الكتاب: فتح الباري
المؤلف: ابن حجر
الجزء: ٨
الوفاة: ٨٥٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع:
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

فتح الباري
شرح
صحيح البخاري
للامام الحافظ
شهاب الدين ابن حجر العسقلاني
رحمه الله تعالى
الجزء الثامن
دار المعرفة
للطباعة والنشر
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(قوله باب غزوة الفتح في رمضان) أي كانت في رمضان سنة ثمان من الهجرة
وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الصيام في الكلام على حديث ابن عباس المذكور في هذا الباب
وقد تقدم هناك أنهم خرجوا من المدينة لعشر مضين من رمضان وزاد ابن إسحاق عن الزهري
بهذا الاسناد أنه صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة أبا رهم الغفاري (قوله قال وسمعت
ابن المسيب يقول مثل ذلك) قائل ذلك هو الزهري وهو موصول بالاسناد المذكور (قوله وعن
عبيد الله بن عبد الله) هو موصول بالاسناد المذكور وقد تقدم بيان ذلك أيضا في الصيام
وبين البيهقي من طريق عاصم بن علي عن الليث ما حذفه البخاري منه فإنه ساقه إلى قوله وسمعت
سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك وزاد لا أدري أخرج في شعبان فاستقبله رمضان أو خرج في
رمضان بعد ما دخل غير أن عبيد الله بن عبد الله أخبرني فذكر ما ذكره البخاري فحذف البخاري
منه التردد المذكور ثم أخرج البيهقي من طريق ابن أبي حفصة عن الزهري بهذا الاسناد قال
صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لثلاث عشرة خلت من رمضان ثم ساقه من طريق معمر
عن الزهري وبين أن هذا القدر من قول الزهري وأن ابن أبي حفصة أدرجه وكذا أخرجه يونس
عن الزهري وروى أحمد بإسناد صحيح من طريق قزعة بن يحيى عن أبي سعيد قال خرجنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان وهذا يدفع التردد الماضي ويعين يوم
الخروج وقول الزهري يعين يوم الدخول ويعطى أنه أقام في الطريق أثنى عشر يوما وأما ما قال
الواقدي إنه خرج لعشر خلون من رمضان فليس بقوي لمخالفته ما هو أصح منه وفي تعيين
2

هذا التاريخ أقوال أخرى منها عند مسلم لست عشرة ولأحمد لثماني عشرة وفي أخرى لثنتي
عشرة والجمع بين هاتين بحمل إحداهما على ما مضى والاخرى على ما بقي والذي في المغازي دخل
لتسع عشرة مضت وهو محمول على الاختلاف في أول الشهر ووقع في أخرى بالشك في تسع
عشرة أو سبع عشرة وروى يعقوب بن سفيان من رواية ابن إسحاق عن جماعة من مشايخه أن
الفتح كان في عشر بقين من رمضان فإن ثبت حمل على أن مراده أنه وقع في العشر الأوسط قبل
أن يدخل العشر الأخير (قوله في الطريق الثانية ومعه عشرة آلاف) أي من سائر القبائل
وفي مرسل عروة عند ابن إسحاق وابن عائذ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثنى عشر ألفا
من المهاجرين والأنصار وأسلم وغفار ومزينة وجهينة وسليم وكذا وقع في الإكليل وشرف
المصطفى ويجمع بينهما بأن العشرة آلاف خرج بها من المدينة ثم تلاحق بها الألفان وسيأتي
تفصيل ذلك في مرسل عروة الذي بعد هذا (قوله وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من
مقدمة المدينة) هكذا وقع في رواية معمر وهو وهم والصواب على رأس سبع سنين ونصف
وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت في سنة ثمان ومن أثناء ربيع الأول إلى أثناء رمضان
نصف سنة سواء فالتحرير أنها سبع سنين ونصف ويمكن توجيه رواية معمر بأنه بناء على التاريخ
بأول السنة من المحرم فإذا دخل من السنة الثانية شهران أو ثلاثة أطلق عليها سنة مجازا من
تسمية البعض باسم الكل ويقع ذلك في آخر ربيع الأول ومن ثم إلى رمضان نصف سنة أو يقال
كان آخر شعبان تلك السنة آخر سبع سنين ونصف من أول ربيع الأول فلما دخل رمضان
دخل سنة أخرى وأول السنة يصدق عليه أنه رأسها فيصح أنه رأس ثمان سنين ونصف أو أن
رأس الثمان كان أول ربيع الأول وما بعده نصف سنة (قوله يصوم ويصومون) تقدم شرحه
في كتاب الصيام (قوله في رواية خالد) هو الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم في رمضان إلى حنين) استشكله الإسماعيلي بأن حنينا كانت بعد الفتح فيحتاج
إلى تأمل فإنه ذكر قبل ذلك أنه خرج من المدينة إلى مكة وكذا حكى ابن التين عن الداودي أنه
قال الصواب أنه خرج إلى مكة أو كانت خيبر فتصحفت (قلت) وحمله على خيبر مردود
فإن الخروج إليها لم يكن في رمضان وتأويله ظاهر فإن المراد بقوله إلى حنين أي التي وقعت عقب
الفتح لأنها لما وقعت أثرها أطلق الخروج إليها وقد وقع نظير ذلك في حديث أبي هريرة الآتي
قريبا وبهذا جمع المحب الطبري وقال غيره يجوز أن يكون خرج إلى حنين في بقية رمضان
قاله ابن التين ويعكر عليه أنه خرج من المدينة في عاشر رمضان فقدم مكة وسطه وأقام بها
تسعة عشر كما سيأتي (قلت) وهذا الذي جزم به معترض فإن ابتداء خروجه مختلف فيه كما مضى
في آخر الغزوة من حديث ابن عباس فيكون الخروج إلى حنين في شواال (قوله في هذه الرواية
دعا بإناء من لبن أو ماء) في رواية طاوس عن ابن عباس آخر الباب دعا بإناء من ماء فشرب نهارا
الحديث قال الداودي يحتمل أن يكون دعا بهذا مرة وبهذا مرة (قلت) لا دليل على التعدد
فإن الحديث واحد والقصة واحدة وإنما وقع الشك من الراوي فقدم عليه رواية من جزم
وأبعد ابن التين فقال كانت قصتان إحداهما في الفتح والاخرى في حنين (قوله فقال المفطرون
للصوم أفطروا) كذا لأبي ذر ولغيره للصوام بألف وكلاهما جمع صائم وفي رواية الطبري
3

في تهذيبه فقال المفطرون للصوم أفطروا يا عصاة (قوله وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر) وصله
أحمد بن حنبل عنه وبقيته خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى
مر بغدير في الطريق الحديث (قوله وقال حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس)
كذا وقع في بعض نسخ أبي ذر وللأكثر ليس فيه ابن عباس وبه جزم الدارقطني وأبو نعيم في
المستخرج وكذلك وصله البيهقي من طريق سليمان بن حرب وهو أحد مشايخ البخاري عن حماد
ابن زيد عن أيوب عن عكرمة فذكر الحديث بطوله في فتح مكة قال البيهقي في آخر الكلام عليه
لم يجاوز به أيوب عكرمة (قلت) وقد أشرت إليه قبله وأن ابن أبي شيبة أخرجه هكذا مرسلا
عن سليمان بن حرب به بطوله وسأذكر ما فيه من فائدة في أثناء الكلام على شرح هذه الغزوة
وطريق طاوس عن ابن عباس قد تقدم الكلام عليها في كتاب الصيام أيضا. (قوله
باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح) أي بيان المكان الذي ركزت
فيه راية النبي صلى الله عليه وسلم بأمره (قوله عن هشام) هو ابن عروة (عن أبيه قال لما سار
رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح) هكذا أورده مرسلا ولم أره في شئ من الطرق عن عروة
موصولا ومقصود البخاري منه ما ترجم به وهو آخر الحديث فأنه موصول عن عروة عن نافع بن
جبير بن مطعم عن العباس بن عبد المطلب والزبير بن العوام (قوله فبلغ ذلك قريشا) ظاهره
أنهم بلغهم مسيره قبل خروج أبي سفيان وحكيم بن حزام والذي عند ابن إسحاق وعند ابن عائذ
من مغازي عروة ثم خرجوا وقادوا الخيول حتى نزلوا بمر الظهران ولم تعلم بهم قريش وكذا في
رواية أبي سلمة عند ابن أبي شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالطرق فحبست ثم خرج فغم على
أهل مكة الامر فقال أبو سفيان لحكيم بن حزام هل لك أن تركب إلى أمر لعلنا أن نلقى خبرا فقال
له بديل بن ورقاء وأنا معكم قالا وأنت إن شئت فركبوا وفي رواية ابن عائذ من حديث ابن عمر
رضي الله عنهما قال لم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا حتى بعث إليهم ضمرة يخيرهم بين
إحدى ثلاث أن يودوا قتيل خزاعة وبين أن يبرأوا من حلف بكر أو ينبذ إليهم على سواء
فأتاهم ضمرة فخيرهم فقال قرظة بن عمرو لا نودي ولا نبرأ ولكنا ننبذ إليه على سواء فانصرف ضمرة
بذلك فأرسلت قريش أبا سفيان يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجديد العهد وكذلك
أخرجه مسدد من مرسل محمد بن عباد بن جعفر فأنكره الواقدي وزعم أن أبا سفيان إنما توجه
مبادرا قبل أن يبلغ المسلمين الخبر والله أعلم وفي مرسل عكرمة عند ابن أبي شيبة ونحوه في
مغازي عروة عند ابن إسحاق وابن عائذ فخافت قريش فانطلق أبو سفيان إلى المدينة فقال لأبي
بكر جدد لنا الحلف قال ليس الامر إلى ثم أتى عمر فأغلظ له عمر ثم أتى فاطمة فقالت له ليس
الامر إلى فأتى عليا فقال ليس الامر إلي فقال ما رأيت كاليوم رجل أضل أي من أبي سفيان
أنت كبير الناس فجدد الحلف قال فضرب إحدى يديه على الأخرى وقال قد أجرت بين الناس
ورجع إلى مكة فقالوا له ما جئتنا بحرب فنحذر ولا يصلح فنأمن لفظ عكرمة وفي رواية عروة
فقال له لعب بك على وأن إخفار جوارك لهين عليهم فيحتمل أن يكون قوله بلغ قريشا أي
غلب عن ظنهم ذلك لا أن مبلغا بلغهم ذلك حقيقة (قوله خرجوا (2) يلتمسون الخبر عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم) في رواية ابن عائذ فبعثوا أبا سفيان وحكيم بن حزام فلقيا بديل بن ورقاء
4

فاستصحباه فخرج معهما (قوله حتى أتوا مر الظهران) بفتح الميم وتشديد الراء مكان معروف
والعامة تقوله بسكون الراء وزيادة واو والظهران بفتح المعجمة وسكون الهاء بلفظ تثنية ظهر
وفي مرسل أبي سلمة حتى إذا دنوا من ثنية مر الظهران أظلموا أي دخلوا في الليل فأشرفوا على
الثنية فإذا النيران قد أخذت الوادي كله وعند ابن إسحاق أن المسلمين أوقدوا تلك الليلة عشرة
آلاف نار (قوله فقال أبو سفيان) ما هذه أي النيران (لكأنها) جواب قسم محذوف وقوله نيران
عرفة إشارة إلى ما جرت به عادتهم من ايقاد النيران الكثيرة ليلة عرفة وعند ابن سعد أن النبي
صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في تلك الليلة فأوقدوا عشرة آلاف نار (قوله فقال بديل بن ورقاء
هذه نيران بني عمرو) يعني خزاعة وعمرو يعني ابن لحي الذي تقدم ذكره مع نسب خزاعة في أول
المناقب (فقال أبو سفيان عمرو أقل من ذلك) ومثل هذا في مرسل أبي سلمة وفي مغازي عروة
عند ابن عائذ عكس ذلك وأنهم لما رأوا الفساطيط وسمعوا صهيل الخيل فراعهم ذلك فقالوا
هؤلاء بنو كعب يعني خزاعة وكعب أكبر بطون خزاعة جاشت بهم الحرب فقال بديل
هؤلاء أكثر من بني كعب ما بلغ تأليبها هذا قالوا فانتجعت هوازن أرضنا والله ما نعرف
هذا أنه هذا المثل صاح الناس (قوله فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوهم
فأخذوهم) في رواية ابن عائذ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بين يديه خيلا تقبض
العيون وخزاعة على الطريق لا يتركون أحدا يمضي فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين
أخذتهم الخيل تحت الليل وفي مرسل أبي سلمة وكان حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا
من الأنصار وكان عمر بن الخطاب عليهم تلك الليلة فجاءوا بهم إليه فقالوا جئناك بنفر أخذناهم
من أهل مكة فقال عمر والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم قالوا قد أتيناك بأبي سفيان وعند
ابن إسحاق أن العباس خرج ليلا فلقى أبا سفيان وبديلا فحمل أبا سفيان معه على البغلة ورجع
صاحباه ويمكن الجمع بأن الحرس لما أخذوهم استنقذ العباس أبا سفيان وفي رواية ابن إسحاق
فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران قال العباس والله لان دخل رسول
الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش قال فجلست على بغلة رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى جئت الأراك فقلت لعلي أجد بعض الحطابة أو ذا حاجة يأتي مكة
فيخبرهم إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء قال فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة فعرف
صوتي فقال أبا الفضل قلت نعم قال ما الحيلة قلت فاركب في عجز هذا البغلة حتى آتي بك رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك قال فركب خلفي ورجع صاحباه وهذا مخالف للرواية
السابقة أنهم أخذوهم لكن عند ابن عائذ فدخل بديل وحكيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأسلما فيحمل قوله ورجع صاحباه أي بعد أن أسلما واستمر أبو سفيان عند العباس لأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم له أن يحبسه حتى يرى العساكر ويحتمل أن يكونا رجعا لما التقى العباس
بأبي سفيان فأخذهما العسكر أيضا وفي مغازي موسى بن عقبة ما يؤيد ذلك وفيه فلقيهم العباس
فأجارهم وأدخلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم بديل وحكيم وتأخر أبو سفيان بإسلامه
حتى أصبح ويجمع بين ما عند ابن إسحاق ومرسل أبي سلمة بأن الحرس أخذوهم فلما رأوا أبا سفيان
مع العباس تركوه معه وفي رواية عكرمة فذهب به العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
5

ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له فقال يا أبا سفيان أسلم تسلم قال كيف أصنع باللات والعزى
قال فسمعه عمر فقال لو كنت خارجا من القبة ما قلتها أبدا فأسلم أبو سفيان فذهب به العباس إلى
منزله فلما أصبح ورأى مبادرة الناس إلى الصلاة أسلم (قوله احبس أبا سفيان) في رواية موسى بن
عقبة أن العباس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا آمن أن يرجع أبو سفيان فيكفر فاحبسه
حتى تريه جنود الله ففعل فقال أبو سفيان أغدرا يا بني هاشم قال العباس لا ولكن لي إليك حاجة
فتصبح فتنظر جنود الله وما أعد الله للمشركين فحبسه بالمضيق دون الأراك حتى أصبحوا (قوله
عند خطم الجبل) في رواية النسفي والقابسي بفتح الخاء المعجمة وسكون المهملة وبالجيم والموحدة
أي أنف الجبل وهي رواية ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي وفي رواية الأكثر بفتح المهملة من
اللفظة الأولى وبالخاء المعجمة وسكون التحتانية أي ازدحامها وإنما حبسه هناك لكونه مضيقا ليرى
الجميع ولا يفوته رؤية أحد منهم (قوله فجعلت القبائل تمر) في رواية موسى بن عقبة وأمر النبي
صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي لتظهر كل قبيلة ما معها من الأداة والعدة وقدم النبي صلى الله
عليه وسلم الكتائب فمرت كتيبة فقال أبو سفيان يا عباس في هذه محمد قال لا قال فمن هؤلاء قال
قضاعة ثم مرت القبائل فرأى أمرا عظيما أرعبه (قوله كتيبة كتيبة) بمثناة وزن عظيمة وهي
القطعة من الجيش فعيلة من الكتب بفتح ثم سكون وهو الجمع (قوله مالي ولغفار ثم مرت جهينة
قال مثل ذلك) وفي مرسل أبي سلمة مرت جهينة فقال أي عباس من هؤلاء قال هذه جهينة قال
ما لي ولجهينة والله ما كان بيني وبينهم حرب قط والمذكور في مرسل عروة هذا من القبائل غفار
وجهينة وسعد بن هذيم وسليم وفي مرسل أبي سلمة من الزيادة أسلم ومزينة ولم يذكر سعد بن هذيم
وهم من قضاعة وقد ذكر قضاعة عند موسى بن عقبة وسعد بن هذيم المعروف فيها سعد هذيم
بالإضافة ويصح الآخر على المجاز وهو سعد بن زيد بن ليث بن سود بضم المهملة بن أسلم بضم
اللام ابن الحاف بمهملة وفاء بن قضاعة وفي سعد هذيم طوائف من العرب منهم بنو ضنه بكسر
المعجمة ثم نون وبنو عذرة وهي قبيلة كبيرة مشهورة وهذيم الذي نسب إليه سعد عبد كان رباه
فنسب إليه وذكر الواقدي في القبائل أيضا أشجع وأسلم وتميما وفزارة (قوله معه الراية) أي راية
الأنصار وكانت راية المهاجرين مع الزبير كما سيأتي (قوله فقال سعد بن عبادة يا أبا سفيان اليوم
يوم الملحمة) بالحاء المهملة أي يوم حرب لا يوجد منه مخلص أي يوم قتل يقال لحم فلان فلانا إذا
قتله (قوله اليوم تستحل الكعبة فقال أبو سفيان يا عباس حبذا يوم الزمار) وكذا وقع في هذا
الموضع مختصرا ومراد سعد بقوله يوم الملحمة يوم المقتلة العظمى ومراد أبي سفيان بقوله يوم
الذمار وهو بكسر المعجمة وتخفيف الميم أي الهلاك قال الخطابي تمنى أبو سفيان أن يكون له يد
فيحمى قومه ويدفع عنهم وقيل المراد هذا يوم الغضب للحريم والاهل والانتصار لهم لمن قدر عليه
وقيل المراد هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي من أن ينالني مكروه قال ابن إسحاق زعم بعض
أهل العلم أن سعدا قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرين فقال
يا رسول الله ما آمن أن يكون لسعد في قريش صولة فقال لعلي أدركه فخذ الراية منه فكن أنت
تدخل بها قال ابن هشام الرجل المذكور هو عمر (قلت) وفيه بعد لان عمر كان معروفا بشدة
البأس عليهم وقد روى الأموي في المغازي أن أبا سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما حاذاه
6

أمرت بقتل قومك قال لا فذكر له ما قاله سعد ابن عبادة ثم ناشده الله والرحم فقال يا أبا سفيان
اليوم يوم المرحمة اليوم يعز الله قريشا وأرسل إلى سعد فأخذ الراية منه فدفعها إلى ابنه قيس
وعند ابن عساكر من طريق أبي الزبير عن جابر قال لما قال سعد بن عبادة ذلك عارضت امرأة
من قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت
يا نبي الهدى إليك لجا حي * قريش ولات حين لجائى
حين ضاقت عليهم سعة الأرض * وعاد أهم إله السماء
إن سعدا يريد قاصمة الظهر * بأهل الحجون والبطحاء
فلما سمع هذا الشعر دخلته رأفة لهم ورحمة فأمر بالراية فأخذت من سعد ودفعت إلى ابنه قيس
وعند أبي يعلى من حديث الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم دفعها إليه فدخل مكة بلواءين
وإسناده ضعيف جدا لكن جزم موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري أنه دفعها إلى الزبير بن
العوام فهذه ثلاثة أقوال فيمن دفعت إليه الراية التي نزعت من سعدو الذي يظهر في الجمع أن
عليا أرسل بنزعها وأن يدخل بها ثم خشى تغير خاطر سعد فأمر بدفعها لابنه قيس ثم أن سعدا
خشي أن يقع من ابنه شئ ينكره النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن
يأخذها منه فحينئذ أخذها الزبير وهذه القصة الأخيرة قد ذكرها البزار من حديث أنس
بإسناد على شرط البخاري ولفظه كان قيس في مقدمة النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة فكلم
سعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرفه عن الموضع الذي فيه مخافة أن يقدم على شئ فصرفه
عن ذلك والشعر الذي أنشدته المرأة ذكر الواقدي أنه لضرار بن الخطاب الفهري وكأنه أرسل
به المرأة ليكون أبلغ في المعاطفة عليهم وسيأتي في حديث الباب أن أبا سفيان شكا إلى النبي صلى
الله عليه وسلم ما قال سعد فقال كذب سعد أي أخطأ وذكر الأموي في المغازي أن سعد بن عبادة
لما قال اليوم تستحل الحرمة اليوم أذل الله قريشا فحاذى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان
لما مر به فناداه يا رسول الله أمرت بقتل قومك وذكر له قول سعد بن عبادة ثم قال له أنشدك الله
في قومك فأنت أبر الناس وأوصلهم فقال يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة اليوم يعز الله فيه قريشا
فأرسل إلى سعد فأخذ اللواء من يده فجعله في يد ابنه قيس (قوله ثم جاءت كتيبة وهي أقل
الكتائب) أي أقلها عددا قال عياض وقع للجميع بالقاف ووقع في الجمع للحميدي أجل بالجيم
وهي أظهر ولا يبعد صحة الأولى لان عدد المهاجرين كان أقل من عدد غيرهم من القبائل (قوله
وراية النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير بن العوام فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي
سفيان قال ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة) لم يكتف أبو سفيان بما دار بينه وبين العباس حتى شكا
للنبي صلى الله عليه وسلم (قوله فقال كذب سعد) فيه إطلاق الكذب على الاخبار بغير ما سيقع
ولو كان قائله بناه على غلبة ظنه وقوة القرينة (قوله يوم يعظم فيه الكعبة) يشير إلى ما وقع
من إظهار الاسلام وأذان بلال على ظهرها وغير ذلك مما أزيل عنها مما كانوا فيها من الأصنام
ومحو ما فيها من الصور وغير ذلك (قوله ويوم تكسى فيه الكعبة) قيل إن قريشا كانوا يكسون
الكعبة في رمضان فصادف ذلك اليوم أو المراد باليوم الزمان كما قال يوم الفتح فأشار النبي صلى
الله عليه وسلم إلى أنه هو الذي يكسوها في ذلك العام ووقع ذلك (قوله وأمر رسول الله صلى الله
7

عليه وسلم أن تركز رايته بالحجون) بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة هو مكان معروف بالقرب من
مقبرة مكة (وقال عروة فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس يقول للزبير بن العوام
يا أبا عبد الله ههنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية) وهذا السياق يوهم أن نافعا
حضر المقالة المذكورة يوم فتح مكة وليس كذلك فأنه لا صحة له ولكنه محمول عندي على أنه سمع
العباس يقول للزبير ذلك بعد ذلك في حجة اجتمعوا فيها إما في خلافة عمر أو في خلافة عثمان ويحتمل
أن يكون التقدير سمعت العباس يقول قلت للزبير الخ فحذفت قلت (قوله قال وأمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم) القائل ذلك هو عروة وهو من بقية الخبر وهو ظاهر الارسال في الجميع إلا
في القدر الذي صرح عروة بسماعه له من نافع بن جبير وأما باقيه فيحتمل أن يكون عروة تلقاه
عن أبيه أو عن العباس فأنه أدركه وهو صغيرا جمعه من نقل جماعة له بأسانيد مختلفة وهو الراجح
(قوله وأمر النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء) أي
بالمد ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كدا أي بالقصر وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة الآتية
أن خالدا دخل من أسفل مكة والنبي صلى الله عليه وسلم من أعلاها وكذا جزم ابن إسحاق أن خالدا
دخل من أسفل ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من أعلاها وضربت له هناك قبة وقد ساق ذلك
موسى بن عقبة سياقا واضحا فقال وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام على
المهاجرين وخيلهم وأمره أن يدخل من كداء من أعلا مكة وأمره أن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح
حتى يأتيه وبعث خالد بن الوليد في قبائل قضاعة وسليم وغيرهم وأمره أن يدخل من أسفل مكة وأن
يغرز رايته عند أدنى البيوت وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا الا من قاتلهم وعند البيهقي بإسناد
حسن من حديث ابن عمر قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح رأى النساء يلطمن
وجوه الخيل بالخمر فتبسم إلى أبي بكر فقال يا أبا بكر كيف قال حسان فأنشده قوله
عدمت بنيتي أن لم تروها * تثير النقع موعدها كداء
ينازعن الأسنة مسرجات * يلطمهن بالخمر النساء
فقال أدخلوها من حيث قال حسان (قوله فقتل من خيل خالد بن الوليد رضي الله عنه يومئذ
رجلان حبيش) بمهملة ثم موحدة ثم معجمة وعند ابن إسحاق بمعجمة ونون ثم مهملة مصغر بن الأشعر
وهو لقب واسمه خالد بن سعد بن منقذ بن ربيعة بن أخزم الخزاعي وهو أخو أم معبد التي مر بها
النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا وروى البغوي والطبراني وآخرون قصتها من طريق حزام بن
هشام بن حبيش عن أبيه عن جده وعن أحمد حدثنا موسى بن داود حدثنا حزام بن هشام بن
حبيش قال شهد جدي الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله وكرز) بضم الكاف وسكون
الراء بعدها زاي هو ابن جابر بن حسل بمهملتين بكسر ثم سكون بن الأحب بمهملة مفتوحة
وموحدة مشددة بن حبيب الفهري وكان من رؤساء المشركين وهو الذي أغار على سرح النبي
صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الأولى ثم أسلم قديما وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في طلب العرنيين
وذكر ابن إسحاق أن هذين الرجلين سلكا طريقا فشذا عن عسكر خالد فقتلهما المشركون يومئذ
وذكر ابن إسحاق أن أصحاب خالد لقوا ناسا من قريش منهم سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية كانوا
8

تجمعوا بالخندمة بالخاء المعجمة والنون مكان أسفل مكة ليقاتلوا المسلمين فناوشوهم شيئا من
القتال فقتل من خيل خالد مسلمة بن الميلا الجهني وقتل ممن المشركين أثنا عشر رجلا أو ثلاثة
عشر وانهزموا وفي ذلك يقول حماس بن قيس بن خالد البكري قال ابن هشام ويقال هي
للمرعاش الهذلي يخاطب امرأته حين لامته على الفرار من المسلمين
إنك لو شهدت يوم الخندمة * إذ فر صفوان وفر عكرمة
واستقبلتنا بالسيوف المسلمة * يقطعن كل ساعد وجمجمة
ضربا فلا يسمع الا غمغمة * لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه
وعند موسى بن عقبة واندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة وقد تجمع بها بنو بكر وبنو
الحارث بن عبد مناة وناس من هذيل ومن الأحابيش الذين استنصرت بهم قريش فقاتلوا خالدا
فقاتلهم فانهزموا وقتل من بني بكر نحو عشرين رجلا ومن هذيل ثلاثة أو أربعة حتى انتهى بهم
القتل إلى الحزورة إلى باب المسجد حتى دخلوا في الدور وارتفعت طائفة منهم على الجبال وصاح
أبو سفيان من أغلق بابه وكف يده فهو آمن قال ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البارقة
فقال ما هذا وقد نهيت عن القتال فقالوا نظن أن خالدا قوتل وبدئ بالقتال فلم يكن له بد من أن
يقاتل ثم قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن لخالد بن الوليد لم قاتلت وقد
نهيتك عن القتال فقال هم بدؤنا بالقتال ووضعوا فينا السلاح وقد كففت يدي ما استطعت
فقال قضاء الله خير وذكر ابن سعد أن عدة من أصيب من الكفار أربعة وعشرون رجلا ومن
هذيل خاصة أربعة وقيل مجموع من قتل منهم ثلاثة عشر رجلا وروى الطبراني من حديث ابن
عباس قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله حرم مكة الحديث فقيل له هذا خالد
ابن الوليد يقتل فقال قم يا فلان فقل له فليرفع القتل فأتاه الرجل فقال له إن نبي الله يقول لك اقتل
من قدرت عليه فقتل سبعين ثم اعتذر الرجل إليه فسكت قال وقد كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمر أمراءه أن لا يقتلوا إلا من قاتلهم غير أنه أهدر دم نفر سماهم وقد جمعت أسماءهم من
مفرقات الاخبار وهم عبد العزى بن خطل وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وعكرمة بن أبي جهل
والحويرث بن نقيد بنون وقاف مصغر ومقيس بن صبابة بمهملة مضمومة وموحدتين الأولى
خفيفة وهبار بن الأسود وقينتان كانتا لابن خطل كانتا تغنيا بهجو النبي صلى الله عليه وسلم
وسارة مولاة بني المطلب وهي التي وجد معها كتاب حاطب فأما بن أبي سرح فكان أسلم ثم ارتد
ثم شفع فيه عثمان يوم الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وقبل إسلامه وأما عكرمة ففر
إلى اليمن فتبعته امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام فرجع معها بأمان من رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأما الحويرث فكان شديد الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقتله علي يوم
الفتح وأما مقيس بن صبابة فكان أسلم ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله وكان الأنصاري قتل
أخاه هشاما خطأ فجاء مقيس فأخذ الدية ثم قتل الأنصاري ثم ارتد فقتله نميلة ابن عبد الله يوم
الفتح وأما هبار فكان شديد الأذى للمسلمين وعرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما هاجرت فنخس بعيرها فأسقطت ولم يزل ذلك المرض بها حتى ماتت فلما كان يوم الفتح بعد أن
أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه أعلن بالاسلام فقبل منه فعفا عنه وأما القينتان فاسمهما
9

فرتنى وقرينة فاستؤمن لاحداهما فأسلمت وقتلت الأخرى واما سارة فأسلمت وعاشت إلى خلافة
عمر وقال الحميدي بل قتلت وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحارث بن طلاطل الخزاعي قتله
علي وذكر غير ابن إسحاق ان فرتنى هي التي أسلمت وأن قرينة قتلت وذكر الحاكم أيضا ممن أهدر
دمه كعب بن زهير وقصته مشهورة وقد جاء بعد ذلك وأسلم ومدح ووحشي بن حرب وقد تقدم
شأنه في غزوة أحد وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان وقد أسلمت وأرنب مولاة ابن خطل
أيضا قتلت وأم سعد قتلت فيما ذكر ابن إسحاق فكملت العدة ثمانية رجال وست نسوة ويحتمل
أن تكون أرنب وأم سعد هما القينتان اختلف في اسمهما أو باعتبار الكنية واللقب قلت
وسيأتي في حديث أنس في هذا الباب ذكر ابن خلطل وروى أحمد ومسلم والنسائي من طريق
عبد الله بن رباح عن أبي هريرة قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بعث على إحدى
الجنبتين خالد بن الوليد وبعث الزبير على الأخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر بضم المهملة
وتشديد السين المهملة أي الذين بغير سلاح فقال لي يا أبا هريرة اهتف لي بالأنصار فهتف بهم
فجاءوا فأطافوا به فقال لهم أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال بإحدى يديه على الأخرى
احصدوهم حصدا حتى توافوني بالصفا قال أبو هريرة فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدا منهم
الا قتلناه فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم قال فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من أغلق بابه فهو آمن وقد تمسك بهذه القصة من قال إن مكة
فتحت عنوة وهو قول الأكثر وعن الشافعي ورواية عن أحمد أنها فتحت صلحا لما وقع من هذا
التأمين ولإضافة الدور إلى أهلها ولأنها لم تقسم ولان الغانمين لم يملكوا دورها وإلا لجاز
إخراج أهل الدور منها وحجة الأولين ما وقع من التصريح من الامر بالقتال ووقوعه من
خالد بن الوليد وبتصريحه صلى الله عليه وسلم بأنها أحلت ساعة من نهار ونهيه عن التأسي به
في ذلك وأجابوا عن ترك القسمة بأنها لا تستلزم عدم العنوة فقد تفتح البلد عنوة ويمن على أهلها
ويترك لهم دورهم وغنائمهم لان قسمة الأرض المغنومة ليست متفقا عليها بل الخلاف ثابت
عن الصحابة فمن بعدهم وقد فتحت أكثر البلاد عنوة فلم تقسم وذلك في زمن عمر وعثمان مع
وجود أكثر الصحابة وقد زادت مكة عن ذلك بأمر يمكن أن يدعى اختصاصها به دون بقية
البلاد وهي أنها دار النسك ومتعبد الخلق وقد جعلها الله تعالى حرما سواء العاكف فيه والباد
وأما قول النووي احتج الشافعي بالأحاديث المشهورة بأن النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم
بمر الظهران قبل دخول مكة ففيه نظر لان الذي أشار إليه إن كان مراده ما وقع له من قوله صلى
الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن كما تقدم وكذا من دخل المسجد كما عند ابن إسحاق
فإن ذلك لا يسمى صلحا إلا إذا التزم من أشير إليه بذلك الكف عن القتال والذي ورد في الأحاديث
الصحيحة ظاهر في أن قريشا لم يلتزموا ذلك لانهم استعدوا للحرب كما ثبت في حديث أبي هريرة عند
مسلم ان قريشا وبشت أوباشا لها واتباعا فقالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شئ كنا معهم وإن
أصيبوا أعطيناه الذين سألنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أترون أوباش قريش ثم قال بإحدى
يديه على الأخرى أي احصدوهم حصدا حتى توافوني على الصفا قال فانطلقنا فما نشاء أن نقتل
أحدا الا قتلناه وإن كان مراده بالصلح وقوع عقد به فهذا لم ينقل ولا أظنه عنى الا الاحتمال
10

الأول و فيه وما ذكرته وتمسك أيضا من قال إنه أمنهم بما وقع عند ابن إسحاق في سياق قصة الفتح
فقال العباس لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة ثم قال في القصة بعد قصة
أبي سفيان من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن فتفرق الناس إلى
دورهم وإلى المسجد وعند موسى بن عقبة في المغازي وهي أصح ما صنف في ذلك عند الجماعة
ما نصه أن أبا سفيان وحكيم بن حزام قالا يا رسول الله كنت حقيقا أن تجعل عدتك وكيدك
بهوازن فإنهم أبعد رحما وأشد عداوة فقال إني لأرجو أن يجمعهما الله لي فتح مكة وإعزاز
الاسلام بها وهزيمة هوازن وغنيمة أموالهم فقال أبو سفيان وحكيم فادع الناس بالأمان أرأيت
إن اعتزلت قريش فكفت أيديها آمنون هم قال من كف يده وأغلق داره فهو آمن قالوا
فابعثنا نؤذن بذلك فيهم قال انطلقوا فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل دار حكيم فهو
آمن ودار أبي سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفلها فلما توجها قال العباس يا رسول الله إني
لا آمن أبا سفيان أن يرتد فرده حتى تريه جنود الله قال أفعل فذكر القصة وفي ذلك تصريح
بعموم التأمين فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة فمن ثم قال الشافعي كانت
مكة مأمونة ولم يكن فتحها عنوة والأمان كالصلح وأما الذين تعرضوا للقتال أو الذين استثنوا من
الأمان وأمر أن يقتلوا ولو تعلقوا بأستار الكعبة فلا يستلزم ذلك أنها فتحت عنوة ويمكن الجمع
بين حديث أبي هريرة في أمره صلى الله عليه وسلم بالقتال وبين حديث الباب في تأمينه صلى
الله عليه وسلم لهم بأن يكون التأمين علق بشرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال فلما تفرقوا إلى
دورهم ورضوا بالتأمين المذكور لم يستلزم أن أوباشهم الذين لم يقبلوا ذلك وقاتلوا خالد بن الوليد
ومن معه فقاتلهم حتى قتلهم وهزمهم أن تكون البلد فتحت عنوة لان العبرة بالأصول لا
بالاتباع وبالأكثر لا بالأقل ولا خلاف مع ذلك أنه لم يجر فيها قسم غنيمة ولا سبي من أهلها ممن باشر
القتال أحد وهو مما يؤيد قول من قال لم يكن فتحها عنوة وعند أبي داود بإسناد حسن عن جابر
أنه سئل هل غنمتم يوم الفتح شيئا قال لا وجنحت طائفة منهم الماوردي إلى أن بعضها فتح عنوة لما
وقع من قصة خالد بن الوليد المذكورة وقرر ذلك الحاكم في الإكليل والحق أن صورة فتحها كان
عنوة ومعاملة أهلها معاملة من دخلت بأمان ومنع جمع منهم السهيلي ترتب عدم قسمتها وجواز
بيع دورها واجارتها على أنها فتحت صلحا أما أولا فلان الامام مخير في قسمة الأرض بين الغانمين
إذا انتزعت من الكفار وبين ابقائها وقفا على المسلمين ولا يلزم من ذلك منع بيع الدور وإجارتها
وأما ثانيا فقال بعضهم لا تدخل الأرض في حكم الأموال لان من مضى كانوا إذا غلبوا على
الكفار لم يغنموا الأموال فتنزل النار فتأكلها وتصير الأرض عموما لهم كما قال الله تعالى ادخلوا
الأرض المقدسة التي كتب الله لكم الآية وقال وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق
الأرض ومغاربها الآية والمسألة مشهورة فلا نطيل بها هنا وقد تقدم كثير من مباحث دور مكة
في باب توريث دور مكة من كتاب الحج ثم ذكر المصنف في الباب بعد هذا ستة أحاديث الحديث
الأول (قوله حدثنا أبو الوليد) كذا في الأصول وزعم خلف أنه وقع بدله سليمان بن حرب (قوله
عن معاوية بن قرة) في رواية حجاج بن منهال عن شعبة أخبرنا أبو إياس أخرجه في فضائل القرآن
11

وأبو إياس هو معاوية بن قرة (قوله وهو يقرأ سورة الفتح) زاد في رواية آدم عن شعبة في فضائل
القرآن قراءة لينة (قوله يرجع) بتشديد الجيم والترجيع ترديد القارئ الحرف في الحلق (قوله
وقال لولا أن تجتمع الناس) القائل هو معاوية بن قرة راوي الحديث بين ذلك مسلم بن إبراهيم
في روايته لهذا الحديث عن شعبة وهو في تفسير سورة الفتح وفي أواخر التوحيد من رواية شبابة
عن شعبة في هذا الحديث نحوه وأتم منه ولفظه ثم قرأ معاوية يحكي قراءة ابن مغفل وقال لولا
أن تجتمع الناس عليكم لرجعت كما رجع ابن مغفل يحكي النبي صلى الله عليه وسلم فقلت
لمعاوية كيف ترجيعه قال أثلاث مرات وللحاكم في الإكليل من رواية وهب بن جرير
عن شعبة لقرأت بذلك اللحن الذي قرأ به النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الثاني (قوله
حدثنا سليمان بن عبد الرحمن) هو المعروف بابن بنت شرحبيل وسعدان بن يحيى هو سعيد بن يحيى
ابن صالح اللخمي أبو يحيى الكوفي نزيل دمشق وسعدان لقبه وهو صدوق وأشار الدارقطني إلى
لينه وما له في البخاري سوى هذا الموضع وشيخه محمد بن أبي حفصة واسم أبي حفصة ميسرة
بصرى يكنى أبا سلمة صدوق ضعفه النسائي وما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الحج
قرنه فيه بغيره (قوله أنه قال زمن الفتح يا رسول الله أين ننزل غدا) تقدم شرحه مستوفى في باب
توريث دور مكة من كتاب الحج (قوله قيل للزهري من ورث أبا طالب) السائل عن ذلك لم أقف
على اسمه (قوله ورثه عقيل وطالب) تقدم في الحج من رواية يونس عن الزهري بلفظ وكان
عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرث جعفر ولا على شيئا لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل
وطالب كافرين انتهى وهذا يدل على تقدم هذا الحكم في أوائل الاسلام لان أبا طالب مات
قبل الهجرة ويحتمل أن تكون الهجرة لما وقعت استولى عقيل وطالب على ما خلفه أبو
طالب وكان أبو طالب قد وضع يده على ما خلفه عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان
شقيقه وكان النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي طالب بعد موت جده عبد المطلب فلما مات أبو
طالب ثم وقعت الهجرة ولم يسلم طالب وتأخر إسلام عقيل استوليا على ما خلف أبو طالب ومات
طالب قبل بدر وتأخر عقيل فلما تقرر حكم الاسلام بترك توريث المسلم من الكافر استمر ذلك بيد
عقيل فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك وكان عقيل قد باع تلك الدور كلها واختلف في
تقرير النبي صلى الله عليه وسلم عقيلا على ما يخصه هو فقيل ترك له ذلك تفضلا عليه وقيل استمالة
له وتأليفا وقيل تصحيحا لتصرفات الجاهلية كما تصحح أنكحتهم وفي قوله وهل ترك لنا عقيل من
دار إشارة إلى أنه لو تركها بغير بيع لنزل فيها وفيه تعقب على الخطابي حيث قال إنما لم ينزل النبي
صلى الله عليه وسلم فيها لأنها دور هجروها في الله تعالى بالهجرة فلم ير أن يرجع في شئ تركه الله تعالى
وفي كلامه نظر لا يخفى والأظهر ما قدمته وأن الذي يختص بالترك إنما هو إقامة المهاجر في البلد
التي هاجر منها كما تقدم تقريره في أبواب الهجرة لا مجرد نزوله في دار يملكها إذ أقام المدة المأذون
له فيها وهي أيام النسك وثلاثة أيام بعده والله أعلم (قوله وقال معمر عن الزهري) أي بالاسناد
المذكور أين ننزل غدا في حجته طريق معمر تقدمت موصولة في الجهاد (قوله ولم يقل يونس) أي
ابن يزيد (حجته ولازمن الفتح) أي سكت عن ذلك وبقي الاختلاف بين ابن أبي حفصة ومعمر
ومعمر أوثق وأتقن من محمد بن أبي حفصة الحديث الثالث (قوله عن عبد الرحمن) هو الأعرج
12

(قوله منزلنا إن شاء الله) هو للتبرك (قوله إذا افتتح الله الخيف) هو بالرفع وهو مبتدأ خبره
منزلنا وليس هو مفعول افتتح والخيف ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء (قوله
حيث تقاسموا) يعني قريشا (على الكفر) أي لما تحالف قريش أن لا يبايعوا بني هاشم ولا
يناكحوهم ولا يؤوهم وحصروهم في الشعب وتقدم بيان ذلك في المبعث وتقدم أيضا شرحه في
باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم بمكة من كتاب الحج (قوله في الطريق الثانية قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين أراد حنينا) أي في غزوة الفتح لان غزوة حنين عقب غزوة الفتح وقد تقدم
في الباب المذكور في الحج من رواية شعيب عن الزهري بلفظ حين أراد قدوم مكة ولا مغايرة بين
الروايتين بطريق الجمع المذكور لكن ذكره هناك أيضا من رواية الأوزاعي عن الزهري بلفظ
قال وهو بمنى نحن نازلون غدا بخيف بنى كنانة وهذا يدل على أنه قال ذلك في حجته لا في غزوة الفتح
فهو شبيه بالحديث الذي قبله في الاختلاف في ذلك ويحتمل التعدد والله أعلم قيل إنما أختار
النبي صلى الله عليه وسلم النزول في ذلك الموضع ليتذكر ما كانوا فيه فيشكر الله تعالى على ما أنعم
به عليه من الفتح العظيم وتمكنهم من دخول مكة ظاهرا على رغم أنف من سعى في إخراجه منها
ومبالغة في الصفح عن الذين أساؤا ومقابلتهم بالمن والاحسان ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
الحديث الرابع (قوله يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي بعدها مهملة (قوله عن ابن شهاب)
في رواية يحيى بن عبد الحميد عن مالك حدثني ابن شهاب أخرجه الدارقطني وفي رواية أحمد عن
أبي أحمد الزبيري عن مالك عن ابن شهاب أن أنس بن مالك أخبره (قوله المغفر) في رواية أبي
عبيد القاسم بن سلام عن يحيى بن بكير عن مالك مغفر من حديد قال الدارقطني تفرد به أبو عبيد
وهو في الموطأ ليحيى بن بكير مثل الجماعة ورواه عن مالك جماعة من أصحابه خارج الموطأ بلفظ
مغفر من حديد ثم ساقه من رواية عشرة عن مالك كذلك وكذلك هو عند ابن عدي من رواية أبي
أويس عن ابن شهاب وعند الدارقطني من رواية شبابة بن سوار عن مالك وفي هذا الحديث من
رأى منكم ابن خطل فليقتله ومن رواية زيد بن الحباب عن مالك بهذا الاسناد وكان ابن خطل
يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر (قوله فقال اقتله) زاد الوليد بن مسلم عن مالك في
آخره فقتل أخرجه ابن عائذ وصححه ابن حبان واختلف في قاتله وقد جزم ابن إسحاق بأن سعيد بن
حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله وحكى الواقدي فيه أقوالا منها أن قاتله شريك بن عبدة
العجلاني ورجح أنه أبو برزة وقد بينت ما فيه من الاختلاف في كتاب الحج مع بقية شرح هذا الحديث
في باب دخول مكة بغير إحرام من أبواب العمرة بما يغنى عن إعادته واستدل بقتل ابن خطل وهو
متعلق بأستار الكعبة على أن الكعبة لا تعيذ من وجب عليه القتل وأنه يجوز قتل من
وجب عليه القتل في الحرم وفي الاستدلال بذلك نظر لان المخالفين تمسكوا بأن ذلك إنما وقع في
الساعة التي أحل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها القتال بمكة وقد صرح بأن حرمتها عادت كما كانت
والساعة المذكورة وقع عند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنها استمرت من
صبيحة يوم الفتح إلى العصر وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة من حديث السائب بن يزيد قال
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستخرج من تحت أستار الكعبة عبد الله بن خطل فضربت
عنقه صبرا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال لا يقتلن قرشي بعد هذا صبرا ورجاله ثقات إلا أن في
13

أبي معشر مقالا والله أعلم الحديث الخامس (قوله عن ابن أبي نجيح) في رواية الحميدي في التفسير
عن ابن عيينة حدثنا ابن أبي نجيح وهو عبد الله واسم أبي نجيح يسار وتقدم في الملازمة عن علي بن
عبد الله عن سفيان حدثنا ابن أبي نجيح ولابن عيينة في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه الطبراني
من طريق عبد الغفار بن داود عن ابن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عن ابن مسعود
(قوله عن أبي معمر) هو عبد الله بن سخبرة (قوله عن عبد الله) هو ابن مسعود (قوله ستون
وثلاثمائة نصب) بضم النون والمهملة وقد تسكن بعدها موحدة هي واحدة الأنصاب وهو
ما ينصب للعبادة من دون الله تعالى ووقع في رواية ابن أبي شيبة عن ابن عيينة صنما بدل نصبا
ويطلق النصب ويراد به الحجارة التي كانوا يذبحون عليها للأصنام وليست مرادة هنا وتطلق
الأنصاب على أعلام الطريق وليست مرادة هنا ولا في الآية (قوله فجعل يطعنها) بضم العين
وبفتحها والأول أشهر (قوله بعود في يده ويقول جاء الحق) في حديث أبي هريرة عند مسلم يطعن
في عينيه بسية القوس وفي حديث ابن عمر عند الفاكهي وصححه ابن حبان فيسقط الصنم ولا يمسه
وللفاكهي والطبراني من حديث ابن عباس فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه مع أنها
كانت ثابتة بالأرض وقد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك
لإذلال الأصنام وعابديها ولاظهار أنها لا تنفع ولا تضر ولا تدفع عن نفسها شيئا (قوله الأزلام)
هي السهام التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر وعند ابن أبي شيبة من حديث جابر نحو حديث
ابن مسعود وفيه فأمر بها فكبت لوجوهها وفيه نحو حديث ابن عباس وزاد قاتلهم الله
ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام ثم دعا بزعفران فلطخ تلك التماثيل وفي الحديث كراهية
الصلاة في المكان الذي فيه صور لكونها مظنة الشرك وكان غالب كفر الأمم من جهة الصور
الحديث السادس (قوله حدثني إسحاق) هو ابن منصور وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث
ابن سعيد (قوله حدثني أبي) سقط من رواية الأصيلي ولا بد منه (قوله أبي أن يدخل البيت وفيه
الآلهة فأمر بها فأخرجت) وقع في حديث جابر عند ابن سعد وأبي داود أن النبي صلى الله عليه
وسلم أمر عمر بن الخطاب وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها فلم يدخلها حتى
محيت الصور وكان عمر هو الذي أخرجها والذي يظهر أنه محا ما كان من الصور مدهونا مثلا
وأخرج ما كان مخروطا وأما حديث أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى
صورة إبراهيم فدعا بماء فجعل يمحوها وقد تقدم في الحج فهو محمول على أنه بقيت بقية خفي على
من محاها أولا وقد حكى ابن عائذ في المغازي عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أن صورة
عيسى وأمه بقيتا حتى رآهما بعض من أسلم من نصارى غسان فقال إنكما لببلاد غربة فلما هدم ابن
الزبير البيت ذهبا فلم يبق لهما أثر وقد أطنب عمر بن شبة في كتاب مكة في تخريج طرق هذا الحديث
فذكر ما تقدم وقال حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج سأل سليمان بن موسى عطاء أدركت في
الكعبة تماثيل قال نعم أدركت تماثيل مريم في حجرها ابنها عيسى مزوقا وكان ذلك في العمود
الأوسط الذي يلي الباب قال فمتى ذهب ذلك قال في الحريق وفيه عن ابن جريج أخبرني عمرو بن
دينار أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطلس الصور التي كانت في البيت وهذا سند
صحيح ومن طريق عبد الرحمن بن مهران عن عمير مولى ابن عباس عن أسامة أن النبي صلى الله
14

عليه وسلم دخل الكعبة فأمرني فأتيته بماء في دلو فجعل يبل الثوب ويضرب به على الصور ويقول
قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون وقوله وخرج ولم يصل تقدم شرحه في باب من كبر في نواحي
الكعبة من كتاب الحج وفيه الكلام على من أثبت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة ومن
نفاها (قوله تابعه معمر عن أيوب) وصله أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب (قوله وقال
وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعني أنه أرسله ووقع في نسخة
الصغاني بإثبات ابن عباس في التعليق عن وهيب وهو خطأ ورجحت الرواية الموصولة عند
البخاري لاتفاق عبد الوارث ومعمر على ذلك عن أيوب * (قوله باب دخول
النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة) أي حين فتحها وقد روى الحاكم في الإكليل
من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
مكة يوم الفتح وذقنه على رحله متخشعا (قوله وقال الليث حدثني يونس) هو ابن يزيد
وهذه الطريق وصلها المؤلف في الجهاد وتقدم شرح الحديث في الصلاة وفي الحج في باب إغلاق
البيت مع فوائد كثيرة (قوله فأمره أن يأتي بمفتاح البيت) روى عبد الرزاق والطبراني
من جهته من مرسل الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان يوم الفتح ائتني بمفتاح
الكعبة فأبطأ عليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من
العرق ويقول ما يحبسه فسعى إليه رجل وجعلت المرأة التي عندها المفتاح وهى أم عثمان
واسمها سلافة بنت سعيد تقول إن أخذه منكم لا يعطيكموه أبدا فلم يزل بها حتى أعطت المفتاح
فجاء به ففتح ثم دخل البيت ثم خرج فجلس عند السقاية فقال على انا أعطينا النبوة والسقاية
والحجابة ما قوم بأعظم نصيبا منا فكره النبي صلى الله عليه وسلم مقالته ثم دعا عثمان بن طلحة
فدفع المفتاح إليه وروى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن
ابن حاطب مرسلا نحوه وعند ابن إسحاق بإسناد حسن عن صفية بنت شيبة قالت لما نزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت فطاف به فلما قضى طوافه
دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتح له فدخلها ثم وقف على باب الكعبة فخطب
قال ابن إسحاق وحدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة فذكر
الحديث وفيه ثم قال يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ
كريم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء ثم جلس على فقال أجمع لنا الحجابة والسقاية فذكره وروى
ابن عائذ من مرسل عبى الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع مفتاح الكعبة إلى
عثمان فقال خذها خالدة مخلدة اني لم أدفعها إليكم ولكن الله دفعها إليكم ولا ينزعها منكم
إلا ظالم ومن طريق ابن جريح ان عليا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ادمع لنا الحجابة والسقاية
فنزلت إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فدعا عثمان فقال خذوها يا بني شيبة خالدة
تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ومن طريق علي بن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
يا بني شيبة كلموا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف وروى الفاكهي من طريق محمد
ابن جبير بن مطعم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ناول عثمان المفتاح قال له غيبه قال
الزهري فلذلك يغيب المفتاح ومن حديث ابن عمر أن بني أبي طلحة كانوا يقولون لا يفتح الكعبة
15

إلا هم فتناول النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها بيده (قوله حدثنا الهيثم بن خارجة)
بخاء معجمة وجيم خراساني نزل بغداد كان من الأثبات قال عبد الله بن أحمد كان أبي إذا رضي عن
إنسان وكان عنده ثقة حدث عنه وهو حي فحدثنا عن الهيثم بن خارجة وهو حي وليس له
عند البخاري موصول سوى هذا الموضع (قوله تابعه أسامة ووهيب في كداء) أي روياه عن هشام
ابن عروة بهذا الاسناد وقالا في روايتهما دخل من كداء أي بالفتح والمد وطريق أبي أسامة
وصلها المصنف في الحج عن محمود بن غيلان عنه موصولا وأوردها هنا عن عبيد بن إسماعيل عنه
فلم يذكر فيه عائشة وأما طريق وهيب وهو ابن خالد فوصلها المصنف أيضا في الحج وقد تقدم
الكلام عليه مستوفى هناك (قوله باب منزل النبي صلى الله عليه وسل يوم الفتح)
أي المكان الذي نزل فيه وقد تقدم قريبا في الكلام على الحديث الثالث أنه نزل بالمحصب وهنا أنه
في بيت أم هانئ وكذا في الإكليل من طريق معمر عن ابن شهاب عن عبد الله بن الحرث عن أم
هانئ وكان النبي صلى الله عليه وسلم نازلا عليها يوم الفتح ولا مغايرة بينهما لأنه لم يقم في بيت أم هانئ
وإنما نزل به حتى اغتسل وصلى ثم رجع إلى حيث ضربت خيمته عند شعب أبي طالب وهو
المكان الذي حصرت فيه قريش المسلمين وقد تقدم شرح حديث الباب في كتاب الصلاة
وروى الواقدي من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال منزلنا إذا فتح الله علينا مكة في
الخيف حيث تقاسموا على الكفر وجاه شعب أبي طالب حيث حصرونا ومن حديث أبي رافع
نحو حديث أسامة السابق وقال فيه ولم يزل مضطربا بالأبطح لم يدخل بيوت مكة (قوله
باب) كذا في الأصول بغير ترجمة وكأنه بيض له فلم يتفق له وقوع ما يناسبه وقد ذكر فيه
أربعة أحاديث الأول حديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي هكذا أورده مختصرا وقد تقدم شرحه في أبواب
صفة الصلاة ووجه دخوله هنا ما سيأتي في التفسير بلفظ ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة بعد
ان نزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح الا يقول فيها فذكر الحديث * الحديث الثاني حديث ابن
عباس كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر الحديث سيأتي شرحه مستوفى في تفسير سورة النصر إن شاء الله
تعالى وقوله ممن قد علمتم أي فضله وقوله ليريهم منى أي بعض فضيلتي وقوله فقال له ابن
عباس هو بالنصب على حذف آلة النداء وفي رواية الكشميهني يا ابن عباس الحديث الثالث
(قوله حدثنا سعيد بن شرحبيل) هو الكندي الكوفي من قدماء شيوخ البخاري وليس له عنه
في الصحيح سوى هذا الموضع وآخر في علامات النبوة وكل منهما عنده له متابع عن الليث بن سعد
16

والمقبري هو سعيد بن أبي سعيد (قوله العدوي) كنت جوزت في الكلام على حديث الباب
في الحج أنه من حلفاء بني عدي بن كعب وذلك لأنني رأيته في طريق أخرى الكعبي نسبة إلى
بني كعب بن ربيعة بن عمرو بن لحي ثم ظهر لي أنه نسب إلى بني عدي بن عمرو بن لحي وهم إخوة
كعب ويقع هذا في الأنساب كثيرا ينسبون إلى أخي القبيلة وقد تقدم شرح هذا الحديث
مستوفى في أبواب محرمات الاحرام من كتا ب الحج وبعضه في كتاب العلم ويأتي بعض شرحه
في الديات في الكلام على حديث أبي هريرة ووقع في آخره هنا قال أبو عبد الله وهو المصنف
الخربة البلية * الحديث الرابع حديث جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام
الفتح أن الله ورسوله حرم بيع الخمر كذا ذكره مختصرا وقد تقدم في أواخر البيوع مطولا مع شرحه
* (قوله باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح) ذكر فيه حديث
أنس أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عشرا نقصر الصلاة وحديث ابن عباس أقام النبي صلى
الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما يصلي ركعتين وفي الرواية الثانية عنه أقمنا في سفر ولم يذكر
المكان فظاهر هذين الحديثين التعارض والذي اعتقده أن حديث أنس إنما هو في حجة الوداع
فإنها هي السفرة التي أقام فيها بمكة عشرا لأنه دخل يوم الرابع وخرج يوم الرابع عشر وأما
حديث ابن عباس فهو في الفتح وقد قدمت ذلك بأدلته في باب قصر الصلاة وأوردت هناك
التصريح بأن حديث أنس إنما هو في حجة الوداع ولعل البخاري أدخله في هذا الباب إشارة إلى
ما ذكرت ولم يفصح بذلك تشحيذا للأذهان ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق وكيع عن سفيان
فأقام بها عشرا يقصر الصلاة حتى رجع إلى المدينة وكذا هو في باب قصر الصلاة من وجه آخر عن
يحيى بن أبي إسحاق عند المصنف وهو يؤيد ما ذكرته فإن مدة إقامتهم في سفرة الفتح حتى رجعوا إلى
المدينة أكثر من ثمانين يوما * (تنبيه) * سفيان في حديث أنس هو الثوري في الروايتين
وعبد الله في حديث ابن عباس هو بن المبارك وعاصم هو ابن سليمان الأحول وقوله وقال ابن
عباس هو موصول بالاسناد المذكور كما تقدم بيانه في باب قصر الصلاة أيضا * (قوله باب)
كذا في الأصول بغير ترجمة وسقط من رواية النسفي فصارت أحاديثه من جملة الباب الذي قبله
ومناسبتها له غير ظاهرة ولعله كان قد بيض له ليكتب له ترجمة فلم يتفق والمناسب لترجمته من
شهد الفتح ثم ذكر فيه أحد عشر حديثا * الحديث الأول (قوله وقال الليث الخ) وصله
المصنف في التاريخ الصغير قال حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث فذكره وقال في آخره عام
الفتح بمكة وقد وصله من وجه آخر عن الزهري فقال عن عبد الله بن ثعلبة أنه رأى سعد بن أبي
وقاص أوتر بركعة أخرجه في كتاب الأدب كما سيأتي (قوله أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صعير)
17

بمهملة مصغرا وهو عذرى بضم المهملة وسكون المعجمة ويقال له أيضا ابن أبي صعير وهو ابن عمرو
ابن زيد بن سنان حليف بني زهرة ولأبيه ثعلبة صحبة وقد حذف المصنف المخبر به اختصارا وقد ظهر
بما ذكر في الأدب * الحديث الثاني (قوله عن الزهري عن سنين أبي جميلة قال أخبرنا ونحن مع ابن
المسيب) والجملة الحالية أراد الزهري بها تقوية روايته عنه بأنها كانت بحضرة سعيد (قوله عن
سنين) بمهملة ونون مصغر وقيل بتشديد التحتانية وبالنون الأولى فقد تقدم ذكره في الشهادات
بما يغنى عن إعادته (قوله وخرج معه عام الفتح) ذكر أبو عمر أنه حج معه حجة الوداع تقدم ذكره
في الشهادات * الحديث الثالث (قوله عن عمرو بن سلمة) مختلف في صحبته ففي هذا الحديث أن
أباه وفد وفيه إشعار بأنه لم يفد معه وأخرج ابن منده من طريق حماد بن سلمة عن أيوب بهذا
الاسناد ما يدل على أنه وفد أيضا وكذلك أخرجه الطبراني وأبو سلمة بكسر اللام هو ابن قيس
ويقال نفيع الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء صحابي ماله في البخاري سوى هذا الحديث وكذا
ابنه لكن وقع ذكر عمرو بن سلمة في حديث مالك بن الحويرث كما تقدم في صفة الصلاة (قوله
قال أبو قلابة) هو مقول أيوب (قوله كنا بما ممر الناس) يجوز في ممر الحركات الثلاث وعند أبي
داود من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن عمرو بن سلمة كنا نحاصر يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى
الله عليه وسلم (قوله ما للناس ما للناس) كذا فيه مكرر مرتين (قوله ما هذا الرجل) أي يسألون
عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن حال العرب معه (قوله أوحى إليه أوحى الله بكذا) يريد
حكاية ما كانوا يخبرونهم به مما سمعوه من القرآن وفي رواية يوسف القاضي عن سليمان بن حرب
عند أبي نعيم في المستخرج فيقولون نبي يزعم أن الله أرسله وأن الله أوحى إليه كذا وكذا فجعلت
أحفظ ذلك الكلام وفي رواية أبي داود وكنت غلاما حافظا فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا
(قوله فكأنما يقر) كذا للكشميهني بضم أوله وفتح القاف وتشديد الراء من القرار وفي رواية
عنه بزيادة ألف مقصورة من التقرية أي يجمع وللأكثر بهمز من القراءة وللإسماعيلي يغرى بغبن
معجمة وراء ثقيلة أي يلصق بالغراء ورجحها عياض (قوله تلوم) بفتح أوله واللام وتشديد الواو أي
تنتظر وإحدى التاءين محذوفة (قوله وبدر) أي سبق (قوله فلما قدم استقبلناه) (1) هذا يشعر
بأنه ما وفد مع أبيه لكن لا يمنع أن يكون وفد بعد ذلك (قوله وليؤمكم أكثركم قرآنا) في رواية
أبي داود من وجه آخر عن عمرو بن سلمة عن أبيه إنهم قالوا يا رسول الله من يؤمنا قال أكثركم جمعا
للقرآن (قوله فنظروا) في رواية الإسماعيلي فنظروا إلى أهل حوائنا بكسر المهملة وتخفيف
الواو والمد والحواء مكان الحي النزول (قوله تقلصت) أي انجمعت وارتفعت وفي رواية أبي
داود تكشفت عنى وله من طريق عاصم بن سليمان عن عمرو بن سلمة فكنت أؤمهم في بردة
موصولة فيها فتق فكنت إذا سجدت خرجت استي (قوله ألا تغطون) كذا في الأصول وزعم
ابن التين أنه وقع عنده بحذف النون ولأبي داود فقالت امرأة من النساء واروا عنا عورة
قارئكم (قوله فاشتروا) أي ثوبا وفي رواية أبي داود فاشتروا لي قميصا عمانيا وهو بضم المهملة
18

وتخفيف الميم نسبة إلى عمان وهي من البحرين وزاد أبو داود في رواية له قال عمرو بن سلمة فما
شهدت مجمعا من جرم إلا كنت إمامهم وفي الحديث حجة للشافعية في إمامة الصبي المميز في
الفريضة وهي خلافية مشهورة ولم ينصف من قال إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم ولم يطلع النبي صلى
الله عليه وسلم على ذلك لأنها شهادة نفى ولان زمن الوحي لا يقع التقرير فيه على مالا يجوز كما استدل
أبو سعيد وجابر لجواز العزل بكونهم فعلوه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان منهيا عنه
لنهى عنه في القرآن وكذا من استدل به بأن ستر العورة في الصلاة ليس شرطا لصحتها بل هو سنة
ويجزى بدون ذلك لأنها واقعة حال فيحتمل أن يكون ذلك بعد علمهم بالحكم * الحديث الرابع
والخامس حديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة وسيأتي شرحه في كتاب الفرائض إن شاء الله
تعالى وفي آخره حديث أبي هريرة في معنى قوله الولد للفراش والغرض منه هنا الإشارة إلى أن هذه
القصة وقعت في فتح مكة (قوله وقال الليث حدثني يونس) وصله الذهلي في الزهريات وساقه
المصنف هنا على لفظ يونس وأورده مقرونا بطريق مالك وفيه مخالفة شديدة له وسأبين ذلك عند
شرحه وقد عابه الإسماعيلي وقال قرن بين روايتي مالك ويونس مع شدة اختلافهما ولم يبين
ذلك (قوله قال ابن شهاب قالت عائشة) كذا هنا وهذا القدر موصول في رواية مالك بذكر عروة
فيه وفي قوله هو أخوك يا عبد بن زمعة رد لم زعم أن قوله هو لك يا عبد بن زمعة أن اللام فيه
للملك فقال أي هو لك عبد (قوله وقال ابن شهاب وكان أبو هريرة يصيح بذلك) أي يعلن بهذا
الحديث (1) وهذا موصول إلى ابن شهاب ومنقطع بين ابن شهاب وأبي هريرة وهو حديث
مستقل أغفل المزي التنبيه عليه في الأطراف وقد أخرج مسلم والترمذي والنسائي من طريق
سفيان بن عيينة ومسلم أيضا من طريق معمر كلاهما عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب زاد
معمر وأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الولد
للفراش وللعاهر الحجر وفي رواية لمسلم عن بن عيينة عن سعيد وأبي سلمة معا وفي أخرى عن سعيد
أو أبي سلمة قال الدارقطني في العلل هو محفوظ لابن شهاب عنهما (قلت) وسيأتي في الفرائض من
وجه آخر عن أبي هريرة باختصار لكن من غير طريق ابن شهاب فلعل هذا الاختلاف هو السبب
في ترك إخراج البخاري لحديث أبي هريرة من طريق ابن شهاب * الحديث السادس (قوله أخبرني
عروة بن الزبير أن امرأة سرقت) كذا فيه بصورة الارسال لكن في أخره ما يقتضى أنه عن عائشة
لقوله في آخره قالت عائشة فكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها وعند الإسماعيلي من طريق
الزهري عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت فتابت فحسنت توبتها وكانت تأتيني فأرفع حاجتها
19

إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي شرح هذا الحديث في كتاب الحدود والغرض منه هنا الإشارة
إلى أن هذه القصة وقعت يوم الفتح * الحديث السابع (قوله حدثنا زهير) هو ابن معاوية
وعاصم هو ابن سليمان وأبو عثمان هو النهدي ومجاشع هو ابن مسعود السلمي وقوله بأخي هو
مجالد بوزن أخيه وكنيته أبو معبد كما في الرواية الثانية والذي هنا فلقيت معبدا كذا للأكثر
وللكشميهني فلقيت أبا معبد وهو وهم من جهة هذه الرواية وأن كان صوابا في نفس الامر
(قوله وقال خالد) هو الحذاء وصل هذه الطريق الإسماعيلي من جهة خالد بن عبد الله عنه
بلفظ عن مجاشع بن مسعود أنه جاء بأخيه مجالد بن مسعود فقال هذا مجالد يا رسول الله فبايعه
على الهجرة الحديث وقد تقدم بيان أحوال الهجرة مستوفى في أبواب الهجرة وفي أوائل
الجهاد * الحديث الثامن حديث ابن عمر تقدم سندا ومتنا في أوائل الهجرة (قوله وقال
النضر) بن شميل وصله الإسماعيلي من طريق أحمد بن منصور عنه وزاد في آخره ولكن جهاد
فانطلق فأعرض نفسك فإن أصبت شيئا وإلا فارجع * الحديث التاسع حديث عائشة تقدم
في أوائل الهجرة أيضا سندا ومتنا وإسحاق بن يزيد هو ابن إبراهيم بن يزيد الفراديسي نسبة إلى
جده * الحديث العاشر (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن منصور وبه جزم أبو علي الجياني وقال
الحاكم هو ابن نصر (قوله حدثنا أبو عاصم) هو النبيل وهو من شيوخ البخاري وربما
حدث عنه بواسطة كما هنا (قوله عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا مرسل
وقد وصله في الحج والجهاد وغيرهما من رواية منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس
وأورده ابن أبي شيبة من طريق يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس والذي قبله أولى (قوله
وعن ابن جريج) هو موصول بالاسناد الذي قبله وعبد الكريم هو ابن مالك الجزري
ووقع عند الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي عاصم عن ابن جريج سمعت عبد الكريم سمعت
عكرمة وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب الحج * الحديث الحادي عشر (قوله رواه أبو
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي الخطبة المذكورة وقد وصلها في كتاب العلم من طريق
أبي سلمة عن أبي هريرة وأول الحديث عنده أن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله
والمؤمنين الحديث وقد تقدم شرحه هناك ولله الحمد * (قوله باب قول الله
20

تعالى ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم إلى غفور رحيم) كذا لأبي ذر وساق غيره إلى قوله
ثم أنزل الله سكينته ثم قال إلى غفور رحيم ووقع في رواية النسفي باب غزوة حنين وقول الله
عز وجل ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت
إلى غفور رحيم وحنين بمهملة ونون مصغر واد إلى جنب ذي المجاز قريب من الطائف بينه
وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة عرفات قال أبو عبيد البكري سمي باسم حنين بن قابثة بن
مهلائيل قال أهل المغازي خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين لست خلت من شوال وقيل
لليلتين بقيتا من رمضان وجمع بعضهم بأنه بدأ بالخروج في أواخر رمضان وسار سادس شوال
وكان وصوله إليها في عاشره وكان السبب في ذلك أن مالك بن عوف النضري جمع القبائل من
هوازن ووافقه على ذلك الثقفيون وقصدوا محاربة المسلمين فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
فخرج إليهم قال عمر بن شبة في كتاب مكة حدثنا الحزامي يعني إبراهيم بن المنذر حدثنا ابن وهب
عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة أنه كتب إلى الوليد أما بعد فإنك كتبت إلى تسألني عن
قصة الفتح فذكر له وقتها فأقام عامئذ بمكة نصف شهر ولم يزد على ذلك حتى أتاه أن هوازن وثقيفا قد
نزلوا حنينا يريدون قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا قد جمعوا إليه ورئيسهم عوف بن
مالك ولأبي داود بإسناد حسن من حديث سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع النبي صلى الله عليه
وسلم إلى حنين فأطنبوا السير فجاء رجل فقال إني انطلقت من بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا
وكذا فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم قد اجتمعوا إلى حنين فتبسم رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقال تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله تعالى وعند ابن إسحاق من حديث
جابر ما يدل على أن هذا الرجل هو عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي (قوله ويوم حنين إذا أعجبتكم
كثرتكم) روى يونس بن بكير في زيادات المغازي عن الربيع بن أنس قال قال رجل يوم حنين
لن نغلب اليوم من قلة فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الهزيمة وقوله ثم وليتم
مدبرين إلى آخر الآيات يأتي بيان ذلك في شرح أحاديث الباب ثم ذكر المصنف فيه خمسة أحاديث
* الحديث الأول (قوله عن إسماعيل) (1) هو ابن أبي خالد وكذا هو منسوب في رواية أحمد عن
يزيد بن هارون (قوله ضربة) زاد أحمد فقلت ما هذه وفي رواية الإسماعيلي ضربة على
ساعده وفي رواية له أثر ضربة (قوله شهدت حنينا قال قبل ذلك) في رواية أحمد قال نعم
وقبل ذلك ومراده بما قبل ذلك ما قبل حنين من المشاهد وأول مشاهده الحديبية فيما ذكره من
صنف في الرجال ووقفت في بعض حديثه على ما يدل أنه شهد الخندق وهو صحابي ابن صحابي
* الحديث الثاني حديث البراء (قوله عن أبي إسحاق) هو السبيعي ومدار هذا الحديث
عليه وقد تقدم في الجهاد من وجه آخر عن سفيان وهو الثوري قال حدثني أبو إسحاق (قوله
وجاءه رجل) لم أقف على اسمه وقد ذكر في الرواية الثالثة أنه من قيس (قوله يا أبا عمارة) هي
كنية البراء (قوله أتوليت يوم حنين) الهمزة للاستفهام وتوليت أن انهزمت وفي الرواية
الثانية أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وفي الثالثة أفررتم عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وكلها بمعنى (قوله أما أنا فاشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يول) تضمن
جواب البراء إثبات الفرار لهم لكن لا على طريق التعميم وأراد أن إطلاق السائل يشمل الجميع
21

حتى النبي صلى الله عليه وسلم لظاهر الرواية الثانية ويمكن الجمع بين الثانية والثالثة يحمل المعية
على ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه ثم أوضح ذلك وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد منه
صلى الله عليه وسلم قال النووي هذا الجواب من بديع الأدب لان تقدير الكلام فررتم كلكم
فيدخل فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال البراء لا والله ما فر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن
جرى كيت وكيت فأوضح أن فرار من فر لم يكن على نية الاستمرار في الفرار وإنما انكشفوا من
وقع السهام وكأنه لم يستحضر الرواية الثانية وقد ظهر من الأحاديث الواردة في هذه القصة أن
الجميع لم يفروا كما سيأتي بيانه ويحتمل أن البراء فهم من السائل أنه اشتبه عليه حديث سلمة بن
الأكوع الذي أخرجه مسلم بلفظ ومررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما فلذلك حلف أن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يول ودل ذلك على أن من هزما حال من سلمة ولهذا وقع في طريق أخرى
ومررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما وهو على بغلته فقال لقد رأى ابن الأكوع فزعا
ويحتمل أن يكون السائل أخذ التعميم من قوله تعالى ثم وليتم مدبرين فبين له أنه من العموم
الذي أريد به الخصوص (قوله ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن) فأما سرعان فبفتح
المهملة والراء ويجوز سكون الراء وقد تقدم ضبطه في سجود السهو في الكلام على حديث ذي
اليدين والرشق بالشين المعجمة والقاف رمى السهام وأما هوازن فهي قبيله كبيرة من العرب فيها
عدة بطون ينسبون إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بمعجمة ثم مهملة ثم فاء مفتوحات
ابن قيس بن غيلان بن إلياس بن مضر والعذر لمن انهزم من غير المؤلفة أن العدو كانوا ضعفهم في
العدد وأكثر من ذلك وقد بين شعبة في الرواية الثالثة السبب في الاسراع المذكور قال كانت
هوازن رماة قال وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا وللمصنف في الجهاد انهزموا قال فاكببنا
وفي روايته في الجهاد في باب من قاد دابة غيره في الحرب فاقبل الناس على الغنائم فاستقبلونا بالسهام
وللمصنف في الجهاد أيضا من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق تكملة السبب المذكور
قال خرج شبان أصحابه واخفاؤهم حسرا بضم المهملة وتشديد السين المهملة ليس عليهم سلاح
فاستقبلهم جمع هوازن وبني نضر ما يكادون يسقط لهم سهم فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون
الحديث وفيه فنزل واستنصر ثم قال أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب ثم صف أصحابه
وفي رواية مسلم من طريق زكريا عن أبي إسحاق فرموهم برشق من نبل كأنها رجل جراد
فانكشفوا وذكر بن إسحاق من حديث جابر وغيره في سبب انكشافهم أمرا آخر وهو أن مالك
ابن عوف سبق بهم إلى حنين فأعدوا وتهيؤا في مضايق الوادي وأقبل النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح فثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم وانكفا
الناس منهزمين وفي حديث أنس عند مسلم وغيره من رواية سليمان التيمي عن السميط عن أنس
قال افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا قال فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت صف الخيل ثم
المقاتلة ثم النساء من وراء ذلك ثم الغنم ثم النعم قال ونحن بشر كثير وعلى ميمنة (خيلنا خالد بن
الوليد فجعلت خيلنا تلوذ خلف ظهورنا فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الاعراب ومن تعلم
من الناس وسيأتي للمصنف قريبا من رواية هشام بن زيد عن أنس قال أقبلت هوازن وغطفان
بذراريهم ونعمهم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ومعه الطلقاء قال فأدبروا عنه
22

حتى بقي وحده الحديث ويجمع بين قوله حتى بقي وحده وبين الأخبار الدالة على أنه بقي معه
جماعة بأن المراد بقي وحده متقدما مقبلا على العدو والذين ثبتوا معه كانوا وراءه أو الوحدة
بالنسبة لمباشرة القتال وأبو سفيان بن الحرث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك
ووقع في رواية أبي نعيم في الدلائل تفصيل المائة بضعة وثلاثون من المهاجرين والبقية من
الأنصار ومن النساء أم سليم وأم حارثة (قوله وأبو سفيان بن الحرث) أي ابن عبد المطلب بن هاشم
وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان إسلامه قبل فتح مكة لأنه خرج إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فلقيه في الطريق وهو سائر إلى فتح مكة فأسلم وحسن إسلامه وخرج إلى غزوة حنين
فكان فيمن ثبت وعند ابن أبي شيبة من مرسل الحكم بن عتيبة قال لما فر الناس يوم حنين جعل
النبي صلى الله عليه وسلم يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب فلم يبق معه إلا أربعة نفر
ثلاثة من بني هاشم ورجل من غيرهم على والعباس بين يديه وأبو سفيان بن الحرث آخذ بالعنان
وابن مسعود من الجانب الأيسر قال وليس يقبل نحوه أحد إلا قتل وروى الترمذي من
حديث ابن عمر بإسناد حسن قال لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولين وما مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم مائة رجل وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من ثبت يوم حنين وروى أحمد
والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال كنت مع النبي صلى الله
عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار فكنا على
أقدامنا ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة وهذا لا يخالف حديث ابن عمر فأنه نفى
أن يكونوا مائة وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين وأما ما ذكره النووي في شرح مسلم أنه
ثبت معه اثنا عشر رجلا فكأنه أخذه مما ذكره ابن إسحاق في حديثه أنه ثبت معه العباس وابنه
الفضل وعلي وأبو سفيان بن الحرث وأخوه ربيعة وأسامة بن زيد وأخوه من أمه أيمن بن أم أيمن
ومن المهاجرين أبو بكر وعمر فهؤلاء تسعة وقد تقدم ذكر ابن مسعود في مرسل الحاكم فهؤلاء
عشرة ووقع في شعر العباس بن عبد المطلب أن الذين ثبتوا كانوا عشرة فقط وذلك قوله
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا
وعاشرنا وافى الحمام بنفسه * لما مسه في الله لا يتوجع
ولعل هذا هو الثبت ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم وممن ذكر الزبير بن
بكار وغيره أنه ثبت يوم حنين أيضا جعفر بن أبي سفيان بن الحرث وقثم بن العباس وعتبة ومعتب
ابنا أبي لهب وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي
طالب وشيبة بن عثمان الحجي فقد ثبت عنه أنه لما رأى الناس قد انهزموا استدبر النبي صلى الله
عليه وسلم ليقتله فأقبل عليه فضربه في صدره وقال له قاتل الكفار فقاتلهم حتى انهزموا قال
الطبري الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود وأما الاستطراد للكثرة فهو كالتحيز إلى
فئة (قوله أخذ برأس بغلته) في رواية زهير فأقبلوا أي المشركون هنالك إلى النبي صلى الله
عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء وابن عمه أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب يقود به فنزل
واستنصر قال العلماء في ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة يومئذ دلالة على النهاية في الشجاعة
والثبات وقوله فنزل أي عن البغلة فاستنصر أي قال اللهم أنزل نصرك وقع مصرحا به في رواية
23

مسلم من طريق زكريا عن أبي إسحاق وفي حديث العباس عند مسلم شهدت مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم حنين فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحرث فلم نفارقه الحديث وفيه ولي المسلمون مدبرين
فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار قال العباس وأنا آخذ بلجام
رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركابه ويمكن الجمع بأن
أبا سفيان كان آخذا أولا بزمامها فلما ركضها النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهة المشركين خشي
العباس فأخذ بلجام البغلة يكفها وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له لأنه
كان عمه (قوله بغلته) هذه البغلة هي البيضاء (3) وعند مسلم من حديث العباس وكان على بغلة
له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي وله من حديث سلمة وكان على بغلته الشهباء ووقع عند
ابن سعد وتبعه جماعة ممن صنف السيرة أنه صلى الله عليه وسلم كان على بغلته دلدل وفيه نظر لان
دلدل أهداها له المقوقس وقد ذكر القطب الحلبي أنه استشكل عند الدمياطي ما ذكره ابن سعد
فقال له كنت تبعته فذكرت ذلك في السيرة وكنت حينئذ سيريا محضا وكان ينبغي لنا أن نذكر
الخلاف قال القطب الحلبي يحتمل أن يكون يومئذ ركب كلا من البغلتين إن ثبت أنها كانت
صحبته وإلا فما في الصحيح أصح ودل قول الدمياطي أنه كان يعتقد الرجوع عن كثير مما وافق فيه
أهل السير وخالف الأحاديث الصحيحة وأن ذلك كان منه قبل أن يتضلع من الأحاديث الصحيحة
ولخروج نسخ من كتابه وانتشاره لم يتمكن من تغييره وقد أغرب النووي فقال وقع عند مسلم على
بغلته البيضاء وفي أخرى الشهباء وهي واحدة ولا نعرف له بغلة غيرها وتعقب بدلدل فقد ذكرها
غير واحد لكن قيل إن الاسمين لواحدة (قوله أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) قال ابن
التين كان بعض أهل العلم يقوله بفتح الباء من قوله لا كذب ليخرجه عن الوزن وقد أجيب عن
مقالته صلى الله عليه وسلم هذا الرجز بأجوبة أحدها أنه نظم غيره وأنه كان فيه
أنت النبي لا كذب أنت ابن عبد المطلب فذكره بلفظ أنا في الموضعين ثانيها أن هذا رجز
وليس من أقسام الشعر وهذا مردود ثالثها أنه لا يكون شعرا حتى يتم قطعة وهذه كلمات يسيرة
ولا تسمى شعرا رابعها أنه خرج موزونا ولم يقصد به الشعر وهذا أعدل الأجوبة وقد تقدم هذا
المعنى في غير هذا المكان ويأتي تاما في كتاب الأدب وأما نسبته إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله
فكأنها لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر بخلاف عبد الله فأنه
مات شابا ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب كما قال ضمام بن ثعلبة لما قدم أيكم
ابن عبد المطلب وقيل لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو الله
ويهدى الله الخلق على يديه ويكون خاتم الأنبياء فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه وقد
اشتهر ذلك بينهم وذكره سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة وأراد النبي صلى
الله عليه وسلم تنبيه أصحابه بأنه لا بد من ظهوره وأن العاقبة له لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه ثابت
غير منهزم وأما قوله لا كذب ففيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب فكأنه قال
أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى انهزم وأنا متيقن بأن الذي وعدني الله
24

به من النصر حق فلا يجوز على الفرار وقيل معنى قوله لا كذب أي أنا النبي حقا لا كذب في
ذلك (تنبيهان) أحدهما ساق البخاري الحديث عاليا عن أبي الوليد عن شعبة لكنه مختصر جدا
ثم ساقه من رواية غندر عن شعبة مطولا بنزول درجة وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة
الفضل بن الحباب عن أبي الوليد مطولا فكأنه لما حدث به البخاري حدثه به مختصرا (الثاني)
اتفقت الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث من سياق هذا الحديث إلى قوله أنا النبي
لا كذب أنا ابن عبد المطلب الا رواية زهير بن معاوية فزاد في آخرها ثم صف أصحابه وزاد
مسلم في حديث البراء من رواية زكريا عن أبي إسحاق قال البراء كنا والله إذا أحمر البأس نتقي
به وأن الشجاع منا الذي يحاذيه يعنى النبي صلى الله عليه وسلم ولمسلم من حديث العباس ان
النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ صار يركض بغلته إلى جهة الكفار وزاد فقال أي عباس ناد
أصحاب الشجرة وكان العباس صيتا قال فناديت بأعلى صوتي أين أصحاب الشجرة قال فوالله
لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا يا لبيك قال فاقتتلوا
والكفار فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول إلى قتالهم فقال هذا
حين حمى الوطيس ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال انهزموا ورب الكعبة قال
فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا ولابن إسحاق نحوه وزاد فجعل الرجل يعطف بغيره
فلا يقدر فيقذف درعه ثم يأخذ بسيفه ودرقته ثم يؤم الصوت (قوله في آخر الرواية الثالثة
قال إسرائيل وزهير نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته) أي إن إسرائيل بن يونس بن
أبي إسحاق وزهير بن معاوية الجعفي رويا هذا الحديث عن أبي إسحاق عن البراء فقالا في آخره
نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته فأما رواية إسرائيل فوصلها المصنف في باب من قال
خذها وأنا ابن فلان من كتاب الجهاد ولفظه كان أبو سفيان بن الحرث آخذا بعنان بغلته فلما
غشيه المشركون نزل وقد تقدم شرح ذلك وأما رواية زهير فوصلها أيضا في باب من صف
أصحابه عند الهزيمة وقد ذكرت لفظه قريبا ولمسلم من حديث سلمة بن الأكوع لما غشوا
النبي صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب ثم استقبل به وجوههم فقال
شاهت الوجوه فما خلق الله منهم إنسانا الا ملا عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا منهزمين ولأحمد
وأبي داود والترمذي من حديث أبي عبد الرحمن الفهري في قصة حنين قال فولى المسلمون
مدبرين كما قال الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ثم
اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من تراب قال فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به
وجوههم وقال شاهت الوجوه فهزمهم قال يعلى بن عطاء راوية عن أبي همام عن أبي عبد
الرحمن الفهري قال فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا لم يبق منا أحد الا امتلأت عيناه وفمه
ترابا ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته قدما
فحادت به بغلته فمال عن السرج فقلت ارتفع رفعك الله فقال ناولني كفا من تراب فضرب به
وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا وجاء المهاجرون والأنصار سيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب
فولى المشركون الادبار وللبزار من حديث ابن عباس أن عليا ناول النبي صلى الله عليه وسلم
التراب فرمى به في وجوه المشركين يوم حنين ويجمع بين هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم
25

أولا قال لصاحبه فناولني ناوله فرماهم ثم نزل عن البغلة فأخذ بيده فرماهم أيضا فيحتمل أن
الحصي في إحدى المرتين وفي الأخرى التراب والله أعلم وفي الحديث من الفوائد حسن
الأدب في الخطاب والارشاد إلى حسن السؤال بحسن الجواب وذم الاعجاب وفيه جواز
الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب ومثله
الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها وجواز التعرض إلى الهلاك في سبيل الله ولا يقال
كان النبي صلى الله عليه وسلم متيقنا للنصر لوعد الله تعالى له بذلك وهو حق لآن أبا سفيان بن
الحرث قد ثبت معه آخذا بلجام بغلته وليس هو في اليقين مثل النبي صلى الله عليه وسلم وقد
استشهد في تلك الحالة أيمن بن أم أيمن كما تقدمت الإشارة إليه في شعر العباس وفيه ركوب
البغلة إشارة إلى مزيد الثبات لان ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولي وإذا كان
رأس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار وأخذ بأسباب ذلك كان ذلك ادعى لاتباعه على
الثبات وفيه شهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة وعدم للمبالاة بالعدو * الحديث
الثالث حديث المسور ومروان تقدم ذكره من وجهين عن الزهري وقد تقدم في أول
الشروط في قصة صلح الحديبية أن الزهري رواه عن عروة عن المسور ومرو ان عن أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنه في بقية المواضع حيث لا يذكر عن أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم أنه يرسله فإن المسور يصغر عن إدراك القصة ومروان أصغر منه نعم كان المسور في قصة
حنين مميزا فقد ضبط في ذلك الاوان قصة خطبة على لابنة أبي جهل والله أعلم (قوله حدثنا ابن
أخي ابن شهاب قال محمد بن مسلم بن شهاب) هو الزهري وسقط ابن مسلم من بعض النسخ (قوله
وزعم عروة بن الزبير) هو معطوف على قصة صلح الحديبية وقد أخرجه موسى بن عقبة عن
الزهري بلفظ حدثني عروة بن الزبير الخ وسيأتي في الاحكام (قوله قام حين جاءه وفد
هوازن مسلمين) ساق الزهري هذه القصة من هذا الوجه مختصرة وقد ساقها موسى بن عقبة
في المغازي مطولة ولفظه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف في شوال إلى
الجعرانة وبها السبي يعني سبي هوازن وقدمت عليه وفد هوازن مسلمين فيهم تسعة نفر من
أشرافهم فأسلموا وبايعوا ثم كلموه فقالوا يا رسول الله إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات
والعمات والخالات وهن مخازي الأقوام فقال سأطلب لكم وقد وقعت المقاسم فأي الامرين
أحب إليكم السبي أم المال قالوا خيرتنا يا رسول الله بين الحسب والمال فالحسب أحب إلينا
ولا نتكلم في شاة ولا بعير فقال أما الذي لبني هاشم فهو لكم وسوف أكلم لكم المسلمين فكلموهم
وأظهروا إسلامكم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاجرة قاموا فتكلم خطباؤهم
فأبلغوا ورغبوا إلى المسلمين في رد سبيهم ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغوا فشفع
لهم وحض المسلمين عليه وقال قد رددت الذي لبني هاشم عليهم فأستفيد من هذه القصة عدد
الوفد وغير ذلك مما لا يخفى وقد أغفل محمد بن سعد لما ذكر الوفود وفد هوازن هؤلاء مع أنه لم يجمع
أحد في الوفود أكثر مما جمع وممن سمي من وفد هوازن زهير بن صرد كما سيأتي وأبو مروان
ويقال أبو ثروان أوله مثلثة بدل الميم ويقال بموحدة وقاف وهو عم النبي صلى الله عليه
وسلم من الرضاعة ذكره ابن سعد وفي رواية ابن إسحاق حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن
26

جده تعيين الذي خطب له في ذلك ولفظه وأدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا فقالوا
يا رسول الله إنا أهل وعشيرة قد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك وقام
خطيبهم زهير بن صرد فقال يا رسول الله إن اللواتي في الحظائر من السبايا خالاتك وعماتك
وحواضنك اللاتي كن يكفلنك وأنت خير مكفول ثم أنشده الأبيات المشهورة أوله
امنن علينا رسول الله في كرم * فإنك المرء نرجوه وندخر يقول فيه
امنن على نسوة قد كنت ترضعها * إذ فوك تملؤه من محضها الدرر
ثم ساق القصة نحو سياق موسى بن عقبة وأورد الطبراني شعر زهير بن صرد من حديثه فزاد
على ما أورده ابن إسحاق خمسة أبيات وقد وقع لنا عاليا جدا في المعجم الصغير عشاري الاسناد
ومن بين الطبراني فيه وزهير لا يعرف لكن يقوي حديثه بالمتابعة المذكورة فهو حسن
وقد بسطت القول فيه في الأربعين المتباينة وفي الأمالي وفي الصحابة وفي العشرة العشارية
وبينت وهم من زعم أن الاسناد منقطع والله الموفق (قوله وقد كنت استأنيت بكم) في
رواية الكشميهني لكم ومعنى استأنيت استطرت أي أخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم
وكان ترك السبي بغير قسمة وتوجه إلى الطائف فحاصرها كما سيأتي ثم رجع عنها إلى الجعرانة
ثم قسم الغنائم هناك فجاءه وفد هوازن بعد ذلك فبين لهم أنه آخر القسم ليحضروا فابطؤا وقوله
بضع عشرة ليلة فيه بيان مدة التأخير وقوله قفل بفتح القاف والفاء أي رجع وذكر
الواقدي أن وفد هوازن كانوا أربعة وعشرين بيتا فيهم أبو برقان السعدي فقال يا رسول الله
إن في هذه الحظائر إلا أمهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك فامتن علينا من الله عليك
فقال قد استأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون وقد قسمت السبي (قوله فمن أحب أن
يطيب ذلك) بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء التحتانية أي يعطيه عن طيب نفس منه من غير
عوض (قوله على حظه) أي بأن يرد السبي بشرط أن يعطي عوضه ووقع في رواية موسى بن
عقبة فمن أحب منكم أن يعطى غير مكره فليفعل ومن كره أن يعطي فعلى فداؤهم (قوله
فقال الناس قد طيبنا ذلك) في رواية موسى بن عقبة فأعطى الناس ما بأيديهم الا قليلا من
الناس سألوا الفداء وفي رواية عمرو بن شعيب المذكورة فقال المهاجرون ما كان لنا فهو
لرسول الله وقالت الأنصار كذلك وقال الأقرع بن حاس أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة أما
أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس بن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم بل
ما كان لنا فهو لرسول الله قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمسك منكم بحقه فله
بكل إنسان ست فرائض من أول فئ نصيبه فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم (قوله فقال
إنا لا ندري من أذن منكم الخ) يأتي الكلام عليه في باب العرفاء من كتاب الأحكام إن شاء الله
تعالى (قوله هذا الذي بلغني عن سبي هوازن) بين المصنف في الهبة أن الذي قال هذا الخ هو
الزهري قال وذلك بعد أن خرج هذا الحديث عن يحيى بن بكير عن الليث بسنده * الحديث
الرابع (قوله عن نافع أن عمر قال يا رسول الله) هكذا ذكره مرسلا مختصرا ثم عقبة برواية
27

معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا تاما وقد عاب عليه الإسماعيلي جمعهما لان قوله
لما قفلنا من حنين لم يقع في رواية حماد بن زيد أي الرواية الأولى المرسلة والجواب أن البخاري
إنما نظر إلى أصل الحديث لا إلى النقص والزيادة في ألفاظ الرواة وإنما أورد طريق حماد بن
زيد المرسلة للإشارة إلى أن روايته مرجوحة لان جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فيه
فوصلوه بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه عنه موصولا كما أشار إليه البخاري أيضا هنا على
أن رواية حماد بن زيد وأن لم يقع فيها ذكر القفول من حنين صريحا لكنه فيها ضمنا كما سأبينه
وقد وقع في رواية بعضهم ما ليس عند معمر أيضا مما هو أدخل في مقصود الباب كما سأبينه
فأما بقية لفظ الرواية الأولى فقد ساقها هو في فرض الخمس بلفظ أن عمر قال لرسول الله صلى الله
عليه وسلم إنه كان على اعتكاف ليلة في الجاهلية فأمره أن يفي به قال وأصاب عمر جاريتين من
سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة الحديث وكذا أورده الإسماعيلي من طريق سليمان
ابن حرب وأبي الربيع الزهراني وخلف بن هشام كلهم عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر
كان عليه اعتكاف ليلة في الجاهلية فلما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة سأله عنه فأمره
أن يعتكف لفظ أبي الربيع (قلت) وكان نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة بعد رجوعه
من الطائف بالاتفاق وكذا سبي حنين إنما قسم بعد الرجوع منها فاتحدت رواية حماد بن زيد ومعمر
معنى وظهر رد ما اعترض به الإسماعيلي وأما رواية من رواه عن حماد بن زيد موصولا فأشار
إليه البخاري بقوله وقال بعضهم عن حماد الخ فالمراد بحماد حماد بن زيد فإنه ذكر عقبة
رواية حماد بن سلمة وهي مخالفة لسياقه والمراد بالبعض المبهم أحمد بن عبدة الضبي كذلك أخرجه
الإسماعيلي من طريقه فقال أخبرني القاسم هو ابن زكريا حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا حماد بن
زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال كان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية فسأل النبي صلى
الله عليه وسلم فأمره أن يفي به وكذا أخرجه مسلم وابن خزيمة عن أحمد بن عبدة وذكرا في إنكار
ابن عمر عمرة الجعرانة ولم يسق مسلم لفظه وقد أوضحته في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يعطي المؤلفة من كتاب فرض الخمس وأما رواية من رواه عن أيوب موصولا فأشار إليه البخاري
بقوله ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر فرواية جرير بن حازم
وصلها مسلم وغيره من رواية ابن وهب عن جرير بن حازم أن أيوب حدثه أن
نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن
رجع من الطائف فقال يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام
فكيف ترى قال أذهب فاعتكف يوما وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه جارية من
الخمس فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس قال عمر يا عبد الله أذهب إلى تلك
الجارية فخل سبيلها فاشتمل هذا السياق على فوائد زوائد وعرف وجه دخول هذا الحديث في
باب غزوة حنين ورواية حماد بن سلمة وصلها مسلم من طريق حجاج بن منهال حدثنا حماد بن
سلمة عن أيوب مقرونة برواية محمد بن إسحاق كلاهما عن نافع عن ابن عمر قال في قصة النذر يعني
دون غيره من ذكر الجارية والسبي وقد ذكرت في فرض الخمس كلام الدارقطني على هذا الحديث
وأنه قال رواه ابن عيينة عن أيوب فاختلف الرواة عنه فمنهم من أرسله ومنهم من وصله وممن رواه
28

موصولا محمد بن أبي خلف وهو من شيوخ مسلم أخرجه الإسماعيلي من طريقه وفيه ذكر النذر
والسبي والجارية كما في رواية جرير بن حازم وفي المغازي لابن إسحاق في قصة الجارية فائدة أخرى
قال حدثني أبو وجرة يزيد بن عبيد السعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من
سبي هوازن علي بن أبي طالب جارية يقال لها ريطة بنت حبان بن عمير وأعطى عثمان جارية
يقال لها زينب بنت خناس وأعطى عمر قلابة فوهبها لابنه قال ابن إسحاق فحدثني نافع
عن ابن عمر قال بعثت جاريتي إلى أخوالي في بني جمح ليصلحوا لي منها حتى أطوف بالبيت ثم أتيتهم
فخرجت من المسجد فإذا الناس يشتدون قلت ما شأنكم قالوا رد علينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم نساءنا وأبناءنا فقلت دونكم صاحبتكم فهي في بني جمح فانطلقوا فأخذوها وهذا
لا ينافي قوله في رواية حماد بن زيد أنه وهب عمر جاريتين فيجمع بينهما بأن عمر أعطى إحدى
جاريتيه لولده عبد الله والله أعلم وذكر الواقدي أنه أعطى لعبد الرحمن بن عوف وآخرين معه
من الجواري وأن جارية سعد بن أبي وقاص اختارته فأقامت عنده وولدت له والله أعلم وقد
تقدم ما يتعلق بالاعتكاف في بابه ويأتي ما يتعلق بالنذر في بابه إن شاء الله تعالى * الحديث الخامس
حديث أبي قتادة (قوله عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري وعمر بن كثير بن أفلح مدني مولى
أبي أيوب الأنصاري وثقه النسائي وغيره وهو تابعي صغير ولكن ابن حبان ذكره في أتباع
التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث بهذا الاسناد لكن ذكره في مواضع فتقدم في
البيوع مختصرا وفي فرض الخمس تاما وسيأتي في الاحكام وقد ذكرت في البيوع أن يحيى
بن يحيى الأندلسي حرفه في روايته فقال عن عمرو بن كثير والصواب عمر (قوله عن أبي محمد) هو نافع
بن عباس معروف باسمه وكنيته (قوله فلما التقينا كانت للمسلمين جولة) بفتح الجيم وسكون الواو
أي حركة فيها اختلاف وقد أطلق في رواية الليث الآتية بعدها أنهم انهزموا لكن بعد القصة
التي ذكرها أبو قتادة وقد تقدم في حديث البراء أن الجميع لم ينهزموا (قوله فرأيت رجلا من
المشركين قد علا رجلا من المسلمين) لم أقف على اسمهما وقوله علا أي ظهر وفي رواية الليث التي
بعدها نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله بفتح أوله
وسكون الخاء المعجمة وكسر المثناة أي يريد أن يأخذه على غرة وتبين من هذه الرواية أن الضمير في
قوله في الأولى فضربته من ورائه لهذا الثاني الذي كان يريد أن يختل المسلم (قوله على حبل عاتقة)
حبل العاتق عصبه والعاتق موضع الرداء من المنكب وعرف منه أن قوله في الرواية الثانية
فأضرب يده فقطعتها أن المراد باليد الذراع والعضد إلى الكتف وقوله فقطعت الدرع أي التي كان
لابسها وخلصت الضربة إلى يده فقطعتها (قوله وجدت منها ريح الموت) أي من شدتها وأشعر
ذلك بأن هذا المشرك كان شديد القوة جدا (قوله ثم أدركه الموت فأرسلني) أي أطلقني (قوله
فلحقت عمر) في السياق حذف ببنته الرواية الثانية حيث قال فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم
المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب (قوله أمر الله) أي حكم الله وما قضى به (قوله
ثم رجعوا) في الرواية الثانية ثم تراجعوا وقد تقدم في الحديث الأول كيفية رجوعهم وهزيمة
المشركين بما يغنى عن إعادته (قوله من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه) تقدم شرح ذلك مستوفى
في فرض الخمس (قوله فقلت من يشهد لي) زاد في الرواية التي تلي هذه فلم أر أحدا يشهد لي
29

وذكر الواقدي أن عبد الله بن أنيس شهد له فإن كان ضبطه احتمل أن يكون وجده في المرة الثانية
فإن في الرواية الثانية فجلست ثم بدا لي فذكرت أمره (قوله فقال رجل) في الرواية الثانية
من جلسائه وذكر الواقدي أن اسمه أسود بن خزاعي وفيه نظر لان في الرواية الصحيحة أن الذي
أخذ السلب قرشي (قوله صدق وسلبه عندي فأرضه منه) في رواية الكشميهني فأرضه مني
(قوله فقال أبو بكر الصديق لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله
فيعطيك سلبه) هكذا ضبطناه في الأصول المعتمدة من الصحيحين وغيرهما بهذه الأحرف لاها الله
إذا فأما لاها الله فقال الجوهري ها للتنبيه وقد يقسم بها يقال لاها الله ما فعلت كذا قال ابن
مالك فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه قال ولا يكون ذلك الا مع الله
أي لم يسمع لاها الرحمن كما سمع لا والرحمن قال وفي النطق بها أربعة أوجه أحدها ها الله باللام بعد
الهاء بغير إظهار شئ من الألفين ثانيها مثله لكن بإظهار ألف واحدة بغير همز كقولهم التقت
حلقتا البطان ثالثها ثبوت الألفين بهمزة قطع رابعها بحذف الألف وثبوت همزة القطع
انتهى كلامه والمشهور في الراوية من هذه الأوجه الثالث ثم الأول وقال أبو حاتم السجستاني
العرب تقول لاها الله ذا بالهمز والقياس ترك الهمز وحكى ابن التين عن الداودي أنه روى برفع
الله قال والمعنى يأبى الله وقال غيره إن ثبتت الرواية بالرفع فتكون ها للتنبيه والله مبتدأ ولا
يعمد خبره انتهى ولا يخفى تكلفه وقد نقل الأئمة الاتفاق على الجر فلا يلتفت إلى غيره وأما إذا
فثبتت في جميع الروايات المعتمدة والأصول المحققة من الصحيحين وغيرهما بكسر الألف ثم ذال
معجمة منونة وقال الخطابي هكذا يروونه وإنما هو في كلامهم أي العرب لاها الله ذا والهاء فيه
بمنزلة الواو والمعنى لا والله يكون ذا ونقل عياض في المشارق عن إسماعيل القاضي أن المازني قال
قول الرواة لاها الله إذا خطأ والصواب لاها الله ذا أي ذا يميني وقسمي وقال أبو زيد ليس في كلامهم
لاها الله إذا وإنما هو لاها الله ذا وذا صلة في الكلام والمعنى لا والله هذا ما أقسم به ومنه أخذ
الجوهري فقال قولهم لاها الله ذا معناه لا والله هذا ففرقوا بين حرف التنبيه والصلة والتقدير
لا والله ما فعلت ذا وتوارد كثير ممن تكلم على هذا الحديث أن الذي وقع في الخبر بلفظ إذا خطأ وإنما
هو ذا تبعا لأهل العربية ومن زعم أنه ورد في شئ من الروايات بخلاف ذلك فلم يصب بل
يكون ذلك من إصلاح بعض من قلد أهل العربية في ذلك وقد اختلف في كتابة إذا هذه هل
تكتب بألف أو بنون وهذا الخلاف مبنى على أنها اسم أو حرف فمن قال هي اسم قال الأصل
فيمن قيل له سأجئ إليك فأجاب إذا أكرمك أي إذا جئتني أكرمك ثم حذف جئتني وعوض عنها
التنوين وأضمرت أن فعلى هذا يكتب بالنون ومن قال هي حرف وهم الجمهور اختلفوا فمنهم
من قال هي بسيطة وهو الراجح ومنهم من قال مركبة من إذا وإن فعلى الأول تكتب بألف وهو
الراجح وبه وقع رسم المصاحف وعلى الثاني تكتب بنون واختلف في معناها فقال سيبويه معناها
الجواب والجزاء وتبعه جماعة فقالوا هي حرف جواب يقتضى التعليل وأفاد أبو علي الفارسي
أنها قد تتمحض للجواب وأكثر ما تجئ جوابا لو وأن ظاهرا أو مقدرا فعلى هذا لو ثبتت الرواية
بلفظ إذا لاختل نظم الكلام لأنه يصير هكذا لا والله إذا لا يعمد إلى أسد الخ وكان حق السياق
أن يقول إذا يعمد أي لو أجابك إلى ما طلبت لعمد إلى أسد الخ وقد ثبتت الرواية بلفظ
30

لا يعمد الخ فمن ثم ادعى من ادعى أنها تغيير ولكن قال ابن مالك وقع في الرواية إذا بألف
وتنوين وليس ببعيد وقال أبو البقاء هو بعيد ولكن يمكن أن يوجه بأن التقدير لا والله لا يعطى
إذا يعني ويكون لا يعمد الخ تأكيدا للنفي المذكور وموضحا للسبب فيه وقال الطيبي ثبت
في الرواية لاها الله إذا فحمله بعض النحويين على أنه من تغيير بعض الرواة لان العرب لا تستعمل
لاها الله بدون ذا وأن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذا لأنها حرف جزاء والكلام هنا
على نقيضه فإن مقتضى الجزاء أن لا يذكر لا في قوله لا يعمد بل كان يقول إذا يعمد إلى أسد إلى
اخره ليصح جوابا لطلب السلب قال والحديث صحيح والمعنى صحيح وهو كقولك لمن قال لك
أفعل كذا فقلت له والله إذا لا أفعل فالتقدير إذا والله لا يعمد إلى أسد اخره قال ويحتمل أن
تكون إذا زائدة كما قال أبو البقاء إنها زائدة في قول الحماسي * إذا لقام بنصري معشر خشن *
في جواب قوله * لو كنت من مازن لم تستبح أبلى * قال والعجب ممن يعتني بشرح الحديث ويقدم
نقل بعض الأدباء على أئمة الحديث وجهابذته وينسبون إليهم الخطأ والتصحيف ولا أقول إن
جهابذة المحدثين أعدل وأتقن في النقل إذ يقتضى المشاركة بينهم بل أقول لا يجوز العدول عنهم
في النقل إلى غيرهم (قلت) وقد سبقه إلى تقرير ما وقع في الرواية ورد ما خالفها الإمام أبو العباس
القرطي في المفهم فنقل ما تقدم عن أئمة العربية ثم قال وقع في رواية العذري والهوزني في مسلم
لاها الله ذا بغير ألف ولا تنوين وهو الذي جزم به من ذكرناه قال والذي يظهر لي أن الرواية
المشهورة صواب وليست بخطأ وذلك أن هذا الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى
والهاء هي التي عوض بها عن واو القسم وذلك أن العرب تقول في القسم الله لأفعلن بمد الهمزة
وبقصرها فكأنهم عوضوا عن الهمزة هاء فقالوا ها الله لتقارب مخرجيهما وكذلك قالوا بالمد
والقصر وتحقيقه أن الذي مد مع الهاء كأنه نطق بهمزتين أبدل من إحداهما ألفا استثقالا
لاجتماعهما كما تقول آلله والذي قصر كأنه نطق بهمزة واحدة كما تقول الله وأما إذا فهي بلا شك
حرف جواب وتعليل وهي مثل التي وقعت في قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن بيع
الرطب بالتمر فقال أينقص الرطب إذا جف قالوا نعم قال فلا إذا فلو قال فلا والله إذا لكان مساويا
لما وقع هنا وهو قوله لاها الله إذا من كل وجه لكنه لم يحتج هناك إلى القسم فتركه قال فقد وضح تقرير
الكلام ومناسبته واستقامته معنى ووضعا من غير حاجة إلى تكلف بعيد يخرج عن البلاغة ولا
سيما من أرتكب أبعد وأفسد فجعل الهاء للتنبيه وذا للإشارة وفصل بينهما بالمقسم به قال وليس
هذا قياسا فيطرد ولا فصيحا فيحمل عليه الكلام النبوي ولا مرويا برواية ثابتة قال وما وجد
للعذري وغيره فاصلاح من اغتر بما حكى عن أهل العربية والحق أحق أن يتبع وقال بعض من
أدركناه وهو أبو جعفر الغرناطي نزيل حلب في حاشية نسخته من البخاري استرسل جماعة من
القدماء في هذا الاشكال إلى أن جعلوا المخلص منه أن اتهموا الاثبات بالتصحيف فقالوا والصواب
لاها الله ذا باسم الإشارة قال ويا عجبا من قوم يقبلون التشكيك على الروايات الثابتة ويطلبون
لها تأويلا جوابهم أن ها الله لا يستلزم اسم الإشارة كما قال ابن مالك وأما جعل لا يعمد جواب
فأرضه فهو سبب الغلط وليس بصحيح ممن زعمه وإنما هو جواب شرط مقدر يدل عليه صدق فأرضه
فكأن أبا بكر قال إذا صدق في أنه صاحب السلب إذا لا يعمد إلى السلب فيعطيك حقه فالجزاء
31

على هذا صحيح لان صدقه سبب أن لا يفعل ذلك قال وهذا واضح لا تكلف فيه انتهى وهو توجيه
حسن والذي قبله أقعد ويؤيد ما رجحه من الاعقاد على ما ثبتت به الرواية كثرة وقوع هذه
الجملة في كثير من الأحاديث منها ما وقع في حديث عائشة في قصة بربرة لما ذكرت أن أهلها
يشترطون الولاء قالت فانتهرتها فقلت لاها الله إذا ومنها ما وقع في قصة جليبيب بالجيم
والموحدتين مصغرا أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عليه امرأة من الأنصار إلى أبيها فقال حتى
أستأمر أمها قال فنعم إذا قال فذهب إلى امرأته فذكر لها فقالت لاها الله إذا وقد منعناها
فلانا الحديث صححه ابن حبان من حديث أنس ومنها ما أخرجه أحمد في الزهد قال قال
مالك بن دينار للحسن يا أبا سعيد لو لبست مثل عباءتي هذه قال لاها الله إذا ألبس مثل عباءتك
هذه وفي تهذيب الكمال في ترجمة ابن أبي عتيق أنه دخل على عائشة في مرضها فقال كيف
أصبحت جعلني الله فداك قالت أصبحت ذاهبة قال فلا إذا وكان فيه دعابة ووقع في كثير من
الأحاديث في سياق الاثبات بقسم وبغير قسم فمن ذلك في قصة جليبيب ومنها حديث عائشة في
قصة صفية لما قال صلى الله عليه وسلم أحابستنا هي وقال إنها طافت بعد ما أفاضت فقال فلتنفر
إذا وفي رواية فلا إذا ومنها حديث عمرو بن العاص وغيره في سؤاله عن أحب الناس فقال عائشة
فقال لم أعن النساء قال فأبوها إذا ومنها حديث ابن عباس في قصة الأعرابي الذي أصابته الحمى
فقال بل حمى تفور عل شيخ كبير تزيره القبور قال فنعم إذا ومنها ما أخرجه الفاكهي من
طريق سفيان قال لقيت ليطة بن الفرزدق فقلت أسمعت هذا الحديث من أبيك قال أي ها الله
إذا سمعت أبي يقوله فذكر القصة ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء
أرأيت لو أني فرغت من صلاتي فلم أرض كما لها أفلا أعود لها قال بلى ها الله إذا والذي يظهر من
تقدير الكلام بعد أن تقرر أن إذا حرف جواب وجزاء أنه كأنه قال إذا والله أقول لك نعم وكذا
في النفي كأنه أجابه بقوله إذا والله لا تعطيك إذا والله لا أشترط إذا والله لا ألبس وأخر حرف
الجواب في الأمثلة كلها وقد قال ابن جريج في قوله تعالى أم له نصيب من الملك فإذا لا يؤتون
الناس نقيرا فلا يؤتون الناس إذا وجعل ذلك جوابا عن عدم النصب بها مع أن الفعل مستقبل
وذكر أبو موسى المديني في المغيث له في قوله تعالى وإذا لا يلبثون خلفك الا قليلا إذا قيل هو اسم
بمعنى الحروف الناصبة وقيل أصله إذا هو من ظروف الزمان وإنما نون للفرق ومعناه
حينئذ أي أن أخرجوك من مكة فحينئذ لا يلبثون خلفك إلا قليلا وإذا تقرر ذلك أمكن حمل
ما ورد من هذه الأحاديث عليه فيكون التقدير لا والله حينئذ ثم أراد بيان السبب في ذلك
فقال لا يعمد إلى اخره والله أعلم وإنما أطلت في هذا الموضع لأنني منذ طلبت الحديث
ووقفت على كلام الخطابي وقعت عندي منه نفرة للاقدام على تخطئة الروايات الثابتة خصوصا
ما في الصحيحين فما زلت أتطلب المخلص من ذلك إلى أن ظفرت بما ذكرته فرأيت إثباته كله هنا
والله الموفق (قوله لا يعمد الخ) أي لا يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل كأنه أسد في
الشجاعة يقاتل عن دين الله ورسوله فيأخذ حقه ويعطيكه بغير طيبة من نفسه هكذا ضبط
للأكثر بالتحتانية فيه وفي يعطيك وضبطه النووي بالنون فيهما (قوله فيعطيك سلبه) أي
سلب قتيله فأضافه إليه باعتبار أنه ملكه (تنبيه) وقع في حديث أنس أن الذي خاطب النبي
32

صلى الله عليه وسلم بذلك عمر أخرجه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن إسحاق بن أبي طلحة عنه
ولفظه إن هوازن جاءت يوم حنين فذكر القصة قال فهزم الله المشركين فلم يضرب بسيف ولم
يطعن برمح وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ من قتل كافرا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ
عشرين راجلا وأخذ أسلابهم وقال أبو قتادة إني ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع
فأعجلت عنه فقام رجل فقال أخذتها فأرضه منها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل
شيئا إلا أعطاه أو سكت فسكت فقال عمر والله لا يفيئا الله على أسد من أسده ويعطيكها فقال
النبي صلى الله عليه وسلم صدق عمر وهذا الاسناد قد أخرج به مسلم بعض هذا الحديث وكذلك
أبو داود لكن الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة وهو صاحب القصة فهو أتقن
لما وقع فيها من غيره ويحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضا قال ذلك تقوية لقول أبي بكر والله أعلم
(قوله صدق) أي القائل (فأعطه) بصيغة الامر الذي اعترف بأن السلب عنده (قوله فابتعت
به) ذكر الواقدي أن الذي اشتراه منه حاطب بن أبي بلتعة وأن الثمن كان سبع أوافي (قوله
مخرفا) بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي بستانا سمي بذلك لأنه يخترف منه التمر أي يجتنى
وأما بكسر الميم فهو اسم الآلة التي يخترف بها وفي الرواية التي بعدها خرافا وهو بكسر
أوله وهو التمر الذي يخترف أي يجتنى وأطلقه على البستان مجازا فكأنه قال بستان
خراف وذكر الواقدي أن البستان المذكور كان يقال له الوديين (قوله في بني سلمة) بكسر اللام
هم بطن من الأنصار وهم قوم أبي قتادة (قوله تأثلته) بمثناة ثم مثلثة أي أصلته وأثلة كل شئ
أصله وفي رواية ابن إسحاق أول مال اعتقدته أي جعلته عقدة والأصل فيه من العقد لان من
ملك شيئا عقد عليه (قوله وقال الليث حدثني يحيى بن سعيد) هو الأنصاري شيخ مالك فيه
وروايته هذه وصلها المصنف في الاحكام عن قتيبة عنه لكن باختصار وقال فيه عن يحيى لم
يقل حدثني وذكر في آخره كلمة قال فيها قال لي عبد الله حدثنا الليث يعني بالاسناد المذكور
وعبد الله هو بن صالح كاتب الليث وأكثر ما يعلقه البخاري عن الليث ما أخذه عن عبد الله بن
صالح المذكور وقد أشبعت القول في ذلك في المقدمة وقد وصل الإسماعيلي هذا الحديث
من طريق حجاج بن محمد عن الليث قال حدثني يحيى بن سعيد وذكره بتمامه (قوله حتى
تخوفت) حذف المفعول والتقدير الهلال (قوله ثم برك) كذا للأكثر بالموحدة ولبعضهم
بالمثناة أي تركني وفي رواية الإسماعيلي ثم نزف بضم النون وكسر الزاي بعدها فاء
ويؤيده قوله بعدها فتحلل (قوله سلاح هذا القتيل الذي يذكر) في رواية الكشميهني الذي
ذكره وتبين بهذه الرواية أن سلبه كان سلاحا (قوله أصيبغ) بمهملة ثم معجمة عند القابسي
وبمعجمة ثم مهملة عند أبي ذر وقال ابن التين وصفه بالضعف والمهانة والأصيبغ نوع من الطير
أو شبهه بنبات ضعيف يقال له الصبغاء إذا طلع من الأرض يكون أول ما يلي الشمس منه
أصفر ذكر ذلك الخطابي وعلى هذا رواية القابسي وعلى الثاني تصغير الضبع على غير قياس
كأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد صغر خصمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز
وقال ابن مالك أضيبع بمعجمة وعين مهملة تصغير أضبع ويكنى به عن الضعيف (قوله ويدع)
33

أي يترك وهو بالرفع ويجوز للنصب والجر * (قوله باب غزوة أوطاس) قال
عياض هو واد في دار هوازن وهو موضع حرب حنين انتهى وهذا الذي قاله ذهب إليه بعض
أهل السير والراجح أن وادي أوطاس غير وادي حنين ويوضح ذلك ما ذكر ابن إسحاق أن
الوقعة كانت في وادي حنين وأن هوازن لما انهزموا صارت طائفة منهم إلى الطائف
وطائفة إلى بجيلة وطائفة إلى أوطاس فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا مقدمهم أبو عامر
الأشعري إلى من مضى إلى أوطاس كما يدل عليه حديث الباب ثم توجه هو وعساكره إلى
الطائف وقال أبو عبيدة البكري أوطاس واد في ديار هوازن وهناك عسكروا هم وثقيف ثم
التقوا بحنين (قوله بعث أبا عامر) هو عبيد بن سليم بن حضار الأشعري وهو عم أبي موسى
وقال ابن إسحاق هو ابن عمه والأول أشهر (قوله فلقى دريد بن الصمة فقتل دريد) أما الصمة فهو
بكسر المهملة وتشديد الميم أي ابن بكر بن علقمة ويقال ابن الحرث بن بكر بن علقمة الجشمي
بضم الجيم وفتح المعجمة من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن فالصمة لقب لأبيه واسمه
الحرث وقوله فقتل رويناه على البناء للمجهول واختلف في قاتله فجزم محمد بن إسحاق بأنه
ربيعة بن رفيع بفاء مصغر بن وهبان بن ثعلبة بن ربيعة السلمي وكان يقال له ابن الذعنة بمعجمة
ثم مهملة ويقال بمهملة ثم معجمة وهي أمه وقال ابن هشام يقال اسمه عبد الله بن قبيع
بن أهبان وساق بقية نسبه ويقال له أيضا ابن الدغنة وليس هو ابن الدغنة المذكور في قصة أبي
بكر في الهجرة وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة
هو الزبير بن العوام ولفظه لما انهزم المشركون انحاز دريد بن الصمة في ستمائة نفس على أكمة
فرأوا كتيبة فقال خلوهم لي فخلوهم فقال هذه قضاعة ولا بأس عليكم ثم رأوا كتيبة مثل ذلك
فقال هذه سليم ثم رأوا فارسا وحده فقال خلوه لي فقال معتجر بعمامة سوداء فقال هذا الزبير
ابن العوام وهو قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا قال فالتفت الزبير فرآهم فقال علام
هؤلاء ههنا فمضى إليهم وتبعه جماعة فقتلوا منهم ثلاثمائة فخر رأس دريد بن الصمة فجعله بين
يديه ويحتمل أن يكون ابن الدغنة كان في جماعة الزبير فباشر قتله فنسب إلى الزبير مجازا وكان
دريد من الشعراء الفرسان المشهورين في الجاهلية ويقال إنه كان لما قتل ابن عشرين
ويقال ابن ستين ومائة سنة (قوله قال أبو موسى وبعثني) أي النبي صلى الله عليه وسلم (مع
أبي عامر) أي إلى من التجأ إلى أوطاس وقال ابن إسحاق بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا عامر
الأشعري في آثار من توجه إلى أوطاس فأدرك بعض من انهزم فناوشوه القتال (قوله فرمى أبو
عامر في ركبته رماه جشمى) بضم الجيم وفتح المعجمة أي رجل من بني جشم واختلف في اسم هذا
الجشمي فقال ابن إسحاق زعموا أن سلمة بن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب
ركبته فقتله وأخذ الراية أبو موسى الأشعري فقاتلهم ففتح الله عليه وقال ابن هشام حدثني
من أثق به أن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم وهما أوفي والعلاء ابنا الحرث وفي نسخة
وافى بدل أوفى فأصاب أحدهما ركبته وقتلهما أبو موسى الأشعري وعند ابن عائذ والطبراني في
الأوسط من وجه آخر عن أبي موسى الأشعري بإسناد حسن لما هزم الله المشركين يوم حنين بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل الطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه فقتل ابن دريد أبا عامر
34

فعدلت إليه فقتلته وأخذت اللواء الحديث فهذا يؤيد ما ذكره ابن إسحاق وذكر ابن إسحاق
في المغازي أيضا أن أبا عامر لقي يوم أوطاس عشرة من المشركين إخوة فقتلهم واحدا بعد واحد
حتى كان العاشر فحمل عليه وهو يدعوه إلى الاسلام وهو يقول اللهم أشهد عليه فقال الرجل اللهم
لا تشهد على فكف عنه أبو عامر ظنا منه أنه أسلم فقتله العاشر ثم أسلم بعد فحسن إسلامه فكان
النبي صلى الله عليه وسلم يسميه شهيد أبي عامر وهذا يخالف الحديث الصحيح في أن أبا موسى
قتل قاتل أبي عامر وما في الصحيح أولى بالقبول ولعل الذي ذكره ابن إسحاق شارك في قتله
(قوله فنزا منه الماء) أي انصب من موضع السهم (قوله قال يا ابن أخي) هذا يرد قول ابن إسحاق إنه
ابن عمه ويحتمل أن كان ضبطه أن يكون قال له ذلك لكونه كان أسن منه (قوله فرجعت
فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية ابن عائذ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم
معي اللواء قال يا أبا موسى قتل عامر (قوله على سرير مرمل) براء مهملة ثم ميم ثقيلة أي معمول
بالرمال وهي حبال الحصر التي تضفر بها الأسرة (قوله وعليه فراش) قال ابن التين أنكره الشيخ
أبو الحسن وقال الصواب ما عليه فراش فسقطت ما انتهى وهو إنكار عجيب فلا يلزم من كونه
رقد على غير فراش كما في قصة عمر أن لا يكون على سريره دائما فراش (قوله فدعا بماء فتوضأ ثم
رفع يديه) يستفاد منه استحباب التطهير لإرادة الدعاء ورفع اليدين في الدعاء خلافا لمن خص ذلك
بالاستسقاء وسيأتي بيان ما ورد من ذلك في كتاب الدعوات (قوله فوق كثير من خلقك) أي
في المرتبة وفي رواية ابن عائذ في الأكثرين يوم القيامة (قوله قال أبو بردة) هو موصول بالاسناد
المذكور * (قوله باب غزوة الطائفة) هو بلد كبير مشهور كثير الأعناب والنخيل
على ثلاث مراحل أو ثنتين من مكة من جهة المشرق قيل أصلها أن جبريل عليه السلام اقتلع
الجنة التي كانت لأصحاب الصريم فسار بها إلى مكة فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حيث
الطائف فسمى الموضع بها وكانت أولا بنواحي صنعاء واسم الأرض و ج بتشديد الجيم سميت
برجل وهو ابن عبد الجن من العمالقة وهو أول من نزل بها وسار النبي صلى الله عليه وسلم إليها
بعد منصرفة من حنين وحبس الغنائم بالجعرانة وكان مالك بن عوف النضري قائد هوازن
لما انهزم دخل الطائف وكان له حصن بلية وهي بكسر اللام وتخفيف التحتانية على أميال من
الطائف فمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو سائر إلى الطائف فأمر بهدمه (قوله في شوال سنة
ثمان قاله موسى بن عقبة) (قلت) كذا ذكره في مغازيه وهو قول جمهور أهل المغازي وقيل
بل وصل إليها في أول ذي القعدة ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث * الأول حديث أم سلمة وهشام
هو ابن عروة وفي الاسناد لطيفة رجل عن أبيه وهما تابعيان وامرأة عن أمها وهما صحابيتان
(قوله أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف) الحديث يأتي شرحه في كتاب النكاح والغرض منه هنا
ذكر حصار الطائف ولذلك أورد الطريق الأخرى بعده حيث قال فيها وهو محاصر الطائف يومئذ
وعبد الله بن أبي أمية هو أخو أم سلمة راوية الحديث وكان إسلامه مع أبي سفيان بن الحرث
المقدم ذكره في غزوة الفتح واستشهد عبد الله بالطائف أصابه سهم فقتله وقوله في الأول قال ابن
عيينة وقال ابن جريج هو موصول بالاسناد الأول وقوله المخنث هيت أي اسمه وهو بكسر
الهاء وسكون التحتانية بعدها مثناة وضبطه بعضهم بفتح أوله وأما ابن درستويه فضبطه بنون ثم
35

موحدة وزعم أن الأول تصحيف قال والهنب الأحمق وسيأتي ما قيل في اسمه من الاختلاف
هل هو واحد أو جماعة في كتاب النكاح وكذا ما قيل في اسم المرأة والأشهر أنها بادية إن شاء الله
تعالى * الحديث الثاني (قوله سفيان) هو ابن عيينة (قوله عن عمرو) هو ابن دينار وأبو العباس
الشاعر الأعمى تقدم ذكره وتسميته في قيام الليل (قوله عن عبد الله بن عمر) في رواية الكشميهني
عبد الله بن عمرو بفتح العين وسكون الميم وكذا وقع في رواية النسفي والأصيلي وقرئ على ابن زيد
المروزي كذلك فرده بضم العين وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه وقال الصواب عبد الله بن
عمر بن الخطاب والأول هو الصواب في رواية علي بن المديني وكذلك الحميدي وغيرهما من حفاظ
أصحاب ابن عيينة وكذا أخرجه الطبراني من رواية إبراهيم بن يسار وهو ممن لازم ابن عيينة
جدا والذي قال عن ابن عيينة في هذا الحديث عبد الله بن عمر وهم الذين سمعوا منه متأخرا
كما نبه عليه الحاكم وقد بالغ الحميدي في إيضاح ذلك فقال في مسنده في روايته لهذا الحديث
عن سفيان عبد الله بن عمر بن الخطاب وأخرجه البيهقي في الدلائل من طريق عثمان الدارمي
عن علي بن المديني قال حدثنا به سفيان غير مرة يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب لم يقل عبد الله
ابن عمرو بن العاص وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عيينة فقال عبد الله بن عمر وكذا رواه عنه
مسلم وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عنه فزاد قال أبو بكر سمعت ابن عيينة مرة أخرى يحدث
به عن ابن عمر وقال المفضل العلائي عن يحيى بن معين أبو العباس عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن
عمر في الطائف الصحيح ابن عمر (قوله لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلم ينل منهم
شيئا) في مرسل ابن الزبير عند ابن أبي شيبة قال لما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم الطائف قال
أصحابه يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم فقال اللهم اهد ثقيفا وذكر أهل المغازي
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استعصى عليه الحصن وكانوا قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة
ورموا على المسلمين سكك الحديد المحماة ورموهم بالنبل فأصابوا قوما فاستشار نوفل بن معاوية
الديلي فقال هم ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك فرحل عنهم وذكر أنس
في حديثه عند مسلم أن مدة حصارهم كانت أربعين يوما وعند أهل السير اختلاف قبل عشرين
يوما وقيل بضع عشرة وقيل ثمانية عشر وقيل خمسة عشر (قوله إنا قافلون) أي راجعون إلى
المدينة (قوله فثقل عليهم) بين سبب ذلك بقولهم نذهب ولا نفتحه وحاصل الخبر أنهم لما أخبرهم
بالرجوع بغير فتح لم يعجبهم فلما رأى ذلك أمرهم بالقتال فلم يفتح لهم فأصيبوا بالجراح لانهم رموا
عليهم من أعلى السور فكانوا ينالون منهم بسهامهم ولا تصل السهام إلى من على السور فلما
رأوا ذلك تبين لهم تصويب الرجوع فلما أعاد عليهم القول بالرجوع أعجبهم حينئذ ولهذا قال
فضحك وقوله وقال سفيان مرة فتبسم هو ترديد من الراوي (قوله قال الحميدي حدثنا سيفان
الخبر كله) بالنصب أي أن الحميدي رواه بغير عنعنة بل ذكر الخبر في جميع الاسناد ووقع في رواية
الكشميهني بالخبر كله وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج وفي الدلائل من طريق بشر بن موسى
عن الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو سمعت أبا العباس الأعمى يقول سمعت عبد الله بن عمر
يقول فذكره * الحديث الثالث (قوله عن عاصم) هو ابن سليمان وأبو عثمان هو النهدي وشرح
المتن يأتي في الغرائض والغرض منه ذكر أبي بكرة واسمه نفيع بن الحرث وكان مولى الحرث بن
36

كلدة الثقفي فتدلى من حصن الطائف ببكرة فكنى أبا بكرة لذلك أخرج ذلك الطبراني بسند
لا بأس به من حديث أبي بكرة وكان ممن نزل من حصن الطائف من عبيدهم فأسلم فيما ذكر أهل
المغازي منهم مع أبي بكرة المنبعث وكان عبدا لعثمان بن عامر بن معتب وكذا مرزوق والأزرق
زوج سمية والدة زياد بن عبيد الذي صار يقال له زياد بن أبيه والأزرق أبو عقبة وكان لكلدة
الثقفي ثم حالف بني أمية لان النبي صلى الله عليه وسلم دفعه لخالد بن سعيد بن العاص ليعلمه
الاسلام وورد ان وكان لعبد الله بن ربيعة ويحنس النبال وكان لابن مالك الثقفي وإبراهيم
ابن جابر وكان لخرشة الثقفي وبشار وكان لعثمان بن عبد الله ونافع مولى الحرث بن كلدة ونافع
مولى غيلان بن سلمة الثقفي ويقال كان معهم زياد بن سمية والصحيح أنه لم يخرج حينئذ لصغره
ولم أعرف أسماء الباقين (قوله تسور) أي صعد إلى أعلاه وهذا لا يخالف قوله تدلى لأنه تسور من
أسفله إلى أعلاه ثم تدلى منه (قوله وقال هشام) هو ابن يوسف الصغاني ولم يقع لي موصولا إليه
وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر لكن عن أبي عثمان وحده عن أبي بكرة وحده بغير شك وغرض
المصنف منه ما فيه من بيان عدد من أبهم في الرواية الأولى فإن فيها تسور من حصن الطائف في
أناس وفي هذا فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف وفيه رد على
من زعم أن أبا بكرة لم ينزل من سور الطائف غيره وهو شئ قاله موسى بن عقبة في مغازيه وتبعه
الحاكم وجمع بعضهم بين القولين بأن أبا بكرة نزل وحده أولا ثم نزل الباقون بعده وهو جمع حسن
وروى ابن أبي شيبة وأحمد من حديث ابن عباس قال أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
الطائف كل من خرج إليه من رقيق المشركين وأخرجه ابن سعد مرسلا من وجه آخر * الحديث
الرابع وهو أول الأحاديث في قسمة غنائم حنين بالجعرانة (قوله وهو نازل بالجعرانة بين مكة
والمدينة) اما الجعرانة فهي بكسر الجيم والعين المهملة وتشديد الراء وقد تسكن العين وهي بين
الطائف ومكة وإلى مكة أقرب قاله عياض وقال الفاكهي بينها وبين مكة بريد وقال الباجي
ثمانية عشر ميلا وقد أنكر الداودي الشارح قوله إن الجعرانة بين مكة والمدينة وقال إنما هي
بين مكة والطائف وكذا جزم النووي بان الجعرانة بين الطائف ومكة وهو مقتضى ما تقدم نقله
عن الفاكهي وغيره (قوله أعرابي) لم أقف على اسمه (قوله ألا تنجز لي ما وعدتني) يحتمل أن
الوعد كان خاصا به ويحتمل أن يكون عاما وكان طلبه أن يعجل له نصيبه من الغنيمة فإنه صلى الله
عليه وسلم كان أمر أن تجمع غنائم حنين بالجعرانة وتوجه هو بالعساكر إلى الطائف فلما رجع منها
قسم الغنائم حينئذ بالجعرانة فلهذا وقع في كثير ممن كان حديث عهد بالاسلام استبطاء الغنيمة
واستنجاز قسمتها (قوله أبشر) بهمزة قطع أي بقرب القسمة أو بالثواب الجزيل على الصبر
(قوله فنادت أم سلمة) هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم المؤمنين ولهذا قالت لامكما
(قوله فافضلا لها منه طائفة) اي بقية وفي الحديث منقبة لأبي عامر ولأبي موسى ولبلال والام
سلمة رضي الله عنهم * الحديث الخامس (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن إبراهيم المعروف
37

بابن علية ويعلى هو ابن أمية التميمي وقد تقدم شرح حديثه مستوفى في أبواب العمرة * الحديث
السادس (قوله حدثنا وهيب) هو ابن خالد (قوله عن عمرو بن يحيى) في رواية أحمد عن عفان عن
وهيب حدثنا عمرو بن يحيى وهو المازني الأنصاري المدني وفي رواية إسماعيل بن جعفر عند مسلم
عن عمرو بن يحيى بن عمارة (قوله لما أفاء الله على رسوله يوم حنين) أي أعطاه غنائم الذين
قاتلهم يوم حنين وأصل الفئ الرد والرجوع ومنه سمى الظل بعد الزوال فيئا لأنه رجع من جانب إلى
جانب فكأن أموال الكفار سميت فيئا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الايمان هو الأصل
والكفر طارئ عليه فإذا غلب الكفار على شئ من المال فهو بطريق التعدي فإذا غنمه المسلمون
منهم فكأنه رجع إليهم ما كان لهم وقد قدمنا قريبا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بحبس الغنائم
بالجعرانة فلما رجع من الطائف وصل إلى الجعرانة في خامس ذي القعدة وكان السبب في تأخير
القسمة ما تقدم في حديث المسور رجاء أن يسلموا وكانوا ستة آلاف نفس من النساء والأطفال
وكانت الإبل أربعة وعشرين ألفا والغنم أربعين ألف شاة (قوله قسم في الناس) حذف
المفعول والمراد به الغنائم ووقع في رواية الزهري عن أنس في الباب يعطي رجالا المائة من الإبل
وقوله في المؤلفة قلوبهم بدل بعض من كل والمراد بالمؤلفة ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاما
ضعيفا وقيل كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية وقد اختلف في المراد بالمؤلفة قلوبهم
الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل كفار يعطون ترغيبا في الاسلام وقيل مسلمون لهم أتباع
كفار ليتألفوهم وقيل مسلمون أول ما دخلوا في الاسلام ليتمكن الاسلام من قلوبهم وأما
المراد بالمؤلفة هنا فهذا الأخير لقوله في رواية الزهري في الباب فانى أعطى رجالا حديثي عهد
بكفر أتألفهم ووقع في حديث أنس الآتي في باب قسم الغنائم في قريش والمراد بهم من فتحت مكة
وهم فيها وفي رواية له فأعطى الطلقاء والمهاجرين والمراد بالطلقاء جمع طليق من حصل من النبي
صلى الله عليه وسلم المن عليه يوم فتح مكة من قريش وأتباعهم والمراد بالمهاجرين من أسلم قبل فتح
مكة وهاجر إلى المدينة وقد سرد أبو الفضل بن طاهر في المبهات له أسماء المؤلفة وهم (س) أبو
سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزي (س) وحكيم بن حزام وأبو السنابل بن
بعكك وصفوان بن أمية وعبد الرحمن بن يربوع وهؤلاء من قريش وعيينة بن حصن الفزاري
والأقرع بن حابس التميمي وعمرو بن الأيهم التميمي (س) والعباس بن مرداس السلمي (س) ومالك
ابن عوف النضري والعلاء بن حارثة الثقفي وفي ذكر الأخيرين نظر فقيل إنهما جآ طائعين من
الطائف إلى الجعرانة وذكر الواقدي في المؤلفة (س) معاوية ويزيد ابني أبي سفيان وأسيد بن
حارثة ومخرمة بن نوفل (س) وسعيد بن يربوع (س) وقيس بن عدي (س) وعمرو بن وهب (س)
وهشام بن عمرو وذكر ابن إسحاق من ذكرت عليه علامة سين وزاد النضر بن الحرث والحرث بن هشام
وجبير بن مطعم وممن ذكره فيهم أبو عمر سفيان بن عبد الأسد والسائب بن أبي السائب ومطيع بن
الأسود وأبو جهم بن حذيفة وذكر ابن الجوزي فيهم زيد الخيل وعلقمة بن علاثة وحكيم بن طلق بن
سفيان بن أمية وخالد بن قيس السهمي وعمير بن مرداس وذكر غيرهم فيهم قيس بن مخرمة وأحيحة
ابن أمية بن خلف وابن أبي شريق وحرملة بن هوذة وخالد بن هوذة وعكرمة بن عامر العبدري وشيبة
38

ابن عمارة وعمرو بن ورقة ولبيد بن ربيعة والمغيرة بن الحرث وهشام بن الوليد المخزومي فهؤلاء
زيادة على أربعين نفسا (قوله ولم يمط الأنصار شيئا) ظاهر في أن العطية المذكورة كانت
من جميع الغنيمة وقال القرطبي في المفهم الاجراء على أصول الشريعة أن العطاء المذكور كان من
الخمس ومنه كان أكثر عطاياه وقد قال في هذه الغزوة للاعرابي ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس
والخمس مردود فيكم أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو وعلى الأول فيكون
ذلك مخصوصا بهذه الواقعة وقد ذكر السبب في ذلك في رواية قتادة عن أنس في الباب حيث قال
أن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم (قلت) الأول هو المعتمد
وسيأتي ما يؤكده والذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي ولكنه ليس بحجة إذا انفرد فكيف
إذا خالف وقيل إنما كان تصرف في الغنيمة لان الأنصار كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت
الهزيمة على الكفار فرد الله أمر الغنيمة لنبيه وهذا معنى القول السابق بأنه خاص بهذه الواقعة
واختار أبو عبيد أنه كان من الخمس وقال ابن القيم اقتضت حكمة الله أن فتح مكة كان سببا
لدخول كثير من قبائل العرب في الاسلام وكانوا يقولون دعوه وقومه فإن غلبهم دخلنا في دينه
وأن غلبوه كفونا أمره فلما فتح الله عليه استمر بعضهم على ضلاله فجمعوا له وتأهبوا لحربه وكان
من الحكمة في ذلك أن يظهر أن الله نصر رسوله لا بكثرة من دخل في دينه من القبائل ولا
بانكفاف قومه عن قتاله ثم لما قدر الله عليه من غلبته إياهم قدر وقوع هزيمة المسلمين مع كثرة
عددهم وقوة عددهم ليتبين لهم أن النصر الحق إنما هو من عنده لا بقوتهم ولو قدر أن يغلبوا
الكفار ابتداء لرجع من رجع منهم شامخ الرأس متعاظما فقدر هزيمتهم ثم أعقبهم النصر
ليدخلوا مكة كما دخلها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح متواضعا متخشعا واقتضت حكمته أيضا أن
غنائم الكفار لما حصلت ثم قسمت على من لم يتمكن الايمان من قلبه لما بقي فيه من الطبع
البشرى في محبة المال فقسمه فيهم لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته لأنها جبلت على حب من
أحسن إليها ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم
لجميعها لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم بخلاف قسمته على المؤلفة لان فيه استجلاب
قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم
في الاسلام ولتقوية قلب من دخل فيه قبل تبعهم من دونهم في الدخول فكان في ذلك عظيم
المصلحة ولذلك لم يقسم فيهم من أموال أهل مكة عند فتحها قليلا ولا كثيرا مع احتياج الجيوش
إلى المال الذي يعينهم على ما هم فيه فحرك الله قلوب المشركين لغزوهم فرأى كثيرهم أن
يخرجوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم فكانوا غنيمة للمسلمين ولو لم يقذف الله في قلب
رئيسهم أن سوقة معه هو الصواب لكان الرأي ما أشار إليه دريد فخالفه فكان ذلك سببا
لتصييرهم غنيمة للمسلمين ثم اقتضت تلك الحكمة أن تقسم تلك الغنائم في المؤلفة ويوكل من قلبه
ممتلئ بالايمان إلى إيمانه ثم كان من تمام التأليف رد من سبى منهم إليهم فانشرحت صدورهم
للاسلام فدخلوا طائعين راغبين وجبر ذلك قلوب أهل مكة بما نالهم من النصر والغنيمة عما حصل
لهم من الكسر والرعب فصرف عنهم شر من كان يجاورهم من أشد العرب من هوازن وثقيف
بما وقع بهم من الكسرة وبما قيض لهم من الدخول في الاسلام ولولا ذلك ما كان أهل مكة
39

يطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدتها وكثرتها وأما قصة الأنصار وقول من قال منهم فقد اعتذر
رؤساؤهم بأن ذلك كان من بعض أتباعهم ولما شرح لهم صلى الله عليه وسلم ما خفي عليهم من
الحكمة فيما صنع رجعوا مذعنين ورأوا أن الغنيمة العظمى ما حصل لهم من عود رسول الله
إلى بلادهم فسلوا عن الشاة والبعير والسبايا من الأنثى والصغير بما حازوه من الفوز العظيم
ومجاورة النبي الكريم لهم حيا وميتا وهذا دأب الحكيم يعطي كل أحد ما يناسبه انتهى ملخصا
(قوله فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس) كذا للأكثر مرة واحدة وفي رواية أبي ذر
فكأنهم وجد إذ لم يصبهم ما أصاب الناس أو كأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس أورده على
الشك هل قال وجد بضمتين جمع وأجد أو وجدوا على أنه فعل ماض ووقع له عن الكشميهني
وحده وجدوا في الموضعين فصار تكرارا بغير فائدة وكذا رأيته في أصل النسفي ووقع في رواية
مسلم كذلك قال عياض وقع في نسخة في الثاني أن لم يصبهم يعنى بفتح الهمزة وبالنون قال وعلى
هذا تظهر فائدة التكرار وجوز الكرماني أن يكون الأول من الغضب والثاني من الحزن
والمعنى أنهم غضبوا والموجدة الغضب يقال وجد في نفسه إذا غضب ويقال أيضا وجد إذا حزن
ووجد ضد فقد ووجد إذا استفاد مالا ويظهر الفرق بينهما بمصادرهما ففي الغضب موجدة وفي
الخزن وجدا بالفتح وفي ضد الفقد وجدانا وفي المال وجدا بالضم وقد يقع الاشتراك في بعض
هذه المصادر وموضع بسط ذلك غير هذا الموضع وفي مغازي سليمان التيمي أن سبب حزنهم
أنهم خافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الإقامة بمكة والأصح ما في الصحيح حيث
قال إذ لم يصبهم ما أصاب الناس على أنه لا يمتنع الجمع وهذا أولى ووقع في رواية الزهري عن أنس في
الباب فقالوا يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم وفي رواية هشام بن
زيد عن أنس آخر الباب إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا وهذا ظاهر في أن العطاء
كان من صلب الغنيمة بخلاف ما رجحه القرطبي (قوله فخطبهم) زاد مسلم من طريق إسماعيل بن
جعفر عن عمرو بن يحيى فحمد الله وأثنى عليه وسيأتي في الباب في رواية الزهري فحدث رسول الله
صلى الله عليه وسلم بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم فلم يدع معهم غيرهم فلما
اجتمعوا قام فقال ما حديث بلغني عنكم فقال فقهاء الأنصار أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئا وأما
ناس منا حديثه أسنانهم فقالوا وفي رواية هشام بن زيد فجمعهم في قبة من أدم فقال يا معشر
الأنصار ما حديث بلغني فسكتوا ويحمل على أن بعضهم سكت وبعضهم أجاب وفي رواية أبي
التياح عن أنس عند الإسماعيلي فجمعهم فقال ما الذي بلغني عنكم قالوا هو الذي بلغك وكانوا
لا يكذبون ولأحمد من طريق ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان وعيينة
والأقرع وسهيل بن عمرو في آخرين يوم حنين فقالت الأنصار سيوفنا تقطر من دمائهم وهم
يذهبون بالمغنم فذكر الحديث وفيه ثم قال أقلتم كذا وكذا قالوا نعم وإسناده على شرط مسلم وكذا
ذكر ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري أن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتهم سعد بن عبادة
ولفظه لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل
العرب ولم يكن في الأنصار منها شئ وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة
فدخل عليه سعد بن عبادة فذكر له ذلك فقال له فأين أنت من ذلك يا سعد قال ما أنا الا من قومي
40

قال فاجمع لي قومك فخرج فجمعهم الحديث وأخرجه أحمد من هذا الوجه وهذا يعكر على الرواية
التي فيها أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئا لان سعد بن عبادة من رؤساء الأنصار بلا ريب إلا أن يحمل
على الأغلب الأكثر وأن الذي خاطبه بذلك سعد بن عبادة ولم يرد إدخال نفسه في النفي أو أنه لم
يقل لفظا وأن كان رضي بالقول المذكور فقال ما أنا الا من قومي وهذا أوجه والله أعلم (قوله
ألم أجدكم ضلالا) بالضم والتشديد جمع ضال والمراد هنا ضلالة الشرك وبالهداية الايمان
وقد رتب صلى الله عليه وسلم ما من الله عليهم على يده من النعم ترتيبا بالغا فبدأ بنعمة الايمان التي
لا يوازيها شئ من أمر الدنيا وثنى بنعمة الآلفة وهي أعظم من نعمة المال لان الأموال تبذل
في تحصيلها وقد لا تحصل وقد كانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع لما وقع
بينهم من حرب بعاث وغيرها كما تقدم في أول الهجرة فزال ذلك كله بالاسلام كما قال الله
تعالى لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم (قوله عالة) بالمهملة
أي فقراء لا مال لهم والعيلة الفقر (قوله كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن) بفتح الهمزة
والميم والتشديد أفعل تفضيل من المن وفي حديث أبي سعيد فقالوا ماذا نجيبك يا رسول الله
ولرسوله المن والفضل (قوله قال لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا) في رواية إسماعيل بن جعفر لو شئتم
أن تقولوا جئتنا كذا وكذا وكان من الامر كذا وكذا لأشياء زعم عمرو بن أبي يحيى المازني
راوي الحديث أنه لا يحفظها وفي هذا رد على من قال إن الراوي كنى عن ذلك عمدا على طريق
التأدب وقد جوز بعضهم أن يكون المراد جئتنا ونحن على ضلالة فهدينا بك وما أشبه
ذلك وفيه بعد فقد فسر ذلك في حديث أبي سعيد ولفظه فقال أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم
أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا فواسيناك ونحوه في
مغازى أبي الأسود عن عروة مرسلا وابن عائذ من حديث ابن عباس موصولا وفي مغازي
سليمان التيمي أنهم قالوا في جواب ذلك رضينا عن الله ورسوله وكذا ذكر موسى بن عقبة في
مغازيه بغير إسناد وأخرجه أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس بلفظ أفلا تقولون
جئتنا خائفا فآمناك وطريدا فآويناك ومخذولا فنصرناك فقالوا بل المن علينا لله ولرسوله
وإسناده صحيح وروى أحمد من وجه آخر عن أبي سعيد قال قال رجل من الأنصار لأصحابه لقد
كنت أحدثكم أن لو استقامت الأمور لقد آثر عليكم قال فردوا عليه ردا عنيفا فبلغ ذلك النبي
صلى الله عليه وسلم الحديث وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا منه وانصافا وإلا ففي
الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك له عليهم فإنه لولا هجرته إليهم وسكناه عندهم لما
كان بينهم وبين غيرهم فرق وقد نبه على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ألا ترضون إلى اخره
فنبهم على ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به منه بالنسبة إلى ما حصل عليه غيرهم من عرض
الدنيا الفانية (قوله بالشاة والبعير) اسم جنس فيهما والشاة تقع على الذكر والأنثى وكذا
البعير وفي رواية الزهري أن يذهب الناس بالأموال وفي رواية أبي التياح بعدها وكذا قتادة
بالدنيا (قوله إلى رحالكم) بالحاء المهملة أي بيوتكم وهي رواية قتادة زاد في رواية الزهري عن
أنس فوالله لمنقلبون به خير لما تنقلبون به وزاد فيه أيضا قالوا يا رسول الله قد رضينا وفي
رواية قتادة قالوا بلى وذكر الواقدي أنه حينئذ دعاهم ليكتب لهم بالبحرين تكون لهم خاصة
41

بعده دون الناس وهي يومئذ أفضل ما فتح عليه من الأرض فأبوا وقالوا لا حاجة لنا بالدنيا (قوله
لولا الهجرة لكنت أمرأ من الأنصار) قال الخطابي أراد بهذا الكلام تألف الأنصار واستطابة
نفوسهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحدا منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي
لا يجوز تبديلها ونسبه الانسان تقع على وجوه منها الولادة والبلادية والاعتقادية والصناعية
ولا شك أنه لم يرد الانتقال عن نسب آبائه لأنه ممتنع قطعا وأما الاعتقادي فلا معنى للانتقال فيه
فلم يبق الا القسمان الأخيران وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمرا واجبا أي لولا
أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم قال ويحتمل أنه لما كانوا أخواله
لكون أم عبد المطلب منهم أراد أن ينتسب إليهم بهذه الولادة لولا مانع الهجرة وقال ابن
الجوزي لم يرد صلى الله عليه وسلم تغير نسبه ولا محو هجرته وإنما أراد أنه لولا ما سبق من كونه
هاجر لانتسب إلى المدينة وإلى نصرة الدين فالتقدير لولا أن الهجرة نسبة دينية
لا يسع تركها لانتسبت إلى داركم وقال القرطبي معناه لتسميت باسمكم وانتسبت إليكم كما كانوا
ينتسبون بالحلف لكن خصوصية الهجرة وتربيتها سبقت فمنعت من ذلك وهي أعلى وأشرف
فلا تتبدل بغيرها وقيل معناه لكنت من الأنصار في الاحكام والعداد وقيل التقدير لولا أن
ثواب الهجرة أعظم لاخترت أن يكون ثوابي ثواب الأنصار ولم يرد ظاهر النسب أصلا وقيل لولا
التزامي بشروط الهجرة ومنها ترك الإقامة بمكة فوق ثلاث لاخترت أن أكون من الأنصار
فيباح لي ذلك (قوله وادى الأنصار) هو المكان المنخفض وقيل الذي فيه ماء والمراد هنا
بلدهم وقوله شعب الأنصار بكسر الشين المعجمة وهو اسم لما انفرج بين جبلين وقيل
الطريق في الجبل وأراد صلى الله عليه وسلم بهذا وبما بعده التنبيه على جزيل ما حصل لهم من
ثواب النصرة والقناعة بالله ورسوله عن الدنيا ومن هذا وصفه فحقه أن يسلك طريقه ويتبع
حاله قال الخطابي لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه وأرض الحجاز كثيرة
الأودية والشعاب فإذا تفرقت في السفر الطرق سلك كل قوم منهم واديا وشعبا فأراد أنه مع
الأنصار قال ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب كما يقال فلان في واد وأنا في واد (قوله الأنصار شعار
والناس دثار) الشعار بكسر المعجمة بعدها مهملة خفيفة الثوب الذي يلي الجلد من الجسد
والدثار بكسر المهملة ومثلثة خفيفة الذي فوقه وهي استعارة لطيفة لفرط قربهم منه وأراد أيضا
أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم زاد في حديث أبي سعيد اللهم ارحم
الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم وقالوا رضينا
برسول الله قسما وحظا (قوله انكم ستلقون بعدي أثرة) بضم الهمزة وسكون المثلثة
وبفتحتين ويجوز كسر أوله مع الاسكان أي الانفراد بالشئ المشترك دون من يشركه فيه
وفي رواية الزهري أثرة شديدة والمعنى أنه يستأثر عليهم بما لهم فيه اشتراك في الاستحقاق
وقال أبو عبيد معناه يفضل نفسه عليكم في الفئ وقيل المراد بالأثرة الشدة ويرده سياق
الحديث وسببه (قوله فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) أي يوم القيامة وفي رواية
الزهري حتى تلقوا الله ورسوله فإني على الحوض أي اصبروا حتى تموتوا فإنكم ستجدونني عند
42

الحوض فيحصل لكم الانتصاف ممن ظلمكم والثواب الجزيل على الصبر وفي الحديث من
الفوائد غير ما تقدم إقامة الحجة على الخصم وإفحامه بالحق عند الحاجة إليه وحسن أدب
الأنصار في تركهم المماراة والمبالغة في الحياء وبيان أن الذي نقل عنهم إنما كان عن شبانهم
لا عن شيوخهم وكهولهم وفيه مناقب عظيمة لهم لما اشتمل من ثناء الرسول البالغ عليهم وأن
الكبير ينبه الصغير على ما يغفل عنه ويوضح له وجه الشبهة ليرجع إلى الحق وفيه المعاتبة
واستعطاف المعاتب وإعتابه عن عتبة بإقامة حجة من عتب عليه والاعتذار والاعتراف وفيه
علم من أعلام النبوة لقوله ستلقون بعدي أثرة فكان كما قال وقد قال الزهري في روايته عن
أنس في آخر الحديث قال أنس فلم يصبروا وفيه أن للامام تفضيل بعض الناس على بعض في
مصارف الفئ وأن له أن يعطى الفني منه للمصلحة وأن من طلب حقه من الدنيا لا عتب عليه في
ذلك ومشروعية الخطبة عند الامر الذي يحدث سواء كان خاصا أما عاما وفيه جواز
تخصيص بعض المخاطبين في الخطبة وفيه تسلية من فاته شئ من الدنيا مما حصل له من ثواب
الآخرة والحض على طلب الهداية والألفة والغنى وأن المنة لله ورسوله على الاطلاق وتقديم
جانب الآخرة على الدنيا والصبر عما فات منها ليدخر ذلك لصاحبه في الآخرة والآخرة خير
وأبقى * الحديث السابع حديث أنس أورده من رواية الزهري وأبي التياح وهشام
ابن زيد وقتادة كلهم عن أنس وفي رواية بعضهم ما ليس في رواية الآخر وقد ذكرت ما في
رواياتهم من فائدة في الذي قبله وهشام في رواية الزهري هو ابن يوسف الصنعاني وأبو التياح
اسمه يزيد بن حميد وإسناده كله بصريون وكذا طريق قتادة وهشام بن زيد هو ابن أنس
ابن مالك وقد أورد حديثه من طريقين فالأولى عن أزهر وهو ابن سعد السمان والثانية عن
معاذ بن معاذ وهو العنبري كلاهما عن ابن عون وهو عبد الله وجميعهم بصريون (قوله في
رواية أبي التياح لما كان يوم فتح مكة قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم في قريش) كذا
لأبي ذر عن شيخه وله في رواية الكشميهني بين قريش وهي رواية الأصيلي ووقع عند
القابسي غنائم قريش ولبعضهم غنائم من قريش وهو خطأ لأنه يوهم أن مكة لما فتحت
قسمت غنائم قريش وليس كذلك بل المراد بقوله يوم فتح مكة زمان فتح مكة وهو يشمل السنة
كلها ولما كانت غزوة حنين ناشئة عن غزوة مكة أضيفت إليها كما تقدم عكسه وقد قرر
ذلك الإسماعيلي فقال قوله يعني في رواية لما افتتحت مكة قسمت الغنائم يريد غنائم هوازن فإنه لم
يكن عند فتح مكة غنيمة تقسم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم غزا حنينا بعد فتح مكة في تلك
الأيام القريبة وكان السبب في هوازن فتح مكة لان الخلوص إلى محاربتهم كان بفتح مكة وقد
خطأ القابسي الرواية وقال الصواب في قريش وأخرج أبو نعيم هذا الحديث من طريق أبي
مسلم الكجي عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه بلفظ لما كان يوم حنين قالت الأنصار والله
أن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دماء قريش الحديث فهذا لا إشكال فيه (قوله أنبأنا
هشام بن زيد) في رواية معاذ عن هشام (قوله في رواية قتادة أن قريشا حديث عهد) كذا
وقع بالافراد في الصحيحين والمعروف حديثو عهد وكتبها الدمياطي بخطه حديثو أعهد
43

وفيه نظر وقد وقع عند الإسماعيلي أن قريشا كانوا قريب عهد (قوله أن أجبرهم) كذا
للأكثر بفتح أوله وسكون الجيم بعدها موحدة ثم راء مهملة وللسرخسي والمستملي بضم أوله
وكسر الجيم بعدها تحتانية ساكنة ثم زاي من الجائزة (قوله في رواية معاذ عشرة آلاف من
الطلقاء) في رواية الكشميهني عشرة آلاف والطلقاء وهو أولى فإن الطلقاء لم يبلغوا هذ القدر
ولا عشر عشره وقيل إن الواو مقدرة عند من جوز تقدير حرف العطف (قوله في آخره وقال
هشام قلت يا أبا حمزة) هو موصول بالاسناد المذكور وأبو حمزة هو أنس بن مالك وقوله شاهد
ذلك في رواية الكشميهني شاهد ذاك قال وأين أغيب عنه هو استفهام إنكار يقرر أنه ما كان
ينبغي له أن يظن أن أنسا يغيب عن ذلك وقوله وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم تحوزونه
إلى بيوتكم كذا للجميع بالحاء المهملة والزاي من الحوز ووقع عند الكرماني تجيرونه
بالتحتانية بدل الواو وضبطه بالجيم والراء المهملة وفسره بقوله أي تنقدونه وكل ذلك خطأ
نقلا وتفسيرا وقد أخرجه مسلم والإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ فتذهبون بمحمد تحوزونه
كما في الرواية المعتمدة * الحديث الثامن حديث ابن مسعود ذكره من وجهين (قوله عن
عبد الله) هو ابن مسعود (قوله (1) آثر ناسا أعطى الأقرع) أي ابن حابس بن عثمان بن
محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي المجاشعي قيل كان اسمه فراس والأقرع لقبه
(قوله وأعطى عيينة) أي ابن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري (قوله واعطى ناسا) تقدم ذكرهم
في الكلام على المؤلفة قريبا وفي هذه العطية يقول العباس بن مرداس السلمي كما أخرجه أحمد
ومسلم والبيهقي في الدلائل من طريق عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم من سبى حنين مائة مائة من الإبل فأعطى
أبا سفيان بن حرب مائة وأعطى صفوان بن أمية مائة وأعطى عيينة بن حصن مائة وأعطى
مالك بن عوف مائة وأعطى الأقرع بن حابس مائة وأعطى علقمة بن علاثة مائة وأعطى العباس
ابن مرداس دون المائة فأنشأ يقول
أتجعل نهبي ونهب العبيد * بين عيينة والأقرع
وما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع
قال فأكمل له المائة وساق ابن إسحاق وموسى بن عقبة هذه الأبيات أكثر من هذا (قوله في رواية
منصور فقال رجل) في رواية الأعمش فقال رجل من الأنصار وفي رواية الواقدي أنه معتب بن
قشير من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين وفيه تعقب على مغلطاي حيث قال لم أر أحدا قال
إنه من الأنصار الا ما وقع هنا وجزم بأنه حرقوص بن زهير السعدي وتبعه ابن الملقن وأخطأ في ذلك
فان قصة حرقوص غير هذه كما سيأتي قريبا من حديث أبي سعيد الخدري (قوله ما أراد بها) في رواية
منصور ما أريد 2 بها على البناء للمجهول (قوله فقلت لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية
الأعمش فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته (قوله فتغير وجهه) (3) في رواية الواقدي حتى
ندمت على ما بلغته (قوله رحمة الله على موسى) تقدمت الإشارة إلى شئ من شرحه في أحاديث
الأنبياء وفي الحديث جواز المفاضلة في القسمة والاعراض عن الجاهل والصفح عن الأذى
44

والتأسي بمن مضى من النظراء (تنبيه) وقع حديث ابن مسعود مقدما على طريق معاذ عن ابن
عون عن هشام عن أنس في رواية أبي ذر والصواب تأخيره لتتوالى طرق حديث أنس وأظنه من
تغيير الرواة عن الفربري فإن طريق أنس الأخيرة سقطت من رواية النسفي فلعل البخاري ألحقها
فكتبت مؤخرة عن مكانها * (قوله باب السرية التي قبل نجد) قبل بكسر القاف وفتح
الموحدة أي في جهة نجد هكذا ذكرها بعد غزوة الطائف والذي ذكره أهل المغازي انها كانت
قبل التوجه لفتح مكة قال ابن سعد كانت في شعبان سنة ثمان وذكر غيره أنها كانت قبل مؤتة
ومؤتة كانت في جمادى كما تقدم من السنة وقيل كانت في رمضان قالوا وكان أبو قتادة أميرها
وكانوا خمسة وعشرين وغنموا من غطفان بأرض محارب مائتي بعير والفي شاة والسرية بفتح
المهملة وكسر الراء وتشديد التحتانية هي التي تخرج بالليل والسارية التي تخرج بالنهار وقيل
سميت بذلك لأنها تخفى ذهابها وهذا يقتضى أنها أخذت من السر ولا يصح لاختلاف المادة وهي
قطعة من الجيش تخرج منه وتعود إليه وهي من مائة إلى خمسمائة فما زاد على خمسمائة يقال له
منسر بالنون والمهملة فإن زاد على الثمانمائة سمي جيشا وما بينهما يسمى هبطة فإن زاد على أربعة
آلاف يسمى جحفلا فإن زاد فجيش جرار والخميس الجيش العظيم وما افترق من السرية يسمى بعثا
فالعشرة فما بعدها تسمى حفيرة والأربعون عصبة والى ثلاثمائة مقنب بقاف ونون ثم موحدة
فإن زاد سمى جمرة بالجيم والكتيبة ما اجتمع ولم ينتشر وحديث ابن عمر المذكور في الباب قد تقدم
شرحه في فرض الخمس وفي ذكره عقيب حديث أبي قتادة إشارة إلى اتحادهما * (قوله
سباب بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة) بفتح الجيم وكسر المعجمة ثم
تحتانية ساكنة أي ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة ووهم الكرماني فظن أنه من بني جذيمة بن عوف بن
بكر بن عوف قبيلة من عبد قيس وهذا البعث كان عقب فتح مكة في شوال قبل الخروج إلى حنين
عند جميع أهل المغازي وكانوا بأسفل مكة من ناحية يلملم قال ابن سعد بعث النبي صلى الله عليه
وسلم إليهم خالد بن الوليد في ثلثمائة وخمسين من المهاجرين والأنصار داعيا إلى الاسلام لا مقاتلا
(قوله حدثنا محمود) هو ابن غيلان وقوله وحدثني نعيم هو ابن حماد وعبد الله هو ابن المبارك
وعند الإسماعيلي ما يدل على أن السياق الذي هنا لفظ ابن المبارك (قوله بعث النبي صلى الله
عليه وسلم) قال ابن إسحاق حدثني حكيم بن عباد عن أبي جعفر يعني الباقر قال بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة إلى بني جذيمة داعيا ولم يبعثه مقاتلا (قوله فلم
يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا) هذا من ابن عمر راوي الحديث يدل على أنه
فهم أنهم أرادوا الاسلام حقيقة ويؤيد فهمه أن قريشا كانوا يقولون لكل من أسلم صبا حتى
اشتهرت هذه اللفظة وصاروا يطلقونها في مقام الذم ومن ثم لما أسلم ثمامة بن أثال وقدم مكة معتمرا
45

قالوا له صبأت قال لا بل أسلمت فلما اشتهرت هذه اللفظة بينهم في موضع أسلمت استعملها هؤلاء وأما
خالد فحمل هذه اللفظة على ظاهرها لان قولهم صبأنا أي خرجنا من دين إلى دين ولم يكتف خالد
بذلك ك حتى يصرحوا بالاسلام وقال الخطابي يحتمل أن يكون خالد نقم عليهم العدول عن لفظ
الاسلام لأنه فهم عنهم أن ذلك وقع منهم على سبيل الانفة ولم ينقادوا إلى الدين فقتلهم متأولا
قولهم (قوله فجعل خالد يقتل منهم ويأسر) في كلام ابن سعد أنه أمرهم ان يستأسروا فاستأسروا
فكتف بعضهم بعضا وفرقهم في أصحابه فيجمع بأنهم أعطوا بأيديهم بعد المحاربة (قوله ودفع إلى
كل رجل منا أسيره) أي من أصحابه الذين كانوا معه في السرية وفي رواية الباقر فقال لهم خالد
ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا فوضعوا السلاح فأمر بهم فكتفوا ثم عرضهم على السيف
(قوله حتى إذا كان يوم) كذا بالتنوين أي من الأيام وكان تامة وعند ابن سعد فلما كان السحر
نادى خالد من كان معه أسير فليضرب عنقه (قوله أن يقتل كل رجل منا أسيره) في رواية
الكشميهني كل إنسان (قوله فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره) وعند
ابن سعد فأما بنو سليم فقتلوا من كان في أيديهم وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أسراهم وفيه
جواز الحلف على نفي فعل الغير إذا وثق بطواعيته (قوله اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) قال
الخطابي أنكر عليه العجلة وترك التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا (قوله
مرتين) زاد ابن عسكر عن عبد الرزاق أو ثلاثة أخرجه الإسماعيلي وفي رواية الباقين ثلاث
مرات وزاد الباقر في روايته ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فقال أخرج إلى هؤلاء القوم
واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك فخرج حتى جاءهم ومعه مال فلم يبق لهم أحد الا وداه وذكر ابن
هشام في زياداته أنه انفلت منهم رجل فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر فقال هل أنكر عليه
أحد فوصف له صفة ابن عمر وسالم مولى أبي حذيفة وذكر ابن إسحاق من حديث ابن أبي حدرد
الأسلمي قال كنت في خيل خالد فقال لي فتى من بني جذيمة قد جمعت يداه في عنقه برمة يا فتى هل
أنت آخذ بهذه الرمة فقائدي إلى هؤلاء النسوة فقلت نعم فقدته بها فقال اسلمي حبيش قبل نفاد
العيش
أريتك إن طالبتكم فوجدتكم * بحلية أو أدركتكم بالخوانق
الأبيات قال فقالت له امرأة منهن وأنت نجيت عشرا وتسعا ووترا وثمانيا تترى قال ثم ضربت
عنق الفتى فأكبت عليه فما زالت تقبله حتى ماتت وقد روى النسائي والبيهقي في الدلائل بإسناد
صحيح من حديث ابن عباس نحو هذه القصة وقال فيها فقال إني لست منهم أني عشقت امرأة منهم
فدعوني أنظر إليها نظرة وقال فيه فضربوا عنقه فجاءت المرأة فوقعت عليه فشهقت شهقة أو
شهقتين ثم ماتت فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال أما كان فيكم رجل رحيم وأخرجه
البيهقي من طريق ابن عاصم عن أبيه نحو هذه القصة وقال في آخرها فانحدرت إليه من هودجها
فحنت عليه حتى ماتت * (قوله باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن
مجزز المدلجي ويقال إنها سرية الأنصاري) (قلت) كذا ترجم وأشار بأصل الترجمة إلى ما رواه أحمد
وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق عمر بن الحكم عن أبي سعيد الخدري
قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز على بعث أنا فيهم حتى انتهينا إلى رأس
46

غزاتنا أو كنا ببعض الطريق أذن لطائفة من الجيش وأمر عليهم عبد الله بن حذافة السهمي
وكان من أصحاب بدر وكانت فيه دعابة الحديث وذكر ابن سعد هذه القصة بنحو هذا السياق
وذكر أن سببها أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن ناسا من الحبشة تراآهم أهل جدة فبعث
إليهم علقمة بن مجزز في ربيع الآخر في سنة تسع في ثلثمائة فانتهى إلى جزيرة في البحر فلما خاض
البحر إليهم هربوا فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهلهم فأمر عبد الله بن حذافة على من تعجل
وذكر ابن إسحاق أن سبب هذه القصة أن وقاص بن مجزز كان قتل يوم ذي قرد فأراد علقمة
ابن مجزز أن يأخذ بثأره فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السرية (قلت) وهذا
يخالف ما ذكره ابن سعد إلا أن يجمع بأن يكون أمر بالامرين وأرخها ابن سعد في ربيع
الآخر سنة تسع فالله أعلم وأما قوله ويقال أنها سرية الأنصاري فأشار بذلك إلى احتمال
تعدد القصة وهو الذي يظهر لي لاختلاف سياقهما واسم أميرهما والسبب في أمره
بدخولهم النار ويحتمل الجمع بينهما بضرب من التأويل ويبعده وصف عبد الله بن حذافة
السهمي القرشي المهاجري بكونه أنصاريا فقد تقدم بيان نسب عبد الله بن حذافة في كتاب
العلم ويحتمل الحمل على المعنى الأعم أي أنه نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجملة وإلى
التعدد جنح ابن القيم وأما ابن الجوزي فقال قوله من الأنصار وهم من بعض الرواة وإنما
هو سهمي (قلت) ويؤيده حديث ابن عباس عند أحمد في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم الآية نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن
عدي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وسيأتي في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى
وقد رواه شعبة عن زبيد اليامي عن سعد بن عبيدة فقال رجلا ولم يقل من الأنصار ولم يسمه
أخرجه المصنف في كتاب خبر الواحد وأما علقمة بن مجزز فهو بضم أوله وجيم مفتوحة ومعجمتين
الأولى مكسورة ثقيلة وحكى فتحها والأول أصوب وقال عياض وقع لأكثر الرواة بسكون
المهملة وكسر الراء المهملة وعن القابسي بجيم ومعجمتين وهو الصواب (قلت) وأغرب الكرماني
فحكى أنه بالحاء المهملة وتشديد الراء فتحا وكسرا وهو خطأ ظاهر وهو ولد القائف الذي يأتي ذكره
في النكاح في حديث عائشة في قوله في زيد بن حارثة وابنه أسامة أن بعض هذه الاقدام لمن
بعض فعلقمة صحابي ابن أصحابي (قوله حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد (قوله حدثني سعد بن
عبيدة) بالتصغير (قوله عن أبي عبد الرحمن) هو السلمي (قوله فغضب) في رواية حفص بن
غياث عن الأعمش في الاحكام فغضب عليهم وفي رواية مسلم فأغضبوه في شئ (قوله فقال
أوقدوا نارا) في رواية حفص فقال عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها وهذا
يخالف حديث أبي سعيد فإن فيه فأوقد القوم نارا ليصنعوا عليها صنيعا لهم أو يصطلون فقال لهم
أليس عليكم السمع والطاعة قالوا بلى قال أعزم عليكم بحقي وطاعتي لما تواثبتم في هذه النار
(قوله فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا) في رواية حفص فلم هموا بالدخول فيها فقاموا ينظر
بعضهم إلى بعض وفي رواية ابن جرير من طريق أبي معاوية عن الأعمش فقال لهم شاب منهم
لا تعجلوا بدخولها وفي رواية زبيد عن سعد بن عبيدة في خبر الواحد فأرادوا أن يدخلوها
وقال آخرون إنما فررنا منها (قوله فما زالوا حتى خمدت النار) في رواية حفص فبينما هم
47

كذلك إذ خمدت النار وخمدت هو بفتح الميم أي طفئ لهبها وحكى المطرزي كسر الميم من خمدت
(قوله فسكن غضبه) هذا أيضا يخالف حديث أبي سعيد فإن فيه أنه كانت به دعابة وفيه
أنهم تحجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال احبسوا أنفسكم فإنما كنت أضحك معكم
(قوله فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية حفص فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
ولمسلم فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم (قوله ما خرجوا منها إلى يوم القيامة) في
رواية حفص ما خرجوا منها أبدا وفي رواية زبيد فلم يزالوا فيها إلى يوم القيامة يعني أن الدخول
فيها معصية والعاصي يستحق النار ويحتمل أن يكون المراد لو دخلوها مستحلين لما خرجوا منها
أبدا وعلى هذا ففي العبارة نوع من أنواع البديع وهو الاستخدام لان الضمير في قوله لو دخلوها
للنار التي أوقدوها والضمير في قوله ما خرجوا منها أبدا لنار الآخرة لانهم ارتكبوا ما نهوا
عنه من قتل أنفسهم ويحتمل وهو الظاهر أن الضمير للنار التي أوقدت لهم أي ظنوا أنهم إذا دخلوا
بسبب طاعة أميرهم لا تضرهم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لو دخلوا فيها لاحترقوا فماتوا
فلم يخرجوا (قوله الطاعة في المعروف) في رواية حفص انما الطاعة في المعروف وفي رواية زبيد
وقال للآخرين لا طاعة في معصية وفي رواية مسلم من هذا الوجه وقال للآخرين أي الذين
امتنعوا قولا حسنا وفي حديث أبي سعيد من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوه وفي الحديث من
الفوائد أن الحكم في حال الغضب ينفذ منه ما لا يخالف الشرع وأن الغضب يغطى على ذوي
العقول وفيه أن الايمان بالله ينجى من النار لقولهم إنما فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من
النار والفرار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرار إلى الله والفرار إلى الله يطلق على الايمان قال الله
تعالى ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين وفيه أن الامر المطلق لا يعم الأحوال لأنه صلى الله عليه
وسلم أمرهم أن يطيعوا الأمير فحملوا ذلك على عموم الأحوال حتى في حال الغضب وفي حال الامر
بالمعصية فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن الامر بطاعته مقصور على ما كان منه في غير معصية
وسيأتي مزيد لهذه المسألة في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى واستنبط منه الشيخ أبو محمد بن أبي
جمرة أن الجمع من هذه الأمة لا يجتمعون على خطأ لانقسام السرية قسمين منهم من هان عليه
دخول النار فظنه طاعة ومنهم من فهم حقيقة الامر وأنه مقصور على ما ليس بمعصية فكان
اختلافهم سببا لرحمة الجميع قال وفيه أن من كان صادق النية لا يقع الا في خير ولو قصد الشر فإن
الله يصرفه عنه ولهذا قال بعض أهل المعرفة من صدق مع الله وقاه الله ومن توكل على الله
كفاه الله * (قوله باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع) كأنه
أشار بالتقييد بما قبل حجة الوداع إلى ما وقع في بعض أحاديث الباب أنه رجع من اليمن فلقى
النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع لكن القبلية نسبية وقد قدمت في الزكاة
في الكلام على حديث معاذ متى كان بعثه إلى اليمن وروى أحمد من طريق عاصم بن حميد
عن معاذ لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج يوصيه ومعاذ راكب
الحديث ومن طريق يزيد بن قطيب عن معاذ لما بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال
قد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم فقاتل بمن أطاعك من عصاك وعند أهل المغازي أنها
كانت في ربيع الآخر سنة تسع من الهجرة (قوله حدثنا عبد الملك) هو ابن عمير
48

(قوله عن أبي بردة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى) هذا صورته مرسل وقد عقبة
المصنف بطريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى وهو ظاهر الاتصال وإن كان فيما يتعلق
بالسؤال عن الأشربة لكن الغرض منه إثبات قصة بعث أبي موسى إلى اليمن وهو مقصود الباب
ثم قواه بطريق طارق بن شهاب قال حدثني أبو موسى قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى أرض قومي الحديث وهو وإن كان إنما يتعلق بمسألة الاهلال لكنه يثبت أصل قصة
البعث المقصودة هنا أيضا ثم قوى قصة معاذ بحديث ابن عباس في وصية النبي صلى الله عليه وسلم له
حين أرسله إلى اليمن وبرواية عمرو بن ميمون عن معاذ والمراد بها أيضا إثبات أصل قصة بعث معاذ
إلى اليمن وأن كان سياق الحديث في معنى آخر وقد اشتمل الباب على عدة أحاديث * الحديث
الأول أصل البعث إلى اليمن وسيأتي في استتابة المرتدين من طريق حميد بن هلال عن أبي بردة
عن أبي موسى سبب بعثه إلى اليمن ولفظه قال أقبلت ومعي رجلان من الأشعريين وكلاهما
سأل يعني أن يستعمله فقال لن نستعمل على عملنا من إرادة ولكن أذهب أنت يا أبا موسى إلى
اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل (قوله وبعث كل واحد منهما على مخلاف قال واليمن مخلافان)
المخلاف بكسر الميم وسكون المعجمة وآخره فاء هو بلغة أهل اليمن وهو الكورة والإقليم والرستاق
بضم الراء وسكون المهملة بعدها مثناة وآخرها قاف وكانت جهة معاذ العليا إلى صوب عدن
وكان من عمله الجند بفتح الجيم والنون وله بها مسجد مشهور إلى اليوم وكانت جهة أبي
موسى السفلى والله أعلم (قوله يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) قال الطيبي هو معنى الثاني
من أبا ب المقابلة المعنوية لان الحقيقية أن يقال بشرا ولا تنذرا وآنسا ولا تنفرا فجمع بينهما
ليعم البشارة والنذارة والتأنيس والتنفير (قلت) ويظهر لي أن النكتة في الاتيان بلفظ البشارة
وهو الأصل وبلفظ التنفير وهو اللازم وأتى بالذي بعده على العكس للإشارة إلى أن الانذار لا ينفى
مطلقا بخلاف التنفير فاكتفى بما يلزم عنه الانذار وهو التنفير فكأنه قيل أن أنذرتم فيكن
بغير تنفير كقوله تعالى فقولا له قولا لينا (قوله إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث
به عهدا) كذا فيه وللأكثر إذا سار في أرضه وكان قريبا أحدث أي جدد به العهد لزيارته ووقع
في رواية سعيد بن أبي بردة الآتية في الباب فجعلا يتزاوران فزار معاذ أبا موسى زاد في رواية حميد
ابن هلال فلما قدم عليه ألقى له وسادة قال انزل (قوله وإذا رجل عنده) لم اقف على اسمه لكن
في رواية سعيد بن أبي بردة أنه يهودي وسيأتي كذلك في رواية حميد بن هلال في استتابة المرتدين
مع شرح هذه القصة وبيان الاختلاف في مدة استتابة المرتدين وقوله أيم بفتح الميم وترك
إشباعها لغة وأخطأ من ضمها وأصله أي الاستفهامية دخلت عليها ما وقد سمع أيم هذا بالتخفيف
مثل أيش هذا فخذفت الألف من أيم والهمز من أيش (قوله ثم نزل فقال يا عبد الله) هو اسم أبي
موسى (كيف تقرأ القرآن قال أتفوقه تفوقا) بالفاء ثم القاف أي ألازم قراءته ليلا ونهارا شيئا
بعد شئ وحينا بعد حين مأخود من فواق الناقة وهو أن تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب
هكذا دائما (قوله وقد قضيت جزئي) قال الدمياطي لعله أربى وهو الوجه وهو كما قال لو جاءت
به الرواية ولكن الذي جاء في الرواية صحيح والمراد به أنه جزأ الليل أجزاء جزأ للنوم وجزأ للقراءة
والقيام فلا يلتفت إلى تخطئة الرواية الصحيحة الموجهة بمجرد التخيل (قوله فاحتسبت نومتي
49

كما احتسبت قومثي) كذا لهم بصيغة الفعل الماضي وللكشميهني فأحتسب بغير المثناة في آخره
بصيغة الفعل المضارع ومعناه أنه يطلب الثواب في الراحة كما يطلبه في التعب لان الراحة إذا
قصد بها الإعانة على العبادة حصلت الثواب * (تنبيه) * كان بعث أبي موسى إلى اليمن بعد
الرجوع من غزوة تبوك لأنه شهد غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيان ذلك في
الكلام عليها فيما بعد إن شاء الله تعالى واستدل به على أن أبا موسى كان عالما فطنا حاذقا ولولا
ذلك لم يوله النبي صلى الله عليه وسلم الامارة ولو كان فوض الحكم لغيره لم يحتج إلى توصيته بما وصاه
به ولذلك اعتمد عليه عمر ثم عثمان ثم علي وأما الخوارج والروافض فطعنوا فيه ونسبوه إلى الغفلة
وعدم الفطنة لما صدر منه في التحكيم بصفين قال ابن العربي وغيره والحق أنه لم يصدر منه
ما يقتضى وصفه بذلك وغاية ما وقع منه أن اجتهاده أداه إلى أن يجعل الامر شورى بين من بقي
من أكابر الصحابة من أهل بدر ونحوهم لما شاهد من الاختلاف الشديد بين الطائفتين بصفين
وآل الامر إلى ما آل إليه * الحديث الثاني (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن منصور وخالد هو ابن
عبد الله الطحان والشيباني اسمه سليمان بن فيروز (قوله البتع) بكسر الموحدة وسكون المثناة
بعدها عين مهملة وقد ذكر تفسيره عن أبي بردة راوية وأنه نبيذ العسل ويأتي شرح المتن في كتاب
الأشربة إن شاء الله تعالى (قوله رواه جرير وعبد الواحد عن الشيباني عن أبي بردة) يعني أنهما
روياه عن الشيباني عن أبي بردة بدون ذكر سعيد بن أبي بردة وهو كما قال وأما رواية جرير وهو
ابن عبد الحميد فوصلها الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة ومن طريق يوسف بن موسى
كلاهما عن جرير عن الشيباني عن أبي بردة عن أبي موسى به وأما رواية عبد الواحد وهو ابن
زياد فوصلها (1) ثم ساق المصنف الحديث عن مسلم وهو ابن إبراهيم عن
شعبة قال حدثنا سعيد بن أبي بردة عن أبيه فذكره مرسلا مطولا فيه قصة بعثهما وذكر الأشربة
وقصة اليهودي وسؤال معاذ عن القراءة كما أشرنا إليه أولا وقال بعده تابعه العقدي ووهب بن
جرير عن شعبة وقال وكيع والنضر وأبو داود عن شعبة عن سعيد يعني أن مسلم بن إبراهيم
والعقدي ووهب بن جرير أرسلوه عن شعبة وأن وكيعا والنضر وهو ابن شميل وأبا داود وهو
الطيالسي رووه عن شعبة موصولا فأما رواية العقدي وهو أبو عامر عبد الملك بن عمرو فوصلها
المؤلف في الاحكام وأما رواية وهب بن جرير فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه وأما
رواية وكيع فوصلها المؤلف في الجهاد مختصرا وأوردها ابن أبي عاصم في كتاب الأشربة عن أبي
بكر بن أبي شيبة عن وكيع مطولا وهي في مسند أبي بكر بن أبي شيبة كذلك وأما رواية النضر
ابن شميل فوصلها المؤلف في الأدب وأما رواية أبي داود الطيالسي فوصلها كذلك في مسنده
المروزي من طريق يونس بن حبيب عنه ولكنه فرقه حديثين ولذلك وصلها النسائي من طريق
أبي داود * الحديث الثالث (قوله حدثنا عباس بن الوليد) بموحدة ثم مهملة (هو النرسي) بفتح
النون وبالسين المهملة قال أبو علي الجياني رواه ابن السكن والأكثر هكذا وفي رواية أبي أحمد
يعني الجرجاني حدثنا عباس ولم ينسبه وفي رواية أبي زيد المروزي مثله إلا أنه قرأ عليهم بالتحتانية
والشين المعجمة وليس بشئ إنما هو بالموحدة والمهملة وهو النرسي وما له في البخاري سوى هذا
50

الحديث وآخر في علامات النبوة وجزم بمثل ذلك صاحب المشارق والمطالع وأما الدمياطي
فضبطه بالمعجمة وعين أنه الرقام وتوزع في ذلك والصواب النرسي (قوله عبد الواحد) هو ابن زياد
وأيوب بن عائذ بتحتانية بعدها ذال معجمة وهو مدلجي بصري وثقة يحيى بن معين وغيره ورمى
بالارجاء وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وقد أورده في الحج من طريق شعبة وسفيان عن
قيس بن مسلم شيخ أيوب بن عائذ فيه وتقدم الكلام عليه هناك مستوفى * الحديث الرابع
(قوله حدثني حبان) بكسر أوله ثم موحدة ثم نون ابن موسى وعبد الله هو ابن المبارك (قوله
حين بعثه إلى اليمن) تقدم بيان الوقت الذي بعثه فيه وما فيه من اختلاف في أواخر كتاب الزكاة
مع بقية شرح الحديث مستوفى ولله الحمد (قوله قال أبو عبد الله طوعت طاعت وأطاعت) وقع
هذا وما بعده لغير أبي ذر والنسفي وأراد بذلك تفسير قوله تعالى فطوعت له نفسه قتل أخيه
على عادته في تفسير اللفظة الغريبة من القرآن إذا وافقت لفظة من الحديث والذي وقع في
حديث معاذ فأن هم أطاعوا فإن عند بعض رواته كما ذكره ابن التين فان هم طاعوا بغير ألف وقد
قرأ الحسن البصري وطائفة معه فطاوعت له نفسه قال ابن التين إذ امتثل أمره فقد أطاعه
وإذا وافقه فقد طاوعه قال الأزهري الطوع نقيض الكره وطاع له انقاد فإذا مضى لامره فقد
أطاعه وقال يعقوب بن السكيت طاع وأطاع بمعنى وقال الأزهري أيضا منهم من يقول طاع
له يطوع طوعا فهو طائع بمعنى أطاع والحاصل أن طاع وأطاع استعمل كل منهما لازما ومتعديا
إما بمعنى واحد مثل بدأ الله الخلق وأبدأه أو دخلت الهمزة للتعدية وفي اللازم للصيرورة أو ضمن
المتعدى بالهمزة معنى فعل آخر لازم لان كثيرا من أهل العلم باللغة فسروا أطاع بمعنى لان وانقاد
وهو اللائق في حديث معاذ هنا وأن كان الغالب في الرباعي التعدي وفي الثلاثي اللزوم وهذا أولى
من دعوى فعل وأفعل بمعنى واحد لكونه قليلا وأولى من دعوى أن اللام في قوله فإن هم أطاعوا
لك زائدة وقد تقدم شئ من هذا في شرح الحديث في الزكاة وقوله بعد ذلك طعت وطعت وأطعت
الأولى بالضم والثانية بالكسر والثالثة بالفتح بزيادة ألف في أوله * الحديث الخامس (قوله عن
عمرو بن ميمون) هو الأودي وهو من المخضرمين (قوله أن معاذا لما قدم اليمن) هو موصول
لان عمرو بن ميمون كان باليمن لما قدمها معاذ (قوله فقال رجل من القوم قرت عين أم إبراهيم)
أي حصل لها السرور وكنى عنه بقرت عينها أي بردت دمعتها لان دمعة السرور باردة بخلاف
دمعة الحزن فأنها حارة ولهذا يقال فيمن يدعى عليه أسخن الله عينه وقد استشكل تقرير معاذ
لهذا القائل في الصلاة وترك أمره بالإعادة وأجيب عن ذلك إما بأن الجاهل بالحكم يعذر وإما أن
يكون أمره بالإعادة ولم ينقل أو كان القائل خلفهم ولكن لم يدخل معهم في الصلاة (قوله زاد معاذ
عن شعبة) فذكره المراد بالزيادة قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وليس بين الروايتين
منافاة لان معاذا إنما قدم اليمن لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم خاصة فالقصة واحدة ودل الحديث
على أنه كان أميرا على الصلاة وحديث ابن عباس يدل على أنه كان أميرا على المال أيضا وقد تقدم
51

في الزكاة ما يوضح ذلك * (قوله باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن
قبل حجة الوداع) قد ذكر في آخر الباب حديث جابر أن عليا قدم من اليمن فلاقى النبي صلى الله
عليه وسلم بمكة في حجة الوداع وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الحج وقد أخرج أحمد وأبو داود
والترمذي من طريق أخرى عن علي قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت يا رسول
الله تبعثني إلى قوم أسن مني وأنا حديث السن لا أبصر القضاء قال فوضع يده على صدري وقال
اللهم ثبت لسانه وأهد قلبه وقال يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع
من الآخر فذكر الحديث * الحديث الأول حديث البراء (قوله شريح) هو بالشين المعجمة
وآخره حاء مهملة (قوله بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى اليمن)
كان ذلك بعد رجوعهم من الطائف وقسمة الغنائم بالجعرانة (قوله إن يعقب معك) أي يرجع إلى اليمن
والتعقيب أن يعود بعض العسكر بعد الرجوع ليصيبوا غزوة من الغد كذا قال الخطابي
وقال ابن فارس غزاة بعد غزاة والذي يظهر أنه أعم من ذلك وأصله أن الخليفة يرسل العسكر إلى
جهة مدة فإذا أنقضت رجعوا وأرسل غيرهم فمن شاء أن يرجع من العسكر الأول مع العسكر الثاني
سمي رجوعه تعقيبا (قوله فغنمت أواقي) بتشديد التحتانية ويجوز تخفيفها وقوله ذوات عدد
لم أقف على تحريرها * (تنبيه) * أورد البخاري هذا الحديث مختصرا وقد أورده الإسماعيلي من
طريق أبي عبيدة بن أبي السفر سمعت إبراهيم بن يوسف وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه
فزاد فيه قال البراء فكنت ممن عقب معه فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا على وصفنا
صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان
جميعا فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم فلما قرأ الكتاب خر ساجدا ثم رفع
رأسه وقال السلام على همدان وعند الترمذي من طريق الأحوص بن خوات عن أبي إسحاق في
حديث البراء قصة الجارية وسأذكر بيان ذلك في الحديث الذي بعده إن شاء الله تعالى * الحديث
الثاني حديث بريدة (قوله حدثنا علي بن سويد بن منجوف) بفتح الميم وسكون النون وضم الجيم
وسكون الواو ووقع في رواية القابسي عن علي بن سويد عن منجوف وهو تصحيف وعلي بن سويد
ابن منجوف سدوسي بصري ثقة ليس له في البخاري سوى هذا الموضع (قوله عن عبد الله بن
بريدة) في رواية الإسماعيلي حدثني عبد الله (قوله بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد)
أي ابن الوليد ليقبض الخمس أي خمس الغنيمة وفي روية الإسماعيلي التي سأذكرها ليقسم الخمس
(قوله وكنت أبغض عليا وقد اغتسل فقلت لخالد ألا ترى) هكذا وقع عنده مختصرا وقد أورده
الإسماعيلي من طريق إلى روح بن عبادة الذي أخرجه البخاري من طريقه فقال في سياقه بعث
عليا إلى خالد ليقسم الخمس وفي رواية له ليقسم الفئ فاصطفى على منه لنفسه سبيئة بفتح المهملة
وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم همزة أي جارية من السبي وفي رواية له فأخذ منه جارية
ثم أصبح يقطر رأسه فقال خالد لبريدة ألا ترى ما صنع هذا قال بريدة وكنت أبغض عليا ولأحمد من
طريق عبد الجليل عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا وأحببت
رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا قال فأصبنا سبيا فكتب أي الرجل إلى النبي صلى الله
عليه وسلم أبعث إلينا من يخمسه قال فبعث إلينا عليا وفي السبي وصيفة هي أفضل السبي
52

قال فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر فقلت يا أبا الحسن ما هذا فقال ألم تر إلى الوصيفة فإنها
صارت في الخمس ثم صارت في آل محمد ثم صارت في آل على فوقعت بها (قوله فلما قدمنا على النبي
صلى الله عليه وسلم) في رواية عبد الجليل فكتب الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالقصة
فقلت ابعثني فبعثني فجعل يقرأ الكتاب ويقول صدق (قوله فقال يا بريدة أتبغض عليا فقلت
نعم قال لا تبغضه) زاد في رواية عبد الجليل وأن كنت تحبه فازدد له حبا (قوله فان له في الخمس أكثر
من ذلك) في رواية عبد الجليل فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من
وصيفة وزاد قال فما كان أحد من الناس أحب إلى من على وأخرج أحمد هذا الحديث من طريق
أجلح الكندي عن عبد الله بن بريدة بطوله وزاد في آخره لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم
بعدي وأخرجه أحمد أيضا والنسائي من طريق سعيد بن عبيدة عن عبد الله بن بريدة مختصرا
وفي آخره فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد أحمر وجهه يقول من كنت وليه فعلى وليه وأخرجه
لحاكم من هذا الوجه مطولا وفيه قصة الجارية نحو رواية عبد الجليل وهذه طرق يقوي بعضها
بعضا قال أبو ذر الهروي إنما أبغض الصحابي عليا لأنه رآه أخذ من المغنم فظن أنه غل فلما أعلمه
النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ أقل من حقه أحبه إنتهى وهو تأويل حسن لكن يبعده صدر
الحديث الذي أخرجه أحمد فلعل سبب البغض كان لمعنى آخر وزال بنهي النبي صلى الله عليه
وسلم لهم عن بغضه وقد استشكل وقوع على على الجارية بغير استبراء وكذلك قسمته لنفسه
فأما الأول فمحمول على أنها كانت بكرا غير بالغ ورأى أن مثلها لا يستبرأ كما صار إليه غيره من
الصحابة ويجوز أن تكون حاضت عقب صيرورتها له ثم طهرت بعد يوم وليلة ثم وقع عليها وليس
في السياق ما يدفعه وأما القسمة فجائزة في مثل ذلك ممن هو شريك فيما يقسمه كالامام إذا قسم
بين الرعية وهو منهم فكذلك من نصبه الامام قام مقامه وقد أجاب الخطابي بالثاني وأجاب عن
الأول باحتمال أن تكون عذراء أو دون البلوغ أو أداه اجتهاده أن لا استبراء فيها ويؤخذ
من الحديث جواز التسري على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف التزويج عليها لما وقع
في حديث المسور في كتاب النكاح * الحديث الثالث حديث أبي سعيد (قوله عن عمارة بن
القعقاع) بن شبرمة بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة (قوله حدثنا عبد الرحمن) هو بن
زياد ونعم بضم النون وسكون المهملة (قوله بذهيبة) تصغير ذهبة وكأنه أنثها على معنى الطائفة
أو الجملة وقال الخطابي على معنى القطعة وفيه نظر لأنها كانت تبرا وقد يؤنث الذهب في بعض
اللغات وفي معظم النسخ من مسلم بذهبة بفتحتين بغير تصغير (قوله في أديم مقروظ) بظاء
معجمة مشالة أي مدبوغ بالقرظ (قوله لم تحصل من ترابها) أي لم تخلص من تراب المعدن
فكأنها كانت تبرا وتخليصها بالسبك (قوله بين عيينة بن بدر) كذا نسب لجده الاعلى وهو
عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري (قوله وأقرع بن حابس) قال ابن مالك فيه شاهد على
أن ذا الألف واللام من الاعلام الغالبة قد ينزعان عنه في غير نداء ولا إضافة ولا ضرورة وقد حكى
سيبويه عن العرب هذا يوم اثنين مبارك وقال مسكين الدارمي (1) ونابغة الجعدي
في الجعدية وقد تقدم ذكر عيينة والأقرع في غزوة حنين وقد مضى في أحاديث الأنبياء ويأتي في التوحيد
من طريق سعيد بن مسروق عن ابن أبي نعم بلفظ والأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي
53

(قوله وزيد الخيل) أي ابن مهلهل الطائي وفي رواية سعيد بن مسروق وبين زيد الخيل الطائي
ثم أحد بن نبهان وقيل له زيد الخيل لكرائم الخيل التي كانت له وسماه النبي صلى الله عليه وسلم
زيد الخير بالراء بدل اللام وأثنى عليه فأسلم فحسن إسلامه ومات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
(قوله والرابع اما علقمة) أي ابن علاثة بضم المهملة والمثلثة العامري (واما عامر بن الطفيل)
وهو العامري وجزم في رواية سعيد بن مسروق بأنه علقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب
وهو من أكابر بني عامر وكان يتنازع الرياسة هو وعامر بن الطفيل وأسلم علقمة فحسن إسلامه
واستعمله عمر على حوران فمات بها في خلافته وذكر عامر بن الطفيل غلط من عبد الواحد
فإنه كان مات قبل ذلك (قوله فقال رجل من أصحابه) لم أقف على اسمه وفي رواية سعيد بن
مسروق فغضبت قريش والأنصار وقالوا يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا فقال إنما أتألفهم
والصناديد بالمهملة والنون جمع صنديد وهو الرئيس (قوله فقال ألا تأمنوني وأنا أمين من في
السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء) في رواية سعيد بن مسروق أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال
ذلك عقب قول الخارجي الذي يذكر بعد هذا وهو المحفوظ * (تنبيه) * هذه القصة غير القصة
المتقدمة في غزوة حنين و وهم من خلطها بها واختلف في هذه الذهيبة فقيل كانت خمس الخمس
وفيه نظر وقيل من الخمس وكان ذلك من خصائصه أنه يضعه في صنف من الأصناف للمصلحة
وقيل من أصل الغنيمة وهو بعيد وسيأتي الكلام على قوله من في السماء في كتاب التوحيد (قوله
فقام رجل غائر العينين) بالغين المعجمة والتحتانية وزن فاعل من الغور والمراد أن عينيه داخلتان في
محاجرهما لاصقتين بقعر الحدقة وهو ضد الجحوظ (قوله مشرف) بشين معجمة وفاء أي بارزهما
والوجنتان العظمان المشرفان على الخدين (قوله ناشز) بنون وشين معجمة وزاي أي مرتفعها
في رواية سعيد بن مسروق ناتئ الجبين بنون ومثناة على وزن فاعل من النتوء أي أنه يرتفع على
ما حوله (قوله محلوق) سيأتي في أواخر التوحيد من وجه آخر أن الخوارج سيماهم التحليق
وكان السلف يوفرون شعورهم لا يحلقونها وكانت طريقة الخوارج حلق جميع رؤوسهم (قوله
أو لست أحق أهل الأرض أن يتقى الله) وفي رواية سعيد بن مسروق فقال ومن يطع الله إذا
عصيته وهذا الرجل هو ذو الخويصرة التميمي كما تقدم صريحا في علامات النبوة من وجه آخر عن
أبي سعيد الخدري وعند أبي داود اسمه نافع ورجحه السهيلي وقيل اسمه حرقوص بن زهير السعدي
وسيأتي تحرير ذلك في كتاب استتابة المرتدين (قوله فقال خالد بن الوليد) في رواية أبي سلمة عن أبي
سعيد في علامات النبوة فقال عمر ولا تنافيه هذه الرواية لاحتمال أن يكون كل منهما سأل في ذلك
(قوله ألا أضرب عنقه قال لا لعله أن يكون يصلى) فيه استعمال لعل استعمال عسى نبه عليه ابن
مالك وقوله يصلي قيل فيه دلالة من طريق المفهوم على أن تارك الصلاة يقتل وفيه نظر (قوله أن
أنقب) بنون وقاف ثقيلة بعدها موحدة أي إنما أمرت أن آخذ بظواهر أمورهم قال القرطبي إنما
منع قتله وأن كان قد استوجب القتل لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه ولا سيما من صلى كما
تقدم نظيره في قصة عبد الله بن أبي وقال المازري يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفهم
من الرجل الطعن في النبوة وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة وليس ذلك كبيرة والأنبياء
معصومون من الكبائر بالاجماع واختلف في جواز وقوع الصغائر أو لعله لم يعاقب هذا الرجل
54

لأنه لم يثبت ذلك عنه بل نقله عنه واحد وخبر الواحد لا يراق به الدم انتهى وأبطله عياض بقوله في
الحديث أعدل يا محمد فخاطبه في الملا بذلك حتى استأذنوه في قتله فالصواب ما تقدم (قوله يخرج
من ضئضئ) كذا للأكثر بضادين معجمتين مكسورتين بينهما تحتانية مهموزة ساكنة وفي آخره
تحتانية مهموزة أيضا وفي رواية الكشميهني بصادين مهملتين فأما بالضاد المعجمة فالمراد به النسل
والعقب وزعم ابن الأثير أن الذي بالمهملة بمعناه وحكى ابن الأثير أنه روى بالمد بوزن قنديل وفي
رواية سعيد بن مسروق في أحاديث الأنبياء أنه من ضئضئي هذا أو من عقب هذا (قوله يتلون
كتاب الله رطبا) في رواية سعيد بن مسروق يقرءون القرآن (قوله لا يجاوز حناجرهم) وتقدم
شرحه في علامات النبوة (قوله يمرقون من الدين) في رواية سعيد بن مسروق من الاسلام وفيه
رد على من أول الدين هنا بالطاعة وقال أن المراد أنهم يخرجون من طاعة الامام كما يخرج السهم
من الرمية وهذه صفة الخوارج الذين كانوا لا يطيعون الخلفاء والذي يظهر أن المراد بالدين
الاسلام كما فسرته الرواية الأخرى وخرج الكلام مخرج الزجر وأنهم بفعلهم ذلك يخرجون من
الاسلام الكامل وزاد سعيد بن مسروق في روايته يقتلون أهل الاسلام ويدعون أهل
الأوثان وهو مما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المغيبات فوقع كما قال (قوله وأظنه قال لئن
أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود) في رواية سعيد بن مسروق لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ولم يتردد فيه
وهو الراجح وقد استشكل قوله لئن أدركتهم لأقتلنهم مع أنه نهى خالدا عن قتل أصلهم وأجيب بأنه
أراد إدراك خروجهم واعتراضهم المسلمين بالسيف ولم يكن ظهر ذلك في زمانه وأول ما ظهر في
زمان على كما هو مشهور وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في علامات النبوة واستدل به على تكفير
الخوارج وهي مسألة شهيرة في الأصول وسيأتي الالمام بشئ منها في استتابة المرتدين * الحديث
الرابع حديث جابر في مجئ علي من اليمن إلى الحج في حجة الوداع وقد تقدم بالسندين
المذكورين في كتاب الحج وتقدم شرحه هناك وقوله هنا وقدم على بسعايته بكسر السين المهملة
يعني ولايته على اليمن لا بسعاية الصدقة قال النووي تبعا لغيره لأنه كان يحرم عليه ذلك كما ثبت في
صحيح مسلم في قصة طلب الفضل بن العباس أن يكون عاملا على الصدقة فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم أنها أوساخ الناس والله أعلم (قوله غزوة ذي الخلصة) بفتح الخاء المعجمة واللام
بعدها مهملة وحكى ابن دريد فتح أوله وإسكان ثانيه وحكى ابن هشام ضمها وقيل بفتح أوله وضم
ثانيه والأول أشهر والخلصة نبات له حب أحمر كخرز العقيق وذو الخلصة اسم للبيت الذي
كان فيه الصنم وقيل اسم البيت الخلصة واسم الصنم ذو الخلصة وحكى المبرد أن موضع ذي
الخلصة صار مسجدا جامعا لبلدة يقال لها العيلات من أرض خثعم ووهم من قال إنه كان في
بلاد فارس (قوله حدثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان وبيان بموحدة ثم تحتانية خفيفة وهو ابن
بشر وقيس هو ابن أبي حازم (قوله كان بيت في الجاهلية يقال له ذو الخلصة) في الرواية
التي بعدها أنه كان في خثعم بمعجمة ومثلثة وزن جعفر قبيلة شهيرة ينتسبون إلى خثعم بن أنمار بفتح أوله
وسكون النون أي ابن أراش بكسر أوله وتخفيف الراء وفي آخره معجمة ابن عنز بفتح المهملة
وسكون النون بعدها زاي أي ابن وائل ينتهي نسبهم إلى ربيعة بن نزار إخوة مضر بن نزار جد
قريش وقيس وقد وقع ذكر ذي الخلصة في حديث أبي هريرة عند الشيخين في كتاب الفتن مرفوعا
55

لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة وكان صنما تعبده دوس في
الجاهلية والذي يظهر لي أنه غير المراد في حديث الباب وأن كان السهيلي يشير إلى اتحادهما
لان دوسا قبيلة أبي هريرة وهم ينتسبون إلى دوس بن عدثان بضم المهملة وبعد الدال الساكنة مثلثة
ابن عبد الله بن زهران ينتهي نسبهم إلى الأزد فبينهم وبين خثعم تباين في النسب والبلد وذكر ابن
دحية أن ذا الخلصة المراد في حديث أبي هريرة كان عمرو بن لحي قد نصبه أسفل مكة وكانوا
يلبسونه القلائد ويجعلون عليه بيض النعام ويذبحون عنده وأما الذي لخثعم فكانوا قد بنوا بيتا
يضاهون به الكعبة فظهر الافتراق وقوى التعدد والله أعلم (قوله والكعبة اليمانية والكعبة
الشامية) كذا فيه قيل وهو غلط والصواب اليمانية فقط فقسموها بذلك مضاهاة للكعبة والكعبة
البيت الحرام بالنسبة لمن يكون جهة اليمن شامية فسموا التي بمكة شامية والتي عندهم يمانية
تفريقا بينهما والذي يظهر لي أن الذي في الرواية صواب وأنها كان يقال لها اليمانية باعتبار
كونها باليمن والشامية باعتبار أنهم جعلوا بابها مقابل الشام وقد حكى عياض أن في بعض
الروايات والكعبة اليمانية الكعبة الشامية بغير واو قال وفيه إيهام قال والمعنى كان يقال لها تارة
هكذا وتارة هكذا وهذا يقوى ما قلته فإن إرادة ذلك مع ثبوت الواو أولى وقال غيره قوله والكعبة
الشامية مبتدأ محذوف الخبر تقديره هي التي بمكة وقيل الكعبة مبتدأ والشامية خبره والجملة
حال والمعنى والكعبة هي الشامية لاغير وحكى السهيلي عن بعض النحويين أن له زائدة وأن
الصواب كان يقال الكعبة الشامية أي لهذا البيت الجديد والكعبة اليمانية أي للبيت العتيق
أو بالعكس قال السهيلي وليست فيه زيادة وإنما اللام بمعنى من أجل أي كان يقال من أجله
الكعبة الشامية والكعبة اليمانية أي إحدى الصفتين للعتيق والاخرى للجديد (قوله
الا تريحني) هو بتخفيف اللام طلب يتضمن الامر وخص جريرا بذلك لأنها كانت في بلاد قومه
وكان هو من اشرافهم والمراد بالراحة راحة القلب وما كان شئ أتعب لقلب النبي صلى الله عليه
وسلم من بقاء ما يشرك به من دون الله تعالى وروى الحاكم في الإكليل من حديث البراء بن عازب
قال قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مائة رجل من بني بجيلة وبني قشير جرير بن عبد الله
فسأله عن بني خثعم فأخبره أنهم أبوا أن يجيبوا إلى الاسلام فاستعمله على عامة من كان معه
وندب معه ثلثمائة من الأنصار وأمره أن يسير إلى خثعم فيدعوهم ثلاثة أيام فإن أجابوا إلى
الاسلام قبل منهم وهدم صنمهم ذا الخلصة وإلا وضع فيهم السيف (قوله فنفرت) أي خرجت
مسرعا (قوله في مائة وخمسين راكبا) زاد في الرواية التي بعدها وكانوا أصحاب خيل أي يثبتون
عليها لقوله بعده وكنت لا أثبت على الخيل ووقع في رواية ضعيفة في الطبراني أنهم كانوا سبعمائة
فلعلها إن كانت محفوظة يكون الزائد رجاله وأتباعا ثم وجدت في كتاب الصحابة لابن السكن أنهم
كانوا أكثر من ذلك فذكر عن قيس بن غربة الأحمسي أنه وفد في خمسمائة قال وقدم جرير في
قومه وقدم الحجاج بن ذي الأعين في مائتين قال وضم إلينا ثلثمائة من الأنصار وغيرهم فغزونا بني
خثعم فكأن المائة والخمسين هم قوم جرير وتكملة المائتين أتباعهم وكان الرواية التي فيها
سبعمائة من كان من رهط جرير وقيس بن غربة لان الخمسين كانوا من قبيلة واحدة وغربة بفتح
المعجمة والراء المهملة بعدها موحدة ضبطه الأكثر (قوله فكسرناه) أي البيت وسيأتي البحث
56

فيه بعد (قوله فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته) كذا فيه وفي الرواية الأخيرة أن الذي
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك رسول جرير فكأنه نسب إلى جرير مجازا (قوله فدعا لنا
ولأحمس) بمهملة وزن أحمر وهم إخوة بجيلة بفتح الموحدة وكسر الجيم رهط جرير ينتسبون إلى
أحمس بن الغوث بن أنمار وبجيلة امرأة نسبت إليها القبيلة المشهورة ومدار نسبهم أيضا على
أنمار وفي العرب قبيلة أخرى يقال لها أحمس ليست مرادة هنا ينتسبون إلى أحمس بن ضبيعة
ابن ربيعة بن نزار ووقع في الرواية التي بعد هذه فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات
أي دعا لهم بالبركة ووقع عند الإسماعيلي من رواية ابن شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد فدعا
لأحمس بالبركة (قوله وكنت لا أثبت على الخيل فضرب على صدري حتى رأيت أثر أصابعه في
صدري) في حديث البراء عند الحاكم فشكا جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلع فقال
ادن مني فدنا منه فوضع يده على رأسه ثم أرسلها على وجهه وصدره حتى بلغ عانته ثم وضع يده على
رأسه وأرسلها على ظهره حتى انتهت إلى أليته وهو يقول مثل قوله الأول فكان ذلك للتبرك بيده
المباركة * (فائدة) * القلع بالقاف ثم اللام المفتوحتين ضبطه أبو عبيد الهروي الذي لا يثبت على
السرج وقيل بكسر أوله قال الجوهري رجل قلع القدم بالكسر إذا كانت قدمه لا تثبت عند
الحرب وفلان قلعة إذا كان يتقلع عن سرجه وسئل عن الحكمة في قوله خمس مرات فقيل
مبالغة واقتصارا على الوتر لأنه مطلوب ثم ظهر لي احتمال أن يكون دعا للخيل والرجال أو لهما معا
ثم أراد التأكيد في تكرير الدعاء ثلاثا فدعا للرجال مرتين أخريين وللخيل مرتين أخريين
ليكمل لكل من الصنفين ثلاثا فكان مجموع ذلك خمس مرات (قوله اللهم ثبته واجعله هاديا
مهديا) قيل فيه تقديم وتأخير لأنه لا يكون هاديا حتى يكون مهديا وقيل معناه كاملا مكملا
ووقع في حديث البراء أنه قال ذلك في حال إمرار يده عليه في المرتين وزاد وبارك فيه وفي ذريته
* (تنبيه) * كلام المزي في الأطراف يقتضى أن قوله واجعله هاديا مهديا من افراد مسلم وليس
كذلك لأنه ثبت هنا من طريقين (قوله فكسرها وحرقها) أي هدم بناءها ورمى النار فيما فيها
من الخشب (قوله في الرواية الثالثة ولما قدم جرير اليمن الخ) يشعر باتحاد قصته في غزوة ذي
الخلصة بقصة ذهابه إلى اليمن وكأنه لما فرغ من أمر ذي الخلصة وأرسل رسوله مبشرا استمر
ذاهبا إلى اليمن للسبب الذي سيذكر بعد باب وقوله يستقسم أي يستخرج غيب ما يريد فعله من
خير أو شر وقد حرم الله ذلك بقوله تعالى وأن تستقسموا بالأزلام وحكى أبو الفرج الأصبهاني
أنهم كانوا يستقسمون عند ذي الخلصة وأن امرأ القيس لما خرج يطلب بثار أبنه استقسم عنده
فخرج له ما يكره فسب الصنم ورماه بالحجارة وأنشد
لو كنت يا ذا الخلص الموتورا * لم تنه عن قتل العداة زورا
قال فلم يستقسم عنده أحد بعد حتى جاء الاسلام (قلت) وحديث الباب يدل على أنهم استمروا
57

يستقسمون عنده حتى نهاهم الاسلام وكأن الذي استقسم عنده بعد ذلك لم يبلغه التحريم أو
لم يكن أسلم حتى زجره جرير (قوله ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة) بفتح الهمز
وسكون الراء بعدها مهملة وبعد الألف هاء تأنيث واسم أبي أرطاة هذا حصين بن ربيعة وقع
مسمى في صحيح مسلم ولبعض رواته حسين بسين مهملة بدل الصاد وهو تصحيف ومنهم من سماه
حصن بكسر أول وسكون ثانيه وقلبه بعض الرواة فقال ربيعة بن حصين ومنهم من سماه أرطاة
والصواب أبو أرطاة حصين بن ربيعة وهو ابن عامر بن الأزور وهو صحابي يجلى لم أر له ذكرا إلا في
هذا الحديث (قوله كأنها جمل أجرب) بالجيم والموحدة هو كناية عن نزع زينتها وإذهاب بهجتها
وقال الخطابي المراد أنها صارت مثل الجمل المطلى بالقطران من جربه إشارة إلى أنها صارت سوداء
لما وقع فيها من التحريق ووقع لبعض الرواة وقيل إنها رواية مسدد أجوف بواو بدل الراء وفاء
بدل الموحدة والمعنى أنها صارت صورة بغير معنى والأجوف الخالي الجوف مع كبره في الظاهر
ووقع لابن بطال معنى قوله أجرب أي أسود ومعنى قوله أجوف أي أبيض وحكاه عن ثابت
السرقسطي وأنكره عياض وقال هو تصحيف وإفساد للمعنى كذا قال فإن أراد إنكار تفسير
أجوف بأبيض فمقبول لأنه يضاد معنى الأسود وقد ثبت أنه حرقها والذي يحرق يصير أثره أسود
لا محالة فيه فكيف يوصف بكونه أبيض وإن أراد إنكار لفظ أجوف فلا إفساد فيه فإن المراد
أنه صار خاليا لا شئ فيه كما قررته وفي الحديث مشروعية إزالة ما يفتتن به الناس من بناء وغيره
سواء كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا وفيه استمالة نفوس القوم بتأمير من هو منهم والاستمالة
بالدعاء والثناء والبشارة في الفتوح وفضل ركوب الخيل في الحرب وقبول خبر الواحد والمبالغة
في نكاية العدو ومناقب لجرير ولقومه وبركة يد النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه وأنه كان يدعو
وترا وقد يجاوز الثلاث وفيه تخصيص لعموم قول أنس كان إذا دعا دعا ثلاثا فيحمل على
الغالب وكأن الزيادة لمعنى اقتضى ذلك وهو ظاهر في أحمس لما اعتمدوه من دحض الكفر ونصر
الاسلام ولا سيما مع القوم الذين هم منهم * (قوله باب غزوة ذات السلاسل) تقدم
ضبطها وبيان الاختلاف فيها في أواخر مناقب أبي بكر قيل سميت ذات السلاسل لان المشركين
ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا وقيل لان بها ماء يقال له السلسل وذكر ابن سعد أنها وراء
وادي القرى وبينها وبين المدينة عشرة أيام قال وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان من الهجرة
وقيل كانت سنة سبع وبه جزم ابن أبي خالد في كتاب صحيح التاريخ ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنها
كانت بعد غزوة مؤتة إلا ابن إسحاق فقال قبلها (قلت) وهو قضية ما ذكر عن بن سعد وابن أبي
خالد (قوله وهي غزوة لخم وجذام قاله إسماعيل بن أبي خالد) وعند بن إسحاق أنه ماء لبني جذام
ولخم أما لخم فيفتح اللام وسكون المعجمة قبيلة كبيرة شهيرة ينسبون إلى لخم واسمه مالك بن عدي
ابن الحرث بن مرة بن أدد وأما جذام فبضم الجيم بعدها معجمة خفيفة قبيلة كبيرة شهيرة أيضا
ينسبون إلى عمرو بن عدي وهم إخوة لخم على المشهور وقيل هم من ولد أسد بن خزيمة (قوله
وقال بن إسحاق عن يزيد عن عروة هي بلاد بلى وعذرة وبني القين) أما يزيد فهو ابن رومان مدني
مشهور وأما عروة فهو ابن الزبير بن العوام وأما القبائل التي ذكرها فالثلاثة بطون من قضاعة
أما بلى فبفتح الموحدة وكسر اللام الخفيفة بعدها ياء النسب قبيلة كبيرة ينسبون إلى بلى بن عمرو
58

ابن الحاف بن قضاعة وأما عذرة فبضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة قبيلة كبيرة ينسبون
إلى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سويد بن أسلم بضم اللام بن الحاف بن قضاعة وأما بنو
القين فقبيلة كبيرة أيضا ينسبون إلى القين بن حسر ويقال كان له عبد يسمى القين حضنه
فنسب إليه وكان اسمه النعمان بن حسر بن شيع الله بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها عين
مهملة ابن أسد بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ووهم ابن التين فقال
بنو القين قبيلة من بني تميم وذكر ابن سعد أن جمعا من قضاعة تجمعوا وأرادوا أن يدنوا من
أطراف المدينة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيض وبعثه في
ثلثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ثم أمده بأبي عبيدة بن الجراح في مائتين وأمره أن يلحق
بعمرو وأن لا يختلفا فأراد أبو عبيدة أن يؤم بهم فمنعه عمرو وقال إنما قدمت على مددا وأنا
الأمير فأطاع له أبو عبيدة فصلى بهم عمرو وتقدم في التيمم أنه احتلم في ليلة بادرة فلم يغتسل وتيمم
وصلى بهم الحديث وسار عمرو حتى وطئ بلاد بلى وعذرة وكذا ذكر موسى بن عقبة نحو هذه
القصة وذكر ابن إسحاق أن أم عمرو بن العاص كانت من بلى فبعث النبي صلى الله عليه وسلم
عمرا يستنفر الناس إلى الاسلام ويستألفهم بذلك وروى إسحاق بن راهويه والحاكم من
حديث بريدة أن عمرو بن العاص أمرهم في تلك الغزوة أن لا يوقدوا نارا فأنكر ذلك عمر فقال له
أبو بكر دعه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعثه علينا إلا لعلمه بالحرب فسكت عنه فهذا
السبب أصبح إسنادا من الذي ذكره ابن إسحاق لكن لا يمتنع الجمع وروى ابن حبان من طريق
قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في ذات السلاسل
فسأله أصحابه أن يوقدوا نارا فمنعهم فكلموا أبا بكر فكلمه في ذلك فقال لا يوقد أحد منهم نارا
الا قذفته فيها قال فلقوا العدو فهزموهم فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم فلما انصرفوا ذكروا ذلك
للنبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم وكرهت
أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فحمد أمره فقال يا رسول الله من أحب الناس إليك الحديث
فاشتمل هذا السياق على فوائد زوائد ويجمع بينه وبين حديث بريدة بأن أبا بكر سأله فلم يجبه فسلم
له أمره وألحوا على أبي بكر حتى يسأله فسأله فلم يجبه (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن شاهين وخالد
هو ابن عبد الله الطحان وشيخه خالد هو ابن مهران الحذاء وأبو عثمان هو النهدي (قوله إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل) هذه صورته مرسل
بل جزم الإسماعيلي بأنه مرسل لكن الحديث موصول لقوله بعد ذلك قال فأتيته فإن المراد قال
عمرو بن العاص وأبو عثمان سمع من عمرو بن العاص وقد أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى
والإسماعيلي من رواية وهب بن بقية ومعلى بن منصور كلهم عن خالد بن عبد الله بالاسناد الذي
أخرجه البخاري فقال في روايته عن أبي عثمان عن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على
جيش ذات السلاسل فأتيته فذكر الحديث وتقدم في مناقب أبي بكر من طريق أخرى عن خالد
الحذاء عن أبي عثمان قال حدثنا عمرو بن العاص فذكره (قوله فأتيته) في رواية معلى بن منصور
المذكورة قدمت من جيش ذات السلاسل فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعند البيهقي من
طريق علي بن عاصم عن خالد الحذاء في هذه القصة قال عمرو فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على قوم
59

فيهم أبو بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت يا رسول الله من أحب الناس
إليك الحديث (قوله فعد رجالا) في رواية علي بن عاصم قال قلت في نفسي لا أعود لمثلها أسأل عن
هذا وفي الحديث جواز تأمير المفضول على الفاضل إذا امتاز المفضول بصفة تتعلق بتلك الولاية
ومزية أبي بكر على الرجال وبنته عائشة على النساء وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في المناقب
ومنقبة لعمرو بن العاص لتأميره على جيش فيهم أبو بكر وعمر وإن كان ذلك لا يقتضى أفضليته
عليهم لكن يقتضى أن له فضلا في الجملة وقد روينا في فوائد أبي بكر بن أبي الهيثم من حديث
رافع الطائي قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشا واستعمل عليهم عمرو بن العاص وفيهم
أبو بكر قال وهي الغزوة التي يفتخر بها أهل الشام وروى أحمد والبخاري في الأدب وصححه أبو
عوانة وابن حبان والحاكم من طريق علي بن رباح عن عمرو بن العاص قال بعث إلى النبي صلى
الله عليه وسلم يأمرني أن آخذ ثيابي وسلاحي فقال يا عمرو إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله
ويسلمك قلت أني لم أسلم رغبة في المال قال نعم المال الصالح للمرء الصالح وهذا فيه إشعار بأن
بعثه عقب إسلامه وكان إسلامه في أثناء سنة سبع من الهجرة (قوله في آخر الحديث
فسكت) بتشديد المثناة المضمومة هو مقول عمرو * (قوله باب ذهاب جرير) * أي
ابن عبد الله البجلي (إلى اليمن) ذكر الطبراني من طريق إبراهيم بن جرير عن أبيه قال بعثني النبي
صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أقاتلهم وأدعوهم أن يقولوا لا إله إلا الله فالذي يظهر أن هذا البعث
غير بعثه إلى هدم ذي الخلصة ويحتمل أن يكون بعثه إلى الجهتين على الترتيب ويؤيده ما وقع عند
ابن حبان في حديث جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا جرير إنه لم يبق من طواغيت
الجاهلية إلا بيت ذي الخلصة فإنه يشعر بتأخير هذه القصة جدا وسيأتي في حجة الوداع أن جريرا
شهدها فكأن إرساله كان بعدها فهدمها ثم توجه إلى اليمن ولهذا لما رجع بلغته وفاة النبي صلى
الله عليه وسلم (قوله حدثني عبد الله بن أبي شيبة) هو أبو بكر واسم أبيه محمد بن أبي شيبة واسمه
إبراهيم بن عثمان العبسي بالموحدة الحافظ وابن إدريس هو عبد الله وقيس هو ابن أبي حازم
والاسناد كله كوفيون (قوله كنت باليمن) في رواية أبي إسحاق عن جرير عند ابن عساكر أن
النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى ذي عمرو وذي الكلاع يدعوهما إلى الاسلام فاسلما قال وقال
لي ذو الكلاع ادخل على أم شرحبيل يعني زوجته وعند الواقدي في الردة بأسانيد متعددة نحو
هذا (قوله فلقيت رجلين من أهل اليمن) في رواية الإسماعيلي كنت باليمن فأقبلت ومعي ذو
الكلاع وذو عمرو وهذه الرواية أبين وذلك أن جريرا قضى حاجته من اليمن وأقبل راجعا يريد
المدينة فصحبه من ملوك اليمن ذو الكلاع وذو عمرو فأما ذو الكلاع فهو بفتح الكاف وتخفيف
اللام واسمه اسميفع بسكون المهملة وفتح الميم وسكون التحتانية وفتح الفاء وبعدها مهملة ويقال
أيفع بن باكوراء ويقال ابن حوشب بن عمرو وأما ذو عمرو فكان أحد ملوك اليمن وهو من حمير
أيضا ولم أقف على اسم غيره ولا رأيت من أخباره أكثر مما ذكر في حديث الباب وكانا عزما على
التوجه إلى المدينة فلما بلغهما وفاة النبي صلى الله عليه وسلم رجعا إلى اليمن ثم هاجرا في زمن عمر
(قوله لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك) أي حقا في رواية الإسماعيلي لئن كان كما تذكر
وقوله لقد مر على أجله جواب لشرط مقدر أي أن أخبرتني بهذا أخبرك بهذا وهذا قاله ذو عمرو
60

عن اطلاع من الكتب القديمة لان اليمن كان أقام بها جماعة من اليهود فدخل كثير من أهل
اليمن في دينهم وتعلموا منهم وذلك بين قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن إنك ستأتي
قوما أهل كتاب وقال الكرماني يحتمل أن يكون سمع من بعض القادمين من المدينة سرا أو أنه
كان في الجاهلية كامنا أو أنه صار بعد إسلامه محدثا أي بفتح الدال وقد تقدم تفسيره بأنه الملهم
(قلت) وسياق الحديث يدل على ما قررته لأنه علق ما ظهر له من وفاته على ما أخبره به جرير من
أحواله ولو كان ذلك مستفادا من غير ما ذكرته لما أحتاج إلى بناء ذلك على ذلك لان الأولين خبر
محض والثالث وقوع شئ في النفس عن غير قصد وقد روى الطبراني من طريق زياد بن علاقة عن
جرير في هذه القصة قال قال لي حبر باليمن وهذا يؤيد ما قلته فلله الحمد (قوله فأخبرت أبا بكر
بحديثهم قال أفلا جئت بهم) كأنه جمع باعتبار من كان معهما من الاتباع (قوله فلما كان بعد
الخ) لعل ذلك كان لما هاجر ذو عمرو في خلافة عمر وذكر يعقوب بن شبة بإسناد له أن ذا الكلاع
كان معه اثنا عشر ألف بيت من مواليه فسأله عمر بيعهم ليستعين بهم على حرب المشركين فقال
ذو الكلاع هم أحرار فأعتقهم في ساعة واحدة وروى سيف في الفتوح أن أبا بكر بعث أنس بن
مالك يستنفر أهل اليمن إلى الجهاد فرحل ذو الكلاع ومن اطاعه وذكر ابن الكلبي في النسب أن
ذا الكلاع كان جميلا فكان إذا دخل مكة يتعمم وشهد صفين مع معاوية وقتل بها (قوله تآمرتم)
بمد الهمزة وتخفيف الميم أي تشاورتم أو بالقصر وتشديد الميم أي أقمتم أميرا منكم عن رضا منكم
أو عهد من الأول (قوله فإذا كانت) أي الامارة (بالسيف) أي بالقهر والغلبة (كانوا ملوكا)
أي الخلفاء وهذا دليل على ما قررته أن ذا عمرو كان له اطلاع على الاخبار من الكتب القديمة
واشارته بهذا الكلام تطابق الحديث الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره
من حديث سفينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا
عضوضا قال ابن التين ما قاله ذو عمرو وذو الكلاع لا يكون إلا عن كتاب أو كهانة وما قاله ذو عمرو
لا يكون إلا عن كتاب (قلت) ولا أدري لم فرق بين المقالتين والاحتمال فيهما واحد بل المقالة
الأخيرة يحتمل أن تكون من جهة التجربة * (قوله باب غزوة سيف البحر) هو
بكسر المهملة وسكون التحتانية وآخره فاء أي ساحل البحر (قوله وهم يتلقون عير القريش)
هو صريح ما في الرواية الثانية في الباب حيث قال فيها نرصد عير قريش وقد ذكر ابن سعد وغيره
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم إلى حي من جهينة بالقبلية بفتح القاف والموحدة مما يلي ساحل
البحر بينهم وبين المدينة خمس ليال وأنهم انصرفوا ولم يلقوا أكيدا وأن ذلك كان في رجب سنة
ثمان وهذا لا يغاير ظاهره ما في الصحيح لأنه يمكن الجمع بين كونهم يتلقون عيرا لقريش ويقصدون
حيا من جهينة ويقوى هذا الجمع ما عند مسلم من طريق عبيد الله بن مقسم عن جابر قال بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا إلى أرض جهينة فذكر هذه القصة لكن تلقى عير قريش
ما يتصور أن يكون في الوقت الذي ذكره ابن سعد في رجب سنة ثمان لانهم كانوا حينئذ في الهدنة
بل مقتضى ما في الصحيح أن تكون هذه السرية في سنة ست أو قبلها قبل هدنة الحديبية نعم
يحتمل أن يكون تلقيهم للعير ليس لمحاربتهم بل لحفظهم من جهينة ولهذا لم يقع في شئ من طرق
الخبر أنهم قاتلوا أحدا بل فيه أنهم قاموا نصف شهر أو أكثر في مكان واحد فالله أعلم
61

(قوله عن وهب بن كيسان عن جابر) (قوله قبل الساحل) بكسر القاف
وفتح الموحدة أي جهته ووقع في رواية عبادة بن الوليد بن عبادة سيف البحر وسأذكر من
أخرجها (قوله وأمر عليهم أبا عبيدة) في رواية أبي حمزة الخولاني عن جابر بن أبي عاصم في
الأطعمة تأمر علينا قيس بن سعد بن عبادة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمحفوظ
ما اتفقت عليه روايات الصحيحين أنه أبو عبيدة وكأن أحد رواته ظن من صنيع قيس بن سعد في
تلك الغزوة ما صنع من نحر الإبل التي اشتراها أنه كان أمير السرية وليس كذلك (قوله فخرجنا
فكنا ببعض الطريق فني الزاد فأمر أبو عبيدة بأزواد الجيش فجمع فكان مزود تمر) المزود
بكسر الميم وسكون الزاي ما يجعل فيه الزاد (قوله فكان يقوتنا) بفتح أوله والتخفيف من
الثلاثي وبضمه والتشديد من التقويت (قوله كل يوم قليلا قليلا حتى فني فلم يكن يصيبنا إلا
تمرة تمرة) ظاهر هذا السياق أنهم كان لهم زاد بطريق العموم وأزواد بطريق الخصوص فلما فني
الذي بطريق العموم اقتضى رأى أبي عبيدة أن يجمع الذي بطريق الخصوص لقصد المساواة
بينهم في ذلك ففعل فكان جميعه مزودا واحدا ووقع عند مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة فتلقينا لقريش وزودنا جرابا
من تمر لم يجد لنا غيره وكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة وظاهره مخالف لرواية الباب ويمكن الجمع
بأن الزاد العام كان قدر جراب فلما نفد وجمع أبو عبيدة الزاد الخاص أتفق أنه أيضا كان قدر جراب
ويكون كل من الراويين ذكر ما لم يذكره الآخر وأما تفرقة ذلك تمرة تمرة فكان في ثاني الحال
وقد تقدم في الجهاد من طريق هشام بن عروة عن وهب بن كيسان في هذا الحديث خرجنا
ونحن ثلثمائة نحمل زادنا على رقابنا ففني زادنا حتى كان الرجل منا يأكل كل يوم تمرة وأما
قول عياض يحتمل أنه لم يكن في أزوادهم تمر غير الجراب المذكور فمردود لان حديث الباب
صريح في أن الذي اجتمع من أزوادهم كان مزود تمر ورواية أبي الزبير صريحة في أن النبي
صلى الله عليه وسلم زودهم جرابا من تمر فصح أن التمر كان معهم من غير الجراب وأما قول غيره
يحتمل أن يكون تفرقته عليهم تمرة تمرة كان من الجراب النبوي قصدا لبركته وكان يفرق
عليهم من الأزواد التي جمعت أكثر من ذلك فبعيد من ظاهر السياق بل في رواية هشام بن
عروة عند ابن عبد البر فقلت أزوادنا حتى ما كان يصيب الرجل منا إلا تمرة (قوله فقلت ما تغنى
عنكم تمرة) هو صريح في أن السائل عن ذلك وهب بن كيسان فيفسر به المبهم في رواية هشام
ابن عروة التي مضت في الجهاد فإن فيها فقال رجل يا أبا عبد الله وهي كنية جابر أين كانت تقع
التمرة من الرجل وعند مسلم من رواية أبي الزبير أنه أيضا سئل عن ذلك فقال لقد وجدنا
فقدها حين فنيت أي مؤثرا وفي رواية أبي الزبير فقلت كيف كنتم تصنعون بها قال نمصها
كما يمص الصبي الثدي ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا إلى الليل (قوله في الرواية الثانية
فأصابنا جوع شديد حتى اكلنا الخبط) بفتح المعجمة والموحدة بعدها مهملة هو ورق السلم في
رواية أبي الزبير وكنا نضرب بعصينا الخيط ثم نبله بالماء فنأكله وهذا يدل على أنه كان يابسا بخلاف
ما جزم به الداودي أنه كان أخضر رطبا ووقع في رواية الخولاني وأصابتنا مخمصة (قوله ثم
انتهينا إلى البحر أي إلى ساحل البحر) وهو صريح الرواية الثانية وفي رواية أبي الزبير
62

فانطلقنا على ساحل البحر (قوله فإذا حوت مثل الظرب) أما الحوت فهو اسم جنس لجميع السمك
وقيل هو مخصوص بما عظم منها والظرب بفتح المعجمة المشالة ووقع في بعض النسخ بالمعجمة الساقطة
حكاها ابن التين والأول أصوب وبكسر الراء بعدها موحدة الجبل الصغير وقال القزاز هو
بسكون الراء إذا كان منبسطا ليس بالعالي وفي رواية أبي الزبير فوقع لنا على ساحل البحر كهيئة
الكثيب الضخم فأتيناه فإذا هو دابة تدعي العنبر وفي الرواية الثانية فألقى لنا البحر دابة يقال لها
العنبر وفي رواية الخولاني فهبطنا بساحل البحر فإذا نحن بأعظم حوت قال أهل اللغة العنبر سمكة
بحرية كبيرة يتخذ من جلدها الترسة ويقال إن العنبر المشموم وجميع هذه الدابة وقال ابن سيناء بل
المشموم يخرج من البحر وإنما يؤخذ من أجواف السمك الذي يبتلعه ونقل الماوردي عن
الشافعي قال سمعت من يقول رأيت العنبر نابتا في البحر ملتويا مثل عنق الشاة وفي البحر دابة تأكله
وهو سم لها فيقتلها فيقذفها فيخرج العنبر من بطنها وقال الأزهري العنبر سمكة تكون بالبحر
الأعظم يبلغ طولها خمسين ذراعا يقال لها بالة وليست بعربية قال الفرزدق
فبتنا كأن العنبر الورد بيننا * وبالة بحر فاؤها قد تخرما
أي قد تشقق ووقع في رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار في أواخر الباب فألقى لنا البحر حوتا ميتة
واستدل به على جواز أكل ميتة السمك وسيأتي البحث فيه في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى
(قوله فأكل منه القوم ثمان عشرة ليلة) في رواية عمرو بن دينار فأكلنا منه نصف شهر وفي
رواية أبي الزبير فأقمنا عليها شهرا ويجمع بين هذا الاختلاف بأن الذي قال ثمان عشرة ضبط ما لم
يضبطه غيره وأن من قال نصف شهر ألغى الكسر الزائد وهو ثلاثة أيام ومن قال شهرا جبر الكسر
أو ضم بقية المدة التي كانت قبل وجدانهم الحوت إليها ورجح النووي رواية أبي الزبير لما فيها
من الزيادة وقال ابن التين إحدى الروايتين وهم انتهى ووقع في رواية الحاكم اثنى عشر يوما وهي
شاذة وأشد منها شذوذا رواية الخولاني فأقمنا قبلها ثلاثا ولعل الجمع الذي ذكرته أولى والله أعلم
(قوله في الرواية الثانية حتى ثابت) بمثلثة أي رجعت وفيه إشارة إلى أنهم أصابهم هزال من
الجوع السابق (قوله وادهنا من ودكه) بفتح الواو والمهملة أي شحمه وفي رواية أبي الزبير فلقد
رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقطع منه الفدر كالثور والوقب بفتح الواو
وسكون القاف بعدها موحدة هي النقرة التي تكون فيها الحدقة والفدر بكسر الفاء وفتح
الدال جمع فدرة بفتح ثم سكون وهي القطعة من اللحم ومن غيره وفي رواية الخولاني فحملنا ما شئنا
من قديد وودك في الأسقية والغرائر (قوله ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا) كذا
فيه واستشكل لان الضلع مؤنثة ويجاب بأن تأنيثه غير حقيقي فيجوز فيه التذكير (قوله ثم أمر
براحلة فرحلت ثم مرت تحتهما فلم تصبهما) وفي الرواية الثانية فعمد إلى أطول رجل معه فمر تحته
وفي حديث عبادة بن الصامت عند ابن إسحاق ثم أمر بأجسم بعير معنا فحمل عليه أجسم رجل
منا فخرج من تحتهما وما مست رأسه وهذا الرجل لم أقف على اسمه وأظنه قيس بن سعد بن عبادة
فإن له ذكرا في هذه الغزوة كما ستراه بعد وكان مشهورا بالطول وقصته في ذلك معاوية لما
أرسل إليه ملك الروم بالسراويل معروفة فذكرها المعافى الحريري في الجليس وأبو الفرج
الأصبهاني وغيرهما ومحصلها أن أطول رجل من الروم نزع له قيس بن سعد سراويله فكان
63

طول قامة الرومي بحيث كان طرفها على أنفه وطرفها بالأرض وعوتب قيس في نزع سراويله
في المجلس فأنشد
أردت لكيما يعلم الناس أنها * سراويل قيس والوفود شهود
وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه * سراويل عادي نمته ثمود
وزاد مسلم في رواية أبي الزبير فأخذ أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينه والوقب
تقدم ضبطه وهو حفرة العين في عظم الوجه وأصله نقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء والجمع وقاب
بكسر أوله ووقع في آخر صحيح مسلم من طريق عبادة بن الوليد أن عبادة بن الصامت قال خرجت
أنا وأبي نطلب العلم فذكر حديثا طويلا وفي آخره وشكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الجوع فقال عسى الله أن يطعمكم فأتينا سيف البحر فزخر البحر زخرة فألقى دابة فأورينا على
شقها النار فاطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا قال جابر فدخلت أنا وفلان وفلان حتى عد خمسة
في حجاج عينها وما يرانا أحد حتى خرجنا وأخذنا ضلعا من أضلاعها فقوسناه ثم دعونا بأعظم
رجل في الركب وأعظم جمل في الركب وأعظم كفل في الركب فدخل تحته ما يطأطأ رأسه وظاهر
سياقه أن ذلك وقع لهم في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم لكن يمكن حمل قوله فأتينا سيف
البحر على أنه معطوف على شئ محذوف تقديره فبعثنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأتينا الخ
فيتحد مع القصة التي في حديث الباب (قوله في الرواية الثانية فأخذ أبو عبيدة ضلعا من
أضلاعه) كذا للأكثر وللمستملي من أعضائه والأول أصوب لان في السياق قال سفيان مرة
ضلعا من أعضائه فدل على أن الرواية الأولى من اضلاعه (قوله في الرواية الثانية وكان رجل
من القوم نحر ثلاث جزائر) أي عندما جاعوا ووقع في رواية الخولاني سبع جزائر (قوله وكان
عمرو) هو ابن دينار وأبو صالح هو ذكوان السمان (قوله إن قيس بن سعد قال لأبيه كنت في
الجيش فجاعوا قال انحر) وهذا صورته مرسل لان عمرو بن دينار لم يدرك زمان تحديث قيس لأبيه
لكنه في مسند الحميدي موصول أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه ولفظه عن أبي صالح
عن قيس بن سعد بن عبادة قال قلت لأبي وكنت في ذلك الجيش جيش الخبط فأصاب الناس جوع
قال لي انحر قلت نحرت فذكره وفي آخره قلت نهيت وذكر الواقدي بإسناد له أن قيس بن سعد
لما رأى ما بالناس قال من يشتري مني تمرا بالمدينة بجزور هنا فقال له رجل من جهينة من أنت
فانتسب له فقال عرفت نسبك فابتاع منه خمس جزائر بخمسة أوسق وأشهد له نفرا من الصحابة
فامتنع عمر لكون قيس لا مال له فقال الأعرابي ما كان سعد ليجنى بابنه في أوسق تمر فبلغ ذلك
سعدا فغضب ووهب لقيس أربع حوائط أقلها يجذ خمسين وسقا وزاد ابن خزيمة من طريق
عمرو بن الحرث عن عمرو بن دينار وقال في حديثه لما قدموا ذكروا شأن قيس فقال النبي صلى الله
عليه وسلم إن الجود من شيمة أهل ذلك البيت وفي حديث الواقدي أن أهل المدينة بلغهم الجهد
الذي قد أصاب القوم فقال سعد بن عبادة إن يك قيس كما أعرف فسينحر للقوم (قوله في الرواية
الثالثة وأمر أبو عبيدة) كذا لهم بضم الهمزة وتشديد الميم على البناء للمجهول وفي رواية بن عيينة
عند مسلم وأميرنا أبو عبيدة (قوله وأخبرني أبو الزبير) القائل هو ابن جريج وهو موصول
بالاسناد المذكور (قوله أطعمونا إن كان معكم منه فآتاه بعضهم) بالمد أي فأعطاه (فأكله)
64

ووقع في رواية ابن السكن فاتاه بعضهم بعضو منه فأكله قال عياض وهو الوجه (قلت)
في رواية أحمد من طريق ابن جريج التي أخرجها منه البخاري وكان معنا منه شئ فأرسل به إليه
بعض القوم فأكل منه ووقع في رواية أبي حمزة عن جابر عن ابن أبي عاصم في كتاب الأطعمة فلما
قدموا ذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو نعلم أنا ندركه لم يروح لأحببنا لو كان عندنا
منه وهذا لا يخالف رواية أبي الزبير لأنه يحمل على أنه قال ذلك ازديادا منه بعد أن احضروا له
منه ما ذكر أو قال ذلك قبل أن يحضروا له منه وكان الذي أحضروه معهم لم يروح فأكل منه والله
أعلم وفي الحديث من الفوائد أيضا مشروعية المواساة بين الجيش عند وقوع المجاعة وأن
الاجتماع على الطعام يستدعى البركة فيه وقد اختلفوا في سبب نهى أبي عبيدة قيسا أن يستمر
على إطعام الجيش فقيل لخشية أن تفنى حمولتهم وفيه نظر لان القصة أنه اشترى من غير العسكر
وقيل لأنه كان يستدين على ذمته وليس له مال فأريد الرفق به وهذا أظهر والله أعلم * (قوله
حج أبي بكر بالناس في سنة تسع) كذا جزم به ونقل المحب الطبري عن صحيح ابن حبان أن فيه عن
أبي هريرة لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين اعتمر من الجعرانة وأمر أبا بكر في تلك الحجة
قال المحب إنما حج أبو بكر سنة تسع والجعرانة كانت سنة ثمان قال وإنما حج فيها عتاب بن
أسيد كذا قال وكأنه تبع الماوردي فأنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عتابا أن يحج
بالناس عام الفتح والذي جزم به الأزرقي في أخبار مكة خلافه فقال لم يبلغنا أنه استعمل في تلك
السنة على الحج أحدا وإنما ولى عتابا إمرة مكة فحج المسلمون والمشركون جميعا وكان المسلمون
مع عتاب لكونه الأمير (قلت) والحق أنه لم يختلف في ذلك وإنما وقع الاختلاف في أي شهر
حج أبو بكر فذكر ابن سعد وغيره بإسناد صحيح عن مجاهد أن حجة أبي بكر وقعت في ذي القعدة
ووافقه عكرمة بن خالد فيما أخرجه الحاكم في الإكليل ومن عدا هذين إما مصرح بأن حجة أبي
بكر كانت في ذي الحجة كالداودي وبه جزم من المفسرين الرماني والثعلبي والماوردي وتبعهم
جماعة وإما ساكت والمعتمد ما قاله مجاهد وبه جزم الأزرقي ويؤيده أن ابن إسحاق صرح بأن
النبي صلى الله عليه وسلم أقام بعد أن رجع من تبوك رمضان وشوالا وذا القعد ثم بعث أبا بكر
أميرا على الحج فهو ظاهر في أن بعث أبي بكر كان بعد انسلاخ ذي القعدة فيكون حجة في ذي الحجة
على هذا والله أعلم واستدل بهذا الحديث على أن فرض الحج كان قبل حجة الوداع والأحاديث
في ذلك كثيرة شهيرة وذهب جماعة إلى أن حج أبي بكر هذا لم يسقط عنه الفرض بل كان تطوعا
قبل فرض الحج ولا يخفى ضعفه ولبسط تقرير ذلك موضع غير هذا وقال ابن القيم في الهدى
ويستفاد أيضا من قول أبي هريرة في حديث الباب قبل حجة الوداع أنها كانت سنة تسع لان حجة
الوداع سنة عشر اتفاقا وذكر ابن إسحاق أن خروج أبي بكر كان في ذي القعدة وذكر
الواقدي أنه خرج في تلك الحجة مع أبي بكر ثلثمائة من الصحابة وبعث معه رسول الله صلى الله عليه
وسلم عشرين بدنة ثم ذكر المصنف في الباب حديثين * أحدهما حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله
عليه وسلم بعثه في رهط يؤذن في الناس أن لا يحج بعد العام مشرك هكذا أورده مختصرا وسيأتي
في تفسير سورة براءة تام السياق ويأتي تمام شرحه هناك * ثانيهما حديث البراء آخر سورة نزلت
كاملة براءة الحديث وسيأتي شرحه في التفسير أيضا وبيان ما وقع فيه من الاشكال من قوله
65

كاملة والغرض منه الإشارة إلى أن نزول قوله تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد
الحرام بعد عامهم هذا الآية كان في هذه القصة أشار إلى ذلك الإسماعيلي ودقق في ذلك على خلاف
عادته من الاعتراض على مثل ذلك وقد ذكر ابن إسحاق بإسناد مرسل قال نزلت براءة وقد بعث
النبي صلى الله عليه وسلم عليا على الحج فقيل لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال لا يؤدي عني إلا رجل
من أهل بيتي ثم دعا عليا فقال أخرج بصدر براءة وأذن في الناس يوم النحر بمنى إذا اجتمعوا فذكر
الحديث وروى أحمد من طريق محرز بن أبي هريرة عن أبيه قال كنت مع علي بن أبي طالب
فكنت أنادى حتى صحل صوتي الحديث ومن طريق زيد بن يشيع قال سألت عليا بأي شئ بعثت
في الحجة قال بأربع لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يحج بعد العام
مشرك ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته وأخرجه الترمذي
من هذا الوجه وصححه * (تنبيه) * وقع هنا ذكر حجة أبي بكر قبل الوفود والواقع أن ابتداء الوفود
كان بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة في أواخر سنة ثمان وما بعدها بل ذكر ابن
إسحاق أن الوفود كانوا بعد غزوة تبوك نعم اتفقوا على أن ذلك كله كان في سنة تسع قال ابن هشام
حدثني أبو عبيدة قال كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود وقد تقدم في غزوة الفتح في حديث عمرو بن
سلمة كانت العرب تلوم باسلامها الفتح الحديث فلما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم ولعل ذلك
من تصرف الرواة كما قدمته غير مرة وسيأتي نظير هذا في تقديم حجة الوداع على غزوة تبوك وقد
سرد محمد بن سعد في الطبقات الوفود وتبعه الدمياطي في السيرة التي جمعها وتبعه ابن سيد الناس
ومغلطاي وشيخنا في نظم السيرة ومجموع ما ذكروه يزيد على الستين (قوله وفد بني تميم) أي ابن مر
بضم الميم وتشديد الراء ابن أد بضم الهمزة وتشديد الدال المهملة ابن طابحة بموحدة مكسورة
ثم معجمة ابن إلياس بن مضر بن نزار وذكر ابن إسحاق أن أشراف بني تميم قدموا على النبي صلى الله عليه
وسلم منهم عطارد بن حاجب الدارمي والأقرع بن حابس الدارمي والزبرقان بن بدر السعدي وعمرو بن
الأهيم المنقري والحباب بن يزيد المجاشعي ونعيم بن يزيد بن قيس بن الحرث وقيس بن عاصم المنقري
قال ابن إسحاق ومعهم عيينة بن حصن وكان الأقرع وعيينة شهدا الفتح ثم كانا مع بني تميم فلما
دخلوا المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته فذكر القصة وسيأتي بيان ذلك
في تفسير سورة الحجرات إن شاء الله تعالى ثم ذكر المصنف في الباب حديث عمران بن حصين في قوله
صلى الله عليه وسلم أقبلوا البشرى يا بني تميم الحديث وقد تقدم شرحه في أول بدء الخلق ثم قال
* (باب قال ابن إسحاق غزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر) يعني الفزاري (بني العنبر
من بني تميم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأغار ناسا وسبى منهم سباء) انتهى وذكر
الواقدي ان سبب بعث عيينة ان بني كميل أغار وأعلى ناس من خزاعة فبعث النبي صلى عليه
وسلم إليهم عيينة بن حصن في خمسين ليس فيهم انصارى ولا مهاجري فاسر منهم أحد عشر رجلا
واحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا فقدم رؤسا وهم بسبب ذلك كان ابن سعد كان ذلك في المحرم
سنة تسع ثم ذكر المصنف حديث أبي هريرة لا أزال أحب بني كميل (قوله وكانت فيهم) في رواية
الكشميهني منهم (قوله سبية) بفتح المهملة وكسر الموحدة وتشديد التحتانية وتخفيفها ثم همزة
أي جارية مسبية فعيلة بمعنى مفعولة وقد تقدم الكلام على اسمها وتسمية بعض من أسر معها
66

وشرح هذه القصة من هذا الحديث في كتاب العتق (قوله وجاءت صدقاتهم فقال هذه صدقات
قوم أو قومي) كذا وقع بالشك وقوم بالكسر بغير تنوين وفي رواية أبي يعلى عن زهير بن حرب شيخ
البخاري فيه صدقات قومي بغير تردد (قوله في حديث عبد الله بن الزبير الآخر قدم ركب من بني
تميم فقال أبو بكر أمر القعقاع) سيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في أول تفسير سورة الحجرات
إن شاء الله تعالى * (قوله باب وفد عبد القيس) هي قبيلة كبيرة يسكنون البحرين
ينسبون إلى عبد القيس بن أفصى بسكون الفاء بعدها مهملة بوزن أعمى ابن دعمي بضم ثم سكون
المهملة وكسر الميم بعدها تحتانية ثقيلة ابن جديلة بالجيم وزن كبيرة ابن أسد بن ربيعة بن نزار
والذي تبين لنا أنه كان لعبد القيس وفادتان إحداهما قبل الفتح ولهذا قالوا للنبي صلى الله عليه
وسلم بيننا وبينك كفار مضر وكان ذلك قديما إما في سنة خمس أو قبلها وكانت قريتهم بالبحرين
أول قرية أقيمت فيها الجمعة بعد المدينة كما ثبت في آخر حديث في الباب وكان عدد الوفد الأول
ثلاثة عشر رجلا وفيها سألوا عن الايمان وعن الأشربة وكان فيهم الأشج وقال له النبي صلى الله
عليه وسلم إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والآناة كما أخرج ذلك مسلم من حديث أبي سعيد
وروى أبو داود من طريق أم أبان بنت الوازع بن الزارع عن جدها زارع وكان في وفد
عبد القيس قال فجعلنا نتبادر من رواحلنا يعني لما قدموا المدينة فنقبل يد النبي صلى الله عليه
وسلم وانتظر الأشج واسمه المنذر حتى لبس ثوبيه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له إن فيك
لخصلتين الحديث وفي حديث هود بن عبد الله بن سعد العصري أنه سمع جده مزيدة العصري
قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ قال لهم سيطلع عليكم من ههنا ركب هم خير
أهل المشرق فقام عمر فتوجه نحوهم فلقى ثلاثة عشر راكبا فبشرهم بقول النبي صلى الله عليه
وسلم ثم مشى معهم حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فرموا بأنفسهم عن ركائبهم فأخذوا يده
فقبلوها وتأخر الأشج في الركاب حتى أناخها وجمع متاعهم ثم جاء يمشي فقال النبي صلى الله عليه
وسلم أن فيك خصلتين الحديث أخرجه البيهقي وأخرجه البخاري في الأدب المفرد مطولا من
وجه آخر عن رجل من وفد عبد القيس لم يسمه * ثانيتهما كانت في سنة الوفود وكان عددهم
حينئذ أربعين رجلا كما في حديث أبي حياة الصناحي الذي أخرجه ابن منده وكان فيهم الجارود
العبدي وقد ذكر ابن إسحاق قصته وأنه كان نصرانيا فأسلم وحسن إسلامه ويؤيد التعدد
ما أخرجه ابن حبان من وجه آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم مالي أرى ألوانكم تغيرت
ففيه إشعار بأنه كان رآهم قبل التغير ثم ذكر البخاري في الباب أحاديث * أحدها حديث ابن عباس
(قوله قلت لابن عباس إن لي جرة تنتبذ لي نبيذا) أسند الفعل إلى الجرة مجازا وقوله في جر يتعلق
67

بجرة وتقديره أن لي جرة كائنة في جملة جرار وقوله خشيت أن افتضح أي لأني أصير في مثل حال
السكارى وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى في الكلام على باب
ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في الأدعية وقدم حديث الباب في أواخر كتاب الايمان * الحديث
الثاني حديث أم سلمة (قوله أخبرني عمرو) هو ابن الحرث (قوله وقال بكر بن مضر الخ) وصله
الطحاوي من طريق عبد الله بن صالح عن بكر بن مضر بإسناده وساقه هنا على لفظ بكر بن مضر
وتقدم في سجود السهو في الصلاة من الوجهين وساقه على لفظ عبد الله بن وهب وتقدم شرحه
هناك والغرض منه ما فيه من ذكر وفد عبد القيس * الحديث الثالث (قوله حدثنا أبو عامر
عبد الملك) هو ابن عمرو العقدي (قوله بجواثي) بضم الجيم وتخفيف المثلثة وقد تقدم ذلك مع
شرح الحديث في كتاب الجمعة * (قوله باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال)
أما حنيفة فهو ابن لجيم بجيم ابن صعب بن علي بن بكر بن وائل وهي قبيلة كبيرة شهيرة ينزلون
اليمامة بين مكة واليمن وكان وفد بني حنيفة كما ذكره ابن إسحاق وغيره في سنة تسع وذكر الواقدي
أنهم كانوا سبعة عشر رجلا فيهم مسيلمة وأما ثمامة بن أثال فأبوه بضم الهمزة وبمثلثة خفيفة ابن
النعمان بن مسلمة الحنفي وهو من فضلاء الصحابة وكانت قصته قبل وفد بني حنيفة بزمان فإن
قصته صريحة في أنها كانت قبل فتح مكة كما سنبينه وكأن البخاري ذكرها هنا استطرادا ثم ذكر
المصنف فيه أربعة أحاديث * الحديث الأول حديث أبي هريرة في قصة ثمامة وقد صرح
فيه بسماع سعيد المقبري له من أبي هريرة وأخرجه ابن إسحاق عن سعيد فقال عن أبيه عن أبي
هريرة وهو من المزيد في متصل الأسانيد فإن الليث موصوف بأنه أتقن الناس لحديث سعيد
المقبري ويحتمل أن يكون سعيد سمعه من أبي هريرة وكان أبوه قد حدثه به قبل أو ثبته في شئ منه
فحدث به على الوجهين (قوله بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد) أي بعث فرسان خيل
إلى جهة نجد وزعم سيف في كتاب الزهد له أن الذي أخذ ثمامة وأسره هو العباس بن عبد المطلب
وفيه نظر أيضا لان العباس إنما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمان فتح مكة وقصة
ثمامة تقتضي أنها كانت قبل ذلك بحيث اعتمر ثمامة ثم رجع إلى بلاده ثم منعهم أن يميروا أهل
مكة ثم شكا أهل مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ثم بعث يشفع فيهم عند ثمامة (قوله ماذا
عندك) أي أي شئ عندك ويحتمل أن تكون ما استفهامية وذا موصولة وعندك صلته أي
ما الذي استقر في ظنك أن أفعله بك فأجاب بأنه ظن خيرا فقال عندي يا محمد خير أي لأنك لست ممن
يظلم بل ممن يعفو ويحسن (قوله إن تقتلني تقتل ذا دم) كذا للأكثر بمهملة مخففة الميم
68

وللكشميهني ذم بمعجمة مثقل الميم قال النووي معنى رواية الأكثر إن تقتل تقتل ذا دم أي صاحب
دم لدمه موقع يشتفى قاتله بقتله ويدرك ثأره لرياسته وعظمته ويحتمل أن يكون المعنى أنه عليه
دم وهو مطلوب به فلا لوم عليك في قتله وأما الرواية بالمعجمة فمعناها ذا ذمة وثبت كذلك في رواية أبي
داود وضعفها عياض بأنه يقلب المعنى لأنه إذا كان ذا ذمة يمتنع قتله قال النووي يمكن تصحيحها
بأن يحمل على الوجه الأول والمراد بالذمة الحرمة في قومه وأوجه الجميع الوجه الثاني لأنه مشاكل
لقوله بعد ذلك وإن تنعم تنعم على شاكر وجميع ذلك تفصيل لقوله عندي خير وفعل الشرط إذا
كرر في الجزاء دل على فخامة الامر (قوله قال عندي ما قلت لك) أي إن تنعم تنعم على شاكر هكذا
اقتصر في اليوم الثاني على أحد الشقين وحذف الامرين في اليوم الثالث وفيه دليل على حذفه
وذلك أنه قدم أول يوم أشق الامرين عليه وأشفى الامرين لصدر خصومه وهو القتل فلما لم يقع
اقتصر على ذكر الاستعطاف وطلب الانعام في اليوم الثاني فكأنه في اليوم الأول رأى إمارات
الغضب فقدم ذكر القتل فلما لم يقتله طمع في العفو فاقتصر عليه فلما لم يعمل شيئا مما قال اقتصر
في اليوم الثالث على الاجمال تفويضا إلى جميل خلقه صلى الله عليه وسلم وقد وافق ثمامة في هذه
المخاطبة قول عيسى عليه السلام ان تعذبهم فإنهم عبادك وأن تغفر لهم فإنك أنت العزيز
الحكيم لان المقام يليق بذلك (قوله فقال اطلقوا ثمامة) في رواية ابن إسحاق قال قد عفوت
عنك يا ثمامة وأعتقتك وزاد ابن إسحاق في روايته أنه لما كان في الأسر جمعوا ما كان في أهل
النبي صلى الله عليه وسلم من طعام ولبن فلم يقع ذلك من ثمامة موقعا فلما أسلم جاءوه بالطعام فلم
يصب منه إلا قليلا فتعجبوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء وأن
المؤمن يأكل في معي واحد (قوله فبشره) أي بخيري الدنيا والآخرة أو بشره بالجنة أو بمحو ذنوبه
وتبعاته السابقة (قوله فلما قدم مكة) زاد ابن هشام قال بلغني أنه خرج معتمرا حتى إذا كان
ببطن مكة لبى فكان أول من دخل مكة يلبى فأخذته قريش فقالوا لقد اجترأت علينا وأرادوا
قتله فقال قائل منهم دعوه فإنكم تحتاجون إلى الطعام من اليمامة فتركوه (قوله قال
لا ولكن أسلمت مع محمد) كأنه قال لا ما خرجت من الدين لان عبادة الأوثان ليست دينا فإذا
تركتها لا أكون خرجت من دين بل استحدثت دين الاسلام وقوله مع محمد أي وافقته على دينه
فصرنا متصاحبين في الاسلام أنا بالابتداء وهو بالاستدامة ووقع في رواية ابن هشام ولكن
تبعت خير الدين دين محمد (قوله ولا والله) فيه حذف تقديره والله لا أرجع إلى دينكم ولا أرفق
بكم فاترك الميرة تأتيكم من اليمامة (قوله لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي
صلى الله عليه وسلم) زاد ابن هشام ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم إلى يحملوا إلى مكة شيئا فكتبوا إلى
النبي صلى الله عليه وسلم إنك تأمر بصلة الرحم فكتب إلى ثمامة أن يخلى بينهم وبين الحمل إليهم
وفي قصة ثمامة من الفوائد ربط الكافر في المسجد والمن على الأسير الكافر وتعظيم أمر العفو
عن المسئ لان ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حبا في ساعة واحدة لما أسداه النبي صلى الله عليه
وسلم إليه من العفو والمن بغير مقابل وفيه الاغتسال عند الاسلام وأن الاحسان يزيل البغض
ويثبت الحب وأن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم شرع له أن يستمر في عمل ذلك الخير وفيه
الملاطفة بمن يرجى إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للاسلام ولا سيما من يتبعه على
69

إسلامه العدد الكثير من قومه وفيه بعث السرايا إلى بلاد الكفار وأسر من وجد منهم والتخيير
بعد ذلك في قتله أو الابقاء عليه * الحديث الثاني (قوله عن عبد الله بن أبي حسين) هو عبد الله
ابن عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحرث النوفلي تابعي صغير مشهور نسبنا هنا لجده (قوله قدم
مسيلمة الكذاب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) أي المدينة ومسيلمة مصغر بكسر اللام ابن
ثمامة بن كبير بموحدة ابن حبيب بن الحرث من بني حنيفة قال ابن إسحاق ادعى النبوة سنة عشر
وزعم وثيمة في كتاب الردة أن مسيلمة لقب واسمه ثمامة وفيه نظر لان كنيته أبو ثمامة فإن كان
محفوظا فيكون ممن توافقت كنيته واسمه وسياق هذه القصة يخالف ما ذكره ابن إسحاق أنه قدم
مع وفد قومه وأنهم تركوه في رحالهم يحفظها لهم وذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وأخدوا منه جائزته وأنه قال لهم إنه ليس بشركم وأن مسيلمة لما ادعى أنه أشرك في النبوة مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم احتج بهذه المقالة وهذا مع شذوذه ضعيف السند لانقطاعه وأمر
مسيلمة كان عند قومه أكثر من ذلك فقد كان يقال له رحمان اليمامة لعظم قدره فيهم وكيف
يلتئم هذا الخبر الضعيف مع قوله في هذا الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع به
وخاطبه وصرح له بحضرة قومه أنه لو سأله القطعة الجريدة ما أعطاه ويحتمل أن يكون مسيلمة
قدم مرتين الأولى كان تابعا وكان رئيس بني حنيفة غيره ولهذا أقام في حفظ رحالهم ومرة متبوعا
وفيها خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم أو القصة واحدة وكانت إقامته في رحالهم باختياره أنفة
منه واستكبارا أن يحضر مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وعامله النبي صلى الله عليه وسلم معاملة
الكرم على عادته في الاستئلاف فقال لقومه إنه ليس بشركم أي بمكان لكونه كان يحفظ رحالهم
وأراد استئلافه بالاحسان بالقول والفعل فلما لم يفد في مسيلمة توجه بنفسه إليهم ليقيم عليهم الحجة
ويعذر إليه بالانذار والعلم عند الله تعالى ويستفاد من هذه القصة أن الامام يأتي بنفسه إلى من
قدم يريد لقاءه من الكفار إذا تعين ذلك طريقا لمصلحة المسلمين (قوله إن جعل لي محمد الامر من بعده)
أي الخلافة وسقط لفظ الامر هنا عند الأكثر وهو مقدر وقد ثبتت في رواية ابن السكن وثبتت
أيضا في الرواية المتقدمة في علامات النبوة (قوله وقدمها في بشر كثير) ذكر الواقدي كما تقدم أن
عدد من كان مع مسيلمة من قومه سبعة عشر نفسا فيحتمل تعدد القدوم كما تقدم (قوله ولن تعدو
أمر الله) كذا للأكثر ولبعضهم لن تعد بالجزم وهو لغة أي الجزم بلن والمراد بأمر الله حكمة
وقوله ولئن أدبرت أي خالفت الحق وقوله ليعقرنك بالقاف أي يهلكك (قوله وهذا ثابت بن
قيس يجيبك عني) أي لأنه كان خطيب الأنصار وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطى جوامع
الكلم فاكتفى بما قاله لمسيلمة وأعلمه أنه إن كان يريد الاسهاب في الخطاب فهذا الخطيب يقوم
عني في ذلك ويؤخذ منه استعانة الامام بأهل البلاغة في جواب أهل العناد ونحو ذلك (قوله
أريت) بضم أوله وكسر الراء من رؤيا المنام وقد فسره ابن عباس عن أبي هريرة وهو الحديث
الثالث وسيأتي شرحه في تعبير الرؤيا إن شاء الله تعالى (قوله من ذهب) من لبيان الجنس لقوله
تعالى وحلوا أساور من فضه ووهم من قال الأساور لا تكون إلا من ذهب فإن كانت من فضة فهي
القلب (قوله فأهمني شأنهما) في رواية همام التي بعدها فكبرا على (قوله أحدهما العنسي)
70

بالمهملة ثم نون ساكنة ثم سين مهملة وهو الأسود وهو صاحب صنعاء كما في الرواية الثانية وسأذكر
شأنه في الباب الذي بعد إن شاء الله تعالى ويؤخذ من هذه القصة منقبة للصديق رضي الله عنه
لان النبي صلى الله عليه وسلم تولى نفخ السوارين بنفسه حتى طارا فأما الأسود فقتل في زمنه وأما
مسيلمة فكان القائم عليه حتى قتله أبو بكر الصديق فقام مقام النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك
ويؤخذ منه أن السوار وسائر آلات أنواع الحلي اللائقة بالنساء تعبر للرجال بما يسوؤهم ولا
يسرهم وسيأتي مزيدا لذلك في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى * الحديث الرابع (قوله حدثنا الصلت
ابن محمد) أي ابن عبد الرحمن الخاركي بالخاء المعجمة يكنى أبا همام بصري ثقة أكثر عنه البخاري وهو
بفتح المهملة وسكون اللام بعدها مثناة (قوله هو أخير منه) في رواية الكشميهني أحسن بدل
أخير وأخير لغة في خير والمراد بالخيرية الحسية من كونه أشد بياضا أو نعومة أو نحو ذلك من
صفات الحجارة المستحسنة (قوله جثوه من تراب) بضم الجيم وسكون المثلثة هو القطعة من
التراب تجمع فتصير كوما وجمعها الجثا (قوله ثم جئنا بالشاة نحلبها عليه) أي لتصير نظير الحجر
وأبعد من قال المراد بجلبهم الشاة على التراب مجاز ذلك وهو أنهم يتقربون إليه بالتصدق عليه
بذلك اللبن (قوله منصل) بسكون النون وكسر الصاد وللكشميهني بفتح النون وتشديد الصاد
وقد فسره بنزع الحديد من السلاح لأجل شهر رجب إشارة إلى تركهم القتال لانهم كانوا ينزعون
الحديد من السلاح في الأشهر الحرم ويقال نصلت الرمح إذا جعلت له نصلا وأنصلته إذا نزعت
منه النصل (قوله وألقيناه شهر رجب) بالفتح أي في شهر رجب ولبعضهم لشهر رجب أي لأجل
شهر رجب وأخرج عمر بن شبة في أخبار البصرة في ذكر وقعة الجمل هذا الخبر من طريق
عبد الله ابن عون عن أبي رجاء أنه ذكر الدماء فعظمها وقال كان أهل الجاهلية إذا دخل الشهر الحرام نزع
أحدهم سنانه من رمحه وجعلها في علوم النساء (3) ويقولون جاء منصل الأسنة ثم والله لقد رأيت
هودج عائشة يوم الجمل كأنه قنفذ فقيل له قاتلت يومئذ قال لقد رميت بأسهم فقال له كيف ذلك
وأنت تقول ما تقول فقال ما كان إلا أن رأينا أم المؤمنين فما تمالكنا (قوله وسمعت أبا رجاء يقول)
هو حديث آخر متصل بالاسناد المذكور (قوله كنت يوم بعث النبي صلى الله عليه وسلم غلاما أرعى
الإبل على أهلي فلما سمعنا بخروجه فررنا إلى النار إلى مسيلمة الكذاب) الذي يظهر أن مراده بقوله
بعث أي اشتهر أمره عندهم ومراده بخروجه أي ظهوره على قومه من قريش بفتح مكة وليس
المراد مبدأ ظهوره بالنبوة ولا خروجه من مكة إلى المدينة لطول المدة بين ذلك وبين خروج مسيلمة
ودلت القصة على أن أبا رجاء كان من جملة من بايع مسيلمة من قومه بني عطارد بن عوف بن كعب
بطن من بني تميم وكان السبب في ذلك أن سجاحا بفتح المهملة وتخفيف الجيم وآخره حاء مهملة
وهي امرأة من بني تميم ادعت النبوة أيضا فتابعها جماعة من قومها ثم بلغها أمر مسيلمة فخادعها
إلى أن تزوجها واجتمع قومها وقومه على طاعة مسيلمة * (قوله قصة الأسود العنسي) بسكون
النون وحكى ابن التين جواز فتحها ولم أر له في ذلك سلفا (قوله حدثنا سعيد بن محمد الجرمي) بفتح
الجيم وسكون الراء كوفي ثقة مكثر ويعقوب بن إبراهيم هو ابن سعد الزهري وصالح هو ابن كيسان
(قوله عن بن عبيدة بن نشيط) بفتح النون وكسر الشين المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة
(قوله وكان في موضع آخر اسمه عبد الله) أراد بهذا أن ينبه على أن المبهم هو عبد الله بن عبيدة
71

لا أخوه موسى وموسى ضعيف جدا وأخوه عبد الله ثقة وكان عبد الله أكبر من موسى بثمانين
سنة وفي هذا الاسناد ثلاثة من التابعين في نسق صالح بن كيسان وعبد الله بن عبيدة وعبيد
الله ابن عبد الله وهو ابن عتبة بن مسعود وساق البخاري عنه الحديث مرسلا وقد ذكره في الباب
الذي قبله موصولا لكن من رواية نافع بن جبير عن ابن عباس (قوله في دار بنت الحرث وكان
تحته ابنة الحرث بن كريز) وهي أم عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس والذي
وقع هنا أنها أم عبد الله بن عامر قيل الصواب أم أولاد عبد الله بن عامر لأنها زوجته لا أمه فإن
أم ابن عامر ليلى بنت أبي حثمة العدوية وهو اعتراض متجه ولعله كان فيه أم عبد الله بن عبد الله بن
عامر فإن لعبد الله بن عامر ولدا اسمه عبد الله كاسم أبيه وهو من بنت الحرث واسمها كيسة بتشديد
التحتانية بعدها مهملة وهي بنت عبد الله بن عامر بن كريز ولها منه أيضا عبد الرحمن وعبد الملك
وكانت كيسة قبل عبد الله بن عامر بن كريز تحت مسيلمة الكذاب وإذا ثبت ذلك ظهر السر في
نزول مسيلمة وقومه عليها لكونها كانت امرأته وأما ما وقع عند ابن إسحاق أنهم نزلوا بدار بنت
الحرث وذكر غيره أن اسمها رملة بنت الحرث بن ثعلبة بن الحرث بن زيد وهي من الأنصار ثم من بني
النجار وله صحبة وتكنى أم ثابت وكانت زوج معاذ بن عفراء الصحابي المشهور فكلام ابن سعد
يدل على أن دارها كانت معدة لنزول الوفود فإنه ذكر في وفد بني محارب وبني كلاب وبني تغلب
وغيرهم أنهم نزلوا في دار بنت الحرث وكذا ذكر ابن إسحاق أن بني قريظة حبسوا في دار بنت الحرث
وتعقب السهيلي ما وقع عند ابن إسحاق في قصة مسيلمة بأن الصواب بنت الحرث وهو تعقب صحيح إلا
أنه يمكن الجمع بأن يكون وفد بني حنيفة نزلوا بدار بنت الحرث كسائر الوفود ومسيلمة وحده نزل
بدار زوجته بنت الحرث ثم ظهر لي أن الصواب ما وقع عند ابن إسحاق وأن مسيلمة والوفد نزلوا في دار
بنت الحرث وكانت دارها معدة للوفود وكان يقال لها أيضا بنت الحرث كذا صرح به محمد بن
سعد في طبقات النساء فقال رملة بنت الحرث ويقال لها ابنة الحرث بن ثعلبة الأنصارية وساق
نسبها وأما زوجة مسيلمة وهي كيسة بنت الحرث فلم تكن إذ ذاك بالمدينة وإنما كانت عند
مسيلمة باليمامة فلما قتل تزوجها ابن عمها عبد الله بن عامر بعد ذلك والله أعلم (قوله ثم جعلته لنا
بعدك) هذا مغاير لما ذكر ابن إسحاق أنه ادعى الشركة إلا أن يحمل على أنه ادعى ذلك بعد أن رجع
(قوله فقال ابن عباس ذكر لي) كذا فيه بضم الذال من ذكر على البناء للمجهول وقد وضح من
حديث الباب قبله أن الذي ذكر له ذلك هو أبو هريرة (قوله إسواران) بكسر الهمزة وسكون
المهملة تثنية إسوار وهي لغة في السوار والسوار بالكسر ويجوز الضم والأسوار أيضا صفة
للكبير من الفرس وهو بالضم والكسر معا بخلاف الأسوار من الحلي فإنه بالكسر فقط (قوله
ففظعتهما وكرهتهما) بفاء وظاء مشالة مكسورة بعدها عين مهملة يقال فظع الامر فهو فظيع
إذا جاوز المقدار قال ابن الأثير الفظيع الامر الشديد وجاء هنا متعديا والمعروف فظعت به
وفظعت منه فيحتمل التعدية على المعنى أي خفتهما أو معنى فظعتهما أشتد على أمرهما (قلت)
يؤيد الثاني قوله في الرواية الماضية قريبا وكبرا علي (قوله فقال عبيد الله أحدهما العنسي
الذي قتله فيروز باليمن والآخر مسيلمة الكذاب) أما مسيلمة فقد ذكرت خبره وأما العنسي
وفيروز فكان من قصته أن العنسي وهو الأسود واسمه عبهلة بن كعب وكان يقال له أيضا
72

ذو الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر وجهه وقيل هو اسم شيطانه وكان الأسود قد خرج بصنعاء
وادعى النبوة وغلب على عامل صنعاء المهاجر بن أبي أمية ويقال أنه مر به فلما حاذاه عثر الحمار
فادعى أنه سجد له ولم يقم الحمار حتى قال له شيئا فقام وروى يعقوب بن سفيان والبيهقي في الدلائل
من طريقه من حديث النعمان بن بزرج بضم الموحدة وسكون الزاي ثم راء مضمومة ثم جيم
قال خرج الأسود الكذاب وهو من بني عنس يعني بسكون النون وكان معه شيطانان يقال
لأحدهما سحيق بمهملتين وقاف مصغر والآخر شقيق بمعجمة وقافين مصغر وكانا يخبرانه بكل
شئ يحدث من أمور الناس وكان باذان عامل النبي صلى الله عليه وسلم بصنعاء فمات فجاء شيطان
الأسود فأخبره فخرج في قومه حتى ملك صنعاء وتزوج المرزبانة زوجة باذان فذكر القصة في
مواعدتها دادويه وفيروز وغيرهما حتى دخلوا على الأسود ليلا وقد سقته المرزبانة الخمر صرفا
حتى سكر وكان على بابه ألف حارس فنقب فيروز ومن معه الجدار حتى دخلوا فقتله فيروز واحتز
رأسه وأخرجوا المرأة وما أحبوا من متاع البيت وأرسلوا الخبر إلى المدينة فوافى بذلك عند وفاة
النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو الأسود عن عروة أصيب الأسود قبل وفاة النبي صلى الله عليه
وسلم بيوم وليلة فأتاه الوحي فأخبر به أصحابه ثم جاء الخبر إلى أبي بكر رضي الله عنه وقيل وصل
الخبر بذلك صبيحة دفن النبي صلى الله عليه وسلم * (قوله قصة أهل نجران) بفتح
النون وسكون الجيم بلد كبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن يشتمل على ثلاثة
وسبعين قرية مسيرة يوم الراكب السريع كذا في زيادات يونس بن بكير بإسناد له في المغازي وذكر
ابن إسحاق أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهم حينئذ عشرون رجلا لكن
أعاد ذكرهم في الوفود بالمدينة فكأنهم قدموا مرتين وقال ابن سعد كان النبي صلى الله عليه
وسلم كتب إليهم فخرج إليه وفدهم في أربعة عشر رجلا من اشرافهم وعند ابن إسحاق أيضا
من حديث كرز بن علقمة أنهم كانوا أربعة وعشرين رجلا وسرد أسماءهم (قوله حدثني عباس
ابن الحسين) هو بغدادي ثقة ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في التهجد
مقرونا (قوله حدثنا يحيى بن آدم) في رواية الحاكم في المستدرك عن الأصم عن الحسن بن
علي بن عفان عن يحيى بن آدم بهذا الاسناد عن ابن مسعود بدل حذيفة وكذلك أخرجه أحمد
والنسائي وابن ماجة من طرق أخرى عن إسرائيل ورجح الدارقطني في العلل هذه وفيه نظر فإن
شعبة قد روى أصل الحديث عن أبي إسحاق فقال عن حذيفة كما في الباب أيضا وكأن البخاري
فهم ذلك فاستظهر برواية شعبة والذي يظهر أن الطريقين صحيحان فقد رواه ابن أبي شيبة
أيضا والإسماعيلي من رواية زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة (قوله جاء
السيد والعاقب صاحبا نجران) أما السيد فكان اسمه الأيهم بتحتانية ساكنه ويقال شرحبيل
وكان صاحب رحالهم ومجتمعهم ورئيسهم في ذلك وأما العاقب فاسمه عبد المسيح وكان صاحب
مشورتهم وكان معهم أيضا أبو الحرث بن علقمة وكان أسقفهم وحبرهم وصاحب مدراسهم قال
ابن سعد دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام وتلا عليهم القرآن فامتنعوا فقال أن أنكرتم
ما أقول فهلم أباهلكم فانصرفوا على ذلك (قوله يريدان أن يلاعناه) أي يباهلاه وذكر ابن
إسحاق بإسناد مرسل أن ثمانين آية من أول سورة آل عمران نزلت في ذلك يشير إلى قوله تعالى فقل
73

تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم الآية (قوله فقال أحدهما لصاحبه) ذكر أبو نعيم في
الصحابة بإسناد له أن القائل ذلك هو السيد وقال غيره بل الذي قال ذلك هو العاقب لأنه كان
صاحب رأيهم وفي زيادات يونس بن بكير في المغازي بإسناد له أن الذي قال ذلك شرحبيل
أبو مريم (قوله فوالله لئن كان نبيا فلا عنا) في رواية الكشميهني فلاعننا بإظهار النون
(قوله لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا) زاد في رواية بن مسعود أبدا وفي مرسل الشعبي عند
ابن أبي شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران لو تموا على
الملاعنة ولما غدا عليهم أخذ بيد حسن وحسين وفاطمة تمشي خلفه للملاعنة (قوله انا نعطيك
ما سألتنا) وفي رواية يونس بن بكير أنه صالحهم على ألفى حلة ألف في رجب وألف في صفر ومع كل
حلة أوقية وساق الكتاب الذي كتبه بينهم مطولا وذكر ابن سعد أن السيد والعاقب رجعا بعد
ذلك فأسلما زاد في رواية ابن مسعود فأتياه فقالا لا نلاعنك ولكن نعطيك ما سألت وفي قصة
أهل نجران من الفوائد أن إقرار الكافر بالنبوة لا يدخله في الاسلام حتى يلتزم أحكام الاسلام
وفيها جواز مجادلة أهل الكتاب وقد تجب إذا تعينت مصلحته وفيها مشروعية مباهلة
المخالف إذا أصر بعد ظهور الحجة وقد دعا ابن عباس إلى ذلك ثم الأوزاعي ووقع ذلك لجماعة
من العلماء ومما عرف بالتجربة أن من بأهل وكان مبطلا لا تمضى عليه سنة من يوم المباهلة ووقع لي
ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة فلم يقم بعدها غير شهرين وفيها مصالحة أهل
الذمة على ما يراه الامام من أصناف المال ويجري ذلك مجرى ضرب الجزية عليهم فإن كلا
منهما مال يؤخذ من الكفار على وجه الصغار في كل عام وفيها بعث الامام الرجل العالم الأمين
إلى أهل الهدنة في مصلحة الاسلام وفيها منقبة ظاهرة لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وقد
ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى أهل نجران ليأتيه بصدقاتهم
وجزيتهم وهذه القصة غير قصة أبي عبيدة لان أبا عبيدة توجه معهم فقبض مال الصلح ورجع
وعلى أرسله النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية ويأخذ ممن
أسلم منهم ما وجب عليه من الصدقة والله أعلم ثم أورد المصنف حديث أنس أن أمين هذه الأمة
أبو عبيدة إشارة إلى أن سببه الحديث الذي قبله وقد تقدم في مناقب أبي عبيدة * (قوله
قصة عمان والبحرين) أما البحرين فبلد عبد القيس وقد تقدم بيانها في كتاب الجمعة
أما عمان فبضم المهملة وتخفيف الميم قال عياض هي فرضة بلاد اليمن لم يزد في تعريفها على
ذلك وقال الرشاطي عمان في اليمن سميت بعمان بن سبأ ينسب إليها الجلندي رئيس أهل
عمان ذكر وثيمة أن عمرو بن العاص قدم عليه من عند النبي صلى الله عليه وسلم فصدقه وذكر
غيره أن الذي آمن على يد عمرو بن العاص ولدا الجلندي عياذ وجيفر وكان ذلك بعد خيبر ذكره
أبو عمرو انتهى وروى الطبراني من حديث المسور بن مخرمة قال بعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم رسله إلى الملوك فذكر الحديث وفيه وبعث عمرو بن العاص إلى جيفر وعياذ ابني الجلندي
ملك عمان وفيه فرجعوا جميعا قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عمرا فإنه توفي وعمرو
بالبحرين وفي هذا إشعار بقرب عمان من البحرين وبقرب البعث إلى الملوك من وفاته صلى الله
عليه وسلم فلعلها كانت بعد حنين فتصحفت ولعل المصنف أشار بالترجمة إلى هذا الحديث
74

لقوله في حديث الباب فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أحمد
من طريق أبي لبيد قال خرج رجل منا يقال له بيرح بن أسد فرآه عمر فقال ممن أنت قال من أهل
عمان فأدخل على أبي بكر فقال هذا من أهل الأرض التي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول إني لاعلم أرضا يقال لها عمان ينضح بناحيتها البحر لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر
وعند مسلم من حديث أبي برزة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا إلى قوم فسبوه
وضربوه فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك
* (تنبيهان) * بعمل الشام بلدة يقال لها عمان لكنها بفتح العين وتشديد الميم وهي التي أرادها
الشاعر بقوله في
وجهه خالان لولاهما * ما بت مفتونا بعمان
وليست مرادة هنا قطعا وإنما وقع اختلاف الرواة فيما وقع في صفة الحوض النبوي كما سيأتي
في مكانه حيث جاء في بعض طرقه ذكر عمان وجيفر مثل جعفر إلا أن بدل العين تحتانية وعياذ
بفتح المهملة وتشديد التحتانية وآخره معجمة والجلندي بضم الجيم وفتح اللام وسكون النون
والقصر وبيرح بموحدة ثم تحتانية ثم مهملة بوزن ديلم ثم ذكر المصنف حديث جابر (قوله
حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (قوله سمع ابن المنكدر جابر بن عبد الله) بنصب جابر على أنه مفعول
سمع وفي رواية الحميدي في مسنده حدثنا سفيان قال سمعت ابن المنكدر قال سمعت جابرا وقد
تقدم شرح الحديث مستوفى في الكفالة وفي الشهادات وفي فرض الخمس (قوله وعن عمرو هو)
معطوف على الاسناد الأول وعمرو هو ابن دينار ومحمد بن علي هو المعروف بالباقر وأبوه هو زين
العابدين بن الحسين بن علي ووهم من زعم أن محمد بن علي هو ابن الحنفية ووقع في رواية الحميدي
حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار أخبرني محمد بن علي فذكره * (قوله باب قدوم
الأشعريين وأهل اليمن) هو من عطف العام على الخاص لان الأشعريين من أهل اليمن ومع ذلك
ظهر لي أن في المراد بأهل اليمن خصوصا آخر وهو ما سأذكره من قصة نافع بن زيد الحميري أنه قدم
وافدا في نفر من حمير وبالله التوفيق (قوله وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم) هم مني
وأنا منهم) هو طرف من حديث أوله أن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو جمعوا ثم اقتسموا بينهم
فهم منى وأنا منهم الحديث وقد وصله المؤلف في الشركة وشرح هناك والمراد بقوله هم مني
المبالغة في اتصال طريقهما واتفاقهما على الطاعة ثم ذكر المصنف في الباب سبعة أحاديث
* الحديث الأول (قوله حدثنا ابن أبي زائدة) هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة والاسناد كله
كوفيون سوى شيخي البخاري (قوله عن الأسود) في المناقب من طريق يوسف بن أبي إسحاق
حدثني الأسود سمعت أبا موسى (قوله قدمت أنا وأخي من اليمن) تقدم بيان اسم أخيه في غزوة
خيبر (قوله ما نرى) بضم النون (قوله بان مسعود وأمه) أسم أمه أم عبد بنت عبد ود بن سواء
وله صحبة وقوله من أهل البيت أبيت النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم في المناقب بلفظ من
أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم الحديث في مناقب ابن مسعود * (تنبيه) * سقط شيخا
75

البخاري من أول هذا الاسناد من رواية أبي زيد المروزي وابتداء الاسناد حدثنا يحيى ابن آدم
وثبتا عند غيره وهو الصواب ولم يدرك البخاري يحيى بن آدم لأنه مات في ربيع الأول سنة ثلاث
ومائتين بالكوفة والبخاري يومئذ ببخارى ولم يرحل منها وعمره يومئذ تسع سنين وإنما رحل بعد
ذلك بمدة كما بينته في ترجمته في المقدمة * (تنبيه) * آخر كان قدوم أبي موسى على النبي صلى الله
عليه وسلم عند فتح خيبر لما قدم جعفر بن أبي طالب وقيل إنه قدم عليه بمكة قبل الهجرة ثم كان
ممن هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى ثم قدم الثانية صحبة جعفر والصحيح أنه خرج طالبا المدينة في
سفينة فألقتهم الريح إلى الحبشة فاجتمعوا هناك بجعفر ثم قدموا صحبته وعلى هذا فإنما ذكره
البخاري هنا ليجمع ما وقع على شرطه من البعوث والسرايا والوفود ولو تباينت تواريخهم ومن ثم
ذكر غزوة سيف البحر مع أبي عبيدة بن الجراح وكانت قبل فتح مكة بمدة وكنت أظن أن قوله
وأهل اليمن بعد الأشعريين من عطف العام على الخاص ثم ظهر لي أن لهذا العام خصوصا أيضا
وأن المراد بهم بعض أهل اليمن وهم وفد حمير فوجدت في كتاب الصحابة لابن شاهين من طريق
إياس بن عمير الحميري أنه قدم وافدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من حمير فقالوا آتيناك
لنتفقه في الدين الحديث وقد ذكرت فوائده في أول بدء الخلق وحاصله أن الترجمة مشتملة على
طائفتين وليس المراد اجتماعهما في الوفادة فإن قدوم الأشعريين كان مع أبي موسى في سنة سبع
عند فتح خيبر وقدوم وفد حمير في سنة تسع وهي سنة الوفود ولأجل هذا اجتمعوا مع بني تميم وقد
عقد محمد بن سعد في الترجمة النبوية من الطبقات للوفود بابا وذكر فيه القبائل من مضر ثم من
ربيعة ثم من اليمن وكاد يستوعب ذلك بتلخيص حسن وكلامه أجمع ما يوجد في ذلك ومع أنه ذكر
وفد حمير لم يقع له قصة نافع بن زيد التي ذكرتها * الحديث الثاني (قوله حدثنا عبد السلام) هو ابن
حرب (قوله عن زهدم) بزاي وزن جعفر وهو ابن مضرب بالضاد المعجمة وكسر الراء (قوله لما قدم
أبو موسى) أي إلى الكوفة أميرا عليها في زمن عثمان ووهم من قال أراد قدم اليمن لان زهد ما لم
يكن من أهل اليمن (قوله أكرم هذا الحي من جرم) بفتح الجيم وسكون الراء قبيلة شهيرة ينسبون
إلى جرم بن ربان براء ثم موحدة ثقيلة ابن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة (قوله
فقذرته) بفتح القاف وكسر الذال المعجمة وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الأطعمة وعلى باقي
الحديث في كتاب الايمان والنذور إن شاء الله تعالى وكان الوقت الذي طلب فيه الأشعريون
الحملان من النبي صلى الله عليه وسلم عند إرادة غزوة تبوك * الحديث الثالث حديث عمران
أورده مختصرا وقد تقدم بتمامه في بدء الخلق والغرض منه قوله فجاء ناس من أهل اليمن فقال
أقبلوا البشرى واستشكل بأن قدوم وفد بني تميم كان سنة تسع وقدوم الأشعريين كان قبل ذلك
عقب فتح خيبر سنة سبع وأجيب باحتمال أن يكون طائفة من الأشعريين قدموا بعد ذلك
* الحديث الرابع حديث أبي مسعود (قوله الايمان ههنا وأشار بيده إلى اليمن) أي إلى جهة
76

اليمن وهذا يدل على أنه أراد أهل البلد لامن ينسب إلى اليمن ولو كان من غير أهلها * الحديث
الخامس حديث أبي هريرة (قوله عن سليمان) هو الأعمش وذكوان هو ابن صالح (قوله وقال
غندر عن شعبة الخ) أورده لوقوع التصريح بقول الأعمش سمعت ذكوان وقد وصله أحمد عن
محمد بن جعفر غندر بهذا الاسناد (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس وأخوه هو أبو بكر بن
عبد الحميد وسليمان هو ابن بلال وثور بن زيد هو المدني وأما ثورين يزيد الشامي فأبوه بزيادة
تحتانية مفتوحة في أوله وأبو الغيث اسمه سالم (قوله الايمان يمان) في رواية الأعرج التي بعدها
الفقه يمان وفيها وفي رواية ذكوان والحكمة يمانية وفي أولها وأول رواية ذكوان أتاكم أهل
اليمن وهو خطاب للصحابة الذين بالمدينة وفي حديث أبي مسعود والجفاء وغلظ القلوب في
الفدادين الخ وفي رواية ذكوان عن أبي هريرة والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل وزاد فيها
والسكينة والوقار في أهل الغنم وزاد في رواية أبي الغيث والفتنة ههنا حيث يطلع قرن
الشيطان وهذا هو الحديث السادس وسيأتي شرحه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى وتقدم
شرح سائر ذلك في أول المناقب وفي بدء الخلق وأشرت هناك إلى أن الرواية التي فيها أتاكم أهل
اليمن ترد قول من قال إن المراد بقوله الايمان يمان الأنصار وغير ذلك وقد ذكر ابن الصلاح قول
أبي عبيد وغيره إن معنى قوله الايمان يمان أن مبدأ الايمان من مكة لان مكة من تهامة وتهامة
من اليمن وقيل المراد مكة والمدينة لان هذا الكلام صدر وهو صلى الله عليه وسلم بتبوك
فتكون المدينة حينئذ بالنسبة إلى المحل الذي هو فيه يمانية والثالث واختاره أبو عبيد أن المراد
بذلك الأنصار لانهم يمانيون في الأصل فنسب الايمان إليهم لكونهم أنصاره وقال ابن الصلاح
ولو تأملوا ألفاظ الحديث لما احتاجوا إلى هذا التأويل لان قوله أتاكم أهل اليمن خطاب للناس
ومنهم الأنصار فيتعين أن الذين جاءوا غيرهم قال ومعنى الحديث وصف الذين جاءوا بقوة الايمان
وكماله ولا مفهوم له قال ثم المراد الموجودون حينئذ منهم لا كل أهل اليمن في كل زمان انتهى
ولا مانع أن يكون المراد بقوله الايمان يمان ما هو أعم مما ذكره أبو عبيد وما ذكره ابن الصلاح
وحاصله أن قوله يمان يشمل من ينسب إلى اليمن بالسكنى وبالقبيلة لكن كون المراد به من ينسب
بالسكنى أظهر بل هو المشاهد في كل عصر من أحوال سكان جهة اليمن وجهة الشمال فغالب
من يوجد من جهة اليمن رقاق القلوب والابدان وغالب من يوجد من جهة الشمال غلاظ
القلوب والابدان وقد قسم في حديث أبي مسعود أهل الجهات الثلاثة اليمن والشام والمشرق
ولم يتعرض للمغرب في هذا الحديث وقد ذكره في حديث آخر فلعله كان فيه ولم يذكره الراوي
إما لنسيان أو غيره والله أعلم وأورد البخاري هذه الأحاديث في الأشعريين لانهم من أهل اليمن
قطعا وكأنه أشار إلى حديث ابن عباس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذ قال الله
أكبر إذا جاء نصر الله والفتح وجاء أهل اليمن نقية قلوبهم حسنة طاعتهم الايمان يمان والفقه
يمان والحكمة يمانية أخرجه البزار وعن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يطلع
عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب هم خير أهل الأرض الحديث أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار
والطبراني وفي الطبراني من حديث عمرو بن عنبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعيينة بن
حصن أي الرجال خير قال رجال أهل نجد قال كذبت بل هم أهل اليمن الايمان يمان الحديث
77

وأخرجه أيضا من حديث معاذ بن جبل قال الخطابي قوله هم أرق أفئدة وألين قلوبا أي لان
الفؤاد غشاء القلب فإذا رق نفذ القول وخلص إلى ما وراءه وإذا غلظ بعد وصوله إلى داخل وإذا
كان القلب لينا علق كل ما يصادفه * الحديث السابع (قوله فجاء خباب) بالمعجمة والموحدتين
الأولى ثقيلة وهو ابن الأرت الصحابي المشهور (قوله يا أبا عبد الرحمن) هو كنية ابن مسعود
(قوله أمرت بعضهم فيقرأ عليك) في رواية الكشميهني فقرأ بصيغة الفعل الماضي (قوله
فقال زيد بن حدير) بمهملة مصغر أخو زياد بن حدير وزياد من كبار التابعين أدرك عمر وله رواية
في سنن أبي داود ونزل الكوفة وولي إمرتها مرة وهو أسدى من بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن
إلياس بن مضر وأما أخوه زيد فلا أعرف له رواية (قوله أما) بتخفيف الميم (إن شئت أخبرتك بما
قال النبي صلى الله عليه وسلم في قومك وفي قومه) كأنه يشير إلى ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على
النخع لان علقمة نخعي وإلى ذم بني أسد وزياد بن حدير أسدى فأما ثناؤه على النخع ففيما أخرجه
أحمد والبزار بإسناد حسن عن ابن مسعود قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو
لهذا الحي من النخع أو يثني عليهم حتى تمنيت أني رجلا منهم وأما ذمة لبني أسد فتقدم في المناقب
حديث أبي هريرة وغيره أن جهينة وغيرها خير من بني أسد وغطفان وأما النخعي فمنسوب إلى
النخع قبيلة مشهورة من اليمن واسم النخع حبيب بن عمرو بن علة بضم المهملة وتخفيف اللام بن
جلد بن مالك بن أدد بن زيد وقيل له النخع لأنه نخع عن قومه أي بعد وفي رواية شعبة عن الأعمش
عند أبي نعيم في المستخرج لتسكتن أو لأحدثنك بما قيل في قومك وقومه (قوله فقرأت خمسين آية
من سورة مريم) في رواية شعبة فقال عبد الله رتل فداك أبي وأمي (قوله وقال عبد الله كيف
ترى) هو موصول بالاسناد المذكور وخاطب عبد الله بذلك خبابا لأنه هو الذي سأله أولا وهو
الذي قال قد أحسن وكذا ثبت في رواية أحمد عن يعلى عن الأعمش ففيه قال خباب أحسنت
(قوله قال عبد الله) هو موصول أيضا (قوله ما أقرأ شيئا إلا وهو يقرؤه) يعني علقمة وهي منقبة
عظيمة لعلقمة حيث شهد له ابن مسعود أنه مثله في القراءة (قوله ثم ألتفت إلى خباب وعليه خاتم
من ذهب فقال ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى) بضم أوله وفتح القاف أي يرمي به (قوله رواه غندر عن
شعبة) أي عن الأعمش بالاسناد المذكور وقد وصلها أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن
حنبل حدثنا محمد بن جعفر وهو غندر بإسناده هذا وكأنه في الزهد لأحمد وإلا فلم أره في مسند
أحمد إلا من طريق يعلى بن عبيد عن الأعمش ووهم بعض من لقيناه فزعم أن هذا لتعليق معاد
في بعض النسخ وأن محله عقب حديث أبي هريرة وقد ظهر لي أن لا إعادة وأنه في جميع النسخ وأن
الذي وقع في الموضعين من رواية غندر عن شعبة صواب وأن المراد في الموضع الثاني أن شعبة رواه
عن الأعمش بالاسناد الذي وصله به من طريق أبي حمزة عن الأعمش وقد أثبت الإسماعيلي في
مستخرجه رواية غندر عن شعبة فقال بعد أن أخرجه من طريق ابن شهاب عن الأعمش بالاسناد
الذي وصله به رواه جماعة عن الأعمش ورواه غندر عن شعبة وفي الحديث منقبة لابن مسعود
وحسن تأنيه في الموعظة والتعليم وأن بعض الصحابة كان يخفى عليه بعض الأحكام فإذا نبه
عليها رجع ولعل خبابا كان يعتقد أن النهي عن لبس الرجال خاتم الذهب للتنزيه فنبهه
ابن مسعود على تحريمه فرجع إليه مسرعا (قوله قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي)
78

بفتح المهملة وسكون الواو بعدها مهملة تقدم نسبهم في غزوة ذي الخلصة والطفيل بن عمرو أي
ابن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس كان يقال لذو النور آخره راء لأنه
لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم بعثه إلى قومه فقال اجعل لي آية فقال اللهم نور له فسطع
نور بين عينيه فقال يا رب أخاف أن يقولوا إنه مثله فتحول إلى طرف سوطه وكان يضئ في الليلة
المظلمة ذكره هشام بن الكلبي في قصة طويلة وفيها أنه دعا قومه إلى الاسلام فأسلم أبوه ولم تسلم
أمه وأجابه أبو هريرة وحده (قلت) وهذا يدل على تقدم إسلامه وقد جزم ابن أبي حاتم بأنه قدم مع
أبي هريرة بخيبر وكأنها قدمته الثانية (قوله عن ابن ذكوان) هو عبد الله أبو الزناد (قوله اللهم
اهد دوسا وائت بهم) وقع مصداق ذلك فذكر ابن الكلبي أن حبيب بن عمرو بن حثمة الدوسي
كان حاكما على دوس وكذا كان أبوه من قبله وعمر ثلثمائة سنة وكان حبيب يقول إني لاعلم أن
للخلق خالقا لكني لا أدرى من هو فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم خرج إليه ومعه خمسة وسبعون
رجلا من قومه فأسلم وأسلموا وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل الطفيل بن
عمرو ليحرق صنم عمرو بن حثمة الذي كان يقال له ذو الكفين بفتح الكاف وكسر الفاء فأحرقه
وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن الطفيل بن عمرو استشهد بأجنادين في خلافة أبي بكر وكذا
قال أبو الأسود عن عروة وجزم ابن سعد بأنه استشهد باليمامة وقيل باليرموك (قوله حدثنا
إسماعيل) هو ابن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (قوله لما قدمت) أي أردت القدوم (قوله
قلت في الطريق) تقدم شرحه مستوفى في كتاب العتق وقوله في هذه الرواية وأبق غلام لي لا يغاير
قوله في الرواية الماضية في العتق فأضل أحدهما صاحبه لان رواية أبق فسرت وجه إلا ضلال
وأن الذي أضل هو أبو هريرة بخلاف غلامه فإنه أبق (1) أبو هريرة مكانه لهربه فلذلك أطلق
أنه أضله فلا يلتفت إلى إنكار ابن التين أنه أبقى وأما كونه عاد فحضر عند النبي صلى الله عليه وسلم
فلا ينافيه أيضا لأنه يحمل على أنه رجع عن الاباق وعاد إلى سيده ببركة الاسلام ويحتمل أن
يكون أطلق أبق بمعنى أنه أضل الطريق فلا تتنافى الروايتان * (قوله وفد طئ وحديث عدي بن
حاتم) أي ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج بمهملة ثم معجمة ثم راء ثم جيم بوزن جعفر ابن امرئ
القيس بن عدي الطائي منسوب إلى طئ بفتح المهملة وتشديد التحتانية المكسورة بعدها همزة
ابن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ يقال كان اسمه جلهمة فسمى طيئا
لأنه أول من طوى بئرا ويقال أول من طوى المناهل وأخرج مسلم من وجه آخر عن عدي بن
حاتم قال أتيت عمر فقال أن أول صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه أصحابه
صدقة طئ جئت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وزاد أحمد في أوله أتيت عمر في أناس من قومي
فجعل يعرض عني فاستقبلته فقلت أتعرفني فذكر نحو ما أورده البخاري ونحو ما أورده مسلم
ميعا (قوله حدثنا عبد الملك) هو بان عمير وعمرو بن حريث بالمهملة وبالمثلثة مصغر هو المخزومي
صحابي صغير وفي الاسناد ثلاثة من الصحابة في نسق (قوله أتيت عمر) أي في خلافته (قوله فجعل
يدعو رجلا رجلا يسميهم) أي قبل أن يدعوهم (قوله بلى أسلمت إذ كفروا الخ) يشير بذلك إلى وفاء
عدي بالاسلام والصدقة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وأنه منع من أطاعه من الردة وذلك
مشهور عند أهل العلم بالفتوح (قوله فقال عدي فلا أبالي إذا) أي إذا كنت تعرف قدري فلا
79

أبالي إذا قدمت على غيري وفي الأدب المفرد للبخاري ان عمر قال لعدى حياك الله من معرفة وروى
أحمد في سبب إسلام عدي أنه قال لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كرهته فانطلقت إلى أقصى
الأرض مما يلي الروم ثم كرهت مكاني فقلت لو أتيته فإن كان كاذبا لم يخف على فأتيته فقال أسلم
تسلم فقلت إن لي دينا وكان نصرانيا فذكر إسلامه وذكر ذلك ابن إسحاق مطولا وفيه أن خيل النبي
صلى الله عليه وسلم أصابت أخت عدي وأن النبي صلى الله عليه وسلم من عليها فأطلقها بعد أن
استعطفته بإشارة على عليها فقالت له هلك الوالد وغاب الوافد فامنن على من الله عليك فقال ومن
وافدك قالت عدي بن حاتم قال الفار من الله ورسوله فلما قدمت بنت حاتم على عدى أشارت
عليه بالقدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم وأسلم وروى الترمذي من وجه آخر عن عدي
بن حاتم قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال هذا عدي بن حاتم وكان النبي
صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يقول إني لأرجو الله أن يجعل يده في يدي * (قوله باب حجة
الوداع) بكسر الحاء المهملة وبفتحها وبكسر الواو وبفتحها ذكر جابر في حديثه الطويل في
صفتها كما أخرجه مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين أي منذ قدم المدينة
لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن النبي صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم
يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ووقع في حديث أبي سعيد الخدري ما يوهم
أنه صلى الله عليه وسلم حج قبل أن يهاجر غير حجة الوداع ولفظه (1)
وعند الترمذي من حديث جابر حج قبل ان يهاجر ثلاث حجج وعن ابن عباس مثله أخرجه ابن ماجة
والحاكم (قلت) وهو مبنى على عدد وفود الأنصار إلى العقبة بمنى بعد الحج فإنهم قدموا أولا
فتواعدوا ثم قدموا ثانيا فبايعوا البيعة الأولى ثم قدموا ثالثا فبايعوا البيعة الثانية كما تقدم بيانه
أول الهجرة وهذا لا يقتضى نفى الحج قبل ذلك وقد أخرج الحاكم بسند صحيح إلى الثوري أن
النبي صلى الله عليه وسلم حج قبل أن يهاجر حججا وقال ابن الجوزي حج حججا لا يعرف عددها وقال ابن
الأثير في النهاية كان يحج كل سنة قبل أن يهاجر وفي حديث ابن عباس أن خروجه من المدينة
كان لخمس بقين من ذي القعدة أخرجه المصنف في الحج وأخرجه هو ومسلم من حديث عائشة
مثله وجزم ابن حزم بأن خروجه كان يوم الخميس وفيه نظر لان أول ذي الحجة كان يوم الخميس قطعا
لما ثبت وتواتر أن وقوفه بعرفة كان يوم الجمعة فتعين أن أول الشهر يوم الخميس فلا يصح أن يكون
خروجه يوم الخميس بل ظاهر الخبر أن يكون يوم الجمعة لكن ثبت في الصحيحين عن أنس صلينا
الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين فدل على أن
خروجهم لم يكن يوم الجمعة فما بقي إلا أن يكون خروجهم يوم السبت ويحمل قول من قال لخمس
بقين أي إن كان الشهر ثلاثين فاتفق أن جاء تسعا وعشرين فيكون يوم الخميس أول ذي الحجة
بعد مضى أربع ليال لا خمس وبهذا تتفق الاخبار هكذا جمع الحافظ عماد الدين بن كثير بين
الروايات وقوى هذا الجمع بقول جابر أنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة أو أربع وكان دخوله
صلى الله عليه وسلم مكة صبح رابعة كما ثبت في حديث عائشة وذلك يوم الأحد وهذا يؤيد أن
خروجه من المدينة كان يوم السبت كما تقدم فيكون مكثه في الطريق ثمان ليال وهي المسافة
الوسطى ثم ذكر المصنف في الباب سبعة عشر حديثا تقدم غالبها في كتاب الحج مشروحة وسأبين
80

ذلك مع مزيد فائدة * الحديث الأول حديث عائشة وقد تقدم شرحه مستوفى في باب التمتع
والقرآن من كتاب الحج * الحديث الثاني (قوله عن ابن عباس إذا طاف بالبيت فقد حل فقلت
من أين قال هذا ابن عباس) القائل هو ابن جريج والمقول له عطاء وذلك صريح في رواية مسلم
والمراد بالمعرف وهو بتشديد الراء الوقوف بعرفة وهو ظاهر في أن المراد بذلك من اعتمر مطلقا
سواء كان قارنا أو متمتعا وهو مذهب مشهور لابن عباس وقد تقدم البحث فيه في أبواب
الطواف في باب من طاف بالبيت إذا قدم من كتاب الحج * الحديث الثالث حديث أبي موسى
(قوله حدثنا بيان) بفتح الموحدة وتخفيف التحتانية هو ابن عمرو البخاري والنضر هو ابن شميل
وقيس هو ابن مسلم وطارق هو ابن شهاب وقد تقدم شرح المتن في باب من أهل في زمن النبي صلى
الله عليه وسلم كاهلال النبي صلى الله عليه وسلم * الحديث الرابع حديث حفصة وقد تقدم
شرحه في باب التمتع والقران * الحديث الخامس حديث ابن عباس أن امرأة من خثعم
استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الحديث في أمرها بالحج عن أبيها وقد
تقدم شرحه في كتاب الحج وفيه الكلام على اسمها واسم أبيها وأورده هنا لتصريح الراوي بأن
ذلك كان في حجة الوداع وقوله في أول الاسناد وقال محمد بن يوسف هو الفريابي وهو من شيوخ
البخاري وكأنه لم يسمع هذا الحديث منه وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريقه وساق المصنف
الحديث هنا على لفظه وأما لفظ شعيب فسيأتي في كتاب الاستئذان وهو أتم سياقا من رواية
الأوزاعي * الحديث السادس حديث ابن عمر في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة تقدم
شرحه مستوفى في باب إغلاق البيت من أبواب الطواف في كتاب الحج وقوله في أول الاسناد
حدثني محمد هو ابن رافع كما تقدم في الحج وتقدم هناك بيان الاختلاف فيه وقوله سطرين بالمهملة
ووقع في رواية الأصيلي بالمعجمة وخطأه عياض وقوله عند المكان الذي صلى فيه مرمرة بسكون
الراء والمهملتين والميمين المفتوحتين واحدة المرمر وهو جنس من الرخام نفيس معروف وكان
81

ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم غير بناء الكعبة بعده في زمن ابن الزبير كما تقدم بسطه في
كتاب الحج وقد أشكل دخول هذا الحديث في باب حجة الوداع لان فيه التصريح بأن القصة
كانت عام الفتح وعام الفتح كان سنة ثمان وحجة الوداع كانت سنة عشر وفي أحاديث هذا الباب
جميعها التصريح بحجة الوداع وبحجة النبي صلى الله عليه وسلم وهي حجة الوداع * الحديث
السابع حديث عائشة في قصة صفية وقد تقدم شرحه في باب إذا حاضت بعد ما أفاضت من كتاب
الحج * الحديث الثامن (قوله حدثني عمر بن محمد) أي ابن زيد بن عبد الله بن عمر (قوله كنا نتحدث
بحجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا) في رواية أبي عاصم عن عمر بن محمد عند
الإسماعيلي كنا نسمع بحجة الوداع (قوله ولا ندري ما حجة الوداع) كأنه شئ ذكره النبي صلى الله
عليه وسلم فتحدثوا به وما فهموا أن المراد بالوداع وداع النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقعت وفاته
صلى الله عليه وسلم بعدها بقليل فعرفوا المراد وعرفوا أنه ودع الناس بالوصية التي أوصاهم بها
أن لا يرجعوا بعده كفارا وأكد التوديع باشهاد الله عليهم بأنهم شهدوا أنه قد بلغ ما أرسل إليهم به
فعرفوا حينئذ المراد بقولهم حجة الوداع وقد وقع في الحج في باب الخطبة بمنى من رواية عاصم بن
محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر في هذا الحديث فودع الناس وقدمت هناك ما وقع عند البيهقي
أن سورة إذا جاء نصر الله والفتح نزلت في وسط أيام التشريق فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه
الوداع فركب واجتمع الناس فذكر الخطبة (قوله فحمد الله وأنثى عليه) في رواية أبي نعيم في
المستخرج فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الله وحده وأثنى عليه الحديث وذكر فيه قصة
الدجال وفيه ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وهذا يدل على أن هذه الخطبة كلها كانت في حجة الوداع
وقد ذكر الخطبة في حجة الوداع جماعة من الصحابة لم يذكر أحد منهم قصة الدجال فيها إلا ابن عمر
بل اقتصر الجميع على حديث أن أموالكم عليكم حرام الحديث وقد أورد المصنف منها حديث
جرير وأبي بكرة هنا وحديث ابن عباس في الحج وقد تقدم في الحج من رواية عاصم بن محمد بن زيد
وهو أخو عمر بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر بدونها وزيادة عمر بن محمد صحيحة لأنه ثقة وكأنه
حفظ ما لم يحفظه غيره وسيأتي شرح ما تضمنته هذه الزيادة في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى
* الحديث التاسع حديث زيد بن أرقم تقدم شرحه في أول الهجرة وقوله وأنه حج بعد ما هاجر حجة
واحدة لم يحج بعدها حجة الوداع يعني ولا حج قبلها إلا أن يريد نفى الحج الأصغر وهو العمرة فلا فإنه
اعتمر قبلها قطعا (قوله قال أبو إسحاق وبمكة أخرى) هو موصول بالاسناد المذكور وغرض أبي
إسحاق أن لقوله بعد ما هاجر مفهوما وأنه قبل أن يهاجر كان قد حج لكن اقتصاره على قوله أخرى
قد يوهم أنه لم يحج قبل الهجرة إلا واحدة وليس كذلك بل حج قبل أن يهاجر مرارا بل الذي لا ارتاب
فيه أنه لم يترك الحج وهو بمكة قط لان قريشا في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج وإنما يتأخر منهم عنهم
من لم يكن بمكة أو عاقه ضعف وإذا كانوا وهم على غير دين يحرصون على إقامة الحج ويرونه من
مفاخرهم التي امتازوا بها على غيرهم من العرب فكيف يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه يتركه وقد
ثبت من حديث جبير بن مطعم أنه رآه في الجاهلية واقفا بعرفة وأن ذلك من توفيق الله له وثبت دعاؤه
قبائل العرب إلى الاسلام بمنى ثلاث سنين متوالية كما بينته في الهجرة إلى المدينة * الحديث العاشر
حديث جرير (قوله عن علي بن مدرك) بضم الميم وسكون الدال وكسر الراء وهو نخعي كوفي ثقة
82

ذكره ابن حبان في ثقات التابعين وما له في البخاري سوى هذا الحديث لكنه أورده في مواضع
والله أعلم (قوله استنصت الناس) فيه دليل على وهم من زعم أن إسلام جرير كان قبل موت النبي
صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما لان حجة الوداع كانت قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأكثر من
ثمانين يوما وقد ذكر جرير أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع * الحديث الحادي عشر
حديث أبي بكرة (قوله عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد الثقفي ومحمد هو ابن سيرين
وابن أبي بكرة هو عبد الرحمن وقد تقدم شرح الحديث في العلم وفي الحج وقوله في الآية منها
أربعة حرم قيل الحكمة في جعل المحرم أول السنة أن يحصل الابتداء بشهر حرام ويختم بشهر حرام
وتتوسط السنة بشهر حرام وهو رجب وإنما توالى شهران في الآخر لإرادة تفضيل الختام
والأعمال بالخواتيم * الحديث الثاني عشر (قوله إن أناسا من اليهود) تقدم في كتاب الايمان
83

بلفظ إن رجلا من اليهود وبينت أن المراد به كعب الأحبار وفيه إشكال من جهة أنه كان أسلم
ويجوز أن يكون السؤال صدر قبل إسلامه لكن قد قيل إنه أسلم وهو باليمن في حياة النبي صلى الله
عليه وسلم على يد علي فإن ثبت احتمل أن يكون الذين سألوا جماعة من اليهود اجتمعوا مع كعب
السؤال وتولى هو السؤال عن ذلك عنهم فتجتمع الروايات كلها وقد نقدم ذلك في كتاب الإيمان
بأوضح من هذا مع بقية شرحه ثم أورد المصنف حديث عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم فمنا من أهل بعمرة الحديث أورده من طرق عن مالك بسنده في طريقين منها حجة
الوداع وهو مقصود الترجمة وقد تقدم من وجه آخر في أول الباب عن شيخ آخر لمالك بأتم من السياق
المذكور هنا * الحديث الثالث عشر حديث سعد وهو ابن أبي وقاص في الوصية بالثلث وقد
تقدم شرحه في الوصايا وتقرير كون ذلك وقع في حجة الوداع وبيان توجيه من قال إن ذلك في فتح
مكة ووجه الجمع بين الروايتين بما يغنى عن إعادته * الحديث الرابع عشر حديث ابن عمر في الحلق
في حجة الوداع أورده من طريقين وقد تقدم شرحه في الحج * الحديث الخامس عشر حديث
ابن عباس في الصلاة بمنى وقد تقدم شرحه في أبواب السترة في الصلاة * الحديث السادس عشر
حديث أسامة بن زيد كان يسير في حجته العنق بفتح المهملة والنون والقاف وقد تقدم شرحه
في الحج أيضا * الحديث السابع عشر حديث أبي أيوب في الجمع بين المغرب والعشاء في حجة الوداع
وقد تقدم شرحه في الحج أيضا * (قوله باب غزوة تبوك) هكذا أورد المصنف هذه
الترجمة بعد حجة الوداع وهو خطأ وما أظن ذلك إلا من النساخ فإن غزوة تبوك كانت في شهر رجب
من سنة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس أنها كانت بعد
الطائف بستة أشهر وليس مخالفا لقول من قال في رجب إذا حذفنا الكسور لأنه صلى الله عليه
وسلم قد دخل المدينة من رجوعه من الطائف في ذي الحجة وتبوك مكان معروف هو نصف طريق
المدينة إلى دمشق ويقال بين المدينة وبينه أربع عشرة مرحلة وذكرها في المحكم في الثلاثي
الصحيح وكلام ابن قتيبة يقتضى أنها من المعتل فإنه قال جاءها النبي صلى الله عليه وسلم وهم
يبكون مكان مائها بقدح فقال ما زلتم تبوكونها فسميت حينئذ تبوك (قوله وهي غزوة
العسرة) وفي أول أحاديث الباب قول أبي موسى في جيش العسرة بمهملتين الأولى مضمومة
وبعدها سكون مأخوذ من قوله تعالى الذين اتبعوه في ساعة العسرة وهي غزوة تبوك
وفي حديث ابن عباس قيل لعمر حدثنا عن شأن ساعة العسرة قال خرجنا إلى تبوك
في قيظ شديد فأصابنا عطش الحديث أخرجه ابن خزيمة وفي تفسير عبد الرزاق عن
معمر عن ابن عقيل قال خرجوا في قلة من الظهر وفي حر شديد حتى كانوا ينحرون البعير
فيشربون ما في كرشه من الماء فكان ذلك عسرة من الماء وفي الظهر وفي النفقة فسميت
غزوة العسرة وتبوك المشهور فيها عدم الصرف للتأنيث والعلمية ومن صرفها أراد الموضع
ووقعت تسميتها بذلك في الأحاديث الصحيحة منها حديث مسلم إنكم ستأتون غدا عين تبوك وكذا
أخرجه أحمد والبزار من حديث حذيفة وقيل سميت بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم للرجلين
الذين سبقاه إلى العين ما زلتما تبوكانها منذ اليوم قال ابن قتيبة فبذلك سميت عين تبوك
والبوك كالحفر انتهى والحديث المذكور عند مالك ومسلم بغير هذا اللفظ أخرجاه من حديث
84

معاذ بن جبل إنهم خرجوا في عام تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنكم ستأتون غدا
إن شاء الله تعالى عين تبوك فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا فجئناها وقد سبق إليها رجلان والعين
مثل الشراك تبض بشئ من ماء فذكر الحديث في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه
ويديه بشئ من مائها ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس وبينها وبين المدينة من
جهة الشام أربع عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة وكان السبب فيها
ما ذكره ابن سعد وشيخه وغيره قالوا بلغ المسلمين من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام
إلى المدينة أن الروم جمعت جموعا وأجلبت معهم لخم وجذام وغيرهم من متنصرة العرب
وجاءت مقدمتهم إلى البلقاء فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الخروج وأعلمهم بجهة
غزوهم كما سيأتي في الكلام على حديث كعب بن مالك وروى الطبراني من حديث عمران
ابن حصين قال كانت نصارى العرب كتبت إلى هرقل أن هذا الرجل الذي خرج يدعي النبوة هلك
وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم فبعث رجلا من عظمائهم يقال له قباد وجهز معه أربعين
ألفا فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم يكن للناص قوة وكان عثمان قد جهز عيرا إلى
الشام فقال يا رسول الله هذه مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها ومائتا أوقية قال فسمعته يقول لا يضر
عثمان ما عمل بعدها وأخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبد الرحمن بن حبان نحوه وذكر
أبو سعيد في شرف المصطفى والبيهقي في الدلائل من طريق شهر ابن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم
أن اليهود قالوا يا أبا القاسم إن كنت صادقا فالحق بالشام فأنها أرض المحشر وأرض الأنبياء فغزا
تبوك لا يريد إلا الشام فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى الآيات من سورة بني إسرائيل وإن كادوا
ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها الآية انتهى وإسناده حسن مع كونه مرسلا (قوله
أسأله الحملان لهم) بضم الحاء المهملة أي الشئ الذي يركبون عليه ويحملهم (قوله لا أجد ما
أحملكم عليه) في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب وجاء نفر كلهم معسر يستحملونه لا يحبون
التخلف عنه فقال لا أجد قال ومن هؤلاء نفر من الأنصار ومن بني مزينة وفي مغازي ابن إسحاق
أن البكائين (1) سبعة نفر سالم بن عمير وأبو ليلى بن كعب وعمرو بن الحمام وعبد الله بن مغفل وقيل
ابن غنمه وعلية بن زيد وهرمى بن عبد الله وعرباض بن سارية وسلمة بن صخر قال فبلغني أن أبا
ياسر اليهودي وقيل ابن يامين جهز أبا ليلى وابن مغفل وقيل كان في البكائين بنو مقرن السبعة
معقل وإخوته (قوله خذ هذين القرينين) أي الجملين المشدودين أحدهما إلى الآخر وقيل
النظيرين المتساويين وفي رواية أبي ذر عن المستملى هاتين القرينتين أي الناقتين وتقدم في قدوم
الأشعريين أنه صلى الله عليه وسلم أمر لهم بخمس ذود وقال هذا بستة أبعرة فأما تعددت القصة
أو زادهم على الخمس واحدا وأما قوله هاتين القرينتين وهاتين القرينتين فيحتمل أن يكون
اختصارا من الراوي أو كانت الأولى اثنتين والثانية أربعة لان القرين يصدق على الواحد وعلى
الأكثر وأما الرواية التي فيها هذين القرينين فذكر ثم أنث فالأول على إرادة البعير والثانية على
إرادة الاختصاص لا على الوصفية (قوله ابتاعهن) في رواية الكشميهني ابتاعهم وكذا انطلق
بهن في روايته بهم وهو تحريف والصواب ما عند الجماعة لأنه جمع ما يعقل (قوله حينئذ من
سعد) لم يتعين لي من هو سعد إلى الآن إلا أنه يهجس في خاطري أنه سعد بن عبادة وفي الحديث
85

استحباب حنث الحالف في يمينه إذا رأى غيرها خيرا منها كما سيأتي البحث في الايمان والنذور
وانعقاد اليمين في الغضب وسنذكر هناك بقية فوائد حديث أبي موسى إن شاء الله تعالى (قوله
حدثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان و الحكم هو ابن حتيبة بمثناة وموحدة مصغر (قوله بمنزلة
هارون من موسى) في رواية عطاء بن أبي رباح مرسلا ند الحاكم في الإكليل فقال يا علي اخلفني
في أهلي واضرب وخذ وعظ ثم دعا نساءه فقال اسمعنا لعلى وأطعن (قوله وقال أبو داود حدثنا
شعبة الخ) أراد بيان التصريح بالسماع في رواية الحكم عن مصعب وطريق أبي داود هذه
وهو الطيالسي وصلها أبو نعيم في المستخرج والبيهقي في الدلائل من طريقه (قوله غزوت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم العسرة) كذا للأكثر وفي رواية السرخسي العسيرة بالتصغير (قال
كان يعلى يقول تلك الغزوة أوثق أعمالي عندي) تقدم في الإجارة بلفظ اجمالي وبالعين المهملة
أصح (قوله قال عطاء) هو موصول بالاسناد المذكور (قوله كان لي أجير فقاتل إنسانا فعض
أحدهما يد الآخر قال عطاء فلقد أخبرني صفوان أيهما عض الآخر فنسيته) سيأتي البحث
في ذلك وتتمة شرح هذا الحديث في كتاب الديات إن شاء الله تعالى * (قوله حديث كعب بن مالك
وقول الله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا) سيأتي الكلام على قوله خلفوا في آخر الحديث (قوله
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب) كذا عند الأكثر ووقع عن
الزهري في بعض هذا الحديث رواية عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وهو عم عبد الرحمن بن
عبد الله الذي حدث به عنه هنا وفي رواية عن عبد الله بن كعب نفسه قال أحمد بن صالح فيما
أخرجه بن مردويه كأن الزهري سمع هذا القدر من عبد الله بن كعب نفسه وسمع هذا الحديث
بطوله من ولده عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وعنه أيضا رواية عن عبد الرحمن بن عبد الله بن
كعب عن عمه عبيد الله بالتصغير ووقع عند ابن جرير من طريق يونس عن الزهري في أول الحديث
بغير إسناد قال الزهري غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك وهو يريد نصارى العرب
والروم بالشام حتى إذا بلغ تبوك أقام بضع عشرة ليلة ولقيه بها وفد أذرح ووفد أيلة فصالحهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية ثم قفل من تبوك ولم يجاوزها وأنزل الله تعالى لقد تاب
الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة الآية والثلاثة الذين خلفوا
رهط من الأنصار في بضعة وثمانين رجلا فلما رجع صدقه أولئك واعترفوا بذنوبهم وكذب سائرهم
فحلفوا ما حبسهم إلا العذر فقبل ذلك منهم ونهى عن كلام الذين خلفوا قال الزهري وأخبرني
عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب فساق الحديث بطوله (قوله وكان قائد كعب من بنيه) بفتح
الموحدة وكسر النون بعدها تحتانية ساكنة وقع في رواية القابسي هنا وكذا لابن السكن في
الجهاد من بيته بفتح الموحدة وسكون التحتانية بعدها مثناة والأول هو الصواب وفي رواية معقل
عن ابن شهاب عند مسلم وكان قائد كعب حين أصيب بصره وكان أعلم قومه وأوعاهم لأحاديث
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله حين تخلف) أي زمان تخلفه وقوله عن قصة متعلق
86

بقوله يحدث (قوله الا في غزوة تبوك) زاد أحمد من رواية معمر وهي آخر غزوة غزاها وهذه
الزيادة رواها موسى بن عقبة عن ابن شهاب بغير إسناد ومثله في زيادات المغازي ليونس بن بكير
من مرسل الحسن وقوله ولم يعاتب أحدا تقدم في غزوة بدر بهذا السند ولم يعاتب الله أحدا
(قوله تواثقنا بمثلثة) وقاف أي أخذ بعضنا على بعض الميثاق لما تبايعنا على الاسلام والجهاد
(قوله وما أحب أن لي بها مشهد بدر) أي أن لي بدلها (قوله وأن كانت بدر أذكر في الناس) أي
أعظم ذكرا وفي رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم وأن كانت بدر أكثر ذكرا في الناس منها ولأحمد
من طريق معمر عن ابن شهاب ولعمري إن أشرف مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لبدر
(قوله أقوى ولا أيسر) زاد مسلم مني (قوله ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة
إلا ورى بغيرها) أي أوهم غيرها والتورية أن يذكر لفظا يحتمل معنيين أحدهما أقرب من
الآخر فيوهم إرادة القريب وهو يريد البعيد وزاد أبو داود من طريق محمد بن ثور عن معمر عن
الزهري وكان يقول الحرب خدعة * (تنبيه) * هذه القطعة من الحديث أفردت منه وقد تقدمت
في الجهاد بهذا الاسناد وزاد فيه من طريق يونس عن الزهري وقلما كان يخرج إذا خرج في
سفر إلا يوم الخميس وللنسائي من طريق ابن وهب عن يونس في سفر جهاد ولا غيره وله من وجه
آخر وخرج في غزوة تبوك يوم الخميس (قوله وعدوا كثيرا) في رواية وغزو عدو كبير (قوله فجلى)
بالجيم وتشديد اللام ويجوز تخفيفها أي أو صح (قوله أهبة غزوهم) في رواية الكشميهني أهبة
عدوهم والأهبة بضم الهمزة وسكون الهاء ما يحتاج إليه في السفر والحرب (قوله ولا يجمعهم
كتاب حافظ) بالتنوين فيهما وفي رواية مسلم بالإضافة وزاد في رواية معقل يزيدون على
عشرة آلاف ولا يجمع ديوان حافظ وللحاكم في الإكليل من حديث معاذ خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفا وبهذه العدة جزم ابن أسحق وأورده
الواقدي بسند آخر موصول وزاد أنه كان معهم عشرة آلاف فرس فتحمل رواية معقل على إرادة
عدد الفرسان ولابن مردويه ولا يجمعهم ديوان حافظ يعني كعب بذلك الديوان يقول لا يجمعهم
ديوان مكتوب وهو يقوي رواية التنوين وقد نقل عن أبي زرعة الرازي أنهم كانوا في غزوة
تبوك أربعين ألفا ولا تخالف الراوية التي في الإكليل أكثر من ثلاثين ألفا لاحتمال أن يكون
من قال أربعين ألفا جبر الكسر وقوله يريد الديوان هو كلام الزهري وأراد بذلك الاحتراز
عما وقع في حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اكتبوا لي من تلفظ بالاسلام
وقد ثبت أن أول من دون الديوان عمر رضي الله عنه (قوله قال كعب) هو موصول بالاسناد
المذكور (قوله فما رجل) في رواية مسلم فقل رجل (قوله الا ظن أنه سيخفى) في رواية
الكشميهني أن سيخفى بتخفيف النون بلا هاء وفي رواية مسلم أن ذلك سيخفى له (قوله حين
طابت الثمار والظلال) في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب في قيظ شديد في ليالي
الخريف والناس خارفون في تخيلهم وفي رواية أحمد من طريق معمر وأنا أقدر شئ في نفسي
على الجهاز وخفة الحاذ وأنا في ذلك أصغوا إلى الظلال والثمار وقوله الحاذ بحاء مهملة وتخفيف
الذال المعجمة هو الحال وزنا ومعنى وقوله أصغوا بصاد مهملة وضم المعجمة أي أميل ويروي
أصعر بضم العين المهملة بعدها راء وفي رواية ابن مردويه فالناس إليها صعر (قوله حتى
87

أشتد الناس الجد) بكسر الجيم وهو الجد في الشئ والمبالغة فيه وضبطوا الناس بالرفع على أنه
الفاعل والجد بالنصب على نزع الخافض أو هو نعت لمصدر محذوف أي أشتد الناس الاشتداد
الجد وعند ابن السكن أشتد بالناس الجد برفع الجد وزيادة الموحدة وهو الذي في رواية أحمد
ومسلم وغيرهما وفي رواية الكشميهني بالناس الجد والجد على هذا فاعل وهو مرفوع وهي رواية
مسلم وعند ابن مردويه حتى شمر الناس الجد وهو يؤيد التوجيه الأول (قوله فأصبح رسول
الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي) بفتح الجيم وبكسرها وعند ابن أبي
شيبة وابن جرير من وجه آخر عن كعب فأخذت في جهازي فأمسيت ولم أفرغ فقلت أتجهز في
غد (قوله حتى أسرعوا) وفي رواية الكشميهني حتى شرعوا بالشين المعجمة وهو تصحيف (قوله
وليتني فعلت) زاد في رواية بن مردويه ولم أفعل (قوله وتفارط) بالفاء والطاء والمهملة أي فات
وسبق والفرط السابق وفي رواية بن أبي شيبة حتى أمعن القوم وأسرعوا فطفقت أغدو
للتجهيز وتشغلني الرجال فأجمعت القعود حين سبقني القوم وفي رواية أحمد من طريق عمر بن كثير
عن كعب فقلت أيهات سار الناس ثلاثا فأقمت (قوله مغموصا) بالغين المعجمة والصاد المهملة
أي مطعونا عليه في دينه متهما بالنفاق وقيل معناه مستحقرا تقول غمصت فلانا إذا استحقرته
(قوله حتى بلغ تبوك) بغير صرف للأكثر وفي رواية تبوكا على إرادة المكان (قوله فقال رجل
من بني سلمة) بكسر اللام وفي رواية معمر من قومي وعند الواقدي أنه عبد الله بن أنيس وهذا غير
الجهني الصحابي المشهور وقد ذكر الواقدي فيمن استشهد باليمامة عبد الله بن أنيس السلمي
بفتحتين فهو هذا والذي رد عليه هو معاذ بن جبل اتفاقا إلا ما حكى الواقدي وفي رواية أنه أبو
قتادة قال والأول أثبت (قوله حبسه برداه والنظر في عطفه) بكسر العين المهملة وكنى بذلك عن
حسنة وبهجته والعرب تصف الرداء بصفة الحسن وتسميه عطفا لوقوعه على عطفى الرجل (قوله
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم) 2 فبينما هو كذلك رأى رجلا منتصبا يزول به السراب
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري (قلت) واسم
أبي خيثمة هذا سعد بن خيثمة كذا أخرجه الطبراني من حديثه ولفظه تخلفت عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فدخلت حائطا فرأيت عريشا قد رش بالماء ورأيت زوجتي فقلت ما هذا
بانصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في السموم والحرور وأنا في الظل والنعيم فقمت إلى ناضح
لي وتمرات فخرجت فلما طلعت على العسكر فرآني الناس قال النبي كن
أبا خيثمة فجئت فدعا لي وذكره ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم مرسلا وذكر الواقدي
أن اسمه عبد الله بن خيثمة وقال ابن شهاب اسمه مالك بن قيس (قوله فلما بلغني أنه توجه قافلا)
في رواية مسلم فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ابن سعد أن قدوم رسول الله صلى
الله عليه وسلم المدينة كان في رمضان (قوله حضرني همي) في رواية الكشميهني همني وفي
رواية مسلم بثي بالموحدة ثم المثلثة وفي رواية ابن أبي شيبة فطفقت أعد العذر لرسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا جاء وأهئ الكلام (قوله وأجمعت صدقه) أي جزمت بذلك وعقدت عليه
88

قصدي وفي رواية ابن أبي شيبة وعرفت أنه لا ينجيني منه إلا الصدق (قوله وكان إذا قدم من
سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس) هذه القطعة من هذا الحديث أفردت في
الجهاد وقد أخرجه أحمد من طريق ابن جريج عن ابن شهاب بلفظ لا يقدم من سفر إلا في
الضحى فيبدأ بالمسجد فيصلى فيه ركعتين ويقعد وفي رواية ابن أبي شيبة ثم يدخل على أهله
وفي حديث أبي ثعلبة عند (1) الطبراني كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه
ركعتين ثم يثني بفاطمة ثم يأتي أزواجه وفي لفظ ثم بدأ ببيت فاطمة ثم أتى بيوت نسائه (قوله جاءه
المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا) ذكر الواقدي أن هذا
العدد كان من منافقي الأنصار وأن المعذرين من الاعراب كانوا أيضا اثنين وثمانين رجلا من
بني غفار وغيرهم وأن عبد الله بن أبي ومن أطاعه من قومه كانوا من غير هؤلاء وكانوا عددا
كثيرا (قوله فما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب) وعند ابن عائذ في المغازي فأعرض عنه فقال
يا نبي الله لم تعرض عني فوالله ما نافقت ولا ارتبت ولا بدلت قال فما خلفك (قوله والله لقد
أعطيت جدلا) أي فصاحة وقوة كلام بحيث أخرج عن عهدة ما ينسب إلى بما يقبل ولا يرد
(قوله تجد على) بكسر الجيم أي تغضب (قوله حتى يقضي الله فيك فقمت) زاد النسائي من
طريق يونس عن الزهري فمضيت (قوله وثار رجال) أي وثبوا (قوله كافيك ذنبك)
بالنصب على نزع الخافض أو على المفعولية أيضا واستغفار بالرفع على أنه الفاعل وعند ابن
عائذ فقال كعب ما كنت لأجمع أمرين أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكذبه فقالوا
إنك شاعر جرئ فقال أما على الكذب فلا زاد في رواية ابن أبي شيبة كما صنع ذلك بغيرك
فقبل منهم عذرهم واستغفر لهم (قوله وقيل لهم مثل ما قيل لك) في رواية ابن مردويه وقال
لهما مثل ما قيل لك (قوله يؤنبوني) بنون ثقيلة ثم موحدة من التأنيب وهو اللوم العنيف
(قوله مرارة) بضم الميم وراءين الأولى خفيفة وقوله العمرى بفتح المهملة وسكون الميم نسبة إلى
بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ووقع لبعضهم العامري وهو خطأ وقوله ابن الربيع هو
المشهور ووقع في رواية لمسلم بن ربيعة وفي حديث مجمع بن جارية عند ابن مردويه مرارة بن
ربعي وهو خطأ وكذا ما وقع عند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن من تسميته ربيع بن مرارة
وهو مقلوب وذكر في هذا المرسل أن سبب تخلفه أنه كان له حائط حين زهى فقال في نفسه قد غزوت
قبلها فلو أقمت عامي هذا فلما تذكر ذنبه قال اللهم إني أشهدك أتى قد تصدقت به في سبيلك وفيه أن
الآخر يعني هلالا كان له أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال لو أقمت هذا العام عندهم فلما تذكر قال
اللهم لك على أن لا أرجع إلى أهل ولا مال (قوله وهلال بن أمية الواقفي) بقاف ثم فاء نسبة إلى بني
واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس (قوله فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا) هكذا
وقع هنا وظاهره أنه من كلام كعب بن مالك وهو مقتضى صنيع البخاري وقد قررت ذلك واضحا في
غزوة بدر وممن جزم بأنهما شهدا بدرا أبو بكر الأثرم وتعقبه ابن الجوزي ونسبه إلى الغلط فلم
89

يصب واستدل بعض المتأخرين لكونهما لم يشهدا بدرا بما وقع في قصة حاطب وأن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يهجره ولا عاقبه مع كونه جس عليه بل قال لعمر لما هم بقتله وما يدريك لعل الله اطلع
على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال وأين ذنب التخلف من ذنب الجس (قلت)
وليس ما استدل به بواضح لأنه يقتضى أن البدري عنده إذا جنى جناية ولو كبرت لا يعاقب عليها
وليس كذلك فهذا عمر مع كونه المخاطب بقصة حاطب فقد جلد قدامة بن مظعون الحد لما شرب
الخمر وهو يدري كما تقدم وإنما لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا ولا هجره لأنه قبل عذره
في أنه إنما كاتب قريشا خشية على أهله وولده وأراد أن يتخذ له عندهم يدا فعذره بذلك بخلاف
تخلف كعب وصاحبيه فإنهم لم يكن لهم عذر أصلا والله أعلم (قوله لي فيهما أسوة) بكسر الهمزة
ويجوز ضمها قال ابن التين التأسي بالنظير ينفع في الدنيا بخلاف الآخرة فقد قال تعالى ولن
ينفعكم اليوم إذ ظلمتم الآية (قوله فمضيت حين ذكر وهمالي) في رواية معمر فقلت والله لا أرجع
إليه في هذا أبدا (قوله ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة) بالرفع
وهو في موضع نصب على الاختصاص أي متخصصين بذلك دون بقية الناس (قوله حتى تنكرت
في نفسي الأرض فما هي بالتي أعرف) وفي رواية معمر وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي بالحيطان
التي نعرف وتنكر لنا الناس حتى ما هم الذين نعرف وهذا يجده الحزين والمهموم في كل شئ حتى قد
يجده في نفسه وزاد المصنف في التفسير من طريق إسحاق بن راشد عن الزهري وما من شئ أهم إلى
من أن أموت فلا يصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يموت فأكون من الناس بتلك المنزلة
فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلى على وعند ابن عائذ حتى وجلوا أشد الوجل وصاروا مثل الرهبان
(قوله هل حرك شفتيه برد السلام على) لم يجزم كعب بتحريك شفتيه عليه السلام ولعل ذلك بسبب
أنه لم يكن يديم النظر إليه من الخجل (قوله فأسارقه) بالسين المهملة وللقاف أي أنظر إليه في خفية
(قوله من جفوة لناس) بفتح الجيم وسكون الفاء أي إعراضهم وفي رواية بن أبي شيبة وطفقنا
نمشي في الناس لا يكلمنا أحد ولا يرد علينا سلاما (قوله حتى تسورت) أي علوت سور الدار (قوله
جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمى وأحب الناس إلى) ذكر أنه ابن عمه لكونهما معا من بني سلمة
وليس هو ابن عمه أخي أبيه الأقرب وقوله أنشدك بضم المعجمة وفتح أوله أي أسألك وقوله الله
ورسوله أعلم ليس هو تكليما لكعب لأنه لم ينو به ذلك كما سيأتي تقريره (قوله وتوليت حتى
2 تسورت الحائط) وفي رواية معمر فلم أملك نفسي أن بكيت ثم اقتحمت الحائط خارجا (قوله إذا
نبطي) بفتح النون والموحدة (قوله من أنباط أهل الشام) نسبة إلى استنباط الماء واستخراجه
وهؤلاء كانوا في ذلك الوقت أهل الفلاحة وهذا النبطي الشامي كان نصرانيا كما وقع في رواية
معمر إذا نصراني جاء بطعام له يبيعه ولم أقف على اسم هذا النصراني ويقال أن النبط ينسبون
إلى نبط بن هانب بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح (قوله من ملك غسان) بفتح المعجمة وسين مهملة
90

ثقيلة هو جبلة بن الأيهم جزم بذلك ابن عائذ وعند الواقدي الحرث بن أبي شمر ويقال جبلة بن
الأيهم وفي رواية ابن مردويه فكتب إلى كتابا في سرقة من حرير (قوله ولم يجعلك الله بدار هوان ولا
مضيعة) بسكون المعجمة ويجوز كسرها أي حيث يضيع حقك وعند ابن عائذ فإن لك متحولا
بالمهملة وفتح الواو أي مكانا تتحول إليه (قوله فالحق بنا نواسك) بضم النون وكسر المهملة من
المواساة وزاد في رواية بن أبي شيبة في أموالنا فقلت إنا لله قد طمع في أهل الكفر ونحوه لابن
مردويه (قوله فتيممت) أي قصدت والتنور ما يخبز فيه وقوله فسجرته بسين مهملة وجيم أي
أوقدته وأنت الكتاب على معنى الصحيفة وفي رواية بن مردويه فعمدت بها إلى تنور به فسجرته
بها ودل صنيع كعب هذا على قوة إيمانه ومحبته لله ولرسوله وإلا فمن صار في مثل حاله من الهجر
والاعراض قد يضعف عن احتمال ذلك وتحمله الرغبة في الجاه والمال على هجران من هجره ولا
سيما مع أمنه من الملك الذي استدعاه إليه أنه لا يكرهه على فراق دينه لكن لما احتمل عنده
أنه لا يأمن من الافتتان حسم المادة وأحرق الكتاب ومنع الجواب هذا مع كونه من الشعراء الذين
طبعت نفوسهم على الرغبة ولا سيما بعد الاستدعاء والحث على الوصول إلى المقصود من الجاه
والمال ولا سيما والذي استدعاه قريبه ونسيبه ومع ذلك فغلب عليه دينه وقوى عنده يقينه ورجح
ما هو فيه من النكد والتعذيب على ما دعي إليه من الراحة والنعيم حبا في الله ورسوله كما قال صلى
الله عليه وسلم وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وعند ابن عائذ أنه شكا حاله إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقال ما زال إعراضك عنى حتى رغب في أهل الشرك (قوله إذا رسول
رسول الله صلى الله عليه وسلم) لم أقف على اسمه ثم وجدت في رواية الواقدي أنه خزيمة بن ثابت
قال وهو الرسول إلى هلال ومرارة بذلك (قوله أن تعتزل امرأتك) هي عميرة بنت جبير بن صخر بن
أمية الأنصارية أم أولاده الثلاثة عبد الله وعبيد الله ومعبد ويقال اسم امرأته التي كانت يومئذ
عنده خيرة بالمعجمة المفتوحة ثم التحتانية (قوله الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضى الله) زاد
النسائي من طريق معقل بن عبيد الله عن الزهري فلحقت بهم (قوله فجاءت امرأة هلال) هي
خولة بنت عاصم (قوله فقال لي بعض أهلي) لم أقف على اسمه ويشكل مع نهى النبي صلى الله عليه
وسلم عن كلام الثلاثة ويجاب بأنه لعله بعض ولده أو من النساء ولم يقع النهى عن كلام الثلاثة
للنساء اللاتي في بيوتهم أو الذي كلمه بذلك كان منافقا أو كان ممن يخدمه ولم يدخل في النهى (قوله
فأوفى) بالفاء مقصور أي أشرف واطلع (قوله على جبل سلع) بفتح المهملة وسكون اللام وفي
رواية معمر من ذروة سلع أي أعلاه وزاد ابن مردويه وكنت ابتنيت خيمة في ظهر سلع فكنت أكون
فيها ونحوه لابن عائذ وزاد أكون فيها نهارا (قوله يا كعب بن مالك أبشر) في رواية عمر بن كثير
عن كعب عند أحمد إذ سمعت رجلا على الثنية يقول كعبا كعبا حتى دنا مني فقال بشروا كعبا
(قوله فخررت ساجدا وقد عرفت أنه جاء فرج) وعند ابن عائذ فخر ساجدا يبكي فرحا بالتوبة
(قوله وآذن) بالمد وفتح المعجمة أي أعلم وللكشميهني بغير مد وبالكسر ووقع في رواية إسحاق بن
راشد وفي رواية معمر فأنزل الله توبتنا على نبيه حين بقي الثلث الأخير من الليل ورسول الله صلى
الله عليه وسلم عند أم سلمة وكانت أم سلمة محسنة في شأني معتنية بأمري فقال يا أم سلمة تيب على
91

كعب قالت أفلا أرسل إليه فأبشره قال إذا يحطمكم الناس فيمنعوكم النوم سائر الليلة حتى إذا
صلى الفجر آذن بتوبة الله علينا (قوله وركض إلى رجل فرسا) لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون
هو حمزة بن عمرو الأسلمي (قوله وسعى ساع من أسلم) هو حمزة بن عمرو ورواه الواقدي وعند ابن
عائذ أن الذي سعيا أبو بكر وعمر لكنه صدره بقوله زعموا وعند الواقدي وكان الذي أوفى على سلع
أبا بكر الصديق فصاح قد تاب الله على كعب والذي خرج على فرسه الزبير بن العوام قال وكان
الذي بشرني فنزعت له ثوبي حمزة بن عمرو الأسلمي قال وكان الذي بشر هلال بن أمية بتوبته سعيد
ابن زيد قال وخرجت إلى بني واقف فبشرته فسجد قال سعيد فما ظننته يرفع رأسه حتى تخرج
نفسه يعني لما كان فيه من الجهد فقد قيل إنه أمتنع من الطعام حتى كان يواصل الأيام صائما
ولا يفتر من البكاء وكان الذي بشر مرارة بتوبته سلكان بن سلامة أو سلمة بن سلامة بن وقش
(قوله والله ما أملك غيرهما يومئذ) يريد من جنس الثياب وإلا فقد تقدم أنه كان عنده راحلتان
وسيأتي أنه استأذن أن يخرج من ماله صدقة ثم وجدت في رواية ابن أبي شيبة التصريح بذلك
ففيها ووالله ما أملك يومئذ ثوبين غيرهما وزاد ابن عائذ من وجه آخر عن الزهري فلبسهما (قوله
واستمرت ثوبين) في رواية الواقدي من أبي قتادة (قوله وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم) في رواية مسلم فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله فوجا فوجا) أي
جماعة جماعة (قوله ليهنك بكسر النون) وزعم ابن التين أنه بفتحها بل قال السفاقسي إنه أصوب
لأنه من الهناء وفيه نظر (قوله ولا أنساه الطلحة) قالوا سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان آخى بينه وبين طلحة لما آخى بين المهاجرين والأنصار والذي ذكره أهل المغازي أنه كان
أخا الزبير لكن كان الزبير أخا طلحة في إخوة المهاجرين فهو أخو أخيه (قوله أبشر بخير يوم
مر عليك منذ ولدتك أمك) استشكل هذا الاطلاق بيوم إسلامه فإنه مر عليه بعد أن ولدته أمه
وهو خير أيامه فقيل هو مستثنى تقديرا وإن لم ينطق به لعدم خفائه والأحسن في الجواب أن يوم
توبته مكمل ليوم إسلامه فيوم إسلامه بداية سعادته ويوم توبته مكمل لها فهو خير جميع أيامه
وإن كان يوم إسلامه خيرها فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها والله
أعلم (قوله قال لا بل من عند الله) زاد في رواية ابن أبي شيبة انكم صدقتم الله فصدقكم (قوله
حتى كأنه قطعة قمر) في رواية إسحاق بن راشد في التفسير حتى كأنه قطعة من القمر ويسأل
عن السر في التقييد بالقطعة مع كثرة ما ورد في كلام البلغاء من تشبيه الوجه بالقمر بغير تقييد
وقد تقدم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم تشبيههم له بالشمس طالعة وغير ذلك وكان كعب بن
مالك قائل هذا من شعراء الصحابة وحال في ذلك مشهورة فلا بد في التقييد بذلك من حكمة وما
قيل في ذلك من الاحتراز من السواد الذي في القمر ليس بقوي لان المراد تشبيهه ما في القمر من
الضياء والاستنارة وهو في تمامه لا يكون فيها أقل مما في القطعة المجردة وقد ذكرت في صفة النبي
صلى الله عليه وسلم بذلك توجيهات ومنها أنه للإشارة إلى موضع الاستنارة وهو الجبين وفيه يظهر
السرور كما قالت عائشة مسرورا تبرق أسارير وجهه فكأن التشبيه وقع على بعض الوجه
فناسب أن يشبه ببعض القمر (قوله وكنا نعرف ذلك منه) في رواية الكشميهني فيه وفيه ما كان
النبي صلى الله عليه وسلم عليه من كمال الشفقة على أمته والرأفة بهم والفرح بما يسرهم وعند ابن
92

مردويه من وجه آخر عن كعب بن مالك لما نزلت توبتي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبلت يده
وركبته (قوله إن من توبتي أن أنخلع من مالي) أي أخرج من جميع مالي (قوله صدقة) هو مصدر
في موضع الحال أي متصدقا أو ضمن أنخلع معنى أتصدق وهو مصدر أيضا وقوله أمسك عليك
بعض مالك فهو خير لك في رواية أبي داود عن كعب أنه قال أن من توبتي أن أخرج من مالي كله
إلى الله ورسوله صدقة قال لا قلت نصفه قال لا قلت فثلثه قال نعم ولابن مردويه من طريق ابن
عيينة عن الزهري فقال النبي صلى الله عليه وسلم يجزي عنك من ذلك الثلث ونحوه لأحمد في قصة
أبي لبابة حين قال أن من توبتي أن انخلع من مالي كله صدقة لله ورسوله فقال النبي صلى الله عليه
وسلم يجزي عنك الثلث (قوله فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله) أي أنعم عليه وقوله في
صدق الحديث مذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني وكذلك قوله بعد
ذلك فوالله ما أنعم الله على من نعمة قط بعد أن هداني إلى الاسلام أعظم من صدقي لرسول الله
صلى الله عليه وسلم ففي قوله أحسن وأعظم شاهد على أن هذا السياق يورد ويراد به نفي الأفضلية
لا المساواة لان كعبا شاركه في ذلك رفيقان وقد نفى أن يكون أحد حصل له أحسن مما حصل له
وهو كذلك لكنه لم ينف المساواة (قوله أن لا أكون كذبته) لا زائدة كما نبه عليه عياض
(قوله وكنا تخلفنا) بضم أوله وكسر اللام وفي رواية مسلم وغيره خلفنا بضم المعجمة من غير شئ
قبلها (قوله وأرجأ) مهموزا أي أخر وزنا ومعنى وحاصله أن كعبا فسر قوله تعالى وعلى الثلاثة
الذين خلفوا أي أخروا حتى تاب الله عليهم لا أن المراد أنهم خلفوا عن الغزو وفي تفسير عبد
الرزاق عن معمر عمن سمع عكرمة في قوله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا قال خلفوا عن التوبة
ولابن جرير من طريق قتادة نحوه قال ابن جرير فمعنى الكلام لقد تاب الله على الذين أخرت توبتهم
وفي قصة كعب من الفوائد غير ما تقدم جواز طلب أموال الكفار من ذوي الحرب وجواز الغزو
في الشهر الحرام والتصريح بجهة الغزو إذا لم تقتض المصلحة ستره وأن الامام إذا استنفر الجيش
عموما لزمهم النفير ولحق اللوم بكل فرد فرد أن لو تخلف وقال السهيلي إنما اشتد الغضب على من
تخلف وأن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين لانهم بايعوا عل ذلك
ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق
نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا
فكان تخلفهم عن هذه الغزوة كبيرة لأنها كالنكث لبيعتهم كذا قال ابن بطال قال
السهيل ولا أعرف له وجها غير الذي قال (قلت) وقد ذكرت وجها غير الذي ذكره ولعله أقعد
ويؤيده قوله تعالى ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول
الله الآية وعند الشافعية وجه أن الجهاد كان فرض عين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا
فيتوجه العتاب على من تخلف مطلقا وفيها أن العاجز عن الخروج بنفسه أو بماله لا لوم عليه
واستخلاف من يقوم مقام الامام على أهله والضعفة وفيها ترك قتل المنافقين ويستنبط منه ترك
93

قتل الزنديق إذا أظهر التوبة وأجاب من أجازه بأن الترك كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
لمصلحة التأليف على الاسلام وفيها عظم أمر المعصية وقد نبه الحسن البصري على ذلك فيما
أخرجه ابن أبي حاتم عنه قال يا سبحان الله ما أكل هؤلاء الثلاثة مالا حراما ولا سفكوا دما حراما
ولا أفسدوا في الأرض أصابهم ما سمعتم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت فيكف بمن يواقع
الفواحش والكبائر وفيها أن القوي في الدين يؤاخذ بأشد مما يؤاخذ الضعيف في الدين وجواز
إخبار المرء عن تقصيره وتفريطه وعن سبب ذلك وما آل إليه أمره تحذيرا ونصيحة لغيره وجواز
مدح المرء بما فيه من الخير إذا أمن الفتنة وتسليته نفسه بما لم يحصل له بما وقع لنظيره وفضل أهل
بدر والعقبة والحلف للتأكيد من غير استحلاف والتورية عن المقصد ورد الغيبة وجواز ترك
وطئ الزوجة مدة وفيه أن المرء إذا لاحت له فرصة في الطاعة فحقه أن يبادر إليها ولا يسوف بها
لئلا يحرمها كما قال تعالى استجيبوا لله وللرسول إذ دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين
المرء وقلبه ومثله قوله تعالى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونسأل الله تعالى
أن يلهمنا المبادرة إلى طاعته وأن لا يسلبنا ما خولنا من نعمته وفيها جواز تمنى ما فات من الخير
وأن الامام لا يهمل من تخلف عنه في بعض الأمور بل يذكره ليراجع التوبة وجواز الطعن في
الرجل بما يغلب على اجتهاد الطاعن عن حمية لله ورسوله وفيها جواز الرد على الطاعن إذا غلب
على ظن الراد وهم الطاعن أو غلطه وفيها أن المستحب للقادم أن يكون على وضوء وأن يبدأ
بالمسجد قبل بيته فيصلى ثم يجلس لمن يسلم عليه ومشروعية السلام على القادم وتلقيه والحكم
بالظاهر وقبول المعاذير واستحباب بكاء العاصي أسفا على ما فاته من الخير وفيها إجراء الاحكام
على الظاهر ووكول السرائر إلى الله تعالى وفيها ترك السلام على من أذنب وجواز هجره أكثر
من ثلاث وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيا وأن التبسم قد
يكون عن غضب كما يكون عن تعجب ولا يختص بالسرور ومعاتبة الكبير أصحابه ومن يعز عليه
دون غيره وفيها فائدة الصدق وشؤم عاقبة الكذب وفيها العمل بمفهوم اللقب إذا حفته قرينة
لقوله صلى الله عليه وسلم لما حدثه كعب أما هذا فقد صدق فأنه يشعر بأن من سواه كذب لكن
ليس على عمومه في حق كل أحد سواه لان مرارة وهلالا أيضا قد صدقا فيختص الكذب بمن
حلف واعتذر لا بمن اعترف ولهذا عاقب من صدق بالتأديب الذي ظهرت فائدته عن قرب وأخر
من كذب للعقاب الطويل وفي الحديث الصحيح إذا أراد الله بعبد خيرا عجل له عقوبته في الدنيا
وإذا أراد به شرا أمسك عنه عقوبته فيرد القيامة بذنوبه قيل وإنما غلظ في حق هؤلاء الثلاثة
لانهم تركوا الواجب عليهم من غير عذر ويدل عليه قوله تعالى ما كان لأهل المدينة ومن
حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله وقول الأنصار
نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا
وفيها تبريد حر المصيبة بالتأسي بالنظير وفيها عظم مقدار الصدق في القول والفعل وتعليق سعادة
الدنيا والآخرة والنجاة من شرهما به وأن من عوقب بالهجر تعذر في التخلف عن صلاة الجماعة
لان مرارة وهلالا لم يخرجا من بيوتهما تلك المدة وفيها سقوط رد السلام على المهجور عمن سلم
عليه إذ لو كان واجبا لم يقل كعب هل حرك شفتيه برد السلام وفيها جواز دخول المرء دار جاره
94

وصديقه بغير إذنه ومن غير الباب إذا علم رضاه وفيها أن قول المرء الله ورسوله أعلم ليس بخطاب
ولا كلام ولا يحنث به من حلف أن لا يكلم الآخر إذا لم ينوبه مكالمته وإنما قال أبو قتادة ذلك لما
ألح عليه كعب وإلا فقد تقدم أن رسول ملك غسان لما سأل عن كعب جعل الناس يشيرون
له إلى كعب ولا يتكلمون بقولهم مثلا هذا كعب مبالغة في هجره والاعراض عنه وفيها أن
مسارقة النظر في الصلاة لا تقدح في صحتها وإيثار طاعة الرسول على مودة القريب وخدمة المرأة
زوجها والاحتياط لمجانبة ما يخشى الوقوع فيه وجواز تحريق ما فيه اسم الله للمصلحة وفيها
مشروعية سجود الشكر والاستباق إلى البشارة بالخير وإعطاء البشير أنفس ما يحضر الذي
يأتيه بالبشارة وتهنئة من تجددت له نعمة والقيام إليه إذا أقبل واجتماع الناس عند الامام في
الأمور المهمة وسروره بما يسر أتباعه ومشروعية العارية ومصافحة القادم والقيام له والتزام
المداومة على الخير الذي ينتفع به واستحباب الصدقة عند التوبة وأن من نذر الصدقة بكل ماله لم
يلزمه إخراج جميعه وسيأتي البحث فيه في كتاب النذر إن شاء الله تعالى وقال ابن التين فيه أن
كعب بن مالك من المهاجرين الأولين الذين صلوا إلى القبلتين كذا قال وليس كعب من
المهاجرين إنما هو من السابقين من الأنصار * (قوله باب نزول النبي (1) صلى الله عليه
وسلم الحجر) بكسر المهملة وسكون الجيم وهي منازل ثمود زعم بعضهم أنه مر به ولم ينزل ويرده
التصريح في حديث ابن عمر بأنه لما نزل الحجر أمرهم أن لا يشربوا وقد تقدم حديث ابن عمر في
بئر ثمود وقد تقدمت مباحثه في أحاديث الأنبياء وقوله أن يصيبكم بفتح الهمزة مفعول له أي
كراهة الإصابة وقوله أجاز الوادي أي قطعه وقوله في الرواية الثانية قال النبي صلى الله عليه
وسلم لأصحاب الحجر لا تدخلوا قال الكرماني أي قال لأصحابه الذين معه في ذلك الموضع وأضيف إلى
الحجر لعبورهم عليه وقد تكلم في ذلك وتعسف وليس كما قال بل اللام في قوله لأصحاب الحجر بمعنى
عن وحذف المقول لهم ليعم كل سامع والتقدير قال لأمته عن أصحاب الحجر وهم ثمود لا تدخلوا
على هؤلاء المعذبين أي ثمود وهذا واضح لاخفاء به * (قوله باب) كذا فيه بغير ترجمة
وهو كالفصل مما تقدم لان أحاديثه تتعلق ببقية قصة تبوك (قوله عن الليث عن عبد العزيز بن أبي
سلمة عن سعد بن إبراهيم) تقدم في الطهارة عن الليث عن يحيى بن سعيد عن سعد بن إبراهيم فكأن
له فيه شيخين (قوله ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لبعض حاجته فقمت أسكب عليه لا أعلمه
إلا في غزوة تبوك) كذا فيه وقد قدمت في المسح على الخفين بيان من رواه بغير تردد وذكرت هناك
بقية شرحه ووقع عند مسلم من رواية عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة أن المغيرة أخبره أنه غزا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك فذكر حديث المسح كان تقدم وزاد المغيرة فأقبلت معه حتى
نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف يصلى بهم فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم الركعة
الأخيرة فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته فأفزع ذلك الناس وفي
رواية له قال المغيرة فأردت تأخير عبد الرحمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعه (قوله سليمان)
هو ابن بلال (وعمرو بن يحيى) هو المازني وقد تقدمت مباحث حديث أبي حميد هذا في أواخر
95

الزكاة وفي الجهاد في باب من غزا بصبي للخدمة (قوله عبد الله) هو ابن المبارك وقد تقدمت
مباحث الحديث سندا ومتنا في الجهاد في باب من حبسه العذر عن الغزو * (قوله
باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر) أما كسرى فهو ابن برويز بن
هرمز بن أنوشروان وهو كسرى الكبير المشهور وقيل إن الذي بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم
هو أنوشروان وفيه نظر لما سيأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن زربان ابنه يقتله والذي
قتله ابنه هو كسرى بن برويز بن هرمز وكسرى بفتح الكاف وبكسرها لقب كل من تملك الفرس
ومعناه بالعربية المظفري وقد تقدم الكلام في ضبطه كافة في علامات النبوة وأما قيصر فهو هرقل
وقد تقدم شأنه في أول الكتاب (قوله حدثنا إسحاق) هو ابن راهويه ويعقوب بن إبراهيم أي
ابن سعد وصالح هو ابن كيسان وقد تقدم للمصنف في العلم عاليا عن إبراهيم بن سعد (قوله مع
عبد الله بن حذافة) هذا هو المعتمد ووقع في رواية عمر بن شبة أنه خنيس بن حذافة وهو غلط فإنه
مات بأحد فتأيمت منه حفصة وبعث الرسل كان بعد الهدنة سنة سبع ووقع في ترجمة عبد الله
ابن عيسى أخي كامل بن عدي من طريقه عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في قصة
اتخاذ الخاتم وفيه وبعث كتابا إلى كسرى بن هرمز بعث به مع عمر بن الخطاب كذا قال وعبد الله
ضعيف فإن ثبت فلعله كتب إلى ملك فارس مرتين وذلك في أوائل سنة سبع (قوله إلى عظيم
البحرين) هو المنذر بن ساوى العبدي (قوله فدفعه) الفاء عاطفة على محذوف تقديره فتوجه
إليه فأعطاه الكتاب فأعطاه لقاصده عنده فتوجه به فدفعه إلى كسرى ويحتمل أن يكون المنذر
توجه بنفسه فلا يحتاج إلى القاصد ويحتمل أن يكون القاصد لم يباشر إعطاء كسرى بنفسه كما هو
الأغلب من حال الملوك فيزداد التقدير (قوله فلما قرأ) كذا للأكثر بحذف المفعول وللكشميهني
فلما قرأه وفيه مجاز فإنه لم يقرأه بنفسه وإنما قرئ عليه كما سيأتي (قوله مزقه) أي قطعه (قوله
فحسبت أن ابن المسيب) القائل هو الزهري وهو موصول بالاسناد المذكور ووقع في جميع
الطرق مرسلا ويحتمل أن يكون ابن المسيب سمعه من عبد الله بن حذافة صاحب القصة فإن ابن
سعد ذكر من حديثه أنه قال فقرأ عليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه فمزقه (قوله
فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي على كسرى وجنوده (قوله أن يمزقوا كل ممزق) بفتح
الزاي أي يتفرقوا ويتقطعوا وفي حديث عبد الله بن حذافة فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال اللهم مزق ملكه وكتب إلى باذان عامله على اليمن ابعث من عندك رجلين إلى هذا الرجل
الذي بالحجاز فكتب باذان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه في هذه
الليلة قال وكان ذلك ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع وإن الله سلط عليه ابنه
شيرويه فقتله وعن الزهري قال بلغني أن كسرى كتب إلى باذان بلغني أن رجلا من قريش يزعم
أنه نبي فسر إليه فإن تاب وإلا بعث برأسه فذكر القصة قال فلما بلغ باذان أسلم هو ومن معه من
الفرس * (تنبيه) * جزم ابن سعد بأن بعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى كان في سنة سبع في
زمن الهدنة وهو عند الواقدي من حديث الشفاء بنت عبد الله بلفظ منصرفه من الحديبية
وصنيع البخاري يقتضى أنه كان في سنة تسع فأنه ذكره بعد غزوة تبوك وذكر في آخر الباب حديث
السائب أنه تلقى النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من تبوك إشارة إلى ما ذكرت وقد ذكر أهل
96

المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لما كان بتبوك كتب إلى قيصر وغيره وهي غير المرة التي كتب إليه
مع دحية فأنها كانت في زمن الهدنة كما صرح به في الخبر وذلك سنة سبع ووقع عند مسلم عن أنس
أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر الحديث وفيه وإلى كل جبار عنيد وروى
الطبراني من حديث المسور بن مخرمة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال إن
الله بعثني للناس كافة فأدوا عني ولا تختلفوا على فبعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى وسليط بن
عمرو إلى هوذة بن علي باليمامة والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي بهجر وعمرو بن العاص
إلى جيفر وعباد بن الجلندي بعمان ودحية إلى قيصر وشجاع بن وهب إلى ابن أبي شمر الغساني
وعمرو بن أمية إلى النجاشي فرجعوا جميعا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم غير عمرو بن العاص
وزاد أصحاب السير أنه بعث المهاجر بن أبي أمية بن الحرث بن عبد كلال وجريرا إلى ذي الكلاع
والسائب إلى مسيلمة وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس وفي حديث أنس الذي أشرت إليه عند
مسلم أن النجاشي الذي بعث إليه مع هؤلاء غير النجاشي الذي أسلم (قوله حدثنا عوف) هو
الأعرابي (والحسن) هو البصري والاسناد كله بصريون وسماع الحسن من أبي بكرة تقدم بيانه في
الصلح (قوله نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل) فيه تقديم وتأخير
والتقدير نفعني الله أيام الجمل بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قبل ذلك أيام يتعلق
ينفعني لا بسمعتها فأنه سمعها قبل ذلك قطعا والمراد بأصحاب الجمل العسكر الذين كانوا مع عائشة
(قوله بعد ما كدت ألحق بأصحاب الجمل) يعني عائشة رضي الله عنها ومن معها وسيأتي بيان هذه
القصة في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى ومحصلها أن عثمان لما قتل وبويع على بالخلافة خرج طلحة
والزبير إلى مكة فوجدا عائشة وكانت قد حجت فاجتمع رأيهم على التوجه إلى البصرة يستنفرون
الناس للطلب بدم عثمان فبلغ ذلك عليا فخرج إليهم فكانت وقعة الجمل ونسبت إلى الجمل الذي
كانت عائشة قد ركبته وهي في هودجها تدعو الناس إلى الاصلاح والقائل لما بلغ هو أبو بكرة
وهو تفسير لقوله بكلمة وفيه إطلاق الكلمة على الكلام الكثير (قوله ملكوا عليهم بنت
كسرى) هي بوران بنت شيرويه بن كسرى بن برويز وذلك أن شيرويه لما قتل أباه كما تقدم كان
أبوه لما عرف أن ابنه قد عمل على قتله احتال على قتل ابنه بعد موته فعمل في بعض خزائنه المختصة
به حقا مسموما وكتب عليه حق الجماع من تناول منه كذا جامع كذا فقرأه سيرويه فتناول منه
فكان فيه هلاكه فلم يعش بعد أبيه سوى ستة أشهر فلما مات لم يخلف أخا لأنه كان قتل إخوته
حرصا على الملك ولم يخلف ذكرا وكرهوا خروج الملك عن ذلك البيت فملكوا المرأة واسمها بوران
بضم الموحدة ذكر ذلك ابن قتيبة في المغازي وذكر الطبري أيضا أن أختها أرزميدخت ملكت
أيضا قال الخطابي في الحديث أن المرأة لا تلي الامارة ولا القضاء وفيه أنها لا تزوج نفسها ولا تلي
العقد على غيرها كذا قال وهو متعقب والمنع من أن تلي الإمارة والقضاء قول الجمهور وأجازه
الطبري وهي رواية عن مالك وعن أبي حنيفة تلك الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء ومناسبة هذا
الحديث للترجمة من جهة أنه تتمة قصة كسرى الذي مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فسلط الله
عليه ابنه فقتله ثم قتل إخوته حتى أفضى الامر بهم إلى تأمير المرأة فجر ذلك إلى ذهاب ملكهم
ومزقوا كما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم (قوله وقال سفيان مرة مع الصبيان) هو موصول
97

ولكن بين الراوي عنه أنه قال مرة الغلمان ومرة الصبيان وهو بالمعنى ثم ساقه عن شيخ آخر عن
سفيان وزاد في آخره مقدمه من تبوك فأنكر الداودي هذا وتبعه ابن القيم وقال ثنية الوداع من
جهة مكة لا من جهة تبوك بل هي مقابلها كالمشرق والمغرب قال إلا أن يكون هناك ثنية أخرى
في تلك الجهة والثنية ما ارتفع من الأرض وقيل الطريق في الجبل (قلت) لا يمنع كونها من جهة
الحجاز أن يكون خروج المسافر إلى الشام من جهتها وهذا واضح كما في دخول مكة من ثنية والخروج
منها من أخرى وينتهى كلاهما إلى طريق واحدة وقد روينا بسند منقطع في الحلبيات قول
النسوة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة طلع البدر علينا من ثنيات الوداع فقيل كان ذلك
عند قدومه في الهجرة وقيل عند قدومه من غزوة تبوك تنبيه في إيراد هذا الحديث آخر هذا
الباب إشارة إلى أن إرسال الكتب إلى الملوك كان في سنة غزوة تبوك * (تنبيه) * في ايراد هذا الحديث آخر هذا
الباب إشارة إلى أن ارسال الكتب إلى الملك كان في سنة غزوة تبوك ولكن لا يدفع ذلك قول من
قال إنه كاتب الملوك في سنة الهدنة كقيصر والجمع بين القولين أنه كاتب قيصر مرتين وهذه
الثانية قد وقع التصريح بها في مسند أحمد وكاتب النجاشي الذي أسلم وصلى عليه لما مات ثم
كاتب النجاشي الذي ولي بعده وكان كافرا وقد روى مسلم من حديث أنس قال كتب النبي
صلى الله عليه وسلم إلى كل جبار يدعوهم إلى الله وسمي منهم كسرى وقيصر والنجاشي قال وليس
بالنجاشي الذي أسلم * (قوله باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته وقول الله
تعالى إنك ميت وإنهم ميتون) سيأتي في الكلام على الحديث السادس عشر من هذا الباب وجه
مناسبة هذه الآية لهذا الباب وقد ذكر في الباب أيضا ما يدل على جنس مرضه كما سيأتي وأما
ابتداؤه فكان في بيت ميمونة كما سيأتي ووقع في السيرة لأبي معشر في بيت زينب بنت جحش وفي
السيرة لسليمان التيمي في بيت ريحانة والأول المعتمد وذكر الخطابي أنه ابتدأ به يوم الاثنين وقيل
يوم السبت وقال الحاكم أبو أحمد يوم الأربعاء واختلف في مدة مرضه فالأكثر على أنها ثلاثة
عشر يوما وقيل بزيادة يوم وقيل بنقصه والقولان في الروضة وصدر بالثاني وقيل عشرة أيام وبه
جزم سليمان التيمي في مغازيه وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح وكانت وفاته يوم الاثنين بلا خلاف
من ربيع الأول وكاد يكون إجماعا لكن في حديث ابن مسعود عند البزار في حادى عشر رمضان
ثم عند ابن إسحاق والجمهور أنها في الثاني عشر منه وعند موسى بن عقبة والليث والخوارزمي
وابن زبير مات لهلال ربيع الأول وعند أبي مخيف والكلبي في ثانيه ورجحه السهيلي وعلى القولين
يتنزل ما نقله الرافعي أنه عاش بعد حجته ثمانين يوما وقيل أحدا وثمانين وأما على ما جزم به في الروضة
فيكون عاش بعد حجته تسعين يوما أو أحدا وتسعين وقد استشكل ذلك السهيلي ومن تبعه أعني
كونه مات يوم الاثنين ثاني عشر شهر ربيع الأول وذلك أنهم اتفقوا على أن ذا الحجة كان
أوله يوم الخميس فمهما فرضت الشهور الثلاثة توام أو نواقص أو بعضها لم يصح وهو ظاهر لمن
تأمله وأجاب البارزي ثم ابن كثير باحتمال وقوع الأشهر الثلاثة كوامل وكان أهل مكة
والمدينة اختلفوا في رؤية هلال ذي الحجة فرآه أهل مكة ليلة الخميس ولم يره أهل المدينة إلا ليلة
الجمعة فحصلت الوقفة برؤية أهل مكة ثم رجعوا إلى المدينة فأرخوا برؤية أهلها فكان أول ذي
الحجة الجمعة وآخره السبت وأول المحرم الاحد وآخره الاثنين وأول صفر الثلاثاء وآخره الأربعاء
وأول ربيع الأول الخميس فيكون ثاني عشره الاثنين وهذا الجواب بعيد من حيث أنه يلزم توالى
98

أربعة أشهر كوامل وقد جزم سليمان التيمي أحد الثقات بأن ابتداء مرض رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يوم السبت الثاني والعشرين من صفر ومات يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع
الأول فعلى هذا كان صفر ناقصا ولا يمكن أن يكون أول صفر السبت إلا أن كان ذو الحجة والمحرم
ناقصين فيلزم منه نقص ثلاثة أشهر متوالية وأما على قول من قال مات أول يوم من ربيع الأول
فيكون اثنان ناقصين وواحد كاملا ولهذا رجحه السهيلي وفي المغازي لأبي معشر عن محمد بن قيس
قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لاحدى عشرة مضت من صفر وهذا
موافق لقول سليمان التيمي المقتضى لان أول صفر كان السبت وأما ما رواه ابن سعد من طريق
عمر بن علي بن أبي طالب قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلة بقيت من
صفر فاشتكى ثلاث عشرة ليلة ومات يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول فيرد على هذا
الاشكال المتقدم وكيف يصح أيكون أول صفر الاحد فيكون تاسع عشرينه الأربعاء
والغرض أن ذا الحجة أوله الخميس فلو فرض هو والمحرم كاملين لكان أول صفر الاثنين فكيف يتأخر
إلى يوم الأربعاء فالمعتمد ما قال أبو مخيف وكأن سبب غلط غيره أنهم قالوا مات في ثاني شهر ربيع
الأول فتغيرت فصارت ثاني عشر واستمر الوهم بذلك يتبع بعضهم بعضا من غير تأمل والله أعلم وقد
أجاب القاضي بدر الدين بن جماعة بجواب آخر فقال يحمل قول الجمهور لاثنتي عشرة ليلة خلت
أي بأيامها فيكون موته في اليوم الثالث عشر ويفرض الشهور كوامل فيصح قول الجمهور ويعكر
عليه ما يعكر على الذي قبله مع زيادة مخالفة اصطلاح أهل اللسان في قولهم لاثنتي عشرة فإنهم
لا يفهمون منها الا مضى الليالي ويكون ما أرخ بذلك واقعا في اليوم الثاني عشر ثم ذكر المصنف في
الباب ثلاثة وعشرين حديثا * الحديث الأول (قوله عن أم الفضل) هي والدة غابن عباس وقد
تقدم شرح حديثها في القراءة في الصلاة * الحديث الثاني (قوله عن ابن عباس قال كان عمر بن
الخطاب رضي الله عنه يدني ابن عباس) هو من إقامة الظاهر مقام المضمر وقد أخرجه الترمذي
من طريق شعبة المذكورة بلفظ كان عمر يسألني مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم
شرح حديث الباب في غزوة الفتح من طريق آخر عن أبي بشر أتم سياقا وأكثر فوائد وأطلنا
بشرحه على تفسير سورة النصر وقد تقدم في حجة الوداع حديث ابن عمر نزلت سورة إذا جاء نصر
الله في أيام التشريق في حجة الوداع وعند الطبراني عن ابن عباس من وجه آخر أنها لما نزلت أخذ
رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة وللطبراني من حديث جابر لما
نزلت هذه السورة قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل نعيت إلى نفسي فقال له جبريل والآخرة
خير لك من الأولى * الحديث الثالث (قوله وقال يونس) هو ابن يزيد الأيلي وهذا قد وصله البزار
والحاكم والإسماعيلي من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بهذا الاسناد وقال البزار تفرد به عنبسة
عن يونس أي بوصله وإلا فقد رواه موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري لكنه أرسله وله شاهدان
مرسلان أيضا أخرجهما إبراهيم الحربي في غرائب الحديث له أحدهما من طريق يزيد بن
رومان والآخر من رواية أبي جعفر الباقر وللحاكم موصول من حديث أم مبشر قالت قلت
يا رسول الله ما تتهم بنفسك فأني لا اتهم بابني إلا الطعام الذي أكل بخيبر وكان ابنها بشر بن البراء بن
معرور مات فقال وأنا لا أتهم غيرها وهذا أوان انقطاع أبهري وروى ابن سعد عن شيخه
99

الواقدي بأسانيد متعددة في قصة الشاة التي سمت له بخيبر فقال في آخر ذلك وعاش بعد ذلك ثلاث
سنين حتى كان وجعه الذي قبض فيه وجعل يقول ما زلت أجد ألم الأكلة التي أكلتها بخيبر عدادا
حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري عرق في الظهر وتوفي شهيدا انتهى وقوله عرق في الظهر من
كلام الراوي وكذا قوله وتوفي شهيدا وقوله ما أزال أجد ألم الطعام أي أحس الألم في جوفي
بسبب الطعام وقال الداودي المراد أنه نقص من لذة ذوقه وتعقبه ابن التين وقوله أوان بالفتح
على الظرفية قال أهل اللغة الأبهر عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه
وقال الخطابي يقال إن القلب متصل به وقد تقدم شرح حال الشاة التي سمت بخيبر في غزوة
خيبر مفصلا * الحديث الرابع حديث عائشة (قوله اشتكى) أي مرض ونفث أي تفل بغير ريق
أو مع ريق خفيف (قوله بالمعوذات) أي يقرؤها ماسحا لجسده عند قراءتها ووقع في رواية مالك
عن ابن شهاب في فضائل القرآن بلفظ فقرأ على نفسه المعوذات وسيأتي في الطب قول معمر
بعد هذا الحديث (قلت) للزهري كيف ينفث قال ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه وسيأتي
في الدعوات من طريق عقيل عن الزهري أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك إذا أخذ مضجعه
هذه رواية الليث عن عقيل وفي رواية المفضل بن فضالة عن عقيل في فضائل القرآن كان إذا أوى
إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما ثم يقرأ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب
الناس والمراد بالمعوذات سورة قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وجمع إما باعتبار أن أقل
الجمع اثنان أو باعتبار أن المراد الكلمات التي يقع التعوذ بها من السورتين ويحتمل أن المراد
بالمعوذات هاتان السورتان مع سورة الاخلاص وأطلق ذلك تغليبا وهذا هو المعتمد (قوله ومسح
عنه بيده) في رواية معمر وأمسح بيد نفسه لبركتها وفي رواية مالك وأمسح بيده رجاء بركتها ولمسلم
من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث
عليه وأمسح بيد نفسه لأنها كانت أعظم بركة من يدي وسيأتي في آخر هذا الباب من طريق ابن
أبي مليكة عن عائشة فذهبت أعوذه فرفع رأسه إلى السماء وقال في الرفيق الاعلى وللطبراني
من حديث أبي موسى فأفاق وهي تمسح صدره وتدعو بالشفاء فقال لا ولكن أسأل الله الرفيق
الاعلى وسأذكر الكلام على الرفيق الاعلى في الحديث السابع * الحديث الخامس (قوله يوم
الخميس) هو خبر لمبتدأ محذوف أو عكسه وقوله وما يوم الخميس يستعمل عند إرادة تفخيم الامر
في الشدة والتعجب منه زاد في أواخر الجهاد من هذا الوجه ثم بكى حتى خضب دمعه الحصي ولمسلم
من طريق طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيتها على خديه
كأنها نظام اللؤلؤة وبكاء ابن عباس يحتمل لكونه تذكر وفاة رسول الله فتجدد له الحزن عليه
ويحتمل أن يكون انضاف إلى ذلك ما فات في معتقده من الخير الذي كان يحصل لو كتب ذلك
الكتاب ولهذا أطلق في الرواية الثانية أن ذلك رزية ثم بالغ فيها فقال كل الرزية وقد
تقدم في كتاب العلم الجواب عمن أمتنع من ذلك كعمر رضي الله عنه (قوله اشتد برسول الله
صلى الله عليه وسلم وجعه) زاد في الجهاد يوم الخميس وهذا يؤيد أن ابتداء مرضه كان قبل ذلك
ووقع في الرواية الثانية لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الحاء المهملة وكسر الضاد
المعجمة أي حضره الموت وفي إطلاق ذلك تجوز فإنه عاش بعد ذلك إلى يوم الاثنين (قوله
100

كتابا) قيل هو تعيين الخليفة بعده وسيأتي شئ من ذلك في كتاب الأحكام في باب الاستخلاف منه
(قوله لن تضلوا) في رواية الكشميهني لا تضلون وتقدم في العلم وكذا في الرواية الثانية وتقدم
توجيهه (قوله ولا ينبغي عند نبي تنازع) هو من جملة الحديث المرفوع ويحتمل أن يكون مدرجا
من قول ابن عباس والصواب الأول وقد تقدم في العلم بلفظ لا ينبغي عندي التنازع (قوله فقالوا
ما شأنه أهجر) بهمزة لجميع رواة البخاري وفي الرواية التي في الجهاد بلفظ فقالوا هجر بغير همزة
ووقع للكشميهني هناك فقالوا هجر هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعاد هجر مرتين قال
عياض معنى أهجر أفحش يقال هجر الرجل إذا هذى وأهجر إذا أفحش وتعقب بأنه يستلزم أن
يكون بسكون الهاء والروايات كلها إنما هي بفتحها وقد تكلم عياض وغيره على هذا الموضع
فأطالوا ولخصه القرطبي تلخيصا حسنا ثم لخصته من كلامه وحاصله أن قوله هجر الراجح فيه إثبات
همزة الاستفهام وبفتحات على أنه فعل ماض قال ولبعضهم أهجر بضم الهاء وسكون الجيم
والتنوين على أنه مفعول بفعل مضمر أي قال أهجرا والهجر بالضم ثم السكون الهذيان والمراد به هنا
ما يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته ووقوع ذلك من النبي صلى الله
عليه وسلم مستحيل لأنه معصوم في صحته ومرضه لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى ولقوله
صلى الله عليه وسلم إني لا أقول في الغضب والرضا إلا حقا وإذا عرف ذلك فإنما قاله من قاله
منكرا على من توقف في امتثال أمره بإحضار الكتف والدواة فكأنه قال كيف تتوقف
أتظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه امتثل أمره وأحضره ما طلب فإنه لا يقول إلا الحق
قال هذا أحسن الأجوبة قال ويحتمل أن بعضهم قال ذلك عن شك عرض له ولكن يبعده أن
لا ينكره الباقون عليه مع كونهم من كبار الصحابة ولو أنكروه عليه لنقل ويحتمل أن يكون
الذي قال ذلك صدر عن دهش وحيرة كما أصاب كثيرا منهم عند موته وقال غيره ويحتمل أن يكون
قائل ذلك أراد أنه أشتد وجعه فأطلق اللازم وأراد الملزوم لان الهذيان الذي يقع للمريض ينشأ
عن شدة وجعه وقيل قال ذلك لإرادة سكوت الذين لغطوا ورفعوا أصواتهم عنده فكأنه قال
إن ذلك يؤذيه ويفضى في العادة إلى ما ذكر ويحتمل أن يكون قوله أهجر فعلا ماضيا من
الهجر بفتح الهاء وسكون الجيم والمفعول محذوف أي الحياة وذكره بلفظ الماضي مبالغة لما
رأى من علامات الموت (قلت) ويظهر لي ترجيح ثالث الاحتمالات التي ذكرها القرطبي ويكون
قائل ذلك بعض من قرب دخوله في الاسلام وكان يعهد أن من أشتد عليه الوجع قد يشتغل به
عن تحرير ما يريد أن يقوله لجواز وقوع ذلك ولهذا وقع في الرواية الثانية فقال بعضهم إنه قد
غلبه الوجع ووقع عند الإسماعيلي من طريق محمد بن خلاد عن سفيان في هذا الحديث فقالوا
ما شأنه يهجر استفهموه وعن ابن سعد من طريق أخرى عن سعيد بن جبير أن نبي الله ليهجر
(2) ويؤيده أنه بعد أن قال ذلك استفهموه بصيغة الامر بالاستفهام أي اختبروا أمره بأن
يستفهموه عن هذا الذي أراده وابحثوا معه في كونه الأولى أولا وفي قوله في الرواية الثانية
فاختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم ما يشعر بأن بعضهم كان مصمما على الامتثال
والرد على من أمتنع منهم ولما وقع منهم الاختلاف ارتفعت البركة كما جرت العادة بذلك عند
وقوع التنازع والتشاجر وقد مضى في الصيام أنه صلى الله عليه وسلم خرج يخبرهم بليلة القدر
101

فرأى رجلين يختصمان فرفعت قال المازري إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب
مع صريح أمره لهم بذلك لان الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب فكأنه ظهرت منه
قرينة دلت على أن الامر ليس على التحتم بل على الاختيار فاختلف اجتهادهم وصمم عمر على
الامتناع لما قام عنده من القرائن بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن غير قصد جازم وعزمه
صلى الله عليه وسلم كان إما بالوحي وإما بالاجتهاد وكذلك تركه إن كان بالوحي فبالوحي وإلا
فبالاجتهاد أيضا وفيه حجة لمن قال بالرجوع إلى الاجتهاد في الشرعيات وقال النووي اتفق
قول العلماء على أن قول عمر حسبنا كتاب الله من قوة فقهه ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب
أمورا ربما عجزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة وأراد أن لا ينسد باب الاجتهاد على
العلماء وفي تركه صلى الله عليه وسلم الانكار على عمر إشارة إلى تصويبه رأيه وأشار بقوله حسبنا
كتاب الله إلى قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شئ ويحتمل أن يكون قصد التخفيف عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما هو فيه من شدة الكرب وقامت عنده قرينة بأن الذي أراد
كتابته ليس مما لا يستغنون عنه إذ لو كان من هذا القبيل لم يتركه صلى الله عليه وسلم لأجل
اختلافهم ولا يعارض ذلك قول ابن عباس إن الرزية الخ لان عمر كان أفقه منه قطعا وقال
الخطابي لم يتوهم عمر الغلط فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد كتابته بل امتناعه محمول على
أنه لما رأى ما هو فيه من الكرب وحضور الموت خشي أن يجد المنافقون سبيلا إلى الطعن فيما
يكتبه وإلى حمله على تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف الاتفاق فكان ذلك
سبب توقف عمر لا أنه تعمد مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا جوز وقوع الغلط عليه حاشا
وكلا وقد تقدم شرح حديث ابن عباس في أواخر كتاب العلم وقوله وقد ذهبوا يردون عنه يحتمل
أن يكون المراد يردون عليه أي يعيدون عليه مقالته ويستثبتونه فيها ويحتمل أن يكون
المراد يردون عنه القول المذكور على من قاله (قوله فقال دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني
إليه) قال ابن الجوزي وغيره يحتمل أن يكون المعنى دعوني فالذي أعاينه من كرامة الله التي
أعدها لي بعد فراق الدنيا خير مما أنا فيه في الحياة أو أن الذي أنا فيه من المراقبة والتأهب للقاء الله
والتفكر في ذلك ونحوه أفضل من الذي تسألونني فيه منق المباحثة عن المصلحة في الكتابة أو عدمها
ويحتمل أن يكون المعنى فإن امتناعي من أن أكتب لكم خير مما تدعونني إليه من الكتابة (قلت)
ويحتمل عكسه أن الذي أشرت عليكم به من الكتابة خير مما تدعونني إليه من عدمها بل هذا هو
الظاهر وعلى الذي قبله كان ذلك الامر اختبارا وامتحانا فهدى الله عمر لمراده وخفي ذلك على
غيره وأما قول ابن بطال عمر أفقه من ابن عباس حيث اكتفى بالقرآن ولم يكتف ابن عباس به
وتعقب بأن إطلاق ذلك مع ما تقدم ليس بجيد فإن قول عمر حسبنا كتاب الله لم يرد أنه يكتفى به عن
بيان السنة بل لما قام عنده من القرينة وخشي من الذي يترتب على كتابة الكتاب مما
تقدمت الإشارة إليه فرأى أن الاعتماد على القرآن لا يترتب عليه شئ مما خشيه وأما ابن عباس
فلا يقال في حقه لم يكتف بالقرآن مع كونه حبر القرآن وأعلم الناس بتفسيره وتأويله ولكنه أسف
على ما فاته من البيان بالتنصيص عليه لكونه أولى من الاستنباط والله أعلم وسيأتي في كفارة
المرض في هذا الحديث زيادة لابن عباس وشرحها إن شاء الله تعلى (قوله وأوصاهم بثلاث)
102

أي في تلك الحالة وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتبه لم يكن أمرا متحتما لأنه لو كان مما أمر
بتبليغه لم يكن يتركه لوقوع اختلافهم ولعاقب الله من حال بينه وبين تبليغه ولبلغه لهم لفظا
كما أوصاهم بإخراج المشركين وغير ذلك وقد عاش بعد هذه المقالة أياما وحفظوا عنه أشيا
لفظا فيحتمل أن يكون مجموعها ما أراد أن يكتبه والله أعلم وجزيرة العرب تقدم بيانها في كتاب
الجهاد وقوله أجيزوا الوفد أي أعطوهم والجائزة العطية وقيل أصله أن ناسا وفدوا على
بعض الملوك وهو قائم على قنطرة فقال أجيزوهم فصاروا يعطوا الرجل ويطلقونه فيجوز على
القنطرة متوجها فسميت عطية من يقدم على الكبير جائزة وتستعمل أيضا في إعطاء الشاعر على
مدحه ونحو ذلك وقوله بنحو ما كنت أجيزهم أي بقريب منه وكانت جائزة الواحد على عهده
صلى الله عليه وسلم أوقية من فضة وهي أربعون درهما (قوله وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها)
يحتمل أن يكون القائل ذلك هو سعيد بن جبير ثم وجدت عند الإسماعيلي التصريح بأن قائل
ذلك هو ابن عيينة وفي مسند الحميدي ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج قال سفيان قال
سليمان أي ابن أبي مسلم لا أدرى أذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو سكت عنها وهذا هو
الأرجح قال الداودي الثالثة الوصية بالقرآن وبه جزم ابن التين وقال المهلب بل هو تجهيز
جيش أسامة وقواه ابن بطال بأن الصحابة لما اختلفوا على أبي بكر في تنفيذ جيش أسامة قال
لهم أبو بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عهد بذلك عند موته وقال عياض يحتمل أن تكون
هي قوله ولا تتخذوا قبري وثنا فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالامر بإخراج اليهود ويحتمل أن
يكون ما وقع في حديث أنس أنها قوله الصلاة وما ملكت أيمانكم (قوله في الرواية الثانية
فاختلف أهل البيت) أي من كان في البيت من الصحابة ولم يرد أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
(قوله فيها فقال قوموا) زاد ابن سعد من وجه آخر فقال قوموا عني * الحديث السادس (قوله
حدثنا يسرة) بفتح التحتانية والمهملة ووالد إبراهيم بن سعد هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
(قوله دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة في شكواه الذي قبض فيه فسارها بشئ) وفي أول هذا
الحديث من رواية مسروق عن عائشة كما مضت في علامات النبوة أقبلت فاطمة تمشي كأن
مشيتها مشية النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مرحبا ببنتي ثم أجلسها عن
يمينه أو عن شماله ثم سارها ولأبي داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من طريق
عائشة بنت طلحة عن عاشه قالت ما رأيت أحدا أشبه سمتا وهديا ودلا برسول الله صلى الله عليه
وسلم بقيامها وقعودها من فاطمة وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها
وقبلها وأجلسها في مجلسه وكان إذا دخل عليها فعلت ذلك فلما مرض دخلت عليه فأكبت
عليه تقبله واتفقت الروايتان على أن الذي سارها به أولا فبكت هو إعلامه إياها بأنه ميت من
مرضه ذلك واختلفا قيما سارها به ثانيا فضحكت ففي رواية عروة أنه إخبار إياها بأنها أول أهله
لحوقا به وفي رواية مسروق أنه إخباره إياها بأنها سيدة نساء أهل الجنة وجعل كونها أول
أهله لحوقا به مضموما إلى الأول وهو الراجح فإن حديث مسروق يشتمل على زيادات ليست في
حديث عروة وهو من الثقات الضابطين فما زاده مسروق قول عائشة فقلت ما رأيت كاليوم
فرحا أقرب من حزن فسألتها عن ذلك فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
103

توفى النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها فقالت أسر إلى أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة
مرة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلى وأنك أول أهل بيتي لحوقا بي وقولها
كأن مشيتها هو بكسر الميم لان المراد الهيئة وقولها ما رأيت كاليوم فرحا تقدم توجيهه في
الكسوف وأن التقدير ما رأيت كفرح اليوم فرحا أو ما رأيت فرحا كفرح رأيته اليوم
وقولها حتى توفي متعلق بمحذوف تقديره فلم تقل لي شيئا حتى توفي وقد طوى عروة هذا كله
فقال في روايته بعد قوله فضحكت فسألناها عن ذلك فقالت سارني أنه يقبض في وجعه الذي توفي
فيه الحديث وفي رواية عائشة بنت طلحة من الزيادة أن عائشة لما رأت بكاءها وضحكها قالت
إن كنت لأظن أن هذه المرأة من أعقل النساء فإذا هي من النساء ويحتمل تعدد القصة ويؤيده
الجزم في رواية عروة بأنه ميت من وجعه ذلك بخلاف رواية مسروق ففيها أنه ظن ذلك بطريق
الاستنباط مما ذكره من معارضة القرآن وقد يقال لا منافاة بين الخبرين إلا بالزيادة ولا يمتنع
أن يكون إخباره بأنها أول أهله لحوقا به سببا لبكائها أو ضحكها معا باعتبارين فذكر كل من
الراويين ما لم يذكره الآخر وقد روى النسائي من طريق أبي سلمة عن عائشة في سبب البكاء أنه
ميت وفي سبب الضحك الامرين الآخرين ولابن سعد من رواية أبي سلمة عنها أن سبب البكاء
موته وسبب الضحك أنها سيدة النساء وفي رواية عائشة بنت طلحة عنها أن سبب البكاء موته
وسبب الضحك لحاقها به وعند الطبري من وجه آخر عن عائشة أنه قال لفاطمة إن جبريل
أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم ذرية منك فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبرا
وفي الحديث إخباره صلى الله عليه وسلم بما سيقع فوقع كما قال فأنهم اتفقوا على أن فاطمة عليها
السلام كانت أول من مات من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بعده حتى من أزواجه
* الحديث السابع حديث عائشة ذكره من طريق شعبة عن سعد وهو ابن إبراهيم المذكور
قبله أورده عاليا مختصرا ونازلا تاما ثم أورده أتم منه من طريق الزهري عن عروة فاما الرواية
النازلة فإنه ساقها من طريق غندر عن شعبة وأما الرواية العالية فأخرجها عن مسلم وهو ابن
إبراهيم ولفظه مغاير للرواية الأخرى قالت عائشة لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم المرض
الذي مات فيه جعل يقول الرفيق الاعلى وهذا القدر ليس في رواية غندر منه شئ وقد وقع لي من
طريق أحمد بن حرب عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه بزيادة بعد قوله الذي قبض فيه أصابته
بحة فجعلت أسمعه يقول في الرفيق الاعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين الآية قالت فعلمت
أنه يخير فكأن البخاري اقتصر من رواية مسلم بن إبراهيم على موضع الزيادة وهي قوله في الرفيق
الاعلى فأنها ليست من رواية غندر وقد اقتصر الإسماعيلي على تخريج رواية غندر دون رواية
مسلم بن إبراهيم وأخرجه من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة ولفظه مثل غندر قولها (قوله
كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير) بضم أوله وفتح الخاء المعجمة ولم تصرح عائشة بذكر من سمعت
ذلك منه في هذه الرواية وصرحت بذلك في الرواية التي تليها من طريق الزهري عن عروة عنها
قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من
الجنة ثم يحيى أو يخير وهو شك من الراوي هل قال يحيى بضم أوله وفتح المهملة وتشديد التحتانية
بعدها أخرى أو يخير كما في رواية سعد بن إبراهيم وعند أحمد من طريق المطلب بن عبد الله عن
104

عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ما من نبي يقبض الا يرى الثواب ثم يخير
ولأحمد أيضا من حديث أبي مويهبة قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أوتيت مفاتيح
خزائن الأرض والخلد ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فاخترت لقاء ربي والجنة
وعند عبد الرزاق من مرسل طاوس رفعه خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين
التعجيل فاخترت التعجيل * (تنبيه) * فهم عائشة من قوله صلى الله عليه وسلم وفي الرفيق الاعلى
أنه خير نظير لهم أبيها رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم أن عبدا خيره الله بين
الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده أن العبد المراد هو النبي صلى الله عليه وسلم حتى بكى كما تقدم في مناقبه
(قوله وأخذته بحة) بضم الموحدة وتشديد المهملة شئ يعرض في الحلق فيتغير له الصوت فيغلظ
تقول بححت بالكسر بحاء ورجل أبح إذا كان فيه خلقة (قوله مع الذين أنعم الله عليهم) في
رواية المطلب عن عائشة عند أحمد فقال مع الرفيق الاعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء إلى قوله رفيقا وفي رواية أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه عند النسائي
وصححه ابن حبان فقال أسأل الله الرفيق الاعلى الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل وظاهره
أن الرفيق المكان الذي تحصل المرافقة فيه مع المذكورين وفي رواية الزهري في الرفيق الاعلى
وفي رواية عباد عن عائشة بعد هذا قال اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق وفي رواية
ذكوان عن عائشة فجعل يقول في الرفيق الاعلى حتى قبض وفي رواية ابن أبي مليكة عن عائشة
وقال في الرفيق الاعلى في الرفيق الاعلى وهذه الأحاديث ترد على من زعم أن الرفيق تغيير من
الراوي وأن الصواب الرقيع بالقاف والعين المهملة وهو من أسماء السماء وقال الجوهري
الرفيق الاعلى الجنة ويؤيده ما وقع عند أبي إسحاق الرفيق الاعلى الجنة وقيل بل الرفيق هنا اسم
جنس يشمل الواحد وما فوقه والمراد الأنبياء ومن ذكر في الآية وقد ختمت بقوله وحسن أولئك
رفيقا ونكتة الاتيان بهذه الكلمة بالافراد الإشارة إلى أن أهل الجنة يدخلونها على قلب رجل
واحد نبه عليه السهيلي وزعم بعض المغاربة أنه يحتمل أن يراد بالرفيق الاعلى الله عز وجل لأنه
من أسمائه كما أخرج أبو داود من حديث عبد الله بن مغفل رفعه إن الله رفيق يحب الرفق كذا
اقتصر عليه والحديث عند مسلم عن عائشة فعزوه إليه أولى قال والرفيق يحتمل أن يكون صفة
ذات كالحكيم أو صفة فعل قال ويحتمل أن يراد به حضرة القدس ويحتمل أي يراد به الجماعة
المذكورون في آية النساء ومعنى كونهم رفيقا تعاونهم على طاعة الله وارتفاق بعضهم ببعض
وهذا الثالث هو المعتمد وعليه اقتصر أكثر الشراح وقد غلط الأزهري القول الأول ولا وجه
لتغليطه من الجهة التي غلطه بها وهو قوله مع الرفيق أو في الرفيق لان تأويله على ما يليق بالله
سائغ قال السهيلي الحكمة في اختتام كلام المصطفى بهذه الكلمة كونها تتضمن التوحيد
والذكر بالقلب حتى يستفاد منه الرخصة لغيره أنه لا يشترط أن يكون الذكر باللسان لان بعض
الناس قد يمنعه من النطق مانع فلا يضره إذا كان قلبه عامرا بالذكر انتهى ملخصا (قوله فظننت
أنه خير) في رواية الزهري فقلت إذا لا يختارنا فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح وعند
أبي الأسود في المغازي عن عروة أن جبريل نزل إليه في تلك الحالة فخيره * (تنبيه) * قال السهيلي
105

وجدت في بعض كتب الواقدي أن أول كلمة تكلم بها صلى الله عليه وسلم وهو مسترضع عند
حليمة الله أكبر وآخر كلمة تكلم بها كما في حديث عائشة في الرفيق الاعلى وروى الحاكم من
حديث أنس أن آخر ما تكلم به جلال ربي الرفيع * الحديث الثامن حديث عائشة في السواك
(قوله حدثني محمد) جزم الحاكم بأنه محمد بن يحيى الذهلي وسقط عند ابن السكن فصار من
رواية البخاري عن عفان بلا واسطة وعفان من شيوخ البخاري قد أخرج عنه بلا واسطة قليلا
من ذلك في كتاب الجنائز (قوله ومع عبد الرحمن سواك رطب) في رواية ابن أبي مليكة عن
عائشة ومر عبد الرحمن وفي يده جريدة رطبة فنظر إليه فظننت أن له بها حاجة فأخذتها فمضغت
رأسها ونفضتها فدفعتها إليه (قوله يستن به) أي يستاك قال الخطابي أصله من السن أي بالفتح
ومنه المسن الذي يسن عليه الحديد (قوله فأبده) بتشديد الدال أي مد نظره إليه يقال أبددت
فلانا النظر إذا طولته إليه وفي رواية الكشميهني فأمده بالميم (قوله فقضمته) بفتح القاف وكسر
الضاد المعجمة أي مضغته والقضم الاخذ بطرف الأسنان يقال قضمت الدابة بكسر الضاد شعيرها
تقضم بالفتح إذا مضغته وحكى عياض أن الأكثر رووه بالصاد المهملة أي كسرته أو قطعته
وحكى ابن التين رواية بالفاء والمهملة قال المحب الطبري أن كان بالضاد المعجمة فيكون قولها
فطيبته تكرارا وإن كان بالمهملة فلا لأنه يصير المعنى كسرته لطوله أو لإزالة المكان الذي تسوك به
عبد الرحمن (قوله ثم لينته ثم طيبته) أي بالماء ويحتمل أن يكون طيبته تأكيدا للينته وسيأتي
من رواية ذكوان عن عائشة فقلت آخذه لك فأومأ برأسه ان نعم فتناولته فأدخلته في فيه فاشتد
فتناولته فقلت ألينه لك فأومأ برأسه أن نعم ويؤخذ منه العمل بالإشارة عند الحاجة إليها
وقوة فظنه عائشة (قوله ونفضته) بالفاء والضاد المعجمة وقوله فما عدا أن فرغ أي من السواك
(قوله وكانت تقول مات ورأسه بين حاقنتي وذاقنتي) وفي رواية ذكوان عن عائشة توفي في بيتي
وفي يومي وبين سحري ونحري وإن الله جمع ريقي وريقه عند موته في آخر يوم من الدنيا والحاقنة
بالمهملة والقاف ما سفل من الذقن والذاقنة ما علا منه أو الحاقنة نقرة الترقوة هما حاقنتان
ويقال إن الحاقنة المطمئن من الترقوة والحلق وقيل ما دون الترقوة من الصدر وقيل هي تحت
السرة وقال ثابت الذاقنة طرف الحلقوم والسحر بفتح المهملة وسكون الحاء المهملة هو الصدر
وهو في الأصل الرئة والنحر بفتح النون وسكون المهملة والمراد به موضع النحر وأغرب الداودي
فقال هو ما بين الثديين والحاصل أن ما بين الحاقنة والذاقنة هو ما بين السحر والنحر والمراد أنه
مات ورأسه بين حنكها وصدرها صلى الله عليه وسلم ورضى عنها وهذا لا يغاير حديثها الذي قبل
هذا أن رأسه كان على فخذها لأنه محمول على أنها رفعته من فخذها إلى صدرها وهذا الحديث
يعارض ما أخرجه الحاكم وابن سعد من طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ورأسه في حجر علي
وكل طريقي منها لا يخلو من شيعي فلا يلتفت إليهم وقد رأيت بيان حال الأحاديث التي أشرت
إليها دفعا لتوهم التعصب قال ابن سعد ذكر من قال توفي في حجر علي وساق من حديث جابر سأل
كعب الأحبار عليا ما كان آخر ما تكلم به صلى الله عليه وسلم فقال أسندته إلى صدري فوضع
رأسه على منكبي فقال الصلاة الصلاة فقال كعب كذلك آخر عهد الأنبياء وفي سنده الواقدي
106

وحرم بن عثمان وهما متروكان وعن الواقدي عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه
عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه أدعو إلى أخي فدعا له على فقال ادن
مني قال فلم يزل مستندا إلى وأنه ليكلمني حتى نزل به وثقل في حجري فصحت يا عباس أدركني فإني
هالك فجاء العباس فكان جهدهما جميعا أن أضجعاه فيه انقطاع مع الواقدي وعبد الله فيه
لين وبه عن أبيه عن علي بن الحسين قبض ورأسه في حجر علي فيه انقطاع وعن الواقدي عن أبي
الحويرث عن أبيه عن الشعبي مات ورأسه في حجر علي فيه الواقدي والانقطاع وأبو الحويرث اسمه
عبد الرحمن بن معاوية بن الحرث المدني قال مالك ليس بثقة وأبوه لا يعرف حاله وعن الواقدي
عن سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه عن أبي غطفان سألت ابن عباس قال توفي رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو إلى صدر علي قال فقلت فإن عروة حدثني عن عائشة قالت توفي النبي
صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري فقال ابن عباس لقد توفي وأنه لمستند إلى صدر علي وهو
الذي غسله وأخي الفضل وأبي أبى أن يحضر فيه الواقدي وسليمان لا يعرف حاله وأبو غطفان بفتح
المعجمة ثم المهملة اسمه سعد وهو مشهور بكنيته وثقه النسائي وأخرج الحاكم في الإكليل من
طريق حبة العدني عن علي أسندته إلى صدري فسالت نفسه وحبة ضعيف ومن حديث أم
سلمة قالت على آخرهم عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث عن عائشة أثبت من هذا
ولعلها أرادت آخر الرجال به عهدا ويمكن الجمع بأن يكون على آخرهم عهدا به وأنه لم يفارقه حتى
مال فلما مال ظن أنه مات ثم أفاق بعد أن توجه فأسندته عائشة بعده إلى صدرها فقبض ووقع عند
أحمد من طريق يزيد بن بابنوس بموحدتين بينهما ألف غير مهموز وبعد الثانية المفتوحة نون
مضمومة ثم واو ساكنة ثم سين مهملة في أثناء حديث فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال
رأسه نحو رأسي فظننت أنه يريد من رأسي حاجة فخرجت من فيه نقطة باردة فوقعت على ثغر
نحري فاقشعر لها جلدي وظننت أنه غشي عليه فسجيته ثوبا * الحديث التاسع (1) في النهي عن
اتخاذ القبور مساجد تقدم شرحه في المساجد من كتاب الصلاة وفي كتاب الجنائز * الحديث
العاشر قولها فلا أكره شدة الموت لاحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم سيأتي بيان الشدة
المذكورة في الحديث الآتي أو اخر الباب من رواية ذكوان عن عائشة ولفظه بين يديه ركوة
أو علبة بها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه يقول لا إله إلا الله إن للموت لسكرات
وعند أحمد والترمذي وغيرهما من طريق القاسم عن عائشة قالت رأيته وعنده قدح فيه ماء وهو
يموت فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول اللهم أعني على سكرات الموت وفي رواية
شقيق عن مسروق عن عائشة قالت ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على النبي صلى الله عليه
وسلم وسيأتي في الطب وبين في حديث ابن مسعود في الطب أن له بسبب ذلك أجرين ولأبي يعلى من
حديث أبي سعيد إنا معاشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الاجر * الحديث الحادي
عشر قوله لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في وجعه وفي رواية معمر عن الزهري أن ذلك
كان في بيت ميمونة (قوله استأذن أزواجه أن يمرض) بضم أوله وفتح الميم وتشديد الراء وذكر
ابن سعد بإسناد صحيح عن الزهري أن فاطمة هي التي خاطبت أمهات المؤمنين بذلك فقالت
لهن أنه يشق عليه الاختلاف وفي رواية ابن أبي مليكة عن عائشة أن دخوله بيتها كان يوم
107

الاثنين ومات يوم الاثنين الذي يليه وقد مضى شرح هذا الحديث في أبواب الإمامة وفي كتاب
الطهارة وذكرت في أبواب الإمامة طرفا من الاختلاف في اسم الذي كان يتكئ عليه النبي صلى
الله عليه وسلم مع العباس وقد وقع في رواية لمسلم عن عائشة فخرج بين الفضل بن العباس ورجل
آخر وفي أخرى رجلين أحدهما أسامة وعند الدارقطني أسامة والفضل وعند ابن حبان في آخره
بريرة ونوبة بضم النون وسكون الواو ثم موحدة ضبطه ابن مأكولا وأشار إلى هذه الرواية
واختلف هل هو اسم عبد أو أمة فجزم سيف في الفتوح بأنه عبد وعند ابن سعد من وجه آخر
الفضل وثوبان وجمعوا بين هذه الروايات على تقدير ثبوتها بأن خروجه تعدد فيتعدد من أتكأ
عليه وهو أولى من قول من قال تناوبوا في صلاة واحدة (قوله في بيتي) وفي رواية يزيد بن بابنوس
عن عائشة عند أحمد انه صلى الله عليه وسلم قال لنسائه إني لا أستطيع أن أدور بيوتكن فإذا
شئتن أذنتن لي وسيأتي بعد قليل من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنه كان يقول أين
أنا غدا يريد يوم عائشة وكان أول ما بدأ مرضه في بيت ميمونة (قوله من سبع قرب) قيل الحكمة
في هذا العدد أن له خاصية في دفع ضرر السم والسحر وقد ذكر في أوائل الباب هذا أوان انقطاع
أبهري من ذلك السم وتمسك ببعض من أنكر نجاسة سؤر الكلب وزعم أن الامر بالغسل منه
سبعا إنما هو لدفع السمية التي في ريقه وقد ثبت حديث من تصبح بسبع تمرات من عجوة لم يضره
ذلك اليوم سم ولا سحر وللنسائي في قراءة الفاتحة على المصاب سبع مرات وسنده صحيح
وفي صحيح مسلم القول لمن به وجع أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات وفي النسائي من
قال عند مريض لم يحضر أجله أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات وفي
مرسل أبي جعفر عند ابن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم قال أين أكون فأكررها
فعرفت أزواجه أنه إنما يريد عائشة فقلن يا رسول الله قد وهبنا أيامنا لأختنا عائشة وفي رواية
هشام بن عروة عن أبيه عند الإسماعيلي كان يقول أين أنا حرصا على بيت عائشة فلما كان يومي
سكن وأذن له نساؤه أن يمرض في بيتي وقوله وكانت عائشة تحدث هو موصول بالاسناد المذكور
وكذا قوله أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة هو مقول الزهري وهو موصول وقد مضى القول
فيه قريبا (قوله ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم) تقدم في فضل أبي بكر من حديث ابن
عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في مرضه فذكر الحديث وقال فيه لو كنت متخذا خليلا
لاتخذت أبا بكر الحديث وفيه أنه آخر مجلس جلسة ولمسلم من حديث جندب أن ذلك قبل
موته بخمس فعلى هذا يكون يوم الخميس ولعله كان بعد أن وقع عنده اختلافهم ولغطهم كما تقدم
قريبا وقال لهم قوموا فلعله وجد بعد ذلك خفة فخرج وقوله وأخبرني عبيد الله أن عائشة قالت
الخ هو مقول الزهري أيضا وموصول أيضا وإنما فصل ذلك ليبين ما هو عند شيخه عن ابن
عباس وعائشة معا وعن عائشة فقط (قوله رواه ابن عمر وأبو موسى وابن عباس عن النبي صلى
الله عليه وسلم) كأنه يشير إلى ما يتعلق بصلاة أبي بكر لا إلى جميع الحديث فأما حديث ابن عمر
108

فوصله المؤلف في أبواب الإمامة وكذا حديث أبي موسى وصله أيضا في أحاديث الأنبياء في ترجمة
يوسف الصديق وأما حديث ابن عباس فوصله المؤلف في الإمامة أيضا من حديث عائشة
* الحديث الثاني عشر (قوله حدثني إسحاق) هو ابن راهويه وبه جزم أبو نعيم في المستخرج
(قوله أخبرني عبد الله بن كعب) هذا يؤيد ما تقدم في غزوة تبوك أن الزهري سمع من عبد الله وهو
من أخويه عبد الرحمن وعبيد الله ومن عبد الرحمن بن عبد الله ولا معنى لتوقف الدمياطي فيه
فإن الاسناد صحيح وسماع الزهري من عبد الله بن كعب ثابت ولم ينفرد به شعيب وقد أخرجه
الإسماعيلي من طريق صالح عن ابن شهاب فصرح أيضا به وقد رواه معمر عن الزهري عن ابن
كعب بن مالك ولم يسمه أخرجه عبد الرزاق وفي الاسناد لطيفة وهي رواية تابعي عن تابعي
وصحابي عن صحابي (قوله بارئا) اسم فاعل من برأ بمعنى أفاق من المرض (قوله أنت والله بعد
ثلاث عبد العصا) هو كناية عمن يصير تابعا لغيره والمعنى أنه يموت بعد ثلاث وتصير أنت
مأمورا عليك وهذا من قوة فراسة العباس رضي الله عنه (قوله لأرى) بفتح الهمزة من الاعتقاد
وبضمها بمعنى الظن وهذا قاله العباس مستندا إلى التجربة لقوله بعد ذلك أني لأعرف وجوه بني
عبد المطلب عند الموت وذكر ابن إسحاق عن الزهري أن ذلك كان يوم قبض النبي صلى الله عليه
وسلم (قوله هذا الامر) أي الخلافة وفي مرسل الشعبي عند سعد فسأله من يستخلف فان استخلف
منا فداك (قوله فاوصى بنا) في مرسل الشعبي وإلا أوصى بنا فحفظنا من بعده وله من طريق
أخرى فقال على وهل يطمع في هذا الامر غير نقال أظن والله سيكون (قوله لا يعطيناها
الناس بعده) أي يحتجون عليهم بمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم وصرح بذلك في رواية لابن
سعد (قوله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لا اطلبها منه وزاد ابن سعد في مرسل
الشعبي في آخره فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال العباس لعلي أبسط يدك أبايعك تبايعك
الناس فلم يفعل وزاد عبد الرزاق عن ابن عيينة قال قال الشعبي لو أن عليا سأله عنها كان خيرا له
من ماله وولده ورويناه في فوائد أبي الطاهر الذهلي بسند جيد عن ابن أبي ليلى قال سمعت عليا
يقول لقيني العباس فذكر نحو القصة التي في هذا الحديث باختصار وفي آخرها قال سمعت عليا
يقول بعد ذلك يا ليتني أطعت عباسا يا ليتني أطعت عباسا وقال عبد الرزاق كان معمر يقول لنا
أيهما كان أصوب رأيا فنقول العباس فيأبى ويقول لو كان أعطاها عليا فمنعه الناس لكفروا
* الحديث الثالث عشر حديث أنس ان المسلمين بينا هم في صلاة الفجر يوم الاثنين فيه أنه
لم يصل بهم ذلك اليوم وأما ما أخرجه البيهقي من طريق محمد بن جعفر عن حميد عن أنس آخر
صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم الحديث وفسرها بأنها صلاة الصبح فلا يصح
لحديث الباب ويشبه أن يكون الصواب صلاة الظهر (قوله ثم دخل الحجرة وأرخى الستر) زاد
أبو اليمان عن شعيب وتوفي من يومه ذلك أخرجه المصنف في الصلاة وللإسماعيلي من هذا الوجه
109

فلما توفي بكى الناس فقام عمر في المسجد فقال ألا لا أسمعن أحدا يقول مات محمد الحديث بهذه
القصة وهي على شرط الصحيح (قوله وتوفى من آخر ذلك اليوم) يخدش في جزم ابن إسحاق بأنه مات
حين أشتد الضحى ويجمع بينهما بأن إطلاق الآخر بمعنى ابتداء الدخول في أول النصف الثاني
من النهار وذلك عند الزوال واشتداد الضحى يقع قبل الزوال ويستمر حتى يتحقق زوال الشمس
وقد جزم موسى بن عقبة عن ابن شهاب بأنه صلى الله عليه وسلم مات حين زاغت الشمس وكذا
لأبي الأسود عن عروة فهذا يؤيد الجمع الذي أشرت إليه * الحديث الرابع عشر (قوله ابن أبي
مليكة أن ذكوان أخبره أن عائشة) سيأتي بعد حديث من رواية ابن أبي مليكة عن عائشة بلا
واسطة لكن في كل من الطريقين ما ليس في الآخر فالظاهر أن الطريقين محفوظان (قوله
فلينته) أي لينت السواك (قوله فأمره) بفاء وفتح الميم وتشديد الراء أي أمره على أسنانه فاستاك به
وللكشميهني والأصيلي والقابسي بأمره بموحدة وميم ساكنة وراء مكسورة قال عياض والأول
أولى وقد تقدم شرح ما تضمنه هذا الحديث في هذا الباب * الحديث الخامس عشر تقدم
شرح ما تضمنه أيضا كذلك وقوله فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري في رواية همام عن
هشام بهذا الاسناد عند أحمد نحره وزاد فلما خرجت نفسه لم أجد ريحا قط أطيب منها * الحديث
السادس عشر تقدم كذلك * الحديث السابع عشر (قوله من مسكنه بالسنح) بضم المهملة
وسكون النون وبضمها أيضا وآخره حاء مهملة وتقدم ضبطه في الجنائز وأنه مسكن زوجة أبي
بكر الصديق (قوله لا يجمع الله عليك موتتين) تقدم الكلام عليه في أول الجنائز وأغرب من قال
المراد بالموتة الأخرى موتة الشريعة أي لا يجمع الله عليك موتك وموت شريعتك قال هذا
القائل ويؤيده قول أبي بكر بعد ذلك في خطبته من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان
يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقال الكرماني فإن قلت ليس في القرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم
110

قد مات ثم أجاب بأن أبا بكر تلاها لأجل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات (قلت) ورواية ابن
السكن قد أوضحت المراد فإنه زاد لفظ عملت (قوله قال وحدثني أبو سلمة) القائل هو الزهري
(قوله وعمر يكلم الناس) أي يقول لهم ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند أحمد من
طريق يزيد بن بابنوس عن عائشة متصلا بما ذكرته في آخر الكلام على الحديث الثامن شئ دار
بين المغيرة وعمر ففيه بعد قولها فسجيته ثوبا فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا فأذنت لهما
وجذبت الحجاب فنظر عمر إليه فقال وا غشيتاه ثم قاما فلما دنوا من الباب قال المغيرة يا عمر مات قال
كذبت بل أنت رجل تحوشك فتنة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفنى الله
المنافقين ثم جاء أبو بكر فرفعت الحجاب فنظر إليه فقال إنا لله وإنا إليه راجعون مات رسول الله
صلى الله عليه وسلم وروى ابن إسحاق وعبد الرزاق والطبراني من طريق عكرمة أن العباس قال
لعمر هل عند أحد منكم عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قال لا قال فإن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد مات ولم يمت حتى حارب ونكح وطلق وترككم على محجة واضحة
وهذه من موافقات العباس للصديق في حديث ابن عمر عند ابن أبي شيبة أن أبا بكر مر بعمر وهو
يقول ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى يقتل الله المنافقين وكانوا اظهروا
الاستبشار ورفعوا رؤوسهم فقال أيها الرجل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمات ألم تسمع
الله تعالى يقول انك ميت وإنهم ميتون وقال تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ثم أتى
المنبر فصعد فحمد الله وأثنى عليه فذكر خطبته (قوله وما محمد الا رسول قد خلت من قبله
الرسل) زاد يزيد بن بابنوس عن عائشة أن أبا بكر حمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله يقول انك
ميت وأنهم ميتون حتى فرغ من الآية ثم تلا وما محمد إلا رسول قد خلت الآية وقال فيه
قال عمر أو أنها في كتاب الله ما شعرت أنها في كتاب الله وفي حديث ابن عمر نحوه وزاد ثم نزل
فاستبشر المسلمون وأخذ المنافقين الكآبة قال ابن عمر وكأنما على وجوهنا أغطية
فكشفت (قوله فأخبرني سعيد بن المسيب) هو مقول الزهري وأغرب الخطابي فقال ما أدرى
القائل فأخبرني سعيد بن المسيب الزهري أو شيخه أبو سلمة (قلت) صرح عبد الرزاق عن معمر
بأنه الزهري وأثر ابن المسيب عن عمر هذا أهمله المزي في الأطراف مع أنه على شرطه (قوله
فعقرت) بضم العين وكسر القاف أي هلكت وفي رواية بفتح العين أي دهشت وتحيرت ويقال
سقطت ورواه يعقوب بن السكيت بالفاء من العفر وهو التراب ووقع في رواية الكشميهني
فقعرت بتقديم القاف على العين وهو خطأ والصواب الأول (قوله ما تقلني) بضم أوله وكسر
القاف وتشديد اللام أي ما تحملني (قوله وحتى أهويت) في رواية الكشميهني هويت بفتح أوله
وثانيه (قوله إلى الأرض حين سمعته تلاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات) كذا للأكثر
وقوله أن النبي صلى الله عليه وسلم على البدل من الهاء في قوله تلاها أي تلا الآية التي معناها
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات وهو قوله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون وفي رواية ابن
السكن فعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات وهي واضحة وكذا عند عبد الرزاق عن معمر
عن الزهري فعقرت وأنا قائم حتى خررت إلى الأرض فأيقنت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
مات وفي الحديث قوة جأش أبي بكر وكثرة علمه وقد وافقه على ذلك العباس كما ذكرنا والمغيرة
111

كما رواه ابن سعد وابن أم مكتوم كما في المغازي لأبي الأسود عن عروة قال إنه كان يتلو قوله تعالى
إنك ميت وإنهم ميتون والناس لا يلتفتون إليه وكان أكثر الصحابة على خلاف ذلك فيؤخذ
منه أن الأقل عددا في الاجتهاد قد يصيب ويخطئ الأكثر فلا يتعين الترجيح بالأكثر ولا سيما إن
ظهر أن بعضهم قلد بعضا * الحديث الثامن عشر حديث ابن عباس وعائشة أن أبا بكر قبل النبي
صلى الله عليه وسلم بعد ما مات تقدم في الحديث الذي قبله أنه كشف عن وجهه ثم أكب عليه
فقبله وفي رواية يزيد بن بابنوس عنها أتاه من قبل رأسه فحدر فاه فقبل جبهته ثم قال وا نبياه ثم
رفع رأسه فحدر فاه وقبل جبهته ثم قال وا صفياه ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبل جبهته ثم قال
وا خليلاه ولابن أبي شيبة عن ابن عمر فوضع فاه على جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل
يقبله ويبكي ويقول بأبي وأمي طبت حيا وميتا وللطبراني من حديث جابر أن أبا بكر قبل جبهته
وله من حديث سالم بن عتيك أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فمسه فقالوا يا صاحب
رسول الله مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم * الحديث التاسع عشر (قوله حدثنا على
حدثنا يحيى وزاد قالت عائشة لددناه في مرضه أما على فهو بن عبد الله بن المديني وأما يحيى
فهو بن سعيد القطان ومراده أن عليا وافق عبد الله بن أبي شيبة في روايته عن يحيى بن سعيد
الحديث الذي قبله وزاد عليه قصة اللدود (قوله لددناه) أي جعلنا في جانب فمه دواه بغير اختياره
وهذا هو اللدود فأما ما يصب في الحلق فيقال له الوجور وقد وقع عند الطبراني من حديث
العباس أنهم أذابوا قسطا أي بزيت فلدوه به قوله فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا كراهية
المريض للدواء قال عياض ضبطناه بالرفع أي هذا منه كراهية وقال أبو البقاء هو خبر مبتدأ
محذوف أي هذا الامتناع كراهية ويحتمل أن النصب على أنه مفعول له أي نهانا للكراهية للدواء
ويحتمل أن يكون مصدرا إي كرهه كراهية الدواء قال عياض الرفع أوجه من النصب عل المصدر
قوله لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا انظر إلا العباس فأنه لم يشهدكم قيل فيه مشروعية
القصاص في جميع ما يصاب به الانسان عمدا وفيه نظر لان الجميع لم يتعاطوا ذلك وإنما فعل بهم
ذلك عقوبة لهم لتركهم امتثال نهيه عن ذلك أما من باشره فظاهر وأما من لم يباشره فلكونهم
تركوا نهيهم عما نهاهم هو عنه ويستفاد منه أن التأويل البعيد لا يعذر به صاحبه وفيه نظر أيضا
لان الذي وقع في معارضة النهي قال بن العربي أراد أن لا يأتوا يوم القيامة وعليهم حقه فيقعوا
في خطب عظيم وتعقب بأنه كان يمكن العفو لأنه كان لا ينتقم لنفسه والذي يظهر أنه أراد بذلك
تأديبهم لئلا يعودوا فكان ذلك تأديبا لا قصاصا ولا انتقاما قيل وإنما كره اللد مع أنه كان
يتداوى لأنه تحقق أنه يموت في مرضه ومن حقق ذلك كره له التداوي قلت وفيه نظر والذي
يظهر أن ذلك كان قبل التخيير والتحقق وإنما أنكر التداوي لأنه كان غير ملائم لدائه لانهم ظنوا
أن به ذات الجنب فداووه بما يلائمها ولم يكن به ذلك كما هو ظاهر في سياق الخبر كما ترى والله أعلم
قوله رواه بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة وصله محمد بن سعد عن محمد بن الصباح
عن عبد الرحمن بن أبي الزناد بهذا السند ولفظه كانت تأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
الخاصرة فاشتدت به فأغمي عليه فلددناه فلما أفاق قال هذا من فعل نساء جئن من هنا وأشار إلى
الحبشة وأن كنتم ترون أن الله يسلط على ذات الجنب ما كان الله ليجعل لها على سلطانا والله لا يبقى
112

أحد في البيت إلا لد فما بقي أحد في البيت إلا لد ولددنا ميمونة وهي صائمة ومن طريق أبي بكر بن عبد
الرحمن أن أم سلمة وأسماء بنت عميس أشارتا بأن يلدوه ورواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أسماء
بنت عميس قالت أن أول ما اشتكى كان في بيت ميمونة فاشتد مرضه حتى أغمي عليه فتشاورن في
لده فلدوه فلما أفاق قال هذا فعل نساء جئن من هنا وأشار إلى الحبشة وكانت أسماء منهن فقالوا
كنا نتهم بك ذات الجنب فقال ما كان الله ليعذبني به لا يبقى أحد في البيت إلا لدق ال فلقد التدت
ميمونة وهي صائمة وفي رواية ابن أبي الزناد هذه بيان ضعف ما رواه أبو يعلى بسند فيه ابن لهيعة من
وجه آخر عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم مات من ذات الجنب ثم ظهر لي أنه يمكن الجمع
بينهما بأن ذات الجنب تطلق بإزاء مرضين كما سيأتي بيانه في كتاب الطب أحدهما ورم حار يعرض
في الغشاء المستبطن والآخر ريح محتقن بين الأضلاع فالأول هو المنفى هنا وقد وقع في رواية
الحاكم في المستدرك ذات الجنب من الشيطان والثاني هو الذي أثبت هنا وليس فيه محذور
كالأولى * الحديث العشرون حديث عائشة (قوله أخبرني أزهر) هو ابن سعد السمان بصري
وشيخه عبد الله بن عون بصري أيضا وأما إبراهيم وهو ابن يزيد النخعي والأسود فكوفيان (قوله
ذكر) بضم أوله وتقدم في الوصايا من وجه آخر بلفظ ذكروا وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه
قيل لعائشة إنهم يزعمون أنه أوصى إلى علي فقالت ومتى أوصى إليه وقد رأيته دعا بالطست ليتفل
فيها وقد تقدم شرح ما يتعلق به هناك وما يتعلق ببقية الحديث في أثناء هذا الباب * الحديث
الحادي والعشرون حديث عبد الله بن أبي أوفى تقدم شرحه مستوفى في أوائل الوصايا * الحديث
الثاني والعشرون حديث عمرو بن الحرث وهو المصطلقي أخو ميمونة بنت الحرث أم المؤمنين وقد
تقدم شرحه مستوفى في أوائل الوصايا أيضا الحديث * الثالث والعشرون حديث أنس عن
فاطمة (قوله واكرب أباه) في رواية مبارك بن فضالة عن ثابت عند النسائي وا كرباه والأول
أصوب لقوله في نفس الخبر ليس على أبيك كرب بعد اليوم وهذا يدل أنها لم ترفع صوتها بذلك وإلا
لكان ينهاها (قوله يا أبتاه) كأنها قالت يا أبي والمثناة بدل من التحتانية والألف للندبة ولمد الصوت
والهاء للسكت (قوله من جنة الفردوس مأواه) بفتح الميم في أوله على أنها موصولة وحكى الطيبي
عن نسخة من المصابيح بكسرها على أنها حرف جر قال والأولى والأول (قوله إلى جبريل ننعاه)
قيل الصواب إلى جبريل نعاه جزم بذلك سبط ابن الجوزي في المرآة والأول موجه فلا معنى لتغليط
الرواة بالظن وزاد الطبراني من طريق عارم والإسماعيلي من طريق سعيد بن سليمان كلاهما عن
حماد في هذا الحديث يا أبتاه من ربه ما أدناه ومثله للطبراني من طريق معمر ولأبي داود من طريق حماد
ابن سلمة كلاهما عن ثابت به قال الخطابي زعم بعض من لا يعد في أهل العلم أن المراد بقوله عليه
الصلاة والسلام لا كرب على أبيك بعد اليوم أن كربه كان شفقة على أمته لما علم من وقوع الفتن
والاختلاف وهذا ليس بشئ لأنه كان يلزم أن تنقطع شفقته على أمته بموته والواقع أنها باقية
إلى يوم القيامة لأنه مبعوث إلى من جاء بعده وأعمالهم تعرض عليه وإنما الكلام على ظاهره
وأن المراد بالكرب ما كان يجده من شدة الموت وكان فيما يصيب جسده من الآلام كالبشر
ليتضاعف له الاجر كما تقدم (قوله فلما دفن قالت فاطمة يا أنس الخ) وهذا من رواية أنس عن
فاطمة وأشارت عليها السلام بذلك إلى عتابهم على إقدامهم على ذلك لأنه يدل على خلاف
113

ما عرفته منهم من رقة قلوبهم عليه لشدة محبتهم له وسكت أنس عن جوابها رعاية لها ولسان حاله
يقول لم تطب أنفسنا بذلك إلا أنا قهرناها على فعله امتثالا لامره وقد قال أبو سعيد فيما أخرجه
البزار بسند جيد وما نفضنا أيدينا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا ومثله في حديث ثابت عن أنس
عند الترمذي وغيره يريد أنهم وجدوها تغيرت عما عهدوه في حياته من الألفة والصفاء والرقة
لفقدان ما كان يمدهم به من التعليم والتأديب ويستفاد من الحديث جواز التوجع للميت
عند احتضاره بمثل قول فاطمة عليها السلام واكرب أباه وأنه ليس من النياحة لأنه صلى الله عليه
وسلم أقرها على ذلك وأما قولها بعد أن قبض وا أبتاه الخ فيؤخذ منه أن تلك الألفاظ إذا كان
الميت متصفا بها لا يمنع ذكره لها بعد موته بخلاف ما إذا كانت فيه ظاهرا وهو في الباطن بخلافه
أولا يتحقق اتصافه بها فيدخل في المنع ونبه هنا على أن المزي ذكر كلام فاطمة هذا في مسند أنس
وهو متعقب فإنه وإن كان أوله في مسنده لأن الظاهر أنه حضره لكن الأخير إنما هو من كلام
فاطمة فحقه أن يذكر في رواية أنس عنها * (قوله باب آخر ما تكلم به النبي صلى
الله عليه وسلم) ذكر فيه حديث عائشة وقد شرح في الحديث السابع من الباب الذي قبله
وقول الزهري أخبرني سعيد بن المسيب في رجال من أهل العلم قد تقدم منهم عروة بن الزبير
وكأن عائشة أشارت إلى ما أشاعته الرافضة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي بالخلافة
وأن يوفي ديونه وقد أخرج العقيلي وغيره في الضعفاء في ترجمة حكيم بن جبير من طريق عبد العزيز
ابن مروان عن أبي هريرة عن سلمان أنه قال قلت يا رسول الله إن الله لم يبعث نبيا إلا بين له من يلي
بعده فهل بين لك قال نعم علي بن أبي طالب ومن طريق جرير بن عبد الحميد عن أشياخ من قومه
عن سلمان قلت يا رسول الله من وصيك قال وصي وموضع سري وخليفتي على أهلي وخير من
أخلفه بعدي علي بن أبي طالب ومن طريق أبي ربيعة الأيادي عن ابن بريدة عن أبيه رفعه
لكل نبي وصي وإن عليا وصي وولدي ومن طريق عبد الله بن السائب عن أبي ذر رفعه أنا
خاتم النبيين وعلى خاتم الأوصياء أوردها وغيرها ابن الجوزي في الموضوعات * (قوله
باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم) أي في أي السنين وقعت (قوله عن يحيى) هو ابن
أبي كثير (قوله لبث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشرا) هذا يخالف المروي
عن عائشة عقبة أنه عاش ثلاثا وستين إلا أن يحمل على الغاء الكسر كما قيل مثله في حديث
أنس المتقدم في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب المناقب وأكثر ما قيل في عمره أنه خمس
وستون سنة أخرجه مسلم من طريق عمار بن أبي عمار عن ابن عباس ومثله لأحمد عن يوسف
ابن مهران عن ابن عباس وهو مغاير لحديث الباب لان مقتضاه أن يكون عاش ستين إلا أن يحمل
على إلغاء الكسر أو على قول من قال إنه بعث ابن ثلاث وأربعين وهو مقتضى رواية عمرو بن
دينار عن ابن عباس أنه مكث بمكة ثلاث عشرة ومات ابن ثلاث وستين وفي رواية هشام بن
حسان عن عكرمة عن ابن عباس لبث بمكة ثلاث عشرة وبعث لأربعين ومات وهو ابن ثلاث
وستين وهذا موافق لقول الجمهور وقد مضى في باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم والحاصل أن كل
من روى عنه من الصحابة ما يخالف المشهور وهو ثلاث وستون جاء عنه المشهور وهم ابن عباس
وعائشة وأنس ولم يختلف على معاوية أنه عاش ثلاثا وستين وبه جزم سعيد بن المسيب والشعبي
114

ومجاهد وقال أحمد هو الثبت عندنا وقد جمع السهيلي بين القولين المحكيين بوجه آخر وهو
أن من قال مكث ثلاث عشرة عد من أول ما جاءه الملك بالنبوة ومن قال مكث عشرا أخذ ما بعد
فترة الوحي ومجئ الملك بيا أيها المدثر وهو مبنى على صحة خبر الشعبي الذي نقلته من تاريخ
الإمام أحمد في بدء الوحي ولكن وقع في حديث ابن عباس عند ابن سعد ما بخالفه كما أوضحته في
الكلام على حديث عائشة في بدء الوحي المخرج في (1) من رواية معمر عن الزهري
فيما يتعلق بالزيادة التي أرسلها الزهري ومن الشذوذ ما رواه عمر بن شبة أنه عاش وحدي أو
اثنتين وستين ولم يبلغ ثلاثا وستين وكذا رواه ابن عساكر من وجه آخر أنه عاش اثنتين وستين
ونصفا وهذا يصح على قول من قال ولد في رمضان وقد بينا في الباب المذكور أنه شاذ من
القول وقد جمع بعضهم بين الروايات المشهورة بان من قال خمس وستون جبر الكسر وفيه
نظر لأنه يخرج منه أربع وستون فقط وقل من تنبه لذلك (قوله قال ابن شهاب وأخبرني سعيد
ابن المسيب مثله) هو موصول بالاسناد المذكور وقوله مثله يحتمل أن يريد أنه حدثه بذلك
عن عائشة أو أرسله والقصد بالمثل المتن فقط وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق يونس عن
الزهري عن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله عنها وقد جوزت أن يكون موصولا لما
شرحت هذا الحديث في أوائل صفة النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظفرت به الآن كما حررت ولله
الحمد * (قوله باب) كذا للجميع بغير ترجمة (قوله ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين)
كذا للأكثر بحذف المميز وللمستملي وحده ثلاثين صاعا ووجه إيراده هنا الإشارة إلى أن ذلك
من آخر أحواله وهو يناسب حديث عمرو بن الحرث في الباب الأول أنه لم يترك دينارا ولا درهما
(قوله باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد في مرضه الذي توفي فيه) إنما
أخر المصنف هذه الترجمة لما جاء أنه كان تجهيز أسامة يوم السبت قبل موت النبي صلى الله عليه
وسلم بيومين وكان ابتداء ذلك قبل مرض النبي صلى الله عليه وسلم فندب الناس لغزو الروم
في آخر صفر ودعا أسامة فقال سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش
وأغر صباحا على ابني وحرق عليهم وأسرع المسير تسبق الخبر فإن ظفرك الله بهم فأقل الليث فيهم
فبدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه في اليوم الثالث فعقد لأسامة لواء بيده فأخذه أسامة
فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف وكان ممن انتدب مع أسامة كبار المهاجرين والأنصار منهم
أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسعد وسعيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم فتكلم في ذلك قوم منهم
عياش بن أبي ربيعة المخزومي فرد عليه عمر وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فخطب بما ذكر في هذا
الحديث ثم أشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال أنفذوا بعث أسامة فجهزه أبو بكر
بعد أن استخلف فسار عشرين ليلة إلى الجهة التي أمر بها وقتل قاتل أبيه ورجع بالجيش سالما
وقد غنموا وقد قص أصحاب المغازي قصة مطولة فلخصتها وكانت آخر سرية جهزها النبي
صلى الله عليه وسلم وأول شئ جهزه أبو بكر رضي الله عنه وقد أنكر ابن تيمية في كتاب الرد علي ابن
المطهر أن يكون أبو بكر وعمر كانا في بعث أسامة ومستند ما ذكره ما أخرجه الواقدي بأسانيده
في المغازي وذكره ابن سعد أواخر الترجمة النبوية بغير إسناد وذكره ابن إسحاق في السيرة
المشهورة ولفظه بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الأربعاء فأصبح يوم الخميس فعقد
115

لأسامة فقال أغز في سبيل الله وسر إلى موضع مقتل أبيك فقد وليتك هذا الجيش فذكر القصة
وفيها لم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة منهم أبو بكر وعمر ولما جهزه
أبو بكر بعد أن استخلف سأله أبو بكر أن يأذن لعمر بالإقامة فأذن ذكر ذلك كله ابن الجوزي في
المنتظم جازما به وذكر الواقدي وأخرجه ابن عساكر من طريقه مع أبي بكر وعمر أبا عبيدة وسعدا
وسعيدا وسلمة بن أسلم وقتادة بن النعمان والذي باشر القول ممن نسب إليهم الطعن في إمارته
عياش بن أبي ربيعة وعند الواقدي أيضا أن عدة ذلك الجيش كانت ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة
من قريش وفيه عن أبي هريرة كانت عدة الجيش سبعمائة * (قوله باب) كذا
للجميع بغير ترجمة (قوله عن ابن أبي حبيب) هو يزيد وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله
والصنابحي اسمه عبد الرحمن بن عسيلة وليس له في صحيح البخاري سوى هذا الحديث وعند أبي
داود من وجه آخر عن الصنابحي أنه صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر الصديق (قوله فأقبل
راكب) لم أقف على اسمه (قوله قلت هل سمعت) القائل هو أبو الخير والمقول له الصنابحي
وقد تقدم الكلام على ليلة القدر في كتاب الصيام بما لا مزيد في التتبع عليه * (قوله
باب كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم) ختم البخاري كتاب المغازي بنحو ما ابتدأه به وقد
تقدم الكلام في أول المغازي على حديث زيد بن أرقم وزاد هنا عن أبي إسحاق حديث البراء قال
غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة غزوة وكأن أبا إسحاق كان حريصا على معرفة عدد
غزوات النبي صلى الله عليه وسلم فسأل زيد بن أرقم والبراء وغيرهما (قوله حدثنا أحمد بن
الحسن) هو ابن جنيدب بالجيم والنون وموحدة مصغرا الترمذي الحافظ ليس له في البخاري
سوى هذا الحديث وهو من أقران البخاري (قوله عن كهمس) بمهملة وزن جعفر وفي رواية
الإسماعيلي من وجه آخر عن معتمر سمعت كهمس بن الحسن وابن بريدة هو عبد الله ولم يخرج
البخاري لسليمان بن بريدة شيئا (قوله قال غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة
غزوة) كذا وقع في مسند أحمد وكذا أخرجه مسلم عن أحمد نفسه وهو أحد الأحاديث
الأربعة التي أخرجها مسلم عن شيوخ أخرج البخاري تلك الأحاديث بعينها عن أولئك
الشيوخ بواسطة ووقع من هذا النمط للبخاري أكثر من مائتي حديث وقد جردتها في جزء
مفرد وأخرج مسلم أيضا من وجه آخر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أنه غزا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة قاتل منها في ثمان وقد تقدم في أول المغازي توجيه ذلك وتحرير
عدد الغزوات وأما السرايا فتقرب من سبعين وقد استوعبها محمد بن سعد في الطبقات وقرأت
بخط مغلطاي مجموع الغزوات والسرايا مائة وهو كما قال والله أعلم * (خاتمة) * اشتمل كتاب
المغازي من الأحاديث المرفوعة وما في حكمها على خمسمائة وثلاثة وستين حديثا المعلق منها
ستة وسبعون حديثا والباقي موصول المكرر منها فيه وفيما مضى أربعمائة حديث وعشرة
أحاديث والخالص مائة وثلاثة وخمسون حديثا وافقه مسلم على تخريجها سوى ثلاثة وستين
حديثا وهي حديث ابن مسعود شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا وحديث ابن عباس
لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر وحديث على أنا أول من يجثو للخصومة وحديث
البراء شهد على بدرا وبارز وظاهر وحديث ابن عمر في توجيهه إلى سعيد بن زيد وكان بدريا وحديث
116

محمد بن أياس بن البكير وكان أبوه شهد بدرا وحديث رفاعة بن رافع في فضل أهل بدر وحديث
ابن عباس هذا جبريل آخذ برأس فرسه وعليه أداتا الحرب يوم بدر وحديث أنس في أبي زيد
البدري وحديث قتادة بن النعمان في الأضاحي وحديث الزبير في قتله العاصي بن سعيد
ببدر وحديث الربيع بنت معوذ في الضرب بالدف وحديث علي في تكبيره على سهل
ابن حنيف وحديث عمر تأيمت حفصة وحديث عمر مع قدامة بن مظعون وحديث البراء في
قتل أبي رافع اليهودي حديث عبد الرحمن بن عوف أنه أتى بطعام فقال قتل مصعب بن عمير
وحديث زيد بن ثابت حين نسخ المصاحف وحديث وحشي في قتل حمزة وحديث ابن عمر في
قتل مسيلمة وحديث أبي هريرة في قصة خبيب بن عدي وحديث بنت الحرث فيه وحديث
ابن عمر مع حفصة وفيه مراجعته مع حبيب بن سلمة وحديث سليمان بن صرد الآن نغزوهم
وحديث ابن عباس صلى الخوف بذي قرد وحديث أبي موسى فيه معلق وحديث جابر فيه
معلق وحديث القاسم في أنمار معلق مرسل وحديث عائشة في الولق وحديث البراء
في بئر الحديبية وحديث مرداس يذهب الصالحون وحديث بنت خفاف وحديث عمر
معها في شهود أبيها وحديث البراء لا ندري ما أحدثنا وحديث زاهر في لحوم الحمر وحديث
أهبان بن أوس في السجود وحديث عائذ بن عمرو في نقض الوتر وحديث قتادة في المثلثة بلاغا
وحديث سلمة في الضرب يوم خبير وحديث أنس في الطيالسة وحديث عائشة في تمر خيبر
وحديث ابن عمر فيه وحديث ابن عمر في موته وحديث خالد بن الوليد فيه وحديث عمرة
بنت رواحة في البكاء وحديث عروة في قصة الفتح مرسل وحديث عبد الله بن ثعلبة في مسح
وجهه وحديث عمرو بن سلمة في الصلاة وفيه حديثه عن أبيه وحديث ابن أبي أوفى في ضربة
حنين وحديث ابن عمر في قصة بني جذيمة وحديث أبي بردة في قصة اليهودي المرتد مرسل
وحديث البراء في قصة على مع الجارية وحديث بريدة فيه وحديث جرير في بعثه إلى اليمن وفيه
روايته عن ذي عمرو وحديث عبد الله بن الزبير في وفد بني تميم وحديث أبي رجاء العطاردي
في رجب وحديثه فررنا إلى مسيلمة وحديث ابن مسعود مع خباب وفيه قراءة علقمة وحديث
عدي مع عمر أسلمت إذ كفروا وحديث أبي بكرة لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة وحديث على مع
العباس في الوفاة النبوية وحديث أنس مع فاطمة فيه وحديث بلال في ليلة القدر وفيه من
الآثار عن الصحابة والتابعين اثنان وأربعون أثرا غير ما ذكرناه في المسند مما له حكم الرفع والله
سبحانه وتعالى أعلم
(بسم الله الرحمن الرحيم)
* (كتاب التفسير) *
في رواية أبي ذر كتاب تفسير القرآن وأخر غيره البسملة * والتفسير تفعيل من الفسر وهو
البيان تقول فسرت الشئ بالتخفيف أفسره فسرا وفسرته بالتشديد أفسره تفسيرا إذا بينته
وأصل الفسر نظر الطبيب إلى الماء ليعرف العلة وقيل هو من فسرت الفرس إذا ركضتها
محصورة لينطلق حصرها وقيل هو مقلوب من سفر كجذب وجبذ تقول سفر إذا كشف
117

وجهه ومنه أسفر الصبح إذا أضاء واختلفوا في التفسير والتأويل قال أبو عبيدة وطائفة هما
بمعنى وقيل التفسير هو بيان المراد باللفظ والتأويل هو بيان المراد بالمعنى وقيل في الفرق بينهما
غير ذلك وقد بسطته في أواخر كتاب التوحيد (قوله الرحمن الرحيم اسمان من الرحمة) أي
مشتقان من الرحمة والرحمة لغة الرقة والانعطاف وعلى هذا فوصفه به تعالى مجاز عن إنعامه
على عباده وهي صفة فعل لا صفة ذات وقيل ليس الرحمن مشتقا لقولهم وما الرحمن وأجيب
بأنهم جهلوا الصفة والموصوف ولهذا لم يقولوا ومن الرحمن وقيل هو علم بالغلبة لأنه جاء غير
تابع لموصوف في قوله الرحمن على العرش استوى وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قل ادعوا
الله أو ادعوا الرحمن يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وغير ذلك وتعقب بأنه لا يلزم من مجيئه غير تابع
أن لا يكون صفة لان الموصوف إذا علم جاز حذفه وابقاء صفته (قوله الرحيم والراحم بمعنى
واحد كالعليم والعالم) هذا بالنظر إلى أصل المعنى وإلا فصيغة فعيل من صيغ المبالغة فمعناها
زائد على معنى الفاعل وقد ترد صيغة فعيل بمعنى الصفة المشبهة وفيها أيضا زيادة لدلالتها على
الثبوت بخلاف مجرد الفاعل فإنه يدل على الحدوث ويحتمل أن يكون المراد أن فعيلا بمعنى فاعل
لا بمعنى مفعول لأنه قد يرد بمعنى مفعول فاحترز عنه واختلف هل الرحمن والرحيم بمعنى
واحد كالندمان والنديم فجمع بينهما تأكيدا أو بينهما مغايرة بحسب المتعلق فهو رحمن الدنيا
ورحيم الآخرة لان رحمته في الدنيا تعم المؤمن والكافر وفي الآخرة تخص المؤمن أو التغاير
بجهة أخرى فالرحمن أبلغ لأنه يتناول جلائل النعم وأصولها تقول فلان غضبان إذا امتلأ غضبا
وأردف بالرحيم ليكون كالتتمة ليتناول ما دق وقيل الرحيم أبلغ لما يقتضيه صيغة فعيل والتحقيق
أن جهة المبالغة فيهما مختلفة وروى ابن جرير من طريق عطاء الخراساني أن غير الله لما تسمى
بالرحمن كمسيلمة جئ بلفظ الرحيم لقطع التوهم فأنه لم يوصف بهما أحد إلا الله وعن ابن المبارك
الرحمن إذا سئل أعطى والرحيم إذا لم يسأل يغضب ومن الشاذ ما روى عن المبرد وثعلب أن
الرحمن عبراني والرحيم عربي وقد ضعفه ابن الأنباري والزجاج وغيرهما وقد وجد في اللسان
العبراني لكن بالخاء المعجمة والله أعلم * (قوله باب ما جاء في فاتحة الكتاب) أي من
الفضل أو من التفسير أو أعم من ذلك مع التقييد بشرطه في كل وجه (قوله وسميت أم الكتاب
أنه) بفتح الهمزة (يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة) هو كلام أبي عبيدة في أول
مجاز القرآن لكن لفظه ولسور القرآن أسماء منها أن الحمد لله تسمى أم الكتاب لأنه يبدأ بها في
أول القرآن وتعاد قراءتها فيقرأ بها في كل ركعة قبل السورة ويقال لها فاتحة الكتاب لأنه يفتتح بها
في المصاحف فتكتب قبل الجميع انتهى وبهذا تبين المراد مما اختصره المصنف وقال غيره سميت
أم الكتاب لان أم الشئ ابتداؤه وأصله ومنه سميت مكة أم القرى لان الأرض دحيت من تحتها
وقال بعض الشراح التعليل بأنها يبدأ بها يناسب تسميتها فاتحة الكتاب لا أم الكتاب والجواب أنه
يتجه ما قال بالنظر إلى أن الام مبدأ الولد وقيل سميت أم القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن
من الثناء على الله تعالى والتعبد بالامر والنهي والوعد والوعيد وعلى ما فيها من ذكر الذات
والصفات والفعل واشتمالها على ذكر المبدأ والمعاد والمعاش ونقل السهيلي عن الحسن وابن سيرين
ووافقهما بقي بن مخلد كراهية تسمية الفاتحة أم الكتاب وتعقبه السهيلي (قلت) وسيأتي في حديث
118

الباب تسميتها بذلك ويأتي في تفسير الحجر حديث أبي هريرة مرفوعا أم القرآن هي السبع المثاني
ولا فرق بين تسميتها بأم القرآن وأم الكتاب ولعل الذي كره ذلك وقف عند لفظ الام وإذا ثبت
النص طاح ما دونه وللفاتحة أسماء أخرى جمعت من آثار أخرى الكنز والوافية والشافية
والكافية وسورة الحمد والحمد لله وسورة الصلاة وسورة الشفاء والأساس وسورة الشكر
وسورة الدعاء (قوله الدين الجزاء في الخير والشر كما تدين تدان) هو كلام أبي عبيدة أيضا قال
الدين الحساب والجزاء يقال في المثل كما تدين تدان انتهى وقد ورد هذا في حديث مرفوع أخرجه
عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وهو مرسل رجاله
ثقات ورواه عبد الرزاق بهذا الاسناد أيضا عن أبي قلابة عن أبي الدرداء موقوفا وأبو قلابة لم
يدرك أبا الدرداء وله شاهد موصول من حديث ابن عمر أخرجه ابن عدي وضعفه (قوله وقال
مجاهد بالدين بالحساب مدينين محاسبين) وصله عبد بن حميد في التفسير من طريق منصور عن
مجاهد في قوله تعالى كلا بل تكذبون بالدين قال بالحساب ومن طريق ورقاء بن عمر عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد في قوله تعالى فلولا أن كنتم غير مدينين غير محاسبين والأثر الأول جاء موقوفا عن
ناس من الصحابة أخرجه الحاكم من طريق السدي عن مرة الهمداني عن ابن مسعود وناس من
الصحابة في قوله تعالى مالك يوم الدين قال هو يوم الحساب ويوم الجزاء وللدين معان أخرى منها
العادة والعمل والحكم والحال والخلق والطاعة والقهر والملة والشريعة والورع والسياسة
وشواهد ذلك يطول ذكرها (قوله حدثني خبيب) بالمعجمة مصغر (ابن عبد الرحمن) أي ابن خبيب
ابن يساف الأنصاري وحفص بن عاصم أي ابن عمر بن الخطاب (قوله عن أبي سعيد بن المعلى) بين
في رواية أخرى تأتي في تفسير الأنفال سماع خبيب له من حفص وحفص له من أبي سعيد وليس
لأبي سعيد هذا في البخاري سوى هذا الحديث واختلف في اسمه فقيل رافع وقيل الحرث وقواه
ابن عبد البر ووهي الذي قبله وقيل أوس وقيل بل أوس اسم أبيه والمعلى جده ومات أبو سعيد سنة
ثلاث أو أربع وسبعين من الهجرة وأرخ ابن عبد البر وفاته سنة أربع وسبعين وفيه نظر بينته في
كتابي في الصحابة * (تنبيهان) * يتعلقان بإسناد هذا الحديث أحدهما نسب الغزالي والفخر الرازي
وتبعه البيضاوي هذه القصة لأبي سعيد الخدري وهو وهم وإنما هو أبو سعيد بن المعلى (ثانيهما)
روى الوافدي هذا الحديث عن محمد بن معاذ عن خبيب بن عبد الرحمن بهذا الاسناد فزاد
في إسناده عن أبي سعيد بن المعلى عن أبي بن كعب والذي في الصحيح أصح والواقدي شديد الضعف
إذا انفرد فكيف إذا خالف وشيخه مجهول وأظن الواقدي دخل عليه حديث في حديث فإن مالكا
أخرج نحو الحديث المذكور من وجه آخر فيه ذكر أبي بن كعب فقال عن العلاء بن عبد الرحمن
عن أبي سعيد مولى عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب ومن الرواة عن مالك من
قال عن أبي سعيد عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم ناداه وكذلك أخرجه الحاكم
ووهم ابن الأثير حيث ظن أن أبا سعيد شيخ العلاء هو أبو سعيد بن المعلى فإن ابن المعلى صحابي
أنصاري من أنفسهم مدني وذلك تابعي مكي من موالي قريش وقد اختلف فيه على العلاء أخرجه
الترمذي من طريق الدراوردي والنسائي من طريق روح بن القاسم وأحمد من طريق عبد
الرحمن بن إبراهيم وابن خزيمة من طريق حفص بن ميسرة كلهم عن العلاء عن أبيه عن أبي
119

هريرة رضي الله عنه قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب فذكر الحديث وأخرجه
الترمذي وابن خزيمة من طريق عبد الحميد بن جعفر والحاكم من طريق شعبة كلاهما عن العلاء
مثله لكن قال عن أبي هريرة رضي الله عنه ورجح الترمذي كونه من مسند أبي هريرة وقد
أخرجه الحاكم أيضمن طريق الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن
كعب وهو مما يقوي ما رجحه الترمذي وجمع البيهقي بأن القصة وقعت لأبي كعب ولأبي سعيد
ابن المعلى ويتعين المصير إلى ذلك لاختلاف مخرج الحديثين واختلاف سياقهما كما سأبين
(قوله كنت أصلى في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه) زاد في تفسير
الأنفال من وجه آخر عن شعبة فلم آته حتى صليت ثم أتيته وفي رواية أبي هريرة خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب وهو يصلي فقال أي أبي فالتفت فلم يجبه ثم صلى فخفف ثم
انصرف فقال سلام عليك يا رسول الله قال ويحك ما منعك إذ دعوتك أن لا تجيبني الحديث
(قوله ألم يقل الله تعالى استجيبوا) في حديث أبي هريرة أوليس تجد فيما أوحى الله إلى أن
استجيبوا لله وللرسول الآية فقلت بلى يا رسول الله لا أعود إن شاء الله * (تنبيه) * نقل ابن التين
عن الداودي أن في حديث الباب تقديما وتأخيرا وهو قوله ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول قبل
قول أبي سعيد كنت في الصلاة قال فكأنه تأول أن من هو في الصلاة خارج عن هذا الخطاب
قال والذي تأول القاضيان عبد الوهاب وأبو الوليد أن إجابة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة
فرض يعصي المرء بتركه وأنه حكم يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم (قلت) وما ادعاه الداودي
لا دليل عليه وما جنح إليه القاضيان من المالكية هو قول الشافعية على اختلاف عندهم بعد
قولهم بوجوب الإجابة هل تبطل الصلاة أم لا (قوله لأعلمنك سورة هي أعظم السور) في رواية
روح في تفسير الأنفال لأعلمنك أعظم سورة في القرآن وفي حديث أبي هريرة أتحب أن أعلمك
سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها قال ابن التين معناه أن
ثوابها أعظم من غيرها واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض وقد منع ذلك
الأشعري وجماعة لان المفضول ناقص عن درجة الأفضل وأسماء الله وصفاته وكلامه لا نقص
فيها وأجابوا عن ذلك بأن معنى التفاضل أن ثواب بعضه أعظم من ثواب بعض فالتفضيل إنما هو
من حيث المعاني لا من حيث الصفة ويؤيد التفضيل قوله تعالى نأت بخير منها أو مثلها وقد روى
ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله نأت بخير منها أي في المنفعة والرفق
والرفعة وفي هذا تعقب على من قال فيه تقديم وتأخير والتقدير نأت منها بخير وهو كما قيل في قوله
تعالى من جاء بالحسنة فله خير منها لكن قوله في آية الباب أو مثلها يرجح الاحتمال الأول فهو
المعتمد والله أعلم (قوله ثم أخذ بيدي) زاد في حديث أبي هريرة يحدثني وأنا أتباطأ مخافة أن
يبلغ الباب قبل أن ينقضي الحديث (قوله ألم تقل لأعلمنك سورة) في حديث أبي هريرة قلت
يا رسول الله ما السورة التي قد وعدتني قال كيف تقرأ في الصلاة فقرأت عليه أم الكتاب (قوله
قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم) في رواية معاذ تفسير الأنفال
فقال هي الحمد لله رب العالمين السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته وفي حديث أبي هريرة
فقال إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته وفي هذا تصريح بأن المراد بقوله تعالى
120

ولقد آتيناك سبعا من المثاني هي الفاتحة وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس أن
السبع المثاني هي السبع الطوال أي السور من أول البقرة إلى آخر الأعراف ثم براءة وقيل يونس
وعلى الأول فالمراد بالسبع الآي لان الفاتحة سبع آيات وهو قول سعيد بن جبير واختلف في
تسميتها مثاني فقيل لأنها تثني في كل ركعة أي تعاد وقيل لأنها يثني بها على الله تعالى وقيل لأنها
استثنيت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها قال ابن التين فيه دليل على أن بسم الله الرحمن الرحيم
ليست آية من القرآن كذا قال وعكس غيره لأنه أراد السورة ويؤيده أنه لو أراد الحمد لله رب
العالمين الآية لم يقل هي السبع المثاني لان الآية الواحدة لا يقال لها سبع فدل على أنه أراد بها
السورة والحمد لله رب العالمين من أسمائها وفيه قوة لتأويل الشافعي في حديث أنس حيث قال
كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين قال الشافعي أراد السورة وتعقب بأن هذه السورة
تسمى سورة الحمد لله ولا تسمى الحمد لله رب العالمين وهذا الحديث يرد هذا التعقب وفيه أن الامر
يقتضى الفور لأنه عاتب الصحابي على تأخير إجابته وفيه استعمال صيغة العموم في الأحوال
كلها قال الخطابي فيه أن حكم لفظ العموم أن يجري على جميع مقتضاه وأن الخاص والعام إذا
تقابلا كان العام منزلا على الخاص لان الشارع حرم الكلام في الصلاة على العموم ثم استثنى
منه إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وفيه أن إجابة المصلي دعاء النبي صلى الله عليه
وسلم لا تفسد الصلاة هكذا صرح به جماعة من الشافعية وغيرهم وفيه بحث لاحتمال أن تكون
إجابته واجبة مطلقا سواء كان المخاطب مصليا أو غير مصل أما كونه يخرج بالإجابة من الصلاة
أو لا يخرج فليس من الحديث ما يستلزمه فيحتمل أن تجب الإجابة ولو خرج المجيب من الصلاة
وإلى ذلك جنح بعض الشافعية وهل يختص هذا الحكم بالنداء أو يشمل ما هو أعم حتى تجب
إجابته إذا سأل فيه بحث وقد جزم ابن حبان بأن إجابة الصحابة في قصة ذي اليدين كان كذلك
(قوله والقرآن العظيم الذي أوتيته) قال الخطابي في قوله هي السبع المثاني والقرآن العظيم
الذي أوتيته دلالة على أن الفاتحة هي القرآن العظيم وان الواو ليست بالعاطفة التي تفصل بين
الشيئين وإنما هي التي تجئ بمعنى التفصيل كقوله فاكهة ونخل ورمان وقوله وملائكته ورسله
وجبريل وميكال انتهى وفيه بحث لاحتمال أن يكون قوله والقرآن العظيم محذوف الخبر
والتقدير ما بعد الفاتحة مثلا فيكون وصف الفاتحة انتهى بقوله هي السبع المثاني ثم عطف
قوله والقرآن العظيم أي ما زاد على الفاتحة وذكر ذلك رعاية لنظم الآية ويكون التقدير والقرآن
العظيم هو الذي أوتيته زيادة على الفاتحة * (تنبيه) * يستنبط من تفسير السبع المثاني بالفاتحة
أن الفاتحة مكية وهو قول الجمهور خلافا لمجاهد ووجه الدلالة أنه سبحانه أمتن على رسوله بها
وسورة الحجر مكية اتفاقا فيدل على تقديم نزول الفاتحة عليها قال الحسين بن الفضل هذه هفوة
من مجاهد لان العلماء على خلاف قوله وأغرب بعض المتأخرين فنسب القول بذلك لأبي هريرة
والزهري وعطاء بن يسار وحكى القرطبي أن بعضهم زعم أنها نزلت مرتين وفيه دليل على أن
الفاتحة سبع آيات ونقلوا فيه الاجماع لكن جاء عن حسين بن علي الجعفي أنها ست آيات لأنه لم
يعد البسملة وعن عمرو بن عبيد أنها ثمان آيات لأنه عدها وعد أنعمت عليهم وقيل لم يعدها وعد
إياك نعبد وهذا أغرب الأقوال * (قوله باب غير المغضوب عليهم ولا الضالين)
121

قال أهل العربية لا زائدة لتأكيد معنى النفي المفهوم من غير لئلا يتوهم عطف الضالين على
الذين أنعمت وقيل لا بمعنى غير ويؤيده قراءة عمر غير المغضوب عليهم وغير الضالين ذكرها أبو عبيد
وسعيد بن منصور بإسناد صحيح وهي للتأكيد أيضا وروى أحمد وابن حبان من حديث عدي بن
حاتم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال المغضوب عليهم اليهود ولا الضالين النصارى هكذا أورده
مختصرا وهو عند الترمذي في حديث طويل وأخرجه ابن مردويه بإسناد حسن عن أبي ذر
وأخرجه أحمد من طريق عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وقال
ابن أبي حاتم لا أعلم بين المفسرين في ذلك اختلافا قال السهيلي وشاهد ذلك قوله تعالى في اليهود
فباءوا بغضب على غضب وفي النصارى قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا ثم أورد المصنف حديث
أبي هريرة في موافقة الامام في التأمين وقد تقدم شرحه في صفة الصلاة وروى أحمد وأبو داود
والترمذي من حديث وائل بن حجر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا
الضالين فقال آمين ومد بها صوته وروى أبو داود وابن ماجة نحوه من حديث أبي هريرة * (قوله
بسم الله الرحمن الرحيم سورة البقرة) كذا لأبي ذر وسقطت البسملة لغيره واتفقوا على أنها مدنية
وأنها أول سورة أنزلت بها وسيأتي قول عائشة ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده صلى الله
عليه وسلم ولم يدخل عليها إلا بالمدينة * (قوله باب قول الله تعالى وعلم آدم
الأسماء) كذا لأبي ذر وسقطت لغيره باب قول الله (قوله حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم وهشام هو
الدستوائي وساق المصنف حديث الشفاعة لقول أهل الموقف لآدم وعلمك أسماء كل شئ
واختلف في المراد بالأسماء فقيل أسماء ذريته وقيل أسماء الملائكة وقيل أسماء الأجناس دون
أنواعها وقيل أسماء كل ما في الأرض وقيل أسماء كل شئ حتى القصعة وقد غفل المزي في
الأطراف فنسب هذه الطريق إلى كتاب الايمان وليس لها فيه ذكر وإنما هي في التفسير وسيأتي
شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف
* (قوله باب) كذا لهم بغير ترجمة (قوله قال مجاهد إلى آخر ما أورده عنه من التفاسير)
سقط جميع ذلك السرخسي (قوله إلى شياطينهم أصحابهم من المنافقين والمشركين) وصله
عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وإذا خلوا إلى شياطينهم
قال إلى أصحابهم فذكره ومن طريق شيبان عن قتادة قال إلى إخوانهم من المشركين ورؤوسهم
وقادتهم في الشر وروى الطبراني نحوه عن ابن مسعود ومن طريق ابن عباس قال كان رجال
من اليهود إذا لقوا الصحابة قالوا إنا على دينكم وإذا خلوا إلى شياطينهم وهم أصحابهم قالوا إنا
معكم والنكتة في تعدية خلوا بإلى مع أن أكثر ما يتعدى بالباء أن الذين يتعدى بالباء يحتمل الانفراد
والسخرية تقول خلوت به إذا سخرت منه والذي يتعدى بإلى نص في الانفراد أفاد ذلك الطبري
ويحتمل أن يكون ضمن خلا معنى ذهب وعلى طريقة الكوفيين بأن حروف الجر تتناوب فإلى
122

بمعنى الباء أو بمعنى مع (قوله محيط بالكافرين الله جامعهم) وصله عبد بن حميد بالاسناد المذكور
عن مجاهد ووصله الطبري من وجه آخر عنه وزاد في جهنم ومن طريق ابن عباس في قوله محيط
بالكافرين قال منزل بهم النقمة * (تنبيه) * قوله والله محيط بالكافرين جملة مبتدأ وخبر
اعترضت بين جملة يجعلون أصابعهم وجملة يكاد البرق يخطف أبصارهم (قوله صبغة دين) وصله
عبد بن حميد من طريق منصور عن مجاهد قال قوله صبغة الله أي دين الله ومن طريق ابن أبي
نجيح عنه قال صبغة الله أي فطرة الله ومن طريق قتادة قال أن اليهود تصبغ أبناءها تهودا
وكذلك النصارى وأن صبغة الله الاسلام وهو دين الله الذي بعث به نوحا ومن كان بعده انتهى
وقراءة الجمهور صبغة بالنصب وهو مصدر انتصب عن قوله ونحن له مسلمون على الأرجح وقيل
منصوب على الاغراء أي الزموا وكأن لفظ صبغة ورد بطريق المشاكلة لان النصارى كانوا
يغمسون من ولد منهم في ماء المعمودية ويزعمون أنهم يطهرونهم بذلك فقيل للمسلمين الزموا
صبغة الله فإنها أطهر (قوله على الخاشعين على المؤمنين حقا) وصله عبد بن حميد عن شبابة بالسند
المذكور عن مجاهد وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال في قوله إلا على الخاشعين
قال يعني الخائفين ومن طريق مقاتل بن حبان قال يعني به المتواضعين (قوله بقوة يعمل بما
فيه) وصله عبد بالسند المذكور وروى ابن أبي حاتم والطبري من طريق أبي العالية قال القوة
الطاعة ومن طريق قتادة والسدي قال القوة الجد والاجتهاد (قوله وقال أبو العالية مرض
شك) وصله ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر الرازي عن أبي العالية في قوله تعالى في قلوبهم
مرض أي شك ومن طريق علي بن طلحة عن ابن عباس مثله ومن طريق عكرمة قال الرياء ومن
طريق قتادة في قوله فزادهم الله مرضا أي نفاقا وروى الطبري من طريق قتادة في قوله
في قلوبهم مرض قال ريبة وشك في أمر الله تعالى (قوله وما خلفها عبرة لمن بقى) وصله ابن أبي
حاتم من طريق أبي جعفر الرازي عن أبي العالية في قوله فجعلناها نكالا لما بين يديها أي عقوبة
لما خلا من ذنوبهم وما خلفها أي عبرة لمن بقي بعدهم من الناس (قوله لاشية فيها لا بياض
فيها) تقدم في ترجمة موسى من أحاديث الأنبياء (قوله وقال غيره يسومونكم يولونكم) هو بضم
أوله وسكون الواو والغير المذكور هو أبو عبيد القاسم بن سلام ذكره كذلك في الغريب المصنف
وكذا قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في المجاز ومنه قول عمرو بن كلثوم
إذا ما الملك سام الناس خسفا * أبينا أن نقر الخسف فينا
ويحتمل أن يكون السوم بمعنى الدوام أي يديمون تعذيبكم ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرعى وقال
الطبري معنى يسومونكم يوردونكم أو يذيقونكم أو يولونكم (قوله الولاية مفتوحة) أي
مفتوحة الواو (مصدر الولاء وهي الربوبية وإذا كسرت الواو فهي الامارة) هو معنى كلام أبي
عبيدة قال في قوله تعالى هنالك الولاية لله الحق الولاية بالفتح مصدر الولي وبالكسر ووليت
العمل والامر تليه وذكر البخاري هذه الكلمة وأن كانت في الكهف لا في البقرة ليقوى تفسير
يسومونكم يولونكم (قوله وقال بعضهم الحبوب التي تؤكل كلها فوم) هذا حكاه الفراء في
معاني القرآن عن عطاء وقتادة قال الفوم كل حب يختبز وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق
عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما أن الفوم الحنطة وحكى ابن جرير أن في قراءة ابن مسعود الثوم
123

بالمثلثة وبه فسره سعيد بن جبير وغيره فإن كان محفوظا فالفاء تبدل من الثاء في عدة أسماء
فيكون هذا منها والله أعلم (قوله وقال قتادة فباءوا فانقلبوا) وصله عبد بن حميد من طريقه (قوله
وقال غيره يستفتحون يستنصرون) هو تفسير أبي عبيدة وروى مثله الطبري من طريق العوفي
عن ابن عباس ومن طريق الضحاك عن ابن عباس قال أي يستظهرون وروى ابن إسحاق في
السيرة النبوية عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ لهم قالوا فينا وفي اليهود نزلت وذلك أنا كنا قد
علوناهم في الجاهلية فكانوا يقولون أن نبيا سيبعث قد أظل زمانه فنقتلكم معه فلما بعث الله نبيه
واتبعناه كفروا به فنزلت وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس مطولا (قوله شروا باعوا)
هو قول أبي عبيدة أيضا قال في قوله ولبئس ما شروا به أنفسهم أي باعوا وكذا أخرجه ابن أبي حاتم
من طريق السدي (قوله راعنا من الرعونة إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانا قالوا راعنا) قلت هذا
على قراءة من نون وهي قراءة الحسن البصري وأبي حياة ووجهه أنها صفة لمصدر محذوف أي
لا تقولوا قولا راعنا أي قولا ذا رعونة وروى ابن أبي حاتم من طريق عباد بن منصور عن الحسن
قال الراعن السخري من القول نهاهم الله أن يسخروا من محمد ويحتمل أن يضمن القول
التسمية أي لا تسموا نبيكم راعنا الراعن الأحمق والأرعن مبالغة فيه وفي قراءة أبي بن كعب
لا تقولوا راعونا وهي بلفظ الجمع وكذا في مصحف ابن مسعود وفيه أيضا أرعونا وقرأ الجمهور راعنا
بغير تنوين على أنه فعل أمر من المراعاة وإنما نهوا عن ذلك لأنها كلمة تقتضي المساواة وقد
فسرها مجاهد لا تقولوا أسمع منا ونسمع منك وعن عطاء كانت لغة تقولها الأنصار فنهوا عنها وعن
السدي قال كان رجل يهودي يقال له رفاعة بن زيد يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له
أرعني سمعك وأسمع غير مسمع فكان المسلمون يحسبون أن في ذلك تفخيما للنبي صلى الله عليه
وسلم فكانوا يقولون ذلك فنهوا عنه وروى أبو نعيم في الدلائل بسند ضعيف جدا عن ابن عباس
قال راعنا بلسان اليهود السب القبيح فسمع سعد بن معاذ ناسا من اليهود خاطبوا بها النبي صلى
الله عليه وسلم فقال لئن سمعتها من أحد منكم لأضربن عنقه (قوله لا تجزى لا تغنى) هو قول أبي
عبيدة في قوله تعالى لا تجزى نفس عن نفس شيئا أي لا تغني وروى ابن أبي حاتم من طريق
السدي قال يعنى لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا (قوله خطوات من
الخطو والمعنى آثاره) قال أبو عبيدة في قوله تعالى لا تتبعوا خطوات الشيطان هي الخطا
واحدتها خطوة ومعناها آثار الشيطان وروى ابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال خطوات
الشيطان نزعات الشيطان ومن طريق مجاهد خطوات الشيطان خطاه ومن طريق القاسم بن
الوليد قلت لقتادة فقال كل معصية لله فهي من خطوات الشيطان وروى سعيد بن منصور عن
أبي مجلز قال خطوات الشيطان النذور في المعاصي كذا قال واللفظ أعم من ذلك فمن في كلامه
مقدرة (قوله ابتلى اختبر) هو تفسير أبي عبيدة والأكثر وقال الفراء أمره وثبت هذا في نسخة
الصغاني * (قوله باب قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) الأنداد
جمع ند بكسر النون وهو النظير وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال الند العدل ومن
طريق الضحاك عن ابن عباس قال الأنداد الأشباه وسقط لفظ باب لأبي ذر ثم ذكر المصنف
حديث ابن مسعود أي الذنب أعظم وسيأتي شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى
124

* (قوله باب وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى إلى يظلمون) كذا لأبي
ذر وسقط له لفظ باب وساق الباقون الآية (قوله وقال مجاهد المن صمغة) أي بفتح الصاد المهملة
وسكون الميم ثم غين معجمة (والسلوى الطير) وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
مثله وكذا قال عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس قال كان المن ينزل على الشجر فيأكلون منه ما شاءوا ومن طريق عكرمة قال كان مثل
الرب الغليظ أي بضم الراء بعدها موحدة ومن طريق السدي قال كان مثل الترنجبيل ومن
طريق سعيد بن بشير عن قتادة قال كان المن يسقط عليهم سقوط الثلج أشد بياضا من اللبن وأحلى
من العسل وهذه الأقوال كلها لا تنافي فيها ومن طريق وهب بن منبه قال المن خبز الرقاق وهذا
مغاير لجميع ما تقدم والله أعلم وروى ابن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
قال السلوى طائر يشبه السماني ومن طريق وهب بن منبه قال هو السماني وعنه قال هو طير
سمين مثل الحمام ومن طريق عكرمة قال طير أكبر من العصفور ثم ذكر المصنف حديث سعيد بن
زيد في الكمأة من المن وسيأتي شرحه في كتاب الطب ووقع في رواية ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير
في حديث الباب من المن الذي أنزل على بني إسرائيل وبه تظهر مناسبة ذكره في التفسير والرد على
الخطابي حيث قال لا وجه لادخال هذا الحديث هنا قال لأنه ليس المراد في الحديث أنها نوع من
المن المنزل علي بن إسرائيل فإن ذاك شئ كان يسقط عليهم كالترنجبيل والمراد أنها شجرة تنبت
بنفسها من غير استنبات ولا مؤنة انتهى وقد عرف وجه إدخاله هنا ولو كان المراد ما ذكره الخطابي
والله أعلم * (قوله باب وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم الآية) كذا
لأبي ذر وساق غيره الآية إلى قوله المحسنين (قوله رغدا واسعا كثيرا) هو من تفسير أبي عبيدة قال
الرغد الكثير الذي لا يتعب يقال قد أرغد فلان إذا أصاب عيشا واسعا كثيرا وعن الضحاك عن
ابن عباس في قوله وكلا منها رغدا حيث شئتما قال الرغد سعة المعيشة أخرجه الطبري وأخرج
من طريق السدي عن رجاله قال الرغد الهنئ ومن طريق مجاهد قال الرغد الذي لا حساب فيه
ثم ذكر المصنف حديث أبي هريرة في قوله تعالى وقولوا حطة وقد تقدم ذكره في قصة موسى من
أحاديث الأنبياء وأحلت بشرحه على تفسير سورة الأعراف وسأذكره هناك إن شاء الله تعالى
وقوله في أول هذا الاسناد حدثنا محمد لم يقع منسوبا إلا في رواية أبي علي بن السكن عن الفريري
فقال محمد بن سلام ويحتمل عندي أن يكون محمد بن يحيى الذهلي فإنه يروي عن عبد الرحمن
ابن مهدي أيضا وأما أبو علي الجياني فقال الأشبه أنه محمد بن بشار * (قوله باب من كان
عدوا لجبريل) كذا لأبي ذر ولغيره قوله من كان عدوا لجبريل قيل سبب عداوة اليهود لجبريل أنه
أمر باستمرار النبوة فيهم فنقلها لغيرهم وقيل لكونه يطلع على أسرارهم (قلت) وأصح منهما ما سيأتي
بعد قليل لكونه الذي ينزل عليهم بالعذاب (قوله قال عكرمة جبر وميك وسراف عبد إيل الله)
125

وصله الطبري من طريق عاصم عنه قال جبريل عبد الله وميكائيل عبد الله إيل الله ومن
وجه آخر عن عكرمة جبر عبد وميك عبد وإيل الله ومن طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن
عباس نحو الأول وزاد وكل اسفيه إيل فهو الله ومن طريق عبد الله بن الحرث البصري أحد
التابعين قال أيل الله بالعبرانية ومن طريق علي بن الحسين قال اسم جبريل عبد الله
وميكائيل عبيد الله يعني بالتصغير وإسرافيل عبد الرحمن وكل اسم فيه إيل فهو معبد لله وذكر
عكس هذا وهو أن إيل معناه عبد وما قبله معناه اسم لله كما تقول عبد الله وعبد الرحمن وعبد
الرحيم فلفظ عبد لا يتغير وما بعده يتغير لفظه وإن كان المعنى واحدا ويؤيده أن الاسم المضاف في
لغة غير العرب غالبا يتقدم فيه المضاف إليه على المضاف وقال الطبري وغيره في جبريل لغات
فأهل الحجاز يقولون بكسر الجيم بغير همز وعلى ذلك عامة القراء وبنو أسد مثله لكن آخره نون
وبعض أهل نجد وتميم وقيس يقولون جبرائيل بفتح الجيم والراء بعدها همزة وهي قراءة حمزة
والكسائي وأبي بكر وخلف واختيار أبي عبيد وقراءة يحيى بن وثاب وعلقمة مثله لكن بزيادة
ألف وقراءة يحيى بن آدم مثله لكن بغير ياء وذكر عن الحسن وابن كثير أنهما قرأ كالأول لكن بفتح
الجيم وهذا الوزن ليس في كلام العرب فزعم بعضهم أنه اسم أعجمي وعن يحيى بن يعمر جبرائيل
بفتح الجيم والراء بعدها همزة مكسورة وتشديد اللام ثم ذكر حديث أنس في قصة عبد الله بن
سلام وقد تقدمت قبيل كتاب المغازي وتقدم معظم شرحها هناك وقوله ذاك عدو اليهود من
الملائكة فقرأ هذه الآية من كان عدوا لجبريل فإن نزله على قلبك ظاهر السياق أن النبي صلى
الله عليه وسلم هو الذي قرأ الآية رد لقول اليهود ولا يستلزم ذلك نزولها حينئذ وهذا هو المعتمد
فقد روى أحمد والترمذي والنسائي في سبب نزول الآية قصة غير قصة عبد الله بن سلام فاخرجوا
من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقالوا يا أبا القاسم إنا نسألك عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بها عرفنا أنك نبي واتبعناك فذكر
الحديث وفيه أنهم سألوه عما حرم إسرائيل على نفسه وعن علامة النبوة وعن الرعد وصوته
وكيف تذكر المرأة وتؤنث وعمن يأتيه بالخبر من السماء فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنية
وفي رواية لأحمد والطبري من طريق شهر بن حوشب عن ابن عباس عليكم عهد الله لئن أنا
أنبأتكم لتبايعني فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق فذكر الحديث لكن ليس فيه السؤال عن
الرعد وفي رواية شهر بن حوشب لما سألوه عمن يأتيه من الملائكة قال جبريل قال ولم يبعث الله
نبيا قط إلا وهو وليه فقالوا فعندها نفارقك لو كان وليك سواه من الملائكة لبايعناك وصدقناك
قال فما منعكم أن تصدقوه قالوا إنه عدونا فنزلت وفي رواية بكير بن شهاب قالوا جبريل ينزل
بالحرب والقتل والعذاب لو كان ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر فنزلت وروى الطبري
من طريق الشعبي إن عمر كان يأتي اليهود فيسمع من التوراة فيتعجب كيف تصدق ما في القرآن
قال فمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقلت نشدتكم بالله أتعلمون أنه رسول الله فقال له عالمهم
نعم تعلم أنه رسول الله قال فلم لا تتبعونه قالوا أن لنا عدوا من الملائكة وسلما وأنه قرن بنبوته من
الملائكة عدونا فذكر الحديث وأنه لحق النبي صلى الله عليه وسلم فتلا عليه الآية وأورده من
126

طريق قتادة عن عمر نحوه وأورد ابن أبي حاتم والطبري أيضا من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى أن
يهوديا لقي عمر فقال أن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو لنا فقال عمر من كان عدو الله وملائكته
ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين فنزلت على وفق ما قال وهذه طرق يقوى بعضها
بعضا ويدل على أن سبب نزول الآية قول اليهودي المذكور لا قصة عبد الله بن سلام وكان النبي
صلى الله عليه وسلم لما قال له عبد الله بن سلام أن جبريل عدو اليهود تلا عليه الآية مذكرا له سبب
نزولها والله أعلم وحكى الثعلبي من ابن عباس أن سبب عداوة اليهود لجبريل أن نبيهم أخبرهم
أن بختنصر سيخرب بيت المقدس فبعثوا رجلا ليقتله فوجده شابا ضعيفا فمنعه جبريل من قتله
وقال له أن كان الله أراد هلاككم على يده فلن تسلط عليه وأن كان غيره فعلى أي حق تقتله فتركه
فكبر بختنصر وغزا بيت المقدس فقتلهم وخربه فصاروا يكرهون جبريل لذلك وذكر أن
الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك هو عبد الله بن صوريا وقوله أما أول أشراط الساعة
فنار يأتي شرح ذلك في أواخر كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى * (قوله باب قوله
تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) كذا لأبي ذر ننسها بضم أوله وكسر السين
بغير همز ولغيره ننسأها والأول قراءة الأكثر واختارها أبو عبيدة وعليه أكثر المفسرين والثانية
قراءة ابن كثير وأبي عمرو وطائفة وسأذكر توجيههما وفيها قراآت أخرى في الشواذ (قوله حدثنا
يحيى) هو القطان وسفيان هو الثوري (قوله عن حبيب) هو ابن أبي ثابت وورد منسوبا في رواية
صدقة بن الفضل عن يحيى القطان في فضائل القرآن وفي رواية الإسماعيلي من طريق ابن خلاد
عن يحيى بن سعيد عن سفيان حدثنا حبيب (قوله قال عمر أقرؤنا أبي وأقضانا على) كذا أخرجه
موقوفا وقد أخرجه الترمذي وغيره من طريق أبي قلابة عن أنس مرفوعا في ذكر أبي وفيه ذكر
جماعة وأوله أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وفيه وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب الحديث وصححه
لكن قال غيره إن الصواب إرساله وأما قوله وأقضانا على فورد في حديث مرفوع أيضا عن أنس
رفعه أقضى أمتي علي بن أبي طالب أخرجه البغوي وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن النبي
صلى الله عليه وسلم مرسلا أرحم أمتي بأمتي أبي بكر وأقضاهم على الحديث ورويناه موصولا في
فوائد أبي بكر محمد بن العباس بن نجيح من حديث أبي سعيد الخدري مثله وروى البزار من حديث
ابن مسعود قال كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه (قوله وإنا لندع
من قول أبى) في رواية صدقة من لحن أبي واللحن اللغة وفي رواية ابن خلاد وأنا لنترك كثيرا من
قراءة أبي (قوله سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية صدقة أخذته من في رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولا أتركه لشئ لأنه بسماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يحصل له العلم
القطعي به فإذا أخبره غيره عنه بخلافه لم ينتهض معارضا له حتى يتصل إلى درجة العلم القطعي وقد
لا يحصل ذلك غالبا * (تنبيه) * هذا الاسناد فيه ثلاثة من الصحابة في نسق ابن عباس عن عمر عن
أبي بن كعب (قوله وقد قال الله تعالى الخ) هو مقول عمر محتجا به على أبي بن كعب ومشيرا
إلى أنه ربما قرأ ما نسخت تلاوته لكونه لم يبلغه النسخ واحتج عمر لجواز وقوع ذلك بهذه الآية
وقد أخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال خطبنا عمر فقال أن الله
يقول ما ننسخ من آية أو ننسأها أي نؤخرها وهذا يرجح رواية من قرأ بفتح أوله وبالهمز وأما قراءة
127

من قرأ بضم أوله فمن النسيان وكذلك كان سعيد بن المسيب يقرؤها فأنكر عليه سعد بن أبي
وقاص أخرجه النسائي وصححه الحاكم وكانت قراءة سعد أو تنساها بفتح المثناة خطابا للنبي صلى
الله عليه وسلم واستدل بقوله تعالى سنقرئك فلا تنسى وروى ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن
ابن عباس قال ربما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل ونسيه بالنهار فنزلت واستدل
بالآية المذكورة على وقوع النسخ خلافا لمن شذ فمنعه وتعقب بأنها قضية شرطية لا تستلزم
الوقوع وأجيب بأن السياق وسبب النزول كان في ذلك لأنها نزلت جوابا لمن أنكر ذلك
* (قوله باب وقالوا أتخذ الله ولدا سبحانه) كذا للجميع وهي قراءة الجمهور وقرأ
ابن عامر قالوا بحذف الواو واتفقوا على أن الآية نزلت فيمن زعم أن لله ولدا من يهود خيبر
ونصارى نجران ومن قال من مشركي العرب الملائكة بنات الله فرد الله تعالى عليهم (قوله
قال الله تعالى) هذا من الأحاديث القدسية (قوله وأما شتمه إياي فقوله لي ولد) إنما سماه
شتما لما فيه من التنقيص لان الولد إنما يكون عن والدة تحمله ثم تضعه ويستلزم ذلك سبق النكاح
والناكح يستدعى باعثا له على ذلك والله سبحانه منزه عن جميع ذلك ويأتي شرحه في تفسير سورة
الاخلاص * (قوله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) كذا لهم والجمهور
على كسر الخاء من قوله واتخذوا بصيغة الامر وقرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء بصيغة الخبر والمراد
من أتبع إبراهيم وهو معطوف على قوله جعلنا فالكلام جملة واحدة وقيل على وإذ جعلنا
فيحتاج إلى تقدير إذ ويكون الكلام جملتين وقيل على محذوف تقديره فثابوا أي رجعوا
واتخذوا وتوجيه قراءة الجمهور أنه معطوف على ما تضمنه قوله مثابة كأنه قال ثوبوا واتخذوا
أو معمول لمحذوف أي وقلنا اتخذوا ويحتمل أن يكون الواو للاستئناف * (قوله مثابة
يثوبون يرجعون) قال أبو عبيدة قوله تعالى مثابة مصدر يثوبون أي يصيرون إليه ومراده
بالمصدر اسم المصدر وقال غيره هو اسم مكان وروى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس
في قوله مثابة قال يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه لا يقضون منه وطرا قال الفراء
المثابة والمثاب بمعنى واحد كالمقام والمقامة وقال البصريون الهاء للمبالغة لما كثر من يثوب
إليه كما قالوا سيارة لمن يكثر السير والأصل في مثابة مثوبة فأعل بالنقل والقلب ثم ذكر المصنف
حديث أنس عن عمر قال وافقت ربي في ثلاث وقد تقدم في أوائل الصلاة وتأتي قصة الحجاب في
تفسير الأحزاب والتخيير في تفسير التحريم وقوله في الحديث فانتهيت إلى إحداهن يأتي
الكلام عليه في باب غيرة النساء من أواخر كتاب النكاح (قوله وقال ابن أبي مريم الخ) تقدم
أيضا في الصلاة وروى أبو نعيم في الدلائل من حديث ابن عمر أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عمر
فمر به على المقام فقال له هذا مقام إبراهيم قال يا نبي الله إلا تتخذه مصلى فنزلت * (تكملة) * قال ابن
الجوزي إنما طلب عمر الاستنان بإبراهيم عليه السلام مع النهي عن النظر في كتاب التوراة لأنه
سمع قول الله تعالى في حق إبراهيم أني جاعلك للناس إماما وقوله تعالى أن أتبع ملة إبراهيم فعلم
أن الائتمام بإبراهيم من هذه الشريعة ولكون البيت مضافا إليه وأن أثر قدميه في المقام كرقم
الباني في البناء ليذكر به بعد موته فرأى الصلاة عند المقام كقراءة الطائف بالبيت اسم من بناه
انتهى وهي مناسبة لطيفة ثم قال ولم تزل آثار قدمي إبراهيم حاضرة في المقام معروفة عند أهل
128

الحرم حتى قال أبو طالب في قصيدته المشهورة
وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة * على قدميه حافيا غير ناعل
وفي موطأ ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن أنس قال رأيت المقام فيه أصابع إبراهيم
وأخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم وأخرج الطبري في تفسيره من طريق سعيد بن
أبي عروبة عن قتادة في هذه الآية إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه قال ولقد
ذكر لنا من رأى أثر عقبة وأصابعه فيها فما زالوا يمسحونه حتى اخلولق وانمحى وكان المقام من عهد
إبراهيم لزق البيت إلى أن آخره عمر رضي الله عنه إلى المكان الذي هو فيه الآن أخرجه عبد
الرزاق في مصنفه بسند صحيح عن عطاء وغيره وعن مجاهد أيضا وأخرج البيهقي عن عائشة مثله
بسند قوي ولفظه أن المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن أبي بكر ملتصقا بالبيت ثم
أخره عمر وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حوله
والأول أصح وقد أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عيينة قال كان المقام في سقع البيت
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحوله عمر فجاء سيل فذهب به فرده عمر إليه قال سفيان
لا أدرى أكان لاصقا بالبيت أم لا انتهى ولم تنكر الصحابة فعل عمر ولا من جاء بعدهم فصار إجماعا
وكان عمر رأى أن ابقاءه يلزم منه التضييق على الطائفين أو على المصلين فوضعه في مكان يرتفع به
الحرج وتهيأ له ذلك لأنه الذي كان أشار باتخاذ مصلى وأول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن
(قوله باب وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) ساق إلى العليم (قوله القواعد أساسه
واحدتها قاعدة) قال أبو عبيدة في قوله تعالى وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت قال قواعده
أساسه وقال الفراء يقال القواعد أساس البيت قال الطبري اختلفوا في القواعد التي رفعها
إبراهيم وإسماعيل أهما أحدثاها أم كانت قبلهما ثم روى بسند صحيح عن ابن عباس قال كانت
قواعد البيت قبل ذلك ومن طريق عطاء قال قال آدم أي رب لا أسمع أصوات الملائكة قال ابن
لي بيتا ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف بيتي الذي في السماء فيزعم الناس أنه بناه من خمسة
أجبل حتى بناه إبراهيم بعد وقد تقدم بزيادة فيه في قصة إبراهيم عليه السلام من أحاديث الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام (قوله والقواعد من النساء واحدتها قاعد) أراد الإشارة إلى أن لفظ
الجمع مشترك وتظهر التفرقة بالواحد فجمع النساء اللواتي قعدن عن الحيض والاستمتاع قاعد
بلا هاء ولولا تخصيصهن بذلك لثبت الهاء نحو قاعدة من القعود المعروف ثم ذكر المصنف حديث
عائشة في بناء قريش البيت وقد سبق بسطه في كتاب الحج * (قوله باب قولوا آمنا
بالله) سقط لفظ باب لغير أبي ذر (قوله كان أهل الكتاب) أي اليهود (قوله لا تصدقوا أهل
الكتاب ولا تكذبوهم) أي إذا كان ما يخبرونكم به محتملا لئلا يكون في نفس الامر صدقا
فتكذبوه أو كذبا فتصدقوه فتقعوا في الحرج ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه
ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفاقه نبه على ذلك الشافعي رحمه الله ويؤخذ من هذا
الحديث التوقف عن الخوض في المشكلات والجزم فيها بما يقع في الظن وعلى هذا يحمل ما جاء
عن السلف من ذلك (قوله وقولوا آمنا بالله وما انزل إلينا الآية) زاد في الاعتصام وما أنزل
إليكم وزاد الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن المثنى عن عثمان بن عمر بهذا
129

الاسناد وما انزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون * (قوله
باب قوله تعالى سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم الآية) كذا لأبي
ذر وساق غيره إلى قوله مستقيم والسفهاء جمع سفيه وهو خفيف العقل وأصله من قولهم
ثوب سفيه أي خفيف النسج واختلف في المراد بالسفهاء فقال البراء كما في حديث الباب
وابن عباس ومجاهد هم اليهود وأخرج ذلك الطبري عنهم بأسانيد صحيحة وروى من طريق
السدي قال هم المنافقون والمراد بالسفهاء الكفار وأهل النفاق واليهود أما الكفار فقالوا
لما حولت القبلة رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا فإنه علم انا على الحق وأما أهل النفاق
فقالوا أن كان أولا على الحق فالذي انتقل إليه باطل وكذلك بالعكس وأما اليهود فقالوا خالف
قبلة الأنبياء ولو كان نبيا لما خالف فلما كثرت أقاويل هؤلاء السفهاء أنزلت هذه الآيات من
قوله تعالى ما ننسخ من آية إلى قوله تعالى فلا تخشوهم واخشوني الآية (قوله ستة عشر شهرا
أسبعة عشر شهرا) تقدم الكلام عليه وعلى شرح الحديث في كتاب الايمان * (قوله
باب قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون
الرسول عليكم شهيدا) كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى مستقيم وسيأتي الكلام على الآية في
كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا قتيبة (1) حدثنا جرير وأبو أسامة واللفظ لجرير)
أي لفظ المتن (قوله وقال أبو أسامة حدثنا أبو صالح) يعني قال أبو أسامة عن الأعمش حدثنا
أبو صالح فأفاد تصريح الأعمش بالتحديث وقد أخرجه في الاعتصام من وجه آخر عن أبي أسامة
وصرح في روايته أيضا بالتحديث وسيأتي في رواية أبي أسامة مفردة في الاعتصام (قوله يدعى
نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل بلغت فيقول نعم) زاد في الاعتصام نعم
يا رب (قوله فيقول من يشهد لك) في الاعتصام فيقول من شهودك (قوله فيشهدون) في
الاعتصام فيجاء بكم فتشهدون وقد روى هذا الحديث أبو معاوية عن الأعمش بهذا الاسناد أتم
من سياق غيره وأشمل ولفظه يجئ النبي يوم القيامة ومعه الرجل ويجئ النبي ومعه الرجلان
ويجئ النبي ومعه أكثر من ذلك قال فيقال لهم أبلغكم هذا فيقولون لا فيقال للنبي أبلغتهم
فيقول نعم فيقال له من يشهد لك الحديث أخرجه أحمد عنه والنسائي وابن ماجة والإسماعيلي
من طريق أبي معاوية أيضا (قوله فيشهدون أنه قد بلغ) زاد أبو معاوية فيقال وما علمكم فيقولون
أخبرنا نبينا أن الرسل قد بلغوا فصدقناه ويؤخذ من حديث أبي بن كعب تعميم ذلك فأخرج
ابن أبي حاتم بسند جيد عن أبي العالية عن أبي بن كعب في هذه الآية قال لتكونوا شهداء
وكانوا شهداء على الناس يوم القيامة كانوا شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم
شعيب وغيرهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم قال أبو العالية وهي قراءة أبي لتكونوا
شهداء على الناس يوم القيامة ومن حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما من رجل من الأمم
الأود أنه منا أيتها الأمة ما من نبي كذبه قومه إلا ونحن شهداؤه يوم القيامة أن قد بلغ رسالة الله
130

ونصح لهم (قوله فذلك قوله عز وجل وكذلك جعلناكم أمة وسطا) في الاعتصام ثم قرأ رسول الله
صلى الله عليه وسلم (قوله والوسط العدل) هو مرفوع من نفس الخبر وليس بمدرج من قول
بعض الرواة كما وهم فيه بعضهم وسيأتي في الاعتصام بلفظ وكذلك جعلناكم أمة وسطا عدلا
وأخرج الإسماعيلي من طريق حفص بن غياث عن الأعمش بهذا السند في قوله وسطا قال عدلا
كذا أورده مختصرا مرفوعا وأخرجه الطبري من هذا الوجه مختصرا مرفوعا ومن طريق
وكيع عن الأعمش بلفظ والوسط العدل مختصرا مرفوعا ومن طريق أبي معاوية عن الأعمش
مثله وكذا أخرجه الترمذي والنسائي من هذا الوجه وأخرجه الطبري من طريق جعفر بن عون
عن الأعمش مثله وأخرجه عن جماعة من التابعين كمجاهد وعطاء وقتادة ومن طريق العوفي عن
ابن عباس مثله قال الطبري الوسط في كلام العرب الخيار يقولون فلان وسط في قومه وواسط
إذا أرادوا الرفع في حسبه قال والذي أرى أن معنى الوسط في الآية الجزء الذي بين الطرفين
والمعنى أنهم وسط لتوسطهم في الدين فلم يغلوا كغلوا النصارى ولم يقصروا كتقصير اليهود ولكنهم
أهل وسط واعتدال (قلت) لا يلزم من كون الوسط في الآية صالحا لمعنى التوسط أن لا يكون أريد
به معناه الآخر كما نص عليه الحديث فلا مغايرة بين الحديث وبين ما دل عليه معنى الآية والله
أعلم * (قوله باب قول الله تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع
الرسول الآية) كذا لأبي ذر وساق غيره إلى قوله رؤوف رحيم ثم أورد حديث ابن عمر في تحويل
القبلة أورده مختصرا وقد تقدم شرحه في أوائل الصلاة مستوفى * (قوله باب
قوله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء الآية) وفي رواية كريمة إلى عما تعلمون (قوله عن أنس)
صرح في رواية الإسماعيلي وأبي نعيم بسماع سليمان له من أنس (قوله لم يبق ممن صلى القبلتين
غيري) يعني الصلاة إلى بيت المقدس وإلى الكعبة وفي هذا إشارة إلى أن أنسا آخر من مات ممن
صلى إلى القبلتين والظاهر أن أنسا قال ذلك وبعض الصحابة ممن تأخر إسلامه موجود ثم تأخر
أنس إلى أن كان آخر من مات بالبصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله علي بن المديني
والبزار وغيرهما بل قال ابن عبد البر هو آخر الصحابة موتا مطلقا لم يبق بعده غير أبي الطفيل كذا
قال وفيه نظر فقد ثبت لجماعة ممن سكن البوادي من الصحابة تأخرهم عن أنس وكانت وفاة
أنس سنة تسعين أو إحدى أو ثلاث وهو أصح ما قيل فيها وله مائة وثلاث سنين على الأصح أيضا
وقيل أكثر من ذلك وقيل أقل وقوله تعالى فلنولينك قبلة ترضاها هي الكعبة وروى الحاكم
من حديث ابن عمر في قوله فلنولينك قبلة ترضاها قال نحو ميزاب الكعبة وإنما قال ذلك لان
تلك الجهة قبلة أهل المدينة * (قوله باب ولئن آتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية
ما تبعوا قبلتك الآية) كذا لأبي ذر ولغيره إلى لمن الظالمين ذكر فيه حديث ابن عمر المشار إليه
قبل باب من وجه آخر * (قوله باب الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون
أبناءهم) كذا لأبي ذر ولغيره إلى آخر الآية وساق فيه حديث ابن عمر المذكور من وجه آخر
131

* (قوله باب ولكل وجهة موليها الآية) كذا لأبي ذر ولغيره إلى كل شئ قدير (قوله
صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ثم صرفه
نحو القبلة) في رواية الكشميهني ثم صرفوا وهذا طرف من حديث البراء المشار إليه قريبا (قوله
ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام الآية) كذا لأبي ذر ولغيره إلى قوله عما
تعلمون (قوله شطره تلقاؤه) قال الفراء في قوله تعالى فولوا وجوهكم شطره يريد نحوه قال وفي
بعض القراءات تلقاءه وروى الطبري من طريق أبي العالية قال شطر المسجد الحرام تلقاء ومن
طريق قتادة نحوه ثم ذكر حديث ابن عمر من طريق أخرى * (قوله باب قوله تعالى ان
الصفا والمروة من شعائر الله شعائر علامات واحدتها شعيرة) وهو قول أبي عبيدة (قوله وقال
ابن عباس الصفوان الحجر) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه (قوله ويقال الحجارة
الملس التي لا تنبت شيئا والواحدة صفوانة بمعنى الصفا والصفا للجميع) هو كلام أبي عبيدة أيضا
قال الصفوان إجماع ويقال الواحدة صفوانة في معنى الصفا والصفا للجميع وهي الحجارة الملس
التي لا تنبت شيئا أبدا من الأرضين والرؤوس وواحد الصفا صفاة وقيل الصفا اسم جنس يفرق بينه
وبين مفرده بالتاء وقيل مفرد يجمع على فعول وأفعال كقفا وأقفا فيقال فيه صفا وأصفى ويجوز
كسر صاد صفا أيضا ثم ساق حديث عائشة في سبب نزول أن الصفا والمروة من شعائر الله وقد
تقدم شرحه في كتاب الحج وكذا حديث أنس وقوله هنا كنا نرى من أمر الجاهلية فيه حذف
سقط ووقع في رواية ابن السكن كنا نرى أنهما وبه يستقيم الكلام * (قوله باب
قوله تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله يعني أضدادا وأحدها ند)
قد تقدم تفسير الأنداد في أوائل هذه السورة وتفسير الأنداد بالأضداد لأبي عبيدة وهو تفسير
باللازم وذكر هنا أيضا حديث ابن مسعود من مات وهو يجعل لله ندا وقد مضى شرحه في أوائل
132

كتاب الجنائز ويأتي الالمام بشئ منه في الايمان والنذور * (قوله باب يا أيها
الذين آمنوا كتب عليكم القصاص الآية) كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى أليم (قوله عمرو)
هو ابن دينار (قوله كان في بني إسرائيل القصاص) سيأتي شرحه في كتاب الديات (قوله حدثنا
محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميد أن ساحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كتاب الله
القصاص) هكذا أورده مختصرا وساقه في الصلح بهذا الاسناد مطولا وسيأتي في الديات أيضا
باختصار ثم أورده من وجه آخر عن حميد وسيأتي شرحه في تفسير سورة المائدة إن شاء الله تعالى
وقوله كتاب الله القصاص بالرفع فيهما على أنه مبتدأ وخبر وبالنصب فيهما على أن الأول اغراء
والثاني بدل ويجوز في الثاني الرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر أي اتبعوا كتاب الله ففيه
القصاص قال الخطابي في قوله فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع الخ ويحتاج إلى تفسير لان
العفو يقتضى إسقاط الطلب فما هو الاتباع وأجاب بأن العفو في الآية محمول على العفو على
الدية فيتجه حينئذ المطالبة بها ويدخل فيه بعض مستحقي القصاص فأنه يسقط وينتقل حتى من
لم يعف إلى الدية فيطالب بحصته * (قوله باب يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم
الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) أما قوله كتب فمعناه فرض والمراد
بالمكتوب فيه اللوح المحفوظ وأما قوله كما فاختلف في التشبيه الذي دلت عليه الكاف هل هو
على الحقيقة فيكون صيام رمضان قد كتب على الذين من قبلنا أو المراد مطلق الصيام دون وقته
وقدره فيه قولان وورد في أول حديث مرفوع عن ابن عمر أورده ابن أبي حاتم بإسناد فيه مجهول
ولفظه صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم وبهذا قال الحسن البصري والسدي وله شاهد
آخر أخرجه الترمذي من طريق معقل النسابة وهو من المخضرمين ولم تثبت له صحبة ونحوه عن
الشعبي وقتادة والقول الثاني أن التشبيه واقع على نفس الصوم وهو قول الجمهور وأسنده ابن
أبي حاتم والطبري عن معاذ وابن مسعود وغيرهما من الصحابة والتابعين وزاد الضحاك ولم يزل
الصوم مشروعا من زمن نوح وفي قوله لعلكم تتقون إشارة إلى أن من قبلنا كان فرض الصوم
عليهم من قبيل الآصار والأثقال التي كلفوا بها وأما هذه الأمة فتكليفها بالصوم ليكون سببا
لاتقاء المعاصي وحائلا بينهم وبينها فعلى هذا المفعول المحذوف يقدر بالمعاصي أو بالمنهيات ثم
ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث * أحدها حديث ابن عمر وقد تقدم في كتاب الصيام من
وجه آخر مشرحه * ثانيها حديث عائشة أورده من وجهين عن عروة عنها وقد تقدم شرحه
كذلك * ثالثها حديث ابن مسعود (قوله حدثني محمود) هو ابن غيلان وثبت كذلك في رواية
كذا قال أبو علي الجياني وقد وقع في نسخة الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني حدثنا محمد بدل
133

محمود وقد ذكر الكلاباذي أن البخاري روى عن محمود بن غيلان وعن محمد وهو ابن يحيى الذهلي
عن عبيد الله بن موسى قال أبو علي الجياني لكن هنا الاعتماد على ما قال الجماعة عن محمود بن
غيلان المروزي (قوله عن عبد الله) هو ابن مسعود (قوله قال دخل عليه الأشعث وهو يطعم)
أي يأكل وفي رواية مسلم من وجه آخر عن إسرائيل بسنده المذكور إلى علقمة قال دخل
الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يأكل وهو ظاهر في أن علقمة حضر القصة ويحتمل أن
يكون لم يحضرها وحملها عن ابن مسعود كما دل عليه سياق رواية الباب ولمسلم أيضا من طريق
عبد الرحمن بن يزيد قال دخل الأشعث بن قيس على عبد الله وهو يتغدى (قوله فقال اليوم
عاشوراء) كذا وقع مختصرا وتمامة في رواية مسلم بلفظ فقال أي الأشعث يا أبا عبد الرحمن وهي
كنية ابن مسعود وأوضح من ذلك رواية عبد الرحمن بن يزيد المذكورة فقال أي ابن مسعود يا أبا
محمد وهي كنية الأشعث ادن إلى الغداء فقال أوليس اليوم يوم عاشوراء (قوله كان يصام قبل
أن ينزل رمضان) في رواية عبد الرحمن بن يزيد إنما هو يوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصومه قبل أن ينزل شهر رمضان (قوله فلما نزل رمضان ترك) زاد مسلم في روايته فإن كنت
مفطرا فأطعم وللنسائي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله كنا نصوم عاشوراء فلما نزل
رمضان لم نؤمر به ولم ننه عنه وكنا نفعله ولمسلم من حديث جابر بن سمرة نحو هذه الرواية واستدل
بهذا الحديث على أن صيام يوم عاشوراء كان مفترضا قبل أن ينزل فرض رمضان ثم نسخ وقد
تقدم القول فيه مبسوطا في أواخر كتاب الصيام وإيراد هذا الحديث في هذه الترجمة يشعر بأن
المصنف كان يميل إلى ترجيح القول الثاني ووجهه أن رمضان لو كان مشروعا قبلنا لصامه النبي
صلى الله عليه وسلم ولم يصم عاشوراء أولا والظاهر أن صيامه عاشوراء ما كان إلا عن توقيف ولا
يضرنا في هذه المسألة اختلافهم هل كان صومه فرضا أو نفلا * (قوله باب قوله
تعالى أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر إلى قوله إن كنتم تعلمون) ساق الآية
كلها وانتصب أياما بفعل مقدر يدل عليه سياق الكلام كصوموا أو صاموا وللزمخشري
في إعرابه كلام متعقب ليس هذا موضعه (قوله وقال عطاء يفطر من المرض كله كما قال الله
تعالى) وصله عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء من أي وجع أفطر في رمضان قال من
المرض كله قلت يصوم فإذا غلب عليه أفطر قال نعم وللبخاري في هذا الأثر قصة مع شيخه إسحاق
ابن راهويه ذكرتها في ترجمة البخاري من تعليق التعليق وقد اختلف السلف في الحد الذي إذا
وجده المكلف جاز له الفطر والذي عليه الجمهور أنه المرض الذي يبيح له التيمم مع وجود الماء وهو
ما إذا خاف على نفسه لو تمادى على الصوم أو على عضو من أعضائه أو زيادة في المرض الذي بدأ به
أو تماديه وعن ابن سيرين متى حصل للانسان حال يستحق بها اسم المرض فله الفطر وهو نحو قول
عطاء وعن الحسن والنخعي إذ لم يقدر على الصلاة قائما يفطر (قوله وقال الحسن وإبراهيم
في المرضع والحامل إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما تفطران ثم تقضيان) كذا وقع لأبي ذر
وللأصيلي بلفظ أو الحامل ولغيرهما والحامل بالواو وهو أظهر وأما أثر الحسن فوصله عبد بن
حميد من طريق يونس بن حميد عن الحسن هو البصري قال المرضع إذ خافت على ولدها أفطرت
وأطعمت والحامل إذا خافت على نفسها أفطرت وقضت وهي بمنزلة المريض ومن طريق قتادة
134

عن الحسن تفطران وتقضيان وأما قول إبراهيم وهو النخعي فوصله عبد بن حميد أيضا من طريق
أبي معشر عن النخعي قال الحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا وقضتا صوما (قوله وأما الشيخ
الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بن مالك بعدما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا
ولحما وأفطر) وروى عبد بن حميد من طريق النضر بن أنس عن أنس أنه أفطر في رمضان وكان
قد كبر فأطعم مسكينا كل يوم ورويناه في فوائد محمد بن هشام بن ملاس عن مروان عن معاوية
عن حميد قال ضعف أنس عن الصوم عام توفي فسألت ابنه عمر بن أنس أطاق الصوم قال لا فلما
عرف أنه أنه لا يطيق القضاء أمر بجفان من خبز ولحم فأطعم العدة أو أكثر * (تنبيه) * قوله فقد
أطعم الفاء جواب للدليل الدال على جواز الفطر وتقدير الكلام وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق
الصيام فأنه يجوز له أن يفطر ويطعم فقد أطعم الخ وقوله كبر بفتح الكاف وكسر الموحدة أي أسن
وكان أنس حينئذ في عشر المائة كما تقدم التنبيه عليه قريبا (قوله قراءة العامة يطيقونه
وهو أكثر) يعني من أطاق يطيق وسأذكر ما خالف ذلك في الذي بعده (قوله حدثني إسحاق)
هو ابن راهويه وروح بفتح الراء هو ابن عبادة (قوله سمع ابن عباس يقول) في رواية الكشميهني
يقرأ (قوله يطوفونه) بفتح الطاء وتشديد الواو مبنيا للمفعول مخفف الطاء من طوق بضم أوله
بوزن قطع وهذه قراءة ابن مسعود أيضا وقد وقع عند النسائي من طريق ابن أبي نجيح عن عمرو
ابن دينار يطوقونه يكلفونه وهو تفسير حسن أي يكلفون إطاقته وقوله طعام مسكين زاد في
رواية النسائي واحد وقوله فمن تطوع خيرا زاد في رواية النسائي فزاد مسكين آخر (قوله قال ابن
عباس ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة) هذا مذهب ابن عباس وخالفه
الأكثر وفي هذا الحديث الذي بعده ما يدل على أنها منسوخة وهذه القراءة تضعف تأويل من
زعم أن لا محذوفة من القراءة المشهورة وأن المعنى وعلى الذين لا يطيقونه فدية وأنه كقول
الشاعر * فقلت يمين الله أبرح قاعدا * أي لا أبرح قاعدا ورد بدلالة القسم على النفي بخلاف
الآية ويثبت هذا التأويل أن الأكثر على أن الضمير في قوله يطيقونه للصيام فيصير تقدير الكلام
وعلى الذين يطيقون الصيام فدية والفدية لا تجب على المطيق وإنما تجب على غيره والجواب عن
ذلك أن في الكلام حذفا تقديره وعلى الذين يطيقون الصيام إذا أفطر فدية وكان هذا في أول الأمر
عند الأكثر ثم نسخ وصارت الفدية للعاجز إذا أفطر وقد تقدم في الصيام حديث ابن أبي
ليلى قال حدثنا أصحاب محمد لما نزل رمضان شق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم
ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها وأن تصوموا خير لكم وأما على قراءة ابن عباس فلا
نسخ لأنه يجعل الفدية على من تكلف الصوم وهو لا يقدر عليه فيفطر ويكفر وهذا الحكم باق
وفي الحديث حجة لقول الشافعي ومن وافقه أن الشيخ الكبير ومن ذكر معه إذا شق عليهم الصوم
فأفطروا فعليهم الفدية خلافا لمالك ومن وافقه واختلف في الحامل والمرضع ومن أفطر لكبر
ثم قوى على القضاء بعد فقال الشافعي وأحمد يقضون ويطعمون وقال الأوزاعي والكوفيون
لا اطعام * (قوله باب فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ذكر فيه حديث
ابن عمر أنه قرأ فدية طعام بالإضافة ومساكين بلفظ الجمع وهي قراءة نافع وابن ذكوان والباقون
بتنوين فدية وتوحيد مسكين وطعام بالرفع على البدلية وأما الإضافة فهي من إضافة الشئ إلى
135

نفسه والمقصود به البيان مثل خاتم حديد وثوب حرير لان الفدية تكون طعاما وغيره ومن جمع
مساكين فلمقابلة الجمع بالجمع ومن أفرد فمعناه فعلى كل واحد ممن يطيق الصوم ويستفاد من
الافراد أن الحكم لكل يوم يفطر فيه إطعام مسكين ولا يفهم ذلك من الجمع والمراد بالطعام
الاطعام (قوله قال هي منسوخة) هو صريح في دعوى النسخ ورجحه ابن المنذر من جهة قوله
وأن تصوموا خير لكم قال لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام لم يناسب أن
يقال له وأن تصوموا خير لكم مع أنه لا يطيق الصيام (قوله في حديث بن الأكوع لما نزلت
وعلى الذين يطيقونه فدية الخ) هذا أيضا صريح في دعوى النسخ وأصرح منه ما تقدم من
حديث ابن أبي ليلى ويمكن إن كانت القراءة بتشديد الواو ثابتة أن يكون الوجهان ثابتين
بحسب مدلول القرائن والله أعلم (قوله قال أبو عبد الله) هو المصنف وثبت هذا الكلام في رواية
المستملى وحده (قوله مات بكير قبل يزيد) أي مات بكير بن عبد الله بن الأشج الراوي عن يزيد
وهو ابن أبي عبيد قبل شيخه يزيد وكانت وفاته سنة عشرين ومائة وقيل قبلها أو بعدها ومات
يزيد سنة ست أو سبع وأربعين ومائة * (قوله باب أحل لكم ليلة الصيام الرفث
إلى نسائكم إلى قوله وابتغوا ما كتب الله لكم) كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة الآية كلها
(قوله لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء) قد تقدم في كتاب الصيام من حديث البراء
أيضا أنهم كانوا لا يأكلون ولا يشربون إذا ناموا وأن الآية نزلت في ذلك وبينت هناك أن الآية
نزلت في الامرين معا وظاهر سياق حديث الباب أن الجماع كان ممنوعا في جميع الليل والنهار
بخلاف الأكل والشرب فكان مأذونا فيه ليلا ما لم يحصل النوم لكن بقية الأحاديث الواردة في
هذا المعنى تدل على عدم الفرق كما سأذكرها بعد فيحمل قوله كانوا لا يقربون النساء على الغالب
جمعا بين الاخبار (قوله وكان رجال يخونون أنفسهم) سمي من هؤلاء عمر وكعب بن مالك رضي
الله عنهما فروى أحمد وأبو داود والحاكم من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال
أحل الصيام ثلاثة أحوال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل
شهر ثلاثة أيام وصام عاشوراء ثم إن الله فرض عليه الصيام وأنزل عليه يا أيها الذين آمنوا كتب
عليكم الصيام فذكر الحديث إلى أن قال وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا
فإذا ناموا امتنعوا ثم أن رجلا من الأنصار صلى العشاء ثم نام فأصبح مجهودا وكان عمر أصاب من
النساء بعد ما نام فأنزل الله عز وجل أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله ثم أتموا
الصيام إلى الليل وهذا الحديث مشهور عن عبد الرحمن بن أبي ليلى لكنه لم يسمع من معاذ وقد
جاء عنه فيه حدثنا أصحاب محمد كما تقدم التنبيه عليه قريبا فكأنه سمعه من غير معاذ أيضا وله
شواهد منها ما أخرجه ابن مردويه من طريق كريب عن ابن عباس قال بلغنا ومن طريق عطاء
عن أبي هريرة نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه
قال كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء
حتى يفطر من الغد فرجع عمر من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمر عنده فأراد امرأته فقالت
إني قد نمت قال ما نمت ووقع عليها وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فنزلت وروى ابن جرير من
طريق ابن عباس نحوه ومن طريق أصحاب مجاهد وعطاء وعكرمة وغير واحد من غيرهم
136

كما لسدي وقتادة وثابت نحو هذا الحديث لكن لم يزد واحد منهم في القصة على تسمية عمر إلا في
حديث كعب بن مالك والله أعلم * (قوله باب وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط
الأبيض من الخيط الأسود من الفجر الآية العاكف المقيم) ثبت هذا التفسير في رواية المستملى
وحده وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى سواء العاكف فيه والباد أي المقيم والذي
لا يقيم ثم ذكر حديث عدي بن حاتم من وجهين في تفسير الخيط الأبيض والأسود وحديث
سهل بن سعد في ذلك وقد تقدما في الصيام مع شرحهما * (قوله باب وليس البر بأن
تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى الآية) كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة إلى
آخرها ثم ذكر حديث البراء في سبب نزولها وقد تقدم شرحه في كتاب الحج * (قوله
باب قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) ساق إلى آخر الآية (قوله
أتاه رجلان) تقدم في مناقب عثمان أن اسم أحدهما العلاء بن عرار وهو بمهملات واسم
الآخر حبان السلمي صاحب الدثنية أخرج سعيد بن منصور من طريقه ما يدل على ذلك
وسيأتي في تفسير سورة الأنفال أن رجلا اسمه حكيم سأل ابن عمر عن شئ من ذلك ويأتي
شرح الحديث هناك إن شاء الله تعالى وقوله في فتنة ابن الزبير في رواية سعيد بن منصور
أن ذلك عام نزول الحجاج بابن الزبير فيكون المراد بفتنة ابن الزبير ما وقع في آخر أمرة وكان نزول
الحجاج وهو ابن يوسف الثقفي من قبل عبد الملك بن مروان جهزه لقتال عبد الله بن الزبير وهو
بمكة في أواخر سنة ثلاث وسبعين وقتل عبد الله بن الزبير في آخر تلك السنة ومات عبد الله
ابن عمر في أول سنة أربع وسبعين كما تقدمت الإشارة إليه في باب العيدين (قوله أن الناس قد
ضيعوا) بضم المعجمة وتشديد التحتانية المكسورة للأكثر في رواية الكشميهني صنعوا بفتح
المهملة والنون ويحتاج إلى تقدير شئ محذوف أي صنعوا ما ترى من الاختلاف وقوله في
الرواية الأخرى وزاد عثمان بن صالح هو السهمي وهو من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه
في الاحكام حديثا غير هذا وقوله أخبرني فلان وحياة بن شريح لم أقف على تعيين اسم فلان
وقيل إنه عبد الله بن لهيعة وسيأتي سياق لفظ حياة وحده في تفسير سورة الأنفال وهذا
الاسناد من ابتدائه إلى بكير بن عبد الله وهو ابن الأشج بصريون ومنه إلى منتهاه مدنيون
137

(قوله ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله) أطلق على قتال من يخرج
عن طاعة الامام جهادا وسوى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده وأن كان الصواب عند
غيره خلافه وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاص بقتال الكفار بخلاف قتال البغاة فإنه
وإن كان مشروعا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار ولا سيما إن كان الحامل
إيثار الدنيا (قوله إما قتلوه وإما يعذبوه) كذا فيه الأول بصيغة الماضي لكونه إذا قتل ذهب
والثاني بصيغة المضارع لأنه يبقى أو يتجدد له التعذيب (قوله فكرهتم أن يعفو) بالتحتانية
أوله وبالافراد إخبار عن الله وهو الأوجه وبالمثناة من فوق والجمع وهو الكثر (قوله وختنه)
بفتح المعجمة والمثناة من فوق ثم نون قال الأصمعي الأختان من قبل المرأة والاحماء من قبل الزوج
والصهر جمعهما وقيل اشتق الختن مما اشتق منه الختان وهو التقاء الختانين * (قوله
باب قوله وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وساق إلى آخر الآية
(قوله التهلكة والهلاك واحد) هو تفسير أبي عبيدة وزاد والهلاك والهلك يعني بفتح
الهاء وبضمها واللام ساكنة فيهما وكل هذه مصادر هلك بلفظ الفعل الماضي وقيل
التهلكة ما أمكن التحرز منه والهلاك بخلافه وقيل التهلكة نفس الشئ المهلك وقيل
ما تضر عاقبته والمشهور الأول ثم ذكر المصنف حديث حذيفة في هذه الآية قال نزلت في
النفقة أي في ترك النفقة في سبيل الله عز وجل وهذا الذي قاله حذيفة جاء مفسرا في حديث أبي
أيوب الذي أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم من طريق أسلم بن
عمران قال كنا بالقسطنطينية فخرج صف عظيم من الروم فحمل رجل من المسلمين على صف
الروم حتى دخل فيهم ثم رجع مقبلا فصاح الناس سبحان الله ألقى بيده إلى التهلكة فقال أبو
أيوب أيها الناس إنكم تأولون هذه الآية على هذا التأويل وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر
الأنصار إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قلنا بيننا سرا إن أموالنا قد ضاعت فلو انا أقمنا فيها
وأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله هذه الآية فكانت التهلكة الإقامة التي أردناها وصح عن
ابن عباس وجماعة من التابعين نحو ذلك في تأويل الآية وروى ابن أبي حاتم من طريق
زيد بن أسلم أنها كانت نزلت في ناس كانوا يغزون بغير نفقه فيلزم على قوله اختلاف
المأمورين فالذين قيل لهم أنفقوا وأحسنوا أصحاب الأموال والذين قيل لهم ولا تلقوا الغزاة
بغير نفقة ولا يخفى ما فيه ومن طريق الضحاك بن أبي جبيرة كان الأنصار يتصدقون فأصابتهم
سنة فامسكوا فنزلت وروى ابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح عن مدرك بن عوف قال
إني لعند عمر فقلت إن لي جارا رمى بنفسه في الحرب فقتل فقال ناس ألقى بيده إلى التهلكة
فقال عمر كذبوا لكنه اشترى الآخرة بالدنيا وجاء عن البراء بن عازب في الآية تأويل آخر
أخرجه ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عنه بإسناد صحيح عن أبي إسحاق قال قلت للبراء أرأيت قول
الله عز وجل ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة هو الرجل يحمل على الكتيبة فيها ألف قال لا ولكنه
الرجل يذنب فيلقى بيده فيقول لا توبة لي وعن النعمان بن بشير نحوه والأول أظهر لتصدير
الآية بذكر النفقة فهو المعتمد في نزولها وأما قصرها عليه ففيه نظر لان العبرة بعموم اللفظ على
أن أحمد أخرج الحديث المذكور من طريق أبي بكر وهو ابن عياش عن أبي إسحاق بلفظ آخر قال
138

قلت للبراء الرجل يحمل على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة قال لا لان الله تعالى قد بعث
محمدا فقال فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك فإنما ذلك في النفقة فإن كان محفوظا فلعل
للبراء فيه جوابين والأول من رواية الثوري وإسرائيل وأبي الأحوص ونحوهم وكل منهم أتقى
من أبي بكر فكيف مع اجتماعهم وانفراده أه وأما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من
العدو فصرح الجمهور بأنه إن كان لفرط شجاعته وظنه أنه يرهب العدو بذلك أو يجرئ المسلمين
عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن ومتى كان مجرد تهور فممنوع ولا سيما إن ترتب
على ذلك وهن في المسلمين والله أعلم * (قوله باب قوله تعالى فمن كان منكم
مريضا أو به أذى من رأسه) ذكر فيه حديث كعب بن عجرة في سبب نزول هذه الآية وقد تقدم
شرحه مستوفى في كتاب الحج * (قوله باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) ذكر فيه
حديث عمران بن حصين أنزلت آية المتعة في كتاب الله يعني متعة الحج وقد تقدم شرحه وأن المراد
بالرجل في قوله هنا قال رجل برأيه ما شاء هو عمر * (قوله باب ليس عليكم جناح أن
تبتغوا فضلا من ربكم) ذكر فيه حديث ابن عباس وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الحج
* (قوله باب ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) ذكر فيه حديث عائشة كانت
قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب الحج أيضا ثم ذكر فيه
حديث ابن عباس (قوله يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالا) أي المقيم بمكة والذي دخل
بعمرة وتحلل منها (قوله فعليه ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة) هو تقييد من ابن عباس
لما أطلق في الآية (قوله ثم لينطلق) وقع بحذف اللام في رواية المستملى وقوله من صلا العصر
إلى أن يكون الظلام أي يحصل الظلام بغروب الشمس وقوله من صلاة العصر يحتمل أن يريد
من أول وقتها وذلك عند مصير الظل مثله وكان ذلك الوقت بعد ذهاب القائلة وتمام الراحة ليقف
بنشاط ويحتمل أن يريد من بعد صلاتها وهي تصلي عقب صلاة الظهر جمع تقديم ويقع الوقوف
عقب ذلك ففيه إشارة إلى أول مشروعية الوقوف وأما قوله ويختلط الظلام (2) ففيه إشارة إلى
الاخذ بالأفضل والا فوقت الوقوف يمتد إلى الفجر (قوله حتى يبلغوا جمعا) بفتح الجيم وسكون
الميم وهو المزدلفة وقوله يتبرر فيه براءين مهملتين أي يطلب في البر وقوله ثم ليذكروا الله كثيرا
139

أو أكثروا التكبير والتهليل هو شك من الراوي (قوله ثم أفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون) قد
تقدم بيانه وتفصيله في حديث عائشة الذي قبله وقوله حتى ترموا الجمرة هو غاية لقوله ثم
أفيضوا ويحتمل أن يكون غاية لقوله أكثروا التكبير والتهليل * (قوله باب
ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة الآية) ذكر فيه حديث أنس في قوله
ذلك وسيأتي بأتم من هذا في كتاب الدعوات وعبد العزيز الراوي عنه هو ابن صهيب * (قوله
باب وهو ألد الخصام) ألد أفعل تفضيل من اللدد وهو شدة الخصومة والخصام جمع
خصم وزن كلب وكلاب والمعنى وهو أشد المخاصمين مخاصمة ويحتمل أن يكون مصدرا تقول
خاصم خصاما كقاتل قتالا والتقدير وخاصمه أشد الخصام أو هو أشد ذوي الخصام مخاصمة
وقيل أفعل هنا ليست للتفضيل بل بمعنى الفاعل أي وهو لديد الخصام أي شديد المخاصمة فيكون
من إضافة الصفة المشبهة (قوله وقال عطاء النسل الحيوان) وصله الطبري من طريق ابن جرير
قلت لعطاء في قوله تعالى ويهلك الحرث والنسل قال الحرث الزرع والنسل من الناس والانعام
وزعم مغلطاي أن ابن أبي حاتم أخرجه من طريق العوفي عن عطاء ووهم في ذلك وإنما هو عند ابن
أبي حاتم وغيره رواه عن العوفي عن ابن عباس (قوله عن عائشة ترفعه) أي إلى النبي صلى الله
عليه وسلم (قوله الألد الخصم) بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد أي الشديد اللدد الكثير الخصومة
وسيأتي شرح الحديث في كتاب الأحكام (قوله وقال عبد الله) هو ابن الوليد العدني وسفيان هو
الثوري وأورده لتصريحه برفع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو موصول بالاسناد في
جامع سفيان الثوري من رواية عبد الله بن الوليد هذا ويحتمل أن يكون عبد الله هو الجعفي شيخ
البخاري وسفيان هو ابن عيينة فقد أخرج الحديث المذكور الترمذي وغيره من رواية ابن علية
لكن بالأول جزم خلف والمزي وقد تقدم هذا الحديث في كتاب المظالم (قوله أم حسبتم أن تدخلوا
الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم الآية) ذكر فيه حديث ابن أبي مليكة عن ابن
عباس وحديثه عن عروة عن عائشة في قوله حتى إذا استيأس الرسل وسيأتي شرحه في تفسير
سورة يوسف إن شاء الله تعالى * (قوله باب نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني
شئتم) اختلف في معنى أنى فقيل كيف وقيل حيث وقيل متى وبحسب هذا الاختلاف جاء
الاختلاف في تأويل الآية (قوله حدثني إسحاق) هو ابن راهويه (قوله فأخذت عليه يوما) أي
أمسكت المصحف وهو يقرأ عن ظهر قلب وجاء ذلك صريحا في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع قال
قال لي ابن عمر أمسك على المصحف يا نافع فقرأ أخرجه الدارقطني في غرائب مالك (قوله حتى
انتهى إلى مكان قال تدري فيما أنزلت قلت لا قال أنزلت في كذا وكذا ثم مضى) هكذا أورد مبهما
لمكان الآية والتفسير وسأذكر ما فيه بعد (قوله وعن عبد الصمد) هو معطوف على قوله أخبرنا
140

النضر بن شميل وهو عند المصنف أيضا عن إسحاق بن راهويه عن عبد الصمد وهو ابن عبد الوارث
ابن سعيد وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من طريق إسحاق بن راهويه عن النضر
ابن شميل بسنده وعن عبد الصمد بسند (قوله يأتيها في) هكذا وقع في جميع النسخ لم يذكر ما بعد
الظرف وهو المجرور ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدي يأتيها في الفرج وهو من عنده بحسب
ما فهمه ثم وقفت على سلفه فيه وهو البرقاني فرأيت في نسخة الصغاني زاد البرقاني يعني الفرج
وليس مطابقا لما في نفس الرواية عن ابن عمر لما سأذكره وقد قال أبو بكر بن العربي في سراج
المريدين أورد البخاري هذا الحديث في التفسير فقال يأتيها في وترك بياضا والمسألة مشهورة
صنف فيها محمد بن سحنون جزأ وصنف فيها محمد بشعبان كتابا وبين أن حديث ابن عمر في إتيان
المرأة في دبرها (قوله رواه محمد بن يحيى بن سعيد) أي القطان (عن أبيه عن عبيد الله عن نافع
عن ابن عمر) هكذا أعاد الضمير على الذي قبله والذي قبله قد اختصره كما ترى فأما الرواية الأولى
وهي رواية ابن عون فقد أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده وفي تفسيره بالاسناد المذكور وقال
بدل قوله حتى انتهى إلى مكان حتى انتهى إلى قوله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم
فقال أتدرون فيما أنزلت هذه الآية قلت لا قال نزلت في إتيان النساء في أدبارهن وهكذا أورده
ابن جرير من طريق إسماعيل بن علية عن ابن عون مثله ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي
عن ابن عون نحوه وأخرجه أبو عبيدة في فضائل القرآن عن معاذ عن ابن عون فأبهمه فقال
في كذا وكذا وأما رواية عبد الصمد فأخرجها ابن جرير في التفسير عن أبي قلابة الرقاشي
عن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي فذكره بلفظ يأتيها في الدبر وهو يؤيد قول ابن العربي
ويرد قول الحميدي وهذا الذي استعمله البخاري نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء ولا بدله
من نكتة يحسن بسببها استعماله وأما رواية محمد بن يحيى بين سعيد القطان فوصلها الطبراني
في الأوسط من طريق أبي بكر الأعين عن محمد بن يحيى المذكور بالسند المذكور إلى ابن عمر قال
إنما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤكم حرث لكم رخصة في إتيان الدبر قال
الطبراني لم يروه عن عبد الله بن عمر إلا يحيى بن سعيد تفرد به ابنه محمد كذا قال ولم يتفرد به يحيى بن
سعيد فقد رواه عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر أيضا كما سأذكره بعد وقد روى هذا
الحديث عن نافع أيضا جماعة غير من ذكرنا ورواياتهم بذلك ثابتة عند ابن مردويه في تفسيره وفي
فوائد الأصبهانيين لأبي الشيخ وتاريخ نيسابور للحاكم وغرائب مالك للدارقطني وغيرها وقد
عاب الإسماعيلي صنيع البخاري فقال جميع ما أخرج عن ابن عمر مبهم لا فائدة فيه وقد رويناه
عن عبد العزيز يعني الدراوردي عن مالك وعبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب ثلاثتهم عن نافع
بالتفسير وعن مالك من عدة أوجه أه كلامه ورواية الدراوردي المذكورة قد أخرجها
الدارقطني في غرائب مالك من طريقة عن الثلاثة عن نافع نحو رواية ابن عون عنه ولفظه نزلت
في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فنزلت قال فقلت له من دبرها
في قبلها فقال لا إلا في دبرها وتابع نافعا على ذلك زيد بن أسلم عن ابن عمر وروايته عند النسائي
بإسناد صحيح وتكلم الأزدي في بعض رواته ورد عليه ابن عبد البر فأصاب قال ورواية ابن عمر
لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه بغير نكير أن يرويها عنه زيد بن أسلم (قلت) وقد
141

رواه عن عبد الله بن عمر أيضا ابنه عبد الله أخرجه النسائي أيضا وسعيد بن يسار وسالم بن عبد الله
ابن عمر عن أبيه مثل ما قال نافع وروايتهما عنه عند النسائي وابن جرير ولفظه عن عبد الرحمن
ابن القاسم قلت لمالك إن ناسا يروون عن سالم كذب العبد على أبي فقال مالك أشهد على زيد بن
رومان أنه أخبرني عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه مثل ما قال نافع فقلت له أن الحرث بن
يعقوب يروي عن سعيد بن يسار عن ابن عمر أنه قال أف أو يقول ذلك مسلم فقال مالك أشهد
على ربيعة لأخبرني عن سعيد بن يسار عن ابن عمر مثل ما قال نافع وأخرجه الدارقطني من طريق
عبد الرحمن بن القاسم عن مالك وقال هذا محفوظ عن مالك صحيح أه وروى الخطيب
في الرواة عن مالك من طريق إسرائيل بن روح قال سألت مالكا عن ذلك فقال ما أنتم
قوم عرب هل يكون الحرث الا موضع الزرع وعلى هذه القصة اعتمد المتأخرون من المالكية
فلعل مالكا رجع عن قوله الأول أو كان يرى أن العمل على خلاف حديث ابن عمر فلم يعمل
به وأن كانت الرواية فيه صحيحة على قاعدته ولم ينفرد ابن عمر بسبب هذا النزول فقد أخرج
أبو يعلى وابن مردويه وابن جرير والطحاوي من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي
سعيد الخدري ان رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا نعيرها فأنزل الله
عز وجل هذه الآية وعلقه النسائي عن هشام بن سعيد عن زيد وهذا السبب في نزول هذه
الآية مشهور وكأن حديث أبي سعيد لم يبلغ ابن عباس وبلغه حديث ابن عمر فوهمه فيه
فروى أبو داود من طريق مجاهد عن ابن عباس قال أن ابن عمر وهم والله يغفر له إنما كان هذا
الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب فكانوا يأخذون بكثير
من فعلهم وكان أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة فأخذ
ذلك الأنصار عنهم وكان هذا الحي من قريش يتلذذون بنسائهم مقبلات ومدبرات ومستلقيات
فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار فذهب يفعل فيها ذلك فامتنعت فسرى
أمرهما حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم
أنى شئتم مقبلات ومدبرات ومستلقيات في الفرج أخرجه أحمد والترمذي من وجه آخر صحيح
عن ابن عباس قال جاء عمر فقال يا رسول الله هلكت حولت رحلي البارحة فأنزلت هذه الآية
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم انى شئتم أقبل وأدبر واتقى الدبر والحيضة وهذا الذي حمل
عليه الآية موافق لحديث جابر المذكور في الباب في سبب نزول الآية كما سأذكره عند الكلام
عليه وروى الربيع في الام عن الشافعي قال احتملت الآية معنيين أحدهما أن تؤتى المرأة
حيث شاء زوجها لان أتى بمعنى أين شئتم واحتملت أن يراد بالحرث موضع النبات والموضع
الذي يراد به الولد هو الفرج دون ما سواه قال فاختلف أصحابنا في ذلك وأحسب أن كلا من
الفريقين تأول ما وصفت من احتمال الآية قال فطلبنا الدلالة فوجدنا حديثين أحدهما
ثابت وهو حديث خزيمة بن ثابت في التحريم فقوى عنده التحريم وروى الحاكم في مناقب
الشافعي من طريق ابن عبد الحكم أنه حكى عن الشافعي مناظرة جرت بينه وبين محمد بن الحسن
في ذلك وأن ابن الحسن احتج عليه بأن الحرث إنما يكون في الفرج فقال له فيكون ما سوى الفرج
محرما فالتزمه فقال أرأيت لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أفي ذلك حرث قال لا قال أفيحرم
142

قال لا قال فكيف تحتج بما لا تقول به قال الحاكم لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم وأما في
الجديد فصرح بالتحريم أه ويحتمل أن يكون ألزم محمدا بطريق المناظرة وأن كان لا يقول بذلك
وإنما انتصر لأصحابه المدنيين والحجة عنده في التحريم غير المسلك الذي سلكه محمد كما يشير إليه كلامه
في الام وقال المازري اختلف الناس في هذه المسألة وتعلق من قال بالحل بهذه الآية بن وانفصل
عنها من قال يحرم بأنها نزلت بالسبب الوارد في حديث جابر في الرد على اليهود يعني كما في حديث
الباب الآتي قال والعموم إذا خرج على سبب قصر عليه عند بعض الأصوليين وعند الأكثر
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وهذا يقتضى أن تكون الآية حجة في الجواز لكن
وردت أحاديث كثيرة بالمنع فتكون مخصصة لعموم الآية وفي تخصيص عموم القرآن ببعض حبر
الآحاد خلاف اه وذهب جماعة من أئمة الحديث كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي على
النيسابوري إلى أنه لا يثبت فيه شئ (قلت) لكن طرقها كثيرة فمجموعها صالح للاحتجاج به ويؤيد
القول بالتحريم أنا لو قدمنا أحاديث الإباحة للزم أنه أبيح بعد أن حرم والأصل عدمه فمن
الأحاديث الصالحة الاسناد حديث خزيمة بن ثابت أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وصححه ابن
حبان وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان أيضا وحديث ابن عباس
وقد تقدمت الإشارة إليه وأخرجه الترمذي من وجه آخر بلفظ لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا
أو امرأة في الدبر وصححه ابن حبان أيضا وإذا كان ذلك صلح أن يخصص عموم الآية ويحمل على
الاتيان في غير هذا المحل بناء على أن معنى أنى حيث وهو المتبادر إلى السياق ويغنى ذلك عن
حملها على معنى آخر غير المتبادر والله أعلم (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري (قوله كانت اليهود
تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت) هذا السياق قد يوهم أنه مطابق لحديث ابن
عمر وليس كذلك فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري
بلفظ باركة مدبرة في فرجها من ورائها وكذا أخرجه مسلم من طريق سفيان بن عيينة عن ابن
المنكدر بلفظ إذا أتيت امرأة من دبرها في قبلها ومن طريق أبي حازم عن ابن المنكدر بلفظ
إذا أتيت المرأة من دبرها فحملت وقوله فحملت يدل على أن مراده أن الاتيان في الفرج لا في
الدبر وهذا كله يؤيد تأويل ابن عباس الذي رد به على ابن عمر وقد أكذب الله اليهود في زعمهم
وأباح للرجال أن يتمتعوا بنسائهم كيف شاؤوا وإذا تعارض المجمل والمفسر قدم المفسر وحديث
جابر مفسر فهو أولى أن يعمل به من حديث ابن عمر والله أعلم وأخرج مسلم أيضا من حديث جابر
زيادة في طريق الزهري عن ابن المنكدر بلفظ ان شاء محبية وان شاء غير محبية غير أن ذلك في صمام
واحد وهذه الزيادة يشبه أن تكون من تفسير الزهري لخلوها من رواية غيره من أصحاب ابن
المنكدر مع كثرتهم وقوله محبية بميم ثم موحدة أي باركة وقوله صمام بكسر المهملة والتخفيف
هو المنفذ * (قوله باب وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن
ينكحن أزواجهن) اتفق أهل التفسير على أن المخاطب بذلك الأولياء ذكره ابن جرير وغيره
وروى ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هي في الرجل يطلق امرأته فتقضى
عدتها فيبدو له أن يراجعها وتريد المرأة ذلك فيمنعه وليها ثم ذكر المصنف حديث معقل بن يسار في
سبب نزول الآية لكنه ساقه مختصرا وقد أورده في النكاح بتمامه وسيأتي شرحه وكذا ما جاء في
143

تسمية أخت معقل واسم زوجها هناك إن شاء الله تعالى وقوله وقال إبراهيم عن يونس عن
الحسن حدثني معقل أراد بهذا التعليق بيان تصريح الحسن بالتحديث عن معقل ورواية
إبراهيم هذا وهو ابن طهمان وصلها المؤلف في النكاح كما سيأتي وقد صرح الحسن بتحديث
معقل له أيضا فرواية عباد بن راشد كما سيأتي أيضا * (قوله باب والذين يتوفون
منكم ويذرون أزواجا) ساق الآية إلى قوله والله بما تعملون خبير (قوله يعفون يهبن) ثبت
هذا هنا في نسخة الصغائي وهو تفسير أبي عبيدة قال يعفون يتركن يهبن وهو على رأى الحميدي
خلافا لمحمد بن كعب فإنه قال المراد عفو الرجال وهذه اللفظة ونظائرها مشتركة بين جمع المذكر
والمؤنث لكن في الرجال النون علامة الرفع وفي النساء النون ضمير له ووزن جمع المذكر يفعون
وجمع المؤنث يفعلن (قوله عن حبيب) هو ابن الشهيد كما سيأتي بعد بابين (قوله عن ابن أبي
مليكة) في رواية الإسماعيلي من طريق علي بن المديني عن يزيد بن زريع حدثنا حبيب بن
الشهيد حدثني عبد الله بن أبي مليكة (قوله قال ابن الزبير) في رواية ابن المديني المذكورة عن
عبد الله بن الزبير وله من وجه آخر عن يزيد بن زريع بسنده أن عبد الله بن الزبير قال قلت لعثمان
(قوله فلم تكتبها أو تدعها) كذا في الأصول بصيغة الاستفهام الانكاري كأنه قال لم تكتبها
وقد عرفت أنها منسوخة أو قال لم تدعها أي تتركها مكتوبة وهو شك من الراوي أي اللفظين
قال ووقع في الرواية الآتية بعد بابين فلم تكتبها قال تدعها يا ابن أخي وفي رواية الإسماعيلي
لم تكتبها وقد نسختها الآية الأخرى وهو يؤيد التقدير الذي ذكرته وله من رواية أخرى قلت
لعثمان هذه الآية والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير
إخراج قال نسختها الآية الأخرى قلت تكتبها أو تدعها قال يا ابن أخي لا أغير منها شيئا عن مكانه
وهذا لسياق أولى من الذي قبله وأو للتخيير لا للشك وفي جواب عثمان هذا دليل على أن ترتيب
الآي توقيفي وكأن عبد الله بن الزبير ظن أن الذي ينسخ حكمه لا يكتب فأجابه عثمان بأن ذلك
ليس بلازم والمتبع فيه التوقف وله فوائد منها ثواب التلاوة والامتثال على أن من السلف
من ذهب إلى أنها ليست منسوخة وإنما خص من الحول بعضه وبقي البعض وصية لها ان
شاءت أقامت كما في الباب عن مجاهد لكن الجمهور على خلافه وهذا الموضع مما وقع فيه الناسخ
مقدما في ترتيب التلاوة على المنسوخ وقد قيل إنه لم يقع نظير ذلك إلا هنا وفي الأحزاب على قول
من قال أن إحلال جميع النساء هو الناسخ وسيأتي البحث فيه هناك إن شاء الله تعالى وقد ظفرت
بمواضع أخرى منها في البقرة أيضا قوله فأينما تولوا فثم وجه الله فإنها محكمة في التطوع مخصصة
لعموم قوله وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره كونها مقدمة في التلاوة ومنها في البقرة أيضا
قوله تعالى ما ننسخ من آية على قول من قال إن سبب نزولها أن اليهود طعنوا في تحويل القبلة
فإنه يقتضى أن تكون مقدمة في التلاوة متأخرة في النزول وقد تتبعت من ذلك شيئا كثيرا ذكرته
في غير هذا الموضع ويكفى هنا الإشارة إلى هذا القدر قوله وقول عثمان لعبد الله يا ابن أخي يريد في
الايمان أو بالنسبة إلى السوزاد الكرماني أو على عادة مخاطبة العرب ويمكن أن يتحد مع الذي
قبله قال أو لأنهما يجتمعان في قصي قال إلا أن عثمان وعبد الله في العدد إلى قصي سواء بين كل
144

منهما وبينه أربعة آباء فلو أراد ذلك لقال يا أخي (قوله حدثني إسحاق) هو ابن راهويه وروح هو
ابن عبادة وشبل هو ابن عباد وابن أبي نجيح هو عبد الله (قوله زعم ذلك عن مجاهد) قائل ذلك
هو شبل وفاعل زعم هو ابن أبي نجيح وبهذا جزم الحميدي فجمعه وقوله وقال عطاء هو عطف
على قوله مجاهد وهو من رواية ابن أبي نجيح عن عطاء ووهم من زعم أنه معلق وقد أبدى المصنف
ما نبهت عليه برواية ورقاء التي ذكرها بعد هذه وقوله عن محمد بن يوسف هو معطوف على
قوله أنبأنا روح وقد أورد أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث طريق محمد بن عبد الملك بن
زنجويه عن محمد بن يوسف هو الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وعن عطاء بتمامه
وقال ذكره البخاري عن الفريابي هذا يدل على أنه فهم أن البخاري علقه عن شيخه والله أعلم ثم
ذكر المصنف حديث ابن مسعود أنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى وسيأتي شرحه في
تفسير سورة الطلاق وقوله وقال أيوب وصله هناك بتمامه * (قوله باب حافظوا
على الصلوات والصلاة الوسطى) هي تأنيث الأوسط والأوسط الأعدل ممن كل شئ وليس المراد
به التوسط بين الشيئين لان فعلى معناها التفضيل ولا ينبني للتفضيل إلا ما يقبل الزيادة والنقص
والوسط بمعنى الخيار والعدل يقبلهما بخلاف المتوسط فلا يقبلهما فلا يبني منه أفعل تفضيل
(قوله حدثني عبد الله بن محمد) هو الجعفي ويزيد هو ابن هارون وهشام هو ابن حسان ومحمد هو
ابن سيرين وعبيدة بفتح العين هو ابن عمرو وعبد الرحمن في الطريق الثانية هو ابن بشر بن
الحكم ويحيى بن سعيد هو القطان (قوله حبسونا عن صلاة الوسطى) أي منعونا عن صلاة
الوسطى أي عن إيقاعها زاد مسلم من طريق شتير بن شكل عن علي شغلونا عن الصلاة
الوسطي صلاة العصر وزاد في آخره ثم صلاها بين المغرب والعشاء ولمسلم عن ابن مسعود نحو
حديث على وللترمذي والنسائي من طريق زر بن حبيش عن علي مثله ولمسلم أيضا من طريق أبي
حسان الأعرج عن عبيدة السلماني عن علي فذكر الحديث بلفظ كما حبسونا عن الصلاة الوسطى
حتى غربت الشمس يعني العصر وروى أحمد والترمذي من حديث سمرة رفعه قال صلاة
الوسطى صلاة العصر وروى ابن جرير من حديث أبي هريرة رفعه الصلاة الوسطي صلاة العصر
ومن طريق كهيل بن حرملة سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى فقال اختلفنا فيها ونحن بفناء
بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفينا أبو هاشم بن عتبة فقال أنا أعلم لكم فقام فاستأذن على
145

رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلينا فقال أخبرنا أنها صلاة العصر ومن طريق عبد
العزيز بن مروان أنه أرسل إلى رجل فقال أي شئ سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الصلاة الوسطى فقال أرسلني أبو بكر وعمر أسأله وأنا غلام صغير فقال هي العصر ومن حديث
أبي مالك الأشعري رفعه الصلاة الوسطى صلاة العصر وروى الترمذي وابن حبان من حديث
ابن مسعود مثله وروى ابن جرير من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال كان في مصحف عائشة
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر وروى ابن المنذر من طريق مقسم عن
ابن عباس قال شغل الأحزاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غربت
الشمس فقال شغلونا عن الصلاة الوسطى وأخرج أحمد من حديث أم سلمة وأبي أيوب وأبي سعيد
وزيد بن ثابت وأبي هريرة وابن عباس من قولهم أنها صلاة العصر وقد اختلف السلف في
المراد بالصلاة الوسطى وجمع الدمياطي في ذلك جزءا مشهورا سماه كشف الغطا عن الصلاة
الوسطى فبلغ تسعة عشر قولا أحدها الصبح أو الظهر أو العصر أو المغرب أو جميع الصلوات
فالأول قول أبي أمامة وأنس وجابر وأبي العالية وعبيد بن عمير وعطاء وعكرمة ومجاهد
وغيرهم نقله ابن أبي حاتم عنهم وهو أحد قولي ابن عمر وابن عباس ونقله مالك والترمذي عنهما
ونقله مالك بلاغا عن علي والمعروف عنه خلافه وروى ابن جرير من طريق عوف الأعرابي
عن أبي رجاء العطاردي قال صليت خلف ابن عباس الصبح فقنت فيها ورفع يديه ثم قال هذه
الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين وأخرجه أيضا من وجه آخر عنه وعن ابن
عمرو من طريق أبي العالية صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة في زمن عمر صلاة الغداة
فقلت لهم ما الصلاة الوسطى قالوا هي هذه الصلاة وهو قول مالك والشافعي فيما نص عليه في
الام واحتجوا له بأن فيها القنوت وقد قال الله تعالى وقوموا لله قانتين وبأنها لا تقصر في السفر
وبأنها بين صلاتي جهر وصلاتي سر والثاني قول زيد بن ثابت أخرجه أبو داود من حديثه قال
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم تكن صلاة أشد على أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم منها فنزلت حافظوا على الصلوات الآية وجاء عن أبي سعيد وعائشة القول
بأنها الظهر أخرجه ابن المنذر وغيره وروى مالك في الموطأ عن زيد بن ثابت الجزم بأنها الظهر وبه
قال أبو حنيفة في رواية وروى الطيالسي من طريق زهرة بن معبد قال كنا عند زيد بن ثابت
فأرسلوا إلى أسامة فسألوه عن الصلاة الوسطى فقال هي الظهر ورواه أحمد من وجه آخر وزاد
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهجير فلا يكون وراءه الا الصف أو الصفان والناس
في قائلتهم وفي تجارتهم فنزلت والثالث قول علي بن أبي طالب فقد روى الترمذي والنسائي من
طريق زر بن حبيش قال قلنا لعبيدة سل عليا عن الصلاة الوسطى فسأله فقال كنا نرى أنها الصبح
حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة
العصر انتهى وهذه الرواية تدفع دعوى من زعم أن قوله صلاة العصر مدرج من تفسير بعض
الرواة وهي نص في أن كونها العصر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأن شبهة من قال أنها
الصبح قوية لكن كونها العصر هو المعتمد وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة وهو الصحيح من
مذهب أبي حنيفة وقول أحمد والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه قال الترمذي
146

هو قول أكثر علماء الصحابة وقال الماوردي هو قول جمهور التابعين وقال ابن عبد البر هو قول
أكثر أهل الأثر وبه قال من المالكية ابن حبيب وابن العربي وابن عطية ويؤيده أيضا ما روى
مسلم عن البراء بن عازب قال نزل حافظوا على الصلوات وصلاة العصر فقرأناها ما شاء الله ثم
نسخت فنزلت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فقال رجل فهي إذن صلاة العصر فقال
أخبرتك كيف نزلت والرابع نقله ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس قال صلاة الوسطى هي
المغرب وبه قال قبيصة بن ذؤيب أخرجه ابن جرير وحجتهم أنها معتدلة في عدد الركعات وأنها
لا تقصر في الاسفار وأن العمل مضى على المبادرة إليها والتعجيل لها في أول ما تغرب الشمس وأن
قبلها صلاتا سر وبعدها صلاتا جهر والخامس وهو آخر ما صححه ابن أبي حاتم أخرجه أيضا بإسناد
حسن عن نافع قال سئل ابن عمر فقال هي كلهن فحافظوا عليهن وبه قال معاذ بن جبل واحتج
له بأن قوله حافظوا على الصلوات يتناول الفرائض والنوافل فعطف عليه الوسطى وأريد بها
كل الفرائض تأكيدا لها واختار هذا القول ابن عبد البر وأما بقية الأقوال فالسادس
أنها الجمعة ذكره ابن حبيب من المالكية واحتج بما اختصت به من الاجتماع والخطبة وصححه
القاضي حسين في صلاة الخوف من تعليقه ورجحه أبو شامة السابع الظهر في الأيام والجمعة
ويوم الجمعة الثامن العشاء نقله ابن التين والقرطبي واحتج له بأنها بين صلاتين لا تقصران
ولأنها تقع عند النوم فلذلك أمر بالمحافظة عليها واختاره الواحدي التاسع الصبح والعشاء
للحديث الصحيح في أنهما أثقل الصلاة على المنافقين وبه قال الأبهري من المالكية العاشر
الصبح والعصر لقوة الأدلة في أن كلا منهما قيل إنه الوسطى فظاهر القرآن الصبح ونص
السنة العصر الحادي عشر صلاة الجماعة الثاني عشر الوتر وصنف فيه علم الدين السخاوي
جزأ ورجحه القاضي تقى الدين الأخنائي واحتج له في جزء رأيته بخطه الثالث عشر صلاة
الخوف الرابع عشر صلاة عيد الأضحى الخامس عشر صلاة عيد الفطر السادس عشر
صلاة الضحى السابع عشر واحدة من الخمس غير معينة قاله الربيع بن خثيم وسعيد بن
جبير وشريح القاضي وهو اختيار إمام الحرمين من الشافعية ذكره في النهاية قال كما
أخفيت ليلة القدر الثامن عشر أنها الصبح أو العصر على الترديد وهو غير القول المتقدم
الجازم بأن كلا منهما يقال له الصلاة الوسطى التاسع عشر التوقف فقد روى ابن جرير بإسناد
صحيح عن سعيد بن المسيب قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين في الصلاة
الوسطى هكذا وشبك بين أصابعه العشرون صلاة الليل وجدته عندي وذهلت الآن عن
معرفة قائله وأقوى شبهة لمن زعم أنها غير العصر مع صحة الحديث حديث البراء الذي ذكرته
عند مسلم فإنه يشعر بأنها أبهمت بعدما عينت ثم وصفت ولهذا قال الرجل انها
جماعة من العلماء المتأخرين قال وهو الصحيح لتعارض الأدلة وعسر الترجيح وفي دعوى أنها
أبهمت ثم عينت من حديث البراء نظر بل فيه أنها عينت ثم وصفت ولهذا قال الرجل فهي
إذن العصر ولم ينكر عليه البراء نعم جواب البراء يشعر بالتوقف لما نظر فيه من الاحتمال وهذا
لا يدفع التصريح بها في حديث على ومن حجتهم أيضا ما روى مسلم وأحمد من طريق أبي يونس
عن عائشة أنها أمرته أن يكتب لها مصحفا فلما بلغت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
147

قال فأملت على وصلاة العصر قالت سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى مالك
عن عمرو بن رافع قال كنت أكتب مصحفا لحفصة فقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني فأملت
على حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وأخرجه ابن جرير من وجه آخر
حسن عن عمرو بن رافع وروى ابن المنذر من طريق عبيد الله بن رافع أمرتني أم سلمة أن
اكتب لها مصحفا فذكر مثل حديث عمرو بن رافع سواء ومن طريق سالم بن عبد الله بن عمر أن
حفصة أمرت إنسانا أن يكتب لها مصحفا نحوه ومن طريق نافع أن حفصة أمرت مولى لها أن
يكتب لها مصحفا فذكر مثله وزاد كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها قال نافع فقرأت
ذلك المصحف فوجدت فيه الواو فتمسك قوم بأن العطف يقتضى المغايرة فتكون صلاة العصر
غير الوسطى وأجيب بأن حديث على ومن وافقه أصح إسنادا وأصرح وبأن حديث عائشة
قد عورض برواية عروة أنه كان في مصحفها وهي العصر فيحتمل أن تكون الواو زائدة
ويؤيده ما رواه أبو عبيد بإسناد صحيح عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى صلاة العصر بغير واو أو هي عاطفة لكن عطف صفة لا عطف ذات وبأن قوله
والصلاة الوسطى والعصر لم يقرأ بها أحد ولعل أصل ذلك ما في حديث البراء أنها نزلت أولا
والعصر ثم نزلت ثانيا بدلها والصلاة الوسطى فجمع الراوي بينهما ومع وجود الاحتمال لا ينهض
الاستدلال فكيف يكون مقدما على النص الصريح بأنها صلاة العصر قال شيخ شيوخنا
الحافظ صلاح الدين العلائي حاصل أدلة من قال أنها غير العصر يرجع إلى ثلاثة أنواع أحدها
تنصيص بعض الصحابة وهو معارض بمثله ممن قال منهم انها العصر ويترجح قول العصر بالنص
الصريح المرفوع وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم حجة على غيره فتبقى حجة المرفوع قائمة
ثانيها معارضة المرفوع بورود التأكيد على فعل غيرها كالحث على المواظبة على الصبح والعشاء
وقد تقدم في كتاب الصلاة وهو معارض بما هو أقوى منه وهو الوعيد الشديد الوارد في ترك صلاة
العصر وقد تقدم أيضا ثالثها ما جاء عن عائشة وحفصة من قراءة حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى وصلاة العصر فإن العطف يقتضى المغايرة وهذا يرد عليه إثبات القرآن بخبر الآحاد
وهو ممتنع وكونه ينزل منزلة خبر الواحد مختلف فيه سلمنا لكن لا يصلح معارضا للمنصوص
صريحا وأيضا فليس العطف صريحا في اقتضاء المغايرة لوروده في نسق الصفات كقوله
تعالى الأول والآخر والظاهر والباطن انتهى ملخصا وقد تقدم شرح أحوال يوم الخندق
في المغازي وما يتعلق بقضاء الفائتة في المواقيت من كتاب الصلاة (قوله ملأ الله قبورهم
وبيوتهم أو أجوافهم نارا شك يحيى) هو القطان راوي الحديث وأشعر هذا بأنه ساق المتن على
لفظه وأما لفظ يزيد بن هارون فأخرجه أحمد عنه بلفظ ملا الله بيوتهم وقبورهم نارا ولم يشك
وهو لفظ روح بن عبادة كما مضى في المغازي وعيسى بن يونس كما مضى في الجهاد ولمسلم مثله عن
أبي أسامة عن هشام وكذا له من رواية أبي حسان الأعرج عن عبيدة بن عمرو ومن طريق شتير
ابن شكل عن علي مثله وله من رواية يحيى بن الجزار عن علي قبورهم وبيوتهم أو قال قبورهم
وبطونهم ومن حديث ابن مسعود ملأ الله أجوافهم أو قبورهم نارا أو حشي الله أجوافهم
وقبورهم نارا ولابن حبان من حديث حذيفة ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا أو قلوبهم وهذه
148

الروايات التي وقع فيها الشك مرجوحة بالنسبة إلى التي لا شك فيها وفي هذا الحديث جواز الدعاء
على المشركين بمثل ذلك قال ابن دقيق العيد تردد الراوي في قوله ملأ الله أو حشي يشعر بأن شرط
الرواية بالمعنى أن يتفق المعنى في اللفظين وملأ ليس مرادفا لحشى فإن حشي يقتضى التراكم
وكثرة أجزاء المحشو بخلاف ملأ فلا يكون في ذلك متمسك لمن منع الرواية بالمعنى وقد استشكل
هذا الحديث بأنه تضمن دعاء صدر من النبي صلى الله عليه وسلم على من يستحقه وهو من مات
منهم مشركا ولم يقع أحد الشقين وهو البيوت أما القبور قوقع في حق من مات منهم مشركا
لا محالة ويجاب بأن يحمل على سكانها وبه يتبين رجحان الرواية بلفظ قلوبهم أو أجوافهم * (قوله
باب وقوموا لله قانتين أي مطيعين) هو تفسير ابن مسعود أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد
صحيح ونقله أيضا عن ابن عباس وجماعة من التابعين وذكر من وجه آخر عن ابن عباس قال
قانتين أي مصلين وعن مجاهد قال من القنوت الركوع والخشوع وطول القيام وغض البصر
وخفض الجناح والرهبة لله وأصح ما دل عليه حديث الباب وهو حديث زيد بن أرقم في أن المراد
بالقنوت في الآية السكوت وقد تقدم شرحه في أبواب العمل في الصلاة من أواخر كتاب الصلاة
والمراد به السكوت عن كلام الناس لا مطلق الصمت لان الصلاة لا صمت فيها بل جميعها قرآن
وذكر والله أعلم * (قوله باب قوله فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم الآية) ذكر
فيه حديث ابن عمر في صلاة الخوف وقد تقدم البحث فيه في أبواب صلاة الخوف مبسوطا
(قوله وقال ابن جبير كرسيه علمه) وصله سفيان الثوري في تفسيره في رواية أبي حذيفة عنه
بإسناد صحيح أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم من وجه آخر عن سعيد بن جبير فزاد فيه عن ابن
عباس وأخرجه العقيلي من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم وهو عند الطبراني في كتاب السنة من هذا الوجه مرفوعا وكذا رويناه في فوائد أبي الحسن
علي بن عمر الحربي مرفوعا والموقوف أشبه وقال العقيلي إن رفعه خطأ ثم هذا التفسير غريب
وقد روى ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس أن الكرسي موضع القدمين وروى ابن
المنذر بإسناد صحيح عن أبي موسى مثله وأخرجا عن السدي أن الكرسي بين يدي العرش وليس
ذلك مغايرا لما قبله والله أعلم (قوله يقال بسطة زيادة وفضلا) هكذا ثبت لغير أبي ذر وهو تفسير أبي
عبيدة قال في قوله بسطة في العلم والجسم أي زيادة وفضلا وكثرة وجاء عن ابن عباس نحوه وذكره
ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس قال في قوله وزادكم في الخلق بسطة
يقول فضيلة (قوله أفرغ أنزل) ثبت هذا أيضا لغير أبي ذر وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى
ربنا أفرغ علينا صبرا أي أنزل علينا (قوله ولا يؤده لا يثقله) هو تفسير ابن عباس أخرجه ابن أبي
حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وذكر مثله عن جماعة من التابعين ولسقوط
ما قبله من رواية أبي ذر صار كأنه من كلام سعيد بن جبير لعطفه على تفسير الكرسي ولم أره
منقولا عنه (قوله آدنى أثقلني والآد والأيد القوة) هو كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى ولا يؤده
أي لا يثقله تقول آدنى هذا الامر أثقلني وتقول ما آدك فهو لي آيد أي ما أثقلك فهو لي مثقل
وقال في قوله تعالى واذكر عبدنا داود ذا الأيد أي ذا القوة (قوله السنة النعاس) أخرجه ابن أبي
حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قوله لم يتسنه لم يتغير) أخرجه ابن أبي حاتم
149

من وجهين عن ابن عباس وعن السدي مثله قال لم يحمض التين والعنب ولم يختمر العصير بل
هما حلو أن كما هما وعلى هذا فالهاء فيه أصلية وقيل هي هاء السكت وقيل أصله يتسنن مأخوذ
من الحما المسنون أي المستن وفي قراءة يعقوب لم يتسن بتشديد النون بلا هاء أي لم تمض عليه
السنون الماضية كأنه ابن ليلة (قوله فبهت ذهبت حجته) هو كلام أبي عبيدة قاله في قوله فبهت
الذي كفر قال انقطع وذهبت حجته (قوله خاوية لا أنيس فيها) ذكره ابن أبي حاتم بنحوه من
طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله وهي خاوية قال ليس فيها أحد (قوله عروشها أبنيتها)
ثبت هذا والذي بعده لغير أبي ذر وقد ذكره ابن أبي حاتم من طريق الضحاك والسدي
بمعناه (قوله ننشرها نخرجها) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق السدي بمعناه في قوله كيف
ننشرها يقول نخرجها قال فبعث الله ريحا فحملت عظامه من كل مكان ذهب به الطير والسباع
فاجتمعت فركب بعضها في بعض وهو ينظر فصار عظما كله لا لحم له ولا دم * (تنبيه) * أخرج
ابن أبي حاتم من حديث على أن هذه القصة وقعت لعزيز وهو قول عكرمة وقتادة والسدي
والضحاك وغيرهم وذكر بعضهم قصة في ذلك وأن القرية بيت المقدس وأن ذلك لما خربه بخت
نصر وقال وهب بن منبه ومن تبعه هي أرمياء وساق ابن إسحاق قصة في المبتدأ (تكملة) استدل
بهذه الآية بعض أئمة الأصول على مشروعية القياس بأنها تضمنت قياس إحياء هذه القرية
وأهلها وعمارتها لما فيها من الرزق بعد خرابها على إحياء هذا المار وإحياء حماره بعد موتهما
بما كان مع المار من الرزق (قوله إعصار ريح عاصف تهب من الأرض إلى السماء كعمود
فيه نار) ثبت هذا لأبي ذر عن الحموي وحده وهو كلام أبي عبيدة قال في قوله اعصار فيه نار
فاحترقت قال الاعصار ريح عاصف إلى آخره وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الاعصار
ريح فيها سموم شديدة (قوله وقال ابن عباس صلدا ليس عليه شئ) سقط من هنا إلى آخر الباب من
رواية أبي ذر وتفسير قوله صلدا وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه وروى ابن أبي
حاتم من وجه آخر عن ابن عباس قال فتركه يابسا لا ينبت شيئا (قوله قال عكرمة وابل مطر
شديد الطل الندى وهذا مثل عمل المؤمن) وصله عبد بن حميد عن روح بن عبادة عن عثمان بن
غياث سمعت عكرمة بهذا وسيأتي شرح حديث ابن عباس مع عمر في ذلك قريبا (قوله يتسنه
يتغير) تقدم تفسيره عن ابن عباس وأما عن عكرمة فذكره ابن أبي حاتم من روايته * (قوله
باب والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) ذكر فيه حديث ابن الزبير مع عثمان
وقد تقدم قبل بابين وسقطت الترجمة لغير أبي ذر فصار من الباب الذي قبله عندهم * (قوله
باب وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى فصرهن قطعهن) ثبت هذا
لأبي ذر وحده وقد أخرجه ابن أبي حاتم من وجهين عن ابن عباس ومن طرق عن جماعة
150

من التابعين ومن وجه آخر عن ابن عباس قال صرهن أي أوثقهن ثم اذبحهن وقد اختلف نقلة
القراءات في ضبط هذه اللفظة عن ابن عباس فقيل بكسر أوله كقراءة حمزة وقيل بضمه كقراءة
الجمهور وقيل بتشديد الراء مع ضم أوله وكسره من صره يصره إذا جمعه ونقل أبو البقاء تثليث
الراء في هذه القراءة وهي شاذة قال عياض تفسير صرهن بقطعهن غريب والمعروف أن
معناها أملهن يقال صاره يصيره ويصوره إذا أماله قال ابن التين صرهن بضم الصاد معناها
ضمهن وبكسرها قطعهن (قلت) ونقل أبو علي الفارسي أنهما بمعنى واحد وعن الفراء الضم
مشترك والكسر القطع فقط وعنه أيضا هي مقلوبة من قوله صراه عن كذا أي قطعه يقال
صرت الشئ فانصار أن انقطع وهذا يدفع قول من قال يتعين حمل تفسير ابن عباس بالقطع على
قراءة كسر الصاد وذكر صاحب المغرب أن هذه اللفظة بالسريانية وقيل بالنبطية لكن المنقول
أولا يدل على أنها بالعربية والعلم عند الله تعالى ثم ذكر حديث أبي هريرة نحن أحق بالشك
من إبراهيم وقد تقدم شرحه مستوفى في أحاديث الأنبياء * (قوله أيود
أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب إلى قوله لعلكم تتفكرون) كذا لجميعهم (قوله
حدثنا إبراهيم) هو ابن موسى وهشام هو ابن يوسف (قوله وسمعت أخاه) هو مقول ابن جريج
وأبو بكر بن أبي مليكة لا يعرف اسمه وعبيد بن عمير ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وسماعه
من عمر صحيح وقد بين الإسماعيلي والطبري من طريق ابن المبارك عن ابن جريج أن سياق
الحديث له فإنه ساقه على لفظه ثم عقبة برواية ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس به
(قوله فيم) بكسر الفاء وسكون التحتانية أي في أي شئ وترون بضم أوله (قوله حتى أغرق
أعماله) بالغين المعجمة أي أعماله الصالحة وأخرج ابن المنذر هذا الحديث من وجه آخر عن
ابن أبي ملكية وعنده بعد قوله أي عمل قال ابن عباس شئ ألقى في روعي فقال صدقت يا ابن أخي
ولابن جرير من وجه آخر عن ابن أبي مليكة عنى بها العمل ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبر
سنة وكثر عياله وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم يبعث صدقت يا ابن أخي ولابن جرير من
وجه آخر عن ابن أبي مليكة عن عمر قال هذا مثل ضرب للانسان يعمل صالحا حتى إذا كان
عند آخر عمره أحوج ما يكون إلى العمل الصالح عمل عمل السوء ومن طريق عطاء عن ابن
عباس معناه أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل الخير حتى إذا كان حين فني عمره ختم ذلك بعمل
أهل الشقاء فأفسد ذلك وفي الحديث قوة فهم ابن عباس وقرب منزلته من عمر وتقديمه له من
صغره وتحريض العالم تلميذه على القول بحضرة من هو أسن منه إذا عرف فيه الأهلية لما
فيه من تنشيطه وبسط نفسه وترغيبه في العلم * (قوله باب لا يسألون
الناس إلحافا يقال الحف على وألح وأحفاني بالمسألة) زاد في نسخة الصغائي فيحفكم
يجهدكم هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى ولا يسألكم أموالكم إن يسألكموها
فيحفكم تبخلوا يقال أحفاني بالمسألة والحف على وألح على بمعنى واحد واشتقاق ألحف من
اللحاف لأنه يشتمل على وجوه الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف في التغطية وقال أبو عبيدة في
قوله لا يسألون الناس الحافا قال الحافا انتهى وانتصب الحافا على أنه مصدر في موضع الحال أي
لا يسألون في حال الالحاف أو مفعول لأجله أي لا يسألون لأجل الالحاف وهل المراد نفي المسألة
151

فلا يسألون أصلا أو نفى السؤال بالالحاف خاصة فلا ينتفى السؤال بغير الحاف فيه احتمال
والثاني أكثر في الاستعمال ويحتمل أن يكون المراد لو سألوا لم يسألوا الحافا فلا يستلزم الوقوع ثم
ذكر المصنف حديث أبي هريرة ليس المسكين الذي ترده التمرة الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب
الزكاة وقوله اقرؤا أن شئتم يعني قوله لا يسألون الناس الحافا ووقع عند الإسماعيلي بيان
قائل يعني فأنه أخرجه عن الحسن بن سفيان عن حميد بن زنجويه عن سعيد بن أبي مريم بسنده
وقال في آخره قلت لسعيد بن أبي مريم ما تقرأ قال للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله الآية
فيستفاد منه أن قائل يعني هو سعيد بن أبي مريم شيخ البخاري فيه وقد أخرج مسلم والإسماعيلي
هذا الحديث من طريق إسماعيل بن جعفر عن شريك بن أبي نمر بلفظ اقرؤا إن شئتم لا يسألون
الناس الحافا فدل على صحة ما فسرها به سعيد بن أبي مريم وكذا أخرجه الطبري من طريق
صالح بن سويد عن أبي هريرة لكنه لم يرفعه وروى أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة
وابن حبان من طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه مرفوعا من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف
وفي رواية ابن خزيمة فهو ملحف والأوقية أربعون درهما ولأحمد من حديث عطاء بن يسار عن
رجل من بني أسد رفعه من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل الحافا ولأحمد والنسائي من حديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه من سأل وله أربعون درهما فهو ملحف * (قوله
باب وأحل الله البيع وحرم الربا) إلى آخر الآية (قوله المس الجنون) هو تفسير الفراء
قال في قوله تعالى لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس أي لا يقوم في
الآخرة قال والمس الجنون والعرب تقول ممسوس أي مجنون انتهى وقال أبو عبيدة المس اللمم
من الجن وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا ومن
طريق ابن عبد الله بن مسعود عن أبيه أنه كان يقرأ الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس
يوم القيامة وقوله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربا يحتمل أن يكون من تمام اعتراض الكفار
حيث قالوا إنما البيع مثل الربا أي فلم أحل هذا وحرم هذا ويحتمل أن يكون ردا عليهم ويكون
اعتراضهم بحكم العقل والرد عليهم بحكم الشرع الذي لا معقب لحكمه وعلى الثاني أكثر
المفسرين واستبعد بعض الحذاق الأول وليس ببعيد إلا من جهة أن جوابهم بقوله فمن جاءه
موعظة إلى آخره يحتاج إلى تقدير والأصل عدمه (قوله فقرأها) أي الآيات وفي رواية
شعبة التي بعد هذه في المسجد وقد مضى ما يتعلق به في المساجد من كتاب الصلاة واقتضى صنيع
المصنف في هذه التراجم أن المراد بالآيات آيات الربا كلها إلى آية الدين (قوله ثم حرم التجارة
في الخمر) تقدم توجيهه في البيوع وأن تحريم التجارة في الربا وقع بعد تحريم الخمر بمدة فيحصل به
جواب من استشكل الحديث بأن آيات الربا من آخر ما نزل من القرآن وتحريم الخمر تقدم قبل
ذلك بمدة * (قوله باب يمحق الله الربا يذهبه) هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى
يمحق الله الربا أي يذهبه وأخرج أحمد وابن ماجة وصححه الحاكم من حديث ابن مسعود رفعه
أن الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قلة ثم ذكر المصنف حديث عائشة المذكور قبله من وجه آخر عن
الأعمش ومراده الإشارة إلى أن هذه الآية من جملة الآيات التي ذكرتها عائشة * (قوله
باب فأذنوا بحرب من الله ورسوله فاعلموا) هو تفسير فأذنوا على القراءة المشهورة
152

بإسكان الهمزة وفتح الذال قال أبو عبيدة معنى قوله فأذنوا أيقنوا وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم
فآذنوا بالمد وكسر الذال أي آذنوا غيركم وأعلموهم والأول أوضح في مراد السياق ثم ذكر المصنف
حديث عائشة عن شيخ له آخر (قوله وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة الآية) كذا لأبي ذر
وساق غيره بقية الآية وهي خبر بمعنى الامر أي إن كان الذي عليه دين الربا معسرا فأنظروه إلى
ميسرته (قوله وقال محمد بن يوسف) كذا لأبي ذر ولغيره وقال لنا محمد بن يوسف وهو الفريابي
وسفيان هو الثوري وقد رويناه موصولا في تفسير الفريابي بهذا الاسناد * (قوله
باب واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) قرأ الجمهور بضم التاء من ترجعون مبنيا
للمجهول وقرأ أبو عمرو وحده بفتحها مبنيا للفاعل (قوله سفيان) هو الثوري وعاصم هو ابن
سليمان الأحول (قوله عن ابن عباس) كذا قال عاصم عن الشعبي وخالفه داود بن أبي هند
عن الشعبي فقال عن عمر أخرجه الطبري بلفظ كان من آخر ما نزل من القرآن آيات الربا وهو
منقطع فإن الشعبي لم يلق عمر (قوله آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا) كذا
ترجم المصنف بقوله واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله وأخرج هذا الحديث بهذا اللفظ ولعله
أراد أن يجمع بين قولي ابن عباس فإنه جاء عنه ذلك من هذا الوجه وجاء عنه من وجه آخر آخر آية
نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله أخرجه الطبري من طرق
عنه وكذا أخرجه من طرق جماعة من التابعين وزاد عن ابن جريج قال يقولون إنه مكث
بعدها تسع ليال ونحوه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير وروى عن غيره أقل من ذلك وأكثر فقيل
إحدى وعشرين وقيل سبعا وطريق الجمع بين هذين القولين أن هذه الآية هي ختام الآيات
المنزلة في الربا إذ هي معطوفة عليهن وأما ما سيأتي في آخر سورة النساء من حديث البراء آخر
سورة نزلت براءة وآخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة فيجمع بينه وبين قول ابن
عباس بأن الآيتين نزلتا جميعا فيصدق أن كلا منهما آخر بالنسبة لما عداهما ويحتمل أن تكون
الآخرية في آية النساء مقيدة بما يتعلق بالمواريث مثلا بخلاف آية البقرة ويحتمل عكسه
والأول أرجح لما في آية البقرة من الإشارة إلى معنى الوفاة المستلزمة لخاتمة النزول وحكى ابن
عبد السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعد نزول الآية المذكورة أحدا وعشرين
يوما وقيل سبعا وأما ما ورد في إذا جاء نصر الله والفتح أنها آخر سورة نزلت فسأذكر
ما يتعلق به في تفسيرها إن شاء الله تعالى والله أعلم * (تنبيه) * المراد بالآخرية في الربا تأخر
نزول الآيات المتعلقة به من سورة البقرة وأما حكم تحريم الربا فنزوله سابق لذلك بمدة طويلة على
ما يدل عليه قوله تعالى في آل عمران في أثناء قصة أحد يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا
مضاعفة الآية * (قوله باب قوله تعالى وأن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه الآية) كذا
لأبي ذر وساق غيره الآية إلى قدير (قوله حدثنا محمد) كذا للأكثر وبه صرح الإسماعيلي وأبو
نعيم وغيرهما ووقع لأبي علي بن السكن عن الفريري عن البخاري حدثنا النفيلي فاسقط ذكر محمد
المهمل والصواب إثباته ولعل ابن السكن ظن أن محمدا هو البخاري فحذفه وليس كذلك لما ذكرته
وذكر أبو علي الجياني أنه وقع محذوفا في رواية أبي محمد الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني وأشار
إلى أن الصواب إثباته انتهى وكلام أبي نعيم في المستخرج يقتضى أنه في روايته عن الجرجاني
153

ثابت وقد ثبت في رواية النسفي عن البخاري أيضا واختلف فيه فقال الكلاباذي هو ابن يحيى
الذهلي فيما أراه قال وقال لي الحاكم هو محمد بن إبراهيم البوشنجي قال وهذا الحديث مما أملاه
البوشنجي بنيسابور انتهى وذكر الحاكم هذا الكلام في تاريخه عن شيخه أبي عبد الله بن الأخرم
وكلام أبي نعيم يقتضى أنه محمد بن إدريس أبو حاتم الرازي فأنه أخرجه من طريقه ثم قال أخرجه
البخاري عن محمد عن النفيلي والنفيلي بنون وفاء مصغر اسمه عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل
يكنى أبا جعفر ليس له في البخاري ولا لشيخه مسكين بن بكير الحراني إلا هذا الحديث الواحد
(قوله حدثنا شعبة) قال أبو علي الجياني وقع في رواية أبي محمد الأصيلي عن أبي أحمد حدثنا
مسكين وشعبة وكتب بين الأسطر أراه حدثنا شعبة قال أبو علي وهذا هو الصواب لا شك فيه
ومسكين هذا إنما يروي عن شعبة (قوله عن مروان الأصفر) تقدم ذكره في الحج وأنه ليس له في
البخاري سوى هذا الحديث الواحد وآخر في الحج (قوله عن رجل من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم وهو ابن عمر) لم يتضح لي من هو الجازم بأنه ابن عمر فإن الرواية الآتية بعد هذه وقعت
بلفظ أحسبه ابن عمر وعندي في ثبوت كونه ابن عمر توقف لأنه ثبت أن ابن عمر لم يكن اطلع على
كون هذه الآية منسوخة فروى أحمد من طريق مجاهد قال دخلت علي ابن عباس فقلت
كنت عند ابن عمر فقرأ وأن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه فبكى فقال ابن عباس أن هذه الآية
لما أنزلت غمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غما شديدا وقالوا يا رسول الله هلكنا فإن
قلوبنا ليست بأيدينا فقال قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا فنسختها هذه الآية لا يكلف الله نفسا إلا
وسعها وأصله عند مسلم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس دون قصة ابن عمر وأخرج
الطبري بإسناد صحيح عن الزهري أنه سمع سعيد بن مرجانة يقول كنت عند ابن عمر فتلا هذه
الآية وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه فقال والله لئن واخذنا الله بهذا لنهلكن ثم بكى حتى سمع
نشيجه فقمت حتى أتيت ابن عباس فذكرت له ما قال ابن عمر وما فعل حين تلاها فقال يغفر الله
لأبي عبد الرحمن لعمري لقد وجد المسلمون حين نزلت مثل ما وجد فأنزل الله لا يكلف الله
نفسا إلا وسعها وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال لما نزلت لله ما في السماوات وما في الأرض
الآية أشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر القصة مطولا وفيها فلما فعلوا
نسخها الله فأنزل الله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها إلى آخر السورة ولم يذكر قصة ابن عمر ويمكن
أن ابن عمر كان أولا لا يعرف القصة ثم لما تحقق ذلك جزم به فيكون مرسل صحابي والله أعلم
* (قوله باب آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) أي إلى آخر السورة (قوله وقال
ابن عباس أصرا عهدا) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ولا
تحمل علينا اصرا أي عهدا وأصل الاصر الشئ الثقيل ويطلق على الشديد وتفسيره بالعهد
تفسير باللازم لان الوفاء بالعهد شديد وروى الطبري من طريق ابن جريج في قوله اصرا قال
عهدا لا نطيق القيام به (قوله ويقال غفرانك مغفرتك فاغفر لنا) هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله
غفرانك أي مغفرتك أي اغفر لنا وقال الفراء غفرانك مصدر وقع في موضع أمر فنصب وقال
سيبويه التقدير اغفر غفرانك وقيل يحتمل أن يقدر جملة خبرية أي نستغفرك غفرانك والله أعلم
(قوله نسختها الآية التي بعدها) قد عرف بيانه من حديثي ابن عباس وأبي هريرة والمراد بقوله
154

نسختها أي أزالت ما تضمنته من الشدة وبينت أنه وأن وقعت المحاسبة به لكنها لا تقع المؤاخذة
به أشا إلى ذلك الطبري فرارا من اثبات دخول النسخ في الاخبار وأجيب بأنه وأن كان خبرا
لكنه يتضمن حكما ومهما كان من الاخبار يتضمن الاحكام أمكن دخول النسخ فيه كسائر
الاحكام وإنما الذي لا يدخله النسخ من الاخبار ما كان خبرا محضا لا يتضمن حكما كالاخبار
عما مضى من أحاديث الأمم ونحو ذلك ويحتمل أن يكون المراد بالنسخ في الحديث التخصيص
فإن المتقدمين يطلقون لفظ النسخ عليه كثيرا والمراد بالمحاسبة بما يخفى الانسان ما يصمم عليه
ويشرع فيه دون ما يخطر له ولا يستمر عليه والله أعلم
* (قوله سورة آل عمران) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر ولم أر البسملة لغيره (قوله صر برد) هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى كمثل
ريح فيها صر الصر شدة البرد (قوله شفا حفرة مثل شفا الركية) بفتح الراء وكسر الكاف
وتشديد التحتانية (وهو حرفها) كذا للأكثر بفتح المهملة وسكون الراء وللنسفي بضم الجيم
والراء والأول أصوب والجرف الذي أضيف إليه شفاء في الآية الأخرى غير شفا هنا وقد قال أبو
عبيدة في قوله تعالى شفا حفرة شفا جرف وهو يقتضى التسوية بينهما في الإضافة وإلا فمدلول
جرف غير مدلول حفرة فإن لفظ شفا يضاف إلى أعلى الشئ ومنه قوله شفا جرف وإلى أسفل الشئ
ومنه شفا حفرة ويطلق شفا أيضا على القليل تقول ما بقي منه شئ غير شفا أي غير قليل ويستعمل
في القرب ومنه أشفى على كذا أي قرب منه (قوله تبوئ تتخذ معسكرا) هو تفسير أبي عبيدة قال
في قوله وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال أي تتخذ لهم مصاف ومعسكرا وقال
غيره تبوئ تنزل بوأه أنزله وأصله من المباءة وهي المرجع والمقاعد جمع مقعد وهو مكان القعود
وقد تقدم شئ من ذلك في غزوة أحد (قوله ربيون الجموع واحدها ربي) هو تفسير أبي عبيدة
قال في قوله وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير قال الربيون الجماعة الكثيرة وأحدها ربي وهو
بكسر الراء في الواحد والجمع قراءة الجمهور وعن علي وجماعة بضم الراء وهو من تغيير النسب
في القراءتين إن كانت النسبة إلى الرب وعليها قراءة ابن عباس ربيون بفتح الراء وقيل بل هو
منسوب إلى الربة أي الجماعة وهو بضم الراء وبكسرها فإن كان كذلك فلا تغيير والله أعلم
(قوله تحسونهم تستأصلونهم قتلا) وقع هذا بعد قوله واحدها ربي وهو تفسير أبي عبيدة أيضا
بلفظه وزاد يقال حسناهم من عند آخرهم أي استأصلناهم وقد تقدم بيان ذلك في غزوة أحد
(قوله غزا وأحدها غاز) هو تفسير أبي عبيدة أيضا قال في قوله أو كانوا غزا لا يدخلها رفع
ولاجر لان وأحدها غاز فخرجت مخرج قائل وقول انتهى وقرأ الجمهور غزا بالتشديد جمع غاز
وقياسه غزاة لكن حملوا المعتل على الصحيح كما قال أبو عبيدة وقرأ الحسن وغيره غزا بالتخفيف
فقيل خفف الزاي كراهية التثقيل وقيل أصله غزاة وحذف الهاء (قوله سنكتب ما قالوا
سنحفظ) هو تفسير أبي عبيدة أيضا لكنه ذكره بضم الياء التحتانية على البناء للمجهول وهي
قراءة حمزة وكذلك قرأ وقتلهم بالرفع عطفا على الموصول لأنه منصوب المحل وقراءة الجمهور
155

بالنون للمتكلم العظيم وقتلهم بالنصب على الموصول لأنه منصوب المحل وتفسير الكتابة بالحفظ
تفسير باللازم وقد كثر ذلك في كلامهم كما مضى ويأتي (قوله نزلا ثوابا ويجوز ومنزل من عند
الله كقولك أنزلته) هو قول أبي عبيدة أيضا بفصه والنزل ما يهيأ للنزيل وهو الضيف ثم اتسع فيه
حتى سمي به الغداء وأن لم يكن للضيف وفي نزل قولان أحدهما انه مصدر والآخر أنه جمع نازل
كقول الأعشى * أو ينزلون فأنا معشر نزل * أي نزول وفي نصب نزلا في الآية أقوال منها أنه
منصوب على المصدر المؤكد لان معنى لهم جنات ننزلهم جنات نزلا وعلى هذا يتخرج التأويل
الأول لان تقديره ينزلهم جنات رزقا وعطاء من عند الله ومنها أنه حال من الضمير في فيها أي
منزلة على أن نزلا مصدر بمعنى المفعول وعليه يتخرج التأويل الثاني (قوله والخيل المسومة
المسوم الذي له سيماء بعلامة أو بصوفة أو بما كان وقال مجاهد الخيل المسومة المطهمة
الحسان وقال سعيد بن جبير وعبد الله بن عبد الرحمن ابن أبزى المسومة الراعية) أما التفسير
الأول فقال أبو عبيدة الخيل المسومة المعلمة بالسيماء وقال أيضا في قوله من الملائكة مسومين
أي معلمين والمسوم الذي له سيماء بعلامة أو بصوفة أو بما كان وأما قول مجاهد فرويناه في
تفسير الثوري رواية أبي حذيفة عنه بإسناد صحيح وكذا أخرجه عبد الرزاق عن الثوري وأما
قول سعيد بن جبير فوصله أبو حذيفة أيضا بإسناد صحيح إليه وأما قول ابن أبزى فوصله الطبري
من طريقه وأورد مثله عن ابن عباس من طريق للعوفي عنه وقال أبو عبيدة أيضا يجوز أن يكون
معنى مسومة مرعاة من أسمتها فصارت سائمة (قوله وقال سعيد بن جبير وحصورا لا يأتي النساء)
وقع هذا بعد ذكر المسومة وصله الثوري في تفسيره عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير به
واصل الحصر الحبسي والمنع يقال لمن لا يأتي النساء أعم من أن يكون ذلك بطبعه كالعينين
أو بمجاهدة نفسه وهو الممدوح والمراد في وصف السيد يحيى عليه السلام (قوله وقال
عكرمة من فورهم غضبهم يوم بدر) وصله الطبري من طريق داود ابن أبي هند عن عكرمة في
قوله ويأتوكم من فورهم هذا قال فورهم ذلك كان يوم أحد غضبوا ليوم بدر بما لقوا وأخرجه
عبد بن حميد من وجه آخر عن عكرمة في قولهم من فورهم هذا قال من وجوههم هذا وأصل
الفور العجلة والسرعة ومنه فارت القدر يعبر به عن الغضب لان الغضبان يسارع إلى البطش
(قوله وقال مجاهد يخرج الحي من الميت النطفة تخرج ميتة ويخرج منها الحي) وصله عبد
بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت
من الحي قال الناس الاحياء من النطف الميتة والنطف الميتة من الناس الاحياء (قوله
الابكار أول الفجر والعشي ميل الشمس إلى أن تغرب) وقع هذا أيضا عند غير أبي ذر وقد
تقدم شرحه في بدء الخلق (قوله منه آيات محكمات قال مجاهد الحلال والحرام وأخر متشابهات
يصدق بعضها بعضا كقوله وما يضل به الا الفاسقين وكقوله ويجعل الرجس على الذين
لا يعقلون وكقوله والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) هكذا وقع فيه وفيه تغيير
وبتحريره يستقيم الكلام وقد أخرجه عبد بن حميد بالاسناد الذي ذكرته قريبا إلى مجاهد قال
في قوله تعالى منه آيات محكمات قال ما فيه من الحلال والحرام وما سوى ذلك منه متشابه يصدق
156

بعضه بعضا هو مثل قوله وما يضل به الا الفاسقين إلى آخر ما ذكره (قوله زيغ شك فيتبعون
ما تشابه منه ابتغاء الفتنة المشتبهات) هو تفسير مجاهدا أيضا وصله عبد بن حميد بهذا الاسناد
كذلك ولفظه وأما الذين في قلوبهم زيغ قال شك فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة
المشتبهات الباب بن الذي ضلوا منه وبه هلكوا (قوله والراسخون في العلم يعلمون ويقولون
آمنا به الآية) وصله عبد بن حميد من الطريق المذكور عن مجاهد في قول والراسخون في العلم
يعلمون تأويله ويقولون آمنا به ومن طريق قتادة قال قال الراسخون كما يسمعون آمنا به كل من
عند ربنا التشابه والمحكم فآمنوا بمتشابهه وعملوا بمحكمه فأصابوا وهذا الذي ذهب إليه مجاهد
من تفسير الآية يقتضي أن تكون الواو في والراسخون عاطفة على معمول الاستثناء وقد
روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كان يقرأ وما يعلم تأويله إلا الله ويقول
الراسخون في العلم آمنا به فهذا يدل على أن الواو للاستئناف لأن هذه الرواية وأن لم تثبت بها
القراءة لكن أقل درجاتها أن تكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه في
ذلك على من دونه ويؤيد ذلك أن الآية دلت على ذم متبعي المتشابه لوصفهم بالزيغ وابتغاء
الفتنة وصرح بوفق ذلك حديث الباب ودلت الآية على مدح الذين فوضوا العلم إلى الله وسلموا
إليه كما مدح الله المؤمنين بالغيب وحكى القراء أن في قراءة أبي بن كعب مثل ذلك أعني ويقول
الراسخون في العلم آمنا به * (تنبيه) * سقط جميع هذه الآثار من أول السورة إلى هنا لأبي
ذر عن السرخسي وثبت عند أبي ذر عن شيخه قبل قوله منه آيات محكمات باب بغير ترجمة ووقع عند
أبي ذر آثار أخرى ففي أول السورة قول تقاه وتقيه واحد هو تفسير أبي عبيدة أي إنهما مصدران
بمعنى واحد وقد قرأ عاصم في رواية عنه إلا أن تتقوا منهم تقيه (قوله التستري) بضم المثناة
وسكون المهملة وفتح المثناة (قوله عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة) قد سمع
ابن أبي مليكة من عائشة كثيرا وكثيرا أيضا ما يدخل بينها وبينه واسطة وقد اختلف عليه في
هذا الحديث فأخرجه الترمذي من طريق أبي عامر الجزار عن ابن أبي مليكة عن عائشة ومن
طريق زيد بن إبراهيم كما في الباب بزيادة القاسم ثم قال روى غير واحد هذا الحديث عن ابن أبي
مليكة عن عائشة ولم يذكروا القاسم وإنما ذكره يزيد بن إبراهيم انتهى وقد أخرجه ابن
أبي حاتم من طريق أبي الوليد الطيالسي عن يزيد بن إبراهيم وحماد بن سلمة جميعا عن ابن أبي
مليكة عن القاسم فلم ينفرد يزيد بزيادة القاسم وممن رواه عن ابن أبي مليكة بغير ذكر القاسم
أيوب أخرجه ابن ماجة من طريقه ونافع بن عمر وابن جريج وغيرهما (قوله تلا رسول
الله صلى الله عليه وسلم) أي قرأ (هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات
محكمات من أم الكتاب وآخر متشابهات) قال أبو البقاء أصل المتشابه أن يكون بين اثنين فإذا
اجتمعت الأشياء المتشابهة كان كل منها مشابها للآخر فصح وصفها بأنها متشابهة وليس
المراد أن الآية وحدها متشابه في نفسها وحاصلة أنه ليس من شرط صحة الوصف في الجمع صحة
انبساط مفردات الأوصاف على مفردات الموصوفات وأن كان الأصل ذلك (قوله فإذا رأيت
الذين يتبعون ما تشابه منه) قال الطبري قيل إن هذه الآية نزلت في الذين جادلوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى وقيل في أمر مدة هذه الأمة والثاني أولى لان أمر
157

عيسى قد بينه الله لنبيه فهو معلوم لامته بخلاف أمر هذه الأمة فإن علمه خفي عن العباد
وقال غيره المحكم من القرآن ما وضح معناه والمتشابه نقيضه وسمي المحكم بذلك لوضوح
مفردات كلامه وإتقان تركيبه بخلاف المتشابه وقيل المحكم ما عرف المراد منه إما بالظهور
وإما بالتأويل والمتشابه ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المقطعة في
أوائل السور وقيل في تفسير المحكم والمتشابه أقوال آخر غير هذه نحو العشرة ليس هذا موضع
بسطها وما ذكرته أشهرها وأقربها إلى الصواب وذكر الأستاذ أبو منصور البغدادي أن الأخير
هو الصحيح عندنا وابن السمعاني أنه أحسن الأقوال والمختار على طريقة أهل السنة وعلى القول
الأول جرى المتأخرون والله أعلم وقال الطيبي المراد بالمحكم ما اتضح معناه والمتشابه بخلافه
لان اللفظ الذي يقبل معنى إما أن يقبل غيره أو لا الثاني النص والأول إما أن تكون دلالته على
ذلك المعنى راجحة أو لا والأول هو الظاهر والثاني إما أن يكون مساويه أو لا والأول هو
المجمل والثاني المؤول فالمشترك هو النص والظاهر هو المحكم والمشترك بين المجمل والمؤول هو
المتشابه ويؤيد هذا التقسيم أنه سبحانه وتعالى أوقع المحكم مقابلا للتشابه فالواجب أن يفسر
المحكم بما يقابله ويؤيد ذلك أسلوب الآية وهو الجمع مع التقسيم لأنه تعالى فرق ما جمع في معنى
الكتاب بأن قال منه آيات محكمات وآخر متشابهات أراد أن يضيف إلى كل منهما ما شاء منهما من
الحكم فقال أولا فأما الذين في قلوبهم زيغ إلى أن قال والراسخون في العلم يقولون آمنا به وكان
يمكن أن يقال وأما الذين في قلوبهم استقامة فيتبعون المحكم لكنه وضع موضع ذلك الراسخون
في العلم الاتيان لفظ الرسوخ لأنه لا يحصل إلا بعد التتبع التام والاجتهاد البليغ فإذا استقام
القلب على طريق الرشاد ورسخ القدم في العلم أفصح صاحبه النطق بالقول الحق وكفى بدعاء
الراسخين في العلم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا الخ شاهدا على أن والراسخون في العلم مقابل
لقوله وأما الذين في قلوبهم زيغ وفيه إشارة على أن الوقف على قوله إلا الله تام وإلى أن علم بعض
المتشابه مختص بالله تعالى وأن من حاول معرفته هو الذي أشار إليه في الحديث بقوله فاحذروهم
وقال بعضهم العقل مبتلى باعتقاد حقيقة المتشابه كابتلاء البدن بأداء العبادة كالحكيم إذا
صنف كتابا أجمل فيه أحيانا ليكون موضع خضوع المتعلم لإستاذه وكالملك يتخذ علامة يمتاز بها
من يطلعه على سر وقيل لو لم يقبل العقل الذي هو أشرف البدن لاستمر العالم في أبهة العلم على
التمرد فبذلك يستأنس إلى التذلل بعز العبودية والمتشابه هو موضع خضوع العقول لباريها
استسلاما واعترافا بقصورها وفي ختم الآية بقوله تعالى وما يذكر الا أولو الألباب تعريض
بالزائغين ومدح للراسخين يعني من لم يتذكر ويتعظ ويخالف هواه فليس من أولى العقول ومن
ثم قال الراسخون ربنا لا تزغ قلوبنا إلى آخر الآية فخضعوا لباريهم لاشتراك العلم اللدني بعد أن
استعاذوا به من الزيغ النفساني وبالله التوفيق وقال غيره دلت الآية على أن بعض القرآن
محكم وبعضه متشابه ولا يعارض ذلك قوله أحكمت آياته ولا قوله كتابا متشابها مثاني حتى
زعم بعضهم أن كله محكم وعكس آخرون لان المراد بالأحكام في قوله أحكمت الاتقان في النظم
وأن كلها حق من عند الله والمراد بالمتشابه كونه يشبه بعضه بعضا في حسن السياق والنظم أيضا
وليس المراد اشتباه معناه على سامعه وحاصل الجواب أن المحكم ورد بإزاء معنيين والمتشابه ورد
158

بإزاء معنيين والله أعلم (قوله فهم (1) الذين سمي الله فاحذروهم) في رواية الكشميهني فاحذرهم
بالافراد والأولى أولى والمراد التحذير من الاصغاء إلى الذين يتبعون المتشابه من القرآن وأول
ما ظهر ذلك من اليهود كما ذكره ابن إسحاق في تأويلهم الحروف المقطعة وأن عددها بالجمل مقدار
مدة هذه الأمة ثم أول ما ظهر في الاسلام من الخوارج حتى جاء عن ابن عباس أنه فسر بهم الآية
وقصة عمر في انكاره على ضبيع لما بلغه أنه يتبع المتشابه فضربه على رأسه حتى أدماه أخرجها
الدارمي وغيره وقال الخطابي المتشابه على ضربين أحدهما ما إذا رد إلى المحكم واعتبر به عرف
معناه والآخر ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته وهو الذي يتبعه أهل الزيغ فيطلبون تأويله
ولا يبلغون كنهه فيرتابون فيه فيفتنون والله أعلم * (قوله باب وإني أعيذها بك
وذريتها من الشيطان الرجيم) أورد فيه حديث أبي هريرة ما من مولود ولد إلا والشيطان يمسه
الحديث وقد تقدم الكلام على شرحه واختلاف ألفاظه في أحاديث الأنبياء وقد طعن صاحب
الكشاف في معنى هذا الحديث وتوقف في صحته فقال إن صح هذا الحديث فمعناه أن كل مولود
يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين وكذلك من كان في صفتهما
لقوله تعالى إلا عبادك منهم المخلصين قال واستهلال الصبي صارخا من مس الشيطان تخيل
لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ويقول هذا ممن أغويه وأما صفة النخس كما يتوهمه
أهل الحشو فلا ولو ملك إبليس على الناس نخسهم لامتلأت الدنيا صراخا انتهى وكلامه متعقب
من وجوه والذي يقتضيه لفظ الحديث لا إشكال في معناه ولا مخالفة لما ثبت من عصمة الأنبياء
بل ظاهر الخبر أن إبليس ممكن من مس كل مولود عند ولادته لكن من كان من عباد الله المخلصين
لم يضره ذلك المس أصلا واستثنى من المخلصين مريم وابنها فإنه ذهب يمس على عادته فحيل بينه
وبين ذلك فهذا وجه الاختصاص ولا يلزم منه تسلطه على غيرهما من المخلصين وأما قوله لو ملك
إبليس الخ فلا يلزم من كونه جعل له ذلك عند ابتداء الوضع أن يستمر ذلك في حق كل أحد وقد
أورد الفخر الرازي هذا الاشكال وبالغ في تقريره على عادته وأجمل الجواب فما زاد على تقريره أن
الحديث خبر واحد ورد على خلاف الدليل لان الشيطان إنما يغوى من يعرف الخير والشر
والمولود بخلاف ذلك وأنه لو مكن من هذا القدر لفعل أكثر من ذلك من اهلاك وإفساد وأنه
لا اختصاص لمريم وعيسى بذلك دون غيرهما إلى آخر كلام الكشاف ثم أجاب بان هذه الوجوه
محتملة ومع الاحتمال لا يجوز دفع الخبر انتهى وقد فتح الله تعالى بالجواب كما تقدم والجواب عن
إشكال الاغواء يعرف مما تقدم أيضا وحاصله أن ذلك جعل علامة في الابتداء على من يتمكن
من إغوائه والله أعلم * (قوله باب إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا
أولئك لا خلاق لهم لا خير) قال أبو عبيدة في قوله من خلاق أي نصيب من خير (قوله أليم مؤلم
موجع من الألم وهو في موضع مفعل) هو كلام أبي عبيدة أيضا واستشهد بقول ذي الرمة
159

* يصيبك وجهها وهج أليم * ثم ذكر حديث ابن مسعود من حلف يمين صبر وفيه قول الأشعث
أن قوله تعالى أن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا نزلت فيه وفي خصمه حين تحاكما في
البئر وحديث عبد الله بن أبي أوفى أنها نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطى بها
ما لم يعطه وقد تقدما جميعا في الشهادات وأنه لا منافاة بينهما ويحمل على أن النزول كان بالسببين
جميعا ولفظ الآية أعم من ذلك ولهذا وقع في صدر حديث ابن مسعود ما يقتضى ذلك وذكر
الطبري من طريق عكرمة أن الآية نزلت في حي بن أخطب وكعب بن الأشرف وغيرهما من
اليهود الذين كتموا ما أنزل الله في التوراة من شأن النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا وحلفوا أنه
من عند الله وقص الكلبي في تفسيره في ذلك قصة طويلة وهي محتملة أيضا لكن المعتمد
في ذلك ما ثبت في الصحيح وسنذكر ما يتعلق بحكم اليمين في كتاب الايمان والنذور إن شاء الله تعالى
(قوله حدثنا نصر بن علي) هو الجهضمي بجيم ومعجمة وعبد الله بن داود وهو الخربي بمعجمة
وموحدة مصغر (قوله إن امرأتين) سيأتي تسميتهما في كتاب الايمان والنذور مع شرح
الحديث وإنما أورده هنا لقول ابن عباس اقرأ وا عليها أن الذين يشترون بعهد الله الآية فإن فيه
الإشارة إلى العمل بما دل عليه عموم الآية لا خصوص سبب نزولها وفيه أن الذي تتوجه عليه
اليمين يوعظ بهذه الآية ونحوها (قوله في بيت وفي الحجرة) كذا للأكثر بواو العطف وللأصيلي
وحده في بيت أو في الحجرة بأو والأول هو الصواب وسبب الخطأ في رواية الأصيلي أن في
السياق حذفا بينه ابن السكن في روايته حيث جاء فيها في بيت وفي الحجرة حداث فالواو عاطفة
أو الجملة حالية لكن المبتدأ محذوف وحداث بضم المهملة والتشديد وآخره مثلثة أي ناس
يتحدثون وحاصله أن المرأتين كانتا في البيت وكان في الحجرة المجاورة للبيت ناس يتحدثون
فسقط المبتدأ من الرواية فصار مشكلا فعدل الراوي عن الواو إلى أو التي للترديد فرارا من
استحالة كون المرأتين في البيت وفي الحجرة معا على أن دعوى الاستحالة مردودة لان له وجها
ويكون من عطف الخاص على العام لان الحجرة أخص من البيت لكن رواية ابن السكن
أفصحت عن المراد فأغنت عن التقدير وكذا ثبت مثله في رواية الإسماعيلي والله أعلم * (قوله
باب قوله تعالى قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله)
كذا للأكثر ولأبي ذر وبينكم الآية (قوله سواء قصدا) كذا لأبي ذر بالنصب ولغيره بالجر فيهما
وهو أظهر على الحكاية لأنه يفسر قوله إلى كلمة سواء وقد قرئ في الشواذ بالنصب وهي قراء
الحسن البصري قال الحوفي انتصب على المصدر أي استوت استواء والقصد بفتح القاف
وسكون المهملة الوسط المعتدل قال أبو عبيدة في قوله إلى كلمة سواء أي عدل وكذا أخرجه
الطبري وابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس وأخرج الطبري عن قتادة مثله ونسبها الفراء
إلى قراءة ابن مسعود وأخرج عن أبي العالية أن المراد بالكلمة لا إله إلا الله وعلى ذلك يدل
سياق الآية الذي تضمنه قوله أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا
من دون الله فإن جميع ذلك داخل تحت كلمة الحق وهي لا إله إلا الله والكلمة على هذا بمعنى
الكلام وذلك سائغ في اللغة فتطلق الكلمة على الكلمات لان بعضها ارتبط ببعض فصارت
في قوة الكلمة الواحدة بخلاف اصطلاح النحاة في تفريقهم بين الكلمة والكلام ثم ذكر
160

المصنف حديث أبي سفيان في قصة هرقل بطوله وقد شرحته في بدء الوحي وأحلت بقية شرحه
على الجهاد فلم يقدر إيراده هناك فأوردته هنا وهشام في أول الاسناد هو ابن يوسف الصغاني
(قوله حدثني أبو سفيان من فيه إلى في) إنما لم يقل إلى إذني يشير إلى أنه كان متمكنا من الاصغاء
إليه بحديث يجيبه إذا أحتاج إلى الجواب فلذلك جعل التحديث متعلقا بفمه وهو في الحقيقة
إنما يتعلق بإذنه وأتفق أكثر الروايات على أن الحديث كله من رواية ابن عباس عن أبي سفيان
إلا ما وقع من رواية صالح بن كيسان عن الزهري في الجهاد فأنه ذكر أول الحديث عن ابن عباس
إلى قوله فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأه التمسوا لي ههنا أحدا من
قومه لأسألهم عنه قال ابن عباس فأخبرني أبو سفيان أنه كان بالشام الحديث وكذا وقع عند
أبي يعلى من رواية الوليد بن محمد عن الزهري وهذه الرواية المفصلة تشعر بأن فاعل قال الذي
وقع هنا من قوله قال وكان دحية الخ هو ابن عباس لا أبو سفيان وفاعل قال وقال هرقل هل هنا
أحد هو أبو سفيان (قوله هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف على المشهور في الروايات
وحكى الجوهري وغير واحد من أهل اللغة سكون الراء وكسر القاف وهو اسم غير عربي فلا
ينصرف للعلمية والعجمة (قوله فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على هرقل) فيه حذف تقديره
فجاءنا رسوله فتوجهنا معه فاستأذن لنا فأذن فدخلنا وهذه الفاء تسمى الفصيحة وهي الدالة على
محذوف قبلها هو سبب لما بعدها سميت فصيحة لافصاحها عما قبلها وقيل لأنها تدل على فصاحة
المتكلم بها فوصفت بالفصاحة على الاسناد المجازى ولهذا لا تقع إلا في كلام بليغ ثم إن ظاهر
السياق أن هرقل أرسل إليه بعينه وليس كذلك وإنما كان المطلوب من يوجد من قريش ووقع
في الجهاد قال أبو سفيان فوجدنا رسول قيصر ببعض الشام فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إلى
إيلياء وتقدم في بدء الوحي أن المراد بالبعض غزة وقيصر هو هرقل وهرقل اسمه وقيصر لقبه (قوله
فدخلنا على هرقل) تقدم في بدء الوحي بلفظ فأتوه وهو بإيلياء وفي رواية هناك وهم بإيلياء
واستشكلت ووجهت أن المراد الروم مع ملكهم والأول أصوب (قوله فأجلسنا بين يديه فقال
أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فقال أبو سفيان فقلت أنا فأجلسوني بين يديه
وأجلسوا أصحابي خلفي ثم دعا بترجمانه) وهذا يقتضى أن هرقل خاطبهم أولا بغير ترجمان ثم دعا
بالترجمان لكن وقع في الجهاد بلفظ فقال لترجمانه سلهم أيهم أقرب نسبا الخ فيجمع بين هذا
الاختلاف بأن قوله ثم دعا بترجمانه أن فأجلسه إلى جنب أبي سفيان لا أن المراد أنه كان غائبا
فأرسل في طلبه فحضر وكأن الترجمان كان واقفا في المجلس كما جرت به عادة ملوك الأعاجم فخاطبهم
هرقل بالسؤال الأول فلما تحرر له حال الذي أراد أن يخاطبه من بين الجماعة أمر الترجمان
بالجلوس إليه ليعبر عنه بما أراد والترجمان من يفسر لغة بلغة فعلى هذا لا يقال ذلك لمن فسر
كلمة غريبة بكلمة واضحة فإن اقتضى معنى الترجمان ذلك فليعرف أنه الذي يفسر لفظا بلفظ وقد
اختلف هل هو عربي أو معرب والثاني أشهر وعلى الأول فنونه زائدة اتفاقا ثم قيل هو من
ترجيم (1) الظن وقيل من الرجم فعلى الثاني تكون التاء أيضا زائدة ويوجب كونه من الرجم
أن الذي يلقى الكلام كأنه يرجم الذي يلقيه إليه (قوله أقرب نسبا من هذا الرجل) من كأنها
ابتدائية والتقدير أيكم أقرب نسبا مبدؤه من هذا الرجل أو هي بمعنى الباء ويؤيده أن في الرواية
161

التي في بدء الوحي بهذا الرجل وفي رواية الجهاد إلى هذا الرجل ولا اشكال فيها فإن أقرب
يتعدى بإلى قال الله تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد والمفضل عليه محذوف تقديره من
غيره ويحتمل أن يكون في رواية الباب بمعنى الغاية فقد ثبت ورودها للغاية مع قلة (قوله
واجلسوا أصحابي خلفي) في رواية الجهاد عند كتفي وهي أخص وعند الواقدي فقال لترجمانه
قل لأصحابه إنما جعلتكم عند كتفيه لتردوا عليه كذبا إن قاله (قوله عن هذا الرجل) أشار إليه
إشارة القرب لقرب العهد بذكره أو لأنه معهود في أذهانهم لاشتراك الجميع في معاداته ووقع عند
ابن إسحاق من الزيادة في هذه القصة وقال أبو سفيان فجعلت أزهده في شأنه وأصغر أمره وأقول
إن شأنه دون ما بلغك فجعل لا يلتفت إلى ذلك (قوله فان كذبني) بالتخفيف (فكذبوه) بالتشديد
أي قال لترجمانه يقول لكم ذلك ولما جرت العادة أن مجالس الأكابر لا يواجه أحد فيها بالتكذيب
احتراما لهم أذن لهم هرقل في ذلك للمصلحة التي أرادها قال محمد بن إسماعيل التميمي كذب
بالتخفيف يتعدى إلى مفعولين مثل صدق تقول كذبني الحديث وصدقني الحديث قال الله تعالى
لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق وكذب بالتشديد يتعدى إلى مفعول واحد وهما من غرائب
الألفاظ لمخالفتهما الغائب لان الزيادة تناسب الزيادة وبالعكس والامر هنا بالعكس (قوله
وأيم الله) بالهمز وبغير الهمز وفيها لغات أخرى تقدمت (قوله يؤثر) بفتح المثلثة أي ينقل (قوله
كيف حسبه) كذا هنا وفي غيرها كيف نسبه والنسب الوجه الذي يحصل به الأدلاء من
جهة الآباء والحسب ما يعده المرء من مفاخر آبائه وقوله هو فينا ذو حسب في غيرها ذو نسب
واستشكل الجواب لأنه لم يزد على ما في السؤال لان السؤال تضمن أن له نسبا أو حسبا والجواب
كذلك وأجيب بان التنوين يدل على التعظيم كأنه قال هو فينا ذو نسب كبير أو حسب رفيع
ووقع في رواية ابن إسحاق كيف نسبه فيكم قال في الذروة وهي بكسر المعجمة وسكون الراء أعلى ما
في البعير من السنام فكأنه قال هو من أعلانا نسبا وفي حديث دحية عند البزار حدثني عن هذا
الذي خرج بأرضكم ما هو قال شاب قال كيف حسبه فيكم قال هو في حسب ما لا يفضل عليه
أحد قال هذه آية (قوله هل كان في آبائه ملك) في رواية الكشميهني من آبائه وملك هنا بالتنوين
وهي تؤيد أن الرواية السابقة في بدء الوحي بلفظ من ملك ليست بلفظ الفعل الماضي (قوله قال
يزيدون أم ينقصون) كذا فيه بإسقاط همزة الاستفهام وقد جزم بن مالك بجوازه مطلقا خلافا
لمن خصه بالشعر (قوله قال هي يرتد الخ) إنما لم يستغن هرقل بقوله بل يزيدون عن هذا السؤال
لأنه لا ملازمة بين الارتداد والنقص فقد يرتد بعضهم ولا يظهر فيهم النقص باعتبار كثرة من
يدخل وقلة من يرتد مثلا (قوله سخطه له) يريد أن من دخل في الشئ على بصيرة يبعد رجوعه عنه
بخلاف من لم يكن ذلك من صميم قلبه فأنه يتزلزل بسرعة وعلى هذا يحمل حال من ارتد من قريش
ولهذا لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم وفيهم صهره زوج ابنته أم حبيبة وهو عبيد الله بن جحش
فأنه كان أسلم وهاجر إلى الحبشة بزوجته ثم تنصر بالحبشة ومات على نصرانيته وتزوج النبي
صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بعده وكأنه ممن لم يكن دخل في الاسلام على بصيرة وكان أبو سفيان
وغيره من قريش يعرفوا ذلك منه ولذلك لم يعرج عليه خشية أن يكذبوه ويحتمل أن يكونوا
عرفوه بما وقع له من التنصر وفيه بعد أو المراد بالارتداد الرجوع إلى الدين الأول ولم يقع ذلك
162

لعبيد الله بن جحش ولم يطلع أبو سفيان على من وقع له ذلك زاد في حديث دحية أرأيت من خرج
من أصحابه إليكم هل يرجعون إليه قال نعم (قوله فهل قاتلتموه) نسب ابتداء القتال إليهم
ولم يقل قاتلكم فينسب ابتداء القتال إليه محافظة على احترامه أو لاطلاعه على أن النبي
لا يبدأ قومه بالقتال حتى يقاتلوه أو لما عرفة من العادة من حمية من يدعي إلى الرجوع عن دينه
وفي حديث دحية هل ينكب إذا قاتلكم قال قد قاتله قوم فهزمهم وهزموه قال هذه آية
(قوله يصيب منا ونصيب منه) وقعت المقاتلة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش قبل
هذه القصة في ثلاثة مواطن بدر واحد والخندق فأصاب المسلمون من المشركين في بدر وعكسه
في أحد وأصيب من الطائفتين ناس قليل في الخندق فصح قول أبي سفيان يصيب منا ونصيب
منه ولم يصب من تعقب كلامه وأن فيه دسيسة لم ينبه عليها كما نبه على قوله ونحن منه في مدة
لا ندري ما هو صانع فيها والحق أنه لم يدس في هذه القصة شيئا وقد ثبت مثل كلامه هذا من لفظ
النبي صلى الله عليه وسلم كما أشرت إليه في بدء الوحي (قوله انى سألتك عن حسبه فيكم)
ذكر الأسئلة والأجوبة على ترتيب ما وقعت وأجاب عن كل جواب بما يقتضيه الحال
وحاصل الجميع ثبوت علامات النبوة في الجميع فالبعض مما تلقفه من الكتب والبعض
مما استقرأه بالعادة ووقع في بدء الوحي إعادة الأجوبة مشوشة الترتيب وهو من الراوي
بدليل أنه حذف منها واحدة وهي قوله هل قاتلتموه الخ ووقع في رواية الجهاد شئ خالفت
فيه ما في الموضعين فإنه أضاف قول بم يأمركم إلى بقية الأسئلة فكملت بها عشرة
وأما هنا فإنه آخر قوله بم يأمركم إلى ما بعد إعادة الأسئلة والأجوبة وما رتب عليها وقوله
قال لترجمانه قل له أي قل لأبي سفيان إني سألتك أي قل له حاكيا عن هرقل أني سألتك
أو المراد أني سألتك على لسان هرقل لان الترجمان يعيد كلام هرقل ويعيد لهرقل كلام
أبي سفيان ولا يبعد أن يكون هرقل كان يفقه بالعربية ويأنف من التكلم بغير لسان قومه
كما جرت به عادة الملوك من الأعاجم (قوله قلت لو كان من آبائه) أي قلت في نفسي وأطلق على
حديث النفس قولا (قوله ملك أبيه) أفرده ليكون أعذر في طلب الملك بخلاف ما لو قال ملك
آبائه أو المراد بالأب ما هو أعم من حقيقته ومجازه (قوله وكذلك الايمان إذا خالط) يرجح أن الرواية
التي في بدء الوحي بلفظ حتى يخالط وهم والصواب حين كما للأكثر (قوله قلت يأمرنا بالصلاة
الخ) في بدء الوحي فقلت يقول اعبدوا الله الخ واستدل به على إطلاق الامر على صيغة
أفعل وعلى عكسه وفيه نظر لأن الظاهر أنه من تصرف الرواة ويستفاد منه أن المأمورات
كلها كانت معروفة عند هرقل ولهذا لم يستفسره عن حقائقها (قوله أن يك ما تقول فيه
حقا فإنه نبي) وقع في رواية الجهاد وهذه صفة نبي وفي مرسل سعيد بن المسيب عند ابن أبي شيبة
فقال هو نبي ووقع في أمالي المحاملي رواية الأصبهانيين من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن
163

أبي سفيان أن صاحب بصري أخذه وناسا معه وهم في تجارة فذكر القصة مختصرة دون
الكتاب وما فيه وزاد في آخرها قال فأخبرني هل تعرف صورته إذا رأيتها قلت نعم فأدخلت
كنيسة لهم فيها الصور فلم أره ثم أدخلت أخرى فإذا أنا بصورة محمد وصورة أبي بكر إلا أنه دونه
وفي دلائل النبوة لأبي نعيم بإسناد ضعيف أن هرقل أخرج لهم سقطا من ذهب عليه قفل من
ذهب فأخرج منه حريرة مطوية فيها صور فعرضها عليهم إلى أن كان آخرها صورة محمد فقلنا
بأجمعنا هذه صورة محمد فذكر لهم أنها صور الأنبياء وأنه خاتمهم صلى الله عليه وسلم (قوله وقد
كنت أعلم أنه خارج ولم أك أظنه منكم) أي أعلم أن نبيا سيبعث في هذا الزمان لكن لم أعلم تعيين
جنسه وزعم بعض الشراح أنه كان يظن أنه من بني إسرائيل لكثرة الأنبياء فيهم وفيه نظر لان
اعتماد هرقل في ذلك كان على ما اطلع عليه من الإسرائيليات وهي طافحة بان النبي الذي يخرج
في آخر الزمان من ولد إسماعيل فيحمل قوله لم أكن أظن أنه منكم أي من قريش (قوله لأحببت
لقاءه) في بدء الوحي لتجشمت بجيم ومعجمة أي تكلفت ورجحها عياض لكن نسبها لرواية مسلم
خاصة وهي عند البخاري أيضا وقال النووي قوله لتجشمت لقاءه أي تكلفت الوصول إليه
وارتكبت المشقة في ذلك ولكني أخاف أن اقتطع دونه قال ولا عذر له في هذا لأنه عرف صفة
النبي لكنه شح بملكه ورغب في بقاء رياسته فأثرها وقد جاء ذلك مصرحا به في صحيح البخاري قال
شيخنا شيخ الاسلام كذا قال ولم أر في شئ من طرق الحديث في البخاري ما يدل على ذلك (قلت)
والذي يظهر لي أن النووي عني ما وقع في آخر الحديث عند البخاري دون مسلم من القصة التي
حكاها ابن الناطور وأن في آخرها في بدء الوحي أن هرقل قال إني قلت مقالتي آنفا اختبر بها
شدتكم على دينكم فقد رأيت وزاد في آخر حديث الباب فقد رأيت الذي أحببت فكأن
النووي أشار إلى هذا والله أعلم وقد وقع التعبير بقوله شح بملكه في الحديث الذي أخرجه (قوله
ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه) ظاهره أن هرقل هو الذي قرأ الكتاب ويحتمل
أن يكون الترجمان قرأه ونسبت قراءته إلى هرقل مجازا لكونه الامر به وقد تقدم في رواية الجهاد
بلفظ ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ وفي مرسل محمد بن كعب القرظي عند
الواقدي في هذه القصة فدعا الترجمان الذي يقرأ بالعربية فقرأه ووقع في رواية الجهاد ما ظاهره
أن قراءة الكتاب وقعت مرتين فإن في أوله فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
حين قرأه التمسوا لي ههنا أحدا من قومه لأسألهم عنه قال ابن عباس فأخبرني أبو سفيان أنه كان
بالشام في رجال من قريش فذكر القصة إلى أن قال ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقرئ والذي يظهر لي أن هرقل قرأه بنفسه أولا ثم لما جمع قومه وأحضر أبا سفيان ومن معه
وسأله وأجابه أمر بقراءة الكتاب على الجميع ويحتمل أن يكون المراد بقوله أولا فقال حين قرأه
أي قرأ عنوان الكتاب لان كتاب النبي صلى الله عليه وسلم كان مختوما بختمه وختمه محمد رسول
الله ولهذا قال إنه يسأل عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ويؤيد هذا الاحتمال أن من جملة
الأسئلة قول هرقل بم يأمركم فقال أبو سفيان يقول اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وهذا بعينه
في الكتاب فلو كان هرقل قرأه أولا ما أحتاج إلى السؤال عنه ثانيا نعم يحتمل أن يكون سأل عنه ثانيا
مبالغة في تقريره قال النووي في هذه القصة فوائد منه جواز مكاتبة الكفار ودعاؤهم إلى
164

الاسلام قبل القتال وفيه تفصيل فمن بلغته الدعوة وجب إنذارهم قبل قتالهم وإلا استحب ومنها
وجوب العمل بخير الواحد وإلا لم يكن في بعث الكتاب مع دحية وحده فائدة ومنها وجوب
العمل بالخط إذا قامت القرائن بصدقه (قوله فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم) قال النووي
فيه استحباب تصدير الكتب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافرا ويحمل قوله في
حديث أبي هريرة كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع أي بذكر الله كما جاء في رواية
أخرى فإنه روى على أوجه يذكر الله ببسم الله بحمد الله قال وهذا الكتاب كان ذا بال من المهمات
العظام ولم يبدأ فيه بلفظ الحمد بل بالبسملة انتهى والحديث الذي أشار إليه أخرجه أبو عوانة في
صحيحه وصححه ابن حبان أيضا وفي إسناده مقال وعلى تقدير صحته فالرواية المشهورة فيه بلفظ
حمد الله وما عدا ذلك من الألفاظ التي ذكرها النووي وردت في بعض طرق الحديث بأسانيد
واهية ثم اللفظ وأن كان عاما لكن أريد به الخصوص وهي الأمور التي تحتاج إلى تقدم الخطبة
وأما المراسلات فلم تجر العادة الشرعية ولا العرفية بابتدائها بذلك وهو نظير الحديث الذي
أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة أيضا بلفظ كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء
فالابتداء بالحمد واشتراط التشهد خاص بالخطبة بخلاف بقية الأمور المهمة فبعضها يبدأ فيه
بالبسملة تامة كالمراسلات وبعضها ببسم الله فقط كما في أول الجماع والذبيحة وبعضها بلفظ من
الذكر مخصوص كالتكبير وقد جمعت كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وغيرهم فلم يقع
في واحد منها البداءة بالحمد بل بالبسملة وهو يؤيد ما قررته والله أعلم وقد تقدم في الحيض استدلال
المصنف بهذا الكتاب على جواز قراءة الجنب القرآن وما يرد عليه وكذا في الجهاد الاستدلال به
على جواز السفر بالقرآن إلى أرض العدو وما يرد عليه بما أغنى عن الإعادة ووقع في مرسل
سعيد بن المسيب عند ابن أبي شيبة أن هرقل لما قرأ الكتاب قال هذا كتاب لم أسمعه بعد سليمان
عليه السلام كأنه يريد الابتداء ببسم الله الرحمن الرحيم وهذا يؤيد ما قدمناه أنه كان عالما بأخبار
أهل الكتاب (قوله من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقع في بدء الوحي وفي الجهاد من محمد
بن عبد الله ورسوله وفيه إشارة إلى أن رسل الله وإن كانوا أكرم الخلق على الله فهم مع ذلك مقرون
بأنهم عبيد الله وكأن فيه إشارة إلى بطلان ما تدعيه النصارى في عيسى عليه السلام وذكر
المدائني أن القارئ لما قرأ من محمد رسول الله إلى عظيم الروم غضب أخو هرقل واجتذب الكتاب
فقال له هرقل مالك فقال بدأ بنفسه وسماك صاحب الروم فقال هرقل انك لضعيف الرأي أتريد أن
أرمى بكتاب قبل أن أعلم ما فيه لئن كان رسول الله إنه لاحق أن يبدأ بنفسه ولقد صدق أنا صاحب
الروم والله مالكي ومالكهم وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده من طريق عبد الله بن شداد
عن دحية بعثني النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب إلى هرقل فقدمت عليه فأعطيته الكتاب وعنده
ابن أخ له أحمر أزرق سبط الرأس فلما قرأ الكتاب نخر ابن أخيه نخرة فقال لا تقرأ فقال قيصر
لم قال لأنه بدأ بنفسه وقال صاحب الروم ولم يقل ملك الروم قال اقرأ فقرأ الكتاب (قوله إلى
هرقل عظيم الروم) عظيم بالجر على البدل ويجوز الرفع على القطع والنصب على الاختصاص
والمراد من تعظمة الروم وتقدمه للرياسة عليها (قوله أما بعد) تقدم في كتاب الجمعة في باب من
قال في الخطبة بعد الثاء أما بعد الإشارة إلى عدد من روى من الصحابة هذه الكلمة وتوجيهها
165

ونقلت هناك أن سيبويه قال أن معنى أما بعد مهما يكن من شئ وأقول هنا سيبويه لا يخص
ذلك بقولنا أما بعد بل كل كلام أوله أما وفيه معنى الجزاء قاله في مثل أما عبد الله فمنطلق والفاء
لازمة في أكثر الكلام وقد تحذف وهو نادر قال الكرماني فإن قلت أما للتفصيل فأين القسيم
ثم أجاب بأن التقدير أما الابتداء فهو بسم الله وأما المكتوب فهو من محمد الخ وأما المكتوب به
فهو ما ذكر في الحديث وهو توجيه مقبول لكنه لا يطرد في كل موضع ومعناها الله الفصل بين
الكلامين واختلف في أول من قالها فقيل داود عليه السلام وقيل يعرب بن قحطان وقيل
كعب بن لؤي وقيل قس بن ساعده وقيل سحبان وفي غرائب مالك الدارقطني أن يعقوب عليه
السلام قالها فإن ثبت وقلنا أن قحطان من ذرية إسماعيل فيعقوب أول من قالها مطلقا وإن قلنا
أن قحطان قبل إبراهيم عليه السلام فيعرب أول من قالها والله أعلم (قوله أسلم تسلم) فيه بشارة
لمن دخل في الاسلام أنه يسلم من الآفات اعتبارا بأن ذلك لا يختص بهرقل كما أنه لا يختص
بالحكم الآخر وهو قوله أسلم يؤتك الله أجرك مرتين لان ذلك عام في حق من كان مؤمنا بنبيه
ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم (قوله وأسلم يؤتك) فيه تقوية لاحد الاحتمالين المتقدمين
في بدء الوحي وأنه أعاد أسلم تأكيدا ويحتمل أن يكون قوله أسلم أولا أي لا تعتقد في المسيح ما تعتقده
النصارى وأسلم ثانيا أي ادخل في دين الاسلام فلذلك قال بعد ذلك يؤتك الله أجرك مرتين
* (تنبيه) * لم يصرح في الكتاب بدعائه إلى الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة لكن ذلك
منطو في قوله والسلام على من أتبع الهدى وفي قوله أدعوك بدعاية الاسلام وفي قوله أسلم فإن
جميع ذلك يتضمن الاقرار بالشهادتين (قوله إثم الأريسيين) تقدم ضبطه وشرحه في بدء
الوحي ووجدته هناك في أصل معتمد بتشديد الراء وحكى هذه الرواية أيضا صاحب المشارق
وغيره وفي أخرى الأريسين بتحتانية واحدة قال ابن الأعرابي ارس يأرس بالتخفيف فهو أريس
وأرس بالتشديد يؤرس فهو أريس وقال الأزهري بالتخفيف وبالتشديد الاكار لغة شامية
وكان أهل السواد أهل فلاحة وكانوا مجوسا وأهل الروم أهل صناعة فأعلموا بأنهم وإن كانوا أهل
كتاب فإن عليهم إن لم يؤمنوا من الاثم إثم المجوس انتهى وهذا توجيه آخر لم يتقدم ذكره وحكى
غيره أن الأريسيين ينسبون إلى عبد الله بن أريس رجل كان تعظمه النصارى ابتدع في دينهم
أشياء مخالفة لدين عيسى وقيل أنه من قوم بعث إليهم نبي فقتلوه فالتقدير على هذا فإن عليك مثل
إثم الأريسيين وذكر ابن حزم أن أتباع عبد الله بن أريس كانوا أهل مملكة هرقل ورده بعضهم
بأن الأريسيين كانوا قليلا وما كانوا يظهرون رأيهم فإنهم كانوا ينكرون التثليث وما أظن قول
ابن حزم إلا عن أصل فأنه لا يجازف في النقل ووقع في رواية الأصيلي اليريسيين بتحتانية في أوله
وكأنه بتسهيل الهمزة وقال ابن سيده في المحكم الأريس الاكار عند ثعلب والأمين عند كراع
فكأنه من الأضداد أي يقال للتابع والمتبوع والمعنى في الحديث صالح على الرأيين فإن كان
المراد التابع فالمعنى إن عليك مثل إثم التابع لك على ترك الدخول في الاسلام وأن كان المراد
المتبوع فكأنه قال فإن عليك إثم المتبوعين وإثم المتبوعين يضاعف باعتبار ما وقع لهم من عدم
الاذعان إلى الحق من اضلال أتباعهم وقال النووي نبه بذكر الفلاحين على بقية الرعية لانهم
الأغلب ولأنهم أسرع انقيادا وتعقب بأن من الرعايا غير الفلاحين من له صرامة وقوة وعشيرة
166

فلا يلزم من دخول الفلاحين في الاسلام دخول بقية الرعايا حتى يصح أنه نبه بذكرهم على الباقين
كذا تعقبه شيخنا شيخ الاسلام والذي يظهر أن مراد النووي أنه نبه بذكر طائفة من الطوائف
على بقية الطوائف كأنه يقول إذا امتنعت كان عليك إثم كل من أمتنع بامتناعك وكان يطيع
لو أطعت كالفلاحين فلا وجه للتعقب عليه نعم قول أبي عبيد في كتاب الأموال ليس المراد
بالفلاحين الزراعين فقط بل المراد به جميع أهل المملكة إن أراد به على التقرير الذي قررت به
كلام النووي فلا اعتراض عليه وإلا فهو معترض وحكى أبو عبيد أيضا أن الأريسيين هم الخول
والخدم وهذا أخص من الذي قبله إلا أن يريد بالخول ما هو أعم بالنسبة إلى من يحكم الملك عليه
وحكى الأزهري أيضا أن الأريسيين قوم من المجوس كانوا يعبدون النار ويحرمون الزنا
وصناعتهم الحراثة ويخرجون العشر مما يزرعون لكنهم يأكلون الموقوذة وهذا أثبت فمعنى
الحديث فإن عليك مثل إثم الأريسيين كما تقدم (قوله فلما فرغ) أي القارئ ويحتمل أن يريد
هرقل ونسب إليه ذلك مجازا لكونه الآمر به ويؤيده قوله بعده عنده فإن الضمير فيه وفيما
بعده لهرقل جزما (قوله ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط) وقع في الجهاد فلما أن قضى
مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لفظهم فلا أدرى ما قالوا لكن يعرف
من قرائن الحال أن اللغط كان لما فهموه من هرقل من ميله إلى التصديق (قوله لقد أمر أمر ابن أبي
كبشة) تقدم ضبطه في بدء الوحي وان أمر الأول بفتح الهمزة وكسر الميم والثاني بفتح الهمزة
وسكون الميم وحكى ابن التين أنه روى بكسر الميم أيضا وقد قال كراع في المجرد ورع أمر بفتح ثم
كسر أي كثير فحينئذ يصير المعنى لقد كثر كثيرا بن أبي كبشة وفيه قلق وفي كلام الزمخشري
ما يشعر بان الثاني بفتح الميم فإنه قال أمرة على وزن بركة الزيادة ومنه قول أبي سفيان لقد أمر
أمر محمد انتهى هكذا أشار إليه شيخنا شيخ الاسلام سراج الدين في شرحه ورده والذي يظهر لي
أن الزمخشري إنما أراد تفسير اللفظة الأولى وهي أمر بفتح ثم كسر وأن مصدرها أمر بفتحتين
والامر بفتحتين الكثرة والعظم والزيادة ولم يرد ضبط اللفظة الثانية والله أعلم (قوله قال
الزهري فدعا هرقل عظماء الروم فجمعهم الخ) هذه قطعة من الرواية التي وقعت في بدء الوحي
عقب القصة التي حكاها ابن الناطور وقد بين هناك أن هرقل دعاهم في دسكرة له بحمص وذلك
بعد أن رجع من بيت المقدس وكاتب صاحبه الذي برومية فجاءه جوابه يوافقه على خروج
النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فالفاء في قوله فدعا فصيحة والتقدير قال الزهري فسار هرقل
إلى حمص فكتب إلى صاحبه برومية فجاءه جوابه فدعا الروم * (تنبيه) * وقع في سيرة ابن
إسحاق من روايته عن الزهري بإسناد حديث الباب إلى أبي سفيان بعض القصة التي حكاها
الزهري عن ابن الناطور والذي يظهر لي أنه دخل عليه حديث في حديث ويؤيده أنه حكى قصة
الكتاب عن الزهري قال حدثني أسقف من النصارى قد أدرك ذلك الزمان (قلت) وهذا هو
ابن الناطور وقصة الكتاب إنما ذكرها الزهري من طريق أبي سفيان وقد فصل شعيب بن أبي
حمزة عن الزهري الحديث تفصيلا واضحا وهو أوثق من ابن إسحاق وأتقن فروايته هي المحفوظة
ورواية ابن إسحاق شاذة ومحل هذا التنبيه أن يذكر في الكلام على الحديث في بدء الوحي لكن فات
ذكره هناك فاستدركته هنا (قوله فجمعهم في دار له فقال) تقدم في بدء الوحي انه جمعهم في مكان
167

وكان هو في أعلاه فاطلع عليهم وصنع ذلك خوفا على نفسه أن ينكروا مقالته فيبادروا إلى قتله
(قوله آخر الأبد) أي يدوم ملككم إلى آخر الزمان لأنه عرف من الكتب أن لا أمة بعد هذه
الأمة ولا دين بعد دينها وأن من دخل فيه آمن على نفسه فقال لهم ذلك (قوله فقال على بهم
فدعا بهم فقال) فيه حذف تقديره فردوهم فقال (قوله فقد رأيت منكم الذي أحببت) يفسر
ما وقع مختصرا في بدء الوحي مقتصرا على قوله فقد رأيت واكتفى بذلك عما بعده (قوله فسجدوا
له ورضوا عنه) يشعر بأنه كان من عادتهم السجود لملوكهم ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى
تقبيلهم الأرض حقيقة فإن الذي يفعل ذلك ربما صار غالبا كهيئة الساجد وأطلق أنهم رضوا
عنه بناء على رجوعهم عما كانوا هموا به عند تفرقهم عنه من الخروج والله أعلم وفي الحديث
من الفوائد غير ما تقدم البداءة باسم الكاتب قبل المكتوب إليه وقد أخرج أحمد وأبو داود عن
العلاء بن الحضرمي أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان عامله على البحرين فبدأ بنفسه
من العلاء إلى محمد رسول الله وقال ميمون كانت عادة ملوك العجم إذا كتبوا إلى ملوكهم بدؤا باسم
ملوكهم فتبعتهم بنو أمية (قلت) وسيأتي في الاحكام أن ابن عمر كتب إلى معاوية فبدأ باسم
معاوية وإلى عبد الملك كذلك وكذا جاء عن زيد بن ثابت إلى معاوية وعند البزار بسند ضعيف
عن حنظلة الكاتب أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه عليا وخالد بن الوليد فكتب إليه خالد
فبدأ بنفسه وكتب إليه على فبدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعب على واحد منهما وقد
تقدم الكلام على أما بعد في كتاب الجمعة * (قوله باب لن تنالوا البر حتى تنفقوا
مما تحبون الآية) كذا لأبي ذر ولغيره إلى به عليم ثم ذكر المصنف حديث أنس في قصة بيرحاء وقد
تقدم ضبطها في الزكاة وشرح الحديث في الوقف (قوله وقال عبد الله بن يوسف وروح بن عبادة
عن مالك قال رابح) يعني أن المذكورين رويا الحديث عن مالك بإسناده فوافقا فيه إلا في هذه
اللفظة فأما رواية عبد الله بن يوسف فوصلها المؤلف في الوقف عنه ووقع عند المزي أنه أوردها
في التفسير موصولة عن عبد الله بن يوسف أيضا وأما رواية روح بن عبادة فتقدم في الوكالة
أن أحمد وصلها عنه وذكرت هناك ما وقع للرواة عن مالك في ضبط هذه اللفظة وهل هي رابح
بالموحدة أو التحتانية مع الشرح (قوله حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك رايح) كذا
اختصره وكان قد ساقه بتمامه من هذا الوجه في كتاب الوكالة * (تنبيه) * وقع هنا لغير أبي ذر
حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة عن أنس قال فجعلها لحسان وأبي بن
كعب وأنا أقرب إليه منهما ولم يجعل لمنها شيئا وهذا طرف من الحديث وقد تقدم بتمامه في
الوقف مع شرحه وأغفل المزي التنبيه على هذا الطريق هنا وممن عمل بالآية ابن عمر فروى البزار
من طريقه أنه قرأها قال فلم أجد شيئا أحب إلى من مرجانة جارية لي رومية فقلت هي حرة لوجه
الله فلولا أني لا أعود في شئ جعلته لله لتزوجتها * (قوله باب قل فأتوا بالتوراة فاتلوها
إن كنتم صادقين) ذكر فيه حديث ابن عمر في قصة اليهوديين اللذين زنيا وسيأتي شرحه في
168

الحدود وقوله في هذه الرواية كيف تفعلون في رواية الكشميهني كيف تعملون وقوله نحممهما
بمهملة ثم ميم مثقلة أي نسكب عليهما الماء الحميم وقيل نجعل في وجوهما الحمة بمهملة وميم
خفيفة أي السواد وسيأتي ما في ذلك عند شرح الحديث وقوله فوضع مدراسها بكسر أوله كذا
للكشميهني ولغيره مدارسها بضم أوله وتقديم الألف بوزن المفاعلة من الدراسة والأول أوجه
(قوله فلما رأوا ذلك قالوا) في رواية الكشميهني بالافراد فيهما (قوله يجنأ) بجيم ساكنة
ثم نون مفتوحة ثم همزة وللكشميهني يحنى بالمهملة وكسر النون بغير همز * (قوله
باب كنتم خير أمة أخرجت للناس) ذكر فيه حديث أبي هريرة في تفسيرها غير مرفوع
وقد تقدم في أواخر الجهاد من وجه آخر مرفوعا وهو يرد قول من تعقب البخار فقال هذا
موقوف لا معنى لادخاله في المسند (قوله سفيان) هو الثوري (قوله عن ميسرة) هو ابن عمار
الأشجعي كوفي ثقة ما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في بدء الخلق ويأتي في النكاح
وشيخه أبو حازم بمهملة ثم زاي هو سليمان الأشجعي وقوله خير الناس للناس أي خير بعض الناس
لبعضهم أي أنفعهم لهم وإنما كان ذلك لكونهم كانوا سببا في إسلامهم وبهذا التقرير يندفع
تعقب من زعم بأن التفسير المذكور ليس بصحيح وروى ابن أبي حاتم والطبري من طريق السدي
قال قال عمر لو شاء الله لقال أنتم خير أمة فكنا كلنا ولكن قال كنتم فنهى خاصة لأصحاب محمد
ومن صنع مثل صنيعهم وهذا منقطع وروى عبد الرزاق وأحمد والنسائي والحاكم من حديث
ابن عباس بإسناد جيد قال هم الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أخص من الذي
قبله وللطبراني من طريق ابن جريج عن عكرمة قال نزلت في ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة
وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وهذا موقوف فيه انقطاع وهو أخص مما قبله وروى الطبري من
طريق مجاهد قال معناه على الشرط المذكور تأمرون بالمعروف الخ وهذا أعم وهو نحو الأول
وجاء في سبب هذا الحديث ما أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال كان من
قبلكم لا يأمن هذا في بلاد هذا ولا هذا في بلاد هذا فلما كنتم أنتم أمن فيكم الأحمر والأسود
ومن وجه آخر عنه قال لم تكن أمة دخل فيها من أصناف الناس مثل هذه الأمة وعن أبي بن
كعب قال لم تكن أمة أكثر استجابة في الاسلام من هذه الأمة أخرجه الطبري بإسناد حسن
عنه وهذا كله يقتضى حملها على عموم الأمة وبه جزم الفراء واستشهد بقوله واذكروا إذ أنتم
قليل وقوله واذكروا إذ كنتم قليلا قال وحذف كان في مثل هذا وإظهارها سواء وقال غيره
المراد بقوله كنتم في اللوح المحفوظ أو في علم الله تعالى ورجح الطبري أيضا حمل الآية على
عموم الأمة وأيد ذلك بحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول في هذه الآية كنتم خير أمة أخرجت للناس قال أنتم متمون سبعين أمة أنتم خيرها
وأكرمها على الله وهو حديث حسن صحيح أخرجه الترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم
وصححه وله شاهد مرسل عن قتادة عند الطبري رجاله ثقات وفي حديث على عند أحمد بإسناد
حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وجعلت أمتي خير الأمم * (قوله باب
إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا) ذكر فيه حديث جابر وقد تقدم مشروحا في غزوة أحد
وقوله والله وليهما ذكر الفراء أن في قراءة ابن مسعود والله وليهم قال وهو كقوله وإن طائفتان
169

من المؤمنين اقتتلوا * (قوله باب ليس لك من الامر شئ) سقط باب لغير أبي ذر
(قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك (قوله فلانا وفلانا وفلانا) تقدمت تسميتهم في غزوة
أحد من رواية مرسلة أوردها المصنف عقب هذا الحديث بعينه عن حنظلة بن أبي سفيان عن
سالم بن عبد الله بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل
ابن عمير والحرث بن هشام فنزلت وأخرج أحمد والترمذي هذا الحديث موصولا من رواية عمرو
ابن حمزة عن سالم عن أبيه فسماهم وزاد في آخر الحديث فتيب عليهم كلهم وأشار بذلك إلى قوله
في بقية الآية أو يتوب عليهم ولأحمد أيضا من طريق محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على أربعة فنزلت قال وهداهم الله للاسلام وكان الرابع
عمرو بن العاصي فقد عزاه السهيلي لرواية الترمذي لكن لم أره فيه والله أعلم (قوله رواه إسحاق
ابن راشد عن الزهري) أي بالاسناد المذكور وهو موصول عند الطبراني في المعجم الكبير من
طريقه (قوله كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لاحد) أي في صلاته (قوله قنت
بعد الركوع) تمسك بمفهومه من زعم أن القنوت قبل الركوع قال وإنما يكون بعد
الركوع عند إرادة الدعاء على قوم أو لقوم وتعقب احتمال أن مفهومه أن القنوت لم يقع إلا
في هذه الحالة ويؤيده ما أخرجه ابن خزيمة بإسناد صحيح عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم وقد تقدم بيان الاختلاف في القنوت وفي محله
في آخر باب الوتر (قوله الوليد بن الوليد) أي ابن المغيرة وهو أخو خالد بن الوليد وكان ممن
شهد بدرا مع المشركين وأسر وفدى نفسه ثم أسلم فحبس بمكة ثم تواعد هو وسلمة وعياش
المذكورين معه وهربوا من المشركين فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بمخرجهم فدعا لهم
أخرجه عبد الرزاق بسند مرسل ومات الوليد المذكور لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم
روينا ذلك في فوائد الزيادات من حديث الحافظ أبي بكر بن زياد النيسابوري بسند عن
جابر قال رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الأخيرة من صلاة الصبح صبيحة
خمس عشرة من رمضان فقال اللهم أنج الوليد بن الوليد الحديث وفيه فدعا بذلك خمسة عشر
يوما حتى إذا كان صبيحة يوم الفطر ترك الدعاء فسأله عمر فقال أو ما علمت أنهم قدموا قال بينما هو
يذكرهم انفتح عليهم الطريق يسوق بهم الوليد بن الوليد قد نكت إصبعه بالحرة وساق بهم ثلاثا
على قدميه فنهج بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم حتى قضى فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا
الشهيد أنا على هذا شهيد ورثته أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بأبيات مشهورة (قوله
وسلمة بن هشام) أي ابن المغيرة وهو ابن عم الذي قبله وهو أخو أبي جهل وكان من السابقين إلى
الاسلام واستشهد في خلافه أبي بكر بالشام سنة أربع عشرة (قوله وعياش) هو بالتحتانية
ثم المعجمة وأبوه أبو ربيعة اسمه عمرو بن المغيرة فهو عم الذي قبله أيضا وكان من السابقين إلى
الاسلام أيضا وهاجر الهجرتين ثم خدعة أبو جهل فرجع إلى مكة فحبسه ثم فر مع رفيقيه
المذكورين وعاش إلى خلافة عمر فمات سنة خمس عشرة وقيل قبل ذلك والله أعلم (قوله وكان
يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر) كأنه يشير إلى أنه لا يداوم على ذلك (قوله اللهم العن
فلانا وفلانا لاحياء من العرب) وقع تسميتهم في رواية يونس عن الزهري عند مسلم بلفظ اللهم
170

العن رعلا وذكوان وعصية (قوله حتى أنزل الله ليس لك من الامر شئ) تقدم استشكاله
في غزوة أحد وأن قصة وعل وذكوان كانت بعد أحد ونزول ليس لك من الامر شئ كان في قصة
أحد فكيف يتأخر السبب عن النزول ثم ظهر لي علة الخبر وأن فيه إدراجا وأن قوله حتى أنزل الله
منقطع من رواية الزهري عمن بلغه بين ذلك مسلم في رواية يونس المذكورة فقال هنا قال يعني
الزهري ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت وهذا البلاغ لا يصح لما ذكرته وقد ورد في سبب نزول
الآية شئ آخر لكنه لا ينافي ما تقدم بخلاف قصة رعل وذكوان فعند أحمد ومسلم من حديث
أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج وجهه حتى سال الدم على وجهه
فقال كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله تعالى ليس لك من الامر
شئ الآية وطريق الجمع بينه وبين حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم دعا على المذكورين بعد
ذلك في صلاته فنزلت الآية في الامرين معا فيما وقع له من الامر المذكور وفيما نشأ عنه من الدعاء
عليهم وذلك كله في أحد بخلاف قصة رعل وذكوان فأنها أجنبية ويحتمل أن يقال إن قصتهم
كانت عقب ذلك وتأخر نزول الآية عن سببها قليلا ثم نزلت في جميع ذلك والله أعلم * (قوله
باب قوله تعالى والرسول يدعوكم في أخراكم وهو تأنيث آخركم) كذا وقع فيه وهو
تابع لأبي عبيدة فإنه قال أخراكم آخركم وفيه نظر لان أخرى تأنيث آخر بفتح الخاء لا كسرها
وقد حكى الفراء أن من العرب من يقول في أخراتكم بزيادة المثناة (قوله وقال ابن عباس
إحدى الحسنيين فتحا أو شهادة) كذا وقع هذا التعليق بهذه الصورة ومحله في سورة براءة
ولعله أورده هنا للإشارة إلى أن إحدى الحسنيين وقعت في أحد وهي الشهادة وقد وصله ابن أبي
حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله ثم ذكر المصنف طرفا من حديث البراء في قصة
الرماة يوم أحد وقد تقدم بتمامه مع شرحه في المغازي * (قوله باب قوله أمنة
نعاسا) (قوله حدثني إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو يعقوب) هو بغدادي لقبه لؤلؤ
ويقال يؤيؤ بتحتانيتين وهو ابن عم أحمد بن منيع وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر
في كتاب الرقاق وهو ثقة باتفاق وعاش بعد البخاري ثلاث سنين مات سنة تسع وخمسين ثم ذكر
حديث أبي طلحة في النعاس يوم أحد وقد تقدم في المغازي من وجه آخر عن قتادة مع شرحه
* (قوله باب قوله تعالى الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح) ساق
الآية إلى عظيم (قوله القرح الجراح) هو تفسير أبي عبيدة وكذا أخرجه ابن جرير من طريق
سعيد بن جبير مثله وروى سعيد بن منصور بإسناد جيد عن ابن مسعود أنه قرأ القرح بالضم (قلت)
وهي قراءة أهل الكوفة وذكر أبو عبيد عن عائشة أنها قالت اقرأها بالفتح لا بالضم قال الأخفش
الفرح بالضم وبالفتح المصدر فالضم لغة أهل الحجاز والفتح لغة غيرهم كالضعف والضعف وحكى
الفراء أنه بالضم الجرح وبالفتح ألمه وقال الراغب القرح بالفتح أثر الجراحة وبالضم أثرها من
داخل (قوله استجابوا أجابوا ويستجيب يجيب) هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى فاستجاب
لهم أي أجابهم تقول العرب استجبتك أي أجبتك قال كعب الغنوي
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا * فلم يستجبه عند ذاك مجيب
وقال في قوله تعالى ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات أي يجيب الذين آمنوا وهذه
171

في سورة الشورى وإنما أوردها المصنف استشهادا للآية الأخرى * (تنبيه) * لم يسق البخاري
في هذا الباب حديثا وكأنه بيض له واللائق به حديث عائشة أنها قالت لعروة في هذه الآية
يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر وقد تقدم في المغازي مع شرحه وروى ابن عيينة عن
عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال لما رجع المشركون عن أحد قالوا لا محمدا قتلتم
ولا الكواعب أردفتم بئسما صنعتم فرجعوا فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتدبوا
حتى بلغ حمراء الأسد فبلغ المشركين فقالوا نرجع من قابل فأنزل الله تعالى الذين استجابوا لله
والرسول الآية أخرجه النسائي وابن مردويه ورجاله رجال الصحيح إلا أن المحفوظ إرساله عن
عكرمة ليس فيه ابن عباس ومن الطريق المرسلة أخرجه أبن أبي حاتم وغيره * (قوله
باب قوله الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) في رواية أبي
ذر باب إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم وزاد غيره الآية (قوله حدثنا أحمد بن يونس أراه قال
حدثنا أبو بكر) كذا وقع القائل أراه هو البخاري وهو بضم الهمزة بمعنى أظنه وكأنه عرض له
شك في اسم شيخ شيخه وقد أخرجه الحاكم من طريق أحمد بن إسحاق عن أحمد بن يونس حدثنا
أبو بكر بن عياش بإسناده المذكور بغير شك لكن وهم الحاكم في استدراكه (قوله عن أبي
حصين) بفتح المهملة واسمه عثمان بن عاصم ولأبي بكر بن عياش في هذا الحديث إسناد آخر
أخرجه ابن مردويه من وجه آخر عنه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له إن الناس قد
جمعوا لكم فاخشوهم فنزلت هذه الآية (قوله عن أبي الضحى) اسمه مسلم بن صبيح بالتصغير (قوله
قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار) في الرواية التي بعدها أن ذلك آخر ما قال وكذا وقع
في رواية الحاكم المذكورة ووقع عند النسائي من طريق يحيى بن أبي بكير عن أبي بكر كذلك وعند
أبي نعيم في المستخرج من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بهذا الاسناد أنها أول ما قال
فيمكن أن يكون أول شئ قال وآخر شئ قال والله أعلم (قوله حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم)
فيه إشارة إلى ما أخرجه ابن إسحاق مطولا في هذه القصة وأن أبا سفيان رجع بقريش بعد أن
توجه من أحد فلقيه معبد الخزاعي فأخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في جمع كثير وقد
اجتمع معه من كان تخلف عن أحد وندموا فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه فرجعوا وأرسل أبو سفيان
ناسا فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان وأصحابه يقصدونهم فقال حسبنا الله ونعم
الوكيل ورواه الطبري من طريق السدي نحوه ولم يسم معبدا قال أعرابيا ومن طريق ابن
عباس موصولا لكن بإسناد لين قال استقبل أبو سفيان عيرا وإرادة المدينة ومن طريق مجاهد
أن ذلك كان من أبي سفيان في العام المقبل بعد أحد وهي غزوة بدر الموعد ورجح الطبري الأول
ويقال إن الرسول بذلك كان نعيم بن مسعود الأشجعي ثم أسلم نعيم فحسن إسلامه قيل إطلاق
الناس على الواحد لكونه من جنسهم كما يقال فلان يركب الخيل وليس له إذ ذاك إلا فرس
واحد (قلت) وفي صحة هذا المثال نظر * (قوله باب ولا يحسبن الذي يبخلون بما آتاهم
الله من فضله الآية) ساق غير أبي ذر إلى قوله خبير قال الواحدي أجمع المفسرون على انها
نزلت في مانعي الزكاة وفي صحة هذا النقل نظر فقد قيل إنها نزلت في اليهود الذين كتموا صفة محمد
قاله ابن جريج واختاره الزجاج وقيل فيمن يبخل بالنفقة في الجهاد وقيل على العيال وذي الرحم
172

المحتاج نعم الأول هو الراجح واليه أشار البخاري (قوله سيطوقون كقولك طوقته بطوق)
قال أبو عبيدة في قوله تعالى سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة أي يلزمون كقولك طوقته
بالطوق وروى عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي بإسناد جيد في هذه
الآية سيطوقون قال بطوق من النار ثم ذكر حديث أبي هريرة فيمن لم يؤد الزكاة وقد تقدم مع
شرحه في أوائل كتاب الزكاة وكذا الاختلاف في التطويق المذكور هل يكون حسيا أو معنويا
وروى أحمد والترمذي والنسائي وصححه ابن خزيمة من طريق أبي وائل عن عبد الله مرفوعا
لا يمنع عبد زكاة ماله إلا جعل الله له شجاعا أقرع يطوق في عنقه ثم قرأ مصداقه في كتاب الله
سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وقد قيل إن الآية نزلت في اليهود الذين سئلوا أن يخبروا بصفة
محمد صلى الله عليه وسلم عندهم فبخلوا بذلك وكتموه ومعنى قوله سيطوقون ما بخلوا أي بإثمه
* (قوله باب ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى
كثيرا) ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أنها نزلت في
كعب بن الأشرف فيما كان يهجو به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الشعر وقد تقدم في
المغازي خبره وفيه شرح حديث من لكعب بن الأشرف فأنه آذى الله ورسوله وروى ابن أبي
حاتم وابن المنذر بإسناد حسن عن ابن عباس أنها نزلت فيما كان بين أبي بكر وبين فنحاص
اليهودي في قوله تعالى أن الله فقير ونحن أغنياء تعالى الله عن قوله فغضب أبو بكر فنزلت (قوله
على قطيفة فدكية) أي كساء غليظ منسوب إلى فدك بفتح الفاء والدال وهي بلد مشهور على
مرحلتين من المدينة (قوله يعود سعد بن عبادة) فيه عيادة الكبير بعض أتباعه في داره
وقوله في بني الحرث بن الخزرج أي في منازل بني الحرث وهم قوم سعد بن عبادة (قوله قبل
وقعة بدر) في رواية الكشميهني وقيعة (قوله وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي) أي قبل
أن يظهر الاسلام (قوله فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود
والمسلمين) كذا فيه تكرار لفظ المسلمين آخرا بعد البداءة به والأولى حذف أحدهما وسقطت
الثانية من رواية مسلم وغيره وأما قوله عبدة الأوثان فعلى البدل من المشركين وقوله اليهود يجوز
أن يكون معطوفا على البدل أو على المبدل منه وهو أظهر لان اليهود مقرون بالتوحيد نعم من
لازم قول من قال منهم عزيز ابن الله تعالى الله عن قولهم الاشراك وعطفهم على أحد التقديرين
تنويها بهم في ثم ظهر لي رجحان أن يكون عطفا على المبدل منه كأنه فسر المشركين بعبدة
الأوثان وباليهود ومنه يظهر توجيه إعادة لفظ المسلمين كأنه فسر الخلاط بشيئين المسلمين
والمشركين ثم لما فسر المشركين بشيئين رأى إعادة ذكر المسلمين تأكيدا ولو كان قال أولا من
المسلمين والمشركين واليهود ما احتاج إلى إعادة وإطلاق المشركين على اليهود لكونهم يضاهون
قولهم ويرجحونهم على المسلمين ويوافقونهم في تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام ومعاداته
وقتاله بعد ما تبين لهم الحق ويؤيد ذلك أنه قال في آخر الحديث قال عبد الله بن أبي ابن سلول ومن
معه من المشركين وعبدة الأوثان فعطف عبدة الأوثان على المشركين وبالله التوفيق (قوله
عجاجة) بفتح المهملة وجيمين الأولى خفيفة أي غبارها وقوله خمر أي غطى وقوله أنفه في رواية
الكشميهني وجهه (قوله فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم) يؤخذ منه جواز السلام على
173

المسلمين إذا كان معهم كفار وينوى حينئذ بالسلام المسلمين ويحتمل أن يكون الذي سلم به عليهم
صيغة عموم فيها تخصيص كقوله السلام على من أتبع الهدى (قوله ثم وقف فنزل) عبر عن
انتهاء مسيرة بالوقوف (قوله أنه لا أحسن مما تقول) بنصب أحسن وفتح أوله على أنه أفعل
تفضيل ويجوز في أحسن الرفع على أنه خبر لا والاسم محذوف أي لا شئ أحسن من هذا ووقع
في رواية الكشميهني بضم أوله وكسر السين وضم النون ووقع في رواية أخرى لأحسن بحذف
الألف لكن بفتح السين وضم النون على أنها لام القسم كأنه قال أحسن من هذا أن تقعد في
بيتك حكاه عياض عن أبي على واستحسنه وحكى ابن الجوزي تشديد السين المهملة بغير نون من
الحس أي لا أعلم منه شيئا (قوله يتثاورون) بمثلثة أي يتواثبون أي قاربوا أن يثب
بعضهم على بعض فيقتتلوا يقال ثار إذا قام بسرعة وانزعاج (قوله حتى سكنوا) بالنون
كذا للأكثر وعند الكشميهني بالمثناة ووقع في حديث أنس أنه نزل في ذلك وأن طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا الآية وقد قدمت ما فيه من الاشكال وجوابه عند شرح حديث أنس
في كتاب الصلح (قوله أبا سعد) في رواية مسلم أي سعد (قوله أبو حباب) بضم
المهملة وبموحدتين الأولى خفيفة وهي كنية عبد الله بن أبي وكناه النبي صلى الله عليه وسلم
في تلك الحالة لكونه كان مشهورا بها أو لمصلحة التألف (قوله ولقد اصطلح) بثبوت الواو
للأكثر وبحذفها لبعضهم (قوله أهل هذه البحرة) في رواية الحموي البحيرة بالتصغير وهذا
اللفظ يطلق على القرية وعلى البلد والمراد به هنا المدينة النبوية ونقل ياقوت أن البحرة من
أسماء المدينة النبوية (قوله على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة) يعني يرئسوه عليهم
ويسودوه وسمي الرئيس معصيا لما يعصب برأسه من الأمور أو لانهم يعصبون رؤوسهم بعصابة
لا تنبغي لغيرهم يمتازون بها ووقع في غير البخاري فيعصبونه والتقدير فهم يعصبونه أو فإذا هم
يعصبونه وعند ابن إسحاق لقد جاءنا الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه فهذا تفسير المراد وهو
أولى مما تقدم (قوله شرق بذلك) بفتح المعجمة وكسر الراء أي غص به وهو كناية عن الحسد
يقال غص بالطعام وشجى بالعظم وشرق بالماء إذا اعترض شئ من ذلك في الحلق فمنعه الإساغة
(قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب) هذا
حديث آخر أفرده ابن أبي حاتم في التفسير عن الذي قبله وأن كان الاسناد متحدا وقد أخرج
مسلم الحديث الذي قبله مقتصرا عليه ولم يخرج شيئا من هذا الحديث الآخر (قوله وقال الله
ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم إلى آخر
الآية) ساق في رواية أبي نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أبي اليمان بالاسناد المذكور الآية
وبما بعد ما ساقه المصنف منها تتبين المناسبة وهو قوله تعالى فاعفوا واصفحوا (قوله حتى
أذن الله فيهم) أي في قتالهم أي فترك العفو عنهم وليس المراد أنه تركه أصلا بل بالنسبة إلى
ترك القتال أولا ووقوعه آخرا وإلا فعفوه صلى الله عليه وسلم عن كثير من المشركين واليهود
174

بالمن والفداء وصفحه عن المنافقين مشهور في الأحاديث والسير (قوله صناديد) بالمهملة ثم نون
خفيفة جمع صنديد بكسر ثم سكون وهو الكبير في قومه (قوله هذا أمر قد توجه) أي ظهر
وجهه (قوله فبايعوا) بلفظ الماضي ويحتمل أن يكون بلفظ الامر والله أعلم (قوله باب
لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) سقط لفظ باب لغير أبي ذر (قوله حدثنا محمد بن جعفر)
أي ابن أبي كثير المدني والاسناد كله مدنيون إلا شيخ البخاري (قوله إن رجالا من المنافقين)
هكذا ذكره أبو سعيد الخدري في سبب نزول الآية وأن المراد من كان يعتذر عن التخلف من
المنافقين وفي حديث ابن عباس الذي بعده أن المراد من أجاب من اليهود بغير ما سئل عنه وكتموا
ما عندهم من ذلك ويمكن الجمع بأن تكون الآية نزلت في الفريقين معا وبهذا أجاب القرطبي
وغيره وحكى الفرا أنها نزلت في قول اليهود نحن أهل الكتاب الأول والصلاة والطاعة ومع ذلك
لا يقرون بمحمد فنزلت ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا وروى ابن أبي حاتم من طرق أخرى عن
جماعة من التابعين نحو ذلك ورجحه الطبري ولا مانع أن تكون نزلت في كل ذلك أو نزلت في
أشياء خاصة وعمومها يتناول كل من أتى بحسنة ففرح بها فرح إعجاب وأحب أن يحمده
الناس ويثنوا عليه بما ليس فيه والله أعلم (قوله أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (قوله
عن ابن أبي مليكة) في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة وسيأتي وكذا
أخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج (قوله أن علقمة بن وقاص) هو
الليثي من كبار التابعين وقد قيل إن له صحبة وهو راوي حديث الأعمال عن عمر (قوله أن مروان)
هو ابن الحكم بن أبي العاص الذي ولي الخلافة وكان يومئذ أمير المدينة من قبل معاوية (قوله
قال لبوابه أذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل) رافع هذا لم أر له ذكرا في كتاب الرواة إلا بما جاء في
هذا الحديث والذي يظهر من سياق الحديث أنه توجه إلى ابن عباس فبلغه الرسالة ورجع إلى
مروان بالجواب فلولا أنه معتمد عند مروان ما قنع برسالته لكن قد ألزم الإسماعيلي البخاري
أن يصحح حديث يسرة بن صفوان في نقض الوضوء من مس الذكر فإن عروة ومروان اختلفا
في ذلك فبعث مروان حرسيه إلى يسرة فعاد إليه بالجواب عنها فصار الحديث من رواية عروة عن
رسول مروان عن يسرة ورسول مروان مجهول الحال فتوقف عن القول بصحة الحديث
جماعة من الأئمة لذلك فقال الإسماعيلي أن القصة التي في حديث الباب شبيهة بحديث يسرة فإن
كان رسول مروان معتمدا في هذه فليعتمد في الأخرى فإنه لا فرق بينهما إلا أنه في هذه القصة سمي
رافعا ولم يسم الحرسي قال ومع هذا فاختلف على ابن جريج في شيخ شيخه فقال عبد الرزاق
وهشام عنه عن ابن أبي مليكة عن علقمة وقال حجاج بن محمد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة
عن حميد بن عبد الرحمن ثم ساقه من رواية محمد بن عبد الملك بن جريج عن أبيه عن ابن أبي مليكة
عن حميد بن عبد الرحمن فصار لهشام متابع وهو عبد الرزاق ولحجاج بن محمد متابع وهو محمد
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج كما قال عبد الرزاق والذي يتحصل لي
من الجواب عن هذا الاحتمال أن يكون علقمة بن وقاص كان حاضرا عند ابن عباس لما أجاب
فالحديث من رواية علقمة عن ابن عباس وإنما قص علقمة سبب تحديث ابن عباس بذلك فقط
وكذا أقول في حميد بن عبد الرحمن فكأن ابن أبي مليكة حمله عن كل منهما وحدث به ابن جريج
175

عن كل منهما فحدث به ابن جريج تارة عن هذا وتارة عن هذا وقد روى ابن مردويه في حديث أبي
سعيد ما يدل على سبب إرساله لابن عباس فأخرج من طريق الليث عن هشام بن سعد عن زيد بن
أسلم قال كان أبو سعيد وزيد بن ثابت ورافع بن خديج عند مروان فقال يا أبا سعيد أرأيت قول
الله فذكر الآية فقال إن هذا ليس من ذاك إنما ذاك أن ناسا من المنافقين فذكر نحو حديث
الباب وفيه فإن كان لهم نصر وفتح حلفوا لهم على سرورهم بدلك ليحمدوهم على فرحهم
وسرورهم فكأن مروان توقف في ذلك فقال أبو سعيد هذا يعلم بهذا فقال أكذلك يا زيد قال نعم
صدق ومن طريق مالك عن زيد بن أسلم عن رافع بن خديج أن مروان سأله عن ذلك فأجابه بنحو
ما قال أبو سعيد فكأن مروان أراد زيادة الاستظهار فأرسل بوابه رافعا إلى ابن عباس يسأله عن
ذلك والله أعلم وأما قول البخاري عقب الحديث تابعه عبد الرزاق عن ابن جريج فيريد أنه تابع
هشام بن يوسف على روايته إياه عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن علقمة ورواية عبد الرزاق
وصلها في التفسير وأخرجها الإسماعيلي والطبري وأبو نعيم وغيرهم من طريقه وقد ساق
البخاري إسناد حجاج عقب هذا ولم يسق المتن بل قال عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه أخبره
أن مروان بهذا وساقه مسلم والإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ أن مروان قال لبوابه اذهب
يا رافع إلى ابن عباس فقل له فذكر نحو حديث هشام (قوله لنعذبن أجمعون) في رواية حجاج
ابن محمد لنعذبن أجمعين (قوله إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهودا فسألهم عن شئ) في
رواية حجاج بن محمد إنما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب (قوله فأروه أن قد استحمدوا إليه بما
أخبروه عنه فيما سألهم) في رواية حجاج بن محمد فخرجوا قد أروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه
واستحمدوا بذلك إليه وهذا أوضح (قوله بما أتوا) كذا للأكثر بالقصر بمعنى جاؤوا أي بالذي
فعلوه وللحموي بما أوتوا بضم الهمزة بعدها واو أي أعطوا أي من العلم الذي كتموه كما قال تعالى
فرحوا بما عندهم والأول أولى لموافقته التلاوة المشهورة على أن الأخرى قراءة السلمي
وسعيد بن جبير وموافقة المشهور أولى مع موافقته لتفسير ابن عباس (قوله ثم قرأ ابن عباس
وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) فيه إشارة إلى أن الذين أخبر الله عنهم في الآية المسؤول
عنها هم المذكورون في الآية التي قبلها وأن الله ذمهم بكتمان العلم الذي أمرهم أن لا يكتموه
وتوعدهم بالعذاب على ذلك ووقع في رواية محمد بن ثور المذكورة فقال ابن عباس قال الله جل
ثناؤه في التوراة إن الاسلام دين الله الذي افترضه على عباده وإن محمدا رسول الله * (تنبيه) *
الشئ الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه اليهود لم أره مفسرا وقد قيل إنه سألهم عن صفته
عندهم بأمر واضح فأخبروه عنه بأمر مجمل وروى عبد الرزاق من طريق سعيد بن جبير في قوله
ليبيننه للناس ولا يكتمونه قال محمد وفي قوله يفرحون بما أتوا قال بكتمانهم محمدا وفي قوله أن
يحمدوا بما لم يفعلوا قال قولهم نحن على دين إبراهيم * (قوله باب قوله أن في
خلق السماوات والأرض) ساق إلى الألباب وذكر حديث ابن عباس في بيت ميمونة أورده مختصرا
وقد تقدم شرحه مستوفى في أبواب الوتر وورد في سبب نزول هذه الآية ما أخرجه ابن أبي حاتم
والطبراني من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أتت قريش اليهود
فقالوا أيما جاء به موسى قالوا العصا ويده الحديث إلى أن قال فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل
176

لنا الصفا ذهبا فنزلت هذه الآية ورجاله ثقات الا الحماني فإنه تكلم فيه وقد خالفه الحسن بن
موسى فرواه عن يعقوب عن جعفر عن سعيد مرسلا وهو أشبه وعلى تقدير كونه محفوظا وصله
ففيه إشكال من جهة أن هذه السورة مدنية وقريش من أهل مكة (قلت) ويحتمل أن يكون
سؤالهم لذلك بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولا سيما في زمن الهدنة (قوله
باب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم الآية) أورد فيه حديث ابن عباس
من وجه آخر عن كريب عنه مطولا وقد تقدمت فوائده أيضا ووقع في هذه الرواية فقرأ الآيات
العشر الأواخر من آل عمران حتى ختم فلهذا ترجم ببعض الآية المذكورة واستفيد من الرواية
التي في الباب قبله أن أول المقروء قوله تعالى أن في خلق السماوات والأرض * (قوله باب
ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) ذكر فيه حديث ابن عباس المذكور وليس فيه الا تغيير
شيخ شيخه فقط وسياق الرواية في هذا الباب أتم من تلك ووقع في رواية الأصيلي هنا وأخذ بيدي
اليمني وهو وهم والصواب بأذني كما في سائر الروايات * (قوله باب ربنا إننا سمعنا مناديا
ينادي للايمان الآية) ذكر فيه الحديث المذكور عن شيخ له آخر عن مالك وساقه أيضا بتمامه
* (قوله سورة النساء) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر (قوله قال ابن عباس يستنكف يستكبر) وقع هذا في رواية المستملى
والكشميهني حسب وقد وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق ابن جريج عن عطاء عن
177

ابن عباس في قوله تعالى ومن يستنكف عن عبادته قال يستكبر وهو عجيب فان في الآية عطف
الاستكبار على الاستنكاف فالظاهر أنه غيره ويمكن أن يحمل على التوكيد وقال الطبري معنى
يستنكف يأنف وأسند عن قتادة قال يحتشم وقال الزجاج هو استفعال من النكف وهو
الانفة والمراد دفع ذلك عنه ومنه نكفت الدمع بالإصبع إذا منعته من الجري على الخد (قوله
قواما قوامكم من معايشكم) هكذا وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
ووصله الطبري من هذا الوجه بلفظ لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما يعني
قوامكم من معايشكم يقول لا تعمد إلى مالك الذي جعله الله لك معيشة فتعطيه امرأتك
ونحوها وقوله قياما القراءة المشهورة بالتحتانية بدل الواو لكنهما بمعنى قال أبو عبيدة يقال قيام
أمركم وقوام أمركم والأصل بالواو فأبدلوها ياء لكسرة القاف قال بعض الشراح فأورده المصنف
على الأصل (قلت) ولا حاجة لذلك لأنه ناقل لها عن ابن عباس وقد ورد عنه كلا الامرين وقيل أنها
أيضا قراءة ابن عمر أعني بالواو وقد قرئ في المشهور عن أهل المدينة أيضا قيما بلا ألف وفي الشواذ
قرا آت أخرى وقال أبو ذر الهروي قوله قوامكم إنما قاله تفسيرا لقوله قياما على القراءة الأخرى
(قلت) ومن كلام أبي عبيدة يحصل جوابه (قوله مثنى وثلاث ورباع يعني اثنتين وثلاثا وأربعا
ولا تجاوز العرب رباع) كذا وقع لأبي ذر فأوهم أنه عن ابن عباس أيضا كالذي قبله ووقع لغيره
وقال غيره مثنى الخ وهو الصواب فإن ذلك لم يرو عن ابن عباس وإنما هو تفسير أبي عبيدة قال
لا تنوين في مثنى لأنه مصروف عن حده والحد أن يقولوا اثنين وكذلك ثلاث ورباع لأنه ثلاث
وأربع ثم أنشد شواهد لذلك ثم قال ولا تجاوز العرب رباع غير أن الكميت قال
فلم يستريثوك حتى رمي * ت فوق الرجال خصالا عشارا
انتهى وقيل بل يجوز إلى سداس وقيل إلى عشار قال الحريري في درة الغواص غلط المتنبي في
قوله * أحاد أم سداس في أحاد * لم يسمع في الفصيح إلا مثنى وثلاث ورباع والخلاف في خماس إلى
عشار ويحكى عن خلف الحمر أنه أنشد أبياتا من خماس إلى عشار وقال غيره في هذه الألفاظ
المعدولة هل يقتصر فيها على السماع أو يقاس عليها قولان أشهرهما الاقتصار قال ابن الحاجب
هذا هو الأصح ونص عليه البخاري في صحيحه كذا قال (قلت) وعلى الثاني يجعل بيت الكميت
وكذا قول الآخر
ضربت خماس ضربة عبشمي * أراد سداس أن لا تستقيما
وهذه المعدولات لا تقع إلا أحوالا كهذه الآية أو أوصافا كقوله تعالى أولي أجنحة مثنى
وثلاث ورباع أو اخبارا كقوله عليه السلام صلاة الليل مثنى ولا يقال فيها مثناة وثلاثة بل تجري
مجرى واحدا وهل يقال موحد كما يقال مثنى الفصيح لا وقيل يجوز وكذا مثلث الخ وقول أبي
عبيدة أن معنى مثنى اثنتين فيه اختصار وإنما معناه اثنتين اثنتين وثلاث ثلاث وكأنه ترك ذلك
لشهرته أو كان لا يرى التكرار فيه وسيأتي ما يتعلق بعدد ما ينكح من النساء في أوائل النكاح
إن شاء الله تعالى (قوله لهن سبيلا يعني الرجم للثيب والجلد للبكر) ثبت هذا أيضا في رواية
المستملى والكشميهني حسب وهو من تفسير ابن عباس أيضا وصله عبد بن حميد عنه بإسناد صحيح
وروى مسلم وأصحاب السنن من حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خذوا
178

عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم
والمراد الإشارة إلى قوله تعالى حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا وقد روى الطبراني
من حديث ابن عباس قال فلما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حبس بعد
سورة النساء وسيأتي البحث في الجمع بين الجلد والرجم للثيب في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى
* (قوله باب وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر ومعنى
خفتم ظننتم ومعنى تقسطوا تعدلوا وهو من اقسط يقال قسط إذا جار وأقسط إذا عدل وقيل
الهمزة فيه للسلب أي أزال القسط ورجحه ابن التين بقوله تعالى ذلكم أقسط عند الله لان أفعل
في أبنية المبالغة لا تكون في المشهور إلا من الثلاثي نعم حكى السيرافي جواز التعجب بالرباعي
وحكى غيره أن أقسط من الأضداد والله أعلم (قوله أخبرنا هشام) هو ابن يوسف وهذه الترجمة من
لطائف أنواع الاسناد وهي ابن جريج عن هشام وهشام الأعلى هو ابن عروة والأدنى ابن يوسف
(قوله أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها) هكذا قال هشام عن ابن جريج فأوهم أنها نزلت في
شخص معين والمعروف عن هشام بن عروة التعميم وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق حجاج
ابن محمد عن ابن جريج ولفظه أنزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة الخ وكذا هو عند المصنف في
الرواية التي تلى هذه من طريق ابن شهاب عن عروة وفيه شئ آخر نبه عليه الإسماعيلي وهو قوله
فكان لها عذق فكأن يمسكها عليه فإن هذا نزل في التي يرغب عن نكاحها وأما التي يرغب في
نكاحها فهي التي يعجبه مالها وجمالها فلا يزوجها لغيره ويريد أن يتزوجها بدون صداق مثلها
وقد وقع في رواية ابن شهاب التي بعد هذه التنصيص على القصتين ورواية حجاج بن محمد سالمة من
هذا الاعتراض فإنه قال فيها أنزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة وهي ذات مال الخ وكذا أخرجه
المصنف في أواخر هذه السورة من طريق أبي أسامة وفي النكاح من طريق وكيع كلاهما عن
هشام (قوله عذق) بفتح العين المهملة وسكون المعجمة النخلة وبالكسر الكباسة والقنو وهو من
النخلة كالعنقود من الكرمة والمراد هنا الأول وأغرب الدوادي ففسر العذق في حديث عائشة
هذا بالحائط (قوله وكان يمسكها عليه) أي لأجله وفي رواية الكشميهني فيمسك بسببه (قوله
أحسبه قال كانت شريكته في ذلك العذق) هو شك من هشام بن يوسف ووقع مبينا مجزوما به
في رواية أبي أسامة ولفظه هو الرجل يكون عنده اليتيمة هو وليها وشريكته في ماله حتى في العذق
فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلا فيشركه في ماله فيعضلها فنهوا عن ذلك ورواية ابن
شهاب شاملة للقصتين وقد تقدمت في الوصايا من رواية شعيب عنه (قوله اليتيمة) أي التي
مات أبوها (قوله في حجر وليها) أي الذي يلي مالها (قوله بغير أن يقسط في صداقها) في النكاح
من رواية عقيل عن ابن شهاب ويريد أن ينتقص من صداقها (قوله فيعطيها مثل ما يعطيها
غيره) هو معطوف على معمول بغير أي يريد أن يتزوجها بغير أن يعطيها مثل ما يعطيها غيره
أممن يرغب في نكاحها سواه ويدل على هذا قوله بعد ذلك فنهوا عن ذلك إلا أن يبلغوا بهن
أعلى سنتهن في الصداق وقد تقدم في الشركة من رواية يونس عن ابن شهاب بلفظ بغير أن يقسط في
صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره (قوله فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء
سواهن) أي بأي مهر توافقوا عليه وتأويل عائشة هذا جاء عن ابن عباس مثله أخرجه
179

الطبري وعن مجاهد في مناسبة ترتب قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء على قوله وأن خفتم
أن لا تقسطوا في اليتامى شئ آخر قال في معنى قوله تعالى وأن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى
أي إذا كنتم تخافون أن لا تعدلوا في ما اليتامى فتحرجتم أن لا تلوها فتحرجوا من الزنا
وانكحوا ما طاب لكم من النساء وعلى تأويل عائشة يكون المعنى وإن خفتم أن لا تقسطوا في
نكاح اليتامى (قوله قال عروة قالت عائشة) هو معطوف على الاسناد المذكور وأن كان بغير
أداة عطف وفي رواية عقيل وشعيب المذكورين قالت عائشة فاستفتى الناس الخ (قوله بعد
هذه الآية) أي بعد نزول هذه الآية بهذه القصة وفي رواية عقيل بعد ذلك (قوله فأنزل الله
ويستفتونك في النساء قالت عائشة وقول الله تعالى في آية أخرى وترغبون أن تنكحوهن)
كذا وقع في رواية صالح وليس ذلك في آية أخرى وإنما هو في نفس الآية وهي قوله ويستفتونك
في النساء ووقع في رواية شعيب وعقيل فأنزل الله تعالى ويستفتونك في النساء إلى قوله وترغبون
أن تنكحوهن ثم ظهر لي أنه سقط من رواية البخاري شئ اقتضى هذا الخطأ ففي صحيح مسلم
والإسماعيلي والنسائي واللفظ له من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الاسناد
في هذا الموضع فأنزل الله يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في
يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن فذكر الله أن يتلى عليكم
في الكتاب الآية الأولى وهي قوله وأن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من
النساء قالت عائشة وقول الله في الآية الأخرى وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم الخ كذا
أخرجه مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب وتقدم للمصنف أيضا في الشركة من طريق يونس
عن ابن شهاب مقرونا بطريق صالح بن كيسان المذكورة هنا فوضح بهذا في رواية صالح أن في
الباب اختصارا وقد تكلف له بعض الشراح فقال معنى قوله في آية أخرى أي بعد قوله وأن خفتم
وما أوردناه أوضح والله أعلم * (تنبيه) * أغفل المزي في الأطراف عزو هذه الطريق أي طريق
صالح عن ابن شهاب إلى كتاب التفسير واقتصر على عزوها إلى كتاب الشركة (قوله وترغبون أن
تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته) فيه تعيين أحد الاحتمالين في قوله وترغبون لان رغب يتغير
معناه بمتعلقه يقال رغب فيه إذا أراده ورغب عنه إذا لم يرده لأنه يحتمل أن تحذف في وأن تحذف
عن وقد تأوله سعيد بن جبير على المعنيين فقال نزلت في الغنية والمعدمة والمروى هنا عن عائشة
أوضح في أن الآية الأولى نزلت في الغنية وهذه الآية نزلت في المعدمة (قوله فنهوا) أي نهوا
عن نكاح المرغوب فيها لجمالها ومالها لأجل زهدهم فيها إذا كانت قليلة المال والجمال فينبغي
أن يكون نكاح اليتيمتين على السواء في العدل وفي الحديث اعتبار مهر المثل في المحجورات وأن
غيرهن يجوز نكاحها بدون ذلك وفيه أن للولي أن يتزوج من هي تحت حجرة لكن يكون العاقد
غيره وسيأتي البحث فيه في النكاح وفيه جواز تزويج اليتامى قبل البلوغ لأنهن بعد البلوغ
لا يقال لهن يتيمات إلا أن يكون أطلق استصحابا لحالهن وسيأتي البحث فيه أيضا في كتاب النكاح
* (قوله باب ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) ساق إلى قوله حسيبا (قوله وبدارا
مبادرة) هو تفسير أول الآية المترجم بها وقال أبو عبيدة في قوله تعالى ولا تأكلوها إسرافا وبدارا
الاسراف الافراط وبدارا مبادرة وكأنه فسر المصدر بأشهر منه يقال بادرت بدارا ومبادرة
180

وأخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يعني يأكل مال اليتيم ويبادر
إلى أن يبلغ فيحول بينه وبين ماله (قوله اعتدنا أعددنا أفعلنا من العتاد) كذا للأكثر وهو
تفسير أبي عبيدة ولأبي ذر عن الكشميهني اعتددنا افتعلنا والأول هو الصواب والمراد أن أعتدنا
واعددنا بمعنى واحد لان العتيد هو الشئ المعد * (تنبيه) * وقعت هذه الكلمة في هذا الموضع
سهوا من بعض نساخ الكتاب ومحلها بعد هذا قبل باب لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها
(قوله حدثني إسحاق) هو ابن راهويه وأما أبو نعيم في المستخرج فأخرجه من طريق ابن
راهويه ثم قال أخرجه البخاري عن إسحاق بن منصور (قوله في مال اليتيم) في رواية الكشميهني
في والى اليتيم والمراد بوالي اليتيم المتصرف في ماله بالوصية ونحوها والضمير في كان على الرواية
الأولى ينصرف إلى مصرف المال بقرينة المقام ووقع في البيوع من طريق عثمان بن فرقد عن
هشام بن عروة بلفظ أنزلت في وإلى اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح ماله إن كان فقيرا أكل منه
بالمعروف وفي الباب حديث مرفوع أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن
الجارود وابن أبي حاتم من طريق حسين المكتب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء
رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن عندي يتيما له مال وليس عندي شئ أفآكل من ماله
قال بالمعروف وأسناده قوي (قوله إذا كان فقيرا) مصير منه إلى أن الذي يباح له الأجرة من
مال اليتيم من أتصف بالفقر وقد قدمت البحث في ذلك في كتاب الوصايا وذكر الطبري من طريق
السدي أخبرني من سمع ابن عباس يقول في قوله ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال بأطراف
أصابعه ومن طريق عكرمة يأكل ولا يكتسى ومن طريق إبراهيم النخعي يأكل ما سد الجوعة
ووارى العورة وقد مضى بقية نقل الخلاف فيه في الوصايا وقال الحسن بن حي يأكل وصي الأب
بالمعروف وأما قيم الحاكم فله أجرة فلا يأكل شيئا وأغرب ربيعة فقال المراد خطاب الولي بما
يصنع باليتيم إن كان غنيا وسع عليه وإن كان فقيرا أنفق عليه بقدره وهذا أبعد الأقوال كلها
* (تنبيه) * وقع لبعض الشراح ما نصه قوله فمن كان غنيا فليستعفف التلاوة ومن كان بالواو
انتهى وأنا ما رأيته في النسخ التي وقفت عليها إلا بالواو * (قوله باب وإذا حضر
القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين الآية) سقط باب لغير أبي ذر (قوله حدثنا أحمد
ابن حميد) هو القرشي الكوفي صهر عبيد الله بن موسى يقال له دار أم سلمة لقب بذلك لجمعة حديث
أم سلمة وتتبعه لذلك وقال ابن عدي كان له اتصال بأم سلمة يعني زوج السفاح الخليفة فلقب بذلك
ووهم الحاكم فقال يلقب جار أم سلمة وثقة مطين وقال كان يعد في حفاظ أهل الكوفة ومات سنة
عشرين ومائتين ووهم من قال خلاف ذلك وما له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وشيخه
عبيد الله الأشجعي هو ابن عبيد الرحمن الكوفي وأبوه فرد في الأسماء مشهور في أصحاب سفيان
الثوري والشيباني هو أبو إسحاق والاسناد إلى عكرمة كوفيون (قوله هي محكمة وليست
بمنسوخة) زاد الإسماعيلي من وجه آخر عن الأشجعي وكان ابن عباس إذا ولي رضخ وإذا
كان في المال قلة اعتذار إليهم فذلك القول بالمعروف وعند الحاكم من طريق عمرو بن أبي قيس
عن الشيباني بالاسناد المذكور في هذه الآية قال نرضخ لهم وأن كان في المال تقصيرا اعتذر إليهم
(قوله تابعه سعيد بن جبير عن ابن عباس) وصله في الوصايا بلفظ أن ناسا يزعمون أن هذه الآية
181

نسخت ولا والله ما نسخت ولكنها مما تهاون الناس بها هما واليان وآل يرث وذلك الذي
يرزق ووال لا يرث وذلك الذي يقال له بالمعروف يقول لا أملك لك أن أعطيك وهذان
الاسنادان الصحيحان عن ابن عباس هما المعتمدان وجاءت عنه روايات من أوجه ضعيفة
عند ابن أبي حاتم وابن مردويه أنها منسوخة نسختها آية الميراث وصح ذلك عن سعيد بن
المسيب وهو قول القاسم بن محمد وعكرمة وغير واحد وبه قال الأئمة الأربعة وأصحابهم وجاء
عن ابن عباس قول آخر أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن القاسم بن محمد أن عبد الله بن
عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبى عبد الرحمن في حياة عائشة فلم يدع في الدار ذا قرابة ولا
مسكينا إلا أعطاه من ميراث أبيه وتلا الآية قال القاسم فذكرته لابن عباس فقال ما أصاب
ليس ذلك له إنما ذلك إلى الوصي وإنما ذلك في العصية أي ندب للميت أن يوصى لهم (قلت) وهذا
لا ينافي حديث الباب وهو أن الآية محكمة وليست بمنسوخة وقيل معنى الآية وإذا حضر
قسمة الميراث قرابة الميت ممن لا يرث واليتامى والمساكين فإن نفوسهم تتشوف إلى أخذ شئ منه
ولا سيما أن كان جزيلا فأمر الله سبحانه أن يرضخ لهم بشئ على سبيل البر والاحسان واختلف
من قال بذلك هل الامر فيه على الندب أو الوجوب فقال مجاهد وطائفة هي على الوجوب وهو
قول ابن حزم أن على الوارث أن يعطي هذه الأصناف ما طابت به نفسه ونقل ابن الجوزي عن
أكثر أهل العلم أن المراد بأولى الغرابة من لا يرث وأن معنى فارزقوهم أعطوهم من المال وقال
آخرون أطعموهم وأن ذلك على سبيل الاستحباب وهو المعتمد لأنه لو كان على الوجوب لاقتضى
استحقاقا في التركة ومشاركة في الميراث بجهة مجهولة فيفضى إلى التنازع والتقاطع وعلى
القول بالندب فقد قيل يفعل ذلك ولي المحجور وقيل لا بل يقول ليس المال لي وإنما هو لليتيم
وأن هذا هو المراد بقوله وقولوا لهم قولا معروفا وعلى هذا فتكون الواو في قوله وقولوا للتقسيم
وعن ابن سيرين وطائفة المراد بقوله فارزقوهم منه اصنعوا لهم طعاما يأكلونه وأنها على
العموم في مال المحجور وغيره والله أعلم * (قوله باب يوصيكم الله في أولادكم) سقط لغير
أبي ذر باب وفي أولادكم والمراد بالوصية هنا بيان قسمة الميراث (قوله أخبرنا هشام) هو ابن يوسف
وابن المنكدر هو محمد (قوله عن جابر) في رواية شعبة عن ابن المنكدر سمعت جابرا وتقدمت
في الطهارة (قوله عادني النبي صلى الله عليه وسلم) سيأتي ما يتعلق بذلك في كتاب المرضى قبيل
كتاب الطب (قوله في بني سلمة) بفتح المهملة وكسر اللام هم قوم جابر وهم بطن من الخزرج
(قوله لا أعقل) زاد الكشميهني شيئا (قوله ثم رش على) بينت في الطهارة الرد على من زعم أنه
رش عليه من الذي فضل وسيأتي في الاعتصام التصريح بأنه صب عليه نفس الماء الذي توضأ به
(قوله فقلت ما تأمرني أن أصنع في مالي) في رواية شعبة المذكورة فقلت يا رسول الله لمن الميراث
إنما يرثني كلالة وسيأتي بيان ذلك في الفرائض (قوله فنزلت يوصيكم الله في أولادكم) هكذا وقع
في رواية ابن جريج وقيل إنه وهم في ذلك وأن الصواب أن الآية التي نزلت في قصة جابر هذه
الآية الأخيرة من النساء وهي يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة لان جابرا يومئذ لم يكن له
ولد ولا والد والكلالة من لا ولد له ولا والد وقد أخرجه مسلم عن عمرو الناقد والنسائي عن محمد بن
منصور كلاهما عن ابن عيينة عن ابن المنكدر فقال في هذا الحديث حتى نزلت عليه آية الميراث
182

يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ولمسلم أيضا من طريق شعبة عن ابن المنكدر قال في آخر
هذا الحديث فنزلت آية الميراث فقلت لمحمد بن المنكدر يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة قال
هكذا أنزلت وقد تفطن البخاري بذلك فترجم في أول الفرائض قوله يوصيكم الله في أولادكم إلى
قوله والله عليم حليم ثم ساق حديث جابر المذكور عن قتيبة عن ابن عيينة وفي آخره حتى نزلت آية
الميراث ولم يذكر ما زاده الناقد فأشعر بأن الزيادة عنده مدرجة من كلام ابن عيينة وقد أخرجه
أحمد عن ابن عيينة مثل رواية الناقد وزاد في آخره كان ليس له ولد وله أخوات وهذا من كلام ابن
عيينة أيضا وقد اضطرب فيه فأخرجه ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عنه بلفظ حتى نزلت آية
الميراث إن امرؤ هلك ليس له ولد وقال مرة حتى نزلت آية الكلالة وأخرجه عبد بن حميد
والترمذي عنه عن يحيى بن آدم عن ابن عيينة بلفظ حتى نزلت يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل
حظ الأنثيين وأخرجه الإسماعيلي من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل عنه فقال في آخره حتى
نزلت آية الميراث يوصيكم الله في أولادكم فمراد البخاري بقوله في الترجمة إلى قوله والله عليم حليم
الإشارة لي أن مراد جابر من آية الميراث قوله وأن كان رجل يورث كلالة وأما الآية الأخرى وهي
قوله يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة فسيأتي في آخر تفسير هذه السورة أنها من آخر ما نزل
فكأن الكلالة لما كانت مجملة في آية المواريث استفتوا عنها فنزلت الآية الأخيرة ولم ينفرد ابن
جريج بتعيين الآية المذكورة فقد ذكرها ابن عيينة أيضا على الاختلاف عنه وكذا أخرجه
الترمذي والحاكم من طريق عمرو بن أبي قيس عن ابن المنكدر وفيه نزلت يوصيكم الله في
أولادكم وقد أخرجه البخاري أيضا عن ابن المديني وعن الجعفي مثل رواية قتيبة بدون الزيادة وهو
المحفوظ وكذا أخرجه مسلم من طريق سفيان الثوري عن ابن المنكدر بلفظ حتى نزلت آية الميراث
فالحاصل أن المحفوظ عن ابن المنكدر أنه قال آية الميراث أو آية الفرائض والظاهر أنها يوصيكم
الله كما صرح به في رواية ابن جريج ومن تابعه وأما من قال إنها يستفتونك فعمدته أن جابرا
لم يكن له حينئذ ولد وإنما كان يورث كلالة فكان المناسب لقصته نزول الآية الأخيرة لكن ليس
ذلك بلازم لان الكلالة مختلف في تفسيرها فقيل هي اسم المال الموروث وقيل اسم الميت وقيل
اسم الإرث وقيل ما تقدم فلما لم يعين تفسيرها بمن لا ولد له ولا والد لم يصح الاستدلال لما قدمته أنها
نزلت في آخر الامر وآية المواريث نزلت قبل ذلك بمدة كما أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم
من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال جاءت امرأة سعد بن الربيع فقالت يا رسول الله
هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد وأن عمهما أخذ مالهما قال يقضي الله في
ذلك فنزلت آية الميراث فأرسل إلى عمهما فقال أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن فما بقي فهو
لك وهذا ظاهر في تقدم نزولها نعم وبه احتج من قال إنها لم تنزل في قصة جابر إنما نزلت في قصة ابنتي
سعد بن الربيع وليس ذلك بلازم إذ لا مانع أن تنزل في الامرين معا ويحتمل أن يكون نزول أولها
في قصة البنتين وآخرها وهي قوله وأن كل رجل يورث كلالة في قصة جابر ويكون مراد جابر فنزلت
يوصيكم الله في أولادكم أي ذكر الكلالة المتصل بهذه الآية والله أعلم وإذا تقرر جميع ذلك ظهر أن
ابن جريج لم يهم كما جزم به الدمياطي ومن تبعه وأن من وهمه هو الواهم والله أعلم وسيأتي بقية
ما يتعلق بشرح هذا الحديث في الفرائض إن شاء الله تعالى * (قوله باب قوله ولكم
183

نصف ما ترك أزواجكم) سقط قوله باب لغير أبي ذر وثبت قوله قوله للمستملي فقط (قوله كان
المال للولد) يشير إلى ما كانوا عليه قبل وقد روى الطبري من وجه آخر عن ابن عباس انها لما
نزلت قالوا يا رسول الله أنعطي الجارية الصغيرة نصف الميراث وهي لا تركب الفرس ولا تدافع
العدو قال وكانوا في الجاهلية لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم (قوله فنسخ الله من ذلك
ما أحب) هذا يدل على أن الأمر الأول استمر إلى نزول الآية وفيه رد على من أنكر النسخ ولم ينقل
ذلك عن أحد من المسلمين إلا عن أبي مسلم الأصبهاني صاحب التفسير فأنه أنكر النسخ مطلقا
ورد عليه بالاجماع على أن شريعة الاسلام ناسخة لجميع الشرائع أجيب عنه بأنه يرى أن
الشرائع الماضية مستقرة الحكم إلى ظهور هذه الشريعة قال فسمى ذلك تخصيصا لا نسخا
ولهذا قال ابن السمعاني أن كان أبو مسلم لا يعترف بوقوع الأشياء التي نسخت في هذه الشريعة
فهو مكابر وأن قال لا أسميه نسخا كان الخلاف لفظيا والله أعلم (قوله وجعل للأبوين لكل واحد
منهما السدس والثلث) قال الدمياطي قوله والثلث زيادة هنا وقد أخرج المصنف هذا الحديث
بهذا الاسناد في كتاب الفرائض فلم يذكرها (قلت) اختصرها هناك ولكنها ثابتة في تفسير محمد
ابن يوسف الفريابي شيخه فيه والمعنى أن لكل واحد منهما السدس في حال وللأم الثلث في حال
ووزان ذلك ما ذكره في بقية الحديث وللزوج النصف والربع أي كل منهما في حال * (قوله
باب قوله لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن
الآية) سقط باب وما بعد كرها لغير أبي ذر وقوله كرها مصدر في موضع الحال قرأها حمزة
والكسائي بالضم والباقون بالفتح (قوله ويذكر عن ابن عباس لا تعضلوهن ولا تقهروهن) في
رواية الكشميهني تنتهروهن بنون بعدها مثناة من الانتهار وهي رواية القابسي أيضا وهذه
الرواية وهم والصواب ما عند الجماعة وهذا الأثر وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن
أبي طلحة عن ابن عباس في قوله لا تعضلوهن لا تقهر وهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن يعني
الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضرها لتفتدى وأسند عن السدي
والضحاك نحوه وعن مجاهد أن المخاطب بذلك أولياء المرأة كالعضل المذكور في سورة البقرة
ثم ضعف ذلك ورجح الأول (قوله حوبا إثما) وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن داود بن أبي هند
عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى أنه كان حوبا قال إثما عظيما ووصله الطبري من طريق
مجاهد والسدي والحسن وقتادة مثله والجمهور على ضم الحاء وعن الحسن بفتحها (قوله تعولوا
تميلوا) وصله سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله ذلك أدنى أن
لا تعولوا قال أن لا تميلوا ورويناه في فوائد أبي بكر الآجري بإسناد آخر صحيح إلى الشعبي عن ابن
عباس ووصله الطبري من طريق الحسن ومجاهد وعكرمة والنخعي والسدي وقتادة وغيرهم مثله
وأنشد في رواية عكرمة لأبي طالب من أبيات * بميزان صدق وزنه غير عائل *
وجاء مثله مرفوعا صححه ابن حبان من حديث عائشة وروى ابن المنذر عن الشافعي أن لا تعولوا
أن لا يكثر عيالكم وأنكره المبرد وابن داود والثعلبي وغيرهم لكن قد جاء عن زيد بن أسلم
نحو ما قال الشافعي أسنده الدارقطني وإن كان الأول أشهر واحتج من رده أيضا من حيث المعنى
بأنه أحل من ملك اليمين ما شاء الرجل بلا عدد ومن لازم ذلك كثرة العيال وإنما ذكر النساء وما يحل
184

منهن فالجور والعدل يتعلق بهن وأيضا فإنه لو كان المراد كثرة العيال لكان أعال يعيل من الرباعي
وأما تعولوا فمن الثلاثي لكن نقل الثعلبي عن أبي عمرو الدوري قال وكان من آثمة اللغة قال هي لغة
حمير ونقل عن طلحة بن مصرف أنه قرأ أن لا تعيلوا (قوله نحلة فالنحلة المهر) كذا لأبي ذر ولغيره
بغير فاء قال الإسماعيلي إن كان ذلك من تفسير البخاري ففيه نظر فقد قيل فيه غير ذلك وأقرب
الوجوه أن النحلة ما يعطونه من غير عوض وقيل المراد نحلة ينتحلونها أي يتدينون بها ويعتقدون
ذلك (قلت) والتفسير الذي ذكره البخاري قد وصله ابن أبي حاتم والطبري من طريق علي بن
أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى وآتوا النساء صدقاتهن نحلة قال النحلة المهر وروى
الطبري عن قتادة قال نحلة أي فريضة ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال النحلة في كلام
العرب الواجب قال ليس ينبغي لاحد أن ينكح إلا بصداق كذا قال والنحلة في كلام العرب
العطية لا كما قال ابن زيد ثم قال الطبري وقيل إن المخاطب بذلك أولياء النساء كان الرجل إذا زوج
امرأة أخذ صداقها دونها فنهوا عن ذلك ثم أسنده إلى سيار عن أبي صالح بذلك واختار الطبري
القول الأول واستدل له (تنبيه) محل هذه التفاسير من قوله حوبا إلى آخرها في أول السورة وكأنه
من بعض نساخ الكتاب كما قدمناه غير مرة وليس هذا خاصا بهذا الموضع ففي التفسير في غالب
السور أشباه هذا (قوله حدثنا أسباط بن محمد) هو بفتح الهمزة وسكون المهملة بعدها موحدة
كوفي ثقة ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وأورده في كتاب الاكراه عن حسين بن منصور
عنه أيضا وقد قال الدرودي عن ابن معين كان يخطئ عن سفيان فذكره لأجل ذلك ابن الجوزي
في الضعفاء لكن قال كان ثبتا فيما يروي عن الشيباني ومطرف وذكره العقيلي وقال ربما وهم
في الشئ وقد أدركه البخاري بالسن لأنه مات في أول سنة مائتين (قوله قال الشيباني) سماه في
كتاب الاكراه سليمان بن فيروز (قوله وذكره أبو الحسن السوائي ولا أظنه ذكره إلا عن ابن
عباس) حاصله أن للشيباني فيه طريقين إحداهما موصولة وهي عكرمة عن ابن عباس
والاخرى مشكوك في وصلها وهي أبو الحسن السواكي عن ابن عباس والشيباني هو أبو إسحاق
والسوائي بضم المهملة وتخفيف الواو ثم ألف ثم همزة واسمه عطاء ولم أقف له على ذكر إلا
في هذا الحديث (قوله كانوا إذا مات الرجل) في رواية السدي تقييد ذلك بالجاهلية وفي رواية
الضحاك تخصيص ذلك بأهل المدينة وكذلك أورده الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس لكن
لا يلزم من كونه في الجاهلية أن لا يكون استمر في أول الاسلام إلى أن نزلت الآية فقد جزم
الواحدي أن ذلك كان في الجاهلية وفي أول الاسلام وساق القصة مطولة وكأنه نقله من تفسير
الشعبي ونقل عن تفسير مقاتل نحوه إلا أنه خالف في اسم ابن أبي قيس فالأول قال قيس ومقاتل
قال حصين روى الطبري من طريق ابن جريج عن عكرمة أنها نزلت في قصة خاصة قال نزلت في
كبشة بنت معن بن عاصم من الأوس وكانت تحت أبي قيس بن الأسلت فتوفي عنها فجنح عليها ابنه
فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي ولا تركت فانكح فنزلت هذه
الآية وبإسناد حسن عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال لما توفي أبو قيس بن الأسلت
أراد ابنه أن يتزوج امرأته وكان ذلك لهم في الجاهلية فأنزل الله هذه الآية (قوله كان أولياؤه
أحق بامرأته) في رواية أبي معاوية عن الشيباني عن عكرمة وحده عن ابن عباس في هذا
185

الحديث تخصيص ذلك بمن مات زوجها قبل أن يدخل بها (قوله إن شاء بعضهم تزوجها وإن
شاؤوا زوجوها وإن شاؤوا لم يزوجوها وهم أحق بها من أهلها) في رواية أبي معاوية المذكورة
حبسها عصبته أن تنكح أحدا حتى تموت فيرثوها قال الإسماعيلي هذا مخالف لرواية أسباط
(قلت) ويمكن ردها إليها بأن يكون المراد أن تنكح إلا منهم أو بأذنهم نعم هي مخالفة لها
في التخصيص السابق وقد روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كان
الرجل إذا مات وترك امرأة ألقى عليها حميمة ثوبا فمنعها من الناس فإن كانت جميلة تزوجها
وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت ويرثها وروى الطبري أيضا من طريق الحسن والسدي
وغيرهما كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها أو ترد إليه الصداق وزاد
السدي أن سبق الوارث فألقى عليها ثوبه كان أحق بها وأن سبقت هي إلى أهلها فهي أحق
بنفسها * (قوله باب ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون) ساق إلى
قوله شهيدا وسقط ذلك لغير أبي ذر (قوله وقال معمر أولياء موالي أولياء ورثة عاقدت أيمانكم
هو مولى اليمين وهو الحليف والمولى أيضا ابن العم والمولى المنعم المعتق) أي بكسر المثناة
(والمولى المعتق) أي بفتحها (والمولى المليك والمولى مولى في الدين) انتهى ومعمر هذا
بسكون المهملة وكنت أظنه معمر بن راشد إلى أن رأيت الكلام المذكور في المجاز لأبي عبيدة
واسمه معمر بن المثنى ولم أره عن معمر بن راشد وإنما أخرج عبد الرزاق عنه في قوله ولكل جعلنا
موالي قال الموالي الأولياء الأب والأخ والابن وغيرهم من العصبة وكذا أخرجه إسماعيل
القاضي في الاحكام من طريق محمد بن ثور عن معمر وقال أبو عبيدة ولكل جعلنا موالي أولياء
ورثة والذين عاقدت أيمانكم فالمولى ابن العم وساق ما ذكره البخاري وأنشد في المولى ابن العم
* مهلا بني عمنا مهلا موالينا * ومما لم يذكره وذكره غيره من أهل اللغة المولى المحب والمولى الجار
والمولى الناصر والمولى الصهر والمولى التابع والمولى القرار 2 والمولى الولي والمولى الموازي وذكروا
أيضا العم والعبد وابن الأخ والشريك والنديم ويلتحق بهم معلم القرآن جاء فيه حديث مرفوع
من علم عبدا آية من كتاب الله فهو مولاه الحديث أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة ونحوه
قول شعبة من كتبت عنه حديثا فأنا له عبد وقال أبو إسحاق الزجاج كل من يليك أو ولاك فهو
مولى (قوله حدثنا الصلت بن محمد) تقدم هذا الحديث سندا ومتنا في الكفالة وأحيل بشرحه
على هذا الموضع (قوله عن إدريس) هو ابن يزيد الأودي بفتح الألف وسكون الواو والد عبد الله
ابن إدريس الفقيه الكوفي وإدريس ثقة عندهم وما له في البخاري سوى هذا الحديث ووقع
في رواية الطبري عن أبي كريب عن أبي أسامة حدثنا إدريس بن يزيد (قوله عن طلحة بن
مصرف) وقع في الفرائض عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي أسامة عن إدريس حدثنا طلحة
(قوله ولكل جعلنا موالي قال ورثة) هذا متفق عليه بين أهل التفسير من السلف أسنده
الطبري عن مجاهد وقتادة والسدي وغيرهم ثم قال وتأويل الكلام ولكلكم أيها الناس جعلنا
عصبة يرثونه مما ترك والداه وأقربوه من ميراثهم له وذكر غيره للآية تقديرا غير ذلك فقيل
التقدير جعلنا لكل ميت ورثة ترث مما ترك الوالدان والأقربون وقيل التقدير ولكل مال مما
ترك الوالدان والأقربون جعلنا ورثة يحوزونه فعلى هذا كل متعلقة يجعل ومما ترك صفة لكل
186

والوالدان فاعل ترك ويلزم عليه الفصل بين الموصوف وصفته وقد سمع كثيرا وفي القرآن قل
أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات فإن فاطر صفة لله اتفاقا وقيل التقدير ولكل قوم جعلناهم
مولى أي ورثة نصيب مما ترك والداهم وأقربوهم وهذا يقتضى أن لكل خبر مقدم ونصيب
مبتدأ مؤخر وجعلناهم صفة لقوم ومما ترك صفة للمبتدأ الذي حذف ونصب صفته وكذا حذف
ما أضيفت إليه كل وبقيت صفته وكذا حذف العائد على الموصوف هذا حاصل ما ذكره المعربون
وذكروا غير ذلك مما ظاهره التكلف وأوضح من ذلك أن الذي يضاف إليه كل هو ما تقدم
في الآية التي قبلها وهو قوله للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ثم قال ولكل
أي من الرجال والنساء جعلنا أي قدرنا نصيبا أي ميراثا مما ترك الوالدان والأقربون والذين
عاقدت أيمانكم أي بالحلف أو الموالاة والمؤاخاة فآتوهم نصيبهم خطاب لمن يتولى ذلك أي من
ولي على ميراث أحد فليعط لكل من يرثه نصيبه وعلى هذا المعنى المتضح ينبغي أن يقع الاعراب
ويترك ما عداه من التعسف (قوله والذين عاقدت أيمانكم كان المهاجرون لما قدموا المدينة
يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للاخوة) هكذا حملها ابن عباس على من آخى النبي
صلى الله عليه وسلم بينهم وحملها غيره على أعم من ذلك فأسند الطبري عنه قال كان الرجل يحالف
الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر فنسخ ذلك ومن طريق سعيد بن جبير قال كان
الرجل يعاقد الرجل فيرثه وعاقدا أبو بكر مولى فورثه (قوله فلما نزلت ولكل جعلنا موالي
نسخت) هكذا وقع في هذه الرواية أن ناسخ ميراث الحليف هذه الآية وروى الطبري من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال كان الرجل يعاقد الرجل فإذا مات ورثه الآخر فأنزل الله
عز وجل وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا
إلى أوليائكم معروفا يقول إلا أن توصوا لأوليائكم الذين عاقدتم ومن طريق قتادة كان
الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول دمى دمك وترثني وأرثك فلما جاء الاسلام أمروا أن
يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس ثم نسخ ذلك بالميراث فقال وأولو الأرحام بعضهم أولى
لبعض ومن طرق شتى عن جماعة من العلماء كذلك وهذا هو المعتمد ويحتمل أن يكون النسخ
وقع مرتين الأولى حيث كان المعاقد يرث وحده دون العصبة فنزلت ولكل وهي آية الباب
فصاروا جميعا يرثون وعلى هذا يتنزل حديث ابن عباس ثم نسخ ذلك آية الأحزاب وخص الميراث
بالعصبة وبقي للمعاقد النصر والارفاد ونحوهما وعلى هذا يتنزل بقية الآثار وقد تعرض له ابن
عباس في حديثه أيضا لكن لم يذكر الناسخ الثاني ولا بد منه والله أعلم (قوله ثم قال والذين
عاقدت أيمانكم من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصى له) كذا وقع فيه
وسقط منه شئ بينه الطبري في روايته عن أبي كريب عن أبي أسامة بهذا الاسناد ولفظه ثم قال
والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم من النصر الخ فقوله من النصر يتعلق بآتوهم لا بعاقدت
ولا بأيمانكم وهو وجه الكلام والرقادة بكسر الراء بعدها فاء خفيفة الإعانة بالعطية (قوله
سمع أبو أسامة إدريس وسمع إدريس طلحة) وقع هذا في رواية المستملى وحده وقد قدمت التنبيه
على من وقع عنده التصريح بالتحديث لأبي أسامة من إدريس ولإدريس من طلحة في هذا
الحديث بعينه وإلى ذلك أشار المصنف والله أعلم * (قوله باب قوله إن الله لا يظلم
187

مثقال ذرة يعني زنة ذرة) هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى مثقال ذرة أي زنة ذرة ويقال هذا
مثقال هذا أي وزنه وهو مفعال من الثقل والذرة النملة الصغيرة ويقال واحدة الهباء والذرة يقال
زنتها ربع ورقة نخالة وورقة النخالة وزن ربع خردلة وزنة الخردلة ربع سمسمة ويقال الذرة
لا وزن لها وأن شخصا ترك رغيفا حتى علاه الذر فوزنه فلم يزد شيئا حكاه الثعلبي ثم ذكر المصنف
حديث أبي سعيد في الشفاعة وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى مع
حديث أبي هريرة المذكور هناك وهو بطوله في معناه وقد وقع ذكرهما بتمامهما متواليين
في كتاب التوحيد وشيخه محمد بن عبد العزيز هو الرملي يعرف بابن الواسطي وثقة العجلي ولينه
أبو زرعة وأبو حاتم وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الاعتصام * (قوله
باب فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) وقع في الباب
تفاسير لا تتعلق بالآية وقد قدمت الاعتذار عن ذلك (قوله المختال والختال واحد) كذا للأكثر
بمثناة فوقانية ثقيلة وفي رواية الأصيلي المختال والخال واحد وصوبه ابن مالك وكذلك هو في كلام
أبي عبيدة قال في قوله تعالى مختالا فخورا المختال ذو الخيلاء والخال واحد قال ويجئ مصدرا
قال العجاج * والخال ثوب من ثياب الجهال * (قلت) والخال يطلق لمعان كثيرة نظمها بعضهم
في قصيدة فبلغ نحوا من العشرين ويقال إنه وجدت قصيدة تزيد على ذلك عشرين أخرى وكلام
عياض يقتضى أن الذي في رواية الأكثر بالمثناة التحتانية لا الفوقانية ولهذا قال كله صحيح لكنه
أورده في الخاء والتاء الفوقانية والختال بمثناة فوقانية لا معنى له هنا كما قال ابن مالك وإنما هو فعال
من الختل وهو الغدر ولان عينه ياء تحتانية لا فوقانية والاسم الخيلاء والمعنى أنه يختل في صورة
من هو أعظم منه على سبيل التكبر والتعاظم (قوله نطمس وجوها نسويها حتى تعود
كأقفائهم طمس الكتاب محاه) هو مختصر من كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى من قبل
أن نطمس وجوها أي نسويها حتى تعود كأفقائهم يقال الريح طمست الآثار أي محتها
وطمس الكتاب أي محاه وأسند الطبري عن قتادة المراد أن تعود الأوجه في الأقفية وقيل هو
تمثيل وليس المراد حقيقته حسا (قوله بجهنم سعيرا وقودا) هو قول أبي عبيدة أيضا قال
في قوله تعالى وكفى بجهنم سعيرا أي وقودا وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك
مثله * (تنبيه) * هذه التفاسير ليست لهذه الآية وكأنه من النساخ كما نبهت عليه غير مرة
(قوله حدثنا صدقة) هو ابن الفضل ويحيى هو القطان وسفيان هو الثوري وسليمان هو
الأعمش وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح أوله هو ابن عمرو وعبد الله هو ابن مسعود والاسناد كله
188

سوى شيخ البخاري وشيخه كوفيون فيه ثلاثة من التابعين في نسق أولهم الأعمش (قوله قال
يحيى) هو القطان وهو موصول بالاسناد المذكور (قوله بعض الحديث عن عمر بن مرة)
أي من رواية الأعمش عن عمرو بن مرة عن إبراهيم وقد ورد ذلك واضحا في فضائل القرآن حيث
أخرجه المصنف عن مسدد عن يحيى القطان بالاسناد المذكور وقال بعد قال الأعمش وبعض
الحديث حدثني عمرو بن مرة عن إبراهيم يعني بإسناده ويأتي شرح الحديث هناك إن شاء الله
تعالى وقال الكرماني إسناد عمرو مقطوع وبعض الحديث مجهول (قلت) عبر عن المنقطع
بالمقطوع لقلة اكتراثه بمراعاة الاصطلاح وأما قوله مجهول فيريد ما حدثه به عمرو بن مرة
فكأنه ظن أنه أراد أن البعض عن هذا والبعض عن هذا وليس كذلك وإنما هو عنده كله في
الرواية الآتية وبعضه في أثنائه أيضا * (قوله باب قوله وأن كنتم مرضى أو على
سفر أو جاء أحد منكم من الغائط) هذا القدر مشترك في آيتي النساء والمائدة وايراد المصنف له
في تفسير سورة النساء يشعر بأن آية النساء نزلت في قصة عائشة وقد سبق ما فيه في كتاب التيمم
(قوله صعيدا وجه الأرض) قال أبو عبيدة في قوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا تيمموا أي تعمدوا
قال والصعيد وجه الأرض قال الزجاج لا أعلم خلافا بين أهل اللغة أن الصعيد وجه الأرض
سواء كان عليها تراب أم لا ومنه قوله تعالى صعيد جرزا وصعيدا زلفا وإنما سمي صعيدا لأنه نهاية
ما يصعد من الأرض وقال الطبري بعد أن روى من طريق قتادة قال الصعيد الأرض التي
ليس فيها شجر ولا نبات ومن طريق عمرو بن قيس قال الصعيد التراب ومن طريق ابن زيد قال
الصعيد الأرض المستوية الصواب أن الصعيد وجه الأرض المستوية الخالية من الغرس
والنبات والبناء وأما الطيب فهو الذي تمسك به من اشترط في التيمم التراب لان الطيب هو التراب
المنبت قال الله تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه وروى عبد الرزاق من طريق ابن
عباس الصعيد الطيب الحرث (قوله وقال جابر كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها في جهينة
واحد وفي أسلم واحد وفي كل حي واحد كهان ينزل عليهم الشيطان) وصله ابن أبي حاتم من طريق
وهب بن منبه قال سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت فذكر مثله وزاد وفي هلال واحد وقد
تقدم نسب جهينة وأسلم في غزوة الفتح وأما هلال فقبيلة ينتسبون إلى هلال بن عامر بن
صعصعة منهم ميمونة بنت الحرث أم المؤمنين وجماعة من الصحابة وغيرهم (قوله الجبت السحر
والطاغوت الشيطان) وصله عبد بن حميد في تفسيره ومسدد في مسنده وعبد الرحمن بن رستة
في كتاب الايمان كلهم من طريق أبي إسحاق عن حسان بن فائد عن عمر مثله وإسناده قوي وقد
وقع التصريح بسماع أبي إسحاق له من حسان وسماع حسان من عمر في رواية رستة وحسان بن
فائد بالفاء عبسي بالموحدة قال أبو حاتم شيخ وذكره ابن حبان في الثقات وروى الطبري عن مجاهد
مثل قول عمر وزاد والطاغوت الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه ومن طريق سعيد بن
جبير وأبي العالية قال الجبت الساحر والطاغوت الكاهن وهذا يمكن رده بالتأويل إلى الذي قبله
(قوله وقال عكرمة الجبت بلسان الحبشة شيطان والطاغوت الكاهن) وصله عبد بن حميد
بإسناد صحيح عنه وروى الطبري من طريق قتادة مثله بغير ذكر الحبشة قال كنا نتحدث أن
الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال الجبت الأصنام
189

والطواغيت الذين كانوا يعبرون عن الأصنام بالكذب قال وزعم رجال أن الجبت الكاهن
والطاغوت رجل من اليهود يدعى كعب بن الأشرف ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
قال الجبت حي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف واختار الطبري أن المراد بالجبت
والطاغوت جنس من كان يعبد من دون الله سواء كان صنما أو شيطانا جنيا أو آدميا فيدخل
فيه الساحر والكاهن والله أعلم وأما قول عكرمة إن الجبت بلسان الحبشة الشيطان فقد وافقه
سعيد بن جبير على ذلك لكن عبر عنه بالساحر أخرجه الطبري بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير
قال الجبت الساحر بلسان الحبشة والطاغوت الكاهن وهذا مصير منهما إلى وقوع المعرب
في القرآن وهي مسألة اختلف فيها فبالغ الشافعي وأبو عبيدة اللغوي وغيرهما في إنكار ذلك
فحملوا ما ورد من ذلك على توارد اللغتين وأجاز ذلك جماعة واختاره ابن الحاجب واحتج له بوقوع
أسماء الاعلام فيه كإبراهيم فلا مانع من وقوع أسماء الأجناس وقد وقع في صحيح البخاري جملة
من هذا وتتبع القاضي تاج الدين السبكي ما وقع في القرآن من ذلك ونظمه في أبيات ذكرها
في شرحه على المختصر وعبر بقوله يجمعها هذه الأبيات فذكرها وقد تتبعت بعده زيادة
كثيرة على ذلك تقرب من عدة ما أورد ونظمتها أيضا وليس جميع ما أورده هو متفقا على أنه من
ذلك لكن اكتفى بإيراد ما نقل في الجملة فتبعته في ذلك وقد رأيت إيراد الجميع للفائدة فأول بيت
منها من نظمي والخمسة التي تليه له وباقيها لي أيضا فقلت
من المعرب عد التاج (كز) وقد * ألحقت (كد) وضمتها الأساطير
السلسبيل وطه كورت بيع * روم وطوبى وسجيل وكافور
والزنجبيل ومشكاة سرادق مع * إستبرق صلوات سندس طور
كذا قراطيس ربانيهم وغسا * ق ثم دينار القسطاس مشهور
كذاك قسورة واليم ناشئة * ويؤت كفلين مذكور ومسطور
له مقاليد فردوس يعد كذا * فيما حكى ابن دريد منه تنور
وزدت حرم ومهل والسجل كذا * السري والأب ثم الجبت مذكور
وقطنا وأناه ثم متكأ * دارست يصهر منه فهو مصهور
وهيت والسكر الأواه مع حصب * واوبى معه والطاغوت منظور
صرهن اصرى وغيض الماء مع وزر * ثم الرقيم مناص والسنا النور
والمراد بقولي (كز) أن عدة ما ذكره التاج سبعة وعشرون وبقولي (كد) أن عدة ما ذكرته أربعة
وعشرون وأنا معترف أنني لم أستوعب ما يستدرك عليه فقد ظفرت بعد نظمي هذا بأشياء تقدم
منها في هذا الشرح الرحمن وراعنا وقد عزمت أني إذا أتيت على آخر شرح هذا التفسير إن شاء
الله تعالى ألحق ما وقفت عليه من زيادة في ذلك منظوما إن شاء الله تعالى ثم أورد المصنف طرفا
من حديث عائشة في سقوط عقدها ونزول آية التيمم وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب التيمم
* (قوله باب أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ذوي الأمر) كذا
لأبي ذر ولغيره وأولي الأمر منكم ذوي الامر وهو تفسير أبي عبيدة قال ذلك في هذه الآية وزاد
والدليل على ذلك أن واحدها ذو أي واحد أولى لأنها لا واحد لها من لفظها (قوله حدثنا صدقة
190

ابن الفضل) كذا للأكثر وفي رواية ابن السكن وحده عن الفريري عن البخاري حدثنا سنيد
وهو ابن داود المصيصي واسمه الحسين وسنيد لقب وهو من حفاظ الحديث وله تفسير مشهور
لكن ضعه أبو حاتم والنسائي وليس له في البخار ذكر إلا في هذا الموضع إن كان ابن السكن حفظه
ويحتمل أن يكون البخاري أخرج الحديث عنهما جميعا واقتصر الأكثر على صدقة لاتقانه واقتصر
ابن السكن على سنيد بقرينة التفسير وقد ذكر أحمد أن سنيدا ألزم حجاجا يعني حجاج بن محمد
شيخه في هذا الحديث إلا أنه كان يحمله على تدليس التسوية وعابه بذلك وكأن هذا هو السبب
في تضعيف من ضعفه والله أعلم (قوله عن يعلى بن مسلم) في رواية الإسماعيلي من طريق حجاج عن
ابن جريج أخبرني يعلى بن مسلم (قوله نزلت في عبد الله بن حذافة) كذا ذكره مختصرا والمعنى
نزلت في قصة عبد الله بن حذافة أي المقصود منها في قصته قوله فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله
الآية وقد غفل الداودي عن هذا المراد فقال هذا وهم على ابن عباس فإن عبد الله بن حذافة
خرج على جيش فغضب فأوقدوا نارا وقال اقتحموها فامتنع بعض وهم بعض أن يفعل قال
فإن كانت الآية نزلت قبل فكيف يخص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره وإن كانت نزلت
بعد فإنما قيل لهم إنما الطاعة في المعروف وما قيل لهم لم لم تطيعوه انتهى وبالحمل الذي قدمته
يظهر المراد وينتفى الاشكال الذي أبداه لانهم تنازعوا في امتثال ما أمرهم به وسببه أن الذين
هموا أن يطيعوه وقفوا عند امتثال الامر بالطاعة والذين امتنعوا عارضه عندهم الفرار من
النار فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع وهو الرد إلى الله وإلى رسوله
أي إن تنازعتم في جواز الشئ وعدم جوازه فارجعوا إلى الكتاب والسنة والله أعلم وقد روى
الطبري أن هذه الآية نزلت في قصة جرت لعمار بن ياسر مع خالد بن الوليد وكان خالد أميرا فأجاز
عمار رجلا بغير أمره فتخاصما فنزلت فالله أعلم وقد تقدم شرح حال هذه السرية والاختلاف
في اسم أميرها في المغازي بعد غزوة حنين بقليل واختلف في المراد بأولى الامر في الآية فعن أبي
هريرة قال هم الامراء أخرجه الطبري بإسناد صحيح وأخرج عن ميمون بن مهران وغيره نحوه
وعن جابر بن عبد الله قال هم أهل العلم والخير وعن مجاهد وعطاء والحسن وأبي العالية هم العلماء
ومن وجه آخر أصح منه عن مجاهد قال هم الصحابة وهذا أخص وعن عكرمة قال أبو بكر وعمر
وهذا أخص من الذي قبله ورجح الشافعي الأول واحتج له بأن قريشا كانوا لا يعرفون الامارة
ولا ينقادون إلى أمير فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر ولذلك قال صلى الله عليه وسلم من أطاع
أميري فقد أطاعني متفق عليه واختار الطبري حملها على العموم وأن نزلت في سبب خاص
والله أعلم * (قوله فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) سقط
باب لغير أبي ذر وذكر فيه قصة الزبير مع الأنصاري الذي خاصمه في شراج الحرة وقد تقدم شرحه
مستوفى في كتاب الشرب وبينت هناك الاختلاف على عروة في وصله وإرساله بحمد الله تعالى
وقوله هنا أن كان ابن عمتك بفتح أن للجميع أي من أجل ووقع عند أبي ذر وأن بزيادة واو وفي
روايته عن الكشميهني آن بزيادة همزة ممدودة وهي للاستفهام * (قوله باب
فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين) ذكر فيه حديث عائشة وقد تقدم شرحه في الوفاة
النبوية ولله الحمد وقوله في شكواه الذي قبض فيه في رواية الكشميهني التي قبض فيها
191

* (قوله باب وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله إلى الظالم أهلها) ولأبي ذر والمستضعفين
من الرجال والنساء الآية والأظهر أن المستضعفين مجرور بالعطف عل اسم الله أي وفي سبيل
المستضعفين أو على سبيل الله أي وفي خلاص المستضعفين وجوز الزمخشري أن يكون منصوبا
على الاختصاص (قوله عن عبيد الله) هو ابن أبي يزيد وفي مسند أحمد عن سفيان حدثني
عبيد الله بن أبي يزيد (قوله كنت أنا وأمي من المستضعفين) كذا للأكثر زاد أبو ذر من
المستضعفين من الرجال والنساء والولدان وأراد حكاية الآية وإلا فهو من الولدان وأمه من
المستضعفين ولم يذكر في هذا الحديث من الرجال أحدا وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق
إسحاق بن موسى عن ابن عيينة بلفظ كنت أنا وأمي من المستضعفين أنا من الولدان وأمي من
النساء (قوله في الطريق الأخرى أن ابن عباس تلا) في رواية المستملى عن ابن عباس أنه تلا
(قوله كنت أنا وأمي ممن عذر الله) أي في الآية المذكورة وفي رواية لأبي نعيم في المستخرج
من طريق محمد بن عبيد عن حماد بن زيد كنت أنا وأمي من المستضعفين (قلت) واسم أمه لبابة
بنت الحرث الهلالية أم الفضل أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال الداودي فيه دليل
لمن قال إن الولد يتبع المسلم من أبويه (قوله ويذكر عن ابن عباس حصرت ضاقت) وصله
ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى حصرت صدورهم قال
ضاقت وعن الحسن أنه قرأ حصرت صدورهم بالرفع حكاه الفراء وهو على هذا خبر بعد خبر
وقال المبرد هو على الدعاء أي أحصر الله صدورهم كذا قال والأول أولى وقد روى ابن أبي حاتم
من طريق مجاهد أنها نزلت في هلال بن عويمر الأسلمي وكان بينه وبين المسلمين عهد وقصده ناس
من قومه فكره أن يقاتل المسلمين وكره أن يقاتل قومه (قوله تلووا ألسنتكم بالشهادة) وصله
الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى وأن تلووا أو تعرضوا قال
تلووا ألسنتكم بشهادة أو تعرضوا عنها وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال أن تدخل
في شهادتك ما يبطلها أو تعرض عنها فلا تشهدها وقرأ حمزة وابن عامر وأن تلوا بواو واحدة
ساكنة وصوب أبو عبيدة قراءة الباقين واحتج بتفسير ابن عباس المذكور وقال ليس للولاية هنا
معنى وأجاب الفراء بأنها بمعنى إلى كقراءة الجماعة إلا أن الواو المضمومة قبلت همزة ثم سهلت
وأجاب الفارسي بأنها على بابها من الولاية والمراد أن توليتم إقامة الشهادة (قوله وقال غيره
المراغم المهاجر راغمت هاجرت قومي) قال أبو عبيدة في قوله تعالى ومن يهاجر في سبيل الله يجد في
الأرض مراغما كثيرا وسعة والمراغم والمهاجر واحد تقول هاجرت قومي وراغمت قومي قال
الجعدي * عزيز المراغم والمهرب * وروى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن في قوله مراغما قال
متحولا وكذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قوله موقوتا
موقتا وقته عليهم) لم يقع هذا في رواية أبي ذر وهو قول أبي عبيدة أيضا قال في قوله تعالى أن
الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا أي موقتا وقته الله عليهم وروى ابن أبي حاتم من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله موقوتا قال مفروضا * (قوله باب فما لكم
في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا قال ابن عباس بددهم) وصله الطبري من طريق
ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله والله أركسهم بما كسبوا قال بددهم ومن طريق على
192

ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال أوقعهم ومن طريق قتادة قال أهلكهم وهو تفسير باللازم
لان الركس الرجوع فكأنه ردهم إلى حكمهم الأول (قوله فئة جماعة) روى الطبري من
طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة قال الأخرى
كفار قريش وقال أبو عبيدة في قوله تعالى كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة قال الفئة الجماعة
(قوله حدثنا غندر) هو محمد بن جعفر (قوله وعبد الرحمن) هو ابن مهدي (قوله عن عدى)
هو ابن ثابت (قوله عن عبد الله بن يزيد) هو الخطمي بفتح المعجمة ثم سكون المهملة وهو صحابي
صغير (قوله رجع ناس من أحد) هم عبد الله بن أبي ابن سلول ومن تبعه وقد تقدم بيان ذلك
في غزوة أحد من كتاب المغازي مستوفى وقوله في آخره خبث الفضة في رواية الحموي خبث
الحديد وقد تقدم بيان الاختلاف في قوله تنفى الخبث في فضل المدينة * (قوله باب
وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به أي أفشوه) وصله ابن المنذر عن ابن عباس
في قوله أذاعوا به أي أفشوه (قوله يستنبطونه يستخرجونه) قال أبو عبيدة في قوله تعالى
لعلمه الذين يستنبطونه منهم أي يستخرجونه يقال للركية إذا أستخرج ماؤها هي نبط إذا أمامها
(قوله حسيبا كافيا) وقع هنا لغير أبي ذر وقد تقدم في الوصايا (قوله إلا إناثا يعني الموات
حجرا أو مدرا أو ما أشبهه) قال أبو عبيدة في قوله تعالى ان يدعون من دونه إلا إناثا الا الموات
حجرا أو مدرا أو ما أشبه ذلك والمراد بالموات ضد الحيوان وقال غيره قيل لها إناث لانهم سموها
مناة واللات والعزى وإساف ونائلة ونحو ذلك وعن الحسن البصري لم يكن حي من أحياء
العرب الا ولهم صنم يعبدونه يسمى أنثى بني فلان وسيأتي في الصافات حكاية عنهم أنهم كانوا
يقولون الملائكة بنات الله تعالى الله عن ذلك وفي رواية عبد الله بن أحمد في مسند أبيه عن أبي بن
كعب في هذه الآية قال مع كل صنم جنية ورواته ثقات ومن هذا الوجه أخرجه ابن أبي حاتم
(قوله مريدا متمردا) وقع هذا للمستملي وحده وهو تفسير أبي عبيدة بلفظه وقد تقدم في بدء
الخلق ومعناه الخروج عن الطاعة وروى ابن أبي حاتم من طريق قتادة في قوله مريدا قال متمردا
على معصية الله (قوله فليبتكن بتكه قطعه) قال أبو عبيدة في قوله تعالى فليبتكن آذان
الأنعام يقال بتكه قطعه وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كانوا يبتكون آذانها
لطواغيتهم (قوله قيلا وقولا واحد) قال أبو عبيدة في قوله تعالى ومن أصدق من الله قيلا وقيلا
وقولا واحد (قوله طبع ختم) قال أبو عبيدة في قوله طبع الله على قلوبهم أي ختم * (تنبيه) *
ذكر في هذا الباب آثارا ولم يذكر فيه حديثا وقد وقع عند مسلم من حديث عمر في سبب نزولها أن
النبي صلى الله عليه وسلم لما هجر نساءه وشاع أنه طلقهن وأن عمر جاءه فقال أطلقت نساءك قال
لا قال فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق نساءه فنزلت هذه الآية فكنت أنا
استنبطت ذلك الامر وأصل هذه القصة عند البخاري أيضا لكن بدون هذه الزيادة فليست على
شرطه فكأنه أشار إليها بهذه الترجمة * (قوله باب ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه
جهنم) يقال نزلت في مقيس بن ضبابة وكان أسلم هو وأخوه هشام فقتل هشاما رجل من الأنصار
غيلة فلم يعرف فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يأمرهم أن يدفعوا إلى مقيس دية
أخيه ففعلوا فأخذ الدية وقتل الرسول ولحق بمكة مرتدا فنزلت فيه وهو ممن أهدر النبي صلى الله
193

عليه وسلم دمه يوم الفتح أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير (قوله شعبة حدثنا مغيرة
ابن النعمان) لشعبة فيه شيخ آخر وهو منصور كما سيأتي في سورة الفرقان (قوله آية اختلف
فيها أهل الكوفة فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها) سقط لفظ آية لغير أبي ذر وسيأتي
مزيد فيه في الفرقان وقع في تفسير الفرقان من طريق غندر عن شعبة بلفظ اختلف أهل
الكوفة في قتل المؤمن فدخلت فيه إلى ابن عباس وفي رواية الكشميهني فرحلت بالراء والمهملة
وهي أصوب وسيأتي شرح الحديث مستوفى هناك إن شاء الله تعالى وقوله هي آخر ما نزل
أي في شأن قتل المؤمن عمدا بالنسبة لآية الفرقان * (قوله باب ولا تقولوا لمن
ألقى إليكم السلام لست مؤمنا السلم والسلام والسلم واحد) يعني أن الأول بفتحتين والثالث
بكسر ثم سكون فالأول قراءة نافع وابن عامر وحمزة والثاني قراءة الباقين والثالث قراءة رويت عن
عاصم بن أبي النجود وروى عن عاصم الجحدري بفتح ثم سكون فأما الثاني فمن التحية وأما ما عداه
فمن الانقياد (قوله عن عمرو) هو ابن دينار وفي رواية ابن أبي عمر عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار
كذا أخرجها أبو نعيم في مستخرجه من طريقه (قوله كان رجل في غنيمة) بالتصغير وفي
رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس عند أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه مر رجل من
بني سليم بنفر من الصحابة وهو يسوق غنما له فسلم عليهم (قوله فقتلوه) زاد في رواية سماك وقالوا
ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا (قوله وأخذوا غنيمته) في رواية سماك وأتوا بغنمه النبي صلى الله عليه
وسلم فنزلت وروى البزار من طريق حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في سبب
نزول هذه الآية قصة أخرى قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد فلما أتوا
القوم وجدوهم قد تفرقوا وبقي رجل له مال كثير فقال أشهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم كيف لك بلا إله إلا الله غدا وأنزل الله هذه الآية وهذه القصة يمكن
الجمع بينها وبين التي قبلها ويستفاد منها تسمية القاتل وأما المقتول فروى الثعلبي من طريق
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وأخرجه عبد بن حميد من طريق قتادة نحوه واللفظ للكلبي
أن اسم المقتول مرداس بن نهيك من أهل فدك وأن اسم القاتل أسامة بن زيد وأن اسم أمير
السرية غالب بن فضالة الليثي وأن قوم مرداس لما انهزموا بقي هو وحده وكان ألجأ غنمه بجبل فلما
لحقوه قال لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة بن زيد فلما رجعوا نزلت الآية
وكذا أخرج الطبري من طريق السدي نحوه وفي آخر رواية قتادة لان تحية المسلمين السلام بها
يتعارفون وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال أنزلت هذه الآية
ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام في مرداس وهذا شاهد حسن وورد في سبب نزولها عن غير ابن
عباس شئ آخر فروى ابن إسحاق في المغازي وأخرجه أحمد من طريقه عن عبد الله بن أبي حدرد
الأسلمي قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة ومحلم بجثامة فمر
بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم علينا فحمل عليه محلم فقتله فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه
وسلم وأخبرناه الخبر نزل القرآن فذكر هذه الآية وأخرجها ابن إسحاق من طريق ابن عمر أتم
سياقا من هذا وزاد أنه كان بين عامر ومحلم عداوة في الجاهلية وهذه عندي قصة أخرى ولا مانع
أن تنزل الآية في الامرين معا (قوله في آخر الحديث قال قرأ ابن عباس السلام) هو مقول
194

عطاء وهو موصول بالاسناد المذكور وقد قدمت أنها قراءة الأكثر وفي الآية دليل على أن من
أظهر شيئا من علامات الاسلام لم يحل دمه حتى يختبر أمره لان السلام تحية المسلمين وكانت
تحيتهم في الجاهلية بخلاف ذلك فكانت هذه علامة وأما على قراءة السلم على اختلاف ضبطه
فالمراد به الانقياد وهو علامة الاسلام لان معنى الاسلام في اللغة الانقياد ولا يلزم من الذي ذكرته
الحكم بإسلام من اقتصر على ذلك واجراء أحكام المسلمين عليه بل لا بد من التلفظ بالشهادتين
على تفاصيل في ذلك بين أهل الكتاب وغيرهم والله أعلم * (قوله باب لا يستوي
القاعدون من المؤمنين الآية) كذا لأبي ذر ولغيره والمجاهدون في سبيل الله واختلفت القراءة
في غير أولى الضرر فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بالرفع على البدل من القاعدون وقرأ الأعمش
بالجر على الصفة للمؤمنين وقرأ الباقون بالنصب على الاستثناء (قوله عن صالح) هو ابن كيسان
(قوله حدثني سهل بن سعد) كذا قال صالح وتابعه عبد الرحمن بن إسحاق عن ابن شهاب عند
الطبري وخالفهما معمر فقال عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت أخرجه أحمد
(قوله أنه رأى مروان بن الحكم) أي ابن أبي العاص أمير المدينة الذي صار بعد ذلك خليفة
(قوله فأقبلت حتى جلست إلى جنبه فأخبرنا) قال الترمذي في هذا الحديث رواية رجل من
الصحابة وهو سهل بن سعد عن رجل من التابعين وهو مروان بن الحكم ولم يسمع من رسول الله
صلى الله عليه وسلم فهو من التابعين (قلت) لا يلزم من عدم السماع عدم الصحبة والأولى ما قال
فيه البخاري لم ير النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكره ابن عبد البر في الصحابة لأنه ولد في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم قبل عام أحد وقيل عام الخندق وثبت عن مروان أنه قال لما طلب الخلافة
فذكروا له ابن عمر فقال ليس ابن عمر بأفقه مني ولكنه أسن مني وكانت له صحبة فهذا اعتراف منه
بعدم صحبته وإنما لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان سماعه منه ممكنا لان النبي صلى الله
عليه وسلم نفى أباه إلى الطائف فلم يرده إلا عثمان لما استخلف وقد تقدمت روايته عن النبي صلى
الله عليه وسلم في كتاب الشروط مقرونة بالمسور بن مخرمة ونبهت هناك أيضا على أنها مرسلة
والله الموفق (قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم أملى عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين
والمجاهدون في سبيل الله) في رواية قبيصة المذكورة عن زيد بن ثابت كنت اكتب لرسول الله
صلى الله عليه وسلم وفي رواية خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه إني لقاعد إلى جنب النبي صلى الله
عليه وسلم إذ أوحى إليه وغشيته السكينة فوضع فخذه على فخذي قال زيد فلا والله ما وجدت
شيئا قط أثقل منها وفي حديث البراء بن عازب الذي في الباب بعد هذا لما نزلت قال النبي صلى الله
عليه وسلم أدع لي فلانا فجاءه ومعه الدواة واللوح والكتف وفي الرواية الأخرى عنه في الباب
أيضا دعا زيدا فكتبها فيجمع بينهما بأن المراد بقوله لما نزلت كادت أن تنزل لتصريح رواية
خارجة بأن نزولها كان بحضرة زيد (قوله فجاءه ابن أم مكتوم) في رواية قبيصة المذكورة فجاء
عبد الله بن أم مكتوم وعند الترمذي من طريق الثوري وسليمان التيمي كلاهما عن أبي إسحاق عن
البراء جاء عمرو بن أم مكتوم وقد نبه الترمذي على أنه يقال له عبد الله وعمرو وأن اسم أبيه زائدة
وأن أم مكتوم أمه (قلت) واسمها عاتكة وقد تقدم شئ من خبره في كتاب الاذان (قوله وهو
يملها) بضم أول وكسر الميم وتشديد اللام هو مثل يمليها يملي ويملل بمعنى ولعل الياء منقلبة
195

من إحدى اللامين (قوله والله لو أستطيع الجهاد معك لجاهدت) أي لو استطعت وعبر
بالمضارع إشارة إلى الاستمرار واستحضارا لصورة الحال قال وكان أعمى هذا يفسر ما في
حديث البراء فشكا ضرارته وفي الرواية الأخرى عنه فقال أنا ضرير وفي رواية خارجة فقام حين
سمعها ابن أم مكتوم وكان أعمى فقال يا رسول الله فكيف بمن لا يستطيع الجهاد ممن هو أعمى
وأشباه ذلك وفي رواية قبيصة فقال إني أحب الجهاد في سبيل الله ولكن بي من الزمانة ما ترى
ذهب بصري (قوله أن ترض فخذي) أي تدقها (قوله ثم سرى) بضم المهملة وتشديد الراء أي
كشف (قوله فأنزل الله غير أولى الضرر) في رواية قبيصة ثم قال اكتب لا يستوي القاعدون من
المؤمنين غير أولى الضرر وزاد في رواية خارجة بن زيد قال زيد بن ثابت فوالله لكأني أنظر إلى
ملحقها عند صدع كان في الكتف (قوله في الحديث الثاني عن أبي إسحاق) هو السبيعي (قوله
عن البراء) في رواية محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي إسحاق أنه سمع البراء أخرجه أحمد عنه ووقع
في رواية الطبراني من طريق أبي سنان الشيباني عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم وأبو سنان اسمه
ضرار بن مرة وهو ثقة إلا أن المحفوظ عن أبي إسحاق عن البراء كذا أنفق الشيخان عليه من طريق
شعبة ومن طريق إسرائيل وأخرجه الترمذي وأحمد من رواية سفيان الثوري والترمذي
أيضا والنسائي وابن حبان من رواية سليمان التيمي وأحمد أيضا من رواية زهير والنسائي أيضا من
رواية أبي بكر بن عياش وأبو عوانة من طريق زكريا بن أبي زائدة ومسعر ثمانيتهم عن أبي إسحاق
(قوله ادعوا فلانا) كذا أبهمه إسرائيل في روايته وسماه غيره كما تقدم (قوله وخلف النبي صلى
الله عليه وسلم ابن أم مكتوم) كذا في رواية إسرائيل وفي رواية شعبة التي قبلها دعا زيدا فكتبها
فجاء ابن أم مكتوم فيجمع بأن معنى قوله جاء أنه قام من مقامه خلف النبي صلى الله عليه وسلم حتى
جاء مواجهة فخاطبه (قوله فنزلت مكانها) قال ابن التين يقال إن جبريل هبط ورجع قبل
أن يجف القلم (قوله لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل
الله) قال ابن المنير لم يقتصر الراوي في الحال الثاني على ذكر الكلمة الزائدة وهي غير أولى
الضرر فإن كان الوحي نزل بزيادة قوله غير أولى الضرر فقط فكأنه رأى إعادة الآية من أولها
حتى يتصل الاستثناء بالمستثنى منه وإن كان الوحي نزل بإعادة الآية بالزيادة بعد أن نزل بدونها
فقد حكى الراوي صورة الحال (قلت) الأول أظهر فإن في رواية سهل بن سعد فأنزل الله غير
أولى الضرر وأوضح من ذلك رواية خارجة بن زيد عن أبيه ففيها ثم سري عنه فقال أقرأ فقرأت
عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم غير أولى الضرر وفي
حديث الفلتان بفتح الفاء واللام وبمثناة فوقانية ابن عاصم في هذه القصة قال فقال الأعمى ما ذنبنا
فأنزل الله فقلنا له إنه يوحى إليه فخاف أن ينزل في أمره شئ فجعل يقول أتوب إلى الله فقال النبي
صلى الله عليه وسلم للكاتب أكثب غير أولى الضرر أخرجه البزار والطبراني وصححه ابن حبان
ووقع في غير هذا الحديث ما يؤيد الثاني وهو في حديث البراء بن عازب فأنزلت هذه الآية
حافظوا على الصلوات وصلاة العصر فقرأناها ما شاء الله ثم نزلت حافظوا عل الصلوات والصلاة
الوسطى * الحديث الثالث (قوله وحدثني إسحاق) جزم أبو نعيم في المستخرج وأبو مسعود في
الأطراف بأنه إسحاق بن منصور وكنت أظن أنه ابن راهويه لقوله أخبرنا عبد الرزاق ثم رأيت
196

في أصل النسفي حدثني إسحاق حدثنا عبد الرزاق فعرفت أنه ابن منصور لان ابن راهويه لا يقول
في شئ من حديثه حدثنا (قوله أخبرني عبد الكريم تقدم) في غزوة بدر أنه الجزري (قوله أن
مقسما مولى عبد الله بن الحرث) أخبره أما مقسم فتقدم ذكره في غزوة بدر وأما عبد الله بن الحرث
فهو ابن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب لأبيه ولجده وصحبه وله هو رؤية وكان يلقب بية بموحدتين
مفتوحتين الثانية ثقيلة (قوله لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون إلى بدر)
كذا أورده مختصرا وظن ابن التين أنه مغاير لحديثي سهل والبراء فقال القرآن ينزل في الشئ
ويشتمل على ما في معناه وقد أخرجه الترمذي من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج بهذا مثله
وزاد لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم الأعميان يا رسول الله هل لنا رخصة
فنزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم
وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة فهؤلاء القاعدون غير
أولى الضرر وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه على القاعدين من
المؤمنين غير أولى الضرر هكذا أورده سياقا واحدا ومن قوله درجة الخ مدرج في الخبر من كلام
ابن جريج بينه الطبري فأخرج من طريق حجاج نحو ما أخرجه الترمذي إلى قوله درجة ووقع
عنده فقال عبد الله بن أم مكتوم وأبو أحمد بن جحش وهو الصواب في ابن جحش فإن عبد الله أخوه
وأما هو فاسمه عبد بغير إضافة وهو مشهور بكنيته ثم أخرجه بالسند المذكور عن ابن جريج قال
وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه قال على القاعدين من المؤمنين غير
أولى الضرر وحاصل تفسير ابن جريج أن المفضل عليه غير أولى الضرر وأما أولو الضرر فملحقون
في الفضل بأهل الجهاد إذا صدقت نياتهم كما تقدم في المغازي من حديث أنس أن بالمدينة لاقواما
ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم حبسهم العذر ويحتمل أن يكون المراد بقوله
فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة أي من أولى الضرر وغيرهم وقوله وفضل الله المجاهدين
على القاعدين أجرا عظيما درجات منه أي على القاعدين من غير أولى الضرر ولا ينافي ذلك
الحديث المذكور عن أنس ولا ما دلت عليه الآية من استواء أولى الضرر مع المجاهدين
لأنها استثنت أولى الضرر من عدم الاستواء فأفهمت إدخالهم في الاستواء إذ لا واسطة بين
الاستواء وعدمه لان المراد منه استواؤهم في أصل الثواب لا في المضاعفة لأنها تتعلق
بالفعل ويحتمل أن يلتحق بالجهاد في ذلك سائر الأعمال الصالحة وفي أحاديث الباب من الفوائد
أيضا اتخاذ الكاتب وتقريبه وتقييد العلم بالكتابة (قوله إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي
أنفسهم قالوا فيم كنتم الآية) كذا لأبي ذر وساق غيره إلى فتهاجروا فيها وليس عند الجميع لفظ
باب (قوله حدثنا حياة) بفتح المهملة وسكون التحتانية وفتح الواو وهو ابن شريح المصري
يكنى أبا زرعة (قوله وغيره) هو ابن لهيعة أخرجه الطبراني وقد أخرجه إسحاق بن راهويه
عن المقرئ عن حياة وحده وكذا أخرجه النسائي عن زكريا بن يحيى عن إسحاق والإسماعيلي
من طريق يوسف بن موسى عن المقرئ كذلك (قوله قالا حدثنا محمد بن عبد الرحمن) هو أبو
الأسود الأسدي يتيم عروة بن الزبير (قوله قطع) بضم أوله (قوله بعث) أي جيش والمعنى أنهم
ألزموا بإخراج جيش لقتال أهل الشام وكان ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير على مكة
197

(قوله فاكتتبت) بضم المثناة الأولى وكسر الثانية بعدها موحدة ساكنة على البناء للمجهول
(قوله أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين) سمي منهم في رواية
أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة
والوليد بن عتبة بن ربيعة وعمرو بن أمية بن سفيان وعلي بن أمية بن خلف وذكر في شأنهم أنهم
خرجوا إلى بدر فلما رأوا قلة المسلمين دخلهم شك وقالوا غر هؤلاء دينهم فقتلوا ببدر أخرجه ابن
مردويه ولابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عكرمة نحوه وذكر فيهم الحرث بن زمعة بن
الأسود والعاص بن منبه بن الحجاج وكذا ذكرهما ابن إسحاق (قوله يرمى به) بضم أوله على
البناء للمجهول (قوله فأنزل الله) هكذا جاء في سبب نزولها وفي رواية عمرو بن دينار عن
عكرمة عن ابن عباس عند ابن المنذر والطبري وكان قوم من أهل مكة قد أسلموا وكانوا يخفون
الاسلام فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر فأصيب بعضهم فقال المسلمون هؤلاء كانوا مسلمين
فأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت فكتبوا بها إلى من بقي بمكة منهم وأنهم لا عذر لهم فخرجوا
فلحقهم المشركون ففتنوهم فرجعوا فنزلت ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذى في الله
جعل فتنة الناس كعذاب الله فكتب إليهم المسلمون بذلك فحزنوا فنزلت ثم أن ربك للذين هاجروا
من بعد ما فتنوا الآية فكتبوا إليهم بذلك فخرجوا فلحقوهم فنجا من نجا وقتل من قتل (قوله
رواه الليث عن أبي الأسود) وصله الإسماعيلي والطبراني في الأوسط من طريق أبي صالح كاتب
الليث عن الليث عن أبي الأسود عن عكرمة فذكره بدون قصة أبي الأسود قال الطبراني لم يروه
عن أبي الأسود إلا الليث وابن لهيعة (قلت) ورواية البخاري من طريق حياة ترد عليه ورواية
ابن لهيعة أخرجها ابن أبي حاتم أيضا وفي هذه القصة دلالة على براءة عكرمة مما ينسب إليه من
رأى الخوارج لأنه بالغ في النهى عن قتال المسلمين وتكثير سواد من يقاتلهم وغرض عكرمة
أن الله ذم من كثر سواد المشركين مع أنهم كانوا لا يريدون بقلوبهم موافقتهم قال فكذلك أنت
لا تكثر سواد هذا الجيش وأن كنت لا تريد موافقتهم لانهم لا يقاتلون في سبيل الله وقوله فيم
كنتم سؤال توبيخ وتقريع واستنبط سعيد بن جبير من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض
التي يعمل فيها بالمعصية (قوله الا المستضعفين من الرجال والنساء الآية) فيه معذرة من
اتصف بالاستضعاف من المذكورين وقد ذكروا في الآية الأخرى في سياق الحث على القتال
عنهم وتقدم حديث ابن عباس المذكور والكلام عليه قبل ستة أبواب * (قوله
باب قوله فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم الآية) كذا لأبي ذر ولغيره فعسى الله أن
يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا كذا وقع عند أبي نعيم في المستخرج وهو خطأ من النساخ بدليل
وقوعه على الصواب في رواية أبي ذر فأولئك عسى الله وهي التلاوة ووقع في تنقيح الزركشي هنا
وكان الله غفورا رحيما قال وهو خطأ أيضا (قلت) لكن لم أقف عليه في رواية ثم ذكر فيه
حديث أبي هريرة (2) في الدعاء للمستضعفين وقد تقدم الكلام عليه في أول الاستسقاء * (قوله
باب ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر الآية) كذا لأبي ذر وله عن المستملى
باب قوله ولا جناح الخ وسقط لغيره باب وزادوا كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم
198

(قوله حجاج) هو ابن محمد ويعلى هو ابن مسلم (قوله أن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى
قال عبد الرحمن بن عوف وكان جريحا) في رواية كان بغير واو كذا وقع عنده مختصرا ومقول ابن
عباس ما ذكر عن عبد الرحمن وقوله كان جريحا أي فنزلت الآية فيه وقال الكرماني يحتمل هذا
ويحتمل أن التقدير قال ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف يقول من كان جريحا فحكمه كذلك
فكان عطف الجريح على المريض إلحاقا به على سبيل القياس أو لان الجرح نوع من المرض
فيكون كله مقول عبد الرحمن وهو مروي عن ابن عباس (قلت) وسياق ما أورده غير
البخاري يدفع هذا الاحتمال فقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق إبراهيم بن سعيد
الجوهري عن حجاج بن محمد قال كان عبد الرحمن بن عوف جريحا وهو ظاهر في أن فاعل قال هو
ابن عباس وأنه لا رواية لابن عباس في هذا عن عبد الرحمن (قوله في الآية الكريمة أن تضعوا
أسلحتكم) رخص لهم في وضع السلاح لثقلها عليهم بسبب ما ذكر من المطر أو المرض ثم أمرهم
بأخذ الحذر خشية أن يغفلوا فيهجم العدو عليهم * (قوله باب ويستفتونك في
النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء) كذا لأبي ذر وله عن غير
المستملى باب يستفتونك وسقط لغيره باب وقوله يستفتونك أي يطلبون الفتيا أو الفتوى وهما
بمعنى واحد أي جواب السؤال عن الحادثة التي تشكل على السائل وهي مشتقة من الفتى ومنه
الفتى وهو الشاب القوى ثم ذكر حديث عائشة في قصة الرجل يكون عنده اليتيمة فتشركه في ماله
وقد تقدم الكلام عليه في أوائل هذه السورة مستوفى وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي
قال كان لجابر بنت عم ذميمة ولها مال ورثته عن أبيها وكان جابر يرغب عن نكاحها ولا ينكحها
خشية أن يذهب الزوج بمالها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت (قوله وأن
امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا) كذا للجميع بغير باب (قوله وقال ابن عباس
شقاق تفاسد) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال غيره الشقاق
العداوة لان كلا عن المتعاديين في شق خلاف شق صاحبة (قوله وأحضرت الأنفس الشح
قال هواه في الشئ يحرص عليه) وصله ابن أبي حاتم أيضا بهذا الاسناد عن ابن عباس (قوله
كالمعلقة لا هي أيم ولا ذات زوج) وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق يزيد النحوي عن
عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى فتذروها كالمعلقة قال لا هي أيم ولا ذات زوج انتهى والأيم
بفتح الهمزة وتشديد التحتانية هي التي لا زوج لها (قوله نشوزا بغضا) وصله ابن أبي حاتم من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا قال يعني البغض
وقال الفراء النشوز يكون من قبل المرأة والرجل وهو هنا من قبل الرجل (قوله عبد الله)
هو ابن المبارك (قوله قالت الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها) أي في المحبة والمعاشرة
والملازمة (قوله فتقول أجعلك من شأني في حل) أي وتتركني من غير طلاق (قوله فنزلت
في ذلك) زاد أبو ذر عن غير المستملى وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا الآية وعن علي
نزلت في المرأة تكون عند الرجل تكره مفارقته فيصطلحان على أن يجيئها كل ثلاثة أيام
أو أربعة وروى الحاكم من طريق ابن المسيب عن رافع بن خديج أنه كانت تحته امرأة فتزوج
عليها شابة فآثر البكر عليها فنازعته فطلقها ثم قال لها أن شئت راجعتك وصبرت فقالت راجعني
199

فراجعها ثم لم تصبر فطلقها قال فذلك الصلح الذي بلغنا أن الله أنزل فيه هذه الآية وروى
الترمذي من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال خشيت سودة أن يطلقها رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومى لعائشة ففعل ونزلت هذه الآية
وقال حسن غريب (قلت) وله شاهد في الصحيحين من حديث عائشة بدون ذكر نزول الآية
* (قوله باب أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) كذا لأبي ذر وسقط لغيره
باب (قوله قال ابن عباس أسفل النار) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس قال الدرك الأسفل أسفل النار قال العلماء عذاب المنافق أشد من عذاب الكافر
لاستهزائه بالدين (قوله نفقا سربا) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن
عباس به وهذه الكلمة ليست من سورة النساء وإنما هي من سورة الأنعام ولعل مناسبة ذكرها
هنا للإشارة إلى اشتقاق النفاق لان النفاق إظهار غير ما يبطن كذا وجهه الكرماني وليس
ببعيد مما قالوه في اشتقاق النفاق أنه من النافقاء وهو جحر اليربوع وقيل هو من النفق وهو
السرب حكاه في النهاية (قوله إبراهيم) هو النخعي والأسود خاله وهو ابن يزيد النخعي (قوله
كنا في حلقة عبد الله) يعني ابن مسعود (قوله فجاء حذيفة) هو ابن اليمان (قوله لقد أنزل
النفاق على قوم خير منكم) أي ابتلوا به لانهم كانوا من طبقة الصحابة فهم خير من طبقة
التابعين لكن الله ابتلاهم فارتدوا نافقوا فذهبت الخيرية منهم ومنهم من تاب فعادت له
الخيرية فكأن حذيفة حذر الذين خاطبهم وأشار لهم أن لا يغتروا فإن القلوب تتقلب فحذرهم
من الخروج من الايمان لان الأعمال بالخاتمة وبين لهم أنهم وأن كانوا في غاية الوثوق بايمانهم فلا
ينبغي لهم أن يأمنوا مكر الله فإن الطبقة الذين قبلهم وهم الصحابة كانوا خيرا منهم ومع ذلك
وجد بينهم من ارتد ونافق فالطبقة التي هي من بعدهم أمكن من الوقوع في مثل ذلك وقوله
فتبسم عبد الله كأنه تبسم تعجبا من صدق مقالته (قوله فرماني) أي حذيفة رمى الأسود
يستدعيه إليه (قوله عجبت من ضحكه) أي من اقتصاره على ذلك وقد عرف ما قلت أي فهم
مرادي وعرف أنه الحق (قوله ثم تابوا فتاب الله عليهم) أي رجعوا عن النفاق ويستفاد من
حديث حذيفة أن الكفر والايمان والاخلاص والنفاق كل بخلق الله تعالى وتقديره وإرادته
ويستفاد من قوله تعالى إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع
المؤمنين صحة توبة الزنديق وقبولها على ما عليه الجمهور فإنها مستثناة من المنافقين من قوله إن
المنافقين في الدرك الأسفل من النار وقد استدل بذلك جماعة منهم أبو بكر الرازي في أحكام
القرآن والله أعلم * (قوله باب قوله إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح إلى قوله
ويونس وهارون وسليمان) كذا لأبي ذر وزاد في رواية أبي الوقت والنبيين من بعده والباقي
سواء لكن سقط لغير أبي ذر باب (قوله ما ينبغي لاحد) وفي رواية المستملى والحموي لعبد
(قوله أن يقول أنا خير من يونس) يحتمل أن يكون المراد أن العبد القائل هو الذي لا ينبغي
له أن يقول ذلك ويحتمل أن يكون المراد بقوله أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله تواضعا
ودل حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب على أن الاحتمال الأول أولى (قوله فقد
كذب) أي إذا قال ذلك بغير توقيف وقد تقدم شرح هذا الحديث في أحاديث الأنبياء
200

بما أغنى عن إعادته هنا والله المستعان * (قوله باب يستفتونك قل الله
يفتيكم في الكلالة) ساقوا الآية إلى قوله أن لم يكن لها ولد وسقط باب لغير أبي ذر والمراد بقوله
يستفتونك أي عن مواريث الكلالة وحذف لدلالة السياق عليه في قوله قل الله يفتيكم في
الكلالة (قوله والكلالة من لم يرثه أب ولا ابن) هو قول أبي بكر الصديق أخرجه بن أبي شيبة
عنه وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وروى عبد الرزاق عن معمر عن أبي
إسحاق عن عمرو بن شرحبيل قال ما رأيتهم إلا تواطئوا على ذلك وهذا إسناد صحيح وعمرو بن
شرحبيل هو أبو ميسرة وهو من كبار التابعين مشهور بكنيته أكثر من اسمه (قوله وهو مصدر من
تكللة النسب) هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى وإن كان رجل يورث كلالة قال هو مصدر
من تكاله النسب أي تعطف النسب عليه وزاد غيره كأنه أخذ طرفيه من جهة الولد والوالد
وليس له منهما أحد وهو قول البصريين قالوا هو مأخوذ من الإكليل كأن الورثة أحاطوا به وليس
له أب ولا ابن وقيل هو من كل يكل يقال كلت الرحم إذا تباعدت وطال انتسابها وقيل الكلالة
من سوى الولد وزاد الداودي وولد الولد وقيل من سوى الوالد وقيل هم الاخوة وقيل من الام
وقال الأزهري سمي الميت الذي لا والد له ولا ولد كلالة وسمي الوارث كلالة وسمي الإرث كلالة
وعن عطاء الكلالة هي المال وقيل الفريضة وقيل الورثة والمال وقيل بنو العم ونحوهم وقيل
العصبات وأن بعدوا وقيل غير ذلك ولكثرة الاختلاف فيه صح عن عمر أنه قال لم أقل في الكلالة
شيئا (قوله آخر سورة نزلت براءة وآخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) تقدم
الكلام على الأخيرة في تفسير البقرة وللترمذي من طريق أبي السفر عن البراء قال آخر آية نزلت
وآخر شئ نزل فذكرها وفي النسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال اشتكيت فدخل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أوصى لأخواتي بالثلث قال أحسن قلت بالشطر
قال أحسن ثم خرج ثم دخل على فقال لا أراك تموت من وجعك هذا إن الله أنزل وبين
ما لأخواتك وهو الثلثان فكان جابر يقول نزلت هذه الآية في يستفتونك قل الله يفتيكم في
الكلالة (قلت) وهذه قصة أخرى لجابر غير التي تقدمت في أول تفسير سورة النساء فيما يظهر
لي وقد قدمت المستند في ذلك واضحا في أوائل هذه السورة والله أعلم قال الداودي في الآية
دليل على أن الأخت ترث مع البنت خلافا لابن عباس حيث قال لا ترث الأخت إلا إذا لم تكن
بنت لقوله تعالى أن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت قال والحجة عليه في بقية الآية وهو يرثها إن لم
يكن لها ولد كذا قال وسأذكر البحث في ذلك واضحا في الفرائض
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم) *
* (سورة المائدة) *
سقطت البسملة لأبي ذر والمائدة فاعلة بمعنى مفعولة أي مبد بها صاحبها وقيل على بابها وسيأتي
ذكر ذلك مبينا بعد (قوله وأنتم حرم واحدها حرام) هو قول أبي عبيدة وزاد حرام بمعنى محرم
وقرأ الجمهور بضم الراء ويحيى بن وثاب بإسكانها وهي لغة كرسل ورسل (قوله فبما نقضهم
ميثاقهم بنقضهم) هو تفسير قتادة أخرجه الطبري من طريقه وكذا قال أبو عبيدة فيما نقضهم
201

أي فبنقضهم قال والعرب تستعمل ما في كلامهم توكيدا فإن كان الذي قبلها يجر أو يرفع
أو ينصب عمل فيما بعدها (قوله التي كتب الله) أي جعل الله قال أبو عبيدة في قوله تعالى
يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم أي جعل الله لكم وقضى وعن ابن
إسحاق كتب لكم أي وهب لكم أخرجه الطبري وأخرج من طريق السدي أن معناه أمر قال
الطبري والمراد أنه قدرها لسكنى بني إسرائيل في الجملة فلا يرد كون المخاطبين بذلك لم يسكنوها
لان المراد جنسهم بل قد سكنها بعض أولئك كيوشع وهو ممن خوطب بذلك قطعا (قوله تبوء
تحمل) قال أبو عبيدة في قوله تعالى إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك أي تحمل إثمي وإثمك قال وله
تفسير آخر تبوء أي تقر وليس مرادا هنا وروى الطبري من طريق مجاهد قال إني أريد أن تبوء
أن تكون عليك خطيئتك ودمى قال والجمهور على أن المراد بقوله إثمي أي إثم قتلى ويحتمل أن
يكون على بابه من جهة أن القتل يمحو خطايا المقتول وتحمل على القاتل إذا لم تكن له حسنات
يوفى منها المقتول (قوله وقال غيره الاغراء التسليط) هكذا وقع في النسخ التي وقفت عليها
ولم أعرف الغير ولا من عاد عليه الضمير لأنه لم يفصح بنقل ما تقدم عن أحد نعم سقط وقال غيره
من رواية النسفي وكأنه أصوب ويحتمل أن يكون المعنى وقال غيره من فسر ما تقدم ذكره وفي
روتية الإسماعيلي عن الفربري بالإجازة وقال ابن عباس مخمصة مجاعة وقال غيره الاغراء
التسليط وهذا أوجه وتفسير المخمصة وقع في النسخ الأخرى بعد هذا وقد وصله ابن أبي حاتم
من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وكذا فسره أبو عبيدة والحاصل أن التقديم والتأخير
في وضع هذه التفاسير وقع ممن نسخ كتاب البخاري كما قدمناه غير مرة ولا يضر ذلك غالبا وتفسير
الاغراء بالتسليط يلازم معنى الاغراء لان حقيقة الاغراء كما قال أبو عبيدة التهييج للافساد وقد
روى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد في قوله وأغرينا قال ألقينا وهذا تفسير بما وقع في الآية
الأخرى (قوله أجورهن مهورهن) هو تفسير أبي عبيدة (قوله المهيمن القرآن (1) أمين على
كل كتاب قبله) أورد ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ومهيمنا
عليه قال القرآن أمين على كل كتاب كان قبله وروى عبد بن حميد من طريق أربدة التميمي عن ابن
عباس في قوله تعالى ومهيمنا عليه قال مؤتمنا عليه وقال ابن قتيبة وتبعه جماعة مهيمنا مفيعل من
أيمن قلبت همزته هاء وقد أنكر ذلك ثعلب فبالغ حتى نسب قائله إلى الكفر لان المهيمن من
الأسماء الحسنى وأسماء الله تعالى لا تصغر والحق أنه أصل بنفسه ليس مبدلا من شئ وأصل
الهيمنة الحفظ والارتقاب تقول هيمن فلان على فلان إذا صار رقيبا عليه فهو مهيمن قال أبو
عبيدة لم يجئ في كلام العرب على هذا البناء إلا أربعة ألفاظ مبيطر ومسيطر ومهيمن ومبيقر
(قوله وقال سفيان ما في القرآن آية أشد على من لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما
أنزل إليكم) يعني أن من لم يعمل بما أنزل الله في كتابه فليس على شئ ومقتضاه أن من أخل ببعض
الفرائض فقد أخل بالجميع ولأجل ذلك أطلق كونها أشد من غيرها ويحتمل أن يكون هذا مما
كان على أهل الكتاب من الاصر وقد روى ابن أبي حاتم أن الآية نزلت في سبب خاص فأخرج
بإسناد حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جاء مالك بن الصيف وجماعة من
الأحبار فقالوا يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وتؤمن بما في التوراة وتشهد أنها حق
202

قال بلى ولكنكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه فأنا أبرأ مما أحدثتموه قالوا فأنا تمسك بما في أيدينا من
الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا بما جئت به فأنزل الله هذه الآية وهذا يدل على أن المراد مراد بما أنزل
إليكم من ربكم أي القرآن ويؤيد هذا التفسير قوله تعالى في الآية التي قبلها ولو أن أهل الكتاب
آمنوا واتقوا إلى قوله لأكلوا من فوقهم الآية * (تنبيه) * سفيان المذكور وقع في بعض النسخ
أنه الثوري ولم يقع لي إلى الآن موصولا (قوله من أحياها يعني من حرم قتلها إلا بحتى حي
الناس منه جميعا) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قوله شرعة
ومنهاجا سبيلا وسنة) وقد تقدم في الايمان وقال أبو عبيدة لكل جعلنا منكم شرعة أي سنة
ومنهاجا أي سبيلا بينا واضحا (قوله عثر ظهر الأوليان وأحدهما أولى) أي أحق به طعامهم
وذبائحهم كذا ثبت في بعض النسخ هنا وقد تقدم في الوصايا إلا الأخير فسيأتي في الذبائح
* (قوله باب قوله اليوم أكملت لكم دينكم) سقط باب لغير أبي ذر (قوله وقال ابن عباس
مخمصة مجاعة) كذا ثبت لغير أبي ذر هنا وتقدم قريبا (قوله حدثنا عبد الرحمن) هو ابن مهدي
(قوله عن قيس) هو ابن مسلم (قوله قالت اليهود) في رواية أبي العميس عن قيس في كتاب
الايمان أن رجلا من اليهود وقد تقدمت تسميته هناك وأنه كعب الأحبار واحتمل أن يكون
الراوي حيث أفرد السائل أراد تعيينه وحيث جمع أراد باعتبار من كان معه على رأيه وأطلق
على كعب هذه الصفة إشارة إلى أن سؤاله عن ذلك وقع قبل إسلامه لان إسلامه كان في خلافة
عمر على المشهور وأطلق عليه ذلك باعتبار ما مضى (قوله إني لاعلم) وقع في هذه الرواية اختصار
وقد تقدم في الايمان من وجه آخر عن قيس بن مسلم فقال عمر أي آية الخ (قوله حيث أنزلت وأين
أنزلت) في رواية أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي حيث أنزلت وأي يوم أنزلت وبها يظهر أن
لا تكرار في قوله حيث وأين بل أراد بإحداهما المكان وبالأخرى الزمان (قوله وأين رسول
الله صلى الله عليه وسلم حيث أنزلت يوم) عرفة كذا لأبي ذر ولغيره حين بدل حيث وفي رواية أحمد
وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت أنزلت يوم عرفة بتكرار أنزلت وهي أوضح
وكذا لمسلم عن محمد بن المثنى عن عبد الرحمن في الموضعين (قوله وأنا والله بعرفة) كذا للجميع
وعند أحمد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة وكذا لمسلم وكذا أخرجه الإسماعيلي
من طريق محمد بن بشار وبندار شيخ البخاري فيه (قوله قال سفيان وأشك كان يوم الجمعة أم لا)
قد تقدم في الايمان من وجه آخر عن قيس بن مسلم الجزم بأن ذلك كان يوم الجمعة وسيأتي الجزم
بذلك من رواية مسعر عن قيس في كتاب الاعتصام وقد تقدم في كتاب الايمان بيان مطابقة
جواب عمر للسؤال لأنه سأله عن اتخاذه عيدا فأجاب بنزولها بعرفة يوم الجمعة ومحصله أن في
بعض الروايات وكلاهما بحمد الله لنا عيد قال الكرماني أجاب بأن النزول كان يوم عرفة ومن
المشهور أن اليوم الذي بعد عرفة هو عيد المسلمين فكأنه قال جعلناه عيدا بعد إدراكنا
استحقاق ذلك اليوم للتعبد فيه قال وإنما لم يجعله يوم النزول لأنه ثبت أن النزول كان بعد العصر
ولا يتحقق العيد الا من أول النهار ولهذا قال الفقهاء أن رؤية الهلال نهارا تكون لليلة
المستقيلة انتهى والتنصيص على أن تسمية يوم عرفة يوم عيد يغنى عن هذا التكلف فإن العيد
مشتق من العود وقيل له ذلك لأنه يعود في كل عام وقد نقل الكرماني عن الزمخشري أن العيد
203

هو السرور العائد وأقر ذلك فالمعنى أن كل يوم شرع تعظيمه يسمى عيدا انتهى ويمكن أن يقال
هو عيد لبعض الناس دون بعض وهو للحجاج خاصة ولهذا يكره لهم صومه بخلاف غيرهم
فيستحب ويوم العيد لا يصام وقد تقدم في شرح هذا الحديث في كتاب الايمان بيان من روى
في حديث الباب أن الآية نزلت يوم عيد وأنه عند الترمذي من حديث ابن عباس وأما تعليله
لترك جعله عيدا بأن نزول الآية كان بعد العصر فلا يمنع أن يتخذ عيدا ويعظم ذلك اليوم من
أوله لوقوع موجب التعظيم في أثنائه والتنظير الذي نظر به ليس بمستقيم لان مرجع ذلك من
جهة سير الهلال وإني لا تعجب من خفاء ذلك عليه وفي الحديث بيان ضعف ما أخرجه الطبري
بسند فيه ابن لهيعة عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت يوم الاثنين وضعف ما أخرجه من طريق
العوفي عن ابن عباس أن اليوم المذكور ليس بمعلوم وعلى ما أخرجه البيهقي بسند منقطع أنها
نزلت يوم التروية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة فأمر الناس أن يروحوا إلى منى
وصلى الظهر بها قال البيهقي حديث عمر أولى وهو كما قال واستدل بهذا الحديث على
مزية الوقوف بعرفة يوم الجمعة على غيره من الأيام لان الله تعالى إنما يختار لرسوله الأفضل وأن
الأعمال تشرف بشرف الأزمنة كالأمكنة ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع وقد ثبت في
صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعا خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة الحديث ولان في يوم
الجمعة الساعة المستجاب فيها الدعاء ولا سيما على قول من قال إنها بعد العصر وأما ما ذكره رزين
في جامعة مرفوعا خير يوم طلعت فيه الشمس يوم عرفة وافق يوم الجمعة وهو أفضل من سبعين
حجة في غيرها فهو حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من أخرجه بل أدرجه في حديث
الموطأ الذي ذكره مرسلا عن طلحة بن عبد الله بن كريز وليست الزيادة المذكورة في شئ من
الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يراد بالسبعين التحديد أو المبالغة وعلى كل منهما فثبتت
المزية بذلك والله أعلم * (قوله باب قوله فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) كذا
في الأصول وزعم ابن التين وتبعه بعض الشراح المتأخرين أنه وقع هنا فإن لم تجدوا ماء ورد عليه
بأن التلاوة فلم تجدوا ماء وهذا الذي أشار إليه إنما وقع في كتاب الطهارة وهو في بعض الروايات
دون بعض كما تقدم التنبيه عليه (قوله تيمموا تعمدوا آمين عامدين أممت وتيممت واحد) قال
أبو عبيدة في قوله تعالى فتيمموا صعيدا أي فتعمدوا وقال في قوله تعالى ولا آمين البيت الحرام
أي ولا عامدين ويقال أممت وبعضهم يقول تيممت قال الشاعر
إني كذاك إذا ما ساءني بلد * يممت صدر بعيري غيره بلدا
* (تنبيه) * قرأ الجمهور ولا آمين البيت بإثبات النون وقرأ الأعمش بحذف النون مضافا كقوله
محلى الصيد (قوله وقال ابن عباس لمستم وتمسوهن واللاتي دخلتم بهن والافضاء النكاح) أما
قوله لمستم فروى إسماعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله
تعالى أو لامستم النساء قال هو الجماع وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير بإسناد
صحيح وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن ابن عباس قال هو الجماع ولكن الله يعفو
ويكنى وأما قوله تمسوهن فروى ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى ما لم
تمسوهن أي تنكحوهن وأما قوله دخلتم بهن فروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن
204

ابن عباس في قوله تعالى اللاتي دخلتم بهن قال الدخول النكاح وأما قوله والافضاء فروى ابن أبي
حاتم من طريق بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس في قوله تعالى وقد أفضى بعضكم إلى بعض
قال الافضاء الجماع وروى عبد بن حميد من طريق عكرمة عن ابن عباس قال الملامسة والمباشرة
والافضاء والرفث والغشيان والجماع كله النكاح ولكن الله يكنى وروى عبد الرزاق من
طريق بكر المزني عن ابن عباس إن الله حي كريم يكنى عما شاء فذكر مثله لكن قال التغشي بدل
الغشيان وإسناده صحيح قال الإسماعيلي أراد بالتغشي قوله تعالى فلما تغشاها وسيأتي شئ من
هذا في النكاح والذي يتعلق بالباب قوله لمستم وهي قراءة الكوفيين حمزة والكسائي والأعمش
ويحيى بن وثاب وخالفهم عاصم من الكوفيين فوافق أهل الحجاز فقرؤا أو لامستم بالألف
ووافقهم أبو عمرو بن العلاء من البصريين ثم ذكر المصنف حديث عائشة في سبب نزول الآية
المذكورة من وجهين وقد تقدم الكلام عليها مستوفى في كتاب التيمم واستدل به على أن قيام
الليل لم يكن واجبا عليه صلى الله عليه وسلم وتعقب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم صلى
أول ما نزل ثم نام وفيه نظر لان التهجد القيام إلى الصلاة بعد هجعة ثم يحتمل أنه هجع فلم
ينتقض وضوءه لان قلبه لا ينام ثم قام فصلى ثم نام والله أعلم * (قوله باب قوله فاذهب
أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) كذا للمستملي ولغيره باب فاذهب الخ وأغرب الداودي
فقال مرادهم بقولهم وربك أخوه هارون لأنه كان أكبر منه سنا وتعقبه ابن التين بأنه خلاف
قول أهل التفسير كلهم (قوله وحدثني حمدان بن عمر) هو أبو جعفر البغدادي واسمه أحمد
وحمدان لقبه وليس له في البخاري إلا هذا الموضع وهو من صغار شيوخه وعاش بعد البخاري
سنتين وقد تقدم الكلام على الحديث في غزوة بدر (قوله ورواه وكيع عن سفيان الخ) يريد
بذلك أن صورة سياقه أنه مرسل بخلاف سياق الأشجعي لكن استظهر المصنف لرواية الأشجعي
الموصولة برواية إسرائيل التي ذكرها قبل وطريق وكيع هذه وصله أحمد وإسحاق في مسنديهما
عنه وكذا أخرجها ابن أبي خيثمة من طريقه * (تنبيه) * وقع قوله ورواه وكيع إلى آخره
مقدما في الباب على بقية ما فيه عند أبي ذر مؤخرا عند الباقين وهو أشبه بالصواب * (قوله
205

باب إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا الآية) كذا
لأبي ذر وساقها غيره (قوله المحاربة لله الكفر به) هو قول سعيد بن جبير والحسن وصله ابن
أبي حاتم عنهما وفسره الجمهور هنا بالذي يقطع الطريق على الناس مسلما أو كافرا وقيل نزلت في
النفر العرنيين وقد تقدم في مكانه (قوله حدثنا علي بن عبد الله) هو ابن المديني ومحمد بن عبد الله
الأنصاري هو من كبار شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة كهذا (قوله حدثني سلمان)
كذا للأكثر بالسكون وفي رواية الكشميهني بالتصغير وكذا ذكر أبو علي الجياني أنه وقع في رواية
القاسي عن أبي زيد المروزي قال والأول هو الصواب وقوله هذه نعم لنا مغاير لقوله في الطريق
المتقدمة اخرجوا إلى ابل الصدقة ويجمع بان في قوله لنا تجوزا سوغه أنه كان يحكم عليها أو كانت
له نعم ترعى مع إبل الصدقة وفي سياق بعض طرقه ما يؤيد هذا الأخير حيث قال فيه هذه نعم لنا
تخرج فاخرجوا فيها وكان نعمة في ذلك الوقت كان يريد إرسالها إلى الموضع الذي ترعى فيه إبل
الصدقة فخرجوا صحبة النعم (قوله فذكروا وذكروا) أي القسامة وسيأتي ذلك واضحا في كتاب
الديات مع بقية شرح الحديث وقوله واستصحوا بفتح الصاد المهملة وتشديد الحاء أي حصلت
لهم الصحة وقوله واطردوا بتشديد الطاء أي أخرجوها طردا أي سوقا وقوله فما يستبطأ بضم أوله
استفعال من البطء وفي الرواية الأخرى بالقاف بدل الطاء وقوله حدثنا أنس بكذا وكذا أي
بحديث العرنيين وقوله وقال يا أهل كذا في الرواية الآتية عن ابن عون المنبه عليها في الديات
يا أهل الشام (قوله (1) ما أبقى مثل هذا فيكم) كذا للأكثر بضم الهمزة من أبقى وفي رواية
الكشميهني ما أبقى الله مثل هذا فأبرز الفاعل * (قوله باب قوله والجروح
قصاص) كذا للمستملي ولغيره باب والجروح قصاص وأورد فيه حديث أنس أن الربيع أي
بالتشديد عمته كسرت ثنية جارية الحديث وسيأتي شرحه مستوفى في الديات * (تنبيه) *
الفزاري المذكور في هذا الاسناد هو مروان ابن معاوية ووهم من زعم أنه أبو إسحاق * (قوله
باب يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) ذكر فيه طرفا من حديث عائشة من
206

حدثك أن محمد كتم شيئا مما انزل الله عليه فقد كذب وسيأتي بتمامه مع كمال شرحه في كتاب
التوحيد إن شاء الله تعالى * (قوله باب قوله لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم)
سقط باب قوله لغير أبي ذر وفسرت عائشة لغو اليمين بما يجري على لسان المكلف من غير قصد
وقيل هو الحلف على غلبة الظن وقيل في الغضب وقيل في المعصية وفيه خلاف آخر سيأتي بيانه في
الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى وقولها لا والله وبلى والله أي كل واحد منهما إذا قالها لغو فلو
أن رجلا قال الكلمتين معا فالأولى لغو والثانية منعقدة لأنها استدراك مقصودة قاله الماوردي
(قوله حدثنا علي بن عبد الله) كذا لأبي ذر عن الكشميهني والحموي وله عن المستملى حدثنا علي بن
سلمة وهي رواية الباقين إلا النسفي فقال حدثنا على فلم ينسبه وعلي بن سلمة هذا يقال له اللبقي بفتح
اللام والموحدة الخفيفة بعدها قاف خفيفة وهو ثقة من صغار شيوخ البخاري ولم يقع له عنده
ذكر إلا في هذا الموضع وقد نبهت على موضع آخر في الشفعة ويأتي آخر في الدعوات (قوله
حدثنا مالك بن سعير) بمهملتين مصغر ضعفه أبو داود وقال أبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني
صدوق وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الدعوات وأبوه هو ابن الخمس بكسر الخاء
المعجمة وسكون الميم وآخره مهملة (قوله في قول الرجل لا والله وبلى والله) وسيأتي البحث
فيه في الايمان والنذور وكذلك الحديث الذي بعده وقوله كان أبو بكر الخ أخرجه ابن حبان من
طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف على يمين لم يحنث الخ والمحفوظ ما وقع في الصحيحين أن ذلك فعل
أبي بكر وقوله والله أعلم وحكى ابن التين عن الداودي أن الحديث الثاني يفسر الأول وتعقبه
والحق أن الأول في تفسير لغو اليمين والثاني في تفسير عقد اليمين (قوله قال أبو بكر لا أرى يمينا
أرى غيرها خيرا منها) بفتح الهمزة في الموضعين من الرؤية بمعنى الاعتقاد وفي الثاني بالضم بمعنى
الظن وقد أخرجه في أول الايمان والنذور من رواية عبد الله بن المبارك عن هشام بلفظ
لا أحلف على يمين فرأيت غيرها خيرا منها (قوله إلا قبلت رخصة الله) أي في كفار اليمين وفي
رواية ابن المبارك إلا أتيت الذي هو خير منه * (قوله باب قوله تعالى يا أيها الذين أمنوا
لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) سقط باب قوله لغير أبي ذر (قوله خالد) هو ابن عبد الله
الطحان وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم وعبد الله هو ابن مسعود وسيأتي
شرح الحديث في كتاب النكاح وفي الترمذي محسنا من حديث ابن عباس أن رجلا أتى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إذا اكلت من هذا اللحم انتشرت وإني حرمت
على اللحم فنزلت وروى ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس أنها نزلت في ناس قالوا نترك
شهوات الدنيا ونسيح في الأرض الحديث وسيأتي ما يتعلق به أيضا في كتاب النكاح إن شاء
الله تعالى * (قوله باب قوله إنما الخمر والميسر ساق إلى من عمل الشيطان)
وسقط باب قوله لغير أبي ذر ووقع بينهم في سياق ما قبل الحديث المرفوع تقديم وتأخير (قوله
وقال ابن عباس الأزلام القداح يقتسمون بها في الأمور) وصله ابن أبي حاتم من طريق عطاء
عن ابن عباس مثله وقد تقدم في حديث الهجرة قول سراقة بن مالك لما تتبع النبي صلى الله
عليه وسلم وأبا بكر قال استقسمت بالأزلام هل أضرهم أم لا فخرج الذي أكره وقال ابن جرير
207

كانوا في الجاهلية يعمدون إلى ثلاثة سهام على أحدها مكتوب أفعل وعلى الثاني لا تفعل
والثالث غفل وقال الغراء كان على الواحد أمرني ربي وعلى الثاني نهاني ربي وعلى الثالث
غفل فإذا أراد أحدهم الامر أخرج واحدا فإن طلع الآمر فعل أو الناهي ترك أو الغفل
أعاد وذكر ابن إسحاق أن أعظم أصنام قريش كان هبل وكان في جوف الكعبة وكانت الأزلام
عنده يتحاكمون عنده فيما أشكل عليهم فما خرج منها رجعوا إليه (قلت) وهذا لا يدفع أن يكون
آحادهم يستعملونها منفردين كما في قصة سراقة وروى الطبري من طريق سعيد بن جبير قال
الأزلام حصى بيض ومن طريق مجاهد قال حجارة مكتوب عليها وعنه كانوا يضربون بها لكل
سفر وغزو وتجارة وهذا محمول على غير التي كانت في الكعبة والذي تحصل من كلام أهل النقل
أن الأزلام وكانت عندهم على ثلاثة انحاء أحدها لكل أحد وهي ثلاثة كما تقدم وثانيها للأحكام
وهي التي عند الكعبة وكان عند كل كاهن وحاكم للعرب مثل ذلك وكانت سبعة مكتوب
عليها فواحد عليه منكم وآخر ملصق وآخر فيه العقول والديات إلى غير ذلك من الأمور
التي يكثر وقوعها وثالثها قداح الميسر وهي عشرة سبعة مخططة وثلاثة غفل وكانوا
يضربون بها مقامرة وفي معناها كل ما يتقامر به كالنرد والكعاب وغيرها (قوله والنصب
أنصاب يذبحون عليها) وصله ابن أبي حاتم أيضا من طريق عطاء عن ابن عباس وقال أبو عبيدة
النصب واحد الأنصاب وقال ابن قتيبة هي حجارة كانوا ينصبونها ويذبحون عندها فينصب عليها
دماء الذبائح والانصاب أيضا جمع نصب بفتح أوله ثم سكون وهي الأصنام (قوله وقال غيره الزلم
القدح لا ريش له وهو واحد الأزلام) قال أبو عبيدة واحد الأزلام زلم بفتحتين وزلم بضم أوله وفتح
ثانيه لغتان وهو القدح أي بكسر القاف وسكون الدال (قوله والاستقسام أن يجيل القداح
فإن نهته انتهى وأن أمرته فعل ما تأمره) قال أبو عبيدة الاستقسام من قسمت أمري بأن أجيل
القداح لتقسم لي أمري أأسافر أم أقيم وأغزو أم لا أغزو أو نحو ذلك فتكون هي التي تأمرني
وتنهاني ولكل ذلك قدح معروف قال الشاعر * ولم أقسم فتحسبني القسوم * والحاصل أن
الاستقسام استفعال من القسم بكسر القاف أي استدعاء ظهور القسم كما أن الاستسقاء طلب
وقوع السقي قال الفراء الأزلام سهام كانت في الكعبة يقسمون بها في أمورهم (قوله يجيل
يدير) ثبت هذا لأبي ذر وحده وهو شرح لقوله يجيل القدح (قوله وقد أعلموا القدح أعلاما
بضروب يستقسمون بها) بين ذلك ابن إسحاق كما تقدم قريبا (قوله وفعلت منه قسمت والقسوم
المصدر) قال أبو عبيدة في قوله تعالى وأن تستقسموا بالأزلام هو استفعلت من قسمت أمري
(قوله حدثنا إسحاق بن إبراهيم) هو ابن راهويه (قوله نزل تحريم الخمر وأن في المدينة يومئذ
لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب) يريد بذلك أن الخمر لا يختص بماء العنب ثم أيد ذلك بقول
أنس ما كان لنا خمر غير فضيخكم ثم ذكر حديث جابر في الذين صبحوا الخمر ثم قتلوا بأحد وذلك
قبل تحريمها ويستفاد منه أنها كانت مباحة قبل التحريم ثم ذكر حديث عمر أنه نزل تحريم الخمر
وهي من خمسة وذكر منها العنب وظاهره يعارض حديث ابن عمر المذكور أول الباب وسنذكر
208

وجه الجمع بينهما في كتاب الأشربة مع شرح أحاديث الباب إن شاء الله تعالى وقوله في هذه الرواية
أهريقت أنكره ابن التين وقال الصواب هريقت بالهاء بدل الهمزة ولا يجمع بينهما وأثبت
غيره من أئمة اللغة ما أنكره وقد أخرج أحمد ومسلم في سبب نزول هذه الآية عن سعد بن أبي
وقاص قال صنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا فشربنا الخمر قبل أن تحرم حتى سكرنا
فتفاخرنا إلى أن قال فنزلت إنما الخمر والميسر إلى قوله فهل أنتم منتهون * (قوله باب
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية) كذا لأبي ذر ولغيره إلى قوله والله
يحب المحسنين وذكر فيه حديث أنس أن الخمر التي هريقت الفضيخ وسيأتي شرحه في الأشربة
وقوله وزادني محمد البيكندي عن أبي النعمان كذا ثبت لأبي ذر وسقط لغيره البيكندي ومراده
أن البيكندي سمعه من شيخهما أبي النعمان بالاسناد المذكور فزاده فيه زيادة والحاصل أن
البخاري سمع الحديث من أبي النعمان مختصرا ومن محمد بن سلام البيكندي عن أبي النعمان
مطولا وتصرف الزركشي فيه غافلا عن زيادة أبي ذر فقال القائل وزادني هو الفربري ومحمد
هو البخاري وليس كما ظن رحمه الله وإنما هو كما قدمته وقوله فنزل تحريم الخمر فأمر مناديا الآمر
بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم والمنادى لم أر التصريح باسمه والوقت الذي وقع ذلك فيه زعم
الواحدي أنه عقب قول حمزة إنما أنتم عبيد لأبي وحديث جابر يرد عليه والذي يظهر أن تحريمها
كان عام الفتح سنة ثمان لما روى أحمد من طريق عبد الرحمن بن وعلة قال سألت ابن عباس
عن بيع الخمر فقال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيق أو دوس فلقيه يوم الفتح
براوية خمر يهديها إليه فقال يا فلان أما علمت أالله حرمها فأقبل الرجل على غلامه فقال
بعها فقال أن الذي حرم شربها حرم بيعها وأخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي وعلة نحوه لكن
ليس في تعيين الوقت وروى أحمد من طريق نافع بن كيسان الثقفي عن أبيه أنه كان يتجر في الخمر
وأنه أقبل من الشام فقال يا رسول الله أني جئتك بشراب جيد فقال يا كيسان أنها حرمت بعدك
قال فأبيعها قال أنها حرمت وحرم ثمنها وروى أحمد وأبو يعلى من حديث تميم الداري أنه كان
يهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر فلما كان عام حرمت جاء براوية فقال
أشعرت أنها قد حرمت بعدك قال أفلا أبيعها وانتفع بثمنها فنهاه يستفاد من حديث كيسان
تسمية المبهم في حديث ابن عباس ومن حديث تميم تأييد الوقت المذكور فإن إسلام تميم كان
بعد الفتح وقوله فقال بعض القوم قتل قوم وهي في بطونهم فأنزل الله تعالى إلى آخره لم أقف على
اسم القائل * (فائدة) * في رواية الإسماعيلي عن ابن ناجية عن أحمد بن عبيدة ومحمد بن موسى
عن حماد في آخر هذا الحديث قال حماد فلا أدرى هذا في الحديث أي عن أنس أو قاله ثابت أي
مرسلا يعني قوله فقال بعض القوم إلى آخر الحديث وكذا عند مسلم عن أبي الربيع الزهراني
عن حماد نحو هذا وتقدم للمصنف في المظالم عن أنس بطوله من طريق عفان عن حماد كما وقع
عنده في هذا الباب فالله أعلم وأخرجه ابن مردويه من طريق قتادة عن أنس بطوله وفيه الزيادة
المذكورة وروى النسائي والبيهقي من طريق ابن عباس قال نزل تحريم الخمر في ناس شربوا فلما
ثملوا عبثوا فلما صحوا جعل بعضهم يرى الأثر بوجه الآخر فنزلت فقال ناس من المتكلفين هي
رجس وهي في بطن فلان وقد قتل بأحد فنزلت ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح إلى
209

آخرها وروى البزار من حديث جابر أن الذين قالوا ذلك كانوا من اليهود وروى أصحاب السنن
من طريق أبي ميسرة عن عمر أنه قال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في البقرة
قل فيهما إثم كبير فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التي في النساء لا تقربوا
الصلاة وأنتم سكارى فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التي في المائدة
فاجتنبوه إلى قوله منتهون فقال عمر انتهينا انتهينا وصححه علي بن المديني والترمذي وأخرج
أحمد من حديث أبي هريرة نحوه دون قصة عمر لكن قال عند نزول آية البقرة فقال الناس
ما حرم علينا فكانوا يشربون حتى أم رجل أصحابه في المغرب فخلط في قراءته فنزلت الآية التي
في النساء فكانوا يشربون ولا يقرب الرجل الصلاة حتى يفيق ثم نزلت آية المائدة فقالوا يا رسول
الله ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على فرشهم وكانوا يشربونها فأنزل الله تعالى ليس على الذين
آمنوا وعملوا الصالحات جناح الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو حرم عليهم لتركوه كما تركتموه
وفي مسند الطيالسي من حديث ابن عمر نحوه وقال في الآية الأولى قيل حرمت الخمر فقالوا
دعنا يا رسول الله ننتفع بها وفي الثانية فقيل حرمت الخمر فقالوا لا إنا لا نشربها قرب الصلاة وقال
في الثالثة فقالوا يا رسول الله حرمت الخمر قال ابن التين وغيره في حديث أنس وجوب قبول خبر
الواحد والعمل به في النسخ وغيره وفيه عدم مشروعية تخليل الخمر لأنه لو جاز لما أراقوها وسيأتي
مزيد لذلك في الأشربة إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * في رواية عبد العزيز بن صهيب أن رجلا
أخبرهم أن الخمر حرمت فقالوا أرق يا أنس وفي رواية ثابت عن أنس إنهم سمعوا المنادي فقال أبو
طلحة أخرج يا أنس فأنظر ما هذا الصوت وظاهرهما التعارض لان الأول يشعر بأن المنادى بذلك
شافههم والثاني يشعر بأن الذي نقل لهم ذلك غير أنس فنقل ابن التين عن الداودي أنه قال
لا اختلاف بين الروايتين لان الآتي أخبر أنا وأنسا أخبر القوم وتعقبه ابن التين بأن نص
الرواية الأولى أن الآتي أخبر القوم مشافهة بذلك (قلت) فيمكن الجمع بوجه آخر وهو أن المنادى
غير الذي أخبرهم أو أن أنسا لما أخبرهم عن المنادى جاء المنادى أيضا في أثره فشافههم
* (قوله باب قوله لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم) سقط باب قوله لغير أبي ذر وقد
تعلق بهذا النهي من كره السؤال عما لم يقع وقد أسنده الدارمي في مقدمة كتابه عن جماعة من
الصحابة والتابعين وقال ابن العربي اعتقد قوم من الغافلين منع أسئلة النوازل حتى تقع تعلقا
بهذه الآية وليس كذلك لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المساءة في جوابه ومسائل
النوازل ليست كذلك وهو كما قال إلا أنه أساء في قوله الغافلين على عادته كما نبه عليه القرطبي
وقد روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رفعه أعظم المسلمين بالمسلمين جرما من سأل عن شئ لم يحرم
فحرم من أجل مسئلته وهذا يبين المراد من الآية وليس مما أشار إليه ابن العربي في شئ (قوله
حدثنا منذر بن الوليد بن عبد الرحمن) أي ابن حبيب بن علياء بن حبيب بن الجارود العبدي
البصري الجارودي نسبة إلى جده الاعلى وهو ثقة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر
في كفارات الايمان وأبوه ماله في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع ولا رأيت عنه راويا إلا ولده
وحديثه هذا في المنابعات فإن المصنف أورده في الاعتصام من رواية غيره كما سأبينه * (تنبيه) *
210

وقع في كلام أبي على الغساني فيما حكاه الكرماني أن البخاري روى هذا الحديث عن محمد غير
منسوب عن منذر هذا وأن محمد المذكور هو ابن يحيى الذهلي ولم أر ذلك في شئ من الروايات
التي عندنا من البخاري وأظنه وقع في بعض النسخ حدثنا محمد غير منسوب والمراد به البخاري
المصنف والقائل ذلك الراوي عنه وظنوه شيخا للبخاري وليس كذلك والله أعلم (قوله عن
أنس) في رواية روح بن عبادة عن شعبة في الاعتصام أخبرني موسى قال سمعت أنس بن مالك
يقول (قوله خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط قال لو تعلمون ما أعلم) وقع
عند مسلم من طريق النضر بن شميل عن شعبة في أوله زيادة يظهر منها سبب الخطبة ولفظه بلغ
النبي صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شئ فخطب فقال عرضت على الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير
والشر ولو تعلمون ما أعلم (قوله لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قال فغطى) في رواية النضر بن شميل
قال فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كان أشد من ذلك غطوا رؤوسهم (قوله
لهم حنين) بالحاء المهملة للأكثر وللكشميهني بالخاء المعجمة والأول الصوت الذي يرتفع بالبكاء من
الصدر والثاني من الانف وقال الخطابي الحنين بكاء دون الانتحاب وقد يجعلون الحنين
والخنين واحدا إلا أن الحنين من الصدر أي بالمهملة والخنين من الانف بالمعجمة وقال عياض
(قوله فقال رجل من أبي قال أبوك فلان) تقدم في العلم أنه
عبد الله بن حذافة وفي رواية للعسكري نزلت في قيس بن حذافة وفي رواية للإسماعيلي يأتي
التنبيه عليها في كتاب الفتن خارجة بن حذافة والأول أشهر وكلهم له صحبة وتقدم فيه أيضا زيادة
من حديث أبي موسى وأحلت بشرحه على كتاب الاعتصام وسيأتي إن شاء الله تعالى فاقتصر هنا
على بيان الاختلاف في سبب نزول الآية (قوله فنزلت هذه الآية) هكذا أطلق ولم يقع ذلك في
سياق الزهري عن أنس مع أنه أشبع سياقا من رواية موسى بن أنس كما تقدم في أوائل المواقيت
لذا لم يذكر ذلك هلال بن علي عن أنس كما سيأتي في كتاب الرقاق ووقع في الفتن من طريق قتادة
عن أنس في آخر هذا الحديث بعد أن ساقه مطولا قال فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند
هذه الآية يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء وروى ابن أبي حاتم من وجه آخر عن قتادة
عن أنس قال سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة فصعد المنبر فقال
لا تسألوني عن شئ إلا أنبأتكم به فجعلت ألتفت عن يمين وشمال فإذا كل رجل لاف ثوبه برأسه
يبكي الحديث وفيه قصة عبد الله بن حذافة وقول عمر روى الطبري من طريق أبي صالح عن
أبي هريرة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان محمار وجهه حتى جلس على المنبر فقام
إليه رجل فقال أين أنا قال في النار فقام آخر فقال من أبي فقال حذافة فقام عمر فذكر كلامه
وزاد فيه وبالقرآن إماما قال فسكن غضبه ونزلت هذه الآية وهذا شاهد جيد لحديث موسى بن
أنس المذكور وأما ما روى الترمذي من حديث على قال لما نزلت ولله على الناس حج البيت
قالوا يا رسول الله في كل عام فسكت ثم قالوا يا رسول الله في كل عام فقال لا ولو قلت نعم لوجبت
فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا فهذا لا ينافي حديث أبي هريرة لاحتمال أن تكون نزلت
في الامرين ولعل مراجعتهم له في ذلك هي سبب غضبه وقد روى أحمد من حديث أبي هريرة
والطبري من حديث أبي أمامة نحو حديث على هذا وكذا أخرجه من وجه ضعيف ومن آخر
211

منقطع عن ابن عباس وجاء في سبب نزولها قول ثالث وهو ما يدل عليه حديث ابن عباس في
الباب عقب هذا وهو أصح إسنادا لكن لا مانع أن يكون الجميع سبب نزولها والله أعلم وجاء في
سبب نزولها قولان آخران فأخرج الطبري وسعيد بن منصور من طريق خصيف عن مجاهد عن
ابن عباس أن المراد بالأشياء البحيرة والوصيلة والسائبة والحام قال فكان عكرمة يقول إنهم كانوا
يسألون عن الآيات فنهوا عن ذلك قال والمراد بالآيات نحو سؤال قريش أن يجعل الصفا لهم
ذهبا وسؤال اليهود أن ينزل عليهم كتابا من السماء ونحو ذلك وأخرج ابن أبي حاتم من طريق
عبد الكريم عن عكرمة قال نزلت في الذي سأل عن أبيه وعن سعيد بن جبير في الذين سألوا عن
البحيرة وغيرها وعن مقسم فيما سأل الأمم أنبياءها عن الآيات (قلت) وهذا الذي قاله محتمل وكذا
ما أخرج ابن أبي حاتم من طريق عطية قال نهوا أن يسألوا مثل ما سأل النصارى من المائدة
فأصبحوا بها كافرين وقد رجحه الماوردي وكأنه من حيث المعنى لوقوع قصة المائدة في السورة
بعد ذلك واستبعد نزولها في قصة من سأل عن أبيه أو عن الحج كل عام وهو إغفال منه لما في الصحيح
ورجح ابن المنير نزولها في النهي عن كثرة المسائل عما كان وعما لم يكن واستند إلى كثير مما أورده
المصنف في باب ما يكره من كثرة السؤال في كتاب الاعتصام وهو متجه لكن لا مانع أن تتعدد
الأسباب وما في الصحيح أصح وفي الحديث إيثار الستر على المسلمين وكراهة التشديد عليهم وكراهية
التنقيب عما لم يقع وتكلف الأجوبة لمن يقصد بذلك التمرن على التفقه فالله أعلم وسيأتي مزيد
لذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى (قوله رواه النضر) هو ابن شميل (وروح بن عبادة عن
شعبة) أي بإسناده ورواية النضر وصلها مسلم رواية روح بن عبادة وصلها المؤلف في كتاب
الاعتصام (قوله حدثني الفضل بن سهل) هو البغدادي وليس له في البخاري سوى هذا الموضع
وشئ تقدم في الصلاة وأبو النضر هاشم بن القاسم وأبو خيثمة هو زهير بن معاوية وأبو الجويرية
بالجيم مصغر اسمه حطان بكسر المهملة وتشديد الطاء ابن خفاف بضم المعجمة وفاءين الأولى
خفيفة ثقة ماله في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في الزكاة ويأتي في الأشربة له
ثالث (قوله عن ابن عباس) في رواية ابن أبي حاتم من طريق أبي النضر عن أبي خيثمة حدثنا أبو
الجويرية سمعت أعرابيا من بني سليم سأله يعني ابن عباس (قوله كان قوم يسألون رسول الله
صلى الله عليه وسلم استهزاء) قد تقدم طريق الجمع بينه وبين الذي قبله والحاصل أنها نزلت بسبب
كثرة المسائل إما على سبيل الاستهزاء أو الامتحان وإما على سبيل التعنت عن الشئ الذي لو لم
يسأل عنه لكان على الإباحة وفي أول رواية الطبري من طريق حفص بن نفيل عن أبي خيثمة
عن أبي الجويرية قال ابن عباس قال أعرابي من بني سليم هل تدر فيم أنزلت هذه الآية فذكره
ووقع عند أبي نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أبي خيثمة عن أبي الجويرية عن ابن عباس
أنه سئل عن الضالة فقال ابن عباس من أكل الضالة فهو ضال * (قوله باب ما جعل
الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) أي ما حرم ولم يرد حقيقة الجعل لان الكل خلقه
وتقديره ولكن المراد بيان ابتداعهم ما صنعوه من ذلك (قوله وإذ قال الله يقول قال الله
وإذ ههنا صلة) كذا ثبت هذا وما بعده هنا وليس بخاص به وهو على ما قدمنا من ترتيب بعض
الرواة وهذا الكلام ذكره أبو عبيدة في قوله تعالى وإذ قال الله يا عيسى بن مريم قال مجازه يقول
212

الله وإذ من حروف الزوائد وكذلك قوله وإذ علمتك أي وعلمتك (قوله المائدة أصلها مفعولة
كعيشة راضية وتطليقه بائنة والمعنى ميد بها صاحبها من خير يقال ما دنى يميدني) قال ابن التين
هو قول أبي عبيدة وقال غيره هي من ماد يميد إذا تحرك وقيل من ماد يميد إذا أطعم قال ابن التين
وقوله تطليقة بائنة غير واضح إلا أن يريد أن الزوج أبان المرأة بها وإلا فالظاهر أنها فرقت بين
الزوجين فهي فاعل على بابها (قوله وقال ابن عباس متوفيك مميتك) هكذا ثبت هذا هنا
وهذه اللفظة إنما هي في سورة آل عمران فكأن بعض الرواة ظنها من سورة المائدة فكتبها فيها
أو ذكرها المصنف هنا لمناسبة قوله في هذه السورة فلما توفيتني كنت أنت الرقيب ثم ذكر المصنف
حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب في تفسير البحيرة والسائبة والاختلاف في وقفه ورفعه
(قوله البحيرة التي يمنع درها الطواغيت) وهي الأصنام فلا يحلبها أحد من الناس والبحيرة فعيلة
بمعنى مفعولة وهي التي بحرت أذنها أي خرمت قال أبو عبيدة جعلها قوم من الشاة خاصة إذا
ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها أي شقوها وتركت فلا يمسها أحد وقال آخرون بل البحيرة الناقة
كذلك وخلوا عنها فلم تركب ولم يضربها فحل وأما قوله فلا يحلبها أحد من الناس فهكذا أطلق
نفي الحلب وكلام أبي عبيدة يدل على أن المنفى إنما هو الشرب الخاص قال أبو عبيدة كانوا
يحرمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النساء يحلون ذلك للرجال وما ولدت فهو بمنزلتها وإن
ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال البحيرة
من الإبل كانت الناقة إذا نتجت خمس بطون فإن كان الخامس ذكرا كان للرجال دون النساء
وأن كانت أنثى بتكت أذنها ثم أرسلت فلم يجزوا لها وبرا ولم يشربوا لها لبنا ولم يركبوا لها ظهرا
وان يكن ميتة فهم فيه شركاء الرجال والنساء ونقل أهل اللغة في تفسير البحيرة هيآت أخرى تزيد
بما ذكرت على العشر وهي فعيلة بمعنى مفعولة والبحر شق الاذن كان ذلك علامة لها (قوله
والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شئ) قال أبو عبيدة كانت السائبة من
جميع الانعام وتكون من النذور للأصنام فتسيب فلا تحبس عن مرعى ولا عن ماء ولا يركبها
أحد قال وقيل السائبة لا تكون إلا من الإبل كان الرجل ينذر إن برئ من مرضه أو قدم من
سفره ليسيبن بعيرا وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال السائبة كانوا يسيبون بعض
إبلهم فلا تمنع حوضا أن تشرب فيه (قوله قال وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم رأيت عمرو بن عامر الخزاعي إلى آخره) هكذا وقع في هذه الرواية إيراد القدر المرفوع من
الحديث في أثناء الموقوف وسأبين ما فيه بعد (قوله والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل
بأنثى ثم تثنى بعد بأنثى) هكذا أورده متصلا بالحديث المرفوع وهو يوهم أنه من جملة المرفوع
وليس كذلك بل هو بقية تفسير سعيد بن المسيب والمرفوع من الحديث إنما هو ذكر عمرو بن
عامر فقط وتفسير البحيرة وسائر الأربعة المذكورة في الآية عن سعيد بن المسيب ووقع في رواية
الإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الاسناد مثل رواية الباب إلا أنه
بعد إيراد المرفوع قال وقال ابن المسيب والوصيلة الناقة إلى آخره فأوضح أن التفسير جميعه
موقوف وهذا هو المعتمد وهكذا أخرجه ابن مردويه من طريق يحيى بن سعيد وعبيد الله بن
زياد عن ابن شهاب مفصلا (قوله أن وصلت) أي من أجل وقال أبو عبيدة كانت السائبة
213

مهما ولدته فهو بمنزلة أمها إلى ستة أولاد فإن ولدت السابع أنثيين تركتا فلم تذبحا وإن ولدت ذكرا
ذبح وأكله الرجال دون النساء وكذا إذا ولدت ذكرين وأن أتت بتوأم ذكر وأنثى سموا الذكر
وصيلة فلا يذبح لأجل أخته وهذا كله إن لم تلد ميتا فإن ولدت بعد البطن السابع ميتا أكله
النساء دون الرجال وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال الوصيلة الشاة كانت إذا ولدت
سبعة فإن كان السابع ذكر اذبح وأكل وإن كان أنثى تركت وأن كان ذكرا وأنثى قالوا وصلت
أخاها فترك ولم يذبح (قوله والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود الخ) وكلام أبي عبيدة
يدل على أن الحام إنما يكون من ولد السائبة وقال أيضا كانوا إذا ضرب فحل من ولد البحيرة
فهو عندهم حام وقال أيضا الحام من فحول الإبل خاصة إذا نتجوا منه عشرة أبطن قالوا قد حمى
ظهره فأحموا ظهره ووبره وكل شئ منه فلم يركب ولم يطرق وعرف بهذا بيان العدد المبهم في رواية
سعيد وقيل الحام فحل الإبل إذا ركب ولد ولده قال الشاعر
حماها أبو قابوس في غير ملكه * كما قد حمى أولاد أولاده الفحلا
وقال الفراء اختلف في السائبة فقيل كان الرجل يسيب من ماله ما شاء يذهب به إلى السدنة وهم
الذين يقومون على الأصنام وقيل السائبة الناقة إذا ولدت عشرة أبطن كلهن إناث سيبت فلم
تركب ولم يجز لها وبر ولم يشرب لها لبن وإذا ولدت بنتها بحرت أي شقت أذنها فالبحيرة ابنة
السائبة وهي بمنزلة أمها والوصيلة من الشاة إذا ولدت سبعة أبطن إذا ولدت في آخرها ذكرا
وأنثى قيل وصلت أخاه فلا تشرب النساء لبن الام وتشربه الرجال وجرت مجرى السائبة الا في
هذا وأما الحام فهو فحل الإبل كان إذا لقح ولد ولده قيل حمى ظهره فلا يركب ولا يجز له وبر
ولا يمنع من مرعى (قوله وقال لي أبو اليمان) عند غير أبي ذر وقال أبو اليمان بغير مجاورة (قوله
سمعت سعيدا يخبره بهذا قال وقال أبو هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) هكذا للأكثر
يخبر بصيغة الفعل المضارع من الخبر متصل بهاء الضمير ووقع لأبي ذر عن الحموي والمستملي بحيرة
بفتح الموحدة وكسر المهملة وكأنه أشار إلى تفسير البحيرة وغيرها كما في رواية إبراهيم بن سعد
وأن المرفوع منه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عمرو بن عامر حسب وهذا هو
المعتمد فإن المصنف أخرجه في مناقب قريش قال حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري
سمعت سعيد بن المسيب قال البحيرة التي يمنع درها الخ لكنه أورده باختصار قال وقال أبو هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر الخ (قوله ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب عن
سعيد عن أبي هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم) أما طريق ابن الهاد فأخرجها ابن مردويه
من طريق حميد بن خالد المهري عن ابن الهاد وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي بهذا
الاسناد ولفظ المتن رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبة في النار وكان أول من سيب السوائب
والسائبة التي كانت تسيب فلا يحمل عليها شئ إلى آخر التفسير المذكور وقد أخرجه أبو عوانة
وابن أبي عاصم في الأوائل والبيهقي والطبراني من طرق عن الليث عن ابن الهاد بالمرفوع فقط
وظهر أن في رواية خالد بن حميد إدراجا وأن التفسير من كلام سعيد بن المسيب والله أعلم وقوله في
المرفوع وهو أول من سيب السوائب زاد في رواية أبي صالح عن أبي هريرة عند مسلم وبحر
البحيرة وغير دين إسماعيل وروى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم مرسلا أول من سيب
214

السوائب عمرو بن لحي وأول من بحر البحائر رجل من بن مدلج جدع أذن ناقته وحرم شرب
ألبانها والأول أصح والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث عائشة رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا
ورأيت عمرا يجر قصبه في النار وهو أول من سيب السوائب هكذا وقع هنا مختصرا وتقدم في
أبواب العمل في الصلاة من وجه آخر عن يونس عن زيد مطولا وأوله خسفت الشمس فقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ سورة طويلة الحديث وفيه لقد رأيت في مقامي هذا كل شئ
وفيه القدر المذكور هنا وأورده في أبواب الكسوف من وجه آخر عن يونس بدون الزيادة وكذا
من طريق عقيل عن الزهري وقد تقدم بيان نسب عمرو الخزاعي في مناقب قريش وكذا بيان
كيفية تغييره لملة إبراهيم عليه السلام ونصبه الأصنام وغير ذلك * (قوله باب وكنت
عليهم شهيدا ما دمت فيهم) ذكر فيه حديث ابن عباس إنكم محشورون إلى الله حفاة الحديث
وسيأتي شرحه في الرقاق والغرض منه فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت
فيهم وقوله أصيحابي كذا للأكثر بالتصغير وللكشميهني بغير تصغير قال الخطابي فيه إشارة إلى
قلة عدد من وقع لهم ذلك وإنما وقع لبعض جفاة العرب ولم يقع من أحد الصحابة المشهورين
* (قوله باب قوله أن تعذبهم فإنهم عبادك الآية) ذكر فيه حديث ابن عباس
المذكور قبل أورده مختصرا
* (قوله سورة الأنعام) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر (قوله قال ابن عباس ثم لم تكن فتنتهم معذرتهم) وصله ابن أبي
حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عنه وقال معمر عن قتادة فتنتهم مقالتهم قال وسمعت من
يقول معذرتهم أخرجه عبد الرزاق وأخرج عبد بن حميد عن يونس عن شيبان عن قتادة في قوله
ثم لم تكن فتنتهم قال معذرتهم (قوله معروشات ما يعرش من الكرم وغير ذلك) كذا ثبت لغير
أبي ذر وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله وهو الذي أنشأ
جنات معروشات قال ما يعرش من الكروم وغير معروشات مالا يعرش وقيل المعروش ما يقوم
على ساق وغير المعروش ما يبسط على وجه الأرض (قوله حمولة ما يحمل عليها) وصله ابن أبي حاتم
أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله حمولة وفرشا فأما الحمولة فالإبل والخيل
والبغال والحمير وكل شئ يحمل عليه وقال أبو عبيدة الفرش صغار الإبل التي لم تدر ولم يحمل عليها
وقال معمر عن قتادة عن الحسن الحمولة ما حمل عليه منها والفرش حواشيها يعني صغارها قال
قتادة وكان غير الحسن يقول الحمولة الإبل والبقر والفرش الغنم أحسبه ذكره عن عكرمة
أخرجه عبد الرزاق وعن ابن مسعود الحمولة ما حمل من الإبل والفرش الصغار أخرجه الطبري
وصححه الحاكم (قوله وللبسنا لشبهنا) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس في قوله وللبسنا عليهم ما يلبسون يقول لشبهنا عليهم (قوله لأنذركم به أهل مكة)
215

هكذا رأيته في مستخرج أبي نعيم في هذا الموضع وكذا ثبت عند النسفي وقد وصله ابن أبي
حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به
يعني أهل مكة وقوله ومن بلغ قال ومن بلغه هذا القرآن من الناس فهو له نذير (قوله
وينأون يتباعدون) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله
وهم ينهون عنه وينأون عنه قال يتباعدون وكذا قال أبو عبيد ينأون عنه أي يتباعدون عنه
وكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وأخرجه من وجه آخر عن ابن عباس نزلت في أبي
طالب كان ينهى المشركين عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتباعد عما جاء به
وصححه الحاكم من هذا الوجه (قوله تبسل تفضح) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس في قوله وذكر به أن تبسل نفس يعني أن تفضح وروى عبد بن حميد من
طريق مجاهد ان تبسل أي تسلم ومن طريق قتادة تحبس (قوله أبسلوا أفضحوا) كذا فيه
من الرباعي وهي لغة يقال فضح وأفضح وروى ابن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس في قوله أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا يعني فضحوا وقد مضى كما ترى لهذه
الكلمة تفسير آخر عن غير ابن عباس وأنكر الإسماعيلي هذا التفسير الأول فكأنه لم يعرف أنه
عن ابن عباس (قوله باسطوا أيديهم البسط الضرب) وصله ابن أبي حاتم أيضا من هذا الوجه
عن ابن عباس في قوله والملائكة باسطوا أيديهم قال هذا عند الموت والبسط الضرب (قوله
استكثرتم أضللتم كثيرا) وصله ابن أبي حاتم أيضا كذلك (قوله مما ذرأ من الحرث جعلوا لله
من ثمراتهم ومالهم نصيبا وللشيطان والأوثان نصيبا) وصله ابن أبي حاتم أيضا عن ابن عباس في
قوله وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا الآية قال جعلوا لله فذكر مثله وزاد فإن سقط
من ثمرة ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه وإن سقط مما جعلوا للشيطان في نصيب الله لقطوه
وروى عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كانوا يسمون لله جزأ من الحرث
ولشركائهم جزءا فما ذهبت به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه وقالوا الله غنى عن هذا وما
ذهبت به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه والانعام التي سمي الله هي البحيرة والسائبة
كما تقدم تفسيرها في المائدة وقد تقدم في أخبار الجاهلية قول ابن عباس أن سرك أن تعلم جهل
العرب فأشار إلى هذه الآية (قوله أكنة وأحدها كنان) ثبت هذا لأبي ذر عن المستملى وهو
قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى أكنة أن يفقوه واحدها كنان أي أغطية ومثله أعنة وعنان
وأسنه وسنان (قوله سرمدا دائما) كذا وقع هنا وليس هذا في الانعام وإنما هو في سورة القصص
قال أبو عبيدة في قوله تعالى قل أرأيتم أن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة سرمدا أي
دائما قال وكل شئ لا ينقطع فهو سرمد وقال الكرماني كأنه ذكرها هنا لمناسبة قوله تعالى في هذه
السورة وجاعل الليل سكنا (قوله وقرأ صمم) قال أبو عبيدة في قوله تعالى وفي آذانهم وقرا أي الثقل
والصمم وأن كانوا يسمعون لكنهم صم عن الحق والهدى وقال معمر عن قتادة في قوله على قلوبهم
أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا قال يسمعون بآذانهم ولا يعون منها شيئا كمثل البهيمة تسمع
القول ولا تدري ما يقال لها وقرأ الجمهور بفتح الواو وقرأ طلحة بن مصرف بكسرها (قوله وأما
الوقر) أي بكسر الواو (فأنه الحمل) هو قول أبي عبيدة قاله متصلا بكلامه الذي قبله فقال الوقر
216

الحمل إذا كسرته وأفاد الراغب الوقر حمل الحمار والوسق حمل الجمل والمعنى على قراءة الكسر
أن في آذانهم شيئا يسدها عن استماع القول ثقيلا كوقر البعير (قوله أساطير وأحدها أسطورة
وأسطارة وهي الترهات) هو كلام أبي عبيدة أيضا قال في قوله إلا أساطير الأولين واحدها
أسطورة وأسطارة ومجازها الترهات انتهى والترهات بضم أوله وتشديد الراء أصلها بنيات الطريق
وقيل إن تاءها منقلبة من واو وأصلها الوره وهو الحمق (قوله البأساء من البأس ويكون من
البؤس) هو مضى كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى فأخذناهم بالبأساء هي البأس من الخير
والشر والبؤس انتهى والبأس الشدة والبؤس الفقر وقيل البأس القتل والبؤس الضر
(قوله جهرة معاينة) قال أبو عبيدة في قوله قل أرأيتكم أن أتاكم عذاب الله بغتة أي فجأة وهم
لا يشعرون أو جهرة أي علانية وهم ينظرون (قوله الصور جماعة صورة كقولك سورة وسور)
بالصاد أولا وبالسين ثانيا كذا للجميع إلا في رواية أبي أحمد الجرجاني ففيها كقوله صورة وصور
بالصاد في الموضعين والاختلاف في سكون الواو وفتحها قال أبو عبيدة في قوله تعالى ويوم ينفخ
في الصور يقال أنها جمع صورة ينفخ فيها روحها فتحيا بمنزلة قولهم سور المدينة واحدها سورة
قال النابغة
ألم تر أن الله أعطاك سورة * يرى كل ملك دونها يتذبذب
انتهى والثابت في الحديث أن الصور قرن ينفخ فيه وهو واحد لا اسم جمع وحكى الفراء الوجهين
وقال في الأول فعلى هذا فالمراد النفخ في الموتى وذكر الجوهري في الصحاح أن الحسن قرأها بفتح
الواو وسبق النحاس فقال ليست بقراءة وأثبتها أبو البقاء العكبري قراءة في كتابه اعراب الشواذ
وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى (قوله يقال على الله حسبانه)
أي حسابه تقدم هذا في بدء الخلق وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى
والشمس والقمر حسبانا قال يدوران في حساب وعن الأخفش قال حسبان جمع حساب مثل
شهبان جمع شهاب (قوله تعالى علا) وقع في مستخرج أبي نعيم تعالى الله علا الله وهو في
رواية النسفي أيضا (قوله حسبانا مرامي ورجوما للشياطين) تقدم الكلام عليه في بدء
الخلق (قوله جن أظلم) قال أبو عبيدة في قوله تعالى فلما جن عليه الليل أي غطى عليه وأظلم
وما جنك من شئ فهو جنان لك أي غطاء (قوله مستقر في الصلب ومستودع في الرحم) هكذا
وقع هنا وقد قال معمر عن قتادة في قوله فمستقر ومستودع قال مستقر في الرحم ومستودع
في الصلب أخرجه عبد الرزاق وأخرج سعيد بن منصور من حديث ابن عباس مثله بإسناد صحيح
وصححه الحاكم وقال أبو عبيدة مستقر في صلب الأب ومستودع في رحم الام وكذا أخرج عبد
ابن حميد من حديث محمد بن الحنفية وهذا موافق لما عند المصنف مخالف لما تقدم وأخرج عبد
الرزاق عن ابن مسعود قال مستقرها في الدنيا ومستودعها في الآخرة وللطبراني من حديثه
المستقر الرحم والمستودع الأرض * (تنبيه) * قرأ أبو عمرو وابن كثير فمستقر بكسر القاف
والباقون بفتحها وقرأ الجميع مستودع بفتح الدال إلا رواية عن أبي عمرو فبكسرها (قوله القنو
العذق والاثنان قنوان والجماعة أيضا قنوان مثل صنوان وصنوان) كذا وقع لأبي ذر تكرير
صنوان الأولى مجرورة النون والثانية مرفوعة وسقطت الثانية لغير أبي ذر ويوضح المراد كلام
217

أبي عبيدة الذي هو منقول منه قال أبو عبيدة في قوله تعالى ومن النخل من طلعها قنوان قال
القنو هو العذق بكسر العين يعني العنقود والاثنان قنوان والجمع قنوان كلفظ الاثنين إلا أن
الاثنين مجرورة ونون الجمع يدخله الرفع والنصب والجر ولم تجد مثله غير صنو وصنوان والجمع
صنوان وحاصله أن من وقف على قنوان وصنوان وقع الاشتراك اللفظي في إرادة التثنية والجمع
فإذا وصل ظهر الفرق فيقع الاعراب على النون في الجمع دون التثنية فإنها مكسورة النون خاصة
ويقع الفرق أيضا بانقلاب الألف في التثنية حال الجر والنصب بخلافها في الجمع وكذا بحذف
نون التثنية في الإضافة بخلاف الجمع * (تنبيه) * قرأ الجمهور قنوان بكسر القاف وقرأ الأعمش
والأعرج وهي رواية عن أبي عمرو بضمها وهي لغة قيس وعن أبي عمرو رواية أيضا بفتح القاف
وخرجها ابن جنى على أنها اسم جمع لقنو لا جمع وفي الشواذ قراءة أخرى (قوله ملكوت
وملك رهبوت رحموت وتقول ترهب خير من أن ترحم) كذا لأبي ذر وفيه تشويش ولغيره
ملكوت ملك مثل رهبوت خير من رحموت وتقول ترهب خير من أن ترحم وهذا هو الصواب
فسر معنى ملكوت بملك وأشار إلى أن وزنه رهبوت ورحموت ويوضحه كلام أبي عبيدة فأنه قال في
قوله تعالى وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض أي ملك السماوات خرج مخرج
قولهم في المثل رهبوت خير من رحموت أي رهبة خير من رحمة انتهى وقرأ الجمهور ملكوت بفتح
اللام وقرأ أبو السماك بسكونها وروى عبد بن حميد والطبري عن عكرمة قال ملكوت السماوات
والأرض ملك السماوات والأرض وهي بالنبطية ملكوثا أي بسكون اللام والمثلثة وزيادة ألف
وعلى هذا فيحتمل أن تكون الكلمة معربة والأولى ما تقدم وأنها مشتقة من ملك كما ورد مثله
في رهبوت وجبروت (قوله وأن تعدل تقسط لا يقبل منها في ذلك اليوم) وقع هذا في رواية أبي ذر
وحده وقد حكاه الطبري واستنكره وفسر أبو عبيدة العدل بالتوبة قال لان التوبة إنما تنفع في
حال الحياة والمشهور ما روى معمر عن قتادة في قوله تعالى وأن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أي
لو جاءت بملء الأرض ذهبا لم يقبل فجعله من العدل بمعنى المثل وهو ظاهر أخرجه عبد الرزاق وغيره
(قوله أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين يعني هل تشتمل إلا على ذكر أو أنثى فلم تحرمون بعضا
وتحلون بعضا) كذا وقع لأبي ذر هنا ولغيره في أوائل التفاسير وهو أصوب وهو إردافه على تفاسير
ابن عباس فقد وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله ووقع عند كثير
من الرواة فلم تحرموا ولم تحللوا بغير نون فيهما وحذف النون بغير ناصب ولا جازم لغة وقال الفراء
قوله قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين يقول أجاءكم التحريم فيما حرمتم
من السائبة والبحيرة والوصيلة والحام من قبل الذكرين أم من الأنثيين فإن قالوا من قبل الذكر
لزم تحريم كل ذكر أو من قبل الأنثى فكذلك وأن قالوا من قبل ما اشتمل عليه الرحم لزم تحريم
الجميع لان الرحم لا يشتمل إلا على ذكر أو أنثى وقد تقدم في أخبار الجاهلية قول ابن عباس أن
سرك أن تعلم جهل العرب فأقرأ الثلاثين ومائة من سورة الأنعام يعني الآيات المذكورة (قوله
مسفوحا مهراقا) وقع هذا للكشميهني وهو تفسير أبي عبيدة في قوله تعالى أو دما مسفوحا أي
مهراقا مصبوبا ومنه قولهم سفح الدمع أي سأل (قوله صدف أعرض) قال أبو عبيدة في قوله
تعالى ثم هم يصدفون أي يعرضون يقال صدف عني بوجهه أي أعرض وروى عبد الرزاق عن
218

معمر عن قتادة في قوله يصدفون أي يعرضون عنها (قوله أبلسوا أويسوا) كذا للكشميهني
ولغيره أيسوا بغير واو قال أبو عبيدة في قوله تعالى فإذا هم مبلسون المبلس الحزين النادم قال
رؤية بن العجاج * وفي الوجوه صفرة وإبلاس * أي اكتئاب وحزن وقال الفراء قوله فإذا هم
مبلسون المبلس البائس المنقطع رجاؤه وكذلك يقال للذي يسكت عند انقطاع حجته فلا
يجيب قد أبلس قال العجاج
يا صاح هل تعرف رسما دارسا * قال نعم أعرفه وأبلسا
وتفسير المبلس بالحزين وبالبائس متقارب (قوله أبسلوا أسلموا) قال أبو عبيدة في قوله تعالى
أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا أي أسلموا وقوله في الآية الأخرى أن تبسل نفس أي ترتهن
وتسلم قال عوف بن الأحوص * وابسالي بنى بغير جرم * وروى معمر عن قتادة في قوله أن تبسل
نفس قال تحبس قال قتادة وقال الحسن أي تسلم أي إلى الهلاك أخرجه عبد الرزاق وقد تقدم
لهذه الكلمة تفسير آخر والمعنى متقارب (قوله استهوته أضلته) هو تفسير قتادة أخرجه عبد
الرزاق وقال أبو عبيدة في قوله تعالى كالذي استهوته الشياطين هو الذي تشبه له الشياطين
فيتبعها حتى يهوى في الأرض فيضل (قوله تمترون تشكون) قال أبو عبيدة في قوله تعالى ثم أنتم
تمترون أي تشكون وكذا أخرجه الطبري من طريق أسباط عن السدي (قوله يقال على الله
حسبانه) أي حسابه كذا لأبي ذر أعاده هنا وقد تقدم قبل * (قوله باب وعنده
مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) المفاتح جمع مفتح بكسر الميم الآلة التي يفتح بها مثل منجل ومناجل
وهي لغة قليلة في الآلة والمشهور مفتاح بإثبات الألف وجمعه مفاتيح بإثبات الياء وقد قرئ بها
في الشواذ قرأ ابن السميفع وعنده مفاتيح الغيب وقيل بل هو جمع مفتح بفتح الميم وهو المكان
ويؤيده تفسير السدي فيما رواه الطبري قال مفاتح الغيب خزائن الغيب وجوز الواحدي
أنه جمع مفتح بفتح الميم على أنه مصدر بمعنى الفتح أي وعنده فتوح الغيب أي يفتح الغيب على
من يشاء من عباده ولا يخفى بعد هذا التأويل للحديث المذكور في الباب وأن مفاتح الغيب
لا يعلمها أحد إلا الله سبحانه وتعالى وروى الطبري من طريق ابن مسعود قال أعطى نبيكم صلى
الله عليه وسلم علم كل شئ إلا مفاتح الغيب ويطلق المفتاح على ما كان محسوسا مما يحل غلقا
كالقفل وعلى ما كان معنويا كما جاء في الحديث أن من الناس مفاتيح للخير الحديث صححه ابن
حبان من حديث أنس ثم ذكر المصنف في الباب حديث ابن عمر مفاتح الغيب خمس أورده
مختصرا وساقه في تفسير سورة لقمان مطولا وسيأتي شرحه هناك مستوفى إن شاء الله تعالى
* (قوله باب قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم الآية يلبسكم
يخلطكم من الالتباس يلبسوا يخلطوا) هو من كلام أبي عبيدة في الموضعين وعند ابن أبي حاتم
من طريق أسباط بن نصر عن السدي مثله (قوله شيعا فرقا) هو كلام أبي عبيدة أيضا وزاد
واحدتها شيعة وللطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله شيعا قال الأهواء
المختلفة (قوله عن جابر) وقع في الاعتصام من وجه آخر عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار
سمعت جابرا وكذا للنسائي من طريق معمر عن عمرو بن دينار (قوله عذابا من فوقكم قال أعوذ
بوجهك) زاد الإسماعيلي من طريق حماد بن زيد عن عمر والكريم في الموضعين (قوله هذا أهون
219

أو هذا أيسر) هو شك من الراوي والضمير يعود على الكلام الأخير ووقع في الاعتصام هاتان
أهون أو أيسر أي خصلة الالتباس وخصلة إذاقة بعضهم بأس بعض وقد روى ابن مردويه
من حديث ابن عباس ما يفسر به حديث جابر ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال دعوت الله
أن يرفع عن أمتي أربعا فرفع عنهم ثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم
من السماء والخسف من الأرض وأن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فرفع الله عنهم
الخسف والرجم وأبى أن يرفع عنهم الأخريين فيستفاد من هذه الرواية المراد بقوله من فوقكم
أو من تحت أرجلكم ويستأنس له أيضا بقوله تعالى أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل
عليكم حاصبا ووقع أصرح من ذلك عند ابن مردويه من حديث أبي بن كعب قال في قوله تعالى
عذابا من فوقكم قال الرجم أو من تحت أرجلكم قال الخسف وروى ابن أبي حاتم من طريق
السدي عن شيوخه أيضا أن المراد بالعذاب من فوق الرجم ومن تحت الخسف وأخرج من
طريق ابن عباس أن المراد بالفوق أئمة السوء وبالنحت خدم السوء وقيل المراد بالفوق حبس
المطر وبالتحت منع التمرات والأول هو المعتمد وفي الحديث دليل على أن الخسف والرجم
لا يقعان في هذه الأمة وفيه نظر فقد روى أحمد والطبري من حديث أبي بن كعب في هذه الآية
قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم الآية قال هن أربع وكلهن واقع لا محالة
فمضت اثنتان بعد وفاة نبيهم بخمس وعشرين سنة ألبسوا شيعا وذاق بعضهم بأس بعض وبقيت
اثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم وقد أعل هذا الحديث بأن أبي بن كعب لم يدرك سنة
خمس وعشرين من الوفاة النبوية فكأن حديثه انتهى عند قوله لا محالة والباقي من كلام
بعض الرواة وأعل أيضا بأنه مخالف لحديث جابر وغيره وأجيب بأن طريق الجمع أن الإعادة
المذكورة في حديث جابر وغيره مقيدة بزمان مخصوص وهو وجود الصحابة والقرون الفاضلة
وأما بعد ذلك فيجوز وقوع ذلك فيهم وقد روى أحمد والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص قال
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية قل هو القادر إلى آخرها فقال أما أنها كائنة ولم
يأت تأويلها بعد وهذا يحتمل أن لا يخالف حديث جابر بأن المراد بتأويلها ما يتعلق بالفتن
ونحوها وعند أحمد بإسناد صحيح من حديث صحار بالمهملتين أوله مضموم مع التخفيف العبدي
رفعه قال لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل الحديث وسيأتي في كتاب الأشربة في الكلام على
حديث أبي مالك الأشعري ذكر الخسف والمسخ أيضا وللترمذي من حديث عائشة مرفوعا
يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف ولابن أبي خيثمة من طريق هشام بن الغازي بن
ربيعة الجرشي عن أبيه عن جده رفعه يكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف الحديث وورد
فيه أيضا عنه عن علي وعن أبي هريرة عند وعن عثمان عند
وعن ابن مسعود وابن عمر وابن عمرو وسهل بن سعد عند ابن ماجة وعن أبي أمامة عند أحمد وعن
عبادة عند ولده وعن أنس عند البزار وعن عبد الله بن بسر وسعيد بن أبي راشد عند الطبراني
في الكبير وعن ابن عباس وأبي سعيد عنده في الصغير وفي أسانيدها مقال غالبا لكن يدل
مجموعها على أن لذلك أصلا ويحتمل في طريق الجمع أيضا أن يكون المراد أن ذلك لا يقع لجميعهم
وأن وقع لافراد منهم غير مقيد بزمان كما في خصلة العدو الكافر والسنة العامة فإنه ثبت
220

في صحيح مسلم من حديث ثوبان رفعه في حديث بأوله أن الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها
وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها الحديث وفيه وإني سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة عامة
وأن لا يسلط عليهم عدوا من غير أنفسهم وأن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض فقال
يا محمد إن إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وانى أعطيتك لامتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط
عليهم عدوا من غيرهم يستبيح بيضتهم حتى يكون بعضهم يهلك بعضا وأخرج الطبري من
حديث شداد نحوه بإسناد صحيح فلما كان تسليط العدو الكافر قد يقع على بعض المؤمنين لكنه
لا يقع عموما فكذلك الخسف والقذف ويؤيد هذا الجمع ما روى الطبراني من مرسل الحسن
قال لما نزلت قل هو القادر الآية سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه فهبط جبريل فقال يا محمد
إنك سألت ربك أربعا فأعطاك اثنتين ومنعك اثنتين أن يأتيهم عذاب من فوقهم أو من تحت
أرجلهم فيستأصلهم كما استأصل الأمم الذين كذبوا أنبياءهم ولكنه يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم
بأس بعض وهذان عذابان لأهل الاقرار بالكتاب والتصديق بالأنبياء انتهى وكأن من قوله
وهذان الخ من كلام الحسن وقد وردت الاستعاذة من خصال أخرى منها عن ابن عباس عند ابن
مردويه مرفوعا سألت ربي لامتي أربعا فأعطاني اثنتين ومنعني اثنتين سألته أن يرفع عنهم
الرجم من السماء والغرق من الأرض فرفعهما الحديث ومنها حديث سعد بن أبي وقاص عند
مسلم مرفوعا سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالفرق فأعطانيها وسألته أن لا يهلكهم بالسنة
فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها وعند الطبري من حديث جابر بن سمرة نحوه
لكن بلفظ أن لا يهلكوا جوعا وهذا مما يقوي أيضا الجمع المذكور فإن الغرق والجوع قد يقع
لبعض دون بعض لكن الذي حصل منه الأمان أن يقع عاما وعند الترمذي وابن مردويه من
حديث خباب نحوه وفيه وأن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا وكذا في حديث نافع بن خالد الخزاعي
عن أبيه عند الطبراني وعند أحمد من حديث أبي بصرة بالباء والصاد المهملة نحوه لكن قال بدل
خصلة الاهلاك أن لا يجمعهم على ضلالة وكذا للطبري من مرسل الحسن ولابن أبي حاتم من
حديث أبي هريرة رفعه سألت ربي لامتي أربعا فأعطاني ثلاثا ومنعني واحدة سألته أن لا يكفر
أمتي جملة فأعطانيها وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها وسألته أن لا يعذبهم بما
عذب به الأمم قبلهم فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها وللطبراني من طريق السدي
مرسلا نحوه ودخل في قوله بما عذب به الأمم قبلهم الغرق كقوم نوح وفرعون والهلاك بالريح
كعاد والخسف كقوم لوط وقارون والصيحة كثمود وأصحاب مدين والرجم كأصحاب الفيل وغير ذلك
مما عذبت به الأمم عموما وإذا جمعت الخصال المستعاذ منها من هذه الأحاديث التي سقتها بلغت
نحو العشرة وفي حديث الباب أيضا أنه صلى الله عليه وسلم سأل رفع الخصلتين الأخيرتين فأخبر بأن
ذلك قد قدر من قضاء الله وأنه لا يرد وأما ما زاده الطبراني من طريق أبي الزبير عن جابر في حديث
الباب بعد قوله قال ليس هذا قال ولو استعاذه لأعاذه فهو محمول على أن جابرا لم يسمع بقية الحديث
وحفظه سعد بن أبي وقاص وغيره ويحتمل أن يكون قائل ولو استعاذه الخ بعض رواته
دون جابر والله أعلم * (قوله باب ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) ذكر فيه حديث سليمان
وهو الأعمش عن إبراهيم وهو النخعي عن علقمة وهو ابن يزيد عن عبد الله وهو ابن مسعود قال لما
221

نزلت ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال أصحابه أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم شرحه
مستوفى في كتاب الايمان بما أغنى عن إعادته * (قوله باب قوله ويونس ولوطا)
ذكر فيه حديثي ابن عباس وأبي هريرة ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى وقد تقدم
شرحه في أحاديث الأنبياء * (قوله باب قوله أولئك الذين هدى الله فبهداهم
اقتده) ذكر فيه حديث ابن عباس في السجود في ص وسيأتي شرحه في تفسير ص (قوله زاد
يزيد بن هارون ومحمد بن عبيد وسهل بن يوسف عن العوام) هو بان حوشب (عن مجاهد قلت لابن
عباس فقال نبيكم صلى الله عليه وسلم ممن أمر أن يقتدى بهم) حاصله أن الزيادة لفظية وإلا
فالكلام المذكور داخل في قوله في الرواية الأولى هو منهم أي داود ممن أمر نبيكم أن يقتدى به
في قوله تعالى فبهداهم اقتده وطريق يزيد بن هارون المذكورة وصلها الإسماعيلي وطريق
محمد بن عبيد وصلها المصنف في تفسير ص وطريق سهل بن يوسف وصلها المصنف في أحاديث
الأنبياء وقد اختلف هل كان عليه الصلاة والسلام متعبدا بشرع من قبله حتى نزل عليه
ناسخة فقيل نعم وحجتهم هذه الآية ونحوها وقيل لا وأجابوا عن الآية بأن المراد أتباعهم فيما
أنزل عليه وفاقه ولو على طريق الاجمال فيتبعهم في التفصيل وهذا هو الأصح عند كثير من
الشافعية واختاره إمام الحرمين ومن تبعه واختار الأول ابن الحاجب والله أعلم * (قوله
باب وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) زاد أبو ذر في روايته إلى قوله وإنا لصادقون
(قوله كل ذي ظفر البعير والنعامة) وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
مثله وروى من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير
عن ابن عباس قال كل ذي ظفر هو الذي ليس بمنفرج الأصابع يعني ليس بمشقوق الأصابع منها
الإبل والنعام وإسناده حسن وأخرجه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير مثله مفرقا وليس فيه
ابن عباس ومن طريق قتادة قال البعير والنعامة وأشباهه من الطير والحيوانات والحيتان
(قوله الحوايا المبعر) في رواية أبي الوقت المباعر وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس قال الحوايا هو المبعر وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله وقال سعيد بن
جبير الحوايا المباعر أخرجه ابن جرير وقال الحوايا جمع حوية وهي ما تحوى واجتمع واستدار
من البطن وهي نبات اللبن وهي المباعر وفيها الأمعاء قال ومعنى الكلام إلا ما حملت ظهورهما
وإلا ما حملت الحوايا أي فهو حلال لهم * (تنبيه) * المبعر بفتح الميم ويجوز كسرها ثم ذكر
المصنف حديث جابر قاتل الله اليهود حرمت عليهم شحومها الحديث وقد تقدم شرحه في أواخر
كتاب البيوع وقد تقدم أيضا بيان من وصل رواية أبي عاصم المذكور هنا ونبه ابن التين
على أنه وقع في الرواية هنا لحومها قال والصواب شحومها (1) (قوله هادوا تابوا هدنا تبنا هائد
تائب) هو كلام أبي عبيدة وقد تقدم في أوائل الهجرة * (قوله باب قوله تعالى
ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ذكر فيه حديث ابن مسعود لا أحد أغير من الله
222

وسيأتي شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى * (قوله وكيل حفيظ محيط به) قال أبو عبيدة
في قوله والله على كل شئ وكيل أي حفيظ محيط (قوله قبلا) جمع قبيل والمعنى أنه ضروب للعذاب
كل ضرب منها قبيل) انتهى هو من كلام أبي عبيدة أيضا لكن بمعناه قال في قوله تعالى وحشرنا
عليهم كل شئ قبلا قال فمعنى حشرنا جمعنا وقبلا جمع قبيل أي صنف وروى ابن جرير عن مجاهد
قال قبلا أي أفواجا قال ابن جرير أي حشرنا عليهم كل شئ قبيلة قبيلة صنفا صنفا وجماعة
جماعة فيكون القبل جمع قبيل الذي هو جمع قبيلة فيكون القبل جمع الجمع قال أبو عبيدة ومن
قرأها قبلا أي بكسر القاف فأنه يقول معناها عيانا انتهى ويجوز أن يكون بمعنى ناحية يقول لي
قبل فلان كذا أي من جهته فهو نصب على الظرفية وقال آخرون قبلا أي مقابلا انتهى
وقد روى ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله كل شئ قبلا
أي معاينة فكأنه قرأها بكسر القاف وهي قراءة أهل المدينة وابن عامر مع أنه يجوز أن يكون
بالضم ومعناه المعاينة يقول رأيته قبلا لأدبرا إذا أتيته من قبل وجهه وتستوي على هذا
القراءتان قال ابن جرير ويحتمل أن يكون القبل جمع قبيل وهو الضمين والكفيل أي وحشرنا
عليهم كل شئ كفيلا يكفلون لهم أن الذي نعدهم حق وهو بمعنى قوله في الآية الأخرى أو تأتي
بالله والملائكة قبيلا انتهى ولم أر من فسره باصناف العذاب فليحرر هذا * (تنبيه) * ثبت هذا
والذي بعده لأبي ذر عن المستملى والكشميهني حسب (قوله زخرف القول كل شئ حسنته وزينته
وهو باطل فهو زخرف) هو كلام أبي عبيدة وزاد يقال زخرف فلان كلامه وشهادته وقيل أصل
الزخرف في اللغة التزيين والتحسين ولذلك سموا الذهب زخرفا (قوله وحرث حجر حرام الخ) تقدم
الكلام عليه في قصة ثمود من أحاديث الأنبياء مستوفى وسقط هنا من رواية أبي ذر والنسفي وهو
أولى * (قوله باب قوله قل هلم شهداءكم لغة أهل الحجاز هلم للواحد والاثنين والجمع) هو
كلام أبي عبيدة بزيادة والذكر والأنثى سواء وأهل نجد يقولون الواحد هلم وللمرأة هلمي وللأثنين
هلما وللقوم هلموا وللنساء هلمن يجعلونها من هلممت وعلى الأول فهو اسم فعل معناه طلب
الاحضار وشهداءكم مفعول به والميم في هلم مبنية على الفتح في اللغة الأولى واختلف هل هي
بسيطة أو مركبة ولبسط ذلك موضع غير هذا * (قوله باب لا ينفع نفسا إيمانها)
ذكر فيه حديث أبي هريرة في طلوع الشمس من المغرب وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب
الرفاق إن شاء الله تعالى وإسحاق في الطريق الأخرى جزم خلف بأنه ابن نصر وأبو مسعود بأنه
ابن منصور وقول خلف أقوى والله أعلم
* (سورة الأعراف) *
اختلف في المراد بالأعراف في قوله تعالى وعلى الأعراف رجال فقال وعن أبي مجلز هم
ملائكة وكلوا بالصور ليميزوا المؤمن من الكافر واستشكل بأن الملائكة ليسوا ذكورا ولا
إناثا فلا يقال لهم رجال وأجيب بأنه مثل قوله في حق الجن كانوا يعودون برجال من الجن كذا
223

ذكره القرطبي في التذكرة وليس بواضح لان الجن يتوالدون فلا يمتنع أن يقال فيهم الذكور
والإناث بخلاف الملائكة (قوله بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر (قوله
قال ابن عباس وريشا المال) وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله
ورياشا قال مالا ومن طريق مجاهد والسدي فرقهما قال في قوله وريشا قال المال ومن وجه آخر
عن ابن عباس قال الرياش اللباس والعيش والنعيم ومن طريق معبد الجهني قال الرياش
المعاش وقال أبو عبيدة الرياش ما ظهر من اللباس والستارة والرياش أيضا الخصب في المعاش
وقد تقدم شئ من هذا في أول أحاديث الأنبياء * (تنبيه) * قرأ ورياشا عاصم وأبو عمرو والباقون
وريشا (قوله أنه لا يحب المعتدين في الدعاء) زاد أبو ذر عن الحموي والكشميهني وفي غيره وعند
النسفي ولا في غيره وكذا أخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وقد جاء
نحو هذا مرفوعا أخرجه أحمد وأبو داود من حديث سعد بن أبي وقاص أنه سمع ابنا له يدعو
فقال أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء وقرأ
هذه الآية وأخرج أيضا ابن ماجة من حديث عبد الله بن مغفل أنه سمع ابنا له يقول اللهم إني
أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة فذكر نحوه لكن لم يقل وقرأ الآية والاعتداء في الدعاء
يقع بزيادة الرفع فوق الحاجة أو بطلب ما يستحيل حصوله شرعا أو بطلب معصية أو يدعو بما لم
يؤثر خصوصا ما وردت كراهته كالسجع المتكلف وترك المأمور وسيأتي مزيد لذلك في كتاب
الدعوات إن شاء الله تعالى (قوله نتقنا الجبل رفعنا انبجست انفجرت) تقدم شرحهما في
أحاديث الأنبياء (قوله ما منعك أن لا تسجد يقول ما منعك أن تسجد) كذا لأبي ذر فأوهم
أنه وما بعده من تفسير ابن عباس كالذي قبله وليس كذلك ولغير أبي ذر وقال غيره ما منعك الخ
وهو الصواب فإن هذا كلام أبي عبيدة وقد تقدم في أول أحاديث الأنبياء ونقل ابن جرير عن
بعض الكوفيين أن المنع هنا بمعنى القول والتقدير من قال لك أن لا تسجد قال وأدخلت أن قبل
لا كما دخلت في قولهم ناديت أن لا تقم وحلفت أن لا تجلس ثم أختار ابن جرير أن في هذا الكلام
حذفا تقديره ما منعك من السجود وحملك على أن لا تسجد قال وإنما حذف لدلالة السياق عليه
(قوله يخصفان أخذا الخصاف من ورق الجنة يؤلفان الورق يخصفان الورق بعضه إلى بعض)
كذا لأبي عبيدة لكن باختصار وروى ابن جرير بإسناد حسن عن ابن عباس في قوله وطفقا
يخصفان عليهما من ورق الجنة قال جعلا يأخذان من ورق الجنة فيجعلان على سوآتهما ومن
طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يخصفان قال يرقعان كهيئة الثوب ومن طريق سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال أخذا من ورق التين وأخرجه الحاكم من هذا الوجه ومن طريق قتادة
قال كان لباس آدم في الجنة ظفرا كله فلما أكل من الشجرة كشط عنه وبدت سوأته ومن
طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن وهب بن منبه قال كان لباس آدم وحواء النور فكان
أحدهما لا يرى عورة الآخر وقد تقدم شئ من هذا في أحاديث الأنبياء أيضا (قوله سوآتهما
كناية عن فرجيهما) هو كلام أبي عبيدة ولم يقع في رواية أبي ذر (قوله اداركوا اجتمعوا
هو كلام أبي عبيدة وزاد ويقال تدارك لي عليه شئ أي اجتمع والتاء مدغمة في الدال انتهى
وهي قراءة الجمهور والأصل تداركوا وقد قرأ بها الأعمش ورويت عن أبي عمرو بن العلاء أيضا
224

(قوله الفتاح القاضي افتح بيننا اقض) كذا وقع هنا والفتاح لم يقع في هذه السورة وإنما هو في
سورة سبأ وكأنه ذكره هنا توطئة لتفسير قوله في هذه السورة ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق
ولعله وقع فيه تقديم وتأخير من النساخ فقد قال أبو عبيدة في قوله افتح بيننا وبين قومنا أي
احكم بيننا وبين قومنا قال الشاعر ألا أبلغ بني عصم رسولا * فإني عن فتاحتكم غنى
الفتاح القاضي انتهى كلامه ومنه ينقل البخاري كثيرا وروى ابن جرير من طرق عن قتادة عن
ابن عباس قال ما كنت أدرى ما معنى قوله افتح بيننا حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها
انطلق أفاتحك ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس افتح بيننا أي اقض بيننا ومن طريق
قتادة والسدي وغيرهما مثله (قوله ومتاع إلى حين الخ) تقدم في بدء الخلق (قوله
الرياش والريش واحد الخ) تقدم أيضا في أول أحاديث الأنبياء ورواه ابن المنذر من طريق
الكسائي أي قال الريش والرياش اللباس (قوله قبيله جيله الذي هو منهم) هو كلام أبي
عبيدة وروى ابن جرير من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قبيله قال الجن والشياطين
وهو بمعناه وقد تقدم في بدء الخلق (قوله ومشاق الانسان والدابة كلها تسمى سموما واحدها سم
وهي عيناه ومنخراه وفمه وأذناه ودبره واحليله) قال أبو عبيدة في قوله تعالى في سم الخياط أي
ثقب الإبرة وكل ثقب من عين أو أنف أو أذن أو غير ذلك فهو سم والجمع سموم ووقع في بعض
النسخ مسام الانسان بدل مشاق وهي بمعناه (قوله غواش ما غشوا به) قال أبو عبيدة في قوله
ومن فوقهم غواش واحدتها غاشية وهي ما غشاهم فغطاهم من فوقهم وروى ابن جرير من
طريق السدي قال المهاد لهم كهيئة الفراش والغواش يتغشاهم من فوقهم ومن طريق محمد بن
كعب قال المهاد الفرش ومن فوقهم غواش قال اللحف (قوله نكدا قليلا) قال أبو عبيدة في
قوله تعالى والذي خبث لا يخرج الا نكدا أي قليلا عسر في شدة قال الشاعر
لا تنجز الوعد أن وعدت وأن * أعطيت تافها نكدا
وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال النكد الشئ القليل الذي لا ينفع (قوله طائرهم
حظهم) قال أبو عبيدة في قوله تعالى إلا إنما طائرهم عند الله قال حظهم ونصيبهم (قوله طوفان
من السيل ويقال للموت الكثير الطوفان) قال أبو عبيدة الطوفان من السيل ومن الموت البالغ
الذريع كأنه مأخوذ من أطاف به إذا عمه بالهلاك وعن الأخفش الطوفان واحدته
طوفانة وقيل هو مصدر كالرجحان والنقصان فلا واحد له وروى ابن المنذر من طريق علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس قال أرسل عليهم المطر حتى خافوا الهلاك فأتوا موسى فدعا الله فرفع ثم عادوا
وعند ابن مردويه بإسنادين ضعيفين عن عائشة مرفوعا الطوفان الموت (قوله القمل الحمنان)
بضم لمهملة وسكون الميم (شبة صغار الحلم) بفتح المهملة واللام قال أبو عبيدة القمل عند العرب
هو الحمنان والحمنان ضرب من القردان واحدتها حمنانة وقد تقدم مع الذي قبله في بدء الخلق
واختلف في تفسير القمل اختلافا كثيرا قيل السوس وقيل الدبا بفتح المهملة والموحدة مخفف
وهو صغار الجراد وقال الراغب وقيل دواب سود صغار وقيل صغار الذر وقيل هو القمل
المعروف وقيل دابة أصغر من الطير لها جناح أحمر ومن شأنه أن يمص الحب من السنبلة فتكبر
السنبلة ولا حب فيها وقيل فيه غير ذلك (قوله عروش وعريش بناء) وقال أبو عبيدة في قوله تعالى
225

ما كانوا يعرشون أي يبنون وعرش مكة خيامها وقد تقدم في سورة الأنعام تفسير معروشات
(قوله سقط كل من ندم فقد سقط في يده) قال أبو عبيدة في قوله تعالى ولما سقط في أيديهم يقال
لكل من ندم وعجز عن شئ سقط في يد فلان وقد تقدم في أحاديث الأنبياء (قوله متبر خسران)
تقدم في أحاديث الأنبياء أيضا (قوله آسى أحزن تاس تحزن) تقدم في أحاديث تفسير اللفظتين
جميعا والأولى في الأعراف والثانية في المائدة ذكرها استطرادا (قوله عفوا كثروا) زاد غير
أبي ذر وكثرت أموالهم قال أبو عبيدة في قوله تعالى حتى عفوا أي كثروا وكذلك كل نبات وقوم
وغيره إذا كثروا فقد عفوا قال الشاعر
ولكنا نعض السيف منها * بأسوق عافيات الشحم كوم
وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة حتى عفوا أي حتى سروا بذلك (قوله نشرا متفرقة) تقدم في
بدء الخلق (قوله يغنوا يعيشوا) قال أبو عبيدة في قوله تعالى كان لم يغنوا فيها أي ينزلوها ولم يعيشوا
فيها ومنه قولهم مغاني الديار واحدتها مغنى قال الشاعر * أتعرف مغنى دمنة ورسوم * وقال عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة كأن لم يغنوا فيها أي كأن لم يعيشوا أو كأن لم يتنعموا (قوله حقيق حق)
تقدم في أحاديث الأنبياء (قوله لاسترهبوهم من الرهبة) قال أبو عبيدة في قوله تعالى واسترهبوهم)
هو من الرهبة أي خوفوهم (قوله تلقف تلقم) تقدم في أحاديث الأنبياء (قوله الأسباط قبائل
بني إسرائيل) هو قول أبي عبيدة وزاد واحدها سبط تقول من أي سبط أنت أي من أي قبيلة
وجنس انتهى والأسباط في ولد يعقوب كالقبائل في ولد إسماعيل واشتقاقه من أسبط وهو
التتابع وقيل من السبط بالتحريك وهو الشجر الملتف وقيل للحسن والحسين سبطا
رسول الله صلى الله عليه وسلم لانتشار ذريتهما ثم قيل لكل ابن بنت سبط (قوله يعدون
في السبت يتعدون ثم يتجاوزون) تقدم في أحاديث الأنبياء وهو قول أبي عبيدة ووقع هنا في رواية
أبي ذر بدل قوله ثم يتجاوزون تجاوزا بعد تجاوز وهو بالمعنى (قوله شرعا شوارع) قال أبو عبيدة
في قوله إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا أي شوارع انتهى وشرع وشوارع جمع شارع وهو
الظاهر على وجه الماء وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن عكرمة عن ابن عباس
في قوله إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا أي بيضا سمانا فتنبطح بأفنيتهم ظهورها لبطونها (قوله
بئيس شديد) قال أبو عبيدة في قوله بعذاب بئيس أي شديد وبئيس بفتح أوله وكسر الهمزة
وهي القراءة المشهورة وفيها قراآت كثيرة في المشهور والشاذة لا نطيل بها (قوله أخلد إلى
الأرض قعد وتقاعس) قال أبو عبيدة ولكنه اخلد إلى الأرض أي لزمها وتقاعس وأبطأ يقال
فلان مخلد أي بطئ الشباب وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أخلد إلى الأرض مال
إلى الدنيا انتهى وأصل الاخلاد اللزوم فالمعنى لزم الميل إلى الأرض (قوله سنستدرجهم نأتيهم
من مأمنهم كقوله تعالى فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) قال أبو عبيدة في قوله تعالى
سنستدرجهم الاستدراج أن يأتيه من حيث لا يعلم ومن حيث يتلطف به حتى يغيره انتهى
وأصل الاستدراج التقريب منزلة منزلة من الدرج لان الصاعد يرقى درجة درجة (قوله
من جنة من جنون) قال أبو عبيدة في قوله تعالى ما بصاحبهم من جنة أي جنون وقيل المراد
بالجنة الجن كقوله من الجنة والناس وعلى هذا فيقدر محذوف أي مس جنة (قوله أيان
226

مرساها متى خروجها) هو قول أبي عبيدة أيضا وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس في قوله مرساها أي منتهاها ومن طريق قتادة قال قيامها (قوله فمرت به استمر بها
الحمل فأتمته) تقدم في أحاديث الأنبياء ولم يقع هنا في رواية أبي ذر (قوله ينزغنك يستخفنك) هو
قول أبي عبيدة وزاد منه قوله نزع الشيطان بينهم أي أفسد (قوله طيف ملم به لمم ويقال طائف
وهو واحد) قال أبو عبيدة في قوله إذا مسهم طائف أي لمم انتهى واللمم يطلق على ضرب من
الجنون وعلى صغار الذنوب واختلف الفراء فمنهم من قرأ طائف ومنهم من قرأ طيف واختار ابن
جرير الأولى واحتج بأن أهل التأويل فسروه بمعنى الغضب أو الزلة وأما الطيف فهو الخيال ثم حكى
بعض أهل العربية أن الطيف والطائف بمعنى واحد وأسند عن ابن عباس قال الطائف اللمة
من الشيطان (قوله يمدونهم يزينون) قال أبو عبيدة في قوله وإخوانهم يمدونهم في الغي أي
يزينون لهم الغي والكفر (قوله وخفية خوفا وخيفة من الاخفاء) قال أبو عبيدة في قوله واذكر
ربك في نفسك تضرعا وخيفة أي خوفا وذهبت الواو لكسرة الخاء وقال ابن جريج في قوله ادعوا
ربكم تضرعا وخيفة أي سرا أخرجه ابن المنذر وقوله من الاخفاء فيه تجوز والمعروف في عرف
أهل الصرف من الخفاء لان المزيد مشتق من الثلاثي ويوجه الذي هنا بأنه أراد انتظام الصفتين
من معنى واحد (قوله والآصال وأحدها أصيل وهو ما بين العصر إلى المغرب كقولك بكرة
وأصيلا) هو قول أبي عبيدة أيضا بلفظه قال ابن التين ضبط في نسخة أصل بضمتين وفي بعضها
أصيل بوزن عظيم وليس ببين إلا أن يريد أن الآصال جمع أصيل فيصح (قلت) وهو واضح في
كلام المصنف وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الآصال العشي وقال ابن فارس الأصيل
واحد الأصل وجمع الأصل آصال فهو جمع الجمع والأصائل جمع أصيلة ومنه قوله بكرة
وأصيلا * (قوله باب قول الله عز وجل قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما
بطن) ذكر فيه حديث ابن مسعود لا أحد أغير من الله فلذلك حرم الفواحش وسيأتي شرحه في
كتاب التوحيد وقد حكى ابن جرير أن أهل التأويل اختلفوا في المراد بالفواحش فمنهم من حملها
على العموم وساق ذلك عن قتادة قال المراد سر الفواحش وعلانيتها ومنهم من حملها على نوع
خاص وساق عن ابن عباس قال كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسا في السر ويستقبحونه
في العلانية فحرم الله الزنا في السر والعلانية ومن طريق سعيد بن جبير ومجاهد ما ظهر نكاح
الأمهات وما بطن الزنا ثم أختار ابن جرير القول الأول قال وليس ما روى عن ابن عباس وغيره
بمدفوع ولكن الأولى الحمل على العموم والله أعلم * (قوله باب ولما جاء موسى
لميقاتنا وكلمة ربه قال رب أرني أنظر إليك الآية قال ابن عباس أرني أعطني) وصله ابن جرير
من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله رب أرني أنظر إليك قال أعطني وأخرج من
طريق السدي قال لما كلم الله موسى أحب أن ينظر إليه قال رب أرني أنظر إليك * (تكملة) *
تعلق بقوله تعالى لن تراني نفاة رؤية الله تعالى مطلقا من المعتزلة فقالوا لن لتأكيد النفي الذي
يدل عليه لا فيكون النفي على التأبيد وأجاب أهل السنة بأن التعميم في الوقت مختلف فيه سلمنا
لكن خص بحالة الدنيا التي وقع فيها الخطاب وجاز في الآخرة لان أبصار المؤمنين فيها باقية فلا
استحالة أن يرى الباقي بالباقي بخلاف حالة الدنيا فإن أبصارهم فيها فانية فلا يرى الباقي بالفاني
227

وتواترت الاخبار النبوية بوقوع هذه الرؤية للمؤمنين في الآخرة وباكرامهم بها في الجنة ولا
استحالة فيها فوجب الايمان بها وبالله التوفيق وسيأتي مزيد لهذا في كتاب التوحيد حيث ترجم
المصنف وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة (قوله جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم
قد لطم وجهه) الحديث تقدم شرحه مستوفى في أحاديث الأنبياء وقوله فيه أم جزى كذا للأكثر
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي جوزي وهو المشهور في غير هذا الموضع (قوله المن والسلوى) ذكر
فيه حديث سعيد بن زيد في الكمأة وسيأتي شرحه في الطب وقوله شفاء من العين أي وجع العين
وفي رواية الكشميهني شفاء للعين وتقدم شرح المن والسلوى في تفسير البقرة وهو المشهور في غير
هذه وقوله في أول الاسناد حدثنا مسلم ووقع لأبي ذر غير منسوب وعند غيره مسلم بن إبراهيم * (قوله
باب قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) ذكر فيه حديث أبي الدرداء فيما
كان بين أبي بكر وعمر وقد تقدم شرحه مستوفى في مناقب أبي بكر وقوله في أول الاسناد حدثني
عبد الله كذا وقع غير منسوب عند الأكثر ووقع عند ابن السكن عن الفربري عن البخاري
حدثني عبد الله بن حماد وبذلك جزم الكلاباذي وطائفة وعبد الله بن حماد هذا هو الآملي بالمد
وضم الميم الخفيفة يكنى أبا عبد الرحمن قال الأصيلي هو من تلامذة البخاري وكان يورق بين يديه
(قلت) وقد شاركه في كثير من شيوخه وكان من الحفاظ مات قبل السبعين أو بعدها فقال غنجار
في تاريخ بخارا مات سنة تسع وستين وقيل سنة ثلاث وسبعين وسليمان بن عبد الرحمن
هو الدمشقي من شيوخ البخاري وأما موسى بن هارون فهو النبي بضم الموحدة وتشديد النون
والبردى وهو بضم الموحدة وسكون الراء كوفي قدم مصر ثم سكن الفيوم ومات بها سنة أربع
وعشرين ومائتين وما له في البخاري سوى هذا الموضع (قوله قال أبو عبد الله غامر سبق بالخير)
تقدم شرحه أيضا في مناقب أبي بكر * (قوله باب قوله حطة حدثني إسحاق) هو ابن
إبراهيم الحنظلي بن راهويه (قوله قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة) قال
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله وقولوا حطة قال الحسن أي احطط عنا خطايانا وهذا
يليق بقراءة من قرأ حطة بالنصب وهي قراءة إبراهيم بن أبي عبلة وقرأ الجمهور بالرفع على أنه
خبر لمبتدأ محذوف أي مسئلتنا حطة وقيل أمروا أن يقولوا على هذه الكيفية فالرفع على
الحكاية وهي في محل نصب بالقول وإنما منع النصب حركة الحكاية وقيل رفعت لتعطى
228

معنى الثبات كقوله سلام واختلف في معنى هذه الكلمة فقيل هي اسم للهيئة من الحط
كالجلسة وقيل هي التوبة كما قال الشاعر
فاز بالحطة التي صير الله * بها ذنب عبده مغفورا
وقيل لا يدري معناها وإنما تعبدوا بها وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس وغيره قال قيل لهم
قولوا مغفرة (قوله فبدلوا) أي غيروا وقوله سبحانه وتعالى فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل
لهم التقدير فبدل الذين ظلموا بالذي قيل لهم قولا غير الذي قيل لهم ويحتمل أن يكون ضمن بدل
معنى قال (قوله فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة) كذا للأكثر وكذا
في رواية الحسن المذكورة بفتحتين وللكشميهني في شعيرة بكسر المهملة وزيادة تحتانية بعدها
والحاصل أنهم خالفوا ما أمروا به من الفعل والقول فإنهم أمروا بالسجود عند انتهائهم شكرا لله
تعالى وبقولهم حطة فبدلوا السجود بالزحف وقالوا حنطة بدل حطة أو قالوا حطة وزادوا فيها
حبة في شعيرة وروى الحاكم من طريق السدي عن مرة عن ابن مسعود قال قالوا هطى سمقا
وهي بالعربية حنطة حمراء قوية فيها شعيرة سوداء ويستنبط منه أن الأقوال المنصوصة إذا تعبد
بلفظها لا يجوز تغييرها ولو وافق المعنى وليست هذه مسألة الرواية بالمعنى بل هي متفرعة منها
وينبغي أن يكون ذلك قيدا في الجواز أعني يزاد في الشرط أن لا يقع التعبد بلفظه ولا بد منه ومن
أطلق فكلامه محمول عليه * (قوله باب خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض
عن الجاهلين العرف المعروف) وصله عبد الرزاق من طريق هشام بن عروة عن أبيه بهذا وكذا
أخرجه الطبري من طريق السدي وقتادة (قوله في حديث عمر أو شبانا) بضم أوله وتشديد
الموحدة وبعد الألف نون للكثر وفي رواية الكشميهني بفتح أوله وبموحدتين الأولى خفيفة
وسيأتي شرح هذا الحديث في كتاب الاعتصام (قوله حدثني يحيى) نسبه ابن السكن فقال
يحيى بن موسى ونسبه المستملى فقال يحيى بن جعفر ولا يخرج عن واحد منهما والأشبه ما قال
المستملى (قوله عن هشام) هو ابن عروة وابن الزبير هو عبد الله (قوله ما أنزل الله) أي هذه
الآية (إلا في أخلاق الناس) كذا أخرجه ابن جرير عن ابن وكيع عن أبيه بلفظ ما أنزل الله هذه
الآية إلا في أخلاق الناس وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع وأخرج ابن جرير أيضا من
طريق وهب بن كيسان عن عبد الله بن الزبير نحوه (قوله وقال عبد الله بن براد) بموحدة
وتثقيل الراء وبراد اسم جده وهو عبد الله بن عامر بن براد بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى
الأشعري ما له في البخاري سوى هذا الموضع (قوله أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق
الناس أو كما قال) وقد اختلف عن هشام في هذا الحديث فوصله من ذكرنا عنه وتابعهم عبدة
ابن سليمان عن هشام عند ابن جرير والطفاوي عن هشام عند الإسماعيلي وخالفهم معمر وابن
أبي الزناد وحماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه من قوله موقوفا وقال أبو معاوية عن هشام
عن وهب بن كيسان عن ابن الزبير أخرجه سعيد بن منصور عنه وقال عبيد الله بن عمر عن هشام
عن أبيه عن ابن عمر أخرجه البزار والطبراني وهي شاذة وكذا رواية حماد بن سلمة عن هشام عن
أبيه عن عائشة عند ابن مردويه وأما رواية أبي معاوية فشاذة أيضا مع احتمال أن يكون لهشام
229

فيه شيخان وأما رواية معمر ومن تابعه فمرجوحة بأن زيادة من خالفهما مقبولة لكونهم حفاظا
وإلى ما ذهب إليه ابن الزبير من تفسير الآية ذهب مجاهد وخالف في ذلك ابن عباس فروى ابن
جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه قال خذ العفو يعني خذ ما عفا لك من أموالهم أي ما فضل
وكان ذلك قبل فرض الزكاة وبذلك قال السدي وزاد نسختها آية الزكاة وبنحوه قال الضحاك
وعطاه وأبو عبيدة ورجح ابن جرير الأول واحتج له وروى عن جعفر الصادق وقال ليس في القرآن
آية أجمع لمكارم الأخلاق منها ووجهوه بأن الأخلاق ثلاثة بحسب القوى الانسانية عقلية
وشهوية وغضبية فالعقلية الحكمة ومنها الامر بالمعروف والشهوية العفة ومنها أخذ
العفو والغضبية الشجاعة ومنها الاعراض عن الجاهلين وروى الطبري مرسلا وابن مردويه
موصولا من حديث جابر وغيره لما نزلت خذ العفو وأمر بالعرف سأل جبريل فقال لا أعلم حتى
أسأله ثم رجع فقال إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعفو عمن ظلمك
* (قوله سورة الأنفال *
* بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر (قوله قال ابن عباس الأنفال المغانم) وصله ابن أبي حاتم من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الأنفال المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة
ليس لأحد فيها شئ وروى أبو داود والنسائي وابن حبان من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة
عن ابن عباس قال لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صنع كذا فله كذا
الحديث فنزلت يسألونك عن الأنفال (قوله نافلة عطية) قال في رواية النسفي يقال فذكره
وقد قال أبو عبيدة في قوله ومن الليل فتهجد به نافلة لك أي غنيمة (قوله وأن جنحوا طلبوا) قال
أبو عبيدة في قوله وإن جنحوا للسلم أي رجعوا إلى المسالمة وطلبوا الصلح (قوله السلم والسلم
والسلام واحد) ثبت هذا لأبي ذر وحده وقد تقدم في تفسير سورة النساء (قوله يثخن) أي
يغلب قال أبو عبيدة في قوله ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض يثخن أي يبالغ
ويغلب (قوله وقال مجاهد مكاء ادخالهم أصابعهم في أفواههم) وصله عبد بن حميد والفريابي
من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد (قوله وتصدية الصفير) وصله عبد بن حميد أيضا كذلك
* (تنبيه) * وقع هذا في رواية أبي ذر متراخيا عن الذي قبله وعند غيره بعقبه وهو أولى وقد قال
الفريابي حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء
قال إدخالهم أصابعهم في أفواههم وتصدية الصفير يخلطون على محمد صلاته وقال أبو عبيدة
المكاء الصفير والتصدية صفق الأكف ووصله ابن مردويه من حديث بن عمر مثله من قوله
(قوله وقال قتادة ويحكم الحرب) تقدم في الجهاد (قوله الشوكة الحد) ثبت لغير أبي ذر قال أبو
عبيدة في قوله وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم مجاز الشوكة الحد يقال ما أشد شوكة بني
فلان أي حدهم (قوله مردفين فوجا بعد فوج يقال ردفني وأردفني جاء بعدي) وقال
أبو عبيدة في قوله مردفين بكسر الدال فاعلين من أردفوا أي جاؤوا بعد قوم قبلهم وبعضهم يقول
ردفني جاء بعدي وهما لغتان ومن قرأ بفتح الدال فهو من أردفهم الله من بعد من قبلهم انتهى
230

وقراءة الجمهور بكسر الدال ونافع بفتحها وقال الأخفش بنو فلان يردفوننا أي يجيئون بعدنا
(قوله فيركمه يجمعه) قال أبو عبيدة في قوله فيركمه جميعا أي فيجمعه بعضه فوق بعض (قوله شرد
فرق) هو قول أبي عبيدة أيضا (قوله ليثبتوك يحبسوك) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن
جريج عن عطاء عنه روى أحمد والطبراني من حديث ابن عباس قال تشاورت قريش فقال
بعضهم إذا أصبح محمد فأثبتوه بالوثاق الحديث (قوله ذوقوا باشروا وجربوا وليس هذا من ذوق
الفم) هو قول أبي عبيدة أيضا ونظيره قوله تعالى لا يذوقون فيها الموت (قوله حدثني محمد بن
عبد الرحيم) كذا ثبت هذا الحديث في آخر هذه التفاسير عند أبي ذر وثبت عند غيره في أثنائها
والخطب فيه سهل والحديث المذكور سيأتي بأثم من هذا في تفسير سورة الحشر ويأتي شرحه
هناك وقد تقدم طرف منه أيضا في المغازي (قوله إن شر الدواب) ذكر فيه حديث مجاهد
عن ابن عباس قال هم نفر من بني عبد الدار وفي رواية الإسماعيلي نزلت في نفر زاد ابن جرير من
طريق شبل بن عباد عن ابن أبي نجيح لا يتبعون الحق ثم أورد من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح
عن مجاهد في قوله لا يعقلون لا يتبعون الحق قال مجاهد قال ابن عباس هم نفر من بني عبد الدار
(قوله يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول) (استجيبوا أجيبوا لما يحييكم لما يصلحكم)
قال أبو عبيدة في قوله تعالى استجيبوا لله أي أجيبوا لله يقال استجبت له واستجبته بمعنى وقوله
لما يحييكم أي لما يهديكم ويصلحكم انتهى وقد تقدم في آل عمران شئ من هذا في قوله تعالى
الذين استجابوا لله والرسول (قوله حدثني إسحاق) هو ابن راهويه وقد تقدم شرح الحديث في
تفسير الفاتحة (قوله وقال معاذ) هو ابن معاذ العنبري البصري وقد وصله الحسن بن سفيان
في مسنده عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه وفائدة إيراده ما وقع فيه من تصريح حفص بسماعه من
أبي سعيد بن المعلى * (قوله باب قوله وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك
فأمطر الآية) كذا لأبي ذر وساق غيره الآية (قوله قال ابن عيينة إلى آخره) كذا في تفسير
ابن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه قال ويقول ناس ما سمي الله المطر في القرآن
الا عذابا ولكن تسمية العرب الغيث يريد قوله تعالى وهو الذي ينزل الغيث كذا وقع في تفسير
حم عسق وقد تعقب كلام ابن عيينة بورود المطر بمعنى الغيث في القرآن في قوله تعالى إن كان
بكم أذى من مطر فالمراد به هنا الغيث قطعا ومعنى التأذي به البلل الحاصل منه للثوب والرجل
وغير ذلك وقال أبو عبيدة أن كان من العذاب فهو أمطرت وأن كان من الرحمة فهو مطرت وفيه
نظر أيضا (قوله حدثني أحمد) كذا في جميع الروايات غير منسوب وجزم الحاكمان أبو أحمد
وأبو عبد الله أنه ابن النضر بن عبد الوهاب النيسابوري وقد روى البخاري الحديث المذكور
بعينه عقب هذا عن محمد بن النضر أخي أحمد هذا قال الحاكم بلغني أن البخاري كان ينزل عليهما
ويكثر الكمون عندهما إذا قدم نيسابور (قلت) وهما من طبقة مسلم وغيره من تلامذة البخاري
وأن شاركوه في بعض شيوخه وقد أخرج مسلم هذا الحديث بعينه عن شيخهما عبيد الله بن معاذ
نفسه وعبيد الله بن معاذ المذكور من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري فنزل في هذا الاسناد
231

درجتين لان عنده الكثير عن أصحاب شعبة بواسطة واحدة بينه وبين شعبة قال الحاكم أحمد بن
النضر يكنى أبا الفضل وكان من أركان الحديث انتهى وليس له في البخاري ولا لأخيه سوى هذا
الموضع وقد روى البخاري عن أحمد في التاريخ الصغير ونسبه (قوله عن عبد الحميد صاحب
الزيادي) هو عبد الحميد بن دينار تابعي صغير ويقال له ابن كرديد بضم الكاف وسكون الراء وكسر
الدال المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم دال أخرى ووقع كذلك في بعض النسخ والزبادي الذي نسب
إليه من ولد زياد الذي يقال له ابن أبي سفيان (قوله قال أبو جهل اللهم أن كان هذا إلى آخره)
ظاهر في أنه القائل ذلك وأن كان هذا القول نسب إلى جماعة فلعله بدأ به ورضى الباقون فنسب
إليهم وقد روى الطبراني من طريق ابن عباس أن القائل ذلك هو النضر بن الحرث قال فأنزل الله
تعالى سأل سائل بعذاب واقع وكذا قال مجاهد وعطاء والسدي ولا ينافي ذلك ما في الصحيح
لاحتمال أن يكونا قالاه ولكن نسبته إلى أبي جهل أولى وعن قتادة قال قال ذلك سفهة هذه
الأمة وجهلتها وروى ابن جرير من طريق يزيد بن رومان أنهم قالوا ذلك ثم لما أمسوا ندموا
فقالوا غفرانك اللهم فأنزل الله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وروى ابن أبي حاتم من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن معنى قوله وهم يستغفرون أي من سبق له من الله أنه
سيؤمن وقيل المراد من كان بين أظهرهم حينئذ من المؤمنين قال الضحاك وأبو مالك ويؤيده
ما أخرجه الطبري من طريق ابن أبزي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأنزل الله
تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ثم خرج إلى المدينة فأنزل الله وما كان معذبهم وهم
يستغفرون وكان من بقي من المسلمين بمكة يستغفرون فلما خرجوا أنزل الله وما لهم أن لا يعذبهم
الله وهم يصدون عن المسجد الحرام الآية فأذن الله في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم الله
تعالى وروى الترمذي من حديث أبي موسى رفعه قال أنزل الله على أمتي أمانين فذكر
هذه الآية قال فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار وهو يقوي القول الأول والحمل عليه أولى
وأن العذاب حل بهم لما تركوا الندم على ما وقع منهم وبالغوا في معاندة المسلمين ومحاربتهم
وصدهم عن المسجد الحرام والله أعلم * (قوله باب قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت
فيهم) تقدم شرحه في الذي قبله * (قوله باب وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون
الدين كله لله) سقط باب لغير أبي ذر (قوله حدثنا عبد الله بن يحيى) هو البرلسي يكنى أبا يحيى
صدوق أدركه البخاري ولكن روى عنه بواسطة هنا وفي تفسير سورة الفتح فقط وقد تقدمت
الإشارة إلى حال بقية الاسناد في تفسير سورة البقرة (قوله عن ابن عمر أن رجلا جاءه) تقدم
في تفسير سورة البقرة ما أخرج سعيد بن منصور من أن السائل هو حيان صاحب الدثنية وروى
أبو بكر النجاد في فوائده أنه الهيثم بن حنش وقيل نافع بن الأزرق وسأذكر في الطريق التي بعد هذه
قولا آخر ولعل السائلين عن ذلك جماعة أو تعددت القصة (قوله فما يمنعك أن لا تقاتل)
لا زائدة وقد تقدم تقريره في تفسير سورة الأعراف عند قوله ما منعك ألا تسجد (قوله أعير)
232

بمهملة وتحتانية ثقيلة للكشميهني في الموضعين ولغيره بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة وتخفيف
المثناة الفوقانية وتشديد الراء فيهما والحاصل أن السائل كان يرى قتال من خالف الامام الذي
يعتقد طاعته وكان ابن عمر يرى ترك القتال فيما يتعلق بالملك وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن
(قوله فكان الرجل يفتن في دينه إما يقتلوه وإما يوثقوه) كذا للأكثر فزعم بعض الشراح
بأنه غلط وأن الصواب بإثبات النون فيهما لان إما التي تجزم هي الشرطية وليست هنا شرطية
(قلت) وهي رواية أبي ذر ووجهت رواية الأكثر بأن النون قد تحذف بغير ناصب ولا جازم
في لغة شهيرة وتقدم في تفسير البقرة بلفظ إما تعذبوه وإما تقتلوه وقد مضى القول فيه هناك وأما
قوله فما قولك في علي وعثمان فيؤيد أن السائل كان من الخوارج فإنهم كانوا يتوالون
الشيخين ويحطون عثمان وعليا فرد عليه ابن عمر بذكر مناقبهما ومنزلتهما من النبي صلى الله
عليه وسلم والاعتذار عما عابوا به عثمان من الفرار يوم أحد فإنه تعالى صرح في القرآن بأنه
عفا عنهم وقد تقدم في مناقب عثمان سؤال السائل لابن عمر عن عثمان وانه فر يوم أحد وغاب
عن بدر وعن بيعة الرضوان وبيان ابن عمر له عذر عثمان في ذلك فيحتمل أن يكون هو السائل
هنا ويحتمل أن يكون غيره وهو الأرجح لأنه لم يتعرض هناك لذكر على وكأنه كان رافضيا وأما
عدم ذكره للقتال فلا يقتضى التعدد لان الطريق التي بعدها قد ذكر فيها القتال ولم يذكر قصة
عثمان والأولى الحمل على التعدد لاختلاف الناقلين في تسمية السائلين وأن اتحد المسؤول والله
أعلم (قوله فكرهتم أن تعفوا عنه) بالمثناة الفوقانية وبصيغة الجمع ومضى في تفسير البقرة بلفظ
أن يعفو بالتحتانية أوله والافراد أي الله وقوله وهذه ابنته أو بنته كذا للأكثر بالشك ووافقهم
الكشميهني لكن قال أو أبيته بصيغة جمع القلة في البيت وهو شاذ وقد تقدم في مناقب على من
وجه آخر بلفظ فقال هو ذاك بينه أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية النسائي ولكن
انظر إلى منزلته من نبي الله صلى الله عليه وسلم ليس في المسجد غير بيته وهذا يدل على أنه تصحف
على بعض الرواة بيته ببنته فقرأها بنته بموحدة ثم نون ثم طرأ له الشك فقال بنته أو بيته والمعتمد أنه
البيت فقط لما ذكرنا من الروايات المصرحة بذلك وتقدم أيضا في مناقب أبي بكر أشياء تتعلق
ببيت على واختصاصه بكونه بين بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (قوله حدثنا أحمد بن
يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس نسب لجده وشيخه زهير هو ابن معاوية الجعفي وشيخه بيان
هو ابن بشر وشيخه وبرة بفتح الواو والموحدة هو ابن عبد الرحمن (قوله فقال رجل كيف ترى في
قتال الفتنة) وقع في رواية البيهقي من وجه آخر عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه فقال له حكيم
وكذا في مستخرج أبي نعيم من وجه آخر عن زهير بن معاوية والحديث المذكور مختصر من الذي
قبله أو هما واقعتان كما تقدمت الإشارة إليه * (قوله باب يا أيها النبي حرض المؤمنين
على القتال الآية) ساق غير أبي ذر الآية إلى يفقهون وسقط عندهم باب (قوله عن عمرو)
هو ابن دينار (قوله فكتب عليهم أن لا يفر) أي فرض عليهم والسياق وأن كان بلفظ الخبر
لكن المراد منه الامر لامرين أحدهما أنه لو كان خبرا محضا للزم وقوع خلاف المخبر به وهو
محال فدل على أنه أمر والثاني لقرينه التخفيف فأنه لا يقع إلا بعد تكلف والمراد بالتخفيف هنا
التكليف بالأخف لا رفع الحكم أصلا (قوله أن لا يفر واحد من عشرة فقال سفيان غير
233

مرة أن لا يفر عشرون من مائتين) أي أن سفيان كان يرويه بالمعنى فتارة يقول باللفظ الذي وقع
في القرآن محافظة على التلاوة وهو الأكثر وتارة يرويه بالمعنى وهو أن لا يفر واحد من العشرة
ويحتمل أن يكون سمعه باللفظين ويكون التأويل من غيره ويؤيده الطريق التي بعد هذه فإن
ذلك ظاهر في أنه من تصرف ابن عباس وقد روى الطبري من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار
عن ابن عباس قال جعل على الرجل عشرة من الكفار ثم خفف عنهم فجعل على الرجل رجلان
وروى أيضا الطبري من طريق علي بن أبي طلحة ومن طريق العوفي وغيرهما عن ابن عباس نحوه
مطولا ومختصرا (قوله وزاد سفيان) كأنه حدث مرة بالزيادة ومرة بدونها وقد روى ابن
مردويه من طريق محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال كان الرجل لا ينبغي له أن
يفر من عشرة ثم أنزل الله الآن خفف الله عنكم الآية فجعل الرجل منهم لا ينبغي له أن يفر من
اثنين وهذا يؤيد ما قلناه أنه من تصرف ابن عباس لا ابن عيينة فكأنه سمعه من عمرو بن دينار
باللفظين وسأذكر ما فيه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى (قوله قال سفيان وقال ابن شبرمة)
هو عبد الله قاضي الكوفة وهو موصول ووهم من زعم أنه معلق فإن في رواية ابن أبي عمر عن
سفيان عند أبي نعيم في المستخرج قال سفيان فذكرته لابن شبرمة فذكر مثله (قوله وأرى
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا) أي أنه عنده في حكم الجهاد لجامع ما بينهما من
إعلاء كلمة الحق وإخماد كلمة الباطل * (قوله باب الآن خفف الله عنكم وعلم أن
فيكم ضعفا الآية) زاد غير أبي ذر إلى قوله والله مع الصابرين (قوله أخبرني الزبير بن الخريت)
بكسر المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة فوقانية بصرى ثقة من صغار التابعين
قد تقدم ذكره في كتاب المظالم ولجرير بن حازم راوي هذا الحديث عن الزبير بن الخريت شيخ
آخر أخرجه ابن مردويه من طريق إسحاق بن إبراهيم بن راهويه في تفسيره عن وهب بن جرير
ابن حازم عن أبيه عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس وقد
أخرجه الإسماعيلي من طريق زياد بن أيوب عن وهب بن جرير عن أبيه عن الزبير وهو مما يؤيد
أن لجرير فيه طريقين ولفظ رواية عطاء افترض الله عليهم أن يقاتل الواحد عشرة فشق عليهم
فوضع الله عنهم إلى أن يقاتل الواحد الرجلين ثم ذكر الآية وزاد بعدها ثم قال لولا كتاب من الله
سبق فذكر تفسيرها ثم قال يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى فذكر قول العباس
في العشرين وفي قوله فأعطاني عشرين عبدا كلهم قد تاجر بمالي مع ما أرجوه من مغفرة الله تعالى
(قلت) وفي سند طريق عطاء محمد بن إسحاق وليست هذه القصة عنده مسندة بل معضلة
وصنيع بن إسحاق وتبعه الطبراني وابن مردويه يقتضى أنها موصولة والعلم عند الله تعالى (قوله
شق ذلك على المسلمين) زاد الإسماعيلي من طريق سفيان بن أبي شيبة عن جرير جهد الناس
ذلك وشق عليهم (قوله فجاء التخفيف) في رواية الإسماعيلي فنزلت الآية الأخرى وزاد
ففرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثلهم واستدل بهذا الحديث على وجوب
ثبات الواحد المسلم إذا قاوم رجلين من الكفار وتحريم الفرار عليه منهما سواء طلباه أو طلبهما
سواء وقع ذلك وهو واقف في الصف مع العسكر أو لم يكن هناك عسكر وهذا هو ظاهر تفسير ابن
عباس ورجحه ابن الصباغ من الشافعية وهو المعتمد لوجود نص الشافعي عليه في الرسالة الجديدة
234

رواية الربيع ولفظه ومن نسخة عليها خط الربيع نقلت قال بعد أن ذكر للآية آيات في كتابه أنه
وضع عنهم أن يقوم الواحد بقتال العشرة وأثبت عليهم أن يقوم الواحد بقتال الاثنين ثم ذكر
حديث ابن عباس المذكور في الباب وساق الكلام عليه لكن المنفرد لو طلباه وهو على غير أهبة
جاز له التولي عنهما جزما وأن طلبهما فهل يحرم وجهان أصحهما عند المتأخرين لا لكن ظاهر هذه
الآثار المتضافرة عن ابن عباس بأباه وهو ترجمان القرآن وأعرف الناس بالمراد لكن يحتمل
أن يكون ما أطلقه إنما هو في صورة ما إذا قاوم الواحد المسلم من جملة الصف في عسكر المسلمين
اثنين من الكفار أما المنفرد وحده بغير العسكر فلا لان الجهاد إنما عهد بالجماعة دون الشخص
المنفرد وهذا فيه نظر فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه سرية وحده وقد استوعب
الطبري وابن مردويه طرق هذا الحديث عن ابن عباس وفي غالبهما التصريح بمنع تولى الواحد
عن الاثنين واستدل ابن عباس في بعضها بقوله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء
مرضاة الله وبقوله تعالى فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك (قوله فلما خفف الله
عنهم من العدة نقص من الصبر) كذا في رواية ابن المبارك وفي رواية بن جرير عن أبيه
عند الإسماعيلي نقص من النصر وهذا قاله ابن عباس توقيفا على ما يظهر ويحتمل أن يكون
قاله بطريق الاستقراء
* (قوله سورة براءة) *
هي سورة التوبة وهي أشهر أسمائها ولها أسماء أخرى تزيد على العشرة واختلف في ترك البسملة
أولها فقيل لأنها نزلت بالسيف والبسملة أمان وقيل لانهم لما جمعوا القرآن شكوا هل هي
والانفال واحدة أو ثنتان ففصلوا بينهما بسطر لا كتابة فيه ولم يكتبوا فيه البسملة روى ذلك ابن
عباس عن عثمان وهو المعتمد وأخرجه أحمد والحاكم وبعض أصحاب السنن (قوله مرصد
طريق) كذا في بعض النسخ وسقط للأكثر وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى واقعدوا
لهم كل مرصد أي كل طريق والمراصد الطرق (قوله الا الال القرابة والذمة والعهد) تقدم
في الجزية (قوله وليجة كل شئ أدخلته في شئ) تقدم في بدء الخلق وسقط هو والذي قبله لأبي
ذر (قوله الشقة السفر) هو كلام أبي عبيدة وزاد البعيد وقيل الشقة الأرض التي يشق
سلوكها (قوله الخبال الفساد) قال أبو عبيدة في قوله تعالى ما زادوكم إلا خبالا الخبال الفساد
(قوله والخبال الموت) كذا لهم والصواب الموتة بضم الميم وزيادة هاء في آخره وهو ضرب من
الجنون (قوله ولا تفتني لا توبخني) كذا للأكثر بالموحدة والخاء المعجمة من التوبيخ وللمستملي
والجرجاني توهني بالهاء وتشديد النون من الوهن وهو الضعف ولابن السكن تؤثمني بمثلثة ثقيلة
وميم ساكنة من الاثم قال عياض وهو الصواب وهي الثابتة في كلام أبي عبيدة الذي يكثر
المصنف النقل عنه وأخرجه الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله ولا تفتني قال لا تؤثمني
ألا في الفتنة سقطوا ألا في الاثم سقطوا (قوله كرها وكرها واحد) أي بالضم والفتح وهو كلام
أبي عبيدة أيضا وسقط لأبي ذر وبالضم قرأ الكوفيون حمزة والأعمش ويحيى بن وثاب
والكسائي والباقون بالفتح (قوله مدخلا يدخلون فيه) قال أبو عبيدة في قوله ملجأ يلجؤون
235

إليه أو مغارات أو مدخلا يدخلون فيه ويتغيبون انتهى وأصل مدخلا فأدغم وقرأ
الأعمش وعيسى بن عمر بتشديد الخاء أيضا وعن ابن كثير في رواية مدخلا بفتحتين بينهما سكون
يجمحون يسرعون هو قول أبي عبيدة وزاد لا يرد وجوههم شئ ومنه فرس جموح (قوله
والمؤتفكات ائتفكت انقلبت بها الأرض) قال أبو عبيدة في قوله تعالى والمؤتفكات أتتهم
رسلهم هم قوم لوط ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت بهم (قوله أهوى ألقاه في هوة) هذه اللفظة
لم تقع في سورة براءة وإنما هي في سورة النجم ذكرها المصنف هذا استطرادا من قوله والمؤتفكة
أهوى (قوله عدن خلد إلى آخره) واقتصر أبو ذر على ما هنا قال أبو عبيدة في قوله تعالى جنات
عدن أي خلد يقال عدن فلان بأرض كذا أي أقام ومنه المعدن عدنت بأرض أقمت ويقال
في معدن صدق في منبت صدق (قوله الخوالف الخالف الذي خلفني فقعد بعدي ومنه يخلفه في
الغابرين) قال أبو عبيدة في قوله مع الخالفين الخالف الذي خلف بعد شاخص فقعد في رحله
وهو من تخلف عن القوم ومنه اللهم اخلفني في ولدي وأشار بقوله ومنه يخلفه في الغابرين إلى
حديث عوف بن مالك في الصلاة على الجنازة (قوله ويجوز أن يكون النساء من الخالفة وأن
كان جمع الذكور فإنه لم يوجد على تقدير جمعه إلا حر فان فارس وفوارس وهالك وهوالك) قال
أبو عبيدة في قوله رضوا بأن يكونوا مع الخوالف يجوز أن يكون الخوالف ههنا النساء ولا
يكادون يجمعون الرجال على فواعل غير أنهم قد قالوا فارس وفوارس وهالك وهوالك انتهى
وقد استدرك عليه ابن مالك شاهق وشواهق وناكس ونواكس وداجن ودواجن وهذه الثلاثة
مع الاثنين جمع فاعل وهو شاذ والمشهور في فواعل جمع فاعلة فإن كان من صفة النساء فواضح
وقد تحذف الهاء في صفة المفرد من النساء وأن كان من صفة الرجال قالها للمبالغة يقال
رجل خالفه لا خير فيه والأصل في جمعه بالنون واستدرك بعض الشراح على الخمسة المتقدمة
كامل وكوامل وجائح وجوائح وغارب وغوارب وغاش وغواش ولا يرد شئ منها لان الأولين
ليسا من صفات الآدميين والآخران جمع غارب وغاشية والهاء للمبالغة إن وصف بها المذكر
وقد قال المبرد في الكامل في قول الفرزدق
وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم * خضع الرقاب نواكس الأذقان
أحتاج الفرزدق لضرورة الشعر فأجرى نواكس على أصله ولا يكون مثل هذا أبدا إلا في ضرورة
ولا تجمع النحاة ما كان من فاعل نعتا على فواعل لئلا يلتبس بالمؤنث ولم يأت ذا إلا في حرفين
فارس وفوارس وهلك وهوالك أما الأول فإنه لا يستعمل في الفرد فأمن فيه اللبس وأما الثاني
فلانه جرى مجرى المثل يقولون هالك في الهوالك فأجروه على أصله لكثرة الاستعمال (قلت)
فظهر أن الضابط في هذا أن يؤمن اللبس أو يكثر الاستعمال أو تكون الهاء للمبالغة أو يكون
في ضرورة الشعر والله أعلم وقال ابن قتيبة الخوالف النساء ويقال خساس النساء ورذالتهم
ويقال فلان خالفه أهله إذا كان دينا فيهم والمراد بالخوالف في الآية النساء والرجال العاجزون
والصبيان فجمع جمع المؤنث تغليبا لكونهن أكثر في ذلك من غيرهن وأما قوله مع الخالفين فجمع
جمع الذكور تغليبا لأنه الأصل (قوله الخيرات واحدها خيرة وهي الفواضل) قال أبو عبيدة في
قوله تعالى وأولئك لهم الخيرات مع خيرة ومعناها الفاضلة من كل شئ (قوله مرجون مؤخرون)
236

سقط هذا لأبي ذر (قوله الشفا الشفير وهو حده) في رواية الكشميهني وهو حرفه (قوله
والجرف ما تجرف من السيول والأودية) قال أبو عبيدة في قوله تعالى على شفا جرف الشفا
الشفير والجرف مالم يبن من الركايا قال والآية على التمثيل لان الذي يبنى على الكفر فهو على شفا
جرف وهو ما تجرف من السيول والأودية ولا يثبت البناء عليه (قوله هار هاثر تهورت البئر
إذا انهدمت وأنهار مثله) قال أبو عبيدة في قوله تعالى هار أي هائر والعرب تنزع الياء التي في
الفاعل وقيل لا قلب فيه وإنما هو بمعنى ساقط وقد تقدم شئ من هذا في آل عمران (قوله لاواه
شفقا وفرقا قال الشاعر إذا ما قمت أرحلها بليل * تأوه آهة الرجل الحزين)
قال أبو عبيدة في قوله تعالى ان إبراهيم لاواه هو فعال من التأوه ومعناه متضرع شفقا وفرقا
لطاعة ربه قال الشاعر فذكره وقوله أرحلها هو بفتح الهمزة والحاء المهملة وقوله آهة بالمد
للأكثر وفي رواية الأصيلي بتشديد الهاء بلا مد * (تنبيه) * هذا الشعر للثقب العبدي واسمه
جحاش بن عائذ وقيل ابن نهار وهو من جملة قصيدة أولها
أناظم قبل بينك متعيني * ومنعك ما سألت كأن تبيني
ولا تعدى مواعد كاذبات * تمر بها رياح الصيف دوني
فإني لو تخالفني شمالي * لما أتبعتها أبدا يميني
ويقول فيها
فأما أن تكون أخي بحق * فأعرف منك غنى من سميني
وإلا فاطرحني واتخذني * عدوا أتقيك وتتقيني
وهي كثيرة الحكم والامثال وكان أبو محمد بن العلاء يقول لو كان الشعر مثلها وجب على الناس
أن يتعلموه * (قوله باب قوله براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين
أذان إعلام) قال أبو عبيدة في قوله تعالى وأذان من الله ورسوله قال علم من الله وهو مصدر
من قولك أذنتهم أي أعلمتهم (قوله وقال ابن عباس أذن يصدق) وصله ابن أبي حاتم من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ويقولون هو أذن يعني أنه يسمع من كل أحد قال الله قل
أذن خير لكم يؤمن بالله يعني يصدق بالله وظهر أن يصدق تفسير يؤمن لا تفسير إذن كما يفهمه
صنيع المصنف حيث اختصره (قوله تطهرهم وتزكيهم بها ونحوها كثير) وفي بعض النسخ
ومثل هذا كثير أي في القرآن ويقال التزكية والزكاة الطاعة والاخلاص وصله ابن أبي حاتم
من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تطهرهم وتزكيهم بها قال الزكاة طاعة الله
والاخلاص (قوله لا يؤتون الزكاة لا يشهدون أن لا إله إلا الله) وصله ابن أبي حاتم من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة قال هم الذين
لا يشهدون أن لا إله إلا الله وهذه الآية من تفسير فصلت ذكرها هنا استطرادا وفي تفسير ابن
عباس الزكاة بالطاعة والتوحيد دفع لاحتجاج من احتج بالآية على أن الكفار مخاطبون بفروع
الشريعة (قوله يضاهون يشبهون) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس في قوله تعالى يضاهون قول الذين كفروا أي يشبهون وقال أبو عبيدة المناهاة التشبيه
ثم ذكر حديث البراء في آخر آية نزلت وآخر سورة نزلت فأما الآية فتقدم حديث ابن عباس في
237

سورة البقرة وأن آخر آية نزلت آية الربا ويجمع بأنهما لم ينقلاه وإنما ذكراه عن استقراء بحسب
ما اطلع عليه وأولى من ذلك أن كلا منهما أراد آخرية مخصوصة وأما السورة فالمراد بعضها
أو معظمها وإلا ففيها آيات كثيرة نزلت قبل سنة الوفاة النبوية وأوضح من ذلك أن أول براءة نزل
عقب فتح مكة في سنة تسع عام حج أبي بكر وقد نزل اليوم أكملت لكم دينك وهي في المائدة في
حجة الوداع سنة عشر فالظاهر أن المراد معظمها ولا شك أن غالبها نزل في غزوة تبوك وهي آخر
غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي في تفسير إذا جاء نصر الله أنها آخر سورة نزلت وأذكر
الجمع هناك إن شاء الله تعالى وقد قيل في آخرية نزول براءة أن المراد بعضها فقيل قوله فإن تابوا
وأقاموا الصلاة الآية وقيل لقد جاءكم رسول من أنفسكم وأصح الأقوال في آخرية الآية قوله
تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله كما تقدم في البقرة ونقل ابن عبد السلام آخر آية نزلت آية
الكلالة فعاش بعدها خمسين يوما ثم نزلت آية البقرة والله أعلم * (قوله باب فسيحوا في
الأرض أربعة أشهر) ساق إلى الكافرين (فسيحوا سيروا) هو كلام أبي عبيدة بزيادة قال في قوله
تعالى فسيحوا في الأرض قال سيروا وأقبلوا وأدبروا (قوله حدثني الليث عن عقيل) في الرواية
التي بعدها حدثني الليث حدثني عقيل ولليث فيه شيخ آخر تقدم في كتاب الحج عن يحيى بن بكير
عن الليث عن يونس (قوله عن ابن شهاب وأخبرني حميد) قال الكرماني بواو العطف إشعارا
بأنه أخبره أيضا بغير ذلك قيل فهو عطف على مقدر (قلت) لم أر في طرق حديث أبي هريرة
عن أبي بكر الصديق زيادة الا ما وقع في رواية شعيب عن الزهري فإن فيه كان المشركون يوافون
بالتجارة فينتفع بها المسلمون فلما حرم الله على المشركين أن يقربوا المسجد الحرام وجد المسلمون
في أنفسهم مما قطع عنهم من التجارة فنزلت وأن خفتم عيلة الآية ثم أحل في الآية الأخرى
الجزية الحديث أخرجه الطبراني وابن مردويه مطولا من طريق شعيب وهو عند المصنف في
كتاب الجزية من هذا الوجه (قوله أن أبا هريرة رضي الله عنه قال قال بعثني) في رواية صالح بن
كيسان عن ابن شهاب في الباب الذي يليه أن أبا هريرة أخبره * (قوله باب وأذان من
الله ورسوله إلى قوله المشركين) أورد فيه حديث أبي هريرة المذكور في الباب قبله من وجهين
(قوله بعثني أبو بكر في تلك الحجة) في رواية صالح بن كيسان التي بعد هذه الحجة التي أمره
رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها قبل حجة الوداع وروى الطبري من طريق ابن عباس قال بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الحج وأمره أن يقيم للناس حجهم فخرج أبو بكر
(قوله يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك) في رواية ابن أخي الزهري عن عمه في أوائل
الصلاة في مؤذنين أي في جماعة مؤذنين والمراد بالتأذين الاعلام وهو اقتباس من قوله تعالى
واذان من الله ورسوله أي إعلام وقد وقفت ممن سمي ممن كان مع أبي بكر في تلك الحجة على
أسماء جماعة منهم سعد بن أبي وقاص فيما أخرجه الطبري من طريق الحكم عن مصعب بن
سعد عن أبيه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فلما انتهينا إلى ضجنان أتبعه عليا
ومنهم جابر روى الطبري من طريق عبد الله بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله
عليه وسلم بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه (قوله أن لا يحج) بفتح الهمزة وادغام النون في
اللام قال الطحاوي في مشكل الآثار هذا مشكل لان الاخبار في هذه القصة تدل على أن
238

النبي صلى الله عليه وسلم كان بعث أبا بكر بذلك ثم أتبعه عليا فأمره أن يؤذن فكيف يبعث أبو بكر
أبا هريرة ومن معه بالتأذين مع صرف الامر عنه في ذلك إلى علي ثم أجاب بما حاصله أن أبا بكر كان
الأمير على الناس في تلك الحجة بلا خلاف وكان على هو المأمور بالتأذين بذلك وكأن عليا لم يطق
التأذين بذلك وحده واحتاج إلى من يعينه على ذلك فأرسل معه أبو بكر أبا هريرة وغيره ليساعدوه
على ذلك ثم ساق من طريق المحرر بن أبي هريرة عن أبيه قال كنت مع علي حين بعثه النبي صلى
الله عليه وسلم ببراءة إلى أهل مكة فكنت أنادى معه بذلك حتى يصحل صوتي وكان هو ينادي
قبلي حتى يعي وأخرجه أحمد أيضا وغيره من طريق محرر بن أبي هريرة فالحاصل أن مباشرة
أبي هريرة لذلك كانت بأمر أبي بكر وكان ينادي بما يلقيه إليه على مما أمر بتبليغه (قوله بعد
العام) أي بعد الزمان الذي وقع فيه الاعلام بذلك (قوله ولا يطوف) بفتح الفاء عطفا على الحج
(قوله قال حميد) هو ابن عبد الرحمن بن عوف (ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلى وأمره
أن يؤذن ببراءة) هذا القدر من الحديث مرسل لان حميد لم يدرك ذلك ولا صرح بسماعه له من
أبي هريرة لكن قد ثبت إرسال على من عدة طرق فروى الطبري من طريق أبي صالح عن علي قال
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ببراءة إلى أهل مكة وبعثه على الموسم ثم بعثني في أثره
فأدركته فأخذتها منه فقال أبو بكر ملي قال خير أنت صاحبي في الغار وصاحبي على الحوض
غير أنه لا يبلغ عنى غيري أو رجل مني ومن طريق عمرو بن عطية عن أبيه عن أبي سعيد مثله
ومن طريق العمري عن نافع عن ابن عمر كذلك وروى الترمذي من حديث مقسم عن ابن عباس
مثله مطولا وعند الطبراني من حديث أبي رافع نحوه لكن قال فأتاه جبريل فقال أنه لن يؤديها
عنك إلا أنت أو رجل منك وروى الترمذي وحسنه وأحمد من حديث أنس قال بعث النبي صلى
الله عليه وسلم براءة مع أبي بكر ثم دعا عليا فأعطاها إياه وقال لا ينبغي لاحد أن يبلغ هذا إلا رجل
من أهلي وهذا يوضح قوله في الحديث الآخر لا يبلغ عني ويعرف منه أن المراد خصوص القصة
المذكورة لا مطلق التبليغ وروى سعيد بن منصور والترمذي والنسائي والطبري من طريق
أبي إسحاق عن زيد بن يثبع قال سألت عليا بأي شئ بعثت قال بأنه لا يدخل الجنة الا نفس
مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مسلم مع مشرك في الحج بعد عامهم هذا ومن كان له عهد
فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر واستدل بهذا الكلام الأخير على أن قوله تعالى
فسيحوا في الأرض أربعة أشهر يختص بمن لم يكن له عهد مؤقت أو لم يكن له عهد أصلا وأما من له
عهد مؤقت فهو إلى مدته فروى الطبري من طريق ابن إسحاق قال هم صنفان صنف كان له عهد
دون أربعة أشهر فأمهل إلى تمام أربعة أشهر وصنف كانت له مدة عهده بغير أجل فقصرت على
أربعة أشهر وروى أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن الأربعة الأشهر أجل من
كان له عهد مؤقت بقدرها أو يزيد عليها وأما من ليس له عهد فانقضاؤه إلى سلخ المحرم لقوله تعالى
فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ومن طريق عبيدة بن سلمان سمعت الضحاك أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم عاهد ناسا من المشركين من أهل مكة وغيرهم فنزلت براءة فنبذ إلى كل
أحد عهده وأجلهم أربعة أشهر ومن لا عهد له فأجله انقضاء الأشهر الحرم ومن طريق السدي
نحوه ومن طريق معمر عن الزهري قال كان أول الأربعة أشهر عند نزول براءة في شوال فكان
239

آخرها آخر المحرم فبذلك يجمع بين ذكر الأربعة أشهر وبين قوله فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا
المشركين واستبعد الطبري ذلك من حيث أن بلوغهم الخبر إنما كان عندما وقع النداء به في ذي
الحجة فكيف يقال لهم سيحوا أربعة أشهر ولم يبق منها إلا دون الشهرين ثم أسند عن السدي
وغير واحد التصريح بأن تمام الأربعة الأشهر في ربيع الاخر (قوله أن يؤذن ببراءة)
يجوز فيه التنوين بالرفع على الحكاية وبالجر ويجوز أن يكون علامة الجر فتحة وهو الثابت في
الروايات (قوله قال أبو هريرة فأذن معنا على) كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني وحده
قال أبو بكر فأذن معنا وهو غلط فاحش مخالف لرواية الجميع وإنما هو كلام أبي هريرة قطعا
فهو الذي كان يؤذن بذلك وذكر عياض أن أكثر رواة الفربري وافقوا الكشميهني قال وهو
غلط (قوله قال أبو هريرة فأذن معنا على) هو موصول بالاسناد المذكور وكان حميد بن
عبد الرحمن حمل قصة توجه على من المدينة إلى أن لحق أبا بكر عن غير أبي هريرة وحمل بقية القصة
كلها عن أبي هريرة وقوله فأذن معنا على في أهل منى يوم النحر إلى آخره قال الكرماني فيه
إشكال لان عليا كان مأمورا بأن يؤذن ببراءة فكيف يؤذن بأن لا يحج بعد العام مشرك
ثم أجاب بأنه أذن ببراءة ومن جملة ما اشتملت عليه أن لا يحج بعد العام مشرك من قوله تعالى فيها
إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ويحتمل أن يكون أمر أن يؤذن
ببراءة وبما أمر أبو بكر أن يؤذن به أيضا (قلت) وفي قوله يؤذن ببراءة تجوز لأنه أمر أن
يؤذن ببضع وثلاثين آية منتهاها عند قوله تعالى ولو كره المشركون فروى الطبري من طريق
أبي معشر عن محمد بن كعب وغيره قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الحج
سنة تسع وبعث عليا بثلاثين أو أربعين آية من براءة وروى الطبري من طريق أبي الصهباء
قال سألت عليا عن يوم الحج الأكبر فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر يقيم
للناس الحج وبعثني بعده بأربعين آية من براءة حتى أتى عرفة فخطب ثم ألتفت إلى فقال يا علي قم
فأد رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت فقرأت أربعين آية من أول براءة ثم صدرنا حتى
رميت الجمرة فطفقت أتتبع بها الفساطيط أقرؤها عليهم لان الجميع لم يكونوا حضروا خطبة أبي
بكر يوم عرفة (قوله وأن لا يحج بعد العام مشرك) هو منتزع من قوله تعالى فلا يقربوا المسجد
الحرام بعد عامهم هذا والآية صريحة في منعهم دخول المسجد الحرام ولو لم يقصدوا الحج ولكن
لما كان الحج هو المقصود الأعظم صرح لها بالمنع منه فيكون ما وراءه أولى بالمنع والمراد بالمسجد
الحرام هنا الحرم كله وأما ما وقع في حديث جابر فيما أخرجه الطبري وإسحاق في مسنده والنسائي
والدارمي كلاهما عنه وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق ابن جريج حدثني عبد الله بن
عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من عمرة الجعرانة
بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح فسمع رغوة ناقة النبي صلى الله
عليه وسلم فإذا على عليها فقال له أمير أو رسول فقال بلى أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم
ببراءة أقرؤها على الناس فقدمنا مكة فلما كان قبل يوم التروية بيوم قام أبو بكر فخطب الناس
بمناسكهم حتى إذا فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها ثم كان يوم النحر كذلك
ثم يوم النفر كذلك فيجمع بأن عليا قرأها كلها في المواطن الثلاثة وأما في سائر الأوقات فكان
240

يؤذن بالأمور المذكورة أن لا يحج بعد العام مشرك الخ وكان يستعين بأبي هريرة وغيره في
الاذان بذلك وقد وقع في حديث مقسم عن ابن عباس عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم
بعث أبا بكر الحديث وفيه فقام على أيام التشريق فنادى ذمة الله وذمة رسوله بريئة من كل
مشرك فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان
ولا يدخل الجنة إلا مؤمن فكان على ينادي بها فإذا بح قام أبو هريرة فنادى بها وأخرج أحمد
بسند حسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ببراءة مع أبي بكر فلما بلغ ذا الحليفة قال
لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي فبعث بها مع علي قال الترمذي حسن غريب ووقع في
حديث يعلى عند أحمد لما نزلت عشر آيات من براءة بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر
ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ منه الكتاب فرجع أبو بكر فقال
يا رسول الله نزل في شئ فقال لا إلا أنه لن يؤدي أو لكن جبريل قال لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل
منك قال العماد بن كثير ليس المراد أن أبا بكر رجع من فوره بل المراد رجع من حجته (قلت)
ولا مانع من حمله على ظاهره لقرب المسافة وأما قوله عشر آيات فالمراد أولها إنما المشركون نجس
(قوله حدثني إسحاق) هو ابن منصور كما جزم به المزي ويعقوب بن إبراهيم أي ابن سعد بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وصالح هو ابن كيسان وقد تقدم في أوائل الصلاة من رواية
يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه فله فيه طريقان وسياقه عن ابن أخي
ابن شهاب موافق لسياق عقيل وأما رواية صالح فوقع في آخرها فكان حميد يقول يوم النحر يوم
الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة وهذه الزيادة قد أدرجها شعيب عن الزهري كما تقدم
في الجزية ولفظه عن أبي هريرة بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى لا يحج بعد العام مشرك
ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس
الحج الأصغر فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع التي حج فيها النبي صلى
الله عليه وسلم مشرك انتهى وقوله يوم الحج الأكبر يوم النحر هو قول حميد بن عبد الرحمن
استنبطه من قوله تعالى وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ومن مناداة أبي هريرة
بذلك بأمر أبي بكر يوم النحر فدل على أن المراد بيوم الحج الأكبر يوم النحر وسياق رواية شعيب
يوهم أن ذلك مما نادى به أبو بكر وليس كذلك فقد تضافرت الروايات عن أبي هريرة بأن الذي كان
ينادي به هو ومن معه من قبل أبي بكر شيئان منع حج المشركين ومنع طواف العريان وأن عليا
أيضا كان ينادي بهما وكان يزيد من كان له عهد فعهده إلى مدته وأن لا يدخل الجنة إلا مسلم
وكأن هذه الأخيرة كالتوطئة لان لا يحج البيت مشرك وأما التي قبلها فهي التي احتض على
بتبليغها ولهذا فإن العلماء أن الحكمة في إرسال على بعد أبي بكر أن عادة العرب جرت بأن
لا ينفض العهد إلا من عقده أو من هو منه بسبيل من أهل بيته فأجراهم ذلك على عادتهم
ولهذا قال لا يبلغ عنى إلا أنا أو رجل من أهل بيتي وروى أحمد والنسائي من طريق محرر بن
أبي هريرة عن أبيه قال كنت مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ببراءة فكنا
ننادى أن لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول
الله صلى الله عليه وسلم عهد فأجله أربعة أشهر فإذا مضت فإن الله برئ من المشركين ورسوله
241

ولا يحج بعد العام مشرك فكنت أنادى حتى صحل صوتي وقوله وإنما قيل الأكبر الخ في حديث
ابن عمر عند أبي داود وأصله في هذا الصحيح رفعه أي يوم هذا قالوا هذا يوم النحر قال هذا يوم الحج
الأكبر واختلف في المراد بالحج الأصغر فالجمهور على أنه العمرة وصل ذلك عبد الرزاق من طريق
عبد الله بن شداد أحد كبار التابعين ووصله الطبري عن جماعة منهم عطاء والشعبي وعن مجاهد
الحج الأكبر القران والأصغر الافراد وقيل يوم الحج الأصغر يوم عرفة ويوم الحج الأكبر يوم
النحر لان فيه تتكمل بقية المناسك وعن الثوري أيام الحج تسمى يوم الحج الأكبر كما يقال يوم
الفتح وأيده السهيلي بأن عليا أمر بذلك في الأيام كلها وقيل لان أهل الجاهلية كانوا يقفون بعرفة
وكانت قريش تقف بالمزدلفة فإذا كان صبيحة النحر وقف الجميع بالمزدلفة فقيل له الأكبر
لاجتماع الكل فيه وعن الحسن سمي بذلك لاتفاق حج جميع الملل فيه وروى الطبري من طريق
أبي جحيفة وغيره أن يوم الحج الأكبر يوم عرفة ومن طريق سعيد بن جبير أنه النحر واحتج بأن
يوم التاسع وهو يوم عرفة إذا انسلخ قبل الوقوف لم يفت الحج بخلاف العاشر فإن الليل إذا انسلخ
قبل الوقوف فات وفي رواية الترمذي من حديث على مرفوعا وموقوفا يوم الحج الأكبر يوم
النحر ورجح الموقوف وقوله فنبذ أبو بكر الخ هو أيضا مرسل من قول حميد بن عبد الرحمن
والمراد أن أبا بكر أفصح لهم بذلك وقيل إنما لم يقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على تبليغ أبي بكر
عنه ببراءة لأنها تضمنت مدح أبي بكر فأراد أن يسمعوها من غير أبي بكر وهذه غفلة من قائله
حمله عليها ظنة أن المراد تبليغ براءة كلها وليس الامر كذلك لما قدمناه وإنما أمر بتبليغه منها
أوائلها فقط وقد قدمت حديث جابر وفيه أن عليا قرأها حتى ختمها وطريق الجمع فيه
واستدل به على أن حجة أبي بكر كانت في ذي الحجة على خلاف المنقول عن مجاهد وعكرمة بن خالد
وقد قدمت النقل عنهما بذلك في المغازي ووجه الدلالة أن أبا هريرة قال بعثني أبو بكر في تلك الحجة
يوم النحر وهذا لا حجة فيه لان قول مجاهد إن ثبت فالمراد بيوم النحر الذي هو صبيحة يوم الوقوف
سواء كان الوقوف وقع في ذي القعدة أو في ذي الحجة نعم روى ابن مردويه من طريق عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده قال كانوا يجعلون عاما شهرا وعاما شهرين يعني يحجون في شهر واحد
مرتين في سنتين ثم يحجون في الثالث في شهر آخر غيره قال فلا يقع الحج في أيام الحج إلا في كل خمس
وعشرين سنة فلما كان حج أبي بكر وافق ذلك العام شهر الحج فسماه الله الحج الأكبر * (تنبيه) *
اتفقت الروايات على أن حجة أبي بكر كانت سنة تسع ووقع في حديث لعبد الرزاق عن معمر
عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في قوله براءة من الله ورسوله قال لما كان زمن
خيبر اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ثم أمر أبا بكر الصديق على تلك الحجة قال
الزهري وكان أبو هريرة يحدث أن أبا بكر أمره أن يؤذن ببراءة ثم أتبع النبي صلى الله عليه وسلم
عليا الحديث قال الشيخ عماد الدين بن كثير هذا فيه غرابة من جهة أن الأمير في سنة عمرة
الجعرانة كان عتاب بن أسيد وأما حجة أبي بكر فكانت سنة تسع (قلت) يمكن رفع الاشكال
بأن المراد بقوله ثم أمر أبا بكر يعني بعد أن رجع إلى المدينة وطوى ذكر من ولي الحج سنة ثمان
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من العمرة إلى الجعرانة فأصبح بها توجه هو ومن معه
إلى المدينة إلى أن جاء أوان الحج فأمر أبا بكر وذلك سنة تسع وليس المراد أنه أمر أبا بكر
242

أن يحج في السنة التي كانت فيها عمرة الجعرانة وقوله على تلك الحجة يريد الآتية بعد رجوعهم إلى
المدينة * (قوله باب قوله تعالى فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم) قرأ الجمهور
بفتح الهمزة من أيمان أي لا عهود لهم وعن الحسن البصري بكسر الهمزة وهي قراءة شاذة
وقد روى الطبري من طريق عمار بن ياسر وغيره في قوله إنهم لا أيمان لهم أي لا عهد لهم وهذا يؤيد
قراءة الجمهور (قوله حدثنا يحيي) هو ابن سعيد وإسماعيل هو ابن أبي خالد (قوله ما بقي من أصحاب
هذه الآية إلا ثلاثة) هكذا وقع مبهما ووقع عند الإسماعيلي من رواية ابن عيينة عن إسماعيل بن
أبي خالد بلفظ وما بقي من المنافقين من أهل هذه الآية لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية إلا
أربعة نفر إن أحدهم لشيخ كبير قال الإسماعيلي إن كانت الآية ما ذكر في خبر ابن عيينة فحق
هذا الحديث أن يخرج في سورة الممتحنة انتهى وقد وافق البخاري على إخراجها عند آية براءة
النسائي وابن مردويه فأخرجاه من طرق عن إسماعيل وليس عند أحد منهم تعيين الآية وانفرد
ابن عيينة بتعيينها إلا أن عند الإسماعيلي من رواية خالد الطحان عن إسماعيل في آخر الحديث قال
إسماعيل يعني الذين كاتبوا المشركين وهذا يقوي رواية ابن عيينة وكان مستند من أخرجها في آية
براءة ما رواه الطبري من طريق حبيب بن حسان عن زيد بن وهب قال كنا عند حذيفة فقرأ
هذه الآية فقاتلوا أئمة الكفر قال ما قوتل أهل هذه الآية بعد ومن طريق الأعمش عن زيد بن
وهب نحوه والمراد بكونهم لم يقاتلوا أن قتالهم لم يقع لعدم وقوع الشرط لان لفظ الآية وأن
نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا فلما لم يقع منهم نكث ولا طعن لم
يقاتلوا وروى الطبري من طريق السدي قال المراد بأئمة الكفر كفار قريش ومن طريق
الضحاك قال أئمة الكفر رؤس المشركين من أهل مكة (قوله الا ثلاثة) سمي منهم في رواية
أبي بشر عن مجاهد أبو سفيان بن حرب وفي رواية معمر عن قتادة أبو جهل بن هشام وعتبة بن
ربيعة وأبو سفيان وسهيل بن عمرو وتعقب بأن أبا جهل وعتبة قتلا ببدر وإنما ينطبق التفسير على
من نزلت الآية المذكورة وهو حي فيصح في أبي سفيان وسهيل بن عمرو وقد أسلما جميعا (قوله
ولا من المنافقين إلا أربعة) لم أقف على تسميتهم (قوله فقال أعرابي) لم أقف على اسمه (قوله إنكم
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم) بنصب أصحاب على الماء مع حذف الأداة أو هو بدل من
الضمير في إنكم (قوله تخبروننا فلا ندري) كذا وقع في رواية الإسماعيلي وتخبروننا عن أشياء (قوله
يبقرون) بموحدة ثم قاف أي ينقبون قال الخطابي وأكثر ما يكون النقر في الخشب والصخور
يعني بالنون (قوله أعلاقنا) بالعين المهملة والقاف أي نفائس أموالنا وقال ابن التين وجدته
في بعض الروايات مضبوطا بالغين المعجمة ولا وجه له انتهى ووجد في نسخة الدمياطي بخطة
بالغين المعجمة أيضا ذكره شيخنا ابن الملقن ويمكن توجيهه بأن الاغلاق جمع علق بفتحتين وهو الباب
الذي يغلق على البيت ويفتح بالمفتاح ويطلق الغلق على الحديدة التي تجعل في الباب ويعمل فيها
القفل فيكون قوله ويسرقوا أغلاقنا إما على الحقيقة فإنه إذا تمكن من سرقة الغلق توصل إلى فتح
الباهلي أو فيه مجاز الحذف أي يسرقون ما في أغلاقنا (قوله أولئك الفساق) أي الذين يبقرون
ويسرقون لا الكفار ولا المنافقون (قوله أحدهم شيخ كبير) لم أقف على تسميته (قوله لو شرب الماء
البارد لما وجد برده) أي لذهاب شهوته وفساد معدته فلا يفرق بين الألوان ولا الطعوم * (قوله
باب قوله والذين يكنزون الذهب والفضة الآية) (قوله يكون كنز أحدكم يوم القيامة
243

شجاعا أقرع) كذا أورده مختصرا وهو عند أبي نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أبي اليمان
وزاد يفر منه صاحبه ويطلبه أنا كنزك فلا يزال به حتى يلقمه إصبعه وكذا أخرجه النسائي من
طريق علي بن عياش عن شعيب وقد تقدم من وجه آخر عن أبي هريرة في كتاب الزكاة مع شرح
الحديث ثم ذكر حديث أبي ذر في قصته مع معاوية في تأويل قوله تعالى والذين يكنزون الذهب
والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله وقد تقدم في الزكاة أيضا مع شرحه قوله باب * (قوله
عز وجل يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها الآية) (قوله وقال أحمد بن شبيب) كذا أورده
مختصرا وتقدم بأتم منه في كتاب الزكاة مع شرحه * (قوله باب قوله أن عدة المشهور
عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض) أي أن الله سبحانه وتعالى
لما ابتدأ خلق السماوات والأرض جعل السنة أثنى عشرا شهرا (قوله منها أربعة حرم) قد ذكر
تفسيرها في حديث الباب (قوله ذلك الدين القيم) قال أبو عبيدة في قوله ذلك الدين القيم مجازه
القائم أي المستقيم فخرج مخرج سيد من ساد يسود كقام يقوم (قوله فلا تظلموا فيهن أنفسكم)
أي في الأربعة باستحلال القتال وقيل بارتكاب المعاصي (قوله إن الزمان قد استدار كهيئته)
تقدم الكلام عليه في أوائل بدء الخلق وأن المراد بالزمان السنة وقوله كهيئته أي استدار
استدارة مثل حالته ولفظ الزمان يطلق على قليل الوقت وكثيره والمراد باستدارته وقوع تاسع
ذي الحجة في الوقت الذي حلت فيه الشمس برج الحمل حيث يستوي الليل والنهار ووقع في حديث
ابن عمر عند ابن مردويه أن الزمان قد استدار فهو اليوم كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض
(قوله السنة اثنا عشر شهرا) أي السنة العربية الهلالية وذكر الطبري في سبب ذلك من طريق
حصين بن عبد الرحمن عن أبي مالك قال كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا ومن وجه آخر
كانوا يجعلون السنة اثني عشر شهرا وخمسة وعشرين يوما فتدور الأيام والشهور كذلك (قوله
(قوله ثلاث متواليات) هو تفسير الأربعة الحرم قال ابن التين الصواب ثلاثة متوالية
يعني لان المميز الشهر قال ولعله أعاده على المعنى أي ثلاث مدد متواليات انتهى أو باعتبار
العدة مع أن الذي لا يذكر التمييز معه يجوز فيه التذكير والتأنيث وذكرها من سنتين لمصلحة
التوالي بين الثلاثة وإلا فلو بدأ بالمحرم لفات مقصود التوالي وفيه إشارة إلى إبطال ما كانوا
يفعلونه في الجاهلية من تأخير بعض الأشهر الحرم فقيل كانوا يجعلون المحرم صفرا
ويجعلون صفرا المحرم لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا يتعاطون فيها القتال فذلك قال متواليات
وكانوا في الجاهلية على أنحاء منهم من يسعى المحرم صفرا فيحل فيه القتال ويحرم القتال في صفر
ويسميه المحرم ومنهم من كان يجعل ذلك سنة هكذا وسنة هكذا ومنه من يجعله سنتين هكذا
وسنتين هكذا ومنهم من يؤخر صفرا إلى ربيع الأول وربيعا إلى ما يليه وهكذا إلى أن يصير شوال
ذا القعدة وذو القعدة ذا الحجة ثم يعود فيعيد العدد على الأصل (قوله ورجب مضر) أضافة إليهم
لانهم كانوا متمسكين بتعظيمه بخلاف غيرهم فيقال إن ربيعة كانوا يجعلون بدله رمضان وكان
من العرب من يحمل في رجب وشعبان ما ذكر في المحرم وصفر فيحلون رجبا ويحرمون شعبان
ووصفه بكونه بين جمادى وشعبان تأكيدا وكان أهل الجاهلية قد نسؤا بعض الأشهر الحرم
أي أخروها فيحلون شهرا حراما ويحرمون مكانه آخر بدله حتى رفض تخصيص الأربعة
244

بالتحريم أحيانا ووقع تحريم أربعة مطلقة من السنة فمعنى الحديث أن الأشهر رجعت إلى
ما كانت عليه وبطل النسئ وقال الخطابي كانوا يخالفون بين أشهر السنة بالتحليل والتحريم
والتقديم والتأخير لأسباب تعرض لهم منها استعجال الحرب فيستحلون الشهر الحرام ثم
يحرمون بدله شهرا غيره فتتحول في ذلك شهور السنة وتتبدل فإذا أتى على ذلك عدة من السنين
استدار الزمان وعاد الامر إلى أصله فاتفق وقوع حجة النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك
* (تنبيه) * أبدى بعضهم لما استقر عليه الحال من ترتيب هذه الأشهر الحرم مناسبة لطيفة
حاصلها أن للأشهر الحرم مزية على ما عداها فناسب أن يبدأ بها العام وأن تتوسطه وأن تختم به
وإنما كان الختم بشهرين لوقوع الحج ختام الأركان الأربع لأنها تشتمل على عمل مال محض وهو
الزكاة وعمل بدن محض وذلك تارة يكون بالجوارح وهو الصلاة وتارة بالقلب وهو الصوم لأنه كف
عن المفطرات وتارة عمل مركب من مال وبدن وهو الحج فلما جمعهما ناسب أن يكون له ضعف
ما لواحد منهما فكان له من الأربعة الحرم شهران والله أعلم * (قوله باب قوله ثاني
اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا أي ناصرنا) قال أبو عبيدة في قوله تعالى
أن الله معنا أي ناصرنا وحافظنا (قوله السكينة فعيلة من السكون) هو قول أبي عبيدة أيضا
(قوله حدثنا عبد الله بن محمد) هو الجعفي وهو المذكور في جميع أحاديث الباب إلا الطريق
الأخير وفي شيوخه عبد الله بن محمد جماعة منهم أبو بكر بن أبي شيبة ولكن حيث يطلق ذلك
فالمراد به الجعفي لاختصاصه به وإكثاره عنه وحبان بفتح أوله ثم الموحدة الثقيلة هو ابن هلال
وقد تقدم الحديث مع شرحه في مناقب أبي بكر (قوله حين وقع بينه وبين ابن الزبير) أي بسبب
البيعة وذلك أن ابن الزبير حين مات معاوية أمتنع من البيعة ليزيد بن معاوية وأصر على ذلك حتى
أغرى يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة بالمدينة فكانت وقعة الحرة ثم توجه الجيش إلى مكة فمات
أميرهم مسلم بن عقبة وقام بأمر الجيش الشامي حصين بن نمير فحصر ابن الزبير بمكة ورموا الكعبة
بالمنجنيق حتى احترقت ففجأهم الخبر بموت يزيد بن معاوية فرجعوا إلى الشام وقام ابن الزبير في
بناء الكعبة ثم دعا إلى نفسه فبويع بالخلافة وأطاعه أهل الحجاز ومصر والعراق وخراسان
وكثير من أهل الشام ثم غلب مروان على الشام وقتل الضحاك بن قيس الأمير من قبل ابن الزبير
بمرج راهط ومضى مروان إلى مصر وغلب عليها وذلك كله في سنة أربع وستين وكمل بناء الكعبة
في سنة خمس ثم مات مروان في سنة خمس وستين وقام عبد الملك ابنه مقامه وغلب المختار بن أبي
عبيد على الكوفة ففر منه من كان من قبل ابن الزبير وكان محمد بن علي بن أبي طالب المعروف
بابن الحنفية وعبد الله بن عباس مقيمين بمكة منذ قتل الحسين فدعاهما ابن الزبير إلى البيعة له
فامتنعا وقالا لا نبايع حتى يجتمع الناس على خليفة وتبعهما جماعة على ذلك فشدد عليهم ابن
الزبير وحصرهم فبلغ المختار فجهز إليهم جيشا فأخرجوهما واستأذنوهما في قتال ابن الزبير
بعده إلى جهة رضوى جبل بينبع فأقام هناك ثم أراد دخول الشام فتوجه إلى نحو أيلة فمات
في آخر سنة ثلاث أو أول سنة أربع وسبعين وذلك عقب قتل ابن الزبير على الصحيح وقيل عاش
إلى سنة ثمانين أو بعد ذلك وعند الوافدي أنه مات بالمدينة سنة إحدى وثمانين وزعمت الكيسانية
245

أنه حي لم يمت وأنه المهدي أنه لا يموت حتى يملك الأرض في خرافات لهم كثيرة ليس هذا موضعها
وإنما لخصت من ذكرته من طبقات ابن سعد وتاريخ الطبري وغيره لبيان المراد بقول ابن أبي
مليكة حين وقع بينه وبين ابن الزبير ولقوله في الطريق الأخرى فغدوت على ابن عباس فقلت
أتريد أن تقاتل بن الزبير وقول ابن عباس قال الناس بايع لابن الزبير فقلت وأين بهذا الامر
عنه أي أنه مستحق لذلك لما له من المناقب المذكورة ولكن أمتنع ابن عباس من المبايعة له لما
ذكرناه وروى الفاكهي من طريق سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال كان ابن
عباس وابن الحنفية بالمدينة ثم سكنا مكة وطلب منهما ابن الزبير البيعة فأبيا حتى يجتمع الناس
على رجل فضيق عليهما فبعث رسولا إلى العراق فخرج إليهما جيش في أربعة آلاف فوجدوهما
محصورين وقد أحضر الحطب فجعل على الباب يخوفهما بذلك فأخرجوهما إلى الطائف وذكر
ابن سعد أن هذه القصة وقعت بين ابن الزبير وابن عباس في سنة ست وستين (قوله وأمه أسماء)
أي بنت أبي بكر الصديق وقوله وجدته صفية أي بنت عبد المطلب وقوله في الرواية الثانية وأما
عمته فزوج النبي صلى الله عليه وسلم يريد خديجة أطلق عليها عمته تجوزا وإنما هي عمة أبيه لالها
خديجة بنت خويلد أي ابن أسد والزبير هو ابن العوام بن خويلد بن أسد وكذا تجوز في الرواية
الثالثة حيث قال ابن أبي بكر وإنما هو ابن بنته وحيث قال ابن أخي خديجة وإنما هو ابن ابن
أخيها العوام (قوله فقلت لسفيان إسناده) بالنصب أي أذكر إسناده أو بالرفع أي ما إسناده
(فقال حدثنا فشغله إنسان ولم يقل ابن جريج) ظاهر هذا أنه صرح له بالتحديث لكن لما لم يقل
ابن جريج احتمل أن يكون أراد أن يدخل بينهما واسطة واحتمل عدم الواسطة ولذلك استظهر
البخاري بإخراج الحديث من وجه آخر عن ابن جريج ثم من وجه آخر عن شيخه (قوله في
الطريق الثانية حجاج) هو ابن محمد المصيصي (قوله قال ابن أبي مليكة وكان بينهما شئ)
كذا أعاد الضمير بالتثنية على غير مذكور اختصارا ومراده ابن عباس وابن الزبير وهو صريح
في الرواية الأولى حيث قال قال ابن عباس حين وقع بينه وبين ابن الزبير (قوله فتحل ما حرم الله)
أي من القتال في الحرم (قوله كتب) أي قدر (قوله محلين) أي أنهم كانوا يبيحون القتال
في الحرم وإنما نسب ابن الزبير إلى ذلك وأن كان بنو أمية هم الذين ابتدؤه بالقتال وحصروه وإنما
بدأ منه أولا دفعهم عن نفسه لأنه بعد أن ردهم الله عنه حصر بني هاشم ليبايعوه فشرع
فيما يؤذن بإباحته القتال في الحرم وكان بعض الناس يسمى ابن الزبير المحل لذلك قال الشاعر
يتغزل في أخته رملة
ألا من لقلب معنى غزل * يحب المحلة أخت المحل
وقوله لا أحله أبدا أي لا أبيح القتال فيه وهذا مذهب ابن عباس أنه لا يقاتل في الحرم ولو قوتل
فيه (قوله قال قال الناس) القائل هو ابن عباس ونافل ذلك عنه ابن أبي مليكة فهو متصل
والمراد بالناس من كان من جهة ابن الزبير وقوله بايع بصيغة الامر وقوله وأين بهذا الامر أي
الخلافة أي ليست بعيدة عنه لما له من الشرف بأسلافه الذين ذكرهم ثم صفته التي أشار إليها
بقوله عفيف في الاسلام قارئ للقرآن وفي رواية ابن قتيبة من طريق محمد بن الحكم عن عوانة
ومن طريق يحيى بن سعد عن الأعمش قال قال ابن عباس لما قيل له بايع لابن الزبير أين المذهب
246

عن ابن الزبير وسيأتي الكلام على قوله في الرواية الثانية ابن أبي بكر في تفسير الحجرات (قوله
والله إن وصلوني وصلوني من قريب) أي بسبب القرابة (قوله وأن ربوني) بفتح الراء (1) وضم
الموحدة الثقيلة من التربية (قوله ربوني) في رواية الكشميهني ربني بالافراد وقوله أكفاء أي
أمثال وأحدها كفء وقوله كرام أي في أحسابهم وظاهر هذا أن مراد ابن عباس بالمذكورين
بنو أسد رهط ابن الزبير وكلام أبي مخنف الاخباري يدل على أنه أراد بني أمية فأنه ذكر من طريق
أخرى أن ابن عباس لما حضرته الوفاة بالطائف جمع بنيه فقال يا بني إن ابن الزبير لما خرج بمكة
شددت أزره ودعوت الناس إلى بيعته وتركت بني عمنا من بني أمية الذين إن قبلونا قبلونا أكفاء
وأن ربونا ربونا كراما فلما أصاب ما أصاب جفاني ويؤيد هذا ما في آخر الرواية الثالثة حيث قال
وأن كان لا بد لان يربني بنو عمي أحب إلى من أن يربني غيرهم فإن بني عمه هم بنو أمية بن عبد
شمس بن عبد مناف لانهم من بني عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فعبد المطلب جد عبد الله بن
عباس ابن عبد المطلب ابن عم أمية جد مروان بن الحكم بن أبي العاص وكان هاشم وعبد شمس
شقيقين قال الشاعر
عبد شمس كان يتلو هاشما * وهما بعد لام ولأب
وأصرح من ذلك ما في خبر أبي مخنف فإن في آخر أن ابن عباس قال لبنيه فإذا دفنتموني فالحقوا
ببني عمكم بني أمية ثم رأيت بيان ذلك واضحا فيما أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه في الحديث
المذكور فإنه قال بعد قوله ثم عفيف في الاسلام قارئ للقرآن وتركت بني عمي إن وصلوني
وصلوني عن قريب أي أذعنت له وتركت بني عمي فآثر على غيري وبهذا يستقيم الكلام
وأصرح من ذلك ما في رواية ابن قتيبة المذكورة أن ابن عباس قال لابنه على الحق بابن عمك فإن
أنفك منك وأن كان أجدع فلحق على بعبد الملك فكان آثر الناس عنده (قوله فآثر على) بصيغة
الفعل الماضي من الأثرة ووقع في رواية الكشميهني فأين بتحتانية ساكنة ثم نون وهو تصحيف
وفي رواية ابن قتيبة المذكورة فشددت على عضدة فآثر على فلم أرض بالهوان (قوله التويتات
والأسامات والحميدات يريد أبطنا من بني أسد) أما التويتات فنسبة إلى بني تويت بن أسد ويقال
تويت بن الحرث بن عبد العزي بن قصي وأما الأسامات فنسبة إلى بني أسامة بن أسد بن عبد
العزى وأما الحميدات فنسبة إلى بني حميد بن زهير بن الحرث بن أسد بن عبد العزي قال
الفاكهي حدثنا الزبير بن كبار عن محمد بن الضحاك في آخرين أن زهير بن الحرث دفن في الحجر قال
وحدثنا الزبير قال كان حميد بن زهير أول من بنى بمكة بيتا مربعا وكانت قريش تكره ذلك لمضاهاة
الكعبة فلما بنى حميد بيته قال قاتلهم
اليوم يبني لحميد بيته * إما حياته وأما موته
فلما لم يصبه شئ تابعوه على ذلك وتجتمع هذه الا بطن مع خويلد بن أسد جد ابن الزبير قال
الأزرقي كان ابن الزبير إذا دعا الناس في الاذن بدأ ببنى أسد على بني هاشم وبني عبد شمس وغيرهم
فهذا معنى قول ابن عباس فآثر على التويتات الخ قال فلما ولى عبد الملك بن مروان قدم بني عبد
شمس ثم بني هاشم وبني المطلب وبنى نوفل ثم أعطى بنى الحرث بن فهر قبل بني أسد وقال لأقدمن
247

عليهم أبعد بطن من قريش فكان يصنع ذلك مبالغة منه في مخالفة ابن الزبير وجمع ابن عباس
البطون المذكورة جمع القلة تحقيرا لهم (قوله يريد إبطنا من بني أسد بن تويت) كذا وقع
وصوابه يريد أبطنا من بني تويت بن أسد الخ نبه على ذلك عياض (قلت) وكذا وقع في
مستخرج أبي نعيم على الصواب وفي رواية أبي مخنف المذكورة أفخاذا صغارا من بني أسد بن
عبد العزي وهذا صواب (قوله أن ابن أبي العاص) يعني عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي
العاص (قوله برز) أي ظهر (قوله يمشى القدمية) بضم القاف وفتح الدال وقد تضم أيضا
وقد تسكن وكسر الميم وتشديد التحتانية قال الخطابي وغيره معناها التبختر وهو مثل يريد أنه
برز يطلب معالى الأمور قال ابن الأثير الذي في البخاري القدمية وهي التقدمة في الشرف
والفضل والذي في كتب الغريب القديمة بزيادة تحتانية في أوله ومعناها التقدمة في الشرف
وقيل التقدم بالهمة والفعل (قلت) وفي رواية أبي مخنف مثل ما وقع في الصحيح (قوله وأنه لوى
ذنبه) يعني ابن الزبير لوى بتشديد الواو وبتخفيفها أي ثناه وكنى بذلك عن تأخره وتخلفه عن معالي
الأمور وقيل كنى به عن الجبن وإيثار الدعة كما تفعل السباع إذا أرادت النوم والأول أولى وفي مثله
قال الشاعر
مشى ابن الزبير القهقرى وتقدمت * أمية حتى أحرزوا القصبات
وقال الداودي المعنى أنه وقف فلم يتقدم ولم يتأخر ولا وضع الأشياء مواضعها فأدنى الناصح
وأقصى الكاشح وقال ابن التين معنى لوى ذنبه لم يتم له ما أراده وفي رواية أبي مخنف المذكورة
وأن ابن الزبير يمشي القهقرى وهو المناسب لقوله في عبد الملك يمشى القدمية وكان الامر كما قال
ابن عباس فإن عبد الملك لم يزل في تقدم من أمره إلى أن استنقذ العراق من ابن الزبير وقتل أخاه
مصعبا ثم جهز العساكر إلى ابن الزبير بمكة فكان من الامر ما كان ولم يزل أمر ابن الزبير في تأخر
إلى أن قتل رحمه الله تعالى (قوله في الرواية الثالثة عن عمر بن سعيد) أي ابن أبي حسين المكي
وقوله لأحاسبن نفسي أي لأناقشنها في معونته ونصحه قاله الخطابي وقال الداودي معناه لأذكرن
من مناقبه ما لم أذكر من منافيهما وإنما صنع ابن عباس ذلك لاشتراك الناس في معرفة مناقب أبي
بكر وعمر بخلاف ابن الزبير فما كانت مناقبه في الشهرة كمناقبهما فأظهر ذلك ابن عباس وبينه
للناس انصافا منه له فلما لم ينصفه هو رجع عنه (قوله فإذا هو يتعلى عنى) أي يترفع على متنحيا
عنى (قوله ولا يريد ذلك) أي لا يريد أن أكون من خاصته وقوله ما كنت أظن أني أعرض
هذا من نفسي أي أبدؤه بالخضوع له ولا يرضى منى بذلك وقوله وما أراه يريد خيرا أي لا يريد أن
يصنع بن خيرا وفي رواية الكشميهني وإنما أراه يريد خيرا وهو تصحيف ويوضحه ما تقدم وقوله
لأن يربني أي يكون على ربا أي أميرا أو ربه بمعنى رباه وقام بأمره وملك تدبيره قال التيمي معناه
لان أكون في طاعة بني أمية أحب إلى من أن أكون في طاعة بني أسد لان بني أمية أقرب إلى بني
هاشم من بني أسد كما تقدم والله أعلم * (قوله باب قوله والمؤلفة قلوبهم وفي
الرقاب قال مجاهد يتألفهم بالعطية) وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وسقط
قوله وفي الرقاب من غير رواية أبي ذر وهو أوجه إذ لم يذكر ما يتعلق بالرقاب ثم ذكر حديث أبي
سعيد بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشئ فقسمه بين أربعة وقال أتألفهم فقال رجل
ما عدلت أورده مختصرا جدا وأيهم الباعث والمبعوث وتسمية الأربعة والرجل القائل وقد تقدم
248

بيان جميع ذلك في غزوة حنين من المغازي * (قوله باب قوله الذين يلمزون المطوعين
من المؤمنين في الصدقات يلمزون يعيبون) سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في الزكاة (قوله
جهدهم وجهدهم طاقتهم) قال أبو عبيدة في قوله والذين لا يجدون الا جهدهم مضموم ومفتوح
سواء ومعناه طاقتهم يقال جهد المقل وقال الفراء الجهد بالضم لغة أهل الحجاز ولغة غيرهم الفتح
وهذا هو المعتمد عند أهل العلم باللسان قاله الطبري وحكى عن بعضهم أن معناهما مختلف قيل
بالفتح المشقة وبالضم الطاقة وقيل غير ذلك (قوله عن سليمان) هو الأعمش وأبو مسعود
هو عقبة بن عمرو البدري (قوله لما أمرنا بالصدقة) تقدم في الزكاة بلفظ لما نزلت آية الصدقة
وقد تقدم بيانه هناك (قوله كنا نتحامل) أي يحمل بعضنا لبعض بالاجرة وقد تقدم في الزكاة من
وجه آخر عن شعبة بلفظ نحامل أي نؤاجر أنفسنا في الحمل وتقدم بيان الاختلاف في ضبطه
وقال صاحب المحكم تحامل في الامر أي تكلفة على مشقة ومنه تحامل على فلان أي كلفه
ما لا يطيق (قوله فجاء أبو عقيل بنصف صاع) اسم أبي عقيل هذا وهو بفتح أوله حجاب
بمهملتين بينهما موحدة ساكنة وآخره مثلها ذكره عبد بن حميد والطبري وابن منده من طريق
سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال في قوله تعالى الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات
قال جاء رجل من الأنصار يقال له الحجاب أبو عقيل فقال يا نبي الله بت أجر الجرير على صاعين
من تمر فأما صاع فأمسكته لأهلي وأما صاع فها هو ذا فقال المنافقون أن كان الله ورسوله لغنيين
عن صاع أبي عقيل فنزلت وهذا مرسل ووصله الطبراني والبارودي والطبري من طريق موسى
ابن عبيدة عن خالد بن يسار عن ابن أبي عقيل عن أبيه بهذا ولكن لم يسموه وذكر السهيلي أنه
رآه بخط بعض الحفاظ مضبوطا بجيمين وروى الطبراني في الأوسط وابن منده من طريق سعيد
ابن عثمان البلوي عن جدته بنت عدى أن أمها عميرة بنت سهل بن رافع صاحب الصاع الذي لمزه
المنافقون خرج بزكاته صاع تمر وبابنته عميرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لهما بالبركة وكذا
ذكر ابن الكلبي أن سهل بن رافع هو صاحب الصاع الذي لمزه المنافقون وروى عبد بن حميد
من طريق عكرمة قال في قوله تعالى والذين لا يجدون إلا جهدهم هو رفاعة بن سهل ووقع عند ابن
أبي حاتم رفاعة بسعد فيحتمل أن يكون تصحيفا ويحتمل أن يكون اسم أبي عقيل سهل ولقبه
حجاب أو هما اثنان وفي الصحابة أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة البلوي بدري لم يسمه موسى بن عقبة
ولا ابن إسحاق وسماه الواقدي عبد الرحمن قال واستشهد باليمامة وكلام الطبري يدل على أنه هو
صاحب الصاع عنده وتبعه بعض المتأخرين والأول أولى وقيل هو عبد الرحمن بن (1) سمحان
وقد ثبت في حديث كعب بن مالك في قصة توبته قال وجاء رجل يزول به السراب فقال النبي صلى
الله عليه وسلم كن أبا خيثمة فإذا هو أبو خيثمة وهو صاحب الصاع الذي لمزه المنافقون واسم أبي
خيثمة هذا عبد الله بن خيثمة من بني سالم من الأنصار فهذا يدل على تعدد من جاء بالصاع ويؤيد
ذلك أن أكثر الروايات فيها أنه جاء بصاع وكذا وقع في الزكاة فجاء رجل فتصدق بصاع وفي
حديث الباب فجاء أبو عقيل بنصف صاع وجزم الواقدي بأن الذي جاء بصدقة ماله هو زيد بن أسلم
العجلاني والذي جاء بالصاع هو علية بن زيد المحاربي وسمي من الذين قالوا إن هذا مراء وأن
الله غنى عن صدقة هذا معتب بن قشير وعبد الله بن نبتل وأورده الخطيب في المبهمات من طريق
249

الواقدي وفيه عبد الرحمن بن نبتل وهو بنون ثم موحدة ثم مثناة ثم لام بوزن جعفر وسيأتي أيضا
ما يدل على تعدد من جاء بأكثر من ذلك (قوله وجاء انسان بأكثر منه) تقدم في الزكاة بلفظ وجاء
رجل بشئ كثير وروى البزار من طريق عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثا قال فجاء عبد الرحمن بن
عوف فقال يا رسول الله عند أربعة آلاف ألفين أقرضهما ربي وألفين أمسكهما لعيالي فقال
بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت قال وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من تمر
الحديث قال البزار لم يسنده إلا طالوت بن عباد عن أبي عوانة عن عمر قال وحدثناه أبو كامل
عن أبي عوانة فلم يذكر أبا هريرة فيه وكذلك أخرجه عبد بن حميد عن يونس بن محمد عن أبي
عوانه وأخرجه ابن أبي حاتم والطبري وابن مردويه من طرق أخرى عن أبي عوانة مرسلا
وذكره ابن إسحاق في المغازي بغير إسناد وأخرجه الطبري من طريق يحيى بن أبي كثير
ومن طريق سعيد عن قتادة وابن أبي حاتم من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة والمعنى واحد
قال وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة يعني في غزوة تبوك فجاء عبد الرحمن بن
عوف بأربعة آلاف فقال يا رسول الله مالي ثمانية آلاف جئتك بنصفها وأمسكت نصفها
فقال بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت وتصدق يومئذ عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر
وجاء أبو عقيل بصاع من تمر الحديث وكذا أخرجه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس
نحوه ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية
من ذهب بمعناه وعند عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس قال جاء عبد الرحمن
ابن عوف بأربعمائة أوقية من ذهب فقال أن لي ثمانمائة أوقية من ذهب الحديث وأخرجه عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة فقال ثمانية آلاف دينار ومثله لابن أبي حاتم من طريق مجاهد وحكى
عياض في الشفاء أنه جاء يومئذ بتسعمائة بعير وهذا اختلاف شديد في القدر الذي أحضره عبد
الرحمن بن عوف وأصح الطرق فيه ثمانية آلاف درهم وكذلك أخرجه ابن أبي حاتم من طريق
حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أو غيره والله أعلم ووقع في معاني الفراء أن النبي صلى الله عليه
وسلم حث الناس على الصدقة فجاء عمر بصدقة وعثمان بصدقة عظيمة وبعض أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم يعني عبد الرحمن بن عوف ثم جاء أبو عقيل بصاع من تمر فقال المنافقون ما أخرج
هؤلاء صدقاتهم إلا رياء وأما أبو عقيل فإنما جاء بصاعه ليذكر بنفسه فنزلت ولابن مردويه من
طريق أبي سعيد فجاء عبد الرحمن بن عوف بصدقته وجاء المطوعون من المؤمنين الحديث
(قوله فنزلت الذين يلمزون المطوعين) قراءة الجمهور بتشديد الطاء والواو وأصله المتطوعين
فأدغمت التاء في الطاء وهم الذين يغزون بغير استعانة برزق من سلطان أي غيره وقوله والذين
لا يجدون إلا جهدهم معطوف على المطوعين وأخطأ من قال إنه معطوف على الذين يلمزون
لاستلزامه فساد المعنى وكذا من قال معطوف على المؤمنين لأنه يفهم منه أن الذين لا يجدون
إلا جهدهم ليسوا بمؤمنين لان الأصل في العطف المغايرة فكأنه قيل الذين يلمزون المطوعين من
هذين الصنفين المؤمنين والذين لا يجدون إلا جهدهم فكأن الأولين مطوعون مؤمنون والثاني
مطوعون غير مؤمنين وليس بصحيح فالحق أنه معطوف على المطوعين ويكون من عطف
250

الخاص على العام والنكتة فيه التنويه بالخاص لان السخرية من المقل أشد من المكثر غالبا
والله أعلم (قوله في الحديث الثاني فيحتال أحدنا حتى يجئ بالمد) يعني فيتصدق به في رواية الزكاة
فينطلق أحدنا إلى السوق فيحامل فأفاد بيان المراد بقوله في هذه الرواية فيحتال (قوله وأن
لأحدهم اليوم مائة ألف) في رواية الزكاة وأن لبعضهم اليوم لمائة ألف ومائة بالنصب على أنها
اسم أن والخبر لأحدهم أو لبعضهم واليوم ظرف ولم يذكر مميز المائة ألف فيحتمل أن يريد الدراهم
أو الدنانير أو الامداد (قوله كأنه يعرض بنفسه) هو كلام شقيق الراوي عن أبي مسعود بينه
إسحاق بن راهويه في مسنده وهو الذي أخرجه البخاري عنه وأخرجه ابن مردويه من وجه
آخر عن إسحاق فقال في آخره وأن لأحدهم اليوم لمائة ألف قال شقيق كأنه يعرض بنفسه
وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر وزاد في آخر الحديث قال الأعمش وكان أبو مسعود
قد كثر ماله قال ابن بطال يريد أنهم كانوا في زمن الرسول يتصدقون بما يجدون وهؤلاء مكثرون
ولا يتصدقون كذا قال وهو بعيد وقال الزين بن المنير مراده انهم كانوا يتصدقون مع قلة الشئ
ويتكلفون ذلك ثم وسع الله عليهم فصاروا يتصدقون من يسر ومع عدم خشية عسر (قلت)
ويحتمل أن يكون مراده أن الحرص على الصدقة الآن لسهولة مأخذها بالتوسع الذي وسع
عليهم أولى من الحرص عليها مع تكلفهم أو أراد الإشارة إلى ضيق العيش في زمن الرسول وذلك
لقلة ما وقع من الفتوح والغنائم في زمانه وإلى سعة عيشهم بعده لكثرة الفتوح والغنائم * (قوله
باب قوله استغفر لهم أو لا تستغفر لهم أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)
كذا لأبي ذر ورواية غيره مختصرة (قوله عن عبيد الله) هو ابن عمر (قوله لما توفي عبد الله بن أبي)
ذكرة الواقدي ثم الحاكم في الإكليل أنه مات بعد منصرفهم من تبوك وذلك في ذي القعدة سنة
تسع وكانت مدة مرضه عشرين يوما ابتداؤها من ليال بقيت من شوال قالوا وكان قد تخلف هو
ومن تبعه عن غزوة تبوك وفيهم نزلت لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا وهذا يدفع قول ابن التين
إن هذه القصة كانت في أول الاسلام قبل تقرير الاحكام (قوله جاء ابنه عبد الله بن عبد الله)
وقع في رواية الطبري من طريق الشعبي لما احتضر عبد الله جاء ابنه عبد الله إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال يا نبي الله إن أبي قد احتضر فأحب أن تشهده وتصلى عليه قال ما اسمك قال الحباب
يعني بضم المهملة وموحدتين مخففا قال بل أنت عبد الله الحباب اسم الشيطان وكان عبد الله
ابن عبد الله بن أبي هذا من فضلاء الصحابة وشهد بدرا ومبعدها واستشهد يوم اليمامة في خلافة
أبي بكر الصديق ومن مناقبه أنه بلغه بعض مقالات أبيه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه
في قتله قال بل أحسن صحبته أخرجه ابن منده من حديث أبي هريرة بإسناد حسن وفي الطبراني
من طريق عروة بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن أبي أنه استأذن نحوه وهذا منقطع لان عروة
لم يدركه وكأنه كان يحمل أمر أبيه على ظاهر الاسلام فلذلك التمس من النبي صلى الله عليه وسلم
أن يحضر عنده ويصلي عليه ولا سيما وقد ورد ما يدل على أنه فعل ذلك بعهد من أبيه ويؤيد ذلك
ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر والطبري من طريق سعيد كلاهما عن قتادة قال أرسل عبد الله
ابن أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخل عليه قال أهلكك حب يهود فقال يا رسول الله إنما
أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتوبخني ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأجابه وهذا
251

مرسل مع ثقة رجاله ويعضده ما أخرجه الطبراني من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن
عباس قال لما مرض عبد الله بن أبي جاءه النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال قد فهمت ما تقول
فامتن على فكفني في قميصك وصل على ففعل وكأن عبد الله بن أبي أراد بذلك دفع العار عن ولده
وعشيرته بعد موته فأظهر الرغبة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ووقعت اجابته إلى سؤاله
بحسب ما ظهر من حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك كما سيأتي وهذا من أحسن الأجوبة
فيما يتعلق بهذه القصة (قوله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه فقام عمر فأخذ
بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) في حديث ابن عباس عن عمر ثاني حديثي الباب فلما قام
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث الترمذي من هذا الوجه فقام إليه فلما وقف عليه يريد
الصلاة عليه وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي علي ابن أبي وقد قال يوم كذا كذا وكذا أعدد
عليه قوله يشير بذلك إلى مثل قوله لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وإلى مثل قوله
ليخرجن الأعز منها الأذل وسيأتي بيانه في تفسير المنافقين (قوله فقال يا رسول الله أتصلي
عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه) كذا في هذه الرواية إطلاق النهى عن الصلاة وقد
استشكل جدا حتى أقدم بعضهم فقال هذا وهم من بعض رواته وعاكسه غيره فزعم أن عمر
اطلع على نهى خاص في ذلك وقال القرطبي لعل ذلك وقع في خاطر عمر فيكون من قبيل الالهام
ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين (قلت)
الثاني يعني ما قاله القرطبي أقرب من الأول لأنه لم يتقدم النهى عن الصلاة على المنافقين بدليل
أنه قال في آخر هذا الحديث قال فأنزل الله ولا تصل على أحد منهم والذي يظهر أن في رواية
الباب تجوزا بينته الرواية التي في الباب بعده من وجه آخر عن عبد الله بن عمر بلفظ فقال تصلي
عليه وقد نهاك الله أن تستغفر لهم وروى عبد بن حميد والطبري من طريق الشعبي عن ابن عمر
عن عمر قال أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي على عبد الله بن أبي فأخذت بثوبه فقلت
والله ما أمرك الله بهذا لقد قال أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ووقع عند ابن
مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس فقال عمر أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه
قال أين قال قال استغفر لهم الآية وهذا مثل رواية الباب فكان عمر قد فهم من الآية المذكورة
ما هو الأكثر الأغلب من لسان العرب من أن أو ليست لتخيير بل للتسوية في عدم الوصف المذكور
أي أن الاستغفار لهم وعدم الاستغفار سواء وهو كقوله تعالى سواء عليهم استغفرت لهم أم لم
تستغفر لهم لكن الثانية أصرح ولهذا ورد أنها نزلت بعد هذه القصة كما سأذكره وفهم عمر أيضا
من قوله سبعين مرة أنها للمبالغة وأن العدد المعين لا مفهوم له بل المراد نفى المغفرة لهم ولو كثر
الاستغفار فيحصل من ذلك النهى عن الاستغفار فاطلقه وفهم أيضا أن المقصود الأعظم من
الصلاة على الميت طلب المغفرة للميت والشفاعة له فلذلك استلزم عنده النهى عن الاستغفار
ترك الصلاة لذلك جاء عنه في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة ولهذه الأمور استنكر
إرادة الصلاة على عبد الله بن أبي هذا تقرير ما صدر عن عمر مع ما عرف من شدة صلابته في الدين
وكثرة بغضه للكفار والمنافقين وهو القائل في حق حاطب بن أبي بلتعة مع ما كان له من الفضل
كشهوده بدرا وغير ذلك لكونه كاتب قريشا قبل الفتح دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقد
252

نافق فلذلك أقدم على كلامه للنبي صلى الله عليه وسلم بما قال ولم يلتفت إلى احتمال إجراء الكلام
على ظاهره لما غلب عليه من الصلابة المذكورة قال الزين بن المنير وإنما قال ذلك عمر حرصا على
النبي صلى الله عليه وسلم ومشورة لا الزاما وله عوائد بذلك ولا يبعد أن يكون النبي كان أذن له في
مثل ذلك فلا يستلزم ما وقع من عمر أنه اجتهد مع وجود النص كما تمسك به قوم في جواز ذلك وإنما
أشار بالذي ظهر له فقط ولهذا احتمل منه النبي صلى الله عليه وسلم أخذه بثوبه ومخاطبته له في
مثل ذلك المقام حتى التفت إليه متبسما كما في حديث ابن عباس بذلك في هذا الباب (قوله إنما
خيرني الله فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة وسأزيده على السبعين)
في حديث ابن عباس عن عمر من الزيادة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أخر عني يا عمر
فلما أكثرت عليه قال أني خيرت فاخترت أي خيرت بين الاستغفار وعدمه وقد بين ذلك حديث
ابن عمر حيث ذكر الآية المذكورة وقوله في حديث ابن عباس عن عمر لو أعلم أني إن زدت على
السبعين يغفر له لزدت عليها وحديث ابن عمر جازم بقصة الزيادة وآكد منه ما روى عبد بن حميد
من طريق قتادة قال لما نزلت استغفر لهم أو لا تستغفر لهم قال النبي صلى الله عليه وسلم قد خيرني
ربي فوالله لأزيدن على السبعين وأخرجه الطبري من طريق مجاهد مثله والطبري أيضا وابن أبي
حاتم من طريق هشام بن عروة عن أبيه مثل وهذه طرق وأن كانت مراسيل فإن بعضها يعضد
بعضا وقد خفيت هذه اللفظة على من خرج أحاديث المختصر والبيضاوي واقتصروا على ما وقع في
حديثي الباب ودل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم أطال في حال الصلاة عليه من الاستغفار له
وقد ورد من يدل على ذلك فذكر الواقدي أن مجمع بن جارية قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم أطال على جنازة قط ما أطال على جنازة عبد الله بن أبي من الوقوف وروى الطبري من
طريق مغيرة عن الشعبي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله أن تستغفر لهم سبعين مرة
فلن يغفر الله لهم فأنا استغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين وقد تمسك بهذه القصة من جعل مفهوم
العدد حجة وكذا مفهوم الصفة من باب الأولى ووجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم فهم أن ما زاد
على السبعين بخلاف السبعين فقال سأزيد على السبعين وأجاب من أنكر القول بالمفهوم بما
وقع في بقية القصة وليس ذلك بدافع للحجة لأنه لو لم يقم الدليل على أن المقصود بالسبعين المبالغة
لكان الاستدلال بالمفهوم باقيا (قوله قال إنه منافق فصلى عليه) إما جزم عمر بأنه منافق فجرى
على ما كان يطلع عليه من أحواله وإنما لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وصلى عليه إجراء له
على ظاهر حكم الاسلام كما تقدم تقريره واستصحابا لظاهر الحكم ولما فيه من إكرام ولده الذي
تحققت صلاحيته ومصلحة الاستئلاف لقومه ودفع المفسدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم
في أول الأمر يصبر على أذى المشركين ويعفو ويصفح ثم أمر بقتال المشركين فاستمر صفحه وعفوه
عمن يظهر الاسلام ولو كان باطنه على خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير عنه ولذلك
قال لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه فلما حصل الفتح ودخل المشركون في الاسلام وقل
أهل الكفر وذلوا أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم مر الحق ولا سيما وقد كان ذلك قبل نزول
النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين وغير ذلك مما أمر فيه بمجاهرتهم وبهذا التقرير يندفع
الاشكال عما وقع في هذه القصة بحمد الله تعالى قال الخطابي إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم
253

مع عبد الله بن أبي ما فعل لكمال شفقته على من تعلق بطرف من الدين ولتطييب قلب ولده عبد
الله الرجل الصالح ولتألف قومه من الخزرج لرياسته فيهم فلو لم يجب سؤال ابنه وترك الصلاة
عليه قبل ورود النهي الصريح لكان سبة على ابنه وعارا على قومه فاستعمل أحسن الامرين
في السياسة إلى أن نهى فانتهى وتبعه ابن بطال وعبر بقوله ورجا أن يكون معتقدا لبعض
ما كان يظهره من الاسلام وتعقبه ابن المنير بأن الايمان لا يتبعض وهو كما قال لكن مراد ابن
بطال أن إيمانه كان ضعيفا (قلت) وقد مال بعض أهل الحديث إلى تصحيح إسلام عبد الله
ابن أبي لكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه وذهل عن الوارد من الآيات والأحاديث
المصرحة في حقه بما ينافي ذلك ولم يقف على جواب شاف في ذلك فأقدم على الدعوى المذكورة
وهو محجوج بإجماع من قبله على نقيض ما قال وإطباقهم على ترك ذكره في كتب الصحابة مع
شهرته وذكر من هو دونه في الشرف والشهرة بأضعاف مضاعفة وقد أخرج الطبري من طريق
سعيد عن قتادة في هذه القصة قال فأنزل الله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على
قبره قال فذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال وما يغنى عنه قميصي من الله وإني لأرجو أن
يسلم بذلك ألف من قومه (قوله فأنزل الله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره)
زاد مسدد في حديثه عن يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر في آخره فترك الصلاة عليهم أخرجه
ابن أبي حاتم عن أبيه عن مسدد وحماد بن زاذان عن يحيى وقد أخرجه البخاري في الجنائز عن
مسدد بدون هذه الزيادة وفي حديث ابن عباس فصلى عليه ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى
نزلت زاد ابن إسحاق في المغازي قال حدثني الزهري بسنده في ثاني حديثي الباب قال فما صلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق بعده حتى قبضه الله ومن هذا الوجه أخرجه ابن أبي
حاتم وأخرجه الطبري من وجه آخر عن ابن إسحاق فزاد فيه ولا قام على قبره وروى عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة قال لما نزلت استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن
يغفر الله لهم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأزيدن على السبعين فأنزل الله تعالى سواء عليهم
أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ورجاله ثقات مع إرساله ويحتمل أن تكون الآيتان
معا نزلتا في ذلك * الحديث الثاني (قوله حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل وقال غيره
حدثني الليث حدثني عقيل) كذا وقع هنا والغير المذكور هو أبو صالح كاتب الليث واسمه عبد الله
ابن صالح أخرجه الطبري من المثنى بن معاذ عنه عن الليث قال حدثني عقيل (قوله لما مات
عبد الله بن أبي ابن سلول) بفتح المهملة وضم اللام وسكون الواو بعدها لام هو اسم امرأة وهي
والدة عبد الله المذكور وهي خزاعية وأما هو فمن الخزرج أحد قبيلتي الأنصار وابن سلول يقرأ
بالرفع لأنه صفة عبد الله لا صفة أبيه (قوله فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أخر عنى)
أي كلامك واستشكل الداودي تبسمه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة مع ما ثبت أن ضحكه
صلى الله عليه وسلم كان تبسما ولم يكن عند شهود الجنائز يستعمل ذلك وجوابه أنه عبر عن
طلاقة وجهه بذلك تأنيسا لعمر وتطييبا لقلبه كالمعتذر عن ترك قبول كلامه ومشورته (قوله إن
زدت على السبعين يغفر له) كذا للأكثر يغفر بسكون الراء جوابا للشرط وفي رواية الكشميهني
فغفر له بقاء وبلفظ الفعل الماضي وضم أوله والراء مفتوحة والأول أوجه (قوله فعجبت بعد)
254

بضم الدال (من جرأتي) بضم الجيم وسكون الراء بعدها همزة أي إقدامي عليه وقد بينا توجيه
ذلك (قوله والله ورسوله أعلم) ظاهره أنه قول عمر ويحتمل أن يكون قول ابن عباس وقد روى
الطبري من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس في نحو هذه القصة قال ابن عباس
فالله أعلم أي صلاة كانت وما خادع محمد أحدا قط وقال بعض الشراح يحتمل أن يكون عمر
ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم حين تقدم للصلاة على عبد الله بن أبي كان ناسيا لما صدر من
عبد الله بن أبي وتعقب بما في السايق من تكرير المراجعة فهي دافعة لاحتمال النسيان
وقد صرح في حديث الباب بقوله فلما أكثرت عليه قال فذل على أنه كان ذاكرا * (قوله
باب ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) ظاهر الآية أنها نزلت في
جميع المنافقين لكن ورد ما يدل على أنها نزلت في عدد معين منهم قال الواقدي أنبأنا معمر عن
الزهري قال قال حذيفة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إني مسر إليك سرا فلا تذكره لاحد
أني نهيت أن أصل على فلان وفلان رهط ذوي عدد من المنافقين قال فلذلك كان عمر إذا أراد
أن يصلي على أحد استتبع حذيفة فإن مشى معه وإلا لم يصل عليه ومن طريق أخرى عن جبير
ابن مطعم أنهم أثنا عشر رجلا وقد تقدم حديث حذيفة قريبا أنه لم يبق منهم غير رجل واحد ولعل
الحكمة في اختصاص المذكورين بذلك أن الله علم أنهم يموتون على الكفر بخلاف من
إنما خيرني الله أو أخبرني الله كذا وقع بالشك والأول بمعجمة مفتوحة وتحتانية ثقيلة من التخيير
والثاني بموحدة من الاخبار وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أبي
ضمرة الذي أخرجه البخاري من طريقه بلفظ إنما خيرني الله بغير شك وكذا في أكثر الروايات
بلفظ التخيير أي بين الاستغفار وعدمه كما تقدم واستشكل فهم التخيير من الآية حتى أقدم
جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث مع كثرة طرقه وانفاق الشيخين وسائر الذين
خرجوا الصحيح على تصحيحه وذلك ينادي على منكري صحته بعدم معرفة الحديث وقلة الاطلاع
على طرقه قال ابن المنير مفهوم الآية نزلت فيه الاقدام حتى أنكر القاضي أبو بكر صحة الحديث
وقال لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصح أن الرسول قاله انتهى ولفظ القاضي أبي بكر الباقلاني في
التقريب هذا الحديث من أخبار الآحاد التي لا يعلم ثبوتها وقال إمام الحرمين في مختصره هذا
الحديث غير مخرج في الصحيح وقال في البرهان لا يصححه أهل الحديث وقال الغزالي في المستصفى
الاظهر أن هذا الخبر غير صحيح وقال الداودي الشارح هذا الحديث غير محفوظ والسبب في
إنكارهم صحته ما تقرر عندهم مما قدمناه وهو الذي فهمه عمر رضي الله عنه من حمل أو على
التسوية لما يقتضيه سياق القصة وحمل السبعين على المبالغة قال ابن المنير ليس عند أهل البيان
تردد أن التخصيص بالعدد في هذا السياق غير مراد انتهى وأيضا فشرط القول بمفهوم الصفة
وكذا العدد عندهم مماثلة المنطوق للمسكوت وعدم فائدة أخرى وهنا للمبالغة فائدة واضحة
فأشكل قوله سأزيده على السبعين مع أن حكم ما زاد عليها حكمها وقد أجاب بعض المتأخرين عن
ذلك بأنه إنما قال سأزيد على السبعين استمالة لقلوب عشيرته لا أنه أراد أن زاد على السبعين
يغفر له ويؤيده تردده في ثاني حديثي الباب حيث قال لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت
255

لكن قدمنا أن الرواية ثبتت بقوله سأزيد ووعده صادق ولا سيما وقد ثبت قوله لأزيدن بصيغة
المبالغة في التأكيد وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون فعل ذلك استصحابا للحال لأن جواز المغفرة
بالزيادة كان ثابتا قبل مجئ الآية فجاز أن يكون باقيا على أصله في الجواز وهذا جواب حسن
وحاصله أن العمل بالبقاء على حكم الأصل مع فهم المبالغة لا يتنافيان فكأنه جوزان المغفرة
تحصل بالزيادة على السبعين لا أنه جازم بذلك ولا يخفى ما فيه وقيل إن الاستغفار يتنزل منزلة الدعاء
والعبد إذا سأل ربه حاجة فسؤاله إياه يتنزل منزلة الذكر لكنه من حيث طلب تعجيل حصول
المطلوب ليس عبادة فإذا كان كذلك والمغفرة في نفسها ممكنة وتعلق العلم بعدم نفعها لا بغير ذلك
فيكون طلبها لا لغرض حصولها بل لتعظيم المدعو فإذا تعذرت المغفرة عوض الداعي عنها ما يليق
به من الثواب أو دفع السوء كما ثبت في الخبر وقد يحصل بذلك عن المدعو لهم تخفيف كما في قصة أبي
طالب هذا معنى ما قاله ابن المنير وفيه نظر لأنه يستلزم مشروعية طلب المغفرة لمن تستحيل المغفرة
له شرعا وقد ورد إنكار ذلك في قوله تعالى ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين
ووقع في أصل هذه القصة إشكال آخر وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أطلق أنه خير بين الاستغفار
لهم وعدمه بقوله تعالى استغفر لهم أو لا تستغفر لهم وأخذ بمفهوم العدد من السبعين فقال
سأزيد عليها مع أنه قد سبق قيل ذلك بمدة طويلة نزول قوله تعالى ما كان للنبي والذين آمنوا أن
يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى فإن هذا لاية كما سيأتي في تفسير هذه السورة قريبا
نزلت في قصة أبي طالب حين قال صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت وكانت
وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة اتفاقا وقصة عبد الله بن أبي هذه في السنة التاسعة من الهجرة
كمتقدم فكيف يجوز مع ذلك الاستغفار للمنافقين مع الجزم بكفرهم في نفس الآية وقد وقفت
على جواب لبعضهم عن هذا حاصله أن المنهي عنه استغفار ترجى اجابته حتى يكون مقصودة
تحصيل المغفرة لهم كما في قصة أبي طالب بخلاف الاستغفار لمثل عبد الله بن أبي فإنه استغفار لقصد
تطييب قلوب من بقي منهم وهذا الجواب ليس بمرضى عندي ونحوه قول الزمخشري فأنه قال
فإن قلت كيف خفي على أفصح الخلق وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته أن المراد بهذا
العدد أن الاستغفار ولو كثر لا يجدى ولا سيما وقد تلاه قوله ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله
الآية فبين الصارف عن المغفرة لهم (قلت) لم يخف عليه ذلك ولكنه فعل ما فعل وقال ما قال
إظهارا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه وهو كقول إبراهيم عليه السلام ومن عصاني فإنك
غفور رحيم وفي إظهار النبي صلى الله عليه وسلم الرأفة المذكورة لطف بأمته وباعث على رحمة
بعضهم بعضا انتهى وقد تعقبه ابن المنير وغيره وقالوا لا يجوز نسبة ما قاله إلى الرسول لان الله
أخبر أنه لا يغفر للكفار وإذا كان لا يغفر لهم فطلب المغفرة لهم مستحيل وطلب المستحيل لا يقع
من النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال أن النهى عن الاستغفار لمن مات مشركا لا يستلزم
النهى عن الاستغفار لمن مات مظهرا للاسلام لاحتمال أن يكون معتقدة صحيحا وهذا جواب
جيد وقد قدمت البحث في هذه الآية في كتاب الجنائز والترجيح أن نزولها كان متراخيا عن
قصة أبي طالب جدا وأن الذي نزل في قصته انك لا تهدى من أحببت وحررت دليل ذلك هناك
إلا أن في بقية هذه الآية من التصريح بأنهم كفروا بالله ورسوله ما يدل على أن نزول ذلك وقع
256

متراخيا عن القصة ولعل الذي نزل أولا وتمسك النبي صلى الله عليه وسلم به قوله تعالى استغفر لهم
أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم إلى هنا خاصة ولذلك اقتصر في
جواب عمر على التخيير وعلى ذكر السبعين فلما وقعت القصة المذكورة كشف الله عنهم الغطاء
وفضحهم على رؤس الملا ونادى عليهم بأنهم كفورا بالله ورسوله ولعل هذا هو السر في اقتصار
البخاري في الترجمة من هذه الآية على هذا القدر إلى قوله فلن يغفر الله لهم ولم يقع في شئ من
نسخ كتابه تكميل الآية كما جرت به العادة من اختلاف الرواة عنه في ذلك وإذا تأمل المتأمل
المنصف وجد الحامل على من رد الحديث أو تعسف في التأويل ظنه بأن قوله ذلك بأنهم كفروا بالله
ورسوله نزل مع قوله استغفر لهم أي نزلت الآية كاملة لأنه لو فرض نزولها كاملة لاقترن بالنهي
العلة وهي صريحة في أن قليل الاستغفار وكثيرة لا يجدى وإلا فإذا فرض ما حررته أن هذا القدر
نزل متراخيا عن صدر الآية ارتفع الاشكال وإذا كان الامر كذلك فحجة المتمسك من القصة
بمفهوم العدد صحيح وكون ذلك وقع من النبي صلى الله عليه وسلم متمسكا بالظاهر على ما هو
المشروع في الاحكام إلى أن يقوم الدليل الصارف عن ذلك لا إشكال فيه فلله الحمد على ما ألهم
وعلم وقد وقفت لأبي نعيم الحافظ صاحب حلية الأولياء على جزء جمع فيه طرق هذا الحديث
وتكلم على معانيه فلخصته فمن ذلك أنه قال وقع في رواية أبي أسامة وغيره عن عبيد الله العمري
في قول عمر أتصلي عليه وقد نهاك الله عن الصلاة على المنافقين ولم يبين محل النهى فوقع بيانه
في رواية أبي ضمرة عن العمري وهو أن مراده بالصلاة عليهم الاستغفار لهم ولفظه وقد نهاك الله
أن تستغفر لهم قال وفي قول ابن عمر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا معه أن عمر
ترك رأى نفسه وتابع النبي صلى الله عليه وسلم ونبه على أن ابن عمر حمل هذه القصة عن النبي
صلى الله عليه وسلم بغير واسطة بخلاف ابن عباس فإنه إنما حملها عن عمر إذ لم يشهدها قال وفيه
جواز الشهادة على المرء بما كان عليه حيا وميتا لقول عمر أن عبد الله منافق ولم ينكر النبي صلى الله
عليه وسلم قوله ويؤخذ أن المنهي عنه من سب الأموات ما قصد به الشتم لا التعريف وأن المنافق
تجري عليه أحكام الاسلام الظاهرة وأن الاعلام بوفاة الميت مجرد الا يدخل في النعي المنهي عنه
وفيه جواز سؤال الموسر من المال من ترجى بركته شئ من ماله لضرورة دينية وفيه رعاية الحي
المطيع بالاحسان إلى الميت العاصي وفيه التكفين بالمخيط وجواز تأخير البيان عن وقت
النزول إلى وقت الحاجة والعمل بالظاهر إذا كان النص محتملا وفيه جواز تنبيه المفضول للفاضل
على ما يظن أنه سها عنه وتنبيه الفاضل المفضول على ما يشكل عليه وجواز استفسار السائل
المسؤول وعكسه عما يحتمل ما دار بينهما وفيه جواز التبسم في حضور الجنازة عند وجود
ما يقتضيه وقد استحب أهل العلم عدم التبسم من أجل تمام الخشوع فيستثني منه ما تدعو
إليه الحاجة وبالله التوفيق * (قوله باب قوله سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم
إليهم لتعرضوا عنهم الآية) سقط لكم من رواية الأصيلي والصواب إثباتها ثم ذكر فيه طرفا من
حديث كعب بن مالك الطويل في قصة توبته يتعلق بالترجمة وقوله فيه ما أنعم الله على من نعمة
كذا للأكثر وللمستملي وحده على عبد نعمة والأول هو الصواب وقد سبق شرح الحديث بطوله
في كتاب المغازي * (قوله باب قوله يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم
257

إلى قوله الفاسقين) كذا ثبت لأبي ذر وحده الترجمة بغير حديث وسقطت للباقين وقد أخرج ابن
أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد أنها نزلت في المنافقين * (قوله باب قوله
وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية) كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى رحيم وذكر فيه طرفا من
حديث سمرة بن جندب في المنام الطويل وسيأتي بتمامه مع شرحه في التعبير (قوله حدثنا
مؤمل) زاد في رواية الأصيلي وغيره هو ابن هشام وإسماعيل بن إبراهيم هو المعروف بابن علية
وقوله فيه كانوا شطر منهم حسن قيل الصواب حسنا لأنه خبر كان وخرجوه على أن كان تامة
وشطر وحسن مبتدأ وخبره (قوله باب قوله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا
للمشركين) ذكر فيه حديث سعيد بن المسيب عن أبيه في قصة وفاة أبي طالب وقد سبق شرحه في
كتاب الجنائز ويأتي الالمام بشئ منه في تفسير القصص إن شاء الله تعالى * (قوله باب
قوله لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الآية) كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى رحيم
ذكر فيه طرفا من حديث كعب الطويل في قصة توبته وقد سبق شرحه مستوفى في كتاب المغازي
والقدر الذي اقتصر عليه هنا أيضا في الوصايا وقوله هنا حدثنا أحمد بن صالح حدثني ابن وهب
أخبرني يونس قال أحمد وحدثنا عنبسة حدثنا يونس مراده أن أحمد بن صالح روى هذا الحديث
عن شيخين عن يونس لكن فرقهما لاختلاف الصيغة ثم إن ظاهره أن السند عنهما متحد وليس
كذلك لان في رواية ابن وهب أن شيخ ابن شهاب هنا هو عبد الرحمن بن كعب كما في رواية عنبسة
وليس كذلك بل هو في رواية ابن وهب عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب كذلك أخرجه النسائي
عن سليمان بن داود المهري عن ابن وهب ولعل البخاري بناه على أن عبد الرحمن نسب لجده فتتحد
الروايتان نبه على ذلك الحافظ أبو علي الصدفي فيما قرأته بخطه بهامش نسخته (قلت) قد أفرد
البخاري رواية ابن وهب بهذا الاسناد في النذر فوقع في رواية أبي ذر عبد الرحمن بن عبد الله بن
كعب وإنما أخرج النسائي بعض الحديث وقد وجدت بعض الحديث أيضا في سنن أبي داود
عن سليمان بن داود شيخ البخاري فيه كما في النسائي وعن أبي الطاهر بن السرح عن ابن وهب
كذلك (قوله وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت الآية) كذا
لأبي ذر وساق غيره إلى الرحيم (قوله حدثني محمد حدثنا أحمد بن أبي شعيب) كذا للأكثر وسقط
258

محمد من رواية ابن السكن فصار للبخاري عن أحمد بن أبي شعيب بلا واسطة وعلى قول الأكثر
فاختلف في محمد فقال الحاكم هو محمد بن النضر النيسابوري يعني الذي تقدم ذكره في تفسير الأنفال
وقال مرة هو محمد بن إبراهيم البوشنجي لان هذا الحديث وقع له من طريقه وقال أبو علي
الغساني هو الذهلي وأيد ذلك أن الحديث في علل حديث الزهري للذهلي عن أحمد بن أبي شعيب
والبخاري يستمد منه كثيرا وهو يهمل نسبه غالبا وأما أحمد بن أبي شعيب فهو الحراني نسبه
المؤلف إلى جده واسم أبيه عبد الله بن مسلم وأبو شعيب كنية مسلم لا كنية عبد الله وكنية أحمد
أبو الحسن وهو ثقة باتفاق وليس له في البخاري سوى هذا الموضع ثم ذكر المصنف قطعا من قصة
توبة كعب بن مالك وقد تقدم شرحه مستوفى في المغازي وقوله فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي
على في رواية الكشميهني ولا يسلم وحكى عياض أنه وقع لبعض الرواة فلا يكلمني أحد منهم
ولا يسلمني واستبعده لان المعروف أن السلام إنما يتعدى بحرف جر وقد يوجه بأن يكون أتباعا
أو يرجع إلى قول من فسر السلام بأن معناه أنت مسلم مني وقوله وكانت أم سلمة معنية في أمري
كذا للأكثر بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون بعدها تحتانية ثقيلة من الاعتناء وفي رواية
الكشميهني معينة بضم الميم وكسر العين وسكون التحتانية بعدها نون من العون والأول أنسب
وقوله يحطمكم في رواية أبي ذر عن الكشميهني والمستملي يخطفكم * (قوله باب
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) ذكر فيه طرفا مختصرا من قصة توبة كعب
أيضا * (قوله باب قوله لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم الآية)
كذا لأبي ذر وساق غيره إلى رؤوف رحيم (قوله من الرأفة) ثبت هذا لغير أبي ذر وهو كلام
أبي عبيدة قال في قوله تعالى ان الله بالناس لرؤف رحيم هو فعول من الرأفة وهي أشد الرحمة
(قوله أخبرني ابن السباق) بمهملة وتشديد الموحدة اسمه عبيد وسيأتي شرح الحديث مستوفى
259

في فضائل القرآن وتقدم في أوائل الجهاد التنبيه على اختلاف عبيد بن السباق وخارجة بن زيد
في تعيين الآية (قوله تابعه عثمان بن عمر والليث بن سعد عن يونس عن ابن شهاب) أما
متابعة عثمان بن عمر فوصلها أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه وأما متابعة الليث عن يونس
فوصلها المؤلف في فضائل القرآن وفي التوحيد (قوله وقال الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد
عن ابن شهاب وقال مع أبي خزيمة) يريد أن لليث فيه شيخا آخر عن ابن شهاب وأنه رواه عنه
بإسناده المذكور لكن خالف في قوله مع خزيمة الأنصاري فقال مع أبي خزيمة ورواية الليث
هذه وصلها أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة من طريق أبي صالح كاتب الليث عنه به (قوله
وقال موسى عن إبراهيم حدثنا ابن شهاب وقال مع أبي خزيمة وتابعه يعقوب بن إبراهيم عن أبيه)
أما موسى فهو ابن إسماعيل وأما إبراهيم فهو ابن سعد ويعقوب هو ولده ومتابعة موسى وصلها
المؤلف في فضائل القرآن وقال في آية التوبة مع أبي خزيمة وفي آية الأحزاب مع خزيمة بن ثابت
الأنصاري ومما ننبه عليه أن آية التوبة وجدها زيد بن ثابت لما جمع القرآن في عهد أبي بكر وآية
الأحزاب وجدها لما نسخ المصاحف في عهد عثمان وسيأتي بيان ذلك واضحا في فضائل القرآن
وأما رواية يعقوب بن إبراهيم فوصلها أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف من طريقه وكذا
أخرجها أبو يعلى من هذا الوجه لكن باختصار ورواها الذهلي في الزهريات عنه لكن قال مع
خزيمة وكذا أخرجه الجوزقي من طريقه (قوله وقال أبو ثابت حدثنا إبراهيم وقال مع
خزيمة أو أبي خزيمة) فأما أبو ثابت فهو محمد بن عبيد الله المدني وأما إبراهيم فهو ابن سعد ومراده
أن أصحاب إبراهيم بن سعد اختلفوا فقال بعضهم مع أبي خزيمة وقال بعضهم مع خزيمة وشك
بعضهم والتحقيق ما قدمناه عن موسى بن إسماعيل أن آية التوبة مع أبي خزيمة وآية الأحزاب مع
خزيمة وستكون لنا عودة إلى تحقيق هذا في تفسير سورة الأحزاب إن شاء الله تعالى ورواية
أبي ثابت المذكورة وصلها المؤلف في الاحكام بالشك كما قال
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم) *
(سورة يونس)
أخر أو ذر البسملة (قوله وقال ابن عباس فاختلط فنبت بالماء من كل لون) وصله ابن جرير من
طريق آخر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من
السماء فاختلط به نبات الأرض قال اختلط فنبت بالماء كل لون مما يأكل الناس كالحنطة
والشعير وسائر حبوب الأرض (قوله وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني) كذا ثبت هذا
لغير أبي ذر ترجمة خاليه من الحديث ولم أر في هذه الآية حديثا مسندا ولعله أراد أن يخرج فيها
طريقا للحديث الذي في التوحيد مما يتعلق بذم من زعم ذلك فبيض له (قوله وقال زيد بن أسلم
أن لهم قدم صدق عند ربهم محمد صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد خير) أما قول زيد بن أسلم فوصله
ابن جرير من طريق ابن عيينة عنه بهذا الحديث وهو في تفسير ابن عيينة أخبرت عن زيد بن أسلم
وأخرج الطبري من طريق الحسن وقتادة قال محمد صلى الله عليه وسلم شفيع لهم وهذا وصله
ابن مردويه من حديث على ومن حديث أبي سعيد بإسنادين ضعيفين وأما قول مجاهد فوصله
260

الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق
قال خير وروى ابن جرير من وجه آخر عن مجاهد في قوله قدم صدق قال صلاتهم وصومهم
وصدقتهم وتسبيحهم ولا تنافى بين القولين ومن طريق الربيع بن أنس قدم صدق أي ثواب
صدق ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى أن لهم قدم صدق قال سبقت لهم
السعادة في الذكر الأول ورجح ابن جرير قول مجاهد ومن تبعه لقول العرب لفلان قدم صدق
في كذا أي قدم فيه خير أو قدم سوء في كذا أي قدم فيه شر وجزم أبو عبيدة بأن المراد بالقدم
السابقة وروى الحاكم من طريق أنس عن أبي بن كعب في قوله قدم صدق قال سلف صدق
وإسناده حسن * (تنبيه) * ذكر عياض أنه وقع في رواية أبي ذر وقال مجاهد بن جبير قال وهو
خطأ (قلت) لم أره في النسخة التي وقعت لنا من رواية أبي ذر إلا على الصواب كما قدمته نعم ذكر ابن
التين أنها وقعت كذلك في رواية الشيخ أبي الحسن يعني القابسي ومجاهد هو ابن جبر بفتح الجيم
وسكون الموحدة لكن المراد هنا أنه فسر القدم بالخير ولو كان وقع بزيادة ابن مع التصحيف لكان
عاريا عن ذكر القول المنسوب لمجاهد في تفسير القدم (قوله يقال تلك آيات يعني هذه أعلام
القرآن ومثله حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم المعنى بكم) هذا وقع لغير أبي ذر وسيأتي للجميع
في التوحيد وقائل ذلك هو أبو عبيدة بن المثنى وفي تفسير السدي آيات الكتاب الاعلام والجامع
بينهما أن في كل منهما صرف الخطاب عن الغيبة إلى الحضور وعكسه (قوله دعواهم دعاؤهم)
هو قول أبي عبيدة قاله في معنى قوله دعواهم فيها سبحانك اللهم وروى الطبري من طريق
الثوري قال في قوله دعواهم فيها قال إذا أرادوا الشئ قالوا اللهم فيأتيهم ما دعوا به ومن طريق
ابن جريج قال أخبرت فذكر نحوه وسياقه أتم وكل هذا يؤيد أن معنى دعواهم دعاؤهم لان اللهم
معناها يا الله أو معنى الدعوى العبادة أي كلامهم في الجنة هذا اللفظ بعينه (قوله أحيط بهم دنوا
من الهلكة أحاطت به خطيئته) قال أبو عبيدة في قوله وظنوا أنهم أحيط بهم أي دنوا للهلكة يقال
قد أحيط به أي أنه لهالك انتهى وكأنه من إحاطة العدو بالقوم فإن ذلك يكون سببا للهلاك غالبا
فجعل كناية عنه ولهذا أردفه المصنف بقوله أحاطت به خطيئته إشارة إلى ذلك (قوله وقال مجاهد
ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير قول الانسان لولده وما له إذا غضب اللهم لا تبارك
فيه والعنه) وقوله (لقضى إليهم أجلهم أي لأهلك من دعي عليه ولأمانة) هكذا وصله الفريابي
وعبد بن حميد وغيرهما من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في تفسير هذه الآية ورواه الطبري بلفظ
مختصر قال فلو يعجل الله لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب في الخير لأهلكهم ومن طريق قتادة
قال هو دعاء الانسان على نفسه وما له بما يكره أن يستجاب له انتهى وقد ورد في النهى عن ذلك
حديث مرفوع أخرجه مسلم في أثناء حديث طويل وأفرده أبو داود من طريق عبادة بن الوليد
عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا
على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم (قوله للذين أحسنوا
الحسني مثلها حسنى وزيادة مغفرة ورضوان) هو قول مجاهد وصله الفريابي وعبد وغيرهما من
طريق ابن أبي نجيح عنه (قوله وقال غيره النظر إلى وجهه) ثبت هذا لأبي ذر وأبي الوقت خاصة
والمراد بالغير هنا فيما أظن قتادة فقد أخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه قال الحسني
261

هو الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الحسنى الجنة
والزيادة فيما بلغنا النظر إلى وجه الله ولسعيد بن منصور من طريق عبد الرحمن بن سابط مثله
موقوفا أيضا ولعبد بن حميد عن الحسن مثله وله عن عكرمة قال للذين أحسنوا قالوا لا إله إلا الله
الحسنى الجنة وزيادة النظر إلى وجه الله الكريم وقد ورد ذلك في حديث مرفوع أخرجه مسلم
والترمذي وغيرهما من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا إن لكم عند الله
وعدا فيقولون ألم يبيض وجوهنا ويزحزحنا عن النار ويدخلنا الجنة قال فيكشف
الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم شيئا هو أحب إليهم منه ثم قرأ للذين أحسنوا الحسنى
وزيادة قال الترمذي إنما أسنده حماد بن سلمة ورواه سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى (قلت) وكذا قال معمر أخرجه عبد الرزاق عنه وحماد بن زيد عن ثابت أخرجه
الطبري وأخرجه أيضا من طريق أبي موسى الأشعري نحوه موقوفا عليه ومن طريق كعب بن
عجرة مرفوعا قال الزيادة النظر إلى وجه الرب ولكن في إسناده ضعف ومن حديث حذيفة
موقوفا مثله ومن طريق أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق مثله وصله قيس بن
الربيع وإسرائيل عنه ووقفه سفيان وشعبة وشريك على عامر بن سعد وجاء في تفسير الزيادة
أقوال أخر منها قول علقمة والحسن إن الزيادة التضعيف ومنها قول على أن الزيادة غرفة من
لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب أخرج جميع ذلك الطبري وأخرج عبد بن حميد رواية حذيفة
ورواية أبي بكر من طريق إسرائيل أيضا وأشار الطبري إلى أنه لا تعارض بين هذه الأقوال لان
الزيادة تحتمل كلا منها والله أعلم (قوله الكبرياء الملك) هو قول مجاهد وصله عبد بن حميد من
طريق ابن أبي نجيح عنه وقال الفراء قوله وتكون لكما الكبرياء في الأرض لان النبي إذا صدق
صارت مقاليد أمته وملكهم إليه (قوله فاتبعهم وأتبعهم واحد) يعني بهمزة القطع والتشديد
وبالثاني قرأ الحسن وقال أبو عبيدة فأتبعهم مثل تبعهم بمعنى واحد وهو كردفته وأردفته
بمعنى وعن الأصمعي المهموز بمعنى أدرك وغير المهموز بمعنى مضى وراءه أدركه أو لم يدركه
وقيل اتبعه بالتشديد في الامر اقتدى به واتبعه بالهمز تلاه (قوله عدوا من العدوان) هو
قول أبي عبيدة أيضا وهو وما قبله نعتان منصوبان على أنهما مصدران أو على الحال أي باغين
متعدين ويجوز أن يكونا مفعولين أي لأجل البغي والعدوان وقرأ الحسن بتشديد الواو وضم أوله
* (قوله باب وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) سقط للأكثر باب وساقوا الآية إلى
من المسلمين (قوله ننجيك نلقيك على نجوة من الأرض وهو النشز المكان المرتفع) قال أبو عبيدة
في قوله تعالى فاليوم ننجيك ببدنك أي نلقيك على نجوة أي ارتفاع انتهى والنجوة هي الربوة
المرتفعة وجمعها نجا بكسر النون والقصر وليس قوله ننجيك من النجاة بمعنى السلامة وقد قيل
هو بمعناها والمراد مما وقع فيه قومك من قعر البحر وقيل هو
وقد قرأ ابن مسعود وابن السميقع وغيرهما ننجيك بالتشديد والحاء المهملة أي نلقيك بناحية
وورد سبب ذلك فيما أخرجه عبد الرزاق عن ابن التيمي عن أبيه عن أبي السليل عن قيس بن
عباد أو غيره قال قال بنو إسرائيل لم يمت فرعون فأخرجه الله إليهم ينظرون إليه كالثور الأحمر
262

وهذا موقوف رجاله ثقات وعن معمر عن قتادة قال لما أغرق الله فرعون لم يصدق طائفة من
الناس بذلك فأخرجه الله ليكون لهم عظة وآية وروى ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن
عباس قال فلما خرج موسى وأصحابه قال من تخلف من قوم فرعون ما غرق فرعون وقومه ولكنهم
في جزائر البحر يتصيدون فأوحى الله إلى البحر أن الفظ فرعون عريانا فلفظه عريانا أصلع أخنس
قصيرا فهو قوله فاليوم ننجيك ببدنك ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد ببدنك قال بجسدك
ومن طريق أبي صخر المدني قال البدن الدرع الذي كان عليه ثم ذكر المصنف حديث ابن عباس
في صيام عاشوراء وقد تقدم شرحه في الصيام ومناسبته للترجمة قوله في بعض طرقه ذاك يوم نجى
الله فيه موسى وأغرق فرعون
* (قوله سورة هود) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
ثبتت البسملة لأبي ذر (قوله قال ابن عباس عصيب شديد) وصله ابن أبي حاتم من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله وقال هذا يوم عصيب قال شديد وأخرجه الطبري
من طرق عن مجاهد وقتادة وغيرهما مثله وقال ومنه قول الراجز * يوم عصيب يعصب الأبطالا *
ويقولون عصب يومنا يعصب عصبا أي اشتد (قوله لا جرم بلى) وصله ابن أبي حاتم من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله لا جرم إن الله قال أي بلى أالله يعلم وقال الطبري معنى
جرم أي كسب الذنب ثم كثر استعماله في موضع لا بقولهم لا جرم انك ذاهب وفي موضع حقا
كقولك لا جرم لتقومن (قوله وقال غيره وحانزل يحيق ينزل) قال أبو عبيدة في قوله تعالى
وحاق بهم أي نزل بهم وأصابهم (قوله يؤس فعول من يئست) هو قول أبي عبيدة أيضا قال
في قوله تعالى ليؤس كفور هو فعول من يئست (قوله وقال مجاهد تبتئس تحزن) وصله الطبري
من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد أيضا قال في قوله فلا تبتئس قال لا تحزن ومن طريق قتادة وغير
واحد نحوه (قوله يثنون صدورهم شك وامتراء في الحق ليستخفوا منه من الله أن استطاعوا)
وهو قول مجاهد أيضا قال في قوله ألا أنهم يثنون صدورهم قال شك وامتراء في الحق ليستخفوا
من الله إن استطاعوا وصله الطبري من طرق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عنه ومن طريق معمر
عن قتادة قال أخفى ما يكون الانسان إذا أسر في نفسه شيئا وتغطى بثوبه والله مع ذلك يعلم
ما يسرون وما يعلنون ومن طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله يثنون صدورهم الشك في الله
وعمل السيئات يستغثى بثيابه ويستكن من الله والله يراه ويعلم ما يسر وما يعلن والثنى يعبر به
عن الشك في الحق والاعراض عنه ومن طريق عبد الله بن شداد أنها نزلت في المنافقين كان
أحدهم إذا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وطأطأ رأسه وتغشى بثوبه لئلا يراه
أسنده الطبري من طرق عنه وهو بعيد فإن الآية مكية وسيأتي عن ابن عباس ما يخالف القول
الأول لكن الجمع بينهما ممكن * (تنبيه) * قدمت هذه التفاسير من أول السورة إلى هنا في
رواية أبي ذر وهي عند الباقين مؤخرة عما سيأتي إلى قوله اقلعي أمسكي (قوله وقال أبو ميسرة
الأواه الرحيم بالحبشية) تقدم في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وسقط هنا من رواية
263

أبي ذر (قوله وقال ابن عباس بادي الرأي ما ظهر لنا وقال مجاهد الجودي جبل بالجزيرة
وقال الحسن إنك لانت الحليم الرشيد يستهزئون به وقال ابن عباس اقلعي أمسكي وفار التنور نبع
الماء وقال عكرمة وجه الأرض) تقدم جميع ذلك في أحاديث الأنبياء وسقط هنا لأبي ذر * (قوله
باب إلا إنهم يثنون صدورهم) سقط باب للأكثر (قوله أخبرني محمد بن عباد بن
جعفر) هكذا رواه هشام بن يوسف عن ابن جريج وتابعه حجاج عند أحمد وقال أبو أسامة عن ابن
جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أخرجه الطبري (قوله أنه سمع ابن عباس يقرأ الا أنهم
يثنون) يعني بفتح أوله بتحتانية وفي رواية بفوقانية وسكون المثلثة وفتح النون وسكون الواو
وكسر النون بعدها ياء على وزن تفعوعل وهو بناء مبالغة كاعشوشب لكن جعل الفعل للصدور
وأنشد الفراء لعنترة وقولك للشئ الذي لا تناله * إذا ما هو احلولى ألا ليت ذا ليا
وحكى أهل القراءات عن ابن عباس في هذه الكلمة قراآت أخرى وهي يثنون بفتح أوله
وسكون المثلثة وفتح النون وكسر الواو وتشديد النون من الثني بالمثلثة والنون وهو
ما هش وضعف من النبات وقراءة ثالثة عنه أيضا بوزن يرعوى وقال أبو حاتم السجستاني
في هذه القراءة غلط إذ لا يقال ثنوته فانثوى كرعوته فارعوى (قلت) وفي الشواذ
قراآت أخرى ليس هذا موضع بسطها (قوله أناس كانوا يستخفون أن يتخلوا) أي أن
يقضوا الحاجة في الخلاء وهم عراة وحكى ابن التين أنه روى يتحلوا بالمهملة وقال الشيخ أبو
الحسن يعني القابسي أنه أحسن أي يرقد على حلاوة قفاه (قلت) والأول أولى وفي رواية
أبي أسامة كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط إلا وقد تغشوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم
إلى السماء (قوله في رواية عمرو) هو ابن دينار (قال قرأ ابن عباس إلا إنهم يثنون صدورهم)
ضبط أوله بالياء التحتانية وبنون آخره وصدورهم بالنصب على المفعولية وهي قراءة الجمهور
كذا للأكثر ولأبي ذر كالذي قبله ولسعيد بن منصور عن ابن عيينة يثنوني أوله تحتانية
وآخره تحتانية أيضا وزاد وعن حميد الأعرج عن مجاهد أنه كان يقرؤها كذلك (قوله وقال
غيره) أي عن ابن عباس (يستغشون يغطون رؤسهم) الضمير في غيره على عمرو بن دينار وقد
وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وتفسير التغشي بالتغطية متفق عليه
وتخصيص ذلك بالرأس يحتاج إلى توقيف وهذا مقبول من مثل ابن عباس يقال منه استغشى
بثوبه وتغشاه وقال الشاعر وتارة * أتغشى فضل أطماري * (قوله سئ بهم ساء ظنه بقومه
وضاق بهم بأضيافه) هو تفسير ابن عباس وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه في هذه
الآية ولما جاءت رسلنا لوطا ساء ظنا بقومه وضاق ذرعا بأضيافه ويلزم منه اختلاف الضميرين
وأكثر المفسرين على اتحادهما وصله بن أبي حاتم من طريق الضحاك قال ساءه مكانهم لما رأى
بهم من الجمال (قوله بقطع من الليل بسواد) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس وقال أبو عبيدة معناه ببعض من الليل وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بطائفة
من الليل (قوله وقال مجاهد إليه أنيب ارجع) كذا للأكثر وسقط لأبي ذر نسبته إلى مجاهد
264

فأوهم أنه عن ابن عباس كما قبله وقد وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا
ووقع للأكثر قبيل قوله باب وكان عرشه على الماء (قوله سجيل الشديد الكبير سجيل وسجين
واحد واللام والنون اختان وقال تميم بن مقبل
ورجلة يضربون البيض ضاحية * ضربا تواصى به الابطال سجينا)
هو كلام أبي عبيدة بمعناه قال في قوله تعالى حجارة من سجيل هو الشديد من الحجارة الصلب ومن
الضرب أيضا قال ابن مقبل فذكره قال وقوله سجيلا أي شديدا وبعضهم يحول اللام نونا وقال
في موضع آخر السجيل الشديد الكثير وقد تعقبه ابن قتيبة بأنه لو كان معنى السجيل الشديد
لما دخلت عليه من وكان يقول حجارة سجيلا لأنه لا يقال حجارة من شديد ويمكن أن يكون
الموصوف حذف وأنشد غير أبي عبيدة البيت المذكور فأبدل قوله ضاحية بقوله عن عرض
وهو بضمتين وضاد معجمة وسيأتي قول ابن عباس ومن تبعه إن الكلمة فارسية في تفسير سورة
الفيل وقد قال الأزهري أن ثبت أنها فارسية فقد تكلمت بها العرب فصارت وقيل هو اسم
لسماء الدنيا وقيل بحر معلق بين السماء والأرض نزلت منه الحجارة وقيل هي جبال في السماء
* (تنبيه) * تميم بن مقبل هو ابن خبيب بن عوف بن قتيبة بن العجلان بن كعب بن عامر بن صعصعة
العامري ثم العجلاني شاعر مخضرم أدرك في الجاهلية والاسلام وكان أعرابيا جافيا وله
قصة مع عمر ذكره المرزباني ورجله بفتح الراء ويجوز كسرها على تقدير ذوي رجلة والجيم ساكنة
وحكى ابن التين في هذه الحاء المهملة والبيض بفتح الموحدة جمع بيضة وهي الخوذة أو بكسرها
جمع أبيض وهو السيف فعلى الأول المراد مواضع البيض وهي الرؤس وعلى الثاني المراد
يضربون بالبيض على نزع الخافض والأول أوجه وضاحية أي ظاهرة أو المراد في وقت الضحوة
وتواصى أصله تتواصى فحذفت إحدى التاءين وروى تواصت بمثناة بدل التحتانية في آخره
وقوله سجينا بكسر المهملة وتشديد الجيم قال الحسن بن المظفر هو فعيل من السجن كأنه يثبت
من وقع فيه فلا يبرح مكانه وعن ابن الأعرابي أنه رواه بالخاء المعجمة بدل الجيم أي ضربا حارا
(قوله استعمركم جعلكم عمار أعمرته الدار فهي عمري) سقط هذا لغير أبي ذر وقد تقدم شرحه
في كتاب الهبة (قوله نكرهم وأنكرهم واستنكرهم واحد) هو قول أبي عبيدة وأنشد
* وأنكرتني وما كان الذي نكرت * (قوله حميد مجيد كأنه فعيل من ماجد محمود من حمد)
كذا وقع هنا والذي في كلام أبي عبيدة حميد مجيد أي محمود وهذا هو الصواب والحميد
فعيل من حمد فهو حامد أي يحمد من يطيعه أو هو حميد بمعنى محمود والمجيد فعيل من مجد بضم
الجيم يمجد كشرف يشرف وأصله الرفعة (قوله أجرامي مصدر أجرمت وبعضهم يقول جرمت)
هو كلام أبي عبيد وأنشد
طريد عشيرة ورهين دنب * بما جرمت يدي وجنى لساني
وجرمت بمعنى كسبت وقد تقدم قريبا (قوله الفلك والفلك واحد وهي السفينة والسفن) كذا
وقع لبعضهم بضم الفاء فيهما وسكون اللام في الأولى وفتحها في الثانية والآخرين بفتحتين في
الأولى وبضم ثم سكون في الثانية ورجحه ابن التين وقال الأول واحد والثاني جمع مثل أسد وأسد
قال عياض ولبعضهم بضم ثم سكون فيهما جميعا وهو الصواب والمراد أن الجمع والواحد بلفظ
265

واحد وقد ورد ذلك في القرآن فقد قال في الواحد في الفلك المشحون وقال في الجمع حتى إذا كنتم
في الفلك وجرين بهم والذي في كلام أبي عبيدة الفلك واحد وجمع وهي السفينة والسفن وهذا
أوضح في المراد (قوله مجراها مدفعها وهو مصدر أجريت وأرسيت حبست ويقرأ مجراها من
جرت هي ومرسيها من رست ومجريها ومرسيها من فعل بها) قال أبو عبيدة في قوله تعالى بسم الله
مجراها أي مسيرها وهي من جرت بهم ومن قرأها بالضم فهو من أجريتها أنا ومرساها أي وقفها
وهو مصدر أي أرسيتها أنا انتهى ووقع في بعض الشروح مجراها موقفها بواو وقاف وفاء وهو
تصحيف لم أره في شئ من النسخ ثم وجدت ابن التين حكاها عن رواية الشيخ أبي الحسن يعني
القابس قال وليس بصحيح لأنه فاسد المعنى والصواب ما في الأصل بدال ثم فاء ثم عين * (تنبيه) *
الذي قرأ بضم الميم في مجراها الجمهور وقرأ الكوفيون حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالفتح
وأبو بكر عن عاصم كالجمهور وقرؤا كلهم في المشهور بالضم في مرساها وعن ابن مسعود فتحها
أيضا رواه سعيد بن منصور بإسناد حسن وفي قراءة يحيى بن وثاب مجريها ومرسيها بضم أولهما
وكسر الراء والسين أي الله فاعل ذلك (قوله راسيات ثابتات) قال أبو عبيدة في قوله تعالى
وقدور راسيات أي ثقال ثابتات عظام وكأن المصنف ذكرها استطرادا لما ذكر مرساها (قوله
عند وعنود وعاند واحد هو تأكيد التجبر) هو قول أبي عبيدة بمعناه لكن قال وهو العادل
عن الحق وقال ابن قتيبة المعارض المخالف (قوله ويقول الاشهاد واحدة شاهد مثل صاحب
وأصحاب) هو كلام أبي عبيدة أيضا واختلف في المراد بهم هنا فقيل الأنبياء وقيل الملائكة
أخرجه عبد بن حميد عن مجاهد وعن زيد بن أسلم الأنبياء والملائكة والمؤمنون وهذا أعم وعن
قتادة فيما أخرجه عبد الرزاق الخلائق وهذا أعم من الجميع * (قوله باب قوله
وكان عرشه على الماء) ذكر فيه حديث أبي هريرة وفيه قوله وكان عرشه على الماء وبيده الميزان
يخفض ويرفع وسيأتي شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى وقوله لا يغيضها بالغين المعجمة
والضاد المعجمة الساقطة أي لا ينقصها وسحاء بمهملتين مثقلا ممدود أي دائمة ويروي سحا بالتنوين
فكأنها لشدة امتلائها تغيض أبدا والليل والنهار بالنصب على الظرفية والميزان كناية عن
العدل * (قوله باب قوله تعالى ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا الآية) ذكر
فيه حديث ابن عمر في النجوى يوم القيامة وسيأتي شرحه في كتاب الأدب وقوله حدثنا مسدد
حدثنا يزيد بن زريع لمسدد فيه إسناد آخر يأتي في الأدب وفي التوحيد وهو أعلى من هذا رواه
عنه مسدد عن أبي عوانة عن قتادة وقوله في الاسناد حدثنا سعيد وهشام أما سعيد فهو ابن أبي
عروبة وأما هشام فهو ابن عبد الله الدستوائي وصفوان بن محرز بالحاء المهملة والراء ثم الزاي
(قوله وقال شيبان عن قتادة حدثنا صفوان) وصله ابن مردويه من طريق شيبان وسيأتي بيان
ذلك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى (قوله اعترك افتعلك من عروته أي أصبته ومنه يعروه
واعتراني) هو كلام أبي عبيدة وقد تقدم شرحه في فرض الخمس وثبت هنا للكشميهني وحده
ووقع في بعض النسخ اعتراك افتعلت بمثناة في آخره وهو كذلك عند أبي عبيدة واعترى افتعل
من عراه يعروه إذا أصابه وقوله أن نقول إلا اعتراك ما بعد إلا مفعول بالقول قبله ولا يحتاج
إلى تقدير محذوف كما قدره بعضهم أي ما نقول إلا هذا اللفظ فالجملة محكية نحو ما قلت إلا زيد قائم
266

(قوله آخذ بناصيتها في ملكه وسلطانه) هو كلام أبي عبيدة أيضا وقد تقدم في بدء الخلق وثبت هنا
للكشميهني وحده (قوله وإلى مدين) أي لأهل مدين لان مدين بلد ومثله واسأل القرية والعير أي
أهل القرية وأصحاب العير قال أبو عبيدة في قوله تعالى وإلى مدين أخاهم شعيبا مدين لا ينصرف
لأنه اسم بلد مؤنث ومجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير أي إلى أهل مدين ومثله واسأل القرية أي
أهل القرية والعير أي من في العير (قوله وراءكم ظهريا يقول لم يلتفتوا إليه ويقال إذا لم يقض
الرجل حاجته ظهرت لحاجتي الخ) ثبت هذا للكشميهني وحده وقد تقدم شرحه في ترجمة شعيب
عليه السلام من أحاديث الأنبياء (قوله أراذلنا سقاطنا) بضم المهملة وتشديد القاف والأراذل
جمع أرذل إما على بابه كما جاء أحاسنكم أخلافا أو جرى مجرى الأسماء كالأبطح وقيل أراذل جمع
أرذل بضم الذال وهو جمع رذل مثل كلب وأكالب * (قوله باب قوله
وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) الكاف في ذلك لتشبيه
الاخذ المستقبل بالأخذ الماضي وأتى باللفظ الماضي موضع المضارعة على قراءة طلحة بن مصرف
وأخذ بفتحتين في الأول كالثاني مبالغة في تحققه (قوله الرفد المرفود العون المعين رفدته
أعنته) كذا وقع فيه وقال أبو عبيدة الرفد المرفود العون المعين يقال رفدته عند الأمير أي
أعنته قال الكرماني وقع في النسخة التي عندنا العون المعين والذي يدل عليه التفسير المعان
فأما أن يكون الفاعل بمعنى المفعول أو المعنى ذو إعانة (قوله تركنوا تميلوا) قال أبو عبيدة
في قوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا لا تعدلوا إليهم ولا تميلوا يقال ركنت إلى قولك أي أردته
وقبلته وروى عبد بن حميد من طريق الربيع بن أنس لا تركنوا إلى الذين ظلموا لا ترضوا أعمالهم
(قوله فلولا كان فهلا كان) سقط هذا والذي قبله من رواية أبي ذر وهو قول أبي عبيدة قال في
قوله تعالى فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية مجازه فهلا كان من القرون وروى عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله فلولا قال في حرف ابن مسعود فهلا (قوله أترفوا أهلكوا)
هو تفسير باللازم أي كان الترف سببا لاهلاكهم وقال أبو عبيدة في قوله تعالى واتبع الذين ظلموا
ما أترفوا فيه أي ما تجبروا وتكبروا عن أمر الله وصدوا عنه (قوله زفير وشهيق الخ) تقدم في بدء
الخلق (قوله أنبأنا بريد بن أبي بردة عن أبيه) كذا وقع لأبي ذر ووقع لغيره عن أبي بردة بدل عن
أبيه وهو أصوب لان بريد هو بن عبد الله بن أبي بردة فأبو بردة جده لا أبوه لكن يجوز إطلاق
الأب عليه مجازا (قوله إن الله ليملي للظالم) أي يمهله ووقع في رواية الترمذي عن أبي كريب عن أبي
معاوية أن الله يملي وربما قال يمهل ورواه عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن أبي أسامة عن
يزيد قال يملي ولم يشك (قلت) قد رواه مسلم وابن ماجة والنسائي من طرق عن أبي معاوية يملي
ولم يشك (قوله حتى إذا أخذه لم يفلته) بضم أوله من الرباعي أي لم يخلصه أي إذا أهلكه لم يرفع
عنه الهلاك وهذا على تفسير الظلم بالشرك على إطلاقة وإن فسر بما هو أعم فيحمل كل على
ما يليق به وقيل معنى لم يفلته لم يؤخره وفيه نظر لأنه يتبادر منه أن الظالم إذا صرف عن منصبه
وأهين لا يعود إلى عزه والمشاهد في بعضهم بخلاف ذلك فالأولى حمله على ما قدمته والله أعلم
* (قوله باب وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن
السيئات الآية) كذا لأبي ذر وأكمل غيره الآية واختلف في المراد بطرفي النهار فقيل الصبح
267

والمغرب وقيل الصبح والعصر وعن مالك وابن حبيب الصبح طرف والظهر والعصر طرف (قوله
وزلفا ساعات بعد ساعات ومنه سميت المزدلفة الزلف منزلة بعد منزلة وأما زلفى فمصدر من القربى
ازدلفوا اجتمعوا أزلفنا جمعنا) انتهى قال أبو عبيدة في قوله زلفا من الليل ساعات واحدتها زلفة
أي ساعة ومنزلة وقربة ومنها سميت المزدلفة قال العجاج
ناج طواه الأين مما وجفا * طي الليالي زلفا فزلفا
وقال في قوله تعالى وأزلفت الجنة للمتقين أي قربت وأدنيت وله عندي زلفى أي قربى وفي قوله
وأزلفنا ثم الآخرين أي جمعنا ومنه ليلة المزدلفة واختلف في المراد بالزلف فعن مالك المغرب
والعشاء واستنبط منه بعض الحنفية وجوب الوتر لان زلفا جمع أقله ثلاثة فيضاف إلى المغرب
والعشاء الوتر ولا يخفى ما فيه وفي رواية معمر المقدم ذكرها قال قتادة طرفي النهار الصبح والعصر
وزلفا من الليل المغرب والعشاء (قوله حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي)
كذا وقع فيه وأخرجه الطبراني عن معاذ بن المثنى عن مسدد عن سلام بن أبي مطيع عن سليمان
التيمي وكان لمسدد فيه شيخان (قوله عن أبي عثمان) هو النهدمي في رواية للإسماعيلي وأبي نعيم
حدثنا أبو عثمان (قوله أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر
ذلك له) في رواية معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عند مسلم والإسماعيلي فذكر أنه أصاب من
امرأة قبلة أو مسابيد أو شيئا كأنه يسأل عن كفارة ذلك وعند عبد الرزاق عن معمر عن
سليمان التيمي بإسناده ضرب رجل على كفل امرأة الحديث وفي رواية مسلم وأصحاب السنن
من طريق سماك بن حرب عن إبراهيم النخعي عن علقمة والأسود عن ابن مسعود جاء رجل إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني وجدت امرأة في بستان ففعلت بها كل شئ غير
أني لم أجامعها قبلتها ولزمتها فافعل بن ما شئت الحديث وللطبري من طريق الأعمش عن إبراهيم
النخعي قال جاء فلان بمعتب الأنصاري فقال يا رسول الله دخلت على امرأة ففعلت منها ما ينال
الرجل من أهله إلا أني لم أجامعها الحديث وأخرجه ابن أبي خيثمة لكن قال أن رجلا من الأنصار
يقال له معتب وقد جاء أن اسمه كعب بن عمرو وهو أبو اليسر بفتح التحتانية والمهملة الأنصاري
أخرجه الترمذي والنسائي والبزار من طريق موسى بن طلحة عن أبي اليسر بن عمرو أنه أتته
امرأة وزوجها قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقالت له بعني تمرا بدرهم قال
فقلت لها وأعجبتني إن في البيت تمر أطيب من هذا فانطلق بها معه فغمزها وقبلها ثم فرغ فخرج
فلقى أبا بكر فأخبره فقال تب ولا تعد ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفي روايته أنه صلى
مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر فنزلت وفي رواية ابن مردويه من طريق أبي بريدة عن أبيه
جاءت امرأة من الأنصار إلى رجل يبيع التمر بالمدينة وكانت حسناء جميلة فلما نظر إليها أعجبته فذكر
نحوه ولم يسم الرجل ولا المرأة ولا زوجها وذكر بعض الشراح في اسم هذا الرجل نبهان التمار
وقيل عمرو بن غزية وقيل أبو عمرو زيد بن عمرو بن غزية وقيل عامر بن قيس وقيل عباد (قلت)
وقصة نبهان التمار ذكرها عبد الغني بن سعيد الثقفي أحد الضعفاء في تفسيره عن ابن عباس
وأخرجه الثعلبي وغيره من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس أن نبهانا التمار أتته امرأة
حسناء جميلة تبتاع منه تمرا فضرب على عجيزتها ثم ندم فآتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إياك
268

أن تكون امرأة غاز في سبيل الله فذهب يبكي ويصوم ويقوم فأنزل الله تعالى والذين إذا فعلوا
فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله الآية فأخبره فحمد الله وقال يا رسول الله هذه توبتي قبلت
فكيف لي بأن يتقبل شكري فنزلت وأقم الصلاة طرفي النهار الآية (قلت) وهذا أن ثبت حمل على
واقعة أخرى لما بين السياقين من المغايرة وأما قصة ابن غزية فأخرجها ابن منده من طريق
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله أقسم الصلاة طرفي النهار قال نزلت في عمرو بن غزية
وكان يبيع التمر فاتته امرأة تبتاع تمرا فأعجبته الحديث والكلبي ضعيف فإن ثبت حمل أيضا على
التعدد وظن الزمخشري أن عمرو بن غزية اسم أبي اليسر فجزم به فوهم وأما ما أخرجه أحمد
وعبد بن حميد وغيرهما من حديث أبي أمامة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني
أصبت حدا فأقمه على فسكت عنه ثلاثا فأقيمت الصلاة فدعا الرجل فقال أرأيت حين خرجت
من بيتك ألست قد توضأت فأحسنت الوضوء قال بلى قال ثم شهدت الصلاة معنا قال نعم قال فإن
الله قد غفر لك وتلا هذه الآية فهي قصة أخرى ظاهر سياقها أنها متأخرة عن نزول الآية ولعل
الرجل ظن أن كل خطيئة فيها حد فأطلق على ما فعل حدا والله أعلم وسيأتي مزيد لهذا في كتاب
الحدود إن شاء الله تعالى وأما قصة عامر بن قيس فذكرها مقاتل بن سليمان في تفسيره وأما قصة
عباد فحكاها القرطبي ولم يعزها وعباد اسم جد أبي اليسر فلعله نسب ثم سقط شئ وأقوى الجميع
أنه أبو اليسر والله أعلم (قوله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية عبد الرزاق أنه أتى أبا
بكر وعمر أيضا وقال فيها فكل من سأله عن كفارة ذلك قال أمعزبة هي قال نعم قال لا أدرى حتى
أنزل فذكر بقية الحديث وهذه الزيادة وقعت في حديث يوسف بن مهران عن ابن عباس عند أحمد
بمعناه دون قوله لا أدرى (قوله قال الرجل إلى هذه) أي الآية يعني خاصة بن بأن صلاتي مذهبة
لمعصيتي وظاهر هذا أن صاحب القصة هو السائل عن ذلك ولأحمد والطبراني من حديث ابن
عباس قال يا رسول الله إلى خاصة أم للناس عامة فضرب عمر صدره وقال لا ولا نعمة عين بل
الناس عامة فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق عمر وفي حديث أبي اليسر فقال إنسان يا رسول
الله له خاصة وفي رواية إبراهيم النخعي عند مسلم فقال معاذ يا رسول الله أنه وحده أم للناس كافة
وللدارقطني مثله من حديث معاذ نفسه ويحمل على تعدد السائلين عن ذلك وقوله إلى بفتح
الهمزة استفهاما وقوله هذا مبتدأ تقدم خبره عليه وفائدته التخصيص (قوله قال لمن عمل بها من
أمتي) تقدم في الصلاة من هذا الوجه بلفظ قال لجميع أمتي كلهم وتمسك بظاهر قوله تعالى أن
الحسنات يذهبن السيئات المرجئة وقالوا أن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغيرة
وحمل الجمهور هذا المطلق على المقيد في الحديث الصحيح أن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما
ما اجتنبت الكبائر فقال طائفة إن اجتنبت الكبائر كانت الحسنات كفارة لما عدا الكبائر
من الذنوب وأن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئا وقال آخرون إن لم تجتنب الكبائر لم تحط
الحسنات شيئا منها وتحط الصغائر وقيل المراد أن الحسنات تكون سببا في ترك السيئات كقوله
تعالى أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لا أنها تكفر شيئا حقيقة وهذا قول بعض المعتزلة
وقال ابن عبد البر ذهب بعض أهل العصر إلى أن الحسنات تكفر الذنوب واستدل بهذه الآية
وغيرها من الآيات والأحاديث الظاهرة في ذلك قال ويرد الحث على التوبة في أي كبيرة فلو كانت
269

الحسنات تكفر جميع السيئات لما أحتاج إلى التوبة واستدل بهذا الحديث على عدم
وجوب الحد في القبلة واللمس ونحوهما وعلى سقوط التعزيز عمن أتى شيئا منها وجاء تائبا نادما
واستنبط منه ابن المنذر أنه لا حد على من وجد مع امرأة أجنبية في ثوب واحد
* (قوله سورة يوسف) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر (قوله وقال فضيل عن حصين عن مجاهد متكأ الأترج بالحبشية
متكأ) كذا لأبي ذر ولغيره متكأ الأترج قال فضيل الأترج بالحبشة متكأ وهذا وصله ابن أبي
حاتم من طريق يحيى بن يمان عن فضيل بن عياض وأما روايته عن حصين فرويناه في مسند مسدد
رواية معاذ بن المثنى عنه عن فضيل عن حصين عن مجاهد في قوله تعالى واعتدت لهن متكأ قال
أترج ورويناه في تفسير ابن مردويه من هذا الوجه فزاد فيه عن مجاهد عن ابن عباس ومن
طريقه أخرجه الحافظ الضياء في المختارة وقد روى عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله
وأعتدت لهن متكأ قال طعاما (قوله وقال ابن عيينة عن رجل عن مجاهد متكأ كل شئ قطع
بالسكين) هكذا رويناه في تفسير ابن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه بهذا
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد المتكأ بالتثقيل الطعام وبالتخفيف الأترج
والرواية الأولى عنه أعم (قوله يقال بلغ أشده قبل أن يأخذ في النقصان ويقال بلغوا أشدهم
وقال بعضهم وأحدها شد والمتكأ ما اتكأت عليه لشراب أو لحديث أو لطعام وأبطل الذي
قال الأترج وليس في كلام العرب الأترج فلما احتج عليهم بأن المتكأ من نمارق فروا إلى شر منه
وقالوا إنما هو المتك ساكنة التاء وإنما المتك طرف البظر ومن ذلك قيل لها متكاء وأين المتكأ
فإن كان ثم أترج فأنه بعد المتكأ) قلت وقع هذا متراخيا عما قبله عند الأكثر والصواب
إيراده تلوه فأما الكلام على الأشد فقال أبو عبيدة هو جمع لا واحد له من لفظه وحكى الطبري أنه
واحد لا نظير له في الآحاد وقال سيبويه واحدة شدة وكذا قال الكسائي لكن بلا هاء واختلف
النقلة في قدر الأشد الذي بلغه يوسف فالأكثر أنه الحلم وعن سعيد بن جبير ثمان عشرة وقيل
سبع عشرة وقيل عشرون وقيل خمسة وعشرون وقيل ما بين ثمان وعشرة إلى ثلاثين وفي غيره
قيل الأكثر أربعون وقيل ثلاثون وقيل ثلاثة وثلاثون وقيل خمسة وثلاثون وقيل ثمانية
وأربعون وقيل ستون وقال ابن التين الاظهر أنه أربعون لقوله تعالى فلما بلغ أشده واستوى
آتيناه حكما وعلما وكان النبي لا ينبأ حتى يبلغ أربعين وتعقب بأن عيسى عليه السلام نبئ لدون
أربعين ويحيى كذلك لقوله تعالى وآتيناه الحكم صبيا وسليمان لقوله تعالى ففهمناها سليمان
إلى غير ذلك والحق أن المراد بالأشد بلوغ سن الحلم ففي حتى يوسف عليه السلام ظاهر ولهذا جاء
بعده وراودته التي هو في بيتها وفي حق موسى عليه السلام لعله بعد ذلك كبلوغ الأربعين ولهذا
جاء بعده واستوى ووقع في قوله آتيناه حكما وعلما في الموضعين فدل على أن الأربعين ليست حدا
لذلك وأما المتكأ فقال أبو عبيدة أعتدت أفعلت من العتاد ومعناه أعتدت لهن متكأ أي
نمرقا يتكأ عليه وزعم قوم أنه الترنج وهذا أبطل باطل في الأرض ولكن عسى أن يكون مع
270

المتكأ ترنج يأكلونه ويقال ألقى له متكأ يجلس عليه انتهى وقوله ليس في كلام العرب
الأترج يريد أنه ليس في كلام العرب تفسير المتكأ بالأترج قال صاحب المطالع وفي الأترج
ثلاث لغات ثانيها بالنون وثالثها مثلها بحذف الهمزة وفي المفرد كذلك وعند بعض المفسرين
أعتدت لهن البطيخ والموز وقيل كان مع الأترج عسل وقيل كان للطعام المذكور بزمان ورد لكن
ما نفاه المؤلف رحمه الله تبعا لأبي عبيدة قد أثبته غيره وقد روى عبد بن حميد من طريق عوف
الأعرابي حديث ابن عباس أنه كان يقرأها متكأ مخففة ويقال هو الأترج وقد حكاه الفراء
وتبعه الأخفش وأبو حنيفة الدينوري والقالي وابن فارس وغيرهم كصاحب المحكم والجامع
والصحاح وفي الجامع أيضا أهل عمان يسمون السوسن المتكأ وقيل بضم أوله الأترج وبفتحه
السوسن وقال الجوهري المتكأ ما تبقيه الخاتنة بعد الختان من المرأة والمتكأة التي لم تختن وعن
الأخفش المتكأ الأترج * (تنبيه) * متكأ بضم أوله وسكون ثانيه وبالتنوين على المفعولية
هو الذي فسره مجاهد وغيره بالأترج أو غيره وهي قراءة وأما القراءة المشهورة فهو ما يتكأ عليه
من وسادة وغيرها كما جرت به عادة الأكابر عند الضيافة وبهذا التقرير لا يكون بين النقلين
تعارض وقد روى عبد بن حميد عن طريق منصور عن مجاهد قال من قرأها مثقلة قال الطعام
ومن قرأها مخففة قال الأترج ثم لا مانع أن يكون المتكأ مشتركا بين الأترج وطرف البظر والبظر
بفتح الموحدة وسكون الظاء المشالة موضع الختان من المرأة وقيل البظراء التي لا تحبس بولها قال
الكرماني أراد البخاري أن المتكأ في قوله واعتدت لهن متكأ اسم مفعول من الاتكاء وليس
هو متكأ بمعنى الأترج ولا بمعنى طرف البظر فجاء فيها بعبارات معجرفة كذا قال فوقع في أشد
مما أنكره فإنها إساءة على مثل هذا الامام الذي لا يليق لمن يتصدى لشرح كلامه وقد ذكر جماعة
من أهل اللغة أن البظر في الأصل يطلق على ماله طرف من الجسد كالثدي (قوله وقال قتادة
لذو علم لما علمناه عامل بما علم) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة عنه
بهذا (قوله وقال سعيد بن جبير صواع الملك مكوك الفارسي الذي يلتقى طرفاه كانت تشرب
الأعاجم به) وصله ابن أبي حاتم من طريق أبي عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير مثله ورواه ابن
منده في غرائب شعبة وابن مردويه من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد
ابن جبير عن ابن عباس في قوله صواع الملك قال كان كهيئة المكوك من فضة يشربون فيه وقد
كان للعباس مثله في الجاهلية وكذا أخرجه أحمد وابن أبي شيبة عن محمد بن جعفر عن شعبة
وإسناده صحيح والمكوك بفتح الميم وكافين الأولى مضمومة ثقيلة بينهما واو ساكنة هو مكيال
معروف لأهل العراق * (تنبيه) * قراءة الجمهور صواع وعن أبي هريرة أنه قرأ صاع الملك
عن أبي رجاء وصوع الملك بسكون الواو وعن يحيى بن يعمر مثله لكن بغين معجمة حكاها الطبري
(قوله وقال ابن عباس تفندون تجهلون) وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي سنان عن عبد الله
ابن أبي الهذيل عن ابن عباس فقوله لولا أن تفندون أي تسفهون كذا قال أبو عبيدة وكذا
أخرجه عبد الرزاق وأخرج أيضا عن معمر عن قتادة مثله وأخرجه ابن مردويه من طريق
ابن أبي الهذيل أيضا أتم منه قال في قوله ولما فصلت العير قال لما خرجت العير هاجت ريح فأتت
يعقوب بريح يوسف فقال إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون قال لولا أن تسفهون قال
271

فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيام وقوله تفندون مأخوذ من العتد محركا وهو الهرم (قوله
غيابة الجب كل شئ غيب عنك فهو غيابة والجب الركية التي لم تطو) كذا وقع لأبي ذر
فأوهم أنه من كلام ابن عباس لعطفه عليه وليس كذلك وإنما هو كلام أبي عبيدة كما سأذكره ووقع في
رواية غير أبي ذر وقال غيره غيابة الخ وهذا هو الصواب (قوله بمؤمن لنا مصدق) قال أبو عبيدة
في قوله تعالى وما أنت بمؤمن لنا أي بمصدق (قوله شغفها حبا يقال بلغ شافها وهو غلاف قلبها
وأما شعفها يعني بالعين المهملة فمن الشعوف) قال أبو عبيدة في قوله تعالى قد شغفها حبا أي
وصل الحب إلى شغاف قلبها وهو غلافه قال ويقرأه قوم شعفها أي بالعين المهملة وهو من
الشعوف انتهى والذي قرأها بالمهملة أبو رجاء والأعرج وعوف رواه الطبري ورويت عن
علي والجمهور بالمعجمة يقال فلان مشغوف بفلان إذا بلغ الحب أقصى المذاهب وشعاف الجبال
أعلاها والشغاف بالمعجمة حبة القلب وقيل علقة سوداء في صميمة وروى عبد بن حميد من
طريق قرة عن الحسن قال الشغف يعني بالمعجمة أن يكون قذف في بطنها حبه والشعف يعني
بالمهملة أن يكون مشعوفا بها وحكى الطبري عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن الشعف بالعين
المهملة البغض وبالمعجمة الحب وغلطه الطبري وقال إن الشعف بالعين المهملة بمعنى عموم الحب
أشهر من أن يجهله ذو على بكلامهم (قوله أصب إليهن أميل إليهن حبا) قال أبو عبيدة في قوله
تعالى وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن أي أهواهن وأميل إليهن قال الشاعر
إلى هند صبا قلبي * وهند مثلها يصبى
أي يمال (قوله أضغاث أحلام ما لا تأويل له الضغث ملء اليد من حشيش وما أشبهه ومنه
وخذ بيدك ضغثا لا من قوله أضغاث أحلام وأحدها ضغث) كذا وقع لأبي ذر وتوجيهه أنه
أراد أن ضغثا في قوله تعالى وخذ بيدك ضغثا بمعنى ملء الكف من الحشيش لا بمعنى ما لا تأويل له
ووقع عند أبي عبيدة في قوله تعالى قالوا أضغاث أحلام وأحدها ضغث بالكسر وهي ما لا تأويل
له من الرؤيا وأراه جماعات تجمع من الرؤيا كما يجمع الحشيش فيقول ضغث أي ملء كف
منه وفي آية أخرى وخذ بيدك ضغثا فاضرب به وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في
قوله أضغاث أحلام قال أخلاط أحلام ولأبي يعلى من حديث ابن عباس في قوله أضغاث
أحلام قال هي الأحلام الكاذبة (قوله نمير من الميرة ونزداد كيل بعير ما يحمل بعير) قال أبو
عبيدة في قوله تعالى ونمير أهلنا من مرت نمير ميرا وهي الميرة أي نأتيهم ونشترى لهم الطعام وقوله
كيل بعير أي حمل بعير يكال له ما حمل بعيره وروى الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد
قوله كيل بعير أي كيل حمار وقال ابن خالويه في كتاب ليس هذا حرف نادر ذكر مقاتل عن الزبور
البعير كل ما يحمل بالعبرانية ويؤيد ذلك أن إخوة يوسف كانوا من أرض كنعان وليس بها إبل
كذا قال (قوله آوى إليه ضم) قال أبو عبيدة في قوله آوى إليه أخاه أي ضمه آواه فهو يؤوى إليه
إيواء (قوله السقاية مكيال) هي الاناء الذي كان يشرب به قيل جملة يوسف عليه السلام مكيالا
لئلا يكتالوا بغيره فيظلموا وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله جعل السقاية قال إناء
الملك الذي يشرب به (قوله تفتؤ لا تزال) قال أبو عبيدة في قوله تعالى تالله تفتأ تذكر يوسف
أي لا تزال تذكرة وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد تفتأ أي لا تفتر عن حبه
272

وقيل معنى تفتؤ تزال فحذف حرف النفي (قوله تحسسوا تخبروا) قال أبو عبيدة في قوله تعالى
اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه يقول تخبروا والتمسوا في المظان (قوله مزجاة قليلة) قال
أبو عبيدة في قوله تعالى وجئنا ببضاعة مزجاة أي يسيرة قليلة وقيل رديئة وقيل فاسدة وروى
عبد الرزاق عن قتادة في قوله مزجاة قال يسيرة ولسعيد بن منصور عن عكرمة في قوله
مزجاة قال قليلة واختلف في بضاعتهم فقيل كانت من صوف ونحوه وقيل دراهم رديئة وروى
عبد الرزاق بإسناد حسن عن ابن عباس وسئل عن قوله ببضاعة مزجاة قال رثة الحبل والغرارة
والشن (قوله غاشية من عذاب الله عامة مجللة) بالجيم وهو تأكيد لقوله عامة وقال أبو عبيدة
غاشية من عذاب الله مجلة وهي بالجيم وتشديد اللام أي تعمهم وروى عبد الرزاق عن معمر
عن قتادة في قوله غاشية من عذاب الله أي وقيعة تغشاهم (قوله حرضا محرضا يذيبك الهم) قال
أبو عبيدة في قوله تعالى حتى تكون حرضا الحوض الذي اذابة الحزن أو الحب وهو موضع
محرض قال الشاعر * إني امرؤ لج بي حزن * فأحرضني أي إذا بنى (قوله استيأسوا يئسوا
ولا تيأسوا من روح الله معناه الرجاء) ثبت هذا لأبي ذر عن المستملى والكشميهني وسقط لغيرهما
وقد تقدم في ترجمة يوسف من أحاديث الأنبياء (قوله خلصوا نجيا) أي اعتزلوا نجيا
والجمع أنجية يتناجون الواحد نجى والاثنان والجمع نجى وأنجية ثبت هذا لابن ذر عن المستملى والكشميهني
ووقع في رواية المستملى اعترفوا بدل اعتزلوا والصواب الأول قال أبو عبيدة في قوله تعالى خلصوا
نجيا أي اعتزلوا نجيا يتناجون والنجى يقع لفظه على الواحد والجمع أيضا وقد يجمع فيقال أنجيه
* (قوله باب قوله ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب الآية) ذكر فيه حديث
ابن عمر الكريم ابن الكريم الحديث وأخرج الحاكم مثله من حديث أبي هريرة وهو دال على
فضيلة خاصة وقعت ليوسف عليه السلام لم يشركه فيها أحد ومعنى قوله أكرم الناس أي من
جهة النسب ولا يلزم من ذلك أن يكون أفضل من غيره مطلقا وقوله في أول الاسناد حدثنا عبد
الله بن محمد هو الجعفي شيخه المشهور ووقع في أطراف خلف هنا وقال عبد الله بن محمد والأول
أولى * (قوله باب قوله لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) ذكر ابن جرير وغيره
أسماء إخوة يوسف وهم روبيل وشمعون ولآوي ويهوذا وريالون ويشجر ودان ونيال وجاد
وأشر وبنيامين وأكبرهم أولهم ثم ذكر المصنف فيه حديث أبي هريرة سئل رسول الله صلى الله
عليه وسلم أي الناس أكرم الحديث وقد تقدم شرحه مستوفى في أحاديث الأنبياء ومحمد في أول
الاسناد هو ابن سلام كما تقدم مصرحا به في أحاديث الأنبياء وعبدة هو ابن سليمان وعبيد الله هو
العمر وفي الجمع بين قول يعقوب وكذلك يجتبيك ربك وبين قوله وأخاف أن يأكله الذئب
غموض لأنه جزم بالاجتباء وظاهره فيما يستقبل فكيف يخاف عليه أن يهلك قبل ذلك وأجيب
بأجوبة أحدها لا يلزم من جواز أكل الذئب له أكل جميعه بحيث يموت ثانيها أراد بذلك دفع إخوته
عن التوجه به فخاطبهم بما جرت عادتهم لا على ما هو في معتقده ثالثها أن قوله يجتبيك لفظه لفظ
خبر ومعناه الدعاء كما يقال فلان يرحمه الله فلا ينافي وقوع هلاكه قبل ذلك رابعها أن الاجتباء
الذي ذكر يعقوب أنه سيحصل له كان حصل قبل أن يسأل إخوته أباهم أن يوجهه معهم بدليل
قوله بعد أن ألقوه في الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ولا بعد في أن يؤتى
273

النبوة في ذلك السن فقد قال في قصة يحيى وآتيناه الحكم صبيا ولا اختصاص لذلك بيحيى فقد قال
عيسى وهو في المهد أني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وإذا حصل الاجتباء الموعود به
لم يمتنع عليه الهلاك خامسها أن يعقوب أخبر بالاجتباء مستندا إلى ما أوحى إليه به والخبر
يجوز أن يدخله النسخ عند قوم فيكون هذا من أمثلته وإنما قال وأخاف أن يأكله الذئب تجويزا
لا وقوعا وقريب منه أنه صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأشياء من علامات الساعة كالدجال ونزول
عيسى وطلوع الشمس من المغرب ومع ذلك فأنه خرج لما كسفت الشمس يجر رداءه فزعا يخشى
أن تكون الساعة وقوله تابعه أبو أسامة عن عبيد الله وصله المؤلف في أحاديث الأنبياء * (قوله
باب قوله قال بل سولت لكم أنفسكم أمر فصبر جميل سولت زينت) قال أبو عبيدة في
قوله بل سولت لكم أنفسكم أي زينت وحسنت ثم ذكر المصنف طرفا من حديث الإفك وسيأتي
شرحه بتمامه في تفسير سورة النور وذكر أيضا من طريق مسروق حدثتني أم رومان وهي أم
عائشة فذكر أيضا من حديث الإفك طرفا وقد تقدم بأتم سياقا من هذا في ترجمة يوسف من
أحاديث الأنبياء وتقدم شرح ما قيل في الاسناد المذكور من الانقطاع والجواب عنه مستوفى
ويأتي التنبيه على ما فيه من فائدة في تفسير سورة النور إن شاء الله تعالى * (قوله باب
قوله وراودته التي هو في بيتها عن نفسه) اسم هذه المرأة في المشهور زليخا وقيل راعيل واسم سيدها
العزيز قطفير بكسر أوله وقيل بهمزة بدل القاف (قوله وغلقت الأبواب قالت هيت لك وقال
عكرمة هيت بالحورانية هلم وقال ابن جبير تعاله) أما قوله عكرمة فوصله عبد بن حميد من
طريقه وأخرج من وجه آخر عن عكرمة قال هيئت لك يعني بضم الهاء وتشديد التحتانية بعدها
أخرى مهموزة وأخرج ابن مردويه من طريق مسروق عن عبد الله قال أقرأني رسول الله
صلى الله عليه وسلم هيت لك يعني هلم لك وعند عبد الرزاق من وجه آخر عن عكرمة قال معناها
تهيأت لك وعن قتادة قال يقول بعضهم هلم لك وأما قول سعيد بن جبير فوصله الطبري وأبو
الشيخ من طريقه وقال أبو عبيدة في قوله وقالت هيت لك أي هلم وأنشدني أبو عمرو بن العلاء
ان العراق وأهله * عنق إليك فهيت هيتا
قال ولفظ هيت ت للواحد والاثنين والجمع من الذكر والأنثى سواء إلا أن العدد فيما بعد نقول
هيت لكوهيت لكما قال وشهدت أبا عمرو بن العلاء وسأله رجل عمن قرأ هئت لك أي بكسر الهاء
وضم المثناة مهموزا فقال باطل لا يعرف هذا أحد من العرب انتهى وقد أثبت ذلك الفراء وساقه
من طريق الشعبي عن ابن مسعود وسيأتي تحرير النقل عن ابن مسعود في ذلك قريبا (قوله
عن سليمان) هو الأعمش (قوله عن عبد الله بن مسعود قالت هيت لك وقال إنما نقرؤها كما علمناها)
هكذا أورده مختصرا وأخرجه عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش بلفظ أني سمعت الفراء
فسمعتهم متقاربين فاقرءوا كما علمتم وإياكم والتنطع والاختلاف فإنما هو كقول الرجل هلم وتعال ثم
قرأ وقالت هيت لك فقلت إن ناسا يقرؤنها هيت لك قال لا لان أقرأها كما علمت أحب إلى وكذا
أخرجه ابن مردويه من طريق شيبان وزائدة عن الأعمش نحوه ومن طريق طلحة بن مصرف
274

عن أبي وائل أن ابن مسعود قرأها هيت لك بالفتح ومن طريق سليمان التيمي عن الأعمش
بإسناده لكن قال بالضم وروى عبد بن حميد من طريق أبي وائل قال قرأها عبد الله بالفتح
فقلت له إن الناس يقرؤونها بالضم فذكره وهذا أقوى (قلت) وقراءة ابن مسعود بكسر الهاء
وبالضم وبالفتح بغير همز وروى عبد بن حميد عن أبي وائل أنه كان يقرؤها كذلك لكن بالهمز
وقد تقدم إنكار أبي عمرو ذلك لكن ثبت ما أنكره في قراءة هشام في السبعة وجاء عنه الضم والفتح
أيضا وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وبالضم وقرأ نافع وابن ذكوان بكسر أوله وفتح آخره وقرأ الجمهور
بفتحهما وقرأ ابن محيصن بفتح أوله وكسر آخره وهي عن ابن عباس أيضا والحسن وقرأ ابن
أبي إسحاق أحد مشايخ النحو بالبصرة بكسر أوله وضم آخره وحكى النحاس أنه قرأ بكسرهما
وأما ما نقل عن عكرمة أنها بالحورانية فقد وافقه عليه الكسائي والفراء وغيرهما كما تقدم وعن
السدي أنها لغة قبطية معناها هلم لك وعن الحسن أنها بالسريانية كذلك وقال أبو زيد الأنصاري
هي بالعبرانية وأصلها هيت لج أي فعربت وقال الجمهور هي عربية بمعناها الحث على
الاقبال والله أعلم (قوله مثواه مقامه) ثبت هذا لأبي ذر وكذا الذي بعده قال أبو عبيدة
في قوله تعالى أكرمي مثواه أي مقامه الذي ثواه ويقال لمن نزل عليه الشخص ضيفا أبو مثواه
(قوله وألفيا وجدا ألفوا آباءهم والفي) (1) قال أبو عبيدة في قوله تعالى وألفيا سيدها لدى الباب
أي وجداه وفي قوله إنهم ألفوا آباءهم أي وجدوا وفي قوله ألفي أي وجد (قوله وعن ابن
مسعود بل عجبت ويسخرون) هكذا وقع في هذا الموضع معطوفا على الاسناد الذي قبله وقد
وصله الحاكم في المستدرك من طريق جرير عن الأعمش بهذا وقد أشكلت مناسبة إيراد هذه
الآية في هذا الموضع فأنها من سورة والصافات وليس في هذه السورة من معناها شئ لكن أورد
البخاري في الباب حديث عبد الله وهو ابن مسعود أن قريشا لما أبطئوا على النبي صلى الله
عليه وسلم قال اللهم أكفنيهم بسبع كسبع يوسف الحديث ولا تظهر مناسبته أيضا
للترجمة المذكورة وهي قوله باب قوله وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وقد تكلف لها أبو
الإصبع عيسى بن سهل في شرحه فيما نقلته من رحلة أبي عبد الله بن رشيد عنه ما ملخصه
ترجم البخاري باب قوله وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وأدخل حديث ابن مسعود أن قريشا
لما أبطئوا الحديث وأورد قبل ذلك في الترجمة عن بمسعود بل عجبت ويسخرون قال
فانتهى إلى موضع الفائدة ولم يذكرها وهو قوله وإذ ذكروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون
قال ويؤخذ من ذلك مناسبة التبويب المذكورة ووجهه أنه شبة ما عرض ليوسف
عليه السلام مع إخوته ومع امرأة العزيز بما عرض لمحمد صلى الله عليه وسلم مع قومه حين
أخرجوه من وطنه كما أخرج يوسف إخوته وباعوه لمن استعبده فلم يعنف النبي صلى الله عليه
وسلم قومه لما فتح مكة كما لم يعنف يوسف إخوته حين قالوا له تالله لقد آثرك الله علينا ودعا النبي
صلى الله عليه وسلم بالمطر لما سأله أبو سفيان أن يستسقى لهم كما دعا يوسف لاخوته لما جاؤه نادمين
فقال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم قال فمعنى الآية بل عجبتم حلمي عنهم مع سخريتهم
بك وتماديهم على غيهم وعلى قراءة ابن مسعود بالضم بل عجبت من حلمك عن قومك إذ أتوك
متوسلين بك فدعوت فكشف عنهم وذلك كحلم يوسف عن إخوته إذ أتوه محتاجين وكحلمه عن
275

امرأة العزيز حيث أغرت به سيدها وكذبت عليه ثم سجنته ثم عفا عنها بعد ذلك ولم
يؤاخذها قال فظهر تناسب هاتين الآيتين في المعنى مع بعد الظاهر بينهما قال ومثل هذا كثير
في كتابه مما عابه به من لم يفتح الله عليه والله المستعان ومن تمام ذلك أن يقال تظهر المناسبة أيضا
بين القصتين من قوله في الصافات وإذا رأوا آية يستسخرون فإن فيه إشارة إلى تماديهم على
كفرهم وغيهم ومن قوله في قصة يوسف ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين
وقول البخاري وعن ابن مسعود هو موصول بالاسناد الذي قبله وقد روى الطبري وابن أبي حاتم
من طريق الأعمش عن أبي وائل عن شريح أنه أنكر قراءة عجبت بالضم ويقول إن الله لا يعجب
وإنما يعجب من لا يعلم قال فذكرته لإبراهيم النخعي فقال أن شريحا كان معجبا برأيه وأن ابن
مسعود كان يقرؤها بالضم وهو أعلم منه قال الكرماني أورد البخاري هذه الكلمة وإن كانت
في الصافات هنا إشارة إلى أن ابن مسعود كان يقرؤها بالضم كما يقرأ هيت بالضم انتهى وهي مناسبة
لا بأس بها إلا أن الذي تقدم عن ابن سهل أدق والله أعلم وقرأ بالضم أيضا سعيد بن جبير وحمزة
والكسائي والباقون بالفتح وهو ظاهر وهو ضمير الرسول وبه صرح قتادة ويحتمل أن يراد به كل
من يصح منه وأما الضم فحكاية شريح تدل على أنه حمله على الله وليس لانكاره معنى لأنه إذا
ثبت حمل على ما يليق به سبحانه وتعالى ويحتمل أن يكون مصروفا للسامع أي قل بل عجبت
ويسخرون والأول هو المعتمد وقد أقره إبراهيم النخعي وجزم بذلك سعيد بن جبير فيما رواه ابن
أبي حاتم قال في قوله بل عجبت الله عجب ومن طريق أخرى عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن
مسعود أنه قرأ بل عجبت بالرفع ويقول نظيرها وأن تعجب فعجب قولهم ومن طريق الضحاك
عن ابن عباس قال سبحان الله عجب ونقل ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن محمد بن
عبد الرحمن المقري ولقبه مت قال وكان يفضل على الكسائي في القراءة أنه قال يعجبني أن أقرأ
بل عجبت بالضم خلافا للجهمية (قوله حدثنا الحميدي حدثنا سفيان عن الأعمش عن مسلم)
وهو بن صبيح بالتصغير وهو أبو الضحى وهو بكنيته أشهر ووقع في مسند الحميدي عن سفيان
أخبرني الأعمش أو أخبرت عنه عن مسلم كذا عنده بالشك وكذا أخرجه أبو نعيم في
المستخرج من طريقه وأخرجه الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان قال سمعت من
الأعمش أو أخبرته عنه عن مسلم بن صبيح وهذا الشك لا يقدح في صحة الحديث فإنه قد تقدم
في الاستسقاء من طريق أخرى عن الأعمش من غير رواية بن عيينة فتكون هذه معدودة
في المتابعات والله أعلم * (قوله باب قوله فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك إلى قول
قلن حاش لله) كذا لأبي ذر وكأن الترجمة انقضت عند قوله ربك ثم فسر قوله حاش لله وساق
غيره من أول الآية إلى قوله عن نفسه فلن حاش لله (قوله حاش وحاشا تنزيه واستثناء) قال أبو
عبيدة في قوله حاش لله الشين مفتوحة بغير ياء وبعضهم يدخلها في آخره كقول الشاعر
* حاشى أبي ثوبان أن به * ومعناه التنزيه والاستثناء عن الشر تقول حاشيته أي استثنيته وقد قرأ
الجمهور بحذف الألف بعد الشين وأبو عمرو باثباتها في الوصل وفي حذف الألف بعد الحاء لغة وقرأ
بها الأعمش واختلف في أنها حرف أو اسم أو فعل وشرح ذلك يطول والذي يظهر أن من حذفها
رجح فعليتها بخلاف من نفاها ويؤيد فعليتها قول النابغة * ولا أحاشى من الأقوام من أحد *
276

فإن تصرف الكلمة من الماضي إلى المستقبل دليل فعليتها واقتضى كلامه أن إثبات الألف
وحذفها سواء لغة وقيل إن حذف الألف الأخيرة لغة أهل الحجاز دون غيرهم * (تنبيه) * قول
تنزيه في رواية الأكثر بفتح أوله وسكون النون بعدها زاي مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم هاء وفي
رواية حكاها عياض موحدة ساكنة بعد أوله وكسر الراء بعدها تحتانية مفتوحة مهموزة ثم تاء
تأنيث (قوله حصحص وضح) قال أبو عبيدة في قوله الآن حصحص الحق أي الساعة وضح
الحق وتبين وقال الخليل معناه تبين وظهر بعد خفاء ثم قيل هو مأخوذ من الحصة أي ظهرت
حصة الحق من حصة الباطل وقيل من حصه إذا قطعه ومنه أحص الشعر وحص وحصحص مثل
كف وكفكف (قوله حدثنا سعيد بن تليد) بفتح المثناة وكسر اللام بعدها تحتانية
ساكنة ثم مهملة هو سعيد بن عيسى بن تليد مصري يكنى أبا عثمان تقدم ذكره في بدء الخلق نسبه
البخاري إلى جده (قوله حدثنا عبد الرحمن بن القاسم) هو العتقي بضم المهملة وفتح المثناة بعدها
قاف المصري الفقيه المشهور صاحب مالك وراوي المدونة من علم مالك وليس له في البخاري
سوى هذا الموضع والاسناد مسلسل بالمصريين إلى يونس بن يزيد والباقون مدنيون وفيه رواية
الاقران لان عمرو بن الحرث المصري الفقيه المشهور من أقران يونس بن يزيد وقد تقدم شرح
حديث الباب في ترجمتي إبراهيم ولوط من أحاديث الأنبياء * (قوله باب قوله
حتى إذا استيأس الرسل) استيأس استفعل من اليأس ضد الرجاء قال أبو عبيدة في قوله فلما
استيأسوا منه استفعلوا من يئست ومثله في هذه الآية وليس مراده باستفعل إلا الوزن خاصة
وإلا فالسين والتاء زائدتان واستيأس بمعنى يئس كاستعجب وعجب وفرق بينهما الزمخشري بأن
الزيادة تقع في مثل هذا التنبيه على المبالغة في ذلك الفعل واختلف فيما تعلقت به الغاية من
قوله حتى فاتفقوا على أنه محذوف فقيل التقدير وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فتراخى
النصر عنهم حتى إذا وقيل التقدير فلم تعاقب أممهم حتى إذا وقيل فدعوا قومهم فكذبوهم
فطال ذلك حتى إذا (قوله عن صالح) هو ابن كيسان (قوله عن عائشة قالت له وهو يسألها عن
قول الله عز وجل) في رواية عقيل عن ابن شهاب في أحاديث الأنبياء أخبرني عروة أنه سأل عائشة
عن قوله تعالى فذكره (قوله قلت أكذبوا أم كذبوا) أي مثقلة أو مخففة ووقع ذلك صريحا في
رواية الإسماعيلي من طريق صالح بن كيسان هذه (قوله قالت عائشة كذبوا) أي بالتثقيل
في رواية الإسماعيلي مثقلة (قوله فما هو بالظن قالت أجل) زاد الإسماعيلي قلت فهي مخففة
قالت معاذ الله وهذا ظاهر في أنها أنكرت القراءة بالتخفيف بناء على أن الضمير للرسل وليس
الضمير الرسل على ما بينته ولا لانكار القراءة بذلك معنى بعد ثبوتها ولعلها لم يبلغها ممن يرجع
إليه في ذلك وقد قرأها بالتخفيف أئمة الكوفة من القراء عاصم ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة
والكسائي ووافقهم من الحجازيين أبو جعفر بالقعقاع وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وأبي
عبد الرحمن السلمي والحسن البصري ومحمد بن كعب القرظي في آخرين وقال الكرماني لم تنكر
عائشة القراءة وإنما أنكرت تأويل بن عباس كذا قال وهو خلاف الظاهر وظاهر السياق أن
عروة كان يوافق ابن عباس في ذلك قبل أن يسأل عائشة ثم لا يدري رجع إليها أم لا وروى ابن
أبي حاتم من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري قال جاء رجل إلى القاسم بن محمد فقال له إن محمد بن
277

كعب القرظي يقرأ كذبوا بالتخفيف فقال أخبره عني أني سمعت عائشة تقول كذبوا مثقلة أي
كذبتهم أتباعهم وقد تقدم في تفسير البقرة من طريق ابن أبي مليكة قال قال ابن عباس حتى إذا
استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا خفيفة قال ذهب بها هنالك وفي رواية الأصيلي بما هنالك
لك بميم بدل الهاء وهو تصحيف وقد أخرجه النسائي والإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ ذهب ههنا
وأشار إلى السماء وتلا حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله إلا إن نصر الله قريب وزاد
الإسماعيلي في روايته ثم قال ابن عباس كانوا بشرا ضعفوا وأيسوا وظنوا أنهم قد كذبوا وهذا
ظاهره أن ابن عباس كان يذهب إلى أن قوله متى نصر الله مقول الرسول واليه ذهب طائفة ثم
اختلفوا فقيل الجميع مقول الجميع وقيل الجملة الأولى مقول الجميع والأخيرة من كلام الله
وقال آخرون الجملة الأولى وهي متى نصر الله مقول الذين آمنوا معه والجملة الأخيرة وهي الا أن
نصر الله قريب مقول الرسول وقدم الرسول في الذكر لشرفه وهذا أولى وعلى الأول فليس قول
الرسول متى نصر الله شكا بل استبطاء للنصر وطلبا له وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم يوم بدر
اللهم أنجز لي ما وعدتني قال الخطابي لا شك أن ابن عباس لا يجيز عل الرسل أنها تكذب بالوحي
ولا يشك في صدق المخبر فيحمل كلامه على أنه أراد أنهم لطول البلاء عليهم وأبطأء النصر وشدة
استنجاز من وعدوه به توهموا أن الذي جاءهم من الوحي كان حسبانا من أنفسهم وظنوا عليها
الغلط في تلقى ما ورد عليهم من ذلك فيكون الذي بني له الفعل أنفسهم لا الآتي بالوحي والمراد
بالكذب الغلط لا حقيقة الكذب كما يقول القائل كذبتك نفسك (قلت) ويؤيده قراءة
مجاهد وظنوا أنهم قد كذبوا بفتح أوله مع التخفيف أي غلطوا ويكون فاعل وظنوا الرسل
ويحتمل أن يكون أتباعهم ويؤيده ما رواه الطبري بأسانيد متنوعة من طريق عمران بن الحرث
وسعيد بن جبير وأبي الضحى وعلي بن أبي طلحة والعوفي كلهم عن ابن عباس في هذه الآية قال
أيس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم أن الرسل كذبوا وقال الزمخشري إن صح هذا عن ابن
عباس فقد أراد بالظن ما يخطر بالبال ويهجس في النفس من الوسوسة وحديث النفس على
ما عليه البشرية وأما الظن وهو ترجيح أحد الطرفين فلا يظن بالمسلم فضلا عن الرسول وقال
أبو نصر القشيري ولا يبعد أن المراد خطر بقلب الرسل فصرفوه عن أنفسهم أو المعنى قربوا من
الظن كما يقال بلغت المنزل إذا قربت منه وقال الترمذي الحكيم وجهه أن الرسل كانت تخاف
بعد أن وعدهم الله النصر أن يتخلف النصر لا من تهمة بوعد الله بل لتهمة النفوس أن تكون قد
أحدثت حدثا ينقض ذلك الشرط فكان الامر إذا طال واشتد البلاء عليهم دخلهم الظن من
هذه الجهة (قلت) ولا يظن بابن عباس أنه يجوز على الرسول أن نفسه تحدثه بأن الله يخلف
وعده بل الذي يظن بابن عباس أنه أراد بقوله كانوا بشر إلى آخر كلامه من آمن من أتباع الرسل
لا نفس الرسل وقول الراوي عنه ذهب بها هناك أي إلى السماء معناه أن أتباع الرسل ظنوا أن
ما وعدهم به الرسل على لسان الملك تخلف ولا مانع أن يقع ذلك في خواطر بعض الاتباع وعجب
لابن الأنباري في جزمه بأنه لا يصح ثم الزمخشري في توقفه عن صحة ذلك عن بن عباس فإنه صح
عنه لكن لم يأت عنه التصريح بأن الرسل هم الذين ظنوا ذلك ولا يلزم ذلك من قراءة التخفيف بل
الضمير في وظنوا عائد على المرسل إليهم وفي وكذبوا عائد على الرسل أي وظن المرسل إليهم أن الرسل
278

كذبوا أن الضمائر للرسل والمعنى يئس الرسل من النصر وتوهموا أن أنفسهم كذبتهم حين
حدثتهم بقرب النصر أو كذبهم رجاؤهم أو الضمائر كلها للرسل إليهم أي يئس الرسل من
إيمان من أرسلوا إليه وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوهم في جميع ما ادعوه من النبوة
والوعد بالنصر لمن أطاعهم والوعيد بالعذاب لمن لم يجبهم وإذا كان ذلك محتملا وجب تنزيه بن
عباس عن تجويزه ذلك على الرسل ويحمل إنكار عائشة على ظاهر مساقهم من إطلاق المنقول
عنه وقد روى الطبري أن سعيد بن جبير سئل عن هذه الآية فقال يئس الرسل من قومهم
أن يصدقوهم وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا فقال الضحاك بن مزاحم لما سمعه لو رحلت
إلى اليمن في هذه الكلمة لكان قليلا فهذا سعيد بن جبير وهو من أكابر أصحاب ابن عباس
العارفين بكلامه حمل الآية على الاحتمال الأخير الذي ذكرته وعن مسلم بن يسار أنه سأل
سعيد بن جبير فقال له آية بلغت مني كل مبلغ فقرأ هذه الآية بالتخفيف قال في هذا ألوت أن تظن
الرسل ذلك فأجابه بنحو ذلك فقال فرجت عنى فرج الله عنك وقام إليه فاعتنقه وجاء ذلك من
رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس نفسه فعند النسائي من طريق أخرى عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس في قوله قد كذبوا قال استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم أن الرسل قد
كذبوهم وإسناده حسن فليكن هو المعتمد في تأويل ما جاء عن ابن عباس في ذلك وهو أعلم بمراد
نفسه من غيره ولا يرد على ذلك ما روى الطبري من طريق ابن جريج في قوله قد كذبوا خفيفة أي
أخلفوا إلا أنا إذا قررنا أن الضمير للمرسل إليهم لم يضر تفسير كذبوا بأخلفوا أي ظن المرسل إليهم
أن الرسل أخلفوا ما وعدوا به والله أعلم وروى الطبري من طريق تميم بن حذلم سمعت ابن مسعود
يقول في هذه الآية استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم حين أبطأ الامر أن الرسل
كذبوهم ومن طريق عبد الله بن الحرث استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن القوم أنهم قد
كذبوا فيما جاءوهم به وقد جاء عن بن مسعود شئ موهم كما جاء عن ابن عباس فروى الطبري من
طريق صحيح عن مسروق عن ابن مسعود أنه قرأ حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا
مخففة قال أبو عبد الله هو الذي يكره وليس في هذا أيضا ما يقطع به على أن بن مسعود أراد أن
الضمير للرسل بل يحتمل أن يكون الضمير عنده لمن آمن من أتباع الرسل فإن صدور ذلك ممن آمن
مما يكره سماعه فلم يتعين أنه أراد الرسل قال الطبري لو جاز أن يرتاب الرسل بوعد الله ويشكوا
في حقيقة خبره لكان المرسل إليهم أولى بجواز ذلك عليهم وقد أختار الطبري قراءة التخفيف
ووجهها بما تقدم ثم قال وإنما اخترت هذا لان الآية وقعت عقب قوله فينظروا كيف كان
عافية الذين من قبلهم فكان في ذلك إشارة إلى أن يأس الرسل كان من إيمان قومهم الذين
كذبوهم فهلكوا أو أن المضمر في قوله وظنوا إنهم قد كذبوا إنما هو للذين من قبلهم من الأمم
الهالكة ويزيد ذلك وضوحا أن في بقية الآية الخبر عن الرسل ومن آمن بهم بقوله تعالى فننجي
من نشاء أي الذين هلكوا هم الذين ظنوا أن الرسل قد كذبوا فكذبوهم والرسل ومن اتبعهم هم
الذين نجوا انتهى كلام ولا يخلو من نظر (قوله قالت أجل) أي نعم ووقع في رواية عقيل في
أحاديث الأنبياء في هذا الموضع فقالت يا عرية وهو بالتصغير وأصله عريوة فاجتمع حرفا علة فأبدلت
الواو ياء ثم أدغمت في الأخرى (قوله لعمري لقد استيقنوا بذلك) فيه إشعار يحمل عروة الظن
279

على حقيقته وهو رجحان أحد الطرفين ووافقته عائشة لكن روى الطبري من طريق سعيد عن
قتادة أن المراد بالظن هنا اليقين ونقله نفطويه هنا عن أكثر أهل اللغة وقال هو كقوله في آية
أخرى وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه وأنكر ذلك الطبري وقال أن الظن لا تستعمله العرب
في موضع العلم الا فيما كان طريقه غير المعاينة فأما ما كان طريقه المشاهدة فلا فإنها لا تقول
أظنني إنسانا ولا أظنني حيا بمعنى أعلمني إنسانا أو حيا (قوله في الطريق الثانية عن الزهري
أخبرني عروة فقلت لعلها كذبوا مخففة قالت معاذ الله نحوه) هكذا أورده مختصرا وقد ساقه
أبو نعيم في المستخرج بتمامه ولفظه عن عروة أنه سأل عائشة فذكر نحو حديث صالح بن كيسان
* (فائدة) * قوله تعالى في بقية الآية فننجي من نشاء قرأ الجمهور بنونين الثانية ساكنة والجيم
خفيفة وسكون آخر مضارع أنجى وقرأ عاصم وابن عامر بنون واحدة وجيم مشددة وفتح
آخره على أنه فعل ماض مبنى للمفعول ومن قائمة مقام الفاعل وفيها قراءات أخرى قال الطبري
كل من قرأ بذلك فهو منفرد بقراءته والحجة في قراءة غيره والله أعلم
* (قوله سورة الرعد) *
* (بسم الله الرحمن الرحي) *
ثبتت البسملة لأبي ذر وحده (قوله قال ابن عباس كباسط كفيه مثل المشرك الذي عبد مع
الله إلها آخر غيره كمثل العطشان الذي ينظر إلى ظل خياله في الماء من بعيد وهو يريد أن يتناوله
ولا يقدر) وصله ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله كباسط
كفيه إلى الماء ليبلغ فاه الآية فذكر مثله وقال في آخره ولا يقدر عليه * (تنبيه) * وقع في
رواية الأكثر فلا يقدر بالراء وهو الصواب وحكى عياض أن في رواية غير القابسي يقدم بالميم
وهو تصحيف وأن كان له وجه من جهة المعنى وروى الطبري أيضا من طريق العوفي عن ابن
عباس في هذه الآية قال مثل الأوثان التي تعبد من دون الله كمثل رجل قد بلغه العطش حتى
كربه الموت وكفاه في الماء قد وضعهما لا يبلغان فاه يقول الله لا يستجيب له الأوثان ولا تنفعه حتى
تبلغ كفا هذا فاه وما هما ببالغتين فاه أبدا ومن طريق أبي أيوب عن علي قال كالرجل العطشان
يده يه إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو بمرتفع ومن طريق سعيد عن قتادة الذي يدعو من دون
الله إلها لا يستجيب له بشئ أبدا من نفع أو ضر حتى يأتيه الموت مثله كمثل الذي بسط كفيه إلى
الماء ليبلغ فاه ولا يصل ذلك إليه فيموت عطشا ومن طريق معمر عن قتادة نحوه ولكن قال وليس
الماء ببالغ فاه ما دام باسطا كفيه لا يقبضهما وسيأتي قول مجاهد في ذلك فيما بعد (قوله وقال
غيره متجاورات متدانيات وقال غيره المثلاث وأحدها مثله وهي الأمثال والأشياء وقال إلا
مثل أيام الذين خلوا) هكذا وقع في رواية أبي ذر ولغير وقال غيره سخر ذلل متجاورات متدانيات
المثلات وأحدها مثلة إلى آخره فجعل الكل لقائل واحد وقوله وسخر هو بفتح المهملة وتشديد
الخاء المعجمة وذلل بالذال المعجمة وتشديد اللام تفسير سخر وكل هذا كلام أبي عبيدة قال في قوله
وسخر الشمس والقمر أي ذللهما فأنطاعا قال والتنوين في كل بدل من الضمير للشمس والقمر
وهو مرفوع على الاستئناف فلم يعمل فيه وسخر وقال في قوله وفي الأرض قطع متجاورات أي
280

متدانيات متقاربات وقال في قوله وقد خلت من قبلهم الثلاث قال الأمثال والأشياه والنظير
وروى للطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله المثلات قال الأمثال ومن طريق
معمر عن قتادة قال المثلاث العقوبات ومن طريق زيد بن أسلم المثلاث ما مثل الله به من
الأمم من العذاب وهو جمع مثلة كقطع الاذن والأنف * (تنبيه) * المثلاث والمثلة كلاهما
بفتح الميم وضم المثلثة مثل سمرة وسمرات وسكن يحيى بن وثاب المثلثة في قراءته وضم الميم وكذا
طلحة بن مصرف لكن فتح أوله وقرأ الأعمش بفتحهما وفي رواية أبي بكر بن عياش بضمهما
وبهما قرأ عيسى بن عمر (قوله بمقدار بقدر) هو كلام أبي عبيدة أيضا وزاد مفعال من القدر
وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة أي جعل لهم أجلا معلوما (قوله يقال معقبات ملائكة
حفظة تعقب الأولى منها الأخرى ومنه قيل العقيب أي عقبت في أثره) سقط لفظ يقال من
رواية غير أبي ذر وهو أولى فإنه كلام أبي عبيدة أيضا قال في قوله تعالى له معقبات من بين يديه
أي ملائكة تعقب بعد ملائكة حفظة بالليل تعقب بعد حفظة النهار وحفظة النهار تعقب بعد
حفظة الليل ومنه قولهم فلان عقبني وقولهم عقبت في أثره وروى الطبري بإسناد حسن
عن ابن عباس في قوله تعالى له معقبات بين يديه ومن خلفه قال ملائكة يحفظونه من بين
يديه ومن خلفه فإذا جاء قدره خلوا عنه ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله من
أمر الله يقول بإذن الله فالمعقبات هن من أمر الله وهي الملائكة ومن طريق سعيد بن جبير
قال حفظهم إياه بأمر الله ومن طريق إبراهيم النخعي قال يحفظونه من الجن ومن طريق كعب
الأحبار قال لولا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم
لتخطفتم وأخرج الطبري من طريق كنانة العدوي أن عثمان سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن
عدد الملائكة الموكلة بالآدمي فقال لكل آدمي عشرة بالليل وعشرة بالنهار واحد عن يمينه وآخر
عن شماله واثنان من بين يديه ومن خلفه واثنان على جنبيه وآخر قابض على ناصيته فإن تواضع
رفعه وأن تكبر وضعه واثنان على شفتيه ليس يحفظان عليه الا الصلاة على محمد والعاشر يحرسه
من الحية أن تدخل فاه يعني إذا نام وجاء في تأويل ذلك قول آخر رجحه ابن جرير فأخرج بإسناد
صحيح عن ابن عباس في قوله له معقبات قال ذلك ملك من ملوك الدنيا له حرس ومن دونه حرس
ومن طريق عكرمة في قوله معقبات قال المراكب * (تنبيه) * عقبت يجوز فيه تخفيف
القاف وتشديدها وحكى ابن التين عن رواية بعضهم كسر القاف مع التخفيف فيكشف عن
ذلك لاحتمال أن يكون لغة (قوله المحال العقوبة) هو قول أبي عبيدة أيضا وروى ابن أبي
حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله شديد المحال قال شديد القوة ومثله عن قتادة
ونحوه عن السدي وفي رواية عن مجاهد شديد الانتقام وأصل المحال بكسر الميم القوة وقيل أصله
المحل وهو المكر وقيل الحيلة والميم مزيدة وغلطوا قائله ويؤيد التأويل الأول قوله في الآية
ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وروى النسائي في سبب نزولها من طريق علي بن أبي
سارة عن ثابت عن أنس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل من فراعنة العرب يدعوه
الحديث وفيه فأرسل الله صاعقة فذهبت بقحف رأسه فأنزل الله هذه الآية وأخرجه البزار من
طريق أخرى عن ثابت والطبراني من حديث ابن عباس مطولا (قوله كباسط كفيه إلى الماء
281

ليقبض على الماء) هو كلام أبي عبيدة أيضا قال في قوله إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه أي
أن الذي يبسط كفيه ليقبض على الماء حتى يؤديه إلى فمه لا يتم له ذلك ولا تجمعه أنامله قال
صابئ بن الحرث
وإني وإياكم وشوقا إليكم * كقابض ماء لم تسقه أنامله
تسقه بكسر المهملة وسكون القاف أي لم تجمعه (قوله رابيا من ربا يربو) قال أبو عبيدة في
قوله فاحتمل السيل زبدا رابيا من ربا يربو أي ينتفخ وسيأتي تفسير قتادة قريبا (قوله أو متاع
زيد مثله المتاع ما تمتعت) به هو قول أبي عبيدة أيضا وسيأتي تفسير مجاهد لذلك قريبا (قوله
جفاء يقال أجفأت القدر إذا غلت فعلاها الزبد ثم تسكن فيذهب الزبد بلا منفعة فكذلك
يمين الحق من الباطل) قال أبو عبيدة في قوله فأما الزبد فيذهب جفاء قال أبو عمرو بن العلاء يقال
أجفأت القدر وذلك إذا غلت وانتصب زبدها فإذا سكنت لم يبق منه شئ ونقل الطبري عن بعض
أهل اللغة من البصريين أن معنى قوله فيذهب جفاء تنشفه الأرض يقال جفا الوادي وأجفى
في معنى نشف وقرأ رؤبة بن العجاج فيذهب جفالا باللام بدل الهمزة وهي من أجفلت الريح
الغيم إذا قطعته (قوله المهاد الفراش) ثبت هذا لغير أبي ذر وهو قول أبي عبيدة أيضا (قوله
يدرؤون يدفعون درأته عني دفعته) هو قول أبي عبيدة أيضا (قوله (1) الأغلال وأحدها غل
ولا تكون إلا في الأعناق هو قول أبي عبيد أيضا قوله سلام عليكم أي يقولون سلام عليكم)
قال أبو عبيدة في قوله والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام قال مجازه مجاز المختصر الذي
فيه ضمير تقديره يقولون سلام عليكم وقال الطبري حذفت يقولون لدلالة الكلام كما حذفت في
قوله ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا والأولى أن المحذوف حال
من فاعل يدخلون أي يدخلون قائلين وقوله بما صبرتم يتعلق بما يتعلق به عليكم وما مصدرية
أي بسبب صبركم (قوله والمتاب إليه توبتي) قال أبو عبيدة المتاب مصدر تبت إليه وتوبتي وروى
ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح في قوله واليه متاب قال توبتي (قوله أفلم ييأس أفلم يتبين)
قال أبو عبيدة في قوله تعالى أفلم ييأس الذين آمنوا أي أفلم يعلم ويتبين قال سحيم اليربوعي
* ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم * أي لم تبينوا وقال آخر
ألم ييأس الأقوام أنى أنا ابنه * وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
ونقل الطبري عن القاسم بن معن أنه كان يقول إنها لغة هوازن تقول يئست كذا أي علمته قال
وأنكره بعض الكوفيين يعني الفراء لكنه سلم أنه هنا بمعنى علمت وأن لم يكن مسموعا ورد عليه
بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ووجهوه بأن اليأس إنما استعمل بمعنى العلم لان الآيس
عن الشئ عالم بأنه لا يكون وروى الطبري من طرق عن مجاهد وقتادة وغيرهما أفلم ييأس أي أفلم
يعلم وروى الطبري وعبد بن حميد بإسناد صحيح كلهم من رجال البخاري عن ابن عباس أنه كان
يقرؤها أفلم يتبين ويقول كتبها الكاتب وهو ناعس ومن طريق ابن جريج قال زعم ابن كثير
وغيره أنها القراءة الأولى وهذه القراءة جاءت عن علي وابن عباس وعكرمة وابن أبي مليكة وعلي
ابن بديمة وشهر بن حوشب وعلي بن الحسين وابنه زيد حفيده جعفر بن محمد في آخر من قرؤا
كلهم أفلم يتبين وأما ما أسنده الطبري عن ابن عباس فقد أشتد إنكار جماعة ممن لا علم له بالرجال
282

صحته وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته إلى أن قال وهي والله فريه ما فيها مرية وتبعه جماعة
بعده والله المستعان وقد جاء عن ابن عباس نحو ذلك في قوله تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه
قال ووصى التزقت الواو في الصاد أخرجه سعيد بن منصور بإسناد جيد عنه وهذه الأشياء وإن
كان غيرها المعتمد لكن تكذيب المنقول بعد صحته ليس من دأب أهل التحصيل فلينظر في تأويله
بما يليق به (قوله قارعة داهية) قال أبو عبيدة في قوله تصيبهم بما صنعوا قارعة أي داهية مهلكة
تقول قرعت عظمه أي صدعته وفسره غيره بأخص من ذلك فأخرج الطبري بإسناد حسن عن
ابن عباس في قوله تعالى ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة قال سرية أو تحل قريبا
من دارهم قال أنت يا محمد حتى يأتي وعد الله فتح مكة ومن طريق مجاهد وغيره نحوه (قوله
فأمليت أطلت من الملي والملاءة ومنه مليا ويقال للواسع الطويل من الأرض ملى) كذا فيه
والذي قال أبو عبيدة في قوله تعالى فأمليت الذين كفروا أي أطلت لهو منه الملي والملاوة من
الدهر ويقال لليل والنهار الملوان لطولهما ويقال للخرق الواسع من الأرض ملي قال الشاعر
* ملي لا تخطاه العيون رغيب * انتهى والملى بفتح ثم كسر ثم تشديد بغير همزة (قوله أشق أشد من
المشقة) هو قول أبي عبيدة أيضا ومراده أنه أفعل تفضيل (قوله معقب مغير) قال أبو
عبيدة في قوله لا معقب لحكمه أي لا راد لحكمه ولا مغير له عن الحق وروى ابن أبي حاتم من
طريق زيد بن أسلم في قوله لا معقب لحكمه أي لا يتعقب أحد حكمة فيرده (قوله وقال مجاهد
متجاورات طيبها وخبيثها السباخ) كذا للجميع وسقط خبر طيبها وقد وصله الفريابي من طريق
ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وفي الأرض قطع متجاورات قال طيبها عذبها وخبيثها السباخ
وعند الطبري من وجه آخر عن مجاهد القطع المتجاورات العذبة والسبخة والمالح والطيب ومن
طريق أبي سنان عن ابن عباس مثله ومن وجه آخر منقطع عن ابن عباس مثله وزاد تنبت
هذه وهذه إلى جنبها لا تنبت ومن طريق أخرى متصلة عن ابن عباس قال تكون هذه حلوة
وهذه حامضة وتسقى بماء واحد وهن متجاورات (قوله صنوان النخلتان أو أكثر في أصل واحد
وغير صنوان وحدها تسقى بماء واحد كصالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد) وصله الفرباني أيضا
عن مجاهد مثله لكن قال تسقى بماء واحد قال بماء السماء والباقي سواء وروى الطبري من طريق
سعيد بن جبير في قوله صنوان وغير صنوان مجتمع وغير مجتمع وعن سعيد بن منصور عن البراء
ابن عازب قال الصنوان أن يكون أصلها واحد ورؤوسها متفرقة وغير الصنوان أن تكون النخلة
منفردة ليس عندها شئ انتهى وأصل الصنو المثل والمراد به هنا فرع يجمعه وفرعا آخر أو أكثر
أصل واحد ومنه عم الرجل صنو أبيه لأنهما يجمعهما أصل واحد (قوله السحاب الثقال
الذي فيه الماء) وصله الفريابي أيضا عن مجاهد مثله (قوله كباسط كفيه إلى الماء يدعو الماء
بلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا) وصله الفريابي والطبري من طرق عن مجاهد أيضا وقد
تقدم قول غيره في أول السورة (قوله فسالت أودية بقدرها تملأ بطن كل واد زبدا رابيا
الزبد السيل زبد مثله خبث الحديد والحلية) وصله الفريابي أيضا عن مجاهد في قوله زبدا
رابيا قال الزبد السيل وفي قوله زبد مثله قال خبث الحلية والحديد وأخرجه الطبري من وجهين
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فسالت أودية بقدرها قال بملئها فاحتمل السيل زيدا رابيا
283

قال الزبد السيل ومما توقدون عليه في النار ابتغاء خلية أو متاع زبد مثله قال خبث الحديد
والحلية فأما الزبد فيذهب جفاء قال جمودا في الأرض وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض
قال الماء وهما مثلان للحق والباطل وأخرجه من طريقين عن ابن عباس نحوه ووجه المماثلة
في قوله زبد مثله أن كلا من الزبدين ناشئ عن الأكدار ومن طريق سعيد عن قتادة في قوله
بقدرها قال الصغير بصفرة والكبير بكبره وفي قوله رابيا أي عاليا وفي قوله ابتغاء حلية الذهب
والفضة وفي قوله أو متاع الحديد والصفر الذي ينتفع به والجفاء ما يتعلق بالشجر وهي ثلاثة أمثال
ضربها الله في مثل واحد يقول كما اضمحل هذا الزبد فصار لا ينتفع به كذلك يضمحل الباطل
عن أهله وكما مكث هذا الماء في الأرض فأمرعت وأخرجت نباتها كذلك يبقي الحق لأهله ونظيره
بقاء خالص الذهب والفضة إذا دخل النار وهذب خبثه وبقي صفوه كذلك يبقى الحق لأهله
ويذهب الباطل * (تنبيه) * وقع للأكثر يملا بطن واد وفي رواية الأصيلي يملا كل واحد
وهو أشبه ويروي ماء بطن واد * (قوله باب قوله الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما
تغيض الرحام غيض نقص) قال أبو عبيدة في قوله وغيض الماء أي ذهب وقيل وهذا تفسير
سورة هود وانما ذكره هنا لتفسير قوله تغيض الأرحام فإنها من هذه المادة وروى عبد بن حميد من
طريق أبي بشر عن مجاهد في قوله الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد قال إذا
حاضت المرأة وهي حامل كان نقصانا من الولد فان زادت على تسعة أشهر كان تمام لما نقص من
ولدها ثم روى من طريق منصور عن الحسن قال الغيض ما دون تسعة أشهر والزيادة ما زادت
عليها يعني في الوضع ثم ذكر المصنف حديث بن عمر في مفاتح الغيب وقد تقدم في سورة الأنعام
ويأتي في تفسير سورة لقمان ويشرح هناك إن شاء الله تعالى (قوله حدثني إبراهيم بن المنذر
حدثنا معن (2) عن مالك) قال أبو مسعود تفرد به إبراهيم بن المنذر وهو غريب عن مالك (قلت)
أخرجه الدارقطني من رواية عبد الله بن جعفر البرمكي عن معن ورواه أيضا من طريق القعنبي
عن مالك لكنه اختصره (قلت) وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق ابن القاسم عن مالك قال
الدارقطني ورواه أحمد بن أبي طيبة عن مالك عن نافع عن ابن عمر فوهم فيه إسنادا ومتنا
* (قوله سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام)
(بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر (قوله وقال ابن عباس هاد داع) كذا في جميع النسخ وهذه الكلمة
إنما وقعت في السورة التي قبلها في قوله تعالى إنما أنت منذر ولكل قوم هاد واختلف أهل
التأويل في تفسيرها بعد اتفاقهم على أن المراد بالمنذر محمد صلى الله عليه وسلم فروى الطبري من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ولكل قوم هاد أي داع ومن طريق قتادة مثله ومن
طريق العوفي عن ابن عباس قال الهادي الله وهذا بمعنى الذي قبله كأنه لحظ قوله تعالى والله
يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء ومن طريق أبي العالية قال الهادي القائد ومن طريق
مجاهد وقتاد أيضا الهادي نبي وهذا أخص من الذي قبله ويحمل القوم في الآية في هذه
الأقوال على العموم ومن طريق عكرمة وأبي الضحى ومجاهد أيضا قال الهادي محمد وهذا
284

أخص من الجميع والمراد بالقوم على هذا الخصوص أي هذه الأمة والمستغرب ما أخرجه الطبري
بإسناد حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نرلت هذه الآية وضع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال أنا المنذر وأومأ إلى علي وقال أنت الهادي بك يهتدي
المهتدون بعدي فإن ثبت هذا فالمراد بالقوم أخص من الذي قبله أي بني هاشم مثلا وأخرج ابن
أبي حاتم وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند وابن مردويه من طريق السدي عن عبد خير عن علي
قال الهادي رجل من بني هاشم قال بعض رواته هو على وكأنه أخذه من الحديث الذي قبله
وفي إسناد كل منهما بعض الشيعة ولو كان ذلك ثابتا ما تخالفت رواته (قوله وقال مجاهد صديد
قيح ودم) سقط هذا لأبي ذر وصله الفريابي بسنده إليه في قوله ويسقى من ماء صديد قال قيح ودم
(قوله وقال ابن عيينة اذكروا نعمة الله عليكم أيادي الله عندكم وأيامه) وصله الطبري من
طريق الحميدي عنه وكذا رويناه في تفسير بن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن عنه وأخرج
عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والنسائي وكذا ذكره بن أبي حاتم من طريق ابن عباس عن أبي
بن كعب قال أن الله أوحى إلى موسى وذكرهم بأيام الله قال نعم الله وأخرجه عبد الرزاق من
حديث ابن عباس بإسناد صحيح فلم يقل عن أبي بن كعب (قوله وقال مجاهد من كل ما سألتموه
رغبتم إليه) فيه وصله الفريابي في قوله وآتاكم من كل ما سألتموه قال رغبتم إليه فيه (قوله تبغونها
عوجا تلتمسون لها عوجا) كذا وقع هنا للأكثر ولأبي ذر قبل الباب الذي يليه وصنيعهم أولى
لان هذا من قول مجاهد فذكره من غيره من تفاسيره أولى وقد وصله عبد بن حميد من طريق ابن
أبي نجيح عن مجاهد في قوله وتبغونها عوجا قال تلتمسون لها الزيغ وذكر يعقوب بن السكيت
أن العوج بكسر العين في الأرض والدين وبفتحها في العود ونحوه مما كان منتصبا (قوله
ولا خلال مصدر خاللته خلالا ويجوز أيضا جمع خلة وخلال) كذا وقع فيه فأوهم أنه من تفسير
مجاهد وإنما هو من كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى لا بيع فيه ولا خلال أي لا مخاللة خليل قال وله
معنى آخر جمع خلة مثل حلة والجمع خلال وقلة والجمع قلال وروى الطبري من طريق قتادة قال
علم الله أن في الدنيا بيوعا وخلالا يتخالون بها في الدنيا فمن كان يخالل الله فليدم عليه وإلا فسينقطع
ذلك عنه وهذا يوافق من جعل الخلال في الآية جمع خلة (قوله وإذ تأذن ربكم أعلمكم
آذنكم) كذا للأكثر ولأبي ذر أعلمكم ربكم قال أبو عبيدة في قوله تعالى وإذ تأذن ربكم إذ
زائدة وتأذن تفعل من آذن أي أعلم وهو قول أكثر أهل اللغة أن تأذن من الإيذان وهو الاعلام
ومعنى تفعل عزم عزما جازما ولهذا أجيب بما يجاب به القسم ونقل أبو علي الفارسي أن بعض
العرب يجعل أذن وتأذن بمعنى واحد (قلت) ومثله قولهم تعلم موضع أعلم وأوعد وتوعد وقيل
إن إذ زائدة فإن المعنى اذكروا حين تأذن ربكم وفيه نظر (قوله أيديهم في أفواههم هذا مثل كفوا
عما أمروا به) قال أبو عبيدة في قوله فردوا أيديهم في أفواههم مجازه مجاز المثل ومعناه كقوله
عما أمروا بقبوله من الحق ولم يؤمنوا به يقال رد يده في فمه إذا أمسك ولم يجب وقد تعقبوا كلام
أبي عبيدة فقيل لم يسمع من العرب رد يده في فيه إذا ترك الشئ الذي كان يريد أن يفعله وقد روى
عبد بن حميد من طريق أبي الأحوص عن عبد الله قال عضوا على أصابعهم وصححه الحاكم
وإسناده صحيح ويؤيده الآية الأخرى وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ وقال الشاعر
285

* يردون في فيه غيظ الحسود * أي يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه وقيل المعنى رد الكفار
أيدي الرسل في أفواههم بمعنى أنهم امتنعوا من قبول كلامهم أو المراد بالأيدي النعم أي ردوا
نعمة الرسل وهي نصائحهم عليهم لانهم إذا كذبوها كأنهم ردوها من حيث جاءت (قوله
مقامي حيث يقيمه الله بين يديه) قال أبو عبيدة في قوله ذلك إن خاف مقامي قال حيث أقيمه بين
يدي للحساب (قلت) وفيه قول آخر قال الفراء أيضا إنه مصدر لكن قال إنه مضاف للفاعل أي
قيامي عليه بالحفظ (قوله من ورائه قدامة جهنم) قال أبو عبيدة قوله من ورائه جهنم مجازه
قدامة وأمامه يقال الموت من ورائك أي قدامك وهو اسم لكل ما توارى عن الشخص نقله
ثعلب ومنه قول الشاعر
أليس ورائي إن تراخت منيتي * لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
وقول النابغة * وليس وراء الله للمرء مذهب * أي بعد الله ونقل قطرب وغيره أنه من الأضداد
وأنكره إبراهيم بن عرفة نفطويه وقال لا يقع وراء بمعنى إمام إلا في زمان أو مكان (قوله لكم
تبعا وأحدها تابع مثل غيب وغائب) هو قول أبي عبيدة أيضا وغيب بفتح الغين المعجمة والتحتانية
بعدها موحدة (قوله بمصرخكم استصرخني استغاثني يستصرخه من الصراخ) سقط هذا
لأبي ذر قال أبو عبيدة ما أنا بمصرخكم أي ما أنا بمغيثكم ويقال استصرخني فأصرخته أي
استغاثني فأغثته (قوله اجتثت استؤصلت) هو قول أبي عبيدة أيضا أي قطعت جثثها بكمالها
وأخرجه الطبري من طريق سعيد عن قتاد مثله ومن طريق العوفي عن ابن عباس ضرب الله
مثل الشجرة الخبيثة بمثل الكافر يقول الكافر لا يقبل عمله ولا يصعد فليس له أصل ثابت
في الأرض ولا فرع في السماء ومن طريق الضحاك قال في قوله مالها من قرار أي مالها أصل
ولا فرع ولا ثمرة ولا منفعة كذلك الكافر ليس يعمل خيرا ولا يقول خيرا ولم يجعل الله فيه بركة
ولا منفعة * (قوله باب قوله كشجرة طيبة أصلها ثابت الآية) كذا لأبي ذر
وساق غيره إلى حين وسقط عندهم باب قوله ثم ذكر حديث ابن عمر (قوله تشبه أو كالرجل المسلم)
شك من أحد رواته وأخرجه الإسماعيلي من الطريق التي أخرجها منها البخاري بلفظ تشبه
الرجل المسلم ولم يشك وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب العلم وقد تقدم هناك البيان
الواضح بأن المراد بالشجرة في هذه الآية النخلة وفيه رد على من زعم أن المراد بها شجرة الجوز
الهندي وقد أخرجه ابن مردويه من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف في قوله تؤتى أكلها كل
حين قال هي شجرة جوز الهند لا تتعطل من ثمرة تحمل كل شهر ومعنى قوله طيبة أي لذيذة الثمر
أو حسنة الشكل أو نافعة فتكون طيبة بما ينول إليه نفسها وقوله أصلها ثابت أي لا ينقطع
وقوله وفرعها في السماء أي هي نهاية في الكمال لأنها إذا كانت مرتفعه بعدت عن عفونات
الأرض وللحاكم من حديث أنس الشجرة الطيبة النخلة والشجرة الخبيثة الحنظلة * (قوله
باب يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) ذكر فيه حديث البراء مختصرا وقد تقدم
في الجنائز أتم سياقا واستوفيت شرحه في ذلك الباب * (قوله باب ألم تر إلى الذين
286

بدلوا نعمة الله كفرا ألم تر ألم تعلم كقوله ألم تر إلى الذين خرجوا) زاد غير أبي ذر ألم تر كيف وهذا
قول أبي عبيدة بلفظه (قوله البوار الهلاك بار يبور بورا قوما بورا هالكين) هو كلام أبي عبيدة
ثم ذكر حديث ابن عباس فيمن نزلت في الآية مختصرا وقد تقدم مستوفى مع شرحه في غزوة
بدر وروى الطبري من طريق أخرى عن ابن عباس أنه سأل عمر عن هذه الآية فقال من هم
قال هم الأفجران من بني مخزوم وبني أمية أخوالي وأعمامك فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم
بدر وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين ومن طريق على قال هم الأفجران بنو أمية وبنو المغيرة
فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر وأما بنوا أمية فمتعوا إلى حين وهو عند عبد الرزاق
أيضا والنسائي وصححه الحاكم (قلت) والمراد بعضهم لا جميع بني أمية وبني مخزوم فإن بني مخزوم
لم يستأصلوا يوم بدر بل المراد بعضهم كأبي جهل من بني مخزوم وأبي سفيان من بني أمية
* (قوله تفسير سورة الحجر)
(بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر عن المستملى وله عن غيره بدون لفظ تفسير وسقطت البسملة للباقين (قوله وقال
مجاهد صراط على مستقيم الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه) وصله الطبري من طرق عنه مثله
وزاد لا يعرض على شئ ومن طريق قتادة ومحمد بن سيرين وغيرهما أنهم قرؤوا على بالتنوين على
أنه صفة للصراط أي رفيع (قلت) وهي قراءة يعقوب (قوله لبإمام مبين على الطريق) وروى
الطبري من طرق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وأنهمل بامام مبين قال بطريق معلم ومن
رواية سعيد عن قتادة قال طريق واضح وسيأتي لتفسير آخر (تنبيه) سقط هذا والذي قبله
لأبي ذر إلا عن المستملي (قوله وقال ابن عباس لعمرك لعيشك) وصله ابن أبي حاتم من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قوله قوم منكرون أنكرهم لوط) وصله ابن أبي حاتم أيضا من
الوجه المذكور * (تنبيه) * سقط هذا والذي قبله لأبي ذر (قوله كتاب معلوم أجل) كذا لأبي ذر
فأوهم أنه من تفسير مجاهد ولغيره وقال غيره كتاب معلوم أجل وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله
إلا ولها كتاب معلوم أي أجل ومدة معلوم أي مؤقت (قوله لوما هلا تأتينا) قال أبو عبيدة
في قوله لوما تأتينا مجازها هلا تأتينا (قوله شيع أمم والأولياء أيضا شيع) قال أبو عبيدة
في قوله شيع الأولين أي أمم الأولين واحدتها شيعة والأولياء أيضا شيع أي يقال لهم شيع
ورو الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ولقد أرسلنا من قبلك في شيع
الأولين يقول أمم الأولين قال الطبري ويقال لأولياء الرجل أيضا شيعة (قوله وقال ابن عباس
يهرعون مسرعين) كذا أوردها هنا وليست من هذه السورة وإنما هي في سورة هود وقد وصله
ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قوله للمتوسمين للناظرين) تقدم شرحه
في قصة لوط من أحاديث الأنبياء (تنبيه) سقط هذا والذي قبله لأبي ذر أيضا (قوله سكرت غشيت)
كذا لأبي ذر فأوهم أنه من تفسير مجاهد وغيره يوهم أنه من تفسير ابن عباس لكنه قول أبي عبيدة
وهو بمهملة ثم معجمة (2) وذكر الطبري عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول هو مأخوذ من سكر
الشراب قال ومعناه غشي أبصارنا مثل السكر ومن طريق مجاهد والضحاك قوله سكرت أبصارنا
287

قال سدت ومن طريق قتادة قال سحرت ومن وجه آخر عن قتادة قال سكرت بالتشديد سددت
وبالتخفيف سحرت انتهى وهما قراءتان مشهورتان فقرأها بالتشديد الجمهور وابن كثير بالتخفيف
وعن الزهري بالتخفيف لكن بناها للفاعل (قوله لعمرك لعيشك) كذا ثبت هنا لبعضهم
وسيأتي لهم في الايمان والنذور مع شرحه (قوله وإنا له لحافظون قال مجاهد عندنا) وصله
ابن المنذر ومن طريق ابن أبي نجيح عنه وهو في بعض نسخ الصحيح (قوله بروجا منازل للشمس
والقمر لواقع ملافح حمأ جماعة حمأة وهو الطين المتغير والمسنون المصبوب) كذا ثبت لغير أبي ذر
وسقط له وقد تقدم مع شرحه في بدء الخلق (قوله لا ترجل لا تخف دابر آخر) تقدم شرح الأول
في قصة إبراهيم وشرح الثاني في قصة لوط من أحاديث الأنبياء وسقط لأبي ذر هنا (قوله لبإمام
مبين الامام كل ما ائتممت به واهتديت) هو تفسير أبي عبيدة (قوله الصيحة الهلكة) هو تفسير
أبي عبيدة وقد تقدمت الإشارة إليه في قصة لوط من أحاديث الأنبياء * (قوله باب
قوله الا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة مسترقي السمع
أورده أولا معنا ثم ساقه بالاسناد بعينه مصرحا فيه بالتحديث وبالسماع في جميعه وذكر فيه
اختلاف القراءة في فزع عن قلوبهم وسيأتي شرحه في تفسير سورة سبأ ويأتي الالمام به في أواخر
الطب وفي كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى * (قوله باب قوله ولقد كذب أصحاب
الحجر المرسلين ذكر فيه حديث ابن عمر في النهي عن الدخول على المعذبين وقوله الا أن تكونوا
باكين ذكر ابن التين أنه عند الشيخ أبي الحسن بائين بهمزة بدل الكاف قال ولا وجه له * (قوله
باب قوله ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) ذكر فيه حديث أبي سعيد بن
المعلى في ذكر فاتحة الكتاب وقد سبق في أول التفسير مشروحا ثم ذكر حديث أبي هريرة مختصرا
بلفظ أم القرآن هي السبع المثاني في رواية الترمذي من هذا الوجه الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب
288

والسبع المثاني وقد تقدم في تفسير الفاتحة من وجه آخر عن أبي هريرة ورفعه أتم من هذا
وللطبري من وجه آخر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رفعه الركعة التي لا يقرأ فيها كالخداج
قال فقلت لأبي هريرة فإن لم يكن معي إلا أم القرآن قال هي حسبك هي أم الكتاب وهي أم القرآن
وهي السبع المثاني قال الخطابي وفي الحديث رد علي ابن سيرين حيث قال إن الفاتحة لا يقال لها
أم القرآن وإنما يقال لها فاتحة الكتاب ويقول أم الكتاب هو اللوح المحفوظ قال وأم الشئ أصله
وسميت الفاتحة أم القرآن لأنها أصل القرآن وقيل لأنها متقدمة كأنها تؤمه (قوله هي السبع
المثاني والقرآن العظيم) هو معطوف على قوله أم القرآن وهو مبتدأ وخبره محذوف أو خبر
مبتدأ محذوف تقديره والقرآن العظيم ما عداها وليس هو معطوفا على قوله السبع المثاني لان
الفاتحة ليست هي القرآن العظيم وإنما جاز إطلاق القرآن عليها لأنها من القرآن لكنها ليست
هي القرآن كله ثم وجدت في تفسير ابن أبي حاتم من طريق أخرى عن أبي هريرة مثله لكن بلفظ
والقرآن العظيم الذي أعطيتموه أي هو الذي أعطيتموه فيكون هذا هو الخبر وقد روى الطبري
بإسنادين جيدين عن عمر ثم عن علي قال السبع المثاني فاتحة الكتاب زاد عن عمر تثني في كل ركعة
وبإسناد منقطع عن ابن مسعود مثله وبإسناد حسن عن ابن عباس أنه قرأ الفاتحة ثم قال
ولقد آتيناك سبعا من المثاني قال هي فاتحة الكتاب وبسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة ومن
طريق جماعة من التابعين السبع المثاني هي فاتحة الكتاب ومن طريق أبي جعفر الرازي عن
الربيع بن أنس عن أبي العالية قال السبع المثاني فاتحة الكتاب قلت للربيع أنهم يقولون إنها
السبع الطوال قال لقد أنزلت هذه الآية وما نزل من الطوال شئ وهذا الذي أشار إليه هو قول
آخر مشهور في السبع الطوال وقد أسنده النسائي والطبري والحاكم عن ابن عباس أيضا بإسناد
قوي وفي لفظ للطبري البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والانعام والأعراف قال الراوي
وذكر السابعة فنسيها وفي رواية صحيحة عن ابن أبي حاتم عن مجاهد وسعيد بن جبير أنها يونس
وعند الحاكم أنها الكهف وزاد قيل له ما المثاني قال تثني فيهن القصص ومثله عن سعيد بن جبير
عن سعيد بن منصور وروى الطبري أيضا من طريق خضيف عن زياد بن أبي مريم قال في قوله ولقد
آتيناك سبعا من المثاني قال مر وأنه وبشر وأنذر وأضرب الأمثال واعدد النعم والأنباء ورجح
الطبري القول الأول لصحة الخبر فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ساقه من حديث أبي
هريرة في قصة أبي بن كعب كما تقدم في تفسير الفاتحة * (قوله باب الذين جعلوا القرآن
عضين) قيل إن عضين جمع عضو فروى الطبري من طريق الضحاك قال في قوله جعلوا القرآن عضين
أي جعلوه أعضاء كأعضاء الجزور وقيل هي جمع عضة وأصلها عضمة فحذفت الهاء كما حذفت
من الشفة وأصلها شفهة وجمعت بعد الحذف على عضين مثل برة وبرين وكرة وكرين وروى الطبري
من طريق قتادة قال عضين عضهوه وبهتوه ومن طريق عكرمة قال العضة السحر بلسان قريش
تقول للساحرة العاضهة أخرجه ابن أبي حاتم وروى ابن أبي حاتم أيضا من طريق عطاء مثل
قول الضحاك ولفظه عضوا القرآن أعضاء فقال بعضهم ساحر وقال آخر مجنون وقال آخر كاهن
فذلك العضين ومن طريق مجاهد مثله وزاد وقالوا أساطير الأولين ومن طريق السدي قال قسموا
القرآن واستهزؤا به فقالوا ذكر محمد البعوض والذباب والنمل والعنكبوت فقال بعضهم أنا
289

صاحب البعوض وقال آخر أنا صاحب النمل وقال آخر أنا صاحب العنكبوت وكان المستهزؤون
خمسة الأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والعاصي بن وائل والحرث بن قيس والوليد بن
المغيرة ومن طريق عكرمة وغيره في عد المستهزئين مثله ومن طريق الربيع بن أنس مثله وزاد بيان كيفية هلاكهم في ليلة واحدة (قوله المقتسمين الذين حلفوا ومنه لا
أقسم أي أقسم وتقرأ
لاقسم وقاسمها حلف لهما ولم يحلفا له وقال مجاهد تقاسموا تحالفوا) قلت هكذا جعل
المقتسمين من القسم بمعنى الحلف والمعروف أنه من القسمة وبه جزم الطبري وغيره وسياق الكلام
يدل عليه وقوله الذين جعلوا هو صفة للمقتسمين وقد ذكرنا أن المراد أنهم قسموه وفرقوه وقال أبو
عبيدة وقاسمهما حلف لهما وقال أيضا أبو عبيدة الذي يكثر المصنف نقل كلامه من المقتسمين
الذين اقتسموا وفرقوا قال وقوله عضين أي فرقوه عضوه أعضاء قال رؤبة * وليس دين الله بالمعضى
أي بالمفرق وأما قوله ومنه لا أقسم الخ فليس كذلك أي فليس هو من الاقتسام بل هو من
القسم وانما قال ذلك بناء على ما اختاره من أن المقتسمين من القسم وقال أبو عبيدة في قوله
لا أقسم بيوم القيامة مجازها أقسم بيوم القيامة واختلف المعربون في لا فقيل زائدة وإلى هذا
يشير كلام أبي عبيدة وتعقب بأنها لا تزاد إلا في أثناء الكلام وأجيب بأن القرآن كله كالكلام
الواحد وقيل هو جواب شئ محذوف وقيل نفى على بابها وجوابها محذوف والمعنى لا أقسم بكذا
بل بكذا وأما قراءة لاقسم بغير ألف فهي رواية عن ابن كثير واختلف في اللام فقيل هي لام
القسم وقيل لام التأكيد واتفقوا على إثبات الألف في التي بعدها ولا أقسم بالنفس وعلى إثباتها
في لا أقسم بهذا البلد أتباعا لرسم المصحف في ذلك وأما قول مجاهد تقاسموا تحالفوا فهو كما قال
وقد أخرجه الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله قالوا تقاسموا بالله قال تحالفوا على
هلاكه فلم يصلوا إليه حتى هلكوا جميعا وهذا أيضا لا يدخل في المقتسمين إلا على رأي زيد بن أسلم
فإن الطبري روى عنه أن المراد بقوله المقتسمين قوم صالح الذين تقاسموا على هلاكه فلعل المصنف
اعتمد على ذلك (قوله عن ابن عباس الذين جعلوا القرآن عضين) يعني في تفسير هذه الكلمة
وقد ذكرت ما قيل في أصل اشتقاقها أول الباب (قوله هم أهل الكتاب) فسره في الرواية الثانية
فقال اليهود والنصارى وقوله جزءوه أجزاء فسره في الرواية الثانية فقال آمنوا ببعض وكفروا
ببعض (قوله في الرواية الثانية عن أبي ظبيان) بمعجمة ثم موحدة هو حصين بن جندب وليس له
في البخاري عن ابن عباس سوى هذا الحديث * (قوله باب قوله وأعبد ربك حتى
يأتيك اليقين قال سالم اليقين الموت) وصله الفريابي وعبد بن حميد وغيرهما من طريق طارق بن
عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد بهذا وأخرجه الطبري من طرق عن مجاهد وقتادة وغيرهما مثله
واستشهد الطبري لذلك بحديث أم العلاء في قصة عثمان بن مظعون أما هو فقد جاء اليقين وإني
لأرجو له الخير وقد تقدم في الجنائز مشروحا وقد اعترض بعض الشراح على البخاري لكونه
لم يخرج هنا هذا الحديث وقال كان ذكره أليق من هذا قال ولان اليقين ليس من أسماء الموت
(قلت) لا يلزم البخاري ذلك وقد أخرج النسائي حديث بعجة عن أبي هريرة رفعه خير ما عاش
الناس به رجل ممسك بعنان فرسه الحديث وفي آخره حتى يأتيه اليقين ليس همن الناس إلا في
خير فهذا شاهد جيد لقول سالم ومنه قوله تعالى وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين وإطلاق
290

اليقين على الموت مجاز لان الموت لا يشك فيه
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم) *
(سورة النحل)
سقطت البسملة لغير أبي ذر (قوله روح القدس جبريل نزل به الروح الأمين) أما قوله روح
القدس جبريل فأخرجه ابن أبي حاتم بإسناد رجاله ثقات عن عبد الله ابن مسعود وروى الطبري
من طريق محمد بن كعب القرظي قال روح القدس جبريل وكذا جزم به أبو عبيدة وغير واحد وأما
قوله نزل به الروح الأمين فذكره استشهادا لصحة هذا التأويل فإن المراد به جبريل اتفاقا وكأنه
أشار إلى رد ما رواه الضحاك عن ابن عباس قال روح القدس الاسم الذي كان عيسى يحيى به الموتى
أخرجه ابن أبي حاتم وإسناده ضعيف (قوله وقال ابن عباس في تقلبهم في اختلافهم) وصله
الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه مثله ومن طريق سعيد عن قتادة في تقلبهم يقول في
أسفارهم (قوله وقال مجاهد تميد تكفأ) هو بالكاف وتشديد الفاء مهموز وقيل بضم أوله
وسكون الكاف وقد وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وألقى في الأرض
رواسي أن تميد بكم قال تكفأ بكم ومعنى تكفأ تقلب وروى الطبري من حديث على بإسناد
حسن موقوفا قال لما خلق الله الأرض قمصت قال فأرسى الله فيها الجبال وهو عند أحمد
والترمذي من حديث أنس مرفوع (قوله مفرطون منسيون) وصله الطبري من طريق ابن
أبي نجيح عن مجاهد في قوله لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون قال منسيون ومن طريق سعيد
ابن جبير قال مفرطون أي متروكون في النار منسيون فيها ومن طريق سعيد عن قتادة قال
معجلون قال الطبري ذهب قتادة إلى أنه من قولهم أفرطنا فلانا إذا قدموه فهو مفرط ومنه أنا
فرطكم على الحوض (قلت) وهذا كله على قراءة الجمهور بتخفيف الراء وفتحها وقرأها نافع
بكسرها وهو من الافراط وقراها أبو جعفر بن القعقاع بفتح الفاء وتشديد الراء مكسورة أي
مقصرون في أداء الواجب مبالغون في الإساءة (قوله في ضيق يقال أمر ضيق وأمر ضيق
مثل هين وهين ولين وميت وميت) قال أبو عبيدة في قوله تعالى ولأنك في ضيق بفتح أوله
وتخفيف ضيق كميت وهين ولين فإذا خففتها قلت ميت وهين ولين فإذا كسرت أوله فهو
مصدر ضيق انتهى وقرأ ابن كثير هنا وفي النمل بالكسر والباقون بالفتح فقيل على لغتين وقيل
المفتوح مخفف من ضيق أي في أمر ضيق واعترضه الفارسي بأن الصفة غير خاصة بالموصوف
فلا يدعي الحذف (قوله قال ابن عباس تتفيأ ظلاله تتهيأ) كذا فيه والصواب تتميل
وقد تقدم بيانه في كتاب الصلاة (قوله سبل ربك ذللا لا يتوعر عليها مكان سلكته) رواه
الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله ويتوعر بالعين المهملة وذللا حال من السبل
أي ذللها الله لها وهو جمع ذلول قال تعالى جعل لكم الأرض ذلولا ومن طريق قتادة في قوله
تعالى ذللا أي مطيعة وعلى هذا فقوله ذللا حال من فاعل أسلكي وانتصاب سبل على الظرفية أو
على أنه مفعول به (قوله القانت المطيع) سيأتي في آخر السورة (قوله وقال غيره فإذا قرأت
القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم هذا مقدم ومؤخر وذلك أن الاستعاذة قبل القراءة)
291

المراد بالغير أبو عبيدة فإن هذا كلامه بعينه وقرره غيره فقال إذا وصلة بين الكلامين والتقدير
فإذا أخذت في القراءة فاستعذ وقيل هو على أصله لكن فيه إضمار أي إذا أردت القراءة لان
الفعل يوجد عند القصد من غير فاصل وقد أخذ بظاهر الآية ابن سيرين ونقل عن أبي هريرة
وعن مالك وهو مذهب حمزة الزيات فكانوا يستعيذون بعد القراءة وبه قال داود الظاهري
(قوله ومعناها) أي معنى الاستعاذة (الاعتصام بالله) هو قول أبي عبيدة أيضا (قوله وقال ابن
عباس تسيمون ترعون) روى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى ومنه
شجر فيه تسيمون قال ترعون فيه أنعامكم ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس تسيمون أي
ترعون ومن طريق عكرمة مولى ابن عباس مثله وقال أبو عبيدة أسمت الإبل رعيتها وسامت هي
رعت (قوله شاكلته ناحيته) كذا وقع هنا وإنما هو في السورة التي تليها وقد أعاده فيها ووقع في
رواية أبي ذر عن الحموي نيته بدل ناحيته وسيأتي الكلام عليها هناك (قوله قصد السبيل البيان)
وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله وعلى الله قصد السبيل قال البيان
ومن طريق العوفي عن ابن عباس مثله وزاد البيان بيان الضلالة والهدى (قوله الدفء
ما استدفأت به) قال أبو عبيدة الدفء ما استدفأت به من أوبارها ومنافع ما سوى ذلك وروى
الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله لكم فيها دفء قال الثياب ومن طريق
مجاهد قال لباس ينسج ومن طريق قتادة مثله (قوله تخوف تنقص) وصله الطبري من طريق
ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أو يأخذهم على تخوف قال على تنقص وروى بإسناد فيه مجهول
عن عمر أنه سأل عن ذلك فلم يجب فقال عمر ما أرى إلا أنه على ما ينتقصون من معاصي الله قال
فخرج رجل فلقى أعرابيا فقال ما فعل فلان قال تخوفته أي تنقصته فرجع فأخبر عمر فأعجبه وفي
شعر أبي كثير الهذلي ما يشهد له وروى بن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس على
تخوف قال على تنقص من أعمالهم وقيل التخوف تفعل من الخوف (قوله تريحون بالعشي
وتسرحون بالغداة) قال أبو عبيدة في قوله ولكم فيها جمال حين تريحون أي بالعشي وحين
تسرحون أي بالغداة (قوله الانعام لعبرة وهي تؤنث وتذكر وكذلك النعم الانعام جماعة
النعم) قال أبو عبيدة في قوله وإن لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه فذكر وأنث فقيل
الانعام تذكر وتؤنث وقيل المعنى على النعم فهي تذكر وتؤنث والعرب تظهر الشئ ثم تخبر عنه
بما هو منه بسبب وأن لم يظهروه كقول الشاعر
قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة * وللسبع أولى من ثلاث وأطيب
أي ثلاثة أحياء ثم قال من ثلاث أي قبائل انتهى وأنكر الفراء تأنيث النعم وقال إنما يقال هذا
نعم ويجمع على نعمان بضم أوله مثل حمل وحملان (قوله أكنانا وأحدها كن مثل حمل وأحمال)
هو تفسير أبي عبيدة وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله أكنانا قال غير انا من
الجبال يسكن فيها (قوله بشق يعني المشقة) قال أبو عبيدة في قوله لم تكونوا بالغيه إلا بشق أي
بمشقة الأنفس وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله إلا بشق الأنفس
قال المشقة عليكم ومن طريق سعيد عن قتادة إلا بشق الأنفس إلا بجهد الأنفس * (تنبيه) *
قرأ الجمهور بكسر الشين من شق وقرأها أبو جعفر بن القعقاع بفتحها قال أبو عبيدة هما
292

بمعنى وأنشد
وذو إبل تسعى ويحبسها له * أخو نصب من شقها وذؤب
قال الأثرم صاحب أبي عبيدة سمعته بالكسر والفتح وقال الفراء معناهما مختلف فبالكسر
معناه ذابت حتى صارت على نصف ما كانت وبالفتح المشقة انتهى وكلام أهل التفسير يساعد
الأول (قوله سرابيل قمص تقيكم الحر وأما سرابيل تقيكم بأسكم فإنها الدروع) قال
أبو عبيدة في قوله تعالى سرابيل تقيكم الحر أي قمصا وسرابيل تقيكم بأسكم أي دروعا وروى
الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله تعالى سرابيل تقيكم الحر قال القطن والكتان
وسرابيل تقيكم بأسكم قال دروع من حديد (قوله دخلا بينكم كل شئ لم يصح فهو دخل) هو
قول أبي عبيدة أيضا وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال دخلا خيانة وقيل الدخل
الداخل في الشئ ليس منه (قوله وقال ابن عباس حفدة من ولد الرجل) وصله الطبري من
طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله بنين وحفدة قال الولد وولد الولد وإسناده صحيح وفيه
عن ابن عباس قول آخر أخرجه من طريق العوفي عنه قال هم بنو امرأة الرجل وفيه عنه
قول ثالث أخرجه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الحفدة الاصهار ومن طريق
عكرمة عن ابن عباس قال الأختان وأخرج هذا الأخير عن ابن مسعود بإسناد صحيح ومن طريق
أبي الضحى وإبراهيم وسعيد بن جبير وغيرهم مثله وصحح الحاكم حديث ابن مسعود وفيه قول
رابع عن ابن عباس أخرجه الطبري من طريق أبي حمزة عنه قال من أعانك فقد حفدك ومن
طريق عكرمة قال الحفدة الخدام ومن طريق الحسن قال الحفدة البنون وبنو البنين ومن
أعانك من أهل أو خادم فقد حفدك وهذا أجمع الأقوال وبه تجتمع وأشار إلى ذلك الطبري
وأصل الحفد مداركة الخطو والاسراع في المشي فأطلق على من يسعى في خدمة الشخص ذلك
(قوله السكر ما حرم من ثمرتها والرزق الحسن ما أحل) وصله الطبري بأسانيد من طريق عمرو بن
سفيان عن ابن عباس مثله وإسناده صحيح وهو عند أبي داود في الناسخ وصححه الحاكم ومن
طريق سعيد بن جبير عنه قال الرزق الحسن الحلال والسكر الحرام ومن طريق سعيد بن جبير
ومجاهد مثله وزاد أن ذلك كان قبل تحريم الخمر وهو كذلك لان سورة النحل مكية ومن طريق
قتادة السكر خمر الأعاجم ومن طريق الشعبي وقيل له في قوله تتخذون منه سكرا أهو هذا الذي
تصنع النبط قال لا هذا خمر وإنما السكر نقيع الزبيب والرزق الحسن التمر والعنب واختار
الطبري هذا القول وانتصر له (قوله وقال ابن عيينة عن صدقة أنكاثا هي خرقاء كانت إذا
أبرمت غزلها نقضته) وصله ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي عمر العدني والطبري من طريق الحميدي
كلاهما عن ابن عيينة عن صدقة عن السدي قال كانت بمكة امرأة تسمى خرقاء فذكر مثله
وفي تفسير مقاتل أن اسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم وعند البلاذري
أنها والدة أسد بن عبد العزي بن قصي وأنها بنت سعد بن تميم بن مرة وفي غرر التبيان أنها كانت
تغزل هي وجواريها من الغداة إلى نصف النهار ثم تأمرهن بنقض ذلك هذا دأبها لا تكف عن
الغزل ولا تبقى ما غزلت وروى الطبري من طريق ابن جريج عن عبد الله بن كثير مثل رواية
صدقة المذكور ومن طريق سعيد عن قتادة قال هو مثل ضربه الله تعالى لمن نكث عهده وروى
293

ابن مردويه بإسناد ضعيف عن ابن عباس أنها نزلت في أم زفر الآتي ذكرها في كتاب الطب والله
أعلم وصدقة هذا لم أر من ذكره في رجال البخاري وقد أقدم الكرماني فقال صدقة هذا هو ابن
الفضل المروزي شيخ البخاري وهو يروي عن سفيان بن عيينة وهنا روى عنه سفيان ولا سلف له
فيما ادعاه من ذلك ويكفي في الرد عليه ما أخرجناه من تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم من رواية
صدقة هذا عن السدي فإن صدقه بن الفضل المروزي ما أدرك السدي ولا أصحاب السدي
وكنت أظن أن صدقة هذا هو ابن أبي عمران قاضي الأهواز لان لابن عيينة عنه رواية إلى أن
رأيت في تاريخ البخاري صدقة أبو الهذيل روى عن السدي قوله روى عنه ابن عيينة وكذا ذكره
ابن حبان في الثقات من غير زيادة وكذا ابن أبي حاتم عن أبيه لكن قال صدقة بن عبد الله
ابن كثير القارئ صاحب مجاهد فظهر أنه غير ابن أبي عمران ووضح أنه من رجال البخاري تعليقا
فيستدرك على من صنف في رجاله فإن الجميع أغفلوه والله أعلم (قوله وقال ابن مسعود الأمة
معلم الخير والقانت المطيع) وصله الفريابي وعبد الرزاق وأبو عبيد الله في المواعظ والحاكم كلهم
من طريق الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال قرئت عنه هذه الآية إن إبراهيم
كان أمة قانتا لله فقال ابن مسعود إن معاذا كان أمة قانتا لله فسئل عن ذلك فقال هل تدرون
ما الأمة الأمة الذي يعلم الناس الخير والقانت الذي يطيع الله ورسوله * (قوله باب
قوله تعالى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) ذكر فيه حديث أنس في الدعاء بالاستعاذة من
ذلك وغيره وسيأتي شرحه في الدعوات وشعيب الراوي عن أنس هو ابن الحبحاب بمهملتين
وموحدتين وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال أرذل العمر هو الخرف وروى ابن
مردويه من حديث أنس أنه مائة سنة
* (قوله سورة بني إسرائيل) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
ثبتت البسملة لأبي ذر (قوله سمعت ابن مسعود قال في بني إسرائيل والكهف ومريم إنهن من
العتاق) بكسر المهملة وتخفيف المثناة جمع عتيق وهو القديم أو هو كل ما بلغ الغاية في الجودة
وبالثاني جزم جماعة في هذا الحديث وبالأول جزم أبو الحسين بن فارس وقوله الأول بتخفيف
الواو وقوله هن من تلادي بكسر المثناة وتخفيف اللام أي مما حفظ قديما والتلاد قديم الملك وهو
بخلاف الطارف ومراد ابن مسعود أنهن من أول ما تعلم من القرآن وأن لهن فضلا لما فيهن
من القصص وأخبار الأنبياء والأمم وسيأتي الحديث في فضائل القرآن بأتم من هذا السياق
إن شاء الله تعالى (قوله فسينغضون إليك رؤوسهم قال ابن عباس يهزون) وصله الطبري من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال يحركونها استهزاء
ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس نحوه ومن طريق سعيد عن قتادة مثله (قوله
وقال غيره نغضت سنك أي تحركت) قال أبو عبيدة في قوله فسينغضون إليك رؤسهم أي
يحركونها استهزاء يقال نغضت سنة أي تحركت وارتفعت من أصلها وقال ابن قتيبة المراد أنهم
يحركون رؤوسهم استبعادا وروى سعيد بن منصور من طريق محمد بن كعب في قوله فسينغضون
294

قال يحركون (قوله وقضينا إلى بني إسرائيل أخبرناهم إنهم سيفسدون والقضاء على وجوه قضى
ربك أمر ومنه الحكم ان ربك يقضي بينهم ومنه الخلق فقضاهن سبع سماوات خلقهن) قال أبو
عبيدة في قوله وقضينا إلى بني إسرائيل أي أخبرناهم وفي قوله وقضى ربك أي أمر وفي قوله إن
ربك يقضي بينهم أي يحكم وفي قوله فقضاهن سبع سماوات أي خلقهن وقد بين أبو عبيدة بعض
الوجوه التي يرد به لفظ القضاء وأغفل كثيرا منها واستوعبها إسماعيل بن أحمد النيسابوري في
كتاب الوجوه والنظائر فقال لفظه قضى في الكتاب العزيز جاءت على خمسة عشر وجها الفراغ فإذا
قضيتم مناسككم والامر إذا قضى أمرا والأجل فمنهم من قضى نحبه والفصل لقضى الامر بيني
وبينكم والمضي ليقضي الله أمرا كان مفعولا والهلاك لقضى إليهم أجلهم والوجوب لما قضى
الامر والابرام في نفس يعقوب قضاها والاعلام وقضينا إلى بني إسرائيل والوصية وقضى ربك
أن لا تعبدوا إلا إياه والموت فوكزه موسى فقضى عليه والنزول فلما قضينا عليه الموت والخلق
فقضاهن سبع سماوات والفعل كلا لما يقض ما أمره يعني حقا لم يفعل والعهد إذ قضينا إلى
موسى الامر وذكر غيره القدر المكتوب في اللوح المحفوظ كقوله وكان أمرا مقضيا والفعل
فاقض ما أنت قاض والوجوب إذ قضى الامر أي وجب لهم العذاب والوفاء (1) كفائت العبادة
والكفاية وان يقضي عن أحد من بعدك انتهى وبعض هذه الأوجه متداخل وأغفل أنه يرد
بمعنى الانتهاء فلما قضى زيد منها وطرأ وبمعنى الاتمام ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده وبمعنى
كتب إذا قضى أمرا وبمعنى الأداء وهو ما ذكر بمعنى الفراغ ومنه قضى دينه وتفسير قضى ربك
أن لا تعبدوا بمعنى وصي منقول من مصحف أبي بن كعب أخرجه الطبري وأخرجه أيضا من
طريق قتادة قال هي في مصحف بن مسعود ووصول من طريق مجاهد في قوله وقضى قال وأوصى
ومن طريق الضحاك أنه قرأ ووصى وقال ألصقت الواو بالصاد فصارت قافا فقرئت وقضى كذا
قال واستنكروه منه وأما تفسيره بالامر كما قال أبو عبيدة فوصله الطبري من طريق علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس ومن طريق الحسن وقتادة مثله وروى ابن أبي حاتم من طريق ضمرة عن
الثوري قال معناه أمر ولو قضى لمضى يعني لو حكم وقال الأزهري القضاء مرجعه إلى انقطاع
الشئ وتمامه ويمكن رد ما ورد من ذلك كله إليه وقال الأزهري أيضا كل ما أحكم عمله أو ختم أو
أكمل أو وجب أو ألهم أو أنفذ أو مضى فقد قضى وقال في قوله تعالى وقضينا إلى بني إسرائيل أي
أعلمناهم علما قاطعا انتهى والقضاء يتعدى بنفسه وإنما تعدى بالحرف في قوله تعالى وقضينا إلى
بني إسرائيل لتضمنه معنى أوحينا (قوله نفيرا من ينفر معه) قال أبو عبيدة في قوله أكثر نفيرا
قال الذين ينفرون معه وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله وجعلناكم أكثر نفيرا
أي عددا ومن طريق أسباط عن السدي مثله (قوله ميسورا لينا) قال أبو عبيدة في قوله فقل
لهم قولا ميسورا أي لينا وروى الطبري من طريق إبراهيم النخعي في قوله فقل لهم قولا ميسورا
أي (2) لصام تعدهم ومن طريق عكرمة قال عدهم عدة حسنة وروى ابن أبي حاتم من طريق
محمد بن أبي موسى عن ابن عباس في قوله تعالى فقل لهم قولا ميسورا قال العدة ومن طريق
السدي قال تقول نعم وكرامة وليس عندنا اليوم ومن طريق الحسن نقول سيكون إن شاء الله
تعالى (قوله خطأ إثما وهو اسم من خطئت والخطأ مفتوح مصدره من الاثم خطئت بمعنى
295

أخطأت) قال أبو عبيدة في قوله كان خطئا كبيرا أي إمما وهو اسم من خطئت فإذا فتحته
فهو مصدر قال الشاعر
دعيني إنما خطئي وصوبي * على وإنما أهلكت مالي
ثم قال وخطئت وأخطأت لغتان وتقول العرب خطئت إذا أذنبت عمدا وأخطأت إذا أذنبت
على غير عمد واختار الطبري القراءة التي بكسر ثم سكون وهي المشهورة ثم أسند عن مجاهد في قوله
خطأ قال خطيئة قال وهذا أولى لانهم كانوا يقتلون أولادهم على عمد لا خطأ فنهوا عن ذلك وأما
القراءة بالفتح فهي قراءة بن ذكوان وقد أجابوا عن الاستبعاد الذي أشار إليه الطبري بأن
معناها إن قتلهم كان غير صواب تقول أخطأ يخطئ خطأ إذا لم يصب وأما قول أبي عبيدة الذي
تبعه فيه البخاري حيث قال خطئت بمعنى أخطأت ففيه نظر فإن المعروف عند أهل اللغة أن
خطئ بمعنى أثم وأخطأ إذا لم يتعمد أو إذا لم يصب (قوله حصيرا محبسا محصرا) أما محبسا فهو
تفسير ابن عباس وصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله وجعلنا جهنم
للكافرين حصيرا قال محبسا وقال أبو عبيدة في قوله حصيرا قال محصرا (قوله تخرق
تقطع) قال أبو عبيدة في قوله تعالى لن تخرق الأرض قال لن تقطع (قوله وإذ هم نجوى
مصدر من ناجيت فوصفهم بها والمعنى يتناجون) كذا فيه وقال أبو عبيدة في قوله إذ يستمعون
إليك وإذ هم نجوى هو مصدر ناجيت أو اسم منها فوصف بها القوم كقولهم هم عذاب فجاءت
نجوى في موضع متناجين انتهى ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي وهو ذوو نجوى أو هو
جمع نجى كقتيل وقتلى (قوله رفانا حطاما) قال أبو عبيدة في قوله رفاتا أي حطاما أي عظاما
محطمة وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أئذا كنا عظاما ورفاتا قال ترابا
(قوله واستفزز استخف بخيلك الفرسان والرجل والرجال والرجالة وأحدها راجل مثل
صاحب وصحب وتاجر وتجر) هو كلام أبي عبيدة بنصه وتقدم شرحه في بدء الخلق وروى ابن
أبي حاتم من طريق مجاهد في قوله واستفزز قال استنزل (قوله حاصبا الرياح العاصف والحاصب
أيضا ما ترمي به الريح ومنه حصب جهنم يرمي به في جهنم وهم حصبها ويقال حصب في الأرض
ذهب (1) والحاصب مشتق من الحصباء الحجارة) تقدم في صفة النار من بدء الخلق قال أبو عبيدة
في قوله ويرسل عليكم حاصبا أي ريحا عاصفا تحصب ويكون الحاصب من الجليد أيضا قال
الفرزدق * بحاصب كنديف القطن منثور * وفي قوله حصب جهنم كل شئ ألقيته في النار
فقد حصبتها به وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال أو يرسل عليكم حاصبا قال
حجارة من السماء ومن طريق السدي قال راميا يرميكم بحجارة (قوله تارة أي مرة والجمع
تير وتارات) هو كلام أبي عبيدة أيضا وقوله والجمع تير بكسر المثناة الفوقانية وفتح المثناة التحتانية
وروى ابن أبي حاتم من طريق شعبة عن قتادة في تارة أخرى قال مرة أخرى (قوله لاحتنكن
لاستأصلنهم يقال احتنك فلان ما عند فلان من علم استقصاه) تقدم شرحه في بدء الخلق وروى
سعيد بن منصور من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لاحتنكن قال لأحتوين قال يعني
شبة الزناق (قوله وقال بن عباس كل سلطان في القرآن فهو حجة) وصله ابن عيينة في تفسيره
عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس وهذا على شرط الصحيح ورواه الفريابي بإسناد آخر
296

عن ابن عباس وزاد وكل تسبيح في القرآن فهو صلاة (قوله ولى من الذل لم يحالف أحدا) وروى
الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولم يكن له ولى من الذل قال لم يحالف أحدا
* (قوله باب قوله أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام) لم يختلف القراءة في أسرى
بخلاف قوله في قصة لوط فأسر فقرئت بالوجهين وفيه تعقب على من قال من أهل اللغة أن أسرى
وسرى بمعنى واحد قال السهيلي السري من سريت إذا سرت ليلا يعني فهو لازم والاسراء
يتعدى في المعنى لكن حذف مفعوله حتى ظن من ظن أنهما بمعنى واحد وإنما معنى أسرى بعبده
جعل البراق يسرى به كما تقول أمضيت كذا بمعنى جعلته يمضي لكن حسن حذف المفعول لقوة
الدلالة عليه أو الاستغناء عن ذكره لان المقصود بالذكر المصطفى لا الدابة التي سارت به وأما قصة
لوط فالمعنى سر بهم على ما يتحملون عليه من دابة ونحوها هذا معنى القراءة بالقطع ومعنى الوصل
سر بهم ليلا ولم يأت مثل ذلك في الاسراء لأنه لا يجوز أن يقال سر بعبده بوجه من الوجوه انتهى
والنفي الذي جزم به إنما هو من هذه الحيثية التي قصفيها الإشارة إلى أنه سار ليلا على البراق وإلا
فلو قال قائل سرت بزيد بمعنى صاحبته لكان المعنى صحيحا ذكر فيه حديث أبي هريرة أتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به بإيلياء بقدحين وقد تقدم شرحه في السيرة النبوية ويأتي في
الأشربة وذكر فيه أيضا حديث جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما كذبتني
قريش كذا للأكثر وللكشميهني كذبني بغير مثناة (قوله فجلى الله لي بيت المقدس) تقدم شرحه
أيضا في السيرة النبوية والذي اقترح على النبي صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم بيت المقدس هو
المطعم بن عدي أخرجه أبو يعلى من حديث أم هانئ وأخرج النسائي من طريق زرارة بن أبي أوفى
عن ابن عباس هذه القصة مطولة وقد ذكرت طرفا منها في أول شرح حديث الاسراء معزوا إلى
أحمد والبزار ولفظ النسائي لما كان ليلة أسرى بي ثم أصبحت بمكة قطعت بأمري وعرفت أن
الناس مكذبي فقعدت معتزلا حزينا فمر بن عدو الله أبو جهل فجاء حتى جلس إليه فقال له
كالمستهزئ هل كان من شئ قال نعم قال ما هو قال إني أسرى بي الليلة قال إلى أين قال إلى بيت
المقدس قال ثم أصبحت بين أظهرنا قال نعم قال فلم ير أن يكذبه مخافة أن يجحد ما قال إن دعا قومه
قال إن دعوت قومك لك تحدثهم قال نعم قال أبو جهل يا معشر بني كعب بن لؤي هلم قال فانقضت
إليه المجالس فجاءوا حتى جلسوا إليهما قال حدث قومك بما حدثتني فحدثهم قال فمن مصفق ومن
واضع يده على رأسه متعجبا وفي القوم من سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد قال فهل تستطيع
أن تنعت لنا المسجد قال النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت أنعت لهم قال فما زلت أنعت حتى
التبس على بعض النعت فجئ بالمسجد حتى وضع فنعته وأنا انظر إليه قال فقال القوم أما النعت
فقد أصاب (قوله زاد يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه لما كذبتني قريش حين
أسرى إلى بيت المقدس) وصله الذهلي في الزهريات عن يعقوب بهذا الاسناد وأخرجه قاسم بن
ثابت في الدلائل من طريقه ولفظه جاء ناس من قريش إلى أبي بكر فقالوا هل لك في صاحبك يزعم
أنه أتى بيت المقدس ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة قال أبو بكر أو قال ذلك قالوا نعم قال لقد صدق
وروى الذهلي أيضا وأحمد في مسنده جميعا عن يعقوب بن إبراهيم المذكور عن أبيه عن صالح بن
كيسان عن ابن شهاب بسنده لما كذبتني قريش الحديث فلعله دخل إسناد في إسناد أو لما كان
297

الحديثان في قصة واحدة أدخل ذلك * (قوله باب قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم كرمنا
وأكرمنا واحد) أي في الأصل وإلا فالتشديد أبلغ قال أبو عبيدة كرمنا أي أكرمنا إلا أنها أشد
مبالغة في الكرامة انتهى وهي من كرم بضم الراء مثل شرف وليس من الكرم الذي هو في المال
(قوله ضعف الحياة وضعف الممات عذاب الحياة وعذاب الممات) قال أبو عبيدة في قوله ضعف
الحياة مختصر والتقدير ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات وروى الطبري من طريق
ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ضعف الحياة قال عذابها وضعف الممات قال عذاب الآخرة
ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ضعف عذاب الدنيا والآخرة ومن طريق سعيد
عن قتادة مثله وتوجيه ذلك أن عذاب النار يوصف بالضعف قال لقوله تعالى عذابا ضعفا من النار
أي عذابا مضاعفا فكأن الأصل لأذقناك عذابا ضعفا في الحياة ثم حذف الموصوف وأقام
الصفة مقامه ثم أضيفت إضافة الموصوف فهو كما لو قيل أليم الحياة مثلا (قوله خلافك
وخلفك سواء) قال أبو عبيدة في قوله وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا أي بعدك قال خلافك
وخلفك سواء وهما لغتين بمعنى وقرئ بهما (قلت) والقراءتان مشهورتان فقرأ خلفك الجمهور
وقرأ خلافك ابن عامر والاخوان وهي رواية حفص عن عاصم (قوله ونأي تباعد) هو قول
أبي عبيدة قال في قوله ونأي بجانبه أي تباعد (قوله شاكلته ناحيته وهي من شكلته) وصله
الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله على شاكلته قال على ناحيته ومن
طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال على طبيعته وعلى حدته ومن طريق سعيد عن قتادة قال
يقول على ناحيته وعلى ما ينوي وقال أبو عبيدة قل كل يعمل على شاكلته أي على ناحيته
وخلقته ومنها قولهم هذا من شكل هذا (قوله صرفنا وجهنا) قال أبو عبيدة في قوله ولقد
صرفنا للناس في هذا القرآن أي وجهنا وبينا (قوله (2) حصيرا محبسا) هو قول أبي عبيدة أيضا
وهو بفتح الميم وكسر الموحدة وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال
حصيرا أي سجنا (قوله قبيل معاينة ومقابلة وقيل القابلة لأنها مقابلتها وتقبل ولدها) قال أبو
عبيدة والملائكة قبيلا مجاز مقابلة أي معاينة قال الأعشى * كصرخة حبلى بشرتها قبيلها *
أي قابلتها وقال ابن التين ضبط بعضهم تقبل ولدها بضم الموحدة وليس بشئ وروى ابن أبي
حاتم من طريق سعيد عن قتادة قبيلا أي جندا تعاينهم معاينة (قوله خشية الانفاق يقال
أنفق الرجل أملق ونفق الشئ ذهب) كذا ذكره هنا والذي قاله أبو عبيدة في قوله ولا تقتلوا
أولادكم من إملاق أي من ذهاب مال يقال أملق فلان ذهب ماله وفي قوله ولا تقتلوا أولادكم
خشية إملاق أي فقر وقوله نفق الشئ ذهب هو بفتح الفاء ويجوز كسرها هو قول أبي عبيدة
وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال خشية الانفاق أي خشية أن ينفقوا فيفتقروا (قوله
قتورا مقترا) هو قول أبي عبيدة أيضا (قوله للأذقان مجتمع اللحيين الواحد ذقن) هو قول أبي
عبيدة أيضا وسيأتي له تفسير آخر قريبا واللحيين بفتح اللام ويجوز كسرها تثنية لحية (قوله وقال
مجاهد موفورا وافرا) وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه سواء (قوله تبيعا ثائرا وقال
ابن عباس نصيرا) أما قول مجاهد فوصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله ثم لا تجد لك
علينا به تبيعا أي ثائرا وهو اسم فاعل من الثأر يقال لكل طالب بثأر وغيره تبيع وتابع ومن
298

طريق سعيد عن قتادة أي لا تخاف أن تتبع بشئ من ذلك وأما قول ابن عباس فوصله ابن أبي حاتم
من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تبيعا قال نصيرا (قوله لا تبذر لا تنفق في الباطل) وصله
الطبري من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله ولا تبذر لا تنفق في الباطل والتبذير
السرف في غير حق ومن طريق عكرمة قال المبذر المنفق في غير حق ومن طرق متعددة عن أبي
العبيدين وهو بلفظ التصغير والتثنية عن بن مسعود مثله وزاد في بعضها كنا أصحاب محمد
نتحدث أن التبذير النفقة في غير حق (قوله ابتغاء رحمة رزق) وصله الطبري من طريق عطاء عن
ابن عباس في قوله تعالى واما تعرفن عنهم ابتغاء رحمة من ربك قال ابتغاء رزق ومن طريق عكرمة
مثله ولابن أبي حاتم من طريق إبراهيم النخعي في قوله ابتغاء رحمة من ربك ترجوها قال فضلا (قوله
مثبورا ملعونا) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ومن وجه آخر عن سعيد بن
جبير عنه ومن طريق العوفي عنه قال مغلوبا ومن طريق الضحاك مثله ومن طريق مجاهد قال
هالكا ومن طريق قتادة قال مهلكا ومن طريق عطية قال مغيرا مبدلا ومن طريق ابن زيد بن أسلم
قال مخبولا لا عقل له (قوله فجاسوا تيمموا) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس في قوله فجاسوا خلال الديار أي فمشوا وقال أبو عبيدة جاس يجوس أي نقب وقيل
نزل وقيل قتل وقيل تردد وقيل هو طلب الشئ باستقصاء وهو بمعنى نقب (قوله يزجى الفلك
يجري الفلك) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه به ومن طريق سعيد عن قتادة يزجى
الفلك أي يسيرها في البحر (قوله يخرون للأذقان للوجوه) وصله الطبري من طريق علي بن أبي
طلحة عنه وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله وعن معمر عن الحسن للحي وهذا
يوافق قول أبي عبيدة الماضي والأول على المجاز * (قوله باب وإذا أردنا أن نهلك قرية
أمرنا مترفيها الآية) ذكر فيه حديث عبد الله وهو ابن مسعود كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية
أم بنو فلان ثم ذكره عن شيخ آخر عن سفيان يعني بسنده قال أمر فالأولى بكسر الميم والثانية
بفتحها وكلاهما لغتان وأنكر ابن التين فتح الميم في أمر بمعنى كثر وغفل في ذلك ومن حفظه حجة
عليه كما سأوضحه وضبط الكرماني أحدهما بضم الهمزة وهو غلط منه وقراءة الجمهور بفتح الميم
وحكى أبو جعفر عن ابن عباس أنه قرأها بكسر الميم وأثبتها أبو زيد لغة وأنكرها الفراء وقرأ أبو رجاء
في آخرين بالمد وفتح الميم ورويت عن أبي عمرو وابن كثير وغيرهما واختارها يعقوب ووجهها
الفراء بما ورد من تفسير ابن مسعود وزعم أنه لا يقال أمرنا بمعنى كثرنا إلا بالمد وأعتذر عن
حديث أفضل المال مهرة مأمورة فإنها ذكرت للمزاوجة لقوله فيه أو سكة مأبورة وقرأ أبو
عثمان النهدي كالأول لكن بتشديد الميم بمعنى الامارة واستشهد الطبري بما أسنده من طريق علي
ابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله أمرنا مترفيها قال سلطنا شرارها ثم ساق عن أبي عثمان وأبي
العالية ومجاهد أنهم قرؤوا بالتشديد وقيل التضعيف للتعدية والأصل أمرنا بالتخفيف أي كثرنا
كما وقع في هذا الحديث الصحيح ومنه حديث خير المال مهرة مأمورة أي كثيرة النتاج أخرجه أحمد
ويقال أمر بنو فلان أي كثروا وأمرهم الله كثرهم وأمروا أي كثروا وقد تقدم قول أبي
سفيان في أول هذا الشرح في قصة هرقل حيث قال لقد أمر أمر بن أبي كبشة أي عظم
واختار الطبري قراءة الجمهور واختار في تأويلها حملها على الظاهر وقال المعنى أمرنا مترفيها
299

بالطاعة فعصوا ثم أسنده عن ابن عباس ثم سعيد بن جبير وقذ أنكر الزمخشري هذا التأويل
وبالغ كعادته وعمدة إنكاره أن حذف ما لا دليل عليه غير جائز وتعقب بأن السياق يدل عليه وهو
كقولك أمرته فعصاني أي أمرته بطاعتي فعصاني وكذا أمرته فامتثل * (قوله باب
ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا) ذكر فيه حديث أبي هريرة في الشفاعة من طريق
أبي زرعة بن عمرو عنه وسيأتي في شرحه في الرقاق وأورده هنا لقوله فيه يقولون يا نوح أنت
أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا وقد مضى البحث في كونه أول الرسل
في كتاب التيمم وقوله فيه في ذكر إبراهيم وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات فذكرهن أبو حيان في
الحديث يشير إلى أن من دون أبي حيان اختصر ذلك وأبو حيان هو الراوي عن أبي زرعة وقد
مضى ذلك في أحاديث الأنبياء وفي الحديث رد على من زعم أن الضمير في قوله أنه كان عبدا
شكورا لموسى عليه السلام وقد صحح ابن حبان من حديث سلمان الفارسي كان نوح إذا طعم
أو لبس حمد الله فسمي عبدا شكورا وله شاهد عند ابن مردويه من حديث معاذ بن أنس وآخر
من حديث أبي فاطمة وقوله ينفذهم البصر بفتح أوله وضم الفاء من الثلاثي أي يخرقهم وبضم أوله
وكسر الفاء من الرباعي أي يحيط بهم والذال معجمة في الرواية وقال أبو حاتم السجستاني أصحاب
الحديث يقولونه بالمعجمة وإنما هو بالمهملة ومعناه يبلغ أولهم واخرهم وأجيب بأن المعنى يحيط
بهم الرأي لا يخفى عليه منهم شئ لاستواء الأرض فلا يكون فيها ما يستتر به أحد من الرأي وهذا
أولى من قول أبي عبيدة يأتي عليهم بصر الرحمن إذ رؤية الله تعالى محيطة بجميعهم في كل حال
سواء الصعيد المستوى وغيره ويقال نفذه البصر إذا بلغه وجاوزه والنفاذ الجواز والخلوص من
300

الشئ ومنه نفذ السهم إذا خرق الرمية وخرج منها * (قوله باب قوله وآتينا داود
زبورا) ذكر فيه حديث أبي هريرة خفف على داود القرآن ووقع في رواية لأبي ذر القراءة
والمراد بالقرآن مصدر القراءة لا القرآن المعهود لهذه الأمة وقد تقدم إشباع القول فيه في ترجمة
داود عليه السلام من أحاديث الأنبياء * (قوله باب قل ادعوا الذين زعمتم من دونه
الآية) كذا لأبي ذر وساق غيره إلى تحويلا (قوله يحيى) هو القطان وسفيان هو الثوري وسليمان
هو الأعمش وإبراهيم هو النخعي وأبو معمر هو عبد الله الأزدي وعبد الله هو ابن مسعود (قوله عن
عبد الله إلى ربهم الوسيلة قال كان ناس) في رواية النسائي من هذا الوجه عن عبد الله في قوله
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة قال كان ناس الخ والمراد بالوسيلة القربة أخرجه
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وأخرجه الطبري من طريق أخرى عن قتادة ومن طريق ابن
عباس أيضا (قوله فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم) أي استمر الانس الذين كانوا يعبدون الجن على
عبادة الجن والجن لا يرضون بذلك لكونهم أسلموا وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة
وروى الطبري من وجه آخر عن ابن مسعود فزاد فيه والانس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون
بإسلامهم وهذا هو المعتمد في تفسير هذه الآية وأماما أخرجه الطبري من وجه آخر عن ابن
مسعود قال كان قبائل العرب يعبدون صنفا من الملائكة يقال لهم الجن ويقولون هم بنات الله
فنزلت هذه الآية فإن ثبت فهو محمول على أنها نزلت في الفريقين وإلا فالسياق يدل على أنهم قبل
الاسلام كانوا راضين بعبادتهم وليست هذه من صفات الملائكة وفي رواية سعيد بن منصور عن
ابن مسعود في حديث الباب فعيرهم الله بذلك وكذا ما أخرجه من طريق أخرى ضعيفة عن ابن
عباس أن المراد من كان يعبد الملائكة والمسيح وعزيزا * (تنبيه) * استشكل ابن التين قوله ناسا
من الجن من حيث أن الناس ضد الجن وأجيب بأنه على قول من قال أنه من ناس إذا تحرك أو
ذكر للتقابل حيث قال ناس من الانس وناسا من الجن ويا ليت شعري على من يعترض (قوله زاد
الأشجعي) هو عبيد الله بن عبيد الرحمن بالتصغير فيها (قوله عن سفيان عن الأعمش قل ادعوا
الذين زعمتم) أي روى الحديث بإسناده وزاد في أوله من أول الآية التي قبلها وروى الطبري من
طريق العوفي عن ابن عباس في قوله قل ادعوا الذين زعمتم إلى آخر الآية قال كان أهل الشرك
يقولون نعبد الملائكة وهو الذين يدعون * (قوله باب قوله أولئك الذين يدعون يبتغون
إلى ربهم الوسيلة الآية) ذكر فيه الحديث قبله من وجه آخر عن الأعمش مختصرا ومفعول يدعون
محذوف تقديره أولئك الذين يدعونهم آلهة يبتغون إلى ربهم الوسيلة وقرأ ابن مسعود تدعون
بالمثناة الفوقانية على أن الخطاب للكفار وهو واضح وقوله أيهم أقرب معناه يبتغون من هو
أقرب منهم إلى ربهم وقال أبو البقاء مبتدأ والخبر أقرب وهو استفهام في موضع نصب يبدعون
ويجوز أن يكون بمعنى الذين وهو بدل من الضمير في يدعون كذا قال وكأنه ذهب إلى أن فاعل
يدعون ويبتغون واحد والله أعلم * (قوله باب وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس)
سقط باب لغير أبي ذر (قوله عن عمرو) هو ابن دينار (قوله هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليلة أسرى به) لم يصرح بالمرئي وعنه سعيد بن منصور من طريق أبي مالك قال هو ما أرى
في طريقه إلى بيت المقدس (قلت) وقد بينت ذلك واضحا في الكلام على حديث الاسراء في السيرة
301

النبوية من هذا الكتاب (قوله أريها ليلة أسرى به) زاد سعيد بن منصور عن سفيان في آخر
الحديث وليست رؤيا منام وقوله ليلة أسري به جاء فيه قول آخر فروى ابن مردويه من طريق
العوفي عن ابن عباس قال أرى أنه دخل مكة هو وأصحابه فلما رده المشركون كان لبعض الناس
بذلك فتنة وجاء فيه قول آخر فروى ابن مردويه من حديث الحسين بن علي رفعه إني أريت كأن
بني أمية يتعاورون منبري هذا فقيل هي دنيا تنالهم ونزلت هذه الآية وأخرجه ابن أبي حاتم من
حديث عمرو بن العاص ومن حديث يعلى بن مرة ومن مرسل بن المسيب نحوه وأسانيد الكل
ضعيفة واستدل به على إطلاق لفظ الرؤيا على ما يرى بالعين في اليقظة وقد أنكره الحريري تبعا
لغيره وقالوا إنما يقال رؤيا في المنام وأما التي في اليقظة فيقال رؤية وممن استعمل الرؤيا في
اليقظة المتنبي في قوله * ورؤياك أحلى في العيون من الغمض * وهذا التفسير يرد على
من خطأه (قوله والشجرة الملعونة في القرآن قال شجرة الزقوم) هذا هو الصحيح وذكره ابن أبي
حاتم عن بضعة عشر نفسا من التابعين ثم روى من حديث عبد الله بن عمرو أن الشجرة الملعونة
الحكم بن أبي العاص وولده وإسناده ضعيف وأما الزقوم فقال أبو حنيفة الدينوري في كتاب
النبات الزقوم شجرة غبراء تنبت في السهل صغيرة الورق مدورته لا شوك لها زفرة مرة ولها نور
أبيض ضعيف تجرسه النحل ورؤوسها قباح جدا وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال قال
المشركون يخبرنا محمد أن في النار شجرة والنار تأكل للشجر فكان ذلك فتنة لهم وقال السهيلي
الزقوم فعول من الزقم وهو اللقم الشديد وفي لغة تميمية كل طعام يتقيأ منه يقال له زقوم وقيل هو
كل طعام ثقيل * (قوله باب قوله إن قرآن الفجر كان مشهودا قال مجاهد صلاة الفجر)
وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه وزاد يجتمع فيها ملائكة الليل وملائكة النهار ومن
طريق طريق العوفي عن ابن عباس نحوه ثم ذكر فيه حديث أبي هريرة وقد تقدم شرحه في صفة الصلاة
* (قوله باب قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) روى النسائي بإسناد صحيح من
حديث حذيفة قال يجتمع الناس في صعيد واحد فأول مدعو محمد فيقول لبيك وسعديك والخير
في يديك والشر ليس إليك المهدي من هديت عبدك وابن عبديك وبك وإليك ولا ملجأ ولا منجا
منك إلا إليك تباركت وتعاليت فهذا قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وصححه الحاكم
ولا منافاة بينه وبين حديث ابن عمر في الباب لان هذا الكلام كأنه مقدمة الشفاعة وروى ابن أبي
حاتم من طريق سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن المقام المحمود الذي ذكره الله أن النبي صلى الله عليه
وسلم يكون يوم القيامة بين الجبار وبين جبريل فيغبطه لمقامه ذلك أهل الجمع ورجاله ثقات لكنه
مرسل ومن طريق علي بن الحسين بن علي أخبرني رجل من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال تمد الأرض مد الأديم الحديث وفيه ثم يؤذن لي في الشفاعة فأقول أي رب عبادك عبدوك
في أطراف الأرض قال فذلك المقام المحمود ورجاله ثقات وهو صحيح إن كان الرجل صحابيا وقد
تقدم في كتاب الزكاة أن المراد بالمقام المحمود أخذه بحلقة باب الجنة وقيل إعطاؤه لواء الحمد وقيل
جلوسه على العرش أخرجه عبد بن حميد وغيره عن مجاهد وقيل شفاعته رابع أربعة وسيأتي بيانه
في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا أبو الأحوص) بمهملتين هو سلام بن سليم (قوله
عن آدم بن علي) هو العجلي بصري ثقة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وقد تقدم في الزكاة من
302

وجه آخر عن ابن عمر وفيه تسمية بعض من أبهم هنا بقوله حدثنا فلان وقوله جثا بضم أوله
والتنوين جمع جثوة كخطوة وخطا وحكى بن الأثير أنه روى جثى بكسر المثلثة وتشديد التحتانية
جمع جاث وهو الذي يجلس على ركبته وقال ابن الجوزي عن ابن الخشاب إنما هو جثى بفتح
المثلثة وتشديدها جمع جاث مثل غاز وغزى (قوله حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه
وسلم) زاد في الرواية المعلقة في الزكاة فيشفع ليقضي بين الخلق ويأتي شرح حديث الشفاعة
مستوفي في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى (قوله رواة حمزة بن عبد الله) أي ابن عمر (عن أبيه)
تقدم ذكر من وصله في كتاب الزكاة ثم ذكر المصنف حديث جابر في الدعاء بعد الاذان وقد تقدم
شرحه في أبواب الاذان * (قوله باب وقل جاء الحق وزهق الباطل الآية يزهق يهلك)
قال أبو عبيدة في قوله تزهق أنفسهم وهم كارهون أي تخرج وتموت وتهلك ويقال زهق ما عندك
أي ذهب كله وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إن الباطل كان زهوقا
أي ذاهبا ومن طريق سعيد عن قتادة زهق الباطل أي هلك (قوله عن ابن أبي نجيح) كذا لهم وفي
بعض النسخ حدثنا ابن أبي نجيح (قوله دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) في حديث أبي هريرة
عند مسلم والنسائي أن ذلك كان في فتح مكة وأوله في قصة فتح مكة إلى أن قال فجاء رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى طاف بالبيت فجعل يمر بتلك الأصنام فجعل يطعنها بسية القوس ويقول جاء
الحق وزهق الباطل الحديث بطوله وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في غزوة الفتح بحمد الله تعالى
وقوله وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب كذا للأكثر هنا بغير ألف وكذا وقع في رواية سعيد بن
منصور لكن بلفظ صنم والأوجه نصبه على التمييز إذ لو كان مرفوعا لكان صفة والواحد لا يقع
صفة للجمع ويحتمل أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف والجملة صفة أو هو منصوب لكنه كتب بغير
ألف على بعض اللغات * (قوله باب ويسألونك عن الروح) ذكر فيه حديث إبراهيم
وهو النخعي عن علقمة عن عبد الله وهو ابن مسعود (قوله في حرث) بفتح المهملة وسكون الراء
بعدها مثلثة ووقع في كتاب العلم من وجه آخر بخاء معجمة وموحدة وضبطوه بفتح أوله وكسر ثانيه
وبالعكس والأول أصوب فقد أخرجه مسلم من طريق مسروق عن ابن مسعود بلفظ كان في نخل
وزاد في رواية العلم بالمدينة ولابن مردويه من وجه آخر عن الأعمش في حرث للأنصار وهذا يد
على أن نزول الآية وقع بالمدينة لكن روى الترمذي من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن
ابن عباس قال قالت قريش لليهود أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل فقالوا سلوه عن الروح فسألوه
فأنزل الله تعالى ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ورجاله رجال مسلم وهو عند ابن إسحاق
من وجه آخر عن ابن عباس نحوه ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول بحمل سكوته في المرة الثانية على
توقع مزيد بيان في ذلك وإن ساغ هذا وإلا فما في الصحيح أصح (قوله يتوكأ) أي يعتمد (قوله على
عسيب) بمهملتين وآخره موحدة بوزن عظيم وهي الجريدة التي لا خوص فيها ووقع في رواية ابن
حبان ومعه جريدة قال ابن فارس العسبان من النخل كالقضبان من غيرها (قوله إذ مر اليهود)
كذا فيه اليهود بالرفع على الفاعلية وفي بقية الروايات في العلم والاعتصام والتوحيد وكذا عند
مسلم إذ مر بنفر من اليهود وعند الطبري من وجه آخر عن الأعمش إذ مررنا على يهود ويحمل هذا
الاختلاف على أن الفريقين تلاقوا فيصدق أن كلا مر بالآخر وقوله يهود هذا اللفظ معرفة
303

تدخله اللام تارة وتارة ينجرد وحذفوا منه ياء النسبة ففرقوا بين مفرده وجمعه كما قالوا زنج وزنجي ولم
أقف في شئ من الطرق على تسمية أحد من هؤلاء اليهود (قوله ما رأيكم إليه) كذا للأكثر بصيغة
الفعل الماضي من الريب ويقال فيه رأبه كذا وأرابه كذا بمعنى وقال أبو زيد رابه إذا علم منه الريب
وأرأبه إذا ظن ذلك به ولأبي ذر عن الحموي وحده بهمزة وضم الموحدة من الرأب وهو الاصلاح
يقال فيرأب بين القوم إذا أصلح بينهم وفي توجيهه هنا بعد وقال الخطابي الصواب ما أربكم
بتقديم الهمزة وفتحتين من الإرب وهو الحاجة وهذا واضح المعنى لو ساعدته الرواية نعم رأيته في
رواية المسعودي عن الأعمش عند الطبري كذلك وذكر ابن التين أن رواية القابسي كرواية
الحموي لكن بتحتانية بدل الموحدة من الرأي والله أعلم (قوله وقال بعضهم لا يستقبلكم بشئ
تكرهونه) في رواية العلم لا يجئ فيه بشئ تكرهونه وفي الاعتصام لا يسمعكم ما تكرهون وهي
بمعنى وكلها بالرفع على الاستئناف ويجوز السكون وكذا النصب أيضا (قوله فقالوا سلوه) في رواية
التوحيد فقال بعضهم لنسألنه واللام جواب قسم محذوف (قوله فسألوه عن الروح) في رواية
التوحيد فقام رجل منهم فقال يا أبا القاسم ما الروح وفي رواية العوفي عن ابن عباس عند
الطبري فقالوا أخبرنا عن الروح قال ابن التين اختلف الناس في المراد بالروح المسؤول عنه في
هذا الخبر على أقوال الأول روح الانسان الثاني روح الحيوان الثالث جبريل الرابع
عيسى الخامس القرآن السادس الوحي السابع ملك يقوم وحده صفا يوم القيامة الثامن
ملك له أحد عشر ألف جناح ووجه وقيل ملك له سبعون ألف لسان وقيل له سبعون ألف وجه في
كل وجه سبعون ألف لسان لكل لسان ألف لغة يسبح الله تعالى يخلق الله بكل تسبيحة ملكا يطير
مع الملائكة وقيل ملك رجلاه في الأرض السفلى ورأسه عند قائمة العرش التاسع خلق كخلق
بني آدم يقال لهم الروح يأكلون ويشربون لا ينزل ملك من السماء إلا نزل معه وقيل بل هم صنف
من الملائكة يأكلون ويشربون انتهى كلامه ملخصا بزيادات من كلام غيره وهذا إنما اجتمع من
كلام أهل التفسير في معنى لفظ الروح الوارد في القرآن لا خصوص هذه الآية فمن الذي في القرآن
نزل به الروح الأمين وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا يلقى الروح من أمره وأيدهم بروح منه
يوم يقوم الروح والملائكة صفا تنزل الملائكة والروح فيها فالأول جبريل والثاني القرآن
والثالث الوحي والرابع القوة والخامس والسادس محتمل لجبريل ولغيره ووقع إطلاق روح
الله على عيسى وقد روى ابن إسحاق في تفسيره بإسناد صحيح عن ابن عباس قال الروح من الله وخلق
من خلق الله وصور كبني آدم لا ينزل ملك إلا ومعه واحد من الروح وثبت عن ابن عباس أنه كان
لا يفسر الروح أي لا يعين المراد به فالآية وقال الخطابي حكوا في المراد بالروح في الآية أقوالا
قيل سألوه عن جبريل وقيل عن ملك له ألسنة وقال الأكثر سألوه عن الروح التي تكون بها الحياة
في الجسد وقال أهل النظر سألوه عن كيفية مسلك الروح في البدن وامتزاجه به وهذا هو الذي
استأثر الله بعلمه وقال القرطبي الراجح أنهم سألوه عن روح الانسان لان اليهود لا تعترف بأن عيسى
روح الله ولا تجهل أن جبريل ملك وأن الملائكة أرواح وقال الامام فخر الدين الرازي المختار
أنهم سألوه عن الروح الذي هو سبب الحياة وأن الجواب وقع على أحسن الوجوه وبيانه أن
السؤال عن الروح يحتمل عن ماهيته وهل هي متحيزة أم لا وهل هي حالة في متحيز أم لا وهل هي
304

قديمة أو حادثة وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى وما حقيقة تعذيبها وتنعيمها وغير ذلك
من متعلقاتها قال وليس في السؤال ما يخصص أحد هذه المعاني إلا أن الاظهر أنهم سألوه عن
الماهية وهل الروح قديمة أو حادثة والجواب يدل على أنها شئ موجود مغاير للطبائع والاخلاط
وتركيبها فهو جوهر بسيط مجرد لا يحدث إلا بمحدث وهو قوله تعالى كن فكأنه قال هي موجودة
محدثة بأمر الله وتكوينه ولها تأثير في إفادة الحياة للجسد ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة
نفيه قال ويحتمل أن يكون المراد بالامر في قوله من أمر ربي الفعل كقوله وما أمر فرعون برشيد
أي فعله فيكون الجواب الروح من فعل ربي وإن كان السؤال هل هي قديمة أو حادثة فيكون
الجواب إنها حادثة إلى أن قال وقد سكت السلف عن البحث في هذه الأشياء والتعمق فيها أه وقد
تنطع قوم فتباينت أقوالها فقيل هي النفس الداخل والخارج وقيل الحياة وقيل جسم لطيف
يحل في جميع البدن وقيل هي الدم وقيل هي عرض حتى قيل إن الأقوال فيها بلغت مائة ونقل
ابن منده عن بعض المتكلمين أن لكل نبي خمسة أرواح وأن لكل مؤمن ثلاثة ولكل حي واحدة
وقال ابن العربي اختلفوا في الروح والنفس فقيل متغايران وهو الحق وقيل هما شئ واحد قال
وقد يعبر بالروح عن النفس وبالعكس كما يعبر عن الروح وعن النفس بالقلب وبالعكس وقد
يعبر عن الروح بالحياة حتى يتعدى ذلك إلى غير العقلاء بل إلى الجماد مجازا وقال السهيلي يدل
على مغايرة الروح والنفس قوله تعالى فإذا سويته ونفخت فيه من روحي وقوله تعالى تعلم ما في
نفسي ولا أعلم ما في نفسك فأنه لا يصح جعل أحدهما موضع الآخر ولولا التغاير لساغ ذلك
(قوله فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم) في رواية الكشمهيني عليه بالافراد وفي رواية
العلم فقام متوكئا على العسيب وأنا خلفه (قوله فعلمت أنه يوحى إليه) في رواية التوحيد فظننت أنه
يوحى إليه وفي الاعتصام فقلت إنه يوحى إليه وهي متقاربة وإطلاق العلم على الظن مشهور وكذا
إطلاق القول على ما يقع في النفس ووقع عند ابن مردويه من طريق ابن إدريس عن الأعمش
فقام وحنى من رأسه فظننت أنه يوحى إليه (قوله فقمت مقامي) في رواية الاعتصام فتأخرت
عنه أي أدبا معه لئلا يتشوش بقربي منه (قوله فلما نزل الوحي قال) في رواية الاعتصام حتى
صعد الوحي فقال وفي رواية العلم فقمت فلما انجلى (قوله من أمر ربي) قال الإسماعيلي يحتمل أن
يكون جوابا وأن الروح من جملة أمر الله وأن يكون المراد أن الله اختص بعلمه ولا سؤال لاحد
عنه وقال ابن القيم ليس المراد هنا بالامر الطلب اتفاقا وإنما المراد به المأمور والامر يطلق على
المأمور كالخلق على المخلوق ومنه لما جاء أمر ربك وقال ابن بطال معرفة حقيقة الروح مما استأثر
الله بعلمه بدليل هذا الخبر قال والحكمة في إبهامه اختبار الخلق ليعرفهم عجزهم عن علم ما لا
يدركونه حتى يضطرهم إلى رد العلم إليه وقال القرطبي الحكمة في ذلك إظهار عجز المرء لأنه إذا لم
يعلم حقيقة نفسه مع القطع بوجوده كان عجزه عن إدراك حقيقة الحق من باب الأولى وجنح ابن
القيم في كتاب الروح إلى ترجيح أن المراد بالروح المسؤول عنها في الآية ما وقع في قوله تعالى يوم
يقوم الروح والملائكة صفا قال وأما أرواح بني آدم فلم يقع تسميتها في القرآن الا نفسا كذا قال
ولا دلالة في ذلك لما رجحه بل الراجح الأول فقد أخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في
هذه القصة أنهم قالوا عن الروح وكيف يعذب الروح الذي في الجسد وإنما الروح من الله فنزلت
305

الآية وقال بعضهم ليس في الآية دلالة على أن الله لم يطلع نبيه على حقيقة الروح بل يحتمل أن
يكون أطلعه ولم يأمره أنه يطلعهم وقد قالوا في علم الساعة نحو هذا والله أعلم وممن رأى الامساك
عن الكلام في الروح إسناد الطائفة أبو القاسم فقال فيما نقله في عوارف المعارف عنه بعد أن نقل
كلام الناس في الروح وكان الأولى الامساك عن ذلك والتأدب بأدب النبي صلى الله عليه وسلم
ثم نقل عن الجنيد أنه قال الروح استأثر الله تعالى بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه فلا تجوز
العبادة عنه بأكثر من موجوده وعلى ذلك جرى ابن عطية وجمع من أهل التفسير وأجاب من خاض
في ذلك بأن اليهود سألوا عنها سؤال تعجيز وتغليط لكونه يطلق على أشياء فأضمروا أنه بأي شئ
أجاب قالوا ليس هذا المراد فرد الله كيدهم وأجابهم جوابا مجملا مطابقا لسؤالهم المجمل وقال
السهروردي في العوارف يجوز أن يكون من خاض فيها سلك سبيل التأويل لا التفسير إذ لا يسوغ
التفسير إلا نقلا وأما التأويل فتمتد العقول إليه بالباع الطويل وهو ذكر ما لا يحتمل إلا به من غير
قطع بأنه المراد فمن ثم يكون القول فيه قال وظاهر الآية المنع من القول فيها لختم الآية بقوله
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أخبرني اجعلوا حكم الروح من الكثير الذي لم تؤتوه فلا تسألوا عنه فإنه من
الاسرار وقيل المراد بقوله أمر ربي كون الروح من عالم الامر الذي هو عالم الملكوت لا عالم الخلق
الذي هو عالم الغيب والشهادة وقد خالف الجنيد ومن تبعه من الأئمة جماعة من متأخري الصوفية
فأكثروا من القول في الروح وصرح بعضهم بمعرفة حقيقتها وعاب من أمسك عنها ونقل
ابن منده في كتاب الروح له عن محمد بن نصر المروزي الامام المطلع على اختلاف الاحكام من
عهد الصحابة إلى عهد فقهاء الأمصار أنه نقل الاجماع على أن الروح مخلوقة وإنما ينقل القول
بقدمها عن بعض غلاة الرافضة والمتصوفة واختلف هل تفنى عند فناء العالم قبل البعث
أو تستمر باقية على قولين والله أعلم ووقع بعض التفاسير أن الحكمة في سؤال اليهود عن الروح
أن عندهم في التوراة أن روح بني آدم لا يعلمها إلا الله فقالوا نسأله فإن فسرها فهو نبي وهو معنى
قولهم لا يجئ بشئ تكرهونه وروى الطبري من طريق مغيرة عن إبراهيم في هذه القصة فنزلت
الآية فقالوا هكذا نجده عندنا ورجاله ثقات إلا أنه سقط من الاسناد علقمة (قوله وما أوتيتم من
العلم) كذا للكشميهني هنا وكذا لهم في الاعتصام ولغير الكشميهني هنا وما أوتوا وكذا لهم في العلم
وزاد قال الأعمش هكذا قراءتنا وبين مسلم اختلاف الرواة عن الأعمش فيها وهي مشهورة
عن الأعمش أعني بلفظ وما أوتوا ولا مانع أن يذكرها بقراءة غيره وقراءة الجمهور وما أوتيتم
والأكثر على أن المخاطب بذلك اليهود فتتحد القراءتان نعم وهي تتناول جميع علم الخلق بالنسبة
إلى علم الله ووقع في حديث ابن عباس الذي أشرت إليه أول الباب أن اليهود لما سمعوها قالوا
أوتينا علما كثيرا التوراة ومن أوتى التوراة فقد أوتى خيرا كثيرا فنزلت قل لو كان البحر مدادا
لكلمات ربي الآية قال الترمذي حسن صحيح (قوله الا قليلا) هو استثناء من العلم أي إلا
قليلا أوما لاعطاء أي الاعطاء قليلا أو من ضمير المخاطب أو الغائب على القراءتين أي إلا قليلا
منهم أو منكم وفي الحديث من الفوائد غير ما سبق جواز سؤال العالم في حال قيامه ومشيه
إذا كان لا يثقل ذلك عليه وأدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بما يغلب على
الظن والتوقف عن الجواب بالاجتهاد لمن يتوقع النص وأن بعض المعلومات قد استأثر الله
306

بعلمه حقيقة وأن الامر يرد لغير الطلب والله أعلم * (قوله باب ولا تجهر بصلاتك
ولا تخافت بها) سقط باب لغير أبي ذر (قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم) هو الدورقي (قوله
أخبرنا أبو بشر) في رواية غير أبي ذر حدثنا أبو بشر وهو جعفر بن أبي وحشية وذكر الكرماني
أنه وقع في نسخته يونس بدل قوله أبو بشر وهو تصحيف قال الفربري أنبأنا محمد بن عياش قال لم
يخرج محمد بن إسماعيل البخاري في هذا الكتاب من حديث هشيم إلا ما صرح فيه بالاخبار (قلت)
يريد في الأصول وسبب ذلك أن هشيما مذكور بتدليس الاسناد (قوله عن ابن عباس) كذا
وصله هشيم وأرسله شعبة أخرجه الترمذي من طريق الطيالسي عن شعبة وهشيم مفصلا (قوله
نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة) يعني في أول الاسلام (قوله رفع صوته بالقرآن)
في رواية الطبري من وجه آخر عن ابن عباس فكان إذا صلى بأصحابه وأسمع المشركين فآذوه
وفسرت رواية الباب الأذى بقوله سبوا القرآن وللطبري من وجه آخر عن سعيد بن جبير فقالوا له
لا تجهر فتؤذي آلهتنا فنهجو إلهك ومن طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرق عنه أصحابه وإذا خفض صوته
لم يسمعه من يريد أن يسمع قراءته فنزلت (قوله ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك) وفي رواية الطبري
لا تجهر بصلاتك أي لا تعلن بقراءة القرآن إعلانا شديدا فيسمعك المشركون فيؤذونك ولا
تخافت بها أي لا تخفض صوتك حتى لا تسمع أذنيك وابتغ بين ذلك سبيلا أي طريقا وسطا (قوله
حدثنا طلق) بفتح المهملة وسكون اللام (ابن غنام) بالمعجمة والنون وهو النخعي من كبار شيوخ
البخاري وروايته عنه في هذا الكتاب قليلة وشيخه زائدة هو ابن قدامة (قوله عن عائشة) تابعه
الثوري عن هشام وأرسله سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحيم الإسكندراني عن هشام
وكذلك أرسله مالك (قوله أنزل ذلك في الدعاء) هكذا أطلقت عائشة وهو أعم من أن يكون ذلك
داخل الصلاة أو خارجها وقد أخرجه الطبري وابن خزيمة والعمري والحاكم من طريق حفص
ابن غياث عن هشام فزاد في الحديث في التشهد ومن طريق عبد الله بن شداد قال كان أعرابي من
بني تميم إذا سئل النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم ارزقنا ما لا وولدا ورجح الطبري حديث ابن
عباس قال لأنه أصح مخرجا ثم أسند عن عطاء قال يقول قوم إنها في الصلاة وقوم إنها في الدعاء وقد
جاء عن ابن عباس نحو تأويل عائشة أخرجه الطبري من طريق أشعث بن سوار عن عكرمة عن
ابن عباس قال نزلت في الدعاء ومن وجه آخر عن ابن عباس مثله ومن طريق عطاء ومجاهد وسعيد
ومكحول مثله ورجح النووي وغيره قول ابن عباس كما رجحه الطبري لكن يحتمل الجمع بينهما بأنها
نزلت في الدعاء داخل الصلاة وقد روى ابن مردويه من حديث أبي هريرة قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت ورفع صوته بالدعاء فنزلت وجاء عن أهل التفسير في ذلك
أقوال أخر منها مروى سعيد بن منصور من طريق صحابي لم يسم رفعه في هذه الآية لا ترفع
صوتك في دعائك فتذكر ذنوبك فتعير بها ومنها ما روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس لا تجهر بصلاتك أي لا تصل مراءاة للناس ولا تخافت بها أي لا تتركها مخافة منهم ومن
طرق عن الحسن البصري نحوه وقال الطبري لولا أننا لا نستجيز مخالفة أهل التفسير فيما جاء عنهم
لاحتمل أن يكون المراد لا تجهر بصلاتك أي بقراءتك نهارا ولا تخافت بها أي ليلا وكان ذلك
307

وجها لا يبعد من الصحة انتهى وقد أثبته بعض المتأخرين قولا وقيل الآية في الدعاء وهي
منسوخة بقوله ادعوا ربكم تضرعا وخفية
* (سورة الكهف) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
ثبتت البسملة لغير أبي ذر (قوله وقال مجاهد تقرضهم تتركهم) وصله الفريابي عنه وروى عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة نحوه وسقط هنا لأبي ذر (قوله وقال مجاهد وكان له ثمر ذهب)
وفضة وصله الفريابي بلفظه وأخرج الفراء من وجه آخر عن مجاهد قال ما كان في القرآن ثمر بالضم
فهو المال وما كان بالفتح فهو النبات (قوله وقال غيره جماعة الثمر) كأنه عنى به قتادة فقد أخر
الطبري من طريق أبي سفيان المعمري عن معمر عن قتادة قال الثمر المال كله وكل مال إذا
اجتمع فهو ثمر إذا كان من لون الثمرة وغيرها من المال كله وروى ابن المنذر من وجه آخر عن
قتادة قال قرأ ابن عباس ثمر يعني بفتحتين وقال يريد أنواع المال انتهى والذي قرأ هنا بفتحتين
عاصم وبضم ثم سكون أبو عمرو والباقون بضمتين قال ابن التين معنى قوله جماعة الثمر أن ثمرة
يجمع على ثمار وثمار على ثمر (قوله باخع مهلك) هو قول أبي عبيدة وأنشد لذي الرمة
* ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه * وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة باخع نفسك أي قاتل
نفسك (قوله أسفا ندما) هو قول أبي عبيدة وقال قتادة حزنا (قوله الكهف الفتح في الجبل
والرقيم الكتاب مرقوم من كتوب من الرقم) تقدم جميع ذلك في أحاديث الأنبياء مشروحا (قوله
أمدا غاية طال عليهم الأمد) سقط هذا لأبي ذر وهو قول أبي عبيدة وروى عبد بن حميد من
طريق مجاهد في قوله أمدا قال عددا (قوله وقال سعيد يعني ابن جبير عن ابن عباس الرقيم لوح
من رصاص كتب عاملهم أسماءهم ثم طرحه في خزانته فضرب الله على آذانهم) وصله عبد بن
حميد من طريق يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير مطولا وقد لخصته في أحاديث الأنبياء وإسناده
صحيح على شرط البخاري وقد روى ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه قال ما كنت
أعرف الرقيم ثم سألت عنه فقيل لي هي القرية التي خرجوا منها وإسناده ضعيف (قوله وقال
غيره ربطنا على قلوبهم ألهمناهم صبرا) تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء (قوله لولا أن ربطنا على
قلبها) أي ومن هذه المادة هذا الموضع ذكره استطرادا وإنما هو في سورة القصص وهو قول أبي
عبيدة أيضا وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال لولا أن ربطنا على قلبها بالايمان (قوله
مرفقا كل شئ ارتفقت به) هو قول أبي عبيدة وزاد ويقرؤه قوم بفتح الميم وكسر الفاء انتهى
وهي قراءة نافع وابن عامر واختلف هل هما بمعنى أم لا فقيل هو بكسر الميم للجارحة وبفتحها
للام وقد يستعمل أحدهما موضع الآخر وقيل لغتان فيما يرتفق به وأما الجارحة فبالكسر
فقط وقيل لغتان في الجارحة أيضا وقال أبو حاتم هو بفتح الميم الموضع كالمسجد وبكسرها
الجارحة (قوله تزاور من الزور والأزور الأميل) هو قول أبي عبيدة (قوله فجوة متسع والجمع
فجوات وفجى كقولك زكوات وزكاة) هو قول أبي عبيدة أيضا (قوله شططا إفراطا الوصيد
الفناء إلى آخره) تقدم كله في أحاديث الأنبياء (قوله بعثناهم أحييناهم) هو قول أبي عبيدة
وروى عبد الرزاق من طريق عكرمة قال كان أصحاب الكهف أولاد ملوك اعتزلوا قومهم
308

في الكهف فاختلفوا في بعث الروح والجسد فقال قائل يبعثان وقال قائل تبعث الروح فقط
وأما الجسد فتأكله الأرض فأماتهم ثم أحياهم فذكر القصة (قوله أزكى أكثر ويقال أحل
ويقال أكثر ريعا) تقدم أيضا وروى سعيد بن منصور من طريق عطاء بن السائب عن سعيد
ابن جبير عن ابن عباس أحل ذبيحة وكانوا يذبحون للطواغيت * (تنبيه) * سقط من قوله
الكهف الفتح إلى هنا من رواية أبي ذر هنا وكأنه استغنى بتقديم جل ذلك هناك (قوله وقال غيره
لم يظلم لم ينقص) (1) كذا لأبي ذر ولغيره وقال ابن عباس فذكره وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق
ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وكذا الطبري من طريق سعيد عن قتادة (قوله وقال مجاهد
موئلا محرزا) وصله الفريابي وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله موئلا قال ملجأ
ورجحه ابن قتيبة وقال هو من وأل إذا لجأ إليه وهو هنا مصدر وأصل الموئل المرجح (قوله وألت
تئل تنجو) قال أبو عبيدة في قوله موئلا ملجأ ومنجأ قال الشاعر * فلا وألت نفس عليها تحاذر * أي
لا نجت (قوله لا يستطيعون سمعا) أي (لا يعقلون) وصله الفريابي من طريق مجاهد مثله * (قوله
باب وكان الانسان أكثر شئ جدلا) ذكر فيه حديث على مختصرا ولم يذكر مقصود
الباب على عادته في التعمية وقد تقدم شرحه مستوفي في صلاة الليل وفيه ذكر الآية المذكورة
وقوله في آخره ألا تصليان زاد في نسخة الصغائي وذكر الحديث والآية إلى قوله أكثر شئ جدلا
(قوله رجما بالغيب لم يستبن) سقط هذا لأبي ذر هنا وقد تقدم في أحاديث الأنبياء ولقتادة عند
عبد الرزاق رجما بالغيب قال قذفا بالظن (قوله فرطا ندما) وصله الطبري من طريق داود بن أبي
هند في قوله فرطا قال ندامة وقال أبو عبيدة في قوله وكان أمره فرطا أي تضييعا وإسرافا
وللطبري عن مجاهد قال ضياعا وعن السدي قال إهلاكا وعن ابن جريج نزلت في عيينة بن
حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري قبل أن يسلم (قوله سرادقها مثل السرادق والحجرة التي تطيف
بالفساطيط) هو قول أبي عبيدة لكنه تصرف فيه قال أبو عبيدة في قوله أحاط بهم سرادقها
كسرادق الفسطاط وهي الحجرة التي تطوف بالفسطاط قال الشاعر * سرادق المجد عليك ممدود *
وروى الطبري من طريق ابن عباس بإسناد منقطع قال سرادقها حائط من نار (قوله يحاوزه
من المحاورة) قال أبو عبيدة يحاوره أي يكلمه من المحاورة أي المراجعة (قوله لكنا هو الله ربي
أي لكن أنا هو الله ربي ثم حذف الألف وأدغم إحدى النونين في الأخرى) هو قول أبي عبيدة
وقال الفراء ترك الألف من أنا كثير في الكلام ثم أدغمت نون أنا في نون لكن وأنشد
وترمقني بالطرف أي أنت مذنب * وتقلينني لكن إياك لا أقلي
أي لكن أنا إياك لا أقلي قال ومن العرب من يشبع ألف أنا فجاءت القراءة على تلك اللغة (قوله
وفجرنا خلالهما نهرا تقول بينهما) ثبت لأبي ذر وهو قول أبي عبيدة وقراءة الجمهور بالتشديد
ويعقوب وعيسى بن عمر بالتخفيف (قوله هنالك الولاية مصدر ولي الولي ولاء) كذا لأبي ذر
وللباقين مصدر الولي وهو أصوب وهو قول أبي عبيدة قاله في تفسير سورة البقرة وقرأ الجمهور بفتح
الواو والاخوان بكسرها وأنكره أبو عمرو والأصمعي لان الذي بالكسر الامارة ولا معنى له هنا
وقال غيرهما الكسر لغة بمعنى الفتح كالدلالة بفتح دالها وكسرها بمعنى * (تنبيه) * يأتي قوله خير عقبا
في الدعوات (قوله قبلا وقبلا وقبلا استئنافا) قال أبو عبيدة في قوله أو يأتيهم العذاب قبلا أي أولا
309

فإن فتحوا أولها فالمعنى استئنافا وغفل ابن التين فقال لا أعرف للاستئناف هنا معنى وإنما هو
استقبالا وهو يعود على قبلا بفتح القاف انتهى والمؤتنف قريب من المقبل فلا معنى لادعاء
تفسيره (قوله ليدحضوا ليزيلوا الدحض الزلق) قال أبو عبيدة في قوله ليدحضوا به الحق أي ليزيلوا
يقال مكان دحض أي مزل مزلق لا يثبت فيه خف ولا حافر * (قوله باب قوله وإذ
قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين) اختلف في مكان مجمع البحرين فروى عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة قال بحر فارس والروم وعن الربيع بن أنس مثله أخرجه عبد بن حميد
وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال هما الكر والرس حيث يصبان في البحر قال ابن
عطية مجمع البحرين ذراع في أرض فارس من جهة أذربيجان يخرج من البحر المحيط من شماليه
إلى جنوبيه وطرفيه مما يلي بر الشام وقيل هما بحر الأردن والقلزم وقال محمد بن كعب
القرظي مجمع البحرين بطنجة وعن ابن المبارك قال قال بعضهم بحر أرمينية وعن أبي بن كعب قال
بإفريقية أخرجهما ابن أبي حاتم لكن السند إلى أبي بن كعب ضعيف وهذا اختلاف شديد وأغرب
من ذلك ما نقله القرطبي عن ابن عباس قال المراد بمجمع البحرين اجتماع موسى والخضر لأنهما
بحرا علم وهذا غير ثابت ولا يقتضيه اللفظ وإنما يحسن أن يذكر في مناسبة اجتماعهما بهذا المكان
المخصوص كما قال السهيلي اجتمع البحران بمجمع البحرين (قوله أو أمضى حقبا زمانا وجمعه أحقاب)
310

هو قول أبي عبيدة قال ويقال فيه أيضا حقبة أي بكسر أوله والجمع حقب وقال عبد الرزاق عن
معمر عن قتادة الحقب الزمان وعن ابن عباس الحقب الدهر وعن سعيد بن جبير الحقب الحين
أخرجهما بن المنذر وجاء تقديره عن غيرهم فروى ابن المنذر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه
ثمانون سنة وروى عبد بن حميد عن مجاهد أنه سبعون ثم ذكر المصنف قصة موسى والخضر
وسأذكر شرح ذلك في الباب الذي يليه * (قوله باب قوله فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما)
ووقع في رواية الأصيلي فلما بلغ مجمع بينهما والأول هو الموافق للتلاوة (قوله فاتخذ سبيله في البحر
سربا مذهبا يسرب يسلك ومنه سارب بالنهار) قال أبو عبيدة في قوله تعالى فاتخذ سبيله في البحر
سربا أي مسلكا ومذهبا يسرب فيه وفي آية أخرى وسارب بالنهار وقال أيضا في قوله وسارب
بالنهار سالك في سربه أي مذهبه ومنه أصبح فلان آمنا في سربه ومنه انسرب فلان إذا مضى
(قوله يزيد أحدهما على صاحبه) يستفاد بيان زيادة أحدهما على الآخر من الاسناد الذي قبله
فإن الأول من رواية سفيان عن عمرو بن دينار فقط وهو أحمد شيخي بن جريج فيه (قوله وغيرهما
قد سمعته يحدثه) أي يحدث الحديث المذكور وعداه بغير الباء ووقع في رواية الكشميهني يحدث
بحذف المفعول وقد عين ابن جريج بعض من أبهمه كعثمان بن أبي سليمان وروى شيئا من هذه
القصة عن سعيد بن جبير من مشايخ ابن جريج عبد الله بن عثمان بن خثيم وعبد الله بن هرمز
وعبد الله بن عبيد بن عمير وممن روى هذا الحديث عن سعيد بن جبير أبو إسحاق السبيعي وروايته
عند مسلم وأبي داود وغيرهما والحكم بن عتيبة وروايته في السيرة الكبرى لابن إسحاق وسأذكر
بيان في رواياتهم من فائدة (قوله إذ قال سلوني) فيه جواز قول العالم ذلك ومحله إذا أمن العجب
أو دعت الضرورة إليه كخشية نسيان العلم (قوله أي أبا عباس) هي كنية عبد الله بن عباس وقوله
جعلني الله فداءك فيه حجة لمن أجاز ذلك خلافا لمن منعه وسيأتي البحث فيه في كتاب الأدب (قوله
إن بالكوفة رجلا قاصا) في رواية الكشميهني بالكوفة رجل قاص يحذف إن من أوله والقاص
بتشديد المهملة الذي يقص على الناس الاخبار من المواعظ وغيرها (قوله يقال له نوف) بفتح
النون وسكون الواو بعدها فاء وفي رواية سفيان أن نوفا البكالي وهو بكسر الموحدة مخففا وبعد
الألف لام ووقع عند بعض رواة مسلم بفتح أوله والتشديد والأول هو الصواب واسم أبيه فضالة
بفتح الفاء وتخفيف المعجمة وهو منسوب إلى بني بكال بن دعمي بن سعد بن عوف بطن من حمير ويقال
أنه ابن امرأة كعب الأحبار وقيل ابن أخيه وهو تابعي صدوق وفي التابعين جبر بفتح الجيم
وسكون الموحدة بن نوف البكيلي بفتح الموحدة وكسر الكاف مخففا بعدها تحتانية بعدها لام
منسوب إلى بكيل بطن من همدان ويكنى أبا الوداك بتشديد الدال وهو مشهور بكنيته ومن زعم
أنه ولد نوف البكالي فقد وهم (قوله يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل) في رواية سفيان يزعم أن
موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل ووقع في رواية ابن إسحاق عن سعيد بن
جبير عند النسائي قال كنت عند ابن عباس وعنده قوم من أهل الكتاب فقال بعضهم يا أبا عباس
إن نوفا يزعم عن كعب الأحبار أن موسى الذي طلب العلم إنما هو موسى بميشا أي ابن أفراثيم
ابن يوسف عليه السلام فقال ابن عباس أسمعت ذلك منه يا سعيد قلت نعم قال كذب نوف وليس
بين الروايتين تعارض لأنه يحمل على أن سعيدا أبهم نفسه في هذه الرواية ويكون قوله فقال
311

بعضهم أي بعض الحاضرين لا أهل الكتاب ووقع عند مسلم من هذا الوجه قيل لابن عباس يدل
قوله فقال بعضهم وعند أحمد في رواية أبي إسحاق وكان بن عباس متكئا فاستوى جالسا وقال
أكذاك يا سعيد قلت نعم أنا سمعته وقال ابن إسحاق في المبتدأ كان موسى بن ميشا قبل موسى بن
عمران نبيا في بني إسرائيل ويزعم أهل الكتاب أنه الذي صحب الخضر (قوله أما عمرو) بن دينار
(قال لي كذب عدو الله) أراد ابن جريج أن هذه الكلمة وقعت في رواية عمرو بن دينار دون
رواية يعلى بن مسلم وهو كما قال فإن سفيان رواها أيضا عن عمرو بن دينار كما مضى وسقط ذلك من
رواية يعلى بن مسلم وقوله كذب وقوله عدو الله محمولان على إرادة المبالغة في الزجر والتنفير عن
تصديق تلك المقالة وقد كانت هذه المسألة دارت أولا بين ابن عباس والحر بن قيس الفزاري
وسألا عن ذلك أبي بن كعب لكن لم يفصح في تلك الرواية ببيان ما تنازعا فيه وقد تقدم بيان ذلك في
كتاب العلم (قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية سفيان أنه سمع رسول الله صلى
الله عليه وسلم (قوله قال ذكر) هو بتشديد الكاف أي وعظهم وفي رواية ابن إسحاق عند
النسائي فذكرهم بأيام الله وأيام الله نعماؤه ولمسلم من هذا الوجه يذكرهم بأيام الله وآلاء الله نعماؤه
وبلاؤه وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في تفسير سورة إبراهيم وفي رواية سفيان قام خطيبا في
بني إسرائيل (قوله حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب) يظهر لي أن هذا القدر من زيادة يعلى
ابن مسلم على عمرو بن دينار لان ذلك لم يقع في رواية سفيان عن عمرو وهو أثبت الناس فيه وفيه أن
الواعظ إذا أثر وعظه في السامعين فخشعوا وبكوا ينبغي أن يخفف لئلا يملوا (قوله فأدركه رجل)
لم أقف على اسمه وهو يقتضي أن السؤال عن ذلك وقع بعد أن فرغ من الخطبة وتوجه ورواية
سفيان توهم أن ذلك وقع في الخطبة لكن يمكن حملها على هذه الرواية فإن لفظه قام خطيبا في بني
إسرائيل فسئل فتحمل على أن فيه حذفا تقديره قام خطيبا فخطب ففرغ فتوجه فسئل والذي
يظهر أن السؤال وقع وموسى بعد لم يفارق المجلس ويؤيده أن في منازعة ابن عباس والحر بن
قيس بينما موسى في ملا بني إسرائيل جاءه رجل فقال هل تعلم أحدا أعلم منك الحديث (قوله
هل في الأرض أحد أعلم منك قال لا) في رواية سفيان فسئل أي الناس أعلم فقال أنا وبين
الروايتين فرق لان رواية سفيان تقتضي الجزم بالأعلمية له ورواية الباب تنفي الأعلمية من غيره
عليه فيبقى احتمال المساواة ويؤيد رواية الباب أن في قصة الحر بن قيس فقال هل تعلم أحدا
أعلم منك قال لا وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم فقال ما أعلم في الأرض رجلا خيرا وأعلم مني
فأوحى الله إليه إني أعلم بالخير عند من هو وإن في الأرض رجلا هو أعلم منك وقد تقدم في كتاب
العلم البحث عما يتعلق بقوله فعتب الله عليه وهذا اللفظ في العلم ووقع هنا فعتب بحذف
الفاعل وقوله في رواية الباب قيل بلى وقع في رواية سفيان فأوحى الله إليه إن لي عبدا بمجمع
البحرين هو أعلم منك وفي قصة الحر بن قيس فأوحى الله إلى موسى بلى عبدنا خضر وفي رواية
أبي إسحاق عند مسلم أن في الأرض رجلا هو أعلم منك وعند عبد بن حميد من طريق هارون بن
عنترة عن أبيه عن ابن عباس أن موسى قال أي رب أي عبادك أعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى
علمه قال من هو وأين هو قال الخضر تلقاه عند الصخرة وذكر له حليته وفي هذه القصة وكان
موسى حدث نفسه بشئ من فضل علمه أو ذكره على منبره وتقدم في كتاب العلم شرح هذه اللفظة
312

وبيان ما فيها من إشكال والجواب عنه مستوفى ووقع في رواية أبي إسحاق عند النسائي أن من
عبادي من آتيته من العلم ما لم آوتك وهو يبين المراد أيضا وعند عبد بن حميد من طريق أبي
العالية ما يدل على أن الجواب وقع في نفس موسى قبل أن يسأل ولفظه لما أوتى موسى التوراة
وكلمه الله وجد في نفسه أن قال من أعلم مني ونحوه عند النسائي من وجه آخر عن ابن عباس وأن
ذلك وقع في حال الخطبة ولفظه قام موسى خطيبا في بني إسرائيل فأبلغ في الخطبة فعرض في نفسه
أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتى (قوله قال أي رب فأين) في رواية سفيان قال يا رب فكيف لي به
وفي رواية النسائي المذكورة قال فادللني على هذا الرجل حتى أتعلم منه (قوله اجعل لي علما) بفتح
العين واللام أي علامة وفي قصة الحر بن قيس فجعل الله له الحوت آية وفي رواية سفيان
فكيف لي به وفي قصة الحر بن قيس فسأل موسى السبيل إلى لقبه (قوله أعلم ذلك به) أي المكان
الذي أطلب فيه (قوله فقال لي عمرو) هو ابن دينار والقائل هو ابن جريج (قوله قال حيث
يفارقك الحوت) يعني فهو ثم وقع ذلك من فسرا في رواية سفيان عن عمرو قال تأخذ معك حوتا
فتجعله في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثم ونحوه في قصة الحر بن قيس ولفظه وقيل له إذا فقدت
الحوت فارجع فإنك ستلقاه (قوله وقال لي يعلى) هو ابن مسلم والقائل أيضا هو ابن جريج (قوله
قال خذ حوتا) في رواية الكشميهني نونا وفي رواية أبي أسحق عند مسلم فقبل له تزود حوتا
مالحا فإنه حيث تفقد الحوت ويستفاد من هذه الرواية أن الحوت كان ميتا لأنه لا يملح وهو حي
ومنه تعلم الحكمة في تخصيص الحوت دون غيره من الحيوانات لان غيره يؤكل ميتا ولا يرد
الجراد لأنه قد يفقد وجوده لا سيما بمصر (قوله حيث ينفخ فيه الروح) هو بيان لقوله في الروايات
الأخرى حيث تفقده (قوله فأخذ حوتا فجعله في مكتل) في رواية الربيع بن أنس عند ابن أبي حاتم
أنهما اصطاداه يعني موسى وفتاه (قوله فقال لفتاه) في رواية سفيان ثم انطلق وانطلق معه بفتاه
(قوله ما كلفت كثيرا) للأكثر بالمثلثة وللكشميهني بالموحدة (قوله فذلك قوله وإذ قال موسى
لفتاه يوشع بن نون ليست عن سعيد) القائل ليست عن سعيد هو ابن جريج ومراده أن تسمية
الفتى ليست عنده في رواية سعيد بن جبير ويحتمل أن يكون الذي نفاه صورة السياق لا التسمية
فإنها وقعت في رواية سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير ولفظه ثم انطلق وانطلق معه
فتاه يوشع بن نون وقد تقدم بيان نسب يوشع في أحاديث الأنبياء وأنه الذي قام في بني إسرائيل
بعد موت موسى ونقل بن العربي أنه كان بن أخت موسى وعلى القول الذي نقله نوف بن فضالة
من أن موسى صاحب هذه القصة ليس هو بن عمران فلا يكون فتاه يوشع بن نون وقد روى
الطبري من طريق عكرمة قال قيل لابن عباس لم نسمع لفتى موسى بذكر من حين لقي الخضر فقال
ابن عباس أن الفتى شرب من الماء الذي شرب منه الحوت فخلد فأخذه العالم فطابق به بين لوحين
ثم أرسله في البحر فإنها لتموج به إلى يوم القيامة وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه قال أبو نصرين
القشيري إن ثبت هذا فليس هو يوشع (قلت) لم يثبت فإن إسناده ضعيف وزعم ابن العربي أن
ظاهر القرآن يقتضي أن الفتى ليس هو يوشع وكأنه أخذه من لفظ الفتى أو أنه خاص بالرقيق وليس
بجيد لان الفتى مأخوذ من الفتي وهو الشباب وأطلق ذلك على من يخدم المرء سواء كان شابا أو
شيخا لان الأغلب أن الخدم تكون شبانا (قوله فبينما هو في ظل صخرة) في رواية سفيان حتى إذا
313

أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما (قوله في مكان ثريان) بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة ثم تحتانية أي
مبلول (قوله إذ تضرب الحوت) بضاد معجمة وتشديد وهو تفعل من الضرب في الأرض وهو
السير وفي رواية سفيان واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر وفي رواية أبي
إسحاق حاق عند مسلم فاضطرب الحوت في الماء ولا مغايرة بينهما لأنه اضطرب أولا في المكتل فلما سقط في
الماء اضطرب أيضا فاضطرابه الأول فيما في مبدأ ماحي والثاني في سيره في البحر حيث أتخذ فيه
مسلكا وفي رواية قتيبة عن سفيان في الباب الذي يليه من الزيادة قال سفيان وفي غير حديث
عمرو وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شئ إلا حي فأصاب الحوت من ماء
تلك العين فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر وحكى ابن الجوزي أن في روايته في البخاري
الحيا بغير هاء قال وهو ما يحيى به الناس وهذه الزيادة التي ذكر سفيان أنها في حديث غير عمرو قد
أخرجها ابن مردويه من رواية إبراهيم بن يسار عن سفيان مدرجة في حديث عمرو ولفظه حتى
انتهيا إلى الصخرة فقال موسى عندها أي نام قال وكان عند الصخرة عين ماء يقال لها عين الحياة
لا يصيب من ذلك الماء ميت إلا عاش فقطرت من ذلك الماء على الحوت قطرة فعاش وخرج من
المكتل فسقط في البحر وأظن أن بن عيينة أخذ ذلك عن قتادة فقد أخرج ابن أبي حاتم من طريقه
قال فأني على عين في البحر يقال لها عين الحياة فلما أصاب تلك العين رد الله روح الحوت إليه وقد
أنكر الداودي فيما حكاه بن التين هذه الزيادة فقال لا أرى هذا يثبت فإن كان محفوظا فهو
من خلق الله وقدرته قال لكن في دخول الحوت العين دلالة على أنه كان حي قبل دخوله فلو
كان كما في هذا الخبر لم يحتج إلى العين قال والله قادر على أن يحييه بغير العين انتهى قال ولا
يخفى ضعف كلامه دعوى واستدلالا وكأنه ظن أن الماء الذي دخل فيه الحوت هو ماء العين
وليس كذلك بل الاخبار صريحة في أن العين عند الصخرة وهي غير البحر وكأن الذي أصاب
الحوت من الماء كان شيئا من رشاش ولعل هذا العين إن ثبت النقل فيها مستند من زعم أن
الخضر شرب من عين الحياة فخلد وذلك مذكور عن وهب بن منبه وغيره ممن كان ينقل من
الإسرائيليات وقد صنف أبو جعفر بن المنادي في ذلك كتابا وقرر أنه لا يوثق بالنقل فيما يوجد
من الإسرائيليات (قوله وموسى نائم فقال فتاه لا أوقظه حتى إذا استيقظ فنسي أن يخبره)
في الكلام حذف تقديره حتى إذا استيقظ سار فنسي وأما قوله تعالى نسيا حوتهما فقيل
نسب النسيان إليهما تغليبا والناس هو الفتى نسي أن يخبر موسى كما في هذا الحديث وقيل
بل المراد أن الفتى نسي أن يخبر موسى بقصة الحوت ونسي موسى أن يستخبره عن شأن الحوت
بعد أن استيقظ لأنه حينئذ لم يكن معه وكان بصدد أن يسأله أين هو فنسي ذلك وقيل بل المراد
بقوله نسيا أخرا مأخوذ من النسي بكسر النون وهو التأخير والمعنى أنهما اخرا افتقاد لعدم
الاحتياج إليه فلما احتاجا إليه ذكراه وهو بعيد بل صريح الآية يدل على صحة صريح الخبر
وأن الفتى اطلع على ما جرى للحوت ونسي أن يخبر موسى بذلك ووقع عند مسلم في رواية أبي إسحاق
أن موسى تقدم فتاه لما استيقظ فسار فقال فتاه ألا ألحق نبي الله فأخبره قال فنسي أن يخبره وذكر
ابن عطية أنه رأى سمكة أحد جانبيها شوك وعظم وجلد رقيق على أحشائها ونصفها الثاني صحيح
ويذكر أهل ذلك المكان أنها من نسل حوت موسى إشارة إلى أنه لما حيي بعد أن أكل منه
314

استمرت فيه تلك الصفة ثم في نسله والله أعلم (قوله فأمسك الله عنه جربة البحر حتى كان أثره
في حجر) كذا فيه بفتح الحاء المهملة والجيم وفي رواية جحر بضم الجيم وسكون المهملة وهو وضح
(قوله قال لي عمرو) القائل هو ابن جريج (كأن أثره في حجر وحلق بين إبهاميه والتي) في رواية
الكشمهيني واللتين تليانهما يعني السبابتين وفي رواية سفيان عن عمرو فصار عليه مثل الطاق
وهو يفسر ما أشار إليه من الصفة وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم فاضطرب الحوت في الماء فجعل
لا يلتئم عليه صار مثل الكوة (قوله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) كذا وقع هنا مختصرا وفي رواية
سفيان فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد
لقينا من سفرنا هذا نصبا قال الداودي هذه الرواية وهم وكأنه فهم أن الفتى لم يخبر موسى إلا بعد
يوم وليلة وليس ذلك المراد بل المراد أن ابتداءها من يوم خرجا لطلبه ويوضح ذلك ما في رواية أبي
إسحاق عند مسلم فلما تجاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال ولم يصبه نصب
حتى تجاوزا وفي رواية سفيان المذكورة ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله
به (قوله قال قد قطع الله عنك النصب ليست هذه عن سعيد) هو قول ابن جريج ومراده أن
هذه اللفظة ليست في الاسناد الذي ساقه (قوله أخره) كذا عند أبي ذر بهمزة ومعجمة وراء وهاء ثم
في نسخة منه بمد الهمزة وكسر الخاء وفتح الراء بعدها هاء ضمير أي إلى آخر الكلام وأحال ذلك على
سياق الآية وفي أخرى بفتحات وتاء تأنيث منونة منصوبه وفي رواية غير أبي ذر أخبره بفتح
الهمزة وسكون الخاء ثم موحدة من الاخبار أي أخبر الفتى موسى بالقصة ووقع في رواية سفيان
فقال له فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فساق الآية إلى عجبا قال فكان للحوت سربا ولموسى عجبا
ولابن أبي حاتم من طريق قتادة قال عجب موسى أن تسرب حوت مملح في مكتل (قوله فرجعا
فوجدا خضرا) في رواية سفيان فقال موسى ذلك ما كنا نبغ أي نطلب وفي رواية للنسائي هذه
حاجتنا وذكر موسى ما كان الله عهد إليه يعني في أمر الحوت (قوله فارتدا على آثارهما (1)
قصصا قال رجعا يقصان آثارهما) أي آثار سيرهما (حتى انتهيا إلى الصخرة) زاد النسائي في رواية له
التي فعل فيها الحوت ما فعل وهذا يدل على أن الفتى لم يخبر موسى حتى سارا زمانا إذ لو أخبره أول
ما استيقظ ما احتاجا إلى اقتصاص آثارهما (قوله فوجدا خضرا) تقدم ذكر نسبه وشرح حاله
في أحاديث الأنبياء وفي رواية سفيان حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل وزعم الداودي أن هذه
الرواية وهم وانهما وجداه في جزيرة البحر (قلت) ولا مغايرة بين الروايتين فإن المراد أنهما لما
انتهيا إلى الصخرة تتبعاه إلى أن وجداه في الجزيرة ووقع في رواية أبي إسحاق عند مسلم فأراه مكان
الحوت فقال ههنا وصف لي فذهب يلتمس فإذا هو بالخضر وروى ابن أبي حاتم من طريق الربيع
ابن أنس قال انجاب الماء عن مسالك الحوت فصار كوة فدخلها موسى على أثر الحوت فإذا هو
بالخضر وروى ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال فرجع موسى حتى أتى الصخرة
فوجد الحوت فجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس
شيئا من البحر إلا يبس حتى يصير صخرة فجعل موسى يعجب من ذلك حتى انتهى إلى جزيرة
في البحر فلقى الخضر ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال بلغنا عن ابن عباس أن موسى دعا ربه
ومعه ماء في سقاء يصب منه في البحر فيصير حجرا فيأخذ فيه حتى انتهى إلى صخر فصعدها وهو
315

يتشوف هل ير الرجل ثم رآه (قوله قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسة خضراء) القائل
هو ابن جريج وعثمان هو ابن أبي سليمان بن جبير بن مطعم وهو ممن أخذ هذا الحديث عن سعيد
ابن جبير وروى عبد بن حميد من طريق ابن المبارك عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان قال
رأى موسى الخضر على طنفسة خضراء على وجه الماء انتهى والطنفسة فرش صغير وهي
بكسر الطاء والفاء بينهما نون ساكنة وبضم الطاء والفاء وبكسر الطاء وبفتح الفاء لغات (قوله
قال سعيد بن جبير مسجى بثوبه) هو موصول بالاسناد المذكور وفي رواية سفيان فإذا رجل
مسجى بثوب وفي رواية مسلم مسجى ثوبا مستلقيا على القفا ولعبد بن حميد من طريق أبي
العالية فوجده نائما في جزيرة من جزائر البحر ملتفا بكساء ولا بابي حاتم من وجه آخر عن
السدي فرأى الخضر وعليه جبة من صوف وكساء من صوف ومعه عصا قد ألقى عليها طعامه قال
وإنما سمي الخضر لأنه كان إذا أقام في مكان نبت العشب حوله انتهى وقد تقدم في أحاديث الأنبياء
حديث أبي هريرة رفعه إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء
والمراد بالفروة وجه الأرض (قوله فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه) في رواية أبي إسحاق
عند مسلم فقال السلام عليكم فكشف الثوب عن وجهه وقال وعليكم السلام (قوله وقال
هل بأرضي من سلام) في رواية الكشمهيني بأرض بالتنوين وفي رواية سفيان قال وأنى بأرضك
السلام وهي بمعنى أين أو كيف وهو استفهام استبعاد يدل على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ
ذاك مسلمين ويجمع بين الروايتين بأنه استفهمه بعد أن رد عليه السلام (قوله من أنت قال
أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم) وسقط من رواية سفيان قوله من أنت وفي رواية أبي
إسحاق قال من أنت قال موسى قال من موسى قال موسى بني إسرائيل ويجمع بينهما بان
الخضر أعاد ذلك تأكيدا وأما ما أخرجه عبد بن حميد من طريق الربيع بن أنس في هذه القصة
فقال موسى السلام عليك يا خضر فقال وعليك السلام يا موسى قال وما يدريك أني موسى قال
أدراني بك الذي أدراك بي وهذا إن ثبت فهو من الحجج على أن الخضر نبي لكن يبعد ثبوته
قوله في الرواية التي في الصحيح من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل الحديث (قوله
قال فما شأنك) في رواية أبي إسحاق قال ما جاء بك (قوله جئت لتعلمني مما علمت رشدا) قرأ أبو
عمرو بفتحتين والباقون كلهم بضم أوله وسكون ثانيه والجمهور على أنهما بمعنى كالبخل والبخل
وقيل بفتحتين الدين وبضم ثم سكون صلاح النظر وهو منصوب على أنه مفعول ثان لتعلمني
وأبعد من قال إنه لقوله علمت (قوله أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك) سقطت
هذه الزيادة من رواية سفيان فالذي يظهر أنها من رواية يعلى بن مسلم (قوله يا موسى إن لي
علما لا ينبغي لك أن تعلمه) أي جميعه (وإن لك علما لا ينبغي لي أن أعلمه) أي جميعه وتقدير ذلك
متعين لان الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما لا غنى بالمكلف عنه وموسى كان يعرف من
الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي ووقع في رواية سفيان يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه
لاتعلمه أنت وهو بمعنى الذي قبله وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في كتاب العلم (قوله في رواية
سفيان قال إنك لن تستطيع معي صبرا) كذا أطلق بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه
الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الانكار إذا رأى ما يخالف الشرع لان ذلك شأن عصمته
316

ولذلك لم يسأله موسى عن شئ من أمور الديانة بل مشى معه ليشاهد منه ما أطلع به على منزلته في
العلم الذي اختص به وقوله وكيف تصبر استفهام عن سؤال تقديره لم قلت إني لا أصبر وأنا
سأصبر قال كيف تصبر وقوله ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك قيل استثنى في الصبر فصبر
ولم يستثن في العصيان فعصاه وفيه نظر وكان المراد بالصبر أنه صبر عن أتباعه والمشي معه وغير ذلك
لا الانكار عليه فيما يخالف ظاهر الشرع وقوله فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا في
رواية العوفي عن بن عباس حتى أبين لك شانه (قوله فأخذ طائر بمنقاره) تقدم شرحه في
كتاب العلم وظاهر هذه الرواية أن الطائر نقر في البحر عقب قول الخضر لموسى ما يتعلق بعلمهما
ورواية سفيان تقتضي أن ذلك وقع بعد ما خرق السفينة ولفظه كانت الأولى من موسى نسيانا
قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر الخ فيجمع بأن قوله
فأخذ طائر بمنقاره معقب بمحذوف وهو ركوبهما السفينة لتصريح سفيان بذكر السفينة
وروى النسائي من وجه آخر عن ابن عباس أن الخضر قال لموسى أتدري ما يقول هذا الطائر
قال لا قال يقول ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا مثل ما أنقص بمنقاري من جميع هذا البحر
وفي رواية هارون بن عنترة عند عبد بن حميد في هذه القصة قال أرسل ربك الخطاف فجعل يأخذ
بمنقاره من الماء ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال الخطاف ولعبد بن حميد من طريق أبي
العالية قال رأى هذا الطائر الذي يقال له النمر ونقل بعض من تكلم على البخاري أنه الصرد (قوله
وجدا معابر) هو تفسير لقوله ركبا في السفينة لا أن قوله وجدا جواب إذا لان وجودهما المعابر
قبل ركوبهما السفينة ووقع في رواية سفيان فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرا في سفينة
فكلموهم أن يحملوهم والمعابر بمهملة وموحدة جمع معبر وهي السفن الصغار ولابن أبي حاتم من
طريق الربيع بن أنس قال مرت بهم سفينة ذاهب فناداهم خضر (قوله عرفوه فقالوا عبد الله
الصالح قال قلنا لسعيد بن جبير خضر قال نعم) القائل فيما أظن يعلى بن مسلم وفي رواية
سفيان عن عمرو بن دينار فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوا (قوله بأجر) أي أجرة
وفي رواية سفيان فحملوا بغير نول بفتح النون وسكون الواو وهو الاجره ولابن أبي حاتم من رواية
الربيع بن أنس فناداهم خضر وبين لهم أن يعطي عن كل واحد ضعف ما حملوا به غيرهم فقالوا
لصاحبهم أنا نرى رجالا في مكان مخوف نخشى أن يكونوا لصوصا فقال لأحملنهم فإني أرى على
وجوههم النور فحملهم بغير أجرة وذكر النقاش في تفسيره أن أصحاب السفينة كانوا سبعة بكل
واحد زمانه ليست في الآخر (قوله فخرقها ووتد فيها) بفتح الواو وتشديد المثناة أي جعل فيها
وتدا وفرواية سفيان فلما ركبوا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة
بالقدوم والجمع بين الروايتين أنه قلع اللوح وجعل مكانه وتدا وعند عبد بن حميد من رواية ابن
المبارك عن ابن جريج عن يعلى بن مسلم جاء بود حين خرقها والود بفتح الواو وتشديد الدال لغة
في الوتد وفي رواية أبي العالية فخرق السفينة فلم يره أحد إلا موسى ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين
ذلك (قوله لقد جئت شيئا أمرا قال مجاهد منكرا) هو من رواية ابن جريج عن مجاهد وقيل
لم يسمع منه وقد أخرجه عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله وروى ابن أبي حاتم
من طريق خالد بن قيس عن قتادة في قوله إمرا قال عجبا ومن طريق أبي صخر في قوله أمرا قال
317

عظيما وفي رواية الربيع بن أنس عند ابن أبي حاتم إن موسى لما رأى ذلك امتلا غضبا وشد ثيابه
وقال أردت اهلاكهم ستعلم إنك أول هالك فقال له يوشع ألا تذكر العهد فأقبل عليه الخضر
فقال ألم أقل لك فأدرك موسى الحلم فقال لا تؤاخذني وأن الخضر لما خلصوا قال لصاحب
السفينة إنما أردت الخير فحمدوا رأيه وأصلحها الله على يده (قوله كانت الأولى نسيانا
والوسطى شرطا والثالثة عمدا) في رواية سفيان قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت
الأولى من موسى نسيانا ولم يذكر الباقي وروى ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس
مرفوعا قال الأولى نسيان والثانية عذر والثالثة فراق وعند ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن
أنس قال قال الخضر لموسى إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك وروى الفراء من وجه
آخر عن أبي بن كعب قال لم ينس موسى ولكنه من معاريض الكلام وإسناده ضعيف والأول
هو معتمد ولو كان هذا ثابتا لأعتذر موسى عن الثانية وعن الثالثة بنحو ذلك (قوله لقيا غلاما)
في رواية سفيان فبينما هما يمشيان على الساحلي إذ أبصر الخضر غلاما (قوله فقتله) الفاء عاطفة
على لقيا وجزاء الشرط قال أقتلت والقتل من جملة الشرط إشارة إلى أن قتل الغلام يعقب لقاءه
من غير مهلة وهو بخلاف قوله حتى إذا ركبا في السفينة خرقها فإن الخرق وقع جواب الشرط
لأنه تراخى عن الركوب (قوله قال يعلى) هو بن مسلم وهو بالاسناد المذكور (قال سعيد)
هو ابن جبير (وجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا ظريفا) في رواية أخرى عن ابن جريج
عند عبد بن حميد غلاما وضئ الوجه فأضجعه ثم ذبحه بالسكين وفي رواية سفيان فأخذ الخضر
برأسه فاقتلعه بيده فقتله وفي روايته في الباب الذي يليه فقطعه ويجمع بينهما بأنه ذبحه ثم اقتلع
رأسه وفي رواية أخرى عند الطبري فأخذ صخره فثلغ رأسه وهي بمثلثة ثم معجمة والأول أصح
ويمكن أن يكون ضرب رأسه بالصخرة ثم ذبحه وقطع رأسه (قوله قال أقتلت نفسا زكية بغير
نفس لم تعمل الحنث) بكسر المهملة وسكون النون وآخره مثلثة ولأبي ذر بفتح المعجمة والموحدة
وقوله لم تعمل تفسير لقوله زكية والتقدير أقتلت نفسا زكية لم تعمل الخبث بغير نفس (قوله
وابن عباس قرأها) كذا لأبي ذر ولغيره وكان ابن عباس يقرؤها زكية وهي قراءة الأكثر وقرأ
نافع وابن كثير وأبو عمرو زاكية والأولى أبلغ لان فعيلة من صيغ المبالغة (قوله زاكية مسلمة
كقولك غلاما زاكيا) هو تفسير من الراوي ويشير إلى القراءتين أي أن قراءة ابن عباس بصيغة
المبالغة والقراءة الأخرى باسم الفاعل بمعنى مسلمة وإنما أطلق ذلك موسى على حسب ظاهر حال
الغلام لكن اختلف في ضبط مسلمة فالأكثر بسكون السين وكسر اللام ولبعضهم بفتح السين
وتشديد اللام المفتوحة وزاد سفيان في روايته هنا ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال
وهذه أشد من الأولى زاد مسلم من رواية أبي إسحاق عن سعيد بن جبير في هذه القصة فقال النبي
صلى الله عليه وسلم رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل لرأي العجب ولكنه أخذت ذمامة من
صاحبه فقال إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني ولابن مردويه من طريق عبد الله بن عبيد
ابن عمير عن سعيد بن جبير فاستحيا عند ذلك موسى وقال إن سألتك عن شئ بعدها وهذه الزيادة
وقع مثلها في رواية عمرو بن دينار من رواية سفيان في آخر الحديث قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم وددنا أن موسى صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما زاد الإسماعيلي من طريق عثمان بن
318

أبي شيبة عن سفيان أكثر مما قص (قوله فانطلقا فوجدا جدارا) في رواية سفيان فانطلقا حتى
إذا أتيا أهل قرية وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم أهل قرية لئاما فطافا في المجالس فاستطعما
أهلها قيل هي الأبلة وقيل إنطاكية وقيل أذربيجان وقيل برقة وقيل ناصرة وقيل جزيرة الأندلس
وهذا الاختلاف قريب من الاختلاف في المراد بمجمع البحرين وشدة المباينة في ذلك تقتضي أن
لا يوثق بشئ من ذلك (قوله قال سعيد بيده هكذا ورفع يده فاستقام) هو من رواية ابن جريج عن
عمرو بن دينار عن سعيد ولهذا قال بعده قال يعلى هو ابن مسلم حسبت أن سعيدا قال فمسحه بيده
فاستقام وفي رواية سفيان فوجدا جدارا يريد أن ينقض قال مائل فقال الخضر بيده فأقامه
وذكر الثعلبي أن عرض ذلك الجدار كان خمسين ذراعا في مائة ذراع بذراعهم (قوله قال لو شئت
لاتخذت عليه أجرا قال سعيد أجرا نأكله) زاد سفيان في روايته فقال موسى قوم أتيناهم فلم
يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لاتخذت عليه أجرا وفي رواية أبي إسحاق قال هذا فراق بيني وبينك
فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني وذكر الثعلبي أن الخضر قال لموسى أتلومني على خرق
السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار ونسيت نفسك حين ألقيت في البحر وحين قتلت القبطي
وحين سقيت أغنام ابنتي شعيب احتسابا (قوله وكان وراءهم ملك وكان أمامهم قرأها ابن عباس
أمامهم ملك) وفي رواية سفيان وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة
غصبا وقد تقدم الكلام في وراء في تفسير إبراهيم (قوله يزعمون عن غير سعيد أنه هدد بن بدد)
القائل ذلك هو ابن جريج ومراده أن تسمية الملك الذي كان يأخذ السفن لم تقع في رواية سعيد
(قلت) وقد عزاه ابن خالويه في كتاب ليس لمجاهد قال وزعم بن دريد أن هدد اسم ملك من
ملوك حمير زوجه سليمان بن داود بلقيس (قلت) إن ثبت هذا حمل على التعدد والاشتراك
في الاسم لبعد ما بين مدة موسى وسليمان وهدد في الروايات بضم الهاء وحكى ابن الأثير فتحها
والدال مفتوحة اتفاقا ووقع عند ابن مردويه بالميم بدل الهاء وأبوه بدد بفتح الموحدة وجاء في
تفسير مقاتل أن اسمه منولة بن الجلندي بن سعيد الأزدي وقيل هو الجلندي وكان بجزيرة
الأندلس (قوله الغلام المقتول اسمه يزعمون حيسور) القائل ذلك هو ابن جريج وحيسور
في رواية أبي ذر عن الكشمهيني بفتح المهملة أوله ثم تحتانية ساكنة ثم مهملة مضمومة وكذا في
رواية ابن السكن وفي روايته عن غيره بجيم أوله وعند القابسي بنون بدل التحتانية وعند عبدوس
بنون بدل الراء وذكر السهيلي أنه رآه في نسخة بفتح المهملة والموحدة ونونين الأولى مضمومة
بينهما الواو ساكنة وعند الطبري من طريق شعيب الجبائي كالقابسي وفي تفسير الضحاك بن
مزاحم اسمه حشرد ووقع في تفسير الكلى اسم الغلام شمعون (قوله ملك يأخذ كل سفينة
غصبا) في رواية النسائي وكان أبي يقرأ يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وفي رواية إبراهيم بن يسار
عن سفيان وكان ابن مسعود يقرأ كل سفينة صحيحة غصبا (قوله فأردت إذا هي مرت به أن
يدعها لعيبها) في رواية النسائي فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها (قوله فإذا جاوزوا أصلحوها
فانتفعوا بها) في رواية النسائي فإذا جاوزوه رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم (قوله ومنهم من
يقول سدوها بقارورة ومنهم من يقول بالقار) أما القار فهو بالقاف وهو الزفت وأما قارورة
فضبطت في الروايات بالقاف لكن في رواية بن مردويه ما يدل على أنها بالفاء لأنه وقع في روايته
319

ثارورة بالمثلثة والمثلثة تقع في موضع الفاء في كثير من الأسماء ولا تقع بدل القاف قال الجوهري
يقال فار فورة مثل ثار ثورة فإن كان محفوظا فلعله فاعولة من ثوران القدر الذي يغلى فيها القار
أو غيره وقد وجهت رواية القارورة بالقاف بأنها فاعولة من القار وأما التي من الزجاج فلا يمكن
السد بها وجوز الكرماني احتمال أن يسحق الزجاج ويلت بشئ ويلصق به ولا يخفى بعده
ووقع في رواية مسلم وأصلحوها بخشبة ولا إشكال فيها (قوله كان أبواه مؤمنين وكان كافرا)
يعني الغلام المقتول في رواية سفيان وأما الغلام فطبع يوم طبع كافرا وكان أبواه قد عطفا
عليه وفي المبتدأ لوهب بن منبه كان اسم أبيه ملاس واسم أمه رحما وقيل اسم أبيه كاردي واسم
أمه سهوى (قوله فخشينا أن يرهقهما طغيانه وكفرا أن يحملها حبه على أن يتابعاه على
دينه) هذا من تفسير ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير وأخرج ابن المنذر من
طريق سالم الأفطس عن سعيد بن جبير مثله وقال أبو عبيدة في قوله يرهقهما أي يغشاهما (قوله
خيرا منه زكاة وأقرب رحما لقوله أقتلت نفسا زكية) يعني أن قوله زكاة ذكر المناسبة المذكورة
وروى ابن المنذر من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج في قوله خيرا منه زكاة قال اسلاما ومن
طريق عطية العوفي قال دينا (قوله وأقرب رحما هما به أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر)
وروى ابن المنذر من طريق إدريس الأودي عن عطية نحوه وعن الأصمعي قال الرحم بكسر
لحاء القرابة وبسكونها فرج الأنثى وبضم الراء ثم السكون الرحمة وعن أبي عبيد القاسم بن
سلام الرحم والرحم يعني بالضم والفتح مع السكون فيهما بمعنى وهو مثل العمر والعمر وسيأتي
قوله رحما في الباب الذي بعده أيضا (قوله وزعم غير سعيد أنهما أبدلا جارية) هو قول ابن
جريج وروى ابن مردويه من وجه آخر عن ابن جريج قال وقال يعلى بن مسلم أيضا عن سعيد
ابن جبير إنها جارية وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه قال ويقال أيضا عن سعيد بن جبير إنها
جارية وللنسائي من طريق أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فأبدلهما ربهما خيرا منه
زكاة قال أبدلهما جارية فولدت نبيا من الأنبياء وللطبري من طريق عمرو بن قيس نحوه ولابن
المنذر من طريق بسطام بن حميل قال أبدلهما مكان الغلام جارية ولدت نبيين ولعبد بن حميد
من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة ولدت جارية ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال ولدت
جارية فولدت نبيا وهو الذي كان بعد موسى فقالوا له ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله واسم هذا
النبي شمعون واسم أمه حنة وعند ابن مردويه من حديث أبي بن كعب أنها ولدت غلاما لكن
إسناده ضعيف وأخرجه بن المنذر بإسناد حسن عن عكرمة عن ابن عباس نحوه وفي تفسير ابن
الكلبي ولدت جارية ولدت عدة أنبياء فهدى الله بهم أمما وقيل عدة من جاء من ولدها من الأنبياء
سبعون نبيا (قوله وأما داود بن أبي عاصم فقال عن غير واحد إنها جارية) هو قول ابن جريج
أيضا وروى الطبري من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن يعقوب
ابن عاصم أنهما أبدلا جارية قال وأخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير إنها
جارية قال ابن جريج وبلغني أن أمه يوم قتل كانت حبلى بغلام ويعقوب بن عاصم هو أخو
داود وهما ابنا عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي وكل منهما ثقة من صغار التابعين وفي الحديث
من الفوائد غير ما تقدم استحباب الحرص على الازدياد من العلم والرحلة فيه ولقاء المشايخ
320

وتجشم المشاق في ذلك والاستعانة في ذلك بالاتباع وإطلاق الفتى على التابع واستخدام الحر
وطواعية الخادم لمخدومه وعذر الناسي وقبول الهبة من غير المسلم واستدل به على أن الخضر بني
لعدة معان قد نبهت عليها فيما تقدم كقوله وما فعلته عن أمري وكاتباع موسى رسول الله له
ليتعلم منه وكاطلاق أنه أعلم منه وكإقدامه على قتل النفس لما شرحه بعد وغير ذلك وأما من
استدل به على جواز دفع أغلظ الضررين بأخفهما والاغضاء على بعض المنكرات مخافة أن
يتولد منه ما هو أشد وإفساد بعض المال لاصلاح معظمه كخصاء البهيمة للسمن وقطع أذنها لتتميز
ومن هذا مصالحة ولي اليتيم السلطان على بعض مال اليتيم خشية ذهابه بجميعه فصحيح لكن
فيما لا يعارض منصوص الشرع فلا يسوغ الاقدام على قتل النفس ممن يتوقع منه أن يقتل
أنفسا كثيرة قبل أن يتعاطى شيئا من ذلك وإنما فعل الخضر ذلك لاطلاع الله تعالى عليه وقال
ابن بطال قول الخضر وأما الغلام فكان كافرا هو باعتبار ما يئول إليه أمره أن لو عاش حتى
يبلغ واستحباب مثل هذا القتل لا يعلمه إلا الله ولله أن يحكم في خلقه بما يشاء قبل البلوغ وبعده
انتهى ويحتمل أن يكون جواز تكليف المميز قبل أن يبلغ كان في تلك الشريعة فيرتفع الاشكال
وفيه جواز الاخبار بالتعب ويلحق به الألم من مرض ونحوه ومحل ذلك إذا كان على غير سخط
من المقدور وفيه أن المتوجه إلى ربه يعان فلا يسرع إليه النصب والجوع بخلاف المتوجه إلى
غيره كما في قصة موسى في توجهه إلى ميقات ربه وذلك في طاعة ربه فلم ينقل عنه أنه تعب ولا طلب
غداء ولا رافق أحدا وأما فتوجهه إلى مدين فكان في حاجة نفسه فأصابه الجوع وفي توجهه
إلى الخضر لحاجة نفسه أيضا فتعب وجاع وفيه جواز طلب القوت وطلب الضيافة وفيه قيام
العذر بالمرة الواحدة وقيام الحجة بالثانية قال بن عطية يشبه أن يكون هذا أصل مالك في ضرب
الآجال في الاحكام إلى ثلاثة أيام وفي التلوم ونحو ذلك وفيه حسن الأدب مع الله وأن لا يضاف
إليه ما يستهجن لفظه وإن كان الكل بتقديره وخلقه لقول الخصر عن السفينة فأردت أن
أعيبها وعن الجدار فأراد بك ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم والخير بيدك والشر ليس
إليك * (قوله باب فلما جاوزا قال لفتاه أتنا غداءنا إلى قوله قصصا) ساق فيه
قصة موسى عن قتيبة عن سفيان وقد نبهت على ما فيه فائدة زائدة في الذي قبله وقوله عن
عمرو بن دينار تقدم قبل بباب من رواية الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار وروى
الترمذي من طريق علي بن المديني قال حججت حجة وليس لي همة إلا أن أسمع من سفيان الخبر في
هذا الحديث حتى سمعته يقول حدثنا عمرو وكان قبل ذلك يقول بالعنعنة (قوله (2) ينقض
ينقاض كما ينقاض السن) كذا لأبي ذر ولغيره الشئ بمعجمة وتحتانية وهو قول أبي عبيدة
قال في قوله يريد أن ينقض أي يقع يقال انقضت الدار إذا انهدمت قال وقرأه قوم ينقاض أي
ينقلع من أصله كقولك انقاضت السن إذا انقلعت من أصلها وهذا يؤيد رواية أبي ذر وقراءة
ينقاض مرويه عن الزهري واختلف تلف في ضادها فقيل بالتشديد بوزن يحمار وهو أبلغ من
ينقض وينقض بوزن يفعل من انقضاض الطائر إذا سقط إلى الأرض وقيل بالتخفيف وعليه
ينطبق المعنى الذي ذكره أبو عبيدة وعن علي أنه قرأ ينقاص بالمهملة وقال ابن خالويه يقولون
انقاصت السن إذا انشقت طولا وقيل إذا تصدعت كيف كان وقال ابن فارس قيل معناه كالذي
321

بالمعجمة وقيل الشق طولا وقال ابن دريد أنقاض بالمعجمة انكسر وبالمهملة الصدع وقرأ الأعمش
تبعا لابن مسعود يريد لينقض بكسر اللام وضم التحتانية وفتح القاف وتخفيف الضاد من
النقض (قوله نكرا داهية) كذا فيه والذي عند أبي عبيدة في قوله لقد جثت شيئا إمرا داهية
ونكرا أي عظيما واختلف في أيهما أبلغ فقيل أمرا أبلغ من نكرا لأنه قالها بسبب الخرق
الذي يفضي إلى هلاك عدة أنفس وتلك بسبب نفس واحدة وقيل نكرا أبلغ لكون الضرر فيها
ناجزا بخلاف أمرا لكون الضرر فيها متوقعا ويؤيد ذلك أنه قال في نكرا ألم أقل لك ولم يقلها في
أمرا (قوله لتخذت واتخذت واحد) هو قول أبي عبيدة ووقع في رواية مسلم عن عمرو بن محمد
عن سفيان في هذا الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأها لتخذت وهي قراءة أبي عمرو ورواية
غيره لاتخذت (قوله رحما من الرحم وهي أشد مبالغة من الرحمة ويظن أنه من الرحيم وتدعى مكة
أم رحم أي الرحمة تنزل بها) هو من كلام أبي عبيدة ووقع عنده مفرقا وقد تقدم في الحديث الذي
قبله وحاصل كلامه أن رحما من الرحم التي هي القرابة وهي أبلغ من الرحمة التي هي رقة القلب
لأنها تستلزمها غالبا من غير عكس وقوله ويظن مبنى للمجهول وقوله مشتق من الرحمة أي
التي أشتق منها الرحيم وقوله أم رحم بضم الراء والسكون وذلك لتنزل الرحمة بها ففيه تقوية لما
اختاره من أن الرحم من القرابة لا من الرقة * (قوله باب قوله تعالى قال أرأيت إذ
أوينا إلى الصخرة إلى آخره) ثبتت هذه الترجمة لأبي ذر وذكر فيه قصة موسى والخضر عن قتيبة
عن سفيان بن عيينة وقد تقدمت عن عبد الله بن محمد عن سفيان بن عيينة في كتاب العلم وقوله في
آخرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددنا أن موسى صبر حتى يقص الله علينا أمرهما
تقدم في العلم بلفظ يرحم الله موسى لوددنا لو صبر وتقدم في أحاديث الأنبياء عن علي بن
322

عبد الله بن المديني عن سفيان كرواية قتيبة لكن قال بعدها قال سفيان قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم يرحم الله موسى الخ فهذا يحتمل أن تكون هذا لزيادة وهو يرحم الله موسى لم
تكن عند ابن عيينة بهذا الاسناد ولكنه أرسلها ويحتمل أن يكون على سمعه منه مرتين مرة
بإثباتها ومرة بحذفها وهو أولى فقد أخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعمرو بن محمد الناقد وابن
أبي عمر وعبيد الله بن سعيد والترمذي عن بن أبي عمر والنسائي عن بن أبي عمر كلهم عن سفيان
بلفظ يرحم الله موسى الخ متصلا بالخبر وأخرجه مسلم من طريق رقبة عن أبي إسحاق عن
سعيد بن جبير بزيادة ولفظه ولو صبر لرأي العجب وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه رحمة
الله علينا وعلى أخي كذا وأخرجه الترمذي والنسائي من طريق حمزة الزيات عن أبي إسحاق
مختصرا وأبو داود من هذا الوجه مطولا ولفظه وكان إذا دعا بدأ بنفسه وقال رحمة الله علينا وعلى
موسى وقد ترجم المصنف في الدعوات من خص أخاه بالدعاء دون نفسه وذكر فيه عدة أحاديث
وكأنه أشار إلى أن هذه الزيادة وهي كان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه لم تثبت عنده وقد
سئل أبو حاتم الرازي عن زيادة وقعت في قصة موسى والخضر من رواية ابن إسحاق هذه عن سعيد
ابن جبير وهي قوله في وصف أهل القرية أتيا أهل القرية لئاما فطافا في المجالس فأنكرها وقال هي
مدرجة في الخبر فقد يقال وهذه الزيادة مدرجة فيه أيضا والمحفوظ رواية بن عيينة المذكورة
والله أعلم * (قوله باب قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا) ذكر فيه حديث مصعب
ابن سعد سألت أبي يعني سعد بن أبي وقاص عن هذه الآية وهذا الحديث رواه جماعة من أهل
الكوفة عن مصعب بن سعد بألفاظ مختلفة ننبه على ما تيسر منها ووقع في رواية يزيد بن هارون
عن شعبة بهذا الاسناد عند النسائي سأل رجل أبي فكأن الراوي نسي اسم السائل فأبهمه وقد
تبين من رواية غيره أنه مصعب راوي الحديث (قوله هم الحرورية) بفتح المهملة وضم الراء نسبة
إلى حروراء وهي القرية التي كان ابتداء خروج الخوارج على على منها ولابن مردويه من
طريق حصين بن مصعب لما خرجت الحرورية قلت لأبي أهؤلاء الذين أنزل الله فيهم وله من طريق
القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل عن علي في هذه الآية قال أظن أن بعضهم الحرورية وللحاكم
من وجه آخر عن أبي الطفيل قال قال على منهم أصحاب النهروان وذلك قبل أن يخرجوا وأصله
عند عبد الرزاق بلفظ قام ابن الكواء إلى علي فقال ما الأخسرين أعمالا قال ويلك منهم أهل
حروراء ولعل هذا السبب في سؤال مصعب أباه عن ذلك وليس الذي قاله على ببعيد لان اللفظ
يتناوله وإن كان السبب مخصوصا (قوله قال لا هم اليهود والنصارى) وللحاكم قال لا أولئك
أصحاب الصوامع ولابن أبي حاتم من طريق هلال بن يساف عن مصعب هم أصحاب الصوامع
وله من طريق أبي خميصة بفتح المعجمة وبالصاد المهملة واسمه عبيد الله بن قيس قال هم الرهبان الذين
حبسوا أنفسهم في السواري (قوله وأما النصارى كفروا بالجنة وقالوا ليس فيها طعام ولا
شراب) في رواية ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن مرة عن مصعب قال هم عباد النصارى قالوا
ليس في الجنة طعام ولا شراب (قوله والحرورية الذين ينقضون إلى آخره) في رواية النسائي
والحرورية الذين قال الله ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل إلى الفاسقين قال يزيد هكذا حفظت
(قلت) وهو غلط منه أو ممن حفظه عنه وكذا وقع عند بن مردويه أولئك هم الفاسقون
323

والصواب الخاسرون ووقع على الصواب كذلك في رواية الحاكم (قوله وكان سعد يسميهم
الفاسقين) لعل هذا السبب في الغلط المذكور وفي رواية الحاكم الخوارج قوم زاغوا فأزاغ الله
قلوبهم وهذه الآية هي التي آخرها الفاسقين فلعل الاختصار اقتضى ذلك الغلط وكأن سعدا
ذكر الآيتين معا التي في البقرة والتي في الصف وقد روى ابن مردويه من طريق أبي عون
عن مصعب قال نظر رجل من الخوارج إلى سعد فقال هذا من أئمة الكفر فقال له سعد كذبت
أنا قاتلت أئمة الكفر فقال له آخر هذا من الأخسرين أعمالا فقال له سعد كذبت أولئك الذين
كفروا بآيات ربهم الآية قال بن الجوزي وجه خسرانهم أنهم تعبدوا على غير أصل فابتدعوا
فخسروا الأعمار والأعمال * (قوله باب أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه
الآية) تقدم من حديث سعد بن أبي وقاص في الذي قبله بيان أنها نزلت في الأخسرين أعمالا
(قوله حدثنا محمد بن عبد الله) هو الذهلي نسبة إلى جد أبيه وقوله حدثنا سعيد بن أبي مريم
هو شيخ البخاري أكثر عنه في هذا الكتاب وربما حدث عنه بواسطة كما هنا (قوله الرجل العظيم
السمين) في رواية بن مردويه من وجه آخر عن أبي هريرة الطويل العظيم الأكول الشروب
(قوله وقال اقرؤوا فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) القائل يحتمل أن يكون الصحابي أو هو مرفوع
من بقية الحديث (قوله وعن يحيى بن بكير) هو معطوف على سعيد بن أبي مريم والتقدير حدثنا
محمد بن عبد الله عن سعيد بن أبي مريم وعن يحيى بن بكير وبهذا جزم أبو مسعود ويحيى بن بكير
هو ابن عبد الله بن بكير نسب لجده وهو من شيوخ البخاري أيضا وربما أدخل بينهما واسطة
كهذا وجوز غير أبي مسعود أن تكون طريق يحيى هذه معلقة وقد وصلها مسلم عن محمد بن
إسحاق الصغائي عنه
* (قوله بسم الله الرحمن الرحيم *
(سورة كهيعص) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر وهي له بعد الترجمة وروى الحاكم من طريق عطاء بن السائب عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكاف من كريم والهاء من هادي والياء من حكيم والعين من
عليم والصاد من صادق ومن وجه آخر عن سعيد نحوه لكن قال يمين بدل حكيم وعزيز بدل عليم
وللطبري من وجه آخر عن سعيد نحوه لكن قال الكاف من كبير وروى الطبري من طريق علي
ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال كهيعص قسم أقسم الله به وهو من أسمائه ومن طريق فاطمة
بنت على قالت كان على يقول يا كهيعص اغفر لي وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة هي اسم
من أسماء القرآن (قوله وقال ابن عباس أسمع بهم وأبصر الله يقوله وهم اليوم لا يسمعون
ولا يبصرون في ضلال مبين يعني قوله أسمع بهم وأبصر الكفار يومئذ أسمع شئ وأبصره) وصله
ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وعند عبد الرزاق عن قتادة أسمع
بهم وأبصر يعني يوم القيامة زاد الطبري من وجه آخر عن قتادة سمعوا حين لا ينفعهم السمع
وأبصروا حين لا ينفعهم آل البصر (قوله لأرحمنك لأشتمنك) وصله ابن أبي حاتم بإسناد الذي قبله
ومن وجه آخر عن ابن عباس قال الرجم الكلام (قوله ورئيا منظرا) وصله الطبري من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به ولابن أبي حاتم من طريق أبي ظبيان عن ابن عباس قال الأثاث
324

المتاع والرئى المنظر ومن طريق أبي رزين قال الثياب ومن طريق الحسن البصري قال الصور
وسيأتي مثله عن قتادة (قوله وقال أبو وائل الخ) تقدم في أحاديث الأنبياء (قوله وقال ابن عيينة
تؤزهم أزا تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا) كذا هو في تفسير ابن عيينة ومثله عند عبد الرزاق وذكره
عبد بن حميد عن عمرو بن سعد وهو أبو داود الحفري عن سفيان وهو الثوري قال تغريهم إغراء
ومثله عند ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ومن طريق السدي تطغيهم طغيانا
(قوله وقال مجاهد إدا عوجا) سقط هذا من رواية أبي ذر وقد وصله الفريابي من طريق ابن أبي
نجيح عن مجاهد مثله (قوله وقال ابن عباس وردا عطاشا) تقدم في بدء الخلق (قوله أثاثا مالا)
وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أحسن
أثاثا ورئيا قال أكثر أموالا وأحسن صورا (قوله إدا قولا عظيما) وصله ابن أبي حاتم من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قوله غيا خسرانا) ثبت لغيره أبي ذر وقد وصله الطبري من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال ابن مسعود ألغى واد في جهنم بعيد القعر أخرجه الحاكم
والطبري ومن طريق عبد الله بن عمرو بن العاص مثله ومن طريق أبي أمامة مرفوعا مثله
وأتم منه (قوله ركزا صوتا) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وعند
عبد الرزاق عن قتادة مثله وقال الطبري الركز في كلام العرب الصوت الخفي (قوله وقال غيره
بكيا جماعة باك) هو قول أبي عبيدة وتعقب بأن قياس جمع باك بكاة مثل قاض وقضاة وأجاب
الطبري بأن أصله بكرا بالواو الثقيلة مثل قاعد وقعود فقلبت الواو ياء لمجيئها بعد كسرة وقيل هو
مصدر على وزن فعول مثل جلس جلوسا ثم قال يجوز أن يكون المراد بالبكى نفس البكاء ثم أسند
عن عمر أنه قرأ هذه الآية فسجد ثم قال ويحك هذا السجود فأين البكاء كذا قال وكلام عمر يحتمل
أن يريد الجماعة أيضا أي أين القوم البكى (قوله صليا صلى يصلى) هو قول أبي عبيدة وزاد
والصلى فعول ولكن انقلبت الواو ياء ثم أدغمت (قوله نديا والنادي واحد مجلسا) قال عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة في قوله وأحسن نديا قال مجلسا وقال أبو عبيدة في قوله وأحسن نديا أي مجلسا
والندي والنادي واحد والجمع أندية وقيل أخذ من الندى وهو الكرم لان الكرماء يجتمعون
فيه ثم أطلق على كل مجلس وقال بن إسحاق في السيرة في قوله تعالى فليدع نادية النادي المجلس
ويطلق على الجلساء (قوله وقال مجاهد فليمدد فليدعه) هو بفتح الدال وسكون العين وصله
الفريابي بلفظ فليدعه الله في طغيانه أي يمهله إلى مدة وهو بلفظ الامر والمراد به الاخبار
وروى ابن أبي حاتم من طريق حبيب بن أبي ثابت قال في حرف أبي بن كعب قل من كان في
الضلالة فإن الله يزيده ضلالة * (قوله باب قوله عز وجل وأنذرهم يوم الحسرة)
ذكر في حديث أبي سعيد في ذبح الموت وسيأتي في الرقاق مشروحا وقوله فيه فيشرئبون بمعجمة
وراء مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم موحدة ثقيلة مضمومة أي يمدون أعناقهم ينظرون وقوله
أملح قال القرطبي الحكمة في ذلك أن يجمع بين صفتي أهل الجنة والنار السواد والبياض
(قوله ثم قرأ وأنذرهم) في رواية سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الأعمش في آخر الحديث
ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستفاد منه انتفاء الادراج وللترمذي من وجه آخر عن
الأعمش في أول الحديث قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنذرهم يوم الحسرة فقال يؤتى بالموت
325

إلى آخره * (قوله باب قوله وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك)
قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ما بين أيدينا الآخرة وما خلفنا الدنيا وما بين ذلك ما بين
النفختين (قوله قال النبي صلى الله وعليه السلام لجبريل ما يمنعك أن تزورنا) وروى الطبري من
طريق العوفي وابن مردويه من طريق سماك بن حرب عن سعيد بن جبير كلاهما عن ابن عباس
قال احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق
عكرمة قال أبطأ جبريل في النزول أربعين يوما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل ما نزلت
حتى اشتقت إليك قال أنا كنت أشوق إليك ولكني مأمور وأوحى الله إلى جبريل قل له وما نتنزل
إلا بأمر ربك وروى ابن مردويه في سبب ذلك من طريق زياد النميري عن أنس قال سئل النبي
صلى الله عليه وسلم أي البقاع أحب إلى الله وأيها أبغض إلى الله قال ما أدري حتى أسأل فنزل
جبريل وكان قد أبطأ عليه الحديث وعند ابن إسحاق من وجه آخر عن ابن عباس ان قريشا
لما سألوا عن أصحاب الكهف فمكث النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له
في ذلك وحيا فلما نزل جبريل قال لأبطأت فذكره وحكى ابن التين للداودي في هذا الموضع
كلاما في استشكال نزول الوحي في القضايا الحادثة مع أن القرآن قديم وجوابه واضح فلم أتشاغل
به هنا لكن ألمت به في كتاب التوحيد * (تنبيه) * الامر في هذه الآية معناه الاذن بدليل
سبب النزول المذكور ويحتمل الحكم أي تتنزل مصاحبين لأمر الله عباده بما أوجب عليهم
أو حرم ويحتمل أن يكون المراد ما هو أعم من ذلك عند من يجيز حمل اللفظ على جميع معانيه
* (قوله باب قوله أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال الأوتين مالا وولدا) قراءة الأكثر
بفتحتين والكوفيين سوى عاصم بضم ثم سكون قال الطبري لعلهم أرادوا التفرقة بين الواحد
والجمع لكن قراءة الفتح أشمل وهي أعجب إلى (قوله عن الأعمش عن أبي الضحى) كذا رواه بشر
ابن موسى وغير واحد عن الحميدي وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن الحميدي بهذا الاسناد
فقال عن أبي وائل بدل أبي الضحى والأول أصوب وشذ حماد ابن شعيب فقال أيضا عن الأعمش عن
أبي وائل وأخرجه ابن مردويه أيضا (قوله جئت العاص بن وائل السهمي) هو والد عمرو بن
العاص الصحابي المشهور وكان له قدر في الجاهلية ولم يوفق للاسلام قال ابن الكلبي كان من
حكام قريش وقد تقدم في ترجمة عمر بن الخطاب أنه أجاز عمر بن الخطاب حين أسلم وقد أخرج
الزبير بن بكار هذه القصة مطولة وفيها أن العاص بن وائل قال رجل أختار لنفسه أمرا فما لكم
وله فرد المشركين عنه وكان موته بمكة قبل الهجرة وهو أحد المستهزئين قال عبد الله بن عمرو
سمعت أبي يقول عاش أبي خمسا وثمانين وأنه ليركب حمارا إلى الطائب فيمشي عنه أكثر مما
يركب ويقال أن حماره رماه على شوكة أصابت رجله فانتفخت فمات فمنها (قوله أتقاضاه حقا لي
عنده) بين في الرواية التي بعد هذه أنه أجره سيفا عمله له وقال فيها كنت فينا وهو بفتح القاف
وسكون التحتانية بعدها نون وهو الحداد ولأحمد من وجه آخر عن الأعمش فاجتمعت لي عند
العاص بن وائل دراهم (قوله فقلت لا) أي لا أكفر (قوله حتى تموت ثم تبعث) مفهومه أنه
يكفر حينئذ لكنه لم يرد ذلك لان الكفر حينئذ لا يتصور فكأنه قال لا أكفر أبدا والنكتة في
تعبيره بالبعث تعبير العاص بأنه لا يؤمن به وبهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل قوله هذا
326

فقال علق الكفر ومن علق الكفر كفر وأجاب بأنه خاطب العاص بما يعتقده فعلق على
مستحيل بزعمه والتقرير الأول يغنى عن هذا الجواب (قوله فأقضيك فنزلت) زاد ابن مردويه
من وجه آخر عن الأعمش فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت (قوله رواه الترمذي
وشعبة وحفص وأبو معاوية ووكيع عن الأعمش) أما رواية الثوري فوصلها بعد هذا وكذا
رواية شعبة ووكيع وأما رواية حفص وهو ابن غياث فوصلها في الإجازة وأما رواية أبي
معاوية فوصلها أحمد قال حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش به وفيه قال فإني إذا مت بعثت
جثتي ولي ثم مال وولد فأعطيك فأنزل الله أفرأيت الذي كفر بآياتنا إلى قوله ويأتينا فردا
وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من رواية أبي معاوية * (قوله باب أطلع الغيب
أم أتخذ عند الرحمن عهدا قال موثقا) سقط قوله موثقا من رواية أبي ذر وساق المؤلف الحديث
من رواية الثوري وقال في آخره أم أتخذ عند الرحمن عهدا قال موثقا وكذا أخرجه ابن أبي حاتم
عن أبيه عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه (قوله لم يقل الأشجعي عن سفيان سيفا ولا موثقا)
هو كذلك في تفسير الثوري رواية الأشجعي عنه * (قوله باب كلا سنكتب ما يقول
ونمد له من العذاب مدا) ساق فيه الحديث المذكور من رواية شعبة عن الأعمش * (قوله
باب وترثه ما يقول ويأتينا فردا) ساق فيه الحديث المذكور من رواية وكيع
وسياقه أتم كسياق أبي معاوية ويحيى شيخه هو ابن موسى ويؤخذ من هذا السياق الجواب عن
إيراد المصنف الآيات المذكورة في هذه الأبواب مع أن القصة واحدة فكأنه أشار إلى أنها كلها
نزلت في هذه القصة بدليل هذه الرواية وما وافقها (قوله في الترجمة وقال ابن عباس هذا هدما)
وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه
* (قوله سورة طه *
بسم الله الرحمن الرحيم) *
قال عكرمة والضحاك بالنبطية أي طه يا رجل) كذا لأبي ذر والنسفي ولغيرهما قال ابن جبير أي
سعيد فأما قول عكرمة في ذلك فوصله ابن أبي حاتم من رواية حصين بن عبد الرحمن عن عكرمة في
قوله طه أي طه يا رجل وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس في قوله طه قال
هو كقولك يا محمد بالحبشية وأما قول الضحاك فوصله الطبري من طريق قرة بن خالد عن الضحاك
ابن مزاحم في قوله طه قال يا رجل بالنبطية وأخرجه عبد بن حميد من وجه آخر قال قال رجل
من بني مازن ما يخفى علي من القرآن شئ فقال له الضحاك ما طه قال اسم من أسماء الله تعالى قال
إنما هو بالنبطية يا رجل وسيأتي الكلام على النبط في سورة الرحمن وأما قول سعيد بن جبير
327

فرويناه في الجعديات للبغوي وفي مصنف ابن أبي شيبة من طريق سالم الأفطس عنه مثل قول
الضحاك وزاد الحرث في مسنده من هذا الوجه فيه ابن عباس وقال عبد الرزاق عن معمر عن
الحسن وعن قتادة قالا في قوله طه قال يا رجل وعند عبد بن حميد عن الحسن وعطاء مثله ومن
طريق الربيع بن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع أخرى فأنزل
الله تعالى طه أي طأ الأرض ولابن مردويه من حديث على نحوه بزيادة أن ذلك لطول قيام الليل
وقرأت بخط الصدفي في هامش نسخته بلغنا أن موسى عليه السلام حين كلمه الله قام على أطراف
أصابعه خوفا فقال الله عز وجل طه أي اطمئن وقال الخليل بن أحمد من قرأ طه بفتح ثم سكون
فمعناه يا رجل وقد قيل إنها لغة عك ومن قرأ بلفظ الحرفين فمعناه اطمئن أوطأ الأرض (قلت) جاء
عن ابن الكلبي أنه لو قيل لعلكي يا رجل لم يجب بحتى يقال له طه وقرأ بفتح ثم سكون الحسن وعكرمة
وهي اختيار ورش وقد وجهوها أيضا على أنها فعل أمر من الوطئ إما بقلب الهمزة ألفا
أو بإبدالها هاء فيوافق ما جاء عن الربيع بن أنس فأنه على قوله يكون قد أبدل الهمزة ألفا ولم
يحذفها في الامر نظرا إلى أصلها لكن في قراءة ورش حذف المفعول البتة وعلى ما نقل الربيع بن
أنس يكون المفعول هو الضمير وهو للأرض وإن لم يتقدم لها ذكر لما دل عليه الفعل وعلى ما تقدم
يكون اسما وقد قيل إن طه من أسماء السورة كما قيل في غيرها من الحروف المقطعة (قوله وقال
مجاهد ألقى صنع أزرى ظهري فيستحكم يهلككم) تقدم ذلك كله في قصة موسى من أحاديث
الأنبياء (قوله المثلى تأنيث الأمثل الخ) هو قول أبي عبيدة وقد تقدم شرحه في قصة موسى
أيضا وكذلك قوله فأوجس في نفسه خيفة وقوله في جذوع النخل وخطبك ومساس ولننسفنه
في اليم نسفا وكله كلام أبي عبيدة (قوله قاعا يعلوه الماء والصفصف المستوى من الأرض) قال
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة القاع الصفصف الأرض المستوية وقال الفراء القاع ما انبسط
من الأرض ويكون فيه السراب نصف النهار والصفصف الأملس الذي لا نبات فيه (قوله
وقال مجاهد أو زارا أثقالا) ثبت هذا لأبي ذر وهو عند الفريابي من طريقه (قوله من زينة القوم
الحلي الذي استعاروا من آل فرعون وهو الأثقال) وصله الفريابي أيضا وقد تقدم في قصة موسى
وروى الحاكم من حديث على قال عمد السامري إلى ما قدر عليه من الحلي فضربه عجلا ثم ألقى
القبضة في جوفة فإذا هو عجل له خوار الحديث وفيه فعمد موسى إلى العجل فوضع عليه المبارد على
شفير الماء فما شرب من ذلك أحد ممن كان عبد العجل إلا اصفر وجهه وروى النسائي في الحديث
الطويل الذي يقال له حديث الفتون عن ابن عباس قال لما توجه موسى لميقات ربه خطب
هارون بني إسرائيل فقال إنكم خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندكم ودائع وعواري وأنا أرى
أن نحفر حفيرة ونلقى فيها ما كان عندكم من متاعهم فنحرقه وكان السامري من قوم يعبدون
البقر وكان من جيران بني إسرائيل فاحتمل معهم فرأى أثرا فأخذ منه قبضة فمر بهارون فقال له
ألا تلقي ما في يدك فقال لا ألقيها حتى تدعو الله أن يكون ما أريد فدعا له فألقاها فقال أريد أن
يكون عجلا له جوف يخور قال ابن عباس ليس له روح كانت الريح تدخل من ديره وتخرج من
فيه فكان الصوت من ذلك فتفرق بنو إسرائيل عند ذلك فرقا الحديث بطوله (قوله فقذفتها
ألقيتها ألقى صنع فنسي موسى هم يقولونه أخطأ الرب لا يرجع إليهم قولا العجل) تقدم كله في قصة
328

موسى (قوله همسا حس الاقدام) وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد وعن قتادة
قال صوت الاقدام أخرجه عبد الرزاق وعن عكرمة قال وطء الاقدام أخرجه عبد بن حميد
وقال أبو عبيدة في قوله همسا قال صوتا خفيا (قوله حشرتنا أعمى عن حجتي وقد كنت بصيرا في
الدنيا) وصله الفريابي من طريق مجاهد (قوله وقال ابن عباس بقبس ضلوا الطريق وكانوا شاتين
الخ) وصله ابن عيينة من طريق عكرمة عنه وفي آخره آنكم بنار توقدون ووقع في رواية أبي ذر
تدفئون (قوله وقال ابن عيينة أمثلهم طريقة أعدلهم) كذا هو في تفسير بن عيينة وفي رواية
للطبري عن سعيد بن جبير أوفاهم عقلا وفي أخرى عنه أعلمهم في أنفسهم (قوله وقال ابن
عباس هضما لا يظلم فيهضم من حسناته) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس في قوله فلا يخاف ظلما ولا هضما قال لا يخاف ابن آدم يوم القيامة أن يظلم فيزاد في سيئاته
ولا يهضم فينقص من حسناته وعن قتادة عند عبد بن حميد مثله (قوله عوجا واديا ولا أمتا
رابية) وصله ابن أبي حاتم أيضا عن ابن عباس وقال أبو عبيدة العوج بكسر أوله ما أعوج من
المسايل والأودية والأمت الانثناء يقال مد حبله حتى ما ترك فيه أمتا (قوله ضنكا الشقاء)
وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وللطبري عن عكرمة مثله ومن
طريق قيس بن أبي حازم في قوله معيشة ضنكا قال رزقا في معصية وصحح ابن حبان من حديث
أبي هريرة مرفوعا في قوله معيشة ضنكا قال عذاب القبر أورده من وجهين مطولا ومختصرا
وأخرجه سعيد بن منصور الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري موقوفا ومرفوعا والطبراني
من حديث ابن مسعود ورجح الطبري هذا مستندا إلى قوله في آخر الآيات ولعذاب
الآخرة أشد وأبقى وفي تفسير الضنك أقوال أخرى قيل الضيق وهذا أشهرها ويقال أنها كلمة
فارسية معناها الضيق وأصلها التنك بمثناة فوقانية بدل الضاد فعربت وقيل الحرام وقيل
الكسب الخبيث 0 قوله هوى شقى) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة أيضا 0 قوله
سيرتها حالتها الأولى وقوله النهي التقي بالوادي المقدس المبارك طوى اسم الوادي) تقدم كله في
أحاديث الأنبياء (قوله بملكنا بأمرنا سوى منصف بينهم يبسا يابسا على قدر على موعد) سقط
هذا كله لأبي ذر وقد تقدم في قصة موسى أيضا (قوله يفرط عقوبة) قال أبو عبيدة في قوله
أن يفرط علينا قال يقدم علينا بعقوبة وكل متقدم أو متعجل فارط (قوله ولا تنيا لا تضعفا)
وصله عبد بن حميد من طريق قتادة مثله ومن طريق مجاهد كذلك ومن طريق أخرى ضعيفة
عن مجاهد عن ابن عباس وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في
قوله لا تنيا لا تبطئا * (قوله باب واصطنعتك لنفسي) وقع في رواية أبي أحمد
الجرجاني واصطفيتك وهو تصحيف ولعلها ذكرت على سبيل التفسير وذكر في الباب حديث أبي
هريرة في محاجة موسى وآدم عليهما السلام وسيأتي شرحه في كتاب القدر * (قوله باب
ولقد أوحينا إلى موسى الخ) وقع عند غير أبي ذر وأوحينا إلى موسى وهو خلاف التلاوة (قوله
اليم البحر) وصله ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي وذكر حديث ابن عباس في
329

صيام عاشوراء وقد سبق شرحه في كتاب الصيام مستوفى * (قوله باب قوله فلا
يخرجنكما من الجنة فتشقى) ذكر فيه حديث أبي هريرة في محاجة موسى وآدم عليهما السلام
وسيأتي في القدر إن شاء الله تعالى
* (قوله سورة الأنبياء) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
ذكر فيه حديث ابن مسعود قال بني إسرائيل كذا فيه وزعم بعض الشراح أنه وهم وليس
كذلك بل وجه وهو أن الأصل سورة بني إسرائيل فحذف المضاف وبقي المضاف إليه على
هيئته ثم وجدت في رواية الإسماعيلي سمعت ابن مسعود يقول في بني إسرائيل الخ وقد تقدم
شرحه مستوفى في تفسير سبحان وزاد في هذه الرواية ما لم يذكره في تلك وحاصله أنه ذكر خمس
سور متوالية ومقتضى ذلك أنهن نزلن بمكة لكن اختلف في بعض آيات منهن أما في سبحان فقوله
ومن قتل مظلوما الآية وقوله وان كادوا ليستفزونك إلى تحويلا وقوله ولقد آتينا موسى تسع آيات
الآية وقوله وقل رب أدخلني مدخل صدق الآية وفي الكهف قوله واصبر نفسك مع الذين
يدعون ربهم الآية وقيل من أولها إلى أحسن عملا وفي مريم وإن منكم إلا واردها الآية وفي
طه وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها الآية وفي الأنبياء أفلا يرون أنا نأتي
الأرض ننقصها الآية قيل في جميع ذلك أنه مدني ولا يثبت شئ من ذلك والجمهور على أن الجميع
مكيات وشذ من قال خلاف ذلك (قوله وقال قتادة جذاذا قطعهن) وصله الطبري من طريق
سعيد عن قتادة في قوله فجعلهم جذاذا أي قطعا * (تنبيه) * قرأ الجمهور جذاذا بضم أوله وهواسم
للشئ المكسر كالحطام في المحطم وقيل جمع جذاذة كزجاج وزجاجة وقرأ الكسائي وابن محيصن
بكسر أوله فقيل هو جمع جذيذ ككرام وكريم وفيها قراءات أخرى في الشواذ (قوله وقال الحسن
في فلك مثل فلكة المغزل) وصله ابن عيينة عن عمرو عن الحسن في قوله وكل في فلك يسبحون مثل
فلكة المغزل (قوله يسبحون ويدورون) وصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
في قوله كل في فلك يسبحون قال يدورون حوله ومن طريق مجاهد في فلك كهيئة جديدة الرحى
يسبحون يجرون وقال الفراء قال يسبحون لان السباحة من أفعال الآدميين فذكرت بالنون
مثل والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين (قوله وقال ابن عباس نفشت رعت ليلا) سقط ليلا
لغير أبي ذر وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس بهذا وهو قول
أهل اللغة نفشت إذا رعت ليلا بلا راع وإذا رعت نهارا بلا راع قيل هملت (قوله يصبحون
يمنعون) وصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ولا هم منا يصبحون
قال يمنعون ومن وجه آخر منقطع عن بن عباس يمنعون قال ينصرون وهو قول مجاهد رواه
الطبري (قوله أمتكم أمة واحدة دينكم دين واحد) قال قتادة في هذه الآية ان هذه أمتكم
قال دينكم أخرجه الطبري وابن المنذر من طريقه (قوله وقال عكرمة حصب جهنم حطب
بالحبشة) سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق وروى الفراء بإسنادين عن علي وعائشة أنهما
قرآ حطب بالطاء وعن بن عباس أنه قرأها بالضاد الساقطة المنقوطة قال وهو ما هيجت به النار
330

(قوله وقال غيره أحسوا توقعوا من أحسست) كذا لهم وللنسفي وقال معمر أحسوا الخ
ومعمر هذا هو بالسكون وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى اللغوي وقد أكثر البخاري نقل كلامه
فتارة يصرح بعزوه وتارة يبهمه وقال أبو عبيدة في قوله فلما أحسوا بأسنا لقوه يقال هل
أحسست فلانا أي هل وجدته وهل أحسست من نفسك ضعفا أو شرا (قوله خامدين هامدين)
قال أبو عبيدة في قوله حصيدا خامدين مجاز خامد أي هامد كما يقال للنار إذا أطفئت خمدت قال
والحصيد المستأصل وهو يوصف بلفظ الواحد والاثنين والجمع من الذكر والأنثى سواء كأنه أجرى
مجرى المصدر قال ومثله كانتا رتقا ومثله فجعلهم جذاذا (قوله والحصيد مستأصل يقع على
الواحد والاثنين والجميع) كذا لأبي ذر ولغيره حصيدا مستأصلا وهو قول أبي عبيدة كما ذكرته
قبل * (تنبيه) * هذه القصة نزلت في أهل حضور بفتح المهملة وضم المعجمة قرية بصنعاء من اليمن
وبه جزم ابن الكلبي وقيل بناحية الحجاز من جهة الشام بعث إليهم نبي من حمير يقال له شعيب
وليس صاحب مدين بين زمن سليمان وعيسى فكذبوه فقصمهم الله تعالى ذكره الكلبي وقد روى
قصته ابن مردويه من حديث ابن عباس ولم يسمه (قوله ولا يستحسرون لا يعيبون ومنه حسير
وحسرت بعيري) هو قول أبي عبيدة أيضا وكذا روى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله
ولا يستحسرون قال لا يعيبون * (تنبيه) * وقع في رواية أبي ذر يعيبون بفتح أوله ووهاه ابن التين
وقال هو من أعى أي الصواب بضم أوله (قوله عميق بعيد) كذا ذكره هنا وإنما وقع ذلك في
السورة التي بعدها وهو قول أبي عبيدة وكأنه لما وقع في هذه السورة فجاجا وجاء في التي بعدها
من كل فج عميق كأنه استطرد من هذه لهذه أو كان في طرة فنقلها الناسخ إلى غير موضعها (قوله
نكسوا ردوا) قال أبو عبيدة في قوله ثم نكسوا على رؤوسهم أي قلبوا وتقول نكسته على رأسه
إذا قهرته وقال الفراء نكسوا رجعوا وتعقبه الطبري بأنه لم يتقدم شئ يصح أن يرجعوا إليه ثم
أختار ما رواه ابن إسحاق وحاصله أنهم قلبوا في الحجة فاحتجوا على إبراهيم بما هو حجة لإبراهيم
عليه السلام وهذا كله على قراءة الجمهور وقرأ ابن أبي عبلة نكسوا بالفتح وفيه حذف تقديره
نكسوا أنفسهم على رؤوسهم (قوله صنعه لبوس الدروع) قال أبو عبيدة اللبوس السلاح كله
من درع إلى رمح وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة اللبوس الدروع كانت صفائح وأول من
سردها وحلقها داود وقال الفراء من قرأ لتحصنكم بالمثناة فلتأنيث الدروع ومن قرأ بالتحتانية
فلتذكير اللبوس (قوله تقطعوا أمرهم اختلفوا) هو قول أبي عبيدة وزاد وتفرقوا وروى الطبري
من طريق زيد بن أسلم مثله وزاد في الدين (قوله الحسيس والحس والجرس والهمس واحد وهو
من الصوت الخفي) سقط لأبي ذر والهمس وقال أبو عبيدة في قوله لا يسمعون حسيسها أي صوتها
والحسيس والحس واحد وقد تقدم في أواخر سورة مريم (قوله آذناك أعلمناك آذنتكم
إذا أعلمته فأنت وهو على سواء لم تغدر) قال أبو عبيدة في قوله آذنتكم على سواء إذا أنذرت
عدوك وأعلمته ذلك ونبذت إليه الحرب حتى تكون أنت وهو على سواء فقد آذنته وقد تقدم
في تفسير سورة إبراهيم عليه السلام وقوله آذناك هو في سورة حم فصلت ذكره هنا استطرادا (قوله
وقال مجاهد لعلكم تسألون تفهمون) وصله الفريابي من طريق ولابن المنذر من وجه آخر عنه
تفقهون (قوله ارتضى رضى) وصله الفريابي من طريق بلفظ رضي عنه وسقط لأبي ذر (قوله
331

التماثيل الأصنام) وصله الفريابي من طريقه أيضا (قوله السجل الصحيفة) وصله الفريابي من
طريقه وجزم به الفراء وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله كطي
السجل يقول كطي الصحيفة على الكتاب قال الطبري معناه كطي السجل على ما فيه من الكتاب
وقيل على بمعنى من أي من أجل الكتاب لان الصحيفة تطوى حسناته لما فيها من الكتابة وجاء
عن ابن عباس أن السجل اسم كاتب كان للنبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو داود والنسائي
والطبري من طريق عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس بهذا وله شاهد من حديث ابن
عمر عند ابن مردويه وفي حديث ابن عباس المذكور عند ابن مردويه والسجل الرجل بلسان
الحبش وعند ابن المنذر من طريق السدي قال السجل الملك وعند الطبري من وجه آخر عن
ابن عباس مثله وعند عبد بن حميد من طريق عطية مثله وبإسناد ضعيف عن علي مثله وذكر
السهيلي عن النقاش أنه ملك في السماء الثانية ترفع الحفظة إليه الأعمال كل خميس واثنين
وعند الطبري من حديث ابن عمر بعض معناه وقد أنكر الثعلبي والسهيلي أن السجل اسم
الكاتب بأنه لا يعرف في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا في أصحابه من اسمه السجل قال
السهيلي ولا وجد إلا في هذا الخبر وهو حصر مردود فقد ذكره في الصحابة ابن منده وأبو نعيم
وأوردا من طريق ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كان للنبي صلى الله عليه
وسلم كاتب يقال له سجل وأخرجه ابن مردويه من هذا الوجه ثم ذكر المصنف حديث ابن عباس
إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة الحديث وسيأتي شرحه في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى
* (قوله سورة الحج) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
(قوله قال ابن عيينة المخبتين المطمئنين) هو كذلك في تفسير ابن عيينة لكن أسنده عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد وكذا هو عند ابن المنذر من هذا الوجه ومن وجه آخر عن مجاهد قال المصلين
ومن طريق الضحاك قال المتواضعين والمحنث من الاخبات وأصله الخبت بفتح أوله وهو المطمئن
من الأرض (قوله وقال ابن عباس إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته إذا حدث ألقى الشيطان في
حديثه فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم آياته) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس مقطعا (قوله ويقال أمنيته قراءته إلا أماني يقرؤون ولا يكتبون) هو قول الفراء
قال التمني التلاوة قال وقوله لا يعلمون الكتاب إلا أماني قال الأماني أن يفتعل الأحاديث وكانت
أحاديث يسمعونها من كبرائهم وليست من كتاب الله قال ومن شواهد ذلك قول الشاعر
تمنى كتاب الله أول ليلة * تمنى داود الزبور على رسل
قال الفراء والتمني أيضا حديث النفس انتهى قال أبو جعفر النحاس في كتاب معاني القرآن له
بعد أن ساق رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تأويل الآية هذا من أحسن ما قيل في
تأويل الآية وأعلاه وأجله ثم أسند عن أحمد بن حنبل قال بمصر صحيفة في التفسير رواها علي
ابن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا انتهى وهذه النسخة كانت عند
أبي صالح كاتب الليث رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهي عند
332

البخاري عن أبي صالح وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيرا على ما بيناه في أماكنه وهي عند
الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح انتهى وعلى تأويل ابن عباس
هذا يحمل ما جاء عن سعيد بن جبير وقد أخرجه ابن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن
شعبة عن أبي بشر عنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة والنجم فلما بلغ أفرأيتم اللات
والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسنه تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجي
فقال المشركون ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا فنزلت هذه الآية وأخرجه البزار
وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة فقال في إسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
فيما احسب ثم ساق الحديث وقال البزار لا يروي متصلا إلا بهذا الاسناد تفرد بوصله أمية بن خالد
وهو ثقة مشهور قال وإنما يروي هذا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس انتهى
والكلبي متروك ولا يعتمد عليه وكذا أخرجه النحاس بسند آخر فيه الواقدي وذكره ابن إسحاق
في السيرة مطولا وأسندها عن محمد بن كعب وكذلك موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب
الزهري وكذا ذكره أبو معشر في السيرة له عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس وأورده
من طريقه الطبري وأورده ابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي ورواه ابن مردويه
من طريق عباد بن صهيب عن يحيى بن كثير عن الكلبي عن أبي صالح وعن أبي بكر الهذلي
وأيوب عن عكرمة وسليمان التيمي عمن حدثه ثلاثتهم عن ابن عباس وأوردها الطبري
أيضا من طريق العوفي عن ابن عباس ومعناهم كلهم في ذلك واحد وكلها سوى طريق سعيد
ابن جبير إما ضعيف وإلا منقطع لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا مع أن لها طريقين
آخرين مرسلين رجالهما على شرط الصحيحين أحدهما ما أخرجه الطبري من طريق يونس بن
يزيد عن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فذكرا نحوه والثاني
ما أخرجه أيضا من طريق المعتمر بن سليمان وحماد بن سلمة فرقهما عن داود بن أبي هند عن أبي
العالية وقد تجرأ أبو بكر بن العربي كعادته فقال ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل
لها وهو إطلاق مردود عليه وكذا قول عياض هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا
رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده وكذا قوله ومن
حملت عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب وأكثر
الطرق عنهم في ذلك ضعيفة واهية قال وقد بين البزار أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره إلا
طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير مع الشك الذي وقع في وصله وأما الكلبي فلا تجوز الرواية عنه
لقوة ضعفه ثم رده من طريق النظر بأن ذلك لو وقع لارتد كثير ممن أسلم قال ولم ينقل ذلك انتهى
وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها
أصلا وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل
وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو
قوله ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجي فإن ذلك لا يجوز حمله على
ظاهره لأنه يستحيل عليه صلى الله عليه وسلم أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس منه وكذا سهوا إذا كان
مغايرا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته وقد سلك العلماء في ذلك مسالك فقيل جرى ذلك على
333

لسانه حين أصابته سنة وهو لا يشعر فلما علم بذلك أحكم الله آياته وهذا أخرجه الطبري عن قتادة
ورده عياض بأنه لا يصح لكونه لا يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولا ولاية للشيطان
عليه في النوم وقيل إن الشيطان ألجأه إلى أن قال ذلك بغير اختياره ورده ابن العربي بقوله تعالى
حكاية عن الشيطان وما كان لي عليكم من سلطان الآية قال فلو كان للشيطان قوة على ذلك
لما بقي لاحد قوة في طاعة وقيل إن المشركين كانوا إذا ذكروا آلهتهم وصفوهم بذلك فعلق ذلك
بحفظه صلى الله عليه وسلم فجرى على لسانه لما ذكرهم سهوا وقد رد ذلك عياض فأجاد وقيل لعله
قالها توبيخا للكفار قال عياض وهذا جائز إذا كانت هناك قرينة تدل على المراد ولا سيما وقد
كان الكلام في ذلك الوقت في الصلاة جائز وإلى هذا نحا الباقلاني وقيل إنه لما وصل إلى قوله
ومناة الثالثة الأخرى خشي المشركون أن يأتي بعدها بشئ يذم آلهتهم به فبادروا إلى ذلك
الكلام فخلطوه في تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم على عادتهم في قولهم لا تسمعوا لهذا القرآن
والغوا فيه ونسب ذلك للشيطان لكونه الحامل لهم على ذلك أو المراد بالشيطان شيطان الانس
وقيل المراد بالغرانيق العلى الملائكة وكان الكفار يقولون الملائكة بنات الله ويعبدونها فسيق
ذكر الكل ليرد عليهم بقوله تعالى ألكم الذكر وله الأنثى فلما سمعه المشركون حملوه على الجميع وقالوا
وقد عظم آلهتنا ورضوا بذلك فنسخ الله تلك الكلمتين وأحكم آياته وقيل كان النبي صلى الله عليه وسلم
يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث
سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها قال وهذا أحسن الوجوه ويؤيده ما تقدم في صدر
الكلام عن ابن عباس من تفسير تمنى بتلا وكذا استحسن ابن العربي هذا التأويل وقال قبله أن
هذه الآية نص في مذهبنا في براءة النبي صلى الله عليه وسلم مما نسب إليه قال ومعنى قوله في
أمنيته أي في تلاوته فأخبر تعالى في هذه الآية أن سنته في رسله إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه
من قبل نفسه فهذا نص في أن الشيطان مؤاده في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا أن النبي صلى الله
عليه وسلم قاله قال وقد سبق إلى ذلك الطبري لجلالة قدره وسعة علمه وشدة ساعده في النظر فصوب
على هذا المعنى وحوم عليه * (تنبيه) * هذه القصة وقعت بمكة قبل الهجرة اتفاقا فتمسك بذلك
من قال إن سورة الحج مكية لكن تعقب بأن فيها أيضا ما يدل على أنها مدنية كما في حديث على وأبي
ذر في هذان خصمان فإنها نزلت في أهل بدر وكذا قوله أذن الذين يقاتلون الآية وبعدها الذين
أخرجوا من ديارهم بغير حق فإنها نزلت في الذين هاجروا من مكة إلى المدينة فالذي يظهر أن
أصلها مكي ونزل منها آيات بالمدينة ولها نظائر والله أعلم 0 قوله وقال مجاهد مشية بالقصة جص)
وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وقصر مشيد قال بالقصة يعني الجص
والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد هي الجص بكسر الجيم وتشديد المهملة ومن طريق عكرمة
قال المشيد المجصص قال والجص في المدينة يسمى الشيد وأنشد الطبري قول امرئ القيس
وتيماء لم يترك بها جذع نخلة * ولا أجما إلا مشيدا بجندل
ومن طريق قتادة قال كان أهله شيدوه وحصنوه وقصة القصر المشيد ذكر أهل الأخبار أنه من
بناء شداد ابن عاد فصار معطلا بعد العمران لا يستطيع أحد أن يدنو منه على أميال مما يسمع فيه
من أصوات الجن المنكرة (قوله وقال غيره يسطون يفرطون من السطوة ويقال يسطون
334

يبطشون) قال أبو عبيدة في قوله يكادون يسطون أي يفرطون عليه من السطوة وقال الفراء
كان مشركي قريش إذا سمعوا المسلم يتلو القرآن كادوا يبطشون به وتقدم في تفسير طه وقال
عبد بن حميد أخبرني شبابة عن ورقاء عن ابن نجيح عن مجاهد في قوله يكادون أي كفار قريش
يسطون أي يبطشون بالذين يتلون القرآن وروى ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس في (قوله يسطون فقال يبطشون قوله وهدوا إلى صراط الحميد الاسلام) هكذا لهم وسيأتي
تحريره من رواية النسفي قريبا (قوله وقال ابن عباس بسبب بحبل إلى سقف البيت) وصله عبد بن
حميد من طريق أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس بلفظ من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا في
الدنيا والآخرة فليمدد بسبب بحبل إلى سماء بيته فليختنق به (قوله ثاني عطفه مستكبر) ثبت
هذا للنسفي وسقط للباقين وقد وصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله
ثاني عطفه قال مستكبر في نفسه (قوله وهدوا إلى الطيب من القول ألهموا إلى القرآن) سقط
قوله إلى القرآن لغير أبي ذر ووقع في رواية النسفي وهدوا إلى الطيب ألهموا وقال ابن أبي خالد
إلى القرآن وهدوا إلى صراط الحميد الاسلام وهذا هو التحرير وقد أخرج الطبري من طريق علي
ابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله وهدوا إلى الطيب من القول قال ألهموا وروى ابن المنذر
من طريق سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد في قوله إلى الطيب من القول قال القرآن وفي قوله
وهدوا إلى صراط الحميد الاسلام (قوله تذهل تشغل) روى ابن المنذر من طريق الضحاك قال في
قوله تذهل كل مرضعة أي تسلو من شدة خوف ذلك اليوم وقال أبو عبيدة في قوله تذهل كل
مرضعة أي تسلو قال الشاعر * صحا قلبه ياعز أو كاد يذهل * وقيل الذهول الاشتغال عن
الشئ مع دهش * (قوله باب قوله وتر الناس سكارى) سقط الباب والترجمة لغير
أبي ذر وقدم عندهم الطريق الموصول على التعاليق وعكس ذلك في رواية أبي ذر وسيأتي شرح
الحديث الموصول في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى (قوله وقال أبو أسامة عن الأعمش سكارى
وما هم بسكارى) يعني أنه وافق حفص بن غياث في رواية هذا الحديث عن الأعمش بإسناده ومتنه
وقد أخرجه أحمد عن وكيع عن الأعمش كذلك (قوله قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين)
أي أنه جزم بذلك بخلاف حفص فأنه وقع في روايته من كل ألف أراه قال فذكره ورواية أبي
أسامة هذه وصلها المؤلف في قصة يأجوج ومأجوج من أحاديث الأنبياء (قوله وقال جرير
وعيسى بن يونس وأبو معاوية سكر وما هم بسكرى) يعني أنهم رووه عن الأعمش بإسناده هذا
ومتنه لكنهم خالفوا في هذه اللفظة فأما رواية جرير فوصلها المؤلف في الرقاق كما قال وأما
رواية عيسى بن يونس فوصلها إسحاق بن راهويه عنه كذلك وأما رواية أبي معاوية فاختلف
عليه فيها فرواها بلفظ سكر أبو بكر بن أبي شيبة عنه وقد أخرجها سعيد بن منصور عن أبي
معاوية والنسائي عن أبي كريب عن أبي معاوية فقالا في روايتهما سكارى وما هم بسكارى وكذا
عند الإسماعيلي من طريق أخرى عن أبي معاوية وأخرجها مسلم عن أبي كريب عنه مقرونة
برواية وكيع وأحال بهما على رواية جرير وروى ابن مردويه من طريق محاضر والطبري من
طريق المسعودي كلاهما عن الأعمش بلفظ سكر وقال الفراء أجمع القراء على سكارى وما هم
بسكارى ثم روى بإسناده عن ابن مسعود سكر وما هم بسكر قال وهو جيد في العربية انتهى
335

ونقله الاجماع عجب مع أن أصحابه الكوفيين يحيى بن وثاب وحمزة والأعمش والكسائي قرؤا
بمثل ما نقل عن ابن مسعود ونقلها أبو عبيد أيضا عن حذيفة وأبي زر عن بن عمرو واختارها أبو عبيد
وقد اختلف أهل العربية في سكر هل هي صيغة جمع على فعلى مثل مرضى أو صيغة مفرد
فاستغنى بها عن وصف الجماعة * (قوله باب ومن الناس من يعبد الله على حرف
شك) سقط لفظ شك لغير أبي ذر وأراد بذلك تفسير قوله حرف وهو تفسير مجاهد أخرجه ابن أبي حاتم
من طريقه وقال أبو عبيدة كل شاك في شئ فهو على حرف لا يثبت ولا يدوم وزاد غير أبي ذر
بعد حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة إلى
قوله ذلك هو الضلال البعيد (قوله أترفناهم وسعناهم) كذا وقع هنا عندهم وهذه الكلمة من
السورة التي تليها وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى وأترفناهم في الحياة الدنيا مجازه وسعنا
عليهم وأترفوا بغوا وكفروا (قوله يحيى بن أبي بكير) هو الكرماني وهو غير يحيى بن بكير المصري
يلتبسان لكنهما يفترقان من أربعة أوجه أحدهما النسبة الثاني أبو هذا فيه أداة الكنية
بخلاف المصري الثالث ولا يظهر غالبا أن بكيرا جد المصري وأبا بكير والد الكرماني الرابع
المصري شيخ المصنف والكرماني شيخ شيخه (قوله حدثنا إسرائيل) كذا رواه يحيى عنه بهذا
الاسناد موصولا ورواه أبو أحمد الزبيري عن إسرائيل بهذا الاسناد فلم يجاوز سعيد بن جبير
أخرجه ابن أبي شيبة عنه وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ عن
يحيى بن أبي بكير كما أخرجه البخاري وقال في آخره قال محمد بن إسماعيل بن سالم هذا حديث حسن
غريب وقد أخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير فذكر فيه
ابن عباس (قوله كان الرجل يقدم المدينة فيسلم) في رواية جعفر كان ناس من الاعراب يأتون
النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون (قوله فان ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله) هو بضم نون
نتجت فهي منتوجة مثل نفست فهي منفوسة زاد العوفي عن ابن عباس وصح جسمه أخرجه
ابن أبي حاتم ولابن المنذر من طريق الحسن البصري كان الرجل يقدم المدينة مهاجرا فإن صح
جسمه الحديث وفي رواية جعفر فإن وجدوا عام خصب وغيث وولاد وقوله قال هذا دين صالح في
رواية العوفي رضي واطمأن وقال ما أصبت فديني إلا خيرا وفي رواية الحسن قال لنعم الدين
هذا وفي رواية جعفر قالوا أن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به (قوله وان لم تلد الخ) في رواية جعفر وأن
وجدوا عام جدب وقحط وولاد سوء قالوا ما في ديننا هذا خير وفي رواية العوفي وأن أصابه وجع
المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال والله ما أصبت على دينك
هذا إلا شرا وذلك الفتنة وفي رواية الحسن فإن سقم جسمه وحبست عنه الصدقة وأصابته
الحاجة قال والله ليس الدين هذا ما زلت أتعرف النقصان في جسمي وحالي وذكر الفراء أنها
نزلت في أعاريب من بني أسد انتقلوا إلى المدينة بذراريهم وامتنوا بذلك على النبي صلى الله عليه
وسلم ثم ذكر نحو ما تقدم وروى ابن مردويه من حديث أبي سعيد بإسناد ضعيف أنها نزلت في
رجل من اليهود أسلم فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالاسلام فقال لم أصب في ديني خيرا
* (قوله باب هذا خصمان اختصموا في ربهم) الخصمان تثنية خصم وهو يطلق على
الواحد وغيره وهو من تقمنه المخاصمة (قوله يقسم قسما) كذا للأكثر ولأبي ذر عن الكشميهني
336

يقسم فيها وهو تصحيف (قوله نزلت في حمزة) أي بن عبد المطلب وقد تقدم مشروحا في غزوة بدر
مستوفى ونقتصر هنا على بيان الاختلاف في إسناده (قوله رواه سفيان) أي الثوري (عن أبي
هاشم) أي شيخ هشيم فيه وهو الرماني بضم الراء وتشديد الميم أي بإسناده ومتنه وقد تقدمت
روايته موصولة في غزوة بدر ولسفيان فيه شيخ آخر أخرجه الطبري من طريق محمد بن مجيب عن
سفيان عن منصور عن هلال بن يساف قال نزلت هذه الآية في الذين تبارزوا يوم بدر (قوله
وقال عثمان) أي ابن أبي شيبة (عن جرير) أي ابن عبد الحميد (عن منصور) أي ابن المعتمر (عن
أبي هاشم عن أبي مجلز قوله) أي موقوفا عليه (قوله عن قيس بن عباد) بضم المهملة وتخفيف
الموحدة (قوله عن علي قال أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن (2) يوم القيامة قال
قيس) هو ابن عباد الراوي المذكور (وفيهم نزلت) وهذا ليس باختلاف على قيس بن عبادة في
الصحابي بل رواية سليمان التيمي عن أبي مجلز تقتضي أن عند قيس عن علي هذا القدر المذكور هنا
فقط ورواية أبي هاشم عن أبي مجلز تقتضي أن عند قيس عن أبي ذر ما سبق لكن يعكر على هذا
النسائي أخرج من طريق يوسف بن يعقوب عن سليمان التيمي بهذا الاسناد إلى علي قال
فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر هذان خصمان ورواه أبو نعيم في المستخرج من هذا
الوجه وزاد في أوله ما في رواية معتمر بن سليمان وكذا أخرجه الحاكم من طريق أبي جعفر الرازي
وكذا ذكر الدارقطني في العلل أن كهمس بن الحسن رواه كلاهما عن سليمان التيمي وأشار
الدارقطني إلى أن روايتهم مدرجة وأن الصواب رواية معتمر (قلت) وقد رواه عبد بن حميد عن
يزيد بن هارون وعن حماد بن مسعدة كلاهما عن سليمان التيمي كرواية معتمر فإن كان محفوظا
فيكون الحديث عن قيس عن أبي ذر وعن علي معا بدليل اختلاف سياقهما ثم ينظر بعد ذلك في
الاختلاف الواقع عن أبي مجلز في إرساله حديث أبي ذر ووصله فوصله عنه أبو هاشم في رواية
الثوري وهشيم عنه وأما سليمان التيمي فوقفه على قيس وأما منصور فوقفه على أبي مجلز ولا يخفى
أن الحكم للواصل إذا كان حافظا وسليمان وأبو هاشم متقاربان في الحفظ فتقدم رواية من معه
زيادة والثوري أحفظ من منصور فتقدم روايته وقد وافقه شعبة عن أبي هاشم أخرجه الطبراني
على أن الطبري أخرجه من وجه آخر عن جرير عن منصور موصولا فبهذا التقرير يرتفع اعتراض
من ادعى أنه مضطرب كما أشرت إلى ذلك في المقدمة وإنما أعيد مثل هذا لبعد العهد به والله
المستعان وقد روى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس أنها نزلت في أهل الكتاب والمسلمين
ومن طريق الحسن قال هم الكفار والمؤمنون ومن طريق مجاهد هو اختصام المؤمن والكافر
في البعث واختار الطبري هذه الأقوال في تعميم الآية قال ولا يخالف المروي عن علي وأبي ذر
لان الذين تبارزوا ببدر كانوا فريقين مؤمنين وكفار إلا أن الآية إذا نزلت في سبب من الأسباب
لا يمتنع أن تكون عامة في نظير ذلك السبب
* (قوله سورة المؤمنون)
(بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر (قوله وقال بن عيينة سبع طرائق سبع سماوات) هو في تفسير ابن
337

عيينة من رواية سعد بن عبد الرحمن المخزومي عنه وأخرجه الطبري من طريق ابن زيد بن أسلم
مثله (قوله سابقون سبقت لهم السعادة) ثبتت لغير أبي ذر وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن
أبي طلحة عن ابن عباس (قوله قلوبهم وجلة خائفين) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن
أبي طلحة عن ابن عباس في قوله وقلوبهم وجلة قال يعملون خائفين وروى عبد الرزاق عن معمر
عن قتادة في قوله وقلوبهم وجلة قال خائفة وللطبري من طريق يزيد النحوي عن عكرمة مثله
وفي الباب عن عائشة قالت يا رسول الله في قوله تعالى وقلوبهم وجلة أهو الرجل يزني ويسرق
وهو مع ذلك يخاف الله قال لا بل هو الرجل يصوم ويصلي وهو مع ذلك يخاف الله أخرجه
الترمذي وأحمد وابن ماجة وصححه الحاكم (قوله وقال ابن عباس هيهات هيهات بعيد بعيد)
وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله وروى عبد بن حميد عن سعيد عن
قتادة قال تباعد ذلك في أنفسهم وقال الفراء إنما دخلت اللام في لما توعدون لان هيهات أداة
ليست بمأخوذة من فعل بمنزلة قريب وبعيد كما تقول هلم لك فإذا قلت أقبل لم تقل لك (قوله فاسئل
العادين الملائكة) كذا لأبي ذر فأوهم أنه من تفسير ابن عباس ولأبي ذر والنسفي وقال مجاهد
فاسأل الخ وهو أولى فقد أخرجه الفريابي من طريقه وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في
قوله العادين قال الحساب أي بضم أوله والتشديد (قوله تنكصون تستأخرون) ثبت عند
النسفي وحده ووصله الطبري من طريق مجاهد (قوله لناكبون لعادلون) في رواية أبي ذر وقال
ابن عباس لناكبون الخ ووصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه وفي كلام أبي عبيدة مثله
زاد ويقال نكب عن الطريق أي عدل عنه (قوله كالحون عابسون) وصله الطبري من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله ومن طريق أبي الأحوص عن ابن مسعود قال مثل كلوح
الرأس النضيخ وكشر عن ثغره وأخرجه الحاكم وصححه من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا
تشويه النار فتقلص شفته العليا وتسترخي السفلى (قوله وقال غيره من سلالة الولد والنطفة
السلالة) سقط وقال غيره لغير أبي ذر فأوهم أنه من تفسير ابن عباس أيضا وليس كذلك وإنما
هو قول أبي عبيدة قال في قوله ولقد خلقنا الانسان من سلالة السلالة الولد والنطفة السلالة قال
الشاعر وهل هند إلا مهرة عربية * سلالة أفراس تحللها بغل
انتهى وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله من سلالة استل آدم من طين وخلقت
ذريته من ماء مهين وقد استشكل الكرماني ما وقع في البخاري فقال لا يصح تفسير السلالة بالولد
لان الانسان ليس من الولد بل الامر بالعكس ثم قال لم يفسر السلالة بالولد بل الولد مبتد وخبره
السلالة والمعنى السلالة وما يستل من الشئ كالولد والنطفة انتهى وهو جواب ممكن في إيراد
البخاري وكلام أبي عبيدة يأباه ولم يرد أبو عبيدة تفسير السلالة بالولد أنه المراد في الآية وإنما أشار
إلى أن لفظ السلالة مشترك بين الولد والنطفة والشئ الذي يستل من الشئ وهذا الأخير هو
الذي في الآية ولم يذكره استغناء بما ورد فيها وتنبيها على أن هذه اللفظة تطلق أيضا على ما ذكر
(قوله والجنة والجنون واحد) هو قول أبي عبيدة أيضا (قوله والغثاء الزبد وما ارتفع عن الماء
وما لا ينتفع به) قال أبو عبيدة في قوله تعالى فجعلناهم غثاء الغثاء الزبد وما ارتفع على الماء من
الجيف مما لا ينتفع به وفي رواية عنه وما أشبه ذلك مما لا ينتفع به في شئ وروى عبد الرزاق عن
معمر عن قتادة في قوله غثاء قال هو الشئ البالي (قوله يجأرون يرفعون أصواتهم كما تجأر البقرة)
338

ثبت هذا هنا للنسفي وتقدم في أواخر الزكاة وسيأتي في كتاب الأحكام لغيره مثله (قوله على
أعقابكم رجع على عقبيه) هو قول أبي عبيدة (قوله سامرا من السمر والجمع السمار والسامر
ههنا في موضع الجمع) ثبت هنا للنسفي وقد تقدم في أواخر المواقيت (قوله (2) تسحرون تعمون
من السحر)
* (قوله سورة النور)
(بسم الله الرحمن الرحيم) *
من خلاله من بين أضعاف السحاب هو قول أبي عبيدة ولفظه أضعاف أو بين مزيدة فإن
المعنى ظاهر بأحدهما وروى الطبري من طريق ابن عباس أنه قرأ يخرج من خلله قال هارون
أحد رواته فذكرته لأبي عمرو فقال أنها لحسنة ولكن خلاله أعم (قوله سنا برقه
وهو الضياء) قال أبو عبيدة في قوله يكاد سنا برقه مقصور أي ضياء والسناء ممدود في
الحسب وروى الطبري من طريق ابن عباس في قوله يكاد سنا برقه يقول ضوء برقه ومن طريق
قتادة قال لمعان البرق (قوله مذعنين يقال للمستخذي مذعن) قال أبو عبيدة في قوله يأتوا إليه
مذعنين أي مستخذين وهو بالخاء والذال المعجمتين وروى الطبري من طريق مجاهد في قوله
مذعنين قال سراعا وقال الزجاج الاذعان الاسراع في الطاعة (قوله أشتاتا وشتى وشتات وشت
واحد) هو قول أبي عبيدة بلفظه وقال غيره أشتات جمع وشت مفرد (قوله وقال مجاهد لواذا
خلافا) وصله الطبري من طريقه واللواذ مصدر لاوذت (قوله وقال سعد بن عياض الثمالي)
بضم المثلثة وتخفيف الميم نسبة إلى ثمالة قبيلة من الأزد وهو كوفي تابعي ذكر مسلم أن أبا
إسحاق تفرد بالرواية عنه وزعم بعضهم أن له صحبة ولم يثبت وما له في البخاري إلا هذا الموضع وله
حديث عن ابن مسعود عند أبي داود والنسائي قال ابن سعد كان قليل الحديث وقال البخاري
مات غازيا بأرض الروم (قوله المشكاة الكوة بلسان الحبشة) وصله ابن شاهين من طريقه
ووقع لنا بعلو في فوائد جعفر السراج وقد روى الطبري من طريق كعب الأحبار قال المشكاة
الكوة والكوة بضم الكاف وبفتحها وتشديد الواو وهي الطاقة للضوء وأما قوله بلسان الحبشة
فمضى الكلام فيه في تفسير سورة النساء وقال غيره المشكاة موضع الفتيلة رواه الطبري من طريق
علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس وأخرج الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله كمشكاة قال
يعني الكوة (قوله وقال ابن عباس سورة أنزلناها بيناها) قال عياض كذا في النسخ والصواب
أنزلناها وفرضناها بيناها فبيناها تفسير فرضناها ويدل عليه قوله بعد هذا ويقال في فرضناها
أنزلنا فيها فرائض مختلفة فإنه يدل على أنه تقدم له تفسير آخر انتهى وقد روى الطبري من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله وفرضناها يقول بيناها وهو يؤيد قول عياض
(قوله وقال غيره سمي القرآن لجماعة السور وسميت السورة لأنها مقطوعة من الأخرى
فلما قرن بعضها إلى بعض سمي قرآنا) وهو قول أبي عبيدة قاله في أول المجاز وفي رواية أبي جعفر
المصادري عنه سمي القرآن لجماعة السور فذكر مثله سواء وجوز الكرماني في قراءة هذه اللفظة
وهي لجماعة وجهين إما بفتح الجيم وآخرها تاء تأنيث بمعنى الجميع وإما بكسر الجيم وآخرها
ضمير يعود على القرآن (قوله وقوله أن علينا جمعه وقرآنه تأليف بعضه إلى بعض إلى آخره) يأتي
339

الكلام عليه في تفسير سورة القيامة إن شاء الله تعالى (قوله ويقال ليس لشعره قرآن أي
تأليف) هو قول أبي عبيدة (قوله ويقال للمرأة ما قرأت بسلا قط أي لم تجمع ولدا في بطنها)
هو قول أبي عبيدة أيضا قاله في المجاز رواية أبي جعفر المصادري عنه وأنشد قول الشاعر
* هجان اللون لم يقرأ جنينا * والسلا بفتح المهملة وتخفيف اللام وحاصله أن القرآن عنده
من قرأ بمعنى جمع لا من قرأ بمعنى تلا (قوله وقال فرضناها أنزلنا فيها فرائض مختلفة ومن
قرأ فرضناها يقول فرضنا عليكم وعلى من بعدكم) فيها كذا وقال الفراء من قرأ فرضناها
يقول فرضنا فيها فرائض مختلفة وأن شئت فرضناها عليكم وعلى من بعدكم إلى يوم القيامة قال
فالتشديد بهذين الوجهين حسن وقال أبو عبيدة في قوله فرضناها حددنا فيها الحلال والحرام
وفرضنا من الفريضة وفي رواية له ومن خففها جعلها من الفريضة (قوله وقال الشعبي أولى
الإربة من ليس له أرب) ثبت هذا للنسفي وسيأتي بعضه في النكاح وقد وصله الطبري من طريق
شعبة عن مغيرة عن الشعبي مثله ومن وجه آخر عنه قال الذي لم يبلغ أربه أن يطلع على عورة النساء
(قوله وقال طاوس هو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء) وصله عبد الرزاق عن معمر عن ابن
طاوس عن أبيه مثله (قوله وقال مجاهد لا يهمه إلا بطنه ولا يخاف على النساء أو الطفل الذين
لم يظهروا لم يدروا لما بهم من الصغر) وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد
في قوله أو التابعين غير أولى الإربة قال الذي يريد الطعام ولا يريد النساء ومن وجه آخر عنه
قال الذين لا يهمهم إلا بطونهم ولا يخافون على النساء وفي قوله أو الطف الذين لم يظهروا على
عورات النساء قال لم يدروا ما هي من الصغر قبل الحلم * (قوله باب قوله عز وجل
والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الآية) ذكر فيه حديث سهل بن سعد مطولا وفي
الباب الذي بعده مختصرا وسيأتي شرحه في كتاب اللعان وقوله في أول الباب (4468) حدثنا إسحاق
حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وهو شيخ البخاري لكن ربما ادخل بينهما واسطة وإسحاق
المذكور وقع غير منسوب ولم ينسبه الكلاباذي أيضا وعندي أنه إسحاق بن منصور وقد بينت
340

ذلك في المقدمة * (قوله باب ويدرأ عنها العذاب الآية) ذكر فيه حديث ابن
عباس في قصة المتلاعنين من رواية عكرمة عنه وقد ذكره في اللعان من رواية القاسم بن محمد عنه
وبينهما في سياقه اختلاف سأبينه هناك وأقتصر هنا على بيان الراجح من الاختلاف في سبب
نزول آيات اللعان دون أحكامه فأذكرها في بابها إن شاء الله تعالى وقوله عن هشام بن حسان
حدثنا عكرمة هكذا قال ابن عدي عنه وقال عبد الاعلى ومخلد بن حسين عن هشام بن حسان
عن محمد بن سيرين عن أنس فمنهم من أعلى حديث ابن عباس بهذا ومنهم من حمله على أن لهشام
فيه شيخين وهذا هو المعتمد فإن البخاري أخرج طريق عكرمة ومسلما أخرج طريق ابن سيرين
ويرجع هذا الحمل اختلاف السياقين كما سنبينه إن شاء الله تعالى (قوله البينة أو حد في ظهرك)
قال ابن مالك ضبطوا البينة بالنصب على تقدير عامل أي أحضر البينة وقال غيره روى بالرفع
والتقدير أما البينة وأما حد وقوله في الرواية المشهورة أوحد في ظهرك قال ابن مالك حذف منه
فاء الجواب وفعل الشرط بعد إلا والتقدير وإلا تحضرها فجزاؤك حد في ظهرك قال وحذف مثل
هذا لم يذكر النحاة أنه يجوز إلا في الشعر لكن يرد عليهم وروده في هذا الحديث الصحيح (قوله فقال
هلال والذي بعثك بالحق أني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل وأنزل
عليه والذين يرمون أزواجهم) كذا في هذه الرواية أن آيات اللعان نزلت في قصة هلال بن أمية
وفي حديث سعد الماضي أنها نزلت في هو يمر ولفظه فجاء عويمر فقال يا رسول الله رجل وجد
مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل الله
فيك وفي صاحبتك فأمرهما بالملاعنة وقد اختلف الأئمة في هذا الموضع فمنهم من رجح أنها نزلت
في شأن عويمر ومنهم من رجح أنها نزلت في شأن هلال ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك
هلال وصادف مجئ عويمر أيضا فنزلت في شأنهما معا في وقت واحد وقد جنح النووي إلى هذا
وسبقه الخطيب فقال لعلهما اتفق كونهما جاءا في وقت واحد ويؤيد التعدد أن القائل في قصة
هلال سعد بن عبادة كما أخرجه أبو داود والطبري من طريق عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن
عباس مثل رواية هشام بن حسان بزيادة في أوله لما نزلت والذين يرمون أزواجهم الآية قال
سعد بن عبادة لو رأيت لكاعا قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء ما كنت
لآتى بهم حتى يفرغ من حاجته قال فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية الحديث وعند
الطبري من طريق أيوب عن عكرمة مرسلا فيه نحوه وزاد فلم يلبثوا أن جاء ابن عم له فرمى امرأته
الحديث والقائل في قصة عويمر عاصم بن عدي كما في حديث سهل بن سعد في الباب الذي قبله
وأخرج الطبري من طريق الشعبي مرسلا قال لما نزلت والذين يرمون أزواجهم الآية قال
عاصم بن عدي إن أنا رأيت فتكلمت جلدت وإن سكت سكت على غيظ الحديث ولا مانع أن
تتعدد القصص ويتحد النزول وروى البزار من طريق زيد بن تبيع عن حذيفة قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به قال كنت
فاعلا به شرا قال فأنت يا عمر قال كنت أقول لعن الله الابعد قال فنزلت ويحتمل أن النزول سبق
بسبب هلال فلما جاء عويمر ولم يكن علم بما وقع لهلال أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم
ولهذا قال في قصة هلال فنزل جبريل وفي قصة عويمر قد أنزل الله فيك فيؤول قوله قد أنزل الله
341

فيك أي وفيمن كان مثلك وبهذا أجاب ابن الصباغ في الشامل قال نزلت الآية في هلال وأما
قوله لعويمر قد نزل فيك وفي صاحبتك فمعناه ما نزل في قصة هلال ويؤيده أن في حديث أنس
عند أبي يعلى قال أول لعان كان في الاسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية
بامرأته الحديث وجنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين قال وهذه الاحتمالات
وإن بعدت أولى من تغليط الرواة الحفاظ وقد أنكر جماعة ذكر هلال فيمن لاعن
قال القرطبي أنكره أبو عبد الله بن أبي صفرة أخو المهلب وقال هو خطأ والصحيح أنه عويمر
وسبقه إلى نحو ذلك الطبري وقال بن العربي قال الناس هو وهم من هشام بن حسان وعليه دار
حديث ابن عباس وأنس بذلك وقال عياض في المشارق كذا جاء من رواية هشام بن حسان ولم
يقله غيره وإنما القصة لعويمر العجلاني قال ولكن وقع في المدونة في حديث العجلاني ذكر شريك
وقال النووي في مبهماته اختلفوا في الملاعن على ثلاثة أقوال عويمر العجلاني وهلال بن أمية
وعاصم بن عدي ثم نقل عن الواحدي أن أظهر هذه الأقوال أنه عويمر وكلام الجميع متعقب
أما قول بن أبي صفرة فدعوى مجردة وكيف يجزم بخطأ حديث ثابت في الصحيحين مع إمكان
الجمع وما نسبه إلى الطبري لم أره في كلامه وأما قول بن العربي إن ذكر هلال دار على هشام بن
حسان وكذا جزم عياض بأنه لم يقله غيره فمردود لان هشام بن حسان لم ينفرد به فقد وافقه عباد
ابن منصور كما قدمته وكذا جرير بن حازم عن أيوب أخرجه الطبري وابن مردويه موصولا قال
لما قذف هلال بن أمية امرأته وأما قول النووي تبعا للواحدي وجنوحه إلى الترجيح
فمرجوح لان الجمع مع إمكانه أولى من الترجيح ثم قوله وقيل عاصم بن عدي فيه نظر لأنه ليس
لعاصم فيه قصة أنه الذي لاعن امرأته وإنما الذي وقع من عاصم نظير الذي وقع من سعد بن
عبادة ولما روى بن عبد البر في التمهيد طريق جرير بن حازم تعقبه بأن قال قد رواه القاسم بن
محمد عن ابن عباس كما رواه الناس وهو يوهم أن القاسم سمي الملاعن عويمرا والذي في الصحيح
فأتاه رجل من قومه أي من قوم عاصم والنسائي من هذا الوجه لاعن بين العجلاني وامرأته
والعجلاني هو عويمر * (قوله باب قوله والخامسة أن غضب الله عليها إن كان
من الصادقين حدثنا مقدم) هو بوزن محمد وهو ابن محمد بن يحيى بن عطاء بن مقدم الهلالي
المقدمي الواسطي وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في التوحيد وكلاهما في
المتابعات (قوله حدثني عمي القاسم بن يحيى) هو ثقة وهو ابن عم أبي بكر بن علي المقدمي
والد محمد شيخ البخاري أيضا وليس للمقاسم عند البخاري سوى الحديثين المذكورين (قوله
عن عبيد الله وقد سمع منه) هو كلام البخاري وأشار بذلك إلى حديث غير هذا صرح فيه القاسم
ابن يحيى بسماعه من عبد الله بن عمرو أما هذا الحديث فقد رواه الطبراني عن أبي بكر بن صدقة
عن يقدم بن محمد بهذا الاسناد معنعنا (قوله إن رجلا رمى امرأته فانتفى من ولدها) سيأتي
البحث فيه مفصلا في كتاب اللعان إن شاء الله تعالى * (قوله باب قوله إن الذين
جاءوا بالإفك عصبة منكم) كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى قوله عذاب عظيم وهو أولى لأنه
اقتصر في الباب على تفسير الذي تولى كبره فقط (قوله أفاك كذاب) هو تفسير أبي عبيدة
وغيره (قوله حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان) هو الثوري وقد صرح به ابن مردويه من وجه
342

آخر عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه ورواه عبد الرزاق عن معمر مطولا في جملة حديث الإفك وقد
تقدم في غزوة المريسيع من المغازي من رواية معمر أيضا وغيره عن الزهري وفي القصة التي
دارت بينه وبين الوليد بن عبد الملك في ذلك قوله عن عائشة والذي تولى كبره أي قالت عائشة
في تفسير ذلك (قوله قالت عبد الله بن أبي بن سلول) أي هو عبد الله وتقدمت ترجمته
قريبا في سورة براءة وهذا هو المعروف في أن المراد بقوله تعالى والذي تولى كبره منهم له عذاب
عظيم وهو عبد الله بن أبي وبه تظاهرت الروايات عن عائشة من قصة الإفك المطولة كما في الباب
الذي بعد هذا وسيأتي بعد خمسة أبواب بيان من قال خلاف ذلك إن شاء الله تعالى * (قوله
باب لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا إلى قوله الكاذبون)
كذا لأبي ذر وقد وقع عند غيره سياق آيتين غير متواليتين الأولى قوله ولولا إذ سمعتموه قلتم
ما يكون لنا أن نتكلم بهذا إلى قوله عظيم والاخرى قوله لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء عالي قوله
الكاذبون واقتصر النسفي على الآية الأخيرة ثم ساق المصنف حديث الإفك بطوله من طريق
الليث عن يونس بن يزيد عن الزهري عن مشايخه الأربعة وقد ساقه بطوله أيضا في الشهادات من
طريق فليح بن سليمان وفي المغازي من طريق صالح بن كيس كلاهما عن الزهري وأورده في
مواضع أخرى باختصار فأول ما أخرجه في الجهاد ثم في الشهادات ثم في التفسير ثم في الايمان
والنذر ثم في التوحيد من طريق عبد الله النميري عن يونس باختصار في هذه المواضع وأخرجه
في التوحيد وعلقه في الشهادات باختصار أيضا من رواية الليث أيضا وأخرجه في التفسير
والايمان والنذور والاعتصام من طريق صالح بن كيسان باختصار في هذه المواضع
أيضا وأخرج طرفا منه معلقا في المغازي من طريق النعمان بن راشد عن الزهري ومن طريق
معمر عن الزهري طرفا آخر وأخرجه مسلم من رواية عبد الله بن المبارك عن يونس ومن رواية
عبد الرزاق عن معمر كلاهما عن الزهري ساقه على لفظ معمر ثم ساقه من طريق فليح وصالح
باسنادهما قال مثله غير أنه بين الاختلاف في احتملته الحمية أو اجتهلته وفي موغرين كما سيأتي
وذكر في رواية صالح زيادة كما سأنبه عليها وأخرجه النسائي في عشرة النساء من طريق صالح
وأخرجه في التفسير من طريق محمد بن ثور عن معمر لكنه اقتصر على نحو نصف أوله ثم قال
وساق الحديث وأخرج من طريق ابن وهب عن يونس وذكر آخر كلاهما عن الزهري بسنده
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وأسامة يستشيرهما إلى قوله فتأتي الداجن فتأكله
أخرجه في القضاء وأخرج أبو داود من طريق ابن وهب عن يونس طرفا منه في السنة وهو قول
عائشة ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى وذكره الترمذي عن يونس
ومعمر وغيرهما عن الزهري معلقا عقب رواية هشام بن عروة عن أبيه فهذه جميع طرقه في هذه
الكتب وقد جاء عن الزهري من غير رواية هؤلاء فأخرجه أبو عوانة في صحيحه والطبراني من رواية
يحيى بن سعيد الأنصاري وعبيد الله بن عمر العمري وإسحاق بن راشد وعطاء الخراساني وعقيل
وابن جريج وأخرجه أبو عوانة أيضا من رواية محمد بن إسحاق وبكر بن وائل ومعاوية بن يحيى
وحميد الأعرج وعند أبي داود طرف من رواية حميد هذا والطبراني أيضا من رواية زياد بن سعد
وابن أبي عتيق وصالح بن أبي الأخضر وأفلح بن عبد الله بن المغيرة وإسماعيل بن رافع ويعقوب بن
343

عطاء وأخرجه ابن مردويه من رواية ابن عيينة وعبد الرحمن بن إسحاق كلهم وعدتهم ثمانية
عشر نفسا عن الزهري منهم من طوله ومنهم من اختصره وأكثرهم يقدم عروة على سعيد وبعد
سعيد علقمة ويختم بعبيد الله وقدم معمر ويونس من رواية ابن وهب عنه وعقيل وابن إسحاق
في رواية معاوية وزياد وأفلح وإسماعيل ويعقوب سعيد بن المسيب على عروة وقدم بن وهب
علقمة على عبيد الله وقدم بن إسحاق في رواية علقمة وثنى بسعيد وثلث بعروة وآخر عبيد الله
وقدم عطاء الخراساني عبيد الله على عروة في رواية وحذف من أخرى سعيدا وكذا قدم صالح
بن أبي الأخضر عبيد الله لكن ثنى بأبي سلمة بن عبد الرحمن بدل سعيد وثلث بعلقمة وختم بعروة
واقتصر بكر على سعيد (قوله وكل حدثني طائفة من الحديث) أي بعضه هو مقول الزهري
كما في رواية فليح قال الزهري الخ وفي رواية ابن إسحاق قال الزهري كل حدثني بعض هذا الحديث
وقد جمعت لك كل الذي حدثوني ولما ضم ابن إسحاق إلى رواية الزهري عن الأربعة روايته
هو عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة وعن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه كلاهما عن
عائشة قال دخل حديث هؤلاء جميعا يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه وكل كان ثقة فكل
حدث عنها ما سمع قال فذكره قال عياض انتقدوا على الزهري ما صنعه من روايته لهذا الحديث
ملفقا عن هؤلاء الأربعة وقالوا كان ينبغي له أن يفرد حديث كل واحد منهم عن الآخر انتهى
وقد تتبعت طرقه فوجدته من رواية عروة على انفراده ومن رواية علقمة بن وقاص على
انفراده وفي سياق كل منهما مخالفات ونقص وبعض زيادة لما في سياق الزهري عن الأربعة
فأما رواية عروة فأخرجها المصنف في الشهادات من رواية فليح بن سليمان عن هشام بن عروة
عن أبيه عقب رواية فليح عن الزهري قال مثله ولم يسق لفظه وبينهما تفاوت كبير فكأن فليحا
تجوز في قوله مثله وقد علقها المصنف كما سيأتي قريبا لأبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه
بتمامه ووصلها مسلم لأبي أسامة إلا أنه لم يسقه بتمامه ووصله أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة عن
أبي أسامة بتمامه وكذا أخرجه الترمذي والطبري والإسماعيلي من رواية أبي أسامة وأخرجه
أبو عوانة والطبراني من رواية حماد بن سلمة وأبي أويس وأبي عوانة وابن مردويه من رواية
يونس بن بكير والدارقطني في الغرائب من رواية مالك وأبو عوانة من رواية علي بن مسهر وسعيد
ابن أبي هلال ووصلها المصنف باختصار في الاعتصام من رواية يحيى بن أبي زكريا كلهم عن
هشام بن عروة مطولا ومختصرا وأما رواية علقمة بن وقاص فوصلها الطبري والطبراني من
طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عنه وأما رواية سعيد بن المسيب وعبيد الله فلم أجدهما
إلا من رواية الزهري عنهما وقد رواه عن عائشة غير هؤلاء الأربعة فأخرجه المصنف في الشهادات
من رواية عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة ولم يسق لفظها وقد ساقه أبو عوانة في صحيحه والطبراني
من طريق أبي أويس وأبو عوانة والطبري أيضا من طريق محمد بن إسحاق كلاهما عن عبد الله
ابن أبي بكر بن حزم عنها وأخرجه أبو عوانة أيضا من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة
والمصنف من رواية القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة إلا أنه لم يسق لفظه أخرجه في الشهادات
وكذا رواية عمرة عقب رواية فليح عن الزهري وأخرجه أبو عوانة والطبراني من طريق الأسود
ابن يزيد وعباد بن عبد الله بن الزبير ومقسم مولى ابن عباس ثلاثتهم عن عائشة وقد روى هذا
344

الحديث من الصحابة غير عائشة جماعة منهم عبد الله بن الزبير وحديثه أيضا عقب ب رواية فليح
عند المصنف في الشهادات ولم يسق لفظه وأم رومان قد تقدم حديثها في قصة يوسف وفي
المغازي ويأتي باختصار قريبا وابن عباس وابن عمر وحديثهما عند الطبراني وابن مردويه وأبو
هريرة وحديثه عند البزار وأبو اليسر وحديثه باختصار عند ابن مردويه فجميع من رواه من
الصحابة غير عائشة ستة ومن التابعين عن عائشة عشرة وأورده ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن
جبير مرسلا بإسناد واه وأورده الحاكم في الإكليل من رواية مقاتل بن حيان وهو بالمهملة
والتحتانية مرسلا أيضا وسأذكر في أثناء شرح هذا الحديث ما في رواية هؤلاء من فائدة زائدة
إن شاء الله تعالى (قوله وبعض حديثهم يصدق بعضا) كأنه مقلوب والمقام يقتضى أن يقول
وحديث بعضهم يصدق بعضا ويحتمل أن يكون على ظاهره والمراد أن بعض حديث كل منهم يدل
على صدق الراوي في بقية حديثه لحسن سياقه وجودة حفظه (قوله وإن كان بعضهم أوعى له
من بعض) هو إشارة إلى أن بعض هؤلاء الأربعة أميز في سياق الحديث من بعض من جهة حفظ
أكثره لا أن بعضهم أضبط من بعض مطلقا ولهذا قال أوعى له أي للحديث المذكور خاصة زاد
في رواية فليح وأثبت اقتصاصا أي سياقا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني
عن عائشة أي القدر الذي حدثني به ليطابق قوله وكل حدثني طائفة من الحديث وحاصله أن
جميع الحديث عن مجموعهم لا أن مجموعه عن كل واحد منهم ووقع في رواية أفلح وبعض القوم
أحسن سياقا وأما قوله في رواية الباب الذي حدثني عروة عن عائشة فهكذا في رواية الليث عن
يونس وأما رواية ابن المبارك وابن وهب وعبد الله النميري فلم يقل واحد منهم عن يونس الذي
حدثني عروة وإنما قالوا عن عائشة فاقتضت رواية الليث أن سياق الحديث عن عروة ويحتمل أن
يكون المراد أول شئ منه ويؤيده أنه تقدم في الهبة وفي الشهادات من طريق يونس عن الزهري
عن عروة وحده عن عائشة أول هذا الحديث وهو القرعة عند إرادة السفر وكذلك أفردها
أبو داود والنسائي من طريق يونس وكذا يحيى بن يمان عن معمر عن الزهري عن عروة عند ابن
ماجة والاحتمال الأول أولى لما ثبت أن الرواة اختلفوا في تقديم بعض شيوخ الزهري على
بعض فلو كان الاحتمال الثاني متعينا لامتنع تقديم غير عروة على عروة ولا شعر أيضا أن الباقين
لم يرووا عن عائشة قصة القرعة وليس كذلك فقد أخرج النسائي قصة القرعة خاصة من طريق
محمد بن علي بن شافع عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله وحده عن عائشة وستأتي القصة من
رواية هشام بن عروة وحده وفي سياقه مخالفة كثيرة للسياق الذي هنا للزهري عن عروة وهو
مما يتأيد به الاحتمال الأول والله أعلم (قوله عروة عن عائشة رضي الله عنها زوج
النبي صلى الله عليه وسلم قالت) ليس المراد أن عائشة تروي عن نفسها بل معنى قوله عن عائشة
أي عن حديث عائشة في قصة الإفك ثم شرع يحدث عن عائشة فقال أن عائشة قالت ووقع
في رواية فليح زعموا أن عائشة قالت والزعم قد يقع موضع القول وأن لم يكن فيه تردد لكن
لعل السر فيه أن جميع مشايخ الزهري لم يصرحوا له بذلك كذا أشار إليه الكرماني (قوله
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج) زاد معمر سفرا أي إلى سفر فهو منصوب
بنزع الخافض أو ضمن يخرج معنى ينشئ فيكون سفرا نصبا على المفعولية وفي رواية فليح
345

وصالح بن كيسان كان إذا أراد سفرا (قوله أقرع بين أزواجه) فيه مشروعية القرعة
والرد على من منع منها وقد تقدم التعريف بها وحكمها في أواخر كتاب الشهادات في
باب القرعة في المشكلات (قوله فأيتهن) وقع في رواية الأصيلي من طريق فليح فأيهن بغير
مثناة والأولى أولى (قوله في غزوة غزاها) هي غزوة بني المصطلق وصرح بذلك محمد بن إسحاق
في روايته وكذا أفلح بن عبد الله عند الطبراني وعنده في رواية أبي أويس فخرج سهم عائشة في
غزوة بني المصطلق من خزاعة وعند البزار من حديث أبي هريرة فأصابت عائشة القرعة في غزوة
بني المصطلق وفي رواية بكر بن وائل عند أبي عوانة ما يشعر بأن تسمية الغزوة في حديث عائشة
مدرج في الخبر (قوله فخرج سهمي) هذا يشعر بأنها كانت في تلك الغزوة وحدها لكن عند
الواقدي من طريق عباد بن عبد الله عنها أنها خرجت معه في تلك الغزوة أيضا أم سلمة وكذا في
حديث ابن عمر وهو ضعيف ولم يقع لام سلمة في تلك الغزوة ذكر ورواية ابن إسحاق من رواية عباد
ظاهره في تفرد عائشة بذلك ولفظه فخرج سهمي عليهن فخرج بي معه (قوله بعد ما نزل الحجاب)
أي بعد ما نزل الامر بالحجاب والمراد حجاب النساء عن رؤية الرجال لهن وكن قبل ذلك لا يمنعن
وهذا قالته كالتوطئة للسبب في كونها كانت مستترة في الهودج حتى أفضى ذلك إلى تحميله وهي
ليست فيه وهم يظنون أنها فيه بخلاف ما كان قبل الحجاب فلعل النساء حينئذ كن يركبن ظهور
الرواحل بغير هوادج أو يركبن الهوادج غير مستترات فما كان يقع لها الذي يقع بل كان يعرف
الذي كان يخدم بعيرها إن كانت ركبت أم لا (قوله فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه) في رواية ابن
إسحاق فكنت إذا رحلوا بعيري جلست في هودجي ثم يأخذون بأسفل الهودج فيضعونه على
ظهر البعير والهودج بفتح الهاء والدال بينهما واو ساكنة وآخره جيم محمل له قبة تستر بالثياب
ونحوه يوضع عن ظهر البعير يركب عليه النساء ليكون أستر لهن ووقع في رواية أبي أويس بلفظ
المحفة (قوله فسرنا حتى إذا فرغ) كذا اقتصرت القصة لان مراد سياق قصة الإفك خاصة
وإنما ذكرت ما ذكرت ذلك كالتوطئة لما أرادت اقتصاصه ويحتمل أن تكون ذكرت جميع ذلك
فاختصره الراوي للغرض المذكور ويؤيده أنه قد جاء عنها في قصة غزوة بني المصطلق أحاديث
غير هذا ويؤيد الأول أن في رواية الواقدي عن عباد قلت لعائشة يا أمتاه حدثينا عن قصة
الإفك قال نعم وعنده فخرجنا فغنمه الله أموالهم وأنفسهم ورجعنا (قوله وقغل) بقاف
وفاء أي رجع من غزوته (قوله ودنونا من المدينة قافلين) أي راجعين أي أن قصتها وقعت
حال رجوعهم من الغزوة قرب دخولهم المدينة (قوله آذن) بالمد والتخفيف وبغير مد والتشديد
كلاهما بمعنى أعلم بالرحيل وفي رواية ابن إسحاق فنزل منزلا فبات ببعض الليل ثم آذن
بالرحيل (قوله بالرحيل) في رواية بعضهم الرحيل بغير موحدة وبالنصب وكأنه حكاية
قولهم الرحيل بالنصب على الاغراء (قوله فمشيت حتى جاوزت الجيش) أي لتقضي حاجتها
منفردة (قوله فلما قضيت شأني) الذي توجهت بسببه ووقع في حديث ابن عمر خلاف ما في
الصحيح وأن سبب توجهها لقضاء حاجتها أن رحل أم سلمة مال فأناخوا بعيرها ليصلحوا رحلها
قالت عائشة فقلت إلى أن يصلحوا رحلها قضيت حاجتي فتوجهت ولم يعلموا بن فقضيت حاجتي
فانقطعت قلادتي فأقمت في جمعها ونظامها وبعث القوم إبلهم ومضوا ولم يعلموا بنزولي وهذا
346

شاذ منكر (قوله عقد) بكسر العين قلادة تعلق في العنق للتزين بها (قوله من جزع) بفتح الجيم
وسكون الزاي بعدها مهملة خرز معروف في سوادة بياض كالعروق قال ابن القطاع هو واحد
لا جمع له وقال ابن سيده هو جمع واحدة جزعة وهو بالفتح فأما الجزع بالكسر فهو جانب
الوادي ونقل كراع أن جانب الوادي بالكسر فقط وأن الآخر يقال بالفتح وبالكسر وأغرب
ابن التين فحكى فيه الضم قال التيفاشي يوجد في معادن العقيق ومنه ما يؤتى به من الصين قال
وليس في الحجارة أصلب جسما منه ويزداد حسنة إذا طبخ بالزيت لكنهم لا يتيمنون بلبسه ويقولون
من تقلده كثرت همومه ورأى منامات رديئة وإذا علق على طفل سأل لعابه ومن منافعه إذا أمر
على شعر المطلقة سهلت ولادتها (قوله جزع أظفار) كذا في هذه الرواية أظفار بزيادة ألف
وكذا في رواية فليح لكن في رواية الكشميهني من طريقه ظفار وكذا في رواية معمر وصالح وقال
ابن بطال الرواية أظفار بألف وأهل اللغة لا يعرفونه بألف ويقولون ظفار قال ابن قتيبة جزع
ظفاري وقال القرطبي وقع في بعض روايات مسلم أظفار وهي خطأ قلت لكنها في أكثر روايات
أصحاب الزهري حتى إن في رواية صالح بن أبي الأخضر عند الطبراني جزع الأظافير فأما ظفإر
بفتح الظاء المعجمة ثم فاء بعدها راء مبنية على الكسر فهي مدينة باليمن وقيل جبل وقيل سميت به
المدينة وهي في أقصى اليمن إلى جهة الهند وفي المثل من دخل ظفار حمر أي تكلم بالحميرية لان
أهلها كانوا من حمير وأن ثبتت الرواية أن جزع أظفار فلعل عقدها كان من الظفر أحد أنواع
القسط وهو طيب الرائحة يتبخر به فلعله عمل مثل الخرز فأطلقت عليه جزعا تشبيها به ونظمته
قلادة إما لحسن لونه أو لطيب ريحه وقد حكى ابن التين أن قيمته كانت أثنى عشر درهما وهذا يؤيد
أنه ليس جزعا ظفاريا إذ لو كان كذلك لكانت قيمته أكثر من ذلك ووقع في رواية الواقدي فكان
في عنقي عقد من جزع ظفار كانت أمي أدخلتني به على رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله فلما
قضيت شأني) أي فرغت من قضاء حاجتي (أقبلت إلى رحلي) أي رجعت إلى المكان الذي كانت
نازلة فيه (قوله فإذا عقد لي) في رواية فليح فلمست صدري فإذا عقدي (قوله قد انقطع) في
رواية ابن إسحاق قد انسل من عنقي وأنا لا أدري (قوله فالتمست عقدي) في رواية فليح
فرجعت فالتمست وحبسني ابتغاؤه أي طلبه وفي رواية ابن إسحاق فرجعت عودي على بدئي إلى
المكان الذي ذهبت إليه وفي رواية الواقدي وكنت أظن أن القوم لو لبثوا شهرا لم يبعثوا بعيري
حتى أكون في هودجي (قوله وأقبل الرهط) هو عدد من ثلاثة إلى عشرة وقيل غير ذلك كما
تقدم في أول الكتاب في حديث أبي سفيان الطويل ولم أعرف منهم هنا أحدا إلا أن في رواية
الواقدي أن أحدهم أبو موهوبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبو مويهبة الذي روى
عنه عبد الله بن عمرو بن العاص حديثا في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته أخرجه
أحمد وغيره قال البلاذري شهد أبو مويهبة غزوة المريسيع وكان يخدم بعير عائشة وكان من
مولدي بني مزينة وكأنه في الأصل أبو موهوبة ويصغر فيقال أبو مويهبة (قوله يرحلون) بفتح
أوله والتخفيف رحلت البعير إذا شددت عليه الرحل ووقع في رواية أبي ذر هنا بالتشديد في هذا
وفي فرحلوه (قوله لي) في رواية معمر بي وحكى النووي عن أكثر نسخ صحيح مسلم يرحلون لي
قال وهو أجود وقال غيره بالباء أجود لان المراد وضعها وهي في الهودج فشبهت الهودج الذي
347

هي فيه بالرحل الذي يوضع على البعير (قوله فرحلوه) في وضعوه وفيه تجوز وإنما الرحل هو
الذي يوضع على ظهر البعير ثم يوضع الهودج فوقه (قوله وكان النساء إذ ذاك خفافا) قالت هذا
كالتفسير لقولها وهم يحسبون إني فيه (قوله لم يثقلهن اللحم) في رواية فليح لم يثقلهن ولم
يغشهن اللحم قال بن أبي جمرة ليس هذا تكرارا لان كل سمين ثقيل من غير عكس لان الهزيل
قد يمتلئ بطنه طعاما فيقل بدنه فأشارت إلى أن المعنيين لم يكونا في نساء ذلك الزمان وقال الخطابي
معنى قولها لم يغشهن أي لم يكثر عليهن فيركب بعضه بعضا وفي رواية معمر لم يهبلهن وضبطه بن
الخشاب فيما حكاه بن الجوزي بفتح أوله وسكون الهاء وكسر الموحدة ومثله القرطبي لكن قال
وضم الموحدة قال لان ماضيه بفتحتين مخففا وقال النووي المشهور في ضبطه بضم أوله وفتح
الهاء وتشديد الموحدة وبفتح أوله وثالثه أيضا وبضم أوله وكثالثه من الرباعي يقال هبله
اللحم وأهبله إذا أثقله وأصبح فلان مهبلا أي كثير اللحم أو رام الوجه (قلت) وفي
رواية ابن جريج لم يهبلهن اللحم وحكى القرطبي أنها في رواية لابن الحذاء في مسلم أيضا وأشار
إليها ابن الجوزي وقال المهبل الكثير اللحم الثقيل الحركة من السمن وفلان مهبل أي مهيج كأن
به ورما (قوله إنما يأكلن) كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني هنا إنما نأكل بالنون أوله وباللام فقط
(قوله العلقة) بضم العين المهملة وسكون اللام ثم قاف أي القليل قال القرطبي كأن المراد الشئ
القليل الذي يسكن الرمق كذا قال وقد قال الخليل العلقة ما فيه بلغة من الطعام إلى وقت الغداء
حكاه ابن بطال قال وأصلها شجر يبقى في الشتاء تتبلغ به الإبل حتى يدخل زمن الربيع (قوله فلم
يستنكر القوم خفة الهودج) وقع في رواية فليح ومعمر ثقل الهودج والأول أوضح لان
مرادها إقامة عذرهم في تحميل هودجها وهي ليست فيه فكأنها تقول كأنها لخفة جسمها
بحيث أن الذين يحملون هودجها لا فرق عندهم بين وجودها فيه وعدمها ولهذا أردفت ذلك
بقولها وكنت جارية حديثه السن أي أنها من نحافتها صغيرة السن فذلك أبلغ في خفتها وقد
وجهت الرواية الأخرى بأن المراد لم يستنكروا الثقل الذي اعتادوه لان ثقله في الأصل إنما هو
ركب الهودج منه من خشب وحبال وستور وغير ذلك وأما هي فلشدة نحافتها كان لا يظهر
بوجودها فيه زيادة ثقل والحاصل أن الثقل والخفة من الأمور الإضافية فيتفاوتان بالنسبة
ويستفاد من ذلك أيضا أن الذين كانوا يرحلون بعيرها كانوا في غاية الأدب معها والمبالغة في ترك
التنقيب عما في الهودج بحيث أنها لم تكن فيه وهم يظنون أنها فيه وكأنهم جوزوا أنها نائمة
(قوله وكنت جارية حديثه السن) هو كما قالت لأنها أدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم بعد
الهجرة في شوال ولها تسع سنين وأكثر ما قبل في المريسيع كما سيأتي أنها عند ابن إسحاق كانت
في شعبان سنة ست فتكون لم تكمل خمس عشرة فإن كانت المريسيع قبل ذلك فتكون أصغر
من ذلك وقد أشرت إلى فائدة ذكرها ذلك قبل ويحتمل أن تكون أشارت بذلك إلى بيان عذرها
فيما فعلته من الحرص على العقد الذي انقطع ومن استقلالها بالتفتيش عليه في تلك الحال
وترك إعلام أهلها بذلك وذلك لصغر سنها وعدم تجاربها للأمور بخلاف ما لو كانت ليست صغيرة
لكانت تتفطن لعاقبة ذلك وقد وقع لها بعد ذلك في ضياع العقد أيضا أنها أعلمت النبي صلى الله
عليه وسلم بأمره فأقام بالناس على غير ماء حتى وجدته ونزلت آية التيمم بسبب ذلك فظهر تفاوت
348

حال من جرب الشئ ومن لم يجربه وقد تقدم إيضاحه في كتاب التيمم (قوله فبعثوا الجمل) أي
أثاروه (قوله بعد ما استمر الجيش) أي ذهب ماضيا وهو استفعل من مر (قوله فجئت منازلهم
وليس بها داع ولا مجيب) في رواية فليح وليس فيها أحد فإن قيل لم لم تستصحب عائشة معها غيرها
فكان ادعى لأمنها مما يقع للمنفرد ولكانت لما تأخرت للبحث عن العقد ترسل من رافقها
لينتظروها إن أرادوا الرحيل والجواب أن هذا من جملة ما يستفاد من قوله حديثه السن لأنها
لم يقع لها تجربة مثل ذلك وقد صارت بعد ذلك إذا خرجت لحاجتها تستصحب كما سيأتي في قصتها
مع أم مسطح وقوله فأممت منزلي بالتخفيف أي قصدت وفي رواية أبي ذر هنا بتشديد الميم الأولى
قال الداودي ومنه قوله تعالى ولا آمين البيت الحرام قال ابن التين هذا على أنه بالتخفيف انتهى
وفي رواية صالح بن كيسان فتيممت (قوله وظننت أنهم سيفقدونني) في رواية فليح سيفقدوني
بنون واحدة فأما أن تكون حذفت تخفيفا أهي مثقلة (قوله فيرجعون إلى) وقع في رواية
معمر فيرجعوا بغير نون وكأنه على لغة من يحذفها مطلقا قال عياض الظن هنا بمعنى العلم وتعقب
باحتمال أن يكون على بابه فإنهم أقاموا إلى وقت الظهر ولم يرجع أحد منهم إلى المنزل الذي
كانت به ولا نقل أن أحدا لاقاها في الطريق لكن يحتمل أن يكونوا استمروا في السير إلى قرب
الظهر فلما نزلوا إلى أن يشتغلوا بحط رحالهم وربط رواحلهم واستصحبوا حالهم في ظنهم أنها في
هودجها لم يفتقدوها إلى أن وصلت على قرب ولو فقدوها لرجعوا كما ظنته وقد وقع في رواية
ابن إسحاق وعرفت أن لو افتقدوني لرجعوا إلى وهذا ظاهر في أنها لم تتبعهم ووقع في حديث
عمر خلاف ذلك فإن فيه فجئت فاتبعتهم حتى أعييت فقمت على بعض الطريق فمر بن صفوان ابن
وهذا السياق ليس بصحيح لمخالفته لما في الصحيح وأنها أقامت في منزلها إلى أن أصبحت وكأنه
تعارض عندها أن تتبعهم فلا تأمن أن يختلف عليها الطرق فتهلك قبل أن تدركهم ولا سيما وقد
كانت في الليل أو تقيم في منزلها لعلهم إذا فقدوها عادوا إلى مكانها الذي فارقوها فيه وهكذا
ينبغي لمن فقد شيئا أن يرجع بفكره القهقرى إلى الحد الذي يتحقق وجوده ثم يأخذ من هناك في
التنقيب عليه وأرادت بمن يفقدها من هو منها بسبب كزوجها أو أبيها والغالب الأول لأنه كان
من شأنه صلى الله عليه وسلم أن يساير بعيرها ويتحدث معها فكأن ذلك لم يتفق في تلك الليلة ولما لم
يتفق ما توقعته من رجوعهم إليها ساق الله إليها من حملها بغير حول منها ولا قوة (قوله فبينا أنا
جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت) يحتمل أن يكون سبب النوم شدة الغم الذي حصل لها في تلك
الحالة ومن شأن الغم وهو وقوع ما يكره غلبة النوم بخلاف الهم وهو توقع ما يكره فأنه يقتضي
السهو أو لما وقع من برد السحر لها مع رطوبة بدنها وصغر سنها وعند بن إسحاق فتلففت بجلبابي
ثم اضطجعت في مكاني أو أن الله سبحانه وتعالى لطف بها فألقى عليها النوم لتستريح من وحشة
الانفراد في البرية بالليل (قوله وكان صفوان بن المعطل) بفتح الطاء المهملة المشددة (السلمي) بضم
المهملة (ثم الذكواني) منسوب إلى ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بضم الموحدة وسكون الهاء بعدها
مثلثة ابن سليم وذكوان بطن من بني سليم وكان صحابيا فاضلا أول مشاهده عند الواقدي
الخندق وعند ابن الكلبي المريسيع وسيأتي في أثناء شرح هذا الحديث ما يدل على تقدم إسلامه
ويأتي أيضا بعد خمسة أبواب قول عائشة أنه قتل شهيدا في سبيل الله ومرادها أنه قتل بعد ذلك
349

لأنه في تلك الأيام وقد ذكر ابن إسحاق أنه استشهد في غزاة أرمينية في خلافة عمر سنة تسع عشرة
وقيل بل عاش إلى سنة أربع وخمسين فاستشهد بأرض الروم في خلافة معاوية (قوله من وراء
الجيش) في رواية معمر قد عرس من وراء الجيش وعرس بمهملات مشددا أي نزل قال أبو زيد
التعريس النزول في السفر في أي وقت كان وقال غيره أصله النزول من آخر الليل في السفر للراحة
ووقع في حديث ابن عمر بيان سبب تأخر صفوان ولفظه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعله على
الساقة فكان إذا رحل الناس قام يصلي ثم اتبعهم فمن سقط له شئ أتاه به وفي حديث أبي هريرة
وكان صفوان يتخلف عن الناس فيصيب القدح والجراب والإداوة وفي مرسل مقاتل بن حيان
فيحمله فيقدم به فيعرفه في أصحابه وكذا في مرسل سعيد بن جبير نحوه (قوله فأدلج فأصبح
عند منزلي) أدلج بسكون الدال في روايتنا وهو كاد لج بتشديدها وقيل بالسكون سار من أوله
وبالتشديد سار من آخره وعلى هذا فيكون الذي هنا بالتشديد لأنه كان في آخر الليل وكأنه تأخر في
مكانه حتى قرب الصبح فركب ليظهر له ما يسقط من الجيش مما يخفيه الليل ويحتمل أن يكون
سبب تأخيره ما جرت به عادته من غلبة النوم عليه ففي سنن أبي داود والبزار وابن سعد وصحيح ابن
حبان والحاكم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد إن امرأة صفوان بن المعطل جاءت
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن زوجي يضربني إذا صليت ويفطرني إذا
صمت ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس قال وصفوان عنده فسأله فقال أما قولها يضربني
إذا صليت فإنها تقرأ سورتي وقد نهيتها عنها وأما قولها يفطرني إذا صمت فأنا رجل شاب لا أصبر
وأما قولها إني لا أصلي حتى تطلع الشمس فانا أهل بيت قد عرف لنا ذلك فلا نستيقظ حتى تطلع
الشمس الحديث قال البزار هذا الحديث كلامه منكر ولعل الأعمش أخذه من غير ثقة فدلسه
فصار ظاهر سنده الصحة وليس للحديث عندي أصل انتهى وما أعله به ليس بقادح لان بن سعد
صرح في روايته بالتحديث بين الأعمش وأبي صالح وأما رجاله فرجال الصحيح ولما أخرجه أبو
داود قال بعده رواه حماد بن سلمة عن حميد عن ثابت عن أبي المتوكل عن النبي صلى الله عليه وسلم
وهذه متابعة جيدة تؤذن بأن للحديث أصلا وغفل من جعل هذه الطريقة الثانية علة للطريق
الأولى وأما استنكار البزار ما وقع في متنه فمراده أنه مخالف للحديث الآتي قريبا من رواية أبي
أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قصة الإفك قالت فبلغ الامر ذلك الرجل فقال
سبحان الله والله ما كشفت كنف أنثى قط أي ما جامعتها والكنف بفتحتين الثوب الساتر ومنه
قولهم أنت في كنف الله أي في ستره والجمع بينه وبين حديث أبي سعيد على ما ذكر القرطبي أن
مراده بقوله ما كشفت كنف أنثى قط أي بزنا (قلت) وفيه نظر لان في رواية سعيد بن أبي هلال
عن هشام بن عروة في قصة الإفك أن الرجل الذي قيل فيه ما قيل لما بلغه الحديث قال والله
ما أصبت امرأة قط حلالا ولا حراما وفي حديث ابن عباس عند الطبراني وكان لا يقرب النساء
فالذي يظهر أن مراده بالنفي المذكور ما قبل هذه القصة ولا مانع أن يتزوج بعد ذلك فهذا الجمع
لا اعتراض عليه إلا بما جاء عن ابن إسحاق أنه كان حصورا لكنه لم يثبت فلا يعارض الحديث
الصحيح ونقل القرطبي أنه هو الذي جاءت امرأته تشكوه ومعها ابنان لها منه فقال النبي صلى
الله عليه وسلم لهما أشبه به من الغراب بالغراب ولم أقف على مستند القرطبي في ذلك وسيأتي هذا
350

الحديث في كتاب النكاح وأبين هناك أن المقول فيه ذلك غير صفوان وهو المعتمد إن شاء الله تعالى
(قوله فرأى سواد إنسان نائم) السواد بلفظ ضد البياض يطلق على الشخص أي
شخص كان فكأنها قالت رأى شخص آدمي لكن لا يظهر أهو رجل أو امرأة (قوله فعرفني
حين رآني) هذا يشعر بأن وجهها انكشف لما نامت لأنه تقدم أنها تلففت بجلبابها ونامت
فلما انتبهت باسترجاع صفوان بادرت إلى تغطية وجهها (قوله وكان يراني قبل الحجاب) أي
قبل نزول آية الحجاب وهذا يدل على قدم إسلام صفوان فإن الحجاب كان في قول أبي عبيدة وطائفة
في ذي القعدة سنة ثلاث وعند آخرين فيها سنة أربع وصححه الدمياطي وقيل بل كان فيها سنة
خمس وهذا مما تناقض فيه الواقدي فإنه ذكر أن المريسيع كان في شعبان سنة خمس وأن
الخندق كانت في شوال منها وأن الحجاب كان في ذي القعدة منها مع روايته حديث عائشة هذا
وتصريحها فيه بأن قصة الإفك التي وقعت في المريسيع كانت بعد الحجاب وسلم من هذا ابن
إسحاق قال المريسيع عنده في شعبان لكن سنة ست وسلم الواقدي من التناقض في قصة سعد
ابن معاذ الآتي ذكرها نعم وسلم منها ابن إسحاق فإنه لم يذكر سعد بن معاذ في القصة أصلا كما سأبينه
ومما يؤيد صحة ما وقع في هذا الحديث أن الحجاب كان قبل قصة الإفك قول عائشة أيضا في هذا
الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عنها وفيه وهي التي كانت تساميني
من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه وطفقت أختها حمنة تحارب لها فكل ذلك دال على أن
زينب كانت حينئذ زوجته ولا خلاف أن آية الحجاب نزلت حين دخوله صلى الله عليه وسلم بها
فثبت أن الحجاب كان قبل قصة الإفك وقد كنت أمليت في أوائل كتاب الوضوء أن قصة الإفك
وقعت قبل نزول الحجاب وهو سهو والصواب بعد نزول الحجاب فليصلح هناك (قوله فاستيقظت
باسترجاعه حين عرفني) أي بقوله إنا لله وإنا إليه راجعون وصرح بها ابن إسحاق في روايته
وكأنه شق عليه ما جرى لعائشة أو خشي أن يقع ما وقع أو أنه اكتفى بالاسترجاع رافعا به صوته عن
مخاطبتها بكلام آخر صيانة لها عن المخاطبة في الجملة وقد كان عمر يستعمل التكبير عند إرادة
الايقاظ وفيه دلالة على فطنة صفوان وحسن أدبه (قوله فخمرت) أي غطيت (وجهي بجلبابي)
أي الثوب الذي كان عليها وقد تقدم شرحه في الطهارة (قوله والله ما كلمني كلمة) عبرت بهذه
الصيغة إشارة إلى أنه استمر منه ترك المخاطبة لئلا يفهم لو عبرت بصيغة الماضي اختصاص
النفي بحال الاستيقاظ فعبرت بصيغة المضارعة (قوله ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ
راحلته) في رواية الكشميهني حين أناخ راحلته ووقع في رواية فليح حتى للأصيلي وحين للباقين
وكذا عند مسلم عن معمر وعلى التقديرين فليس فيه نفى أنه كلمها بغير الاسترجاع لأن النفي على
رواية حين مقيد بحال إناخة الراحلة فلا يمنع ما قبل الإناخة ولا ما بعدها وعلى رواية حتى معناها
بجميع حالاته إلى أن أناخ ولا يمنع ما بعد الإناخة وقد فهم كثير من الشراح أنها أرادت بهذه
العبارة نفي المكالمة البتة فقالوا استعمل معها الصمت اكتفاء بقرائن الحال مبالغة منه في الأدب
وإعظاما لها وإجلالا انتهى وقد وقع في رواية ابن إسحاق أنه قال لها ما خلفك وأنه قال لها اركبي
واستأخر وفي رواية أبي أويس فاسترجع وأعظم مكاني أي حين رآني وحدي وقد كان يعرفني
قبل أن يضرب علينا الحجاب فسألني عن أمري فسترت وجهي عنه بجلبابي وأخبرته بأمري
351

فقرب بعيره فوطئ على ذراعه فولاني قفاه فركبت وفي حديث ابن عمر فلما رآني ظن أني رجل
فقال يا نومان قم فقد سار الناس وفي مرسل سعيد بن جبير فاسترجع ونزل عن بعيره وقال ما شأنك
يا أم المؤمنين فحدثته بأمر القلادة (قوله فوطئ على يدها) أي ليكون أسهل لركوبها ولا يحتاج
إلى مسها عند ركوبها وفي حديث أبي هريرة فغطى وجهه عنها ثم أدنى بعيره منها (قوله فانطلق
يقود بن الراحلة حتى أتينا الجيش) هكذا وقع في جميع الروايات إلا في مرسل مقاتل بن حيان
فإن فيه أنه ركب معها مردفا لها والذي فالصحيح هو الصحيح (قوله بعد ما نزلوا موغرين) بضم
الميم وكسر الغين المعجمة والراء المهملة أي نازلين في وقت الوغرة بفتح الواو وسكون الغين وهي
شدة الحر لما تكون الشمس في كبد السماء ومنه أخذ وغر الصدر وهو توقده من الغيظ بالحقد
وأوغر فلا إذا دخل في ذلك الوقت كأصبح وأمسى وقد وقع عند مسلم عن عبد بن حميد قال
قلت لعبد الرزاق ما قوله موغرين قال الوغرة شدة الحر ووقع في مسلم من طريق يعقوب
إبراهيم عن أبيه عن صالح بن كيسان موعزين بعين مهملة وزاي قال القرطبي كأنه من وعزت
إلى فلان بكذا أي تقدمت والأول أولى قال وصحفه بعضهم بمهملتين وهو غلط (قلت) وروى
مغورين بتقديم الغين المعجمة وتشديد الواو والتغوير النزول وقت القائلة ووقع في رواية فليح
معرسين بفتح العين المهملة وتشديد الراء ثم سين مهملة والتعريس نزول المسافر في آخر الليل
وقد استعمل في النزول مطلقا كما تقدم وهو المراد هنا (قوله في نحر الظهيرة) تأكيد لقوله
موغرين فإن نحر الظهيرة أولها وهو وقت شدة الحر ونحر كل شئ أوله كأن الشمس لما بلغت
غايتها في الارتفاع كأنها وصلت إلى النحر الذي هو أعلى الصدر ووقع في رواية ابن إسحاق فوالله
ما أدركنا الناس وإلا افتقدت حتى نزلوا واطمأنوا طلع الرجل يقودني (قوله فهلك من هلك) زاد
صالح في روايته في شأني وفي رواية أبي أويس فهنالك قال في وفيه أهل الإفك ما قالوا فأبهمت
القائل وما قال وأشارت بذلك إلى الذين تكلموا بالإفك وخاضوا في ذلك وأما أسماؤهم فالمشهور
في الروايات الصحيحة عبد الله بن أبي ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش وقد وقع
في المغازي من طريق صالح بن كيسان عن الزهري قال قال عروة لم يسم من أهل الإفك أيضا غير
عبد الله بن أبي إلا حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش في ناس آخرين لا علم لي بهم
غير أنهم عصبة كما قال الله تعالى انتهى والعصبة من ثلاثة إلى عشرة وقد تطلق على الجماعة من
غير حصر في عدد وزاد أبو الربيع بن سالم فيهم تبعا لأبي الخطاب بن دحية عبد الله وأبا أحمد ابنا
جحش وزاد فيهم الزمخشري زيد بن رفاعة ولم أره لغيره وعند ابن مردويه من طريق ابن سيرين حلف
أبو بكر أن لا ينفق على يتيمين كانا عنده خاضا في أمر عائشة أحدهما مسطح انتهى ولم أقف على
تسمية رفيق مسطح وأما القول فوقع في حديث بن عمر فقال عبد الله بن أبي فجربها ورب الكعبة
وأعانه على ذلك جماعة وشاع ذلك في العسكر وفي مرسل سعيد بن جبير وقذفها عبد الله بن أبي
فقال ما برئت عائشة من صفوان ولا برئ منها وخاض بعضهم وبعضهم أعجبه (قوله وكان الذي
تولى كبره) (2) أي تصدى لذلك وتقلده وكبره أي كبر الإفك وكبر الشئ معظمه وهو قراءة الجمهور
بكسر الكاف وقرأ حميد الأعرج بضمها قال الفراء وهي قراءة جيدة في العربية وقيل المعنى
الذي تولى أثمة (قوله عبد الله بن أبي) تقدمت ترجمته في تفسير سورة براءة وقد بينت قوله في ذلك
352

من قبل وقد اقتصر بعضهم من قصة الإفك على هذه القصة كمتقدم في الباب الذي قبل هذا
وسيأتي بعد أربعة أبواب نقل الخلاف في المراد بالذي تولى كبره في الآية ووقع في المغازي من
طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة قال أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقره
بضم أوله وكسر القاف ويستمعه ويستوشيه بمهملة ثم معجمة أي يستخرجه بالبحث عنه
والتفتيش ومنهم من ضبطه يقره بفتح أوله وضم القاف وفي رواية ابن إسحاق وكان الذي تولى كبر
ذلك عبد الله بن أبي في رجال من الخزرج (قوله فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا
والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر بشئ من ذلك) وفي رواية ابن إسحاق وقد انتهى
الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبوي ولا يذكرون لي شيئا من ذلك وفيها أنها
مرضت بضعا وعشرين ليلة وهذا فيه رد على ما وقع في مرسل مقاتل بن حيان أن النبي صلى الله
عليه وسلم لما بلغه قول أهل الإفك وكان شديد الغيرة قال لا تدخل عائشة رحلي فخرجت تبكي
حتى أتت أباها فقال أنا أحق أن أخرجك فانطلقت تجول لا يؤويها أحد حتى أنزل الله عذرها
وإنما ذكرته مع ظهور نكارته لا يراد الحاكم له في الإكليل وتبعه بعض من تأخر غير متأمل لما فيه
من النكارة والمخالفة للحديث الصحيح من عدة أوجه فهو باطل ووقع في حديث ابن عمر فشاع ذلك
في العسكر فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا المدينة أشاع عبد الله بن أبي ذلك في الناس
فاشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله والناس يفيضون بضم أوله أي يخوضون من
أفاض في قول إذا أكثر منه (قوله وهو يريني في وجعي) بفتح أوله من الريب ويجوز الضم من
الرباعي يقال رأبه وأرابه وقد تقدم تقريبا (قوله اللطف) بضم أوله وسكون ثانيه وبفتحهما
لغتان والمراد الرفق ووقع في رواية ابن إسحاق أنكرت بعض لطفه (قوله الذي كنت أرى منه
حين أشتكي) أي حين أمرض (قوله إنما يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم) وفي رواية ابن إسحاق
فكان إذا دخل قال لأمي وهي تمرضني كيف تيكم بالمثناة المكسورة وهي للمؤنث مثل ذاكم
للمذكر واستدلت عائشة بهذه الحال على أنها استشعرت منه بعض جفاء ولكنها لما لم تكن
تدري السبب لم تبالغ في التنقيب عن ذلك حتى عرفته ووقع في رواية أبي أويس إلا أنه يقول
وهو مار كيف تيكم ولا يدخل عندي ولا يعودني ويسأل عني أهل البيت وفي حديث ابن عمر
وكنت أرى منه جفوة ولا أدري من أي شئ (قوله نقهت) بفتح القاف وقد تكسر والأول
أشهر والناقة بكسر القاف الذي أفاق من مرضه ولم تتكامل صحته وقيل إن الذي بكسر
القاف بمعنى فهمت لكنه هنا لا يتوجه لأنها ما فهمت ذلك إلا فيما بعد وقد أطلق الجوهري وغيره
أنه بفتح القاف وكسرها لغتان في برأ من المرض وهو قريب العهد لم يرجع إليه كمال صحته (قوله
فخرجت مع أم مسطح) في رواية أبي أويس فقلت يا أم مسطح خذي الإداوة فاملئيها ماء فاذهبي
بنا إلى المناصع (قوله قبل المناصع) أي جهتها تقدم شرحه في أوائل كتاب الوضوء وأن المناصع
صعيد أفيح خارج المدينة (قوله متبرزنا) بفتح الراء قبل الزاي موضع التبرز وهو الخروج إلى
البراز وهو الفضاء وكله كناية عن الخروج إلى قضاء الحاجة والكنف بضمتين جمع كنيف وهو
الساتر والمراد به هنا المكان المتخذ لقضاء الحاجة وفي رواية بن إسحاق الكنف التي يتخذها
الأعاجم (قوله وأمرنا أمر العرب الأول) بضم الهمزة وتخفيف الراء صفة العرب وبفتح الهمزة
353

وتشديد الراء صفة الامر قال النووي كلاهما صحيح تريد أنهم لم يتخلقوا بأخلاق العجم (قلت)
ضبطه ابن الحاجب بالوجه الثاني وصرح بمنع وصف الجمع باللفظ الأول ثم قال إن ثبتت الرواية
خرجت على أن العرب اسم جمع تحته جموع فتصير مفردة بهذا التقدير (قوله في التبرز قبل
الغائط) في رواية فليح في البرية بفتح الموحدة وتشديد الراء ثم التحتانية أو في التنزه بمثناة ثم نون
ثم زاي ثقيلة هكذا على الشك والتنزه طلب النزاهة والمراد البعد عن البيوت (قوله فانطلقت
أنا وأم مسطح) بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء بعدها حاء مهملات قيل اسمها سلمى وفيه نظر
لان سلمى اسم أم أبي بكر ثم ظهر لي أن لا وهم فيه فإن أم أبي بكر خالتها فسميت باسمها (قوله وهي
بنت أبي رهم) بضم الراء وسكون الهاء (قوله ابن عبد مناف) كذا هنا ولم ينسبه فليح وفي رواية
صالح بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وهو الصواب واسم أبي رهم أنيس (قوله وأمها بنت
صخر بن عامر) أي ابن كعب بن سعد بن تيم من رهط أبي بكر (قوله خالة أبي بكر الصديق) اسمها
رائطة حكاه أبو نعيم (قوله وابنها مسطح بن أثاثة) بضم الهمزة ومثلثتين الأولى خفيفة بينهما
ألف ابن عباد بن المطلب فهو المطلبي من أبيه وأمه والمسطح عود من أعواد الخباء وهو لقب
واسمه عوف وقيل عامر والأول هو المعتمد وقد أخرج الحاكم من حديث ابن عباس قال قال
أبو بكر يعاتب مسطحا في قصة عائشة
يا عوف ويحك هل لا قلت عارفة * من الكلام ولم تبتغ به طعما
وكان هو وأمه من المهاجرين الأولين وكان أبوه مات وهو صغير فكفله أبو بكر لقرابة
أم مسطح منه وكانت وفاة مسطح سنة أربع وثلاثين وقيل سنة سبع وثلاثين بعد أن شهد صفين
مع علي (قوله فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا فعثرت) بالمهملة والمثلثة
(أم مسطح في مرطها) بكسر الميم وفي رواية مقسم عن عائشة أنها وطئت على عظم أو شوكة وهذا
ظاهره أنها عثرت بعد أن قضت عائشة حاجتها ثم أخبرتها الخبر بعد ذلك لكني في رواية هشام بن
عروة الآتية قريبا أنها عثرت قبل أن تقضي عائشة حاجتها وأنها لما أخبرتها الخبر رجعت كأن
الذي خرجت له لا تجد منه لا قليلا وكثيرا وكذا وقع في رواية ابن إسحاق قالت فوالله ما قدرت
أن أقضي حاجتي وفي رواية بن أويس فذهب عني ما كنت أجد من الغائط ورجعت عودي على
بدئي وفي حديث ابن عمر فأخذتني الحمى وتقلص ما كان مني ويجمع بينهما بأن معنى قولها
وقد فرغنا من شأننا أي من شأن المسير لاقضاء الحاجة (قوله فقالت تعس مسطح) بفتح المثناة
وكسر العين المهملة وبفتحها أيضا بعدها سين مهملة أي كب لوجهه أو هلك ولزمه الشر أو
بعد أقوال وقد تقدم شرحها أيضا في الجهاد (قوله فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا
شهد بدرا) في رواية هشام بن عروة أنها عثرت ثلاث مرات كل ذلك تقول تعس مسطح وأن عائشة
تقول لها أي أم أتسبين ابنك وأنها انتهرتها في الثالثة فقالت والله ما أسبه إلا فيك وعند الطبراني
فقلت أتسبين ابنك وهو من المهاجرين الأولين وفي رواية بن حاطب عن علقمة بن وقاص
فقلت أتقولين هذا لابنك وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت مرتين فأعدت
عليها فحدثتنا بالخبر فذهب عني الذي خرجت له حتى ما أجد منه شيئا قال أبو محمد بن أبي جمرة
يحتمل أن يكون قول أم مسطح هذا عمدا لتتوصل إلى إخبار عائشة بما قيل فيها وهي غافلة ويحتمل
354

أن يكون اتفاقا أجراه الله على لسانها لتستيقظ عائشة من غفلتها عما قيل فيها (قوله
قالت أي هنتاه) أي حرف نداء للبعيد وقد يستعمل للقريب حيث ينزل منه منزل البعيد والنكتة
فيه هنا أن أم مسطح نسبت عائشة إلى الغفلة عما قيل فيها لانكارها سب مسطح فخاطبتها
خطاب البعيد وهنتاه بفتح الهاء وسكون النون وقد تفتح بعدها مثناة وآخره هاء ساكنة وقد تضم
أي هذه وقيل امرأة وقيل بلهى كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكائد الناس وهذه اللفظة تختص
بالنداء وهي عبارة عن كل نكرة وإذا خوطب المذكر قيل يا هنة وقد تشبع النون فيقال يا هناه
وحكى بعضهم تشديد النون فيه وأنكره الأزهري (قوله قالت قلت وما قال) في رواية أبي أويس
فقالت لها إنك لغافلة عما يقول الناس وفيها أن مسطحا وفلانا وفلانا يجتمعون في بيت عبد الله
ابن أبي يتحدثون عنك وعن صفوان يرمونك به وفي رواية مقسم عن عائشة أشهد إنك من
الغافلات المؤمنات وفي رواية هشام بن عروة الآتية فنقرت لي الحديث وهي بنون وقاف ثقيلة
أي شرحته ولبعضهم بموحدة وقاف خفيفة أي أعلمتنيه (قوله فازددت مرضا على مرضى) عند
سعيد بن منصور من مرسل أبي صالح فقالت وما تدرين ما قال قالت لا والله فأخبرتها بما خاض
فيه الناس فأخذتها الحمى وعند الطبراني بإسناد صحيح عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة
قالت لما بلغني ما تكلموا به هممت أن آتي قليبا فأطرح نفسي فيه وأخرجه أبو عوانة أيضا (قوله
فلما رجعت إلى بيتي ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية معمر فدخل قيل الفاء
زائدة والأولى أن في الكلام حذفا تقديره فلما دخلت بيتي استقريت فيه فدخل (قوله فقلت
أتأذن لي أن آتي أبوي في رواية هشام بن عروة المعلقة فقلت أرسلني إلى بيت أبي فأرسل معي الغلام
وسيأتي نحوه موصولا في الاعتصام ولم أقف على اسم هذا الغلام (قوله فقلت لأمي يا أمتاه
ما يتحدث الناس قالت يا بنية هوني عليك) في رواية هشام بن عروة فقالت يا بنية خففي عليك
الشأن (قوله وضيئة) بوزن عظيمة من الوضاءة أي حسنة جميلة وعند مسلم من رواية ابن ماهان
حظية بمهملة ثم معجمة من الحظوة أي رفيعة المنزلة وفي رواية هشام ما كانت امرأة حسناء
(قوله ضرائر) جمع ضرة وقيل للزوجات ضرائر لان كل واحدة يحصل لها الضرر من الأخرى
بالغيرة (قوله أكثرن عليها) في رواية الكشميهني كثرن بالتشديد أي القول في عيبها وفي رواية
ابن حاطب لقلما أحب رجل امرأته إلا قالوا لها نحو ذلك وفي رواية هشام إلا حسدنها وقيل
فيها وفي هذا الكلام من فطنة أمها وحسن تأتيها في تربيتها ما لا مزيد عليه فإنها علمت أن ذلك
يعظم عليها فهونت عليها الامر بإعلامها بأنها لم تنفرد بذلك لان المرء يتأسى بغيره فيما يقع له
وأدمجت في ذلك ما تطيب به خاطرها من أنها فائقة في الجمال والحظوة وذلك مما يعجب المرأة أن
توصف به مع ما فيه من الإشارة إلى ما وقع من حمنة بنت جحش وأن الحامل لها على ذلك كون
عائشة ضرة أختها زينب بنت جحش وعرف من هذا أن الاستثناء في قولها إلا أكثرن عليها متصل
لأنها لم تقصد قصتها بعينها بل ذكرت شأن الضرائر وأما ضرائرها هي فإنهن وإن كن لم يصدر
منهن في حقها شئ مما يصدر من الضرائر لكن لم يعدم ذلك ممن هو منهن بسبيل كما وقع من حمنة
لان ورع أختها منعها من القول في عائشة كما منع بقية أمهات المؤمنات وإنما اختصت زينب
بالذكر لأنها التي كانت تضاهي عائشة في المنزلة (قوله فقلت سبحان الله أو لقد تحدث الناس بهذا)
355

زاد الطبري من طريق معمر عن الزهري وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت نعم وفي رواية
هشام فقلت وقد علم به أبي قالت نعم قلت ورسول الله قلت نعم ورسول الله صلى الله عليه وسلم وفي
رواية ابن إسحاق فقلت لأمي غفر الله لك يتحدث الناس بهذا ولا تذكرين لي وفي رواية ابن حاطب
عن علقمة ورجعت إلى أبوي فقلت أما اتقيتما الله في وما وصلتما رحمي يتحدث الناس بهذا
ولم تعلماني وفي رواية هشام بن عروة فاستعبرت فبكيت فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ
فقال لأمي ما شأنها فقالت بلغها الذي ذكر من شأنها ففاضت عيناه فقال أقسمت عليك يا بنية
إلا رجعت إلى بيتك فرجعت وفي رواية معمر عند الطبراني فقالت أمي لم تكن علمت ما قيل لها
فأكبت تبكي ساعة ثم قال اسكتي يا بنية (قوله فقلت سبحان الله) استغاثت بالله متعجبة من
وقوع مثل ذلك في حقها مع براءتها المحققة عندها (قوله لا يرقأ لي دمع) بالقاف بعدها همزة
أي لا ينقطع (قوله ولا أكتحل بنوم) استعارة للسهر ووقع في رواية مسروق عن أم رومان كما
مضى في المغازي فخرت مغشيا عليها فما استفاقت إلا وعليها حمى بنافض فطرحت عليها ثيابها
فغطيتها وفي رواية الأسود عن عائشة فألقت على أمي كل ثوب في البيت * (تنبيه) * طرق حديث
الإفك مجتمعة على أن عائشة بلغها الخبر من أم مسطح لكن وقع في حديث أم رومان ما يخالف
ذلك ولفظه بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت علينا امرأة من الأنصار فقالت فعل الله بفلان
وفعل فقلت وما ذاك قالت ابني ومن حدث الحديث قالت وما ذلك قالت كذا وكذا هذا لفظ
المصنف في المغازي ولفظه في قصة يوسف قالت إنه ثمى الحديث فقالت عائشة أي حديث
فأخبرتها قالت فسمعه أبو بكر قالت نعم قالت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قالت نعم فخرت مغشيا
عليها وطريق الجمع بينهما أنها سمعت ذلك أولا من أم مسطح ثم ذهبت لبيت أمها لتستيقن الخبر
منها فأخبرتها أمها بالامر مجملا كما مضى من قولها هوني عليك وما أشبه ذلك ثم دخلت عليها
الأنصارية فأخبرتها بمثل ذلك ؤ بحضرة أمها فقوي عندها القطع بوقوع ذلك فسألت هل سمعه
أبوها وزوجها ترجيا منها أن لا يكونا سمعا ذلك ليكون أسهل عليها فلما قالت لها إنهما سمعاه غشي
عليها ولم أقف على اسم هذه المرأة الأنصارية ولا على اسم ولدها (قوله فدعا رسول الله صلى الله
عليه وسلم على) هذا ظاهره أن السؤال وقع بعد ما علمت بالقصة لأنها عقبت بكاءها تلك الليلة بهذا
ثم عقبت هذا بالخطبة ورواية هشام بن عروة تشعر بأن السؤال والخطبة وقعا قبل أن تعلم عائشة
بالامر فإن في أول رواية هشام عن أبيه عن عائشة لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به قام
رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فذكر قصة الخطبة الآتية ويمكن الجمع بأن الفاء في قوله فدعا
عاطفة على شئ محذوف تقديره وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك قد سمع ما قيل فدعا
على (قوله علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد) في حديث ابن عمر وكان إذا أراد أن يستشير أحدا في
أمر أهله لم يعد عليا وأسامة لكن وقع في رواية الحسن العربي عن ابن عباس عند الطبراني أنه
صلى الله عليه وسلم استشار زيد بن ثابت فقال دعها فلعل الله يحدث لك فيها أمرا وأظن في قوله
ابن ثابت تغيير وأنه كان في الأصل ابن حارثة وفي رواية الواقدي أنه سأل أم أيمن فبرأتها وأم
أيمن هي والدة أسامة بن زيد وسيأتي أنه سأل زينب بنت جحش أيضا (قوله حين استلبث الوحي)
بالرفع أي طال لبث نزوله وبالنصب أي أستبطأ النبي صلى الله عليه وسلم نزوله (قوله في فراق أهله)
356

عدلت عن قولها في فراقي إلى قولها فراق أهله لكراهتها التصريح بإضافة الفراق إليها (قوله
أهلك) بالرفع فإن في رواية معمر هم أهلك ولو لم تقع هذه الرواية لجاز النصب أي أمسك ومعناه هم
أهلك أي العفيفة اللائقة بك ويحتمل أيكون قال ذلك متبرئا من المشورة ووكل الامر إلى
رأى النبي صلى الله عليه وسلم ثم لم يكتف بذلك حتى أخبر بما عنده فقال ولا نعلم إلا خيرا وإطلاق
الأهل على الزوجة شائع قال ابن التين أطلق عليها أهلا وذكرها بصيغة الجمع حيث قال هم أهلك
إشارة إلى تعميم الأزواج بالوصف المذكور انتهى ويحتمل أن يكون جمع لإرادة تعظيمها (قوله
وأما علي بن أبي طالب فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير) كذا للجميع
بصيغة التذكير كأنه أراد الجنس مع أن لفظ فعيل يشترك فيه المذكر والمؤنث افرادا وجمعا وفي
رواية الواقدي قد أحل لك وأطاب طلقها وأنكح غيرها وهذا الكلام الذي قاله علي حمله عليه
ترجيح جانبا النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى عنده من القلق بسبب القول الذي قيل وكان
صلى الله عليه وسلم شديد الغيرة فرأى علي أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن
يتحقق براءتها فيمكن رجعتها ويستفاد منه ارتكاب أخف الضررين لذهاب أشدهما وقال
النووي رأى على أن ذلك هو المصلحة في حق النبي صلى الله عليه وسلم وأعتقد ذلك لما رأى من
انزعاجه فبذل جهده في النصيحة لإرادة راحة خاطره صلى الله عليه سلم وقال الشيخ أبو محمد بن
أبي جمرة لم يجزم علي بالإشارة بفراقها لأنه عقب ذلك بقوله وسل الجارية تصدقك ففوض الامر
في ذلك إلى نظر النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه قال إن أردت تعجيل الراحة ففارقها وأن أردت
خلاف ذلك فابحث عن حقيقة الامر إلى أن تطلع على براءتها لأنه كان يتحقق أن بريرة لا تخبره
إلا بما علمته وهي لم تعلم من عائشة إلا البراءة المحضة والعلة في اختصاص على أسامة بالمشاورة أن
عليا كان عنده كالولد لأنه رباه من حال صغره ثم لم يفارقه بل وازداد اتصاله بتزويج فاطمة فلذلك
كان مخصوصا بالمشاورة فيما يتعلق بأهله لمزيد اطلاعه على أحواله أكثر من غيره وكان أهل مشورته
فيما يتعلق بالأمور العامة أكابر الصحابة كأبي بكر وعمر وأما أسامة فهو كعلي في طول الملازمة
ومزيد الاختصاص والمحبة ولذلك كانوا يطلقون عليه أنه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخصه
دون أبيه وأمه لكونه كان شابا كعلي وأن كان على أسن منه وذلك أن للشاب من صفاء الذهن
ما ليس لغيره ولأنه أكثر جرأة على الجواب بما يظهر له من المسن لان المسن غالبا يحسب العاقبة
فربما أخفى ما يظهر له رعاية للقائل تارة والمسؤول عنه أخرى مع ما ورد في بعض الأخبار أنه
استشار غيرهما * (تنبيه) * وقع بسبب هذا الكلام من على نسبه عائشة إياه إلى الإساءة في شأنها
كما تقدم من رواية الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة في
المغازي وما راجع به الوليد بن عبد الملك من ذلك فأغنى عن اعادته وقد وضح عذر على في ذلك
(قوله وسل الجارية تصدقك) في رواية مقسم عن عائشة أرسل إلى بريرة خادمها فسلها فعسى أن
تكون قد اطلعت على شئ من أمرها (قوله فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة) بفتح
الموحدة وكسر الراء تقدم ضبطها في العتق وفي رواية مقسم فأرسل إلى بريرة فقال لها أتشهدين
أني رسول الله قالت نعم قال فإني سائلك عن شئ فلا تكتمينيه قالت نعم قال هل رأيت من
عائشة ما تكرهينه قالت لا وقد قيل إن تسميتها هنا وهم لان قصتها كانت بعد فتح مكة كما سيأتي
357

أنها لما خيرت فاختارت نفسها كان زوجها يبكي فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس يا عباس
ألا تعجب من حب مغيث بريرة الحديث وسيأتي ويمكن الجواب بأن تكون بريرة كانت تخدم
عائشة وهي في رق مواليها وأما قصتها معا في مكاتبتها وغير ذلك فكان بعد ذلك بمدة أو أن اسم
هذه الجارية المذكورة في قصة الإفك وافق اسم بريرة التي وقع لها التخيير وجزم البدر الزركشي
فيما استدركته عائشة على الصحابة أن تسمية هذه الجارية ببريرة مدرجة من بعض الرواة وأنها
جارية أخرى وأخذه من ابن القيم الحنبلي فإنه قال تسميتها ببريرة وهم من بعض الرواة فإن عائشة
إنما اشترت بريرة بعد الفتح ولما كاتبتها عقب شرائها وعتقت خيرت فاختارت نفسها فظن الراوي
أن قول علي وسل الجارية تصدقك أنها بريرة فغلط قال وهذا نوع غامض لا ينتبه له الا الحذاق
(قلت) وقد أجاب غيره بأنها كانت تخدم عائشة بالاجرة وهي في رق مواليها قبل وقوع قصتها في
المكاتبة وهذا أولى من دعوى الادراج وتغليط الحفاظ (قوله أي بريرة هل رأيت من شئ يريبك)
في رواية هشام بن عروة فانتهرها بعض أصحابه فقال أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي
رواية أبي أويس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي شأنك بالجارية فسألها على وتوعدها فلم تخبره
إلا بخير ثم ضربها وسألها فقالت والله ما علمت على عائشة سواء وفي رواية ابن إسحاق فقام إليها علي
فضربها ضربا شديدا يقول أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية هشام حتى
أسقطوا لها به يقال أسقط الرجل في القول إذا أتى بكلام ساقط والضمير في قوله به للحديث أو
للرجل الذي اتهموها به وحكى عياض أن في رواية ابن ماهان في مسلم حتى أسقطوا لهاتها
بمثناة مفتوحة وزيادة ألف بعد الهاء قال وهو تصحيف لانهم لو أسقطوا لهاتها لم تستطع الكلام
والواقع أنها تكلمت فقالت سبحان الله إلى آخره وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عند
الطبرائي فقال لست عن هذا أسألك قالت نعمة فلما فطنت قالت سبحان الله وهذا يدل على أن
المراد بقوله في الرواية حتى أسقطوا لها به حتى صرحوا لها بالامر فلهذا تعجبت وقال ابن الجوزي
أسقطوا لها به أي صرحوا بها بالامر وقيل جاءوا في خطابها بسقط من القول ووقع في رواية الطبري
من طريق أبي أسامة قال عروة فعيب ذلك على من قاله وقال ابن بطال يحتمل أن يكون من قولهم
سقط إلى الخبر إذا علمته قال الشاعر * إذا هن ساقطن الحديث وقلن لي * قال فمعناه ذكروا لها
الحديث وشرحوه (قوله إن رأيت عليها أمرا) أي ما رأيت فيها مما تسألون عنه شيئا أصلا وأما
من غيره ففيها ما ذكرت من غلبة النوم لصغر سنها ورطوبة بدنها (قوله أغمصه) بغين معجمة وصاد
مهملة أي أعيبه (قوله سوى أنها جارية حديثه السن تنام عن عجين أهلها) في رواية ابن إسحاق
ما كنت أعيب عليها إلا أني كنت أعجن عجيني وآمرها أن تحفظه فتنام عنه وفي رواية مقسم
ما رأيت منها مذ كنت عندها إلا أني عجنت عجينا لي فقلت احفظي هذه العجينة حتى أقتبس نارا
إلا خبزها فغفلت فجاءت الشاة فأكلتها وهو يفسر المراد بقوله في رواية الباب حتى تأتي الداجن
وهي بدال مهملة ثم جيم الشاة التي تألف البيت ولا تخرج إلى المرعى وقيل هي كل ما يألف البيوت
مطلقا شاة أو طيرا قال بن المنير في الحاشية هذا من الاستثناء البديع الذي يراد به المبالغة في نفي
العيب فغفلتها عن عجينها أبعد لها من مثل الذي رميت به وأقرب إلى أن تكون من الغافلات
المؤمنات وكذا في قولها في رواية هشام بن عروة ما علمت إلا ما يعلم الصائغ على الذهب الأحمر
358

أي كما لا يعلم الصائغ من الذهب الأحمر إلا الخلوص من العيب فكذلك أنا لا أعلم منها إلا الخلوص
من العيب وفي رواية ابن حاطب عن علقمة فقالت الجارية الحبشية والله لعائشة أطيب من
الذهب ولئن كانت صنعت ما قال الناس ليخبرنك الله قالت فعجب الناس من فقهها (قوله فقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية أبي أويس ثم خرج حين سمع من بريرة ما قالت وفي رواية
هشام بن عروة قام فينا خطيبا فتشهد وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد وزاد عطاء
الخراساني عن الزهري هنا قبل قوله فقم وكانت أم أيوب الأنصارية قالت لأبي أيوب أما سمعت
ما يتحدث الناس فحدثته بقول أهل الإفك فقال ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان
عظيم (قلت) وسيأتي في الاعتصام من طريق يحيى بن أبي زكريا عن هشام بن عروة في قصة الإفك
مختصرة وفيه بعد قوله وأرسل معها الغلام وقال رجل من الأنصار ما يكون لنا أن نتكلم بهذا
سبحانك فيستفاد معرفته من رواية عطاء هذه وروى الطبري منه حديث ابن عمر قال قال أسامة
ما يحل لنا أن نتكلم بهذا سبحانك الآية لكن أسامة مهاجري فإن ثبت حمل على التوارد وفي
مرسل سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ ممن قال ذلك وروى الطبري أيضا من طريق ابن إسحاق
حدثني أبي عن بعض رجال بني النجار أن أبا أيوب قالت له أم أيوب أما تسمع ما يقول الناس في
عائشة قال بلى وذلك الكذب أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب قالت لا والله قال فعائشة والله خير
منك قالت فنزل القرآن لولا إذ سمعتموه الآية وللحاكم من طريق أفلح مولى أبي أيوب عن أبي أيوب
نحوه وله من طريق أخرى قال قالت أم طفيل لأبي بن كعب فذكر نحوه (قوله (2) فاستعذر من
عبد الله بن أبي) أي طلب من يعذره منه أي ينصفه قال الخطابي يحتمل أن يكون معناه من
يقوم بعذره فيما رمى أهلي به من المكروه ومن يقوم بعذري إذا عاقبته على سوء ما صدر منه ورجح
النووي هذا الثاني وقيل معنى من يعذرني من ينصرني والعزيز الناصر وقيل المراد من ينتقم لي
منه وهو كالذي قبله ويؤيده قول سعد أنا أعذرك منه (قوله بلغني أذاه في أهل بيتي) في رواية هشام
ابن عروة أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي وهو بفتح الموحدة الخفيفة والنون المضمومة وحكى
عياض أن في رواية الأصيلي بتشديد الموحدة وهي لغة ومعناه عابوا أهلي أو اتهموا أهلي وهو
المعتمد لان الابن بفتحتين التهمة وقال ابن الجوزي المراد رموا أهلي بالقبيح ومنه الحديث الذي في
الشمائل في ذكر مجلسه صلى الله عليه وسلم لا تؤبن فيه الحرم وحكى عياض أن في رواية عبدوس
بتقديم النون الثقيلة على الموحدة قال وهو تصحيف لان التأنيب هو اللوم الشديد ولا معنى له هنا
انتهى قال النووي وقد يوجه بأن المراد لاموهم أشد اللوم فيما زعموا أنهم صنعوه وهم لم
يصنعوا شيئا من ذلك لكنه بعيد من صورة الحال والأول هو المعتمد قال النووي التخفيف
أشهر وفي رواية ابن إسحاق ما بال أناس يؤذوني في أهلي وفي رواية ابن حاطب من يعذرني فيمن
يؤذيني في أهلي ويجمع في بيته من يؤذيني ووقع في رواية الغساني المذكورة في قوم يسبون
أهلي وزاد فيه ما علمت عليهم من سوء قط (قوله ولقد ذكروا رجلا) زاد الطبري في روايته صالحا
وزاد أبو أويس في روايته وكان صفوان بن المعطل قعد لحسان فضربه ضربة بالسيف وهو يقول
تلق ذباب السيف مني فإنني * غلام إذا هو جئت لست بشاعر
فصاح حسان ففر صفوان فاستوهب النبي صلى الله عليه وسلم من حسان ضربة صفوان فوهبها
359

له (قوله فقام سعد بن معاذ الأنصاري) كذا هنا وفي رواية معمر وأكثر أصحاب الزهري ووقع
في رواية صالح بن كيسان فقام سعد أخو بني عبد الأشهل وفي رواية فليح فقام سعد ولم ينسبه وقد
تعين أنه سعد بن معاذ لما وقفي رواية الباب وغيره وأما قوله شيخ شيوخنا القطب الحلبي وقع في
نسخة سماعنا فقام سعد بن معاذ وفي موضع آخر فقام سعد أخو بني عبد الأشهل فيحتمل أن يكون
آخر غير سعد بن معاذ فإن في بني عبد الأشهل جماعة من الصحابة يسمى كل منهم سعدا منهم سعد
ابن زيد الأشهلي شهد بدرا وكان على سبايا قريظة الذين بيعوا بنجد وله ذكر في عدة أخبار منها
في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في مرض وفاته قال فيحتمل أن يكون هو المتكلم في قصة الإفك
(قلت) وحمله على ذلك ما حكاه عياض وغيره من الاشكال في ذكر سعد بن معاذ في هذه القصة
والذي جوزه مردود بالتصريح بسعد بن معاذ في هذه الرواية الثالثة فأذكر كلام عياض وما
تيسر من الجواب عنه قال عياض في ذكر سعد بن معاذ في هذا الحديث إشكال لم يتكلم الناس
عليه ونبهنا عليه بعض شيوخنا وذلك أن الإفك كان في المريسيع وكانت سنة ست فيما ذكر ابن
إسحاق وسعد بن معاذ مات من الرمية التي رميها بالخندق فدعا الله فأبقاه حتى حكم في بني قريظة
ثم انفجر جرحه فمات منها وكان ذلك سنة أربع عند الجميع إلا ما زعم الواقدي أن ذلك كان سنة
خمس قال وعلى كل تقدير فلا يصح ذكر سعد بن معاذ في هذه القصة والأشبه أنه غيره ولهذا لم يذكره
ابن إسحاق في روايته وجعل المراجعة أولا وثانيا بين أسيد بن حضير وبين سعد بن عبادة قال وقال
لي بعض شيوخنا يصح أن يكون سعد موجودا في المريسيع بناء على الاختلاف في تاريخ غزوة
المريسيع وقد حكى البخاري عن موسى بن عقبة أنها كانت سنة أربع وكذلك الخندق كانت
سنة أربع فيصح أن تكون المريسيع قبلها لان ابن إسحاق جزم بأن المريسيع كانت في شعبان
وأن الخندق كانت في شوال فإن كانا من سنة واحدة استقام أن تكون المريسيع قبل الخندق فلا
يمتنع أن يشهدها سعد بن معاذ انتهى وقد قدمنا في المغازي أن الصحيح في النقل عن موسى بن عقبة
أن المريسيع كانت سنة خمس وأن الذي نقله عنه البخاري من أنها سنة أربع سبق قلم نعم والراجح
أن الخندق أيضا كانت في سنة خمس خلافا لابن إسحاق فيصح الجواب المذكور وممن جزم بأن
المريسيع سنة خمس الطبري لكن يعكر على هذا شئ لم يتعرضوا له أصلا وذلك أن ابن عمر ذكر أنه
كان معهم في غزوة بني المصطلق وهو المريسيع كما تقدم من حديثه في المغازي وثبت في الصحيحين
أيضا أنه عرض في يوم أحد فلم يجزه النبي صلى الله عليه وسلم وعرض في الخندق فأجازه فإذا كان
أول مشاهده الخندق وقد ثبت أنه شهد المريسيع لزم أن تكون المريسيع بعد الخندق فيعود
الاشكال ويمكن الجواب بأنه لا يلزم من كون ابن عمر كان معهم في غزوة بني المصطلق أن يكون
أجيز في القتال فقد يكون صحب أباه ولم يباشر القتال كما ثبت عن جابر أنه كان يمنح الماء لأصحابه يوم
بدر وهو لم يشهد بدرا باتفاق وقد سلك البيهقي في أصل الاشكال جوابا آخر بناء على أن الخندق قبل
المريسيع فقال يجوز أن يكون جرح سعد بن معاذ لم ينفجر عقب الفراغ من بني قريظة بل تأخر
زمانا ثم انفجر بعد ذلك وتكون مراجعته في قصة الإفك في أثناء ذلك ولعله لم يشهد غزوة
المريسيع لمرضه وليس ذلك مانعا له أن يجيب النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الإفك مما أجابه
وأما دعوى عياض أن الذين تقدموا لم يتكلموا على الاشكال المذكور فما أدرى من الذين
360

عناهم فقد تعرض له من القدماء إسماعيل القاضي فقال الأولى أن تكون المريسيع قبل الخندق
للحديث الصحيح عن عائشة واستشكله ابن حزم لاعتقاده أن الخندق قبل المريسيع وتعرض له
ابن عبد البر فقال رواية من روى أن سعد بن معاذ راجح في قصة الإفك سعد بن عبادة وهم خطأ
وإنما راجع سعد بن عبادة أسيد بن حضير كما ذكره ابن إسحاق وهو الصحيح فإن سعد بن معاذ مات في
منصرفهم من غزوة بني قريظة لا يختلفون في ذلك فلم يدرك المريسيع ولا حضرها وبالغ ابن
العربي على عادته فقال اتفق الرواة على أن ذكر ابن معاذ في قصة الإفك وهم وتبعه على هذا الاطلاق
القرطبي (قوله أعذرك منه) في رواية فليح فقال أنا والله أعذرك منه ووقع في رواية معمر
أعذرك منه بحذف المبتدأ (قوله إن كان من الأوس) يعني قبيلة سعد بن معاذ (قوله ضربنا
عنقه في رواية صالح بن كيسان ضربت بضم المثناة وإنما قال ذلك لأنه كان سيدهم فجزم بأن
حكمة فيهم نافذ (قوله وإن كان من إخواننا من الخزرج) من الأولى تبعيضية والاخرى
بيانية ولهذا سقطت من رواية فليح (قوله أمرتنا ففعلنا أمرك) في رواية بن جريج أتيناك به
ففعلنا فيه أمرك (قوله فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج) في رواية صالح بن كيسان فقام
رجل من الخزرج وكانت أم حسان بن ثابت بنت عمه من فخذه وهو سعد بن عبادة وهو سيد
الخزرج انتهى وأم حسان اسمها الفريعة بنت خالد بن خنيس بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة
وقوله من فخذه بعد قوله بنت عمه إشارة إلى أنها ليست بنت عمه لحا لان سعد بن عبادة يجتمع معها
في ثعلبة وقد تقدم سياق نسبه في المناقب (قوله وكان قبل ذلك رجلا صالحا) أي كامل الصلاح في
رواية الواقدي وكان صالحا لكن الغضب بلغ منه ومع ذلك لم يغمص عليه في دينه (قوله ولكن
احتملته الحمية) كذا للأكثر احتملته بمهملة ثم مثناة ثم ميم أي أغضبته وفي رواية معمر عند
مسلم وكذا يحيى بن سعيد عند الطبراني اجتهلته بجيم ثم مثناة ثم هاء وصوبها الوقشي أي حملته على
الجهل (قوله فقال لسعد) أي ابن معاذ (كذبت لعمر الله لا تقتله) العمر بفتح العين المهملة هو
البقاء وهو العمر بضمها لكن لا يستعمل في القسم إلا بالفتح (قوله ولا تقدر على قتله (1) ولو كان من
رهطك ما أحببت أن يقتل) فسر قوله لا تقتله بقوله ولا تقدر على قتله إشارة إلى أن قومه يمنعونه
من قتله وأما قوله ولو كان من رهطك فهو من تفسير قوله كذبت أي في قولك إن كان من الأوس
ضربت عنقه فنسبه إلى الكذب في هذه الدعوى وأنه جزم أن يقتله إن كان من رهطه مطلقا وأنه
إن كان من غير رهطه إن أمر بقتله قتله وإلا فلا فكأنه قال له بل الذي نعتقده على العكس مما
نطقت به وأنه لو إن كان من رهطك ما أحببت أن يقتل ولكنه من غير رهطك فأنت تحب أن يقتل
وهذا بحسب ما ظهر له في تلك الحالة ونقل بن التين عن الداودي أن معنى قوله كذبت لا تقتله
أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجعل حكمة إليك فذلك لا تقدر على قتله وهو حمل جيد وقد بينت
الروايات الأخرى السبب الحامل لسعد بن عبادة على ما قال ففي رواية ابن إسحاق فقال سعد بن
عبادة ما قلت هذه المقالة إلا إنك علمت أنه من الخزرج وفي رواية ابن حاطب فقال سعد بن
عبادة يا بن معاذ والله ما بك نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها قد كانت بيننا ضغائن في
الجاهلية وإحن لم تحلل لنا من صدوركم فقال ابن معاذ الله أعلم بما أردت وفي حديث ابن عمر إنما
طلبت به دخول الجاهلية قال ابن التين قول ابن معاذ إن كان من الأوس ضربت عنقه إنما قال
361

ذلك لان الأوس قومه وهم بنو النجار ولم يقل في الخزرج لما كان بين الأوس والخزرج من
التشاحن قبل الاسلام ثم زال بالاسلام وبقي بعضه بحكم الانفة قال فتكلم سعد بن عبادة بحكم
الانفة ونفى أن يحكم فيهم سعد بن معاذ وهو من الأوس قال ولم يرد سعد بن عبادة الرضا بما نقل عن
عبد الله بن أبي وإنما بمعنى قول عائشة وكان قبل ذلك رجلا صالحا أي لم يتقدم منه ما يتعلق بالوقوف
مع أنفة الحمية ولم ترد أنه ناضل عن المنافقين وهو كما قال إلا أن دعواه أن بني النجار قوم سعد بن
معاذ خطأ وإنما هم من رهط سعد بن عبادة ولم يجر لهم في هذه القصة ذكر وقد تأول بعضهم ما دار
بين السعدين بتأويل بعيد فارتكب شططا فزعم أن قول سعد بن عبادة لا تقتله ولا تقدر على قتله
أي إن كان من الأوس واستدل على ذلك بأن بن معاذ لم يقل في الخزرجي ضربنا عنقه وإنما قال
ذلك في الأوسي فدل على أن ابن عبادة لم يقل ذلك حمية لقومه إذ لو كان حمية لم يوجهها رهط غيره
قال وسبب قوله ذلك أن الذي خاض في الإفك كان يظهر الاسلام ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم
يقتل من يظهر الاسلام وأراد أن بقية قومه يمنعونه منه إذا أراد قتله إذا لم يصدر من النبي صلى
الله عليه وسلم أمر بقتله فكأنه قال لا تقل ما لا تفعل ولا تعد بما لا تقدر على الوفاء به ثم أجاب عن
قول عائشة احتملته الحمية بأنها كانت حينئذ منزعجة الخاطر لما دهمها من الامر فقد يقع في فهمها
ما يكون أرجح منه وعن قول أسيد بن حضير الآتي بأنه حمل قول ابن عبادة على ظاهر لفظه وخفي
عليه أن له محملا سائغا انتهى ولا يخفى ما فيه من التعسف من غير حاجة إلى ذلك وقوله إن
عائشة قالت ذلك وهي منزعجة الخاطر مردود لان ذلك إنما يتم لو كانت حدثت بذلك عند وقوع
الفتنة والواقع أنها إنما حدثت بها بعد دهر طويل حتى سمع ذلك منها عروة وغيره من التابعين
كما قدمت الإشارة إليه وحينئذ كان ذلك الانزعاج وزال وانقضى والحق أنها فهمت ذلك عند
وقوعه بقرائن الحال وأما قوله لا تقدر على قتله مع أن سعد بن معاذ لم يقل بقتله كما قال في حق من
يكون من الأوس فإن سعد بن عبادة فهم أن قول ابن معاذ أمرتنا بأمرك أي إن أمرتنا بأمرك
أي أمرتنا بقتله قتلناه وإن أمرت قومه بقتله قتلوه فنفى سعد بن عبادة قدرة سعد بن معاذ على قتله
إن كان من الخزرج لعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر غير قومه بقتله فكأنه أيأسه من
مباشرة قتله وذلك بحكم الحمية التي أشارت إليها عائشة ولا يلزم من ذلك ما فهمه المذكور أنه يرد
أمر النبي صلى الله عليه بقتله ولا يمتثله حاشا لسعد من ذلك وقد اعتذر المازري عن قول
أسيد بن حضير لسعد بن عبادة إنك منافق أن ذلك وقع منه على جهة الغيظ والحنق والمبالغة
في زجر سعد بن عبادة عن المجادلة عن ابن أبي وغيره ولم يرد النفاق الذي هو إظهار الايمان وإبطان
الكفر قال ولعله صلى الله عليه وسلم إنما ترك الانكار عليه لذلك وسأذكر ما في فوائد هذا الحديث
في آخر شرحه زيادة في هذا (قوله فقام أسيد بن حضير) بالتصغير فيه وفي أبيه وأبوه بمهملة ثم معجمة
تقدم نسبه في المناقب (قوله وهو ابن عم سعد بن معاذ) أي من رهطه ولم يكن ابن عمه لحا لأنه
سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل وأسيد بن حضير بن سماك بن
عتيك بن امرئ القيس إنما يجتمعان في امرئ القيس وهما في التعدد إليه سواء (قوله فقال لسعد
ابن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه) أي ولو كان من الخزرج إذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم
بذلك وليست لكم قدرة على منعنا من ذلك (قوله فإنك منافق تجادل عن المنافقين) أطلق أسيد
362

ذلك مبالغة في زجره عن القول الذي قاله وأراد بقوله فإنك منافق أي تصنع صنيع المنافقين
وفسره بقوله تجادل عن المنافقين وقابل قوله لسعد بن معاذ كذبت لا تقتله بقوله هو كذبت
لنقتلنه وقال المازري إطلاق أسيد لم يرد به نفاق الكفر وإنما أراد أنه كان يظهر المودة للأوس
ثم ظهر منه في هذه القصة ضد ذلك فأشبه حال المنافق لان حقيقته إظهار شئ واخفاء غيره ولعل
هذا هو السبب فترك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم عليه (قوله فتشاور) بمثناة ثم مثلثة
تفاعل من الثورة والحيان بمهملة ثم تحتانية تثنية حي والحي كالقبيلة أي نهض بعضهم إلى بعض
من الغضب ووقع في حديث بن عمر وقام سعد بن معاذ فسل سيفه (قوله حتى هموا أن
يقتتلوا) زاد ابن جريج في روايته في قصة الإفك هنا قال قال ابن عباس فقال بعضهم لبعض
موعدكم الحرة أي خارج المدينة لتتقاتلوا هناك (قوله فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخفضهم حتى سكتوا) وفي رواية ابن حاطب فلم يزل يومئ بيده إلى الناس ههنا حتى هدأ الصوت
وفي رواية فليح فنزل فخفضهم حتى سكتوا ويحمل على أنه سكتهم وهو على المنبر ثم نزل إليهم أيضا
ليكمل تسكيتهم ووقع في رواية عطاء الخراساني عن الزهري فحجز بينهم (قوله فمكثت يومي ذلك)
في رواية الكشميهني فبكيت وهي في رواية فليح وصالح وغيرهما (قوله فأصبح أبواي عندي) أي
أنهما جاءا إلى المكان الذي هي به من بينهما لا أنها رجعت من عندهما إلى بيتها ووقع في رواية محمد
ابن ثور عن معمر عند الطبري وأنا في بيت أبوي (قوله وقد بكيت ليلتين ويوما) أي الليلة التي
أخبرتها فيها أم مسطح الخبر واليوم الذي خطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم الناس والليلة التي
تليه ووقع في رواية فليح وقد بكيت ليلتي ويوم وكأن الياء مشددة ونسبتهما إلى نفسها لما وقع لها
فيهما (قوله فبيناهما) وفي رواية الكشميهني فبينما هما (قوله يظنان أن البكاء فالق كبدي) في
رواية فليح حتى أظن ويجمع بأن الجميع كانوا يظنون ذلك (قوله فاستأذنت) كذا فيه وفي الكلام
حذف تقديره جاءت امرأة فاستأذنت وفي رواية فليح إذ استأذنت (قوله امرأة من الأنصار) لم
أقف على اسمها (قوله فبينا نحن على ذلك) في رواية الكشميهني فبينا نحن كذلك وهي رواية فليح
والأول رواية صالح (قوله دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) سيأتي في رواية هشام بن
عروة بلفظ فأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى
العصر وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي وفي رواية ابن حاطب وقد جاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى جلس على سرير وجاهي وفي حديث أم رومان إن عائشة في تلك الحالة كانت بها
الحمى النافض وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل فوجدها كذلك قال ما شأن هذه قالت أخذتها
الحمى بناقض قال فلعله في حديث تحدث قالت نعم فقعدت عائشة (قوله ولم يجلس عندي منذ
قيل ما قيل قبلها وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني) حكى التسهيلي أن بعض المفسرين ذكر أن
المدة كانت سبعة وثلاثين يوما فألغى الكسر في هذه الرواية وعند ابن حزم أن المدة كانت خمسين
يوما أو أزيد ويجمع بأنها المدة التي كانت بين قدومهم المدينة ونزول القرآن في قصة الإفك وأما
التقييد بالشهر فهو المدة التي أولها إتيان عائشة إلى بيت أبويها حين بلغها الخبر (قوله فتشهد) في
رواية هشام بن عروة فحمد الله وأثنى عليه (قوله أما بعد يا عائشة فأنه بلغني عنك كذا وكذا) هو
كناية عما رميت به من الإفك ولم أر في شئ من الطرق التصريح فلعل الكناية من لفظ النبي صلى
363

الله عليه وسلم ووقع في رواية ابن إسحاق فقال يا عائشة إنه قد كان ما بلغك من قول الناس فاتق الله
وأن كنت قارفت سوأ فتوبي (قوله فإن كنت بريئة فسيبرئك الله) أي بوحي ينزله بذلك قرآنا
أو غيره (قوله وإن كنت ألممت بذنب) أي وقع منك على خلاف العادة وهذا حقيقة الادام ومنه
* المت بنا والليل مرخ ستوره * (قوله فاستغفري الله وتوبي إليه) في رواية معمر ثم توبي إليه
وفي رواية أبي أويس إنما أنت من بنات آدم إن كنت أخطأت فتوبي (قوله فان العبد إذا اعترف
بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه) قال الداودي أمرها بالاعتراف ولم يندبها إلى الكتمان
المفرق بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن فيجب على أزواجه الاعتراف بما يقع منهن
ولا يكتمنه إياه لأنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منها ذلك بخلاف نساء الناس فإنهن تدين إلى الستر
وتعقبه عياض بأنه ليس في الحديث ما يدل على ذلك ولا فيه أنه أمرها بالاعتراف وإنما أمرها أن
تستغفر الله وتتوب إليه أي فيما بينها وبين ربها فليس صريحا في الامر لها بان تعترف عند الناس
بذلك وسياق جواب عائشة يشعر بما قاله الداودي لكن المعترف عنده ليس إطلاقه فليتأمل
ويؤيد ما قاله عياض أن في رواية حاطب قالت فقال أبي إن كنت صنعت شيئا فاستغفري
الله وإلا فأخبري رسول الله صلى الله عليه وسلم بعذرك (قوله قلص دمعي) بفتح القاف واللام
ثم مهملة أي استمسك نزوله فانقطع ومنه قلص الظل إذا شمر قال القرطبي سببه أن
الحزن والغضب إذا أخذ أحدهما فقد الدمع لفرط حرارة المصيبة (قوله حتى ما أحس) بضم
الهمزة وكسر المهملة أي أجد (قوله فقلت لأبي أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال
قال والله ما أدري ما أقول) قيل إنما قالت عائشة لأبيها ذلك مع أن السؤال إنما وقع عما في باطن
الامر وهو لا اطلاع له على ذلك لكن قالته إشارة إلى أنها لم يقع منها شئ في الباطن يخالف الظاهر
الذي هو يطلع عليه فكأنها قالت له برئني بما شئت وأنت على ثقة من الصدق فيما تقول
وإنما أجابها أبو بكر بقوله لا أدري لأنه كان كثير الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاب
بما يطابق السؤال في المعنى ولأنه وإن كان يتحقق براءتها لكنه كره أن يزكى ولده وكذا الجواب عن
قول أمها لا أدري ووقع في رواية هشام بن عروة الآتية فقال ماذا أقول وفي رواية أبي أويس
فقلت لأبي أجب فقال لا أفعل هو رسول الله والوحي يأتيه (قوله قالت قلت وأنا جارية حديثه
السن لا أقرأ كثيرا من القرآن) قالت هذا توطئة لعذرها لكونها لم تستحضر اسم يعقوب عليه
السلام كما سيأتي ووقع في رواية هشام بن عروة الآتية فلما لم يجيباه تشهدت فحمدت الله وأثنيت
عليه بما هو أهله ثم قلت أما بعد وفي رواية ابن إسحاق فلما استعجما على استعبرت فبكيت ثم قلت
والله لا أتوب مما ذكروا أبدا (قوله حتى استقر في أنفسكم) في رواية فليح وقر بالتخفيف أي ثبت
وزنا ومعنى (قوله وصدقتم به) في رواية هشام بن عرو لقد تكلمتم به وأشربته قلوبكم قالت هذا
وإن لم يكن على حقيقته على سبيل المقابلة لما وقع من المبالغة في التنقيب عن ذلك وهي كانت
لما تحققته من براءة نفسها ومنزلتها تعتقد أنه كان ينبغي لكل من سمع عنها ذلك أن يقطع بكذبه
لكن العذر لهم عن ذلك أنهم أرادوا إقامة الحجة على من تكلم في ذلك ولا يكفي فيها مجرد نفي
ما قالوا والسكوت عليه بل تعين التنقيب عليه لقطع شبههم أو مرادها بمن صدق به أصحاب الإفك
لكن ضمت إليه من لم يكذبهم تغليبا (قوله لا تصدقونني بذلك) أي لا تقطعون بصدقي وفي رواية
364

هشام بن عروة ما ذاك بنافعي عندكم وقالت في الشق الآخر لنصدقني وهو بتشديد النون والأصل
تصدقونني فأدغمت إحدى النونين في الأخرى وإنما قالت ذلك لان المرء مؤاخذ بإقراره ووقع في
حديث أم رومان لئن حلفت لا تصدقونني ولئن قلت لا تعذرونني (قوله والله ما أجد لكم مثلا)
في رواية صالح وفليح ومعمر ما أجد لكم ولي مثلا (قوله إلا قول أبي يوسف) زاد ابن جريج في روايته
واختلس مني اسمه وفي رواية هشام بن عروة والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه وفي رواية أبي
أويس نسيت اسم يعقوب لما بي من البكاء واحتراق الجوف ووقع في حديث أم رومان مثلي
ومثلكم كيعقوب وبنيه وهي بالمعنى للتصريح في حديث هشام وغيره بأنها لم تستحضر اسمه (قوله
ثم تحولت فاضطجعت على فراشي) زاد ابن جريج ووليت وجهي نحو الجدر (قوله وأنا حينئذ أعلم
أني بريئة وأن الله مبرئي براءتي) زعم ابن التين أنه وقع عنده وإن الله مبرئني بنون قبل الياء وبعد
الهمزة قال وليس ببين لان نون الوقاية تدخل في الافعال لتسلم من الكسر والأسماء تكسر فلا
تحتاج إليها انتهى والذي وقفنا عليه في جميع الروايات مبرئي بغير نون وعلى تقدير وجود ما ذكر
فقد سمع مثل ذلك في بعض اللغات (قوله ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا
يتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر) زاد يونس في روايته يتلى وفي رواية
فليح من أن يتكلم بالقرآن في أمري وفي رواية ابن إسحاق يقرأ به في المساجد ويصلي به (قوله
فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فارق ومصدره الريم بالتحتانية بخلاف رام بمعنى
طلب فمصدره الروم ويفترقان في المضارع يقال رام يروم روما ورام يريم ريما وحذف في هذه
الرواية الفاعل ووقع في رواية صالح وفليح ومعمر وغيرهم مجلسه أي ما فارق مجلسه (قوله
ولا خرج أحد من أهل البيت) أي الذين كانوا حينئذ حضورا ووقع في رواية أبي أسامة وأنزل الله
على رسوله صلى الله عليه وسلم من ساعته (قوله فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء) بضم
الموحدة وفتح الراء ثم مهملة ثم مد هي شدة الحمى وقيل شدة الكرب وقيل شدة الحر ومنه برح بي
الهم إذا بلغ مني غايته ووقع في رواية إسحاق بن راشد وهو العرق وبه جزم الداودي وهو تفسير
باللازم غالبا لان البرحاء شدة الكرب ويكون عنده العرق غالبا وفي رواية ابن حاطب وشخص
بصره إلى السقف وفي رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن عائشة عند الحاكم فأتاه الوحي وكان إذا
أتاه الوحي أخذه السبل وفي رواية ابن إسحاق فسجى بثوب ووضعت تحت رأسه وسادة من أدم
(قوله حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي ينزل عليه)
الجمان بضم الجيم وتخفيف الميم اللؤلؤ وقيل حب يعمل من الفضة كاللؤلؤ وقال الداودي خرز
أبيض والأول أولى فشبهت قطرات عرقه بالجمان لمشابهتها في الصفاء والحسن وزاد ابن جريج في
روايته قال أبو بكر فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخشى أن ينزل من السماء ما لا
مرد له وأنظر إلى وجه عائشة فإذا هو منبق فيطمعني ذلك فيها وفي رواية ابن إسحاق فأما أنا فوالله
ما فزعت قد عرفت أني بريئة وأن الله غير ظالمي وأما أبواي فما سري عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى ظننت لتخرجن أنفسها فرقا من أن يأتي من الله تحقيق ما يقول الناس ونحوه في رواية
الواقدي (قوله فلما سرى) بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة أي كشف (قوله وهو يضحك)
في رواية هشام بن عروة فرفع عنه وإني لاتبين السرور في وجهه يمسح جبينه وفي رواية ابن حاطب
365

فوالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب ما زال يضحك حتى إني لأنظر إلى نواجذه سرورا ثم مسح وجهه
(قوله فكان أول كلمة تكلم بها يا عائشة أما الله عز وجل فقد برأك) في رواية صالح بن كيسان قال
يا عائشة وفي رواية فليح أن قال لي يا عائشة احمدي الله فقد برأك زاد في رواية معمر أبشري وكذا
في رواية هشام بن عروة وعند الترمذي من هذا الوجه البشرى يا عائشة فقد أنزل الله براءتك
وفي رواية عمر بن أبي سلمة فقال أبشري يا عائشة (قوله أما الله فقد برأك) أي بما أنزل من القرآن
(قوله فقالت أمي قومي إليه قال فقلت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله) في رواية صالح فقالت لي
أمي قومي إليه فقلت والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمد إلا الله الذي أنزل براءتي وفي رواية
الطبري من هذا الوجه احمد الله لا إياكما وفي رواية ابن جريج فقلت بحمد الله وذمكما وفي رواية
أبي أويس نحمد الله ولا نحمدكم وفي رواية أم رومان وكذا فحديث أبي هريرة فقالت نحمد
الله لا نحمدك ومثله في رواية عمر بن أبي سلمة وكذا عند الواقدي وفي رواية ابن حاطب
والله لا نحمدك ولا نحمد أصحابك وفي رواية مقسم والأسود وكذا في حديث ابن عباس
ولا نحمدك ولا نحمد أصحابك وزاد في رواية الأسود عن عائشة وأخذ رسول الله صلى الله عليه
وسلم بيدي فانتزعت يدي منه فنهرني أبو بكر وعذرها في إطلاق ذلك ما ذكرته من الذي
خامرها من الغضب من كونهم لم يبادروا بتكذيب من قال فيها ما قال مع تحققهم حسن
طريقتها قال ابن الجوزي إنما قالت ذلك إدلالا كما يدل الحبيب على حبيبه وقيل
أشارت إلى أفراد الله تعالى بقولها فهو الذي أنزل براءتي فناسب إفراده بالحمد في الحال ولا يلزم منه
ترك الحمد بعد ذلك ويحتمل أن تكون مع ذلك تمسكت بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لها احمدي الله
ففهمت منه أمرها بإفراد الله تعالى بالحمد فقالت ذلك وما أضافته إليه من الألفاظ المذكورة
كان من باعث الغضب وروى الطبري وأبو عوانة من طريق أبي حصين عن مجاهد قال قالت
عائشة لما نزل عذرها فقبل أبو بكر رأسها فقلت ألا عذرتني فقال أي سماء تظلني وأي أرض
تقلني إذا قلت ما لا أعلم (قوله فأنزل الله تعالى إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم العشر الآيات
كلها) (قلت) آخر العشرة قوله تعالى والله يعلم وأنتم لا تعلمون لكن وقع في رواية عطاء الخراساني
عن الزهري فأنزل الله تعالى إن الذين جاءوا إلى قوله إن يغفر الله لكم والله غفور رحيم وعدد الآي
إلى هذا الموضع ثلاث عشر آية فلعل في قولها العشر الآيات مجازا بطريق إلغاء الكسر وفي
رواية الحكم بن عتيبة مرسلا عن الطبري لما خاض الناس في أمر عائشة فذكر الحديث
مختصرا وفي آخره فأنزل الله تعالى خمس عشرة آية من سورة النور حتى بلغ الخبيثات للخبيثين
وهذا فيه تجوز وعدة الآي إلى هذا الموضع ست عشرة وفي مرسل سعيد بن جبير عند ابن أبي
حاتم والحاكم في الإكليل فنزلت ثماني عشرة آية متوالية كذبت من قذف عائشة إن الذين جاءوا
إلى قوله رزق كريم وفيه ما فيه أيضا وتحرير العدة سبع عشرة قال الزمخشري لم يقع في القرآن
من التغليظ في معصية ما وقع في قصة الإفك بأوجز عبارة وأشبعها لاشتماله على الوعيد الشديد
والعتاب البليغ والزجر العنيف واستعظام القول في ذلك واستشناعه بطرق مختلفة وأساليب
متقنة كل واحد منها كاف في بابه بل ما وقع منها من وعيد عبدة الأوثان إلا بما هو دون ذلك وما ذلك
إلا لاظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطهير من هو منه بسبيل وعند أبي داود من
366

طريق حميد الأعرج عن الزهري عن عروة عن عائشة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكشف الثوب عن وجهه ثم قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم إن الذين جاؤوا
بالإفك عصبة منكم وفي رواية بن إسحاق ثم خرج إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم ويجمع بأنه قرأ
ذلك عند عائشة ثم خرج فقرأها على الناس (قوله فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر)
يؤخذ منه مشروعية ترك المؤاخذة بالذنب ما دام احتمال عدمه موجودا لان أبا بكر لم يقطع
نفقة مسطح إلا بعد تحقيق ذنبه فيما وقع منه (قوله لقرابته منه) تقدم بيان ذلك قبل (قوله وفقره)
علة أخرى للانفاق عليه (قوله بعد الذي قال لعائشة) أي عن عائشة وفي رواية هشام بن عروة
فخلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحا بنافعة أبدا (قوله ولا يأتل) سيأتي شرحه في باب مفرد قريبا
(قوله وليعفوا وليصفحوا) قال مسلم حدثنا حبان بن موسى أنبأنا عبد الله بن المبارك قال هذه
أرجى آية في كتاب الله انتهى وإلى ذلك أشار القائل
فإن قدر الذنب من مسطح * يحط قدر النجم من أفقه
وقد جرى منه الذي قد جرى * وعوتب الصديق في حقه
(قوله قال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي) في رواية هشام بن عروة بلى والله يا ربنا إنا
لنحب أن تغفر لنا (قوله فرجع إلى مسطح النفقة) أي ردها إليه وفي رواية فليح فرجع إلى مسطح
الذي كان يجري عليه وفي رواية هشام بن عروة وعاد له بما كان يصنع ووقع عند الطبراني أنه صار
يعطيه ضعف ما كان يعطيه قبل ذلك (قوله يسأل زينب بنت جحش) أي أم المؤمنين (قوله أحمى
سمعي وبصري) أي من الحماية فلا أنسب إليهما ما لم أسمع وأبصر (قوله وهي التي كانت تساميني)
أي تعاليني من السمو وهو العلو والارتفاع أي تطلب من العلو والرفعة والحظوة عند النبي صلى
الله عليه وسلم ما أطلب أو تعتقد أن الذي لها عنده مثل الذي لي عنده وذهل بعض الشراح فقال
إنه من سوم الخسف وهو حمل الانسان على ما يكرهه والمعنى تغايظني وهذا لا يصح فإنه لا يقال في
مثله سام ولكن ساوم (قوله فعصمها الله) أي حفظها ومنعها (قوله بالورع) أي بالمحافظة على
دينها وبجانبه ما تخشي سوء عاقبته (قوله وطفقت) بكسر الفاء وحكى فتحها أي جعلت أو شرعت
وحمنة بفتح المهملة وسكون الميم وكانت تحت طلحة بن عبيد الله (قوله تحارب لها) أي تجادل لها
وتتعصب وتحكى ما قال أهل الإفك لتنخفض منزلة عائشة وتعلو مرتبة أختها زينب (قوله
فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك) أي حدثت فيمن حدث أو أئمت مع من أثم زاد صالح بن
كيسان وفليح ومعمر وغيرهم قال ابن شهاب فهذا الذي بلغنا من حديث هؤلاء الرهط زاد صالح
ابن كيسان عن ابن شهاب عن عروة قالت عائشة والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول
سبحان الله والذي نفسي بيده ما كشفت كنف أنثى قط وقد تقدم شرحه قبل قالت عائشة ثم
قتل بعد ذلك في سبيل الله وتقدم الخلاف في سنة قتله وفي الغزاة التي استشهد فيها في أوائل الكلام
على هذا الحديث ووقع في آخر رواية هشام بن عروة وكان الذي تكلم به مسطح وحسان بن ثابت
والمناف عبد الله بن أبي وهو الذي يستوشيه وهو الذي تولى كبره هو وحمنه وعند الطبراني من
هذا الوجه وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ومسطح وحمنة وحسان وكان كبر ذلك من قبل
عبد الله بن أبي وعند أصحاب السنن من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن
367

عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام حد القذف على الذين تكلموا بالإفك لكن لم يذكر
فيهم عبد الله بن أبي وكذا في حديث أبي هريرة عند البزار وبنى على ذلك صاحب الهدى فأبدى
الحكمة في ترك الحد على عبد الله بن أبي وفاته أنه ورد أنه ذكر أيضا فيمن أقيم عليه الحد ووقع
ذلك في رواية أبي أويس وعن حسن بن زيد عن عبد الله بن أبي بكر أخرجه الحاكم في الإكليل
وفيه رد على الماوردي حيث صحح أنه لم يحدهم مستندا إلى أن الحد لا يثبت إلا ببينة أو إقرار ثم قال
وقيل إنه حدهم وما ضعفه هو الصحيح المعتمد وسيأتي مزيد بيان لذلك في كتاب الحدود إن شاء الله
تعالى وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز الحديث عن جماعة ملفقا مجملا وقد تقدم
البحث فيه وفيه مشروعية القرعة حتى بين النساء وفي المسافرة بهن والسفر بالنساء حتى في الغزو
وجواز حكاية ما وقع للمرء من الفضل ولو كان فيه مدح ناس وذم ناس إذا تضمن ذلك إزالة توهم
النقص عن الحاكي إذا كان بريئا عند قصد نصح من يبلغه ذلك لئلا يقع فيما وقع فيه من سبق وإن
الاعتناء بالسلامة من وقوع الغير في الاثم أولى من تركه يقع في الاثم وتحصيل الاجر للموقوع فيه
وفيه استعمال التوطئة فيما يحتاج إليه من الكلام وأن الهودج يقوم مقام البيت في حجب المرأة
وجواز ركوب المرأة الهودج على ظهر البعير ولو كان ذلك مما يشق عليه حيث يكون مطيقا
لذلك وفيه خدمة الأجانب للمرأة من وراء الحجاب وجواز تستر المرأة بالشئ المنفصل عن البدن
وتوجه المرأة لقضاء حاجتها وحدها وبغير إذن خاص من زوجها بل اعتمادا على الاذن العام
المستند إلى العرف العام وجواز تحلى المرأة في السفر بالقلادة ونحوها وصيانة المال ولو قل
للنهي عن إضاعة المال فإن عقد عائشة لم يكن من ذهب ولا جوهر وفيه شؤم الحرص على المال
لأنها لو لم تطل في التفتيش لرجعت بسرعة فلما زاد على قدر الحاجة أثر ما جرى وقريب منه قصة
المتخاصمين حيث رفع علم ليلة القدر بسببهما فإنهما لم يقتصرا على ما لا بد منه بل زاد في الخصام
حتى ارتفعت أصواتهما فأثر ذلك بالرفع المذكور وتوقف رحيل العسكر على إذن الأمير
واستعمال بعض الجيش ساقه يكون أمينا ليحمل الضعيف ويحفظ ما يسقط وغير ذلك من
المصالح والاسترجاع عند المصيبة وتغطية المرأة وجهها عن نظر الأجنبي وإطلاق الظن على العلم
كذا قيل وفيه نظر قدمته وإغاثة الملهوف وعون المنقطع وإنقاذ الضائع وإكرام ذوي القدر
وإيثارهم بالركوب وتجشم المشقة لأجل ذلك وحسن الأدب مع الأجانب خصوصا النساء
لا سيما في الخلوة والمشي أمام المرأة ليستقر خاطرها وتأمن مما يتوهم من نظره لما عساه ينكشف
منها في حركة المشي وفيه ملاطفة الزوجة وحسن معاشرتها والتقصير من ذلك عند إشاعة
ما يقتضي النقص وإن لم يتحقق وفائدة ذلك أن تتفطن لتغيير الحال فتعتذر أو تعترف وأنه لا ينبغي
لأهل المريض أن يعلموه بما يؤذي باطنه لئلا يزيد ذلك في مرضه وفيه السؤال عن المريض
وإشارة إلى مراتب الهجران بالكلام والملاطفة فإذا كان السبب محققا فيترك أصلا وإن كان
مظنونا فيخفف وإن كان مشكوكا فيه أو محتملا فيحسن التقليل منه لا للعمل بما قيل بل لئلا
يظن بصاحبه عدم المبالاة بما قيل في حقه لان ذلك من خوارم المروأة وفيه أن المرأة إذا خرجت
لحاجة تستصحب من يؤنسها أو يخدمها ممن يؤمن عليها وفيه ذب المسلم عن المسلم خصوصا من
كان من أهل الفضل وردع من يؤذيهم ولو كان منهم بسبيل وبيان مزيد فضيلة أهل بدر وإطلاق
368

السب على لفظ الدعاء بالسوء على الشخص وفيه البحث عن الامر القبيح إذا أشيع وتعرف صحته
وفساده بالتنقيب على من قيل فيه هل وقع منه قبل ذلك ما يشبهه أو يقرب منه واستصحاب حال
من أتهم بسوء إذا كان قبل ذلك معروفا بالخير إذا لم يظهر عنه بالبحث ما يخالف ذلك وفيه فضيلة
قوية لام مسطح لأنها لم تحاب ولدها في وقوعه في حق عائشة بل تعمدت سبه على ذلك وفيه تقوية
لاحد الاحتمالين في قوله صلى الله عليه وسلم عن أهل بدر إن الله قال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت
لكم وأن الراجح أن المراد بذلك أن الذنوب تقع منهم لكنها مقرونة بالمغفرة تفضيلا لهم على غيرهم
بسبب ذلك المشهد العظيم ومرجوحية القول الآخر أن المراد أن الله تعالى عصمهم فلا يقع منهم
ذنب نبه على ذلك الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به وفيه مشروعية التسبيح عند سماع ما يعتقد
السامع أنه كذب وتوجيهه هنا أنه سبحانه وتعالى ينزه أن يحصل لقرابة رسول الله صلى الله عليه
وسلم تدنيس فيشرع شكره بالتنزيه في مثل هذا نبه عليه أبو بكر بن العربي وفيه توقف خروج
المرأة من بيتها على إذن زوجها ولو كانت إلى بيت أبويها وفيه البحث عن الامر المقول ممن يدل
عليه المقول فيه والتوقف في خير الواحد ولو كان صادقا وطلب الارتقاء من مرتبة الظن إلى
مرتبة اليقين وأن خبر الواحد إذا جاء شيئا بعد شئ أفاد القطع لقول عائشة لاستيقن الخبر من
قبلهما وأن ذلك لا يتوقف على عدد معين وفيه استشارة المرء أهل بطانته ممن يلوذ به بقرابة وغيرها
وتخصيص من جربت صحة رأيه منهم بذلك ولو كان غيره أقرب والبحث عن حال من اتهم بشئ
وحكاية ذلك للكشف عن أمره ولا يعد ذلك غيبة وفيه استعمال لا نعلم إلا خيرا في التزكية وأن
ذلك كاف في حق من سبقت عدالته ممن يطلع على خفي أمره وفيه التثبت في الشهادة وفطنة
الامام عند الحادث المهم والاستنصار بالاخصاء على الأجانب وتوطيئة العذر لمن يراد إيقاع
العقاب به أو العتاب له واستشارة الاعلى لمن هو دونه واستخدام من ليس في الرق وأن من استفسر
عن حال شخص فأراد بيان ما فيه من عيب فليقدم ذكر عذره في ذلك إن كان يعلمه كما قالت بريرة
في عائشة حيث عاتبها بالنوم عن العجين فقدمت قبل ذلك أنها جارية حديثه السن وفيه أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان لا يحكم لنفسه إلا بعد نزول الوحي لأنه صلى الله عليه وسلم لم يجزم في القصة
بشئ قبل نزول الوحي نبه عليه الشيخ أبو محمد بن أبي جمر نفع الله به وأن الحمية لله ورسوله لا تذم
وفيه فضائل جمة لعائشة ولأبويها ولصفوان ولعلى بن أبي طالب وأسامة وسعد بن معاذ وأسيد بن
حضير وفيه أن التعصب لا هو الباطل يخرج عن اسم الصلاح وجواز سب من يتعرض للباطل
ونسبته إلى ما يسوءه وإن لم يكن ذلك في الحقيقة فيه لكن إذا وقع منه ما يشبه ذلك جاز إطلاق
ذلك عليه تغليظا له وإطلاق الكذب على الخطأ والقسم بلفظ لعمر الله وفيه الندب إلى قطع
الخصومة وتسكين ثائرة الفتنة وسد ذريعة ذلك واحتمال أخف الضررين بزوال أغلظهما وفضل
احتمال الأذى وفيه مباعدة من خالف الرسول ولو كان قريبا حميما وفيه أن من آذى النبي صلى الله
عليه وسلم بقول أو فعل يقتل لان سعد بن معاذ أطلق ذلك ولم ينكره النبي عليه وسلم وفيه
مساعدة من نزلت فيه بلية بالتوجع والبكاء والحزن وفيه تثبت أبي بكر الصديق في الأمور لأنه لم
ينقل عنه في هذه القصة مع تمادي الحال فيها شهرا كلمة فما فوقها إلا ما ورد عنه في بعض طرق
الحديث أنه قال والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية فكيف بعد أن أعزنا الله بالاسلام وقع ذلك في
369

حديث ابن عمر عند الطبراني وفيه ابتداء الكلام في الامر المهم بالتشهد والحمد والثناء وقول أما
بعد وتوقيف من نقل عنه ذنب على ما قيل فيه بعد البحث عنه وأن قول كذا وكذا يكنى بها عن
الأحوال كما يكنى بها عن الاعداد ولا تختص بالاعداد وفيه مشروعية التوبة وأنها تقبل من
المعترف المقلع المخلص وأن مجرد الاعتراف لا يجزئ فيها وأن الاعتراف بما لم يقع لا يجوز ولو عرف
أنه يصدق في ذلك ولا يؤاخذ على ما يترتب على اعترافه بل عليه أن يقول الحق أو يسكت وأن
الصبر يحمد عاقبته ويغبط صاحبه وفيه تقديم الكبير في الكلام وتوقف من اشتبه عليه الامر في
الكلام وفيه تبشير من تجددت له نعمة أو اندفعت عنه نقمة وفيه الضحك والفرح والاستبشار
عند ذلك ومعذرة من انزعج عند وقوع الشدة لصغر سن ونحوه وإدلال المرأة على زوجها وأبويها
وتدريج من وقع في مصيبة فزالت عنه لئلا يهجم على قلبه الفرح من أول وهله فيهلكه يؤخذ
ذلك من ابتداء النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول الوحي ببراءة عائشة بالضحك ثم تبشيرها ثم
إعلامها ببراءتها مجملة ثم تلاوته الآيات على وجهها وقد نص الحكماء على أن من أشتد عليه
العطش لا يمكن من المبالغة في الري في الماء لئلا يفضي به ذلك إلى الهلكة بل يجرع قليلا قليلا
وفيه أن الشدة إذا اشتدت أعقبها الفرج وفضل من يفوض الامر لربه وأن من قوي على ذلك
خف عنه الهم والغم كما وقع في حالتي عائشة قبل استفسارها عن حالها وبعد جوابها بقولها والله
المستعان وفيه الحث على الانفاق في سبيل الخير خصوصا في صلة الرحم ووقوع المغفرة لمن أحسن
إلى من أساء إليه أو صفح عنه وأن من حلف أن لا يفعل شيئا من الخير استحب له الخنث وجواز
الاستشهاد بآي القرآن في النوازل والتأسي بما وقع للأكابر من الأنبياء وغيرهم وفيه التسبيح عند
التعجب واستعظام الامر وذم الغيبة وذم سماعها وزجر من يتعاطاها لا سيما إن تضمنت تهمة
المؤمن بما لم يقع منه وذم إشاعة الفاحشة وتحريم الشك في براءة عائشة وفيه تأخير الحد عمن
يخشى من إيقاعه به الفتنة نبه على ذلك ابن بطال مستندا إلى أن عبد الله بن أبي كان ممن قذف
عائشة ولم يقع في الحديث أنه ممن حد وتعقبه عياض بأنه لم يثبت أنه قذف بل الذي ثبت أنه كان
يستخرجه ويستوشيه (قلت) وقد ورد أنه قذف صريحا ووقع ذلك في مرسل سعيد بن جبير
عند ابن أبي حاتم وغيره وفي مرسل مقاتل بن حيان عند الحاكم في الإكليل بلفظ فرماها عبد الله
ابن أبي وفي حديث ابن عمر عند الطبراني بلفظ أشنع من ذلك وورد أيضا أنه ممن جلد الحد وقع
ذلك في رواية أبي أويس عن الحسن بن زيد وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيرهما مرسلا أخرجه
الحاكم في الإكليل فإن ثبتا سقط السؤال وإن لم يثبتا فالقول ما قال عياض فإنه لم يثبت خبر بأنه
قذف صريحا ثم لم يحد وقد حكى الماوردي إنكار وقوع الحد بالذين قذفوا عائشة أصلا كما
تقدم واعتل قائله بأن حد القذف لا يجب إلا بقيام بينة أو إقرار وزاد غيره أو بطلب المقذوف
قال ولم ينقل ذلك كذا قال وفيه نظر يأتي إيضاحه في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى واستدل به أبو علي
الكرابيسي صاحب الشافعي في كتاب القضاء على منع الحكم حالة الغضب لما بدا من سعد بن
معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة من قول بعضهم لبعض حالة الغضب حتى كادوا يقتتلون
قال فإن الغضب يخرج الحليم المتقي إلى ما لا يليق به فقد أخرج الغضب قوما من خيار هذه الأمة
بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مالا يشك أحد من الصحابة أنها منهم زلة إلى آخر كلامه
370

في ذلك وهذه مسألة نقل بعض المتأخرين فيها رواية عن أحمد ولم تثبت وسيأتي القول فيها في كتاب
الطلاق إن شاء الله تعالى ويؤخذ من سياق عائشة رضي الله عنها جميع قصتها المشتملة على براءتها
بيان ما أجمل في الكتاب والسنة لسياق أسباب ذلك وتسمية من يعرف من أصحاب القصص لما
في ضمن ذلك من الفوائد الأحكامية والآدابية وغير ذلك وبذلك يعرف قصور من قال براءة عائشة
ثابتة بصريح القرآن في فائدة لسياق قصتها * (قوله باب قوله ولولا فضل الله عليكم
ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم) في رواية أبي ذر بعد قوله أفضتم
فيه الآية (قوله (2) أفضتم قلتم) ثبت هذا لأبي نعيم في رواية المستخرج وقال أبو عبيدة في قوله
أفضتم أي خضتم فيه (قوله تفيضون فيه تقولون) هو قول أبي عبيدة (قوله وقال مجاهد تلقونه
يرويه بعضكم عن بعض) وصله الفريابي من طريقه وقال معناه من التلقي للشئ وهو أخذه وقبوله
وهو على القراءة المشهورة وبذلك جزم أبو عبيدة وغيره وتلقونه بحذف إحدى التاءين وقرأ ابن
مسعود بإثباتها وقراءة عائشة ويحيى بن يعمر تلقونه بكسر اللام وتخفيف القاف من الولق
بسكون اللام وهو الكذب وقال الفراء الولق الاستمرار في السير وفي الكذب ويقال للذي
أدمن الكذب الألق بسكون اللام وبفتحها أيضا وقال الخليل أصل الولق الاسراع ومنه
جاءت الإبل تلق وقد تقدم في غزوة المريسيع التصريح بأن عائشة قرأته كذلك وأن ابن أبي
مليكة قال هي أعلم من غيرها بذلك لكونه نزل فيها وقد تقدم فيه أيضا الكلام على إسناد حديث أم
رومان المذكور في هذا الباب والمذكور هنا طرف من حديثها وقد تقدم بتمامه هناك وتقدم
شرحه مستوفى في الباب الذي قبله في أثناء حديث عائشة وقال الإسماعيلي هذا الذي ذكره من
حديث أم رومان لا يتعلق بالترجمة وهو كما قال إلا أن الجامع بينهما قصة الإفك في الجملة وقوله في
هذه الرواية حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان عن حصين كذا للأكثر وسليمان هو ابن كثير أخو
محمد الراوي عنه وللأصيلي عن الجرجاني سفيان بدل سليمان قال أبو علي الجياني هو خطأ
والصواب سليمان وهو كما قال * (قوله باب إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم
ما ليس لكم به علم الآية) كذا لأبي ذر وساق غيره إلى عظيم وقد ذكرت ما فيه في الذي قبله * (قوله
باب ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا الآية) كذا لأبي ذر وساق غيره
إلى عظيم (قوله لجي اللجة معظم البحر) ثبت هذا لأبي نعيم في المستخرج وهو قول أبي عبيدة قال
في قوله في بحر لجي يضاف إلى اللجة وهي معظم البحر * (تنبيه) * ينبغي أن يكون هذا في أثناء
التفاسير المذكورة في أول السورة وأما خصوص هذا الباب فلا تعلق له بها (قوله حدثنا يحيى)
هو ابن سعيد القطان (قوله وهي مغلوبة) أي من شدة كرب الموت (قوله قالت أخشى أن يثني عله
فقيل ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم) كأن القائل فهم عنا أنها تمنعه من الدخول للمعنى
الذي ذكرته فذكرها بمنزلته والذي راجع عائشة في ذلك هو ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن
والذي أستأذن لابن عباس على عائشة حينئذ هو ذكوان مولاها وقد بين ذلك كله أحمد وابن سعد
من طريق عبد الله بن عثمان هو ابن خثيم عن ابن أبي مليكة عن ذكوان مولى عائشة أنه استأذن
لابن عباس على عائشة وهي تموت فذكر الحديث وفيه فقال لها عبد الله يا أمتاه إن ابن عباس من
صالح بيتك يسلم عليك ويودعك قالت ائذن له إن شئت وادعى بعض الشراح أن هذا يدل على أن
371

رواية البخاري مرسلة قال لان ابن أبي مليكة لم يشهد ذلك ولا سمعه من ابن عباس حال
قوله لعائشة لعدم حضوره انتهى وما أدرى من أين له الجزم بعدم حضوره وسماعه وما المانع من
ذلك ولعله حضر جميع ذلك وطال عهده به فذكره به ذكوان أو أن ذكوان ضبط منه ما لم يضبطه
هو ولهذا وقع في رواية ذكوان ما لم يقع في رواية ابن أبي مليكة (قوله كيف تجدينك) في
رواية ابن ذكوان فلما جلس قال أبشري قالت وأيضا قال ما بينك وبين أن تلقى محمدا والأحبة
إلا أن تخرج الروح من الجسد (قوله بخير إن اتقيت) أي إن كنت من أهل التقوى ووقع في
رواية الكشميهني أبقيت (قوله فأنت بخير إن شاء الله تعالى زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولم ينكح بكرا غيرك) في رواية ذكوان كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن
يحب إلا طيبا (قوله ونزل عذرك من السماء) يشير إلى قصة الإفك ووقع في رواية ذكوان وأنزل
الله براءتك من فوق سبع سماوات جاء به الروح الأمين فليس في الأرض مسجد إلا وهو يتلى فيه
آناء الليل وأطراف النهار وزاد في آخره وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فنزل التيمم فوالله إنك لمباركة
ولأحمد من طريق أخرى فيها رجل لم يسم عن ابن عباس أنه قال لها أنها سميت أم المؤمنين لتسعدي
وإنه لاسمك قبل أن تولدي وأخرجه ابن سعد من طريق عبد الرحمن بن سابط عن ابن عباس
مثله (قوله ودخل ابن الزبير خلافه) أي على عائشة بعد أن خرج ابن عباس فتخالفا في الدخول
والخروج ذهابا وإيابا وافق رجوع ابن عباس مجئ ابن الزبير (قوله وددت الخ) هو على عادة أهل
الورع في شدة الخوف على أنفسهم ووقع في رواية ذكوان أنها قالت لابن عباس هذا الكلام
قبل أن يقوم ولفظه فقالت دعني منك يا ابن عباس فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسيا
منسيا * (تنبيه) * لم يذكر هنا خصوص ما يتعلق بالآية التي ذكرها في الترجمة صريحا وأن كان
داخلا في عموم قول ابن عباس نزل عذرك من السماء فإن هذه الآية من أعظم ما يتعلق بإقامة
عذرها وبراءتها رضي الله عنها وسيأتي في الاعتصام من طريق هشام بن عروة وقال رجل من
الأنصار سبحانك ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك الآية وسأذكر تسميته هناك إن شاء الله تعالى
(قوله حدثنا ابن عون) هو عبد الله (عن القاسم) هو ابن محمد بن أبي بكر (قوله إن ابن عباس
رضي الله عنه استأذن على عائشة نحوه) في رواية الإسماعيلي عن الهيثم بن خلف وغيره عن محمد
ابن المثنى شيخ البخاري فيه فذكر معناه قال المزي في الأطراف يعني قوله أنت زوجة رسول الله
ونزل عذرك (قلت) وقد أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في المستخرج من طريق حماد بن زيد عن
عبد الله بن عون ولفظه عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها اشتكت فاستأذن ابن عباس عليها
واتاها يعودها فقالت الآن يدخل علي فيزكيني فأذنت له فقال أبشري يا أم المؤمنين تقدمين على
فرط صدق وتقدمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر قالت أعوذ بالله أن تزكيني
وقد تقدم في مناقب عائشة عن محمد بن بشار عن عبد الوهاب بإسناد الباب بلفظ أن عائشة اشتكت
فجاء ابن عباس فقال يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي
بكر فالذي يظهر أن رواية عبد الوهاب مختصرة وكأن المراد بقوله نحوه ومعناه بعض الحديث
لا جميع تفاصيله ثم راجعت مستخرج الإسماعيلي فظهر لي أن محمد بن المثنى هو الذي اختصره
لا البخاري لأنه صرح بأنه لا يحفظ حديث بن عون وأنه كان سمعه ثم نسيه فكان إذا حدث به
372

يختصره وكان يتحقق قولها نسيا منسيا لم يقع في رواية ابن عون وإنما وقعت في رواية ابن أبي مليكة
وأخرج ذلك الإسماعيلي عن جماعة من مشايخه عن محمد بن المثنى وأخرجه من طريق حماد بن
زيد عن عبد الله بن عون فساقه بتمامه كما بينته فهذا الذي أشار إليه ابن المثنى والله أعلم وفي هذه
القصة دلالة على سعة علم ابن عباس وعظيم منزلته بين ا لصحابة والتابعين وتواضع عائشة وفضلها
وتشديدها في أمر دينها وأن الصحابة كانوا لا يدخلون على أمهات المؤمنين إلا بإذن ومشورة الصغير
على الكبير إذا رآه عدل إلى ما الأولى خلافه والتنبيه على رعاية جانب الأكابر من أهل العلم والدين
وأن لا يترك ما يستحقونه من ذلك لمعارض دون ذلك في المصلحة * (قوله باب يعظكم الله
أتعودوا لمثله أبدا الآية) سقط لغير أبي ذر لفظ الآية (قوله عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء
حسان بن ثابت يستأذن عليها) فيه التفات من المخاطبة إلى الغيبة وفي رواية مؤمل عن سفيان
عند الإسماعيلي كنت عند عائشة فدخل حسان فأمرت فألقيت له وسادة فلما خرج قلت أتأذنين
لهذا (قوله قلت أتأذنين لهذا) في رواية مؤمل ما تصنعين بهذا وفي رواية شعبة في الباب الذي
يليه تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد نزل الله والذي تولى كبره منهم وهذا مشكل لان ظاهره أن
المراد بقوله والذي تولى كبره منهم هو حسان بن ثابت وقد تقدم قبل هذا أنه عبد الله بن أبي وهو
المعتمد وقد وقع في رواية أبي حذيفة عن سفيان الثوري عند أبي نعيم في المستخرج وهو ممن تولى
كبره فهذه الرواية أخف إشكالا (قوله قالت أوليس قد أصابه عذاب عظيم) في رواية شعبة قالت
وأي عذاب أشد من العمى (قوله قال سفيان تعني ذهاب بصره) زاد أبو حذيفة وإقامة
الحدود ووقع بعد هذا الباب في رواية شعبة تصريح عائشة بصفة العذاب دون رواية سفيان
ولهذا أحتاج أن يقول تعني وسفيان المذكور هو الثوري والراوي عنه الفريابي وقد روى
البخاري عن محمد بن يوسف عن الأعمش شيئا غير هذا ومحمد بن يوسف فيه هو البيكندي
وسفيان هو ابن عيينة بخلاف الذي هنا ووقع عند الإسماعيلي التصريح بأن سفيان هنا هو
الثوري ومحمد بن يوسف هو الفريابي (قوله فشبب) بمعجمة وموحدتين الأولى ثقيلة أي تغزل
يقال شبب الشاعر بفلانة أي عرض بحبها وذكر حسنها والمراد ترقيق الشعر بذكر النساء وقد
يطلق على إنشاد الشعر وإنشائه ولم يكن فيه غزل كما وقع في حديث أم معبد فلما سمع حسان
شعر الهاتف شبب يجاريه أخذ في نظم جوابه (قوله حصان) بفتح المهملة قال السهيلي هذا
الوزن يكثر في أوصاف المؤنث وفي الاعلام منها كأنهم قصدوا بتوالي الفتحات مشاكلة خفة
اللفظ لخفة المعنى حصان من الحصين والتحصين يراد به الامتناع على الرجال ومن نظرهم إليها
وقوله رزان من الرزانة يراد قلة الحركة وتزن بضم أوله ثم زاي ثم نون ثقيلة أي ترمي وقوله غرثى
بفتح المعجمة وسكون الراء ثم مثلثة أي خميصة البطن أي لا تغتاب أحدا وهي استعارة فيها تلميح
بقوله تعالى في المغتاب أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا والغوافل جمع غافلة وهي العفيفة
الغافلة عن الشر والمراد تبرئتها من اغتياب الناس بأكل لحومهم من الغيبة ومناسبة تسمية
الغيبة بأكل اللحم أن اللحم ستر على العظم فكأن المغتاب يكشف ما على من اغتابه من ستر وزاد
ابن هشام في السيرة في هذا الشعر على أبي زيد الأنصاري
عقيلة حي من لؤي بن غالب * كرام المساعي مجدهم غير زائل
373

مهذبة قد طيب الله خيمها * وطهرها من كل سوء وباطل
وفيه عن ابن إسحاق
فان كنت قد قلت الذي زعموا لكم * فلا رفعت سوطي إلي أناملي
فكيف وودي ما حييت ونصرتي * لآل رسول الله زين المحافل
وزاد فيه الحاكم في رواية له من غير رواية ابن إسحاق
حليلة خير الخلق دينا ومنصبا * نبي الهدى والمكرمات الفواضل
رأيتك وليغفر لك الله حرة * من المحصنات غير ذات الغوائل
والخيم بكسر المعجمة وسكون التحتانية الأصل الثابت وأصله من الخيمة يقال خام يخيم إذا أقام
بالمكان (قوله فقالت عائشة لست كذاك) ذكر ابن هشام عن أبي عبيدة أن امرأة مدحت بنت
حسان بن ثابت عند عائشة فقالت حصان رزان البيت فقالت عائشة لكن أبوها وهو بتخفيف
النون فإن كان محفوظا أمكن تعدد القصة ويكون قوله في بعض طرق رواية مسروق يشبب
ببنت له بالنون لا بالتحتانية ويكون نظم حسان في بنته لا في عائشة وإنما تمثل به لكن بقية الأبيات
ظاهرة في أنها في عائشة وهذا البيت في قصيدة لحسان يقول فيها
فإن كنت قد قلت الذي زعموا لكم * فلا رفعت سوطي إلي أناملي
وإن الذي قد قيل ليس بلائق بك * الدهر بل قيل امرئ متماحل
(قوله قالت لكن) أنت في رواية شعيب قالت لست كذاك وزاد في آخره وقالت قد كان يرد عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم في المغازي من وجه آخر عن شعبة بلفظ أنه كان ينافح
أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودل قول عائشة لكن أنت لست كذلك على أن
حسان كان ممن تكلم في ذلك وهذه الزيادة الأخيرة تقدمت هناك من طريق عروة عن عائشة أتم
من هذا وتقدم هناك أيضا في أثناء حديث الإفك من طريق صالح بن كيسان عن الزهري قال
عروة كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال
فإن أبي ووالدتي وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء
* (قوله باب ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم) ذكر فيه بعض حديث مسروق عن
عائشة وقد بينت ما فيه في الباب الذي قبله وقوله في أول السند (2) حدثنا محمد بن كثير أنبأنا سليمان
كذا للأكثر غير منسوب وهو سليمان بن كثير أخو محمد الراوي عنه صرح به ووقع في رواية الأصيلي
عن أبي زيد كالجماعة وعن الجرجاني سفيان بدل سليمان قال أبو علي الجياني وسليمان هو الصواب
* (قوله باب قوله إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا الآية إلى قوله
رؤوف رحيم) كذا لأبي ذر وساق غيره إلى رؤوف رحيم (قوله تشيع تظهر) ثبت هذا لأبي ذر وحده
وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تشيع الفاحشة تظهر يتحدث
به ومن طريق سعيد بن جبير في قوله أن تشيع الفاحشة يعني أن تفشو وتظهر والفاحشة الزنا
(قوله ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين إلى قوله والله غفور
رحيم) سقط لغير أبي ذر فصارت الآيات موصولا بعضها ببعض فأما قوله ولا يأتل فقال أبو عبيدة
معناه لا يفتعل من آليت أي أقسمت وله معنى آخر من ألوت أي فصرت ومنه لا يألونكم خبالا
374

وقال الفراء الائتلاء الحلف وقرأ أهل المدينة ولا يتأل بتأخير الهمزة وتشديد اللام وهي خلاف
رسم المصحف وما نسبه إلى أهل المدينة غير معروف وإنما نسبت هذه القراءة للحسن البصري
وقد روى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ولا يأتل يقول لا يقسم
وهو يؤيد القراءة المذكورة (قوله وقال أبو أسامة عن هشام بن عروة الخ) وصله أحمد عنه
بتمامه وقد ذكرت ما فيه من فائدة أثناء حديث الإفك الطويل قريبا ووقع في رواية المستملي عن
الفربري حدثنا حميد بن الربيع حدثنا أبو أسامة فظن الكرماني أن البخاري وصله عن حميد
375

ابن الربيع وليس كذلك بل هو خطأ فاحش فلا يغتر به * (قوله باب وليضربن
بخمرهن على جيوبهن) كأن يضربن ضمن معنى يلقين فلذلك عدي بعلي (قوله وقال أحمد بن
شبيب) بمعجمة وموحدتين وزن عظيم وهو من شيوخ البخاري إلا أنه أورد هذا عنه بهذه الصيغة
وقد وصله ابن المنذر عن محمد بن إسماعيل الصائغ عن أحمد بن شبيب وكذا أخرجه ابن مردويه
من طريق موسى بن سعيد الدنداني عن أحمد بن شبيب بن سعيد وهكذا أخرجه أبو داود والطبراني
من طريق قرة بن عبد الرحمن عن الزهري مثله (قوله يرحم الله نساء المهاجرات) أي النساء
المهاجرات فهو كقولهم شجر الأراك ولأبي داود من وجه آخر عن الزهري يرحم الله النساء
المهاجرات (قوله الأول) بضم الهمزة وفتح الواو جمع أولى أي السابقات من المهاجرات وهذا
يقتضي أن الذي صنع ذلك نساء المهاجرات لكن في رواية صفية بنت شيبة عن عائشة أن ذلك
في نساء الأنصار كما سأنبه عليه (قوله مروطهن) جمع مرط وهو الازار وفي الرواية الثانية أزرهن
وزاد شققنها من قبل الحواشي (قوله فاختمرن) أي غطين وجوههن وصفة ذلك أن تضع الخمار
على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر وهو التمتع قال الفراء كانوا في الجاهلية
تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها فأمرن بالاستتار والخمار للمرأة كالعمامة
للرجل (قوله في الرواية الثانية عن الحسن) هو ابن مسلم (قوله لما نزلت هذه الآية وليضربن
بخمرهن على جيوبهن أخذن أزرهن) هكذا وقع عند البخاري الفاعل ضميرا وأخرجه النسائي
من رواية ابن المبارك عن إبراهيم بن نافع بلفظ أخذ النساء وأخرجه الحاكم من طريق زيد بن
الحباب عن إبراهيم بن نافع بلفظ أخذ نساء الأنصار ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان
ابن خثيم عن صفية ما يوضح ذلك ولفظه ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن فقالت إن نساء
قريش لفضلاء ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا بكتاب الله ولا إيمانا
بالتنزيل لقد أنزلت سورة النور وليضربن بخمرهن على جيوبهن فانقلب رجالهن إليهن يتلون
عليهن ما أنزل فيها ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على
رؤسهن الغربان ويمكن الجمع بين الروايتين بأن نساء الأنصار بادرن إلى ذلك
* (قوله سورة الفرقان)
(بسم الله الرحمن الرحيم) *
(وقال ابن عباس هباء منثورا ما يسفى به الريح) وصله ابن جرير من طريق ابن جريج عن عطاء عن
ابن عباس مثله وزاد في آخره ويبثه ولابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
قال (0) وقال أبو عبيدة في قوله هباء منثورا هو الذي يدخل البيت من الكوة يدخل
مثل الغبار مع الشمس وليس له مس ولا يرى في الظل وروى ابن أبي حاتم من طريق الحسن
البصري نحوه وزاد لو ذهب أحدكم يقبض عليه لم يستطع ومن طريق الحارث عن علي في قوله هباء
منثورا قال ما ينثر من الكوة (قوله دعاؤكم إيمانكم) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن
أبي طلحة عن ابن عباس مثله وقد تقدم الكلام عليه في أوائل كتاب الايمان وثبت هذا هنا
للنسفي وحده (قوله مد الظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) وصله ابن أبي حاتم من
376

طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله وعند عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة مثله
وقال ابن عطية تظاهرت أقوال المفسرين بهذا وفيه نظر لأنه لا خصوصية لهذا الوقت بذلك بل
من بعد غروب الشمس مدة يسيرة يبقى فيها ظل ممدود مع أنه في نهار وأما سائر النهار ففيه ظلال
متقطعة ثم أشار إلى اعتراض آخر وهو أن الظل إنما يقال لما يقع بالنهار قال والظل الموجود في
هذين الوقتين من بقايا الليل انتهى والجواب عن الأول أنه ذكر تفسير الخصوص من سياق
الآية فإن في بقيتها ثم جعلنا الشمس عليه دليلا والشمس تعقب الذي يوجد قبل طلوعها فيزيله
فلهذا جعلت عليه دليلا فظهر اختصاص الوقت الذي قبل الطلوع بتفسير الآية دون الذي
بعد الغروب وأما الاعتراض الثاني فساقط لان الذي نقل أنه يطلق على ذلك ظل ثقة مثبت فهو
مقدم على النافي حتى ولو كان قول النافي محققا لما أمتنع إطلاق ذلك عليه مجازا (قوله ساكنا
دائما) وصله ابن أبي حاتم من الوجه المذكور (قوله عليه دليلا طلوع الشمس) وصله ابن أبي حاتم
كذلك (قوله خلفة من فاته من الليل عمل أدركه بالنهار أو وفاته بالنهار أدركه بالليل) وصله ابن أبي
حاتم أيضا كذلك وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الحسن نحوه (قوله قال الحسن)
هو البصري (قوله هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين في طاعة الله) وصله سعيد بن منصور
حدثنا جرير بن حازم سمعت الحسن وسأله رجل عن قوله هب لنا من أزواجنا ما القرة أفي الدنيا أم
في الآخرة قال بل في الدنيا هي والله أن يرى العبد من ولده طاعة الله الخ وأخرجه عبد الله
ابن المبارك في كتاب البر والصلة عن حزم القطعي عن الحسن وسمي الرجل السائل كثير بن زياد
(قوله وما شئ أقر لعين المؤمن من أن يرى حبيبه في طاعة الله) في رواية سعيد بن منصور أن يرى
حميمه (قوله وقال ابن عباس ثبورا وبلا) وصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
وثبت هذا لأبي ذر والنسفي فقط وقال أبو عبيدة في قوله دعوا هنالك ثبورا أي هلكة وقال مجاهد
عتوا طغوا وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وعتوا عتوا كبير قال
طغوا (قوله وقال غيره السعير مذكر) قال أبو عبيدة في قوله وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ثم
قال بعده إذا رأتهم والسعير مذكر وهو ما يسعر به النار ثم أعاد الضمير للنار والعرب تفعل ذلك تظهر
مذكرا من سبب مؤنث ثم يؤنثون ما بعد المذكر (قوله والتسعير والاضطرام التوقد الشديد) هو
قول أبي عبيدة أيضا (قوله أساطير) (7) تقدم في تفسير سورة الأنعام (قوله تملى عليه تقرأ عليه
من أمليت وأمللت) قال أبو عبيدة في قوله فهي تملي عليه أي تقرأ عليه وهو من أمليت عليه وهي
في موضع آخر أمللت عليه يشير إلى قوله تعالى في سورة البقرة وليملل الذي عليه الحق (قوله الرس
المعدن جمعه رساس) قال أبو عبيدة في قوله وأصحاب الرس أي المعدن وقال الخليل الرس كل بئر
تكون غير مطوية ووراء ذلك أقوال أحدها أورده ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد
قال الرس البئر ومن طريق سفيان عن رجل عن عكرمة قال أصحاب الرس رسوا نبيهم في بئر ومن
طريق سعيد عن قتادة قال حدثنا أن أصحاب الرس كانوا باليمامة ومن طريق شبيب عن عكرمة
عن ابن عباس في قوله وأصحاب الرس قال بئر بآذربيجان (قوله ما يعبأ يقال ما عبأت به شيئا
لا يعتد به) قال أبو عبيدة في قوله قل ما يعبأ بكم ربي هو من قولهم ما عبأت بك شيئا أي ما عددتك
شيئا * (تنبيه) * وقع في بعض الروايات تقديم وتأخير لهذه التفاسير والخطب فيها سهل (قوله
377

غراما هلاكا) قال أبو عبيدة في قوله إن عذابها كان غراما أي هلاكا وإلزاما لهم ومنه رجل
مغرم بالحب (قوله وقال ابن عيينة عاتية عتت على الخزان) كذا في تفسيره وهذا في سورة
الحاقة وإنما ذكره هنا استرداد لما ذكر قوله عتوا وقد تقدم ذكر هذا في قصة هود من أحاديث
الأنبياء * (قوله باب قوله الذين يحشروا على وجوههم إلى جهنم الآية) كذا لأبي
ذر وساق غيره إلى قوله وأضل سبيلا (قوله شيبان) هو ابن عبد الرحمن (قوله إن رجلا قال
يا نبي الله يحشر الكافر) لم أقف على اسم السائل وسيأتي شرح الحديث مستوفى في كتاب
الرقاق إن شاء الله تعالى (قوله يحشر الكافر) في رواية الحاكم من وجه آخر عن أنس
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحشر أهل النار على وجوههم وفي حديث أبي هريرة
عند البزار يحشر الناس على ثلاثة أصناف صنف على الدواب وصنف على أقدامهم وصنف على
وجوههم فقيل فكيف يمشوا على وجوههم الحديث ويؤخذ من مجموع الأحاديث أن
المقربين يحشرون ركبانا ومن دونهم من المسلمين على أقدامهم وأما الكفار فيحشرون على
وجوههم (قوله قال قتادة بل وعزة ربنا) هذه الزيادة موصولة بالاسناد المذكور قالها قتادة
تصديقا لقوله أليس * (قوله باب قوله والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون
النفس الآية) كذا لأبي ذر وساق غيره إلى قوله أثاما (قوله يلق أثاما العقوبة) قال أبو عبيدة في
قوله ومن يفعل ذلك يلق أثاما أي عقوبة وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يلق أثاما قال
نكالا قال ويقال إنه واد في النار وهذا الأخير أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو وعكرمة
وغيرهما (قوله حدثني منصور) هو ابن المعتمر (وسليمان) هو الأعمش (عن أبي وائل عن أبي ميسرة)
بفتح الميم وسكون التحتانية بعدها مهملة اسمه عمرو بن شرحبيل (قوله قال وحدثني واصل) هو ابن
حبان الأسدي الكوفي ثقة من طبقة الأعمش والقائل هو سفيان الثوري وحاصله أن الحديث
عنده عن ثلاثة أنفس أما اثنان منهما فأدخلا فيه بين أبي وائل وابن مسعود أبا ميسرة وأما
الثالث وهو واصل فأسقطه وقد رواه عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الثلاثة عن أبي وائل
عن أبي ميسرة عن ابن مسعود فعدوهما والصواب إسقاط أبي ميسرة من رواية واصل كما فصله
يحيى بن سعيد وقد أخرجه ابن مردويه من طريق مالك بن مغول عن واصل بإسقاط أبي ميسرة
أيضا وكذلك رواه شعبة ومهدي بن ميمون عن واصل وقال الدارقطني رواه أبو معاوية وأبو شهاب
وشيبان عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بإسقاط أبي ميسرة والصواب إثباته في رواية
الأعمش وذكر رواية ابن مهدي وأن محمد بن كثير وافقه عليها قال ويشبه أن يكون الثوري لما
حدث به ابن المهدي فجمع بين الثلاثة حمل رواية واصل عن رواية الأعمش ومنصور (قوله سألت
أو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية قلت يا رسول الله ولأحمد من وجه آخر عن مسروق
عن ابن مسعود جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على نشز من الأرض وقعدت أسفل منه
فاغتنمت خلوته فقلت بأبي وأمي أنت يا رسول الله أي الذنوب أكبر الحديث (قوله أي الذنب
عند الله أكبر) في رواية مسلم أعظم (قوله قلت ثم أي) تقدم الكلام في ضبطها في الكلام على
حديث ابن مسعود أيضا في سؤاله عن أفضل الأعمال (قوله ندا) بكسر النون أي نظيرا (قوله
أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) أي من جهة إيثار نفسه عليه عند عدم ما يكفي أو من جهة
378

البخل مع الوجدان (قوله أن تزاني بحليلة) بالمهملة بوزن عظيمة والمراد الزوجة وهي
مأخوذة من الحل لأنها تحل له فهي فعيلة بمعنى فاعلة وقيل من الحلول لأنها تحل معه ويحل
معها (قوله ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين لا يدعون
مع الله إلها آخر إلى ولا يزنون) هكذا قال ابن مسعود والقتل والزنا في الآية مطلقان وفي
الحديث مقيدان أما القتل فبالولد خشية الاكل معه وأما الزنا فبزوجة الجار والاستدلال
لذلك بالآية سائغ لأنها وإن وردت في مطلق الزنا والقتل لكن قتل هذا والزنا بهذه أكبر
وأفحش وقد روى أحمد من حديث المقداد بن الأسود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما تقولون في الزنا قالوا حرام قال لان يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة
جاره (قوله أخبرني القاسم بن أبي بزة) بفتح الموحدة وتشديد الزاي واسم أبي بزة نافع بن
يسار ويقال أبو بزه جد القاسم لا أبوه مكي تابعي صغير ثقة عندهم وهو والد جد البزي المقرئ
وهو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم وليس للقاسم في البخاري إلا هذا الحديث الواحد (قوله
هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة) في رواية منصور عن سعيد بن جبير في آخر الباب قال لا توبة له
(قوله فقال سعيد) أي ابن جبير (قرأتها على ابن عباس) في الرواية التي بعدها من طريق المغيرة
ابن النعمان عن سعيد بن جبير اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن (قوله فدخلت فيه إلى ابن
عباس) في رواية الكشميهني فرحلت براء وحاء مهملتين وهي أوجه (قوله هذه مكية) يعني
نسختها آية مدنية كذا في هذه الرواية وروى ابن مردويه من طريق خارجة بن زيد بن ثابت
عن أبيه قال نزلت سورة النساء بعد سورة الفرقان بستة أشهر (قوله في رواية غندر عن شعبة
اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن) كذا وقع مختصرا وأخصر منه رواية آدم في تفسير النساء
وقد أخرجه مسلم وغيره من طرق عن شعبة منه عن غندر بلفظ اختلف أهل الكوفة في هذه
الآية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم (قوله نزلت في آخر ما نزل ولم ينسخها شئ) كذا في
هذه الرواية ولا يظهر من سياقها تعيين الآية المذكورة وقد بينها فرواية منصور في الباب عن
سعيد بن جبير سألت ابن عباس عن قوله فجزاؤه جهنم فقال لا توبة له وعن قوله لا يدعون مع الله
إلها آخر قال كانت هذه في الجاهلية ويأتي في الباب الذي يلي الذي يليه أوضح من ذلك * (قوله
باب يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) قرأ الجمهور بالجزم في يضاعف
ويخلد بدلا من الجزاء في قوله يلق أثاما بدل اشتمال وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم بالرفع على
الاستئناف (قوله حدثنا سعد ابن حفص) هو الطلحي وشيبان هو ابن عبد الرحمن ومنصور هو
ابن المعتمر (قوله عن سعيد بن جبير قال قال ابن أبزي) بموحدة وزاي مقصورة واسمه عبد الرحمن
وهو صحابي صغير (قوله سئل ابن عباس) كذا في رواية أبي ذر بصيغة الفعل الماضي ومثله
للنسفي وهو يقتضي أنه من رواية سعيد بن جبير عن ابن أبزي عن ابن عباس وفي رواية
الأصيلي سل بصيغة الامر وهو المعتمد ويدل عليه قوله بعد سياق الآيتين فسألته فإنه واضح في
جواب قوله سل وإن كان اللفظ الآخر يمكن توجيهه بتقدير سئل ابن عباس عن كذا فأجاب
فسألته عن شئ آخر مثلا ولا يخفى بمكانة ويؤيد الأول رواية شعبة في الباب الذي يليه عن
منصور عن سعيد بن جبير قال أمرني عبد الرحمن بن أبزي أن أسأل بن عباس فسألته وكذا
أخرجه إسحاق بن إبراهيم في تفسيره عن جرير عن منصور وأخرجه ابن مردويه من طريق
379

أخرى عن جرير بلفظ قال أمرني عبد الرحمن بن أبزي أن سل ابن عباس فذكره وذكر عياض
ومن تبعه أنه وقع في رواية أبي عبيد القاسم بن سلام في هذا الحديث من طريق
عن سعيد بن جبير أمرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي أن أسأل ابن عباس فالحديث من رواية
سعيد بن جبير عن ابن عباس ولغيره أمرني بن عبد الرحمن قال وقال بعضهم لعله سقط ابن قبل
عبد الرحمن وتصحف من أمرني ويكون الأصل أمر ابن عبد الرحمن ثم لا ينكر سؤال عبد الرحمن
واستفادته من ابن عباس فقد سأله من كان أقدم منه وأفقه (قلت) الثابت في الصحيحين وغيرهما
من المستخرجات عن سعيد بن جبير أمرني عبد الرحمن بن أبزي أن أسأل ابن عباس فالحديث
من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس والذي زاد فيه سعيد بن عبد الرحمن أو ابن عبد الرحمن
(قوله عن هاتين الآيتين ومن يقتل مؤمنا متعمدا فسألته فقال لم ينسخها شئ وعن والذين
يدعون مع الله إلها آخر قال نزلت في أهل الشرك) هكذا أورده مختصرا وسياق مسلم من هذا
الوجه أتم وأتم منهما ما تقدم في المبعث من رواية جرير بلفظ هاتين الآيتين ما أمرهما التي
في سورة الفرقان والذين لا يدعون مع الله إلها آخر والتي في سورة النساء ومن يقتل مؤمنا
متعمدا قال سألت ابن عباس فقال لما أنزلت التي في سورة قال مشركو مكة قد قتلنا
النفس ودعونا مع الله إلها آخر وأتينا الفواحش قال فنزلت إلا من تاب الآية قال فهذه لأولئك
قال وأما التي في سورة النساء فهو الذي قد عرف الاسلام ثم قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم
لا توبة له قال فذكرت ذلك لمجاهد فقال إلا من ندم وحاصل ما في هذه الروايات أن ابن عباس كان
تارة يجعل الآيتين في محل واحد فلذلك يجزم بنسخ إحداهما وتارة يجعل محلهما مختلفا ويمكن
الجمع بين كلامية بأن عموم التي في الفرقان خص منها مباشرة المؤمن القتل متعمدا وكثير من
السلف يطلقون النسخ على التخصيص وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض وأولى من
دعوى أنه قال بالنسخ ثم رجع عنه وقول ابن عباس بأن المؤمن إذا قتل مؤمنا متعمدا لا توبة له
مشهور عنه وقد جاء عنه في ذلك ما هو أصرح مما تقدم فروى أحمد والطبري من طريق يحيى الجابر
والنسائي وابن ماجة من طريق عمار الذهبي كلاهما عن سالم بن أبي الجعد قال كنت عند ابن
عباس بعد ما كف بصره فأتاه رجل فقال ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا قال جزاؤه جهنم
خالدا فيها وساق الآية إلى عظيما قال لقد نزلت في آخر ما نزل وما نسختها شئ حتى قبض رسول الله
صلى الله عليه وسلم وما نزل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفرأيت إن تاب وآمن وعمل
عملا صالحا ثم اهتدى قال وأني له التوبة والهدى لفظ يحيى الجابر والآخر نحوه وجاء على وفق
ما ذهب إليه ابن عباس في ذلك أحاديث كثيرة منها ما أخرجه أحمد والنسائي من طريق أبي
إدريس الخولاني عن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل ذنب عسى الله أن
يغفره إلا الرجل يموت كافرا والرجل يقتل مؤمنا متعمدا وقد حمل جمهور السلف وجميع أهل
السنة ما ورد من ذلك على التغليظ وصححوا توبة القاتل كغير وقالوا معنى قوله فجزاؤه جهنم أي
إن شاء الله أن يجازيه تمسكا بقوله تعالى في سورة النساء أيضا إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون
ذلك لمن يشاء ومن الحجة في ذلك حديث الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم أتى تمام
المائة فقال له لا توبة لك فقتله فأكمل به مائة ثم جاء آخر فقال ومن يحول بينك وبين التوبة
380

الحديث وهو مشهور وسيأتي في الرقاق واضحا وإذا ثبت ذلك لمن قبل من غير هذه الأمة فمثله لهم
أولى لما خفف الله عنهم من الأثقال التي كانت على من قبلهم * (قوله باب قوله
فسوف يكون لزاما هلكة) قال أبو عبيدة في قوله فسوف يكون لزاما أي جزاء يلزم كل عامل بما
عمل وله معنى آخر يكون هلاكا (قوله حدثنا مسلم) هو أبو الضحى الكوفي
* (سورة الشعرا) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
ثبتت البسملة لأبي ذر مؤخرة (قوله وقال مجاهد تعيشون تبنون) وصله الفريابي عن ورقاء عن
ابن أبي نجيح عنه في قوله أتبنون بكل ريع قال بكل فج آية تعيشون بنيانا وقيل كانوا يهتدون في
الاسفار بالنجوم ثم اتخذوا أعلاما في أماكن مرتفعة ليهتدوا بها وكانوا في غنية عنها بالنجوم
فاتخذوا البنيان عبثا (قوله هضم يتفتت إذا مس) وصله الفريابي بلفظ يتهشم هشيما وروى
ابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد الطلعة إذا مسستها تناثرت ومن طريق عكرمة قال الهضيم
الرطب اللين وقيل المذنب (قوله مسحرين مسحورين) وصله الفريابي في قوله إنما أنت من
المسحرين أي من المسحورين وقال أبو عبيدة كل من أكل فهو مسحر وذلك أن له سحرا يفرى
ما أكل فيه انتهى والسحر بمهملتين بفتح ثم سكون الرئة وقال الفراء المعنى إنك تأكل الطعام
والشراب وتسحر به فأنت بشر مثلنا لا تفضلنا في شئ (2) (قوله في الساجدين في المصلين) وصله
الفريابي كذلك والمراد أنه كان يرى من خلفه في الصلاة (قوله الليكة والأيكة جمع أيكة وهي
جمع الشجر) كذا لأبي ذر ولغير جمع شجر وللبعض جماعة الشجر وقد تقدم في قصة شعيب من
أحاديث الأنبياء اللفظ الأول مع شرحه والكلام الأول من قول مجاهد ومن قوله جمع أيكة الخ هو
من كلام أبي عبيدة ووقع فيه سهو فإن الليكة والأيكة بمعنى واحد عند الأكثر والمسهل الهمزة فقط
وقيل ليكة اسم القرية والأيكة الغيضة وهي الشجر الملتف وأما قوله جمع شجر يقال جمعها ليك
وهو الشجر الملتف (قوله يوم الظلة إظلال العذاب إياهم) وصله الفريابي وقد تقدم أيضا في
أحاديث الأنبياء (قوله موزون معلوم) كذا لهم ووقع في رواية أبي ذر وقال ابن عباس لعلكم
تخلدون كأنكم ليكة الأيكة وهي الغيضة موزون معلوم فأما قوله لعلكم فوصله ابن أبي طلحة
عنه به وحكى البغوي في تفسيره عن الواحدي قال كل ما في القرآن لعل فهو للتعليل إلا هذا
الحرف فإنه للتشبيه كذا قال وفي الحصر نظر لأنه قد قيل مثل ذلك في قوله لعلك باخع نفسك وقد
قرأ أبي بن كعب كأنكم تخلدون وقرأ ابن مسعود كي تخلدوا وكأن المراد أن ذلك بزعمهم لانهم
كانوا يستوثقون من البناء ظنا منهم أنها تحصنهم من أمر الله فكأنهم صنعوا الحجر صنيع من
يعتقد أنه يخلد وأما قوله ليكة فتقدم بيانه في أحاديث الأنبياء ووصله ابن أبي حاتم بهذا اللفظ أيضا
وأما قوله موزون فمحله في سورة الحجر ووقع ذكره هنا غلطا وكأنه انتقل من بعض من نسخ الكتاب
من محله وقد وصله ابن أبي حاتم أيضا كذلك ووصله الفريابي بالاسناد المذكور عن مجاهد في قوله
وأنبتنا فيها من كل شئ موزون قال بقدر مقدور (قوله كالطود كالجبل) وقع هذا لأبي
ذر منسوبا إلى ابن عباس ولغيره منسوبا إلى مجاهد والأول أظهر ووصله ابن أبي حاتم من طريق
381

علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وزاد على نشز من الأرض ووصله الفريابي من طريق مجاهد (قوله
وقال غيره لشرذمة الشرذمة طائفة قليلة) كذا لأبي ذر ولغيره ذكر ذلك فيما نسب إلى مجاهد
والأول أولى وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى إن هؤلاء لشرذمة قليلون أي طائفة قليلة
وذهب إلى القول فقال فليلون والذي أورده الفريابي وغيره عن مجاهد في هذا أنه قال في قوله إن
هؤلاء لشرذمة قليلون قال هم يومئذ ستمائة ألف ولا يحصى عدد أصحاب فرعون وروى
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال ذكر لنا أن بني إسرائيل الذين قطع بهم موسى البحر كانوا ستمائة
ألف مقاتل بني عشرين سنة فصاعدا وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق عن أبي عبيدة
عن ابن مسعود قال كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفا ومن طريق ابن إسحاق عن عمرو بن ميمون
مثله (قوله الريع الايفاع من الأرض وجمعه ريعه وأرياع واحدة ريعه) كذا فيه وريعه الأول
بفتح التحتانية والثاني بسكونها وعند جماعة من المفسرين ريع واحد جمعه أرياع وريعه
بالتحريك وريع أيضا واحدة ريعة بالسكون كعهن وعهنة وقال أبو عبيدة في قوله أتبنون بكل
ريع الريع الارتفاع من الأرض والجمع أرياع وريعة والريعة واحدة أرياع وقال عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة في قوله تعالى بكل ريع أي بكل طريق (قوله مصانع كل بناء فهو مصنعة)
هو قول أبي عبيدة وزاد بفتح النون وبضمها وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة المصانع القصور
والحصون وقال عبد الرزاق المصانع عندنا بلغة اليمن القصور العادية وقال سفيان ما يتخذ فيه
الماء ولابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال المصانع القصور المشيدة ومن وجه
آخر قال لمصانع بروج الحمام (قوله فرهين مرحين) كذا لهم ولأبي ذر فرحين بحاء مهملة
والأول أصح وصوبه بعضهم لقرب مخرج الحاء من الهاء وليس بشئ قال أبو عبيدة في قوله بيوتا
فرهين أي مرحين وله تفسير آخر في الذي بعده وسيأتي تفسير الفرحين بالمرحين في سورة القصص
(قوله فارهين بمعناه ويقال فارهين حاذقين) هو كلام أبي عبيدة أيضا وأنشده على المعنى الأول
لا أستكين إذا ما أزمة أزمت * ولن تراني بخير فاره الليت
والليت بكسر اللام بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة العنق ورو عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
والكلبي في قوله فرهين قال معجبين بصنيعكم ولابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال آمنين
ومن طريق مجاهد قال شرهين ومن طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح عن عبد الله بن
شداد قال أحدهما حاذقين وقال الآخر جبارين (قوله تعثوا هو أشد الفساد وعاث يعيث عيثا)
مراده أن اللفظين بمعنى واحد ولم يرد أن تعثوا مشتق من العيث وقد قال أبو عبيدة في قوله
ولا تعثوا في الأرض مفسدين هو من عثيت تعثى وهو أشد مبالغة من عثت تعيث وروى ابن
أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة ولا تعثوا أي لا تسيروا في الأرض مفسدين (قوله الجبلة
الخلق جبل خلق ومنه جبلا وجبلا يعني الخلق قال ابن عباس) كذا لأبي ذر وليس عند
غيره قال ابن عباس وهو أولى فإن هذا كله كلام أبي عبيدة قال في قوله والجبلة الأولين أي
الخلق هو من جبل على كذا أي تخلق وفي القرآن ولقد أضل منكم جبلا مثقل وغير مثقل ومعناه
الخلق انتهى وقوله مثقل وغير مثقل لم يبين كيفيتهما وفيهما قراءات ففي المشهور بكسرتين
وتشديد اللام لنافع وعاصم وبضمة ثم سكون لأبي عمرو وابن عامر وبكسرتين واللام خفيفة
382

للأعمش وبضمتين واللام خفيفة للباقين وفي الشواذ بضمتين ثم تشديد وبكسرة ثم سكون
وبكسرة ثم فتحه مخففة وفيها قراآت أخرى وأخرج ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس قال في قوله والجبلة الأولين قال خلق الأولين ومن طريق مجاهد قال الجبلة الخلق ولابن
أبي حاتم من طريق ابن أبي عمر عن سفيان مثل قول ابن عباس ثم قرأ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا
* (قوله باب ولا تخزني يوم يبعثون) سقط باب لغير أبي ذر (قوله وقال إبراهيم بن
طهمان الخ) وصله النسائي عن أحمد بن حفص بن عبد الله عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان
وساق الحديث بتمامه (قوله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة) كذا قال ابن أبي أويس وأورد
البخاري هذه الطريق معتمدا عليها وأشار إلى الطريق الأخرى التي زيد فيها بين سعيد وأبي
هريرة رجل فذكرها معلقة وسعيد قد سمع من أبي هريرة وسمع من أبيه عن أبي هريرة فلعل
هذا مما سمعه من أبيه عن أبي هريرة ثم سمعه من أبي هريرة أو سمعه من أبي هريرة مختصرا ومن
أبيه عنه تاما أو سمعه من أبي هريرة ثم ثبته فيه أبوه وكل ذلك لا يقدح في صحة الحديث وقد
وجد للحديث أصل عن أبي هريرة من وجه آخر أخرجه البزار والحاكم من طريق حماد بن سلمة
عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة وشاهده عندهما أيضا من حديث أبي سعيد (قوله
إن إبراهيم يرى أباه يوم القيامة وعليه الغيرة والقترة والغبرة هي القترة) كذا أورده مختصرا ولفظ
النسائي وعليه الغبرة والقترة فقال له قد نهيتك عن هذا فعصيتني قال لكني لا أعصيك
اليوم الحديث فعرف من هذا أن قوله والغبرة هي القترة من كلام المصنف وأخذه من كلام
أبي عبيدة وأنه قال في تفسير سورة يونس ولا يرهق وجوههم فتر ولا ذلة القتر الغبار وأنشد لذلك
شاهدين قال ابن التين وعلى هذا فقوله في سورة عبس غيرة ترهقها قترة تأكيد لفظي كأنه
قال غبرة فوقها غبرة وقال غير هؤلاء القترة ما يغشى الوجه من الكرب والغبرة ما يعلوه من الغبار
وأحدهما حسي والآخر معنوي وقيل القترة شدة الغبرة بحيث يسود الوجه وقيل القترة
سواد الدخان فاستعير هنا (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس وأخوه أبو بكر
عبد الحميد (قوله في الطريق الموصولة يلقى إبراهيم أباه فيقول يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني
يوم يبعثون فيقول الله إني حرمت الجنة على الكافرين) هكذا أورده هنا مختصرا وساقه في
ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء تاما (1) (قوله يلقى إبراهيم أباه آزر) هذا موافق لظاهر القرآن
في تسمية والد إبراهيم وفسبقت سبته في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وحكى الطبري من
طريق ضعيفة عن مجاهد أن آزر اسم الصنم وهو شاذ (قوله وعلى وجه آزر قترة وغبرة) هذا
موافق لظاهر القرآن وجوه يومئذ عليها ترهقها قترة أي يغشاها قترة فالذي يظهر أن الغبرة
الغبار من التراب والقترة السواد الكائن عن الكآبة (قوله فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعصني
فيقول أبوه فاليوم لا أعصيك) في رواية إبراهيم بن طهمان فقال له قد نهيتك عن هذا فعصيتني
قال لكني لا أعصيك واحدة (قوله فيقول إبراهيم يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون
فأي خزي أخزى من أبي الابعد) وصف نفسه بالأبعد على طريق الفرض إذا لم تقبل شفاعته في
أبيه وقيل الابعد صفة أبيه أي أنه شديد البعد من رحمة الله لان الفاسق بعيد منها فالكافر أبعد
وقيل الابعد بمعنى البعيد والمراد الهالك ويؤيد الأول أن في رواية إبراهيم بن طهمان وأن أخزيت
383

أبي فقد أخزيت الابعد وفي رواية أيوب يلقى رجل أباه يوم القيامة فيقول له أي أبن كنت
لك فيقول خير ابن فيقول هل أنت مطيعي اليوم فيقول نعم فيقول خذ بأزرتي فيأخذ بأزرته تم
ينطلق حتى يأتي ربه وهو يعرض الخلق فيقول الله يا عبدي ادخل من أي أبواب الجنة شئت
فيقول أي رب أبي معي فإنك وعدتني أن لا تخزني (قوله فيقول الله إني حرمت الجنة على
الكافرين) في حديث أبي سعيد فينادي إن الجنة لا يدخلها مشرك (قوله ثم يقال يا إبراهيم
ما تحت رجليك انظر فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار) في رواية إبراهيم
ابن طهمان فيؤخذ منه فيقول يا إبراهيم أين أبوك قال أنت أخذته مني قال انظر أسفل فينظر
فإذا ذيخ يتمرغ في نتنه وفي رواية أيوب فيمسخ الله أباه ضبعا فيأخذ بأنفه فيقول يا عبدي أبوك
هو فيقول لا وعزتك وفي حديث أبي سعيد فيحول في صورة قبيحة وريح منتنة في صورة ضبعان
زاد ابن المنذر من هذا الوجه فإذا رآه كذا تبرأ منه قال لست أبي والذيخ بكسر الذال المعجمة بعدها
تحتانية ساكنة ثم خاء معجمة ذكر الضباع وقيل لا يقال له ذيخ إلا إذا كان كثير الشعر والضبعان
لغة في الضبع وقوله متلطخ قال بعض الشراح أي في رجيع أو دم أو طين وقد عينت الرواية
الأخرى المراد وأنه الاحتمال الأول حيث قال فيتمرغ في نتنه قيل الحكمة في مسخه لتنفر نفس
إبراهيم منه ولئلا يبقى في النار على صورته فيكون فيه غضاضة على إبراهيم وقيل والحكمة في
مسخه ضبعا أن الضبع من أحمق الحيوان وآزر كان من أحمق البشر لأنه بعد أن ظهر له من ولده
من الآيات البينات أصر على الكفر حتى مات واقتصر في مسخه على هذا الحيوان لأنه وسط في
التشويه بالنسبة إلى ما دونه كالكلب والخنزير وإلى ما فوقه كالأسد مثلا ولان إبراهيم بالغ في
الخضوع له وخفض الجناح فأبى واستكبر وأصر على الكفر فعومل بصفة الذل يوم القيامة
ولان للضبع عوجا فأشير إلى أن آزر لم يستقم فيؤمن بل استمر على عوجه في الدين وقد استشكل
الإسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته فقال بعد أن أخرجه هذا خبر في صحته نظر من
جهة أن إبراهيم علم أن الله لا يخلف الميعاد فكيف يجعل ما صار لأبيه خزيا مع علمه بذلك وقال
غيره هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعده وعدها
إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه انتهى والجواب عن ذلك أن أهل التفسير اختلفوا في الوقت
الذي تبرأ فيه إبراهيم من أبيه فقيل كان ذلك في الحياة الدنيا لما مات آزر مشركا وهذا أخرجه
الطبري من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وإسناده صحيح وفي
رواية فلما مات لم يستغفر له ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه قال استغفر له
ما كان حيا فلما مات أمسك وأورده أيضا من طريق مجاهد وقتادة وعمرو بن دينار نحو ذلك وقيل
إنما تبرأ منه يوم القيامة لما يئس منه حين مسخ على ما صرح به في رواية ابن المنذر التي أشرت إليها
وهذا الذي أخرجه الطبري أيضا من طريق عبد الملك بن أبي سليمان سمعت سعيد بن جبير يقول
إن إبراهيم يقول يوم القيامة رب والدي رب والدي فإذا كان الثالثة أخذ بيده فيلتفت إليه وهو
ضبعان فيتبرأ منه ومن طريق عبيد بن عمير قال يقول إبراهيم لأبيه إني كنت آمرك في الدنيا
وتعصيني ولست تاركك اليوم فخذ بحقوي فيأخذ بضبعيه فيمسخ ضبعا فإذا رآه إبراهيم مسخ تبرأ
منه ويمكن الجمع بين القولين بأنه تبرأ منه لما مات مشركا فترك الاستغفار له لكن لما رآه يوم القيامة
384

أدركته الرأفة والرقة فسأل فيه فلما رآه مسخ يئس منه حينئذ فتبرأ منه تبرأ أبديا وقيل إن إبراهيم
لم يتيقن موته على الكفر بجواز أن يكون آمن في نفسه ولم يطلع إبراهيم على ذلك وتكون تبرئته
منه حينئذ بعد الحال التي وقعت في هذا الحديث قال الكرماني فإن قلت إذا أدخل الله أباه
النار فقد أخزاه لقوله إنك من تدخل النار فقد أخزيته وخزي الوالد خزي الولد فيلزم الخلف في
الوعد وهو محال ولو لم يدخل النار لزم الخلف في الوعيد وهو المراد بقوله إن الله حرم الجنة على
الكافرين والجواب أنه إذا مسخ في صورة ضبع وألقى في النار لم تبق الصورة التي هي سبب الخزي
فهو عمل بالوعد والوعيد وجواب آخر وهو أن الوعد كان مشروطا بالايمان وإنما استغفر له وفاء
بما وعده فلما تبين له أن عدو لله تبرأ منه (قلت) وما قدمته يؤدي المعنى المراد مع السلامة مما في
اللفظ من الشناعة والله أعلم * (قوله باب وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض
جناحك ألن جانبك) هو قول أبي عبيدة وزاد وكلامك (قوله عن ابن عباس قال لما نزلت وأنذر
عشيرتك الأقربين) هذا من مراسيل الصحابة وبذلك جزم الإسماعيلي لان أبا هريرة إنما أسلم
بالمدينة وهذه القصة وقعت بمكة وابن عباس كان حينئذ إما لم يولد وإما طفلا ويؤيد الثاني نداء
فاطمة فإنه يشعر بأنها كانت حينئذ بحيث تخاطب بالأحكام وقد قدمت في باب من انتسب إلى
آبائه في أوائل السيرة النبوية احتمال أن تكون هذه القصة وقعت مرتين لكن الأصل عدم
تكرار النزول وقد صرح في هذه الرواية بأن ذلك وقع حين نزلت نعم وقع عند الطبراني من
حديث أبي أمامة قال لما نزلت وأنذر عشيرتك جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني هاشم ونساءه
وأهله فقال يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار واسعوا في فكاك رقابكم يا عائشة بنت أبي بكر
يا حفصة بنت عمر يا أم سلمة فذكر حديثا طويلا فهذا إن ثبت دل على تعدد القصة لان القصة
الأولى وقعت بمكة لتصريحه في حديث الباب أنه صعد الصفا ولم تكن عائشة وحفصة وأم سلمة
عنده ومن أزواجه إلا بالمدينة فيجوز أن تكون متأخرة عن الأولى فيمكن أن يحضرها أبو هريرة
وابن عباس أيضا ويحمل قوله لما نزلت جمع أي بعد ذلك لا أن الجمع وقع على الفور ولعله كان
نزل أولا وانذر عشيرتك الأقربين فجمع قريشا فعم ثم خص كما سيأتي ثم نزل ثانيا ورهطك منهم
المخلصين فخص بذلك بني هاشم ونساءه والله أعلم وفي هذه الزيادة تعقب على النووي حيث قال في
شرح مسلم إن البخاري لم يخرجها أعني ورهطك منهم المخلصين اعتمادا على ما في هذه السورة
وأغفل كونها موجودة عند البخاري في سورة تبت (قوله لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين) زاد
في تفسير تبت من رواية أبي أسامة عن الأعمش بهذا السند ورهطك منهم المخلصين وهذه الزيادة
وصلها الطبري من وجه آخر عن عمرو بن مرة أنه كان يقرؤها كذلك قال القرطبي لعل هذه
الزيادة كانت قرآنا فنسخت تلاوتها ثم استشكل ذلك بأن المراد إنذار الكفار والمخلص صفة
المؤمن والجواب عن ذلك أنه لا يمتنع عطف الخاص على العام فقوله وأنذر عشيرتك عام فيمن
آمن منهم ومن لم يؤمن ثم عطف عليه الرهط المخلصين تنويها بهم وتأكيدا واستدل بعض
المالكية بقوله في هذا الحديث يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله
شيئا أن النيابة لا تدخل في أعمال البر إذ لو جاز ذلك لكان يتحمل عنها صلى الله عليه وسلم بما يخلصها
فإذا كان عمله لا يقع نيابة عن ابنته فغيره أولى بالمنع وتعقب أن هذا كان قبل أن يعلمه الله تعالى بأنه
385

يشفع فيمن أراد وتقبل شفاعته حتى يدخل قوما الجنة بغير حساب ويرفع درجات قوم آخرين
ويخرج من النار من دخلها بذنوبه أو كان المقام مقام التخويف والتحذير أو أنه أراد المبالغة في
الحض على العمل ويكون في قوله لا أغني شيئا إضمار إلا إن أذن الله لي بالشفاعة (قوله فجعل
ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش) في حديث أبي هريرة قال يا معشر قريش أو كلمة نحوها
ووقع عند البلاذري من وجه آخر عن ابن عباس أبين من هذا ولفظه فقال يا بني فهر فاجتمعوا ثم
قال يا بني غالب فرجع بنو محارب والحرث ابنا فهر فقال يا بني لؤي فرجع بنو الأدرم بن غالب فقال
يا آل كعب فرجع بنو عدي وسهم وجمح فقال يا آل كلاب فرجع بنو مخزوم وتيم فقال يا آل قصي
فرجع بنو زهرة فقال يا آل عبد مناف فرجع بنو عبد الدار وعبد العزي فقال له أبو لهب هؤلاء
بنو عبد مناف عندك وعند الواقدي أنه قصر الدعوة على بني هاشم والمطلب وهم يومئذ خمسة
وأربعون رجلا وفي حديث على عند ابن إسحاق والطبري والبيهقي في الدلائل أنهم كانوا حينئذ
أربعون يزيدون رجلا أو ينقصون وفيه عمومته أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ولابن أبي
حاتم من وجه آخر عنه إنهم يومئذ أربعون غير رجل أو أربعون ورجل وفي حديث على من
الزيادة أنه صنع لهم شاة على ثريد وقعب لبن وأن الجميع أكلوا من ذلك وشربوا وفضلت فضلة وقد
كان الواحد منهم يأتي عل جميع ذلك (قوله أرأيتكم لو أخبرتكم الخ) أراد بذلك تقريرهم
بأنهم يعلمون صدقه إذا أخبر عن الامر الغائب ووقع في حديث على ما أعلم شابا من العرب جاء
قومه بأفضل مما جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة (قوله كنتم مصدقي) بتشديد
التحتانية (قوله قال فأني نذير لكم) أي منذر ووقع في حديث قبيصة بن محارب وزهير بن عمرو عند
مسلم وأحمد فجعل ينادي إنما أنا نذير وإنما مثلي ومثلكم كرجل رأى العدو فجعل يهتف يا صباحاه
يعنى ينذر قومه وفي رواية موسى ابن وردان عن أبي هريرة عند أحمد قال أنا النذير والساعة
الموعد وعند الطبري من مرسل قسامة بن زهير قال بلغني أنه صلى الله عليه وسلم وضع أصابعه في
أذنه ورفع صوته وقال يا صباحاه ووصله مرة أخرى عن قسامة عن أبي موسى الأشعري وأخرجه
الترمذي موصولا أيضا (قوله فنزلت تبت يدا أبي لهب وتب) في رواية أبي أسامة تبت يدا أبي
لهب وقد تب وزاد هكذا قرأها الأعمش يومئذ انتهى وليست هذه القراءة فيما نقل الفراء عن
الأعمش فالذي يظهر أنه قرأها حاكيا لا قارئا ويؤيده قوله في هذا السياق يومئذ فإنه يشعر بأنه كان
لا يستمر على قراءتها كذلك والمحفوظ أنها قراءة ابن مسعود وحده (قوله في حديث أبي هريرة
اشتروا أنفسكم من الله) أي باعتبار تخليصها من النار كأنه قال أسلموا تسلموا من العذاب فكان
ذلك كالشراء كأنهم جعلوا الطاعة ثمن النجاة وأما قوله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين
أنفسهم فهناك المؤمن بائع باعتبار تحصيل الثواب والثمن الجنة وفيه إشارة إلى أن النفوس كلها
ملك لله تعالى وأن من أطاعه حق طاعته في امتثال أوامره واجتناب نواهيه وفي ما عليه من
الثمن وبالله التوفيق (قوله يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله يا عباس الخ) في رواية موسى
ابن طلحة عن أبي هريرة عند مسلم وأحمد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فعم وخص فقال
يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار يا معشر بني كعب كذلك يا معشر بني هاشم كذلك
يا معشر بني عبد المطلب كذلك الحديث (قوله يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بنصب
386

عمة ويجوز في صفية الرفع والنصب وكذا القول في قوله يا فاطمة بنت محمد (قوله تابعه أصبغ عن
ابن وهب الخ) سبق التنبيه عليه في الوصايا وفي الحديث أن الأقرب للرجل من كان يجمعه هو
وجد أعلى وكل من اجتمع معه في جد دون ذلك كان أقرب إليه وقد تقدم البحث في المراد بالأقربين
والأقارب في الوصايا والسر في الامر بإنذار الأقربين أولا أن الحجة إذا قامت عليهم تعدت إلى غيرهم
وإلا فكانوا علة للأبعدين في الامتناع وأن لا يأخذه ما يأخذ القريب للقريب من العطف
والرأفة فيحابيهم في الدعوة والتخويف فلذلك نص له على إنذارهم وفيه جواز تكنية الكافر وفيه
خلاف بين العلماء كذا قيل وفي إطلاقه نظر لان الذي منع من ذلك إنما منع منه حيث يكون السياق
يشعر بتعظيمه بخلاف ما إذا كان ذلك لشهرته بها دون غيرها كما في هذا أو للإشارة إلى ما يؤل
أمره إليه من لهب وجهنم ويحتمل أن يكون ترك ذكره باسمه لقبح اسمه لان اسمه كان عبد العزي
ويمكن جواب آخر وهو أن التكنية لا تدل بمجردها على التعظيم بل قد يكون الاسم أشرف من
الكنية ولهذا ذكر الله الأنبياء بأسمائهم دون كناهم
* (قوله سورة النمل) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقط سورة والبسملة لغير أبي ذر وثبت للنسفي لكن بتقديم البسملة (قوله الخبء ما خبأت)
في رواية غير أبي ذر والخبء بزيادة واو في أوله وهذا قول ابن عباس أخرجه الطبري من طريق
علي بن أبي طلحة عنه قال يخرج الخبء يعلم كل خفية في السماوات والأرض وقال الفراء في قوله
يخرج الخبء أي الغيث من السماء والنبات من الأرض قال وفي هنا بمعنى من وهو كقولهم
ليستخرجن العلم فيكم أي الذي منكم وقرأ ابن مسعود يخرج الخبء من بدل في وروى عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة قال الخبء السر ولابن أبي حاتم من طريق عكرمة مثله ومن طريق
مجاهد قال الغيث ومن طريق سعيد بن المسيب قال الماء (قوله لا قبل لا طاقة) هو قول
أبي عبيدة وأخرج الطبري من طريق إسماعيل بن أبي خالد مثله (قوله الصرح كل ملاط أتخذ
من القوارير) كذا للأكثر بميم مكسورة وفي رواية الأصيلي بالموحدة المفتوحة ومثله لابن
السكن وكتبه الدمياطي في نسخته بالموحدة وليست هي روايته والملاط بالميم المكسورة الطين
الذي يوضع بين ساقتي البناء وقيل الصخر وقيل كل بناء عال منفرد وبالموحدة المفتوحة ما كسيت
به الأرض من حجارة أو رخام أو كلس وقد قال أبو عبيدة الصرح كل بلاط أتخذ من قوارير
والصرح القصر وأخرج الطبري من طريق وهب بن منيه قال أمر سليمان الشياطين فعملت
له الصرح من زجاج كأنه الماء بياضا ثم أرسل الماء تحته ووضع سريره فيه فجلس عليه وعكفت
عليه الطير والجن والانس ليريها ملكا هو أعز من ملكها فلما رأت ذلك بلقيس حسبته لجة
وكشفت عن ساقيها لتخوضه ومن طريق محمد بن كعب قال سجن سليمان فيه دواب البحر الحيتان
والضفادع فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها فإذا هي أحسن الناس ساقا وقدما فأمرها
سليمان فاستترت (قوله والصرح القصر وجماعته صروح) هو قول أبي عبيدة كما تقدم وسيأتي
له تفسير آخر بعد هذا بقليل (قوله وقال ابن عباس ولها عرش سرير كريم حسن الصنعة وغلاء
387

الثمن) وصله الطبري من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله ولها عرش عظيم قال
سرير كريم حسن الصنعة قال وكان من ذهب وقوائمه من جوهر ولؤلؤ ولابن أبي حاتم من طريق
زهير بن محمد قال حسن الصنعة غالي الثمن سرير من ذهب وصفحتاه مرمول بالياقوت
والزبرجد طوله ثمانون ذراعا في أربعين (قوله يأتوني مسلمين طائعين) وصله الطبري من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله ومن طريق ابن جريج أي مقرين بدين الاسلام ورجح
الطبري الأول واستدل له (قوله ردف اقترب) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس في قوله عسى أن يكون ردف لكم اقترب لكم وقال أبو عبيدة في قوله تعالى عسى أن
يكون ردف لكم أي جاء بعدكم ودعوى المبرد أن اللام زائدة وأن الأصل ردفكم قاله على ظاهر
اللفظ وإذا صح أن المراد به اقترب صح تعديته باللام كقوله اقترب للناس حسابهم (قوله جامدة
قائمة) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله (قوله أوزعني اجعلني)
وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله وقال أبو عبيدة في قوله أوزعني أي
سددني إليه وقال في موضع آخر أي ألهمني وبالثاني جزم الفراء (قوله وقال مجاهد نكروا
غيروا) وصله الطبري من طريقه ومن طريق قتادة وغيره نحوه وأخرج ابن أبي حاتم من وجه
آخر صحيح عن مجاهد قال أمر بالعرش فغير ما كان أحمر جعل أخضر وما كان أخضر جعل
أصفر غير كل شئ عن حاله ومن طريق عكرمة قال زيدوا فيه وانقضوا (قوله والقبس ما اقتبست
منه النار) ثبت هذا للنسفي وحده وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى أو آتيكم بشهاب قبس أي
بشعلة نار ومعنى قبس ما أقتبس من النار ومن الجمر (قوله وأوتينا العلم يقوله سليمان) وصله
الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا ونقل الواحدي أنه من قول بلقيس قالته مقرة
بصحة نبوة سليمان والأول هو المعتمد (قوله الصرح بركة ماء ضرب عليها سليمان قوارير وألبسها
إياه) في رواية الأصيلي إياها وأخرج الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الصرح
بركة من ماء ضرب عليها سليمان قوارير ألبسها قال وكانت هلباء شقراء ومن وجه آخر عن
مجاهد كشفت بلقيس عن ساقيها فإذا هما شعراوان فأمر سليمان بالنورة فصنعت ومن طريق
عكرمة نحوه قال فكان أول من صنعت له النورة وصله ابن أبي حاتم من وجه آخر عن عكرمة
عن ابن عباس
* (قوله سورة القصص) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر والنسفي (قوله إلا وجهه إلا ملكه) في رواية النسفي وقال
معمر فذكره ومعمر هذا هو أبو عبيدة بن المثنى وهذا كلامه في كتابه مجاز القرآن لكن بلفظ
إلا هو وكذا نقله الطبري عن بعض أهل العربية وكذا ذكره الفراء وقال ابن التين قال
أبو عبيدة إلا وجهه أي جلالة وقيل إلا إياه تقول أكرم الله وجهك أي أكرمك الله (قوله ويقال
إلا ما أريد به وجهه) نقله الطبري أيضا عن بعض أهل العربية ووصله ابن أبي حاتم من طريق
خصيف عن مجاهد مثله ومن طريق سفيان الثوري قال إلا ما ابتغى به وجه الله من الأعمال
388

الصالحة انتهى ويتخرج هذان القولان على الخلاف في جواز إطلاق شئ على الله فمن أجازه
قال الاستشاء متصل والمراد بالوجه الذات والعرب تعبر بالأشرف عن الجملة ومن لم يجز إطلاق
شئ على الله قال هو منقطع أي لكن هو تعالى لم يهلك أو متصل والمراد بالوجه ما عمل لأجله (قوله
وقال مجاهد فعميت عليهم الانباء الحجج) وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه * (قوله
باب إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) لم تختلف النقلة في أنها
نزلت في أبي طالب واختلفوا في المراد بمتعلق أحببت فقيل المراد أحببت هدايته وقيل أحببته
هو لقرابته منك (قوله عن أبيه) هو المسيب بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون
وقد تقدم بعض شرح الحديث في الجنائز (قوله لما حضرت أبا طالب الوفاة) قال الكرماني
المراد حضرت علامات الوفاة وإلا فلو كان انتهى إلى المعاينة لم ينفعه الايمان لو آمن ويدل على
الأول ما وقع من المراجعة بينه وبينهم انتهى ويحتمل أن يكون انتهى إلى تلك الحالة لكن رجاء
النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أقر بالتوحيد ولو في تلك الحالة أن ذلك ينفعه بخصوصه وتسوغ
شفاعته صلى الله عليه وسلم لمكانه منه ولهذا قال أجادل لك بها وأشفع لك وسيأتي بيانه ويؤيد
الخصوصية أنه بعد أن أمتنع من الاقرار بالتوحيد وقال هو على ملة عبد المطلب ومات على ذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الشفاعة له بل شفع له حتى خفف عنه العذاب بالنسبة لغيره
وكان ذلك من الخصائص في حقه وقد تقدمت الرواية بذلك في السيرة النبوية (قوله جاءه رسول
الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية) يحتمل أن يكون المسيب
حضر هذه القصة فإن المذكورين من بني مخزوم وهو من بني مخزوم أيضا وكان الثلاثة يومئذ
كفارا فمات أبو جهل على كفره وأسلم الآخران وأما قول بعض الشراح هذا الحديث من مراسيل
الصحابة فمردود لأنه استدل بأن المسيب على قول مصعب من مسلمة الفتح وعلى قول العسكري ممن
بايع تحت الشجرة قال فأيا ما كان فلم يشهد وفاة أبي طالب لأنه توفي هو وخديجة في أيام متقاربة
في عام واحد والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ نحو الخمسين انتهى ووجه الرد أنه لا يلزم من كون
المسيب تأخر إسلامه أن لا يشهد وفاة أبي طالب كما شهدها عبد الله بن أبي أمية وهو يومئذ كافر
ثم أسلم بعد ذلك وعجب من هذا القائل كيف يعزو كون المسيب كان ممن بايع تحت الشجرة إلى
العسكري ويغفل عن كون ذلك ثابتا في هذا الصحيح الذي شرحه كما مر في المغازي واضحا (قوله
أي عم) أما أي فهو بالتخفيف حرف نداء وأما عم فهو منادى مضاف ويجوز فيه إثبات الياء
وحذفها (قوله كلمة) بالنصب على البدل من لا إله إلا الله أو الاختصاص ويجوز الرفع على أنه
خبر لمبتدأ محذوف (قوله أحاج) بتشديد الجيم من المحاجة وهي مفاعلة من الحجة والجيم مفتوحة
على الجزم جواب الامر والتقدير إن نقل أحاج ويجوز الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ووقع
في رواية معمر عن الزهري بهذا الاسناد في الجنائز أشهد بدل أحاج وفي رواية مجاهد عند
الطبري أجادل عنك بها زاد الطبري من طريق سفيان بن حسين عن الزهري قال أي عم إنك
أعظم الناس على حقا وأحسنهم عندي يدا فقل كلمة تجب لي بها الشفاعة فيك يوم القيامة
(قوله فلم يزل يعرضها) بفتح أوله وكسر الراء وفي رواية الشعبي عند الطبري فقال له ذلك
مرارا (قوله ويعيد أنه بتلك المقالة) أي ويعيدانه إلى الكفر بتلك المقالة كأنه قال كان قارب
389

أن يقولها فيردانه ووقع في رواية معمر فيعودان له بتلك المقالة وهي أوضح وقع عند مسلم فلم يزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويقول له تلك المقالة قال القرطبي في المفهم كذا في
الأصول وعند أكثر الشيوخ والمعنى أنه عرض عليه الشهادة وكررها عليه ووقع في بعض النسخ
ويعيدان له بتلك المقالة والمراد قول أبي جهل ورفيقه له ترغب عن ملة عبد المطلب (قوله
آخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب) خبر مبتدأ محذوف أي هو على ملة وفي رواية معمر هو على
ملة عبد المطلب وأراد بذلك نفسه ويحتمل أن يكون قال أنا فغيرها الراوي أنفة أن يحكي كلام
أبي طالب استقباحا للفظ المذكور وهي من التصرفات الحسنة ووقع في رواية مجاهد قال يا ابن
أخي ملة الأشياخ ووقع في حديث أبي حازم عن أبي هريرة عند مسلم والترمذي والطبري قال
لولا أن تعيرني قريش يقولون ما حمله عليه إلا جزع الموت لأقررت بها عينك وفي رواية الشعبي عند
الطبري قال لولا أن يكون عليك عار لم أبال أن أفعل وضبط جزع بالجيم والزاي ولبعض رواة مسلم
بالخاء المعجمة والراء (قوله وأبى أن يقول لا إله إلا الله) هو تأكيد من الراوي في نفي وقع ذلك
من أبي طالب وكأنه استند في ذلك إلى عدم سماعه ذلك منه في تلك الحال وهذا القدر هو الذي
يمكن اطلاعه عليه ويحتمل أن يكون أطلعه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك (قوله والله
لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) قال الزين بن المنير ليس المراد طلب المغفرة العامة والمسامحة بذنب
الشرك وإنما المراد تخفيف العذاب عنه كما جاء مبينا في حديث آخر (قلت) وهي غفلة شديده
منه فإن الشفاعة لأبي طالب في تخفيف العذاب لم ترد وطلبها لم ينه عنه وإنما وقع النهي عن طلب
المغفرة العامة وإنما ساغ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بإبراهيم في ذلك ثم ورد نسخ ذلك كما
سيأتي بيانه واضحا (قوله فأنزل الله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) أي
ما ينبغي لهم ذلك وهو خبر بمعنى النهي هكذا وقع في هذه الرواية وروى الطبري من طريق شبل
عن عمرو بن دينار قال قال النبي صلى الله عليه وسلم استغفروا إبراهيم لأبيه وهو مشرك فلا أزال
أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي فقال أصحابه لنستغفرن لآبائنا كما استغفر نبينا لعمه
فنزلت وهذا فيه إشكال لان وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقا وقد ثبت أن النبي
صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية والأصل
عدم تكرر النزول وقد أخرج الحاكم وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ عن مسروق
عن ابن مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر فاتبعناه فجاء حتى جلس
إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى فبكينا لبكائه فقال إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي و
استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي فأنزل علي ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا
للمشركين وأخرج أحمد من حديث ابن بريدة عن أبيه نحوه وفيه نزل بنا ونحن معه قريب من
ألف راكب ولم يذكر نزول الآية وفي رواية الطبري من هذا الوجه لما قدم مكة أتى رسم قبر
ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية لما قدم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس
رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت وللطبرائي من طريق عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن
ابن عباس نحو حديث ابن مسعود وفيه لما هبط من ثنية عسفان وفيه نزول الآية في ذلك
فهذه طرق يعضد بعضها بعضا وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب ويؤيده
390

أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد بعد أن شج وجهه رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون لكن
يحتمل في هذا أن يكون الاستغفار خاصا بالاحياء وليس البحث فيه ويحتمل أن يكون نزول
الآية تأخر وإن كان سببها تقدم ويكون لنزولها سببان متقدم وهو أمر أبي طالب ومتأخر وهو
أمر آمنة ويؤيد تأخير النزول ما تقدم في تفسير براءة من استغفاره صلى الله عليه وسلم للمنافقين
حتى نزل النهي عن ذلك فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب ويشير إلى ذلك أيضا قوله
في حديث الباب وأنزل الله في أبي طالب إنك لا تهدي من أحببت لأنه يشعر بأن الآية الأولى
نزلت في أبي طالب وفي غيره والثانية نزلت فيه وحده ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد من
طريق أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي قال سمعت رجلا يستغفر لوالديه وهما مشركان
فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ما كان للنبي الآية وروى الطبري من طريق ابن
أبي نجيح عن مجاهد قال وقال المؤمنون ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم لأبيه فنزلت ومن
طريق قتادة قال ذكرنا له أن رجالا فذكر نحوه وفي الحديث أن من لم يعمل خيرا قط إذا ختم عمره
بشهادة أن لا إله إلا الله حكم بإسلامه وأجريت عليه أحكام المسلمين فإن نطق لسانه عقد
قلبه نفعه ذلك عند الله تعالى بشرط أن يكون وصل إلى حد انقطاع الأمل من الحياة وعجز عن
فهم الخطاب ورد الجواب وهو وقت المعاينة وإنه الإشارة بقوله تعالى وليست التوبة للذين
يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن والله أعلم (قوله العدوان
والعداء والتعدي واحد) أي بمعنى واحد وأراد تفسير قوله في قصة موسى وشعيب فلا عدوان
على والعداء بفتح العين ممدود قال أبو عبيدة في قوله فلا عدوان على وهو والعداء والتعدي
والعدو كله واحد والعدو من قوله عدا فلان على فلان (قوله وقال ابن عباس أولى القوة
لا يرفعها العصبة من الرجال لتنوء لتثقل فارغا إلا من ذكر موسى الفرحين المرحين قصيه
اتبعي أثره وقد يكون أن يقص الكلام نحن نقص علمك عن جنب عن بعد وعن جنابة واحدة
وعن اجتناب أيضا نبطش ونبطش) أي بكسر الطاء وضمها (يأتمرون يتشاورون) هذا جميعه
سقط لأبي ذر والأصيلي وثبت لغيرهما من أوله إلى قوله ذكر موسى تقدم في أحاديث الأنبياء
في قصة موسى وكذا قوله نبطش الخ وأما قوله الفرحين المرحين فهو عند ابن أبي حاتم
موصول من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقوله قصيه اتبعي أثره وصله ابن أبي حاتم
من طريق القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال في قوله وقالت لأخته قصيه
قضى أثره وقال أبو عبيدة في قوله قصية اتبعي أثره يقال قصصت آثار القوم وقال في قوله فبصرت
به عن جنب أي عن بعد وتجنب ويقال ما تأتينا إلا عن جنابة وعن جنب (قوله تأجرني تأجر
فلانا تعطيه أجرا ومنه التعزية آجرك الله) ثبت هذا للنسفي وقد قال أبو عبيدة في قوله على
أن تأجرني ثماني حجج من الإجارة يقال فلان تأجر فلانا ومنه آجرك الله (قوله الشاطئ والشط
واحد وهما ضفتا وعدوتا الوادي) ثبت هذا للنسفي أيضا وقد قال أبو عبيدة نودي من
شاطئ الوادي الشاطئ والشط واحد وهما ضفتا الوادي وعدوتاه (قوله كأنها جان)
في رواية أخرى حية تسعى والحيات أجناس الجان والأفاعي والأسارد ثبت هذا للنسفي أيضا
وقد تقدم في بدء الخلق (قوله مقبوحين مهلكين) هو قول أبي عبيدة أيضا (قوله وصلنا بيناه
391

وأتممناه) هو قول أبي عبيدة أيضا وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي في قوله ولقد
وصلنا لهم القول قال بينا لهم القول وقيل المعنى أتبعنا بعضه بعضا فاتصل وهذا قول الفراء
(قوله يجبى يجلب) هو بسكون الجيم وفتح اللام ثم موحدة وقال أبو عبيدة في قوله يجبي إليه
ثمرات كل شئ أي يجمع كما يجمع الماء في الجابية فيجمع للوارد (قوله بطرت أشرت) قال
أبو عبيدة في قوله وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها أي أشرت وطغت وبغت والمعنى بطرت
في معيشتها فانتصب بنزع الخافض وقال الفراء المعنى أبطرتها معيشتها (قوله في أمها رسولا
أم القرى مكة وما حولها) قال أبو عبيدة أم القرى مكة في قول العرب وفي رواية أخرى لتنذر
أم القرى ومن حولها ولابن أبي حاتم من طريق قتادة نحوه ومن وجه آخر عن قتادة عن الحسن
في قوله في أمها قال في أوائلها (قوله تكن تخفي أكنت الشئ أخفيته وكننته أخفيته
وأظهرته) كذا للأكثر ولبعضهم أكننته أخفيته وكننته خفيته وقال ابن فارس أخفيته سترته
وخفيته أظهرته وقال أبو عبيدة في قوله وربك يعلم ما تكن صدورهم أي تخفي يقال أكننت
ذلك في صدري بألف وكنت الشئ خفيته وهو بغير ألف وقال في موضع آخر أكننت وكننت
واحد وقال أبو عبيدة أكننته فإذا أخفيته وأظهرته وهو من الأضداد (قوله ويكأن الله مثل
ألم تر أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يوسع عليه ويضيق) وقع هذا لغير أبي ذر وهو قول أبي
عبيدة قال في قوله تعالى ويكأن الله أي ألم تر أن الله وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله
ويكأن الله أي أولا يعلم أن الله * (قوله باب إن الذي فرض عليك القرآن) سقطت
الترجمة لغير أبي ذر (قوله أخبرنا يعلى) هو ابن عبيد (قوله حدثنا سفيان العصفري) هو ابن
دينار التمار كما تقدم تحقيقه في آخر الجنائز وليس له في البخاري سوى هذين الموضعين (قوله
لرادك إلى معاد قال إلى مكة) هكذا في هذه الرواية وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال
كان ابن عباس يكتم تفسير هذه الآية وروى الطبري من وجه آخر عن ابن عباس قال لرادك
إلى معا قال إلى الجنة وإسناده ضعيف ومن وجه آخر قال إلى الموت وأخرجه ابن أبي حاتم
وإسناده لا بأس به ومن طريق مجاهد قال يحييك يوم القيامة ومن وجه آخر عنه إلى مكة وقال
عبد الرزاق قال معمر وأما الحسن والزهري فقالا هو يوم القيامة وروى أبو يعلى من طريق
أبي جعفر محمد بن علي قال سألت أبا سعيد عن هذه الآية فقال معاده آخرته وفي إسناده جابر
الجعفي وهو ضعيف
* (قوله سورة العنكبوت) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر (قوله وقال مجاهد وكانوا مستبصرين ضللة) وصله ابن أبي
حاتم من طريق شبل بن عباد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
قال معجبين بضلالتهم وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن قتادة قال كانوا مستبصرين في
صلالتهم معجبين بها (قوله وقال غيره الحيوان والحي واحد) ثبت هذا لأبي ذر وحده وللأصيلي
الحيوان والحياة واحد وهو قول أبي عبيدة قال الحيوان والحياة واحد وزاد ومنه قولهم نهر
392

الحيوان أي نهر الحياة وتقول حييت حيا والحيوان والحياة اسمان منه وللطبري من طريق
ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لهي الحيوان قال لأموت فيها (قوله فليعلمن الله علم الله ذلك
إنما هي بمنزلة فليميز الله كقوله ليميز الله الخبيث من الطيب) وقال أبو عبيدة في قوله تعالى
فليعلمن الله الذين آمنوا أي فليميزن الله لان الله قد علم ذلك من قبل (قوله أثقالا مع أثقالهم
أوزارا مع أوزارهم هو قول أبي عبيدة أيضا وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في هذه الآية قال من
دعا قوما إلى ضلالة فعليه مثل أوزارهم ولابن أبي حاتم من وجه آخر عن قتادة قال وليحملن
أثقالهم أي أوزارهم وأثقالا مع أثقالهم أوزار من أضلوا
* (قوله سورة الروم) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر (قوله وقال مجاهد يحبرون ينعمون) وصله الفريابي من
طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون
أي ينعمون ولابن أبي حاتم والطبري من طريق يحيى بن أبي كثير قال لذة السماع ومن طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يحبرون قال يكرمون (قوله فلا يربو من أعطى يبتغي أفضل فلا
أجرفيها) وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وما آتيتم من ربا ليربو في
أموال الناس قال يعطي ماله يبتغي أفضل منه وقال عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد
عن الضحاك في هذه الآية قال هذا هو الربا الحلال يهدي الشئ ليثاب أفضل منه ذاك لا له
ولا عليه وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن عبد العزيز وزاد ونهى النبي صلى الله عليه
وسلم عنه خاصة ومن طريق إسماعيل بن أبي خالد عن إبراهيم قال هذا في الجاهلية كان يعطي
الرجل قرابته المال يكثر به ماله ومن طريق محمد بن كعب القرظي قال هو الرجل يعطي الآخر
الشئ ليكافئه به ويزاد عليه فلا يربو عند الله ومن طريق الشعبي قال هو الرجل يلصق بالرجل
يخدمه ويسافر معه فيجعل له ربح بعض ما يتجر فيه وإنما أعطاه التماس عونه ولم يرد به وجه الله
(قوله يمهدون يسوون المضاجع) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله
فلأنفسهم يمهدون قال يسوون المضاجع (قوله الودق المطر) وصله الفريابي أيضا بالاسناد
المذكور (قوله قال ابن عباس هل لكم مما ملكت أيمانكم في الآلهة وفيه تخافونهم أن
يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا) وصله الطبري من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في
هذه الآية قال هي في الآلهة وفيه يقول تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا والضمير في
قوله فيه لله تعالى أي أن المثل لله وللأصنام فالله المالك والأصنام مملوكة والمملوك لا يساوي
المالك ومن طريق أبي مجلز قال أن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك وليس له ذلك كذلك الله
لا شريك له ولابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال هذا مثل ضربه الله لمن عدل به شيئا من
خلقه يقول أكان أحد منكم مشاركا مملوكه في فراشه وزوجته وكذلك لا يرضى الله أن يعدل
به أحد من خلقه (قوله يصدعون يتفرقون فاصدع) أما قوله يتفرقون فقال أبو عبيدة في قوله
يومئذ يصدعون أي يتفرقون وأما قوله فاصدع فيشير إلى قوله تعالى فاصدع بما تؤمر وقد قال
393

أبو عبيدة أيضا في قوله فاصدع بما تؤمر أي أفرق وامضه واصل الصدع الشق في الشئ وخصه
الراغب بالشئ الصلب كالحديد تقول صدعته فانصدع بالتخفيف وصدعته فتصدع بالتثقيل
ومنه صداع الرأس لتوهم الاشتقاق فيه والمراد بقوله اصدع أي فرق بين الحق والباطل بدعائك
إلى الله عز وجل وافصل بينهما (قوله وقال غيره ضعف وضعف لغتان) هو قول الأكثر وقرئ
بهما فالجمهور بالضم وقرأ عاصم وحمزة بالفتح في الألفاظ الثلاثة وقال الخليل الضعف بالضم
ما كان في الجسد وبالفتح ما كان في العقل (قوله وقال مجاهد السوأى الإساءة جزاء المسيئين)
وصله الفريابي واختلف في ضبط الإساءة فقيل بكسر الهمزة والمد وجوز ابن التين فتح أوله ممدودا
ومقصورا وهو من آسى أي حزن وللطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ثم
كان عاقبة الذين أساؤا السوأى أن كذبوا أي الذين كفروا جزاؤهم العذاب ثم ذكر المصنف
حديث ابن مسعود في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بالسنين وسؤالهم له الدعاء برفع
القحط وقد تقدم شرح ذلك في الاستسقاء ويأتي ما يتعلق بالذي وقع في صدر الحديث من الدخان
في تفسير سورة الدخان إن شاء الله تعالى وقوله أن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم أي أن تمييز
المعلوم من المجهول نوع من العلم وهذا مناسب لما اشتهر من أن لا أدري نصف العلم ولان القول
فيما لا يعلم قسم من التكلف * (قوله باب لا تبديل لخلق الله لدين الله خلق الأولين
دين الأولين) أخرج الطبري من طريق إبراهيم النخعي في قوله لا تبديل لخلق الله قال لدين الله
ومن طرق عن مجاهد وعكرمة وقتادة وسعيد بن جبير والضحاك مثله وفيه قول آخر أخرجه
الطبري من طرق عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد قال الاحصاء وروى ابن أبي حاتم من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله إن هذا إلا خلق الأولين يقول دين الأولين وهذا يؤيد
الأول وفيه قول آخر أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن علقمة في قوله خلق الأولين قال
اختلاق الأولين ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كذبهم ومن طريق قتادة قال سيرتهم
(قوله والفطرة الاسلام) هو قول عكرمة وصله الطبري من طريقه وقد تقدم نقل الخلاف
في ذلك في أواخر كتاب الجنائز ثم ذكر حديث أبي هريرة ما من مولود إلا يولد على الفطرة وقد تقدم
بسند ومتنه في كتاب الجنائز مع شرحه في باب ما قيل في أولاد المشركين
* (قوله سورة لقمان) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر وسقطت البسملة فقط للنسفي (قوله لا تشرك بالله إن الشرك
لظلم عظيم) ذكر فيه حديث ابن مسعود في تفسير قوله تعالى الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم
394

بظلم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الايمان * (قوله باب قوله إن الله عنده
علم الساعة) ذكر فيه حديث أبي هريرة في سؤال جبريل عن الايمان والاسلام وغير ذلك وفيه
خمس لا يعلمهن إلا الله وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الايمان وسيأتي في التوحيد
شئ يتعلق بذلك (قوله حدثني عمر بن محمد بن زائدة أن أباه حدثه أن عبد الله بن عمر قال) هكذا
قال ابن وهب وخالفه أبو عاصم فقال عن عمر بن محمد بن زيد عن سالم عن ابن عمر أخرجه الإسماعيلي
فإن كان محفوظا احتمل أن يكون لعمر بن محمد فيه شيخان أبوه وعم أبيه (قوله قال النبي صلى الله
عليه وسلم مفاتيح الغيب خمس ثم قرأ إن الله عنده علم الساعة) هكذا وقع مختصرا وفي رواية أبي
عاصم المذكورة مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث يعني
الآية كلها وقد تقدم في تفسير سورة الرعد وفي الاستسقاء من طريق عبد الله بن دينار عن ابن
عمر بلفظ مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله لا يعلم ما في الغد إلا الله الحديث هذا السياق في
الخمس وفي تفسير الانعام من طريق الزهري عن سالم عن أبيه بلفظ مفاتح الغيب خمس إن الله
عنده علم الساعة إلى آخر السورة وأخرجه الطيالسي في مسنده عن إبراهيم بن سعد عن الزهري
بلفظ أوتى نبيكم مفاتح الغيب إلا الخمس ثم تلا الآية وأظنه دخل له متن في متن فإن هذا اللفظ
أخرجه ابن مردويه من طريق عبد الله بن سلمة عن ابن مسعود نحوه وقال الشيخ أبو محمد بن أبي
جمرة عبر بالمفاتح لتقريب الامر على السامع لان كل شئ جعل بينك وبينه حجاب فقد غيب عنك
والتوصل إلى معرفته في العادة من الباب فإذا أغلق الباب احتيج إلى المفتاح فإذا كان الشئ الذي
لا يطلع على الغيب إلا بتوصيله لا يعرف موضعه فكيف يعرف المغيب انتهى ملخصا وروى أحمد
والبزار وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه قال خمس لا يعلمهن إلا الله إن الله عنده
علم الساعة الآية وقد تقدم في كتاب الايمان بيان جهة الحصر في قوله لا يعلمهن إلا الله ويراد هنا
أن ذلك يمكن أن يستفاد من الآية الأخرى وهي قوله تعالى قل لا يعلم من في السماوات والأرض
الغيب إلا الله فالمراد بالغيب المنفى فيها هو المذكور في هذه الآية التي في لقمان وأما قوله تعالى عالم
الغيب فلا يظهر على غيبة أحدا إلا من ارتضى من رسول الآية فيمكن أن يفسر بما في حديث
الطيالسي وأما ما ثبت بنص القرآن أن عيسى عليه السلام قال أنه يخبرهم بما يأكلون وما
يدخرون وأن يوسف قال إنه ينبئهم بتأويل الطعام قبل أن يأتي إلى غير ذلك مما ظهر من المعجزات
والكرامات فكل ذلك يمكن أن يستفاد من الاستثناء في قوله إلا من ارتضى من رسول فإنه يقتضي
اطلاع الرسول على بعض الغيب والولي التابع للرسول عن الرسول يأخذ وبه يكرم والفرق بينهما
أن الرسول يطلع على ذلك بأنواع الوحي كلها والولي لا يطلع على ذلك إلا بمنام أو الهام والله أعلم
ونقل ابن التين عن الداودي أنه أنكر على الطبري دعواه أنه بقي من الدنيا من هجرة المصطفى نصف
يوم وهو خمسمائة عام قال وتقوم الساعة ويعود الامر إلى ما كان عليه قبل أن يكون شئ غير
الباري تعالى فلا يبقى غير وجهه فرد عليه بأن وقت الساعة لا يعلمها إلا الله فالذي قاله مخالف
لصريح القرآن والحديث ثم تعقبه من جهة أخرى وذلك أنه توهم من كلامه أنه ينكر البعث
395

فأقدم على تفكيره وزعم أن كلامه لا يحتمل تأويلا وليس كما قال بل مراد الطبري أنه يصير الامر
أي بعد فناء المخلوقات كلها على ما كان عليه أولا ثم يقع البعث والحساب هذا الذي يجب حمل
كلامه عليه وأما إنكاره عليه استخراج وقت الساعة فهو معذور فيه ويكفي في الرد عليه أن
الامر وقع بخلاف ما قال قد مضت خمسمائة ثم ثلاثمائة وزيادة لكن الطبري تمسك بحديث أبي
ثعلبة رفعه لن يعجز هذه الأمة أن يؤخرها الله نصف يوم الحديث أخرجه أبو داود وغيره لكنه
ليس صريحا في أنها لا تؤخر أكثر من ذلك والله أعلم وسيأتي ما يتعلق بقدر ما بقي من الدنيا في كتاب
الفتن إن شاء الله تعالى
* (قوله سورة السجدة) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر وسقطت البسملة للنسفي ولغيرهما تنزيل السجدة حسب (قوله وقال مجاهد مهين
ضعيف نطفة الرجل) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله من ماء مهين
ضعيف وللفريابي من هذا الوجه في قوله من سلالة من ماء مهين قال نطفة الرجل (قوله ضللنا
هلكنا) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وقالوا أئذا ضللنا في الأرض قال
هلكنا (قوله وقال ابن عباس الجرز التي لا تمطر إلا مطرا لا يغني عنها شيئا) وصله الطبري من طريق
ابن أبي نجيح عرجل عن مجاهد عنه مثله وذكره الفريابي وإبراهيم الحربي في غريب الحديث
من طريق ابن أبي نجيح عن رجل عن ابن عباس كذلك زاد إبراهيم وعن مجاهد قال هي أرض
أبين وأنكر ذلك الحربي وقال أبين مدينة معروفة باليمن فلعل مجاهدا قال ذلك في وقت لم تكن
أبين تنبت فيه شيئا وأخرج بن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن ابن عباس في قوله إلى
الأرض الجزر قال هي أرض باليمن وقال أبو عبيدة الأرض الجرز اليابسة الغليظة التي لم يصبها
مطر (قوله يهد يبين) أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله أو لم يهد
لهم قال أو لم يبين لهم وقال أبو عبيدة في قوله أو لم يهد لهم أي يبين لهم وهو من الهدى * (قوله
باب قوله فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين) قرأ الجمهور أخفى بالتحريك على البناء
للمفعول وقرأ حمزة بالاسكان فعلا مضارعا مسندا للمتكلم ويؤيده قراءة ابن مسعود تخفي
بنون العظمة وقرأها محمد بن كعب أخفى بفتح أوله وفتح الفاء على البناء للفاعل وهو الله ونحوها
قراءة الأعمش أخفيت وذكر المصنف في آخر الباب أن أبا هريرة قرأ قرأت أعين بصيغة الجمع وبها
قرأ ابن مسعود أيضا وأبو الدرداء قال أبو عبيدة ورأيتها في المصحف الذي يقال له الامام قرة بالهاء
على الوحدة وهي قراءة أهل الأمصار (قوله يقول الله تعالى أعددت لعبادي) ووقع في حديث
آخر أن سبب الحديث أن موسى عليه السلام سأل ربه من أعظم أهل الجنة منزلة فقال غرست
كرامتهم بيدي وختمت عليها فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر أخرجه مسلم
والترمذي من طريق الشعبي سمعت المغيرة بن شعبة على المنبر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم
أن موسى سأل ربه فذكر الحديث بطوله وفيه هذا وفي آخره قال ومصداق ذلك في كتاب الله فلا
تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين (قوله ولا خطر على قلب بشر) زاد ابن مسعود في حديثه
ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل أخرجه ابن أبي حاتم وهو يدفع قول من قال إنما قيل البشر لأنه
396

يخطر بقلوب الملائكة والأولى حمل النفي فيه على عمومه فإنه أعظم في النفس (قوله دخرا) بضم
الدال المهملة (1) وسكون المعجمة منصوب متعلق بأعددت أي جعلت ذلك لهم مدخورا (قوله من
بله ما اطلعتم عليه) قال الخطابي كأنه يقول دع ما اطلعتم عليه فإنه سهل في جنب ما ادخر لهم
(قلت) وهذا لائق بشرح بله بغير تقدم من عليها وأما إذا تقدمت من عليها فقد قيل هي بمعنى
كيف ويقال بمعنى أجل ويقال بمعنى غير أو سوى وقيل بمعنى فضل لكن قال الصغاني اتفقت
نسخ الصحيح على من بله والصواب إسقاط كلمة من وتعقب بأنه لا يتعين إسقاطها إلا إذا فسرت
بمعنى دع وأما إذا فسرت بمعنى من أجل أو من غير أو سوى فلا وقد ثبت في عدة مصنفات خارج
الصحيح باثبات من وأخرجه سعيد بن منصور ومن طريقه ابن مردويه من رواية أبي معاوية
عن الأعمش كذلك وقال ابن مالك المعروف بله اسم فعل بمعنى أترك ناصبة لما يليها بمقتضى
المفعولية واستعماله مصدرا بمعنى الترك مضافا إلى ما يليه والفتحة في الأولى بنائية وفي الثانية
إعرابية وهو مصدر مهمل الفعل ممنوع الصرف وقال الأخفش بله هنا مصدر كما تقول ضرب
زيد وندر دخول من عليها زائد ووقع في المغني لابن هشام أن بله استعملت معربة مجرورة بمن
وإنها بمعنى غير ولم يذكر سواه وفيه نظر لان ابن التين حكى رواية من بله بفتح الهاء مع وجود من
فعلى هذا فهي مبنية وما مصدرية وهي وصلتها في موضع رفع على الابتداء والخبر هو الجار والمجرور
المتقدم ويكون المراد ببله كيف التي يقصد بها الاستبعاد والمعنى من أين اطلاعكم على هذا القدر
الذي تقصر عقول البشر عن الإحاطة به ودخول من على بله إذا كانت بهذا المعنى جائز كما أشار
إليه الشريف في شرح الحاجبية (قلت) وأصح التوجيهات لخصوص سياق حديث الباب حيث
وقع فيه ولا خطر على قلب بشر دخرا من بله ما اطلعتم إنها بمعنى غير وذلك بين لمن تأمله والله أعلم
(قوله وقال أبو معاوية (2) عن الأعمش عن أبي صالح قرأ أبو هريرة قرأت أعين) وصله أبو عبيد
القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن له عن أبي معاوية بهذا الاسناد مثله سواء وأخرج مسلم
الحديث كله عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية به
* (قوله سورة الأحزاب) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر وسقطت البسملة فقط للنسفي (قوله وقال مجاهد صياصيهم
قصورهم) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه (قوله معروفا في الكتاب) ثبت هذا للنسفي
وحده وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن ابن جريج قال قلت لعطاء في هذه الآية
إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا فقال هو إعطاء المسلم الكافر بينهما قرابة صلة له (قوله النبي
أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ثبتت هذه الترجمة لأبي ذر وذكر فيه حديث أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال ما من مؤمن إلا وأنا أولى به الحديث وسيأتي الكلام في الفرائض إن شاء
الله تعالى * (قوله باب ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) أي أعدل وسيأتي تفسير
القسط والفرق بين القاسط والمقسط في آخر الكتاب (قوله إن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله)
في رواية القاسم بن معن عن موسى بن عقبة في هذا الحديث ما كنا ندعو زيد بن حارثة الكلبي مولى
397

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا زيد بن محمد أخرجه الإسماعيلي وفي حديث عائشة الآتي
في النكاح في قصة سالم مولى أبي حذيفة وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث
ميراثه حتى نزلت هذه الآية وسيأتي مزيد الكلام على قصة زيد بن حارثة في ذلك بعد قليل إن
شاء الله تعالى * (قوله باب فمنهم من قضى نحبه عهده) قال أبو عبيدة في قوله فمنهم من
قضى نحبه أي نذره والنحب النذر والنحب أيضا النفس والنحب أيضا الخطر العظيم وقال غيره
النحب في الأصل المنذر ثم استعمل في آخر كل شئ وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الحسن في قوله
فمنهم من قضى نحبه قال قضى أجل على الوفاء والتصديق وهذا مخالف لما قاله غيره بل ثبت عن
عائشة إن طلحة دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنت يا طلحة ممن قضى نحبه أخرجه ابن
ماجة والحاكم ويمكن أن يجمع بحمل حديث عائشة على المجاز وقضى بمعنى يقضي ووقع في تفسير
ابن أبي حاتم منهم عمار بن ياسر وفي تفسير يحيى بن سلام منهم حمزة وأصحابه وقد تقدم في قصة أنس بن
النضر قول أنس بن مالك منهم أنس بن النضر وعند الحاكم من حديث أبي هريرة منهم مصعب بن
عمير ومن حديث أبي ذر أيضا (قوله أقطارها جوانبها) هو قول أبي عبيدة (قوله الفتنة لآتوها
لأعطوها) هو قول أبي عبيدة أيضا وهو على قراءة آتوها بالمد وأما من قرأها بالقصر وهي قراءة أهل
الحجاز فمعناه جاءوها ثم ذكر طرفا من حديث أنس في قصة أنس بن النضر وقد تقدم شرحه مستوفى
في أوائل الجهاد (قوله أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت قال لما نسخنا الصحف في
المصاحف) تقدم في آخر تفسير التوبة من وجه آخر عن الزهري عن عبيد بن السباق عن زيد بن
ثابت لكن في تلك الرواية أن الآية لقد جاءكم رسول وفي هذه أن الآية من المؤمنين رجال فالذي
يظهر أنهما حديثان وسيأتي في فضائل القرآن من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري بالحديثين
معا في سياق واحد (قوله فقدت آية من سورة الأحزاب كنت كثيرا أسمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقرؤها) هذا يدل على أن زيدا لم يكن يعتمد في جمع القرآن على علمه ولا يقتصر على حفظه لكن
فيه إشكال لان ظاهره أنه اكتفى مع ذلك بخزيمة وحده والقرآن إنما يثبت بالتواتر والذي يظهر
في الجواب أن الذي أشار إليه أن فقده فقد وجودها مكتوبة لا فقد وجودها محفوظة بل كانت
محفوظة عنده وعند غيره ويدل على هذا قوله في حديث جمع القرآن فأخذت أتتبعه من الرقاع
والعسب كما سيأتي مبسوطا في فضائل القرآن وقوله خزيمة الأنصاري الذي جعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين يشير إلى قصة خزيمة المذكورة وهو خزيمة بن ثابت كما
سأبينه في رواية إبراهيم بن سعد الآتية وأما قصته المذكورة في الشهادة فأخرجها أبو داود
والنسائي ووقعت لنا في جزء محمد بن يحيى الذهلي من طريق الزهري أيضا عن عمارة بن خزيمة
عن عمه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع من أعرابي
فرسا فاستتبعه ليقضيه ثمن الفرس فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي فطفق
رجال يعترضون الأعرابي يساومونه في الفرس حتى زادوه على ثمنه فذكر الحديث قال فطفق
الأعرابي يقول هلم شهيدا يشهد أني قد بعتك فمن جاء من المسلمين يقول ويلك إن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يكن ليقول إلا الحق حتى جاء خزيمة بن ثابت فاستمع المراجعة فقال أنا أشهد إنك
قد بايعته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بم تشهد قال بتصديقك فجعل النبي صلى الله عليه وسلم
398

شهادة خزيمة بشهادة رجلين ووقع لنا من وجه آخر أن اسم هذا الأعرابي سواد بن الحرث فأخرج
الطبراني وابن شاهين من طريق زيد بن الحباب عن محمد بن زرارة بن خزيمة حدثني عمارة بن
خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى فرسا من سواد بن الحرث فجحده فشهد له خزيمة
ابن ثابت فقال له بم تشهد ولم تكن حاضرا قال بتصديقك وأنك لا تقول إلا حقا فقال النبي صلى
الله عليه وسلم من شهد له خزيمة أو عليه فحسبه قال الخطابي هذا الحديث حمله كثير من الناس
على غير محمله وتذرع به قوم من أهل البدع إلى استحلال الشهادة لمن عرف عندهم بالصدق على
كل شئ ادعاه وإنما وجه الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على الأعرابي بعلمه وجرت
شهادة خزيمة مجرى التوكيد لقوله والاستظهار على خصمه فصار في التقدير كشهادة الاثنين في
غيرها من القضايا انتهى وفيه فضيلة الفطنة في الأمور وأنها ترفع منزلة صاحبها لان السبب الذي
أبداه خزيمة حاصل في نفس الامر يعرفه غيره من الصحابة إنما هو لما اختص بتفطنه لما غفل
عنه غيره مع وضوحه جوزي على ذلك بان خص بفضيلة من شهد له خزيمة أو عليه فحسبه
* (تنبيه) * زعم بن التين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخزيمة لما جعل شهادته شهادتين
لا تعد أي تشهد على ما لم تشاهده انتهى وهذه الزيادة لم أقف عليها * (قوله باب
قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا)
في رواية أبي ذر أمتعكن الآية (قوله وقال معمر) كذا لأبي ذر وسقط هذا العزو من رواية
غيره (قوله التبرج أن تخرج زينتها) هو قول أبي عبيدة واسمه معمر بن المثنى ولفظه في كتاب
المجاز في قوله تعالى ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى هو من التبرج وهو أن يبرزن محاسنهن
وتوهم مغلطاي ومن قلده أن مراد البخاري معمر بن راشد فنسب هذا إلى تخريج عبد الرزاق
في تفسيره عن معمر ولا وجود لذلك في تفسير عبد الرزاق وإنما أخرج عن معمر عن ابن أبي نجيح
عن مجاهد في هذه الآية قال كانت المرأة تخرج تتمشى بين الرجال فذلك تبرج الجاهلية وعند
ابن أبي حاتم من طريق شيبان عن قتادة قال كانت لهن مشية وتكسر وتغنج إذا خرجن من
البيوت فنهين عن ذلك ومن طريق عكرمة عن بن عباس قال قال عمر ما كانت إلا جاهلية
واحدة فقال له ابن عباس هل سمعت بأولى إلا ولها آخرة ومن وجه آخر عن ابن عباس قال
تكون جاهلية أخرى ومن وجه آخر عنه قال كانت الجاهلية الأولى ألف سنة فيما بين نوح
وإدريس وإسناده قوي ومن حديث عائشة قالت الجاهلية الأولى بين نوح وإبراهيم وإسناده
ضعيف ومن طريق عامر وهو الشعبي قال هي ما بين عيسى ومحمد وعن مقاتل بن حيان قال
الأولى زمان إبراهيم والاخرى زمان محمد قبل أن يبعث (قلت) ولعل أراد الجمع بين ما نقل عن
عائشة وعن الشعبي والله أعلم (قوله سنة الله استنها جعلها) هو قول أبي عبيدة أيضا وزاد
جعلها سنة ونسبه مغلطاي ومن تبعه أيضا إلى تخريج عبد الرزاق عن معمر وليس ذلك فيه
(قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمر الله أن يخبر أزواجه) سيأتي الكلام عليه
في الباب الذي بعده * (قوله باب قوله وإن كنتن تردن الله ورسوله) ساقوا كلهم الآية
إلى عظيما (قوله وقال قتادة واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة القرآن والسنة)
وصله ابن أبي حاتم من طريق معمر عن قتادة بلفظ من آيات الله والحكمة القرآن والسنة أورد
399

بصورة اللف والنشر المرتب وكذا هو في تفسير عبد الرزاق (قوله وقال الليث حدثني يونس)
وصله الذهلي عن أبي صالح عنه وأخرجه ابن جرير والنسائي والإسماعيلي من رواية ابن وهب
عن يونس كذلك (قوله لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه) ورد في سبب هذا
التخيير ما أخرجه مسلم من حديث جابر قال دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه
وسلم الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم هن حولي كما ترى يسألنني النفقة يعني نساءه وفيه أنه
اعتزلهن شهرا ثم نزلت عليه هذه الآية يا أيها النبي قل لازواجك حتى بلغ أجرا عظيما قال فبدأ
بعائشة فذكر نحو حديث الباب وقد تقدم في المظالم من طريق عقيل ويأتي في النكاح أيضا من
طريق شعيب كلاهما عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس عن عمر في
قصة المرأتين اللتين تظاهرتا بطوله وفي آخره حين أفشته حفصة إلى عائشة وكان قد قال ما أنا
بداخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله فلما مضت تسع وعشرون دخل على
عائشة فبدأ بها فقالت له إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وقد أصبحنا لتسع وعشرين ليلة
أعدها عدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين
قالت عائشة فأنزلت آية التخيير فبدأ بي أول امرأة فقال إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي
الحديث وهذا السياق ظاهره أن الحديث كله من رواية ابن عباس عن عمر وأما المروي عن
عائشة فمن رواية ابن عباس عنها وقد وقع التصريح بذلك فيما أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه
من طريق أبي صالح عن الليث بهذا الاسناد إلى ابن عباس قال قالت عائشة أنزلت آية التخيير
فبدأ بي الحديث لكن أخرج مسلم الحديث من رواية معمر عن الزهري ففصله تفصيلا حسنا
وذلك أنه أخرجه بطوله إلى آخر قصة عمر في المتظاهرتين إلى قوله حتى عاتبه ثم عقبة بقوله قال
الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت لما مضى تسع وعشرون فذكر مراجعتها في ذلك ثم عقبة
بقوله قال يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك الحديث
فعرف من هذا أقوله فلما مضت تسع وعشرون الخ في رواية عقيل هو من رواية الزهري عن
عائشة بحذف الواسطة ولعل ذلك وقع عن عمد من أجل الاختلاف على الزهري في الواسطة
بينه وبين عائشة في هذه القصة بعينها كما بينه المصنف هنا وكأن من أدرجه في رواية ابن عباس
مشى على ظاهر السياق ولم يفطن للتفصيل الذي وقع في رواية معمر وقد أخرج مسلم أيضا
من طريق سماك بن الوليد عن ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال لما اعتزل النبي صلى الله
عليه وسلم نساءه دخلت المسجد الحديث بطوله وفي آخره قال وأنزل الله آية التخيير فاتفق
الحديثان على أن آية التخيير نزلت عقب فراغ الشهر الذي اعتزلهن فيه ووقع ذلك صريحا
في رواية عمرة عن عائشة قالت لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم إلى نسائه أمر أن يخبرهن
الحديث أخرجه الطبري والطحاوي واختلف الحديثان في سبب الاعتزال ويمكن الجمع بأن
يكون القضيتان جميعا سبب الاعتزال فإن قصة المتظاهرتين خاصة بهما وقصة سؤال النفقة
عامة في جميع النسوة ومناسبة آية التخيير بقصة سؤال النفقة أليق منها بقصة المتظاهرتين
وسيأتي في باب من خير نساءه من كتاب الطلاق بيان الحكم فيمن خيرها زوجها إن شاء الله تعالى
وقال الماوردي اختلف هل كان التخيير بين الدنيا والآخرة أو بين الطلاق والإقامة عنده على
400

قولين للعلماء أشبههما بقول الشافعي الثاني ثم قال أنه الصحيح وكذا قال القرطبي اختلف في
التخيير هل كان في البقاء والطلاق أو كان بين الدنيا والآخرة انتهى والذي يظهر الجمع بين القولين
لان أحد الامرين ملزوم للآخر وكأنهن خيرن بين الدنيا فيطلقهن وبين الآخرة فيمسكهن وهو
مقتضى سياق الآية ثم ظهر لي أن محل القولين هل فوض إليهن الطلاق أم لا ولهذا أخرج أحمد
عن علي قال لم يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه إلا بين الدنيا والآخرة (قوله فلا عليك
أن لا تعجلي) أي فلا بأس عليك في التأني وعدم العجلة حتى تشاوري أبويك (قوله حتى تستأمري
أبويك) أي تطلبي منها أن يبينا لك رأيهما في ذلك ووقع في حديث جابر حتى تستشيري أبويك
زاد محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة إني عارض عليك أمرا فلا تفتاتي فيه بشئ حتى تعرضيه
على أبويك أبي بكر وأم رومان أخرجه أحمد والطبري ويستفاد منه أن أم رومان كانت يومئذ
موجودة فيرد به على من زعم أنها ماتت سنة ست من الهجرة فإن التخيير كان في سنة تسع (قوله
قالت فقلت ففي أي هذا أستأمر أبوي) في رواية محمد بن عمرو فقلت فإني أريد الله ورسوله والدار
الآخرة ولا أو أمر أبوي أبا بكر وأم رومان فضحك وفي رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه عند
الطبري ففرح (قوله ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت) في رواية عقيل
ثم خير نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة زاد ابن وهب عن يونس في روايته فلم يكن ذلك طلاقا
حين قاله لهن فاخترته أخرجه الطبري وفي رواية محمد بن عمرو المذكورة ثم استقري الحجر يعني حجر
أزواجه فقال إن عائشة قالت كذا فقلن ونحن نقول مثل ما قالت وقوله استقري الحجر أي تتبع
والحجر بضم المهملة وفتح الجيم جمع حجرة بضم ثم سكون والمراد مساكن أزواجه صلى الله
عليه وسلم وفي حديث جابر المذكور أن عائشة لما قالت بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة
قالت يا رسول الله وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت فقال لا تسألني امرأة منهن
إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني متعنتا وإنما بعثني معلما ميسرا وفي رواية معمر عند مسلم قال معمر
فأخبرني أيوب أن عائشة قالت لا تخبر نساءك أني اخترتك فقال إن الله أرسلني مبلغا ولم يرسلني
متعنتا وهذا منقطع بين أيوب وعائشة ويشهد لصحته حديث جابر والله أعلم وفي الحديث ملاطفة
النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه وحلمه عنهن وصبره على ما كان يصدر منهن من إدلال وغيره (1)
مما يبعثه عليهن الغيرة وفيه فضل عائشة لبداءته بها كذا قرره النووي لكن روى ابن مردويه
من طريق الحسن عن عائشة أنها طلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبا فأمر الله نبيه
أن يخير نساءه أم عند الله تردن أم الدنيا فإن ثبت هذا وكانت هي السبب في التخيير فلعل البداءة
بها لذلك لكن الحسن لم يسمع من عائشة فهو ضعيف وحديث جابر في أن النسوة كن يسألنه
النفقة أصح طريقا منه وإذا تقرر أن السبب لم يتحد فيها وقدمت في التخيير دل على المراد
لا سيما مع تقديمه لها أيضا في البداءة بها في الدخول عليها وفيه أن صغر السن مظنة لنقص الرأي
قال العلماء إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تستأمر أبويها خشية أن يحملها صغر
السن على اختيار الشق الآخر لاحتمال أن لا يكون عندها من الملكة ما يدفع ذلك العارض فإذا
استشارت أبويها أوضحا لها ما في ذلك من المفسدة وما في مقابله من المصلحة ولهذا لما فطنت
عائشة لذلك قالت قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ووقع في رواية عمرة عن عائشة في هذه
401

القصة وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثتي وهذا شاهد للتأويل المذكور وفيه منقبة
عظيمة لعائشة وبيان كمال عقلها وصحة رأيها مع صغر سنها وأن الغيرة تحمل المرأة الكاملة الرأي
والعقل على ارتكاب ما لا يليق بحالها لسؤالها النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يخبر أحدا من
أزواجه بفعلها ولكنه صلى الله عليه وسلم لما علم أن الحامل لها على ذلك ما طبع عليه النساء من
الغيرة ومحبة الاستبداد دون ضرائرها لم يسعفها بما طلبت من ذلك * (تنبيه) * وقع في النهاية
والوسيط التصريح بأن عائشة أرادت أن يختار نساؤه الفراق فإن كانا ذكراه فيما فهماه من
السياق فذاك وإلا فلم أر في شئ من طرق الحديث التصريح بذلك وذكر بعض العلماء أن من
خصائصه صلى الله عليه وسلم تخيير أزواجه واستند إلى هذه القصة ولا دلالة فيها على الاختصاص
نعم أدعى بعض من قال إن التخيير طلاق أنه في حق الأمة واختص هو صلى الله عليه وسلم بأن ذلك
في حقه ليس بطلاق وسيأتي مزبد بيان لذلك في كتاب الطلاق أن شاء تعالى واستدل به
بعضهم على ضعف ما جاء أن من الأزواج حينئذ من اختارت الدنيا فزوجها وهي فاطمة بنت
الضحاك لعموم قوله ثم فعل إلى آخره (قوله تابعه موسى بن أعين عن معمر عن الزهري أخبرني
أبو سلمة) يعني عن عائشة وصله النسائي من طريق محمد بن موسى بن أعين حدثنا أبي فذكره (قوله
وقال عبد الرزاق وأبو سفيان المعمري عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة) أما رواية عبد
الرزاق فوصلها مسلم وابن ماجة من طريقه وأخرجها أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه وقصر من
قصر تخريجها علي ابن ماجة وأما رواية أبي سفيان المعمري فأخرجها الذهلي في الزهريات وتابع
معمرا على عروة جعفر بن برقان ولعل الحديث كان عند الزهري عنهما فحدث به تارة عن هذا
وتارة عن هذا وإلى هذا مال الترمذي وقد رواه عقيل وشعيب عن الزهري عن عائشة بغير واسطة
كما قدمته والله أعلم * (قوله باب وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله
أحق أن تخشاه) لم تختلف الروايات أنها نزلت في قصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش (قوله
حدثنا معلى بن منصور) هو الرازي وليس له عند البخاري سوى هذا الحديث وآخر في البيوع
وقد قال في التاريخ الصغير دخلنا عليه سنة عشر فكأنه لم يكثر عنه ولهذا حدث عنه في هذين
الموضعين بواسطة (قوله حدثنا ثابت) كذا قال معلى بن منصور عن حماد وتابعه محمد بن أبي
بكر المقدمي وعارم وغيرهما وقال الصلت بن مسعود وروح بن عبد المؤمن وغيرهما عن حماد
ابن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس فلعل لحماد فيه إسنادين وقد أخرجه الإسماعيلي
من طريق سليمان بن أيوب صاحب البصري عن حماد بن زيد بالاسنادين معا (قوله إن هذه الآية
وتخفى في نفسك ما الله مبديه نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة) هكذا اقتصر على
هذا القدر من هذه القصة وقد أخرجه في التوحيد من وجه آخر عن حماد بن زيد عن ثابت عن
أنس قال جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول اتق الله وأمسك عليك
زوجك قال أنس لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه الآية قال وكانت تفتخر
على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وأخرجه أحمد عن مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد
بهذا الاسناد بلفظ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل زيد بن حارثة فجاءه زيد يشكوها إليه
فقال له أمسك عليك زوجك واتق الله فنزلت إلى قوله زوجناكها قال يعني زينب بنت جحش
402

وقد أخرج ابن أبي حاتم هذه القصة من طريق السدي فساقها سياقا واضحا حسنا ولفظه بلغنا أن
هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله
عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مولاه فكرهت ذلك
ثم أنها رضيت بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه ثم أعلم الله عز وجل نبيه صلى الله
عليه وسلم بعد أنها من أزواجه فكان يستحي أن يأمر بطلاقها وكان لا يزال يكون بين زيد وزينب
ما يكون من الناس فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسك عليه زوجه وأن يتقي الله وكان
يخشى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا تزوج امرأة ابنه وقد كان قد تبنى زيدا وعنده من طريق علي
ابن زيد عن علي بن الحسين بن علي قال أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن زينب ستكون من
أزواجه قبل أن يتزوجها فلما أتاه زيد يشكوها إليه وقال له اتق الله وأمسك علك زوجك قال الله
قد أخبرتك أني مزوجكها وتخفى في نفسك ما الله مبديه وقد أطنب الترمذي الحكيم في تحسين
هذه الرواية وقال إنها من جواهر العلم المكنون وكأنه ليقف على تفسير السدي الذي أوردته
وهو أوضح سياقا وأصح إسنادا إليه لضعف علي بن زيد بن جدعان وروى عبد الرزاق عن معمر
عن قتادة قال جاء زيد بن حارثة فقال يا رسول الله إن زينب أشتد على لسانها وأنا أريد أن أطلقها
فقال له اتق الله وأمسك عليك زوجك قال والنبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يطلقها ويخشى
قالة الناس ووردت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري ونقلها كثير من المفسرين
لا ينبغي التشاغل بها والذي أوردته منها هو المعتمد والحاصل أن الذي كان يخفيه النبي صلى الله
عليه وسلم هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول
الناس تزوج امرأة ابنه وأراد الله إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر
لا أبلغ في الابطال منه وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنا ووقوع ذلك من إمام المسلمين ليكون
أدعى لقبولهم وإنما وقع الخبط في تأويل متعلق الخشية والله أعلم وقد أخرج الترمذي من طريق
داود بن أبي هند عن الشعبي عن عائشة قالت لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من
الوحي لكتم هذه الآية وإذ تقول الذي أنعم الله عليه يعني بالاسلام وأنعمت عليه بالعتق أمسك
عليك زوجك إلى قوله قدرا مقدورا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها قالوا تزوج
حليلة ابنه فأنزل الله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم الآية وكان تبناه وهو صغير (قلت)
حتى صار رجلا يقال له زيد بن محمد فأنزل الله تعالى ادعوهم لآبائهم إلى قوله ومواليكم قال
الترمذي روى عن داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة إلى قوله لكتم هذه الآية ولم يذكر
ما بعده (قلت) وهذا القدر أخرجه مسلم كما قال الترمذي وأظن الزائد بعده مدرجا في الخبر فإن
الراوي له عن داود لم يكن بالحافظ وقال ابن العربي إنما قال عليه الصلاة والسلام لزيد أمسك
عليك زوجك اختبارا لما عنده من الرغبة فيها أو عنها فلما أطلعه زيد على ما عنده منها من النفرة
التي نشأت من تعاظمها عليه وبذاءة لسانها أذن له في طلاقها وليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق
العلم ما يمنع من الآمر به والله أعلم وروى أحمد ومسلم والنسائي من طريق سليمان بن المغيرة عن
ثابت عن أنس قال لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد اذكرها على قال
فانطلقت فقلت يا زينب أبشري أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك فقالت ما أنا بصانعه
403

شيئا حتى أؤامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
دخل عليها بغير إذن وهذا أيضا من أبلغ ما وقع في ذلك وهو أن يكون الذي كان زوجها هو
الخاطب لئلا يظن أحد أن ذلك وقع قهرا بغير رضاه وفيه أيضا اختبار ما كان عنده منها هل بقي
منه شئ أم لا وفيه استحباب فعل المرأة الاستخارة ودعائها عند الخطبة قبل الإجابة وأن من وكل
أمره إلى الله عز وجل يسر الله له ما هو الاحظ له والأنفع دنيا وأخرى * (قوله باب
قوله ترجئ من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) كذا
للجميع وسقط لفظ باب لغير أبي ذر وحكى الواحدي عن المفسرين أن هذه الآية نزلت عقب
نزول آية التخيير وذلك أن التخيير لما وقع أشفق بعض الأزواج أن يطلقهن ففوضن أمر القسم
إليه فأنزلت ترجى من تشاء الآية (قوله قال ابن عباس ترجئ تؤخر) وصله ابن أبي حاتم من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به (قوله أرجه أخره) هذا من تفسير الأعراف والشعراء
ذكره هنا استطرادا وقد وصله ابن أبي حاتم أيضا من طريق عطاء عن ابن عباس قال في قوله أرجه
وأخاه قال أخره وأخاه (قوله حدثنا زكريا بن يحيى) هو الطائي وقيل البلخي وقد تقدم بيان
ذلك في العيدين (قوله حدثنا أبو أسامة قال هشام حدثنا) هو من تقديم المخبر على الصيغة وهو
جائز (قوله كنت أغار) كذا وقع بالغين المعجمة من الغيرة ووقع عند الإسماعيلي من طريق
محمد بن بشر عن هشام بن عروة بلفظ كانت تعير اللاتي وهبن أنفسهن بعين مهملة وتشديد
(قوله وهبهن أنفسهن) هذا ظاهر في أن الواهية أكثر من واحدة ويأتي في النكاح حديث
سهل بن سعد أن امرأة قالت يا رسول الله إني وهبت نفسي لك الحديث وفيه قصة الرجل
الذي طلبها قال التمس ولو خاتما من حديد ومن حديث أنس أن امرأة أتت النبي صلى الله
عليه وسلم فقالت له إن لي ابنة فذكرت من جمالها فآثرتك بها فقال قد قبلتها فلم تزل تذكر حتى
قالت لم تصدع قط فقال لا حاجة لي في ابنتك وأخرجه أحمد أيضا وهذه امرأة أخرى بلا شك
وعند ابن أبي حاتم من حديث عائشة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم هي
خولة بنت حكيم وسيأتي الكلام عليه في كتاب النكاح فإن البخاري أشار إليه معلقا ومن
طريق الشعبي قال من الواهبات أم شربك وأخرجه النسائي من طريق عروة وعند أبي
عبيد معمر بن المثنى أن من الواهبات فاطمة بنت شريح وقيل إن ليلى بنت الحطيم ممن
وهبت نفسها له ومنهن زينب بنت خزيمة جاء عن الشعبي وليس بثابت وخولة بنت حكيم وهو
في هذا الصحيح ومن طريق قتادة عن ابن عباس قال التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم
هي ميمونة بنت الحرث وهذا منقطع وأورده من وجه آخر مرسل وإسناده ضعيف ويعارضه
حديث سماك عن عكرمة عن ابن عباس لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت
نفسها له أخرجه الطبري وإسناده حسن والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن وهبت نفسها له وأن كان
مباحا له لأنه راجع إلى إرادته لقوله تعالى إن أراد النبي أن يستنكحها وقد بينت عائشة في هذا
الحديث سبب نزول قوله تعالى ترجى من تشاء منهن وأشارت إلى قوله تعالى وامرأة مؤمنة إن
وهبت نفسها للنبي وقوله تعالى قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وروى ابن مردويه من
حديث ابن عمر ومن حديث ابن عباس أيضا قال فرض عليهم أن لا نكاح إلا بولي وشاهدين
404

(قوله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) أي ما أرى الله إلا موجدا لما تريد بلا تأخير منزلا لما تحب
وتختار وقوله ترجى من تشاء منهن أي تؤخرهن بغير قسم وهذا قول الجمهور وأخرجه الطبري
عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأبي رزين وغيرهم وأخرج الطبري أيضا عن الشعبي
في قوله ترجى من تشاء منهن قال كن نساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فدخل ببعضهن
وأرجأ بعضهن لم ينكحهن وهذا شاذ والمحفوظ أنه لم يدخل بأحد من الواهبات كما تقدم وقيل
المراد بقوله ترجى من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء أنه كان هم بطلاق بعضهن فقلن له
لا تطلقنا وأقسم لنا ما شئت فكان يقسم لبعضهن قسما مستويا وهن اللاتي آواهن ويقسم
للباقي ما شاء وهن اللاتي أرجأهن فحاصل ما نقل في تأويل ترجى أقوال أحدها تطلق وتمسك
ثانيها تعتزل من شئت منهن بغير طلاق وتقسم لغيرها ثالثها تقبل من شئت من الواهبات وترد من
شئت وحديث الباب يؤيد هذا والذي قبله واللفظ يحتمل للأقوال الثلاثة وظاهر ما حكته عائشة
من استئذانه أنه لم يرج أحدا منهن بمعنى أنه لم يعتزل وهو قول الزهري ما أعلم أنه أرجأ أحدا من
نسائه أخرجه ابن أبي حاتم وعن قتادة أطلق له أن يقسم كيف شاء فلم يقسم إلا بالسوية (قوله
يستأذن (1) المرأة في اليوم) أي الذي يكون فيه نوبتها إذا أراد أن يتوجه إلى الأخرى (قوله
تابعه عباد بن عباد سمع عاصما) وصله ابن مردويه في تفسيره من طريق يحيى بن معين عن عباد بن
عباد ورويناه في الجزء الثالث من حديث يحيى بن معين رواية أبي بكر المروزي عنه من طريق
المصريين إلى المروزي (تكميل) اختلف في المنفى في قوله تعالى في الآية التي تلي هذه الآية
وهي قوله لا تحل لك النساء من بعد هل المراد بعد الأوصاف المذكورة فكان يحل له صنف
دون صنف أو بعد النساء الموجودات عند التخيير على قولين وإلى الأول ذهب أبي بن كعب ومن
وافقه أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وإلى الثاني ذهب ابن عباس ومن وافقه وأن
ذلك وقع مجازاة لهن على اختيارهن إياه نعم الواقع أنه صلى الله عليه وسلم لم يتجدد له تزوج امرأة
بعد القصة المذكورة لكن ذلك لا يرفع الخلاف وقد روى الترمذي والنسائي عن عائشة ما مات
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء وأخرج ابن أبي حاتم عن أم سلمة رضي الله عنها
مثله * (قوله باب قوله لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام إلى قوله إن ذلكم
كان عند الله عظيما) كذا لأبي ذر والنسفي وساق غيرهما الآية كلها (قوله يقال أناه إدراكه أني
يأنى أناة فهو آن) أني بفتح الألف والنون مقصور ويأتي بكسر النون وأناة بفتح الهمزة والنون
مخففا وآخره هاء تأنيث بغير مد مصدر قال أبو عبيدة في قوله إلى طعام غير ناظرين أناه أي
إدراكه وبلوغه ويقال أني يأنى أنيا أي بلغ وأدرك قال الشاعر
تمحضت المنون له بنوم * أني ولكل حاملة تمام
وقوله أنيا بفتح الهمزة وسكون النون مصدر أيضا وقرأ الأعمش وحده آناه بمد أوله بصيغة الجمع مثل
آناء الليل ولكن بغير همز في آخره (قوله لعل الساعة تكون قريبا إذا وصفت صفة المؤنث قلت
قريبة وإذا جعلته ظرفا وبدلا ولم ترد الصفة نزعت الهاء من المؤنث وكذلك لفظها في الواحد
والاثنين والجمع المذكر والأنثى) هكذا وقع هذا الكلام هنا لأبي ذر والنسفي وسقط لغيرهما وهو أوجه
لأنه وإن اتجه ذكره في هذه السورة لكن ليس هذا محله وقد قال أبو عبيدة في قوله تعالى وما يدريك
405

لعل الساعة تكون قريبا مجازه مجاز الظرف ههنا ولو كان صفا للساعة لكان قريبة وإذا
كانت ظرف فإن لفظها في الواحد وفي الاثنين والجمع من المذكر والمؤنث واحد بغير هاء وبغير جمع
وبغير تثنية وجوز غيره أن يكون المراد بالساعة اليوم فلذلك ذكره أو المراد شيئا قريبا أو زمانا
قريبا أو التقدير قيام الساعة فحذف قيام وروعيت الساعة في تأنيث تكون وروعي المضاف
المحذوف في تذكير قريبا وقيل قريبا كثر استعماله استعمال الظروف فهو ظرف في موضع
الخبر ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدهما حديث أنس عن عمر قال قلت يا رسول الله
يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب وهو طرف
من حديث أوله وافقت ربي في ثلاث وقد تقدم بتمامه في أوائل الصلاة وفي تفسير البقرة ثانيها
حديث أنس في قصة بناء النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ونزول آية الحجاب أورده من
أربعة طرق عن أنس بعضها أتم من بعض وقوله لما أهديث أي لما زينتها الماشطة وزفت إلى
النبي صلى الله عليه وسلم وزعم الصغائي أن الصواب هديت بغير ألف لكن توارد النسخ على
إثباتها يرد عليه ولا مانع من استعمال الهدية في هذا استعارة (قوله لما تزوج النبي صلى الله عليه
وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا) في رواية الزهري عن أنس كما سيأتي في الاستئذان
قال أنا أعلم الناس بشأن الحجاب وكان في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش
أصبح بها عروسا فدعا القوم وفي رواية أبي قلابة عن أنس قال أنا أعلم الناس بهذه الآية آية الحجاب
لما أهديت زينب بنت جحش إلى النبي صلى الله عليه وسلم صنع طعاما وفي رواية عبد العزيز بن
صهيب عن أنس أنه كان الداعي إلى الطعام قال فيجئ قوم فيأكلون ويخرجون ثم يجئ قوم
فيأكلون ويخرجون قال فدعوت حتى ما أجد أحدا وفي رواية حميد فأشبع المسلمين خبزا ولحما
ووقع في رواية الجعد بن عثمان عن أنس عند مسلم وعلقه البخاري قال تزوج النبي صلى الله
عليه وسلم فدخل بأهله فصنعت له أم سليم حيسا فذهبت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال
ادع لي فلانا وفلانا وذهبت فدعوتهم زهاء ثلثمائة رجل فذكر الحديث في إشباعهم من ذلك
وقد تقدمت الإشارة إليه في علامات النبوة ويجمع بينه وبين رواية حميد بأنه صلى الله عليه
وسلم أو لم عليه باللحم والخبز وأرسلت إليه أم سليم الحيس وفي رواية سليمان بن المغيرة عن ثابت
عن أنس لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا عليها الخبز واللحم حتى امتد النهار
الحديث أخرجه مسلم (قوله قلت يا رسول الله والله ما أجد أحدا قال فارفعوا طعامكم) زاد
الإسماعيلي من طريق جعفر بن مهران عن عبد الوارث فيه قال وزينب جالسة في جانب البيت
قال وكانت امرأة قد أعطيت جمالا وبقي في البيت ثلاثة (قوله ثم جلسوا يتحدثون) في رواية
أبي قلابة فجعل يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون (قوله وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا
فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر) في رواية عبد العزيز وبقي ثلاثة رهط
وفي رواية حميد فلما رجع إلى بيته رأى رجلين ووافقه بيان بن عمرو عن أنس عند الترمذي
وأصله عند المصنف أيضا ويجمع بين الروايتين بأنهم أول ما قام وخرج من البيت كانوا ثلاثة وفي
آخر ما رجع توجه واحد منهم في أثناء ذلك فصاروا اثنين وهذا أولى من جزم ابن التين بأن إحدى
الروايتين وهم وجوز الكرماني أن يكون التحديث وقع من اثنين منهم فقط والثالث كان ساكتا
406

فمن ذكر الثلاثة لحظ الاشخاص ومن ذكر الاثنين لحظ سبب العقود ولم أقف على تسمية أحد منهم
(قوله فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم انطلقوا) هكذا وقع الجزم في هذه
الرواية بأنه الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجهم وكذا في رواية الجعد المذكورة واتفقت
رواية عبد العزيز وحميد على أن أنسا كان يشك في ذلك ولفظ حميد فلا أدري أنا أخبرته
بخروجهما أم أخبر وفي رواية عبد العزيز عن أنس فما أدري أخبرته أو أخبر وهو مبنى للمجهول
أي أخبر بالوحي وهذا الشك قريب من شك أنس في تسمية الرجل الذي سأل الدعاء بالاستسقاء
فإن بعض أصحاب أنس جزم عنه بأنه الرجل الأول وبعضهم ذكر أنه سأله عن ذلك فقال لا أدري كما
تقدم في مكانه وهو محمول على أنه كان يذكره ثم عرض له الشك فكان يشك فيه ثم تذكر فجزم (قوله
فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية)
زاد أبو قلابة في روايته إلا أن يؤذن لكم إلى قوله من وراء حجاب فضرب الحجاب وفي رواية عبد
العزيز حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخلة والاخرى خارجة أرخى الستر بيني وبينه
وأنزلت آية الحجاب وعند الترمذي من رواية عمرو بن سعيد عن أنس فلما أرخى الستر دوني ذكرت
ذلك لأبي طلحة فقال إن كان كما تقول لينزلن فيه قرآن فنزلت آية الحجاب (قوله في رواية عبد
العزيز فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال السلام عليكم) في رواية
حميد ثم خرج إلى أمهات المؤمنين كما كان يصنع صبيحة بنائه فيسلم عليهن ويسلمن عليه ويدعو
لهن ويدعون له) وفي رواية عبد العزيز أنهن قلن له كيف وجدت أهلك بارك الله لك (قوله
فتقرى) بفتح القاف وتشديد الراء بصيغة الفعل الماضي أي تتبع الحجرات واحدة واحدة يقال
منه قريت الأرض إذا تتبعتها أرضا بعد أرض وناسا بعد ناس (قوله وكان النبي صلى الله عليه
وسلم شديد الحياء فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة) في رواية حميد رأى رجلين جرى بهما الحديث
فلما رآهما رجع عن بيته فلما رأى الرجلان نبي الله صلى الله عليه وسلم رجع عن بيته وثبا مسرعين
ومحصل القصة أن الذين حضروا الوليمة جلسوا يتحدثون واستحى النبي صلى الله عليه وسلم أن
يأمرهم بالخروج فتهيأ للقيام ليفطنوا لمراده فيقوموا بقيامه فلما ألهاهم الحديث عن ذلك قام
وخرج فخرجوا بخروجه إلا الثلاثة الذين لم يفطنوا لذلك لشدة شغل بالهم بما كانوا فيه من الحديث
وفي غضون ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يقوموا من غير مواجهتهم بالامر بالخروج
407

لشدة حيائه فيطيل الغيبة عنهم بالتشاغل بالسلام على نسائه وهم في شغل بالهم وكأن أحدهم في
أثناء ذلك أفاق من غفلته فخرج وبقي الاثنان فلما طال ذلك ووصل النبي صلى الله عليه وسلم
إلى منزله فرأهما فرجع فرأياه لما رجع فحينئذ فطنا فخرجا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأنزلت
الآية فأرخى الستر بينه وبين أنس خادمه أيضا ولم يكن له عهد بذلك * (تنبيه) * ظاهر الرواية
الثانية أن الآية نزلت قبل قيام القوم وا لاولى وغيرها أنها نزلت بعد فيجمع بان المراد أنها نزلت
حال قيامهم أي أنزلها الله وقد قاموا ووقع في رواية الجعد فرجع فدخل البيت وارخى الستر
وإني لفي الحجرة وهو يقول يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلى قوله من الحق وفي الحديث م
ن الفوائد مشروعية الحجاب لأمهات المؤمنين قال عياض فرض الحجاب مما اختصصن به
فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها
ولا إظهار شخوصهن وأن كن مستترات إلا ما دعت إليه ضرورة من براز ثم استدل بما في الموطأ أن
حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق
نعشها ليستر شخصها انتهى وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن وقد كن بعد
النبي صلى الله عليه وسلم يحججن ويطفن وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن
مستترات الأبدان لا الاشخاص وقد تقدم في الحج قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة
أقبل الحجاب أو بعده قال قد أدركت ذلك بعد الحجاب وسيأتي في آخر الحديث الذي يليه مزيد
بيان لذلك (قوله وقال بن أبي مريم أنبأنا يحيى حدثني حميد سمعت أنسا) مراده بذلك أن عنعنة
حميد في هذا الحديث غير مؤثرة لأنه ورد عنه التصريح بالسماع لهذا الحديث منه ويحيى
المذكور هو ابن أبي أيوب الغافقي المصري وابن أبي مريم من شيوخ البخاري واسمه سعيد بن الحكم
ووقع في بعض النسخ من رواية أبي ذر وقال إبراهيم بن أبي مريم وهو تغيير فاحش وإنما هو
سعيد * الحديث الثالث حديث عائشة خرجت سودة أي بنت زمعة أم المؤمنين بعد ما ضرب
الحجاب لحاجتها وقد تقدم في كتاب الطهارة من طريق هشام بن عروة عن أبيه ما يخالف ظاهره
رواية الزهري هذه عن عروة قال الكرماني فإن قلت وقع هنا أنه كان بعد ما ضرب الحجاب وتقدم
في الوضوء أنه كان قبل الحجاب فالجواب لعله وقع مرتين (قلت) بل المراد بالحجاب الأول غير
الحجاب الثاني والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم
النبوي حتى صرح بقوله عليه الصلاة والسلام أحجب نساءك وأكد ذلك إلى أن نزلت آية
الحجاب ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلا ولو كن مستترات فبالغ في ذلك فمنع منه وأذن
لهن في الخروج لحاجتهن دفعا للمشقة ورفعا للحرج وقد اعترض بعض الشراح بأن إيراد
الحديث المذكور في الباب ليس مطابقا بل إيراده في عدم الحجاب أولى وأجيب بأنه أحال على
أصل الحديث كعادته وكأنه أشار إلى أن الجمع بين الحديثين ممكن والله أعلم وقد وقع في رواية
مجاهد عن عائشة لنزول آية الحجاب سبب آخر أخرجه النسائي بلفظ كنت آكل مع النبي صلى
الله عليه وسلم حيسا في قعب فمر عمر فدعاه فأكل فأصاب إصبعه إصبعي فقال حس أو أوه لو أطاع
فيكن ما رأتكن عين فنزل الحجاب ويمكن الجمع بأن ذلك وقع قبل قصة زينب فلقربه منها أطلقت
نزول الحجاب بهذا السبب ولا مانع من تعدد الأسباب وقد أخرج بن مردويه من حديث ابن
408

عباس قال دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فأطال الجلوس فخرج النبي صلى الله عليه وسلم
ثلاث مرات ليخرج فلم يفعل فدخل عمر فرأى الكراهية في وجهه فقال للرجل لعلك آذيت
النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد قمت ثلاثا لكي يتبعني فلم يفعل فقال له
عمريا رسول الله لو اتخذت حجابا فإن نساءك لسن كسائر النساء وذلك أطهر لقلوبهن فنزلت آية
الحجاب * (قوله باب قوله إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان إلى قوله شهيدا) كذا لأبي
ذر وساق غيره الآيتين جميعا ثم ذكر حديث عائشة في قصة أفلح أخي أبي القعيس وسيأتي شرح
الحديث مستوفى في الرضاع ومطابقته للترجمة من قوله لا جناح عليهن في آبائهن الخ فإن
ذلك من جملة الآيتين وقوله (4518) في الحديث ائذني له فإنه عمك مع قوله في الحديث الآخر العم صنو
الأب وبهذا يندفع اعتراض من زعم أنه ليس في الحديث مطابقة للترجمة أصلا وكأن البخاري
رمز بإيراد هذا الحديث إلى رد على من كره للمرأة أن تضع خمارها عند عمها أو خالها كما أخرجه
الطبري من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة والشعبي أنه قيل لهما لم لم يذكر للعم والخال في هذه
الآية فقالا لأنهما ينعتاها لأبنائهما وكرها لذلك أن تضع خمارها عند عمها أو خالها وحديث عائشة
في قصة أفلح يرد عليهما وهذا من دقائق ما في تراجم البخاري * (قوله باب قوله إن الله
وملائكته يصلون على النبي الآية) كذا لأبي ذر وساقها غيره إلى تسليما (قوله قال أبو العالية صلاة
الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء) أخرجه ابن أبي حاتم ومن طريق آدم بن أبي
إياس حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع هو ابن أنس بهذا وزاد في آخره له (قوله وقال ابن عباس
يصلون يبركون) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله يصلون على النبي
قال يبركون على النبي أي يدعون له بالبركة فيوافق قول أبي العالية لكنه أخص منه وقد سئلت
عن إضافة الصلاة إلى الله دون السلام وأمر المؤمنين بها وبالسلام فقلت يحتمل أن يكون السلام
له معنيان التحية والانقياد فأمر به المؤمنون لصحتهما منهم والله وملائكته لا يجوز منهم الانقياد
فلم يضف إليهم دفعا للايهام والعلم عند الله (قوله لنعزينك لنسلطنك) كذا وقع هذا هنا ولا تعلق له
بالآية وإن كان من جملة السورة فلعله من الناسخ وهو قول ابن عباس ووصله الطبري أيضا من
طريق علي بن أبي طلحة عنه بلفظ لنسلطنك عليهم وقال أبو عبيدة مثله وكذا قال السدى (قوله
سعيد بن يحيى) هو الأموي (قوله قيل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه) في حديث أبي
سعيد الذي بعد هذا قلنا يا رسول الله والمراد بالسلام ما علمهم إياه في التشهد من قولهم السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته والسائل عن ذلك هو كعب بن عجرة نفسه أخرجه ابن مردويه من
طريق الأجلح عن الحكم بن أبي ليلى عنه وقد وقع السؤال عن ذلك أيضا لبشير بن سعد والد
النعمان بن بشير كذا وقع في حديث أبي مسعود عند مسلم بلفظ أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله تعالى أن نصلي عليه فكيف نصلي عليك
وروى الترمذي من طريق يزيد بن أبي زيادة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال لما
نزلت إن الله وملائكته الآية قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام فكيف الصلاة (قوله
فكيف الصلاة عليك) في حديث أبي سعيد فكيف نصلي عليك زاد أبو مسعود في روايته إذا
نحن صلينا عليك في صلاتنا أخرجه الطبري أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان بهذه الزيادة
409

(قوله قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) في حديث أبي سعيد على محمد عبدك ورسولك
(قوله كما صليت على آل إبراهيم) أي تقدمت منك الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فنسأل
منك الصلاة على محمد وعلى آل محمد بطريق الأولى لان الذي يثبت للفاضل يثبت للأفضل بطريق
الأولى وبهذا يحصل الانفصال عن الايراد المشهور من أن شرط التشبيه أن يكون المشبه به أقوى
ومحصل الجواب أن التشبيه ليس من باب إلحاق الكامل بالأكمل بل من باب التهييج ونحوه أو
من بيان حال ما لا يعرف بما يعرف لأنه فيما يستقبل والذي يحصل لمحمد صلى الله عليه وسلم من ذلك
أقوى وأكمل وأجابوا بجواب آخر على تقدير أنه من باب الالحاق وحاصل الجواب أن التشبيه
وقع للمجموع بالمجموع لان مجموع آل إبراهيم أفضل من مجموع آل محمد لان في آل إبراهيم الأنبياء
بخلاف آل محمد ويعكر على هذا الجواب التفصيل الواقع في غالب طرق الحديث وقيل في الجواب
أيضا إن ذلك كان قبل أن يعلم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه أفضل من إبراهيم وغيره من
الأنبياء وهو مثل ما وقع عند مسلم عن أنس إن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية قال
ذاك إبراهيم (قوله على آل إبراهيم) كذا فيه في الموضعين وسأذكر تحرير ذلك في كتاب الدعوات
إن شاء الله تعالى وفي آخر حديث أبي سعيد المذكور والسلام كما قد علمتم (قوله في حديث أبي
سعيد قال أبو صالح عن الليث) يعني بالاسناد المذكور قبل (قوله على محمد وعلى آل محمد كما باركت
على آل إبراهيم) يعني أن عبد الله بن يوسف لم يذكر آل إبراهيم عن الليث وذكرها أبو صالح عنه في
الحديث المذكور وهكذا أخرجه أبو نعيم من طريق يحيى بن بكير عن الليث (قوله حدثنا ابن أبي
حازم) هو عبد العزيز بن سلمة بن دينار (قوله والدراوردي) هو عبد العزيز بن محمد (قوله عن يزيد)
هو ابن عبد الله بن شداد بن الهاد شيخ الليث فيه ومراده أنهما روياه بإسناد الليث فذكر آل
إبراهيم كما ذكره أبو صالح عن الليث واستدل بهذا الحديث على جواز الصلاة على غير النبي صلى الله
عليه وسلم من أجل قوله فيه وعلى آل محمد وأجاب من منع بأن الجواز مقيد بما إذا وقع تبعا والمنع
إذا وقع مستقلا والحجة فيه أنه صار شعارا للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يشاركه غيره فيه فلا يقال قال
أبو بكر صلى الله عليه وسلم وأن كان معناه صحيحا ويقال صلى الله على النبي وعلى صديقه
أو خليفته ونحو ذلك وقريب من هذا أنه لا يقال قال محمد عز وجل وأن كان معناه صحيحا لان هذا
الثناء صار شعارا لله سبحانه فلا يشاركه غيره فيه ولا حجة لمن أجاز ذلك منفردا فيما وقع من قوله
تعالى وصل عليهم ولا في قوله اللهم صل على آل أبي أوفى ولا في قول امرأة جابر صل علي وعلى
زوجي فقال اللهم صل عليهما فإن ذلك كله وقع من النبي صلى الله عليه وسلم ولصاحب الحق أن
يتفضل من حقه بما شاء وليس لغيره أن يتصرف إلا بإذنه ولم يثبت عنه إذن في ذلك ويقوى المنع بأن
الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم صار شعارا لأهل الأهواء يصلون على من يعظمونه من
أهل البيت وغيرهم وهل المنع في ذلك حرام أو مكروه أو خلاف الأولى حكى الأوجه الثلاثة
النووي في الاذكار وصحح الثاني وقد روى إسماعيل بن إسحاق في كتاب أحكام القرآن له بإسناد
حسن عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب أما بعد فإن ناسا من الناس التمسوا عمل الدنيا بعمل الآخرة
وإن ناسا من القصاص أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل الصلاة على النبي فإذا
جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين ويدعوا ما سوى ذلك ثم
410

أخرج عن ابن عباس بإسناد صحيح قال لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم
ولكن للمسلمين والمسلمات الاستغفار وذكر أبو ذر أن الامر بالصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم كان في السنة الثانية من الهجرة وقيل من ليلة الاسراء * (قوله باب لا تكونوا
كالذين آذوا موسى) ذكر فيه طرفا من قصة موسى مع بني إسرائيل وقد تقدم بسنده مطولا في
أحاديث الأنبياء مع شرحه مستوفى وقد روى أحمد بن منيع في مسنده والطبري وابن أبي حاتم
بإسناد قوي عن ابن عباس عن علي قال صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون فقال بنو
إسرائيل لموسى أنت قلته كان ألين لنا منك وأشد حبا فآذوه بذلك فأمر الله الملائكة فحملته
فمرت به على مجالس بني إسرائيل فعلموا بموته قال الطبري يحتمل أن يكون هذا المراد بالأذى في
قوله لا تكونوا كالذين آذوا موسى (قلت) وما في الصحيح أصح من هذا لكن لا مانع أن يكون
للشئ سببان فأكثر كما تقدم تقريره غير مرة
* (قوله سورة سبأ) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر وهذه السورة سميت بقوله فيها لقد كان لسبأ في مساكنهم
الآية قال ابن إسحاق وغيره هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ووقع عند الترمذي وحسنه من
حديث فروة بن مسيك قال أنزل في سبأ ما أنزل فقال رجل يا رسول الله وما سبأ أرض أو امرأة قال
ليس بأرض ولا امرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن ستة وتشاءم أربعة الحديث قال
وفي الباب عن ابن عباس (قلت) حديث ابن عباس وفروة صححهما الحاكم وأخرج ابن أبي حاتم
في حديث فروة زيادة أنه قال يا رسول الله إن سبأ قوم كان لهم عز في الجاهلية وإني أخشى أن يرتدوا
فأقاتلهم قال ما أمرت فيهم بشئ فنزلت لقد كان لسبأ في مساكنهم الآيات فقال له رجل يا رسول
الله وما سبأ فذكره وأخرج ابن عبد البر في الأنساب له شاهدا من حديث تميم الداري وأصله قصة
سبأ وقد ذكرها ابن إسحاق مطولة في أول السيرة النبوية وأخرج بعضها ابن أبي حاتم من طريق
حبيب بن الشهيد عن عكرمة وأخرجها أيضا من طريق السدي مطولا (قوله معاجزين مسابقين
بمعجزين بفائنين معاجزي مسابقي سبقوا فاتوا لا يعجزون لا يفوتون يسبقونا يعجزونا قوله بمعجزين
بفائتين ومعنى معاجزين مغالبين يريد كل واحد منهما أن يظهر عجز صاحبه) أما قوله معاجزين
مسابقين فقال أبو عبيدة في قوله والذين سعوا في آياتنا معاجزين أي مسابقين يقال ما أنت
بمعجزي أي سابقي وهذا اللفظ أي معاجزين على إحدى القراءتين وهي قراءة الأكثر في موضعين
من هذه السورة وفي سورة الحج والقراءة الأخرى لابن كثير وأبي عمرو معجزين بالتشديد في
المواضع الثلاثة وهي بمعناها وقيل معنى معاجزين معاندين ومغالبين ومعنى معجزين
ناسبين غيرهم إلى العجز وأما قوله بمعجزين فلعله أشار إلى قوله في سورة العنكبوت وما أنتم
بمعجزين في الأرض ولا في السماء وقد أخرج ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير
نحوه وأما قوله معاجزي مسابقي فسقط من رواية الأصيلي وكريمة وثبت عندهما معاجزين
مغالبين وتكرر لهما بعد وقد ظهر أنه بقية كلام أبي عبيدة كما قدمته وأما قوله سيقوا إلى آخره
411

فقال أبو عبيدة في سورة الأنفال في قوله ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا مجازه فاتوا أنهم لا يعجزون
أي لا يفوتون وأما قوله يسبقونا فأخرج بن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله
أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا أي يعجزونا وأما قوله بمعجزين بفائتين فكذا وقع
مكررا في رواية أبي ذر وحده وسقط للباقين وأما قوله معاجزين مغالبين الخ فقال الفراء معناه
معاندين وذكر ابن أبي حاتم من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله معاجزين
قال مراغمين وكلها بمعنى (قوله معشار عشر) قال أبو عبيدة في قوله تعالى وما بلغوا معشار
ما آتيناهم أي عشر ما أعطيناهم وقال الفراء المعنى وما بلغ أهل مكة معشار الذين أهلكناهم
من قبلهم من القوة والجسم والولد والعدد والمعشار العشر (قوله يقال الاكل الثمرة) قال أبو
عبيدة في قوله تعالى ذواتي أكل خمط وأثل قال الخمط هو كل شجر ذي شوك والاكل الجني أي بفتح
الجيم مقصور وهو بمعنى الثمرة (قوله باعد وبعد واحد) قال أبو عبيدة في قوله تعالى قالوا ربنا
باعد بين أسفارنا مجازه مجاز الدعاء وقرأه قوم بعد يعني بالتشديد (قلت) قراءة باعد للجمهور وقرأه
بعد أبو عمرو وابن كثير وهشام (قوله وقال مجاهد لا يعزب لا يغيب) وصله الفريابي عن ورقاء
عن ابن أبي نجيح عنه بهذا (قوله سيل العرم السد) كذا للأكثر بضم المهملة وتشديد الدال
ولأبي ذر عن الحموي الشديد بمعجمة وزن عظيم (قوله فشقة) كذا للأكثر بمعجمة قبل القاف الثقيلة
وذكر عياض أن في رواية أبي ذر فبثقة بموحدة ثم مثلثة قبل القاف الخفيفة قال وهو الوجه تقول
بثقت النهر إذا كسرته لتصرفه عن مجراه (قوله فارتفعتا عن الجنبتين) كذا للأكثر بفتح
الجيم والنون الخفيفة بعدها موحدة ثم مثناة فوقانية ثم تحتانية ثم نون ولأبي ذر عن الحموي
بتشديد النون بغير موحدة تثنية جنة واستشكل هذا الترتيب لان السياق يقتضي أن يقول
ارتفع الماء على الجنتين وارتفعت الجنتان عن الماء وأجيب بان المراد من الارتفاع الزوال أي
ارتفع اسم الجنة منهما فالتقدير فارتفعت الجنتان عن كونهما جنتين وتسمية ما بدلوا به جنتين
على سبيل المشاكلة (قوله ولم يكن الماء الأحمر من السد) كذا للأكثر بضم المهملة وتشديد
الدال وللمستملي من السيل وعند الإسماعيلي من السيول وهذا الأثر عن مجاهد وصله الفريابي
أيضا وقال السد في الموضعين يقال فشقه بالمعجمة والقاف الثقيلة وقال على الجنتين تثنية جنة
كما للأكثر في المواضع كلها (قوله وقال عمرو بن شرحبيل العرم المسناة بلحن أهل اليمن وقال غيره
العرم الوادي) أما قول عمرو فوصله سعيد بن منصور عن شريك عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة وهو
عمرو بن شرحبيل فذكره سواء واللحن اللغة والمسناة بضم الميم وفتح المهملة وتشديد النون وضبط
في أصل الأصيلي بفتح الميم وسكون المهملة قال ابن التين المراد بها ما يبني في عرض الوادي ليرتفع
السيل ويفيض على الأرض وكأنه أخذ من عرامة الماء وهي ذهابه كل مذهب وقال الفراء
العرم المسناة وهي مسناة كانت تحبس الماء على ثلاثة أبواب منها فيسيبون من ذلك الماء من
الباب الأول ثم الثاني ثم الآخر ولا ينفى حتى يرجع الماء السنة المقبلة وكانوا أنعم قوم فلما
أعرضوا عن تصديق الرسل وكفروا بثق الله عليهم تلك المسناة فغرقت أرضهم ودقت الرمل
بيوتهم ومزقوا كل ممزق حتى صار تمزيقهم عند العرب مثلا يقولون تفرقوا أيدي سبأ وأما قول
غيره فأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه قال العرم اسم الوادي وقيل العرم
412

اسم الجرذ الذي خرب السد وقيل هو صفة السيل مأخوذ من العرامة وقيل اسم المطر الكثير
وقال أبو حاتم هو جمع لا واحد له من لفظة وقال أبو عبيدة سيل العرم واحدتها عرمة وهو بناء
يحبس به الماء يبني فيشرف به على الماء في وسط الأرض ويترك فيه سبيل للسفينة فتلك العرمات
واحدتها عرمة (قوله السابغات الدروع) قال أبو عبيدة في قوله أن أعمل سابغات أي دروعا
واسعة طويلة (قوله وقال مجاهد يجازي يعاقب) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح
عنه ومن طريق طاوس قال هو المناقشة في الحساب ومن نوقش الحساب عذب وهو الكافر
لا يغفر له * (تنبيه) * قيل إن هذه الآية أرجى آية في كتاب الله من جهة الحصر في الكفر فمفهومه
أن غير الكفر بخلاف ذلك ومثله ان العذاب على من كذب وتولى وقيل ولسوف يعطيك ربك
فترضى وقيل فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير وقيل كل يعمل على شاكلته وقيل قل
يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآية وقيل آية الدين وقيل ولا يأثل أولو الفضل منكم
والسعة وهذا الأخير نقله مسلم في صحيحه عن عبد الله بن المبارك عقب حديث الإفك وفي كتاب
الايمان من مستدرك الحاكم عن ابن عباس قوله تعالى ولكن ليطمئن قلبي (قوله أعظكم
بواحدة بطاعة الله مثنى وفرادى واحد واثنين) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد
بهذا (قوله التناوش الرد من الآخرة إلى الدنيا) وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ وأنى لهم
التناوش قال رد من مكان بعيد من الآخرة إلى الدنيا وعند الحاكم من طريق التميمي عن ابن
عباس في قوله وأنى لهم التناوش من مكان بعيد قال يسألون الرد وليس بعين رد (قوله وبين
ما يشتهون من مال أو ولد أو زهرة) وصله الفريابي من طريق مجاهد مثله ولم يقل أو زهرة (قوله
بأشياعهم بأمثالهم) وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ كما فعل بأشياعهم من قبل قال الكفار
من قبلهم (قوله وقال ابن عباس كالجوابي كالجوبة من الأرض) تقدم هذا في أحاديث الأنبياء
قيل الجوابي في اللغة جمع جابية وهو الحوض الذي يجبي فيه الشئ أي يجمع وأما الجوبة من
الأرض فهي الموضع المطمئن فلا يستقيم تفسير الجوابي بها وأجيب باحتمال أن يكون فسر
الجابية بالجوبة ولم يرد أن اشتقاقهما واحد (قوله الخمط الأراك والأوائل الطرفاء العرم الشديد)
سقط الكلام الأخير للنسفي وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
بهذا كله مفرقا * (قوله باب حتى إذا فزع من قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا
الحق وهو العلي الكبير * قوله حدثنا عمرو) هو ابن دينار (قوله إذا قضى الله الامر في
السماء) في حديث النواس بن سمعان عند الطبراني مرفوعا إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء
رجفة شديدة من خوف الله فإذا سمع أهل السماء بذلك صعقوا وخروا سجدا فيكون أولهم يرفع
رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد فينتهي به على الملائكة كلما مر بسماء سأل أهله
ماذا قال ربنا قال الحق فينتهي به حيث أمر (قوله ضربت الملائكة بأجنحته خضعانا) بفتحتين
من الخضوع وفي رواية بضم أوله وسكون ثانية وهو مصدر بمعنى خاضعين (قوله كأنه) أي
القول المسموع (سلسلة على صفوان) هو مثل قوله في بدء الوحي صلصلة كصلصلة الجرس وهو
صوت الملك بالوحي وقد روى ابن مردويه من حديث ابن مسعود رفعه إذا تكلم الله بالوحي يسمع
أهل السماوات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون ويرون أنه من أمر الساعة
413

وقرأ حتى إذا فزع الآية وأصله عند أبي داود وغيره وعلقه المصنف موقوفا ويأتي في كتاب
التوحيد إن شاء الله تعالى قال الخطابي الصلصلة صوت الحديد إذا تحرك وتداخل وكان الرواية
وقعت له بالصاد وأراد أن التشبيه في الموضعين بمعنى واحد فالذي في بدء الوحي هذا والذي هنا جر
السلسلة من الحديد على الصفوان الذي هو الحجر الأملس يكون الصوت الناشئ عنهما سواء
(قوله على صفوان) زاد في سورة الحجر عن علي بن عبد الله قال غيره يعني غير سفيان ينفذهم ذلك
في حديث ابن عباس عند ابن مردويه من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه فلا
ينزل على أهل سماء إلا صعقوا وعند مسلم والترمذي من طريق علي بن الحسين بن علي عن ابن
عباس عن رجال من الأنصار أنهم كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فرمى بنجم فاستنار فقال
ما كنتم تقولون لهذا إذا رمى به في الجاهلية قالوا كنا نقول مات عظيم أو يولد عظيم فقال إنها
لا يرمي بها لموت أحد ولحياته ولكن ربنا إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء
الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح سماء الدنيا ثم يقولون لحملة العرش ماذا قال ربكم الحديث وليس
عند الترمذي عن رجال من الأنصار وسيأتي مزيد فيه في كتاب التوحيد (قوله ومسترقو السمع)
في رواية علي عند أبي ذر ومسترق بالافراد وهو فصيح (قوله هكذا بعضه فوق بعض وصفه
سفيان) أي ابن عيينة (بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه) أي فرق وفي رواية على ووصف سفيان
بيده ففرج بين أصابع يده اليمني نصبها بعضها فوق بعض وفي حديث ابن عباس عند ابن
مردويه كان لكل قبيل من الجن مقعد من السماء يسمعون منه الوحي يعني يلقيها زاد على عن
سفيان حتى ينتهي إلى الأرض فيلقى (قوله على لسان الساحر أو الكاهن) في رواية الجرجاني
على لسان الآخر بدل الساحر وهو تصحيف وفي رواية على الساحر والكاهن وكذا قال سعيد
ابن منصور عن سفيان (قوله فربما أدرك الشهاب الخ) يقتضي أن الامر في ذلك يقع على حد
سواء والحديث الآخر يقتضي أن الذي يسلم منهم قليل بالنسبة إلى من يدركه الشهاب ووقع في
رواية سعيد بن منصور عن سفيان في هذا الحديث فيرمى هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى يلقى على
فم ساحر أو كاهن (قوله فيكذب معها مائة كذبة فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء)
زاد علي بن عبد الله عن سفيان كما تقدم في تفسير الحجر فيقولون ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا
وكذا فوجدناه حقا الكلمة التي سمعت من السماء وفي حديث ابن عباس المذكور فيقول يكون
العام كذا وكذا فيسمعه الجن فيخبرون به الكهنة فتخبر الكهنة الناس فيجدونه وسيأتي بقية
شرح هذا القدر في أواخر كتاب الطب إن شاء الله تعالى * (تنبيه) * وقع في تفسير سورة الحجر في
آخر هذا الحديث عن علي بن عبد الله قلت لسفيان إن إنسانا روى عنك عن عمرو عن عكرمة عن
أبي هريرة أنه قرا فرغ بضم الفاء وبالراء المهملة الثقيلة وبالغين المعجمة فقال سفيان هكذا قرأ عمرو
يعني ابن دينار فلا أدري سمعه هكذا أم لا وهذه القراءة رويت أيضا عن الحسن وقتادة ومجاهد
والقراءة المشهورة بالزاي والعين المهملة وقرأها ابن عامر مبنيا للفاعل ومعناه بالزاي والمهملة
أدهش الفزع عنهم ومعنى التي بالراء والغين المعجمة ذهب عن قلوبهم ما حل فيها فقال سفيان
هكذا قرأ عمرو فلا أدري سمعه أم لا قال سفيان وهي قراءتنا قال الكرماني فإن قيل كيف جازت
القراءة إذا لم تكن مسموعة فالجواب لعل مذهبه جواز القراءة بدون السماع إذا كان المعنى صحيحا
414

(قلت) هذا وإن كان محتملا لكن إذا وجد احتمال غيره فهو أولى وذلك محمل قول سفيان لا أدري
سمعه أم على أن مراده سمعه من عكرمة الذي حدثه بالحديث لا أنه شك في أنه هل سمعه مطلقا
فالظن به أن لا يكتفي في نقل القرآن بالأخذ من الصحف بغير سماع وأما قول سفيان وهي قراءتنا
فمعناه أنها وافقت ما كان يختار من القراءة به فيجوز أن ينسب إليه كما نسب لغيره * (قوله
باب قوله إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد) ذكر فيه طرفا من حديث ابن
عباس في نزول قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين وقد تقدم شرحه مستوفى في سورة الشعراء
* (قوله سورة الملائكة وياسين) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر وسقط لغيره لفظ سورة وياسين والبسملة والأولى سقوط لفظ يس لأنه مكرر (قوله
الفطمير لفافة النواة) كذا لأبي ذر ولغيره وقاله مجاهد وقد وصله الفريابي من طريق ابن أبي
نجيح عن مجاهد مثله وروى سعيد بن منصور من طريق عكرمة عن ابن عباس القطمير القشر
الذي يكون على النواة وقال أبو عبيدة القطمير الفوقة التي فيها النواة قال الشاعر
* وأنت لن تغني عني فوقا * (قوله وقال ابن عباس وغرابيب سود أشد سوادا الغربيب)
زاد غير أبي ذر الشديد السواد وصله ابن أبي حاتم من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ
قال الغربيب الأسود الشديد السواد (قوله مثقلة مثقلة) سقط هذا لأبي ذر وهو قول مجاهد
قال وأن تدع مثقلة أمثقلة بذنوبها (قوله وقال ابن عباس الحرور بالليل والسموم بالنهار)
سقط هذا لأبي ذر هنا وتقدم في كتاب بدء الخلق (قوله وقال غيره الحرور بالنهار مع الشمس) ثبت
هذا هنا للنسفي وحده وهو قول رؤبة كما تقدم في بدء الخلق
* (قوله سورة يس) *
سقط هذا لأبي ذر هنا والصواب إثباته (قوله وقال مجاهد فعززنا فشددنا) سقط هذا لأبي ذر
وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد (قوله يا حسرة على العباد وكان حسرة عليهم استهزاؤهم
بالرسل) وصله الفريابي كذلك وقد أخرج سعيد بن منصور عن سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن
عباس أنه قرأ يا حسرة العباد بالإضافة (قوله أن تدرك القمر الخ وقوله ساق النهار الخ وقوله
نسلخ نخرج الخ) سقط كله لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق (قوله من مثله من الانعام) وصله
الفريابي أيضا من طريق مجاهد وعن ابن عباس قال المراد بالمثل هنا السفن ورجح لقوله بعد
وإن نشأ نغرقهم إذ الغرق لا يكون في الانعام (قوله فكهون معجبون) في رواية غير أبي ذر
فاكهون وهي القراءة المشهورة والأولى رويت عن يعقوب الحضرمي وقد وصله الفريابي
من طريق مجاهد فاكهون معجبون قال أبو عبيدة من قراها فاكهون جعله كثير
الفاكهة قال الحطيئة
ودعوتني وزعمت أن * ك لابن في الصيف تأمر
أي عندك لبن كثير وتمر كثير وأما فكهون فهي قراءة أبي جعفر وشيبة وهي بوزن فرحون ومعناه
مأخوذ من الفاكهة وهي التلذذ والتنعم (قوله جند محضرون عند الحساب) سقط هذا لأبي ذر
415

وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد كذلك (قوله ويذكر عن عكرمة المشحون الموقر) سقط
هذا لأبي ذر وقد تقدم في أحاديث الأنبياء وجاء مثله عن ابن عباس وصله الطبري من طريق
سعيد بن جبير عنه بإسناد حسن
* (قوله سورة يس) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر هنا وسقط لغيره (قوله وقال ابن عباس طائركم عند الله مصائبكم) وتقدم في أحاديث
الأنبياء وللطبري من وجه آخر عن ابن عباس قال طائركم أعمالكم وقال أبو عبيدة طائركم أي
حظكم من الخير والشر (قوله ينسلون يخرجون) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي ابن أبي طلحة
عن ابن عباس به (قوله مرقدنا مخرجنا وقوله أحصيناه حفظناه وقوله مكانتهم ومكانهم واحد)
سقط هذا كله لأبي ذر وسيأتي تفسير أحصيناه في كتاب التوحيد وروى الطبري من طريق العوفي
عن ابن عباس في قوله ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم يقول لأهلكناهم في مساكنهم وقال أبو
عبيدة في قوله لمسخناهم على مكانتهم المكان والمكانة واحد * (قوله باب قوله والشمس
تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) ذكر فيه حديث أبي ذر كنت عند النبي صلى الله عليه
وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس قال الله ورسوله أعلم
قال فإنها تذهب تسجد تحت العرش فذلك قوله والشمس تجري لمستقر لها إلى آخر الآية هكذا
أورده مختصرا وأخرجه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ تذهب
حتى تنتهي تحت العرش عند ربها وزاد ثم تستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تستأذن فلا يؤذ
لها وتستشفع وتطلب فإن كان ذلك قيل اطلعي من مكانك فذلك قوله والشمس تجري لمستقر
لها وقد ذكر نحو هذه الزيادة من غير طريق أبي نعيم كما سأنبه عليه (قوله في الرواية الثانية سألت
النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها قال مستقرها تحت العرش
كذا رواه وكيع عن الأعمش مختصرا وهو بالمعنى فإن في الرواية الأولى أن النبي صلى الله عليه
وسلم هو الذي استفهمه أتدري أين تغرب الشمس فقال الله ورسوله أعلم (قوله فإنها تذهب
حتى تسجد تحت العرش) في رواية أبي معاوية عن الأعمش كما سيأتي في التوحيد فإنها تذهب
فتستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها اطلعي من حيث جئت فتطلع من مغربها ثم
قرأ وذلك مستقر لها قال وهي قراءة عبد الله وروى عبد الرزاق من طريق وهب عن جابر عن
عبد الله بن عمرو في هذه الآية قال مستقرها أن تطلع فيردها ذنوب بني آدم فإذا غربت سلمت
وسجدت واستأذنت فلا يؤذن لها فتقول إن السير بعد وإني إن لا يؤذن لي لا أبلغ فتحبس ما شاء
الله ثم يقال اطلعي من حيث غربت قال فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسا إيمانها وأما قوله
تحت العرش فقيل هو حين محاذاتها ولا يخالف هذا قوله وجدها تغرب في عين حمنة فإن المراد بها
نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب وفي الحديث
رد على من زعم أن المراد بمستقرها غاية ما تنتهي إليه في الارتفاع وذلك أطول يوم في السنة وقيل
إلى منتهى أمرها عند انتهاء الدنيا وقال الخطابي يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش
أنها تستقر تحته استقرارا لا نحيط به نحن ويحتمل أن يكون المعنى أو علم ما سألت عنه من
416

مستقرها تحت العرش في كتاب كتب فيه ابتداء أمور العالم ونهايتها فيقطع دوران الشمس
وتستقر عند ذلك ويبطل فعلا وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في
سيرها (قلت) وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار وقوعه في كل يوم وليلة عند سجودها ومقابل
الاستقرار المسير الدائم المعبر عنه بالجري والله أعلم
* (قوله سورة والصافات) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
(قوله وقال مجاهد ويقذفون بالغيب من مكان بعيد من كل مكان ويقذفون من كل جانب
دحورا يرمون واصب دائم لازب لازم) سقط هذا كله لأبي ذر وقد تقدم بعضه في بدء الخلق
وروى الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ويقذفون بالغيب من مكان يقولون
هو ساحر هو كاهن هو شاعر وفي قوله إنا خلقناهم من طين لازب قال لازم وقال أبو عبيدة في
قوله ولهم عذاب واصب أي دائم وفي قوله من طين لازب هي بمعنى اللازم قال النابغة
* ولا يحسبون الشر ضربة لازب * أي لازم (قوله تأتوننا عن اليمن يعني الحق الكفار تقوله
للشياطين) ووقع في رواية الكشميهني يعني الجن بجيم ثم نون ونسبه عياض للأكثر وقد وصله
الفريابي عن مجاهد بلفظ إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قال الكفار تقوله للشياطين ولم يذكر
الزيادة فدل على أنه شرح من المصنف ولكل من الروايتين وجه فمن قال يعني الجن أراد بيان
المقول له وهم الشياطين ومن قال الحق بالمهملة والقاف أراد تفسير لفظ اليمين أي كنتم تأتوننا
من جهة الحق فتلبسوه علينا ويؤيده تفسير قتادة قال يقول الانس للجن كنتم تأتوننا عن اليمن
أي من طريق الجنة تصدوننا عنها (قوله غول وجع بطن ينزفون لا تذهب عقولهم قرين شيطان)
سقط هذا لأبي ذر وقد وصله الفريابي عن مجاهد كذلك (قوله يهرعون كهيئة الهرولة) وصله
الفريابي عن مجاهد كذلك (قوله يزفون النسلان في المشي) سقط هذا لأبي ذر وقد وصله
عبد بن حميد من طريق شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فأقبلوا إليه يزفون قال الوزيف
النسلان انتهى والنسلان بفتحتين الاسراع مع تقارب الخطا وهو دون السعي (قوله وبين
الجنة نسبا الخ) سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق (قوله وقال ابن عباس لنحن الصافون
الملائكة) وصله الطبري وقد تقدم في بدء الخلق (قوله صراط الجحيم سواء الجحيم ووسط الجحيم
لشوبا يخلط طعامهم ويساط بالحميم مدحورا مطرودا) سقط هذا كله لأبي ذر وقد تقدم في بدء
الخلق قال بعض الشراح أراد أن يفسر دحورا التي في الصافات ففسر مدحورا التي في سورة
الإسراء (قوله بيض مكنون اللؤلؤ المكنون) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه
وقال أبو عبيدة في قوله كأنهن بيض مكنون أي مصون وكل شئ صنته فهو مكنون وكل شئ
أضمرته في نفسك فقد أكننته (قوله وتركنا عليه في الآخرين يذكر بخير) ثبت هذا للنسف وحده وقد
تقدم في بدء الخلق (قوله الأسباب السماء) سقط هذا لغير أبي ذر وثبت للنسفي بلفظ ويقال
وقد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قوله ويقال يستسخرون يسخرون)
ثبت هذا أيضا للنسفي وأبي ذر فقط وقال أبو عبيدة يستسخرون ويسخرون سواء (قوله بعلا ربا)
ثبت هذا للنسفي وحده وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن
417

عباس أنه أبصر رجلا يسوق بقرة فقال من بعل هذه قال فدعاه يقال من أنت فقال من أهل اليمن
قال هي لغة أتدعون بعلا أي ربا وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث من هذا الوجه مختصرا
الخ ولمح المصنف بهذا القدر من قصة اليأس وقد ذكرت خبره في أحاديث الأنبياء عند ذكر إدريس
* (قوله باب قوله وإن يونس لمن المرسلين) ذكر فيه حديث ابن مسعود لا ينبغي لاحد
أن يكون خيرا من يونس بن متى وحديث أبي هريرة من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب
وقد تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء ولله الحمد
* (قوله سورة ص) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
سقطت البسملة فقط للنسفي واقتصر الباقون على ص وحكمها حكم الحروف المقطعة أوائل
السور وقد قرأها عيسى بن عمر بكسر الدال فقيل للدرج وقيل بل هي عنده فعل أمر من
المصاداة وهي المعارضة كأنه قيل عارض القرآن بعملك والأول هو المشهور وسيأتي مزيد بيان
في أسماء السورة في أول غافر (قوله حدثنا شعبة عن العوام) هو ابن حوشب كذا قال أكثر أصحاب
شعبة وقال أمية بن خالد عنه عن منصور وعمرو بن مرة وأبي حصين ثلاثتهم عن مجاهد فكأن
لشعبة فيه مشايخ (قوله عن مجاهد) كذا قال أكثر أصحاب العوام بن حوشب وقال أبو سعيد
الأشج عن أبي خالد الأحمر وحفص بن غياث عن العوام عن سعيد بن جبير بدل مجاهد أخرجه ابن
خزيمة فلعل للعوام فيه شيخين وقد تقدم في تفسير الانعام من طريق سليمان الأحول عن مجاهد
أنه سأل ابن عباس أفي ص سجدة قال نعم ثم تلا ووهبنا له إسحاق ويعقوب إلى قوله فبهداهم اقتده
قال هو منهم فالحديث محفوظ لمجاهد فرواية أبي سعيد الأشج شاذة (قوله في الرواية الثانية حدثنا
محمد بن عبد الله) قال الكلاباذي وابن طاهر هو الذهلي نسب إلى جده وقال غيرهما يحتمل أن
يكون محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي فإنه من هذه الطبقة (قوله فسجدها داود فسجدها
رسول الله صلى الله عليه وسلم) سقط فسجدها داود من رواية غير أبي ذر وهذا أصرح في الرفع
من رواية شعبة وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بالسجود في ص في كتاب سجود التلاوة مستوفى
واستدل بهذا على أن شرع من قبلنا شرع لنا وهي مسألة مشهورة في الأصول وقد تعرضنا لها في
مكان آخر (قوله عجاب عجيب) هو قول أبي عبيدة قال والعرب تحول فعيلا إلى فعال بالضم وهو
مثل طويل وطوال قال الشاعر * تعدو به سهلبة سراعة * أي سريعة وقرأ عيسى بن عمر
ونقلت عن علي عجاب بالتشديد وهو مثل كبار في قوله ومكروا مكرا كبارا وهو أبلغ من
وكبار بالتخفيف وكبار المخفف أبلغ من كبير (قوله القط الصحيفة هو ههنا صحيفة الحسنات) في رواية الكشميهني
الحساب وكذا في رواية النسفي وذكره بعض الشراح بالعكس قال أبو عبيدة القط الكتاب والجمع
قطوط وقططة كقرد وقرود وقردة وأصله من قط الشئ أي قطعه والمعنى قطعة ما وعدتنا به
ويطلق على الصحيفة قط لأنها قطعة تقط وكذلك الصك ويقال للجائزة أيضا قط لأنها قطعة
من العطية وأكثر استعماله في الكتاب وسيأتي له تفسير آخر قريبا وعند عبد بن حميد من طريق
عطاء أن قائل ذلك هو النضر بن الحرث (قوله وقال مجاهد في عزة) أي (معازين) وصله الفريابي
418

من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد به وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله في عزة قال
في حمية ونقل عن الكسائي في رواية أنه قرأ في غرة بالمعجمة والراء وهي قراءة الجحدري وأبي جعفر
(قوله الملة الآخرة ملة قريش الاختلاق الكذب) وصله الفريابي أيضا عن مجاهد في قوله
ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة قال ملة قريش إن هذا إلا اختلاق كذب وأخرج الطبري من طريق
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله الملة الآخرة قال النصرانية وعن السدي نحوه وكذا قال
عبد الرزاق عن معمر عن الكلبي قال وقال قتادة دينهم الذي هم عليه (قوله جند ما هنالك
مهزوم يعني قريشا) سقط لفظ قوله لغير أبي ذر وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله جند
ما هنالك مهزوم قال قريش وقوله جند خبر مبتدأ محذوف أي هم وما مزيدة أو صفة لجند وهنا لك
مشار به إلى مكان المراجعة ومهزوم صفة لجند أي سيهزمون بذلك المكان وهو من الاخبار
بالغيب لانهم هزموا بعد ذلك بمكة لكن يعكر على هذا ما أخرجه الطبري من طريق سعيد
عن قتادة قال وعده الله وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين فجاء تأويلها ببدر فعلى هذا
فهنا لك ظرف للمراجعة فقط ومكان الهزيمة لم يذكر (قوله الأسباب طرق السماء
في أبوابها) وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ طرق السماء أبوابها وقال عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة الأسباب هي أبواب السماء وقال أبو عبيدة العرب تقول للرجل إذا كان
ذا دين ارتقى فلان في الأسباب (قوله أولئك الأحزاب القرون الماضية) وصله الفريابي
عن مجاهد (قوله فواق رجوع) وصله الفريابي من طريق مجاهد مثله وقال عبد الرزاق عن
معمر عن قتادة ليس لها مثنوية وهي بمعنى قول مجاهد وروى بن أبي حاتم من طريق السدي
ما لها من فواق يقول ليس لهم إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا وقال أبو عبيدة من فتحها أي الفاء
قال مالها من راحة ومن ضمها جعلها من فواقي ناقة وهو ما بين الحلبتين والذي قرأ بضم الفاء
حمزة والكسائي والباقون بفتحها وقال قوم المعنى بالفتح وبالضم واحد مثل قصاص الشعر
يقال بضم القاف وبفتحها (قوله قطنا عذابنا) وصله الفريابي من طريق مجاهد أيضا ولا منافاة
بينه وبين ما تقدم فإنه محمول على أن المراد بقولهم قطنا أي نصيبنا من العذاب وقد أخرج عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله قطنا قال نصيبنا من العذاب وهو شبيه قولهم وإذ قالوا اللهم إن
كان هذا هو الحق من عندك الآية وقول الآخرين ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين
وقد أخرج الطبري من طريق إسماعيل بن أبي خالد قال قوله قطنا أي رزقنا ومن طريق سعيد بن
جبير قال نصيبنا من الجنة ومن طريق السدي نحوه ثم قال وأولى الأقوال بالصواب أنهم سألوا
تعجيل كتبهم بنصيبهم من الخير أو الشر الذي وعد الله عباده في الآخرة أن يعجل لهم ذلك في الدنيا
استهزاء منهم وعنادا (قوله الصافنات صفن الفرس الخ) وقوله الجياد السراع وقوله جسدا
شيطانا وقوله رخاء الرخاء الطيب وقوله حيث أصاب حيث شاء وقوله فامنن أعط وقوله بغير
حساب بغير حرج ثبت هذا كله للنسفي هنا وسقط للباقين وقد تقدم جميعه في ترجمة سليمان بن
داود عليهما السلام من أحاديث الأنبياء (قوله اتخذناهم سخريا أحطنا بهم) قال الدمياطي في
حواشيه لعله أحطناهم وتلقاه عن عياض فإنه قال أحطنا بهم كذا وقع ولعله أخطأناهم وحذف
مع ذلك القول الذي هذا تفسيره وهو أم زاغت عنهم الابصار انتهى وقد أخرجه ابن أبي حاتم من
419

طريق مجاهد بلفظ أخطأناهم أم هم في النار لا نعلم مكانهم وقال ابن عطية المعنى ليسوا معنا أم
هم معنا لكن أبصارنا تميل عنهم وقال أبو عبيدة من قرأها اتخذناهم أي بهمزة قطع جعلها
استفهاما وجعل أم جوابا ومن لم يستفهم فتحها على القطع ومعنى أم معنى بل ومثله أم أنا خير من
هذا الذي هو مهين انتهى والذي قرأها بهمزة وصل أبو عمرو وحمزة والكسائي (قوله أتراب
أمثال) وصله الفريابي كذلك قال أبو عبيدة الأتراب جمع ترب وهو بكسر أوله من يولد في زمن
واحد وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال أتراب مستويان
(قوله وقال ابن عباس الآيد القوة في العبادة) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس في قوله داود ذا الأيد قال القوة ومن طريق مجاهد قال القوة في الطاعة وقال عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة ذا الأيد ذا القوة في العبادة (قوله الابصار البصر في أمر الله) وصله ابن أبي
حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله أولى الأيدي والابصار قال أولى القوة في
العبادة والفقه في الدين ومن طريق منصور عن مجاهد قال الابصار العقول * (تنبيه) * الابصار
وزدت في هذه السورة عقب الأيد لا عقب الأيد لكن في قراءة بن مسعود أولى الأيدي
والابصار من غير ياء فلعل البخاري فسره على هذه القراءة (قوله حب الخير عن ذكر ربي إلى
آخره) سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في ترجمة سليمان بن داود من أحاديث الأنبياء (قوله الأصفاد
الوثاق) سقط هذا أيضا لأبي ذر وقد تقدم في ترجمة سليمان أيضا * (قوله باب قوله
هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب) تقدم شرحه في ترجمة سليمان عليه
السلام من أحاديث الأنبياء (قوله تفلت على البارحة أو كلمة نحوها) يحتمل أن يكون الشك في
لفظ التفلت أو في لفظ البارحة وقد تقدم ذلك في أوائل كتاب الصلاة (قوله فذكرت قول أخي
سليمان) تقدم الكلام عليه في ترجمة سليمان من أحاديث الأنبياء وأما ما أخرج الطبري من طريق
سعيد عن قتادة قال في قوله لا ينبغي لاحد من بعدي لا أسلبه كما سلبته أول مرة وظاهر حديث
الباب يرد عليه وكأن سبب تأويل قتادة هذا هكذا طعن بعض الملاحدة على سليمان ونسبته في
هذا إلى الحرص على الاستبداد بنعمة الدنيا وخفي عليه أن ذلك كان بإذن له من الله وأن تلك كانت
معجزته كما اختص كل نبي بمعجزة دون غيره والله أعلم (قوله قال روح فرده خاسئا) روح هو ابن
عبادة أحد رواته وكأن المراد أن هذه الزيادة وقعت في روايته دون رواية رفيقة وقد ذكرت ما في
ذلك من البحث في أوائل كتاب الصلاة وذكرت ما يتعلق برؤية الجن في ترجمة سليمان عليه السلام
من أحاديث الأنبياء * (قوله وما أنا من المتكلفين) ذكر فيه حديث ابن
مسعود في قصة الدخان وقد تقدم قريبا في تفسير سورة الروم ويأتي في تفسير الدخان وتقدم
ما يتعلق منه بالاستسقاء في بابه
420

* (قوله سورة الزمر) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
سقطت البسملة لغير أبي ذر (قوله وقال مجاهد يتقي بوجهه يجر على وجهه في النار وهو قوله
أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد
بلفظ قال ويقول هي مثل قوله أفمن يلقى إلى آخره ومراده بالمثلثة أن في كل منهما محذوفا وعند
الأكثر يجر بالجيم وهو الذي في تفسير للفريابي وغيره وللأصيلي وحده يخر بالخاء المنقوطة من
فوق وقال عبد الرزاق أنبأنا ابن عيينة عن بشر بن تميم قال نزلت في أبي جهل وعمار بن ياسر أفمن
يلقى في النار أبو جهل خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة عمار وذكر الطبري أنه روى عن ابن عباس
بإسناد ضعيف قال ينطلق به إلى النار مكتوفا ثم يرمي به فيها فأول ما يمس وجهه النار وذكر أهل
العربية أن من في قوله أفمن موصولة في محل رفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره أهو كمن أمن
العذاب (قوله ذي عوج لبس) وصله الفريابي والطبري أي ليس فيه لبس وهو تفسير باللازم لان
الذي فيه لبس يستلزم العوج في المعنى وأخرج ابن مردويه من وجهين ضعيفين عن ابن عباس
في قوله غير ذي عوج قال ليس بمخلوق (قوله خولنا أعطينا) وصله الفريابي من طريق ابن أبي
نجيح عن مجاهد بلفظ وإذا خولناه قال أعطيناه وقال أبو عبيدة كل مال أعطيته فقد خولته قال
أبو النجم * كؤم الدري من خول المخول * وقال زهير * هنالك إن يستخولوا المال يخولوا *
(قوله والذي جاء بالصدق القرآن وصدق به المؤمن يجئ به يوم القيامة) زاد النسفي يقول هذا
الذي أعطيتني عملت بما فيه قال عبد الرزاق عن ابن عيينة عن منصور قلت لمجاهد يا أبا الحجاج
والذي جاء بالصدق وصدق به قال هم الذين يأتون بالقرآن فيقول هذا الذي أعطيتمونا قد عملنا بما
فيه ووصله ابن المبارك في الزهد عن مسعر عن منصور عن مجاهد في قوله عز وجل والذي جاء
بالصدق وصدق به قال هم الذين يجيئون بالقرآن قد اتبعوه أو قال اتبعوا ما فيه وأما قتادة فقال
الذي جاء بالصدق النبي والذي صدق به المؤمنون أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه وروى
الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس الذي جاء بالصدق لا إله إلا الله وصدق به أي
صدق بالرسول ومن طريق السدي الذي جاء بالصدق جبريل والصدق القرآن والذي صدق به
محمد صلى الله عليه وسلم ومن طريق أسيد بن صفوان عن علي الذي جاء بالصدق محمد والذي صدق
به أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وهذا أخص من الذي قبله وعن أبي العالية الذي جاء
بالصدق محمد وصدق به أبو بكر (قوله ورجلا سلما لرجل صالحا) في رواية الكشميهني خالصا
وسقطت للنسفي هذه اللفظة زاد غير أبي ذر مثلا لآلهتهم الباطل والاله الحق وقد وصله الفريابي من
طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد ولفظه في قوله رجلا سالما لرجل قال مثل آلهة الباطل ومثل إله
الحق وسيأتي تفسير آخر قريبا (قوله ويخوفونك بالذين من دونه بالأوثان) سقط هذا لأبي ذر وقد
وصله الفريابي أيضا عن مجاهد وقال عبد الرزاق عن معمر قال لي رجل قالوا للنبي صلى الله عليه
وسلم لتكفن عن شتم آلهتنا أو لنأمرنها فلتخبلنك فنزلت ويخوفونك (قوله وقال غيره
متشاكسون الرجل الشكس العسر لا يرضى بالأنصاف ورجلا سلما ويقال سالما صالحا) سقط
وقال غيره لأبي ذر فصار كأنه من بقايا كلام مجاهد وللنسفي وقال بغير ذكر الفاعل والصواب
421

ما عند الأكثر وهو كلام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال الشكس العسر لا يرضى بالأنصاف
أخرجه الطبري وعن أبي عبيدة قال في قوله تعالى ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون
هو من الرجل الشكس ورجلا سالما الرجل سالم وسلم واحد وهو من الصلح * (تنبيه) * قرأ ابن
كثير وأبو عمرو سالما والباقون سلما بفتح أوله وفي الشواذ بكسره وهما مصدران وصف بهما على
سبيل المبالغة أو على أنه واقع موقع اسم الفاعل وهو أولى ليوافق الرواية الأخرى وعليه قوله أبي
عبيدة المذكور أنهما واحد أي بمعنى وقوله الشكس بكسر الكاف ويجوز إسكانها هو السئ
الخلق وقيل من كسر الكاف فتح أوله ومن سكنها كسر وهما بمعنى (قوله اشمأزت نفرت) قال أبو
عبيدة في قوله تعالى وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون تقول العرب اشمأز قلبي
عن فلان أي نفر وروى الطبري من طريق السدي قال اشمأزت أي نفرت ومن طريق مجاهد
قال انقبضت (قوله بمفازتهم من الفوز) قال أبو عبيدة في قوله وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم أي
بنجاتهم وهو من الفوز وروى الطبري من طريق السدي قال وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم أي
بفضائلهم (قوله حافين أطافوا به مطيفين بحفافيه) بكسر المهملة وفاءين الأولى خفيفة وفي
رواية المستملي بجانبيه وفي رواية كريمة والأصيلي بجوانبه وللنسفي بحافته بجوانبه والصواب
رواية الأكثر وهو كلام أبي عبيدة في قوله وترى الملائكة حافين من حول العرش طافوا به
بحفافيه ورواية المستملي بالمعني (قوله متشابها ليس من الاشتباه ولكن يشبه بعضه بعضا في
التصديق) قال أبو عبيدة في قوله متشابها قال يصدق بعضه بعضا وروى الطبري من طريق
السدي في قوله كتابا متشابها قال يشبه بعضه بعضا ويدل بعضه على بعض ومن طريق سعيد بن
جبير نحوه وقوله مثاني يجوز أن يكون بيانا لقوله متشابها لان القصص المتكررة تكون
متشابهة والمثاني جمع مثنى بمعنى مكرر لما أعيد فيه من قصص وغيرها * (قوله باب قوله
يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الآية) ذكر فيه حديث ابن عباس إن
ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا (قوله إن ابن جريج أخبرهم قال يعلى) أي قال قال يعلى
وقال تسقط خطا وتثبت لفظا ويعلى هذا هو ابن مسلم كما وقع عند مسلم من طريق حجاج بن محمد
عن ابن جريج في هذا الحديث بعينه بلفظ أخبرني مسلم بن يعلى وأخرجه أبو داود والنسائي من
رواية حجاج هذا لكن وقع عندهما عن يعلى غير منسوب كما وقع عند البخاري وزعم بعض
الشراح أنه وقع عند أبي داود فيه يعلى بحكيم ولم أر ذلك في شئ من نسخه وليس في البخاري من
رواية يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس سوى حديث واحد وهو من رواية غير ابن
جريج عن يعلى والله أعلم ويعلي بن مسلم بصري الأصل سكن مكة مشهور بالرواية عن سعيد بن
جبير وبرواية ابن جبير عنه وقد روى يعلى ابن حكيم أيضا عن سعيد بن جبير وروى عنه ابن
جريج ولكن ليس هو المراد هنا (قوله لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة) في رواية الطبراني من وجه
آخر عن ابن عباس أن السائل عن ذلك هو وحشي بن حرب قاتل حمزة وأنه لما قال ذلك نزلت إلا من
تاب وآمن وعمل عملا صالحا الآية فقال هذا شرط شديد فنزلت قل يا عبادي الآية وروى ابن
إسحاق في السيرة قال حدثني نافع عن ابن عمر عن عمر قال اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام
ابن العاص أن نهاجر إلى المدينة فذكر الحديث في قصتهم ورجوع رفيقه فنزلت قل يا عبادي
422

الذين أسرفوا على أنفسهم الآية قال فكتبت بها إلى هشام (قوله ونزل قل يا عبادي الذين
أسرفوا على أنفسهم) في رواية الطبراني فقال الناس يا رسول الله إنا أصبنا ما أصاب وحشي
فقال هي للمسلمين عامة وروى أحمد والطبراني في الأوسط من حديث ثوبان قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أحب أن لي بهذه الآية الدنيا وما فيها يا عبادي الذين
أسرفوا على أنفسهم الآية فقال رجل ومن أشرك فسكت ساعة ثم قال ومن أشرك ثلاث مرات
واستدل بعموم هذه الآية على غفران جميع الذنوب كبيرها وصغيرها سواء تعلقت بحق
الآدميين أم لا والمشهور عند أهل السنة أن الذنوب كلها تغفر بالتوبة وأنها تغفر لمن شاء الله
ولو مات على غير توبة لكن حقوق الآدميين إذا تاب صاحبها من العود إلى شئ من ذلك تنفعه
التوبة من العود وأما خصوص ما وقع منه فلابد له من رده لصاحبه أو محاللته منه نعم في سعة فضل
الله ما يمكن أن يعرض صاحب الحق عن حقه ولا يعذب العاصي بذلك ويرشد إليه عموم قوله
تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء والله أعلم الله تعالى (قوله باب
قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره) ذكر فيه حديث عبد الله وهو ابن مسعود (قال جاء حبر)
بفتح المهملة وبكسرها أيضا ولم أقف على اسمه (قوله إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع
الحديث) يأتي شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى قال ابن التين تكلف الخطابي في تأويل
الإصبع وبالغ حتى جعل ضحكه صلى الله عليه وسلم تعجبا وانكارا لما قال الحبر ورد ما وقع في
الرواية الأخرى فضحك صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا بأنه على قدر ما فهم الراوي قال
النووي وظاهر السياق أنه ضحك تصديقا له بدليل قراءته الآية التي تدل على صدق ما قال الحبر
والأولى في هذه الأشياء الكف عن التأويل مع اعتقاد التنزيه فإن كل ما يستلزم النقص من
ظاهرها غير مراد وقال ابن فورك يحتمل أن يكون المراد بالإصبع إصبع بعض المخلوقات
وما ورد في بعض طرقه أصابع الرحمن يدل على القدرة والملك (قوله حتى بدت نواجذه) أي أنيابه
وليس ذلك منافيا للحديث الآخر أن ضحكه كان تبسما كما سيأتي في تفسير الأحقاف * (قوله
باب قوله والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) لما وقع
ذكر الأرض مفردا حسن تأكيد بقوله جميعا إشارة إلى أن المراد جميع الأراضي ثم ذكر
حديث أبي هريرة يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك
الأرض وسيأتي شرحه أيضا مستوفى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى * (قوله باب
قوله ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) اختلف في تعيين
من استثنى الله وقد لمحت بشئ من ذلك في ترجمة موسى من أحاديث الأنبياء (قوله حدثني
الحسن) كذا في جميع الروايات غير منسوب فجزم أبو حاتم سهل بن السري الحافظ فيما نقله
الكلاباذي بأنه الحسن بن شجاع البلخي الحافظ وهو أصغر من البخاري لكن مات قبله وهو
معدود من الحفاظ ووقع في المصافحة للبرقائي أن أعلم وإسماعيل بن الخليل شيخه
من أوساط شيوخ البخاري وقد نزل البخاري في هذا الاسناد درجتين لأنه يروي عن واحد عن
زكريا بن أبي زائدة وهنا بينهما ثلاثة أنفس (قوله أخبرنا عبد الرحيم) هو ابن سليمان وعامر هو
423

الشعبي (قوله اني من أول من يرفع رأسه) تقدم شرحه مستوفى في ترجمة موسى من أحاديث
الأنبياء (قوله أم بعد النفخة) نقل ابن التين عن الداودي أن هذه اللفظة وهم واستند إلى أن
موسى ميت مقبور فيبعث بعد النفخة فكيف يكون مستثنى وقد تقدم بيان وجه الرد عليه في هذا
يغنى عن إعادته ولله الحمد (قوله ما بين النفختين) تقدم في أحاديث الأنبياء الرد على من زعم
أنها أربع نفخات وحديث الباب يؤيد الصواب (قوله أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما)
لم أقف على اسم السائل (قوله أبيت) بموحدة أي امتنعت عن القول بتعيين ذلك لأنه ليس
عندي في ذلك توقيف ولابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش في هذا الحديث
فقال اعييت من الاعياء وهو التعب وكأنه أشار إلى كثرة من يسأله عن تبيين ذلك فلا يجيبه
وزعم بعض الشراح أنه وقع عند مسلم أربعين سنة ولا وجود لذلك نعم أخرج ابن مردويه من
طريق سعيد بن الصلت عن الأعمش في هذا الاسناد أربعون سنة وهو شاذ ومن وجه ضعيف
عن ابن عباس قال ما بين النفخة والنفخة أربعون سنة ذكره في أواخر سورة ص وكان أبا هريرة
لم يسمعها إلا مجملة فلهذا قال لمن عينها له أبيت وقد أخرج ابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن
أبي هريرة قال بين النفختين أربعون قالوا أربعون ماذا قالت هكذا سمعت وقال ابن التين
ويحتمل أيضا أن يكون علم ذلك لكن سكت ليخبرهم في وقت أو اشتغل عن الاعلام حينئذ ووقع
في جامع ابن وهب أربعين جمعة وسنده منقطع (قوله ويبلى كل شئ من الانسان إلا عجب ذنبه فيه
يركب الخلق) في رواية مسلم ليس من الانسان شئ إلا يبلى إلا عظما واحدا الحديث وأفرد هذا
القدر من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب
الذنب منه خلق ومنه يركب وله من طريق همام عن أبي هريرة قال إن في الانسان عظما
لا تأكله الأرض أبدا فيه يركب يوم القيامة قالوا أي عظم هو قال عجب الذنب وفي حديث أبي
سعيد عند الحاكم وأبي يعلى قيل يا رسول الله ما عجب الذنب قال مثل حبة خردل والعجب بفتح
المهملة وسكون الجيم بعدها موحدة ويقال له عجم بالميم أيضا عوض الباء وهو عظم لطيف في
أصل الصلب وهو رأس العصعص وهو مكان رأس الذنب من ذوات الأربع وفي حديث أبي
سعيد الخدري عند ابن أبي الدنيا وأبي داود والحاكم مرفوعا أنه مثل حبة الخردل قال ابن
الجوزي قال ابن عقيل لله في هذا سر لا يعلمه إلا الله لان من يظهر الوجود من العدم لا يحتاج إلى
شئ يبني عليه ويحتمل أن يكون ذلك جعل علامة للملائكة على إحياء كل إنسان بجوهره ولا
يحصل العلم للملائكة بذلك إلا بإبقاء عظم كل شخص ليعلم أنه إنما أراد بذلك إعادة الأرواح إلى تلك
الأعيان التي هي جزء منها ولولا إبقاء شئ منها لجوزت الملائكة أن الإعادة إلى أمثال الأجساد
لا إلى نفس الأجساد وقوله في الحديث ويبلى كل شئ من الانسان يحتمل أن يريد به يفنى أي
تعدم أجزاؤه بالكلية ويحتمل أن يراد به يستحيل فتزول صورته المعهودة فيصير على صفة جسم
التراب ثم يعاد إذا ركبت إلى ما عهد وزعم بعض الشراح أن المراد أنه لا يبلى أي يطول بقاؤه
لا أنه لا يفنى أصلا والحكمة فيه أنه قاعدة بدء الانسان وأسه الذي ينبني عليه فهو أصلب من
الجميع كقاعدة الجدار وإذا كان أصلب كان أدوم بقاء وهذا مردود لأنه خلاف الظاهر بغير
دليل وقال العلماء هذا عام يخص منه الأنبياء لان الأرض لا تأكل أجسادهم وألحق ابن عبد البر
424

بهم الشهداء والقرطبي المؤذن المحتسب قال عياض فتأويل الخبر وهو كل ابن آدم يأكله التراب
أي كل ابن آدم مما يأكله التراب وأن كان التراب لا يأكل أجسادا كثيرة كالأنبياء (قوله إلا عجب
ذنبه) أخذ بظاهره الجمهور فقالوا لا يبلى عجب الذنب ولا يأكله التراب وخالف المزني فقال إلا هنا
بمعنى الواو أي وعجب الذنب أيضا يبلى وقد أثبت هذا المعنى الفراء والأخفش فقالوا ترد إلا بمعنى
الواو ويرد ما انفرد به المزني التصريح بأن الأرض لا تأكله أبدا كما ذكرته من رواية همام وقوله
في رواية الأعرج منه خلق يقتضي أنه أول كل شئ يخلق من الآدمي ولا يعارضه حديث سلمان
أن أول ما خلق من آدم رأسه لأنه يجمع بينهما بان هذا في حق آدم وذاك في حق بنيه أو المراد
بقول سلمان نفخ الروح في آدم لا خلق جسده
* (قوله سورة المؤمن) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر (قوله وقال مجاهد حم مجازها مجاز أوائل السور ويقال بل هو اسم
لقول شريح ابن أبي أوفى العبسي * يذكرني حاميم والرمح شاجر * فلا تلا حاميم قبل التقدم *)
ووقع في رواية أبي ذر وقال البخاري ويقال الخ وهذا الكلام لأبي عبيدة في مجاز القرآن
ولفظه حم مجازها مجاز أوائل السور وقال بعضهم بل هو اسم وهو يطلق المجاز ويريد به التأويل
أي تأويل حم تأويل أوائل السور أي إن الكل في الحكم واحد فمهما قيل مثلا في ألم يقال
مثله في حم وقد اختلف في هذه الحروف المقطعة التي في أوائل السور على أكثر من ثلاثين قولا
ليس هذا موضع بسطها وأخرج الطبري من طريق الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ألم
وحم وألمص وص فواتح افتتح بها وروى ابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد قال فواتح
السور كلها ق وص وطسم وغيرها هجاء مقطوع والاسناد الأول أصح وأما قوله ويقال بل
هو اسم فوصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال حم اسم من أسماء القرآن وقال ابن التين
لعله يريد على قراءة عيسى بن عمر بفتح الحاء والميم الثانية من ميم ويحتمل أن يكون عيسى فتح
لالتقاء الساكنين (قلت) والشاهد الذي أنشده يوافق قراءة عيسى وقال الطبري الصواب
من القراءة عندنا في جميع حروف فواتح السور السكون لأنها حروف هجاء لا أسماء مسميات
وروى ابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ص وأشباهها قسم أقسم
الله بها وهو من أسماء الله وشريح بن أبي أوفى الذي نسب إليه البيت المذكور وقع في رواية
القابسي شريح بن أبي أوفى وهو خطأ ولفظ أبي عبيدة وقال بعضهم بل هو اسم واحتجوا بقول
شريح بن أبي أوفى العبسي فذكر البيت وروى هذه القصة عمر بن شبة في كتاب الجمل له من
طريق داود بن أبي هند قال كان على محمد بن طلحة بن عبيد الله يوم الجمل عمامة سوداء فقال
على لا تقتلوا صاحب العمامة السوداء فإنما أخرجه بره بأبيه فلقيه شريح بن أبي أوفى فأهوى له
بالرمح فتلاحم فقتله وحكى أيضا عن ابن إسحاق أن الشعر المذكور للأشتر النخعي وقال وهو الذي
قتل محمد بن طلحة وذكر أبو مخنف أنه لمدلج بن كعب السعدي ويقال كعب بن مدلج وذكر الزبير
ابن بكار أن الأكثر على أن الذي قتله عصام بن مقشعر قال المرزباني هو الثبت وأنشد له البيت
المذكور وأوله
425

وأشعث قوام بآيات ربه * قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
هتكت له بالرمح جيب قميصه * فخر صريعا لليدين وللفم
على غير شئ غير أن ليس تابعا * عليا ومن لا يتبع الحق يندم
يذكرني حم البيت ويقال إن الشعر لشداد بن معاوية العبسي ويقال اسمه حديد من بني
أسد بن خزيمة حكاه الزبير وقيل عبد الله بن معكبر وذكر الحسن بن المظفر النيسابوري في كتاب
مأدبة الأدباء قال كان شعار أصحاب علي يوم الجمل حم وكان شريح بن أبي أوفى مع علي فلما طعن
شريح محمدا قال حم فانشد شريح الشعر قال وقيل بل قال محمد لما طعنه شريح أتقتلون
رجلا أن يقول ربي الله فهذا معنى قوله يذكرني حم أي بتلاوة الآية المذكورة لأنها من حم
(تكملة) حم جمع على حواميم قال أبو عبيدة على غير قياس وقال الفراء ليس هذا الجمع من
كلام العرب ويقال كان مراد محمد بن طلحة بقوله أذكرك حم أي قوله تعالى في حم عسق
قل لا أسألكم عليه أجرا الآية كأنه يذكره بقرابته ليكون ذلك دافعا له عن قتله (قوله الطول
التفضل) هو قول أبي عبيدة وزاد تقول العرب للرجل إنه لذو طول على قومه أي ذو فضل عليهم
وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ذي الطول قال ذي السعة
والغنى ومن طريق عكرمة قال ذي المنن ومن طريق قتادة قال ذي النعماء (قوله داخرين
خاضعين) هو قول أبي عبيدة وروى الطبري من طريق السدي في قوله سيدخلون جهنم
داخرين أي صاغرين (قوله وقال مجاهد إلى النجاة إلى الايمان) وصله الفريابي من طريق ابن أبي
نجيح عن مجاهد بهذا (قوله ليس له دعوة يعني الوثن) وصله الفريابي أيضا عن مجاهد بلفظ الأوثان
(قوله يسجرون توقد بهم النار) وصله الفريابي أيضا عن مجاهد بهذا (قوله تمرحون تبطرون)
وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ يبطرون ويأشرون (قوله وكان العلاء بن زياد يذكر النار) هو
بتشديد الكاف أي يذكر الناس النار أي يخوفهم بها (قوله فقال رجل) لم أقف على اسمه (قوله لم)
بكسر اللام للاستفهام (تقنط) بتشديد النون وأراد بذكر هذه الآية الإشارة إلى الآية الأخرى قل
يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا فنهاهم عن القنوط من رحمته مع قوله إن المسرفين
هم أصحاب النار استدعاء منهم الرجوع عن الاسراف والمبادرة إلى التوبة قبل الموت وأبو العلاء
هذا هو العلاء بن زياد البصري تابعي زاهد قليل الحديث وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع
ومات قديما سنة أربع وتسعين ثم ذكر حديث عروة بن الزبير قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص
أخبرني بأشد ما صنعه المشركون وقد تقدم شرحه في أوائل السيرة النبوية
* (قوله سورة حم السجدة) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر (قوله وقال طاوس عن ابن عباس ائتيا طوعا أو كرها قالتا
أتينا طائعين أعطينا) وصله الطبري وابن أبي حاتم بإسناد على شرط البخاري في الصحة ولفظ الطبري
في قوله ائتيا قال أعطيا وفي قوله قالتا أتينا قالتا أعطينا وقال عياض ليس أتى هنا بمعنى
أعطى وإنما هو من الاتيان وهو المجئ بمعنى الانفعال للوجود بدليل الآية نفسها وبهذا فسره
المفسرون أن معناه جيئا بما خلقت فيكما وأظهراه قالتا أجبنا وروى ذلك عن ابن عباس قال
426

وقد روى عن سعيد بن جبير نحو ما ذكره المصنف ولكنه يخرج على تقريب المعنى أنهما لما أمرتا
بإخراج ما فيهما من شمس وقمر ونهر ونبات وغير ذلك وأجابتا إلى ذلك كان كالاعطاء فعبر بالاعطاء
عن المجئ بما أودعتاه (قلت) فإذا كان موجها وثبتت به الرواية فأي معنى لانكاره عن ابن
عباس وكأنه لما رأى عن ابن عباس أنه فسر بمعنى المجئ نفى أن يثبت عنه أنه فسره بالمعنى الآخر
وهذا عجيب فما المانع أن يكون له في الشئ قولان بل أكثر وقد روى الطبري من طريق مجاهد
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال الله عز وجل للسماوات أطلعي الشمس والقمر والنجوم
وقال للأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك قالتا أتينا طائعين وقال ابن التين لعل ابن عباس
قرأها آتينا بالمد ففسرها على ذلك (قلت) وقد صرح أهل العلم بالقراءات أنها قراءته وبها قرأ
صاحباه مجاهد وسعيد بن جبير وقال السهيلي في أماليه قيل إن البخاري وقع له في آي من القرآن
وهم فإن كان هذا منها وإلا فهي قراءة بلغته وجهه أعطيا الطاعة كما يقال فلان يعطي الطاعة
لفلان قال وقد قرئ ثم سئلوا الفتنة لآتوها بالمد والقصر والفتنة ضد الطاعة وإذا جاز في إحداهما
جاز في الأخرى انتهى وجوز بعض المفسرين أن آتينا بالمد بمعنى الموافقة وبه جزم الزمخشري
فعلى هذا يكون المحذوف مفعولا واحدا والتقدير لتوافق كل منكما الأخرى قالتا توافقنا وعلى
الأول يكون قد حذف مفعولان والتقدير أعطيا من أمركما الطاعة من أنفسكما قالتا أعطيناه
الطاعة وهو أرجح لثبوته صريحا عن ترجمان القرآن (قوله قالتا) قال ابن عطية أراد الفرقتين
المذكورتين جعل السماوات سماء والأرضين أرضا ثم ذكر لذلك شاهدا وهي غفلة منه فإنه لم يتقدم
قبل ذلك إلا لفظ سماء مفرد ولفظ أرض مفرد نعم قوله طائعين عبد بالجمع بالنظر إلى تعدد كل منهما
وعبر بلفظ جمع المذكر من العقلاء لكونهم عوملوا معاملة العقلاء في الاخبار عنهم وهو مثل
رأيتهم لي ساجدين (قوله وقال المنهال) هو ابن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي وليس له في البخاري
سوى هذا الحديث وآخر تقدم في قصة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وهو صدوق من طبقة الأعمش
وثقه ابن معين والنسائي والعجلي وغيرهم وتركه شعبة لأمر لا يوجب فيه قدحا كما بينته في المقدمة
وهذا التعليق قد وصله المصنف بعد فراغه من سياق الحديث كما سأذكره (قوله عن سعيد) هو ابن
جبير وصرح به الأصيلي في روايته وكذا النسفي (قوله قال رجل لابن عباس) كان هذا الرجل هو
نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوارج وكان يجالس ابن عباس بمكة
ويسأله ويعارضه ومن جملة ما وقع سؤاله عنه صريحا ما أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق
داود بن أبي هند عن عكرمة قال سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله تعالى هذا يوم لا ينطقون
ولا تسمع إلا همسا وقوله وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وهاؤم اقرؤا كتابيه الحديث بهذه
القصة حسب وهي إحدى القصص المسؤول عنها في حديث الباب وروى الطبراني من حديث
الضحاك بن مزاحم قال قدم نافع بن الأزرق ونجدة بن عويمر في نفر من رؤوس الخوارج مكة
فإذا هم بابن عباس قاعدا قريبا من زمزم والناس قياما يسألونه فقال له نافع بن الأزرق أتيتك
لأسألك فسأله عن أشياء كثيرة من التفسير ساقها في ورقتين وأخرج الطبري من هذا الوجه
بعض القصة ولفظه أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال قول الله ولا يكتمون الله حديثا وقوله
والله ربنا ما كنا مشركين فقال أني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت لهم أين ابن عباس فألقى
427

عليه متشابه القرآن فأخبرهم أن الله تعالى إذا جمع الناس يوم القيامة قال المشركون إن الله
لا يقبل إلا من وحده فيسألهم فيقولون والله ربنا ما كنا مشركين قال فيختم على أفواههم
ويستنطق جوارحهم انتهى وهذه القصة إحدى ما ورد في حديث الباب فالظاهر أنه المبهم فيه
(قوله إني أجد في القرآن أشياء تختلف على) أي تشكل وتضطرب لان بين ظواهرها تدافعا
زاد عبد الرزاق في روايته عن معمر عن رجل عن المنهال بسنده فقال ابن عباس ما هو أشك في
القرآن قال ليس بشك ولكنه اختلاف فقال هات ما اختلف عليك من ذلك قال أسمع الله يقول
وحاصل ما وقع السؤال في حديث الباب أربعة مواضع الأول نفى المسائلة يوم القيامة
وإثباتها الثاني كتمان المشركين جالهم وافشاؤه الثالث خلق السماوات والأرض
أيهما تقدم الرابع الاتيان بحرف كان الدال على الماضي مع أن الصفة لازمة وحاصل جواب
ابن عباس عن الأول أن نفي المسائلة فيما قبل النفخة الثانية وإثباتها فيما بعد ذلك وعن الثاني
أنهم يكتمون بألسنتهم فتنطق أيديهم وجوارحهم وعن الثالث أنه بدأ خلق الأرض في يومين غير
مدحوة ثم خلق السماء فسواها في يومين ثم دحا الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسي وغيرها في
يومين فتلك أربعة أيام للأرض فهذا الذي جمع به ابن عباس بين قوله تعالى في هذه الآية وبين
قوله والأرض بعد ذلك دحاها هو المعتمد وإماما أخرجه عبد الرزاق من طريق أبي سعيد عن
عكرمة عن ابن عباس رفعه قال خلق الله الأرض في يوم الأحد وفي يوم الاثنين وخلق الجبال
وشقق الأنهار وقدر في كل أرض قوتها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ثم استوى إلى السماء وهي
دخان وتلا الآية إلى قوله في كل سماء أمرها قال في يوم الخميس ويوم الجمعة الحديث فهو
ضعيف لضعف أبي سعيد وهو البغال وعن الرابع بأن كان وأن كانت للماضي لكنها لا تستلزم الانقطاع
بل المراد أنه لم يزل كذلك فأما الأول فقد جاء في تفسير آخر أن نفي المسألة عند تشاغلهم بالصعق
والمحاسبة والجواز على الصراط وإثباتها فيما عدا ذلك وهذا منقول عن السدي أخرجه الطبري
ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن نفي المسألة عند النفخة الأولى وإثباتها بعد
النفخة الثانية وقد تأول بن مسعود نفي المسائلة على معنى آخر وهو طلب بعضهم من بعض
العفو فأخرج الطبري من طريق زاذان قال أتيت ابن مسعود فقال يؤخذ بيد العبد يوم القيامة
فينادي ألا إن هذا فلان بن فلان فمن كان له حق قبله فليأت قال فتود المرأة يومئذ أن يثبت لها
حق على أبيها أو ابنها أو أخيها أو زوجها فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ومن طريق أخرى
قال لا يسأل أحد يومئذ بنسب شيئا ولا يتساءلون به ولا يمت برحم وأما الثاني فقد تقدم بسطه من
وجه آخر عند الطبري والآية الأخرى التي ذكرها ابن عباس وهي قوله والله ربنا ما كنا مشركين
فقد ورد ما يؤيده من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم في أثناء حديث وفيه ثم يلقى الثالث فيقول
يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك ويثني ما استطاع فيقول الآن نبعث شاهدا عليك فيفكر
في نفسه من الذي يشهد على فيختم على فيه وتنطق جوارحه وأما الثالث فأجيب بأجوبة
أيضا منها أن ثم بمعنى الواو فلا إيراد وقيل المراد ترتيب الخبر لا المخبر به كقوله ثم كان من الذين
428

آمنوا الآية وقيل على بابها لكن ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخي في الزمان وقيل خلق
بمعنى قدر وأما الرابع وجواب ابن عباس عنه فيحتمل كلامه أنه أراد أنه سمي نفسه غفورا
رحيما وهذه التسمية مضت لان التعلق انقضى وأما الصفتان فلا يزالان كذلك لا ينقطعان لأنه
تعالى إذا أراد المغفرة أو الرحمة في الحال أو الاستقبال وقع مراده قال الكرماني قال ويحتمل أن
يكون ابن عباس أجاب بجوابين أحدهما أن التسمية هي التي كانت وانتهت والصفة لا نهاية لها
والآخر أن معنى كان الدوام فإنه لا يزال كذلك ويحتمل أن يحمل السؤال على مسلكين والجواب
على رفعهما كأن يقال هذا اللفظ مشعر بأنه في الزمان الماضي كان غفورا رحيما مع أنه لم يكن
هناك من يغفر له أو يرحم وبأنه ليس في الحال كذلك لما يشعر به لفظ كان والجواب عن الأول
بأنه كان في الماضي يسمى به وعن الثاني بأن كان تعطى معنى الدوام وقد قال النجاة كان لثبوت
خبرها ماضيا دائما أو منقطعا (قوله فلا يختلف) بالجزم للنهي وقد وقع في رواية ابن أبي حاتم من
طريق مطرف عن المنهال بن عمرو وفي آخره قال فقال له ابن عباس هل بقي في قلبك شئ إنه ليس
من القرآن شئ إلا نزل فيه شئ ولكن لا تعلمون وجهه * (تنبيه) * وقع في السياق والسماء بناها
والتلاوة أم السماء بناها كذا زعم بعض الشراح والذي في الأصل من رواية أبي ذر والسماء
وما بناها وهو على وفق التلاوة لكن قوله بعد ذلك إلى قوله دحاها يدل على أن المراد الآية التي
فيها أم السماء بناها (قوله حدثنيه يوسف بن عدي) أي ابن أبي زريق التيمي الكوفي نزيل مصر
وهو أخو زكريا بن عدي وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وقد وقع في رواية القابسي
حدثنيه عن يوسف بزيادة عن وهي غلط وسقط قوله وحدثنيه الخ من رواية النسفي وكذا من
رواية أبي نعيم عن الجرجاني عن الفربري وثبت ذلك عند جمهور الرواة عن الفربري لكن
ذكر البرقاني في المصافحة بعد أن أخرج الحديث من طريق محمد بن إبراهيم البوشنجي حدثنا
أبو يعقوب يوسف بن عدي فساقه بتمامه قال وقال لي محمد بن إبراهيم الأردستاني قال شاهدت
نسخة من كتاب البخاري في هامشها حدثنيه محمد بن إبراهيم حدثنا يوسف بن عدي قال البرقاني
ويحتمل أن يكون هذا من صنيع من سمعه من البوشنجي فإن اسمه محمد بن إبراهيم قال ولم يخرج
البخاري ليوسف ولا لعبيد الله بن عمرو ولا لزيد بن أبي أنيسة حديثا مسندا سواه وفي مغايرة
البخاري سياق الاسناد عن ترتيبه المعهود إشارة إلى أنه ليس على شرطه وإن صارت صورته صورة
الموصول وقد صرح ابن خزيمة في صحيحه بهذا الاصطلاح وأن ما يورده بهذه الكيفية ليس على
شرط صحيحه وخرج على من يغير هذه الصيغة المصطلح عليها إذا أخرج منه شيئا على هذه الكيفية
فزعم بعض الشراح أن البخاري سمعه أولا مرسلا وآخرا مسندا فنقله كما سمعه وهذا بعيدا جدا
وقد وجدت للحديث طريقا أخرى أخرجها الطبري من رواية مطرف من طريق عن المنهال
ابن عمرو بتمامه فشيخ معمر المبهم يحتمل أن يكون مطرفا أو زيد بن أبي أنيسة أو ثالثا (قوله
وقال مجاهد لهم أجر غير ممنون محسوب) سقط هذا من رواية النسفي وقد وصله الفريابي من
طريق مجاهد به وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله غير ممنون قال
غير منقوص وهو بمعنى قول مجاهد محسوب والمراد أنه يحسب فيحصى فلا ينقص منه شئ (قوله
أفواتها أرزاقها) أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الحسن بلفظ قال وقال قتادة جبالها
429

وأنهارها ودوابها وثمارها وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ وقدر فيها أقواتها قال من
المطر وقال أبو عبيدة أقواتها واحدها قوت وهي الأرزاق (قوله في كل سماء أمرها مما أمر به)
وصله الفريابي بلفظ مما أمر به وأراده أي من خلق الرجوم والنيرات وغير ذلك (قوله نحسات
مشاييم) وصله الفريابي من طريق مجاهد به وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ريحا صرصرا
باردة نحسات مشومات وقال أبو عبيدة الصرصر هي الشديدة الصوت العاصفة نحسات ذوات
نحوس أي مشائيم (قوله وقيضنا لهم قرناء تنزل عليهم الملائكة عند الموت) كذا في رواية أبي ذر
والنسفي وطائفة وعند الأصيلي وقيضنا لهم قرناء قرناهم بهم تتنزل عليهم الملائكة عند الموت
وهذا هو وجه الكلام وصوابه وليس تتنزل عليهم تفسيرا لقيضنا وقد أخرج الفريابي من طريق
مجاهد بلفظ وقيضنا لهم قرناء قال شياطين وفي قوله تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا
قال عند الموت وكذلك أخرجه الطبري مفرقا في موضعيه ومن طريق السدي قال تتنزل عليهم
الملائكة عند الموت ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال تتنزل عليهم الملائكة وذلك
في الآخرة (قلت) ويحتمل الجمع بين التأويلين فإن حالة الموت أول أحوال الآخرة في حق الميت
والحاصل من التأويلين أنه ليس المراد تتنزل عليهم في حال تصرفهم في الدنيا (قوله اهتزت
بالنبات وربت ارتفعت من أكمامها حين تطلع) كذا لأبي ذر والنسفي وفي رواية غيرهما
إلى قوله ارتفعت وهذا هو الصواب وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد إلى قوله ارتفعت
وزاد قبل أن تنبت (قوله ليقولن هذا لي أي بعلمي أنا محقوق بهذا) وصله الطبري من
طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا ولكن لفظه بعملي بتقديم الميم على اللام وهو الأشبه
واللام في ليقولن جواب القسم وأما جواب الشرط فمحذوف وأبعد من قال اللام جواب الشرط
والفاء محذوفة منه لان ذلك شاذ مختلف في جوازه في الشعر ويحتمل أن يكون قوله هذا لي
أي لا يزول عني (قوله وقال غيره سواء للسائلين قدرها سواء) سقط وقال غيره لغير أبي ذر
والنسفي وهو أشبه فإنه معنى قول أبي عبيدة وقال في قوله سواء للسائلين نصبها على المصدر
وقال الطبري قرأ الجمهور سواء بالنصب وأبو جعفر بالرفع ويعقوب بالجر فالنصب على المصدر
أو على نعت الأقوات ومن رفع فعلى القطع ومن خفض فعلى نعت الأيام أو الأربعة (قوله
فهديناهم دللناهم على الخير والشر كقوله وهديناه النجدين وكقوله هديناه السبيل والهدى
الذي هو الارشاد بمنزلة أسعدناه ومن ذلك قوله أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) كذا لأبي
ذر والأصيلي ولغيرهما أصعدناه بالصاد المهملة قال السهيلي هو بالصاد أقرب إلى تفسير أرشدناه
من أسعدناه بالسين المهملة لأنه إذا كان بالسين كان من السعد والسعادة وأرشدت الرجل
إلى الطريق وهديته السبيل بعيد من هذا التفسير فإذا قلت أصعدناهم بالصاد خرج اللفظ إلى
معنى الصعدات في قوله إياكم والقعود على الصعدات وهي الطرق وكذلك أصعد في الأرض إذا
سار فيها على قصد فإن كان البخاري قصد هذا وكتبها في نسخته بالصاد التفاتا إلى حديث
الصعدات فليس بمنكر انتهى والذي عند البخاري إنما هو بالسين كما وقع عند أكثر الرواة عنه
وهو منقول من معاني القرآن قال في قوله تعالى وأما ثمود فهديناهم يقال دللناهم على مذهب
الخير ومذهب الشر كقوله وهديناه النجدين ثم ساق عن علي في قوله وهديناه النجدين قال الخير
430

والشر قال وكذلك قوله إنا هديناه السبيل قال والهدى على وجه آخر وهو الارشاد ومثله قولك
أسعدناه من ذلك أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده في كثير من القرآن (قوله يوزعون
يكفون) قال أبو عبيدة في قوله فهو يوزعون أي يدفعون وهو من وزعت وأخرج الطبري من
طريق السدي في قوله فهم يوزعون قال عليهم وزعة ترد أولاهم على أخراهم (قوله من أكمامها
قشر الكفري الكم) كذا لأبي ذر ولغيره هي الكم زاد الأصيلي وأحدها هو قول الفراء بلفظه
وقال أبو عبيدة في قوله من أكمامها أي أوعيتها وأحدها كمة وهو ما كانت فيه وكم وكمه واحد
والجمع أكمام وأكمة * (تنبيه) * بكاف الكم مضمومة كم القميص وعليه يدل كلام أبي
عبيدة وبه جزم الراغب ووقع في الكشاف بكسر الكاف فإن ثبت فلعلها لغة فيه دون كم
القميص (قوله وقال غيره ويقال للعنب إذا خرج أيضا كافور وكفري) ثبت هذا في رواية
المستملى وحده والكفرى بضم الكاف وفتح الفاء وبضمها أيضا والراء مثقلة مقصور وهو وعاء
الطلع وقشره الاعلى قاله الأصمعي وغيره قالوا ووعاء كل شئ كافور وقال الخطابي قول
الأكثرين الكفري الطلع بما فيه وعن الخليل أنه الطلع (قوله ولي حميم القريب) كذا للأكثر
وعند النسفي وقال معمر فذكره ومعمر هم ابن المثنى أبو عبيدة وهذا كلامه قال في قوله كأنه ولي حميم
قال ولي قريب (قوله من محيص حاص عنه حاد عنه) قال أبو عبيدة في قوله مالنا من محيص
يقال حاص عنه أي عدل وحاو قال في موضع آخر من محيص أي من معدل (قوله مرية ومرية
واحد) أي بكسر الميم وضمها أي امتراء هو قول أبي عبيدة أيضا وقراءة الجمهور بالكسر وقرأ
الحسن البصري بالضم (قوله وقال مجاهد اعملوا ما شئتم الوعيد) في رواية الأصيلي هو وعيد
وقد وصله عبد بن حميد من طريق سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله اعملوا ما شئتم قال
هذا وعيد وأخرجه عبد الرزاق من وجهين آخرين عن مجاهد وقال أبو عبيدة لم يأمرهم بعمل
الكفر وإنما هو توعد (قوله وقال ابن عباس ادفع بالتي هي أحسن الصبر عند الغضب والعفو
عند الإساءة فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله وخضع لهم عدوهم كأنه ولى حميم) سقط كأنه ولي حميم
من رواية أبي ذر وحده وثبت للباقين وقد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس قال أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والعفو عند الإساءة إلى آخره ومن طريق عبد
الكريم الجزري عن مجاهد ادفع بالتي هي أحسن السلام * (قوله باب قوله وما كنتم
تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم الآية) قال الطبري اختلف في معنى قوله تستترون
ثم أخرج من طريق السدي قال تستخفون ومن طريق مجاهد قال تتقون ومن طريق شعبة
عن قتادة قال ما كنتم تظنون أن يشهد عليكم الخ (قوله عن ابن مسعود وما كنتم تستترون)
أي قال في تفسير قوله تعالى وما كنتم تستترون (قوله كان رجلان من قريش وختن لهما من
ثقيف أو رجلان من ثقيف وختن لهما من قريش) هذا الفك من أبي معمر من رواية عن ابن
مسعود وهو عبد الله بن سخبرة وقد أخرجه عبد الرزاق من طريق وهب بن ربيعة عن ابن مسعود
بلفظ ثقفي وختناه قرشيان ولم يشك وأخرج مسلم من طريق وهب هذه ولم يسق لفظها أخرجه
الترمذي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن بن مسعود قال ثلاثة نفر ولم ينسبهم وذكر ابن
بشكوال في المبهمات من طريق تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي أحد الضعفاء بإسناده عن ابن
431

عباس قال القرشي الأسود بن عبد يغوث الزهري والثقفيان الأخنس بن شريق والآخر لم يسم
وراجعت التفسير المذكور فوجدته قال في تفسير قوله تعالى أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم
ونجواهم قال جلس رجلان عند الكعبة أحدهما من ثقيف وهو الأخنس بن شريق والآخر
من قريش وهو الأسود بن عبد يغوث فذكر الحديث وفي تنزيل هذا على ما لا يخفى وذكر
الثعلبي وتبعه البغوي أن الثقفي عبد يا ليل بن عمرو بن عمير والقرشيان صفوان وربيعة ابنا
أمية بن خلف وذكر إسماعيل بن محمد التيمي في تفسيره أن القرشي صفوان بن أمية والثقفيان
ربيعة وحبيب ابنا عمرو فالله أعلم * (قوله باب وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم
أرادكم فأصبحتم من الخاسرين) الإشارة في قوله وذلكم لما تقدم من صنيع الاستتار ظنا منهم
أنهم يخفى عملهم عند الله وهو مبتدأ والخبر أرادكم وظنكم بدل من ذلكم ثم ذكر فيه الحديث
الذي قبله من طريق أخرى (قوله اجتمع عند البيت) أي عند الكعبة (قوله كثيرة شحم بطونهم
قليلة فقه قلوبهم) كذا للأكثر بإضافة بطون لشحم وإضافة قلوب لفقه وتنوين كثيرة وقليلة
وفي رواية سعيد بن منصور والترمذي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود كثير شحم
بطونهم قليل فقه قلوبهم وذكره بعض الشراح بلفظ إضافة شحم إلى كثيرة وبطونهم بالرفع على
أنه المبتدأ أي بطونهم كثيرة الشحم والآخر مثله وهو محتمل وقد أخرجه ابن مردويه من وجه
آخر بلفظ عظيمة بطونهم قليل فقههم وفيه إشارة إلى أن الفطنة قلما تكون مع البطنة قال
الشافعي ما رأيت سمينا عاقلا إلا محمد بن الحسن (قوله لئن كان يسمع بعضه لقد سمع كله) أي
لان نسبة جميع المسموعات إليه واحدة فالتخصيص تحكم وهذا يشعر بأن قائل ذلك كان أفطن
أصحابه وأخلق به أن يكون الأخنس بن شريق لأنه أسلم بعد ذلك وكذا صفوان بن أمية (قوله
وكان سفيان يحدثنا بهذا فيقول حدثنا منصور أو ابن أبي نجيح أو حميد أحدهم أو اثنان منهم
ثم ثبت على منصور وترك ذلك مرارا غير واحدة) هذا كلام الحميدي شيخ البخاري فيه
وقد أخرجه عنه في كتاب التوحيد قال حدثنا سفيان حدثنا منصور عن مجاهد فذكره مختصرا
ولم يذكر مع منصور أحدا وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن سفيان بن عيينة عن
منصور وحده به (قوله حدثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري
(قوله عن منصور) لسفيان فيه إسناد آخر أخرجه مسلم عن أبي بكر بن خلاد عن يحيى القطان
عن سفيان الثوري عن سليمان وهو الأعمش عن عمارة بن عمير عن وهب بن ربيعة عن ابن
مسعود وكأن البخاري ترك طريق الأعمش للاختلاف عليه قيل عنه هكذا وقيل عنه عن عمارة
ابن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود أخرجه الترمذي بالوجهين
* (قوله سورة حم عسق) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
سقطت البسملة لغير بن ذر (قوله ويذكر عن ابن عباس عقيما التي لا تلد) وصله ابن أبي حاتم
والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ ويجعل من يشاء عقيما قال لا يلقح
وذكره باللفظ المعلق بلفظ جويبر عن الضحاك عن ابن عباس وفيه ضعف وانقطاع فكأنه لم
يجزم به لذلك (قوله روحا من أمرنا القرآن) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن
432

ابن عباس بهذا وروى الطبري من طريق السدي قال في قوله روحا من أمرنا قال وحيا ومن
طريق قتادة عن الحسن في قوله روحا من أمرنا قال رحمة (قوله وقال مجاهد يذرؤكم فيه
نسل بعد نسل) وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله يذرؤكم فيه قال نسلا بعد نسل من
الناس والانعام وروى الطبري من طريق السدي في قوله يذرؤكم قال يخلقكم (قوله لا حجة بيننا
وبينكم لا خصومة بيننا وبينكم) وصله الفريابي عن مجاهد بهذا وروى الطبري من طريق
السدي في قوله حجتهم داحضة عند ربهم قال هم أهل الكتاب قالوا للمسلمين كتابنا قبل كتابكم
ونبينا قبل نبيكم (قوله من طرف خفي ذليل) وصله الفريابي عن مجاهد بهذا وروى الطبري من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله ومن طريق قتادة ومن طريق السدي في قوله
ينظرون من طرف خفي قال يسارقون النظر وتفسير مجاهد هو بلازم هذا (قوله شرعوا
ابتدعوا) هو قول أبي عبيدة (قوله فيظللن رواكد على ظهره يتحركن ولا يجرين في البحر)
وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال سفن هذا البحر تجري بالريح فإذا أمسكت عنها
الريح ركدت وقوله يتحركن أي يضربن بالأمواج ولا يجرين في البحر بسكون الريح وبهذا
التقرير يندفع اعتراض من زعم أن لا سقطت في قوله يتحركن قال لانهم فسروا رواكد بسواكن
وتفسير رواكد بسواكن قول أبي عبيدة ولكن السكون والحركة في هذا أمر نسبي * (قوله
باب قوله إلا المودة في القربى) ذكر فيه حديث طاوس عن ابن عباس سئل عن تفسيرها
فقال سعيد بن جبير قربى آل محمد فقال ابن عباس عجلت أي أسرعت في التفسير وهذا الذي جزم
به سعيد بن جبير قد جاء عنه من روايته عن ابن عباس مرفوعا فأخرج الطبري وابن أبي حاتم من
طريق قيس بن الربيع عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت قالوا يا رسول
الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم الحديث وإسناد ضعيف وهو ساقط لمخالفته هذا
الحديث الصحيح والمعنى إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني والخطاب لقريش خاصة والقربى قرابة
العصوبة والرحم فكأنه قال احفظوني للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة ثم ذكر ما تقدم عن عكرمة
في سبب نزول (1) وقد جزم بهذا التفسير جماعة من المفسرين واستندوا إلى ما ذكرته عن
ابن عباس من الطبراني وابن أبي حاتم وإسناده واه فيه ضعيف ورافضي وذكر الزمخشري هنا
أحاديث ظاهر وضعها ورده الزجاج بما صح عن ابن عباس من رواية طاوس في حديث الباب
وبما نقله الشعبي عنه وهو المعتمد وجزم بأن الاستثناء منقطع وفي سبب نزولها قول آخر ذكره
الواحدي عن ابن عباس قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانت تنوبه نوائب وليس
بيده شئ فجمع له الأنصار ما لا فقالوا يا رسول الله إنك ابن أختنا وقد هدانا الله بك وتنوبك
النوائب وحقوق وليس لك سعة فجمعنا لك من أموالنا ما تستعين به علينا فنزلت وهذه من رواية
الكلبي ونحوه من الضعفاء وأخرج من طريق مقسم عن ابن عباس أيضا قال بلغ النبي صلى الله
عليه وسلم عن الأنصار شئ فخطب فقال ألم تكونوا اضلالا فهداكم الله بي الحديث وفيه فجثوا
على الركب وقالوا أنفسنا وأموالنا لك فنزلت وهذا أيضا ضعيف ويبطله أن الآية مكية والأقوى
في سبب نزولها (2) عن قتادة قال قال المشركون لعل محمدا يطلب أجرا على ما يتعاطاه
فنزلت وزعم بعضهم أن هذه الآية منسوخة ورده الثعلبي بأن الآية دالة على الامر بالتودد
433

إلى الله بطاعته أو باتباع نبيه أو صلة رحمه بترك أذيته أو صلة أقاربه من أجله وكل ذلك مستمر
الحكم غير منسوخ والحاصل أن سعيد بن جبير ومواقفه كعلي بن الحسين والسدي وعمرو بن
شعيب فيما أخرجه الطبري عنهم حملوا الآية على أمر المخاطبين بان يواددوا أقارب النبي صلى الله
عليه وسلم وابن عباس حملها على أن يواددوا النبي صلى الله عليه وسلم من أجل القرابة التي بينهم
وبينه فعلى الأول الخطاب عام لجميع المكلفين وعلى الثاني الخطاب خاص بقريش ويؤيد ذلك
أن السورة مكية وقد قيل إن هذه الآية نسخت بقوله قل ما أسألكم عليه من أجر ويحتمل أن
يكون هذا عاما خص بما دلت عليه آية الباب والمعنى أن قريشا كانت تصل أرحامها فلما بعث
النبي صلى الله عليه وسلم قطعوه فقال صلوني كما تصلون غيري من أقاربكم وقد روى سعيد بن
منصور من طريق الشعبي قال أكثروا علينا في هذه الآية فكتبت إلى ابن عباس أسأله عنها
فكتب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واسط النسب في قريش لم يكن حي من أحياء قريش
إلا ولده فقال الله قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى تودوني بقرابتي منكم وتحفظوني
في ذلك وفيه قول ثالث أخرجه أحمد من طريق مجاهد عن ابن عباس أيضا أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال قل لا أسألكم عليه أجرا على ما جئتكم به من البينات والهدى إلا أن تقربوا إلى
الله بطاعته وفي إسناده ضعف وثبت عن الحسن البصري نحوه والاجر على هذا مجاز وقوله
القربى هو مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى القرابة والمراد في أهل القربى وعبر بلفظ في دون اللام
كأنه جعلهم مكانا للمودة ومقرا لها كما يقال لي في آل فلان هوى أي مكان هواي ويحتمل
أن تكون في سببية وهذا على أن الاستثناء متصل فإن كان منقطعا فالمعنى لا أسألكم عليه أجرا
قط ولكن أسألكم أن تودوني بسبب قرابتي فيكم
* (قوله سورة حم الزخرف) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(قوله على أمة على أمام) كذا للأكثر وفي رواية أبي ذر وقال مجاهد فذكره والأول أولى وهو
قول أبي عبيدة وروى عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله على أمة قال على
ملة وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله على أمة أي على دين ومن
طريق السدي مثله (قوله وقيله يا رب تفسيره أيحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ولا نسمع
قيلهم) قال ابن التين هذا التفسير أنكره بعضهم وإنما يصح لو كانت التلاوة وقيله وقال أبو عبيدة
وقيله منصوب في قول أبي عمرو بن العلاء على نسمع سرهم ونجواهم وقيله قال وقال غيره هي في
موضع الفعل أي ويقول وقال غيره هذا التفسير محمول على أنه أراد تفسير المعنى
والتقدير ونسمع قيله فحذف العامل لكن يلزم منه الفصل بين المتعاطفين بجمل كثيرة وقال
الفراء من قرأ وقيله فنصب تجوز من قوله نسمع سرهم ونجواهم ونسمع قيلهم وقد ارتضى
ذلك الطبري وقال قرأ الجمهور وقيله بالنصب عطفا على قوله أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم
ونجواهم والتقدير ونسمع قيله يا رب وبهذا يندفع اعتراض ابن التين وإلزامه بل يصح
والقراءة وقيله بالافراد قال الطبري وقراءة الكوفيين وقيله بالجر على معنى وعنده علم الساعة
وعلم قيله قال وهما قراءتان صحيحتا المعنى وسيأتي في أواخر هذه السورة أن ابن مسعود قرأ وقال
434

الرسول يا رب في موضع وقيله يا رب وقال بعض النحويين المعنى إلا من شهد بالحق وقال قيله يا رب
إن هؤلاء قوم لا يؤمنون وفيه أيضا الفصل بين المتعاطفين بجمل كثيرة (قوله وقال ابن عباس
ولولا أن يكون الناس أمة واحدة الخ) وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس بلفظه مقطعا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أمة واحدة كفارا وروى
الطبري من طريق عوف عن الحسن في قوله ولولا أن يكون الناس أمة واحدة قال كفارا يميلون
إلى الدنيا قال وقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل فكيف لو فعل (قوله مقرنين مطيقين) وصله
الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله وما كنا له مقرنين قال مطيقين وهو
بالقاف ومن طريق للسدي مثله وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وما كنا له مقرنين لا في
الأيدي ولا في القوة (قوله أسفونا أسخطونا) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس في قوله فلما أسفونا قال أسخطونا وقال عبد الرزاق سمعت ابن جريج يقول أسفونا
أغضبونا وعن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه مثله وأورده في قصة له مع عروة بن محمد السعدي
عامل عمر بن عبد العزيز على اليمن (قوله يعش يعمى) وصله ابن أبي حاتم من طريق شبيب عن بشر
عن عكرمة عن ابن عباس في قوله ومن يعش عن ذكر الرحمن قال يعمى وروى الطبري من
طريق السدي قال ومن يعش أي يعرض ومن طريق سعيد عن قتادة مثله قال الطبري من
فسر يعش بمعنى يعمى فقراءته بفتح الشين وقال ابن قتيبة قال أبو عبيدة قوله ومن يعش بضم
الشين أي تظلم عينه وقال الفراء يعرض عنه قال ومن قرأ يعش بفتح الشين أراد تعمى عينه قال
ولا أرى القول إلا قول أبي عبيدة ولم أر أحدا يجيز عشوت عن الشئ أعرضت عنه إنما يقال
تعايشت عن كذا تغافلت عنه ومثله تعاميت وقال غيره عشى إذا مشى ببصر ضعيف مثل عرج
مشى مشية الأعرج (قوله وقال مجاهد أفتضرب عنكم الذكر صفحا أي تكذبون بالقرآن ثم
لا تعاقبون عليه) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظه وروى الطبري من
طريق العوفي عن ابن عباس قال أفحسبتم أن نصفح عنكم ولم تفعلوا ما أمرتم به (قوله ومضى
مثل الأولين سنة الأولين) وصله الفريابي عن مجاهد في قوله ومضى مثل الأولين قال سننهم وسيأتي
له تفسير آخر قريبا (قوله مقرنين يعني الإبل والخيل والبغال) وصله الفريابي عن مجاهد بلفظه وزاد
والحمير وهذا تفسير المراد بالضمير في قوله له وأما لفظ مقرنين فتقدم معناه قريبا (قوله أو من ينشأ
في الحلية الجواري يقول جعلتموهن للرحمن ولدا فكيف تحكمون) وصله الفريابي عن مجاهد
بلفظه والمعنى أنه تعالى أنكر على الكفرة الذين زعموا أن الملائكة بنات الله فقال أم أتخذ مما
يخلق بنات وأصفاكم بالبنين وأنتم تمقتون البنات وتنفرون منهن حتى بالغتم في ذلك فوأدتموهن
فكيف تؤثرون أنفسكم بأعلى الجزأين وتدعون له الجزء الأدنى مع أن صفة هذا الصنف الذي
هو البنات أنها تنشأ في الحلية والزينة المفضية إلى نقص العقل وعدم القيام بالحجة وقال عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله أو من ينشأ في الحلية قال البنات وهو في الخصام غير مبين قال
فما تكلمت المرأة تريد أن تكلم بحجة لها إلا تكلمت بحجة عليها * (تنبيه) * قرأ ينشأ بفتح أوله
مخففا الجمهور وحمزة والكسائي وحفص بضم أوله مثقلا والجحدري مثله مخففا (قوله وقالوا لو شاء
الرحمن ما عبدناهم يعنون الأوثان يقول الله تعالى ما لهم بذلك من علم الأوثان إنهم لا يعلمون)
435

وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم قال الأوثان قال الله ما لهم
بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ما تعلمون قدرة الله على ذلك والضمير في قوله مالهم بذلك من علم
للكفار أي ليس لهم علم بما ذكروه من المشيئة ولا برهان معهم على ذلك إنما يقولونه ظنا وحسبانا
أو الضمير للأوثان ونزلهم منزلة من يعقل ونفى عنهم علم ما يصنع المشركون من عبادتهم (قوله في
عقبة ولده) وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظه والمراد بالولد الجنس
حتى يدخل فيه ولد الولد وأن سفل وقال عبد الرزاق في عقبة لا يزال في ذريته من يوحد الله عز
وجل (قوله مقترنين يمشون معا) وصله الفريابي عن مجاهد في قوله أو جاء معه الملائكة مقترنين
يمشون معا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يعني متتابعين (قوله سلفا قوم فرعون سلفا
لكفار أمة محمد) وصله الفريابي من طريق مجاهد قال هم قوم فرعون كفارهم سلفا لكفار أمة محمد
(قوله ومثلا عبرة) وصله الفريابي عن مجاهد بلفظه وزاد لمن بعدهم (قوله يصدون يضجون)
وصله الفريابي والطبري عن مجاهد بلفظه وهو قول أبي عبيدة وزاد ومن ضمها فمعناه يعدلون
وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ومن طريق آخر عن ابن عباس
ومن طريق سعيد عن قتادة في قوله يصدون قال يضجون وقال عبد الرزاق عن معمر عن عاصم
أخبرني زر هو ابن حبيش أن ابن عباس كان يقرؤها يصدون يعني بكسر الصاد يقول يضجون قال
عاصم وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقرؤها بضم الصاد فبالكسر معناه يضج وبالضم معناه
يعرض وقال الكسائي هما لغتان بمعنى وأنكر بعضهم قراءة الضم واحتج بأنه لو كانت كذلك
لكانت عنه لا منه وأجيب بأن المعنى منه أي من أجله فيصح الضم وروى الطبري من طريق
أبي يحيى عن ابن عباس أنه أنكر على عبيد بن عمير قراءته يصدون بالضم (قوله مبرمون مجمعون)
وصله الفريابي عن مجاهد بلفظه وزاد إن كادوا شرا كدناهم مثله (قوله أول العابدين أول
المؤمنين) وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ وأول المؤمنين بالله فقولوا ما شئتم وقال عبد الرزاق عن
معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قوله فأنا أول العابدين يقول فأنا أول من عبد الله وحده
وكفر بما تقولون وروى الطبري من طريق محمد بن ثور عن معمر بسنده قال قل أن كان
الرحمن ولد في زعمكم فأنا أول من عبد الله وحده وكذبكم وسيأتي له بعد هذا تفسير آخر (قوله
وقال غيره إنني براء مما تعبدون العرب تقول نحن منك البراء والخلاء الواحد والاثنان والجميع من
المذكر والمؤنث سواء يقال فيه براء لأنه مصدر ولو قيل برئ لقيل في الاثنين بريئان وفي الجميع
بريئون) قال أبو عبيدة قوله إنني براء مجازها لغة عالية يجعلون الواحد والاثنين والثلاثة من
المذكر والمؤنث على لفظ واحد وأهل نجد يقولون أنا برئ وهي بريئة ونحن برآء (قوله وقرأ عبد
الله إنني برئ بالياء) وصله الفضل بن شاذان في كتاب القراءات بإسناده عن طلحة بن مصرف عن
يحيى بن وثاب عن علقمة عن عبد الله بن مسعود (قوله والزخرف الذهب) قال عبد الله بن حميد
حدثنا هاشم بن القاسم عن شعبة عن الحكم عن مجاهد قال كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيتها في
قراءة عبد الله أي ابن مسعود أو يكون لك بيت من ذهب وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
في قوله وزخرفا قال الذهب وعن معمر عن الحسن مثله (قوله ملائكة في الأرض يخلفون
يخلف بعضهم بعضا) أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وزاد في آخره مكان ابن آدم * (قوله
436

باب قوله ونادوا يا مالك) ظاهرها أنهم بعد ما طال إبلاسهم تكلموا والمبلس الساكت
بعد اليأس من الفرج فكان فائدة الكلام بعد ذلك حصول بعض فرج لطول العهد أو النداء
يقع قبل الابلاس لان الواو لا تستلزم ترتيبا (قوله عمرو) هو ابن دينار (قوله عن صفوان بن يعلى
عن أبيه) هو يعلى بن أمية المعروف بابن منية (قوله يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك) كذا للجميع
بإثبات الكاف وهي قراءة الجمهور وقرأ الأعمش ونادوا يا مال بالترخيم ورويت عن علي وتقدم في
بدء الخلق أنها قراءة ابن مسعود قال عبد الرزاق قال الثوري في حرف ابن مسعود ونادوا يا مال
يعني بالترخيم وبه جزم ابن عيينة ويذكر عن بعض السلف أنه لما سمعها قال ما أشغل أهل النار
عن الترخيم وأجيب باحتمال إنهم يقتطعون بعض الاسم لضعفهم وشدة ما هم فيه (قوله وقال
قتادة مثلا للآخر بن عظة لمن بعدهم) قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله فلما أسفونا قال
أغضبونا فجعلناهم سلفا قال إلى النار ومثلا للآخرين قال عظة للآخرين (قوله وقال غيره
مقرنين ضابطين يقال فلان مقرن لفلان ضابط له) هو قول أبي عبيدة واستشهد بقول الكميت
ولستم للصعاب مقرنينا (قوله والأكواب الأباريق التي لا خراطيم لها) هو قول أبي عبيدة بلفظه
وروى الطبري من طريق السدي قال الأكواب الأباريق التي لا آذان لها (قوله وقال قتادة
في أم الكتاب جملة الكتاب أصل الكتاب) قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله وإنه في أم
الكتاب قال في أصل الكتاب وجملته (قوله أول العابدين أي ما كان فأنا أول الآنفين وهما لغتان
رجل عابد وعبد) وأخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول لم يكن
للرحمن ولد ومن طريق سعيد عن قتادة قال هذه كلمة في كلام العرب إن كان للرحمن ولد أي إن
ذلك لم يكن ومن طريق زيد بن أسلم قال هذا معروف من قول العرب إن كان هذا الامر قط أي
ما كان ومن طريق السدي إن بمعنى لو أي لو كان للرحمن ولد كنت أول من عبدة بذلك لكن لا ولد
له ورجحه الطبري وقال أبو عبيدة أن بمعنى ما في قول والفاء بمعنى الواو أي ما كان للرحمن ولد وأنا
أول العابدين وقال آخرون معناه إن كان للرحمن في قولكم ولد فأنا أول العابدين أي الكافرين
بذلك والجاحدين لما قلتم والعابدين من عبد بكسر الباء يعبد بفتحها قال الشاعر
أولئك قومي إن هجوني هجوتهم * وأعبد أن أهجو كليبا بدارم
أي أمتنع وأخرج الطبري أيضا عن يونس بن عبد الاعلى عن بن وهب عبد معناه استنكف ثم ساق
قصة عن عمر في ذلك وقال ابن فارس عبد بفتحتين بمعنى عابد وقال الجوهري العبد بالتحريك
الغضب (قوله وقرأ عبد الله وقال الرسول يا رب) تقدمت الإشارة إلى إسناد قراءة عبد الله وهو
ابن مسعود وأخرج الطبري من وجهين عن قتادة في قوله وقيله يا رب قال هو قول الرسول صلى
الله عليه وسلم (قوله ويقال أول العابدين أول الجاحدين من عبد يعبد) وقال ابن التين كذا
ضبطوه ولم أر في اللغة عبد بمعنى جحد انتهى وقد ذكرها الفربري * (تنبيه) * ضبطت عبد يعبد
هنا بكسر الموحدة في الماضي وفتحها في المستقبل (قوله أفنضرب عنكم الذكر صفحا إن كنتم
قوما مسرفين مشركين والله لو أن هذا القرآن رفع حيث رده أوائل هذه الأمة لهلكوا) وصله ابن
أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظه وزاد ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته
فكرره عليهم ودعاهم إليه (قوله فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين عقوبة الأولين)
437

وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بهذا (قوله جزأ عدلا) وصله عبد الرزاق عن معمر عن
قتادة بهذا وهو بكسر العين وكذا أخرجه البخاري في كتاب خلق أفعال العباد من طريق سعيد
ابن أبي عروبة عن قتادة مثله وأما أبو عبيدة فقال جزءا أي نصيبا وقيل جزءا إناثا تقول جزأت المرأة
إذا أتت بأنثى
* (قوله سورة حم الدخان) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر (قوله وقال مجاهد رهوا طريقا يابسا ويقال رهوا ساكنا)
أما قول مجاهد فوصله الفريابي من طريقه بلفظه وزاد كهيئته يوم ضرب يقول لا تأمره أن
يرجع بل اتركه حتى يدخل آخره أخرجه عبد بن حميد من وجه آخر عن مجاهد في قوله رهوا
قال منفجرا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عطف موسى ليضرب البحر ليلتئم وخاف
أن يتبعه فرعون وجنوده فقيل له أترك البحر رهوا يقول كما هو طريقا يابسا أنهم جند مغرقون
وأما القول الآخر فهو قول أبي عبيدة قال في قوله واترك البحر رهوا أي ساكنا يقال جاءت
الخيل رهوا أي ساكنة وأره على نفسك أي أرفق بها ويقال عيش رآه وسقط هذا القول
هنا لغير أبي ذر وإثباته هو الصواب (قوله على علم على العالمين على من بين ظهريه) هو قول
مجاهد أيضا وصله الفريابي عنه بلفظ فضلناهم على من هم بين ظهريه أي على أهل عصرهم
(قوله وزوجناهم بحور عين أنكحناهم حورا عينا يحار فيها الطرف) وصله الفريابي من طريق
مجاهد بلفظ أنكحناهم الحور التي يحار فيها الطرف يبان مخ سوقهن من وراء ثيابهن ويرى
الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمرأة من رقة الجلد وصفاء اللون (قوله اعتلوه ادفعوه) وصله
الفريابي من طريق مجاهد وقال في قوله خذوه فاعنلوه قال ادفعوه (قوله ويقال أن ترجمون
القتل) سقط ويقال لغير أبي ذر فصار كأنه من كلام مجاهد وقد حكاه الطبري ولم يسم من قاوله
وأورد من طريق العوفي عن ابن عباس أنه بمعنى الشتم وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
في قوله ترجمون قال بالحجارة واختار بن جرير حمل الرجم هنا على جميع معانيه (قوله ورهوا ساكنا)
كذا لغير أبي ذر هنا وقد تقدم بيانه في أول السورة (قوله وقال ابن عباس كالمهل أسود كمهل
الزيت) وصله ابن أبي حاتم من طريق مطرف عن عطية سئل ابن عباس عن المهل قال شئ غليظ
كدردي الزيت وقال الليث المهل ضرب من القطران إلا أنه رقيق شبيه بالزيت يضرب إلى
الصفرة وعن الأصمعي المهل بفتح الميم هو الصديد وما يسيل من الميت وبالضم هو عكر الزيت وهو
كل شئ يتحات عن الجمر من الرماد وحكى صاحب المحكم أنه خبث الجواهر الذهب وغيره وقيل
في تفسير المهل أقوال أخرى فعند عبد بن حميد عن سعيد بن جبير هو الذي انتهى حره وقيل
الرصاص المذاب أو الحديد أو الفضة وقيل السم وقيل خشار الزيت وعند أحمد من حديث أبي
سعيد في قوله تعالى كالمهل قال كعكر الزيت إذا قربه إليه سقطت فروة وجهه فيه (قوله وقال
غيره تبع ملوك اليمن كل واحد منهم يسمى تبعا لأنه يتبع صاحبه والظل يسمى تبعا لأنه يتبع
الشمس) هو قول أبي عبيدة بلفظه وزاد وموضع تبع في الجاهلية موضع الخلفية في الاسلام
وهم ملوك العرب الأعاظم وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال قالت عائشة كان تبع
438

رجلا صالحا قال معمر وأخبرني تميم بن عبد الرحمن أنه سمع سعيد بن جبير يقول إنه كسا البيت
ونهى عن سبه وقال عبد الرزاق أنبأنا بكار بن عبد الرحمن سمعت وهب بن منبه يقول نهى النبي
صلى الله عليه وسلم عن سب أسعد وهو تبع قال وهب وكان على دين إبراهيم وروى أحمد من
حديث سهل بن سعد رفعه لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس
مثله وإسناده أصلح من إسناد سهل وأما ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي ذئب عن المقبري
عن أبي هريرة مرفوعا لا أدري تبعا كان لعينا أم لا وأخرجه ابن أبي حاتم والحاكم والدار قطني
وقال تفرد به عبد الرزاق فالجمع بينه وبين ما قبله أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بحاله بعد أن كان
لا يعلمها فلذلك نهى عن سبه خشية أن يبادر إلى سبه من سمع الكلام الأول * (قوله
باب فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين فارتقب فانتظر) كذا لأبي ذر وفي رواية غيره
وقال قتادة فارتقب فانتظر وقد وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة به (قوله عن
الأعمش عن مسلم) هو ابن صبيح بالتصغير أبو الضحى كما صرح به في الأبواب التي بعده وقد ترجم
لهذا الحديث ثلاث تراجم بعد هذا وساق الحديث بعينه مطولا ومختصرا وقد تقدم أيضا في
تفسير الفرقان مختصرا وفي تفسير الروم وتفسير ص مطولا ويحيى الراوي فيه عن أبي
معاوية وفي الباب الذي يليه عن وكيع هو ابن موسى البلخي وقوله في الطريق الأولى حتى
أكلوا العظام زاد في الرواية التي بعدها والميتة وفي التي تليها حتى أكلوا الميتة وفي التي بعدها
حتى أكلوا العظام والجلود وفي رواية فيها حتى أكلوا الجلود والميتة وقع في جمهور الروايات الميتة
بفتح الميم وبالتحتانية ثم المثناة وضبطها بعضهم بنون مكسورة ثم تحتانية ساكنة وهمزة وهو
الجلد أول ما يدبغ والأول أشهر (قوله بعد قوله يغشى الناس هذا عذاب أليم قال فأتى رسول
الله) كذا بضم الهمزة على البناء للمجهول والآتي المذكور هو أبو سفيان كما صرح به في الرواية
الأخيرة (قوله فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت) إنما قال لمضر لان غالبهم كان
بالقرب من مياه الحجاز وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من
حولهم فحسن أن يطلب الدعاء لهم ولعل السائل عدل عن التعبير بقريش لئلا يذكرهم فيذكر
بجرمهم فقال لمضر ليندرجوا فيهم ويشير أيضا إلى أن غير المدعو عليهم قد هلكوا بجريرتهم
وقد وقع في الرواية الأخيرة وأن قومك هلكوا ولا منافاة بينهما لان مضر أيضا قومه وقد تقدم في
المناقب أنه صلى الله عليه وسلم كان من مضر (قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمضر
إنك لجرئ) أي أتأمرني أن أستسقي لمضر مع ما هم عليه من المعصية والاشراك به ووقع في
شرح الكرماني قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمضر أي لأبي سفيان فإنه كان كبيرهم
في ذلك الوقت وهو كان الآتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المستدعي منه الاستسقاء تقول
العرب قتلت قريش فلانا ويريدون شخصا منهم وكذا يضيفون الامر إلى القبيلة والامر في
الواقع مضاف إلى واحد منهم انتهى وجعله اللام متعلقة بقال غريب وإنما هي متعلقه بالمحذوف
كما قررته أولا (قوله فلما أصابهم الرفاهية) بتخفيف التحتانية بعد الهاء أي التوسع والراحة
(قوله في الباب الثاني عن مسروق قال دخلت على عبد الله) أي ابن مسعود (قوله إن من العلم
أن تقول لما لا تعلم الله أعلم) تقدم سبب قول ابن مسعود هذا في سورة الروم من وجه آخر عن
439

الأعمش ولفظه عن مسروق قال بينما رجل يحدث في كندة فقال يجئ دخان يوم القيامة فيأخذ
بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام ففزعنا فأتيت ابن مسعود وكان متكئا
فغضب فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم وقد جرى البخاري على عادته في إيثار
الخفي على الواضح فإن هذه السورة كانت أولى بإيراد هذا السياق من سورة الروم لما تضمنته من
ذكر الدخان لكن هذه طريقته بذكر الحديث في موضع ثم يذكر في الموضع اللائق به عاريا عن
الزيادة اكتفاء بذكرها في الموضع الاخر شحذا للأذهان وبعثا على مزيد الاستحضار وهذا الذي
أنكره ابن مسعود قد جاء عن علي فأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم من طريق الحرث عن علي قال
آية الدخان لم تمض بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وينفخ الكافر حتى ينفذ ثم أخرج عبد الرزاق
من طريق ابن أبي مليكة قال دخلت علي ابن عباس يوما فقال لي لم أنم البارحة حتى أصبحت قالوا
طلع الكوكب ذو الذنب فخشينا الدخان قد خرج وهذا أخشى أن يكون تصحيفا وإنما هو الدجال
بالجيم الثقيلة واللام ويؤيد كون آية الدخان لم تمض ما أخرجه مسلم من حديث أبي شريحة رفعه
لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة الحديث وروى
الطبري من حديث ربعي عن حذيفة مرفوعا في خروج الآيات والدخان قال حذيفة يا رسول الله
وما الدخان فلا هذه الآية قال أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة وأما الكافر فيخرج من منخريه
وأذنيه ودبره وإسناده ضعيف أيضا وروى ابن أبي حاتم من حديث أبي سعيد نحوه وإسناده
ضعيف أيضا وأخرجه مرفوعا بإسناد أصلح منه وللطبري من حديث أبي مالك الأشعري رفعه
إن ربكم أنذركم ثلاثا الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة الحديث ومن حديث ابن عمر نحوه وإسنادهما
ضعيف أيضا لكن تضافر هذه الأحاديث يدل على أن لذلك أصلا ولو ثبت طريق حديث حذيفة
لاحتمل أن يكون هو القاص المراد في حديث ابن مسعود (قوله الذكرى) هو والذكر سواء (1)
(قوله في الرواية الأخيرة أخبرنا محمد) هو ابن جعفر غندر (قوله عن سليمان) هو الأعمش ومنصور
هو ابن المعتمر (قوله حتى حصت) بمهملتين أي جردت وأذهبت يقال سنة حصاء أي جرداء لا غيث
فيها (قوله فقال أحدهم) كذا قاله في موضعين أي أحد الرواة ولم يتقم في سياق السدوسي
موضع واحد فيه اثنان سليمان ومنصور فحق العبارة أن يقول قال أحدهما لكن تحمل على تلك
اللغة (قوله وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان) وقع في الرواية التي قبلها فكان يرى بينه
440

وبين السماء مثل الدخان من الجوع ولا تدافع بينهما لأنه يحمل على أنه كان مبدؤه من الأرض
ومنتهاه ما بين السماء والأرض ولا معارضة أيضا بين قوله يخرج من الأرض وبين قوله كهيئة
الدخان لاحتمال وجود الامرين بأن يخرج من الأرض بخار كهيئة الدخان من شدة حرارة
الأرض ووهجها من عدم الغيث وكانوا يرون بينهم وبين السماء مثل الدخان من فرط حرارة الجوع
والذي كان يخرج من الأرض بحسب تخيلهم ذلك من غشاوة أبصارهم من فرط الجوع أو لفظ
من الجوع صفة الدخان أي يرون مثل الدخان الكائن من الجوع
* (قوله سورة حم الجاثية) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر ولغيره الجاثية حسب (قوله جاثية مستوفزين على الركب) كذا لهم وهو قول
مجاهد وصله الطبري من طريقه وقال أبو عبيدة في قوله جاثية قال على الركب ويقال استوفز
في قعدته إذا قعد منتصبا قعود غير مطمئن (قوله نستنسخ نكتب) كذا لأبي ذر ولغيره وقال
مجاهد فذكره وقد أخرج ابن أبي حاتم معناه عن مجاهد (قوله ننساكم نترككم) هو قول أبي عبيدة
وقد وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله فاليوم ننساكم كما نسيتم قال اليوم نترككم كما
تركتم وأخرجه ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أيضا وهو من إطلاق الملزوم
وإرادة اللازم لان من نسي فقد ترك بغير عكس (قوله يؤذيني ابن آدم) كذا أورده مختصرا وقد
أخرجه الطبري عن أبي كريب عن بن عيينة بهذا الاسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان
أهل الجاهلية يقولون إنما يهلكنا الليل والنهار هو الذي يميتنا ويحيينا فقال الله في كتابه وقالوا
ما هي إلا حياتنا الدنيا الآية قال فيسبون الدهر قال الله تبارك وتعالى يؤذيني ابن آدم فذكره
قال القرطبي معناه يخاطبني من القول بما يتأذى من يجوز في حقه التأذي والله منزه عن أن
يصل إليه الأذى وإنما هذا من التوسع في الكلام والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله
(قوله وأنا الدهر) قال الخطابي معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر
فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها وإنما الدهر زمان
جعل ظرفا لمواقع الأمور وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا بؤسا للدهر
وتبا للدهر وقال النووي قوله أنا الدهر بالرفع في ضبط الأكثرين والمحققين ويقال بالنصب
على الظرف أي أنا باق أبدا والموافق لقوله إن الله هو الدهر الرفع وهو مجاز وذلك أن العرب كانوا
يسبون الدهر عند الحوادث فقال لا تسبوه فإن فاعلها هو الله فكأنه قال لا تسبوا الفاعل
فإنكم إذا سببتموه سببتموني أو الدهر هنا بمعنى الداهر فقد حكى الراغب أن الدهر في قوله إن الله
هو الدهر غير الدهر في قوله يسب الدهر قال والدهر الأول الزمان والثاني المدبر المصرف لما
يحدث ثم استضعف هذا القول لعدم الدليل عليه ثم قال لو كان كذلك لعد الدهر من أسماء الله
تعالى انتهى وكذا قال محمد بن داود محتجا لما ذهب إليه من أنه بفتح الراء فكان يقول لو كان بضمها
لكان الدهر من أسماء الله تعالى وتعقب بأن ذلك ليس بلازم ولا سيما مع روايته فإن الله هو الدهر
قال ابن الجوزي يصوب ضم الراء من أوجه أحدها أن المضبوط عند المحدثين بالضم ثانيها
441

لو كان بالنصب يصير التقدير فأنا الدهر أقلبه فلا تكون علة النهي عن سبه مذكورة لأنه تعالى
يقلب الخير والشر فلا يستلزم ذلك منع الذم ثالثها الرواية التي فيها فإن الله هو الدهر انتهى وهذه
الأخيرة لا تعين الرفع لان للمخالف أن يقول التقدير فإن الله هو الدهر يقلب فترجح للرواية
الأخرى وكذا ذكر علة النهي لا يعين الرفع لأنها تعرف من السياق أي لا ذنب له فلا تسبوه
* (قوله سورة حم الأحقاف) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر (قوله وقال بعضهم أثره وأثرة وأثاره بقية من علم) قال أبو عبيدة في
قوله أو أثارة من علم أي بقية من علم ومن قال أثرة أي بفتحتين فهو مصدر أثره يأثره فذكره قال
الطبري قرأ الجمهور أو أثارة بالألف وعن أبي عبد الرحمن السلمي أو أثرة بمعنى أو خاصة من علم
أوتيتموه وأوثرتم به على غيركم (قلت) وبهذا فسره الحسن وقتادة قال عبد الرزاق عن معمر عن
الحسن في قوله أو أثرة من علم قال أثرة شئ يستخرجه فيثيره قال وقال قتادة أو خاصة من علم
وأخرج الطبري من طريق أبي سلمة عن ابن عباس فقوله أو أثارة من علم قال خط كانت تخطه
العرب في الأرض وأخرجه أحمد والحاكم وإسناده صحيح ويروي عن ابن عباس جودة الخط
وليس بثابت وحمل بعض المالكية الخط هنا على المكتوب وزعم أنه أراد الشهادة على الخط إذا
عرفه والأول هو الذي عليه الجمهور وتمسك به بعضهم في تجويد الخط ولا حجة فيه لأنه إنما جاء على
ما كانوا يعتمدونه فالامر فيه ليس هو لاباحته (قوله وقال ابن عباس بدعا من الرسل ما كنت
بأول الرسل) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وللطبري من طريق
ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله وقال أبو عبيدة مثله قال ويقال ما هذا مني ببدع أي ببديع
وللطبري من طريق سعيد عن قتادة قال أن الرسل قد كانت قبلي (قوله تفيضون تقولون) كذا
لأبي ذر وذكره غيره في أول السورة عن مجاهد وقد وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن
مجاهد (قوله وقال غيره أرأيتم هذه الألف إنما هي توعد إن صح ما تدعون لا يستحق أن يعبد
وليس قوله أرأيتم برؤية العين إنما هو أتعلمون أبلغكم أن ما تدعون من دون الله خلقوا شيئا) هذا
كله سقط لأبي ذر * (قوله باب والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج إلى
قوله أساطير الأولين) كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى آخرها وأف قرأها الجمهور بالكسر
لكن نونها نافع وحفص عن عاصم وقرأ ابن كثير وابن عامر وابن محيصن وهي رواية عن عاصم
بفتح الفاء بغير تنوين (قوله عن يوسف بن ماهك) بفتح الهاء وبكسرها ومعناه القمير تصغير القمر
ويجوز صرفه وعدمه كما سيأتي (قوله كان مروان على الحجاز) أي أميرا على المدينة من قبل
معاوية وأخرج الإسماعيلي والنسائي من طريق محمد بن زياد هو الجمحي قال كان مروان عاملا
على المدينة (قوله استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له) في رواية
الإسماعيلي من الطريق المذكورة فأراد معاوية أن يستخلف يزيد يعنى ابنه فكتب إلى مروان
بذلك فجمع مروان الناس فخطبهم فذكر يزيد ودعا إلى بيعت وقال إن الله أرى أمير المؤمنين في
يزيد رأيا حسنا وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر (قوله فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا)
442

قيل قال له بيننا وبينكم ثلاث مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ولم يعهدوا كذا
قال بعض الشراح وقد اختصره فأفسده والذي في رواية الإسماعيلي فقال عبد الرحمن ما هي إلا
هرقلية وله من طريق شعبة عن محمد بن زياد فقال مروان سنة أبي بكر وعمر فقال عبد الرحمن
سنة هرقل وقيصر ولابن المنذر من هذا الوجه أجئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم ولأبي يعلى وابن
أبي حاتم من طريق إسماعيل بن أبي خالد حدثني عبد الله المدني قال كنت في المسجد حين خطب
مروان فقال أن الله قد رأى أمير المؤمنين رأيا حسنا في يزيد وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر
وعمر فقال عبد الرحمن هرقلية إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا في أهل بيته وما جعلها
معاوية إلا كرامة لولده (قوله فقال خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا) أي امتنعوا من الدخول
خلفه إعظاما لعائشة وفي رواية أبي يعلي فنزل مروان عن المنبر حتى أتى باب عائشة فجعل يكلمها
وتكلمه ثم انصرف (قوله فقال مروان أن هذا الذي أنزل الله فيه) في رواية أبي يعلى فقال مروان
اسكت ألست الذي قال الله فيه فذكر الآية فقال عبد الرحمن ألست ابن اللعين الذي لعنه رسول
الله صلى الله عليه وسلم (قوله فقالت عائشة) في رواية محمد بن زياد فقالت كذب مروان (قوله
ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله انزل عذري) أي الآية التي في سورة النور في قصة أهل
الإفك وبراءتها مما رموها به وفي رواية الإسماعيلي فقالت عائشة كذب والله ما نزلت فيه وفي
رواية له والله ما أنزلت إلا في فلان بن فلان الفلاني وفي رواية له لو شئت أن أسميه لسميته ولكن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه وأخرج عبد الرزاق من طريق
ميناء أنه سمع عائشة تنكر أن تكون الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر وقالت إنما نزلت في
فلان بن فلان سمت رجلا وقد شغب بعض الرافضة فقال هذا يدل على أن قوله ثاني اثنين ليس هو
أبا بكر وليس كما فهم هذا لرافضي بل المراد بقول عائشة فينا أي في بني أبي بكر ثم الاستثناء من
عموم النفي وإلا فالمقام يخصص والآيات التي في عذرها في غاية المدح لها والمراد نفي إنزال ما يحصل
به الذم كما في قصة قوله والذي قال لوالديه إلى آخره والعجب مما أورده الطبري من طريق العوفي عن
ابن عباس قال نزلت هذه الآية في عبد الرحمن بن أبي بكر وقد تعقبه الزجاج قال الصحيح أنها
نزلت في الكافر العاق وإلا فعبد الرحمن قد أسلم فحسن إسلامه وصار من خيار المسلمين وقد قال
الله في هذه الآية أولئك الذين حق عليهم القول إلى آخر الآية فلا يناسب ذلك عبد الرحمن
وأجاب المهدوي عن ذلك بأن الإشارة بأولئك للقوم الذين أشار إليهم المذكور بقوله وقد خلت
القرون من قبلي فلا يمتنع أن يقع ذلك من عبد الرحمن قبل إسلامه ثم يسلم بعد ذلك وقد أخرج
ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن مجاهد قال نزلت في عبد الله بن أبي بكر الصديق قال ابن
جريج وقال آخرون في عبد الرحمن بن أبي بكر (قلت) والقول في عبد الله كالقول في عبد الرحمن
فإنه أيضا أسلم وحسن إسلامه ومن طريق أسباط عن السدي قال نزلت في عبد الرحمن بن أبي
بكر قال لأبويه وهما أبو بكر وأم رومان وكانا قد أسلما وأبي هو أن يسلم فكانا يأمرانه بالاسلام
فكان يرد عليهما ويكذبهما ويقول فأين فلان وأين فلان يعني مشايخ قريش ممن قد مات فأسلم
بعد فحسن إسلامه فنزلت توبته في هذه الآية ولكل درجات مما عملوا (قلت) لكن نفي عائشة
أن تكون نزلت في عبد الرحمن وآل بيته أصح إسنادا وأولى بالقبول وجزم مقاتل في تفسيره
443

أنها نزلت في عبد الرحمن وأن قوله أولئك الذين حق عليهم القول نزلت في ثلاثة من كفار قريش
والله أعلم * (قوله باب فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم الآية) ساقها غير أبي ذر (قوله
قال ابن عباس عارض السحاب) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وأخرج
الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال الريح إذا أثارت سحابا قالوا هذا عارض (قوله
حدثنا أحمد) كذا لهم وفي رواية أبي ذر حدثنا أحمد بن عيسى (قوله أخبرنا عمرو) هو ابن
الحارث وأبو النضر هو سالم المدني ونصف هذا الاسناد الاعلى مدنيون والأدنى مصريون (قوله
حتى أرى منه لهواته) بالتحريك جمع لهاة وهي اللحمة المتعلقة في أعلى الحنك ويجمع أيضا على
لهى بفتح اللام مقصور (قوله إنما كان يتبسم) لا ينافي هذا ما جاء في الحديث الآخر أنه ضحك
حتى بدت نواجذه لان ظهور النواجذ وهي الأسنان التي في مقدم الفم أو الأنياب لا يستلزم ظهور
اللهاة (قوله عرفت الكراهية في وجهه) عبرت عن الشئ الظاهر في الوجه بالكراهة لأنه ثمرتها
ووقع في رواية عطاء عن عائشة في أول هذا الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت
الريح قال اللهم أني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها
وشر ما فيها وشر ما أرسلت به وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا أمطرت سري عنه
الحديث أخرجه مسلم بطوله وتقدم في بدء الخلق من قوله كان إذا رأى مخيلة أقبل وأدبر وقد
تقدم لهذا الدعاء شواهد من حديث أنس وغير في أواخر الاستسقاء (قوله عذب قوم بالريح وقد
رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض) ظاهر هذا أن الذين عذبوا بالريح غير الذين قالوا ذلك لما تقرر
أن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأول لكن ظاهر آية الباب على أن الذين عذبوا بالريح هم
الذين قالوا هذا عارض ففي هذه السورة واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف الآيات وفيها فلما
رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم وقد
أجاب الكرماني عن الاشكال بأن هذه القاعدة المذكورة إنما تطرد إذا لم يكن في السياق قرينة
تدل على أنها عين الأول فإن كان هناك قرينة كما في قوله تعالى وهو الذي في السماء إله وفي الأرض
إله فلا ثم قال ويحتمل أن عادا قومان قوم بالأحقاف وهم أصحاب العارض وقوم غيرهم (قلت)
ولا يخفى بعده لكنه محتمل فقد قال تعالى في سورة النجم وأنه أهلك عادا الأولى فإنه يشعر بأن ثم
عادا أخرى وقد أخرج قصة عاد الثانية أحمد بإسناد حسن عن الحرث بن حسان البكري قال
خرجت أنا والعلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه فقلت أعوذ بالله
وبرسوله أن أكون كوافد عاد قال وما وافد عاد وهو أعلم بالحديث ولكنه يستطعمه فقلت إن عادا
قحطوا فبعثوا قيل بن عنز إلى معاوية بن بكر بمكة يستسقي لهم فمكث شهرا في ضيافته تغنيه
الجرادتان فلما كان بعد شهر خرج لهم فاستسقى لهم فمرت بهم سحابات فاختار السوداء منها فنودي
خذها رمادا رمدا لا تبق من عاد أحدا وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة بعضه والظاهر
أنه في قصة عاد الأخيرة لذكر مكة فيه وإنما بنيت بعد إبراهيم حين أسكن هاجر وإسماعيل بواد غير ذي
زرع فالذين ذكروا في سورة الأحقاف هم عاد الأخيرة ويلزم عليه أن المراد بقوله تعالى أخا عاد نبي
آخر غير هود والله أعلم
* (سورة محمد صلى الله عليه وسلم) *
444

* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر ولغيره الذين كفروا حسب (قوله أوزارها آثامها حتى لا يبقى إلا مسلم) قال عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله حتى تضع الحرب أوزارها قال حتى لا يكون شرك قال والحرب
من كان يقاتله سماهم حربا قال ابن التين لم يقل هذا أحد غير البخاري والمعروف أن المراد
بأوزارها السلاح وقيل حتى ينزل عيسى بن مريم انتهى وما نفاه قد علمه غيره قال بن قرقول
هذا التفسير يحتاج إلى تفسير وذلك لان الحرب لا أثام لها فلعله كما قال الفراء آثام أهلها ثم حذف
وأبقى المضاف إليه أو كما قال النحاس حتى تضع أهل الآثام فلا يبقى مشرك انتهى ولفظ الفراء
الهاء في أوزارها لأهل الحرب أي آثامهم ويحتمل أن يعود على الحرب والمراد بأوزارها سلاحها
انتهى فجعل ما أدعى ابن التين أنه المشهور احتمالا (قوله عرفها بينها) قال أبو عبيدة في قوله
عرفها لهم بينها لهم وعرفهم منازلهم (قوله وقال مجاهد مولى الذين آمنوا وليهم) كذا لغير
أبي ذر وسقط له وقد وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا (قوله فإذا عزم الامر
أي جدا لأمر) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه (قوله فلا تهنوا فلا تضعفوا) وصله ابن
أبي حاتم من طريقه كذلك (قوله وقال ابن عباس أضغانهم حسدهم) وصله ابن أبي حاتم من
طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله أن لن يخرج الله أضغائهم قال أعمالهم خبثهم
والحسد (قوله آسن متغير) كذا لغير أبي ذر هنا وسيأتي في أواخر السورة * (قوله باب
وتقطعوا أرحامكم) قرأ الجمهور بالتشديد ويعقوب بالتخفيف (قوله خلق الله الخلق فلما فرغ
منه) أي قضاه وأتمه (قوله قامت الرحم) يحتمل أن يكون على الحقيقة والاعراض يجوز أن
تتجسد وتتكلم بإذن الله ويجوز أن يكون على حذف أي قام ملك فتكلم على لسانها ويحتمل أن
يكون ذلك على طريق ضرب المثل والاستعارة والمراد تعظيم شأنها وفضل واصلها وإثم قاطعها
(قوله فأخذت) كذا للأكثر بحذف مفعول أخذت وفي رواية بن السكن فأخذت بحقو
الرحمن وفي رواية الطبري بحقوي الرحمن بالتثنية قال القابسي أبي أبو زيد المروزي أن يقرأ لنا
هذا الحرف لاشكاله ومشى بعض الشراح على الحذف فقال أخذت بقائمة من قوائم العرش
وقال عياض الحقو معقد الازار وهو الموضع الذي يستجار به ويحتزم به على عادة العرب لأنه من
أحق ما يحامي عنه ويدفع كما قالوا نمنعه مما نمنع منه أزرنا فاستعير ذلك مجازا للرحم في استعاذتها
بالله من القطيعة انتهى وقد يطلق الحقو على الازار نفسه كما في حديث أم عطية فأعطاها حقوه
فقال أشعرنها إياه يعني إزاره وهو المراد هنا وهو الذي جرت العادة بالتمسك به عند الالحاح في
الاستجارة والطلب والمعنى على هذا صحيح مع اعتقاد تنزيه الله عن الجارحة قال الطيبي هذا
القول مبنى على الاستعارة التمثيلية كأنه شبة حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة
والذب عنها بحال مستجير يأخذ بحقو المستجار به ثم أسند على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم
للمشبه به من القيام فيكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة ثم رشحت الاستعارة بالقول والاخذ
وبلفظ الحقو فهو استعارة أخرى والتثنية فيه للتأكيد لان الاخذ باليدين آكد في الاستجارة من
الاخذ بيد واحدة (قوله فقال له مه) هو اسم فعل معناه الزجر أي اكفف وقال ابن مالك هي هنا
ما الاستفهامية حذفت ألفها ووقف عليها بهاء السكت والشائع أن لا يفعل ذلك إلا وهي مجرورة
445

لكن قد سمع مثل ذلك فجاء عن أبي ذؤيب الهذلي قال قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج
الحجيج فقلت مه فقالوا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله في الاسناد حدثنا سليمان) هو
ابن بلال (قوله هذا مقام العائذ بك من القطيعة) هذه الإشارة إلى المقام أي قيامي في هذا
مقام العائذ بك وسيأتي مزيد بيان لما يتعلق بقطيعة الرحم في أوائل كتاب الأدب إن شاء الله تعالى
ووقع في رواية الطبري هذا مقام عائذ من القطيعة والعائذ المستعيذ وهو المعتصم بالشئ المستجير
به (قوله قال أبو هريرة اقرؤا إن شئتم فهل عسيتم) هذا ظاهره أن الاستشهاد موقوف وسيأتي
بيان من رفعه وكذا في رواية الطبري من طريق سعيد بن أبي مريم عن سليمان بن بلال ومحمد بن
جعفر بن أبي كثيب (قوله حدثنا حاتم) هو ابن إسماعيل الكوفي نزيل المدينة ومعاوية هو ابن أبي
مزرد المذكور في الذي قبله وبعده 0 قوله بهذا) يعني الحديث الذي قبله وقد أخرجه الإسماعيلي
من طريقين عن حاتم بن إسماعيل بلفظ فلما فرغ منه قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ ولم يذكر
الزيادة وزاد بعد قوله قالت بلى يا رب قال فذلك (قوله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اقرؤا إن شئتم) حاصله أن الذي وقعه سليمان بن بلال على أبي هريرة رفعه حاتم بن إسماعيل وكذا
وقع في رواية الإسماعيلي المذكورة (قوله أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك (قوله بهذا) أي
بهذا الاسناد والمتن ووافق حاتما على رفع هذا الكلام الأخير وكذا أخرجه الإسماعيلي من
طريق حبان بن موسى عن عبد الله بن المبارك * (تنبيه) * اختلف في تأويل قوله إن توليتم فالأكثر
على أنهم من الولاية والمعنى إن وليتم الحكم وقيل بمعنى الاعراض والمعنى لعلكم إن أعرضتم
عن قبول الحق أن يقع منكم ما ذكر والأول أشهر ويشهد له ما أخرج الطبري في تهذيبه من
حديث عبد الله بن مغفل قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فهل عسيتم إن توليتم أن
تفسدوا في الأرض قال هم هذا الحي من قريش أخذ الله عليهم أن ولوا الناس أن لا يفسدوا في
الأرض ولا يقطعوا أرحامهم (قوله آسن متغير) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس وقال أبو عبيدة مثله وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة غير منتن وأخرج ابن
أبي حاتم من طريق مرسل من رواية أبي معاذ البصري أن عليا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم
فذكر حديثا طويلا مرفوعا فيه ذكر الجنة قال وأنهار من ماء غير آسن قال صاف لا كدر فيه
والله أعلم
* (قوله سورة الفتح) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر (قوله وقال مجاهد بورا هالكين) وصله الطبري من طريق ابن أبي
نجيح عن مجاهد بهذا وسقط لغير أبي ذر وقال أبو عبيدة ويقال بار الطعام أي هلك ومنه قول
عبد الله بن الزبعري
يا رسول المليك إن لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور
أي هالك (قوله سيماهم في وجوههم السحنة) وفي رواية المستملي والكشميهني والقابسي
السجدة والأول أولى فقد وصله ابن أبي حاتم من طريق الحاكم عن مجاهد كذلك والسحنة بالسين
446

وسكون الحاء المهملتين وقيده بن السكن والأصيلي بفتحهما قال عياض وهو الصواب عند
أهل اللغة وهو لين البشرة والنعمة وقيل الهيئة وقيل الحال انتهى وجزم ابن قتيبة بفتح
الحاء أيضا وأنكر السكون وقد أثبته الكسائي والفراء وقال العكبري السحنة بفتح أوله
وسكون ثانيه لون الوجه ولرواية المستملي ومن وافقه توجيه لأنه يريد بالسجدة أثرها في الوجه يقال
لاثر السجود في الوجه سجدة وسجادة ووقع في رواية النسفي المسحة (قوله وقال منصور عن
مجاهد التواضع) وصله علي بن المديني عن جرير عن منصور ورويناه في الزهد لابن المبارك وفي
تفسير عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سفيان وزائدة كلاهما عن منصور عن مجاهد قال هو
الخشوع زاد في رواية زائدة قلت ما كنت أراه إلا هذا الأثر الذي في الوجه فقال ربما كان بين
عيني من هو أقسى قلبا من فرعون (قوله شطأه فراخه فاستغلظ غلظ سوقه الساق حاملة
الشجرة) قال أبو عبيدة في قوله كزرع أخرج شطأه أخرج فراخه يقال قد أشطأه الزرع فآزره
ساواه صار مثل الام فاستغلظ غلظ فاستوى على سوقه الساق حاملة الشجر وأخرج عبد بن
حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله كزرع أخرج شطأه قال ما يخرج بجنب الحقلة
فيتم وينمى وبه في قوله على سوقة قال على أصوله (قوله شطأه شطأ) السنبل تنبت الحبة عشرا
أو ثمانيا وسبعا فيقوى بعضه ببعض فذاك قوله تعالى فآزره قواه ولو كانت واحدة لم تقم على ساق
وهو مثل ضربه الله للنبي صلى الله عليه وسلم إذ خرج وحده ثم قواه بأصحابه كما قوي الحبة بما ينبت
منها (1) (قوله دائرة السوء كقولك رجل السوء ودائرة السوء العذاب) هو قول أبي عبيدة قال
المعنى تدور عليهم * (تنبيه) * قرأ الجمهور السوء بفتح السين في الموضعين وضمها أبو عمرو وابن كثير
(قوله يعزروه ينصروه) قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ويعزروه قال ينصروه وقد
تقدم في الأعراف فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه وهذه ينبغي تفسيرها بالتوقير فرارا من
التكرار والتعزيز يأتي بمعنى التعظيم والإعانة والمنع من الأعداء ومن هنا يجئ التعزير بمعنى
التأديب لأنه يمنع الجاني من الوقوع في الجناية وهذا التفسير على قراءة الجمهور وجاء في الشواذ
عن ابن عباس يعززوه بزاءين من العزة ثم ذكر في الباب خمسة أحاديث * الحديث الأول (قوله
عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر) (2) هذا السياق صورته
الارسال لان أسلم لم يدرك زمان هذه القصة لكنه محمول على أنه سمعه من عمر بدليل قوله في أثنائه
قال عمر فحركت بعيري الخ وإلى ذلك أشار القابسي وقد جاء من طريق أخرى سمعت عمر
أخرجه البزار من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن مالك ثم قال لا نعلم رواه عن مالك هكذا إلا ابن
عثمة وابن غزوان انتهى ورواية ابن غزوان وهو عبد الرحمن أبو نوح المعروف بقراد قد أخرجها
أحمد عنه واستدركها مغلطاي على البزار ظانا أنه غير بن غزوان وأورده الدارقطني في غرائب
مالك من طريق هذين ومن طريق يزيد بن أبي حكيم ومحمد بن حرب وإسحاق الحنيني أيضا فهؤلاء
خمسة رووه عن مالك بصريح الانصال وقد تقدم في المغازي أن الإسماعيلي أيضا أخرج طريق
ابن عثمة وكذا أخرجها الترمذي وجاء في رواية الطبراني من طريق عبد الرحمن بن أبي علقمة عن
ابن مسعود أن السفر المذكور هو عمرة الحديبية وكذا في رواية معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس
قال لما رجعنا من الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة فنزلت وسيأتي
447

حديث سهل بن حنيف في ذلك قريبا واختلف في المكان الذي نزلت فيه فوقع عند محمد بن سعد
بضجنان وهي بفتح المعجمة وسكون الجيم ونون خفيفة وعند الحاكم في الإكليل بكراع الغميم وعن
أبي معشر بالجحفة والأماكن الثلاثة متقاربة (قوله فسأله عمر بن الخطاب عن شئ فلم يجبه) يستفاد
منه أنه ليس لكل كلام جواب بل السكوت قد يكون جوابا لبعض الكلام وتكرير عمر السؤال
إما لكونه خشي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمعه أو لان الامر الذي كان يسأل عنه كان مهما
عنده ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أجابه بعد ذلك وإنما ترك إجابته أولا لشغله بما كان فيه من
نزول الوحي (قوله ثكلت) بكسر الكاف (أم عمر) في رواية الكشميهني نكلتك أم عمر والثكل
فقدان المرأة ولدها دعا عمر على نفسه بسبب ما وقع منه من الالحاح ويحتمل أن يكون لم يرد الدعاء
على نفسه حقيقة وإنما هي من الألفاظ التي تقال عند الغضب من غير قصد معناها (قوله نزرت)
بزاي ثم راء بالتخفيف والتثقيل والتخفيف أشهر أي ألححت عليه قاله ابن فارس والخطابي
وقال الداودي معنى المثقل أقللت كلامه إذا سألته ما لا يجب أن يجيب عنه وأبعد من فسر نزرت
براجعت (قوله فما نشبت) بكسر المعجمة بعدها موحدة ساكنة أي لم أتعلق بشئ غير ما ذكرت
(قوله أن سمعت صارخا يصرخ بي) لم أقف على اسمه (قوله لهي أحب إلى مما طلعت عليه
الشمس) أي لما فيها من البشارة بالمغفرة والفتح قال ابن العربي أطلق المفاضلة بين المنزلة التي
أعطيها وبين ما طلعت عليه الشمس ومن شرط المفاضلة استواء الشيئين في أصل المعنى ثم يزيد
أحدهما على الآخر ولا استواء بين تلك المنزلة والدنيا بأسرها وأجاب ابن بطال بأن معناه أنها
أحب إليه من كل شئ لأنه لا شئ إلا الدنيا والآخرة فأخرج الخبر عن ذكر الشئ بذكر الدنيا إذ لا شئ
سواها إلا الآخرة وأجاب بن العربي بما حاصله أن أفعل قد لا يراد بها المفاضلة كقوله خير
مستقرا وأحسن مقيلا ولا مفاضلة بين الجنة والنار أو الخطاب وقع على ما استقر في أنفس أكثر
الناس فإنهم يعتقدون أن الدنيا لا شئ مثلها أو أنها المقصودة فأخبر بأنها عنده خير مما يظنون أن
لا شئ أفضل منه انتهى ويحتمل أن يراد المفاضلة بين ما دلت عليه وبين ما دل عليه غيرها من
الآيات المتعلقة به فرجحها وجميع الآيات وإن لم تكن من أمور الدنيا لكنها أنزلت لأهل الدنيا
فدخلت كلها فيما طلعت عليه الشمس * الحديث الثاني (قوله سمعت قتادة عن أنس إنا فتحنا لك
فتحا مبينا قال الحديبية) هكذا أورده مختصرا وقد أخرجه في المغازي بأتم من هذا وبين أن بعض
الحديث عن أنس موصول وبعضه عن عكرمة مرسل وسمي ما وقع في الحديبية فتحا لأنه كان
مقدمة الفتح وأول أسبابه وقد تقدم شرح ذلك مبينا في كتاب المغازي الحديث الثالث (قوله
عن عبد الله بن مغفل) بالمعجمة والفاء وزن محمد (قوله فرجع فيها) أي ردد صوته بالقراءة وقد
أورده في التوحيد من طريق أخرى بلفظ كيف ترجيعه قال ءا ءا ءا ثلاث مرات قال
القرطبي هو محمول على إشباع المد في موضعه وقيل كان ذلك بسبب كونه راكبا فحصل الترجيع
من تحريك الناقة وهذا فيه نظر لان في رواية علي بن الجعد عن شعبة عند الإسماعيلي وهو يقرأ
قراءة لينة فقال لولا أن يجتمع الناس علينا لقرأت ذلك اللحن وكذا أخرجه أبو عبيدة في فضائل
القرآن عن أبي النضر عن شعبة وسأذكر تحرير هذه المسألة في شرح حديث ليس منا من لم يتغن
بالقرآن * الحديث الرابع حديث المغيرة بن شعبة قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه
448

وقد تقدم شرحه في صلاة الليل من كتاب الصلاة * الحديث الخامس حديث عائشة في ذلك (قوله
أنبأنا حياة) هو ابن شريح المصري وأبو الأسود هو محمد بن عبد الرحمن النوفلي المعروف بيتيم
عروة ونصف هذا الاسناد مصريون ونصفه مدنيون وقد تقدم شرحه في صلاة الليل (قوله فلما
كثر لحمه) أنكره الداودي وقال المحفوظ فلما بدن أي كبر فكان الراوي تأوله على كثرة اللحم
انتهى وتعقبه أيضا ابن الجوزي فقال لم يصفه بالسمن أصلا ولقد مات صلى الله عليه وسلم
وما شبع من خبز الشعير في يوم مرتين وأحسب بعض الرواة لما رأى بدن ظنه كثر لحمه وليس كذلك
وإنما هو بدن تبدينا أي أسن قاله أبو عبيدة (قلت) وهو خلاف الظاهر وفي استدلاله بأنه لم يشبع
من خبز الشعير نظر فإنه يكون من جملة المعجزات كما في كثرة الجماع وطوافه في الليلة الواحدة على
تسع وإحدى عشرة مع عدم الشبع وضيق العيش وأي فرق بين تكثير المني مع الجوع وبين
وجود كثرة اللحم في البدن مع قلة الاكل وقد أخرج مسلم من طريق عبد الله بن عروة عن عائشة
قالت لما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالسا لكن يمكن تأويل قوله
ثقل أي ثقل عليه حمل لحمه وأن كان قليلا لدخوله في السن (قوله صلى جالسا فإذا أراد أن يركع
قام فقرأ ثم ركع) في رواية هشام بن عروة عن أبيه قام فقرأ نحوا من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع
أخرجاه وقد تقدم في آخر أبواب تقصير الصلاة وأخرجا من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن
عائشة بلفظ فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم ركع ولمسلم من
طريق عمرة عن عائشة فإذا أراد أن يركع قام فقرأ قدر ما يقرأ إنسان أربعين آية وقد روى مسلم
من طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة في صفة تطوعه صلى الله عليه وسلم وفيه وكان إذا قرأ وهو
قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد وهذا محمول على حالته الأولى
قبل أن يدخل في السن جمعا بين الحديثين وقد تقدم بيان ذلك والبحث فيه في صلاة الليل وكثير
من فوائده أيضا في آخر أبواب تقصير الصلاة * (قوله باب إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا
ونذيرا) (قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة) أي القعنبي كذا في رواية أبي ذر وأبي علي بن السكن
ووقع عند غيرهما عبد الله غير منسوب فتردد فيه أبو مسعود بين أن يكون عبد الله بن رجاء
وعبد الله بن صالح كاتب الليث وقال أبو علي الجياني عندي أنه عبد الله بن صالح ورجح هذا
المزي وحده بأن البخاري أخرج هذا الحديث بعينه في كتاب الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح
عن عبد العزيز (قلت) لكن لا يلزم من ذلك الجزم به وما المانع أن يكون له في الحديث الواحد
شيخان عن شيخ واحد وليس الذي وقع في الأدب بأرجح مما وقع الجزم به في رواية أبي علي وأبي
ذر وهما حافظان وقد أخرج البخاري في باب التكبير إذا علا شرفا من كتاب الحج حديثا قال
فيه حدثنا عبد الله غير منسوب حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة كذا للأكثر غير منسوب وتردد
فيه أبو مسعود بين الرجلين الذين تردد فيهما في حديث الباب لكن وقع في رواية أبي علي بن
السكن حدثنا عبد الله بن يوسف فتعين المصير إليه لأنها زيادة من حافظ في الرواية فتقدم على
من فسره بالظن (قوله عن هلال بن أبي هلال) تقدم القول فيه في أوائل البيوع (قوله عن
عبد الله بن عمرو بن العاص) تقدم بيان الاختلاف فيه على عطاء بن يسار في البيوع أيضا
وتقدم في تلك الرواية سبب تحديث عبد الله بن عمرو به وأنهم سألوه عن صفة النبي صلى الله عليه
449

وسلم في التوراة فقال أجل أنه لموصوف ببعض صفته في القرآن وللدارمي من طريق أبي صالح
ذكوان عن كعب قال في السطر الأول محمد رسول الله عبدي المختار (قوله إن هذه الآية التي في
القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا قال في التوراة يا أيها النبي إنا أرسلناك
شاهدا ومبشرا أي شاهدا على الأمة ومبشرا للمطيعين بالجنة وللعصاة بالنار أو شاهدا المرسل قبله
بالابلاغ (قوله وحرزا) بكسر المهملة وسكون الراء بعدها زاي أي حصنا والأميين هم العرب
وقد تقدم شرح ذلك في البيوع (قوله سميتك المتوكل) أي على الله لقناعته باليسير والصبر
على ما كان يكره (قوله ليس) كذا وقع بصيغة الغيبة على طريق الالتفات ولو جرى على
النسق الأول لقال لست (قوله بلفظ ولا غليظ) هو موافق لقوله تعالى فيما رحمة الله لنت لهم
ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ولا يعارض من قوله تعالى وأغلظ عليهم لأن النفي
محمول على طبعه الذي جبل عليه والامر محمول على المعالجة أو النفي بالنسبة للمؤمنين والامر
بالنسبة للكفار والمنافقين كما هو مصرح به في نفس الآية (قوله ولا سخاب) كذا فيه بالسين
المهملة وهي لغة أثبتها الفراء وغيره وبالصاد أشهر وقد تقدم ذلك أيضا (قوله ولا يدفع السيئة
بالسيئة) هو مثل قوله تعالى ادفع بالتي هي أحسن زاد في رواية كعب مولده بمكة ومهاجره طيبة
وملكه بالشام (قوله ولن يقبضه) أي يميته (قوله حتى يقيم به) أي حتى ينفي الشرك ويثبت
التوحيد والملة العوجاء ملة الكفر (قوله فيفت بها) أي بكلمة التوحيد (أعينا عميا) أي عن
الحق وليس هو على حقيقته ووقع في رواية القابسي أعين عمي بالإضافة وكذا الكلام في الآذان
والقلوب وفي مرسل جبير بن نفير بإسناد صحيح عند الدارمي ليس بوهن ولا كسل ليختن قلوبا غلفا
ويفتح أعينا عميا ويسمع أذانا صما ويقيم ألسنة عوجاء حتى يقال لا إله إلا الله وحده * (تنبيه) *
قيل أني بجمع القلة في قوله أعين للإشارة إلى أن المؤمنين أقل من الكافرين وقيل بل جمع القلة
قد يأتي في موضع الكثرة وبالعكس كقوله ثلاثة قروء والأول أولى ويحتمل أن يكون هو نكتة
العدول إلى جمع القلة أو للمؤاخاة في قوله آذانا وقد ترد القلوب على المعنى الأول وجوابه أنه لم يسمع
للقلوب جمع قلة كما لم يسمع للآذان جمع كثرة * (قوله باب هو الذي أنزل السكينة)
ذكر فيه حديث البراء في نزول السكينة وسيأتي بتمامه في فضائل القرآن مع شرحه إن شاء الله
تعالى * (قوله باب قوله إذ يبايعونك تحت الشجرة) ذكر فيه أربعة أحاديث أحدها
حديث جابر كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب المغازي
وثانيها (قوله علي بن عبد الله) هو ابن المديني كذا للأكثر ووقع في رواية المستملي علي بن سلمة
وهو اللبقي بفتح اللام والموحدة ثم قاف خفيفة وبه جزم الكلاباذي (قوله عن عبد الله بن المغفل
المزني ممن شهد الشجرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحذف) بخاء معجمة أي الرمي
بالحصى بين إصبعين وسيأتي الكلام عليه في الأدب (قوله وعن عقبة بن صهبان سمعت عبد الله
بن مغفل المزني في البول في المغتسل) كذا للأكثر وزاد في رواية الأصيلي وكذا لأبي ذر عن
السرخسي يأخذ منه الوسواس وهذان الحديثان المرفوع والموقوف الذي عقبة به لا تعلق
لهما بتفسير هذه الآية بل ولا هذه السورة وإنما أورد الأول لقول الراوي فيه ممن شهد الشجرة
فهذا القدر هو المتعلق بالترجمة ومثله ما ذكره بعده عن ثابت بن الضحاك وذكر المتن بطريق التبع
450

لا القصد وأما الحديث الثاني فأورده لبيان التصريح بسماع عقبة بن صهبان من عبد الله بن
مغفل وهذا من صنيعه في غاية الدقة وحسن التصرف فلله دره وهذا الحديث قد أخرجه أبو نعيم
في المستخرج والحاكم من طريق يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن عقبة بن صهبان عن
عبد الله بن مغفل قال نهى أو زجر أن يبال في المغتسل وهذا يدل على أن زيادة ذكر الوسواس
التي عند الأصيلي ومن وافقه في هذه الطريق وهم نعم أخرج أصحاب السنن وصححه ابن حبان
والحاكم من طريق أشعت عن الحسن عن عبد الله بن مغفل رفعه لا يبولن أحدكم في مستحمه
فإن عامة الوسواس منه قال الترمذي غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث أشعث وتعقب
بأن الطبري أخرجه من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن أيضا وهذا التعقب وارد على
الاطلاق وإلا فإسماعيل ضعيف الحديث الثالث (قوله عن خالد) هو الحذاء (قوله عن أبي
قلابة عن ثابت بن الضحاك وكان من أصحاب الشجرة) هكذا ذكر القدر الذي يحتاج إليه من
هذا الحديث ولم يسق المتن ويستفاد من ذلك أنه لم يجرؤ على نسق واحد في إيراد الأشياء التبعية
بل تارة يقتصر على موضع الحاجة من الحديث وتارة يسوقه بتمامه فكأنه يقصد التفنن بذلك
وقد تقدم لحديث ثابت المذكور طريق أخرى في غزوة الحديبية * الحديث الرابع (قوله حدثنا
يعلى) هو ابن عبيد الطنافسي (قوله حدثنا عبد العزيز بن سياه) بمهملة مكسورة ثم تحتانية
خفيفة وآخره هاء منونة تقدم في أواخر الجزية (قوله أتيت أبا وائل أسأله) لم يذكر المسؤول عنه
وبينه أحمد في روايته عن يعلى بن عبيد ولفظه أتيت أبا وائل في مسجد أهله أسأله عن هؤلاء القوم
الذين قتلهم على يعني الخوارج قال كنا بصفين فقال رجل فذكره (قوله فقال كنا بصفين) هي
مدينة قديمة على شاطئ الفرات بين الرقة ومنبج كانت بها الواقعة المشهورة بين على ومعاوية
(قوله فقال رجل ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله) ساق أحمد إلى آخر الآية هذا الرجل هو
عبد الله بن الكواء ذكره الطبري وكان سبب ذلك أن أهل الشام لما كاد أهل العراق يغلبونهم
أشار عليهم عمرو بن العاص يرفع المصاحف والدعاء إلى العمل بما فيها وأراد بذلك أن تقع المطاولة
فيستريحوا من الشدة التي وقعوا فيها فكان كما ظن فلما رفعوها وقالوا بيننا وبينكم كتاب الله
وسمع من بعسكر على وغالبهم ممن يتدين قال قائلهم ما ذكر فأذعن علي إلى التحكيم موافقة لهم
واثقا بأن الحق بيده وقد أخرج النسائي هذا الحديث عن أحمد بن سليمان عن يعلى بن عبيد
بالاسناد الذي أخرجه البخاري فذكر الزيادة نحو ما أخرجها أحمد وزاد بعد قوله كنا بصفين قال
فلما استحر القتل بأهل الشام قال عمرو بن العاص لمعاوية أرسل المصحف إلى علي فادعوا إلى كتاب
الله فإنه لن يأبى عليك فأتى به رجل فقال بيننا وبينكم كتاب الله فقال علي أنا أولى بذلك بيننا كتاب
الله فجاءته الخوارج ونحن يومئذ نسميهم القراء وسيوفهم على عواتقهم فقالوا يا أمير المؤمنين
ما ننتظر بهؤلاء القوم ألا نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال سهل بن حنيف (قوله
فقال على نعم) زاد أحمد والنسائي أنا أولى بذلك أي بالإجابة إذا دعيت إلى العمل بكتاب الله لأنني
واثق بأن الحق بيدي (قوله وقال سهل بن حنيف اتهموا أنفسكم) أي في هذا الرأي لان كثيرا
منهم أنكروا التحكيم وقالوا لا حكم إلا الله فقال علي كلمة حق أريد بها باطل وأشار عليهم كبار الصحابة
بمطاوعة علي وأن لا يخالف ما يشير به لكونه أعلم بالمصلحة وذكر لهم سهل ابن حنيف ما وقع
451

لهم بالحديبية وأنهم رأوا يومئذ أن يستمروا على القتال ويخالفوا ما دعوا إليه من الصلح ثم ظهر أن
الأصلح هو الذي كان شرع النبي صلى الله عليه وسلم فيه وسيأتي ما يتعلق بهذه القصة في كتاب
استتابة المرتدين إن شاء الله تعالى وسبق ما يتعلق بالحديبية مستوفى في كتاب الشروط
* (قوله سورة الحجرات) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
كذا لأبي ذر واقتصر غيره على الحجرات حسب والحجرات بضمتين جمع حجرة بسكون الجيم والمراد
بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (قوله وقال مجاهد لا تقدموا لا تفتاتوا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى يقضي الله على لسانه) وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن
مجاهد ورويناه في كتاب ذم الكلام من هذا الوجه * (تنبيه) * ضبط أبو الحجاج البناسي تقدموا
بفتح القاف والدال وهي قراءة ابن عباس وقراءة يعقوب الحضرمي وهي التي ينطبق عليها هذا
التفسير وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون لو أنزل في
كذا فأنزلها الله قال وقال الحسن هم ناس من المسلمين ذبحوا قبل الصلاة يوم النحر فأمرهم النبي
صلى الله عليه وسلم بالإعادة (قوله امتحن أخلص) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه
بلفظه وكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال أخلص الله قلوبهم فيما أحب (قوله
ولا تنابزوا يدعى بالكفر بعد الاسلام) وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ لا يدعو الرجل بالكفر
وهو مسلم وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ولا تلمزوا أنفسكم قال لا يطعن بعضكم
على بعض وتنابزوا بالألقاب قال لا تقل لأخيك المسلم يا فاسق يا منافق وعن الحسن قال كان
اليهودي يسلم فيقال له يا يهودي فنهوا عن ذلك وللطبري من طريق عكرمة نحوه وروى أحمد
وأبو داود من طريق الشعبي حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال فينا نزلت ولا تنابزوا بالألقاب
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله لقبان أو ثلاثة فكان إذا دعا
أحدا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا أنه يغضب منه فنزلت (قوله يلتكم ينقصكم ألتنا نقصنا)
وصله الفريابي عن مجاهد بلفظه وبه في قوله وما ألتناهم من عملهم من شئ قال ما نقصنا الآباء للأبناء
* (تنبيه) * هذا الثاني من سورة الطور ذكره هنا استطرادا وإنما يتناسب ألتنا مع الآية الأخرى
على قراءة أبي عمرو هنا فإنه قرأ لا يألتكم بزيادة همزة والباقون بحذفها وهو من لات يليت قاله
أبو عبيدة قال وقال رؤبة
وليلة ذات نداء سريت * ولم يلتني عن سراها ليت
وتقول العرب ألاتني حتى وألاتني عن حاجتي أي صرفني وأما قوله وما ألتناهم فهو من ألت
يألت أي نقص * (قوله باب لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي الآية) كذا
للجميع (قوله تشعرون تعلمون ومنه الشاعر) هو كلام أبي عبيدة (قوله حدثنا يسرة) بفتح
الياء الأخيرة والمهملة وجده جميل بالجيم وزن عظيم ونافع بن عمر هو الجمحي المكي وليس هو نافع
مولى ابن عمر ونبه الكرماني هنا على شئ لا يتخيله من له أدنى إلمام بالحديث والرجال فقال ليس
هذا الحديث ثلاثيا لان عبد الله بن أبي مليكة تابعي (قوله كاد الخيران) كذا للجميع بالمعجمة
بعدها تحتانية ثقيلة وحكى بعض الشراح رواية بالمهملة وسكون الموحدة (يهلكان) كذا لأبي
452

ذر وفي رواية يهلكا بحذف النون قال ابن التين كذا وقع بغير نون وكأنه نصب بتقدير أن انتهى
وقد أخرجه أحمد عن وكيع عن نافع عن بن عمر بلفظ أن يهلكا وهو بكسر اللام ونسبها ابن
التين لرواية أبي ذر ثم هذا السياق صورته الارسال لكن ظهر في آخره أن ابن أبي مليكة حمله عن
عبد الله بن الزبير وسيأتي في الباب الذي بعده التصريح بذلك ولفظه عن ابن أبي مليكة أن
عبد الله بن الزبير أخبرهم فذكره بكماله (قوله رفعا أصواتهما حين قدم عليه ركب بني تميم) في
رواية أحمد وفد بني تميم وكان قدومهم سنة تسع بعد أن أوقع عيينة بن حصن ببني العنبر وهم بطن
من بني تميم ذكر ذلك أبو الحسن المدائني (قوله فأشار أحدهما) هو عمر بينه ابن جريج في الرواية
التي في الباب بعده ووقع عند الترمذي من رواية مؤمل بن إسماعيل عن نافع بن عمر بلفظ أن
الأقرع بن حابس قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر يا رسول الله استعمله على قومه
فقال عمر لا تستعمله يا رسول الله الحديث وهذا يخالف رواية ابن جريج وروايته
أثبت من مؤمل بن إسماعيل والله أعلم (قوله بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع) الأقرع لقب
واسمه فيما نقل ابن دريد فراس بن حابس بن عقال بكسر المهملة وتخفيف القاف ابن
محمد بن سفيان بن مجاشع بن عبد الله بن دارم التميمي الدارمي وكانت وفاة الأقرع بن حابس في
خلافة عثمان (قوله وأشار الآخر) هو أبو بكر بينه ابن جريج في روايته المذكورة برجل آخر
فقال نافع لا أحفظ اسمه سيأتي في الباب الذي بعده من رواية ابن جريج عن ابن أبي مليكة أنه
القعقاع بن معبد بن زرارة أي ابن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم التميمي الدارمي قال الكلبي
في الجامع كان يقال له تيار الفرات لجوده (قلت) وله ذكر في غزوة حنين أورده البغوي في الصحابة
بإسناد صحيح (قوله ما أردت إلا خلافي) أي ليس مقصودك إلا مخالفة قولي وفي رواية أحمد إنما
أردت خلافي وهذا هو المعتمد وحكى ابن التين أنه وقع هنا ما أردت إلى خلافي بلفظ حرف الجر وما في
هذا استفهامية وإلى بتخفيف اللام والمعنى أي شئ قصدت منتهيا إلى مخالفتي وقد وجدت الرواية
التي ذكرها ابن التين في بعض النسخ لأبي ذر عن الكشميهني (قوله فارتفعت أصواتهما) في رواية
ابن جريج فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما (قوله فأنزل الله) في رواية ابن جريج فنزل في ذلك
(قوله يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم الآية) زاد وكيع كما سيأتي في الاعتصام إلى
قوله عظيم وفي رواية ابن جريج فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله إلى قوله
ولو أنهم صبروا وقد استشكل ذلك قال بن عطية الصحيح أن سبب نزول هذه الآية كلام جفاة
الاعراب (قلت) لا يعار ض ذلك هذا الحديث فإن الذي يتعلق بقصة الشيخين في تخالفهما في
التأمير هو أول السورة لا تقدموا ولكن لما اتصل بها قوله لا ترفعوا تمسك عمر منها بخفض صوته
وجفاة الاعراب الذين نزلت فيهم هم من بني تميم والذي يختص بهم قوله إن الذين ينادونك من وراء
الحجرات قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم من وراء
الحجرات فقال يا محمد إن مدحي زين وأن شتمي شين فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذاك الله عز وجل
ونزلت (قلت) ولا مانع أن تنزل الآية لأسباب تتقدمها فلا يعدل للترجيح مع ظهور الجمع وصحة
الطرق ولعل البخاري استشعر ذلك فأورد قصة ثابت بن قيس عقب هذا ليبين ما أشرت إليه من الجمع
ثم عقب ذلك كله بترجمة باب قوله ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم إشارة إلى قصة
453

جفاة الاعراب من بني تميم لكنه لم يذكر في الترجمة حديثا كان سأبينه قريبا وكأنه ذكر حديث ثابت
لأنه هو الذي كان الخطيب لما وقع الكلام في المفاخرة بين بني تميم المذكورين كما أورده بن إسحاق في
المغازي مطولا (قوله فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه)
في رواية وكيع في الاعتصام فكان عمر بعد ذلك إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدثه
كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه (قلت) وقد أخرج ابن المنذر من طريق محمد بن عمرو
إن أبا بكر الصديق قال مثل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا مرسل وقد أخرجه الحاكم
موصولا من حديث أبي هريرة نحوه وأخرجه ابن مردويه من طريق طارق بن شهاب عن أبي
بكر قال لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم الآية قال أبو بكر قلت يا رسول الله آليت أن لا أكلمك
إلا كأخي السرار (قوله ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر) قال مغلطاي يحتمل أنه أراد بذلك
أبا بكر عبد الله بن الزبير أو أبا بكر عبد الله بن أبي مليكة فإن أبا مليكة له ذكر في الصحابة (قلت) وهذا
بعيد عن الصواب بقرينة ذكر عمر ترشد إلى أن مراده أبو بكر الصديق وقد وقع في رواية الترمذي
قال وما ذكر ابن الزبير جده وقد وقع في رواية الطبري من طريق مؤمل بن إسماعيل عن نافع
ابن عمر فقال في آخره وما ذكر ابن الزبير جده يعني أبا بكر وفيه تعقب على من عد في الخصائص
النبوية أن أولاد بنته ينسبون إليه لقوله أن ابني هذا سيد وقد أنكره القفال علي ابن القاص
وعده القضاعي فيما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء وفيه نظر فقد احتج يحيى بن يعمر
بأن عيسى نسب إلى إبراهيم وهو ابن بنته وهو استدلال صحيح وإطلاق الأب على الجد مشهور وهو
مذهب أبي بكر الصديق كما تقدم في المناقب (قوله افتقد ثابت بن قيس) تقدم شرحه مستوفى
في أواخر علامات النبوة (قوله فقال رجل يا رسول الله) هو سعد بن معاذ بينه حماد بن سلمة في
روايته لهذا الحديث عن أنس وقيل هو عاصم بن عدي وقيل أبو مسعود والأول المعتمد (قوله
أنا أعلم لك علمه) أي أعلم لأجلك علما متعلقا به (قوله فقال موسى) هو ابن أنس راوي الحديث
عن أنس * (قوله باب إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) ذكر
فيه حديث ابن الزبير وقد تقدم شرحه في الذي قبله وروى الطبري من طريق مجاهد قال هم
أعراب بني تميم ومن طريق أبي إسحاق عن البراء قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال
يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين فقال ذاك الله تبارك وتعالى وروى من طريق معمر عن
قتادة مثله مرسلا وزاد فأنزل الله أن الذين ينادونك من وراء الحجرات الآية ومن طريق الحسن
نحوه (قوله عن ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة) كذا قال حجاج بن محمد تقدم في التفسير من
طريق هشام بن يوسف عن ابن جريج عن ابن مليكة بالعنعنة وتابعه هشام بن يوسف وأخرجه
ابن المنذر من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج فزاد فيه رجلا قال أخبرني رجل أن ابن أبي مليكة
أخبره فيحمل على أن ابن جريج حمله عن بن أبي مليكة بواسطة ثم لقيه فسمعه منه * (قوله
باب قوله ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم) هكذا في جميع الروايات الترجمة
بغير حديث وقد أخرج الطبري والبغوي وابن أبي عاصم في كتبهم في الصحابة من طريق موسى
454

ابن عقبة عن أبي سلمة قال حدثني الأقرع بن حابس التميمي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال
يا محمد أخرج إلينا فنزلت إن الذين ينادونك من وراء الحجرات الحديث وسياقه لابن جرير قال ابن
منده الصحيح عن أبي سلمة أن الأقرع مرسل وكذا أخرجه أحمد على الوجهين وقد ساق محمد بن
إسحاق قصة وفد بني تميم في ذلك مطولة بانقطاع وأخرجها بن منده في ترجمة ثابت بن قيس في المعرفة
من طريق أخرى موصولة
* (قوله سورة ق) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ق اسم من أسماء القرآن
وعن ابن جريج عن مجاهد قال جبل محيط بالأرض وقيل هي القاف من قوله قضى الامر دلت
على بقية الكلمة كما قال الشاعر * قلت لها قفي لنا قالت قاف * (قوله رجع بعيد رد) هو قول أبي
عبيدة بلفظه وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج قال أنكروا البعث فقالوا من يستطيع
أن يرجعنا ويحيينا (قوله فروج فنوق وأحدها فرج) أي بسكون الراء هو قول أبي عبيدة بلفظه
وروى الطبري من طريق مجاهد قال الفرج الشق (قوله من حبل الوريد وريداه في حلقة والحبل
حبل العاتق) سقط هذا لغير أبي ذر وهو قول أبي عبيدة بلفظه وزاد فإضافة إلى الوريد كما يضاف
الحبل إلى العاتق وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى من
حبل الوريد قال من عرق العنق (قوله وقال مجاهد ما تنقص الأرض منهم من عظامهم) وصله
الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح بهذا وروى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال
ما تأكل الأرض من لحومهم وعظامهم وأشعارهم وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يعني
الموتى تأكلهم الأرض إذا ماتوا وعن جعفر بن سليمان عن عوف عن الحسن أي من أبدائهم
* (تنبيه) * زعم بن التين أنه وقع في البخاري بلفظ من أعظامهم ثم استشكله وقال الصواب من
عظامهم وفعل بفتح الفاء وسكون العين لا يجمع على أفعال إلا نادرا (قوله تبصرة بصيرة) وصله
الفريابي عن مجاهد هكذا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تبصرة قال نعمة من الله
عز وجل (قوله حب الحصيد الحنطة) وصله الفريابي أيضا عنه وقال عبد الرزاق عن معمر عن
قتادة هو البر والشعير (قوله باسقات الطوال) وصله الفريابي أيضا كذلك وروى الطبري من
طريق عبد الله بن شداد قال بسوقها طولها في قامة وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يعني
طولها (قوله أفعيينا أفأعي علينا) سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق (قوله رقيب
عتيد رصد) وصله الفريابي أيضا كذلك وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس قال يكتب كل ما تكلم به من خير وشر ومن طريق سعيد بن أبي عروبة قال قال الحسن
وقتادة ما يلفظ من قول أي ما يتكلم به من شئ إلا كتب عليه وكان عكرمة يقول إنما ذلك في الخير
والشر (قوله سائق وشهيد الملكان كاتب وشهيد) وصله الفريابي كذلك وقال عبد الرزاق عن
معمر عن الحسن قال سائق يسوقها وشهيد يشهد عليها بعملها وروى نحوه بإسناد موصول عن
عثمان (قوله وقال قرينه الشيطان الذي قيض له) وصله الفريابي أيضا وقال عبد الرزاق عن
معمر قتادة نحوه (قوله فنقبوا ضربوا) وصله الفريابي أيضا وروى الطبري من طريق
455

علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول فنقبوا في البلاد قال أثروا وقال أبو عبيدة في قوله فنقبوا
طافوا وتباعدوا قال امرؤ القيس
وقد نقبت في الآفاق حتى * رضيت من الغنيمة بالإياب
(قوله أو ألقى السمع لا يحدث نفسه بغيره) وصله الفريابي أيضا وروى عبد الرزاق عن معمر عن
قتادة في هذه الآية قال هو رجل من أهل الكتاب ألقى السمع أي استمع للقرآن وهو شهيد على ما في
يديه من كتاب الله أنه يجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم مكتوبا قال معمر وقال الحسن هو منافق
استمع ولم ينتفع (قوله حين أنشأكم وأنشأ خلقكم) سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق وهو
بقية تفسير قوله أفعيينا وحقه أن يكتب عندها (قوله شهيد شاهد بالغيب) في رواية
الكشميهني بالقلب ووصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ الأكثر (قوله وما مسنا من لغوب (2)
من نصب) وصله الفريابي كذلك وتقدم في بدء الخلق أيضا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
قالت اليهود إن الله الخلق في ستة أيام وفرغ من الخلق يوم الجمعة واستراح يوم السبت
فأكذبهم الله فقال وما مسنا من لغوب (قوله وقال غيره نضيد الكفرى ما دام في أكمامه ومعناه
منضود بعضه على بعض فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد) هو قول أبي عبيدة بمعناه (قوله
وأدبار النجوم (2) وأدبار السجود كان عاصم بفتح التي في ق ويكسر التي في الطور ويكسران
جميعا وينصبان) هو كما قال ووافق عاصما أبو عمرو وابن عامر والكسائي على الفتح هنا وقرأ
الباقون بالكسر هنا وقرأ الجمهور بالفتح في الطور وقرأها بالكسر عاصم على ما نقل المصنف
ونقلها غيره في الشواذ فالفتح جمع دبر والكسر مصدر يدبر إدبارا ورجح الطبري الفتح فيهما
(قوله وقال ابن عباس يوم الخروج يوم يخرجون إلى البعث من القبور) وصله ابن أبي حاتم من
طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس بلفظه وتقدم في الجنائز نحوه * (قوله باب
قوله وتقول هل من مزيد) اختلف النقل عن قول جهنم هل من مزيد فظاهر أحاديث الباب أن هذا
القول منها لطلب المزيد وجاء عن بعض السلف أنه استفهام إنكار كأنها تقول ما بقي في موضع
للزيادة فروى الطبري من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله هل من مزيد أي هل من
مدخل قد امتلأت ومن طريق مجاهد نحوه وأخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر عن عكرمة عن
ابن عباس وهو ضعيف ورجح الطبري أنه لطلب الزيادة على ما دلت عليه الأحاديث المرفوعة
وقال الإسماعيلي الذي قاله مجاهد موجه فيحتمل على أنها قد تزاد وهي عند نفسها لا موضع فيها
للمزيد (قوله في حديث أنس يلق في النار وتقول هل من مزيد) في رواية سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة لا تزال جهنم يلقى فيها أخرجه أحمد ومسلم (قوله حتى يضع قدمه فيها) كذا في رواية شعبة
وفي رواية سعيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه (قوله فتقول قط قط) في رواية سعيد فيزوي بعضها
إلى بعض وتقول قط قط وعزتك وفي رواية سليمان التيمي عن قتادة فتقول قد قد بالدال بدل
الطاء وفي حديث أبي هريرة فيضع الرب عليها قدمه فتقول قط قط وفي الرواية التي تليها فلا
تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قط قط فهناك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض وفي حديث أبي بن
كعب عند أبي يعلى وجهنم تسأل المزيد حتى يضع فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط
وفي حديث أبي سعيد عند أحمد فيلقى في النار أهلها فتقول هل من مزيد ويلقي فيها وتقول هل من
456

مزيد حتى يأتيها عز وجل فيضع قدمه عليها فتتزوي فتقول قدني قدني وقوله قط قط أي حسبي
حسبي وثبت بهذا التفسير عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة وقط بالتخفيف ساكنا
ويجوز الكسر بغير إشباع ووقع في بعض النسخ عن أبي ذر قطى قطى بالاشباع وقطني بزيادة
نون مشبعة ووقع في حديث أبي سعيد ورواية سليمان التيمي بالدال بدل الطاء وهي لغة أيضا
وكلها بمعنى يكفي وقيل قط صوت جهنم والأول هو الصواب عند الجمهور ثم رأيت في تفسير ابن
مردويه من وجه آخر عن أنس ما يؤيد الذي قبله ولفظه فيضعها عليها فتقطقط كما يقطقط السقاء
إذا امتلأ انتهى فهذا لو ثبت لكان هو المعتمد لكن في سنده موسى بن مطير وهو متروك
واختلف في المراد بالقدم فطريق السلف في هذا وغيره مشهورة وهو أن تمر كما جاءت ولا يتعرض
لتأويله بل نعتقد استحالة ما يوهم النقص على الله وخاض كثير من أهل العلم في تأويل ذلك فقال
المراد إذلال جهنم فإنها إذا بالغت في الطغيان وطلب المزيد أذلها الله فوضعها تحت القدم وليس
المراد حقيقة القدم والعرب تستعمل ألفاظ الأعضاء في ضرب الأمثال ولا تريد أعيانها كقولهم
رغم أنفه وسقط في يده وقيل المراد بالقدم الفرط السابق أي يضع الله فيها ما قدمه لها من أهل
العذاب قال الإسماعيلي القدم قد يكون اسما لما قدم كما يسمى ما خبط من ورق خبطا فالمعنى
ما قدموا من عمل وقيل المراد بالقدم قدم بعض المخلوقين فالضمير للمخلوق معلوم أو يكون هناك
مخلوق اسمه قدم أو المراد بالقدم الأخير لان القدم آخر الأعضاء فيكون المعنى حتى يضع الله في
النار آخر أهلها فيها ويكون الضمير للمزيد وقال ابن حبان في صحيحه بعد إخراجه هذا من
الاخبار التي أطلقت بتمثيل المجاورة وذلك أن يوم القيامة يلقى في النار من الأمم والأمكنة التي
عصى الله فيها فلا تزال تستزيد حتى يضع الرب فيها موضعا من الأمكنة المذكورة فتمتلئ لان
العرب تطلق القدم على الموضع قال تعالى ان لهم قدم صدق يريد موضع صدق وقال الداودي
المراد بالقدم قدم صدق وهو محمد والإشارة بذلك إلى شفاعته وهو المقام المحمود فيخرج من النار
من كان فيه في قلبه شئ من الايمان وتعقب بأن هذا منابذ لنص الحديث لان فيه يضع قدمه بعد أن
قالت هل من مزيد والذي قاله مقتضاه أنه ينقص منها وصريح الخبر أنها تنزوي بما يجعل فيها
لا يخرج منها (قلت) ويحتمل أن يوجه بان من يخرج منها يبدل عوضهم من أهل الكفر كما
حملوا عليه حديث أبي موسى في صحيح مسلم يعطي كل مسلم رجلا من اليهود والنصارى فيقال هذا
فداؤك من النار فإن بعض العلماء قال المراد بذلك أنه يقع عند إخراج الموحدين وأنه يجعل مكان
كل واحد منهم واحدا من الكفار بأن يعظم حتى يسد مكانه ومكان الذي خرج وحينئذ فالقدم
سبب للعظم المذكور فإذا وقع العظم حصل الملء الذي تطلبه ومن التأويل البعيد قول من
قال المراد بالقدم قدم إبليس وأخذه من قوله حتى يضع الجبار فيها قدمه وإبليس أول من
تكبر فاستحق أن يسمى متجبرا وجبارا وظهور بعد هذا يغنى عن تكلف الرد عليه وزعم
ابن الجوزي أن الرواية التي جاءت بلفظ الرجل تحريف من بعض الرواة لظنه أن المراد بالقدم
الجارحة فرواها بالمعنى فأخطأ ثم قال ويحتمل أن يكون المراد بالرجل إن كانت محفوظة
الجماعة كما تقول رجل من جراد فالتقدير يضع فيها جماعة وأضافهم إليه إضافة اختصاص
وبالغ ابن فورك فجزم بأن الرواية بلفظ الرجل غير ثابتة عند أهل النقل وهو مردود لثبوتها
457

في الصحيحين وقد أولها غيره بنحو ما تقدم في القدم فقيل رجل بعض المخلوقين وقيل إنها اسم
مخلوق من المخلوقين وقيل إن الرجل تستعمل في الزجر كما تقول وضعته تحت رجلي وقيل إن
الرجل تستعمل في طلب الشئ على سبيل الجد كما تقول قام في هذا الامر على رجل وقال أبو
الوفاء بن عقيل تعالى الله عن أنه لا يعمل أمره في النار حتى يستعين عليها بشئ من ذاته أو صفاته
وهو القائل النار كوني بردا وسلاما فمن يأمر نارا أججها غيره أن تنقلب عن طبعها وهو الاحراق
فتنقلب كيف يحتاج في نار يؤججها هو إلى استعانة انتهى ويفهم جوابه من التفصيل الواقع
ثالث أحاديث الباب حيث قال فيه ولكل واحدة منكما ملؤها فأما النار فذكر الحديث وقال
فيه ولا يظلم الله من خلقه أحدا فإن فيه إشارة إلى أن الجنة يقع امتلاؤها بمن ينشؤهم الله لأجل
ملئها وأما النار فلا ينشئ لها خلقا بل يفعل فيها شيئا عبر عنه بما ذكر يقتضي لها أن ينضم بعضها
إلى بعض فتصير ملأى ولا تحتمل مزيدا وفيه دلالة على أن الثواب ليس موقوفا على العمل بل
ينعم الله بالجنة على من لم يعمل خيرا قط كما في الأطفال (قوله في أول الحديث الثاني حدثنا
محمد بن موسى القطان) هو الواسطي وأبو سفيان الحميري أدركه البخاري بالسن ولم يلقه (قوله
حدثنا عوف) لأبي سفيان فيه سند آخر أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن عمر الجزائري عن
معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة مطولا وقوله رفعه وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان
القائل ذلك محمد بن موسى الراوي عنه وقال يوقفه من الرباعي وهو لغة والفصيح يقفه من الثلاثي
والمعنى أنه كان يرويه في أكثر الأحوال موقوفا ويرفعه أحيانا وقد رفعه غيره أيضا (قوله في
الطريق الثالثة أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة) وقع في مصنف عبد الرزاق في آخره قال
معمر وأخبرني أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
وأخرجه مسلم بالوجهين (قوله تحاجت) أي تخاصمت (قوله بالمتكبرين والمتجبرين) قيل هما
بمعنى وقيل المتكبر المتعاظم بما ليس فيه والمتجبر الممنوع الذي لا يوصل إليه وقيل الذي لا يكترث
بأمر (قوله ضعفاء الناس وسقطهم) بفتحتين أي المحتقرون بينهم الساقطون من أعينهم هذا
بالنسبة إلى ما عند الأكثر من الناس وبالنسبة إلى ما عند الله هم عظماء رفعاء الدرجات لكنهم
بالنسبة إلى ما عند أنفسهم لعظمة الله عندهم وخضوعهم له في غاية التواضع لله والذلة في عباده
فوصفهم بالضعف والسقط بهذا المعنى صحيح أو المراد بالحصر في قول الجنة الا ضعفاء الناس
الأغلب قال النووي هذا الحديث على ظاهره وأن الله يخلق في الجنة والنار تمييزا يدركان به
ويقدران على المراجعة والاحتجاج ويحتمل أن يكون بلسان الحال وسيأتي مزيد لهذا في باب
قوله أن رحمة الله قريب من المحسنين من كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى * (قوله باب
قوله فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) كذا لأبي ذر في الترجمة وفي سياق الحديث
ولغيره وسبح بالواو فيهما وهو الموافق للتلاوة فهو الصواب وعندهم أيضا وقبل الغروب وهو
الموافق لآية السورة ثم أورد فيه حديث جرير إنكم سترون ربكم الحديث وفي آخره ثم قرأ
وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهذه الآية في طه قال الكرماني المناسب
لهذه السورة وقبل الغروب لا غروبها (قلت) لا سبيل إلى التصرف في لفظ الحديث وإنما أورد
الحديث هنا لاتحاد دلالة الآيتين وقد تقدم في الصلاة وكذا وقع هنا في نسخة من وجه آخر عن
458

إسماعيل بن أبي خالد بلفظ ثم قرأ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وسيأتي شرح
حديث جرير في التوحيد إن شاء الله تعالى ومضى منه شئ في فضل وقت العصر من المواقيت
(قوله عن مجاهد قال قال بن عباس أمره أن يسبح) يعني أمر الله نبيه وأخرجه الطبري من
طريق ابن علية عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قال ابن عباس في قوله فسبحه وأدبار السجود
قال هو التسبيح بعد الصلاة (قوله في أدبار الصلوات كلها) يعني قوله وأدبار السجود كذا لهم
وروى الطبري من وجه آخر عن ابن عباس قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا ابن عباس
ركعتان بعد المغرب أدبار السجود وإسناده ضعيف لكن روى ابن المنذر من طريق أبي تميم
الجيشاني قال قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى وأدبار السجود هما
الركعتان بعد المغرب وأخرجه الطبري من طرق عن علي وعن أبي هريرة وغيرهما مثله وأخرج
ابن المنذر عن عمر مثله وأخرج الطبري من طريق كريب بن يزيد أنه كان إذا صلى الركعتين بعد
الفجر والركعتين بعد المغرب قرأ أدبار النجوم وأدبار السجود أي بهما
* (قوله سورة والذاريات) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر والواو للقسم والفاءات بعدها عاطفات من عطف المتغايرات
وهو الظاهر وجوز الزمخشري أنها من عطف الصفات وأن الحاملات وما بعدها من صفات
الريح (قوله قال على الرياح) كذا لهم ولأبي ذر (1) وقال على الذاريات الرياح وهو عند الفريابي
عن الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن علي وأخرجه ابن عيينة في تفسير أتم
من هذا عن ابن أبي الحسين سمعت أبا الطفيل قال سمعت بن الكواء يسأل علي بن أبي طالب عن
الذاريات ذروا قال الرياح وعن الحاملات وقرا قال السحاب وعن الجاريات يسرا قال
السفن وعن المدبرات أمرا قال الملائكة وصححه الحاكم من وجه آخر عن أبي الطفيل وابن
الكواء بفتح الكاف وتشديد الواو واسمه عبد الله وهذا التفسير مشهور عن علي وأخرج عن
مجاهد وابن عباس مثله وقد أطنب الطبري في تخريج طرقه إلى علي وأخرجه عبد الرزاق من
وجه آخر عن أبي الطفيل قال شهدت عليا وهو يخطب وهو يقول سلوني فوالله لا تسألوني عن
شئ يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم
أبليل أنزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل فقال بن الكواء وأنا بينه وبين على وهو خلفي فقال
ما الذاريات ذروا فذكر مثله وقال فيه ويلك سل تفقها ولا تسأل تعنتا وفيه سؤاله عن أشياء غير
هذا وله شاهد مرفوع أخرجه البزار وابن مردويه بسند لين عن عمر (قوله وقال غيره تذروه
تفرقة) هو قول أبي عبيدة قال في سورة الكهف في قوله تذروه الرياح أي تفرقه ذروته وأذريته
وقال في تفسير الذاريات الرياح وناس يقولون المذريات ذرت وأذرت (قوله وفي أنفسكم أفلا
تبصرون تأكل وتشرب في مدخل واحد ويخرج من موضعين) أي القبل والدبر وهو قول
الفراء قال في قوله تعالى وفي أنفسكم يعني أيضا آيات أن أحدكم يأكل ويشرب من مدخل واحد
ويخرج من موضعين ثم عنفهم فقال أفلا تبصرون ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال وفي
أنفسكم قال فيما يدخل من طعامكم وما يخرج وأخرج الطبري من طريق محمد بن المريفع عن
459

عبد الله بن الزبير في هذه الآية قال سبيل الغائط والبول (قوله قتل الخراصون) (1) أي لعنوا
كذا في بعض النسخ وقد تقدم في كتاب البيوع وأخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس في قوله قتل الخراصون قال لعن الكذابون وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في
قوله قتل الخراصون قال الكذابون (قوله فراغ فرجع) هو قول الفراء وزاد والروغ وأن جاء بهذا
المعنى فإنه لا ينطق به حتى يكون صاحبه لذهابه ومجيئه وقال أبو عبيدة في قوله فراغ أي عدل
(قوله فصكت فجمعت أصابعها فضربت به جبهتها) في رواية أبي ذر جمعت بغير فاء وهو قول
الفراء بلفظه ولسعيد بن منصور من طريق الأعمش عن مجاهد في قوله فصكت وجهها قال
ضربت بيدها على جبهتها وقالت يا ويلتاه وروى الطبري من طريق السدي قال ضربت
وجهها عجبا ومن طريق الثوري وضعت يدها على جبهتها تعجبا (قوله فتولى بركنه (2) من معه
لانهم من قومه) هو قول قتادة أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه وقال الفراء وثبت هذا هنا
للنسفي وحده (قوله والرميم نبات الأرض إذا يبس وديس) هو قول الفراء وديس بكسر الدال
وسكون التحتانية بعدها مهملة من الدوس وهو وطئ الشئ بالقدم حتى يفتت ومنه دياس الأرض
وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الرميم الشجر وأخرج الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن
مجاهد قال الرميم الهالك (قوله لموسعون أي لذو سعة وكذلك على الموسع قدره) يعني في قوله
تعالى ومتعوهن على الموسع قدره أي من يكون ذا سعة قال الفراء وإنا لموسعون أي لذو سعة
لخلقنا وكذا قوله على الموسع قدره يعني القوي وروى ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح قال
وإنا لموسعون قال أن نخلق سماء مثلها (قوله زوجين الذكر والأنثى واختلاف الألوان حلو
وحامض فهما زوجان) هو قول الفراء أيضا ولفظه الزوجان من جميع الحيوان الذكر والأنثى
ومن سوى ذلك اختلاف ألوان النبات وطعوم الثمار بعض حلو وبعض حامض وأخرج ابن
أبي حاتم من طريق السدي معناه وأخرج الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله
خلقنا زوجين قال الكفر والايمان والشقاوة والسعادة والهدى والضلالة والليل والنهار والسماء
والأرض والجن والانس (قوله ففروا إلى الله من الله إليه) أي من معصيته إلى طاعته أو من
عذابه إلى رحمته هو قول الفراء أيضا (قوله إلا ليعبدون) في رواية أبي ذر وما خلقت الجن والإنس
إلا ليعبدون ما خلقت أهل السعادة من أهل الفريقين إلا ليوحدون هو قول الفراء ونصره ابن
قتيبة في مشكل القرآن له وسبب الحمل على التخصيص وجود من لا يعبده فلو حمل على ظاهره
لوقع التنافي بين العلة والمعلول (قوله وقال بعضهم خلقهم ليفعلوا ففعل بعض وترك بعض
وليس فيه حجة لأهل القدر) هو كلام الفراء أيضا وحاصل التأويلين أن الأول محمول على أن
اللفظ العام مراد به الخصوص وأن المراد أهل السعادة من الجن والإنس والثاني باق على عمومه
لكن بمعنى الاستعداد أي خلقهم معدين لذلك لكن منهم من أطاع ومنهم من عصى وهو كقولهم
الإبل مخلوقة للحرث أي قابلة لذلك لأنه قد يكون فيها ما لا يحرث وأما قوله وليس فيه حجة لأهل
القدر فيريد المعتزلة لان محصل الجواب أن المراد بالخلق خلق التكليف لا خلق الجبلة فمن وفقه
عمل لما خلق له ومن خذله خالف والمعتزلة احتجوا بالآية المذكورة على أن إرادة الله لا تتعلق به
والجواب أنه لا يلزم من كون الشئ معللا بشئ أن يكون ذلك الشئ مرادا وأن لا يكون غيره
460

مرادا ويحتمل أن يكون مراده بقوله وليس فيه حجة لأهل القدر أنهم يحتجون بها على أن أفعال
الله لا بد وأن تكون معلولة فقال لا يلزم من وقوع التعليل في موضع وجوب التعليل في كل
موضع ونحن نقول بجواز التعليل لا بوجوبه أو لانهم احتجوا بها على أن أفعال العباد مخلوقة لهم
لاسناد العبادة إليهم فقال لا حجة لهم في ذلك لان الاسناد من جهة الكسب وفي الآية تأويلات
أخرى يطول ذكرها وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال خلقهم للعبادة فمن العبادة
ما ينفع ومنها ما لا ينفع (قوله والذنوب الدلو العظيم) هو قول الفراء لكن قال العظيمة وزاد
ولكن العرب تذهب بها إلى الحظ والنصيب وقال أبو عبيدة الذنوب النصيب وأصله من الدلو
والذنوب والسجل واحد والسجل أقل ملا من الدلو (قوله وقال مجاهد ذنوبا سبيلا) وقع هذا
مؤخرا عن الذي بعده لغير أبي ذر والذي عنده أولى وقد وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح
عن مجاهد في قوله ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم قال سجلا من العذاب مثل عذاب أصحابهم وأخرج
ابن المنذر من طريق ابن جريج عن مجاهد في قوله فان الذين ظلموا ذنوبا فقال سبيلا قال وقال
ابن عباس سجلا وهو بفتح المهملة وسكون الجيم ومن طريق ابن جريج عن عطاء مثله وأنشد
عليه شاهدا (قوله صرة صيحة) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد وأخرجه ابن
أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عباس وقال أبو عبيدة في قوله صرة شدة صوت يقال
أقبل فلان يصطر أي يصوت صوتا شديدا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال أقبلت ترن
(قوله العقيم التي لا تلد) زاد أبو ذر ولا تلقح شيئا أخرج ابن المنذر من طريق الضحاك قال العقيم
التي لا تلد وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة العقيم التي لا تنبت وأخرج الطبري والحاكم من
طريق خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال الريح العقيم التي لا تلقح شيئا (قوله وقال ابن
عباس والحبك استواؤها وحسنها) تقدم في بدء الخلق وأخرجه الفريابي عن الثوري عن عطاء
ابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ومن طريق سفيان أخرجه الطبري وإسناده صحيح
لان سماع الثوري من عطاء بن السائب كان قبل الاختلاط وأخرجه الطبري من وجه آخر صحيح
عن ابن عباس وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ذات الحبك قال ذات الخلق
الحسن وللطبري من طريق عوف عن الحسن قال حبكت بالنجوم ومن طريق عمران بن جدير
سئل عكرمة عن قوله ذات الحبك قال ذات الخلق الحسن ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب قال
ما أحسن ما حبكه (قوله في غمرة في ضلالتهم يتمادون) كذا للأكثر ولأبي ذر في غمرتهم والأول
أولى لوقوعه في هذه السورة وأما الثاني فهو في سورة الحجر لكن قوله في ضلالتهم يؤيد الثاني وكأنه
ذكره كذلك هنا للاشتراك في الكلمة وقد وصله ابن أبي حاتم والطبري من طريق علي بن بن أبي طلحة
عن ابن عباس في قوله الذين هم في غمرة ساهون قال في ضلالتهم يتمادون ووقف في رواية النسفي
في صلاتهم أو ضلالتهم بالشك والأول وتصحيف (قوله وقال غيره تواصوا بتواطؤا) سقط هذا لأبي
ذر وقد أخرجه ابن المنذر من طريق أبي عبيدة في قوله أتواصوا به تواطؤا عليه وأخذه بعضهم
عن بعض وإذا كانت شيمة غالبة على قوم قيل كأنما تواصوا به وروى الطبري من طرق عن
قتادة قال هل أوصي الأول الآخر منهم بالتكذيب (قوله وقال غيره مسومة معلمة من السيما) هو
قول أبي عبيدة ووصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله مسومة قال
461

معلمة وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله مسومة قال مختومة بلون أبيض
وفيه نقطة سوداء وبالعكس (قوله قتل الانسان لعن) سقط هذا لغير أبي ذر وقد تقدم تفسير قتل
بلعن في أوائل السورة وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج في قوله قتل الخراصون قال هي
مثل التي في عبس قتل الانسان * (تنبيه) * لم يذكر البخاري في هذه السورة حديثا مرفوعا ويدخل
فيها على شرطه حديث أخرجه أحمد والترمذي والنسائي من طريق أبي إسحاق عن عبد الرحمن
ابن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أنا الرزاق ذو القوة
المتين قال الترمذي حسن صحيح وصححه ابن حبان
* (قوله سورة الطور) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر واقتصر الباقون على والطور والواو للقسم وما بعدها عاطفات أو للقسم أيضا (قوله
وقال قتادة مسطور مكتوب) سقط هذا من رواية أبي ذر وثبت لهم في التوحيد وقد وصله
المصنف في كتاب خلق أفعال العباد من طريق سعيد عن قتادة (قوله وقال مجاهد الطور الجبل
بالسريانية) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا قال عبد الرزاق عن معمر عن
قتادة قوله والطور قال جبل يقال له الطور وعمن سمع عكرمة مثله وقال أبو عبيدة الطور الجبل
في كلام العرب وفي المحكم الطور الجبل وقد غلب على طور سيناء جبل بالشام وهو بالسريانية
طوري بفتح الراء والنسبة إليه طوري وطوراني (قوله رق منشور صحيفة) وصله الفريابي
من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وكتاب مسطور في رق منشور قال صحف ورق
وقوله منشور قال صحيفة (قوله والسقف المرفوع سماء) سقط هذا لأبي ذر وتقدم في بدء
الخلق (قوله والمسجود الموقد) في رواية الحموي والنسفي الموقر بالراء والأول هو الصواب وقد
وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث والطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد وقال الموقد
بالدال وأخرج الطبري من طريق سعيد بن المسيب قال قال على لرجل من اليهود أين جهنم قال
البحر قال ما أراه إلا صادقا ثم تلا والبحر المسجور وإذا البحار سجرت وعن زيد بن أسلم قال البحر
المسجور الموقد وإذا البحار سجرت أوقدت ومن طريق شمر بن عطية قال البحر المسجور التنور
المسجود قال وفيه قول آخر قال أبو عبيدة المسجور المملوء وأخرج الطبري من طريق سعيد عن
قتاد مثله ورجحه الطبري (قوله وقال الحسن تسجر حتى يذهب ماؤها فلا يبقى فيها قطرة) وصله
الطبري من طريق سعيد عن قتادة عن الحسن في قوله وإذا البحار سجرت فذكره فبين الحسن
أن ذلك يقع يوم القيامة وأما اليوم فالمراد بالمسجور الممتلئ ويحتمل أن يطلق عليه ذلك باعتبار
ما يئول إليه حاله (قوله وقال مجاهد ألتناهم نفصناهم) وقد تقدم في الحجرات وأخرج عبد
الرزاق مثله عن ابن عباس بإسناد صحيح وعن معمر عن قتادة قال ما ظلمناهم (قوله وقال غيره
تمور تدور) وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال في قوله تعالى يوم تمور السماء مورا قال
مورها تحركها وأخرج الطبري من طريق ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يوم تمور
السماء مورا قال تدور دورا (قوله أحلامهم العقول) هو قول زيد بن أسلم ذكره الطبري عنه
وقال الفراء الأحلام في هذا الموضع العقول والالباب (قوله وقال ابن عباس البر اللطيف)
462

سقط هذا لأبي ذر هنا وثبت لهم في التوحيد وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس به وسيأتي الكلام عليه في التوحيد إن شاء الله تعالى (قوله كسفا
قطعا) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ولابن أبي حاتم من طريق
قتادة مثله ومن طريق السدي قال عذابا وقال أبو عبيدة كسفا الكسف جمع كسفة مثل السدر
جمع سدرة وهذا يضعف قول من رواه بالتحريك فيهما وقد قيل إنها قراءة شاذة وأنكرها بعضهم
وأثبتها أبو البقاء العكبري وغيره (قوله المنون الموت) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس في قوله ريب المنون قال الموت وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله وأخرج
الطبري من طريق مجاهد قال المنون حوادث الدهر وذكر ابن إسحاق في السيرة عن ابن أبي نجيح
عن مجاهد عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة قال قائل منهم احبسوه في وثاق
ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء فإنما هو واحد منهم فأنزل الله
تعالى أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون وهذا كله يؤيد قول الأصمعي أن المنون واحد لا جمع
له ويبعد قول الأخفش أنه جمع لا واحد له وأما قول الداودي أن المنون جمع منية فغير معروف
مع بعده من الاشتقاق (قوله وقال غيره يتنازعون يتعاطون) هو قول أبي عبيدة وصله ابن المنذر
من طريقه وزاد أي يتداولون قال الشاعر * نازعته الراح حتى وقفه الساري * (قوله عن أم
سلمة قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي) أي أنها كانت ضعيفة لا تقدر
على الطواف ماشية وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الحج (قوله حدثنا سفيان) هو ابن عيينة
(قال حدثوني عن الزهري) اعترضه الإسماعيلي بما أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء
وابن أبي عمر كلاهما عن بن عيينة سمعت الزهري قال فصرحا عنه بالسماع وهما ثقتان (قلت)
وهو اعتراض ساقط فإنهما ما أوردا من الحديث إلا القدر الذي ذكره الحميدي عن سفيان أنه
سمعه من الزهري بخلاف الزيادة التي صرح الحميدي عنه بأنه لم يسمعها من الزهري وإنما بلغته
عنه بواسطة قوله كاد قلبي يطير قال الخطابي كأنه انزعج عند سماع هذه الآية لفهمه معناها
ومعرفته بما تضمنته ففهم الحجة فاستدركها بلطيف طبعه وذلك من قوله تعالى أم خلقوا من غير
شئ قيل معناه ليسوا أشد خلقا من خلق السماوات والأرض لأنهما خلقتا من غير شئ أي هل
خلقوا باطلا لا يؤمرون ولا ينهون وقيل المعنى أم خلقوا من غير خالق وذلك لا يجوز فلا بد
لهم من خالق وإذا أنكروا الخالق فهم الخالقون لأنفسهم وذلك في الفساد والبطلان أشد لان
ما لا وجود له كيف يخلق وإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالفا ثم قال أم خلقوا
السماوات والأرض أي إن جاز لهم أن يدعوا خلق أنفسهم فليدعوا خلق السماوات والأرض
وذلك لا يمكنهم فقامت الحجة ثم قال بل لا يوقنون فذكر العلة التي عاقتهم عن الايمان وهو عدم
اليقين الذي هو موهبة من الله ولا يحصل إلا بتوفيقه فلهذا انزعج جبير حتى كاد قلبه يطير ومال
إلى الاسلام انتهى ويستفاد من قوله فلما بلغ هذه الآية أنه استفتح من أول السورة وظاهر
السياق أنه قرأ إلى آخرها وقد تقدم البحث في ذلك في صفة الصلاة
* (قوله سورة والنجم) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
463

كذا لأبي ذر وللباقين والنجم حسب والمراد بالنجم الثريا في قول مجاهد أخرجه ابن عيينة فتفسيره
عن ابن أبي نجيح عنه وقال أبو عبيدة النجم والنجوم ذهب إلى لفظ الواحد وهو بمعنى الجميع
قال الشاعر * وباتت تعد النجم في مستجره * قال الطبري هذا القول له وجه ولكن ما أعلم
أحدا من أهل التأويل قاله والمختار قول مجاهد ثم روى من وجه آخر عن مجاهد أن المراد به
القرآن إذا نزل ولابن أبي حاتم بلفظ النجم نجوم القرآن (قوله وقال مجاهد ذو مرة ذو قوة) وصله
الفريابي بلفظ شديد القوي ذو مرة قوة جبريل وقال أبو عبيدة ذو مرة أي شدة وأحكام
وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ذو مرة قال ذو خلق حسن
(قوله قاب قوسين حيث الوتر من القوس) سقط هذا لأبي ذر ووصله الفريابي من طريق مجاهد
بلفظه وقال أبو عبيدة قاب قوسين أي قدر قوسين أو أدنى أو أقرب (قوله ضيزى عوجاء) وصله
الفريابي أيضا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ضيزى جائزة وأخرج الطبري من وجه
ضعيف عن ابن عباس مثله وقال أبو عبيدة ناقصة تقول ضأزته حقه نقصته (قوله وأكدي
قطع عطاءه) وصله الفريابي بلفظ اقتطع عطاءه وروى الطبري من هذا الوجه عن مجاهد أن الذي
نزلت فيه هو الوليد بن المغيرة ومن طريق أخرى منقطعة عن ابن عباس أعطى قليلا أي أطاع
قليلا ثم انقطع وأخرج ابن مردويه من وجه لين عن ابن عباس أنها نزلت في الوليد بن المغيرة
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أعطى قليلا ثم قطع ذلك وقال أبو عبيدة مأخوذ من
الكدية بالضم وهو أن يحفر حتى ييأس من الماء (قوله رب الشعرى هو مرزم الجوزاء) وصله
الفريابي بلفظه وأخرج الطبري من طريق خصيف عن مجاهد قال الشعري الكوكب الذي
خلف الجوزاء كانوا يعبدونه وأخرج الفاكهي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس
قال نزلت في خزاعة وكانوا يعبدون الشعري وهو الكوكب الذي يتبع الجوزاء وروى عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة قال كان ناس في الجاهلية يعبدون هذا النجم الذي يقال له الشعري
وأخرجه الطبري من وجه آخر عن مجاهد قال النجم الذي يتبع الجوزاء وقال أبو حنيفة
الدينوري في كتاب الأنواء الغدرة والشعري العبور والجوزاء في نسق واحد وهن نجوم مشهورة
قال وللشعري ثلاثة أزمان إذا رؤيت غدوة طالعة فذاك صميم الحر وإذا رؤيت عشاء طالعة
فذاك صميم البرد ولها زمان ثالث وهو وقت نوئها وأحد كوكبي الذراع المقبوضة هي الشعري
الغميصاء وهي تقابل الشعري العبور والمجرة بينهما ويقال لكوكبها الآخر الشمالي المرزم مرزم
الذراع وهم مرزمان هذا وآخر في الجوزاء وكانت العرب تقول انحدر سهيل فصار يمانيا فتبعته
الشعرى إليه المجرة وأقامت الغميصاء فبكت عليه حتى غمصت عينها والشعرتان
الغميصاء والعبور يطلعان معا وقال بن التين المرزم بكسر الميم وسكون الراء وفتح الزاي نجم
يقابل الشعري من جهة القبلة لا يفارقها وهو الهنعة (قوله الذي وفي وفي ما فرض عليه) وصله
الفريابي بلفظه وروى سعيد بن منصور عن عمرو بن أوس قال وفي أي بلغ وروى ابن المنذر
من وجه آخر عن عمرو بن أوس قال كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم فقال الله تعالى
وإبراهيم الذي وفي أن لا تزر وازرة وزر أخرى ومن طريق هذيل بن شرحبيل نحوه وروى
الطبري بإسناد ضعيف عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول
464

سمي الله إبراهيم خليله الذي وفي لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى فسبحان الله حين تمسون وحين
تصبحون وروى عبد بن حميد بإسناد ضعيف عن أبي أمامة مرفوعا وفي عمل يومه بأربع ركعات
من أول النهار (قوله أزفت الآفة اقتربت الساعة) سقط هذا لأبي ذر هنا ويأتي في الرقاق وقد
وصله الفريابي من طريق مجاهد كذلك وقال أبو عبيدة دنت القيامة (قوله سامدون البرطمة)
كذا لهم وفي رواية الحموي والأصيلي والقابسي البرطنة بالنون بدل الميم (وقال عكرمة يتغنون
بالحميرية) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أفمن هذا الحديث تعجبون قال
من هذا القرآن وأنتم سامدون قال البرطمة قال وقال عكرمة السامدون يتغنون بالحميرية
ورواه الطبري من هذا الوجه عن مجاهد قال كانوا يمرون على النبي صلى الله عليه وسلم غضابا
مبرطمين قال وقال عكرمة هو الغناء بالحميرية وروى ابن عيينة في تفسيره عن ابن أبي نجيح عن
عكرمة في قوله وأنتم سامدون هو الغناء بالحميرية يقولون اسمد لنا أي غن لنا وأخرجه أبو عبيد في
فضائل القرآن و عبد الرزاق من وجهين آخرين عن عكرمة عن ابن عباس في قوله وأنتم سامدون
قال الغناء قال عكرمة وهي بلغة أهل اليمن إذا أراد اليماني أن يقول تغن قال اسمد لفظ عبد
الرزاق وأخرجه من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس قال لاهون وعن معمر عن قتادة
قال غافلون ولابن مردويه من طريق محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال
معرضون * (تنبيه) * البرطمة بفتح الموحدة وسكون الراء وفتح الطاء المهملة الاعراض وقال
ابن عيينة البرطمة هكذا ووضع ذقنه في صدره (قوله وقال إبراهيم أفتمارونه أفتجادلونه) وصله
سعيد بن منصور عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم النخعي به وجاء عن إبراهيم بهذا الاسناد فيه
القراءة التي بعد هذه (قوله ومن قرأ أفتمرونه يعني أفتجحدونه) كذا لهم وفي رواية الحموي
أفتجحدون بغير ضمير وقد وصله الطبري أيضا عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم عن مغيرة عن
إبراهيم أنه كان يقرأ أفتمارونه يقول أفتجحدونه فكأن إبراهيم قرأ بهما معا وفسرهما وقد صرح
بذلك سعيد بن منصور في روايته المذكورة عن هشيم قال الطبري وهكذا قرأ ابن مسعود وعامة
قراء أهل الكوفة وقرأها الباقون وبعض الكوفيين أفتمارونه أي تجادلونه (قلت) قرأها من
الكوفيين عاصم كالجمهور وقال الشعبي كان شريح يقرأ أفتمارونه ومسروق يقرأ أفتمرونه وجاء
عن الشعبي أنه قرأها كذلك لكن بضم التاء (قوله ما زاغ البصر بصر محمد صلى الله عليه وسلم) في
رواية أبي ذر وقال ما زاغ الخ ولم يعين القائل وهو قول الفراء وقال في قوله تعالى ما زاغ البصر
بصر محمد يقلبه يمينا وشمالا وأخرج الطبري من طريق محمد بن كعب القرظي في قوله ما زغ
البصر قال رأى محمد جبريل في صورة الملك ومسألة الرؤية مشهورة سيأتي ذكرها في شرح حديث
عائشة في هذه السورة (قوله وما طغى وما جاوز ما رأى) في رواية الكشميهني ولا بدل وما هو بقية
كلام الفراء أيضا ولفظه وما جاوز وروى الطبري من طريق مسلم البطين عن ابن عباس في قوله
ما زاغ البصر ما ذهب يمينا ولا شمالا وما طغى ما جاوز ما أمر به (قوله فتماروا كذبوا) كذا لهم ولم أر
في هذه السورة فتماروا وإنما فيها أفتمارونه وقد تقدم ما فيها وفي آخرها تتمارى ولعله انتقال من
بعض النساخ لأن هذه اللفظة في السورة التي تلي هذه وهي قوله فتماروا بالنذر وحكى الكرماني
عن بعض النسخ هنا تتمارى تكذب ولم اقف عليه وهو بمعنى ما تقدم ثم ظهر لي بعد ذلك أنه
465

اختصر كلام الفراء وذلك أنه قال في قوله تعالى فبأي آلاء ربك تتمارى قال فبأي نعمة ربك تكذب
أنها ليست منه وكذلك قوله فتماروا بالنذر كذبوا بالنذر (قوله وقال الحسن إذا هوى غاب) وصله
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عنه (قوله وقال ابن عباس أغنى وأقنى أعطى فأرضي) وصله ابن
أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وأخرج الفريابي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال
أقنى قنع ومن طريق أبي رجاء عن الحسن قال أخدم وقال أبو عبيدة أقنى جعل له قنية أي
أصول مال قال وقالوا أفتى أرضى يشير إلى تفسير ابن عباس وتحقيقه أنه حصل له قنية من الرضا
(قوله حدثنا يحيى) هم ابن موسى (قوله عن عامر) هو الشعبي (قوله عن مسروق) في رواية
الترمذي زيادة قصة في سياقه فأخرج من طريق مجالد عن الشعبي قال لقي ابن عباس كعبا بعرفة
فسأله عن شئ فكبر كعب حتى جاوبته الجبال فقال ابن عباس إنا بنو هاشم فقال له كعب إن الله
قسم رؤيته وكلامه هكذا في سياق الترمذي وعند عبد الرزاق من هذا الوجه فقال ابن عباس
إنا بنو هاشم نقول إن محمدا رأى ربه مرتين فكبر كعب وقال إن الله قسم رؤيته وكلامه بين
موسى ومحمد فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين قال مسروق فدخلت عائشة فقلت هل
رأى محمد ربه الحديث ولابن مردويه من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن
الحارث بن نوفل عن كعب مثله قال يعني الشعبي فأتى مسروق عائشة فذكر الحديث فظهر بذلك
سبب سؤال مسروق لعائشة عن ذلك (قوله يا أمتاه) أصله يا أم والهاء للسكت فأضيف إليها ألف
الاستغاثة فأبدلت تاء وزيدت هاء السكت بعد الألف ووقع في كلام الخطابي إذا نادوا قالوا يا أمة
عند السكت وعند الوصل يا أمت بالمثناة فإذا فتحوا للندبة قالوا يا أمتاه والهاء السكت وتعقبه
الكرماني بأن قول مسروق يا أمتاه ليس للندبة إذ ليس هو تفجعا عليها وهو كما قال (قوله هل رأى
محمد صلى الله عليه وسلم ربه قالت لقد قف شعري) أي قام من الفزع لما حصل عندها من هيبة الله
واعتقدته من تنزيهه واستحالة وقوع ذلك قال النضر بن شميل القف بفتح القاف وتشديد الفاء
كالقشعريرة وأصله النقيض والاجتماع لان الجلد ينقبض عند الفزع فيقوم الشعر لذلك (قوله
أين أنت من ثلاث) أي كيف يغيب فهمك عن هذه الثلاث وكان ينبغي لك أن تكون مستحضرها
ومعتقدا كذب من يدعي وقوعها (قوله من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه
فقد كذب) تقدم في بدء الخلق من رواية القاسم بن محمد عن عائشة من زعم أن محمدا رأى ربه فقد
أعظم ولمسلم من حديث مسروق المذكور من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي فقد أعظم
على الله الفرية (قوله ثم قرأت لا تدركه الابصار) قال النووي تبعا لغيره لم تنف عائشة وقوع الرؤية
بحديث مرفوع ولو كان معها لذكرته وإنما اعتمدت الاستنباط على ما ذكرته من ظاهر الآية
وقد خالفها غيرها من الصحابة والصحابي إذا قال قولا وخالفه غيره منهم لم يكن ذلك القول حجة
اتفاقا والمراد بالادراك في الآية الإحاطة وذلك لا ينافي الرؤية انتهى وجزمه بان عائشة لم تنف
الرؤية بحديث مرفوع تبع فيه ابن خزيمة فإنه قال في كتاب التوحيد من صحيحه النفي لا يوجب
علما ولم تحك عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها أنه لم ير ربه وإنما تأولت الآية انتهى
وهو عجيب فقد ثبت ذلك عنها في صحيح مسلم الذي شرحه الشيخ فعنده من طريق داود بن أبي هند
عن الشعبي عن مسروق في الطريق المذكورة قال مسروق وكنت متكئا فجلست فقلت ألم
466

يقل الله ولقد رآه نزلة أخرى فقالت أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك
فقال إنما هو جبريل وأخرجه ابن مردويه من طريق أخرى عن داود بهذا الاسناد فقالت أنا
أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا فقلت يا رسول الله هل رأيت ربك فقال لا إنما
رأيت جبريل منهبطا نعم احتجاج عائشة بالآية المذكورة خالفها فيه ابن عباس فأخرج
الترمذي من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال رأى محمد ربه قلت أليس الله
يقول لا تدركه الابصار قال ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره وقد رأى ربه مرتين وحاصله
أن المراد بالآية نفي الإحاطة به عند رؤياه لا نفي أصل رؤياه واستدل القرطبي في المفهم لان
الادراك لا ينافي الرؤية بقوله تعالى حكاية عن أصحاب موسى فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى
إنا لمدركون قال كلا وهو استدلال عجيب لان متعلق الادراك في آية الانعام البصر فلما نفى كان
ظاهره نفي الرؤية بخلاف الادراك الذي في قصة موسى ولولا وجود الاخبار بثبوت الرؤية ما ساغ
العدول عن الظاهر ثم قال القرطبي الابصار في الآية جمع محلى بالألف واللام فيقبل التخصيص
وقد ثبت دليل ذلك سمعا في قوله تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فيكون المراد الكفار
بدليل قوله تعالى في الآية الأخرى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال وإذا جازت في الآخرة
جازت في الدنيا لتساوي الوقتين بالنسبة إلى المرئي انتهى وهو استدلال جيد وقال عياض رؤية
الله سبحانه وتعالى جائزة عقلا وثبتت الأخبار الصحيحة المشهورة بوقوعها للمؤمنين في الآخرة
وأما في الدنيا فقال مالك إنما لم ير سبحانه في الدنيا لأنه باق والباقي لا يرى بالفاني فإذا كان في الآخرة
ورزقوا أبصارا باقية رأوا الباقي بالباقي قال عياض وليس في هذا الكلام استحالة الرؤية إلا من
حيث القدرة فإذا قدر الله من شاء من عباده عليها لم يمتنع (قلت) ووقع في صحيح مسلم ما يؤيد هذه
التفرقة في حديث مرفوع فيه واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا وأخرجه ابن خزيمة أيضا
من حديث أبي أمامة ومن حديث عبادة بن الصامت فإن جازت الرؤية في الدنيا عقلا فقد امتنعت
سمعا لكن من أثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم له أن يقول إن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه وقد
اختلف السلف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه فذهبت عائشة وابن مسعود إلى إنكارها
واختلف عن أبي ذر وذهب جماعة إلى إثباتها وحكى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن أنه
حلف أن محمدا رأى ربه وأخرج ابن خزيمة عن عروة بن الزبير إثباتها وكان يشتد عليه إذا ذكر له
إنكار عائشة وبه قال سائر أصحاب ابن عباس وجزم به كعب الأحبار والزهري وصاحبه معمر
وآخرون وهو قول الأشعري وغالب أتباعه ثم اختلفوا هل رآه بعينه أو بقلبه وعن أحمد
كالقولين (قلت) جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة فيجب حمل مطلقها على
مقيدها فمن ذلك ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح وصححه الحاكم أيضا من طريق عكرمة عن ابن
عباس قال أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد وأخرجه ابن
خزيمة بلفظ إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة الحديث وأخرج ابن إسحاق من طريق عبد الله بن أبي
سلمة أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس هل رأى محمد ربه فأرسل إليه أن نعم ومنها ما أخرجه مسلم من
طريق أبي العالية عن ابن عباس في قوله تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى قال
رأى ربه بفؤاده مرتين وله من طريق عطاء عن ابن عباس قال رآه بقلبه وأصرح من ذلك
467

ما أخرجه ابن مردويه من طريق عطاء أيضا عن ابن عباس قال لم يره رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعينه إنما رآه بقلبه وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على
رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب ثم المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب لا مجرد حصول العلم
لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بالله على الدوام بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي
حصلت له خلقت في قلبه كما يخلق الرؤية بالعين لغيره والرؤية لا يشترط لها شئ مخصوص عقلا ولو
جرت العادة بخلقها في العين وروى بن خزيمة بإسناد قوي عن أنس قال رأى محمد ربه وعند
مسلم من حديث أبي ذر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال نور أني أراه ولأحمد عنه
قال رأيت نورا ولابن خزيمة عنه قال رآه بقلبه ولم يره بعينه وبهذا يتبين مراد أبي ذر بذكره
النور أي النور حال بين رؤيته له ببصره وقد رجح القرطبي في المفهم قول الوقف في هذه المسألة
وعزاه لجماعة من المحققين وقواه بأنه ليس في الباب دليل قاطع وغاية ما استدل به للطائفتين ظواهر
متعارضة قابلة للتأويل قال وليست المسألة من العمليات فيكتفي فيها بالأدلة الظنية وإنما هي
من المعتقدات فلا يكتفي فيها إلا بالدليل القطعي وجنح ابن خزيمة في كتاب التوحيد إلى ترجيح
الاثبات وأطنب في الاستدلال له بما يطول ذكره وحمل ما ورد عن ابن عباس على أن الرؤيا وقعت
مرتين مرة بعينه ومرة بقلبه وفيما أوردته من ذلك مقنع وممن أثبت الرؤية لنبينا صلى الله
عليه وسلم الإمام أحمد فروى الخلال في كتاب السنة عن المروزي قلت لأحمد إنهم يقولون إن
عائشة قالت من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية فبأي شئ يدفع قولها قال
بقول النبي صلى الله عليه وسلم رأيت ربي قول النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من قولها وقد أنكر
صاحب الهدى على من زعم أن أحمد قال رأى ربه بعيني رأسه قال وإنما قال مرة رأى محمد ربه
وقال مرة بفؤاده وحكى عنه بعض المتأخرين رآه بعيني رأسه وهذا من تصرف الحاكي فإن
نصوصه موجودة ثم قال ينبغي أن يعلم الفرق بين قولهم كان الاسراء مناما وبين قولهم كان بروحه
دون جسده فإن بينهما فرقا فإن الذي يراه النائم قد يكون حقيقة بأن تصعد الروح مثلا إلى
السماء وقد يكون من ضرب المثل أن يرى النائم ذلك وروحه لم تصعد أصلا فيحتمل من قال
أسرى بروحه ولم يصعد جسده أراد أن روحه عرج بها حقيقة فصعدت ثم رجعت وجسده باق
في مكانه خرقا للعادة كما أنه في تلك الليلة شق صدره والتئم وهو حي يقظان لا يجد بذلك ألما انتهى
وظاهر الأخبار الواردة في الاسراء تأبى الحمل على ذلك بل أسرى بجسده وروحه وعرج بهما
حقيقة في اليقظة لا مناما ولا استغراقا والله أعلم وأنكر صاحب الهدى أيضا على من زعم أن
الاسراء تعدد واستند إلى استبعاد أن يتكرر قوله ففرض عليه خمسين صلاة وطلب التخفيف إلى
آخر القصة فإن دعوى التعدد تستلزم أن قوله تعالى أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي أن
فرضية الخمسين وقعت بعد أن وقع التخفيف ثم وقع سؤال التخفيف والاجابة إليه وأعيد أمضيت
فريضتي إلى آخره انتهى وما أظن أحدا ممن قال بالتعدد يلتزم إعادة مثل ذلك يقظة بل يجوز
وقوع مثل ذلك مناما ثم وجوده يقظة كما في قصة المبعث وقد تقدم تقريرها ويجوز تكرير
إنشاء الرؤية ولا تبعد العادة تكرير وقوعه كاستفتاح السماء وقول كل نبي ما نسب إليه بل الذي
يظن أنه تكرر مثل حديث أنس رفعه بينما أنا قاعد إذ جاء جبريل فوكز بين كتفي فقمت إلى شجرة
468

فيها مثل وكري الطائر فقعدت في أحدهما وقعد جبريل في الأخرى فسمت وارتفعت حتى سدت
الخافقين وأنا أقلب طرفي ولو شئت أن أمس السماء لمسست فالتفت إلى جبريل كأنه جلس لأجلي
وفتح بابا من أبواب السماء فرأيت النور الأعظم وإذا دونه الحجاب وفوقه الدر والياقوت فأوحى إلى
عبده ما أوحى أخرجه البزار وقال تفرد به الحارث بن عمير وكان بصريا مشهورا (قلت) وهو من
رجال البخاري (قوله وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) هو دليل ثان
استدلت به عائشة على ما ذهبت إليه من نفي الرؤية وتقريره أنه سبحانه وتعالى حصر تكليمه لغيره
في ثلاثة أوجه وهي الوحي بان يلقى في روعه ما يشاء أو يكلمه بواسطة من وراء حجاب أو يرسل إليه
رسولا فيبلغه عنه فيستلزم ذلك انتفاء الرؤية عنه حالة التكلم والجواب أن ذلك لا يستلزم نفي
الرؤية مطلقا قاله القرطبي قال وعامة ما يقتضي نفي تكليم الله على غير هذه الأحوال الثلاثة
فيجوز أن التكليم لم يقع حالة الرؤية (قوله ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت وما
تدري نفس ماذا تكسب غدا الخ) تقدم شرح ذلك واضحا في تفسير سورة لقمان (قوله ومن
حدثك أنه كنتم فقد كذب ثم قرأت يا أيها الرسول بلغ الآية) يأتي شرحه في كتاب التوحيد (قوله
ولكن رأى جبريل في صورته مرتين) في رواية الكشميهني ولكنه وهذا جواب عن أصل
السؤال الذي سأل عنه مسروق كما تقدم بيانه وهو قوله ما كذب الفؤاد ما رأى وقوله ولقد رآه
نزلة أخرى ولمسلم من وجه آخر عن مسروق أنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي صورته فسد
أفق السماء وله في رواية داود بن أبي هند رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء
والأرض وللنسائي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود أبصر جبريل ولم يبصر ربه
* (قوله باب فكان قاب قوسين أو أدنى حيث الوتر من القوس) تقدم هذا التفسير
قريبا عن مجاهد وثبتت هذه الترجمة لأبي ذر وحده وهي عند الإسماعيلي أيضا وألقاب ما بين
القبضة والسية من القوس قال الواحدي هذا قول جمهور المفسرين أن المراد القوس التي
يرمي بها قال وقيل المراد بها الذراع لأنه يقاس بها الشئ (قلت) وينبغي أن يكون هذا القول هو
الراجح فقد أخرج ابن مردويه بإسناد صحيح عن ابن عباس قال ألقاب القدر والقوسين الذراعان
ويؤيده أنه لو كان المراد به القوس التي يرمي بها لم يمثل بذلك ليحتاج إلى التثنية فكان يقال مثلا
قاب رمح أو نحو ذلك وقد قيل إنه على القلب والمراد فكأن قابي قوس لان ألقاب ما بين المقبض
إلى السية فلكل قوس قابان بالنسبة إلى خالفته وقوله أو أدنى أي أقرب قال الزجاج خاطب الله
العرب بما ألفوا والمعنى فيما تقدرون أنتم عليه والله تعالى عالم بالأشياء على ما هي عليه لا تردد عنده
وقيل أو بمعنى بل والتقرير بل هو أقرب من القدر المذكور وسيأتي بيان الاختلاف في معنى
قوله فتدلى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى (قوله حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد وسليمان
هو الشيباني وزر هو بن حبيش (قوله عن عبد الله فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده
ما أوحى قال حدثنا بن مسعود أنه رأى جبريل) هكذا أورده والمراد بقوله عن عبد الله وهو ابن
مسعود أنه قال في تفسير هاتين الآيتين ما سأذكره ثم استأنف فقال حدثنا ابن مسعود وليس
المراد أن ابن مسعود حدث عبد الله كما هو ظاهر السياق بل عبد الله هو ابن مسعود وقد أخرجه
في الباب الذي يليه من وجه آخر عن الشيباني فقال سألت زرا عن قوله فذكره ولا إشكال في
469

سياقه وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق سليمان بن داود الهاشمي عن عبد الواحد بن
زياد عن الشيباني قال سألت زر بن حبيش عن قول الله فكان قاب قوسين أو أدنى فقال قال
عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره * (قوله باب قوله تعالى فأوحى إلى
عبده ما أوحى) ثبتت هذه الترجمة لأبي ذر وحده وهي عند الإسماعيلي أيضا وأورد فيه حديث بن
مسعود المذكور في الذي قبله (قوله أنه محمد) الضمير للعبد المذكور في قوله تعالى إلى عبده ووقع
عند أبي ذر أ محمدا رأى جبريل وهذا أوضح في المراد والحاصل أن ابن مسعود كان يذهب في
ذلك إلى أن الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم هو جبريل كما ذهبت إلى ذلك عائشة والتقدير على
رأيه فأوحى أي جبريل إلى عبدة أي عبد الله محمد لأنه يرى أن الذي دنا فتدلى هو جبريل وأنه هو
الذي أوحى إلى محمد وكلام أكثر المفسرين من السلف يدل على أن الذي أوحى هو الله أوحى
إلى عبدة محمد ومنهم من قال إلى جبريل (قوله له ستمائة جناح) زاد عاصم عن زر في هذا الحديث
يتناثر من ريشه التهاويل من الدر والياقوت أخرجه النسائي وابن مردويه ولفظ النسائي
يتناثر منها تهاويل الدر والياقوت * (قوله باب لقد رأى من آيات ربه الكبرى)
ثبتت هذه الترجمة لأبي ذر والإسماعيلي واختلف في الآيات المذكورة فقيل المراد
بها جميع ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء وحديث الباب يدل على أن المراد صفة جبريل
(قوله عن عبد الله بن مسعود لقد رأى) أي في تفسير هذه الآية (قوله رأى رفرفا أخضر قد
سد الأفق) هذا ظاهره يغاير التفسير السابق أنه رأى جبريل ولكن يوضح المراد ما أخرجه
النسائي والحاكم من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال أبصر نبي الله صلى
الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض فيجتمع
من الحديثين أن الموصوف جبريل والصفة التي كان عليها وقد وقع في رواية محمد بن فضيل عند
الإسماعيلي وفي رواية ابن عيينة عند النسائي كلاهما عن الشيباني عن زر عن عبد الله أنه رأى
جبريل له ستمائة جناح قد سد الأفق والمراد أن الذي سد الأفق الرفرف الذي فيه جبريل فنسب
جبريل إلى سد الأفق مجازا وفي رواية أحمد والترمذي وصححها من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن
ابن مسعود رأى جبريل في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض وبهذه الرواية يعرف
المراد بالرفرف وأنه حلة ويؤيده قوله تعالى متكئين على رفرف وأصل الرفرف ما كان من الديباج
رقيقا حسن الصنعة ثم اشتهر استعماله في الستر وكل ما فضل من شئ فعطف وثنى فهو
رفرف ويقال رفرف الطائر بجناحيه إذا بسطهما وقال بعض الشراح يحتمل أن يكون جبريل بسط أجنحته
فصارت تشبه الرفرف كذا قال والرواية التي أوردتها توضح المراد * (قوله باب
أفرأيتم اللات والعزى) ذكر فيه حديثين * أحدهما حديث ابن عباس وأبو الأشهب المذكور في
الاسناد هو جعفر بن حيان وأبو الجوزاء بالجيم الزاي هو أوس بن عبد الله والاسناد كله بصريون
(قوله في قوله اللات والعزى كان اللات رجلا يلت سويق الحاج) سقط في قوله لغير أبي ذر
وهذا موقوف على ابن عباس قال الإسماعيلي هذا التفسير على قراءة من قرأ اللات بتشديد التاء
(قلت) وليس ذلك بلازم بل يحتمل أن يكون هذا أصله وخفف لكثرة الاستعمال والجمهور على
القراءة بالتخفيف وقد روى التشديد عن قراءة ابن عباس وجماعة من أتباعه ورويت عن ابن
470

كثير أيضا والمشهور عنه التخفيف كالجمهور وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن مالك عن
أبي الجوزاء عن ابن عباس ولفظه فيه زيادة كان يلت السويق على الحجر فيشرب منه أحد
إلا سمن فعبدوه واختلف في اسم هذا الرجل فروى الفاكهي من طريق مجاهد قال كان رجل في
الجاهلية على صخرة بالطائف وعليها له غنم فكان يسلو من رسلها ويأخذ من زبيب الطائف
والأقط فيجعل منه حيسا ويطعم من يمر به من الناس فلما مات عبدوه وكان مجاهد يقرأ اللات
مشددة ومن طريق ابن جريج نحوه قال وزعم بعض الناس أنه عامر بن الظرب انتهى وهو بفتح
الظاء المشالة وكسر الراء ثم موحدة وهو العدواني بضم المهملة وسكون الدال وكان حكم العرب
في زمانه وفيه يقول شاعرهم * ومنا حكم يقضي ولا ينقض ما يقضي * وحكى السهيلي أنه
عمرو بن لحى بن قمعة بن إلياس بن مضر قال ويقال هو عمرو بن لحى وهو ربيعة بن حارثة وهو والد
خزاعة انتهى وحرف بعض الشراح كلام السهيلي وظن أن ربيعة بن حارثة قول آخر في اسم
اللات وليس كذلك وإنما ربيعة بن حارثة اسم لحي فيما قيل والصحيح أن اللات غير عمرو بن لحى
فقد أخرج الفاكهي من وجه آخر عن ابن عباس أن اللات لما مات قال لهم عمرو بن لحى إنه لم يمت
ولكنه دخل الصخرة فعبدوها وبنوا عليها بيتا وقد تقدم في مناقب قريش أن عمرو بن لحى هو
الذي حمل العرب على عبادة الأصنام وهو يؤيد هذه الرواية وحكى ابن الكلبي أن اسمه صرمة
ابن غنم وكانت اللات بالطائف وقيل بنخلة وقيل بعكاظ والأول أصح وقد أخرجه الفاكهي أيضا
من طريق مقسم عن ابن عباس قال هشام بن الكلبي كانت مناة أقدم من اللات فهدمها علي
عام الفتح بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت اللات أحدث من مناة فهدمها المغيرة بن شعبة
بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما أسلمت ثقيف وكانت العزي أحدث من اللات وكان الذي
اتخذه ظالم بن سعد بوادي نخلة فوق ذات عرق فهدمها خالد بن الوليد بأمر النبي صلى الله عليه
وسلم عام الفتح * الحديث الثاني (قوله فقال في حلفه) أي في يمينه وعند النسائي وابن ماجة وصححه
ابن حبان من حديث سعد بن أبي وقاص ما يشبه أن يكون سببا لحديث الباب فأخرجوا من
طريق مصعب بن سعد عن أبيه فقال كنا حديث عهد بجاهلية فحلفت باللات والعزى فقال لي
أصحابي بئس ما قلت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له
الحديث قال الخطابي اليمين إنما تكون بالمعبود المعظم فإذا حلف باللات ونحوها فقد ضاهى
الكفار فأمر أن يتدارك بكلمة التوحيد وقال ابن العربي من حلف بها جادا فهو كافر ومن
قالها جاهلا أو ذاهلا يقول لا إله إلا الله يكفر الله عنه ويرد قلبه عن السهو إلى الذكر ولسانه إلى الحق
وينفي عنه ما جرى به من اللغو (قوله ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق) قال الخطابي
أي بالمال الذي كان يريد أن يقامر به وقيل بصدقة ما لتكفر عنه القول الذي جرى على لسانه
قال النووي وهذا هو الصواب وعليه يدل ما في رواية مسلم فليتصدق بشئ وزعم بعض الحنفية
أنه يلزمه كفارة يمين وفيه ما فيه قال عياض في هذا الحديث حجة للجمهور أن العزم على المعصية إذا
استقر في القلب كان ذنبا يكتب عليه بخلاف الخاطر الذي لا يستمر (قلت) ولا أدري من أين أخذ
ذلك مع التصريح في الحديث بصدور القول حيث نطق بقوله تعال أقامرك فدعاه إلى المعصية
والقمار حرام باتفاق فالدعاء إلى فعله حرام فليس هنا عزم مجرد وسيأتي بقية شرحه في كتاب الايمان
471

والنذور ووقع الالمام بمسألة العزم في أواخر الرقاق في شرح حديث من هم بحسنة * (قوله
ومناة الثالثة الأخرى) سقط باب لغير أبي ذر وقد تقدم شرح مناة في سورة البقرة
وقرأ ابن كثير وابن محيصن مناءة بالمد والهمز (قوله قلت لعائشة رضي الله عنها فقالت) كذا
أورده مختصرا وتقدم في تفسير البقرة بيان ما قال وأنه سأل عن وجوب السعي بين الصفا والمروة
مع قوله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية وجواب عائشة له وفيه قولها إلى آخره (قوله
من أهل لمناة) أي لأجل مناة وفي رواية غير أبي ذر بمناة بالموحدة بدل اللام أي أهل عندها أو أهل
باسمها (قوله قال سفيان مناة بالمشلل) بفتح المعجمة واللام الثقيلة ثم لام ثانية وهو موضع من قديد
من ناحية البحر وهو الجبل الذي يهبط منه إليها (قوله من قديد) بالقاف والمهملة مصغر هو مكان
معروف بين مكة والمدينة (قوله وقال عبد الرحمن بن خالد) أي ابن مسافر (عن ابن شهاب) هو
الزهري وصله الذهلي والطحاوي من طريق عبد الله بن صالح عن الليث عن عبد الرحمن بطوله
(قوله نزلت في الأنصار كانوا هم وغسان قبل أن يسلموا يهلون لمناة مثله) أي مثل حديث ابن
عيينة الذي قبله وأخرج الفاكهي من طريق ابن إسحاق قال نصب عمرو بن لحى مناة على
ساحل البحر مما يلي قديد يحجونها ويعظمونها إذا طافوا بالبيت وأفاضوا من عرفات وفرغوا من
مني أتوا مناة فأهلوا لها فمن أهل لها لم يطف بين الصفا والمروة (قوله وقال معمر إلى آخره) وصله
الطبري عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق مطولا وقد تقدم الحديث بطوله من وجه آخر عن
الزهري في كتاب الحج (قوله صنم بين مكة والمدينة) قد تقدم بيان مكانه وهو بين مكة والمدينة
كما قال (قوله تعظيما لمناة نحوه) بقيته عند الطبري فهل علينا من حرج أن نطوف بهما الحديث
وفيه قال الزهري فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فذكر حديثه عن
رجال من أهل العلم وفي آخره نزلت في الفريقين كليهما من طاف ومن لم يطف * (قوله
باب فاسجدوا لله واعبدوا) في رواية الأصيلي واسجدوا وهو غلط (قوله سجد النبي
صلى الله عليه وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والانس تابعه بن طهمان عن
أيوب) في رواية أبي ذر إبراهيم بن طهمان (قوله ولم يذكر ابن علية ابن عباس) أما متابعة إبراهيم
ابن طهمان فوصلها الإسماعيلي من طريق حفص بن عبد الله النيسابوري عنه بلفظ أنه قال
حين نزلت السورة التي يذكر فيها النجم سجد لها الإنس والجن وقد تقدم ذكرها في سجود التلاوة
وأما حديث ابن علية فالمراد به أنه حدث به عن أيوب فأرسله وأخرجه ابن أبي شيبة عنه وهو مرسل
وليس ذلك بقادح لاتفاق ثقتين عن أيوب على وصله وهما عبد الوارث وإبراهيم بن طهمان
(قوله والجن والانس) إنما أعاد الجن والإنس مع دخولهم في المسلمين لنفي توهم اختصاص ذلك
بالانس وسأذكر ما فيه في الكلام على الحديث الذي بعده قال الكرماني سجد المشركون مع
المسلمين لأنها أول سجدة نزلت فأرادوا معارضة المسلمين بالسجود لمعبودهم أو وقع ذلك منهم بلا
قصد أو خافوا في ذلك المجلس من مخالفتهم (قلت) والاحتمالات الثلاثة فيها نظر والأول منها
لعياض والثاني يخالفه سياق ابن مسعود حيث زاد فيه أن الذي استثناه منهم أخذ كفا من حصى
فوضع جبهته عليه فإن ذلك ظاهر في القصد والثالث أبعد إذ المسلمون حينئذ هم الذين كانوا خائفين
من المشركين لا العكس قال وما قيل من أن ذلك بسبب إلقاء الشيطان في أثناء قراءة رسول الله
472

صلى الله عليه وسلم لا صحة له عقلا ولا نقلا انتهى ومن تأمل ما أوردته من ذلك في تفسير سورة
الحج عرف وجه الصواب في هذه المسألة بحمد الله تعالى (قوله عن عبد الله) هو ابن مسعود وأبو
أحمد المذكور في إسناده هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري (قوله أول سورة أنزلت فيها سجدة
والنجم قال فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لما فرغ من قراءتها وقد قدمت في تفسير
الحج من حديث ابن عباس بيان ذلك والسبب فيه ووقع في رواية زكريا عن أبي إسحاق في أول هذا
الحديث إن أول سورة استعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ على الناس النجم وله من
رواية زهير بن معاوية أول سورة قرأها على الناس النجم (قوله الا رجلا) في رواية شعبة في
سجود القرآن فما بقي أحد من القوم إلا سجد فأخذ رجل من القوم كفا من حصى وهذا ظاهره
تعميم سجودهم لكن روى النسائي بإسناد صحيح عن المطلب بن أبي وداعة قال قرأ النبي صلى الله
عليه وسلم بمكة والنجم فسجد وسجد من عنده وأبيت أن أسجد ولم يكن يومئذ أسلم قال المطلب فلا
أدع السجود فيها أبدا فيحمل تعميم بن مسعود على أنه بالنسبة إلى من اطلع عليه (قوله كفا
من تراب) في رواية شعبة كفا من حصى أو تراب (قوله فسجد عليه) في رواية شعبة فرفعه
إلى وجهه فقال يكفيني هذا (قوله فرأيته بعد ذلك قتل كافرا) في رواية شعبة قال عبد الله بن
مسعود فلقد رأيته بعد قتل كافرا (قوله وهو أمية بن خلف) لم يقع ذلك في رواية شعبة
وقد وافق إسرائيل على تسميته زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عند الإسماعيلي وهذا هو المعتمد
وعند ابن سعد أن الذي لم يسجد هو الوليد بن المغيرة قال وقيل سعيد بن العاص بن أمية قال وقال
بعضهم كلاهما جميعا وجزم ابن بطال في باب سجود القرآن بأنه الوليد وهو عجيب منه مع
التصريح بأن أمية بن خلف ولم يقتل ببدر كافرا من الذين سموا عنده غيره ووقع في تفسير ابن حبان
أنه أبو لهب وفي شرح الاحكام لابن بزيزة أنه منافق ورد بان القصة وقعت بمكة بلا خلاف ولم يكن
النفاق ظهر بعد وقد جزم الواقدي بأنها كانت في رمضان سنة خمس وكانت المهاجرة الأولى إلى
الحبشة خرجت في شهر رجب فلما بلغهم ذلك رجعوا فوجد وهم على حالهم من الكفر فهاجروا
الثانية ويحتمل أن يكون الأربعة لم يسجدوا والتعميم في كلام بن مسعود بالنسبة إلى ما اطلع عليه
كما قلته في المطلب لكن لا يفسر الذي في حديث ابن مسعود إلا بأمية لما ذكرته والله أعلم
* (سورة اقتربت الساعة)
(بسم الله الرحمن الرحيم)
كذا لأبي ذر ولغيره اقتربت الساعة حسب وتسمى أيضا سورة القمر (قوله وقال مجاهد مستمر
ذاهب) وصله الفريابي من طريقه ولفظه في قوله اقتربت الساعة وانشق القمر قال رأوه منشقا
فقالوا هذا سحر ذاهب وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس فذكر الحديث المرفوع وفي
آخره تلا الآية إلى قوله سحر مستمر قال يقول ذاهب ومعنى ذاهب أي سيذهب ويبطل وقيل
سائر (قوله مزدجر متناهي) وصله الفريابي بلفظه عن مجاهد في قوله ولقد جاءهم من الانباء ما فيه
مزدجر قال هذا القرآن ومن طريق عمر بن عبد العزيز قال أحل فيه الحلال وحرم فيه الحرام
وقوله متناهي بصيغة الفاعل أي غاية في الزجر لا مزيد عليه (قوله وازدجر استطير جنونا)
وصله الفريابي بلفظه عن مجاهد فيكون من كلامهم معطوفا على قولهم مجنون وقيل هو من خبر
473

الله عن فعلهم أنهم زجروه (قوله دسر أضلاع السفينة) وصله الفريابي بلفظه من طريق ابن أبي
نجيح عن مجاهد وروى ابن المنذر وإبراهيم الحربي في الغريب من طريق حصين عن مجاهد عن ابن
عباس قال الألواح ألواح السفينة والدسر معاريضها التي تشبها السفينة ومن طريق علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس في قوله ودسر قال المسامير وبهذا جزم أبو عبيدة وقال عبد الرزاق عن معمر
عن قتادة الألواح مقاذيف السفينة والدسر دسرت بمسامير (قوله لمن كان كفر يقول كفر له جزاء
من الله) وصله الفريابي بلفظ لمن كان كفر بالله وهو يشعر بأنه قرأها كفر بفتحتين على البناء
للفاعل وسيأتي توجيه الأول (قوله محتضر يحضرون الماء) وصله الفريابي من طريق
مجاهد بلفظ يحضرون الماء إذا غابت الناقة (قوله وقال ابن جبير مهطعين النسلان الخبب
السراع) وصله ابن أبي حاتم من طريق شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير في قوله
مهطعين إلى الداع قال هو النسلان وقد تقدم ضبط النسلان في تفسير الصافات وقوله الخبب
بفتح المعجمة والموحدة بعدها أخرى تفسير النسلان والسراع تأكيد له وروى ابن المنذر
من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله مهطعين قال ناظرين وقال أبو عبيدة المهطع
المسرع (قوله وقال غيره فعاطى بيده فعقرها) في رواية غير أبي ذر فعاطها قال
ابن التين لا أعلم لقوله فعاطها وجها إلا أن يكون من المقلوب لان العطو التناول فكأنه قال
تناولها بيده (قلت) ويؤيده ما روى ابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عباس فتعاطى
فعقر تناول فعقر (قوله المحتظر كحظار من الشجر محترق) وصله ابن المنذر من طريق ابن جريج
عن عطاء عن ابن عباس مثله ومن طريق سعيد بن جبير قال التراب يسقط من الحائط وقال
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله كهشيم المحتظر قال كرماد محترق وروى الطبري من
طريق زيد بن أسلم قال كانت العرب تجعل حظارا على الإبل والمواشي من يبس الشوك فهو
المراد من قوله كهشيم المحتظر وروى الطبري من طريق سعيد بن جبير قال هو التراب المتناثر
من الحائط * (تنبيه) * حظار بكسر المهملة وبفتحها والظاء المشالة خفيفة (قوله وازدجر
افتعل من زجرت) هو قول الفراء وزاد بعده صارت تاء الافتعال فيه دالا (قوله كفر فعلنا به
وبهم ما فعلنا جزاء لما صنع بنوح وأصحابه) هو كلام الفراء بلفظه وزاد يقول أغرقوا لنوح
أي لأجل نوح وكفر أي أجحد ومحصل الكلام أن الذي وقع بهم من الغرق كان جزاء لنوح وهو
الذي كفر أي جحد وكذب فجوزي بذلك لصبره عليهم وقد قرأ حميد الأعرج جزاء لمن كان كفر
بفتحتين فاللام في لمن على هذا لقوم نوح (قوله مستقر عذاب حق) هو قول الفراء وعند ابن أبي
حاتم بمعناه عن السدي وعند عبد بن حميد عن قتادة في قوله عذاب مستقر استقر بهم إلى نار
جهنم ولابن أبي حاتم من طريق مجاهد قال وكل أمر مستقر قال يوم القيامة ومن طريق ابن
جريج قال مستقر بأهله (قوله ويقال الأشر المرح والتجبر) قال أبو عبيدة في قوله سيعلمون
غدا من الكذاب الأشر قال الأشر المرح والتجبر وربما كان من النشاط وهذا على قراءة الجمهور
وقرأ أبو جعفر بفتح المعجمة وتشديد الراء أفعل تفضيل من الشر وفي الشواذ قراءة أخرى والمراد
بقوله غدا يوم القيامة * (قوله باب وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا) سقطت
هذه الترجمة لغير أبي ذر ثم ذكر حديث انشقاق القمر من وجهين عن ابن مسعود وفيه فرقتين
474

ومن حديث ابن عباس انشق القمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبكر فيه هو ابن مضر
وجعفر هو ابن ربيعة ومن حديث أنس سأل أهل مكة أن يريهم آية وقد تقدم شرحه ومن وجه
آخر عن أنس انشق القمر فرقتين وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في أوائل السيرة النبوية
* (قوله باب تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر) زاد غير أبي ذر الآية التي بعدها وهي
التي تناسب قول قتادة المذكور فيه (قوله قال قتادة أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أوائل
هذه الأمة) وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بلفظه وزاد على الجردي وأخرج ابن أبي حاتم
من طريق سعيد عن قتادة قال أبقى الله السفينة في أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظر إليها أوائل
هذه الأمة نظرا وكم من سفينة بعدها فصارت رمادا (قوله عن الأسود) في الرواية التي بعده
ما يدل على سماع أبي إسحاق له منه (قوله أنه كان يقرأ فهل من مدكر) أي بالدال المهملة
وسبب ذكر ذلك أن بعض السلف قرأها بالمعجمة وهو منقول أيضا عن قتادة ثم ذكر المصنف
لهذا الحديث خمس تراجم في كل ترجمة آية من هذه السورة ومدار الجميع على أبي إسحاق
عن الأسود بن يزيد وساق في الجميع الحديث المذكور ليبين أن لفظ مدكر في الجميع واحد وقد
تكرر في هذه السورة قوله فهل من مدكر بحسب تكرر القصص من أخبار الأمم استدعاء
لافهام السامعين ليعتبروا وقال في الأولى وقال مجاهد يسرنا هونا قراءته وقال في الثانية
عن أبي إسحاق أنه سمع رجلا سأل الأسود فهل من مدكر أو مذكر أي بمعجمة أو مهملة فذكر
الحديث وفي آخره دالا أي مهملة ولفظ الثالث والرابع كالأول ولفظ الخامس عن عبد الله
قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم فهل من مذكر أي بالمعجمة فقال فهل من مدكر أي بالمهملة
وأثر مجاهد وصله الفريابي وسيأتي في التوحيد وقوله مدكر أصله متذكر بمثناة بعد ذال معجمة
فأبدلت التاء دالا مهملة ثم أهملت المعجمة لمقاربتها ثم أدغمت وقوله في الطريق الرابع
حدثنا محمد حدثنا غندر كذا وقع محمد غير منسوب وهو ابن المثنى أو ابن بشار أو ابن الوليد البسري وقد
أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن بشار بندار وقوله في الخامسة حدثنا يحيى هو ابن موسى
* (قوله باب قوله سيهزم الجمع الآية) ذكر فيه حديث ابن عباس في قصة بدر وقد تقدم
بيانه في المغازي وقوله حدثنا محمد بن حوشب هو محمد بن عبد الله نسب لجده وثبت كذلك لغير أبي
ذر وقوله ح وحدثني محمد حدثنا عفان بن مسلم كذا للأكثر ومحمد هو الذهلي وسقط لابن السكن
475

فصار عن البخاري حدثنا عفان * (تنبيه) * هذا من مرسلات ابن عباس لأنه لم يحضر القصة
وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة أن عمر قال لما نزلت سيهزم الجمع ويولون
الدبر جعلت أقول أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع
وهو يقول سيهزم الجمع الآية فكأن ابن عباس حمل ذلك عن عمر وكان عكرمة حمله عن ابن عباس
عن عمر وقد أخرج مسلم من طريق سماك بن الوليد عن ابن عباس حدثني عمر ببعضه * (قوله
باب قوله بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر يعني من المرارة) هو قول الفراء
قال في هذه الآية معناه أشد عليهم من عذاب يوم بدر وأمر من المرارة (قوله يوسف بن ماهك)
تقدم ذكره قريبا في سورة الأحقاف (قوله اني عند عائشة أم المؤمنين قالت لقد نزل على محمد)
كذا ذكره هنا مختصرا وفيه قصة حذفها وسيأتي مطولا في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى ثم ذكر
فيه حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي قبله وإسحاق شيخه فيه هو ابن شاهين وخالد الأول
هو الطحان والذي فوقه هو خالد الحذاء
* (قوله سورة الرحمن) *
كذا لهم زاد أبو ذر البسملة والأكثر عدوا الرحمن آية وقالوا هو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ
محذوف الخبر وقيل تمام الآية علم القرآن وهو الخبر (قوله وقال مجاهد بحسبان كحسبان الرحى)
ثبت هذا لأبي ذر وحده وقد تقدم في بدء الخلق بأبسط منه (قوله وقال غيره وأقيموا الوزن يربد
لسان الميزان) سقط وقال غيره لغير أبي ذر وهذا كلام الفراء بلفظه وقد أخرج ابن أبي حاتم من
طريق أبي المغيرة قال رأى ابن عباس رجلا يزن قد أرجح فقال أقم اللسان كما قال الله تعالى
وأقيموا الوزن بالقسط وأخرج ابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال وأقيموا الوزن
بالقسط قال اللسان (قوله والعصف بقل الزرع إذا قطع منه شئ قبل أن يدرك فذلك العصف
والريحان رزقه والحب الذي يؤكل منه والريحان في كلام العرب الرزق) هو كلام الفراء
أيضا لكن ملخصا ولفظه العصف فيما ذكروا بقل الزرع لان العرب تقول خرجنا نعصف الزرع
إذا قطعوا منه شيئا قبل أن يدرك والباقي مثله لكن قال والريحان رزقه وهو الحب الخ
وزاد في آخره قال ويقولون خرجنا نطلب ريحان الله وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن
عباس قال العصف ورق الزرع الأخضر الذي قطعوا رؤوسه فهو يسمى العصف إذا يبس ولابن أبي
حاتم من وجه آخر عن ابن عباس العصف أول ما يخرج الزرع بقلا (قوله وقال بعضهم العصف
يريد المأكول من الحب والريحان النضيج الذي لم يؤكل) هو بقية كلام الفراء بلفظه ولابن أبي
حاتم من طريق الضحاك قال العصف البر والشعير ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال
الريحان حين يستوي الزرع على سوقه ولم يسنبل (قوله وقال غيره العصف ورق الحنطة) كذا
لأبي ذر وفي رواية غيره وقال مجاهد العصف ورق الحنطة والريحان الرزق وقد وصله الفريابي
من طريق ابن أبي نجيح عنه مفرقا قال العصف ورق الحنطة والريحان الرزق (قوله وقال
الضحاك العصف التبن) وصله ابن المنذر من طريق الضحاك بن مزاحم أخرجه ابن أبي حاتم من
476

طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله (قوله
وقال أبو مالك العصف أول ما ينبت تسمية النبط هبورا) وصله عبد بن حميد من طريق إسماعيل
ابن أبي خالد عن أبي مالك بهذا وأبو مالك هو الغفاري كوفي تابعي ثقة قال أبو زرعة لا يعرف
اسمه وقال غيره اسمه غزوان بمعجمتين وليس له في البخاري إلا هذا الموضع والنبط بفتح النون
والموحدة ثم طاء مهملة هم أهل الفلاحة من الأعاجم وكانت أماكنهم بسواد العراق والبطائح
وأكثر ما يطلق على أهل الفلاحة ولهم فيها معارف اختصوا بها وقد جمع أحمد بن وحشية في كتاب
الفلاحة من ذلك أشياء عجيبة وقوله هبورا بفتح الهاء وضم الموحدة الخفيفة وسكون الواو بعدها
راء هو دقاق الزرع بالنبطية وقد قال بن عباس في قوله تعالى كعصف مأكول قال هو الهبور
* (تنبيه) * قرأ الجمهور والريحان بالضم عطفا على الحب وقرأ حمزة والكسائي بالخفض عطفا
على العصف وذكر الفراء أن هذه الآية فمصاحف أهل الشام والحب ذا العصف بعد الذال
المعجمة ألف قال ولم أسمع أحدا قرأ بها وأثبت غيره أنها قراءة ابن عامر بل المنقول عن ابن عامر
نصب الثلاثة الحب وذا العصف والريحان فقيل عطف على الأرض لان معنى وضعها جعلها
فالتقدير وجعل الحب الخ أو نصبه بخلق مضمرة قال الفراء ونظير ما وقع في هذا الموضع ما وقع في
مصاحف أهل الكوفة والجار ذا القربى والجار الجنب قال ولم يقرأ بها أيضا أحد انتهى وكأنه
نفي المشهور وإلا فقد قرئ بها أيضا في الشواذ (قوله والمارج اللهب الأصفر والأخضر الذي
يعلو النار إذا أوقدت) وصله الفريابي من طريق مجاهد بهذا الاسناد وسيأتي له تفسير آخر (قوله
وقال بعضهم عن مجاهد رب المشرقين الخ) وصله الفريابي أيضا وأخرج ابن المنذر من طريق
علي بن أبي طلحة وسعيد بن منصور من طريق أبي ظبيان كلاهما عن ابن عباس قال للشمس مطلع
في الشتاء ومغرب ومطلع في الصيف ومغرب وأخرج عبد الرزاق من طريق عكرمة مثله وزاد
قوله ورب المشارق والمغارب لها في كل يوم مشرق ومغرب ولابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن
عباس قال المشرقين مشرق الفجر ومشرق الشفق والمغربين مغرب الشمس ومغرب الشفق
(قوله لا يبغيان لا يختلطان) وصله الفريابي من طريق مجاهد وأخرج ابن أبي حاتم من طريق
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال بينهما من البعد ما لا ينبغي كل واحد منهما على صاحبه وتقدير
قوله على هذا (1) يلتقيان أي أن يلتقيا وحذف أن سائغ وهو كقوله ومن آياته يريكم البرق وهذا
يقوي قول من قال أن المراد بالبحرين بحر فارس وبحر الروم لان مسافة ما بينهما ممتدة والحلو
وهو بحر النيل أو الفرات مثلا يصب في الملح فكيف يسوغ نفي اختلاطهما أو يقال بينهما بعد
لكن قوله تعالى وهو الذي مرج البحري هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج يرد على
هذا فلعل المراد بالبحرين في الموضعين مختلف ويؤيده قول ابن عباس هنا قوله تعالى في هذا
الموضع يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فإن اللؤلؤ يخرج من بحر فارس والمرجان يخرج من بحر
الروم وأما النيل فلا يخرج منه لا هذا ولا هذا وأجاب من قال المراد من الآيتين متحد والبحران
هنا العذب والملح بأن معنى قوله منهما أي من أحدهما كما في قوله تعالى على رجل من القريتين
وحذف المضاف سائغ وقيل بل قوله منهما على حاله والمعنى أنهما يخرجان من الملح في الموضع الذي
يصل إليه العذب وهو معلوم عند الغواصين فكأنهما لما التقيا وصارا كالشئ الواحد قيل يخرج
477

منهما وقد اختلف في المراد بالمرجان فقيل هو المعروف بين الناس الآن وقيل اللؤلؤ كبار الجوهر
والمرجان صغاره وقيل بالعكس وعلى هذا يكون المراد بحر فارس فإنه هو الذي يخرج منه اللؤلؤ
والصدف يأوي إلى المكان الذي ينصب فيه الماء العذب كما تقدم والله أعلم (قوله المنشآت ما رفع
قلعه من السفن فأما ما لم يرفع قلعه فليس بمنشآت) وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظه لكن
قال منشأة بالافراد والقلع بكسر القاف وسكون اللام ويجوز فتحه ومنشآت بفتح الشين المعجمة
في قراءة الجمهور اسم مفعول وقرأ حمزة وعاصم في رواية لأبي بكر عنه بكسرها أي المنشئة هي
للسير ونسبه ذلك إليها مجازية (قوله وقال مجاهد كالفخار كما يصنع الفخار) وصله الفريابي من
طريقه (قوله الشواظ لهب من نار) تقدم في صفة النار من بدء الخلق وكذا تفسير النحاس (قوله
خاف مقام ربه يهم بالمعصية فيذكر الله عز وجل فيتركها) وصله الفريابي وعبد الرزاق جميعا من
طريق منصور عن مجاهد بلفظ إذا هم بمعصية يذكر مقام الله عليه فيتركها (قوله مدهامتان
سوداوان من الري) وصله الفريابي وقد تقدم في بدء الخلق (قوله صلصال طين خلط برمل
فصلصل الخ) تقدم في أول بدء الخلق وسقط لأبي ذر هنا (قوله فيهما فاكهة ونخل ورمان قال
بعضهم ليس الرمان والنخل بالفاكهة وأما العرب فإنها تعدهما فاكهة كقوله عز وجل حافظوا
على الصلوات والصلاة الوسطى الخ) قال شيخنا بن الملقن البعض المذكور هو أبو حنيفة وقال
الكرماني قيل أراد به أبا حنيفة (قلت) بل نقل البخاري هذا الكلام من كلام الفراء ملخصا
ولفظه قوله تعالى فيهما فاكهة ونخل ورمان قال بعض المفسرين ليس الرمان ولا النخل من
الفاكهة قال وقد ذهبوا في ذلك مذهبا (قلت) فنسبه الفراء لبعض المفسرين وأشار إلى توجيهه
ثم قال ولكن العرب تجعل ذلك فاكهة وإنما ذكرا بعد الفاكهة كقوله تعالى حافظوا على
الصلوات والصلاة الخ والحاصل أنه من عطف الخاص على العام كما في المثالين اللذين ذكرهما
واعترض بان قوله هنا فاكهة نكرة في سياق الاثبات فلا عموم وأجيب بأنها سيقت في مقام
الامتنان فتعم أو المراد بالعام هنا ما كان شاملا لما ذكر بعده وقد وهم بعض من تكلم على
البخاري فنسب البخاري للوهم وما علم أنه تبع في ذلك كلام إمام من أئمة اللسان العربي وقد
وقع لصاحب الكشاف نحو ما وقع للفراء وهو من أئمة الفن البلاغي فقال فإن قلت لم عطف
النخل والرمان على الفاكهة وهما منها (قلت) اختصاصا وبيانا لفاضلهما كأنهما لما كان لهما
من المزية جنسان آخران كقوله وجبريل وميكال بعد الملائكة (قوله وقال غيره أفنان
أغصان وجنى الجنتين دان ما يجتني قريب) سقط هذا لأبي ذر هنا وقد تقدم في صفة الجنة (قوله
وقال الحسن فبأي آلاء نعمه) وصله الطبري من طريق سهل السراج عن الحسن (قوله وقال
قتادة ربكما تكذبان يعني الجن والإنس) وصله ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة (قوله وقال أبو الدرداء كل يوم هو في شأن يغفر ذنبا ويكشف كربا ويرفع قوما ويضع
آخرين) وصله المصنف في التاريخ وابن حبان في الصحيح وابن ماجة وابن أبي عاصم والطبراني
عن أبي الدرداء مرفوعا وأخرجه البيهقي في الشعب من طريق أم الدرداء عن أبي الدرداء
موقوفا وللمرفوع شاهد آخر عن ابن عمر أخرجه البزار وآخر عن عبد الله بن منيب أخرجه
الحسن بن سفيان والبزار وابن جرير والطبراني (قوله وقال ابن عباس برزخ حاجز الأنام
478

الخلق نضاختان فياضتان) تقدم كله في بدء الخلق (قوله ذو الجلال العظمة) هو من كلام ابن
عباس وسيأتي في التوحيد وقرأ الجمهور ذو الجلال الأولى بالواو صفة للوجه وفي قراءة ابن
مسعود ذي الجلال بالياء صفة للرب وقرأ الجمهور الثانية كذلك إلا ابن عامر فقرأها أيضا بالواو
وهي في مصحف الشام كذلك (قوله وقال غيره مارج خالص من النار يقال مرج الأمير رعيته
إذا خلاهم يعدو وبعضهم على بعض الخ) سقط قوله مريج مختلط من رواية أبي ذر وقوله
مرج اختلط في رواية غير أبي ذر مرج البحرين اختلط البحران وقد تقدم جميع ذلك في صفة
النار من بدء الخلق (قوله سنفرغ لكم سنحاسبكم لا يشغله شئ عن شئ) هو كلام أبي عبيدة
أخرجه ابن المنذر من طريقه وأخرج من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال هو وعيد من
الله لعباده وليس بالله شغل وهو معروف في كلام العرب يقال لأتفرغن لك وما به شغل
كأنه يقول لآخذنك على غرة * (قوله باب قوله ومن دونهما جنتان) سقط باب قوله
لغير أبي ذر قال الترمذي الحكيم المراد بالدون هنا القرب أي وقربهما جنتان أي هما أدنى إلى
العرش وأقرب وزعم إنهما أفضل من اللتين قبلهما وقال غيره معنى دونهما بقربهما وليس فيه
تفضيل وذهب الحليمي إلى أن الأوليين أفضل من اللتين بعدهما ويدل عليه تفاوت ما بين الفضة
والذهب وقد روى ابن مردويه من طريق حماد عن أبي عمران في هذا الحديث قال من ذهب
للسابقين ومن فضة للتابعين وفي رواية ثابت عن أبي بكر من ذهب للمقربين ومن فضة لأصحاب
اليمين (قوله العمى) بفتح المهملة وتشديد الميم وأبو عمران الجوني بفتح الجيم وسكون الواو
بعدها نون هو عبد الملك بن حبيب (قوله عن أبيه) هو أبو موسى الأشعري (قوله جنتان من
فضة) وفي رواية الحرث بن عبيد عن أبي عمران الجوني في أول هذا الحديث جنان الفردوس
أربع ثنتان من ذهب الخ (قوله وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم الخ) يأتي البحث فيه
في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى وقوله في جنة عدن متعلق بمحذوف وهو في موضع الحال من
القوم فكأنه قال كائنين في جنة عدن * (قوله باب حور مقصورات في الخيام)
أي محبوسات ومن ثم سموا البيت الكبير قصرا لأنه يحبس من فيه (قوله وقال ابن عباس حور
سود الحدق) في رواية ابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس الحور سواد الحدقة (قوله
وقال مجاهد مقصورات محبوسات قصرن طرفهن وأنفسهن على أزواجهن قاصرات لا يبغين
غير أزواجهن) وصله الفريابي وتقدم في بدء الخلق (قوله عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه)
هو أبو موسى الأشعري (قوله إن في الجنة خيمة) أي المراد بقوله في الآية في الخيام والخيام جمع
خيمة والمذكور في الحديث صفتها (قوله مجوفة) أي واسعة الجوف (قوله في كل زاوية منها أهل)
في رواية مسلم أهل للمؤمن (قوله ستون ميلا) تقدم الكلام عليه في صفة الجنة وأخرج عبد
ابن حميد عن ابن عباس قال الخيمة ميل في ميل والميل ثلث الفرسخ (قوله يطوف عليهم المؤمنون)
قال الدمياطي صوابه المؤمن بالافراد وأجيب بجواز أن يكون من مقابلة المجموع بالمجموع
(قوله وجنتان من فضة) هذا معطوف على شئ محذوف تقديره هذا للمؤمن أو هو من صنيع
479

الراوي وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم جنتان الخ وقد تقدم شرح ذلك في الباب
الذي قبله
* (قوله سورة الواقعة) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
سقطت البسملة لغير أبي ذر والمراد بالواقعة القيامة (قوله وقال مجاهد رجت زلزلت) وصله
الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله (قوله
بست فتت ولتت كما يلت السويق) وصله الفريابي من طريق مجاهد بنحوه وعند أبي عبيدة
بست كالسويق المبسوس بالماء وعند ابن أبي حاتم من طريق منصور عن مجاهد قال لنت لنا
ومن طريق الضحاك عن ابن عباس قال فتت فتا (قوله المخضود لا شوك له) كذا لأبي ذر ولغيره
المخضود الموقر حملا ويقال أيضا الخ تقدم بيانه في صفة الجنة من بدء الخلق (قوله منضود الموز)
سقذ هذا لأبي ذر وقد تقدم في صفة الجنة أيضا (قوله والعرب المحببات إلى أزواجهن) تقدم
في صفة أهل الجنة أيضا وقال بن عيينة في تفسيره حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عربا
أترابا قال هي المحببة إلى زوجها (قوله ثلة أمة) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد
به وقال أبو عبيدة الثلة الجماعة والثلة البقية وعند ابن أبي حاتم من طريق ميمون بن مهران في
قوله ثلة قال كثير (قوله يحموم دخان أسود) وصله الفريابي أيضا كذلك وأخرجه سعيد بن
منصور والحاكم من طريق يزيد بن الأصم عن ابن عباس مثله وقال أبو عبيدة في قوله وظل من
يحموم من شدة سواده يقال أسود يحموم فهو وزن يفعول من الحمم (قوله يصرون يديمون)
وصله الفريابي أيضا لكن لفظه يدمنون بسكون الدال بعدها ميم ثم نون وعند ابن أبي حاتم من
طريق السدي قال يقيمون (قوله الهيم الإبل الظماء) سقط هنا لأبي ذر وقد تقدم في البيوع
(قوله لمغرمون لملزمون) وصله ابن أبي حاتم من طريق شعبة عن قتادة وعند الفريابي من طريق
مجاهد ملقون للشر (قوله مدينين محاسبين) تقدم في تفسير الفاتحة (قوله روح جنة ورخاء)
سقط هنا لأبي ذر وقد تقدم في صفة الجنة (قوله وريحان الرزق) تقدم في تفسير الرحمن قريبا
(قوله وقال غيره تفكهون تعجبون) هو قول الفراء قال في قوله تعالى فظلتم تفكهون أي تتعجبون
مما نزل بكم في زرعكم قال ويقال معناه تندمون (قلت) وهو قول مجاهد أخرجه ابن أبي حاتم
وأخرجه ابن المنذر من طريق الحسن مثله وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة هو شبه المتندم
(قلت) تفكه بوزن تفعل وهو كتأثم أي ألقى الاثم فمعنى تفكه أي ألقى عنه الفاكهة وهو حال من
دخل في الندم والحزن (قوله عربا مثقلة واحدها عروب إلى قوله الشكلة) سقط هنا لأبي ذر
وتقدم في صفة الجنة (قوله وننشئكم فيما لا تعلمون أي في أي خلق تشاء تقدم) في بدء الخلق
وسقط فيما لا تعلمون هنا لأبي ذر (قوله وفرش مرفوعة بعضها فوق بعض) هو قول مجاهد
وتقدم أيضا في صفة الجنة (قوله والكوب الخ وكذا قوله مسكوب جار) سقط كله لأبي ذر هنا
وتقدم في صفة الجنة (قوله موضوعة منسوجة ومنه وضين الناقة) سقط هنا لأبي ذر وقد تقدم في
صفة الجنة أيضا (قوله وقال في خافضة لقوم إلى النار ورافعة لقوم إلى الجنة) قال الفراء في قوله
تعالى خافضة رافعة قال خافضة لقوم إلى النار رافعة لقوم إلى الجنة وعن محمد بن كعب خفضت
480

أقواما كانوا في الدنيا مرتفعين ورفعت أقوالها كانوا في الدنيا منخفضين وأخرجه سعيد بن منصور
وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله خافضة رافعة قال شملت القريب والبعيد حتى
خفضت أقواما في عذاب الله ورفعت أقواما في كرامة الله وروى ابن أبي حاتم من طريق سماك
عن عكرمة عن ابن عباس نحوه ومن طريق عثمان بن سراقة عن خاله عمر بن الخطاب نحوه ومن
طريق السدي قال خفضت المتكبرين ورفعت المتواضعين (قوله مترفين متنعمين) كذا
للاكث بمثناة قبل النون وبعد العين ميم وللكشميهني متمتعين بميم قبل المثناة من التمتع كذا في
رواية النسفي والأول هو الذي وقع في معاني القرآن للفراء ومن نقل المصنف ولابن أبي حاتم من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس منعمين (قوله ما تمنون هي النطف يعني في أرحام النساء)
تقدم في بدء الخلق قال الفراء قوله أفرأيتم ما تمنون يعني النطف إذا قذفت في أرحام النساء أأنتم
تخلقون تلك النطف أم نحن (قوله للمقوين للمسافرين وألقى القفر) سقط هنا لأبي ذر وقد
تقدم في بدء الخلق أيضا (قوله بموانع النجوم بمحكم القرآن) قال الفراء حدثنا فضيل بن عياض عن
منصور عن المنهال بن عمرو قال قرأ عبد الله فلا أقسم بمواقع النجوم قال بمحكم القرآن وكان ينزل
على النبي صلى الله عليه وسلم نجوما وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله بمواقع النجوم
قال بمنازل النجوم قال وقال الكلبي هو القرآن أنزل نجوما انتهى ويؤيده ما أخرج النسائي
والحاكم من طريق حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال نزل القرآن جميعا ليلة القدر
إلى السماء ثم فصل فنزل في السنين وذلك قوله فلا أقسم بمواقع النجوم (قوله ويقال بمسقط
النجوم إذا سقطن ومواقع وموقع واحد) هو كلام الفراء أيضا بلفظه ومراده أن مفادهما واحد
وأن كان أحدهما جمعا والآخر مفردا لكن المفرد المضاف كالجمع في إفادة التعدد وقرأها بلفظ
الواحد حمزة والكسائي وخلف وقال أبو عبيدة مواقع النجوم مساقطها حيث تغيب (قوله
مدهنون مكذبون مثل لو تدهن فيدهنون) قال الفراء في قوله أفهذا الحديث أنتم مدهنون
أي مكذبون وكذلك فقوله ودوا لو تدهن فيدهنون أي لو تكفر فيكفرون كل قد سمعته قد أدهن
أي كفر وقال أبو عبيدة مدهنون وأحدها مدهن وهو المداهن (قوله فسلام لك أي مسلم لك
إنك من أصحاب اليمين وألغيت إن وهو معناها كما تقول أنت مصدق ومسافر عن قليل إذا كان
قد قال إني مسافر عن قليل) هو كلام الفراء بلفظه لكن قال أنت مصدق مسافر بغير واو وهو
للوجه والتقدير أنت مصدق إنك مسافر ويؤيد ما قال الفراء ما أخرج ابن المنذر من طريق عطاء
عن ابن عباس قال تأتيه الملائكة من قبل الله سلام لك من أصحاب اليمين تخبره أنه من أصحاب
اليمين (قوله وقد يكون كالدعاء له كقولك فسقيا من الرجال إن رفعت السلام فهو من الدعاء)
هو كلام الفراء أيضا بلفظه لكنه قال وأن رفعت السلام فهو دعاء (قوله تورون تستخرجون
أوريت أوقدت) سقط هنا لأبي ذر وقد تقدم في صفة النار من بدء الخلق (قوله لغوا باطلا تأثيما
كذبا) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله لغوا باطلا وفي قوله
ولا تأثيما قال كذبا (قوله باب قوله وظل ممدود) ذكر فيه حديث أبي هريرة أن في
الجنة شجرة وقد تقدم شرحه في صفة الجنة من بدء الخلق
* (قوله سورة الحديد والمجادلة) *
481

* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر ولغيره الحديد حسب وهو أولى (قوله وقال مجاهد جعلكم مستخلفين معمرين
فيه) سقط هذا لأبي ذر وقد وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد وقال الفراء
مستخلفين فيه يريد مملكين فيه وهو رزقه وعطيته (قوله من الظلمات إلى النور من الضلالة إلى
الهدى) سقط هذا أيضا لأبي ذر وقد وصله الفريابي أيضا (قوله فيه بأس شديد ومنافع للناس
جنة وسلاح) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه بهذا وجنة بضم الجيم وتشديد النون
أي ستر (قوله مولاكم أولى بكم) قال الفراء في قوله تعالى مأواكم النار هي مولاكم يعني أولى بكم
وكذا قال أبو عبيدة وفي بعض نسخ البخاري هو أولي بكم وكذا هو في كلام أبي عبيدة وتعقب
ويجاب عنه بأنه يصح على إرادة المكان (قوله أنظرونا انتظرونا) قال الفراء قرأ يحيى بن وثاب
والأعمش وحمزة أنظرونا بقطع الألف من أنظرت والباقون على الوصل ومعنى انظرونا انتظرونا
ومعنى أنظرونا يعني بالقطع أخرونا وقد تقول العرب أنظرني يعني بالقطع يريد انتظرني قليلا
قال الشاعر
أبا هند فلا تعجل علينا * وأنظرنا نخبرك اليقينا
(قوله لئلا يعلم أهل الكتاب ليعلم أهل الكتاب) هو قول أبي عبيدة وقال الفراء العرب تجعل
لا صلة في الكلام إذا دخل في أوله جحد أو في آخره جحد كهذه الآية وكقوله ما منعك أن لا تسجد
إذ أمرتك انتهى وحكى عن قراءة ابن عباس والجحدري ليعلم وهو يؤيد كونها مزيدة وأما قراءة
مجاهد لكيلا فهي مثل لئلا (قوله يقال الظاهر على كل شئ علما الخ) يأتي في التوحيد وأنه كلام
يحيى الفراء
* (قوله سورة المجادلة) *
كذا للإسماعيلي وأبي نعيم وللنسفي المجادلة وسقط لغيرهم (قوله يحادون يشاقون) وصله
الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله
يحادون الله قال يعادون الله ورسوله (قوله كبتوا أخزوا) كذا لأبي ذر وفي رواية النسفي
أحزنوا وكأنها بالمهملة والنون ولابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة خزوا كما خزي الذين
من قبلهم ومن طريق مقاتل بن حيان أخزوا وقال أبو عبيدة كبتوا أهلكوا (قوله استحوذ
غلب) أي غلبهم الشيطان هو قول أبي عبيدة وحكى عن قراءة عمر رضي الله عنه استحاذ بوزن
استقام * (تنبيه) * لم يذكر في تفسير الحديد حديثا مرفوعا ويدخل فيه حديث ابن مسعود لم يكن
بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله إلا أربع
سنية أخرجه مسلم من طريق عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه عن عمه وكذا سورة
المجادلة ولم يخرج فيها حديثا مرفوعا ويدخل فيها حديث التي ظاهر منها زوجها وقد أخرجه
النسائي وأورد منه البخاري طرفا في كتاب التوحيد معلقا
* (قوله سورة الحشر) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
482

كذا لأبي ذر (قوله الجلاء الاخراج من أرض إلى أرض) هو قول قتادة أخرجه ابن أبي حاتم من
طريق سعيد عنه وقال أبو عبيدة يقال الجلاء والاجلاء جلاه أخرجه وأجليته أخرجته
والتحقيق أن الجلاء أخص من الاخراج لان الجلاء ما كان مع الأهل والمال والاخراج أعم منه
(قوله حدثنا محمد بن عبد الرحيم) تقدم هذا الحديث مختصرا بإسناده ومتنه في تفسير سورة
الأنفال مقتصرا على ما يتعلق بها وتقدم في المغازي (قوله سورة التوبة قال التوبة) هو
استفهام إنكار بدليل قوله هي الفاضحة ووقع في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن هشيم
سورة التوبة قال بل سورة الفاضحة (قوله ما زالت تزل ومنهم ومنهم) أي كقوله ومنهم من عاهد الله
ومنهم من يلمزك في الصدقات ومنهم الذين يؤذون النبي (قوله لم تبق) في رواية الكشميهني لن
تبقى وهي أوجه لان الرواية الأولى تقتضي استيعابهم بما ذكر من الآيات بخلاف الثانية فهي
أبلغ وفي رواية الإسماعيلي أنه لا يبقى (قوله سورة الحشر قال قل سورة النضير) كأنه كره تسميتها
بالحشر لئلا يظن أن المراد يوم القيامة وإنما المراد به هنا إخراج بني النضير * (قوله باب
قوله قطعتم من لينة نخلة ما لم تكن عجوة أو برينة) قال أبو عبيدة في قوله تعالى ما قطعتم من لينة
أي من نخلة وهي من الألوان ما لم تكن عجوة أو برنية إلا أن الواو ذهبت بكسر اللام وعند
الترمذي من حديث ابن عباس اللينة النخلة في أثناء حديث وروى سعيد بن منصور من طريق
عكرمة قال اللينة ما دون العجوة وقال سفيان هي شديدة الصفرة تنشق عن النوى * (قوله
باب قوله ما أفاء الله على رسوله) تقدم في تفسير الفئ والفرق بينه وبين الغنيمة في أواخر
الجهاد (قوله عن عمرو) هو ابن دينار (قوله عن الزهري) ووقع في رواية مسلم من رواية ابن
ماهان عن عمرو بن دينار عن مالك بن أوس بغير ذكر الزهري وهو خطأ من الناسخ وثبت لباقي
الرواة بذكر الزهري وقد تقدم الكلام على حديث الباب مبسوطا في فرض الخمس * (قوله
باب وما آتاكم الرسول فخذوه) أي وما أمركم به فافعلوه لأنه قابله بقوله وما نهاكم عنه
فانتهوا (قوله عن عبد الله) هو ابن مسعود قال لمن الله الواشمات سيأتي شرحه في كتاب اللباس
(قوله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب) لا يعرف اسمها وقد أدركها عبد الرحمن بن
عابس كما في الطريق التي بعده (قوله أما فرأت وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
قالت بلى قال فإنه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (قد نهى) بفتح الهاء وإنما ضبطت هذا خشية أن
483

يقرأ بضم النون وكسر الهاء على البناء للمجهول على أن الهاء في أنه ضمير الشأن لكن السياق
يرشد إلى ما قررته وفي هذا الجواب نظر لأنها استشكلت اللعن ولا يلزم من مجرد النهي لعن من لم
يمتثل لكن يحمل على أن المراد في الآية وجوب امتثال قول الرسول وقد نهى عن هذا الفعل فمن
فعله فهو ظالم وفي القرآن لعن الظالمين ويحتمل أن يكون بن مسعود سمع اللعن من النبي صلى الله
عليه وسلم كما في بعض طرقه (قوله أهلك يفعلونه) هي زينب بنت عبد الله الثقفية (قوله فلم تر
من حاجتها شيئا) أي من الذي ظنت أن زوج ابن مسعود تفعله وقيل كانت المرأة رأت ذلك حقيقة
وإنما ابن مسعود أنكر عليها فأزالته فلهذا لما دخلت المرأة لم تر ما كانت رأت قبل ذلك (قوله
ما جامعتها) يحتمل أن يكون المراد بالجماع الوطئ أو الاجتماع وهو أبلغ ويؤيده قوله في رواية
الكشميهني ما جامعتنا وللإسماعيلي ما جامعتنا واستدل بالحديث على جواز لعن من اتصف
بصفة لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتصف بها لأنه لا يطلق ذلك إلا على من يستحقه
وأما الحديث الذي أخرجه مسلم فإنه قيد فيه بقوله ليس بأهل أي عندك لأنه إنما لعنه لما ظهر له
من استحقاقه وقد يكون عند الله بخلاف ذلك فعلى الأول يحمل قوله فاجعلها له زكاة ورحمة
وعلى الثاني فيكون لعنه زيادة في شقوته وفيه أن المعين على المعصية يشارك فاعلها في الاثم
* (قوله باب والذين تبوؤا الدار والايمان) أي استوطنوا المدينة وقيل نزلوا فعلى
الأول يختص بالأنصار وهو ظاهر قول عمر وعلى الثاني يشملهم ويشمل المهاجرين السابقين
ذكر فيه طرفا من قصة عمر عن مقتله وقد تقدم في المناقب * (قوله باب قوله
ويؤثرون على أنفسهم الآية الخصاصة فاقة) ولغير أبي ذر الفاقة وهو قول مقاتل بن حيان
أخرجه ابن أبي حاتم من طريقه (قوله المفلحون الفائزون بالخلود والفلاح البقاء) هو قول
الفراء قال لبيد
نحل بلادا أكلها حل قبلنا * ونرجو فلاحا بعد عاد وحمير
وهو أيضا بمعنى إدراك الطلب قال لبيد أيضا * ولقد أفلح من كان عقل * أي أدرك
ما طلب (قوله حي على الفلاح عجل) هو تفسير حي أي معنى حي على الفلاح أي عجل إلى الفلاح
قال ابن التين لم يذكره أحد من أهل اللغة وإنما قالوا معناه هلم وأقبل (قلت) وهو كما قال لكن فيه
إشعار بطلب الاعجال فالمعنى أقبل مسرعا (قوله وقال الحسن حاجة حسدا) وصله عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة عنه بهذا ورويناه في الجزء الثامن من أمالي المحاملي بعلو من طريق أبي رجاء
عن الحسن في قوله ولا يجدون في صدورهم حاجة قال الحسد (قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم
ابن كثير) هو الدورقي (قوله أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا الرجل هو أبو هريرة
وقع مفسرا في رواية الطبراني وقد نسبته في المناقب إلى تخريج أبي البختري الطائي في صفة النبي
صلى الله عليه وسلم وأبو البختري لا يوثق به (قوله ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله) في رواية
الكشميهني يضيف هذا رحمة بالتنوين (قوله فقام رجل من الأنصار) تقدم شرح هذا الحديث
في مناقب الأنصار أنه أبو طلحة وتردد الخطيب هل هو زيد بن سهل المشهور أو صحابي آخر يكنى
484

أبا طلحة وتقدم أيضا قول من قال إنه ثابت بن قيس ولكن أردت التنبيه هنا على شئ وقع للقرطبي
المفسر ولمحمد بن علي بن عسكر في ذيله على تعريف السهيلي فإنهما نقلا عن النحاس والمهدوي أن
هذه الآية نزلت في أبي المتوكل زاد بن عسكر الناجي وأن الضيف ثابت بن قيس وقيل إن
فاعلها ثابت بن قيس حكاه يحيى بن سلام انتهى وهو غلط بين فإن أبا المتوكل الناجي تابعي
مشهور وليس له في القصة ذكر إلا أنه رواها مرسلة أخرجها من طريق إسماعيل القاضي كما تقدم
هناك وكذا ابن أبي الدنيا في كتاب قرى الضيف وابن المنذر في تفسير هذه السورة كلهم من
طريق إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل أن رجلا من المسلمين مكث ثلاثة أيام لا يجد شيئا يفطر عليه
حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له ثابت بن قيس الحديث وقد تبع ابن عسكر جماعة من
الشارحين ساكتين عن وهمه فلهذا نبهت عليه وتفطن شيخنا ابن الملقن لقول ابن عسكر إنه أبو
المتوكل الناجي فقال هذا وهم لان أبا المتوكل الناجي تابعي إجماعا انتهى فكأنه جوز أنه صحابي
يكنى أبا المتوكل وليس كذلك (قوله ونطوى بطوننا الليلة) في حديث أنس عند ابن أبي الدنيا
فجعل يتلمظ ويتلمظ هي حتى رأى الضيف أنهما يأكلان (قوله ثم غدا الرجل على رسول الله صلى
الله عليه وسلم) في حديث أنس فصلى معه الصبح (قوله لقد عجب الله عز وجل أو ضحك) كذا هنا
بالشك وذكره مسلم من طريق جرير عن فضيل بن غروان بلفظ عجب بغير شك وعند ابن أبي الدنيا
في حديث أنس ضحك بغير شك وقال الخطابي إطلاق العجب على الله محال ومعناه الرضا فكأنه
قال أذلك الصنيع حل من الرضا عند الله حلول العجب عندكم قال وقد يكون المراد بالعجب هنا
أن الله يعجب ملائكته من صنيعهما لندور ما وقع منهما في العادة قال وقال أبو عبد الله معنى
الضحك هنا الرحمة (قلت) ولم أر ذلك في النسخ التي وقعت لنا من البخاري قال الخطابي وتأويل
الضحك بالرضا أقرب من تأويله بالرحمة لان الضحك من الكرام يدل على الرضا فإنهم يوصفون
بالبشر عند السؤال (قلت) الرضا من الله يستلزم الرحمة وهو لازمه والله أعلم وقد تقدم سائر شرح
هذا الحديث في مناقب الابصار
* (قوله سورة الممتحنة) *
سقطت البسملة لجميعهم والمشهور في هذه التسمية فتح الحاء وقد تكسر وبه جزم السهيلي فعلى
الأول هي صفة المرأة التي نزلت السورة بسببها والمشهور فيها أنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي
معيط وقيل سعيدة بنت الحرث وقيل أميمة بنت بشر والأول هو المعتمد كما سيأتي إيضاحه في
كتاب النكاح ومن كسر جعلها صفة للسورة كما قيل لبراءة الفاضحة (قوله وقال مجاهد لا تجعلنا
فتنة للذين كفروا لا تعذبنا بأيديهم الخ) وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه بلفظه وزاد
ولا بعذاب من عندك وزاد في آخره ما أصابهم مثل هذا وكذا أخرجه عبد بن حميد عن شبابة عن
ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه للطبري من طريق أخرى عن ورقاء عن عيسى عن ابن أبي نجيح
كذلك فاتفقوا كلهم على أنه موقوف عن مجاهد وأخرج الحاكم مثل هذا من طريق آدم بن أبي
إياس عن ورقاء فزاد فيه ابن عباس وقال صحيح على شرط مسلم وما أظن زيادة ابن عباس فيه إلا
وهما لاتفاق أصحاب ورقاء على عدم ذكره وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس قال لا تجعلنا فتنة للذين كفروا إلا تسلطهم علينا فيفتنونا وهذا بخلاف تفسير مجاهد
485

وفيه تقوية لما قلته وأخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله ولا تجعلنا فتنة للذين
كفروا قال لا تظهرهم علينا فيفتنونا يرون أنهم إنما ظهروا علينا بحقهم وهذا يشبه تأويل مجاهد
(قوله يعصم الكوافر أمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بفراق نسائهم كن كوافر بمكة)
وصله الفريابي من طريق مجاهد وأخرجه الطبري من طريقه أيضا ولفظه أمر أصحاب محمد صلى
الله عليه وسلم بطلاق نسائهم كوافر بمكة قعدن مع الكفار ولسعيد بن منصور من طريق
إبراهيم النخعي قال نزلت في المرأة من المسلمين تلحق بالمشركين فتكفر فلا يمسك زوجها بعصمتها
قد برئ منها انتهى والكوافر جمع كافرة والعصم جمع عصمة وقال أبو علي الفارسي قال لي
الكرخي الكوافر في الآية يشمل الرجال والنساء قال فقلت له النحاة لا يجيزون هذا إلا في النساء
جمع كافرة قال أليس يقال طائفة كافرة انتهى وتعقب بأنه لا يجوز كافرة وصفا للرجال إلا مع
ذكر الموصوف فتعين الأول والله أعلم * (قوله باب لا تتخذوا عدوي وعدوكم
أولياء) سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر والعدو لما كان بزنة المصادر وقع على الواحد فما فوقه
وقوله تلقون إليهم بالمودة تفسير للموالاة المذكورة ويحتمل أن يكون حالا أو صفة وفيه شئ لانهم
نهوا عن اتخاذهم أولياء مطلقا والتقييد بالصفة أو الحال يوهم الجواز عند انتفائهما لكن علم
بالقواعد المنع مطلقا فلا مفهوم لهما ويحتمل أن تكون الولاية تستلزم المودة فلا تتم الولاية بدون
المودة فهي حال لازمة والله أعلم (قوله الحسن بن محمد بن علي) أي بن أبي طالب (قوله حتى
تأتوا روضة خاخ) بمعجمتين ومن قالها بمهملة ثم جيم فقد صحف وقد تقدم بيان ذلك في باب
الجاسوس من كتاب الجهاد وفي أول غزوة الفتح (قوله لتلقين) كذا فيه والوجه حذف التحتانية
وقيل إنما أثبتت لمشاكلة لتخرجن (قوله كنت امرأ من قريش) أي بالحلف لقوله بعد ذلك ولم
أكن من أنفسهم (قوله كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم) ليس هذا تناقضا بل أراد
أنه منهم بمعنى أنه حليفهم وقد ثبت حديث حليف القوم منهم وعبر بقوله ولم أكن من أنفسهم
لاثبات المجاز (قوله إنه قد صدقكم) بتخفيف الدال أي قال الصدق (قوله فقال عمر دعني
يا رسول الله فأضرب عنقه) إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما
اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق وظن أن من خالف
ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله
وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما أظهر وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا أن
لا ضرر فيه وعند الطبري من طريق الحرث عن علي في هذه القصة فقال أليس قد شهد بدرا قال
بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك (قوله فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك) أرشد إلى علة ترك
قتله بأنه شهد بدرا فكأنه قيل وهل يسقط عنه شهوده بدرا هذا الذنب العظيم فأجاب بقوله وما يدريك
إلى آخره (قوله لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر) هكذا في أكثر الروايات بصيغة الترجي وهو من
الله واقع ووقع في حديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة بصيغة الجزم وقد تقدم بيان ذلك واضحا
في باب فضل مشهد بدرا من كتاب المغازي (قوله اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) كذا في معظم
الطرق وعند الطبري من طريق معمر عن الزهري عن عروة فإني غافر لكم وهذا يدل على أن
المراد بقوله غفرت أي أغفر على طريق التعبير عن الآتي بالواقع مبالغة في تحققه وفي مغازي بن
486

عائذ من مرسل عروة اعملوا ما شئتم فسأغفر لكم والمراد غفران ذنوبهم في الآخرة وإلا فلو وجب
على أحدهم حد مثلا لم يسقط في الدنيا وقال ابن الجوزي ليس هذا على الاستقبال وإنما هو على
الماضي تقديره اعملوا ما شئتم أي عمل كان لكم فقد غفر قال لأنه لو كان للمستقبل كان جوابه
فسأغفر لكم ولو كان كذلك لكان إطلاقا في الذنوب ولا يصح ويبطله أن القوم خافوا من
العقوبة بعد حتى كان عمر يقول يا حذيفة بالله هل أنا منهم وتعقبه القرطبي بان اعملوا صيغة أمر
وهي موضوعة للاستقبال ولم تضع العرب صيغة الامر للماضي لا بقرينة ولا بغيرها لأنهما بمعنى
الانشاء والابتداء وقوله اعملوا ما شئتم يحمل على طلب الفعل ولا يصح أن يكون بمعنى الماضي
ولا يمكن أن يحمل على الايجاب فتعين للإباحة قال وقد ظهر لي أن هذا الخطاب خطاب إكرام
وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السالفة وتأهلوا أن يغفر لهم
ما يستأنف من الذنوب اللاحقة ولا يلزم من وجود الصلاحية للشئ وقوعه وقد أظهر الله صدق
رسوله في كل من أخبر عنه بشئ من ذلك فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا
ولو قدر صدور شئ من أحدهم لبادر إلى التوبة ولازم الطريق المثلى ويعلم ذلك من أحوالهم بالقطع
من اطلع على سيرهم انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله فقد غفرت لكم أي ذنوبكم تقع مغفورة
لا أن المراد أنه لا يصدر منهم ذنب وقد شهد مسطح بدرا ووقع في حق عائشة كما تقدم في تفسير سورة
النور فكأن الله لكرامتهم عليه بشرهم على لسان نبيه أنهم مغفور لهم ولو وقع منهم ما وقع وقد
تقدم بعض مباحث هذه المسألة في أواخر كتاب الصيام في الكلام على ليلة القدر ونذكر بقية
شرح هذا الحديث في كتاب الديات إن شاء الله تعالى (قوله قال عمرو) هو ابن دينار وهو موصول
بالاسناد المذكور (قوله ونزلت فيه يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) سقط
أولياء لغير أبي ذر (قوله قال لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرو) هذا الشك من سفيان بن
عيينة كما سأوضحه (قوله حدثنا علي) هو ابن المديني (قال قيل لسفيان في هذا فنزلت لا تتخذوا
عدوي وعدوكم أولياء الآية قال سفيان هذا في حديث الناس) يعني هذه الزيادة يريد الجزم
برفع هذا القدر (قوله حفظته من عمرو ما تركت منه حرفا وما أرى أحدا حفظه غيري) وهذا
يدل على أن هذه الزيادة لم يكن سفيان يجزم برفعها وقد أدرجها عنه ابن أبي عمر أخرجه
الإسماعيلي من طريقه فقال في آخر الحديث قال وفيه نزلت هذه الآية وكذا أخرجه مسلم عن
ابن أبي عمر وعمرو الناقد وكذا أخرجه الطبري عن عبيد بن إسماعيل والفضل بن الصباح
والنسائي عن محمد بن منصور كلهم عن سفيان واستدل باستئذان عمر على قتل حاطب لمشروعية قتل
الجاسوس ولو كان مسلما وهو قول مالك ومن وافقه ووجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم أقر عمر
على إرادة القتل لولا المانع وبين المانع هو كون حاطب شهد بدرا وهذا منتف في غير حاطب فلو
كان الاسلام مانعا من قتله لما علل بأخص منه وقد بين سياق على أن هذه الزيادة مدرجة
وأخرجه مسلم أيضا عن إسحاق بن راهويه عن سفيان وبين أن تلاوة الآية من قول سفيان
ووقع عند الطبر من طريق أخرى عن علي الجزم بذلك لكنه من أحد رواة الحديث حبيب بن
أبي ثابت الكوفي أحد التابعين وبه جزم إسحاق في روايته عن محمد بن جعفر عن عروة في هذه
القصة وكذا جزم به معمر عن الزهري عن عروة وأخرج ابن مردويه من طريق سعيد بن بشير عن
487

قتادة عن أنس قال لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مشركي قريش كتب إليهم
حاطب بن أبي بلتعة يحذرهم فذكر الحديث إلى أن قال فأنزل الله فيه القرآن يا أيها الذين آمنوا
لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية قال الإسماعيلي في آخر الحديث أيضا قال عمرو أي ابن
دينار وقد رأيت بن أبي رافع وكان كاتبا لعلي * (قوله باب إذا جاءكم المؤمنات
مهاجرات) اتفقوا على نزولها بعد الحديبية وأن سببها ما تقدم من الصلح بين قريش والمسلمين على
أن من جاء من قريش إلى المسلمين يردونه إلى قريش ثم استثنى الله من ذلك النساء بشرط الامتحان
(قوله حدثني إسحاق أنبأنا يعقوب) في رواية غير أبي ذر حدثنا يعقوب فأما إسحاق فهو ابن منصور
وكلام أبي نعيم يشعر بأنه ابن إبراهيم وأما يعقوب بن إبراهيم فهو ابن سعد وابن أخي ابن شهاب
اسمه محمد بن عبد الله بن مسلم (قوله قال عروة قالت عائشة) هو موصول بالاسناد المذكور
وسيأتي الكلام على شرحه في أواخر النكاح إن شاء الله تعالى (قوله قد بايعتك كلاما) أي يقول
ذلك كلاما فقط لا مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة (قوله ولا والله) فيه
القسم لتأكيد الخبر وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية فعند ابن خزيمة
وابن حبان والبزار والطبري وابن مردويه من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية
في قصة المبايعة قال فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال اللهم أشهد
وكذا الحديث الذي بعده حيث قالت فيه قبضت منا امرأة يدها فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه
بأيديهن ويمكن الجواب عن الأول بأن من الأيدي من رواء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة
وإن لم تقع مصافحة وعن الثاني بأن المراد بقبض اليد التأخر عن القبول أو كانت المبايعة تقع
بحائل فقد روى أبو داود في المراسيل عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتى
ببرد قطري فوضعه على يده وقال لا أصافح النساء وعند عبد الرزاق من طريق إبراهيم النخعي
مرسلا نحوه وعند سعيد بن منصور من طريق قيس بن أبي حازم كذلك وأخرج ابن إسحاق في
المغازي من رواية يونس بن بكير عنه عن أبان بن صالح أنه صلى الله عليه وسلم كان يغمس يده في إناء
وتغمس المرأة يدها فيه ويحتمل التعدد وقد أخرج الطبراني أنه بايعهن بواسطة عمر وروى
النسائي والطبري من طريق محمد بن المنكدر أن أميمة بنت رقيقة بقافين مصغر أخبرته أنها
دخلت في نسوة تبايع فقلن يا رسول الله ابسط يدك نصافحك قال إني لا أصافح النساء ولكن
سآخذ عليكن فأخذ علينا حتى بلغ ولا يعصينك في معروف فقال فيما طقتن واستطعتن فقلن الله
رسوله أرحم بنا من أنفسنا وفي رواية الطبري ما قولي لمائة امرأة إلا كقولي لامرأة واحدة
وقد جاء في أخبار أخرى أنهن كن يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوب أخرجه يحيى بن سلام
في تفسيره عن الشعبي وفي المغازي لابن إسحاق عن أبان بن صالح إنه كان يغمس يده في إناء
فيغمسن أيديهن فيه (قوله تابعه يونس ومعمر وعبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري) أما متابعة
يونس فيأتي الكلام عليها في كتاب الطلاق وأما متابعة معمر فوصلها المؤلف في الاحكام وأما
متابعة عبد الرحمن بن إسحاق فوصلها بن مردويه من طريق خالد بن عبد الله الواسطي عنه (قوله
وقال إسحاق بن راشد عن الزهري عن عروة وعمرة) يعني عن عائشة جمع بينهما وصله الذهلي في
الزهريات عن عتاب بن بشير عن إسحاق بن راشد به وفي هذا الحديث أن المحنة المذكورة في قوله
488

فامتحنوهن هي أن يبايعهن بما تضمنته الآية المذكورة وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
أنه صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر من النساء بالله ما خرجت إلا رغبة في الاسلام وحبا لله
ورسوله وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه وزاد ولا خرج بك عشق
رجل منا ولا فرار من زوجك وعند ابن مردويه وابن أبي حاتم والطبراني من حديث ابن عباس
نحوه وسنده ضعيف ويمكن الجمع بين التحليف والمبايعة والله أعلم وذكر الطبري وابن أبي حاتم
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن المرأة من المشركين كانت إذا غضبت على زوجها قالت والله
لأهاجرن إلى محمد فنزلت فامتحنوهن * (قوله باب إذا جاءك المؤمنات يبايعنك)
سقط باب لغير أبي ذرو ذكر فيه أربعة أحاديث * الأول (قوله عن حفصة بنت سيرين عن
أم عطية) كذا قال عبد الوارث عن أيوب وقال سفيان بن عيينة عن أيوب عن محمد بن سيرين
عن أم عطية أخرجه النسائي فكأن أيوب سمعه منهما جميعا وقد تقدم شرح هذا في الجنائز
(قوله بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا ان لا يشركن بالله شيئا ونهانا عن النياحة)
في رواية مسلم من طريق عاصم عن حفصة عن أم عطية قالت لما نزلت هذه الآية يبايعنك على
أن لا يشركن بالله شيئا ولا يعصينك في معروف كان منه النياحة (قوله فقبضت امرأة يدها)
في رواية عاصم فقلت يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد من أن
أسعدهم لم أعرف آل فلان المشار إليهم وفي رواية النسائي قلت إن امرأة أسعدتني في الجاهلية
ولم أقف على اسم المرأة وتبين أن أم عطية في رواية عبد الوارث أبهمت نفسها (قوله أسعدتني
فلانة فأريد أن أجزيها) وللنسائي في رواية أيوب فأذهب فأسعدها ثم أجيئك فأبايعك والاسعاد
قيام المرأة مع الأخرى في النياحة تراسلها وهو خاص بهذا المعنى ولا يستعمل إلا في البكاء
والمساعدة عليه ويقال إن أصل المساعدة وضع الرجل يده على ساعد الرجل صاحبه عند
التعاون على ذلك (قوله فانطلقت ورجعت فبايعها) في رواية عاصم فقال إلا آل فلان وفي
رواية النسائي قال فاذهبي فأسعديها قالت فذهبت فساعدتها ثم جئت فبايعت قال النووي
هذا محمول على أن الترخيص لام عطية في آل فلان خاصة ولا تحل النياحة لها ولا لغيرها في
غير آل فلان كما هو ظاهر الحديث وللشارع أن يخص من العموم من شاء بما شاء فهذا صواب
الحكم في هذا الحديث كذا قال وفيه نظر إلا أن ادعى أن الذين ساعدتهم لم يكونوا أسلموا وفيه
بعد وإلا فليدع مشاركتهم لها في الخصوصية وسأبين ما يقدح في خصوصية أم عطية بذلك ثم قال
واستشكل القاضي عياض وغيره هذا الحديث وقالوا فيه أقوالا عجيبة ومقصودي التحذير من
الاغترار بها فإن بعض المالكية قال النياحة ليست بحرام لهذا الحديث وإنما المحرم ما كان
معه شئ من أفعال الجاهلية من شق جيب وخمش خد ونحو ذلك قال والصواب ما ذكرناه أولا
وأن النياحة حرام مطلقا وهو مذهب العلماء كافة انتهى وقد تقدم في الجنائز النقل عن غير
هذا المالكي أيضا أن النياحة ليست بحرام وهو شاذ مردود وقد أبداه القرطبي احتمالا ورده
بالأحاديث الواردة في الوعيد على النياحة وهو دال على شدة التحريم لكن لا يمتنع أن يكون
النهي أولا ورد بكراهة التنزيه ثم لما تمت مبايعة النساء وقع التحريم فيكون الاذن لمن ذكر وقع
في الحالة الأولى لبيان الجواز ثم وقع التحريم فورد حينئذ الوعيد الشديد وقد لخص القرطبي بقية
489

الأقاويل التي أشار إليها النووي منها دعوى أن ذلك كان قبل تحريم النياحة قال وهو فاسد
لمساق حديث أم عطية هذا ولولا أن أم عطية فهمت التحريم لما استثنت (قلت) ويؤيده أيضا
أن أم عطية صرحت بأنها من العصيان في المعروف وهذا وصف المحرم ومنها أن قوله إلا آل
فلان ليس فيه نص على أنها تساعدهم بالنياحة فيمكن أنها تساعدهم باللقاء والبكاء الذي لا نياحة
معه قال وهذا أشبه مما قبله (قلت) بل يرد عليه ورود التصريح بالنياحة كما سأذكره ويرد عليه
أيضا أن اللقاء والبكاء المجرد لم يدخل في النهي كما تقدم في الجنائز وتقريره فلو وقع الاقتصار عليه
لم يحتج إلى تأخير المبايعة حتى تفعله ومنها يحتمل أن يكون أعاد إلا آل فلان على سبيل الانكار
كما قال لمن استأذن عليه فقال له من ذا فقال أنا فقال أنا أنا فأعاد عليه كلامه منكرا عليه (قلت)
ويرد عليه ما ورد على الأول ومنها أن ذلك خاص بأم عطية قال وهو فاسد فإنها لا تختص بتحليل شئ
من المحرمات انتهى ويقدح في دعوى تخصيصها أيضا ثبوت ذلك لغيرها ويعرف منه أيضا
الخدش في الأجوبة الماضية فقد أخرج ابن مردويه من حديث ابن عباس قال لما أخذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم على النساء فبايعهن أن لا يشركن بالله شيئا الآية قالت خولة بنت حكيم
يا رسول الله كان أبي وأخي ماتا في الجاهلية وأن فلانة أسعدتني وقد مات أخوها الحديث
وأخرج الترمذي من طريق شهر بن حوشب عن أم سلمة الأنصارية وهي أسماء بنت يزيد قالت
قلت يا رسول الله إن بني فلان أسعدوني على عمي ولا بد من قضائهن فأبى قالت فراجعته مرارا
فأذن لي ثم لم أنح بعد وأخرج أحمد والطبري من طريق مصعب بن نوح قال أدركت عجوزا لنا
كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فأخذ علينا ولا ينحن فقالت عجوز يا نبي الله
إن ناسا كانوا أسعدونا على مصائب أصابتنا وإنهم قد أصابتهم مصيبة فأنا أريد أن أسعدهم قال
فاذهبي فكافئيهم قالت فانطلقت فكافأتهم ثم أنها أتت فبايعته وظهر من هذا كله أن أقرب
الأجوبة أنها كانت مباحة ثم كرهت كراهة تنزيه ثم تحريم والله أعلم * الحديث الثاني (قوله حدثنا
وهب بن جرير قال حدثنا أبي) هو جرير بن حازم (قوله سمعت الزبير) في رواية الإسماعيلي الزبير
ابن خريت وهو بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة (قوله في قوله
ولا يعصينك في معروف قال إنما هو شرط شرطه الله للنساء) أي على النساء وقوله فبايعهن في
السياق حذف تقديره فإن بايعن على ذلك أو فإن اشترطن ذلك على أنفسهن فبايعهن
واختلف في الشرط فالأكثر على أنه النياحة كما سبق وقد تقدم عند مسلم ما يدل لذلك وأخرج
الطبري من طريق زهير بن محمد قال في قوله ولا يعصينك في معروف لا يخلو الرجل بامرأة وقد جمع
بينهما قتادة فأخرج الطبري عنه قال أخذ عليهن أن لا ينحن ولا يحدثن الرجال فقال عبد الرحمن
ابن عوف إن لنا أضيافا وإنا نغيب عن نسائنا فقال ليس أولئك عنيت وللطبري من حديث ابن
عباس المقدم ذكره إنما أنبئكن بالمعروف الذي لا تعصينني فيه لا تخلون بالرجال وحدانا ولا تنحن
نوح الجاهلية ومن طريق أسيد بن أبي أسيد البراد عن امرأة من المبايعات قالت كان
فيما أخذ علينا أن لا نعصيه في شئ من المعروف ولا نخمش وجها ولا ننشر شعرا ولا نشق
جيبا ولا ندعو ويلا * الحديث الثالث (قوله قال الزهري حدثناه) هو من تقديم الاسم على
الصيغة والضمير للحديث الذي يريد أن يذكره (قوله وقرأ آية النساء) أي آية بيعة النساء وهي
490

يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا الآية وقد قدمت في كتاب
الايمان بيان وقت هذه المبايعة (قوله وأكثر لفظ سفيان قرأ الآية) وللكشميهني قرأ في الآية
والأول أولى (قوله ومن أصاب منها) أي من الأشياء التي توجب الحد في رواية الكشميهني من
ذلك شيئا (قوله تابعه عبد الرزاق عن معمر) زاد المستملي في الآية ووصله مسلم عن عبد بن حميد
عن عبد الرزاق عقب رواية سفيان وقال في آخره وزاد في الحديث فتلا علينا آية النساء أن لا
يشركن بالله شيئا وقد تقدم شرحه ومباحثه في كتاب الايمان مستوفي وقوله بهتان يفترينه
بين أيديهن وأرجلهن فيه عدة أقوال منها أن المراد بما بين الأيدي ما يكتسب بها وكذا الأرجل
الثاني هما كناية عن الدنيا والآخرة وقيل عن الأعمال الظاهرة والباطنة وقيل الماضي
والمستقبل وقيل ما بين الأيدي كسب العبد بنفسه وبالأرجل كسبه بغيره وقيل غير ذلك
* الحديث الرابع (قوله حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا هارون بن معروف حدثنا عبد الله بن
وهب قال وأخبرني ابن جريج) قلت نزل البخاري في هذا الاسناد درجتين بالنسبة لابن جريج فإنه
يروي عن ابن جريج بواسطة رجل واحد كأبي عاصم ومحمد بن عبد الله الأنصاري ومكي بن إبراهيم
وغيرهم ونزل فيه درجة بالنسبة لابن وهب فإنه يروي عن جمع من أصحابه كأحمد بن صالح وأحمد بن
عيسى وغيرهما وكأن السبب فيه تصريح ابن جريج في هذه الطريق النازلة بالاخبار وقد
أخرج البخاري طرفا من هذا الحديث في كتاب العيدين عن أبي عاصم عن ابن جريج بالعلو وهو
من أوله إلى قوله قبل الخطبة وصرح فيه ابن جريج بالخبر فلعله لم يكن بطوله عند ابن أبي عاصم
ولا عند من لقيه من أصحاب ابن وهب وقد علاه أبو ذر في روايته فقال حدثنا على الحربي حدثنا
ابن أبي داود حدثنا محمد بن مسلمة حدثنا ابن وهب ووقع للبخاري بعلو في العيدين لكنه من طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج وتقدم شرحه هناك مستوفى وقول ابن وهب وأخبرني ابن جريج
معطوف على شئ محذوف
* (قوله سورة الصف) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر ويقال لها أيضا سورة الحواريين وأخرج الطبري من طريق
معمر عن قتادة أن الحواريين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم من قريش فسمى العشرة
المشهورين إلا سعيد بن زيد وحده وحمزة وجعفر بن أبي طالب وعثمان بن مظعون وقد وقع لنا
سماع هذه السورة مسلسلا في حديث ذكر في أوله سبب نزولها وإسناده صحيح قل أن وقع في
المسلسلات مثله مع مزيد علوه (قوله وقال مجاهد من أنصاري إلى الله من يتبعني إلى الله) في
رواية الكشميهني من تبعني إلى الله بصيغة الماضي وقد وصله الفريابي بلفظ من يتبعني وقال
أبو عبيدة إلى بمعنى في أي من أنصاري في الله (قوله وقال ابن عباس مرصوص ملصق بعضه إلى
بعض) كذا لأبي ذر ولغير ببعض وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن
عباس في قوله كأنهم بنيان مرصوص مثبت لا يزول ملصق بعضه ببعض فعلى تفسير ابن عباس
هو من التراص أي التضام مثل تراص الأسنان أو من الملائم الاجزاء المستوى (قوله وقال يحيى
بالرصاص) كذا لأبي ذر والنسفي ولغيرهما وقال غيره وجزم أبو ذر بأنه يحيى بن زياد بن عبد الله
491

الفراء وهو كلامه في معاني القرآن ولفظه في قوله كأنهم بنيان مرصوص يريد بالرصاص حثهم
على القتال ورجح الطبري الأول والرصاص بفتح الراء ويجوز كسرها (قوله من بعدي اسمه
أحمد) في رواية أبي ذر باب يأتي من بعدي وذكر فيه حديث جبير بن مطعم وقد تقدم شرحه
مستوفى في أوائل السيرة النبوية
* (قوله سورة الجمعة) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر وتقدم ضبطه في كتاب الصلاة * (قوله باب قوله
وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) أي لم يلحقوا بهم ويجوز في آخرين أن يكون منصوبا عطفا على الضمير
المنصوب في يعلمهم وأن يكون مجرورا عطفا على الأميين (قوله وقرأ عمر فامضوا إلى ذكر الله) ثبت
هذا هنا في رواية الكشميهني وحده وروى الطبري عن عبد الحميد بن بيان عن سفيان عن
الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال ما سمعت عمر يقرؤها قط فامضوا ومن طريق مغيرة عن
إبراهيم قال قيل لعمر ان أبي بن كعب يقرؤها فاسعوا قال أما أنه أعلمنا وأقرؤنا للمنسوخ وإنما
هي فامضوا وأخرجه سعيد بن منصور فبين الواسطة بين إبراهيم وعمر وأنه خرشة بن الحر فصح
الاسناد وأخرجا أيضا من طريق إبراهيم عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرؤها فامضوا ويقول
لو كان فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي وأخرجه الطبراني ورجاله ثقات إلا أنه منقطع
وللطبراني أيضا من طريق قتادة قال هي في حرف بن مسعود فامضوا قال وهي كقوله إن سعيكم
لشتى وقال أبو عبيدة معنى فاسعوا أجيبوا وليس من العدو (قوله حدثنا عبد العزيز) كذا لهم
غير منسوب قال الجياني وكلام الكلاباذي يقتضي أنه ابن أبي حازم سلمة بن دينار قال والذي
عندي أنه الدراوردي لان مسلما أخرجه عن قتيبة عن الدراوردي عن ثور (قلت) وأخرجه
الترمذي والنسائي أيضا عن قتيبة وأورده الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق قتيبة
وجزم أبو مسعود أن البخاري أخرجه عن عبد الله بن عبد الوهاب أنبأنا عبد العزيز الدراوردي
كذا فيه وتبعه المزي وظاهره أن البخاري نسبه ولم أر ذلك في شئ من نسخ الصحيح ولم أقف على
رواية عبد العزيز بن أبي حازم لهذا الحديث في شئ من المسانيد ولكن يؤيده أن البخاري لم يخرج
للدراوردي إلا متابعة أو مقرونا وهو هنا كذلك فإنه صدره برواية سليمان بن بلال ثم تلاه برواية
عبد العزيز (قوله عن ثور) هو بن يزيد المدني وأبو الغيث بالمعجمة والمثلثة اسمه سالم (قوله فأنزلت
عليه سورة الجمعة وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) كأنه يريد أنزلت عليه هذه الآية من سورة الجمعة
وإلا فقد نزل منها قبل إسلام أبي هريرة الامر بالسعي ووقع في رواية الدراوردي عن ثور عند مسلم
نزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ وآخرين منهم (قوله قال قلت من هم يا رسول الله) في رواية
السرخسي قالوا من هم يا رسول الله وفي رواية الإسماعيلي فقال له رجل وفي رواية الدراوردي
قيل من هم وفي رواية عبد الله بن جعفر عن ثور عند الترمذي فقال رجل يا رسول الله من هؤلاء
الذين لم يلحقوا بنا ولم أقف على اسم السائل (قوله فلم يراجعوه) كذا في نسختي من طريق أبي ذر
(1) وفي غيرها فلم يراجعه وهو الصواب أي لم يراجع النبي صلى الله عليه وسلم أي لم يعد
عليه جوابه حتى سأله ثلاث مرات ووقع ذلك صريحا في رواية الدراوردي قال فلم يراجعه النبي
492

صلى الله عليه وسلم حتى سأل مرتين أو ثلاثا وفي رواية ابن وهب عن سليمان بن بلال حتى سأله
ثلاث مرات بالجزم وكذا في رواية عبد الله بن جعفر (قوله وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يده على سلمان) في رواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة يده على فخذ سلمان (قوله لو كان الايمان
عند الثريا) هي نجم معروف تقدم ذكره في تفسير سورة النجم (قوله لناله رجال أو رجل من هؤلاء)
هذا الشك من سليمان بن بلال بدليل الرواية التي أوردها بعده من غير شك مقتصرا على قوله
رجال من هؤلاء وهي عند مسلم والنسائي كذلك وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية ابن وهب عن
سليمان بلفظ لناله رجال من هؤلاء أيضا بغير شك وعبد العزيز المذكور هو الدراوردي كما جزم به
أبو نعيم والجياني ثم المزي وقد أخرجه مسلم عن قتيبة عن الدراوردي وجزم الكلاباذي بأنه بن
أبي حازم والأول أولى فإن الحديث مشهور عن الدراوردي ولم أر في شئ من المسانيد من حديث
أبي حازم والدراوردي قد أخرج له البخاري في المتابعات غير هذا (قوله من أبناء فارس (1) قيل
إنهم من ولد هدرام بن أرفخشد بن سام بن نوح وأنه ولد بضعة عشر رجلا كلهم كان فارسا شجاعا
فسموا الفرس للفروسية وقيل في نسبهم أقوال أخرى وقال صاعد في الطبقات كان أولهم على
دين نوح ثم دخلوا في دين الصابئة في زمن طمهورث فداموا على ذلك أكثر من ألفي سنة ثم تمجسوا
على يد زرادشت وقد أطنب أبو نعيم في أول تاريخ أصبهان في تخريج طرق هذا الحديث أعني
حديث لو كان الدين عند الثريا ووقع في بعض طرقه عند أحمد بلفظ لو كان العلم عند الثريا وفي بعض
طرقه عند أبي نعيم عن أبي هريرة أن ذلك كان عند نزول قوله تعالى وأن تتولوا يستبدل قوما
غيركم ويحتمل أن يكون ذلك صدر عند نزول كل من الآيتين وقد أخرج مسلم الحديث مجردا عن
السبب من رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رفعه لو كان الدين عند الثريا لذهب رجال من أبناء
فارس حتى يتناولوه وأخرجه أبو نعيم من طريق سليمان التيمي حدثني شيخ من أهل الشام عن
أبي هريرة نحوه وزاد في آخره برقة قلوبهم وأخرجه أيضا من وجه آخر عن التيمي عن أبي عثمان
عن سلمان الفارسي بالزيادة ومن طريق أخرى من هذا الوجه فزاد فيه يتبعون سنتي ويكثرون
الصلاة على قال القرطبي وقع ما قاله صلى الله عليه وسلم عيانا فإنه وجد منهم من اشتهر ذكره من
حفاظ الآثار والعناية بها ما لم يشاركهم فيه كثير من أحد غيرهم واختلف أهل النسب في أصل
فارس فقيل إنهم ينتهي نسبهم إلى جيومرت وهو آدم وقيل أنه من ولد يافث بن نوح وقيل من
ذرية لاوي بن سام بن نوح وقيل هو فارس بن ياسور بن سام وقيل هو من ولد هدرام بن أرفخشد بن
سام وقيل إنهم من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم والأول أشهر الأقوال عندهم والذي
يليه أرجحها عند غيرهم * (قوله باب وإذا رأوا تجارة أو لهوا) * كذا لأبي ذر ولغيره
وإذا رأوا تجارة حسب قال ابن عطية قال انفضوا إليها ولم يقل إليهما اهتماما بالأهم إذ كانت
هي سبب اللهو من غير عكس كذا قيل وفيه نظر لان العطف بأو لا يثني معه الضمير لكن يمكن أن
يدعى أن أو هنا بمعنى الواو على تقدير أن تكون أو على بابها فحقه أن يقول جئ بضمير التجارة
دون ضمير اللهو للمعنى الذي ذكره وقد تقدم بيان اختلاف النقلة في سبب انفضاضهم في كتاب
الجمعة (قوله حدثني حفص بن عمر) هو الحوضي (قوله حدثنا حصين) بالتصغير هو ابن
عبد الرحمن (قوله عن سالم بن أبي الجعد وعن أبي سفيان عن جابر) يعني كلاهما عن جابر وقد
493

تقدم في الصلاة من طريق زائدة عن حصين عن سالم وحده قال حدثنا جابر والاعتماد على سالم
وأما أبو سفيان واسمه طلحة بنافع فليس على شرطه وإنما أخرج له مقرونا وقد تقدم له حديث
في مناقب سعد بن معاذ قرنه بسالم أيضا وأخرج له حديثين آخرين في الأشربة مقرونين بأبي صالح
عن جابر وهذا جميع ماله عنده (قوله أقبلت عير) بكسر المهملة وسكون التحتانية تقدم
الكلام عليها في كتاب الجمعة مع بقية شرح هذا الحديث ولله الحمد (قوله فثار الناس الا اثنا
عشر رجلا) وقع عند الطبري من طريق قتادة الا أثنى عشر رجلا وامرأة وهو أصح مما روى
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال لم يبق معه إلا رجلان وامرأة ووقع في الكشاف أن الذين
بقوا ثمانية أنفس وقيل أحد عشر وقيل اثنا عشر وقيل أربعون والقولان الأولان لا أصل لهما
فيما وقفت عليه وقد مضى استيفاء القول في هذا أيضا في كتاب الجمعة
* (قوله سورة المنافقين) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
* (باب قوله إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله الآية) وساق غير أبي
ذر الآية إلى قوله لكاذبون (قوله عن أبي إسحاق) هو السبيعي ولإسرائيل فيه إسناد آخر أخرجه
الترمذي والحاكم من طريقه عن السدي عن أبي سعد الأزدي عن زيد بن أرقم (قوله عن زيد
ابن أرقم) سيأتي بعد بابين من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق تصريحه بسماعه له من زيد
(قوله كنت في غزاة) زاد بعد باب من وجه آخر عن إسرائيل مع عمي وهذه الغزاة وقع في رواية
محمد بن كعب عن زيد بن أرقم عند النسائي أنها غزوة تبوك ويؤيده قوله في رواية زهير المذكورة
في سفر أصاب الناس فيه شدة وأخرج عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير مرسلا أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلا لم يرتحل منه حتى يصلي فيه فلما كان غزوة تبوك نزل
منزلا فقال عبد الله بن أبي فذكر القصة والذي عليه أهل المغازي أنها غزوة بني المصطلق وسيأتي
قريبا في حديث جابر ما يؤيده وعند ابن عائذ وأخرجه الحاكم في الإكليل من طريقه ثم من
طريق أبي الأسود عن عروة أن القول الآتي ذكره صدر من عبد الله بن أبي بعد أن قفلوا (قوله
فسمعت عبد الله بن أبي) هو بن سلول رأس النفاق وقد تقدم خبره في تفسير براءة (قوله يقول
لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله) هو كلام عبد الله بن أبي ولم يقصد
الراوي بسياقه التلاوة وغلط بعض الشراح فقال هذا وقع في قراءة ابن مسعود وليس في
المصاحف المتفق عليها فيكون على سبيل البيان من ابن مسعود (قلت) ولا يلزم من كون عبد الله
ابن أبي قالها قبل أن ينزل القرآن بحكاية جميع كلامه (قوله ولئن رجعنا) كذا للأكثر وللكشميهني
ولو رجعنا والأول أولى وبعد الواو محذوف تقديره سمعته يقول ووقع في الباب الذي بعده وقال لئن
رجعنا وهو يؤيد ما قلته وفي رواية محمد بن كعب عن زيد بعد باب وقال أيضا لئن رجعنا وسيأتي في
حديث جابر سبب قول عبد الله بن أبي ذلك (قوله فذكرت ذلك لعمي أو لعمر) كذا بالشك وفي
سائر الروايات الآتية لعمه بلا شك وكذا عند الترمذي من طريق أبي سعد الأزدي عن زيد ووقع
عند الطبراني وابن مردويه أن المراد بعمه سعد بن عبادة وليس عمه حقيقة وإنما هو سيد قومه
الخزر وعم زيد بن أرقم الحقيقي ثابت بن قيس له صحبة وعمه زوج أمه عبد الله بن رواحة خزرجي
494

أيضا ووقع في مغازي أبي الأسود عن عروة أن مثل ذلك وقع لأوس بن أرقم فذكره لعمر بن الخطاب
سبب الشك في ذكر عمر وجزم الحاكم في الإكليل أن هذه الرواية وهم الصواب زيد بن أرقم
(قلت) ولا يمتنع تعدد المخبر بذلك عن عبد الله بن أبي إلا أن القصة مشهورة لزيد بن أرقم وسيأتي
من حديث أنس قريبا ما يشهد لذلك (قوله فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم) أي ذكره عمي
وكذا في الرواية التي بعده هذه ووقع في رواية ابن أبي ليلى عن زيد فأخبرت به النبي صلى الله عليه
وسلم وكذا في مرسل قتادة فكأنه أطلق الاخبار مجازا لكن في مرسل الحسن عن عبد الرزاق
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلك أخطأ سمعك لعلك شبه عليك فعلى هذا لعله راسل بذلك
أولا على لسان عمه ثم حضر هو فأخبر (قوله فخلفوا ما قالوا) في رواية زهير فأجهد يمينه والمراد
به عبد الله بن أبي وجمع باعتبار من معه ووقع في رواية أبي الأسود عن عروة فبعث النبي صلى
الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي فسأله فحلف بالله ما قال من ذلك شيئا (قوله فكذبني) بالتشديد
في رواية زهير فقالوا كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا بالتخفيف ورسول الله بالنصب
على المفعولية وقد تقدم تحقيقه في الكلام على حديث أبي سفيان في قصة هرقل وفي رواية ابن
أبي ليلى عن زيد عند النسائي فجعل الناس يقولون أتى زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكذب
(قوله وصدقه) وفي الرواية التي بعدها فصدقهم وقد مضى توجيهها (قوله فأصابني هم) في رواية
زهير فوقع في نفسي شدة وفي رواية أبي سعد الأزدي عن زيد فوقع على من الهم ما لم يقع على
أحد وفي رواية محمد بن كعب فرجعت إلى المنزل فنمت زاد الترمذي في روايته فنمت كئيبا حزينا
وفي رواية ابن أبي ليلى حتى جلست في البيت مخافة إذا رآني الناس أن يقولوا كذبت (قوله
فقال لي عمي ما أردت إلى أن كذبك) كذا للأكثر وذكر أبو علي الجياني أنه وقع في رواية الأصيلي
عن الجرجاني فقال لي عم قال الجياني والصواب عمي كما عند الجماعة انتهى وقد ذكرت قبل ذلك
ما يقتضي احتمال ذلك (قوله ومقتك) في رواية لمحمد بن كعب فلامني الأنصار وعند النسائي
من طريقه ولامني قومي (قوله فأنزل الله) في رواية محمد بن كعب فأتى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أي بالوحي وفي رواية زهير حتى أنزل الله وفي رواية أبي الأسود عن عروة فبينما هم يسيرون
أبصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه فنزلت وفي رواية أبي سعد قال فبينما أنا أسير
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خفقت برأسي من الهم أتاني فعرك بإذني وضحك في وجهي
فلحقني أبو بكر فسألني فقلت له فقال أبشر ثم لحقني عمر مثل ذلك فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى
الله عليه وسلم سورة المنافقين (قوله إذا جاءك المنافقون) زاد آدم إلى قوله هم الذين يقولون
لا تنفقوا على من عند رسول الله إلى قوله ليخرجن الأعز منها الأذل وهو يبين أن رواية محمد بن
كعب مختصرة حيث اقتصر فيها على قوله ونزل هم الذين يقولون لا تنفقوا الآية لكن وقع عند
النسائي من طريقه فنزلت هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا حتى
بلغ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل (قوله إن الله قد صدقك يا زيد) وفي مرسل
الحسن فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن الغلام فقال وفت أذنك يا غلام مرتين زاد
زهير في روايته فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم وسيأتي شرحه بعد ثلاثة أبواب
وفي الحديث من الفوائد ترك مؤاخذة كبراء القوم بالهفوات لئلا ينفر أتباعهم والاقتصار على
495

معاتباتهم وقبول أعذارهم وتصديق أيمانهم وأن كانت القرائن ترشد إلى خلاف ذلك لما في ذلك من
التأنيس والتأليف وفيه جواز تبليغ ما لا يجوز للمقول فيه ولا يعد نميمة مذمومة إلا إن قصد بذلك
الافساد المطلق وأما إذا كانت فيه مصلحة ترجح على المفسدة فلا * (قوله باب قوله
اتخذوا أيمانهم جنة يجتنون بها) قال عبد بن حميد حدثني شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن
مجاهد في قوله اتخذوا أيمانهم جنة قال يجتنون أنفسهم وأخرجه الطبري من وجه آخر عن ابن
أبي نجيح باللفظ الذي ذكره المصنف ثم ساق حديث زيد بن أرقم وقد تقدم شرحه في الذي قبله
مستوفي * (قوله باب قوله ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا) ساق إلى قوله لا يفقهون
(قوله سمعت محمد بن كعب القرظي) زاد الترمذي في روايته منذ أربعين سنة (قوله أخبرت به
النبي صلى الله عليه وسلم) أي على لسان عمي جمعا بين الروايتين ويحتمل أن يكون هو أيضا أخبر
حقيقة بعد أن أنكر عبد الله بن أبي ذلك كما تقدم (قوله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)
بضم همزة أتى أي بالوحي (قوله وقال ابن أبي زائدة) هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وطريقه هذه
وصلها النسائي وقد بينت ما فيه من فائد قبل (قوله فيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن زيد بن
أرقم) كذا رواه الأعمش عن عمرو بن مرة عنه وقد رواه شعبة عن عمرو بن مرة فقال عن أبي حمزة
عن زيد بن أرقم فكأن لعمرو بن مرة فيه شيخين * (قوله باب وإذا رأيتهم تعجبك
أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم الآية) كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى يؤفكون ذكر فيه
حديث زيد بن أرقم من رواية زهير عن أبي إسحاق نحو رواية إسرائيل عنه كما تقدم بيان ذلك
وقال في آخره حتى أنزل الله عز وجل تصديقي في إذا جاءك المنافقون فدعاهم النبي صلى الله عليه
وسلم ليستغفر لهم فلووا رؤسهم (قوله وقوله خشب مسندة قال كانوا رجالا أجمل شئ) هذا تفسير
لقوله تعجبك أجسامهم وخشب مسندة تمثيل لأجسامهم ووقع هذا في نفس الحديث وليس
مدرجا فقد أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن عمرو بن خالد شيخ البخاري فيه بهذه الزيادة وكذا
أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن زهير * (تنبيه) * قرأ الجمهور خشب بضمتين وأبو عمرو
والأعمش والكسائي بإسكان الشين * (قوله باب قوله وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم
رسول الله لووا رؤسهم إلى قوله مستكبرون) كذا لأبي ذر وساق غيره الآية كلها في مرسل سعيد
496

ابن جبير وجاء عبد الله بن أبي فجعل يعتذر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تب فجعل يلوي رأسه
فنزلت (قوله حركوا استهزؤا بالنبي صلى الله عليه وسلم ويقرأ بالتخفيف من لويت) يعني لووا وهي
قراءة نافع وقرأ الباقون بالتثقيل ثم ذكر حديث زيد بن أرقم من وجه آخركما مضى بيانه ووقع
لأكثر الرواة مختصرا من أثنائه وساقه أبو ذر تاما إلا قوله وصدقهم وقد تعقبه الإسماعيلي بأنه
ليس في السياق الذي أورده خصوص ما ترجم به والجواب أنه جرى على عادته في الإشارة إلى أصل
الحديث ووقع في مرسل الحسن فقال قوم لعبد الله بن أبي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاستغفر لك فجعل يلوي رأسه فنزلت وكذا أخرج عبد بن حميد من طريق قتادة ومن طريق
مجاهد ومن طريق عكرمة أنها نزلت في عبد الله بن أبي * (قوله باب قوله سواء عليهم
أستغفرت لهم الآية) كذا لأبي ذر وساق غيره الآية وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن
عباس قال أنزلت هذه الآية بعد التي في التوبة استغفر لهم أو لا تستغفر لهم أن تستغفر لهم سبعين
مرة فلن يغفر الله لهم (قوله قال عمرو) وقع في آخر الباب قال سفيان فحفظته من عمرو قال
فذكره ووقع رواية الحميدي الآتية بعد باب حفظناه من عمرو (قوله كنا في غزاة قال سفيان
مرة في جيش) وسمي ابن إسحاق هذه الغزوة غزوة بني المصطلق وكذا وقع عند الإسماعيلي من
طريق ابن أبي عمر عن سفيان قال يرون أن هذه الغزاة غزاة بني المصطلق وكدا في مرسل عروة
الذي سأذكره (قوله فكسع رجل) الكسع يأتي تفسيره بعد باب والمشهور فيه أنه ضرب الدبر
باليد أو بالرجل ووقع عند الطبري من وجه آخر عن عمرو بن دينار عن جابر أن رجلا من المهاجرين
كسع رجلا من الأنصار برجله وذلك عند أهل اليمن شديد والرجل المهاجري هو جهجاه بن قيس
ويقال ابن سعيد الغفاري وكان مع عمر بن الخطاب يقود له فرسه والرجل الأنصاري هو سنان
ابن وبرة الجهني حليف الأنصار وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلا أن الأنصاري
كان حليفا لهم من جهينة وأن المهاجري كان من غفار وسماهما ابن إسحاق في المغازي عن شيوخه
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عقيل عن الزهري عن عروة بن الزبير وعمرو بن ثابت أنهما
أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة المربيع وهي التي هدم فيها رسول الله صلى
الله عليه وسلم مناة الطاغية التي كانت بين قفا المشلل وبين البحر فاقتتل رجلان فاستعلى
المهاجري على الأنصاري فقال حليف الأنصار يا معشر الأنصار فتداعوا إلى أن حجز بينهم
فانكفأ كل منافق إلى عبد الله بن أبي فقالوا كنت ترجى وتدفع فصرت لا تضر ولا تنفع فقال
لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فذكر القصة بطولها وهو مرسل جيد واتفقت
هذه الطرق على أن المهاجري واحد ووقع في حديث أبي الزبير عن جابر عند مسلم اقتتل
غلامان من المهاجرين وغلام من الأنصار فنادى المهاجري يا للمهاجرين ونادي الأنصاري
يا للأنصار فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا أدعوى الجاهلية قالوا لا إن غلامين
اقتتلا فكسع أحدهما الآخر فقال لا بأس ولينصرن الرجل أخاه ظالما أو مظلوما الحديث
ويمكن تأويل هذه الرواية بان قوله من المهاجرين بيان لاحد الغلامين والتقدير اقتتل غلامان
غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فحذف لفظ غلام من الأول ويؤيده قوله في بقية الخبر
فقال المهاجري فأفرده فتتوافق الروايات ويستفاد من قوله لا بأس جواز القول المذكور
497

بالقصد المذكور والتفصيل المبين لا على ما كانوا عليه في الجاهلية من نصرة من يكون من القبيلة
مطلقا وقد تقدم شرح قوله انصر أخاك ظالما أو مظلوما مستوفى في باب أعن أخاك من كتاب
المظالم (قوله يا للأنصار) بفتح اللام وهي للاستغاثة أي أغيثوني وكذا في قول الآخر يا للمهاجرين
(قوله دعوها فإنها منتنة) أي دعوة الجاهلية وأبعد من قال المراد الكسعة ومنتنة بضم الميم
وسكون النون وكسر المثناة من النتن أي أنها كلمة قبيحة خبيثة وكذا ثبتت في بعض الروايات
(قوله فعلوها) هو استفهام بحذف الأداة أي افعلوها أي الأثرة أي شركناهم فيما نحن فيه
فأرادوا الاستبداد به علينا وفي مرسل قتادة فقال رجل منهم عظيم النفاق ما مثلنا ومثلهم إلا كما
قال القائل سمن كلبك يأكلك وعند ابن إسحاق فقال عبد الله بن أبي أقد فعلوها نافرونا وكاثرونا
في بلادنا والله ما مثلنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك (قوله فقام عمر
فقال يا رسول الله دعني أضرب عنقه) في مرسل قتادة فقال عمر مر معاذا أن يضرب عنقه
وإنما قال ذلك لان معاذا لم يكن من قومه (قوله دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه)
أي أتباعه ويجوز في يتحدث الرفع على الاستئناف والكسر على جواب الامر وفي مرسل قتادة
فقال لا والله لا يتحدث الناس زاد ابن إسحاق فقال مر به معاذ بن بشر بن وقش فليقتله فقال لا
ولكن أذن بالرحيل فراح في ساعة ما كان يرحل فيها فلقيه أسيد بن حضير فسأله عن ذلك
فأخبره فقال فأنت يا رسول الله الأعز وهو الأذل قال وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان
من أمر أبيه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بلغي إنك تريد قتل أبي فيما بلغك عنه فإن كنت
فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فقال بل ترفق به وتحسن صحبته قال فكان بعد ذلك إذا أحدث
الحدث كان قومه هم الذين ينكرون عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر كيف ترى ووقع
في مرسل عكرمة عند الطبري أن عبد الله بن عبد الله بن أبي قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن
ولدي يؤذي الله ورسوله فذرني حتى أقتله قال لا تقتل أباك (قوله ثم إن المهاجرين كثروا بعد)
هذا مما يؤيد تقدم القصة ويوضح وهم من قال إنها كانت بتبوك لان المهاجرين حينئذ كانوا
كثيرا جدا وقد انضافت إليهم مسلمة الفتح في غزوة تبوك فكانوا حينئذ أكثر من الأنصار والله
أعلم * (قوله باب قوله هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا)
كذا لهم وزاد أبو ذر الآية (قوله ينفضوا يتفرقوا) سقط هذا لأبي ذر قال أبو عبيدة في قوله حت
ينفضوا حتى يتفرقوا ووقع في رواية زهير سبب قول عبد الله بن أبي ذلك وهو قوله خرجنا في
سفر أصاب الناس فيه شدة فقال عبد الله بن أبي لا تنفقوا الآية فالذي يظهر أن قوله لا تنفقوا
كان سببه الشدة التي أصابتهم وقوله ليخرجن الأعز منها الأذل سببه مخاصمة المهاجري
والأنصاري كما تقدم في حديث جابر (قوله الكسع أن تضرب بيدك على شئ أو برجلك ويكون
أيضا إذا رميته بسوء) كذا لأبي ذر عن الكشميهني وحده وحق هذا أن يذكر قبل الباب أو في
الباب الذي يليه لن الكسع إنما وقع في حديث جابر قال ابن التين الكسع أن تضرب بيدك
على دبر شئ أو برجلك وقال القرطبي أن تضرب عجز إنسان بقدمك وقيل الضرب بالسيف على
المؤخر وقال ابن القطاع كسع القوم ضرب أدبارهم بالسيف وكسع الرجل ضرب دبره بظهر
قدمه وكذا إذا تكلم فأثر بكلامه بما ساءه ونحوه في تهذيب الأزهري (قوله حدثنا إسماعيل بن
498

عبد الله) هو ابن أبي أويس (قوله حدثني عبد الله بن الفضل) أي ابن العباس بن ربيعة بن الحرث
ابن عبد المطلب الهاشمي تابعي صغير مدني ثقة ما له في البخاري عن أنس إلا هذا الحديث وهو
من أقران موسى بن عقبة الراوي عنه (قوله حزنت على من أصيب بالحرة) هو بكسر الزاي من
الحزن زاد الإسماعيلي من طريق محمد بن فليح عن موسى بن عقبة من قومي وكانت وقعة الحرة
في سنة ثلاث وستين وسببها أن أهل المدينة خلعوا بيعة يزيد بن معاوية لما بلغهم ما يتعمده من
الفساد فأمر الأنصار عليهم عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر وأمر المهاجرون عليهم عبد الله بن
مطيع العدوي وأرسل إليهم يزيد من معاوية مسلم بن عقبة المري في جيش كثير فهزمهم
واستباحوا المدينة وقتلوا بن حنظلة وقتل من الأنصار شئ كثير جدا وكان أنس يومئذ بالبصرة
فبلغه ذلك فحزن على من أصيب من الأنصار فكتب إليه زيد بن أرقم وكان يومئذ بالكوفة يسلى
ومحصل ذلك أن الذي يصير إلى مغفرة الله لا يشتد الحزن عليه فكان ذلك تعزية لأنس فيهم (قوله
وشك بن الفضل في أبناء أبناء الأنصار) رواه النضر بن أنس عن زيد بن أرقم مرفوعا اللهم
اغفر للأنصار ولابناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار أخرجه مسلم من طريق قتادة عنه من غير
شك وللترمذي من رواية علي بن زيد عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم أنه كتب إلى أنس بن مالك
يعزيه فيمن أصيب من أهله وبني عمه يوم الحرة فكتب إليه إني أبشرك ببشرى من الله أني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم اغفر للأنصار ولذراري الأنصار ولذراري ذراريهم
(قوله فسأل أنسا بعض من كان عنده) هذا السائل لم أعرف اسمه ويحتمل أن يكون النضر بن
أنس فإنه روى حديث الباب عن زيد بن أرقم كما ترى وزعم ابن التين أنه وقع عند القابسي فسأل
أنس بعض بالنصب وأنس بالرفع على أنه الفاعل والأول هو الصواب قال القابسي الصواب
أن المسؤول أنس (قوله أوفى الله له بأذنه) أي بسمعه وهو بضم الهمزة والدال المعجمة ويجوز
فتحهما أي أظهر صدقة فيما أعلم به والمعنى أوفى صدقة وقد تقدم في الكلام على حديث جابر أن
في مرسل الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بإذنه فقال وفي الله بإذنك يا غلام كأنه جعل
أذنه ضامنة بتصديق ما ذكرت أنها سمعت فلما نزل القرآن بتصديقه صارت كأنها واقية بضمانها
* (تكميل) * وقع في رواية الإسماعيلي في آخر هذا الحديث من رواية محمد بن فليح عن موسى
ابن عقبة قال بن شهاب سمع زيد بن أرقم رجلا من المنافقين يقول والنبي صلى الله عليه وسلم
يخطب لئن كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير فقال زيد قد والله صدق ولانت شر من الحمار
ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجحده القائل فأنزل الله على رسوله يحلفون بالله ما قالوا
الآية فكان مما انزل الله في هذه الآية تصديقا لزيد انتهى وهذا مرسل جيد وكأن البخاري
حذفه لكونه على غير شرطه ولا مانع من نزول الآيتين في القصتين في تصديق زيد * (قوله
باب يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل الآية) كذا لأبي ذر
وساق غيره الآية إلى يعلمون ذكر فيه حديث جابر الماضي وقد تقدم شرحه قبل بباب ولعله أشار
بالترجمة إلى ما وقع في آخر الحديث المذكور فإن الترمذي لما أخرجه عن ابن أبي سفيان
499

بإسناد حديث الباب قال في آخره وقال غير عمرو فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله بن
أبي والله لا ينقلب أبي إلى المدينة حتى تقول إنك أنت الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم
العزيز ففعل وهذه الزيادة أخرجها بن إسحاق في المغازي عن شيوخه وذكرها أيضا الطبري من
طريق عكرمة
* (قوله سورة التغابن والطلاق) *
كذا لأبي ذر ولم يذكر غيره والطلاق بل اقتصروا على التغابن وأفردوا الطلاق بترجمة وهو
الأليق لمناسبة ما تقدم (قوله وقال علقمة عن عبد الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه الخ) أي
يهتدي إلى التسليم فيصبر ويشكر وهذا التعليق وصله عبد الرزاق عن ابن عيينة عن الأعمش
عن أبي ظبيان عن علقمة مثله لكن لم يذكر ابن مسعود وكذا أخرجه الفريابي عن الثوري
وعبد بن حميد عن عمر بن سعد عن الثوري عن الأعمش والطبري من طريق عن الأعمش نعم
أخرجه البرقاني من وجه آخر فقال عن علقمة قال شهدنا عنده يعني عند عبد الله عرض
المصاحف فأتى على هذه الآية ومن يؤمن بالله يهد قلبه قال هي المصيبات تصيب الرجل فيعلم
أنها من عند الله فيسلم ويرضى وعند الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
قال المعنى يهدي قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه
(قوله وقال مجاهد التغابن غبن أهل الجنة أهل النار) كذا لأبي ذر عن الحموي وحده وقد
وصله الفريابي وعبد بن حميد من طريق مجاهد وغبن بفتح المعجمة والموحدة وللطبري من طريق
شعبة عن قتادة يوم التغابن يوم غبن أهل الجنة أهل النار أي لكون أهل الجنة بايعوا على الاسلام
بالجنة فربحوا وأهل النار امتنعوا من الاسلام فخسروا فشبهوا بالمتبايعين يغبن أحدهما الآخر
في بيعه ويؤيد ذلك ما سيأتي في الرقاق من طريق الأعرج عن أبي هريرة رفعه لا يدخل أحد الجنة
إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ولا يدخل أحد النار إلا أرى مقعده من الجنة
لو أحسن ليكون عليه حسرة
* (قوله سورة الطلاق) *
كذا لهم وسقط لأبي ذر (قوله وقال مجاهد وبال أمرها جزاء أمرها) كذا لهم وسقط لأبي ذر أيضا
وصله عبد بن حميد أيضا من طريقه (قوله إن ارتبتم أن لم تعلموا أتحيض أم لا تحيض فاللائي
قعدن عن المحيض واللائي لم يحضن بعد فعدتهن ثلاثة أشهر) كذا لأبي ذر عن الحموي وحده
عقب قول مجاهد في التغابن وقد وصله الفريابي بلفظه من طريق مجاهد ولابن المنذر من طريق
أخرى عن مجاهد التي كبرت والتي لم تبلغ (قوله أنه طلق امرأته) في رواية الكشميهني أنه طلق
امرأة له وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى (قوله وأولات الأحمال
أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) كذا للجميع (قوله وأولات
واحدها ذات حمل) هو قول أبي عبيدة (قوله جاء رجل إلى ابن عباس) لم أقف على اسمه (قوله آخر
الأجلين) أي يتربصن أربعة أشهر وعشرا ولو وضعت قبل ذلك فإن مضت ولم تضع تتربص إلى أن
تضع وقد قال بقول ابن عباس هذا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ونقل عن سحنون أيضا ووقع
500

عند الإسماعيلي قيل لابن عباس في امرأة وضعت بعد وفاة زوجها بعشرين ليلة أيصلح أن
تتزوج قال لا إلى آخر الأجلين قال أبو سلمة فقلت قال الله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن
حملهن قال إنما ذاك في الطلاق وهذا السياق أوضح لمقصود الترجمة لكن البخاري على عادته في
إيثار الأخفى على الاجلى وقد أخرج الطبري وابن أبي حاتم بطرق متعددة إلى أبي بن كعب أنه
قال للنبي صلى الله عليه وسلم وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن المطلقة ثلاثا أو المتوفى
عنها زوجها قال هي للمطلقة ثلاثا أو المتوفى عنها وهذا المرفوع وأن كان لا يخلو شئ من أسانيده
عمن قال لكن كثرة طرقه تشعر بان له أصلا وبعضه قصة سبيعة المذكورة (قوله قال أبو هريرة
أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة) أي وافقه فيما قال (قوله فأرسل كريبا) هذا السياق ظاهره أن أبا سلمة
تلقى ذلك عن كريب عن أم سلمة وهو المحفوظ وذكر الحميدي في الجمع أن أبا مسعود ذكره في الأطراف
في ترجمة أبي سلمة عن عائشة قال الحميدي وفيه نظر لان الذي عندنا من البخاري فأرسل ابن
عباس غلامه كريبا فسألها لم يذكر لها اسما كذا قال والذي وقع لنا ووقفت عليه من جميع
الروايات في البخاري في هذا الموضع فأرسل ابن عباس غلامه كريبا إلى أم سلمة وكذا عند
الإسماعيلي من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير وقد ساقه مسلم من وجه آخر فأخرجه من طريق
سليمان بن يسار أن أبا سلمة بن عبد الرحمن وابن عباس اجتمعا عند أبي هريرة وهما يذكران المرأة
تنفس بعد وفاة زوجها بليالي فقال ابن عباس عدتها آخر الأجلين فقال أبو سلمة قد حلت فجعلا
يتنازعان فقال أبو هريرة أنا مع ابن أخي فبثوا كريبا مولى ابن عباس إلى أم سلمة يسألها عن ذلك
فهذه القصة معروفة لام سلمة (قوله فقالت قتل زوج سبيعة) كذا هنا وفي غير هذه الرواية أنه مات
وهو المشهور واستغنت أم سلمة بسياق قصة سبيعة عن الجواب بلا أو نعم لكنه اقتضى تصويب
قول أبي سلمة وسيأتي الكلام على شرح قصة سبيعة في كتاب العدد إن شاء الله تعالى (قوله وقال
سليمان بن حرب وأبو النعمان) وهو محمد بن الفضل المعروف بعارم كلاهما من شيوخ البخاري
لكن ذكره الحميدي وغيره في التعليق وأغفله المزي في الأطراف مع ثبوته هنا في جميع النسخ
وقد وصله الطبراني في المعجم الكبير عن علي بن عبد العزيز عن أبي النعمان بلفظه ووصله البيهقي
من طريق يعقوب بن سفيان عن سليمان بن حرب (قوله عن محمد) هو ابن سيرين (قوله كنت في
حلقة فيها عبد الرحمن بن أبي ليلى وكان أصحابه يعظمونه) تقدم في تفسير البقرة من طريق عبد الله
ابن عون عن ابن سيرين بلفظ جلست إلى مجلس من الأنصار فيه عظم من الأنصار (قوله فذكروا
له فذكر آخر الأجلين) أي ذكروا له الحامل تضع بعد وفاة زوجها (قوله فحدثت بحديث سبيعة
بنت الحرث عن عبد الله بن عتبة) أي ابن مسعود وساق الإسماعيلي من وجه آخر عن حماد بن زيد
بهذا الاسناد قصة سبيعة بتمامها وكذا صنع أبو نعيم (قوله فضمز) بضاد معجمة وميم ثقيلة وزاي
قال ابن التين كذا في أكثر النسخ ومعناه أشار إليه أن اسكت ضمز الرجل إذا عض على شفتيه
ونقل عن أبي عبد الملك أنها بالراء المهملة أي انقبض وقال عياض وقع عند الكشميهني كذلك
وعند غيره من شيوخ أبي ذر وكذا عند القابسي بنون بدل الزاي وليس له معنى معروف في كلام
العرب قال ورواية الكشميهني أصوب يقال ضمرني أسكتني وبقية الكلام يدل عليه قال وفي
رواية ابن السكن فغمض لي أي أشار بتغميض عينيه أن أسكت (قلت) الذي يفهم من سياق
501

الكلام أنه أنكر عليه مقالته من غير أن يواجهه بذلك بدليل قوله ففطنت له وقوله فاستحيا
فلعلها فغمز بغين معجمة بدل الضاد أو فغمص بصاد مهملة في آخره أي عابه ولعل الرواية المنسوبة
لابن السكن كذلك (قوله إني إذا لجرئ) في رواية هشام عن ابن سيرين عن عبد بن حميد إني
لحريص على الكذب (قوله أن كذبت على عبد الله بن عتبة وهو في ناحية الكوفة) هذا يشعر
بأن هذه القصة وقعت له وعبد الله بن عتبة حي (قوله فاستحيا) أي مما وقع منه (قوله لكن عمه)
يعني عبد الله بن مسعود (لم يقل ذاك) كذا نقل عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه والمشهور عن ابن
مسعود أنه كان يقول خلاف ما نقله ابن أبي ليلى فلعله كان يقول ذلك ثم رجع أو وهم الناقل عنه
(قوله فلفيت أبا عطية مالك بن عامر) في رواية ابن عوف مالك بن عامر أو مالك بن عوف بالشك
والمحفوظ مالك بن عامر وهو مشهور بكنيته أكثر من اسمه والقائل هو ابن سيرين كأنه استغرب
ما نقله ابن أبي ليلى عن ابن مسعود فاستثبت فيه من غيره ووقع في رواية هشام عن ابن سيرين فلم
أدر ما قول ابن مسعود في ذلك فسكت فلما قمت لقيت أبا عطية (قوله فذهب يحدثني حديث
سبيعة) أي بمثل ما حدث به عبد الله بن عتبة عنها (قوله هل سمعت) أراد استخراج ما عنده في
ذلك عن ابن مسعود لما وقع عنده من التوقف فيما أخبره به ابن أبي ليلى (قوله فقال كنا عند
عبد الله) بن مسعود (فقال أتجعلون عليها) في رواية أبي نعيم من طريق الحرث بن عمير عن أيوب
فقال أبو عطية ذكر ذلك عند بن مسعود فقال أرأيتم لو مضت أربعة أشهر وعشر ولم تضع حملها
كانت قد حلت قالوا لا قال فتجملون عليها التغليظ الحديث (قوله ولا تجعلون عليها الرخصة)
في رواية الحرث بن عمير ولا تجعلون لها وهي أوجه وتحمل الأولى على المشاكلة أي من الاخذ
بما دلت عليه آية سورة الطلاق (قوله لنزلت) هو تأكيد لقسم محذوف ووقع في رواية الحرث بن
عمير بيانه ولفظه فوالله لقد نزلت (قوله سورة النساء القصري بعد الطولى) أي سورة الطلاق
بعد سورة البقرة والمراد بعض كل فمن البقرة قوله والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ومن الطلاق قوله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومراد
ابن مسعود إن كان هناك نسخ فالمتأخر هو الناسخ وإلا فالتحقيق أن لا نسخ هناك بل عموم آية
البقرة مخصوص بآية الطلاق وقد أخرج أبو داود وابن أبي حاتم من طريق مسروق قال بلغ ابن
مسعود أن عليا يقول تعتد آخر الأجلين فقال من شاء لاعنته أن التي في النساء القصري
أنزلت بعد سورة البقرة ثم قرأ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وعرف بهذا مراده
بسورة النساء القصري وفيه جواز وصف السورة بذلك وحكى ابن التين عن الداودي قال لا أرى
قوله القصري محفوظا ولا يقال في سور القرآن قصرى ولا صغرى انتهى وهو رد للاخبار الثابتة
بلا مستند والقصر والطول أمر نسبي وقد تقدم في صفة الصلاة قول زيد بن ثابت طولى الطوليين
وأنه أراد بذلك سورة الأعراف
* (قوله سورة التحريم) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر ولغيره التحريم ولم يذكروا البسملة * (قوله باب يا أيها النبي لم تحرم ما أحل
502

لله لك الآية) سقط باب لغير أبي ذر وساقوا الآية إلى رحيم (قوله حدثنا هشام) هو الدستوائي
ويحيى هو ابن أبي كثير (قوله عن ابن حكيم) هو يعلى بن حكيم ووقع في رواية الأصيلي عن أبي
زيد المروزي بأن أحمد الجرجاني يحيى عن ابن حكيم لم يسمه عن سعيد بن جبير وذكر أبو علي
الجياني أنه وقع في رواية أبي علي بن السكن مسمى فقال فيه عن يحيى عن يعلى بن حكيم قال
ووقع في رواية أبي ذر عن السرخسي هشام عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير قال الجياني
وهو خطأ فاحش (قلت) سقط عليه لفظه عن بين يحيى وابن حكيم قال ورواية ابن السكن رافعة
للنزاع (قلت) وسماه يحيى بن أبي كثير في رواية معاوية بن سلام عنه كما سيأتي في كتاب الطلاق
(قوله عن سعيد بن جبير) زاد في رواية معاوية المذكورة أنه أخبره أنه سمع ابن عباس (قوله في
الحرام يكفر) أي إذا قال لامرأته أنت على حرام لا تطلق وعليه كفارة يمين وفي رواية معاوية
المذكورة إذا حرم امرأته ليس بشئ وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الطلاق وقوله في هذه
الطريق يكفر ضبط بكسر الفاء أي يكفر من وقع ذلك منه ووقع في رواية ابن السكن وحده يمين
تكفر وهو بفتح الفاء وهذا أوضح في المراد والغرض من حديث ابن عباس قوله فيه لقد كان لكم
في رسول الله أسوة حسنة فإن فيه إشارة إلى سبب نزول أول هذه السورة وإلى قوله فيها قد فرض
الله لكم تحلة أيمانكم وقد وقع في بعض حديث ابن عباس عن عمر في القصة الآتية في الباب
الذي يليه فعاتبه الله في ذلك وجعل له كفارة اليمين واختلف في المراد بتحريمه ففي حديث عائشة
ثاني حديثي الباب أن ذلك بسبب شربه صلى الله عليه وسلم العسل عند زينب بنت جحش فإن في
آخره ولن أعود له وقد حلفت وسيأتي شرح حديث عائشة مستوفى في كتاب الطلاق إن شاء الله
تعالى ووقع عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى مسروق قال حلف رسول الله صلى الله عليه
وسلم لحفصة لا يقرب أمته وقال هي على حرام فنزلت الكفارة ليمينه وأمر أن لا يحرم ما أحل الله
ووقعت هذه القصة مدرجة عند ابن إسحاق في حديث ابن عباس عن عمر الآتي في الباب الذي
يليه كما سأبينه وأخرج الضياء في المختارة من مسند الهيثم بن كليب ثم من طريق جرير بن حازم عن
أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة لا تخبري أحدا أن
أم إبراهيم على حرام قال فلم يقربها حتى أخبرت عائشة فأنزل الله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم
وأخرج الطبراني في عشرة النساء وابن مردويه من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي سلمة
عن أبي هريرة قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمارية بيت حفصة فجاءت فوجدتها معه
فقالت يا رسول الله في بيتي تفعل هذا معي دون نسائك فذكر نحوه وللطبراني من طريق الضحاك
عن ابن عباس قال دخلت حفصة بيتها فوجدته يطأ مارية فعاتبته فذكر نحوه وهذه طرق يقوي
بعضها بعضا فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا وقد روى النسائي من طريق حماد
عن ثابت عن أنس هذه القصة مختصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به
حفصة وعائشة حتى حرمها فأنزل الله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية * (قوله
باب تبتغي مرضاة أزواجك قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) كذا لهم بإسقاط
بعض الآية الأولى وحذف بقية الثانية وكملها أبو ذر (قوله عن يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري
503

والاسناد كله مدنيون (قوله مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب) فذكر الحديث بطوله ف ي
قصة اللتين تظاهرتا وقد ذكره في النكاح مختصرا من هذا الوجه ومطولا من وجه آخر وتقدم
طرف منه في كتاب العلم وفي هذه الطريق هنا من الزيادة مراجعة امرأة عمر له ودخوله على حفصة
بسبب ذلك بطوله ودخول عمر على أم سلمة وذكر في آخر الأخرى قصة اعتزاله صلى الله عليه وسلم
نساءه وفي آخره حديث عائشة في التخيير وسيأتي الكلام على ذلك كله مستوفى في كتاب النكاح
إن شاء الله تعالى وقوله في هذه الطريق ثم قال عمر رضي الله عنه والله أن كنا في الجاهلية ما نعد
للنساء أمر حتى أنزل الله فيهن ما أنزل قرأت بخط أبي على الصدفي في هامش نسخته قيل لا بد من
اللام للتأكيد وقوله في هذه الطريق لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وبرفع حب على أنه بدل من فاعل أعجب ويجوز النصب على أنه مفعول من أجله أي من
أجل حبه لها وقوله فيه قرظا مصبورا أي مجموعا مثل الصبرة وعند الإسماعيلي مصبوبا
بموحدتين * (قوله باب وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا إلى الخبير) كذا
لأبي ذر وساق غيره الآية (قوله فيه عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم) يشير إلى حديثها
المذكور قبل بباب (قوله حدثنا على) هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة ويحيى هو ابن سعيد
والأنصاري وذكر طرفا من الحديث الذي في الباب قبله * (قوله باب إن تتوبا إلى الله
فقد صغت قلوبكما صغوت وأصغيت ملت لتصغى لتميل) سقط هذا لأبي ذر وهو قول أبي عبيدة
قال في قوله ولنصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة لتميل من صغوت إليه ملت إليه
504

وأصغوت إليه مثله وقال في قوله فقد صغت قلوبكما أي عدلت ومالت (قوله وإن تظاهرا عليه
فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير عون) كذا لهم واقتصر أبو ذر
من سياق الآية على قوله ظهير عون هو تفسير الفراء (قوله تظاهرون تعاونون) كذا لهم وفي
بعض النسخ تظاهرا تعاونا وهو تفسير الفراء أيضا قال في قوله تعالى وان تظاهرا عليه تعاونا عليه
(قوله وقال مجاهد قوا أنفسكم أوصوا أهليكم بتقوى الله وأدبوهم) وصله الفريابي من طريق
ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ أوصوا أهليكم بتقوى الله وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
مروهم بطاعة الله وانهوهم عن معصيته وعند سعيد بن منصور عن الحسن نحوه وروى
الحاكم من طريق ربعي بن حراش عن علي في قوله قوا أنفسكم وأهليكم نارا قال علموا أهليكم
خيرا ورواته ثقات * (تنبيه) * وقع في جميع النسخ التي وقفت عليها أوصوا بفتح الألف وسكون
الواو بعدها صاد مهملة من الايصاء وسقطت هذه اللفظة للنسفي وذكرها بن التين بلفظ قوا
أهليكم أوقفوا أهليكم ونسب عياض هذه الرواية هكذا للقابسي وابن السكن قال وعند
الأصيلي أوصوا أنفسكم وأهليكم انتهى قال ابن التين قال القابسي صوابه أرفقوا قال ونحو
ذلك ذكر النحاس ولا أعرف للألف من أو ولا للفاء من قوله فقوا وجها قال ابن التين ولعل المعنى
أوقفوا بتقديم القاف على الفاء أي أوقفوهم عن المعصية قال لكن الصواب على هذا حذف
الألف لأنه ثلاثي من وقف قال ويحتمل أن يكون أوقفوا يعني بفتح الفاء وضم القاف لا تعصوا
فيعصوا مثل لا تزن فيزن أهلك وتكون أو على هذا للتخيير والمعنى إما أن تأمروا أهليكم بالتقوى
أو فاتقوا أنتم فيتقوا هم تبعا لكم انتهى وكل هذه التكلفات نشأت عن تحريف الكلمة وإنما
هي أوصوا بالصاد والله المستعان ثم ذكر المصنف في الباب أيضا طرفا من حديث ابن عباس عن
عمر أيضا في قصة المتظاهرتين وسيأتي شرحه * (قوله باب عسى ربه إن طلقكن أن
يبدله أزواجا خيرا منكن الآية) ذكر فيه طرفا من حديث أنس عن عمر في موافقاته واقتصر
منه على قصة الغيرة وقد تقدم بهذا الاسناد في أوائل الصلاة تاما وذكرنا كل موافقة منها في بابها
وسيأتي ما يتعلق بالغيرة في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى
* (قوله سورة تبارك الذي بيده الملك) *
سقطت البسملة للجميع (قوله التفاوت الاختلاف والتفاوت والتفوت واحد) هو قول الفراء
قال وهو مثل تعهدته وتعاهدته وأخرج سعيد بن منصور من طريق إبراهيم عن علقمة أنه كان
يقرأ من تفوت وقال الفراء هي قراءة ابن مسعود وأصحابه والتفاوت الاختلاف يقول هل ترى
في خلق الرحمن من اختلاف وقال ابن التين قيل متفاوت فليس متباينا وتفوت فات بعضه
بعضا (قوله تميز تقطع) هو قول الفراء قال في قوله تكاد تميز من الغيظ أي تقطع عليهم غيظا
(قوله مناكبها جوانبها) قال أبو عبيدة في قوله تعالى فامشوا في مناكبها أي جوانبها وكذا قال
الفراء (قوله تدعون وتدعون واحد مثل تذكرون وتذكرون) هو قول الفراء قال في قوله الذي
كنتم به تدعون يريد تدعون بالتخفيف وهو مثل تذكرون وتذكرون قال والمعنى واحد وأشار
إلى أنه لم يقرأ بالتخفيف وقال أبو عبيدة في قوله الذي كنتم به تدعون أي تدعون به وتكذبون
(قوله يقال غورا غائرا يقال لا تناله الدلاء كل شئ غرت فيه فهي مغارة ماء غور وبئر غور ومياه
505

غور بمنزلة الزور وهؤلاء زور وهؤلاء ضيف ومعناه أضياف وزوار لأنها مصدر مثل قوم عدل وقوم
رضا ومقنع) ثبت هذا عند النسفي هنا وكذا رأيته في المستخرج لأبي نعيم ووقع أكثره للباقين
في كتاب الأدب وهو كلام الفراء من قوله ماء غور إلى ومقنع لكن قال بدل بئر غور ماء غور وزاد ولا
يجمعون غور ولا يثنونه والباقي سواء وأما أول الكلام فهو من وأخرج الفاكهي
عن ابن أبي عمر عن سفيان عن ابن الكلبي قال نزلت هذه الآية قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا
في بئر زمزم وبئر ميمون بن الحضرمي وكانت جاهلية قال الفاكهي وكانت آبار مكة تغور سراعا
(قوله ويقبضن يضربن بأجنحتهن) كذا لغير أبي ذر هنا ووصله الفريابي وقد تقدم في بدء الخلق
(قوله وقال مجاهد صافات بسط أجنحتهن) سقط هذا لأبي ذر هنا ووصله الفريابي وقد تقدم
في بدء الخلق أيضا (قوله ونفور الكفور) وصله عبد بن حميد والطبري من طريق ابن أبي نجيح عن
مجاهد في قوله بل لجوا في عتو ونفور قال كفور وذكر عياض أنه وقع عند الأصيلي ونفور تفور
كقدر أي بفتح المثناة تفسير قوله سمعوا لها شهيقا وهي تفور قال وهي أوجه من الأول وقال في
موضع آخر هذا أولى وما عداه تصحيف فإن تفسير نفور بالنون بكفور بعيد (قلت) استبعده من
جهة أنه معنى فلا يفسر بالذات لكن لا مانع من ذلك على إرادة المعنى وحاصله أن الذي يلج في عتوه
ونفوره هو الكفور
* (قوله سورة ن والقلم) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر والمشهور في ن أن حكمها حكم أوائل السور في الحروف
المتقطعة وبه جزم الفراء وقيل بل المراد بها الحوت وجاء ذلك في حديث ابن عباس أخرجه الطبراني
مرفوعا قال أول ما خلق الله القلم والحوت قال أكتب قال ما أكتب قال كل شئ كائن إلى يوم
القيامة ثم قرأ ن والقلم فالنون الحوت والقلم القلم (قوله وقال قتادة حرد جد في أنفسهم) هو
بكسر الجيم وتشديد الدال الاجتهاد والمبالغة في الامر قال ابن التين وضبط في بعض الأصول
بفتح الجيم قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كانت الجنة لشيخ وكان يمسك قوته سنة ويتصدق
بالفضل وكان بنوه ينهونه عن الصدقة فلما مات أبوهم غدوا عليها فقال لا يدخلنها اليوم عليكم
مسكين وغدوا على حرد قادرين يقول على جد من أمرهم قال معمر وقال الحسن على فاقة
وأخرج سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عكرمة قال هم ناس من الحبشة كانت لأبيهم جنة
فذكر نحوه إلى أن قال وغدوا على حرد قادرين قال أمر مجتمع وقد قيل في حرد إنها اسم الجنة
وقيل اسم قريتهم وحكى أبو عبيدة فيه أقوالا أخرى القصد والمنع والغضب والحقد (قوله وقال
بن عباس يتخافتون ينتجون السرار والكلام الخفي) ثبت هذا لأبي ذر وحده هنا وثبت للباقين
في كتاب التوحيد (قوله وقال ابن عباس إنا لضالون أضللنا مكان جنتنا) وصله ابن أبي حاتم من
طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله قالوا إنا لضالون أضللنا مكان جنتنا وقال عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة أخطأنا الطريق ما هذه جنتنا * (تنبيه) * زعم بعض الشراح أن
الصواب في هذا أن يقال ضللنا بغير ألف تقول ضللت الشئ إذا جعلته في مكان ثم لم تدر أين هو
وأضللت الشئ إذا ضيعته انتهى والذي وقع في الرواية صحيح المعنى عملنا عمل من ضيع ويحتمل
506

أن يكون بضم أول أضللنا (قوله وقال غيره كالصريم كالصبح انصرم من الليل والليل انصرم من
النهار) قال أبو عبيدة فأصبحت كالصريم النهار انصرم من الليل والليل انصرم من النهار وقال
الفراء الصريم الليل المسود (قوله وهو أيضا كل رملة انصرمت من معظم الرمل) هو قول أبي
عبيدة أيضا قال وكذلك الرملة تنصرم من معظم الرمل فيقال صريمة وصريمة أمرك قطعة
(قوله والصريم أيضا المصروم مثل قتيل ومقتول) هو محصل ما أخرجه ابن المنذر من طريق
شيبان عن قتادة في قوله فأصبحت كالصريم كأنها قد صرمت والحاصل أن الصريم مقول
بالاشتراك على معان يرجع جميعها إلى انفصال شئ عن شئ ويطلق أيضا على الفعل فيقال صريم
بمعنى مصروم * (تكميل) * قال عبد الرزاق عن معمر أخبرني تميم بن عبد الرحمن أنه سمع سعيد
ابن جبير يقول هي يعني الجنة المذكورة أرض باليمن يقال لها صرفان بينهما وبين صنعاء ستة
أميال (قوله تدهن (1) فيدهنون ترخص فيرخصون) كذا للنسفي وحده هنا وسقط للباقين وقد
رأيته أيضا في المستخرج لأبي نعيم وهو قول ابن عباس أخرجه ابن المنذر من طريق علي بن أبي
طلحة ومن طريق عكرمة قال تكفر فيكفرون وقال الفراء المعنى تلين فيلينون وقال أبو
عبيدة هو من المداهنة (قوله مكظوم وكظيم مغموم) كذا للنسفي وحده هنا وسقط للباقين
ورأيته أيضا فمستخرج أبي نعيم وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى وهو مكظوم من الغم مثل
كظيم وأخرج ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله مكظوم قال مغموم
* (قوله باب عتل بعد ذلك زنيم) اختلف في الذي نزلت فيه فقيل هو الوليد بن المغيرة
وذكره يحيى بن سلام في تفسيره وقيل الأسود بن عبد يغوث ذكره سنيد بن داود في تفسيره وقيل
الأخنس بن شريق وذكره السهيلي عن القتيبي وحكى هذين القولين الطبري فقال يقال هو
الأخنس وزعم قوم أنه الأسود وليس به وأبعد من قال إنه عبد الرحمن بن الأسود فإنه يصغر عن
ذلك وقد أسلم وذكر في الصحابة (قوله حدثنا محمود بن غيلان) في رواية المستملي محمد وكأنه الذهلي
(قوله حدثنا عبيد الله بن موسى) هو من شيوخ المصنف وربما حدث عنه بواسطة كالذي هنا
(قوله عن أبي حصين عن مجاهد) لإسرائيل فيه طريق أخرى أخرجها الحاكم من طريق
عبيد الله بن موسى أيضا والإسماعيلي من طريق وكيع كلاهما عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه وأخرجه الطبري من طريق شريق عن أبي إسحاق بهذا
الاسناد وقال الذي يعرف بالشر (قوله رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة) زاد أبو نعيم في
مستخرج في آخره يعرف بها وفي رواية سعيد بن جبير المذكورة يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها
وللطبري من طريق عكرمة عن ابن عباس قال نعت فلم يعرف حتى قيل زنيم فعرف وكانت له زنمة
في عنقه يعرف بها وقال أبو عبيدة الزنيم المعلق في القوم ليس منهم قال الشاعر
* زنيم ليس يعرف من أبوه * وقال حسان * وأنت زنيم نيط في آل هاشم * قال ويقال للتيس
زنيم له زنمتان (قوله سفيان) هو الثوري (قوله عن معبد بن خالد) هو الجدلي بضم الجيم والمهملة
وتخفيف اللام كوفي ثقة ماله في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في كتاب الزكاة وثالث
يأتي في الطب (قوله ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف) بكسر العين وبفتحها وهو
أضعف وفي رواية الإسماعيلي مستضعف وفي حديث عبد الله بن عمرو عند الحاكم الضعفاء
507

المغلوبون وله من حديث سراقة بن مالك الضعفاء المغلوبون ولأحمد من حديث حذيفة الضعيف
المستضعف ذو الطمرين لا يؤيد له والمراد بالضعيف من نفسه ضعيفة لتواضعه وضعف حاله في
الدنيا والمستضعف المحتقر لخموله في الدنيا (قوله عتل) بضم المهملة والمثناة بعدها لام ثقيلة قال
الفراء الشديد الخصومة وقيل الجافي عن الموعظة وقال أبو عبيدة العتل الفظ الشديد من كل شئ
وهو هنا الكافر وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن العتل الفاحش الآثم وقال الخطابي
العتل الغليظ العنيف وقال الداودي السمين العظيم العنق والبطن وقال الهروي الجموع
المنوع وقيل القصير البطن (قلت) وجاء فيه حديث عند أحمد من طريق عبد الرحمن بن غنم وهو
مختلف في صحته قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العتل الزنيم قال هو الشديد الخلق
المصحح الأكول الشروب الواجد للطعام والشراب الظلوم للناس الرحيب الجوف (قوله جواظ)
بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره معجمة الكثير اللحم المختال في مشيه حكاه الخطابي وقال ابن فارس
قيل هو الأكول وقيل الفاجر وأخرج هذا الحديث أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن وكيع
عن الثوري بهذا الاسناد مختصرا لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري قال والجواظ الفظ الغليظ
انتهى وتفسير الجواظ لعله من سفيان والجعفري بفتح الجيم والظاء المعجمة بينهما عين مهملة
وآخره راء مكسورة ثم تحتانية ثقيلة قيل هو الفظ الغليظ وقيل الذي لا يمرض وقيل الذي يتمدح بما
ليس فيه أو عنده وأخرج الحاكم من حديث عبد الله بن عمر أنه تلا قوله تعالى مناع للخير إلى زنيم
فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أهل النار كل جعظري جواظ مستكبر * (قوله
باب يوم يكشف عن ساق) أخرج أبو يعلى بسند فيه ضعف عن أبي موسى مرفوعا في
قوله يوم يكشف عن ساق قال عن نور عظيم فيخرون له سجدا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
في قوله يوم يكشف عن ساق قال عن شدة أمر وعند الحاكم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال
هو يوم كرب وشدة قال الخطابي فيكون المعنى يكشف عن قدرته التي تنكشف عن الشدة
والكرب وذكر غير ذلك من التأويلات كما سيأتي بيانه عند حديث الشفاعة مستوفى في
كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى ووقع في هذا الموضع يكشف ربنا عن ساقه وهو من رواية سعيد
ابن أبي هلال عن زيد بن أسلم فأخرجها الإسماعيلي كذلك ثم قال في قوله عن ساقه نكرة ثم أخرجه
من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم بلفظ يكشف عن ساق قال الإسماعيلي هذه أصح
لموافقتها لفظ القرآن في الجملة لا يظن أن الله ذو أعضاء وجوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين
تعالى الله عن ذلك ليس كمثله شئ
* (قوله سورة الحاقة) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر والحاقة من أسماء يوم القيامة سميت بذلك لأنها حقت لكل قوم أعمالهم قال قتادة
أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه (قوله حسوما (1) متتابعة) كذا للنسفي وحده هنا هو قول
أبي عبيدة وأخرج الطبراني ذلك عن ابن مسعود موقوفا بإسناد حسن وصححه الحاكم (قوله وقال
ابن جبير عيشة راضية يريد فيها الرضا) وقال أبو عبيدة معناه مرضية قال وهو مثل ليل نائم
(قوله وقال ابن جبير أرجائها ما لم ينشق منها فهم على حافتيه كقولك على أرجاء البئر) كذا للنسفي
508

وحده هنا وهو عند أبي نعيم أيضا وتقدم أيضا في بدء الخلق (قوله واهية وهيها تشققها) كذا للنسفي
وحده هنا وهو عند أبي نعيم أيضا وتقدم أيضا في بدء الخلق (قوله والقاضية الموتة الأولى التي منها
لم أحي بعدها) كذا لأبي ذر ولغيره ثم أحي بعدها والأول أصح وهو قول الفراء قال في قوله يليتها
كانت القاضية يقول ليت الموتة الأولى التي متها لم أحي بعدها (قوله من أحد عنه حاجزين أحد
يكون للجميع والواحد) هو قول الفراء قال أبو عبيدة في قوله من أحد عنه حاجزين جمع صفته
على صفة الجميع لان أحدا يقع على الواحد والاثنين والجمع من الذكر والأنثى (قوله وقال ابن
عباس الوتين نياط القلب) بكسر النون وتخفيف التحتانية هو حبل الوريد وهذا وصله ابن أبي
حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس والفريابي والأشجعي والحاكم كلهم من طريق
عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وإسناده قوي لأنه من رواية الثوري عن عطاء
وسمعه منه قبل الاختلاط وقال أبو عبيدة مثله وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال الوتين
حبل القلب (قوله قال ابن عباس طغى كثر) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي طلحة عن ابن
عباس بهذا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بلغنا أنه طغى فوق كل شئ خمسة عشر ذراعا
(قوله ويقال بالطاغية بطغيانهم) هو قول أبي عبيدة وزاد وكفرهم وأخرج الطبري من طريق
مجاهد قال فأهلكوا بالطاغية بالذنوب (قوله ويقال طغت على الخزان كما طغى الماء على قوم
نوح) لم يظهر لي فاعل طغت لان الآية في حق ثمود وهم قد أهلكوا بالصيحة ولو كانت عادا لكان
الفاعل الريح وهي لها الخزان وتقدم في أحاديث الأنبياء أنها عتت على الخزان وأما الصيحة فلا
خزان لها فلعله انتقال من عتت إلى طغت وأما قوله لما طغى الماء فروى سعيد بن منصور من طريق
السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس في قوله لما طغى الماء قال طغى على خزانة فنزل بغير
كيل ولا وزن (قوله وغسلين ما يسيل من صديد أهل النار) كذا ثبت للنسفي وحده عقب قوله
القاضية وهو عند أبي نعيم أيضا وهو كلام الفراء قال في قوله ولا طعام إلا من غسلين يقال إنه
ما يسيل من صديد أهل النار (قوله وقال غيره من غسلين كل شئ غسلته فخرج منه شئ فهو
غسلين فعلين من الغسل مثل الجرح والدبر) كذا للنسفي وحده هنا وقد تقدم في بدء الخلق أعجاز
نخل أصولها كذا للنسفي وحده هنا وهو عند أبي نعيم أيضا وقد تقدم أيضا في أحاديث الأنبياء
(قوله باقية بقية) كذا للنسفي وحده وعند أبي نعيم أيضا وقد تقدم في أحاديث الأنبياء * (تنبيه) *
لم يذكر في تفسير الحاقه حديثا مرفوعا ويدخل فيه حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة
عام أخرجه أبو داود وابن أبي حاتم من رواية إبراهيم بن طهمان عن محمد بن المنكدر وإسناده على
شرط الصحيح
* (قوله سورة سأل سائل) *
سقطت البسملة للجميع (قوله الفصيلة أصغر آبائه القربى إليه ينتمي) هو قول الفراء وقال أبو
عبيدة الفصيلة دون القبيلة ثم الفصيلة فخذه التي تؤويه وقال عبد الرزاق عن معمر بلغني أن
فصيلته أمه التي أرضعته وأغرب الداودي فحكى أن الفصيلة من أسماء النار (قوله للشوي
اليدان والرجلان والأطراف وجلدة الرأس يقال لها شواة وما كان غير مقتل فهو شوى) هو
509

كلام الفراء بلفظه أيضا وقال أبو عبيدة الشوى واحدتها شواة وهي اليدان والرجلان والرأس
من الآدميين قال وسمعت رجلا من أهل المدينة يقول اقشعرت شواتي قلت له ما معناه قال
جلدة رأسي والشوى قوائم الفرس يقال عبل الشوى ولا يراد في هذا الرأس لانهم وصفوا الخيل
بأسالة الخدين ورقة الوجه (قوله عزين والعزون الحلق والجماعات وأحدها عزة) أي بالتخفيف
كذا لأبي ذر وسقط لفظ الحلق لغير أبي ذر والصواب إثباته وهو كلام الفراء بلفظه والحلق بفتح
الحاء المهملة على المشهور ويجوز كسرها وقال أبو عبيدة عزين جماعة عزة مثل ثبة وثبين
وهي جماعات في تفرقة (قوله يوفضون الايفاض الاسراع) كذا للنسفي هنا وحده وهو كلام
الفراء وقد تقدم في الجنائز (قوله وقرأ الأعمش وعاصم إلى نصب) أي إلى شئ منصوب يستبقون
إليه وقراءة زيد بن ثابت إلى نصب وكان النصب الآلهة التي كانت تعبد وكل صواب والنصب
واحد والنصب مصدر ثبت هذا هنا للنسفي وذكره أبو نعيم أيضا وقد تقدم بعضه في الجنائز وهو
قول الفراء بلفظه وزاد في قراءة زيد بن ثابت برفع النون وبعد قوله التي كانت تعبد من الاحجار
قال النصب والنصب واحد وهو مصدر والجمع أنصاب انتهى يريد أن الذي بضمتين واحد لا جمع
مثل حقب واحد الأحقاب
* (قوله سورة نوح) *
سقطت البسملة للجميع (قوله أطوارا طورا كذا وطورا كذا) تقدم في بدء الخلق وقال عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة في قوله وقد خلقكم أطوارا نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم خلفا آخر (قوله يقال
عدا طوره أي قدره) تقدم فبدء الخلق أيضا (قوله والكبار أشد من الكبار وكذلك جمال وجميل
لأنها أشد مبالغة وكذلك كبار الكبير وكبار أيضا بالتخفيف) قال أبو عبيدة في قوله ومكروا مكرا
كبارا قال مجازها كبير والعرب تحول لفظه كبير إلى فعال مخففة ثم يثقلون ليكون أشد مبالغة
فالكبار أشد من الكبار وكذا يقال للرجل الجميل لأنه أشد مبالغة (قوله والعرب تقول رجل حسان
وجمال وحسان مخفف وجمال مخفف) قال الفراء في قوله ومكروا مكرا كبارا الكبار الكبير وكبار
أيضا بالتخفيف والعرب تقول عجب وعجاب ورجل حسان وجمال بالتثقيل وحسان وجمال
بالتخفيف في كثير من أشباهه (قوله ديارا من دور ولكنه فيعال من الدوران) أي أصله ديورا
فأدغم ولو كان أصله فعالا لكن دوارا وهذا كلام الفراء بلفظه وقال غيره أصل ديار دوار والواو
إذا وقعت بعد تحتانية ساكنة بعدها فتحة قلبت ياء مثل أيام وقيام (قوله كما قرأ عمر الحي القيام
وهي من قمت) هو من كلام الفراء أيضا وقد أخرج أبو عبيدة في فضائل القرآن من طريق يحيى
ابن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر أنه صلى العشاء الآخرة فاستفتح آل عمران فقرأ الله
لا إله إلا هو الحي القيام وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طرق عن عمر أنه قرأها كذلك
وأخرجها عن ابن مسعود أيضا (قوله وقال غيره ديارا أحدا) هو قول أبي عبيدة وزاد يقولون
ليس بها ديار ولا عريب * (تنبيه) * لم يتقدم ذكر من يعطف عليه قوله وقال غيره فيحتمل أن
يكون كان في الأصل منسوبا لقائل فحذف اختصارا من بعض النقلة وقد عرفت أنه الفراء (قوله
تبارا هلاكا) هو قول أبي عبيدة أيضا (قوله وقال ابن عباس مدرارا يتبع بعضه بعضا) وصله ابن
أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به (قوله وقارا عظمة) وصله سعيد بن منصور
510

وابن أبي حاتم من طريق مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله مالكم لا ترجون
لله وقارا قال ما تعرفون لله حق عظمته * (قوله باب ودا ولا سواعا ولا يغوث
ويعوق) سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر (قوله أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (قوله
عن ابن جريج وقال عطاء) كذا فيه وهو معطوف على كلام محذوف وقد بينه الفاكهي من وجه
آخر عن ابن جريج قال في قوله تعالى ودا ولا سواعا الآية قال أوثان كان قوم نوح يعبدونهم
وقال عطاء كان ابن عباس الخ (قوله عن ابن عباس) قيل هذا منقطع لان عطاء المذكور هو
الخرساني ولم يلق ابن عباس فقد أخرج عبد الرزاق هذا الحديث في تفسيره عن ابن جريج
فقال أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس وقال أبو مسعود ثبت هذا الحديث في تفسير ابن
جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني وإنما
أخذه من ابنه عثمان بن عطاء فنظر فيه وذكر صالح بن أحمد بن حنبل في العلل عن علي بن المديني
قال سألت يحيى القطان عن حديث ابن جريج عن عطاء الخراساني فقال ضعيف فقلت أنه
يقول أخبرنا قال لا شئ إنما هو كتاب رفعه إليه انتهى وكان ابن جريج يستجيز إطلاق أخبرنا
في المناولة والمكاتبة وقال الإسماعيلي أخبرت عن علي بن المديني أنه ذكر عن تفسير ابن جريج
كلاما معناه أنه كان يقول عن عطاء الخراساني عن ابن عباس فطال على الوارق أن يكتب
الخراساني في كل حديث فتركه فرواه من روى على أنه عطاء بن أبي رباح انتهى وأشار بهذا إلى
القصة التي ذكرها صالح بن أحمد عن علي بن المديني ونبه عليها أبو علي الجياني في تقييد المهمل
قال ابن المديني سمعت هشام بن يوسف يقول قال لي ابن جريج سألت عطاء عن التفسير من البقرة
وآل عمران ثم قال اعفني من هذا قال قال هشام فكان بعد إذا قال قال عطاء عن ابن عباس
قال عطاء الخراساني قال هشام فكتبنا ثم مللمنا يعني كتبنا الخراساني قال ابن المديني وإنما بينت
هذا لان محمد بن ثور كان يجعلها يعني في روايته عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس فيظن أنه
عطاء بن أبي رباح وقد أخر الفاكهي الحديث المذكور من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج
عن عطاء عن ابن عباس ولم يقل الخراساني وأخرجه عبد الرزاق كما تقدم فقال الخراساني وهذا
مما استعظم على البخاري أن يخفى عليه لكن الذي قوي عندي أن هذا الحديث بخصوصه عند
ابن جريج عن عطاء الخراساني وعن عطاء بن أبي رباح جميعا ولا يلزم من امتناع عطاء بن أبي
رباح من التحديث بالتفسير أن لا يحدث بهذا الحديث في باب آخر من الأبواب أو في المذاكرة
وإلا فكيف يخفى على البخاري ذلك مع تشدده في شرط الاتصال واعتماده غالبا في العلل على على
ابن المديني شيخه وهو الذي نبه على هذه القصة ومما يؤيد ذلك أنه لم يكثر من تخريج هذه النسخة
وإنما ذكر بهذا الاسناد موضعين هذا وآخر في النكاح ولو كان خفي عليه لأستكثر من إخراجها
لان ظاهرها أنها على شرطه (قوله صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد) في رواية
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كانت آلهة تعبدها قوم نوح ثم عبدتها العرب بعد وقال أبو
عبيدة وزعموا أنهم كانوا مجوسا وأنها غرقت في الطوفان فلما نضب الماء عنها أخرجها إبليس
فبثها في الأرض انتهى وقوله كانوا مجوسا غلط فإن المجوسية كلمة حدثت بعد ذلك بدهر طويل
وأن كان الفرس يدعون خلاف ذلك وذكر السهيلي في التعريف أن يغوث هو ابن شيث بن آدم
511

فيما قيل وكذلك سواع وما بعده وكانوا يتبركون بدعائهم فلما مات منهم أحد مثلوا صورته
وتمسحوا بها إلى زمن مهلائيل فعبدوها بتدريج الشيطان لهم ثم صارت سنة في العرب في
الجاهلية ولا أدري من أين سرت لهم تلك الأسماء من قبل الهند فقد قيل أنهم كانوا المبدأ
في عبادة الأصنام بعد نوح أم الشيطان ألهم العرب ذلك انتهى وما ذكره مما نقله تلقاه
من تفسير بقي بن خالد (1) فإنه ذكر فيه نحو ذلك على ما نبه عليه ابن عسكر في ذيله وفيه أن
تلك الأسماء وقعت إلى الهند فسموا بها أصنامهم ثم أدخلها إلى أرض العرب عمرو بن لحي
وعن عروة بن الزبير أنهم كانوا أولاد آدم لصلبه وكان ود أكبرهم وأبرهم به وهكذا أخرجه عمر بن
شبة في كتاب مكة من طريق محمد بن كعب القرظي قال كان لآدم خمس بنين فسماهم قال وكانوا
عبادا فمات رجل منهم فحزنوا عليه فجاء الشيطان فصوره لهم ثم قال للآخر إلى آخر القصة وفيها
فعبدوها حتى بعث الله نوحا ومن طريق أخرى أن الذي صوره لهم رجل من ولد قابيل بن آدم
وقد أخرج الفاكهي من طريق ابن الكلبي قال كان لعمرو بن ربيعة رئي من الجن فأتاه فقال
أجب أبا ثمامة وادخل بلا ملامة ثم ائت سيف جده تجد بها أصناما معدة ثم أوردها تهامة
ولا تهب ثم أدع العرب إلى عبادتها تجب قال فأتى عمرو ساحل جدة فوجد بها ودا وسواعا
ويغوث ويعوق ونسرا وهي الأصنام التي عبدت على عهد نوح وإدريس ثم أن الطوفان طرحها
هناك نسفي عليها الرمل فاستشارها عمرو وخرج بها إلى تهامة وحضر الموسم فدعا إلى عبادتها
فأجيب وعمرو بن ربيعة هو عمرو بن لحي كما تقدم (قوله أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل) قال
ابن إسحاق وكان لكلب بن وبرة بن قضاعة (قلت) وبرة هو ابن تغلب بن عمران بن الحاف بن قضاعة
ودومة بضم الدال والجندل بفتح الجيم وسكون النون مدينة من الشام مما يلي العراق وود بفتح
الواو وقرأها نافع وحده بضمها (وأما سواع فكانت لهذيل) زاد أبو عبيدة ابن مدركة بن إلياس
ابن مضر وكانوا بقرب مكة وقال ابن إسحاق كان سواع بمكان لهم يقال له رهاط بضم الراء
وتخفيف الهاء من أرض الحجاز من جهة الساحل (قوله وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف)
في مرسل قتادة فكانت لبني غطيف بن مراد وهو غطيف بن عبد الله بن ناجية بن مراد وروى
الفاكهي من طريق ابن إسحاق قال كانت أنعم من طئ وجرش بن مذحج اتخذوا يغوث لجرش
(قوله بالجرف) في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني بفتح الحاء وسكون الواو وله عن الكشميهني
الجرف بضم الجيم والراء وكذا في مرسل قتادة وللنسفي بالجون بجيم ثم واو ثم نون زاد غير أبي ذر
عند سبأ (قوله وأما يعوق فكانت لهمدان) قال أبو عبيدة لهذا الحي من همدان ولمراد بن مذحج
وروى الفاكهي من طريق بن إسحاق قال كانت خيوان (2) بطن من همدان اتخذوا يعوق
بأرضهم (قوله وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع) في مرسل قتادة لذي الكلاع من حمير
زاد الفاكهي من طريق ابن إسحاق اتخذوه بأرض حمير (قوله ونسر أسماء قوم صالحين من قوم
نوح) كذا لهم وسقط لفظ ونسر لغير أبي ذر وهو أولى وزعم بعض الشراح أن قوله ونسر غلط
وكذا قرأت بخط الصدفي في هامش ثم قال هذا الشارح والصواب وهي (قلت) ووقع
في رواية محمد بن ثور بعد قوله وأما نسر فكانت لآل ذي الكلاع قال ويقال هذه أسماء قوم
صالحين وهذا أوجه الكلام وصوابه وقال بعض الشراح محصل ما قيل في هذه الأصنام قولان
512

أحدهما أنها كانت في قوم نوح والثاني أنها كانت أسماء رجال صالحين إلى آخر القصة (قلت)
بل مرجع ذلك إلى قول واحد وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح هذه الأصنام ثم تبعهم
من بعدهم على ذلك (قوله فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم) كذا لهم ولأبي ذر
والكشميهني ونسخ العلم أي علم تلك الصور بخصوصها وأخرج الفاكهي من طريق عبيد الله
ابن عبيد بن عمير قال أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح وكانت الأبناء تبر الآباء فمات رجل
منهم فجزع عليه فجعل لا يصبر عنه فاتخذ مثالا على صورته فكلما أشتاق إليه نظره ثم مات ففعل
به كما فعل حتى تتابعوا على ذلك فمات الآباء فقال الأبناء ما أتخذ آباؤنا هذه إلا أنها كانت آلهتهم
فعبدوها وحكى الواقدي قال كان ود على صورة رجل وسواع على صورة امرأة ويغوث على
صورة أسد ويعوق على صورة فرس ونسر على صورة طائر وهذا شاذ والمشهور أنهم كانوا على
صورة البشر وهو مقتضى ما تقدم من الآثار في سبب عبادتها والله أعلم
* (قوله سورة قل أوحى) *
كذا لهم ويقال لها سورة الجن (قوله قال ابن عباس لبدا أعوانا) هو عند الترمذي في آخر
حديث ابن عباس المذكور في هذا الباب ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس هكذا وقراءة الجمهور بكسر اللام وفتح الباء وهشام وحده بضم اللام وفتح الموحدة فالأولى
جمع لبدة بكسر ثم سكون نحو قربة وقرب واللبدة واللبد الشئ الملبد أي المتراكب بعضه على بعض
وبه سمي اللبد المعروف والمعنى كادت الجن يكونون عليه جماعات متراكبة مزدحمين عليه
كاللبدة وأما التي بضم اللام فهي جمع لبدة بضم ثم سكون مثل غرفة وغرف والمعنى أنهم كانوا
جمعا كثيرا كقوله تعالى مالا لبدا أي كثيرا وروى عن أبي عمرو أيضا بضمتين فقيل هي جمع لبود
مثل صبر وصبور وهو بتاء مبالغة وقرأ ابن محيصن بضم ثم سكون فكأنها مخففة من التي قبلها
وقرأ الجحدري بضمة ثم فتحة مشددة جمع لا بد كسجد وساجد وهذه القراءات كلها راجعة إلى معنى
واحد وهو أن الجن تزاحموا على النبي صلى الله عليه وسلم لما استمعوا القرآن وهو المعتمد وروى
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبدت الإنس والجن
وحرصوا على أن يطفئوا هذا النور الذي أنزله الله تعالى وهو في اللفظ واضح في القراءة المشهورة
لكنه في المعنى مخالف (قوله بخسا نقصا) ثبت هذا للنسفي وحده وتقدم في بدء الخلق (قوله عن
أبي بشر) هو جعفر بن أبي وحشية (قوله انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا اختصره
البخاري هنا وفي صفة الصلاة وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عن الطبراني عن معاذ بن المثنى
عن مسدد شيخ البخاري فيه فزاد في أوله ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم
انطلق إلى آخره وهكذا أخرجه مسلم عن شيبان في فروخ عن أبي عوانة بالسند الذي أخرجه به
البخاري فكأن البخاري حذف هذه اللفظة عمدا لان ابن مسعود أثبت أن النبي صلى الله عليه
وسلم قرأ على الجن فكان ذلك مقدما على نفي ابن عباس وقد أشار إلى ذلك مسلم فأخرج عقب
حديث ابن عباس هذا حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني داعي الجن
فانطلقت معه فقرأت عليه القرآن ويمكن الجمع بالتعدد كما سيأتي (قوله في طائفة من أصحابه)
513

تقدم في أوائل المبعث في باب ذكر الجن أن ابن إسحاق وابن سعد ذكرا أن ذلك كان في ذي القعدة
سنة عشر من المبعث لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم رجع منها ويؤيده قوله في
هذا الحديث أن الجن رأوه يصلي بأصحابه صلاة الفجر والصلاة المفروضة إنما شرعت ليلة
الاسراء والاسراء كان على الراجح قبل الهجرة بسنتين أو ثلاث فتكون القصة بعد الاسراء لكنه مشكل
من جهة أخرى لان محصل ما في الصحيح كما تقدم في بدء الخلق وما ذكره بن إسحاق أنه صلى الله عليه
وسلم لما خرج إلى الطائف لم يكن معه من أصحابه إلا زيد بن حارثة وهنا قال إنه انطلق في طائفة من
أصحابه فلعلها كانت وجهة أخرى ويمكن الجمع بأنه لما رجع لاقاه بعض أصحابه في أثناء الطريق
فرافقوه (قوله عامدين) أي قاصدين (قوله إلى سوق عكاظ) بضم المهملة وتخفيف الكاف
وآخره ظاء المعجمة بالصرف وعدمه قال اللحيائي الصرف لأهل الحجاز وعدمه لغة تميم وهو موسم
معروف للعرب بل كان من أعظم مواسمهم وهو نخل في واد بين مكة والطائف وهو إلى الطائف
أقرب بينهما عشرة أميال وهو وراء قرن المنازل بمرحلة من طريق صنعاء اليمن وقال البكري
أول ما أحدثت قبل الفيل بخمس عشرة ولم تزل سوقا إلى سنة تسع وعشرين ومائة فخرج
الخوارج الحرورية فنهبوها فتركت إلى الآن وكانوا يقيمون به جميع شوال يتبايعون ويتفاخرون
وتنشد الشعراء ما تجدد لهم وقد كثر ذلك في أشعارهم كقول حسان
سأنشر إن حييت لكم كلاما * ينشر في المجامع من عكاظ
وكان المكان الذي يجتمعون به منه يقال له الابتداء وكانت هناك صخور يطوفون حولها ثم
يأتون مجنة فيقيمون بها عشرين ليلة من ذي القعدة ثم يأتون ذا المجاز وهو خلف عرفة فيقيمون به
إلى وقت الحج وقد تقدم في كتاب الحج شئ من هذا وقال ابن التين سوق عكاظ من إضافة الشئ
إلى نفسه كذا قال وعلى ما تقدم من أن السوق كانت تقام بمكان من عكاظ يقال له الابتداء
لا يكون كذلك (قوله وقد حيل) بكسر الحاء المهملة وسكون التحتانية بعدها لام أي حجز ومنع
على البناء للمجهول (قوله بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب) بضمتين جمع
شهاب وظاهر هذا أن الحيلولة وإرسال الشهب وقع في هذا الزمان المقدم ذكره والذي تضافرت به
الاخبار أن ذلك وقع لهم من أول البعثة النبوية وهذا مما يؤيد تغاير زمن القصتين وأن مجئ
الجن لاستماع القرآن كان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بسنتين ولا يعكر على ذلك
إلا قوله في هذا الخبر إنهم رأوه يصلي بأصحابه صلاة الفجر لأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل فرض
الصلوات ليلة الاسراء فإنه صلى الله عليه وسلم كان قبل الاسراء يصلي قطعا وكذلك أصحابه ولكن
اختلف هل افترض قبل الخمس شئ من الصلاة أم لا فيصح على هذا قول من قال إن الفرض أولا
كان صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها والحجة فيه قوله تعالى فسبح بحمد ربك قبل
طلوع الشمس وقبل غروبها ونحوها من الآيات فيكون إطلاق صلاة الفجر في حديث الباب
باعتبار الزمان لا لكونها إحدى الخمس المفترضة ليلة الاسراء فتكون قصة الجن متقدمة من أول
المبعث وهذا الموضع مما لم ينبه عليه أحد ممن وقفت على كلامهم في شرح هذا الحديث وقد
أخرج الترمذي والطبري حديث الباب بسياق سالم من الاشكال الذي ذكرته من طريق أبي
إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت الجن تصعد إلى السماء الدنيا يستمعون
514

الوحي فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها أضعافا فالكلمة تكون حقا وأما ما زادوا فيكون باطلا فلما
بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم ولم تكن النجوم يرمي بها قبل ذلك وأخرجه
الطبري أيضا وابن مردويه وغيرهما من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير مطولا وأوله
كان للجن مقاعد في السماء يستمعون الوحي الحديث فبينما هم كذلك إذ بعث النبي صلى الله عليه
وسلم فدحرت الشياطين من السماء ورموا بالكواكب فجعل لا يصعد أحد منهم إلا احترق وفزع
أهل الأرض لما رأوا من الكواكب ولم تكن قبل ذلك فقالوا هلك أهل السماء وكان أهل
الطائف أول من تفطن لذلك فعمدوا إلى أموالهم فسيبوها وإلى عبيدهم فعتقوها فقال لهم
رجل ويلكم لا تهلكوا أموالكم فإن معالمكم من الكواكب التي تهتدون بها لم يسقط منها شئ
فأقلعوا وقال إبليس حدث في الأرض حدث فأتى من كل أرض بتربة فشمها فقال لتربة تهامة
ههنا حدث الحدث فصرف إليه نفرا من الجن فهم الذين استمعوا القرآن وعند أبي داود في كتاب
المبعث من طريق الشعبي أن الذي قال لأهل الطائف ما قال هو عبد يا ليل بن عمرو وكان قد عمي
فقال لهم لا تعجلوا وانظروا فإن كانت النجوم التي يرمي بها هي التي تعرف فهو عند فناء الناس
وإن كانت لا تعرف فهو من حدث فنظروا فإذا هي نجوم لا تعرف فلم يلبثوا أن سمعوا بمبعث النبي
صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه الطبري من طريق السدي مطولا وذكر بن إسحاق نحوه مطولا
بغير إسناد في مختصر ابن هشام زاد في رواية يونس بن بكير فساق سنده بذلك عن يعقوب بن عتبة
ابن المغيرة بن الأخنس أنه حدثه عن عبد الله بن عبد الله أنه حدثه أن رجلا من ثقيف يقال له
عمرو بن أمية كان من أدهى العرب وكان أول من فزع لما رمى بالنجوم من الناس فذكر نحوه
وأخرجه ابن سعد من وجه آخر عن يعقوب بن عتبة قال أول العرب فزع من رمى النجوم ثقيف
فأتوا عمرو بن أمية وذكر الزبير بن بكار في النسب نحوه بغير سياقه ونسب القول المنسوب لعبد
يا ليل لعتبة بن ربيعة فلعلهما تواردا على ذلك فهذه الأخبار تدل على أن القصة وقعت أول
البعثة وهو المعتمد وقد استشكل عياض وتبعه القرطبي والنووي وغيرهما من حديث الباب
موضعا آخر ولم يتعرضوا لما ذكرته فقال عياض ظاهر الحديث أن الرمي بالشهب لم يكن قبل
مبعث النبي صلى الله عليه وسلم لانكار الشياطين له وطلبهم سببه ولهذا كانت الكهانة فاشية
في العرب ومرجوعا إليها في حكمهم حتى قطع سببها بأن حيل بين الشياطين وبين استراق السمع
كما قال تعالى في هذه السورة وإنما لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وإنا كنا نقعد
منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وقوله تعالى أنهم عن السمع لمعزولون وقد
جاءت أشعار العرب باستغراب رميها وإنكاره إذ لم يعهدوه قبل المبعث وكان ذلك أحد دلائل
نبوته ويؤيده ما ذكر في الحديث من إنكار الشياطين قال وقال بعضهم لم تزل الشهب يرمي بها
مذ كانت الدنيا واحتجوا بما جاء في أشعار العرب من ذلك قال وهذا مروي عن ابن عباس
والزهري ورفع فيه ابن عباس حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الزهري لمن اعترض
عليه بقوله فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا قال غلظ أمرها وشدد انتهى وهذا الحديث الذي
أشار إليه أخرجه مسلم من طريق الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن رجال من الأنصار
قالوا كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ رمى بنجم فاستنار فقال ما كنتم تقولون لهذا إذا رمى به في
515

الجاهلية الحديث وأخرجه عبد الرزاق عن معمر قال سئل الزهري عن النجوم أكان يرمي بها
في الجاهلية قال نعم ولكنه إذ جاء الاسلام غلظ وشدد وهذا جمع حسن ويحتمل أن يكون المراد
بقوله صلى الله عليه وسلم وإذا رمى بها في الجاهلية أي جاهلية المخاطبين ولا يلزم أن يكون ذلك قبل
المبعث فإن المخاطب بذلك الأنصار وكانوا قبل اسلامهم في جاهلية فإنهم لم يسلموا إلا بعد المبعث
بثلاث عشرة سنة وقال السهيلي لم يزل القذف بالنجوم قديما وهو موجود في أشعار قدماء الجاهلية
كأوس بن حجر وبشر بن أبي حازم وغيرهما وقال القرطبي يجمع بأنها لم تكن يرمي بها قبل
المبعث رميا يقطع الشياطين عن استراق السمع ولكن كانت ترمي تارة ولا ترمي أخرى وترمى من
جانب ولا ترمي من جميع الجوانب ولعل الإشارة إلى ذلك بقوله تعالى ويقذفون من كل جانب
دحورا انتهى ثم وجدت عن وهب بن منبه ما يرفع الاشكال ويجمع بين مختلف الاخبار
قال كان إبليس يصعد إلى السماوات كلهن يتقلب فيهن كيف شاء لا يمنع منذ أخرج آدم إلى أن
رفع عيسى فحجب حينئذ من أربع سماوات فلما بعث نبينا حجب من الثلاث فصار يسترق السمع هو
وجنوده ويقذفون بالكواكب ويؤيده ما روى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال
لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد فلما بعث محمد حرست حرسا شديدا ورجمت
الشياطين فأنكروا ذلك ومن طريق السدي قال إن السماء لم تكن تحرس إلا أن يكون في
الأرض نبي أو دين ظاهر وكانت الشياطين قد اتخذت مقاعد يسمعون فيها ما يحدث فلما بعث محمد
رجموا وقال الزين بن المنير ظاهر الخبر أن الشهب لم تكن يرمى بها وليس كذلك لما دل عليه حديث
مسلم وأما قوله تعالى فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا فمعناه أن الشهب كانت ترمي فتصيب تارة
ولا تصيب أخرى وبعد البعثة أصابتهم إصابة مستمرة فوصفوها لذلك بالرصد لان الذي يرصد
الشئ لا يخطئه فيكون المتجدد دوام الإصابة لا أصلها وأما قول السهيلي لولا أن الشهاب قد
يخطئ الشيطان لم يتعرض له مرة أخرى فجوابه أنه يجوز أن يقع التعرض مع تحقق الإصابة لرجاء
اختطاف الكلمة وإلقائها قبل إصابة الشهاب ثم لا يبالي المختطف بالإصابة لما طبع عليه من الشر
كما تقدم وأخرج العقيلي وابن منده وغيرهما وذكره أبو عمر بغير سند من طريق لهب بفتحتين
ويقال بالتصغير بن مالك الليثي قال ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم لكهانة فقلت
نحن أول من عرف حراسة السماء ورجم الشياطين ومنعهم من استراق السمع عند قذف النجوم
وذلك أنا اجتمعنا عند كاهن لنا يقال له خطر بن مالك وكان شيخا كبيرا قد أتت عليه مائتان وستة
وثمانون سنة فقلنا يا خطر هل عندك علم من هذه النجوم التي يرمي بها فإنا فزعنا منها وخفنا سوء
عاقبتها الحديث وفيه فانقض نجم عظيم من السماء فصرخ الكاهن رافعا صوته
أصابه أصابه * خامره عذابه * أحرقه شهابه
الأبيات وفي الخبر أنه قال أيضا
قد منع السمع عتاة الجان * بثاقب يتلف ذي سلطان * من أجل مبعوث عظيم الشأن
وفيه أنه ق
أرى لقومي ما أرى لنفسي * أن يتبعوا خير نبي الانس
الحديث بطوله قال أبو عمر سنده ضعيف جدا ولولا فيه حكم لما ذكرته لكونه علما من أعلام
516

النبوة والأصول فإن قيل إذا كان الرمي بها غلظ وشدد بسبب نزول الوحي فهلا انقطع
بانقطاع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نشاهدها الآن يرمي بها فالجواب يؤخذ
من حديث الزهري المتقدم ففيه عند مسلم قالوا كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم ومات رجل عظيم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها لا ترمي لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا إذا قضى أمرا
أخبر أهل السماوات بعضهم بعضا حتى يبلغ الخبر السماء الدنيا فيخطف الجن السمع فيقذفون به
إلى أوليائهم فيؤخذ من ذلك أن سبب التغليظ والحفظ لم ينقطع لما يتجدد من الحوادث التي تلقى
بأمره إلى الملائكة فإن الشياطين مع شدة التغليظ عليهم في ذلك بعد المبعث لم ينقطع طمعهم
في استراق السمع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بما بعده وقد قال عمر لغيلان بن سلمة
لما طلق نساءه إني أحسب أن الشياطين فيما تسترق السمع سمعت بأنك ستموت فألقت إليك ذلك
الحديث أخرجه عبد الرزاق وغيره فهذا ظاهر في أن استراقهم السمع استمر بعد النبي صلى الله عليه
وسلم فكانوا يقصدون استماع الشئ مما يحدث فلا يصلون إلى ذلك إلا إن اختطف أحدهم بخفة
حركته خطفة فيتبعه الشهاب فإن أصابه قبل أن يلقيها لأصحابه فأتت وإلا سمعوها وتداولوها
وهذا يرد على قول السهيلي المقدم ذكره (قوله قال ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث)
الذي قال لهم ذلك هو إبليس كما تقدم في رواية أبي إسحاق المتقدمة قريبا (قوله فاضربوا مشارق
الأرض ومغاربها) أي سيروا فيها كلها ومنه قوله تعالى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من
فضل الله وفي رواية نافع بن جبير عن ابن عباس عند أحمد فشكوا ذلك إلى إبليس فبث جنوده
فإذا ذهب النبي صلى الله عليه وسلم يصلي برحبة في نخلة (قوله فانطلق الذين توجهوا) قبل كان هؤلاء
المذكورون من الجن على دين اليهود ولهذا قالوا انزل من بعد موسى وأخرج ابن مردويه من
طريق عمر بن قيس عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس أنهم كانوا تسعة ومن طريق النضر بن عربي
عن عكرمة عن ابن عباس كانوا سبعة من أهل نصيبين وعند ابن أبي حاتم من طريق مجاهد نحوه
لكن قال كانوا أربعة من نصيبين وثلاثة من حران وهم حسا ونسا وشاصر وما ضر والادوس
ووردان والأحقب ونقل السهيلي في التعريف أن ابن دريد ذكر منهم خمسة شاصر وما ضر
ومنشى وناشي والأحقب قال وذكر يحيى بن سلام وغيره قصة عمرو بن جابر وقصة سرق وقصة
زوبعة قال فإن كانوا سبعة فالأحقب لقب أحدهم لا اسمه واستدرك عليه بن عسكر ما تقدم عن
مجاهد قال فإذا ضم إليهم عمرو وزوبعة وسرق وكان الأحقب لقبا كانوا تسعة (قلت) هو مطابق
لرواية عمر بن قيس المذكورة وقد روى ابن مردويه أيضا من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة
عن ابن عباس كانوا أثنى عشر ألفا من جزيرة الموصل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود
انظرني حتى آتيك وخط عليه خطا الحديث والجمع بين الروايتين تعدد القصة فإن الذين جاؤوا أولا
كان سبب مجيئهم ما ذكر في الحديث من إرسال الشهب وسبب مجئ الذين في قصة ابن مسعود
أنهم جاؤوا لقصد الاسلام وسماع القرآن والسؤال عن أحكام الدين وقد بينت ذلك في أوائل
المبعث في الكلام على حديث أبي هريرة وهو من أقوى الأدلة على تعدد القصة فإن أبا هريرة
إنما أسلم بعد الهجرة والقصة الأولى كانت عقب المبعث ولعل من ذكر في القصص المفرقة كانوا
ممن وفد بعد لأنه ليس في كل قصة منها إلا أنه كان ممن وفد وقد ثبت تعدد وفودهم وتقدم في بدء
517

الخلق كثير مما يتعلق بأحكام الجن والله المستعان (قوله نحو تهامة) بكسر المثناة اسم لكل
مكان غير عال من بلاد الحجاز سميت بذلك لشدة حرها اشتقاقا من التهم بفتحتين وهو شدة الحر
وسكون الريح وقيل من تهم الشئ إذا تغير قيل لها ذلك لتغير هوائها قال البكري حدها من جهة
الشرق ذات عروة من قبل الحجاز السرج بفتح المهملة وسكون الراء بعدها جيم قرية من عمل
الفرع بينها وبين المدينة اثنان وسبعون ميلا (قوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية
أبي إسحاق فانطلقوا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله وهو عامد) كذا هنا وتقدم في صفة
الصلاة بلفظ عامدين ونصب على الحال من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه أو ذكر
بلفظ الجمع تعظيما له وهو أظهر لمناسبة الرواية التي هنا (قوله بنخلة) بفتح النون وسكون
المعجمة موضع بين مكة والطائف قال البكري على ليلة من مكة وهي التي ينسب إليها بطن نخل
ووقع في رواية مسلم بنخل بلا هاء والصواب إثباتها (قوله يصلى بأصحابه صلاة الفجر) لم يختلف
على ابن عباس في ذلك ووقع في رواية عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال قال
الزبير أو ابن الزبير كان ذلك بنخلة والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء وأخرجه ابن
أبي شيبة عن ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال قال الزبير فذكره وزاد فقرأ كادوا يكونون
عليه لبدا وكذا أخرجه ابن أبي حاتم وهذا منقطع والأول أصح (قوله تسمعوا له) أي قصدوا
لسماع القرآن وأصغوا إليه (قوله فهنا لك) هو ظرف مكان والعامل فيه قالوا وفي رواية فقالوا
والعامل فيه رجعوا (قوله رجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا) قال الماوردي
ظاهر هذا إنهم آمنوا عند سماع القرآن قال والايمان يقع بأحد أمرين إما بأن يعلم حقيقة
الاعجاز وشروط المعجزة فيقع له العلم بصدق الرسول أو يكون عنده علم من الكتب الأولى
فيها دلائل على أنه النبي المبشر به وكلا الامرين في الجن محتمل والله أعلم (قوله وأنزل الله عز وجل
على نبيه صلى الله عليه وسلم قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن) زاد الترمذي قال ابن عباس
وقول الجن لقومهم لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قال لما رأوه يصلي وأصحابه
يصلون بصلاته يسجدون بسجوده قال فتعجبوا من طواعية أصحابه له قالوا لقومهم ذلك (قوله
وإنما أوحى إليه قول الجن) هذا كلام ابن عباس كأنه تقرر فيه ما ذهب إليه أولا أنه صلى الله عليه
وسلم لم يجتمع بهم وإنما أوحى الله إليه بأنهم استمعوا ومثله قوله تعالى وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن
يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا الآية ولكن لا يلزم من عدم ذكر اجتماعه بهم حين
استمعوا أن لا يكون اجتمع بهم بعد ذلك كما تقدم تقريره وفي الحديث إثبات وجود الشياطين
والجن وأنهما لمسمى واحد وإنما صارا صنفين باعتبار الكفر والايمان فلا يقال لم آمن منهم إنه
شيطان وفيه أن الصلاة في الجماعة شرعت قبل الهجرة وفيه مشروعيتها في السفر والجهر
بالقراءة في صلاة الصبح وأن الاعتبار بما قضى الله للعبد من حسن الخاتمة لا بما يظهر منه من
الشر ولو بلغ ما بلغ لان هؤلاء الذين بادروا إلى الايمان بمجرد استماع القرآن لو لم يكونوا عند إبليس
في أعلى مقامات الشر ما اختارهم للترجمة إلى الجهة التي ظهر له أن الحدث الحادث من جهتها
ومع ذلك فغلب عليهم ما قضى لهم من السعادة بحسن الخاتمة ونحو ذلك قصة سحرة فرعون وسيأتي
مزيد لذلك في كتاب القدر إن شاء الله تعالى
518

* (قوله سورة المزمل والمدثر) *
كذا لأبي ذر واقتصر الباقون على المزمل وهو أولى لأنه أفرد المدثر بعد بالترجمة والمزمل بالتشديد
أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي وقد جاءت قراءة أبي بن كعب على الأصل (قوله وقال
مجاهد وتبتل أخلص) وصله الفريابي وغيره وقد تقدم في كتاب قيام الليل (قوله وقال الحسن
أنكالا قيودا) وصله عبد بن حميد والطبري من طريق الحسن البصري وقال أبو عبيدة الأنكال
واحدها نكل بكسر النون وهو القيد وهذا هو المشهور وقيل النكل الغل (قوله منفطر به
مثقلة به) وصله عبد بن حميد من وجه آخر عن الحسن البصري في قوله السماء منفطر به قال
مثقلة به يوم القيامة ووصله الطبري وابن أبي حاتم من طريقه بلفظ مثقلة موقرة ولابن أبي حاتم
من طريق أخرى عن مجاهد منفطر به تنفطر من ثقل ربها تعالى وعلى هذا فالضمير لله ويحتمل
أن يكون الضمير ليوم القيامة وقال أبو عبيدة أعاد الضمير مذكرا لان مجاز السماء مجاز السقف
يريد قوله منفطر ويحتمل أن يكون على حذف والتقدير شئ منفطر (قوله وقال ابن عباس
كثيبا مهيلا الرمل السايل) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به
وأخرج الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس ولفظه المهيلي إذا أخذت منه شيئا يتبعك آخر
والكثيب الرمل وقال الفراء الكثيب الرمل والمهبل الذي تحرك أسفله فينهال عليك أعلاه
(قوله وبيلا شديدا) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال أبو عبيدة مثله
* (تنبيه) * لم يورد المصنف في سورة المزمل حديثا مرفوعا وقد أخرج مسلم حديث سعيد بن هشام
عن عائشة فيما يتعلق منها بقيام الليل وقولها فيه فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضته ويمكن أن
يدخل في قوله تعالى في آخرها وما تقدموا لأنفسكم حديث ابن مسعود إنما مال أحدكم ما قدم
ومال وارثه ما أخر وسيأتي في الرقاق
* (قوله سورة المدثر) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
سقطت البسملة لغير أبي ذر قرأ أبي بن كعب بإثبات المثناة المفتوحة بغير ادغام كما تقدم في المتزمل
وقرأ عكرمة فيهما بتخفيف الزاي والدال اسم فاعل (قوله قال ابن عباس عسير شديد) وصله
ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس به (قوله فسورة ركز الناس وأصواتهم) وصله
سفيان بن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى فرت من قسورة
قال هو ركز الناس قال سفيان يعني حسهم وأصواتهم (قوله وكل شديد قسورة) زاد النسفي
وقسور وسيأتي القول فيه مبسوطا (قوله وقال أبو هريرة القسورة قسور الأسد الركز الصوت)
سقط قوله الركز الصوت لغير أبي ذر وقد وصله عبد بن حميد من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم
قال كان أبو هريرة إذا قرأ كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة قال الأسد وهذا منقطع بين زيد
وأبي هريرة وقد أخرجه من وجهين آخرين عن زيد بن أسلم عن ابن سيلان عن أبي هريرة وهو
متصل ومن هذا الوجه أخرجه البزار وجاء عن ابن عباس أنه بالحبشية أخرجه ابن جرير من
طريق يوسف بن مهران عنه قال القسورة الأسد بالعربية وبالفارسية شير وبالحبشية قسورة
519

وأخرج الفراء من طريق عكرمة أنه قيل له القسورة بالحبشية الأسد فقال القسورة الرماة
والأسد بالحبشية عنبسة وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وتفسيره بالرماة أخرجه سعيد بن
منصور وابن أبي حاتم والحاكم من حديث أبي موسى الأشعري ولسعيد من طريق ابن أبي حمزة
قلت لابن عباس القسورة الأسد قال ما أعلمه بلغة أحد من العرب هم عصب الرجال (قوله
مستنفرة نافرة مذعورة) قال أبو عبيدة في قوله تعالى كأنهم حمر مستنفرة أي مذعورة ومستنفرة
نافرة يريد أن لها معنيين وهما على القراءتين فقد قرأها الجمهور بفتح الفاء وقرأها عاصم والأعمش
بكسرها (قوله حدثني يحيى) هو ابن موسى البلخي أو ابن جعفر (قوله عن علي بن المبارك)
هو الهنائي بضم ثم نون خفيفة ومد بصري ثقة مشهور ما بينه وبين عبد الله بن المبارك المشهور
قرابة (قوله حدثني محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وغيره) هو أبو داود الطيالسي
أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي عروبة حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن
ابن مهدي وأبو داود قالا حدثنا حرب بن شداد به (قوله عن أبي سلمة) كذا قال أكثر الرواة
عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة وقال شيبان بن عبد الرحمن عن يحيى عن إبراهيم بن عبد الله
ابن قارظ عن جابر أخرجه النسائي من طريق آدم بن أبي إياس عن شيبان وهكذا ذكره البخاري
في التاريخ عن آدم ورواه سعد بن حفص عن شيبان كرواية الجماعة وهو المحفوظ (قوله مثل
حديث عثمان بن عمر بن علي بن المبارك) لم يخرج البخاري رواية عثمان ابن عمر التي أحال
رواية حرب بن شداد عليها وهي عند محمد بن بشار شيخ البخاري فيه أخرجه أبو عروبة في كتاب
الأوائل قال حدثنا محمد بن بشار حدثنا عثمان بن عمر أنبأنا علي بن المبارك وهكذا أخرجه مسلم
والحسن بن سفيان جميعا عن أبي موسى محمد بن المثنى عن عثمان بن عمر * (قوله باب
قوله وربك فكبر) ذكر فيه حديث جابر المذكور من طريق حرب بن شداد أيضا عن يحيى بن أبي
كثير (قوله سألت أبا سلمة) أي ابن عبد الرحمن بن عوف (قوله فقلت أنبئت أنه قرأ باسم ربك)
في رواية أبي داود الطيالسي عن حرب قلت أنه بلغني أنه أول ما نزل اقرأ باسم ربك ولم يبين يحيى بن
أبي كثير من أنبأ بذلك ولعله يريد عروة بن الزبير كما لم يبين أبو سلمة من أنبأه بذلك ولعله يريد عائشة
فإن الحديث مشهور عن عروة عن عائشة كما تقدم في بدء الوحي من طريق الزهري عنه مطولا
وتقدم هناك أن رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر تدل على أن المراد بالأولية في قوله أول
ما نزل سورة المدثر أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي أو مخصوصة بالامر بالايذار لا أن المراد أنها
أولية مطلقة فكأن من قال أول ما نزل اقرأ أراد أولية مطلقة ومن قال أنها المدثر أراد بقيد
التصريح بالارسال قال الكرماني أستخرج جابر أول ما نزل يا أيها المدثر باجتهاد وليس هو
من روايته والصحيح ما وقع في حديث عائشة ويحتمل أن يكون قوله في هذه الرواية فرأيت شيئا أي
جبريل بحراء فقال لي اقرأ فخفت فأتيت خديجة فقلت دثروني فنزلت يا أيها المدثر (قلت) ويحتمل
520

أن تكون الأولية في نزول يا أيها المدثر بقيد السبب أي هي أول ما نزل من القرآن بسبب متقدم
وهو ما وقع من التدثر الناشئ عن الرعب وأما قرأ فنزلت ابتداء بغير سبب متقدم ولا يخفى بعد هذا
الاحتمال وفي أول سورة نزلت قول آخر نقل عن عطاء الخراساني قال المزمل نزلت قبل المدثر
وعطاء ضعيف وروايته معضلة لأنه لم يثبت لقاؤه لصحابي معين وظاهر الأحاديث الصحيحة تأخر
المزمل لان فيها ذكر قيام الليل وغير ذلك مما تراخي عن ابتداء نزول الوحي بخلاف المدثر
فإن فيها قم أنذر وعن مجاهد أول سورة نزلت ن والقلم وأول سورة نزلت بعد الهجرة ويل
للمطففين والمشكل من رواية يحيى بن أبي كثير قوله جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري
نزلت فاستنبطت الوادي فنوديت إلى أن قال فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء يعني
جبريل فأتيت خديجة فقلت دثروني ويزيل الاشكال أحد أمرين إما أن يكون سقط على
يحيى بن أبي كثير وشيخه من القصة مجئ جبريل بحراء باقرأ باسم ربك وسائر ما ذكرته عائشة وإما
أن يكون جاور صلى الله عليه وسلم بحراء شهرا آخر فقد تقدم أن في مرسل عبيد بن عمير عند البيهقي
أنه كان يجاور في كل سنة شهرا وهو رمضان وكان ذلك في مدة فترة الوحي فعاد إليه جبريل بعد
انقضاء جواره (قوله فجئثت) يأتي ضبطه في سورة اقرأ إن شاء الله تعالى (قوله وثيابك فطهر)
ذكر فيه حديث جابر المذكور لكن من رواية الزهري عن أبي سلمة وأورده بإسنادين من طريق
عقيل ومعمر وساقه على لفظ معمر وساق لفظ عقيل في الباب الذي يليه ووقع في آخر الحديث
وثيابك فطهر والرجز فاهجر قبل أن تفرض الصلاة وكأنه أشار بقوله قبل أن تفرض الصلاة
إلى أن تطهير الثياب كان مأمورا به قبل أن تفرض الصلاة وأخرج ابن المنذر من طريق محمد
ابن سيرين قال اغسلها بالماء وعلى هذا حمله ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي حاتم وأخرج من وجه
آخر عنه قال فطهر من الاثم ومن طريق عن قتادة والشعبي وغيرهما نحوه ومن وجه ثالث عن
ابن عباس قال لا تلبسها على غدرة ولا فجرة ومن طريق طارس قال شمر ومن طريق منصور
قال وعن مجاهد مثله قال أصلح عملك وأخرجه سعيد بن منصور أيضا من طريق منصور عن مجاهد
وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق منصور عن أبي رزين مثله وأخرج ابن المنذر من طريق الحسن
قال خلقك فحسنه وقال الشافعي رحمه الله قيل فقوله وثيابك فطهر صل في ثياب طاهره وقيل
غير ذلك والأول أشبه انتهى ويؤيده ما أخرج ابن المنذر في سبب نزولها من طريق زيد بن مرثد
قال ألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلى جزور فنزلت ويجوز أن يكون المراد جميع ذلك
(قوله والرجز فاهجر يقال الرجز والرجس العذاب) هو قول أبي عبيدة وقد تقدم في الذي قبله
أن الرجز الأوثان وهو تفسير معنى أي أهجر أسباب الرجز أي العذاب وهي الأوثان وقال
الكرماني فسر المفرد بالجمع لأنه اسم جنس وبين ما في سياق رواية الباب أن تفسيرها بالأوثان
من قول أبي سلمة وعند ابن مردويه من طريق محمد بن كثير عن معمر عن الزهري في هذا الحديث
والرجز بضم الراء وهي قراءة حفص عن عاصم قال أبو عبيدة هما بمعنى ويروي عن مجاهد
والحسن بالضم اسم الصنم وبالكسر اسم العذاب
* (قوله سورة القيامة) *
تقدم الكلام على لا أقسم في آخر سورة الحجر وأن الجمهور على أن لا زائدة والتقدير أقسم وقيل هي
521

حرف تنبيه مثل ألا ومنه قول الشاعر
لا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر
وقوله لا تحرك به لسانك لتعجل به لم يختلف السلف أن المخاطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في
شأن نزول الوحي كما دل عليه حديث الباب وحكى الفخر الرازي أن القفال جوز أنها نزلت في
الانسان المذكور قبل ذلك في قوله تعالى ينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر قال يعرض عليه
كتابه فيقال اقرأ كتابك فإذا أخذ في القراءة تلجلج خوفا فأسر في القراءة فيقال لا تحرك به لسانك
لتعجل به إن علينا جمعه أي أن يجمع عملك وأن يقرأ عليك فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالاقرار
بأنك فعلت ثم إن علينا بيان أمر الانسان وما يتعلق بعقوبته قال وهذا وجه حسن ليس في العقل
ما يدفعه وأن كانت الآثار غير واردة فيه والحامل على ذلك عسر بيان المناسبة بين هذه الآية
وما قبلها من أحوال القيامة حتى زعم بعض الرافضة أنه سقط من السور شئ وهي من جملة
دعاويهم الباطلة وقد ذكر الأئمة لها مناسبات منها أنه سبحانه وتعالى لما ذكر القيامة وكان من شأن
من يقصر عن العمل لها حب العاجلة وكان من أصل الدين أن المبادرة إلى أفعال الخير مطلوبة
فنبه على أنه قد يعترض على هذا المطلوب ما هي أجل منه وهو الاصغاء إلى الوحي وتفهم ما يرد منه
والتشاغل بالحفظ قد يصد عن ذلك فأمر أن لا يبادر إلى التحفظ لان تحفيظه مضمون على ربه
وليصغ إلى ما يرد عليه إلى أن ينقضي فيتبع ما احتمل عليه ثم لما انقضت الجملة المعترضة رجع
الكلام إلى ما يتعلق بالانسان المبدأ بذكره ومن هو من جنسه فقال كلا وهي كلمة ردع كأنه قال بل
أنتم يا بني آدم لكونكم خلقتم من عجل تعجلون في كل شئ ومن ثم تحبون العاجلة وهذا على
قراءة تحبون بالمثناة وهي قراءة الجمهور وقرأ بن كثير وأبو عمرو بياء الغيبة حملا على لفظ الانسان
لان المراد به الجنس ومنها أن عادة القرآن إذا ذكر الكتاب المشتمل على عمل العبد حيث يعرض
يوم القيامة أردفه بذكر الكتاب المشتمل على الاحكام الدينية في الدنيا التي تنشأ عنها المحاسبة عملا
وتركا كما قال في الكهف ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه إلى أن قال ولقد صرفنا
للناس في هذا القرآن من كل مثل وكان الانسان أكثر شئ جدلا وقال تعالى في سبحان فمن
أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم إلى أن قال ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن الآية وقال
في طه يوم ينفخ في السور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا إلى أن قال فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل
بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه وقل رب زدني علما ومنها أن أول السورة لما نزل إلى قوله
ولو ألقى معاذيره صادف أنه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة بادر إلى تحفظ الذي نزل وحرك به لسانه
من عجلته خشية من تفلته فنزلت لا تحرك به لسانك إلى قوله ثم إن علينا بيانه ثم عاد الكلام إلى
تكملة ما ابتدأ به قال الفخر الرازي ونحوه ما لو ألقى المدرس على الطالب مثلا مسألة فتشاغل
الطالب بشئ عرض له فقال ألق بالك وتفهم ما أقول ثم كمل المسألة فمن لا يعرف السبب
يقول ليس هذا الكلام مناسبا للمسألة بخلاف من عرف ذلك ومنها أن النفس لما تقدم ذكرها
في أول السورة عدل إلى ذكر نفس المصطفى كأنه قيل هذا شان النفوس وأنت يا محمد نفسك أشرف
النفوس فلتأخذ بأكمل الأحوال ومنها مناسبات أخرى ذكرها الفخر الرازي لا طائل فيها مع
أنها لا تخلو عن تعسف (قوله وقال ابن عباس ليفجر أمامه سوف أتوب سوف أعمل) وصله
522

الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله بل يريد الانسان ليفجر امامه يعني الأمل يقول
اعمل ثم أتوب ووصله الفريابي والحاكم وابن جبير عن مجاهد قال يقول سوف أتوب ولابن أبي حاتم
من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال هو الكافر يكذب بالحساب ويفجر أمامه أي يدوم
على فجوره بغير توبة (قوله لا وزر لا حصن) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس لكن قال حرز بكسر المهملة وسكون الراء بعدها زاي ومن طريق العوفي عن ابن عباس
قال لا حصن ولا ملجأ ولابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي سعيد عن ابن مسعود في قوله لا وزر
قال لا حصن ومن طريق أبي رجاء عن الحسن قال كان الرجل يكون في ماشيته فتأتيه الخيل
بغتة فيقول له صاحبه الوزر الوزر أي اقصد الجبل فتحصن به وقال أبو عبيدة الوزر الملجأ (قوله
سدى هملا) وقع هذا مقدما على ما قبله لغير أبي ذر وقد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس به وقال أبو عبيدة في قوله سدى أي لا ينهى ولا يؤمر قالوا أسديت حاجتي أي
أهملتها (قوله حدثنا موسى بن أبي عائشة وكل ثقة) هو مقول ابن عيينة وهو تابعي صغير كوفي
من موالي آل جعدة بن هبيرة يكنى أبا الحسن واسم أبيه لا يعرف ومدار هذا الحديث عليه وقد
تابعه عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير وهو من رواية ابن عيينة أيضا عنه فمن أصحاب بن عيينة
من وصله بذكر ابن عباس فيه مهم أبو كريب عند الطبري ومنهم من أرسله منهم سعيد بن منصور
(قوله لا تحرك به لسانك ووصف سفيان يريد أن يحفظه) في رواية سعيد بن منصور وحرك سفيان
شفتيه وفي رواية أبي كريب تعجل يريد حفظه فنزلت (قوله فأنزل الله لا تحرك به لسانك لتعجل به)
إلى هنا رواية أبي ذر وزاد غيره الآية التي بعدها وزاد سعيد بن منصور في روايته في آخر الحديث
وكان لا يعرف ختم السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم * (قوله باب أن علينا
جمعه وقرآنه) ذكر فيه حديث ابن عباس المذكور من رواية إسرائيل عن موسى بن أبي عائشة أتم
من رواية ابن عيينة وقد استغفر به الإسماعيلي فقال كذا أخرجه عن عبيد الله بن موسى ثم أخرجه
هو من طريق أخرى عن عبيد الله المذكور بلفظ لا تحرك به لسانك قال كان يحرك به لسانه
مخافة أن ينفلت عنه فيحتمل أن يكون ما بعد هذا من قوله إن علينا جمعه إلى آخره معلقا عن ابن
عباس بغير هذا الاسناد وسيأتي الحديث في الباب الذي بعده أتم سياقا * (قوله فإذا قرأناه فاتبع
قرآنه قال ابن عباس قرأناه بيناه فاتبع اعمل به) هذا التفسير رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
أخرجه ابن أبي حاتم وسيأتي فالباب عن ابن عباس تفسيره بشئ آخر (قوله إذا نزل جبريل عليه)
في رواية أبي عوانة عن موسى بن أبي عائشة كما تقدم في بدء الوحي كان يعالج من التنزيل شدة وهذه
الجملة توطئة لبيان السبب في النزول وكانت الشدة تحصل له عند نزول الوحي لثقل القول كما تقدم
في بدء الوحي من حديث عائشة وتقدم من حديثها في قصة الإفك فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء
وفي حديثها في بدء الوحي أيضا وهو أشده علي لأنه يقتضي الشدة في الحالتين المذكورتين لكن
إحداهما أشد من الأخرى (قوله وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه) اقتصر أبو عوانة على
ذكر الشفتين وكذلك إسرائيل واقتصر سفيان على ذكر اللسان والجميع مراد إما لان التحريكين
متلازمان غالبا أو المراد يحرك فمه المشتمل على الشفتين واللسان لكن لما اللسان هو الأصل في
النطق اقتصر في الآية عليه (قوله فيشتد عليه) ظاهر هذا السياق أن السبب في المبادرة حصول
523

المشقة التي يجدها عند النزول فكان يتعجل بأخذه لنزول المشقة سريعا وبين في رواية إسرائيل
أن ذلك كان خشية أن ينساه حيث قال فقيل له لا تحرك به لسانك تخشي أن ينفلت وأخرج ابن
أبي حاتم من طريق أبي رجاء عن الحسن كان يحرك بلسانه يتذكره فقيل له إنا سنحفظه عليك
وللطبري من طريق الشعبي كان إذا نزل عليه عجل يتكلم به من حبه إياه وظاهره أنه كان يتكلم
بما يلقى إليه منه أولا فأولا من شدة حبه إياه فأمر أن يتأنى إلى أن ينقضي النزول ولا بعد في تعدد
السبب ووقع في رواية أبي عوانة قال ابن عباس فأنا أحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يحركهما وقال سعيد أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما فأطلق في خبر ابن عباس
وقيد بالرؤية في خبر سعيد لان ابن عباس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال لأن الظاهر
أن ذلك كان في مبدأ المبعث النبوي ولم يكن ابن عباس ولد حينئذ ولكن لا مانع أن يخبر النبي صلى
الله عليه وسلم بذلك بعد فيراه ابن عباس حينئذ وقد ورد ذلك صريحا عند أبي داود الطيالسي في
مسنده عن أبي عوانة بسنده بلفظ قال ابن عباس فأنا أحرك لك شفتي كما رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأفادت هذه الرواية إبراز الضمير في رواية البخاري حيث قال فيها فأنا أحركهما
ولم يتقدم للشفتين ذكر فعلمنا أن ذلك من تصرف الرواة (قوله فأنزل الله) أي بسبب ذلك واحتج
بهذا من جواز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم وجوز الفخر الرازي أن يكون أذن له في الاستعجال
إلى وقت ورود النهي عن ذلك فلا يلزم وقوع الاجتهاد في ذلك والضمير في به عائد على القرآن وأن لم
يجر له ذكر لكن القرآن يرشد إليه بل دل عليه سياق الآية (قوله علينا أن نجمعه في صدرك)
كذا فسره أبن عباس وعبد الرزاق عن معمر عن قتادة تفسيره بالحفظ ووقع في رواية أبي
عوانة جمعه لك في صدرك ورواية جرير أوضح وأخرج الطبري عن قتادة أن معنى جمعه تأليفه
(قوله وقرآنه) زاد في رواية إسرائيل أن تقرأه أي أنت ووقع في رواية الطبري وتقرأه بعد
(قوله فإذا قرأناه) أي أقرأه عليك الملك (فاتبع قرآنه فإذا أنزلناه فاستمع) هذا تأويل آخر لابن
عباس غير المنقول عنه في الترجمة وقد وقع في رواية ابن عيينة مثل رواية جرير وفي رواية
إسرائيل نحو ذلك وفي رواية أبي عوانة فاستمع وأنصت ولا شك أن الاستماع أخص من الانصات
لان الاستماع الاصغاء والانصات السكوت ولا يلزم من السكوت الاصغاء وهو مثل قوله تعالى
فاستمعوا له وأنصتوا والحاصل أن لابن عباس في تأويل قوله تعالى أنزلناه وفي قوله فاستمع قولين
وعند الطبري من طريق قتادة في قوله استمع أتبع جلالة واجتنب حرامه ويؤيده ما وقع في حديث
الباب قوله في آخر الحديث فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه والضمير في قوله فاتبع
قرآنه لجبريل والتقدير فإذا انتهت قراءة جبريل فأقرأ أنت (قوله ثم إن علينا بيانه علينا أن نبينه
بلسانك) في رواية إسرائيل على لسانك وفي رواية أبي عوانة أن تقرأه وهي بمثناة فوقانية واستدل
به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب كما هو مذهب الجمهور من أهل السنة ونص عليه
الشافعي لما تقتضيه ثم من التراخي وأول من استدل لذلك بهذه الآية القاضي أبو بكر بن الطيب
وتبعوه وهذا لا يتم إلا على تأويل البيان بتبيين المعنى وإلا فإذا حمل على أن المراد استمرار حفظه له
وظهور على لسانه فلا قال الآمدي يجوز أن يراد بالبيان الاظهار لا بيان المجمل يقال أبا
الكوكب إذا ظهر قال ويؤيد ذلك أن المراد جميع القرآن والمجمل إنما هو بعضه ولا اختصاص
524

لبعضه بالامر المذكور دون بعض وقال أبو الحسين البصري يجوز أن يراد البيان التفصيلي
ولا يلزم منه جواز تأخير البيان الاجمالي فلا يتم الاستدلال وتعقيب حتى مال إرادة المعنيين
الاظهار والتفصيل وغير ذلك لان قوله بيانه جنس مضاف فيعم جميع أصنافه من إظهاره وتبيين
أحكامه وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك وقد تقدم كثير من مباحث
هذا الحديث في بدء الوحي وأعيد بعضه هنا استطرادا
* (قوله سورة هل أتى على الانسان) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
ثبتت البسملة لأبي ذر (قوله يقال معناه أتى على الانسان وهل تكون جحدا وتكون خبرا وهذا
من الخبر) كذا للأكثر وفي بعض النسخ وقال يحيى وهو صواب لأنه قول يحيى بن زياد الفراء بلفظه
وزاد لأنك تقول هل وعظتك هل أعطيتك تقرره بأنك وعظته وأعطيته والجحد أن تقول هل يقدر
أحد على مثل هذا والتحرير أن هل للاستفهام لكن تكون تارة للتقرير وتارة للانكار فدعوى
زيادتها لا يحتاج إليه وقال أبو عبيدة هل أتى معناه قد أتى وليس باستفهام وقال غيره بل هي
للاستفهام التقريري كأنه قيل لمن أنكر البعث هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا
مذكورا فيقول نعم فيقال فالذي أنشأه بعد أن لم يكن قادر على إعادته ونحوه ولقد علمتم النشأة
الأولى فلولا تذكرون أي فتعلمون أن من أنشأ قادر على أن يعيد (قوله يقول كان شيئا فلم يكن
مذكورا وذلك من حين خلقه من طين إلى أن ينفخ فيه الروح) هو كلام الفراء أيضا وحاصله
انتفاء الموصوف بانتفاء صفته ولا حجة فيه للمعتزلة في دعواهم أن المعدوم شئ (قوله أمشاج
الاخلاط ماء المرأة وماء الرجل الدم والعلقة ويقال إذا خلط مشيج كقولك خليط وممشوج مثل
مخلوط) هو قول الفراء قال في قوله أمشاج نبتليه وهو ماء المرأة وماء الرجل والدم والعلقة ويقال
للشئ من هذا إذا خلط مشيج كقولك خليط وممشوج كقولك مخلوط وأخرج ابن أبي حاتم من
طريق عكرمة قال من الرجل الجلد والعظم ومن المرأة الشعر والدم ومن طريق الحسن من
نطفة مشجت بدم وهو دم الحيض ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أمشاج قال
مختلفة الألوان ومن طريق ابن جريج عن مجاهد قال أحمر وأسود وقال عبد الرزاق عن معمر
عن قتادة الأمشاج إذا اختلط الماء والدم ثم كان علقة ثم كان مضغة وأخرج سعيد بن منصور
عن ابن مسعود قال الأمشاج العروق (قوله سلاسلا وأغلالا) في رواية أبي ذر ويقال سلاسلا
وأغلالا (قوله ولم يجر بعضهم) هو بضم التحتانية وسكون الجيم وكسر الراء بغير إشباع علامة
للجزم وذكر عياض أن في رواية الأكثر بالزاي بدل الراء ورجح الراء وهو الأوجه والمراد أن
بعض القراء أجرى سلاسلا وبعضهم لم يجرها أي لم يصرفها وهذا اصطلاح قديم يقولون للاسم
المصروف مجرى والكلام المذكور للفراء قال في قوله تعالى إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا
كتبت سلاسل بالألف وأجراها بعض القراء مكان الألف التي في آخرها ولم يجر بعضهم واحتج
بان العرب قد تثبت الألف في النصب وتحذفها عند الوصل قال وكل صواب انتهى ومحصل
ما جاء من القراءات المشهورة في سلاسل التنوين وعدمه ومن لم ينون منهم من يقف بألف وبغيرها
فنافع والكسائي وأبو بكر بن عياش وهشام بن عما قرؤوا بالتنوين والباقون بغير تنوين فوقف
525

أبو عمرو بالألف ووقف حمزة بغير ألف وجاء مثله في رواية عن ابن كثير وعن حفص وابن ذكوان
الوجهان أما من نون فعلى لغة من يصرف جميع ما لا ينصرف حكاها الكسائي والأخفش
وغيرهما أو على مشاكلة أغلالا وقد ذكر أبو عبيدة أنه رآها في إمام أهل الحجاز والكوفة
سلاسلا بالألف وهذه حجة من وقف بالألف أتباعا للرسم وما عدا ذلك واضح والله أعلم (قوله
مستطيرا ممتدا البلاء) هو كلام الفراء أيضا وزاد والعرب تقول استطار الصدع في القارورة
وشبهها واستطال وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال استطار والله شره حتى
ملا السماء والأرض ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مستطيرا قال فاشيا (قوله
والقمطرير الشديد يقال يوم قمطرير ويوم قماطر والعبوس والقمطرير والقماطر والعصيب
أشد ما يكون من الأيام في البلاء) هو كلام أبي عبيدة بتمامه وقال الفراء قمطرير أي شديد ويقال
يوم قمطرير ويوم قماطر وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة القمطرير تقبيض الوجه قال
معمر وقال يوم الشديد (قوله وقال الحسن النضرة في الوجه والسرور في القلب) سقط هذا هنا
لغير النسفي والجرجاني وقد تقدم ذلك في صفة الجنة (قوله وقال ابن عباس الأرائك السرر)
ثبت هذا للنسفي والجرجاني وقد تقدم أيضا في صفة الجنة (قوله وقال البراء وذللت قطوفها
يقطفون كيف شاؤوا) ثبت هذا للنسفي وحده أيضا وقد وصله سعيد بن منصور عن شريك عن أبي
إسحاق عن البراء في قوله وذللت قطوفها تذليلا قال إن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما
وقعوا ومضطجعين وعلى أي حال شاءوا ومن طريق مجاهد إن قام ارتفعت وإن قعد تدلت
ومن طريق قتادة لا يرد أيديهم شوك ولا بعد (قوله وقال مجاهد سلسبيلا حديد الجرية) ثبت
هذا للنسفي وحده وتقدم في صفة الجنة (قوله وقال معمر أسرهم شدة الخلق وكل شئ شددته من
قتب وغبيط فهو مأسور) سقط هذا لأبي ذر عن المستملي وحده ومعمر المذكور هو أبو عبيدة
معمر بن المثنى وظن بعضهم أنه ابن راشد فزعم أن عبد الرزاق أخرجه في تفسيره عنه ولفظ أبي
عبيدة أسرهم شدة خلقهم ويقال للفرس شديد الأسر أي شديد الخلق وكل شئ إلى آخر كلامه
وأما عبد الرزاق فإنما أخرج عن معمر بن راشد عن قتادة في قوله وشددنا أسرهم قال خلقهم
وكذا أخرجه الطبري من طريق محمد بن ثور عن معمر * (تنبيه) * لم يورد في تفسير هل أتى
حديثا مرفوعا ويدخل فيه حديث ابن عباس في قراءتها في صلاة الصبح يوم الجمعة وقد تقدم في
الصلاة
* (قوله سورة والمرسلات) *
كذا لأبي ذر وللباقين والمرسلات حسب وأخرج الحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال
المرسلات عرفا الملائكة أرسلت بالمعروف (قوله جمالات حبال) في رواية أبي ذر وقال مجاهد
جمالات حبال ووقع عند النسفي والجرجاني في أول الباب وقال مجاهد كفاتا أحياء يكونون فيها
وأمواتا يدفنون فيها فراتا عذبا جمالات حبال الجسور وهذا الأخير وصله الفريابي من طريق
ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا ووقع عند ابن التين قول مجاهد جمالات جمال يريد بكسر الجيم
وقيل بضمها إبل سود وأحدها جمالة وجمالة جمع جمل مثل حجارة وحجر ومن قرأ جمالات ذهب به إلى
الحبال الغلاظ وقد قال مجاهد في قوله حتى يلج الجمل في سم الخياط هو حبل السفينة وعن الفراء
526

الجمالات ما جمع من الحبال قال ابن التين فعلى هذا يقرأ في الأصل بضم الجيم (قلت) هي قراءة
نقلت عن ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة وعن ابن عباس أيضا جمالة بالافراد
مضموم الأول أيضا وسيأتي تفسيرها عن ابن عباس بنحو ما قال مجاهد في آخر السورة وأما تفسير
كفاتا فتقدم في الجنائز وقوله فراتا عذبا وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس وكذا قال أبو عبيدة (قوله وقال مجاهد اركعوا صلوا لا يركعون لا يصلون) سقط
لا يركعون لغير أبي ذر وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وإذا قيل
لهم اركعوا قال صلوا (قوله وسئل ابن عباس لا ينطقون والله ربنا ما كنا مشركين اليوم نختم على
أفواههم فقال إنه ذو ألوان مرة ينطقون ومرة يختم عليهم) سقط لفظ على أفواههم لغير أبي ذر
وهذا تقدم شئ من معناه في تفسير فصلت وأخرج عبد بن حميد من طريق علي بن زيد عن أبي
الضحى أن نافع بن الأزرق وعطية أتيا ابن عباس فقالا يا ابن عباس أخبرنا عن قول الله تعالى هذا
يوم لا ينطقون وقوله ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون وقوله والله ربنا ما كنا
مشركين وقوله ولا يكتمون الله حديثا قال ويحك يا ابن الأزرق إنه يوم طويل وفيه مواقف تأتي
عليهم ساعة لا ينطقون ثم يؤذن لهم فيختصمون ثم يكون ما شاء الله يحلفون ويجحدون فإذا
فعلوا ذلك ختم الله على أفواههم وتؤمر جوارحهم فتشهد على أعمالهم بما صنعوا ثم تنطق
ألسنتهم فيشهدون على أنفسهم بما صنعوا وذلك قوله ولا يكتمون الله حديثا وروى ابن مردويه
من حديث عبد الله بن الصامت قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أرأيت قول الله هذا يوم
لا ينطقون فقال أن يوم القيامة له حالات وتارات في حال لا ينطقون وفي حال ينطقون ولابن أبي
حاتم من طريق معمر عن قتادة قال إنه يوم ذو ألوان (قوله حدثنا محمود) هو ابن غيلان وعبيد الله
ابن موسى هو من شيوخ البخاري لكنه أخرج عنه هذا بواسطة (قوله كنا مع النبي صلى الله عليه
وسلم) في رواية جرير في غار ووقع في رواية حفص بن غياث كما سيأتي بمنى وهذا أصح مما أخرج
الطبراني في الأوسط من طريق أبي وائل عن ابن مسعود قال بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم
على حراء (قوله فخرجت) في رواية حفص بن غياث الآتية إذ وثبت (قوله فابتدرناها) في رواية
الأسود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوها فابتدرناها (قوله فسبقتنا) أي باعتبار ما آل
إليه أمرها والحاصل أنهم أرادوا أن يسبقوها فسبقتهم وقوله فابتدرناها أي تسابقنا أينا
يدركها فسبقتنا كلنا وهذا هو الوجه والأول احتمال بعيد (قوله عن منصور بهذا وعن إسرائيل
عن الأعمش عن إبراهيم) يريد أن يحيى بن آدم زاد لإسرائيل فيه شيخا وهو الأعمش (قوله وتابعه
أسود بن عامر عن إسرائيل) وصله الإمام أحمد عنه به قال الإسماعيلي وافق إسرائيل على هذا
شيبان والثوري وورقاء وشريك ثم وصله عنهم (قوله وقال حفص وأبو معاوية وسليمان بن قرم
عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود) يريد أن الثلاثة خالفوا رواية إسرائيل عن الأعمش في شيخ
إبراهيم فإسرائيل يقول عن الأعمش عن علقمة وهؤلاء يقولون الأسود وسيأتي في آخر الباب أن
جرير بن عبد الحميد وافقهم عن الأعمش فأما رواية حفص وهو ابن غياث فوصلها المصنف
وستأتي بعد باب وأما رواية أبي معاوية فتقدم بيان من وصلها في بدء الخلق وكذا رواية سليمان
ابن قرم وهو بفتح القاف وسكون الراء بصري ضعيف الحفظ وتفرد أبو داود الطيالسي بتسمية
527

أبيه معاذا وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق (قوله وقال يحيى بن حماد أخبرنا أبو
عوانة عن مغيرة) يعني ابن مقسم (عن إبراهيم عن علقمة) يريد أن مغيرة وافق إسرائيل في شيخ
إبراهيم وأنه علقمة ورواية يحيى بن حماد هذه وصلها الطبراني قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي
حدثنا الفضل بن سهل حدثنا يحيى بن حماد به ولفظه كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى فأنزلت
عليه والمرسلات الحديث وحكى عياض أنه وقع في بعض النسخ وقال حماد أنبأنا أبو عوانة وهو
غلط (قوله وقال ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله) يريد أن للحديث
أصلا عن الأسود من غير طريق الأعمش ومنصور ورواية ابن إسحاق هذه وصلها أحمد عن
يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي إسحاق حدثني عبد الرحمن بن الأسود وأخرجها ابن
مردويه من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد ابن إسحاق ولفظه نزلت
والمرسلات عرفا بحراء ليلة الحية قالوا وما ليلة الحية قال خرجت حية فقال النبي صلى الله عليه
وسلم اقتلوها فتغيبت في جحر فقال دعوها الحديث ووقع في بعض النسخ وقال أبو إسحاق وهو
تصحيف والصواب ابن إسحاق وهو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي ثم ساق الحديث
المذكور عن قتيبة عن جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بتمامه * (قوله باب
قوله إنها ترمي بشرر كالقصر) أي قدر القصر (قوله كنا نرفع الخشب بقصر) بكسر الموحدة
والقاف وفتح الصاد المهملة وتنوين الراء وبالإضافة أيضا وهو بمعنى الغاية والقدر تقول قصرك
وقصاراك من كذا ما اقتصرت عليه (قوله ثلاثة أذرع أو أقل) في الرواية التي بعد هذه أو فوق
ذلك وهي رواية المستملي وحده (قوله فنرفعه للشتاء فنسميه القصر) بسكون الصاد وبفتحها وهو
على الثاني جمع قصرة أي كأعناق الإبل ويؤيده قراءة ابن عباس كالقصر بفتحتين وقيل هو أصول
الشجر وقيل أعناق النخل وقال بن قتيبة القصر البيت ومن فتح أراد أصول النخل المقطوعة
شبهها بقصر الناس أي أعناقهم فكأن بن عباس ففسر قراءته بالفتح بما ذكر وأخرج أبو عبيدة
من طريق هارون الأعرج عن حسين المعلم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بشرر
كالقصر بفتحتين قال هارون وأنبأنا أبو عمرو أن سعيدا وابن عباس قرأ كذلك وأسنده أبو عبيد
عن ابن مسعود أيضا بفتحتين وأخرج ابن مردويه من طريق قيس بن الربيع عن عبد الرحمن
ابن عابس سمعت ابن عباس كانت العرب تقول في الجاهلية أقصروا لنا الحطب فيقطع على قدر
الذراع والذراعين وقد أخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن مسعود في قوله تعالى إنها ترى
بشرر كالقصر قال ليست كالشجر والجبال ولكنها مثل المدائن والحصون * (قوله باب
قوله كأنه جمالات صفر) ذكر فيه الحديث الذي قبله من طريق يحيى وهو القطان أخبرنا سفيان
وهو الثوري (قوله ثلاثة أذرع) زاد المستملي في روايته أو فوق ذلك (قوله كأنه جمالات صفر
حبال السفن تجمع) أي يضم بعضها إلى بعض ليقوى (حتى تكون كأوساط الرجال) قلت هو
من تتمة الحديث وقد أخرجه عبد الرزاق عن الثوري بإسناده وقال في آخره وسمعت ابن عباس
يسأل عن قوله تعالى كأنه جمالات صفر قال حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون
كأوساط الرجال وفي رواية قيس بن الربيع عن عبد الرحمن بن عباس هي القلوص التي تكون في
الجسور والأول هو المحفوظ * (قوله باب هذا يوم لا ينطقون) ذكر فيه حديث
528

عبد الله بن مسعود في الحية (قوله إذا وثبت) في رواية الكشميهني إذ وثب بالتذكير وكذا
قال اقتلوه (قوله قال عمر) هو بن حفص شيخ البخاري (قوله حفظته من أبي) في رواية
الكشميهني حفظته (قوله في غار بمنى) يريد أن أباه زاد بعد قوله في الحديث كنا مع النبي صلى الله
عليه وسلم في غار بمنى وهذه الزيادة قد تقدم أنها وقعت أيضا في رواية المغيرة عن إبراهيم
* (قوله سورة عم يتساءلون) *
قرأ الجمهور عم بميم فقط وعن بن كثير رواية بالهاء وهي هاء السكت أجرى الوصل مجرى الوقف
وعن أبي بن كعب وعيسى بن عمر بإثبات الألف على الأصل وهي لغة نادرة ويقال لها أيضا سورة
النبأ (قوله لا يرجون حسابا لا يخافونه) كذا في رواية أبي ذر ولغيره وقال مجاهد فذكره وقد
وصله الفريابي من طريق مجاهد كذلك (قوله لا يملكون منه خطابا لا يكلمونه إلا أن يأذن لهم)
كذا للمستملي وللباقين لا يملكونه والأول أوجه وسأبينه في الذي بعده (قوله صوابا حقا في الدنيا
وعمل به) ووقع لغير أبي ذر نسبة هذا إلى ابن عباس كالذي بعده وفيه نظر فإن الفاريابي أخرجه
من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لا يملكون منه خطابا قال كلاما إلا من قال صوابا قال
حقا في الدنيا وعمل به (قوله وقال ابن عباس نجاحا منصبا) ثبت هذا للنفي وحده وقد تقدم في
المزارعة (قوله ألفاظا ملتفة) ثبت هذا للنسفي وحده وهو قول أبي عبيدة (قوله وقال ابن عباس
وهاجا مضيئا) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قوله دهاقا ممتلئا
كواعب نواهد) ثبت هذا للنسفي وحده وقد تقدم في بدء الخلق (قوله وقال غيره غساقا غسقت
عينه) سقط هذا لغير أبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق وقال أبو عبيدة يقال تغسق عينه أي تسيل
ووقع عند النسفي والجرجاني وقال معمر فذكره ومعمر هو أبو عبيدة بن المثنى المذكور (قوله
ويغسق الجرح يسيل كأن الغساق والغسيق واحد) تقدم بيان ذلك في بدء الخلق وسقط هنا لغير
أبي ذر (قوله عطاء حسابا جزاء كافيا أعطاني ما أحسبني أي كفاني) قال أبو عبيدة في قوله تعالى
عطاء حسابا أي جزاء ويجئ حسابا كافيا وتقول أعطاني ما أحسبني أي كفاني وقال عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله عطاء حسابا قال كثيرا * (قوله باب يوم ينفخ في
الصور فتأتون أفواجا زمرا) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فتأتون
أفواجا قال زمرا زمرا ذكر فيه حديث أبي هريرة مبين النفختين أربعون وقد تقدم شرحه في
تفسير الزمر وقوله أبيت بضم أي أن أقول ما لم أسمع وبالفتح أي أن أعرف ذلك فإنه غيب
* (قوله سورة والنازعات) *
كذا للجميع (قوله زجرة صيحة) ثبت هذا للنسفي وحده وقد وصله عبد بن حميد من
طريقه (قوله وقال مجاهد ترجف الراجفة هي الزلزلة) ثبت هذا للنسفي وحده وقد وصله عبد بن
حميد من طريقه بلفظ ترجف الأرض والجبال وهي الزلزلة (قوله وقال مجاهد الآية الكبرى
عصاه ويده) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا وكذا قال عبد الرزاق عن
529

معمر عن قتادة مثله (قوله سمكها بناءها بغير عمد) ثبت هذا هنا للنسفي وحده وقد تقدم في بدء
الخلق (قوله طغى عصى) ثبت هذا للنسفي وحده وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد به (قوله
الناخرة والنخرة سواء مثل الطامع والطمع والباخل والبخيل) قال أبو عبيدة في قوله تعالى عظاما
نخرة ناخرة ونخرة سواء وقال الفراء مثله قال وهما قراءتان أجودهما ناخرة ثم أسند عن ابن
الزبير أنه قال على المنبر ما بال صبيان يقرءون نخرة إنما هي نخرة (قلت) قرأها نخرة بغير ألف
جمهور القراء وبالألف الكوفيون لكن بخلف عن عاصم * (تنبيه) * قوله والباخل والبخيل
في رواية الكشميهني بالنون والحاء المهملة فيهما ولغير بالموحدة والمعجمة وهو الصواب وهذا الذي
ذكره الفراء قال هو بمعنى الطامع والطمع والباخل والبخل وقوله سواء أي في أصل المعنى وإلا ففي
نخرة مبالغة ليست في ناخرة (قوله وقال بعضهم النخرة البالية والناخرة العظم المجوف الذي
تمر فيه الريح فينخر) قال الفراء فرق بعض المفسرين بين الناخرة والنخرة فقال النخرة البالية
والناخرة العظم المجوف الذي تمر فيه الريح فينخر والمفسر المذكور هو ابن الكلبي فقال أبو
الحسن الأثرم الراوي عن أبي عبيدة سمعت بن الكلبي يقول نخرة ينخر فيها الريح وناخرة بالية
وأنشد لرجل من فهم يخاطب فرسه في يوم ذي قارحين تحاربت العرب والفرس
أقدم نجاح إنها الأساورة * فإنما قصرك ترب الساهرة
ثم تعود بعدها في الحافرة * من بعد ما كنت عظاما ناخرة
أي بالية (قوله الساهرة وجه الأرض) كأنها سميت بهذا الاسم لان فيها الحيوان نومهم وسهرهم
ثبت هذا هنا للنسفي وحده وقد تقدم في بدء الخلق وهو قول الفراء بلفظه (قوله وقال ابن عباس
الحافرة إلى أمرنا الأول إلى الحياة) وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في
قوله الحافرة يقول الحياة وقال الفراء الحافرة يقول إلى أمرنا الأول إلى الحياة والعرب تقول
أتيت فلانا ثم رجعت على حافري أي من حيث جئت قال وقال بعضهم الحافرة الأرض التي
تحفر فيها قبورهم فسماها الحافرة أي المحفورة كما دافق أي مدفوق (قوله الراجفة النفخة
الأولى تتبعها الرادفة النفخة الثانية) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
قوله يوم ترجف الراجفة النفخة الأولى تتبعها الرادفة النفخة الثانية (قوله وقال غيره أيان
مرساها متى منتهاها ومرسي السفينة حيث تنتهي) قال أبو عبيدة في قوله تعالى أيان مرساها
متى منتهاها قال ومرساها منتهاها الخ ثم ساق حديث سهل بن سعد بعثت والساعة بالرفع والنصب
كهاتين وسيأتي شرحه في الرقاق (قوله قال ابن عباس أغطش أظلم) ثبت هذا للنسفي وحده
وقد تقدم في بدء الخلق (قوله الطامة تطم على كل شئ) ووقع هذا للنسفي مقدما قبل باب وهو قول
الفراء قال في قوله تعالى فإذا جاءت الطامة هي القيامة تطم كل شئ ولابن أبي حاتم من طريق
الربيع بن أنس الطامة هي الساعة طمت كل داهية
* (قوله سورة عبس) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
سقطت البسم للغير أبي ذر (قوله عبس وتولى كلح وأعرض) أما تفسير عبس فهو لأبي عبيدة
530

وأما تفسير تولى فهو في حديث عائشة الذي سأذكره بعد ولم يختلف السلف في أن فاعل عبس هو
النبي صلى الله عليه وسلم وأغرب الداوردي فقال هو الكافر وأخرج الترمذي والحاكم من
طريق يحيى بن سعيد الأموي وابن حبان من طريق عبد الرحيم بن سليمان كلاهما عن هشام
ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت نزلت في ابن أم مكتوم الأعمى فقال يا رسول الله أرشدني
وعند النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض
عنه ويقبل على الآخر فيقول له أترى بما أقول بأسا فيقول لا فنزلت عبس وتولى قال الترمذي
حسن غريب وقد أرسله بعضهم عن عروة لم يذكر عائشة وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
أن الذي كان يكلمه أبي بن خلف وروى سعيد بن منصور من طريق أبي مالك أنه أمية بن خلف
وروى ابن مردويه من حديث عائشة أنه كان يخاطب عتبة وشيبة ابني ربيعة ومن طريق
العوفي عن ابن عباس قال عتبة وأبو جهل وعياش ومن وجه آخر عن عائشة كان في مجلس فيه
ناس من وجوه المشركين منهم أبو جهل وعتبة فهذا يجمع الأقوال (قوله مطهرة لا يمسها إلا
المطهرون وهم الملائكة) في رواية غير أبي ذر وقال غيره مطهرة الخ وكذا للنسفي وكان قال قبل
ذلك وقال مجاهد فذكر الأثر الآتي ثم قال وقال غيره (قوله وهذا مثل قوله فالمدبرات أمرا) هو
قول الفراء قال في قوله تعالى في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة لا يمسه إلا المطهرون وهم الملائكة
وهذا مثل قوله تعالى فالمدبرات أمرا (قوله جعل الملائكة والصحف مطهرة لان الصحف يقع
عليها التطهير فجعل التطهير لمن حملها أيضا) هو قول الفراء أيضا (قوله وقال مجاهد الغلب
الملتفة والأب ما يأكل الانعام) وقع في رواية النسفي وحده هنا وقد تقدم في صفة الجنة (قوله
سفرة الملائكة واحدهم سافر سفرت أصلحت بينهم وجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله وتأديته
كالسفير الذي يصلح بين القوم) هو قول الفراء بلفظه وزاد قال الشاعر
وما أدع السفارة بين قومي * وما أمشي بغش إن مشيت
وقد تمسك به من قال إن جميع الملائكة رسل الله وللعلماء في ذلك قولان الصحيح أن فيهم الرسل وغير
الرسل وقد ثبت أن منهم الساجد فلا يقوم والراكع فلا يعتدل الحديث واحتج الأول بقوله
تعالى جاعل الملائكة رسلا وأجيب بقول الله تعالى الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس
(قوله تصدى تغافل عنه) في رواية النسفي وقال غيره الخ وسقط منه شئ والذي قال أبو عبيدة في
قوله تعالى فأنت له تصدى أي تتعرض له تلهي تغافل عنه فالساقط لفظ تتعرض له ولفظ تلهى
وسيأتي تفسير تلهى على الصواب وهو بحذف إحدى التاءين في اللفظتين والأصل تتصدى
وتتلهى وقد تعقب أبو ذر ما وقع في البخاري فقال إنما يقال تصدى للامر إذا رفع رأسه إليه
فأما تغافل فهو تفسير تلهى وقال ابن التين قيل تصدى تعرض وهو اللائق بتفسير الآية لأنه
لم يتغافل عن المشركين إنما تغافل عن الأعمى (قوله وقال مجاهد لما يقض لا يقض أحد ما أمر
به) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ لا يقضي أحد أبدا من افترض عليه (قوله
وقال ابن عباس ترهقها فترة تغشاها شدة) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس به وأخرج الحاكم من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله تعالى وحملت الأرض
والجبال فدكتا دكة واحدة قال يصيران غبرة على وجوه الكفار لا على وجوه المؤمنين وذلك قوله
531

تعالى وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة (قوله مسفرة مشرقة) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي
ابن أبي طلحة أيضا (قوله بأيدي سفرة قال ابن عباس كتبة أسفارا كتبا) وصله ابن أبي حاتم من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله بأيدي سفرة قال كتبة وأحدها سافر وهي كقوله
كمثل الحمار يحمل أسفارا قال كتبا وقد ذكر عبد الرزاق من طريق معمر عن قتادة في قوله
بأيدي سفرة قال كتبة وقال أبو عبيدة في قوله بأيدي سفرة أي كتبة وأحدها سافر (قوله
تلهى تشاغل) تقدم القول فيه (قوله يقال واحد الاسفار سفر) سقط هذا لأبي ذر وهو قول
الفراء قال في قوله تعالى كمثل الحمار يحمل أسفارا الاسفار وأحدها سفر وهي الكتب العظام
(قوله فأقبره يقال أقبرت الرجل جعلت له قبرا وقبرته دفنته) قال الفراء فقوله تعالى ثم أماته
فأقبره جعله مقبورا ولم يقل قبره لان القابر هو الدافن وقال أبو عبيدة في قوله فأقبره أمر بأن يقبر
جعل له قبرا والذي يدفن بيده هو القابر (قوله عن سعد بن هشام) أي ابن عامر الأنصاري لأبيه
صحبة وليس له في البخار سوى هذا الموضع وآخر معلق في المناقب (قوله مثل) بفتحتين أي
صفته وهو كقوله تعالى مثل الجنة (قوله وهو حافظ له من السفرة الكرام البررة) قال ابن التين
معناه كأنه مع السفرة فيما يستحقه من الثواب (قلت) أراد بذلك تصحيح التركيب وإلا فظاهره
أنه ربط بين المبتدأ الذي هو مثل والخبر الذي هو مع السفرة فكأنه قال المثل بمعنى الشبيه
فيصير كأنه قال شبيه الذي يحفظ كائن مع السفرة فكيف به وقال الخطابي كأنه قال صفته
وهو حافظ له كأنه مع السفرة وصفته وهو عليه شديد أن يستحق أجرين (قوله ومثل الذي يقرأ
القرآن وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران) قال ابن التين اختلف هل له ضعف أجر
الذي يقرأ القرآن حافظا أو يضاعف له أجره وأجر الأول أعظم قال وهذا أظهر وإن رجح الأول
أن يقول الاجر على قدر المشقة
* (قوله سورة إذا الشمس كورت) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
سقطت البسملة لغير أبي ذر ويقال لها أيضا سورة التكوير (قوله سجرت يذهب ماؤها فلا
يبقى) قطرة تقدم في تفسير سورة الطور وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة بهذا (قوله وقال مجاهد المسجور المملوء) تقدم في تفسير سورة الطور أيضا (قوله وقال
غيره سجرت أفضى بعضها إلى بعض فصارت بحرا واحدا) هو معنى قول السدي أخرجه ابن
أبي حاتم من طريقه بلفظ وإذا البحار سجرت أي فتحت وسيرت (قوله انكدرت انتثرت) قال
الفراء في قوله تعالى وإذا النجوم انكدرت يريد انتثرت وقعت في وجه الأرض وقال عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة في قوله وإذا النجوم انكدرت قال تناثرت (قوله كشطت أي غيرت وقرأ عبد
الله قشطت مثل الكافور والقافور والقسط والكسط) ثبت هذا للنسفي وحده وذكره غيره
في الطب وهو قول الفراء قال في قوله تعالى وإذا السماء كشطت يعني نزعت وطويت وفي قراءة
عبد الله يعني ابن مسعود قشطت بالقاف والمعنى واحد والعرب تقول القافور والكافور
والقسط والكسط إذا تقارب الحرفان في المخرج تعاقبا في اللغة كما يقال حدث وحدت والأتاني
والأثاني (قوله والخنس تخنس في مجراها ترجع وتكنس تستتر في بيوتها كما تكنس الظباء)
532

قال الفراء في قوله فلا أقسم بالخنس وهي النجوم الخمسة تخنس في مجراها ترجع وتكنس تستتر
في بيوتها كما تكنس الظباء في المغاير وهي الكناس قال والمراد بالنجوم الخمسة بهرام وزحل
وعطارد والزهرة والمشتري وأسند هذا الكلام ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن
ابن عباس وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي ميسرة عن عمرو بن شرحبيل قال قال لي ابن
مسعود ما الخنس قال قلت أظنه بقر الوحش قال وأنا أظن ذلك وعن معمر عن الحسن قال هي
النجوم تخنس بالنهار والكنس تسترهن إذا غبن قال وقال بعضهم الكنس الظباء وروى سعيد
ابن منصور بإسناد حسن عن علي قال هن الكواكب تكنس بالليل وتخنس بالنهار فلا ترى ومن
طريق مغيرة قال سئل مجاهد عن هذه الآية فقال أدري فقال إبراهيم لم لا تدري قال سمعنا أنها
بقر الوحش وهؤلاء يروون عن علي أنها النجوم قال إنهم يكذبون على علي وهذا كما يقولون إن
عليا قال لو أن رجلا وقع من فوق بيت على رجل فمات الاعلى ضمن الأسفل (قوله تنفس ارتفع
النهار) هو قول الفراء أيضا (قوله والظنين المتهم والضنين يضن به) هو قول أبي عبيدة وأشار إلى
القراءتين فمن قرأها بالظاء المشالة فمعناها ليس بمتهم ومن قرأها بالساقطة فمعنا ها البخيل وروى
الفراء عن قيس بن الربيع عن عاصم عن ورقاء قال أنتم تقرؤون بضنين ببخيل ونحن نقرأ بظنين بمتهم
وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي قال الظنين المتهم والضنين البخيل وروى ابن
أبي حاتم بسند صحيح كان ابن عباس يقرأ بضنين قال والظنين والظنين سواء يقول ما هو بكاذب
والظنين المتهم والضنين البخيل (قوله وقال عمر النفوس زوجت يزوج نظيره من أهل الجنة والنار
ثم قرأ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) وصله عبد بن حميد والحاكم وأبو نعيم في الحلية وابن
مردويه من طريق الثوري وإسرائيل وحماد بن سلمة وشريك كلهم عن سماك بن حرب سمعت
النعمان بن بشير سمعت عمر يقول في قوله وإذا النفوس زوجت هو الرجل يزوج نظيره من أهل
الجنة والرجل يزوج نظيره من أهل النار ثم قرأ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وهذا إسناد متصل
صحيح ولفظ الحاكم هما الرجلان يعملان العمل يدخلان به الجنة والنار الفاجر مع الفاجر
والصالح مع الصالح وقد رواه الوليد بن أبي ثور عن سماك بن حرب فرفعه إلى النبي صلى الله عليه
وسلم وقصر به فلم يذكر فيه عمر جعله من مسند النعمان أخرجه ابن مردويه وأخرجه أيضا من
وجه آخر عن الثوري كذلك والأول هو المحفوظ وأخرج الفراء من طريق عكرمة قال يقرن
الرجل بقرينه الصالح في الدنيا ويقرن الرجل الذي كان يعمل السوء في الدنيا بقرينه الذي كان
يعينه في النار (قوله عسعس أدبر) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس بهذا وقال أبو عبيدة قال بعضهم عسعس أقبلت ظلماؤه وقال بعضهم بل معناه ولي
لقوله بعد ذلك والصبح إذا تنفس وروى أبو الحسن الأثرم بسند له عن عمر قال إن شهرنا قد عسعس
أي أدبر وتمسك من فسره بأقبل بقوله تعالى والصبح إذا تنفس قال الخليل أقسم باقبال الليل
وإدباره * (تنبيه) * لم يورد فيها حديثا مرفوعا وفيها حديث جيد أخرجه أحمد والترمذي
والطبراني وصححه الحاكم من حديث ابن عمر رفعه من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى
عين فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت لفظ أحمد
* (قوله سورة إذا السماء انفطرت) *
533

* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
ويقال لها أيضا سورة الانفطار (قوله انفطارها انشقاقها) ثبت هذا للنسفي وحده وهو قول
الفراء (قوله ويذكر عن ابن عباس بعثرت يخرج من فيها من الموتى) ثبت هذا أيضا للنسفي وحده
وهو قول الفراء أيضا وقد أخرج ابن أبي حاتم أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
بعثرت أي بحثت (قوله وقال غيره انتثرت بعثرت حوضي جعلت أسفله أعلاه) ثبت هذا للنسفي
أيضا وحده وتقدم في الجنائز (قوله وقال الربيع بن خثيم فجرت فاضت) قال عبد بن حميد حدثنا
مؤمل وأبو نعيم قالا حدثنا سفيان هو ابن سعيد الثوري عن أبيه عن أبي يعلى هو منذر الثوري
عن الربيع بن خثيم به قال عبد الرزاق أنبأنا الثوري مثله وأتم منه والمنقول عن الربيع فجرت
بتخفيف الجيم وهو اللائق بتفسيره المذكور (قوله وقرأ الأعمش وعاصم فعدلك بالتخفيف وقرأ
أهل الحجاز بالتشديد) قلت قرأ أيضا بالتخفيف حمزة والكسائي وسائر الكوفيين وقرأ أيضا
بالتثقيل من عداهم من قراءة الأمصار (قوله وأراد معتدل الخلق ومن خفف يعني في أي صورة
شاء إما حسن وإما قبيح أو طويل أو قصير) هو قول الفراء بلفظه إلى قوله بالتشديد ثم قال فمن قرأ
بالتخفيف فهو والله أعلم يصرفك في أي صورة شاء إما حسن الخ ومن شدد فإنه أراد والله أعلم
جعلك معتدلا معتدل الخلق قال وهو أجود القراءتين في العربية وأحبهما إلى وحاصل القراءتين
أن التي بالتثقيل من التعديل والمراد التناسب وبالتخفيف من العدل وهو الصرف إلى أي صفة
أراد * (تنبيه) * لم يورد فيها حديثا مرفوعا ويدخل فيها حديث ابن عمر المنبه عليه في التي قبلها
* (قوله سورة ويل للمطففين) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر أخرج النسائي وابن ماجة بإسناد صحيح من طريق يزيد النحوي عن
عكرمة عن ابن عباس قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا
فأنزل الله ويل للمطففين فأحسنوا الكيل بعد ذلك (قوله وقال مجاهد بل ران ثبت الخطايا) وصله
الفريابي وروينا في وفوائد الديباجي من طريق عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله بل ران
على قلوبهم قال ثبتت على قلوبهم الخطايا حتى غمرتها انتهى والران والرين الغشاوة وهو
كالصدى على الشئ الصقيل وروى ابن حبان والحاكم والترمذي والنسائي من طريق
القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن العبد إذا أخطأ
خطيئة نكتت في قلبه فإن هو نزع واستغفر صقلت فإن هو عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فهو الران
الذي ذكر الله تعالى كلا بل ران على قلوبهم وروينا في المحامليات من طريق الأعمش عن مجاهد
قال كانوا يرون الرين هو الطبع * (تنبيه) * قول مجاهد هذا ثبت بفتح المثلثة والموحدة بعدها
مثناة ويجوز تسكين ثانية (قوله ثوب جوزي) هو قول أبي عبيدة ووصله الفريابي عن مجاهد
أيضا (قوله الرحيق الخمر ختامه مسك طينه التسنيم يعلو شراب أهل الجنة) ثبت هذا للنسفي
وحده وتقدم في بدء الخلق (قوله وقال غيره المطفف لا يوفى غيره) هو قول أبي عبيدة (قوله
حدثنا معن) هو ابن عيسى (قوله حدثني مالك) هذا الحديث من غرائب حديث مالك وليس
534

هو في الموطأ وقد تابع معن بن عيسى عليه عبد الله بن وهب أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم
والوليد بن مسلم وإسحاق القروي وسعيد بن الزبير عبد العزيز بن يحيى أخرجها الدارقطني في
الغرائب كلهم عن مالك (قوله يوم يقوم الناس لرب العالمين) زاد في رواية ابن وهب يوم القيامة
(قوله في رشحه) بفتحتين أي عرقه لأنه يخرج من البدن شيئا بعد شئ كما يرشح الاناء المتحلل الاجزاء
ووقع في رواية سعيد بن داود حتى أن العرق يلجم أحدهم إلى أنصاف أذنيه (قوله إلى أنصاف
أذنيه) هو من إضافة الجميع إلى الجميع حقيقة ومعنى لان لكل واحد أذنين وقد روى مسلم من
حديث المقداد بن الأسود عن النبي صلى الله عليه وسلم تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى
تكون منهم كمقدار ميل فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم
من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما
* (قوله سورة إذا السماء انشقت) *
ويقال لها أيضا سورة الانشقاق وسورة الشفق (قوله وقال مجاهد أذنت سمعت وأطاعت لربها
وألقت ما فيها أخرجت ما فيها من الموتى وتخلت عنهم) وقع هنا للنسفي وتقدم لهم في بدء الخلق وقد
أخرجه الحاكم من طريق مجاهد عن ابن عباس وصله بذكر ابن عباس فيه لكنه موقوف عليه
(قوله كتابه بشماله يعطي كتابه من وراء ظهره) وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه قال في
قوله وأما من أوتى كتابه وراء ظهره قال تجعل يده من وراء ظهره فيأخذ بها كتابه (قوله وسق جمع
من دابة) وصله الفريابي أيضا من طريقه وقد تقدم في بدء الخلق مثله وأتم منه وأخرج سعيد بن
منصور عن ابن عباس في قوله والليل وما وسق قال وما دخل فيه وإسناده صحيح (قوله ظن أن لن
يحور أن لن يرجع إلينا) وصله الفريابي من طريقه أيضا وأصل يحور الحور بالفتح وهو الرجوع
وحاورت فلانا أي راجعته ويطلق على التردد في الامر (قوله وقال ابن عباس يوعون يسرون)
ثبت هذا للنسفي وحده ووصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وقال عبد الرزاق
أنبانا معمر عن قتادة يوعون قال في صدورهم * (قوله باب فسوف يحاسبك حسابا
يسيرا) سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر (قوله حدثنا يحيى) هو القطان وله في الحديث شيخ
آخر بإسناد آخر وهو مذكور في هذا الباب وعثمان بن الأسود أي ابن أبي موسى المكي مولى بني
جمح وقع عند القابسي عثمان الأسود صفة لعثمان وهو خطأ واشتمل ما ساقه المصنف على ثلاثة
أسانيد عثمان عن ابن أبي مليكة عن عائشة وتابعه أيوب عن عثمان وخالفهما أبو يونس فأدخل
بين ابن أبي مليكة وعائشة رجلا وهو القاسم بن محمد وهو محمول على أن ابن أبي مليكة حمله عن
القاسم ثم سمعه من عائشة أو سمعه أولا من عائشة ثم استثبت القاسم إذ في رواية القاسم زيادة
ليست عنده وقد استدرك الدارقطني هذا الحديث لهذا الاختلاف وأجيب بما ذكرناه ونبه
الجياني على خبط لأبي زيد المروزي في هذه الأسانيد قال سقط عنده ابن أبي مليكة من الاسناد
الأول ولا بد منه وزيد عنده القاسم بن محمد في الاسناد الثاني وليس فيه وإنما هو في رواية أبي يونس
وقال الإسماعيلي جمع البخاري بين الأسانيد الثلاثة ومتونها مختلفة (قلت) وسأبين ذلك وأوضحه
في كتاب الرقاق مع بقية الكلام على الحديث وتقدمت بعض مباحثه في أواخر كتاب العلم
535

* (قوله باب لتركبن طبقا عن طبق) سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر (قوله قال
ابن عباس لتركبن طبقا عن طبق حالا بعد حال قال هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم) أي الخطاب له
وهو على قراءة فتح الموحدة وبها قرأ ابن كثير والأعمش والاخوان وقد أخرج الطبري الحديث
المذكور عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم بلفظ ان ابن عباس كان يقرأ لتركبن طبقا عن طبق
يعني نبيكم حال بعد حال وأخرجه أبو عبيد في كتاب القراءات عن هشيم وزاد يعني بفتح الباء قال
الطبري قرأها ابن مسعود وابن عباس وعامة قراء أهل مكة والكوفة بالفتح والباقون بالضم على
أنه خطاب للأمة ورجحها أبو عبيدة لسياق ما قبلها وما بعدها ثم أخرج عن الحسن وعكرمة وسعيد
ابن جبير وغيرهم قالوا طبقا عن طبق يعني حالا بعد حال ومن طريق الحسن أيضا وأبي
العالية ومسروق قال السماوات وأخرج الطبري أيضا والحاكم من حديث ابن مسعود
إلى قوله لتركبن طبقا عن طبق قال السماء وفي لفظ للطبري عن ابن مسعود قال المراد أن السماء
تصير مرة كالدهان ومرة تشقق ثم تحمر ثم تنفطر ورجح الطبري الأول وأصل الطبق الشدة
والمراد بها هنا ما يقع من الشدائد يوم القيامة والطبق ما طابق غيره يقال ما هذا بطبق كذا أي
لا يطابقه ومعنى قوله حالا بعد حال أي حال مطابقة للتي قبلها في الشدة أو هو جمع طبقة
وهي المرتبة أي هي طبقات بعضها أشد من بعض وقيل المراد اختلاف أحوال المولود
منذ يكون جنينا إلى أن يصير إلى أقصى العمر فهو قبل أن يولد جنين ثم إذا ولد صبي فإذا فطم غلام
فإذا بلغ سبعا يافع فإذا بلغ عشرا حزور فإذا بلغ خمس عشرة قمد فإذا بلغ خمسا وعشرين عنطنط
فإذا بلغ ثلاثين صمل فإذا بلغ أربعين كهل فإذا بلغ خمسين شيخ فإذا بلغ ثمانين هم فإذا بلغ
تسعين فان
* (قوله سورة البروج) *
تقدم في أواخر الفرقان تفسير البروج (قوله وقال مجاهد الأخدود شق في الأرض) وصله
الفريابي بلفظ شق بنجران كانوا يعذبون الناس فيه وأخرج مسلم والترمذي وغيرهما من
حديث صهيب قصة أصحاب الأخدود مطولة وفيه قصة الغلام الذي كان يتعلم من الساحر فمر
بالراهب فتابعه على دينه فأرا الملك قتل الغلام لمخالفته دينه فقال إنك لن تقدر على قتلي حتى
تقول إذا رميتني بسم الله رب الغلام ففعل فقال الناس آمنا برب الغلام فخد لهم الملك الأخاديد في
السكك وأضرم فيها النيران ليرجعوا إلى دينه وفيه قصة الصبي الذي قال لامة اصبري فإنك على
الحق صرح برفع القصة بطولها حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب
ومن طريقه أخرجه مسلم والنسائي وأحمد ووقفها معمر عن ثابت ومن طريقه أخرجها
الترمذي وعنده في آخره يقول الله تعالى قتل أصحاب الأخدود إلى العزيز الحميد (قوله فتنوا
عذبوا) وصله الفريابي من طريقه وهذا أحد معاني الفتنة ومثله يوم هم على النار يفتنون أي
يعذبون (قوله وقال ابن عباس الودود الحبيب المجيد الكريم) ثبت هذا للنسفي وحده ويأتي في
التوحيد وأخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله الغفور الودود قال
الودود الحبيب وفي قوله ذو العرش المجيد يقول الكريم
536

* (قوله سورة الطارق) *
هو النجم وما أباك ليلا فهو طارق) ثم فسره فقال (النجم الثاقب المضئ يقال أثقب نارك للموقد)
ثبت هذا للنسفي وأبي نعيم وسيأتي للباقين في كتاب الاعتصام وهو كلام الفراء قال في قوله تعالى
والسماء والطارق إلى آخره وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الثاقب المضئ وأخرجه
الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله (قوله وقال مجاهد الثاقب الذي يتوهج)
ثبت هذا لأبي نعيم عن الجرجاني ووصله الفريابي والطبري من طريق مجاهد بهذا وأخرج الطبري
من طريق السدي قال هو النجم الذي يرمي به ومن طريق عبد الرحمن بن زيد قال النجم الثاقب
الثريا (قوله ذات الرجع سحاب يرجع بالمطر وذات الصدع الأرض تنصدع بالنبات) وصله الفريابي
من طريق مجاهد بلفظ والسماء ذات الرجع قال يعني ذات السحاب تمطر ثم ترجع بالمطر وفي قوله
والأرض ذات الصدع ذات النبات وللحاكم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله ذات الرجع
المطر بعد المطر وإسناد صحيح (قوله وقال ابن عباس لقول فصل لحق) وقع هذا للنسفي وسيأتي
في التوحيد بزيادة (قوله لما عليها حافظ إلا عليها حافظ) وصله ابن أبي حاتم من طريق يزيد النحوي
عن عكرمة عن ابن عباس وإسناده صحيح لكن أنكره أبو عبيدة وقال لم نسمع لقول لما بمعنى
إلا شاهد في كلام العرب وقرئت لما بالتخفيف والتشديد فقرأها بن عامر وعاصم وحمزة بالتشديد
وأخرج أبو عبيدة عن ابن سيرين أنه أنكر التشديد على من قرأ به * (تنبيه) * لم يورد في الطارق
حديثا مرفوعا وقد وقع حديث جابر في قصة معاذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفتان يا معاذ
يكفيك أن تقرأ بالسماء والطارق والشمس وضحاها الحديث أخرجه النسائي هكذا ووصله في
الصحيحين
* (قوله سورة سبح اسم ربك الاعلى) *
ويقال لها سورة الاعلى وأخرج سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير سمعت ابن
عمر يقرأ سبحان ربي الأعلى الذي خلق فسوى وهي قراءة أبي بن كعب (قوله وقال مجاهد قدر
فهدى قدر للانسان الشقاء والسعادة وهدى الانعام لمراتعها) ثبت هذا للنسفي وقد وصله الطبري
من طريق مجاهد (قوله وقال ابن عباس غثاء أحوى هشيما متغيرا) ثبت أيضا للنسفي وحده
ووصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه ثم ذكر المصنف حديث البراء في أول من قدم
المدينة من المهاجرين وقد تقدم شرحه في أوائل الهجرة ووقع في آخر هذا الحديث هنا يقولون
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذف صلى الله عليه وسلم من رواية أبي ذر قال لان الصلاة
عليه إنما شرعت في السنة الخامسة وكأنه يشير إلى قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا
تسليما لأنها من جملة سورة الأحزاب وكان نزولها في تلك السنة على الصحيح لكن لا مانع أن تتقدم
الآية المذكورة على معظم السورة ثم من أين له أن لفظ صلى الله عليه وسلم من صلب الرواية من
لفظ الصحابي وما المانع أن يكون ذلك صدر ممن دونه وقد صرحوا بأنه يندب أن يصلي على النبي
صلى الله عليه وسلم وأن يرضى عن الصحابي ولو لم يرد ذلك في الرواية
* (قوله سورة هل أتاك) *
537

* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر وسقطت البسملة للباقين ويقال لها أيضا سورة الغاشية وأخرج ابن أبي حاتم من
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الغاشية من أسماء يوم القيامة (قوله وقال ابن عباس
عاملة ناصبة النصارى) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة ومن طريق شبيب بن بشر
عن عكرمة عن ابن عباس وزاد اليهود وذكر الثعلبي من رواية أبي الضحى عن ابن عباس قال
الرهبان (قوله وقال مجاهد عين آنية بلغ إناها وحان شربها حميم آن بلغ إناه) وصله الفريابي
من طريق مجاهد مفرقا في مواضعه (قوله لا تسمع فيها لاغية شتما) وصله الفريابي أيضا عن
مجاهد وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة لا تسمع فيها باطلا ولا مأثما وهذا على قراءة الجمهور
بفتح تسمع بمثناة فوقية وقرأها الجحدري بتحتانية كذلك وأما أبو عمرو وابن كثير فضما التحتانية
وضم نافع أيضا لكن بفوقانية (قوله ويقال الضريع نبت يقال له الشيرق تسميه أهل الحجاز
الضريع إذا يبس وهو سم) هو كلام الفراء بلفظه والشبرق بكسر المعجمة بعدها موحدة قال الخليل
ابن أحمد هو نبت أخضر منتن الريح يرمي به البحر وأخرج الطبري من طريق عكرمة ومجاهد
قال الضريع الشبرق ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الضريع شجر من نار ومن
طريق سعيد بن جبير قال الحجارة وقال ابن التين كأن الضريع مشتق من الضارع وهو الذليل وقيل
هو السلا بضم المهملة وتشديد اللام وهو شوك النخل (قوله بمسيطر بمسلط) قال أبو عبيدة
في قوله لست عليهم بمسيطر بمسلط قال ولم نجد مثلها إلا مبيطر أي بالموحدة قال لم نجد لهما
ثالثا كذا قال وقد قدمت في تفسير سورة المائدة زيادات عليها قال ابن التين أصله السطر والمعنى
أنه لا يتجاوز ما هو فيه قال وإنما كان ذلك وهو بمكة قبل أن يهاجر ويؤذن له في القتال (قوله
ويقرأ بالصاد والسين) قلت قراءة الجمهور بالصاد وفي رواية عن ابن كثير بالسين وهي قراءة
هشام (قوله وقال ابن عباس إيابهم مرجعهم) وصله ابن المنذر من طريق ابن جريج عن عطاء
عن ابن عباس وذكره ابن أبي حاتم عن عطاء ولم يجاوز به * (تنبيه) * لم يذكر فيها حديثا مرفوعا
ويدخل فيها حديث جابر رفعه أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله الحديث وفي
آخره وحسابهم على الله ثم قرأ إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر إلى آخر السورة أخرجه
الترمذي والنسائي والحاكم وإسناده صحيح
* (قوله سورة والفجر) *
(وقال مجاهد ارم ذات العماد يعني القديمة والعماد أهل عمود لا يقيمون) وصله الفريابي من طريق
مجاهد بلفظ ارم القديمة وزادت العماد أهل عماد لا يقيمون وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
إرم قبيله من عاد قال والعماد كانوا أهل عمود أي خيام انتهى وارم هو ابن سام بن نوح وعاد بن
عوض بن إرم وقيل إرم اسم المدينة وقيل أيضا إن المراد بالعماد شدة أبدانهم وإفراط طولهم
وقد أخرج ابن مردويه من طريق المقدام بن معد يكرب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
في قوله ذات العماد قال كان الرجل يأتي الصخرة فيحملها على كاهله فيلقيها على أي حي أراد
فيهلكهم وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي قال إرم اسم أبيهم ومن طريق مجاهد قال إرم
538

أمه ومن طريق قتادة قال كنا نتحدث أن ارم قبيلة ومن طريق عكرمة قال ارم هي دمشق ومن
طريق عطاء الخراساني قال ارم الأرض ومن طريق الضحاك قال الأرم الهلاك يقال أرم بنو
فلان أي هلكوا ومن طريق شهر بن حوشب نحوه وهذا على قراءة شاذة قرئت بعاد أرم بفتحتين
والراء ثقيلة على أنه فعل ماض وذات بفتح التاء على المفعولية أي أهلك الله ذات العماد وهو
تركيب قلق وأصح هذه الأقوال الأول أن أرم اسم القبيلة وهم ارم بن سام بن نوح وعاد هم بنو عاد
ابن عوص بن ارم وميزت عاد بالإضافة لارم عن عاد الأخيرة وقد تقدم في تفسير الأحقاف أن عادا
قبيلتان ويؤيده قوله تعالى وانه أهلك عادا الأولى وأما قوله ذات العماد فقد فسره مجاهد بأنها
صفة القبيلة فإنهم كانوا أهل عمود أي خيام وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك قال ذات
العماد القوة ومن طريق ثور بن زيد قال قرأت كتابا قديما أنا شداد بن عاد أنا الذي رفعت ذات
العماد أنا الذي شددت بذراعي بطن واد وأخرج ابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه عن
عبد الله بن قلابة قصة مطولة جدا أنه خرج في طلب إبل له وأنه وقع في صحاري عدن وأنه وقع على
مدينة في تلك الفلوات فذكر عجائب ما رأى فيها وأن معاوية لما بلغه خبره أحضره إلى دمشق
وسأل كعبا عن ذلك فأخبره بقصة المدينة ومن بناها وكيفية ذلك مطولا جدا وفيها ألفا
منكرة وراويها عبد الله بن قلابة لا يعرف وفي إسناده عبد الله بن لهيعة (قوله سوط عذاب
الذي عذبوا به) وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ ما عذبوا به ولابن أبي حاتم من طريق قتادة
كل شئ عذب الله به فهو سوط عذاب وسيأتي له تفسير آخر (قوله أكلا لما السف وجما
الكثير) وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ السف لف كل شئ ويحبون المال حبا جما قال
الكثير وسيأتي بسط الكلام على السف في شرح حديث أم زرع في النكاح (قوله وقال مجاهد
كل شئ خلقه فهو شفع السماء شفع والوتر الله) تقدم في بدء الخلق بأتم من هذا وقد أخرج
الترمذي من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الشفع والوتر فقال
هي الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر ورجال ثقات إلا أن فيه راويا مبهما وقد أخرجه الحاكم من
هذا الوجه فسقط من روايته المبهم فاغتر فصححه وأخرج النسائي من حديث جابر رفعه قال
العشر عشر الأضحى والشفع يوم الأضحى والوتر يوم عرفة وللحاكم من حديث ابن عباس قال
الفجر فجر النهار وليال عشر عشر الأضحى ولسعيد بن منصور من حديث ابن الزبير أنه كان يقول
الشفع قوله تعالى فمن تعجل في يومين والوتر اليوم الثالث * (تنبيه) * قرأ الجمهور الوتر بفتح الواو
وقرأها الكوفيون سوى عاصم بكسر الواو واختارها أبو عبيد (قوله وقال غيره سوط عذاب
كلمة تقولها العرب لكل نوع من العذاب يدخل فيه السوط) هو كلام الفراء وزاد في آخره جرى به
الكلام لان السوط أصل ما كانوا يعذبون به فجرى لكل عذاب إذ كان عندهم هو الغاية (قوله
لبالمرصاد إليه المصير) هو قول الفراء أيضا والمرصاد مفعال من المرصد وهو مكان الرصد وقرأ
ابن عطية بما يقتضيه ظاهر اللفظ فجوز أن يكون المرصاد بمعنى الفاعل أي الراصد لكن أتى
فيه بصيغة المبالغة وتعقب بأنه لو كان كذلك لم تدخل عليه الباء في فصيح الكلام وإن سمع ذلك
نادرا في الشعر وتأويله على ما يليق بجلال الله واضح فلا حاجة للتكلف وقد روى عبد الرزاق
539

عن معمر عن قتادة عن الحسن قال بمرصاد أعمال بني آدم (قوله تحاضون تحافظون وتحضون
تأمرون باطعامه) قال الفراء قرأ الأعمش وعاصم بالألف وبمثناة مفتوحة أوله ومثله لأهل
المدينة لكن بغير ألف وبعضهم يحاضون بتحتانية أوله والكل صواب كانوا يحاضون يحافظون
ويحضون يأمرون باطعامه انتهى وأصل تحاضون تتحاضون فحذفت إحدى التاءين والمعنى
لا يحض بعضكم بعضا وقرأ أبو عمرو بالتحتانية في يكرمون ويحضون وما بعدهما وبمثل قراءة
الأعمش قرأ يحيى بن وثاب والاخوان وأبو جعفر المدني وهؤلاء كلهم بالمثناة فيها وفي يكرمون فقط
ووافقهم على المثناة فيهما بن كثير ونافع وشيبة لكن بغير ألف في يحضون (قوله المطمئنة
المصدقة بالثواب) قال الفراء يا أيتها النفس المطمئنة بالايمان المصدقة بالثواب والبعث وأخرج
ابن مردويه من طريق ابن عباس قال المطمئنة المؤمنة (قوله وقال الحسن يا أيتها النفس
المطمئنة إذا أراد الله قبضها اطمأنت إلى الله واطمأن الله إليه ورضيت عن الله ورضى الله عنه
فأمر بقبض روحها وأدخله الله الجنة وجعله من عباده الصالحين) وقع في رواية الكشميهني
واطمأن الله إليها ورضى الله عنها وأدخلها الله الجنة بالتأنيث في المواضع الثلاثة وهو أوجه
وللآخر وجه وهو عود الضمير على الشخص وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق الحسن قال أن الله
تعالى إذا أراد قبض روح عبده المؤمن واطمأنت النفس إلى الله واطمأن الله إليها ورضيت عن
الله ورضى عنها أمر بقبضها فأدخلها الجنة وجعلها من عباده الصالحين أخرجه مفرقا وإسناد
الاطمئنان إلى الله من مجاز المشاكلة والمراد به لازمه من إيصال الخير ونحو ذلك وقال عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة عن الحسن قال المطمئنة إلى ما قال الله والمصدقة بما قال الله تعالى (قوله
وقال غيره جابوا نقبوا من جيب القميص قطع له جيب يجوب الفلاة) أي (يقطعها) ثبت هذا
لغير أبي ذر وقال أبو عبيدة في قوله جابوا البلاد نقبوها ويجوب البلاد يدخل فيها ويقطعها وقال
الفراء جابوا الصخر فرقوه فاتخذوه بيوتا وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة جابوا الصخر
نقبوا الصخر (قوله لما لممته أجمع أتيت على آخره) سقط هذا لأبي ذر وهو قول أبي عبيدة بلفظه
وزاد حبا جما كثيرا شديدا * (تنبيه) * لم يذكر في الفجر حديثا مرفوعا ويدخل فيه حديث ابن
مسعود رفعه في قوله تعالى وجئ يومئذ بجهنم قال يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع
كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها أخرجه مسلم والترمذي
* (قوله سورة لا أقسم) *
ويقال لها أيضا سورة البلد واتفقوا على أن المراد بالبلد مكة شرفها الله تعالى (قوله وقال مجاهد
وأنت حل بهذا البلد مكة ليس عليك ما على الناس فيه من الاثم) وصله الفريابي من طريق ابن
أبي نجيح عن مجاهد بلفظ يقول لا تؤاخذ بما عملت فيه وليس عليك فيه ما على الناس وقد
أخرجه الحاكم من طريق منصور عن مجاهد فزاد فيه عن ابن عباس بلفظ أحل الله له أن يصنع
فيه ما شاء ولابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس يحل لك أن تقاتل فيه وعلى هذا
فالصيغة للوقت الحاضر والمراد الآتي لتحقق وقوعه لان السورة مكية والفتح بعد الهجرة
بثمان سنين (قوله ووالد آدم وما ولد) وصله الفريابي من طريق مجاهد بهذا وقد أخرجه الحاكم
540

من طريق مجاهد أيضا وزاد فيه عن ابن عباس (قوله في كبد في شدة خلق) ثبت هذا للنسفي
وحده وقد أخرجه سعيد بن منصور من طريق مجاهد بلفظ حملته أمه كرها ووضعته كرها
ومعيشة في نكد وهو يكابد ذلك وأخرجه الحاكم من طريق سفيان عن ابن جريج عن عطاء
عن ابن عباس مثله وزاد في ولادته ونبت أسنانه وسرره وختانه ومعيشته (قوله لبدا كثيرا)
وصله الفريابي بهذا وهي بتخفيف الموحدة وشددها أبو جعفر وحده وقد تقدم تفسيرها في تفسير
سورة الجن والنجدين الخير والشر وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ سبيل الخير وسبيل الشر
يقول عرفناه وأخرج الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال النجدين سبيل الخير والشر
وصححه الحاكم وله شاهد عند ابن مردويه من حديث أبي هريرة وقال عبد الرزاق عن معمر عن
الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هما النجدان فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد
الخير (قوله مسغبة مجاعة) وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ جوع ومن وجه آخر عن مجاهد عن
ابن عباس قال ذي مجاعة وأخرجه ابن أبي حاتم كذلك ومن طريق قتادة قال يوم يشتهي فيه
الطعام (قوله متربة الساقط في التراب) وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ المطروح في التراب ليس
له بيت وروى الحاكم من طريق حصين عن مجاهد عن ابن عباس قال المطروح الذي ليس له بيت
وفي لفظ المتربة الذي لا يقيه من التراب شئ وهو كذلك لسعيد بن منصور ولابن عيينة من طريق
عكرمة عن ابن عباس قال هو الذي ليس بينه وبين الأرض شئ (قوله يقال فلا اقتحم العقبة فلم
يقتحم العقبة في الدنيا ثم فسر العقبة فقال وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي
مسغبة) قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال للنار عقبة دون الجنة فلا اقتحم العقبة ثم أخبر
عن اقتحامها فقال فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسبغة وقال أبو عبيدة في قوله فلا اقتحم العقبة
الخ بلفظ الأصل وزاد بعد قوله مسغبة مجاعة ذا متربة قد لزق بالتراب وأخرج سعيد بن
منصور من طريق مجاهد قال أن من الموجبات إطعام المؤمن السغبان * (تنبيه) * قرأ فك وأطعم
بالفعل الماضي فيهما ابن كثير وأبو عمرو والكسائي وقرأ باقي السبعة فك بضم الكاف والإضافة
وإطعام عطفا عليها (قوله مؤصدة مطبقة) هو قول أبي عبيدة وقد تقدم في صفة النار من بدء
الخلق ويأتي في حديث آخر في تفسير الهمزة * (تنبيه) * لم يذكر في سورة البلد حديثا مرفوعا
ويدخل فيها حديث البراء قال جاء إعرابي فقال يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة قال لئن كنت
أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة أو فك الرقبة قال أو ليستا بواحدة قال لا إن
عتق النسمة أن تنفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في عتقها أخرجه أحمد وابن مردويه من طريق
عبد الرحمن بن عوسجة عنه وصححه ابن حبان
* (قوله سورة والشمس وضحاها) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
ثبتت البسملة لأبي ذر (قوله وقال مجاهد ضحاها ضوءها إذا تلاها تبعها وطحاها دحاها ودساها
أغواها) ثبت هذا كله للنسفي وحده وقد تقدم لهم في بدء الخلق مفرقا إلا قوله دساها فأخرجه
الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا وقد أخرج الحاكم من طريق حصين عن مجاهد
541

عن ابن عباس جميع ذلك (قوله فألهمها عرفها الشقاء والسعادة) ثبت هذا للنسفي وحده وقد
أخرجه الطبري من طريق مجاهد (قوله ولا يخاف عقباها عقبي أحد) وصله الفريابي من طريق
مجاهد في قوله ولا يخاف عقباها الله لا يخاف عقبي أحد وهو مضبوط بفتح الألف والمهملة وفي
بعض النسخ وبسكون الخاء المعجمة بعدها ذال معجمة قال الفراء قرأ أهل البصرة والكوفة بالواو
وأهل المدينة بالفاء فلا يخاف فالواو صفة العاقر أي عقر ولم يخف عاقبة عقرها أو المراد لا يخاف
الله أن يرجع بعد إهلاكها فالفاء على هذا أجود والضمير في عقباها للدمدمة أو لثمود أو للنفس
المقدم ذكرها والدمدمة الهلاك العام (قوله بطغواها معاصيها) وصله الفريابي من طريق
مجاهد بلفظ معصيتها وهو الوجه والطغوى بفتح الطاء والقصر الطغيان ويحتمل في الباء أن
تكون للاستعانة وللسبب أو المعنى كذبت بالعذاب الناشئ عن طغيانها (قوله هشام) هو
ابن عروة بن الزبير (قوله عبد الله بن زمعة) أي ابن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى
صحابي مشهور وأمه قريبة أخت أم سلمة أم المؤمنين وكان تحته زينب بنت أم سلمة وقد تقدم في
قصة ثمود من أحاديث الأنبياء أنه ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وإنه يشتمل على ثلاثة
أحاديث (قوله وذكر الناقة) أي ناقة صالح والواو عاطفة على شئ محذوف تقديره فخطب فذكر
كذا وذكر الناقة (قوله والذي عقر) كذا هنا بحذف المفعول وتقدم بلفظ عقرها أي الناقة
(قوله إذا انبعث) تقدم في أحاديث الأنبياء بلفظ انتدب تقول ندبته إلى كذا فانتدب له أي
أمرته فامتثل (قوله عزيز) أي قليل المثل (قوله عارم) بمهملتين أي صعب على من يرومه كثير
الشهامة والشر (قوله منيع) أي قوي ذو منعة أي رهط يمنعونه من الضيم وقد تقدم في
أحاديث الأنبياء بلفظ ذو منعة وتقدم بيان اسمه وسبب عقره الناقة (قوله مثل أبي زمعة) يأتي
في الحديث الذي بعده (قوله وذكر النساء) أي وذكر في خطبته النساء استطرادا إلى ما يقع من
أزواجهن (قوله يعمد) بكسر الميم وسيأتي شرحه في كتاب النكاح (قوله ثم وعظهم في ضحكهم)
في رواية الكشميهني في ضحك بالتنوين وقال لم يضحك أحدكم مما يفعل يأتي الكلام عليه في
كتاب الأدب إن شاء الله تعالى (قوله وقال أبو معاوية الخ) وصله إسحاق بن راهويه في مسنده قال
أنبأنا أبو معاوية فذكر الحديث بتمامه وقال في آخره مثل أبي زمعة عم الزبير بن العوام كما علقه
البخاري سواء وقد أخرجه أحمد عن أبي معاوية لكن لم يقل في آخره عم الزبير بن العوام (قوله
عم الزبير بن العوام) هو عم الزبير مجاز لأنه الأسود بن المطلب بن أسد والعوام بن خويلد بن
أسد فنزل ابن العم منزلة الأخ فأطلق عليه عما بهذا الاعتبار كذا جزم الدمياطي باسم أبي زمعة
هنا وهو المعتمد وقال القرطبي في المفهم يحتمل أن المراد بأبي زمعة الصحابي الذي بايع تحت
الشجرة يعني وهو عبيد البلوي قال ووجه تشبيهه به إن كان كذلك أنه كان في عزة ومنعة في قومه
كما كان ذلك الكافر قال ويحتمل أن يؤيد غيره ممن يكنى أبا زمعة من الكفار (قلت) وهذا الثاني
هو المعتمد والغير المذكور هو الأسود وهو جد عبد الله بن زمعة راوي هذا الخبر لقوله في نفس
الخبر عم الزبير بن العوام وليس بين البلوي وبين الزبير نسب وقد أخرج الزبير بن بكار هذا
الحديث في ترجمة الأسود بن المطلب من طريق عامر بن صالح عن هشام بن عروة وزاد قال
فتحدث بها عروة وأبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة جالس فكأنه وجد منها فقال له عروة يا ابن أخي
542

والله ما حدثنيها أبوك إلا وهو يفخر بها وكان الأسود أحد المستهزئين ومات على كفره بمكة وقتل
ابنه زمعة يوم بدر كافرا أيضا
* (قوله سورة والليل إذ يغشى) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
ثبتت البسملة لأبي ذر (قوله وقال ابن عباس وكذب بالحسنى بالخلف) وصله ابن أبي حاتم من
طريق حصين عن عكرمة عنه وإسناده صحيح (قوله وقال مجاهد تردى مات وتلظى توهج) وصله
الفريابي من طريق مجاهد في قوله إذا تردى إذا مات وفي قوله نارا تلظى توهج (قوله وقرأ عبيد بن
عمير تتلظى) وصله سعيد بن منصور عن ابن عيينة وداود العطار كلاهما عن عمرو بن دينار عن
عبيد بن عمير أنه قرأ نارا تلظى وقال الفراء حدثنا ابن عيينة عن عمرو قال فاتت عبيد بن عمير
ركعة من المغرب فسمعته يقرأ فأنذرتكم نارا تلظى وهذا إسناد صحيح ولكن رواه سعيد بن عبد
الرحمن المخزومي عن بن عيينة بهذا السند فالله أعلم وهي قراءة زيد بن علي وطلحة بن مصرف أيضا
وقد قيل إن عبيد بن عمير قرأها بالادغام في الوصل لا في الابتداء وهي قراءة البزي من طريق ابن كثير
* (قوله باب والنهار إذا تجلى) ذكر فيه الحديث الآتي في الباب الذي بعده وسقطت
الترجمة لأبي ذر والنسفي * (قوله باب وما خلق الذكر والأنثى حدثنا عمر) هو ابن
حفص بن غياث ووقع لأبي ذر حدثنا عمر بن حفص (قوله قدم أصحاب عبد الله) أي ابن مسعود
(على أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم فقال أيكم يقرأ على قراءة عبد الله قالوا كلنا قال فأيكم أحفظ
وأشاروا إلى علقمة) هذا صورته الارسال لان إبراهيم ما حضر القصة وقد وقع في رواية سفيان
عن الأعمش في الباب الذي قبله عن إبراهيم عن علقمة فتبين أن الارسال في هذا الحديث ووقع
في رواية الباب عند أبي نعيم أيضا ما يقتضي أن إبراهيم سمعه من علقمة وقوله في آخره وهؤلاء
يريدونني على أن أقرأ وما خلق الذكر والأنثى والله لا أتابعهم ووقع في رواية داود بن أبي هند عن
الشعبي عن علقمة في هذا الحديث وأن هؤلاء يريدونني أن أزول عما أقرأني رسول الله صلى الله
عليه وسلم ويقولون لي اقرأ وما خلق الذكر والأنثى وإني والله لا أطيعهم أخرجه مسلم وابن
مردويه وفي هذا بيان واضح أن قراءة ابن مسعود كانت كذلك والذي وقع في غير هذه الطريق
أنه قرأ والذي خلق الذكر والأنثى كذا في كثير من كتب القراءات الشاذة وهذه القراءة لم يذكرها
أبو عبيد الا عن الحسن البصري وأما بن مسعود فهذا الاسناد المذكور في الصحيحين عنه من
أصح الأسانيد يروي به الأحاديث (قوله كيف سمعته) أي ابن مسعود (يقرأ والليل إذ يغشى
قال علقمة والذكر والأنثى) في رواية سفيان فقرأت الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر
والأنثى وهذا صريح في أن ابن مسعود كان يقرؤها كذلك وفي رواية إسرائيل عن مغيرة
في المناقب والليل إذا يغشى والذكر والأنثى بحذف والنهار إذا تجلى كذا في رواية أبي ذر
وأثبتها الباقون (قوله وهؤلاء) أي أهل الشام (يريدونني على أن اقرأ وما خلق الذكر والأنثى
والله لا أتابعهم) هذا أبين من الرواية التي قبلها حيث قال وهؤلاء يأبون على ثم هذه القراءة
لم تنقل إلا عمن ذكر هنا ومن عداهم قرؤوا وما خلق الذكر والأنثى وعليها استقر الامر مع
543

قوة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذكر معه ولعل هذا مما نسخت تلاوته ولم يبلغ النسخ
أبا الدرداء ومن ذكر معه والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراء عن علقمة وعن
ابن مسعود واليهما تنتهي القراءة بالكوفة ثم لم يقرأ بها أحد منهم وكذا أهل الشام حملوا القراءة
عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم بهذا فهذا مما يقوي أن التلاوة بها نسخت * (قوله
باب قوله فأما من أعطى واتقى) ذكر فيه حديث على قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
في بقيع الغرقد في جنازة فقال ما منكم من أحد إلا وكتب مقعده من الجنة ومقعده من النار
الحديث ذكره في خمسة تراجم أخرى لا يأتي في هذه السورة كلها من طريق الأعمش إلا الخامس
فمن طريق منصور كلاهما عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي وصرح في
الترجمة الأخيرة بسماع الأعمش له من سعد وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب القدر إن شاء الله تعالى
* (قوله باب قوله وصدق بالحسنى) سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر والنسفي وسقط
لفظ باب من التراجم كلها لغير أبي ذر
* (قوله سورة والضحى) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر (قوله وقال مجاهد إذا سجى استوى) وصله الفريابي من طريق مجاهد
بهذا (قوله وقال غيره سجى أظلم وسكن) قال الفراء في قوله والضحى والليل إذا سجى قال
الضحى النهار كله والليل إذا سجى إذا أظلم وركد في طوله تقول بحر ساج وليل ساج إذا سكن
544

وروى الطبري من طريق قتادة في قوله إذا سجى قال إذا سكن بالخلق (قوله عائلا ذو عيال) هو قول
أبي عبيدة وقال الفراء معناه فقيرا وقد وجدتها في مصحف عبد الله عديما والمراد أنه أغناه بما
أرضاه لا بكثرة المال * (قوله باب ما ودعك ربك وما قلى) سقطت هذه الترجمة
لغير أبي ذر وذكر في سبب نزولها حديث جندب وأن ذلك سبب شكواه صلى الله عليه وسلم وقد
تقدمت في صلاة الليل أن الشكوى المذكورة لم ترد بعينها وأن من فسرها بأصبعه التي دميت لم
يصب ووجدت الآن في الطبراني بإسناد فيه من لا يعرف أن سبب نزولها وجود جرو كلب تحت
سريره صلى الله عليه وسلم لم يشعر به فأبطأ عنه جبريل لذلك وقصة إبطاء جبريل بسبب كون الكلب
تحت سريره مشهورة لكن كونها سبب نزول هذه الآية غريب بل شاذ مردود بما في الصحيح والله
أعلم وورد لذلك سبب ثالث وهو ما أخرجه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال لما نزل
على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن أبطأ عنه جبريل أياما فتغير بذلك فقالوا ودعه ربه وقلاه
فأنزل الله تعالى ما ودعك ربك وما قلى ومن طريق إسماعيل مولى آل الزبير قال فتر الوحي حتى شق
ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وأحزنه فقال لقد خشيت أن يكون صاحبي قلاني فجاء جبريل
بسورة والضحى وذكر سليمان التيمي في السيرة التي جمعها ورواها محمد بن عبد الاعلى عن معتمر بن
سليمان عن أبيه قال وفتر الوحي فقالوا لو كان من عند الله لتابع ولكن الله فلاه فأنزل الله
والضحى وألم نشرح بكمالهما وكل هذه الروايات لا تثبت والحق أن الفترة المذكورة في سبب نزول
والضحى غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي فإن تلك دامت أياما وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثا
فاختلطتا على بعض الرواة وتحرير الامر في ذلك ما بينته وقد أوضحت ذلك في التعبير ولله الحمد
ووقع في سيرة ابن إسحاق في سبب نزول والضحى شئ آخر فإنه ذكر أن المشركين لما سألوا النبي صلى
الله عليه وسلم عن ذي القرنين والروح وغير ذلك ووعدهم بالجواب ولم يستثن فأبطأ عليه جبريل
اثنتي عشرة ليلة أو أكثر فضاق صدره وتكلم المشركون فنزل جبريل بسورة والضحى وبجواب
ما سألوا وبقوله تعالى ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله انتهى وذكر سورة
الضحى هنا بعيد لكن يجوز أن يكون الزمان في القصتين متقاربا فضم بعض الرواة إحدى القصتين
إلى الأخرى وكل منهما لم يكن في ابتداء البعث وإنما كان بعد ذلك بمدة والله أعلم (قوله سمعت
جندب بن سفيان) هو البجلي (قوله فجاءت امرأة فقالت يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك
تركك) هي أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب وقد تقدم بيان ذلك في كتاب قيام الليل وأخرجه
الطبري من طريق المفضل بن صالح عن الأسود بن قيس بلفظ فقالت امرأة من أهله ومن وجه
آخر عن الأسود بن قيس بلفظ حتى قال المشركون ولا مخالفة لانهم قد يطلقون لفظ الجمع ويكون
القائل أو الفاعل واحدا بمعنى أن الباقين راضون بما وقع من ذلك الواحد (قوله قربك) بكسر
الراء يقال قربه يقربه بفتح الراء متعديا ومنه لا تقربوا الصلاة وأما قرب بالضم فهو لازم تقول قرب
الشئ أي دنا وقد بينت هناك أنه وقع في رواية أخرى عند الحاكم فقالت خديجة وأخرجه
الطبري أيضا من طريق عبد الله بن شداد فقالت خديجة ولا أرى ربك ومن طريق هشام بن
عروة عن أبيه فقالت خديجة لما ترى من جزعه وهذان طريقان مرسلان ورواتهما ثقات فالذي
يظهر أن كلا من أم جميل وخديجة قالت ذلك لكن أم جميل عبرت لكونها كافرة بلفظ شيطانك
545

وخديجة عبرت لكونها مؤمنة بلفظ ربك أو صاحبك وقالت أم جميل شماتة وخديجة توجعا
* (قوله باب قوله ما ودعك ربك وما قلى) كذا ثبتت هذه الترجمة في رواية المستملي وهو
تكرار بالنسبة إليه لا بالنسبة للباقين لانهم لم يذكروها في الأولى (قوله قرأ بالتشديد والتخفيف
بمعنى واحد ما تركك ربك) أما الفراء بالتشديد فهي في قراءة الجمهور وقرأ بالتخفيف عروة وابنه
هشام وابن أبي علية وقال أبو عبيدة ما ودعك يعني بالتشديد من التوديع وما ودعك يعني
بالتخفيف من ودعت انتهى ويمكن تخريج كونهما بمعنى واحد على أن التوديع مبالغة في
الودع لان من ودعك مفارقا فقد بالغ في تركك (قوله وقال ابن عباس ما تركك وما أبغضك)
وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بهذا (قوله في الرواية الأخيرة قالت
امرأة يا رسول الله ما أر صاحبك إلا أبطأك) هذا السياق يصلح أن يكون خطاب خديجة دون
الخطاب الأول فإنه يصلح أن يكون خطاب حمالة الحطب لتعبيرها بالشيطان والترك ومخاطبتهما
بمحمد بخلاف هذه فقالت صاحبك وقالت أبطأ وقالت يا رسول الله وجوز الكرماني أن يكون من
تصرف الرواة وهو موجه لان مخرج الطريقين واحد وقوله أبطأك أي صيرك بطيئا في القراءة
لان بطأه في الأقراء يستلزم بطء الآخر في القراءة ووقع في رواية أحمد عن محمد بن جعفر عن
شعبة إلا أبطأ عنك
* (قوله سورة ألم نشرح لك) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر وللباقين ألم نشرح حسب (قوله وقال مجاهد وزرك في الجاهلية) وصله الفريابي من
طريقه وفي الجاهلية متعلق بالوزر أي الكائن في الجاهلية وليس متعلقا بوضع (قوله أنقض أتقن)
قال عياض كذا في جميع النسخ أتقن بمثناة وقاف ونون وهو وهم والصواب أثقل (1) بمثلثة
وآخرها لام وقال الأصيلي هذا وهم في رواية الفربري ووقع عند ابن السماك أثقل بالمثلثة هو
أصح قال عياض وهذا لا يعرف في كلام العرب ووقع عند ابن السكن ويروى أثقل وهو الصواب
(قوله ويروي أثقل وهو أصح من أتقن) كذا وقع في رواية المستملي وزاد فيه قال الفربري سمعت
أبا معشر يقول انقض ظهرك أثقل ووقع في الكتاب خطأ (قلت) أبو معشر هو حمدويه بن
الخطاب بن إبراهيم البخاري كان يستملي على البخاري ويشاركه في بعض شيوخه وكان صدوقا
وأضر بآخرة وقد أخرجه الفريابي من طريق مجاهد بلفظ الذي أنقض ظهرك قال أثقل قال
وهذا هو الصواب تقول العرب أنقض الحمل ظهر الناقة إذا أثقل وهو مأخوذ من النقيض وهو
الصوت ومنه سمعت نقيض الرحل أي صريره (قوله مع العسر يسرا قال ابن عيينة أي أن مع
ذلك العسر يسرا آخر كقوله هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين) وهذا مصير من ابن عيينة إلى
أتباع النجاة في قولهم إن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى وموقع التشبيه أنه كما ثبت
للمؤمنين تعدد الحسني كذا ثبت لهم تعدد اليسر أو أنه ذهب إلى أن المراد بأحد اليسرين الظفر
وبالآخر الثواب فلا بد للمؤمن من أحدهما (قوله ولن يغلب عسر يسرين) وروى هذا مرفوعا
موصولا ومرسلا وروى أيضا موقوفا أما المرفوع فأخرجه بن مردويه من حديث جابر بإسناد
546

ضعيف ولفظه أوحى إلى أن مع اليسر يسرا إن مع العسر يسرا ولن يغلب عسر يسرين وأخرج
سعيد بن منصور وعبد الرزاق من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو
كان العسر في جحر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه ولن يغلب عسر يسرين ثم قال إن مع العسر
يسرا إن مع العسر يسرا وإسناده ضعيف وأخرجه عبد الرزاق والطبري من طريق الحسن عن
النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه عبد بن حميد عن ابن مسعود بإسناد جيد من طريق قتادة
قال ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال لن يغلب عسر يسرين
إن شاء الله وأما الموقوف فأخرجه مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر أنه كتب إلى أبي عبيدة
يقول مهما ينزل بامرئ من شدة يجعل الله له بعدها فرجا وإنه لن يغلب عسر يسرين وقال
الحاكم صح ذلك عن عمر وعلي وهو في الموطأ عن عمر لكن من طريق منقطع وأخرجه عبد بن
حميد عن ابن مسعود بإسناد جيد وأخرجه الفراء بإسناد ضعيف عن ابن عباس (قوله وقال
مجاهد فانصب في حاجتك إلى ربك) وصله ابن المبارك في الزهد عن سفيان عن منصور عن مجاهد
في قوله فإذا فرغت فانصب في صلاتك وإلى ربك فارغب قال اجعل نيتك ورغبتك إلى ربك
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم قال إذا فرغت من الجهاد فتعبد ومن طريق الحسن
نحوه (قوله ويذكر عن ابن عباس ألم نشرح لك صدرك شرح الله صدره للاسلام) وصله ابن
مردويه من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفي إسناده راو ضعيف * (تنبيه) * لم يذكر
في سورة ألم نشرح حديثا مرفوعا ويدخل فيها حديث أخرجه الطبري وصححه ابن حبان من
حديث أبي سعيد رفعه أتاني جبريل فقال يقول ربك أتدري كيف رفعت ذكرك قال الله
أعلم قال إذا ذكرت ذكرت معي وهذا أخرجه الشافعي وسعيد بن منصور وعبد الرزاق من طريق
مجاهد قوله وذكر الترمذي والحاكم في تفسيرهما قصة شرح صدره صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء
وقد مضى الكلام عليه في أوائل السيرة النبوية
* (قوله سورة والتين) *
وقال مجاهد هو التين والزيتون الذي يأكل الناس) وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله
والتين والزيتون قال الفاكهة التي تأكل الناس وطور سنين الطور الجبل وسينين المبارك
وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس وأخرجه ابن أبي حاتم
من طريق عكرمة عن ابن عباس مثله ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال التين مسجد نوح
الذي بني على الجودي ومن طريق الربيع بن أنس قال التين جبل عليه التين والزيتون جبل
عليه الزيتون ومن طريق قتادة الجبل الذي عليه دمشق ومن طريق محمد بن كعب قال مسجد
أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيلياء ومن طريق قتادة جبل عليه بيت المقدس (قوله تقويم
خلق) كذا ثبت لأبي نعيم وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله أحسن تقويم قال
أحسن خلق وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس بإسناد حسن قال أعدل خلق (قوله أسفل
سافلين إلا من آمن) كذا ثبت للنسفي وحده وقد تقدم لهم في بدء الخلق وأخرج الحاكم من
طريق عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر وذلك
547

قوله ثم رددناه أسفل السافلين إلا الذين آمنوا قال الذين قرؤا القرآن (قوله يقال فما يكذبك فما
الذي يكذبك بأن الناس يدانون بأعمالهم كأنه قال ومن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب)
في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني تدالون بدال بدل النون الأولى والأول هو الصواب كذا هو في
كلام الفراء بلفظه وزاد في آخره بعد ما تبين له كيفية خلقه قال ابن التين كأنه جعل ما لمن يعقل
وهو بعيد وقيل المخاطب بذلك الانسان المذكور قيل هو على طريق الالتفات وهذا عن مجاهد أي
ما الذي جعلك كاذبا لأنك إذا كذبت بالجزاء صرت كاذبا لان كل مكذب بالحق فهو كاذب وأما
تعقب ابن التين قول الفراء جعل ما لمن يعقل وهو بعيد فالجواب أنه ليس ببعيد فيمن أبهم أمره
ومنه إني نذرت لك ما في بطني محررا (قوله أخبرني عدي) هو ابن ثابت الكوفي (قوله فقرأ في
العشاء بالتين) تقدم شرحه في صفة الصلاة وقد كثف سؤال بعض الناس هل قرا بها في الركعة
الأولى أم الثانية أو قرأ فيهما معا كأن يقول أعادها في الثانية وعلى أن يكون قرأ غيرها فهل
عرف وما كنت استحضر لذلك جوابا إلى أن رأيت في كتاب الصحابة لأبي علي بن السكن في ترجمة
زرعة بن خليفة رجل من أهل اليمامة أنه قال سمعنا بالنبي صلى الله عليه وسلم فأتيناه فعرض
علينا الاسلام فأسلمنا وأسهم لنا وقرأ في الصلاة بالتين والزيتون وإنا أنزلناه في ليلة القدر فيمكن
إن كانت هي الصلاة التي عين البراء بن عازب أنها العشاء أن يقال قرأ في الأولى بالتين وفي الثانية
بالقدر ويحصل بذلك جواب السؤال ويقوى ذلك أنا لا نعرف في خبر من الاخبار أنه قرأ بالتين
والزيتون إلا في حديث البراء ثم حديث زرعة هذا
* (قوله سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق) *
قال صاحب الكشاف ذهب ابن عباس ومجاهد إلى أنها أول سورة نزلت وأكثر المفسرين إلى
أن أو سورة نزلت فاتحة الكتاب كذا قال والذي ذهب أكثر الأئمة إليه هو الأول وأما الذي
نسبه إلى الأكثر فلم يقل به إلا عدد أقل من القليل بالنسبة إلى من قال بالأول (قوله وقال قتيبة
حدثنا حماد بن يحيى بن عتيق عن الحسن قال اكتب في المصحف في أول الامام بسم الله الرحمن
الرحيم واجعل بين السورتين خطا) في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني حدثنا قتيبة وقد أخرجه
ابن الضريس في فضائل القرآن حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا حماد بهذا وحماد هو ابن زيد
وشيخه بصري ثقة من طبقة أيوب مات قبله ولم أر له في البخاري إلا هذا الموضع وقوله في أول الامام
أي أم الكتاب وقوله خطأ قال الداودي إن أراد خطأ فقط بغير بسملة فليس بصواب لاتفاق
الصحابة على كتابة البسملة بين كل سورتين إلا براءة وإن أراد بالامام أمام كل سورة فيجعل الخط مع
البسملة فحسن فكان ينبغي أن يستثني براءة وقال الكرماني معناه اجعل البسملة في أوله فقط
واجعل بين كل سورتين علامة للفاصلة وهو مذهب حمزة من القراء السبعة (قلت) المنقول ذلك
عن حمزة في القراءة لا في الكتابة قال وكان البخاري أشار إلى أن هذه السورة لما كان أولها مبتدأ
بقوله تعالى اقرأ باسم ربك أراد أن يبين أنه لا تجب البسملة في أول كل سورة بل من قرأ البسملة في
أول القرآن كفاه في امتثال هذا الامر نعم استنبط السهيلي من هذا الامر ثبوت البسملة في
أول الفاتحة لان هذا الامر هو أول شئ نزل من القرآن فأولى مواضع امتثاله أول القرآن
548

(قوله وقال مجاهد ناديه عشيرته) وصله الفريابي من طريق مجاهد وهو تفسير معنى لان
المدعو أهل النادي والنادي المجلس المتخذ للحديث (قوله الزبانية الملائكة) وصله الفريابي
من طريق مجاهد وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة مثله (قوله وقال معمر
الرجعي المرجع) كذا لأبي ذر وسقط لغيره وقال معمر فصار كأنه من قول مجاهد والأول هو
الصواب وهو كلام أبي عبيدة في كتاب المجاز ولفظه إلى ربك الرجعي قال المرجع والرجوع (قوله
لنسفعن بالناصية لنأخذن ولنسفعن بالنون وهي الخفيفة سفعت بيده أخذت) هو كلام أبي
عبيدة أيضا ولفظه ولنسفعن إنما يكتب بالنون لأنها نون خفيفة انتهى وقد روى عن أبي عمرو
بتشديد النون والموجود في مرسوم المصحف بالألف والسفع القبض على الشئ بشدة وقيل أصله
الاخذ بسفعة الفرس أي سواد ناصيته ومنه قولهم به سفعة من غضب لما يعلو لون الغضبان
من التغير ومنه امرأة سفعاء * (قوله باب حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن
عقيل عن ابن شهاب وحدثني سعيد بن مروان) الاسناد الأول قد ساق البخاري المتن به أول
الكتاب وساق في هذا الباب المتن بالاسناد الثاني وسعيد بن مروان هذا هو أبو عثمان البغدادي
نزيل نيسابور من طبقة البخاري شاركه في الرواية عن أبي نعيم وسليمان بن حرب ونحوهما وليس
له في البخاري سوى هذا الموضع ومات قبل البخاري بأربع سنين ولهم شيخ آخر يقال له أبو
عثمان سعيد بن مروان الرهاوي حدث عنه أبو حاتم وابن أبي رزمة وغيرهما وفرق البخاري في
التاريخ بينه وبين البغدادي ووهم من زعم أنهما واحد وآخرهم الكرماني ومحمد بن عبد العزيز
ابن أبي رزمة بكسر الراء وسكون الزاي واسم أبي رزمة غزوان وهو مروزي من طبقة أحمد بن
حنبل فهو من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري ومع ذلك فحدث عنه بواسطة وليس له عنده
سوى هذا الموضع وقد حدث عنه أبو داود بلا واسطة وشيخه أبو صالح سلمويه اسمه سليمان بن
صالح الليثي المروزي بلقب سلمويه ويقال اسم أبيه داود وهو من طبقة الراوي عنه من حيث
الرواية إلا أنه تقدمت وفاته وكان من أخصاء عبد الله بن المبارك والمكثرين عنه وقد أدركه
البخاري بالسن لأنه مات سنة عشر ومائتين وما له أيضا في البخاري سوى هذا الحديث وعبد الله
هو ابن المبارك الامام المشهور وقد نزل البخاري في حديثه في هذا الاسناد درجتين وفي حديث
الزهري ثلاث درجات وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في أوائل هذا الكتاب وسأذكر
هنا ما لم يتقدم ذكره مما اشتمل عليه من سياق هذه الطريق وغيرها من الفوائد (قوله أن عائشة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا
الصادقة) قال النووي هذا من مراسيل الصحابة لان عائشة لم تدرك هذه القصة فتكون سمعتها
من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي وتعقبه من لم يفهم مراده فقال إذا كان يجوز أنها سمعتها
من النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يجزم بأنها من المراسيل والجواب أن مرسل الصحابي
ما يرويه من الأمور التي لم يدرك زمانها بخلاف الأمور التي يدرك زمانها فإنها لا يقال إنها مرسلة
بل يحمل على أنه سمعها أو حضرها ولو لم يصرح بذلك ولا يختص هذا بمرسل الصحابي بل مرسل
التابعي إذا ذكر قصة لم يحضرها سميت مرسلة ولو جاز في نفس الامر أن يكون سمعها من
الصحابي الذي وقعت له تلك القصة وأما الأمور التي يدركها فيحمل على أنه سمعها أو حضرها لكن
549

بشرط أن يكون سالما من التدليس والله أعلم ويؤيد أنها سمعت ذلك من النبي صلى الله عليه
وسلم قولها في أثناء هذا الحديث فجاءه الملك فقال اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا
بقارئ قال فأخذني إلى آخره فقوله قال فأخذني نغطني ظاهر في أن النبي صلى الله عليه وسلم
أخبرها بذلك فتحمل بقية الحديث عليه (قوله أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا
الصادقة) زاد في رواية عقيل كما تقدم في بدء الوحي من الوحي أي في أول المبتدءات من إيجاد الوحي
الرؤيا وأما مطلق ما يدل على نبوته فتقدمت له أشياء مثل تسليم الحجر كما ثبت في صحيح مسلم وغير
ذلك وما في الحديث نكرة موصوفة أي أول شئ ووقع صريحا في حديث ابن عباس عند ابن عائذ
ووقع في مراسيل عبد الله بن أبي بكر بن حزم عند الدولابي ما يدل على أن الذي كان يراه صلى
الله عليه وسلم هو جبريل ولفظه أنه قال لخديجة بعد أن أقرأه جبريل اقرأ باسم ربك أرأيتك الذي
كنت أحدثك أني رأيته في المنام فإنه جبريل استعلن (قوله من الوحي) يعني إليه وهو إخبار
عما رآه من دلائل نبوته من غير أن يوحى بذلك إليه وهو أول ذلك مطلقا ما سمعه من بحيرا الراهب
وهو عند الترمذي بإسناد قوي عن أبي موسى ثم ما سمعه عند بناء الكعبة حيث قيل له اشدد
عليكم إزارك وهو في صحيح البخاري من حديث جابر وكذلك تسليم الحجر عليه وهو عند مسلم
من حديث جابر بن سمرة (قوله الصالحة) قال ابن المرابط هي التي ليست ضغثا ولا من تلبيس
الشيطان ولا فيها ضرب مثل مشكل وتعقب الأخير بأنه إن أراد بالمشكل ما لا يوقف على
تأويله فمسلم وإلا فلا (قوله فلق الصبح) يأتي في سورة الفلق قريبا (قوله ثم حبب إليه الخلاء)
هذا ظاهر في أن الرؤيا الصادقة كانت قبل أن يحبب إليه الخلاء ويحتمل أن تكون لترتيب الاخبار
فيكون تحبيب الخلوة سابقا على الرؤيا الصادقة والأول أظهر (قوله الخلاء) بالمد المكان
الخالي ويطلق على الخلوة وهو المراد هنا (قوله فكان يلحق بغار حراء) كذا في هذه الرواية
وتقدم في بدء الوحي بلفظ فكان يخلو وهي أوجه وفي رواية عبيد بن عمير عند ابن إسحاق فكان
يجاور (قوله الليالي ذوات العدد) في رواية ابن إسحاق أنه كان يعتكف شهر رمضان (قوله
قال والتحنث التعبد) هذا ظاهر في الادراج إذ لو كان من بقية كلام عائشة لجاء فيه قالت وهو
يحتمل أن يكون من كلام عروة أو من دونه ولم يأت التصريح بصفة تعبده لكن في رواية عبيد
ابن عمير عند ابن إسحاق فيعطي من يرد عليه من المساكين وجاء عن بعض المشايخ أنه كان يتعبد
بالتفكر ويحتمل أن تكون عائشة أطلقت على الخلوة بمجردها تعبدا فإن الانعزال عن الناس
ولا سيما من كان على باطل من جملة العبادة كما وقع للخليل عليه السلام حيث قال إني ذاهب إلى ربي
وهذا يلتفت إلى مسألة أصولية وهو أنه صلى الله عليه وسلم هل كان قبل أن يوحى إليه متعبدا
بشريعة نبي قبله قال الجمهور لا لأنه لو كان تابعا لأستبعد أن يكون متبوعا ولأنه لو كان لنقل من
كان ينسب إليه وقيل نعم واختاره ابن الحاجب واختلفوا في تعيينه على ثمانية أقوال أحدها
آدم حكاه ابن برهان الثاني نوح حكاه الآمدي الثالث إبراهيم ذهب إليه جماعة واستدلوا
بقوله تعالى ان أتبع ملة إبراهيم حنيفا الرابع موسى الخامس عيسى السادس بكل شئ بلغه
عن شرع نبي من الأنبياء وحجته أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده السابع الوقف واختاره
الآمدي ولا يخفى قوة الثالث ولا سيما مع ما نقل من ملازمته للحج والطواف ونحو ذلك مما بقي
550

عندهم من شريعة إبراهيم والله أعلم وهذا كله قبل النبوة وأما بعد النبوة فقد تقدم القول فيه
في تفسير سورة الأنعام (قوله إلى أهله) يعني خديجة وأولاده منها وقد سبق في تفسير سورة النور
في الكلام على حديث الإفك تسمية الزوجة أهلا ويحتمل أن يريد أقاربه أو أعم (قوله ثم يرجع
إلى خديجة فيتزود) خص خديجة بالذكر بعد أن عبر بالأهل إما تفسيرا بعد إبهام وإما إشارة إلى
اختصاص التزويج بكونه من عندها دون غيرها (قوله فيتزود لمثلها) في رواية الكشميهني بمثلها
بالموحدة والضمير لليالي أو للخلوة أو للعبادة أو للمرات أي السابقة ثم يحتمل أن يكون المراد أنه
يتزود ويخلو أياما ثم يرجع ويتزود ويخلو أياما ثم يرجع ويتزود ويخلو أياما إلى أن ينقضي الشهر
ويحتمل أن يكون المراد أن يتزود لمثلها إذا حال الحول وجاء ذلك الشهر الذي جرت عادته أن يخلو
فيه وهذا عندي أظهر ويؤخذ منه إعداد الزاد للمختلي إذا كان بحيث يتعذر عليه تحصيله لبعد
مكان اختلائه من البلد مثلا وأن ذلك لا يقدح في التوكل وذلك لوقوعه من النبي صلى الله عليه
وسلم بعد حصول النبوة له بالرؤيا الصالحة وإن كان الوحي في اليقظة فقد تراخى عن ذلك (قوله
وهو في غار حراء) جملة في موضع الحال (قوله فجاءه الملك) هو جبريل كما جزم به السهيلي وكأنه
أخذه من كلام ورقة المذكور في حديث الباب ووقع عند البيهقي في الدلائل فجاءه الملك فيه أي
في غار حراء كذا عزاه شيخنا البلقيني للدلائل فتبعته ثم وجدته بهذا اللفظ في كتاب التعبير فعزوله له
أولى * (تنبيه) * إذا علم أنه كان يجاور في غار حراء في شهر رمضان وأن ابتداء الوحي جاء وهو في
الغار المذكور اقتضى ذلك أنه نبئ في شهر رمضان ويعكر على قول ابن إسحاق أنه بعث على رأس
الأربعين مع قوله إنه في شهر رمضان ولد ويمكن أن يكون المجئ في الغار كان أولا في شهر رمضان
وحينئذ نبي وأنزل عليه اقرأ باسم ربك ثم كان المجئ الثاني في شهر ربيع الأول بالانذار وأنزلت
عليه يا أيها المدثر قم فأنذر فيحمل قول بن إسحاق على رأس الأربعين أي عند المجئ بالرسالة والله
أعلم (قوله اقرأ) يحتمل أن يكون هذا الامر لمجرد التنبيه والتيقظ لما سيلقى إليه ويحتمل أن يكون
على بابه من الطلب فيستدل به على تكليف ما لا يطاق في الحال وان قدر عليه بعد ذلك ويحتمل
أن تكون صيغة الامر محذوفة أي قل اقرأ وإن كان الجواب ما أنا بقارئ فعلى ما فهم من ظاهر
اللفظ وكان السر في حذفها لئلا يتوهم أن لفظ قل من القرآن ويؤخذ منه جواز تأخير البيان
عن وقت الخطاب وأن الامر على الفور لكن يمكن أن يجاب بأن الفور فهم من القرينة (قوله
ما أنا بقارئ) وقع عند ابن إسحاق في مرسل عبيد بن عمير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني
جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب قال اقرأ قلت ما أنا بقارئ قال السهيلي قال بعض المفسرين
إن قوله ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه إشارة إلى الكتاب الذي جاء به جبريل حيث قال له اقرأ (قوله
فغطني) تقدم بيانه في بدء الوحي ووقع في السيرة لابن إسحاق فغتني بالمثناة بدل الطاء وهما بمعنى
والمراد غمني وصرح بذلك بن أبي شيبة في مرسل عبد الله بن شداد وذكر السهيلي أنه روى سأبي
بمهملة ثم همزة مفتوحة ثم موحدة أو مثناة وهما جميعا بمعنى الخنق وأغرب الداودي فقال معنى
فغطني صنع بي شيئا حتى ألقاني إلى الأرض كمن تأخذه الغشية والحكمة في هذا الغط شغله عن
الالتفات لشئ آخر أو لاظهار الشدة والجد في الامر تنبيها على ثقل القول الذي سيلقى إليه فلما
ظهر أنه صبر على ذلك ألقى إليه وهذا وأن كان بالنسبة إلى علم الله حاصل لكن لعل المراد إبرازه
551

للظاهر بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم وقيل ليختبر هل يقول من قبل نفسه شيئا فلما لم يأت بشئ دل
على أنه لا يقدر عليه وقيل أراه أن يعلمه أن القراءة ليست من قدرته ولو أكره عليها وقيل الحكمة
فيه أن التخييل والوهم والوسوسة ليست من صفات الجسم فلما وقع ذلك لجسمه على أنه من أمر
الله وذكر بعض من لقيناه أن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم ينقل عن أحد من
الأنبياء أنه جرى له عند ابتداء الوحي مثل ذلك (قوله فغطني الثالثة) يؤخذ منه أن من يريد
التأكيد في أمر وإيضاح البيان فيه أن يكرره ثلاثا وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كما سيق
في كتاب العلم ولعل الحكمة في تكرير الأقراء الإشارة إلى انحصار الايمان الذي ينشأ الوحي بسببه
في ثلاث القول والعمل والنية وأن الوحي يشتمل على ثلاث التوحيد والاحكام والقصص وفي
تكرير الغط الإشارة إلى الشدائد الثلاث التي وقعت له وهي الحصر في الشعب وخروجه في الهجرة
وما وقع له يوم أحد وفي الارسالات الثلاث إشارة إلى حصول التيسير له عقب الثلاث المذكورة
في الدنيا والبرزخ والآخرة (قوله فقال اقرأ باسم ربك إلى قوله ما لم يعلم) هذا القدر من هذه السورة
هو الذي نزل أولا بخلاف بقية السورة فإنما نزل بعد ذلك بزمان وقد قدمت في تفسير المدثر بيان
الاختلاف في أول ما نزل والحكمة في هذه الأولية أن هذه الآيات الخمس اشتملت على مقاصد
القرآن ففيها براعة الاستهلال وهي جديرة أن تسمى عنوان القرآن لان عنوان الكتاب يجمع
مقاصده بعبارة وجيزة في أوله وهذا بخلاف الفن البديعي المسمى العنوان فإنهم عرفوه بأن يأخذ
المتكلم في من فيؤكده بذكر مثال سابق وبيان كونها اشتملت على مقاصد القرآن أنها تنحصر في
علوم التوحيد والاحكام والاخبار وقد اشتملت على الامر بالقراءة والبداءة فيها ببسم الله وفي
هذه الإشارة إلى الاحكام وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفاته من صفة ذات وصفة
فعل وفي هذا إشارة إلى أصول الدين وفيها ما يتعلق بالاخبار من قوله علم الانسان ما لم يعلم (قوله
باسم ربك) استدل به السهيلي على أن البسملة يؤمر بقراءتها أول كل سورة لكن لا يلزم من ذلك
أن تكون آية من كل سورة كذا قال وقرره الطيبي فقال قوله اقرأ باسم ربك قدم الفعل الذي هو
متعلق الباء لكون الامر بالقراءة أهم وقوله أقرأ أمر بإيجاد القراءة مطلقا وقوله باسم ربك حال
أي اقرأ مفتتحا باسم ربك وأصح تقاديره قل باسم الله ثم اقرأ قال فيؤخذ منه أن البسملة مأمور
بها في ابتداء كل قراءة انتهى لكن لا يلزم من ذلك أن نكون مأمورا بها فلا تدل على أنها آية من
كل سورة وهو كما قال لأنها لو كان للزم أن تكون آية قبل كل آية وليس كذلك وأما ما ذكره القاضي
عياض عن أبي الحسن بن القصار من المالكية أنه قال في هذه القصة رد على الشافعي في قوله إن
البسملة آية من كل سورة قال لان هذا أول سورة أنزلت وليس في أولها البسملة فقد تعقب بأن فيها
الامر بها وأن تأخر نزولها وقال النووي ترتيب آي السور في النزول لم يكن شرطا وقد كانت الآية
تنزل فتوضع في مكان قبل التي نزلت قبلها ثم تنزل الأخرى فتوضع قبلها إلى أن استقر الامر في
آخر عهده صلى الله عليه وسلم على هذا الترتيب ولو صح ما أخرجه الطبري من حديث ابن عباس أن
جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة والبسملة قبل قوله اقرأ لكان أولى في الاحتجاج
لكن في إسناده ضعف وانقطاع وكذا حديث أبي ميسرة أن أول ما أمر به جبريل قال له قل
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين هو مرسل وأن كان رجاله ثقات والمحفوظ أن أول
552

ما نزل اقرا باسم ربك وإن نزول الفاتحة كان بعد ذلك (قوله ترجف بوادره) في رواية الكشميهني
فؤاده وقد تقدم بيان ذلك في بدء الوحي وترجف عندهم بمثناة فوقانية ولعلها في رواية يرجف
فؤاده بالتحتانية (قوله زملوني زملوني) كذا للأكثر مرتين وكذا تقدم في بدء الوحي ووقع لأبي
ذر هنا مرة واحدة والتزميل التلفيف وقال ذلك لشدة ما لحقه من هول الأمور جرت العادة
بسكون الرعدة بالتلفيف ووقع في مرسل عبيد بن عمير أنه صلى الله عليه وسلم خرج فسمع صوتا من
السماء يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر وجعلت
أصرف وجهي في ناحية آفاق السماء فلا أنظر في ناحية منها إلا رايته كذلك وسيأتي في التعبير أن
مثل ذلك وقع له عند فترة الوحي وهو المعتمد فإن إعلامه بالارسال وقع بقوله قم فأنذر (قوله فزملوه
حتى ذهب عنه الروع) بفتح الراء أي الفزع وأما الذي بضم الراء فهو موضع الفزع من القلب
(قوله قال لخديجة أي خديجة مالي لقد خشيت) في رواية الكشميهني قد خشيت (قوله
فأخبرها الخبر) تقدم في بدء الوحي بلفظ فقال لخديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت وقوله وأخبرها
الخبر جملة معترضة بين القول والمقول وقد تقدم في بدء الوحي ما قالوه في متعلق الخشية المذكورة
وقال عياض هذا وقع له أول ما رأى التباشير في النوم ثم في اليقظة وسمع الصوت قبل لقاء الملك
فأما بعد مجئ الملك فلا يجوز عليه الشك ولا يخشى من تسلط الشيطان وتعقبه النووي بأنه
خلاف صريح الشفاه فإنه قال بعد أن غطه الملك وأقرأه اقرأ باسم ربك قال إلا أن يكون أراد
أن قوله خشيت على نفسي وقع منه إخبارا عما حصل له أولا لا أنه حالة اخبارها بذلك جازت
فيتجه والله أعلم (قوله كلا أبشر) بهمزة قطع ويجوز الوصل وأصل البشارة في الخير وفي مرسل
عبيد بن عمير فقالت أبشر يا ابن عم وأثبت فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه
الأمة (قوله لا يخزيك الله) بخاء معجمة وتحتانية ووقع في رواية معمر في التعبير يحزنك بمهملة ونون
ثلاثيا ورباعيا قال اليزيدي أحزنه لغة تميم وحزنه لغة قريش وقد نبه على هذا الضبط مسلم
والخزي الوقوع في بذلة وشهرة يذله ووقع عند ابن إسحاق عن إسماعيل بن أبي حكيم مرسلا أن
خديجة قالت أي بن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاء قال نعم فجاءه جبريل فقال
يا خديجة هذا جبريل قالت قم فاجلس على فخذي اليسرى ثم قالت هل تراه قال نعم قالت فتحول
إلى اليمني كذلك ثم قالت فتحول فاجلس في حجري كذلك ثم ألقت خمارها وتحسرت وهو في حجرها
وقالت هل تراه قال لا قالت أثبت فوالله إنه لملك وما هو بشيطان وفي رواية مرسلة عند البيهقي
في الدلائل أنها ذهبت إلى عداس وكان نصرانيا فذكرت له خبر جبريل فقال هو أمين الله بينه
وبين النبيين ثم ذهبت إلى ورقة (قوله فانطلقت به إلى ورقة) في مرسل عبيد بن عمير أنها أمرت
أبا بكر أن يتوجه معه فيحتمل أن يكون عند توجيهها أو مرة أخرى (قوله ماذا ترى) في رواية
ابن مندة في الصحابة من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس عن ورقة بن نوفل قال قلت يا محمد
أخبرني عن هذا الذي يأتيك قال يأتيني من السماء جناحاه لؤلؤ وباطن قدميه أخضر
(قوله وكان يكتب الكتاب العرب ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله) هكذا وقع هنا وفي
التعبير وقد تقدم القول فيه في بدء الوحي ونبهت عليه هنا لأني نسيت هذه الرواية هناك لمسلم فقط
تبعا للقطب الحلبي قال النووي العبارتان صحيحتان والحاصل أنه تمكن حتى صار يكتب من
553

الإنجيل أي موضع شاء بالعربية وبالعبرانية قال الداودي كتب من الإنجيل الذي هو بالعبرانية
هذا الكتاب الذي هو بالعربي (قوله أسمع من ابن أخيك) أي الذي يقول (قوله أنزل على موسى)
كذا هنا على البناء للمجهول وقد تقدم في بدء الوحي انزل الله ووقع في مرسل أبي ميسرة
أبشر فأنا أشهد إنك الذي بشر به ابن مريم وأنك على مثل ناموس موسى وأنك نبي مرسل وأنك
ستؤمر بالجهاد وهذا أصرح ما جاء في إسلام ورقة أخرجه ابن إسحاق وأخرج الترمذي عن
عائشة أن خديجة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ورقة كان ورقة صدقك ولكنه
مات قبل أن تظهر فقال رأيته في المنام وعليه ثياب بيض ولو كان من أهل النار لكان لباسه غير
ذلك وعند البزار والحاكم عن عائشة مرفوعا لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين وقد
استوعبت ما ورد فيه في ترجمته من كتابي في الصحابة وتقدم بعض خبره في بدء الوحي وتقدم أيضا
ذكر الحكمة في قوله ورقة ناموس موسى ولم يقل عيسى مه أنه كان تنصر وأن ذلك ورد في رواية
الزبير بن بكار بلفظ عيسى ولم يقف بعض من لقيناه على ذلك فبالغ في الانكار على النووي ومن
تبعه بأنه ورد في غير الصحيحين بلفظ ناموس عيسى وذكر القطب الحلبي في وجه المناسبة لذكر
موسى دون عيسى أن النبي صلى الله عليه وسلم لعله ما ذكر لورقة مما نزل عليه من اقرأ ويا أيها
المدثر ويا أيها المزمل فهم ورقة من ذلك أنه كلف بأنواع من التكاليف فناسب ذكر موسى لذلك
لان الذي أنزل على عيسى إنما كان مواعظ كذا قال وهو متعقب فإن نزول يا أيها المدثر ويا أيها
المزمل إنما نزل بعد فترة الوحي كما تقدم بيانه في تفسير المدثر والاجتماع بورقة كان في أول البعثة
وزعم أن الإنجيل كله مواعظ متعقب أيضا فإنه منزل أيضا على الأحكام الشرعية وإن كان
معظمها موافقا لما في التوراة لكنه نسخ منها أشياء بدليل قوله تعالى ولاحل لكم بعض الذي
حرم عليكم (قوله فيها) أي أيام الدعوة فاله السهيلي وقال المازري الضمير للنبوة ويحتمل أن
يعود للقصة المذكورة (قوله ليتني أكون حيا ذكر حرفا) كذا في هذه الرواية وتقدم في بدء الوحي
بلفظ إذ يخرجك قومك ويأتي في رواية معمر في التعبير بلفظ حين يخرجك وأبهم موضع
الاخراج والمراد به مكة وقد وقع في حديث عبد الله بن عدي في السنن ولولا أني أخرجوني منك
ما خرجت يخاطب مكة (قوله يومك) أي وقت الاخراج أو وقت إظهار الدعوة أو وقت الجهاد
وتمسك بن القيم الحنبلي بقوله في الرواية التي في بدء الوحي ثم لم ينشب ورقة أن توفي يرد ما وقع في
السيرة النبوية لابن إسحاق أن ورقة كان يمر ببلال والمشركون يعذبونه وهو يقول أحد أحد
فيقول أحد والله يا بلال لئن قتلوك لاتخذت قبرك حنانا هذا والله أعلم وهم لان ورقة قال وإن
أدركني يومك حيا لأنصرنك نصرا مؤزرا فلو كان حيا عند ابتداء الدعوة لكان أول من استجاب
وقام بنصر النبي صلى الله عليه وسلم كقيام عمر وحمزة (قلت) وهذا اعتراض ساقط فإن ورقة إنما
أراد بقوله فإن يدركني يومك حيا أنصرك اليوم الذي يخرجونك فيه لأنه قال ذلك عنه عند قوله أو
مخرجي هم وتعذيب بلال كان بعد انتشار الدعوة وبين ذلك وبين إخراج المسلمين من مكة للحبشة
ثم للمدينة مدة متطاولة * (تنبيه) * زاد معمر بعد هذا كلاما يأتي ذكره في كتاب التعبير (قوله قال
محمد بن شهاب) هو موصول بالاسنادين المذكورين في أول الباب وقد أخرج البخاري حديث
جابر هذا بالسند الأول من السندين المذكورين هنا في تفسير سورة المدثر (قوله فأخبرني) هو
554

عطف على شئ والتقدير قال ابن شهاب فأخبرني عروة بما تقدم وأخبرني أبو سلمة بما سيأتي (قوله
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه بينما أنا أمشي)
هذا يشعر بأنه كان في أصل الرواية أشياء غير هذا المذكور وهذا أيضا من مرسل الصحابي لان
جابرا لم يدركه زمان القصة فيحتمل أن يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي آخر
حضرها والله أعلم (قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي) وقع في
رواية عقيل في بدء الوحي غير مصرح بذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه ووقع في رواية يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة في تفسير المدثر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جاورت بحراء فلما قضيت
جواري هبطت فنوديت وزاد مسلم في روايته جاورت بحراء شهرا (قوله سمعت صوتا من السماء
فرفعت بصري) يؤخذ منه جواز رفع البصر إلى السماء عند وجود حادث من قبلها وقد ترجم له
المصنف في الأدب ويستثنى من ذلك رفع البصر إلى السماء في الصلاة لثبوت النهي عنه كما تقدم
في الصلاة من حديث أنس وروى ابن السني بإسناد ضعيف عن ابن مسعود قال أمرنا أن لا نتبع
أبصارنا الكواكب إذا انقضت ووقع في رواية يحيى بن أبي كثير فنظرت عن يميني فلم أر شيئا
ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ونظرت أمامي فلم أر شيئا ونظرت خلفي فلم أر شيئا فرفعت رأسي وفي
رواية مسلم بعد قوله شيئا ثم نوديت فنظرت فلم أر أحدا ثم نوديت فرفعت رأسي (قوله فإذا الملك
الذي جاءني بحراء جالس على كرسي) كذا له بالرفع وهو على تقدير حذف المبتدأ أي فإذا أر صاحب
الصوت هو الملك الذي جاءني بحراء وهو جالس ووقع عند مسلم جالسا بالنصب وهو على الحال
ووقع في رواية يحيى بن أبي كثير فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض (قوله ففزعت
منه) كذا في رواية ابن المبارك عن يونس وفي رواية ابن وهب عند مسلم فجثثت وفي رواية عقيل
في بدء الوحي فرعبت وفي روايته في تفسير المدثر فجثثت وكذا لمسلم وزاد فجثثت منه فرقا وفي رواية
معمر فيه فجثثت وهذه اللفظة بضم الجيم وذكر عياض أنه وقع للقابسي بالمهملة قال وفسره
بأسرعت قال ولا يصح مع قوله حتى هويت أي سقطت من الفزع (قلت) ثبت في رواية عبد الله
ابن يوسف عن الليث في ذكر الملائكة من بدء الخلق ولكنها بضم المهملة وكسر المثلثة بعدها
مثناة تحتانية ساكنة ثم مثناة فوقانية ومعناها إن كانت محفوظة سقطت على وجهي حتى صرت
كمن حثي عليه التراب قال النووي وبعد الجيم مثلثتان في رواية عقيل ومعمر وفي رواية يونس
بهمزة مكسورة ثم مثلثة وهي أرجح من حيث المعنى قال أهل اللغة جئت الرجل فهو مجثوث إذا
فزع وعن الكسائي جئث وجثث فهو مجئوث ومجثوث أي مذعور (قوله فقلت زملوني زملوني)
في رواية يحيى بن أبي كثير فقلت دثروني وصبوا علي ماء باردا وكأنه رواها بالمعنى والتزميل والتدثير
يشتركان في الأصل وأن كانت بينهما مغايرة في الهيئة ووقع في رواية مسلم فقلت دثروني فدثروني
وصبوا علي ماء ويجمع بينهما بأنه أمرهم فامتثلوا وأغفل بعض الرواة ذكر الامر بالصب
والاعتبار بمن ضبط وكأن الحكمة في الصب بعد التدثر طلب حصول السكون لما وقع في الباطن
من الانزعاج أو أن العادة أن الرعدة تعقبها الحمى وقد عرف من الطب النبوي معالجتها بالماء
البارد (قوله فنزلت يا أيها المدثر) يعرف من اتحاد الحديثين في نزول يا أيها المدثر عقب قوله
دثروني وزملوني أن المراد بزملوني دثروني ولا يؤخذ من ذلك نزول يا أيها المزمل حينئذ لان
555

نزولها تأخر عن نزول يا أيها المدثر بالاتفاق لان أول يا أيها المدثر الامر بالانذار وذلك
أول ما بعث وأول المزمل الامر بقيام الليل وترتيل القرآن فيقتضي تقدم نزول كثير من القرآن قبل ذلك
وقد تقدم في تفسير المدثر أنه نزل من أولها إلى قوله والرجز فاهجر وفيها محصل ما يتعلق بالرسالة ففي
الآية الأولى المؤانسة بالحالة التي هو عليها من التدثر إعلاما بعظيم قدره وفي الثانية الامر بالانذار
قائما وحذف المفعول تفخيما والمراد القيام إما حقيقته أي قم من مضجعك أو مجازه أي قم مقام
تصميم وأما الانذار فالحكمة في الاقتصار عليه هنا فإنه أيضا بعث مبشرا لان ذلك كان أول
الاسلام فمتعلق الانذار محقق فلما أطاع من أطاع نزلت إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وفي
الثالثة تكبير الرب تمجيدا وتعظيما ويحتمل الحمل على تكبير الصلاة كما حمل الامر بالتطهير على
طهارة البدن والثياب كما تقدم البحث فيه وفي الآية الرابعة وأما الخامسة فهجران ما ينافي
التوحيد وما يئول إلى العذاب وحصلت المناسبة بين السورتين المبتدأ بهما النزول فيما اشتملتا
عليه من المعاني الكثيرة باللفظ الوجيز وفي عدة ما نزل من كل منهما ابتداء والله أعلم (قوله قال
أبو سلمة وهي الأوثان التي كان أهل الجاهلية يعبدون) تقدم شرح ذلك في تفسير المدثر وتقدم
الكثير من شرح حديث عائشة وجابر في بدء الوحي وبقيت منهما فوائد أخرتها إلى كتاب التعبير
ليأخذ كل موضع ساقهما المصنف فيه مطولا بقسط من الفائدة (قوله ثم تتابع الوحي) أي استمر
نزوله * (قوله باب قوله خلق الانسان من علق) ذكر فيه طرفا من الحديث الذي قبله
برواية عقيل عن ابن شهاب واختصره جدا قال أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الوحي الرؤيا الصالحة وفي رواية الكشميهني الصادقة قال فجاءه الملك فقال اقرأ باسم ربك الذي
خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الأكرم وهذا في غاية الاجحاف ولا أظن يحيى بن بكير
حدث البخاري به هكذا ولا كان له هذا التصرف وإنما هذا صنيع البخاري وهو دال على أنه كان
يجيز الاختصار من الحديث إلى هذه الغاية * (قوله باب قوله اقرأ وربك الأكرم حدثنا
عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري ح وقال الليث حدثني عقيل قال
قال محمد أخبرني عروة) أما رواية معمر فستأتي بتمامها في أول التعبير وأما رواية الليث فوصلها
المصنف في بدء الوحي ثم في الذي قبله ثم في التعبير أخرجه في المواضع الثلاثة عن يحيى بن
بكير عن الليث فأما في بدء الوحي فأفرده وأما في الذي قبله فاختصره جدا وساقه قبله بتمامه
لكن قرنه برواية يونس وساقه على لفظ يونس وأما التعبير فقرنه برواية معمر وساقه على لفظ
معمر أيضا ولكن لم يقع في شئ من المواضع المذكورة حدثني عقيل قال قال محمد وإنما في بدء
الوحي عن عقيل عن ابن شهاب وكذا في بقية المواضع وكذا ذكره عن عبد الله بن يوسف عن الليث
في الباب الذي بعد هذا وذكره في بدء الخلق عنه عن الليث بلفظ حدثني عقيل عن ابن شهاب
ورواه أبو صالح عبد الله بن صالح عن الليث حدثني عقيل قال قال محمد بن شهاب فساقه بتمامه
وقد ذكر المصنف متابعة أبي صالح في بدء الوحي وبينت هناك من وصلها ولله الحمد * (قوله
باب الذي علم بالقلم) كذا لأبي ذر وسقطت الترجمة لغيره وأورد طرفا من حديث بدء
الوحي عن عبد الله بن يوسف عن الليث مقتصرا منه على قوله فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى
خديجة فقال زملوني زملوني فذكر الحديث كذا فيه وقد ذكر من الحديث في ذكر الملائكة من
556

بدء الخلق حديث جابر مقتصرا عليه * (قوله باب كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية
ناصية كاذبة خاطئة) سقط لغير أبي ذر باب ومن ناصية إلى آخره (قوله عن عبد الكريم الجزري)
هو ابن مالك وهو ثقة وفي طبقته عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف (قوله قال أبو جهل)
هذا مما أرسله ابن عباس لأنه لم يدرك زمن قول أبي جهل ذلك لان مولده قبل الهجرة بنحو ثلاث
سنين وقد أخرج ابن مردويه بإسناد ضعيف عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن العباس
ابن عبد المطلب قال كنت يوما في المسجد فأقبل أبو جهل فقال إن لله على إن رأيت محمدا ساجدا
فذكر الحديث (قوله لو فعله لاخذته الملائكة) وقع عند البلاذري نزل اثنا عشر ملكا من
الزبانية رؤسهم في السماء وأرجلهم في الأرض وزاد الإسماعيلي في آخره من طريق معمر عن عبد
الكريم الجزري قال ابن عباس لو تمنى اليهود الموت لماتوا ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى
الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا وأخرج النسائي من طريق أبي حازم عن أبي
هريرة نحو حديث ابن عباس وزاد في آخره فلم يفجأهم منه إلا وهو أي أبو جهل ينكص على
عقبيه ويتقي بيده فقيل له فقال أن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة فقال النبي صلى
الله عليه وسلم لو دنا لاختطفته الملائكة عضوا عضوا وإنما شدد الامر في حق أبي جهل ولم يقع
مثل ذلك لعقبة بن أبي معيط حيث طرح سلى الجزور على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو يصلي كما
تقدم شرحه في الطهارة لأنهما وأن اشتركا في مطلق الأذية حالة صلاته لكن زاد أبو جهل بالتهديد
وبدعوى أهل طاعته وبإرادة وطئ العنق الشريف وفي ذلك من المبالغة ما اقتضى تعجيل
العقوبة لو فعل ذلك ولان سلى الجزور لم يتحقق نجاستها وقد عوقب عقبة بدعائه صلى الله عليه
وسلم عليه وعلى من شاركه في فعله فقتلوا يوم بدر (قوله تابعه عمرو بن خالد عن عبيد الله عن عبد
الكريم) أما عمرو بن خالد فهو من شيوخ البخاري وهو الحرابي ثقة مشهور وأما عبيد الله
فهو ابن عمرو الرقي وعبد الكريم هو الجزري المذكور وهذه المتابعة وصلها علي بن
عبد العزيز البغوي في منتخب المسند له عن عمرو بن خالد بهذا وقد أخرجه بن مردويه من طريق
زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو بالسند المذكور ولفظه بعد قوله لو فعل لاخذته الملائكة
عيانا ولو أن اليهود إلى آخر الزيادة التي ذكرتها من عند الإسماعيلي وزاد بعد قوله لماتوا ورأوا
مقاعدهم من النار
* (قوله سورة انا أنزلناه) *
في رواية غير أبي ذر سورة القدر (قوله يقال المطلع هو الطلوع والمطلع الموضع الذي يطلع منه)
قال الفراء المطلع بفتح اللام وبكسرها قرأ يحيى بن وثاب والأول أولى لان المطلع بالفتح هو الطلوع
وبالكسر الموضع والمراد هنا الأول انتهى وقرأ بالكسر أيضا الكسائي والأعمش وخلف وقال
الجوهري طلعت الشمس مطلعا ومطلعا أي بالوجهين (قوله أنزلناه الهاء كناية عن القرآن)
أي الضمير راجع إلى القرآن وأن لم يتقدم له ذكر (قوله إنا أنزلناه خرج مخرج الجميع والمنزل
هو الله تعالى والعرب تؤكد فعل الرجل الواحد فتجعله بلفظ الجميع ليكون أثبت وأوكد) هو قول
أبي عبيدة ووقع في رواية أبي نعيم في المستخرج نسبته إليه قال قال معمر وهو اسم أبي
عبيدة كما تقدم غير مرة وقوله ليكون أثبت وأوكد قال ابن التين النجاة يقولون بأنه للتعظيم
557

يقوله المعظم عن نفسه ويقال عنه انتهى وهذا هو المشهور أن هذا جمع التعظيم * (تنبيه) *
لم يذكر في سورة القدر حديثا مرفوعا ويدخل فيها حديث من قام ليلة القدر وقد تقدم في أواخر
الصيام
* (قوله سورة لم يكن) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
سقطت البسملة لغير أبي ذر ويقال لها أيضا سورة القيمة وسورة البينة (قوله منفكين زائلين)
هو قول أبي عبيدة (قوله قيمة القائمة دين القيمة أضاف الدين إلى المؤنث) هو قول أبي عبيدة
بلفظه وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان قال القيمة الحساب المبين (قوله إن الله
أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا) كذا في رواية شعبة وبين في رواية همام أن تسمية
السورة لم يحمله قتادة عن أنس فإنه قال في آخر الحديث قال قتادة فأنبئت أنه قرأ عليه لم يكن الذين
كفروا من أهل الكتاب وسقط بيان ذلك من رواية سعيد بن أبي عروبة هذا ما في هذه الطرق
الثلاثة التي أخرجها البخاري وقد أخرجه الحاكم وأحمد والترمذي من طريق زر بن جحيش عن
أبي بن كعب نفسه مطولا ولفظه أن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن قال نقرأ عليه لم يكن الذين
كفروا والجمع بين الروايتين حمل المطلق على المقيد لقراءته لم يكن دون غيرها فقيل الحكمة في
تخصيصها بالذكر لان فيها يتلو صحفا مطهرة وفي تخصيص أبي بن كعب التنويه به في أنه أقرأ
الصحابة فإذا قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم من عظيم منزلته كان غيره بطريق التبع له وقد
تقدم في المناقب مزيد كلام في ذلك (قوله حدثني أحمد بن أبي داود أبو جعفر المنادي) كذا وقع
عند الفربري عن البخاري والذي وقع عند النسفي حدثني أبو جعفر المنادى حسب فكأن
تسميته من قبل الفربري فعلى هذا لم يصب من وهم البخاري فيه وكذا من قال إنه كان يرى أن
محمدا وأحمد شئ واحد وقد ذكر ذلك الخطيب عن اللالكائي احتمالا قال واشتبه على البخاري قال
وقيل كان لأبي جعفر أخ اسمه أحمد قال وهو باطل والمشهور أن اسم أبي جعفر هذا محمد وهو ابن
عبيد الله بن يزيد وأبو داود كنية أبيه وليس لأبي جعفر في البخاري سوى هذا الحديث
وقد عاش بعد البخاري ستة عشر عاما ولكنه عمر وعاش مائة سنة وسنة وأشهرا وقد سمع منه
هذا الحديث بعينه من لم يدرك البخاري وهو أبو عمرو بن السماك فشارك البخاري في روايته
عن ابن المنادي هذا الحديث وبينهما في الوفاة ثمان وثمانون سنة وهو من لطيف ما وقع من
نوع السابق واللاحق (قوله أن أقرئك) أي أعلمك بقراءتي عليك كيف تقرأ حتى لا تتخالف
الروايتان وقيل الحكمة فيه لتحقق قوله تعالى فيها رسول من الله يتلو صحفا مطهرة (قوله
فذرفت) بفتح الراء وقبلها الدال معجمة أي تساقطت بالدموع وقد تقدم شرح الحديث في مناقب
أبي بن كعب
* (قوله سورة إذا زلزلت) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
* (قوله باب فمن يعمل مثقال ذرة الخ) سقط باب لغير أبي ذر (قوله أوحى لها
558

يقال أوحى لها وأوحى إليها ووحى لها ووحى إليها واحد) قال أبو عبيدة في قوله بأن ربك أوحى لها قال العجاج
أوحى لها القرار فاستقر ت وقيل اللام بمعنى من أجل والموحى إليه محذوف أي أوحى إلى
الملائكة من أجل الأرض والأول أصوب وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن
عباس قال أوحى لها أوحى إليها ثم ذكر فيه حديث أبي هريرة الخيل لثلاثة وفي آخره فسئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر الحديث ثم ساقه من وجه آخر عن مالك بسنده المذكور مقتصر
على القصة الآخرة وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الجهاد
* (قوله والعاديات والقارعة) *
كذا لأبي ذر ولغيره العاديات حسب والمراد بالعاديات الخيل وقيل الإبل (قوله وقال مجاهد
الكنود الكفور) وصله الفريابي عن مجاهد بهذا وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مثله
ويقال إنه بلسان قريش الكفور وبلسان كنانة البخيل وبلسان كندة العاصي وروى الطبراني
من حديث أبي أمامة رفعه الكنود الذي يأكل وحده ويمنع رفده ويضرب عبدة (قوله يقال
فأثرن به نقعا رفعن به غبارا) هو قول أبي عبيدة والمعنى أن الخيل التي أغارت صباحا أثرن به غبارا
والضمير في به للصبح أي أثرن به وقت الصبح وقيل للمكان وهو وإن لم يجر له ذكر لكن دلت عليه
الإثارة وقيل الضمير للعدو الذي دلت عليه العاديات وعند البزار والحاكم من حديث ابن
عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا فلبثت شهرا لا يأتيه خبرها فنزلت والعاديات
ضبحا ضبحت بأرجلها فالموريات قدحا قدحت الحجارة فأورت بحوافرها فالمغيرات صبحا صبحت
القوم بغارة فأثرن به نقعا التراب فوسطن به جمعا صبحت القوم جميعا وفي إسناده ضعف وهو مخالف
لما روى ابن مردويه بإسناد أحسن منه عن ابن عباس قال سألني رجل عن العاديات فقلت الخيل
قال فذهب إلى علي فسأله فأخبره بما قلت فدعاني فقال لي إنما العاديات الإبل من عرفة إلى
مزدلفة الحديث وعند سعيد بن منصور من طريق حارثة بن مضرب قال كان علي يقول هي
الإبل وابن عباس يقول هي الخيل ومن طريق عكرمة عنهما نحوه بلفظ الإبل في الحج والخيل في
الجهاد وبإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود قال هي الإبل وبإسناد صحيح عن ابن عباس ما ضبحت
دابة قط إلا كلب أو فرس (قوله لحب الخير من أجل حب الخير لشديد) هو قول أبي عبيدة
أيضا فسر اللام بمعنى من أجل أي لأنه لأجل حب المال لبخيل وقيل إنها للتعدية والمعنى إنه
لقوى مطيق لحب الخير (قوله حصل ميز) قال أبو عبيدة في قوله حصل ما في الصدور أي ميز
وقيل جمع وأخرج ابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله حصل
أي أخرج
* (قوله سورة القارعة) *
كذا لغير أبي ذر واكتفى بذكرها مع التي قبلها (قوله كالفراش المبثوث كغوغاء الجراد يركب
559

بعضه بعضا كذلك الناس يجول بعضهم في بعض) هو كلام الفراء قال في قوله كالفراش يريد
كغوغاء الجراد إلى آخره وقال أبو عبيدة الفراش طير لا ذباب ولا بعوض والمبثوث المتفرق وحمل
الفراش على حقيقته أولى والعرب تشبه بالفراش كثيرا كقول جرير
الفرزدق ما علمت وقومه * مثل الفراش غشين نار المصطلى
وصفهم بالحرص والتهافت وفي تشبيه الناس يوم البعث بالفراش مناسبات كثيرة بليغة كالطيش
والانتشار والكثرة والضعف والذلة والمجئ بغير رجوع والقصد إلى الداعي والاسراع وركوب
بعضهم بعضا والتطاير إلى النار (قوله كالعهن كألوان العهن) سقط هذا لأبي ذر وهو قول الفراء
قال كالعهن لان ألوانها مختلفة كالعهن وهو الصوف وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة
قال كالعهن كالصوف (قوله وقرأ عبد الله كالصوف) سقط هذا لأبي ذر وهو بقية كلام الفراء
قال في قراءة عبد الله يعني ابن مسعود كالصوف المنفوش
* (قوله سورة ألهاكم) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر ويقال لها سورة التكاثر وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي هلال
قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمونها المقبرة (قوله وقال ابن عباس
التكاثر من الأموال والأولاد) وصله ابن المنذر من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس
* (تنبيه) * لم يذكر في هذه السورة حديثا مرفوعا وسيأتي في الرقاق من حديث أبي بن كعب
ما يدخل فيها
* (قوله سورة والعصر) *
العصر اليوم والليلة قال الشاعر
ولن يلبث العصران يوما وليلة * إذا طلبا أن يدركا ما تيمم
قال عبد الرزاق عن معمر قال الحسن العصر العشي وقال قتادة ساعة من ساعات النهار
(قوله وقال يحيى العصر الدهر أقسم به) سقط يحيى لأبي ذر وهو يحيى بن زياد الفراء فهذا
كلامه في معاني القرآن (قوله وقال مجاهد خسر ضلال ثم استثنى فقال إلا من آمن) ثبت
هذا هنا للنسفي وحده ولم أره في شئ من التفاسير المسندة إلا هكذا عن مجاهد إن الانسان لفي
خسر قال إلا من آمن * (تنبيه) * لم أر في تفسير هذه السورة حديثا مرفوعا صحيحا لكن ذكر
بعض المفسرين فيها حديث ابن عمر من فاته صلاة العصر وقد تقدم في صفة الصلاة
مشروحا
* (قوله سورة ويل لكل همزة) *
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
كذا لأبي ذر ويقال لها أيضا سورة الهمزة والمراد الكثير الهمز وكذا اللمزة الكثير اللمز
وأخرج سعيد بن منصور من حديث ابن عباس أنه سئل عن الهمزة قال المشاء بالنميمة المفرق
بين الاخوان (قوله الحطمة اسم النار مثل سقر ولظى) هو قول الفراء قال في قوله لينبذن أي
560

الرجل وما له في الحطمة اسم من أسماء النار كقوله جهنم وسقر ولظى وقال أبو عبيدة يقال
للرجل الأكول حطمة أي الكثير الحطم
* (قوله سورة ألم تر) *
كذا لهم ويقال لها أيضا سورة الفيل (قوله ألم تر ألم تعلم) كذا لغير أبي ذر وللمستملي ألم تر قال
مجاهد ألم تر ألم تعلم والصواب الأول فإنه ليس من تفسير مجاهد وقال الفراء ألم تخبر عن الحبشة
والفيل وإنما قال ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يدرك قصة أصحاب الفيل لأنه ولد في تلك السنة
(قوله أبابيل متتابعة مجتمعة) وصله الفريابي عن مجاهد في قوله أبابيل قال شتى متتابعة وقال
الفراء لا واحد لها وقيل وأحدها أبالة بالتخفيف وقيل بالتشديد أبول كعجول وعجاجيل
(قوله وقال ابن عباس من سجيل هي سنك وكل) وصله الطبري السدي عن عكرمة
عن ابن عباس قال سنك وكل طين وحجارة وقد تقدم في تفسير سورة هود ووصله ابن أبي حاتم من
وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس ورواه جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم عن عكرمة وروى
الطبري من طريق عبد الرحمن بن سابط قال هي بالأعجمية سنك وكل ومن طريق حصين عن
عكرمة قال كانت ترميهم بحجارة معها نار قال فإذا أصابت أحدهم خرج به الجدري وكان أول يوم
رؤى فيه الجدري
* (قوله سورة لايلاف) *
قيل اللام متعلقة بالقصة التي في السورة التي قبلها ويؤيده أنهما في مصحف أبي بن كعب سورة
واحدة وقيل متعلقة بشئ مقدر أي أعجب لنعمتي على قريش (قوله وقال مجاهد لايلاف ألفوا
ذلك فلا يشق عليهم في الشتاء والصيف وآمنهم من خوف قال من كل عدو في حرمهم) وأخرج
ابن مردويه من أوله إلى قوله والصيف من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عباس (قوله وقال ابن
عيينة لايلاف لنعمتي على قريش) هو كذلك في تفسير ابن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن عنه
ولابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله * (تنبيهان) * الأول قرأ الجمهور
لايلاف بإثبات الياء إلا ابن عامر فحذفها واتفقوا على إثباتها في قوله إيلافهم إلا في رواية عن ابن
عامر فكالأول وفي أخرى عن ابن كثير بحذف الأولى التي بعد اللام أيضا وقال الخليل بن أحمد
دخلت الفاء في قوله فليعبدوا لما في السياق من معنى الشرط أي فإن لم يعبدوا رب هذا البيت
لنعمته السالفة فليعبدوه للائتلاف المذكور الثاني لم يذكر في هذه السورة ولا التي قبلها (1) حديثا
مرفوعا فأما سورة الهمزة ففي صحيح ابن حبان من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ
يحسب أن ماله أخلده يعني بفتح السين وأما سورة الفيل ففيها من حديث المسور الطويل في
صلح الحديبية (قوله حبسها حابس الفيل) قد تقدم شرحه مستوفى في الشروط وفيها حديث ابن
عباس مرفوعا إن الله حبس عن مكة الفيل الحديث وأما هذه السورة فلم أر فيها حديثا مرفوعا
صحيحا
* (قوله سورة أرأيت) *
كذا لهم ويقال لها أيضا سورة الماعون قال الفراء قرأ ابن مسعود أرأيتك الذي يكذب قال
561

والكاف صلة والمعنى في إثباتها وحذفها لا يختلف كذا قال لكن التي بإثبات الكاف قد تكون
بمعنى أخبرني والتي بحذفها الظاهر أنها من رؤية البصر (قوله وقال مجاهد يدع يدفع عن حقه
يقال هو من دععت يدعون يدفعون) قال أبو عبيدة في قوله تعالى يوم يدعون أي يدفعون يقال
دععت في قفاه أي دفعت وفي رواية أخرى يدع اليتيم قال وقال بعضهم يدع اليتيم مخففة
(قلت) وهي قراءة الحسن وأبي رجاء ونقل عن علي أيضا وأخرج الطبري من طريق مجاهد قال
يدع يدفع اليتيم عن حقه وفي قوله يوم يدعون إلى نار جهنم دعا قال يدفعون (قوله ساهون
لاهون) وصله الطبري أيضا من طريق مجاهد في قوله الذين هم عن صلاتهم ساهون قال لاهون
وقال الفراء كذلك فسرها ابن عباس وهي قراءة عبد الله بن مسعود وجاء ذلك في حديث أخرجه
عبد الرزاق وابن مردويه من رواية مصعب بن سعد عن أبيه أنه سأله عن هذه الآية قال أوليس
كنا نفعل ذلك الساهي هو الذي يصليها لغير وقتها (قوله والماعون المعروف كله وقال بعض
العرب الماعون الماء وقال عكرمة أعلاها الزكاة المفروضة وأدناها عارية المتاع) أما القول الأول
فقال الفراء قال بعضهم أن الماعون المعروف كله حتى ذكر القصعة والدلو والفأس ولعله أراد ابن
مسعود فإن الطبري أخرج من طريق سلمة بن كهيل عن أبي المغيرة سأل رجل ابن عمر عن الماعون
قال المال الذي لا يؤدي حقه قال قلت أن ابن مسعود يقول هو المتاع الذي يتعاطاه الناس
بينهم قال هو ما أقول لك وأخرجه الحاكم أيضا وزاد في رواية أخرى عن ابن مسعود هو الدلو
والقدر والفأس وكذا أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن مسعود بلفظ كنا نعد الماعون على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر وإسناده صحيح إلى ابن مسعود وأخرجه
البزار والطبراني من حديث ابن مسعود مرفوعا صريحا وأخرج الطبراني من حديث أم
عطية قالت ما يتعاطاه الناس بينهم وأما القول الثاني فقال الفراء سمعت بعض العرب يقول
الماعون هو الماء وأنشد * يصب صبيرة الماعون صبا * (قلت) وهذا يمكن تأويله وصبيرة
جبل باليمن معروف وهو بفتح المهملة وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة وآخره راء وأما قول
عكرمة فوصله سعيد بن منصور بإسناد إليه باللفظ المذكور وأخرج الطبري والحاكم من طريق
مجاهد عن علي مثله * (تنبيه) * لم يذكر المصنف في تفسير هذه السورة حديثا مرفوعا ويدخل فيه
حديث ابن مسعود المذكور قبل
* (قوله سورة إنا أعطيناك الكوثر) *
هي سورة الكوثر وقد قرأ بن محيص أنا أنطيا الكوثر بالنون وكذا قرأها طلحة بن مصرف
والكوثر فوعل من الكثرة سمي بها النهر لكثرة مائة وأنيته وعظم قدره وخيره (قوله شانئك
عدوك) في رواية المستملي وقال ابن عباس وقد وصله ابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس كذلك واختلف الباقون في تعيين الشانئ المذكور فقيل هو العاصي بن وائل وقيل
أبو جهل وقيل عقبة بن أبي معيط ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث * الأول حديث أنس وقد
تقدم شرحه في أوائل المبعث في قصة الاسراء في أواخرها ويأتي بأوضح من ذلك في أواخر كتاب
الرقاق وقوله لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ
مجوف فقلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر هكذا اقتصر على بعضه وساقه البيهقي من طريق
562

إبراهيم بن الحسن عن آدم شيخ البخاري فيه فزاد بعد قوله الكوثر والذي أعطاك ربك فأهوى
الملك بيده فاستخرج من طينه مسكا أذفر وأورده البخاري بهذه الزيادة في الرقاق من طريق همام
عن أبي هريرة * الثاني حديث عائشة وأبو عبيدة راوية عنها هو ابن عبد الله بن مسعود (قوله عن
عائشة قال سألتها) في رواية النسائي قلت لعائشة (قوله عن قوله تعالى إنا أعطيناك الكوثر) في
رواية النسائي ماء الكوثر (قوله هو نهر أعطيه نبيكم) زاد النسائي في بطنان الجنة قلت ما بطنان
الجنة قالت وسطها انتهى وبطنان بضم الموحدة وسكون المهملة بعدها نون ووسط بفتح المهملة
والمراد به أعلاها أي أرفعها قدرا أو المراد أعدلها (قوله شاطئاه) أي حافتاه (قوله در مجوف)
أي القباب التي على جوانبه (قوله رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف عن أبي إسحاق) أما زكريا
فهو ابن أبي زائدة وروايته عند علي بن المديني عن يحيى بن زكريا عن أبيه ولفظه قريب من لفظ
أبي الأحوص وأما رواية أبي الأحوص وهو سلام بن سليم فوصلها أبو بكر بن أبي شيبة عنه ولفظه
الكوثر نهر بفناء الجنة شاطئاه در مجوف وفيه من الأباريق عدد النجوم وأما رواية مطرف
وهو ابن طريف بالطاء المهملة فوصلها النسائي من طريقه وقد بينت ما فيها من زيادة * الحديث
الثالث حديث ابن عباس من رواية أبي بشر عن سعيد بن جبير عنه أنه قال في الكوثر هو الخير
الكثير الذي أعطاه الله إياه قال قلت لسعيد بن جبير عنه أنه قال في الكوثر فإن ناسا يزعمون أنه
نهر في الجنة فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه هذا تأويل من
سعيد بن جبير جمع به بين حديثي عائشة وابن عباس وكأن الناس الذين عناهم أبو بشر أبو إسحاق
وقتادة ونحوهما ممن روى ذلك صريحا أن الكوثر هو النهر وقد أخرج الترمذي من طريق ابن
عمر رفعه الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت الحديث قال إنه حسن
صحيح وفي صحيح مسلم من طريق المختار بن فلفل عن أنس بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم
إذ غفا إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول الله قال نزلت علي سورة نقرأ بسم الله
الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر إلى آخرها ثم قال أتدرون ما الكوثر قلنا الله ورسوله أعلم
قال فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة الحديث وحاصل
ما قاله سعيد بن جبير أن قول ابن عباس إنه الخير الكثير لا يخالف قول غيره إن المراد به نهر في
الجنة لان النهر فرد من أفراد الخير الكثير ولعل سعيدا أومأ إلى أن تأويل ابن عباس أولى لعمومه
لكن ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلا معدل عنه وقد نقل المفسرون
في الكوثر أقوالا أخرى غير هذين تزيد على العشرة منها قول عكرمة الكوثر النبوة وقول
الحسن الكوثر القرآن وقيل تفسيره وقيل الاسلام وقيل إنه التوحيد وقيل كثرة الاتباع وقيل
الايثار وقيل رفعة الذكر وقيل نور القلب وقيل الشفاعة وقيل المعجزات وقيل إجابة الدعاء وقيل
الفقه في الدين وقيل الصلوات الخمس وسيأتي مزيد بسط في أمر الكوثر وهو الحوض النبوي
هو أو غيره في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى
* (قوله سورة قل يا أيها الكافرون) *
وهي سورة الكافرين ويقال لها أيضا المقشقشة أي المبرئة من النفاق (قوله يقال لكم دينكم
الكفر ولي دين الاسلام ولم يقل ديني لان الآيات بالنون فحذفت الياء كما قال يهدين ويشفين)
563

هو كلام الفراء بلفظه (قوله وقال غيره لا أعبد ما تعبدون الخ) سقط وقال غيره لأبي ذر
والصواب إثباته لأنه ليس من بقية كلام الفراء بل هو كلام أبي عبيدة قال في قوله تعالى لا أعبد
ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد كأنهم دعوه إلى أن يعبد آلهتم ويعبدون إلهه فقال لا أعبد
ما تعبدون في الجاهلية ولا أنتم عابدون ما أعبد في الجاهلية والاسلام ولا أنا عابد ما عبدتم الآن
أي لا أعبد الآن ما تعبدون ولا أجيبكم فيما بقي أن أعبد ما تعبدون وتعبدون ما أعبد انتهى
وقد أخرج ابن أبي حاتم من حديث ابن عباس قال قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم كف
عن آلهتنا فلا تذكرها بسوء فإن لم تفعل فاعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة فنزلت وفي إسناده
أبو خلف عبد الله بن عيسى وهو ضعيف * (تنبيه) * لم يورد في هذه السورة حديثا مرفوعا
ويدخل فيها حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الطواف قل يا أيها الكافرون
وقل هو الله أحد أخرجه مسلم وقد ألزمه الإسماعيلي بذلك حيث قال في تفسير والتين والزيتون
لما أورد البخاري حديث البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بها في العشاء قال الإسماعيلي
ليس لا يراد هذا معنى هنا وإلا للزمه أن يورد كل حديث وردت فيه قراءته لسورة مسماة في
تفسير تلك السورة
* (قوله سورة إذا جاء نصر الله) وهي سورة النصر *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
سقطت البسملة لغير أبي ذر وقد أخرج النسائي من حديث ابن عباس أنها آخر سورة نزلت من
القرآن وقد تقدم في تفسير براءة أنها آخر سورة نزلت والجمع بينهما أن آخرية سورة النصر نزولها
كاملة بخلاف براءة كما تقدم توجيهه ويقال إن إذا جاء نصر الله نزلت يوم النحر وهو بمنى في
حجة الوداع وقيل عاش بعدها أحدا وثمانين يوما وليس منافيا للذي قبله بناء على بعض الأقوال
في وقت الوفاة النبوية وعند ابن أبي حاتم من حديث ابن عباس عاش بعدها تسع ليال وعن
مقاتل سبعا وعن بعضهم ثلاثا وقيل ثلاث ساعات وهو باطل وأخرج ابن أبي داود في كتاب
المصاحف بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كان يقرأ إذا جاء فتح الله والنصر ثم ذكر المصنف حديث
عائشة في مواظبته صلى الله عليه وسلم على التسبيح والتحميد والاستغفار وغيره في ركوعه
وسجوده أورده من طريقين وفي الأولى التصريح بالمواظبة على ذلك بعد نزول السورة وفي الثانية
يتأول القرآن وقد تقدم شرحه في صفة الصلاة ومعنى قوله يتأول القرآن يجعل ما أمر به من
التسبيح والتحميد والاستغفار في أشرف الأوقات والأحوال وقد أخرجه ابن مردويه من
طريق أخرى عن مسروق عن عائشة فزاد فيه علامة في أمتي أمرني ربي إذ رأيتها من قول
سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه فقد رأيت جاء نصر الله والفتح فتح مكة ورأيت
الناس يدخلون في دين الله أفواجا وقال ابن القيم في الهدى كأنه أخذه من قوله تعالى واستغفره
لأنه كان يجعل الاستغفار في خواتم الأمور فيقول إذا سلم من الصلاة استغفر الله ثلاثا وإذا
خرج من الخلاء قال غفرانك وورد الامر بالاستغفار عند انقضاء المناسك ثم أفيضوا من حيث
أفاض اليأس واستغفروا الله الآية (قلت) ويؤخذ أيضا من قوله تعالى أنه كان توابا فقد كان
يقول عند انقضاء الوضوء اللهم اجعلني من التوابين * (قوله باب قوله ورأيت الناس
564

يدخلون في دين الله أفواجا) ذكر فيه حديث ابن عباس أن عمر سألهم عن قوله إذا جاء نصر الله
والفتح وسأذكر شرحه في الباب الذي يليه * (قوله باب قوله فسبح بحمد ربك
واستغفره إنه كان توابا تواب على العباد والتواب من الناس التائب من الذنب) هو كلام الفراء في
موضعين (قوله كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر) أي من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار وكانت
عادة عمر إذا جالس للناس أن يدخلوا عليه على قدر منازلهم في السابقة وكان ربما أدخل مع أهل
المدينة من ليس منهم إذا كان فيه مزية تجبر ما فإنه من ذلك (قوله فكأن بعضهم وجد) أي
غضب ولفظ وجد الماضي يستعمل بالاشتراك بمعنى الغضب والحب والغنى واللقاء سواء كان
الذي يلقى ضالة أو مطلوبا أو إنسانا أو غير ذلك (قوله لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله) ولابن
سعد من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير كان أناس من المهاجرين وجدوا على
عمر في إدنائه ابن عباس وفي تاريخ محمد بن عثمان بن أبي شيبة من طريق عاصم بن كليب عن
أبيه نحوه وزاد وكان عمر أمره أن لا يتكلم حتى يتكلموا فسألهم عن شئ فلم يجيبوا وأجابه ابن
عباس فقال عمر أعجزتم أن تكونوا مثل هذا الغلام ثم قال إني كنت نهيتك أن تتكلم فتكلم
الآن معهم وهذا القائل الذي عبر هنا بقوله بعضهم هو عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد
العشرة كما وقع مصرحا به عند المصنف في علامات النبوة من طريق شعبة عن أبي بشر بهذا
الاسناد كان عمر يدني ابن عباس فقال له عبد الرحمن بن عوف إن لنا أبناء مثله وأراد بقوله مثله
أي في مثل سنة لا في مثل فضله وقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لا أعرف لعبد الرحمن
ابن عوف ولدا في مثل سن ابن عباس فإن أكبر أولاده محمد وبه كان يكنى لكنه مات صغيرا وأدرك
عمر من أولاده إبراهيم بن عبد الرحمن ويقال أنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكنه أن كان
كذلك لم يدرك من الحياة النبوية إلا سنة أو سنتين لان أباه تزوج أمه بعد فتح مكة فهو أصغر من
ابن عباس بأكثر من عشر سنين فلعله أراد بالمثلية غير السن أو أراد بقوله لنا من كان له ولد في مثل
سن ابن عباس من البدريين إذ ذاك غير المتكلم (قوله فقال عمر إنه من حيث علمتم) في غزوة الفتح
من هذا الوجه بلفظ إنه ممن علمتم وفي رواية شعبة أنه من حيث نعلم وأشار بذلك إلى قرابته من
النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى معرفته وفطنته وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
قال قال المهاجرون لعمر ألا تدعو أبناءنا كما تدعو بن عباس قال ذاكم فتى الكهول إن له لسانا
سئولا وقلبا عقولا وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق من طريق الشعبي والزبير بن بكار من
طريق عطاء بن يسار قالا قال العباس لابنه إن هذا الرجل يعني عمر يدينك فلا تفشين له سرا ولا
تغتابن عنده أحدا ولا يسمع منك كذبا وفي رواية عطاء بدل الثالثة ولا تبتدئه بشئ حتى يسألك
عنه (قوله فدعا ذات يوم فأدخله معهم) في رواية للكشميهني فدعاه وفي غزوة الفتح فدعاهم
يوم ودعائي معهم (قوله فما رئيت) بضم الراء وكسر الهمزة وفي غزوة الفتح من رواية المستملي فما
رأيته بتقديم الهمزة والمعنى واحد (قوله إلا ليريهم) زاد في غزوة الفتح متى أي مثل ما رآه هو مني
من العلم وفي رواية بن سعد فقال أما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون به فضله (قوله ما تقولون
في قول الله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح) في غزوة الفتح حتى ختم السورة (قوله إذا جاء نصرنا وفتح
علينا) في رواية الباب الذي قبله قالوا فتح المدائن والقصور (قوله وسكت بعضهم فلم يقل شيئا)
565

في غزوة الفتح وقال بعضهم لا ندري أو لم يقل بعضهم شيئا (قوله فقال لي أكذاك تقول يا ابن
عباس فقلت لا قال فما تقول) في رواية ابن سعد فقال عمر يا ابن عباس ألا تتكلم فقال أعلمه متى
يموت قال إذا جاء (قوله إذا جاء نصر الله والفتح) زاد في الغزوة فتح مكة (قوله وذلك علامة
أجلك) في رواية ابن سعد فهو آيتك في الموت وفي الباب الذي قبله أجل أو مثل ضرب لمحمد نعيت
إليه نفسه ووهم عطاء بن السائب فروى هذا الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال
لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح قال النبي صلى الله عليه وسلم نعيت إلى نفسي أخرجه ابن مردويه
من طريقه والصواب رواية حبيب بن أبي ثابت التي في الباب الذي قبله بلفظ نعيت إليه نفسه
وللطبراني من طريق عكرمة عن ابن عباس قال لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح نعيت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم نفسه فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا في أمر الآخرة ولأحمد من طريق
أبي رزين عن ابن عباس قال لما نزلت علم أن نعيت إليه نفسه ولأبي يعلى من حديث ابن عمر نزلت
هذه السورة في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع
وسئلت عن قول الكشاف أن سورة النصر نزلت في حجة الوداع أيام التشريق فكيف صدرت
بإذا الدالة على الاستقبال فأجيب بضعف ما نقله وعلى تقدير صحته فالشرط لم يتكمل بالفتح لان
مجئ الناس أفواجا لم يكن كمل فبقية الشرط مستقبل وقد أورد الطيبي السؤال وأجاب
بجوابين أحدهما أن إذا قد ترد بمعنى إذ كما في قوله تعالى وإذا رأوا تجارة الآية ثانيهما أن كلام الله
قديم وفي كل من الجوابين نظر لا يخفى (قوله إلا ما تقول) في غزوة الفتح إلا ما تعلم زاد أحمد وسعيد
ابن منصور في روايتهما عن هشيم عن أبي بشر في هذا الحديث في آخره فقال عمر كيف تلومونني
على حب ما ترون ووقع في رواية بن سعد أنه سألهم حينئذ عن ليلة القدر وذكر جواب ابن عباس
واستنباطه وتصويب عمر قوله وقد تقدمت لابن عباس مع عمر قصة أخرى في أواخر سورة
البقرة لكن أجابوا فيها بقولهم الله أعلم فقال عمر قولوا نعلم أولا نعلم فقال ابن عباس في نفسي منها
شئ الحديث وفيه فضيلة ظاهرة لابن عباس وتأثير لإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه
الله التأويل ويفقهه في الدين كما تقدم في كتاب العلم وفيه جواز تحديث المرء عن نفسه بمثل هذا
لاظهار نعمة الله عليه وإعلام من لا يعرف قدره لينزله منزلته وغير ذلك من المقاصد الصالحة
لا للمفاخرة والمباهاة وفيه جواز تأويل القرآن بما يفهم من الإشارات وإنما يتمكن من ذلك من
رسخت قدمه في العلم ولهذا قال علي رضي الله تعالى عنه أو فهما يؤتيه الله رجلا في القرآن
* (قوله سورة تبت يدا أبي لهب) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
سقطت البسملة لغير أبي ذر وأبو لهب هو بن عبد المطلب واسمه عبد العزي وأمه خزاعية وكنى
أبا لهب إما بابنه لهب وإما بشدة حمرة وجنته وقد أخرج الفاكهي من طريق عبد الله بن كثير
قال إنما سمي أبا لهب لان وجهه كان يتلهب من حسنة انتهى ووافق ذلك ما آل إليه أمره من
أنه سيصلي نارا ذات لهب ولهذا ذكر في القرآن بكنيته دون اسمه ولكونه بها أشهر ولان في اسمه
إضافة إلى الصنم ولا حجة فيه لمن قال بجواز تكنية المشرك على الاطلاق بل محل الجواز إذا لم
يقتض ذلك التعظيم له أودعت الحاجة إليه قال الواقدي كان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله
566

عليه وسلم وكان السبب في ذلك أن أبا طالب لاحي أبا لهب فقعد أبو لهب على صدر أبي طالب فجاء
النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بضبعي أبي لهب فضرب به الأرض فقال له أبو لهب كلانا عمك فلم
فعلت بن هذا والله لا يحبك قلبي أبدا وذلك قبل النبوة وقال له إخوته لما مات أبو طالب
لو عضدت ابن أخيك لكنت أولي الناس بذلك ولقيه فسأله عمن مضى من آبائه فقال إنهم كانوا على
غير دين فغضب وتمادى على عداوته ومات أبو لهب بعد وقعة بدر ولم يحضرها بل أرسل عنه بديلا
فلما بلغه ما جرى لقريش مات غما (قوله وتب خسر تباب خسران) وقع في رواية ابن مردويه في
حديث الباب من وجه آخر عن الأعمش في آخر الحديث قال فأنزل الله تبت يدا أبي لهب قال
يقول خسر وتب أي خسر وما كسب يعني ولده وقال أبو عبيدة في قوله وما كيد فرعون إلا في
تباب قال في هلكة (قوله تتبيب تدمير) قال أبو عبيدة في قوله وما زادوهم غير تتبيب أي تدمير
وإهلاك (قوله عن ابن عباس رضي الله عنهما لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك
منهم المخلصين) كذا وقع في رواية أبي أسامة عن الأعمش وقد تقدم البحث فيه في تفسير سورة
الشعراء مع بقية مباحث هذا الحديث وفوائده * (قوله باب قوله وتب ما أغنى عنه ماله
وما كسب) ذكر فيه الحديث الذي قبله من وجه آخر وقوله فيه فهتف أي صاح وقوله يا صباحاه
أي هجموا عليكم صباحا * (قوله باب قوله سيصلى نارا ذات لهب) ذكر فيه حديث ابن
عباس المذكور مختصرا مقتصرا على قوله قال أبو لهب تبا لك ألهذا جمعتنا فنزلت تبت يدا أبي
لهب وقد قدمت أن عادة المصنف غالبا إذا كان للحديث طرق أن لا يجمعها في باب واحد بل يجعل
لكل طريق ترجمة تليق به وقد يترجم بما يشتمل عليه الحديث وإن لم يسقه في ذلك الباب اكتفاء
بالإشارة وهذا من ذلك * (قوله باب وامرأته حمالة الحطب) قال أبو عبيدة كان عيسى
ابن عمر يقرأ حمالة الحطب بالنصب ويقول هو ذم لها (قلت) وقراها بالنصب أيضا من الكوفيين
عاصم واسم امرأة أبي لهب العوراء وتكنى أم جميل وهي بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان والد
معاوية وتقدم لها ذكر في تفسير والضحى يقال إن اسمها أروى والعوراء لقب ويقال لم تكن
عوراء وإنما قيل لها ذلك لجمالها وروى البزار بإسناد حسن عن ابن عباس قال لما نزلت تبت يدا
أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم لو تنحيت قال إنه سيحال بيني
وبينها فأقبلت فقالت يا أبا بكر هجاني صاحبك قال لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يفوه به
قالت إنك لمصدق فلما ولت قال أبو بكر ما رأتك قال ما زال ملك يسترني حتى ولت وأخرجه
الحميدي وأبو يعلى وابن أبي حاتم من حديث أسماء بنت أبي بكر بنحوه وللحاكم من حديث
زيد بن أرقم لما نزلت تبت يدا أبي لهب قيل لامرأة أبي لهب إن محمدا هجاك فأتت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقالت هل رأيتني أحمل حطبا أو رأيت في جيدي حبلا (قوله وقال مجاهد
حمالة الحطب تمشي بالنميمة) وصله الفريابي عنه وأخرج سعيد بن منصور من طريق محمد بن
سيرين قال كانت امرأة أبي لهب تنم على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المشركين
وقال الفراء كانت تنم فتحرش فتوقد بينهم العداوة فكنى عن ذلك بحملها الحطب
567

(قوله في جيدها حبل من مسد يقال ليف المقل وهي السلسلة التي في النار) قلت هما
قولان حكاهما الفراء في قوله تعالى حبل من مسد قال هي السلسلة التي في النار ويقال المسد
ليف المقل وأخرج الفريابي من طريق مجاهد قال في قوله حبل من مسد قال من حديد قال
أبو عبيدة في عنقها حبل من النار والمسد عند العرب حبال من ضروب
* (قوله سورة قل هو الله أحد) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
ويقال لها أيضا سورة الاخلاص وجاء في سبب نزولها من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب أن
المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فنزلت أخرجه الترمذي والطبري وفي
آخره قال لم يلد ولم يولد لأنه ليس شئ إلا سيموت ولا شئ يموت إلا يورث وربنا لا يموت ولا يورث
ولم يكن له كفوا أحد شبة ولا عدل وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن أبي العالية مرسلا وقال
هذا أصح وصحح الموصول ابن خزيمة والحاكم وله شاهد من حديث جابر عند أبي يعلى
والطبري والطبراني في الأوسط (قوله يقال لا ينون أحد أي واحد) كذا اختصره والذي قاله أبو عبيدة
الله أحد لا ينون كفوا أحد أي واحد انتهى وهمزة أحد بدل من واو لأنه من الوحدة وهذا
بخلاف أحد المراد به العموم فإن همزته أصلية وقال الفراء الذي قرأ بغير تنوين يقول النون
نون إعراب إذا استقبلتها الألف واللام حذفت وليس ذلك بلازم انتهى وقرأها بغير تنوين أيضا
نصر بن عاصم ويحيى بن أبي إسحاق ورويت عن أبي عمرو أيضا وهو كقول الشاعر
* عمرو العلي هشيم الثريد لقومه * الأبيات وقول الآخر * ولا ذاكر الله إلا قليلا * وهذا معنى قول
الفراء إذا استقبلتها أي إذا أتت بعدها وأغرب الداودي فقال إنما حذف التنوين لالتقاء
الساكنين وهي لغة كذا قال (قوله حدثنا أبو الزناد) لشعيب بن أبي حمزة فيه إسناد آخر أخرجه
المصنف من حديث ابن عباس كما تقدم في تفسير سورة البقرة (قوله عن أبي هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قال الله تعالى) تقدم في بدء الخلق من رواية سفيان الثوري
عن أبي الزناد بلفظ قال النبي صلى الله عليه وسلم أراه يقول الله عز وجل والشك فيه من المصنف فيما
أحسب (قوله قال الله تعالى كذبني ابن آدم) سأذكر شرحه في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى
* (قوله باب قوله الله الصمد) ثبتت هذه الترجمة لأبي ذر (قوله والعرب تسمي
أشرافها الصمد) وقال أبو عبيدة الصمد السيد الذي يصمد إليه ليس فوقه أحد فعلى هذا هو
فعل بفتحتين بمعنى مفعول ومن ذلك قول الشاعر
ألا بكر الناعي بخير بني أسد * بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
(قوله قال أبو وائل هو السيد الذي انتهى سودده) ثبت هذا للنسفي هنا وقد وصله الفريابي
من طريق الأعمش عنه وجاء أيضا من طريق عاصم بن أبي وائل فوصله بذكر ابن مسعود فيه
(قوله حدثنا إسحاق بن منصور) كذا للجميع قال المزي في الأطراف في بعض النسخ حدثنا
إسحاق بن نصر (قلت) وهي رواية النسفي وهما مشهوران من شيوخ البخاري ممن حدثه عن
عبد الرزاق (قوله كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك) في رواية أحمد عن عبد الرزاق كذبني عبدي
(قوله وشتمني ولم يكن له ذلك ثبت) هنا في رواية الكشميهني وكذا هو عند أحمد وسقط بقية الرواة
568

عن الفربري وكذا للنسفي والمراد به بعض بني آدم وهم من أنكر البعث من العرب وغيرهم من
عباد الأوثان والدهرية ومن ادعى أن لله ولدا من العرب أيضا ومن اليهود والنصارى (قوله أما
تكذيبه إياي أن يقول إني لن أعيده كما بدأته) كذا لهم بحذف الفاء في جواب أما وقد وقع في
رواية الأعرج في الباب الذي قبله فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني وفي رواية أحمد أن يقول
فليعيدنا كما بدأنا وهي من شواهد ورود صيغة أفعل بمعنى التكذيب ومثله قوله قل فأتوا
بالتوراة فأتلوها وقع في رواية الأعرج في الباب قبله وليس بأول الخلق بأهون من إعادته وقد تقدم
الكلام على لفظ أهون في بدء الخلق وقوله من قال أنها بمعنى هين وغير ذلك من الأوجه (قوله
وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد) في رواية الأعرج وأنا الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد (قوله
ولم يكن لي كفوا أحد) كذا للأكثر وهو وزان ما قبله ووقع للكشميهني ولم يكن له وهو التفات
وكذا في رواية الأعرج ولم يكن لي بعد قوله لم يلد وهو التفات أيضا ولما كان الرب سبحانه واجب
الوجود لذاته قديما موجودا قبل وجود الأشياء وكان كل مولود محدثا انتفت عنه الوالدية ولما
كان لا يشبهه أحد من خلقه ولا يجالسه حتى يكون له من جنسه صاحبة فتتوالد انتفت عنه
الولدية ومن هذا قوله تعالى أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وقد تقدم في تفسير البقرة حديث
ابن عباس بمعنى حديث أبي هريرة هذا لكن قال في آخره فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا بدل
قوله وأنا الاحد الصمد الخ وهو محمول على أن كلا من الصحابيين حفظ في آخره ما لم يحفظ الآخر
ويؤخذ منه أن من نسب غيره إلى أمر لا يليق به يطلق عليه أنه شتمه وسبق في كتاب بدء الخلق
تقرير ذلك (قوله كفوا وكفيئا وكفاء واحد) أي بمعنى واحد وهو قول أبي عبيدة والأول بضمتين
والثاني بفتح الكاف وكسر الفاء بعدها تحتانية ثم الهمزة والثالث بكسر الكاف ثم المد وقال
الفراء كفوا يثقل ويخفف أي يضم ويسكن (قلت) وبالضم قرأ الجمهور وفتح حفص الواو بغير
همز وبالسكون قرأ حمزة وبهمز في الوصل ويبدلها واوا في الوقف ومراد أبي عبيدة أنها لغات
لا قراءات نعم روى في الشواذ عن سليمان بن علي العباسي أنه قرأ بكسر ثم مد وروى عن نافع
مثله لكن بغير مد ومعنى الآية أنه لم يماثله أحد ولم يشاكله أو المراد نفي الكفاءة في النكاح
نفيا للمصاحبة والأول أولى فان سياق الكلام لنفى المكافأة عن ذاته تعالى
* (قوله سورة قل أعوذ برب الفلق) *
(بسم الله الرحمن الرحيم)
سقطت البسملة لغير أبي ذر وتسمى أيضا سورة الفلق (قوله وقال مجاهد الفلق الصبح) وصله
الفريابي من طريقه وكذا قال أبو عبيدة (قوله وغسق الليل إذا وقب غروب الشمس) وصله
الطبري من طريق مجاهد بلفظ غاسق إذا وقب الليل إذا دخل (قوله يقال أبين من فرق وفلق
الصبح) هو قول الفراء ولفظه قل أعوذ برب الفلق الفلق الصبح وهو أبين من فلق
الصبح (قوله وقب إذا دخل في كل شئ وأظلم) هو كلام الفراء أيضا وجاء في حديث مرفوع أن
الغاسق القمر أخرجه الترمذي والحاكم من طريق أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه
وسلم نظر إلى القمر فقال يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا قال هذا الغاسق إذا وقب إسناده
حسن (قوله حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (قوله عاصم) هو ابن بهدلة القارئ وهو ابن أبي النجود
569

(قوله وعبدة) هو بن أبي لبابة بموحدتين الثانية خفيفة وضم أوله (قوله سألت أبي بن كعب)
سيأتي في تفسير السورة التي بعدها بأتم من هذا السياق ويشرح ثم إن شاء الله تعالى
* (قوله سورة قل أعوذ برب الناس) *
وتسمى سورة الناس (قوله وقال ابن عباس الوسواس إذا ولد خنسه الشيطان فإذا ذكر الله
عز وجل ذهب وإذا لم يذكر الله ثبت على قلبه) كذا لأبي ذر ولغيره ويذكر عن ابن عباس وكأنه أولى
لان إسناده إلى ابن عباس ضعيف أخرجه الطبري والحاكم وفي إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف
ولفظه ما من مولود إلا على قلبه الوسواس فإذا عمل فذكر الله خنس وإذا غفل وسوس ورويناه
في الذكر لجعفر بن أحمد بن فارس من وجه آخر عن ابن عباس وفي إسناده محمد بن حميد الرازي
وفيه مقال ولفظه يحط الشيطان فاه على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس وإذا ذكر الله
خنس وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عند ابن عباس ولفظه يولد الانسان والشيطان
جاثم على قلبه فإذا عقل وذكر اسم الله خنس وإذا غفل وسوس وجاثم بجيم ومثلثة وعقل الأولى
بمهملة وقاف والثانية بمعجمة وفاء ولأبي يعلى من حديث أنس نحوه مرفوعا وإسناده ضعيف
ولسعيد بن منصور من طريق عروة بن رويم قال سأل عيسى عليه السلام ربه أن يريه موضع
الشيطان من ابن آدم فإذا رأسه مثل رأس الحية واضع رأسه على ثمرة القلب فإذا ذكر
العبد ربه خنس وإذا ترك مناه وحدثه قال ابن التين ينظر في قوله خنسه الشيطان فإن
المعروف في اللغة خنس إذا رجع وانقبض وقال عياض كذا في جميع الروايات وهو تصحيف
وتغيير ولعله كان فيه نخسه أي بنون ثم خاء معجمة ثم سين مهملة مفتوحات لما جاء في حديث
أبي هريرة يعني الماضي في ترجمة عيسى عليه السلام قال لكن اللفظ المروي عن ابن عباس
ليس فيه نخس فلعل البخاري أشار إلى الحديثين معا كذا قال وادعى فيه التصحيف ثم فرع على
ما ظنه من أنه نخس والتفريع ليس بصحيح لأنه لو أشار إلى حديث أبي هريرة لم يخص الحديث
بابن عباس ولعل الرواية التي وقعت له باللفظ المذكور وتوجيهه ظاهر ومعنى يخنسه يقبضه
أي يقبض عليه وهو بمعنى قوله في الروايتين اللتين ذكرناهما عن ابن فارس وسعيد بن منصور
وقد أخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس قال الوسواس هو الشيطان يولد المولود
والوسواس على قلبه فهو يصرفه حيث شاء فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل جثم على قلبه فوسوس
وقال الصغائي الأولى خنسه مكان يخنسه قال فإن سلمت اللفظة من التصحيف فالمعنى أخره وإزالة
عن مكانه لشدة نخسه وطعنه بأصبعه (قوله حدثنا عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش وحدثنا
عاصم عن زر) القائل وحدثنا عاصم هو سفيان وكأنه كان يجمعهما تارة ويفردهما أخرى
وقد قدمت أن في رواية الحميدي التصريح بسماع عبدة وعاصم له من زر (قوله سألت أبي بن
كعب قلت أبا المندر) هي كنية أبي بن كعب وله كنية أخرى أبو الطفيل (قوله يقول كذا
وكذا) هكذا وقع هذا اللفظ مبهما وكان بعض الرواة أبهمه استعظاما له وأظن ذلك من سفيان
فإن الإسماعيلي أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الابهام وكنت
أظن أولا أن الذي أبهمه البخاري لأنني رأيت التصريح به في رواية أحمد عن سفيان ولفظه قلت
لأبي إن أخاك يحكها من المصحف وكذا أخرجه الحميدي عن سفيان ومن طريقه أبو نعيم
570

في المستخرج وكان سفيان كان تارة يصرح بذلك وتارة يبهمه وقد أخرجه أحمد أيضا وابن حبان
من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بلفظ أن عبد الله بن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه
وأخرج أحمد عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بلفظ أن عبد الله يقول في المعوذتين وهذا أيضا فيه
إبهام وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش
عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال كان عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من
مصاحفه ويقول إنهما ليستا من كتاب الله قال الأعمش وقد حدثنا عاصم عن زر عن أبي بن
كعب فذكر نحو حديث قتيبة الذي في الباب الماضي وقد أخرجه البزار وفي آخره يقول إنما
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما قال البزار ولم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من
الصحابة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قراهما في الصلاة (قلت) هو في صحيح مسلم عن
عقبة بن عامر وزاد فيه ابن حبان من وجه آخر عن عقبة بن عامر فإن استطعت أن لا تفوتك
قراءتهما في صلاة فافعل وأخرج أحمد من طريق أبي العلاء بن الشخير عن رجل من الصحابة أن
النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه المعوذتين وقال له إذا أنت صليت فأقرأ بهما وإسناده صحيح ولسعيد
ابن منصور من حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فقرأ فيهما بالمعوذتين
وقد تأول القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب الانتصار وتبعه عياض وغيره ما حكى عن ابن مسعود
فقال لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن وإنما أنكر اثباتهما في المصحف فإنه كان يرى أن
لا يكتب في المصحف شيئا الا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابه فيه وكأنه لم يبلغه الاذن
في ذلك قال فهذا تأويل منه وليس جحدا لكونهما قرآنا وهو تأويل حسن إلا أن الرواية الصحيحة
الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها ويقول أنهما ليستا من كتاب الله نعم يمكن حمل لفظ
كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل المذكور وقال غير القاضي لم يكن اختلاف ابن مسعود
مع غيره في قرآنيهما وإنما كان في صفة من صفاتهما انتهى وغاية ما في هذا أنه أبهم ما بينه
القاضي ومن تأمل سياق الطرق التي أوردتها للحديث استبعد هذا الجمع وأما قول النووي في
شرح المهذب أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن وأن من جحد منهما شيئا كفر
وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح ففيه نظر وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد بن حزم فقال في
أوائل المحلي ما نقل عن بن مسعود من إنكار قرآنية المعوذتين فهو كذب باطل وكذا قال الفخر
الرازي في أوائل تفسيره الأغلب على الظن أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل والطعن في
الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل والاجماع الذي نقله أن
أراد شموله لكل عصر فهو مخدوش وإن أراد استقراره فهو مقبول وقد قال ابن الصباغ في
الكلام على مانعي الزكاة وإنما قاتلهم أبو بكر على منع الزكاة ولم يقل إنهم كفروا بذلك وإنما لم
يكفروا لان الاجماع لم يكن استقر قال ونحن الآن نكفر من جحدها قال وكذلك ما نقل عن ابن
مسعود في المعوذتين يعني أنه لم يثبت عنده القطع بذلك ثم حصل الاتفاق بعد ذلك وقد استشكل
هذا الموضع الفخر الرازي فقال إن قلنا إن كونهما من القرآن كان متواترا في عصر ابن مسعود لزم
تكفير من أنكرهما وأن قلنا إن كونهما من القرآن كان لم يتواتر في عصر ابن مسعود لزم أن
بعض القرآن لم يتواتر قال وهذه عقدة صعبة وأجيب باحتمال أنه كان متواترا في عصر ابن
571

مسعود لكن لم يتواتر عند ابن مسعود فانحلت العقدة بعون الله تعالى (قوله سألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال قيل لي قل فقلت قال فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)
القائل فنحن نقول إلى آخره هو أبي بن كعب ووقع عند الطبراني في الأوسط أن ابن مسعود أيضا
قال مثل ذلك لكن المشهور أنه من قول أبي بن كعب فلعله انقلب على راوية وليس في جواب أبي
تصريح بالمراد إلا أن في الاجماع على كونهما من القرآن غنية عن تكلف الأسانيد بأخبار الآحاد
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب * (خاتمة) * اشتمل الكتاب التفسير على خمسمائة حديث وثمانية
وأربعين حديثا من الأحاديث المرفوعة وما في حكمها الموصول من ذلك أربعمائة حديث
وخمسة وستون حديثا والبقية معلقة وما في معناه المكرر من ذلك فيه وفيما مضى أربعمائة
وثمانية وأربعون حديثا والخالص منها مائة حديث وحديث وافقه مسلم على تخريج بعضها ولم
يخرج أكثرها لكونها ليست ظاهرة في الرفع والكثير منها من تفاسير ابن عباس رضي الله تعالى
عنهما وهي ستة وستون حديثا حديث أبي سعيد بن المعلي في الفاتحة وحديث عمر أبي أقرؤنا
وحديث ابن عباس كذبني ابن آدم وحديث أبي هريرة لا تصدقوا أهل الكتاب وحديث أنس
لم يبق ممن صلى القبلتين غيري وحديث ابن عباس كان في بني إسرائيل القصاص وحديثه في
تفسير وعلى الذين يطيقونه وحديث ابن عمر في ذلك وحديث البراء لما نزل رمضان كانوا
لا يقربون النساء وحديث حذيفة في تفسير ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة وحديث ابن عمر في
نساؤكم حرث لكم وحديث معقل بن يسار في نزول ولا تعضلوهن وحديث عثمان في نزول
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وحديث ابن عباس في تفسيرها وحديث ابن مسعود
في المتوفى عنها زوجها وحديث ابن عباس عن عمر في أيود أحدكم وحديث ابن عمر في وان
تبدوا ما في أنفسكم وحديث ابن عباس في حسبنا الله وحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه يعفون عن المشركين الحديث ووقع في آخر حديث أسامة بن زيد في قصة عبد الله بن أبي
وحديث ابن عباس كان المال للولد وحديثه كان إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بإمرته
وحديثه في ولكل جعلنا موالي وحديثه كنت أنا وأمي من المستضعفين وحديثه في نزول ان
الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم وحديثه في نزول إن كان بكم أذى من مطر وحديث ابن
مسعود في يونس بن متى وحديث حذيفة في النفاق وحديث عائشة في لغو اليمن وحديثها عن
أبيها في كفارة اليمين وحديث جابر في نزول قل هو القادر وحديث ابن عمر في الأشربة
وحديث ابن عباس في نزول لا تسألوا عن أشياء وحديث الحر بن قيس مع عمر في قوله خذ العفو
وحديث ابن الزبير في تفسيرها وحديث بن عباس في تفسير الصم البكم وحديثه في تفسير إن
يكن منكم عشرون صابرون وحديث حذيفة ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة
وحديث ابن عباس في قصته مع ابن الزبير وفيه ذكر أبي بكر في الغار وحديثه في تفسير يثنون
صدورهم وحديث ابن مسعود في هيت لك وبل عجبت وحديث أبي هريرة في صفة مسترقي
السمع وحديث ابن عباس في تفسير عضين وحديث ابن مسعود في الكهف ومريم من تلادي
وحديثه كنا نقول للحي إذا كثروا وحديث ابن عباس في تفسير وما جعلنا الرؤيا وحديث سعد
ابن أبي وقاص في الأخسرين أعمالا وحديث ابن عباس في تفسير ومن الناس من يعبد الله
572

على حرف وحديث عائشة في نزول وليضربن بخمرهن وحديث ابن عباس في لرادك إلى معاد
وحديث أبي سعيد في الصلاة على النبي وحديث ابن عباس في جواب إني أجد في القرآن أشياء
تختلف على وحديث عائشة في تفسير والذي قال لوالديه أف لكما وحديث عبد الله بن مغفل في
البول في المغتسل وحديث ابن عباس في تفسير أدبار السجود وحديثه في تفسير اللات وحديث
عائشة في نزول بل الساعة موعدهم وحديث ابن عباس في تفسير ولا يعصينك في معروف
وحديث أنس عن زيد بن أرقم في فضل الأنصار وحديث ابن عباس في تفسير عتل بعد ذلك زنيم
وحديثه في ذكر الأوثان التي كانت في قوم نوح وحديثه في تفسير ترمى بشرر
كالقصر وحديثه في تفسير لتركبن طبقا عن طبق وحديثه في تفسير فليدع
نادية وحديث عائشة في تفسير ذكر الكوثر وحديث ابن عباس في
تفسيره بالخير الكثير وحديث أبي بن كعب في المعوذتين
وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم خمسمائة
وثمانون أثرا تقدم بعضهن في بدء الخلق
وغيره وهي قليلة وقد بينت كل
واحد منها في موضعها
ولله الحمد
تم
* (تم الجزء الثامن ويليه الجزء التاسع أوله كتاب فضائل القرآن) *
573