميعا والنقط * الحيس الا أنه لم يختلط
وقد يخلط مع هذه الثلاثة غيرها كالسويق وسيأتى بقية فوائد ذلك في كتاب الوليمة إن شاء الله
تعالى * (قوله باب) بالتنوين (في كم) بحذف المميز أي كم ثوبا (تصلى المرأة) من الثياب
قال ابن المنذر بعد أن حكى عن الجمهور أن الواجب على المرأة أن تصلى في درع وخمار المراد بذلك
تغطية بدنها ورأسها فلو كان الثوب واسعا فغطت رأسها بفضله جاز قال وما رويناه عن عطاء أنه قال
تصلى في درع وخمار وازار وعن ابن سيرين مثله وزاد وملحفة فانى أظنه محمولا على الاستحباب
(قوله وقال عكرمة) يعنى مولى ابن عباس (قوله جاز) وفى رواية الكشميهني لأجزته بفتح الجيم
وسكون الزاي وأثره هذا وصله عبد الرزاق ولفظه لو أخذت المرأة ثوبا فتقنعت به حتى لا يرى من
شعرها شئ أجزأ عنها (قوله إن عائشة قالت لقد) اللام في لقد جواب قسم محذوف (قوله
متلفعات) قال الأصمعي التلفع أن تشتمل بالثوب حتى تجلل به جسدك وفى شرح الموطأ لابن
حبيب التلفع لا يكون الا بتغطية الرأس والتلفف يكون بتغطية الرأس وكشفه والمروط جمع
مرط بكسر أوله كساء من خز أو صوف أو غيره وعن النضر بن شميل ما يقتضى انه خاص بلبس
النساء وقد اعترض على استدلال المصنف به على جواز صلاة المرأة في الثوب الواحد بان الالتفاع
المذكور يحتمل أن يكون فوق ثياب أخرى والجواب عنه أنه تمسك بان الأصل عدم الزيادة على
ما ذكر على أنه لم يصرح بشئ الا أن اختياره يؤخذ في العادة من الآثار التي يودعها في الترجمة
(قوله ما يعرفهن أحد) زاد في المواقيت من الغلس وهو يعين أحد الاحتمالين هل عدم المعرفة
بهن لبقاء الظلمة أو لمبالغتهن في التغطية وسيأتي الكلام على بقية مباحثه في المواقيت إن شاء الله
تعالى * (قوله باب إذا صلى في ثوب له اعلام ونظر إلى علمها) قال الكرماني في رواية
ونظر إلى علمه والتأنيث في علمها باعتبار الخميصة (قوله خميصة) بفتح المعجمة وكسر الميم وبالصاد
المهملة كساء مربع له علمان والأنبجانية بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتخفيف
الجيم وبعد النون ياء النسبة كساء غليظ لا علم له وقال ثعلب يجوز فتح همزته وكسرها وكذا
الموحدة يقال كبش انبجاني إذا كان ملتفا كثير الصوف وكساء انبجاني كذلك وأنكر أبو
موسى المديني على من زعم أنه منسوب إلى منبج البلد المعروف بالشام قال صاحب الصحاح إذا
نسبت إلى منبج فتحت الباء فقلت كساء منبجاني أخرجوه محرج منظراني وفى الجمهرة منبج موضع
406

أعجمي تكلمت به العر ب ونسبوا إليه الثياب المنبجانية وقال أبو حاتم السجستاني لا يقال
كساء انبجاني وانما يقال منبجاني قال وهذا مما تخطئ فيه العامة وتعقبه أبو موسى كما تقدم
فقال الصواب ان هذه النسبة إلى الموضع يقال له انبجان والله أعلم (قوله إلى أبى جهم) هو عبيد
ويقال عامر بن حذيفة القرشي العدوي صحابي مشهور وانما خصه صلى الله عليه وسلم بارسال
الخميصة لأنه كان أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم كما رواه مالك في الموطأ من طريق أخرى عن
عائشة قالت أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها علم فشهد
فيها الصلاة فلما انصرف قال ردى هذه الخميصة إلى أبى جهم ووقع عند الزبير بن بكار ما يخالف
ذلك فاخرج من وجه مرسل أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بخميصتين سوداوين فلبس
إحداهما وبعث الأخرى إلى أبى جهم ولأبى داود من طريق أخرى وأخذ كرديا لأبي جهم فقيل
يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخميصة كانت خيرا من الكردي قال ابن بطال انما طلب منه ثوبا غيرها ليعلمه أنه
لم يرد عليه هديته استخفافا به قال وفيه ان الواهب إذا ردت عليه عطيته من غير أن يكون هو
الراجع فيها فله أن يقبلها من غير كراهة (قلت) وهذا مبنى على انها واحدة ورواية الزبير والتي
بعدها تصرح بالتعدد (قوله ألهتني) أي شغلتني يقال لهى بالكسر إذا غفل غنم ولهى بالفتح إذا
لعب (قوله آنفا) أي قريبا وهو مأخوذ من ائتناف الشئ أي ابتدائه (قوله عن صلاتي)
أي عن كمال الحضور فيها كذا قيل والطريق الآتية المعلقة تدل على أنه لم يقع له شئ من ذلك
وانما خشى أن يقع لقوله فأخاف وكذا في رواية مالك فكاد فتؤول الرواية الأولى قال ابن دقيق
العيد فيه مبادرة الرسول إلى مصالح الصلاة ونفى ما لعله يخدش فيها وأما بعثه بالخميصة إلى أبى
جهم فلا يلزم منه أن يستعملها في الصلاة ومثله قوله في حلة عطارد حيث بعث بها إلى عمر انى لم
أبعث بها إليك لتلبسها ويحتمل أن يكون ذلك من جنس قوله كل فانى أناجي من لا تناجى ويستنبط
منه كراهية كل ما يشغل عن الصلاة من الاصباغ والنقوش ونحوها وفيه قبول الهدية من
الأصحاب والارسال إليهم والطلب منهم واستدل به الباجي على صحة المعاطاة لعدم ذكر الصيغة
وقال الطيبى فيه ايذان بان للصور والأشياء الظاهرة تأثيرا في القلوب الطاهرة والنفوس الزكية
يعنى فضلا عمن دونها (قوله وقال هشام بن عروة) أخرجه أحمد وابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود
من طريقه ولم أر في شئ من طرقهم هذا اللفظ نعم اللفظ الذي ذكرناه عن الموطأ قريب من هذا
اللفظ المعلق ولفظه فانى نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني والجمع بين الروايتين بحمل
بقوله ألهتني على قوله كادت فيكون اطلاق الأولى للمبالغة في القرب لا لتحقق وقوع الالهاء
* (تنبيه) * قوله فأخاف أن تفتنني في روايتنا بكسر المثناة وتشديد النون وفى رواية الباقين
باظهار النون الأولى وهو بفتح أوله من الثلاثي * (قوله باب ان صلى في ثوب مصلب)
بفتح اللام المشددة أي فيه صلبان منسوجة أو منقوشة أو تصاوير أي في ثوب ذي تصاوير كأنه
حذف المضاف لدلالة المعنى عليه وقال الكرماني هو عطف على ثوب لا على مصلب والتقدير
أو صلى في تصاوير ووقع عند الإسماعيلي أو بتصاوير وهو يرجح الاحتمال الأول وعند أبى نعيم
في ثوب مصلب أو مصور (قوله هل تفسد صلاته) جرى المصنف على قاعدته في ترك الجزم فيما
فيه اختلاف وهذا من المختلف فيه وهذا مبنى على أن النهى هل يقتضى الفساد أم لا والجمهور
407

إن كان لمعنى في نفسه واقتضاه والا فلا (قوله وما ينهى من ذلك) أي وما ينهى عنه من ذلك وفى
رواية غير أبي ذر وما ينهى عن ذلك وظاهر حديث الباب لا يوفى بجميع ما تضمنته الترجمة الا بعد
التأمل لان الستر وإن كان ذا تصاوير لكنه لم يلبسه ولم يكن مصلبا ولا نهى عن الصلاة فيه صريحا
والجواب أما أولا فان منع لبسه بطريق الأولى وأما ثانيا فالحاق المصلب بالمصور لاشتراكهما
في أن كلا منهما قد عبد من دون الله تعالى وأما ثالثا فالامر بالإزالة مستلزم للنهي عن الاستعمال
ثم ظهر لي أن المصنف أراد بقوله مصلب الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق هذا الحديث كعادته
وذلك فيما أخرجه في اللباس من طريق عمران عن عائشة قالت لم يكن رسول الله صلى الله عليه
وسلم يترك في بيته شيا فيه تصليب الا نقضه وللإسماعيلي سترا أو ثوبا (قوله عبد الوارث)
هو ابن سعيد والاسناد كله بصريون (قوله قرام) بكسر القاف وتخفيف الراء ستر رقيق من
صوف ذو ألوان (قوله اميطي) أي أزيلي وزنا ومعنى (قوله لا تزال تصاوير) كذا في روايتنا
وللباقين باثبات الضمير والهاء في روايتنا في فإنه ضمير الشأن وعلى الأخرى يحتمل أن تعود على
الثوب (قوله تعرض) بفتح أوله وكسر الراء أي تلوح وللإسماعيلي تعرض بفتح العين وتشديد
الراء وأصله تتعرض ودل الحديث على أن الصلاة لا تفسد بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقطعها
ولم يعدها وسيأتي في كتاب اللباس بقية الكلام على طرق حديث عائشة في هذا والتوفيق بين
ما ظاهره الاختلاف منها إن شاء الله تعالى والله أعلم * (قوله باب من صلى في
فروج) بفتح الباء وتشديد الراء المضمومة وآخره جيم هو القباء المفرج من خلف وحكى أبو زكريا
التبريزي عن أبي العلاء المعرى جواز ضم أوله وتخفيف الراء (قوله عن يزيد) زاد الأصيلي هو
ابن أبي حبيب وأبو الخير هو اليزني بفتح الزاي بعدها نون والاسناد كله مصريون (قوله أهدى)
بضم أوله والذي أهداه هو أكيد كما سيأتي في اللباس وظاهر هذا الحديث أن صلاته صلى الله
عليه وسلم فيه كانت قبل تحريم لبس الحرير ويدل على ذلك حديث جابر عند مسلم بلفظ صلى في
قباء ديباج ثم نزعه وقال نهاني جبريل ويدل عليه أيضا مفهوم قوله لا ينبغي هذا للمتقين
لان المتقى وغيره في التحريم سواء ويحتمل أن يراد بالمتقى المسلم أي المتقى للكفر ويكون النهى
سبب النزع ويكون ذلك ابتداء التحريم وإذا تقرر هذا فلا حجة فيه لمن أجاز الصلاة في ثياب
الحرير لكونه صلى الله عليه وسلم لم يعد تلك الصلاة لان ترك اعادتها لكونها وقعت قبل التحريم
أما بعده فعند الجمهور تجزئ لكن مع التحريم وعن مالك يعيد في الوقت والله أعلم * (قوله
باب الصلاة في الثوب الأحمر) يشير إلى الجواز والخلاف في ذلك مع الحنفية فإنهم قالوا
يكره وتأولوا حديث الباب بأنها كانت حلة من برود فيها خطوط حمر ومن أدلتهم ما أخرجه أبو
داود من حديث عبد الله بن عمرو قال مر بالنبي صلى الله عليه وسلم رجل وعليه ثوبان أحمران فسلم
عليه فلم يرد عليه وهو حديث ضعيف الاسناد وان وقع في بعض نسخ الترمذي أنه قال حديث
حسن لان في سنده كذا وعلى تقدير أن يكون مما يحتج به فقد عارضه ما هو أقوى منه وهو واقعة
عين فيحتمل أن يكون ترك الرد عليه بسبب آخر وحمله البيهقي على ما صبغ بعد النسج وأما ما صبغ
غزله ثم نسج فلا كراهية فيه وقال ابن التين زعم بعضهم ان لبس النبي صلى الله عليه وسلم لتلك
الحلة كان من أجل الغزو وفيه نظر لأنه كان عقب حجة الوداع ولم يكن له إذ ذاك غزو (قوله أخذ
408

وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح الواو أي الماء الذي توضأ به وقد تقدم استدلال
المصنف به على طهارة الماء المستعمل ويأتي باقي مباحثه في أبواب السترة إن شاء الله تعالى
* (قوله باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب) يشير بذلك إلى الجواز والخلاف
في ذلك عن بعض التابعين وعن المالكية في المكان المرتفع لمن كان إماما (قوله قال أبو
عبد الله) هو المصنف والحسن هو البصري والجمد بفتح الجيم وسكون الميم بعدها دال مهملة
الماء إذا جمد وهو مناسب لاثر ابن عمر الآتي انه صلى على الثلج وحكى ابن قرقول ان رواية
الأصيلي وأبي ذر بفتح الميم قال القزاز الجمد محرك الميم هو الثلج نقل ابن التين عن الصحاح
الجمد بضم الجيم والميم وبسكون الميم أيضا مثل عسر وعسر المكان الصلب المرتفع (قلت)
وليس ذلك مرادا هنا بل صوب ابن قرقول وغير الأول لأنه المناسب للقناطر لاشتراكهما في أن
كلا منهما قد يكون تحته ما ذكر من البول وغيره والغرض ان إزالة النجاسة يختص بما
لاقي المصلى أما مع الحائل فلا (قوله وصلى أبو هريرة على ظهر المسجد) وللمستملى على سقف
وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة من طريق صالح مولى التوأمة قال صليت مع أبي هريرة فوق
المسجد بصلاة الامام وصالح فيه ضعف لكن رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن أبي هريرة
فاعتضد (قوله حدثنا علي بن عبد الله) هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وأبو حازم هو ابن
دينار (قوله ما بقى بالناس) وللكشمهيني في الناس (أعلم منى) أي بذلك (قوله من أثل) بفتح
الهمزة وسكون المثلثة شجر معروف والغابة بالمعجمة والموحدة موضع معروف من عوالي المدينة
(قوله عمله فلان مولى فلانة) اختلف في اسم النجار المذكور كما سيأتي في الجمعة وأقربها ما رواه أبو
سعيد في شرف المصطفى من طريق ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن عباس بن سهل عن أبيه قال
كان بالمدينة نجار واحد يقال له ميمون فذكر قصة المنبر وأما المرأة فلا يعرف اسمها لكنها أنصارية
ونقل ابن التين عن مالك ان النجار كان مولى لسعد بن عبادة فيحتمل أن يكون الأصل مولى
امرأته ونسب إليه مجازا واسم امرأته فكيهة بنت عبيد بن دليم وهى ابنة عمه أسلمت وبايعت
فيحتمل أن تكون هي المرادة لكن رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن ابن عيينة فقال مولى
لبنى بياضة وأما ما وقع في الدلائل لأبي موسى المديني نقلا عن جعفر المستغفري أنه قال في أسماء
النساء من الصحابة علاثة بالعين المهملة وبالمثلثة ثم ساق هذا الحديث من طريق يعقوب بن
عبد الرحمن عن أبي حازم قال وفيه أرسل إلى علاثة امرأة قد سماها سهل فقد قال أبو موسى صحف
فيه جعفر أو شيخه وانما هو فلانة انتهى ووقع عند الكرماني قيل اسمها عائشة وأظنه صحف
المصحف ولو ذكر مستنده في ذلك لكان أولى ثم وجدت في الأوسط للطبراني من حديث جابر ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى إلى سارية في المسجد ويخطب إليها ويعتمد عليها فأمرت
عائشة فصنعت له منبره هذا فذكر الحديث واسناده ضعيف ولو صح لما دل على أن عائشة هي
المرادة في حديث سهل هذا الا بتعسف والله أعلم والغرض من ايراد هذا الحديث في هذا اللباب
جواز الصلاة على المنبر وفيه جواز اختلاف موقف الإمام والمأموم في العلو والسفل وقد صرح
409

بذلك المصنف في حكايته عن شيخه علي بن المديني عن أحمد بن حنبل ولابن دقيق العيد في ذلك
بحث فإنه قال من أراد أن يستدل به على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم لان اللفظ
لا يتناوله ولانفراد الأصل بوصف معتبر تقتضى المناسبة اعتباره فلا بد منه وفيه دليل على جواز
العمل اليسير في الصلاة كما سيأتي في موضعه (قوله قال فقلت) أي قال على لأحمد بن حنبل
(قوله فلم تسمعه منه قال لا) صريح في أن أحمد بن حنبل لم يسمع هذا الحديث من ابن عيينة
وقد راجعت مسنده فوجدته قد أخرج فيه عن ابن عيينة بهذا الاسناد من هذا الحديث قول
سهل كان المنبر من أثل الغابة فقط فتبين ان المنفى في قوله فلم تسمعه منه قال لا جميع الحديث
لا بعضه والغرض منه هنا وهو صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر داخل في ذلك البعض فلذلك
سأل عنه عليا وله عنده طريق أخرى من رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه وفى الحديث
جواز الصلاة على الخشب وكره ذلك الحسن وابن سيرين أخرجه ابن أبي شيبة عنهما وأخرج أيضا
عن ابن مسعود وابن عمر نحوه وعن مسروق انه كان يحمل لبنة ليسجد عليها إذا ركب السفينة
وعن ابن سيرين نحوه والقول بالجواز هو المعتمد (قوله حدثنا محمد بن عبد الرحيم) هو الحافز
المعروف بصاعقة (قوله عن أنس) في رواية سعيد بن منصور عن هشيم عن حميد حدثنا أنس
(قوله فجحشت) بضم الجيم وكسر المهملة بعدها شين معجمة والجحش الخدش أو أشد منه قليلا
(قوله ساقه أو كتفه) شك من الراوي وفى رواية بشر بن المفضل عن حميد عند الإسماعيلي
انفكت قدمه وفى رواية الزهري عن أنس في الصحيحين فجحش شقه الأيمن وهى أشمل مما
قبلها (قوله وآلى من نسائه) أي حلف أن لا يدخل عليهن شهرا وليس المراد به الايلاء
المتعارف بين الفقهاء (قوله مشربة) بفتح أوله وسكون المعجمة وبضم الراء ويجوز فتحها هي
الغرفة المرتفعة (قوله من جذوع) كذا للأكثر بالتنوين بغير إضافة وللكشميهني من جذوع
النخل والغرض من هذا الحديث هنا صلاته صلى الله عليه وسلم في المشربة وهى معمولة من
الخشب قاله ابن بطال وتعقب بأنه لا يلزم من كون درجها من خشب أن تكون كلها خشبا
فيحتمل أن يكون الغرض منه بيان جواز الصلاة على السطح إذ هي سقف في الجملة وسيأتى
الكلام على بقية فوائده في أبواب الإمامة إن شاء الله تعالى * (قوله باب إذا أصاب
ثوب المصلى امرأته إذا سجد) أي هل تفسد صلاته أم لا والحديث دال على الصحة (قوله عن خالد)
هو ابن عبد الله الواسطي وسليمان الشيباني هو أبو إسحاق مشهور بكنيته وقد تقدم الكلام على
هذا الحديث في الطهارة واستدل به هناك على أن عين الحائض طاهرة وهنا على أن ملاقاة بدن
الطاهر وثيابه لا تفسد الصلاة ولو كان متلبسا بنجاسة حكمية وفيه إشارة إلى أن النجاسة إذا
كانت عينية قد تضر وفيه ان محاذاة المرأة لا تفسد الصلاة (قوله وكان يصلى على الخمرة) وقد
تقدم ضبطها في آخر كتاب الحيض قال ابن بطال لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة
عليها الا ما روى عن عمر بن عبد العزيز انه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه ولعله
كان يفعله على جهة المبالغة في التواضع والخشوع فلا يكون فيه مخالفة للجماعة وقد روى
ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير انه كان يكره الصلاة على شئ دون الأرض وكذا روى عن غير عروة
ويحتمل ان يحمل على كراهة التنزيه والله أعلم * (قوله باب الصلاة على الحصير) قال
410

ابن بطال إن كان ما يصلى عليه كبيرا قدر طول الرجل فأكثر فإنه يقال له حصير ولا يقال له خمرة
وكل ذلك يصنع من سعف النخل وما أشبه (قوله وصلى جابر الخ) وصله ابن أبي شيبة من طريق
عبد الله بن أبي عتبة مولى أنس قال سافرت مع أبي الدرداء وأبى سعيد الخدري وجابر بن عبد الله
وأناس قد سماهم قال وكان امامنا يصلى بنا في السفينة قائما ونصلى خلفه قياما ولو شئنا لأرفينا
أي لأرسينا يقال أرسى السفينة بالسين المهملة وأرفى بالفاء إذا وقف بها على الشط (قوله وقال
الحسن تصلى قائما ما لم تشق على أصحابك تدور معها) أي مع السفينة (والا فقاعدا) أي وان شق
على أصحابك فصل قاعدا وقد روينا أثر الحسن في نسخة قتيبة من رواية النسائي عنه عن أبي
عوانة عن عاصم الأحول قال سألت الحسن وابن سيرين وعامرا يعنى الشعبي عن الصلاة
في السفينة فكلهم يقول إن قدر على الخروج فليخرج غير الحسن فإنه قال إن لم يؤذ أصحابه أي
فليصل وروى ابن أبي شيبة عن حفص عن عاصم عن الثلاثة المذكورين أنهم قالوا صل
في السفينة قائما وقال الحسن لا تشق على أصحابك وفى تاريخ البخاري من طريق هشام قال
سمعت الحسن يقول در في السفينة كما تدور إذا صليت قال ابن المنير وجه ادخال الصلاة في
السفينة في باب الصلاة على الحصير أنهما اشتركا في أن الصلاة عليهما صلاة على غير الأرض لئلا
يتخيل متخيل أن مباشرة الأرض شرط لقوله في الحديث المشهور يعنى الذي أخرجه أبو داود
وغيره ترب وجهك انتهى وقد تقدم أثر عمر بن عبد العزيز في ذلك وأشار البخاري إلى خلاف أبي حنيفة
في تجويزه الصلاة في السفينة قاعدا مع القدرة على القيام وفى هذا الأثر جواز ركوب
البحر (قوله عن إسحاق بن أبي طلحة) كذا للكشميهني والحموي وللباقين إسحاق بن عبد الله بن أبي
طلحة (عن أنس بن مالك ان جدته مليكة) هي بضم الميم تصغير ملكة والضمير في جدته يعود على
اسحق جزم به ابن عبد البر وعبد الحق وعياض وصححه النووي وجزم ابن سعد وابن منده وابن
الحصار بأنها جدة أنس والدة أمة أم سليم وهو مقتضى كلام امام الحرمين في النهاية ومن تبعه
وكلام عبد الغنى في العمدة وهو ظاهر السياق ويؤيده ما رويناه في فوائد العراقيين لأبي الشيخ
من طريق القاسم بن يحيى المقدمي عن عبيد الله بن عمر عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال
أرسلتني جدتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم واسمها مليكة فجاءنا فحضرت الصلاة الحديث وقال
ابن سعد في الطبقات أم سليم بنت ملحان فساق نسبها إلى عدى بن النجار قال وهى الغميصاء ويقال
الرميصاء ويقال اسمها سهلة ويقال أنيفة أي بالنون والفاء مصغرة ويقال رميتة وأمها مليكة
بنت مالك بن عدي فساق نسبها إلى مالك بن النجار ثم قال تزوجها أي أم سليم مالك بن النضر
فولدت له أنس بن مالك ثم خلف عليها أبو طلحة فولدت له عبد الله وأبا عمير (قلت) وعبد الله هو والد
اسحق راوي هذا الحديث عن عمه أخي أبيه لامه أنس بن مالك ومقتضى كلام من أعاد الضمير
في جدته إلى اسحق أن يكون اسم أم سليم مليكة ومستندهم في ذلك ما رواه ابن عيينة عن إسحاق
بن أبي طلحة عن أنس قال صففت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم
سليم خلفنا هكذا أخرجه المصنف كما سيأتي في أبواب الصفوف والقصة واحدة طولها مالك
واختصرها سفيان ويحتمل تعددها فلا يخالف ما تقدم وكون مليكة جدة أنس لا ينفى كونها
جدة اسحق لما بيناه لكن الرواية التي سأذكرها عن غرائب مالك ظاهرة في أن مليكة اسم أم
411

سليم نفسها والله أعلم (قوله لطعام) أي لأجل طعام وهو مشعر بأن مجيئه كان لذلك لا ليصلى
بهم ليتخذوا مكان صلاته مصلى لهم كما في قصة عتبان بن مالك الآتية وهذا هو السر في كونه
بدأ في قصة عتبان بالصلاة قبل الطعام وهنا بالطعام قبل الصلاة فبدأ في كل منهما بأصل
ما دعى لأجله (قوله ثم قال قوموا) استدل به على ترك الوضوء مما مست النار لكونه
صلى بعد الطعام وفيه نظر لما رواه الدارقطني في غرائب مالك عن البغوي عن عبيد الله بن عون
عن مالك ولفظه صنعت مليكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فاكل منه وأنا معه ثم دعا
بوضوء فتوضأ الحديث (قوله فلأصلى لكم) كذا في روايتنا بكسر اللام وفتح الياء وفى رواية
الأصيلي بحذف الياء قال ابن مالك روى بحذف الياء وثبوتها مفتوحة وساكنة ووجهه ان
اللام عند ثبوت الياء مفتوحة لام كي والفعل بعدها منصوب بان مضمرة واللام ومصحوبها
خبر مبتدأ محذوف والتقدير قوموا فقيامكم لاصلى لكم ويجوز على مذهب الأخفش
أن تكون الفاء زائدة واللام متعلقة بقوموا وعند سكون الياء يحتمل أن تكون اللام أيضا
لام كي وسكنت الياء تخفيفا أو لام الامر وثبتت الياء في الجزم اجراء للمعتل مجرى الصحيح كقراءة
قنبل انه من يتقى ويصبر وعند حذف الياء اللام لام الامر وأمر المتكلم نفسه بفعل مقرون
باللام فصيح قليل في الاستعمال ومنه قوله تعالى ولنجمل خطاياكم قال ويجوز فتح اللام ثم
ذكر توجيهه وفيه لغيره بحث اختصرته لان الرواية لم ترد به وقيل إن في رواية الكشميهني فأصل
بحذف اللام وليس هو فيما وقفت عليه من النسخ الصحيحة وحكى ابن قرقول عن بعض الروايات
فلنصل بالنون وكسر اللام والجزم واللام على هذا لام الامر وكسرها لغة معروفة (قوله لكم)
أي لأجلكم قال السهيلي الامر هنا بمعنى الخبر وهو كقوله تعالى فليمدد له الرحمن مدا ويحتمل أن
يكون أمرا لهم بالائتمام لكنه أضافه إلى نفسه لارتباط فعلهم بفعله (قوله من طول ما لبس)
فيه ان الافتراش يسمى لبسا وقد استدل به على منع افتراش الحرير لعموم النهى عن لبس
الحرير ولا يرد ذلك ان من حلف لا يلبس حريرا فإنه لا يحنث بالافتراش لان الايمان مبناها
على العرف (قوله فنضحته) يحتمل أن يكون النضح لتليين الحصير أو لتنظيفه أو لتطهيره ولا يصح
الجزم بالأخير بل المتبادر غيره لان الأصل الطهارة (قوله وصففت أنا واليتيم) كذا للأكثر
وللمستملى والحموي فصففت واليتيم بغير تأكيد والأول أفصح ويجوز في اليتيم الرفع والنصب
قال صاحب العمدة اليتيم هو ضميرة جد حسين بن عبد الله بن ضميرة قال ا بن الحذاء كذا سماه
عبد الملك بن حبيب ولم يذكره غيره وأظنه سمعه من حسين بن عبد الله بن ضميرة أو من غيره من أهل المدينة
قال وضميرة هو ابن أبي ضمرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف في اسم أبى ضميرة فقيل
روح وقيل غير ذلك انتهى ووهم بعض الشراح فقال اسم اليتيم ضميرة وقيل روح فكانه انتقل
ذهنه من الخلاف في اسم أبيه إليه وسيأتي في باب المرأة وحدها تكون صفا ذكر من قال إن
اسمه سليم وبيان وهمه في ذلك إن شاء الله تعالى وجزم البخاري بان اسم أبى ضميرة سعد الحميري
ويقال سعيد ونسبه ابن حبان ليثيا (قوله والعجوز) هي ملكية المذكورة أولا (قوله ثم
انصرف) أي إلى بيته أو من الصلاة وفى هذا الحديث من الفوائد إجابة الدعوة ولو لم تكن عرسا
ولو كان الداعي امرأة لكن حيث تؤمن الفتنة والاكل من طعام الدعوة وصلاة النافلة جماعة
412

في البيوت وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد تعليمهم أفعال الصلاة بالمشاهدة لأجل المرأة فإنها قد
يخفى عليها بعض التفاصيل لبعد موقفها وفيه تنظيف مكان المصلي وقيام الصبى مع الرجل صفا
وتأخير النساء عن صفوف الرجال وقيام المرأة صفا وحدها إذا لم يكن معها امرأة غيرها واستدل
به على جواز صلاة المنفرد خلف الصف وحده ولا حجة فيه لذلك وفيه الاقتصار في نافلة النهار على
ركعتين خلافا لمن اشترط أربعا وسيأتى ذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى وفيه صحة صلاة
الصبي المميز ووضوئه وان محل الفضل الوارد في صلاة النافلة منفردا حيث لا يكون هناك مصلحة
كالتعليم بل يمكن أن يقال هو إذ ذاك أفضل ولا سيما في حقه صلى الله عليه وسلم * (تنبيهان) * الأول
أورد مالك هذا الحديث في ترجمة صلاة الضحى وتعقب بما رواه أنس بن سيرين عن أنس بن مالك انه
لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى الا مرة واحدة في دار الأنصاري الضخم الذي دعاه ليصلى
في بيته أخرجه المصنف كما سيأتي وأجاب صاحب القبس بأن مالكا نظر إلى كون الوقت الذي
وقعت فيه تلك الصلاة هو وقت صلاة الضحى فحمله عليه وان أنسا لم يطلع على أنه صلى الله عليه
وسلم نوى بتلك الصلاة صلاة الضحى * (الثاني) * النكتة في ترجمة الباب الإشارة إلى ما رواه ابن أبي
شيبة وغيره من طريق شريح بن هانئ انه سأل عائشة أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى على
الحصير والله يقول وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا فقالت لم يكن يصلى على الحصير فكانه لم يثبت
عند المصنف أو رآه شاذا مردودا لمعارضته ما هو أقوى منه كحديث الباب بل سيأتي عنده من
طريق أبى سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير يبسطه ويصلى عليه وفى مسلم
من حديث أبي سعيد انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلى على حصير * (قوله باب
الصلاة على الخمرة) تقدم الكلام عليها قريبا وان ضبطها تقدم في أواخر الحيض وكأنه
أفردها بترجمة لكون شيخه أبى الوليد حدثه بالحديث مختصرا والله أعلم * (قوله باب
الصلاة على الفراش) أي سواء كان ينام عليه مع امرأته أم لا وكأنه يشير إلى الحديث الذي
رواه أبو داود وغيره من طريق الأشعث عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلى في لحفنا وكأنه أيضا لم يثبت عنده أو رآه شاذا مردودا وقد
بين أبو دواد علته (قوله وصلى أنس) وصله ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور كلاهما عن ابن المبارك
عن حميد قال كان أنس يصلى على فراشه (قوله وقال أنس كنا نصلى) كذا للأكثر وسقط أنس من
رواية الأصيلي فأوهم انه بقية من الذي قبله وليس كذلك بل هو حديث آخر كما سيأتي موصولا
في الباب الذي بعده بمعناه ورواه مسلم من الوجه المذكور وفيه اللفظ المعلق هنا وسياقه أتم وأشار
البخاري بالترجمة إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن إبراهيم النخعي عن الأسود وأصحابه
أنهم كانوا يكرهون أن يصلوا على الطنافس والفراء والمسوح وأخرج عن جمع من الصحابة
والتابعين جواز ذلك وقال مالك لا أرى بأسا بالقيام عليها إذا كان يضع جبهته ويديه على الأرض
(قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس والاسناد كله مدنيون (قوله كنت أنام بين يدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته) أي في مكان سجوده ويتبين ذلك من الرواية التي
بعد هذه (قوله فقبضت رجلي) كذا بالتثنية للأكثر وكذا في قولها بسطتهما وللمستملى والحموي
رجلي بالافراد وكذا بسطتها وقد استدل بقولها غمزني على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء وتعقب
باحتمال الحائل أو بالخصوصية وعلى أن المرأة لا تقطع الصلاة وسيأتى مع بقية مباحثه في أبواب
413

السترة إن شاء الله تعالى وقولها والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح كأنها أرادت به الاعتذار عن
نومها على تلك الصفة قال ابن بطال وفيه اشعار بأنهم صاروا بعد ذلك يستصبحون ومناسبة هذا
الحديث للترجمة من قولها كنت أنام وقد صرحت في الحديث الذي يليه بأن ذلك كان على
فراش أهله (قوله اعتراض الجنازة) منصوب بأنه مفعول مطلق بعامل مقدر أي معترضة
اعتراضا كاعتراض الجنازة والمراد أنها تكون نائمة بين يديه من جهة يمينه إلى جهة شماله كما تكون
الجنازة بين يدي المصلى عليها (قوله عن يزيد) هو ابن أبي حبيب وعراك هو ابن مالك وعروة
هو ابن الزبير والثلاثة من التابعين وصورة سياقه بهذا الارسال لكنه محمول على أنه سمع ذلك من
عائشة بدليل الرواية التي قبلها والنكتة في ايراده أن فيه تقييد الفراش بكونه الذي ينامان عليه
كما تقدمت الإشارة إليه أول الباب بخلاف الرواية التي قبلها فان قولها فراش أهله أعم من أن
يكون هو الذي ناما عليه أو غيره وفيه أن الصلاة إلى النائم لا تكره وقد وردت أحاديث ضعيفة
في النهى عن ذلك وهى محمولة ان ثبتت على ما إذا حصل شغل الفكر به * (قوله باب
السجود على الثوب في شدة الحر) التقييد بشدة الحر للمحافظة على لفظ الحديث والا فهو
في البرد كذلك بل القائل بالجواز لا يقيده بالحاجة (قوله وقال الحسن كان القوم) أي الصحابة
كما سيأتي بيانه (قوله والقلنسوة) بفتح القاف واللام وسكون النون وضم المهملة وفتح الواو وقد
تبدل ياء مثناة من تحت وقد تبدل ألفا وتفتح السين فيقال قلنساة وقد تحذف النون من هذه
بعدها هاء تأنيث غشاء مبطن يستر به الرأس قاله القزاز في شرح الفصيح وقال ابن هشام هي التي
يقال لها العمامة الشاشية وفى المحكم هي من ملابس الرأس معروفة وقال أبو هلال العسكري
هي التي تغطي بها العمائم وتستر من الشمس والمطر كأنها عنده رأس البرنس (قوله ويداه) أي
يد كل واحد منهم وكأنه أراد بتغيير الأسلوب بيان أن كل واحد منهم ما كان يجمع بين السجود على
العمامة والقلنسوة معا لكن في كل حالة كان يسجد ويداه في كمه ووقع في رواية الكشميهني
ويديه في كمه وهو منصوب بفعل مقدر أي ويجعل يديه وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن هشام بن
حسان عن الحسن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم
ويسجد الرجل منهم على قلنسوته وعمامته هكذا رواه ابن أبي شيبة من طريق هشام (قوله
حدثنا غالب القطان) وللأكثر حدثني بالافراد والاسناد كله بصريون (قوله طرف الثوب)
ولمسلم بسط ثوبه وللمصنف في أبواب العمل في الصلاة وله من طريق خالد بن عبد الرحمن عن
غالب سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر والثوب في الأصل يطلق على غير المخيط وقد يطلق على المخيط
مجازا وفى الحديث جواز استعمال الثياب وكذا غيرها في الحيلولة بين المصلى وبين الأرض
لاتقاء حرها وكذا بردها وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هو الأصل لأنه علق
بسط الثوب بعدم الاستطاعة واستدل به على اجازة السجود على الثوب المتصل بالمصلى قال
النووي وبه قال أبو حنيفة والجمهور وحمله الشافعي على الثوب المنفصل انتهى وأيد البيهقي
هذا الحمل بما رواه الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ فيأخذ أحدنا الحصى في يده فإذا برد وضعه
وسجد عليه قال فلو جاز السجود على شئ متصل به لما احتاجوا إلى تبريد الحصى مع طول
الامر فيه وتعقب باحتمال أن يكون الذي كان يبرد الحصى لم يكن في ثوبه فضلة يسجد عليها
414

مع بقاء سترته له وقال ابن دقيق العيد يحتاج من استدل به على الجواز إلى أمرين أحدهما أن
لفظ ثوبه دال على المتصل به اما من حيث اللفظ وهو تعقيب السجود بالبسط يعنى كما في رواية
مسلم واما من خارج اللفظ وهو قلة الثياب عندهم وعلى تقدير أن يكون كذلك وهو الأمر الثاني
يحتاج إلى ثبوت كونه متناولا لمحل النزاع وهو أن يكون مما يتحرك بحركة المصلى وليس
في الحديث ما يدل عليه والله أعلم وفيه جواز العمل القليل في الصلاة ومراعاة الخشوع فيها
لأن الظاهر أن صنيعهم ذلك لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض وفيه تقديم الظهر
في أول الوقت وظاهر الأحاديث الواردة في الامر بالايراد كما سيأتي في المواقيت يعارضه فمن قال
الابراد رخصة فلا اشكال ومن قال سنة فاما أن يقول التقديم المذكور رخصة واما أن يقول
منسوخ بالامر بالابراد وأحسن منهما أن يقال إن شدة الحر قد توجد مع الابراد فيحتاج إلى
السجود على الثوب أو إلى تبريد الحصى لأنه قد يستمر حره بعد الابراد ويكون فائدة الابراد
وجود ظل يمشى فيه إلى المسجد أو يصلى فيه في المسجد أشار إلى هذا الجمع القرطبي ثم ابن
دقيق العيد وهو أولى من دعوى تعارض الحديثين وفيه أن قول الصحابي كنا نفعل كذا من
قبيل المرفوع لاتفاق الشيخين على تخريج هذا الحديث في صحيحيهما بل ومعظم المصنفين لكن
قد يقال إن في هذا زيادة على مجرد الصيغة لكونه في الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وقد
كان يرى فيها من خلفه كما يرى من أمامه فيكون تقريره فيه مأخوذا من هذه الطريق لا من مجرد
صيغة كنا نفعل * (قوله باب الصلاة في النعال) بكسر النون جمع نعل وهى معروفة
ومناسبته لما قبله من جهة جواز تغطية بعض أعضاء السجود (قوله يصلى في نعليه) قال ابن
بطال هو محمول على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة ثم هي من الرخص كما قال ابن دقيق العيد لا من
المستحبات لان ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة وهو وإن كان من ملابس الزينة الا
أن ملامسته الأرض التي تكثر فيها النجاسات قد تقصر عن هذه الرتبة وإذا تعارضت مراعاة
مصلحة التحسين ومراعاة إزالة النجاسة قدمت الثانية لأنها من باب دفع المفاسد والاخرى من باب
جلب المصالح قال الا أن يرد دليل بالحاقة بما يتجمل به فيرجع إليه ويترك هذا النظر (قلت) قد
روى أبو داود والحاكم من حديث شداد بن أوس مرفوعا خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم
ولا خفافهم فيكون استحباب ذلك من جهة قصد المخالفة المذكورة وورد في كون الصلاة
في النعال من الزينة المأمور بأخذها في الآية حديث ضعيف جدا أورده ابن عدي في الكامل
وابن مردويه في تفسيره من حديث أبي هريرة والعقيلي من حديث أنس * (قوله باب
الصلاة في الخفاف) يحتمل أنه أراد الإشارة بايراد هذه الترجمة هنا إلى حديث شداد بن أوس
المذكور لجمعه بين الامرين (قوله سمعت إبراهيم) هو النخعي وفى الاسناد ثلاثة من التابعين
كوفيون إبراهيم وشيخه والراوي عنه (قوله ثم قام فصلى) ظاهر في أنه صلى في خفيه لأنه لو نزعهما
بعد المسح لوجب غسل رجليه ولو غسلهما لنقل (قوله فسئل) وللطبراني من طريق جعفر بن
الحرث عن الأعمش أن السائل له عن ذلك هو همام المذكور وله من طريق زائدة عن الأعمش
فعاب عليه ذلك رجل من القوم (قوله قال إبراهيم فكان يعجبهم) زاد مسلم من طريق أبى معاوية
عن الأعمش كان يعجبهم هذا الحديث ومن طريق عيسى بن يونس عنه فكان أصحاب عبد الله
415

ابن مسعود يعجبهم (قوله من آخر من أسلم) ولمسلم لان اسلام جرير كان بعد نزول المائدة ولابى
داود من طريق أبى زرعة عن عمرو بن جرير في هذه القصة قالوا انما كان ذلك أي مسح النبي
صلى الله عليه وسلم على الخفين قبل نزول المائدة فقال جرير ما أسلمت الا بعد نزول المائدة وعند
الطبراني من رواية محمد بن سيرين عن جرير أن ذلك كان في حجة الوداع وروى الترمذي من طريق
شهر بن حوشب قال رأيت جرير بن عبد الله فذكر نحو حديث الباب قال فقلت له أقبل المائدة
أم بعدها قال ما أسلمت الا بعد المائدة قال الترمذي هذا حديث مفسر لان بعض من أنكر المسح
على الخفين تأول أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين كان قبل نزول آية الوضوء التي
في المائدة فيكون منسوخا فذكر جرير في حديثه انه رآه يمسح بعد نزول المائدة فكان أصحاب
ابن مسعود يعجبهم حديث جرير لان فيه ردا على أصحاب التأويل المذكور وذكر بعض المحققين
أن إحدى القراءتين في آية الوضوء وهى قراءة الخفض دالة على المسح على الخفين وقد تقدمت
سائر مباحثه في كتاب الوضوء (قوله حدثنا إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر نسب
إلى جده والاسناد كله كوفيون غيره وفيه أيضا ثلاثة من التابعين الأعمش وشيخه مسلم وهو أبو
الضحى ومسروق وتردد الكرماني في أن مسلما هل هو أبو الضحى أو البطين قصور فقد جزم
الحفاظ بأنه أبو الضحى وقد تقدم الكلام على فوائد حديث المغيرة حيث أورده المصنف تاما
في كتاب الوضوء * (قوله باب إذا لم يتم السجود) كذا وقع عند أكثر الرواة هذه
الترجمة وحديث حذيفة فيها والترجمة التي بعدها وحديث ابن بحينة فيها موصولا ومعلقا
ووقعتا عند الأصيلي قبل باب الصلاة في النعال ولم يقع عند المستملى شئ من ذلك وهو الصواب
لان جميع ذلك سيأتي في مكانه اللائق به وهو أبواب صفة الصلاة ولولا أنه ليس من عادة المصنف
إعادة الترجمة وحديثها معا لكان يمكن أن يقال مناسبة الترجمة الأولى لأبواب ستر العورة الإشارة
إلى أن من ترك شرطا لا تصح صلاته كمن ترك ركنا ومناسبة الترجمة الثانية الإشارة إلى أن المجافاة
في السجود لا تستلزم عدم ستر العورة فلا تكون مبطلة لصلاة وفى الجملة إعادة هاتين الترجمتين
هنا وفى أبواب السجود الحمل فيه عندي على النساخ بدليل سلامة رواية المستملى من ذلك وهو
أحفظهم * (قوله باب يبدي ضبعيه الخ) تقدم القول فيه قبل كما ترى * (خاتمة) *
اشتملت أبواب ستر العورة وما قبلها من ذكر ابتداء فرض الصلاة من الأحاديث المرفوعة على
تسعة وثلاثين حديثا فان أضفت إليها حديثي الترجمتين المذكورتين صارت أحدا وأربعين
حديثا المكرر منها فيها وفيما تقدم خمسة عشر حديثا وفيها من المعلقات أربعة عشر حديثا وان
أضفت إليها المعلق في الترجمة الثانية صارت خمسة عشر حديثا عشرة منها أو أحد عشر مكررة
وأربعة لا توجد فيه الا معلقة وهى حديث سلمة بن الأكوع يزره ولو بشوكة وأحاديث ابن عباس
وجرهد وابن جحش في الفخذ وافقه مسلم على جميعها سوى هذه الأربعة وسوى حديث أنس في
قرام لعائشة وحديث عكرمة عن أبي هريرة في الامر بمخالفة طرفي الثوب وفيه من الآثار
الموقوفة أحد عشر أثرا كلها معلقة الا أثر ابن عمر إذا وسع الله عليكم فوسعوا على أنفسكم فإنه
موصول
* (أبواب استقبال القبلة وما يتبعها من آداب المساجد) *
416

قوله باب فضل استقبال القبلة يستقبل بأطراف رجليه القبلة قاله أبو حميد) يعنى
الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم يعنى في صفة صلاته كما سيأتي بعد موصولا من حديثه
والمراد بأطراف رجليه رؤس أصابعها وأراد بذكره هنا بيان مشروعية الاستقبال بجميع
ما يمكن من الأعضاء (قوله حدثنا عمرو بن عباس) بالموحدة ثم المهملة وميمون بن سياه بكسر
المهملة وتخفيف التحتانية ثم هاء منونة ويجوز ترك صرفه وهو فارسي معرب معناه الأسود وقيل
عربي (قوله ذمة الله) أي أمانته وعهده (قوله فلا تخفروا) بالضم من الرباعي أي لا تغدروا يقال
أخفرت إذا غدرت وحفرت إذا حميت ويقال ان الهمزة في أخفرت للإزالة أي تركت حمايته
(قوله فلا تخفروا الله في ذمته) أي ولا رسوله وحذف لدلالة السياق عليه أو لاستلزام المذكور
المحذوف وقد أخذ بمفهومه من ذهب إلى قتل تارك الصلاة وله موضع غير هذا وفى الحديث تعظيم
شأن القبلة وذكر الاستقبال بعد الصلاة للتنويه به والا فهو انظر في الصلاة لكونه من شروطها
وفيه ان أمور الناس محمولة على الظاهر فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر
منه خلاف ذلك (قوله حدثنا نعيم) هو ابن حماد الخزاعي ووقع في رواية حماد بن شاكر عن البخاري
قال نعيم بن حماد وفى رواية كريمة والأصيلي قال ابن المبارك بغير ذكر نعيم وبذلك جزم أبو نعيم في
المستخرج وقد وقع لنا من طريق نعيم موصولا في سنن الدارقطني وتابعه حماد بن موسى وسعيد بن
يعقوب وغيرهما عن ابن المبارك (قوله حتى يقولوا لا إله إلا الله) اقتصر عليها ولم يذكر الرسالة
وهى مرادة كما تقول قرأت الحمد وتريد السورة كلها وقيل أول الحديث ورد في حق من جحد
التوحيد فإذا أقر به صار كالموحد من أهل الكتاب يحتاج إلى الايمان بما جاء به الرسول فلهذا
عطف الافعال المذكورة عليها فقال وصلوا صلاتنا إلى آخره والصلاة الشرعية متضمنة للشهادة
بالرسالة وحكمة الاقتصار على ما ذكر من الافعال ان من يقر بالتوحيد من أهل الكتاب وان
صلوا واستقبلوا وذبحوا لكنهم لا يصلون مثل صلاتنا ولا يستقبلون قبلتنا ومنهم من يذبح
لغير الله ومنهم من لا يأكل ذبيحتنا ولهذا قال في الرواية الأخرى وأكل ذبيحتنا والاطلاع على
حال المرء في صلاته وأكله يمكن بسرعة في أول يوم بخلاف غير ذلك من أمور الدين (قوله فقد
حرمت) بفتح أوله وضم الراء ولم أره في شئ من الروايات بالتشديد وقد تقدمت سائر مباحثه في
باب فان تابوا وأقاموا الصلاة من كتاب الايمان (قوله وقال علي بن عبد الله) هو ابن المديني
وفائدة ايراد هذا الاسناد تقوية رواية ميمون بن سياه لمتابعة حميد له (قوله وما يحرم) بالتشديد
هو معطوف على شئ محذوف كأنه سأل عن شئ قبل هذا وعن هذا والواو استئنافية وسقطت
من رواية الأصيلي وكريمة ولما لم يكن في قول حميد سأل ميمون أنسا التصريح بكونه حضر
ذلك عقبه بطريق يحيى بن أيوب التي فيها تصريح حميد بان أنسا حدثهم لئلا يظن أنه دلسه
ولتصريحه أيضا بالرفع وإن كان للأخرى حكمة وقد روينا طريق يحيى بن أيوب موصولة
في الايمان لمحمد بن نصر ولابن منده وغيرهما من طريق ابن أبي مريم المذكور وأعل الإسماعيلي
طريق حميد المذكورة فقال الحديث حديث ميمون وحميد انما سمعه منه واستدل على ذلك
برواية معاذ بن معاذ عن حميد عن ميمون قال سألت أنسا قال وحديث يحيى بن أيوب لا يحتج
به يعنى في التصريح بالتحديث قال لان عادة المصريين والشاميين ذكر الخبر فيما يروونه (قلت)
417

هذا التعليل مردود ولو فتح هذا الباب لم يوثق برواية مدلس أصلا ولو صرح بالسماع والعمل على
خلافه ورواية معاذ لا دليل فيها على أن حميدا لم يسمعه من أنس لأنه لا مانع ان يسمعه من أنس ثم
يستثبت فيه من ميمون لعلمه بأنه كان السائل عن ذلك فكان حقيقا بضبطه فكان حميد تارة
يحدث به عن أنس فلأجل العلو وتارة عن ميمون لكونه ثبته فيه وقد جرت عادة حميد بهذا يقول
حدثني أنس وثبتني فيه ثابت وكذا وقع لغير حميد * (قوله باب قبلة أهل المدينة
وأهل الشام والمشرق) نقل عياض ان رواية الأكثر ضم قاف المشرق فيكون معطوفا على
باب ويحتاج إلى تقدير محذوف والذي في روايتنا بالخفض ووجه السهيلي رواية الضم بان
الحامل على ذلك كون حكم المشرق في القبلة مخالفا لحكم المدينة بخلاف الشام فإنه موافق
وأجاب ابن رشيد بان المراد بيان حكم القبلة من حيث هو سواء توافقت البلاد أم اختلفت
(قوله ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة) هذه جملة مستأنفة من تفقه المصنف وقد نوزع في ذلك
لأنه يحمل الامر في قوله شرقوا أو غربوا على عمومه وانما هو مخصوص بالمخاطبين وهم أهل المدينة
ويلحق بهم من كان على مثل سمتهم ممن إذا استقبل المشرق أو المغرب لم يستقبل القبلة ولم
يستدبرها اما من كان في المشرق فقبلته في جهة المغرب وكذلك عكسه وهذا معقول لا يخفى
مثله على البخاري فيتعين تأويل كلامه بان يكون مراده ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة أي
لأهل المدينة والشام ولعل هذا هو السر في تخصيصه المدينة والشام بالذكر وقال ابن بطال
لم يذكر البخاري مغرب الأرض اكتفاء بذكر المشرق إذ العلة مشتركة ولان المشرق أكثر
الأرض المعمورة ولان بلاد الاسلام في جهة مغرب الشمس قليلة انتهى (قوله وعن الزهري)
يعنى بالاسناد المذكور والمراد ان سفيان حدث به عليا مرتين مرة صرح بتحديث الزهري له
وفيه عنعنة عطاء ومرة أتى بالعنعنة عن الزهري وبتصريح عطاء بالسماع وادعى بعضهم ان
الرواية الثانية معلقة وليس كذلك على ما قررته وقال الكرماني قال في الأول عن أبي أيوب ان
النبي صلى الله عليه وسلم وفى الثاني سمعت أبا أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم فكان الثاني
أقوى لان السماع أقوى من العنعنة والعنعنة أقوى من أن لكن فيه ضعف من جهة التعليق
حيث قال وعن الزهري انتهى وفى دعواه ضعف أن بالنسبة إلى عن نظر فكانه قلد في ذلك نقل
ابن الصلاح عن أحمد ويعقوب بن شيبة وقد بين شيخنا في شرحه منظومته وهم ابن الصلاح في
ذلك وان حكمهما واحد الا انه يستثنى من التعبير بان ما إذا أضاف إليها قصة ما أدركها الراوي
وأما جزمه بكون السند الثاني معلقا فهو بحسب الظاهر والا فحمله على ما قلته ممكن وقد رويناها
في مسند إسحاق بن راهويه قال حدثنا سفيان فذكر مثل سياقها سواء فعلى هذا فلا ضعف
فيه أصلا والله أعلم وقد تقدمت فوائد المتن في أوائل كتاب الطهارة * (قوله باب
قوله تعالى واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) وقع في روايتنا واتخذوا بكسر الخاء
على الامر وهى إحدى القراءتين والاخرى بالفتح على الخبر والامر دال على الوجوب لكن
انعقد الاجماع على جواز الصلاة إلى جميع جهات الكعبة فدل على عدم التخصيص وهذا
بناء على أن المراد بمقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدمه وهو موجود إلى الآن وقال مجاهد
المراد بمقام إبراهيم الحرم كله والأول أصح وقد ثبت دليله عند مسلم من حديث جابر وسيأتى
418

عند المصنف أيضا (قوله مصلى) أي قبلة قاله الحسن البصري وغيره وبه يتم الاستدلال
وقال مجاهد أي مدعى يدعى عنده ولا يصح حمله على مكان الصلاة لأنه لا يصلى فيه بل عنده
ويترجح قول الحسن بأنه جار على المعنى الشرعي واستدل المصنف على عدم التخصيص أيضا
بصلاته صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة فلو تعين استقبال المقام لما صحت هناك لأنه كان
حينئذ غير مستقبله وهذا هو السر في ايراد حديث ابن عمر عن بلال في هذا الباب وقد روى
الأزرقي في أخبار مكة بأسانيد صحيحة ان المقام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر
في الموضع الذي هو فيه الآن حتى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله حتى وجد بأسفل مكة فاتى به
فربط إلى أستار الكعبة حتى قدم عمر فاستثبت في أمره حتى تحقق موضعه الأول فأعاده إليه
وبنى حوله فاستقر ثم إلى الآن (قوله طاف بالبيت للعمرة) كذا للأكثر وللمستملى والحموي
طاف بالبيت العمرة وبحذف اللام من قوله للعمرة ولا بد من تقديرها ليصح الكلام (قوله أيأتي
امرأته) أي هل حل من احرامه حتى يجوز له الجماع وغيره من محرمات الاحرام وخص اتيان
المرأة بالذكر لأنه أعظم المحرمات في الاحرام وأجابهم ابن عمر بالإشارة إلى وجوب اتباع النبي صلى
الله عليه وسلم لا سيما في أمر المناسك لقوله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى مناسككم وأجابهم جابر
بصريح النهى وعليه أكثر الفقهاء وخالف فيه ابن عباس فأجاز للمعتمر التحلل بعد الطواف وقبل
السعي وسيأتى بسط ذلك في موضعه من كتاب الحج إن شاء الله تعالى والمناسب للترجمة من هذا
الحديث قوله وصلى خلف المقام ركعتين وقد يشعر بحمل الامر في قوله واتخذوا على تخصيص
ذلك بركعتي الطواف وقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك خلف المقام كما سيأتي في مكانه في الحج إن شاء الله
تعالى (قوله عن سيف) هو ابن سليمان أو ابن سليمان المكي (قوله أتى ابن عمر) لم اقف
على اسم الذي أخبره بذلك (قوله وأجد بعد قوله فأقبلت) وكان المناسب للسياق أن يقول
ووجدت وكانه عدل عن الماضي إلى المضارع استحضارا لتلك الصورة حتى كان المخاطب
يشاهدها (قوله قائما بين البابين) أي المصراعين وحمله الكرماني تجويزا على حقيقة التثنية
وقال أراد بالباب الثاني الباب الذي لم تفتحه قريش حين بنت الكعبة باعتبار ما كان أو كان
اخبار الراوي بذلك بعد أن فتحه ابن الزبير وهذا يلزم منه ان يكون ابن عمر وجد بلالا في وسط
الكعبة وفيه بعد وفى رواية الحموي بين الناس بنون وسين مهملة وهى أوضح (قوله قال نعم
ركعتين) أي صلى ركعتين وقد استشكل الإسماعيلي وغيره هذا مع أن المشهور عن ابن عمر من
طريق نافع وغيره عنه أنه قال ونسيت أن أسأله كم صلى قال فدل على أنه أخبره بالكيفية وهى
تعيين الموقف في الكعبة ولم يخبره بالكمية ونسى هو أن يسأله عنها والجواب عن ذلك ان يقال
يحتمل ان ابن عمر اعتمد في قوله في هذه الرواية ركعتين على القدر المتحقق له وذلك أن بلالا أثبت له انه
صلى ولم ينقل ان النبي صلى الله عليه وسلم تنفل في النهار بأقل من ركعتين فكانت الركعتان متحققا
وقوعهما لما عرف بالاستقراء من عادته فعلى هذا فقوله ركعتين من كلام ابن عمر لا من كلام
بلال وقد وجدت ما يؤيد هذا ويستفاد منه جمعا آخر بين الحديثين وهو ما أخرجه عمر بن شيبة
في كتاب مكة من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر في هذا الحديث
فاستقبلني بلال فقلت ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ههنا فأشار بيده أي صل ركعتين
419

بالسبابة والوسطى فعلى هذا فيحمل قوله نسيت ان أساله كم صلى على أنه لم يسأله لفظا ولم يجبه
لفظا وانما استفاد منه صلاة الركعتين بإشارته لا بنطقه وأما قوله في الرواية الأخرى ونسيت
ان أساله كم صلى فيحمل على أن مراده انه لم يتحقق هل زاد على ركعتين أولا وأما قول بعض
المتأخرين يجمع بين الحديثين بان ابن عمر نسى ان يسال بلالا ثم لقيه مرة أخرى فسأله ففيه نظر
من وجهين أحدهما ان الذي يظهر ان القصة وهى سؤال ابن عمر عن صلاته في الكعبة لم تتعدد
لأنه أتى في السؤال بالفاء المعقبة في الروايتين معا فقال في هذه فأقبلت ثم قال فسألت بلالا
وقال في الأخرى فبدرت فسألت بلالا فدل على أن السؤال عن ذلك كان واحدا في وقت واحد
ثانيهما ان راوي قول ابن عمر ونسيت هو نافع مولاه ويبعد مع طول ملازمته له إلى وقت موته ان
يستمر على حكاية النسيان ولا يتعرض لحكاية الذكر أصلا والله أعلم وأما ما نقله عياض ان قوله
ركعتين غلط من يحيى بن سعيد القطان لان ابن عمر قد قال نسيت ان أسأله كم صلى قال وانما دخل
الوهم عليه من ذكر الركعتين بعد فهو كلام مردود والمغلط هو الغالط فإنه ذكر الركعتين
قبل وبعد فلم يهم من موضع إلى موضع ولم ينفرد يحيى بن سعيد بذلك حتى يغلط فقد تابعه أبو نعيم
عند البخاري والنسائي وأبو عاصم عند ابن خزيمة وعمر بن علي عند الإسماعيلي وعبد الله بن نمير
عند أحمد عنه كلهم عن سيف ولم ينفرد به سيف أيضا فقد تابعه عليه حصيف عن مجاهد عند
أحمد ولم ينفرد به مجاهد عن ابن عمر فقد تابعه عليه ابن أبي مليكة عند أحمد والنسائي وعمرو بن
دينار عند أحمد أيضا باختصار ومن حديث عثمان بن أبي طلحة عند أحمد والطبراني باسناد قوى
ومن حديث أبي هريرة عند البزار ومن حديث عبد الرحمن بن صفوان قال فلما خرج سالت
من كان معه فقالوا صلى ركعتين عند السارية الوسطى أخرجه الطبراني باسناد صحيح ومن حديث
شيبة بن عثمان قال لقد صلى ركعتين عند العمودين أخرجه الطبراني باسناد جيد فالعجب من
الاقدام على تغليط جبل من جبال الحفظ بقول من خفى عليه وجه الجمع بين الحديثين فقال بغير
علم ولو سكت لسلم والله الموفق (قوله في وجه الكعبة) أي مواجه باب الكعبة قال الكرماني
الظاهر من الترجمة انه مقام إبراهيم أي انه كان عند الباب (قلت) قدمنا انه خلاف المنقول
عن أهل العلم بذلك وقدمنا أيضا مناسبة الحديث للترجمة من غير هذه الحيثية وهى ان استقبال
المقام غير واجب ونقل عن ابن عباس كما رواه الطبراني وغيره أنه قال ما أحب أن أصلى في الكعبة
من صلى فيها فقد ترك شيئا منها خلفه وهذا هو السر أيضا في ايراد حديث ابن عباس في هذا الباب
(قوله إسحاق بن نصر) كذا وقع منسوبا في جميع الروايات التي وقفت عليها وبذلك جزم
الإسماعيلي وأبو نعيم وابن مسعود وغيرهم وذكر أبو العباس الطرفي في الأطراف له ان البخاري
أخرجه عن إسحاق غير منسوب وأخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق اسحق
ابن راهويه عن عبد الرزاق شيخ إسحاق بن نصر فيه باسناده هذا فجعله من رواية ابن عباس عن
أسامة بن زيد وكذلك رواه مسلم من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج وهو الأرجح وسيأتي وجه
التوفيق بين رواية بلال المثبتة لصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة وبين هذه الرواية النافية
في كتاب الحج إن شاء الله تعالى (قوله في قبل الكعبة) بضم القاف والموحدة وقد تسكن أي
مقابلها أو ما استقبلك منها وهو وجهها وهذا موافق لرواية ابن عمر السالفة (قوله هذه القبلة)
420

الإشارة إلى الكعبة قيل المراد بذلك تقرير حكم الانتقال عن بيت المقدس وقيل المراد أن حكم
من شاهد البيت وجوب مواجهة عينه جزما بخلاف الغائب وقيل المراد أن الذي أمرتم
باستقباله ليس هو الحرم كله ولا مكة ولا المسجد الذي حول الكعبة بل الكعبة نفسها
أو الإشارة إلى وجه الكعبة أي هذا موقف الامام ويؤيده ما رواه البزار من حديث عبد الله بن
حبشي الخثعمي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى إلى باب الكعبة وهو يقول أيها
الناس ان الباب قبلة البيت وهو محمول على الندب لقيام الاجماع على جواز استقبال البيت من
جميع جهاته والله أعلم (قوله باب التوجه نحو القبلة حيث كان) أي حيث وجد
الشخص في سفر أو حضر والمراد بذلك في صلاة الفريضة كما يتبين ذلك الحديث الثاني في الباب
وهو حديث جابر (قوله وقال أبو هريرة) هذا طرف من حديثه في قصة المسئ صلاته وقد ساقه
المصنف بهذا اللفظ في كتاب الاستئذان (قوله عن البراء) تقدم في باب الصلاة من الايمان من
كتاب الايمان بيان من رواه عن أبي إسحاق مصرحا بتحديث البراء له (قوله وكان يحب أن يوجه
إلى الكعبة) جاء بيان ذلك فيما أخرجه الطبري وغيره من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
قال لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واليهود أكثر أهلها يستقبلون بيت المقدس
أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها سبعة عشر شهرا وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يحب ان يستقبل قبلة إبراهيم فكان يدعو وينظر إلى السماء فنزلت ومن
طريق مجاهد قال انما كان يحب أن يتحول إلى الكعبة لان اليهود قالوا يخالفنا محمد ويتبع
قبلتنا فنزلت وظاهر حديث ابن عباس هذا ان استقبال بيت المقدس انما وقع بعد الهجرة إلى
المدينة لكن أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى بمكة
نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه والجمع بينهما ممكن بأن يكون أمر صلى الله عليه وسلم لما هاجر
ان يستمر على الصلاة ببيت المقدس وأخرج الطبراني من طريق ابن جريج قال صلى النبي صلى الله
عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة فصلى ثلاث حجج ثم هاجر
فصلى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا ثم وجهه الله إلى الكعبة فقوله في حديث ابن عباس
الأول أمره الله يرد قول من قال إنه صلى إلى بيت المقدس باجتهاد وقد أخرجه الطبري عن
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف وعن أبي العالية انه صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس
يتألف أهل الكتاب وهذا لا ينفى ان يكون بتوقيف (قوله نحو بيت المقدس) أي بالمدينة قد
تقدم في باب الصلاة من الايمان في كتاب الايمان تحرير المدة المذكورة وانها ستة عشر شهرا وأيام
(قوله يوجه) بفتح الجيم أي يؤمر بالتوجه (قوله فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجال) كذا في
رواية المستملى والحموي وفى رواية غيرهما رجل وهو المشهور وقد تقدم في الايمان ان اسمه عباد
ابن بشر وتحتاج رواية المستملى إلى تقدير محذوف في قوله ثم خرج أي بعض أولئك الرجال (قوله
في صلاة العصر نحو بيت المقدس) وللكشميهني في صلاة العصر يصلون نحو بيت المقدس وفيه
افصاح بالمراد ووقع في تفسير ابن أبي حاتم من طريق ثويلة بنت أسلم صليت الظهر أو العصر في
مسجد بنى حارثة فاستقبلنا مسجد إيليا فصلينا سجدتين أي ركعتين ثم جاءنا من يخبرنا ان النبي
421

صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام واختلفت الرواية في الصلاة التي تحولت القبلة
عندها وكذا في المسجد فظاهر حديث البراء هذا أنها الظهر وذكر محمد بن سعد في الطبقات
قال يقال إنه صلى ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين ثم أمر أن يتوجه إلى المسجد الحرام
فاستدار إليه ودار معه المسلمون ويقال زار النبي صلى الله عليه وسلم أم بشر بن البراء بن
معرور في بنى سلمة فصنعت له طعاما وحانت الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه
ركعتين ثم أمر فاستدار إلى الكعبة واستقبل الميزاب فسمى مسجد القبلتين قال ابن سعد قال
الواقدي هذا أثبت عندنا وأخرج ابن أبي داود بسند ضعيف عن عمارة بن رويبة كنا
مع النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشى حين صرفت القبلة فدار ودرنا معه
في ركعتين وأخرج البزار من حيث أنس انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيت
المقدس وهو يصلى الظهر بوجهه إلى الكعبة وللطبراني نحوه من وجه آخر عن أنس وفى
كل منهما ضعف (قوله فقال) أي الرجل (هو يشهد) يعنى بذلك نفسه وهو على سبيل
التجريد ويحتمل أن يكون الراوي نقل كلامه بالمعنى ويؤيده الرواية المتقدمة في الايمان بلفظ
أشهد وقد تقدمت مباحثه هناك (قوله حدثنا مسلم) زاد الأصيلي ابن إبراهيم (قال حدثنا هشام)
زاد الأصيلي ابن أبي عبد الله وهو الدستوائي (عن محمد بن عبد الرحمن) أي ابن ثوبان العامري
المدني وليس له في الصحيح عن جابر غير هذا الحديث وفى طبقته محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ولم
يخرج له البخاري عن جابر شيئا (قوله حيث توجهت) زاد الكشميهني به والحديث دال على عدم
ترك استقبال القبلة في الفريضة وهو اجماع لكن رخص في شدة الخوف (قوله عن منصور) هو
ابن المعتمر وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي وأخطأ من قال إنه غيره وهذه الترجمة من أصح الأسانيد
(قوله قال إبراهيم) أي الراوي المذكور (لا أدرى زاد أو نقص) أي النبي صلى الله عليه وسلم
والمراد أن إبراهيم شك في سبب سجود السهو المذكور هل كان لأجل الزيادة أو النقصان لكن
سيأتي في الباب الذي بعده من رواية الحكم عن إبراهيم باسناده هذا أنه صلى خمسا وهو يقتضى
الجزم بالزيادة فلعله شك لما حدث منصورا وتيقن لما حدث الحكم وقد تابع الحكم على ذلك حماد
ابن أبي سليمان وطلحة بن مصرف وغيرهما وعين في رواية الحكم أيضا وحماد أنها الظهر ووقع
للطبراني من رواية طلحة بن مصرف عن إبراهيم أنها العصر وما في الصحيح أصح (قوله أحدث)
بفتحات ومعناه السؤال عن حدوث شئ من الوحي يوجب تغيير حكم الصلاة عما عهدوه ودل
استفهامهم عن ذلك على جواز النسخ عندهم وأنهم كانوا يتوقعونه (قوله قال وما ذاك) فيه
اشعار بأنه لم يكن عنده شعور مما وقع منه من الزيادة وفيه دليل على جواز وقوع السهو من الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام في الافعال قال ابن دقيق العيد وهو قول عامة العلماء والنظار وشذت
طائفة فقالوا لا يجوز على النبي السهو وهذا الحديث يرد عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم فيه أنسى
كما تنسون ولقوله فإذا نسيت فذكروني أي بالتسبيح ونحوه وفى قوله لو حدث شئ في الصلاة لنبأتكم
به دليل على عدم تأخير البيان عن وقت الحاجة ومناسبة الحديث للترجمة من قوله فثنى رجله
وللكشميهني والأصيلي رجليه بالتثنية واستقبل القبلة فدل على عدم ترك الاستقبال في كل
حال من أحوال الصلاة واستدل به على رجوع الامام إلى قول المأمومين لكن يحتمل أن يكون
422

تذكر عند ذلك أو علم بالوحي أو ان سؤالهم أحدث عنده شكا فسجد لوجود الشك الذي طرأ
لا لمجرد قولهم (قوله فليتحر الصواب) بالحاء المهملة والراء المشددة أي فليقصد والمراد البناء على
اليقين كما سيأتي واضحا مع بقية مباحثه في أبواب السهو إن شاء الله تعالى * (قوله باب
ما جاء في القبلة) أي غير ما تقدم (ومن لم ير الاعاده على من سها فصلى إلى غير القبلة) وأصل هذه
المسئلة في المجتهد في القبلة إذا تبين خطؤه فروى ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب وعطاء
والشعبي وغيرهم انهم قالوا لا تجب الاعاده وهو قول الكوفيين وعن الزهري ومالك وغيرهما
تجب في الوقت لا بعده وعن الشافعي يعيد إذا تيقن الخطأ مطلقا وفى الترمذي من حديث عامر
ابن ربيعة ما يوافق قول الأولين لكن قال ليس اسناده بذاك (قوله وقد سلم النبي صلى الله عليه
وسلم الخ) هو طرف من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وهو موصول في الصحيحين من طرق
لكن قوله وأقبل على الناس ليس هو في الصحيحين بهذا اللفظ موصولا لكنه في الموطأ من طريق
أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة ووهم ابن التين تبعا لابن بطال حيث جزم بأنه طرف من
حديث ابن مسعود الماضي لان حديث ابن مسعود ليس في شئ من طرقه انه سلم من ركعتين
ومناسبة هذا التعليق للترجمة من جهة ان بناءه على الصلاة دال على أنه في حال استدباره القبلة
كان في حكم المصلى ويؤخذ منه ان من ترك الاستقبال ساهيا لا تبطل صلاته (قوله عن أنس قال
قال عمر) هو من رواية صحابي عن صحابي لكنه صغير عن كبير (قوله وافقت ربى في ثلاث) أي
وقائع والمعنى وافقني ربى فأنزل القرآن على وفق ما رأيت لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة على
نفسه أو أشار به إلى حدث رأيه وقدم الحكم وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة
عليها لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه من مشهورها قصة أسارى بدر وقصة الصلاة على
المنافقين وهما في الصحيح وصحح الترمذي من حديث ابن عمر أنه قال ما نزل بالناس أمر قط فقالوا
فيه وقال فيه عمر الا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر وهذا دال على كثرة موافقته وأكثر
ما وقفنا منها بالتعيين على خمسة عشر لكن ذلك بحسب المنقول وقد تقدم الكلام على مقام
إبراهيم وسيأتى الكلام على مسئلة الحجاب في تفسير سورة الأحزاب وعلى مسئلة التخيير في تفسير
سورة التحريم وقوله في هذه الرواية واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن
عسى ربه الخ وذكر فيه من وجه آخر عن حميد في تفسير سورة البقرة زيادة يأتي التنبيه عليها في
باب عشرة النساء في أواخر النكاح وقال بعضهم كان اللائق ايراد هذا الحديث في الباب الماضي
وهو قوله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى والجواب أنه عدل عنه إلى حديث ابن عمر للتنصيص
فيه على وقوع ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف حديث عمر هذا فليس فيه التصريح
بذلك وأما مناسبته للترجمة فأجاب الكرماني بان المراد من الترجمة ما جاء في القبلة وما يتعلق بها فاما
على قول من فسر مقام إبراهيم بالكعبة فظاهر أو بالحرم كله فمن في قوله من مقام إبراهيم للتبعيض
ومصلى أي قبلة أو بالحجر الذي وقف عليه إبراهيم وهو الاظهر فيكون تعلقه بالمتعلق بالقبلة
لا بنفس القبلة وقال ابن رشيد الذي يظهر لي أن تعلق الحديث بالترجمة الإشارة إلى موضع
الاجتهاد في القبلة لان عمر اجتهد في أن اختار ان يكون المصلى إلى مقام إبراهيم الذي هو في وجه
الكعبة فاختار إحدى جهات القبلة بالاجتهاد وحصلت موافقته على ذلك فدل على تصويب
423

اجتهاد المجتهد إذا بذل وسعه ولا يخفى ما فيه (قوله وقال ابن أبي مريم) في رواية كريمة حدثنا ابن أبي
مريم وفائدة ايراد هذا الاسناد ما فيه من التصريح بسماع حميد من أنس فامن من تدليسه
وقوله بهذا أي اسنادا ومتنا فهو من رواية أنس عن عمر لا من رواية أنس عن النبي صلى الله
عليه وسلم وفائدة التعليق المذكور تصريح حميد بسماعه له من أنس وقد تعقبه بعضهم بان
يحيى بن أيوب لم يحتج به البخاري وان خرج له في المتابعات (وأقول) وهذا من جملة المتابعات ولم
ينفرد بحيى بن أيوب بالتصريح المذكور فقد أخرجه الإسماعيلي من رواية يوسف القاضي عن أبي
الربيع الزهراني عن هشيم أخبرنا حميد حدثنا أنس والله أعلم (قوله بينا الناس بقباء) بالمد
والصرف وهو الأشهر ويجوز فيه القصر وعدم الصرف وهو يذكر ويؤنث موضع معروف ظاهر
المدينة والمراد هنا مسجد أهل قباء ففيه مجاز الحذف واللام في الناس للعهد الذهني والمراد أهل
قباء ومن حضر معهم (قوله في صلاة الصبح) ولمسلم في صلاة الغداة وهو أحد أسمائها وقد نقل
بعضهم كراهية تسميتها بذلك وهذا فيه مغايرة لحديث البراء المتقدم فان فيه انهم كانوا في صلاة
العصر والجواب أن لا منافاة بين الخبرين لان الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة
وهم بنو حارثة وذلك في حديث البراء والآتي إليهم بذلك عباد بن بشر أو ابن نهيك كما تقدم ووصل
الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء وذلك في حديث ابن عمر
ولم يسم الآتي بذلك إليهم وإن كان ابن طاهر وغيره نقلوا أنه عباد بن بشر ففيه نظر لان ذلك
انما ورد في حق بنى حارثة في صلاة العصر فإن كان ما نقلوا محفوظا فيحتمل أن يكون عباد أتى بنى
حارثة أولا في وقت العصر ثم توجه إلى أهل قباء فاعلمهم بذلك في وقت الصبح ومما يدل على تعددهما
ان مسلما روى من حديث أنس ان رجلا من بنى سلمة مروهم ركوع في صلاة الفجر فهذا موافق
لرواية ابن عمر في تعيين الصلاة وبنو سلمة غير بنى حارثة (قوله قد أنزل عليه الليلة قرآن) فيه اطلاق
الليلة على بعض اليوم الماضي والليلة التي تليه مجازا والتنكير في قوله قرآن لإرادة البعضية
والمراد قوله قد نرى تقلب وجهك في السماء الآيات (قوله وقد أمر (فيه ان ما يؤمر به النبي
صلى الله عليه وسلم يلزم أمته وان أفعاله يؤتسى بها كأقواله حتى يقوم دليل الخصوص (قوله
فاستقبلوها) بفتح الموحدة للأكثر أي فتحولوا إلى جهة الكعبة وفاعل استقبلوها المخاطبون
بذلك وهم أهل قباء وقوله وكانت وجوههم الخ تفسير من الراوي للتحول المذكور ويحتمل أن
يكون فاعل استقبلوها النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه وضمير وجوههم لهم أو لأهل قباء على
الاحتمالين وفى رواية الأصيلي فاستقبلوها بكسر الموحدة بصيغة الامر ويأتي في ضمير وجوههم
الاحتمالان المذكوران وعوده إلى أهل قباء أظهر ويرجح رواية الكسر انه عند المصنف في
التفسير من رواية سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار في هذا الحديث بلفظ وقد أمر ان
يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها فدخول حرف الاستفتاح يشعر بان الذي بعده أمر لا انه بقية
الخبر الذي قبله والله أعلم ووقع بيان كيفية التحول في حديث ثويلة بنت أسلم عند ابن أبي حاتم
وقد ذكرت بعضه قريبا وقالت فيه فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء فصلينا
السجدتين الباقيتين إلى البيت الحرام (قلت) وتصويره ان الامام تحول من مكانه في مقدم
المسجد إلى مؤخر المسجد لان من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس وهو لو دار كما هو في مكانه
424

لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف ولما تحول الامام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحول
النساء حتى صرن خلف الرجال وهذا يستدعى عملا كثيرا في الصلاة فيحتمل أن يكون ذلك وقع
قبل تحريم العمل الكثير كما كان قبل تحريم الكلام ويحتمل أن يكون اغتفر العمل المذكور
من أجل المصلحة المذكورة أو لم تتوال الخطا عند التحويل بل وقعت مفرقة والله أعلم وفى هذا
الحديث ان حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه لان أهل قباء لم يؤمروا بالإعادة مع
كون الامر باستقبال الكعبة وقع قبل صلاتهم تلك بصلوات واستنبط منه الطحاوي أن من
لم تبلغه الدعوة ولم يمكنه استعلام ذلك فالفرض غير لازم له وفيه جواز الاجتهاد في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم لانهم لما تمادوا في الصلاة ولم يقطعوها دل على أنه رجح عندهم التمادي
والتحول على القطع والاستئناف ولا يكون ذلك الا عن اجتهاد كذا قيل وفيه نظر لاحتمال ان
يكون عندهم في ذلك نص سابق لأنه صلى الله عليه وسلم كان مترقبا التحول المذكور فلا مانع
ان يعلمهم ما صنعوا من التمادي والتحول وفيه قبول خبر الواحد ووجوب العمل به ونسخ
ما تقرر بطريق العلم به لان صلاتهم إلى بيت المقدس كانت عندهم بطريق القطع لمشاهدتهم
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهته ووقع تحولهم عنها إلى جهة الكعبة بخبر هذا الواحد
وأجيب بان الخبر المذكور احتفت به قرائن ومقدمات أفادت القطع عندهم بصدق ذلك المخبر
فلم ينسخ عندهم ما يفيد العلم الا بما يفيد العلم وقيل كان النسخ بخبر الواحد جائزا في زمنه صلى الله
عليه وسلم مطلقا وانما منع بعده ويحتاج إلى دليل وفيه جواز تعليم من ليس في الصلاة من
هو فيها وان استماع المصلى لكلام من ليس في الصلاة لا يفسد صلاته وقد تقدم الكلام على
تعيين الوقت الذي حولت فيه القبلة في الكلام على حديث البراء في كتاب الايمان ووجه تعلق
حديث ابن عمر بترجمة الباب ان دلالته على الجزء الأول منها من قوله أمر أن يستقبل الكعبة
وعلى الجزء الثاني من حيث إنهم صلوا في أول تلك الصلاة إلى القبلة المنسوخة جاهلين بوجوب
التحول عنها وأجزأت عنهم مع ذلك ولم يؤمروا بالإعادة فيكون حكم الساهي كذلك لكن يمكن
ان يفرق بينهما بان الجاهل مستصحب للحكم الأول مغتفر في حقه ما لا يغتفر حق الساهي لأنه
انما يكون عن حكم استقر عنده وعرفه (قوله عن عبد الله) يعنى ابن مسعود (قال صلى النبي
صلى الله عليه وسلم الظهر خمسا) تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله وتعلقه بالترجمة من
قوله قال وما ذاك أي ما سبب هذا السؤال وكان في تلك الحالة غير مستقبل القبلة سهوا كما
يظهر في الرواية الماضية من قوله فثنى رجله واستقبل القبلة * (قوله باب حك
البزاق باليد من المسجد) أي سواء كان بآلة أم لا ونازع الإسماعيلي في ذلك فقال قوله فحكه
بيده أي تولى ذلك بنفسه لا أنه باشر بيده النخامة ويؤيد ذلك الحديث الآخر أنه حكها
بعرجون اه‍ والمصنف مشى على ما يحتمله اللفظ مع أنه لا مانع في القصة من التعدد
وحديث العرجون رواه أبو داود من حديث جابر (قوله عن حميد عن أنس) كذا في جميع
ما وقفت عليه من الطرق بالعنعنة لكن أخرجه عبد الرزاق فصرح بسماع حميد من أنس فامن
تدليسه (قوله نخامة) قيل هي ما يخرج من الصدر وقيل النخاعة بالعين من الصدر وبالميم
من الرأس (قوله في القبلة) أي الحائط الذي من جهة القبلة (قوله حتى رؤى) أي شوهد
425

في وجهه أثر المشقة وللنسائي فغضب حتى احمر وجهه وللمصنف في الأدب من حديث ابن عمر
فتغيظ على أهل المسجد (قوله إذا قام في صلاته) أي بعد شروعه فيها (قوله أو أن ربه) كذا
للأكثر بالشك كما سيأتي في الرواية الأخرى بعد خمسة أبواب وللمستملى والحموي وأن ربه بواو
العطف والمراد بالمناجاة من قبل العبد حقيقة النجوى ومن قبل الرب لازم ذلك فيكون مجازا
والمعنى اقباله عليه بالرحمة والرضوان وأما قوله و ان ربه بينه وبين القبلة وكذا في الحديث الذي
بعده فان الله قبل وجهه فقال الخطابي معناه ان توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه فصار
في التقدير كان مقصوده بينه وبين قبلته وقيل هو على حذف مضاف أي عظمة الله أو ثواب الله
وقال ابن عبد البر هو كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة وقد نزع به بعض المعتزلة القائلين بان
الله في كل مكان وهو جهل واضح لان في الحديث انه يبزق تحت قدمه وفيه نقض ما أصلوه
وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته ومهما تؤل به هذا جاز أن يتأول به ذاك والله أعلم وهذا التعليل يدل على أن البزاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أو لا ولا سيما
من المصلى فلا يجرى فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم
وفى صحيحي ابن خزيمة وابن حبان من حديث حذيفة مرفوعا من تفل تجاه القبلة جاء يوم
القيامة وتفله بين عينيه وفى رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر مرفوعا يبعث صاحب
النخامة في القبلة يوم القيامة وهى في وجهه ولابى داود وابن حبان من حديث السائب بن خلاد
ان رجلا أم قوما فبصق في القبلة فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلى لكم
الحديث وفيه أنه قال له انك آذيت الله ورسوله (قوله قبل قبلته) بكسر القاف وفتح الموحدة
أي جهة قبلته (قوله أو تحت قدمه) أي اليسرى كما في حديث أبي هريرة في الباب الذي بعده
وزاد أيضا من طريق همام عن أبي هريرة فيدفنها كما سيأتي ذلك بعد أربعة أبواب (قوله ثم
أخذ طرف ردائه الخ) فيه البيان بالفعل ليكون أوقع في نفس السامع وظاهر قوله أو يفعل
هكذا أنه مخير بين ما ذكر لكن سيأتي بعد أربعة أبواب أن المصنف حمل هذا الأخير على ما إذا بدره
البزاق فاو على هذا في الحديث للتنويع والله أعلم (قوله في حديث ابن عمر (رأى بصاقا في
جدار القبلة) وفى رواية المستملى في جدار المسجد وللمصنف في أواخر الصلاة من طريق أيوب
عن نافع في قبلة المسجد وزاد فيه ثم نزل فحكها بيده وهو مطابق للترجمة وفيه اشعار بأنه كان في
حال الخطبة وصرح الإسماعيلي بذلك في روايته من طريق شيخ البخاري فيه وزاد فيه أيضا قال
وأحسبه دعا بزعفران فلطخه به زاد عبد الرزاق عن معمر عن أيوب فلذلك صنع الزعفران في
المساجد قوله في حديث عائشة (رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكه) كذا
هو في الموطأ بالشك وللإسمعيلي من طريق معن عن مالك أو نخاعا بدل مخاطا وهو أشبه وقد تقدم
الفرق بين النخاعة والنخامة * (قوله باب حك المخاط بالحصى من المسجد) وجه
المغايرة بين هذه الترجمة والتي قبلها من طريق الغالب وذلك أن المخاط غالبا يكون له جرم لزج
فيحتاج في نزعه إلى معالجة والبصاق لا يكون له ذلك فيمكن نزعه بغير آلة الا ان خالطه بلغم
فيلتحق بالمخاط وهذا الذي يظهر من مراده (قوله وقال ابن عباس) هذا التعليق وصله ابن أبي
شيبة بسند صحيح وقال في آخره وإن كان ناسيا لم يضره ومطابقته للترجمة الإشارة إلى أن العلة
426

العظمى في النهى احترام القبلة لا مجرد التأذي بالبزاق ونحوه فإنه وإن كان علة أيضا لكن احترام
القبلة فيه آكد فلهذا لم يفرق فيه بين رطب ويابس بخلاف ما علة النهى فيه مجرد الاستقذار
فلا يضر وطء اليابس منه والله أعلم (قوله فتناول حصاة) هذا موضع الترجمة ولا فرق في المعنى
بين النخامة والمخاط فلذلك استدل بأحدهما على الآخر (قوله فحكها) وللكشميهني فحتها
بمثناة من فوق وهما بمعنى (قوله ولا عن يمينه) سيأتي الكلام عليه قريبا * (قوله باب
لا يبصق عن يمينه في الصلاة) أورد فيه الحديث الذي قبله من طريق أخي عن ابن شهاب ثم
حديث أنس من طريق قتادة عنه مختصرا من روايته عن حفص بن عمر وليس فيهما تقييد ذلك
بحالة الصلاة نعم هو مقيد بذلك في رواية آدم الآتية في الباب الذي يليه وكذا في حديث أبي هريرة
التقييد بذلك في رواية همام الآتية بعد فجرى المصنف في ذلك على عادته في التمسك بما ورد في
بعض طرق الحديث الذي يستدل به وان لم يكن ذلك في سياق حديث الباب وكأنه جنح إلى أن
المطلق في الروايتين محمول على المقيد فيهما وهو ساكت عن حكم ذلك خارج الصلاة وقد جزم
النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها سواء كان في المسجد أم غيره وقد نقل عن مالك
أنه قال لا بأس به يعنى خارج الصلاة ويشهد للمنع ما رواه عبد الرزاق وغيره عن ابن مسعود أنه كره
يبصق عن يمينه وليس في صلاة وعن معاذ بن جبل قال ما بصقت عن يميني منذ أسلمت وعن عمر بن
عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقا وكان الذي خصه بحالة الصلاة أخذه من علة النهى
المذكورة في رواية همام عن أبي هريرة حيث قال فان عن يمينه ملكا هذا إذا قلنا إن المراد بالملك
غير الكاتب والحافظ فيظهر حينئذ اختصاصه بحالة الصلاة وسيأتى البحث في ذلك إن شاء الله
تعالى وقال القاضي عياض النهى عن البصاق عن اليمين في الصلاة انما هو مع امكان غيره فان
تعذر فله ذلك (قلت) لا يظهر وجود التعذر مع وجود الثوب الذي هو لابسه وقد أرشده الشارع
إلى النقل فيه كما تقدم وقال الخطابي إن كان عن يساره أحد فلا يبزق في واحد من الجهتين
لكن تحت قدمه أو ثوبه (قلت) وفى حديث طارق المحاربي عند أبي داود ما يرشد لذلك فإنه قال فيه
أو تلقاء شمالك إن كان فارغا والا فهكذا وبزق تحت رجله ودلك ولعبد الرزاق من طريق عطاء
عن أبي هريرة نحوه ولو كان تحت رجله مثلا شئ مبسوط أو نحوه تعين الثوب ولو فقد الثوب
مثلا فلعل بلعه أولى من ارتكاب المنهى عنه والله أعلم * (تنبيه) * أخذ المصنف كون حكم
النخامة والبصاق واحدا من أنه صلى الله عليه وسلم رأى النخامة فقال لا يبزقن فدل على تساويهما
والله أعلم * (قوله باب ليبصق عن يساره حدثنا على) زاد الأصيلي ابن عبد الله وهو ابن
المديني والمنن هو الذي مضى من وجهين آخرين عن ابن شهاب وهو الزهري ولم يذكر سفيان وهو
ابن عيينة فيه أبا هريرة كذا في الروايات كلها لكن وقع في رواية ابن عساكر عن أبي هريرة بدل
أبي سعيد وهو وهم وكأن الحامل له على ذلك أنه رأى في آخره وعن الزهري سمع حميدا عن أبي
سعيد فظن أنه عنده عن أبي هريرة وأبى سعيد معا لكنه فرقهما وليس كذلك وانما أراد المصنف
أن يبين أن سفيان رواه مرة بالعنعنة ومرة صرح بسماع الزهري من حميد ووهم بعض الشراح
في زعمه أن قوله وعن الزهري معلق بل هو موصول وقد تقدمت له نظائر (قوله ولكن عن
يساره أو تحت قدمه) كذا للأكثر وهو المطابق للترجمة وفى رواية أبى الوقت وتحت قدميه بالواو
427

ووقع عند مسلم من طريق أبى رافع عن أبي هريرة ولكن عن يساره تحت قدميه بحذف أو وكذا
للمصنف من حديث أنس في أواخر الصلاة والرواية التي فيها أو أعم لكونها تشمل ما تحت القدم
وغير ذلك * (قوله باب كفارة البزاق في المسجد) أورد فيه حديث البزاق في المسجد
خطيئة وكفارتها دفنها من حديث أنس باسناده الماضي في الباب قبله سواء ولمسلم التفل بدل
البزاق والتفل بالمثناة من فوق أخف من البزاق والنفث بمثلثة آخره أخف منه قال القاضي
عياض انما يكون خطيئة إذا لم يدفنه وأما من أراد دفنه فلا ورده النووي فقال هو خلاف صريح
الحديث (قلت) وحاصل النزاع أن هنا عمومين تعارضا وهما قوله البزاق في المسجد خطيئة وقوله
وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فالنووي يجعل الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في
المسجد والقاضي بخلافه يجعل الثاني عاما ويخص الأول بمن لم يرد دفنها وقد وافق القاضي
جماعة منهم ابن مكي في التنقيب والقرطبي في المفهم وغيرهما ويشهد لهم ما رواه أحمد باسناد
حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا قال من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن
تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضا والطبراني
باسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعا قال من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وان دفنه
فحسنة فلم يجعله سيئة الا بقيد عدم الدفن ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعا قال
ووجدت في مساوى أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن قال القرطبي فلم يثبت لها
حكم السيئة لمجرد ايقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة انتهى وروى سعيد بن
منصور عن أبي عبيدة بن الجراح انه تنخم في المسجد ليلة فنسى أن يدفنها حتى رجع إلى منزله فاخذ
شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها ثم قال الحمد لله الذي لم يكتب على خطيئة الليلة فدل على أن
الخطيئة تختص بمن تركها لا بمن دفنها وعلة النهى ترشد إليه وهى تأذي المؤمن بها ومما يدل على أن
عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف وعند أبى داود من
حديث عبد الله بن الشخير أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه
بنعله اسناده صحيح وأصله في مسلم والظاهر أن ذلك كان في المسجد فيؤيد ما تقدم وتوسط بعضهم
فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كان لم يتمكن من الخروج من المسجد والمنع على ما إذا لم يكن
له عذر وهو تفصيل حسن والله أعلم وينبغي أن يفصل أيضا بين من بدأ بمعالجة الدفن قبل الفعل
كمن حفر أولا ثم بصق ووارى وبين من بصق أولا بنية أن يدفن مثلا فيجرى فيه الخلاف بخلاف
الذي قبله لأنه إذا كان المكفر اثم ابرازها هو دفنها فكيف يأثم من دفنها ابتداء وقال النووي قوله
كفارتها دفنها قال الجمهور يدفنها في تراب المسجد أو رمله أو حصبائه وحكى الروياني أن المراد
بدفنها اخراجها من المسجد أصلا (قلت) الذي قاله الروياني يجرى على ما يقول النووي من
المنع مطلقا وقد عرف ما فيه * (تنبيه) * قوله في المسجد ظرف للفعل فلا يشترط كون الفاعل
فيه حتى لو بصق من هو خارج المسجد فيه تناوله النهى والله أعلم * (قوله باب دفن
النخامة في المسجد) أي جواز ذلك وأورد فيه حديث أبي هريرة من طريق همام عنه بلفظ
إذا قام أحدكم إلى الصلاة ثم قال في آخره فيدفنها فاشعر قوله في الترجمة في المسجد بأنه فهم من قوله
إلى الصلاة أن ذلك يختص بالمسجد لكن اللفظ أعم من ذلك وقيل انما ترجم الذي قبله بالكفارة
428

وهذا بالدفن اشعارا بالتفرقة بين المتعمد بلا حاجة وهو الذي أثبت عليه الخطيئة وبين من غلبته
النخامة وهو الذي أذن له في الدفن أو ما يقوم مقامه (قوله فإنما يناجى) وللكشميهني فإنه
(قوله ما دام في مصلاه) يقتضى تخصيص المنع بما إذا كان في الصلاة لكن التعليل المتقدم
بأذى المسلم يقتضى المنع في جدار المسجد مطلقا ولو لم يكن في صلاة فيجمع بان يقال كونه في
الصلاة أشد اثما مطلقا وكونه في جدار القبلة أشد اثما من كونه في غيرها من جدر المسجد فهي
مراتب متفاوتة مع الاشتراك في المنع (قوله فان عن يمينه ملكا) تقدم أن ظاهره اختصاصه
بحالة الصلاة فان قلنا المراد بالملك الكاتب فقد استشكل اختصاصه بالمنع مع أن عن يساره
ملكا آخر وأجيب باحتمال اختصاص ذلك بملك اليمن تشريفا له وتكريما هكذا قاله
جماعة من القدماء ولا يخفى ما فيه وأجاب بعض المتأخرين بأن الصلاة أم الحسنات البدنية
فلا دخل لكاتب السيئات فيها ويشهد له ما رواه ابن أبي شيبة من حديث حذيفة موقوفا
في هذا الحديث قال ولا عن يمينه فان عن يمينه كاتب الحسنات وفى الطبراني من حديث أبي
أمامة في هذا الحديث فإنه يقوم بين يدي الله وملكه عن يمينه وقرينه عن يساره اه‍ فالتفل
حينئذ انما يقع على القرين وهو الشيطان ولعل ملك اليسار حينئذ يكون بحيث لا يصيبه
شئ من ذلك أو انه يتحول في الصلاة إلى اليمين والله أعلم (قوله فيدفنها) قال ابن أبي جمرة
لم يقل يغطيها لان التغطية يستمر الضرر بها إذ لا يامن أن يجلس غيره عليها فتؤذيه بخلاف
الدفن فإنه يفهم منه التعميق في باطن الأرض وقال النووي في الرياض المراد بدفنها ما إذا كان
المسجد ترابيا أو رمليا فاما إذا كان مبلطا مثلا فدلكها علليه بشئ مثلا فليس ذلك بدفن بل زيادة
في التقذير (قلت) لكن إذا لم يبق لها أثر البتة فلا مانع وعليه يحمل قوله في حديث عبد الله بن
الشخير المتقدم ثم دلكه بنعله وكذا قوله في حديث طارق عند أبي داود وبزق تحت رجله ودلك
* (فائدة) * قال القفال في فتاويه هذا الحديث محمول على ما يخرج من الفم أو ينزل من
الرأس أما ما يخرج من الصدر فهو نجس فلا يدفن في المسجد اه‍ هذا على اختياره لكن يظهر
التفصيل فيما إذا كان طرفا من قئ وكذا إذا خالط البزاق دم والله أعلم * (قوله باب
إذا بدره البزاق) أنكر السروجي قوله بدره وقال المعروف في اللغة بدرت إليه وبادرته
وأجيب بأنه يستعمل في المغالبة فيقال بادرت كذا فبدرني أي سبقني واستشكل آخرون التقييد
في الترجمة بالمبادرة مع أنه لا ذكر لها في الحديث الذي ساقه وكأنه أشار إلى ما في بعض
طرق الحديث المذكور وهو ما رواه مسلم من حديث جابر بلفظ وليبصق عن يساره وتحت رجله
اليسرى فان عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا ثم طوى بعضه على بعض ولابن أبى شيبة وأبى
داود من حديث أبي سعيد نحوه وفسره في رواية أبى داود بان يتفل في ثوبه ثم يرد بعضه على بعض
والحديثان صحيحان لكنهما ليسا على شرط البخاري فأشار إليهما بان حمل الأحاديث التي
لا تفصيل فيها على ما فصل فيهما والله أعلم وقد تقدم الكلام على حديث أنس قبل خمسة أبواب
وقوله هنا ورؤى منه بضم الراء بعدها واو مهموزة أي من النبي صلى الله عليه وسلم وكراهيته
بالرفع أي ذلك الفعل وقوله أو رؤى شك من الراوي وقوله وشدته بالرفع عطفا على كراهيته
ويجوز الجر عطفا على قوله لذلك وفى الأحاديث المذكورة من الفوائد غير ما تقدم الندب إلى
429

إزالة ما يستقذر أو يتنزه عنه من المسجد وتفقد الامام أحوال المساجد وتعظيمها وصيانتها وأن
للمصلى أن يبصق وهو في الصلاة ولا تفسد صلاته وان النفخ والتنحنح في الصلاة جائزان لأن
النخامة لا بد أن يقع معها شئ من نفخ أو تنحنح ومحله ما إذا لم يفحش ولم يقصد صاحبه العبث ولم
يبن منه مسمى كلام وأقله حرفان أو حرف ممدود واستدل به المصنف على جواز النفخ في الصلاة
كما سيأتي في أواخر كتاب الصلاة والجمهور على ذلك لكن بالشرط المذكور قبل وقال أبو
حنيفة إن كان النفخ يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة واستدلوا له بحديث عن أم سلمة عند
النسائي وبأثر عن ابن عباس عند ابن أبي شيبة وفيها أن البصاق طاهر وكذا النخامة والمخاط
خلافا لمن يقول كل ما تستقذره النفس حرام ويستفاد منه أن التحسين أو التقبيح انما هو بالشرع
فان جهة اليمين مفضلة على اليسار وان اليد مفضلة على القدم وفيها الحث على الاستكثار من
الحسنات وإن كان صاحبها مليا لكونه صلى الله عليه وسلم باشر الحك بنفسه وهو دال على
عظم تواضعه زاده الله تشريفا وتعظيما صلى الله عليه وسلم * (قوله باب عظة الامام
الناس) بالنصب على المفعولية وقوله في اتمام الصلاة أي بسبب ترك اتمام الصلاة (قوله وذكر
القبلة) بالجر عطفا على عظة وأورده للاشعار بمناسبة هذا الباب لما قبله (قوله هل ترون قبلتي)
هو استفهام انكار لما يلزم منه أي أنتم تظنون أنى لا أرى فعلكم لكون قبلتي في هذه الجهة لان
من استقبل شيا استدبر ما وراءه لكن بين النبي صلى الله عليه وسلم أن رؤيته لا تختص بجهة
واحدة وقد اختلف في معنى ذلك فقيل المراد بها العلم اما بان يوحى إليه كيفية فعلهم واما بان
يلهم وفيه نظر لان العلم لو كان مرادا لم يقيده بقوله من وراء ظهري وقيل المراد انه يرى من عن
يمينه ومن عن يساره ممن تدركه عينه مع التفات يسير في النادر ويوصف من هو هناك بأنه وراء
ظهره وهذا ظاهر التكلف وفيه عدول عن الظاهر بلا موجب والصواب المختار انه محمول
على ظاهره وان هذا الابصار ادراك حقيقي خاص به صلى الله عليه وسلم انخرقت له فيه العادة وعلى
هذا عمل المصنف فاخرج هذا الحديث في علامات النبوة وكذا نقل عن الإمام أحمد وغيره ثم ذلك
الادراك يجوز ان يكون برؤية عينه انخرقت له العادة فيه أيضا فكان يرى بها من غير مقابلة لان
الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها عقلا عضو مخصوص ولا مقابلة ولا قرب وانما تلك
أمور عادية يجوز حصول الادراك مع عدمها عقلا ولذلك حكموا بجواز رؤية الله تعالى في الدار
الآخرة خلافا لأهل البدع لوقوفهم مع العادة وقيل كانت له عين خلف ظهره يرى بها من وراءه
دائما وقيل كان بين كتفيه عينان مثل سم الخياط يبصر بهما لا يحجبهما ثوب ولا غيره وقيل بل
كانت صورهم تنطبع في حائط قبلته كما تنطبع في المرآة فيرى أمثلتهم فيها فيشاهد أفعالهم (قوله
ولا خشوعكم) أي في جميع الأركان ويحتمل ان يريد به السجود لان فيه غاية الخشوع وقد صرح
بالسجود في رواية لمسلم (قوله انى لأراكم) بفتح الهمزة (قوله في حديث أنس صلى لنا) أي لأجلنا
وقوله صلاة بالتنكير للابهام وقوله ثم رقى بكسر القاف (قوله فقال في الصلاة) أي في شان الصلاة
أو هو متعلق بقوله بعد انى لأراكم عند من يجيز تقدم الظرف وقوله وفى الركوع أفرده بالذكر
وإن كان داخلا في الصلاة اهتماما به اما لكون التقصير فيه كان أكثر أو لأنه أعظم الأركان بدليل
ان المسبوق يدرك الركعة بتمامها بادراك الركوع (قوله كما أراكم) يعنى من امامى وصرح به
430

في رواية أخرى كما سيأتي ولمسلم انى لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي وفيه دليل على المختار ان
المراد بالرؤية الابصار وظاهر الحديث أن ذلك يختص بحالة الصلاة ويحتمل ان يكون ذلك واقعا
في جميع أحواله وقد نقل ذلك عن مجاهد وحكى تقى بن مخلد أنه صلى الله عليه وسلم كان يبصر في
الظلمة كما يبصر في الضوء وفى الحديث الحث على الخشوع في الصلاة والمحافظة على اتمام أركانها
وابعاضها وأنه ينبغي للامام ان ينبه الناس على ما يتعلق بأحوال الصلاة ولا سيما ان رأى منهم
ما يخالف الأولى وسأذكر حكم الخشوع في أبواب صفة الصلاة حيث ترجم به المصنف مع بقية
الكلام عليه إن شاء الله تعالى * (قوله باب هل يقال مسجد بنى فلان) أورد فيه
حديث ابن عمر في المسابقة وفيه قول ابن عمر إلى مسجد بنى زريق وزريق بتقديم الزاي مصغرا
ويستفاد منه جواز إضافة المساجد إلى بانيها أو المصلى فيها ويلتحق به جواز إضافة أعمال البر إلى
أربابها وانما أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام لينبه على أن فيه احتمالا إذ يحتمل أن يكون
ذلك قد علمه النبي صلى الله عليه وسلم بان تكون هذه الإضافة وقعت في زمنه ويحتمل ان يكون
ذلك مما حدث بعده والأول أظهر والجمهور على الجواز والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي فيما
رواه ابن أبي شيبة عنه انه كان يكره أن يقول مسجد بنى فلان ويقول مصلى بنى فلان لقوله تعالى
وان المساجد لله وجوابه ان الإضافة في مثل هذا إضافة تمييز لا ملك وسيأتي الكلام على فوائد
المتن في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * الحفياء بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها ياء
أخيرة ممدودة والامد الغاية واللام في قوله الثنية للعهد من ثنية الوداع * (قوله باب
القسمة) أي جوازها والقنو بكسر القاف وسكون النون فسره في الأصل في روايتنا بالعذق وهو
بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة وهو العرجون بما فيه وقوله الاثنان قنوان أي
بكسر النون وقوله مثل صنو وصنوان أهمل الثالثة اكتفاء بظهورها (قوله وقال إبراهيم
يعنى ابن طهمان) كذا في روايتنا وهو صواب وأهمل في غيرها وقال الإسماعيلي ذكره البخاري
عن إبراهيم وهو ابن طهمان فيما أحسب بغير اسناد يعنى تعليقا (قلت) وقد وصله أبو نعيم في
مستخرجه والحاكم في مستدركه من طريق أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري عن أبيه عن
إبراهيم بن طهمان وقد أخرج البخاري بهذا الاسناد إلى إبراهيم بن طهمان عدة أحاديث (قوله
عن عبد العزيز بن صهيب) كذا في روايتنا وفى غيرها عن عبد العزيز غير منسوب فقال المزي في
الأطراف قيل إنه عبد العزيز بن رفيع وليس بشئ ولم يذكر البخاري في الباب حديثا في تعليق
القنو فقال ابن بطال أغفله وقال ابن التين أنسيه وليس كما قالا بل أخذه من جواز وضع المال في
المسجد بجامع ان كلا منهما وضع لاخذ المحتاجين منه وأشار بذلك إلى ما رواه النسائي من
حديث عوف بن مالك الأشجعي قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عصا وقد علق
رجل قنا حشف فجعل يطعن في ذلك القنو ويقول لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب من هذا
وليس هو على شرطه وإن كان اسناده قويا فكيف يقال إنه أغفله وفى الباب أيضا حديث آخر
أخرجه ثابت في الدلائل بلفظ ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل حائط بقنو يعلق في
المسجد يعنى للمساكين وفى رواية له وكان عليها معاذ بن جبل أي على حفظها أو على قسمتها (قوله
بمال من البحرين) روى ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال مرسلا انه كان مائة الف وانه أرسل
431

به العلاء بن الحضرمي من خراج البحرين قال وهو أول خراج حمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وعند المصنف في المغازي من حديث عمرو بن عوف ان النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل
البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم فقدم أبو عبيدة بمال
فسمعت الأنصار بقدومه الحديث فيستفاد منه تعيين الآتي بالمال لكن في الردة للواقدي أن
رسول العلاء بن الخضري بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفي فلعله كان رقيق أبى عبيدة واما
حديث جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له لو قد جاء مال البحرين أعطيتك وفيه فلم يقدم مال
البحرين حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فهو صحيح كما سيأتي عند المصنف وليس
معارضا لما تقدم بل المراد انه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان مال
خراج أو جزية فكان يقدم من سنة إلى سنة (قوله فقال انثروه) أي صبوه (قوله وفاديت
عقيلا) أي ابن أبي طالب وكان أسر مع عمه العباس في غزوة بدر وقوله فحثى بمهملة ثم مثلثة
مفتوحة والضمير في ثوبه يعود على العباس وقوله يقله بضم أوله من الاقلال وهو الرفع والحمل
(قوله مر بعضهم) بضم الميم وسكون الراء وفى رواية أومر بالهمز وقوله يرفعه بالجزم لأنه جواب
الامر ويجوز الرفع أي فهو يرفعه (قوله على كاهله) أي بين كتفيه وقوله يتبعه بضم أوله من
الاتباع وعجبا بالفتح وقوله وثم منها درهم بفتح المثلثة أي هناك وفى هذا الحديث بيان كرم النبي
صلى الله عليه وسلم وعدم التفاته إلى المال قل أو كثر وان الامام ينبغي له ان يفرق مال المصالح في
مستحقيها ولا يؤخره وسيأتى الكلام على فوائد هذا الحديث في كتاب الجهاد في باب فداء
المشركين حيث ذكره المصنف فيه مختصرا إن شاء الله تعالى وموضع الحاجة منه هنا جواز وضع
ما يشترك المسلمون فيه من صدقة ونحوها في المسجد ومحله ما إذا لم يمنع مما وضع له المسجد من
الصلاة وغيرها مما بنى المسجد لأجله ونحو وضع هذا المال وضع مال زكاة الفطر ويستفاد منه
جواز وضع ما يعم نفعه في المسجد كالماء لشرب من يعطش ويحتمل التفرقة بين ما يوضع للتفرقة
وبين ما يوضع للخزن فيمنع الثاني دون الأول وبالله التوفيق * (قوله باب من دعى
لطعام في المسجد ومن أجاب منه) وفى رواية للكشميهني ومن أجاب إليه * أورد فيه حديث أنس
مختصرا وأورد عليه أنه مناسب لأحد شقى الترجمة وهو الثاني ويجاب بان قوله في المسجد متعلق
بقوله دعا لا بقوله لطعام فالمناسبة ظاهرة والغرض منه ان مثل ذلك من الأمور المباحة ليس من
اللغو الذي يمنع في المساجد ومن في قوله منه ابتدائية والضمير يعود على المسجد وعلى رواية
الكشميهني يعود على الطعام وللكشميهني قال لمن معه بدل لمن حوله وفى الحديث جواز الدعاء
إلى الطعام وان لم يكن وليمة واستدعاء الكثير إلى الطعام القليل وان المدعو إذا علم من الداعي أنه
لا يكره ان يحضر معه غيره فلا بأس باحضاره معه وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث إن شاء الله
تعالى حيث أورده المصنف تاما في علامات النبوة * (قوله باب القضاء واللعان في
المسجد) هو من عطف الخاص على العام وسقط قوله بين الرجال والنساء من رواية المستملى
(قوله حدثنا يحيى) زاد الكشميهني ابن موسى وكذا نسبه ابن السكن وأخطأ من قال هو ابن
جعفر وسيأتي الكلام على ما يتعلق بحديث سهل بن سعد المذكور وتسمية من أبهم فيه في كتاب
اللعان إن شاء الله تعالى ويأتي ذكر الاختلاف في جواز القضاء في المسجد في كتاب الأحكام ان
432

شاء الله تعالى * (قوله باب إذا دخل بيتا) أي لغيره (يصلى حيث شاء أو حيث أمر) قيل
مراده الاستفهام لكن حذفت أداته أي هل يتوقف على اذن صاحب المنزل أو يكفيه الاذن
العام في الدخول فاو على هذا ليست للشك وقوله ولا يتجسس ضبطناه بالجيم وقيل إنه روى بالحاء
المهملة وهو متعلق بالشق الثاني قال المهلب دل حديث الباب على الغاء حكم الشق الأول
لاستئذانه صلى الله عليه وسلم صاحب المنزل أين يصلى وقال المازري معنى قوله حيث شاء أي من
الموضع الذي أذن له فيه وقال ابن المنير انما أراد البخاري ان المسئلة موضع نظر فهل يصلى من
دعى حيث شاء لان الاذن في الدخول عام في أجزاء المكان فأينما جلس أو صلى تناوله الاذن أو
يحتاج إلى أن يستأذن في تعيين مكان صلاته لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك الظاهر الأول
وانما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه دعى ليتبرك صاحب البيت بمكان صلاته فسأله
ليصلى في البقعة التي يحب تخصيصها بذلك وأما من صلى لنفسه فهو على عموم الاذن (قلت) الا
ان يخص صاحب المنزل ذلك العموم فيختص والله أعلم (قوله عن ابن شهاب) صرح أبو داود
الطيالسي في مسنده بسماع إبراهيم بن سعد له من ابن شهاب (قوله عن محمود بن الربيع)
وللمصنف في باب النوافل جماعة كما سيأتي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن
ابن شهاب قال أخبرني محمود (قوله عن عتبان) زاد يعقوب المذكور في روايته قصة محمود في عقله
المجة كما تقدم من وجه آخر في كتاب العلم وصرح يعقوب أيضا بسماع محمود من عتبان (قوله
أتاه في منزله) اختصره المصنف هنا وساقه من رواية يعقوب المذكور تاما كما أورده من طريق
عقيل في الباب الآتي (قوله إن أصلى من بيتك) كذا للأكثر وكذا في رواية يعقوب وللمستملى
هنا ان أصلى لك وللكشميهني في بيتك وسيأتى الكلام على الحديث في الباب الذي بعده * (قوله
باب المساجد) أي اتخاذ المساجد * في البيوت (قوله وصلى البراء بن عازب في مسجد في
داره جماعة) وللكشميهني في جماعة وهذا الأثر أورد ابن أبي شيبة معناه في قصة (قوله إن عتبان
ابن مالك) أي الخزرجي السالمي من بنى سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج هو بكسر
العين ويجوز ضمها (قوله إنه أتى) في رواية ثابت عن أنس عن عتبان عند مسلم انه بعث إلى النبي
صلى الله عليه وسلم يطلب منه ذلك فيحتمل ان يكون نسب اتيان رسوله إلى نفسه مجازا ويحتمل ان
يكون أتاه مرة وبعث إليه أخرى اما متقاضيا واما مذكرا وفى الطبراني من طريق أبى أويس
عن ابن شهاب بسنده أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم جمعة لو أتيتني يا رسول الله وفيه
انه أتاه يوم السبت وظاهره ان مخاطبة عتبان بذلك كانت حقيقة لا مجازا (قوله قد أنكرت
بصرى) كذا ذكره جمهور أصحاب ابن شهاب كما للمصنف من طريق إبراهيم بن سعد ومعمر ولمسلم
من طريق يونس وللطبراني من طريق الزبيدي والأوزاعي وله من طريق أبى أويس لما ساء
بصرى وللإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن نمر جعل بصرى يكل ولمسلم من طريق سليمان بن
المغيرة عن ثابت أصابني في بصرى بعض الشئ وكل ذلك ظاهر في أنه لم يكن بلغ العمى إذ ذاك لكن
أخرجه المصنف في باب الرخصة في المطر من طريق مالك عن ابن شهاب فقال فيه ان عتبان كان
يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم انها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل
ضرير البصر الحديث وقد قيل إن رواية مالك هذه معارضة لغيره وليست عندي كذلك بل قول
433

محمود ان عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى أي حين لقيه محمود وسمع منه الحديث لا حين سؤاله
للنبي صلى الله عليه وسلم ويبينه قوله في رواية يعقوب فجئت إلى عتبان وهو شيخ أعمى يؤم قومه
واما قوله وانا رجل ضرير البصر أي أصابني منه ضر فهو كقوله أنكرت بصرى ويؤيد هذا
الحمل قوله في رواية ابن ماجة من طريق إبراهيم بن سعد أيضا لما أنكرت من بصرى وقوله في
رواية مسلم أصابني في بصرى بعض الشئ فإنه ظاهر في أنه لم يكمل عماه لكن رواية مسلم من
طريق حماد بن سلمة عن ثابت بلفظ أنه عمى فأرسل وقد جمع ابن خزيمة بين رواية مالك وغيره من
أصحاب ابن شهاب فقال قوله أنكرت بصرى هذا اللفظ يطلق على من في بصره سوء وإن كان
يبصر بصرا ما وعلى من صار أعمى لا يبصر شيئا انتهى والأولى ان يقال أطلق عليه عمى لقربه منه
ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في حال الصحة وبهذا تأتلف الروايات والله أعلم (قوله
أصلى لقومي) أي لأجلهم والمراد أنه كان يؤمهم وصرح بذلك أبو داود الطيالسي عن إبراهيم بن
سعد (قوله سال الوادي) أي سال الماء في الوادي فهو من اطلاق المحل على الحال وللطبراني من
طريق الزبيدي وان الأمطار حين تكون يمنعني سيل الوادي (قوله بيني وبينهم) وفى رواية
الإسماعيلي يسيل الوادي الذي بين مسكني وبين مسجد قومي فيحول بيني وبين الصلاة معهم (قوله
فأصلي بهم) بالنصب عطفا على آتي (قوله وددت) بكسر الدال الأولى أي تمنيت وحكى القزاز جواز
فتح الدال في الماضي والواو في المصدر والمشهور في المصدر الضم وحكى فيه أيضا الفتح فهو مثلث
(قوله فتصلى) بسكون الياء ويجوز النصب لوقوع الفاء بعد التمني وكذا قوله فاتخذه بالرفع ويجوز
النصب (قوله سأفعل إن شاء الله) هو هنا للتعليق لا لمحض التبرك كذا قيل ويجوز ان يكون للتبرك
لاحتمال اطلاعه صلى الله عليه وسلم بالوحي على الجزم بان ذلك سيقع (قوله قال عتبان) ظاهر
هذا السياق ان الحديث من أوله إلى هنا من رواية محمود بن الربيع بغير واسطة ومن هنا إلى آخره
من روايته عن عتبان صاحب القصة وقد يقال القدر الأول مرسل لان محمودا يصغر عن
حضور ذلك لكن وقع التصريح في أوله بالتحديث بين عتبان ومحمود من رواية الأوزاعي عن ابن
شهاب عند أبي عوانة وكذا وقع تصريحه بالسماع عند المصنف من طريق معمر ومن طريق
إبراهيم بن سعد كما ذكرناه في الباب الماضي فيحمل قوله قال عتبان على أن محمودا أعاد اسم شيخه
اهتماما بذلك لطول الحديث (قوله فغدا على) زاد الإسماعيلي بالغد وللطبراني من طريق
أبى أويس ان السؤال وقع يوم الجمعة والتوجه إليه وقع يوم السبت كما تقدم (قوله وأبو بكر)
لمذ يذكر جمهور الرواة عن ابن شهاب غيره حتى أن رواية الأوزاعي فاستإذنا فاذنت لهما لكن
في رواية أبى أويس ومعه أبو بكر وعمر ولمسلم من طريق أنس عن عتبان فأتاني ومن شاء الله من
أصحابه وللطبراني من وجه آخر عن أنس في نفر من أصحابه فيحتمل الجمع بان أبا بكر صحبه وحده في
ابتداء التوجه ثم عند الدخول أو قبله اجتمع عمر وغيره من الصحابة فدخلوا معه (قوله فلم يجلس
حين دخل) وللكشميهني حتى دخل قال عياض زعم بعضهم انها غلط وليس كذلك بل المعنى فلم
يجلس في الدار ولا غيرها حتى دخل البيت مبادرا إلى ما جاء بسببه وفى رواية يعقوب عند المصنف
وكذا عند الطيالسي فلما دخل لم يجلس حتى قال أين تحب وكذا للإسماعيلي من وجه آخر وهى
أبين في المراد لان جلوسه انما وقع بعد صلاته بخلاف ما وقع منه في بيت مليكة حيث جلس فاكل
434

ثم صلى لأنه هناك دعى إلى الطعام فبدأ به وهنا دعى إلى الصلاة فبدأ بها (قوله أن أصلى من بيتك)
كذا للأكثر والجمهور رواة الزهري ووقع عند الكشميهني وحده في بيتك (قوله وحبسناه) أي
منعناه من الرجوع (قوله خزيرة) بخاء معجمة مفتوحة بعدها زاي مكسورة ثم ياء تحتانية ثم راء ثم
هاء نوع من الأطعمة قال ابن قتيبة تصنع من لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير فإذا نضج
ذر عليه الدقيق وان لم يكن فيه لحم فهو عصيدة وكذا ذكر يعقوب وزاد من لحم بات ليلة قال
وقيل هي حساء من دقيق فيه دسم وحكى في الجمهرة نحوه وحكى الأزهري عن أبي الهيثم أن
الخزيرة من النخالة وكذا حكاه المصنف في كتاب الأطعمة عن النضر بن شميل قال عياض المراد
بالنخالة دقيق لم يغربل (قلت) ويؤيد هذا التفسير قوله في رواية الأوزاعي عند مسلم على
جشيشة بجيم ومعجمتين قال أهل اللغة هي ان تطحن الحنطة قليلا ثم يلقى فيها شحم أو غيره وفى
المطالع أنها رويت في الصحيحين بحاء وراءين مهملات وحكى المصنف في الأطعمة عن النضر
أيضا أنها أي التي بمهملات تصنع من اللبن (قوله فثاب في البيت رجال) بمثلثة وبعد الألف
موحدة أي اجتمعوا بعد أن تفرقوا قال الخليل المثابة مجتمع الناس بعد افتراقهم ومنه قيل
للبيت مثابة وقال صاحب المحكم يقال ثاب إذا رجع وثاب إذا أقبل (قوله من أهل الدار) أي
المحلة لقوله خير دور الأنصار دار بنى النجار أي محلتهم والمراد أهلها (قوله فقال قائل منهم) لم يسم
هذا المبتدى (قوله مالك بن الدخيشن) بضم الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة وسكون الياء
التحتانية بعدها شين معجمة مكسورة ثم نون (قوله أو ابن الدخشن) بضم الدال والشين وسكون
الخاء بينهما وحكى كسر أوله والشك فيه من الراوي هل هو مصغر أو مكبر وفى رواية المستملى هنا في
الثانية بالميم بدل النون وعند المصنف في المحاربين من رواية معمر الدخشن بالنون مكبرا من غير
شك وكذا لمسلم من طريق يونس وله من طريق معمر بالشك ونقل الطبراني عن أحمد بن صالح أن
الصواب الدخشم بالميم وهى رواية الطيالسي وكذا لمسلم من طريق ثابت عن أنس عن عتبان
والطبراني من طريق النضر بن أنس عن أبيه (قوله فقال بعضهم) قيل هو عتبان راوي
الحديث قال ابن عبد البر في التمهيد الرجل الذي سار النبي صلى الله عليه وسلم في قتل رجل من
المنافقين هو عتبان والمنافق المشار إليه هو مالك بن الدخشم ثم ساق حديث عتبان المذكور في
هذا الباب وليس فيه دليل على ما ادعاه من أن الذي سارر هو عتبان وأغرب بعض المتأخرين
فنقل عن ابن عبد البر ان الذي قال في هذا الحديث ذلك منافق هو عتبان أخذا من كلامه هذا
وليس فيه تصريح بذلك وقال ابن عبد البر لم يختلف في شهود مالك بدرا وهو الذي أسر سهيل بن
عمرو ثم ساق باسناد حسن عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن تكلم فيه أليس قد
شهد بدرا (قلت) وفى المغازي لابن اسحق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مالكا هذا ومعن بن عدي
فحرقا مسجد الضرار فدل على أنه برئ مما اتهم به من النفاق أو كان قد أقلع عن ذلك أو
النفاق الذي اتهم به ليس نفاق الكفر انما أنكر الصحابة عليه تودده للمنافقين ولعل له عذرا في
ذلك كما وقع لحاطب (قوله ألا تراه قد قال لا إله إلا الله) وللطيالسي اما يقول ولمسلم أليس يشهد
وكأنهم فهموا من هذا الاستفهام أن لا جزم بذلك ولولا ذلك لم يقولوا في جوابه انه ليقول ذلك
وما هو في قلبه كما وقع عند مسلم من طريق أنس عن عتبان (قوله فانا نرى وجهه) أي توجهه
435

(قوله ونصيحته إلى المنافقين) قال الكرماني يقال نصحت له لا إليه ثم قال قد ضمن معنى الانتهاء
كذا قال والظاهر أن قوله إلى المنافقين متعلق بقوله وجهه فهو الذي يتعدى بالى وأما متعلق
نصيحته فمحذوف للعلم به (قوله قال ابن شهاب) أي بالاسناد الماضي ووهم من قال إنه معلق
(قوله ثم سألت) زاد الكشميهني بعد ذلك والحصين بمهملتين لجميعهم الا للقابسي فضبطه بالضاد
المعجمة وغلطوه (قوله من سراتهم) بفتح المهملة أي خيارهم وهو جمع سرى قال أبو عبيد هو
المرتفع القدر من سرو الرجل يسرو إذا كان رفيع القدر وأصله من السراة وهو أرفع المواضع
من ظهر الدابة وقيل هو رأسها (قوله فصدقه بذلك) يحتمل أن يكون الحصين سمعه أيضا من
عتبان ويحتمل أن يكون حمله عن صحابي آخر وليس للحصين ولا لعتبان في الصحيحين سوى هذا
الحديث وقد أخرجه البخاري في أكثر من عشرة مواضع مطولا ومختصرا وقد سمعه من عتبان
أيضا أنس بن مالك كما أخرجه مسلم وسمعه أبو بكر بن أنس مع أبيه من عتبان أخرجه الطبراني
وسيأتي في باب النوافل جماعة أن أبا أيوب الأنصاري سمع محمود بن الربيع يحدث به عن عتبان
فأنكره لما يقتضيه ظاهره من أن النار محرمة على جميع الموحدين وأحاديث الشفاعة دالة على أن
بعضهم يعذب لكن للعلماء أجوبة عن ذلك منها ما رواه مسلم عن ابن شهاب أنه قال عقب
حديث الباب ثم نزلت بعد ذلك فرائض وأمور نرى ان الامر قد انتهى إليها فمن استطاع ان لا يغتر
فلا يغتر وفى كلامه نظر لان الصلوات الخمس نزل فرضها قبل هذه الواقعة قطعا وظاهره يقتضى
ان تاركها لا يعذب إذا كان موحدا وقيل المراد ان من قالها مخلصا لا يترك الفرائض لان
الاخلاص يجمل على أداء اللازم وتعقب بمنع الملازمة وقيل المراد تحريم التخليد أو تحريم
دخول النار المعدة للكافرين لا الطبقة المعدة للعصاة وقيل المراد تحريم دخول النار بشرط
حصول قبول العمل الصالح والتجاوز عن السئ والله أعلم وفى هذا الحديث من الفوائد إمامة الأعمى
واخبار المرء عن نفسه بما فيه من عاهة ولا يكون من الشكوى وانه كان في المدينة
مساجد للجماعة سوى مسجده صلى الله عليه وسلم والتخلف عن الجماعة في المطر والظلمة ونحو
ذلك واتخاذ موضع معين للصلاة وأما النهى عن ايطان موضع معين من المسجد ففيه حديث
رواه أبو داود وهو محمول على ما إذا استلزم رياء ونحوه وفيه تسوية الصفوف وان عموم النهى عن
امامة الزائر من زاره مخصوص بما إذا كان الزائر هو الامام الأعظم فلا يكره وكذا من أذن
له صاحب المنزل وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو وطئها
ويستفاد منه ان من دعى من الصالحين ليتبرك به انه يجيب إذا أمن الفتنة ويحتمل ان يكون
عتبان انما طلب بذلك الوقوف على جهة القبلة بالقطع وفيه إجابة الفاضل دعوة المفضول
والتبرك بالمشيئة والوفاء بالوعد واستصحاب الزائر بعض أصحابه إذا علم أن المستدعى لا يكره ذلك
والاستئذان على الداعي في بيته وان تقدم منه طلب الحضور وان اتخاذ مكان في البيت للصلاة
لا يستلزم وقضيته ولو أطلق عليه اسم المسجد وفيه اجتماع أهل المحلة على الامام أو العالم إذا ورد
منزل بعضهم ليستفيدوا منه ويتبركوا به والتنبيه على من يظن به الفساد في الدين عند الامام على
جهة النصيحة ولا يعد ذلك غيبة وأن على الامام ان يتثبت في ذلك ويحمل الامر فيه على الوجه
الجميل وفيه افتقاد من غاب عن الجماعة بلا عذر وانه لا يكفي في الايمان النطق من غير اعتقاد
436

وانه لا يخلد في النار من مات على التوحيد وترجم عليه البخاري غير ترجمة الباب * والذي قبله
الرخصة في الصلاة في الرحال عند المطر وصلاة النوافل جماعة وسلام المأموم حين يسلم الامام
وان رد السلام على الامام لا يجب وان الامام إذا زار قوما أمهم وشهود عتبان بدرا وأكل الخزيرة
وان العمل الذي يبتغى به وجه الله تعالى ينجى صاحبه إذا قبله الله تعالى وان من نسب من يظهر
الاسلام إلى النفاق ونحوه بقرينة تقوم عنده لا يكفر بذلك ولا يفسق بل يعذر بالتأويل * (قوله
باب التيمن) أي البداءة باليمين (في دخول المسجد وغيره) بالخفض عطفا على الدخول
ويجوز ان يعطف على المسجد لكن الأول أفيد (قوله وكان ابن عمر) أي في دخول المسجد ولم أره
موصولا عنه ولكن في المستدرك للحاكم من طريق معاوية بن قرة عن أنس انه كان يقول من السنة
إذا دخلت المسجد ان تبدأ برجلك اليمنى وإذا خرجت ان تبدأ برجلك اليسرى والصحيح ان قول
الصحابي من السنة كذا محمول على الرفع لكن لما لم يكن حديث أنس على شرط المصنف أشار
إليه باثر ابن عمر وعموم حديث عائشة يدل على البداءة باليمين في الخروج من المسجد أيضا ويحتمل
ان يقال إن في قولها ما استطاع احتراز أعمالا يستطاع فيه التيمن شرعا كدخول الخلاء والخروج
من المسجد وكذا تعاطى الأشياء المستقذرة باليمين كالاستنجاء والتمخط وعلمت عائشة رضي الله عنها
حبه صلى الله عليه وسلم لما ذكرت اما باخباره لها بذلك واما بالقرائن وقد تقدمت بقية مباحث
حديثها هذا في باب التيمن في الوضوء والغسل * (قوله باب هل تنبش قبور مشركي
الجاهلية) أي دون غيرها من قبور الأنبياء وأتباعهم لما في ذلك من الإهانة لهم بخلاف المشركين
فإنهم لا حرمة لهم واما قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره فوجه التعليل ان الوعيد على
ذلك يتناول من اتخذ قبورهم مساجد تعظيما ومغالاة كما صنع أهل الجاهلية وجرهم ذلك إلى
عبادتهم ويتناول من اتخذ أمكنة قبورهم مساجد بان تنبش وترى عظامهم فهذا يختص
بالأنبياء ويلتحق بهم أتباعهم واما الكفرة فإنه لا حرج في نبش قبورهم إذ لا حرج في اهانتهم
ولا يلزم من اتخاذ المساجد في أمكنتها تعظيم فعرف بذلك أن لا تعارض بين فعله صلى الله عليه
وسلم في نبش قبور المشركين واتخاذ مسجده مكانها وبين لعنه صلى الله عليه وسلم من اتخذ قبور
الأنبياء مساجد لما تبين من الفرق والمتن الذي أشار إليه وصله في باب الوفاة في أواخر المغازي من
طريق هلال عن عروة عن عائشة بهذا اللفظ وفيه قصة ووصله في الجنائز من طريق أخرى عن
هلال وزاد فيه والنصارى وذكره في عدة مواضع من طريق أخرى بالزيادة (قوله وما يكره من
الصلاة في القبور) يتناول ما إذا وقعت الصلاة على القبر أو إلى القبر أو بين القبرين وفى ذلك
حديث رواه مسلم من طريق أبى مرثد الغنوي مرفوعا لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها أو
عليها قلت وليس هو على شرط البخاري فأشار إليه في الترجمة وأورد معه أثر عمر الدال على أن
النهى عن ذلك لا يقتضى فساد الصلاة والأثر المذكور عن عمر رويناه موصولا في كتاب الصلاة لأبي
نعيم شيخ البخاري ولفظه بينما أنس يصلى إلى قبر ناداه عمر القبر القبر فظن أنه يعنى القمر فلما رأى أنه
يعنى القبر جاز القبر وصلى وله طرق أخرى بينتها في تعليق التعليق منها من طريق حميد عن أنس
نحوه وزاد فيه فقال بعض من يليني انما يعنى القبر فتنحيت عنه وقوله القبر القبر بالنصب فيهما
على التحذير (قوله ولم يأمره بالإعادة) استنبطه من تمادى انس على الصلاة ولو كان ذلك يقتضى
437

فسادها لقطعها واستأنف (قوله حدثنا محمد بن المثنى قال ثنا يحيى) هو القطان (عن هشام) هو ابن
عروة (قوله عن عائشة) في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه أخبرتني عائشة (قوله إن أم حبيبة)
أي رملة بنت أبي سفيان الأموية (وأم سلمة) أي هند بنت أبي أمية المخزومية وهما من أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم وكانتا ممن هاجر إلى الحبشة كما سيأتي في موضعه (قوله ذكرتا) كذا لأكثر الرواة
وللمستملى والحموي ذكرا بالتذكير وهو مشكل (قوله رأينها) أي هما ومن كان معهما
وللكشميهني والأصيلي رأتاها وسيأتي للمصنف قريبا في باب الصلاة في البيعة من طريق عبدة
عن هشام ان تلك الكنيسة كانت تسمى مارية بكسر الراء وتخفيف الياء التحتانية وله في الجنائز
من طريق مالك عن هشام نحوه وزاد في أوله لما اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق
هلال عن عروة بلفظ قال في مرضه الذي مات فيه ولمسلم من حديث جندب انه صلى الله عليه
وسلم قال نحو ذلك قبل أن يتوفى بخمس وزاد فيه فلا تتخذوا القبور مساجد فانى أنهاكم عن ذلك
انتهى وفائدة التنصيص على زمن النهى الإشارة إلى أنه من الامر المحكم الذي لم ينسخ لكونه
صدر في آخر حياته صلى الله عليه وسلم (قوله إن أولئك) بكسر الكاف ويجوز فتحها (قوله
فمات) عطف على قوله كان وقوله بنوا جواب إذا (قوله وصوروا فيه تلك الصور) وللمستملى
تيك الصور بالياء التحتانية بدل اللام وفى الكاف فيها وفى أولئك ما في أولئك الماضية وانما
فعل ذلك أوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدون
كاجتهادهم ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان ان أسلافكم
كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فاعبدوها فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك
سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك وفى الحديث دليل على تحريم التصوير وحمل بعضهم الوعيد
على من كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان وأما الآن فلا وقد أطنب ابن دقيق
العيد في رد ذلك كما سيأتي في كتاب اللباس وقال البيضاوي لما كانت اليهود والنصارى
يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها
أوثانا لعنهم ومنع المسلمين عن مثل ذلك فاما من اتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك
بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد وفى الحديث جواز حكاية
ما يشاهده المؤمن من العجائب ووجوب بيان حكم ذلك على العالم به وذم فاعل المحرمات وان
الاعتبار في الاحكام بالشرع لا بالعقل وفيه كراهية الصلاة في المقابر سواء كانت بجنب القبر
أو عليه أو إليه وسيأتي بيان ذلك قريبا ويأتي حديث أنس في بناء المسجد مبسوطا في كتاب الهجرة
واسناده كلهم بصريون وقوله فيه فأقام فيهم أربعا وعشرين كذا للمستملى والحموي وللباقين
أربع عشرة وهو الصواب من هذا الوجه وكذا رواه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه
وقد اختلف فيه أهل السير كما سيأتي وقوله وأرسل إلى بنى النجار هم أخوال عبد المطلب
لان أمه سلمى منهم فأراد النبي صلى الله عليه وسلم النزول عندهم لما تحول من قباء والنجار
بطن من الخزرج واسمه تيم اللات بن ثعلبة (قوله متقلدين السيوف) منصوب على الحال
وفى رواية كريمة متقلدي السيوف بحذف النون والسيوف مجرورة بالإضافة (قوله وأبو بكر
ردفه) كأن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه تشريفا له وتنويها بقدره والا فقد كان لأبي بكر
438

ناقة هاجر عليها كما سيأتي بيانه في الهجرة وقوله وملأ بنى النجار حوله أي جماعتهم وكأنهم مشوا
معه أدبا وقوله حتى ألقى أي ألقى رحله والفناء الناحية المتسعة امام الدار (قوله وانه أمر) بالفتح
على البناء للفاعل وقيل روى بالضم على البناء للمفعول (قوله ثامنوني) بالمثلثة أي اذكروا لي
ثمنه لاذكر لكم الثمن الذي أختاره قال ذلك على سبيل المساومة فكأنه قال ساوموني
في الثمن (قوله لا نطلب ثمنه الا إلى الله) تقديره لا نطلب الثمن لكن الامر فيه إلى الله أو إلى بمعنى
من وكذا عند الإسماعيلي لا نطلب ثمنه الا من الله وزاد ابن ماجة أبدا وظاهر الحديث
انهم لم يأخذوا منه ثمنا وخالف في ذلك أهل السير كما سيأتي (قوله فكان فيه) أي في الحائط الذي
بنى في مكانه المسجد (قوله وفيه خرب) قال ابن الجوزي المعروف فيه فتح الخاء المعجمة وكسر الراء
بعدها موحدة جمع خربة ككم وكلمة (قلت) وكذا ضبط في سنن أبي داود وحكى الخطابي أيضا
كسر أوله وفتح ثانيه جمع خربة كعنب وعنبة وللكشميهني حرث بفتح الحاء المهملة وسكون
الراء بعدها مثلثة وقد بين أبو داود ان رواية عبد الوارث بالمعجمة والموحدة ورواية حماد بن سلمة عن أبي
التياح بالمهملة والمثلثة فعلى هذا فرواية الكشميهني وهم لان البخاري انما أخرجه من
رواية عبد الوارث وذكر الخطابي فيه ضبطا آخر وفيه بحث سيأتي مع بقية ما فيه في كتاب الهجرة
إن شاء الله تعالى (قوله في آخره فاغفر للأنصار) كذا للأكثر وللمستملى والحموي فاغفر الأنصار
بحذف اللام ويوجه بأنه ضمن اغفر معنى استر وقد رواه أبو داود عن مسدد بلفظ فانصر الأنصار
وفى الحديث جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع وجواز نبش القبور الدارسة إذا
لم تكن محترمة وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها واخراج ما فيها وجواز بناء المساجد
في أماكنها وقيل وفيه جواز قطع الأشجار المثمرة للحاجة أخذا من قوله وأمر بالنخل فقطع وفيه نظر
لاحتمال أن يكون ذلك مما لا يثمر اما بان يكون ذكورا واما ان يكون طرأ عليه ما قطع ثمرته
وسيأتي صفة هيئة بناء المسجد من حديث ابن عمر وغيره قريبا * (قوله باب الصلاة
في مرابض الغنم) أي أماكنها وهو بالموحدة والضاد المعجمة جمع مربض بكسر الميم وحديث
أنس طرف من الحديث الذي قبله لكن بين هناك انه كان يحب الصلاة حيث أدركته أي حيث
دخل وقتها سواء كان في مرابض الغنم أو غيرها وبين هناك ان ذلك كان قبل أن يبنى المسجد ثم بعد
بناء المسجد صار لا يحب الصلاة في غيره الا لضرورة قال ابن بطال هذا الحديث حجة على الشافعي
في قوله بنجاسة أبوال الغنم وأبعارها لان مرابض الغنم لا تسلم من ذلك وتعقب بان الأصل
الطهارة وعدم السلامة منها غالب وإذا تعارض الأصل والغالب قدم الأصل وقد تقدم مزيد
بحث فيه في كتاب الطهارة في باب أبوال الإبل * (تنبيه) * القائل ثم سمعته بعد يقول هو شعبة يعنى
انه سمع شيخه يزيد فيه القيد المذكور بعد ان سمعه منه بدونه ومفهوم الزيادة انه صلى الله عليه وسلم
لم يصل في مرابض الغنم بعد بناء المسجد لكن قد ثبت اذنه في ذلك كما تقدم في كتاب الطهارة
* (قوله باب الصلاة في مواضع الإبل) كأنه يشير إلى أن الأحاديث الواردة في التفرقة
بين الإبل والغنم ليست على شرطه لكن لها طرق قوية منها حديث جابر بن سمرة عند مسلم
وحديث البراء بن عازب عند أبي داود وحديث أبي هريرة عند الترمذي وحديث عبد الله بن
مغفل عند النسائي وحديث سبرة بن معبد عند ابن ماجة وفى معظمها التعبير بمعاطن الإبل ووقع
439

في حديث جابر بن سمرة والبراء مبارك الإبل ومثله في حديث سليك عند الطبراني وفى حديث
سبرة وكذا في حديث أبي هريرة عند الترمذي أعطان الإبل وفى حديث أسيد بن حضير عند
الطبراني مناخ الإبل وفى حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد مرابد الإبل فعبر المصنف بالمواضع
لأنها أشمل والمعاطن أخص من المواضع لان المعاطن مواضع اقامتها عند الماء خاصة وقد ذهب
بعضهم إلى أن النهى خاص بالمعاطن دون غيرها من الأماكن التي تكون فيها الإبل وقيل هو
مأواها مطلقا نقله صاحب المغنى عن أحمد وقد نازع الإسماعيلي المصنف في استدلاله بحديث ابن
عمر المذكور بأنه لا يلزم من الصلاة إلى البعير وجعله سترة عدم كراهية الصلاة في مبركه وأجيب بان
مراده الإشارة إلى ما ذكر من علة النهى عن ذلك وهى كونها من الشياطين كما في حديث عبد الله
ابن مغفل فإنها خلقت من الشياطين ونحوه في حديث البراء كأنه يقول لو كان ذلك مانعا من صحة
الصلاة لامتنع مثله في جعلها امام المصلى وكذلك صلاة راكبها وقد ثبت انه صلى الله عليه وسلم
كان يصلى النافلة وهو على بعيره كما سيأتي في أبواب الوتر وفرق بعضهم بين الواحد منها وبين كونها
مجتمعة لما طبعت عليه من النفار المفضى إلى تشويش قلب المصلى بخلاف الصلاة على المركوب
منها أو إلى جهة واحد معقول وسيأتي بقية الكلام على حديث ابن عمر في أبواب سترة المصلى إن شاء الله
تعالى وقيل علة النهى في التفرقة بين الإبل والغنم بان عادة أصحاب الإبل التغوط بقربها
فتنجس اعطانها وعادة أصحاب الغنم تركه حكاه الطحاوي عن شريك واستبعده وغلط أيضا من
قال إن ذلك بسبب ما يكون في معاطنها من أبوالها وأرواثها لان مرابض الغنم تشركها
في ذلك وقال إن النظر يقتضى عدم التفرقة بين الإبل والغنم في الصلاة وغيرها كما هو مذهب
أصحابه وتعقب بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة المصرحة بالتفرقة فهو قياس فاسد الاعتبار وإذا
ثبت الخبر بطلب معارضته بالقياس اتفاقا لكن جمع بعض الأئمة بين عموم قوله جعلت لي الأرض
مسجدا وطهورا وبين أحاديث الباب بحملها على كراهة التنزيه وهذا أولى والله أعلم * (تكملة) *
وقع في مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى في مرابض
الغنم ولا يصلى في مرابض الإبل والبقر وسنده ضعيف فلو ثبت لأفاد ان حكم البقر حكم الإبل
بخلاف ما ذكره ابن المنذر ان البقر في ذلك كالغنم (قوله باب من صلى وقدامه التنور)
بالنصب على الظرف والتنور بفتح المثناة وتشديد النون المضمومة ما توقد فيه النار للخبز وغيره
وهو في الأكثر يكون حفيرة في الأرض وربما كان على وجه الأرض ووهم من خصه بالأول قيل
هو معرب وقيل هو عربي توافقت عليه الألسنة وانما خصه بالذكر مع كونه ذكر النار بعده اهتماما
به لان عبدة النار من المجوس لا يعبدونها الا إذا كانت متوقدة بالجمر كالتي في التنور وأشار به إلى
ما ورد عن ابن سيرين انه كره الصلاة إلى التنور وقال هو بيت نار أخرجه ابن أبي شيبة وقوله أو شئ
من العام بعد الخاص فتدخل فيه الشمس مثلا والأصنام والتماثيل والمراد ان يكون ذلك بين
المصلى وبين القبلة (قوله وقال الزهري) هو طرف من حديث طويل يأتي موصولا في باب وقت
الظهر وقد تقدم طرف منه في كتاب العلم وسيأتى باللفظ الذي ذكره هنا في كتاب التوحيد وحديث
ابن عباس يأتي الكلام عليه بتمامه في صلاة الكسوف فقد ذكره بتمامه هناك بهذا الاسناد وتقدم
أيضا طرف منه في كتاب الايمان وقد نازعه الإسماعيلي في الترجمة فقال ليس ما أرى الله نبيه من
440

النار بمنزلة نار معبودة لقوم يتوجه المصلى إليها وقال ابن التين لا حجة فيه على الترجمة لأنه لم يفعل
ذلك مختارا وانما عرض عليه ذلك للمعنى الذي أراده الله من تنبيه العباد وتعقب بان الاختيار
وعدمه في ذلك سواء منه لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل فدل على أن مثله جائز وتفرقة
الإسماعيلي بين القصد وعدمه وإن كانت ظاهرة لكن الجامع بين الترجمة والحديث وجود نار
بين المصلى وبين قبلته في الجملة وأحسن من هذا عندي ان يقال لم يفصح المصنف في الترجمة
بكراهة ولا غيرها فيحتمل ان يكون مراده التفرقة بين من بقى ذلك بينه وبين قبلته وهو قادر على
ازالته أو انحرافه عنه وبين من لا يقدر على ذلك فلا يكره في حق الثاني وهو المطابق لحديثي
الباب ويكره في حق الأول كما سيأتي التصريح بذلك عن ابن عباس في التماثيل وكما روى ابن أبي
شيبة عن ابن سيرين انه كره الصلاة إلى التنور أو إلى بيت النار ونازعه أيضا من المتأخرين
القاضي السروجي في شرح الهداية فقال لا دلالة في هذا الحديث على عدم الكراهة لأنه صلى
الله عليه وسلم قال أريت النار ولا يلزم أن تكون امامه متوجها إليها بل يجوز أن تكون عن يمينه
أو عن يساره أو غير ذلك قال ويحتمل ان يكون ذلك وقع له قبل شروعه في الصلاة انتهى وكان
البخاري رحمه الله كوشف بهذا الاعتراض فعجل بالجواب عنه حيث صدر الباب بالمعلق عن أنس
ففيه عرضت على النار وأنا أصلى وأما كونه رآها امامه فسياق حديث ابن عباس يقتضيه ففيه
انهم قالوا له بعد ان انصرف يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت أي
تأخرت إلى خلف وفى جوابه ان ذلك بسبب كونه أرى النار وفى حديث أنس المعلق هنا عنده
في كتاب التوحيد موصولا لقد عرضت على الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وانا أصلى
وهذا يدفع جواب من فرق بين القريب من المصلى والبعيد * (قوله باب كراهية الصلاة
في المقابر) استنبط من قوله في الحديث ولا تتخذوها قبورا ان القبور ليست بمحل للعبادة فتكون
الصلاة فيها مكروهة وكأنه أشار إلى أن ما رواه أبو داود والترمذي في ذلك ليس على شرطه وهو
حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا الأرض كلها مسجد الا المقبرة والحمام رجاله ثقات لكن
اختلف في وصله وارساله وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وابن حبان (قوله حدثنا يحيى) هو القطان
وعبيد الله هو ابن عمر العمرى (قوله من صلاتكم) قال القرطبي من للتبعيض والمراد النوافل
بدليل ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا
من صلاته (قلت) وليس فيه ما ينفى الاحتمال وقد حكى عياض عن بعضهم ان معناه اجعلوا بعض
فرائضكم في بيوتكم ليقتدى بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن وهذا وإن كان
محتملا لكن الأول هو الراجح وقد بالغ الشيخ محيي الدين فقال لا يجوز حمله على الفريضة وقد نازع
الإسماعيلي المصنف أيضا في هذه الترجمة فقال الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في
المقابر (قلت) قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ لا تجعلوا بيوتكم
مقابر وقال ابن التين تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر وتأوله جماعة على أنه انما فيه
الندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون كأنه قال لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في
بيوتهم وهى القبور قال فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه
ذلك (قلت) ان أراد انه لا يؤخذ منه بطريق المنطوق فمسلم وان أراد نفى ذلك مطلقا فلا فقد قدمنا
441

وجه استنباطه وقال في النهاية تبعا للمطالع ان تأويل البخاري مرجوح والأولى قول من قال
معناه ان الميت لا يصلى في قبره وقد نقل ابن المنذر عن أكثر أهل العلم انهم استدلوا بهذا الحديث
على أن المقبرة ليست بموضع الصلاة وكذا قال البغوي في شرح السنة والخطابي وقال
أيضا يحتمل ان المراد لا تجعلوا بيوتكم وطنا للنوم فقط لا تصلون فيها فان النوم أخو الموت
والميت لا يصلى وقال التوربشتي حاصل ما يحتمله أربعة معان فذكر الثلاثة الماضية ورابعها
يحتمل ان يكون المراد ان من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر (قلت) ويؤيده
ما رواه مسلم مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت
قال الخطابي وأما من تأوله على النهى عن دفن الموتى في البيوت فليس بشئ فقد دفن رسول الله
صلى الله عليه وسلم في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته (قلت) ما ادعى انه تأويل هو ظاهر لفظ
الحديث ولا سيما ان جعل النهى حكما منفصلا عن الامر وما استدل به على رده تعقبه الكرماني
فقال لعل ذلك من خصائصه وقد روى أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون (قلت) هذا الحديث
رواه ابن ماجة مع حديث ابن عباس عن أبي بكر مرفوعا ما قبض نبي الا دفن حيث يقبض وفى
اسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف وله طريق أخرى مرسلة ذكرها البيهقي في
الدلائل وروى الترمذي في الشمائل والنسائي في الكبرى من طريق سالم بن عبيد الأشجعي
الصحابي عن أبي بكر الصديق انه قيل له فأين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المكان
الذي قبض الله فيه روحه فإنه لم يقبض روحه الا في مكان طيب اسناده صحيح لكنه موقوف
والذي قبله أصرح في المقصود وإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهى غيره عن ذلك
بل هو متجه لان استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر فتصير الصلاة فيها مكروهة ولفظ
حديث أبي هريرة عند مسلم أصرح من حديث الباب وهو قوله لا تجعلوا بيوتكم مقابر فان ظاهره
يقتضى النهى عن الدفن في البيوت مطلقا والله أعلم * (قوله باب الصلاة في مواضع
الخسف والعذاب) أي ما حكمها وذكر العذاب بعد الخسف من العام بعد الخاص لان الخسف
من جملة العذاب (قوله ويذكر ان عليا) هذا الآثر رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن أبي
المحلى وهو بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام قال كنا مع علي فمررنا على الخسف الذي ببابل فلم
يصل حتى أجازه أي تعداه ومن طريق أخرى عن علي قال ما كنت لاصلى في ارض خسف الله
بها ثلاث مرار والظاهر أن قوله ثلاث مرار ليس متعلقا بالخسف لأنه ليس فيها الا خسف واحد
وانما أراد أن عليا قال ذلك ثلاثا ورواه أبو داود مرفوعا من وجه آخر عن علي ولفظه نهاني
حبيبي صلى الله عليه وسلم ان أصلى في أرض بابل فإنها ملعونة في اسناده ضعف واللائق بتعليق
المصنف ما تقدم والمراد بالخسف هنا ما ذكر الله تعالى في قوله فاتى الله بنيانهم من القواعد فخر
عليهم السقف من فوقهم الآية ذكر أهل التفسير والاخبار أن المراد بذلك ان النمرود بن كنعان
بنى ببابل بنيانا عظيما يقال إن ارتفاعه كان خمسة آلاف ذراع فخسف الله بهم قال الخطابي لا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل فإن كان حديث على ثابتا فلعله نهاه أن يتخذها وطنا
لأنه إذا أقام بها كانت صلاته فيها يعنى أطلق الملزوم وأراد اللازم قال فيحتمل ان النهى خاص
بعلى انذارا له بما لقى من الفتنة بالعراق (قلت) وسياق قصة الأولى يبعد هذا التأويل والله
442

أعلم (قوله حدثنا إسماعيل بن عبد الله) هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك (قوله لا تدخلوا كان
هذا النهى لما مروا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر ديار ثمود في حال توجههم إلى تبوك وقد صرح
المصنف في أحاديث الأنبياء من وجه آخر عن ابن عمر ببعض ذلك (قوله هؤلاء المعذبين) بفتح
الذال المعجمة وله في أحاديث الأنبياء لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم (قوله الا ان
تكونوا باكين) ليس المراد الاقتصار في ذلك على ابتداء الدخول بل دائما عند كل جزء من الدخول
وأما الاستقرار فالكيفية المذكورة مطلوبة فيه بالأولوية وسيأتى انه صلى الله عليه وسلم لم ينزل
فيه البتة قال ابن بطال هذا يدل على إباحة الصلاة هناك لان الصلاة موضع بكاء وتضرع كأنه
يشير إلى عدم مطابقة الحديث لاثر على (قلت) والحديث مطابق له من جهة ان كلا منهما فيه
ترك النزول كما وقع عند المصنف في المغازي في آخر الحديث ثم قنع صلى الله عليه وسلم رأسه
وأسرع السير حتى أجاز الوادي فدل على أنه لم ينزل ولم يصل هناك كما صنع على في خسف بابل وروى
الحاكم في الإكليل عن أبي سعيد الخدري قال رأيت رجلا جاء بخاتم وجده بالحجر في بيوت المعذبين
فاعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم واستتر بيده أن ينظر إليه وقال ألقه فألقاه لكن اسناده
ضعيف وسيأتي نهيه صلى الله عليه وسلم ان يستقى من مياههم في كتاب أحاديث الأنبياء إن شاء الله
تعالى (قوله لا يصيبكم) بالرفع على أن لا نافية والمعنى لئلا يصيبكم ويجوز الجزم على انها ناهية
وهو أوجه وهو نهى بمعنى الخبر وللمصنف في أحاديث الأنبياء أن يصيبكم أي خشية ان يصيبكم
ووجه هذه الخشية ان البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال
توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وامهالهم مدة
طويلة ثم ايقاع نقمته بهم وشدة عذابه وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يامن المؤمن أن تكون
عاقبته إلى مثل ذلك والتفكر أيضا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر واهمالهم واعمال عقولهم
فيما يوجب الايمان به والطاعة له فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتبارا بأحوالهم
فقد شابههم في الاهمال ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه فلا يامن ان يجره ذلك إلى العمل
بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم وبهذا يندفع اعتراض من قال كيف يصيب عذاب الظالمين من
ليس بظالم لأنه بهذا التقدير لا يامن ان يصير ظالما فيعذب بظلمه وفى الحديث الحث على المراقبة
والزجر عن السكنى في ديار المعذبين والاسراع عند المرور بها وقد أشير إلى ذلك في قوله تعالى
وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم (قوله باب الصلاة
في البيعة) بكسر الموحدة بعدها مثناة تحتانية معبد للنصارى قال صاحب المحكم البيعة صومعة
الراهب وقيل كنيسة النصارى والثاني هو المعتمد ويدخل في حكم البيعة الكنيسة وبيت
المدراس والصومعة وبيت الصنم وبيت النار ونحو ذلك (قوله وقال عمر انا لا ندخل كنائسكم)
وفى رواية الأصيلي كنائسهم (قوله من أجل التماثيل) هو جمع تمثال بمثناة ثم مثلثة بينهما ميم
وبينه وبين الصورة عموم وخصوص مطلق فالصورة أعم (قوله التي فيها) الضمير يعود على
الكنيسة والصور بالجر على انها بدل من التماثيل أو بيان لها أو بالنصب على الاختصاص
أو بالرفع أي ان التماثيل مصورة والضمير على هذا للتماثيل وفى رواية الأصيلي والصور بزيادة
الواو العاطفة وهذا الأثر وصله عبد الرزاق من طريق أسلم مولى عمر قال لما قدم عمر الشام صنع له
443

رجل من النصارى طعاما وكان من عظمائهم وقال أحب ان تجيئني وتكرمني فقال له عمر انا
لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها يعنى التماثيل وتبين بهذا ان روايتي النصب والجر أوجه
من غيرهما والرجل المذكور من عظمائهم اسمه قسطنطين سماه مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه
أبى مسجعة بن ربعي عن عمر في قصة طويلة أخرجها (قوله وكان ابن عباس) وصله البغوي في
الجعديات وزاد فيه فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى في المطر وقد تقدم في باب من صلى وقدامه تنور
أن لا معارضة بين هذين البابين وأن الكراهة في حال الاختيار (قوله حدثنا محمد) هو ابن سلام
كما صرح به ابن السكن في روايته وعبده هو ابن سليمان وقد تقدم الكلام على المتن قبل خمسة
أبواب ومطابقته للترجمة من قوله بنوا على قبره مسجدا فان فيه إشارة إلى نهى المسلم عن أن يصلى
في الكنيسة فيتخذها بصلاته مسجدا والله * (أعلم قوله باب) كذا في أكثر الروايات
بغير ترجمة وسقط من بعض الروايات وقد قررنا ان ذلك كالفصل من الباب فله تعلق بالباب الذي
قبله والجامع بينهما الزجر عن اتخاذ القبور مساجد وكأنه أراد ان يبين ان فعل ذلك مذموم سواء
كان مع تصوير أم لا (قوله لما نزل) كذا لأبي ذر بفتحتين والفاعل محذوف أي الموت ولغيره
بضم النون وكسر الزاي وطفق أي جعل والخميصة كساء له اعلام كما تقدم (قوله فقال وهو
كذلك) أي في تلك الحال ويحتمل ان يكون ذلك في الوقت الذي ذكرت فيه أم سلمة وأم حبيبة
أمر الكنيسة التي رأياها بأرض الحبشة وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض
فخاف ان يعظم قبره كما فعل من مضى فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم
وقوله اتخذوا جملة مستأنفة على سبيل البيان لموجب اللعن كأنه قيل ما سبب لعنهم فأجيب بقوله
اتخذوا وقوله يحذر ما صنعوا جملة أخرى مستأنفة من كلام الراوي كأنه سئل عن حكمة ذكر
ذلك في ذلك الوقت فأجاب بذلك وقد استشكل ذكر النصارى فيه لان اليهود لهم أنبياء بخلاف
النصارى فليس بين عيسى وبين نبينا صلى الله عليه وسلم نبي غيره وليس له قبر والجواب انه كان
فيهم أنبياء أيضا لكنهم غير مرسلين كالحواريين ومريم في قول أو الجمع في قوله أنبيائهم بإزاء
المجموع من اليهود والنصارى أو المراد الأنبياء وكبار اتباعهم فاكتفى بذكر الأنبياء ويؤيده قوله
في رواية مسلم من طريق جندب كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ولهذا لما أفرد
النصارى في الحديث الذي قبله قال إذا مات فيهم الرجل الصالح ولما أفرد اليهود في الحديث
الذي بعده قال قبور أنبيائهم أو المراد بالاتخاذ أعم من أن يكون ابتداعا أو اتباعا فاليهود
ابتدعت والنصارى اتبعت ولا ريب ان النصارى تعظم قبور كثير من الأنبياء الذين تعظمهم
اليهود * (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض) تقدم الكلام على
حديث جابر في أوائل كتاب التيمم وأخرجه هناك عن محمد بن سنان أيضا وسعيد بن النضر لكنه
ساقه هناك على لفظ سعيد وهنا على لفظ ابن سنان وليس بينهما تفاوت من حيث المعنى لا في
السند ولا في المتن وايراده له هنا يحتمل ان يكون أراد أن الكراهة في الأبواب المتقدمة ليست
444

للتحريم لعموم قوله جعلت لي الأرض مسجدا أي كل جزء منها يصلح أن يكون مكانا للسجود
أو يصلح أن يبنى فيه مكان للصلاة ويحتمل أن يكون أراد ان الكراهة فيها للتحريم وعموم حديث
جابر مخصوص بها والأول أولى لان الحديث سيق في مقام الامتنان فلا ينبغي تخصيصه ولا يرد
عليه أن الصلاة في الأرض المتنجسة لا تصح لان التنجس وصف طار والاعتبار بما قبل ذلك
* (قوله باب نوم المرأة في المسجد) أي وإقامتها فيه (قوله أن وليدة) أي أمة وهى في
الأصل المولودة ساعة تولد قاله ابن سيده ثم أطلق على الأمة وإن كانت كبيرة (قوله قالت فخرجت)
القائلة ذلك هي الوليدة المذكورة وقد روت عنها عائشة هذه القصة والبيت الذي أنشدته
ولم يذكرها أحد ممن صنف في رواة البخاري ولا وقفت على اسمها ولا على اسم القبيلة التي كانت
لهم ولا على اسم الصبية صاحبة الوشاح والوشاح بكسر الواو ويجوز ضمها ويجوز ابدالها ألفا
خيطان من لؤلؤ يخالف بينهما وتتوشح به المرأة وقيل ينسج من أديم عريضا ويرصع باللؤلؤ
وتشده المرأة بين عاتقها وكشحها وعن الفارسي لا يسمى وشاحا حتى يكون منظوما بلؤلؤ وودع
انتهى وقولها في الحديث من سيور يدل على أنه كان من جلد وقولها بعد فحسبته لحما لا ينفى كونه
مرصعا لان بياض اللؤلؤ على حمرة الجلد يصير كاللحم السمين (قوله فوضعته أو وقع منها) شك
من الراوي وقد رواه ثابت في الدلائل من طريق أبى معاوية عن هشام فزاد فيه أن الصبية كانت
عروسا فدخلت إلى مغتسلها فوضعت الوشاح (قوله حدياة) بضم الحاء وفتح الدال المهملتين
وتشديد الياء التحتانية تصغير حدأة بالهمز بوزن عنبة ويجوز فتح أوله وهى الطائر المعروف
المأذون في قتله في الحل والحرم والأصل في تصغيرها حديأة بسكون الياء وفتح الهمزة لكن
سهلت الهمزة وأدغمت ثم أشبعت الفتحة فصارت ألفا وتسمى أيضا الحدا بضم أوله وتشديد
الدال مقصور ويقال لها أيضا الحد وبكسر أوله وفتح الدال الخفيفة وسكون الواو وجمعها
حدا كالمفرد بلا هاء وربما قالوه بالمد والله أعلم (قوله حتى فتشوا قبلها) كأنه من كلام عائشة
والا فمقتضى السياق أن تقول قبلي وكذا هو في رواية المصنف في أيام الجاهلية من رواية
علي بن مسهر عن هشام فالظاهر أنه من كلام الوليدة أوردته بلفظ الغيبة التفاتا أو تجريدا وزاد
فيه ثابت أيضا قالت فدعوت الله أن يبرئني فجاءت الحديا وهم ينظرون (قوله وهو ذا هو)
يحتمل أن يكون هو الثاني خبرا بعد خبر أو مبتدأ وخبره محذوف أو يكون خبرا عن ذا والمجموع
خبرا عن الأول ويحتمل غير ذلك ووقع في رواية أبى نعيم وها هو ذا وفى رواية ابن خزيمة وهو ذا
كما ترون (قوله قالت) أي عائشة (فجاءت) أي المرأة (قوله فكانت) أي المرأة وللكشميهني
فكان والخباء بكسر المعجمة بعدها موحدة وبالمد الخيمة من وبر أو غيره وعن أبي عبيد لا يكون
من شعر والحفش بكسر المهملة وسكون الفاء بعدها شين معجمة البيت الصغير القريب السمك
مأخوذ من الانحفاش وهو الانضمام وأصله الوعاء الذي تضع المرأة فيه غزلها (قوله فتحدث)
بلفظ المضارع بحذف إحدى التاءين (قوله تعاجيب) أي أعاجيب واحدها أعجوبة
ونقل ابن السيد أن تعاجيب لا واحد له من لفظه (قوله ألا انه) بتخفيف اللام وكسر الهمزة
وهذا البيت الذي أنشدته هذه المرأة عروضه من الضرب الأول من الطويل واجزاوه
ثمانية ووزنه فعولن مفاعيلن أربع مرات لكن دخل البيت المذكور القبض وهو حذف
445

الخامس الساكن في ثاني جزء منه فان أشبعت حركة الحاء من الوشاح صار سالما أو قلت
ويوم وشاح بالتنوين بعد حذف التعريف صار القبض في أول جزء من البيت وهو أخف
من الأول واستعمال القبض في الجزء الثاني وكذا السادس في أشعار العرب كثير
جدا نادر في أشعار المولدين وهو عند الخليل بن أحمد أصلح من الكف ولا يجوز عندهم الجمع بين
الكف وهو حذف السابع الساكن وبين القبض بل يشترط أن يتعاقبا وانما أوردت هذا القدر
هنا لان الطبع السليم ينفر من القبض المذكور وفى الحديث إباحة المبيت والمقيل في المسجد
لمن لا مسكن له من المسلمين رجلا كان أو امرأة عند أمن الفتنة وإباحة استظلاله فيه بالخيمة
ونحوها وفيه الخروج من البلد الذي يحصل للمرء فيه المحنة ولعله يتحول إلى ما هو خير له كما وقع
لهذه المرأة وفيه فضل الهجرة من دار الكفر وإجابة دعوة المظلوم ولو كان كافرا لان في السياق
أن اسلامها كان بعد قدومها المدينة والله أعلم * (قوله باب نوم الرجال في المسجد) أي
جواز ذلك وهو قول الجمهور وروى عن ابن عباس كراهيته الا لمن يريد الصلاة وعن ابن مسعود
مطلقا وعن مالك التفصيل بين من له مسكن فيكره وبين من لا مسكن له فيباح (قوله وقال أبو
قلابة عن أنس) هذا طرف من قصة العرنيين وقد تقدم حديثهم في الطهارة وهذا اللفظ أورده في
المحاربين موصولا من طريق وهيب عن أيوب عن أبي قلابة (قوله وقال عبد الرحمن بن أبي بكر)
هو أيضا طرف من حديث طويل يأتي في علامات النبوة والصفة موضع مظلل في المسجد
النبوي كانت تأوى إليه المساكين وقد سبق البخاري إلى الاستدلال بذلك سعيد بن المسيب
وسليمان بن يسار رواه ابن أبي شيبة عنهما (قوله حدثنا يحيى) هو القطان (عن عبيد الله) هو
العمرى وحديث عبد الله بن عمر هذا مختصر أيضا من حديث له طويل يأتي في باب فضل قيام
الليل وأورده ابن ماجة مختصرا أيضا بلفظ كنا ننام (قوله أعزب) بالمهملة والزاي أي غير متزوج
والمشهور فيه عزب بفتح عين وكسر الزاي والأول لغة قليلة مع أن القزاز أنكرها وقوله لا أهل
له هو تفسير لقوله أعزب ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص فيدخل فيه الأقارب ونحوهم
وقوله في مسجد متعلق بقوله ينام (قوله عن أبي حازم) هو سلمة بن دينار والد عبد العزيز المذكور
(قوله أين ابن عمك) فيه اطلاق ابن العم على أقارب الأب لأنه ابن عم أبيها لا ابن عمها وفيه
ارشادها إلى أن تخاطبه بذلك لما فيه من الاستعطاف بذكر القرابة وكانه صلى الله عليه وسلم فهم ما
وقع بينهما فأراد استعطافا عليه بذكر القرابة القريبة التي بينهما (قوله فلم يقل عندي) بفتح الياء
التحتانية وكسر القاف من القيلولة وهو نوم نصف النهار (قوله فقال لانسان) يظهر لي أنه سهل
راوي الحديث لأنه لم يذكر أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم غيره وللمصنف في الأدب فقال
النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة أين ابن عمك قالت في المسجد وليس بينه وبين الذي هنا مخالفة
لاحتمال أن يكون المراد من قوله انظر أين هو المكان المخصوص من المسجد وعند الطبراني فامر
انسانا معه فوجده مضطجعا في فئ الجدار (قوله هو راقد في المسجد) فيه مراد الترجمة لان
حديث ابن عمر يدل على اباحته لمن لا مسكن له وكذا بقية أحاديث الباب الا قصة على فإنها
تقتضى التعميم لكن يمكن أن يفرق بين نوم الليل وبين قيلولة النهار وفى حديث سهل هذا من
الفوائد أيضا جواز القائلة في المسجد وممازحة المغضب بما لا يغضب منه بل يحصل به تأنيسه
446

وفيه التكنية بغير الولد وتكنية من له كنية والتلقيب بالكنية لمن لا يغضب وسيأتي في الأدب
أنه كان يفرح إذا دعى بذلك وفيه مداراة الصهر وتسكينه من غضبه ودخول الوالد بيت ابنته بغير
اذن زوجها حيث يعلم رضاه وانه لا بأس بإبداء المنكبين في غير الصلاة وسيأتى بقية ما يتعلق به
في فضائل على أن شاء الله تعالى (قوله حدثنا ابن فضيل) هو محمد بن فضيل بن غزوان وأبو حازم هو
سلمان الأشجعي وهو أكبر من أبى حازم الذي قبله في السن واللقاء وان كانا جميعا مدنيين تابعين
ثقتين (قوله لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة) يشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين وهؤلاء
الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بئر معونة وكانوا
من أهل الصفة أيضا لكنهم استشهدوا قبل اسلام أبي هريرة وقد اعتنى بجمع أصحاب الصفة ابن
الاعرابى والسلمى والحاكم وأبو نعيم وعند كل منهم ما ليس عند الآخر وفى بعض ما ذكروه
اعتراض ومناقشة لكن لا يسع هذا المختصر تفصيل ذلك (قوله رداء) هو ما يستر أعالي البدن
فقط وقوله اما ازار أي فقط واما كساء أي على الهيئة المشروحة في المتن وقوله قد ربطوا أي
الأكسية فحذف المفعول للعلم به وقوله فمنها أي من الأكسية (قوله فيجمعه بيده) أي الواحد
منهم زاد الإسماعيلي ان ذلك في حال كونهم في الصلاة ومحصل ذلك أنه لم يكن لاحد منهم ثوبان وقد
تقدم نحوه هذه الصفة في باب إذا كان الثوب ضيقا * (قوله باب الصلاة إذا قدم من سفر)
أي في المسجد (قوله وقال كعب) هو طرف من حديثه الطويل في قصة تخلفه وتوبته وسيأتي
في أواخر المغازي وهو ظاهر فيما ترجم له وذكر بعده حديث جابر ليجمع بين فعل النبي صلى الله
عليه وأمره فلا يظن أن ذلك من خصائصه (قوله قال مسعر أراه) بالضم أي أظنه والضمير
لمحارب (قوله وكان لي عليه دين) كذا للأكثر وللحموي وكان له أي لجابر عليه أي على النبي صلى
الله عليه وسلم وفى قوله بعد ذلك فقضاني التفات وهذا الدين هو ثمن جمل جابر وسيأتي مطولا
في كتاب الشروط ونذكر هناك فوائده إن شاء الله تعالى وقد أخرجه المصنف أيضا في نحو من
عشرين موضعا مطولا ومختصرا موصولا ومعلقا ومطابقته للترجمة من جهة ان تقاضيه لثمن
الجمل كان عند قدومه من السفر كما سيأتي واضحا وغفل مغلطاي حيث قال ليس فيه ما بوب عليه
لان لقائل أن يقول إن جابرا لم يقدم من سفر لأنه ليس فيه ما يشعر بذلك قال النووي هذه الصلاة
مقصودة للقدوم من السفر ينوى بها صلاة القدوم لا أنها تحية المسجد التي أمر الداخل بها قبل
أن يجلس لكن تحصل التحيه بها وتمسك بعض من منع الصلاة في الأوقات المنهية ولو كانت
ذا سبب بقوله ضحى ولا حجة فيه لأنها واقعة عين * (قوله باب إذا دخل المسجد) حذف
الفاعل للعلم به وذكر في رواية الأصيلي وكريمة كلفظ المتن (قوله عن أبي قتادة) بفتحتين هكذا اتفق
عليه الرواة عن مالك ورواه سهيل ابن أبي صالح عن عامر بن عبد الله بن الزبير فقال عن جابر بدل
أبى قتادة وخطاه الترمذي والدارقطني وغيرهما (قوله السلمي) بفتحتين لأنه من الأنصار والاسناد
كله مدني كالذي بعده (قوله فليركع) أي فليصل من اطلاق الجزء وإرادة الكل (قوله ركعتين)
هذا العدد لا مفهوم لأكثره باتفاق واختلف في أقله والصحيح اعتباره فلا تتادى هذه السنة
بأقل من ركعتين واتفق أئمة الفتوى على أن الامر في ذلك للندب ونقل ابن بطال عن أهل
الظاهر الوجوب والذي صرح به ابن حزم عدمه ومن أدلة عدم الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم
447

الذي رآه يتخطى أجلس فقد آذيت ولم يأمره بصلاة كذا استدل به الطحاوي وغيره وفيه نظر
وقال الطحاوي أيضا الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها ليس هذا الامر بداخل فيها (قلت) هما
عمومان تعارضا الامر بالصلاة لكل انظر من غير تفصيل والنهى عن الصلاة في أوقات
مخصوصة فلا بد من تخصيص أحد العمومين فذهب جمع إلى تخصيص النهى وتعميم الامر وهو
الأصح عند الشافعية وذهب جمع إلى عكسه وهو قول الحنفية والمالكية (قوله قبل أن يجلس)
صرح جماعة بأنه إذا خالف وجلس لا يشرع له التدارك وفيه نظر لما رواه ابن حبان في صحيحه
من حديث أبي ذر أنه دخل المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أركعت ركعتين قال لا قال
قم فاركعهما ترجم عليه ابن حبان أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس (قلت) ومثله قصة سليك
كما سيأتي في الجمعة وقال المحب الطبري يحتمل أن يقال وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة وبعده
وقت جواز أو يقال وقتهما قبله أداء وبعده قضاء ويحتمل أن تحمل مشروعيتهما بعد الجلوس
على ما إذا لم يطل الفصل (فائدة) حديث أبي قتادة هذا ورد على سبب وهو أن أبا قتادة دخل
المسجد فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بين أصحابه فجلس معهم فقال له ما منعك أن تركع
قال رأيتك جالسا والناس جلوس قال فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين
أخرجه مسلم وعند ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي قتادة أعطوا المساجد حقها قيل له وما
حقها قال ركعتين قبل أن تجلس * (قوله باب الحدث في المسجد) قال المازري
أشار البخاري إلى الرد على من منع المحدث أن يدخل المسجد أو يجلس فيه وجعله كالجنب وهو
مبنى على أن الحدث هنا الريح ونحوه وبذلك فسره أبو هريرة كما تقدم في الطهارة وقد قيل المراد
بالحدث هنا أعم من ذلك أي ما لم يحدث سوء ويؤيده رواية مسلم ما لم يحدث فيه ما لم يؤذ فيه
وفى أخرى للبخاري ما لم يؤذ فيه بحدث فيه وسيأتي قريبا بناء على أن الثانية تفسير للأولى (قوله
الملائكة تصلى) وللكشميهني ان الملائكة تصلى بزيادة ان والمراد بالملائكة الحفظة أو السيارة
أو أعم من ذلك (قوله تقول الخ) هو بيان لقوله تصلى (قوله ما دام في مصلاه) مفهومه انه إذا
انصرف عنه انقضى ذلك وسيأتي في باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة بيان فضيلة من انتظر
الصلاة مطلقا سواء ثبت في مجلسه ذلك من المسجد أم تحول إلى غيره ولفظه ولا يزال في صلاة
ما انتظر الصلاة فأثبت للمنتظر حكم المصلى فيمكن أن يحمل قوله في مصلاه على المكان المعد
للصلاة لا الموضع الخاص بالسجود فلا يكون بين الحديثين تخالف وقوله ما لم يحدث يدل على أن
الحدث يبطل ذلك ولو استمر جالسا وفيه دليل على أن الحدث في المسجد أشد من النخامة لما
تقدم من أن لها كفارة ولم يذكر لهذا كفارة بل عومل صاحبه بحرمان استغفار الملائكة ودعاء
الملائكة مرجو الإجابة لقوله تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى وسيأتي بقية فوائد هذا
الحديث في باب من جلس ينتظر إن شاء الله تعالى * (قوله باب بنيان المسجد)
أي النبوي (قوله وقال أبو سعيد) هو الخدري والقدر المذكور هنا طرف من حديثه في ذكر ليلة
القدر وقد وصله المؤلف في الاعتكاف وغيره من طريق أبى سلمة عنه وسيأتي قريبا في أبواب صلاة
الجماعة (قوله وأمر عمر) هو طرف من قصة في ذكر تجديد المسجد النبوي (قوله وقال أكن
الناس) وقع في روايتنا أكن بضم الهمزة وكسر الكاف وتشديد النون المضمومة بلفظ الفعل
448

المضارع من أكن الرباعي يقال أكنت الشئ أكنانا أي صنته وسترته وحكى أبو زيد كننته من
الثلاثي بمعنى أكننته وفرق الكسائي بينهما فقال كننته أي سترته وأكننته في نفسي أي أسررته
ووقع في رواية الأصيلي أكن بفتح الهمزة والنون فعل أمر من الأكنان أيضا ويرجحه قوله قبله
وأمر عمر وقوله بعده وإياك وتوجه الأولى بأنه خاطب القوم بما أراد ثم التفت إلى الصانع فقال له
وإياك أو يحمل قوله وإياك على التجريد كأنه خاطب نفسه بذلك قال عياض وفى رواية غير
الأصيلي والقابسي أي وأبي ذر كن الناس بحذف الهمزة وكسر الكاف وهو صحيح أيضا وجوز
ابن مالك ضم الكاف على أنه من كن فهو مكنون انتهى وهو متجه لكن الرواية لا تساعده (قوله
فتفتن الناس) بفتح المثناة من فتن وضبطه ابن التين بالضمن من أفتن وذكر أن الأصمعي أنكره وأن
أبا عبيد اجازه فتن وأفتن بمعنى قال ابن بطال كأن عمر فهم ذلك من رد الشارع الخميصة إلى
أبى جهم من أجل الأعلام التي فيها وقال إنها ألهتني عن صلاتي (قلت) ويحتمل أن يكون عند
عمر من ذلك علم خاص بهذه المسئلة فقد روى ابن ماجة من طريق عمرو بن ميمون عن عمر مرفوعا
ما ساء عمل قوم قط الا زخرفوا مساجدهم رجاله ثقات الا شيخه جبارة بن المغلس ففيه مقال
(قوله وقال أنس يتباهون بها) بفتح الهاء أي يتفاخرون وهذا التعليق رويناه موصولا في مسند
أبى يعلى وصحيح ابن خزيمة من طريق أبى قلابة أن أنسا قال سمعته يقول يأتي على أمتي زمان
يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها الا قليلا وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان مختصرا من
طريق أخرى عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يتباهى
الناس في المساجد والطريق الأولى أليق بمراد البخاري وعند أبى نعيم في كتاب المساجد من الوجه
الذي عند ابن خزيمة يتباهون بكثرة المساجد (تنبيه) قوله ثم لا يعمرونها المراد به عمارتها
بالصلاة وذكر الله وليس المراد به بنيانها بخلاف ما يأتي في ترجمة الباب الذي بعده (قوله وقال ابن
عباس لتزخرفنها) بفتح اللام وهى لام القسم وضم المثناة وفتح الزاي وسكون الخاء المعجمة وكسر
الراء وضم الفاء وتشديد النون وهى نون التأكيد والزخرفة الزينة وأصل الزخرف الذهب ثم
استعمل في كل ما يتزين به وهذا التعليق وصله أبو داود وابن حبان من طريق يزيد بن الأصم عن
ابن عباس هكذا موقوفا وقبله حديث مرفوع ولفظه ما أمرت بتشييد المساجد وظن الطيبى
في شرح المشكاة انهما حديث واحد فشرحه على أن اللام في لتزخرفنها مكسورة وهى لام
التعليل للمنفى قبله والمعنى ما امرت بالتشييد ليجعل ذريعة إلى الزخرفة قال والنون فيه لمجرد
التأكيد وفيه نوع توبيخ وتأنيب ثم قال ويجوز فتح اللام على أنها جواب القسم (قلت) وهذا
هو المعتمد والأول لم تثبت به الرواية أصلا فلا يغتر به وكلام ابن عباس فيه مفصول من كلام النبي
صلى الله عليه وسلم في الكتب المشهورة وغيرها وانما لم يذكر البخاري المرفوع منه للاختلاف
على يزيد بن الأصم في وصله وارساله قال البغوي التشييد رفع البناء وتطويله وانما زخرفت
اليهود والنصارى معابدها حين حرفوا كتبهم وبدلوها (قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم) زاد الأصيلي
ابن سعد ورواية صالح بن كيسان عن نافع من رواية الاقران لأنهما مدنيان ثقتان تابعيان من
طبقة واحدة وعبد الله هو ابن عمر (قوله باللبن) بفتح اللام وكسر الموحدة (قوله وعمده) بفتح
أوله وثانية ويجوز ضمهما وكذا قوله خشب (قوله وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه) أي بجنس
449

الآلات المذكورة ولم يغير شيئا من هيئته الا توسيعه (قوله ثم غيره عثمان) أي من الوجهين
التوسيع وتغيير الآلات (قوله بالحجارة المنقوشة) أي بدل اللبن وللحموي والمستملى بحجارة
منقوشة (قوله والقصة) بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة وهى الجص بلغة أهل الحجاز
وقال الخطابي تشبه الجص وليست به (قوله وسقفه) بلفظ الماضي عطفا على جعل وباسكان
القاف على عمده والساج نوع من الخشب معروف يؤتى به من الهند قال ابن بطال وغيره هذا
يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد وترك الغلو في تحسينه فقد كان عمر مع كثرة الفتوح
في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه وانما احتاج إلى تجديده لان جريد النخل
كان قد نخر في أيامه ثم كان عثمان والمال في زمانه أكثر فحسنه بما لا يقتضى الزخرفة
ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه كما سيأتي بعد قليل وأول من زخرف المساجد الوليد بن
عبد الملك بن مروان وذلك في أواخر عصر الصحابة وسكت كثير من أهل العلم عن انكار ذلك
خوفا من الفتنة ورخص في ذلك بعضهم وهو قول أبي حنيفة إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم
للمساجد ولم يقع الصرف على ذلك من بيت المال وقال ابن المنير لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها
ناسب ان يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة وتعقب بان المنع إن كان للحث على اتباع
السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال وإن كان لخشية شغل بال المصلى بالزخرفة فلا لبقاء العلة وفى
حديث أنس علم من اعلام النبوة لاخباره صلى الله عليه وسلم بما سيقع فوقع كما قال * (قوله
باب التعاون في بناء المسجد ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله) كذا في رواية
أبي ذر وزاد غيره قبل قوله ما كان وقول الله عز وجل وفى آخره إلى قوله المهتدين وذكره لهذه الآية
مصير منه إلى ترجيح أحد الاحتمالين من أحد الاحتمالين في الآية وذلك أن قوله تعالى مساجد الله
يحتمل ان يراد بها مواضع السجود ويحتمل ان يراد بها الأماكن المتخذة لإقامة الصلاة وعلى
الثاني يحتمل ان يراد بعمارتها بنيانها ويحتمل ان يراد بها الإقامة لذكر الله فيها (قوله حدثنا مسدد)
هذا الاسناد كله بصرى لان ابن عباس أقام على البصرة أميرا مدة ومعه مولاه عكرمة (قوله
انطلقا إلى أبي سعيد) أي الخدري (قوله فإذا هو) زاد المصنف في الجهاد فاتيناه وهو وأخوه في
حائط لهما (قوله يصلحه) قال في الجهاد يسقيانه والحائط البستان وهذا الأخ زعم بعض الشراح
انه قتادة بن النعمان وهو أخو أبي سعيد لامه ولا يصح ان يكون هو فان علي بن عبد الله بن عباس
ولد في أواخر خلافة على ومات قتادة بن النعمان قبل ذلك في أواخر خلافة عمر بن الخطاب وليس
لأبي سعيد أخ شقيق ولا أخ من أبيه ولا من أمه الا قتادة فيحتمل أن يكون المذكور أخاه من
الرضاعة ولم أقف إلى الآن على اسمه وفى الحديث إشارة إلى أن العلم لا يحوى جميعه أحد لان ابن
عباس مع سعة علمه أمر ابنه بالأخذ عن أبي سعيد فيحتمل أن يكون علم أن عنده ما ليس عنده
ويحتمل أن يكون ارساله إليه لطلب علو الاسناد لان أبا سعيد أقدم صحبة وأكثر سماعا من النبي
صلى الله عليه وسلم من ابن عباس وفيه ما كان السلف عليه من التواضع وعدم التكبر وتعاهد
أحوال المعاش بأنفسهم والاعتراف لأهل الفضل بفضلهم واكرام طلبة العلم وتقديم حوائجهم
على حوائج أنفسهم (قوله فاخذ رداءه فاحتبى) فيه التأهب لالقاء العلم وترك التحديث في حالة
المهنة اعظاما للحديث (قوله حتى أتى على ذكر بناء المسجد) أي النبوي وفى رواية كريمة حتى إذا
450

أتى (قوله وعمار لبنتين) زاد معمر في جامعه لبنة عنه ولبنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه
جواز ارتكاب المشقة في عمل البر وتوقير الرئيس والقيام عنه بما يتعاطاه من المصالح وفضل بنيان
المساجد (قوله فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض) فيه التعبير بصيغة المضارع في موضع
الماضي مبالغة لاستحضار ذلك في نفس السامع كأنه يشاهده وفى رواية الكشميهني فجعل ينفض
(قوله التراب عنه) زاد في الجهاد عن رأسه وكذا لمسلم وفيه اكرام العامل في سبيل الله والاحسان
إليه بالفعل والقول (قوله ويقول) أي في تلك الحال (ويح عمار) هي كلمة رحمة وهى بفتح الحاء إذا
أضيفت فإن لم تضف جاز الرفع والنصب مع التنوين فيهما (قوله يدعوهم) أعاد الضمير على غير
مذكور والمراد قتلته كما ثبت من وجه آخر تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى آخره وسيأتي التنبيه
عليه فان قيل كان قتله بصفين وهو مع علي والذين قتلوه مع معاوية وكان معه جماعة من الصحابة
فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار فالجواب انهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة وهم
مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الامام
وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة على وهو الامام الواجب الطاعة إذ ذاك وكانوا هم يدعون
إلى خلاف ذلك لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم وقال ابن بطال تبعا للمهلب انما يصح
هذا في الخوارج الذين بعث إليهم على عمارا يدعوهم إلى الجماعة ولا يصح في أحد من الصحابة
وتابعه على هذا الكلام جماعة من الشراح وفيه نظر من أوجه أحدها ان الخوارج انما خرجوا
على على بعد قتل عمار بلا خلاف بين أهل العلم بذلك فان ابتداء أمر الخوارج كان عقب التحكيم
وكان التحكيم عقب انتهاء القتال بصفين وكان قتل عمار قبل ذلك قطعا فكيف يبعثه إليهم على
بعد موته ثانيها ان الذين بعث إليهم على عمارا انما هم أهل الكوفة بعثه يستنفرهم على قتال
عائشة ومن معها قبل وقعة الجمل وكان فيهم من الصحابة جماعة كمن كان مع معاوية وأفضل وسيأتى
التصريح بذلك عند المصنف في كتاب الفتن فما فر منه المهلب وقع في مثله مع زيادة اطلاقه عليهم
تسمية الخوارج وحاشاهم من ذلك ثالثها انه شرح على ظاهر ما وقع في هذه الرواية الناقصة
ويمكن حمله على أن المراد بالذين يدعونه إلى النار كفار قريش كما صرح به بعض الشراح لكن وقع
في رواية ابن السكن وكريمة وغيرهما وكذا ثبت في نسخة الصغاني التي ذكر أنه قابلها على نسخة
الفربري التي بخطه زيادة توضح المراد وتفصح بان الضمير يعود على قتلته وهم أهل الشام ولفظه
ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم الحديث * واعلم أن هذه الزيادة لم يذكرها الحميدي في
الجمع وقال إن البخاري لم يذكرها أصلا وكذا قال أبو مسعود قال الحميدي ولعلها لم تقع للبخاري
أو وقعت فحذفها عمدا قال وقد أخرجها الإسماعيلي والبرقاني في هذا الحديث (قلت) ويظهر لي
ان البخاري حذفها عمدا وذلك لنكتة خفية وهى ان أبا سعيد الخدري اعترف انه لم يسمع هذه
الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم فدل على انها في هذه الرواية مدرجة والرواية التي بينت
ذلك ليست على شرط البخاري وقد أخرجها البزار من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي
سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة وفيه فقال أبو سعيد فحدثني أصحابي ولم
أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية اه‍ وابن
سمية هو عمار وسمية اسم أمه وهذا الاسناد على شرط مسلم وقد عين أبو سعيد من حدثه بذلك
451

ففي مسلم والنسائي من طريق أبى سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال حدثني من هو خير منى أبو
قتادة فذكره فاقتصر البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي صلى الله عليه وسلم
دون غيره وهذا دال على دقة فهمه وتبحره في الاطلاع على علل الأحاديث وفى هذا الحديث زيادة
أيضا لم تقع في رواية البخاري وهى عند الإسماعيلي وأبى نعيم في المستخرج من طريق خالد الواسطي
عن خالد الحذاء وهى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمار ألا تحمل كما يحمل أصحابك قال
انى أريد من الله الاجر وقد تقدمت زيادة معمر فيه أيضا (فائدة) روى حديث تقتل عمارا
الفئة الباغية جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان كما تقدم وأم سلمة عند مسلم وأبو هريرة عند
الترمذي وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو
رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه وكلها عند الطبراني
وغيره وغالب طرقها صحيحة أو حسنة وفيه عن جماعة آخرين يطول عدهم وفى هذا الحديث علم
من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلى ولعمار ورد على النواصب الزاعمين ان عليا لم يكن مصيبا في
حروبه (قوله في آخر الحديث يقول عمار أعوذ بالله من الفتن) فيه دليل على استحباب الاستعاذة
من الفتن ولو علم المرء أنه متمسك فيها بالحق لأنها قد تفضى إلى وقوع من لا يرى وقوعه قال ابن
بطال وفيه رد للحديث الشائع لا تستعيذوا بالله من الفتن فان فيها حصاد المنافقين قلت وقد سئل
ابن وهب قديما عنه فقال إنه باطل وسيأتى في كتاب الفتن ذكر كثير من أحكامها وما ينبغي من
العمل عند وقوعها أعاذنا الله تعالى مما ظهر منها وما بطن * (قوله باب الاستعانة بالنجار
والصناع في أعواد المنبر والمسجد) الصناع بضم المهملة جمع صانع وذكره بعد النجار من العام بعد
الخاص أو في الترجمة لف ونشر فقوله في أعواد المنبر يتعلق بالنجار وقوله والمسجد يتعلق
بالصناع أي والاستعانة بالصناع في المسجد أي في بناء المسجد وحديث الباب من رواية سهل
وجابر جميعا يتعلق بالنجار فقط ومنه تؤخذ مشروعية الاستعانة بغيره من الصناع لعدم الفرق
وكأنه أشار بذلك إلى حديث طلق بن علي قال بنيت المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكان يقول قربوا اليمامي من الطين فإنه أحسنكم له مسا وأشدكم له سبكا رواه أحمد وفى لفظ له
فأخذت المسحاة فخلطت الطين فكأنه أعجبه فقال دعوا الحنفي والطين فإنه أضبطكم للطين
ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه فقلت يا رسول الله أأنقل كما ينقلون فقال لا ولكن اخلط لهم
الطين فأنت أعلم به (قوله حدثنا عبد العزيز) هو ابن أبي حازم (قوله إلى امرأة) تقدم ذكرها في
باب الصلاة على المنبر والسطوح والتنبيه على غلط من سماها علاثة وكذا التنبيه على اسم
غلامها وساق المتن هنا مختصرا وساقه بتمامه في البيوع بهذا الاسناد وسنذكر فوائده في كتاب
الجمعة إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا خلاد) هو ابن يحيى وأيمن بوزن أفعل وهو الحبشي مولى بنى
مخزوم (قوله إن امرأة) هي التي ذكرت في حديث سهل فان قيل ظاهر سياق حديث جابر مخالف
لسياق حديث سهل لان في هذا انها ابتدأت بالعرض وفى حديث سهل انه صلى الله عليه وسلم هو
الذي أرسل إليها يطلب ذلك أجاب ابن بطال باحتمال أن تكون المرأة ابتدأت بالسؤال متبرعة
بذلك فلما حصل لها القبول أمكن ان يبطئ الغلام بعمله فأرسل يستنجزها اتمامه لعلمه بطيب
نفسها بما بذلته قال ويمكن ارساله إليها ليعرفها بصفة ما يصنعه الغلام من الأعواد وأن يكون
452

ذلك منبرا قلت فقد أخرجه المصنف في علامات النبوة من هذا الوجه بلفظ ألا أجعل لك منبرا فلعل
التعريف وقع بصفة للمنبر مخصوصة أو يحتمل انه لما فوض إليها الامر بقوله لها ان شئت كان
ذلك سبب البطء لا ان الغلام كان شرع وأبطا ولا انه جهل الصفة وهذا أوجه الأوجه في نظري
(قوله ألا اجعل لك) أضافت الجعل إلى نفسها مجازا (قوله فان لي غلاما نجارا) في رواية
الكشميهني فانى لي غلام نجار وقد اختصر المؤلف هذا المتن أيضا ويأتي بتمامه في علامات النبوة
وفى الحديث قبول البذل إذا كان بغير سؤال واستنجاز الوعد ممن يعلم منه الإجابة والتقرب إلى
أهل الفضل بعمل الخير وسيأتي بقية فوائده في علامات النبوة إن شاء الله تعالى * (قوله
باب من بنى مسجدا) أي ماله من الفضل (قوله اخبرنى عمرو) هو ابن الحرث وبكير
بالتصغير هو ابن عبد الله ابن الأشج وعبيد الله هو ابن الأسود وفى هذا الاسناد ثلاثة من التابعين
في نسق بكير وعاصم وعبيد الله وثلاثة من أوله مصريون وثلاثة من آخره مدنيون وفى وسطه
مدني سكن مصر وهو بكير فانقسم الاسناد إلى مصري ومدني (قوله عند قول الناس فيه) وقع
بيان ذلك عند مسلم حيث أخرجه من طريق محمود بن لبيد الأنصاري وهو من صغار الصحابة قال
لما أراد عثمان بناء المسجد كره الناس ذلك وأحبوا ان يدعوه على هيئته أي في عهد النبي صلى الله
عليه وسلم وظهر بهذا ان قوله في حديث الباب حين بنى أي حين أراد ان يبنى وقال البغوي في
شرح السنة لعل الذي كره الصحابة من عثمان بناؤه بالحجارة المنقوشة لا مجرد توسيعه
انتهى ولم يبن عثمان المسجد انشاء وانما وسعه وشيده كما تقدم في باب بنيان المسجد فيؤخذ منه
اطلاق البناء في حق من جدد كما يطلق في حق من أنشأ أو المراد بالمسجد هنا بعض المسجد من
اطلاق الكل على البعض (قوله مسجد الرسول) كذا للأكثر وللحموي والكشميهني مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله انكم أكثرتم) حذف المفعول للعلم به والمراد الكلام بالانكار
ونحوه * (تنبيه) * كان بناء عثمان للمسجد النبوي سنة ثلاثين على المشهور وقيل في آخر سنة
من خلافته ففي كتاب السير عن الحرث بن مسكين عن ابن وهب أخبرني مالك أن كعب الأحبار
كان يقول عند بنيان عثمان المسجد لوددت ان هذا المسجد لا ينجز فإنه إذا فرغ من بنيانه قتل
عثمان قال مالك فكان كذلك (قلت) ويمكن الجمع بين القولين بان الأول كان تاريخ ابتدائه
والثاني تاريخ انتهائه (قوله من بنى مسجدا) التنكير فيه للشيوع فيدخل فيه الكبير والصغير
ووقع في رواية أنس عند الترمذي صغيرا أو كبيرا وزاد ابن أبي شيبة في حديث الباب من وجه
آخر عن عثمان ولو كمفحص قطاة وهذه الزيادة أيضا عند ابن حبان والبزار من حديث أبي ذر
وعند أبى مسلم الكجي من حديث ابن عباس وعند الطبراني في الأوسط من حديث أنس وابن عمر
وعند أبى نعيم في الحلية من حديث أبي بكر الصديق ورواه ابن خزيمة من حديث جابر بلفظ
كمفحص قطاة أو أصغر وحمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة لان المكان الذي تفحص القطاة عنه
لتضع فيه بيضها وترقد عليه لا يكفي مقداره للصلاة فيه ويؤيده رواية جابر هذه وقيل بل هو على
ظاهره والمعنى ان يزيد في مسجد قدرا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر أو يشترك جماعة
في بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر وهذا كله بناء على أن المراد بالمسجد ما يتبادر
إلى الذهن وهو المكان الذي يتخذ للصلاة فيه فإن كان المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما يسع
453

الجبهة فلا يحتاج إلى شئ مما ذكر لكن قوله بنى يشعر بوجود بناء على الحقيقة ويؤيده قوله في
رواية أم حبيبة من بنى لله بيتا أخرجه سمويه في فوائده باسناد حسن وقوله في رواية عمر من بنى
مسجدا يذكر فيه اسم الله أخرجه ابن ماجة وابن حبان وأخرج النسائي نحوه من حديث عمرو
ابن عبسة فكل ذلك مشعر بان المراد بالمسجد المكان المتخذ لا موضع السجود فقط لكن لا يمتنع
إرادة الآخر مجازا إذ بناء كل شئ بحسبه وقد شاهدنا كثيرا من المساجد في طرق المسافرين
يحوطونها إلى جهة القبلة وهى في غاية الصغر وبعضها لا تكون أكثر من قدر موضع السجود
وروى البيهقي في الشعب من حديث عائشة نحو حديث عثمان وزاد قلت وهذه المساجد التي في
الطرق قال نعم وللطبراني نحوه من حديث أبي قرصافة واسنادهما حسن (قوله قال بكير حسبت
أنه) أي شيخه عاصما بالاسناد المذكور (قوله يبتغى به وجه الله) أي يطلب به رضا الله والمعنى بذلك
الاخلاص وهذه الجملة لم يجزم بها بكير في الحديث ولم أرها الا من طريقه هكذا وكأنها ليست في
الحديث بلفظها فان كل من روى حديث عثمان من جميع الطرق إليه لفظهم من بنى لله مسجدا
فكأن بكيرا نسيها فذكرها بالمعنى مترددا في اللفظ الذي ظنه فان قوله لله بمعنى قوله يبتغى به
وجه الله لاشتراكهما في المعنى المراد وهو الاخلاص * (فائدة) * قال ابن الجوزي من كتب اسمه
على المسجد الذي يبنيه بعيدا من الاخلاص انتهى ومن بناه بالاجرة لا يحصل له هذا الوعد
المخصوص لعدم الاخلاص وإن كان يؤجر في الجملة وروى أصحاب السنن وابن خزيمة
والحاكم من حديث عقبة بن عامر مرفوعا ان الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة صانعه
المحتسب في صنعته والرامي به والممد به فقوله المحتسب في صنعته أي من يقصد بذلك اعانة
المجاهد وهو أعم من أن يكون متطوعا بذلك أو بأجرة لكن الاخلاص لا يحصل الا من
المتطوع وهل يحصل الثواب المذكور لمن جعل بقعة من الأرض مسجدا بان يكتفى بتحويطها
من غير بناء وكذا من عمد إلى بناء كان يملكه فوقفه مسجدا ان وقفنا مع ظاهر اللفظ فلا وان
نظرنا إلى المعنى فنعم وهو المتجه وكذا قوله بنى حقيقة في المباشرة بشرطها لكن المعنى يقتضى
دخول الامر بذلك أيضا وهو المنطبق على استدلال عثمان رضي الله عنه لأنه استدل بهذا
الحديث على ما وقع منه ومن المعلوم انه لم يباشر ذلك بنفسه (قوله بنى الله) اسناد البناء إلى الله
مجازا وابراز الفاعل فيه لتعظيم ذكره جل اسمه أو لئلا تتنافر الضمائر أو يتوهم عوده على باني
المسجد (قوله مثله) صفة لمصدر محذوف أي بنى بناء مثله ولفظ المثل له استعمالان أحدهما
الافراد مطلقا كقوله تعالى فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا والآخر المطابقة كقوله تعالى أمم
أمثالكم فعلى الأول لا يمتنع أن يكون الجزاء أبنية متعددة فيحصل جواب من استشكل التقييد
بقوله مثله مع أن الحسنة بعشرة أمثالها لاحتمال أن يكون المراد بنى الله له عشرة أبنية مثله
والأصل ان ثواب الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل والزيادة عليه بحكم الفضل وأما من
أجاب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل نزول قوله تعالى من جاء بالحسنة
فله عشر أمثالها ففيه بعد وكذا من أجاب بأن التقييد بالواحد لا ينفى الزيادة عليه ومن
الأجوبة المرضية أيضا ان المثلية هنا بحسب الكمية والزيادة حاصلة بحسب الكيفية
فكم من بيت خير من عشرة بل من مائة أو ان المقصود من المثلية أن جزاء هذه الحسنة من جنس
454

البناء لا من غيره مع قطع النظر عن غير ذلك مع أن التفاوت حاصل قطعا بالنسبة إلى ضيق
الدنيا وسعة الجنة إذ موضع شبر فيها خير من الدنيا وما فيها كما ثبت في الصحيح وقد روى أحمد من
حديث واثلة بلفظ بنى الله له في الجنة أفضل منه وللطبراني من حديث أبي أمامة بلفظ أوسع منه
وهذا يشعر بان المثلية لم يقصد بها المساواة من كل وجه وقال النووي يحتمل أن يكون المراد أن
فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا (قوله في الجنة) يتعلق ببنى أو هو حال
من قوله مثله وفيه إشارة إلى دخول فاعل ذلك الجنة إذ المقصود بالبناء له أن يسكنه وهو
لا يسكنه الا بعد الدخول والله أعلم * (قوله باب يأخذ) أي الشخص (بنصول)
جمع نصل ويجمع أيضا على نصال كما سيأتي في حديث الباب الذي بعده والنبل بفتح النون
وسكون الموحدة وبعدها لام السهام العربية وهى مؤنثة ولا واحد لها من لفظها وجواب الشرط
في قوله إذا مر محذوف ويفسره قوله يأخذ أو التقدير يستحب لمن معه نبل أنه يأخذ إلى آخره
وسفيان المذكور في الاسناد هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار ولم يذكر قتيبة في هذا السياق جواب
عمرو عن استفهام سفيان كذا في أكثر الروايات وحكى عن رواية الأصيلي أنه ذكره في آخره
فقال نعم ولم أره فيها وقد ذكره غير قتيبة أخرجه المصنف في الفتن عن علي بن عبد الله عن سفيان
مثله وقال في آخره فقال نعم ورواه مسلم من وجه آخر عن سفيان عن عمرو بغير سؤال ولا جواب
لكن سياق المصنف يفيد تحقق الاتصال فيه وقد أخرجه الشيخان من غير طريق سفيان
أيضا أخرجاه من طريق حماد بن زيد عن عمرو ولفظه ان رجلا مر في المسجد بأسهم قد أبدى نصولها
فامر أن يأخذ بنصولها كي لا تخدش مسلما وليس في سياق المصنف كي وأفادت رواية سفيان
تعيين الامر المبهم في رواية حماد وأفادت رواية حماد بيان علة الامر بذلك ولمسلم أيضا من طريق
أبى الزبير عن جابر أن المار المذكور كان يتصدق بالنبل في المسجد ولم أقف على اسمه إلى الآن
* (فائدة) * قال ابن بطال حديث جابر لا يظهر فيه الاسناد لان سفيان لم يقل ان عمرا قال له نعم
قال ولكن ذكره البخاري في غير كتاب الصلاة وزاد في آخره فقال نعم فبأن بقوله اسناد الحديث
(قلت) هذا مبنى على المذهب المرجوح في اشتراط قول الشيخ نعم إذا قال له القارئ مثلا أحدثك
فلان والمذهب الراجح الذي عليه أكثر المحققين ومنهم البخاري ان ذلك لا يشترط بل يكتفى
بسكوت الشيخ إذا كان متيقظا وعلى هذا فالاسناد في حديث جابر ظاهر والله أعلم وفى الحديث
إشارة إلى تعظيم قليل الدم وكثيره وتأكيد حرمة المسلم وجواز ادخال المسجد السلاح وفى الأوسط
للطبراني من حديث أبي سعيد قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقليب السلاح
في المسجد والمعنى فيه ما تقدم * (قوله باب المرور في المسجد) أي جوازه وهو مستنبط
من حديث الباب من جهة الأولوية فان قيل ما وجه تخصيص حديث أبي موسى بترجمة
المرور وحديث جابر بترجمة الاخذ بالنصال مع أن كلا من الحديثين يدل على كل من الترجمتين
أجيب باحتمال أن يكون ذلك بالنظر إلى لفظ المتن فان حديث جابر ليس فيه ذكر المرور من لفظ
الشارع بخلاف حديث أبي موسى فان فيه لفظ المرور مقصودا حيث جعل شرطا ورتب عليه
الحكم وهذا بالنظر إلى اللفظ الذي وقع للمصنف على شرطه والا فقد رواه النسائي من طريق ابن
جريج عن أبي الزبير عن جابر بلفظ إذا مر أحدكم الحديث وعبد الواحد المذكور في الاسناد هو
455

ابن زياد وأبو بردة بن عبد الله اسمه بريد وشيخه هو جده أبو بردة بن أبي موسى الأشعري وقد
أخرجه المصنف في الفتن من طريق أبى أسامة عن بريد نحوه وكذا أخرجه مسلم من طريقه
(قوله أو أسواقنا) هو تنويع من الشارع وليس شكا من الراوي والباء في قوله بنبل للمصاحبة
(قوله على نصالها) ضمن الاخذ معنى الاستعلاء للمبالغة أو على بمعنى الباء كما تقدم في طريق حماد
عن عمرو وسيأتي من طريق ثابت عن أبي بردة (قوله لا يعقر) أي لا يجرح وهو مجزوم نظرا إلى أنه
جواب الامر ويجوز الرفع (قوله بكفه) متعلق بقوله فليأخذ وكذا رواية الأصيلي لا يعقر
مسلما بكفه ليس قوله بكفه متعلقا بيعقر والتقدير فليأخذ بكفه على نصالها لا يعقر مسلما ويؤيده
رواية أبى أسامة فليمسك على نصالها بكفه ان يصيب أحدا من المسلمين لفظ مسلم وله من طريق
ثابت عن أبي بردة فليأخذ بنصالها ثم ليأخذ بنصالها ثم ليأخذ بنصالها (قوله باب
الشعر في المسجد) أي ما حكمه (قوله عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة) كذا رواه شعيب وتابعه
إسحاق بن راشد عن الزهري أخرجه النسائي ورواه سفيان بن عيينة عن الزهري فقال عن سعيد
ابن المسيب بدل أبى سلمة أخرجه المؤلف في بدء الخلق وتابعه معمر عند مسلم وإبراهيم بن سعد
وإسماعيل بن أمية عند النسائي وهذا من الاختلاف الذي لا يضر لان الزهري من أصحاب
الحديث فالراجح أنه عنده عنهما معا فكان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وهذا من جنس
الأحاديث التي يتعقبها الدارقطني على الشيخين لكنه لم يذكره فليستدرك عليه وفى الاسناد نظر
من وجه آخر وهو على شرط التتبع أيضا وذلك أن لفظ رواية سعيد بن المسيب مر عمر في المسجد
وحسان ينشد فقال كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك
الله الحديث ورواية سعيد لهذه القصة عندهم مرسلة لأنه لم يدرك زمن المرور ولكن يحمل على
أن سعيدا سمع ذلك من أبي هريرة بعد أو من حسان أو وقع لحسان استشهاد أبي هريرة مرة أخرى
فحضر ذلك سعيد ويقويه سياق حديث الباب فان فيه أن أبا سلمة سمع حسان يستشهد أبا هريرة
وأبو سلمة لم يدرك زمن مرور عمر أيضا فإنه أصغر من سعيد فدل على تعدد الاستشهاد ويجوز أن
يكون التفات حسان إلى أبي هريرة واستشهاده به انما وقع متأخرا لان ثم لا تدل على الفورية
والأصل عدم التعدد وغايته أن يكون سعيد أرسل قصة المرور ثم سمع بعد ذلك استشهاد حسان
لأبى هريرة وهو المقصود لأنه المرفوع وهو موصول بلا تردد والله أعلم (قوله يستشهد) أي يطلب
الشهادة والمراد الاخبار بالحكم الشرعي وأطلق عليه الشهادة مبالغة في تقوية الخبر (قوله
أنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أي سألتك الله والنشد بفتح النون وسكون المعجمة
التذكر (قوله أجب عن رسول الله) في رواية سعيد أجب عنى فيحتمل أن يكون الذي هنا بالمعنى
(قوله أيده) أي قوه وروح القدس المراد هنا جبريل بدليل حديث البراء عند المصنف أيضا بلفظ
وجبريل معك والمراد بالإجابة الرد على الكفار الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
وفى الترمذي من طريق أبى الزناد عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينصب لحسان منبرا في المسجد فيقوم عليه يهجو الكفار وذكر المزي في الأطراف ان البخاري
أخرجه تعليقا نحوه وأتم منه لكني لم أره فيه قال ابن بطال ليس في حديث الباب أن حسان
أنشد شعرا في المسجد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم لكن رواية البخاري في بدء الخلق من
456

طريق سعيد تدل على أن قوله صلى الله عليه وسلم لحسان أجب عنى كان في المسجد وأنه أنشد
فيه ما أجاب به المشركين وقال غيره يحتمل أن البخاري أراد أن الشعر المشتمل على الحق حق بدليل
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لحسان على شعره وإذا كان حقا جاز في المسجد كسائر الكلام الحق
ولا يمنع منه كما يمنع من غيره من الكلام الخبيث واللغو الساقط (قلت) والأول أليق بتصرف
البخاري وبذلك جزم المازري وقال انما اختصر البخاري القصة لاشتهارها ولكونه ذكرها في
موضع آخر انتهى وأما ما رواه ابن خزيمة في صحيحه والترمذي وحسنه من طريق عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناشد الاشعار في المساجد واسناده
صحيح إلى عمرو فمن يصحح نسخته يصححه وفى المعنى عدة أحاديث لكن في أسانيدها مقال فالجمع
بينها وبين حديث الباب أن يحمل النهى على تناشد أشعار الجاهلية والمبطلين والمأذون فيه ما سلم
من ذلك وقيل المنهى عنه ما إذا كان التناشد غالبا على المسجد حتى يتشاغل به من فيه وأبعد
أبو عبد الملك البوني فأعمل أحاديث النهى وادعى النسخ في حديث الاذن لم يوافق على ذلك حكاه
ابن التين عنه وذكر أيضا أنه طرد هذه الدعوى فيما سيأتي من دخول أصحاب الحراب المسجد
وكذا دخول المشرك * (قوله باب أصحاب الحراب في المسجد) الحراب بكسر المهملة
جمع حربة والمراد جواز دخولهم فيه ونصال حرابهم مشهورة وأظن المصنف أشار إلى تخصيص
الحديث السابق في النهى عن المرور في المسجد بالنصل غير مغمود والفرق بينهما أن التحفظ
في هذه الصورة وهى صورة اللعب بالحراب سهل بخلاف مجرد المرور فإنه قد يقع بغتة فلا
يتحفظ منه (قوله في الاسناد عن صالح) هو ابن كيسان (قوله لقد رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوما في باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد) فيه جواز ذلك في المسجد وحكى ابن
التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ بالقرآن والسنة أما القرآن
فقوله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع وأما السنة فحديث جنبوا مساجدكم صبيانكم
ومجانينكم وتعقب بان الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما ادعاه ولا عرف
التاريخ فيثبت النسخ وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت
عائشة في المسجد وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث وفى بعضها
أن عمر أنكر عليهم لعبهم في المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم دعهم واللعب بالحراب
ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو وقال المهلب
المسجد موضوع لأمن جماعة المسلمين فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه وفى
الحديث جواز النظر إلى اللهو المباح وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم مع أهله وكرم
معاشرته وفضل عائشة وعظيم محلها عنده وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب العيدين
إن شاء الله تعالى (قوله في باب حجرتي) عند الأصيلي وكريمة على باب حجرتي (قوله يسترني بردائه)
يدل على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب ويدل على جواز نظر المرأة إلى الرجل وأجاب بعض من
منع بان عائشة كانت إذ ذاك صغيرة وفيه نظر لما ذكرنا وادعى بعضهم النسخ بحديث أفعميا وان
أنتما وهو حديث مختلف في صحته وسيأتي للمسئلة مزيد بسط في موضعه إن شاء الله
تعالى (قوله وزاد إبراهيم بن المنذر) يريد أن إبراهيم رواه من رواية يونس وهو ابن يزيد عن
457

ابن شهاب كرواية صالح لكن عين أن لعبهم كان بحرابهم وهو المطابق للترجمة وفى ذلك إشارة
إلى أن البخاري يقصد بالترجمة أصل الحديث لا خصوص السياق الذي يورده ولم أقف على
طريق يونس من رواية إبراهيم بن المنذر موصولة نعم وصلها مسلم عن أبي طاهر بن السرح
عن ابن وهب ووصلها الإسماعيلي أيضا من طريق عثمان بن عمر عن يونس وفيه الزيادة
* (قوله باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد) مطابقة هذه الترجمة
لحديث الباب من قوله ما بال أقوام يشترطون فان فيه إشارة إلى القصة المذكورة وقد اشتملت
على بيع وشراء وعتق وولاء ووهم بعض من تكلم على هذا الكتاب فقال ليس فيه أن البيع
والشراء وقعا في المسجد ظنا منه أن الترجمة معقودة لبيان جواز ذلك وليس كما ظن للفرق بين
جريان ذكر الشئ والاخبار عن حكمه فان ذلك حق وخير وبين مباشرة العقد فان ذلك يفضى إلى
اللغط المنهى عنه قال المازري واختلفوا في جواز ذلك في المسجد مع اتفاقهم على صحة العقد لو
وقع ووقع لابن المنير في تراجمه وهم آخر فإنه زعم أن حديث هذه الترجمة هو حديث أبي هريرة في
قصة ثمامة بن أثال وشرع يتكلف لمطابقته لترجمة البيع والشراء في المسجد وانما الذي في
النسخ كلها في ترجمة البيع والشراء حديث عائشة وأما حديث أبي هريرة المذكور فسيأتي
بعد أربعة أبواب بترجمة أخرى وكأنه انتقل بصره من موضع لموضع أو تصفح ورقة فانقلبت ثنتان
(قوله حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن يحيى) هو ابن سعيد وللحميدي في مسنده عن سفيان
حدثنا يحيى (قوله قالت أتتها) فيه التفات إن كان فاعل قالت عائشة ويحتمل أن يكون
الفاعل عمرة فلا التفات (قوله تسألها في كتابتها) ضمن تسأل معنى تستعين وثبت كذلك في رواية
أخرى والمراد بقولها أهلك مواليك وحذف مفعول أعطيت الثاني لدلالة الكلام عليه والمراد
بقية ما عليها وسيأتى تعيينه في كتاب العتق إن شاء الله تعالى (قوله وقال سفيان مرة) أي أن
سفيان حدث به على وجهين وهو موصول غير معلق (قوله ذكرته ذلك) كذا وقع هنا بتشديد
الكاف فقيل الصواب ما وقع في رواية مالك وغيره بلفظ ذكرت له ذلك لان التذكير يستدعى
سبق علم بذلك ولا يتجه تخطئة هذه الرواية لاحتمال السبق أو لا على وجه الاجمال (قوله
يشترطون شروطا ليس في كتاب الله) كأنه ذكر باعتبار جنس الشرط ولفظ مائة للمبالغة
فلا مفهوم له (قوله في كتاب الله) قال الخطابي ليس المراد أن ما لم ينص عليه في كتاب الله
فهو باطل فان لفظ الولاء لمن أعتق من قوله صلى الله عليه وسلم لكن الامر بطاعته
في كتاب الله فجاز إضافة ذلك إلى الكتاب وتعقب بان ذلك لو جاز لجازت إضافة ما اقتضاه كلام
الرسول صلى إليه عليه وسلم إليه والجواب عنه أن تلك الإضافة انما هي بطريق العموم
لا بخصوص المسئلة المعينة وهذا مصير من الخطابي إلى أن المراد بكتاب الله هنا القرآن ونظير
ما جنح إليه ما قاله ابن مسعود لام يعقوب في قصة الواشمة ما لي لا ألعن من لعن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله ثم استدل على كونه في كتاب الله بقوله تعالى وما آتاكم
الرسول فخذوه ويحتمل أن يكون المراد بقوله هنا في كتاب الله أي في حكم الله سواء ذكر
في القرآن أم في السنة أو المراد بالكتاب المكتوب أي في اللوح المحفوظ وحديث عائشة هذا في
قصة بريرة قد أخرجه البخاري في مواضع أخرى من البيوع والعتق وغيرهما واعتنى به جماعة
458

من الأئمة فأفردوه بالتصنيف وسنذكر فوائده ملخصة مجموعة في كتاب العتق إن شاء الله تعالى
(قوله ورواه مالك) وصله في باب المكاتب عن عبد الله بن يوسف عنه وصورة سياقه الارسال
وسيأتي الكلام عليه هناك (قوله قال على) يعنى ابن عبد الله المذكور أول الباب ويحيى هو ابن
سعيد القطان وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي والحاصل أن علي بن عبد الله حدث
البخاري عن أربعة أنفس حدثه كل منهم به عن يحيى بن سعيد الأنصاري وانما أفرد رواية سفيان
لمطابقتها الترجمة بذكر المنبر فيها ويؤيد ذلك أن التعليق عن مالك متأخر في رواية كريمة عن
طريق جعفر بن عون (قوله عن عمرة نحوه) يعنى نحو رواية مالك وقد وصله الإسماعيلي من طريق
محمد بن بشار عن يحيى القطان وعبد الوهاب كلاهما عن يحيى بن سعيد قال أخبرتني عمرة أن
بريرة فذكره وليس فيه ذكر المنبر أيضا وصورته أيضا الارسال لكن قال في آخره فزعمت عائشة
أنها ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فظهر بذلك اتصاله وأفادت رواية جعفر بن
عون التصريح بسماع يحيى من عمرة وبسماع عمرة من عائشة فامن بذلك ما يخشى فيه من الارسال
المذكور وغيره وقد وصله النسائي والإسماعيلي أيضا من رواية جعفر بن عون وفيه عن عائشة
قالت أتتني بريرة فذكر الحديث وليس فيه ذكر المنبر أيضا * (قوله باب التقاضي)
أي مطالبة الغريم بقضاء الدين (والملازمة) أي ملازمة الغريم وفى المسجد يتعلق بالامرين
فان قيل التقاضي ظاهر من حديث الباب دون الملازمة أجاب بعض المتأخرين فقال كأنه
أخذه من كون ابن أبي حدرد لزم خصمه في وقت التقاضي وكأنهما كانا ينتظران النبي صلى الله
عليه وسلم ليفصل بينهما قال فإذا جازت الملازمة في حال الخصومة فجوازها بعد ثبوت الحق عند
الحاكم أولى انتهى (قلت) والذي يظهر لي من عادة تصرف البخاري أنه أشار بالملازمة إلى ما ثبت
في بعض طرقه وهو ما أخرجه هو في باب الصلح وغيره من طريق الأعرج عن عبد الله بن كعب
عن أبيه أنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي مال فلقيه فلزمه فتكلما حتى ارتفعت
أصواتهما ويستفاد من هذه الرواية أيضا تسمية ابن أبي حدرد وذكر نسبته * (فائدة) *
قال الجوهري وغيره لم يأت من الأسماء على فعلع بتكرير العين غير حدرد وهو بفتح المهملة
بعدها دال مهملة ساكنة ثم راء مفتوحة ثم دال مهملة أيضا (قوله عن كعب) هو ابن مالك
أبوه (قوله دينا) وقع في رواية زمعة بن صالح عن الزهري أنه كان أوقيتين أخرجه الطبراني
(قوله في المسجد) متعلق بتقاضي (قوله فخرج إليهما) في رواية الأعرج فمر بهما النبي صلى
الله عليه وسلم فظاهر الروايتين التخالف وجمع بعضهم بينهما باحتمال أن يكون مر بهما
أولا ثم إن كعبا أشخص خصمه للمحاكمة فسمعهما النبي صلى الله عليه وسلم أيضا وهو في
بيته (قلت) وفيه بعد لأن في الطريقين أنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى كعب بالوضيعة وأمر
غريمه بالقضاء فلو كان أمره صلى الله عليه وسلم بذلك تقدم لهما لما احتاج إلى الإعادة والأولى
فيما يظهر لي أن يحمل المرور على أمر معنوي لا حسي (قوله سجف) بكسر المهملة وسكون
الجيم وحكى فتح أوله وهو الستر وقيل أحد طرق الستر المفرج (قوله أي الشطر) بالنصب أي
ضع الشطر لأنه تفسير لقوله هذا والمراد بالشطر النصف وصرح به في رواية الأعرج (قوله
لقد فعلت) مبالغة في امتثال الامر وقوله قم خطاب لابن أبي حدرد وفيه إشارة إلى أنه
459

لا يجتمع الوضيعة والتأجيل وفى الحديث جواز رفع الصوت في المسجد وهو كذلك ما لم يتفاحش
وقد أفرد له المصنف باب يأتي قريبا والمنقول عن مالك منعه في المسجد مطلقا وعنه التفرقة بين رفع
الصوت بالعلم والخير وما لا بد منه فيجوز وبين رفعه باللغط ونحوه فلا قال المهلب لو كان رفع
الصوت في المسجد لا يجوز لما تركهما النبي صلى الله عليه وسلم ولبين لهما ذلك (قلت) ولمن منع
أن يقول لعله تقدم نهيه عن ذلك فاكتفى به واقتصر على التوصل بالطريق المؤدية إلى ترك ذلك
بالصلح المقتضى لترك المخاصمة الموجبة لرفع الصوت وفيه الاعتماد على الإشارة إذا فهمت
والشفاعة إلى صاحب الحق وإشارة الحاكم بالصلح وقبول الشفاعة وجواز ارخاء الستر على الباب
* (قوله باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان) أي منه (قوله عن أبي
رافع) هو الصائغ تابعي كبير ووهم بعض الشراح فقال إنه أبو رافع الصحابي وقال هو من رواية
صحابي عن صحابي وليس كما قال فان ثابتا البناني لم يدرك أبا رافع الصحابي (قوله أن رجلا أسود
أو امرأة سوداء) الشك فيه من ثابت لأنه رواه عنه جماعة هكذا أو من أبى رافع وسيأتي بعد باب
من وجه آخر عن حماد بهذا الاسناد قال ولا أراه الا امرأة ورواه ابن خزيمة من طريق العلاء
ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فقال امرأة سوداء ولم يشك ورواه البيهقي باسناد حسن
من حديث ابن بريدة عن أبيه فسماها أم محجن وأفاد أن الذي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن
سؤاله عنها أبو بكر الصديق وذكر ابن منده في الصحابة خرقاء امرأة سوداء كانت تقم المسجد وقع
ذكرها في حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس وذكرها ابن حبان في الصحابة بذلك بدون ذكر
السند فإن كان محفوظا فهذا اسمها وكنيتها أم محجن (قوله كان يقم المسجد) بقاف مضمومة أي
يجمع القمامة وهى الكناسة فان قيل دل الحديث على كنس المسجد فمن أين يؤخذ التقاط الخرق
وما معه أجاب بعض المتأخرين بأنه يؤخذ بالقياس عليه والجامع التنظيف (قلت) والذي
يظهر لي من تصرف البخاري انه أشار بكل ذلك إلى ما ورد في بعض طرقه صريحا ففي طريق العلاء
المتقدمة كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد وفى حديث بريدة المتقدم كانت مولعة بلفظ
القذى من المسجد والقذى بالقاف والذال المعجمة مقصور جمع قذاة وجمع الجمع أقذية قال أهل
اللغة القذى في العين والشراب ما يسقط فيه ثم استعمل في كل شئ يقع في البيت وغيره إذا كان
يسيرا وتكلف من لم يطلع على ذلك فزعم أن حكم الترجمة تؤخذ من اتيان النبي صلى الله عليه
وسلم القبر حتى صلى عليه قال فيؤخذ من ذلك الترغيب في تنظيف المسجد (قوله عنه) أي عن
حاله ومفعوله محذوف أي الناس (قوله آذنتموني) بالمد أي أعلمتموني زاد المصنف في الجنائز
قال فحقروا شأنه وزاد ابن خزيمة في طريق العلاء قالوا مات من الليل فكرهنا ان نوقظك وكذا
في حديث بريدة زاد مسلم عن أبي كامل الجحدري عن حماد بهذا الاسناد في آخره ثم قال إن هذه
القبور مملوءة ظلمة على أهلها وان الله ينورها لهم بصلاتي عليهم وانما لم يخرج البخاري هذه الزيادة
لأنها مدرجة في هذا الاسناد وهى من مراسيل ثابت بين ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد
وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب بيان المدرج قال البيهقي يغلب على الظن أن هذه الزيادة من
مراسيل ثابت كما قال أحمد بن عبدة أو من رواية ثابت عن أنس يعنى كما رواه ابن منده ووقع في
مسند أبى داود الطيالسي عن حماد بن زيد وأبى عامر الخزاز كلاهما عن ثابت بهذه الزيادة
460

وزاد بعدها فقال رجل من الأنصار ان أبى أو اخى مات أو دفن فصل عليه قال فانطلق معه رسول
الله صلى الله عليه وسلم وفى الحديث فضل تنظيف المسجد والسؤال عن الخادم والصديق إذا
غاب وفيه المكافأة بالدعاء والترغيب في شهود جنائز أهل الخير وندب الصلاة على الميت الحاضر
عند قبره لمن لم يصل عليه والاعلام بالموت * (قوله باب تحريم تجارة الخمر في المسجد) أي
جواز ذكر ذلك وتبيين أحكامه وليس مراده ما يقتضيه مفهومه من أن تحريمها مختص بالمسجد
وانما هو على حذف مضاف أي باب ذكر تحريم كما تقدم نظيره في باب ذكر البيع والشراء وموقع
الترجمة أن المسجد منزه عن الفواحش فعلا وقولا لكن يجوز ذكرها فيه للتحذير منها ونحو ذلك
كما دل عليه هذا الحديث (قوله عن أبي حمزة) هو السكري ومسلم هو ابن صبيح أبو الضحى وسيأتى
الكلام على حديث الباب في تفسير سورة البقرة إن شاء الله تعالى قال القاضي عياض كان
تحريم الخمر قبل نزول آية الربا بمدة طويلة فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بتحريمها مرة بعد
أخرى تأكيدا (قلت) ويحتمل أن يكون تحريم التجارة فيها تأخر عن وقت تحريم عينها والله
أعلم * (قوله باب الخدم للمسجد) في رواية كريمة الخدم في المسجد (قوله وقال ابن
عباس) هذا التعليق وصله ابن أبي حاتم بمعناه (قوله محررا) أي معتقا والظاهر أنه كان
في شرعهم صحة النذر في أولادهم وكأن غرض البخاري الإشارة بايراد هذا إلى أن تعظيم
المسجد بالخدمة كان مشروعا عند الأمم السالفة حتى أن بعضهم وقع منه نذر ولده لخدمته
ومناسبة ذلك الحديث الباب من جهة صحة تبرع تلك المرأة بإقامة نفسها لخدمة المسجد لتقرير
النبي صلى الله عليه وسلم لها على ذلك (قوله حدثنا أحمد بن واقد) واقد جده واسم أبيه عبد الملك
وشيخه حماد هو ابن زيد ورجاله إلى أبي هريرة بصريون (قوله ولا أراه) بضم الهمزة أي أظنه
(قوله فذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم) أي الذي تقدم قبل بباب * (قوله باب
الأسير أو الغريم) كذا للأكثر بأو وهى للتنويع وفى رواية ابن السكن وغيره والغريم بواو
العطف (قوله حدثنا روح) هو ابن عبادة (قوله تفلت) بالفاء وتشديد اللام أي تعرض له فلتة
أي بغتة وقال القزاز يعنى توثب وقال الجوهري أفلت الشئ فانفلت وتفلت بمعنى (قوله
البارحة) قال صاحب المنتهى كل زائل بارح ومنه سميت البارحة وهى أدنى ليلة زالت عنك
(قوله أو كلمة نحوها) قال الكرماني الضمير راجع إلى البارحة أو إلى جملة تفلت على البارحة
(قلت) رواه شبابة عن شعبة بلفظ عرض لي فشد على أخرجه المصنف في أواخر الصلاة وهو
يؤيد الاحتمال الثاني ووقع في رواية عبد الرزاق عرض لي في صورة هر ولمسلم من حديث أبي
الدراء جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي وللنسائي من حديث عائشة فأخذته فصرعته
فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي وفهم ابن بطال وغيره منه انه كان حين عرض له غير
متشكل بغير صورته الأصلية فقالوا ان رؤية الشيطان على صورته التي خلق عليها خاص بالنبي
صلى الله عليه وسلم وأما غيره من الناس فلا لقوله تعالى انه يراكم هو وقبيله الآية وسنذكر بقية
مباحث هذه المسئلة في باب ذكره الجن حيث ذكره المؤلف في بدء الخلق ويأتي الكلام على بقية
فوائد حديث الباب في تفسير سورة ص (قوله رب اغفر لي وهب لي) كذا في رواية أبي ذر وفى
بقية الروايات هنا رب هب لي قال الكرماني لعله ذكره على طريق الاقتباس لا على قصد التلاوة
461

(قلت) ووقع عند مسلم كما في رواية أبي ذر على نسق التلاوة فالظاهر أنه تغيير من بعض الرواة
(قوله قال روح فرده) أي النبي صلى الله عليه وسلم رد العفريت (خاسئا) أي مطرود أو ظاهره أن
هذه الزيادة في رواية روح دون رفيقه محمد بن جعفر لكن أخرجه المصنف في أحاديث الأنبياء عن
محمد بن بشار عن محمد بن جعفر وحده وزاد في آخره أيضا فرده خاسئا ورواه مسلم من طريق النضر
عن شعبة بلفظ فرده الله خاسئا * (قوله باب الاغتسال) إذا أسلم وربط الأسير أيضا
في المسجد) هكذا في أكثر الروايات وسقط للأصيلي وكريمة قوله وربط الأسير إلى آخره وعند
بعضهم باب بلا ترجمة وكأنه فصل من الباب الذي قبله ويحتمل أن يكون بيض للترجمة فسد
بعضهم البياض بما ظهر له ويدل عليه ان الإسماعيلي ترجم عليه باب دخول المشرك المسجد
وأيضا فالبخاري لم تجر عادته بإعادة لفظ الترجمة عقب الأخرى والاغتسال إذا أسلم لا تعلق له
باحكام المساجد الا على بعد وهو أن يقال الكافر جنب غالبا والجنب ممنوع من المسجد
الا لضرورة فلما أسلم لم تبق ضرورة للبثه في المسجد جنبا فاغتسل لتسوغ له الإقامة في المسجد
وادعى ابن المنير ان ترجمة هذا الباب ذكر البيع والشراء في المسجد قال ومطابقتها لقصة ثمامة
ان من تخيل منع ذلك أخذه من عموم قوله انما بنيت المساجد لذكر الله فأراد البخاري ان هذا
العموم مخصوص بأشياء غير ذلك منها ربط الأسير في المسجد فإذا جاز ذلك للمصلحة فكذلك يجوز
البيع والشراء للمصلحة في المسجد (قلت) ولا يخفى ما فيه من التكلف وليس ما ذكره من
الترجمة مع ذلك في شئ من نسخ البخاري هنا وانما تقدمت قبل خمسة أبواب لحديث عائشة في قصة
بريرة ثم قال فان قيل ايراد قصة ثمامة في الترجمة التي قبل هذه وهى باب الأسير يربط في المسجد
أليق فالجواب انه يحتمل ان البخاري آثر الاستدلال بقصة العفريت على قصة ثمامة لان الذي هم
بربط العفريت هو النبي صلى الله عليه وسلم والذي تولى ربط ثمامة غيره وحيث رآه مربوطا قال
أطلقوا ثمامة قال فهو بان يكون انكارا لربطه أولى من أن يكون تقريرا انتهى وكأنه لم ينظر
سياق هذا الحديث تاما لا في البخاري ولا في غيره فقد أخرجه البخاري في أواخر المغازي من هذا
الوجه بعينه مطولا وفيه انه صلى الله عليه وسلم مر على ثمامة ثلاث مرات وهو مربوط في
المسجد وانما أمر باطلاقه في اليوم الثالث وكذا أخرجه مسلم وغيره وصرح ابن إسحاق في المغازي
من هذا الوجه ان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرهم بربطه فبطل ما تخيله ابن المنير وانى
لأتعجب منه كيف جوز أن الصحابة يفعلون في المسجد أمرا لا يرضاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فهو كلام فاسد مبنى على فاسد فالحمد لله على التوفيق (قوله وكان شريح يأمر الغريم أن
يحبس) قال ابن مالك فيه وجهان أحدهما أن يكون الأصل يأمر بالغريم وأن يحبس بدل
اشتمال ثم حذفت الباء ثانيهما ان معنى قوله أن يحبس أي ينجس فجعل المطاوع موضع المطاوع
لاستلزامه إياه انتهى والتعليق المذكور في رواية الحموي دون رفقته وقد وصله معمر عن أيوب
عن ابن سيرين قال كان شريح إذا قضى على رجل بحق أمر بحبسه في المسجد إلى أن يقوم بما
عليه فان أعطى الحق والا أمر به إلى السجن (قوله خيلا) أي فرسانا والأصل انهم كانوا
رجالا على خيل وثمامة بمثلثة مضمومة واثال بضم الهمزة بعدها مثلثة خفيفة (قوله إلى نخل)
في أكثر الروايات بالخاء المعجمة وفى النسخة المقروأة على أبى الوقت بالجيم وصوبها بعضهم وقال
462

والنجل الماء القليل النابع وقيل الجاري (قلت) ويؤيد الرواية الأولى ان لفظ ابن خزيمة
في صحيحه في هذا الحديث فانطلق إلى حائط أبى طلحة وسيأتى الكلام على بقية فوائد هذا
الحديث حيث أورده المصنف تاما إن شاء الله تعالى * (قوله باب الخيمة في المسجد)
أي جواز ذلك (قوله حدثنا زكريا بن يحيى) هو البلخي اللؤلؤي وكان حافظا وفى شيوخ
البخاري زكريا بن يحيى أبو السكين وقد شارك البلخي في بعض شيوخه (قوله أصيب سعد) أي
ابن معاذ (قوله في الأكحل) هو عرق في اليد (قوله خيمة في المسجد) أي لسعد (قوله
فلم يرعهم) أي يفزعهم قال الخطابي المعنى انهم بينما هم في حال طمأنينة حتى أفزعتهم رؤية الدم
فارتاعوا له وقال غيره المراد بهذا اللفظ السرعة لا نفس الفزع (قوله وفى المسجد خيمة) هذه
الجملة معترضة بين الفعل والفاعل والتقدير فلم يرعهم الا الدم والمعنى فراعهم الدم (قوله من
قبلكم) بكسر القاف أي من جهتكم (قوله يغذو) بغين وذال معجمتين أي يسيل (قوله
فمات فيها) أي في الخيمة أو في تلك المرضة وفى رواية المستملى والكشميهني فمات منها أي الجراحة
وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب المغازي حيث أورده المؤلف هناك باتم من
هذا السياق * (قوله باب ادخال البعير في المسجل للعلة) أي للحاجة وفهم منه
بعضهم ان المراد بالعلة الضعف فقال هو ظاهر في حديث أم سلمة دون حديث ابن عباس
ويحتمل أن يكون المصنف أشار بالتعليق المذكور إلى ما أخرجه أبو داود من حديثه ان النبي
صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكى فطاف على راحلته وأما اللفظ المعلق فهو موصول
عند المصنف في كتاب الحج إن شاء الله تعالى ويأتي أيضا قول جابر انه انما طاف على بعيره
ليراه الناس وليسألوه ويأتي الكلام على حديث أم سلمة أيضا في الحج وهو ظاهر فيما ترجم له
ورجال اسناده مدنيون وفيه تابعيان محمد وعروة وصحابيتان زينب وأمها أم سلمة قال ابن بطال
في هذا الحديث جواز دخول الدواب التي يؤكل لحمها المسجد إذا احتيج إلى ذلك لان بولها
لا ينجسه بخلاف غيرها من الدواب وتعقب بأنه ليس في الحديث دلالة على عدم الجواز مع
الحاجة بل ذلك دائر على التلويث وعدمه فحيث يخشى التلويث يمتنع الدخول وقد قيل إن ناقته
صلى الله عليه وسلم كانت منوقة أي مدربة معلمة فيؤمن منها ما يحذر من التلويث وهى سائرة
فيحتمل أن يكون بعير أم سلمة كان كذلك والله أعلم * (قوله باب) كذا هو في الأصل
بلا ترجمة وكأنه بيض له فاستمر كذلك وأما قول ابن رشيد ان مثل ذلك إذا وقع للبخاري كان
كالفصل من الباب فهو حسن حيث يكون بينه وبين الباب الذي قبله مناسبة بخلاف مثل هذا
الموضع وأما وجه تعلقه بأبواب المساجد فمن جهة أن الرجلين تأخرا مع النبي صلى الله عليه وسلم
في المسجد في تلك الليلة المظلمة لانتظار صلاة العشاء معه فعلى هذا كان يليق أن يترجم له فضل
المشي إلى المسجد في الليلة المظلمة ويلمح بحديث بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام
يوم القيامة وقد أخرجه أبو داود وغيره من حديث بريدة وظهر شاهده في حديث الباب لاكرام
الله تعالى هذين الصحابيين بهذا النور الظاهر وادخر لهما يوم القيامة ما هو أعظم وأتم من ذلك
إن شاء الله تعالى وسنذكر بقية فوائد حديث أنس المذكور في كتاب المناقب فقد ذكر المصنف
هناك أن الرجلين المذكورين هما أسيد بن خضير وعباد بن بشر * (قوله باب
463

الخوخة والممر في المسجد) الخوخة باب صغير قد يكون بمصراع وقد لا يكون وانما أصلها فتح في
حائط قاله ابن قرقول (قوله عن عبيد بن حنين عن بسر بن سعيد) هكذا في أكثر الروايات وسقط
من رواية الأصيلي عن أبي زيد ذكر بسر بن سعيد فصار عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد وهو
صحيح في نفس الامر لكن محمد بن سنان انما حدث به كالذي وقع في بقية الروايات فقد نقل ابن
السكن عن الفربري عن البخاري أنه قال هكذا حدث به محمد بن سنان وهو خطأ وانما هو عن
عبيد بن حنين وعن بسر بن سعيد يعنى بواو العطف فعلى هذا يكون أبو النضر سمعه من شيخين
حدثه كل منهما به عن أبي سعيد وقد رواه مسلم كذلك عن سعيد بن منصور عن فليح عن أبي
النضر عن عبيد وبسر جميعا عن أبي سعيد وتابعه يونس بن محمد عن فليح أخرجه أبو بكر بن أبي
شيبة عنه ورواه أبو عامر العقدي عن فليح عن أبي النضر عن بسر وحده أخرجه المصنف
في مناقب أبى بكر فكأن فليحا كان يجمعهما مرة ويقتصر مرة على أحدهما وقد رواه مالك
عن أبي النضر عن عبيد وحده عن أبي سعيد أخرجه المصنف أيضا في الهجرة وهذا مما
يقوى ان الحديث عند أبي النضر عن شيخين ولم يبق الا ان محمد بن سنان أخطأ في حذف الواو
العاطفة مع احتمال أن يكون الخطأ من فليح حال تحديثه له به ويؤيد هذا الاحتمال ان المعافى
ابن سليمان الحراني رواه عن فليح كرواية محمد بن سنان وقد نبه المصنف على أن حذف الواو
خطأ فلم يبق للاعتراض عليه سبيل قال الدارقطني رواية من رواه عن أبي النضر عن عبيد عن
بسر غير محفوظة (قوله إن يكن الله خير عبدا) كذا للأكثر وللكشميهني ان يكن لله عبد خير
والهمزة في أن مكسورة على انها شرطية وجوز ابن التين فتحها على انها تعليلية وفيه نظر (قوله إن
أمن الناس) قال النووي قال العلماء معناه أكثرهم جودا لنا بنفسه وماله وليس هو من
المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لان المنة لله ولرسوله في قبول ذلك وقال القرطبي هو من
الامتنان والمراد ان أبا بكر له من الحقوق ما لو كان لغيره نظيرها لامتن بها يؤيده قوله في رواية ابن
عباس ليس أجدا أمن على والله أعلم (قوله ولكن اخوة الاسلام) كذا للأكثر وللاصيلى
ولكن خوة الاسلام بحذف الألف كأنه نقل حركة الهمزة إلى النون وحذف الهمزة فعلى هذا
يجوز ضم نون لكن كما قاله ابن مالك وخبر هذه الجملة محذوف والتقدير أفضل كما وقع في حديث
ابن عباس الذي بعده ولكن فيه خلة الاسلام ويأتي ما في ذلك من الاشكال وبيانه في كتاب
المناقب إن شاء الله تعالى وبين حديث ابن عباس أيضا أن ذلك كان في مرض موته صلى الله عليه
وسلم وذلك لما أمر أبا بكر أن يصلى بالناس فلذلك استثنى خوخته بخلاف غيره وقد قيل إن ذلك
من جملة الإشارات إلى استخلافه كما سيأتي أيضا (قوله غير خوخة أبى بكر) كذا للأكثر
وللكشميهني الا بدل غير * (قوله باب الأبواب والغلق) بفتح المعجمة واللام أي ما يغلق به
الباب (قوله قال لي عبد الله بن محمد) هو الجعفي وسفيان هو ابن عيينة وعبد الملك هو اسم ابن
جريج وقوله لو رأيت محذوف الجواب وتقديره لرأيت عجبا أو حسنا لاتقانها أو نظافتها ونحو
ذلك وهذا السياق يدل على انها في ذلك الوقت كانت قد اندرست (قوله قالا حدثنا حماد بن زيد)
464

لم يقل الأصيلي ابن زيد وسيأتي الكلام على حديث ابن عمر هذا في كتاب الحج إن شاء الله تعالى قال
ابن بطال الحكمة في غلق الباب حينئذ لئلا يظن الناس ان الصلاة فيه سنة فيلتزمون ذلك كذا
قال ولا يخفى ما فيه وقال غيره يحتمل أن يكون ذلك لئلا يزدحموا عليه لتوفر دواعيهم على مراعاة
أفعاله ليأخذوها عنه أو ليكون ذلك أسكن لقلبه وأجمع لخشوعه وانما أدخل معه عثمان لئلا
يظن أنه عزل عن ولاية الكعبة وبلالا وأسامة لملازمتهما خدمته وقيل فائدة ذلك التمكن من
الصلاة في جميع جهاتها لان الصلاة إلى جهة الباب وهو مفتوح لا تصح (قوله باب
دخول المشرك المسجد) هذه الترجمة ترد على الإسماعيلي حيث ترجم بها فيما مضى بدل ترجمة
الاغتسال إذا أسلم وقد يقال إن في هذه الترجمة بالنسبة إلى ترجمة الأسير يربط في المسجد تكرارا
لان ربطه فيه يستلزم ادخاله لكن يجاب عن ذلك بان هذا أعم من ذاك وقد اختصر المصنف
الحديث مقتصرا على المقصود منه وسيأتي تاما في المغازي وفى دخول المشرك المسجد مذاهب
فعن الحنفية الجواز مطلقا وعن المالكية والمزني المنع مطلقا وعن الشافعية التفصيل بين
المسجد الحرام وغيره للآية وقيل يؤذن للكتابي خاصة وحديث الباب يرد عليه فان ثمامة ليس
من أهل الكتاب * (قوله باب رفع الصوت في المسجد) أشار بالترجمة إلى الخلاف في
ذلك فقد كرهه مالك مطلقا سواء كان في العلم أم في غيره وفرق غيره بين ما يتعلق بغرض ديني أو نفع
دنيوي وبين ما لا فائدة فيه وساق البخاري في الباب حديث عمر الدال على المنع وحديث كعب
الدال على عدمه إشارة منه إلى أن المنع فيما لا منفعة فيه وعدمه فيما تلجئ الضرورة إليه وقد تقدم
البحث فيه في باب التقاضي ووردت أحاديث في النهى عن رفع الصوت في المساجد لكنها ضعيفة
أخرج ابن ماجة بعضها فكأن المصنف أشار إليها (قوله حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن) في
رواية الإسماعيلي العجد بن أوس وهو هو فان اسمه الجعد وقد يصغر وهو ابن عبد الرحمن بن أوس
فقد ينسب إلى جده (قوله حدثني يزيد بن خصيفة) هو ابن عبد الله بن خصيفة نسب إلى جده
وروى حاتم بن إسماعيل هذا الحديث عن الجعيد عن السائب بلا واسطة أخرجه الإسماعيلي
والجعيد صح سماعه من السائب كما تقدم في الطهارة فليس هذا الاختلاف قادحا وعند عبد
الرزاق له طريق أخرى عن نافع قال كان عمر يقول لا تكثروا اللغط فدخل المسجد فإذا هو
برجلين قد ارتفعت أصواتهما فقال إن مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت الحديث وفيه انقطاع
لان نافعا لم يدرك ذلك الزمان (قوله كنت قائما في المسجد) كذا في الأصول بالقاف وفى رواية
نائما بالنون ويؤيده رواية حاتم عن الجعيد بلفظ كنت مضطجعا (قوله فحصبنى) أي رماني
بالحصباء (قوله فإذا عمر) الخبر محذوف تقديره قائم أو نحوه ولم أقف على تسمية هذين الرجلين
لكن في رواية عبد الرزاق انهما ثقفيان (قوله لو كنتما) يدل على أنه كان تقدم نهيه عن ذلك
وفيه المعذرة لأهل الجهل بالحكم إذا كان مما يخفى مثله (قوله لأوجعتكما) زاد الإسماعيلي
جلدا ومن هذه الجهة يتبين كون هذا الحديث له حكم الرفع لان عمر لا يتوعدهما بالجلد الا على
مخالفة أمر توقيفي (قوله ترفعان) هو جواب عن سؤال مقدر كأنهما قالا له لم توجعنا قال
لأنكما ترفعان وفى رواية الإسماعيلي برفعكما أصواتكما وهو يؤيد ما قدرناه وقد تقدم توجيه جمع
أصواتكما في حديث يعذبان في قبورهما (قوله حدثنا أحمد) في رواية أبى على الشبوي عن
465

الفربري حدثنا أحمد بن صالح وبذلك جزم ابن السكن وقد تقدم الكلام على حديث كعب في
باب التقاضي قبل عشرة أبواب أو نحوها وقوله هنا حتى سمعها في رواية الأصيلي سمعها (قوله
باب الحلق) بفتح المهملة ويجوز كسرها واللام مفتوحة على كل حال جمع حلقة
باسكان اللام على غير قياس وحكى فتحها أيضا (قوله عن عبيد الله) هو ابن عمر العمرى (قوله
سال رجل) لم أقف على اسمه (قوله ما ترى) أي ما رأيك من الرأي ومن الرؤية بمعنى العلم ومثنى
مثنى بغير تنوين أي اثنتين اثنتين وكرر تأكيدا (قوله فأوترت) بفتح الراء أي تلك الواحدة (قوله
وانه كان يقول) بكسر الهمزة على الاستئناف وقائل ذلك هو نافع والضمير لابن عمر (قوله بالليل)
هي في رواية الكشميهني والأصيلي فقط (قوله في طريق أيوب عن نافع توتر) بالجزم جوابا
للامر وبالرفع على الاستئناف وزاد الكشميهني والأصيلي لك (قوله قال الوليد بن كثير) هذا
التعليق وصله مسلم من طريق أبى أسامة عن الوليد وهو بمعنى حديث نافع عن ابن عمر وسيأتي
الكلام على ذلك مفصلا في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى وأراد البخاري بهذا التعليق بيان ان ذلك
كان في المسجد ليتم له الاستدلال لنا ترجم له وقد اعترضه الإسماعيلي فقال ليس فيما ذكر دلالة
على الحلق ولا على الجلوس في المسجد بحال وأجيب بان كونه كان في المسجد صريح من هذا
المعلق وأما التحلق فقال المهلب شبه البخاري جلوس الرجال في المسجد حول النبي صلى الله
عليه وسلم وهو يخطب بالتحلق حول العالم لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لا يكون في المسجد
وهو على المنبر الا وعنده جمع جلوس محدقين به كالمتحلقين والله أعلم وقال غيره حديث ابن
عمر يتعلق بأحد ركني الترجمة وهو الجلوس وحديث أبي واقد يتعلق بالركن الآخر وهو التحلق
وأما ما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد
وهم حلق فقال مالي أراكم عزين فلا معارضة بينه وبين هذا لأنه انما كره تحلقهم على ما لا فائدة
فيه ولا منفعة بخلاف تحلقهم حوله فإنه كان لسماع العلم والتعلم منه (قوله بينما رسول الله
صلى الله عليه وسلم في المسجد) زاد في العلم والناس معه وهو أصرح فيما ترجم له (قوله فرأى
فرجة) زاد في العلم في الحلقة وزادها الأصيلي والكشميهني أيضا في هذه الرواية وقد تقدم
الكلام على فوائده في كتاب العلم * (قوله باب الاستلقاء في المسجد) زاد في
نسخة الصغاني ومد الرجل (قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة) هو القعنبي (قوله عن
عمه) هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني (قوله واضعا إحدى رجليه على الأخرى) قال
الخطابي فيه أن النهى الوارد عن ذلك منسوخ أو يحمل النهى حيث يخشى أن تبدو العورة
والجواز حيث يؤمن ذلك (قلت) الثاني أولى من ادعاء النسخ لأنه لا يثبت بالاحتمال وممن جزم
به البيهقي والبغوي وغيرهما من المحدثين وجزم ابن بطال ومن تبعه بأنه منسوخ وقال المازري
انما بوب على ذلك لأنه وقع في كتاب أبى داود وغيره لا في الكتب الصحاح النهى عن أن يضع إحدى
رجليه على الأخرى لكنه عام لأنه قول يتناول الجميع واستلقاؤه في المسجد فعل قد يدعى قصره
عليه فلا يؤخذ منه الجواز لكن لما صح أن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك دل على أنه ليس خاصا
466

به صلى الله عليه وسلم بل هو جائز مطلقا فإذا تقرر هذا صار بين الحديثين تعارض فيجمع بينهما
فذكر نحو ما ذكره الخطابي وفى قوله عن حديث النهى ليس في الكتب الصحاح اغفال فان
الحديث عند مسلم في اللباس من حديث جابر وفى قوله فلا يؤخذ منه الجواز نظر لان الخصائص
لا تثبت بالاحتمال والظاهر أن فعله صلى الله عليه وسلم كان لبيان الجواز وكان ذلك في وقت
الاستراحة لا عند مجتمع الناس لما عرف من عادته من الجلوس بينهم بالوقار التام صلى الله عليه
وسلم قال الخطابي وفيه جواز الاتكاء في المسجد والاضطجاع وأنواع الاستراحة وقال
الداودي فيه أن الاجر الوارد للابث في المسجد لا يختص بالجالس بل يحصل للمستلقى أيضا
(قوله وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) هو معطوف على الاسناد المذكور وقد صرح
بذلك أبو داود في روايته عن القعنبي وهو كذلك في الموطأ وقد غفل عن ذلك من زعم أنه معلق
* (قوله باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس) قال بالمازري
بناء المسجد في ملك المرء جائز بالاجماع وفى غير ملكه ممتنع بالاجماع وفى المباحات حيث لا يضر
بأحد جائز أيضا لكن شذ بعضهم فمنعه لان مباحات الطرق موضوعة لانتفاع الناس فإذا بنى بها
مسجد منع انتفاع بعضهم فأراد البخاري الرد على هذا القائل واستدل بقصة أبى بكر لكون
النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره (قلت) والمنع المذكور مروى عن ربيعة ونقله
عبد الرزاق عن علي وابن عمر لكن باسنادين ضعيفين (قوله وبه قال الحسن) يعنى أن المذكورين
ورد التصريح عنهم بهذه المسئلة والا فالجمهور على ذلك كما تقدم (قوله فأخبرني عروة) هو
معطوف على مقدر والمراد بأبوي عائشة أبو بكر وأم رومان وهو دال على تقدم اسلام أم
رومان (قوله ثم بدا لأبي بكر) اختصر المؤلف المتن هنا وقد ساقه في كتاب الهجرة مطولا بهذا
الاسناد فذكر بعد قوله وعشية وقبل قوله ثم بدا قصة طويلة في خروج أبى بكر عن مكة
ورجوعه في جوار ابن الدغنة واشتراطه عليه أن لا يستعلن بعبادته فعند فراغ القصة قال ثم
بدا لأبي بكر أي ظهر له رأى فبنى مسجدا فذكر باقي القصة مطولا كما سيأتي الكلام عليه مبسوطا
هناك إن شاء الله تعالى ولم يجد بعض المتأخرين حيث شرح جميع الحديث هنا مع أنه لم يقع منه
هنا سوى قدر يسير وقد اشتمل من فضائل الصديق على أمور كثيرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى
* (قوله باب الصلاة في مسجد السوق) ولغير أبي ذر مساجد موقع الترجمة
الإشارة إلى أن الحديث الوارد في أن الأسواق شر البقاع وان المساجد خير البقاع كما أخرجه
البزار وغيره لا يصح اسناده ولو صح لم يمنع وضع المسجد في السوق لان بقعة المسجد حينئذ تكون
بقعة خير وقيل المراد بالمساجد في الترجمة مواضع ايقاع الصلاة لا الأبنية الموضوعة لذلك
فكأنه قال باب الصلاة في مواضع الأسواق ولا يخفى بعده (قوله وصلى ابن عون) كذا في
جميع الأصول وصحفه ابن المنير فقال وجه مطابقة الترجمة لحديث ابن عمر مع كونه لم يصل في
سوق أن المصنف أراد أن يبين جواز بناء المسجد داخل السوق لئلا يتخيل متخيل من كونه
محجورا منع الصلاة فيه لان صلاة ابن عمر كانت في دار تغلق عليهم فلم يمنع التحجير اتخاذ المسجد
وقال الكرماني لعل غرض البخاري منه الرد على الحنفية حيث قالوا بامتناع اتخاذ المسجد في
الدار المحجوبة عن الناس اه‍ والذي في كتب الحنفية الكراهة لا التحريم وظهر بحديث أبي هريرة
ان الصلاة في السوق مشروعة وإذا جازت الصلاة فيه فرادى كان أولى أن يتخذ فيه
467

مسجد للجماعة أشار إليه ابن بطال وحديث أبي هريرة الذي ساقه المصنف هنا أخرجه بعد في باب
فضل صلاة الجماعة ويأتي الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى وزاد في هذه الرواية
وتصلى الملائكة إلى آخره وقد تقدمت في باب الحدث في المسجد من وجه آخر عن أبي هريرة
(قوله في هذه الرواية صلاة الجميع) أي الجماعة وتكلف من قال التقدير في الجميع وقوله
على صلاته أي الشخص (قوله فان أحدكم) كذا للأكثر بالفاء وللكشميهني بالموحدة وهى سببية
أو للمصاحبة (قوله فاحسن) أي أسبغ الوضوء (قوله ما لم يؤذ يحدث) كذا للأكثر بالفعل
المجزوم على البدلية ويجوز بالرفع على الاستئناف وللكشميهني ما لم يؤذ يحدث فيه بلفظ الجار
والمجرور متعلقا بيؤذ والمراد بالحدث الناقض للوضوء ويحتمل أن يكون أعم من ذلك لكن
صرح في رواية أبى داود من طريق أبى رافع عن أبي هريرة بالأول * (قوله باب تشبيك
الأصابع في المسجد وغيره) أورد فيه حديث أبي موسى وهو دال على جواز التشبيك مطلقا
وحديث أبي هريرة وهو دال على جوازه في المسجد وإذا جاز في المسجد فهو في غيره أجوز ووقع في
بعض الروايات قبل هذين الحديثين حديث آخر وليس هو في أكثر الروايات ولا استخرجه
الإسماعيلي ولا أبو نعيم بل ذكره أبو مسعود في الأطراف عن رواية ابن رميح عن الفربري
وحماد بن شاكر جميعا عن البخاري قال حدثنا حامد بن عمر حدثنا بشر بن المفضل حدثنا
عاصم بن محمد حدثنا واقد يعنى أخاه عن أبيه يعنى محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر أو ابن
عمرو قال شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه قال البخاري وقال عاصم بن علي حدثنا عاصم
ابن محمد قال سمعت هذا الحديث من أبى فلم أحفظه فقومه لي واقد عن أبيه قال سمعت أبي وهو
يقول قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله بن عمرو كيف بك إذا بقيت في حثالة
من الناس وقد ساقه الحميدي في الجمع بين الصحيحين نقلا عن أبي مسعود وزاد هو قد مرجت
عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا وشبك بين أصابعه الحديث وحديث عاصم بن علي
الذي علقه البخاري وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث له قال حدثنا عاصم بن علي حدثنا
عاصم بن محمد عن واقد سمعت أبي يقول قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره
قال ابن بطال وجه ادخال هذه الترجمة في الفقه معارضة ما ورد في النهى عن التشبيك في
المسجد وقد وردت فيه مراسيل ومسندة من طرق غير ثابتة اه‍ وكأنه يشير بالمسند
إلى حديث كعب بن عجرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أحدكم ثم خرج
عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان وفى
اسناده اختلاف ضعفه بعضهم بسببه وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر بلفظ إذا صلى أحدكم
فلا يشبكن بين أصابعه فان التشبيك من الشيطان وان أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد
حتى يخرج منه وفى اسناده ضعيف ومجهول وقال ابن المنير التحقيق أنه ليس بين هذه
الأحاديث تعارض إذ المنهى عنه فعله على وجه العبث والذي في الحديث انما هو لمقصود
التمثيل وتصوير المعنى في النفس بصورة الحس (قلت) هو في حديث أبي موسى وابن عمر كما
قال بخلاف حديث أبي هريرة وجمع الإسماعيلي بان النهى مقيد بما إذا كان في الصلاة أو
قاصدا لها إذ منتظر الصلاة في حكم المصلى وأحاديث الباب الدالة على الجواز خالية عن ذلك أما
468

الأولان فظاهران وأما حديث أبي هريرة فلان تشبيكه انما وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه فهو في
حكم المنصرف من الصلاة والرواية التي فيها النهى عن ذلك ما دام في المسجد ضعيفة كما قدمنا
فهي غير معارضة لحديث أبي هريرة كما قال ابن بطال واختلف في حكمة النهى عن التشبيك فقيل
لكونه من الشيطان كما تقدم في رواية ابن أبي شيبة وقيل لان التشبيك يجلب النوم وهو من مظان
الحدث وقيل لان صورة التشبيك تشبه صورة الاختلاف كما نبه عليه في حديث ابن
عمر فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة حتى لا يقع في المنهى عنه وهو قوله صلى الله عليه وسلم
للمصلين ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وسيأتي الكلام عليه في موضعه ويأتي الكلام على
حديث ابن عمر في كتاب الفتن وعلى حديث أبي موسى في كتاب الأدب وعلى حديث أبي هريرة في
سجود السهو وسفيان هو الثوري وأبو بردة هو ابن عبد الله ووقع للكشميهني عن بريد وهو اسمه
وقوله يشد بعضه في رواية المستملى شد بلفظ الماضي (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن منصور كما
جزم به أبو نعيم (قوله إحدى صلاتي العشى) كذا للأكثر وللمستملى والحموي العشاء بالمد وهو
وهم فقد صح أنها الظهر أو العصر كما سيأتي وابتداء العشى من أول الزوال (قوله ووضع يده
اليمنى على ظهر كفه اليسرى) عند الكشميهني خده الأيمن بدل يده اليمنى وهو أشبه لئلا يلزم
التكرار (قوله فربما سألوه ثم سلم) أي ربما سألوا ابن سيرين هل في الحديث ثم سلم فيقول
نبئت إلى آخره وهذا يدل على أنه لم يسمع ذلك من عمران وقد بين أشعث في روايته عن ابن سيرين
الواسطة بينه وبين عمران فقال قال ابن سيرين حدثني خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمه أبى
المهلب عن عمران بن حصين أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي ووقع لنا عاليا في جزء الذهلي
فظهر أن ابن سيرين أبهم ثلاثة وروايته عن خالد من رواية الأكابر عن الأصاغر * (قوله
باب المساجد التي على طرق المدينة) أي في الطرق التي بين المدينة النبوية ومكة وقوله
والمواضع أي الأماكن التي تجعل مساجد (قوله وحدثني نافع) القائل ذلك هو موسى بن
عقبة ولم يسق البخاري لفظ فضيل بن سليمان بل ساق لفظ أنس بن عياض وليس في روايته ذكر
سالم بل ذكر نافع فقط وقد دلت رواية فضيل على أن رواية سالم ونافع متفقتان الا في الموضع
الواحد الذي أشار إليه وكانه اعتمد رواية أنس بن عياض لكونه أتقن من فضيل ومحصل ذلك ان
ابن عمر كان يتبرك بتلك الأماكن وتشدده في الاتباع مشهور ولا يعارض ذلك ما ثبت عن أبيه
انه رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان فسال عن ذلك فقالوا قد صلى فيه النبي صلى الله عليه
وسلم فقال من عرضت له الصلاة فليصل والا فليمض فإنما هلك أهل الكتاب لانهم تتبعوا آثار
أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا لان ذلك من عمر محمول على أنه كره زيارتهم لمثل ذلك بغير صلاة أو
خشى أن يشكل ذلك على من لا يعرف حقيقة الامر فيظنه واجبا وكلا الامرين مأمون من ابن
عمر وقد تقدم حديث عتبان وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلى في بيته ليتخذه مصلى وإجابة
469

النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين (قوله تحت سمرة) أي شجرة
ذات شوك وهى التي تعرف بام غيلان (قوله وكان في تلك الطريق) أي طريق ذي الحليفة (قوله
بطن واد) أي وادى العقيق (قوله فعرس) بمهملات والراء مشددة قال الخطابي التعريس
نزول استراحة لغير إقامة وأكثر ما يكون في آخر الليل وخصه بذلك الأصمعي وأطلق أبو زيد
(قوله على الأكمة) هو الموضع المرتفع على ما حوله وقيل هو تل من حجر واحد (قوله كان
ثم خليج) تكرر لفظ ثم في هذه القصة وهو بفتح المثلثة والمراد به الجهة والخليج واد له عمق
والكثب بضم الكاف والمثلثة جمع كثيب وهو رمل مجتمع (قوله فدحا) بالحاء المهملة أي
دفع وفى رواية الإسماعيلي فدخل بالخاء المعجمة واللام ونقل بعض المتأخرين عن بعض
الروايات قد جاء بالقاف والجيم على أنهما كلمتان حرف التحقيق والفعل الماضي من المجئ (قوله
وان عبد الله بن عمر حدثه) أي بالاسناد المذكور إليه (قوله بشرف الروحاء) هي قرية
جامعة على ليلتين من المدينة وهى آخر السيالة للمتوجه إلى مكة والمسجد الأوسط هو في الوادي
المعروف الآن بوادي بنى سالم وفى الاذان من صحيح مسلم ان بينهما ستة وثلاثين ميلا (قوله
يعلم المكان) بضم أوله من أعلم يعلم من العلامة (قوله يقول ثم عن يمينك) قال القاضي عياض
هو تصحيف والصواب بعواسج عن يمينك (قلت) توجيه الأول ظاهر وما ذكره ان ثبتت به رواية
فهو أولى وقد وقع التوقف في هذا الموضع قديما فأخرجه الإسماعيلي بلفظ يعلم المكان الذي
صلى قال فيه هنا لفظة لم أضبطها عن يمينك الحديث (قوله يصلى إلى العرق) أي عرق الظبية
وهو واد معروف قاله أبو عبيد البكري ومنصرف الروحاء بفتح الراء أي آخرها (قوله وقد ابتنى)
بضم المثناة مبنى للمفعول (قوله سرحة ضخمة) أي شجرة عظيمة والرويثة بالراء والمثلثة مصغرا
قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخا ووجاه الطريق بكسر الواو أي مقابله (قوله بطح)
بفتح الموحدة وسكون الطاء وبكسرها أيضا أي واسع (قوله حتى يفضى) كذا للأكثر وللمستملى
والحموي حين يفضى (قوله دوين بريد الرويثة بميلين) أي بينه وبين المكان الذي ينزل فيه
البريد بالرويثة ميلان وقيل المراد بالبريد سكة الطريق (قوله فانثنى) بفتح المثلثة مبنى للفاعل
(قوله تلعة) بفتح المثناة وسكون اللام بعدها مهملة وهى مسيل الماء من فوق إلى أسفل ويقال
أيضا لما ارتفع من الأرض ولما انهبط والعرج بفتح المهملة وسكون الراء بعدها جيم قرية جامعة
بينها وبين الرويثة ثلاثة عشر أو أربعة عشر ميلا والهضبة بسكون الضاد المعجمة فوق الكثيب
470

في الارتفاع ودون الجبل وقيل الجبل المنبسط على الأرض وقيل الأكمة الملساء والرضم الحجارة
الكبار واحدها رضمة بسكون الضاد المعجمة في الواحد والجمع ووقع عند الأصيلي بالتحريك (قوله
عند سلمات الطريق) أي ما يتفرع عن جوانبه والسلمات بفتح المهملة وكسر اللام في رواية أبي ذر
والأصيلي وفى رواية الباقين بفتح اللام وقيل هي بالكسر الصخرات وبالفتح الشجرات والسرحات
بالتحريك جمع سرحة وهى الشجرة الضخمة كما تقدم (قوله في مسيل دون هرشى) المسيل
المكان المنحدر وهرشى بفتح أوله وسكون الراء بعدها شين معجمة مقصور قال البكري هو جبل على
ملتقى طريق المدينة والشام قريب من الجحفة وكراع هرشى طرفها والغلوة بالمعجمة المفتوحة غاية
بلغ السهم وقيل قدر ثلثي ميل (قوله مر الظهران) بفتح الميم وتشديد الراء وبفتح الظاء المعجمة
وسكون الهاء هو الوادي الذي تسميه العامة بطن مرو باسكان الراء بعدها واو قال البكري بينه
وبين مكة ستة عشر ميلا وقال أبو غسان سمى بذلك لان في بطن الوادي كتابة بعرق من الأرض
أبيض هجاء م ر ا الميم منفصلة عن الراء وقيل سمى بذلك لمرارة مائه (قوله قبل المدينة) بكسر
القاف وفتح الموحدة أي مقابلها والصفراوات بفتح المهملة وسكون الفاء جمع صفراء وهو مكان
بعد مر الظهران (قوله ينزل بذى طوى) بضم الطاء للأكثر وبه جزم الجوهري وفى رواية الحموي
والمستملى بذى الطوى بزيادة ألف ولام قيده الأصيلي بالكسر وحكى عياض وغيره الفتح أيضا
(قوله استقبل فرضتي الجبل) الفرضة بضم الفاء وسكون الراء بعدها ضاد معجمة مدخل الطريق
إلى الجبل وقيل الشق المرتفع كالشرافة ويقال أيضا لمدخل النهر * (تنبيهات) * الأول اشتمل
هذا السياق على تسعة أحاديث أخرجها الحسن بن سفيان في مسنده مفرقة من طريق إسماعيل
ابن أبي أويس عن أنس بن عياض يعيد الاسناد في كل حديث الا انه لم يذكر الثالث وأخرج مسلم
منها الحديثين الأخيرين في كتاب الحج * الثاني هذه المساجد لا يعرف اليوم منها غير مسجد ذي
الحليفة والمساجد التي بالروحاء يعرفها أهل تلك الناحية وقد وقع في رواية الزبير بن بكار في
أخبار المدينة له من طريق أخرى عن نافع عن ابن عمر في هذا الحديث زيادة بسط في صفة تلك
المساجد وفى الترمذي من حديث عمرو بن عوف ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى في وادى
الروحاء وقال لقد صلى في هذا المسجد سبعون نبيا * الثالث عرف من صنيع ابن عمر استحباب تتبع
آثار النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك بها وقد قال البغوي من الشافعية ان المساجد التي ثبت
ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها لو نذر أحد الصلاة في شئ منها تعين كما تتعين المساجد الثلاثة
الرابع ذكر البخاري المساجد التي في طرق المدينة ولم يذكر المساجد التي كانت بالمدينة لأنه لم يقع
له اسناد في ذلك على شرطه وقد ذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة المساجد والأماكن التي صلى فيها
النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مستوعبا وروى عن أبي غسان عن غير واحد من أهل العلم ان
كل مسجد بالمدينة ونواحيها مبنى بالحجارة المنقوشة المطابقة فقد صلى فيه النبي صلى الله عليه
471

وسلم وذلك أن عمر بن عبد العزيز حين بنى مسجد المدينة سأل الناس وهم يومئذ متوافرون عن
ذلك ثم بناها بالحجارة المنقوشة المطابقة اه‍ وقد عين عمر بن شبة منها شيئا كثيرا لكن أكثره في
هذا الوقت قد اندثر وبقى من المشهورة الآن مسجد قباء ومسجد الفضيخ وهو شرق مسجد قباء
ومسجد بني قريظة ومشربة أم إبراهيم وهى شمالي مسجد قريظة ومسجد بنى ظفر شرقي البقيع
ويعرف بمسجد البغلة ومسجد بنى معاوية ويعرف بمسجد الإجابة ومسجد الفتح قريب من جبل
سلع ومسجد القبلتين في بنى سلمة هكذا أثبته بعض شيوخنا وفائدة معرفة ذلك ما تقدم عن
البغوي والله أعلم
* (أبواب سترة المصلى) *
* (قوله باب سترة الامام سترة من خلفه) أورد فيه ثلاثة أحاديث الثاني والثالث
منها مطابقان للترجمة لكونه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أصحابه ان يتخذوا سترة غير سترته وأما
الأول وهو حديث ابن عباس ففي الاستدلال به نظر لأنه ليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى
سترة وقد بوب عليه البيهقي باب من صلى إلى غير سترة وقد تقدم في كتاب العلم في الكلام على هذا
الحديث في باب متى يصح سماع الصغير قول الشافعي ان المراد بقول ابن عباس إلى غير جدار أي
إلى غير سترة وذكرنا تأييد ذلك من رواية البزار وقال بعض المتأخرين قوله إلى غير جدار لا ينفى
غير الجدار الا ان اخبار ابن عباس عن مروره بهم وعدم انكارهم لذلك مشعر بحدوث أمر لم
يعهدوه فلو فرض هناك سترة أخرى غير الجدار لم يكن لهذا الاخبار فائدة إذ مروره حينئذ
لا ينكره أحد أصلا وكأن البخاري حمل الامر في ذلك على المألوف المعروف من عادته صلى الله
عليه وسلم انه كان لا يصلى في الفضاء الا والعنزة امامه ثم أيد ذلك بحديثي ابن عمر وأبى جحيفة وفى
حديث ابن عمر ما يدل على المداومة وهو قوله بعد ذكر الحربة وكان يفعل ذلك في السفر وقد تبعه
النووي فقال في شرح مسلم في كلامه على فوائد هذا الحديث فيه ان سترة الامام سترة لمن خلفه
والله أعلم (قوله ناهزت الاحتلام) أي قاربته وقد ذكرت الاختلاف في قدر عمره في باب تعليم
الصبيان من كتاب فضيلة القرآن وفى باب الاختتان بعد الكبر من كتاب الاستئذان وتوجيه الجمع
بين المختلف من ذلك وبيان الراجح من الأقوال ولله الحمد (قوله يصلى بالناس بمنى) كذا قال مالك
وأكثر أصحاب الزهري ووقع عند مسلم من رواية ابن عيينة بعرفة قال النووي يحمل ذلك على أنهما
قضيتان وتعقب بان الأصل عدم التعدد ولا سيما مع اتحاد مخرج الحديث فالحق ان قول
ابن عيينة بعرفة شاذ وقع عند مسلم أيضا من رواية معمر عن الزهري وذلك في حجة الوداع أو
الفتح وهذا الشك من معمر لا يعول عليه والحق ان ذلك كان في حجة الوداع (قوله بعض الصف)
زاد المصنف في الحج من رواية ابن أخي ابن شهاب عن عمه حتى سرت بين يدي بعض الصف الأول
انتهى وهو يعين أحد الاحتمالين اللذين ذكرناهما في كتاب العلم (قوله فلم ينكر ذلك على أحد)
قال ابن دقيق العيد استدل ابن عباس بترك الانكار على الجواز ولم يستدل بترك اعادتهم للصلاة
لان ترك الانكار أكثر فائدة (قلت) وتوجيهه ان ترك الإعادة يدل على صحتها فقط لا على جواز
المرور وترك الانكار يدل على جواز المرور وصحة الصلاة معا ويستفاد منه ان ترك الانكار
472

حجة على الجواز بشرطه وهو انتفاء الموانع من الانكار وثبوت العلم بالاطلاع على الفعل
ولا يقال لا يلزم مما ذكر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لاحتمال أن يكون الصف
حائلا دون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له لأنا نقول قد تقدم انه صلى الله عليه وسلم كان يرى في
الصلاة من ورائه كما يرى من أمامه وتقدم ان في رواية المصنف في الحج انه مر بين يدي بعض
الصف الأول فلم يكن هناك حائل دون الرؤية ولو لم يرد شئ من ذلك لكان توفر دواعيهم على
سؤاله صلى الله عليه وسلم عما يحدث لهم كافيا في الدلالة على اطلاعه على ذلك والله أعلم واستدل
به على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة فيكون ناسخا لحديث أبي ذر الذي رواه مسلم في كون مرور
الحمار يقطع الصلاة وكذا مرور المرأة والكلب الأسود وتعقب بان مرور الحمار متحقق في حال
مرور ابن عباس وهو راكبه وقد تقدم ان ذلك لا يضر لكون سترة الامام سترة لمن خلفه واما
مروره بعد ان نزل عنه فيحتاج إلى نقل وقال ابن عبد البر حديث ابن عباس هذا يخص
حديث أبي سعيد إذا كان أحدكم يصلى فلا يدع أحدا يمر بين يديه فان ذلك مخصوص بالامام
والمنفرد فاما المأموم فلا يضره من مر بين يديه لحديث ابن عباس هذا قال وهذا كله لا خلاف
فيه بين العلماء وكذا نقل عياض الاتفاق على أن المأمومين يصلون إلى سترة لكن اختلفوا هل
سترتهم سترة الامام أم سترتهم الامام نفسه اه‍ وفيه نظر لما رواه عبد الرزاق عن الحكم بن عمرو
الغفاري الصحابي انه صلى بأصحابه في سفر وبين يديه سترة فمرت حمير بين يدي أصحابه فأعاد بهم
الصلاة وفى رواية له أنه قال لهم انها لم تقطع صلاتي ولكن قطعت صلاتكم فهذا يعكر على ما نقل
من الاتفاق ولفظ ترجمة الباب ورد في حديث مرفوع رواه الطبراني في الأوسط من طريق
سويد بن عبد العزير عن عاصم عن أنس مرفوعا سترة الامام سترة لمن خلفه وقال تفرد به سويد
عن عاصم اه‍ وسويد ضعيف عندهم ووردت أيضا في حديث موقوف على ابن عمر أخرجه
عبد الرزاق ويظهر أثر الخلاف الذي نقله عياض فيما لو مر بين يدي الامام أحد فعلى قول من يقول إن سترة الامام سترة من خلفه يضر صلاته وصلاتهم معا وعلى قول من يقول إن الامام
نفسه سترة من خلفه يضر صلاتهم ولا تضر صلاتهم وقد تقدمت بقية مباحث حديث ابن عباس
في كتاب العلم (قوله حدثنا إسحاق) قال أبو علي الجياني لم أجد اسحق هذا منسوبا لاحد من الرواة
(قلت) وقد جزم أبو نعيم وخلف وغيرهما بأنه اسحق ابن منصور (قوله أمر بالحربة) أي أمر
خادمه بحمل الحربة وللمصنف في العيدين من طريق الأوزاعي عن نافع كان يغدو إلى المصلى
والعنزة تحمل وتنصب بين يديه فيصلى إليها زاد ابن ماجة وابن خزيمة والإسماعيلي وذلك أن
المصلى كان فضاء ليس فيه شئ يستره (قوله والناس) بالرفع عطفا على فاعل فيصلى (قوله وكان
يفعل ذلك) أي نصب الحربة بين يديه حيث لا يكون جدار (قوله فمن ثم) أي فمن تلك الجهة
اتخذ الامراء الحربة يخرج بها بين أيديهم في العيد ونحوه وهذه الجملة الأخيرة فصلها علي بن
مسهر من حديث ابن عمر فجعلها من كلام نافع كما أخرجه ابن ماجة وأوضحته في كتاب المدرج
وفى الحديث الاحتياط للصلاة واخذ آلة دفع الأعداء لا سيما في السفر وجواز الاستخدام وغير
ذلك والضمير في اتخذها يحتمل عوده إلى الحربة نفسها أو إلى جنس الحربة وقد روى عمر بن شبة
في أخبار المدينة من حديث سعد القرظ ان النجاشي أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حربة
473

فامسكها لنفسه فهي التي يمشى بها مع الامام يوم العيد ومن طريق الليث انه بلغه ان العنزة التي
كانت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كانت لرجل من المشركين فقتله الزبير بن العوام يوم أحد
فاخذها منه النبي صلى الله عليه وسلم فكان ينصبها بين يديه إذا صلى ويحتمل الجمع بان عنزة الزبير
كانت أولا قبل حربة النجاشي * (فائدة) * حديث أبي جحيفة أخرجه المصنف مطولا ومختصرا
وقد تقدم في الطهارة في باب استعمال فضل وضوء الناس وفى حديث ستر العورة من الصلاة في باب
الصلاة في الثوب الأحمر وذكره أيضا هنا وبعد بابين أيضا وفى الاذان وفى صفة النبي صلى الله عليه
وسلم في موضعين وفى اللباس في موضعين ومداره عنده على الحكم بن عتيبة وعلى عون بن أبي
جحيفة كلاهما عن أبي جحيفة وعند أحدهما ما ليس عند الآخر وقد سمعه شعبة منهما كما سيأتي
واضحا (قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء) يعنى بطحاء مكة وهو موضع خارج
مكة وهو الذي يقال له الأبطح وكذا ذكره من رواية أبى العميس عن عون وزاد من رواية آدم
عن شعبة عن عون ان ذلك كان بالهاجرة فيستفاد منه كما ذكره النووي انه صلى الله عليه وسلم جمع
حينئذ بين الصلاتين في وقت الأولى منهما ويحتمل ان يكون قوله والعصر ركعتين أي بعد دخول
وقتها (قوله وبين يديه عنزة) تقدم ضبطها وتفسيرها في الطهارة في حديث أنس وفى رواية أبى
العميس جاء بلال فآذنه بالصلاة ثم خرج بالعنزة حتى ركزها بين يديه وأقام الصلاة وأول رواية عمر
ابن أبي زائدة عن عون عن أبيه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء من أدم ورأيت
بلال أخذ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء فمن أصاب
منه شيا تمسح به ومن لم يصب منه شيا أخذ من بلل يد صاحبه وفيها أيضا وخرج في حلة جمراء
مشمرا وفى رواية مالك بن مغول عن عون كأني أنظر إلى وبيص ساقيه وبين فيها أيضا ان
الوضوء الذي ابتدره الناس كان فضل الماء الذي توضأ به النبي صلى الله عليه وسلم وكذا هو في
رواية شعبة عن الحكم وفى رواية مسلم مع طريق الثوري عن عون ما يشعر بان ذلك كان بعد
خروجه من مكة بقوله ثم لم يزل يصلى ركعتين حتى رجع إلى المدينة (قوله يمر بين يديه) أي بين
العنزة والقبلة لا بينه وبين العنزة ففي رواية عمر بن أبي زائدة في باب الصلاة في الثوب الأحمر
ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة وفى الحديث من الفوائد التماس البركة مما لامسه
الصالحون ووضع السترة للمصلى حيث يخشى المرور بين يديه والاكتفاء فيها بمثل غلظ العنزة
وان قصر الصلاة في السفر أفضل من الاتمام لما يشعر به الخبر من مواظبته صلى الله عليه وسلم
عليه وان ابتداء القصر من حين مفارقة البلد الذي يخرج منه وفيه تعظيم الصحابة للنبي صلى الله
عليه وسلم وفى استحباب تشمير الثياب لا سيما في السفر وكذا استصحاب العنزة ونحوها
ومشروعية الاذان في السفر كما سيأتي في الاذان وجواز النظر إلى الساق وهو اجماع في الرجل
حيث لا فتنة وجواز لبس الثوب الأحمر وفيه خلاف يأتي ذكره في كتاب اللباس إن شاء الله
تعالى * (قوله باب قدركم ينبغي أن يكون بين المصلى والسترة) أي من ذراع ونحوه
والمصلى بكسر اللازم على أنه اسم فاعل ويحتمل أن يكون بفتح اللازم أي المكان الذي يصلى فيه
(قوله عن أبيه) في رواية أبى داود والإسماعيلي أخبرني أبي (قوله عن سهل) زاد الأصيلي بن سعد
(قوله كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مقامه في صلاته وكذا هو في رواية أبى
474

داود (قوله وبين الجدار) أي جدار المسجد مما يلي القبلة وصرح بذلك من طريق أبى غسان
عن أبي حازم في الاعتصام (قوله ممر الشاة) بالرفع وكان تامة أو ممر اسم كان بتقدير قدر أو نحوه
والظرف الخبر وأعربه الكرماني بالنصب على أن ممر خبر كان واسمها نحو قدر المسافة قال
والسياق يدل عليه (قوله عن سلمة) يعنى ابن الأكوع وهذا ثاني ثلاثيات البخاري (قوله
كان جدار المسجد) كذا وقع في رواية مكي ورواه الإسماعيلي من طريق أبى عاصم عن يزيد بلفظ
كان المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بينه وبين حائط القبلة الا قدر ما تمر العنزة
فتبين بهذا السياق ان الحديث مرفوع (قوله تجوزها) ولبعضهم ان تجوزها أي المسافة
وهى ما بين المنبر والجدار فان قيل من أين يطابق الترجمة أجاب الكرماني فقال من حيث إنه
صلى الله عليه وسلم كان يقوم بجنب المنبر أي ولم يكن لمسجده محراب فتكون مسافة
ما بينه وبين الجدار نظير ما بين المنبر والجدار فكأنه قال والذي ينبغي أن يكون بين المصلى وسترته
قدر ما كان بين منبره صلى الله عليه وسلم وجدار القبلة وأوضح من ذلك ما ذكره ابن رشيد ان
البخاري أشار بهذه الترجمة إلى حديث سهل بن سعد الذي تقدم في باب الصلاة على المنبر
والخشب فان فيه انه صلى الله عليه وسلم قام على المنبر حين عمل فصلى عليه فاقتضى ذلك ان
ذكر المنبر يؤخذ منه موضع قيام المصلى (فان قيل) ان في ذلك الحديث انه لم يسجد على المنبر وانما
نزل فسجد في أصله وبين أصل المنبر وبين الجدار أكثر من ممر الشاة أجيب بان أكثر أجزاء الصلاة
قد حصل في أعلى المنبر وانما نزل عن المنبر لان الدرجة لم تتسع لقدر سجوده فحصل به المقصود
وأيضا فإنه لما سجد في أصل المنبر صارت الدرجة التي فوقه سترة له وهو قدر ما تقدم قال ابن بطال
هذا أقل ما يكون بين المصلى وسترته يعنى قدر ممر الشاة وقيل أقل ذلك ثلاثة أذرع لحديث بلال
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع كما سيأتي قريبا بعد
خمسة أبواب وجمع الداودي بان أقله ممر الشاة وأكثره ثلاثة أذرع وجمع بعضهم بان الأول في
حال القيام والقعود والثاني في حال الركوع والسجود وقال ابن الصلاح قدروا ممر الشاة
بثلاثة أذرع (قلت) ولا يخفى ما فيه وقال البغوي استحب أهل العلم الدنو من السترة بحيث يكون
بينه وبينها قدر امكان السجود وكذلك بين الصفوف وقد ورد الامر بالدنو منها وفيه بيان
الحكمة في ذلك وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث سهل بن أبي حثمة مرفوعا إذ صلى أحدكم
إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته * (قوله باب الصلاة إلى الحربة)
ساق فيه حديث ابن عمر مختصرا وقد تقدم قبل بباب وقوله تركز أي تغرز في الأرض * (قوله
باب الصلاة إلى العنزة) ساق فيه حديث أبي جحيفة عن آدم من شعبة عن عون وقد
تقدم الكلام عليه أيضا واعترض عليه في هذه الترجمة بان فيها تكرارا فان العنزة هي الحربة
لكن قد قيل إن الحربة انما يقال لها عنزة إذا كانت قصيرة ففي ذلك جهة مغايرة (قوله والمرأة
والحمار يمرون من ورائها) كذا ورد بصيغة الجمع فكأنه أراد الجنس ويؤيده رواية والناس
والدواب يمرون كما تقدم أو فيه حذف تقديره وغيرهما أو المراد الحمار براكبه وقد تقدم بلفظ
يمر بين يديه المرأة والحمار فالظاهر أن الذي وقع هنا من تصرف الرواة وقال ابن التين الصواب
يمران إذ في يمرون اطلاق صيغة الجمع على الاثنين وقال ابن مالك أعاد ضمير الذكور العقلاء
475

على مؤنث ومذكر غير عاقل وهو مشكل والوجه فيه انه أراد المرأة والحمار وراكبه فحذف
الراكب لدلالة الحمار عليه ثم غلب تذكير الراكب المفهوم على تأنيث المرأة وذا العقل على
الحمار وقد وقع الاخبار عن مذكور ومحذوف في قولهم راكب البعير طريحان أي البعير
وراكبه ثم ساق البخاري حديث أنس وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في الطهارة (قوله فيه
ومعنا عكازة أو عصا أو عنزة) كذا للأكثر بالمهملة والنون والزاي المفتوحات وفى رواية
المستملى والحموي أو غيره بالمعجمة والياء والراء أي سواه أي المذكور والظاهر أنه تصحيف (قوله
باب السترة بمكة وغيرها) ساق فيه حديث أبي جحيفة عن سليمان بن حرب عن شعبة
عن الحكم والمراد منه هنا قوله بالبطحاء فقد قدمنا أنها بطحاء مكة وقال ابن المنير انما خص مكة
بالذكر دفعا لتوهم من يتوهم أن السترة قبلة ولا ينبغي أن يكون لمكة قبلة الا الكعبة فلا يحتاج
فيها إلى سترة انتهى والذي أظنه انه أراد أن ينكت على ما ترجم به عبد الرزاق حيث قال في باب
لا يقطع الصلاة بمكة شئ ثم أخرج عن ابن جريج عن كثير بن كثير بن المطلب عن أبيه عن جده
قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلى في المسجد الحرام ليس بينه وبينهم أي الناس سترة
وأخرجه من هذا الوجه أيضا أصحاب السنن ورجاله موثقون الا أنه معلول فقد رواه أبو داود عن
أحمد عن ابن عيينة قال كان ابن جريج أخبرنا به هكذا فلقيت كثيرا فقال ليس من أبى سمعته
ولكن من بعض أهلي عن جدي فأراد البخاري التنبيه على ضعف هذا الحديث وأن لا فرق بين
مكة وغيرها في مشروعية السترة واستدل على ذلك بحديث أبى جحيفة وقد قدمنا وجه الدلالة
منه وهذا هو المعروف عند الشافعية وأن لا فرق في منع المرور بين يدي المصلى بين مكة وغيرها
واغتفر بعض الفقهاء ذلك للطائفين دون غيرهم للضرورة وعن بعض الحنابلة جواز ذلك
في جميع مكة * (قوله باب الصلاة إلى الأسطوانة) أي السارية وهى بضم الهمزة
وسكون السين المهملة وضم الطاء بوزن افعوانة على المشهور وقيل بوزن فعلوانة والغالب انها
تكون من بناء بخلاف العمود فإنه من حجر واحد قال ابن بطال لما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم
كان يصلى إلى الحربة كانت الصلاة إلى الأسطوانة أولى لأنها أشد سترة (قلت) لكن أفاد ذكر
ذلك التنصيص على وقوعه والنص أعلى من الفحوى (قوله وقال عمر) هذا التعليق وصله ابن أبي
شيبة والحميدي من طريق همدان وهو بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة وكان بريد عمر أي
رسوله إلى أهل اليمن عن عمر به ووجه الأحقية انهما مشتركان في الحاجة إلى السارية المتخذة
إلى الاستناد والمصلى لجعلها سترة لكن المصلى في عبادة محققة فكان أحق (قوله ورأى ابن عمر)
كذا ثبت في رواية أبي ذر والأصيل وغيرهما وعند بعض الرواة ورأى عمر بحذف ابن وهو أشبه
بالصواب فقد رواه ابن أبي شيبة من طريق معاوية بن قرة بن اياس المزنى عن أبيه وله صحبة قال
رآني عمر وأنا أصلى فذكر مثله سواء لكن زاد فاخذ بقفاى وعرف بذلك تسمية المبهم المذكور في
التعليق وأراد عمر بذلك أن تكون صلاته إلى سترة وأراد البخاري بايراد أثر عمر هذا ان المراد
بقول سلمة يتحرى الصلاة عندها أي إليها وكذا قول أنس يبتدرون السواري أي يصلون إليها
(قوله حدثنا المكي) هو ابن إبراهيم كما ثبت عند الأصيلي وغيره وهذا ثالث ثلاثيات البخاري وقد
ساوى فيه البخاري شيخه أحمد بن حنبل فإنه أخرجه من مسنده عن مكي بن إبراهيم (قوله التي عند
476

المصحف) هذا دال على أنه كان للمصحف موضع خاص به ووقع عند مسلم بلفظ يصلى وراء
الصندوق وكأنه كان للمصحف صندوق يوضع فيه والأسطوانة المذكورة حقق لنا بعض
مشايخنا أنها المتوسطة في الروضة المكرمة وانها تعرف بأسطوانة المهاجرين قال وروى عن
عائشة انها كانت تقول لو عرفها الناس لاضطربوا عليها بالسهام وانها أسرتها إلى ابن الزبير
فكان يكثر الصلاة عندها ثم وجدت ذلك في تاريخ المدينة لابن النجار وزاد ان المهاجرين من
قريش كانوا يجتمعون عندها وذكره قبله محمد بن الحسن في أخبار المدينة (قوله يا أبا مسلم) هي
كنية سلمة ويتحرى أي يقصد (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري وعمرو بن عامر هو الكوفي
الأنصاري لا والد أسد فإنه بجلي ولا عمرو بن عامر البصري فإنه سلمى (قوله لقد رأيت) في رواية
المستملى والحموي لقد أدركت (قوله عند المغرب) أي عند أذان المغرب وصرح بذلك الإسماعيلي
من طريق ابن مهدي عن سفيان ولمسلم من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس نحوه (قوله
وزاد شعبة عن عمر) هو ابن عامر المذكور قد وصله المصنف في كتاب الاذان من طريق غندر
عن شعبة فقال عن عمرو بن عامر الأنصاري وزاد فيه أيضا يصلون الركعتين قبل المغرب وسيأتي
الكلام عليه هناك مع بقية مباحثه وتعيين من وقفنا عليه من كبار الصحابة المشار إليهم فيه إن شاء الله
تعالى * (قوله باب الصلاة بين السواري في غير جماعة) انما قيدها بغير الجماعة
لان ذلك يقطع الصفوف وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوب وقال الرافعي في شرح المسند
احتج البخاري بهذا الحديث أي حديث ابن عمر عن بلال على أنه لا بأس بالصلاة بين الساريتين
إذا لم يكن في جماعة وأشار إلى أن الأولى للمنفرد أن يصلى إلى السارية ومع هذه الأولوية فلا
كراهة في الوقوف بينهما أي للمنفرد وأما في الجماعة فالوقوف بين الساريتين كالصلاة إلى
السارية انتهى كلامه وفيه نظر لورود النهى الخاص عن الصلاة بين السواري كما رواه الحاكم
من حديث أنس باسناد صحيح وهو في السنن الثلاثة وحسنه الترمذي قال المحب الطبري كره قوم
الصف بين السواري للنهي الوارد عن ذلك ومحل الكراهة عند عدم الضيق والحكمة فيه
اما لانقطاع الصف أو لأنه موضع النعال انتهى وقال القرطبي روى في سبب كراهة ذلك أنه
مصلى الجن المؤمنين (قوله ثنا جويرية) هو بالجيم بصيغة التصغير وهو ابن أسماء الضبعي
واتفق ان اسمه واسم أبيه من الاعلام المشتركة بين الرجال والنساء وقد سمع جويرية المذكور
من نافع وروى أيضا عن مالك عنه (قوله كنت أول الناس) كذا في رواية أبي ذر وكريمة
وفى رواية الأصيلي وابن عساكر وكنت بزيادة واو في أوله وهى أشبه ورواه الإسماعيلي
من هذا الوجه فقال بعد قوله ثم خرج ودخل عبد الله على أثره أول الناس (قوله بين
العمودين المقدمين) في رواية الكشميهني المتقدمين كذا في هذه الرواية وفى رواية مالك التي
تليها جعل عمودا عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وليس بين الروايتين مخالفة
لكن قوله في رواية مالك وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة مشكل لأنه يشعر بكون ما عن يمينه
أو يساره كان اثنين ولهذا عقبه البخاري برواية إسماعيل التي قال فيها عمودين عن يمينه ويمكن
الجمع بين الروايتين بأنه حيث ثنى أشار إلى ما كان عليه البيت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
وحيث أفرد أشار إلى ما صار إليه بعد ذلك ويرشد إلى ذلك قوله وكان البيت يومئذ لان فيه
477

اشعارا بأنه تغير عن هيئته الأولى وقال الكرماني لفظ العمود جنس يحتمل الواحد والاثنين فهو
مجمل بينته رواية وعمودين ويحتمل أن يقال لم تكن الأعمدة الثلاثة على سمت واحد بل اثنان
على سمت والثالث على غير سمتهما ولفظ المقدمين في الحديث السابق مشعر به والله أعلم (قلت)
ويؤيده أيضا رواية مجاهد عن ابن عمر التي تقدمت في باب واتخدوا من مقام إبراهيم مصلى فان
فيها بين الساريتين اللتين على يسار الداخل وهو صريح في أنه كان هناك عمودان على اليسار
وانه صلى بينهما فيحتمل انه كان ثم عمود آخر عن اليمن لكنه بعيد أو على غير سمت العمودين
فيصح قول من قال جعل عن يمينه عمودين وقول من قال جعل عمودا عن يمينه وجوز الكرماني
احتمالا آخر وهو أن يكون هناك ثلاثة أعمدة مصطفة فصلى إلى جنب الأوسط فمن قال جعل
عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره لم يعتبر الذي صلى إلى جنبه ومن قال عمودين اعتبره ثم وجدته
مسبوقا بهذا الاحتمال وأبعد منه قول من قال انتقل في الركعتين من مكان إلى مكان ولا تبطل
الصلاة بذلك لقلته والله أعلم (قوله وقال إسماعيل) أي ابن أبي أويس كذا في رواية أبي ذر
والأصيلي قال مجردة وفى رواية كريمة قال لنا فوضح وصله وقد ذكر الدارقطني الاختلاف على
مالك فيه فوافق الجمهور عبد الله بن يوسف في قوله عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره ووافق
إسماعيل في قوله عمودين عن يمينه ابن القاسم والقعنبي وأبو مصعب ومحمد بن الحسن وأبو حذافة
وكذا الشافعي وابن مهدى في إحدى الروايتين عنهما وقال يحيى بن يحيى النيسابوري فيما رواه
عنه مسلم جعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه عكس رواية إسماعيل وكذلك قال الشافعي
وبشر بن عمر في إحدى الروايتين عنهما وجمع بعض المتأخرين بين هاتين الروايتين باحتمال
تعدد الواقعة وهو بعيد لاتحاد مخرج الحديث وقد جزم البيهقي بترجيح رواية إسماعيل ومن
وافقه وفيه اختلاف رابع قال عثمان بن عمر عن مالك جعل عمودين عن يمينه وعمودين عن يساره
ويمكن توجيهه بان يكون هناك أربعة أعمدة اثنان مجتمعان واثنان منفردان فوقف عند المجتمعين
لكن يعكر عليه قوله وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة بعد قوله وثلاثة أعمدة وراءه وقد قال
الدارقطني لم يتابع عثمان بن عمر ذلك * (قوله باب) كذا للأكثر بلا ترجمة وهو
كالفصل من الباب الذي قبله وكأنه فصله عنه لأنه ليس فيه تصريح بكون الصلاة وقعت بين
السواري لكن فيه بيان مقدار ما كان بينه وبين الجدار من المسافة وسقط لفظ باب من رواية
الأصيلي (قوله حتى يكون بينه وبين الجدار قريبا) كذا وقع بالنصب على أنه خبر كان واسمها
محذوف (قوله من ثلاث أذرع) كذا لأبي ذر ولغيره ثلاثة بالتأنيث والذراع يذكر ويؤنث
(قوله يتوخى بالمعجمة) أي يقصد (قوله قال) أي ابن عمر (قوله أن يصلى) كذا للكشميهني ولغيره
ان صلى بلفظ الماضي ومراد ابن عمر أنه لا يشترط في صحة الصلاة في البيت موافقة المكان الذي
صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بل موافقة ذلك أولى وإن كان يحصل الغرض بغيره * (قوله
باب الصلاة إلى الراحلة والبعير) قال الجوهري الراحلة الناقة التي تصلح لان يوضع
الرحل عليها وقال الأزهري الراحلة المركوب النجيب ذكرا كان أو أنثى والهاء فيها للمبالغة
والبعير يقال لما دخل في الخامسة (قوله والشجر والرحل) المذكور في حديث الباب الراحلة
والرحل فكانه الحق البعير بالراحلة بالمعنى الجامع بينهما ويحتمل ان يكون أشار إلى ما ورد في
478

بعض طرقه فقد رواه أبو خالد الأحمر عن عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ كان يصلى إلى بعيره انتهى
فإن كان هذا حديثا آخر حصل المقصود وإن كان مختصرا من الأول كأن يكون المراد يصلى إلى
مؤخرة رحل بعيره اتجه الاحتمال الأول ويؤيد الاحتمال الثاني ما أخرجه عبد الرزاق ان ابن عمر
كان يكره ان يصلى إلى بعير الا وعليه رحل وسأذكره بعد وألحق الشجر بالرحل بطريق الأولوية
ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى حديث على قال لقد رايتنا يوم بدر وما فينا انسان الأنام
الا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يصلى إلى شجرة يدعو حتى أصبح رواه النسائي باسناد
حسن (قوله يعرض) بتشديد الراء أي يجعلها عرضا (قوله قلت أفرأيت) ظاهره انه كلام نافع
والمسؤول ابن عمر لكن بين الإسماعيلي من طريق عبيدة بن حميد عن عبيد الله بن عمر انه كلام
عبيد الله والمسؤول نافع فعلى هذا هو مرسل لان فاعل يأخذ هو النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدركه
نافع (قوله هبت الركاب) أي هاجت الإبل يقال هب الفحل إذا هاج وهب البعير في السير إذا
نشط والركاب الإبل التي يسار عليها ولا واحد لها من لفظها والمعنى ان الإبل إذا هاجت شوشت
على المصلى لعدم استقرارها فيعدل عنها إلى الرحل فيجعله سترة وقوله فيعدله بفتح أوله وسكون
العين وكسر الدال أي يقيمه تلقاء وجهه ويجوز التشديد وقوله إلى آخرته بفتحات بلا مد ويجوز
المد ومؤخرته بضم أوله ثم همزة ساكنة واما الخاء فجزم أبو عبيد بكسرها وجوز الفتح وأنكر
ابن قتيبة الفتح وعكس ذلك ابن مكي فقال لا يقال مقدم ومؤخر بالكسر الا في العين خاصة واما
في غيرها فيقال بالفتح فقط ورواه بعضهم بفتح الهمزة وتشديد الخاء والمراد بها العود الذي في آخر
الرحل الذي يستند إليه الراكب قال القرطبي في هذا الحديث دليل على جواز التستر بما يستقر
من الحيوان ولا يعارضه النهى عن الصلاة في معاطن الإبل لان المعاطن مواضع اقامتها عند
الماء وكراهة الصلاة حينئذ عندها اما لشدة نتنها واما لانهم كانوا يتخيلون بينها مستترين بها انتهى
وقال غيره علة النهى عن ذلك كون الإبل خلقت من الشياطين وقد تقدم ذلك فيحمل ما وقع
منه في السفر من الصلاة إليها على حالة الضرورة ونظيره صلاته إلى السرير الذي عليه المرأة لكون
البيت كان ضيقا وعلى هذا فقول الشافعي في البويطي لا يستتر بامرأة ولا دابة أي في حال
الاختيار وروى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عبد الله بن دينار أن ابن عمر كان يكره ان يصلى
إلى بعير الا وعليه رحل وكأن الحكمة في ذلك أنها في حال شد الرحل عليها أقرب إلى السكون
من حال تجريدها * (تكملة) * اعتبر الفقهاء مؤخرة الرحل في مقدار أقل السترة واختلفوا
في تقديرها بفعل ذلك فقيل ذراع وقيل ثلثا ذراع وهو أشهر لكن في مصنف عبد الرزاق عن
نافع ان مؤخرة رحل ابن عمر كانت قدر ذراع * (قوله باب الصلاة إلى السرير) أورد
فيه حديث الأسود عن عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسط السرير الذي هي
مضطجعة عليه واعترضه الإسماعيلي بأنه دال على الصلاة على السرير لا إلى السرير ثم أشار
إلى أن رواية مسروق عن عائشة دالة على المراد لان لفظه كان يصلى والسرير بينه وبين القبلة
كما سيأتي فكان ينبغي له ذكرها في هذا الباب وأجاب الكرماني عن أصل الاعتراض بان حروف
الجر تتناوب فمعنى قوله في الترجمة إلى السرير أي على السرير وادعى قبل ذلك أنه وقع في بعض
الروايات بلفظ على السرير (قلت) ولا حاجة إلى الحمل المذكور فان قولها فيتوسط السرير
479

يشمل ما إذا كان فوقه أو أسفل منه وقد بان من رواية مسروق عنها ان المراد الثاني (قوله
أعدلتمونا) هو استفهام انكار من عائشة قالته لمن قال بحضرتها يقطع الصلاة الروايتين والحمار
والمرأة كما سيأتي من رواية مسروق عنها بعد خمسة أبواب وهناك نذكر مباحث هذا المتن إن شاء الله
تعالى وقولها رأيتني بضم المثناة وقولها ان اسنحه بفتح النون والحاء المهملة أي أظهر له من
قدامه وقال الخطابي هو من قولك سنح لي الشئ إذا عرض لي تريد أنها كانت تخشى ان تستقبله
وهو يصلى ببدنها أي منتصبة وقولها أنسل بفتح السين المهملة وتشديد اللام أي أخرج بخفية
أو برفق * (قوله باب يرد المصلى من مر بين يديه) أي سواء كان آدميا أم غيره (قوله
ورد ابن عمر في التشهد أي رد المار بين يديه في حال التشهد وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة وعبد
الرزاق وعندهما ان المار المذكور هو عمرو بن دينار (قوله وفى الكعبة) قال ابن قرقول وقع
في بعض الروايات وفى الركعة وهو أشبه بالمعنى (قلت) ورواية الجمهور متجهة وتخصيص
الكعبة بالذكر لئلا يتخيل انه يغتفر فيها المرور لكونها محل المزاحمة وقد وصل الأثر المذكور بذكر
الكعبة فيه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له من طريق صالح ابن كيسان قال رأيت
ابن عمر يصلى في الكعبة فلا يدع أحدا يمر بين يديه يبادره قال أي يرده (قوله إن أبى) أي المار
(الا ان يقاتله) أي المصلى قاتله كذا للأكثر بصيغة الفعل الماضي وهو على سبيل المبالغة
وللكشميهني الا أن تقاتله بصيغة المخاطبة فقاتله بصيغة الامر وهذه الجملة الأخيرة من كلام ابن
عمر أيضا وقد وصلها عبد الرزاق ولفظه عن ابن عمر قال لا تدع أحدا يمر بين يديك وأنت تصلى
فان أبى الا أن تقاتله فقاتله وهذا موافق لسياق الكشميهني (قوله يونس هو ابن عبيد) وقد قرن
البخاري روايته برواية سليمان بن المغيرة وتبين من ايراده أن القصة المذكورة في رواية سليمان
لا في رواية يونس ولفظ المتن الذي ساقه هنا هو لفظ سليمان أيضا لا لفظ يونس وانما ظهر لنا ذلك
من المصنف حيث ساق الحديث في كتاب بدء الخلق بالاسناد المذكور الذي ساق هنا من رواية
يونس بعينه ولفظ المتن مغاير للفظ الذي ساقه هنا وليس فيه تقييد الدفع بما إذا كان المصلى يصلى
إلى سترة وذكر الإسماعيلي ان سليم بن حيان تابع يونس عن حميد على عدم التقييد (قلت) والمطلق
في هذا محمول على المقيد لان الذي يصلى إلى غير سترة مقصر بتركها ولا سيما ان صلى في مشارع
المشاة وقد روى عبد الرزاق عن معمر التفرقة بين من يصلى إلى سترة والى غير سترة وفى الروضة
تبعا لأصلها ولو صلى إلى غير سترة أو كانت وتباعد منها فالأصح انه ليس له الدفع لتقصيره ولا يحرم
المرور حينئذ بين يديه ولكن الأولى تركه * (تنبيه) * ذكر أبو مسعود وغيره ان البخاري لم يخرج
لسليمان بن المغيرة شيا موصولا الا هذا الحديث (قوله فأراد شاب من بنى أبى معيط) وقع في كتاب
الصلاة لأبي نعيم انه الوليد بن عقبة بن أبي معيط أخرجه عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن زيد بن
أسلم قال بينما أبو سعيد قائم يصلى في المسجد فأقبل الوليد بن عقبة بن أبي معيط فأراد أن يمر بين يديه
فدفعه فأبى الا أن يمر بين يديه فدفعه هذا آخر ما أورده من هذه القصة وفى تفسير الذي وقع في
الصحيح بأنه الوليد هذا نظر لأن فيه انه دخل على مروان زاد الإسماعيلي ومروان يومئذ على
المدينة اه‍ ومروان انما كان أميرا على المدينة في خلافة معاوية ولم يكن الوليد حينئذ بالمدينة لأنه
لما قتل عثمان تحول إلى الجزيرة فسكنها حتى مات في خلافة معاوية ولم يحضر شيا من الحروب
480

التي كانت بين على ومن خالفه وأيضا فلم يكن الوليد يومئذ شابا بل كان في عشر الخمسين فلعله
كان فيه فاقبل ابن للوليد بن عقبة فيتجه وروى عبد الرزاق حديث الباب عن داود بن قيس عن
زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه فقال فيه إذ جاء شاب ولم يسمه أيضا وعن معمر
عن زيد بن أسلم وقال فيه فذهب ذو قرابة لمروان ومن طريق أبى العلاء فيه عن أبي سعيد فقال
فيه مر رجل بين يديه من بنى مروان وللنسائي من وجه آخر فمر ابن لمروان وسماه عبد الرزاق
من طريق سليمان بن موسى داود بن مروان ولفظه أراد داود بن مروان أن يمر بين يدي أبي سعيد
ومروان يومئذ أمير المدينة فذكر الحديث وبذلك جزم ابن الجوزي ومن تبعه في تسمية
المبهم الذي في الصحيح بأنه داود بن مروان وفيه نظر لان فيه انه من بنى أبى معيط وليس مروان
من بنيه بل أبو معيط ابن عم والد مروان لأنه أبو معيط ابن أبي عمرو بن أمية ووالد مروان هو الحكم
ابن أبي العاص بن أمية وليست أم داود ولا أم مروان ولا أم الحكم من ولد أبى معيط فيحتمل
ان يكون داود نسب إلى أبى معيط من جهة الرضاعة أو لكون جده لامه عثمان بن عفان كان
أخا الوليد بن عقبة بن أبي معيط لأمه فنسب داود إليه مجازا وفيه بعد والأقرب أن تكون الواقعة
تعددت لأبي سعيد مع غيره واحد ففي مصنف ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي سعيد في هذه
القصة فأراد عبد الرحمن بن الحرث بن هشام أن يمر بين يديه الحديث وعبد الرحمن مخزومي ما له
من أبى معيط نسبة والله أعلم (قوله فلم يجد مساغا) بالغين المعجمة أي ممرا وقوله فنال من أبي سعيد
أي أصاب من عرضه بالشتم (قوله فقال مالك ولابن أخيك) اطلق الاخوة باعتبار الايمان وهذا
يؤيد أن المار غير الوليد لان أباه عقبة قتل كافرا واستدل الرافعي بهذه القصة على مشروعية
الدفع ولو لم يكن هناك مسلك غيره خلافا لإمام الحرمين ولابن الرفعة فيه بحث سنشير إليه في
الحديث الذي بعده إن شاء الله تعالى (قوله فليدفعه) ولمسلم فليدفع في نحره قال القرطبي أي
بالإشارة ولطيف المنع وقوله فليقاتله أي يزيد في دفعه الثاني أشد من الأول قال وأجمعوا على أنه
لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح لمخالفة ذلك لقاعدة الاقبال على الصلاة والاشتغال بها والخشوع
فيها اه‍ وأطلق جماعة من الشافعية ان له أن يقاتله حقيقة واستبعد ابن العربي ذلك في
القبس وقال المراد بالمقاتلة المدافعة وأغرب الباجي فقال يحتمل أن يكون المراد بالمقاتلة اللعن
أو التعنيف وتعقب بأنه يستلزم التكلم في الصلاة وهو مبطل بخلاف الفعل اليسير ويمكن ان
يكون أراد أنه يلعنه داعيا لا مخاطبا لكن فعل الصحابي يخالفه وهو أدرى بالمراد وقد رواه
الإسماعيلي بلفظ فان أبى فليجعل يده في صدره ويدفعه وهو صريح في الدفع باليد ونقل البيهقي
عن الشافعي أن المراد بالمقاتلة دفع أشد من الدفع الأول وما تقدم عن ابن عمر يقتضى ان
المقاتلة انما تشرع إذا تعينت في دفعه وبنحوه صرح أصحابنا فقالوا يرده بأسهل الوجوه فان أبى
فبأشد ولو أدى إلى قتله فلو قتل فلا شئ عليه لان الشارع أباح له مقاتلته والمقاتلة المباحة
لا ضمان فيها ونقل عياض وغيره ان عندهم خلافا في وجوب الدية في هذه الحالة ونقل ابن بطال
وغيره الاتفاق على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه ولا العمل الكثير في مدافعته لان ذلك
أشد في الصلاة من المرور وذهب الجمهور إلى أنه إذا مر ولم يدفعه فلا ينبغي له ان يرده لان فيه
إعادة المرور وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وغيره ان له ذلك ويمكن حمله على ما إذا رده
481

فامتنع وتمادى لا حيث يقصر المصلى في الرد وقال النووي لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بوجوب
هذا الدفع بل صرح أصحابنا بأنه مندوب انتهى وقد صرح بوجوبه أهل الظاهر فكأن الشيخ
لم يراجع كلامهم فيه أو لم يعتد بخلافهم (قوله فإنما هو شيطان) أي فعله فعل الشيطان
لأنه أبى الا التشويش على المصلى واطلاق الشيطان على المار من الانس سائغ شائع وقد جاء
في القرآن قوله تعالى شياطين الإنس والجن وقال ابن بطال في هذا الحديث جواز اطلاق
لفظ الشيطان على من يفتن في الدين وان الحكم للمعاني دون الأسماء لاستحالة ان يصير
المار شيطانا بمجرد مروره انتهى وهو مبنى على أن لفظ الشيطان يطلق حقيقة على الجنى
ومجازا على الانسى وفيه بحث ويحتمل ان يكون المعنى فإنما الحامل له على ذلك الشيطان وقد وقع
في رواية للإسماعيلي فان معه الشيطان ونحوه لمسلم من حديث ابن عمر بلفظ فان معه القرين
واستنبط ابن أبي جمرة من قوله فإنما هو شيطان ان المراد بقوله فليقاتله المدافعة اللطيفة
لا حقيقة القتال قال لان مقاتلة الشيطان انما هي بالاستعاذة والتستر عنه بالتسمية ونحوها
وانما جاز الفعل اليسير في الصلاة للضرورة فلو قاتله حقيقة المقاتلة لكان أشد على صلاته
من المار قال وهل المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلى من المرور أو لدفع الاثم عن المار الظاهر
الثاني انتهى وقال غيره بل الأول أظهر لان اقبال المصلى على صلاته أولى له من اشتغاله بدفع
الاثم عن غيره وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود ان المرور بين يدي المصلى يقطع نصف
صلاته وروى أبو نعيم عن عمر لو يعلم المصلى ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه ما صلى الا إلى
شئ يستره من الناس فهذان الاثران مقتضاهما ان الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلى ولا يختص
بالمار وهما وان كانا موقوفين لفظا فحكمهما حكم الرفع لان مثلهما لا يقال بالرأي
(قوله باب اثم المار بين يدي المصلى) أورد فيه حديث بسر بن سعيد ان زيد بن خالد
أي الجهني الصحابي أرسله إلى أبى جهيم أي ابن الحرث بن الصمة الأنصاري الصحابي الذي تقدم
حديثه في باب التيمم في الحضر هكذا روى مالك هذا الحديث في الموطأ لم يختلف عليه فيه
ان المرسل هو زيد وان المرسل إليه هو أبو جهيم وتابعه سفيان الثوري عن أبي النضر عند مسلم
وابن ماجة وغيرهما وخالفهما ابن عيينة عن أبي النضر فقال عن بسر بن سعيد قال أرسلني
أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله فذكر هذا الحديث قال ابن عبد البر هكذا رواه ابن عيينة
مقلوبا أخرجه ابن أبي خيثمة عن أبيه عن ابن عيينة ثم قال ابن أبي خيثمة سئل عنه يحيى بن معين
فقال هو خطأ انما هو أرسلني زيد إلى أبى جهيم كما قال مالك وتعقب ذلك ابن القطان فقال ليس
خطا ابن عيينة فيه بمتعين لاحتمال ان يكون أبو جهيم بعث بسرا إلى زيد وبعثه زيد إلى أبى
جهيم يستثبت كل واحد منهما ما عند الآخر قلت تعليل الأئمة للأحاديث مبنى على غلبة الظن
فإذا قالوا أخطأ فلان في كذا لم يتعين خطؤه في نفس الامر بل هو راجح الاحتمال فيعتمد ولولا ذلك
لما اشترطوا انتفاء الشاذ وهو ما يخالف الثقة فيه من هو أرجح منه في حد الصحيح (قوله بين
يدي المصلى) أي أمامه بالقرب منه وعبر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بهما واختلف
في تحديد ذلك فقيل إذا مر بينه وبين مقدار سجوده وقيل بينه وبين قدر ثلاثة أذرع
482

وقيل بينه وبين قدر رمية بحجر (قوله ماذا عليه) زاد الكشميهني من الاثم وليست هذه الزيادة في
شئ من الروايات عند غيره والحديث في الموطأ بدونها وقال ابن عبد البر لم يختلف على مالك في
شئ منه وكذا رواه باقي الستة وأصحاب المسانيد والمستخرجات بدونها ولم أرها في شئ من الروايات
مطلقا لكن في مصنف ابن أبي شيبة يعنى من الاثم فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البخاري
حاشية فظنها الكشميهني أصلا لأنه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفاظ بل كان راوية وقد عزاها
المحب الطبري في الاحكام للبخاري وأطلق فعيب ذلك عليه وعلى صاحب العمدة في ايهامه أنها
في الصحيحين وأنكر ابن الصلاح في مشكل الوسيط على من أثبتها في الخبر فقال لفظ الاثم ليس في
الحديث صريحا ولما ذكره النووي في شرح المهذب دونها قال وفى رواية رويناها في الأربعين
لعبد القادر الهروي ماذا عليه من الاثم (قوله لكان أن يقف أربعين) يعنى أن المار لو علم
مقدار الاثم الذي يلحقه من مروره بين يدي المصلى لاختار أن يقف المدة المذكورة حتى لا يلحقه
ذلك الاثم وقال الكرماني جواب لو ليس هو المذكور بل التقدير لو يعلم ما عليه لوقف أربعين
ولو وقف أربعين لكان خيرا له وليس ما قاله متعينا قال وأبهم المعدود تفخيما للأمر وتعظيما
(قلت) ظاهر السياق انه عين المعدود ولكن شك الراوي فيه ثم أبدى الكرماني لتخصيص
الأربعين بالذكر حكمتين إحداهما كون الأربعة أصل جميع الاعداد فلما أريد التكثير
ضربت في عشرة ثانيتهما كون كمال أطوار الانسان بأربعين كالنطفة والمضغة والعلقة وكذا
بلوغ الأشد ويحتمل غير ذلك اه‍ وفى ابن ماجة وابن حبان من حديث أبي هريرة لكان أن يقف
مائة عام خيرا له من الخطوة التي خطاها وهذا يشعر بان اطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الامر
لا لخصوص عدد معين وجنح الطحاوي إلى أن التقييد بالمائة وقع بعد التقييد بالأربعين زيادة
في تعظيم الامر على المار لأنهما لم يقعا معا إذ المائة أكثر من الأربعين والمقام مقام زجر
وتخويف فلا يناسب ان يتقدم ذكر المائة على الأربعين بل المناسب ان يتأخر ومميز الأربعين إن كان
هو السنة ثبت المدعى أو ما دونها فمن باب الأولى وقد وقع في مسند البزار من طريق ابن عيينة
التي ذكرها ابن القطان لكان ان يقف أربعين خريفا أخرجه عن أحمد بن عبدة الضبي عن ابن
عيينة وقد جعل ابن القطان الجزم في طريق ابن عيينة والشك في طريق غيره دالا على التعدد لكن
رواه أحمد وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وغيرهم من الحفاظ عن ابن عيينة عن أبي النضر على
الشك أيضا وزاد فيه أو ساعة فيبعد أن يكون الجزم والشك وقعا معا من راو واحد في حالة واحدة
الا ان يقال لعله تذكر في الحال فجزم وفيه ما فيه (قوله خيرا له) كذا أي روايتنا بالنصب على أنه خبر
كان ولبعضهم خير بالرفع وهى رواية الترمذي واعربها ابن العربي على انها اسم كان وأشار إلى
تسويغ الابتداء بالنكرة لكونها موصوفة ويحتمل ان يقال اسمها ضمير الشأن والجملة خبرها
(قوله قال أبو النضر) هو كلام مالك وليس من تعليق البخاري لأنه ثابت في الموطأ من جميع
الطرق وكذا ثبت في رواية الثوري وابن عيينة كما ذكرنا قال النووي فيه دليل على تحريم المرور
فان معنى الحديث النهى الأكيد والوعيد الشديد على ذلك انتهى ومقتضى ذلك ان يعد في
الكبائر وفيه أخذ القرين عن قرينه ما فاته أو استثباته فيما سمع معه وفيه الاعتماد على خبر الواحد
483

لان زيدا اقتصر على النزول مع القدرة على العلو اكتفاء برسوله المذكور وفيه استعمال لو في باب
الوعيد ولا يدخل ذلك في النهى لان محل النهى ان يشعر بما يعاند المقدور كما سيأتي في كتاب القدر
حيث أورده المصنف إن شاء الله تعالى * (تنبيهات) * أحدها استنبط ابن بطال من قوله لو يعلم أن
الاثم يختص بمن يعلم بالنهى وارتكبه انتهى وأخذه من ذلك فيه بعد لكن هو معروف من أدلة
أخرى ثانيها ظاهر الحديث أو الوعيد المذكور يختص بمن مر لا بمن وقف عامدا مثلا بين يدي
المصلى أو قعد أو رقد لكن إن كانت العلة فيه التشويش على المصلى فهو في معنى المار ثالثها ظاهره
عموم النهى في كل مصل وخصه بعض المالكية بالامام والمنفرد لان المأموم لا يضره من مر بين يديه
لان سترة امامه سترة له وامامه سترة له اه‍ والتعليل المذكور لا يطابق المدعى لان السترة تفيد رفع
الحرج عن المصلى لا عن المار فاستوى الإمام والمأموم والمنفرد في ذلك رابعها ذكر ابن دقيق العيد
أن بعض لفقهاء أي المالكية قسم أحوال المار والمصلى في الاثم وعدمه إلى أربعة أقسام يأثم
المار دون المصلى وعكسه يأثمان جميعا وعكسه فالصورة الأولى أن يصلى إلى سترة في غير
مشروع وللمار مندوحة فيأثم المار دون المصلى والثانية أن يصلى في مشرع مسلوك بغير سترة أو
متباعدا عن السترة ولا يجد المار مندوحة فيأثم المصلى دون المار الثالثة مثل الثانية لكن يجد
المار مندوحة فيأثمان جميعا الرابعة مثل الأولى لكن لم يجد المار مندوحة فلا يأثمان جميعا
انتهى وظاهر الحديث يدل على منع المرور مطلقا ولو لم يجد مسلكا بل يقف حتى يفرغ المصلى من
صلاته ويؤيده قصة أبي سعيد السابقة فان فيها فنظر الشاب فلم يجد مساغا وقد تقدمت الإشارة
إلى قول امام الحرمين ان الدفع لا يشرع للمصلى في هذه الصور وتبعه الغزالي ونازعه الرافعي
وتعقبه ابن الرفعة بما حاصله أن الشاب انما استوجب من أبي سعيد الدفع لكونه قصر في
التأخر عن الحضور إلى الصلاة حتى وقع الزحام انتهى وما قاله محتمل لكن لا يدفع الاستدلال
لان أبا سعيد لم يعتذر بذلك ولأنه متوقف على أن ذلك وقع قبل صلاة الجمعة أو فيها مع احتمال ان
يكون ذلك وقع بعدها فلا يتجه ما قاله من التقصير بعدم التبكير بل كثرة الزحام حينئذ أوجه
والله أعلم خامسها وقع في رواية أبى العباس السراج من طريق الضحاك بن عثمان عن أبي النضر
لو يعلم المار بين يدي المصلى والمصلى فحمله بعضهم على ما إذا قصر المصلى في دفع المار أو بان صلى في
الشارع ويحتمل ان يكون قوله والمصلى بفتح اللام أي بين يدي المصلى من داخل سترته وهذا أظهر
والله أعلم * (قوله باب استقبال الرجل الرجل وهو يصلى) في نسخة الصغاني استقبال
الرجل صاحبه أو غيره في صلاته أي هل يكره أو لا أو يفرق بين ما إذا ألهاه أولا والى هذا
التفصيل جنح المصنف وجمع بين ما ظاهره الاختلاف من الاثرين اللذين ذكرهما عن عثمان
وزيد بن ثابت ولم أره عن عثمان إلى الآن وانما رايته في مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة
وغيرهما من طريق هلال بن يساف عن عمر أنه زجر عن ذلك وفيهما أيضا عن عثمان ما يدل على
عدم كراهية ذلك فليتأمل لاحتمال أن يكون فيما وقع في الأصل تصحيف من عمر إلى عثمان وقول
زيد بن ثابت ما باليت يريد أنه لا حرج في ذلك (قوله فتكون لي الحاجة وأكره ان استقبله) كذا
للأكثر بالواو وهى حالية وللكشميهني فأكره بالفاء (قوله وعن الأعمش عن إبراهيم) هو
484

معطوف على الاسناد الذي قبله يعنى ان علي بن مسهر روى هذا الحديث عن الأعمش باسنادين
إلى عائشة عن مسلم وهو أبو الضحى عن مسروق عنها باللفظ المذكور وعن إبراهيم عن الأسود
عنها بالمعنى وقد تقدم لفظه في باب الصلاة على السرير وأما ظن الكرماني ان مسلما هذا هو
البطين فلم يصب في ظنه ذلك قال ابن المنير الترجمة لا تطابق حديث عائشة لكنه يدل على المقصود
بالأولى لكن ليس فيه تصريح بأنها كانت مستقبلته فلعلها كانت منحرفة أو مستدبرة وقال ابن
رشيد قصد البخاري ان شغل المصلى بالمرأة إذا كانت في قبلته على أي حالة كانت أشد من شغله
بالرجل ومع ذلك فلم تضر صلاته صلى الله عليه وسلم لأنه غير مشتغل بها فكذلك لا تضر صلاة من
لم يشتغل بها والرجل من باب الأولى واقتنع الكرماني بان حكم الرجل والمرأة واحد في الأحكام الشرعية
ولا يخفى ما فيه * (قوله باب الصلاة خلف النائم) أورد فيه حديث عائشة أيضا
من وجه آخر بلفظ آخر للإشارة إلى أنه قد يفرق مفرق بين كونها نائمة أو يقظى وكأنه أشار أيضا
إلى تضعيف الحديث الوارد في النهى عن الصلاة إلى النائم فقد أخرجه أبو داود وابن ماجة من
حديث ابن عباس وقال أبو داود طرقه كلها واهية يعنى حديث ابن عباس انتهى وفى الباب
عن ابن عمر أخرجه ابن عدي وعن أبي هريرة أخرجه الطبراني في الأوسط وهما واهيان أيضا
وكره مجاهد وطاوس ومالك الصلاة إلى النائم خشية أن يبدو منه ما يلهى المصلى عن صلاته
وظاهر يطلق المصنف ان عدم الكراهية حيث يحصل الأمن من ذلك * (تنبيه) * يحيى
المذكور في الاسناد هو القطان وهشام هو ابن عروة (قوله باب التطوع خلف
المرأة) أورد فيه حديث عائشة أيضا بلفظ آخر وقد تقدم في باب الصلاة على الفراش من هذا
الوجه ودلالة الحديث على التطوع من جهة أن صلاته هذه في بيته صارت وكانت صلاته
الفرائض بالجماعة في المسجد وقال الكرماني لفظ الترجمة يقتضى أن يكون ظهر المرأة إليه
ولفظ الحديث لا تخصيص فيه بالظهر ثم أجاب بان السنة للنائم أن يتوجه إلى القبلة والغالب
من حال عائشة ذلك انتهى ولا يخفى تكلفه وسنة ذلك للنائم في ابتداء النوم لا في دوامه لأنه
ينقلب وهو لا يشعر والذي يظهر أن معنى خلف المرأة وراؤها فتكون هي نفسها أمام المصلى
لا خصوص ظهرها ولو أراده لقال خلف ظهر المرأة والأصل عدم التقدير وفى قولها والبيوت
يومئذ ليس فيها مصابيح إشارة إلى عدم الاشتغال بها ولا يعكر على ذلك كونه يغمزها عند السجود
ليسجد مكان رجليها كما وقع صريحا في رواية لأبي داود لان الشغل بها مأمون في حقه صلى الله
عليه وسلم فمن أمن ذلك لم يكره في حقه * (تنبيه) * الظاهر أن هذه الحالة غير الحالة التي تقدمت في
صلاته صلى الله عليه وسلم إلى جهة السرير التي كانت عليه لأنه في تلك الحالة غير محتاج لان يسجد
مكان رجليها ويمكن أن يوجه بين الحالتين بان يقال كانت صلاته فوق السرير لا أسفل منه كما جنح
إليه الإسماعيلي فيما سبق لكن حمله على حالتين أولى والله أعلم * (قوله باب من قال
لا يقطع الصلاة شئ) أي من فعل غير المصلى والجملة المترجم بها أوردها في الباب صريحا من قول
الزهري ورواها مالك في الموطأ عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه من قوله
وأخرجها الدارقطني مرفوعة من وجه آخر عن سالم لكن اسنادها ضعيف ووردت أيضا
485

مرفوعة من حديث أبي سعيد عند أبي داود ومن حديث أنس وأبى امامة عند الدارقطني ومن
حديث جابر عند الطبراني في الأوسط وفى اسناد كل منهما ضعف وروى سعيد بن منصور باسناد
صحيح عن علي وعثمان وغيرهما نحو ذلك موقوفا (قوله قال الأعمش) هو مقول حفص بن
غياث وليس بتعليق وهو نحو ما تقدم من رواية علي بن مسهر (قوله عن عائشة ذكر عندها) أي
انه ذكر عندها وقوله الكلب إلى آخره فيه حذف وبيانه في رواية علي بن مسهر ذكر عندها
ما يقطع الصلاة فقالوا يقطعها ورواه مسلم من طريق أبى بكر بن حفص عن عروة قال قالت
عائشة ما يقطع الصلاة فقلت المرأة والحمار ولسعيد بن منصور من وجه آخر قالت عائشة يا أهل
العراق قد عدلتمونا الحديث وكأنها أشارت بذلك إلى ما رواه أهل العراق عن أبي ذر وغيره في
ذلك مرفوعا وهو عند مسلم وغيره من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر وقيد الكلب في
روايته بالأسود وعند ابن ماجة من طريق الحسن البصري عن عبد الله بن مغفل وعند الطبراني
من طريق الحسن أيضا عن الحكم بن عمرو نحوه من غير تقييد وعند مسلم من حديث أبي هريرة
كذلك وعند أبى داود من حديث ابن عباس مثله لكن قيد المرأة بالحائض وأخرجه ابن ماجة
كذلك وفيه تقييد الكلب أيضا بالأسود وقد اختلف العلماء في العمل بهذه الأحاديث فمال
الطحاوي وغيره إلى أن حديث أبي ذر وما وافقه منسوخ بحديث عائشة وغيرها وتعقب بان النسخ
لا يصار إليه الا إذا علم التاريخ وتعذر الجمع والتاريخ هنا لم يتحقق والجمع لم يتعذر ومال الشافعي
وغيره إلى تأويل القطع في حديث أبي ذر بان المراد به نقص الخشوع لا الخروج من الصلاة
ويؤيد ذلك ان الصحابي راوي الحديث سال عن الحكمة في التقييد بالأسود فأجيب بأنه شيطان
وقد علم أن الشيطان لو مر بين يدي المصلى لم تفسد صلاته كما سيأتي في الصحيح إذا ثوب بالصلاة أدبر
الشيطان فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه الحديث وسيأتي في باب العمل
في الصلاة حديث ان الشيطان عرض لي فشد على الحديث وللنسائي من حديث عائشة فأخذته
فصرعته فخنقته ولا يقال قد ذكر في هذا الحديث انه جاء ليقطع صلاته لأنا نقول قد بين في رواية
مسلم سبب القطع وهو انه جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهه وأما مجرد المرور فقد حصل ولم
تفسد به الصلاة وقال بعضهم حديث أبي ذر مقدم لان حديث عائشة على أصل الإباحة
انتهى وهو مبنى على أنهما متعارضان ومع امكان الجمع المذكور لا تعارض وقال أحمد يقطع
الصلاة الكلب الأسود وفى النفس من الحمار والمرأة شئ ووجهه ابن دقيق العيد وغيره بأنه
لم يجد في الكلب الأسود ما يعارضه ووجد في الحمار حديث ابن عباس يعنى الذي تقدم في
مروره وهو راكب بمنى ووجد في المرأة حديث عائشة يعنى حديث الباب وسيأتي الكلام في
دلالته على ذلك بعد (قوله شبهتمونا) هذا اللفظ رواية مسروق ورواية الأسود عنها أعدلتمونا
والمعنى واحد وتقدم من طريق علي بن مسهر بلفظ جعلتمونا كلابا وهذا على سبيل المبالغة
قال ابن مالك في هذا الحديث جواز تعدى المشبه به بالباء وأنكره بعض النحويين حتى بالغ
فخطا سيبويه في قوله شبه كذا بكذا وزعم أنه لا يوجد في كلام من يوثق بعربيته وقد وجد
في كلام من هو فوق ذلك وهى عائشة رضي الله عنها قال والحق انه جائز وإن كان سقوطها
486

أشهر في كلام المتقدمين وثبوتها لازم في عرف العلماء المتأخرين (قوله فأكره ان أجلس
فأوذي النبي صلى الله عليه وسلم) استدل به على أن التشويش بالمراة وهى قاعدة يحصل
منه ما لا يحصل بها وهى راقدة والظاهر أن ذلك من جهة الحركة والسكون وعلى هذا
فمرورها أشد وفى النسائي من طريق شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عنها في هذا
الحديث فأكره ان أقوم فامر بين يديه فانسل انسلالا فالظاهر أن عائشة انما أنكرت اطلاق
كون المرأة تقطع الصلاة في جميع الحالات لا المرور بخصوصه (قوله فانسل) برفع اللام عطفا
على فأكره (قوله حدثنا إسحاق بن إبراهيم) هو الحنظلي المعروف بابن راهويه وبذلك جزم ابن
السكن وفى رواية غير أبي ذر حدثنا إسحاق غير منسوب وزعم أبو نعيم انه ابن منصور الكوسج
والأول أولى (قوله إنه سال عمه الخ) ووجه الدلالة من حديث عائشة الذي احتج به ابن شهاب ان
حديث يقطع الصلاة المرأة إلى آخره يشمل ما إذا كانت مارة أو قائمة أو قاعدة أو مضطجعة فلما
ثبت انه صلى الله عليه وسلم صلى وهى مضطجعة أمامه دل ذلك على نسخ الحكم في المضطجع وفى
الباقي بالقياس عليه وهذا يتوقف على اثبات المساواة بين الأمور المذكورة وقد تقدم ما فيه فلو
ثبت ان حديثها متأخر عن حديث أبي ذر لم يدل الا على نسخ الاضطجاع فقط وقد نازع بعضهم
في الاستدلال به مع ذلك من أوجه أخرى أحدها ان العلة في قطع الصلاة بها ما يحصل من
التشويش وقد قالت إن البيوت يومئذ لم يكن فيها مصابيح فانتفى المعلول بانتفاء علته ثانيها ان
المرأة في حديث أبي ذر مطلقة وفى حديث عائشة مقيدة بكونها زوجته فقد يحمل المطلق على
المقيد ويقال يتقيد القطع بالأجنبية لخشية الافتنان بها بخلاف الزوجة فإنها حاصلة ثالثها
ان حديث عائشة واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال بخلاف حديث أبي ذر فإنه مسوق مساق
التشريع العام وقد أشار ابن بطال إلى أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم لأنه كان
يقدر من ملك اربه على ما لا يقدر عليه غيره وقال بعض الحنابلة يعارض حديث أبي ذر وما
وافقه أحاديث صحيحة غير صريحة وصريحة غير صحيحة فلا يترك العمل بحديث أبي ذر
الصريح بالمحتمل يعنى حديث عائشة وما وافقه والفرق بين المار وبين النائم في القبلة ان المرور
حرام بخلاف الاستقرار نائما كان أم غيره فهكذا المرأة يقطع مرورها دون لبثها (قوله على
فراش أهله) كذا للأكثر وهو متعلق بقوله فيصلى ووقع للمستملى عن فراش أهله وهو متعلق
بقوله يقوم والأول يقتضى أن تكون صلاته كانت واقعة على الفراش بخلاف الثاني ففيه
احتمال وقد تقدم في باب الصلاة على الفراش من رواية عقيل عن ابن شهاب مثل الأول
* (قوله باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه) قال ابن بطال أراد البخاري ان حمل
المصلى الجارية إذا كان لا يضر الصلاة فمرورها بين يديه لا يضر لان حملها أشد من مرورها وأشار
إلى نحو هذا الاستنباط الشافعي لكن تقييد المصنف بكونها صغيرة قد يشعر بان الكبيرة ليست
كذلك (قوله عن أبي قتادة) في رواية عبد الرزاق عن مالك سمعت أبا قتادة وكذا في رواية
أحمد من طريق ابن جريج عن عامر عن عمرو بن سليم انه سمع أبا قتادة (قوله وهو حامل امامة)
المشهور في الروايات بالتنوين ونصب امامة وروى بالإضافة كما قرئ في قوله تعالى ان الله بالغ أمره
487

بالوجهين وتخصيص الحمل في الترجمة بكونه على العنق مع أن السياق يشمل ما هو أعم من ذلك
مأخوذ من طريق أخرى مصرحة بذلك وهى لمسلم من طريق بكير بن الأشج عن عمرو بن سليم
ورواه عبد الرزاق عن مالك باسناد حديث الباب فزاد فيه على عاتقه وكذا لمسلم وغيره من طرق
أخرى ولأحمد من طريق ابن جريج على رقبته وأمامة بضم الهمزة وتخفيف الميمين كانت
صغيرة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها على بعد وفاة فاطمة بوصية منها ولم تعقب
(قوله ولابى العاص) قال الكرماني الإضافة في قوله بنت زينب بمعنى اللازم فاظهر في المعطوف
وهو قوله ولابى العاص ما هو مقدر في المعطوف عليه انتهى وأشار ابن العطار إلى أن الحكمة في
ذلك كون والد امامة كان إذ ذاك مشركا فنسبت إلى أمها تنبيها على أن الولد ينسب إلى أشرف
أبويه دينا ونسبا ثم بين انها من أبى العاص تبيينا لحقيقة نسبها انتهى وهذا السياق لمالك
وحده وقد رواه غيره عن عامر بن عبد الله فنسبوها إلى أبيها ثم بينوا انها بنت زينب كما هو عند
مسلم وغيره ولأحمد من طريق المقبري عن عمرو بن سليم يحمل امامة بنت أبي العاص وأمها زينب
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاتقه (قوله ابن ربيعة بن عبد شمس) كذا رواه الجمهور
عن مالك ورواه يحيى بن بكير ومعن بن عيسى وأبو مصعب وغيرهم عن مالك فقالوا ابن الربيع
وهو الصواب وغفل الكرماني فقال خالف القوم البخاري فقال ربيعة وعندهم الربيع
والواقع ان من أخرجه من القوم من طريق مالك كالبخاري فالمخالفة فيه انما هي من مالك
وادعى الأصيلي انه ابن الربيع بن ربيعة فنسبه مالك مرة إلى جده ورده عياض والقرطبي
وغيرهما لاطباق النسابين على خلافه نعم قد نسبه مالك إلى جده في قوله ابن عبد شمس وانما هو
ابن عبد العزى بن عبد شمس أطبق على ذلك النسابون أيضا واسم أبى العاص لقيط وقيل مقسم
وقيل القاسم وقيل مهشم وقيل هشيم وقيل ياسر وهو مشهور بكنيته أسلم قبل الفتح وهاجر ورد
عليه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب وماتت معه وأثنى عليه في مصاهرته وكانت وفاته في
خلافة أبى بكر الصديق (قوله فإذا سجد وضعها) كذا لمالك أيضا ورواه مسلم أيضا من طريق
عثمان بن أبي سليمان ومحمد بن عجلان والنسائي من طريق الزبيدي وأحمد من طريق ابن جريج
وابن حبان من طريق أبى العميس كلهم عن عامر بن عبد الله شيخ مالك فقالوا إذا ركع وضعها
ولابى داود من طريق المقبري عن عمرو بن سليم حتى إذا أراد ان يركع أخذها فوضعها ثم ركع
وسجد حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها وهذا صريح في أن فعل الحمل
والوضع كان منه لا منها بخلاف ما أوله الخطابي حيث قال يشبه أن تكون الصبية كانت قد
ألفته فإذا سجد تعلقت بأطرافه والتزمته فينهض من سجوده فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع
فيرسلها قال هذا وجهه عندي وقال ابن دقيق العيد من المعلوم ان لفظ حمل لا يساوى لفظ
وضع في اقتضاء فعل الفاعل لأنا نقول فلان حمل كذا ولو كان غيره حمله بخلاف وضع فعلى هذا
فالفعل الصادر منه هو الوضع لا الرفع فيقل العمل قال وقد كنت أحسب هذا حسنا إلى أن
رأيت في بعض طرقه الصحيحة فإذا قام أعادها (قلت) وهى رواية لمسلم ورواية أبى داود التي
قدمناها أصرح في ذلك وهى ثم أخذها فردها في مكانها ولأحمد من طريق ابن جريج وإذا قام
حملها فوضعها على رقبته قال القرطبي اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث والذي أحوجهم
488

إلى ذلك أنه عمل كثير فروى ابن القاسم عن مالك انه كان في النافلة وهو تأويل بعيد فان ظاهر
الأحاديث انه كان في فريضة وسبقه إلى استبعاد ذلك المازري وعياض لما ثبت في مسلم رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة على عاتقه قال المازري إمامته بالناس في النافلة
ليست بمعهودة ولابى داود بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر وقد
دعاه بلال إلى الصلاة إذ خرج علينا وأمامة على عاتقه فقام في مصلاه فقمنا خلفه فكبر فكبرنا
وهى في مكانها وعند الزبير بن بكار وتبعه السهيلي الصبح ووهم من عزاه للصحيحين قال القرطبي
وروى أشهب وعبد الله بن نافع عن مالك أن ذلك للضرورة حيث لم يجد من يكفيه أمرها انتهى
وقال بعض أصحابه لأنه لو تركها لبكت وشغلت سره في صلاته أكثر من شغله بحملها
وفرق بعض أصحابه بين الفريضة والنافلة وقال الباجي ان وجد من يكفيه أمرها جاز في النافلة
دون الفريضة وان لم يجد جاز فيهما قال القرطبي وروى عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك أن
الحديث منسوخ (قلت) روى ذلك الإسماعيلي عقب روايته للحديث من طريقه لكنه غير
صريح ولفظه قال التنيسي قال مالك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ناسخ ومنسوخ
وليس العمل على هذا وقال ابن عبد البر لعله نسخ بتحريم العمل في الصلاة وتعقب بان النسخ
لا يثبت بالاحتمال وبان هذه القصة كانت بعد قوله صلى الله عليه وسلم ان في الصلاة لشغلا لان
ذلك كان قبل الهجرة وهذه القصة كانت بعد الهجرة قطعا بمدة مديدة وذكر عياض عن بعضهم
أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم لكونه كان معصوما من أن تبول وهو حاملها ورد
بان الأصل عدم الاختصاص وبأنه لا يلزم من ثبوت الاختصاص في أمر ثبوته في غيره بغير دليل
ولا مدخل للقياس في مثل ذلك وحمل أكثر أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوال لوجود
الطمأنينة في أركان صلاته وقال النووي ادعى بعض المالكية أن هذا الحديث منسوخ
وبعضهم أنه من الخصائص وبعضهم أنه كان لضرورة وكل ذلك دعاوى باطلة مردودة لا دليل
عليها وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع لان الآدمي طاهر وما في جوفه معفو عنه
وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتبين النجاسة والأعمال في الصلاة
لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك وانما فعل النبي صلى الله عليه
وسلم ذلك لبيان الجواز وقال الفاكهاني وكأن السر في حمله أمامة في الصلاة دفعا لما كانت
العرب تألفه من كراهة البنات وحملهن فخالفهم في ذلك حتى في الصلاة للمبالغة في ردعهم
والبيان بالفعل قد يكون أقوى من القول واستدل به على ترجيح العمل بالأصل على الغالب كما
أشار إليه الشافعي ولابن دقيق العيد هنا بحث من جهة أن حكايات الأحوال لا عموم لها
وعلى جواز ادخال الصبيان في المساجد وعلى أن لمس الصغار الصبايا غير مؤثر في الطهارة ويحتمل
أن يفرق بين ذوات المحارم وغيرهن وعلى صحة صلاة من حمل آدميا وكذا من حمل حيوانا طاهرا
وللشافعية تفصيل بين المستجمر وغيره وقد يجاب عن هذه القصة بأنها واقعة حال فيحتمل أن
تكون أمامة كانت حينئذ قد غسلت كما يحتمل أنه كان صلى الله عليه وسلم يمسها بحائل وفيه
تواضعه صلى الله عليه وسلم وشفقته على الأطفال واكرامه لهم جبرا لهم ولوالديهم (قوله
(باب إذا صلى إلى فراش فيه حائض) أي هل يكره أو لا وحديث الباب يدل على أن
489

لا كراهة وقال الكرماني جواب إذا محذوف تقديره صحت صلاته أو معناه باب حكم المسئلة
الفلانية وقد تقدم الكلام عليه في أبواب ستر العورة في باب إذا أصاب ثوب المصلى امرأته وهذه
الترجمة أخص من تلك وتقدمت له طريق أخرى في آخر كتاب الحيض (قوله حيال) بكسر
المهملة بعدها ياء تحتانية أي بجنبه كما ذكره في الطريق الثانية (قوله فإذا سجد أصابني ثوبه)
كذا للأكثر وللمستملى والكشميهني ثيابه وللاصيلى أصابتني ثيابه قال ابن بطال هذا الحديث
وشبهه من الأحاديث التي فيها اعتراض المرأة بين المصلى وقبلته يدل على جواز القعود لاعلى
جواز المرور انتهى وتعقب بأنه ترجمة الباب ليست معقودة للاعتراض بل مسئلة الاعتراض
تقدمت والظاهر أن المصنف قصد بيان صحة الصلاة ولو كانت الحائض بجنب المصلى ولو أصابتها
ثيابه لاكون الحائض بين المصلى بين القبلة وتعبيره بقوله إلى أعم من أن تكون بينه وبين
القبلة فان الانتهاء يصدق على ما إذا كانت أمامه أو عن يمينه أو عن شماله وقد صرح في الحديث
بكونها كانت إلى جنبه (قوله وأنا حائض) كذا لأبي ذر وسقطت هذه الجملة لغيره لكن في رواية
كريمة بعد قوله أصابني ثوبه زاد مسدد عن خالد عن الشيباني وأنا حائض ورواية سدد هذه
ساقها المصنف في باب إذا أصاب ثوب المصلى وفيها هذه الزيادة وهى أصرح بمراد الترجمة
والله أعلم * (قوله باب هل يغمز الرجل امرأته الخ) في الترجمة التي قبلها بيان صحة
الصلاة ولو أصابت المرأة بعض ثياب المصلى وفى هذه الترجمة بيان صحتها ولو أصابها بعض جسده
(قوله حدثنا عمرو بن علي) هو الفلاس ويحى هو القطان وعبيد الله هو العمرى والقاسم هو
ابن محمد بن أبي بكر * (قوله بئسما عدلتمونا) بتخفيف الدال وما نكرة مفسرة لفاعل بئس
والمخصوص بالذم محذوف تقديره عدلكم أي تسويتكم إيانا بما ذكر وقد تقدم الكلام على
مباحث الحديث في باب التطوع خلف المرأة * (قوله باب المرأة تطرح عن المصلى
شيا من الأذى) قال ابن بطال هذه الترجمة قريبة من التراجم التي قبلها وذلك أن المرأة إذا تناولت
ما على ظهر المصلى فإنها تقصد إلى أخذه من أي جهة أمكنها تناوله فإن لم يكن هذا المعنى أشد من
مرورها بين يديه فليس بدونه (قوله حدثنا أحمد بن إسحاق) هو من صغار شيوخ البخاري وقد
شاركه في الرواية عن شيخه عبيد الله بن موسى المذكور وعبيد الله ومن فوقه كلهم كوفيون
(قوله ألا تنظرون إلى هذا المرائي) مأخوذ من الرياء وهو التعبد في الملا دون الخلوة ليرى
(قوله جزور آل فلان) لم أقف على تعيينهم لكن يشبه أن يكونوا آل أبي معيط لمبادرة عقبة بن أبي
معيط إلى احضار ما طلبوه منه وهو المعنى بقوله أشقاهم (قوله فانطلق منطلق) لم أقف على
تسميته ويحتمل أن يكون هو ابن مسعود الراوي وقد تقدم الكلام على فوائد هذا الحديث
في الطهارة قبل الغسل بقليل * (خاتمة) * اشتملت أبواب استقبال القبلة وما معها من أحكام
490

المساجد وسترة المصلى من الأحاديث المرفوعة على ستة وثمانين حديثا المكرر منها ستة وثلاثون
حديثا عشرة تقدمت وستة وعشرون فيها الخالص منها خمسون حديثا وافقه مسلم على تخريج
أصولها سوى حديث أنس من استقبل قبلتنا وحديث ابن عباس في الصلاة في قبل الكعبة لكن
أوضحنا أن مسلما أخرجه عن ابن عباس عن أسامة وحديث جابر في الصلاة على الراحلة
وحديث عائشة في قصة الوليدة صاحبة الوشاح وحديث أبي هريرة رأيت سبعين من أصحاب
الصفة وحديث ابن عمر كان المسجد مبنيا باللبن وحديث ابن عباس في قصة عمار في بناء المسجد
وحديثه في الخطبة في خوخة أبى بكر وحديث عمر في رفع الصوت في المسجد وحديث ابن عمر
في المساجد التي على طرق المدينة وهو مشتمل على عشرة أحاديث وحديث عائشة لم أعقل
أبوى الا وهما يدينان الدين وفيها من المعلقات ثمانية عشر حديثا كلها مكررة الا حديث
أنس في قصة العباس ومال البحرين وهو من أفراده أيضا عن مسلم فجملة
ما فيها من الأحاديث بالمكرر مائة وأربعة أحاديث وفيها من الآثار ثلاثة
وعشرون كلها معلقات الا أثر مساجد ابن عباس وأثر عمر
وعثمان أنهما كانا يستلقيان في المسجد
وأثرهما انهما زادا في المسجد فان
هذه موصولة والله
سبحانه وتعالى
أعلم
* (تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني أوله كتاب مواقيت الصلاة) *
491